ٍ ثــــــــوان... فـي يف كلمات م�ضيئة جمعت بني حناياها خربات ال�سنني و�ضمت يف طياتها عمق الر�ؤية و�سداد الب�صرية ،ير�سم �سيدي �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل مكتوم نائب رئي�س الدولة رئي�س جمل�س الوزراء حاكم دبي “رعاه اهلل” خارطة طريق الوطن نحو الريادة امل�ستدامة ،حيث يقول �سموه“ :كل املطلوب لتحقيق �أهدافنا �أن نقود ال�شعب يف الطريق ال�صحيح ونن ّمي يف بناته و�أبنائه روح االبتكار والإبداع والثقة بالنف�س والت�صميم على الإجناز والقدرات القيادية” .بهذه الكلمات،مل يكتف �سموه برفع �سقف طموحات الوطن ،ومل تقت�صر املعاين على ر�سم خطوات طريق النجاح ،بل جاءت املفردات مبثابة و�صفة حكيم� .إن االبتكار يف التعليم ين�شئ جي ًال مبدع ًا ،و�صفة الإبداع تُك ّون نفاذ الب�صرية وتُك�سب الثق َة بالنف�س ،و�إذا ما اجتمع االبتكار والإبداع مع نفاذ الب�صرية والثقة بالنف�س تتكون �شخ�صية وقدرات جيل ميتلك مكونات قيادة امل�ستقبل نحو الريادة ،وقيادة بتلك املوا�صفات البد و�أن تر�سم �سيا�سات مبنية على ت�أ�صيل روح االبتكار يف الأجيال اجلديدة ،لنجد �أنف�سنا �أمام دائرة مبدعة تُعيد �إنتاج ذاتها حتت عنوان الريادة امل�ستدامة. ويف �إطار �سعي م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم الدائم على ن�شر وطباعة امل�ؤلفات التي تُرثي العقول وترتقي مبكت�سبات الوطن والتي ت�ؤكد على منهجية توجهات ور�ؤى قيادتنا الر�شيدة ،ت�أتي ملخ�صات الدفعة ال�سابعة ملبادرة وجيل مبدع ٍ “كتاب يف دقائق” لت�شمل 3موا�ضيع معنية ب�أهمية تن�شئة ٍ طفل ٍ مبتكر وقاد ٍة قادرين على �إحداث التغيري. ٍ ويف دفعتنا اجلديدة �سي�أخذكم ملخ�ص كتاب “التعلُّم بال ّلعب” يف رحلة ع�صف ذهني حول ما �إذا كان نظام التعليم الإلزامي املُطبق يف العامل حالي ًا هو الأجنع لأطفالنا والأقدر على تن�شئة جيل مبدع؟ �أم �أن غريزة التعلم الفطرية لدى الأطفال ،املبنية على الف�ضول والتلقائية ،تفقد بريقها وتنحرف عن امل�سار مبجرد حتجيمها يف قالب روتيني جامد ُي َ�س َّمى التعليم الإلزامي؟ �أما ملخ�ص الكتاب الثاين فيحمل ا�سم“ :ر�ؤية الالمرئي :كيف تتمتع بنظرة ثاقبة وب�صرية نافذة؟” ،حيث يناق�ش خالله م�ؤلف الكتاب ،جاري كالين، �أهم حمفزات نفاذ الب�صرية والتفكري الإبداعي ،والتي يلخ�صها يف خم�سة عوامل هي :الروابط وامل�صادفات والف�ضول واملتناق�ضات والي�أ�س الإبداعي. وتختم ملخ�صات الدفعة ال�سابعة بكتاب “القادة ُي�ؤ ِثرون ف ُي�ؤ ِّثرون” من ت�أليف �سيمون �سينيك ،الذي يتبنى نظرية مثرية لالهتمام ،حيث يرى الكاتب �أن املحفزات التي ت�سهم يف حت�سني �سلوك الأفراد على ال�صعيد ال�شخ�صي هي ذاتها التي ت�ساعد امل�ؤ�س�سات التجارية يف حتقيق النجاحات. ويف اخلتام �أمتنى �أن تنعموا بقراءة مفيدة و�أن تنال ملخ�صات الدفعة ال�سابعة من “كتاب يف دقائق” ر�ضاكم� ،آم ًال �أن نكون قد �ساهمنا يف تنوير العقول وتعزيز قيمة العلم ولو باجلزء الي�سري من �أجل امل�ساهمة يف تطوير جمتمع متقدم ،يتخذ من العلم والثقافة والأدب �سند ًا وظهري ًا يتكئ عليه يف رحلته نحو الريادة امل�ستدامة. جمال بن حويرب 1
الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم
كتاب في دقائق
ملاذا نفعل ب�أبنائنا َّ كل هذا؟ ي�أتي الأطفال �إلى العامل �شغوفني بالتعلم وقادرين عليه ،وم�ؤهلني له جيني ًا ونف�سي ًا مبا يكتنزونه من قدرات ا�ستثنائية .وخالل ال�سنوات الأربع الأولى من �أعمارهم ي�ستوعبون قد ًرا هائ ًال من املعلومات ،ويكت�سبون العديد من املهارات دون �إر�شاد مبا�شر، فيفهمون ثقافة جمتمعهم ويتع ّلمون التحدث بلغته ،ويتعلمون كيف يدافعون عن �آرائهم ،وكيف يجادلون ،وكيف يعقدون �صداقات مع الآخرين ،وكيف يطرحون �أ�سئلتهم .كما �أنهم يُعمِ لون خيالهم ويعربون عن �آمالهم ،وير�سمون �ألوان ًا زاهي ًة لأحالمهم .يدفعهم �إلى كل هذا ف�ضولهم التلقائي ،ودوافعهم الفطرية� .إال �أن هذه الرغبة اجلاحمة والقدرة الهائلة على التعلم ،تتوقف �أو تنحرف عن م�سارها الفطري وعن طبيعتها ،عندما يبلغ الأطفال اخلام�سة �أو ال�ساد�سة من العمر ،بفعل ُنظم التعليم الإلزامي ،ومبعنى �أ�صح “التعليم الإجباري ”.فالدر�س الأول والأ�صعب الذي يتعلمونه يف املدار�س هو �أن التع ّلم عمل �شاق ،وواجب �إجباري ،يخلو من املتعة والب�ساطة والتلقائية ،ولذا من الأف�ضل جتنبه �أو التحايل عليه، والتعامل معه بنف�س �أدواته ،للتخل�ص من عيوبه ،واالكتفاء مبا ميكن االقتناع به من ح�سناته.
فطرة اللعـب الأطفال جمبولون بطبيعتهم على حب اللعب واال�ستك�شاف الذاتي دون م�ساعدة الكبار .وهم يحتاجون �إلى االنطالق واحلرية يف اللعب من �أجل �أن ينموا .كما �أن دوافعهم للعب بحرية هي دوافع غريزية و�أ�سا�سية كامنة ومتو ِّثبة� .صحيح �أن فقدان القدرة على اللعب بحرية قد ال يوهن اجل�سد كما يفعل نق�ص الغذاء �أو الهواء �أو املاء� ،إال �أنه يقتل الروح ويعوق النمو العقلي والنف�سي بكل طاقاته واحتماالته .فال ّلعب احلر هو الو�سيلة التي يتع ّلم من خاللها الأبناء كيف يك�سبون الأ�صدقاء ،والتعاون واالنتماء ،ف�ض ًال عن التغلُّب على خماوفهم ،وحل م�شاكلهم ،وال�سيطر ِة على مجُ ريات حياتهم.
عندما تتاح للأطفال احلرية والو�سائل والظروف التي تمُ ّكنهم من حتقيق احتياجاتهم اخلا�صة ب�أنف�سهم ،ويف ظروف �آمنة ،ف�إنهم يزدهرون و َيتطورون ويندفعون يف م�سارات متنوعة وغري متوقعة ،ويكت�سبون املهارات املنا�سبة والثقة الالزمة ملواجهة حتديات احلياة .يف مثل هذه يطلب ال ُ أطفال م�ساعد َة الكبار �إال عند احلاجة املا�سة فقط .فلي�س هناك ما يدعو لإجبارهم �أو «�إلزامهم» على الدرو�س والواجبات البيئة ،ال ُ واملهمات واالختبارات والدرجات ،وت�صنيفهم بالإكراه -تبع ًا لأعمارهم -يف ف�صول درا�سية جامدة ،ا�ستناد ًا �إلى �سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أدوات عفَّى عليها الزمن ،ومل تتط ّور منذ فجر نظم التعليم الإلزامي .فكل هذا يتداخل -يف الواقع العملي -ويتعار�ض مع تلقائية وفطرة التع ّلم الطبيعي التي يتمتع بها كل من البنات والأبناء بال ا�ستثناء.
اللعب غري املنظم ال نعني بن�شاط “اللعب غري املنظم” �أنه لعب يفتقر �إلى النظام، ٌ غريزي ّ ومنظم ن�شاط فاللعب ال يكون ن�شاط ًا ع�شوائ ًي ًا �أبد ًا؛ فهو ٌ �أي�ض ًا .املق�صود بو�صف “غري املنظم” هو �أن الأطفال عندما يلعبون ،يبادرون بغريزتهم وتلقائيتهم �إلى تنظيم اللعب ب�أنف�سهم، من دون م�ساعدة مبا�شرة �أو توجيه نّ مقن من جهة خارجيةُ .ي�س ّمى هذا النوع من اللعب �أي�ض ًا “اللعب احلر”؛ وهو اللعب الذي يقرر فيه الالعبون (الأطفال) ،لأنف�سهم وب�أنف�سهم ما يلعبون ،وكيف يلعبون، وتكون لديهم حرية تعديل الأهداف والقواعد �أثناء اللعب .فاللعب احلر� ،أو غري املنظم ،يتعلق بكيفية تع ّلم الأطفال ،وتنظيم �سلوكهم، وو�ضع قواعد اللعبة وتطبيقها يف امللعب من تلقاء �أنف�سهم.
مفارقة رهيبة منذ ب�ضع �سنوات� ،أجرى عاملا النف�س“ :ميهايل ت�شكزنتميهايل” و “جريمي هانرت”، درا�س ًة عن مدى ال�سعادة �أو التعا�سة التي ي�شعر بها الطالب يف املدار�س العامة، وذلك يف ال�صفوف الدرا�سية من ال�ساد�س �إلى الثاين ع�شر� .شملت َع ِّين ُة الدرا�سة �أكرث من 800طالب ،من 33مدر�سة خمتلفة ،يف 12جمتمع ًا خمتلف ًا .حيث حمل أوقات إ�شارات يف � ٍ الطالب �ساعات يد خا�صة ملدة �أ�سبوع ،كانت مربجم ًة على بث � ٍ �صباحا ،وال�ساعة العا�شرة والن�صف م�سا ًء، ع�شوائي ٍة بني ال�ساعة ال�سابعة والن�صف ً الطالب مبلء ا�ستبيانات يف حوزتهم ،مو�ضحني فيها �أين وكلما انطلقت �إ�شارة ،قام ُ كانوا ،وماذا كانوا يفعلون ،ومدى �إح�سا�سهم بال�سعادة �أو التعا�سة يف تلك اللحظة. جت ّلت �أدنى م�ستويات ال�سعادة عندما كان الأطفال يف املدر�سة ،وبلغت �أعلى م�ستوياتها عندما كانوا خارجها ،وخا�ص ًة عندما كانوا يتحدثون ويتفاعلون ويلعبون مع �أ�صدقائهم. �أما الوقت الذي كانوا يق�ضونه مع �آبائهم و�أمهاتهم ،فجاء يف املنطق ِة الو�سطى مت�أرجح ًا ما بني ال�سعادة والتعا�سة .كما ارتفع م�ستوى ال�سعادة يف عطلة نهاية الأ�سبوع ،ثم كان يرتاجع يف الليلة التي ت�سبق الأ�سبوع الدرا�سي اجلديد .فمن هو الذي نظر ثم ق ّرر �أنّ �أف�ضل طريق ٍة لتعليم الأطفال هي �إجبارهم و�إلزامهم على �أن يعي�شوا يف بيئات متماثلة أو�ضاع مت�شابهة ورتيبة جتعلهم ي�شعرون بامللل والتعا�سة والقلق؟! ومعيارية ومق ّننة ،ويف � ٍ �إنها مفارق ٌة م�ؤ�سف ٌة وحمزنة؛ فها نحن وبا�سم التعليم ،نحرم الأطفال كثري ًا من الوقت واحلرية اللذين يحتاجونهما ليع ِّلموا �أنف�سهم ب�أنف�سهم ،وب�أ�ساليبهم وطرقهم اخلا�صة. وبا�سم احلفاظ على �سالمتهم ،نحرمهم من الطاقات التي يحتاجونها لتنمية املفاهيم وال�شجاعة ،والثقة الالزمة ملواجهة حتديات احلياة املتقلبة واملت�شابكة ،ب�إقدام ورباطة ج�أ�ش. كتاب في دقائق
2
تعليم حقيقي ٍة تتزاي ُد خطورتُها ّ باطراد؛ بعدما فقدنا القدرة على ر�ؤية الطريقة الطبيعية لرتبية �أطفالنا ،ولأننا مل نعد ن�ؤمن يعي�ش العامل �أزم َة ٍ بهم وبقدراتهم ،وو�ضعناهم يف بيئات تع ّلم تقيد قدراتهم الطبيعية ،وتحَ ُ ول بينهم وبني تعليم �أنف�سهم .لقد �أن�ش�أنا لهم عامل ًا يقودهم �أحيان ًا �إلى التيه وال�ضياع ،فيجعلهم غ َري قادرين على الثقة ب�أنف�سهم ،الكت�ساب املهارات الالزمة لكي ين�ضجوا ويتحملوا م�س�ؤولياتهم عندما ُ ي�ش ّبون عن الطوق ويدخلون عالمَ َ الكبار.
يف البدء كان اللعب من الناحية الوراثية واجلينية ،نحن ننتمي جميع ًا �إلى مرحلة ال�صيد وجمع الثمار .وقد ن�ش�أنا عرب القرون املا�ضية وعلى مدى ال�سنني وف ًقا لهذا النمط من احلياة والوجود، َ ال�سبيل الوحيدَ الذي عرفه اجلن�س الب�شري والذي ي�صفه علماء الأنرثوبولوجيا باعتباره للحياة امل�ستقرة والآمنة .وقد ظهرت الزراعة بعدئذ ولأول مرة يف الهالل اخل�صيب يف غرب �آ�سيا قبل ع�شرة �آالف عام ،ثم انت�شرت يف مناطق �أخرى من العامل يف وقت الحق، مما �أ َّدى �إلى حدوث الكثري من التغيريات يف طرق معي�شة بني الب�شر ،وهي تغيريات �إن�سانية وح�ضارية كان علينا التك ّيف معها ،ومع الأدوات التي تطورت لتلبية احتياجاتنا باعتبارنا �صيادين وفر�سان ًا ومزارعني .ولكي نتعرف علي نهج ال�صيادين والفالحني ندر�س وجامعي الثمار يف تربية الأطفال وتعليمهم يف ذلك الزمان ،كان لزام ًا علينا �أن َ ونفهم قي َمهم الثقافي َة ،وعالقا ِتهم االجتماعية. �سلوكياتهم َ
االعتماد املتبادل وامل�شاركة وامل�ساواة كان ال�صيادون وجامعو الثمار واملزارعون يعي�شون يف جماعات �صغرية (ما بني الع�شرين واخلم�سني �شخ�ص ًا يف املتو�سط) .وكانوا ينتقلون ويرحتلون من مكان �إلى �آخ َرَ ، داخل م�ساحات كبري ٍة – لكنها حمددة – من الأرا�ضي� ،سعي ًا وراء الطرائد والنباتات املتاحة. ٍ وكانت قيمهم االجتماعية الأ�سا�سية تتمثل يف املبادرة ،واالعتماد على الذات ،وحرية احلركة وامل�شاركة وامل�ساواة. متتّع ال�صيادون وجامعو الثمار ب�إح�سا�س قوي باال�ستقالل واحلرية املعي�شية ،لدرجة �أن ك ًال منهم كان يحجم عن الإمالء على الآخر ماذا يفعل ،وكيف عليه �أن يعي�ش .حتى �إنهم كانوا ميتنعون عن تقدمي امل�شورة �إلى بع�ضهم البع�ض� ،إال �إذا طلبها �أحدُهم من الآخر، وذلك جتنب ًا لأن يبدو الأم ُر وك�أنه تدخ ٌل يف حرية الآخرين .ومع ذلك ،مل تت�ضمن نظرتهم ال�شخ�صية وا�ستقالليتهم التفكري يف احتكار املوارد� ،أو جعل الآخرين مدينني لهم؛ لأن هذا يتعار�ض مع قيمة �أخرى عظيمة لديهم ،وهي قيمة امل�شاركة واالعتماد املتبادل. من وجهة النظر االقت�صادية ،كانت امل�شاركة هدف ًا جلماعات ال�صيادين وجامعي الثمار؛ �إذ كانوا يك ّر�سون قدرا ِتهم ومهارا ِتهم وجهودَهم ،ويقدمونها جمان ًا خالل تعاونهم للح�صول على الغذاء .كما كانوا يدافعون عن �أنف�سهم �ضد احليوانات املفرت�سة ويت ّولون رعاية �صغارهم .وهم يت�شاركون الغذاء وال�سلع والأدوات مع كل فرد يف اجلماعة ،بل ومع اجلماعات الأخرى .اجلدير بالذكر �أن مفهوم امل�شاركة لدى ال�صيادين واملزارعني ،كان يختلف عن مفهومنا نحن لها .فلم تكن امل�شاركة كرم ًا حامتي ًا بحت ًا ،وال مقاي�ض ًة �ضمني ًة، بل كانت واجب ًا على الفرد جتاه الآخرين .كما كانت امل�ساواة ترتبط مبفهومي اال�ستقالل وامل�شاركة لدى ال�صيادين وجامعي الثمار ،وتعني �أن احتياجا ِتهم تكون �أي�ض ًا مت�ساوي ًة وعلى نف�س القدر من الأهمية ،فال ي� ُ أكل �أحدهم مبفرده �أو ين�أى بنف�سه بعيد ًا عن الآخرين. ِ 3
كتاب في دقائق
التن�شئة املفعمة بالثقة عندما ي�صف الباحثون معاملة الكبار للأطفال يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار، ف�إنهم كثري ًا ما ي�ستخدمون م�صطلح “التن�شئة املت�ساحمة” ،وهم يق�صدون بها “التن�شئة الب�سيطة واملفعمة بالثقة”� .إذ كانت روح امل�ساواة واال�ستقاللية التي ت�سود العالقات االجتماعية يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار تنطبق على طرق تعامل الكبار مع الأطفال ،مثلما تنطبق على تعامل وعالقات الكبار بع�ضهم مع بع�ض� .إذ يبدو �أن من الركائز الأ�سا�سي ِة للتن�شئة يف هذه املجتمعات الثقة يف غرائز الأطفال واالطمئنان �إليها ،فال ُ أطفال الذين ُي�سمح لهم باتباع ما متليه عليهم �إرادتهم ،حتم ًا �سيتعلمون ما يحتاجون �إلى تعلمه ،ومن ثم �سي�ساهمون بطبيعة احلال يف اقت�صاد اجلماعة بامتالكهم املهارات املنا�سبة والن�ضج املطلوب لتوظيف الأدوات ال�ضرورية لذلك. تن�سجم مع احتياجاتهم تر�سل التن�شئة املفعمة بالثقة ر�سائل نف�سية �إلى الأطفال، ِ ُ احلقيقية يف املكان والزمان ،مثل�“ :أنت تتمتع بالكفاءة ،و�آرا�ؤك مهمة ،ويجب �أن تتحمل م�س�ؤولية �أخطائك وتتعلم منها ”،فاحلياة االجتماعية لي�ست �صراع �إرادات ،و�إمنا هي م�ساعدة كل منا للآخر ،بحيث يكون لدينا جميع ًا كل ما نحتاج �إليه وما نرغب فيه.
املعرفة واملهارة َ نفرت�ض �أنه لكون ثقافات ال�صيادين وجامعي الثمار “�أب�سط” من ثقافاتنا ،ف�إن �أطفال من اخلط�أ �أن تلك املجتمعات مل يكونوا بحاجة �إلى تع ّلم الكثري مقارن ًة ب�أطفالنا� .إذ يحتاج منط احلياة يف جمتمعات ال�صيد والزراعة القدمية �إلى املعرفة واملهارة ب�صورة كبرية ،وب�سبب الغياب الن�سبي للتخ�ص�ص املهني والتدريب الفنيُ ،ي�صبح على كل طفل اكت�ساب ثقافة جمتمعه كلها ،وبكافة جوانبها وتنوع مناحيها، �أو على الأقل اجلوانب املنا�سبة لطبيعته وفطرته؛ ذكر ًا كان �أم �أنثى.
املهارات والقيم االجتماعية عندما يتيح الكبا ُر يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار لأطفالهم وقت ًا غري حمدود للعب، فهم يتيحون لهم �أي�ض ًا ممار�س ًة غري حمدود ٍة للمهارات والقيم االجتماعية التي تعترب بالغة الأهمية والأثر يف حياتهم .فاللعب اجلماعي يعترب بطبيعته ممار�سة وتطبيق ًا ملخ�ص ًا للقيم االجتماعية مثل :التعاون مع الآخرين ،واالهتمام باحتياجاتهم ،واتخاذ القرارات باالتفاق والتفاهم فيما بينهم. اللعب لي�س ن�شاط ًا �إجباري ًا ،وال ميكن �أن يكون .بل يحق للالعبني دائم ًا االن�سحاب من اللعبة .ففي اللعب االجتماعي ،يعرف ك ُّل العب �أن َمن ال ير�ضي عن اللعبة �سين�سحب منها ،و�إذا ما �شعر الكثريون بعدم الر�ضا ف�إن اللعبة تنتهي تلقائي ًا .ولكن للحفاظ على ا�ستمرارها ،ال يجب على الالعبني تلبية رغباتهم ال�شخ�صية فح�سب ،و�إمنا �أي�ض ًا تلبية رغبات �شركائهم من الالعبني الآخرين .وبالتايل ،ف�إن حاجة الأطفال �إلى اللعب تعد دافع ًا قوي ًا ليتعلموا كيف يراعون رغبات الآخرين ،والتفاو�ض معهم ،وحل اخلالفات التي قد تن�شب بينهم.
كتاب في دقائق
4
�ضبط النف�س كثري ًا ما يع ِّلق الباحثون الذين يدر�سون طبيعة جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار ،على ميل �أفراد تلك املجتعات القوي �إلى اال�ستمتاع واالبتهاج و�ضبط النف�س .يقول عامل الأنرثوبولوجيا “ريت�شارد جولد”“ :ميكننا دائم ًا مالحظة الإح�سا�س باالبتهاج واال�ستعداد لل�ضحك واملزاح بني قاطني ال�صحراء .وحتى عندما يعانون من َ احلر القائظ ،ومن اجلفاف ال�شديد، ويواجهون نق�ص ًا يف املاء والغذاء .هذا االبتهاج جز ٌء من القبول املنظم واجلماعي للم�ش ّقات وال�صعاب املتتالية التي �ست�ؤدي ال�شكوى منها �إلى تفاقمها ”.ولذا ،فقد كان �أبناء جمتمعات ال�صيد واملزارعني يعي�شون الواقع وير�ضون بالقدر ،وكانوا متذمرين وال �ش ّكائني. را�ضني ومتالحمني ومتعاونني ،ال ِّ
خ�صائ�ص اللعب اللعب مفهوم ميلأ عقولنا بالتناق�ضات عندما نحاول التفكري فيه بعمق؛ فهو ن�شاط جاد ،ولكن لي�س باملعنى احلريف للكلمة؛ وهو ن�شاط تخ ّي ٌلي وعفوي ،ولكنه يف نف�س الوقت ،مقيد بالقواعد ومرتكز على الواقع؛ وهو ٌ �سلوك طفويل ،ولكنه ال�سبب يف �أعظم �إجنازات احل�ضارة الإن�سانية. اللعب و�سيلة طبيعية لكي يتعلم الأطفال ما ومن منظور تطوري وتنموي ،يعد ُ يجب عليهم تعلمه للبقاء على قيد احلياة والعي�ش حياة �إيجابية ومثمرة .وعلى اللعب يكون دائم ًا مفعم ًا باحلبور وال�سرور وال�سعادة والإفادة� ،إال الرغم من �أن َ �أنه يبقى عم ًال جاد ًا ور�صين ًا ومنتج ًا .ولذلك يرى خرباء علم النف�س االجتماعي والتفكري الإيجابي� ،أن اللعب احلقيقي ال يبد�أ �إال عندما نظن �أننا نعمل ،و�أن العمل املنتج والف ّعال ال ي�صل �إلى �أعلى م�ستويات االن�سجام� ،إال عندما نظن �أننا نلعب. ورغم �صعوبة تعريف اللعب� ،إال �أنه ميكننا فهمه من خالل خ�صائ�صه اخلم�س التالية: -4اللعب ٌ ن�شاط خيا ٌ يل غري مقيد بقواعد العالــم “الواقع ــي” �أو -1اللعب اختيار وتنظيم ذاتي. “اجلاد”. -2يف بع�ض الأحيان تكون الو�سيلة يف اللعب �أهم من الغاية. وخال من ال�ضغوط. -3للعب قواعد ال متليها ال�ضرورات املادية ،ولكنها تنبع من عقول -5يعتمد اللعب على �إطار ذهني َن ِ�شطٍ ، الالعبني.
اللعب و�ضبط النف�س يف الن�صف الأول من القرن الع�شرين� ،أ َّكد عامل النف�س الرو�سي “ليف فيجوت�سكي” �أن لعب الأطفال بحرية هو الطريقة الأ�سا�سية التي يتعلمون بها التحكم يف �أنف�سهم و�سلوكياتهم وعواطفهم .فدافع الأطفال للعب يجعلهم يتجاهلون امل�ضايقات ويقمعون اندفاعهم ،مما مي ّكنهم من االلتزام بقواعد اللعبة� ،إذ تنتقل هذه القدرات تدريجي ًا �إلى حياتهم خارج �أر�ض امللعب .وقد �أ�شارت ال ُ �ضروري لنمو بع�ض مك ّونات الدماغ أبحاث احلديث ُة �إلى �أن اللعب ٌ الالزمة لل�سيطرة على اخلوف والغ�ضب ،وللت�صرف بفاعلية وثقة يف املواقف الع�صيبة .ولي�س من قبيل امل�صادفة �أن الثقافات التي تتيح لأطفالها حرية �أكرب يف اللعب ،هي الثقافات التي يت�سم فيها الكبار بقدرة �أكرب على �ضبط النف�س.
ملاذا �أ�صبحت مدار�سنا هكذا؟! كيف انتقلنا من البيئة التي يكون فيها التع ّلم ممتع ًا ومن�شود ًا� ،إلى البيئة التي ُيفر�ض فيها التعليم على الط ّالب بطرق جتعل الكثريين منهم ي�شعرون بالعجز والقلق واالكتئاب؟ لكي نفهم ملاذا و�صلت الأمور �إلى هذا ،ال بد �أن نعرف �شيئ ًا مهم ًا عن تاريخ الب�شرية. 5
كتاب في دقائق
ظهور الزراعة منذ �آالف ال�سنني ،عا�ش الب�شر ظروف ًا م�ستقر ًة ن�سبي ًا يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار .وتكيفت غرائزهم على طريقة احلياة تلك ،ثم ظهرت الزراعة التي ت�سببت يف �سل�سلة من التغريات املتعاقبة وال�سريعة يف طرق املعي�شة ،مما �أدى �إلى تغيري جذري يف طرق التفكري والأ�ساليب املتبعة يف تربية الأطفال. لقد اعتمدت �أمناط احلياة يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار على املعارف واملهارات الهائلة واالنتباه واحلذر ال�شديدين� ،إال �أنها كانت تفتقر �إلى ت�شغيل العمالة .ولأن �أفراد تلك املجتمعات كانوا �أكرث فاعلية ،فقد كان عليهم اكت�ساب معرفة عميقة بالنباتات واحليوانات التي يعتمدون عليها ،ف�ض ًال عن معرفة م�ساحات الأرا�ضي التي يجوبونها. كان عليهم تنمية مهاراتهم يف �صناعة �أدوات ال�صيد وجمع الثمار وكيفية ا�ستخدامها، وكان عليهم �أن يبتكروا طرق ًا جديد ًة لإيجاد الطعام والدفاع عن �أنف�سهم �ضد احليوانات املفرت�سة ،لكنهم مل يكونوا م�ضطرين �إلى العمل ل�ساعات طويلة. يف الواقع ،كان ق�ضاء ال�ساعات الطويلة يف ال�صيد وجمع الثمار ،ي�ؤدي �إلى نتائج عك�سية ،لأنه يت�سبب يف ا�ستهالك الغذاء ب�شكل �أ�سرع من �إمكانية �إعادة توفريه .يرى علماء الأنرثوبولوجيا �أن �أفراد جمتمعات ال�صيد مل يكونوا مييزون بني اللعب والعمل مثلما نفعل اليوم .فقد ن�ش�أوا وترعرعوا وهم ميار�سون لعبة ال�صيد وجمع الثمار ،وانتقلوا تدريجي ًا من اللعب �إلى املمار�سة الفعل ٌية ،ولكن بنكهة اللعب ،ومل ينظروا �إلى العمل باعتباره كدح ًا وفع ًال يومي ًا �إلزامي ًا. ومع ظهور الزراعة ،بد�أت املجتمعات متيل �إلى احلد من حرية الأطفال ،وتعزيز الأ�ساليب العقابية يف الرتبية .حدث هذا على ما يبدو يف كل مكان؛ ففي درا�سة �أجريت يف منت�صف القرن الع�شرين ،ا�ستخدم العلماء وثائق �أنرثوبولوجية لرتتيب املجتمعات وف ًقا لفل�سفات و�أ�ساليب تن�شئة �أطفالها .وقد تراجعت املجتمعات التي ت�ش ّدد على الطاعة العمياء وا�ستخدام العقاب البدين ،لت�أتي يف مكانة مت�أخرة ومنزلة متدنية .فيما �أو�ضحت الدرا�سة �أن هذا الرتتيب مرتبط ارتباط ًا وثيق ًا بطرق املعي�شة يف هذه املجتمعات. فك ّلما اعتمد املجتمع بقدر �أكرب على الزراعة ،وبقدر �أقل على ال�صيد وجمع الثمار ،كانت القيمة الأهم فيه هي الطاعة ،وتبعه التقليل من قيمة �إ�شباع الذات والإجناز يف احلياة كنتيجة حتمية للطاعة العمياء
والرتبية ال�صماء .وتوالت الدرا�سات بعدئذ لت�ؤكد على ما مت التو�صل �إليه من نتائج يف هذا املجال. يعد ذلك االختالف الثقايف يف تربية الأطفال �أمر ًا منطقي ًا �إذا ما ت�أملنا تلك ال�صفات ال�شخ�صية للمزارع املثايل مقارن ًة ب�صفات الإن�سان املثايل يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار؛ حيث يعتمد النجاح يف الزراعة على التم�سك ب�أ�ساليب جمرب ٍة قد �أثبتت فاعليتها من قبل .فالإبداع يف املجتمع الزراعي يع ُّد خماطر ًة كبرية؛ ف�إذا ما ف�سد املح�صول� ،ضاعت الإمدادات الغذائية لعام كامل .ومبا �أن املزارعني – على عك�س ال�صيادين – مل يعتادوا م�شاركة الغذاء مع الآخرين و�إال �ستعاين العائلة التي تفقد حم�صولها من اجلوع. املجتمعات الزراعي َة ب�شكل عام تت�سم ببنية هرمية ،ولذا ف�إن كما �أن ِ طاعة الأبناء لأبيهم املزارع ،وطاعة الفلاّ حني ل�صاحب الأر�ض ،تُع ُّد من �ضرورات النجاح االجتماعي واالقت�صادي .وبالتايل ف�إن املزارع املثايل هو املزارع املطيع ،وامللتزم بالقواعد ،واملحافظ على �أ�ساليب الزراعة التقليدية التي ال يجوز املخاطرة مبخالفتها .ولذا يهدف ال�صارم الذي يفر�ضه املزارعون على �أبنائهم� ،إلى غر�س االن�ضباط ُ هذه ال�صفات يف نفو�سهم.
ظهور النظام الإقطاعي وال�صناعي أرا�ضي مع انت�شار الزراعة يف العامل القدمي� ،أ�صبح امتالك الأرا�ضي مرادف ًا المتالك الرثوة ،و�أ�صبح من ال ميتلكون � َ يعتمدون على من ميتلكونها .ثم اكت�شف �أ�صحاب الأرا�ضي �أن ب�إمكانهم زيادة ثرواتهم بت�شغيل غريهم .وهكذا ،ظهر العمل بالأجر كو�سيلة لتزويد مالكي الأرا�ضي بالعمالُ ، و�ش ّنت احلروب لال�ستيالء على الأرا�ضي والعمالة وال�سيطرة عليها .وكان هذا هو ال�سياق الذي ن�ش�أ فيه �أطفال ال يلعبون وال يغامرون ،لكنهم فقط يتعلمون .بهذه الطريقة �أ�صبح التعليم مرادف ًا للتدريب على ما هو متداو ٌل ومجُ ّر ٌب ومتقاد ٌم من الأ�ساليب .ومن ثم كان لزام ًا علينا �أن ن�ض َع تلك النتائج ن�صب �أعيننا حينما نت�أمل ما �آلت �إليه مدار�سنا اليوم ،وما قد ت�ؤ�ؤل �إليه م�ستقب ًال. كتاب في دقائق
6
�أخطاء التعليم الإلزامي هل التعليم الإلزامي خيار جيد �أم �سيئ؟ �ضرورة �أم رفاهية؟ يعتقد معظم � -إن مل يكن كل -النا�س� ،أنه جيد ،بل وتعتربه كل املجتمعات �ضروري ًا �أي�ض ًا .ولكن هناك نظر جديد ٍة ال تعت ُرب التعليم الإلزامي وجه َة ٍ �أمر ًا م�سلم ًا به ،ولذلك �ساقت �إلينا عدد ًا من �أخطائه و�سلبياته مثل:
7
-1عـــــدم غر�س الإح�ســــــا�س بامل�س�ؤوليـــة ال�شخ�صية واالعتماد على النف�س .يتقيد الأطفال يف املدار�س وغريها من الأماكن التي يديرها الكبار ،بل وين�شغل معظمهم يف �أغلب �أوقاتهم بالكثري من الواجبات والعمل الق�سري الذي ال يحققُ ما نن�شده من تنوع الإجنازات ،نظر ًا الن�شغاله بتحقيق نتائج متماثلة دون مراعاة لتفاوت امليول وتنوع االجتاهات ،وعندئذ يحرم الطالب من فر�ص االعتماد على النف�س وحتمل امل�س�ؤولية ال�شخ�صية .وبالتايل ت�ضعف ثقتهم ب�أنف�سهم ،كما تهتز ثقة الكبار بهم ،العتقادهم ب�أنهم غري �أكفاء ،وغري قادرين على حتمل امل�س�ؤولية ،مع �أن هذا غري �صحيح يف جوهره.
-4عدم تعزيز التعاون ،وت�شجيع ال�سخرية .املدر�سة ب�شكلها احلايل تع ِّلم الأنانية و�سخرية الطالب بع�ضهم من بع�ض .ف�إجبار الأطفال على التناف�س فيما بينهم ،وت�صنيفهم تبع ًا لدرجاتهم املدر�سيةُ ، يحمل ر�سال ًة �ضمني ًة ب�أن مهمة كل طالب هي �أن يهتم مب�صلحته ال�شخ�صية فقط ،و�أن يتجاهل م�صالح الآخرين ،لكي ي�صبح هو الأف�ضل بينهم .وك�أن م�ساعدته لزمالئه قد ت�ضره، لأنها ترفع منحنى تعلمهم وت�ضاعف درجاتهم املدر�سية ،مما قد يعني انخفا�ض ترتيبه هو .كثري من الطالب ي�سعون �إلى حتقيق إجنازات م�شهود ٍة لي�شار �إليهم بالبنان حني يهزمون الآخرين � ٍ بد ًال من �أن ي�ساعدوهم.
-2تقوي�ض الدافـــــع الفطري �إلى التعلم بتحويــــل العلم �إلى عمل .فالأطفال بطبيعتهم ف�ضوليون وحمبون لال�ستطالع واال�ستك�شـ ــاف واللعــب بط ـ ــرق جتعله ـ ــم يتعرفــون على العامل ويفهمون ـ ـ ــه .ل ـكــن الطبـيعـ ـ ـ ـ ــة الإلزامية التي يت�سم بها جب املرء على التعليم حالي ًا حت ِّول العلم �إلى عمل .ف�أي ن�شاط ُي رَ ْ ممار�سته ،بوجود و�إ�شراف وب�إمالء طرف �آخر ،فلي�س �إال عم ًال نتائج باهرة. �إلزامي ًا ال ميكن �أن نتوقع منه َ
-5عدم تنمية احل�س النقدي� .أحـ ــد �أهـ ــم الأهداف العامـ ـ ـ ــة املفرت�ضـ ـ ــة للتعليـ ـ ــم هو غر�س احل�س النقدي .ورغم هذا ،يتعلم الطـ ــالب جتنب جمي ـ ــع �أ�شكال التفكري النقدي ،لأنهم يفهمون �أن مهمتهم الوحيدة يف املدر�سة هي احل�صول على درجات عالية يف االختبارات ،والتفكري النقدي يتعار�ض مع هذه الغاية .فلكي يح�صل الطالب على درجة جيدة ،يجب �أن يعرف ما يريده املعلم فيفعله ،وال يحيد عنه قيدَ �أُمنلة.
-3احلكــــم على الطالب بطــــرق تعزز الإح�ســـــا�س باخلجـــل والغطر�ســـة وال�سخرية والغ�ش .يبدو �أن نظام تقييم الطالب بالدرجات والتقديرات ،املخ�ص�ص �أ�سا�س ًا لتحفيزهم ،قد �أ�صبح و�سيل ًة لتعزيز ال�سخرية والغ�ش؛ حيث يتم �إقنا ُع الطالب دائم ًا ب�أن تفوقهم وجناحهم حتدده درجاتهم املدر�سية يف االختبارات فقط، و�أن االنتقال �إلى مرحلة درا�سية تالية ،و�صو ًال �إلى التحرر النهائي من نظام التعليم ،يعتمد �أ�سا�س ًا على ما يحققونه من درجات.
-6عدم تنوع املهارات واملعارف .ب�إجبار جميع الطالب على درا�سة نف�س املناهج ،ف�إننا نق ّلل من فر�صهم يف فتح َ نوافذجديدة، واخلو�ض يف م�سارات بديلة .وللأ�سف ،ميثل املنهاج املدر�سي ِ جمموعة حمدودة للغاية من املهارات واملعارف التي تعترب مهمة يف م�سريتنا العملية التي ترثي جمتمعنا .ففي هذا الع�صر املتخم باملعارف واملعلومات ،ال ي�ستطيع �أحد �أن يتعلم �إال النزر الي�سري يف كل جمال .بعبارة �أخرى :كل �إن�سان يقطف زهرة من كل ب�ستان. فلماذا ُيجبرَ اجلميع على تعلم نف�س النزر الي�سري ،وقطف نف�س الزهرة ،يف كل �صف وكل مدر�سة وكل جيل؟!
كتاب في دقائق
اختالط ال�صغار وخمتلفي الأعمار و�س ُيم ِّكنهم ي�ستطيع ال�صغار االنخراط يف �أن�شطة قد تكون معقدة �أو �صعبة �أو خطرة �إذا ما قاموا بها وحدهم� ،أو مع �أطفال يف نف�س عمرهمَ . التعلم من مراقبة الأن�شطة املعقدة التي ميار�سها من هم �أكرب منهم �سن ًا .وميكنهم احل�صول على رعاية ودعم عاطفي �أف�ضل مما يو ِّفره لهم �أقرانهم من نف�س ال�سن. كما �أن تعامل الأطفال الأكرب �سن ًا مع من هم �أ�صغر منهم ،يتيح لهم ممار�سة مهارات القيادة والتوجيه والإدارة ،فيكت�سبون خرب ًة وفهم ًا �أعمق للمفاهيم املعقدة عندما ي�شرحونها ملن هم �أ�صغر منهم ،مما يجربهم على التفكري فيما يعرفونه وما ال يعرفونه .ومثلما ُيلهم الأطفال الأكرب �سن ًا من هم �أ�صغر منهم ،ويحفزونهم نحو االنخراط يف �أن�شطة �أكرث تعقيد ًا� ،أو تطور ًا ،يلهم الأطفال الأ�صغر�سن ًاَ ،من هم �أكرب منهم، باالنخراط يف �أن�شطة �أكرث �إبداع ًا وعفوية.
قيمة اللعب املحفوف باملخاطر ي�شري الباحثون �إلى �أن اللعب ي�ساعد ال�صغار على تعلم كيفية التعامل مع حاالت الطوارئ .ف�صغار الثدي ّيات من جميع الأنواع ت�ضع نف�سها عمد ًا وب�شكل متكرر ،يف مواقف حرجة وخطرية وخميفة �إلى حدٍّ ما �أثناء اللعب .فبينما هي ترك�ض وتقفز ويطارد بع�ضها بع�ض ًا� ،سنالحظ �أنها ترا ِوح -با�ستمرار -بني فقدان ال�سيطرة على حركاتها وتوازن �أج�سامها ،وبني ا�ستعادتها. تلعب �صغار الثدي ّيات من جميع الأنواع تقريب ًا �ألعاب املطاردة .وقد الحظ العلماء والباحثون �أن احليوان املُطا َرد ُيظهر � -أحيان ًا -عالمات ا�ستمتاع باللعبة �أكرث من احليوان الذي يطارده .وعلى ما يبدو ،ف�إن مكاف�أة لعبة املطاردة هي �أن يتحول املف�ضل هو املوقف الذي ّ املُطارِد �إلى ُمطا َرد .نالحظ هنا �أن الو�ضع ّ يت�ضمن تعر�ض ًا �أكرب للخطر؛ لأن الالعب الذي َيجري هارب ًا تكون لديه قدرة �أقل على التحكم فيما يحدث ،وفر�صة �أقل يف التوقف للراحة ،ويكون �أكرث عر�ضة لل�سقوط والإ�صابة ،من الالعب الذي يطارده� .إذ يبدو �أن التعر�ض للخطر -يف حد ذاته -يعد جزء ًا ال يتجز�أ من ال�شعور بالإثارة.
كتاب في دقائق
8
وقد �أ�شارت املالحظات �إلى �أن الأطفال ي�ضعون �أنف�سهم عمد ًا يف مواقف خميفة يكونون فيها عر�ض ًة للمخاطر .فهم يفعلون ذلك عندما يت�س ّلقون الأ�شجار� ،أو يقفزون من �أماكن عالية� ،أو يت�س ّلقون �صخر ًة تلو �أخرى� ،أو ي�ستخدمون �ألواح التزلج على املنحدرات .يف مثل هذه الأن�شطة املحفوفة باملخاطر ،يخترب ال ُ أطفال خوفهم مثلما يختربون قوتهم .هذا املزيج من اخلوف واملتعة هو ال�شعور الذي ن�سميه الإثارة .يف مثل هذه الألعاب يكون الأطفال م�س�ؤولني متام ًا ع ّما يقومون به من �أن�شطة معقدة ،وعما يتخذونه من قرارات �صعبة. يف ثقافتنا احلالية والتقليديةُ ،يف ِْرط الآباء وغريهم من الكبار يف حماية الأطفال من الأخطار املحتملة �أثناء اللعب ،ويف كل الظروف ،م�ستهينني بقدراتهم على رعاية �أنف�سهم ،وا ُ املتوخى منها متام ًا ،فتحرم ال َ حل ْكم ال�صحيح على الأمور .هذه اال�ستهانة تحُ ّقق عك�س ّ أطفال من الفر�ص التي يحتاجونها كي يتعلموا كيف ي�سيطرون على �سلوكهم وعواطفهم.
ِثق بقدرات �أبنائك يرغب العديد من الآباء والأمهات يف ا�ستخدام �أ�سلوب تربوي يقوم على الثقة والإميان بقدرات �أبنائهم ،ولكنهم يجدون �صعوبة يف هذا .ورمبا تف�سح لأبنائك جما ًال كافي ًا ي�ستخدمون فيه قدراتهم وي�ستثمرون فيه مهاراتهم: ت�ساعدك االقرتاحات التالية يف �أن َ • ت�أ َّمل القيم التي ت�ؤمن بها �شخ�ص ًيا .ا�س�أل نف�سك مث ًال :ما احلياة الكرمية بالن�سبة لك؟ وما التجارب التي جتعل احلياة جديرة باالهتمام وذات معنى؟ اخلطوة الأولى جتاه الثقة بقدرات الأبناء هي تقييم ما لديك من قيم ،والتفكري يف كيفية تطبيقها على �أبنائك، وعلى عالقاتك بهم وجوهر تفاعلك معهم. • ان�س فكرة �أنك من يحدد م�ستقبل طفلك� .إذا كنا نقدر قيمة احلرية وامل�س�ؤولية ال�شخ�صية ،فيجب �أن نحرتم حقوق �أطفالنا يف التخطيط حلياتهم ب�أنف�سهم. • ال تراقب كل ما يفعله �أطفالك .ال تكن على ات�صال دائم بهم ،وال تتابع كل حتركاتهم ،وال تتدخل يف كل �صغرية وكبرية من �ش�ؤونهم، وال ت�س�أل عن كافة تفا�صيل حياتهم اليومية .بل �أف�سح لهم املجال لريتكبوا بع�ض الأخطاء ويتعلموا منها. • و ِّفر لأبنائك فر�ص ًا وظروف ًا تتيح لهم اللعب واال�ستك�شاف. ومكملة للتعليم التقليدي. ومعززة إ�ضافية • َفكِّر يف بدائل � ٍ ٍ ٍ
9
كتاب في دقائق
من التعليم الإلزامي �إلى االلتزام االجتماعي راع وكلُّنا م�س�ؤول عن رع ّيته .و ُك ٌل ِم ّنا يحمل على عاتقه التزام ًا اجتماعي ًا جتاه توفري فر�ص تعليمية ثر ّية لكل طفل ،بغ�ض النظر عن خلفيته كلٌّنا ٍ �أو م�ستوى ذكائه �أو قدراته وفق ًا ملا نراها نحن من بعيد ،من دون �أن ن�س�أله عنها .ولنف ّكـر�سوي ًا من الآن ف�صاعد ًا يف �إن�شاء مدار�س مفتوحة، ومرنة وتطوعية وم�س�ؤولة و�إيجابية وغري �إلزامية ،يتمكن فيها الطالب من اللعب ،واال�ستك�شاف ،والتع ّلم ،يف بيئة جميلة ومرنة ومفتوحة ومبهجة ومواتية للتنمية الفكرية واجل�سدية والأخالقية التي نبتغيها؛ بيئة ت�ساعدنا على بناء جمتمع متالحم ومتكامل ومتفاعل بني �أفراده، ومبدع يف ر�ؤيته ،وذكي يف فكره ،ومنتج يف عمله ،و�إيجابي يف نظرته ،و�سعيد يف كافة مناحي حياته. المؤلف: بيتر جراي :باحث وعالم نفس في كلية “بوسطن” األمريكية ،وله مدونة تربوية شهيرة باسم“ :التعلم الحر .”Free to Learn
كتب مشابهة: 1. Unschooling Rules 55 Ways to Unlearn What We Know About Schools and Rediscover Education By Clark Aldrich. Greenleaf Book Group. 2011 قواعد التعلم الالصفي 55 :طريقة لتغيير التعليم المدرسي وإعادة اكتشاف التربية .تأليف :كالرك ألدريش. مجموعة جرين ليف للنشر 2011
2. Ungifted Intelligence Redefined. By Scott Barry Kaufman, 2013 الالموهوبون! :إعادة تعريف الذكاء .تأليف :سكوت باري كاوفمان 2013 3. One Size Does Not Fit All A Student’s Assessment of School. By Nikhil Goyal. 2012 الطالب وليس القالب هو الغالب :عندما يقيم الطالب المدارس .نيكيل جويال2012 . كتاب في دقائق
10
“كان �أبناء جمتمعات ال�صيد وجامعي الثمار واملزارعني ،يتقبلون لقـدر ،كما الواقع ،وير�ضون با َ ير�ضون بالقليل ،وكانوا متالحمني ومتعاونني ،ال َ متذ ِّمرين وال ّ �شكائني”.
بيتر جراي