الثقافة العربية الإسلامية

Page 1



‫الناشر‬ ‫رئيس جملس اإلدارة ورئيس التحرير‬

‫د‪ .‬حســـني الشــــــافعي‬ ‫‪h.elshafie57@mail.ru‬‬ ‫املراسالت‬ ‫القاهرة – مدينة العبور‬

‫‪ 44971‬مكتب بريد مجعية أمحد عرابي‬

‫ص‪ .‬ب ‪72 .‬‬ ‫‪Tel. & Fax: + (202) 24 77 38 70 & 71‬‬ ‫‪E-mail: secertary_ert@yahoo.com‬‬ ‫التصحيح واملراجعة‬ ‫حامد أمحد حممد‬

‫اإلخراج الفين‬ ‫مــى مـجـدى‬ ‫حترير‬ ‫شيماء حممد الشافعى‬ ‫الطباعة‬ ‫دار الطباعة املتميزة‬ ‫مدينة العبور – القاهرة‬

‫‪Tel. & Fax: + (202) 4478 96 44 & 46‬‬

‫الطبعة األوىل ‪2006‬‬

‫إصدار مؤسسة «اآلداب الشرقية »‬ ‫أكادميية العلوم الروسية‬

‫الطبعة الثانية ‪2014‬‬ ‫دار نشر أنباء روسيا‬ ‫باإلشرتاك مع‬

‫معهد االستشراق أكادميية العلوم الروسية‬ ‫( تأسس عام ‪) 1818‬‬ ‫مجي��ع حق��وق الطبع والنش��ر حمفوظة للناش��ر‪.‬‬ ‫ال حيق إعادة طبع أو نسخ حمتويات هذا الكتاب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضوئيا دومنا إذن كتابي من الناشر ‪.‬‬ ‫إلكرتونيا أو‬

‫رقم اإليداع‬ ‫‪2014 /4308‬‬

‫بالتعاون مع‬ ‫اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم‬ ‫‪При содействии‬‬ ‫‪eгипетско –российской‬‬ ‫‪ассоциации по культуре и науке‬‬ ‫رئيس جملس األمناء‬

‫رئيس جملس اإلدارة‬

‫ا‪.‬د فيتاىل ناؤمكني‬

‫د‪.‬حسني الشافعى‬


‫تقــــد يم‬

‫تقديم د‪ .‬حسني الشافعى‬ ‫يرى الكثريون أن املسعودى هو أحد أعالم التبحر العلمى العربى‬ ‫اإلسالمى ‪ ،‬بل ويضعونه فى مصاف البريونى ‪ ،‬أما كتابه «مروج الذهب»‬ ‫فهو ‪ -‬باإلمجاع ‪ -‬عمل مجيل ينم عن ذوق رفيع لواضعه ‪ ،‬كما أنه ثرى‬ ‫بقصصه املشوقة ‪.‬‬ ‫ويرى « كرميري » أن املسعودى هو حبق « هريودوت العرب » ‪ .‬كما‬ ‫يوصف بأنه واحد من أهم العلماء العرب الذين أكثر ما يستند إليهم‬ ‫الباحثون فى تاريخ الشرقني األدنى و األوسط فى القرون الوسطى ‪.‬‬ ‫أعمال املسعودى تناوهلا العديدين من الباحثني ‪ ،‬ففى « مقدمة فى‬ ‫تاريخ العلوم » لسارتون يأتى ذكر تراث املسعودى ضمن السياق العاملى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خاصا فى الدراسات الروسية‬ ‫إهتماما‬ ‫لتطور املعرفة العلمية ‪ ،‬كما نال‬ ‫منذ القرن التاسع عشر ً‬ ‫نظرا لإلهتمام بدراسة التاريخ العربى – اإلسالمى‬ ‫وتاريخ اللغة العربية ‪.‬‬ ‫كان جاركافى أول عامل روسي يصدر ترمجة للروسية ملقاطع من‬ ‫مؤلفات املسعودى ‪ ،‬كما ترجم عنه ميدنيكوف و كارؤولوف ‪ .‬وقد‬ ‫أعيدت طبعات هذه الرتمجات فى إصدارات خمتلفة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫مع القرن العشرين إنتشرت دراسات أعمال املسعودى األساسية‬ ‫كجغرافى ‪ ،‬واحتفل العامل بالذكرى األلفية لوفاة املسعودى فى عام‬ ‫‪ 1958‬مبؤمتر خاص ‪.‬‬ ‫لقد كان املسعودى فى سياق إضاءته للتاريخ العربى – اإلسالمى‬ ‫مهتما « بوقائع تاريخ الثقافة العام «‪ ،‬وهو بهذا يطرق ً‬ ‫ً‬ ‫بابا مل يسكله‬ ‫عداه كثريين ‪.‬‬ ‫هذه دراسة علمية نال مؤلفها – ميكولسكى دميرتى – عنها درجة‬ ‫الدكتوراه من معهد االستشراق – التابع ألكادميية العلوم الروسية ‪،‬‬ ‫والذى تأسس فى عام ‪ 1818‬م ‪ ،‬وعمل على ترمجتها – مع صعوبة النص ‪،‬‬ ‫وحتمية رجوعه إىل مصادر للتوثيق بأصوهلا العربية ‪ ،‬مرتجم حاذق متميز‬ ‫هو األستاذ عادل إمساعيل ‪.‬‬ ‫الناشر‬

‫دار نشر أنباء روسيا‬ ‫يناير ‪2014‬‬


‫دميرتى ميكولسكى‬ ‫الثقافة العربية اإلسالمية يف كتاب املسعودى‬ ‫( مروج الذهب ومعادن اجلوهر )‬ ‫ترمجة‬ ‫عادل إمساعيل‬

‫ ‬



‫مقدمة املؤلف للطبعة العربية‬ ‫ُ‬ ‫املستعرب كتابا وضعه عن الثقافة‬ ‫شرف‪ ،‬ال يدانيه شرف آخر‪ ،‬أن يرى‬ ‫العربية وقد ترجم إىل لغة هذه الثقافة‪ .‬هذا يعين أن جهده املتواضع قد‬ ‫حظي بتقدير كبري يف أوساط املثقفني العرب ‪ .‬وكاتب هذه السطور‬ ‫ليشعر بسعادة غامرة ألن كتابا عزيزا عليه غدا يف متناول القارئ‬ ‫العربي‪ ،‬أال وهو هذا العمل الذي خصصناه إللقاء الضوء – من زاوية‬ ‫حتليل مضمون النص ‪ -‬على قضايا الثقافة العربية اإلسالمية يف‬ ‫كتاب املسعودي «مروج الذهب ومعادن اجلوهر» ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫واحد من كبار رجاالت الثـقافة العربية اإلسالمية ‪ ..‬فهـو‬ ‫املسعودي‬ ‫العـالـم ‪ ،‬والرحالة‪،‬واملوسوعياحلق‪،‬واألديبالرائع‪.‬ولذافإنكتابه«مروج‬ ‫الذهب ومعادن اجلوهر» حيمل بني دفتيه متعة حقيقية للقارئ‪ .‬وهذا‬ ‫أمر بديهي ألن املسعودي أول مؤرخ عربي جيعل يف نسيج مؤلفه قصصا‬ ‫قريبة لتلك اليت تشكل أساس التحفة العربية الشهرية األخرى ‪« ،‬كتاب‬ ‫صب املسعودي املؤرخ َّ‬ ‫ألف ليلة وليلة» ‪ .‬وفضال عن ذلك فقد َّ‬ ‫جل اهتمامه‬ ‫على قضايا الثقافة العربية اإلسالمية ‪ ،‬وعمل على مجع وتصنيف‬ ‫قدر كبري من املعلومات املتعلقة بهذا اجلانب من احلضارة اإلسالمية‪.‬‬ ‫لقد ارتأينا أن نضع كتابا حول هذه املسألة بعد ما قمنا به من لدراسة‬ ‫نص مؤلف املسعودي الرئيس‪ ،‬ونتيجة حتليلنا املراجع العلمية اليت‬ ‫تتحدث عن هذا املؤرخ العربي الكبري ‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫أعددنا الفصول الثالثة األوىل من كتابنا وفق طريقة البحث‬ ‫التقليدية املتبعة يف جمال العلوم اإلنسانية‪ .‬أما الفصل الرابع فقد‬ ‫سعينا فيه جهدنا للقيام بتصنيف منهجي للمادة الغزيرة اليت يتضمنها‬ ‫كتاب «مروج الذهب ومعادن اجلوهر»‪ ،‬واليت تتعلق باألدب العربي‪.‬‬ ‫وبغية تفحص هذا البحر الزاخر بالوقائع‪ ،‬جلأنا إىل أساليب حتليل‬ ‫املضمون ‪ .‬ولنا األمل بأن تكون هذه الطريقة قد أثبتت جناحها بقدر‬ ‫ما ‪ .‬وعلى أية حال فقد بينَّ‬ ‫ُ‬ ‫استخدامها أن املسعودي كشف بدرجة‬ ‫كبرية من الدقة بنية األدب العربي العامة حيث للشعر دور رئيس‪،‬‬ ‫وللمعارف اللغوية والتارخيية قسط كبري األهمية‪ .‬ويف الوقت نفسه‬ ‫فإن البحث الذي قمنا به أثبت ثانوية النثر الذي مل يكن على درجة‬ ‫كبرية من التطور يف األدب العربي يف القرون الوسطى ‪.‬‬ ‫وأنوه إىل أن هذا الكتاب ما كان لريى النور لوال املشاركة الدؤوبة‬ ‫اخلرية بصفة خاصة من الصديق الدكتور حسني الشافعى ‪ -‬املهندس‬ ‫املعروف بصدق جهوده فى إثراء التواصـل الثقافى و التارخيــى و‬ ‫العلمـى بني مصر و روسـيــا ‪ ،‬و يتحمل فى هذا املضمار مسئوليات‬ ‫كبرية ينهض بها على خري وجـه ‪ ،‬و عن طيب خاطر ‪ ،‬فالقت اإلهتمام‬ ‫و التقدير من كل املتابعـني جلذور ‪ ،‬و واقع العالقات بني بلدينا ‪ .‬فله‬ ‫بشكل خاص ‪ ،‬و لدار نشر “ أنباء روسيا “ التى يقود فريقها خالص‬ ‫الشكر ‪ ،‬و جزيل الثناء ‪.‬‬ ‫وأخريا ‪ ،‬نأمل أن يسدي عملنا املتواضع هذا بعض الفائدة للقارئ‬ ‫العربي املعاصر ‪ ،‬وأن يسهم يف تعزيز االهتمام برتاث املسعودي ‪.‬‬ ‫دميرتي ميكولسكي‬ ‫موسكو ‪ -‬إبريل ‪2014‬‬ ‫‪8‬‬


‫املقدمه‬ ‫نبذة تارخيية عن الدراسات املتعلقة بـ « مروج الذهب ‪ »...‬‬ ‫تتلخص إحدى أهم خاصيات الثقافة العربية – اإلسالمية بطابع لغتها‬ ‫املكتوبة‪« ،‬الفصحى» ‪ .‬ولقد كان لتدوين القرآن الكريم وتفسريه فضل‬ ‫كبري يف نشوء احلضارة العربية – اإلسالمية ‪ ،‬اليت أنتجت بالفعل مؤلفات‬ ‫غزيرة تناولت شتى مناحي احلياة‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬فإن عددا قليال وحسب من‬ ‫النصوص العربية – اإلسالمية قد يثري اليوم ‪ ،‬كما يبدو لنا‪ ،‬اهتمام القارئ‬ ‫العادي الذي ال ينتمي إىل هذه الثقافة العربية – اإلسالمية ‪ .‬ومن هذه اآلثار‬ ‫اليت اكتسبت صفة العاملية كتاب أبي احلسن علي بن احلسني بن علي‬ ‫املسعودي «مروج الذهب ومعادن اجلوهر»‪ ،‬الذي وصفه املستعرب اإلنكليزي‬ ‫البارز أ‪ .‬ر‪ .‬غيب بالقول إنه « مؤلف ليس باللغة العربية أروع منه»‪.‬‬ ‫ومما الشك فيه أن االهتمام بأي كاتب كان‪ ،‬ال يتأتى عن سرية حياته ‪،‬‬ ‫بل عن مؤلفاته ‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬سيكون أكثر يسرا على املرء فهم هذا النص أو‬ ‫القيمة ثقافيا فيما لو تعرف على ظروف حياة مؤلفه‪َّ ،‬‬ ‫ذاك من النصوص ِّ‬ ‫وأمل‬ ‫بالسياق الذي ُق ِّد َر له أن يعمل فيه‪ ،‬وخاصة إذا كان النص إياه قد وضع‬ ‫قبل قرون عديدة ‪ .‬ومن دواعي األسف ‪ ،‬أننا ال نعرف يف واقع األمر شيئا ذا‬ ‫بال عن املسعودي ‪ ،‬وال عن خصائص شخصيته‪ ،‬وخمتلف جوانب حياته‪ .‬يعزو‬ ‫املستشرق األملاني الكبري ك ‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫بروكلمان (‪َ « * )1‬‬ ‫سهو» كتاب السرية العرب – املسلمني عن شخص‬ ‫املسعودي إىل أن ما أبدعه يشذ عن تقاليد التبحر العلمي العربي – اإلسالمي‪.‬‬ ‫ويشري باحث بارز آخر يف تراث املسعودي ‪ ،‬هو املستعرب الفرنسي ش‪ .‬بيلال‬ ‫(‪ ، )2‬إىل هذا اجلانب ‪ ،‬فيالحظ أن ابن النديم ‪ ،‬وهو الكاتب واملصنف الرصني‬ ‫الدقيق ‪ ،‬ومؤلف أحد أوائل معاجم السرية ‪ ،‬مل يعترب املسعودي بغداديا أصيال‬ ‫‪ ،‬بل نسبه إىل مواليد مشال إفريقيا (املغرب)‪ .‬ومن اجللي أنه مل يقرأ مؤلفاته ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫غري َ‬ ‫قليل جدا يف حقيقة األمر‪ ،‬فمن بني‬ ‫أن ما وصلنا من هذه املؤلفات‬ ‫ستة مباحث جاء على ذكرها املسعودي نفسه (عدد قليل منها وحسب‬ ‫حظي باهتمام كتاب السرية يف القرون الوسطى) ‪ ،‬وصل إلينا كتابان‬ ‫فقط ‪ ،‬هما «مروج الذهب ومعادن اجلوهر » و « كتاب التنبيه واإلشراف » ‪،‬‬ ‫وكالهما من لون األسفار التارخيية اجلامعة ‪ ،‬يف حني أن غالبية مباحث‬ ‫املسعودي األخرى حتمل طابعا دينيا – فلسفيا‪.‬‬ ‫سنستعرض بادئ ذي بدء املعامل الرئيسية لسرية حياة املسعودي ‪.‬‬ ‫ولد كاتبنا بني عامي ‪ 892‬و‪ 896‬ميالدية يف عاصمة اخلالفة العربية‬ ‫بغداد ‪ ،‬اليت كانت آنذاك من أكرب مدن الـشرق‪ ،‬وحاضرة الثقافة واحلياة‬ ‫االجتماعية – السياسية يف العامل اإلسالمي ‪ .‬وحوالي العام ‪ ، 915‬انطلق ‪،‬‬ ‫طموح ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫نبيل‬ ‫وهو شاب يف مقتبل العمر ‪ ،‬مرحتال يف أصقاع الدنيا حيدوه‬ ‫حنو معرفة العامل الذي حييط به ‪.‬‬ ‫* ‪ -‬نلفت عناية القارئ الكريم إلى أننا حاولنا تفادي إثقال النص بالحواشي ‪ ،‬ولذلك أقدمنا‬ ‫في هذه الترجمة على اختصار المالحظات واإلحاالت الكثيرة الواردة في النص الروسي ألنها‬ ‫موضوعة للقراء الروس عامة‪ ،‬وللمهتمين منهم بالدراسات الشرقية خاصة‪ .‬وقد أَيَدنا المؤلف‬ ‫في ذلك مشكورا‪ .‬وسنورد في نهاية كل فصل ثبتا بالمصادر التي رأينا إيرادها في الترجمة‬ ‫قصد التنويه بالمرجعية العلمية التي تتسم أعمال المؤلف بأشد الحرص عليها (المترجم)‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫َّ‬ ‫شد الرحال أوال إىل إيران ‪ ،‬ثم إىل اهلند‪ ،‬وبعدها توجه إىل شرق افريقيا‪،‬‬ ‫واجلزيرة العربية ‪ ،‬وزار منطقة حبر قزوين ‪ ،‬وسورية‪ ،‬ومصر ‪ .‬وبذلك يكون‬ ‫املسعودي قد جاب اجلزء األعظم من العامل املعروف للعرب – املسلمني آنذاك ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فائقة القيمة عن حياة الشعوب يف‬ ‫معلومات‬ ‫فرتك يف أعماله اليت وصلتنا‬ ‫ٍ‬ ‫ديار مل تقتصر على البلدان اليت زارها ‪ ،‬بل تعدتها إىل األصقاع اجملاورة‪ .‬ويف‬ ‫أواخر حياته استقر رحالتنا وأديبنا يف مصر ‪ ،‬حيث وافته املنية عام ‪956‬م (‪. )3‬‬ ‫هذه هي ‪ ،‬يف واقع احلال ‪ ،‬كل املعلومات اليت وصلتنا عن حياة املسعودي‬ ‫احلقيقية ‪.‬‬ ‫كانت الفرتة املمتدة من نهاية القرن التاسع وحتى النصف األول من القرن‬ ‫العاشر‪ ،‬فرتة انعطاف يف تاريخ العامل العربي – اإلسالمي ‪ ،‬ففي أثنائها بالذات‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫احلضارة اليت نشأت يف الشرق األدنى حتت ظالل اإلسالم َ‬ ‫أوج ازدهارها‪،‬‬ ‫عرفت‬ ‫ومسيت باحلضارة العربية – اإلسالمية نظرا للعنصر اإلثين الرئيس الذي‬ ‫ُّ‬ ‫تكو ِنها (‪. )4‬‬ ‫أسهم يف عملية‬ ‫حكم العباسيون ( ‪ )1258 – 749‬دولة مرتامية األطراف ‪ ،‬متعددة األعراق‬ ‫واألصول واالنتماءات القبلية‪ ،‬نشأت نتيجة الفتوحات يف القرنني السابع‬ ‫والثامن ‪ .‬وكان هؤالء فرعا من فروع بين هاشم ‪ ،‬عشرية النيب حممد‪ ،‬وحلوا‬ ‫يف حكم اخلالفة أواسط القرن الثامن ‪ ،‬كما هو معروف ‪ ،‬حمل األمويني‬ ‫الذين كانوا بدورهم عشرية معروفة وغنية من عشائر قبيلة قريش املكية‬ ‫‪ ،‬وحكموا اإلمرباطورية اإلسالمية يف الفرتة املمتدة من عام ‪ 661‬وحتى‬ ‫العام ‪ 749‬م ‪ .‬استند العباسيون يف صراعهم ضد األمويني إىل ركيزة أساسية‬ ‫هي القبائل العربية اليت استقرت يف خراسان ( إحدى الواليات الرئيسة لدولة‬ ‫اخلالفة) يف عهد أواخر خلفاء األسرة األموية ؛ وكذلك إىل املوالي التابعني‬ ‫هلم من سكان خراسان األصليني‪ .‬وقد استماهلم إىل جانب الطاحمني باخلالفة‬ ‫ٌ‬ ‫دعاة كان أبو مسلم على رأسهم يف مرحلة الصراع احلامسة ‪ .‬وجنبا إىل جنب‬ ‫‪11‬‬


‫مع العباسيني ‪ ،‬حارب ضد األمويني ٌ‬ ‫فرع آخر من اهلامشيني ‪ ،‬هم بنو علي الذين‬ ‫التفت حوهلم جمموعة من املناصرين أصبحت فيما بعد عصب الشيعة ‪ ،‬الذين‬ ‫شكلوا إىل جانب السنة االجتاهني الرئيسني يف اإلسالم‪ .‬ويف املرحلة التالية‪،‬‬ ‫عندما وصل العباسيون إىل السلطة ‪ ،‬راح بنو علي يثريون يف وجه أقربائهم‬ ‫العديد من االنتفاضات اليت باءت بالفشل (‪. )5‬‬ ‫كما أن طبقة العلماء الوليدة ساندت الكفاح ضد األمويني ‪ ،‬إذ أنها‬ ‫رأت يف خلفاء هذه الساللة الذين اتبعوا األمناط الثقافية العربية القدمية‬ ‫ُ‬ ‫والبيزنطية ‪ ،‬غاصبني كفرة ‪ .‬ومبرور الوقت َّ‬ ‫وصول العباسيني‬ ‫سه َل‬ ‫َ‬ ‫عملية انتقال العرب جزئيا إىل املوقع الثاني يف جهاز‬ ‫إىل سلطة اخلالفة‬ ‫الدولة ‪ ،‬ويف الشؤون العسكرية ‪ ،‬ويف جمال الثقافة ‪ ،‬يف حني راح‬ ‫يشتد بالتدريج نفوذ أبناء الشعوب اليت فتح العرب بلدانها‪ ،‬وبشكل‬ ‫رئيس نفوذ اإليرانيني الذين كان الكثريون منهم قد اعتنقوا اإلسالم ‪.‬‬ ‫وجتلى هذان االجتاهان خاصة يف عهد اخلليفة العباسي الثاني املنصور‬ ‫الذي دفع إىل مناصب الدولة موالي بين العباس وحماسيبهم ‪ ،‬ألنهم كانوا على‬ ‫درجة من التبعية لسلطة اخلليفة أكرب بكثري من تبعية أقربائه ‪ ،‬أو العرب‬ ‫اآلخرين من ذوي النسب العريق ‪­.‬‬ ‫استمر النظام السياسي‪ ،‬الذي أرسى املنصو ُر قواعده ‪ ،‬حتى بداية حكم‬ ‫املأمون ‪ .‬وتتلخص املسألة يف أن هذا اخلليفة بعد أن انتصر على أخيه األمني‬ ‫يف صراع دموي ‪ ،‬وصفه املسعودي وصفا بليغا ‪ ،‬أتى معه بنخبة إداريـة –‬ ‫سياسيـة وقوات عسكرية جديدة من مناطق اخلالفة الشرقية اليت كان‬ ‫حاكما عليها بعد وفاة والده هارون الرشيد‪ .‬وقد أسفر ذلك عن مزيد من‬ ‫اشتداد نفوذ أبناء الشعوب الناطقة باللغة اإليرانية على احلياة االجتماعية‬ ‫– السياسية يف اخلالفة ‪.‬‬ ‫مهد عهد املأمون الطريق لنظام سياسي جديد رسخه املعتصم الذي اعتمد‬ ‫‪12‬‬


‫على قوات عسكرية جديدة كليا ‪ ،‬تتألف من العبيد األتراك‪ ،‬املماليك ‪،‬‬ ‫الذي أسكنوا يف املدينة اخلاصة‪ ،‬سامراء مقر اخلالفة ‪ .‬وكان لصريورة هذا‬ ‫النظام تبعات كبرية بالغة األهمية بالنسبة لسلطة العباسيني ‪ ،‬وملصري‬ ‫احلضارة العربية – اإلسالمية كلها‪.‬‬ ‫كان من نتائج هذه التطورات السياسية – الثقافية أن جاهر املسلمون‬ ‫من أصل غري عربي جبدارتهم ‪ ،‬وقدرهم‪ ،‬وعراقتهم‪ ،‬وثراء ثقافتهم ‪ .‬ويف ظل‬ ‫ٌ‬ ‫حركة‬ ‫العباسيني حتديدا ‪ ،‬وأساسا ‪ ،‬ولدت بني املسلمني من أصل غري عربي‬ ‫فكرية ضد سيادة العرب يف اجملتمع العربي – اإلسالمي ‪ ،‬عرفت بالشعوبية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫متثل الرتاث القديم ( اليوناني ) يف العصر العباسي على تطور‬ ‫ساعد‬ ‫الفكر الفلسفي عند العرب – املسلمني ‪ ،‬فبدأ تطبيق طرائق اإلدراك‬ ‫الفلسفي يف اجملال الالهوتي البحت (علوم الدين ) ‪ .‬وأخذ بالظهور الالهوت‬ ‫اإلسالمي التأملي ‪ .‬وكان تيار املعتزلة أول تيارات هذا االجتاه وأبرزها ‪ ،‬فغدا‬ ‫أيديولوجيا الدولة بدءا من عهد املأمون ‪ .‬وكان ‪ ،‬جراء ذلك‪ ،‬أن تعرض الفقهاء‬ ‫الذين رفضوا تعاليم هذا التيار للمالحقة واالضطهاد‪ ،‬األمر الذي شكلت‬ ‫ألجله حمكمة خاصة عرفت بـ “احملنة”‪ .‬ولقد أثار موقف سلطة اخلليفة‬ ‫األيديولوجي استياء شديدا عند رجال الدين التقليديني الذين كان هلم‬ ‫تأثري حاسم على مجهور املسلمني البسطاء‪ .‬وكان ميكن أن يؤدي استياء‬ ‫التقليديني وعامة الناس إىل تقويض سلطة العباسيني‪ .‬وهلذا السبب‪ ،‬كما‬ ‫يبدو ‪ ،‬ختلى اخلليفة املتوكل عن املعتزلة وانتقل إىل موقع السنية املتشددة‪.‬‬ ‫كما أن الالهوت اإلسالمي التقليدي يف العصر العباسي مل يراوح يف‬ ‫مكانه‪ ،‬فبحلول العصر الذي عاش فيه املسعودي ‪ ،‬كانت قد تشكلت أربعة‬ ‫مذاهب فقهية – شرعية أساسية يف اإلسالم ‪ ،‬وظلت األبرز عند اجلزء السين‬ ‫من العامل اإلسالمي حتى أيامنا هذه ‪ .‬كما أن بعض املذاهب ‪ ،‬اليت مل حتظ‬ ‫باالنتشار الواسع واندثرت فيما بعد ‪ ،‬كانت تعترب مذاهب سنية هي األخرى ‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫جتدر اإلشارة أيضا إىل انتشار تعاليم املذهب الثنوي ذات األصول اإليرانية‪،‬‬ ‫أي تلك التعاليم‪ ،‬اليت هضمت بعض مبادئ الدين اإلسالمي‪ ،‬ومن ثم طرحت‬ ‫نفسها تارة يف توليفة متماسكة عجـيـبة ‪ ،‬وتـارة أخـرى يف شـكلها‬ ‫اخلـالص‪ .‬وانتشرت هذه التعاليم وسط مجاهري الشعب وخاصة يف إيران‬ ‫‪ ،‬وآسيا الوسطى ‪ ،‬وأذربيجان املأهولة آنذاك بسكان ناطقني باإليرانية ‪.‬‬ ‫وامتدت كذلك إىل أوساط النخبة العربية – اإلسالمية املثقفة‪ ،‬ومتخضت‬ ‫يف احلالة األوىل عن حركات شعبية واسعة مناهضة للحكومة (كانت‬ ‫أضخمها انتفاضة ‪ 836 – 816‬بقيادة بابك )‪ ،‬واستولت يف احلالة الثانية‬ ‫على عقول البعض من رجاالت الثقافة الذين أطلقت عليهم السلطات تسمية‬ ‫“اهلراطقة الثنويني الزنادقة”‪ ،‬وأنزلت بهم عقابا ال يعرف الرمحة ‪.‬‬ ‫أسفرت عملية االندماج عن نتائج هامة جدا يف اجملال الثقايف أيضا (‪، )6‬‬ ‫فالشعراء الذين عاشوا يف عهد اخللفاء العباسيني األوائل‪ ،‬وغالبا ما كانوا‬ ‫من أصل إيراني ‪َّ ،‬‬ ‫ضمنوا إبداعاتهم العديد من املواضيع اجلديدة‪ .‬وكان أبو‬ ‫أتباع مذهب املتعة ‪ .‬أما معاصره‬ ‫النواس األكثر شهرة من بني مقرضي الشعر ِ‬ ‫أبو العتاهية فقد وضع األساس لتقليد آخر يف الشعر هو مذهب الزهد ‪ .‬وفيما‬ ‫بعد ‪ ،‬يف النصف الثاني من القرن التاسع ‪ ،‬نرى يف ميدان اإلبداع الشعري‬ ‫ً‬ ‫عودة إىل املعايري األدبية ملرحلة ما قبل اإلسالم ‪ .‬وهذه العملية‬ ‫باللغة العربية‬ ‫ترتبط بالدرجة األوىل باسم كل من أبي متام والبحرتي‪ .‬وبعد ذلك بوقت‬ ‫قصري ‪ ،‬كان من هؤالء “اجملددين “ والكالسيكيني املبدعني الذين آلفوا‬ ‫بني منجزات أسالفهم ‪ ،‬شعرا ٌء رائعون كابن املعتز وابن الرومي ‪ .‬كما أن‬ ‫اللغويني والشعراء الذين اشتغلوا بتصنيف األدب العربي قبل اإلسالم ‪،‬‬ ‫اهتموا جبمع املوروث ‪.‬‬ ‫وشهد العصر العباسي صريورة النثر العربي ‪ ،‬فظهر جنس جديد من النتاجات‬ ‫النثرية ‪ ،‬مواضيع األدب ( أي العلم واملعرفة ‪ “ ،‬الثقافة العامة “) ‪ ،‬اليت تتضمن‬ ‫‪14‬‬


‫جمموعة من املعلومات األساسية الضرورية لإلنسان املتعلم‪ .‬إن ظهور وتطور‬ ‫جمموعات قواعد األدب ( التأدب) ترتبط باسم كل من عبد اهلل بن املقفع ‪،‬‬ ‫واجلاحظ ‪ ،‬وابن قتيبة ‪ ،‬الذين اطلع املسعودي على أعماهلم ‪.‬‬ ‫ويف احلني ذاته مل تتوقف مسرية الوهن الذي اعرتى سلطة اخلالفة‪ ،‬ففي‬ ‫العام ‪ 945‬استولت على السلطة يف بغداد ساللة البويهيني الشيعية ‪ ،‬وهي‬ ‫ساللة قادة عسكريني من الديلم ذوي نزعة قتالية ‪ .‬ومبرور بعض الوقت‬ ‫َ‬ ‫كامل السلطة على كل العراق‬ ‫أصبح عميد عائلة البويهيني سيدا‬ ‫عمليا‪ ،‬بينما كان حكام آخرون ميسكون مبقاليد السلطة يف مناطق‬ ‫أخرى من العامل اإلسالمي ‪.‬‬ ‫وخيتتم املسعودي كتابه “ مروج الذهب ‪ ”...‬بوصف هذا الوضع االجتماعي‬ ‫– السياسي ‪ .‬واملسعودي ‪ ،‬كما سبق وأشرنا ‪ ،‬عاش آخر أيامه يف مصر ‪ ،‬ومل‬ ‫جيازف بالعودة إىل موطنه الذي عصفت به رياح الفتنة ‪.‬‬ ‫استمر الوضع يف اخلالفة عـلى ما هو عليه تقريبا حتى العـام ‪1055‬‬ ‫عنـدما ‪ ،‬استولت على السلطة ساللة جديدة من أصل تركي هذه املرة‪ ،‬هي‬ ‫ساللة السالجقة ‪ .‬وأصبح حكامها يسمون “ سالطني”‪.‬‬ ‫استمر وضع اخلليفة التابع ‪ ،‬اخلاضع‪ ،‬املغلوب على أمره ‪ ،‬حتى النصف‬ ‫األول من القرن الثاني عشر ‪ ،‬عندما راح اخلليفة املكتفي يسرتجع‬ ‫السلطة تدرجييا‪ .‬استمرت نزعة توطيد اخلالفة حتى أواسط القرن الثالث‬ ‫عشر ‪ ،‬بيد أن بغداد تعرضت يف العام ‪ 1258‬للخراب على يد املغول ‪،‬‬ ‫وقتل املستعصم اخلليفة العباسي األخري‪ .‬إن اإلقدام على قتل ابن الساللة‬ ‫اليت حكمت أكثر من ‪ 500‬عام كان ظاهرة تارخيية فريدة ‪ ،‬حيث‬ ‫أن اخلان ‪ ،‬القائد ‪ ،‬املغولي هوالكو تردد مطوال ‪ ،‬فقد تكهن العديد من‬ ‫مستشاريه حبدوث كارثة فظيعة يف حال هالك العباسيني ‪ .‬غري أن الغلبة‬ ‫كانت لالعتبارات اليت ال تعرف الشفقة ‪ ،‬واملنطلقة من مقاصد سياسية ‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫وهكذا انتهى العصر اجمليد للخالفة البغدادية ‪ ،‬أو العباسية‪ ،‬الذي مت‬ ‫يف زمنها ‪ ،‬وخاصة يف املرحلة اليت كتب فيها “ مروج الذهب ‪ ”..‬إرساء أسس‬ ‫احلضارة العربية – اإلسالمية اليت مل تفقد أهميتها على مر األيام وصوال إىل‬ ‫زمننا احلاضر ‪.‬‬ ‫حظي “ مروج الذهب ‪ ”...‬باهتمام كبري من قبل عشاق الكلمة الناطقني‬ ‫بالعربية يف القرون الوسطى على الرغم مما سبق وأشرنا إليه من ضعف‬ ‫اهتمام كتاب السرية القروسطيني بشخصية املسعودي‪ .‬وبغض النظر عن‬ ‫ضخامة حجمه واختالفه عن غريه من اآلثار التارخيية‪ ،‬فقد ُنسخ كتاب‬ ‫“ مروج الذهب ‪ ”...‬مرارا ‪ ،‬وبقي الكثري من النسخ املخطوطة حتى أيامنا‪.‬‬ ‫وثـمة جمموعة كاملة من خمطوطات هذا األثر ( مخس لوائح ) حتتفظ‬ ‫بها جمموعة املخطوطات يف فرع سان بطرسبورج ملعهد االستشراق التابع‬ ‫ألكادميية العلوم الروسية (‪ . )7‬إن هذه املخطوطات القيمة مت اقتناؤها‬ ‫( إىل جانب خمطوطات أخرى) بفضل مساعي الدبلوماسي الروسي البارز‬ ‫أندريه ياكوفليفيتش ايتالينسكي ‪ ،‬الذي كان سنوات عديدة سفريا‬ ‫لبالده وخاصة يف اسطنبول (‪. )8‬‬ ‫ومع انتشار طباعة الكتب يف العامل اإلسالمي صدر “ مروج الذهب‪ ”...‬مرات‬ ‫عديدة يف مصر‪ .‬فصدرت طبعته األوىل يف حي بوالق عام ‪ .1866‬واستنادا إىل‬ ‫هذه الطبعات أعد العامل املصري حميي الدين عبد احلميد يف ثالثينات القرن‬ ‫العشرين طبعته هلذا األثر (أعيد طبعها عدة مرات )‪ ،‬وقد أملح يف احلواشي إىل‬ ‫املواضيع اليت يتناوهلا مؤلف “ مروج الذهب ‪.”...‬‬ ‫ويف الغرب اطلع القراء أول مرة على مقتطفات من مؤلف املسعودي‬ ‫كملحق برتمجة ملدونات املؤرخ واجلغرايف العربي – اإلسالمي يف القرنني‬ ‫‪ 14 – 13‬أبو الفداء إىل اللغة الالتينية أجنزها مؤسس االستعراب األملاني إ‪.‬‬ ‫ريسكه ‪ ،‬وصدرت بعد وفـاته ‪ ،‬يف الفـرتة ما بني عـامي ‪ 1792‬و ‪1794‬‬ ‫‪16‬‬


‫م ‪ . )9 ( .‬ويف الوقت نفسه تقريبا أخذ املستشرق الفرنسي جوزيف دي غني‬ ‫بدراسة تراث املسعودي ‪ ،‬فنشر عام ‪ 1792‬مقالة غدت أول حماولة لتحليل “‬ ‫مروج الذهب” حتليال علميا (‪. )10‬‬ ‫ويف العام ‪ 1810‬نشر املستعرب الفرنسي الشهري سيلفسرت دي ساسي‬ ‫مقالة عن املسعودي استعرض فيها أساسا مضمون “ كتاب التنبيه واإلشراف‬ ‫“ الذي مل يكن نشر بعد‪.‬‬ ‫ويف برلني اليت كانت حتررت حديثا من سيطرة قوات نابليون‪ ،‬قام عام‬ ‫‪ 1814‬الباحث األملاني هنريك يولي فون كالبروت الذي كان عام ‪1804‬‬ ‫مدرسا يف قسم اللغات الشرقية وآدابها يف أكادميية العلوم الروسية‪ ،‬والذي‬ ‫انتخب عام ‪ 1807‬عضوا يف األكادميية ‪ ،‬وأصبح أستاذا يف باريس ( غادر‬ ‫روسيا عام ‪ ... )1812‬قام هذا الباحث بنشر كتاب متوسط احلجم مكرس‬ ‫لوصف أراضي اإلمرباطورية الروسية الواقعة بني البحر األسود وحبر قزوين ‪.‬‬ ‫وكملحق هلذا الكتاب ضمنه فصول «مروج الذهب ‪ »..‬املخصصة لوصف‬ ‫ً‬ ‫مرتمجة إىل اللغة األملانية ‪.‬‬ ‫القوقاز‬ ‫وأجنز هذه الرتمجة خصيصا لكتاب فون كالبروت مستشرق أملاني آخر‬ ‫هو املستعرب م ‪ .‬خابيخت الذي كان يعيش يف بريسالو ‪ .‬ويف االستهالل‬ ‫املوجز للكتاب يورد كالبروت معلومات عن املسعودي‪ ،‬ويؤكد أن‬ ‫الرتمجة تعود خلابيخت‪ ،‬ويعرب عن امتنانه لسيلفسرت دي ساسي ملا أسداه من‬ ‫عون يف إعداد العمل ‪)11( .‬‬ ‫أما األكادميي خريستيان مارتني ( خريستيان دانيلوفيتش) فراين ‪،‬‬ ‫املستعرب األملاني الذين انتقل إىل روسيا واستوطن فيها وأسهم بقسط‬ ‫كبري يف نشأة االستعراب الروسي ‪ ،‬فقد استخدم معلومات املــسعودي عن‬ ‫شـــعوب أوروبــا الشرقية يف حبثه املكرس لتحليل أخبار ابن فضالن عن‬ ‫«الروس القدماء» (‪ . )12‬ويتضمن هذا العمل ‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬أول تنويهات يف‬ ‫‪17‬‬


‫العلم الروسي عن املسعودي‪ .‬ويف أحد أعمال فراين الالحقة ترد إحاالت إىل‬ ‫مؤلفات هذا املؤرخ العربي (‪.)13‬‬ ‫مل يفرت اهتمام األوساط املثقفة ‪ ،‬وضمنا أوساط املستشرقني‪ ،‬يف أوروبا‬ ‫الغربية بالقوقاز يف العقود األوىل من القرن التاسع عشر‪ .‬ورمبا كان ذلك‬ ‫حتت تأثري حرب القوقاز اليت كانت يف أوج استعارها آنذاك‪ .‬ومن احملتمل‬ ‫أن هذا الظرف ‪ ،‬وليس األسباب األكادميية فقط ‪ ،‬ما يفسر نشر مؤلف يف‬ ‫باريس عام ‪ ،1828‬وضعه السفري السويدي يف برلني ّ‬ ‫دوسون ( أصله أرمين من‬ ‫تركيا )‪.‬‬ ‫والكتاب مكرس لوصف شعوب القوقاز والساحل الشمالي للبحر األسود‬ ‫يف القرن العاشر‪ .‬ويورد املؤلف قصة على لسان مبعوث متخيل أرسله اخلليفة‬ ‫إىل ملك بولغار منطقة نهر الفـولغا‪ ،‬امسـه أبو القاسم الـذي زار (على حد‬ ‫الزعم) ‪ ،‬القوقاز واملناطق اجملاورة يف العام ‪ 336‬للهجرة (‪ 948‬للميالد )‪ .‬ومن‬ ‫املتعارف عليه أن ّ‬ ‫دوسون هو أول من درس بشكل موسع مؤلفات املسعودي‬ ‫يف جانبها املتعلق بالتاريخ واجلغرافيا واإلثنوغرافيا التارخيية للمنطقة‬ ‫األورو‪ -‬آسيوية ‪ .‬ويف سياق عرضه معلومات املسعودي أطلق عليه لقب‬ ‫«هريودوت العرب » ‪)14( .‬‬ ‫أما املستشرق الفرنسي ف‪ .‬ب‪ .‬شارموا الذي أمضى عقدين من نشاطه العلمي‬ ‫والرتبوي يف روسيا ‪ ،‬فينشر يف بطرسبورغ عام ‪ 1834‬مقتطفات من أعمال‬ ‫املسعودي ومؤلفني عرب – مسلمني آخرين‪ ،‬مكرسة للـسالف ( الصقالبة)‬ ‫القدماء (‪ .)15‬ويصدر املستعرب النمساوي يوزيف غيلدميسرت عام ‪1836‬‬ ‫ترمجة باللغة الالتينية للفصل املتعلق باهلند واهلنود من كتاب املسعودي‬ ‫« مروج الذهب‪ )16( »..‬ويف وقت الحق يقرتح ترمجته (الصحيحة حسب رأيه)‬ ‫لعنوان هذا املؤلف ‪« :‬غسل الذهب‪ .)17( »..‬ولقد لقيت وجهة نظر غيلدميسرت‬ ‫انتشارا واسعا يف علم االستعراب ‪ ،‬مع ذلك رفضها ش‪ .‬بيلال (‪ )18‬العالمة‬ ‫‪18‬‬


‫الكبري يف تراث املسعودي‪ .‬أما حنن فنستعمل الرتمجة الروسية اليت اقرتحها‬ ‫م‪ .‬س‪ .‬كيكتيف أواخر السبعينات ‪.‬‬ ‫ويف الثالثينات نشرت يف باريس مقالة للمستشرق الروسي الكبري ف‪.‬ف‪.‬‬ ‫غريغورييف ‪ ،‬غدت أول عمل علمي عن تاريخ روسيا القدمية يرتكز على‬ ‫معلومات مستمدة من مؤلفات املسعودي (‪. )19‬‬ ‫ويف العـام ‪ 1839‬نشرت يف باريس للمسـتعرب الفـرنسي ي‪ .‬كـاترميري‬ ‫مقالة عن املسعـودي كبـرية احلـجم ‪ ،‬غنية املضمون‪ ،‬تتضمن استعراضا‬ ‫عاما ملؤلفاته وسرية حياته (‪ . )20‬ويف الوقت نفسه تقريبا أعد املستعرب‬ ‫اإلنكـليزي ج‪ .‬نيكولسن للنشـر مقتطفات من خمطوطة تعود للقرون‬ ‫الوسطى مكرسة لقيام سلطة الساللة الفاطمية يف العام ‪ 909‬يف مشال‬ ‫إفريقيا‪ ،‬وتنسب إىل املسعودي ‪ ،‬غري أن الباحث نفسه (نيكولسن) بينَّ‬ ‫بشكل دامـغ استحالة أن يكـون املقتطف املدروس ملؤرخنا الشهري‬ ‫املسـعودي (‪.)21‬‬ ‫ويف العام ‪ 1841‬ترجم املستعرب اإلنكليزي ( من أصل منساوي ) أ‪ .‬سربينغر‬ ‫«مروج الذهب‪ »..‬إىل اللغة اإلنكليزية‪ ،‬غري أنه اكتفى بنشر اجمللد األول‬ ‫من هذا املؤلف مشفوعا مبقدمة بقلمه غنية املضمون (‪. )22‬‬ ‫ويف عامي ‪ 1848 -1847‬قام بروفيسور اللغة العربية يف كوليج دي‬ ‫ّ‬ ‫كوسني دي‬ ‫فرانس (إحدى أعرق مؤسسات التعليم العالي الفرنسية ) أ‪ .‬ب‪.‬‬ ‫بريسيفال بنشر «حملة عن تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪ ، )23( »...‬هي عبارة‬ ‫عن إعادة رواية املوروث ( احلكم واألمثال وغريها ) قبل اإلسالم‪ ،‬الذي سجله‬ ‫املؤرخون العرب – املسلمون ‪ .‬وهذا املستعرب الفرنسي يستند مرارا يف مقاله‬ ‫إىل « مروج الذهب ‪.»...‬‬ ‫واملستعرب الفرنسي املعروف اآلخر يف ذاك الوقت ج ‪ .‬ت‪ .‬رينو قدم عام ‪1848‬‬ ‫‪19‬‬


‫حتليال وافيا آلراء املسعودي اجلغرافية ‪ ،‬وذلك كملحق لرتمجته الفرنسية‬ ‫للمؤلف اجلغرايف واملؤرخ العربي ‪ -‬اإلسالمي أبي الفداء الذي سبق ذكره‬ ‫أعاله (‪. )24‬‬ ‫ومبا أصدره رينو ختتتم مرحلة مجع املعلومات األساسية عن املسعودي يف‬ ‫علم اإلستشراق ‪ .‬وهذا ما أتاح للمستعرب النمساوي الشهري إ‪ .‬ها ّمر‪ -‬بورغشتال‬ ‫ِّ‬ ‫يضمن اجمللد اخلامس من كتابه «تاريخ األدب عند العرب» (‪ )1854‬نبذة‬ ‫أن‬ ‫عن مؤرخنا املسعودي (‪. )25‬‬ ‫وتبدأ املرحلة التالية يف دراسة تراث املسعودي يف النصف الثاني من القرن‬ ‫التاسع عشر عندما َّ‬ ‫أعد س‪ .‬باربيه دي مينار ‪ ،‬و أ‪ .‬بافيه دي كورتييل للنشر‬ ‫نص «مروج الذهب ‪ »...‬يف تسعة أجزاء مرفوقا برتمجة إىل الفرنسية ‪)26( .‬‬ ‫لقد لفتت هذه الرتمجة انتباه املفكر الفرنسي العظيم ‪ ،‬والكاتب‬ ‫واللغوي – املستشرق جوزيف إرنست رينان ‪ .‬و يف العام ‪ 1873‬بعد أن رأى‬ ‫النور اجلزء السادس من املؤلف الوارد ذكره أعاله ‪ ،‬كتب رينان مقالة‬ ‫مكرسة للمسعودي نفسه ‪ ،‬ولتاريخ الثقافة يف العصر العباسي على حد‬ ‫سواء ‪ .‬ويبدو أن هذه املقالة مل تنشر يف ذلك احلني ‪ ،‬ولكنها نشرت بعد زمن‬ ‫طويل يف العام ‪ ،1890‬ضمن واحد من آخر إصدارات هذا املفكر الفرنسي‬ ‫وهو على قيد احلياة (‪. )27‬‬ ‫يقدم رينان ‪ ،‬بالدرجة األوىل ‪ ،‬تقوميا رفيعا لنوعية ترمجة « مروج الذهب‬ ‫‪ »..‬الفرنسية ‪ ،‬مشريا إىل أن عمل باربيه دي مينار و بافيه دي كورتييل‬ ‫يسري على هدي خرية تقاليد االستشراق الفرنسي اليت أرسى أسسها س ‪ .‬دي‬ ‫ساسي ‪.‬‬ ‫وإذ يتطرق إىل التقويم العام ملؤلفات املسعودي يشدد رينان على أن « مروج‬ ‫الذهب ‪ُ »..‬ي َع ُّد جممع معلومات تارخيية وبيبلوغرافية ‪ ،‬وأن ال وجود لكتاب‬ ‫‪20‬‬


‫أكثر أهمية ‪ ،‬أو أغنى مضمونا‪ ،‬منه بني اآلثار العربية املكتوبة ‪ .‬ويكيل‬ ‫مدحيا خاصا ألسلوب الكتابة عند املسعودي الذي يذكر بأسلوب الكاتب‬ ‫والناقد األدبي الفرنسي املعروف ش‪ .‬أو‪ .‬سانت‪ -‬بيوف ‪ .‬ومما يقرب بني‬ ‫الكاتبني االفتتان بالنوادر األدبية والتارخيية ‪ ،‬وكذلك االهتمام بقضايا‬ ‫األدب‪ .‬ويف عداد النوادر التارخيية األكثر امتاعا من جهة ‪ ،‬ومنوذجية من جهة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اخلليفة الشهري هارون‬ ‫مؤرخنا املسعودي‬ ‫أخرى ‪ ،‬يدرج تلك اليت خيص بها‬ ‫الرشيد و «األمري الشاعر» إبراهيم بن املهدي ‪ ،‬عم اخلليفة املأمون‪ .‬وهذا يعين‬ ‫أن «مروج الذهب ‪ »..‬مفعم بروحية كتاب «ألف ليلة وليلة» ‪ .‬واملسعودي‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫قريب من املؤلف الذائع الصيت يف القرن السابع عشر جان دي‬ ‫كاتب‪،‬‬ ‫البريوير‪ ،‬ففي البورتريهات اليت رمسها قلمه للخلفاء العباسيني يتجلى املزج‬ ‫بني احلقيقي واملبتدع ‪.‬‬ ‫إن سر املزايا األدبية لـ « مروج الذهب ‪ »..‬يكمن ‪ ،‬كما يرى رينان‪ ،‬يف‬ ‫حترر اخللق والعادات‪ ،‬ويف املستوى الرفيع حلرية الفكر ‪ ،‬اليت ميزت عصر‬ ‫اخلالفة العباسية ؛ وهذا ما ينطبق بوجه خاص ‪ ،‬على املرحلة املمتدة من‬ ‫مطلع عهد املنصور وحتى وفاة املتوكل ‪ ،‬أي املرحلة « األكثر إشراقا يف‬ ‫تاريخ الروح العربية »‪ .‬لقد أسدى اخللفاء العباسيون برعايتهم الثقافة خدمة‬ ‫جليلة للبشرية مجعاء ‪ .‬ولعبت دورا يف ذلك الرتمجات اليت أجنزت آنذاك‬ ‫من اللغتني اليونانية والسريانية ‪ ،‬واليت عن طريقها راح الغرب يتعرف على‬ ‫املؤلفات القدمية األساسية يف العلوم كافة ‪ ،‬دون أن ميتلك النصوص‬ ‫اليونانية األصلية‪ ،‬حتى عصر النهضة يف القرن اخلامس عشر‪ .‬وجيمل‬ ‫رينان تقويم العصر العباسي ككل فيقول « لقد بقيت عن هذا العامل الذي‬ ‫اندثر ذكرى ساحرة بوصفه عصر املسرات واألخالق املتأنقة والثقافة املتأدبة‬ ‫اليت ستظل يف خميلة البشرية إىل األبد» ‪ .‬ومع ذلك فإن احلضارة العربية –‬ ‫اإلسالمية يف مرحلة ازدهار الدولة العباسية كان مقضيا عليها باهلالك‪ ،‬إذ‬ ‫كانت تفتقد لركيزة االعتزاز بالنفس واإلحساس اجلدي بها‪ .‬وهذا ما أدى‬ ‫‪21‬‬


‫إىل تشكيل احلرس الرتكي الذي سبب أزمة الساللة العباسية ‪.‬‬ ‫إن الصورة اليت يقدمها رينان عن العصر العباسي ‪ ،‬وكذلك آراءه عن هذا‬ ‫العصر ‪ ،‬تبدو من وجهة نظر العلم احلديث على قدر كاف من السطحية ‪،‬‬ ‫وأحيانا ساذجة ‪ ،‬ولو أنها ال تفتقر إىل األلق واحليوية ‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬وأيا كان‬ ‫األمر ‪ ،‬فإن هذه اآلراء كانت من السمات املميزة للثقافة األوروبية آنذاك ‪ ،‬ولذا‬ ‫فقد أوليناها هذا القدر من االهتمام ‪.‬‬ ‫ويف القرن العشرين ‪ ،‬وإذ تابع سريه على نهج تقاليد االستعراب الفرنسي‬ ‫يف دراسة هذا األثر ‪ ،‬قام ش‪ .‬بيلال جمددا بتحقيق طبعة باربيه دي مينار و‬ ‫بافيه دي كورتييل املذكورة أعاله ( النص العربي والرتمجة الفرنسية ) ‪،‬‬ ‫ووضع لكتاب املسعودي « مروج الذهب ‪ »..‬فهرسا توضيحيا يتألف من جزأين‬ ‫(‪.) 28‬‬ ‫وحتت إشراف الربوفسور تش‪ .‬ف‪ .‬هورن بدأت بالصدور يف نيويورك مطلع‬ ‫القرن العشرين سلسلة « منتخبات » اليت تضمنت مقاطع (مرتمجة إىل اللغة‬ ‫اإلنكليزية) من نصوص تعود إىل العصر القديم والقرون الوسطى ‪ .‬وتضمن‬ ‫اجمللد السادس من هذه السلسلة ( عام ‪ )1917‬مقتطفات من « مروج الذهب ‪»..‬‬ ‫(‪ . )29‬ولكن ‪ ،‬لألسف ‪ ،‬ال ذكر فيها السم املرتجم ‪.‬‬ ‫ويف العام ‪ 1983‬نشر املستعرب التشيكوسلوفاكي إ‪ .‬هربيك ترمجة‬ ‫مقاطع خمتارة (بلغت حوالي ثلث النص األصلي) من مؤلف املسعودي األساسي‬ ‫َ‬ ‫املقاطع املشوقة للقارئ املعاصر‪.‬‬ ‫‪ ،‬حيث اختار عمليا من مجيع فصول الكتاب‬ ‫وهذا العمل‪ ،‬بغض النظر عن كونه مقتطفات ‪ ،‬يقدم تصورا متكامال‬ ‫وحواش ‪،‬‬ ‫إىل حد كبري عن « مروج الذهب ‪ ،»..‬كما أنه جاء مرفقا مبقدمة‬ ‫ٍ‬ ‫وخرائط كمالحق (‪.) 30‬‬ ‫ويف العام ‪ 1989‬ترجم املستعربان األمريكيان بول لوند وكاروالين‬ ‫‪22‬‬


‫ستوين إىل اللغة اإلنكليزية املقاطع األكثر بالغة من ذاك اجلزء املكرس‬ ‫لتاريخ الساللة العباسية يف « مروج الذهب ‪ . ) 31( »..‬وفيما يتعلق بكتاب‬ ‫املسـعودي «التنبيه واإلشراف» الذي يأتي يف املرتبة الثانية من حيث األهمية‬ ‫‪ ،‬فقد نشره بطبعة حمققة علميا عام ‪ 1894‬املستعرب اهلولندي م‪ .‬دي غوي‬ ‫‪ .‬ويف العام ‪ 1897‬نشر ب ‪ .‬كا ّرا دي فو ترمجة هذا األثر إىل اللغة الفرنسية‬ ‫(‪. ) 32‬‬ ‫ونشري يف هذا الصدد إىل أن قاعة تاريخ بلدان آسيا وإفريقيا (غرفة الشرق‬ ‫) يف مكتبة التاريخ العامة لدولة روسيا االحتادية يف موسكو حتتفظ‬ ‫بنسخة من ترمجة “كتاب التنبيه واإلشراف” الفرنسية مع توقيع مرتجم‬ ‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬باربيه دي مينار الذي قدم هذه الرتمجة هدية منه‪ ،‬عندما‬ ‫كان رئيسا للجمعية اآلسيوية ‪ ،‬إىل م‪ .‬دي غوي تعبريا عن تقديره خلدمات‬ ‫هذا املستعرب اهلولندي يف الرتمجة الفرنسية هلذا األثر‪ .‬والتوقيع مؤرخ يف‬ ‫‪ 13‬أيار‪ /‬مايو ‪ .1897‬وقد لفتت انتباهنا إليه مشكورة أو‪ .‬ف‪ .‬يرمييتشوفا‬ ‫املوظفة يف املكتبة املذكورة‪.‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر أن املستعرب الفرنسي الشهري كا ّرا دي فو كان‬ ‫من أوائل مروجي الثقافة العربية – اإلسالمية يف أوروبا احلديثة‪ .‬ونشر يف‬ ‫العام ‪ 1920‬مخسة جملدات تتضمن ُنبذا حتت عنوان « مفكرو اإلسالم»‬ ‫‪ ،‬خمصصة ألوساط القراء الواسعة ‪ .‬ويف اجمللد األول ‪ ،‬حيث يعرض بإجياز‬ ‫مسرية تطور الفكر التأرخيي عند العرب‪ -‬املسلمني‪ ،‬يطلق على املسعودي‬ ‫« غريم جمد الطربي » (‪. ) 33‬‬ ‫ومما الشك فيه أن تراث املسعودي غدا ملك العلم العاملي كله‪ ،‬وذلك‬ ‫بفضل الطبعات احملققة علميا ملؤلفيه املذكورين وترمجاتهما إىل اللغات‬ ‫األوروبية ‪ .‬فاملستعرب النمساوي البارز ألفريد فون كرميري على سبيل‬ ‫املثال ‪ ،‬أشار مرارا إىل املسعودي يف كتابه املؤلف من جزأين « التاريخ الثقايف‬ ‫‪23‬‬


‫للشرق يف عهد اخللفاء» (‪ ) 1877 – 1875‬م‪ .‬وهذا الكتاب هو أول حبث‬ ‫غربي متكامل يف الثقافة العربية – اإلسالمية ( ‪.)34‬‬ ‫حييلنا املؤلف مرارا إىل أعمال املسعودي ‪ ،‬ويقدم تقوميا له واصفا إياه بأنه‬ ‫أحد أعالم التبحر العلمي العربي اإلسالمي‪ ،‬ويضعه يف مصاف البريوني‪.‬‬ ‫ويرى أن «مروج الذهب ‪ »..‬عمل مجيل ينم عن ذوق رفيع عند واضعه‪ ،‬كما‬ ‫أنه ثري بقصصه املشوقة ‪ .‬ويرى كرميري أن املسعودي ميكن أن يسمى‬ ‫حبق «هريودوت العرب» ‪ .‬ثـمة أساس لالفرتاض بأن املقالة اليت كتبها عن‬ ‫املسعودي أحد مؤسسي مدرسة االستعراب املسكوفية أ‪ .‬ي‪ .‬كرميسكي‬ ‫لقاموس بروكهاوزن و فرون املوسوعي ‪ ،‬تقوم على معلومات مستقاة من‬ ‫عمل أ‪ .‬فون كرميري‪ .‬فريى‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أن فون كرميري حتديدا هو‬ ‫الذي نعت املسعودي بـ «هريودوت العرب»‪ ( ،‬ال دوسون كما هو فعال )‪.‬‬ ‫وفيما بعد ( عام ‪ ) 1922‬حذا أ‪ .‬ميتس ( ‪ ) 35‬حذو كرميري‪ ،‬وكذلك‬ ‫فعل واضعو جمموعة « تراث اإلسالم » (‪ ) 36‬يف العام ‪ ، 1931‬الذين يصفون‬ ‫املسعودي باجلغرايف ‪ ،‬وبأنه « بليين العربي »‪ .‬وعلى الطريق نفسه سار‬ ‫الزوجان د‪ .‬و ج‪ .‬سورديل (‪ ) 37‬عام ‪ ، 1968‬وعام ‪1996‬م‪ .‬وهلما تعود مقالة‬ ‫عن املسعودي يوردانها يف القاموس الذي وضعاه بعنوا ن ‪Dictionnaire hi s‬‬ ‫‪ .”»torique de L›Islam‬ومن الطبيعي أن املسعودي هو واحد من املؤلفني‬ ‫العرب – املسلمني الذين أكثر ما يستند إليهم الباحثون يف املؤلفات املتعلقة‬ ‫بتاريخ الشرقني األدنى واألوسط يف القرون الوسطى ‪ .‬ونشري يف هذا اجملال‬ ‫إىل أعمال ف‪ .‬حيت ‪ ،‬وي‪ .‬أ‪ .‬بيليايف ‪ ،‬و أو‪ .‬غ‪ .‬بولشاكوف (‪ ، )38‬دون إغفال‬ ‫أعمال غريهم من املؤلفني يف هذا اجملال ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومواصلة للتقاليد العلمية اليت أرسى أسسها هامر ‪ -‬بورغشتال وبقيت‬ ‫حتى وقتنا احلاضر ‪ ،‬فإن الدراسات اليت تتناول األدب وعلم التاريخ العربيني ال‬ ‫تستغين أبدا عن املعلومات القيمة ( ولو أنها مقتضبة ) عن املسعودي‪ .‬وفـي هذا‬ ‫‪24‬‬


‫الصـدد نـذكر املؤلفني املستعربني ‪ :‬ف‪ .‬فيوستينـفيلد ‪ ،‬إ‪ .‬ن‪ .‬خوملـوغوروف‬ ‫‪ ،‬ك‪ .‬بروكلمان ‪ ،‬كل‪ .‬هـيوارت ‪ ،‬أ‪ .‬ي‪ .‬كرميسكي ‪ ،‬أ‪ .‬ر‪ .‬غيب ‪ ،‬ر‪ .‬أ‪.‬‬ ‫نيكولسن ‪ ،‬ف‪ .‬سيزغني ‪ ،‬فر‪ .‬روزنتال ‪ ،‬ت‪ .‬خالدي ‪ ،‬إ‪ .‬فيلشتينسكي ‪ ،‬ب‪.‬‬ ‫رادتكه (‪. ) 39‬‬ ‫وابتداء من مطلع القرن العشرين غالبا ما راح الباحثون يستخدمون مؤلفات‬ ‫املسعودي يف شتى الدراسات التارخيية‪ .‬وكان قصب السبق يف هذا اجملال‬ ‫للنروجيي أ‪ .‬زايبل ‪ ،‬واألملاني إ‪ .‬ماركوارت ( ‪ . ) 40‬ويف العام ‪ 1960‬واصل هذا‬ ‫التقليد أ‪ .‬ميكيل ‪ ،‬وب‪ .‬كافرياو ( ‪ .) 41‬واستشهد مبؤلفات املسعودي أيضا‬ ‫الكاتب املعروف ف‪ .‬مينورسكي (‪. )42‬‬ ‫ويف العقد الثاني من القرن العشرين شرع العامل البلجيكي ج‪ .‬سارتون‬ ‫الذي انتقل إىل أمريكا‪ ،‬بنشر عمله املوسع « مقدمة يف تاريخ العلوم » ‪،‬‬ ‫الذي يتناول فيه تراث املسعودي وغريه من العلماء العرب – املسلمني ضمن‬ ‫السياق العاملي العام لتطور املعرفة العلمية‪ .‬وإذا كان دوسون قد نعت‬ ‫املسعودي بـ « هريودوت العرب » فإن ج‪ .‬سارتون‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن واضعي‬ ‫« تراث اإلسالم » ‪ ،‬أطلق عليه «بليين اإلسالمي»‪ .‬وبليين هو صاحب كتاب‬ ‫« التاريخ الطبيعي» الشهري الذي مات وهو يراقب ثورة بركان فيزويف (‪.) 43‬‬ ‫نال تراث املسعودي اهتماما خاصا يف العلوم الروسية يف النصف الثاني‬ ‫من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ‪ .‬ويعود ذلك لالهتمام بدراسة‬ ‫تاريخ شعوب روسيا يف القرون الوسطى‪ ،‬وكذلك التاريخ العربي – اإلسالمي‬ ‫وتاريخ اللغة العربية‪.‬‬ ‫ويف أواسط السبعينات من القرن التاسع عشر ‪ ،‬عندما مل تكن طبعة “‬ ‫مروج الذهب” الباريسية قد أجنزت بعد ‪ ،‬أدرج املستعربان الروسيان املعروفان‬ ‫ف‪ .‬غريغاس و ف‪ .‬روزين فصال من “ مروج الذهب “ ‪ ،‬وهو املتعلق بالنزاع بني‬ ‫األمني واملأمون ‪ ،‬يف جمموعة هلما حتت عنوان “املنتخبات العربية” اليت ال تزال‬ ‫‪25‬‬


‫حتى اليوم مصدر فائدة كواحد من الكتب املعينة لطالب االستعراب يف‬ ‫الكلية الشرقية يف جامعة سان بطرسبورغ (‪.)44‬‬ ‫كان أ‪ .‬ي‪ .‬غاركايف أول عامل ‪ ،‬أصدر يف العام ‪ 1870‬ترمجته إىل اللغة‬ ‫الروسية ملقاطع من مؤلفات املسعودي تتعلق بالسالف ( الصقالبة) والروس‬ ‫القدماء (‪ . ) 45‬كما أن ن‪.‬أ‪ .‬ميدنيكوف ترجم ونشر يف عمل معروف له‬ ‫مقتطفات من مؤلفات املسعودي تتعلق بتاريخ فلسطني يف العصر‬ ‫(‪) 46‬‬ ‫ٍ‬ ‫العربي اإلسالمي‪ .‬ونشر ن‪ .‬أ‪ .‬كارؤولوف مقتطفات من مؤرخنا ختص‬ ‫القوقاز وما وراء القوقاز (‪ .) 47‬وكما يالحظ الباحث الروسي ف‪ .‬م‪ .‬بيليس‬ ‫‪ ،‬فإن مقاطع من ترمجات أ‪ .‬غاركايف‪ ،‬و ن‪ .‬كارؤولوف قد أعيد طبعها مرارا‬ ‫يف إصدارات خمتلفة من “ منتخبات نصوص حول تاريخ االحتاد السوفييت “‬ ‫(‪ . )48‬ويف الفرتة ذاتها صدرت أعمال ب‪ .‬أ‪ .‬دورن (‪ ، ) 49‬و غاركايف سالف‬ ‫الذكر ‪ ،‬و ك‪ .‬برون ‪ ،‬و ف‪ .‬فيستبريغ ‪ ،‬اليت تتضمن إحاالت عديدة إىل مؤلفات‬ ‫املسعودي (‪. ) 50‬‬ ‫وبدءا من العقد األول من القرن العشرين وحتى السبعينات منه نشر يف‬ ‫اخلارج عدد من املقاالت املكرسة لدراسة جوانب شتى من تراث املسعودي‪،‬‬ ‫وبشكل رئيس ما يتعلق بالتاريح واإلثنوغرافيا وفلسفة الطبيعة ‪ .‬ونقصد‬ ‫بذلك أعمال زيبولد‪ ،‬ومودي ‪ ،‬ومكارثين ‪ ،‬وفيدايفيتش ‪ ،‬وليفيتسكي ‪،‬‬ ‫وكراندجالوف ‪ ،‬وتسابكيفيتش ‪ ،‬وخالدي (‪ .)51‬وجتدر اإلشارة بشكل‬ ‫خاص إىل مقاالت س ‪ .‬مقبول أمحد اليت يدرس فيها تصورات املسعودي‬ ‫األساسية كجغرايف (‪. )52‬‬ ‫يف العام ‪ 1958‬نظمت جامعة عليغار اإلسالمية ( اهلند) مؤمترا خاصا‬ ‫مكرسا للذكرى األلفية لوفاة املسعودي ( اليت صادفت فعال العام ‪.) 1956‬‬ ‫ولقد نشرت مواد هذا املؤمتر يف العام ‪ 1960‬يف جمموعة خاصة حتت إشراف‬ ‫س‪ .‬مقبول أمحد و أ‪ .‬رمحن ( ‪.)53‬‬ ‫‪26‬‬


‫ومما يدل على االهتمام العلمي برتاث املسعودي يف العامل العربي مقالة‬ ‫مستفيضة وغنية املضمون نشرت يف العام ‪ 1964‬للعامل العراقي علي جواد‬ ‫‪ ،‬وهي عبارة عن حتليل للعرض الذي يقدمه عالمُ نا املسعودي القروسطي‬ ‫لتاريخ ما قبل اإلسالم (‪ .) 54‬ويف السبعينات من القرن العشرين ُنشرت‬ ‫دراستان عن املسعودي ‪ ،‬أحداهما للباحث ت‪ .‬خالدي تتناول بالتحليل نظرات‬ ‫املسعودي التارخيية ‪ ،‬والثانية للباحث أمحد شبول حيلل فيها موقفه من‬ ‫التاريخ قبل اإلسالمي ‪ ،‬والشعوب املعاصرة له غري اإلسالمية ‪ ،‬وكذلك‬ ‫اهتماماته العلمية (‪.)55‬‬ ‫ومل يضعف اهتمام علم االستشراق يف بالدنا برتاث املسعودي سواء يف العهد‬ ‫السوفييت أو بعده‪ .‬وبالدرجة األوىل استمر نشر ترمجات مؤلفاته وخمتارات‬ ‫منها ‪ .‬ومن اإلصدارات األبكر من هذا النوع هناك جمموعة “ مواد حول تاريخ‬ ‫الرتكمان وتركمانيا” ( ‪ ) 1939‬مع مقدمة ف‪ .‬إ‪ِ .‬بليايف اليت تتضمن نبذة‬ ‫عن املسعودي ومؤلفاته (‪ .)56‬ويف العام ‪ 1949‬أدرج غ‪ .‬ف‪ .‬تسرييتلي مقاطع‬ ‫من مؤلفات املسعودي يف جمموعة نصوص أصدرها حتت عنوان “املنتخبات‬ ‫ٌ‬ ‫العربية”‪ .‬ويف العام ‪ُ 1958‬ن ْ‬ ‫ترمجة ملقاطع من “ مروج الذهب ‪ ”...‬أجنزها‬ ‫شرت‬ ‫األكادميي أ‪ .‬ي‪ .‬مشيدت‪ .‬وتتضمن هذه املقتطفات معلومات املؤلفني العرب‬ ‫يف العصر الوسيط عن تاريخ آسيا الوسطى وإيران ما قبل اإلسالم ( أي قبل‬ ‫الفتح العربي – اإلسالمي)‪ .‬ولشميدت تعود أيضا ترمجة مقتطفات من‬ ‫مؤلفات الطربي ‪ ،‬والدينوري‪ ،‬ومحزة األصفهاني ‪ ،‬والبريوني ‪ ،‬وابن األثري‪.‬‬ ‫وقد عمل على نشر هذه العمل ف‪.‬إ‪ .‬بيليايف (‪ .)57‬ويف العام ‪ 1960‬أدرج ل‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫كوبل ‪ ،‬و ف‪.‬ف‪ .‬ماتفييف مقتطفات من مؤلفات املسعودي ( بلغة النص‬ ‫ي‪.‬‬ ‫األصلية مع ترمجة هلا ) وذلك يف جمموعة منتخبات من املصادر العربية عن‬ ‫إثنوغرافيا وتاريخ شعوب افريقيا جنوب الصحراء الكربى (‪ .)58‬ويف العام‬ ‫‪ 1984‬نشر كاتب هذه السطور ترمجات لقصص من “ مروج الذهب “ ملؤلفه‬ ‫املسعودي الذي مل يكن مؤرخا رائعا وحسب ‪ ،‬بل أديبا رائعا أيضا ( ‪. )59‬‬ ‫‪27‬‬


‫ونشري هنا أيضا إىل األعمال اليت استخدمت فيها مؤلفات املسعودي لتحليل‬ ‫التاريخ القروسطي الباكر للشعوب اليت كانت تقطن أراضي االحتاد‬ ‫السوفييت السابق وغريها من مناطق العامل ‪“ :‬األخبار العربية عن الروس”‪.‬‬ ‫للباحث ف‪.‬ف‪ .‬بارتولد؛ و “السالف وجريانهم حسب معلومات املسعودي” و‬ ‫“املسعودي عن املعابد السالفية الوثنية” للباحث أ‪ .‬ب‪ .‬كوفاليفسكي ؛ و‬ ‫“ بصدد مسألة الطبوغرافيا التارخيية لـ ‪ ..‬إيتيل والبولغار يف القرنني التاسع‬ ‫والعاشر” ‪ ،‬و “ عن العالقات الروسية – اخلزرية والروسية ‪ -‬القوقازية” للباحث‬ ‫أ‪ .‬يو‪ .‬ياكوبوفسكي ؛ و “ابن فضالن واملسعودي” و “ جامع املعلومات عن‬ ‫أوروبا الشرقية “ للباحث ب‪ .‬ن‪ .‬زاخودير ؛ و “املسعودي عن العالقات الروسية‪-‬‬ ‫البيزنطية يف مخسينات القرن العاشر” ‪ ،‬و “معلومات عن البحر األسود يف‬ ‫مؤلفات اجلغرافيني العرب يف القرن التاسع – العاشر” للباحث ف‪.‬م‪ .‬بيليس؛‬ ‫و “املسعودي عن مواطن الروس”‪ ،‬و “ املصادر القدمية يف تاريخ شعوب االحتاد‬ ‫السوفييت‪ “ ،”...‬املسعودي عن البولغار”‪ ،‬و “ املسعودي عن التورك”‪ ،‬و”مالحظات‬ ‫عن التجارة يف أوروبا الشرقية حسب معلومات العلماء العرب يف القرن التاسع‬ ‫– العاشر” للباحثة ت‪.‬م‪ .‬كالينينا ؛ و “ أوروبا الشرقية يف مؤلفات اإلدريسي”‬ ‫‪ ،‬و “ طرق املواصالت يف أوروبا الشرقية حسب معلومات املؤلفني العرب –‬ ‫املسلمني يف القرون الوسطى” للباحثة إ‪ .‬إ‪ .‬كونوفالوفا؛ و” افريقيا يف إضاءات‬ ‫املسعودي‪ ،”...‬و “ من أخبار املسعودي عن القوقاز” للباحثة ل‪ .‬أ‪ .‬سيمونوفا ؛ و”‬ ‫إىل أين كان يسافر الروس القدماء ‪ ..‬إىل األندلس أم األناضول؟” للباحثة ن‪.‬ك‪.‬‬ ‫نيفيدوفا (‪ )60‬؛ و”دولة اخلزر‪ ،”..‬و “املصادر العربية عن النظام اإلجتماعي‬ ‫عند السالف الشرقيني يف القرن التاسع – النصف األول من القرن العاشر ‪ ،‬و‬ ‫“املسيحية واإلسالم واليهودية يف بلدان أوروبا الشرقية والقوقاز يف القرون‬ ‫الوسطى”‪ ،‬و “ قيام الدولة الروسية القدمية‪ ”...‬للباحث أ‪ .‬ب‪ .‬نوفوسيلتسيف‪.‬‬ ‫وحتتل مكانة خاصة يف مثل هذه األحباث أطروحة الدكتوراة اليت أعدها‬ ‫ف‪.‬م‪ .‬بيليس بعنوان “ مؤلفات املسعودي كمرجع يف تاريخ أوروبا الشرقية‬ ‫‪28‬‬


‫يف القرن العاشر”‪ ،‬اليت مل تنشر حتى اآلن لألسف‪ .‬إن مبادئ املقاربة العلمية‬ ‫لدراسة تاريخ الشعوب األوروبية يف القرون الوسطى الباكرة على أساس‬ ‫املصادر العربية ‪ -‬اإلسالمية اليت صاغها هذا العامل قد وجدت تطبيقها على‬ ‫يد تلميذه ف‪.‬إ‪ .‬كريوكوف يف أطروحته لنيل الدكتوراه اليت تناولت هذا‬ ‫اجلانب بالبحث (‪.)61‬‬ ‫ويف الثمانينات من القرن العشرين قام ف‪ .‬بيليس برتمجة مؤلف املسعودي‬ ‫الثاني “ كتاب التنبيه واإلشراف” إىل الروسية‪ ،‬وكان أ‪ .‬نوفوسيلتسيف‬ ‫يعتزم كتابة تعليق على هذه الرتمجة‪ ،‬إال أن وفاة هذين العاملني حالت‬ ‫دون إمتام هذا املشروع العلمي ذي األهمية الفائقة (‪ .)62‬وجند كشفا‬ ‫باملعلومات‪ ،‬اليت يوردها املسعودي عن تاريخ بالدنا (روسيا ) يف القرون‬ ‫الوسطى ‪ ،‬يف العمل اجلماعي “ روسيا القدمية” (‪ .)63‬وال بد أن نضيف أن‬ ‫أحباث كل من إ‪ .‬يو‪ .‬كراتشكوفسكي ‪ ،‬و أ‪ .‬ب‪ .‬كوفاليفسكي ‪ ،‬و‬ ‫ف‪.‬م‪ .‬بيليس و أ‪ .‬ب‪ .‬خالدوف تنظر إىل إبداع املسعودي عامة ‪ ،‬أو بعض جوانبه‬ ‫‪ ،‬بوصفه ظاهرة من ظواهر الثقافة العربية – اإلسالمية (‪.)64‬‬ ‫وإىل هذا االجتاه يف دراسات تراث املسعودي تنتسب أعمال كاتب هذه‬ ‫السطور الذي بدأ بالعمل على دراسته مذ كان طالبا يف معهد آسيا وافريقيا‬ ‫التابع جلامعة موسكو احلكومية‪ ،‬حيث أعد بعض األعمال ‪ ،‬ومنها دبلوم‬ ‫التخرج‪ ،‬عن “ مروج الذهب ‪ ”..‬حتت إشراف م‪ .‬س‪ .‬كيكتيف‪ .‬وبعد الدفاع‬ ‫عن أطروحة دكتوراه فلسفة عام ‪1981‬مبوضوع “نثر املسعودي وتقاليد‬ ‫علم التأريخ العربية ‪ ”...‬صدر لنا عدد من املقاالت ‪ ،‬ويف العام ‪ 1998‬صدر‬ ‫كتابنا ‪ ،‬وهو البيبلوغرافيا العلمية املبسطة األوىل والوحيدة عن املسعودي‬ ‫عندنا حتى اآلن ‪ ،‬وقد عنوناه “ هريودوت العرب” (صدرت ترمجته إىل العربية‬ ‫ّ‬ ‫بدوسون‪ .‬وأخريا ‪ ،‬نشرنا عام ‪ 2002‬ترمجة‬ ‫عام ‪ 2006‬عن دار “املدى”) تيمنا‬ ‫علمية ( مع تعليقات ومقالة تقديم وفهارس ) لذاك اجلزء من “مروج الذهب‪”..‬‬ ‫الذي يتناول تاريخ حكم العباسيني (‪.)65‬‬ ‫‪29‬‬


‫يبني حتليل الدراسات العلمية املكرسة للمسعودي أن اهتمام‬ ‫املستشرقني واملختصني يف تاريخ الشرق قد انصب بشكل رئيس على‬ ‫اجلوانب اإلثنوغرافية واجلغرافية – التارخيية من تراث هذا العامل‪ .‬ويف احلني‬ ‫ذاته ‪ ،‬كما يشري املستعرب املعروف ب‪.‬أ‪ .‬غرياز ِنفيتش ‪ ،‬فإن املسعودي‬ ‫كان مهتما يف سياق إضاءته التاريخ العربي – اإلسالمي ‪ ،‬بـ “ وقائع تاريخ‬ ‫الثقافة العام” بالدرجة األوىل ‪ .‬وباستثناء الفصلني الثاني والثالث من كتاب‬ ‫أمحد شبول (‪ )66‬املكرسني ملوقف املسعودي من أوساط العلم العربي –‬ ‫اإلسالمي ‪ ،‬ال توجد أعمال ختصص حيزا للثقافة العربية – اإلسالمية يف‬ ‫تراث املسعودي‪ ،‬وبالدرجة األوىل وأساسا “ مروج الذهب ‪ .”..‬وهذا احليز على‬ ‫قدر كبري من األهمية ‪ ،‬فوفق تقديراتنا يشكل عدد األشخاص الذين هلم‬ ‫عالقة مباشرة بالعملية الثقافية حوالي ‪ 13‬باملائة من جممل الشخصيات‬ ‫العربية – اإلسالمية املذكورة يف جزء “ مروج الذهب ‪ ”..‬الذي يتطرق إىل‬ ‫تاريخ الدولة العباسية ‪.‬‬ ‫وهذه القرينة تربز اجلديد علميا يف هذا البحث الذي يتناول” مروج الذهب‬ ‫‪ ”..‬ألول مرة يف علم االستعراب الروسي واألجنيب كمرجع يف تاريخ الثقافة‬ ‫العربية – اإلسالمية‪.‬‬ ‫إن تناول تراث هذا العامل العربي – اإلسالمي الكبري من وجهة النظر هذه‬ ‫يبدو لنا حيويا جدا بالنسبة للعلوم اإلنسانية يف بلدنا ‪ ،‬فحتى اآلونة األخرية‬ ‫ عمليا ‪ -‬مل تكن دراسة جوانب علم الثقافة من تاريخ احلضارة العاملية‬‫حتظى مبا تستحقه من االهتمام ‪.‬‬ ‫يف الفصل األول من كتابنا هذا نتناول األهمية الثقافية – التارخيية‬ ‫لتقاليد علم التأريخ العربي – اإلسالمي ومكانة “ مروج الذهب ‪ ”..‬يف هذه‬ ‫التقاليد ‪ .‬والفصول الثالثة اليت تلي الفصل األول مكرسة ملسائل سعينا‬ ‫الستبيانها على قاعدة حتليل املعلومات اليت يتضمنها هذا املؤلف وذات صلة‬ ‫‪30‬‬


‫مبختلف جوانب حياة اجملتمع العربي – اإلسالمي ‪ :‬الثقافية واالجتماعية‬ ‫(الفصل الثاني ) و الدينية والفلسفية ( الفصل الثالث)‪ ،‬وأخريا ما يتعلق‬ ‫مبسائل األدب العربي ( الفصل الرابع ) ‪.‬‬ ‫إن هذا الكتاب الذي نقدمه للقارئ أجنز عام ‪ 2003‬استنادا إىل أطروحة‬ ‫دكتوراه يف العلوم عملنا عليها منذ العام ‪ 1999‬وحتى العام ‪ ، 2002‬يف‬ ‫قسم املخطوطات لشعوب الشرق يف معهد االستشراق التابع ألكادميية‬ ‫العلوم الروسية‪ .‬وأرى من واجيب أن أتقدم بالشكر للزمالء املستشرقني الذين‬ ‫أسدوا لي عونا علميا وعمليا ال يقدر بثمن ‪ ...‬دكاترة العلوم يف التاريخ‬ ‫واآلداب والفلسفة ‪ :‬أ‪ .‬غ‪ .‬بيلوف ‪ ،‬ي‪ .‬أ‪ .‬دافيدوفيتش‪ ،‬د‪ .‬ف‪ .‬ديوبيكا ‪ ،‬غ ‪.‬‬ ‫غ ‪ .‬كوساتشا ‪ ،‬و ‪ .‬غ‪ .‬الند ‪ ،‬ب‪ .‬أ‪ .‬ليتفينسكي ‪ ،‬ن‪ .‬م‪ .‬سازانوف ‪ ،‬ي‪ .‬غ‪.‬‬ ‫سريانيان ‪ ،‬أ‪ .‬ف‪ .‬مسرينوف‪ ،‬إ‪ .‬م‪ .‬فيلشـتيـنـسكي ‪ ،‬ودكـاترة الفـلسفة يف‬ ‫التاريـخ واآلداب ل‪ .‬ف‪ .‬غوريايف ‪ ،‬ت‪ .‬أ‪ .‬دينيسوف ‪ ،‬وطيب الذكر الراحل م‪.‬‬ ‫س‪ .‬كيكتيف‪ ،‬و ف‪ .‬ن‪ .‬ناستيتش ‪ ،‬س‪ .‬ب‪ .‬بيفز ِنر ‪ ،‬ف‪.‬ف‪ .‬سافرونوف ‪ ،‬ن‪.‬‬ ‫ف‪ .‬ستيبانوف‪ ،‬وكذلك أو‪ .‬أ‪ .‬فالسوفا ‪ ،‬ي‪ .‬يو‪ .‬غونتشاروف ‪ ،‬ل‪ .‬غ‪ .‬غوباريفا‬ ‫‪ ،‬ب‪ .‬ن‪.‬بيرتوف‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫هوامش املقدمة‬ ‫‪Brockelman C . Al-Mas`udi, S 464 - 465‬‬ ‫‪Pellat Ch. Al-Masu`di,p.784‬‬

‫‪-1‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ – 3‬ملزيد من التفصيل عن رحالت املسعودي راجع كتاب « شبول أمحد م‪ .‬هـ‪Al- .‬‬ ‫‪ ، “ Masu`di‬وكذلك كتاب دميرتي ميكولسكي “ املسعودي ‪ ..‬هريودت‬ ‫العرب “ ‪ //‬صدرت ترمجته العربية عن دار “ املدى “ ‪// 2006‬‬ ‫‪ – 4‬رمسنا اجملرى العام لتطور احلضارة العربية – اإلسالمية على قاعدة املؤلفات‬ ‫التالية حسب تاريخ صدورها‪:‬‬ ‫‪Hitti Ph.K. History of the Arabs, 1937‬‬ ‫بليايف ي‪ .‬أ‪ .‬العرب واإلسالم واخلالفة العربية ‪ /‬بالروسية ‪/‬‬ ‫‪Shaban M. A. Islamic History‬‬ ‫‪Lassner J. The Shapping of Abbasid Rule‬‬ ‫‪Kenndy H. The Early Abbasid Caliphate‬‬ ‫غرونيباوم غ‪ .‬ي‪ .‬فون‪ .‬اإلسالم الكالسيكي ‪ /‬بالروسية ‪/‬‬ ‫ميخائيلوف إ‪ .‬ب‪ .‬بغداد يف العصور الوسطى ‪ / ...‬بالروسية ‪/‬‬ ‫‪Blankinship Kh. Y. The End of the Jihad State‬‬ ‫‪ – 5‬ملزيد من التفصيل عن نشأة احلركة الشيعية راجع ‪ .‬بروزورف س‪ .‬م‪ .‬مقدمة –‬ ‫احلسن بن موسى النوخبيت‪ .‬الفرق الشيعية ‪ /‬بالروسية ‪/‬‬ ‫‪ – 6‬ملزيد من التفصيل عن تطور األدب العربي يف العصر العباسي راجع ‪:‬‬ ‫فيلشتينسكي إ‪.‬م‪ “ .‬تاريخ األدب العربي من القرن اخلامس وحتى أوائل القرن‬ ‫العاشر “‪ .‬وله أيضا “ تاريخ األدب العربي من القرن العاشر وحتى القرن الثامن عشر”‪.‬‬ ‫‪ /‬بالروسية ‪./‬‬ ‫‪ – 7‬راجع ‪ :‬خمطوطات معهد االستشراق العربية ص ‪419‬‬ ‫‪ – 8‬راجع ‪ :‬بيليس ف‪ .‬م‪ .‬مؤلفات املسعودي ‪...‬؛ ص ‪ / 67‬بالروسية ‪/‬‬ ‫‪ -9‬انظر‪:‬‬ ‫‪Abulfedae annals Muslemici , p. 712 – 716‬‬ ‫…‪Guignes J. de. Les Prairies d`or‬‬ ‫‪ – 10‬انظر ‪:‬‬ ‫‪ – 11‬راجع ‪:‬‬ ‫‪32‬‬


Klaproth J. von. Beschreibng der Russischen Provinzen

: ‫ – راجع‬12 Fraehen Ch. M. Ibn-Fozlan`s und anderer Araber Berichte… : ‫ – راجع‬13 Fraehn Ch. M. Die altesten arabichen Nachrichten….., S. 16 , 46. D`Ohsson C. Des peoples du Caucase…., p. V - 14 Charmoy F. B. Relation de Massoudi…. : ‫ راجع‬-15 Gildemeister J. De rebus indae quamoto… -16 Gildemeister J. Uber den Titel des Masudischen Werkes Muruj al – Dahab. Pellat Ch. Al-ms`sudi, p. 786 : ‫ – راجع‬18 - 17 / ‫ بالروسية‬/ .‫ محالت الروس األوىل على الشرق‬.‫ف‬.‫ – غريغورييف ف‬19 Quatremere E. Notice sur vie et les ouvrages de Masoudi. ‫ انظر‬- 20 Nicholson J. An Account of the Establishment of the : ‫ راجع‬-21 Fatemite Dynsty in Africa …, p 37 – 50. :‫ انظر‬-22 el-Masudi’s Historical Encyclopaedia..Preface:p.V-LXXII ‫ راجع‬- 23 Caussin de Perceval A.P. Essai sur l’histoire des Arabes avant l’islamisme … T. I-III. Reinaud. Geographie d’Aboulfeda, p.LXIV – LXXII ‫ راجع‬-24 : ‫ – راجع‬25 Hammer- Purgstall J. Litaraturgeschichte der Araber, S.509 ‫ راجع‬-26 Mascudi. Les prairies d›or. Texte et trad. par C.Barbier de Meynard et Pavet de Courteille ( BM et PC) Renan E. Les prairies d’or de Macoudi. P.253 – 275. -27 : ‫ – انظر‬28 Pellat Ch. Index ; Shboul Ahmed M.H. Al-Mas’udi Horne. Medieval Arabic… p. 35 -89 - 29 33


al-Mas›udi, ali b. al-Husain. Ryzoviste zlata : ‫ راجع‬- 30 ) ‫ كالينينا‬.‫ م‬.‫( تشري إىل هذا املرجع الباحثة يف الدراسات التارخيية ت‬ Masudi. The Meadows of Golf: The Abbasids. : ‫ – راجع‬31 : ‫ – راجع‬32 al - Masudi. Kitab at-tanbih wa-l-ishraf ; Macoudi. ; Le Livre de L’avertissement et de la revision. ; Carra de Vaux B. Note sur un ouvrage attribue a Macoudi. : ‫ – راجع‬33 Carra de Vaux B. Les penseurs de L’Islam. Vol.I. Les souverains: L’Histoire et la philosophie politique, p. 95 – 96 Kremer A.von . Culturgeschichte des Orients unter : ‫ – راجع‬34 den Chalifen. :‫ – انظر‬35 Mez A. Die Renaissance des Islams. Heidelberg, 1922 The Legacy of Islam. :‫ – راجع‬36 Sourdel D. et J. La Civilisation de L’Islam Classique, - 37 : ‫ – راجع‬38 ‫ العرب واإلسالم واخلالفة‬.‫ أ‬.‫ و بيليايف ي‬Hitti Ph.Histovy of the Arabs ; / ‫ بالروسية‬/ ‫ تاريخ اخلالفة‬.‫ غ‬.‫؛ و بولشاكوف أو‬/ ‫ الروسية‬/ ‫العربية‬ Wustsnfeld F. Die Geschichtscreiber der Araber und : ‫ – راجع‬39 ihre Werke, S. 38 -40 (No 119); Brockelman C. Geschichte der arabischen Literatur. Bd I, S. 143-145 ; Brckelman C.Al-Mas›udi. S 464-465; Huart CL. Literature Arabe, p. 182 – 183 ; Nicholson R. A. A Literary History of the Arabs, p.352 – 354 ; Sezgin F. Gecshichte des arabischen Schriftums, S. 332 – 336 ; Rosenthal Fr. A History of Muslim Historiography. P.10,42, 50, 87- 93, 135 – 137sq ; Khalidi T. Islamic Historigraphy, p.131 – 136 ; Radtke B. Weltgeschichte….,S.2,5,12,14,ff. .‫ ي‬.‫ ؛ كرميسكي أ‬339 .‫ الشامل يف تاريخ األدب ص‬: ‫و كذلك املراجع الروسية‬ ‫ ؛‬59 .‫ ص‬،... ‫ األدب العربي‬.‫ ر‬.‫ أ‬. ‫ ؛ غيب‬144 .‫ ص‬، ... ‫تاريخ العرب واألدب العربي‬ . ‫ ص‬،‫ تاريخ األدب العربي القرن العاشر – القرن لثامن عشر‬.‫ م‬.‫فيلشتينسكي إ‬ 250 - 225 34


‫‪ – 40‬راجع ‪Seippel A.Rerum Normannicorum fontes Arabici …, :‬‬ ‫( يف اجلزء األول من هذا الكتاب يورد املؤلف مقاطع باللغة العربية من “ مروج‬ ‫الذهب ‪ ”..‬ومن “التنبيه واإلشراف “ مكرسة للنورمانيني وغريهم من شعوب أوروبا ‪،‬‬ ‫وكذلك القوقاز ) ‪.‬‬ ‫‪Marquat J. Osteuropaische und Ostasiatische‬‬ ‫راجع أيضا ‪:‬‬ ‫‪Streifzuge,S. 142 0 146‬‬ ‫‪Miquel A. La geograpgie humaine du monde‬‬ ‫‪ – 41‬راجع ‪:‬‬ ‫‪musulman .., p. 95 – 102,113. 153, 192- 203 ; Kawerau. Arabische‬‬ ‫‪Quellen …,S. 11 -12‬‬ ‫‪ – 42‬لالطالع على أعماله راجع ‪ :‬بيليس ف‪ .‬م‪ “ .‬مؤلفات املسعودي “ ‪/‬بالروسية ‪./‬‬ ‫نشر كتاب مينورسكي “تاريخ شريوان ودربند القرن العاشر‪ -‬القرن احلادي عشر‬ ‫“ يف روسيا عام ‪ ،1963‬وهو يتضمن ترمجة فصل من “ مروج الذهب ‪.“ ...‬‬ ‫‪Sarton G. Introduction to the History of Science, p. 637 – 639 - 43‬‬ ‫‪ - 44‬غريغاس ف‪ .‬ن روزين ف‪ “ .‬املنتخبات العربية “ ‪ ،‬ص‪ / 248 -222 .‬بالروسية ‪/‬‬ ‫( تشري حاشية على الصفحة السادسة من هذا الكتاب إىل أن املقطع من “ مروج‬ ‫الذهب ‪ ”..‬مأخوذ من الطبعة الفرنسية )‬ ‫‪ - 45‬غاركايف ‪ .‬أقوال الكتاب املسلمني عن السالف ( الصقالبة ) والروس‪/ .‬‬ ‫بالروسية ‪ /‬ص‪176 – 117 .‬‬ ‫‪ – 46‬راجع ‪:‬‬ ‫ميدنيكوف ن‪ .‬أ‪ .‬فلسطني منذ لفتح العربي وحتى احلمالت الصليبية ‪ / ...‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ – 47‬كارؤولوف ن‪ .‬أ‪ .‬معلومات اجلغرافيني العرب يف القرن التاسع – العاشر‪، ...‬‬ ‫ص‪ / 30 – 29 .‬بالروسية ‪./‬‬ ‫‪ -48‬راجع ‪ :‬بيليس ف‪ .‬م‪ .‬مؤلفات املسعودي ‪ ،...‬ص‪ / 72 .‬بالروسية ‪./‬‬ ‫‪Dorn B. Auszuge aus zwei morgenlandischen‬‬ ‫‪- 49‬‬ ‫‪Schriftstellen.. 381‬‬ ‫وله أيضا كتاب “ ‪ ”Caspia‬املرتجم إىل الروسية بعنوان “ محالت الروس القدماء‬ ‫على طربستان “‬ ‫‪ - 50‬غاركايف أ‪ .‬شهادات غري منشورة للمسعودي عن محالت الروس على تسارغراد‬ ‫( القسطنطينية ) ؛ برون ف‪ .‬من هم القبائل الرتكية األربع اليت كسرت اإلغريق‬ ‫عام ‪ 934‬حسب شهادة املسعودي ‪ ....‬؛ فيستبريغ ف‪ .‬بصدد حتليل املصادر الشرقية ‪...‬‬ ‫‪ - 51‬ترد أمساء هؤالء الباحثني يف العديد الدراسات الروسية يف هذا اجملال‪.‬‬ ‫‪Maqbul Ahmad S. Al- Mas’udi’s contribution … 1953 ; - 52‬‬ ‫‪35‬‬


‫وله أيضا ‪The travels of … Al- Mas’udi 1954‬‬ ‫‪Al-Mas’udi : Millenary Commemoration Volume.‬‬ ‫‪- 53‬‬ ‫‪ – 54‬علي جواد ‪ .‬موارد تاريخ املسعودي ‪.‬‬ ‫‪Khalidi T. Islamic Historiogrphy ; Shboul Ahmad‬‬ ‫‪- 55‬‬ ‫;… ‪M.H.A - Mas›udi‬‬ ‫وثـمة عمل آخر أشارت إليه ت‪.‬م‪ .‬كالينينا ومل يتح لنا بعد االطالع عليه ‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫‪Rotter G. Al-Mas’udi : Bis zu den Grenzen der Erde‬‬ ‫‪ – 56‬املواد املتعلقة بتاريخ الرتكمان وتركمانيا ( مستعارة من ترمجة س‪ .‬ل‪.‬‬ ‫فولين لكتاب “التنبيه واإلشراف “ ص‪ ، 166 .‬ومن كتاب “ مروج الذهب ‪ ”..‬ص‪.‬‬ ‫‪ .)167- 166‬ويف مقدمة ف‪ .‬إ‪ ..‬بليايف “ املصادر العربية عن تاريخ الرتكمان‬ ‫وتركمانيا” ترد على الصفحة ‪ 25‬معلومات عن املسعودي‪.‬‬ ‫‪ – 57‬مشيدت أ‪ .‬ي‪ .‬مواد يف تاريخ آسيا الوسطى وإيران ‪ ،‬ص‪ / 473 –569 .‬بالروسية‪/‬‬ ‫ِّ‬ ‫كوبل ‪ ،‬و ماتفييف ‪ .‬املصادر القدمية والقروسطية ‪ ،..‬ص‪ /261– 19 .‬بالروسية‪./‬‬ ‫‪– 58‬‬ ‫‪ – 59‬ميكولسكي ‪ .‬املسعودي ‪ .‬قصص‪.‬‬ ‫‪ - 60‬لقيت هذه الدراسة معارضة من طرف ف‪ .‬مينورسكي ) انظر‪ :‬مينورسكي ف‪.‬‬ ‫إىل أين رحل الروس القدماء؟)‬ ‫‪ – 61‬كريوكوف ف‪ .‬غ‪ .‬معلومات اجلغرافيني العرب أواخر القرن التاسع – النصف‬ ‫األول من القرن العاشر ‪ ، ...‬ص ‪15 -11 , 8-9 ، 6 ، 5‬‬ ‫‪ – 62‬راجع ‪ :‬ت‪ .‬م‪ .‬كالينينا “ كتاب التنبيه واإلشراف “‪ ,....‬املقالة تتضمن عرضا‬ ‫مسهبا ملضمون هذا األثر‪.‬‬ ‫‪ - 63‬راجع ‪ :‬روسيا القدمية يف ضوء املصادر األجنبية ‪ ،‬ص‪ / 3 220-22 .‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ – 64‬كراتشكوفسكي إ‪ .‬يو‪ .‬األدبيات اجلعرافية العربية؛ وله أيضا ‪ :‬اجلغرافيون‬ ‫والرحالة العرب ‪ /‬بالروسية ‪ /‬؛ و‪.‬ب‪ .‬كوفاليفسكي ‪ ،‬أبو احلسن على املسعودي‬ ‫عاملا ‪ /‬باألوكرانية‪ /‬؛ ف‪.‬م‪ .‬بيليس‪ .‬صورة عن حضارات العصر القديم والقرون‬ ‫الوسطى‪ / ..‬بالروسية ‪ /‬؛ الصولي أبو بكر حممد ‪ .‬تقديم أ‪.‬ب‪ .‬خالدوف ‪ /‬بالروسية‪./‬‬ ‫‪ – 65‬د‪ .‬ف‪ .‬ميكولسكي‪ “ .‬مروج الذهب ومعادن اجلوهر” ‪ -‬تاريخ حكم الساللة‬ ‫العباسية ‪/‬بالروسية‪./‬‬ ‫‪Shboul Ahmad M. N. Al- Mas’udi. p. 29 – 94‬‬ ‫‪– 66‬‬

‫‪36‬‬


‫الفصل األول‬

‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربي –‬ ‫اإلسالمي‬ ‫علم التأريخ واحد من أهم جماالت احلياة الفكرية يف العصر العباسي‪.‬‬ ‫واملؤلف الرئيس الذي وصلنا من مؤلفات املسعودي هو عمل تأرخيي‪ .‬ولفهم‬ ‫طبيعته وخصائصه كجنس أدبي‪ ،‬ينبغي أن نتبني متى ظهرت املعارف‬ ‫التارخيية عند العرب – املسلمني ‪ ،‬وعلى أي حنو تطورت ‪)1( .‬‬ ‫ظهرت مبادئ املعارف التارخيية عند العرب منذ ما قبل اإلسالم‪ ،‬إذ نالحظ‬ ‫يف الشعر العربي اجلاهلي أوىل احملاوالت الرامية لتسجيل األحداث اليت اتصفت‬ ‫باألهمية على صعيد اجملتمع ‪.‬‬ ‫ونرى أيضا حماوالت لتسجيل الوقائع التارخيية يف النصوص النثرية اليت‬ ‫رافقت القصائد الشعرية ‪ .‬كانت تلك النصوص تتضمن معلومات عن سري‬ ‫الشعراء ‪ ،‬منها على سبيل املثال‪ ،‬ما يتعلق بلقاءاتهم مشاهري الناس كامللوك‬ ‫وغريهم ‪ .‬وفيها إىل جانب ذلك إشارات إىل الظروف اليت استدعت نظم هذه‬ ‫القصيدة أو تلك ‪ .‬وعلى األغلب األعم كانت تلك املعلومات حتمل طابع‬ ‫األسطورة ‪ ،‬وتتوفر على فيض من املوضوعات الفولكلورية اليت نصادفها‬ ‫عند الشعوب األخرى ‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫واجلنس اآلخر للرواية التارخيية عند العرب قبل اإلسالم هو املوروث القبلي‬ ‫املتضمن ‪ ،‬بشكل رئيس ‪ ،‬أخبار احلروب اليت كانت ختوضها القبائل‬ ‫العربية‪ .‬وهذا اجلنس يعرف بـ” أيام العرب “‪ ،‬اليت كانت تعبريا عن ذاكرة‬ ‫القبيلة اجلماعية ‪ ،‬وأخذت صيغتها يف اجتماعات (جمالس) رجال هذه‬ ‫القبيلة أو تلك ‪ .‬‬ ‫جـرى تـدويـن الشعـر العربي قـبل اإلسالم والنصوص النـثرية املـرافـقـة‬ ‫له ‪ ،‬وكذلك “ أيام العرب “ يف القرنني الثامن – التاسع ‪ ،‬أي يف حقبة نضوج‬ ‫الثقافة العربية – اإلسالمية ‪.‬‬ ‫وهلذه الفرتة يعود تسجيل األساطري التارخيية اليت ترجع جذورها إىل‬ ‫ما قبل اإلسالم ‪ ،‬أي ما يسمى املورث القبلي اليمين الذي كان تعبريا عن‬ ‫الوعي الذاتي عند القبائل “ اليمنية “ (اجلنوبية ) ‪ ،‬اليت اختذت شكل احتاد‬ ‫قبلي خاص كما يرى بعض الباحثني املعاصرين ‪ ،‬وذلك بعد ظهور الدين‬ ‫اإلسالمي‪ .‬واملقصود بذلك أساسا هو أعمال املؤرخ الشهري وهب بن منبه ‪ ،‬اليت‬ ‫تضمنت أسفارا دينية عن أنبياء العهد القديم ( اإلسرائيليات) ‪ .‬وكان هدف‬ ‫املوروث القبلي اليمين متجيد العرب “اجلنوبيني”‪ ،‬إذ كان ينبغي التدليل‬ ‫على أنهم ليسوا دون عرب “ الشمال” ‪ ،‬بل حتى أرفع منهم شأنا ‪.‬‬ ‫مل تنقطع “ أيام العرب” يف العصر اإلسالمي ‪ ،‬بل تطورت قدما‪ ،‬وأضحت أحد‬ ‫أسس التأريخ العربي – اإلسالمي ‪ .‬وعلى غرار أسالفهم قبل اإلسالم كان‬ ‫العرب يف العصر اإلسالمي يتالقون يف “اجملالس”‪ ،‬ويتبادلون األحاديث عن‬ ‫مآثر القبائل يف العصر اإلسالمي‪ .‬وهذه” األخبار” تتطوي على الكثري مما‬ ‫جيمعها بـ “ أيام العرب” ما قبل اإلسالم ‪ .‬لقد بدأ تدوين هذه األخبار املتناقلة‬ ‫َّ‬ ‫ومسي العلماء الذين اعتنوا جبمع “‬ ‫(املوروث) يف أوائل القرن الثامن ‪،‬‬ ‫األخبار “ تسمية مطابقة ‪ ،‬أي “األخباريون”‪ .‬وكان األكثر شهرة بينهم‬ ‫أبو حمنف ‪ ،‬عوانة بل احلكم ‪ ،‬سيف بن عمر‪ ،‬و نصر بن مزاحم‪ .‬ويعترب‬ ‫‪38‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫املدائين اإلخباري احللقة األبرز اليت بها ختتتم سلسلة هذا التقليد العريق ‪.‬‬ ‫لقد ضاع معظم أعمال جامعي األخـبار ومل يـبق منها حتى أيـامنا إال القليل‬ ‫‪ ،‬غري أن باإلمكان احلكم عليها من خالل ما يرد من ذكر هلا عند مؤلفني‬ ‫الحقني ‪ .‬أخذ املؤرخون األوائل يصنفون املـوروث التاريـخي اإلسـالمي ‪ ،‬فألفوا‬ ‫منه أسفارا مكرسة ألحداث تارخيية هامة ‪ ،‬منها على سبيل املثال موقعة‬ ‫اجلمل اليت دارت رحاها بني علي بن أبي طالب من جهة وطلحة والزبري من جهة‬ ‫ثانية ‪ ،‬وموقعة صفني ( ‪ ،) 657‬وانتفاضة الشيعة بقيادة املختار ( ‪– 685‬‬ ‫‪ .) 687‬ولقد وضع املدائين عن تاريخ اخلالفة كتاب “ أخبار اخللفاء الكبري”‪،‬‬ ‫وبذلك أرسى أسس علم التأريخ العربي – اإلسالمي ‪.‬‬ ‫وبتأثري التصورات التوراتية ‪ ،‬اليت استوعبها اإلسالم جزئيا‪ ،‬ربط النسابة‬ ‫َ‬ ‫القبائل العربية بالتصنيف التوراتي للشعوب‪ .‬ومما حفز‬ ‫العرب املسلمون‬ ‫تطور علم األنساب أن نظاما خاصا أقيم يف عهد اخلليفة عمر بن اخلطاب‬ ‫لدفع األرزاق مقابل املشاركة يف احلمالت العسكرية‪ ،‬ومسي هذا النظام‬ ‫“ديوان اجلند”‪ .‬والعنصر اهلام يف هذا النظام هو السجالت اخلاصة اليت حتصي‬ ‫املقاتلني وأقرباءهم وفقا النتمائهم القبلي ‪ .‬وهكذا غدا موضوع عالقة‬ ‫النسب بهذه القبيلة أو تلك مسألة مكانة اجتماعية ورفاه مادي بالنسبة‬ ‫لكل فرد ‪.‬‬ ‫وكان حممد الكليب ‪ ،‬على األرجح ‪ ،‬أول مؤلف عربي – إسالمي قام‬ ‫بتصنيف معلومات النسب واملوروث القبلي ‪ .‬وقام ابنه هشام بتدوين وإكمال‬ ‫ما مجعه ‪ .‬وقد وضع مثل هذا اجملمع عن األنساب ‪ ،‬على سبـيل املثال ‪ ،‬أبو‬ ‫يقظان النسابة ‪ .‬ومن النسابة الالحقني ال بد أن نذكر اهليثم بن عدي ‪ ،‬و‬ ‫مصعب الزبريي‪ .‬ورمبا كان مؤلف اهليثم بن عدي “ كتاب التاريخ على‬ ‫السنني “ الذي مل يصلنا ‪ ،‬إحدى أوىل احملاوالت – إىل جانب مؤلفات املدائين –‬ ‫لوضع رواية كاملة يف تاريخ اجلماعة اإلسالمية ‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫كما أن تقليد مجع املوروث عن سلوك النيب حممد وأقواله (احلديث ) كان‬ ‫مصدرا آخر لتطور التأريخ العربي – اإلسالمي‪ .‬ولقد ولد هذا الفرع من التبحر‬ ‫العلمي العربي – اإلسالمي يف املدينة ‪ ،‬العاصمة األوىل للدولة اإلسالمية ‪.‬‬ ‫ويرى الباحث البارز يف علم التأريخ العربي – اإلسالمي ‪ ،‬األستاذ العراقي‬ ‫يف جامعة عمان ‪ ،‬عبد العزيز الدوري ‪ ،‬أنه جرى أوال مجع األحاديث ‪ ،‬ثم تناول‬ ‫البحث تاريخ احلمالت اليت قام بها النيب حممد ‪ ،‬وجوانب أخرى من سريته‪ .‬وفيما‬ ‫بعد بدأ وضع سري وتراجم صحابة النيب ‪ ،‬وصوال يف آخر املطاف إىل دراسة تاريخ‬ ‫اجلماعة اإلسالمية كلها (‪.)2‬‬ ‫ولقد انتقل إىل املؤلـفـات التارخيية عنـصر هـام من تقاليد مجـع‬ ‫األحـاديث ‪ ،‬هو “اإلسناد” ‪ ،‬أي سرد أمساء األشخاص الذين رووا هذه املعلومة‬ ‫أو تلك ‪ ،‬وأكدوا صحتها‪.‬‬ ‫وأول جنس تأرخيي هو “املغازي” ‪ ،‬أي رواية أخبار غزوات النيب‪ ،‬علما‬ ‫بأن أوائل املؤلفني مل يقتصروا يف مؤلفاتهم على ذكر األحداث التارخيية‬ ‫األكيدة ‪ ،‬بل ضمنوها أيضا قصصا فولكلورية (حكايات) كان الناس‬ ‫يتناقلونها شفهيا على نطاق واسع ‪ ،‬وانتشرت بفضل قصاصني شعبيني من‬ ‫نوع خاص‪ .‬ويف أول األمر كان كل جنس السرية النبوية يسمى “املغازي “‪.‬‬ ‫ومن املتعارف عليه أن مؤسس جنس “املغازي” هو ابن اخلليفة الراشدي الثالث‬ ‫عبان بن عثمان بن عفان الذي كان أصال من جامعي األحاديث‪ ،‬ولكنه‬ ‫شخصيا مل يعمل على تسجيلها‪.‬‬ ‫وأول كتاب يف “ املغازي “ وضعه عروة بن الزبري ‪ ،‬وقد بقيت منه مقاطع‬ ‫يف مؤلفات املؤرخني الالحقني ‪ .‬وثـمة ما يدعونا لالفرتاض أن عروة مل يكن‬ ‫مهتما بظروف حياة نيب اإلسالم وحسب ‪ ،‬بل وبعهد اخللفاء الراشدين أيضا‪.‬‬ ‫أما شرحبيل بن سعد ‪ ،‬املجُ ايل األصغر سنا لعبان بن عثمان وعروة بن‬ ‫‪40‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫الزبري‪ ،‬فقد وضع لوائح بأمساء صحابة حممد وفقا ملشاركة كل منهم يف‬ ‫هذه األحداث أو تلك‪ .‬واتسم ذلك بأهمية كبرية بالنسبة خللف الصحابة‪ ،‬إذ‬ ‫كان له تأثري جلي على وضعهم االجتماعي ‪.‬‬ ‫ويف الوقت نفسه ‪ ،‬وإىل جانب عبان بن عثمان ‪ ،‬وضع املؤرخون عبد اهلل‬ ‫بن أبي بكر بن حممد بن عمرو بن حزم ‪ ،‬وعاصم بن عمر بن قتادة‪ ،‬و حممد‬ ‫بن مسلم بن شهاب الزهري‪ ،‬تعريفا دقيقا حلدود “ املغازي” ومجعوا القسم‬ ‫األكرب من املواد اليت استخدمها املؤلفون الالحقون ‪.‬‬ ‫وكان الزهري األكثر أهمية من هؤالء املؤرخني الثالثة ‪ ،‬فهو أول من‬ ‫استعمل مصطلح “السرية” فيما يتعلق جبمع املعلومات عن النيب حممد‪.‬‬ ‫كما أنه صنف هذه املعلومات وفق املواضيع والتسلسل الزمين‪ .‬وكان‬ ‫لسرية النيب عند الزهري الطابع البنيوي التالي ‪ :‬معلومات عن مرحلة ما قبل‬ ‫اإلسالم تتعلق بالنيب‪ ،‬واملرحلة املكية من نشاطه ‪ ،‬واهلجرة ‪ ،‬واحلمالت ‪،‬‬ ‫وفتح مكة ‪ ،‬والبعثات اليت نظمها‪ ،‬والبعثات قصدته ‪ ،‬وغري ذلك من أنواع‬ ‫نشاطه ‪ ،‬حتى مرضه األخري ووفاته ‪.‬‬ ‫وفضال عن ذلك تطرقت أعمال الزهري إىل مرحلة اخللفاء الراشدين حتى‬ ‫بداية حكم األمويني ‪.‬‬ ‫وعلى هذا النحو يكون الزهري‪ ،‬إىل جانب اهليثم بن عدي واملدائين ‪ ،‬قد‬ ‫أرسى األسس البنيوية لرواية متكاملة عن تاريخ اجلماعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫من املعروف أن وهب بن منبه وضع كتابا عن جنس املغازي‪ .‬غري أن له‬ ‫خدمات جلى أخرى يف ميدان تطوير علم التأريخ العربي – اإلسالمي ‪ .‬ومن‬ ‫أهم مؤلفاته “املبتدأ” ‪ ،‬الذي يشكل أول حماولة للرواية بشكل مرتابط عن‬ ‫الرساالت النبوية السماوية قبل اإلسالم ‪ ،‬اليت تشكل ‪ ،‬من وجهة نظر العلماء‬ ‫العرب – املسلمني ‪ ،‬جوهر تاريخ العامل‪ .‬وبفضل االقتباسات عن هذا العمل‬ ‫‪41‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫اليت احتفظت بها مؤلفات املؤرخني الالحقني ابن قتيبة ‪ ،‬والطربي ‪ ،‬واملقدسي ‪،‬‬ ‫ميكننا أن نعرف أن وهب بن منبه كتب عن التاريخ التوراتي (العهد القديم)‬ ‫‪ ،‬ومن ثم انتقل إىل األنبياء الذين ورد ذكرهم يف القرآن ‪ ،‬عداك عن أنه‬ ‫حتدث عن أتقياء مثل لقمان‪ ،‬والفتية السبعة النائمني (أهل الكهف) ‪.‬‬ ‫كان ألعمال وأفكار وهب بن منبه تأثري كبري على حممد بن اسحق‬ ‫تلميذ الزهري ومؤلف أقدم السري اليت وصلتنا ‪ .‬و”سرية” ابن اسحق وصلتنا عرب‬ ‫حتقيق ابن هشام ‪ .‬وانعكست يف هذا املؤلف أيضا مبادئ مدرسة التأريخ‬ ‫املدينية اليت تعود إىل أسس علم احلديث ‪ ،‬فأسالف ابن اسحق هم عروة بن‬ ‫الزبري‪ ،‬وعاصم بن عمر بن قتادة ‪ ،‬و عبد اهلل بن أبي بكر بن حممد بن عمرو‬ ‫بن حزم ‪.‬‬ ‫كانت سرية ابن اسحق حسب فكرتها األولية تتألف ‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬من‬ ‫األجزاء التالية ‪“ :‬املبتدأ” ( خلق وتاريخ األنبياء حتى نزول الوحي والدعوة‬ ‫احملمدية) ‪ ،‬و “املبعث “ ( رسالة حممد )‪ ،‬و “املغازي “ ( احلمالت العسكرية)‪.‬‬ ‫والصيغة اليت وصلتنا لسرية ابن هشام تولي االهتمام األكرب للجزء الثاني من‬ ‫هذا العمل ‪.‬‬ ‫يصف ابن اسحق أيضا “ تاريخ اخللفاء ” الذي مل يصلنا إال يف مقاطع‬ ‫جمتزأة‪ .‬ورمبا كان هذا التاريخ يغطي مراحل حكم اخللفاء الراشدين‬ ‫واألمويني ‪ .‬وعلى العموم فإن هيكلية هذين املؤلفني تدل على طموح ابن‬ ‫اسحق لتقديم عرض لتاريخ العامل بأكمل وجه ‪.‬‬ ‫ويف النصف األول من القرن الثامن أخذ مؤلفون آخرون يهتمون بالتاريخ ‪.‬‬ ‫وقد أيد هؤالء آراء الشعوبية‪ ،‬ومل يكونوا من أصل عربي‪ .‬ومن األوائل كان‬ ‫الكاتب النثري الشهري عبد اهلل بن املقفع ‪ ،‬الذي ترجم إىل اللغة العربية مؤلف‬ ‫تارخيي بالفارسية الوسطى يتضمن سرية امللوك الساسانيني ‪ .‬وكان عنوان‬ ‫الرتمجة “سري امللوك”‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫وهذا العمل ‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن الرتمجات املماثلة األخرى من اللغة‬ ‫الفارسية الوسطى (الفهلوية) ومن اليونانية والسريانية ‪ ،‬ساهم يف إطالع‬ ‫العرب – املسلمني على مادة واقعية من تاريخ الشعوب القدمية‪ ،‬وساعدهم‬ ‫يف استيعاب التصورات اإليرانية والبيزنطية عن التاريخ ‪.‬‬ ‫ويرتبط الطور التالي من مسرية التأريخ باسم حممد بن عمر الواقدي‪ ،‬الذي‬ ‫يكرس مؤلفه الرئيس “ املغازي “ حلمالت النيب العسكرية يف الفرتة‬ ‫املدينية ‪ .‬وهذا العمل من حيث املضمون والطريقة يواصل تقاليد الزهري‬ ‫وابن اسحق ‪.‬‬ ‫وعلى غرار املؤرخني “ األخباريني “ وضع الواقدي عددا من األعمال عن‬ ‫أهم أحداث تاريخ اجلماعة اإلسالمية ‪ ،‬مثل مقتل عثمان ‪ ،‬وموقعيت صفني‬ ‫َ‬ ‫ووضع أيضا “ التاريخ الكبري” الذي يتحدث‬ ‫واجلمل ‪ ،‬وفتح سورية والعراق ‪.‬‬ ‫فيه ‪ ،‬حسب كل الدالئل ‪ ،‬عن حكم اخللفاء حتى العام ‪795‬م ‪.‬‬ ‫ومن مؤلفات الواقدي “ كتاب الطبقات “ ‪ ،‬أي أجيال صحابة النيب حممد‪.‬‬ ‫وكان هذا الكتاب‪ ،‬على األرجح ‪ ،‬املصدر الرئيس والنموذج لـ “الطبقات “‬ ‫الذي ألفه ابن سعد تلميذ الواقدي وكاتبه ‪ .‬وهذا املؤلف ‪ ،‬وفضال عن كونه‬ ‫مرجعا رائعا‪ٌ ،‬‬ ‫مهم أيضا نظرا ملا يتآلف فيه من مبادئ رواية احلديث لدى مدرسة‬ ‫التاريخ املدينية اليت تشكلت على أساسه ‪ ،‬ومبادئ األعمال التارخيية ملن‬ ‫عرفوا بـ “األخباريني “‪ .‬ولقد كان لسرية ابن سعد اليت وردت يف “ الطبقات “‬ ‫تأثري كبري على املؤرخني الالحقني ‪.‬‬ ‫شق نشاط ابن سعد الطريق أمام املؤرخني أواسط القرن التاسع والنصف‬ ‫الثاني منه ‪ ،‬فرتسخت يف أعماهلم بشكل ناجز نظرية العرب ‪ -‬املسلمني‬ ‫عن التاريخ العاملي وتارخيهم اإلسالمي ‪ .‬واستند مؤرخو هذا االجتاه إىل مبادئ‬ ‫أسالفهم املنتمني إىل خمتلف مدارس التأريخ ‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫ومن بواكري هذا االجتاه “ التاريخ “ خلليفة بن خياط ‪ ،‬وهو من أبكر ما‬ ‫مؤلفات تبسط تاريخ اجلماعة اإلسالمية ‪.‬‬ ‫وصلنا من‬ ‫ٍ‬ ‫أما أعمال ابن قتيبة‪ ،‬األديب الشهري يف القرن التاسع وأحد كبار املختصني‬ ‫يف جمال األدب ‪ ،‬فقد اتسمت بأهمية كبرية بالنسبة لألعمال التارخيية‬ ‫الالحقة ‪ .‬وإذ اهتم أيضا بالتاريخ‪ ،‬فقد وضع ابن قتيبة موسوعة “ كتاب‬ ‫املعارف “ التارخيية ‪ ،‬واتبع اخلطني األساسيني لتقاليد التأريخ العربي‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬أي أنه وصف فيها تاريخ العامل منذ اخلليقة وحتى عهد املعتصم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والنسابة ‪ .‬واستخدم ابن قتيـبة‬ ‫وضمنها مواد من مؤلفات “ األخباريني “‬ ‫‪،‬‬ ‫املـصادر املكتـوبة والشفـهـية سواء بسواء‪ .‬وكان األول يف تاريخ الكتابة‬ ‫العربية – اإلسالمية الذي توجه مباشرة إىل نص العهد القديم (التوراة)‬ ‫ليستقي منه معلومات عن خلق العامل ‪ ،‬وعن األنبياء التوراتيني‪.‬‬ ‫ومن حيث اتساع االهتمامات اإلبداعية جند أن ابن قتيبة قريب من الدينوري‬ ‫‪ ،‬الذي ترك يف جمال التأريخ مؤلفه الشهري “ كتاب األخبار الطوال “ حيث اتبع‬ ‫فيه خمططا كان قد ترسخ يف أسلوب عرض تاريخ العامل والتاريخ العربي‬ ‫– اإلسالمي ‪ .‬وإذ يعرض تاريخ ما قبل اإلسالم حياول الدينوري تقديم إضاءة‬ ‫موازية لألحداث التارخيية األسطورية يف فلسطني وإيران واليمن ‪ .‬ويف هذا‬ ‫اجلزء من كتابه تغلب املواد اإليرانية‪ .‬وخالفا لغريه من املؤرخني العرب –‬ ‫املسلمني ‪ ،‬يكرس لرسالة النيب حممد بضعة أسطر فقط ‪ ،‬منتقال بشكل‬ ‫مباشر عمليا إىل عرض تاريخ اخللفاء الراشدين واألمويني والعباسيني ‪.‬‬ ‫وتكمن خصوصية عمل الدينوري يف قدر من عدم التوازن الرتكييب (يف‬ ‫املبنى) ‪ ،‬أي الرتكيز على بعض األحداث واجملريات اليت يصفها بالتفصيل ‪،‬‬ ‫بينما يتطرق إىل أحداث ال تقل عنها شأنا بشكل عرضي وحسب‪ .‬ونلمس‬ ‫َ‬ ‫تأثري تقاليد‬ ‫يف هذه البنية لكتاب الدينوري “ كتاب األخبار الطوال “‬ ‫“األخبار”‪ ،‬فهذا املؤلف ميثل واقعيا مجاع أخبار تشبه بعضها بعضا ‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫أما اليعقوبي ‪ ،‬معاصر الدينوري ‪ ،‬فقد مجع بني النشاط العلمي والوظيفة‬ ‫اإلدارية‪ ،‬وراكم خربة إدارية غنية ‪ ،‬فضال عما توفر له من فرص القيام‬ ‫برحالت مبقتضى الوظيفة‪ .‬وله يعود أول كتاب من نوعه يف التأريخ ‪ ،‬هو “‬ ‫كتاب البلدان”‪ .‬ويف كتابه اآلخر “ التاريخ “ يقدم عرضا كامال للتاريخ‬ ‫قبل اإلسالم وبعده حتى حكم اخلليفة املعتمد‪ .‬وضم اليعقوبي إىل األبواب‬ ‫اليت صارت تقليدية وتتعلق بتاريخ األنبياء والتاريخ اإليراني والعربي قبل‬ ‫اإلسالم ‪ ..‬ضم ملعا من تاريخ األشوريني والبابليني واهلنود واإلغريق والرومان‬ ‫واملصريني والرببر واألفارقة واألتراك والصينيني‪ .‬وبذلك يكون مبدأ عاملية‬ ‫التاريخ قد جتسد عند اليعقوبي بدرجة أكرب مما عند أسالفه ومعاصريه‪.‬‬ ‫ونضيف أن اهتمامات اليعقوبي يف جماالت اجلغرافيا والفلك وعلم التنجيم‬ ‫قد جتلت يف مؤلفه “التاريخ “‪.‬‬ ‫أما مؤلفات البالذري فتختلف بعض الشيء عن أعمال ابن قتيبة والدينوري‬ ‫واليعقوبي‪ ،‬ففي كتابه األول “ فتوح البلدان “ يروي لنا كيف ضم العرب‪-‬‬ ‫املسلمون خمتلف األقاليم إىل اخلالفة‪ .‬ويف هذا السياق يورد معلومات‬ ‫جغرافية الطابع‪ .‬أما مؤلفه الثاني “أنساب األشراف“ فعبارة عن عمل يف‬ ‫التاريخ اإلسالمي من باب اإلحاطة باألنساب ‪ .‬وجيمع فيه بني مسات‬ ‫“الطبقات” و “األخبار”‪ .‬وترد يف “أنساب األشراف” سري اخللفاء اليت تعرض يف‬ ‫سياقها األحداث العائدة إىل زمن حكمهم‪ .‬ونظرا لذلك يندرج هذا املؤلف يف‬ ‫عداد األعمال عن تاريخ اجلماعة اإلسالمية ‪ ،‬ولو أن البالذري خيالف أحيانا‬ ‫ً‬ ‫مفضال اعتبارات النسب‪.‬‬ ‫التسلسل الزمين للعرض‬ ‫يتزامن أوج تطور التأريخ العربي – اإلسالمي يف النصف الثاني من القرن‬ ‫التاسع – النصف األول من القرن العاشر‪ ،‬مع وضع “تاريخ الرسل وامللوك”‬ ‫للطربي‪ ،‬الذي يستعرض فيه تاريخ العامل والتاريخ العربي – اإلسالمي حتى‬ ‫العام ‪ 915‬م ‪ .‬إن هذا املؤلف يفوق عدة مرات ‪ ،‬من حيث حجمه‪ ،‬أيا من أعمال‬ ‫معاصريه األكرب سنا واليت مررنا على ذكرها أعاله‪ .‬وهذا املؤلف ال ُيعرف‬ ‫‪45‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫له مثيل من حيث تفاصيل العرض وغزارة خمتلف الروايات اليت يوردها عن‬ ‫األحداث التارخيية نفسها‪ .‬لقد استخدم الطربي على نطاق واسع أعمال‬ ‫َّ‬ ‫فضم َن عمله هذا مقتطفات مستفيضة من مؤلفاتهم ‪ .‬ولـ “ تاريخ‬ ‫سابقيه ‪،‬‬ ‫الرسل وامللوك “ يعود الفضل‪ ،‬إىل حد كبري‪ ،‬يف أن بإمكاننا متابعة جمرى‬ ‫تطور التأريخ العربي – اإلسالمي الباكر‪ .‬وخالفا البن قتيبة والدينوري‬ ‫واليعقوبي والبالذري‪ ،‬يسهب الطربي يف إسناد هذه أو تلك من األخبار اليت‬ ‫يضمنها مؤلفه‪ ،‬األمر الذي يدل على ارتباط عمله التارخيي بتقاليد مجع‬ ‫وصلته باملدرسة التارخيية اليت نشأت على أساس هذه‬ ‫ودراسة األحاديث‪ِ ،‬‬ ‫التقاليد‪ .‬وميزة مؤلف مؤرخنا العربي – اإلسالمي الكبري هذه مردها إىل‬ ‫كونه فقيها وضع تفسريا للقرآن من عدة أجزاء ‪ ،‬بل وكان مؤسس مذهب‬ ‫طواه النسيان‪.‬‬ ‫وأجنبت هذه املرحلة أول مؤرخني مسيحيني كتبا باللغة العربية‪ ،‬هما‬ ‫سعيد بن البطريق ( يفتيخي االسكندراني) وحمبوب بن قسطنطني (‬ ‫أغابي املنبجي)‪.‬‬ ‫ويف النصف الثاني من القرن التاسع ‪ ،‬وإىل جانب املؤلفات ذات الطابع العام‬ ‫يف تاريخ العامل والتاريخ اإلسالمي ‪ ،‬تظهر مؤلفات تارخيية دينية مثل “‬ ‫فتوح مصر واملغرب واألندلس” لعبد الرمحن بن عبد احلكم ( ‪ ، ) 3‬و “ تاريخ‬ ‫واسط” لبحشل‪ ،‬و “تاريخ بغداد” البن طيفور‪.‬‬ ‫وال بد من اإلشارة إىل أن املؤلفات يف التاريخ العاملي واإلسالمي يف القرن‬ ‫التاسع والنصف األول من القرن العاشر ‪ ،‬تنقسم إىل نوعني من حيث تركيبها‬ ‫ومبناها‪ ،‬األول هو ما يسمى باحلوليات ( املدونات السنوية لألحداث حسب‬ ‫تسلسلها الزمين ) اليت تقدم عرضا للتاريخ اإلسالمي وفق التقويم اهلجري ‪.‬‬ ‫أما النوع الثاني فله تعود املدونات اليت تسجل األحداث حسب السالالت ‪،‬‬ ‫وذلك وفق فرتات حكم اخللفاء املسلمني ‪ .‬وال بد من التشديد على أن أحداث‬ ‫‪46‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫التاريخ ما قبل اإلسالمي تعرض يف كال النوعني من املؤلفات التارخيية وفق‬ ‫مبادئ التأريخ الساللي ‪ ،‬ولو أن هذه اخلاصية ال تتضح فورا عند دراسة تلك‬ ‫اآلثار‪ .‬ورمبا االستثناء الوحيد يف هذا املعنى هي أعمال الدينوري ‪.‬‬ ‫ومن بني اآلثار املذكورة أعاله اليت تبحث يف التاريخ العربي – اإلسالمي‬ ‫العام ‪ ،‬نرى أن مؤلفات خليفة بن خياط والطربي تعود للحوليات (املدونات‬ ‫السنوية ) بينما يعود سواها للتأريخ الساللي ( ما عدا أعمال البالذري اليت هلا‬ ‫وضع خاص )‪ ،‬وضمنا أعمال املؤرخني املسيحيني ‪.‬‬ ‫وهكذا نرى أن الشكل الساللي لبنية السرد كان من حيث الكم‬ ‫أكثر إنتاجية ‪ ،‬إذ كان ‪ ،‬على ما يبدو ‪ ،‬يوفر للمؤلف هامشا أوسع من‬ ‫احلرية يف انتقاء املادة ‪ .‬ولقد استفاد املسعودي من مزية هذا الشكل يف‬ ‫تسجيل األحداث ‪ ،‬وتبعه يف ذلك العديد من املؤلفني الالحقني‪ .‬ويعود ذلك‬ ‫إىل أن الشكل الساللي غدا بدءا من القرن احلادي عشر الشكل الرئيس‬ ‫للخالصات الوافية ‪ ،‬اليت هي عبارة عن مؤلفات شعبية وجيزة حول التاريخ‬ ‫العربي اإلسالمي (‪. ) 4‬‬ ‫تلكم هي إذن تقاليد األدب العربي اإلسالمـي التـي منها نشأ “مروج الذهب‬ ‫‪.”...‬‬ ‫إن مبدأ البناء الرتكييب للمؤلفات العربية ‪ -‬اإلسالمية التارخيية كان‬ ‫متناسبا ووحدات املعنى يف السرد التارخيي (األخبار) ‪ .‬واخلرب عبارة عن حديث‬ ‫مقتضب ‪ ،‬أومسهب ‪ ،‬عن حدث من األحداث حيظي باهتمام املؤرخ‪ .‬وغالبا ما‬ ‫جند يف نص املؤلف التارخيي أخبارا ال تأتي يف سياق زمين أو منطقي‪ ،‬بل‬ ‫رمبا أمكننا القول إنها تأتي يف مصفوفة معينة ‪ ،‬إذ يتحدد نظام تسجيلها‬ ‫بالتداعيات فيما بينها‪ .‬وينشأ نوع من املوزاييك مييز نصوص آثار تأريخ‬ ‫السالالت‪ .‬وهنا كل خرب تتقدمه سلسلة من أمساء الذين نقلوا هذا اخلرب‬ ‫‪47‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫أحدهم عن األخر (اإلسناد) ‪ ،‬وتنتهي هذه السلسلة باسم من شهد احلدث الذي‬ ‫يشكل مادة اخلرب ‪.‬‬ ‫كان الدينوري واليعقوبي ‪ ،‬ومن بعدهما املسعودي خيتصرون جدا إسناد‬ ‫األخبار اليت يوردونها‪ ،‬أو يتخلون عنه بالكامل ‪.‬‬ ‫ومن املعروف أن مؤلف « مروج الذهب‪ »..‬حرر ثالث نسخ ‪ ،‬وذلك يف عام ‪943‬‬ ‫‪ ،‬و ‪ 947‬و ‪ .956‬ومل يصلنا منها إال األخرية ‪.)5( .‬‬ ‫يتألف « مروج الذهب‪ »...‬من بابني غري متعادلني ‪ ،‬األول (حوالي ‪% 31،3‬‬ ‫من جممل النص) يتضمن معلومات عن التصورات اجلغرافية عند العرب‬ ‫املسـلمني ‪ ،‬وعرضا لتاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬وأخبارا عن اهلنود والصينيني‬ ‫والتورك والسالف واجلرمان والغاليني والقبط وقدماء اإلغريق والرومان‬ ‫والبيزنطيني والسريان واليمنيني والبابليني واألشوريني والعرب قبل اإلسالم‪.‬‬ ‫وينتهي هذا اجلزء من مروج الذهب بفصل عن تسلسل أحداث العامل ‪ .‬ونشري‬ ‫هنا إىل أن ثـمة أعماال ملؤلفني سبقوا املسعودي تتضمن هي األخرى أجزاء من‬ ‫هذا القبيل عن تاريخ البشرية قبل اإلسالم‪ .‬أما املقاربة التجديدية ‪ ،‬وخاصية‬ ‫املوقف اإلبداعي عند املسعودي فيما يتعلق بهذه النقطة ‪ ،‬فتتلخصان يف‬ ‫أنه – أوال‪ -‬ضاعف عدد الشعوب املنخرطة حتى زمنه يف العملية التارخيية‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫أقساما تتطرق بالتخصيص‬ ‫املؤلف التارخيي‬ ‫وضمن – ثانيا‪-‬‬ ‫العاملية‪،‬‬ ‫للمسائل اجلغرافية ‪ .‬وحذا حذو املسعودي يف ذلك املقدسي ‪ ،‬املؤرخ املعروف‬ ‫يف النصف الثاني من القرن العاشر امليالدي ‪ ،‬وصاحب كتاب يف تاريخ العامل‬ ‫ينتمي لطريقة تسجيل األحداث الساللي هو «كتاب البدء والتاريخ » ‪.‬‬ ‫أما الباب اآلخر من «مروج الذهب‪ »...‬فيشكل ‪ % 68،7‬من إمجالي هذا‬ ‫املؤلف‪ ،‬وهو خمصص حصرا للتاريخ العربي اإلسالمي من عهد النيب حممد‬ ‫وحتى اخلليفة العباسي املطيع‪ ،‬وينقسم إىل ثالث أقسام ‪ -1 .‬تاريخ النيب‬ ‫واخللفاء الراشدين (‪ 16،63‬باملئة ) من حجم اجلزء الثاني ‪ - 2 .‬تاريخ اخللفاء‬ ‫‪48‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫األمويني (‪ 25،92‬باملئة) الذين يسميهم املسعودي انسجاما مع التقاليد‬ ‫العربية – اإلسالمية اليت تشكلت يف ظل العباسيني‪ ،‬بالقياصرة ـ ال‬ ‫اخللفاء ( يف زمن العباسيني كان اخللفاء الراشدون والعباسيون يعتربون‬ ‫خلفاء‪ ،‬أما األمويون فكانوا يعتربون ملوكا دنيويني) ‪ - 3 .‬تاريخ اخللفاء‬ ‫العباسيني (‪ 57،45‬باملئة من اجلزء الثاني)‪.‬‬ ‫خصص املسعودي لكل حاكم عربي إسالمي تقريبا فصال مستقال‪،‬‬ ‫وهذا ما يتجلي فيه مبدأ الساللية الذي يقوم عليه بناء هذا املؤلف‪.‬‬ ‫وعلى حنو مماثل بنى مؤلفه اآلخر الذي وصلنا‪ ،‬وهو «كتاب التنبيه‬ ‫واإلشراف» الذي يقل كثريا من حيث احلجم عن «مروج الذهب‪ . »...‬وهذا‬ ‫الكتاب أيضا له مساته اخلاصة من حيث البنية واملضمون ‪.‬‬ ‫يتألف قسم تاريخ النيب واخللفاء الراشدين من ستة فصول‪ ،‬أكربها (‪50‬‬ ‫باملئة من حجم القسم) مكرس لعلي بن أبي طالب الشخصية احملورية يف‬ ‫املذهب الشيعي‪ ،‬واألكثر تراجيدية يف التاريخ اإلسالمي الباكر‪ .‬والفصل‬ ‫الذي يليه من حيث احلجم (حوالي ‪ )% 17‬يصف حكم أحد أبرز صحابة‬ ‫النيب حممد ومؤسس النظام االجتماعي السياسي للخالفة عمر بن اخلطاب‪.‬‬ ‫أما الفصل عن النيب حممد فيحتل املرتبة الثالثة يف هذااجملال (حوالي‪)13%‬‬ ‫‪ .‬وبعده يأتي فصل عن حكم عثمان بن عفان (حوالي ‪ .)10،5%‬وأخريا‬ ‫خيتتم هذا القسم بفصلني هما األقصر فيه‪ ،‬أحدهما عن اخلليفة أبو بكر‪،‬‬ ‫واآلخر عن احلسن بن علي بن أبي طالب (تنازل عن سلطة اخلالفة عام ‪. )661‬‬ ‫إن القسم الذي يعرض فيه املسعودي تاريخ حكم الساللة األموية يتألف‬ ‫من أربعة عشر فصال ‪ ،‬األكرب منها فصالن (‪ 26،6%‬و ‪ )22،08%‬أحدهما‬ ‫مكرس حلكم عبد امللك بن مروان (استطاع هذا احلاكم استعادة وحدة‬ ‫اخلالفة بعد فتنة دامت سنني عديدة)‪ .‬أما الفصل اآلخر فمكرس ملؤسس‬ ‫الساللة األموية املالكة معاوية بن أبي سفيان ‪ .‬وبعد هذين الفصلني يلي‬ ‫‪49‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫من حيث احلجم ‪ ،‬وبفارق كبري‪ )% 7،3 ( ،‬فصل عن معاوية بن يزيد بن‬ ‫معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وعن مؤسس البيت املراوني مروان بن احلكم‪.‬‬ ‫والفصل التالي (حوالي ‪ )% 6،5‬يصف حكم كل من يزيد بن الوليد بن عبد‬ ‫امللك وابراهيم بن الوليد بن عبد امللك‪ .‬يلي ذلك فصالن ‪ ،‬كل منهما حوالي‬ ‫‪ % 6،12‬من حجم جممل القسم‪ ،‬يتحدث أحدهما عن حكم اخلليفة التقي‬ ‫(املعروف خبامس اخللفاء الراشدين) عمر بن عبد العزيز‪ .‬ويتحدث الفصل‬ ‫اآلخر عن انهيار الدولة األموية ووصول العباسيني إىل احلكم‪ .‬وثـمة فصل‬ ‫حبجم أقل من ذلك بكثري هو الذي يتحدث عن حكم يزيد بن عبد امللك بن‬ ‫مروان (حوالي ‪ . )% 3،54‬ومثل هذا الفصل تقريبا فصالن أحدهما عن حكم‬ ‫سليمان بن عبد امللك ‪ ،‬واآلخر عن الوليد بن يزيد بن عبد امللك (تقريبا ‪3،15‬‬ ‫‪ %‬كل منهما)‪ .‬وأقصر من ذلك فصل عن حكم الوليد بن عبد امللك‪ ،‬وهشام‬ ‫بن عبد امللك (حوالي ‪ % 2،76‬كل منهما) من حجم القسم ‪ .‬وأخريا جند أقل‬ ‫الفصول حجما فصلني (‪ % 1،18‬و ‪ % 0،8‬على التوالي) أحدهما عن طول‬ ‫املدة اليت حكم فيها بنو أمية‪ ،‬واآلخر عن حكم آخر اخللفاء األمويني مروان‬ ‫بن حممد‪.‬‬ ‫يشغل تاريخ الساللة العباسية يف «مروج الذهب‪ »..‬مكان خاصا‪ .‬ففي‬ ‫هذا القسم‪ ،‬أوال‪ ،‬جيري الكالم عن األحداث األقرب باملعنى التارخيي ‪ ،‬بل‬ ‫واملعاصرة‪ ،‬للمسعودي ‪ .‬وثانيا‪ ،‬يعترب هذا القسم أحد األقسام األساسية من‬ ‫املؤلف إذ أنه يشكل أكثر من ثلث حجمه اإلمجالي ‪.‬‬ ‫أمامنا هنا تاريخ اثنني وعشرين خليفة عباسيا أوهلم السفاح وأخرهم‬ ‫املطيع الذي شهد املسعودي بداية حكمه‪ .‬وإىل ذلك ثـمة يف هذا القسم‬ ‫فصالن هامان على وجه اخلصوص ال يرتبطان مباشرة حبكم اخللفاء‪،‬‬ ‫ويشكالن خامتة الكتاب من ناحية املبنى‪ ،‬أحدهما مكرس لتسلسل‬ ‫أحداث التاريخ اإلسالمي ويتابع الفصل األخري من اجلزء األول للكتاب حيث‬ ‫جيري استعراص متسلسل ألحداث العامل ‪ .‬أما الثاني فمكرس للمسؤولني‬ ‫‪50‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫عن احلج منذ البداية وحتى أيام املسعودي‪ .‬والفصالن األكرب حجما هما عن‬ ‫هارون الرشيد واملأمون‪ ،‬فيشكل كل منهما ‪ 8%‬من حجم القسم املخصص‬ ‫للتاريخ العباسي‪ .‬ويليهما فصالن عن املعتضد (‪ )% 7،6‬واملتوكل (‪)7،5%‬‬ ‫‪ ،‬ثم فصل عن املعتمد (‪ )% 5،6‬و السفاح واألمني (‪ % 5‬لكل منهما) ‪.‬‬ ‫إن اهتمام املؤلف بالسفاح يعود إىل كونه أول خليفة عباسي‪ .‬أما األمني ‪،‬‬ ‫فكان أول خليفة عباسي خيلع عن العرش بعد ما انتهى حكمه إىل الفتنة‬ ‫‪ .‬ويلي من حيث احلجم فصل عن املنصور (‪ ،)% 4‬وفصل عن املستعني (‪3،7‬‬ ‫‪ )%‬وآخر عن املقتدر (‪ .)% 3،3‬أما الفصول املكرسة للخلفاء الثالثة عشر‬ ‫اآلخرين فيشكل كل منها ما بني ‪ 3‬إىل ‪ 1،6‬باملئة من النص‪ ،‬علما بأن مدة‬ ‫حكم كل من هؤالء اخللفاء ترتاوح من سنة إىل ثـمان وعشرين سنة‪.‬‬ ‫ومن بني اخللفاء الذين تتحدث عنهم هذه الفصول خلفاء مشاهري كاملهدي‬ ‫واملعتصم‪ .‬كما أن الفصلني املتعلقني باحلج وتسجيل األحداث حسب‬ ‫تسلسلها زمنيا صغريان من حيث احلجم (‪ 2،5%‬و ‪ % 1،6‬على التوالي)‪.‬‬ ‫وهكذا نرى أن املسعودي يولي خليفة ما قدرا كبريا من االهتمام بينما‬ ‫يولي خليفة آخر قدرا أقل‪ .‬قد يبدو من البساطة مبكان تفسري ذلك برده إىل‬ ‫طول أو قصر فرتة حكم اخلليفة املعين‪ ،‬غري أن البحث الذي قمنا به يبني أن ال‬ ‫عالقة مباشرة بني طول فرتة حكم اخللفاء وحجم الفصول املكرسة هلم يف‬ ‫الكتاب ‪ .‬واتضح لنا أن املسعودي كان مهتما بالشخصيات الالمعة ورجاالت‬ ‫الدولة الكبار الذين كرس هلم بالذات حيزا كبريا يف عمله ‪ .‬واحلقيقة أن‬ ‫هؤالء برزوا يف مرحلة ازدهار العهدين األموي والعباسي ‪ ،‬وحكموا لفرتات‬ ‫طويلة عموما‪ ،‬إال يف بعض احلاالت االستثنائية ‪.‬‬ ‫يتصف نص «مروج الذهب‪ »..‬ببنية مزدوجة‪ ،‬فهو ‪ -‬أوال ‪ -‬نص يتألف من‬ ‫جمموع األخبار الواردة فيه ‪ .‬وهو ‪ -‬ثانيا ‪ -‬عبارة عن عناصر نصية تشكل‬ ‫حدودا بني الفصول وتنبئنا ببداياتها ونهاياتها‪.‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪51‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫إن الفصل املكرس حلكم هذا اخلليفة العباسي أو ذاك يبدأ بعنوان‬ ‫«ذكر أيام اخلليفة الفالني ‪ .» ...‬وبعد ذك ترد نبذة عن سرية حياته تتضمن‬ ‫‪ :‬واقعة بداية حكمه ‪ ،‬وتاريخ حكمه‪ ،‬وامسه اإلسالمي كامال‪ ،‬واسم‬ ‫أمه‪ ،‬وعمره عند توليه احلكم‪ ،‬ومكان بداية حكمه ‪ ،‬وواقعة وفاتـه‪،‬‬ ‫وعمره ‪ ،‬واملكان الذي وافته فيه املنية أومكان خلعه عن العرش ‪ ،‬ومدة‬ ‫حكمه ومكان دفنه ‪ ،‬ومكان والدته ‪ ،‬وذكر وزرائه وقضاته‪.‬‬ ‫ينبغي القول إن هذه اخلالصات تتضمن بالضرورة معلومات وافية ‪ ،‬ولذلك‬ ‫ختتلف إحداها عن األخرى من حيث احلجم ‪ .‬إن البنود املشار إليها تتميز عامة‬ ‫بصياغات لفظية متكررة ومتشابهة ‪ ،‬فبعد اللمحة عن السرية الشخصية‬ ‫يرد عنوان فرعي «ذكر مجل من أخباره وسريه وملع مما كان يف أيامه»‪.‬‬ ‫وتلي ذلك أخبار عن األحداث املرتبطة حبكم اخلليفة املعين ‪ ،‬أو تلك اليت‬ ‫ُ‬ ‫أدرجت يف الرواية لسبب أو آخر‪.‬‬ ‫ينتهي كل فصل بعبارة تتنوع بعض الشيء كل مرة ‪ ،‬مفادها أن ثـمة‬ ‫الكثري من األخبار األخرى احلسان عن هذا اخلليفة ( أو ذاك) أوردها املؤلف (‬ ‫املسعودي) يف كتابيه السابقني لـ «مروج الذهب» ‪ ،‬وهما «أخبار الزمان» و «‬ ‫الكتاب األوسط» اللذين مل يصال إلينا‪.‬‬ ‫ال يلتزم املسعودي يف عدد من احلاالت بهذا التقسيم الدقيق‪ ،‬ومن ذلك مثال‬ ‫أن الفصل املكرس للنيب حممد خيلو من العناصر اليت ذكرناها آنفا‪ .‬وعلى‬ ‫هذا النحو مييز املسعودي يف «مروج الذهب» مؤسس الدين احلنيف الذي يرى‬ ‫املسلمون أن شخصه خارج أية مقارنة ‪ .‬ويتعلق األمر أيضا بالفصل املكرس‬ ‫للمطيع آخر خليفة عباسي حيظى باهتمام املسعودي‪ .‬وهذا ما يعكس أزمة‬ ‫السلطة يف اخلالفة من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى َ‬ ‫شح املعلومات اليت أتيح للمؤلف‬ ‫احلصول عليها حول املطيع اخلاضع للبويهيني ‪ ،‬ناهيك عن أن املسعودي كان‬ ‫آنذاك يف مصر اليت ضعفت عالقتها مبركز اخلالفة إىل درجة كبرية ‪)6( .‬‬ ‫‪52‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫وإىل جانب ذلك جند يف مروج الذهب فصوال يتحدث املؤلف يف الواحد‬ ‫منها عن حاكمني‪ ،‬كالفصل عن معاوية بن يزيد بن معاوية ‪ ،‬ومروان بن‬ ‫احلكم‪ ،‬علما بأن املؤلف ال يقدم املعلومات عن السرية الشخصية إال لألول‬ ‫من هذين احلاكمني األمويني‪ .‬ويف فصل آخر مكرس حلاكمني أيضا هما‬ ‫يزيد بن الوليد ‪ ،‬وابراهيم بن الوليد‪ ،‬جند أن املؤلف يقدم السرية الشخصية‬ ‫لكل منهما‪.‬‬ ‫نستنتج مما سبق أن التخلي عن النظام الصارم يف تقسيم النص إىل فصول‬ ‫يعود إما لرغبة املؤلف بإبراز شخصية الرسول حممد الفريدة ‪ ،‬وإما للضرورة‬ ‫اليت يقتضيها احلديث عن حكام متيزت عهودهم باألزمات ‪ .‬وجتدر اإلشارة‬ ‫إىل أن اجلزء املكرس للتاريخ العربي اإلسالمي يف «مروج الذهب» يتضمن‬ ‫أخبارا من شتى األجناس ‪) 7( .‬‬ ‫تعد النوادر أحد أجناس األخبار‪ .‬إن متوسط حجم اخلرب من هذا النوع كبري‬ ‫ما فيه الكفاية ‪ ،‬ففي القسم املكرس للنيب واخللفاء الراشدين يبلغ حوالي‬ ‫‪ 17‬سطرا‪ ،‬ويف القسم املخصص لألمويني ‪ 16‬سطرا ‪ ،‬ويف قسم العباسيني ‪14‬‬ ‫سطرا‪ .‬واألخبار من هذا النوع غالبا ما تكون قصرية‪ ،‬وتتحدث عن اللقاءات‬ ‫بني اخللفاء واملقربني منهم كالعلماء والشعراء واألدباء ‪ ،‬وختتتم يف أكثر‬ ‫األحيان بنصائح ذكية ظريفة يسديها اجلليس إىل احلاكم ‪.‬‬ ‫واجلنس اآلخر هو أخبار حبت تارخيية عن شخصية النيب ‪ ،‬أو اخلليفة الذي‬ ‫يدور حوله احلديث يف الفصل املعين ‪ .‬وتتضمن هذه األخبار معلومات عن‬ ‫النسب العائلي والقبلي ‪ ،‬وتتحدث باختصار عن العمليات احلربية وخمتلف‬ ‫األحداث السياسية االجتماعية ‪ .‬وهذه األخبار ليست كبرية من حيث احلجم‬ ‫‪ ،‬فال يتجاوز حجم اخلرب يف املتوسط ‪ 7‬أسطر يف القسم األول املكرس للنيب‬ ‫حممد واخللفاء الراشدين ‪ ،‬و‪ 6‬أسطر يف القسم املكرس لألمويني و ‪ 8‬أسطر‬ ‫عند احلديث عن العباسيني‪ .‬لقد بينت دراسة «مروج الذهب‪ »...‬أن األخبار‬ ‫‪53‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫التارخيية تشكل هيكل القص يف الكتاب ‪ .‬وهي تتضمن تسجيال‬ ‫لتواريخ األحداث موضع الوصف حسب تسلسلها الزمين ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫معروضة مبزيد من‬ ‫أما يف األخبار النثرية األدبية فنجد األحداث التارخيية‬ ‫التفصيل واإلسهاب مقارنة باألخبار املشـار إليـها أعـاله ‪ ،‬وأعمال الشخصيات‬ ‫ً‬ ‫مسجلة بالتفصيل‪ ،‬وذلك إىل جانب إيراد احلوارات‪ .‬واحلجم‬ ‫التارخيية‬ ‫املتوسط ملثل هذه األخبار أكرب بشكل ملموس ‪ ،‬فهو يف القسم األول حوالي‬ ‫‪ 16‬سطرا‪ ،‬ويف القسم الثاني ‪ 17‬سطرا ‪ ،‬ويف الثالث ‪ 30‬سطرا ‪.‬‬ ‫القصة هي اجلنس األكثر أهمية يف الكتاب‪ ،‬ويبلغ حجم كل منها‬ ‫يف املتوسط ‪ 27،5‬سطرا يف القسم املكرس لألمويني ‪ ،‬و‪ 37‬سطرا يف القسم‬ ‫املتعلق بالتاريخ العباسي ‪ .‬أما يف القسم املكرس للنيب حممد واخللفاء‬ ‫الراشدين فال يتضمن أي قصص‪ .‬وغالبا ما تبنى هذه األخبار على أساس‬ ‫مواضيع فولكلورية ‪ .‬وثـمة يف حكايات «ألف ليلة وليلة» ما يشابه بعض‬ ‫هذه الروايات‪ ،‬األمر الذي يدل على الدور العظيم «ملروج الذهب‪ »..‬يف صريورة‬ ‫النثر القصصي العربي ‪.‬‬ ‫إن «مروج الذهب ‪ »...‬حافل باالقتباسات الشعرية‪ .‬والتجديد احلقيقي‬ ‫للمسعودي هو تضمني نصه العديد من املراثي (أخبار الوفيات بتعبري أدق)‪،‬‬ ‫علما بأن ذلك خيص أساسا وفيات أبرز الشخصيات الثقافية ‪ ،‬أي رجال‬ ‫الدين والشعراء واألدباء‪ .‬وبالتالي فإن الكتاب موضع حبثنا هو‪ -‬حسب وجهة‬ ‫نظر االختصاصي الضليع باألدب العربي يف القرون الوسطى الراحل م‪.‬س‪.‬‬ ‫كيكتيف ‪ -‬أصل تراجم السرية العربية (قواميس البيبلوفراعيا العربية)‪.‬‬ ‫ويبلغ متوسط حجم خرب الوفاة (النعي ) ‪ 4‬أسطر يف القسم األول عن النيب‬ ‫واخللفاء الراشدين ‪ ،‬و‪ 5‬أسطر يف القسم الثاني عن بين أمية‪ ،‬و‪ 5،5‬أسطر يف‬ ‫القسم الثالث املكرس حلكم العباسيني ‪.‬‬ ‫وتبدو على قدر كبري من األهمية تلك احلواشي اليت يتضمنها النسيج‬ ‫‪54‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫القصصي «ملروج الذهب» ‪ .‬واملسعودي حييل القارئ إىل مؤلفاته السابقة‪،‬‬ ‫ويوضح سبب االنتقال من موضوع إىل آخر‪ ،‬ويلتمس األعذار ملا يقع فيه‬ ‫من هفوات ‪ .‬ويبلغ حجم هذا النوع من األخبار ‪ 8‬أسطر يف القسم األول‪ ،‬و‪ 5‬يف‬ ‫الثاني ‪ ،‬و‪ 7‬يف الثالث‪.‬‬ ‫أما أخبار األدب فرتد على لسان املؤلف نفسه‪ ،‬وهي عبارة عن آراء حول‬ ‫مواضيع خمتلفة متيز مرحلتها‪ ،‬أي عن اخليل والشطرنج والكيمياء وغري‬ ‫ذلك‪ .‬وال نصادف مثل هذه األخبار إال يف القسم الذي يسرد تاريخ حكم‬ ‫العباسيني ‪ .‬ويبلغ متوسط حجم الواحد منها ‪ 4،5‬أسطرا‪ .‬ويصل املؤشر نفسه‬ ‫بالنسبة لألخبار اليت تتشكل أساسا من األقوال املأثورة ‪ ،‬يصل إىل ‪ 12‬سطرا‬ ‫يف القسم املخصص للنيب واخللفاء الراشدين ‪ ،‬و‪ 5‬أسطر عند احلديث عن‬ ‫األمويني وكذلك عن العباسيني ‪.‬‬ ‫من املعروف أن املواعظ لعبت دورا هاما يف احلياة اليومية الثقافية العربية‬ ‫اإلسالمية ‪ .‬ويبلغ متوسط حجم هذا النوع من األخبار ‪ 14‬سطر يف القسم األول‬ ‫من الكتاب‪ ،‬و ‪ 12‬سطرا يف القسم الثاني‪ ،‬و ‪ 13،5‬يف الثالث ‪.‬‬ ‫وأخريا ثـمة األخبار ‪ -‬الرسائل اليت تسم القسم الثالث دون سواه‪ ،‬وتشكل‬ ‫باملتوسط ‪ 10،5‬أسطر‪ .‬ويف ما يلي جنمل املعطيات اليت تبني حصة األخبار‬ ‫وفق جنس كل منها يف األقسام الثالثة ( بالنسبة املئوية)‪:‬‬

‫‪---‬‬‫احملادثة‬ ‫(احلديث)‬

‫عن الرسول‬ ‫واخللفاء‬ ‫الراشدين‬

‫عن األمويي‬

‫عن العباسيني‬

‫‪12،25‬‬

‫‪38،14‬‬

‫‪23،70‬‬

‫‪55‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫األخبار البحت‬ ‫تارخيية‬

‫‪17،11‬‬

‫‪12،19‬‬

‫‪23،00‬‬

‫األخبار النثرية‬

‫‪48،28‬‬

‫‪21،85‬‬

‫‪21،20‬‬

‫القصص‬

‫‪----‬‬

‫‪11،58‬‬

‫‪12،30‬‬

‫االقتباسات‬ ‫الشعرية‬

‫‪1،97‬‬

‫‪3،55‬‬

‫‪5،50‬‬

‫أخبار الوفيات‬

‫‪1،12‬‬

‫‪1،63‬‬

‫‪4،50‬‬

‫حواشي املؤلف‬

‫‪8،15‬‬

‫‪3،41‬‬

‫‪3،30‬‬

‫أخبار العلم‬ ‫واألدب‬

‫‪----‬‬

‫‪----‬‬

‫‪3،10‬‬

‫األمثال‬

‫‪6،82‬‬

‫‪2،55‬‬

‫‪0،70‬‬

‫املواعظ‬

‫‪4،31‬‬

‫‪5،09‬‬

‫‪0،60‬‬

‫الرسائل‬

‫‪----‬‬

‫‪-----‬‬

‫‪0،80‬‬

‫تبني هذه األرقام اعتبارات ملفتة يف ما يتعلق بتوزع األخبار من شتى‬ ‫األجناس يف ذلك اجلزء من الكتاب الذي يعرض التاريخ العربي‬ ‫اإلسالمي ‪.‬‬ ‫لقد اتضح بالدرجة األوىل أن أخبار العلم واألدب ‪ ،‬والرسائل‪ ،‬ال وجود هلا إال‬ ‫يف القسم الثالث املخصص للعباسيني ‪ ،‬حيث أن حصة أخبار هذين اجلنسني‬ ‫‪ 3،1‬و ‪ 0،8‬على التوالي ‪.‬‬ ‫أما القصص فال توجد إال يف القسمني الثاني والثالث املكرسني لألمويني‬ ‫والعباسيني ‪ ،‬وحصتها يف كال القسمني متساوية عمليا‪ ،‬أي ‪ 11،58‬و‬ ‫‪ 12،30‬على التوالي ‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫إن نصف حجم القسم املكرس للنيب واخللفاء الراشدين يتألف من األخبار‬ ‫التارخيية النثرية (‪ . )% 48،28‬أما يف القسمني الثاني والثالث فإن حجم أخبار‬ ‫هذا اجلنس كبري ما فيه الكفاية إذ يبلغ ‪ 21،85%‬و ‪ 21،20%‬على التوالي‬ ‫‪ ،‬أي أكثر من مخس حجم النص‪ .‬إن هذا الواقع‪ ،‬وكذلك احلصة العالية نسبيا‬ ‫لألمثال يف القسم األول (‪ 6،82‬مقابل ‪ 2،55‬و ‪ 0،70‬يف القسمني اآلخرين) ‪،‬‬ ‫يدالن أكثر ما يدالن على أن نص القسم املخصص للنيب واخللفاء الراشدين‬ ‫يعتمد بالدرجة األوىل على التقاليد التارخيية اليت تكونت يف احلقبة اليت‬ ‫سبقت تأليف «مروج الذهب ‪.»..‬‬ ‫يبدو أن املسعودي أعار يف القسم املخصص حلكم بين أمية جل اهتمامه‬ ‫لبعض الشخصيات التارخيية اليت تتمحور حوهلا األحاديث‪ ،‬فأخبار هذا‬ ‫عال أيضا يف القسم املخصص‬ ‫اجلنس تصل هنا إىل ‪ .% 38،14‬وهذا املؤشر ٍ‬ ‫للعباسيني ‪ ،‬إذ يبلغ ‪ . 23،7%‬كما أن نصيب هذا اجلنس من األخبار يف‬ ‫القسم اخلصص للنيب واخللفاء الراشدين يبلغ ‪ ،% 12،25‬ولكنه هنا أقل‬ ‫بقدر واضح عن مؤشره يف القسمني اآلخرين‪.‬‬ ‫إن مستوى األخبار البحت تارخيية اليت تشكل‪ ،‬كما سبق وأشرنا‪ ،‬أساس‬ ‫القص يف الكتاب ‪ ،‬يصل ذروته يف القسم الثالث اخلاص بالعباسيني (‪)23%‬‬ ‫‪ ،‬ولو أن هذا املستوى عال أيضا يف كل من القسمني السابقني (‪17،11%‬‬ ‫و ‪ 12،19%‬على التوالي) ‪ .‬وهذا التناسب بني األقسام نراه أيضا يف أجناس‬ ‫االقتباسات الشعرية والنعي ( ‪ 5،50‬مقابل ‪ 1،97‬و ‪ ،3،55%‬وكذلك ‪4،50‬‬ ‫مقابل ‪ 1،12‬و ‪ % 1،63‬على التوالي ) ‪.‬‬ ‫أما مؤشر حواشي (مالحظات) املؤلف فهي مفاجئة بعض الشيء ‪ ،‬إذ أن‬ ‫حصتها أكرب بكثري يف القسم املخصص للنيب واخللفاء الراشدين (‪% 8،15‬‬ ‫مقابل ‪ 3،41‬و ‪ 3،30‬يف القسمني املكرسني لألمويني والعباسيني) ‪.‬‬ ‫وهكذا جند أن القسم الثالث هو نتاج عمل املؤلف إىل حد كبري ‪ ،‬والربهان‬ ‫‪57‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫على ذلك هو النسبة األعلى من األخبار التارخيية واالقتباسات الشعرية‬ ‫ً‬ ‫مقرونا باملؤشـرات العـاليـة للمجـالـس واألخـبار‬ ‫والنعي ‪ .‬وهذا كله ‪،‬‬ ‫النـثرية (األدبية) والقصـص ‪ ،‬يـضفي على هذا القسم املكرس للـحكم‬ ‫العباسي صبغة خاصة ال مثيل هلا ‪.‬‬ ‫وإذا ما قـارنا « مروج الذهب ‪ »..‬بغريه من مؤلفات التاريخ العربية اإلسالمية‬ ‫الساللية ‪ ،‬التضح لنا أن األخرية تفتقر للقصص والرثاء والنعي ‪ ،‬وأخبار األدباء‬ ‫واالقتباسات الشعرية‪ .‬إن األساس الذي تقوم عليه هذه املؤلفات التارخيية هو‬ ‫األخبار البحت تارخيية اجلافة والقصص التارخيية النثرية ‪ .‬ولكن احلقيقة‬ ‫ٌ‬ ‫تقتضي منا اإلشارة إىل وجود أحاديث اجملالس (احملادثة) ولو أن وزنها أقل‬ ‫بكثري مما لدى املسعودي ‪ .‬واألمر نفسه ينطبق على مالحظات املؤلف ‪.‬‬ ‫وهكذا فإن الطابع اخلاص النثري الشهري هلذا الكتاب يعود إىل تنوع‬ ‫أجناس األخبار اليت يتضمنها ‪ .‬ومع ذلك نشري إىل أن وفرة األحاديث‬ ‫واالقتباسات الشعرية أمر مييز املؤلفات يف جمال األدب العربي اإلسالمي ‪.‬‬ ‫وهذا ما جعل املتخصص الغربي الضليع برتاث املسعودي ش ‪ .‬بيلال يدرج‬ ‫«مروج الذهب‪ »...‬يف عداد املؤلفات األدبية ‪ ،‬ال التارخيية (‪ . )8‬ولكننا نعتقد‬ ‫ٌ‬ ‫سجل لألحداث التارخيية حسب تسلسلها الزمين‪ ،‬وهذا ما‬ ‫أن «مروج الذهب»‬ ‫تدل عليه تركيبة الكتاب وغزارة املادة التارخيية اخلالصة يف نصه‪ .‬بيد‬ ‫أن هذا النوع من التسجيل التارخيي له خاصية معينة إذ أنه منثور‪ ،‬ويصف‬ ‫سري التاريخ يف شكل تسلسل األحاديث والروايات واألشعار اليت ألفها أناس‬ ‫من عصر معني ‪.‬‬ ‫وهكذا نكون قد بينا إىل أي حد يزخر “مروج الذهب‪ ”..‬مبواد تتضمن‬ ‫معلومـات عـن تـاريخ ثـقافة العـامل العربي اإلسالمي ‪ ،‬سنبحثها يف الفصول‬ ‫التالية من كتابنا هذا‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليد التأريخ العربى – اإلسالمى‬

‫هوامش الفصل األول‬ ‫‪ - 1‬نعتمد يف عرضنا لتاريخ تطور علم التأريخ عند العرب – املسلمني على‬ ‫األعمال التالية ‪ /‬باللغة الروسية‪ : /‬غرياز ِنفيتش ب‪ .‬أ‪ .‬علم التاريخ ‪ ،‬ص‪144 .‬‬ ‫– ‪ ، 145‬وله أيضا ‪ :‬تطور الوعي التارخيي عند العرب ‪ ،..‬خالدوف أ‪ .‬ب‪ .‬ثقافة‬ ‫الكتب ‪ ،‬ص‪ 241 – 240 .‬؛ بروزوروف س‪ .‬م‪ .‬األدبيات التارخيية العربية ‪..‬؛ جيب‬ ‫ه‪ .‬أ‪.‬ر‪ .‬األدب العربي ‪ ..‬ص‪ 132 – 117 .‬؛‬ ‫وكذلك على‪Duri A.A. The Rise of Historical Writing …; Khalidi :‬‬ ‫‪… T. Arabic Historical Thought‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪Duri A. A. The Rise of Historical Writing …, p. 23 -24‬‬

‫‪ – 3‬ترجم إىل اللغة الروسية ونشر عام ‪.1958‬‬ ‫‪ – 4‬انظر‪“ :‬تاريخ اخللفاء” ملؤلف جمهول من القرن احلادي عشر‪ .‬ص‪( 15 .‬مقدمة‬ ‫بقلم ب‪ .‬أ‪ .‬غرياز ِنفيتش) ‪/‬بالروسية‪./‬‬ ‫‪ – 5‬انظر ‪:‬‬

‫‪Pellat Ch. Al- Mas’udi, P.785‬‬

‫‪ – 6‬تناولنا موضوع هندسة بناء الفصول يف املؤلفات العربية اإلسالمية عن‬ ‫سري السالالت يف مقالة لنا عام ‪ 1981‬بعنوان “نثر املسعودي وتقاليد التأريخ‬ ‫العربي” ‪ ،‬ويف مقالة أخرى عام ‪ 1983‬بعنوان “عن نشوء أدب السرية الساللية”‪.‬‬ ‫‪ – 7‬تناولنا طريقة تصنيف األخبار من شتى األجناس يف مقالة لنا بعنوان‬ ‫“طريقتان يف سرية احلجاج بن يوسف”‪.‬‬ ‫‪ – 8‬انظر ‪:‬‬

‫‪Pellat Ch. Al- Masu’di, p. 788‬‬

‫‪59‬‬



‫الفصل الثانى‬ ‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربي‬ ‫اإلسالمي‬ ‫العالقات القبلية ‪ ،‬وعالقات النسـب العائلية ‪ ،‬والعالقات الدينية ‪:‬‬ ‫يعري كتاب “مروج الذهب‪ ”..‬أهمية كبرية للعالقات القبلية‪،‬‬ ‫والدينية‪ ،‬وعالقات القربى العائلية (‪ )1‬اليت تعترب من املكونات‬ ‫األساسية للحياة االجتماعية يف العامل العربي اإلسالمي‪.‬‬ ‫بدءا من اجلزء األول املكرس لوصف تكوين األرض والنظر يف تاريخ‬ ‫وثقافة شعوب ما قبل اإلسالم‪ ،‬يتضمن «مروج الذهب» نبذة وافية عن‬ ‫الثقافة والتاريخ األسطوري للعرب قبل اإلسالم‪ ،‬ويدور احلديث فيه عن‬ ‫القبائل العربية وأنسابها (م ‪ ،2 ،‬ص ‪* . ) 193 - 39‬‬ ‫من بني املواد اليت تتناول العالقات القبلية يف اجلزء الثاني من الكتاب‪،‬‬ ‫حيث يتطرق املؤلف إىل التاريخ العربي اإلسالمي خاصة‪ ،‬ال بد من أن نربز‬ ‫بالدرجة األوىل األساس اإليديولوجي للعالقات القبلية‪ ،‬أي صلة النسب‪.‬‬ ‫* سنعتمد هذا الشكل من االختصار عند اإلحالة إىل كتاب املسعودي (“ مروج‬ ‫الذهب ومعادن اجلوهر”‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪ ،‬عام ‪ .)1973‬واالختصار هنا يعين ‪:‬‬ ‫(مروج الذهب ‪ ،..‬اجلزء الثاني‪ ،‬صفحة ‪.)193 –39‬‬ ‫‪61‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫إن عالقة النسب عنص ٌر هام يف وصف حياة النيب حممد عند املسعودي‪،‬‬ ‫حيث يربز على حنو خاص نسب أمه‪.‬‬ ‫تعترب ما عرفت حبرب الفجار (‪ )2‬يف التأريخ العربي اإلسالمي حدثا من‬ ‫األحداث اهلامة يف املرحلة الباكرة من حياة النيب ‪ .‬وهذه احلرب وقعت‬ ‫حوالي العام ‪ 590‬بني القريشيني وقبيلة بين كنانة احلليفة هلم اليت‬ ‫تعيش قرب مكة من جهة ‪ ،‬وقبيلة قيس عيالن (‪ )3‬من جهة أخرى ‪.‬‬ ‫ومسيت هذه احلرب كذلك ألنها وقعت يف األشهر احلرم ‪ .‬وارتباطا بهذا‬ ‫احلدث ‪ ،‬ويف سياق الكالم عنه يورد املسعودي نسب بين كنانة ‪،‬‬ ‫ويدرج يف كتابه نسب كل من اخللفاء الراشدين أبي بكر ‪ ،‬وعثمان‪،‬‬ ‫وعلي ‪.‬‬ ‫ويف معرض حديثه عن عهد علي بن أبي طالب الذي متيز بالصراع‬ ‫بينه وبني خصومه ‪ ،‬يورد املسعودي نسب أحد أبرز الصحابة ‪ ،‬أي طلحة‬ ‫بن عبيد اهلل الذي قتل يف موقعة اجلمل عام ‪ 656‬اليت شارك فيها ضد‬ ‫علي (‪ . )4‬وباإلضافة إىل ذلك يورد نسب ( ثـمة اختالفات بشأنه) عمار‬ ‫بن ياسر الصحابي البارز الذي قتل يف موقعة صفني (‪ )657‬اليت دارت‬ ‫رحاها بني أنصار كل من علي ومعاوية بن أبي سفيان(‪ .)5‬ومما يدل‬ ‫على أهمية األنساب يف حياة اجملتمع العربي – اإلسالمي يف عهد بين‬ ‫ُ‬ ‫وصف املسعودي للقاء اثنني من كبار الشعراء يف ذاك العصر هما‬ ‫أمية‬ ‫الكميت بن زيد األسدي (‪ )6‬والفرزدق (‪ ،)7‬حيث أكد الكميت صلة‬ ‫القربى بينهما‪ ،‬وانتسابه لبين هاشم‪ ،‬فلقي من الفرذدق ما يليق به من‬ ‫حسن االستقبال ‪( .‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)243 - 242‬‬ ‫يلعب تقديس جد القبيلة ( أو العائلة ) األول دورا كبريا يف احلياة‬ ‫الروحية للجماعة القائمة على الرابطة القبلية أو القرابة العائلية (‪. )8‬‬ ‫وهذا هو السبب الذي جعل املسعودي يعدد‪ ،‬عند إيراد نسب النيب حممد‪،‬‬ ‫‪62‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫بطون قبائل قريش املعروفة بأمساء أجدادها (م ‪ ،2 ،‬ص ‪.)276 - 275‬‬ ‫شهادات غري مباشرة‬ ‫نصادف يف بعض املقاطع من “مروج الذهب ‪”...‬‬ ‫ٍ‬ ‫على تبجيل النيب حممد وعلي بن أبي طالب جدي وشفيعي أحفادهما‬ ‫(األسياد‪ ،‬واألشراف والعلويني) (‪.)9‬‬ ‫وحيدثنا املسعودي بأن اسحاق بن ابراهيم حاكم بغداد يف عهد‬ ‫املعتصم رأى يف منامه أن النيب حممدا يأمره بإطالق أحد القتلة من‬ ‫احلبس‪ “ ،‬فارتاع روعا عظيما ”‪ .‬وإذ دقق يف األمر اتضح السحاق بن‬ ‫ابراهيم أن يف السجن فعال لصا قاتل شركاءه دفاعا عن شرف فتاة‬ ‫َ‬ ‫“فقتل َ‬ ‫أشدهم وأكلبهم على هتكها” (م ‪،4،‬‬ ‫تنتمي لبيت رسول اهلل‪،‬‬ ‫ص ‪.)95-96‬‬ ‫وكما يقول القائد العسكري الرتكي املعروف ُبغا الكبري الذي‬ ‫لعب دورا بارزا يف عهد اخلليفة املعتصم ومن خلفه‪ ،‬فإنه رأى يف املنام‬ ‫الرسول وعلي بن أبي طالب ومجاعة من أصحابه‪ ،‬وأن الرسول وعده‬ ‫بطول العمر ألنه أنقذ واحدا من أمته كان املعتصم قد أمر بإلقائه إىل‬ ‫السباع ( م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.)162 -161‬‬ ‫ويروى عن املعتضد أنه كان يف سجن أبيه عندما ظهر له ٌ‬ ‫علي بن ابي‬ ‫طالب يف املنام‪ ،‬خماطبا إياه كخليفة مقبل‪ ،‬وطالبا منه أال يتعرض أو‬ ‫يؤذي ذريته (الطالبيني) عندما سيكون على رأس اجلماعة اإلسالمية‬ ‫(م‪ ،4 ،‬ص ‪.)271 – 270‬‬ ‫إن تقديس اجلد األول للجماعة (الوحدة) القبيلة أو العائلية‪ ،‬يرتبط‬ ‫ارتباطا وثيقا بالدور االجتماعي الفعلي للشيوخ يف مثل هذه املتحدات‬ ‫االجتماعية‪ .‬وجند يف «مروج الذهب‪ »..‬ذكرا عن حسان بن مالك –‬ ‫وكان رئيس قحطان وسيدها يف الشام ‪ -‬وذلك يف عهد اخلليفة األموي‬ ‫‪63‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫مروان بن احلكم (م‪ ،3 ،‬ص ‪ ،)95‬وكذلك ذكر أحد شيوخ األمويني‪.‬‬ ‫ويشار إىل أن القائد العسكري ‪ ،‬والشاعر البارز ‪ ،‬و األمري يف منطقة‬ ‫اجلبل أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي كان رئيس عشريته عجل‪،‬‬ ‫وغريها من ربيعة ‪.‬‬ ‫كان بنو هاشم ‪ ،‬أو اهلامشيون ) أهل بيت النيب)‪ ،‬جزءا من قبيلة‬ ‫قريش‪ ،‬وانقسموا إىل جمموعتني عائليتني هما العباسيون والعلويون‪.‬‬ ‫ويف عهد العباسيني حتول وضع كبري العلويني إىل منصب من مناصب‬ ‫الدولة‪ ،‬ويسمى بالنقيب‪ .‬وكان اخلليفة هو الذي يعني النقيب (‪.)10‬‬ ‫يذكر املسعودي الشاعر العلوي علي بن حممد بن جعفر العلوي‬ ‫احلماني الذي كان «نقيب العلويني يف الكوفة ومفتيهم وشاعرهم‬ ‫ومدرسهم ولسانهم ‪ ،‬ومل يكن أحد بالكوفة من آل علي بن أبي طالب‬ ‫ّ‬ ‫يتقدمه يف ذلك الوقت “‪( .‬م ‪ ،4،‬ص ‪.)151 - 150‬‬ ‫يثبت املسعودي أيضا انقسام بين أمية الذين كانوا عشرية واحدة إىل‬ ‫جمموعتني عائليتني (السفيانيون واملروانيون)‪ ،‬وذلك عندما خيربنا‬ ‫عن انتقال اخلالفة من يد السفيانيني إىل حكم املروانيني‪.‬‬ ‫وال بد هنا من اإلشارة إىل أن “مروج الذهب ‪ ”...‬غالبا ما خيربنا عن‬ ‫مشاركة ممثلي اجملموعات القبلية والعائلية الشهرية يف خمتلف‬ ‫املناسبات اليت يشهدها بالط اخلليفة ‪ .‬ومن هذه اجملموعات القرشيون‪،‬‬ ‫األمويون ‪ ،‬واهلامشيون‪.‬‬ ‫كانـت بعـض القـبائل تـقـف عـادة إلـى جـانـب هـذه اجملموعات‬ ‫القبلية ‪ -‬العائلية الشهرية أو تلك‪ ،‬اليت تتوىل السلطة يف اخلالفة‪ .‬وعلى‬ ‫سبيل املثال كان بنو أود (أحد افخاذ طي ‪ ) 11‬مناصرين تقليديني‬ ‫للمروانيني‪،‬وخصوماتقليدينيلعليبنأبيطالبوذريته(م‪،3،‬ص‪.)268‬‬ ‫‪64‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫ومل يكن من النادر أن تتشكل القوة احملركة للتاريخ العربي‬ ‫اإلسالمي من القبائل والتجمعات القبلية اليت كانت تدفع بقواتها‬ ‫للمشاركة يف املعارك احلامسة ‪ .‬وجند يف «مروج الذهب ‪ »..‬أخبارا‬ ‫عن مثل هذه القوات‪ .‬يتحدث املسعودي عن احلملة العسكرية على‬ ‫العراق (يف عهد عمر بن اخلطاب) اليت قام بها مقاتلو جبيلة وعلى رأسهم‬ ‫شيخ القبيلة جرير بن عبداهلل البجلي ‪( 12‬م‪ ،2 ،‬ص ‪. )319 -318‬‬ ‫وأثناء موقعة اجلمل يقوم ٌ‬ ‫بدو من قبيلة بين متيم العدنانية (الشمالية)‬ ‫مبطادرة الزبري بن العوام أحد أهم اثنني من خصوم علي بن أبي طالب‪،‬‬ ‫ويتمكن أحد هؤالء البدو من قتله‪ .‬وبعد انتهاء املعركة يعبرِّ علي‬ ‫بن أبي طالب عن حزنه على احملاربني القتلى من ربيعة الذين حاربوا‬ ‫إىل جانبه (م‪ ،2 ،‬ص ‪ .)378‬كما أن أحد خصوم اخلليفة وهو ابو لبيد‬ ‫اجلهضمي األزدي ‪ 13‬يغتم على أبناء قبيلته الذين قتلوا يف املعركة‬ ‫(م‪ ،2 ،‬ص ‪.)380‬‬ ‫ويف سياق وصفه موقعة صفني خيربنا املسعودي أن قوات من قبيليت‬ ‫تنوخ وبهراء اجلنوبيتني ‪ ،‬ومن قبيلة غسان اجلنوبية اليت قاتلها علي‬ ‫بن أبي طالب قتاال شديدا (م ‪ ، 2 ،‬ص ‪ ،)398‬قاتلت إىل جانب معاوية‪،‬‬ ‫الذي “ملا رأى القتل يف أهل الشام َ‬ ‫وك َل َب أهل العراق عليهم استدعى‬ ‫بالنعمان بن جبلة التنوخي ‪ -‬وكان صاحب راية قومه يف تنوخ وبهراء “‬ ‫( م‪ ، 2،‬ص ‪. )394‬‬ ‫يف معرض وصفه األحداث يف مرحلة حكم األمويني يكرر املؤلف‬ ‫ثالث مرات ذكر مقاتلي بين ربيعة ‪ ،‬ففي العام ‪ 683‬م‪ .‬حاربت هذه‬ ‫َّ‬ ‫“احلرة” (م ‪ ،3 ،‬ص ‪ .)14( )80‬وأثناء‬ ‫القبائل ضد قوات اخلليفة يف وقعة‬ ‫القتال عند مسكن (قرية من أرض العراق عى شاطئ دجلة) عام ‪691‬‬ ‫م ضد قوات اخلليفة األموي عبد امللك بن مروان انسحب من مجع ربيعة‬ ‫مصعب أخو عبد اهلل بن الزبري الطامح إىل اخلالفة‪ ،‬وانتقل إىل جانب‬ ‫‪65‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫األمويني (م ‪ ،3 ،‬ص ‪ . )114 -113‬ويف عهد عمر بن عبد العزيز شاركت‬ ‫هذه القوات يف مترد شوذب اخلارجي الذي قوي أمره فيمن معه من ربيعة‬ ‫وغريها (م ‪ ،3 ،‬ص ‪.)200‬‬ ‫ويف الباب املخصص حلكم بين العباس ال يدور احلديث إال عن‬ ‫العمليات املناهضة للدولة اليت كانت تقوم بها قوات البدو‪ .‬ويف عهد‬ ‫املنتصر يشارك بنو ربيعة يف مترد أبي العمود الشاري “الذي اشتد أمره‬ ‫فيمن انضاف إليه من احملكمة من ربيعة وغريهم من األكراد” (م ‪،4 ،‬‬ ‫ص ‪ . )137‬ويف العام ‪ 893/894‬سحق اخلليفة املعتضد األعراب من بين‬ ‫شيبان (‪ “ ) 15‬الذين عتوا وأكثروا الفساد ” يف جنوب العراق (م ‪،4،‬‬ ‫ص ‪. )244‬‬ ‫غالبا ما يصف املسعودي هذا الشخص أو ذاك بناء على انتمائه إىل‬ ‫هذه القبيلة أو تلك ‪ ،‬وهذا ما ينطبق سواء بسواء على الشخصيات‬ ‫التارخيية البارزة ‪ ،‬وعلى الناس العاديني غري املعروفني ‪.‬‬ ‫وهناك حادثتان من هذا النوع سجلتا يف األخبار عن زمن علي بن أبي‬ ‫طالب (م ‪ ،2،‬ص ‪ ،)392 -378‬ومخسة حوادث يف فصول القسم الذي‬ ‫يتحدث عن الساللة األموية (م ‪ ،3 ،‬ص ‪-162 ،114 -113 ،96 - 70،95‬‬ ‫‪ ،) 164‬وهناك حادثة واحدة يف معرض الكالم عن العباسيني (م‪،4 ،‬‬ ‫ص ‪.)23‬‬ ‫إن انقسام اجملتمع بناء على الرابطة القبلية‪ ،‬أو القرابة العائلية ‪،‬‬ ‫يعين التنافس بني هذه التكوينات ‪ .‬وباإلضافة إىل هذه النزاعات كان‬ ‫ثـمة مواجهات على أساس إقليمي‪ ،‬األمر الذي غالبا ما حيدثنا عنه‬ ‫املسعودي يف كتابه‪ .‬وكان التنافس بني عرب الشمال وعرب اجلنوب‬ ‫(‪ )16‬من أهم املواجهات بالنسبة للعامل العربي اإلسالمي ‪ ،‬و«كانت‬ ‫العصبية من دواعي زوال ملك بين أمية»‪ .‬يكرس املسعودي حيزا خاصا‬ ‫‪66‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫يف «مروج الذهب ‪ »..‬لتطورات هذا النزاع الذي وقع أواخر احلكم األموي‪،‬‬ ‫فريى أن سببه يكمن يف أن الكميت بن زيد األسدي الذي دافع عن‬ ‫مصاحل عرب الشمال ألف قصيدة مدح فيها قومه من بين مضر بن نزار‬ ‫بن معد وربيعة بن نزار وإياد وأمنار ابين نزار‪ ،‬وأطنب يف وصفهم‪ ،‬وأنهم‬ ‫أفضل من بين قحطان ‪ ،‬األمر الذي اعترب إثارة للعصبية القبلية (م ‪،3،‬‬ ‫ص ‪ .)245 -244 ،246 -243‬وبعد سنوات عديدة من ذلك‪ ،‬ويف حقبة‬ ‫أخرى متاما‪ ،‬رد الشاعر املعروف يف العصر العباسي دعبل ُ‬ ‫اخلزاعي‬ ‫ِ ِ‬ ‫(‪ )17‬على قصيدة الكميت بقصيدة امتدح فيها شأن عرب اجلنوب‪،‬‬ ‫ذاكرا مناقب اليمن وفضائلها (م‪ ، 3 ،‬ص ‪ .)245‬يرى املسعودي أن هذين‬ ‫احلدثني األدبيني اللذين يعودان إىل زمنني خمتلفني تارخييا وثقافيا‪،‬‬ ‫متكافئان ومتعادالن ‪ ،‬األمر الذي يشري إىل استمرار املواجهة بني عرب‬ ‫الشمال وعرب اجلنوب (على األقل يشري إىل بقاء هذه الظاهرة الثقافية)‬ ‫حتى يف عصر املسعودي‪ ،‬أي بعد ما يقرب من مئة عام على دعبل‪.‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إىل ما يسمى بالتنافس احمللي بني جمموعتني قبليتني‬ ‫يف البصرة هما الباللية والسعدية الذي بدأ عام ‪ 867 /866‬وما نتج عن‬ ‫ذلك من ظهور صاحب الزنج (م ‪ ،4،‬ص ‪ .)181‬وكما يقول بيال فإن‬ ‫أصل اجملموعة األوىل غري معروف بينما كانت الثانية فخذا من بين‬ ‫سعد بن زيد مناة بن متيم ‪.‬‬ ‫إن التنافس احمللي ‪،‬كما يعرضه املسعودي ‪ ،‬يبدو بدرجة ملموسة‬ ‫كظاهرة ثقافية‪ ،‬وليس جمرد عامل من عوامل احلياة االجتماعية –‬ ‫السياسية ‪ .‬وهكذا على سبيل املثال تصدى احلجاج بن يوسف الثقفي‬ ‫الشهري للقائد العسكري ابن األشعث الذي مترد يف خراسان «وانقاد‬ ‫لطاعته أهل البصرة» ‪ .‬وبعد وقائع كثرية بينهما «كانت على ابن‬ ‫االشعث فمضى حتى انتهي إىل ملوك اهلند‪ ،‬ومل يزل احلجاج يتحايل يف‬ ‫قتله حتى قتل‪ ،‬وأتي برأسه» عام ‪704‬م ‪ ،‬فألقى احلجاج خطبته الشهرية‬ ‫‪67‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫اليت محل فيها على أهل العراق ‪ ،‬وامتدح أهل الشام ‪( .‬م ‪ ،3 ،‬ص ‪-139‬‬ ‫‪.)140‬‬ ‫ويف شهادات املسعودي األخرى حول هذه املشكلة يربز العامل الثقايف‬ ‫احملض على حنو أكثر وضوحا‪ .‬فجامع األخبار واألشعار عيسى بن دأب‬ ‫يروي للخليفة اهلادي قصة األحنف بن قيس (‪ )18‬الذي يفاخر بالبصرة‬ ‫على أهل الكوفة فيقول «أما البصرة فإن أسفلها قصب وأوسطها‬ ‫خشب‪ ،‬وأعالها رطب‪ ،‬حنن أكثر ساجا وعاجا وديباجا‪ ،‬وحنن أكثر‬ ‫قندا ونقدا‪ .‬واهلل ما آتي البصرة إال طائعا‪ ،‬وال أخرج منها إال كارها»‪.‬‬ ‫(م‪ ،3 ،‬ص ‪. )341 -340‬‬ ‫ويف رواية «أن من مالحات أحاديث امللهني املجُ َّ ان ما ذكره ابو الفضل‬ ‫بن أبي طاهر عن سفيه كان جيمع بني الرجال والنساء عى أفحش‬ ‫الريب وكان من أشراف قريش ‪ ،‬ومل يذكر امسه»‪ .‬وما قيل عن شهادة‬ ‫احلمري على خالعته ‪ .‬وكان أن رفض والي مكة معاقبته لكي ال‬ ‫يسخر بهم أهل العراق ‪ ،‬وأمر بتخلية سبيله وترك التعرض له‪ .‬ويقول‬ ‫املسعودي أن للخليفة املنتصر باهلل أخبارا حسانا وأشعارا ُ‬ ‫وملحا‬ ‫ومنادمات ومكاتبات ومراسالت قبل اخلالفة‪( .‬م‪ ،4،‬ص ‪.)143 – 142‬‬ ‫أما أمحد بن حممد العروضي املقرب من اخلليفة الراضي فريوي له قصة‬ ‫عن رجل من بين هاشم حل ضيفا على ابن عمه يف املدينة الذي تواطأ مع‬ ‫قينتني له للحيلولة دون ضيفه وبيت اخلالء وهو يف أشد احلاجة إليه‪.‬‬ ‫(م‪.)334 – 332 ،4 ،‬‬ ‫وأخريا ‪ ،‬فإن اخلليفة املستكفي نفسه‪ ،‬ولكي يوضح ملقربيه سبب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تركيا على غريه‪ ،‬يورد قصة يشرح فيها « ملاذا اجتبى‬ ‫غالما‬ ‫تفضيله‬ ‫احلجاج بن يوسف الثقفي للشاميني قوما من أهل العراق وجد عندهم من‬ ‫الكفاية ما مل جيده عند خمتصيه من الشاميني » (م‪ ،4،‬ص ‪.)358 – 357‬‬ ‫‪68‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫إن أقصى أشكال التنافس سواء بني القبائل‪ ،‬أو بني اجملموعات‬ ‫العائلية‪ ،‬هو عادة األخذ بالثأر اليت كانت منتشرة على نطاق واسع‬ ‫عند العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ومل تندثر يف العصر العربي اإلسالمي ‪ .‬ومن‬ ‫التجليات األكثر سطوعا هلذه العادة يف احلياة السياسية االجتماعية‬ ‫ُ‬ ‫مطالبة معاوية وغريه من بين أمية بالثأر لدم قريبهم عثمان بن عفان ‪،‬‬ ‫إذ َّ‬ ‫محلوا عليا بن أبي طالب وأقرباءه مسؤولية قتله ‪( .‬م ‪ ،2،‬ص ‪– 366‬‬ ‫‪.)381‬‬ ‫كما أن العباسيني‪ ،‬ويف الصراع من أجل السيادة السياسية يف‬ ‫اخلالفة ‪ ،‬صوروا أعماهلم كأخذ بالثأر ملقتل أقربائهم‪ .‬وهذا ما يصرح‬ ‫به اخلليفة العباسي األول السفاح عندما ُوضع بني يديه رأس اخلليفة‬ ‫األموي األخري مروان بن حممد‪ « .‬سجد فأطال السجود ثم رفع رأسه فقال‪:‬‬ ‫احلمد هلل الذي مل يبق ثأري قبلك وقبل رهطك ‪ ،‬واحلمد هلل الذي‬ ‫أظفرني بك‪ ،‬وأظهرني عليك»‪( .‬م ‪ ،3،‬ص ‪.)272 -271‬‬ ‫وإبان حربهم لإلطاحة باألمويني قام العباسيون بعمليات خاصة تهدف‬ ‫إىل القضاء على أبناء العشرية املعادية ‪ .‬واألكثر داللة من بني هذه‬ ‫األعمال هو ما قام به عام ‪750‬م عبد اهلل بن علي‪ ،‬أحد أعمام اخلليفتني‬ ‫العباسيني األول والثاني السفاح واملنصور ‪ « .‬وقتل عبد اهلل بن علي‬ ‫بدمشق خلقا كثريا ‪ ...‬ونزل على نهر أبي فطرس (من بالد فلسطني‬ ‫واالردن) فقتل من بين أمية هناك بضعا وثـمانني رجال» ‪( .‬م‪ ،3،‬ص‬ ‫‪ .)261‬وكما جاء يف شهادة عيسى بن دأب ظلت قضية الثأر من بين‬ ‫ً‬ ‫علما بأنه حكم يف فرتة‬ ‫أمية تقلق بال اخلليفة العباسي اهلادي ‪،‬‬ ‫توطد ورسوخ سلطة العباسيني‪ ،‬عندما مل يعد األمويون يشكلون أي‬ ‫خطر عليهم (م‪ ،3 ،‬ص ‪ .)339 – 338‬وبتعبري آخر ميكن النظر إىل واقع‬ ‫الصراع السياسي بني العشائر ( البطون واألفخاذ) ‪ ،‬يف هذه احلالة أيضا‪،‬‬ ‫كظاهرة ثقافية من نوع ما ‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫ويف الوقت نفسه يورد املسعودي وقائع من خاصية أخرى‪ ،‬وهي موقف‬ ‫اخللفاء العباسيني الرحيم من بعض األمويني واملوالي الذين ظلوا على‬ ‫إخالصهم هلم‪ .‬فهارون الرشيد يكافئ مسنا أمويا على قصيدة قاهلا‬ ‫يف مدح العباسيني سائال الرشيد وصل األرحام ألن «عبد مشس عم‬ ‫عبد املطلب » (م‪ ،3 ،‬ص ‪ ،) 375 -374‬بينما املنصور يتحدث عن شاعر‬ ‫ضرير صحبه إىل الشام‪ ،‬وكان يريد مروان بن حممد بشعر قاله فيه‪.‬‬ ‫وكان أن التقاه املنصور مرة أخرى أثناء احلج واملنصور خليفة‪ .‬فذكره‬ ‫برفقته إىل الشام يف أيام بين أمية‪ .‬فأنشأ الضرير ميدح بين أمية‪ .‬وملا علم‬ ‫أنه يف حضرة أمري املؤمنني طلب العذر منه متمثال بقول رسول اهلل إن‬ ‫«النفوس جبلت على حب من أحسن إليها‪ ،‬وبغض من أساء إليها»‪ ،‬فعفا‬ ‫عنه وأطلقه‪ ( .‬م‪ ،3 ،‬ص ‪.)295-296‬‬ ‫ويزودنا املسعودي مبعلومات أخرى عن اخلالفات العشائرية ‪ ،‬منها‬ ‫مثال أن الطامح إىل اخلالفة عبداهلل بن الزبري كان يقف موقفا عدائيا‬ ‫من اهلامشيني املقيمني يف مكة ‪ ،‬وكان ينوي القضاء عليهم (م‪،3 ،‬‬ ‫ص ‪.)86-87‬‬ ‫إن الوقائع الواردة هنا تتعلق بالصراع بني جمموعات قبلية عائلية‬ ‫تنتمي إىل قبيلة واحدة هي قريش‪ .‬وهذه الوقائع استمرا ٌر لتقاليد‬ ‫نزاعات من هذا النوع تعود جبذورها إىل املاضي قبل اإلسالم (‪. )19‬‬ ‫ويف الفصل املخصص للخليفة هارون الرشيد يفرد املسعودي حيزا‬ ‫كبريا للحديث عن الظروف اليت رافقت تنكيل العباسيني بساللة‬ ‫الوزراء الربامكة (‪ )20‬الشهرية ‪ ،‬هذا التنكيل الذي اتصف بطابع‬ ‫االضطهاد لعشرية بكاملها (م ‪ ،3 ،‬ص ‪.)395 - 377‬‬ ‫ويقدم املسعودي روايتني مبوضوع واحد‪ ،‬وهو أن امرأة من العشرية‬ ‫املغلوبة جتد ملجأ عند امرأة من العشرية الغالبة‪ .‬وهي يف الرواية األوىل‬ ‫‪70‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫(م ‪ ،3 ،‬ص ‪ )325- 323‬مزنة أرملة اخلليفة األموي األخري مروان بن حممد‪،‬‬ ‫ويف الثانية ( م ‪ ،3 ،‬ص ‪ )392‬عبادة أم جعفر بن حييى الربمكي الذي‬ ‫قتله الرشيد ‪ .‬ورمبا كان هذا املوضوع يوحي بأن عادة األخذ بالثأر مل‬ ‫تكن تشمل النساء من اجملموعة القبلية العائلية املعادية سواء قبل‬ ‫اإلسالم‪ ،‬أم يف العهود اليت تلته ‪.‬‬ ‫إن كال من التنافسني ‪ ،‬القبلي واحمللي ‪ ،‬يقتضي تبادل العون‬ ‫والنجدة داخل اجلماعات القبلية والعائلية ‪ .‬وتدل مجلة من الوقائع‬ ‫اليت يوردها املسعودي على انتشار هذه الظاهرة ‪ .‬فعندما نوى احلجاج‬ ‫بن يوسف على قتل الشاعر املعروف جرير بن اخلطفي (‪ )21‬هب قومه‬ ‫من مضر لنجدته فقالوا «أصلح اهلل األمري! لسان مضر وشاعرها‪ ،‬هبه‬ ‫لنا‪ ،‬فوهبه هلم » ‪( .‬م‪ ،3 ،‬ص ‪ .)160‬ويف بعض األحيان كان التضامن‬ ‫القبلي (داخل القبيلة) يقتصر على نقل أو تبادل املعلومات اخلطرية‪.‬‬ ‫ومن األمثلة على ذلك أن الشاعر عبداهلل بن الزبري األسدي الذي خرج من‬ ‫الكوفة مذعورا من غضب احلجاج » حتى إذا كان عند اللجامني لقيه‬ ‫رجل من قومه يقال له ابراهيم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما اخلرب؟ فقال ابن الزبري ‪ :‬الشر‪،‬‬ ‫قتل عمري من بعث املهلب» (م‪ ،3 ،‬ص ‪. )137‬‬ ‫لقد بينت الباحثة الروسية ل‪ .‬ف‪ .‬نيغريا (بوسوفاليوك) أن جمتمع‬ ‫اجلزيرة العربية قبل اإلسالم عرف ظاهرة األباعدية (‪Exogamy‬‬ ‫الزواج من خارج القبيلة)‪ ،‬أي أن مجاعة ما‪ ،‬وعلى مدى أجيال عديدة‪،‬‬ ‫كانت تزوج بناتها لرجال من مجاعة أخرى ال متت هلا بصلة رحم ‪.‬‬ ‫ويف هذه احلالة تنشأ بني اجلماعتني ‪،‬أو القبيلتني‪ ،‬عالقة قربى هي‬ ‫اخلؤولة والعمومة بني الطرفني‪ .‬ومثل هذه العالقات كانت تنشأ أيضا‬ ‫عند عقد زجيات نادرة بني جمموعات تربطها أواصر القربى العائلية‬ ‫(‪ .)22‬ويبدو أننا نصادف مثل هذه الظاهرة يف أخبار املسعودي عن أن‬ ‫األخوال من كندة (القبيلة القحطانية الشهرية) محوا بعد موقعة َّ‬ ‫احلرة‬ ‫‪71‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫جد اخللفاء العباسيني علي بن عبداهلل بن العباس من غضب القائد‬ ‫العسكري األموي مسلم بن عقبة (م‪ ،3 ،‬ص ‪. )80‬‬ ‫غري أن تضامن أعضاء جمموعة واحدة تربطها قرابة الدم مل يكن‬ ‫يلغي النزاعات داخلها‪ .‬ويرسم لنا املسعودي صداما ذا طابع سياسي‬ ‫داخل جمموعات وجدت نفسها يف موقع السلطة يف اخلالفة ‪ .‬وأكرب‬ ‫حدث من هذا النوع يف العصر األموي هو إقدام اخلليفة عبدامللك بن مروان‬ ‫عام ‪ 689‬م على قتل األمري املعروف من بين أمية عمرو بن سعيد األشدق‬ ‫(م‪ ،3 ،‬ص ‪ . )112 – 109‬أما يف العصر العباسي فقد جتلى التنافس داخل‬ ‫اجملموعة العائلية احلاكمة بأسطع مظاهره يف الشقاق بني املأمون‬ ‫واألمني عام ‪ 813‬م ‪ ،‬ما وصفه املسعودي أحسن وصف (م‪ ،3 ،‬ص ‪– 405‬‬ ‫‪ . )423‬ويذكرنا املؤلف بنزاعات أخرى داخل البيت العباسي ‪ .‬ففي العام‬ ‫‪ 824/825‬أمر املأمون بقتل ابن عائشة ‪ ،‬وهو رجل من ولد العباس بن عبد‬ ‫املطلب ‪ ،‬وامسه ابراهيم بن حممد بن عبد الوهاب بن ابراهيم اإلمام أخي‬ ‫أبي العباس واملنصور‪ .‬وهو أول عباسي ُصلب يف اإلسالم‪ .‬ومتثل املأمون‬ ‫حني قتله بقول الشاعر ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫مستكنة‬ ‫إذا النار يف أحجارها‬ ‫(م‪ ،4 ،‬ص ‪.)35‬‬

‫متى ُيهجها ٌ‬ ‫تتضرم‬ ‫قادح‬ ‫ِ‬

‫وثـمة حادثة أخرى‪ ،‬هي النقمة على األمري ابراهيم بن جعفر املتوكل‬ ‫املؤيد (‪ ) 23‬الذي كان ولي عهد اخلليفة املعتز ‪“ .‬مني إىل املعتز أن‬ ‫املؤيد يدبر عليه‪ ،‬وأنه استمال مجاعة من املوالي‪ ،‬فحبس املؤيد وأبا‬ ‫أمحد – وهما ألب وأم – وطولب املؤيد أن خيلع عنه والية العهد‪ ،‬فضرب‬ ‫أربعني عصا إىل أن أجاب “ ‪ ...‬وبعد ذلك “أخرج ميتا ‪ ...‬وال أثر فيه‪ .‬فيقال‪:‬‬ ‫إنه أدرج يف حلاف مسموم وشد طرفاه حتى مات فيه “‪ ،‬وكان ذلك عام‬ ‫‪( 866/867‬م‪ ،4 ،‬ص ‪.)176‬‬ ‫‪72‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫إن بعض مواد هذه الكتاب تتناول عالقات الزواج واألسرة‪ .‬وبعضها‬ ‫يدل على وجود ظاهرة األباعدية حتى يف العصر األموي‪ .‬بيد أن من‬ ‫املعروف أن هذه العادة أخذت باالندثار منذ ما ما قبل اإلسالم (‪ ،)24‬ورمبا‬ ‫حافظت على وجودها يف املراحل املبكرة من العصر العربي اإلسالمي‬ ‫كبقية من رواسب كانت وراءها دوافع سياسية غالبا‪ .‬وعلى سبيل‬ ‫املثال اراد احلجاج بن يوسف تعزيز موقع صاحبه “عبداهلل بن هاني وهو‬ ‫رجل من أود حي يف اليمن وكان شريفا يف قومه‪ ،‬وقد شهد مع احلجاج‬ ‫مشاهده كلها‪ ،‬وشهد معه حتريق البيت‪ ،‬وكان من أنصاره وشيعته”‪،‬‬ ‫غري أنه “كان دميما‪ ،‬جمدورا يف رأسه‪ ،‬أعجر‪ ،‬مائل الشدق‪ ،‬أحول‪ ،‬قبيح‬ ‫الوجه”‪ .‬فأرغم احلجاج اثنني من أصحابه ينتميان إىل قبيلينت غري قبيلة‬ ‫عبد اهلل على تزوجيه بنتيهما (م ‪ ،3 ،‬ص‪ .)152 -151‬واحلجاج نفسه‬ ‫خطب ابنة عبداهلل بن جعفر بن أبي طالب ابن أخ علي بن أبي طالب‪،‬‬ ‫وذلك سعيا منه للحط من القدر الرفيع لكل آل أبي طالب ‪.‬‬ ‫انتشرت يف العصر العربي اإلسالمي انتشارا واسعا عالقات الزواج‬ ‫اللحمي (زواج األقارب‪ ،‬الزواج االندوغامي‪ ،‬الداخلي) ‪ .‬ومما يدل على‬ ‫ذلك أن عبد الرمحن بن ملجم املرادي قبل اغتياله عليا بن أبي طالب‬ ‫تقدم خاطبا ابنة عمه قطام ‪“ .‬وكان علي قد قتل اباها وأخاها يوم‬ ‫النهروان‪ .‬وكانت أمجل أهل زمانها”‪ .‬فطلبت من ابن ملجم قتل عليا مهرا‬ ‫هلا‪( .‬م ‪ .)423 ،2 ،‬كما ان هارون الرشيد “ ملا أفضت اخلالفة إليه زوج‬ ‫ابنته محدونة (‪ )25‬من ابن أخيه جعفر بن موسى اهلادي ‪ ،‬وابنته األخرى‬ ‫فاطمة البن أخيه اآلخر امساعيل بن موسى اهلادي (م‪ ،3 ،‬ص ‪.)345‬‬ ‫أما يف ما يتعلق باخللفاء العباسيني أنفسهم فعلى األغلب األعم‬ ‫جوار (‪ ، )26‬ولذلك يالحظ املسعودي بشكل خاص أن‬ ‫كانوا أبناء ٍ‬ ‫األمني ابن هارون الرشيد من زبيدة اليت كانت ابنة عم زوجها وحفيدة‬ ‫املنصور (‪ )27‬اخلليفة العباسي الثاني ‪ ،‬كان – أي األمني ‪ -‬اخلليفة‬ ‫‪73‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫الوحيد من أب وأم هامشيني بعد علي بن أبي طالب وابنه احلسن (م‪،3،‬‬ ‫ص ‪. )405 – 404‬‬ ‫وكما أشار األكادميي إ‪ .‬يو‪ .‬كراتشكوفسكي ‪ ،‬تشكل يف‬ ‫األدب العربي ومنذ مراحل تطوره الباكرة جنس أدبي خاص يسمى‬ ‫“الفضائل”‪ ،‬وهو عبارة عن أقوال مأثورة مقتضبة مقفاة (سجع) يف‬ ‫أغلب األحيان” تتحدث عن مزايا بعض البلدان والشعوب ‪ .‬وهذا اجلنس‬ ‫الباكر يف األدبيات اجلغرافية عند العرب تطور ضمن عالقة وثيقة‬ ‫مع جنس آخر هو مديح وهجاء بعض القبائل العربية ‪ .‬وجند مناذج من‬ ‫“الفضائل” يف كتب األنساب (‪ . )28‬ووفقا ملخطط تصنيف األخبار‬ ‫اليت تشكل نص “مروج الذهب‪ ،”..‬فإن “ الفضائل” متثل أحد تفرعات‬ ‫األخبار ‪ -‬األمثال ‪.‬‬ ‫إن احلالة األوىل اليت سجلناها عن تضمني جنس وصف القبائل‬ ‫يف مؤلفات املسعودي هي احلوار بني اخلليفة الراشدي الثاني عمر بن‬ ‫اخلطاب من جهة والشاعر والفارس الشهري عمرو بن معد يكرب ‪.‬‬ ‫وبوصفه من قبيلة مينية يقوم عمرو بناء على طلب اخلليفة بتوصيف‬ ‫خمتلف القبائل العربية اجلنوبية‪ ،‬وكذلك احلرب وشتى أنواع السالح‬ ‫(م‪ ،2 ،‬ص ‪.)335 -333‬‬ ‫والنموذج الثاني هلذا اجلنس جنده يف خرب عن لقاء مجع اخلليفة‬ ‫األموي األول معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬واحلكيم الشهري واخلطيب األريب‬ ‫صعصعة بن صوحان العبدي ‪ .‬يف البداية يصف صعصعة أهل خمتلف‬ ‫األصقاع كالبصرة والكوفة واحلجاز‪ ،‬ومن ثم ينربي هلجاء ربيعة‬ ‫وأهل الشام من جهة ‪ ،‬ومديح مضر من جهة أخرى (م‪ ،3 ،‬ص ‪. )52 -51‬‬ ‫ويف الفصل املخصص حلكم السفاح‪ ،‬اخلليفة العباسي األول ‪ ،‬نرى‬ ‫أن جنس مديح وهجاء القبائل راح يفقد روح احلماسة ‪ ،‬وأخذ يكتسب‬ ‫‪74‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫طابع احملاكاة واهلزل ‪ .‬كان السفاح “يعجبه احملادثة ‪ ،‬ومفاخرات‬ ‫العرب من نزار واملذاكرة بذلك”‪ .‬ومن مسامرات السفاح ما حدثه به يزيد‬ ‫الرقاشي بأظرف ما مسع من األحاديث ‪ ،‬فحدثه عن رجل من تنوخ نزل‬ ‫حبي من بين عامر بن صعصعة ‪ ،‬وما مسعه من جارية من احلي يف هجاء‬ ‫كل القبائل اليت ادعى الرجل أنه ينتمي إليها ‪( )29( .‬م‪ ،3 ،‬ص ‪285-‬‬ ‫‪ . )288‬ويبدو أن يف أساس هذا اخلرب موضوع فولكوري شهري ‪.)30( .‬‬ ‫طبقات اجملتمع العربي اإلسالمي وثقافة البغداديني‬ ‫تكونت يف عصر املسعودي بنى اجتماعية أخرى غري اجملموعات‬ ‫اليت توحدها أواصر القرابة العائلية ‪ ،‬أو القبلية‪ ،‬حيث االنتماء إليها‬ ‫حيدد وضع الفرد ومنزلته ‪ .‬وتتضح لنا التشكيالت اجلديدة من خالل‬ ‫املعلومات املتعلقة مبدينة املسعودي ‪ ،‬عاصمة اخلالفة – بغداد‪.‬‬ ‫كان سكان هذه العاصمة العربية اإلسالمية القروسطية‬ ‫ينقسمون ‪ -‬كما تالحظ الباحثة الروسية إ‪ .‬ب‪ .‬ميخائيلوفا ‪ -‬إىل‬ ‫جموعتني كبريتني ‪ ،‬هما اخلاصة والعامة(‪ .)31‬وكانت تنتمي إىل‬ ‫ُ‬ ‫جمموعة الصفوة ذات االمتيازات‪ ،‬أي من كان على عالقة‬ ‫األوىل ‪،‬‬ ‫بالبالط وجهاز الدولة (عائلة اخلليفة واحلاشية واحلرس و كبار‬ ‫املوظفني واالرستقراطية العسكرية) وأصحاب الفضائل يف اإلسالم‬ ‫سواء شخصيا أم بالوراثة (اهلامشيون ‪ ،‬بنو علي‪ ،‬أحفاد الصحابة‪ ،‬وكبار‬ ‫العلماء) ‪ .‬وكانت طبقة العامة االجتماعية (الشعب البسيط‪ ،‬السواد)‬ ‫تضم شتى القوى االجتماعية وأكثرها تنوعا ‪ ،‬من التجار األغنياء إىل‬ ‫ممثلي القاع املديين ‪ .‬إن احلد الذي كان يفصل بني اخلاصة (حوالي‬ ‫مخس سكان بغداد) عن العامة مل يكن واضحا بدقة ‪.‬‬ ‫ونظرا لنسبه الذي يعود إىل عبداهلل بن مسعود ‪ -‬أحد صحابة النيب‬ ‫حممد ‪ -‬وألنه رجل يتمتع بثقافة رفيعة‪ ،‬كان املسعودي ينتمي‬ ‫‪75‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫بطبيعة احلال إىل الفئة األوىل املختارة‪ ،‬وكان على األغلب يشاطرها‬ ‫ثوابتها االجتماعية – البسيكولوجية‪ .‬ونالحظ يف مؤلفاته دالئل‬ ‫غري مباشرة على موقفه االزدرائي من سواد الناس‪ .‬يرى املسعودي أن‬ ‫بسطاء الناس (عامة الشعب) ليسوا مستقلني يف أحكامهم‪ ،‬وأنهم‬ ‫سذج ميالون إىل اللهو (م‪ ،3،‬ص ‪ . )44‬يقول املسعودي إن األمري الشهري‬ ‫عمرو بن الليث الصفار(‪ )32‬أرسل هدايا إىل اخلليفة املعتضد يف بغداد‬ ‫عام ‪ 8 896/97‬كان من بينها ٌ‬ ‫صنم من حناس على شكل امرأة هلا‬ ‫أربعة أذرع ‪ .‬وعرض هذا التمثال على املأل حيث استمرت العامة عدة أيام‬ ‫بالتفرج عليه ساهية عن شؤونها ‪( ...‬م‪ ،4 ،‬ص ‪ .)237‬ومما يدل على‬ ‫سذاجة الشعب البسيط خرب عن رجل مشعوذ أيام هارون الرشيد كان‬ ‫يطبب العامة‪ ،‬مستغال العديد من املرضى ‪ ،‬وهم على حافة املوت غالبا‪،‬‬ ‫باعطائهم ماء عاديا (م‪ ،3 ،‬ص ‪. )44- 43‬‬ ‫إن أكثر ما يثري استياء املسعودي هو جهل العامة يف قضايا الدين‪.‬‬ ‫ومن ذلك مثال ما ينقله عن اجلاحظ من أن رجال من العامة‪ ،‬وهو حاج‪،‬‬ ‫اليعرف ماذا تعين كلمة “البيت” أي الكعبة‪ .‬بل أن الكثريين من‬ ‫العامة مل يكونوا يعرفون امساء وأنساب أقرب أقرباء الرسول وأصحابه‬ ‫(م‪ ، 3،‬ص ‪ .)43 -42‬من هذه األمثلة أيضا أن رجال من العامة حضر وفاة ابن‬ ‫حنبل (‪ ) 33‬يف خالفة املتوكل مبدينة السالم ‪“ ...‬وحضر جنازته خلق‬ ‫من الناس مل ير مثل ذلك اليوم واالجتماع يف جنازة سلف قبله‪ .‬وكان‬ ‫للعامة فيه كالم كثري جرى بينهم بالعكس والضد يف األمور”‪ ..‬بل‬ ‫أن أحدهم وضع ابن حنبل يف مصاف الرسول‪.‬‬ ‫وينبئنا املسعودي أنه “كان ألهل بغداد ثورة مع السلطان الستهزائهم‬ ‫باخلدم السودان ‪ .‬ذلك أن اخلدم يف دار السلطان كلموا املعتضد مبا‬ ‫يلحقهم يف األزقة والشوارع والدروب وسائر الطرق من الصغري والكبري‬ ‫من العوام ‪ ،‬فأمر املعتضد جبماعة من العامة ‪ ،‬فضربوا بالسياط ‪ ،‬فثارت‬ ‫‪76‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫العامة ‪( .‬م‪ ، 4،‬ص ‪ . )260‬ويف الوقت نفسه جند عند املسعودي أن بعض‬ ‫أبناء العامة قادرون على الفهم العميق ألحد أهم عناصر الثقافة يف ذاك‬ ‫الزمن‪ ،‬أي املوسيقى والغناء‪ .‬ومما يدل على ذلك لمَُ ٌع عن شخصية ابراهيم‬ ‫بن املهدي‪ ،‬األمري العباسي الذي اشتهر أيضا كمغن وموسيقي (‪. )34‬‬ ‫ويف ثالث من القصص اليت يسردها عنه املسعودي جنده يأسر القلوب‬ ‫بغنائه وموسيقاه ‪ .‬يف القصة األوىل أن عبدا أسود عند بئر ماء رفض‬ ‫أول األمر أن يسقيه من مائه‪ ،‬ولكنه عندما مسعه يغين هب فسقاه‬ ‫وزوده بقربة له (م‪ ،3 ،‬ص ‪ .)375‬ويف القصة الثانية خيربنا املسعودي‬ ‫أن موهبة ابراهيم بن ا ملهدي أعانته يف التعرف على أخت أحد التجار ‪،‬‬ ‫وهي حسناء ملكت عليه عقله فتزوجها بعد أن كشف هويته ألخيها‬ ‫التاجر(م‪ ،4 ،‬ص‪ .)11‬ويف القصة الثالثة كان هاربا من عيون املأمون‬ ‫فاختبأ عند مزين أسود‪ .‬وإذ عرفه املزين أكرمه وأجابه إىل طلبه راجيا‬ ‫أن يسمعه شيئا من غنائه وموسيقاه‪ .‬وتبني أن هذا املزين كان خادم‬ ‫اسحاق بن ابراهيم املوصلي (م‪ ،4 ،‬ص ‪ .)31‬من املستبعد أن تكون هذه‬ ‫القصص انعكساسا حقيقيا للوضع االجتماعي الثقايف يف احلقبة‬ ‫اليت يصفها املسعودي ‪ .‬ومما الشك فيه أنها تنطوي على عنصر من‬ ‫عناصر الفولكلور ‪ ،‬فابراهيم بن املهدي يبدو هنا وكأنه ساحر يذلل‬ ‫نفوس الناس ‪ ،‬على غرار ما كان ملوسيقى أورفيوس من تأثري فتان على‬ ‫البشر واحليوان والشجر‪.‬‬ ‫إن بسطاء الناس يف ذاك الزمن كانوا أكثر شغفا بتسليات أخرى‬ ‫“كاللعب باحلمام وتطيريها‪ ،‬واللعب بالكباش والديوك والسمان‬ ‫“(م‪ ،4 ،‬ص ‪. ) 357 -356‬‬ ‫وجند لدى املسعودي معلومات أكثر تفصيال عن احلياة الروحية‬ ‫للعامة ‪ .‬ومن ذلك قصائد لشاعر ضرير يعرف بعلي بن ابي طالب (‪،) 35‬‬ ‫غالبا ما يوردها املسعودي عند وصفه اخلالفات بني األمني واملأمون اليت‬ ‫‪77‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫ُ‬ ‫مل تزعزع أسس اجملتمع البغدادي وحسب ‪ ،‬بل وأسس اجملتمع العربي‬ ‫اإلسالمي كله ‪ .‬ويف ذلك يقول هذا الشاعر ‪:‬‬ ‫تقطعت األرحام بني العشائر وأسلمهم أهل التقى والبصائر‬ ‫فاصبح بعض الناس يقتل بعضهم‬

‫فمن بني مقهور ذليل وقاهر‬

‫وجاء يف مكان آخر ‪:‬‬ ‫من ذا أصابك يا بغداد بالعني أمل تكوني زمانا قرة العني؟‬ ‫أمل يكن فيك قوم كان قربهم وكان مسكنهم زينا من الزين؟‬ ‫(م‪ ،3،‬ص ‪.)417 ،414 ،412 ،409 ،405‬‬ ‫ويرد يف “مروج الذهب” ذكر البنية االجتماعية للعامة ‪ ،‬فبمناسبة‬ ‫القالقل اليت وقعت يف عاصمة اخلالفة عام ‪ ،819/20‬يقول املسعودي‬ ‫“اضطربت بغداد يف أيام ابراهيم املهدي ‪ ،‬وثارت الرويبضة ‪ ،‬ومسوا‬ ‫أنفسهم املطوعة ‪ ،‬وهم رؤساء العامة والتوابع ”‪.‬‬ ‫ولعل األبهى من بني املقاطع املكرسة حلياة البغدايني من عامة‬ ‫الناس‪ ،‬تلك اليت يتحدث فيها املسعودي عن العيارين ‪ ،‬وهم جمموعة‬ ‫مسلحة من سكان املدينة ختضع لقانون الشرف الذي تتلخص أهم‬ ‫بنوده برباطة اجلأش وقوة اإلرادة والثبات وازدراء األمل ‪ ،‬واإلخالص‬ ‫والصداقة ‪ ،‬وكتمان السر والوفاء بالوعد ومقت الكذب‪ ،‬والتحلي‬ ‫بالعفة ‪ .‬وأغلب الظن أن أعضاء مجاعة العيارين هم من أبناء الفئات‬ ‫املعدمة أو الفقرية‪ .‬كما أن قادتهم كانوا أناسا من أصول اجتماعية‬ ‫دنيا‪ .‬ويبدو أن العيارين كانوا الشكل احمللي لظاهرة الفتوة (‪)36‬‬ ‫اليت انتشرت يف كل العامل لعربي اإلسالمي يف القرن العاشر ‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫وبعد أن حيدثنا عن سالح العيارين وتنظيمهم القتالي (م‪ ،3 ،‬ص‬ ‫‪ )412 - 411‬ينتقل املؤلف إىل عرض تقلبات املعارك اليت شارك فيها‬ ‫مقاتلوهم ‪ ،‬وخاصة احلديث عن انتصاراتهم ومن ثم هزميتهم على يد‬ ‫اجلند احملرتفني التابعني للمأمون (م‪ ،3 ،‬ص ‪.)418 - 417 ،415 -414‬‬ ‫ويالحظ املسعودي أن العيارين حافظوا يف املراحل التالية من تاريخ‬ ‫بغداد على أهميتهم كقوة عسكرية (م‪ ،‬ص ‪.)413 -412‬‬ ‫وبوصفه راوي قصص املغامرات والتسلية ال يسع مؤلفنا أن مير مرور‬ ‫الكرام أمام سكان قاع املدينة ‪ ،‬أي اللصوص احملرتفني‪ .‬ولعل من أمتع‬ ‫ما رواه يف هذا اجملال قصة سرقة خزنة اجلند (بعض رسوم اجلند يف عشر‬ ‫بدر) يف عهد اخلليفة املعتضد (م‪ ،4 ،‬ص ‪ .)249 -248‬وتعود جاذبية‬ ‫هذه القصة لكونها أوال تتصف مبزايا أدبية ال جدال فيها‪ ،‬وثانيا ألنها‬ ‫تقدم لنا معلومات عن وجود مجاعة التوابني يف بغداد آنذاك‪“ ،‬وهم‬ ‫شيوخ أنواع اللصوص الذين كربوا وتابوا فإذا جرت حادثة علموا من‬ ‫فعل من هي فدلوا عليه ‪ ،‬ورمبا يتقامسون اللصوص ما سرقوه”‪ .‬ويورد‬ ‫املسعودي قصصا عن مغامرات لص بغداد الشهري العقاب بن باز تتصف‬ ‫بطابع فولكولي ال ريب فيه (م‪ ،4 ،‬ص ‪.)257 -255‬‬ ‫وغين عن القول إن املسعودي يعري القدر األكرب من اهتمامه للنخبة‬ ‫الثقافية (أي اخلاصة من الناس) يف العامل العربي اإلسالمي آنذاك‪ ،‬حيث‬ ‫كانت اجملالس أحد األشكال الرئيسية للتواصل بني ممثلي هذه‬ ‫الفئة‪.‬‬ ‫سبق وأشرنا أعاله عند مناقشة موضوع والدة املوروث التارخيي عند‬ ‫العرب قبل اإلسالم (أيام العرب)‪ ،‬إىل أن اجملالس اليت جيتمع فيها الرجال‬ ‫كانت موجودة حتى يف مرحلة ما قبل اإلسالم (وتعود على ما يبدو إىل‬ ‫ما يسمى “بيوت الرجال” يف مرحلة أكثر قدما‪ ،‬وكان هلا قدر معروف‬ ‫‪79‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫من األهمية االجتماعية – الثقافية يف املرحلة األوىل بعد الفتوحات‬ ‫العربية اإلسالمية (‪ . )37‬ويف املرحلة التارخيية التالية اليت شهدت عملية‬ ‫تبادل ثقايف حثيثة بني العرب والشعوب اليت خضعت هلم‪ ،‬تعرف العرب‬ ‫املسلمون على جتمعات الرجال املوجودة منذ زمن بعيد عند الشعوب‬ ‫الناطقة باإليرانية (‪ )38‬واقتسبوا العديد من عناصر هذه املؤسسة‪ .‬من‬ ‫املعروف على سبيل املثال أن اخلليفة العباسي الثاني املنصور انتمى إىل‬ ‫مجعية كان أعضاؤها يتناوبون على إقامة الوالئم (‪ .)39‬ويف عهد‬ ‫العباسيني انتشرت على نطاق واسع اجملالس على النمط اإليراني اليت‬ ‫كان يشارك فيها الندماء ‪ ،‬وخاصة يف بالط اخلليفة (‪ . )40‬وجتدر‬ ‫اإلشارة إىل أن ظاهرة الندماء كانت معروفة منذ قياصرة اإليرانيني‬ ‫األمخينيني‪ .‬ولنا دليل على املكانة الرفيعة اليت كان تتمتع بها‬ ‫صنعة النديم‪ ،‬هو ذاك احلوار الوعظي بني النديم والكاتب ‪ ،‬والذي‬ ‫جيري يف روحية التقليد األدبي اإلرشادي التهذييب يف الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ندميا فقال الكاتب ‪ :‬أنا معونة وأنت مؤونة ‪ ،‬وأنا للجد‬ ‫كاتب‬ ‫“فاخر‬ ‫وأنت للهزل‪ ،‬وأنا للشدة وأنت للذة‪ ،‬وأنا للحرب وأنت للسلم‪ .‬فقال النديم‪:‬‬ ‫أنا للنعمة وأنت للنقمة ‪ ،‬وأنا للحظوة وأنت للمهنة‪ ،‬وتقوم وأجلس‪،‬‬ ‫وحتتشم وأنا مؤنس‪ ،‬تدأب حلاجيت وتشقى مبافيه سعادتي‪ ،‬وأنا شريك‬ ‫وأنت معني‪ ،‬أنا قرين وأنت تابع‪ ،‬وإمنا مسيت ندميا للندم على مفارقيت”‬ ‫(م‪ ،4 ،‬ص ‪ . )16‬إن موضوع مزايا وصفات النديم كانت تناقش يف‬ ‫جمالس اخلليفة املعتمد كما يقول املسعودي ‪ ،‬كمدح النديم وذكر‬ ‫فضائله‪ ،‬وأخالقه وعفافه وأمن عبثه‪ ،‬ودرايته بأصول املآدب وغري ذلك‪...‬‬ ‫(م‪ ،4،‬ص‪. )227 - 226‬‬ ‫وخيربنا املسعودي أن الندماء كانوا من بني الشخصيات البارزة يف‬ ‫جمال الثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬مثل عيسى بن دأب الذي كان نديم‬ ‫اخلليفة اهلادي ‪“ .‬كان عيسى بن دأب جيالسه‪ ،‬وكان أكثر أهل‬ ‫‪80‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫عصره أدبا وعلما ومعرفة بأخبار الناس ‪ ،‬وأيامهم” (م‪ ،3،‬ص ‪، )335‬‬ ‫وكذلك حممد بن علي العبدي اخلراساني األخباري نديم اخلليفة‬ ‫القاهر (م‪ ،4،‬ص ‪ . )313‬ويستخدم املسعودي كال املصطلحني “النديم”‬ ‫و “اجمللس” عند ذكره الوالي األموي الشهري على العراق احلجاج بن‬ ‫يوسف (م‪ ،3،‬ص ‪.)148‬‬ ‫ومن بني اخللفاء العباسيني الذين أبدوا ميال خاصا جملالسة الندماء‬ ‫السفاح الذي كان جيالسهم من خلف ستارة “ وكان يف أول أيامه‬ ‫يظهر لندمائه‪ ،‬ثم احتجب عنهم‪ ،‬وذلك لسنة خلت من ملكه” (م ‪، 3 ،‬‬ ‫ص ‪ ،)279‬واملتوكل الذي قتل يف أثناء جلسة مع ندمائه (م‪ ،4 ،‬ص‪-121‬‬ ‫‪ ، )122‬والراضي (م‪ ،3،‬ص ‪ .)336-337‬وعلى الرغم من أن مؤلفات‬ ‫املسعودي ال تسعفنا إال قليال يف معرفة كيفية تنظيم هذه اجللسات‪،‬‬ ‫فإن بعض عناصر وظيفتها واضحة للعيان‪.‬‬ ‫وكانت اجملالس حلبة لنشاط فئة اجتماعية خاصة يف اجملتمع‬ ‫العربي – اإلسالمي (اليت بقيت بعد ذلك بفرتة طويلة) هي فئة‬ ‫الطفيليني الذين كانوا يعتمدون على عادة إكرام الضيف‪ ،‬وكانوا‬ ‫محلة تقليد ثقايف قديم هو التهريج ‪ ،‬إىل جانب متتعهم مبهارات ثقافية‬ ‫أخرى (‪ . )41‬ومن بني هؤالء ابن دراج الشهري الذي نظم فيه الكثري من‬ ‫األشعار‪ ،‬وروي العديد من النوادر ‪ .‬واملسعودي يورد قصة مضحكة‬ ‫جرت يف جملس أمحد بن املدبر الذي كان اخلليفة املهدي واله خراج‬ ‫ٌ‬ ‫طفيلي يعرف بابن دراج من أكمل الناس أدبا‬ ‫فلسطـني ‪“ .‬وكان‬ ‫وأخفهم روحا وأشدهم يف كل مليحة افتتانا‪ ،‬فلم يزل حيتال حتى‬ ‫عرف وقت جلوس أمحد بن املدبر للندماء ‪َّ ،‬‬ ‫فتزيا يف زي ندمائه ودخل يف‬ ‫مجلتهم”‪ .‬وبعد اختبارات عديدة يف الشطرنج والنرد والعود والطنبور‬ ‫والغناء أثبت الطفيلي جدارته‪ ،‬فلم ينله من األستاذ إال اخلري”‪( .‬م‪ ،4،‬ص‬ ‫‪ .)187‬وكان بنان الطفيلي حمبوب اخلليفة املتوكل (‪( ) 42‬م‪،4،‬‬ ‫‪81‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫ُ‬ ‫قصة‬ ‫ص ‪ )189‬ومن القصص اليت تتحدث عن هذه الفئة من األشخاص‬ ‫طفيلي دخل ضمن جمموعة من الزنادقة املانيني كان املأمون أمر‬ ‫بسوقهم إليه حملاكتهم ‪ .‬ظن الطفيلي بادئ األمر أن هؤالء يف طريقهم‬ ‫إىل وليمة ‪ .‬وملا انكشف له األمر قص على املأمون قصته فأمر اخلليفة‬ ‫بأن “يؤدب على فرط تطفله وخماطرته بنفسه”‪( .‬م‪ ،4،‬ص ‪. )10 -9‬‬ ‫ويتضح من مؤلفات املسعودي أن املوسيقى والغناء كانا من أهم‬ ‫مشاغل اجملالس (م‪ ، 3،‬ص‪ ،278 ،227‬وم‪ ،4 ،‬ص‪ .)131-132‬وكان‬ ‫املشاركون يف هذه اجملالس يتحدثون يف مواضيع من قبيل ‪ :‬ماهي‬ ‫املوسيقى‪ ،‬وما هو الغناء‪ ،‬وكيف ظهرا‪ ،‬وكيف ظهرت اآلالت املوسيقية‬ ‫وغري ذلك ‪“ .‬وكان املعتمد مشغوفا بالطرب ‪ ،‬والغالب عليه املعاقرة‬ ‫وحمبة اللهو واملالهي”‪ .‬ويورد املؤلف قوال للجغرايف الشهري العارف‬ ‫باملوسيقى عبيد اهلل بن عبداهلل بن خرداذبة يف جملس اخلليفة املعتمد‬ ‫عن أصل العود والطبول والدفوف واملعازف والطنابري والناي والصنوج‬ ‫وغري ذلك من آالت املوسيقى والطرب‪( )43( ..‬م‪ ،4 ،‬ص ‪. ) 227 -220‬‬ ‫وكانت قراءة الشعر من اهتمامات اجملالس ‪ ،‬فيحدثنا املسعودي عن‬ ‫اللقاءات املخصصة هلذا الغرض عند اخللفاء‪ :‬املكتفي (م‪ ،4،‬ص ‪-287‬‬ ‫‪ )291‬واملتقي (م‪ ،4،‬ص ‪ )346 -343‬و املستكفي (م‪ ،4،‬ص ‪.)370 -358‬‬ ‫وإىل ذلك كله اهتم املشاركون يف اجملالس بأمور أخرى خمتلفة‪.‬‬ ‫وعلى العموم كان فن اخلطابة حيظى بتقدير كبري يف اجملالس‪،‬‬ ‫ولذلك جند املسعودي يسجل يف مؤلفه َ‬ ‫بليغ الكالم مما كان يلقى‬ ‫ُ‬ ‫طبيعة‬ ‫(م‪ ،3،‬ص‪ )197‬و (م‪ ،4،‬ص ‪ .)156‬ومن بني املواضيع األخرى‬ ‫العشق كما يف جملس حييى بن خالد؛ والطبيعة وطبيعة األمراض‬ ‫وطرق العالج كما يف جملس الواثق‪ ،‬وجوانب السلوك األخالقية‬ ‫عند هذه أو تلك من الشخصيات التارخيية وبعض عاداتها وسياساتها‬ ‫‪82‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫كالسفاح واملهدي واملتوكل والراضي‪ .‬وكذلك مسألة تأثري اسم‬ ‫اإلنسان على مصريه ‪ ،‬وكل ما يتعلق باخليل‪ .‬وطاملا كانت اجملالس‬ ‫التقتصر على األحاديث ‪ ،‬بل وتشمل املآدب‪ ،‬فكان الكالم فيها يدور‬ ‫عن أطايب الطعام ‪.‬‬ ‫وباإلضافة إىل اجملالس يبدي املسعودي اهتمامه ببعض األشكال‬ ‫األخرى للحياة الثقافية عند النخبة يف اجملتمع العربي اإلسالمي ‪.‬‬ ‫لعبت آداب السلوك يف البالط دورا هاما للغاية يف احلياة الثقافية‬ ‫واالجتماعية – السـياسية للخالفة يف العصر العباسي ‪ .‬ويقص علينا‬ ‫املسعودي كيف كان يتوجب على رجل احلاشية أن يتصرف يف‬ ‫حضرة احلاكم ‪ .‬ويتوسع املؤلف يف هذا املوضوع باللجوء إىل جنسني‬ ‫من األخبار‪ .‬اجلنس األول هو أخبار األمثال واألقوال املأثورة اليت تتضمن‬ ‫تأكيدات على «حسن االستماع حلديث امللوك‪ ،‬واالستغراب له ‪،‬‬ ‫وإظهار السرور واالستفادة منه»‪ .‬ولتعزيز مثل هذا الرأي كان يشفع‬ ‫بالرجوع إىل حكماء اليونان مرة (م‪ ،3،‬ص ‪ ،)281-182‬وإىل احلكماء‬ ‫عامة مرة ثانية ‪ ،‬إذ قيل «تعلم حسن االستماع كما تتعلم حسن‬ ‫الكالم» (م‪ ، 3 ،‬ص ‪ ، )283‬ومرة ثالثة استنادا إىل اخلليفة األموي األول‬ ‫معاوية بن أبي سفيان «الذي حيكى عنه أنه كان يقول‪ُ :‬يغلب امللك‬ ‫حتى ُي َ‬ ‫ركب لشيئني‪ -‬باحللم عند سورته‪ ،‬واإلصغاء حلديثه» (م‪ ،3،‬ص‬ ‫‪ ، )280‬ويف الرابعة بقول روح بن زنباع اجلذامي «إذا أردت أن ميكنك‬ ‫امللك من أذنه فأمكن أذنك من اإلصغاء حلديثه» (م‪ ، 3،‬ص ‪.)280‬‬ ‫ومن حيث املوضوع يضاف إىل هذه األقوال املتعلقة بآداب السلوك يف‬ ‫البالط‪ ،‬رأي ينسب إىل اخلليفة العباسي األول السفاح من أن العطاء‬ ‫امللكي ال جيب أن يتأخر (م‪ ،3،‬ص ‪ )279‬إذ يقول «ال يكون سرورونا‬ ‫معجال‪ ،‬ومكافأة من سرنا وأطربنا مؤجال»‪ .‬ويالحظ املسعودي أن‬ ‫‪83‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫مؤسس الدولة العباسية كان يف قوله ومثله هذا حيذو حذو الشاه‬ ‫اإليراني من سالسلة الساسانيني بهرام جور (م‪ ،3،‬ص ‪ .)279‬وهذا الواقعة‬ ‫تؤكد مرة أخرى أن الثقافة السياسية يف إيران الساسانية كانت‬ ‫ذات أهمية كبرية عند اخللفاء العباسيني وحاشيتهم‪ ،‬وكذلك‬ ‫األمر بالنسبة للمؤرخني الذين كانوا يعملون على استيعاب جتربة‬ ‫العباسيني االجتماعية السياسية ‪.‬‬ ‫واجلنس اآلخر هو القصة‪ .‬والقصص هنا تبني كيف حيافظ رجل‬ ‫البالط احلقيقي على رصانته وإصغائه لكالم احلاكم بغض النظر‬ ‫عن الصعوبات واملتاعب اليت تنشأ جراء معرفة املستمع املسبقة ملا يقصه‬ ‫امللك‪ .‬وأحد أبطال هذه القصص هو احلكيم العربي قبل اإلسالم شداد‬ ‫بن جرثـمة الذي كان يف بالط الشاه الساساني شريويه بن ابرويز الذي‬ ‫حكم ستة أشهر فقط من عام ‪ 628‬ميالدية (م‪ ،3 ،‬ص ‪ . )280‬ويف‬ ‫هذه القصة يضرب شداد مثال يف حسن االنصات للمك واالستغراق يف‬ ‫حديثه وكان مسريهما على شاطئ نهر ‪ ،‬حتى أنه غفل عن موطئ‬ ‫حافر دابته فزلت إحدى قوائمها فوقع يف النهر فبادر حاشية امللك وغلمانه‬ ‫النتشاله‪.‬‬ ‫وبطل قصة أخرى هو التابعي يزيد بن شجرة الرهاوي يف حضرة‬ ‫معاوية بن أبي سفيان الذي كان حيدثه عن حرب عظيمة قبل‬ ‫اإلسالم ودور أبي سفيان يف وقفها «إذ صعد إىل نشز من األرض ثم صاح‬ ‫بالفريقني ‪ ،‬وأشار بكمه فانصرف الفريقان مجيعا انقيادا ألمره”‪.‬‬ ‫وأثناء احلديث الذي استغرق يف مساعه ابن شجرة “صك جبينه حجر‬ ‫عائر فأدماه‪ ،‬فجعلت الدماء تسيل على وجهه وحليته وثوبه‪ ،‬وغري ذلك‪،‬‬ ‫ومل يتغري عما كان عليه من االستماع”‪ ،‬فأكرب معاوية ذلك فيه‬ ‫وأجزل له العطاء‪( .‬م‪ ، 3،‬ص ‪.)282‬‬ ‫‪84‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫وكما هو معروف‪ ،‬فإن اجلواري الالئي كن جييدن الغناء والعزف‬ ‫(‪ )44‬لعنب دورا كبريا يف بالط اخلليفة ويف بيوت األعيان واألغنياء‬ ‫يف احلقبة العربية اإلسالمية ‪ .‬ولذك نرى أن املسعودي امليال لرتصيع‬ ‫مؤلفه بالنثر األدبي ‪ ،‬يورد بضع قصص عن حاالت حب رومانسي بني‬ ‫اجلواري املغنيات ورجال من البالط‪ ،‬مبا يف ذلك قصة حب اخلليفة‬ ‫املتوكل (قتله حراسه األتراك) جلاريته حمبوبة (م ‪ ،4 ،‬ص ‪،100-102‬‬ ‫‪.)127 -124‬‬ ‫ومن بني أشكال الرتفيه والتسليات يف البالط يصف املسعودي‬ ‫بالدرجة األوىل أعراس اخللفاء الفخيمة‪ ،‬ومنها عرس اخلليفة املأمون‬ ‫وخدجية ‪ .‬وقد كان هذا العرس أواخر العام ‪ 824‬ميالدية ‪ ،‬حيث املأمون‬ ‫“أملك خبدجية ابنة احلسن بن سهل اليت تسمى بوران‪ ،‬ونثر احلسن يف‬ ‫ذلك االمالك من األموال ما مل ينثره ومل يفعله ملك قط يف جاهلية وال يف‬ ‫إسالم” (م‪ ،4،‬ص ‪ .)30‬وثـمة وصف لعرس آخر هو عرس املعتضد وقطر‬ ‫الندى ابنة مخارويه بن أمحد حاكم مصر‪ ،‬اليت حضرت إىل العراق عام‬ ‫‪ 895‬ميالدية‪ .‬وكانت احلسناء املصرية يف البداية خمطوبة ألحد أبناء‬ ‫اخلليفة‪ ،‬إال أن املعتضد رغب بها فتزوجها‪.‬‬ ‫وكان يرافقها احلسن بن عبداهلل بن اجلصاص “الذي توىل أمرها‬ ‫وجهازها ‪ ،‬فيقال أنه محل معها جوهرا مل جيتمع مثله عند خليفة قط‪،‬‬ ‫فاقتطع ابن اجلصاص بعضه‪ ،‬وأعلم قطر الندى بنت مخارويه أن ما أخذ‬ ‫مودع هلا عنده إىل وقت حاجتها إليه‪ ،‬فماتت واجلوهر عنده‪ ،‬فكان ذلك‬ ‫سبب غناه واستقالله”‪( .‬م‪ ، 4 ،‬ص ‪.)271 ،233‬‬ ‫ومن اهلوايات األخرى عند احلكام العرب املسلمني وحاشياتهم‬ ‫جند هواية سباق اخليل‪ .‬ويبدو أن تقاليد إجراء هذه املسابقات تعود‬ ‫إىل عادات البدو‪ .‬ومن بني األكثر ولعا باخليل ومسابقاتها يذكر‬ ‫‪85‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫املسعودي كال من اخلليفة األموي الوليد بن يزيد بن عبد امللك‪ ،‬الذي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫السندي‬ ‫“مغرى باخليل وحبها ومجعها وإقامة احللبة‪ ،‬وكان‬ ‫كان‬ ‫فرسه َ‬ ‫ُ‬ ‫جواد زمانه‪ ،‬وكان يسابق به يف أيام هشام‪ ،‬وكان يقصر عن‬ ‫فرس هشام املعروف بالزائد” (م‪ ،3،‬ص ‪ .) 232 -230‬ويصف أيضا سباقا‬ ‫أقامه هارون الرشيد بالرقة ( م‪ ،3،‬ص ‪.)372‬‬ ‫أما الشطرنج فكان لعبة دائرة ضيقة من الناس‪ .‬وكان اخلليفة‬ ‫العباسي املكتفي‬ ‫مولعا بهذا الضرب من التسلية‪ .‬وذات يوم أقام مسابقة بني العبني‬ ‫مشهورين يف ذاك الزمن هما ‪ :‬أبو بكر الصولي (‪ )45‬املعروف أيضا‬ ‫كأديب ومؤرخ ‪ ،‬واملاوردي ‪ .‬ويف هذا السياق خيربنا املسعودي عن‬ ‫أشكال خمتلفة من رقع الشطرنج كانت موجودة يف أيامه‪ ،‬وعن‬ ‫أساليب تلك اللعبة ‪“ .‬وقد تناهى بنا الكالم وتغلغل بنا التصنيف إىل‬ ‫مجل من أخبار الشطرنج‪ ،‬وما قيل فيها‪ ،‬مع ما قدمناه فيما سلف من هذا‬ ‫الكتاب عند ذكرنا ألخبار اهلند ومبادئ اللعب بالشطرنج والنرد ‪،‬‬ ‫واتصال ذلك باألجسام العلوية واألجرام السماوية” (م‪ ،4،‬ص ‪.)324‬‬ ‫ومن األحداث اهلامة يف حياة رجال البالط وأبناء املدينة مسريات النصر‬ ‫اليت يذكرها املسعودي ‪ ،‬وذلك عندما كان املتمردون ينقلون إىل‬ ‫بغداد إلعدامهم أمام املأل ‪ .‬ومن أوىل هذا النوع من األخبار قصة عدد من‬ ‫أتباع بابك نقلوا إىل سامراء إلعدامهم ‪ .‬وكان بابك على رأس حركة‬ ‫مترد دامت من العام ‪ 816‬حتى العام ‪( 838‬م‪ ،4،‬ص ‪.)55-57‬‬ ‫جرى يف بغداد عام ‪ 8 895/96‬احتفال عظيم مبناسبة النصر على‬ ‫الزعيم اخلارجي هارون الشاري وأسره (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.)255‬‬ ‫ويف العام ‪ 898/899‬دخل القائد العسكري العباسي خليفة بن‬ ‫‪86‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫املبارك السالمي‪ ،‬الذي ال تذكره املصادر األخرى‪ ،‬دخل ظافرا عاصمة‬ ‫اخلالفة حامال رأس املتمرد صاحل املدرك الطائي ورؤوس عدد من أصحابه‪.‬‬ ‫يقول املسعودي “ ويف هذه السنة ظفر ابو األغر خليفة بن املبارك بصاحل‬ ‫بن مدرك الطائي ‪ ....‬ودخل أبو األغر مدينة السالم وقدامه رأس صاحل‬ ‫ورأس جحش بن ذيال ورأس غالم لصاحل أسود‪ ،‬وأربعة أسارى ‪ ،‬وهم بنو‬ ‫صاحل بن املدرك‪ ،‬فخلع السلطان يف ذلك اليوم على أبي األغر‪ ،‬وطوقه‬ ‫بطوق من ذهب‪ ،‬ونصب الرؤوس على اجلسر من اجلانب الغربي‪ ،‬وأدخل‬ ‫األسارى املطبق” (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.) 266 -265‬‬ ‫ويف العام ‪ 909/910‬أو ‪ ،910/911‬جرى ببغداد احتفال بالنصر‪ ،‬فدخل‬ ‫على ظهر فيل أسريا الليث بن علي الليث (‪ ،)46‬وهو ابن أخي األمري املعروف‬ ‫الصفار‪ .‬ويف هذه السنة “أدخل الليث بن علي الليث بن أخي الصفار إىل‬ ‫مدينة السالم على الفيل وقدامه اجليش وحوله ‪ ،‬وقد شهر” (م‪ ، 4 ،‬ص ‪.)309‬‬ ‫وأخريا ‪ ،‬وعلى هذا النحو أيضا‪ ،‬دخل عاصمة اخلالفة يف عام‬ ‫‪ 919/920‬حاكم أذربيجان يوسف بن أبي الساج الذي أسس عام ‪901‬‬ ‫دولة مستقلة ‪ ،‬ويف هذه السنة “أدخل يوسف بن أبي الساج إىل مدينة‬ ‫السالم‪ ،‬وقد شهر على اجلمل الفاجل وعليه دراعة الديباج اليت لبسها‬ ‫عمرو بن الليث ووصيف اخلادم‪ ،‬وعلى رأسه برنس طويل بشقائق‬ ‫وجالجل‪ ،‬وحوله اجليوش ومؤنس اخلادم وراءه مع سائر أرباب الدولة من‬ ‫أصحاب السيوف” (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.)310‬‬ ‫إن هذه الطقوس اليت كانت تتبع عند االنتقام من اخلصوم املهزومني‬ ‫استمرت حتى فرتات متأخرة‪ ،‬ويف ظل سالالت عربية إسالمية أخرى‪.‬‬ ‫ويف هذا اجملال تورد الباحثة ل‪ .‬سيميونوفا قصة املؤرخ املصري يف القرن‬ ‫اخلامس عشر ابن طغري بريدي حول سحق الفاطميني لتمرد أبي رقوة‬ ‫(‪ )47‬عام ‪ .1007 -1005‬وبكلمة أخرى ‪ ،‬رمبا حافظ الفاطميون‪،‬‬ ‫‪87‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫خصوم اخلالفة البغدادية ‪ ،‬على بعض عناصر طقوس الدولة واحلياة‬ ‫الثقافية عند العباسيني ‪.‬‬ ‫وال يكتفي املسعودي برصد العمليات االجتماعية الثقافية‬ ‫(السيوسيو ‪ -‬ثقافية ) ‪ ،‬بل يدفعنا لنمعن التفكري فيها ونتمثلها‪ .‬إن‬ ‫احملاكمات الذهنية حول العنصرين االجتماعي والثقايف (اجملتمع‬ ‫والثقافة) العربيني ترتدي صيغة الفضائل املعروفة لنا ‪ .‬إنها مقاطع‬ ‫مقفاة‪ ،‬أي سجع‪ ،‬متثل خطبا أو مواعظ أو اقواال مأثورة لشخص مرموق‬ ‫خليفة يعقب عليها ويطرح أسئلة‬ ‫ثقافيا‪ ،‬عرب عنها – غالبا‪ -‬يف حضرة‬ ‫ٍ‬ ‫معينة حوهلا ‪ .‬وهذه اخلطب وما شابهها تتضمن توصيفات للحكام‬ ‫املسلمني ‪.‬‬ ‫وعلى هذا النحو يقدم جد العباسيني عبداهلل بن العباس وصفا للخلفاء‬ ‫الراشدين (أبو بكر‪ ،‬وعمر بن اخلطاب‪ ،‬وعثمان بن عفان‪ ،‬وعلي بن‬ ‫أبي طالب) وذلك يف حضرة معاوية بن أبي سفيان الذي نراه مستاء ألن‬ ‫العباس خيص عليا قدرا كبريا من املديح ‪ ،‬فيعرب عن استيائه قائال له‬ ‫“لقد أكثرت يف ابن عمك” (م‪ ، 3 ،‬ص ‪. )60-62‬‬ ‫وينسب املؤلف موقفا مشابها للخليفة العباسي الثاني املنصور‪ .‬فأثناء‬ ‫اجتماع لديه ضم عددا من أهله‪“ ،‬ذكروا خلفاء بين أمية وسريهم‬ ‫وتدبريهم‪ ،‬والسبب الذي به سلبوا عزهم”‪ ،‬بل أن املنصور نفسه يقدم‬ ‫وصفا لعبد امللك بن مروان ‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز‪ ،‬وسليمان بن عبد‬ ‫امللك ‪ ،‬وهشام (م ‪ ،3 ،‬ص ‪ ، ) 297 -296‬فيقول ‪”:‬أما عبد امللك فكان‬ ‫جبارا ال يبالي ما صنع‪ ،‬وأما سليمان فكانت همته بطنه وفرجه‪ ،‬وأما‬ ‫عمر فكان أعور بني عميان ‪ ،‬وكان رجل القوم هشام ‪ ،‬ومل يزل بنو‬ ‫أمية ضابطني ما وهب اهلل هلم ‪ ....‬حتى أفضى األمر إىل أبنائهم املرتفني‬ ‫‪ .....‬فسلبهم اهلل العز‪ ،‬وألبسهم الذل‪ ،‬ونفى عنهم النعمة‪.”...‬‬ ‫‪88‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫ويف حضرة اخلليفة العباسي القاهر يرد ذكر اخللفاء العباسيني‬ ‫أنفسهم ‪ ،‬مبا يف ذلك عملهم يف ميدان الثقافة (السفاح ‪ ،‬واملنصور ‪،‬‬ ‫واملهدي ‪ ،‬واهلادي ‪ ،‬والرشيد‪ ،‬واألمني ‪ ،‬واملأمون‪ ،‬واملعتصم ‪ ،‬والواثق‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫العالمة بأخبار بين العباس‬ ‫واملتوكل)‪ .‬يأتي على ذكر هؤالء اخللفاء‬ ‫حممد بن علي العبدي اخلراساني األخباري ‪ ،‬الذي يقول ‪ “ :‬أما أبو‬ ‫العباس السفاح فكان سريعا إىل سفك الدماء‪ ...‬حبرا مسحا ‪ ،‬وصوال‬ ‫جوادا باملال‪ .‬وكان املنصور أول من أوقع الفرقة بني ولد العباس بن عبد‬ ‫املطلب وبني آل أبي طالب‪ ...‬وكان أول خليفة َّ‬ ‫قرب املنجمني وعمل‬ ‫بأحكام النجوم ‪ ...‬وكان أول خليفة ترمجت له الكتب من اللغات‬ ‫العجمية إىل العربية‪ ...‬كان أول خليفة استعمل مواليه وغلمانه‬ ‫وصرفهم يف مهماته َّ‬ ‫وقدمهم على العرب‪ ...‬أما املهدي فكان مسحا سخيا‬ ‫كرميا جوادا ‪ ...‬أمعن يف قتل امللحدين واملداهنني ‪ .‬وكان اهلادي جبارا‬ ‫عظيما‪ .‬أما الرشيد فقد عم الناس إحسانه مع ما قرن به من عدله‪ .‬أما‬ ‫املأمون فاجتهد يف قراءة الكتب القدمية ‪ ،‬وأمعن يف درسها‪ ،‬وواظب‬ ‫على قرائتها‪ ،‬فافتنت يف فهمها وبلغ درايتها‪ .‬واملعتصم غلب عليه حب‬ ‫الفروسية ‪ .‬والواثق كان كثري األكل ‪ ،‬واسع العطاء‪ ،‬سهل االنقياد‪،‬‬ ‫متحببا إىل رعيته‪ .‬واملتوكل حسنت أيامه‪ ،‬وانتظمت دولته‪ ،‬ودام‬ ‫ملكه‪( ”...‬م‪ ،4 ،‬ص ‪. )320 -313‬‬ ‫ولعل املقاطع املذكورة أعاله ال متثل جنسا ما من الكالم وحسب ‪،‬‬ ‫ورمبا تعكس طقسا فريدا ساد يف بالط اخلالفة ‪.‬‬ ‫وكأي مؤلف يف القرون الوسطى ‪ ،‬كان املسعودي حتت تأثري‬ ‫العقيدة الدينية ‪ .‬ولذا من الطبيعي جدا أن يولي يف مؤلفاته قدرا كبريا‬ ‫من االهتمام للجوانب الدينية الفلسفية يف الثقافة العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫وهذا هو موضوعنا يف الفصل التالي ‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫هوامش الفصل الثاني‬ ‫‪ -1‬انظر ‪ Smith W.R. Kinship…, p.6 :‬يف املدن العربية اإلسالمية غالبا ما‬ ‫تتشكل األحياء وفق االنتماء القبلي (انظر‪ :‬بولشاكوف أو‪ .‬غ‪ .‬املدينة العربية يف‬ ‫العصور الوسطى ص ‪ 161‬بالروسية ‪ .‬وميخائيلوفا إ‪ .‬ب‪ .‬بغداد يف العصر الوسيط ‪...‬‬ ‫ص ‪ .25‬بالروسية)‪.‬‬ ‫‪ -2‬تاريخ اليعقوبي‪ .‬اجلزء الثاني‪ .‬ص ‪16- 15‬‬ ‫‪Pellat. Index, p. 589 - 603‬‬ ‫‪ -3‬انظر‪:‬‬ ‫‪ -4‬ملزيد من التفاصيل عن هذه املوقعة انظر ‪ :‬بولشاكوف أو‪ .‬غ‪ .‬تاريخ اخلالفة‪.‬‬ ‫اجلزء الثالث‪ .‬ص ‪/ 42 – 29‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ -5‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪57‬‬ ‫‪Horovitz J. Kumait b. Zaid, S.1196 – 1197‬‬ ‫‪ -6‬انظر‪:‬‬ ‫‪ -7‬فلشتينسكي إ‪ .‬م‪ ، .‬تاريخ األدب العربي‪ :‬القرن اخلامس – بداية القرن العاشر‪،‬‬ ‫ص ‪/ 184 – 177‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪Smith W.R. Kinship…, p. 18 – 21, 26‬‬ ‫‪ -8‬انظر ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬انظر ‪:‬‬

‫‪Shorter , p. 32 – 33 , 489, 529 – 533‬‬

‫‪ - 10‬راجع‪ :‬ميتس أ‪ ، .‬النهصة اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ / 133‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ - 11‬قبيلة كبرية من اجملموعة اليمنية‪.‬‬ ‫‪ – 12‬انظر ‪ :‬بولشاكوف أو‪ .‬غ‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬اجلزء الثاني‪ ،‬ص‪/ 46 -‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ – 13‬انظر ‪:‬‬

‫‪Reckendorf. Al – Azd, S. 550 – 551‬‬

‫‪ – 14‬بولشاكوف‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪212 – 209‬‬ ‫‪ – 15‬بنو شيبان قبيلة من عرب الشمال‪ .‬انظر ‪Ibn Coteiba, S. 48 – 49 :‬‬ ‫‪ - 16‬حول التنافس بني عرب الشمال وعرب اجلنوب انظر ‪ :‬فون غريونباوم إ‪ .‬ي‪.‬‬ ‫السمات األساسية للثقافة العربية اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪/ 29 11-‬بالروسية‪ /‬و‬ ‫‪Smith W.R. Kinshp…, p.5,7‬‬ ‫‪90‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫‪ – 17‬انظر ‪ :‬فيلشتينسكي إ‪ .‬م‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪( 406 – 400‬عن التنافس بني‬ ‫دعبل وشاعر آخر هو أبو سعيد املخزومي الذي أشاد مبزايا عرب الشمال )‪.‬‬ ‫‪ - 18‬األحنف بن قيس قائد عسكري‪ ،‬رجل دولة‪ ،‬وشاعر يف عهد اخللفاء الراشدين‬ ‫وأوائل اخللفاء األمويني‪ .‬بصري من بين متيم‪ ،‬عرف باحلكمة‪.‬‬ ‫‪ - 19‬انظر ‪ :‬نيغريا ل‪ .‬ف‪ .‬النظام االجتماعي‪ .‬ص ‪ / 65 62-‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ - 20‬انظر ‪:‬‬

‫‪Barthold W. Barmakiden, S. 691 – 692‬‬

‫‪ - 21‬انظر‪ :‬فيلشتينسكي إ‪ .‬م‪ .‬تاريخ األدب العربي‪ :‬القرن اخلامس – مطلع‬ ‫القرن العاشر‪ .‬ص ‪191 - 184‬‬ ‫‪ - 22‬انظر ‪ :‬نيغريا ل‪ .‬ف‪ .‬مرجع سابق‪84 83- .‬‬ ‫‪ - 23‬انظر ‪ :‬اخلطيب البغدادي‪ ،‬اجلزء الرابع‪ ،‬ص ‪50‬‬ ‫‪ - 24‬انظر نيغريا ل‪ .‬ف‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪82‬‬ ‫‪Ibn Coteiba, S. 194‬‬

‫‪ - 25‬انظر‪:‬‬

‫‪ - 26‬انظر ‪ :‬غريونيباوم إ‪ .‬ي‪ .‬فون‪ .‬اإلسالم التقليدي‪ ،‬ص ‪/ ،76‬بالروسية‪./‬‬ ‫‪ - 27‬انظر‪:‬‬

‫‪Zettersteen K. V. Zubaida, S. 1337‬‬

‫‪ - 28‬انظر ‪ :‬كراتشكوفكي إ‪ .‬يو‪ .‬األدب العربي اجلغرايف‪ .‬ص ‪/ 60 – 57‬‬ ‫بالروسية‪/‬‬ ‫‪ - 29‬انظر‪:‬‬

‫‪Reckendorf. ‘Amir b. Sa’sa’a, S. 697 – 700‬‬

‫‪ - 30‬انظر ‪ :‬حكايات قدسية‪ ...‬من جمموعة ن‪ .‬ي‪ .‬أونتشوكوف‪ .‬ص ‪/ 381‬‬ ‫بالروسية‪/‬‬ ‫‪ – 31‬انظر‪ :‬ميخائيلوفا إ‪ .‬ب‪ .‬بغداد يف القرون الوسطى‪ ،...‬ص ‪/ 18‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪- 32‬‬

‫يعقوب بن الليث الصفار‪ .‬انظر ‪:‬‬

‫ ‪Barthold W. ‘Amr b. al‬‬‫‪Layth, -. 452 - 453‬‬

‫‪ - 33‬انظر‪:‬‬

‫‪Laoust H. Ahmad b. Hanbal, p. 272 – 277‬‬ ‫‪91‬‬


‫املسائل الثقافية واالجتماعية يف اجملتمع العربى اإلسالمى‬

‫‪ - 34‬انظر ‪Zettersteen K. V.Ibrahim b. al – Mahdi, S. 863 – 864 :‬‬ ‫‪ - 35‬هذه الشخصية كثريا ما ترد عند الطربي‪ .‬انظر ‪:‬‬

‫‪at-Tabari, III,P.‬‬

‫‪868,886,890,893,900‬‬ ‫‪ - 36‬انظر “‪ :‬ميخائيلوفا إ‪ .‬ب‪ .‬بغداد يف القرون الوسطى‪ .‬ص ‪ / 28 – 27‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ - 37‬انظر ‪Duri A.A. The Rise of Historical Writing .., p. 19, 42-43, 192 :‬‬ ‫‪ - 38‬انظر رحيموف ر‪.‬ر‪“ .‬بيوت الرجال ‪/ ”...‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ - 39‬انظر ‪:‬‬

‫‪lassner J. The Shaping of Abbasid Rule, p. 165‬‬

‫‪ - 40‬انظر ميتس أ‪ .‬النهضة االسالمية‪ ،‬ص‪/ 129 .‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ – 41‬أنظر ‪ :‬لني ي‪ .‬أو‪ .‬طبائع وعادات املصريني ‪ ،...‬ص ‪/ 244-245‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ - 42‬يشري بيلال إىل أن املسعودي كان الوحيد الذي ذكر هذه الشخصية (املرجع‬ ‫السابق ص‪.)207 .‬‬ ‫‪ – 43‬انظر ‪Brockelmann C. Geschichte der arabischen Literature.:‬‬ ‫‪ Bd I, S. 225- – 226‬و فيلخانوف ن‪ .‬مقدمة يف دراسة املرجع ‪ ،...‬ص ‪/ 13 – 8‬‬ ‫بالروسية‪/‬‬ ‫‪ - 44‬انظر ميتس ‪ .‬النهضة اإلسالمية‪ ،‬ص‪ / 143-145 ، 129 – 128.‬بالروسية‪/‬‬ ‫‪ -45‬انظر ‪:‬‬ ‫‪ – 46‬انظر ‪:‬‬

‫‪Kratchkovsky Ign. Al-Suli, S. 586 - 587‬‬ ‫‪Haig T. W. Saffariden, S.59‬‬

‫‪ - 47‬سيميونوفا ل‪ .‬أ‪ .‬من تاريخ مصر الفاطمية‪ ،‬ص ‪ / 225‬بالروسية‪/‬‬

‫‪92‬‬


‫الفصل الثالث‬ ‫علماء الدين واملفكرون يف مؤلفات املسعودي‬ ‫ساد املذهب السين يف الدولة العباسية أيام املسعودي‪ .‬ويف هذا الشأن‬ ‫يشري الباحث املعروف يف تراث صاحب “مروج الذهب ومعادن اجلوهر” أمحد‬ ‫شبول إىل أن دور الصدارة بني املدارس الدينية السنية يف ذاك العصركان‬ ‫ملذاهب أبي حنيفة‪ ،‬ومالك بن أنس‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وداؤود بن علي اإلصبهاني‬ ‫الظاهري (‪ . )1‬ومسي أتباع األخري بالظاهريني (‪ ) 2‬ألنهم كغريهم من‬ ‫أنصار االجتاهات القومية ( التقليدية ) ‪ ،‬كانوا يرون أن النصوص الدينية‬ ‫جيب أن تفهم مبعناها الظاهر “اجللي”(‪.)3‬‬ ‫يرى شبول أن املسعودي درس الفقه على علماء املذهبني الشافعي‬ ‫والظاهري ‪ ،‬ولو أنه مل يكن من األتباع املتحمسني ألي من هاتني املدرستني‪.‬‬ ‫ويشري شبول إىل أن املعلم األكرب للمسعودي يف الفقه الشافعي‬ ‫هو أمحد بن عمر بن سريج الذي مل تقتصر شهرته على كونه كبري‬ ‫الشافعية البغداديني ‪ ،‬بل ألنه ساهم أيضا بقدر هام يف تطوير تعاليم‬ ‫الشافعي باستخدامه القياس والرأي على نطاق أوسع‪ .‬ومن باب التشجيع‬ ‫على اجلدل‪ ،‬غالبا ما كان ابن سريج يعقد وسط زمالئه وتالميذه‬ ‫مناقشات عملية علنية مع رئيس الظاهريني حممد بن داود اإلصبهاني‬ ‫الظاهري الذي كان ابن مؤسس املذهب الظاهري‪ ،‬وفقيها وأديبا بارزا‪“ .‬‬ ‫‪93‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫وكان ممن قد عال يف رتبة األدب ‪ ،‬وتصرف يف حبار اللغة‪ ،‬وتفنن يف موارد‬ ‫املذاهب‪ ،‬وأشفى على أغراض املطالب‪ ،‬وكان عاملا بالفقه منفردا‪ ،‬وواحدا‬ ‫فيه فريدا” (م‪ ، 4 ،‬ص ‪ .)307 ،308 ،296‬ومن بني الشافعيني البغداديني‬ ‫اآلخرين يذكر املسعودي أيضا القاسم بن احلسن األشيب(‪( )4‬م‪ ،4 ،‬ص‬ ‫‪.)310‬‬ ‫ومن الطبيعي أن يفرد املكان األول ملؤسس املذهب الشافعي أبي عبداهلل‬ ‫حممد بن إدريس الشافعي‪ ،‬الذي خيربنا املسعودي عن وفاته (م‪ ، 4 ،‬ص‪23-‬‬ ‫‪ .)24‬وباملناسبة نشري إىل أن املسعودي هو أول مؤلف عربي إسالمي يورد‬ ‫معلومات عن الشافعي (‪ .) 5‬ويطلعنا املسعودي على أقرب املقربني من هذا‬ ‫اإلمام العظيم‪ ،‬ابن أخيه ابراهيم بن حممد الشافعي الذي كان من جامعي‬ ‫احلديث البارزين (‪( )6‬م‪ ،4 ،‬ص ‪ ،)127‬وعلى صديقه وناقل مؤلفاته إىل‬ ‫مصر الربيع بن سليمان املؤذن “ صاحب حممد بن ادريس الشافعي‪ ،‬والراوي‬ ‫ألكثر كتبه عنه يف مصر”‪( )7( .‬م‪ ، 4 ،‬ص ‪.)210-211‬‬ ‫عاش الشافعي سنوات عمره األخرية يف مصر حيث كان له أتباع من‬ ‫أهلها‪ .‬ودفن يف منطقة القاهرة احلالية‪ ،‬وال يزال ضرحيه حتى اآلن حمل‬ ‫إجالل وتبجيل(‪ ،)8‬ولذلك ليس ثـمة ما يدعو لالستغراب أن يلتقي‬ ‫املسعودي أثناء إقامته يف مصر بعدد من فقهاء الشافعية (‪ ، )9‬خيص‬ ‫بالذكر منهم احلسن بن مروان املصري (م‪ ،4 ،‬ص‪ ، ) 211‬وفقيه آخر ال‬ ‫يرد ذكره يف املراجع األخرى هو فقري بن مسكني‪ ،‬الذي يقول ‪”:‬دخلت‬ ‫على الشافعي غداة وفاته فقلت له ‪ :‬كيف أصبحت يا أبا عبد اهلل؟‬ ‫ُ‬ ‫أصبحت من الدنيا راحال‪ ،‬وإلخواني مفارقا‪ ،‬وبكأس املنية شاربا‪،‬‬ ‫فقال‬ ‫ُ‬ ‫وال أدري إىل اجلنة تصري روحي فأهنيها ‪ ،‬أم إىل النار فأعزيها” (م‪ ، 4 ،‬ص‬ ‫‪ .)24‬ويعتقد شبول أن املسعودي تردد على دروس الفقيهني املذكورين‬ ‫أعاله‪ ،‬إذ يرد عنده ذكر اثنني من الفقهاء الشافعيني املصريني األكرب‬ ‫سنا الذين درسوا على يدي اإلمام نفسه‪ ،‬وهما امساعيل بن حييى املزني‬ ‫‪94‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫( ‪ )10‬الذي كان أستاذ فقري بن مسكني ‪ ،‬و “صاحب املختصر من علم‬ ‫حممد بن إدريس الشافعي”‪ ،‬وكذلك يونس بن عبد األعلى الصديف (م‪،‬‬ ‫‪ ،4‬ص ‪.)206‬‬ ‫وجند لدى املسعودي بعض املعلومات أيضا عن املذهب احلنبلي ‪ ،‬فيخربنا‬ ‫بالدرجة األوىل عن العقاب اجلسدي الذي أنزله املأمون عام ‪824/825‬‬ ‫مبؤسس املذهب أمحد بن حنبل الذي رفض االعرتاف مبقولة املعتزلة حول‬ ‫خلق القرآن (م‪ ،4 ،‬ص ‪ . )25‬وعداك عن ذلك يورد املسعودي معلومة سبق‬ ‫أن أشرنا إليها ‪ ،‬وتتعلق مبوت ابن حنبل وظروف دفنه (م‪ ،4 ،‬ص ‪.)102-103‬‬ ‫وأخريا حيدثنا عن وفاة ابن مؤسس املذهب احلنبلي عبداهلل بن أمحد بن‬ ‫حنبل وذلك عام ‪( 902/903‬م‪.)284 ،4 ،‬‬ ‫واملذهب السين اآلخر الذي حيظى بقدر من االهتمام يف مؤلف املسعودي‬ ‫هو املذهب املالكي‪ ،‬فيذكر وفاة مؤسسه مالك بن أنس بن أبي عامر‬ ‫األصبحي(‪ )11‬عام ‪ ،795‬وذلك يف عهد هارون الرشيد‪ .‬وقد صلى عليه‬ ‫أحد أشهر أنصاره الفقيه ابن أبي ذئب ‪« .‬وذكر الواقدي أن مالكا كان‬ ‫يأتي املسجد ويشهد الصلوات واجلمع واجلنائز‪ ،‬ويعود املرضى‪ ،‬ويقضي‬ ‫احلقوق‪ ،‬ثم ترك ذلك كله‪ ،‬ثم قيل له فيه‪ ،‬فقال « ليس كل إنسان يقدر‬ ‫أن يتكلم بعذره» (م‪ ،3 ،‬ص ‪.)350‬‬ ‫وبعد ذلك ترد معلومات عن وفاة أحد تالميذ اإلمام وهو عبداهلل بن نافع‬ ‫الصائغ‪ ،‬وذلك عام ‪ 821‬يف زمن املأمون ( م‪ ،4،‬ص ‪ .)33‬واستنادا إىل األديب‬ ‫املربد يذكر املسعودي القاضي املالكي أبا إسحاق امساعيل بن إسحاق‬ ‫(م‪ ، 4 ،‬ص ‪ )69‬كأحد أصحاب جمالس األدباء‪.‬‬ ‫وكان احلارث بن مسكني املصري العامل املالكي وأحد جامعي‬ ‫احلديث الذين يرد ذكر وفاتهم يف «مروج الذهي ‪ ( »...‬م‪ ، 4،‬ص ‪.)168‬‬ ‫وحسب أخبار اخلطيب البغدادي أحد جامعي سري الشخصيات اهلامة (القرن‬ ‫‪95‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫احلادي عشر) ‪ ،‬فإن املأمون سجن احلارث بن مسكني املصري يف حمنة‬ ‫القرآن ‪ ،‬ومن ثم أطلق سراحه اخلليفة املتوكل (‪.)12‬‬ ‫وترد يف «مروج الذهب‪ »...‬معلومات عن وفاة أمحد بن عبد الرمحن بن‬ ‫وهب‪ ،‬ابن أخي عبد اهلل بن وهب صاحب مالك بن أنس‪ ،‬وقد روى عن عمه‬ ‫عبداهلل بن وهب عن مالك ‪( .‬م‪ ،4،‬ص ‪.)206‬‬ ‫ويذكر املسعودي وفاة أبي عمرو مقدام بن عمرو الرعيين مبصر‪،‬‬ ‫«وكان من جلة الفقهاء‪ ،‬ومن كبار أصحاب مالك» (م‪ ، 4 ،‬ص ‪.)259‬‬ ‫غري أنه مل يتسن لنا التحقق من هوية هذا العامل الديين بالرجوع إىل املصادر‬ ‫املتاحة ‪.‬‬ ‫ثم يتحدث املؤلف عن الدور الذي لعبه عامل الدين املالكي حممد بن‬ ‫يوسف القاضي يف ترسيخ سلطة اخلليفة املكتفي (م‪ ،4 ،‬ص ‪.)277‬‬ ‫كما أن املذهب السين اآلخر ‪ ،‬احلنفي‪ ،‬حيظى بقدر واف من األخبار‬ ‫التفصيلية يف كتاب املسعودي‪ ،‬الذي خيربنا عن وفاة مؤسس هذا املذهب‬ ‫أبي حنيفة النعمان بن ثابت ‪ ،‬الذي «تويف وهو ساجد يف صالته‪ ،‬وهو ابن‬ ‫تسعني سنة »‪ ،‬وذلك يف زمن اخلليفة العباسي املنصور ‪( .‬م‪ ،3 ،‬ص ‪.)315‬‬ ‫ويذكر املؤلف وفاة كل من احلنفيني املعروفني ‪ :‬زفر بن اهلذيل ‪(،‬م‪،‬‬ ‫‪ ،3‬ص ‪ )332‬والفقيه الليث بن سعد املصري الفهمي اإليراني األصل‪ ،‬الذي‬ ‫عاش اجلزء األكرب من حياته العملية يف مصر (م‪ ، 3 ،‬ص ‪ ،)350‬والفقيه‬ ‫الشهري أبو يوسف يعقوب بن ابراهيم القاضي (‪( )13‬م‪ ،3 ،‬ص ‪ ،)375‬وحممد‬ ‫بن مساعة القاضي صاحب حممد بن احلسن وصاحب أبي حنيفة يف خالفة‬ ‫املتوكل ‪ « ،‬وهو ابن مائة سنة‪ ،‬صحيح اجلسم والعقل واحلواس‪ ،‬يفتض‬ ‫األبكار‪ ،‬ويركب اخليل اليت تقطف وتعنق‪ ،‬ومل ينكر من نفسه شيئا»‬ ‫(م‪ ،4 ،‬ص ‪.)94‬‬ ‫‪96‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫ويرد يف الكتاب ذكر عدد من علماء املذهب احلنفي الذين شغلوا‬ ‫مناصب قضاة‪ ،‬بوصفهم مشاركني يف األحداث التارخيية‪ ،‬ومنهم احلسني‬ ‫بن عبد الرمحن القاضي (م‪ ،4 ،‬ص ‪ )213‬املعروف بابن الصابوني االنطاكي‬ ‫احلنفي‪ ،‬وأبو حازم عبد العزيز بن عبد احلميد ‪( .‬م‪ ،4 ،‬ص ‪.)277‬‬ ‫مل يتسن لنا ‪،‬استنادا إىل طابع جنس املادة واملعلومات اليت ترد حول دورهم‬ ‫السوسيو – ثقايف ‪ ،‬حتديد االنتماء املذهيب ألغلبية علماء الدين السنة‬ ‫الذين يرد ذكرهم عند املسعودي ‪ ،‬وهم ينقسمون إىل بضع فئات‪ .‬القسم‬ ‫األكرب من هؤالء يتألف من رجال الدين السنة الذين تقتصر املعلومات‬ ‫عنهم على أخبار وفاة كل منهم‪ .‬وهذه الفئة بدورها تنقسم إىل عدة‬ ‫جمموعات‪:‬‬

‫اجملموعة األوىل ‪:‬‬ ‫الفقهاء وجامعو احلديث الذين ال جند ذكرا ألماكن نشاطهم‪ ،‬ال عند‬ ‫املسعودي وال يف املراجع املتاحة لنا ‪ ،‬ومع ذلك من اجللي أنهم مجيعا كانوا‬ ‫على صلة ببغداد بهذا الشكل أو ذلك‪ .‬ولقد أحصينا ‪ 45‬شخصا من هؤالء‬ ‫‪ ،‬بينهم ‪ 16‬تصفهم املراجع بالشخصيات الدينية البارزة‪ ،‬وهم ‪ :‬عبد امللك بن‬ ‫عبد العزيز بن جريج املكي‪ ،‬وعبد اهلل بن مبارك املروزي الفقيه‪ ،‬وحممد‬ ‫بن عبد اهلل بن عبد املثنى بن عبد اهلل بن أنس بن مالك األنصاري ‪ ،‬وأبو ُنعيم‬ ‫الفضل بن ُدكني‪ ،‬وأمحد بن عبد اهلل ُ‬ ‫الغداني‪ ،‬وعلي املدني‪ ،‬وحييى بن‬ ‫معني ‪ ،‬وأبو احلسني أمحد بن حييى بن إسحاق الرواندي‪ ،‬وأبو ثور ابراهيم‬ ‫بن خالد الكليب‪ ،‬و شيبان بن فروخ األ ُب ِّلي‪ ،‬والعباس بن الوليد النرسي‪،‬‬ ‫وإسحاق بن ابراهيم املعروف بابن راهويه‪ ،‬وعثمان بن أبي شيبة الكويف‪،‬‬ ‫وأبو العباس حممد بن يونس الكويف احملدث ‪ ،‬وأبو مسلم ابراهيم بن عبد‬ ‫اهلل الكجي البصري احملدث‪ ،‬وأبو العباس أمحد بن مسروق احملدث‪.‬‬ ‫‪97‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫اجملموعة الثانية ‪:‬‬ ‫الشخصيات الدينية السنية اليت إما أننا مل نتمكن من ضبط هويتها‬ ‫بالرجوع إىل املصادر املتاحة لنا‪ ،‬وإما كان حتديد هويتها ال يعتد به ‪ ،‬أو ان‬ ‫ال ذكر هلا يف املصادر األخرى ‪ .‬ومن ‪ 26‬شخصية سجلناها يصف املسعودي‬ ‫اثنني كشخصيتني بارزتني ‪ ،‬هما احلسن الصاحل البزار ‪ ،‬الذي « كان من‬ ‫علية أصحاب احلديث » ( م‪ ، 4،‬ص ‪ ،)168‬وحممد بن حممد اجلذوعي «‬ ‫القاضي وله أخبار عجيبة فيما كان به من املذهب قد أتينا على وصفه‬ ‫ونوادره فيها وما كان له من التعزز يف الكتاب األوسط» (م‪ ،4،‬ص ‪)285‬‬ ‫‪ - ،‬أراد املسعودي مؤلفه « الكتاب األوسط» الذي مل يصلنا‪.‬‬

‫اجملموعة الثالثة ‪:‬‬ ‫من علماء الدين السنة (وعددهم ‪ )19‬معلوم نطاق نشاطهم جغرافيا‪،‬‬ ‫بينهم سبعة بغداديون‪ ،‬وستة كوفيون‪ ،‬ومصريان (أحدهما العامل البارز‬ ‫أمحد بن صاحل املصري (م ‪ ، 4،‬ص ‪ ،)167‬وواحد من سامراء‪ ،‬وواحد كويف‬ ‫‪ ،‬وواحد مكي‪ ،‬وواحد دمشقي ‪.‬‬

‫اجملموعة الرابعة‪:‬‬ ‫علماء الدين املوظفون‪ ،‬ومنهم رئيس ديوان اخلراج وديوان السواد يف عهد‬ ‫املتوكل البغدادي موسى بن عبد امللك ( م‪ ، 4،‬ص ‪ )128‬والقاضي ابراهيم‬ ‫بن حممد التميمي قاضي البصرة (م‪ ،4 ،‬ص ‪ ، )168‬واملكي القاضي أبو‬ ‫أيوب سليمان بن حرب الواشجي البصري من األزد (م‪ ، 4 ،‬ص ‪ ،)63‬وموسى‬ ‫بن إسحاق األنصاري القاضي الذي شغل منصب قاضي األهواز والري وكان‬ ‫من علماء أهل احلديث وكبار أهل النقل (م‪ ،4 ،‬ص ‪ ،)306‬والقاضي بشر‬ ‫بن الوليد القاضي الكندي صاحب أبي يوسف (م‪ ،4 ،‬ص ‪.)128‬‬ ‫وفئة علماء الدين السنة األخرى خصصناها ألولئك الذين ذكرهم‬ ‫‪98‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫املسعودي بإيراد أخبارهم إىل جانب أخبار الوفاة‪ .‬وهذه الفئة تنقسم إىل‬ ‫جمموعتني‪:‬‬ ‫اجملموعة األوىل ‪ ،‬تتألف من الفقهاء املوظفني‪ .‬وقد تثبتنا من ثالثة منهم‬ ‫هم َّ‬ ‫سوار بن عبد اهلل القاضي (م‪ ،3 ،‬ص ‪ )348 ،315‬و (م‪ ،4،‬ص ‪،)94‬‬ ‫وشريك بن عبد اهلل بن سنان النخعي‪ « ،‬وكان مولده ببخارى‪ ،‬وتوىل‬ ‫القضاء بالكوفة أيام املهدي‪ ،‬ثم عزله موسى اهلادي‪ .‬وكان شريك ‪ -‬مع‬ ‫فهمه وعلمه ‪ -‬ذكيا فطنا» (م‪ ،3،‬ص ‪ ،)349 ،323‬وحييى بن أكثم‬ ‫(م‪ ،4،‬ص ‪.)128 ،22 ،21 ،19 ،17 ،14 ،8‬‬ ‫واجملموعة الثانية ‪ ،‬وتتألف من رجال الدين الذين مل يشغلوا مناصب‬ ‫إدارية‪ :‬الفقيه هشام بن عروة بن الزبري (م‪ ،3 ،‬ص ‪ )314 -314‬واحملدث أزهر‬ ‫السمان (م‪ ،4 ،‬ص ‪.)34‬‬ ‫والفئة التالية من رجال الدين السنة هي شخصيات األخبار الذين ال يرد‬ ‫ذكر لوفاتهم‪ .‬وهم سبعة عند املسعودي ‪ :‬عامل احلديث البصري واملقرب‬ ‫من اخلليفة السفاح أبو بكر اهلذلي (م‪ ،3 ،‬ص ‪ ،)278‬وعلي بن احلسن (م‪،‬‬ ‫‪،3‬ص ‪ ،)315‬والفقيه عامل األنساب مصعب بن عبد اهلل الزبريي (م‪ ،3،‬ص‬ ‫‪ ،)349‬وعامل احلديث املشهور والفقيه املقرب من اخلليفة املهدي عبد اهلل‬ ‫بن مصعب بن ثابت بن عبد اهلل بن الزبري (م‪ ،3 ،‬ص ‪ ،)351‬وعامل احلديث‬ ‫عبد الرمحن بن زيد زاهد أهل البصرة (م ‪ ،3 ،‬ص ‪ ،)390‬وحممد بن احلسن‬ ‫الكويف (م ‪ ،4 ،‬ص ‪ ،)211‬وآخر يدعى علي بن احلسني بن حوثرة (م‪،4 ،‬‬ ‫ص ‪.)262‬‬ ‫من الواضح متاما أن هذه الشخصيات الدينية السنية لعبت دورا هاما‬ ‫يف الوسط السيوسيو‪ -‬ثقايف‪ ،‬وداخل الطبقة الناشئة آنذاك من الفقهاء‬ ‫املسلمني وجامعي احلديث السنة‪ .‬غري أننا نلمس يف «مروج الذهب‪»...‬‬ ‫إبرازا أكرب للدور السيوسيو ‪ -‬ثقايف لطائفة من رجال الدين السنة اآلخرين‪،‬‬ ‫‪99‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫ومنهم جامع احلديث واملقرب من اخلليفة املنصور ‪ -‬عبد اهلل بن عياش‬ ‫املنتوف (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ )280‬الذي يورد ُ‬ ‫مؤلفنا بعضا من مواعظه كقوله‬ ‫يف خمالطة امللوك‪ « :‬مل تتقرب العامة إىل امللوك مبثل الطاعة‪ ،‬وال العبيد‬ ‫مبثل اخلدمة‪ ،‬وال البطانة مبثل حسن االستماع » ‪.‬‬ ‫وكذلك أحد علماء احلديث املنصور بن املعتمر معلم الصويف الشهري‬ ‫ُ‬ ‫الفضيل بن عياض (م ‪ ،3 ،‬ص‪ )365‬؛ والفقيه وجامع احلديث املعروف‬ ‫عثمان ال َبتيَّ الذي نقل حييى بن أكثم عنه األحاديث‪ ،‬وتعلم الفقه على‬ ‫يديه (م ‪ ،4 ،‬ص ‪ )23‬؛ وصاحب كتاب األخبار املعروفة بـ «املوفقيات» ‪،‬‬ ‫وجامع احلديث والقاضي املكي الزبري بن بكار (م ‪ ،4 ،‬ص ‪)40‬؛ والفقيه‬ ‫عيسى بن ابراهيم الضرير الذي يرد امسه يف عنوان مؤلف حممد بن داود‬ ‫األصفهاني (م‪ ،4 ،‬ص ‪)296‬؛ وجامع احلديث وقاضي املدينة أمحد بن‬ ‫اسحاق القاضي التنوخي الذي حضر جنازة الفقيه وعامل احلديث الذي‬ ‫سبق ذكره القاسم بن احلسن األشيب الذي «كان من كبار العلماء‬ ‫واحملدثني»‪( ،‬م ‪ ،4،‬ص ‪)310‬؛ وجامع احلديث ابراهيم الفزاري املنجم الذي‬ ‫يصفه العالمة بأخبار التاريخ حممد بن علي العبدي اخلراساني األخباري‬ ‫يف حضرة اخلليفة القاهر‪ ،‬يصفه كأحد أكرب رجال الثقافة العربية‬ ‫اإلسالمية (م ‪ ،4 ،‬ص ‪.)314‬‬ ‫ومما الشك فيه أن علماء الدين السنة الذين يذكرهم املسعودي‬ ‫كناقلني لألخبار اليت سجلها يف كتابه ينتمون مبعظهم إىل كوكبة‬ ‫الشخصيات الثقافية ‪ .‬ومن هؤالء أحد عشر شخصية ورد ذكرهم يف‬ ‫«مروج الذهب ‪ ،»...‬ومنهم عاملا الرتاث الديين أبو بكر بن عياش «وكان‬ ‫من علية أهل العلم» (م‪ ،3،‬ص ‪ )353‬و سفيان بن ُع َي ْي َنة ( م ‪ ، 3،‬ص ‪.)365‬‬ ‫من املعروف أن الفصل اخلتامي من كتاب املسعودي يتضمن قائمة‬ ‫حسب التسلسل الزمين بأمساء املسؤولني عن احلج (ذكر تسمية من حج‬ ‫‪100‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫بالناس من أول اإلسالم)‪ .‬من بني هؤالء نشري إىل الشخصيات السنية التالية‬ ‫‪ :‬أمحد بن العباس (م ‪ ،4 ،‬ص ‪) 405‬؛ وعبد الصمد بن موسى بن حممد بن‬ ‫ابراهيم اإلمام بن حممد بن علي بن عبد اهلل بن العباس (م ‪ ،4،‬ص ‪)406‬؛‬ ‫وحممد بن هارون بن العباس بن ابراهيم بن عيسى بن جعفر بن أبي جعفر‬ ‫املنصور (م‪ ،4 ،‬ص ‪ )407‬؛ واحلسن بن عبد العزيز بن عبد اهلل بن عبيد‬ ‫اهلل بن العباس بن حممد بن علي بن عبد اهلل بن العباس ( م ‪ ، 4 ،‬ص ‪)407‬‬ ‫‪ .‬وهؤالء األربعة ينتمون إىل بين العباس ولذلك – كما يبدو – مسوا‬ ‫مسؤولني عن احلج‪ ،‬األمر الذي يتوافق واملبادئ العامة للتنظيم السيوسيو‪-‬‬ ‫ثقايف يف اجملتمع العربي اإلسالمي‪ ،‬اليت هي موضع حبثنا يف هذا الكتاب‬ ‫‪ .‬وإضافة إىل ذلك فإن حممد بن هارون واحلسن بن عبد العزيز كانا إمامني‬ ‫ملسجدين جامعني (األول يف بغداد ‪ ،‬والثاني يف الرصافة)‪.‬‬ ‫وثـمة فئة أخرى من رجال الدين السنة تتألف من أولئك الذين شاركوا ‪-‬‬ ‫بشكل أو بآخر ‪ -‬يف أحداث تارخيية‪ .‬وهكذا‪ ،‬فقد حضر وفاة اخلليفة‬ ‫املكتفي القاضي املعروف بتقاه عبد اهلل بن علي بن أبي الشوارب (م ‪،4 ،‬‬ ‫ص ‪ . )291‬أما القاضي حممد بن عبدة املعروف بالعبداني فقد صلى على‬ ‫حاكم مصر مخارويه بن أمحد بن طولون الذي ذبح يف دمشق ونقلت‬ ‫جثته إىل مصر(‪( )14‬م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.)247‬‬ ‫واحملدث الفقيه حممد بن احلسن الشيباني القاضي تويف يف مدينة الري‬ ‫اإليرانية عندما كان فيها مع اخلليفة هارون الرشيد الذي «تطري من وفاة‬ ‫حممد بن احلسن لرؤيا رآها يف منامه» (م‪ ،3 ،‬ص ‪.)354‬‬ ‫ودينار بن عبد اهلل كان يف جيش اخلليفة املعتصم أثناء محلته على‬ ‫حصن عمورية البيزنطي عام ‪( 757/758‬م ‪ ،4،‬ص ‪)60‬؛ والفقيه امساعيل‬ ‫بن أمحد القاضي الذي دخل إىل املعتضد وعليه السواد بعد موت املعتمد‬ ‫«فسلم عليه باخلالفة‪ ،‬وكان أول من سلم عليه بها» (م ‪ ،4 ،‬ص ‪)230‬؛‬ ‫‪101‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫واحملدث يوسف بن يعقوب الذي واله املعتضد « القضاء مبدينة السالم‪،‬‬ ‫وخلع عليه‪ ،‬وانتدبه للجانب الشرقي»‪( .‬م ‪ ،4 ،‬ص ‪)259‬؛ والفقيه عبد‬ ‫العزيز بن عبد احلميد القاضي الذي «أمره القاسم باملسري إىل بدر فيأخذ له‬ ‫األمان وجييء به معه وضمن له من أمري املؤمنني ما أحب‪ ،‬فقال أبو حازم ‪ :‬ما‬ ‫كنت أبلغ عن أمري املؤمنني رسالة مل أمسعها منه‪ ،‬فلما امتنع عليه أحضر‬ ‫أبا عمرو بن يوسف القاضي فأرسل به إىل بدر » فكان له ما أراد (م ‪ ،4،‬ص‬ ‫‪)277‬؛ وأمحد بن عبد اهلل بن اسحاق اخلرقي قاضي القضاة عند حاكم‬ ‫مصر اإلخشيد حممد بن طغج (‪( )15‬م ‪ ،4 ،‬ص ‪)341‬؛ والقاضي حممد بن‬ ‫احلسني بن أبي الشوارب األموي احلنفي حضر مبايعة املستكفي الذي‬ ‫عينه يف ما بعد قاضي اجلانب الغربي من بغداد (م ‪ ،4،‬ص ‪.)356‬‬ ‫وثـمة جمموعة تتألف من علماء السنة الذين كان دورهم شكليا‪ ،‬وال‬ ‫ينسجم مع الدور املنوط برجال الدين إال يف الظاهر‪ .‬وهكذا جند أن األمري‬ ‫العباسي عيسى بن موسى يتشاور مع اثنني من الفقهاء املوظفني هما ابن‬ ‫أبي ليلي و ابن شربمة بشأن قتل أمري عباسي آخر هو املتمرد عبد اهلل بن‬ ‫علي‪ ،‬وذلك بناء على أمر املنصور‪ .‬وإذ اختلفا يف الرأي مل يقتله‪ ،‬فتوىل قتله‬ ‫بعد ذلك أبو األزهر املهلب بن أبي عيسى الذي لفق قصة موته مع جارية‬ ‫له حتت أنقاض البيت املتهدم‪ .‬وشهد القاضي ابن عالثة شهادة زور على‬ ‫هذه الرواية‪( .‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ .) 316 - 315‬ويف ما بعد بوقت طويل لعب مثل‬ ‫هذا الدور فقيهان مل نتأكد من هويتهما من مصادر أخرى‪ ،‬هما أبو عوف‬ ‫واحلسني بن سامل الذي شهدا زورا على سبب وفاة املعتمد (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪. )230‬‬ ‫وألسباب خمتلفة تعرض بعض رجال الدين السنة من هذه الفئة الضهاد‬ ‫السلطة ‪ .‬ومنهم يف املقام األول الفقيه أمحد بن نصر اخلزاعي الذي كان‬ ‫جده من أكرب الدعاة لدولة بين العباس‪ ،‬وذلك بسبب التزامه وجهة النظر‬ ‫السنية التقليدية من مسألة خلق القرآن‪ .‬وقد قتل يف زمن اخلليفة الواثق‬ ‫(م ‪ ،4 ،‬ص ‪ .)76‬والفقيه اآلخر هو حممد بن أمحد بن أبي ُدواد الذي تعرض‬ ‫‪102‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫لسخط املتوكل مع أبيه العامل املعتزلي البارز أمحد بن ابي ُدواد بن علي‬ ‫(م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ .)96‬وخامتة هذه اجملموعة الفقيه أمحد بن عبد اهلل القاضي‬ ‫الذي شغل منصب قاضي القضاة يف زمن املتقي ‪ ،‬ولكن بعد إطاحة هذا‬ ‫اخلليفة سلم للمستكفي وزج به يف السجن (م‪ ، 4 ،‬ص ‪.)356‬‬ ‫والبعض من بين العباس كانوا يف منزلة علماء الدين شكليا‪ ،‬غري‬ ‫أن نشاطهم كان ضعيف االرتباط باجملال الديين‪ .‬واملقصود بذلك عبد‬ ‫الصمد بن علي عم اخلليفة العباسي األول العامل باحلديث واألنساب ‪،‬‬ ‫والذي اشتهر أثناء الصراع بني العباسيني واألمويني بقتل عدد كبري منهم‬ ‫يف احلجاز ‪ .‬ويتذكر هذه األحداث اخلليفة اهلادي والعامل باألخبار عيسى‬ ‫بن دأب‪ .‬وكان احملدث حممد بن سليمان بن علي من بين هاشم أحد قادة‬ ‫اجليش الذي حارب احلسني بن على بن احلسن بن احلسن بن علي بن أبي‬ ‫طالب الذي خرج على العباسيني زمن اهلادي (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ .)336‬ونشري أيضا‬ ‫إىل ابن اخلليفة املنصور – سليمان بن أبي جعفر املنصور الذي يذكره‬ ‫املسعودي يف عداد أبناء احلاكم (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ )318‬وهو‪ ،‬أي سليمان‪ ،‬من‬ ‫احملدثني‪.‬‬ ‫يف ختام حتليلنا ملواد «مروج الذهب ‪ »...‬حول رجال الدين السنة ‪ ،‬ال بد من‬ ‫اإلشارة إىل أن املؤلف يذكر حتى يف الفصل املكرس للتاريخ العباسي‪،‬‬ ‫أي للمرحلة املتأخرة من تطور العامل العربي اإلسالمي ‪ ،‬يذكر غري مرة‬ ‫ويف سياقات خمتلفة محلة التقاليد اإلسالمية األوائل – صحابة الرسول‬ ‫والتابعني‪ .‬ومن هؤالء موىل النيب أسلم (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ، )268‬وجعدة بن هبرية‬ ‫املخزومي (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ،)274‬ويزيد بن شجرة الرهاوي (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪،)82‬‬ ‫وعبد امللك بن عمري (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ،)340‬ونافع بن عبد الرمحن بن أبي ُنعيم‬ ‫الليثي (م‪ ،3،‬ص ‪ ،)349‬وعائشة بنت أبي بكر زوجة الرسول (م ‪ ، 3 ،‬ص‬ ‫‪ ،)382‬وعكرمة موىل عبد اهلل بن العباس (م ‪ ،3،‬ص ‪ ،)400‬وعامر بن‬ ‫شراحل الشعيب (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ،)401‬وجد املسعودي أحد صحابة النيب عبد‬ ‫‪103‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫اهلل بن مسعود ‪ ،‬وجابر بن زيد (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ ،)8‬وجعفر الطيار بن أبي طالب‬ ‫(م ‪ ،4،‬ص ‪ ،)148‬وأبو موسى األشعري (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ُ ،)207‬‬ ‫وقثم بن العباس‬ ‫بن عبد املطلب (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ )334‬الذي ال يزال ضرحيه يف مسرقند موضع‬ ‫تقديس حتى اآلن ‪ ،‬وأخريا أبو هريرة أحد أهم علماء احلديث األولني (م ‪،4،‬‬ ‫ص ‪.)368‬‬ ‫ويرى الباحث أمحد شبول أن تيار املعتزلة كان األكثر تأثريا‪ ،‬من بني‬ ‫االجتاهات اإلسالمية‪ ،‬على عقيدة املسعودي(‪ .)16‬ومع تقديرنا لتحليل‬ ‫شبول لتأثري املعتزلة على املسعودي ‪ ،‬فإننا نرى ً‬ ‫رأيا آخر يف هذه املسألة‬ ‫نعرضه يف ما يلي ‪.‬‬ ‫ميكننا القول إن موضوع االعتزال يبدأ يف «مروج الذهب ‪ »...‬خبرب وفاة‬ ‫أحد أكرب علماء الدين يف مرحلة اإلسالم الباكرة وهو احلسن البصري‬ ‫الذي اعتربه املعتزلة سلفا هلم (‪. )17‬‬ ‫واملسعودي يورد خرب وفاته يف فصل عن اخلليفة األموي يزيد بن عبد‬ ‫امللك بن مروان (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪.) 215 - 214‬‬ ‫يورد املسعودي يف الفصل املخصص للخليفة العباسي املتوكل خرب‬ ‫وفاة مؤسس مذهب املعتزلة واصل بن عطاء (‪ )18‬مع عرض موجز الجنازاته‬ ‫العلمية ‪ .‬ويذكر هذه املعلومات يف سياق خرب عن وفاة من يصفه املسعودي‬ ‫بأحد كبار املعتزلة «أبي موسى الفراء ‪ ،‬وكان من شيوخ العدلية وكبار‬ ‫املتكلمني من البغداديني » (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.)104‬‬ ‫ويقرن املسعودي ما لقيه مذهب املعتزلة من قبول واستحسان عند جزء‬ ‫من أبناء األوساط املتعلمة يف اجملتمع العربي اإلسالمي ‪ ،‬وضمنا النخبة‬ ‫احلاكمة ‪ ،‬باسم اخلليفة األموي يزيد بن عبد الوليد بن عبد امللك بن‬ ‫مروان (حكم عام ‪ .)744‬ويضيف أن هذا احلاكم اعتنق املبادئ اخلمسة‬ ‫‪104‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫اليت قال بها املعتزلة‪ .‬ثم يتوقف املسعودي عند مبدأ التوحيد الذي التزم به‬ ‫املعتزلة ‪ ،‬مشريا إىل الطابع املنهجي للعناصر األخرى يف نظرية االعتزال ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك حييل القارئ إىل مؤلفاته السابقة اليت تتضمن معلومات عن‬ ‫املعتزلة ‪ ،‬وغريهم من ممثلي اجتاهات الفكر اإلسالمي‪ .‬وأخريا يسجل أن‬ ‫املعتزلة التزموا مبدأ اختيار اإلمام (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪.)236 -234‬‬ ‫وعند التعرض ألحداث تارخيية معينة يالحظ املؤلف أن املعتزلة كانوا‬ ‫بني أنصار يزيد بن الوليد بن عبد امللك بن مروان ‪ ،‬وبدعم منهم أطاح سلفه‬ ‫الوليد بن يزيد بن عبد امللك (م ‪ ،3 ،‬ص ‪.)239‬‬ ‫ويف ختام نبذته عن املعتزلة يف عهد األمويني خيربنا املسعودي أن‬ ‫«املعتزلة تفضل يف الديانة يزيد بن الوليد على عمر بن عبد العزيز » ‪.‬‬ ‫ومن الواضح ‪ ،‬كما يقول أمحد شبول ‪ ،‬أن هذه النبذة هي أبكر عرض‬ ‫يف تاريخ الثقافة العربية اإلسالمية لتعاليم املعتزلة (‪. )19‬‬ ‫وبعد ذلك ‪ ،‬وعند عرضه تاريخ حكم هارون الرشيد ‪ ،‬واملأمون ‪،‬‬ ‫واملعتصم ‪ ،‬والواثق ‪ ،‬الذين ساد يف عهد كل منهم مذهب املعتزلة رمسيا‪،‬‬ ‫يتحدث املسعودي مرارا عن اضطهاد التقليديني اإلسالميني على أيدي‬ ‫هؤالء اخللفاء‪ .‬أما يف بداية الفصل املكرس للمتوكل فيخربنا عن عودة‬ ‫هذا اخلليفة إىل السنة ‪ « .‬وملا أفضت اخلالفة إىل املتوكل أمر برتك النظر‬ ‫واملباحثة يف اجلدال‪ ،‬والرتك ملا كان عليه الناس يف أيام املعتصم والواثق‬ ‫واملأمون‪ ،‬وأمر الناس بالتسليم والتقليد‪ ،‬وأمر شيوخ احملدثني بالتحديث‬ ‫وإظهار السنة واجلماعة » (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.)86‬‬ ‫ويف القسم املخصص لتاريخ بين العباس ثـمة معلومات أيضا عن علماء‬ ‫املعتزلة‪ .‬وبصدد أحد أوائل املعتزلة عمرو بن عبيد (‪ )20‬يروي املسعودي‬ ‫أوال قصة تغلبه يف اجلدال على عامل شيعي كبري هو هشام بن احلكم‬ ‫‪105‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫الكويف «شيخ اإلمامية يف وقته وكبري الصنعة يف عصره»‪ ،‬ومن ثم‬ ‫يورد خرب وفاته (م ‪ ،3،‬ص ‪ .)314 -313‬ويوصف املسعودي أيضا جمادلة بني‬ ‫العامل الشيعي املذكور و حممد بن اهلذيل العالف «وكان معتزلي املذهب‬ ‫وشيخ البصريني »(‪( )21‬م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ . )349‬و شارك العالف أيضا يف مناظرة‬ ‫عن طبيعة العشق جرت يف جملس عند حييى بن خالد الربمكي (م ‪، 3 ،‬‬ ‫ص ‪)380‬؛ وشارك يف هذه املناظرة أيضا َّ‬ ‫النظام ابراهيم بن سيار املعتـزلي‬ ‫« وكـان من نظـار البصريـني يف عـصره» (‪( )22‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ . )381‬ويرد‬ ‫ذكر النظام مرة أخرى مبناسبة وفاة الكاتب العربي اإلسالمي العظيم‬ ‫اجلاحظ الذي كان «غالم ابراهيم بن سيار وعنه أخذ‪ ،‬ومنه تعلم» (م ‪،4،‬‬ ‫ص ‪. )169‬‬ ‫وحيدثنا املسعودي عن اجلدل بني املتكلم املعتزلي ثـُمامة بن أشرس‬ ‫ذي احلظوة عند هارون الرشيد‪ ،‬والفقيه السين حييى بن أكثم الذي مر‬ ‫ذكره (م ‪ ،4،‬ص ‪.)8‬‬ ‫إن اجملادالت املذكورة أعاله (باستثناء اجلدل عن طبيعة العشق حيث‬ ‫مل ينتصر أي رأي من اآلراء) نرى أن املعتزلة يتغلبون دائما على جمادليهم ‪.‬‬ ‫غري أن الفقيه املعتزلي البارز وجامع احلديث أمحد بن ُدواد املقرب من املأمون‬ ‫واملعتصم (‪ )23‬ينهزم يف اجلدل مع فقيه سين غري معروف عن مسألة أصل‬ ‫القرآن ‪ ،‬وذلك حسب ما ورد يف قصة يرويها اخلليفة املهتدي (م ‪ ،4،‬ص ‪.)190‬‬ ‫وترد يف «مروج الذهب ‪ »...‬أخبار وفيات علماء معتزلة بارزين أمثال‬ ‫حممد بن عبد اهلل بن حممد اإلسكايف «وكان من أهل النظر والبحث يف‬ ‫علية أهل العدل»‪ ،‬وجعفر بن املبشر «وكان من كبار أهل العدلية وأهل‬ ‫الديانة البغداديني »(‪ ،)24‬وجعفر بن حرب (‪»)25‬وهو رجل من همدان‬ ‫ووجوه قحطان »(م ‪ ،4،‬ص ‪.)103‬‬ ‫كان املعتزلة إحدى املدارس الرئيسية‪ ،‬ولكن ليست الوحيدة‪ ،‬لالهوت‬ ‫‪106‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫اإلسالمي التأملي (علم الكالم) ‪ .‬يذكر املسعودي خرب وفاة العامل البارز‬ ‫يف هذا االجتاه الفكري اإلسالمي وهو أمحد بن حييى بن اسحاق الراوندي‬ ‫(م‪ ،4 ،‬ص ‪. )106 -105‬‬ ‫كان زمن املسعودي «زمن تزايد كبري يف شعبية منط احلياة الصويف‬ ‫والعقيدة الصوفية» (‪ ،)26‬ومع ذلك ال جند يف « مروج الذهب‪ »...‬كثرة من‬ ‫الدالئل على هذه الظاهرة يف احلياة العربية اإلسالمية الثقافية والدينية ‪،‬‬ ‫ولكننا نتعرف على بعض املتصوفة النساك‪.‬‬ ‫ترد عند املسعودي أخبار وفاة ثالثة من هؤالء هم احملدث والصويف‬ ‫ُ‬ ‫الفضيل بن عياض(‪ )27‬الذي «كان مولده خبراسان‪ ،‬وقدم الكوفة‪،‬‬ ‫ومسع من املنصور بن املعتمر ‪ ،‬ثم تعبد وانتقل إىل مكة فأقام فيها إىل أن‬ ‫مات» (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ )364‬؛ والصويف الشهري بشر احلايف « وكان من بالد‬ ‫مرو » (‪( )28‬م ‪ ،4 ،‬ص ‪)63‬؛ وصاحب العديد من املؤلفات يف الزهد اإلسالمي‬ ‫واحملدث ومؤدب املكتفي باهلل – عبد اهلل بن حممد بن أبي الدنيا القرشي‬ ‫(م ‪ ،4 ،‬ص ‪.)272‬‬ ‫ويورد املؤلف خرب وفاة احملدث والزاهد وسلف الصوفيني سفيان الثوري‬ ‫(‪( )29‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪.)333 -332‬‬ ‫ومن شخصيات اجملالس أيضا ‪ :‬عبد اهلل بن عمرو بن عتبة الذي «دخل‬ ‫على املهدي يعزيه باملنصور ‪ ،‬ويهنئه ببداية خالفته فقال ‪ :‬اقبل يا أمري‬ ‫املؤمنني من اهلل أفضل العطية واحتسب عند اهلل أفضل الرزية» (م ‪، 3 ،‬‬ ‫ص ‪ )325‬؛ والزاهد الواعظ احملدث ابن السماك الذي « دخل على الرشيد‬ ‫يوما وبني يده محامة تلتقط حبا فقال يصفها للرشيد‪ :‬كأمنا تنظر من‬ ‫ياقوتتني‪ ،‬وتلتقط من بدرتني‪ ،‬وتطأ على عقيقتني» ( م ‪ ،3 ،‬ص ‪ )359‬؛‬ ‫والتقي املعروف العامل باملوروث الديين أبان القاري (‪ )30‬الذي يتحدث األديب‬ ‫والنحوي نفطويه عن لقائه هارون الرشيد (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪. )290 – 289‬‬ ‫‪107‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫وخيربنا املسعودي يف «مروج الذهب ‪ »...‬عن مقتل الصويف ابن مشاد‬ ‫عندما استولت على مدينة الدينور اإليرانية قوات مؤسس ساللة الزيارين‬ ‫– مردويج بن زيار(‪( )31‬م ‪ ،4،‬ص ‪.)381- 380‬‬ ‫ُي َع ُّد املسعودي مؤلفا شيعي اهلوى ‪ ،‬إذ إن ما يورده عن التشيع يف «مروج‬ ‫الذهب ‪ »..‬واسع جدا‪ .‬وهذه املواد تتطرق بالدرجة األوىل للشخصية األساسية‬ ‫عند الشيعة‪ -‬علي بن ابي طالب‪ ،‬الذي يظهر أول ذكر له يف النص املتعلق‬ ‫حبياة النيب حممد (انظر على سبيل املثال خمتلف آراء العلماء العرب‬ ‫املسلمني عن إسالم علي (م‪ ،2 ،‬ص ‪ ،)283‬وكذلك ملآثر اخللفاء الراشدين‬ ‫الثالثة األوائل (انظر خاصة خرب مشاورة عمر بن اخلطاب عليا بشأن‬ ‫احلرب (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ . ) 318 – 317‬إن الفصل عن مآثر علي بن أبي طالب هو‬ ‫األكرب (م ‪ ، 2 ،‬ص ‪.)438 -358‬‬ ‫وخيصص املسعودي فصال صغريا ( من سبع صفحات ) حلكم احلسن‬ ‫بن على بن أبي طالب الذي كان قصريا وامسيا (م ‪ ،3 ،‬ص ‪.)4-10‬‬ ‫ويرى املؤلف أن أحد أكثر املشاهد تراجيدية يف التاريخ العربي اإلسالمي‬ ‫هو مقتل احلسني بن علي بن أبي طالب عام ‪ 680‬على أيدي جيش اخلليفة‬ ‫يزيد بن معاوية بن أبي سفيان‪ .‬يفرد املسعودي هلذا احلدث مكانا خاصا‬ ‫يف فصل عن عهد هذا احلاكم األموي (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ .)72 - 64‬ويف هذا‬ ‫الفصل أيضا ٌ‬ ‫فقرة حتت عنوان«ذكر أمساء ولد علي بن أبي طالب » (م ‪،‬‬ ‫‪ ، 3‬ص ‪. ) 74 -73‬‬ ‫ويف القسم املخصص حلكم األمويني حيدثنا املسعودي عن أول مترد‬ ‫علوي بدأه يف مسجد الكوفة حجر بن عدي عام ‪( )32( 671‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪12-‬‬ ‫‪ ،)13‬وعن انتفاضة املختار بن أبي عبيد الثقفي حتت غطاء الوالء لبين هاشم‬ ‫عام ‪( )33( 685-687‬م‪ ، )108 – 100 ،84 – 83 ،3،‬وعن وفاة حممد بن‬ ‫احلنفية (‪ – )34‬ابن علي بن أبي طالب (م ‪ ،3 ،‬ص ‪ . )123‬ويورد املسعودي‬ ‫‪108‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫معلومات عن «الشيعة الكيسانية (‪ )35‬القائلة بإمامة حممد بن احلنفية‬ ‫‪ ،‬فمنهم من قطع مبوته‪ ،‬ومنهم من زعم أنه حي يف جبال رضوى»‪ .‬ويشري‬ ‫املؤلف إىل أنه حتدث بالتفصيل عن الكيسانيني يف كتاب مل يصلنا هو‬ ‫« املقاالت يف أصول الديانات» (م‪ ،3 ،‬ص ‪. ) 86-87‬‬ ‫وحيدثنا املسعودي أيضا عن انتفاضة أكرب قام بها الشيعة‪ ،‬وذلك عام‬ ‫‪ 740‬يف الكوفة بقيادة حفيد احلسني بن علي بن ابي طالب – زيد بن‬ ‫علي بن احلسني (‪( )36‬م‪ 3،‬ص ‪ .)218 - 217‬وبعد ذلك حييلنا املؤلف إىل‬ ‫أحد كتبه (مل يصلنا) الذي يعرض فيه املبادئ األساسية لعقيدة الزيدية‬ ‫(م‪ ،3،‬ص ‪ . )220-221‬ويلي ذلك خرب عن انتفاضة حييى بن زيد بن علي‬ ‫بن احلسني الذي « ظهر باجلوزجان من بالد خراسان منكرا للظلم وما َّ‬ ‫عم‬ ‫الناس من اجلور » ‪ُ ،‬‬ ‫وقتل يف املعركة ‪ .‬وكان ذلك يف عهد اخلليفة األموي‬ ‫الوليد بن يزيد بن عبد امللك (م‪ ،3 ،‬ص ‪.)225‬‬ ‫ويف إطار اإلضاءة على تاريخ العصر األموي يورد املسعودي خرب وفاة إمام‬ ‫الشيعة اخلامس حممد الباقر بن علي بن احلسني بن علي بن أبي طالب (م‬ ‫‪ ،3،‬ص ‪.)232‬‬ ‫ويف معرض حديثه عن ظروف سقوط الدولة األموية وقيام الدولة‬ ‫العباسية (م‪ ،3،‬ص ‪ ،)265 -252‬يذكر املسعودي «الراوندية (‪ ،)37‬وهم‬ ‫شيعة ولد العباس بن عبد املطلب‪ ،‬من أهل خراسان وغريهم » ‪ « ..‬قالوا إن‬ ‫أحق الناس باإلمامة بعد الرسول عمه العباس »‪ .‬ومنهم من قال أن ابن حممد‬ ‫بن احلنفية – عبد اهلل بن حممد بن علي بن أبي طالب أوصى باإلمامة لولد‬ ‫العباس بن عبد املطلب (م‪ ،3،‬ص ‪.)254 -252‬‬ ‫تعود بداية النزاع بني الفرعني اهلامشيني ‪ :‬بين العباس وبين علي –‬ ‫كما يصورها املسعودي – إىل القصة اليت تقول إن أحد أبرز أصحاب‬ ‫العباسيني أبا سلمة حفص بن سليمان (‪ )38‬كان مياال حنو أحقية بين‬ ‫‪109‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫علي بالسلطة العليا من بين العباس‪ ،‬وقد أرسل كتابا إىل اثنني من أبرز‬ ‫بين علي هما اإلمام السادس جعفر الصادق (‪ ، )39‬وحممد بن عبد اهلل بن‬ ‫احلسن النفس الزكية «يدعو كال منهما الشخوص إليه ليصرف الدعوة‬ ‫إليه‪ ،‬وجيتهد يف بيعة أهل خراسان له »‪ .‬فأما جعفر الصادق فقد أحرق‬ ‫الكتاب ورفض الدعوة‪ .‬وأما حممد النفس الزكية فابتهج بالكتاب‬ ‫فالمه الصادق على ما بدر منه (م‪ ،3،‬ص ‪.) 269 -268‬‬ ‫وبعد ذلك يرد خرب كبري بين علي ‪ -‬عبد اهلل بن احلسن بن احلسن‪ ،‬والد‬ ‫حممد بن عبد اهلل بن احلسن النفس الزكية وابراهيم بن عبد اهلل ( ‪) 40‬‬ ‫‪ ،‬بأنه تنبأ لداود بن علي عم اخلليفتني العباسيني األول والثاني‪ ،‬السفاح‬ ‫واملنصور‪ ،‬بانتفاضة ولديه ضد حكم العباسيني (م ‪ ، 3،‬ص ‪.)274‬‬ ‫واملرحلة التالية من الصراع بني بين العباس وبين علي تتمثل خبروج‬ ‫كل من األخوين عام ‪ : 762/63‬فمحمد بن عبد اهلل النفس الزكية‬ ‫ينظم متردا يف املدينة‪ ،‬أما ابراهيم بن عبد اهلل‪ ،‬وبعد مقتل أخيه‪ ،‬فينظم‬ ‫انتفاضة يف البصرة‪ .‬وبعد سحق هاتني االنتفاضتني «تفرق أخوة حممد‬ ‫وولده يف البلدان يدعون إىل إمامته » ‪ .‬وبعد ذلك أمر اخلليفة العباسي‬ ‫املنصور باعتقال البعض من ذرية علي بن أبي طالب وحبسهم يف سرداب‬ ‫حت األرض يف الكوفة ‪ ،‬حيث ماتوا (م ‪ ،3،‬ص ‪.)311 – 306‬‬ ‫ويصف املسعودي استمرار بين هاشم يف صراعهم ضد العباسيني ‪،‬‬ ‫فيتوقف عند انتفاضة فخ الفاشلة عام ‪ 786‬اليت قادها بالقرب من مكة‬ ‫احلسني بن علي بن احلسن بن احلسن بن علي بن أبي طالب ‪ ،‬وشارك « فيها‬ ‫مجاعة من بين هاشم منهم ‪ :‬سليمان بن أبي جعفر‪ ،‬وحممد بن سليمان بن‬ ‫علي‪ ،‬وموسى بن عيسى‪ ،‬والعباس بن حممد بن علي‪ ،‬يف أربعة آالف فارس‪،‬‬ ‫فقتل احلسني ومن كان معه » (م ‪ ،3 ،‬ص ‪.)336-337‬‬ ‫ويف القسم املخصص للعباسيني يرد مرارا ذكر انتفاضات العلويني‬ ‫‪110‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫(م‪ ،4 ،‬ص ‪،307 ،244 ،181- 180 ،177 ،153-154 ،148 -27،147 ، 26‬‬ ‫‪ )372 ،308‬اليت سحقت كافة دون رمحة‪ .‬ومنها «خروج ابن السرايا وابن‬ ‫طباطبا وقوم من العلويني بالعراق سنة تسع وتسعني ومائة‪ ،‬وظهور ابن‬ ‫األفطس باملدينة يف أيام املأمون‪ ،‬وظهور بن حييى الطاليب سنة ثـمان‬ ‫وأربعني ومائتني بالكوفة حيث قتل ومحل رأسه إىل بغداد وصلب ‪ ،‬فضج‬ ‫الناس من ذلك؛ وظهور احلسني بن زيد العلوي يف خالفة املعتمد ويف خالفة‬ ‫املستعني ببالد طربستان فغلب عليها وعلى جرجان بعد حروب كثرية‬ ‫وما زالت يف يده حتى مات سنة سبعني ومائتني؛ وظهور حممد بن جعفر يف‬ ‫السنة نفسها – سنة مخسني ومائتني‪ -‬بالري داعيا للحسن بن زيد صاحب‬ ‫طربستان ‪.‬‬ ‫اسر ومحل إىل نيسابور فمات يف حمبسه هناك‪ .‬وظهر أمحد بن عيسى‬ ‫العلوي بعده بالري فانهزم حاكمها حممد بن طاهر‪ ،‬فدخلها العلوي ‪.‬‬ ‫ويف هذه السنة أيضا ظهر الكركي بقزوين وهو احلسن بن امساعيل‬ ‫بن حممد بن عبد اهلل بن علي بن احلسني بن على بن أبي طالب ‪ ،‬فحاربه‬ ‫موسى بن بغا‪ ،‬وصار الكركي إىل الديلم‪ ،‬ثم وقع إىل احلسن بن زيد‬ ‫احلسيين فهلك قبله‪ .‬وظهر بالكوفة احلسني بن حممد العلوي فهزمه ابن‬ ‫خاقان وذلك يف سنة إحدى ومخسني ومائتني‪ .‬ويف سنة مخس ومخسني‬ ‫ومائتني ظهر بالكوفة علي بن زيد وعيسى بن جعفر العلويان فهزمهما‬ ‫سعيد بن صاحل املعروف باحلاجب‪ .‬وظهر بصعيد مصر أمحد بن حممد‬ ‫بن عبد اهلل بن ابراهيم بن احلسن بن احلسن بن علي بن ابي طالب‪،‬‬ ‫فقتله أمحد بن طولون‪ .‬وظهر ابن الرضا يف أعمال دمشق سنة ثلثمائة‬ ‫‪ .‬وظهر ببالد طربستان والديلم األطروش‪ -‬وهو احلسن بن علي‪ -‬وأخرج‬ ‫منها املسودة‪ ،‬وذلك يف سنة إحدى وثلثمائة‪ .‬وظهور حممد بن جعفر بن‬ ‫حييى بن عبد اهلل بن احلسن بن علي الذي سار إىل مصر‪ُ ،‬‬ ‫فطلب ‪ ،‬فدخل‬ ‫املغرب واتصل ببالد تاهرت السفلى‪ ،‬واجتمع إليه خلق من الناس فظهر‬ ‫‪111‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫فيهم بعدل وحسن استقامة‪ ،‬فمات هنالك مسموما» (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪.)353‬‬ ‫ومن ناحية أخرى يأتي املسعودي على ذكر علويني أكثر حظا‪ ،‬إذ‬ ‫تسنى لبعض منهم إقامة دول هلم يف أماكن ما من أطراف العامل العربي‬ ‫اإلسالمي ‪ ،‬أو السيطرة ملدد طويلة على مناطق ما‪ .‬ومنهم مؤسس الدولة‬ ‫العلوية يف طربستان احلسن بن زيد (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪،183 ،177 ،154 ،153‬‬ ‫‪)375 ،343 ،321 ،272 ،270 ،266 ،245 ،200‬؛ واحلسن بن علي األطروش‬ ‫(‪( )41‬م ‪ ،4 ،‬ص ‪)384 ،373 ،308 ،153‬؛ وحممد بن يوسف بن ابراهيم الذي‬ ‫استوىل على اليمامة والبحرين (م‪ ،4،‬ص ‪)180 ،177‬؛ ومؤسس اإلمامة‬ ‫الزيدية يف اليمن حييى بن احلسني احلسين الرسي ونزوله مدينة صعدة ‪،‬‬ ‫وقام بعده ولده احلسن بن حييى (م ‪ ،4 ،‬ص ‪.)308 ،266‬‬ ‫كما ان حركة الزنج (‪ 883 – 868‬ميالدية) اليت سيطرت على مناطق‬ ‫واسعة من جنوب العراق (‪ )42‬كانت حركة شيعية من حيث اإلديولوجيا‪.‬‬ ‫ولقد أعلن زعيمها علي بن حممد (‪ )43‬أنه العلوي علي بن حممد بن أمحد‬ ‫بن عيسى بن زيد بن علي بن احلسن بن علي بن أبي طالب‪ ،‬الذي كان يف‬ ‫ذاك الوقت مسجونا مع أبيه بأمر اخلليفة املستعني‪« .‬وأكثر الناس يقول‬ ‫إنه َد ُّ‬ ‫عي آل أبي طالب‪ ...‬وظهر من فعله ما دل على تصديق ما رمي به من‬ ‫أنه كان يرى رأي األزارقة من اخلوارج»‪.‬‬ ‫ورمبا كان انتشار اإلديولوجيا الشيعية ‪ ،‬كما يبني املسعودي‪،‬‬ ‫مقتصرا على على عدد قليل هم علية هذه احلركة (م‪ ،4 ،‬ص ‪.)208‬‬ ‫ويتضمن “مروج الذهب‪ ”...‬غري قليل من األخبار عن ثورة الزنج (م ‪ ،4،‬ص‬ ‫‪.)243 ،208 ،207 ،195 -194‬‬ ‫ويذكر املسعودي أخبار قيام احلكم الفاطمي يف مشال أفريقيا سنة‬ ‫‪ ،)909‬وكذلك أخبار حركة القرامطة (‪ )44‬اليت كانت على صلة بهم‬ ‫(م‪ ،4،‬ص ‪.)408 ،340 ،280 ،270 ،103،265‬‬ ‫‪112‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫كان بعض العلويني ‪ ،‬ممن هم يف حالة ضعف‪ ،‬وعجز عن الثورة يف‬ ‫وجه العباسيني‪ ،‬يفرون منهم باللجوء إىل مناطق نائية يف دولة اخلالفة ‪.‬‬ ‫ومن هؤالء ‪ ،‬كما يقول املسعودي‪ ،‬حممد بن جعفر بن حييى بن عبد اهلل‬ ‫بن احلسن الذي هرب يف زمن الرشيد إىل مصر أوال‪ ،‬ومن ثم إىل املغرب (م‬ ‫‪ ،3،‬ص ‪ ،)353‬وحممد بن القاسم بن علي الذي كان يعيش يف الكوفة‬ ‫زاهدا‪ ،‬وختوف من اضطهاد اخلليفة املعتصم آنذاك‪ ،‬فهرب إىل خراسان‬ ‫‪ ،‬حيث اعتقل وأرسل إىل اخلليفة فسجن ‪ ،‬ولكنه متكن من اهلرب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫حممد‬ ‫املعتصم‬ ‫مرة أخرى واختفى ‪”.‬ويف سنة تسع عشرة ومائتني أخاف‬ ‫بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن احلسني بن علي بن أبي طالب ‪،‬‬ ‫وكان بالكوفة من العبادة والزهد والورع يف نهاية الوصف‪ ،‬فلما خاف‬ ‫على نفسه هرب فصار إىل خراسان ‪ ،‬فتنقل يف مواضع كثرية من َ‬ ‫كورها‬ ‫كمرو وسرخس والطالقان ونسا‪ ،‬فكانت له هناك حروب وكوائن‪،‬‬ ‫وانقاد إليه وإىل إمامته خلق كثري من الناس‪ ،‬ثم محله عبد اهلل بن الطاهر‬ ‫إىل املعتصم ‪ ،‬فحبسه‪ .. .‬وقد تنوزع يف حممد بن القاسم‪ ،‬فمن قائل إنه‬ ‫قتل بالسم‪ ،‬ومنهم من يقول إن ناسا من شيعته من الطالقان ‪ ....‬أخرجوه من‬ ‫احلبس ‪ ،‬فذهبوا به ‪ ،‬فلم يعرف له خرب إىل هذه الغاية ” (م ‪ ،4 ،‬ص ‪.)52-53‬‬ ‫ويف زمن املعتضد اكتشفت يف بغداد مؤامرة للعلويني تورط فيها من‬ ‫بني كثريين حممد بن احلسن بن سهل امللقب بشميلة (له تصنيفات يف‬ ‫أخبار املبيضة‪ ،‬وله كتاب مؤلف يف أخبار علي بن حممد صاحب الزنج)‪،‬‬ ‫وحتى األمري العباسي عبيد اهلل بن املهتدي ‪ .‬وقد قتل األول وغريه من‬ ‫املتآمرين بأمر من اخلليفة ‪ ،‬بينما خلي الثاني (م ‪ ،4،‬ص ‪.)243‬‬ ‫ومع ذلك كان من احملتمل أن تأخذ العالقة بني العلويني وساللة‬ ‫اخلليفة شكال أقل عداء كما يبني لنا املسعودي ‪ .‬ففي سنة ‪ ،867‬يف‬ ‫عهد اخلليفة املعتز جاءه القائد العسكري ورجل الدولة عيسى بن الشيخ‬ ‫الشيباني مبن كانوا هربوا إىل مصر‪ ،‬فأمر اخلليفة بالعناية بأحفاد علي‬ ‫‪113‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫بن أبي طالب ‪ “ .‬ويف هذه السنة قدم إىل سامرا عيسى بن الشيخ الشيباني‬ ‫من مصر‪ ،‬ومعه مال كثري ‪ ،‬وستة وسبعون رجال من سائر ولد أبي طالب من‬ ‫ولد علي وجعفر وعقيل كانوا قد خرجوا من احلجاز خوف الفتنة واجلهد‬ ‫النازل باحلجاز إىل مصر ‪ ،‬فحملوا منها ‪ ،‬فأمر املعتز بتكفيلهم والتخلية‬ ‫عنهم ؛ ملا وقف عليه من أمرهم ” (م ‪ ،4،‬ص ‪. )177‬‬ ‫ويف عهد املأمون الذي سعى للتقرب من الشيعة املعتدلني ‪ ،‬كان أحد‬ ‫العلويني وهو عبيد اهلل بن احلسن بن عبد اهلل بن العباس بن علي بن أبي‬ ‫طالب واليا على املدينة ومكة وعكا ومسؤوال عن احلج سنة ‪822 - 820‬‬ ‫( م‪ ،4،‬ص ‪.)404‬‬ ‫ويقول املسعودي إن بعص العلويني كانوا من العلماء يف الفقه‬ ‫واحلديث‪ ،‬ومنهم موسى بن عبد اهلل بن احلسن بن احلسن بن علي ‪ ،‬وهو‬ ‫أخو حممد وابراهيم اللذين قادا انتفاضة ضد العباسيني (م‪ ،3،‬ص ‪)351‬؛‬ ‫وكذلك أحد أبناء اإلمام الشيعي جعفر الصادق – حممد بن جعفر (م‪،3،‬‬ ‫ص ‪297‬؛ م‪)26 ،4،‬؛ وأبو هاشم اجلعفري ‪ -‬وهو “داود بن القاسم بن اسحاق‬ ‫بن ابن عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب ‪ ،‬وبينه وبني جعفر الطيار ثالثة‬ ‫آباء‪ ...‬وكان ذا زهد وورع ونسك وعلم ‪ ،‬صحيح العقل سليم احلواس‪،‬‬ ‫منتصب القامة‪ ،‬وقربه مشهور” (م ‪ ،4،‬ص ‪)148‬؛ وموسى بن عبد اهلل بن‬ ‫موسى بن احلسن بن علي بن أبي طالب (م‪ ، 4 ،‬ص ‪.)181 -180‬‬ ‫وميكننا العثور يف “مروج الذهب ‪ ”...‬على ذكر فقهاء شيعة ال ينتمون‬ ‫إىل ساللة العلويني‪ ،‬ففي اجلدل الشهري الذي دار يف جملس حييى بن خالد‬ ‫الربمكي حول طبيعة العشق شارك هشام بن احلكم الكويف “ شيخ‬ ‫اإلمامية يف وقته وكبري الصنعة يف عصره ”(‪( )45‬م‪ ،3،‬ص ‪ . )380‬ويف‬ ‫سياق احلديث عن الشاعر الكبري ابن الرومي يرد ذكر أحد قادة الشيعة‬ ‫اإلمامية العامل الديين الكبري أبي سهل امساعيل بن علي النوخبيت (‪)46‬‬ ‫(م‪ ،4،‬ص ‪. )284‬‬ ‫‪114‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫وإضافة إىل ذلك يربز املسعودي تعاطف األمري والشاعر املعروف أبي دلف‬ ‫مع الشيعة (م‪ ،4 ،‬ص ‪.)47( )62‬‬ ‫ويف القسم املخصص للعباسيني ترد معلومات عن أئمة الشيعة اإلثين‬ ‫عشرية ‪ ،‬وذلك يف أخبار خمتلفة األجناس ‪.‬‬ ‫يورد املسعودي أخبار وفاة اإلمام الرابع علي زين العابدين السجاد (‪)48‬‬ ‫(م‪ ،3،‬ص ‪ )297‬؛ واإلمام اخلامس حممد الباقر؛ والسابع موسى الكاظم‬ ‫(‪( )49‬م ‪ ،3،‬ص ‪)365‬؛ والثامن علي الرضا (‪( )50‬م ‪ ،4،‬ص ‪)5‬؛ والتاسع‬ ‫حممد التقي(اجلواد) (‪( )51‬م‪ ،4،‬ص ‪ )52‬؛ والعاشر علي النقي اهلادي‬ ‫العسكري (‪( )52‬م‪ ،4،‬ص ‪)169‬؛ واحلادي عشر احلسن العسكري‬ ‫الزكي (م‪ ،4،‬ص ‪.)199‬‬ ‫وترد يف جنس األخبار التارخيية معلومات عن اثنني من األئمة هما‪:‬‬ ‫موسى الكاظم بن جعفر (م ‪ ،4،‬ص ‪ ،)53 - 52‬الذي “كان موضع تبجيل‬ ‫عند فرقة املمطورة‪ ،‬أو الواقفية ‪ ،‬وهي طائفة تتألف من أتباعه الذين مل‬ ‫يصدقوا موته ‪ ،‬وظلوا ينتظرون عودته ‪ .‬ونشري إىل أن حفيده اإلمام التاسع‬ ‫حممد التقي مدفون معه” (‪ .)53‬واآلخر هو اإلمام الثامن علي الرضا (م ‪،4،‬‬ ‫ص ‪ )28 - 27‬الذي أرسل املأمون يف طلبه‪“ .‬وصل إىل املأمون علي بن موسى‬ ‫الرضا‪ ،‬وهو مبدينة مرو‪ ،‬فأنزله أحسن إنزال ‪ ،‬وأمر املأمون جبميع خواص‬ ‫األولياء ‪ ،‬وأخربهم أنه نظر يف ولد العباس ‪ ،‬وولد علي رضي اهلل عنهم ‪ ،‬فلم‬ ‫جيد يف وقته أحدا أفضل وال أحق باألمر من علي بن موسى الرضا‪ ،‬فبايع له‬ ‫بوالية العهد‪ ،‬وضرب امسه على الدنانري والدراهم ‪ ،‬وزوج حممد بن علي‬ ‫بن موسى الرضا بابنته أم الفضل ‪ ،‬وأمر بإزالة السواد من اللباس واألعالم ‪،‬‬ ‫وأظهر بدال من ذلك اخلضرة يف اللباس واألعالم وغري ذلك‪ ،‬ومنى ذلك إىل‬ ‫من بالعراق من ولد العباس‪ ،‬فأعظموه إذ علموا أن يف ذلك خروجا باألمر‬ ‫عنهم ‪ ،‬وحج بالناس ابراهيم بن موسى بن جعفر أخو الرضا بأمر من املأمون‪،‬‬ ‫‪115‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫واجتمع مبدينة السالم من ولد العباس ومواليهم وشيعتهم على خلع املأمون‬ ‫ومبايعة ابراهيم بن املهدي املعروف بابن شنكلة‪ ،‬فبويع له”‪.‬‬ ‫كما أن اإلمامني الشيعيني السابع والعاشر من شخصيات القصص‬ ‫واألحاديث ‪ ،‬فاإلمام السابع موسى الكاظم كان حمبوسا عند هارون‬ ‫الرشيد الذي يرى يف منامه كأن حبشيا قد أتاه ومعه حربة وقال له أن‬ ‫خيلي عن موسى بن جعفر الساعة وإال حنره باحلربة ‪ ...‬فأمر الرشيد‬ ‫بإطالق موسى وإعطائه ثالثني ألف درهم ‪ .‬ويف الوقت نفسه كان موسى‬ ‫قد رأى النيب يف منامه فأسر له بكلمات ما أن قاهلا حتى أخلي سبيله‪ ،‬وهي‬ ‫هذا الدعاء “يا سامع كل صوت‪ ،‬ويا سابق َ‬ ‫الفوت ‪ ،‬ويا كاسي العظام‬ ‫حلما ومنشرها بعد املوت‪ ،‬أسألك بامسائك احلسنى وبامسك األعظم‬ ‫األكرب املخزون املكنون الذي مل يطلع عليه أحد من املخلوقني ‪ ،‬يا حليما‬ ‫ذا أناة ال ُيقوى على أناته ‪ ،‬يا ذا املعروف الذي ال ينقطع أبدا‪ ،‬وال يحُ صى‬ ‫عددا‪ ،‬فرج عين”‪( .‬م ‪ ،3،‬ص ‪ . )357‬واإلمام العاشر علي بن حممد بن علي‬ ‫بن موسى النقي اهلادي العسكري سأله املتوكل مرة ما يقول ولد أبيه‬ ‫يف العباس بن عبد املطلب‪ ،‬فقال ‪“ :‬وما يقول ولد أبي يف رجل افرتض اهلل‬ ‫طاعة بنيه على خلقه وافرتض طاعته على بنيه؟” فأمر له اخلليفة مبائة‬ ‫ألف درهم ‪ .‬وفيما بعد افرتي عليه أمام اخلليفة الذي قيل له أن يف منزل‬ ‫علي بن حممد سالحا وكتبا وغريها من شيعته ‪ ،‬فوجه إليه ليال األتراك‬ ‫وغريهم ممن هجم عليه يف منزله على غفلة ممن يف داره‪ ،‬فوجدوه متوجها‬ ‫إىل ربه يرتمن بآيات من القرآن يف الوعد والوعيد ‪ .‬فحملوه إىل املتوكل‪،‬‬ ‫فلما رآه أعظمه وأجلسه إىل جانبه ‪ ،‬وأمر برده إىل داره مكرما (م ‪ ،4،‬ص‬ ‫‪. )93‬‬ ‫ويورد املسعودي أن اإلمام التاسع حممد بن علي بن موسى التقي كتب‬ ‫إىل اخلليقة الواثق يقول “يا أمري املؤمنني ! ليس من أحد وإن ساعدته‬ ‫املقادير مبستخلص غضارة عيش إال من خالل مكروه‪َ ،‬‬ ‫ومن ترك معاجلة‬ ‫‪116‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫الدرك انتظار مؤاجلة األشياء سلبته األيام فرصته ‪ ،‬فإن شرط الزمان اآلفات‬ ‫‪ ،‬وحكم الدهر السلب” (م ‪ ،4 ،‬ص ‪.)77‬‬ ‫ال يتضمن “ مروج الذهب ‪ ”..‬معلومات عن اإلمام الثاني عشر حممد بن‬ ‫احلسن احلجة الذي اختفى حسب املوروث الشيعي بعد وفاة والده ‪ ،‬وال‬ ‫يزال الشيعة اإلمامية حتى أيامنا هذه يتوقعون ظهوره على أنه املهدي‬ ‫املنتظر(‪ . )54‬يبدو لنا أن االعتقاد بقصة اإلمام الثاني عشر مل يكن قد‬ ‫ترسخ بعد يف زمن املسعودي الذي على الرغم من تعاطفه مع الشيعة حياول‬ ‫أن ينأى بنفسه عن كافة التيارات اإلسالمية ‪ ،‬وبالتالي مل ير ضرورة إيراد‬ ‫معلومات –رمبا كانت حبوزته ‪ -‬عن هذا اإلمام ‪.‬‬ ‫يولي املسعودي قدرا من االهتمام باإلمامني الشيعيني السابع موسى‬ ‫الكاظم والعاشر علي اهلادي يفوق ما يوليه لغريهما من األئمة ‪ .‬فاإلمام‬ ‫اهلادي حيظى بأكرب عدد من األخبار (األحاديث والقصص) يبدو فيها‬ ‫شجاعا وتقيا‪.‬‬ ‫ويف سياق عرضه تاريخ الدولة العباسية يذكر املسعودي مرارا ويف‬ ‫مناسبات خمتلفة شخصيات شيعية من املرحلة املبكرة‪ .‬وهذا يعين‬ ‫بطبيعة احلال ذكر علي بن أبي طالب (م‪ ،3،‬ص ‪)350 ،337 ،311 ،268‬؛‬ ‫واحلسن بن علي (م‪ ،3،‬ص ‪ 311 ،111،271‬واجلزء ‪ ،4‬ص ‪،151 ،135 ،103‬‬ ‫‪)208 ،171‬؛ وحممد بن احلنفية (م‪ ،4،‬ص ‪)53‬؛ وابنه عبد اهلل بن حممد بن‬ ‫علي بن أبي طالب الذي أوصى قبيل وفاته ‪ -‬حسب بعض املصادر املشكوك‬ ‫فيها‪ -‬لصاحل العباسيني (م ‪ ،4،‬ص ‪)180‬؛ وزيد بن علي بن احلسني (م ‪،3،‬‬ ‫ص ‪)312 ،271‬؛ وأحد أبناء علي بن أبي طالب وهو العباس الذي قتل يف عام‬ ‫‪ 680‬مع احلسني (م‪ ،4 ،‬ص ‪.)35‬‬ ‫واألكثر إثارة لالهتمام من بني هذه املعلومات خرب ما أمر به املتوكل ملنع‬ ‫زيارة قربي علي بن أبي طالب واحلسني بن علي ‪ ،‬وتهديم قرب األخري “وحمو‬ ‫‪117‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫أرضه وإزالة أثره ‪ ،‬وأن يعاقب من وجد به”(م ‪ ،4،‬ص ‪ )135‬وذلك مرتبط‬ ‫بنهج هذا اخلليفة املعادي للشيعة‪ .‬ولكن اخلليفة املنتصر َّ‬ ‫“أمن الناس‪،‬‬ ‫وتقدم بالكف عن آل أبي طالب‪ ،‬وترك البحث عن أخبارهم ‪ ،‬وأال مينع أحد‬ ‫زيارة احلرية لقرب احلسني‪ ،‬وال قرب غريه من آل أبي طالب ‪ ...‬وأطلق أوقاف آل‬ ‫أبي طالب‪ ،‬وترك التعرض لشيعتهم ودفع األذى عنهم ”‪.‬‬ ‫كان تيار اخلوارج أحد االجتاهات اإلسالمية اليت لعبت دورا هاما يف‬ ‫احلياة االجتماعية – السياسية والسيوسيو ‪ -‬ثقافية للخالفة ‪ .‬واخلوارج‬ ‫واحدة من أقدم الفرق اإلسالمية ‪ ،‬وضع أسسها يف البداية أنصار علي‬ ‫بن أبي طالب الذين رفضوا التحكيم (بينه وبني معاوية) عام ‪. 657‬‬ ‫وكانوا يقولون بضرورة انتخاب اخلليفة‪ ،‬وشنوا حروبا عديدة ضد‬ ‫األمويني والعباسيني (‪ .)55‬وغالبا جدا ما يرد ذكرهم يف “مروج الذهب ‪.”..‬‬ ‫خيصص املسعودي حيزا مهما لظهور اخلوارج وحروب علي بن ابي طالب‬ ‫ضدهم‪ ،‬وذلك يف الفصل املكرس ملآثر اخلليفة الراشدي الرابع (م‪ ،2،‬ص‬ ‫‪ .)422 – 415‬ويف الفصل املخصص حلكم اخلليفة األموي عبد امللك بن‬ ‫ُ‬ ‫املؤلف َ‬ ‫نافع بن األزرق الذي تنسب إليه اإلزارقة من اخلوارج‪.‬‬ ‫مروان يذكر‬ ‫ُ‬ ‫ويذكر “األباضية وهم شراة عمان من األزد وغريهم من األزارقة والنجدات‬ ‫واحلمزية واجلابية والصفرية وغريهم من فرق اخلوارج” (م ‪ ،3،‬ص ‪-107‬‬ ‫‪.)108‬‬ ‫ويرد ذكر اخلوارج أيضا بضع مرات ضمن املواد املتعلقة بالوالي األموي‬ ‫على العراق احلجاج بن يوسف‪ ،‬وذلك يف الفصل عن عبد امللك‪ .‬وخيربنا‬ ‫املؤلف على وجه اخلصوص عن خمتلف فرق هذه احلركة الدينية‬ ‫السياسية‪ ،‬ويعرض جوهر املذهب اخلارجي ‪ ،‬وحييلنا إىل مؤلفات له (مل‬ ‫تصلنا كماهو معروف)‪ ،‬يتحدث فيها عن هذه املواضيع بالتفصيل ‪،‬‬ ‫و”إكفارهم عثمان وعليا‪ ،‬اخلروج على اإلمام اجلائر‪ ،‬وتكفري مرتكب‬ ‫‪118‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫الكبائر‪ .‬ثم اختلفوا يف مواضع عن التوحيد‪ ،‬والوعد والوعيد‪ ،‬واإلمامة‪،‬‬ ‫وغري ذلك ‪( ”..‬م ‪ ،3،‬ص ‪ .)146 -145‬ويف الفصل عن عمر بن عبد العزيز‬ ‫يورد املسعودي أمساء عدد من علماء اخلوارج ‪ ،‬مثل اليمان بن رباب ‪ ،‬وعبد‬ ‫اهلل بن األباضي‪ ،‬وأبي مالك احلضرمي‪ ،‬وقعنب ‪ ،‬وغريهم (م‪ ،3،‬ص ‪.)204‬‬ ‫وكان من بني املشاركني يف اجلدل الشهري( الذي سبق ذكره مرارا)‬ ‫ُ‬ ‫العامل اخلارجي أبو مالك احلضرمي (م‪ ،3 ،‬ص ‪)380‬‬ ‫حول طبيعة العشق‬ ‫الذي تفيد بعض املصادر األخرى أنه كان شيعيا ‪ .‬يقول يف العشق‬ ‫إنه”نفث السحر‪ ،‬وهو أخفى وأحر من اجلمر‪ ،‬وال يكون إال بازدواج‬ ‫الطبعني ‪ ،‬وامتزاج الشكلني‪ ،‬وله نفوذ يف القلب كنفوذ ِّ‬ ‫صيب املزن يف‬ ‫خلل الرمل‪ ،‬وهو ملك على اخلصال تنقاد له العقول‪ ،‬وتستكني له اآلراء”‪.‬‬ ‫أما ما يرد ذكره يف مواضع أخرى عن اخلوارج فيتعلق مبجابهاتهم مع قوات‬ ‫اخلليفة يف أطراف الدولة العربية اإلسالمية (م‪ ،4 ،‬ص ‪،137،177 ،53 ،36‬‬ ‫‪.)237 ،2-7 ،200 ،194 ،185‬‬ ‫كانت اخلرمية أحد مظاهر اجلمع بني العقيدة اإلسالمية والديانات‬ ‫التقليدية للشعوب اإليرانية اليت فتح بالدها العرب املسلمون ‪.‬‬ ‫وهي تيار ديين سياسي أنصاره من معارضي مذهب الدولة العباسية‬ ‫السين‪ ،‬وقادوا مرارا يف القرنني الثامن والتاسع حركات شعبية يف إيران‬ ‫وأذربيجان وآسيا الوسطى ‪ .‬واعتقد اخلرميون بأفكار ثنوية يف ما يتعلق‬ ‫بالصراع الكوني بني النور والظالم ‪ ،‬وآمنوا باحللولية ‪ ،‬ورأوا أن الروح‬ ‫اإلهلية تتجسد يف األنبياء وغريهم من األشخاص الكبار‪ .‬وكان لتقديس‬ ‫أحد قادة احلركة اهلادفة إلقامة سلطة بين العباس أبي مسلم وابنته فاطمة‬ ‫دور كبري يف امليثولوجيا اخلرمية ‪ .‬ومن اجلوانب املهمة يف تعاليم اخلرمية‬ ‫مبادئ املساواة االجتماعية اليت كانت وراء اجتذاب هذا التيار عددا كبريا‬ ‫من األتباع (‪.)56‬‬ ‫‪119‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫يرد ذكر اخلرمية يف كتاب املسعودي أول مرة يف الفصل عن قيام‬ ‫الدولة العباسية ودور أبي مسلم (م‪ ،3،‬ص ‪ .)258‬ويف معرض رواية مقتل‬ ‫أبي مسلم بأمر اخلليفة املنصور يقول املؤلف إن اخلرميني إذ علموا مبوت‬ ‫أبي مسلم ‪ ،‬انتفضوا وثارت ثائرتهم ‪ .‬وبعد ذلك يعرض املسعودي جوهر‬ ‫مذهب اخلرمية ويشري إىل عدد من تفرعات هذه احلركة الدينية –‬ ‫السياسية‪ ،‬ثم يتحدث عن ظروف قمع انتقاضتها (م‪ ،3،‬ص ‪.)306 – 305‬‬ ‫وترد معلومات أخرى عن اخلرمية يف سياق احلديث عن انتفاضة بابك‬ ‫اخلرمي (‪“ . )57‬ويف سنة أربع ومائتني كان القحط العظيم ببالد املشرق‬ ‫والوباء خبراسان وغريها‪ ،‬وفيها كان خروج بابك اخلرمي ببالد البدين‬ ‫من أصحاب جاويذان بن شهرك”‪“ ،‬واشتد أمر بابك اخلرمي ببالد الران‬ ‫والبيلقان‪ ،‬وسار عساكره حنو تلك األمصار‪ ،‬ففرق اجليوش ‪ ،‬وهزم‬ ‫العساكر وقتل الوالة‪ ،‬وأفنى الناس‪ ،‬فسري إليه املعتصم اجليوش وعليها‬ ‫األفشني‪ ،‬وكثرت حروبه واتصلت‪ ،‬وضاق بابك يف بالده حتى انفض‬ ‫مجعه‪ ،‬وقتل رجاله‪ ،‬وامتنع باجلبل املعروف بالبدين من أرض الران‪ ،‬وهي‬ ‫بالد بابك‪ ،‬فلما استشعر بابك ما نزل به واشرف عليه هرب من موضعه‪،‬‬ ‫وزال عن مكانه‪( ”...‬م ‪ ،4،‬ص ‪. )61 ،59 -55 ،29‬‬ ‫وجتدر اإلشارة أيضا إىل أن املسعودي يتطرق عدة مرات عرضا إىل‬ ‫الزرادشتية (م‪ ،4،‬ص ‪.)308 ،214 ،146‬‬ ‫وإذا كانت اخلرمية ظاهرة من ظواهر التوليف بني العقائد اإلسالمية‬ ‫من جهة والعقائد التقليدية للشعوب اإليرانية على مستوى الوعي‬ ‫اجلماهريي من جهة ثانية‪ ،‬فقد ُدعي أتباع هذا التيار يف أوساط النخبة‬ ‫الثقافية بالزنادقة ‪ ،‬أي أتباع العقائد الثنوية ‪ .‬وقد تعرضوا للمالحقة من‬ ‫طرف الدولة العربية اإلسالمية (‪. )58‬‬ ‫ويذكر املسعودي بعضا منهم دون التوقف عند مذهبهم‪ .‬ومنهم علي بن‬ ‫‪120‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫يقطني الذي كان من أنصار اإلمام الشيعي السابع موسى الكاظم‪ ،‬ويف‬ ‫الوقت نفسه خدم اخلليفتني العباسيني املهدي واهلادي األمر الذي يسعفه‬ ‫يف تفادي اإلعدام عام ‪ 785/86‬بتهمة الزندقة ‪ .‬ويف “مروج الذهب ‪ ”..‬جند‬ ‫ابن يقطني يلعب دور راوي األخبار (م‪ ،3،‬ص ‪.)332‬‬ ‫كما يرد ذكر اثنني من الزنادقة املعروفني بكونهما من أبرز‬ ‫الشخصيات الثقافية يف زمن اخلليقة املهدي‪ ،‬وهما ابن أبي العرجاء‪،‬‬ ‫وحييى بن زياد ‪ “ .‬وما صنفه يف ذلك ابن أبي العرجاء‪ ،‬ومحاد بن عجرد‪،‬‬ ‫وحييى بن زياد‪ ،‬ومطيع بن إياس‪ :‬من تأييد املذاهب املانية‪ ،‬والديصانية‪،‬‬ ‫واملرقيونية‪ ،‬فكثر بذلك الزنادقة‪ ،‬وظهرت آراؤهم يف الناس”(‪( )59‬م ‪،4،‬‬ ‫ص ‪.)316 -315‬‬ ‫كانت املانية (املانوية ) ‪ -‬حسب علماء الدين املسلمني‪ -‬أحد تفرعات‬ ‫الزندقة ‪ .‬وهذا املذهب ومؤسسه يرد ذكرهما مرتني يف فصل من”مروج‬ ‫الذهب ‪ ”...‬خمصص لتاريخ العباسيني‪ .‬املرة األوىل يف قصة عن طفيلي‬ ‫وعشرة من الزنادقة ممن يذهب إىل قول ماني (‪ ،)60‬ويقول بالظلمة والنور‪،‬‬ ‫و كانوا مساقني إىل حمكمة املأمون (م ‪ ،4 ،‬ص ‪)9-10‬؛ واملرة الثانية يف‬ ‫مقطع من فصل عن اخلليفة القاهر حيث يدور احلديث عن تطور الثقافة‬ ‫العربية اإلسالمية يف عهد العباسيني ‪ ،‬فريد ذكر ترمجة مؤلفات ماني‬ ‫يف عهد اخلليفة املهدي (م‪ ،4،‬ص ‪.)315‬‬ ‫ويف هذا املقطع أيضا يرد ذكر ترمجة كتب الغنوصيني املتأخرين‬ ‫من العصر القديم ‪ ،‬ومنهم السرياني ابن ديصان والتاجر املاليزي مرقيون‬ ‫(املرقيونية) الذي أنشأ طائفة غنوصية منـتشـرة على نطـاق واسع يف‬ ‫كـل أرجاء االمـرباطـورية الرومانية (‪. )61‬‬ ‫يبدو حضور الرتاث القديم (اليوناني القديم) التقليدي يف “مروج الذهب‬ ‫‪ ”...‬على النحو التالي ‪:‬‬ ‫‪121‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫سقراط‪ .‬يورد رأيا له أحد املشاركني يف نقاش دار يف جملس اخلليفة‬ ‫الواثق حول طبيعة القضايا الفلسفية (م‪ ،4،‬ص ‪.)83‬‬ ‫ويورد املؤلف رأي افالطون يف اجلدل حول طبيعة العشق‪“ :‬ما أدرى ما‬ ‫اهلوى ‪ ،‬غري أنه جنون إهلي‪ ،‬واهلوى ال حممود والمذموم” (م‪ ، 3،‬ص ‪،)383‬‬ ‫وحول طبيعة الرؤى بصدد ما انتاب اخلليفة املعتضد من هلوسات (م‪،4،‬‬ ‫ص ‪.)261‬‬ ‫ويرد اسم أرسطوطاليس عند احلديث عن ترمجة مؤلفاته يف عهد‬ ‫اخلليفة املنصور ‪“ .‬وترمجت له كتب أرسطاطاليس من املنطقيات وغريها‪،‬‬ ‫وترجم له كتاب “اجملسطي” لبطليموس‪ ،‬وكتاب “االرمتاطيقى”‪،‬‬ ‫وكتاب إلقليدس وسائر الكتب القدمية ‪( ””...‬م‪ ،4،‬ص ‪.)314‬‬ ‫ويـرد اقتبـاس من ديـوجانيس عند اجلـدل حـول طبيعة القضايا‬ ‫الفلسفية (م ‪ ، 4،‬ص ‪. )83‬‬ ‫واقليديس يرد ذكر ترمجة مؤلفاته يف عهد املنصور (م‪ ،4 ،‬ص ‪.)314‬‬ ‫أبقراط ‪ .‬يرد ذكره يف جملس الواثق وحديثه عن الطب وواجبات‬ ‫الطبيب (م‪ ، 4،‬ص ‪.)80‬‬ ‫جالينوس‪ .‬يورد رأيه عن العشق (م‪ ، 3،‬ص ‪“ :)383‬احملبة تقع بني العاقلني‬ ‫لتشاكلهما يف العقل ‪ ،‬وال تقع بني األمحقني وإن كانا يف مشلني من‬ ‫احلمق‪ ،‬ألن العقل جيري على ترتيب‪ ،‬فيجوز أن يتفق فيه اثنان على‬ ‫طريق واحدة ‪ ،‬واحلمق ال جيري على ترتيب‪ ،‬وال جيوز أن يتفق فيه اثنان”‬ ‫‪ ،‬وكذلك عن وظائف الطب (م‪. )80 ،4 ،‬‬ ‫بطليموس‪ .‬يرد ذكر ترمجة مؤلفه “اجملسطي” (‪ )62‬يف عهد املنصور‬ ‫(م‪ ،4،‬ص ‪.)314‬‬ ‫‪122‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫وهكذا نرى أن ذكر املفكرين القدماء (اإلغريق) يرد يف”مروج‬ ‫الذهب ‪ ”...‬بصدد أمرين ‪ :‬إما لإلشارة إىل ترمجة مؤلفاتهم ‪ ،‬أو كمرجع‬ ‫لرأي سديد ‪ .‬ورمبا كان تأويل الرتاث القديم على هذا النحو بالذات من‬ ‫السمات املميزة للثقافة العربية اإلسالمية ‪.‬‬ ‫ومن الفالسفة العرب املسلمني الذين يرد ذكرهم يف القسم املخصص‬ ‫للعباسيني جند يعقوب بن اسحاق الكندي(‪ )63‬الذي حكى عما عرف‬ ‫به املعتصم من حسن السرية واستقامة الطريقة يف ملع أوردها يف رسالته‬ ‫املرتمجة بسري الفضائل‪ .‬كما اهتم الكندي بصنعة أهل الكيمياء‬ ‫من الذهب والفضة وأنواع اجلوهر وحيلهم وخدعهم فصنف رسالة يبطل‬ ‫فيها ما ادعوه (م‪ ، 4 ،‬ص ‪ .)258 ،64‬وكذلك زكريا الرازي (‪ )64‬الذي‬ ‫يرد ذكره يف إطار األخبار عن الكيمياء ‪ ،‬فريى أن ما ذهب إليه الكندي‬ ‫فاسد (م ‪ ،4،‬ص ‪.)285‬‬ ‫كانت الفلسفة العربية اإلسالمية على صلة وثيقة بالطب الذي‬ ‫كان يعد جماال هاما من الناحية احلضارية والسوسيو‪ -‬ثقافية ‪ .‬وكان‬ ‫النسطوري حنني بن اسحاق (‪ )65‬شخصية بارزة يف ميدان الفلسفة‬ ‫والطب ‪ ،‬ومرتمجا عظيما من اللغة اإلغريقية‪ .‬ويرد ذكره يف “مروج‬ ‫الذهب ‪ ”...‬كواحد من املشاركني يف اجلدل حول مسائل الطب وذلك‬ ‫يف جملس اخلليفة الواثق ‪ ،‬وكذلك يف احلوار مع الواثق نفسه حول‬ ‫“املسائل الطبيعية” ‪ ،‬واألشياء املغرية للهواء وهي “أوقات السنة‪ ،‬وطلوع‬ ‫الكواكب وغروبها‪ ،‬والرياح‪ ،‬والبلدان‪ ،‬والبحار” (م‪ ،4،‬ص ‪.)83 -81 ،78‬‬ ‫ويشارك يف اجلدل حول الطب أطباء بارزون يف ذاك العصر منهم ابن‬ ‫خبتيشوع (‪ ،)66‬وسلمويه(‪ ، )67‬وابن ماسويه (‪( )78‬حييا ‪ ،‬يوحنا) وأحد‬ ‫أقربائه – رمبا أخوه ميخائيل‪ .‬واثنان منهما هما ابن خبتيشوع وابن ماسويه‬ ‫يرد ذكرهما يف أخبار نثرية أدبية عن وفاة املأمون (م‪ ،4،‬ص ‪.)48 - 44‬‬ ‫‪123‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫وباإلضافة إىل ذلك جند ابن خبتيشوع يف قصة حيث مينع على اخلليفة‬ ‫الرشيد أكل مسكة “منعوتة بالسمن” قدمها له العبادي وكان صاحب‬ ‫احلرية‪ ،‬فحاول الرشيد أكل شيء منها‪ ،‬فمنعه جربيل بن خبتيشوع ‪،‬‬ ‫وأشار إىل صاحب املائدة أن يشيلها عن املائدة”‪ ،‬وذلك لعلمه بضررها على‬ ‫صحة اخلليفة (م ‪ ،3،‬ص ‪ .)356 -355‬ويرد ذكره أيضا يف خرب لص ظريف‬ ‫“يعرف بالعقاب‪ ،‬ويكنى بأبي الباز‪ ،‬وله أخبار عجيبة وحيل لطيفة وهو‬ ‫الذي احتال للمتوكل ‪ ،‬حني بايعه خبتيشوع الطبيب أنه إن سرق من داره‬ ‫شيئا يعرفه يف ثالث ليال ‪ ”....‬فسرقه نفسه ووضعه يف صندوق وأتى به‬ ‫إىل املتوكل (م ‪ ،4،‬ص ‪.)257‬‬ ‫ومن بني أهل العلم الذين نصادفهم عند املسعودي املنجم يف بالط املنصور‬ ‫– نوخبت اجملوسي (‪ ، )69‬الذي يرد ذكره أيضا يف حديث مع اخلليفة‬ ‫القاهر كأحد رجاالت الثقافة البارزين يف عهد اخلليفة العباسي الثاني (م‬ ‫‪ ،4،‬ص ‪. )314‬‬ ‫وترد يف املؤلف نبذة موجزة عن الكيمياء (‪ )70‬اليت كانت تشكل‬ ‫اجتاها آخر للتعاليم الغيبية اليت لعبت دورا هاما يف الثقافة العربية‬ ‫اإلسالمية ‪ “ .‬ولطالب صنعة الكيمياء من الذهب والفضة وأنواع‬ ‫اجلوهر من اللؤلؤ وغريه وصنعة أنواع اإلكسريات من اإلكسري املعروف‬ ‫بالفرار وغريه وإقامة الزئبق وصنعته فضة وغري ذلك من خدعهم وحيلهم‬ ‫يف القرع واملغناطيس والتقطري والتكليس والبوادق واحلطب والفحم‬ ‫واملنافخ أخبا ٌر عجيبة وحيل قد أتينا على ذكرها ووجوه اخلدع فيها‬ ‫وكيفية االحتيال بها‪( ”...‬م ‪ ، 4،‬ص ‪ .)258 -257‬وباإلضافة إىل الكندي‬ ‫والرازي اللذين مر ذكرهما أعاله‪ ،‬يشري املسعودي إىل من يصفهم‬ ‫بالكيميائيني ‪ :‬ملكة مصر كليوباطرة‪ ،‬وامرأة تدعى مارية‪ ،‬واألمري‬ ‫األموي أحد أبرز متعلمي عصره خالد بن يزيد بن معاوية‪ ،‬علما بأن مصادر‬ ‫أخرى تقول إنه مل ميارس الكيمياء (‪ )71‬أبدا (م ‪ ،4،‬ص ‪.)258- 257‬‬ ‫‪124‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫يتضح من عرضنا أعاله أن اإلشكالية الدينية – الفلسفية تطرح يف‬ ‫“مروج الذهب ومعادن اجلوهر” أساسا كذكر هلذه أو تلك من شخصيات‬ ‫الكتاب ‪.‬‬ ‫إن توزيع املادة من حيث الكم يبني أن حصة األسد من اهتمام املسعودي‬ ‫هي لالجتاهني السين والشيعي يف اإلسالم ‪ ،‬األمر الذي يتناسب ووزنهما‬ ‫النوعي يف الثقافة العربية اإلسالمية يف ذاك الزمن‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫هوامش الفصل الثالث‬ ‫ فريى أنه يف‬،‫” تارخيا آخر لوفاة األصبهاني‬.. ‫ يورد املسعودي يف “مروج الذهب‬-1 887/888 ‫العام‬ ‫ ص‬،‫ الظاهرية‬.‫ و بروزوروف س‬Al- Zahiriya.- Shorter El,p. 649-650 -2 /‫بالروسية‬/ 76-77 Shboul Ahmad M.H. Al- Mas’udi …, p. 35 -3 Pellat. Index, p. 566 -4 Heffening. Al-shafi’I, S 271-273 -5 Pellat. Index, p. 84 -6 Ibn Challikani, № 232 -7 /‫ بالروسية‬/ 259 ‫ ص‬،‫ الشافعي‬.‫ بوغولوبوف أ‬-8 Shaboul Ahmad M. N. Al-Mas’udi…p. 36 -9 Ibn Challikani, № 863 -10 Schacht J. Malik b. Anas, S 223-227 - 11 /‫بالروسية‬/ 218 - 216 ‫ ص‬،‫ اجلزء الثامن‬،‫ اخلطيب البغدادي‬- 12 Schacht J. Abu Yusuf, p. 164 -165 - 13 Soberheim M. Khumarawaih, S. 1045 – 1046 - 14 Becker C. H. Ikhshididen, S. 488 - 15 Shboul Ahmed M. N. Al-Mas’udi … p. 36 – 39 -16 ./‫بالروسية‬/ 275-276 ‫ ص‬،‫ احلسن البصري‬.‫ سغدييف أ‬،‫ توفيق كامل ابراهيم‬-17 Wensinck A.J. Wasil b. ‘Ata’,s.1220-1221 -18 Shboul Ahmed M. N. Al-Masudi…, p. -19 Montgomery Watt. ;Amr b.’Ubayd, p. 454 -20 Nyberg H. S. Abu’l-Hudhayl al-‘Allaf, p. 127 -128 -21 Nyberg H. S. Al-Nazzam, S. 963 -964 -22 Zettersteen K.V., Pellat Ch.Ahmed b. Abi Du’ad, p. -23 Nader A.N. and Schacht J. Dja’far b. Mubashshir, p. 373 -24 Nader A. N. Dja’far b. Harb, p.373 -25 /‫بالروسية‬/ 228 ‫ ص‬،‫ التصوف‬.‫ كنيش أ‬-26 Smith M. Al-Fudayl b. ‘Iyad, p. --27 126


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

Meier F. Bishr al-Hafi, p. 1244 – 1246 -28 Plessner M. Sufyan al-Thwri, S. 540 -543 -29 /‫ بالروسية‬/ 361 ‫ ص‬،‫ اجلزء الثالث‬، ‫ اجلاحظ‬-30 Nazim M. Mardawidj, S. 296 – 297 -31 24 – 23 ‫ ص‬،‫ املقدمة‬.‫ م‬.‫ بروزوروف س‬-32 255 – 247 ‫ ص‬،‫ اجلزء الثالث‬.‫ تاريخ اهلالفة‬.‫ غ‬.‫ بولشاكوف أو‬-33 Buhl Fr. Muhammad b. Al-Hanafya,S. 722 – 723 -34 Kaisaniya. – Shorter EI, p. 208 – 209 -35 Al-Zaidiya. – Shorter EI, p. 651 -36 213 – 212 ‫ ص‬،‫ فرق الشيعة‬.‫ احلسن بن موسى التوخبيت‬-37 Moscati S. Abu Salama, p. 149 -38 Dja’far b. Muhammad. – Shorter EI, p. 80 -39 Zettersteen K. V. p.45; Pellat. Index, p. 82 -40 Strothmann R. Al-Uterush, S. 1147 -1149 -41 /‫بالروسية‬/ 100 ‫ ص‬...‫ اإلسالم الكالسيكي‬.‫ ي‬.‫ فون غريونيباوم غ‬-42 Lewis B. ‘ali b. Muhammad al- Zandji, p. 388 – 389 -43 Karmatians. – Shorter EI, p. 218 – 222 -44 Hisham b. al- Hakam, s. 338 -45 Massignon L. Nawbakhti, S.958 -46 Marin F. Dulafids, p. 620 -47 Ibn Coteiba, S. 110 -48 Strothmann R. Mussa al-Kazim, S. 800 – 801 -49 Jewis B. ‘Ali al-Rida, p. 399 – 400 -50 Steothmann R. Muhammad b. ‘Ali al-Rida, S. 721 – 722 -51 Pellat. Index, p. 518 -52 /‫ بالروسية‬/ 221 ‫ ص‬.‫ فرق الشيعة‬. ‫ احلسن بن موسى النوخبيت‬-53 114 ‫ ص‬،‫ اإلثنا عشرية‬.‫ بروزوروف س‬-54 Levi Della Vida G. Kharodjiten, S. 970 – 974 -55 /‫بالروسية‬/ ‫؛‬81 – 71 ‫ ص‬،...‫ تاريح املزدكية‬.‫ ب‬.‫ بيرتوشيفسكي إ‬-56 /‫بالروسية‬/ ‫ ؛‬284 - 283 ‫ اخلرميةـ ص‬.‫و كوليسنيكوف أ‬ Moscati S. Abu Muslim, p. 141 ‫و‬ Sourdel D. Babek, p. 844 -57 127


‫علماء الدين واملفكرون فى مؤلفات املسعودى‬

‫؛‬78 ‫ ص‬، ‫ الزنج‬.‫ بروزوروف س‬-58 Zindik. – Shorter EI, p. 659 – 660 ‫و‬ Vajda G. Ibn Abi’l-Awdja’, p. 682; -59 Pellat. Index, p. 765 ‫ ـ موسكو‬9 ‫ اجلزء‬.‫ املوسوعة التارخيية السوفيتية‬- ‫ مان‬.‫ ب‬،.‫ كاتس أ‬-60 26 ‫ ص‬،1966 Huart Cl. Ibn Daisan, S. 393; -61 332 ‫ ص‬،1989 ،‫ موسكو‬.‫ماركيونز – قاموس التاريخ القديم‬ 76 ‫ ص‬، ‫ األدب اجلغرايف العربي‬.‫ يو‬.‫ كراتشكوفسكي إ‬-62 De Boer Tj. Al-Kindi, S. 1095 – 1096 -63 Kraus P. und Pines S. Al-Razi, S. 1221 -1227 -64 Ruska J. Hunain b. Ishak, S. 357 -65 Sourdel D. Bukhtishu, p. 1298 -66 413- 412 ‫ ص‬،‫ الفهرست‬.‫ ابن النديم‬-67 Ibn Masawih, S. 428 -68 Massignon L. Nawbakht, S. 958 -69 Ullmann M. Al-Kimiya, p. 110 – 114 -70 Ibn Coteiba, S. 179; Pellat. Index, p. 299 – 300 -71

128


‫الفصل الرابع‬

‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودي‬ ‫حيتل األدب احليز األكرب يف “مروج الذهب ‪ ،”...‬وهذا أمر مفهوم ألن‬ ‫املسعودي‪ ،‬األديب الكبري يف زمنه ‪ ،‬مل يكن بوسعه أن مير مرور‬ ‫الكرام أمام هذا اجملال اهلام من جماالت حياة العرب املسلمني الثقافية‪.‬‬ ‫ال جند يف مؤلفات املستعربني إال النزر اليسري املخصص جلوانب إبداع‬ ‫املسعودي املتعددة‪ ،‬وخاصة اهتماماته األدبية‪ ،‬وكذلك للحيز الذي‬ ‫تشغله املادة األدبية يف “مروج الذهب‪ .”...‬إن الوحيد من بني املستعربني‪،‬‬ ‫الذي يولي اهتماما معينا هلذا املوضوع هو أمحد شبول الذي سبق أن‬ ‫رجعنا إليه مرارا‪ ،‬ففي كتابه املكرس للمسعودي يقول إن صاحب‬ ‫“مروج الذهب ‪ ”...‬كان كما يبدو على معرفة مبعظم أدباء عصره من‬ ‫َّ‬ ‫النسابة والنحويني والشعراء”‪ .‬ويشري شبول إىل أن املسعودي يورد يف‬ ‫مقدمة “مروج الذهب ‪ ”..‬قائمة من ‪ 85‬مؤلفا انتقاهم بنفسه‪ .‬كما ال‬ ‫تفوته اإلشادة بأعمال عدد من املؤرخني ومصنفي اجملاميع ‪ /‬الرسائل ‪/‬‬ ‫األدبية ‪ ،‬واجلغرافيني أمثال الطربي‪ ،‬والبالذري ‪ ،‬والدينوري‪ ،‬وابن قتيبة‪،‬‬ ‫واجلاحظ‪ ،‬واملدائين‪ ،‬وبن خردذبة‪ ،‬وقدامة بن جعفر‪ .‬وجتلت اهتمامات‬ ‫املسعودي األدبية أيضا يف تضمينه “مروج الذهب ‪ ”...‬العديد جدا من‬ ‫‪129‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫الطرائف األدبية ‪ ،‬وااللتفاتات اليت تتصف بطابع حنوي ونقدي أدبي (‪.)1‬‬ ‫إن املقاطع اليت اقتبسناها من شبول ال تعكس كل مالءة املادة‬ ‫املتعلقة مبشاكل األدب العربي اإلسالمي اليت يتناوهلا املسعودي يف‬ ‫كتابه ‪ ،‬ولذلك اعتمدنا عند إبرازنا اهتمامات املسعودي األدبية ‪ ،‬على‬ ‫حبوثنا ومتابعاتنا اخلاصة وما توصلنا إليه نتيجة عملنا على النص‪.‬‬ ‫ذكرنا يف نهاية الفصل السابق أن املسعودي ينظر إىل املشكالت‬ ‫الدينية – الفلسفية عرب موشور القص عن أشخاص معينني‪ ،‬األمر الذي‬ ‫ينطبق أيضا على جمال آخر من جماالت الثقافة العربية‪ ،‬أال وهو األدب ‪.‬‬ ‫وبغية تسهيل مادة هذا الفصل ‪ ،‬سواء جلهة عرضها من قبلنا أو جلهة‬ ‫تلقيها من طرف القارئ ‪ ،‬عمدنا إىل تقسيم شخوص الكتاب ممن هلم‬ ‫عالقة باألدب بشكل أو بآخر‪ ،‬إىل جمموعات ندرسها وفق ترتيب معني‪.‬‬ ‫وثـمة بعض الشخصيات اليت ندرسها يف السياقات اليت وضعناها ‪.‬‬ ‫نعدد يف ما يلي هذه السياقات ( مطروحة وفق ترتيب عشوائي) ‪ ،‬أي‬ ‫أننا نبني يف أية صفة ‪ ،‬أو يف أية حالة ‪ ،‬تمَ ْ ُثل هذه الشخصية أو تلك من‬ ‫الشخصيات املذكورة يف “مروج الذهب ‪:”...‬‬ ‫ •مصدر اخلرب‪.‬‬ ‫ •شخصية القص‪.‬‬ ‫ •منوذج من إبداع الشاعر‪.‬‬ ‫ •صاحب َ‬ ‫مؤلف ورد ذكره‪.‬‬ ‫ •املكانة الثقافية للشخص املعين‪.‬‬ ‫ •اسم املتوفى (املعين بالرثاء أو النعي)‪.‬‬ ‫ •الشخص املقصود باألبيات الشعرية‪.‬‬ ‫ •مؤلف أبيات رثاء‪.‬‬ ‫‪130‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫• مؤلف أبيات مقتبسة يف النص‪.‬‬ ‫• مؤلف أبيات يف الشأن العام‪.‬‬ ‫•صاحب قول مأثور‪.‬‬ ‫• مؤلف التفاتة تارخيية‪.‬‬ ‫• مؤلف أبيات عن الدنيا الفانية‪.‬‬

‫األخباريون ‪ -‬محلة املعارف التارخيية‬ ‫إن األقدم من بني ممثلي هذه اجملموعة الفرعية هو مطر بن دراج الذي‬ ‫عاصر معاوية بن أبي سفيان (م‪ ،4،‬ص ‪ .)347-348‬ويليه زمنيا جليس‬ ‫احلجاج بن يوسف الذي هرب منه فيما بعد – مسرية بن اجلعد (م ‪ ،3،‬ص‬ ‫‪( )145 ،144 -143‬مل نتمكن من التثبت من هويته عرب مراجع أخرى)‪.‬‬ ‫وعدا ذلك يرد ذكر معاصري خلفاء بين العباس األوائل ‪ :‬الشهري عيسى‬ ‫بن دأب (م‪ ،3،‬ص ‪ )341 -338 ،335 ،329 ،302 ،282 ،58‬؛ وابن عياش‬ ‫املنتوف (م‪ ،3،‬ص ‪ .)329، 300 -299‬وهلذا الزمن ينتسب الشرقي بن‬ ‫القطامي (م‪ ،3،‬ص ‪ ،)329‬والطوسي (م ‪ ،3،‬ص ‪ )200 -199‬وعبد اهلل بن‬ ‫الضحاك (م ‪ ،3،‬ص ‪.)345-347‬‬ ‫واجليل املتأخر من األخباريني ميثله حممد بن سليمان اجلوهري (م‪ ،4،‬ص‬ ‫‪ )16‬و الزبري بن بكار (م‪ ،3 ،‬ص ‪200 -199 ،87‬؛ ‪.)40 ،4‬‬ ‫وأخريا‪ ،‬ينتمي جليل معاصري املسعودي كل من حممد بن علي العبدي‬ ‫اخلراساني األخباري (م ‪ ،4،‬ص ‪ ،) 320 -313‬وابن أبي األزهر (م‪ ،4،‬ص ‪،33‬‬ ‫‪.)170 ،74 0 73‬‬

‫يف ما يلي عدد مرات ذكر ‪ 11‬من اإلخباريني يف السياقات (تصنيف‬ ‫اجملموعات) الواردة أعاله ‪:‬‬ ‫‪131‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫مطر بن دراج‬

‫‪ 1‬يف السياق الثاني‪.‬‬

‫مسرية بن اجلعد‬

‫‪ 8‬يف السياق الثاني‪ ،‬و‪ 1‬يف الثالث‪.‬‬

‫عيسى بن دأب‬

‫‪ 8‬يف السياق األول‪ ،‬و‪ 1‬يف اخلامس‪.‬‬

‫ابن عياش املنتوف‬

‫‪ 2‬يف السياق األول‪.‬‬

‫الشرقي بن القطامي‬

‫‪ 1‬يف السياق األول‪.‬‬

‫الطوسي‬

‫‪ 1‬يف السياق األول‪.‬‬

‫عبد اهلل بن الضحاك‬

‫‪ 1‬يف السياق األول‪.‬‬

‫اجلوهري‬

‫‪ 1‬يف السياق األول ‪.‬‬

‫الزبري بن بكار‬

‫‪ 2‬يف السياق األوىل‪ ،‬و‪ 1‬يف الرابع‪.‬‬

‫حممد بن علي األخباري‬

‫‪ 1‬يف السياق األول ‪.‬‬

‫ابن أبي األزهر‬

‫‪ 3‬يف السيلق األول‪.‬‬

‫اجملموع‬

‫‪ 25‬مرة‬

‫وبذلك يكون جمموع املرات اليت ذكر فيها األخباريون مخسة‬ ‫وعشرون مرة ‪ .‬عشرون منها يف السياق األول ‪.‬‬ ‫وكما نرى فإن املسعودي غالبا ما يذكر عيسى بن دأب (تسع مرات) ‪.‬‬ ‫ومن األرجح أن يكون ذلك بسبب اإلشارة إىل املكانة املميزة اليت كان‬ ‫يشغلها يف جمالس اخلليفة اهلادي‪« .‬وكان عيسى بن دأب جيالسه ‪،‬‬ ‫وكان من أهل احلجاز‪ ،‬وكان أكثر أهل عصره أدبا وعلما ومعرفة‬ ‫بأخبار الناس‪ ،‬وأيامهم ‪ ،‬وكان اهلادي يدعو له متكئا‪ ،‬ومل يكن غريه‬ ‫يطمع منه يف ذلك ‪ ،‬وكان يقول له ‪ :‬يا عيسى‪ ،‬ما استطلت بك يوما‬ ‫وال ليلة‪ ،‬وال ِغ َ‬ ‫بت عين إال ظننت أنى ال أرى غريك»‪( .‬م ‪ ،3،‬ص ‪.)335‬‬ ‫‪132‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ونالحظ أن شخصييت القص (السياق الثاني) هما مطر بن دراج‪،‬‬ ‫وسيمرة بن اجلعد‪ ،‬ما يدل بوضوح على دورهما كضليعني مبعرفة‬ ‫املوروث ‪ .‬ويرد ذكر مسرية كشاعر (السياق الثالث) األمر الذي كان‬ ‫من السمات املميزة لكل من متتع بقدر من الشهرة يف عصر األمويني ‪.‬‬ ‫اإلحالة إىل مؤلفات الزبري بن بكار ( م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ ) 40‬تشري ‪ ،‬على‬ ‫األرجـح ‪ ،‬إىل الطابع التدويين لنشاطه يف جمال الثقافة‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن األكثر تكرارا (‪ 20‬مرة ) هو السياق األول (الشخص‬ ‫املعين هو مصدر اخلرب)‪.‬‬

‫رواة الشعر‬ ‫اإلخباريون قريبون تصنيفيا من رواة الشعر‪.‬‬ ‫لعل األسبق زمنيا (النصف األول من القرن الثامن) هو أبو احلويرث‬ ‫الثقفي (م‪ ،3 ،‬ص ‪ . )210 – 209‬وبعده ينبغي ذكر املشهور محاد‬ ‫الراوية (‪( )2‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ،)148-149 ،145 -143‬ثم معاصر اخلليفتني‬ ‫املنصور واملهدي – اسحاق بن الفضل (‪( )3‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ .)315‬ويف النصف‬ ‫الثاني من القرن الثامن – الربع األخري من القرن التاسع عاش الراوية‬ ‫املعروف اهليثم بن عدي بن عبد الرمحن بن زيد الذي يدعوه املسعودي‬ ‫باهليثم بن عدي بن هشام (‪( )4‬م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ .)157‬وشهد النصف الثاني من‬ ‫القرن التاسع تألق نشاط علي بن حييى املنجم (‪ ( )5‬م ‪ ،4،‬ص ‪.)138 -137‬‬ ‫إن دور الرواة اخلمسة هؤالء الوارد ذكرهم يف «مروج الذهب‪»..‬‬ ‫يقتصر على كونهم مصدر اخلرب (السياق األول)‪ .‬ويأتي املسعودي‬ ‫على ذكرهم يف كتابه ست مرات ‪ :‬مرتان حلماد الراوية ‪ ،‬ومرة واحدة‬ ‫لكل من األربعة الباقني ‪.‬‬ ‫‪133‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫املؤرخون‬ ‫جند عند املسعودي أمساء كبرية مثل ‪ :‬مؤلف «السرية» ابن إسحاق‬ ‫(حممد بن اسحاق) (‪( )6‬م‪ ،3 ،‬ص ‪ ،315 ،58‬؛ ‪)314 ،4‬؛ واملؤرخ األكرب‬ ‫يف أواخر عهد خلفاء بين أمية – أبو حمنف لوط بن حييى (‪( )7‬م ‪-29 ، 3،‬‬ ‫‪)103-104 ،58 ،30‬؛ واملؤرخ املعروف وعامل األنساب هشام بن حممد بن‬ ‫السائب الكليب (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪)24‬؛ وصاحب العديد من املؤلفات التارخيية‬ ‫اليت مل تصلنا اهليثم بن عدي الطائي (م‪ ،3 ،‬ص ‪ ) 285 ،58‬؛ واملؤرخ‬ ‫العربي اإلسالمي الفذ يف الربع األخري من القرن الثامن والربع األول من‬ ‫القرن التاسع – الواقدي «وهو حممد بن عمرو بن واقد موىل بين هاشم ‪،‬‬ ‫وهو صاحب السري واملغازي» (‪( )8‬م ‪ ،4،‬ص ‪ ) 34 -33‬؛ والشهري علي بن‬ ‫حممد بن عبد اهلل املدائين (‪( )9‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)169 ،148 ،52-55‬؛ وجمايله‬ ‫حممد بن عبيد اهلل العتيب (م‪ ،3،‬ص ‪ ) 169‬؛ واملؤرخ املعروف خليفة بن‬ ‫خياط الذي يطلق عليه املسعودي شباب بن خليفة العصفري (م‪،4 ،‬‬ ‫ص ‪)128‬؛ وكذلك عبد اهلل بن احلسن بن سعد الكاتب القطربلي‬ ‫صديق كل من النحوي الشهري املربد والشاعر العظيم البحرتي (م‪4 ،‬‬ ‫‪ ،‬ص ‪ )72 -69‬؛ ومصنف أول مؤلف تارخيي عن صاحب الزنج حممد بن‬ ‫احلسن بن سهل الذي أعدمه اخلليفة املعتضد بتهمة التآمر عام ‪893‬‬ ‫(م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ )244 - 243 ،195‬؛ والطربي (‪ )10‬املؤرخ العربي اإلسالمي‬ ‫الكبري (م‪ ،4 ،‬ص ‪ )308 ، 296‬؛ والدمشقي الذي كان املسعودي على‬ ‫معرفة به (م ‪ ، 4،‬ص ‪ )42‬؛ واملؤرخ املعروف اجلهشياري (م‪ ، 4 ،‬ص ‪.)293‬‬ ‫فيما يلي أدناه عدد املرات اليت يرد بها ذكر هؤالء الثالثة عشر من‬ ‫هذه اجملموعة يف السياقات املشار إليها‪:‬‬ ‫ابن اسحاق‬ ‫‪134‬‬

‫‪ 1‬يف كل من األول واخلامس‬ ‫والسادس‪.‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫أبو حمنف‬

‫‪ 3‬يف األول‪.‬‬

‫هشام بن حممد‬

‫‪ 1‬يف السادس‪.‬‬

‫اهليثم بن عدي‬

‫‪ 4‬يف األول ‪ ،‬و‪ 1‬يف السادس‪.‬‬

‫الواقدي‬

‫‪ 1‬يف كل من األول والثاني‬ ‫واخلامس والسادس‪.‬‬

‫املدائين‬

‫‪ 9‬يف األول‪ ،‬و ‪ 1‬يف كل من‬ ‫اخلامس والسادس‪.‬‬

‫العتيب‬

‫‪ 4‬يف األول‪ ،‬و ‪ 1‬يف السادس‪.‬‬

‫خليفة بن خياط‬

‫‪ 1‬يف السادس‪.‬‬

‫عبد اهلل بن احلسن‬

‫‪ 1‬يف كل من األول والثامن‪.‬‬

‫حممد بن احلسن بن سهل‬

‫‪ 1‬يف كل من اخلامس والسادس‪.‬‬

‫الطربي‬

‫‪ 1‬يف كل من اخلامس والسادس‪.‬‬

‫الدمشقي‬

‫‪ 1‬يف األول‪.‬‬

‫اجلهشياري‬

‫‪ 1‬يف الرابع‪.‬‬

‫وهكذا نرى أن املسعودي يذكر أكثر ما يذكر املدائين (‪11‬مرة) ‪،‬‬ ‫يليه اهليثم بن عدي والعتيب ( ‪ 5‬مرات)‪ ،‬ثم الواقدي (‪ 4‬مرات) ‪ ،‬وأقل من‬ ‫ذلك بالنسبة لـعدد مرات ذكر املؤرخني التسعة اآلخرين إذ يرتاوح بني‬ ‫‪3‬و‪.1‬‬ ‫وحيتل السياق األول (مصدر اخلرب) املرتبة األوىل جلهة تكرار ذكره‬ ‫(‪ 24‬مرة)‪ ،‬منها ‪ 9‬مرات ختص املدائين‪ .‬ويف هذه القائمة سبعة مؤرخني‬ ‫يرد ذكرهم أقل بكثري‪ ،‬بينما مخسة منهم ال يرد هلم ذكر يف هذا‬ ‫احلقل ‪.‬‬ ‫‪135‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫أما املرتبة الثانية فيحتلها السياق الرابع «اسم املتوفى» ‪ ،‬إذ يرد خرب‬ ‫وفاة سبعة من بني املؤرخني الثالثة عشر‪.‬‬ ‫ويشار إىل مخسة منهم جلهة املكانة الثقافية (السياق اخلامس)‬ ‫وهم ‪ :‬ابن اسحاق ‪ ،‬والواقدي ‪ ،‬املدائين ‪ ،‬حممد بن احلسن ‪ ،‬والطربي ‪.‬‬ ‫ومن شخصيات القص (السياق الثاني) يرد الواقدي فقط‪.‬‬ ‫و يورد املسعودي ذكر اجلهشياري فقط كصاحب َ‬ ‫مؤلف ورد ذكره‬ ‫(السياق الرابع)‬ ‫ويرد ذكر واحد يف السياق الثامن‪ ،‬حيث يورد املسعودي أشعار عبد‬ ‫اهلل بن احلسن يف وفاة الوزير القاسم بن عبيد اهلل (‪ )11‬يف عهد اخلليقة‬ ‫املكتفي‪.‬‬

‫شخصيات مل يتم التحقق من هويتهم ‪:‬‬ ‫أدرجنا يف قائمة محلة املعارف التارخيية أمساء شخصيات مل نتمكن‬ ‫من التحقق من هويتهم يف مراجع أخرى ‪ .‬ويرد هؤالء عند املسعودي يف دور‬ ‫مصدر اخلرب (السياق األول)‪ .‬لقد تسنى لنا تسجيل أحد عشر امسا تنتمي‬ ‫هلذه اجملموعة‪ ،‬وهم عبد اهلل بن أمحد املديين (املزني) (م‪)200 – 199 ،3،‬‬ ‫؛ وأبو البيضاء (م‪ ،4 ،‬ص ‪)158 ،154‬؛ وأبو اهلياج بن سابق النجدي (م ‪، 4 ،‬‬ ‫ص ‪)160 -158‬؛ ويزيد بن رجاء الغنوي (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ )52‬؛ وعلي بن حممد‬ ‫الفقيه الوراق االنطاكي (م‪ ،4 ،‬ص ‪ ) 280 - 279‬؛ وزيد بن طليح الذهلي‬ ‫الشيباني (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)52-55‬؛ وابراهيم بن إسحاق ابن الوكيل البغدادي‬ ‫(م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ )358‬؛ وابراهيم بن عقيل البصري (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)52‬؛ وحممد‬ ‫بن عبد اهلل الدمشقي (م‪ ،4 ،‬ص ‪)346 - 343‬؛ وحممد بن بشر الفزاري‬ ‫(م‪ ،3 ،‬ص ‪ )52‬؛ وأبو عبد اهلل حممد بن ابراهيم (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪.)210 - 209‬‬ ‫‪136‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫وكل هؤالء ‪ ،‬يردون يف السياق األول مرة واحدة ‪ ،‬باستثناء ابراهيم‬ ‫بن إسحاق بن الوكيل البغدادي الذي يرد مرتني‪ ،‬أي أن العدد اإلمجالي‬ ‫ملرات ذكرهم يبلغ ‪ 12‬مرة‪.‬‬ ‫وهكذا يرد عند املسعودي ذكر اإلخباريني ‪ 25‬مرة‪ ،‬والرواة ‪ 6‬مرات‪،‬‬ ‫واملؤرخني ‪ 41‬مرة‪ .‬أما األشخاص مصادر اخلرب الذين مل نتمكن من‬ ‫تدقيق هويتهم‪ ،‬فريد ذكرهم ‪ 12‬مرة‪ .‬واجملموع ‪ 48‬مرة لذكر جممل‬ ‫محلة املعارف التارخيية (اإلخباريني)‪.‬‬ ‫ويف ما يلي أرقام عن مرات الذكر هذه حسب السياق األول واخلامس‬ ‫والثامن من حيث العدد والنسبة املئوية ‪:‬‬ ‫السياق األول (مصدر‬ ‫اخلرب)‬

‫‪ 62‬مرة‬

‫‪73،8%‬‬

‫السياق الثاني‬ ‫(شخصية القص)‬

‫‪ 3‬مرات‬

‫‪3،6%‬‬

‫السياق الثالث (مناذج‬ ‫من إبداع الشاعر )‬

‫‪ 1‬مرة‬

‫‪1،2%‬‬

‫السياق الرابع (صاحب‬ ‫مؤلف يرد ذكره)‬

‫‪ 2‬مرتان‬

‫‪2،4%‬‬

‫السياق اخلامس‬ ‫(املكانة الثقافية)‬

‫‪ 6‬مرات‬

‫‪7،1%‬‬

‫السياق السادس‬ ‫( اسم املتويف)‬

‫‪9‬‬

‫‪10،7%‬‬

‫‪137‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫السياق الثامن (مؤلف‬ ‫أبيات رثاء)‬

‫‪1‬‬

‫اجملموع‬

‫‪84‬‬

‫‪1،2%‬‬ ‫‪100%‬‬

‫يتضح من األرقام أعاله أن حصة األسد من مرات الذكر تعود للسياق‬ ‫األول ‪ .‬وهذا يعين أن محلة املعارف التارخيية حيظون باهتمام املسعودي‬ ‫بالدرجة األوىل كأشخاص ميكنه الركون إىل مكانتهم عندما‬ ‫ُي ِّ‬ ‫ضمن النص هذا اخلرب أو ذاك‪ .‬وأكثر ما يرد يف السياق األول املؤرخون‬ ‫(‪ 24‬مرة)‪ ،‬يليهم أشخاص مل يتم التحقق من هويتهم عرب مراجع أخرى‬ ‫(‪ 12‬مرة)‪ ،‬ثم يأتي الرواة (‪ 6‬مرات)‪ .‬وبني األشخاص أصحاب األخبار‬ ‫حيتل موقع الصدارة عند املسعودي املؤرخ املعروف املدائين إذ يستشهد‬ ‫به ‪ 9‬مرات‪ ،‬والعامل باملوروث التارخيي عيسى بن دأب (‪ 8‬مرات)‪.‬‬ ‫وبتعبري آخر‪ ،‬فإن املسعودي يربط التقليد التارخيي بهذين الشخصني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫السياق اخلامس (اسم املتويف) ‪ .‬ال يوجد يف هذا‬ ‫ويأتي يف املرتبة الثانية‬ ‫السياق إال املؤرخون األكثر شهرة من وجهة نظر املسعودي ‪ ،‬وهم ‪ :‬ابن‬ ‫إسحاق ‪ ،‬وهشام بن حممد الكليب‪ ،‬واهليثم بن عدي الطائي ‪ ،‬والواقدي‪،‬‬ ‫واملدائين ‪ ،‬والعتيب ‪ ،‬وخليفة بن خياط‪ ،‬وحممد بن احلسن بن سهل‪،‬‬ ‫والطربي‪ .‬ومن اجلدير باالهتمام أن هشام بن حممد الكليب ‪ ،‬وخليفة‬ ‫بن اخلياط ‪ ،‬والطربي ال يردون يف دور مصدر اخلرب (السياق األول) ‪ .‬وهذا‬ ‫ما يؤكد مرة أخرى الداللة حمض الثقافو – تارخيية للسياق السادس ‪.‬‬ ‫ويف السياق اخلامس (املكانة الثقافية) جند أيضا املؤرخني البارزين‬ ‫إياهم ‪ ،‬ابن إسحاق‪ ،‬والواقدي ‪ ،‬واملدائين ‪ ،‬وحممد بن احلسن‪ ،‬والطربي‪،‬‬ ‫وكذلك العامل املعروف باملوروث التارخيي عيسى بن دأب ‪.‬‬ ‫وجند يف السياق الثاني (شخصية القص) مطر بن دراج ‪ ،‬ومسرية‬ ‫‪138‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫بن جعد – خصم احلجاج بن يوسف (يف هذه القصص خاصة يتجلى‬ ‫دورهما بوصفهما من محلة املعارف التارخيية‪ ،‬اي إخباريني) ‪ ،‬والواقدي ‪.‬‬ ‫ويف السياق الرابع (صاحب مؤلف يرد ذكره) جند العامل باملوروث‬ ‫التارخيي الزبري بن بكار واملؤرخ اجلهشياري‪.‬‬ ‫وأخريا ‪ ،‬يستخدم املسعودي السياقني الثالث والثامن مرة واحدة فقط‪،‬‬ ‫إذ يرد ذكر مسرية بن جعد كشاعر (السياق الثالث) ‪ ،‬واملؤرخ عبد اهلل‬ ‫بن احلسن كمؤلف أبيات رثاء (السياق الثامن)‪.‬‬ ‫يرد ذكر اجملموعات الفرعية األربع حلملة املعارف التارخيية ‪ ،‬كما‬ ‫تبني األرقام أعاله‪ ،‬يف توليفات خمتلفة من السياقات‪ :‬الرواة واألشخاص‬ ‫غري املتحقق من هويتهم جندهم فقط يف السياق األول ‪ ،‬وجند اإلخباريني‬ ‫يف السياقات من األول وحتى اخلامس‪ ،‬واملؤرخني يف السياقات األول‬ ‫والثاني والرابع واخلامس والسادس والثامن ‪.‬‬ ‫وبذلك يكون األخباريون واملؤرخون ممثلون عند املسعودي متثيال‬ ‫تاما غري منقوص مقارنة حبملة املعارف التارخيية يف اجملموعتني‬ ‫الفرعيتني األخريني ‪.‬‬

‫محلة املعارف األدبية‬ ‫اللغويون‬ ‫إن أقدم من يرد ذكره (أوائل القرن التاسع) ضمن هذه اجملموعة‬ ‫الفرعية يف «مروج الذهب ‪ »...‬هو مؤدب األمني – األمحر النحوي (علي بن‬ ‫احلسن األمحر ‪ -‬أوائل القرن التاسع) (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ . )362‬ومن معاصريه‬ ‫أبو عبيدة معمر بن املثنى مصنف العديد من املؤلفات ‪ ،‬الذي « كان من‬ ‫‪139‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫رأي اخلوارج ‪ ،‬وله مصنفات حسان يف أيام العرب وغريها‪ ،‬منها كتاب‬ ‫َ‬ ‫الناس‬ ‫املثالب ‪ ،‬ويذكر فيه أنساب العرب وفسادها ويرميهم مبا يسيء‬ ‫ُ‬ ‫ذكره ‪ ،‬والحيسن وصفه » (‪( )12‬م ‪ ،4 ،‬ص ‪ ،)36‬والشهري أبو سعيد بن‬ ‫عبد امللك األصمعي (‪( )13‬م‪ ، 3 ،‬ص ‪،376 ،392 ، 355 - 354 ،325‬‬ ‫‪ )347 - 346 -4 ،389 ،379‬؛ وكذلك املقرب من األمري العباسي والشاعر‬ ‫ابراهيم بن املهدي وقريبه من ناحية األم وواضع أول سرية لراعيه –‬ ‫يوسف بن ابراهيم الكاتب الذي « صنف كتبا منها كتابه يف أخبار‬ ‫املتطببني مع امللوك يف املآكل واملشارب واملالبس ‪ ،‬وغري ذلك ‪ ،‬وكتابه‬ ‫املعروف بكتاب ابراهيم املهدي يف أنواع األخبار »(‪( )14‬م ‪ ،3 ،‬ص ‪335‬‬ ‫‪ . )31 -4 ، 404 ،‬واملعاصر األصغر سنا جلميع هؤالء اللغويني هو حممد‬ ‫بن سالم اجلمحي الذي وضع كتاب « طبقات الشعراء » (م ‪ ،3 ،‬ص‬ ‫‪.)158-160 ،4 ،209 -208‬‬ ‫وإىل اجليل التالي من اللغويني العرب ينتمي تلميذ األصمعي وتلميذ‬ ‫غريه من فحول األدب العربي العباس بن الفرج الرياشي (م ‪ ،3،‬ص ‪ )325‬؛‬ ‫ِ‬ ‫وتلميذ األصمعي اآلخر‪ ،‬تلميذ أبي عبيدة أيضا ‪ ،‬ومعلم املربد – بكر‬ ‫بن حممد ( بن عدي بن حبيب) املازني (م ‪ ،4،‬ص ‪ .)111‬واللغوي العربي‬ ‫الكبري حممد بن يزيد املربد (‪( )15‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ )229‬الذي كان أصغر‬ ‫سنا بكثري من الرياشي واملازني ‪ .‬ثم النحوي البصري أبو خليفة الفضل‬ ‫بن احلباب اجلمحي (م ‪ ،4 ،‬ص ‪.)110‬‬ ‫وكان عامل اللغة الشهري ابن دريد «قد برع يف الشعر‪ ،‬وانتهى يف‬ ‫اللغة ‪ ،‬وقام مقام اخلليل بن أمحد فيها‪ ،‬وأورد أشياء يف اللغة مل توجد يف‬ ‫كتب املتقدمني‪ ،‬وكان يذهب يف الشعر كل مذهب»‪ ،‬وهو (‪( )16‬م ‪،‬‬ ‫‪ ، 4‬ص ‪ )137‬من أتراب آخر أقل منه شهرة بكثري هو أبو احلسن جحظة‬ ‫الربمكي املغين (‪( )17‬م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ . )299‬ومن معاصريهما األصغر سنا‬ ‫كان أبو احلسن بن أبي البغل الكاتب (غري املعروف يف مراجع أخرى)‪،‬‬ ‫‪140‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫«وكان من جلة الكتاب وكبار العمال وممن اشتهروا مبعرفتها –‬ ‫الشطرنج ‪ -‬واللعب بها»(م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.)327 - 326‬‬ ‫وخنتتم هذه القائمة باملعاصر األكرب سنا للمسعودي نفسه تلميذ‬ ‫املربد‪ ،‬اللغوي املعروف ومصنف العديد من املؤلفات حممد بن امساعيل‬ ‫العسكري مربمان اللغوي (م ‪ ،4،‬ص ‪.)239‬‬ ‫يف مايلي عدد مرات ذكر كل من ممثلي هذه اجملموعة الفرعية‬ ‫الثالثة عشر‪:‬‬ ‫األمحر‬

‫‪ 1‬يف كل من الثاني والسادس‪.‬‬

‫أبو عبيدة‬

‫‪ 1‬يف كل من الثاني والسادس‪.‬‬

‫األصمعي‬

‫‪ 6‬يف األول‪ ،‬و‪ 1‬يف الثاني‪.‬‬

‫يوسف بن ابراهيم‬

‫‪ 2‬يف األول‪ ،‬و ‪ 1‬يف اخلامس‪.‬‬

‫حممد بن اجلمحي‬

‫‪ 2‬يف األول‪.‬‬

‫الرياشي‬

‫‪ 3‬يف األول‪.‬‬

‫املازني‬

‫‪ 1‬يف األول‬

‫املربد‬

‫‪ 11‬يف األول‪ ،‬و ‪ 1‬يف كل من‬ ‫الثاني والثالث والسادس‪ ،‬و‪ 4‬يف‬ ‫اخلامس‪.‬‬

‫ابو خليفة اجلمحي‬

‫‪ 2‬يف كل من األول والثاني‪ ،‬و‪1‬‬ ‫يف كل من اخلامس والسادس‪.‬‬

‫ابن دريد‬

‫‪ 2‬يف األول‪ ،‬و ‪ 1‬يف كل من‬ ‫الثالث والسادس‪.‬‬ ‫‪141‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫جحظة املغين‬

‫‪ 1‬يف السابع‪.‬‬

‫أبو احلسن الكاتب‬

‫‪ 1‬يف الثالث‬

‫مربمان النحوي‬

‫‪ 1‬يف الثاني‪.‬‬

‫اجملموع ‪ 51‬مرة‬

‫ ‪ 29‬يف األول ‪ ،‬و ‪ 7‬يف الثاني‪ ،‬و‪3‬‬‫يف الثالث‪ ،‬و ‪ 6‬يف اخلامس‪ ،‬و‪ 5‬يف‬ ‫السادس‪ ،‬ومرة واحدة يف السابع‪.‬‬

‫تبني األرقام أن اللغويني أكثر ما يؤدون دور مصدر اخلرب‪ -‬السياق‬ ‫األول ‪ 29( -‬مرة)‪ ،‬علما بأن مخسة منهم مل يندرجوا يف هذا احلقل‬ ‫عموما‪ .‬وحيتل املرتبة األوىل هنا املربد (يرد ذكره ‪ 11‬مرة)‪ ،‬ويأتي يف‬ ‫املرتبة الثانية األصمعي (‪ 6‬مرات)‪ .‬يليهما اآلخرون بفارق كبري‪.‬‬ ‫يف السياق الثاني (شخصية القص) يرد ذكر ستة أمساء‪ ،‬منهم أبو‬ ‫خليفة اجلمحي الذي يرد ذكره مرتني ‪ ،‬ومخسة أخرون يرد ذكر‬ ‫كل منهم مرة واحدة ‪.‬‬ ‫ويف السياق الثالث (منوذج من إبداع الشاعر) جند ثالثة فقط‪ ،‬كل‬ ‫واحد منهم يرد ذكره مرة واحدة ‪.‬‬ ‫ويف السياق اخلامس (املكانة الثقافية) يرد ذكر املربد أربع مرات‪،‬‬ ‫وذكر كل من يوسف بن ابراهيم وأبي خليفة اجلمحي مرة واحدة‪.‬‬ ‫أما الذين يرد ذكرهم يف أخبار النعي (السياق السادس) فهم مخسة‬ ‫لغويني ‪ ،‬يرد ذكر كل منهم مرة واحدة ‪.‬‬ ‫ويف السياق السابع (الشخص املقصود باألبيات الشعرية) جند واحدا‬ ‫فقط هو جحظة املغين ‪.‬‬ ‫‪142‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫جنمل احلصيلة مرة أخرى ‪ ،‬فنقول إن األكثر تكرارا (‪ 29‬مرة)‬ ‫هو السياق األول (مصدر اخلرب= حدثنا فالن=)‪ ،‬يليه السياق الثاني‬ ‫(شخصية القص) بواقع سبع مرات ‪ ،‬فالسياق اخلامس (املكانة الثقافية)‬ ‫بواقع ست مرات ‪ .‬ويف حقل السياق السادس جند أخبار وفاة مخسة‬ ‫لغويني ‪ .‬وثـمة ثالثة أشخاص يرد ذكرهم كشعراء (السياق الثالث)‬ ‫مرة واحدة لكل منهم‪ ،‬أي أن العدد اإلمجالي ملرات ذكر اللغويني‬ ‫يف السياق الثالث هو ثالث مرات ‪ .‬وأخريا مرة واحدة يف السياق السابع‬ ‫(الشخص املقصود باألبيات الشعرية) ‪.‬‬ ‫ومن حيث عدد مرات ذكر اللغويني يف خمتلف السياقات جند الرتتيب‬ ‫التالي‪ :‬املربد (‪ 18‬مرة)‪ ،‬األصمعي (‪ 7‬مرات)‪ ،‬أبو خليفة اجلمحي (‪ 6‬مرات)‪،‬‬ ‫ابن دريد (‪ 4‬مرات)‪ ،‬يوسف بن ابراهيم (‪ 3‬مرات) ‪ ،‬الرياشي (‪3‬مرات أيضا) ‪.‬‬ ‫أما السبعة الباقون فريد ذكر كل منهم مرة واحدة ‪ ،‬أو مرتني ‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫جند أن «صاحب احلظوة » بني هؤالء األشخاص يف هذه اجملموعة‬ ‫الفرعية هو املربد الذي يرد ذكره أيضا يف أكرب عدد من السياقات ‪.‬‬

‫النحويون‬ ‫لعبت دراسة قواعد اللغة العربية دورا جوهريا يف الثقافة العربية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ولذا ليس ثـمة ما يدعو لالستغراب أن نكتشف يف «مروج‬ ‫الذهب‪ »...‬ذكرا لعدد من علماء النحو‪.‬‬ ‫ويف طليعة هؤالء زمنيا أبو األسود الدؤلي الذي يعد أول من وضع‬ ‫قواعد النحو العربي‪ ،‬وأدخل احلركات على النص القرآني (‪( )18‬م‪، 2 ،‬‬ ‫ص ‪ 428‬؛ ‪ .)419 ،3،78‬وبعد مئة سنة ونيف على وفاته تويف مؤسس‬ ‫مدرسة البصرة يف النحو املقرئ الشهري أبو عمرو بن العالء (أ بو عمرو‬ ‫بن العالء بن عمار بن العريان بن عبد اهلل بن احلصني التميمي املازني‬ ‫‪143‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫البصري) (‪( )19‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ . )315‬وبعد قرابة العقدين من الزمن ( حوالي‬ ‫‪ 790‬م) تويف اخلليل بن أمحد الفراهيدي األزدي مؤسس علم العروض‬ ‫ومعلم سيبويه وواضع أول معجم للغة العربية (‪( )20‬م ‪ ،4،‬ص ‪324-‬‬ ‫‪325‬؛ م ‪ ،4 ،‬ص ‪ . )39‬وكان من معاصريه مؤلف أول مبحث بقواعد‬ ‫اللغة العربية باسم «كتاب سيبويه» (‪( )21‬م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ .)285‬وعلى‬ ‫أغلب الظن كان علي بن محزة الكسائي «صاحب القراءات إمام‬ ‫الكوفيني يف اللغة والنحو وسابع القراء السبعة» (‪ )22‬األصغر سنا‬ ‫ضمن هذا اجليل من النحويني (م ‪ ،3،‬ص ‪.)360-391 ،354‬‬ ‫وعلى رأس اجليل التالي من ممثلي هذه اجملموعة الفرعية يأتي الفراء‬ ‫(م‪ ، 4 ،‬ص ‪ ، )348‬وهو اإلمام أبو زكريا حييى بن زياد بن عبد اهلل بن‬ ‫منظور بن مروان األسلمي الديلمي ‏الكويف ‪ ،‬موىل بين أسد‪ ،‬املعروف‬ ‫بالفراء ‪.‬‬ ‫بعد ذلك يلي ذكر أشخاص كانت ذروة نشاطهم يف النصف الثاني‬ ‫من القرن التاسع‪ ،‬ويف طليعتهم أحد ممثلي مدرسة الكوفة يف النحو‬ ‫العربي أمحد بن حييى عبد اهلل ثعلب ( م ‪ ، 3 ،‬ص ‪366‬؛ م ‪ ،4 ،‬ص‬ ‫‪ ،)287 - 284 ،14-15‬وصهره أبو عبد اهلل الدينوري (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪. ) 285‬‬ ‫ونذكر بعد هؤالء عبد اهلل بن حممد الناشي (م ‪ ،4،‬ص ‪ ، )361‬وعبد‬ ‫اهلل بن شرشري (م ‪ ،4،‬ص ‪ ،)296‬وكالب بن محزة العقيلي (م ‪ ،4،‬ص‬ ‫‪ .)348-249‬ويف مطلع القرن العاشر أيضا عاش النحوي البصري أبو عبد‬ ‫اهلل املفجع (م ‪ ،4،‬ص ‪.)321‬‬ ‫وخنتم هذه القائمة باثنني من النحويني هما أبو إسحاق الزجاج‬ ‫النحوي‪( ،‬م ‪ ،4،‬ص ص‪ ، )298 ،284 ،110‬وأبو بكر حممد بن القاسم‬ ‫بن حممد بن بشار األنباري النحوي (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.)285 ،‬‬ ‫ويف يلي جدول يبني مرات ذكر النحويني األربعة عشر هؤالء يف‬ ‫‪144‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫السياقات املشار إليها آنفا ‪:‬‬ ‫أبو األسود الدؤلي‬

‫‪2‬‬

‫أبو عمر بن العالء‬

‫‪ 1‬يف كل من األول والسادس‪.‬‬

‫اخلليل بن أمحد‬

‫‪ 2‬يف اخلامس‪.‬‬

‫سيبويه‬

‫‪ 1‬يف اخلامس‪.‬‬

‫الكسائي‬

‫‪ 1‬يف كل من األول والسادس‪.‬‬

‫الفراء‬ ‫ثعلب‬

‫يف الثامن‪ ،‬و‪ 1‬يف التاسع‪.‬‬

‫‪ 1‬يف اخلامس‪.‬‬ ‫‪ 3‬يف األول‪ ،‬و‪ 1‬يف كل من‬ ‫الثالث واخلامس ‪ ،‬و‪ 3‬يف السادس‪.‬‬

‫أبو عبد اهلل الدينوري‬

‫‪ 1‬يف اخلامس‪.‬‬

‫عبد اهلل بن حممد الناشي‬

‫‪ 1‬يف كل من األول واخلامس‪.‬‬

‫عبد اهلل بن شرشري‬

‫‪ 1‬يف اخلامس‪.‬‬

‫كالب بن محزة العقيلي‬

‫‪ 1‬يف الثالث‪.‬‬

‫املفجع أبو عبد اهلل‬

‫‪ 1‬يف كل من الثالث والسادس‪.‬‬

‫الزجاج‬

‫‪ 2‬يف األول ‪ ،‬و‪ 1‬يف اخلامس‪.‬‬

‫األنباري‬

‫‪ 1‬يف األول‪.‬‬

‫اجملموع‬

‫‪30‬‬

‫ومن اجلدير باملالحظة يف هذا اجلدول أن السياق األول (مصدر اخلرب)‬ ‫يتساوى ألول مرة مع السياق اخلامس (املكانة الثقافية) من حيث عدد‬ ‫مرات الذكر‪ ،‬وذلك خالفا لألرقام املتعلقة بكل اجملموعات الفرعية‬ ‫‪145‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫املذكورة أعاله‪ .‬واألكثر من ذلك أن السياق اخلامس احتل من حيث‬ ‫عدد األشخاص املرتبة األوىل‪ ،‬أي ثـمانية حنويني مقابل ستة يف‬ ‫السياق األول‪ .‬ونالحظ أن يف السياق اخلامس ال يرد ذكر شخصيات‬ ‫من الفحول ( املرجعيات الكبرية ) مثل أبي األسود الدؤلي والكسائي‪.‬‬ ‫إن ثعلب والزجاج هما األكثر أهمية من بني الشخصيات اليت يرد‬ ‫ذكرها يف السياق األول‪.‬‬ ‫ويف ما يتعلق بالسياق السادس جند أخبار وفاة أربعة من النحويني‪،‬‬ ‫بل إن املسعودي يورد ثالثة روايات عن وفاة ثعلب‪.‬‬ ‫وجند كال من ثعلب واملفجع وكالب العقيلي يف دور من يقول‬ ‫شعرا ( منوذج من إبداع الشاعر)‪ ،‬أي يف السياق الثالث‪.‬‬ ‫وترد عند املسعودي أشعار أبي األسود الدؤلي (السياق الثامن) مرتني‪:‬‬ ‫مرة عند ذكر وفاة علي بن أبي طالب‪ ،‬والثانية عند ذكر مقتل‬ ‫احلسني بن علي بن أبي طالب‪.‬‬ ‫وللسياق التاسع أيضا صلة باسم أبي األسود الدؤلي‪ ،‬إذ أن األمني‬ ‫احملاصر من قبل األعداء يردد شعرا من نظم مؤسس النحو العربي‪.‬‬ ‫وبذلك‪ ،‬يبدو أبو األسود الدؤلي مهما للمسعودي ال بوصفه حنويا‪ ،‬بل‬ ‫كشاعر‪ .‬وبالتالي ال جنده يف «مروج الذهب ‪ »...‬بذاك الدور الذي اشتهر‬ ‫به يف الثقافة العربية اإلسالمية ‪.‬‬ ‫وكما نرى ‪ ،‬فإن ثعلب بالنسبة للمسعودي هو أهم شخصية بني‬ ‫النحويني ‪ ،‬إذ يرد ذكره بأكرب عدد من املرات (ثـمانية من أصل‬ ‫ثالثني) يف أربعة سياقات من ستة‪ .‬ومما يدل على ذلك أيضا إيراد ثالثة‬ ‫أخبار عن وفاته ‪ ،‬كما سبق وذكرنا‪.‬‬ ‫‪146‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫األدباء‬ ‫إن املصادر واملراجع اليت يف متناول أيدينا تصف الشخصيات اليت‬ ‫يذكرها املسعودي كأدباء (‪ ، )23‬أي شخصيات متعددة املواهب‬ ‫واإلطالعات واملعارف ‪.‬‬ ‫ومن هؤالء ‪ ،‬يف املقام األول ‪ ،‬سليط اللسان املشهور صعصعة بن‬ ‫صوحان العبدي الذي كان من أوائل املسلمني ‪ .‬قال عنه عقيل بن أبي‬ ‫طالب ‪ « :‬عظيم الشأن ‪ ،‬عضب اللسان‪ ،‬قائد فرسان‪ ،‬قاتل أقران ‪ ،‬يرتق‬ ‫ما فتق‪ ،‬ويفتق من رتق ‪ ،‬قليل النظر»‪ .‬وقال عنه معاوية «هذا أحد سهام‬ ‫علي وخطباء العرب »‪ .‬وقال املسعودي « لصعصعة بن صوحان أخبار‬ ‫حسان ‪ ،‬وكالم يف نهاية البالغة والفصاحة واإليضاح عن املعاني‪،‬‬ ‫على إجياز واختصار » ‪ .‬وقال له عبد اهلل بن العباس « أنت يا ابن صوحان‬ ‫باقر علم العرب » (م ‪ ،3 ،‬ص ‪. )56 -52 ، 46‬‬ ‫ولعل بوسعنا أن ننسب إىل هذه اجملموعة الفرعية الوليد بن حصن‬ ‫الكليب ( م ‪ ،4،‬ص ‪ )349‬الذي ال ذكر له يف مراجع أخرى‪ .‬وهو إىل جانب‬ ‫صعصعة بن صوحان ميثل املرحلة الباكرة يف تطور الثقافة العربية‬ ‫اإلسالمية ‪.‬‬ ‫وإىل مرحلة الحقة ينتمي كل من ‪ :‬حممد بن الوزير احلافظ‬ ‫الدمشقي (م‪ ، 4 ،‬ص ‪ )370 -367‬؛ وموسى بن صاحل بن شيخ بن عمرية‬ ‫األسدي (م ‪ ،4 ،‬ص ‪ )273 ،95‬؛ واملقربون من اخلليفة املتوكل – يزيد‬ ‫بن حممد املهليب (م ‪ ،4 ،‬ص ‪ )136 - 135 ، 114‬وأبو العنبس الصيمري‬ ‫(‪( )24‬م ‪ ،4 ،‬ص ‪ )92 ،91‬؛ وعلي بن حييى بن أبي املنصور (م ‪ ،4،‬ص‬ ‫‪ ، )281‬واثنان ال ذكر هلما يف مراجع أخرى هما حممد بن املغيث (م ‪،4،‬‬ ‫ص ‪ )124 – 123‬؛ واملقرب إىل اخلليفة املهتدي – صاحل بن علي اهلامشي‬ ‫‪147‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫(م‪ ،4 ،‬ص ‪ )192 193‬واألمري العباسي عبد الواحد بن املوفق (م ‪ ،4،‬ص‬ ‫‪ )282‬؛ وآخر غري معروف يف مراجع أخرى ‪ ،‬صديق اجلاحظ ‪ ،‬هو حممد بن‬ ‫سليمان املروزي (م ‪ ،4،‬ص ‪)309‬؛ وابن أخ هذا الكاتب العربي العظيم‬ ‫ميوت بن املزرع (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪366 -365 ،354‬؛ م ‪ ، 4،‬ص ‪ )196-197‬؛‬ ‫واملقرب من اخلليفة املعتضد ندميه ومن خاصته – عبد اهلل بن محدون‬ ‫(م ‪ ،4،‬ص ‪)232‬؛ وابن املرزبان (حممد بن خلف بن املرزبان) (م ‪ ،4 ،‬ص‬ ‫‪)302‬؛ والشهري الصولي (‪ )25‬الذي صادقه املسعودي (م ‪ ،4،‬ص ‪)75‬؛‬ ‫وأخريا العليم بالعروض أمحد بن حممد الذي لقب بالعروضي (‪ )26‬وهو‬ ‫مؤدب الراضي وغريه من اخللفاء وأوالد اخللفاء (م ‪ ،4،‬ص ‪.)...328‬‬

‫يف ما يلي أرقام عن عدد مرات ذكر ‪ 16‬أديبا يف السياقات‬ ‫إيـاهـا‪:‬‬ ‫صعصعة بن صوحان‬

‫‪ 3‬يف الثاني‪.‬‬

‫الوليد بن الكليب‬

‫‪ 1‬يف الثالث‪.‬‬

‫حممد الدمشقي‬

‫‪ 1‬يف الثالث‪.‬‬

‫موسى األسدي‬ ‫املهليب‬ ‫ابو العنبس‬

‫‪148‬‬

‫‪ 1‬يف كل من األول والسادس‪.‬‬ ‫‪ 2‬يف العاشر‪.‬‬ ‫‪ 2‬يف كل من األول والثاني‪.‬‬

‫علي بن حييى‬

‫‪ 1‬يف السابع‪.‬‬

‫حممد بن املغيث‬

‫‪ 1‬يف الثاني‪.‬‬

‫صاحل اهلامشي‬

‫‪ 1‬يف األول‪.‬‬

‫عبد الواحد بن املوفق‬

‫‪ 1‬يف الثاني‪.‬‬

‫املروزي‬

‫‪ 1‬يف السادس‪.‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ميوت بن املزرع‬

‫‪ 4‬يف األول ‪.‬‬

‫عبد اهلل بن محدون‬

‫‪ 2‬يف األول‪.‬‬

‫ابن املرزبان‬

‫‪ 1‬يف السابع‪.‬‬

‫الصولي‬

‫‪ 3‬يف كل من األول واخلامس‪.‬‬

‫العروضي‬

‫‪ 3‬يف األول ‪ ،‬و‪ 1‬يف اخلامس‪.‬‬

‫اجملموع‬

‫‪ 33‬مرة‬

‫وهنا‪ ،‬كما يف احلاالت السابقة ‪ ،‬جند أن السياق األول هو األكثر‬ ‫تكرارا (‪ 15‬مرة)‪ .‬ومن بني سبعة أدباء يرد ذكرهم يف هذا السياق‬ ‫يتكرر أكثر من سواه ذكر ميوت بن املزرع (‪ 4‬مرات)؛ يليه الصولي‬ ‫والعروضي (‪ 3‬مرات لكل منهما)؛ ومن ثم عبد اهلل بن محدون (مرتني)‪،‬‬ ‫والباقون الثالثة يرد ذكر كل منهم مرة واحدة فقط ‪.‬‬ ‫وحيتل املرتبة الثانية من حيث التكرارا ( ‪ 6‬مرات) السياق الثاني‬ ‫(شخصية القص) ‪ .‬والشخصية األكثر شعبية عند املسعودي هو‬ ‫صعصعة بن صوحان (‪ 3‬مرات)‪ .‬أما الثالثة اآلخرون يف هذا السياق فريد‬ ‫ذكر كل منهم مرة واحدة فقط ‪.‬‬ ‫وعن املكانة الثقافية هلذا أو ذاك من األدباء (السياق اخلامس) يتحدث‬ ‫املسعودي ‪ 4‬مرات‪ ،‬ثالث منها تتعلق بالصولي‪ ،‬والرابعة بالعروضي ‪.‬‬ ‫أما السياقات األربع األخرى فتأخذ جمراها يف «مروج الذهب‪ »...‬مرتني‬ ‫لكل منها‪ :‬ففي السياق الثالث جند شعر الوليد الكاتب وحممد‬ ‫الدمشقي ‪.‬‬ ‫ويف السياق السادس خربان عن وفاة كل من موسى األسدي واملروزي ‪.‬‬ ‫‪149‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ويف السياق السابع يورد املسعودي كالما من علي بن حييى وابن‬ ‫املرزبان كشخصني مقصودين باألبيات الشعرية؛ ويف السياق العاشر‬ ‫جند يزيد بن حممد املهليب كصاحب قصيدتني حول أمرين من أمور‬ ‫الشأن العام ‪.‬‬ ‫والعدد األكرب من مرات الذكر كان من نصيب الصولي (‪ 6‬مرات)‪،‬‬ ‫وميوت بن املزرع ‪ ،‬والعروضي (‪ 4‬مرات ) لكل منهما‪ ،‬وصعصعة بن‬ ‫صوحان (‪ 3‬مرت)‪ .‬أما اإلثنا عشر أديبا الباقون فريد ذكر كل منهم مرة‬ ‫واحدة أو مرتني ‪.‬‬ ‫وهكذا فإن محلة املعارف اللغوية إمجاال يرد ذكرهم عند املسعودي‬ ‫‪ 114‬مرة ( اللغويون ‪ 51‬مرة‪ ،‬والنحويون ‪ 30‬مرة‪ ،‬واألدباء ‪ 33‬مرة) ‪.‬‬ ‫يف ما يلي أرقام عن توزع هذه املرات حسب السياقات اخلاصة بهذه‬ ‫اجملموعة من األول وحتى الثالث‪ ،‬و من اخلامس حتى العاشر ‪ ،‬وذلك من‬ ‫حيث العدد والنسبة ‪:‬‬ ‫األول – مصدر اخلرب‬

‫‪ 53‬مرة‬

‫‪46،50%‬‬

‫الثاني ‪ -‬شخصية‬ ‫القص‬

‫‪ 13‬مرة‬

‫‪11،40%‬‬

‫الثالث – مناذج من‬ ‫إبداع الشاعر‬

‫‪ 8‬مرات‬

‫‪% 7،02‬‬

‫اخلامس ‪ -‬املكانة يف‬ ‫الثقافة‬

‫‪ 19‬مرة‬

‫‪16،67%‬‬

‫السادس – اسم املتويف‬

‫‪ 13‬مرة‬

‫‪% 11،40‬‬

‫‪150‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫السابع – املقصود‬ ‫باألبيات الشعرية‬

‫‪ 3‬مرات‬

‫‪2،63%‬‬

‫الثامن – مؤلف أبيات‬ ‫رثاء‬

‫مرتان‬

‫‪1،75%‬‬

‫التاسع – مؤلف أبيات‬ ‫مقتبسة يف النص‬

‫مرة واحدة‬

‫‪0،88%‬‬

‫العاشر – مؤلف أبيات‬ ‫يف الشأن العام‬

‫مرتان‬

‫‪1،75%‬‬

‫اجملموع‬

‫‪114‬‬

‫‪100%‬‬

‫من حيث عدد مرات الذكر حيتل اللغوي املربد املرتبة األوىل من بني مجيع‬ ‫محلة املعارف اللغوية كمصدر للخرب (السياق األول)‪ ،‬حيث يرد ذكره‬ ‫‪ 11‬مرة ‪ .‬يليه اللغوي األصمعي (‪ 6‬مرات)‪ ،‬ومن ثم األديب ميوت املزرع (‪4‬‬ ‫مرات) ‪ .‬أما الباقون فريد ذكر كل منهم مرة أو مرتني يف هذا السياق ‪.‬‬ ‫ومن اجلدير باملالحظة أن الفرق يف عدد مرات ذكر النحويني واألدباء‬ ‫زهيد (مرة‪ ،‬مرتان‪ ،‬أو ثالث مرات) يف هذا السياق األكثر تكرارا‪ ،‬يف‬ ‫حني جند أن هذه املؤشرات تتباين بشدة يف اجملموعة الفرعية للغويني‪.‬‬ ‫يتسم السياق اخلامس (املكانة الثقافية) برتدد ذكر الشخص املعين‬ ‫أكثر من مرة‪ ،‬كللغوي املربد (‪ 4‬مرات)‪ ،‬واألديب الصولي (‪ 3‬مرات) ‪،‬‬ ‫والنحوي اخلليل (مرتان) ‪.‬‬ ‫وبني محلة املعارف اللغوية جند يف السياق السادس ( اسم املتويف)‬ ‫كال من النحوي ثعلب الذي يرد ذكره يف هذا الباب ثالث مرات‪،‬‬ ‫واألديب املروزي الذي يرد ذكره يف هذا السياق مرة واحدة فقط ‪.‬‬ ‫والعدد األكرب من مرات الذكر يف هذا السياق هو من نصيب جمموعة‬ ‫‪151‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫النحويني ( ‪ 6‬مرات) ‪ ،‬تليها جمموعة اللغويني ( ‪ 5‬مرات) ‪ ،‬ثم جمموعة‬ ‫األدباء (مرتان) ‪.‬‬ ‫ويف السياق الثاني (شخصية القص) فإن أكرب عدد مرات الذكر‬ ‫(‪ 3‬مرات) هو من نصيب األديب صعصعة بن صوحان‪ ،‬يف حني يرد ذكر‬ ‫البقية من جمموعة اللغويني واألدباء الفرعية يف هذا السياق مرة واحدة‬ ‫لكل منهم ‪ ،‬باستثناء اللغوي أبي خليفة اجلمحي الذي يرد ذكره‬ ‫مرتني ‪ .‬والبد من اإلشارة إىل أن السياق الثاني ال وجود له عموما يف‬ ‫قائمة النحويني ‪.‬‬ ‫ويف السياق الثالث (منوذج من إبداع الشاعر) جند أمساء ال ترد يف‬ ‫غري هذا السياق ‪ ،‬منها اللغوي أبو احلسن الكاتب‪ ،‬والنحوي كالب بن‬ ‫محزة العقيلي ‪ ،‬وكذلك األديبان الوليد الكليب‪ ،‬وحممد الدمشقي‪.‬‬ ‫وعلى هذا النحو يربز املسعودي شخصيات ثقافية أقل شهرة مقارنة‬ ‫بغريها‪ .‬وخبصوص عدد مرات الذكر يف السياق الثالث فقد تساوت هنا‬ ‫جمموعتان فرعيتان ‪ ،‬أي اللغويون والنحويون (‪ 3‬مرات لكل منهما)‪،‬‬ ‫بينما حلت جمموعة األدباء بعدهما (مرتان) ‪.‬‬ ‫ويسرتعي االنتباه ورود املقصود باألبيات الشعرية ( السياق السابع)‬ ‫عند تسجيل األحداث التارخيية‪ .‬فهذه الشخصيات الثالث اليت يتعلق‬ ‫هذا األمر بها يرد ذكرها مرة واحدة فقط‪ .‬واملقصود بذلك اللغوي‬ ‫جحظة بن املغين ‪ ،‬وكذلك األديبان علي بن حييى وابن املرزبان ‪ .‬أما يف‬ ‫اجلدول اخلاص بالنحويني فال وجود للسياق السابع ‪.‬‬ ‫إن كلتا احلالتني اللتني يستخدم فيهما السياق الثامن (مؤلف أبيات‬ ‫رثاء ) مرتبطتان باسم النحوي الشهري أبي األسود الدؤلي‪.‬‬ ‫وكذلك األمر بالنسبة للسياق العاشر (مؤلف أبيات يف الشأن العام)‬ ‫‪152‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ففي احلالتني اللتني يستخدم فيهما يتعلق األمر باألديب املهليب ‪.‬‬ ‫وأخريا ‪ ،‬ويف السياق التاسع (مؤلف أبيات مقتبسة يف النص) جند‬ ‫أيضا النحوي أبا األسود الدؤلي‪.‬‬ ‫وبصدد محلة املعارف اللغوية الذين يذكرهم املسعودي يف أكرب‬ ‫عدد من السياقات‪ ،‬نشري إىل اللغويني املربد (مخسة سياقات) وأبي‬ ‫خليفة اجلمحي (‪ 4‬سياقات) ‪ ،‬وكذلك إىل النحوي ثعلب ( ‪ 4‬سياقات ) ‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ك َّتاب النثر‬ ‫ابتداء من هذه الفقرة نكون قد وصلنا مباشرة إىل تلك الفئة اليت‬ ‫تضم شخصيات ثقافية هم يف جوهر األمر أدباء ‪.‬‬ ‫األقدم زمنيا من بني هؤالء عند املسعودي هم مؤسس أدب الرسائل‬ ‫عند العرب عبد احلميد بن حييى بن سعد الكاتب «صاحب الرسائل‬ ‫والبالغات ‪ ،‬وهو أول من أطال الرسائل‪ ،‬واستعمل التحميدات يف فصول‬ ‫الكتب » (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ،)263‬وابن عصره الكاتب الشهري عبد اهلل بن‬ ‫املقفع (‪( )27‬م ‪ ، 4 ،‬ص ‪.)315‬‬ ‫ويليه يف «مروج الذهب‪ »...‬الكاتب العربي الكبري يف القرون‬ ‫الوسطى عمرو بن حبر اجلاحظ (‪ ( )28‬م ‪ ،3،‬ص ‪،365-366 ،254 -252‬‬ ‫‪379‬؛ م ‪ ، 4،‬ص ‪)331 ،342 ،309 ،197- 195 ،100-101‬‬ ‫وإضافة إىل ذلك يذكر املسعودي ابن أبي الدنيا (‪( )29‬م ‪ ، 4 ،‬ص ‪)134‬‬ ‫ومعاصره األكرب منه سنا أبا احلسن أمحد بن حييى املنجم املعروف بابن‬ ‫النديم (م‪ ،4،‬ص ‪ ( )281 ،137‬وهو غري صاحب «الفهرست»)‪.‬‬ ‫ونورد أدناه عدد مرات ذكر ممثلي هذه اجملموعة اخلمسة يف‬ ‫السياقات إياها‪.‬‬ ‫‪153‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫إن األكثر ذكرا عند املسعودي هو اجلاحظ (‪ 16‬مرة) من ‪ 21‬مرة‬ ‫يرد فيها ذكر كتاب النثر املدرجني يف اجلدول‪ ،‬بل أن اجلاحظ يرد‬ ‫يف مجيع سياقات اجلدول‪ ،‬ويف معظمها يرد أكثر من مرة ‪ .‬ويشري‬ ‫املسعودي إىل اجلاحظ كمصدر للخرب (‪ 6‬مرات)‪ ،‬وكشخصية القص‬ ‫(مرتني)‪ ،‬وكصاحب مؤلف مذكور ( ‪ 4‬مرات)‪ ،‬واسم املتويف ( مرة‬ ‫واحدة)‪ .‬ويرد ذكره مرتني يف معرض احلديث عن مكانته الثقافية‬ ‫(السياق اخلامس) ‪ .‬وبامسه يرتبط أول ظهور للسياق احلادي عشر‬ ‫(املؤلف املفرتض لقول مأثور) ‪.‬‬ ‫عبد احلميد الكاتب‬

‫‪ 1‬يف السياق اخلامس‬

‫ابن املقفع‬

‫==========‬

‫اجلاحظ‬

‫‪ 6‬يف السياق األول ‪ ،‬و‪ 2‬يف الثاني ‪،‬‬ ‫و‪ 4‬يف الرابع ‪ 2 ،‬يف اخلامس ‪ 1 ،‬يف‬ ‫كل من السادس واحلادي عشر‪.‬‬

‫ابن أبي الدنيا‬

‫‪ 1‬يف األول‬

‫ابن النديم‬

‫‪ 2‬يف األول‬

‫اجملموع‬

‫‪ 21‬مرة‬

‫يرد ذكر ابن النديم مرتني فقط ‪ ،‬وكلتاهما يف السياق األول (مصدر‬ ‫اخلرب) ‪ .‬ويف هذا السياق فقط يرد ذكر ابن أبي الدنيا مرة واحدة ‪.‬‬ ‫ويرد مرة واحدة يف السياق اخلامس (املكانة الثقافية) ذكر كل‬ ‫من عبد احلميد الكاتب وابن املقفع رائدي النثر العربي ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الكتاب حسب السياقات‬ ‫يف ما يلي جدول بعدد مرات ‪ ،‬ونسبة ‪ ،‬ذكر‬ ‫إياها ‪.‬‬ ‫‪154‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫األول ‪ -‬مصدر اخلرب‬

‫‪ 9‬مرات‬

‫‪42،86%‬‬

‫الثاني ‪ -‬شخصية‬ ‫القص‬

‫مرتان‬

‫‪9،52%‬‬

‫الرابع ‪ -‬صاحب مؤلف‬

‫‪ 4‬مرات‬

‫‪19،05%‬‬

‫اخلامس ‪ -‬املكانة‬ ‫الثقافية‬

‫‪ 4‬مرات‬

‫====‬

‫السادس ‪ -‬اسم املتوفى‬

‫مرة واحدة‬

‫‪% 4،76‬‬

‫احلادي عشر ‪ -‬صاحب‬ ‫قول مأثور‬

‫====‬

‫اجملموع‬

‫‪ 21‬مرة‬

‫‪100%‬‬

‫الشعر والشعراء‬ ‫من الواضح متاما لكل ذي اطالع على تاريخ األدب العربي‪ ،‬مهما‬ ‫كان هذا اإلطالع متواضعا‪ ،‬أن الشعر حيتل مكان الصدارة يف هذا‬ ‫األدب ‪.‬‬ ‫يفرد املسعودي مكانا هاما يف كتابه لفن الشعر‪ ،‬فإىل جانب‬ ‫املعلومات املتعلقة بالشعراء وإبداعهم‪ ،‬نصادف يف “مروج الذهب” بعض‬ ‫مفاهيم الشعر العربي يف القرون الوسطى ‪:‬‬ ‫العروض ‪ ،‬مصطلح يعين نظام الشعر العربي التقليدي (‪( )30‬م ‪، 4 ،‬‬ ‫ص ‪.)39‬‬ ‫الوزن ‪ ،‬حجم بيت الشعر ‪.‬‬ ‫‪155‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫املعنى‪ ،‬وهو موضوع القصيدة‪ ،‬الصورة – الفكرة‪ ،‬اليت يعرب عنها‬ ‫ببيت أو أكثر من الشعر (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪283‬؛ م ‪ ،4،‬ص ‪.)69-70‬‬ ‫القصيدة‪ ،‬نص وجداني – شاعري كبري احلجم ‪( .‬م ‪ ، 4 ،‬ص‪)59 ،40 ،‬‬ ‫األرجوزة‪ ،‬شعر يف حجم ‪ /‬حبر‪ /‬الرجز هو األبسط يف الشعر العربي (م ‪،‬‬ ‫‪ ، 4‬ص ‪.)73‬‬ ‫املقصورة ‪ ،‬شعر مقفى على األلف املقصورة ‪ .‬ورمبا كان املسعودي‬ ‫أول مؤلف يذكر هذا النوع من الشعر ‪.‬‬ ‫يقول فرولوف د‪ .‬ف‪ .‬إن املسعودي هو الثاني بني املؤلفني الذين يوردون‬ ‫معلومات عن العروض ‪.‬‬ ‫يشري املسعودي أيضا إىل مرحلة خاصة يف الشعر العربي (النصف‬ ‫الثاني من القرن الثامن ‪ -‬الربع األول من القرن التاسع)‪ ،‬اليت متيزت بإبداع‬ ‫من أطلق عليهم وصف “الشعراء احملدثون” (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪).... 70‬‬ ‫غري أن مؤلف “مروج الذهب ‪ ”...‬يعري انتباهه األساسي ال للمحاكمات‬ ‫النظرية‪ ،‬بل للشعراء وأشعارهم‪.‬‬

‫شعراء اجلاهلية وفجر اإلسالم‬ ‫إن الشعراء الذين أبدعوا يف مرحلة ما قبل اإلسالم ‪ ،‬أو يف فرتة ظهور‬ ‫الدين اجلديد ‪ ،‬ينتمون ألبكر جمموعة فرعية من محلة الثقافة‬ ‫الشعرية العربية الذين يرد ذكرهم يف “مروج الذهب ‪ .”...‬وهؤالء‬ ‫هم‪:‬الشاعر الكبري ‪ ،‬صاحب إحدى املعلقات زهري بن أبي سلمى (‪)31‬‬ ‫‪156‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫(م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ )70‬؛ وكذلك لبيد ( م‪ ، 3 ،‬ص ‪ )355 - 354‬أيضا صاحب‬ ‫إحدى املعلقات؛ والنابغة اجلعدي ( أبو ليلي عبداهلل بن قيس بن جعدة‬ ‫بن كعب بن ربيعة ) (م ‪ ،3 ،‬ص ‪ )141- 140‬؛ وأول شاعر مداح يف الشعر‬ ‫العربي األعشى ‪ -‬ميمون بن قيس ‪( -‬م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)104 – 103‬؛ والشاعرة‬ ‫الشهرية اخلنساء (م‪ ، 3 ،‬ص ‪ ) 373 - 372‬؛ وشاعر الرسول حسان بن‬ ‫ثابت (م‪ ،2،‬ص ‪ ) 356 - 355‬؛ وغريهم من معاصري النيب وأوائل خلفائه‬ ‫– النجاشي الشاعر (م ‪ ،3 ،‬ص ‪ ،)6 -5‬واحلارث بن مالك الطائي (م ‪ ، 2 ،‬ص‬ ‫‪ ،)308‬وأبو حمجن الثقفي (م ‪ ،2 ،‬ص ‪ ، )323-325‬والفضل بن العباس‬ ‫بن عتبة بن أبي هلب (م ‪ ، 2 ،‬ص ‪.)356‬‬ ‫ويف ما يلي عدد مرات ذكر عشرة من شعراء هذه اجملموعة الفرعية‪،‬‬ ‫يف السياقات إياها ‪:‬‬ ‫زهري‬

‫‪ 1‬يف كل من السياقني اخلامس‬ ‫والتاسع‬

‫لبيد‬

‫‪ 1‬يف السياق التاسع‬

‫النابغة اجلعدي‬

‫‪ 1‬يف السياق التاسع‬

‫األعشى‬

‫===========‬

‫اخلنساء‬

‫===========‬

‫حسان بن ثابت‬

‫‪ 1‬يف السياق الثامن‬

‫النجاشي الشاعر‬

‫= = = = = = = = = == =‬

‫احلارث بن مالك‬

‫‪ 1‬يف السياق العاشر‬

‫أبو حمجن‬

‫‪ 1‬يف السياق األول‬

‫الفضل بن العباس‬

‫‪ 1‬يف السياق العاشر‬ ‫‪157‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫جتدر املالحظة إىل أن مجيع هؤالء(باستثناء زهري) يرد ذكرهم مرة‬ ‫واحدة يف أحد السياقات‪.‬‬ ‫وأكثر السياقات تكرارا هو السياق التاسع (مؤلف أبيات مقتبسة) إذ‬ ‫يرد مخس مرات‪ .‬وهذا يدل على شهرة الشعراء اخلمسة الوارد ذكرهم‬ ‫يف هذا احلقل ‪.‬‬ ‫ويلي ذلك كل من السياقني الثامن (صاحب أبيات رثاء )‪ ،‬والعاشر‬ ‫(صاحب أبيات شعر يف الشأن العام) حيث يتكرر الذكر مرتني يف‬ ‫كل منهما‪ .‬إن طابع شعر هؤالء األربعة املذكورين يف هذين السياقني‬ ‫يشري ‪ ،‬على األرجح‪ ،‬إىل اهتماماتهم السياسية واخنراطهم يف احلياة‬ ‫االجتماعية السياسية ذاك الزمن ‪.‬‬ ‫أما السياقان الباقيان (الثاني واخلامس) فقد استخدما مرة واحدة‬ ‫لكل منهما‪ .‬ونشري هنا إىل أن السياق اخلامس (املكانة الثقافية)‬ ‫يتعلق بزهري فقط الذي يذكر مرتني‪ ،‬يف حني أن الشعراء اآلخرين ‪،‬‬ ‫كما سبق وأشرنا‪ ،‬يرد ذكرهم مرة واحدة فقط ‪ .‬وهذا ما يدل على‬ ‫الدور اخلاص لزهري ‪ ،‬الشاعر الكبري ماقبل اإلسالم ‪ ،‬بالنسبة للثقافة‬ ‫العربية اإلسالمية‪ ،‬ولو أن هذا الدور يتجلى بشكل ضعيف جدا من‬ ‫حيث الكم (عدد املرات) ‪.‬‬

‫شعراء العصر األموي‬ ‫من بني شعراء هذا العصر الذين يرد ذكرهم عند املسعودي ال بد من‬ ‫اإلشارة إىل ثالثة مشاهري من شعراء البالط املداحني هم األخطل (غياث‬ ‫بن غوث بن الصلت (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ) 256 ، 63‬؛ وجرير (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)160‬؛‬ ‫‪158‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫والفرزدق ‪ -‬همام بن غالب‪( ) 32( -‬م ‪ ،3،‬ص ‪ ،)205‬وكذلك شبة بن‬ ‫عقال (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ، )323‬ابن اخت الفرذدق وصهره ‪ ،‬ولو أنه أقل شهرة منه ‪.‬‬ ‫واالجتاه الثاني يف الشعر العربي ذاك الزمن ‪ ،‬أي الغزل‪ ،‬ميثله يف “مروج‬ ‫الذهب‪ ”...‬ذائع الصيت عمر بن أبي ربيعة (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ،)107‬وكوكبة‬ ‫من الشعراء العذريني ‪ :‬مجيل بن عبد اهلل بن َم َ‬ ‫عمر العذري ‪ ،‬الذي اشتهر‬ ‫بأشعاره عن حبه لبثينة (‪( )33‬م‪ ، 3 ،‬ص ‪ )383‬؛ وقيس بن ذريح الذي‬ ‫تغنى حبب لبنى (‪( )34‬م‪ ،4 ،‬ص ‪)159-160‬؛ وقيس بن امللوح (جمنون‬ ‫ليلي) (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪)158-160‬؛ وكثري (‪ ) 35‬الذي تغنى بعزة (م ‪، 3 ،‬‬ ‫ص ‪)401 ،211 ،87 ،85‬؛ وعروة بن حزام املتيم بعفراء (‪( ) 36‬م ‪ ،4،‬ص‬ ‫‪.)157- 156‬‬ ‫يذكر املسعودي اثنني من كبار شعراء هذا العصر هما عبد اهلل‬ ‫(عبيد اهلل) بن قيس ُ‬ ‫الر َق َّيات (ابن قيس الرقيات) (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪،)207 ،116‬‬ ‫والكميت بن زيد ‪ 37‬األسدي (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪. ) 269 -268 ،246 - 242‬‬ ‫وإىل ذلك يذكر املؤلف اثنني من شعراء اخلوارج هما قطري بن الفجاءة‬ ‫التميمي (‪( )38‬م ‪ ،3،‬ص ‪ ) 143‬ومصقلة بن عتبان الشيباني (م ‪، 3 ،‬‬ ‫ص ‪.)203‬‬ ‫املسعودي يذكر أيضا عددا من الشعراء األقل شهرة يف عصر‬ ‫األمويني‪ ،‬والذين رمبا ميثلون املستوى اجلماهريي لإلبداع الشعري يف‬ ‫ذاك الزمن ‪ .‬ومن هؤالء عبد اهلل بن الزبري األسدي (م‪ ،3،‬ص ‪)32،137‬؛‬ ‫وعبد الرمحن بن همام (هشام) السلولي (م‪ ، 3 ،‬ص ‪ )37‬؛ و عبد الرمحن‬ ‫بن احلكم أخو اخلليفة مروان بن احلكم (م‪ ، 3 ،‬ص ‪ )95‬؛ والشاعر‬ ‫الكويف أعشى ربيعة (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)406-407‬؛ وأعشى همدان (عبد‬ ‫الرمحن بن عبد اهلل بن احلارث اهلمداني) ‪( 39‬م ‪ ،3 ،‬ص ‪،104 -103‬‬ ‫‪)163 -162‬؛ ومسلم بن قتيبة موىل بين هاشم (م ‪ ، 3،‬ص ‪ )72 ،‬وحممد‬ ‫‪159‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫بن أسلم األنصاري (م ‪ ،3 ،‬ص ‪)79‬؛ والسيد بن حممد احلمريي (م ‪، 3 ،‬‬ ‫ص ‪)88 ،24‬؛ وحممد بن يزيد بن مسلمة بن عبد امللك بن مروان الذي‬ ‫مل نتمكن من إجياد ذكر له يف املراجع املتاحة لنا‪ ،‬ورمبا كان من بين‬ ‫أمية (م ‪ ،4 ،‬ص ‪. )352 - 349‬‬ ‫يف ما يلي بعض املعطيات عن مرات الذكر يف السياقات إياها لثالثة‬ ‫وعشرين شاعرا من هذه اجملموعة الفرعية ‪:‬‬ ‫األخطل‬

‫‪ 1‬يف كل من السياقني ‪9 ،8‬‬

‫جرير‬

‫‪ 1‬يف كل من السياقات ‪،5 ، 3 ،2‬‬ ‫‪10 ،8‬‬

‫الفرزدق‬

‫‪ 1‬يف كل من السياقني ‪8 ،7‬‬

‫شبة بن عقال‬

‫‪ 1‬يف السياق ‪12‬‬

‫عمر بن أبي ربيعة‬

‫‪ 1‬يف السياق ‪8‬‬

‫مجيل ‬

‫‪160‬‬

‫‪ 1‬يف السياق ‪3‬‬

‫قيس بن ذريح‬

‫‪ 1‬يف السياق ‪2‬‬

‫قيس بن امللوح‬ ‫ُ‬ ‫كثري‬

‫======‬ ‫= = = = = ‪ ،6‬و‪ 2‬يف السياق ‪10‬‬

‫عروة بن حزام ‬

‫‪ 3‬يف السياق ‪2‬‬

‫ابن قيس الرقيات‬

‫‪ 2‬يف السياق ‪2‬‬

‫الكميت‬

‫‪ 5‬يف السياق ‪ ،2‬و‪ 1‬يف السياق ‪9‬‬

‫قطري بن فجاءة‬

‫‪ 2‬يف السياق ‪10‬‬

‫مصقلة بن عتبان‬

‫‪ 1‬يف السياق ‪10‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫عبد اهلل بن الزبري األسدي‬ ‫عبد الرمحن السلولي ‬

‫===== ‪3‬‬ ‫= = = = == ‪10‬‬

‫عبد الرمحن بن احلكم‬

‫‪ 2‬يف السياق ‪10‬‬

‫أعشى ربيعة‬

‫‪ 1‬يف السياق ‪10‬‬

‫أعشى همدان ‬

‫‪ 1‬يف كل من السياقني ‪10 ،2‬‬

‫مسلم بن قتيبة‬

‫= = السياق ‪8‬‬

‫حممد بن أسلم‬

‫‪ 1‬يف كل من السياقني ‪10 ،8‬‬

‫السيد بن حممد‬

‫‪ 2‬يف السياق العاشر‬

‫حممد بن يزيد بن مسلمة‬

‫‪ 1‬يف السياق العاشر‬

‫نرى أن السياق الثاني (شخصية القص) هو األكثر تكرارا بالنسبة‬ ‫لشعراء هذه اجملموعة الفرعية‪ ،‬فقد استخدم ‪ 14‬مرة‪ .‬واألكثر شعبية‬ ‫بني الشخوص هو الكميت (ورد ذكره ‪ 5‬مرات) وعروة بن حزام (‪3‬‬ ‫مرات)‪ .‬أما الباقون الذين وردوا يف هذا احلقل فيأتي كل واحد منهم يف‬ ‫هذا الدور مرة واحدة ‪ .‬ومن بني سبعة شعراء يرد ذكرهم عند املسعودي‬ ‫كشخوص القص جند أن ثالثة (قيس بن ذريح ‪ ،‬وقيس بن امللوح‪ ،‬وعروة‬ ‫بن حزام) ميثلون ما يعرف باجتاه احلب العذري يف الشعر العربي يف العصر‬ ‫ُ‬ ‫أبطال قصص حب يكتنفها احلزن‬ ‫الوسيط الباكر ‪ .‬إن الشعراء العذريني‬ ‫واألسى ‪ .‬أما جرير وأعشى همدان فهما شخصا قص يتعلق باحلجاج ‪،‬‬ ‫بينما الكميت يبدي مشايعته لبين علي ومعاداة بين أمية ‪ ،‬ما يدل على‬ ‫اهتمام هؤالء الثالثة بالصراع السياسي االجتماعي يف عصر بين أمية‪.‬‬ ‫أما السياق العاشر (مؤلف أبيات يف الشأن العام ) فيعادل السياق الثاني‬ ‫من حيث عدد مرات االستخدام (‪ 14‬مرة ) ‪ .‬يرد ذكر عشرة شعراء يف‬ ‫‪161‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫هذا السياق ‪ :‬أربعة منهم – ُ‬ ‫كثري‪ ،‬والقطري بن الفجاءة‪ ،‬وعبد الرمحن‬ ‫بن احلكم‪ ،‬والسيد بن حممد ‪ -‬يذكرون مرتني‪ ،‬والباقون مرة واحدة‬ ‫لكل منهم ‪.‬‬ ‫السياق الثامن (مؤلف أبيات رثاء ) يستخدم هنا ‪ 6‬مرات ‪ ،‬وبالتساوي‬ ‫(مرة واحدة) بني مجيع الشعراء املذكورين فيه‪.‬‬ ‫يورد املسعودي مرة واحد شعر كل من ثالثة هم ‪ :‬جرير‪ ،‬ومجيل ‪،‬‬ ‫وعبد اهلل بن الزبري األسدي ‪ ،‬وذلك كنماذج عن إبداعاتهم (السياق‬ ‫الثالث) ‪.‬‬ ‫ويستخدم ثالث مرات أيضا السياق التاسع ‪ ،‬الذي ترد فيه مقتطفات‬ ‫من شعر كل من األخطل والكميت وأعشى همدان‪.‬‬ ‫ويستخدم مرة واحدة كل من السياقات األخرى‪ ،‬وهي‪ :‬اخلامس‬ ‫(املكانة الثقافية جلرير) ‪ ،‬والسادس (خرب وفاة كثري) ‪ ،‬والسابع‬ ‫(املقصود باألبيات الشعرية ‪ -‬الفرزدق ) ‪ ،‬والثاني عشر ( شبة بن عقال‬ ‫صاحب قول مأثور ) ‪.‬‬ ‫ومن بني الشعراء األمويني جند أن الكميت هو أكثر من ترد أخباره‪،‬‬ ‫إذ يذكر ‪ 6‬مرات إمجاال‪ ،‬مخسة منها كشخصية القص (السياق‬ ‫الثاني) ‪ ،‬ومرة واحدة يقتبس شعره شخص آخر (السياق التاسع) ‪.‬‬ ‫يليه جرير الذي يرد ذكره ‪ 5‬مرات يف مخسة سياقات ‪.‬‬ ‫وثـمة شاعران يرد ذكر كل منهما ‪ 3‬مرات ‪ ،‬هما‪ :‬كثري يف‬ ‫سياقني (اسم املتوفى ‪ -‬السياق السادس) ‪ ،‬ويورد املسعودي مقطعني من‬ ‫شعره يف الشأن العام (السياق العاشر)‪ .‬أما اآلخر فهو عروة بن حزام الذي‬ ‫يرد ذكره ثالث مرات يف سياق واحد هو السياق الثاني ( سبق وأشرنا‬ ‫‪162‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫إىل أنه أحد الشخوص األكثر شعبية يف القص) ‪.‬‬ ‫ثـمانية شعراء يرد ذكر كل منهم مرتني‪ ،‬و‪ 11‬شاعرا يرد ذكر‬ ‫كل منهم مرة واحدة ‪.‬‬

‫شعراء مرحلة “ التجديد”‬ ‫وفقا للتحقيب املتبع يف الدراسات الروسية عن األدب العربي‪ ،‬والشعر‬ ‫يف املقام األول ‪ ،‬فإن مرحلة ما يسمى بالتجديد (أواسط القرن الثامن‬ ‫– نهاية الربع األول من القرن التاسع) تعترب أول مرحلة للتطور األدبي‬ ‫الناضج ‪ .‬ويرد يف “مروج الذهب‪ “ ...‬ذكر الشعراء الذين أبدعوا يف هذه‬ ‫املرحلة‪ .‬واألكثر شهرة من بينهم ‪ :‬الشاعر العراقي العباس بن األحنف‬ ‫‪( 40‬م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ ،)109-11‬والشاعر البارز أبوالعتاهية ‪( 41‬م ‪ ، 3 ،‬ص‬ ‫‪ ،)....239- 325 ،319‬وشاعر ذاك العصر الكبري وأحد أسطع رموزه أبو‬ ‫نواس ‪( 42‬م ‪ ،3،‬ص ‪ ،)...327‬والشاعر املعروف كلثوم بن عمرو بن أيوب‬ ‫العتابي ‪( 43‬م ‪ ،3 ،‬ص ‪. )... 365‬‬ ‫ويرد عند املسعودي ذكر مجلة من الشخصيات الشعرية يف ذاك‬ ‫العصر‪ ،‬كصديق األصمعي – احلسن بن علي احلرمازي (م ‪ ،4 ،‬ص‬ ‫‪ )142‬؛ ومعاصر هارون الرشيد – أبو الغول الشاعر (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)...377‬؛‬ ‫وأبو جزرة ( أبو حرة) األعرابي (مل جند له ذكرا يف مراجع أخرى)‪( ،‬م ‪،‬‬ ‫‪ ، 3‬ص ‪ )391‬؛ أبو يعقوب اخلرميي (م ‪ ،4،‬ص ‪ )414‬؛ ومعاصر اخلليفة‬ ‫اهلادي‪ -‬أبو املعايف (م ‪ ،3،‬ص ‪ )337‬؛ وأبو خنيلة الذي بدأ سريته األدبية يف‬ ‫عهد األمويني (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ )278‬؛ ومعاصر املأمون – أبو سعيد املخزومي‬ ‫(م‪ ، 4 ،‬ص ‪ )45‬؛ وعلي بن أبي معاذ (م‪ ،3 ،‬ص ‪ )389‬الذي مل نستطع‬ ‫التحقق من هويته عرب مصادر أخرى؛ وحممد بن عطية العطوي (م‪،4 ،‬‬ ‫ص ‪ )226‬الذي يبدو أنه عاش يف عهد هارون الرشيد؛ وأشجع ُ‬ ‫الس َّلمي (م‪،‬‬ ‫‪163‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫‪ ، 3‬ص ‪ )392- 390‬أحد ذوي احلظوة عند جعفر بن حييى الربمكي؛‬ ‫ومعاصر هارون الرشيد – بكر بن النطاح (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ )62‬؛ ومعاصر‬ ‫اخلليفتني اهلادي واملهدي ومداح الربامكة ابن أبي حفصة (م‪ ،3 ،‬ص‬ ‫‪)332 ،299‬؛ وابن العذافر القمي (م‪ ،4 ،‬ص ‪ )238‬؛ وابن يامني البصري‬ ‫(م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ )346 - 345‬الذي عاش يف عهد اخلليفة اهلادي؛ ومعاصر‬ ‫اخلليفة املأمون‪ -‬ابن أبي نعيم (م ‪ ،4،‬ص ‪ )22‬؛ ومعاصر هارون الرشيد‬ ‫ّ‬ ‫البجلي الذي عاش‬ ‫ابن أبي ُعيينة (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ )349‬؛ وابراهيم بن املهاجر‬ ‫يف عهد اخلليفة أبي العباس السفاح (م ‪ ،3،‬ص ‪ )43‬؛ وابراهيم بن حرملة‬ ‫الذي عاصر اخلليفة املنصور( م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ ) 329‬؛ ومداح هارون الرشيد‬ ‫– منصور النمري (م‪ ،3 ،‬ص ‪ )391‬؛ ومداح اخلليفتني املنصور واملهدي‬ ‫– مطيع بن إياس الكويف (م‪ ،4،‬ص ‪ )315‬؛ ومعاصر املأمون‪ -‬حممد بن‬ ‫حازم الباهلي (م‪ ،4 ،‬ص ‪ )31 -30‬؛ وصاحل بن عبد القدوس (م ‪ ،4،‬ص‬ ‫ص‪ )176 – 175‬؛ والقريب من الربامكة صاحل بن ُطريف األعرابي‬ ‫(م ‪ ، 3 ،‬ص ‪ )391 – 390‬؛ ومعاصر هارون الرشسد – الشاعر العماني‬ ‫الذي مل جند له ذكرا يف مراجع أخرى (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)362‬؛ وامساعيل بن‬ ‫ابراهيم بن محدويه احلمدوني (م ‪ ،4،‬ص ‪ )220‬الذي عاش تقريبا يف‬ ‫الفرتة ذاتها‪ ،‬ومحاد عجرد (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪ )315‬الذي بدأ مسريته يف عهد‬ ‫األمويني وذاعت شهرته يف عهد اخلليفة العباسي املهدي؛ وأخريا معاصر‬ ‫أبي النواس ‪ -‬شوسة الفقعسي الذي مل نستطع التحقق من هويته عرب‬ ‫مراجع أخرى (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪.)366‬‬ ‫يف ما يلي عدد مرات ذكر ممثلي هذه اجملموعة الفرعية يف السياقات‬ ‫إياها ‪:‬‬

‫‪164‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫الشعراء “اجملددون”‬ ‫العباس بن األحنف‬

‫مرة واحدة يف كل من ‪5 ،3 ،2‬‬

‫أبو العتاهية‬

‫عشرمرات يف ‪ ،2‬ومخس يف ‪،3‬‬ ‫ومرتان يف ‪ ،5‬ومرة واحدة يف‬ ‫كل من ‪ 6‬و ‪8‬‬

‫أبو نواس‬

‫أربع مرات يف ‪ ،2‬ومرتان يف ‪،3‬‬ ‫ومرة واحدة يف كل من ‪ 5‬و ‪8‬‬

‫العتابي‬

‫مرتان يف ‪ ، 2‬ومرة واحدة يف كل‬ ‫من ‪10 ،8 ،5‬‬

‫احلرمازي‬

‫مرة واحدة يف ‪1‬‬

‫أبو الغول الشاعر‬

‫مرتان يف ‪10‬‬

‫ابو جزرة(حرة) األعرابي‬

‫مرة واحدة يف ‪8‬‬

‫اخلرميي‬

‫مرة واحدة يف ‪10‬‬

‫ابو املعايف‬

‫=======‬

‫أبو خنيلة‬

‫مرة واحدة يف ‪2‬‬

‫املخزومي‬

‫مرة واحدة يف ‪10‬‬

‫العطوي‬

‫مرة واحدة يف ‪3‬‬

‫أشجع‬

‫ثالث مرات يف ‪8‬‬

‫بكر بن النطاح ‬ ‫ابن أبي نعيم‬

‫مرة واحدة يف ‪3‬‬ ‫مرة واحدة يف ‪10‬‬ ‫‪165‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ابن أبي عيينة‬

‫=======‬

‫ابن أبي حفصة‬

‫مرة واحدة يف كل من ‪3 ،2‬‬

‫ابن العذافر القمي‬

‫مرة واحدة يف ‪10‬‬

‫ابن يامني البصري‬

‫مرة واحدة يف ‪2‬‬

‫ّ‬ ‫البجلي‬ ‫ابراهيم بن مهاجر‬

‫مرة واحدة يف ‪10‬‬

‫ابراهني بن حرملة‬

‫=======‬

‫منصور النمري‬

‫مرة واحدة يف ‪8‬‬

‫مطيع بن إياس‬

‫==== ‪5‬‬

‫حممد الباهلي ‬

‫= = = = ‪10‬‬

‫صاحل بن عبد القدوس‬

‫==== ‪9‬‬

‫صاحل األعرابي‬

‫= = = = ‪10‬‬

‫العماني‬

‫==== ‪2‬‬

‫احلمدوني‬

‫==== ‪3‬‬

‫محاد عجرد ‬

‫==== ‪5‬‬

‫شوسة الفقعسي‬

‫====‪5‬‬

‫اجملموع‬

‫‪67‬‬

‫إن السياق الثاني (شخصية القص) هو األكثر استخداما (‪ 21‬مرة) ‪.‬‬ ‫واألكثر شعبية يف هذا السياق هو أبو العتاهية الذي يرد ذكره‬ ‫كبطل اخلرب ‪ 10‬مرات ‪ .‬ويليه ابو نواس ( شخصية القص ‪ 4‬مرات)‪،‬‬ ‫ثم العتابي (يرد ذكره مرتني)‪ .‬أما الشعراء اخلمسة اآلخرون يف هذا‬ ‫احلقل فريد ذكر كل منهم مرة واحدة ‪.‬‬ ‫‪166‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫والسياق التالي من حيث التكرار هو السياق العاشر (مؤلف أبيات‬ ‫شعرية يف الشأن العام) ‪ ،‬فيستخدم ‪ 13‬مرة ‪ .‬وفيه يرد ذكر أبو الغول‬ ‫الشاعر مرتني ‪ ،‬ومرة واحدة لكل من ‪ 11‬شاعرا ‪.‬‬ ‫ويستخدم السياق الثالث (منوذج من إبداع الشاعر) ‪ 12‬مرة‪ .‬وهنا أيضا‬ ‫يتصدر أبو العتاهية الذي يرد ذكره ‪ 5‬مرات؛ يليه أبو النواس (مرتني) ‪.‬‬ ‫أما اآلخرون وعددهم مخسة فريد ذكر كل منهم مرة واحدة‪.‬‬ ‫ويستخدم السياق الثامن (مؤلف أبيات رثاء) ‪ 9‬مرات‪ ،‬فريد ذكر أشجع‬ ‫ثالث مرات‪ ،‬وعلي بن أبي معاذ مرتني‪ ،‬ومرة واحدة يرد ذكر أربعة‬ ‫شعراء آخرين هم ‪ :‬أبو العتاهية ‪ ،‬أبو نواس ‪ ،‬أبو جدرة األعرابي‪ ،‬ومنصور‬ ‫النمري ‪ .‬إن أغلبية القصائد املذكورة يف السياق الثامن مكرسة‬ ‫ملصرع ساللة الربامكة وبعض أبنائها‪ ،‬ورمبا كان هذا املوضوع أحد‬ ‫األحداث التارخيية اهلامة بالنسبة لشعراء مرحلة “التجديد”‪.‬‬ ‫يشري املسعودي ثـماني مرات إىل املكانة الثقافية هلذا الشاعر أو‬ ‫ذاك من شعراء هذه اجملموعة الفرعية (السياق اخلامس)‪ ،‬فيذكر أبا‬ ‫العتاهية مرتني‪ ،‬ومرة واحدة كال من ستة شعراء آخرين‪.‬‬ ‫ويستخدم السياق التاسع (مؤلف أبيات مقتبسة ) يف “مروج الذهب ‪”...‬‬ ‫مرتني ‪ ،‬وذلك عند توصيف أبا العتاهية وصاحل بن عبد القدوس ‪.‬‬ ‫وينطبق األمر نفسه على السياق السادس (اسم املتوفى )‪ ،‬فريد ذكر‬ ‫أبي العتاهية مرة واحدة‪.‬‬ ‫والسياق األول (مصدر اخلرب) يستخدم مرة واحدة ‪ ،‬حيث يرد ذكر‬ ‫احلرمازي ‪ .‬ومن حيث عدد مرات الذكر جند أن ترتيب شعراء التجديد‬ ‫هو على النحو التالي ‪ :‬أبو العتاهية (‪ 19‬مرة يف مخسة سياقات)؛ أبو‬ ‫نواس (‪ 8‬مرات يف ‪ 4‬سياقات)؛ العتابي (‪ 5‬مرات يف ‪ 4‬سياقات)؛ العباس‬ ‫‪167‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫بن األحنف (‪ 3‬مرات يف ‪ 3‬سياقات)؛ أشجع ( ‪ 3‬مرات يف سياق واحد)؛‬ ‫أبو الغول الشاعر (مرتني يف سياق واحد)؛ علي بن أبي معاذ (مرتني يف‬ ‫سياق واحد)؛ وابن أبي حفصة (مرتني يف سياقني) ‪ .‬أما الثالثة والعشرون‬ ‫اآلخرون فريد ذكر كل منهم مرة واحدة فقط‪.‬‬

‫شعراء مرحلة نشوء الكالسيكية العربية‬ ‫إن املـرحـلة الثانـية فـي تـطـور الشعـر العـربي هـي مـرحلـة نـشـوء‬ ‫الكالسيكية العربية اليت متتد زمنيا من عشرينات القرن التاسع‬ ‫حتى أواخره ‪.‬‬ ‫وتتمثل هذه املرحلة يف “مروج الذهب ‪ ”...‬بكبار الشعراء‪ ،‬مثل أبي‬ ‫متام ‪ ،‬والبحرتي ‪ ،‬وابن املعتز ‪ ،‬وابن الرومي‪ .‬وبشعراء أقل مكانة من‬ ‫بينهم دعبل بن علي اخلزاعي ‪ ،‬وأبوالعيناء‪ ،‬وأبو علي البصري ‪ ،‬وعلي‬ ‫بن اجلهم الشامي ‪ ،‬ومعاصر اخلليفة املكتفي – علي بن بسام‪،‬‬ ‫والشاعر احلجازي ابن ميادة ‪ ،‬وشاعر الغزل الذي ولد يف البصرة أو يف‬ ‫مصر ماني املوسوس الذي مسي كذلك بسبب سلكوه الغريب‪ ،‬وشاعر‬ ‫البالط عند املتوكل – مروان بن أبي اجلنوب ‪ ،‬والبصري الذي اشتهر‬ ‫بعد انتقاله إىل بغداد احلسني بن الضحاك اخلليع‪.‬‬ ‫وثـمة عدد من الشعراء أقل شهرة ميثلون هذه املرحلة منهم ‪ :‬أبو فرعون‬ ‫التميمي الذي عاش يف الكوفة ؛ وأبو هفان املخزومي معاصر اخلليفة‬ ‫املعتصم؛ والشاعر الشيعي علي بن حممد بن جعفر العلوي احلماني ؛‬ ‫وأمحد بن حييى الفران (العراف) الكويف ؛ وأمحد بن طاهر الكاتب ؛‬ ‫وإدريس بن أبي حفصة ؛ ويعقوب التمار املقرب من اخلليفة املنتصر ؛‬ ‫والشاعر املعروف ُ‬ ‫بالسلمي معاصر اخلليفة املتوكل؛ والشاعر احلكم‬ ‫بن قنربة املارني البصري ؛ والشاعر احلارثي البدوي‪.‬‬ ‫‪168‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫وأخريا ‪ ،‬ثـمة شاعران مل نستطع التحقق من هويتهما عرب مراجع‬ ‫أخرى‪ ،‬هما ‪ :‬الكناني ‪ ،‬واحلسن بن حممد بن فهم ‪.‬‬ ‫فيما يلي عدد مرات ذكر هؤالء الشعراء اخلمسة والعشرين يف‬ ‫السياقات إياها‪:‬‬

‫شعراء بداية مرحلة الكالسيكية‬ ‫أبو متام‬

‫‪ 5‬مرات يف كل من السياقني‬ ‫الثاني واخلامس ‪ .‬ومرة واحدة يف‬ ‫السياق ‪ ،6‬ومرتان يف السياق ‪10‬‬

‫البحرتي‬

‫مرتان يف كل من السياقني األول‬ ‫والثاني ‪ ،‬ومرة يف كل من الثالث‬ ‫واخلامس ‪ ،‬وثالث مرات يف العاشر‬

‫ابن املعتز‬

‫‪ 3‬مرات يف السياق الثالث‪ ،‬ومرتان‬ ‫يف اخلامس‬

‫ابن الرومي‬

‫‪ 6‬مرات يف السياق الثالث‪ ،‬و‪ 3‬مرات‬ ‫يف السياق خلامس‪ ،‬ومرة واحدة‬ ‫يف السياق السادس‬

‫دعبل‬

‫مرة واحدة يف كل من السياقني‬ ‫الثامن والعاشر‬

‫أبو العيناء‬

‫‪ 3‬مرات يف السياق الثاني‪ ،‬ومرة‬ ‫واحدة يف كل من اخلامس‬ ‫والسادس‬ ‫‪169‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫أبو علي البصري‬

‫مرة واحدة يف كل من السياقات‬ ‫الثاني والثالث والعاشر ‪ ،‬ومرتني‬ ‫يف اخلامس‬

‫علي بن اجلهم‬

‫مرة واحدة يف كل من األول‬ ‫واخلامس والسادس والثامن‪،‬‬ ‫ومرتني يف كل من الثاني‬ ‫والثالث ‪ ،‬و‪3‬مرات يف العاشر‬

‫ابن بسام‬

‫مرة واحدة يف كل من الثالث‬ ‫والسادس‪ ،‬ومرتان يف اخلامس ‪،‬‬ ‫مخس مرات يف العاشر‬

‫ابن ميادة‬

‫مرة واحدة يف األول‬

‫ماني املوسوس‬

‫مرة واحدة يف الثاني‬

‫مروان بن أبي اجلنوب‬

‫مرتان يف العاشر‬

‫احلسن اخلليع ‬

‫‪170‬‬

‫مرة واحدة يف كل من الثاني‬ ‫والثامن والعاشر‬

‫أبو فرعون‬

‫مرة واحدة يف الثالث‬

‫أبوهفان‬

‫مرة واحدة يف كل من الثالث‬ ‫والعاشر‬

‫علي احلماني‬

‫‪ 3‬مرات يف الثاني ‪ ،‬ومرتان يف‬ ‫الثامن‪ ،‬ومرة واحدة يف العاشر‬

‫أمحد الكويف‬

‫مرتان يف الثالث‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫أمحد الكاتب‬

‫مرة واحدة يف كل من السادس‬ ‫والثامن‬

‫ادريس بن أبي حفصة‬

‫مرة واحدة يف العاشر‬

‫يعقوب التمار ‬

‫= = = = = ==‬

‫السلمي‬

‫=======‬

‫احلكم بن قنربة‬

‫مرة واحدة يف كل من اخلامس‬ ‫والثالث‬

‫احلارث‬

‫مرة واحدة يف كل من الثاني‬ ‫والسابع‬

‫الكناني‬

‫مرة واحدة يف العاشر‬

‫احلسن بن حممد الفهم‬

‫= = = = = ==‬

‫إن السياق األكثر تكرارا (‪ 26‬مرة) هو السياق العاشر ( مؤلف أبيات‬ ‫يف الشأن العام ) ‪ .‬ولعل يف ذلك دليال على املستوى العالي الخنراط‬ ‫ُّ‬ ‫تشكل الكالسيكية العربية يف احلياة االجتماعية‬ ‫شعراء مرحلة‬ ‫السياسية لذاك العصر ‪ .‬واألول يف هذا السياق هو ابن بسام (‪ 5‬مرات)‪،‬‬ ‫يليه البحرتي وعلي بن اجلهم (‪ 3‬مرات لكل منهما)‪ .‬أما الشعراء الثالثة‬ ‫عشر الباقون يف هذا احلقل فريد ذكر كل منهم مرة ‪ ،‬أو مرتني ‪.‬‬ ‫والسياق التالي من حيث االستخدام ( ‪ 19‬مرة ) هو السياق الثاني‬ ‫(شخصية القص)‪ ،‬ثم الثالث (منوذج من إبداع الشاعر)‪.‬‬ ‫يف السياق الثاني يفوز أبو متام بالعدد األكرب من مرات الذكر‬ ‫(‪5‬مرات) ‪ ،‬يليه البحرتي و علي احلماني ( ‪ 3‬مرات لكل منهما)‪ ،‬ثم‬ ‫أخريا أبو علي البصري ‪ ،‬وماني املوسوس‪ ،‬واحلسن اخلليع ‪ ،‬واحلارث (مرة‬ ‫واحدة لكل منهم) ‪.‬‬ ‫‪171‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ومن حيث عدد مرات الذكر يف السياق الثالث حيتل املركز األول ابن‬ ‫الرومي (‪ 6‬مرات) ‪ .‬ويف املرتبة الثانية يأتي ابن املعتز (‪ 3‬مرات) ‪ .‬ثم علي‬ ‫بن اجلهم وأمحد الكويف فريد ذكر كل منهما مرتني ‪ .‬وستة يف هذا‬ ‫السياق يرد ذكرهم مرة واحدة لكل منهم وهم ‪ :‬البحرتي ‪ ،‬وأبو علي‬ ‫البصري‪ ،‬وابن بسام‪ ،‬وأبو فرعون ‪ ،‬وأبو هفان ‪ ،‬واحلكم بن قنربة ‪.‬‬ ‫ويف السياق اخلامس (املكانة الثقافية) الذي يستخدم ‪ 18‬مرة‪ ،‬يرد‬ ‫ذكر أبي متام ‪ 5‬مرات‪ ،‬وابن الرومي ‪ 3‬مرات‪ ،‬وابن املعتز و أبو علي‬ ‫البصري وابن بسام مرتني لكل منهم‪ ،‬والبحرتي وأبو العيناء وعلي بن‬ ‫اجلهم واحلكم بن قنربة مرة واحدة لكل منهم ‪.‬‬ ‫أما السياقات األخرى فهي أقل استخداما‪.‬‬ ‫وهكذا جند أن السياق السادس (اسم املتوفى) والسياق الثامن ( مؤلف‬ ‫أبيات رثاء) استخدم ‪ 6‬مرات (لكل منهما) ‪ .‬ويف السياق السادس يرد‬ ‫ذكر ‪ 6‬شعراء مرة واحدة لكل منهم‪ .‬ومن بني مخسة أشخاص يف‬ ‫السياق الثامن يرد ذكر علي احلماني مرتني‪ .‬أما الباقون فمرة واحدة‬ ‫لكل منهم ‪.‬‬ ‫يف السياق األول (مصدر اخلرب) الذي استخدم إمجاال ‪ 4‬مرات يرد ذكر‬ ‫البحرتي مرتني ‪ ،‬بينما يرد مرة واحدة ذكر كل من علي بن اجلهم‪،‬‬ ‫وابن ميادة ‪.‬‬ ‫وأخريا يرد يف السياق السابع (املقصود باألبيات الشعرية) ذكر‬ ‫احلارث مرة واحدة ‪.‬‬ ‫ومن حيث عدد مرات الذكر نضع قائمة األمساء على النحو التالي ‪ :‬أبو‬ ‫متام ‪ 13‬مرة ؛ ابن الرومي وأبو علي اجلهم ‪ 11‬مرة لكل منهما؛ البحرتي‬ ‫وابن بسام ‪ 9‬مرات لكل منهما؛ علي احلماني ‪ 6‬مرات؛ ابن املعتز وأبو‬ ‫‪172‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫العيناء وأبو علي البصري مخس مرات لكل منهم؛ احلسن اخلليع ‪3‬‬ ‫مرات؛ دعبل ومروان بن أبي اجلنوب وأبو هفان ‪ ،‬وأمحد الكويف ‪،‬‬ ‫وأمحد الكاتب واحلكم بن قنربة واحلارث مرتان لكل منهم‪ ،‬ومرة‬ ‫واحدة لكل من الباقني‪.‬‬

‫شعراء مرحلة ازدهار الكالسيكية العربية‬ ‫إن هذه املرحلة األدبية اليت حتظى باهتمام كبري من قبل علم‬ ‫االستشراق الروسي متتد ثالثة قرون (العاشر – الثاني عشر)‪ .‬مل يعاصر‬ ‫املسعودي الذي تويف عام ‪ 965‬إال بداية هذه املرحلة‪ ،‬ولذلك ال يرد يف‬ ‫مؤلفه سوى عدد قليل من شعراء ذاك العصر‪ ،‬األكثر شهرة بينهم هو‬ ‫حممود بن احلسني الكاتب املعروف ُ‬ ‫بكشاجم (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪)... 363‬‬ ‫والشعراء األقل شهرة يف النصف األول من القرن العاشر هم ‪ :‬معاصر‬ ‫املسعودي ‪ -‬علي بن حممد التنوخي األنطاكي املولود يف البصرة (م‪،‬‬ ‫‪ 4‬ص ‪ )320-321‬؛ وكذلك البصري ابن لنكك (أبو احلسني حممد‬ ‫بن حممد بن جعفر (م‪ ،4 ،‬ص ‪ )352‬؛ ومعاصر اخلليفة املتقي – نصر بن‬ ‫أمحد اخلبزأرزي (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪)353 ،352‬؛ والشاعر الشيعي الضرير نصر‬ ‫بن نصري احللواني (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪. ) 321‬‬ ‫يف ما يلي عدد مرات ذكر مخسة من شعراء هذه اجملموعة الفرعية‬ ‫يف بعض السياقات ‪:‬‬

‫‪173‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫شعراء ازدهار الكالسيكية‬ ‫كشاجم‬

‫أربع مرات يف السياق الثالث‬

‫علي األنطاكي‬

‫مرة واحدة يف السياق الثالث‬

‫ابن لنكك‬

‫مرة واحدة يف السياق السابع‬

‫اخلبزأرزي‬

‫مرة واحدة يف كل من الثالث‬ ‫واخلامس‬

‫نصري بن احللواني‬

‫==============‬

‫اجملموع‬

‫‪10‬‬

‫ومن بني ثالثة سياقات يرد فيها عند املسعودي ذكر شعراء هذه‬ ‫املرحلة‪ ،‬جند أن األكثر استخداما هو السياق الثالث (منوذج من إبداع‬ ‫الشاعر)‪ .‬يرد يف هذا السياق ذكر كشاجم أربع مرات من أصل سبع ‪،‬‬ ‫بينما املرات الثالث األخرى هي من نصيب علي األنطاكي ‪ ،‬واخلبزأرزي‪،‬‬ ‫ونصري احللواني ‪.‬‬ ‫ويستخدم مرتني السياق اخلامس (املكانة الثقافية) ‪ ،‬وهو موزع بني‬ ‫اخلبزأرزي ونصري بن احللواني ‪.‬‬ ‫وأخريا‪ ،‬جند يف السياق اخلامس (املقصود باألبيات الشعرية) ابن‬ ‫لنكك مرة واحدة فقط ‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن الشاعر األكثر ذكرا من بني شعراء مرحلة ازدهار‬ ‫الكالسيكية هو كشاجم (‪ 4‬مرات)‪ ،‬يليه اخلبزأرزي ونصري بن‬ ‫احللواني (مرتان لكل منهما) ‪ ،‬ويشغل ابن لنكك وعلي األنطاكي‬ ‫املرتبة األخرية يف هذه القائمة (يرد مرة واحدة ذكر كل منهما)‪.‬‬ ‫‪174‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫الشعراء املوسيقيون‬ ‫تلعب املوسيقى والغناء دورا هاما يف مرحلة نضج الثقافة العربية‬ ‫اإلسالمية ‪ ،‬بل ال يندر أن يقوم املغنون واملوسيقيون بدور الشعراء (‪.)44‬‬ ‫ولذا رأينا ادراجهم يف جمموعة فرعية ضمن اجملموعة العامة ملمثلي‬ ‫الثقافة الشعرية العربية ‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬ال بد بادئ ذي بدء من اإلشارة إىل أبناء عائلة املوصلي املوسيقية‬ ‫الشعرية الشهرية ‪ .‬ومنهم املوسيقي والشاعر ابراهيم بن ماهان املوصلي‬ ‫الذي احتل مكانة بارزة يف بالط هارون الرشيد ‪( 45‬م‪ ،3 ،‬ص ‪، 348‬‬ ‫‪ )370‬؛ وابنه اسحاق بن ابراهيم املوصلي املوسيقي املعروف الذي كان‬ ‫من مقربي ومسار اخلليفتني هارون الرشيد واملأمون (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪)... 208‬‬ ‫؛ ومحاد بن اسحاق بن ابراهيم املوصلي الذي كان يف األساس من علماء‬ ‫احلديث ‪ ،‬دون أن تنقصه مواهب األدب واملوسيقى (م ‪ ، 3 ،‬ص ‪.)257‬‬ ‫ويف ميدان املوسيقى والغناء وقرض الشعر اشتهر عم املأمون‪ ،‬ابراهيم‬ ‫ابن اخلليفة املهدي من اجلارية السوداء شكلة‪ ،‬الذي ادعى اخلالفة يف‬ ‫عام ‪ ،817‬ويف الفرتة ‪ 826 - 819‬توارى عن أنظار أصحاب بن أخيه‪ ،‬ثم‬ ‫ألقي القبض عليه ‪ ،‬ويف ما بعد ُع َ‬ ‫في عنه ‪.46‬‬ ‫ويرد يف «مروج الذهب ‪ »...‬أيضا شعراء موسيقيون اشتهروا أيام هارون‬ ‫الرشيد‪ ،‬ومنهم ‪ :‬أبو زكار الطنبوري ‪ ، 47‬وابن جامع‪ ،‬ومسكني املدني‬ ‫(أصله من املدينة) ‪.‬‬ ‫ومن الشعراء املوسيقيني يف مراحل الحقة يذكر املسعودي معاصر‬ ‫املنتصر – َّ‬ ‫بنان بن احلارث العواد ‪ ،‬وأمحد بن سعيد املكي‪ .‬وكان‬ ‫حييى بن علي املنجم النديم مشهورا مبعرفة نظريات املوسيقى ‪.48‬‬ ‫‪175‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫يف ما يلي عدد مرات ذكر عشرة من ممثلي هذه اجملموعة‬ ‫الفرعية يف السياقات إياها ‪:‬‬ ‫ابراهيم املوصلي‬

‫مرة واحدة يف كل من األول‬ ‫والعاشر‬

‫اسحاق املوصلي‬

‫‪ 4‬مرات يف األول‪ ،‬ومرتان يف‬ ‫الثاني‪ ،‬ومرة واحدة يف الثالث‬

‫محاد املوصلي‬

‫مرة واحدة يف األول‬

‫ابراهيم بن املهدي‬

‫‪ 4‬مرات يف األول‪ ،‬وسبع مرات يف‬ ‫الثاني‪،‬ومرة واحدة يف كل من‬ ‫اخلامس والعاشر‬

‫أبو زكار الطنبوري‬

‫مرة واحدة يف الثالث‬

‫ابن جامع‬

‫مرة واحدة يف الثاني‬

‫َّ‬ ‫بنان بن احلارث العواد‬

‫مرة واحدة يف الثالث‬

‫املكي‬

‫مرة واحدة يف األول‬

‫حييى بن علي املنجم النديم‬

‫مرتان يف الثاني‪ ،‬ومرة واحدة يف‬ ‫العاشر‬

‫اجملموع‬

‫‪31‬‬

‫نالحظ أن األكثر تكرارا هو السياق األول ( مصدر اخلرب)‪ ،‬وقد‬ ‫استخدم ‪ 13‬مرة ‪ .‬ويرد ذكر إسحاق املوصلي وابراهيم بن املهدي يف هذا‬ ‫السياق ‪ 4‬مرات لكل منهما‪ .‬بينما يرد ذكر حييى بن علي املنجم‬ ‫النديم مرتني ‪ .‬ويرد ذكر ثالثة آخرين يف هذا السياق مرة واحدة لكل‬ ‫منهم ‪.‬‬ ‫‪176‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ُ‬ ‫السياق الثاني (شخصية القص) إذ‬ ‫يلي ذلك من حيث التكرار‬ ‫استخدم ‪ 11‬مرة‪ ،‬كان العدد األكرب منها البراهيم بن املهدي (‪ 7‬مرات)‪،‬‬ ‫يليه اسحاق املوصلي (مرتني) ‪ ،‬ثم ابن جامع ‪ ،‬ومسكني املدني (مرة‬ ‫واحدة لكل منهما) ‪.‬‬ ‫يف السياق الثالث (منوذج من إبداع الشاعر) يرد مرة واحدة ذكر كل‬ ‫من ‪ :‬اسحاق املوصلي ‪ ،‬وأبي زكار الطنبوري‪ ،‬وبنان بن احلارث العواد‪.‬‬ ‫ويستخم ثالث مرات أيضا السياق العاشر (مؤلف أبيات يف الشأن‬ ‫العام) ‪.‬‬ ‫والسياق اخلامس (املكانة الثقافية ) يستخدم مرة واحدة يرد فيها‬ ‫ذكر ابراهيم بن املهدي ‪.‬‬ ‫إن املغين واملوسيقي ُ‬ ‫األكر ذكرا هو ابراهيم بن املهدي (‪ 13‬مرة)؛ يليه‬ ‫بفارق كبري إسحاق املوصلي (‪ 7‬مرات)؛ ثم حييى بن املنجم النديم (‪3‬‬ ‫مرات)‪ ،‬وأخريا ابراهيم املوصلي (مرتان) ‪ .‬أما الستة الباقون فريد ذكرهم‬ ‫عند املسعودي مرة واحد لكل منهم ‪.‬‬ ‫إن الفقرات الواردة أدناه مكرسة حلملة الثقافة الشعرية العربية‬ ‫الذين تعاطوا الشأن الثقايف دون أن يتخذوا ذلك مهنة ‪.‬‬

‫رجال الدين كهواة للشعر‬ ‫نصادف يف “مروج الذهب ‪ ”...‬شخصيات دينية لديهم اهتمامات شعرية‬ ‫واضحة كل الوضوح ‪ .‬ومن هؤالء عامل احلديث سليمان بن قتة ‪( 49‬م‪،‬‬ ‫‪ ،3‬ص ‪ ،)...74‬والداعية وناقل املوروث الديين ابن السماك (م‪ ،3 ،‬ص‬ ‫‪ ،)359‬والفقيه املعروف حممد بن داود األصبهاني الزاهري ‪( 50‬م ‪ ،4،‬ص‬ ‫‪177‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫‪ ) 296‬والنحوي الشهري الفقيه واألديب نفطويه (م ‪ ، 4 ،‬ص ‪. )294 -289‬‬ ‫يف ما يلي مرات ذكر أربعة من ممثلي هذه اجملموعة الفرعية يف‬ ‫بعص السياقات ‪:‬‬

‫علماء الدين الشعراء‬ ‫سليمان بن قتة‬

‫مـرة واحـدة فـي كـل مـن‬ ‫السياقني الثامن والعاشر‬

‫ابن السماك‬

‫مرة واحدة يف الثالث‬

‫األصبهاني‬

‫مرة واحدة يف األول‪ ،‬ومرتان يف‬ ‫السادس‬

‫نفطويه‬

‫مرة واحدة يف األول‬

‫جملموع‬

‫‪7‬‬

‫استخدم كل من السياقني الثالث (منوذج من إبداع الشاعر) والسادس‬ ‫(اسم املتوفى) مرتني ‪ ،‬أما السياقات األخرى (األول ‪ ،‬الثامن ‪ ،‬والعاشر) فقد‬ ‫استخدم كل منها مرة واحدة فقط ‪.‬‬ ‫جتدر املالحظة هنا أن كلتا احلالتني اللتني استخدم فيهما السياق‬ ‫السادس تتعلقان بالشخص ذاته ـ أي األصبهاني‪ ،‬ما يدل على األهمية‬ ‫اخلاصة هلذه الشخصية عند مؤلف “مروج الذهب ‪ .”...‬وباإلضافة إىل ذلك‬ ‫فإن األصبهاني هو عامل الدين الشاعر األكثر تكـرارا فـي هـذا املـؤلف‬ ‫( ثالث مرات) ‪ .‬‬ ‫يرد ذكر سليمان بن قتة مرتني ‪ ،‬أما ابن السماك ونفطويه فريد‬ ‫ذكر كل منهما مرة واحدة ‪.‬‬ ‫‪178‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫رجاالت الدولة كهواة للشعر‬ ‫أوال ‪ .‬جتدر اإلشارة بني هذه اجملموعة الفرعية إىل خمضرمني عاصروا‬ ‫اخللفاء الراشدين واألمويني ‪ ،‬ومنهم ‪ :‬علي بن أبي طالب؛ واحملارب‬ ‫الشهري عمرو بن معد يكرب الزبيدي ؛ التابعي الفارس زفر بن احلارث‬ ‫الكالبي الذي حارب يف صفني (عام ‪ )657‬إىل جانب معاوية بن أبي‬ ‫سفيان ؛ والقائد العسكري والشخصية السياسية األحنف بن قيس ؛‬ ‫وأحد أكرب رجاالت الدولة والثقافة يف عهد األمويني احلجاج بن يوسف‪،‬‬ ‫ووالي خراسان أواخر عهد األمويني نصر بن سيار‪.‬‬

‫يف ما يلي السياقات وعدد مرات ما يرد فيها من ذكر ستة شخصيات‬ ‫من اجملموعة الفرعية األوىل‪:‬‬

‫رجاالت الدولة األدباء املخضرمون‬ ‫علي بن أبي طالب‬

‫عاشر‪ ،‬ومرتان يف احلادي عشر‪،‬‬ ‫ومرة واحدة يف الثالث عشر‬

‫عمرو بن معديكرب‬

‫مرة واحدة يف السياق الثاني‬

‫زفر بن احلارث‬

‫مرة واحدة يف السياق العاشر‬

‫ألحنف بن قيس‬

‫مرة واحدة يف السياق الثاني‬

‫احلجاج بن يوسف‬

‫‪ 3‬مرات يف العاشر‪ ،‬ومرة واحدة يف‬ ‫الثاني عشر‬

‫نصر بن سيار‬

‫ومرتان يف العاشر‬

‫اجملموع‬

‫‪19‬‬ ‫‪179‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫يبني اجلدول السابق أن األكثر تكرارا هو السياق العاشر (مؤلف‬ ‫أبيات شعر يف الشأن العام) ‪ ،‬حيث استخدم ‪ 9‬مرات‪( .‬ذكر ثالث مرات‬ ‫كل من علي بن أبي طالب واحلجاج بن يوسف ‪ ،‬ومرتني نصر بن سيار‪،‬‬ ‫ومرة واحدة زفر بن احلارث الكالبي) ‪.‬‬ ‫والسياق التالي من حيث التكرار هو الثامن (مؤلف أبيات رثاء)‪ .‬إن‬ ‫مرات الذكر األربع هنا ختص علي بن أبي طالب‪.‬‬ ‫وكل من السياقني الثاني (شخصية القص) واحلادي عشر (صاحب‬ ‫قول مأثور) يستخدم مرتني ‪ .‬ويف السياق الثاني يرد مرة واحدة ذكر‬ ‫كل من عمرو بن معد يكرب واألحنف بن قيس‪ ،‬بينما يرد يف السياق‬ ‫احلادي عشر ذكر علي بن أبي طالب مرتني ‪.‬‬ ‫يف السياق الثاني عشر جند أن صاحب اخلطبة البالغية هو احلجاج‬ ‫بن يوسف ‪ ،‬بينما يف السياق الثالث عشر جند علي بن أبي طالب يف‬ ‫دور الشاعر الذي يتحدث عن الدنيا الفانية‪ .‬وكالهما يرد ذكره مرة‬ ‫واحدة ‪.‬‬ ‫ومن بني أشخاص هذه اجملموعة الفرعية جند أن ذكر علي بن أبي‬ ‫طالب يتكرر أكثر من غريه (‪ 10‬مرات) ‪ ،‬يليه احلجاج بن يوسف (‪4‬‬ ‫مرات) ‪ ،‬ثم نصر بن سيار (مرتني) ‪ .‬أما الباقون من هذه القائمة ‪ ،‬وعددهم‬ ‫ثالثة ‪ ،‬فريد ذكر كل منهم مرة واحدة ‪.‬‬ ‫عصر الساللة العباسية ٌ‬ ‫َ‬ ‫عدد من رجاالت الدولة األدباء‬ ‫ثانيا ‪ .‬ميثل‬ ‫أمثال ابراهيم بن العباس الصولي الذي شغل مناصب رفيعة عند اخللفاء‬ ‫العباسيني من املأمون وحتى املتوكل ؛ وأخو املأمون األمري العباسي أبو‬ ‫عيسى بن الرشيد والي الكوفة الذي اشتهر باجلمال والرباعة يف نظم‬ ‫الشعر‪.‬‬ ‫‪180‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫يلي هؤالء كل من ‪ :‬صاحب منطقة اجلبال شبه املستقل عن سلطة‬ ‫اخلالفة أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي ؛ ووزير املعتصم والواثق –‬ ‫حممد بن عبد امللك بن الزيات ‪ 51‬؛ ومعاصر أبي متام وصاحب املنصب‬ ‫الكبري احلسن بن وهب الكاتب ؛ واملوظف البارز وراعي األدب احلسن‬ ‫بن رجاء ؛ والفتح بن خاقان “كاتب اخلليفة املتوكل ومواله ‪ ،‬أغلب‬ ‫الناس عليه وأقربهم منه وأكثرهم تقدما عنده ‪ ،‬وكان له نصيب‬ ‫من العلم ومنزلة من األدب”‪ ،‬شغل العديد من املناصب املهمة يف إدارة‬ ‫الدولة ‪ ،‬وقتل وهو يدافع عن املتوكل أثناء مترد احلرس الرتكي ‪52‬؛‬ ‫وكاتب اجلند وشاعر الديوان خالد بن يزيد الكاتب ؛ ورئيس ديوان‬ ‫الرسائل عند اخلليفة املستعني – سعيد بن محيد‪“ 53 ،‬وكان حافظا‬ ‫ملا يستحسن من األ خبار ‪ ،‬ويستجاد من األشعار‪ ،‬متصرفا يف فنون العلم”؛‬ ‫والكاتب ابراهيم بن املدبر ‪ 54‬؛ وحممد بن أبي عون ؛ وحممد بن نصر‬ ‫بن بسام والد الشاعر الذي مر ذكره أعاله؛ وأخريا اخلليفة العباسي‬ ‫املستكفي ‪.‬‬ ‫يف ما يلي السياقات وعدد مرات ذكر ‪ 13‬شخصية من اجملموعة‬ ‫الفرعية الثانية ‪:‬‬

‫رجال الدولة األدباء يف العصر العباسي‬ ‫ابراهيم بن العباس‬ ‫أبو عيسى بن الرشيد ‬ ‫أبو دلف‬

‫مرتان يف كل من الثاني والثالث‪،‬‬ ‫ومرة واحدة يف كل من اخلامس‬ ‫واحلادي عشر‬ ‫مرة واحدة يف اخلامس‬ ‫مرتان يف الثاني‪ ،‬ومرة‬ ‫واحدة يف كل من الثالث‬ ‫والسادس والسابع‬ ‫‪181‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ابن الزيات‬

‫مرة واحدة يف كل من الثالث‬ ‫والثالث عشر‬

‫احلسن بن وهب الكاتب‬

‫مرة واحدة يف الثامن‬

‫احلسن بن رجاء‬

‫مرة واحدة يف األول‬

‫الفتح بن خاقان‬

‫مرة واحدة يف كل من الثاني‬ ‫واخلامس‬

‫خالد بن يزيد الكاتب‬

‫مرة واحدة يف الثالث‬

‫سعيد بن محيد‬

‫مرة واحدة يف كل من الثالث‬ ‫والسابع‪ ،‬ومرتان يف اخلامس‬

‫ابراهيم بن املدبر‬

‫مرة واحدة يف الثاني والعاشر‬

‫حممد بن أبي عون‬

‫مرة واحدة يف األول‬

‫حممد بن بسام‬

‫= = = = = كل من الثاني والسابع‬ ‫والعاشر‪ ،‬ومرتان يف اخلامس‬

‫املستكفي‬

‫مرة واحدة يف الثالث‬

‫اجملموع‬

‫‪32‬‬

‫ثـمة ثالثة سياقات جاءت يف املرتبة األوىل من حيت تكرارها ‪ ،‬إذ أن‬ ‫كال منها استخدم ‪ 7‬مرات ‪ ،‬وهي ‪ :‬السياق الثاني (مخس أشخاص‬ ‫يف دور شخصية القص) ‪ ،‬والسياق الثالث (أشعار ستة أشخاص‬ ‫كنماذج عن إبداعهم) ‪ ،‬والسياق اخلامس (املكانة الثقافية)‪.‬‬ ‫ويرد يف هذا احلقل ذكر مخسة شعراء ‪.‬‬ ‫يرد يف السياق الثاني ذكر ابراهيم بن العباس وأبي دلف (مرتني‬ ‫لكل منهما) ‪ ،‬والفتح بن خاقان ‪ ،‬وابراهيم بن املدبر ‪ ،‬وحممد بن بسام‬ ‫‪182‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫(مرة واحدة لكل منهم ) ‪.‬‬ ‫ويف السياق الثالث يرد ذكر ابراهيم بن العباس مرتني ‪ .‬أما الباقون‬ ‫( أبو دلف ‪ ،‬ابن الزيات ‪ ،‬خالد بن يزيد الكاتب ‪ ،‬سعيد بن محيد‪،‬‬ ‫واملستكفي ) فريد ذكر كل منهم مرة واحدة فقط ‪.‬‬ ‫ويف السياق اخلامس يرد مرتني ذكر سعيد بن محيد‪ ،‬وحممد بن‬ ‫بسام ‪ .‬أما ابراهيم بن العباس ‪ ،‬وأبو عيسى بن الرشيد‪ ،‬والفتح بن خاقان‬ ‫فريد ذكر كل منهم مرة واحدى فقط ‪.‬‬ ‫ويلي السياقات اليت عددناها أعاله السياق السابع الذي استخدم ثالث‬ ‫مرات‪ ،‬وورد فيه ذكر كل من أبي دلف‪ ،‬وسعيد بن محيد‪ ،‬وحممد‬ ‫بن بسام مرة واحدة لكل منهم كشخص قيل فيه شعر ما (املقصود‬ ‫باألبيات الشعرية) ‪.‬‬ ‫السياق األول ( مصدر اخلرب) يستخدم مرتني فقط‪ ،‬وكذلك السياق‬ ‫العاشر (مؤلف شعر يف الشأن العام) ‪.‬‬ ‫أما السياقات األخرى فتستخدم مرة واحدة لكل منها ‪ ،‬وهي‪ :‬السادس‬ ‫(اسم املتوفى)‪ ،‬والثامن (مؤلف أبيات رثاء)‪ ،‬واحلادي عشر (صاحب قول‬ ‫مأثور )‪ ،‬والثالث عشر (مؤلف شعر عن الدنيا الفانية) ‪.‬‬ ‫إن ابراهيم بن العباس رجل الدولة الشاعر يف العصر العباسي هو‬ ‫األكثر ذكرا يف هذا اجملال ( ‪ 6‬مرات)‪ ،‬يليه أبو دلف وحممد بن بسام‬ ‫(‪ 5‬مرات)‪ ،‬ثم سعيد بن محيد (‪ 4‬مرات)‪ .‬أما ابن الزيات ‪ ،‬والفتح بن خاقان‪،‬‬ ‫وابراهيم بن املدبر فريد ذكر كل منهم مرتني فقط ‪.‬‬ ‫يتضح من اجلدول أعاله أن ستة من األدباء – رجال الدولة يرد ذكرهم‬ ‫مرة واحدة لكل منهم‪.‬‬ ‫‪183‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫عند مقارنة اجلدولني السابقني نرى أن طيف السياقات يف الثاني‬ ‫أوسع ‪ ،‬ويشمل عشرة مقابل ستة يف األول‪ .‬غري أن سياقا واحدا ‪ ،‬هو‬ ‫الثاني عشر (خطبة بالغية) املستخدم يف اجلدول األول ‪ ،‬ال يستخدم يف‬ ‫الثاني أبدا‪ .‬ويف اجلدول األول حيث األرقام عن شخصيات من العصرين‬ ‫األموي والعباسي (املخضرمني ) ال يستخدم السياق األول (مصدر اخلرب)‬ ‫والسياق الثالث (منوذج من إبداع الشاعر) واخلامس (املكانة الثقافية)‪،‬‬ ‫والسادس (اسم املتوفى)‪ ،‬والسابع (الشخص املقصود باألبيات الشعرية)‪.‬‬ ‫وهذا ما يدل على أن تصوير رجاالت الدولة يف دور أدباء هو أمشل‬ ‫وأكثر تنوعا يف العصر العباسي مما كان عليه يف العصرين‬ ‫السابقني (الراشدي واألموي)‪.‬‬ ‫ولتوصيف شخصيات هاتني املرحلتني األقدم ( اجملموعة الفرعية‪)1‬‬ ‫فإن السياق األكثر استخداما هو العاشر (مؤلف أشعار يف الشأن‬ ‫العام)‪ ،‬أما يف العصر العباسي (اجملموعة الفرعية ‪ )2‬فهو السياق الثاني‬ ‫(شخصية القص) والثالث (منوذج من إبداع الشاعر) واخلامس (املكانة‬ ‫الثقافية)‪ .‬ومن ثم يأتي عند شخصيات اجملموعة األوىل السياق الثامن‬ ‫(مؤلف أبيات رثاء)‪ ،‬وعند اجملموعة الثانية السياق السابع (الشخص‬ ‫املقصود باألبيات الشعرية)‪ .‬ويأتي يف املرتبة الثالثة من حيث عدد‬ ‫مرات الذكر السياق الثاني (شخصية القص) واحلادي عشر (صاحب‬ ‫قول مأثور)‪ ،‬وذلك بالنسبة للمجموعة األوىل‪ .‬أما بالنسبة لشخصيات‬ ‫اجملموعة الثانية فيأتي السياق األول (مصدر اخلرب) والعاشر (مؤلف‬ ‫أبيات شعرية يف الشأن العام ) ‪.‬‬ ‫إن معطيات اجلدولني كليهما تدل أيضا على أن مرات ذكر‬ ‫شخصيات العصر العباسي أكثر تقاربا فيما بينها‪ .‬أما إذا قارنا عدد‬ ‫مرات ذكر علي بن أبي طالب وابراهيم بن العباس جند أن حصة األول‬ ‫‪184‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫تبلغ ‪ 52،63%‬من العدد اإلمجالي‪ ،‬يف حني أن هذا املؤشر يصل عند‬ ‫الثاني إىل ‪ 18،75%‬فقط ‪.‬‬ ‫إن التباينات اليت أشرنا إليها يف ما يتعلق بتصوير رجاالت الدولة‬ ‫األدباء يف كل من العصرين تعود على األرجح إىل أن اختيار املادة‬ ‫املتعلقة بشخصيات عهدي اخللفاء الراشدين واألمويني قد حكمته ‪،‬‬ ‫وبدرجة كبرية‪ ،‬تقاليد ترسخت مبرور الزمن‪ ،‬يف حني أن شخصيات‬ ‫العصر العباسي كانوا ما يزالون حديثي عهد ‪ ،‬ومل يكن يفصلهم عن‬ ‫مؤلف “مروج الذهب ‪ ”..‬زمن بعيد (بل أن بعضهم كان من معاصريه)‪،‬‬ ‫وكان ال بد من مقاربتهم مقاربة جديدة غري مستندة إىل التقاليد‪.‬‬ ‫هذا مع العلم بأن التباينات اليت أشرنا إليها قد تلقي الضوء على طابع‬ ‫آخر للحياة األدبية يف زمن العباسيني مقارنة بالعصرين السابقني‪،‬‬ ‫وقد تدل كذلك على تغري كبري يف توجهات الشعر العربي من‬ ‫الناحية االجتماعية ومن حيث املواضيع اليت يتناوهلا‪ .‬فإذا كان اإلبداع‬ ‫الشعري بالنسبة لرجاالت الدولة يف العهدين الراشدي واألموي شكال‬ ‫من أشكال اخلدمة املدنية والنضال السياسي (وظيفته هذه كانت‬ ‫موروثة عن عصر ما قبل اإلسالم)‪ ،‬فقد صار هذا اإلبداع – وإىل حد‬ ‫كبري ‪ -‬مسألة شخصية بالنسبة هلؤالء يف زمن العباسيني ‪.‬‬ ‫أهم رجاالت الدولة والشخصيات التارخيية ضمن السياقات إياها‬ ‫ٌ‬ ‫مسة خاصة من مسات املؤلفات‬ ‫إشباع النص باملقاطع الشعرية‬ ‫التارخيية العربية يف القرون الوسطى ‪ ،‬مبا فيها كتاب املسعودي‬ ‫“مروج الذهب ومعادن اجلوهر”‪ .‬إن جزءا كبريا من هذه املقاطع الشعرية‬ ‫يأتي على ألسنة شخصيات تارخيية كبرية ال يذكر املسعودي شيئا‬ ‫عن اهتماماتها األدبية ‪ ،‬وذلك خالفا للشخصيات اليت تعرضنا هلا يف‬ ‫اجملموعتني الفرعيتني السابقتني ‪.‬‬ ‫‪185‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ومن ناحية التتابع الزمين فإن األقدم من بني هؤالء الشخصيات يف “مروج‬ ‫الذهب‪ ”...‬هو آخر ملوك احلرية من سالسة اللخميني ‪ ،‬النعمان بن املنذر‬ ‫ُ‬ ‫(النعمان) غريها ‪.‬‬ ‫الذي يتمثل معاوية بأبيات له مل يقل‬ ‫أوال‪ .‬من كبار شخصيات عهد اخللفاء الراشدين واألمويني جند‬ ‫عند املسعودي ‪ :‬خصوم علي بن أبي طالب يف الصراع على حكم‬ ‫اجلماعة اإلسالمية‪ :‬الزبري بن العوام ‪55‬؛ وطلحة بن عبيد اهلل ؛ والقائد‬ ‫العسكري ورجل الدولة العربي اإلسالمي البارز عمرو بن العاص ‪56‬؛‬ ‫واخلليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان؛ ومؤسس الساللة األموية‬ ‫احلاكمة معاوية بن أبي سفيان؛ وابنه اخلليفة األموي الثاني يزيد بن‬ ‫معاوية‪ .‬وإىل جانب هؤالء جند إمام الشيعة اإلمامية الثالث احلسني بن‬ ‫علي بن أبي طالب؛ واإلمام الرابع علي بن احلسني بن علي بن أبي طالب‬ ‫زين العابدين السجاد؛ والطامح إىل اخلالفة عبد اهلل بن الزبري ‪57‬؛ وأحد‬ ‫أهم اخللفاء األمويني عبد امللك بن مروان؛ ووالي خراسان الذي خرج على‬ ‫األمويني وقتل يف الصراع ضدهم يزيد بن املهلب ‪58‬؛ واخلليفة األموي‬ ‫(خامس اخللفاء الراشدين) عمرو بن عبد العزيز؛ واخلليفة األموي يزيد‬ ‫بن عبد امللك بن مروان؛ واخلليفة مروان بن حممد‪.‬‬ ‫فيما يلي السياقات وعدد مرات الذكر فيها لستة عشر شخصا من‬ ‫اجملموعة الفرعية األوىل ‪.‬‬

‫‪186‬‬

‫النعمان بن املنذر‬

‫مرة واحدة يف السياق التاسع‬

‫الزبري بن العوام‬

‫= = = = يف كل من اخلامس‬ ‫والعاشر‬

‫طلحة بني عبيد اهلل‬

‫مرة واحدة يف العاشر‬

‫عمرو بن العاص‬

‫======= =‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ ‬

‫عثمان بن عفان‬

‫مرة واحدة يف الثالث عشر‬

‫معاوية بن أبي سفيان‬

‫‪ 3‬مرات يف العاشر‪ ،‬ومرتان يف‬ ‫الثاني عشر‬

‫يزيد بن معاوية‬

‫مرة واحدة يف الثاني‪ ،‬و‪ 3‬مرات يف‬ ‫العاشر‬

‫احلسني بن علي بن أبي طالب‬

‫مرة واحدة يف كل من السايع‬ ‫والعاشر‬

‫علي بن احلسني بن علي‬

‫= = = = يف العاشر‬

‫عبد اهلل بني الزبري‬

‫= == = = = = =‬

‫عبد امللك بن مروان‬

‫‪ 5‬مرات يف العاشر‬

‫يزيد بن املهلب‬

‫مرة واحدة يف التاسع‬

‫عمر بن عبد العزيز‬

‫مرة واحدة يف الثاني‬

‫يزيد بن عبد امللك‬

‫مرتان يف الثاني‪ ،‬ومرة واحدة يف‬ ‫الثامن‬

‫الوليد بن يزيد بن عبد امللك‬

‫مرة واحدة يف كل من الثاني‬ ‫واخلامس‪ ،‬وثالث مرات يف الثالث‬

‫مروان بن حممد‬

‫مرة واحدة يف الثاني‬

‫اجملموع‬

‫‪35‬‬

‫وكما نرى ‪ ،‬فإن األكثر تكرارا هو السياق العاشر (مؤلف أبيات يف‬ ‫الشأن العام)‪ ،‬فقد استخدم ‪ 17‬مرة ‪ ،‬منها ‪ 5‬مرات يرد فيها ذكر عبد‬ ‫امللك بن مروان ‪ ،‬و‪ 3‬مرات ذكر كل من معاوية بن أبي سفيان ويزيد‬ ‫‪187‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫بن معاوية ‪ ،‬ومرة واحدة ذكر كل من الزبري بن العوام وطلحة بن‬ ‫عبيد اهلل‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬واحلسني بن علي بن أبي طالب ‪ ،‬وعلي‬ ‫بن احلسني بن علي ‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبري ‪.‬‬ ‫والسياق الثاني (شخصية القص) استخدم ‪ 6‬مرات‪ ،‬حيث يرد ذكر‬ ‫يزيد بن عبد امللك مرتني ‪ ،‬أما األربعة الباقون فريد ذكر كل منهم‬ ‫مرة واحدة ‪.‬‬ ‫املرتبة الثالثة يتقامسها السياق الثالث (حيث يرد ذكر الوليد بن يزيد‬ ‫بن عبد امللك ثالث مرات كشاعر ) ‪ ،‬والسياق الثالث عشر (كمؤلف‬ ‫أبيات عن احلياة الفانية يرد ذكر معاوية بن أبي سفيان مرتني ‪،‬‬ ‫وعثمان بن عفان مرة واحدة)‪ .‬يلي ذلك سياقان اثنان هما‪ :‬اخلامس‬ ‫الذي يدور فيه احلديث مرتني عن املكانة الثقافية لكل من الزبري بن‬ ‫العوام ‪،‬والوليد بن يزيد بن عبد امللك ‪ ،‬والسياق التاسع حيث يرد مرة‬ ‫واحدة ذكر كل من النعمان بن املنذر ويزيد بن املهلب كمؤلف أبيات‬ ‫مقتبسة يف النص‪.‬‬ ‫أما أدنى املؤشرات (أي الذكر مرة واحدة) فهي للسياق السابع‬ ‫(الشخص املقصود باألبيات الشعرية ‪ -‬يف هذه احلالة احلسني بن علي‬ ‫بن أبي طالب) والثامن (مؤلف أبيات رثاء – هو يف هذه احلالة يزيد بن‬ ‫عبد امللك)‪.‬‬ ‫إن أكرب عدد من مرات الذكر ( ‪ 5‬مرات ) هو من نصيب ثالثة‬ ‫شخصيات ‪ :‬معاوية بن أبي سفيان ( ‪ 3‬مرات كمؤلف أبيات شعرية يف‬ ‫الشأن العام ‪ ،‬ومرتني كمؤلف أبيات عن احلياة الفانية) ؛ وعبد امللك‬ ‫بن مروان (يرد ذكره مخس مرات يف السياق العاشر) ؛ والوليد بن يزيد‬ ‫بن عبد امللك (ثالث مرات كشاعر ‪ ،‬ومرة واحدة كشخصية القص ‪،‬‬ ‫وأخرى يف السياق اخلامس – مكانته الثقافية) ‪.‬‬ ‫‪188‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ويرد أربع مرات ذكر يزيد بن معاوية ‪ ،‬ثالث منها كصاحب أبيات‬ ‫شعر يف الشأن العام ‪ ،‬أي يف السياق العاشر ‪.‬‬ ‫ويرد ثالث مرات ذكر يزيد بن عبد امللك ‪ ،‬اثنتان منها كشخصية‬ ‫قص (السياق الثاني) ومرة واحدة كمؤلف أبيات رثاء ( السياق الثامن) ‪.‬‬ ‫ويرد مرتني ذكر كل من الزبري بن العوام (مرة عن مكانته الثقافية‬ ‫– السياق اخلامس؛ ومرة كمؤلف شعر يف الشأن العام – السياق‬ ‫العاشر)‪ ،‬وكذلك احلسني بن علي بن أبي طالب ( مرة يف السياق‬ ‫السابـع ‪ ،‬ومرة يف السياق العاشر) ‪.‬‬ ‫أما الشخصيات األخرى فريد ذكر كل منها مرة واحدة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫النعمان بن املنذر (السياق التاسع – مؤلف أبيات مقتبسة)‪ ،‬وطلحة بن‬ ‫عبيد اهلل (السياق العاشر – مؤلف شعر يف الشأن العام)؛ وعمرو بن‬ ‫العاص (السياق العاشر أيضا)‪ ،‬وعثمان بن عفان (السياق الثالث عشر‬ ‫– مؤلف شعر عن احلياة الفانية)‪ ،‬وعلي بن احلسني بن علي (السياق‬ ‫العاشر)‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبري (السياق العاشر) ‪ ،‬ويزيد بن املهلب (السياق‬ ‫احلادي عشر)‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز (السياق الثاني ‪ -‬شخصية القص)‬ ‫ومروان بن حممد (السياق الثاني ايضا) ‪.‬‬ ‫ثانيا‪ .‬يتمثل العصر العباسي يف “مروج الذهب ‪ ”..‬بعدد من كبار‬ ‫الشخصيات كاخلليفة العباسي الثاني املنصور‪ ،‬والشخصية الشيعية‬ ‫املعروفة ابراهيم العلوي ؛ واخلليفة هارون الرشيد؛ وأحد أبرز الربامكة‬ ‫ومؤدب األمني – الفضل بن حييى الربمكي ‪59‬؛ واخلليفة املأمون ؛‬ ‫وعامل الدين الشهري الشافعي ؛ واخلليفة الواثق ؛ وإمام الشيعة اإلمامية‬ ‫العاشر علي بن حممد العلوي النقي اهلادي ؛ والفقيه وعامل احلديث‬ ‫العلوي األصل أبو هاشم اجلعفري؛ واخلليفة املعتز ؛ والقائد العسكري‬ ‫‪189‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫املعروف مؤسس ساللة الصفاريني يعقوب بن الليث الصفار ‪60‬؛‬ ‫واخلليفة الراضي؛ واخلليفة املتقي ‪.‬‬ ‫يف ما يلي السياقات وعدد املرات اليت يرد فيها ذكر الشخصيات‬ ‫الثالث عشرة اليت تتألف منها اجملموعة الفرعية الثانية‪:‬‬

‫املنصور‬

‫مرة واحدة يف كل من السياقني‬ ‫العاشر والثالث عشر‬

‫ابراهيم العلوي‬

‫مرة واحدة يف السياق العاشر‬

‫الرشيد‬

‫= = = = = == =‬

‫الفضل الربمكي‬

‫========‬

‫املأمون‬

‫مرة واحدة يف كل من الثالث و‬ ‫الثالث عشر‬

‫الشافعي‬

‫مرة واحدة يف العاشر‬

‫الواثق‬

‫مرة واحدة يف الثالث عشر‬

‫علي بن حممد العلوي‬

‫= = = = = = == = =‬

‫أبو هاشم اجلعفري‬

‫مرة واحدة يف العاشر‬

‫املعتز‬

‫مرة واحدة يف كل من السابع‬ ‫والثالث عشر‬

‫الصفار‬

‫مرة واحدة يف العاشر‬

‫الراضي‬

‫مرة واحدة يف كل من الثالث‬ ‫واخلامس‬

‫‪190‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫املتقي‬

‫مرة واحدة يف اخلامس‬

‫اجملموع‬

‫‪17‬‬

‫إن السياق األكثر تكرارا (‪ 7‬مرات) هو السياق العاشر (مؤلف شعر يف‬ ‫الشأن العام )‪ ،‬يليه بفارق بسيط السياق الثالث عشر (مؤلف شعر عن‬ ‫احلياة الفانية) حيث يستخدم ‪ 5‬مرات ‪.‬‬ ‫يف السياق العاشر يرد مرة واحدة ذكر كل من املنصور‪ ،‬وابراهيم‬ ‫العلوي ‪ ،‬والرشيد‪ ،‬والفضل الربمكي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو هاشم اجلعفري‪،‬‬ ‫والصفار‪.‬‬ ‫يف السياق الثالث عشر يرد أيضا مرة واحدة ذكر كل من املنصور‪،‬‬ ‫واملأمون‪ ،‬والواثق وعلي بن حممد العلوي ‪ ،‬واملعتز‪.‬‬ ‫يستخدم كل من السياقني ‪ :‬الثالث (منوذج من إبداع الشاعر)‪،‬‬ ‫واخلامس (املكانة الثقافية) مرتني ‪ ،‬فريد يف الثالث ذكر املأمون‬ ‫والراضي ‪ ،‬ويف اخلامس ذكر الراضي واملتقي ‪.‬‬ ‫وأخريا ‪ ،‬السياق السابع يستخدم مرة واحدة حيث املعتز هو املقصود‬ ‫باألبيات الشعرية ‪.‬‬ ‫وباإلمجال ‪ ،‬فإن أربعة من الشخصيات الثالث عشرة يرد ذكرهم‬ ‫مرتني لكل منهم‪ ،‬وهم املنصور ( يف السياقني العاشر والثالث عشر) ‪،‬‬ ‫واملأمون ( يف السياقني الثالث والثالث عشر)‪ ،‬واملعتز (يف السياقني السابع‬ ‫والثامن)‪ ،‬والراضي ( يف السياقني الثالث واخلامس)‪.‬‬ ‫أما الباقون ‪ ،‬وعددهم تسعة‪ ،‬فريد ذكر كل منهم مرة واحدة (ستة‬ ‫منهم يف السياق العاشر‪ ،‬واثنان يف السياق الثالث عشر‪ ،‬وواحد فقط يف‬ ‫السياق اخلامس) ‪.‬‬ ‫‪191‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫الشخصيات التارخيية من الدرجة الثانية يف‬ ‫السياقات األدبية‬ ‫إىل جانب الشخصيات التارخيية البارزة يأتي املسعودي على ذكر‬ ‫آخرين كشخصيات أدبية أقل أهمية‪ .‬ومن هؤالء طالب بن أبي طالب‬ ‫(أخو علي بن أبي طالب) الذي «أخرجه املشركون حملاربة الرسول يوم‬ ‫بدر كرها (عام ‪ ، )624‬ومضى ومل ُيعرف له خرب» ؛ وزوجة اخلليفة‬ ‫عثمان بن عفان النصرانية نائلة بنت الفرافصة اليت بقيت معه ودافعت‬ ‫عنه أثناء حماصرته من قبل املتمردين ؛ وأخو عثمان بن عفان من أمه –‬ ‫الوليد بن عقبة ؛ وقاتل الزبري بن العوام – عمرو بن اجلرموز التميمي؛‬ ‫ومعاصر زياد بن أبيه ‪ – 61‬عبد اهلل بن السائب ؛ والوجيه القرشي‬ ‫الفقيه املدني البارز أبو بكر بن احلارث بن هشام ؛ ومعاصر عبد اهلل بن‬ ‫الزبري – قضاعة األسدي ؛ ‪ 62‬و عبد اهلل بن األمحر ‪.‬‬ ‫نشري إىل أن الشخصيات التارخيية يف هذه اجملموعة الفرعية ينتمون‬ ‫إىل مرحلة ظهور اإلسالم وعهد اخللفاء الراشدين وعصر األمويني ‪.‬‬ ‫فيما يلي عدد مرات ذكر ثـمانية من هؤالء والسياقات اليت يرد فيها‬ ‫ذكرهم ‪:‬‬

‫شخصيات تارخيية من الدرجة الثانية‬

‫‪192‬‬

‫طالب بن أبي طالب‬

‫مرة واحدة يف السياق العاشر‬

‫نائلة بنت الفرافصة‬

‫= = = = = = = = الثامن‬

‫الوليد بن عقبة‬

‫===========‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫عمرو بن جرموز‬

‫مرة واحدة يف السياق العاشر‬

‫عبد اهلل بن السائب‬

‫مرة واحدة يف السياق الثامن‬

‫أبو بكر بن احلارث بن هشام‬

‫= = = = = = = = العاشر‬

‫قضاعة األسدي‬

‫= = = = == == = = =‬

‫عبد اهلل بن األمحر‬

‫= = = = = === = = =‬

‫اجملموع‬

‫ ‬

‫‪8‬‬

‫من السياقني املستخدمني هنا جند أن العاشر ( مؤلف أبيات يف الشأن‬ ‫العام ) يستخدم أكثر مبرتني من الثامن (مؤلف أبيات رثاء )‪.‬‬ ‫وجتدر املالحظة أن مجيع األمساء ذكرت مرة واحدة فقط لكل منها‪.‬‬ ‫كما سبق وأشرنا أعاله ‪ ،‬فإن كل املذكورين يف هذه اجملموعة‬ ‫الفرعية ينتمون إىل مراحل مبكرة ‪ ،‬وال يسجل كتاب املسعودي‬ ‫مثلها يف العصر العباسي‪ .‬وهذا يعود إىل ترسخ التقاليد التارخيية‬ ‫بدرجة كبرية بدءا من التاريخ املبكر للجماعة اإلسالمية ‪ ،‬حيث متيز‬ ‫ذلك بإشباع النصوص مبقاطع شعرية ‪.‬‬

‫ ‬

‫أشعار ملؤلفني جمهولني‬ ‫إن معظم حاالت (‪ 13‬حالة) ورود أشعار ملؤلفني مغفلي االسم يف «مروج‬ ‫الذهب‪ »..‬موجودة يف األقسام اليت تعرض تاريخ ظهور اإلسالم ‪ ،‬ومرحلة‬ ‫حكم اخللفاء الراشدين والعصر األموي ‪.‬‬ ‫أما القسم املكرس للساللة العباسية فيسجل سبع حاالت من‬ ‫هذا النوع ‪ ،‬ولعل يف ذلك دليال على أن دور اإلبداع األدبي يف العصر‬ ‫‪193‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫العباسي كعنصر من عناصر الثقافة السياسية واحلياة االجتماعية ‪،‬‬ ‫أقل بكثري مما كان عليه يف األزمنة السابقة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مغفلة من أمساء قائليها‬ ‫إن األبيات الشعرية اليت يوردها املسعودي‬ ‫تتعلق فقط بسياقني ‪ ،‬هما الثامن (مؤلف أبيات رثاء) والعاشر (مؤلف‬ ‫أبيات يف الشأن العام) ‪ .‬ومن املهم أن نالحظ هنا‪ ،‬مع وجود فرق كمي يف‬ ‫استخدام هذه األبيات ‪ ،‬أن النسبة بني السياقني املذكورين للمرحلتني‬ ‫التارخييتني تظل بال تغري عمليا‪ .‬وهكذا ‪ ،‬ففي أقسام الكتاب‬ ‫املكرسة ملرحلة اخللفاء الراشدين واألمويني ‪ ،‬يستخدم السياقان الثامن‬ ‫والعاشر ‪ 7‬و ‪ 6‬مرات على التوالي ‪ ،‬بينما يف القسم املخصص للعباسسني‬ ‫يستخدم هذان السياقان ‪ 3‬و ‪ 4‬مرات على التوالي ‪.‬‬ ‫نستنتج مما سبق أعاله أن ممثلي الثقافة الشعرية العربية يرد‬ ‫ذكرهم يف كتاب املسعودي ‪ 400‬مرة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫شعراء ما قبل ‪ ،‬وفجر ‪ ،‬اإلسالم‬ ‫شعراء العصر األموي‬ ‫شعراء مرحلة «التجديد»‬ ‫شعراء مرحلة نشوء‬ ‫الكالسيكية العربية‬ ‫شعراء مرحلة ازدهار‬ ‫مغنون وموسيقيون‬

‫علماء دين‬ ‫رجاالت دولة‬ ‫شخصيلت تاريخية من‬ ‫الدرجة الثانية‬

‫‪194‬‬

‫‪ 11‬مرة (‪)2،75%‬‬ ‫‪ 44‬مرة (‪)11%‬‬ ‫‪ 67‬مرة (‪)15،75%‬‬ ‫‪ 99‬مرة (‪)24،75%‬‬ ‫‪ 10‬مرات (‪)2،5%‬‬ ‫‪ 31‬مرة (‪)7،75%‬‬

‫‪ 7‬مرات (‪)1،75%‬‬ ‫‪ 51‬مرة (‪)12،75%‬‬ ‫‪ 8‬مرات (‪)2%‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫مؤلفو أشعار مجهولون‬

‫‪ 20‬مرة (‪)5%‬‬

‫وهكذا نرى أن العدد األكرب من مرات الذكر (وبالتالي احلصة‬ ‫األكرب) هي من نصيب شعراء مرحلة نشوء الكالسيكية العربية‬ ‫وشعراء مرحلة «التجديد»‪.‬‬ ‫يف ما يلي بيان بتوزع عدد مرات الذكر على ‪ 12‬سياقا ( من السياقات‬ ‫الثالثة عشر فثمة سياق واحد مل يستخدم هو السياق الرابع ) وذلك من‬ ‫حيث العدد والنسبة املئوية ‪:‬‬ ‫السياق‬

‫‪(1‬مصدر اخلرب)‬

‫‪ 21‬مرة‬

‫‪% 5،25‬‬

‫==‬

‫‪( 2‬شخصية‬ ‫القص)‬

‫‪ 81‬مرة‬

‫‪%20،25‬‬

‫==‬

‫‪( 3‬شاعر‪ ،‬أو‬ ‫منوذج عن‬ ‫إبداعه)‬

‫‪ 58‬مرة‬

‫==‬

‫‪( 5‬املكانة‬ ‫الثقافية)‬

‫‪ 42‬مرة‬

‫‪% 10،50‬‬

‫==‬

‫‪( 6‬اسم املتوفى)‬

‫‪ 11‬مرة‬

‫‪% 2،75‬‬

‫==‬

‫‪( 7‬املقصود‬ ‫باألبيات)‬

‫‪8‬مرات‬

‫‪%2،00‬‬

‫==‬

‫‪( 8‬مؤلف أبيات‬ ‫رثاء )‬

‫‪ 43‬مرة‬

‫‪% 10،75‬‬

‫==‬

‫‪( 9‬أبيات‬ ‫مقتبسة)‬

‫‪12‬مرة‬

‫‪%3،00‬‬

‫ ‬

‫‪%14،50‬‬

‫‪195‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫‪( 10‬مؤلف‬ ‫شعر يف الشأن‬ ‫العام)‬

‫‪ 109‬مرات‬

‫‪% 27،25‬‬

‫==‬

‫‪( 11‬صاحب‬ ‫قول مأثور)‬

‫‪ 3‬مرات‬

‫‪% 0،75‬‬

‫==‬

‫‪( 12‬مؤلف‬ ‫خطبة بالغية)‬

‫مرتان‬

‫‪00،50%‬‬

‫==‬

‫‪( 13‬مؤلف‬ ‫أبيات عن‬ ‫احلياة الفانية)‬

‫‪ 10‬مرات‬

‫==‬

‫‪02،50%‬‬

‫يتضح من هذه األرقام أن حصة السياق العاشر (‪ )% 27،25‬هي األكرب‬ ‫ضمن جمموعة ممثلي الثقافة الشعرية العربية ‪ .‬وهذا دليل على نسبة‬ ‫التسييس الكبرية يف الشعر العربي‪ ،‬على األقل كما تبدو يف «مروج‬ ‫الذهب ‪ .»..‬ونشري إىل أن هذا السياق يشمل أساسا شخصيات مل تتخذ‬ ‫من العمل األدبي مهنة هلا‪ .‬واملسعودي عند توصيفه شعراء مرحلة ازدهار‬ ‫الكالسيكية العربية مل يستخدم هذا السياق أبدا‪.‬‬ ‫ويف املرتبة الثانية من حيث االستعمال يأتي السياق الثاني (‪،)20،25%‬‬ ‫الذي يلعب دورا هاما يف أنساق املغنني واملوسيقيني وشعراء العصر‬ ‫األموي وشعراء مرحلة «التجديد»‪.‬‬ ‫كما أن حصة السياق الثالث كبرية نوعا ما‪ ،‬إذ تشكل ‪،% 14،5‬‬ ‫وبذلك يأتي هذا السياق يف املرتبة الثالثة ‪ .‬وقد استعمل بشكل رئيسي‬ ‫يف اجملموعة الفرعية لشعراء فرتة ازدهار الكالسيكية العربية ‪.‬‬

‫*******‬ ‫‪196‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫ننتقل اآلن إىل إجراء حتليل مقارن ألرقام اجملموعات األربع ذات العالقة‬ ‫بفن الكلمة العربي ‪ .‬وسنعرضها من ناحية الكم والنسبة املئوية ‪:‬‬ ‫محلة املعارف‬ ‫التارخيية‬

‫‪ 84‬مرة‬

‫‪% 13،60‬‬

‫محلة املعارف‬ ‫اللغوية‬

‫‪ 114‬مرة‬

‫‪% 18،41‬‬

‫كتاب النثر‬

‫‪ 21‬مرة‬

‫‪%3،39‬‬

‫محلة الثقافة‬ ‫الشعرية‬

‫‪ 400‬مرة‬

‫‪% 64،60‬‬

‫اجملموع‬

‫‪ 619‬مرة‬

‫‪% 100‬‬

‫وبذلك نرى أن محلة الثقافة الشعرية العربية يتمتعون حبصة األسد‬ ‫من حيث عدد مرات الذكر ‪ ،‬أي إن أخبار املسعودي املتعلقة باألدب‬ ‫العربي ‪ ،‬تدور أساسا حول التقاليد الشعرية ‪ .‬ومن الواضح متاما أن هذا‬ ‫الواقع يعكس الدور الرئيس للشعر يف الثقافة العربية اإلسالمية ‪،‬‬ ‫كما أشار الباحثون إىل ذلك مرارا‪.‬‬ ‫إن املرتبة الثانية اليت يشغلها محلة املعارف اللغوية تتوافق أيضا والوزن‬ ‫النوعي الفعلي لعلوم اللغة يف منظومة الثقافة العربية اإلسالمية ‪.‬‬ ‫ومما يدل على األهمية الكبرية للمعارف التارخيية يف الثقافة‬ ‫العربية اإلسالمية هو املؤشر العالي لعدد مرات ذكر ممثلي جمموعة‬ ‫هذا اجملال يف «مروج الذهب‪.»...‬‬ ‫أما حصة كتاب النثر املتدنية فتؤكد مقولة أن النثر األدبي كان‬ ‫حيتل مكانة هامشية – إىل حد معلوم ‪ -‬يف الثقافة العربية اإلسالمية ‪.‬‬ ‫‪197‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫وهكذا خنلص إىل أن التناسب بني مواد كتاب املسعودي املتعلقة‬ ‫مبختلف جوانب األدب العربي تؤكد تصوراتنا عن بنية الثقافة العربية‬ ‫اإلسالمية باإلمجال ‪.‬‬

‫ ‬

‫‪198‬‬


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

‫هوامش الفصل الرابع‬ Shboul ahmad M. H. Al-Mas’di…, p. 31 – 35 -1 Yver G. Hammad al-Rawiya, S. 266 – 267; -2 ‫ القرن اخلامس – بداية القرن العاشر‬.‫ تاريخ األدب العربي‬.‫ م‬.‫و فيلشتينيسكي إ‬ 465 ،194 ،167 ، 42 ‫ص‬ Pellat. Index. P. 145 -3 Ubn Chllikani, № 790 -4 122 ‫ ص‬،12 ‫ اجلزء‬،‫ اخلطيب االبغدادي‬-5 Sezgin, S. 288 -289 -6 57 – 51 ‫ ص‬،... ‫ األدب التارخيي العربي‬.‫ م‬.‫ بروزوروف س‬-7 Horoviz J. Al-Wakidi, S. 1195 – 1196 -8 Brockelmann C. Al-Mada’ini, S.87 -9 Paret R. Al-Tabari, S. 625 – 627 -10 Sourdel D. Le vizirat Abbaside…, p. 345 – 357 -11 Gibb H. A. R. Abu ‘Ubayda, p. 158 -12 Lewis B. Al-Asma’I, p. 717 – 718 -13 Pellat. Ibdex. P. 780 -14 Brockelmann C. Al-Mubrrad, S. 671 -672 -15 Pedersen J. Ubn Duraid, S. 398 -16 Pellat Ch. Djahza, p. 389 -17 Fuck J. W. Abu-l-Aswad al-Du’ali, p. 106- 197 -18 Blachere R. Abu’Amr b. al-‘Ala’, p. 105 – 106 -19 Ben Cheheb M. Al-khalil b. Ahmed, S.952 -20 Krenkov F. Sibawaihi, S. 427 – 428 -21 Ben Cheheb M. Al-Kisa’I, S. 1113 – 1114 -22 :‫عن مفهوم األديب ودور األدباء يف الثقافة العربية راجع‬-23 /‫بالروسية‬/ 147 ‫ ص‬،‫ النهضة اإلسالمية‬.‫ميتس أ‬ 216 ‫ ص‬،‫ الفهرست‬، ‫ابن النديم‬-24 Kratschkovsky Ugn. Al-Suli, S. 586 -587 -25 199


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

As-Suli, p. 8 – 38sq; Pellat. Index, p.127 Huart Cl. Ibn al-Mukaffa’, S. 430 Pellat Ch. Al-Djahiz, p. 385 – 387 Brockelmann C. Ibn Abi’l-Dunya, S. 377 – 378 Weil G. ‘Arud, p. 667 – 677 Krenkov F. Zuhair, S.

-26 -27 -28 -29 -30 -31 1338 – 1339 -32 33 -34 -35 -36 – 37 -38 -39

Blachere R. Al-Farazdak,p. 788 – 789 Gabrieli F. Djamil, p. 427 – 428Ibn Qotaiba. Liber poesis…, p. 362, 363, 399 – 400 Arendonk C. Kuthaiyir, S. 1255 – 1256 Ibn Qotaiba. Liber poesis…, p. 394 -399 Horovitz J. Al- Kumait b. Zaid, S. 1196 – 1197 Pellat. Index, p. 581 Wensinck A.J. ( Grunebaum G. E. von). A’sha -107 Hamdan, p. 690 ‫؛‬Blachere R. Al- Abbas b. al- Ahnaf, p. 9 – 10 – 111 - 40 340- 338 ‫وفليشتينسكي ص‬ Guillaume A. Abul’ ‘Atahiya, p. 107 -108 – 41 Wagner E. Abu Nuwas, p. 143 – 144 – 42 Blachere R. al- ‘Attabi, p. 751 – 43 Farmer H.G. Ghin’, p. 1072 1075 ‫ ؛‬283 – 282 ‫ ص‬،‫ فيلشتينسكي‬- 44 Torrey C.C. Ibrahim al – Mawsili, S. 467 – 45 Zettersteen K. V. Ibrahim b. al – Mahdi, S. 863 – 864 – 46 at- Tabari, III, 678 – 47 Farmer H. G. Yahya b. ‘Ali, S. 1244 – 1245 -48 Pellat. Index, P. 391 ; Ibn Qotaiba. Liber poesis…, p. 4 – 49 Massignon L. Al- lasfahani, S. 567 - 50 Zettersteen K. V. Muhammed b. ‘ Abd al- Malik, S. 720 -51 Pinto. O. Al- Fath b. Khakan, p. 837 – 838 - 52 Sourdel D. Le Visirat Abbaside…, p. 735 – 53 Pellat. Index, p. 84 – 54 200


‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودى‬

Wensinck A. J. Ak- Zubair b. al-‘Awwam, S. 1337 – 1338 - 55 Wensinck A.J. ‘Amr b. al- ‘As, p. 451 - 56 Gibb H. A. R. ‘Abd Allah b. al- Zubair, p. 54 – 55 -57 Zettersteen K. V. Yazid b. al- Muhallab, S. 1259 – 1260 – 58 Sourdel D. Al- Fadl b. Yahya al- Barmaki, p. 732 – 59 Saffariden, S. 59 – 60 /‫بالروسية‬/ 67 ‫ ص‬،‫ اإلسالم الكالسيكي‬.‫ ي‬.‫ فون غريونباوم غ‬- 61 212 – 68 ‫ ص‬، ‫ املرجع السابق‬-62

201



‫دميرتى ميكولسكى‬ ‫ولد فى االحتاد السوفيتيى فى الثالث عش من ديسمرب‪/‬كانون األول‬ ‫ً‬ ‫عام ‪،1954‬ألسرة من ‪ -‬موسكو‪،‬وهوبذلك يعد من أبناء موسكو أبأ عن‬ ‫جد‪.‬‬ ‫هو عامل روسى سوفيتيى‪،‬مستشرق‪،‬مستعرب‪،‬دكتور وأستاذ العلوم‬ ‫التارخيية ‪.‬‬ ‫ ختصص فى علوم االستشراق ‪ ،‬الدراسات العربية‪،‬والتاريخ ‪.‬‬ ‫حصل على درجة الدكتوراة فى العلوم التارخيية‪،‬حيث خترج فى معهد‬ ‫الدراسات اآلسيوية واألفريقية جبامعة موسكو احلكومية ‪.‬‬ ‫وفى عام ‪ 1978‬أنهى دراسته فى كلية التاريخ اللغوى‪،‬القسم الغوى‬ ‫مبعهد الدراسات اآلسيوية واألفريقية جبامعة موسكو احلكومية‬ ‫(فى ختصص‪ -‬اآلداب واللغة العربية)‪.‬‬ ‫أعماله اخلاصة باالستشراق‪:‬‬ ‫فى عام ‪ ،1981‬ناقش أطروحته فى موضوع » نثر املسعودى ‪:‬‬ ‫اخلصائص التارخيية واألدبية من التاريخ العربى فى القرن ( احلادى‬ ‫عشر ‪ ،‬العاشر ) ‪.‬‬ ‫‪203‬‬


‫فى عام ‪ 2002‬ناقش أطروحته فى موضوع(عامل الثقافة العربية فى‬ ‫مؤلفات املسعودى “القرن العاشر”) “مناجم الذهب ومعادن اجلوهر”‪.‬‬ ‫حتى عام ‪ 1991‬عمل فى أكادميية العلوم اإلجتماعية التابعة للجنة‬ ‫املركزية للحزب الشيوعى ‪ ،‬حيث بدأ مسريته فى عامل الرتمجة وإنتهى‬ ‫كباحث بارز ‪.‬‬ ‫منـذ عـام ‪ 1993‬باحـث فـى مـعـهد االسـتـشراق ( حاليـا ‪ /‬عـالـم‬ ‫ بــارز بـقـسـم الـمخطـوطـات التــاريـخيـة لـشـعـوب الـشــرق )‬ ‫ومنذ ‪ - 1994‬عمل مبعهد الدراسات الشرقية (ومنذ ‪ 1997-‬أمني علمى) ‪.‬‬ ‫‪ 1994‬أستاذ زائر لتدريس دورات عن اإلسالم واإلنثوجرافيا الشعوب‬ ‫اإلسالمية لرابطة الدول املستقلة (جبامعة فريمونت) بالواليات املتحدة‬ ‫اإلمريكية ‪.‬‬ ‫عضو كامل العضوية فى اإلمرباطورية األرثوذكسية جلمعية‬ ‫فلسطني (‪. )1‬‬

‫قائمة باملراجع املختارة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪،‬فضال عن العديد من الرتاجم الفنية ألعمال‬ ‫له أكثر من ‪ 140‬إصدار‬ ‫األدباء العرب ‪ ،‬من بينها إميل حبيبى ‪ ،‬صخر خليفة ‪ ،‬غسان كنفانى ‪.‬‬

‫األوراق العلمية‪:‬‬ ‫اجلوانب السياسية اإلجتماعية للمنظور اإلسالمى فى صحيفة “األهرام”‬ ‫املصرية (‪ )1987 - 1982‬استعراض حتليلى ‪ ،‬موسكو‪/‬معهد الدراسات‬ ‫األفريقية ‪ 1989-39‬صفحة ‪.‬‬ ‫‪204‬‬


‫املشاكل الفعلية للفكر اإلجتماعى اإلسالمى املعاصر(الدول‬ ‫العربية) ‪ -‬موسكو ‪ :‬أكادميية الرتاث الروحى للشرق ‪ ،‬البيت املركزى‬ ‫للمعرفة حول األديان واإلحلاد ‪ 1990-102‬صفحة ‪.‬‬ ‫الدراسات اإلجتماعية للتجديد اإلسالمى(جمموعة مقاالت) موسكو‪:‬‬ ‫أكادمية االلعلوم اإلجتماعية التابعة للجنة املركزية للحزب‬ ‫الشيوعى ‪( 1990 ،‬التمهيد‪،‬الصياغة ‪ ،‬الرتمجة والتعليق) ‪.‬‬ ‫اإلسالم فى روسيا ووسط آسيا(جتميع)موسكو‪:‬لوتس ‪1993-272‬‬ ‫صفحة ( شارك فى تأليفه مع “برماكوفيم” ) ‪.‬‬ ‫«الثورة الطاجيكية» واحلرب األهلية (‪ )1994 - 1989‬موسكو‬ ‫معهد اإلثنولوجيا واإلنثروبولوجيا) ‪ 1995-310‬صفحة ‪( .‬بالتعاون مع‬ ‫“بوشكوفيم”)‪.‬‬ ‫حتـلـيـل احلــرب األهــليـة فـى طــاجـكـســتان ( العـمليـات‬ ‫ العرقيـة واإلجتمـاعية والنضـال الـسيـاسـى ‪)1995 - 1992 ،‬‬ ‫حتليل احلرب األهلية فى طاجكستان (العمليات العرقية واإلجتماعية‬ ‫والنضال السياسى ‪ )1995 - 1992 ،‬موسكو معهد اإلنثرولوجيا‬ ‫واإلنثروبولوجيا‪.‬‬

‫األحباث العلمية‪:‬‬ ‫شـرح اجلـوانـب اإلجتـمـاعية والسيـاسـة للقـضـايـا اإلسـالمـية‬ ‫فى جريدة “ األهرام ” املصرية ( ‪)1987 - 1982‬مرجع حتليلى‪-‬‬ ‫ موسكو معهد الدراسات األفريقية ‪ 39 - 1989 ،‬صفحة ‪.‬‬ ‫دراسة إجتماعية لعقيدة اإلحياء اإلسالمى (جمموعة مقاالت) موسكو‬ ‫‪205‬‬


‫أكادميية العلوم اإلجتماعية التابعة للجنة املركزية للحزب‬ ‫الشـيوعـى عـام ‪ ( 1990‬التـمهيد ‪ /‬الصـياغة ‪ /‬التـرمجة والتعليق ) ‪.‬‬ ‫اإلسالم فى روسيا ووسط آسيا ( جتميع )–موسكو‪ :‬لوتس ‪1993- ،‬‬ ‫‪ 272‬صفحة ( بالتعاون مع “برماكوفيم”)‪.‬‬ ‫هريودوت العربى‪/‬مراجعة وتعديل “سريجينكا”‪ -‬موسكو‪ :‬أليتيا‪،‬‬ ‫‪ 1998-232‬صفحة‪ 3000،‬نسخة ‪( -‬باللغة العربية‪ -‬دمشق‪.)-2006-175‬‬ ‫قاعـدة بيانـات وتاريخ األسر العربية فـى القـرنيـن احلـادى عشر‬ ‫والعاشر (اجلزء األول) ومنشورة على املوقع اإللكرتونى للدراسات‬ ‫الشرقية‪.‬القصيدة الشعبية اجلزائرية”حيزية” ‪ -‬احملتوى الرئيس‬ ‫ والبنية التشغيلية‪//‬الشرق – رقم ‪ 1-2010-29،133‬صفحة‪.‬‬ ‫فوائد التعليم الشرقى ‪.‬‬

‫الرتمجات األكادميية ‪:‬‬ ‫أبو احلسن على بن احلسني بن على املسعودى” مناجم الذهب ومعادن‬ ‫اجلوهر ”( تاريخ اخلالفة العباسية ‪ /)794-947 :‬مرتجم من العربية‪،‬‬ ‫مقدمة والتعليقات ومؤشرات » ميكولسكى ‪ -‬موسكو ‪ :‬ناتاليس‬ ‫‪2002-800،‬صفحة (اجملموعة الشرقية) ‪ 1200 -‬نسخة‪.‬‬ ‫دميرتى ميكولسكى‬

‫‪206‬‬


‫الفهرس‬ ‫تـــقديـم ‪...........................................................................................................‬‬

‫‪3‬‬

‫مقدمة املؤلف للطبعة العربية ‪......................................................................‬‬

‫‪7‬‬

‫‪..............................................................................................................‬‬

‫‪9‬‬

‫املقدمة‬

‫هوامش املقدمة ‪..................................................................................................‬‬

‫‪32‬‬

‫الفصل األول“ مروج الذهب ‪ ”..‬وتقاليدالتأريخ العربي – اإلسالمي ‪.....‬‬

‫‪37‬‬

‫هوامش الفصل األول ‪.......................................................................................‬‬

‫‪59‬‬

‫الفصل الثاني املسائل الثقافية واالجتماعية‬ ‫يف اجملتمع العربي اإلسالمي ‪........................................................................‬‬

‫‪61‬‬

‫هوامش الفصل الثاني ‪.....................................................................................‬‬

‫‪90‬‬

‫الفصل الثالث علماء الدين واملفكرون يف مؤلفات املسعودي ‪...........‬‬

‫‪93‬‬

‫هوامش الفصل الثالث ‪.....................................................................................‬‬

‫‪126‬‬

‫األدب العربي يف مؤلفات املسعودي ‪..................................‬‬

‫‪129‬‬

‫هوامش الفصل الرابع ‪......................................................................................‬‬

‫‪199‬‬

‫دميرتى ميكولسكى‪..................................................‬‬

‫‪203‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫السرية الذاتية لـ‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.