6 minute read

خديجة فتحي،الدار البيضاء

حد تحت سقف وا

جائحتنا واحدة وقصصنا مختلفة، بشكل أو بآخر هي مرتبطة بالحاجة مليكة. نحن عاجزون بطرق مختلفة و لكننا نستمر، بعضنا .. .لخيار واآلخر النعدام. كلنا تحت سقف واحد السبعين بمكانها المعتاد مقابل الباب، على فراشها المبطن بزربيتين و بطانية. تراقب من تجلس الحاجة مليكة حاملة ذيول سنينها مكانها كل من يدخل الدار ويغادرها. ال أحد يروح ويجيء هذه األيام. وحده عبد العزيز ابنها الذي صار يطرق الباب اآلن بعدما سبوع، و كل ثالث أيام يخرج لجلب الحليب من عند مهدي الذي قل أجبرت األبواب على أن تغلق . يتسوق عبد العزيز مرة في اال . الطلب على حليبه هذه األيام يروح عبد العزيز للمسجد كل موعد صالة، يصعد الصومعة ويؤذن بصوته الشجي الذي اعتاده أهل الدوار، نفس الصوت الذي تكتسحه سحنة تنهيدة خافتة مع نهاية كل جملة أذان. ينهي األذان وي دعوا في سره أن يفرج هللا هذه األزمة. ومن ثم يعود لمنزله .ليصلي بأهل داره. أغلقت المساجد، والمدارس هي األخرى، انقلب العالم كله رأسا على عقب في غمضة عين يضع في الثالث عشر من مارس، اتخذت تدابير الحجر الصحي لمرض غريب، لم يكن قبل أيام ليصل وطننا. فيروس عبر القارات بصمته هنا، والمواجهة كانت فرض حالة الطوارئ الصحية. مذ ذاك الحين تغير الكثي ر. السكري الحاد الحاجة مليكة منذ أزيد من عشر سنوات، ومنذ ثالث سنين فقدت قدرتها على المشي، وراحت ال تنعم بليال نوم أصاب ووجهها البشوش، لم تستطع والحكيمت هانئة. الحاجة مليكة التي عرفت بقوتها في سنينها السابقة، بطابعها الهادئ ا مريحة وال نهار مارية. تجلس ان قدميها، وأنها كلما أرادت قضاء حاجتها وجب أن تنادي ابنها عزيز أو حفيدتها "المرضية"أن تتجاوز أبدا حقيقة فقد .بمكانها المعتاد، الذي يسمح لها بعناء رؤية القادم والراحل دون أن تنخرط في المشهد نستطيع أن نحكم على هكذا! ال أتسائل: أكانت كل قوة مليكة في قدميها فقط؟ كيف لشخص يفقد قدرته على المشي أن يصير يائسا وصارألقي برأيي هنا عبثا: نحن ال نتحطم على ما لم نملكه، بل على كل ما امتلكناه سابقا ،ولكنضعف مليكة في مواجهة مصابها. وت، تغادر مليكة المنزل منذ ثالث سنوات، إال في المرات التي أخذت فيها وهي فاقدة للوعي، بين الحياة و الم لم بعيدا.اآلن مرادا المتعلمة وال ترملت ابنتها نجاة الشتاء الماضي ولم تستطع زيارتها للمواساة في فاجعتها. نجاة غير بعجلة عبر سيارة اإلسعاف. . وحدها صهرا ينخر المال قلبه، ليستفرد باإلرث وحدهالعاملة تركت بمسؤولية طفلين، مواجهة األسبوع االول من الحجر الصحي: األمر اذا أكثر جدية، حاالت متزايدة والكل مضطرب من القادم الذي يبدو أنه أكثر سوء. تحدث . " أ ولدي هاد كورونا رجعات كلشي شاد االرض فحالي "والالهيالالهاتف: عبر الحاجة مليكة ابنها البعيد الجميع صار مثل مليكة. بال قدمين، وبتجويفات كثيرة يظهرها التوتر والخوف. الجميع صار يمشط بعينيه الحاالت المؤكدة كل يوم، .دون أن يكون شريكا في األحداث، كما حال مليكة تماما منذ ثالث سنوات ال من طالبه، بعدما أقفلوا مناقشة فيلم وثائقي عبر منصةفي الجهة األخرى، يطلب األستاذ الذي يترك وراءه دوما أثرا فنيا جمي ،أن يصوروا كثيرا، أن يمنحوا التفاصيل وقتا، حبا واهتماما، ألنه بعد انتهاء هذه الجائحة سيغدو كل شيء ذا معنى آخر غير Zoom ر هواتفهم وحواسيبهم: أستاذ أود لو الذي هو عليه اآلن. تتفحص خديجة هذا الحث بتمحيص، تود لو تخبره أمام جموع الحاضرين عب ولكنها طبعا التستطيع قول ذلك أمام المأل. النها اعتادت في كل مرة أن أمامي!ال أقدر، ال أجد أي معنى ألي شيء ولكنيأصور، مفقدة إياها السيطرة.للسطح،تدفن كل أحاسيسها بعيدا جدا، حتى تغمر عن آخرها فتطفح أتساءل :كيف يمكن العالم أن يكون مقلوبا رأسا على عقب بينما هؤالء الطالب يستمتعون بتحليل فيلم وثائقي ويطرحون بشغف ""وهل لهم غير ذلك؟ اإلنسانية ؟مضامينه الفنية وأبعاده

Advertisement

ا يكفيها و طفليها لسد حاجياتهم البسيطة لخمسة استيقظت األرملة نجاة ذلك الصباح لتطعم دجاجاتها، فوجدت ظرفا أبيض يحمل م . أشهر. من أين قدم ذلك الظرف؟ لم يكن مهما سلمى، طالبة في سنتها االخيرة، ال يزعزعها الوضع الصحي كثيرا، ألنها ال تخشى المرض، ولو أن الفيروس بؤرة بمسقط رأسها، تخرجها. هذا يعني معاناة أطول. هي التي تنتظر بفارغ الصبر أن مكناس . ما يؤرقها فعال هو أن يستمر الحجر أطول، أن يتأخر . تلتحق فوريا بعمل يضمن لها أن تريح أسرتها الهشة وتخفف الثقل عن كاهل أم حاربت بضراوة لسنين بعد ترملها

مذكرات أمينة 04/04/2020 اليوم هو العشرون منذ بداية بداية الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا. ، مازلنا نملك أحالما حت ى بعد فوات أوانها . مازال لدينا أمل صرنا جميعا تحت وطأة وضع جديد لم يسبق لنا أن عايشناه، وأظنني إذا ما عدت لهذه السطور بعد سنوات، فلن أتذكر مطلقا أني ض الغريب الذي ظهر فجأة وضرب بمخططاتنا عرض الحائط، وتركنا مكتوفي األيدي، ،المر19كوفيد . مررت من هذه التجربة تهكم( سخرية الحياة! أي نعم، حياتنا نفسها ب أكثر. )أبتسم والشيءمعدمين من الرغبة، محملين بأمل أن تعود حياتنا يوما كما السابق، ن زحام المدينة، من الدراسة، من الملل، من األصحاب والطقس التي كنا نتنكر لها على الدوام، متذمرين من العمل الروتيني، م والمشاكل والمرض، من كل شيء. ال أحد يحب حياته بما هي عليه وال أحد راض تماما عما يعيشه. )تنهيدة( هي نفسها الحياة التي نعمة لم يسبق لنا أن التفتنا إليها أو صرنا ننتظرها أن تعود بفارغ الصبر، حتى أننا صرنا نرى أتفه التفاصيل بمثابة نعمة كبيرة، أدركنا أهميتها. أنه كان من الجيد لنا أن نعيش و نختبر هذا الوضع، يبدو الوضع أحيانا شاقا جدا، وبأن صبرنا قد بلغ مبلغه. لكن أوقاتا أخرى يظهر كان لزاما علينا أن نأخذ 'استراحة '، أن نتوقف لبرهة من الزمن و نتأمل جيدا فيما نحن عليه وفيما نملك، أن نعرف قيمته وندرك ي محاولة ربما تكون األخيرة لنفهم أهمية كل ما يحيط بنا، كل ما اعتبرناه في وقت مضى بال قيمة. وأن نتفقد أيضا كل ما لم نملك، ف . كيف لم نحز عليه بعد مضي عشرين يوم أخرى سأعود لهذه المذكرة. بيد أني ال أدري يومها كيف ستغدو األوضاع، إلى ذلك الحين سأترك للصفحة ...بقية

19/04/2020 ..الثانية و النصفساعة ال بلغ عدد حاالت نهاية الشهر القادم.أخرى حتى اليوم هو ما قبل األخير في مدة الحجر الصحي األولى، التي تم تمديدها لمرحلة رحمهم هللا جميعا . 138حالة ، و توفي 2820فيروس كورونا لحدود الساعة رغم جميع المحاوالت التي بذلتها منذ بداية الحجر الصحي في الحفاظ على توازني النفسي، إال أنه تغمرني أيام بوطئتها الثقيلة على . آ خر اروحي فال أجدني إال مستسلمة ليأس كبير، ال أستطيع معه االستمرار رغم أني ال أملك خيار أتذكر بمرارة كل األيام" العادية" التي كنت أستعد فيها مرتدية فستاني الوردي األنيق على طراز فساتين الخمسينيات العتيقة، وأحمر لتي التقطت خارج البيت، و التي مضى على أغلبها قرابة العام. أتأمل كيف غدت الشفاه المتوسط الحمرة. أقلب بتمعن كل الصور ا ، نحن الذين باألمس فقط لم نكن لنظن أننا سنعيش كل هذا، ولو أن أحدهم أخبرنا حينها أننا سنضطر أن غريبة إلى هذه الدرجة حياتنا

فرصة لنتعلم أننا ضعيفون جدا، بال حيلة وال نملك حتى أمرنحشر داخل منازلنا وأن كل شيء سيتوقف، لضحكنا بشدة. ولكنها لربما .التصرف في حياتنا عندما أتذكر كل األيام اللطيفة التي عشتها منذ عهد قريب جدا أو حتى القديم منه، أدرك متأخرة أن لكل شيء ثمن. لكل شيء. حتى نها الكثير من الدموع والتحسر. سوف تدفع ثمن كل نزهة تؤدى عأن أن ضحكة البطن العفوية التي انفجرت وسط لمة عائلية ال بد قمت بها ذات وقت طيب، وكل لقاء سعيد، بكثير من المسافات والغياب والشوق. وضجيج األصوات الذي لطالما تذمرنا من إزعاجه فيما بعد، رمضان بعد سكون غرفتنا، سيحل محله ضجيج من نوع آخر، ضجيج الذكريات. ال ندري لحد اآلن ما ستؤول إليه األمور أقل من أسبوع، و نحن ال نعرف إن كنا سنبقى على هذه الحال، محشورين في منازلنا لشهور أخرى، هللا وحده يعلم. كل ما نعيه حقا .. إلى لقاء قريب ، ومذكرة أخرى ال أدري متى سيكون تاريخهاب أن يفرج عناأننا ضعاف و نتضرع هلل بحرقة القلو

يجب أن أذكر أن سطوح المنازل شهدت نزوعا قوية في اآلونة األخيرة، صارت مالذا ألسر )أووه خديجة مستلقية بسطح المنزل تنظر للسحاب، هناك شيء ما بين السحب، تود . االولى، بعيون اخرى(عديدة. حسبي أن سكان كل منزل يكتشفون سطح بيتهم للمرة يبدو عصيا. تخبرها السحابة شيئا ما، لكن ال يسعها أن تفطنه. تفكر، لم ال أصور الغروب في محاولة لجر معنى ما! ولكنهأن تلتقطه لو أن معنى ما قد تجلى لها: "التجاوز"، تجاوز ولكن هذا المعنى ال يظهر. تسرح خديجة مع ابتسامة السحابة، لحظتها فقط بدا كما ير أن إقامة الحداد غ إلى النسيان. ال مجال أن كل هذا سيروح بعيدا. واللجوءهذه الفاجعة يتطلب تحمل المسؤولية، ال طي الصفحة أن تعيد مراجعة أوراقها البيئية واجبة. ال بد للبشرية أن تعترف علنا بأن أمرا ما ذا طابع مأساوي قلب عالمها عن عقبه، ومن واجبها هو فرصة لنكتشف إمكانيات إنسانيتنا من جديد، خديجة قررت أن تتوقف عن الهرع نحو 19كوفيد و األهم اإلنسانية.واالقتصادية .الالشيء. أن تأخذ نفسا و تكتب ربما، الحكايات المتفرقة التي تجمعنا

This article is from: