019 التعلم باللعب

Page 1


‫ٍ‬ ‫ثــــــــوان‪...‬‬ ‫فـي‬ ‫يف كلمات م�ضيئة جمعت بني حناياها خربات ال�سنني و�ضمت يف طياتها عمق‬ ‫الر�ؤية و�سداد الب�صرية‪ ،‬ير�سم �سيدي �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد‬ ‫�آل مكتوم نائب رئي�س الدولة رئي�س جمل�س الوزراء حاكم دبي “رعاه اهلل”‬ ‫خارطة طريق الوطن نحو الريادة امل�ستدامة‪ ،‬حيث يقول �سموه‪“ :‬كل املطلوب‬ ‫لتحقيق �أهدافنا �أن نقود ال�شعب يف الطريق ال�صحيح ونن ّمي يف بناته و�أبنائه‬ ‫روح االبتكار والإبداع والثقة بالنف�س والت�صميم على الإجناز والقدرات‬ ‫القيادية”‪ .‬بهذه الكلمات‪،‬مل يكتف �سموه برفع �سقف طموحات الوطن‪ ،‬ومل‬ ‫تقت�صر املعاين على ر�سم خطوات طريق النجاح‪ ،‬بل جاءت املفردات مبثابة‬ ‫و�صفة حكيم‪� .‬إن االبتكار يف التعليم ين�شئ جي ًال مبدع ًا‪ ،‬و�صفة الإبداع تُك ّون‬ ‫نفاذ الب�صرية وتُك�سب الثق َة بالنف�س‪ ،‬و�إذا ما اجتمع االبتكار والإبداع مع‬ ‫نفاذ الب�صرية والثقة بالنف�س تتكون �شخ�صية وقدرات جيل ميتلك مكونات‬ ‫قيادة امل�ستقبل نحو الريادة‪ ،‬وقيادة بتلك املوا�صفات البد و�أن تر�سم �سيا�سات‬ ‫مبنية على ت�أ�صيل روح االبتكار يف الأجيال اجلديدة‪ ،‬لنجد �أنف�سنا �أمام دائرة‬ ‫مبدعة تُعيد �إنتاج ذاتها حتت عنوان الريادة امل�ستدامة‪.‬‬ ‫ويف �إطار �سعي م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم الدائم على ن�شر وطباعة‬ ‫امل�ؤلفات التي تُرثي العقول وترتقي مبكت�سبات الوطن والتي ت�ؤكد على منهجية‬ ‫توجهات ور�ؤى قيادتنا الر�شيدة‪ ،‬ت�أتي ملخ�صات الدفعة ال�سابعة ملبادرة‬ ‫وجيل‬ ‫مبدع ٍ‬ ‫“كتاب يف دقائق” لت�شمل ‪ 3‬موا�ضيع معنية ب�أهمية تن�شئة ٍ‬ ‫طفل ٍ‬ ‫مبتكر وقاد ٍة قادرين على �إحداث التغيري‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويف دفعتنا اجلديدة �سي�أخذكم ملخ�ص كتاب “التعلُّم بال ّلعب” يف رحلة‬ ‫ع�صف ذهني حول ما �إذا كان نظام التعليم الإلزامي املُطبق يف العامل حالي ًا‬ ‫هو الأجنع لأطفالنا والأقدر على تن�شئة جيل مبدع؟ �أم �أن غريزة التعلم‬ ‫الفطرية لدى الأطفال‪ ،‬املبنية على الف�ضول والتلقائية‪ ،‬تفقد بريقها وتنحرف‬ ‫عن امل�سار مبجرد حتجيمها يف قالب روتيني جامد ُي َ�س َّمى التعليم الإلزامي؟‬ ‫�أما ملخ�ص الكتاب الثاين فيحمل ا�سم‪“ :‬ر�ؤية الالمرئي‪ :‬كيف تتمتع بنظرة‬ ‫ثاقبة وب�صرية نافذة؟”‪ ،‬حيث يناق�ش خالله م�ؤلف الكتاب‪ ،‬جاري كالين‪،‬‬ ‫�أهم حمفزات نفاذ الب�صرية والتفكري الإبداعي‪ ،‬والتي يلخ�صها يف خم�سة‬ ‫عوامل هي‪ :‬الروابط وامل�صادفات والف�ضول واملتناق�ضات والي�أ�س الإبداعي‪.‬‬ ‫وتختم ملخ�صات الدفعة ال�سابعة بكتاب “القادة ُي�ؤ ِثرون ف ُي�ؤ ِّثرون” من‬ ‫ت�أليف �سيمون �سينيك‪ ،‬الذي يتبنى نظرية مثرية لالهتمام‪ ،‬حيث يرى الكاتب‬ ‫�أن املحفزات التي ت�سهم يف حت�سني �سلوك الأفراد على ال�صعيد ال�شخ�صي‬ ‫هي ذاتها التي ت�ساعد امل�ؤ�س�سات التجارية يف حتقيق النجاحات‪.‬‬ ‫ويف اخلتام �أمتنى �أن تنعموا بقراءة مفيدة و�أن تنال ملخ�صات الدفعة‬ ‫ال�سابعة من “كتاب يف دقائق” ر�ضاكم‪� ،‬آم ًال �أن نكون قد �ساهمنا يف تنوير‬ ‫العقول وتعزيز قيمة العلم ولو باجلزء الي�سري من �أجل امل�ساهمة يف تطوير‬ ‫جمتمع متقدم‪ ،‬يتخذ من العلم والثقافة والأدب �سند ًا وظهري ًا يتكئ عليه يف‬ ‫رحلته نحو الريادة امل�ستدامة‪.‬‬ ‫جمال بن حويرب ‬ ‫‪1‬‬

‫الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم‬

‫كتاب في دقائق‬

‫ملاذا نفعل ب�أبنائنا َّ‬ ‫كل هذا؟‬ ‫ي�أتي الأطفال �إلى العامل �شغوفني بالتعلم وقادرين عليه‪ ،‬وم�ؤهلني‬ ‫له جيني ًا ونف�سي ًا مبا يكتنزونه من قدرات ا�ستثنائية‪ .‬وخالل‬ ‫ال�سنوات الأربع الأولى من �أعمارهم ي�ستوعبون قد ًرا هائ ًال من‬ ‫املعلومات‪ ،‬ويكت�سبون العديد من املهارات دون �إر�شاد مبا�شر‪،‬‬ ‫فيفهمون ثقافة جمتمعهم ويتع ّلمون التحدث بلغته‪ ،‬ويتعلمون كيف‬ ‫يدافعون عن �آرائهم‪ ،‬وكيف يجادلون‪ ،‬وكيف يعقدون �صداقات‬ ‫مع الآخرين‪ ،‬وكيف يطرحون �أ�سئلتهم‪ .‬كما �أنهم يُعمِ لون خيالهم‬ ‫ويعربون عن �آمالهم‪ ،‬وير�سمون �ألوان ًا زاهي ًة لأحالمهم‪ .‬يدفعهم‬ ‫�إلى كل هذا ف�ضولهم التلقائي‪ ،‬ودوافعهم الفطرية‪� .‬إال �أن هذه‬ ‫الرغبة اجلاحمة والقدرة الهائلة على التعلم‪ ،‬تتوقف �أو تنحرف‬ ‫عن م�سارها الفطري وعن طبيعتها‪ ،‬عندما يبلغ الأطفال اخلام�سة‬ ‫�أو ال�ساد�سة من العمر‪ ،‬بفعل ُنظم التعليم الإلزامي‪ ،‬ومبعنى �أ�صح‬ ‫“التعليم الإجباري‪ ”.‬فالدر�س الأول والأ�صعب الذي يتعلمونه يف‬ ‫املدار�س هو �أن التع ّلم عمل �شاق‪ ،‬وواجب �إجباري‪ ،‬يخلو من املتعة‬ ‫والب�ساطة والتلقائية‪ ،‬ولذا من الأف�ضل جتنبه �أو التحايل عليه‪،‬‬ ‫والتعامل معه بنف�س �أدواته‪ ،‬للتخل�ص من عيوبه‪ ،‬واالكتفاء مبا‬ ‫ميكن االقتناع به من ح�سناته‪.‬‬

‫فطرة اللعـب‬ ‫الأطفال جمبولون بطبيعتهم على حب اللعب واال�ستك�شاف الذاتي‬ ‫دون م�ساعدة الكبار‪ .‬وهم يحتاجون �إلى االنطالق واحلرية يف‬ ‫اللعب من �أجل �أن ينموا‪ .‬كما �أن دوافعهم للعب بحرية هي دوافع‬ ‫غريزية و�أ�سا�سية كامنة ومتو ِّثبة‪� .‬صحيح �أن فقدان القدرة على‬ ‫اللعب بحرية قد ال يوهن اجل�سد كما يفعل نق�ص الغذاء �أو الهواء‬ ‫�أو املاء‪� ،‬إال �أنه يقتل الروح ويعوق النمو العقلي والنف�سي بكل طاقاته‬ ‫واحتماالته‪ .‬فال ّلعب احلر هو الو�سيلة التي يتع ّلم من خاللها الأبناء‬ ‫كيف يك�سبون الأ�صدقاء‪ ،‬والتعاون واالنتماء‪ ،‬ف�ض ًال عن التغلُّب‬ ‫على خماوفهم‪ ،‬وحل م�شاكلهم‪ ،‬وال�سيطر ِة على مجُ ريات حياتهم‪.‬‬


‫عندما تتاح للأطفال احلرية والو�سائل والظروف التي تمُ ّكنهم من حتقيق احتياجاتهم اخلا�صة ب�أنف�سهم‪ ،‬ويف ظروف �آمنة‪ ،‬ف�إنهم يزدهرون‬ ‫و َيتطورون ويندفعون يف م�سارات متنوعة وغري متوقعة‪ ،‬ويكت�سبون املهارات املنا�سبة والثقة الالزمة ملواجهة حتديات احلياة‪ .‬يف مثل هذه‬ ‫يطلب ال ُ‬ ‫أطفال م�ساعد َة الكبار �إال عند احلاجة املا�سة فقط‪ .‬فلي�س هناك ما يدعو لإجبارهم �أو «�إلزامهم» على الدرو�س والواجبات‬ ‫البيئة‪ ،‬ال ُ‬ ‫واملهمات واالختبارات والدرجات‪ ،‬وت�صنيفهم بالإكراه ‪ -‬تبع ًا لأعمارهم ‪ -‬يف ف�صول درا�سية جامدة‪ ،‬ا�ستناد ًا �إلى �سيا�سات وا�سرتاتيجيات‬ ‫و�أدوات عفَّى عليها الزمن‪ ،‬ومل تتط ّور منذ فجر نظم التعليم الإلزامي‪ .‬فكل هذا يتداخل ‪ -‬يف الواقع العملي ‪ -‬ويتعار�ض مع تلقائية وفطرة‬ ‫التع ّلم الطبيعي التي يتمتع بها كل من البنات والأبناء بال ا�ستثناء‪.‬‬

‫اللعب غري املنظم‬ ‫ال نعني بن�شاط “اللعب غري املنظم” �أنه لعب يفتقر �إلى النظام‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫غريزي ّ‬ ‫ومنظم‬ ‫ن�شاط‬ ‫فاللعب ال يكون ن�شاط ًا ع�شوائ ًي ًا �أبد ًا؛ فهو‬ ‫ٌ‬ ‫�أي�ض ًا‪ .‬املق�صود بو�صف “غري املنظم” هو �أن الأطفال عندما‬ ‫يلعبون‪ ،‬يبادرون بغريزتهم وتلقائيتهم �إلى تنظيم اللعب ب�أنف�سهم‪،‬‬ ‫من دون م�ساعدة مبا�شرة �أو توجيه نّ‬ ‫مقن من جهة خارجية‪ُ .‬ي�س ّمى‬ ‫هذا النوع من اللعب �أي�ض ًا “اللعب احلر”؛ وهو اللعب الذي يقرر فيه‬ ‫الالعبون (الأطفال)‪ ،‬لأنف�سهم وب�أنف�سهم ما يلعبون‪ ،‬وكيف يلعبون‪،‬‬ ‫وتكون لديهم حرية تعديل الأهداف والقواعد �أثناء اللعب‪ .‬فاللعب‬ ‫احلر‪� ،‬أو غري املنظم‪ ،‬يتعلق بكيفية تع ّلم الأطفال‪ ،‬وتنظيم �سلوكهم‪،‬‬ ‫وو�ضع قواعد اللعبة وتطبيقها يف امللعب من تلقاء �أنف�سهم‪.‬‬

‫مفارقة رهيبة‬ ‫منذ ب�ضع �سنوات‪� ،‬أجرى عاملا النف�س‪“ :‬ميهايل ت�شكزنتميهايل” و “جريمي هانرت”‪،‬‬ ‫درا�س ًة عن مدى ال�سعادة �أو التعا�سة التي ي�شعر بها الطالب يف املدار�س العامة‪،‬‬ ‫وذلك يف ال�صفوف الدرا�سية من ال�ساد�س �إلى الثاين ع�شر‪� .‬شملت َع ِّين ُة الدرا�سة‬ ‫�أكرث من ‪ 800‬طالب‪ ،‬من ‪ 33‬مدر�سة خمتلفة‪ ،‬يف ‪ 12‬جمتمع ًا خمتلف ًا‪ .‬حيث حمل‬ ‫أوقات‬ ‫إ�شارات يف � ٍ‬ ‫الطالب �ساعات يد خا�صة ملدة �أ�سبوع‪ ،‬كانت مربجم ًة على بث � ٍ‬ ‫�صباحا‪ ،‬وال�ساعة العا�شرة والن�صف م�سا ًء‪،‬‬ ‫ع�شوائي ٍة بني ال�ساعة ال�سابعة والن�صف‬ ‫ً‬ ‫الطالب مبلء ا�ستبيانات يف حوزتهم‪ ،‬مو�ضحني فيها �أين‬ ‫وكلما انطلقت �إ�شارة‪ ،‬قام‬ ‫ُ‬ ‫كانوا‪ ،‬وماذا كانوا يفعلون‪ ،‬ومدى �إح�سا�سهم بال�سعادة �أو التعا�سة يف تلك اللحظة‪.‬‬ ‫جت ّلت �أدنى م�ستويات ال�سعادة عندما كان الأطفال يف املدر�سة‪ ،‬وبلغت �أعلى م�ستوياتها‬ ‫عندما كانوا خارجها‪ ،‬وخا�ص ًة عندما كانوا يتحدثون ويتفاعلون ويلعبون مع �أ�صدقائهم‪.‬‬ ‫�أما الوقت الذي كانوا يق�ضونه مع �آبائهم و�أمهاتهم‪ ،‬فجاء يف املنطق ِة الو�سطى مت�أرجح ًا‬ ‫ما بني ال�سعادة والتعا�سة‪ .‬كما ارتفع م�ستوى ال�سعادة يف عطلة نهاية الأ�سبوع‪ ،‬ثم كان‬ ‫يرتاجع يف الليلة التي ت�سبق الأ�سبوع الدرا�سي اجلديد‪ .‬فمن هو الذي نظر ثم ق ّرر �أنّ‬ ‫�أف�ضل طريق ٍة لتعليم الأطفال هي �إجبارهم و�إلزامهم على �أن يعي�شوا يف بيئات متماثلة‬ ‫أو�ضاع مت�شابهة ورتيبة جتعلهم ي�شعرون بامللل والتعا�سة والقلق؟!‬ ‫ومعيارية ومق ّننة‪ ،‬ويف � ٍ‬ ‫�إنها مفارق ٌة م�ؤ�سف ٌة وحمزنة؛ فها نحن وبا�سم التعليم‪ ،‬نحرم الأطفال كثري ًا من الوقت‬ ‫واحلرية اللذين يحتاجونهما ليع ِّلموا �أنف�سهم ب�أنف�سهم‪ ،‬وب�أ�ساليبهم وطرقهم اخلا�صة‪.‬‬ ‫وبا�سم احلفاظ على �سالمتهم‪ ،‬نحرمهم من الطاقات التي يحتاجونها لتنمية املفاهيم‬ ‫وال�شجاعة‪ ،‬والثقة الالزمة ملواجهة حتديات احلياة املتقلبة واملت�شابكة‪ ،‬ب�إقدام ورباطة ج�أ�ش‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪2‬‬


‫تعليم حقيقي ٍة تتزاي ُد خطورتُها ّ‬ ‫باطراد؛ بعدما فقدنا القدرة على ر�ؤية الطريقة الطبيعية لرتبية �أطفالنا‪ ،‬ولأننا مل نعد ن�ؤمن‬ ‫يعي�ش العامل �أزم َة ٍ‬ ‫بهم وبقدراتهم‪ ،‬وو�ضعناهم يف بيئات تع ّلم تقيد قدراتهم الطبيعية‪ ،‬وتحَ ُ ول بينهم وبني تعليم �أنف�سهم ‪ .‬لقد �أن�ش�أنا لهم عامل ًا يقودهم �أحيان ًا‬ ‫�إلى التيه وال�ضياع‪ ،‬فيجعلهم غ َري قادرين على الثقة ب�أنف�سهم‪ ،‬الكت�ساب املهارات الالزمة لكي ين�ضجوا ويتحملوا م�س�ؤولياتهم عندما ُ‬ ‫ي�ش ّبون‬ ‫عن الطوق ويدخلون عالمَ َ الكبار‪.‬‬

‫يف البدء كان اللعب‬ ‫من الناحية الوراثية واجلينية‪ ،‬نحن ننتمي جميع ًا �إلى مرحلة ال�صيد وجمع الثمار‪ .‬وقد‬ ‫ن�ش�أنا عرب القرون املا�ضية وعلى مدى ال�سنني وف ًقا لهذا النمط من احلياة والوجود‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ال�سبيل الوحيدَ الذي عرفه اجلن�س الب�شري‬ ‫والذي ي�صفه علماء الأنرثوبولوجيا باعتباره‬ ‫للحياة امل�ستقرة والآمنة‪ .‬وقد ظهرت الزراعة بعدئذ ولأول مرة يف الهالل اخل�صيب يف‬ ‫غرب �آ�سيا قبل ع�شرة �آالف عام‪ ،‬ثم انت�شرت يف مناطق �أخرى من العامل يف وقت الحق‪،‬‬ ‫مما �أ َّدى �إلى حدوث الكثري من التغيريات يف طرق معي�شة بني الب�شر‪ ،‬وهي تغيريات‬ ‫�إن�سانية وح�ضارية كان علينا التك ّيف معها‪ ،‬ومع الأدوات التي تطورت لتلبية احتياجاتنا‬ ‫باعتبارنا �صيادين وفر�سان ًا ومزارعني‪ .‬ولكي نتعرف علي نهج ال�صيادين والفالحني‬ ‫ندر�س‬ ‫وجامعي الثمار يف تربية الأطفال وتعليمهم يف ذلك الزمان‪ ،‬كان لزام ًا علينا �أن َ‬ ‫ونفهم قي َمهم الثقافي َة‪ ،‬وعالقا ِتهم االجتماعية‪.‬‬ ‫�سلوكياتهم َ‬

‫االعتماد املتبادل وامل�شاركة وامل�ساواة‬ ‫كان ال�صيادون وجامعو الثمار واملزارعون يعي�شون يف جماعات �صغرية (ما بني الع�شرين‬ ‫واخلم�سني �شخ�ص ًا يف املتو�سط)‪ .‬وكانوا ينتقلون ويرحتلون من مكان �إلى �آخ َر‪َ ،‬‬ ‫داخل‬ ‫م�ساحات كبري ٍة – لكنها حمددة – من الأرا�ضي‪� ،‬سعي ًا وراء الطرائد والنباتات املتاحة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكانت قيمهم االجتماعية الأ�سا�سية تتمثل يف املبادرة‪ ،‬واالعتماد على الذات‪ ،‬وحرية احلركة‬ ‫وامل�شاركة وامل�ساواة‪.‬‬ ‫متتّع ال�صيادون وجامعو الثمار ب�إح�سا�س قوي باال�ستقالل واحلرية املعي�شية‪ ،‬لدرجة �أن ك ًال‬ ‫منهم كان يحجم عن الإمالء على الآخر ماذا يفعل‪ ،‬وكيف عليه �أن يعي�ش‪ .‬حتى �إنهم‬ ‫كانوا ميتنعون عن تقدمي امل�شورة �إلى بع�ضهم البع�ض‪� ،‬إال �إذا طلبها �أحدُهم من الآخر‪،‬‬ ‫وذلك جتنب ًا لأن يبدو الأم ُر وك�أنه تدخ ٌل يف حرية الآخرين‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مل تت�ضمن نظرتهم‬ ‫ال�شخ�صية وا�ستقالليتهم التفكري يف احتكار املوارد‪� ،‬أو جعل الآخرين مدينني لهم؛ لأن هذا‬ ‫يتعار�ض مع قيمة �أخرى عظيمة لديهم‪ ،‬وهي قيمة امل�شاركة واالعتماد املتبادل‪.‬‬ ‫من وجهة النظر االقت�صادية‪ ،‬كانت امل�شاركة هدف ًا جلماعات ال�صيادين وجامعي الثمار؛‬ ‫�إذ كانوا يك ّر�سون قدرا ِتهم ومهارا ِتهم وجهودَهم‪ ،‬ويقدمونها جمان ًا خالل تعاونهم‬ ‫للح�صول على الغذاء‪ .‬كما كانوا يدافعون عن �أنف�سهم �ضد احليوانات املفرت�سة ويت ّولون‬ ‫رعاية �صغارهم‪ .‬وهم يت�شاركون الغذاء وال�سلع والأدوات مع كل فرد يف اجلماعة‪ ،‬بل ومع‬ ‫اجلماعات الأخرى‪ .‬اجلدير بالذكر �أن مفهوم امل�شاركة لدى ال�صيادين واملزارعني‪ ،‬كان‬ ‫يختلف عن مفهومنا نحن لها‪ .‬فلم تكن امل�شاركة كرم ًا حامتي ًا بحت ًا‪ ،‬وال مقاي�ض ًة �ضمني ًة‪،‬‬ ‫بل كانت واجب ًا على الفرد جتاه الآخرين‪ .‬كما كانت امل�ساواة ترتبط مبفهومي اال�ستقالل‬ ‫وامل�شاركة لدى ال�صيادين وجامعي الثمار‪ ،‬وتعني �أن احتياجا ِتهم تكون �أي�ض ًا مت�ساوي ًة وعلى‬ ‫نف�س القدر من الأهمية‪ ،‬فال ي� ُ‬ ‫أكل �أحدهم مبفرده �أو ين�أى بنف�سه بعيد ًا عن الآخرين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪3‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫التن�شئة املفعمة بالثقة‬ ‫عندما ي�صف الباحثون معاملة الكبار للأطفال يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار‪،‬‬ ‫ف�إنهم كثري ًا ما ي�ستخدمون م�صطلح “التن�شئة املت�ساحمة”‪ ،‬وهم يق�صدون بها‬ ‫“التن�شئة الب�سيطة واملفعمة بالثقة”‪� .‬إذ كانت روح امل�ساواة واال�ستقاللية التي ت�سود‬ ‫العالقات االجتماعية يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار تنطبق على طرق تعامل الكبار‬ ‫مع الأطفال‪ ،‬مثلما تنطبق على تعامل وعالقات الكبار بع�ضهم مع بع�ض‪� .‬إذ يبدو �أن‬ ‫من الركائز الأ�سا�سي ِة للتن�شئة يف هذه املجتمعات الثقة يف غرائز الأطفال واالطمئنان‬ ‫�إليها‪ ،‬فال ُ‬ ‫أطفال الذين ُي�سمح لهم باتباع ما متليه عليهم �إرادتهم‪ ،‬حتم ًا �سيتعلمون‬ ‫ما يحتاجون �إلى تعلمه‪ ،‬ومن ثم �سي�ساهمون بطبيعة احلال يف اقت�صاد اجلماعة‬ ‫بامتالكهم املهارات املنا�سبة والن�ضج املطلوب لتوظيف الأدوات ال�ضرورية لذلك‪.‬‬ ‫تن�سجم مع احتياجاتهم‬ ‫تر�سل التن�شئة املفعمة بالثقة ر�سائل نف�سية �إلى الأطفال‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫احلقيقية يف املكان والزمان‪ ،‬مثل‪�“ :‬أنت تتمتع بالكفاءة‪ ،‬و�آرا�ؤك مهمة‪ ،‬ويجب �أن تتحمل‬ ‫م�س�ؤولية �أخطائك وتتعلم منها‪ ”،‬فاحلياة االجتماعية لي�ست �صراع �إرادات‪ ،‬و�إمنا هي‬ ‫م�ساعدة كل منا للآخر‪ ،‬بحيث يكون لدينا جميع ًا كل ما نحتاج �إليه وما نرغب فيه‪.‬‬

‫املعرفة واملهارة‬ ‫َ‬ ‫نفرت�ض �أنه لكون ثقافات ال�صيادين وجامعي الثمار “�أب�سط” من ثقافاتنا‪ ،‬ف�إن �أطفال‬ ‫من اخلط�أ �أن‬ ‫تلك املجتمعات مل يكونوا بحاجة �إلى تع ّلم الكثري مقارن ًة ب�أطفالنا‪� .‬إذ يحتاج منط احلياة يف جمتمعات‬ ‫ال�صيد والزراعة القدمية �إلى املعرفة واملهارة ب�صورة كبرية‪ ،‬وب�سبب الغياب الن�سبي للتخ�ص�ص املهني‬ ‫والتدريب الفني‪ُ ،‬ي�صبح على كل طفل اكت�ساب ثقافة جمتمعه كلها‪ ،‬وبكافة جوانبها وتنوع مناحيها‪،‬‬ ‫�أو على الأقل اجلوانب املنا�سبة لطبيعته وفطرته؛ ذكر ًا كان �أم �أنثى‪.‬‬

‫املهارات والقيم االجتماعية‬ ‫عندما يتيح الكبا ُر يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار لأطفالهم وقت ًا غري حمدود للعب‪،‬‬ ‫فهم يتيحون لهم �أي�ض ًا ممار�س ًة غري حمدود ٍة للمهارات والقيم االجتماعية التي تعترب‬ ‫بالغة الأهمية والأثر يف حياتهم‪ .‬فاللعب اجلماعي يعترب بطبيعته ممار�سة وتطبيق ًا‬ ‫ملخ�ص ًا للقيم االجتماعية مثل‪ :‬التعاون مع الآخرين‪ ،‬واالهتمام باحتياجاتهم‪ ،‬واتخاذ‬ ‫القرارات باالتفاق والتفاهم فيما بينهم‪.‬‬ ‫اللعب لي�س ن�شاط ًا �إجباري ًا‪ ،‬وال ميكن �أن يكون‪ .‬بل يحق للالعبني دائم ًا االن�سحاب من‬ ‫اللعبة‪ .‬ففي اللعب االجتماعي‪ ،‬يعرف ك ُّل العب �أن َمن ال ير�ضي عن اللعبة �سين�سحب‬ ‫منها‪ ،‬و�إذا ما �شعر الكثريون بعدم الر�ضا ف�إن اللعبة تنتهي تلقائي ًا‪ .‬ولكن للحفاظ على‬ ‫ا�ستمرارها‪ ،‬ال يجب على الالعبني تلبية رغباتهم ال�شخ�صية فح�سب‪ ،‬و�إمنا �أي�ض ًا تلبية‬ ‫رغبات �شركائهم من الالعبني الآخرين‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ف�إن حاجة الأطفال �إلى اللعب تعد‬ ‫دافع ًا قوي ًا ليتعلموا كيف يراعون رغبات الآخرين‪ ،‬والتفاو�ض معهم‪ ،‬وحل اخلالفات التي‬ ‫قد تن�شب بينهم‪.‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫‪4‬‬


‫�ضبط النف�س‬ ‫كثري ًا ما يع ِّلق الباحثون الذين يدر�سون طبيعة جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار‪ ،‬على ميل �أفراد تلك املجتعات القوي �إلى‬ ‫اال�ستمتاع واالبتهاج و�ضبط النف�س‪ .‬يقول عامل الأنرثوبولوجيا “ريت�شارد جولد”‪“ :‬ميكننا دائم ًا مالحظة الإح�سا�س‬ ‫باالبتهاج واال�ستعداد لل�ضحك واملزاح بني قاطني ال�صحراء‪ .‬وحتى عندما يعانون من َ‬ ‫احلر القائظ‪ ،‬ومن اجلفاف ال�شديد‪،‬‬ ‫ويواجهون نق�ص ًا يف املاء والغذاء‪ .‬هذا االبتهاج جز ٌء من القبول املنظم واجلماعي للم�ش ّقات وال�صعاب املتتالية التي �ست�ؤدي‬ ‫ال�شكوى منها �إلى تفاقمها‪ ”.‬ولذا‪ ،‬فقد كان �أبناء جمتمعات ال�صيد واملزارعني يعي�شون الواقع وير�ضون بالقدر‪ ،‬وكانوا‬ ‫متذمرين وال �ش ّكائني‪.‬‬ ‫را�ضني ومتالحمني ومتعاونني‪ ،‬ال ِّ‬

‫خ�صائ�ص اللعب‬ ‫اللعب مفهوم ميلأ عقولنا بالتناق�ضات عندما نحاول التفكري فيه‬ ‫بعمق؛ فهو ن�شاط جاد‪ ،‬ولكن لي�س باملعنى احلريف للكلمة؛ وهو ن�شاط‬ ‫تخ ّي ٌلي وعفوي‪ ،‬ولكنه يف نف�س الوقت‪ ،‬مقيد بالقواعد ومرتكز على الواقع؛‬ ‫وهو ٌ‬ ‫�سلوك طفويل‪ ،‬ولكنه ال�سبب يف �أعظم �إجنازات احل�ضارة الإن�سانية‪.‬‬ ‫اللعب و�سيلة طبيعية لكي يتعلم الأطفال ما‬ ‫ومن منظور تطوري وتنموي‪ ،‬يعد ُ‬ ‫يجب عليهم تعلمه للبقاء على قيد احلياة والعي�ش حياة �إيجابية ومثمرة‪ .‬وعلى‬ ‫اللعب يكون دائم ًا مفعم ًا باحلبور وال�سرور وال�سعادة والإفادة‪� ،‬إال‬ ‫الرغم من �أن َ‬ ‫�أنه يبقى عم ًال جاد ًا ور�صين ًا ومنتج ًا‪ .‬ولذلك يرى خرباء علم النف�س االجتماعي‬ ‫والتفكري الإيجابي‪� ،‬أن اللعب احلقيقي ال يبد�أ �إال عندما نظن �أننا نعمل‪ ،‬و�أن العمل‬ ‫املنتج والف ّعال ال ي�صل �إلى �أعلى م�ستويات االن�سجام‪� ،‬إال عندما نظن �أننا نلعب‪.‬‬ ‫ورغم �صعوبة تعريف اللعب‪� ،‬إال �أنه ميكننا فهمه من خالل خ�صائ�صه اخلم�س التالية‪:‬‬ ‫‪ -4‬اللعب ٌ‬ ‫ن�شاط خيا ٌ‬ ‫يل غري مقيد بقواعد العالــم “الواقع ــي” �أو‬ ‫‪ -1‬اللعب اختيار وتنظيم ذاتي‪.‬‬ ‫“اجلاد”‪.‬‬ ‫‪ -2‬يف بع�ض الأحيان تكون الو�سيلة يف اللعب �أهم من الغاية‪.‬‬ ‫وخال من ال�ضغوط‪.‬‬ ‫‪ -3‬للعب قواعد ال متليها ال�ضرورات املادية‪ ،‬ولكنها تنبع من عقول ‪ -5‬يعتمد اللعب على �إطار ذهني َن ِ�شط‪ٍ ،‬‬ ‫الالعبني‪.‬‬

‫اللعب و�ضبط النف�س‬ ‫يف الن�صف الأول من القرن الع�شرين‪� ،‬أ َّكد عامل النف�س الرو�سي “ليف‬ ‫فيجوت�سكي” �أن لعب الأطفال بحرية هو الطريقة الأ�سا�سية التي يتعلمون بها‬ ‫التحكم يف �أنف�سهم و�سلوكياتهم وعواطفهم‪ .‬فدافع الأطفال للعب يجعلهم‬ ‫يتجاهلون امل�ضايقات ويقمعون اندفاعهم‪ ،‬مما مي ّكنهم من االلتزام بقواعد‬ ‫اللعبة‪� ،‬إذ تنتقل هذه القدرات تدريجي ًا �إلى حياتهم خارج �أر�ض امللعب‪ .‬وقد‬ ‫�أ�شارت ال ُ‬ ‫�ضروري لنمو بع�ض مك ّونات الدماغ‬ ‫أبحاث احلديث ُة �إلى �أن اللعب‬ ‫ٌ‬ ‫الالزمة لل�سيطرة على اخلوف والغ�ضب‪ ،‬وللت�صرف بفاعلية وثقة يف املواقف‬ ‫الع�صيبة‪ .‬ولي�س من قبيل امل�صادفة �أن الثقافات التي تتيح لأطفالها حرية �أكرب‬ ‫يف اللعب‪ ،‬هي الثقافات التي يت�سم فيها الكبار بقدرة �أكرب على �ضبط النف�س‪.‬‬

‫ملاذا �أ�صبحت مدار�سنا هكذا؟!‬ ‫كيف انتقلنا من البيئة التي يكون فيها التع ّلم ممتع ًا ومن�شود ًا‪� ،‬إلى البيئة التي ُيفر�ض فيها التعليم على الط ّالب بطرق‬ ‫جتعل الكثريين منهم ي�شعرون بالعجز والقلق واالكتئاب؟ لكي نفهم ملاذا و�صلت الأمور �إلى هذا‪ ،‬ال بد �أن نعرف �شيئ ًا‬ ‫مهم ًا عن تاريخ الب�شرية‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫ظهور الزراعة‬ ‫منذ �آالف ال�سنني‪ ،‬عا�ش الب�شر ظروف ًا م�ستقر ًة ن�سبي ًا يف جمتمعات ال�صيد وجمع‬ ‫الثمار‪ .‬وتكيفت غرائزهم على طريقة احلياة تلك‪ ،‬ثم ظهرت الزراعة التي ت�سببت‬ ‫يف �سل�سلة من التغريات املتعاقبة وال�سريعة يف طرق املعي�شة‪ ،‬مما �أدى �إلى تغيري‬ ‫جذري يف طرق التفكري والأ�ساليب املتبعة يف تربية الأطفال‪.‬‬ ‫لقد اعتمدت �أمناط احلياة يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار على املعارف واملهارات‬ ‫الهائلة واالنتباه واحلذر ال�شديدين‪� ،‬إال �أنها كانت تفتقر �إلى ت�شغيل العمالة‪ .‬ولأن �أفراد‬ ‫تلك املجتمعات كانوا �أكرث فاعلية‪ ،‬فقد كان عليهم اكت�ساب معرفة عميقة بالنباتات‬ ‫واحليوانات التي يعتمدون عليها‪ ،‬ف�ض ًال عن معرفة م�ساحات الأرا�ضي التي يجوبونها‪.‬‬ ‫كان عليهم تنمية مهاراتهم يف �صناعة �أدوات ال�صيد وجمع الثمار وكيفية ا�ستخدامها‪،‬‬ ‫وكان عليهم �أن يبتكروا طرق ًا جديد ًة لإيجاد الطعام والدفاع عن �أنف�سهم �ضد احليوانات‬ ‫املفرت�سة‪ ،‬لكنهم مل يكونوا م�ضطرين �إلى العمل ل�ساعات طويلة‪.‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬كان ق�ضاء ال�ساعات الطويلة يف ال�صيد وجمع الثمار‪ ،‬ي�ؤدي‬ ‫�إلى نتائج عك�سية‪ ،‬لأنه يت�سبب يف ا�ستهالك الغذاء ب�شكل �أ�سرع من‬ ‫�إمكانية �إعادة توفريه‪ .‬يرى علماء الأنرثوبولوجيا �أن �أفراد جمتمعات‬ ‫ال�صيد مل يكونوا مييزون بني اللعب والعمل مثلما نفعل اليوم‪ .‬فقد‬ ‫ن�ش�أوا وترعرعوا وهم ميار�سون لعبة ال�صيد وجمع الثمار‪ ،‬وانتقلوا‬ ‫تدريجي ًا من اللعب �إلى املمار�سة الفعل ٌية‪ ،‬ولكن بنكهة اللعب‪ ،‬ومل‬ ‫ينظروا �إلى العمل باعتباره كدح ًا وفع ًال يومي ًا �إلزامي ًا‪.‬‬ ‫ومع ظهور الزراعة‪ ،‬بد�أت املجتمعات متيل �إلى احلد من حرية‬ ‫الأطفال‪ ،‬وتعزيز الأ�ساليب العقابية يف الرتبية‪ .‬حدث هذا على‬ ‫ما يبدو يف كل مكان؛ ففي درا�سة �أجريت يف منت�صف القرن‬ ‫الع�شرين‪ ،‬ا�ستخدم العلماء وثائق �أنرثوبولوجية لرتتيب املجتمعات‬ ‫وف ًقا لفل�سفات و�أ�ساليب تن�شئة �أطفالها‪ .‬وقد تراجعت املجتمعات‬ ‫التي ت�ش ّدد على الطاعة العمياء وا�ستخدام العقاب البدين‪ ،‬لت�أتي‬ ‫يف مكانة مت�أخرة ومنزلة متدنية‪ .‬فيما �أو�ضحت الدرا�سة �أن هذا‬ ‫الرتتيب مرتبط ارتباط ًا وثيق ًا بطرق املعي�شة يف هذه املجتمعات‪.‬‬ ‫فك ّلما اعتمد املجتمع بقدر �أكرب على الزراعة‪ ،‬وبقدر �أقل على ال�صيد‬ ‫وجمع الثمار‪ ،‬كانت القيمة الأهم فيه هي الطاعة‪ ،‬وتبعه التقليل من‬ ‫قيمة �إ�شباع الذات والإجناز يف احلياة كنتيجة حتمية للطاعة العمياء‬

‫والرتبية ال�صماء‪ .‬وتوالت الدرا�سات بعدئذ لت�ؤكد على ما مت التو�صل‬ ‫�إليه من نتائج يف هذا املجال‪.‬‬ ‫يعد ذلك االختالف الثقايف يف تربية الأطفال �أمر ًا منطقي ًا �إذا ما‬ ‫ت�أملنا تلك ال�صفات ال�شخ�صية للمزارع املثايل مقارن ًة ب�صفات‬ ‫الإن�سان املثايل يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار؛ حيث يعتمد‬ ‫النجاح يف الزراعة على التم�سك ب�أ�ساليب جمرب ٍة قد �أثبتت فاعليتها‬ ‫من قبل‪ .‬فالإبداع يف املجتمع الزراعي يع ُّد خماطر ًة كبرية؛ ف�إذا‬ ‫ما ف�سد املح�صول‪� ،‬ضاعت الإمدادات الغذائية لعام كامل‪ .‬ومبا‬ ‫�أن املزارعني – على عك�س ال�صيادين – مل يعتادوا م�شاركة الغذاء‬ ‫مع الآخرين و�إال �ستعاين العائلة التي تفقد حم�صولها من اجلوع‪.‬‬ ‫املجتمعات الزراعي َة ب�شكل عام تت�سم ببنية هرمية‪ ،‬ولذا ف�إن‬ ‫كما �أن‬ ‫ِ‬ ‫طاعة الأبناء لأبيهم املزارع‪ ،‬وطاعة الفلاّ حني ل�صاحب الأر�ض‪ ،‬تُع ُّد‬ ‫من �ضرورات النجاح االجتماعي واالقت�صادي‪ .‬وبالتايل ف�إن املزارع‬ ‫املثايل هو املزارع املطيع‪ ،‬وامللتزم بالقواعد‪ ،‬واملحافظ على �أ�ساليب‬ ‫الزراعة التقليدية التي ال يجوز املخاطرة مبخالفتها‪ .‬ولذا يهدف‬ ‫ال�صارم الذي يفر�ضه املزارعون على �أبنائهم‪� ،‬إلى غر�س‬ ‫االن�ضباط‬ ‫ُ‬ ‫هذه ال�صفات يف نفو�سهم‪.‬‬

‫ظهور النظام الإقطاعي وال�صناعي‬ ‫أرا�ضي‬ ‫مع انت�شار الزراعة يف العامل القدمي‪� ،‬أ�صبح امتالك الأرا�ضي مرادف ًا المتالك الرثوة‪ ،‬و�أ�صبح من ال ميتلكون � َ‬ ‫يعتمدون على من ميتلكونها‪ .‬ثم اكت�شف �أ�صحاب الأرا�ضي �أن ب�إمكانهم زيادة ثرواتهم بت�شغيل غريهم‪ .‬وهكذا‪ ،‬ظهر‬ ‫العمل بالأجر كو�سيلة لتزويد مالكي الأرا�ضي بالعمال‪ُ ،‬‬ ‫و�ش ّنت احلروب لال�ستيالء على الأرا�ضي والعمالة وال�سيطرة‬ ‫عليها‪ .‬وكان هذا هو ال�سياق الذي ن�ش�أ فيه �أطفال ال يلعبون وال يغامرون‪ ،‬لكنهم فقط يتعلمون‪ .‬بهذه الطريقة �أ�صبح‬ ‫التعليم مرادف ًا للتدريب على ما هو متداو ٌل ومجُ ّر ٌب ومتقاد ٌم من الأ�ساليب‪ .‬ومن ثم كان لزام ًا علينا �أن ن�ض َع تلك‬ ‫النتائج ن�صب �أعيننا حينما نت�أمل ما �آلت �إليه مدار�سنا اليوم‪ ،‬وما قد ت�ؤ�ؤل �إليه م�ستقب ًال‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪6‬‬


‫�أخطاء التعليم الإلزامي‬ ‫هل التعليم الإلزامي خيار جيد �أم �سيئ؟‬ ‫�ضرورة �أم رفاهية؟ يعتقد معظم ‪� -‬إن مل‬ ‫يكن كل ‪ -‬النا�س‪� ،‬أنه جيد‪ ،‬بل وتعتربه كل‬ ‫املجتمعات �ضروري ًا �أي�ض ًا‪ .‬ولكن هناك‬ ‫نظر جديد ٍة ال تعت ُرب التعليم الإلزامي‬ ‫وجه َة ٍ‬ ‫�أمر ًا م�سلم ًا به‪ ،‬ولذلك �ساقت �إلينا عدد ًا من‬ ‫�أخطائه و�سلبياته مثل‪:‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ -1‬عـــــدم غر�س الإح�ســــــا�س بامل�س�ؤوليـــة ال�شخ�صية‬ ‫واالعتماد على النف�س‪ .‬يتقيد الأطفال يف املدار�س وغريها‬ ‫من الأماكن التي يديرها الكبار‪ ،‬بل وين�شغل معظمهم يف �أغلب‬ ‫�أوقاتهم بالكثري من الواجبات والعمل الق�سري الذي ال يحققُ‬ ‫ما نن�شده من تنوع الإجنازات‪ ،‬نظر ًا الن�شغاله بتحقيق نتائج‬ ‫متماثلة دون مراعاة لتفاوت امليول وتنوع االجتاهات‪ ،‬وعندئذ‬ ‫يحرم الطالب من فر�ص االعتماد على النف�س وحتمل امل�س�ؤولية‬ ‫ال�شخ�صية‪ .‬وبالتايل ت�ضعف ثقتهم ب�أنف�سهم‪ ،‬كما تهتز ثقة‬ ‫الكبار بهم‪ ،‬العتقادهم ب�أنهم غري �أكفاء‪ ،‬وغري قادرين على‬ ‫حتمل امل�س�ؤولية‪ ،‬مع �أن هذا غري �صحيح يف جوهره‪.‬‬

‫‪ -4‬عدم تعزيز التعاون‪ ،‬وت�شجيع ال�سخرية‪ .‬املدر�سة ب�شكلها‬ ‫احلايل تع ِّلم الأنانية و�سخرية الطالب بع�ضهم من بع�ض‪ .‬ف�إجبار‬ ‫الأطفال على التناف�س فيما بينهم‪ ،‬وت�صنيفهم تبع ًا لدرجاتهم‬ ‫املدر�سية‪ُ ،‬‬ ‫يحمل ر�سال ًة �ضمني ًة ب�أن مهمة كل طالب هي �أن يهتم‬ ‫مب�صلحته ال�شخ�صية فقط‪ ،‬و�أن يتجاهل م�صالح الآخرين‪ ،‬لكي‬ ‫ي�صبح هو الأف�ضل بينهم‪ .‬وك�أن م�ساعدته لزمالئه قد ت�ضره‪،‬‬ ‫لأنها ترفع منحنى تعلمهم وت�ضاعف درجاتهم املدر�سية‪ ،‬مما قد‬ ‫يعني انخفا�ض ترتيبه هو‪ .‬كثري من الطالب ي�سعون �إلى حتقيق‬ ‫إجنازات م�شهود ٍة لي�شار �إليهم بالبنان حني يهزمون الآخرين‬ ‫�‬ ‫ٍ‬ ‫بد ًال من �أن ي�ساعدوهم‪.‬‬

‫‪ -2‬تقوي�ض الدافـــــع الفطري �إلى التعلم بتحويــــل العلم‬ ‫�إلى عمل‪ .‬فالأطفال بطبيعتهم ف�ضوليون وحمبون لال�ستطالع‬ ‫واال�ستك�شـ ــاف واللعــب بط ـ ــرق جتعله ـ ــم يتعرفــون على العامل‬ ‫ويفهمون ـ ـ ــه‪ .‬ل ـكــن الطبـيعـ ـ ـ ـ ــة الإلزامية التي يت�سم بها‬ ‫جب املرء على‬ ‫التعليم حالي ًا حت ِّول العلم �إلى عمل‪ .‬ف�أي ن�شاط ُي رَ ْ‬ ‫ممار�سته‪ ،‬بوجود و�إ�شراف وب�إمالء طرف �آخر‪ ،‬فلي�س �إال عم ًال‬ ‫نتائج باهرة‪.‬‬ ‫�إلزامي ًا ال ميكن �أن نتوقع منه َ‬

‫‪ -5‬عدم تنمية احل�س النقدي‪� .‬أحـ ــد �أهـ ــم الأهداف العامـ ـ ـ ــة‬ ‫املفرت�ضـ ـ ــة للتعليـ ـ ــم هو غر�س احل�س النقدي‪ .‬ورغم هذا‪ ،‬يتعلم‬ ‫الطـ ــالب جتنب جمي ـ ــع �أ�شكال التفكري النقدي‪ ،‬لأنهم يفهمون‬ ‫�أن مهمتهم الوحيدة يف املدر�سة هي احل�صول على درجات عالية‬ ‫يف االختبارات‪ ،‬والتفكري النقدي يتعار�ض مع هذه الغاية‪ .‬فلكي‬ ‫يح�صل الطالب على درجة جيدة‪ ،‬يجب �أن يعرف ما يريده املعلم‬ ‫فيفعله‪ ،‬وال يحيد عنه قيدَ �أُمنلة‪.‬‬

‫‪ -3‬احلكــــم على الطالب بطــــرق تعزز الإح�ســـــا�س‬ ‫باخلجـــل والغطر�ســـة وال�سخرية والغ�ش‪ .‬يبدو �أن‬ ‫نظام تقييم الطالب بالدرجات والتقديرات‪ ،‬املخ�ص�ص‬ ‫�أ�سا�س ًا لتحفيزهم‪ ،‬قد �أ�صبح و�سيل ًة لتعزيز ال�سخرية‬ ‫والغ�ش؛ حيث يتم �إقنا ُع الطالب دائم ًا ب�أن تفوقهم‬ ‫وجناحهم حتدده درجاتهم املدر�سية يف االختبارات فقط‪،‬‬ ‫و�أن االنتقال �إلى مرحلة درا�سية تالية‪ ،‬و�صو ًال �إلى التحرر‬ ‫النهائي من نظام التعليم‪ ،‬يعتمد �أ�سا�س ًا على ما يحققونه‬ ‫من درجات‪.‬‬

‫‪ -6‬عدم تنوع املهارات واملعارف‪ .‬ب�إجبار جميع الطالب على‬ ‫درا�سة نف�س املناهج‪ ،‬ف�إننا نق ّلل من فر�صهم يف فتح َ‬ ‫نوافذجديدة‪،‬‬ ‫واخلو�ض يف م�سارات بديلة‪ .‬وللأ�سف‪ ،‬ميثل املنهاج املدر�سي‬ ‫ِ‬ ‫جمموعة حمدودة للغاية من املهارات واملعارف التي تعترب مهمة‬ ‫يف م�سريتنا العملية التي ترثي جمتمعنا‪ .‬ففي هذا الع�صر املتخم‬ ‫باملعارف واملعلومات‪ ،‬ال ي�ستطيع �أحد �أن يتعلم �إال النزر الي�سري يف‬ ‫كل جمال‪ .‬بعبارة �أخرى‪ :‬كل �إن�سان يقطف زهرة من كل ب�ستان‪.‬‬ ‫فلماذا ُيجبرَ اجلميع على تعلم نف�س النزر الي�سري‪ ،‬وقطف نف�س‬ ‫الزهرة‪ ،‬يف كل �صف وكل مدر�سة وكل جيل؟!‬

‫كتاب في دقائق‬


‫اختالط ال�صغار وخمتلفي الأعمار‬ ‫و�س ُيم ِّكنهم‬ ‫ي�ستطيع ال�صغار االنخراط يف �أن�شطة قد تكون معقدة �أو �صعبة �أو خطرة �إذا ما قاموا بها وحدهم‪� ،‬أو مع �أطفال يف نف�س عمرهم‪َ .‬‬ ‫التعلم من مراقبة الأن�شطة املعقدة التي ميار�سها من هم �أكرب منهم �سن ًا‪ .‬وميكنهم احل�صول على رعاية ودعم عاطفي �أف�ضل مما يو ِّفره لهم‬ ‫�أقرانهم من نف�س ال�سن‪.‬‬ ‫كما �أن تعامل الأطفال الأكرب �سن ًا مع من هم �أ�صغر منهم‪ ،‬يتيح لهم ممار�سة مهارات القيادة والتوجيه والإدارة‪ ،‬فيكت�سبون خرب ًة وفهم ًا‬ ‫�أعمق للمفاهيم املعقدة عندما ي�شرحونها ملن هم �أ�صغر منهم‪ ،‬مما يجربهم على التفكري فيما يعرفونه وما ال يعرفونه‪ .‬ومثلما ُيلهم الأطفال‬ ‫الأكرب �سن ًا من هم �أ�صغر منهم‪ ،‬ويحفزونهم نحو االنخراط يف �أن�شطة �أكرث تعقيد ًا‪� ،‬أو تطور ًا‪ ،‬يلهم الأطفال الأ�صغر�سن ًا‪َ ،‬من هم �أكرب منهم‪،‬‬ ‫باالنخراط يف �أن�شطة �أكرث �إبداع ًا وعفوية‪.‬‬

‫قيمة اللعب املحفوف باملخاطر‬ ‫ي�شري الباحثون �إلى �أن اللعب ي�ساعد ال�صغار على تعلم كيفية التعامل مع حاالت‬ ‫الطوارئ‪ .‬ف�صغار الثدي ّيات من جميع الأنواع ت�ضع نف�سها عمد ًا وب�شكل متكرر‪ ،‬يف‬ ‫مواقف حرجة وخطرية وخميفة �إلى حدٍّ ما �أثناء اللعب‪ .‬فبينما هي ترك�ض وتقفز‬ ‫ويطارد بع�ضها بع�ض ًا‪� ،‬سنالحظ �أنها ترا ِوح ‪ -‬با�ستمرار ‪ -‬بني فقدان ال�سيطرة على‬ ‫حركاتها وتوازن �أج�سامها‪ ،‬وبني ا�ستعادتها‪.‬‬ ‫تلعب �صغار الثدي ّيات من جميع الأنواع تقريب ًا �ألعاب املطاردة‪ .‬وقد الحظ العلماء‬ ‫والباحثون �أن احليوان املُطا َرد ُيظهر ‪� -‬أحيان ًا ‪ -‬عالمات ا�ستمتاع باللعبة �أكرث من‬ ‫احليوان الذي يطارده‪ .‬وعلى ما يبدو‪ ،‬ف�إن مكاف�أة لعبة املطاردة هي �أن يتحول‬ ‫املف�ضل هو املوقف الذي ّ‬ ‫املُطارِد �إلى ُمطا َرد‪ .‬نالحظ هنا �أن الو�ضع ّ‬ ‫يت�ضمن تعر�ض ًا‬ ‫�أكرب للخطر؛ لأن الالعب الذي َيجري هارب ًا تكون لديه قدرة �أقل على التحكم فيما‬ ‫يحدث‪ ،‬وفر�صة �أقل يف التوقف للراحة‪ ،‬ويكون �أكرث عر�ضة لل�سقوط والإ�صابة‪ ،‬من‬ ‫الالعب الذي يطارده‪� .‬إذ يبدو �أن التعر�ض للخطر ‪ -‬يف حد ذاته ‪ -‬يعد جزء ًا ال‬ ‫يتجز�أ من ال�شعور بالإثارة‪.‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫‪8‬‬


‫وقد �أ�شارت املالحظات �إلى �أن الأطفال ي�ضعون �أنف�سهم عمد ًا يف مواقف خميفة يكونون فيها عر�ض ًة للمخاطر‪ .‬فهم يفعلون ذلك عندما‬ ‫يت�س ّلقون الأ�شجار‪� ،‬أو يقفزون من �أماكن عالية‪� ،‬أو يت�س ّلقون �صخر ًة تلو �أخرى‪� ،‬أو ي�ستخدمون �ألواح التزلج على املنحدرات‪ .‬يف مثل هذه الأن�شطة‬ ‫املحفوفة باملخاطر‪ ،‬يخترب ال ُ‬ ‫أطفال خوفهم مثلما يختربون قوتهم‪ .‬هذا املزيج من اخلوف واملتعة هو ال�شعور الذي ن�سميه الإثارة‪ .‬يف مثل هذه‬ ‫الألعاب يكون الأطفال م�س�ؤولني متام ًا ع ّما يقومون به من �أن�شطة معقدة‪ ،‬وعما يتخذونه من قرارات �صعبة‪.‬‬ ‫يف ثقافتنا احلالية والتقليدية‪ُ ،‬يف ِْرط الآباء وغريهم من الكبار يف حماية الأطفال من الأخطار املحتملة �أثناء اللعب‪ ،‬ويف كل الظروف‪ ،‬م�ستهينني‬ ‫بقدراتهم على رعاية �أنف�سهم‪ ،‬وا ُ‬ ‫املتوخى منها متام ًا‪ ،‬فتحرم ال َ‬ ‫حل ْكم ال�صحيح على الأمور‪ .‬هذه اال�ستهانة تحُ ّقق عك�س ّ‬ ‫أطفال من الفر�ص التي‬ ‫يحتاجونها كي يتعلموا كيف ي�سيطرون على �سلوكهم وعواطفهم‪.‬‬

‫ِثق بقدرات �أبنائك‬ ‫يرغب العديد من الآباء والأمهات يف ا�ستخدام �أ�سلوب تربوي يقوم على الثقة والإميان بقدرات �أبنائهم‪ ،‬ولكنهم يجدون �صعوبة يف هذا‪ .‬ورمبا‬ ‫تف�سح لأبنائك جما ًال كافي ًا ي�ستخدمون فيه قدراتهم وي�ستثمرون فيه مهاراتهم‪:‬‬ ‫ت�ساعدك االقرتاحات التالية يف �أن َ‬ ‫• ت�أ َّمل القيم التي ت�ؤمن بها �شخ�ص ًيا‪ .‬ا�س�أل نف�سك مث ًال‪ :‬ما احلياة الكرمية بالن�سبة لك؟ وما التجارب التي جتعل احلياة جديرة‬ ‫باالهتمام وذات معنى؟ اخلطوة الأولى جتاه الثقة بقدرات الأبناء هي تقييم ما لديك من قيم‪ ،‬والتفكري يف كيفية تطبيقها على �أبنائك‪،‬‬ ‫وعلى عالقاتك بهم وجوهر تفاعلك معهم‪.‬‬ ‫• ان�س فكرة �أنك من يحدد م�ستقبل طفلك‪� .‬إذا كنا نقدر قيمة احلرية وامل�س�ؤولية ال�شخ�صية‪ ،‬فيجب �أن نحرتم حقوق �أطفالنا يف‬ ‫التخطيط حلياتهم ب�أنف�سهم‪.‬‬ ‫• ال تراقب كل ما يفعله �أطفالك‪ .‬ال تكن على ات�صال دائم بهم‪ ،‬وال تتابع كل حتركاتهم‪ ،‬وال تتدخل يف كل �صغرية وكبرية من �ش�ؤونهم‪،‬‬ ‫وال ت�س�أل عن كافة تفا�صيل حياتهم اليومية‪ .‬بل �أف�سح لهم املجال لريتكبوا بع�ض الأخطاء ويتعلموا منها‪.‬‬ ‫• و ِّفر لأبنائك فر�ص ًا وظروف ًا تتيح لهم اللعب واال�ستك�شاف‪.‬‬ ‫ومكملة للتعليم التقليدي‪.‬‬ ‫ومعززة‬ ‫إ�ضافية‬ ‫• َفكِّر يف بدائل �‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫‪9‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫من التعليم الإلزامي �إلى االلتزام االجتماعي‬ ‫راع وكلُّنا م�س�ؤول عن رع ّيته‪ .‬و ُك ٌل ِم ّنا يحمل على عاتقه التزام ًا اجتماعي ًا جتاه توفري فر�ص تعليمية ثر ّية لكل طفل‪ ،‬بغ�ض النظر عن خلفيته‬ ‫كلٌّنا ٍ‬ ‫�أو م�ستوى ذكائه �أو قدراته وفق ًا ملا نراها نحن من بعيد‪ ،‬من دون �أن ن�س�أله عنها‪ .‬ولنف ّكـر�سوي ًا من الآن ف�صاعد ًا يف �إن�شاء مدار�س مفتوحة‪،‬‬ ‫ومرنة وتطوعية وم�س�ؤولة و�إيجابية وغري �إلزامية‪ ،‬يتمكن فيها الطالب من اللعب‪ ،‬واال�ستك�شاف‪ ،‬والتع ّلم‪ ،‬يف بيئة جميلة ومرنة ومفتوحة‬ ‫ومبهجة ومواتية للتنمية الفكرية واجل�سدية والأخالقية التي نبتغيها؛ بيئة ت�ساعدنا على بناء جمتمع متالحم ومتكامل ومتفاعل بني �أفراده‪،‬‬ ‫ومبدع يف ر�ؤيته‪ ،‬وذكي يف فكره‪ ،‬ومنتج يف عمله‪ ،‬و�إيجابي يف نظرته‪ ،‬و�سعيد يف كافة مناحي حياته‪.‬‬ ‫المؤلف‪:‬‬ ‫بيتر جراي‪ :‬باحث وعالم نفس في كلية “بوسطن” األمريكية‪ ،‬وله مدونة تربوية شهيرة‬ ‫باسم‪“ :‬التعلم الحر ‪.”Free to Learn‬‬

‫كتب مشابهة‪:‬‬ ‫‪1. Unschooling Rules‬‬ ‫‪55 Ways to Unlearn What We Know About Schools and Rediscover Education‬‬ ‫‪By Clark Aldrich. Greenleaf Book Group. 2011‬‬ ‫قواعد التعلم الالصفي‪ 55 :‬طريقة لتغيير التعليم المدرسي وإعادة اكتشاف التربية‪ .‬تأليف‪ :‬كالرك ألدريش‪.‬‬ ‫مجموعة جرين ليف للنشر ‪2011‬‬

‫‪2. Ungifted‬‬ ‫‪Intelligence Redefined.‬‬ ‫‪By Scott Barry Kaufman, 2013‬‬ ‫الالموهوبون!‪ :‬إعادة تعريف الذكاء‪ .‬تأليف‪ :‬سكوت باري كاوفمان ‪2013‬‬ ‫‪3. One Size Does Not Fit All‬‬ ‫‪A Student’s Assessment of School.‬‬ ‫‪By Nikhil Goyal. 2012‬‬ ‫الطالب وليس القالب هو الغالب‪ :‬عندما يقيم الطالب المدارس‪ .‬نيكيل جويال‪2012 .‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪10‬‬


‫“كان �أبناء جمتمعات ال�صيد‬ ‫وجامعي الثمار واملزارعني‪ ،‬يتقبلون‬ ‫لقـدر‪ ،‬كما‬ ‫الواقع‪ ،‬وير�ضون با َ‬ ‫ير�ضون بالقليل‪ ،‬وكانوا متالحمني‬ ‫ومتعاونني‪ ،‬ال َ‬ ‫متذ ِّمرين‬ ‫وال ّ‬ ‫�شكائني‪”.‬‬

‫بيتر جراي‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.