رواية رامة للشاعرة ضحى أحمد

Page 1



‫إهداء‬ ‫‪................‬‬ ‫إلى رامة ‪ ..‬روح هائمة فى الملكوت‬ ‫إلى بالل ‪ ..‬الحى الميت !‬ ‫إلى مراد ‪ ..‬طوق النجاة‬ ‫إلى الحياة المخبأة خلف الرواية ‪..‬‬ ‫إليك ‪ ..‬ما دمت ستقرأ‬ ‫إلى حظى الوفير من الحب‬ ‫إلى حظى الوفير من األلم‬


‫مقدمة‬ ‫‪.............‬‬ ‫لم أعتد كتابة المقدمات ولم أعتد قرائتها ‪..‬‬ ‫وال أحب اإلطالة ‪ ..‬إن كنت تنوى القراءة فانطلق‬ ‫وال تدع المقدمات تعيقك ‪ ..‬دعنى أعبث مع‬ ‫قلبك بين نوبات األلم واألمل ‪..‬‬ ‫ليست الروايات جميعها حقائق ‪ ..‬وليست جميع‬ ‫الحقائق فيها !‬

‫ضحى احمد‬


‫رامـــــــــــــة‬ ‫فى ليلة إفتتاح مرسمها‪ ..‬وقفت بعيدا عن كل‬ ‫الضيوف مستترة خلف جدار شاهق ‪ ..‬نظرت إليه‬ ‫من بعيد وكل خلية بها ترتجف ‪ ..‬نظرت تترقب‬ ‫خطواته ‪ ..‬لفتاته ‪ ..‬تعبيرات وجهه وهو ينظر إلى‬ ‫لوحاتها يتطلع إلى ذلك الحزن المنساب من كل‬ ‫لون من كل قطرة فن ومن كل أنملة إحساس ‪..‬‬ ‫تلك اللوحات التى جسدت بكل المرار قصة الحب‬ ‫الموجعه ‪ ..‬لتخطف عيون وقلوب كل من‬ ‫يشاهدها ‪ ..‬وحده بالل يستطيع ان يفهم جيدا ما‬ ‫تعنيه تلك اللوحات ‪ ..‬وحده قادر على تفسير كل‬ ‫خط وكل منحنى ‪ ..‬كل لون وكل همسة وكل‬ ‫صرخة تطلقها ريشة رامة ‪..‬‬ ‫هؤالء الذين يملكون لونا من الفنون ُيحملون‬ ‫فنونهم دائما كل مواجعهم ‪ ,,‬كل أحزانهم ‪ ,,‬وكل‬ ‫أحالمهم ‪ ..‬كل أمالهم المعلقة وأمالهم المخيبة ‪.‬‬ ‫رامة مثلها مثل كل الفنانين ‪ ,,‬جسدت مواجعها‬ ‫وأحزانها وأحالمها فى لوحاتها ‪ ..‬وما كان بالل إال‬ ‫كل هذه المواجع واألحزان واألحالم !‬ ‫نظرت إليه وقد حملتها قدماها مرارا لتتجه نحوه‬ ‫لكن كل خطوة تخطوها ترجع بها خطوتين‪ ..‬الويل‬ ‫‪ ..‬كيف ستخبره أن حبها له قد أصبح شئ ماضى‬ ‫أن ذلك القلب البرئ الذى لم يحب سواه خال من‬ ‫الحب األن ‪ ..‬كيف ستقول له" إرحل فى صمت"‬ ‫كيف ‪..‬كيف تتغلب على ضعف قلبها وقد بدأ يرجف‬ ‫حنينا إلى ذكريات العشق ‪..‬؟؟؟؟‬


‫عامان ‪ ...‬مضى بينهما عامان قد جمعهما الحب‬ ‫وفرقتهما الظروف مراراً بل فرقتهما أعذاره الواهية‬ ‫‪ ..‬كان يأتى إليها كل يومين ليقول لها رامة يا‬ ‫ك رغم‬ ‫عشق القلب ورجاء الروح ‪ ..‬رغم عشقى ل ِ‬ ‫اشتياقى وحبى وإدمانى لهواك ِ لكن ال أستطيع‬ ‫أن أكمل حياتى معك هذا ألنى ‪ ....‬وبعد ألنى‬ ‫يأتى بألف عذر وكل مرة بعذر جديد ‪ ..‬يمضى‬ ‫ويعود بعد يومين ‪ ..‬إنسى كل األعذار انسى كل‬ ‫الفراق ال يمكن ألحدنا أن يعيش دون األخر أحبك‬ ‫لألبد إغفرى ما مضى وأعدك بأن ‪ ....‬وبعد بأن‬ ‫تأتى كل الوعود الوردية التى سرعان ما تذوب فى‬ ‫بحر أعذار ليبعد عنها من جديد‪.‬‬ ‫مضى شريط حبهما وفراقهما أمام عينيها وهى‬ ‫تنظر إليه من بعيد ‪ ...‬مازالت تنظر بأعين حيرى ال‬ ‫ترتضى لذاتها أن تكون ظالمة أن تجرحه بقول ‪..‬‬ ‫ابعد عنى ‪ ..‬أو ابقى بجانبى إلى األبد ‪ ..‬أجل‬ ‫مازالت عدالتها يمكنها أن تمنحه حق اإلختيار!!‬ ‫لكن ال سبيل إلى الخالص من عذاب ذلك الحب‬ ‫إال بالمواجهه ‪ ...‬ذهبت إليه ‪ ....‬ولكن أين هو؟!‬ ‫لقد ذهب ‪ ..‬مضى ‪ ..‬أيكون حقا قد رحل فى‬ ‫صمت ؟ أيكون قد قرر أخيرا ان يوقف سلسلة‬ ‫األلم الذى يجعلها تشعر به دائما ؟؟ ال‪ ..‬فقد‬ ‫منعه حبه أن يفعل ذلك ‪ ..‬أراد أن يترك لها رسالة‬ ‫ك‪.‬‬ ‫‪ ..‬ذكرى ‪ ..‬ليقول لها ها أنا ذا قد رحلت عن ِ‬ ‫بينما هى حائرة تؤنب نفسها ألنها تركته يرحل‬ ‫دون ان تحادثه ‪ ..‬هى ال تعلم اين ومتى ستراه‬ ‫ثانية ‪ ..‬هى لم تكن تعلم من قبل انها ستراه‬ ‫اليوم ‪ ..‬كل الحيرة وكل األلم وكل الخوف ‪...‬‬


‫إستتروا جميعا خلف إبتسامة مصطنعة تقابل بها‬ ‫ضيوفها ‪ ,,‬حتى أتاها لحن هادئ من هاتفها ‪...‬‬ ‫أجابت بسرعة عله يكون بالل ‪..‬‬ ‫_ مرحبا‬ ‫_ مرحبا يا رامة ‪ ,,‬أنا بالل ‪..‬‬ ‫لم يكن بحاجة أبدا أن يعرف نفسه ‪ ..‬صوته مميز‬ ‫لديها من بين كل البشر ‪ ..‬ليس صوته فقط ‪..‬‬ ‫حتى أنفاسه ‪ ..‬حتى عطره ‪ ..‬حتى صمته لم يزل‬ ‫مميز لديها من بين كل البشر ‪.‬‬ ‫تنهدت وقد إختلط داخل قلبها مزيج من األمل‬ ‫واأللم ‪ ..‬كال الشعورين يسيطران على قلبها ما أن‬ ‫يطرق صوت بالل مسامعها ‪ ..‬ما ان تقع عيونها‬ ‫عليه ‪..‬‬ ‫_ أين أنت يا بالل ؟؟ كيف حالك ؟‬ ‫_ بخير يا رامة ‪ ,,‬كيف حالك إنت ِ‬ ‫_ أكاد أكون بخير ‪ ,,‬أخبرنى رجا ًء أين أنت ؟!‬ ‫صمت قليال ‪ ..‬ثم قال لها أنه سيرحل ‪ ..‬سيرحل‬ ‫دون أن تلقاه‪ ..‬دون عذاب ألحدهما أو ليحمل‬ ‫العذاب وحده ‪ ..‬أنهى كالمه ثم انقطع الخط دون‬ ‫أن يترك لها فرصة ان تلفظ بكلمة واحدة !‬ ‫مضى وهى ما زالت حيرى ‪ ..‬أين أجده األن‬ ‫ألخبره أعذارى ألخبره أنى لم أظلم أحد قط‬ ‫ألعرف على األقل لماذا سيرحل؟؟‬ ‫ذهبت إليه وقد قادها قلبها بدال من أن تقودها‬ ‫قدماها ‪ ..‬قادها قلبها نحو ذلك المكان الذى كثر‬ ‫ما شهد على حبهما‪ ..‬على تواعدهما على الحب‬ ‫والوفاء ‪ ..‬وعلى تواعدهما على الفراق‪ ..‬ذلك‬ ‫المكان الذى شهد كل أيامهما معا حلوها ومرها‪..‬‬


‫وجدته هناك وحده هذه المرة‪ ..‬يجوب نفس‬ ‫الطريق‪ ..‬نفس ذرات التراب تتجول بين قدميه‬ ‫وتكاد تسأله عنها ‪ ..‬أين هى ؟؟ لماذا أتيت وحدك‬ ‫هذه المرة؟! كنتما على ما يرام فى المرة األخيرة‬ ‫فأين هى؟!‬ ‫جائت رامة ‪ ..‬جائت لتجيب على كل األسئلة‬ ‫ليس فقط أسئلة الطريق وذرات التراب ‪ ..‬بل‬ ‫أسئلة الحبيب المطعون ‪ ..‬الحبيب الغادر ‪ ..‬أيهما‬ ‫يكون هو وأيهما ترى هى ؟؟ ألف سؤال يكاد يفجر‬ ‫رأسها الصغير حيرة وشك أودى بإبتسامتها‪.‬‬ ‫هو‪ ...‬حقا هو ال تتردد أن تأتى إلى يا بالل التدع‬ ‫قدميك تأخذاك بعيدا عنى‪..‬إقترب هنا أو إبقى‬ ‫مكانك ألنى حتما سآتيك‪.‬‬ ‫لحظة واحدة وكانا قد إقتربا من بعضهما ‪..‬‬ ‫إبتسامة صغيرة ‪ ..‬رسم على شفاه ‪ ...‬واألسى‬ ‫يطل من العينين إطاللة الشمس على عطارد‪....‬‬ ‫لماذا سترحل ؟؟؟‬‫ألنك طلبت ذلك‪.‬‬ ‫‬‫ِ‬ ‫ هل قلتها حقا ؟؟‬‫ أجل ‪ ..‬تجسد هذا فى تلك اللوحات الحزينة ‪..‬‬‫طلبك لرحيلى جليا فى كل ما أبدعته‬ ‫ظهر‬ ‫ِ‬ ‫ريشتك فى لوحتك المسماه " إرحل فى صمت "‬ ‫‪ ...‬فى تلك السكين الملطخة بالدماء ‪ ..‬فى ذاك‬ ‫الثعبان الذى يعتصر مالكا ! فى تلك العين‬ ‫الحزينة وذلك القلب الجريح ‪ ..‬فى كل شئ ‪..‬‬ ‫فى كل ركن ‪..‬‬


‫ لم أكن أتوقع أنك ستأتى ‪ ,,‬ولم أكن أتوقع أنك‬‫ستفهم كل هذا ‪..‬‬ ‫ تعلمين أنى أفهمك دون أن تتحدثى لكن‬‫اعلمى‬ ‫ ال ‪ ..‬ال تكمل ال تقل أنى أحبك فقد مللت ذلك‬‫الهراء‪.‬‬ ‫ لم يكن حبى هراء وأنت تعلمين ذلك يا رامة ‪...‬‬‫أحببتك بكل ذرة من جسدى أحببتك دون أن أفكر‬ ‫بشئ سواكى لكــــن‪.....‬‬ ‫"قاطعته بمنتهى السخرية واإلنفعال‪."..‬‬ ‫_لكن ‪ ...‬هى نفس المفردة التى تكررها على‬ ‫أذنى كلما أردت إنهاء حبنا‪..‬‬ ‫_ ال أحد غيرك فى هذا العالم يا بالل يدرك كم‬ ‫كنت مستعدة للتضحية من أجلك‪...‬‬ ‫ت ؟؟!! حقا كنت ِ؟؟!!‬ ‫_كن ِ‬ ‫"دمعة صغيرة تألألت فى عينيها البريئتين‬ ‫إحتبستها سريعا وأكملت"‪..‬‬ ‫لكنى تعبت ‪ ..‬أجل تعبت من تلك الحيرة التى‬ ‫تكاد تقتلنى من أنت ؟هل حقا تحبنى؟ ما مدى‬ ‫الصدق فى كالمك؟ وإن كان للصدق مدى فأى‬ ‫كالمك كذب ؟؟ولماذا تكذب على؟! وفيم كذبت؟؟‬ ‫وهل أستحق أنا كل ذلك العناء ؟؟!!!‬ ‫ت أرق وأطيب مخلوق‬ ‫_ال حقا ال تستحقين ‪ ..‬فأن ِ‬ ‫على هذه األرض ‪ ..‬وقد بحثت فى كل شبر‬ ‫خطوت عن أنثى أو ذكر يحمل صفاتك ونبل‬ ‫لك فى هذه‬ ‫أخالقك فلم أجد ولن أجد شبيه ِ‬ ‫الدنيا الحقيرة‪.‬‬ ‫لماذا إذا ً‪....‬‬


‫ألنى ‪ ...‬ال ‪ ..‬ال تجعلينى أقولها‪....‬‬ ‫سأخبرك األن كل الحقيقة ‪...‬‬ ‫بل سأقول ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫سأخبرك لماذا‬ ‫سأخبرك كم عانيت ألنى أحبك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عليك حين أخبرتك أنى ال أصلح زوجا ً‪...‬‬ ‫كذبت‬ ‫ِ‬ ‫سأخبرك لماذا فضلت اإلنقاص من رجولتى‬ ‫ِ‬ ‫قلبك أى جرح ‪..‬‬ ‫ألبعدك عنى دون أن يصيب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لكنى لألسف فى كل مرة أكون أنا المخطئ ‪...‬‬ ‫لك كل الجراح ‪ ..‬كل العناء‪ ..‬كل‬ ‫أنا من يسبب ِ‬ ‫العذاب وأنت مستعدة للتضحية لو حتى على‬ ‫حساب نفسك ومتطلباتك كأنثى‪ ..‬األن فقط‬ ‫تعرفين الحقيقة‪ ..‬الحقيقة التى هى أمر بكثير‬ ‫من أن يطيقها لسانى‪....‬ولكن الحقيقة من أجلك‬ ‫هذه المرة مثلما كان الكذب ألجلك ِ كل مرة‬ ‫أجلك‪...‬سأخبرك األن كل‬ ‫فالحقيقة أيضا من‬ ‫ِ‬ ‫الحقيقة لكن لن أنتظر أى ردة فعل ‪ ..‬لن أسمح‬ ‫لك بأى إهانة سألقى كالمى وأرحل على الفور‬ ‫ِ‬ ‫ثورتك حين تعلمين أنى ‪..‬‬ ‫‪ ..‬لن أدع عينى ترى‬ ‫ِ‬ ‫أنى ‪ ..‬أنى على عالقة بفتاة أخرى ‪ ..‬هى‬ ‫تحبنى ‪ ..‬وقد كنت أبادلها بعض المشاعر ‪ ..‬حتى‬ ‫فيك من كنت‬ ‫عرفتك ووجدت‬ ‫رأيتك ‪ ..‬بل حتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أبحث عنها فى كل بنات حواء ولم أجدها فى‬ ‫ت القلب المخلص البرئ الوفى‬ ‫سواكى أنت ‪ ..‬أن ِ‬ ‫ت‬ ‫الحنون ‪ ..‬أنت مالك تجسد فى صورة بشر أن ِ‬ ‫ت حبيبتى‬ ‫كل شئ حلو فى الحياة‪ ..‬بإختصار أن ِ‬ ‫ت فقط حبيبتى ‪...‬أحببتك بكل ذرة فى جسدى‬ ‫أن ِ‬ ‫‪ ..‬بكل كيانى ‪..‬بكل تفكيرى وشوقى أنت إدمانى‬ ‫قبلك ‪..‬‬ ‫ولكـــن ما ذنب تلك األخرى عرفتها‬ ‫ِ‬ ‫ووعدتها وصرت لها كل الحياة ‪ ..‬صارت ال تحيا من‬


‫دونى ‪ ..‬كيف أظلمها من أجل حب أخر حتى ولو‬ ‫ت ‪....‬كيف أترك‬ ‫كان ذلك الحب هو عمرى كله‪..‬أن ِ‬ ‫امرأة تحبنى وضحت هى األخرى ألجلى؟؟ كيف؟‬ ‫من منكما تستحق أن أتركها أن أظلمها ؟‬ ‫ت وال هى ‪..‬‬ ‫ال فال أن ِ‬ ‫ت‪..‬‬ ‫بريئة ان ِ‬ ‫وبريئة هى األخرى ‪..‬‬ ‫وأبقى أنا األنانى الوحيد أنا ذلك الرجل الذى لم‬ ‫يستطع إنصاف المرأة التى تحبه والتى يعشقها‬ ‫من القدم حتى الجبين‪ .......‬لكم أنا أحبك ‪ ..‬كل‬ ‫ليلة أستيقظ من نومى قلبى يحدثنى ‪ ..‬هاتف‬ ‫رامة ‪ ..‬ولكن ماذا سأقول لها أقول أحبك !!!!!!!!!‬ ‫معك وماذا سافعل مع تلك‬ ‫وماذا سأفعل‬ ‫ِ‬ ‫عنك‬ ‫األخرى‪ ..‬كل الحيرة كل العذاب عذاب بعدى‬ ‫ِ‬ ‫لك‪ ..‬وظلمى لها ‪ ..‬تأنيب الضمير‬ ‫وعذاب ظلمى ِ‬ ‫عذاب القلب ‪ ...‬حبيبتى أنا أسف ‪ ...‬أسف رغم‬ ‫أن هذه الكلمة ال تستطيع بأى حال من األحوال‬ ‫حقك أعلم أنى جرحتك ِ كثيرا‬ ‫أن توفيكى ُعشر‬ ‫ِ‬ ‫عفوك إننى‬ ‫لدرجة أنه لم يعد بوسعى أن أطلب‬ ‫ِ‬ ‫يديك يا رامة ‪ ..‬إقضى بما شئتى ‪ ,,‬احكمى‬ ‫بين‬ ‫ِ‬ ‫على الحكم الذى يريح قلبك ‪ ...‬أرجوكى يا رامة‬ ‫أخبرينى لماذا كل هذا الصمت ألن تثورى ألن‬ ‫لك ولها‬ ‫تصفعينى على وجهى ألنى كنت خائن ِ‬ ‫؟؟!! ردى على ‪ ..‬ال تتركينى هكذا ثورى ‪...‬‬ ‫إنفعلى ‪ ...‬عاتبينى‪...‬‬ ‫"أدارت وجهها البرئ ونظرت إليه بعينيها‬ ‫المذبوحتين وقالت بصوت مشروخ مخنوق يحمل‬ ‫حزن الدنيا ومرارها كله"‪...‬‬


‫إذهب إليها‪ ..‬ليس بمقدورى أن أحمل ذنب أحد‬ ‫أن أكون سببا فى ظلمها ‪ ..‬إذهب إليها وال تحاول‬ ‫أن ترانى مجددا ً‪ ....‬أخرج من حياتى إلى األبد‬ ‫‪...‬‬ ‫ت‪..‬‬ ‫لكنى أحبك ِ‪ ,,‬ال أستطيع العيش‬ ‫بدونك أن ِ‬ ‫ِ‬ ‫"وهنا قاطعته مشيرة بكفها الصغير وقالت "‪...‬‬ ‫كفى ‪ ..‬أمر هذا الحب قد إنتهى ‪ ..‬دعنى أذهب‬ ‫‪...‬‬ ‫وقامت وهى تحاول أن تستجمع قواها ولكن‬ ‫قدميها ال تستطيعان حملها ‪ ..‬وعينيها غارقتين‬ ‫فى بحر من الدموع‪ ...‬و رأسها يدور وكأن كل‬ ‫الدنيا حولها تدور‪ ....‬فى دقيقة واحدة دارت‬ ‫برأسها كل ذكرياتهما معا ‪ ..‬تذكرت لقائهما األول‬ ‫‪ ..‬لم تكن قبلها تؤمن بما يسمونه الحب من‬ ‫النظرة األولى ‪ ,,‬لم تؤمن به إال حين وقعت‬ ‫عيناها على بالل للمرة األولى منذ عامين ‪,,‬‬ ‫حينها شعرت وبأن قلبها قد ُ‬ ‫سرق منها عنوة ‪..‬‬ ‫ذلك األلم الغريب الذى يسكن الجسد فجأة ‪,,‬‬ ‫تلك القشعريرة التى تصيب كل خاليا البدن عند‬ ‫سماع صوت أحدهم ‪ ..‬اإلرتباك الذى يسيطر‬ ‫عليها إذا المست يداه كفها الصغير ـ ولو صدفة ـ‬ ‫‪" ..‬اإلشتياق" كلمة جديدة أضافها الزمن لقاموس‬ ‫كلمات رامة ‪ ,‬اضافها فقط لتعرف ما الحب ‪..‬‬ ‫أجل لم تكن قبلها تعرف ما الحب وال كيف هو ‪..‬‬ ‫وأصبح تفسير "الحب" ومعناه هو بالل ‪ ..‬منذ‬ ‫قابلته للمرة األولى فى القطار الخاطئ ‪ ..‬فى‬ ‫يومها األول فى الجامعة أخطات قطارها‬


‫وإستقلت قطارا ال يحوى حقائبها وال تمتلك ثمن‬ ‫تذكرته ! لم تكن تملك حينها سوى دفتر رسم‬ ‫كبير ‪..‬‬ ‫ال مال ‪,,‬‬ ‫ال تذكرة ‪,,‬‬ ‫ال أوراق رسمية‬ ‫وال حتى أصدقاء ‪..‬‬ ‫كلهم رحلوا فى القطار الصحيح ‪ ,,‬وبقيت وحدها‬ ‫فى هذا القطار حينها كان لقائهما األول ‪ ..‬رأها‬ ‫والدمع غالب عينيها الجميلتين ‪ ,,‬ووجنتيها‬ ‫تشتعالن إحمرارا ‪ ,,‬أقبل إليها وحدثها بكل لطف‬ ‫‪..‬‬ ‫_ مرحبا يا أنسة ‪ ,,‬هل يمكننى المساعدة ؟‬ ‫ال تعرف كيف إطمأنت له ‪ ..‬وكيف بدا لها شخص‬ ‫قريب وكأنها تعرفه منذ سنوات بعيدة ‪ ,,,‬ربما‬ ‫ألنها كانت فى أمس الحاجة لمن يطرق باب‬ ‫كربها ويعرض عليها المساعدة ‪..‬‬ ‫رفعت رأسها ونظرت إليه ‪ ..‬فتاه هو بين جمال‬ ‫عينينها ‪ ..‬لم يستطع الصمود للحظة ‪ ,,‬دون أن‬ ‫يستأذن جلس إلى جوارها ‪ ,,‬ومسك بيديها‬ ‫وهمس ‪ ..‬ارجوكى ‪ ..‬دون بكاء ‪ ..‬ال أحتمل أن‬ ‫دمعك أبدا ‪ ..‬أبدا ‪ ..‬إحكى ما بك وأعدك أن‬ ‫أرى‬ ‫ِ‬ ‫أجعلك تبكى ثانية مطلقا ‪..‬‬ ‫أساعدك ولن‬ ‫ِ‬ ‫بمنتهى الخجل سحبت يديها من بين يديه ‪,,‬‬ ‫وقالت له‬ ‫_إسمى رامة ‪ ,,‬طالبة فى الفرقة األولى لكلية‬ ‫الفنون ‪ ..‬تركت قطارى وذهبت ألودع أمى‬ ‫وخالتى وإبنها عند باب المحطة ‪ ..‬وعندما عدت‬


‫كان القطار قد غادر حامال صديقاتى وحقائبى‬ ‫وكل أغراضى ‪ ,,‬المصيبة أنى لم ألحظ األمر ‪..‬‬ ‫وركبت هذا القطار الذى نحن فيه وال أعرف إلى‬ ‫اين يتجه ‪ ..‬وليس معى حتى أى مال ‪..‬‬ ‫إبتسم وهو ينظر إليها ‪ ,,‬ويديه متجهه نحو‬ ‫حافظة جيبه ‪ ..‬فأسرعت ومسكت بيديه ‪ ..‬ال يا‬ ‫سيدى ‪ ..‬ال تفعل ‪ ..‬أنا لست متسولة وال‬ ‫أستجدى عطفك ‪ ..‬وإستمرت فى حديث لم‬ ‫يسمع منه شئ ‪ ..‬فكيانه كله كان مشتتا هائما‬ ‫فى لمسة يديها تلك ‪ ..‬بدت له أشبه بالمالئكة‬ ‫‪ ..‬والهواء المنبعث من نافذة القطار يداعب‬ ‫شعرها ويجعل خصالته تتطاير لتضرب بكل رفق‬ ‫وجه بالل ‪ ..‬لم يستفق من غيمته تلك إال حين‬ ‫رفعت يدها عنه ‪ ,,‬وهى تقول ‪ ..‬شكرا لك ‪..‬‬ ‫سأتدبر أمرى مع موظف التذاكر ‪..‬‬ ‫أدرك بالل جيدا عزة نفسها وقبل أن تمر بضعة‬ ‫ثوانى ‪,,‬‬ ‫إلتفت إليها من جديد ‪ ..‬وقال‬ ‫بيديك دفتر رسم‬ ‫_ أنسة ‪ ..‬هل هذا الذى‬ ‫ِ‬ ‫_ أجل‬ ‫_ هل يمكننى أن أطلع عليه ؟‬ ‫_تفضل ‪ ..‬بكل سرور‬ ‫دارت عيناه بين األنغام التى عزفتها أقالمها بين‬ ‫طيات ذلك الدفتر ‪ ..‬أثارت انبهاره فعال ‪ ..‬فلم تكن‬ ‫لوحاتها أقل جماال وسحرا منها ‪.‬‬ ‫أعطاها الدفتر وهو يقول ‪ ,,‬هل تستطيعين‬ ‫الرسم أثناء سير القطار ؟‬


‫أجابته بدهشة شديدة ‪ ,,‬ربما ‪ ,,‬لم أجرب من‬ ‫قبل ‪..‬‬ ‫_ إذن هيا ‪ ..‬لو تكرمتى أن تمنحينى الشرف‬ ‫العظيم وتنظرى لوجهى لبضعة دقائق وتمنحيه‬ ‫وسام أن تنقشه أقالمك فى هذا الدفتر المقدس‬ ‫‪..‬‬ ‫نظرت إليه بمنتهى الدهشة ‪ ,,‬ماذا تقول يا‬ ‫أستاذ ‪ ..‬؟‬ ‫_ بالل ‪ ..‬إسمى بالل ‪ ..‬شرف لى أن أسمع‬ ‫إسمى مغردا بصوتك ‪..‬‬ ‫تبسمت للمرة األولى منذ لحظات لقائهما وقالت‬ ‫‪ ..‬ال أملك قلما ‪..‬‬ ‫_ بسيطة ‪ ,,‬تفضلى هذا قلمى ‪ ,,‬ولكن سيخصم‬ ‫ثمنه من حساب اللوحة ‪.‬‬ ‫_ماذا ‪..‬؟ حساب ؟؟‬ ‫_ أجل ‪ ,,‬لم تقبلى أن أعطيكى ثمن التذكرة‬ ‫بالمجان ‪ ,,‬ولن أقبل أن ترسمينى بالمجان أيضا‬ ‫‪ ,,‬وأنا الذى سأحدد السعر ‪,,‬‬ ‫أمسكت بقلمه ونظرت إلى وجهه ‪ ,,‬تأملت كل‬ ‫تفصيالته بينما عيناه مثبتتان فى أعماق عينيها‬ ‫كالغريق الذى أصبح ماء البحر له هو إكسير‬ ‫الحياة ‪ ..‬خطت بمنتهى البراعة لوحة رائعة‬ ‫لوجهه المتبسم رغم شجونه ‪..‬‬ ‫إستمر القطار فى سيره إلى وجهة ال تعرفها‬ ‫رامة ‪ ,,‬وربما لم تعد تريد أن تعرفها ‪ ,,‬فقلبها ـ‬ ‫دون أن تعرف سبب ـ أصبح معلقا بهذا القطار‬ ‫بحديثهما الذى إستمر لساعات لم يعرف أى‬ ‫منهما عددها ‪ ..‬ربما كان هذا اليوم هو أهم يوم‬


‫فى حياتها ‪ ..‬ربما كانت أهم لحظة فى حياتها‬ ‫كلها بعدما أوصلها بالل إلى صديقاتها ‪ ,,‬ووقف‬ ‫ليودعها ‪ ,,‬مدت يديها للسالم ولكنه رفض ‪ ..‬قائال‬ ‫‪..‬‬ ‫_ رامة ‪ ..‬ال أعرف لماذا تعلق قلبى بك ‪ ,,‬ال أعرف‬ ‫عشقتك إلى هذا الحد وأنا‬ ‫‪ ,,‬ال أعرف كيف‬ ‫ِ‬ ‫أعرفك منذ ساعات قليلة ‪ ..‬أسف ألنى سأرد‬ ‫يدك دون سالم ‪ ..‬فإن أنا المست يديكى ‪ ..‬لن‬ ‫يهدا قلبى أو جسدى من دون ضمتك ‪ ..‬إغربى‬ ‫يا رامة ‪ ,,‬إغربى يا عشق قلبى ‪ ..‬إبتعدى عنى‬ ‫ال تجعلى لهيب قلبى يحرقك ‪..‬‬ ‫كان هذا لقائهما األول ‪ ,,‬كان هذا ما دار برأسها‬ ‫بينما هى تحاول أن تلملم أشالء قلبها الجريح ‪..‬‬ ‫خطت خطوتين لتعبر الطريق ‪ ..‬وهو مازال خلفها‬ ‫يحاول أال يتركها تذهب‪ ..‬بينه وبينها خطوة‬ ‫واحدة‪ ...‬سقطت المسكينة مغشية عليها‬ ‫فإلتقطها هو بين ذراعيه ‪ ..‬أزاح خصالت شعرها‬ ‫المنسدلة على وجهها البرئ وهو يحاول أن‬ ‫يفيقها ‪ ..‬وقد كانا فى عرض الطريق ‪ ....‬ذلك‬ ‫الطريق اللعين‪...‬‬ ‫عربات كثار تسير حولهما ‪ ....‬وشاحنة ضخمة ال‬ ‫ترى كتلة العشق الملتحمة على عرض‬ ‫الطريق‪...‬‬ ‫نعم ‪ ...‬صدمتهما شاحنة ‪ ..‬فى لمح البصر غابا‬ ‫عن الوعى ‪ ..‬سرعان ما تجمع المارة حولهما ‪..‬‬ ‫ثمت حبيبين متعانقين يلفظان أنفاسهما األخيرة‬ ‫‪ ,‬كيف لسائق تلك الشاحنة أن ينهى قصة‬


‫عشق بهذه النهاية البشعة ‪ ..‬هيا بنا لننقلهم‬ ‫إلى المشفى‬ ‫روحا واحدة إتقسمت بين جسدين يتعذبان فى‬ ‫غرفتى عمليات المشفى ‪ ..‬بالل غائب عن‬ ‫الوعى ‪ ..‬ال يدرك ما أصابه ‪ ,,‬ال يرى عدد األطباء‬ ‫الملتفين حوله ‪ ,,‬ال يرى سوى صورة رامة ‪,,‬‬ ‫وجهها البرئ الذى ذاب خجال منذ عامين حين‬ ‫قال لها بمنتهى الهدوء والحب " ‪ ,,‬إغربى يا‬ ‫عشق قلبى ‪ ..‬إبتعدى عنى ال تجعلى لهيب‬ ‫قلبى يحرقك ‪" ..‬‬ ‫قالها وإبتعد وهو ينظر إليها وهى تستدير لتتجه‬ ‫نحو صديقاتها بمنتهى البطئ ‪ ..‬وكأن شيئا‬ ‫داخليا يريدها أن تبقى ‪ ,,‬لم يلتفت هو بل ظل‬ ‫يراقبها وكأنما يريد أن يمأل عينيه بضياء منها ‪ ..‬أن‬ ‫يشبع ظمأ روحه من نهر لقائها قبلما يجف ! بقى‬ ‫متسمرا فى مكانه ولم ترتفع عينه عنها إال حين‬ ‫وصلت إلى قطارها ‪ ..‬إستدار قبل أن تلتفت إليه‬ ‫‪ ,,‬ومضى وهو يحتبس دمعا ال يعرف سببه ربما‬ ‫هو دمع العشق ‪ ..‬وربما هو دمع الفراق ‪ ..‬وربما‬ ‫ألم ال يشعر به أحد سوى بالل ‪ ,,‬خطى خطوات‬ ‫متثاقلة حتى أتاه صوتها وهى تصرخ بإسمه‬ ‫"بالااااااال" إستدار وقلبه محلقا فى السماء‬ ‫كالطائرات الورقية ‪ ..‬جرت نحوه بسرعة فتقدم‬ ‫نحوها وتبسم وهو يقول ‪..‬‬ ‫_ ماذا ؟ هل سكنت قلبك بهذه السرعة ؟‬ ‫_ "بضحكة عالية" أنت تمزح كثيرا ‪ ,,‬تفضل ‪..‬‬ ‫لوحتك ‪ ..‬لقد نسيتها معى ‪.‬‬


‫مد يده برفق وأخذ اللوحة من يديها أدارها وكتب‬ ‫عليها شيئا ‪ ..‬ثم قال‬ ‫_ أعرف أنك ستشتاقين إلى ‪ ..‬حينها إنظرى إلى‬ ‫وجهى ‪ ,,‬ستشتاقين أكثر ‪ ,,‬إنظرى أكثر ‪..‬‬ ‫ستشتاقين أكثر وأكثر ‪ ,,‬وعندما يغلبك الشوق ‪..‬‬ ‫هاك رقم هاتفى ‪ ..‬هيا إذهبى ال تفوتى قطارك‬ ‫ثانية ‪ ..‬ال أستحق أن تفوتى قطارك من أجلى ‪..‬‬ ‫ولن تقابلى بالل أخر إن أخطأت قطارك مجددا‪..‬‬ ‫ثم إقترب منها بشدة ‪ ,,‬وأومئ رأسه نحو أذنها‬ ‫وهمس ‪ ..‬أحببتك يا رامة ‪ ,,‬أحببتك جدا ‪..‬‬ ‫أنهى حديثه ثم إستدار ‪ ..‬وال يعرف كيف هذا‬ ‫الحب أصابه فجأة ‪ ..‬كيف سكنت فتاة ال يعرفها‬ ‫إال من سويعات قليلة قلبه بهذه السرعة ‪ ..‬األمر‬ ‫يبدوا غريبا بعض الشيئ ال يوجد عقل يمكنه‬ ‫تصديق هذا ‪ ,,‬شاب يقابل فتاة صدفه ‪ ,,‬فتحتل‬ ‫قلبه بهذه السرعة ‪ ..‬ثم يصارحها بحبه بهذه‬ ‫الجرأة ‪ ,,‬األمر يبدوا غير مألوف ألصحاب العقول ‪..‬‬ ‫ولكن أصحاب القلوب العاشقة وحدهم يدركون أن‬ ‫عشق القلوب ال يحتاج أى مقدمات ‪ ..‬ال يطلب‬ ‫اإلذن ليحتل القلب والروح ويسيطر على العقل‬ ‫ويجبر المرء على تصرفات ال يدرك عواقبها ‪ ,,‬وربما‬ ‫يعود ليلوم نفسه عليها ‪ ,,‬تماما مثلما عاد بالل‬ ‫ليلوم نفسه أن تعلق برامة وأن ترك لها ما يعلقها‬ ‫به ‪ ,,‬وهو يدرك جيدا أن اإلقتراب منه هو الجحيم‬ ‫بذاته ! ‪...‬‬ ‫وتماما مثلما وجدت رامة نفسها تسجل تلك‬ ‫األرقام المنقوشة على ظهر اللوحة التى باتت‬ ‫شغلها الشاغل ألسبوعين كاملين ‪ ..‬كان وقتها‬


‫جالسا ممسكا بهاتفه وكأنه على يقين بأنها‬ ‫ستتصل ‪ ..‬كم تمنى أن تتصل وكم تمنى أال‬ ‫تفعل ‪ ..‬فال أحد سواه يعرف مدى األلم الذى‬ ‫سيصيبها إن هى وقعت فى حبه ‪ ..‬دق هاتفه‬ ‫وهو ال يفكر فى شيئ سواها ‪ ,,‬فأجاب فورا‬ ‫_رامة؟!‬ ‫_ "صمت طويل"‬ ‫على‬ ‫_رامة ‪ ,,‬أعرف أنك المتصل ‪ ..‬ال تبخلى‬ ‫ً‬ ‫بصوتك ‪ ..‬أرجوكى يا رامة ‪..‬‬ ‫_ "بصوت متردد" كيف ‪ ..‬كيف عرفت ؟‬ ‫_ آ آ آ آ آ آ آ آ ه ‪ ...‬صوتك كقطرات مطر تساقطت‬ ‫على أشواك صبار فى صحراء مقفرة ‪ ..‬تأخرتى‬ ‫أعواما كثيرة يا رامة ‪..‬‬ ‫_ ماذا تريد منى يا بالل ؟‬ ‫_ ماذا تريدين أنت ؟ أنت المتصل يا رامة ‪..‬‬ ‫_ ال أعرف‬ ‫_ ولكنى أنا أعرف يا رامتى ‪ ,,‬إن اإلله الذى‬ ‫حبك فى قلبى منصف للغاية ‪ ,,‬وقد غرس‬ ‫غرس‬ ‫ِ‬ ‫مثله تماما فى قلبك ‪ ..‬إعترفى يا رامة ‪ ,,‬واجهى‬ ‫قلبك بحقيقة أنه عشقنى مثلما عشقته تماما ‪..‬‬ ‫إعترفى بأن الشوق قد غلبك أخيرا ‪..‬‬ ‫_ بالل ‪ ..‬أحبك ‪.‬‬ ‫إستفاق بالل من غيمته التى لم يدرك كم من‬ ‫الوقت إستمرت ‪ ..‬وجد نفسه مستلقى فى‬ ‫فراش بحجرة العناية المركزة ‪..‬‬ ‫وحينها أدرك نهايته وعرف أنه سيحيا ما بقى من‬ ‫عمره يتجرع األسى ‪ ...‬أدرك نهاية قصة حبه ‪..‬‬


‫قصة غدره ‪..‬عرف كيف ماتت الحبيبة الوفية بين‬ ‫ذراعى الحبيب الخائن ‪ ...‬أخذ يصرخ وهو يناديها‬ ‫‪ ,,‬رااامة ال تتركينى ‪ ..‬أخذ يؤنب نفسه ألنه‬ ‫سبب موتها ‪ ..‬حاول النهوض من فراشه لكنه لم‬ ‫يستطع ‪ ..‬أدرك وقتها الصاعقة األخرى بأنه لم‬ ‫يفقد حبيبته ـ التى ضحت ألجله كثيرا ً ولم‬ ‫يضحى هو ألجلها أبدا ـ وحسب إنما فقد رجولته‬ ‫أيضا حيث أصابه الحادث بشلل فى أطرافه مما‬ ‫أفقده القدرة على الزواج واإلنجاب‪...‬‬ ‫وكأن القدر أراد أن يصفعه قلما ليقول له ال‬ ‫تتمارضوا فتمرضوا‬ ‫وكأن جسده ال يقبل إمرأة أخرى سوى حبيبته‬ ‫‪ ....‬حبيبته التى رحلت وتركته ليعيش وحده مع‬ ‫العذاب وتأنيب الضمير ‪....‬‬ ‫رحلت الوحيدة فى هذا العالم التى كانت على‬ ‫إستعداد أن تعيش معه حتى ولو فقد كل‬ ‫جسده‪....‬‬ ‫رحلت عنه جسدا وروحا لتبقى ذكرى محفورة‬ ‫بذهنه ‪ ...‬ذكرى حب ‪ ..‬ذكرى ألم ‪ .....‬ذكرى‬ ‫عذاب‪.........‬‬ ‫ذكرى أوجاع فى القلب النادم على كل جرح ‪...‬‬ ‫ذكرى الوفاء ‪ ...‬وذكرى الغدر‪...‬‬ ‫رحلت وحدها عن دنيا الحقود واألغالل وتركت له‬ ‫العمر الطويل ليتألم كل يوم ألف مرة لما فعله‬ ‫معها ‪ ..‬وليدفع ثمن كل كذبة وكل خطيئة فى‬ ‫حياته ‪ ..‬ليسدد الدين لأليام‪...‬‬ ‫رحلت رامة عن بالل وبقى له فقط عجزه ليذكره‬ ‫دوما بجرحه العظيم نحوها ‪ ..‬وبأنه عجز أن‬


‫يعطيها من حياته يوما واحدا لتحياه ‪ ..‬وبأنها‬ ‫فقدت حياتها بسببه هو ‪..‬‬ ‫ومضى الزمان ‪ ..‬وبالتأكيد لم تمت رامة ‪ ..‬أظنها‬ ‫بقيت طيفا حيا ال يفارق عقل بالل أو قلبه ‪ .‬لم‬ ‫تكن رامة بالحب الذى يمكن نسيانه ‪ .‬هؤالء‬ ‫الذين تصعد أرواحهم إلى السماء يتركون صورا‬ ‫كاملة محفورة فى القلوب والعقول مهما طالت‬ ‫السنون ال تموت ذكراهم أبدا ً ‪ ..‬فكيف إذا تموت‬ ‫ذكرى رامة ! ذكرى الحب وذكرى الجرح ‪ ..‬ذكرى‬ ‫الغدر والقدر المنتقم ‪ ..‬كلها ذكريات ال يمكنها ان‬ ‫تترك عقل بالل مهما حاول ‪...‬‬ ‫فلندعنا من أمر بالل إذا ‪ ...‬وماذا فى األمر سوى‬ ‫بالل ؟! هل بقى سواه ؟!‬ ‫أجل بقى الزمان ‪..‬‬ ‫بقى القدر‪..‬‬ ‫بقيت األيدى الخفية التى من شأنها رسم‬ ‫مستقبلنا المجهول ‪ ,,‬سعادتنا وشقائنا ‪ ..‬بقى‬ ‫اإلله الذى تتجلى عظمته فى تدابيره لحياة‬ ‫البشر ‪..‬‬ ‫فيال ذلك القدر العجيب ‪ ..‬انها لم تمت ! أجل‬ ‫أعنى جيدا ما أقول ‪ ..‬إنها لم تمت إنها لم تزل‬ ‫تحيا ‪ ..‬أرادت فقط أن تخرج كليا من حياته وأن‬ ‫تبقيه بعيدا عنها وأن يفترقا بال رجعة ‪..‬‬ ‫األيام القليلة التى قضتها رامة فى المشفى ما‬ ‫بين حجرتى العمليات والعناية المركزة ما بين‬ ‫الحياة والموت ‪ ..‬لم تكن تحتضر وحسب ‪ ..‬بل‬ ‫إحتضرت داخلها مشاعر كثيرة ‪ ..‬وذكريات عامين‬


‫كاملين ‪ ,,‬لم يكن قرارها باإلبتعاد عن بالل باألمر‬ ‫الهين ‪ ..‬فليس من السهل أبدا إنتزاع حب كهذا‬ ‫من أعماق القلب ‪ ..‬ولكن األلم أحيانا قد يجبرنا‬ ‫على دفن الحب إن لم نستطع إنتزاعه ‪..‬‬ ‫ومضى العمر‪ ..‬عشر سنوات كاملة جاهدت فيها‬ ‫رامة نفسها وقلبها وأشواقها ‪ ..‬لم تحاول خاللها‬ ‫أن ترى بالل مرة أخرى ‪ ..‬ولم تحاول حتى أن‬ ‫تتقصى أخباره ‪ ..‬بنت لنفسها عالما جديدا ‪..‬‬ ‫إنهمكت فى دراستها وعملها الذى كان لها هبه‬ ‫من هللا ‪ ...‬أفرغت ـ كما إعتادت ـ كل همومها‬ ‫وجروحها على لوحات من شجن ‪ ,,‬جعلت األلوان‬ ‫واللوحات رفيق سنواتها‪ ..‬وتركت األيام تداوى‬ ‫شيئا فشيئا من جروحها وتدفن الذكرى فى‬ ‫أعماق أعماق قلبها ‪.‬‬ ‫كثر ما طرق الرجال بابها لسنوات حتى تخيرت‬ ‫أحدهم وقبلت به زوجا ‪ ..‬لم يكن مراد مجرد‬ ‫أحدهم ‪ ..‬بل كان أنبل الرجال وأصدقهم وأوفاهم‬ ‫حاول جاهدا أن يهبها السعادة واإلخالص الذى‬ ‫لم تعرفه من قبل وأن يعوضها عن كل سنوات‬ ‫الشقاء بقدر المستطاع ‪ ..‬وعاشا معا فى دفء‬ ‫وسكينة ‪..‬‬ ‫لكن الحياة ال تسير أبدا على وتيرة واحدة ‪ ..‬ربما‬ ‫حياة رامة ـ دون جميع البشر فى هذا الكون ـ‬ ‫تسير على وتيرة واحدة ‪" ,,‬األلم" ‪ ,,‬لم تفرغ رامة‬ ‫من أآلمها أبدا ‪..‬‬ ‫هؤالء اللصوص وقطاع الطرق ال يتصيدون سوى‬ ‫األخيار يبرحونهم ضربا ويسرقون كل ما تحوى‬ ‫جيوبهم ثم ينطلقوا مسرعين ‪ ..‬تلك كانت هى‬


‫الخطة المحكمة التى رسمها بعض اللصوص‬ ‫لسرقة مراد ‪ ..‬فى إحدى الليالى الممطرة ‪..‬‬ ‫قارصة البرودة كان مراد عائدا متأخرا من عمله‬ ‫متجها إلى البيت ‪ ..‬إستوقفه خمسة لصوص‬ ‫حاصروه وإنهالوا عليه ضربا بقطع خشبية‬ ‫وحديدية وأسلحة بيضاء ‪ ..‬لم يستطع مقاومتهم‬ ‫حتى سقط أرضا ‪ ..‬فسرقوا كل ما لديه وهربوا‬ ‫وتركوه ليال على قارعة الطريق ينزف الدماء وال‬ ‫يجد من يستغيث به وال يقوى أصال على‬ ‫االستغاثة‪.‬‬ ‫إنها فى البيت وحدها تحترق قلقال عليه وال‬ ‫تعرف أنه قابع بأحد الشوارع يلفظ أنفاسه األخيرة‬ ‫‪.‬‬ ‫زاد عليه األلم وزاد النزف حتى تيقن أن الموت‬ ‫قادم ال محالة وأن أحدا لن يمر من هنا فى تلك‬ ‫الساعة المتأخرة من الليل أغمض عينيه‬ ‫واستسلم للموت القادم ثم غاب عن الوعى ‪...‬‬ ‫وحين فتح عينية مرة أخرى ذهل أن وجد نفسه‬ ‫سرة البيضاء تبعث فى‬ ‫فى المشفى ‪ ...‬تلك األ ِ‬ ‫القلب فزعا ال يقل عن فزع المرء وهو راقد‬ ‫يستقبل الموت ‪ ...‬تلفت بين جدران المكان وبين‬ ‫أوجه األطباء ومن يسمونهم مالئكة الرحمةـ إن‬ ‫كان قد بقى على األرض مالئكة أو رحمة ـ نظر‬ ‫إلى ذلك الرجل الغريب الذى يجلس إلى جواره‬ ‫ويبتسم فى وجهه‪ ..‬البد أنه أحد األطباء ‪ ..‬وجده‬ ‫يربت على يديه قائال ‪:‬‬ ‫_حمدا هلل على سالمتك ‪ ..‬من فعل بك هذا ؟‬ ‫_سلمك هللا أيها الطبيب ‪ ..‬إنهم لصوص وقطاع‬


‫طرق ‪ ..‬كيف جئت إلى هنا ؟‬ ‫إبتسم إبتسامة خجل وهو يقول‪..‬‬ ‫_ال ال ‪ ..‬لست طبيبا إنما وجدتك على الطريق‬ ‫فاقد الوعى ونزف الدماء ال يتوقف هاتفت‬ ‫اإلسعاف ونقلناك إلى هنا ‪ ..‬وها أنت بحمد هللا‬ ‫بصحة جيدة ‪ ..‬قال األطباء أن كسورك ستشفى‬ ‫خالل شهر بإذن هللا‪.‬‬ ‫_هل أنقذت أنت حياتى ؟ أعزك هللا يا أخى ‪..‬‬ ‫إنى مدين لك بعمرى كله‪.‬‬ ‫_ال تقل هذا ‪ ..‬إن الحياة كلها بيد هللا ‪ ..‬سخرنى‬ ‫هللا حتى تكمل أنت حياتك‪.‬‬ ‫_لم نتعرف على بعضنا بعد ‪ ..‬أنا مراد سعيد‬ ‫مهندس برمجيات ‪ ..‬وأنت ؟‬ ‫ال أعرف‬ ‫_ماذا ؟؟!! ال تعرف ماذا ؟؟!‬ ‫_حقا ال أعرف من أنا ‪ ..‬نادنى باإلسم الذى‬ ‫يروق لك‪.‬‬ ‫_أنا ال أفهمك جيدا ‪ ..‬ماذا تعنى ؟‬ ‫أعنى أنى فاقد للذاكرة منذ سنوات طويلة ‪ ..‬وال‬ ‫أعرف حتى من أكون‪.‬‬ ‫_ال حول وال قوة إال باهلل ‪ ..‬وكيف تحيا هكذا كيف‬ ‫تعمل ؟‬ ‫_عملت فى أكثر من شركة ومحالت تجارية‬ ‫ومطاعم وغيرها ‪ ..‬وفى كل مرة أجد مشكلة فى‬ ‫األوراق الرسمية فأبحث عن عمل أخر وهكذا ‪..‬‬ ‫وباألمس كنت فى أعلى حاالت اليأس حتى‬ ‫رأيتك وشعرت بنعم هللا وتناسيت تيهتى وألمى‬ ‫وأنى حتى ال أجد مأوى‪.‬‬


‫_قصتك غريبة حقا!‬ ‫إبتسم كمن يحاول إنهاء حوار مؤلم بأى طريقة‬ ‫ممكنة قائال‬ ‫_دعك من قصتى الغريبة وأخبرنى إن كنت تريد‬ ‫منى شيئا قبل أن أذهب‪.‬‬ ‫_تذهب ؟! كيف وإلى أين ؟!‪ ..‬أنت ستبقى‬ ‫معى ‪ ..‬إنى مدين لك بحياتى ويجب أن اساعدك‬ ‫حتى تجد عمال ومسكنا‪.‬‬ ‫_شكرا لك ‪ ..‬ال أريد أن أكون عبء عليك‪..‬‬ ‫_ال تقل هذا يا أخى ‪ ..‬سنسعد أنا و زوجتى‬ ‫بإستضافتك‪.‬‬ ‫إنتبه كمن تذكر أمرا هاما ال يعرف كيف غاب عن‬ ‫باله ‪ ..‬وإرتعد قائال‪:‬‬ ‫_زوجتى ‪ ..‬يجب أن أتصل بها البد أنها تحترق‬ ‫قلقا‪.‬‬ ‫_لقد إتصلت بها ‪ ..‬بعد إذنك طبعا ‪ ..‬وجدت رقم‬ ‫هاتف منزلك مسجال على تلك البطاقة الخاصة‬ ‫بك ‪.‬حدثتها وأخبرتها أنك هنا وهى األن على‬ ‫وشك الوصول‪.‬‬ ‫دقائق قليلة مضت حتى أتت الزوجة الملهوفة‬ ‫لتطمئن على زوجها ‪ ..‬فتحت باب الغرفة مسرعة‬ ‫‪ ..‬وإذا بسنوات العمر تختزل أمام عينيها فجأة !!‬ ‫والذكرى األليمة المدفونة فى قاع قلبها تنبض‬ ‫وتدب بها الحياة من جديد !! حبيب الماضى هنا‬ ‫‪ ..‬يجلس إلى جوار زوجها يربت بيديه على كتفه‬ ‫ويتبادالن الحديث واإلبتسامة !! ‪ ..‬هل ضاق‬


‫العالم إلى هذا الحد ؟؟ هل انتهى كل رجال‬ ‫البشرية ولم يبق سواك يا بالل لتنقذ حياة زوجى‬ ‫؟!!‬ ‫إنها لم تزل تذكر جيدا لقائهما األخير ‪ ,,‬لم تزل‬ ‫تذكر كل جروحها ‪ ..‬لم تزل تذكر يوما مضى عليه‬ ‫أكثر من عشرة أعوام ‪ ..‬كانت حينها كطائر يحلق‬ ‫فى السماء ‪ ..‬يعانق النجوم بجناحيه ‪ ..‬قلبها‬ ‫تغمره السعادة كعروس مخضبة يداها بالحناء ‪..‬‬ ‫كل هذا تحطم برسالة هاتفيه نصها كالتالى‬ ‫"رامة ‪ ..‬أحبك جدا لكن ‪ ,,‬ال أستطيع أن أكمل" ‪..‬‬ ‫فقط ‪ ,,‬هذا فقط ما قاله ‪..‬‬ ‫ال أسباب ‪..‬‬ ‫ال أعذار ‪,,‬‬ ‫وال إعتذار ! ‪...‬‬ ‫وبقيت وحيدة ‪ ..‬شهرا كامال ال تعرف سبيال إليه‬ ‫‪ ..‬ال تعرف سببا لما قال ‪ ..‬ال تعرف كيف تعود إلى‬ ‫حياتها بعد أن أدمنته ‪ ..‬بعد أن صار حبه كمجرى‬ ‫الدم فى العروق ‪ ..‬شهرا كامال وهى تنتظر على‬ ‫أمل أن يعود ‪ ..‬وعندما عاد ‪ ..‬لم تسله عن‬ ‫أسباب بعده ‪ ,,‬قلبها البرئ وعقلها الطفولى‬ ‫سامحاه دون أن يقدم أى عذر ! ‪ ..‬لقد كانت حقا‬ ‫طفلة ساذجة ‪ ..‬كانت ولكنها األن لم تعد كذلك ‪..‬‬ ‫عشر سنوات كافية جدا لينضج عقلها كثيرا ‪..‬‬ ‫إبتلعت بغصة صدمتها وتجاهلت بحكمة ما رأت ‪..‬‬ ‫وأقبلت نحو زوجها بلهفة ‪ ..‬مراد ‪ ..‬من فعل بك‬ ‫هذا ‪ ..‬كيف انت األن ؟؟‬


‫_إهدأى يا عزيزتى ‪ ..‬إنى بخير ‪ ..‬هاجمنى بعض‬ ‫اللصوص وسرقوا المال والهاتف الخلوى ‪ ..‬وتركو‬ ‫لى حافظتى فارغة من المال ‪ ..‬ثم تركونى بنزف‬ ‫دماء ال ينقطع على قارعة الطريق وهذا األخ‬ ‫الكريم أنقذ حياتى ‪..‬‬ ‫همست دون حتى أن تنظر إلى وجهه ‪ ..‬شكرا‬ ‫لك‬ ‫أماء برأسه إمائة خفيفة مع إبتسامة خجل‬ ‫شعرت منها أنه ال يعرفها ‪ ..‬وكيف ال يعرفها ‪ ,,‬إنها‬ ‫لم تتغير كثيرا ‪ ..‬نفس المالمح والصوت‪ ..‬وحجاب‬ ‫بسيط يغطى الشعر ال يمكنه أن يجعل حبيب‬ ‫يخطئ مالمح حبيبته !‬ ‫تعجبت كثيرا من طريقته معها حتى ظنت أنه‬ ‫مجرد شبه بينهما ‪ ..‬ولكنها ال تخطئ أبدا وجهه‬ ‫مهما مرت السنون !‪ ..‬كل مالمحه وتفاصيله ‪..‬‬ ‫كل خلجاته ولفتاته ونبرة صوته ونظرته ونبضة‬ ‫يديه فى السالم‪.‬‬ ‫تلك اللحية الخفيفة وتلك الشعيرات البيضاء ال‬ ‫يمكنها ان تخفى مالمح إنسان محفورة صورته‬ ‫فى العقل والقلب منذ أمد ٍ بعيد ‪ ..‬حتى‬ ‫السنوات نفسها مهما طالت ال يمكنها أن تضلل‬ ‫العين عن مالمح من كان عشقها فى يوم من‬ ‫األيام‪.‬‬ ‫قررت أن تقطع كل شكوكها بسؤال يقينى فإما‬ ‫أنه ليس بالل ‪ ..‬أو أنه ال يصدق ما تراه عيناه ‪,,‬‬ ‫فحبيبته ماتت منذ عشر سنوات !‬ ‫_أهال بك يا سيدى ‪ ..‬لم نتعرف بعد ‪ ..‬أنا رامة‬ ‫وأنت ؟‬


‫نكس المسكين رأسه أرضا وهو يهمس ‪ ..‬أ أ أنا‬ ‫‪ ..‬فقاطعه مراد مسرعا ‪ ..‬معذرة يا رامة ‪ ..‬هذا‬ ‫المسكين فاقد للذاكرة منذ أعوام ‪ ..‬وقد كان‬ ‫على وشك أن يقص لى ما يعرف عن حياته قبل‬ ‫أن تأتى ‪..‬‬ ‫تفضل يا أخى أخبرنا بقصتك ‪ ..‬وما هو سبب‬ ‫فقدانك للذاكرة ان كنت تعلم ‪..‬؟‬ ‫_صدمة نفسية ‪ ..‬قيل لى أنى فقدت الذاكرة إثر‬ ‫صدمة نفسية لم استطع مقاومتها ‪ ..‬بعد أن‬ ‫أصبت بالشلل والعجز وسبحان من يعطى بال‬ ‫سبب ويسلب بال سبب شفيت من الشلل‬ ‫ولكنى لم أشف من فقد الذاكرة‪.‬‬ ‫نظر إليه مراد وقد إمتأل قلبه عطفا وإغرورقت‬ ‫عيناه بالدمعات ‪ ..‬قائال ‪ :‬يالهذا العناء ؟! أولم‬ ‫يخبرك أحد كيف كان هذا العجز ؟‬ ‫_بلى أخبرونى قيل لى أن غرباء وجدونا على‬ ‫قارعة الطريق وقد صدمتنا شاحنة ضخمة ‪.‬‬ ‫_صدمتكم !! انت ومن ؟‬ ‫_قيل لى أنها فتاة ‪ ..‬وانى كنت أحاول إنقاذها‬ ‫وكنت أحتضنها بشدة‪.‬‬ ‫_ومن هى ؟؟‬ ‫تنهد وفاض الدمع من عينيه حتى صار ال‬ ‫يستطيع مالحقته ‪ ..‬إختنق صوته وهو يقول ‪:‬‬ ‫_ال أعرف ‪ ..‬لألسف ال أعرف ‪ ..‬اه لو أعرفها ‪ ..‬آه‬ ‫لو ألقاها ألسئلها ما كل هذا الحب الذى يجعلنى‬ ‫أضحى بحياتى كى أنقذها ؟! آه لو أراها ألخبرها‬ ‫أن عقلى وحده فقد الذاكرة ولكن قلبى لم يزل‬ ‫يحملها بداخله ‪ ..‬لم يزل يئن ويشعر بها مدفونة‬


‫فى أعماق أعماقه ‪.‬آه لو أراها فأرتمى بين‬ ‫أحضانها وأنسى الكون ‪ ..‬أنسى ‪ ..‬أنسى حتى‬ ‫أنى أنسى ‪ ..‬اه لو أراها ألسئلها فقط من أنا ؟؟‬ ‫من أنا ؟؟‬ ‫_ولماذا لم تسأل عنها من أخبروك بكل هذا ؟؟‬ ‫لمعت عيناه كطفل يتيم ُ‬ ‫سئِل عن أبويه ‪ ..‬وأجاب‬ ‫بكل األسى ‪" ..‬لقد ماتت"‬ ‫ساد الصمت المكان ‪ ..‬فكل كلمات التعاطف ال‬ ‫تليق ‪..‬‬ ‫مكان واحد إمتأل بالزحام واألصوات الصاخبة‬ ‫الصارخة واألصوات الخافتة المرتعدة ‪ ..‬مكان واحد‬ ‫فقط تضاربت فيه المشاعر ‪ ..‬قلب رامة ‪ ..‬قلب‬ ‫رامة الحائر الحزين الذى حدثها أن تساعد بالل‬ ‫ليعود إلى أسرته ولكنها تذكرت أنها ال تعرف له‬ ‫عنوانا وال تعرف أى من أفراد عائلته ‪ ,,‬كثر ما‬ ‫طلبت منه مسبقا أن يقدمها ألهله ‪ ..‬ألمه ‪..‬‬ ‫ألخوته على األقل ‪ ..‬ولكنه كان دوما يرفض‬ ‫مختلقا أعذارا واهية ! ‪..‬‬ ‫طوال هذه السنوات كانت رامة على يقين بأن‬ ‫القدر سيجمعها ببالل مرة أخرى ‪ ..‬كان أقصى‬ ‫خيالها انها ستقابله صدفة فى أحد الشوارع ‪..‬‬ ‫وتتدارك األمر سريعا فتدير وجهها وال تدعه يراها‬ ‫‪ ,,‬وإن رآها وحدثها ستنكر نفسها منه ‪ ..‬لم تكن‬ ‫تتخيل أبدا من ذى قبل أن القدر سيقدمه لها‬ ‫مجددا بهذه الطريقة ! ال أحد منا يستطيع أن‬


‫يتحدى القدر ‪ ..‬أن يحسب حسابه ويظن أنه‬ ‫سيتدبر وحده كل األمور ! ال أحد على اإلطالق‬ ‫يستطيع أن يكتب مصيره مهما دبر له ‪..‬‬ ‫إنه القدر مهما حاولنا جاهدين اللقاء ومهما‬ ‫حاولنا جاهدين الفراق ‪ ..‬ثمة أقدار ال نستطيع‬ ‫تغيرها‪.‬‬

‫لحظات الصمت تلك لم تطل ‪ ..‬كسرها صوت‬ ‫طبيب يربت على كتف مراد قائال‪:‬‬ ‫_حمدا هلل على سالمتك‬ ‫_سلمك هللا‬ ‫_معذرة النيابة تريد التحقيق‬ ‫_ال بأس‬ ‫وبعد تحقيق النيابة ‪ ..‬وجه مراد حديثه إلى رامة‬ ‫قائال ‪ ..‬عزيزتى ال يليق بنا ان نترك هذا األخ‬ ‫الكريم وحده فهو بال مسكن وبال عمل أو أهل ‪..‬‬ ‫لقد أنقذ حياتى وأنا مدين له بعمرى كله‪.‬‬ ‫نزلت تلك الكلمات كالصاعقة على مسامع رامة‬ ‫‪ ..‬كيف لها أن تحتمل أن تعيش معه فى بيت‬ ‫واحد ولو لساعة واحدة !‬ ‫ذكرى الماضى الموجعة تصب نارا على الجرح‬ ‫الغائر ‪ ..‬القلب يقطر دما ‪ ..‬والكتمان داء ‪..‬‬ ‫والكتمان دواء ‪.‬‬


‫قدر لك األلم يا رامة فتحملى‪,,‬‬ ‫تحملت رامة صدمتها وأجابت مراد ببسمة حزينة‬ ‫مصطنعة ‪ ..‬كما ترى يا مراد‪.‬‬ ‫إلتفت مراد إلى هذا الغريب قائال ‪ ..‬وأنت أيها‬ ‫الشجاع ‪ ..‬بأى إسم تحب أن نناديك‬ ‫_تخير لى ما شئت فأنا وليدكم اليوم تخيروا لى‬ ‫إسما يقربنى إلى قلوبكم البيضاء‪.‬‬ ‫_تخيرى انت ِ يا رامة إسما له‪.‬‬ ‫" _بالل" أجابت بدون تفكير ‪ ..‬وكيف تفكر له فى‬ ‫إسم وهى الوحيدة التى تعرف إسمه‪.‬‬ ‫إبتسم مراد قائال ‪ :‬إذا يا بالل ‪ ...‬سأبحث لك عن‬ ‫وظيفة فى الشركة التى أعمل بها وسأساعدك‬ ‫حتى تجد مسكنا مالئما لك ‪ ..‬وحتى ذلك الحين‬ ‫سوف تبقى برفقتى دائما ‪...‬‬ ‫أحالم كبيرة تتحقق فى غير أوانها ‪ ..‬هنا فى بيت‬ ‫صغير و تحت سقف واحد تعيش رامة مع بالل‬ ‫تراه فى اليوم الف مرة ‪ ..‬يحادثها وتحادثه ‪ ..‬ذاك‬ ‫الحلم الذى تمنته منذ سنوات ‪ ..‬واعتصر قلبها‬ ‫كثيرا ألجله ‪ .‬كم رسما معا أماال حول البيت الذى‬ ‫سيتوج حبهما ‪..‬كم حلما معا بمنزل هادئ صغير‬ ‫يسكناه وال يفترقا أبدا ‪ ..‬حتى فى كل لحظات‬ ‫الفراق التى عاشتها من قبل ‪ ..‬كانت تحلم‬ ‫وحدها بأنه سيعود ‪ ..‬وعندما يعود يرسما معا‬ ‫أماال جديدة بوعود جديدة ‪..‬‬


‫غريب حقا أمر األحالم ‪ ..‬نتمناها كثيرا ‪ ,,‬وننفق‬ ‫ألجلها عمرا ال يعوض ‪ ..‬وال ندرك عواقب تحقيقها‬ ‫! ‪ ..‬األن حلم رامة قد تحول إلى كابوس حتى‬ ‫صارت ال تطيقه ‪ .‬فى كل لحظة تنظر فيها إلى‬ ‫بالل تتذكر كل مواجعها ‪ ,,‬اليوم بالل مريض‪..‬‬ ‫ومنذ سنوات كان يدعى المرض ! لقد كانت رامة‬ ‫حقا طفلة شديدة السذاجة لتلك الدرجة التى‬ ‫جعلتها تتمسك به أكثر عندما أقنعها أن لديه‬ ‫مسألة صحية ستمنعه من اإلنجاب ‪ ..‬وقالت له‬ ‫بكل بساطة ‪ ,,‬أنت األن حبيبى ‪ ,,‬وعندما تصبح‬ ‫زوجى ‪ ..‬ستكون ابنى أيضا ‪ ,,‬سأكتفى بك ‪..‬‬ ‫فى كل مرة حاول فيها أن يبعدها عنه كانت‬ ‫تتمسك به أكثر ‪ ..‬وفى كل مرة كانت تقبل‬ ‫بالفراق على مضد ‪ ..‬كان يعود ليهب قلبها الحياة‬ ‫من جديد ‪..‬‬ ‫لم تستطع رامة أن تخفى بغضها لبالل حتى‬ ‫الحظ مراد األمر وسألها‬ ‫_ ماذا بك يا رامة ‪ ..‬لم أركى من قبل تعاملى‬ ‫أحد على مضد هكذا‬ ‫_ لم يشاركنا أحد بيتنا من قبل يا مراد‬ ‫_ ماذا تعنين ؟‬ ‫_ أعنى أنى ينقصنى شئ من الراحة فى بيتى‬ ‫‪ ,,‬لم أعتد من قبل على وجود رجل غريب بيننا ‪..‬‬ ‫فأنا مقيدة بحجابى طوال الوقت ‪ ,,‬ال أستطيع‬ ‫تنظيف البيت بشكل جيد ‪ ..‬ال أختلى بك فترة‬ ‫كافية ‪ ..‬كل األمور سيئة ‪..‬‬ ‫_ " بإبتسامة متعجبة " تختلى بى فترة كافية ؟!‬


‫‪ ..‬حين تريدينى ستجدينى يا رامة ـ إذا أنت ِ‬ ‫أردتينى ـ ‪ ..‬ولكن رجاء هذا الرجل أنا مدين له‬ ‫بحياتى‪ ..‬لواله لكنتى أرملتى األن ‪ ..‬إن هذا‬ ‫الشاب المسكين فضله علينا كبير وهو على‬ ‫خلق وال أظن أنه يتعمد أبدا مضايقتك ‪ ..‬رجاء يا‬ ‫رامة تحملى إستضافته من أجلى حتى أجد له‬ ‫عمال ومسكنا‪..‬‬ ‫ثم أطرق لحظة وقال ‪,,‬‬ ‫_ رامة ‪ ..‬هل تخفى عنى شيئا ؟‬ ‫"إرتبكت قليال" وقالت‬ ‫_ شيئ مثل ماذا يا مراد ؟‬ ‫_ ال أعرف ‪ ..‬عيناكى تخفيان شيئا عنى ‪..‬‬ ‫_ مراد ‪ ..‬أناااا‬ ‫قاطعهم صوت الهاتف ‪ ..‬فاعتذر منها ‪ ,,‬ونهض‬ ‫مسرعا ‪ ..‬ثم إستدار وهو يشير لها إشارة "من‬ ‫أجلى " ‪..‬‬ ‫كررت مرة أخرى إبتسامتها الحزينة المصطنعة‬ ‫قائلة ال عليك يا مراد ولكن جد له عمال ومسكنا‬ ‫بأقصى سرعة ‪ ..‬بأقصى سرعة ‪ ..‬لم اعد أحتمل‬ ‫‪.‬‬ ‫إن مراد محق فيم قال ‪ ..‬هذا ما دار برأس رامة‬ ‫حين إختلت بنفسها لتفكر فى كالم مراد ‪..‬‬ ‫فكرت مليا ثم قالت لنفسها ‪ :‬ماذا أصابك يا رامة‬ ‫؟ مازلتى تعاقبيه على كل جراح ماضيكى كيف‬ ‫بقى بعض من البغض فى قلبك الطاهر ‪ ..‬إغفرى‬ ‫يا رامة ‪ ..‬فهذا المسكين قد سدد لأليام دينك‬ ‫كامال ‪ ..‬لم يبق مثقال ذرة من دمعاتك لم ينزف‬


‫مثلها دما ‪ ..‬إغفرى يا رامة إغفرى ما مضى ‪..‬‬ ‫إجعلى صفحته تذوب من ذاكرتك مثلما ذابت كل‬ ‫ذاكرته‪..‬‬ ‫أجل سوف أنزع من ذاكرتى كل الماضى ‪ ..‬بالل‬ ‫الذى أعرفه مات منذ زمن بعيد ‪ ..‬وهذا الغريب‬ ‫القابع فى بيتنا هو صديق زوجى والرجل الذى‬ ‫أنقذ حياته فال يستحق منى إذا سوى كل إمتنان‬ ‫‪ ..‬على أن أتحمل وجوده كضيف عدة أيام حتى‬ ‫يجد له مراد عمال ومسكنا ليبدأ حياته األخرى‬ ‫بعيدا عنى ‪.‬‬ ‫قلب رامة كما إعتادت سامح وغفر ‪ ..‬عشر‬ ‫سنوات لم تكن وحدها كفيلة بأن تمحى كل بقايا‬ ‫الحزن ‪ ..‬مراد وحده كان كفيال بكل هذا ‪ ..‬لواله ما‬ ‫سامحت ‪ ..‬لواله ما غفرت ‪ ..‬ومن يعلم ربما لواله‬ ‫لكانت ضعفت ورق قلبها لبالل مرة أخرى!‪.‬‬ ‫حذركى ال تجعلى أحدا‬ ‫ويل لك ِيا رامة !! خذى ِ‬ ‫يعبث بقلبك من جديد !! ‪ ...‬ماذا عسانى أن أقول‬ ‫‪ ..‬مرت األيام ‪ ..‬يوم يصحب يوم ويجر فى ذيله‬ ‫عشرة أيام ‪ ..‬أيام ‪ ..‬ايام تمضى لم يعد يدرك‬ ‫عددها أحد ‪ ..‬وذلك الغريب يجد أفضل معاملة من‬ ‫أهل البيت ‪ ..‬مراد وقد إتخذه صديقا له ‪ ..‬ورامة‬ ‫لم تعد تضجر من وجوده فقد وجدته حقا شابا‬ ‫خلوقا ال تشعر بوجوده إال حين يهمس قائال‬ ‫"صباح الخير " ‪ ..‬يخرج صباحا يقضى لها طلبات‬ ‫البيت ‪ ..‬يعود فيستقل غرفة المكتب وال يخرج‬ ‫منها إال حين يعود مراد من عمله فى المساء‬ ‫بينما تستقل رامة مرسمها الصغير بالبيت ‪..‬‬


‫يلتقى ثالثتهما على طاولة الغذاء ‪ ..‬ويتبادلون‬ ‫الحديث حول الحياة ‪ ..‬حول الفنون ‪ ..‬حول األدب‬ ‫‪ ..‬حول الرياضة ‪ ...‬حول السياسة ‪ ..‬حول طعام‬ ‫رامة الشهى ‪ ..‬وينتهى الحوار فى األغلب بنكات‬ ‫وأمزوحات ‪ ..‬حتى يخلدون إلى النوم جميعا ‪..‬‬ ‫صار بالل جزء روتينى من حياتهم ‪ ..‬كان هذا‬ ‫البيت يحتاج حقا لمثل هذا التغير ‪ ..‬فمنزل أنشئ‬ ‫منذ سنوات ولم يسمع فيه حتى األن صوت بكاء‬ ‫طفل ‪ ..‬لم يمتأل مسبقا بضجيج األطفال‬ ‫وشيطانيتهم كان يحتاج فعال لصوت جديد يدب‬ ‫فيه ‪ ..‬ألحداث مختلفة ‪ ...‬فأى بيت مهما إمتأل‬ ‫بالدفء بين الزوجين تصيبه السنوات بالرتابة‬ ‫والملل ‪ ..‬فيحتاج الزوجان الى شئ جديد فى‬ ‫الحياة ‪ ..‬وان كان ال شئ يغنى عن وجود طفل‬ ‫فى البيت إال أن صديقا مخلصا يمكنه كسر شئ‬ ‫من ذلك الملل ‪ .‬فبقى خل األسرة الخدوم الوفى‬ ‫‪..‬‬ ‫إن رامة لم تسامح بالل وحسب ‪ ,,‬بل قررت أن‬ ‫تبذل قصارى جهدها لتساعده ‪ ,,‬ذهبت خلسة‬ ‫لطبيب أخصائى فى األمراض النفسية والعصبية‬ ‫‪ ..‬قصت له كل ما حدث منذ عشر سنوات‬ ‫وسألته إذا كان بإمكانها أن تساعد بالل بأى‬ ‫شئ ‪ ..‬أجابها الطبيب بأنه لم يزل هناك أمل ‪..‬‬ ‫ولو بنسبة بسيطة ‪ ,,‬األمل يكمن فى وجود رامة‬ ‫أمامه لفترات كبيرة ‪ ..‬الحديث معها وسماع‬ ‫صوتها ‪ ..‬اإلطالع على لوحاتها القديمة إن أمكن‬ ‫‪ ..‬كلها أمور ربما يمكنها أن تطرق ذاكرته بشئ‬ ‫ما ‪ ,,‬ربما يمكن أن يتعافى بالل "بوجودها" كما‬


‫كان "فقدانها" سبب مرضه ‪ ..‬حينها تذكرت أيام‬ ‫حبهما األولى حين كان يقول لها " أنت روحى يا‬ ‫رامة ‪ ,,‬إذا يوم نسيتك سأكون قد نسيت نفسى‬ ‫قبلها " !‬ ‫خرجت رامة من عند الطبيب وهى فى حيرة من‬ ‫أمرها ‪ ..‬ماذا سيحدث إذا إستعاد بالل ذاكرته ؟ ‪..‬‬ ‫ماذا سيكون موقف مراد ‪ ,,‬هل عليها أن تساعده‬ ‫أم أن تحفظ كيان بيتها ‪ ..‬لقد حاولت من قبل أن‬ ‫تصارح مراد ولكن الفرصة لم تسنح ‪..‬‬ ‫لم يزل مراد يبحث له عن فرصة عمل جيدة ليرد‬ ‫له بعض دينه ‪ ..‬وبالفعل بعد إلحاح شديد من‬ ‫مراد وافق مديرة ان يقابل بالل‪..‬‬ ‫‪...‬هناك فى منزل مراد الذى يسوده صمت‬ ‫الصباح الباكر رامة نائمة فى غرفتها ‪ ,,‬أتاها لحن‬ ‫هادئ من هاتفها الخلوى ‪ ..‬استيقظت منهكة‬ ‫وأجابت الهاتف‬ ‫_مرحبا‬ ‫_اسف إلزعاجك يا رامة‪..‬‬ ‫_ال عليك يا مراد ‪ ..‬خيرا‬ ‫_لقد وافق مديرى أخيرا أن يقابل بالل ‪...‬‬ ‫_رائع ‪ ..‬رائع جدا‬ ‫_أيناه بالل إذا ‪ ..‬يجب أن يأتى فورا ‪ ..‬فالمدير‬ ‫يستعد للسفر ‪.‬‬ ‫_البد وأنه فى غرفة المكتب ‪ ..‬سأعطيه الهاتف‬ ‫فورا‪...‬‬ ‫نهضت فى الحال إلى غرفة المكتب ‪ ..‬لم تلتفت‬ ‫إلى أنها نست إرتداء حجابها ‪ ..‬فتحت باب‬


‫الغرفة مسرعة دون حتى أن تطرقه ‪ ..‬بالل ‪..‬‬ ‫بالل ‪ ..‬أستاذ بالل ‪ ..‬إليك الهاتف ‪ ..‬حدث مراد‪.‬‬ ‫فى لمح البصر أنهى بالل حديثه مع مراد ‪..‬‬ ‫وإنطلق سريعا الى الشركة‪.‬‬ ‫إنتبهت حينها أنها نست إرتداء حجابها ‪ ..‬ومع‬ ‫ذلك لم ينظر لها بالل بل بالعكس أدار وجهه‬ ‫وحدث مراد هاتفيا وغادر سريعا بمجرد أن أنهى‬ ‫المكالمة ‪ ..‬حدثت نفسها مؤكدة على كالم مراد‬ ‫بـأنه شاب خلوق وال يقصد إزعاجها أبدا ‪..‬‬ ‫بعد أن غادر بالل وجدتها رامة فرصة جيدة لترتب‬ ‫غرفة المكتب التى شغلها هو منذ فترة بعيدة ‪..‬‬ ‫رتبت أشياء مراد بهدوء ‪ ..‬نفضت التراب عن بعض‬ ‫الكتب القديمة ‪ ..‬وتعجبت أن وجدت كل كتب‬ ‫الكاتب مصطفى محمود منقولة من مكانها ‪ ..‬هل‬ ‫مازلت تعشق مصطفى محمود حتى بعد أن‬ ‫فقدت الذاكرة يا بالل ؟ !إنها لم تزل تذكر جيدا كم‬ ‫مرة إشترى أمامها كتابا أو رواية أو نصا مسرحيا‬ ‫لذلك الكاتب العبقرى ‪ ..‬كان يقول لها " عمق‬ ‫كتاباته ال يمكن قرائته بالعين وحسب ‪ ..‬وإنما‬ ‫يجب أن يدركه العقل وتشعر به الروح " ‪ ..‬واصلت‬ ‫ترتيبها ‪ ..‬ثمت اوراق كثيرة مبعثرة على المكتب ‪..‬‬ ‫يبدوا أنه كان يكتب شيئا وتركه لهاتف مراد ‪..‬‬ ‫على سبيل الذوق أرادت ان ترتب له أوراقه ثم‬ ‫بسخرية قالت ‪ ..‬ما كل هذا يا بالل ‪ ..‬هل صرت‬ ‫أديبا فجأة دون أن أعلم ؟ ‪ ..‬ثم أطرقت قليال‬ ‫وقالت لنفسها ‪ ..‬أديبا ‪ ! ..‬أجل ‪ ..‬كان بالل يكتب‬ ‫شعرا ‪ ..‬وكم أخفاه عنى ‪ ..‬وكم طلبت منه أن‬ ‫أقرأه ولكنه كان يصر على إخفاءه قائال بأن الشعر‬


‫دائما محمال بهموم وأسرار لم يئن األوان لها أن‬ ‫تُبدى !‬ ‫عجيب ‪ ..‬أال تُفقد الهوايات مع فقدان الذاكرة ؟!!‬ ‫دفعها الفضول لتقرأ شيئا مما كتب فى أوراقه ‪..‬‬ ‫فتحت ورقة كتب فيها‬ ‫"قلبى يحدثنى أنها لم تزل تحيا ‪ ..‬هم يقولون‬ ‫أنها ماتت ولكن قلبى لم يزل يستشعر وجودها‬ ‫فى مكان ما ‪ ..‬قلبى ينبض بها ‪ ..‬جدها لى يا‬ ‫قلبى جدها لى وال تصدق أكاذيبهم ‪ ...‬آآآآآآآه ‪...‬‬ ‫تائه القدمين ال أجد السبيل إليها ‪ ..‬أيناك يا‬ ‫حبيبتى أيناك ِ؟"‬ ‫إغرورقت عين رامة بالدمع واشفقت عليه ‪ ..‬هل‬ ‫مازال يبحث عن حبيبة ال يعرفها ؟؟ أكذوبة موتى‬ ‫أفقدته الذاكرة ولم تفقده األمل فى أن أعود ؟‪ ..‬لو‬ ‫لم أفتعل أكذوبة موتى لكان اليوم معافى ‪!! ..‬‬ ‫عقابك كان قاسيا يا رامة ‪ ..‬قاسيا جداا‬ ‫ثم إستوقفتها بعض أبيات الشعر‬ ‫ُمضا ٌ‬ ‫ع فى الهوى عمرى‬ ‫وليت العمر يكفيها‬ ‫فلو زودت بحياة‬ ‫من بعد حياتى الفنيها‬ ‫ُ‬ ‫واكمل فى الردى عشقى‬ ‫أموت واألشواق أحيها‬ ‫ُ‬ ‫وابعث لها مع الليل ِ طيفا‬ ‫فى احال ِمها يناديها‬ ‫ويوقظها ويخبرها‬


‫إن كان أمرى يعنيها‬ ‫انا الميت فى هواها‬ ‫انا التائه فى واديها‬ ‫فهال اخبرتمونى يا من تقولون ماتت‬ ‫أى حياة امضيها‬ ‫وانا الميت فى هواها‬ ‫انا التائه فى واديها‬ ‫وهى لم تزل تحيا‬ ‫وربى قد أرانيها‬ ‫ُ‬ ‫كذب عليكم مدفنها‬ ‫ي‬ ‫قبوركم ال تحويها‬ ‫وهى لم تزل تحيا‬ ‫أبى الشعر ان يرثيها‬ ‫وبت كالشعر مشتاقا‬ ‫على أمل ان االقيها‬ ‫فيا رب طال ذا الموت بى‬ ‫فأحينى عندك حياة ارتضيها‬ ‫اااه قد مللت انين قلبى‬ ‫شراينى جف ساقيهـــا‬ ‫بحثت كثيرا ولم أجد‬ ‫فى الورى وجها يضاهيها‬ ‫هى الضياء إن أشرقت‬ ‫وما خلق هللا نجما يحاكيها‬ ‫هى الربيع إن تنفست‬ ‫شذا الزهور يغار مــن محبيها‬ ‫اال ليت تلك العين تهدأ ساعة‬ ‫ترى النوم علها فى الحلم تالقيها‬ ‫اال ليت هذا القلب يرقد‬


‫ساكنا عند قبرها ليرثيها‬ ‫ويصدق من قالوا ماتت‬ ‫ُ‬ ‫ويرقب يوم بعثٍ ُيــحيها‬ ‫إنها المرة األولى التى تقرأ فيها شيئا من‬ ‫أحرف بالل ‪ ,,‬كان األمر مؤلما للغاية ‪ ,,‬لم تزل‬ ‫كلماته تثير شجونها وتمس قلبها مثلما كان‬ ‫حديثه يمس قلبها من قبل ‪ ..‬سالت بعض‬ ‫الدمعات على وجنتيها من دون شعور منها ‪ ,,‬ثم‬ ‫تداركتها فمستحتها سريعا وهى تجاهد قلبها كى‬ ‫ال يرق وال يضعف أبدا ‪,,‬‬ ‫إستمرت فى ترتيب األوراق ومن بينها وجدت ورقة‬ ‫كتب فيها‪.‬‬ ‫‪.....‬‬ ‫‪.....‬‬ ‫"أنا بالل عز خطاب ‪,,,‬‬ ‫أعرف جيدا من أنا ‪..‬‬ ‫أعرف جيدا أين أنا ‪..‬‬ ‫لكنى ال أعرف ما جاء بى إلى هنا ‪ ..‬ال أعرف ماذا‬ ‫أنتوى أن افعل ‪ ..‬ال أعرف حتى ماذا تخبئ لى‬ ‫األيام بعد ‪ ...‬كل ما أعرفه أن حلما بعيد المطال‬ ‫صار نصب عينى ‪ ..‬حبيبتى التى تمنيتها منذ ألف‬ ‫عام أو يزيد أعيش األن معها فى بيت واحد وتحت‬ ‫سقف واحد ‪ ..‬أراها كل يوم ‪ ..‬أحدثها وتحادثنى‬ ‫وأستقى الحياة من نغم صوتها ‪ ..‬أكل من صنيع‬ ‫يديها أشبع روحى بعبيرها األن هدأ قلبى ‪ ..‬األن‬


‫رامة معى ‪ ..‬صحيح أنى أحترق شوقا ألضمها إلى‬ ‫صدرى ‪ ..‬أشتاق ألحادث رامة التى أعرفها كبالل‬ ‫الذى تعرفه ‪ ..‬واعلم أن هذا لن يحدث ‪ ..‬فأنا‬ ‫بالنسبة لرامة رجل غريب ال تعرفه ‪ ..‬رجل أنقذ‬ ‫حياة زوجها ‪ ..‬شكرا لك يا مراد ‪ ..‬شكرا لتلك‬ ‫الصدفة التى رمتك شبه ميت أمامى ‪ ..‬شكرا‬ ‫لتلك الصدفة التى أوقعت بحافظة جيبك فى يدى‬ ‫‪ ..‬رأيت فيها صورة زفافكما ‪ ..‬ال يمكن أبدا ان يكون‬ ‫مجرد تشابه ‪ ..‬فلم يخلق هللا أبدا من تشبه رامة‬ ‫‪ ..‬من يعرف رامة جيدا ال يمكنه أن يخطئ‬ ‫مالمحها ‪ ..‬جمالها الذى ال يقارن به أى جمال فى‬ ‫الكون ‪ ..‬عيناها السوداوان البريئتان اللتان يغار‬ ‫منهما القمر فيختفى ‪ ..‬الليل حالك السواد‬ ‫المنسدل على كتفيها ليقبلهما بعمق ثم يكمل‬ ‫رحلته ليستقر اسفل ظهرها ‪ ..‬شفتاها ‪ ..‬كأس‬ ‫الخمر الذى لم يرونى قط ‪ ..‬وجهها البرئ‬ ‫وجسدها الممشوق كطيب الثمار ‪ ..‬بسمتها‬ ‫الشجية التى ال تشرق الشمس إال بها ‪ ..‬عشر‬ ‫سنوات وأنا ال أرى شروق شمس ‪ ..‬واألن أراه آآه‬ ‫أكاد أشتم عطر أنفاسها وأسمع نغم صوتها‬ ‫الدافئ ‪ .‬ما ان رايت وجه رامة إال و إقشعر بدنى‬ ‫وخفق قلبى ‪ ..‬أطلقت في الحياة من جديد ‪ ..‬إن‬ ‫رامة لم تزل تحيا ‪ ..‬يقين قلبى لم يكن هباء ‪ ..‬لم‬ ‫أجد أكذوبة أفضل من فقدان الذاكرة ‪ ..‬فرامة لم‬ ‫تكن لتصفح عنى أبدا ولو نزفت كل دمائى أمامها‬ ‫‪ ..‬شكرا لقلبك الطيب يا رامة الذى صدق كعادته‬ ‫أعدك حبيبتى أن أكذوبتى هذه‬ ‫أكاذيبى ‪ ..‬لكنى‬ ‫ِ‬ ‫المرة لن تترك لك ألما ‪ ..‬فبعد ايام طالت أو قصرت‬


‫سيجد لى مراد عمال ومسكنا ‪ ..‬سأرحل عنكم‬ ‫يوما ما ‪ ..‬وتعود حياتك إلى طبيعتها ‪ ..‬سأبقى‬ ‫فقط ظال خفيفا يزوركم من أن ألخر أراكى خلسة‬ ‫وأروى من عينيكى عطش قلبى وأطفئ شيئا من‬ ‫لهيب شوقى ‪ ..‬وأنا حقا سعيد أن أراكى هانئة‬ ‫مع مراد يكفينى من الدنيا أن استشعر حبك له ‪..‬‬ ‫فهو يستحق فعال كل هذا الحب وأكثر ‪ ..‬إنه وإن‬ ‫لم يحبك بقدر ما أحببتك أنا إال أنه قد أعطاكى ما‬ ‫لم أستطع أبدا أن أعطيكى إياه ‪ ..‬أعطاكى األمان‬ ‫يا رامة ‪ ..‬األمان ‪ ..‬وهذا ما ال أملكه"‪..‬‬ ‫كتلة من اللهب أقذفت فى قلب رامة ‪ ..‬وعادت‬ ‫األيام لتدور جرح الماضى المدفون صار اليوم‬ ‫متأججا ً ‪ ..‬هل خلقت يا بالل فقط لتؤلمها ؟! ألم‬ ‫يكن بوسعك أن تتركها وشأنها ‪ ..‬ألم يكن بوسعك‬ ‫أن تمضى ما بقى من عمرك بعيدا عنها كى ال‬ ‫يعتريها منك أى ألم ؟‪! ...‬‬ ‫أغلقت رامة تلك الوريقات القاتلة وإستدارت نحو‬ ‫باب الغرفة فوجدت بالل أمامها! فلم تستطع‬ ‫الصمود للحظة واحدة ‪ ..‬للمرة الثانية تسقط‬ ‫مغشى عليها بين ذراعيه ‪ ..‬ما هذا القدر يا رامة‬ ‫الذى يرميكى دائما وأبدا بين ذراعى بالل !! إن‬ ‫لك فما الذى يبقيه فى حياتك!‪..‬‬ ‫كان لم يكتب ِ‬ ‫حملها بالل مسرعا إلى المشفى ‪ ..‬هل ُكتب‬ ‫لتلك األسرة أن يكون إنقاذ حياتها على يديك يا‬ ‫بالل ؟؟!! بي ٍد تعطى الحياة وباليد األخرى تسلبها‬ ‫؟‪! ...‬‬


‫حملها بالل بين ذراعيه ودون أن يدرى سال فيض‬ ‫من مدامعه حتى تبلل وجهها ‪ ,,‬لم يكن يعلم أكان‬ ‫الدمع لحزنه من أجل رامة ‪ ,,‬أم لذكرى أمه التى‬ ‫حملها بنفس الطريقة منذ عشر سنوات ‪ ..‬ولم‬ ‫يسعفه الوقت عندما وصل إلى المشفى كانت قد‬ ‫فارقت الحياة ‪ ..‬حينها لم يكن له ملجأ سوى رامة‬ ‫‪ ,,‬كانت إحدى المرات التى عاد إليها فيها دون‬ ‫عذر للفراق المسبق ‪ ..‬ودون سبب للرجوع ! كان‬ ‫يكفيها حزنه على أمه وحاجته ألن تقف بجواره ‪,,‬‬ ‫حالة رامة خطيرة ‪ ..‬هبوط حاد فى الدورة الدموية‬ ‫‪ ..‬تحتاج بشدة إلى نقل دم ‪ .. ..‬أجل أجل كما دار‬ ‫بذهنكم للتو ‪ ..‬لم يسمح القدر أن يختلط دم أحد‬ ‫سوى بالل بدمها ‪ ..‬أصبح دم بالل يجرى فى‬ ‫دمائها كما يجرى عشقها فى دماه ‪ ..‬قلب رامة‬ ‫األن ينبض بدم بالل كما تستقر هى فى قلبه‬ ‫لالبد‪.‬‬ ‫وصل مراد إلى المشفى بعد أن عادت رامة إلى‬ ‫وعيها ‪ ..‬وعيها الذى تمنت لو لم تعد إليه مطلقا ‪..‬‬ ‫فماذا ستفعل نحو ما قرأته من مذكرات بالل ؟‬ ‫وهل ستترك مراد مخدوعا هكذا ؟ الف الف سؤال‬ ‫دون أجوبة‪..‬‬ ‫‪..‬إنها لم تزل تحمل لبالل جميل أنه أنقذ حياة‬ ‫زوجها من قبل ‪ ..‬واليوم أنقذ حياتها‪...‬‬ ‫بعد أيام قضتها فى المشفى ‪ ..‬بين األسرة‬ ‫البيضاء التى تتيح للمرء مساحة كبيرة جدا من‬ ‫التفكير ‪ ..‬قررت رامة أن تتجاهل األمر برمته ‪..‬‬ ‫وماذا فى األمر ؟ بالل يكذب ‪ ..‬هذا شأنه وتلك‬


‫عادته ‪ ..‬األن مراد قد وجد له عمال ‪ ..‬وبعد أيام‬ ‫طالت أو قصرت سيجد له مسكنا وعن قريب لن‬ ‫يبقى مقيم معهم وتدريجيا تنقطع العالقة ‪ ..‬ال داع‬ ‫إذا للقلق‪.‬‬ ‫ال أحد منا يعرف جيدا ما يختبئ فى أعماق قلبه‬ ‫‪ ..‬ترى هل بقى فى قلبك يا رامة شئ من‬ ‫عشق بالل ؟ ترى هل منعت نفسها عنه ألنها لم‬ ‫تعد تحمل له الحب قط ؟ أم أنه مجرد وفاء من‬ ‫زوجة مخلصة لزوج حنون ؟‬ ‫مرت األيام وحياة ثالثتهما كما هى ال جديد فيها ‪..‬‬ ‫جاهدت رامة نفسها كى ال يشعر مراد باألمر ‪,,‬‬ ‫لم ترد أن تُجرح مشاعره إذا عرف أن ثقته فى‬ ‫بالل لم تكن فى محلها ‪ ..‬لم ترد أن ينكسر قلبه‬ ‫إذا عرف أنها أخفت أمر بالل عنه من بادئ األمر ‪,,‬‬ ‫تحاملت على نفسها كثيرا المسكينة ولكن لم‬ ‫تستطع عيناها البريئتان أن تخفى عن بالل شيئا‬ ‫من حزنها وبغضها حتى بدأ يشك فى األمر‬ ‫كما الحظ مراد األمر ثانية لكنه تجاهله أمال أن‬ ‫يجد لبالل مسكنا عما قريب وينتهى األمر كله‬ ‫وتعود الحياة إلى طبيعتها ‪..‬‬ ‫مضت األيام والحزن فى قلب رامة يولد من جديد‬ ‫‪ ..‬عفوا الحزن لم يمت كى يولد من جديد أو‬ ‫ليبعث من مرقده ‪ ..‬إنما كان مستقرا ‪ ..‬منقوشا‬ ‫بل محفورا فى جدار قلبها ‪ ..‬مغلفا بألوان زاهية‬ ‫خادعة ذابت جميعها وظهر الحزن جليا ‪ ..‬ظهر فى‬ ‫قلبها ‪ ..‬فى عينيها ‪ ..‬فى بسمتها الشاحبة ‪..‬‬


‫فى صوتها الشجى فى رجفة يديها وفى كل‬ ‫خلجاتها‪..‬‬ ‫ضاقت ذرعا بتلك الحياة لم تعد تحتمل أن تنظر‬ ‫فى وجه بالل ‪ ,,‬أن تترك عالقته بمراد تتوطد يوم‬ ‫تلو األخر ‪ ..‬فقررت أن تواجه بالل بكل شئ‬ ‫وتطلب منه بكل أدب أن يرحل عنها وأن ينسحب‬ ‫فى هدوء ويدع الحياة تستمر كما كانت من قبل ‪.‬‬ ‫مواعيد العمل المختلفة لمراد وبالل أتاحت لها‬ ‫الفرصة أن تنفرد ببالل ساعة واحدة ‪ ..‬ذهبت إليه‬ ‫حيث يجلس كالعادة فى غرفة المكتب عند غياب‬ ‫مراد عن البيت‪..‬‬ ‫طرقت الباب بكل أدب ثم دخلت‪..‬‬ ‫_هل يمكننى التحدث معك قليال يا بالل ؟‬ ‫_طبعا سيدتى ‪ ..‬تفضلى ‪ ..‬بكل سرور‪.‬‬ ‫_كيف حالك يا بالل ؟‬ ‫"أجابها بدهشة شديدة ‪ ,,‬فهو لم يعتد أن تناديه‬ ‫سوى أستاذ بالل ‪"! ..‬‬ ‫_ بخير‬ ‫_وكيف كان حالك خالل العشر سنوات الماضية ؟‬ ‫إزدادت دهشة بالل وقبل أن يلفظ بكلمة ‪ ..‬أكملت‬ ‫هى‪..‬‬ ‫_كيف كان الحال بدونى ؟ كنت تحيا ‪ ..‬أليس‬ ‫كذلك ؟؟ كنت بصحة جيدة ايضا ‪ ..‬أليس كذلك ؟؟‬ ‫أنا ايضا كنت أحيا وكنت بصحة جيدة وفى أفضل‬ ‫حال وكنت فى غاية السعادة مع زوجى ‪ ..‬لماذا‬ ‫إذا نعكر صفو تلك الحياة ‪ ..‬إفهم جيدا يا بالل أنه‬ ‫ال داعى أبدا لوجودك هنا ‪ ..‬عد إلى حيث كنت ال‬ ‫مكان لك مطلقا فى هذا البيت‪.‬‬


‫شف فبدأ يستجدى عطف‬ ‫أدرك بالل ان أمره قد ُك ِ‬ ‫رامة‪..‬‬ ‫_رامة أرجوكى ‪ ..‬إنى لم أزل أحبك ‪ ..‬صدقينى‬ ‫حياتى بدونك لم تكن كاملة أبدا ‪ ..‬انا ال أريد أن‬ ‫اعكر صفو حياتك أبدا ‪ ..‬أنا ال يمكن أن أنكر جميل‬ ‫مراد فقد مد لى يد العون واستضافنى فى بيته ‪,,‬‬ ‫لك أو‬ ‫أقسم أنى لم أكن أنتوى على أى أذى ِ‬ ‫لك هو الشئ‬ ‫لمراد ‪ ...‬صدقينى يا رامة ‪ ..‬حبى ِ‬ ‫الوحيد الذى يسيطر على أعلم أنه ال يحق لى ‪,,‬‬ ‫ولكن من منا يستطيع السيطرة على قلبه ‪..‬‬ ‫صدقينى يا رامة‪...‬‬ ‫"للمرة األولى ال يكذب عليها ‪ ...‬وللمرة األولى ال‬ ‫تصدقه"‬ ‫_أصدقك !! كيف ولماذا ‪ ..‬لم أعد يا بالل تلك‬ ‫الطفلة الساذجة التى إعتدت الكذب عليها‬ ‫وإعتادت تصديقك ‪ ..‬كبرت كثيرا ولم يعد بوسعك‬ ‫خداعى مجددا ‪ ,,‬على أى حال ال يهمنى هذه‬ ‫المرة إن كنت صادقا أم كاذبا كعهدك دوما ‪ ..‬هذا‬ ‫شانك أنت ‪ ..‬أما شأنى أنا هو بيتى وزوجى‬ ‫وحياتى التى ال ينبغى أن تعكرها أكثر من ذلك ‪..‬‬ ‫إذهب حيث ال أراك أبدا وحيث ال يجدك مراد مهما‬ ‫بحث ‪ ..‬إذهب وال تدع أى صدفة تجمعنا مجددا‪..‬‬ ‫وبعد أن أسهب كثيرا في الحديث عن أعذاره‬ ‫وبعد أن حاول جاهدا أن يستجدى عفو قلبها‬ ‫نظرت إليه للمرة األولى بعد ألف عام ‪ ..‬وأخبرته‬ ‫بأن شيئا أسمه عشق قد مات في قلبها ‪ ..‬وما‬ ‫بقى منه لم يعد صالحا حتى ألكلي النِثار‪!...‬‬


‫بالل لم يكن يرجو من رامة أن يعود لقلبها ‪ ,,‬لم‬ ‫يكن يتمنى حتى نظرة عشق وال كلمة طيبة ‪..‬‬ ‫كل ما كان يتطلع إليه ‪ ..‬أن تسامحه فقط ! كان‬ ‫طامعا فقط فى أال يحمل وزر جرحها وأال يبقى‬ ‫فى قلبها مثقال ذرة من كراهية أو حب له !‬ ‫ولكن ُ‬ ‫خيبت كل أماله ‪.‬‬ ‫مضى بالل منهزما محنى الجبين حتى فاجأه‬ ‫صوت مراد‪..‬‬ ‫_أين ستذهب يا بالل ؟‬ ‫_مراد ‪ ...‬أنا‪..‬‬ ‫_أنت ماذا يا بالل ؟ هزمت كعادتك ؟ إستسلمت‬ ‫سريعا ؟‬ ‫_ماذا ؟ ماذا تعنى ؟‬ ‫_ال تعرف ماذا أعنى ‪ ..‬سأوضح لك األمر ‪ ..‬عد‬ ‫إلى أعماق ذاكرتك التى لم تفقدها قط ‪ ..‬قبل‬ ‫عشر سنوات ‪ ..‬أتذكر إبن خالة حبيبتك وصديقها‬ ‫المقرب ‪ ..‬ذلك الشخص الذى كرهته دون ان تراه‬ ‫ألنك تغار على حبيبتك منه ‪ ..‬أكان اسمه مراد ؟؟‬ ‫أجل يا عزيزى انه ليس تشابه فى األسماء ‪ ..‬انه‬ ‫هو ذات الشخص الذى يقف أمامك األن ‪ ..‬وهو‬ ‫بعينه أيضا نفس الشخص الذى وقف باكيا منذ‬ ‫عشر سنوات أمام غرفتها فى المشفى ليخبرك‬ ‫ان روحها قد صعدت إلى السماء ‪ ..‬لك كل الحق‬ ‫فى أال تذكر مالمحى فقد غشى الدمع عينك‬ ‫حينها ‪ ..‬لكنى لم أشعر وقتها بأى شفقة تجاهك‬ ‫‪ ..‬لم اشعر بأى شئ سوى األسى لما تعانيه‬


‫رامة ‪ ..‬ال أحد سواى وال حتى أنت يعرف كم‬ ‫عشقتك رامة وكم عانت من أجل هذا العشق‪.‬‬ ‫الحب مثل الخاليا السرطانية إن لم تنزعها كاملة‬ ‫فخلية واحدة قادرة أن تهاجم القلب من جديد ‪..‬‬ ‫أن تفتك به لو أرادت ‪..‬‬ ‫علمت منذ ذلك الحين أن سرطان حبك لن يغادر‬ ‫قلب رامة إذ تمكن من قلبها وجرى فى عروقها‬ ‫مجرى الدم ‪ ..‬ذلك الحب اللعين الذى جعلها ال‬ ‫تقبل الزواج من أى رجل بعدك ‪ ..‬األمر الذى اثار‬ ‫غضب خالتى وزوجها إستشاط األهل أجمعون‬ ‫وتناوبت األلسنة حولها ‪ ..‬كيف لفتاة فى السابعة‬ ‫والعشرين من عمرها ان تضيع كل فرص الزواج ؟‬ ‫وحدى أنا فقط كنت أقدر مدى عنائها وشقائها ‪..‬‬ ‫فرامة لم تكن لتقبل أن تعطى أى رجل جسدا بال‬ ‫قلب ‪ ..‬فقلبها ال يمكنه الوفاء سوى لحبيب واحد‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫أيقنت حينها ماذا يتوجب على أن افعل ‪ .‬ال أحد‬ ‫سواى يمكنه أن يحفظ لها سمعتها ويصون‬ ‫كرامتها ‪..‬‬ ‫_رامة يا صغيرتى وصديقتى ‪ ..‬أتقبلين بى زوجا‬ ‫؟‬ ‫نظرت إلى حينها كطفل ذابت فى يده قطعة"‬ ‫األيس كريم"‪ ..‬عينان دامعتان وشفاه باسمة ‪..‬‬ ‫أومأت رأسها بخجل ثم قالت ‪ ..‬مراد ‪ ..‬هذا لطف‬ ‫منك ولكنى ‪ ..‬لكنك ‪ ..‬انت تعرف يا مراد ‪..‬‬ ‫ال أملك قلبا ً ألمنحه لك ‪..‬‬ ‫_ال اريد قلبك يا رامة ال أريد قلبك بل أنى ال أريد‬


‫جسدك بالطبع ‪ ..‬كل ما أريده هو أن أحفظ لك ِ‬ ‫سمعتك وسمعة عائلتنا ‪ ..‬أن اصون كرامتك‬ ‫لك أخا‬ ‫وأدعك ترفعين رأسك عاليا لطالما كنت ِ‬ ‫ِ‬ ‫أكبر وصديقا مخلصا ‪ ..‬سأظل هكذا ‪ ..‬دائما وأبدا‬ ‫‪ ..‬سنعيش سويا فى بيت واحد كزوجين أمام‬ ‫الناس فقط ‪ ..‬أرجوكى يا رامة ‪ ...‬إمنحى ألخيكى‬ ‫األكبر ذلك الوسام الرفيع ‪ ..‬وأعدك ‪ ..‬أعدك ِ يا‬ ‫لك‬ ‫رامة حالما أجد بالل هذا سأبرحه ضربا ألنتقم ِ‬ ‫منه ثم أداويه سريعا ليعود لك ِ حبيب وزوج‪..‬‬ ‫إزدادت بسمتها وإزدادت دمعاتها معا ‪ ..‬ثم اردفت‬ ‫‪ ..‬بالل ‪ ..‬ايناه بالل األن ‪ ..‬هل كنت مخطئة يا‬ ‫مراد أن بعدت عنه كل هذا البعد ؟ ظننت أنى‬ ‫سأحيا بدونه هانئة هادئة ال يعترينى أى ألم ‪..‬‬ ‫ظننت ان بوسعى نزع حبه من قلبى ‪ ..‬أكنت‬ ‫مخطئة ؟‬ ‫ت مخطئة وأنا أيضا كنت مخطأ‬ ‫_أجل يا رامة كن ِ‬ ‫‪ ..‬كان يجب على أن ‪ ..‬أن ‪ ..‬أه ‪ ..‬أجل كان على‬ ‫ان أحادث خالتى وزوجها سريعا ‪ ..‬هيا اذهبى يا‬ ‫فتاة سنحدد يوم عرسنا المزيف عما قريب‪..‬‬ ‫_مراد ‪ ..‬أنا ‪..‬‬ ‫_لن ترفضى طلب أخيكى يا رامة ‪ ..‬لن ترفضيه‬ ‫‪....‬‬ ‫وتم الزواج وبقيت لها أخا وفيا وصديقا مخلص‬ ‫طوال السنوات الثالثة المنصرمة ‪ ..‬واألن حان‬ ‫الوقت ألنفذ وعدى لها ‪ ..‬ألعيد إليها حبيبها‪..‬‬ ‫نزل حديث مراد منزل الصاعقة على بالل ‪..‬‬


‫عقدت الدهشة لسانه وكأن جبال من الجليد قد‬ ‫سقط فجأة فوق رأسه الذى كاد ينصهر من‬ ‫الغليان ‪..‬‬ ‫_من ماذا خلقت يا مراد ‪ ..‬من طين مثل البشر‬ ‫أم من نور كالمالئكة ؟؟ أم أنك أسمى من هذا‬ ‫ومن ذاك ؟؟‬ ‫وكيف عرفت أنى لم أفقد الذاكرة ؟ ولماذا إلتزمت‬ ‫الصمت كل هذه الفترة ؟‬ ‫_بكل بساطة ألنه ليس بمقدور فاقد الذاكرة أن‬ ‫يوقع إسمه كامال فى سجالت المشفى حين‬ ‫يسلم مريضا نيابة عن أهله ‪ ..‬رأيت توقيعك حين‬ ‫ذهبت ألكمل حساب المشفى ‪...‬‬ ‫_غبى أنا حقا غبى‬ ‫_ال يا بالل لست غبيا بل أنك محب ‪ ..‬والحب‬ ‫يغشى العين ويغيب العقل‪.‬‬ ‫_ولماذا لم تكشف أمر كذبى من وقتها ؟ لماذا‬ ‫تركتنى أجول فى بيتك كل هذه الفترة ؟‬ ‫_من ناحية أردت أن أعيدك إلى حياة رامة‬ ‫تدريجيا وأن أمنحك الفرصة لتثبت لها حبك من‬ ‫جديد ‪ .‬ومن ناحية أخرى أردت أن أتعامل معك‬ ‫عن قرب ألتكد أنك ستكون مناسبا لرامة ‪ ..‬ألرى‬ ‫إن كنت أهال لثقتى أم ال ‪ .‬بقى لى شئ واحد‬ ‫فقط لم أعرفه بعد ‪ ..‬هل تزوجت يا بالل ؟ هل‬ ‫دخلت حياتك إمرأة أخرى ؟‬ ‫_أنا !! أتزوج ! إن قلبا تسكنه رامة ال يمكن‬ ‫ألخرى أن تمس مفاتيحه ‪ ..‬إن جسدا تعطش‬ ‫لحبها ال يرويه عسال من نساء الكون لو إجتمعن ‪.‬‬ ‫لم أتزوج ولم أنتوى أبدا ‪ ..‬وتمنيت لو كانت لى‬


‫حياة أخرى ألعيشها لرامة فقط ‪ ..‬صدقنى يا مراد‬ ‫‪ ..‬إنها الحقيقة ‪ ..‬أنا لم أعد أكذب ‪ ..‬طيش‬ ‫الشباب وغروره قد مضى ‪ ..‬إن رجال فى‬ ‫الخامسة والثالثين من عمره تعذب كثيرا لفقد‬ ‫حبيبته التى ظن أنه تسبب فى موتها ‪ ..‬لم يعد‬ ‫بمقدوره إفتعال الحيل وصنع األالعيب ‪ ..‬لم يعد‬ ‫يرد حتى أن يفعلها ‪ ..‬صدقنى يا مراد لم أكن‬ ‫اخطط ألى شئ حين دخلت بيتك لم أكن أريد أن‬ ‫افسد عليك حياتك‪.‬‬ ‫_أنت لم تفسد حياتى يا بالل ‪ ..‬أنت أصلحتها ‪..‬‬ ‫واألن هلم بنا لنحدث رامة‪ ..‬أين هى األن ؟‬ ‫_ ال أعرف ‪ ,,‬ربما فى غرفتها‬ ‫_ ال فى األغلب إتجهت إلى مرسمها ‪ ..‬اعتادت‬ ‫رامة أن تفرغ كل مواجعها وهمومها هناك ‪.‬‬ ‫_ ال أعرف كيف أشكرك يا مراد‬ ‫_ اشكرنى يوم زفافكما يا بالل ‪ ,,‬ليس األن ‪,,‬‬ ‫_ تعتقد أنها ستلين ؟‬ ‫_ أنا وعدتها أن أعيدك إليها ‪ ,,,‬واألن اعدك أن‬ ‫أجعلها تلين ‪.‬‬ ‫إبتسم بالل إبتسامة خجل ‪ ,,‬وقبل أن يتفوه‬ ‫بكلمة ‪ ,,‬قاطهم قرع جرس الباب ‪..‬‬ ‫فتح مراد الباب ‪...‬‬ ‫نظر بالل بدهشة كبيرة‪,,‬‬ ‫ت إلى هنا ؟‬ ‫_لمياء !! ‪ ,,‬كيف جئ ِ‬ ‫_أيمكننى الدخول يا أستاذ مراد ؟‬ ‫_تفضلى ‪ ,,‬على الرحب والسعة‬ ‫_دعنى أعرفك بنفسى أوال أنا لمياء فخر خطاب‬ ‫‪ ,,,‬إبنة عم بالل ‪,,‬‬


‫ثم نظرت إلى بالل وقالت ‪ ..‬ألن تعود إلى بيتك يا‬ ‫بالل ‪ ..‬طالت غيبتك والكل فى إنتظارك‪..‬‬ ‫_سأعود يا لمياء ‪ ..‬إنتظرينى هنا لدقائق ‪..‬‬ ‫سأعود معك ِ‬ ‫قاطع مراد حديثهما قائال ‪ ,,‬هيا يا بالل ‪ ..‬يجب أن‬ ‫نقابل رامة‬ ‫نظرت لمياء فى شغف شديد ‪ ,,‬رامة ؟؟ رامة هنا‬ ‫؟؟ هل يمكن أن أقابلها‪...‬‬ ‫لم يلتفت بالل أو مراد لحديث لمياء ‪ ,,‬وإنطلقا‬ ‫مسرعين إلى رامة ‪..‬‬ ‫وبعد أن حكى مراد لها كل ما دار بينه وبين بالل‬ ‫وهى مصدومة ‪ ..‬تصغى إليه ولم تتفوه بكلمة‬ ‫واحدة ‪ ..‬عيناها السوداوان يفيض منهما الدمع ‪..‬‬ ‫وجهها شاحب حزين ‪ ..‬قلبها يخفق كما كان‬ ‫يخفق منذ عشر سنوات ‪ ..‬وصوتها ‪ ..‬صوتها‬ ‫يحتبس الصراخ ويكتم األنين‪.‬‬ ‫أمسك مراد بيديها كأب يدلل طفلته الغاضبة ‪..‬‬ ‫رامة يا صغيرتى‪ ..‬أن األوان ألفى بوعدى وأعيد‬‫عنك منذ سنوات طويلة ‪ ..‬هلمى‬ ‫قلبك التائه‬ ‫إليك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يا صغيرتى آن األوان لتولدى من جديد‪.‬‬ ‫بعد صمت طويل مر الوقت فيه كألف عام ‪ ..‬نطقت‬ ‫بكلمات قالل كانت كالصاعقة على راس بالل‬ ‫"لكنى سأبقى معك يا مراد ‪ ..‬لن أتركك"‬ ‫نظر إليها مراد نظرة باسمة وعاد يربت على كفها‬ ‫كأب ٍ حنون قائال‪:‬‬ ‫ت معى يا رامة ال تكذبى على قلبك أنت‬ ‫ت لس ِ‬ ‫أن ِ‬


‫وروحك وعقلك‬ ‫ت معى لتتركينى ‪ ..‬إن قلبك‬ ‫ِ‬ ‫لس ِ‬ ‫متعلقون جميعا ببالل ‪..‬‬ ‫إن حبك هو بالل ‪..‬‬ ‫إن عقلك هو بالل ‪..‬‬ ‫إن شغفك ِ األول واألخير دائما وأبدا هو بالل ‪..‬‬ ‫لك أخا وصديقا ال أكثر ولن أصبح أكثر‬ ‫أنا كنت دوما ِ‬ ‫من هذا أبدا‪.‬‬ ‫حاولت جاهدة أن تخفى دمعها الذى غلبها قائلة‪:‬‬ ‫ال يمكننى التخلى عنك يا مراد كيف اتخلى عنك‬ ‫وقد ضحيت بالكثير من اجلى‪.‬‬ ‫نهض من مجلسه منفعال وهو يقول‪:‬‬ ‫تللك اللحظة التى يضحى فيها المحبون بأحبائهم‬ ‫يصبح الكل خاسرون فى آن واحد‪...‬‬ ‫بحبك‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ت ضحي ِ‬ ‫هذا ليس عدال يا رامة ‪ ..‬إن أن ِ‬ ‫لبالل من أجلى فسوف تخسرين قلبك ِ ويخسر‬ ‫بالل حبه وأخسر أنا نفسى ‪ ..‬أنا ال أعرف جيدا‬ ‫لماذا يجب ان يتكبد المحبون كل هذا العناء لماذا‬ ‫يجب دائما أن يبقى هناك قلب منكسر ‪ ..‬ولكنى‬ ‫يا رامة أبيت هذا منذ سنواتنا األولى ‪ ..‬أدركت‬ ‫جيدا ان قلبك ال يضخ دم ‪ ..‬بل عشق ‪..‬‬ ‫إن ما يجرى فى شرايينك ‪..‬‬ ‫إن ما يظهر جليا فى عينيك ِ‬ ‫شفتيك‬ ‫إن ما يرسم على‬ ‫ِ‬ ‫إن ما يقبع فى انفاسك ‪ ..‬بالل ‪ ..‬كل هذا بالل‬ ‫وحسب‪..‬‬ ‫ثم ذهب إلى خزانة لوحاتها القديمة ‪ ,,‬واحضر‬ ‫اللوحة التى تحمل وجه بالل ‪ ,,,‬وضعها أمام رامة‬ ‫وقال ‪ ,,‬إن كنتى قد نسيتى بالل ‪ ,,‬ما الذى يخرج‬


‫هذه اللوحة يوميا لتبللها دمعاتك ثم تعود لتستقر‬ ‫فى ذكريات الماضى األليم ‪ ,,‬إن كنت ِ تعيشين‬ ‫هانئة من دونه فما هذا الحزن المسيطر على كل‬ ‫لوحاتك يا رامة ؟؟ ‪ ..‬أجيبينى ‪ ,,‬إن كان لديك‬ ‫ت أنى ال أعرف من هو‬ ‫إجابة ‪ ..‬منذ شهور ظنن ِ‬ ‫ولكنك‬ ‫هذا الغريب الذى أدعوه ليقيم فى بيتى‬ ‫ِ‬ ‫ت أنى قد نسيت إسم‬ ‫أسميتيه بالل ! هل ظنن ِ‬ ‫ت بالقدر الذى يجعلك ال‬ ‫حبيبك ! ساذجة ان ِ‬ ‫تستطيعين خداعى ‪ ..‬ال تستطيعين إخفاء مالمح‬ ‫العشق ‪ ..‬مهما جاهدتى قلبك ‪.‬‬ ‫إنهارت رامة وفاض الدمع من عينيها كبحر هائج‬ ‫ضربته عاصفة كبرى أطاحت بكل ما يحوى‪..‬‬ ‫وحده بالل قادر أن يتصدى لتلك العاصفة ‪ ..‬كما‬ ‫يقولون "فقط إحتضن أوراق الجريدة " ‪ ..‬تقدم‬ ‫نحوها ‪ ..‬وفتح ذراعيه ‪ ..‬وللمرة األولى إحتضنها‬ ‫بمنتهى العمق ‪..‬إعتصرها ‪ ..‬إحتواها بكل ما‬ ‫تحمله الكلمة من معان ‪ ..‬إختلط سيل دمعه‬ ‫بسيل دمعها ال أعرف كيف ‪ ..‬إختلطت أنفاسه‬ ‫بأنفاسها ال أعرف كيف !! قبلت أنامله كل خصالت‬ ‫شعرها وهو يردد حبيبتى ‪ ..‬حبيبتى ‪ ..‬وقد بلغ‬ ‫نبض قلبه منتهاه وعلى صوت تنهيدته على صوت‬ ‫بكائها حتى هدأت بين ذراعية لوقت ٍ طويل ال‬ ‫يعرف مقداره أحد ‪ ,,‬فالعاشقون ال يدركون حساب‬ ‫الزمن‪.‬‬ ‫ثم إستفاقت وقد بدأ الدمع يطل من عينيها من‬ ‫جديد وهى تقول‪..‬‬ ‫_إبتعد عنى يا بالل كفانى منك ‪ ..‬كفانى منك‬ ‫عشق وكفانى منك جرح‪...‬‬


‫ثم جرت نحو مراد ‪ ,,‬وإرتمت ـ للمرة األولى ـ بين‬ ‫ذراعيه ‪ ..‬باكية بأقصى ما فيها وهى تقول ‪ ...‬ال‬ ‫تتركنى يا مراد‪,,‬‬ ‫أصبح مراد فى ورطة ‪,,‬‬ ‫قلبا‬ ‫وعقال‬ ‫وجسدا ‪..‬‬ ‫للمرة األولى رامة بين ذراعيه ‪ ,,‬للمرة األولى‬ ‫يشعر بنبضات قلبه تتسارع إلى حد لم تصله من‬ ‫ذى قبل ‪ ..‬أغمض عينيه فتدحرجت منهما دمعة‬ ‫بللت رأسها المستندة على صدره ‪ ,,‬إستفاق بعد‬ ‫غفلة كاذبة لم تستمر لجزء من الثانية ‪ ,,‬حين‬ ‫شعر أنه بدأ ال إراديا يتحسس شيئا من جسدها‬ ‫‪ ..‬دفعها عنه برفق وهو يقول‪:‬‬ ‫ال يا رامة ‪ ,,‬أخطأتِ السبيل هذه المرة يا صغيرتى‬ ‫‪ ..‬لست انا من يمكنه مسح دمعاتك األن ‪ ..‬طيب‬ ‫جروحك لم يعد بيدى ‪ ..‬كل ما بيدى األن أن‬ ‫اسوق إليك طبيبك‪..‬‬ ‫قالها وهو يتجه نحو بالل ويجذبه من يده ليقربه‬ ‫منها ‪ ,,‬ثم أماء على اذنه دون أن تلحظ هى قائال‬ ‫‪ ,,‬حاول مرة أخرى ‪ ..‬سوف تلين‪..‬‬ ‫نظر بالل إلى مراد وعقله يقول‪,,‬‬ ‫إنك تزداد مالئكية يا مراد ونحن نزداد إنسانية ‪,,‬‬ ‫لم أكن أعرف انك تحمل كل هذا الحب لرامة ‪ ,,‬لم‬ ‫أكن أتخيل أن هذه الدنيا قد خلق فيها رجل مثلك‬ ‫‪ ,,‬أشبه بالمالئكة ‪ ,,‬يضحى بمليكة قلبه من أجل‬ ‫سعادتها ‪,,‬‬


‫فكر بالل حينها ان يتراجع وانا يترك رامة لتكمل‬ ‫حياتها مع مراد ‪ ..‬ولكنه أمعن التفكير وقال فى‬ ‫عقله ‪ ,,‬إن كانت عشر سنوات لم تستطع أن‬ ‫تنقى قلب رامة من حبى وتسكنه مراد هل يمكن‬ ‫أن يحدث هذا األن ؟! لو تركت رامة األن سأكون‬ ‫انا الجانى مرة أخرى ‪ ..‬ستعيش ما بقى من‬ ‫عمرها مع مراد ولكنها لن تعطيه شيئا من قلبها ‪,,‬‬ ‫سينكسر قلبها من جديد ويعتصر قلب مراد من‬ ‫أجلها ‪ ,,‬لم ينتظرانى طوال هذه السنوات حتى‬ ‫أتى ألرحل من جديد ! ‪ ,,‬حان الوقت يا رامة أن‬ ‫معك ‪ ,,‬لالبد يا رامة ‪,,‬‬ ‫أتخذ أول قرار بأن أبقى‬ ‫ِ‬ ‫لألبد يا حبيبتى مهما كلفنى األمر‪..‬‬ ‫إتجه نحوها ‪ ..‬وإرتكز على ركبتيه أمام قدميها ‪,,‬‬ ‫قائال‬ ‫_يا رامة دعى أوراق الماضى تتساقط من دفاترنا‬ ‫‪ ..‬دعينى أكفر عن كل ذنوبى ‪ ,,‬دعينى اعفر‬ ‫ك لن‬ ‫وجهى بالتراب أمام‬ ‫قدميك لتغفرى ‪.‬أعلم أن ِ‬ ‫ِ‬ ‫تصدقينى مهما حلفت ولن تثقى فى مهما وعدت‬ ‫‪ ,,‬لكنى اعلم أن ثقة مراد تكفيكى ‪ ,,‬إغفرى يا‬ ‫رامة إغفرى ‪,,‬‬ ‫_أغفر ماذا يا بالل ؟ ألم يكن لك حبيبة أخرى‬ ‫آنذاك أين راحت ؟؟ إذهب إليها إذا ‪ ..‬كفر ذنوبك‬ ‫نحوها ‪ ..‬عفر وجهك بالتراب أمام قدميها ‪..‬‬ ‫إستغفرها هى ‪ ..‬أما أنا فال ‪ ..‬ال ‪ ..‬ال‬ ‫"أجابها بضحكة ساخرة "‬ ‫_هى ‪ ..‬هى لم تصمد معى بضعة اشهر من‬ ‫رحلة عالجى التى إستمرت لثالث سنوات ‪..‬‬ ‫تزوجت وأنجبت طفلين أحدهما يقترب منى طوال‪.‬‬


‫قاطعهم مراد قائال‪:‬‬ ‫_هاك ورقة طالقك يا رامة ‪ ..‬لم يعد هناك حاجة‬ ‫لنكمل تمثيلية زواجنا تلك‪..‬‬ ‫_أين ستذهب يا مراد ؟‬ ‫لن تقف الحياة يا صغيرتى قريبا جدا ساتزوج ‪..‬‬ ‫وعندما تضع زوجتى فتاة ‪ ..‬لن اسميها رامة ‪..‬‬ ‫فرامة واحدة فى العمر تكفى‪.‬‬ ‫_ال بأس يا مراد ‪ ..‬أن األوان لتعيش حياتك التى‬ ‫ضيعتها من قبل من أجلى ‪,,‬‬ ‫ثم نظرت إلى بالل وقالت‬ ‫_لكن هذا ليس معناه أن اعود إليك يا بالل ‪,,‬‬ ‫لست طفلة تحتاج ألحد كى يرعاها ‪ ,,‬سأكمل‬ ‫حياتى بمفردى ‪ ,,‬كالكما إبتعدا عنى ‪ ,,‬ال حاجة‬ ‫لى ألى منكما‪,,‬‬ ‫أنهت كالمها ومضت مسرعة ‪ ,,‬تالحق دمعاتها‬ ‫التى تسيل دون توقف ‪ ..‬إتجهت إلى البيت‬ ‫والدمع يغشى عينها ‪ ,,‬فاصطدمت بلمياء‪,,‬‬ ‫مسحت دمعاتها سريعا ‪,,‬‬ ‫ت‬ ‫_معذرة ‪ ,,‬من أن ِ‬ ‫جاء مراد وبالل مسرعين ‪ ,,‬نظرا إلى لمياء ‪ ..‬وقال‬ ‫لها بالل ‪ ..‬معذرة يا لمياء ‪ ..‬إذهبى وأنا سآتى‬ ‫عما قريب ‪..‬‬ ‫أجابته ‪ ..‬ال يا بالل ‪ ..‬لن أذهب بدونك ‪ ..‬ولن‬ ‫أذهب دون أن أحادث رامة ‪ ,,‬هل هذه رامة ‪ ..‬رامة‬ ‫بعينها التى‪...‬‬


‫_إصمتى يا لمياء ‪ ..‬ال داعى أبدا لحديثك هذا ‪..‬‬ ‫_ال يا بالل ‪ ..‬لن أصمت األن ‪ ..‬وقد صمت كثيرا‬ ‫فيما مضى ‪ ,,‬آن األوان ألن أبوح بكل شئ‬ ‫صرخ فيها بالل ‪ ,,,‬لمياء ‪ ..‬ماذا ستفعلين ‪ ,,‬رجاء‬ ‫إذهبى‬ ‫_سأوضح بعض األمور الغائبة عن الجميع ‪ ,,‬وربما‬ ‫تكون غائبة عنك أيضا يا بالل‪..‬‬ ‫_أستاذ مراد ‪ ,,‬هل أنت زوج رامة ؟‬ ‫أماء مراد رأسه إماءة "أجل" فى تردد ودهشة‬ ‫كبيرة ‪..‬‬ ‫_ال بأس ‪ ..‬حديثى ربما ال يروق لك ‪ ..‬ولكنى‬ ‫يجب أن أتحدث‪..‬‬ ‫قاطعت رامة كالمها بإنفعال ‪ ,,‬هال اخبرتينى من‬ ‫ت وماذا تريدين ؟ وكيف تعرفينى ؟ أجيبينى‬ ‫أن ِ‬ ‫على الفور‬ ‫سيدة رامة ‪ ,,‬بداية سأعرفكم بنفسى ‪ ,,‬أنا لمياء‬ ‫فخر خطاب ‪ ..‬إبنة عم بالل ‪ ,,‬هذا المسكين الذى‬ ‫يقف أمامكم ‪ ..‬ربما أنتم ال تعرفون عنه سوى كل‬ ‫سوء ‪ ..‬ولكنى سأكشف األن الجانب الخفى من‬ ‫حياته والذى ظل يخفيه عن كل البشر لسنوات‬ ‫طويلة‪..‬‬ ‫_لمياء‪ ,,‬إصمتى‬ ‫_لن اصمت يا بالل دعنى اكفر عن ذنبى إن ما‬ ‫جنيته أنا ليس بقليل ‪ ..‬وما عانيت انت جراء‬ ‫أنانيتى ليس بقليل أبدا‪,,‬‬ ‫منذ سنوات كان بالل فى العاشرة من عمره ‪,,‬‬ ‫حين توفى عمى عز‪ ..‬والد بالل ‪ ..‬حينها صار بالل‬ ‫مسؤال عن أم وأربعة أخوات ‪ ,,‬لم يكن بوسعه‬


‫سوى أن يبقى فى ظل أبى الذى تبرع أن‬ ‫يرعاهم جميعا ‪,,‬فى الواقع لم يكن تبرع أبى كرما‬ ‫منه وإنما كان لزاما عليه ألن شركته الكبرى هى‬ ‫عمل مشترك مع أخيه المتوفى ‪ ..‬تربى بالل‬ ‫وأخواته معنا ‪ ,,‬كبرنا جميعا ‪ ,,‬وعندما صار بالل‬ ‫فى عقده الثانى ‪ ..‬كنت قد بلغت السادسة‬ ‫عشر ‪ ,,‬وتعلقت به ‪ ..‬ليس كأخ وإنما كحبيب ‪..‬‬ ‫حينها كنت بالنسبة ألبى فتاة مدللة ‪ ..‬إشاراتها‬ ‫أوامر ‪ ,,‬ما أن شعر أبى أنى أميل إلى بالل إال‬ ‫وفاتحه فى األمر ‪ ,,‬وأوضح له أن ال مفر من أن‬ ‫يتزوجنى ‪ ,,‬دون ذلك لن ينال أى شئ من حقه او‬ ‫حق أخواته وأمه فى الشركة ‪ ..‬قبل بالل األمر‬ ‫حينها على مضد ‪ ..‬كنت انا فى قمة سعادتى ‪,,‬‬ ‫على الرغم من أنى لم أشعر يوما أنه يحبنى ‪,,‬‬ ‫إال أنى كنت سعيدة لشعور اإلمتالك ‪ ..‬حتى‬ ‫ظهرت رامة فى حياته ‪ ,,‬إنشغل عنى بالل قليال‬ ‫وحاول أن يخرجنى من حياته ‪ ..‬دفعت برجال ابى‬ ‫ليراقبونه ‪ ..‬عرفت أنه يقابل فتاة ‪ ..‬فى الحقيقة‬ ‫لم أضجر كثيرا من األمر ‪ ,,‬فحينها كنت قد تعرفت‬ ‫على شاب فى الجامعة ‪ ..‬شعرت وقتها أن‬ ‫تعلقى ببالل هو مجرد تعود وحسب ‪ ..‬فتركته‬ ‫يفعل ما يحلو له ‪ ..‬وبعدت عنه لفترة‪..‬‬ ‫لم يخطر ببالى أبدا أن كريم سوف يتخلى عنى ‪,,‬‬ ‫سافر إلى الخارج وارسل لى قائال أن سفره كان‬ ‫مفاجئ وانه سيعود بعد عامين أو ثالث ‪ ,,‬لم يكن‬ ‫أمامى آنذاك إال أن أعود إلى بالل ‪ ,,‬وحين‬ ‫صارحنى بأنه يحب فتاة أخرى ‪ ..‬ذهبت إلى أبى‬ ‫وبكيت كثيرا ‪ ,,‬فوعدنى أبى أن يزوجنى من بالل‬


‫رغم أنفه ‪ ,,‬لم أكن أعلم حينها يا بالل أن تهديد‬ ‫أبى ألمك سوف يوقف قلبها ويجعلها تغادر الحياة‬ ‫‪ ,,‬هذا السر الذى لم تكن تعرفه أنت من قبل ‪..‬‬ ‫بدوت لك طوال هذه السنوات مالك يحبك لم تكن‬ ‫تعرف ما أخفيه من أنانية وخديعة ‪ ,,‬غير أنى كنت‬ ‫أجهل تهديد أبى لك بحياة رامة ‪ ..‬لم أتخيل أنى‬ ‫جعلت أبى يقسو عليك وعلى حبيبتك هكذا‬ ‫ليجبرك على الزواج منى وتركها‪.‬‬ ‫يبعدك عنه‬ ‫ومن ثم وجب على بالل يا رامة أن‬ ‫ِ‬ ‫بأية طريقة ممكنة حفاظا على حياتك ‪ ..‬حياتك‬ ‫ت فقدانها‪.‬‬ ‫تلك التى ادعي ِ‬ ‫حينها شعرت بالذنب الشديد تجاهك وتجاه بالل ‪..‬‬ ‫بقيت طوال السنوات الماضية أشعر بتأنيب الضمير‬ ‫حيالكما ‪ ..‬بقيت إلى جوار بالل لفترة ‪ ..‬حتى عاد‬ ‫كريم ‪ ,,‬وحاول أن يقابلنى ‪ ,,‬فى البداية رفضت‬ ‫ولكنى عندما أمعنت التفكير وجدت أن بالل ال‬ ‫يحتاج إمرأة مثلى ‪ ..‬فأنا حتى ال أسكن قلبه ‪..‬‬ ‫ذهبت مع كريم وتزوجنا منذ تسع سنوات ‪ ,,‬لدى‬ ‫طفالن أصغرهما اسمه بالل ‪ ..‬كم تمنيت أن‬ ‫أنجب فتاة ألسميها رامة ‪ ,,‬ولكن األن إذا حضر‬ ‫الماء بطل التيمم ‪ ..‬اسفة يا بالل أنى لم أزل‬ ‫اراقبك حتى األن ‪ ,,‬أوليس من حق الفتاة أن‬ ‫تطمأن على ‪ ..‬أخيها ؟‬ ‫سيدة رامة ‪ ..‬أعرف انك إمرأة متزوجة ‪ ..‬وال يجدر‬ ‫بى أن أذكر هذا الحديث أمام زوجك مطلقا ‪..‬‬ ‫لكنى اردت أن أريح ضميرى وأبرئ ذمتى ‪,,‬‬ ‫أستاذ مراد ‪ ,,‬سأرحل أنا وبالل األن ‪ ..‬إعلم جيدا‬ ‫أن زوجتك هى أنقى وأطهر النساء ‪,,‬‬


‫_هى لم تعد زوجتى يا سيدتى ‪ ,,‬وعدتها من‬ ‫قبل أن اعيد إليها حبيبها ‪ ,,‬وها أنا ذا فعلت ‪..‬‬ ‫رامة ‪ ..‬آن األوان ليستريح قلبك ‪ ...‬بالل ‪ ...‬لم يعد‬ ‫هناك قوة على األرض يمكنها التفريق بينكما ‪,,‬‬ ‫إقترب منها بالل من جديد جفف بكلتا يديه‬ ‫دمعاتها المنهمره ‪ ..‬أومئ براسه على أذنها قائال‬ ‫‪..‬‬ ‫_أطيعى قلبك يا رامة وإغفرى ‪ ..‬إقتربى منى‬ ‫أكثر وأكثر ‪ ..‬لبى نداء قلبى وقلبك ‪ ..‬اكاد اسمع‬ ‫أنينه ‪ ..‬أشعر بصراخه وهو ينادينى ‪ ..‬أحبك يا رامة‬ ‫‪ ..‬أحبك دائما وأبدا‬ ‫_لو أنك صارحتنى من البداية بكل شيئ يا بالل‬ ‫‪ ,,‬ما كنا تألمنا أبدا ‪..‬‬ ‫_ألم أقل لك ذاك اليوم أمام القطار أن لهيب قلب‬ ‫سيحرقك!‬ ‫_ما كنت أعلم ما تعنيه يا بالل ‪..‬‬ ‫_ما كنت أنوى أن أوجعك يا رامتى‪..‬‬ ‫" _رامتى" آ آ آ آ آ ه ‪ ..‬سنوات لم اسمعها‪..‬‬ ‫_أحبك يا رامتى ‪ ..‬أحبك أكثر من نفسى ‪..‬‬ ‫‪.‬‬ ‫إرتمت مسرعة بين ذراعية ‪ ..‬ذاك الشوق العظيم‬ ‫يغلبها ويمزق قلبها ‪ ..‬بسمتها تحتضن دمعاتها‬ ‫صوتها الشجى يهمس أخيرا بما طوته فى قلبها‬ ‫منذ دهور ‪..‬‬ ‫إفتقدتك كثيرا يا بالل ‪ ..‬ال تتركنى ثانية ابدا ‪ ..‬أبدا‬ ‫‪..‬‬


‫أمائت برأسها على صدره وتنفست بعمق كأنما‬ ‫لم تتنفس منذ عشرة أعوام ‪ ...‬أحبك يا بالل ‪..‬‬ ‫أحبك أحبك ‪ ..‬أحبك‬

‫رامة أخيرا تحيا‬ ‫إنتهى‬ ‫ضحى أحمد‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.