إهداء ................ إلى رامة ..روح هائمة فى الملكوت إلى بالل ..الحى الميت ! إلى مراد ..طوق النجاة إلى الحياة المخبأة خلف الرواية .. إليك ..ما دمت ستقرأ إلى حظى الوفير من الحب إلى حظى الوفير من األلم
مقدمة ............. لم أعتد كتابة المقدمات ولم أعتد قرائتها .. وال أحب اإلطالة ..إن كنت تنوى القراءة فانطلق وال تدع المقدمات تعيقك ..دعنى أعبث مع قلبك بين نوبات األلم واألمل .. ليست الروايات جميعها حقائق ..وليست جميع الحقائق فيها !
ضحى احمد
رامـــــــــــــة فى ليلة إفتتاح مرسمها ..وقفت بعيدا عن كل الضيوف مستترة خلف جدار شاهق ..نظرت إليه من بعيد وكل خلية بها ترتجف ..نظرت تترقب خطواته ..لفتاته ..تعبيرات وجهه وهو ينظر إلى لوحاتها يتطلع إلى ذلك الحزن المنساب من كل لون من كل قطرة فن ومن كل أنملة إحساس .. تلك اللوحات التى جسدت بكل المرار قصة الحب الموجعه ..لتخطف عيون وقلوب كل من يشاهدها ..وحده بالل يستطيع ان يفهم جيدا ما تعنيه تلك اللوحات ..وحده قادر على تفسير كل خط وكل منحنى ..كل لون وكل همسة وكل صرخة تطلقها ريشة رامة .. هؤالء الذين يملكون لونا من الفنون ُيحملون فنونهم دائما كل مواجعهم ,,كل أحزانهم ,,وكل أحالمهم ..كل أمالهم المعلقة وأمالهم المخيبة . رامة مثلها مثل كل الفنانين ,,جسدت مواجعها وأحزانها وأحالمها فى لوحاتها ..وما كان بالل إال كل هذه المواجع واألحزان واألحالم ! نظرت إليه وقد حملتها قدماها مرارا لتتجه نحوه لكن كل خطوة تخطوها ترجع بها خطوتين ..الويل ..كيف ستخبره أن حبها له قد أصبح شئ ماضى أن ذلك القلب البرئ الذى لم يحب سواه خال من الحب األن ..كيف ستقول له" إرحل فى صمت" كيف ..كيف تتغلب على ضعف قلبها وقد بدأ يرجف حنينا إلى ذكريات العشق ..؟؟؟؟
عامان ...مضى بينهما عامان قد جمعهما الحب وفرقتهما الظروف مراراً بل فرقتهما أعذاره الواهية ..كان يأتى إليها كل يومين ليقول لها رامة يا ك رغم عشق القلب ورجاء الروح ..رغم عشقى ل ِ اشتياقى وحبى وإدمانى لهواك ِ لكن ال أستطيع أن أكمل حياتى معك هذا ألنى ....وبعد ألنى يأتى بألف عذر وكل مرة بعذر جديد ..يمضى ويعود بعد يومين ..إنسى كل األعذار انسى كل الفراق ال يمكن ألحدنا أن يعيش دون األخر أحبك لألبد إغفرى ما مضى وأعدك بأن ....وبعد بأن تأتى كل الوعود الوردية التى سرعان ما تذوب فى بحر أعذار ليبعد عنها من جديد. مضى شريط حبهما وفراقهما أمام عينيها وهى تنظر إليه من بعيد ...مازالت تنظر بأعين حيرى ال ترتضى لذاتها أن تكون ظالمة أن تجرحه بقول .. ابعد عنى ..أو ابقى بجانبى إلى األبد ..أجل مازالت عدالتها يمكنها أن تمنحه حق اإلختيار!! لكن ال سبيل إلى الخالص من عذاب ذلك الحب إال بالمواجهه ...ذهبت إليه ....ولكن أين هو؟! لقد ذهب ..مضى ..أيكون حقا قد رحل فى صمت ؟ أيكون قد قرر أخيرا ان يوقف سلسلة األلم الذى يجعلها تشعر به دائما ؟؟ ال ..فقد منعه حبه أن يفعل ذلك ..أراد أن يترك لها رسالة ك. ..ذكرى ..ليقول لها ها أنا ذا قد رحلت عن ِ بينما هى حائرة تؤنب نفسها ألنها تركته يرحل دون ان تحادثه ..هى ال تعلم اين ومتى ستراه ثانية ..هى لم تكن تعلم من قبل انها ستراه اليوم ..كل الحيرة وكل األلم وكل الخوف ...
إستتروا جميعا خلف إبتسامة مصطنعة تقابل بها ضيوفها ,,حتى أتاها لحن هادئ من هاتفها ... أجابت بسرعة عله يكون بالل .. _ مرحبا _ مرحبا يا رامة ,,أنا بالل .. لم يكن بحاجة أبدا أن يعرف نفسه ..صوته مميز لديها من بين كل البشر ..ليس صوته فقط .. حتى أنفاسه ..حتى عطره ..حتى صمته لم يزل مميز لديها من بين كل البشر . تنهدت وقد إختلط داخل قلبها مزيج من األمل واأللم ..كال الشعورين يسيطران على قلبها ما أن يطرق صوت بالل مسامعها ..ما ان تقع عيونها عليه .. _ أين أنت يا بالل ؟؟ كيف حالك ؟ _ بخير يا رامة ,,كيف حالك إنت ِ _ أكاد أكون بخير ,,أخبرنى رجا ًء أين أنت ؟! صمت قليال ..ثم قال لها أنه سيرحل ..سيرحل دون أن تلقاه ..دون عذاب ألحدهما أو ليحمل العذاب وحده ..أنهى كالمه ثم انقطع الخط دون أن يترك لها فرصة ان تلفظ بكلمة واحدة ! مضى وهى ما زالت حيرى ..أين أجده األن ألخبره أعذارى ألخبره أنى لم أظلم أحد قط ألعرف على األقل لماذا سيرحل؟؟ ذهبت إليه وقد قادها قلبها بدال من أن تقودها قدماها ..قادها قلبها نحو ذلك المكان الذى كثر ما شهد على حبهما ..على تواعدهما على الحب والوفاء ..وعلى تواعدهما على الفراق ..ذلك المكان الذى شهد كل أيامهما معا حلوها ومرها..
وجدته هناك وحده هذه المرة ..يجوب نفس الطريق ..نفس ذرات التراب تتجول بين قدميه وتكاد تسأله عنها ..أين هى ؟؟ لماذا أتيت وحدك هذه المرة؟! كنتما على ما يرام فى المرة األخيرة فأين هى؟! جائت رامة ..جائت لتجيب على كل األسئلة ليس فقط أسئلة الطريق وذرات التراب ..بل أسئلة الحبيب المطعون ..الحبيب الغادر ..أيهما يكون هو وأيهما ترى هى ؟؟ ألف سؤال يكاد يفجر رأسها الصغير حيرة وشك أودى بإبتسامتها. هو ...حقا هو ال تتردد أن تأتى إلى يا بالل التدع قدميك تأخذاك بعيدا عنى..إقترب هنا أو إبقى مكانك ألنى حتما سآتيك. لحظة واحدة وكانا قد إقتربا من بعضهما .. إبتسامة صغيرة ..رسم على شفاه ...واألسى يطل من العينين إطاللة الشمس على عطارد.... لماذا سترحل ؟؟؟ألنك طلبت ذلك. ِ هل قلتها حقا ؟؟ أجل ..تجسد هذا فى تلك اللوحات الحزينة ..طلبك لرحيلى جليا فى كل ما أبدعته ظهر ِ ريشتك فى لوحتك المسماه " إرحل فى صمت " ...فى تلك السكين الملطخة بالدماء ..فى ذاك الثعبان الذى يعتصر مالكا ! فى تلك العين الحزينة وذلك القلب الجريح ..فى كل شئ .. فى كل ركن ..
لم أكن أتوقع أنك ستأتى ,,ولم أكن أتوقع أنكستفهم كل هذا .. تعلمين أنى أفهمك دون أن تتحدثى لكناعلمى ال ..ال تكمل ال تقل أنى أحبك فقد مللت ذلكالهراء. لم يكن حبى هراء وأنت تعلمين ذلك يا رامة ...أحببتك بكل ذرة من جسدى أحببتك دون أن أفكر بشئ سواكى لكــــن..... "قاطعته بمنتهى السخرية واإلنفعال.".. _لكن ...هى نفس المفردة التى تكررها على أذنى كلما أردت إنهاء حبنا.. _ ال أحد غيرك فى هذا العالم يا بالل يدرك كم كنت مستعدة للتضحية من أجلك... ت ؟؟!! حقا كنت ِ؟؟!! _كن ِ "دمعة صغيرة تألألت فى عينيها البريئتين إحتبستها سريعا وأكملت".. لكنى تعبت ..أجل تعبت من تلك الحيرة التى تكاد تقتلنى من أنت ؟هل حقا تحبنى؟ ما مدى الصدق فى كالمك؟ وإن كان للصدق مدى فأى كالمك كذب ؟؟ولماذا تكذب على؟! وفيم كذبت؟؟ وهل أستحق أنا كل ذلك العناء ؟؟!!! ت أرق وأطيب مخلوق _ال حقا ال تستحقين ..فأن ِ على هذه األرض ..وقد بحثت فى كل شبر خطوت عن أنثى أو ذكر يحمل صفاتك ونبل لك فى هذه أخالقك فلم أجد ولن أجد شبيه ِ الدنيا الحقيرة. لماذا إذا ً....
ألنى ...ال ..ال تجعلينى أقولها.... سأخبرك األن كل الحقيقة ... بل سأقول .. ِ سأخبرك لماذا سأخبرك كم عانيت ألنى أحبك.. ِ ِ عليك حين أخبرتك أنى ال أصلح زوجا ً... كذبت ِ سأخبرك لماذا فضلت اإلنقاص من رجولتى ِ قلبك أى جرح .. ألبعدك عنى دون أن يصيب ِ ِ لكنى لألسف فى كل مرة أكون أنا المخطئ ... لك كل الجراح ..كل العناء ..كل أنا من يسبب ِ العذاب وأنت مستعدة للتضحية لو حتى على حساب نفسك ومتطلباتك كأنثى ..األن فقط تعرفين الحقيقة ..الحقيقة التى هى أمر بكثير من أن يطيقها لسانى....ولكن الحقيقة من أجلك هذه المرة مثلما كان الكذب ألجلك ِ كل مرة أجلك...سأخبرك األن كل فالحقيقة أيضا من ِ الحقيقة لكن لن أنتظر أى ردة فعل ..لن أسمح لك بأى إهانة سألقى كالمى وأرحل على الفور ِ ثورتك حين تعلمين أنى .. ..لن أدع عينى ترى ِ أنى ..أنى على عالقة بفتاة أخرى ..هى تحبنى ..وقد كنت أبادلها بعض المشاعر ..حتى فيك من كنت عرفتك ووجدت رأيتك ..بل حتى ِ ِ أبحث عنها فى كل بنات حواء ولم أجدها فى ت القلب المخلص البرئ الوفى سواكى أنت ..أن ِ ت الحنون ..أنت مالك تجسد فى صورة بشر أن ِ ت حبيبتى كل شئ حلو فى الحياة ..بإختصار أن ِ ت فقط حبيبتى ...أحببتك بكل ذرة فى جسدى أن ِ ..بكل كيانى ..بكل تفكيرى وشوقى أنت إدمانى قبلك .. ولكـــن ما ذنب تلك األخرى عرفتها ِ ووعدتها وصرت لها كل الحياة ..صارت ال تحيا من
دونى ..كيف أظلمها من أجل حب أخر حتى ولو ت ....كيف أترك كان ذلك الحب هو عمرى كله..أن ِ امرأة تحبنى وضحت هى األخرى ألجلى؟؟ كيف؟ من منكما تستحق أن أتركها أن أظلمها ؟ ت وال هى .. ال فال أن ِ ت.. بريئة ان ِ وبريئة هى األخرى .. وأبقى أنا األنانى الوحيد أنا ذلك الرجل الذى لم يستطع إنصاف المرأة التى تحبه والتى يعشقها من القدم حتى الجبين .......لكم أنا أحبك ..كل ليلة أستيقظ من نومى قلبى يحدثنى ..هاتف رامة ..ولكن ماذا سأقول لها أقول أحبك !!!!!!!!! معك وماذا سافعل مع تلك وماذا سأفعل ِ عنك األخرى ..كل الحيرة كل العذاب عذاب بعدى ِ لك ..وظلمى لها ..تأنيب الضمير وعذاب ظلمى ِ عذاب القلب ...حبيبتى أنا أسف ...أسف رغم أن هذه الكلمة ال تستطيع بأى حال من األحوال حقك أعلم أنى جرحتك ِ كثيرا أن توفيكى ُعشر ِ عفوك إننى لدرجة أنه لم يعد بوسعى أن أطلب ِ يديك يا رامة ..إقضى بما شئتى ,,احكمى بين ِ على الحكم الذى يريح قلبك ...أرجوكى يا رامة أخبرينى لماذا كل هذا الصمت ألن تثورى ألن لك ولها تصفعينى على وجهى ألنى كنت خائن ِ ؟؟!! ردى على ..ال تتركينى هكذا ثورى ... إنفعلى ...عاتبينى... "أدارت وجهها البرئ ونظرت إليه بعينيها المذبوحتين وقالت بصوت مشروخ مخنوق يحمل حزن الدنيا ومرارها كله"...
إذهب إليها ..ليس بمقدورى أن أحمل ذنب أحد أن أكون سببا فى ظلمها ..إذهب إليها وال تحاول أن ترانى مجددا ً ....أخرج من حياتى إلى األبد ... ت.. لكنى أحبك ِ ,,ال أستطيع العيش بدونك أن ِ ِ "وهنا قاطعته مشيرة بكفها الصغير وقالت "... كفى ..أمر هذا الحب قد إنتهى ..دعنى أذهب ... وقامت وهى تحاول أن تستجمع قواها ولكن قدميها ال تستطيعان حملها ..وعينيها غارقتين فى بحر من الدموع ...و رأسها يدور وكأن كل الدنيا حولها تدور ....فى دقيقة واحدة دارت برأسها كل ذكرياتهما معا ..تذكرت لقائهما األول ..لم تكن قبلها تؤمن بما يسمونه الحب من النظرة األولى ,,لم تؤمن به إال حين وقعت عيناها على بالل للمرة األولى منذ عامين ,, حينها شعرت وبأن قلبها قد ُ سرق منها عنوة .. ذلك األلم الغريب الذى يسكن الجسد فجأة ,, تلك القشعريرة التى تصيب كل خاليا البدن عند سماع صوت أحدهم ..اإلرتباك الذى يسيطر عليها إذا المست يداه كفها الصغير ـ ولو صدفة ـ " ..اإلشتياق" كلمة جديدة أضافها الزمن لقاموس كلمات رامة ,اضافها فقط لتعرف ما الحب .. أجل لم تكن قبلها تعرف ما الحب وال كيف هو .. وأصبح تفسير "الحب" ومعناه هو بالل ..منذ قابلته للمرة األولى فى القطار الخاطئ ..فى يومها األول فى الجامعة أخطات قطارها
وإستقلت قطارا ال يحوى حقائبها وال تمتلك ثمن تذكرته ! لم تكن تملك حينها سوى دفتر رسم كبير .. ال مال ,, ال تذكرة ,, ال أوراق رسمية وال حتى أصدقاء .. كلهم رحلوا فى القطار الصحيح ,,وبقيت وحدها فى هذا القطار حينها كان لقائهما األول ..رأها والدمع غالب عينيها الجميلتين ,,ووجنتيها تشتعالن إحمرارا ,,أقبل إليها وحدثها بكل لطف .. _ مرحبا يا أنسة ,,هل يمكننى المساعدة ؟ ال تعرف كيف إطمأنت له ..وكيف بدا لها شخص قريب وكأنها تعرفه منذ سنوات بعيدة ,,,ربما ألنها كانت فى أمس الحاجة لمن يطرق باب كربها ويعرض عليها المساعدة .. رفعت رأسها ونظرت إليه ..فتاه هو بين جمال عينينها ..لم يستطع الصمود للحظة ,,دون أن يستأذن جلس إلى جوارها ,,ومسك بيديها وهمس ..ارجوكى ..دون بكاء ..ال أحتمل أن دمعك أبدا ..أبدا ..إحكى ما بك وأعدك أن أرى ِ أجعلك تبكى ثانية مطلقا .. أساعدك ولن ِ بمنتهى الخجل سحبت يديها من بين يديه ,, وقالت له _إسمى رامة ,,طالبة فى الفرقة األولى لكلية الفنون ..تركت قطارى وذهبت ألودع أمى وخالتى وإبنها عند باب المحطة ..وعندما عدت
كان القطار قد غادر حامال صديقاتى وحقائبى وكل أغراضى ,,المصيبة أنى لم ألحظ األمر .. وركبت هذا القطار الذى نحن فيه وال أعرف إلى اين يتجه ..وليس معى حتى أى مال .. إبتسم وهو ينظر إليها ,,ويديه متجهه نحو حافظة جيبه ..فأسرعت ومسكت بيديه ..ال يا سيدى ..ال تفعل ..أنا لست متسولة وال أستجدى عطفك ..وإستمرت فى حديث لم يسمع منه شئ ..فكيانه كله كان مشتتا هائما فى لمسة يديها تلك ..بدت له أشبه بالمالئكة ..والهواء المنبعث من نافذة القطار يداعب شعرها ويجعل خصالته تتطاير لتضرب بكل رفق وجه بالل ..لم يستفق من غيمته تلك إال حين رفعت يدها عنه ,,وهى تقول ..شكرا لك .. سأتدبر أمرى مع موظف التذاكر .. أدرك بالل جيدا عزة نفسها وقبل أن تمر بضعة ثوانى ,, إلتفت إليها من جديد ..وقال بيديك دفتر رسم _ أنسة ..هل هذا الذى ِ _ أجل _ هل يمكننى أن أطلع عليه ؟ _تفضل ..بكل سرور دارت عيناه بين األنغام التى عزفتها أقالمها بين طيات ذلك الدفتر ..أثارت انبهاره فعال ..فلم تكن لوحاتها أقل جماال وسحرا منها . أعطاها الدفتر وهو يقول ,,هل تستطيعين الرسم أثناء سير القطار ؟
أجابته بدهشة شديدة ,,ربما ,,لم أجرب من قبل .. _ إذن هيا ..لو تكرمتى أن تمنحينى الشرف العظيم وتنظرى لوجهى لبضعة دقائق وتمنحيه وسام أن تنقشه أقالمك فى هذا الدفتر المقدس .. نظرت إليه بمنتهى الدهشة ,,ماذا تقول يا أستاذ ..؟ _ بالل ..إسمى بالل ..شرف لى أن أسمع إسمى مغردا بصوتك .. تبسمت للمرة األولى منذ لحظات لقائهما وقالت ..ال أملك قلما .. _ بسيطة ,,تفضلى هذا قلمى ,,ولكن سيخصم ثمنه من حساب اللوحة . _ماذا ..؟ حساب ؟؟ _ أجل ,,لم تقبلى أن أعطيكى ثمن التذكرة بالمجان ,,ولن أقبل أن ترسمينى بالمجان أيضا ,,وأنا الذى سأحدد السعر ,, أمسكت بقلمه ونظرت إلى وجهه ,,تأملت كل تفصيالته بينما عيناه مثبتتان فى أعماق عينيها كالغريق الذى أصبح ماء البحر له هو إكسير الحياة ..خطت بمنتهى البراعة لوحة رائعة لوجهه المتبسم رغم شجونه .. إستمر القطار فى سيره إلى وجهة ال تعرفها رامة ,,وربما لم تعد تريد أن تعرفها ,,فقلبها ـ دون أن تعرف سبب ـ أصبح معلقا بهذا القطار بحديثهما الذى إستمر لساعات لم يعرف أى منهما عددها ..ربما كان هذا اليوم هو أهم يوم
فى حياتها ..ربما كانت أهم لحظة فى حياتها كلها بعدما أوصلها بالل إلى صديقاتها ,,ووقف ليودعها ,,مدت يديها للسالم ولكنه رفض ..قائال .. _ رامة ..ال أعرف لماذا تعلق قلبى بك ,,ال أعرف عشقتك إلى هذا الحد وأنا ,,ال أعرف كيف ِ أعرفك منذ ساعات قليلة ..أسف ألنى سأرد يدك دون سالم ..فإن أنا المست يديكى ..لن يهدا قلبى أو جسدى من دون ضمتك ..إغربى يا رامة ,,إغربى يا عشق قلبى ..إبتعدى عنى ال تجعلى لهيب قلبى يحرقك .. كان هذا لقائهما األول ,,كان هذا ما دار برأسها بينما هى تحاول أن تلملم أشالء قلبها الجريح .. خطت خطوتين لتعبر الطريق ..وهو مازال خلفها يحاول أال يتركها تذهب ..بينه وبينها خطوة واحدة ...سقطت المسكينة مغشية عليها فإلتقطها هو بين ذراعيه ..أزاح خصالت شعرها المنسدلة على وجهها البرئ وهو يحاول أن يفيقها ..وقد كانا فى عرض الطريق ....ذلك الطريق اللعين... عربات كثار تسير حولهما ....وشاحنة ضخمة ال ترى كتلة العشق الملتحمة على عرض الطريق... نعم ...صدمتهما شاحنة ..فى لمح البصر غابا عن الوعى ..سرعان ما تجمع المارة حولهما .. ثمت حبيبين متعانقين يلفظان أنفاسهما األخيرة ,كيف لسائق تلك الشاحنة أن ينهى قصة
عشق بهذه النهاية البشعة ..هيا بنا لننقلهم إلى المشفى روحا واحدة إتقسمت بين جسدين يتعذبان فى غرفتى عمليات المشفى ..بالل غائب عن الوعى ..ال يدرك ما أصابه ,,ال يرى عدد األطباء الملتفين حوله ,,ال يرى سوى صورة رامة ,, وجهها البرئ الذى ذاب خجال منذ عامين حين قال لها بمنتهى الهدوء والحب " ,,إغربى يا عشق قلبى ..إبتعدى عنى ال تجعلى لهيب قلبى يحرقك " .. قالها وإبتعد وهو ينظر إليها وهى تستدير لتتجه نحو صديقاتها بمنتهى البطئ ..وكأن شيئا داخليا يريدها أن تبقى ,,لم يلتفت هو بل ظل يراقبها وكأنما يريد أن يمأل عينيه بضياء منها ..أن يشبع ظمأ روحه من نهر لقائها قبلما يجف ! بقى متسمرا فى مكانه ولم ترتفع عينه عنها إال حين وصلت إلى قطارها ..إستدار قبل أن تلتفت إليه ,,ومضى وهو يحتبس دمعا ال يعرف سببه ربما هو دمع العشق ..وربما هو دمع الفراق ..وربما ألم ال يشعر به أحد سوى بالل ,,خطى خطوات متثاقلة حتى أتاه صوتها وهى تصرخ بإسمه "بالااااااال" إستدار وقلبه محلقا فى السماء كالطائرات الورقية ..جرت نحوه بسرعة فتقدم نحوها وتبسم وهو يقول .. _ ماذا ؟ هل سكنت قلبك بهذه السرعة ؟ _ "بضحكة عالية" أنت تمزح كثيرا ,,تفضل .. لوحتك ..لقد نسيتها معى .
مد يده برفق وأخذ اللوحة من يديها أدارها وكتب عليها شيئا ..ثم قال _ أعرف أنك ستشتاقين إلى ..حينها إنظرى إلى وجهى ,,ستشتاقين أكثر ,,إنظرى أكثر .. ستشتاقين أكثر وأكثر ,,وعندما يغلبك الشوق .. هاك رقم هاتفى ..هيا إذهبى ال تفوتى قطارك ثانية ..ال أستحق أن تفوتى قطارك من أجلى .. ولن تقابلى بالل أخر إن أخطأت قطارك مجددا.. ثم إقترب منها بشدة ,,وأومئ رأسه نحو أذنها وهمس ..أحببتك يا رامة ,,أحببتك جدا .. أنهى حديثه ثم إستدار ..وال يعرف كيف هذا الحب أصابه فجأة ..كيف سكنت فتاة ال يعرفها إال من سويعات قليلة قلبه بهذه السرعة ..األمر يبدوا غريبا بعض الشيئ ال يوجد عقل يمكنه تصديق هذا ,,شاب يقابل فتاة صدفه ,,فتحتل قلبه بهذه السرعة ..ثم يصارحها بحبه بهذه الجرأة ,,األمر يبدوا غير مألوف ألصحاب العقول .. ولكن أصحاب القلوب العاشقة وحدهم يدركون أن عشق القلوب ال يحتاج أى مقدمات ..ال يطلب اإلذن ليحتل القلب والروح ويسيطر على العقل ويجبر المرء على تصرفات ال يدرك عواقبها ,,وربما يعود ليلوم نفسه عليها ,,تماما مثلما عاد بالل ليلوم نفسه أن تعلق برامة وأن ترك لها ما يعلقها به ,,وهو يدرك جيدا أن اإلقتراب منه هو الجحيم بذاته ! ... وتماما مثلما وجدت رامة نفسها تسجل تلك األرقام المنقوشة على ظهر اللوحة التى باتت شغلها الشاغل ألسبوعين كاملين ..كان وقتها
جالسا ممسكا بهاتفه وكأنه على يقين بأنها ستتصل ..كم تمنى أن تتصل وكم تمنى أال تفعل ..فال أحد سواه يعرف مدى األلم الذى سيصيبها إن هى وقعت فى حبه ..دق هاتفه وهو ال يفكر فى شيئ سواها ,,فأجاب فورا _رامة؟! _ "صمت طويل" على _رامة ,,أعرف أنك المتصل ..ال تبخلى ً بصوتك ..أرجوكى يا رامة .. _ "بصوت متردد" كيف ..كيف عرفت ؟ _ آ آ آ آ آ آ آ آ ه ...صوتك كقطرات مطر تساقطت على أشواك صبار فى صحراء مقفرة ..تأخرتى أعواما كثيرة يا رامة .. _ ماذا تريد منى يا بالل ؟ _ ماذا تريدين أنت ؟ أنت المتصل يا رامة .. _ ال أعرف _ ولكنى أنا أعرف يا رامتى ,,إن اإلله الذى حبك فى قلبى منصف للغاية ,,وقد غرس غرس ِ مثله تماما فى قلبك ..إعترفى يا رامة ,,واجهى قلبك بحقيقة أنه عشقنى مثلما عشقته تماما .. إعترفى بأن الشوق قد غلبك أخيرا .. _ بالل ..أحبك . إستفاق بالل من غيمته التى لم يدرك كم من الوقت إستمرت ..وجد نفسه مستلقى فى فراش بحجرة العناية المركزة .. وحينها أدرك نهايته وعرف أنه سيحيا ما بقى من عمره يتجرع األسى ...أدرك نهاية قصة حبه ..
قصة غدره ..عرف كيف ماتت الحبيبة الوفية بين ذراعى الحبيب الخائن ...أخذ يصرخ وهو يناديها ,,رااامة ال تتركينى ..أخذ يؤنب نفسه ألنه سبب موتها ..حاول النهوض من فراشه لكنه لم يستطع ..أدرك وقتها الصاعقة األخرى بأنه لم يفقد حبيبته ـ التى ضحت ألجله كثيرا ً ولم يضحى هو ألجلها أبدا ـ وحسب إنما فقد رجولته أيضا حيث أصابه الحادث بشلل فى أطرافه مما أفقده القدرة على الزواج واإلنجاب... وكأن القدر أراد أن يصفعه قلما ليقول له ال تتمارضوا فتمرضوا وكأن جسده ال يقبل إمرأة أخرى سوى حبيبته ....حبيبته التى رحلت وتركته ليعيش وحده مع العذاب وتأنيب الضمير .... رحلت الوحيدة فى هذا العالم التى كانت على إستعداد أن تعيش معه حتى ولو فقد كل جسده.... رحلت عنه جسدا وروحا لتبقى ذكرى محفورة بذهنه ...ذكرى حب ..ذكرى ألم .....ذكرى عذاب......... ذكرى أوجاع فى القلب النادم على كل جرح ... ذكرى الوفاء ...وذكرى الغدر... رحلت وحدها عن دنيا الحقود واألغالل وتركت له العمر الطويل ليتألم كل يوم ألف مرة لما فعله معها ..وليدفع ثمن كل كذبة وكل خطيئة فى حياته ..ليسدد الدين لأليام... رحلت رامة عن بالل وبقى له فقط عجزه ليذكره دوما بجرحه العظيم نحوها ..وبأنه عجز أن
يعطيها من حياته يوما واحدا لتحياه ..وبأنها فقدت حياتها بسببه هو .. ومضى الزمان ..وبالتأكيد لم تمت رامة ..أظنها بقيت طيفا حيا ال يفارق عقل بالل أو قلبه .لم تكن رامة بالحب الذى يمكن نسيانه .هؤالء الذين تصعد أرواحهم إلى السماء يتركون صورا كاملة محفورة فى القلوب والعقول مهما طالت السنون ال تموت ذكراهم أبدا ً ..فكيف إذا تموت ذكرى رامة ! ذكرى الحب وذكرى الجرح ..ذكرى الغدر والقدر المنتقم ..كلها ذكريات ال يمكنها ان تترك عقل بالل مهما حاول ... فلندعنا من أمر بالل إذا ...وماذا فى األمر سوى بالل ؟! هل بقى سواه ؟! أجل بقى الزمان .. بقى القدر.. بقيت األيدى الخفية التى من شأنها رسم مستقبلنا المجهول ,,سعادتنا وشقائنا ..بقى اإلله الذى تتجلى عظمته فى تدابيره لحياة البشر .. فيال ذلك القدر العجيب ..انها لم تمت ! أجل أعنى جيدا ما أقول ..إنها لم تمت إنها لم تزل تحيا ..أرادت فقط أن تخرج كليا من حياته وأن تبقيه بعيدا عنها وأن يفترقا بال رجعة .. األيام القليلة التى قضتها رامة فى المشفى ما بين حجرتى العمليات والعناية المركزة ما بين الحياة والموت ..لم تكن تحتضر وحسب ..بل إحتضرت داخلها مشاعر كثيرة ..وذكريات عامين
كاملين ,,لم يكن قرارها باإلبتعاد عن بالل باألمر الهين ..فليس من السهل أبدا إنتزاع حب كهذا من أعماق القلب ..ولكن األلم أحيانا قد يجبرنا على دفن الحب إن لم نستطع إنتزاعه .. ومضى العمر ..عشر سنوات كاملة جاهدت فيها رامة نفسها وقلبها وأشواقها ..لم تحاول خاللها أن ترى بالل مرة أخرى ..ولم تحاول حتى أن تتقصى أخباره ..بنت لنفسها عالما جديدا .. إنهمكت فى دراستها وعملها الذى كان لها هبه من هللا ...أفرغت ـ كما إعتادت ـ كل همومها وجروحها على لوحات من شجن ,,جعلت األلوان واللوحات رفيق سنواتها ..وتركت األيام تداوى شيئا فشيئا من جروحها وتدفن الذكرى فى أعماق أعماق قلبها . كثر ما طرق الرجال بابها لسنوات حتى تخيرت أحدهم وقبلت به زوجا ..لم يكن مراد مجرد أحدهم ..بل كان أنبل الرجال وأصدقهم وأوفاهم حاول جاهدا أن يهبها السعادة واإلخالص الذى لم تعرفه من قبل وأن يعوضها عن كل سنوات الشقاء بقدر المستطاع ..وعاشا معا فى دفء وسكينة .. لكن الحياة ال تسير أبدا على وتيرة واحدة ..ربما حياة رامة ـ دون جميع البشر فى هذا الكون ـ تسير على وتيرة واحدة " ,,األلم" ,,لم تفرغ رامة من أآلمها أبدا .. هؤالء اللصوص وقطاع الطرق ال يتصيدون سوى األخيار يبرحونهم ضربا ويسرقون كل ما تحوى جيوبهم ثم ينطلقوا مسرعين ..تلك كانت هى
الخطة المحكمة التى رسمها بعض اللصوص لسرقة مراد ..فى إحدى الليالى الممطرة .. قارصة البرودة كان مراد عائدا متأخرا من عمله متجها إلى البيت ..إستوقفه خمسة لصوص حاصروه وإنهالوا عليه ضربا بقطع خشبية وحديدية وأسلحة بيضاء ..لم يستطع مقاومتهم حتى سقط أرضا ..فسرقوا كل ما لديه وهربوا وتركوه ليال على قارعة الطريق ينزف الدماء وال يجد من يستغيث به وال يقوى أصال على االستغاثة. إنها فى البيت وحدها تحترق قلقال عليه وال تعرف أنه قابع بأحد الشوارع يلفظ أنفاسه األخيرة . زاد عليه األلم وزاد النزف حتى تيقن أن الموت قادم ال محالة وأن أحدا لن يمر من هنا فى تلك الساعة المتأخرة من الليل أغمض عينيه واستسلم للموت القادم ثم غاب عن الوعى ... وحين فتح عينية مرة أخرى ذهل أن وجد نفسه سرة البيضاء تبعث فى فى المشفى ...تلك األ ِ القلب فزعا ال يقل عن فزع المرء وهو راقد يستقبل الموت ...تلفت بين جدران المكان وبين أوجه األطباء ومن يسمونهم مالئكة الرحمةـ إن كان قد بقى على األرض مالئكة أو رحمة ـ نظر إلى ذلك الرجل الغريب الذى يجلس إلى جواره ويبتسم فى وجهه ..البد أنه أحد األطباء ..وجده يربت على يديه قائال : _حمدا هلل على سالمتك ..من فعل بك هذا ؟ _سلمك هللا أيها الطبيب ..إنهم لصوص وقطاع
طرق ..كيف جئت إلى هنا ؟ إبتسم إبتسامة خجل وهو يقول.. _ال ال ..لست طبيبا إنما وجدتك على الطريق فاقد الوعى ونزف الدماء ال يتوقف هاتفت اإلسعاف ونقلناك إلى هنا ..وها أنت بحمد هللا بصحة جيدة ..قال األطباء أن كسورك ستشفى خالل شهر بإذن هللا. _هل أنقذت أنت حياتى ؟ أعزك هللا يا أخى .. إنى مدين لك بعمرى كله. _ال تقل هذا ..إن الحياة كلها بيد هللا ..سخرنى هللا حتى تكمل أنت حياتك. _لم نتعرف على بعضنا بعد ..أنا مراد سعيد مهندس برمجيات ..وأنت ؟ ال أعرف _ماذا ؟؟!! ال تعرف ماذا ؟؟! _حقا ال أعرف من أنا ..نادنى باإلسم الذى يروق لك. _أنا ال أفهمك جيدا ..ماذا تعنى ؟ أعنى أنى فاقد للذاكرة منذ سنوات طويلة ..وال أعرف حتى من أكون. _ال حول وال قوة إال باهلل ..وكيف تحيا هكذا كيف تعمل ؟ _عملت فى أكثر من شركة ومحالت تجارية ومطاعم وغيرها ..وفى كل مرة أجد مشكلة فى األوراق الرسمية فأبحث عن عمل أخر وهكذا .. وباألمس كنت فى أعلى حاالت اليأس حتى رأيتك وشعرت بنعم هللا وتناسيت تيهتى وألمى وأنى حتى ال أجد مأوى.
_قصتك غريبة حقا! إبتسم كمن يحاول إنهاء حوار مؤلم بأى طريقة ممكنة قائال _دعك من قصتى الغريبة وأخبرنى إن كنت تريد منى شيئا قبل أن أذهب. _تذهب ؟! كيف وإلى أين ؟! ..أنت ستبقى معى ..إنى مدين لك بحياتى ويجب أن اساعدك حتى تجد عمال ومسكنا. _شكرا لك ..ال أريد أن أكون عبء عليك.. _ال تقل هذا يا أخى ..سنسعد أنا و زوجتى بإستضافتك. إنتبه كمن تذكر أمرا هاما ال يعرف كيف غاب عن باله ..وإرتعد قائال: _زوجتى ..يجب أن أتصل بها البد أنها تحترق قلقا. _لقد إتصلت بها ..بعد إذنك طبعا ..وجدت رقم هاتف منزلك مسجال على تلك البطاقة الخاصة بك .حدثتها وأخبرتها أنك هنا وهى األن على وشك الوصول. دقائق قليلة مضت حتى أتت الزوجة الملهوفة لتطمئن على زوجها ..فتحت باب الغرفة مسرعة ..وإذا بسنوات العمر تختزل أمام عينيها فجأة !! والذكرى األليمة المدفونة فى قاع قلبها تنبض وتدب بها الحياة من جديد !! حبيب الماضى هنا ..يجلس إلى جوار زوجها يربت بيديه على كتفه ويتبادالن الحديث واإلبتسامة !! ..هل ضاق
العالم إلى هذا الحد ؟؟ هل انتهى كل رجال البشرية ولم يبق سواك يا بالل لتنقذ حياة زوجى ؟!! إنها لم تزل تذكر جيدا لقائهما األخير ,,لم تزل تذكر كل جروحها ..لم تزل تذكر يوما مضى عليه أكثر من عشرة أعوام ..كانت حينها كطائر يحلق فى السماء ..يعانق النجوم بجناحيه ..قلبها تغمره السعادة كعروس مخضبة يداها بالحناء .. كل هذا تحطم برسالة هاتفيه نصها كالتالى "رامة ..أحبك جدا لكن ,,ال أستطيع أن أكمل" .. فقط ,,هذا فقط ما قاله .. ال أسباب .. ال أعذار ,, وال إعتذار ! ... وبقيت وحيدة ..شهرا كامال ال تعرف سبيال إليه ..ال تعرف سببا لما قال ..ال تعرف كيف تعود إلى حياتها بعد أن أدمنته ..بعد أن صار حبه كمجرى الدم فى العروق ..شهرا كامال وهى تنتظر على أمل أن يعود ..وعندما عاد ..لم تسله عن أسباب بعده ,,قلبها البرئ وعقلها الطفولى سامحاه دون أن يقدم أى عذر ! ..لقد كانت حقا طفلة ساذجة ..كانت ولكنها األن لم تعد كذلك .. عشر سنوات كافية جدا لينضج عقلها كثيرا .. إبتلعت بغصة صدمتها وتجاهلت بحكمة ما رأت .. وأقبلت نحو زوجها بلهفة ..مراد ..من فعل بك هذا ..كيف انت األن ؟؟
_إهدأى يا عزيزتى ..إنى بخير ..هاجمنى بعض اللصوص وسرقوا المال والهاتف الخلوى ..وتركو لى حافظتى فارغة من المال ..ثم تركونى بنزف دماء ال ينقطع على قارعة الطريق وهذا األخ الكريم أنقذ حياتى .. همست دون حتى أن تنظر إلى وجهه ..شكرا لك أماء برأسه إمائة خفيفة مع إبتسامة خجل شعرت منها أنه ال يعرفها ..وكيف ال يعرفها ,,إنها لم تتغير كثيرا ..نفس المالمح والصوت ..وحجاب بسيط يغطى الشعر ال يمكنه أن يجعل حبيب يخطئ مالمح حبيبته ! تعجبت كثيرا من طريقته معها حتى ظنت أنه مجرد شبه بينهما ..ولكنها ال تخطئ أبدا وجهه مهما مرت السنون ! ..كل مالمحه وتفاصيله .. كل خلجاته ولفتاته ونبرة صوته ونظرته ونبضة يديه فى السالم. تلك اللحية الخفيفة وتلك الشعيرات البيضاء ال يمكنها ان تخفى مالمح إنسان محفورة صورته فى العقل والقلب منذ أمد ٍ بعيد ..حتى السنوات نفسها مهما طالت ال يمكنها أن تضلل العين عن مالمح من كان عشقها فى يوم من األيام. قررت أن تقطع كل شكوكها بسؤال يقينى فإما أنه ليس بالل ..أو أنه ال يصدق ما تراه عيناه ,, فحبيبته ماتت منذ عشر سنوات ! _أهال بك يا سيدى ..لم نتعرف بعد ..أنا رامة وأنت ؟
نكس المسكين رأسه أرضا وهو يهمس ..أ أ أنا ..فقاطعه مراد مسرعا ..معذرة يا رامة ..هذا المسكين فاقد للذاكرة منذ أعوام ..وقد كان على وشك أن يقص لى ما يعرف عن حياته قبل أن تأتى .. تفضل يا أخى أخبرنا بقصتك ..وما هو سبب فقدانك للذاكرة ان كنت تعلم ..؟ _صدمة نفسية ..قيل لى أنى فقدت الذاكرة إثر صدمة نفسية لم استطع مقاومتها ..بعد أن أصبت بالشلل والعجز وسبحان من يعطى بال سبب ويسلب بال سبب شفيت من الشلل ولكنى لم أشف من فقد الذاكرة. نظر إليه مراد وقد إمتأل قلبه عطفا وإغرورقت عيناه بالدمعات ..قائال :يالهذا العناء ؟! أولم يخبرك أحد كيف كان هذا العجز ؟ _بلى أخبرونى قيل لى أن غرباء وجدونا على قارعة الطريق وقد صدمتنا شاحنة ضخمة . _صدمتكم !! انت ومن ؟ _قيل لى أنها فتاة ..وانى كنت أحاول إنقاذها وكنت أحتضنها بشدة. _ومن هى ؟؟ تنهد وفاض الدمع من عينيه حتى صار ال يستطيع مالحقته ..إختنق صوته وهو يقول : _ال أعرف ..لألسف ال أعرف ..اه لو أعرفها ..آه لو ألقاها ألسئلها ما كل هذا الحب الذى يجعلنى أضحى بحياتى كى أنقذها ؟! آه لو أراها ألخبرها أن عقلى وحده فقد الذاكرة ولكن قلبى لم يزل يحملها بداخله ..لم يزل يئن ويشعر بها مدفونة
فى أعماق أعماقه .آه لو أراها فأرتمى بين أحضانها وأنسى الكون ..أنسى ..أنسى حتى أنى أنسى ..اه لو أراها ألسئلها فقط من أنا ؟؟ من أنا ؟؟ _ولماذا لم تسأل عنها من أخبروك بكل هذا ؟؟ لمعت عيناه كطفل يتيم ُ سئِل عن أبويه ..وأجاب بكل األسى " ..لقد ماتت" ساد الصمت المكان ..فكل كلمات التعاطف ال تليق .. مكان واحد إمتأل بالزحام واألصوات الصاخبة الصارخة واألصوات الخافتة المرتعدة ..مكان واحد فقط تضاربت فيه المشاعر ..قلب رامة ..قلب رامة الحائر الحزين الذى حدثها أن تساعد بالل ليعود إلى أسرته ولكنها تذكرت أنها ال تعرف له عنوانا وال تعرف أى من أفراد عائلته ,,كثر ما طلبت منه مسبقا أن يقدمها ألهله ..ألمه .. ألخوته على األقل ..ولكنه كان دوما يرفض مختلقا أعذارا واهية ! .. طوال هذه السنوات كانت رامة على يقين بأن القدر سيجمعها ببالل مرة أخرى ..كان أقصى خيالها انها ستقابله صدفة فى أحد الشوارع .. وتتدارك األمر سريعا فتدير وجهها وال تدعه يراها ,,وإن رآها وحدثها ستنكر نفسها منه ..لم تكن تتخيل أبدا من ذى قبل أن القدر سيقدمه لها مجددا بهذه الطريقة ! ال أحد منا يستطيع أن
يتحدى القدر ..أن يحسب حسابه ويظن أنه سيتدبر وحده كل األمور ! ال أحد على اإلطالق يستطيع أن يكتب مصيره مهما دبر له .. إنه القدر مهما حاولنا جاهدين اللقاء ومهما حاولنا جاهدين الفراق ..ثمة أقدار ال نستطيع تغيرها.
لحظات الصمت تلك لم تطل ..كسرها صوت طبيب يربت على كتف مراد قائال: _حمدا هلل على سالمتك _سلمك هللا _معذرة النيابة تريد التحقيق _ال بأس وبعد تحقيق النيابة ..وجه مراد حديثه إلى رامة قائال ..عزيزتى ال يليق بنا ان نترك هذا األخ الكريم وحده فهو بال مسكن وبال عمل أو أهل .. لقد أنقذ حياتى وأنا مدين له بعمرى كله. نزلت تلك الكلمات كالصاعقة على مسامع رامة ..كيف لها أن تحتمل أن تعيش معه فى بيت واحد ولو لساعة واحدة ! ذكرى الماضى الموجعة تصب نارا على الجرح الغائر ..القلب يقطر دما ..والكتمان داء .. والكتمان دواء .
قدر لك األلم يا رامة فتحملى,, تحملت رامة صدمتها وأجابت مراد ببسمة حزينة مصطنعة ..كما ترى يا مراد. إلتفت مراد إلى هذا الغريب قائال ..وأنت أيها الشجاع ..بأى إسم تحب أن نناديك _تخير لى ما شئت فأنا وليدكم اليوم تخيروا لى إسما يقربنى إلى قلوبكم البيضاء. _تخيرى انت ِ يا رامة إسما له. " _بالل" أجابت بدون تفكير ..وكيف تفكر له فى إسم وهى الوحيدة التى تعرف إسمه. إبتسم مراد قائال :إذا يا بالل ...سأبحث لك عن وظيفة فى الشركة التى أعمل بها وسأساعدك حتى تجد مسكنا مالئما لك ..وحتى ذلك الحين سوف تبقى برفقتى دائما ... أحالم كبيرة تتحقق فى غير أوانها ..هنا فى بيت صغير و تحت سقف واحد تعيش رامة مع بالل تراه فى اليوم الف مرة ..يحادثها وتحادثه ..ذاك الحلم الذى تمنته منذ سنوات ..واعتصر قلبها كثيرا ألجله .كم رسما معا أماال حول البيت الذى سيتوج حبهما ..كم حلما معا بمنزل هادئ صغير يسكناه وال يفترقا أبدا ..حتى فى كل لحظات الفراق التى عاشتها من قبل ..كانت تحلم وحدها بأنه سيعود ..وعندما يعود يرسما معا أماال جديدة بوعود جديدة ..
غريب حقا أمر األحالم ..نتمناها كثيرا ,,وننفق ألجلها عمرا ال يعوض ..وال ندرك عواقب تحقيقها ! ..األن حلم رامة قد تحول إلى كابوس حتى صارت ال تطيقه .فى كل لحظة تنظر فيها إلى بالل تتذكر كل مواجعها ,,اليوم بالل مريض.. ومنذ سنوات كان يدعى المرض ! لقد كانت رامة حقا طفلة شديدة السذاجة لتلك الدرجة التى جعلتها تتمسك به أكثر عندما أقنعها أن لديه مسألة صحية ستمنعه من اإلنجاب ..وقالت له بكل بساطة ,,أنت األن حبيبى ,,وعندما تصبح زوجى ..ستكون ابنى أيضا ,,سأكتفى بك .. فى كل مرة حاول فيها أن يبعدها عنه كانت تتمسك به أكثر ..وفى كل مرة كانت تقبل بالفراق على مضد ..كان يعود ليهب قلبها الحياة من جديد .. لم تستطع رامة أن تخفى بغضها لبالل حتى الحظ مراد األمر وسألها _ ماذا بك يا رامة ..لم أركى من قبل تعاملى أحد على مضد هكذا _ لم يشاركنا أحد بيتنا من قبل يا مراد _ ماذا تعنين ؟ _ أعنى أنى ينقصنى شئ من الراحة فى بيتى ,,لم أعتد من قبل على وجود رجل غريب بيننا .. فأنا مقيدة بحجابى طوال الوقت ,,ال أستطيع تنظيف البيت بشكل جيد ..ال أختلى بك فترة كافية ..كل األمور سيئة .. _ " بإبتسامة متعجبة " تختلى بى فترة كافية ؟!
..حين تريدينى ستجدينى يا رامة ـ إذا أنت ِ أردتينى ـ ..ولكن رجاء هذا الرجل أنا مدين له بحياتى ..لواله لكنتى أرملتى األن ..إن هذا الشاب المسكين فضله علينا كبير وهو على خلق وال أظن أنه يتعمد أبدا مضايقتك ..رجاء يا رامة تحملى إستضافته من أجلى حتى أجد له عمال ومسكنا.. ثم أطرق لحظة وقال ,, _ رامة ..هل تخفى عنى شيئا ؟ "إرتبكت قليال" وقالت _ شيئ مثل ماذا يا مراد ؟ _ ال أعرف ..عيناكى تخفيان شيئا عنى .. _ مراد ..أناااا قاطعهم صوت الهاتف ..فاعتذر منها ,,ونهض مسرعا ..ثم إستدار وهو يشير لها إشارة "من أجلى " .. كررت مرة أخرى إبتسامتها الحزينة المصطنعة قائلة ال عليك يا مراد ولكن جد له عمال ومسكنا بأقصى سرعة ..بأقصى سرعة ..لم اعد أحتمل . إن مراد محق فيم قال ..هذا ما دار برأس رامة حين إختلت بنفسها لتفكر فى كالم مراد .. فكرت مليا ثم قالت لنفسها :ماذا أصابك يا رامة ؟ مازلتى تعاقبيه على كل جراح ماضيكى كيف بقى بعض من البغض فى قلبك الطاهر ..إغفرى يا رامة ..فهذا المسكين قد سدد لأليام دينك كامال ..لم يبق مثقال ذرة من دمعاتك لم ينزف
مثلها دما ..إغفرى يا رامة إغفرى ما مضى .. إجعلى صفحته تذوب من ذاكرتك مثلما ذابت كل ذاكرته.. أجل سوف أنزع من ذاكرتى كل الماضى ..بالل الذى أعرفه مات منذ زمن بعيد ..وهذا الغريب القابع فى بيتنا هو صديق زوجى والرجل الذى أنقذ حياته فال يستحق منى إذا سوى كل إمتنان ..على أن أتحمل وجوده كضيف عدة أيام حتى يجد له مراد عمال ومسكنا ليبدأ حياته األخرى بعيدا عنى . قلب رامة كما إعتادت سامح وغفر ..عشر سنوات لم تكن وحدها كفيلة بأن تمحى كل بقايا الحزن ..مراد وحده كان كفيال بكل هذا ..لواله ما سامحت ..لواله ما غفرت ..ومن يعلم ربما لواله لكانت ضعفت ورق قلبها لبالل مرة أخرى!. حذركى ال تجعلى أحدا ويل لك ِيا رامة !! خذى ِ يعبث بقلبك من جديد !! ...ماذا عسانى أن أقول ..مرت األيام ..يوم يصحب يوم ويجر فى ذيله عشرة أيام ..أيام ..ايام تمضى لم يعد يدرك عددها أحد ..وذلك الغريب يجد أفضل معاملة من أهل البيت ..مراد وقد إتخذه صديقا له ..ورامة لم تعد تضجر من وجوده فقد وجدته حقا شابا خلوقا ال تشعر بوجوده إال حين يهمس قائال "صباح الخير " ..يخرج صباحا يقضى لها طلبات البيت ..يعود فيستقل غرفة المكتب وال يخرج منها إال حين يعود مراد من عمله فى المساء بينما تستقل رامة مرسمها الصغير بالبيت ..
يلتقى ثالثتهما على طاولة الغذاء ..ويتبادلون الحديث حول الحياة ..حول الفنون ..حول األدب ..حول الرياضة ...حول السياسة ..حول طعام رامة الشهى ..وينتهى الحوار فى األغلب بنكات وأمزوحات ..حتى يخلدون إلى النوم جميعا .. صار بالل جزء روتينى من حياتهم ..كان هذا البيت يحتاج حقا لمثل هذا التغير ..فمنزل أنشئ منذ سنوات ولم يسمع فيه حتى األن صوت بكاء طفل ..لم يمتأل مسبقا بضجيج األطفال وشيطانيتهم كان يحتاج فعال لصوت جديد يدب فيه ..ألحداث مختلفة ...فأى بيت مهما إمتأل بالدفء بين الزوجين تصيبه السنوات بالرتابة والملل ..فيحتاج الزوجان الى شئ جديد فى الحياة ..وان كان ال شئ يغنى عن وجود طفل فى البيت إال أن صديقا مخلصا يمكنه كسر شئ من ذلك الملل .فبقى خل األسرة الخدوم الوفى .. إن رامة لم تسامح بالل وحسب ,,بل قررت أن تبذل قصارى جهدها لتساعده ,,ذهبت خلسة لطبيب أخصائى فى األمراض النفسية والعصبية ..قصت له كل ما حدث منذ عشر سنوات وسألته إذا كان بإمكانها أن تساعد بالل بأى شئ ..أجابها الطبيب بأنه لم يزل هناك أمل .. ولو بنسبة بسيطة ,,األمل يكمن فى وجود رامة أمامه لفترات كبيرة ..الحديث معها وسماع صوتها ..اإلطالع على لوحاتها القديمة إن أمكن ..كلها أمور ربما يمكنها أن تطرق ذاكرته بشئ ما ,,ربما يمكن أن يتعافى بالل "بوجودها" كما
كان "فقدانها" سبب مرضه ..حينها تذكرت أيام حبهما األولى حين كان يقول لها " أنت روحى يا رامة ,,إذا يوم نسيتك سأكون قد نسيت نفسى قبلها " ! خرجت رامة من عند الطبيب وهى فى حيرة من أمرها ..ماذا سيحدث إذا إستعاد بالل ذاكرته ؟ .. ماذا سيكون موقف مراد ,,هل عليها أن تساعده أم أن تحفظ كيان بيتها ..لقد حاولت من قبل أن تصارح مراد ولكن الفرصة لم تسنح .. لم يزل مراد يبحث له عن فرصة عمل جيدة ليرد له بعض دينه ..وبالفعل بعد إلحاح شديد من مراد وافق مديرة ان يقابل بالل.. ...هناك فى منزل مراد الذى يسوده صمت الصباح الباكر رامة نائمة فى غرفتها ,,أتاها لحن هادئ من هاتفها الخلوى ..استيقظت منهكة وأجابت الهاتف _مرحبا _اسف إلزعاجك يا رامة.. _ال عليك يا مراد ..خيرا _لقد وافق مديرى أخيرا أن يقابل بالل ... _رائع ..رائع جدا _أيناه بالل إذا ..يجب أن يأتى فورا ..فالمدير يستعد للسفر . _البد وأنه فى غرفة المكتب ..سأعطيه الهاتف فورا... نهضت فى الحال إلى غرفة المكتب ..لم تلتفت إلى أنها نست إرتداء حجابها ..فتحت باب
الغرفة مسرعة دون حتى أن تطرقه ..بالل .. بالل ..أستاذ بالل ..إليك الهاتف ..حدث مراد. فى لمح البصر أنهى بالل حديثه مع مراد .. وإنطلق سريعا الى الشركة. إنتبهت حينها أنها نست إرتداء حجابها ..ومع ذلك لم ينظر لها بالل بل بالعكس أدار وجهه وحدث مراد هاتفيا وغادر سريعا بمجرد أن أنهى المكالمة ..حدثت نفسها مؤكدة على كالم مراد بـأنه شاب خلوق وال يقصد إزعاجها أبدا .. بعد أن غادر بالل وجدتها رامة فرصة جيدة لترتب غرفة المكتب التى شغلها هو منذ فترة بعيدة .. رتبت أشياء مراد بهدوء ..نفضت التراب عن بعض الكتب القديمة ..وتعجبت أن وجدت كل كتب الكاتب مصطفى محمود منقولة من مكانها ..هل مازلت تعشق مصطفى محمود حتى بعد أن فقدت الذاكرة يا بالل ؟ !إنها لم تزل تذكر جيدا كم مرة إشترى أمامها كتابا أو رواية أو نصا مسرحيا لذلك الكاتب العبقرى ..كان يقول لها " عمق كتاباته ال يمكن قرائته بالعين وحسب ..وإنما يجب أن يدركه العقل وتشعر به الروح " ..واصلت ترتيبها ..ثمت اوراق كثيرة مبعثرة على المكتب .. يبدوا أنه كان يكتب شيئا وتركه لهاتف مراد .. على سبيل الذوق أرادت ان ترتب له أوراقه ثم بسخرية قالت ..ما كل هذا يا بالل ..هل صرت أديبا فجأة دون أن أعلم ؟ ..ثم أطرقت قليال وقالت لنفسها ..أديبا ! ..أجل ..كان بالل يكتب شعرا ..وكم أخفاه عنى ..وكم طلبت منه أن أقرأه ولكنه كان يصر على إخفاءه قائال بأن الشعر
دائما محمال بهموم وأسرار لم يئن األوان لها أن تُبدى ! عجيب ..أال تُفقد الهوايات مع فقدان الذاكرة ؟!! دفعها الفضول لتقرأ شيئا مما كتب فى أوراقه .. فتحت ورقة كتب فيها "قلبى يحدثنى أنها لم تزل تحيا ..هم يقولون أنها ماتت ولكن قلبى لم يزل يستشعر وجودها فى مكان ما ..قلبى ينبض بها ..جدها لى يا قلبى جدها لى وال تصدق أكاذيبهم ...آآآآآآآه ... تائه القدمين ال أجد السبيل إليها ..أيناك يا حبيبتى أيناك ِ؟" إغرورقت عين رامة بالدمع واشفقت عليه ..هل مازال يبحث عن حبيبة ال يعرفها ؟؟ أكذوبة موتى أفقدته الذاكرة ولم تفقده األمل فى أن أعود ؟ ..لو لم أفتعل أكذوبة موتى لكان اليوم معافى !! .. عقابك كان قاسيا يا رامة ..قاسيا جداا ثم إستوقفتها بعض أبيات الشعر ُمضا ٌ ع فى الهوى عمرى وليت العمر يكفيها فلو زودت بحياة من بعد حياتى الفنيها ُ واكمل فى الردى عشقى أموت واألشواق أحيها ُ وابعث لها مع الليل ِ طيفا فى احال ِمها يناديها ويوقظها ويخبرها
إن كان أمرى يعنيها انا الميت فى هواها انا التائه فى واديها فهال اخبرتمونى يا من تقولون ماتت أى حياة امضيها وانا الميت فى هواها انا التائه فى واديها وهى لم تزل تحيا وربى قد أرانيها ُ كذب عليكم مدفنها ي قبوركم ال تحويها وهى لم تزل تحيا أبى الشعر ان يرثيها وبت كالشعر مشتاقا على أمل ان االقيها فيا رب طال ذا الموت بى فأحينى عندك حياة ارتضيها اااه قد مللت انين قلبى شراينى جف ساقيهـــا بحثت كثيرا ولم أجد فى الورى وجها يضاهيها هى الضياء إن أشرقت وما خلق هللا نجما يحاكيها هى الربيع إن تنفست شذا الزهور يغار مــن محبيها اال ليت تلك العين تهدأ ساعة ترى النوم علها فى الحلم تالقيها اال ليت هذا القلب يرقد
ساكنا عند قبرها ليرثيها ويصدق من قالوا ماتت ُ ويرقب يوم بعثٍ ُيــحيها إنها المرة األولى التى تقرأ فيها شيئا من أحرف بالل ,,كان األمر مؤلما للغاية ,,لم تزل كلماته تثير شجونها وتمس قلبها مثلما كان حديثه يمس قلبها من قبل ..سالت بعض الدمعات على وجنتيها من دون شعور منها ,,ثم تداركتها فمستحتها سريعا وهى تجاهد قلبها كى ال يرق وال يضعف أبدا ,, إستمرت فى ترتيب األوراق ومن بينها وجدت ورقة كتب فيها. ..... ..... "أنا بالل عز خطاب ,,, أعرف جيدا من أنا .. أعرف جيدا أين أنا .. لكنى ال أعرف ما جاء بى إلى هنا ..ال أعرف ماذا أنتوى أن افعل ..ال أعرف حتى ماذا تخبئ لى األيام بعد ...كل ما أعرفه أن حلما بعيد المطال صار نصب عينى ..حبيبتى التى تمنيتها منذ ألف عام أو يزيد أعيش األن معها فى بيت واحد وتحت سقف واحد ..أراها كل يوم ..أحدثها وتحادثنى وأستقى الحياة من نغم صوتها ..أكل من صنيع يديها أشبع روحى بعبيرها األن هدأ قلبى ..األن
رامة معى ..صحيح أنى أحترق شوقا ألضمها إلى صدرى ..أشتاق ألحادث رامة التى أعرفها كبالل الذى تعرفه ..واعلم أن هذا لن يحدث ..فأنا بالنسبة لرامة رجل غريب ال تعرفه ..رجل أنقذ حياة زوجها ..شكرا لك يا مراد ..شكرا لتلك الصدفة التى رمتك شبه ميت أمامى ..شكرا لتلك الصدفة التى أوقعت بحافظة جيبك فى يدى ..رأيت فيها صورة زفافكما ..ال يمكن أبدا ان يكون مجرد تشابه ..فلم يخلق هللا أبدا من تشبه رامة ..من يعرف رامة جيدا ال يمكنه أن يخطئ مالمحها ..جمالها الذى ال يقارن به أى جمال فى الكون ..عيناها السوداوان البريئتان اللتان يغار منهما القمر فيختفى ..الليل حالك السواد المنسدل على كتفيها ليقبلهما بعمق ثم يكمل رحلته ليستقر اسفل ظهرها ..شفتاها ..كأس الخمر الذى لم يرونى قط ..وجهها البرئ وجسدها الممشوق كطيب الثمار ..بسمتها الشجية التى ال تشرق الشمس إال بها ..عشر سنوات وأنا ال أرى شروق شمس ..واألن أراه آآه أكاد أشتم عطر أنفاسها وأسمع نغم صوتها الدافئ .ما ان رايت وجه رامة إال و إقشعر بدنى وخفق قلبى ..أطلقت في الحياة من جديد ..إن رامة لم تزل تحيا ..يقين قلبى لم يكن هباء ..لم أجد أكذوبة أفضل من فقدان الذاكرة ..فرامة لم تكن لتصفح عنى أبدا ولو نزفت كل دمائى أمامها ..شكرا لقلبك الطيب يا رامة الذى صدق كعادته أعدك حبيبتى أن أكذوبتى هذه أكاذيبى ..لكنى ِ المرة لن تترك لك ألما ..فبعد ايام طالت أو قصرت
سيجد لى مراد عمال ومسكنا ..سأرحل عنكم يوما ما ..وتعود حياتك إلى طبيعتها ..سأبقى فقط ظال خفيفا يزوركم من أن ألخر أراكى خلسة وأروى من عينيكى عطش قلبى وأطفئ شيئا من لهيب شوقى ..وأنا حقا سعيد أن أراكى هانئة مع مراد يكفينى من الدنيا أن استشعر حبك له .. فهو يستحق فعال كل هذا الحب وأكثر ..إنه وإن لم يحبك بقدر ما أحببتك أنا إال أنه قد أعطاكى ما لم أستطع أبدا أن أعطيكى إياه ..أعطاكى األمان يا رامة ..األمان ..وهذا ما ال أملكه".. كتلة من اللهب أقذفت فى قلب رامة ..وعادت األيام لتدور جرح الماضى المدفون صار اليوم متأججا ً ..هل خلقت يا بالل فقط لتؤلمها ؟! ألم يكن بوسعك أن تتركها وشأنها ..ألم يكن بوسعك أن تمضى ما بقى من عمرك بعيدا عنها كى ال يعتريها منك أى ألم ؟! ... أغلقت رامة تلك الوريقات القاتلة وإستدارت نحو باب الغرفة فوجدت بالل أمامها! فلم تستطع الصمود للحظة واحدة ..للمرة الثانية تسقط مغشى عليها بين ذراعيه ..ما هذا القدر يا رامة الذى يرميكى دائما وأبدا بين ذراعى بالل !! إن لك فما الذى يبقيه فى حياتك!.. كان لم يكتب ِ حملها بالل مسرعا إلى المشفى ..هل ُكتب لتلك األسرة أن يكون إنقاذ حياتها على يديك يا بالل ؟؟!! بي ٍد تعطى الحياة وباليد األخرى تسلبها ؟! ...
حملها بالل بين ذراعيه ودون أن يدرى سال فيض من مدامعه حتى تبلل وجهها ,,لم يكن يعلم أكان الدمع لحزنه من أجل رامة ,,أم لذكرى أمه التى حملها بنفس الطريقة منذ عشر سنوات ..ولم يسعفه الوقت عندما وصل إلى المشفى كانت قد فارقت الحياة ..حينها لم يكن له ملجأ سوى رامة ,,كانت إحدى المرات التى عاد إليها فيها دون عذر للفراق المسبق ..ودون سبب للرجوع ! كان يكفيها حزنه على أمه وحاجته ألن تقف بجواره ,, حالة رامة خطيرة ..هبوط حاد فى الدورة الدموية ..تحتاج بشدة إلى نقل دم .. ..أجل أجل كما دار بذهنكم للتو ..لم يسمح القدر أن يختلط دم أحد سوى بالل بدمها ..أصبح دم بالل يجرى فى دمائها كما يجرى عشقها فى دماه ..قلب رامة األن ينبض بدم بالل كما تستقر هى فى قلبه لالبد. وصل مراد إلى المشفى بعد أن عادت رامة إلى وعيها ..وعيها الذى تمنت لو لم تعد إليه مطلقا .. فماذا ستفعل نحو ما قرأته من مذكرات بالل ؟ وهل ستترك مراد مخدوعا هكذا ؟ الف الف سؤال دون أجوبة.. ..إنها لم تزل تحمل لبالل جميل أنه أنقذ حياة زوجها من قبل ..واليوم أنقذ حياتها... بعد أيام قضتها فى المشفى ..بين األسرة البيضاء التى تتيح للمرء مساحة كبيرة جدا من التفكير ..قررت رامة أن تتجاهل األمر برمته .. وماذا فى األمر ؟ بالل يكذب ..هذا شأنه وتلك
عادته ..األن مراد قد وجد له عمال ..وبعد أيام طالت أو قصرت سيجد له مسكنا وعن قريب لن يبقى مقيم معهم وتدريجيا تنقطع العالقة ..ال داع إذا للقلق. ال أحد منا يعرف جيدا ما يختبئ فى أعماق قلبه ..ترى هل بقى فى قلبك يا رامة شئ من عشق بالل ؟ ترى هل منعت نفسها عنه ألنها لم تعد تحمل له الحب قط ؟ أم أنه مجرد وفاء من زوجة مخلصة لزوج حنون ؟ مرت األيام وحياة ثالثتهما كما هى ال جديد فيها .. جاهدت رامة نفسها كى ال يشعر مراد باألمر ,, لم ترد أن تُجرح مشاعره إذا عرف أن ثقته فى بالل لم تكن فى محلها ..لم ترد أن ينكسر قلبه إذا عرف أنها أخفت أمر بالل عنه من بادئ األمر ,, تحاملت على نفسها كثيرا المسكينة ولكن لم تستطع عيناها البريئتان أن تخفى عن بالل شيئا من حزنها وبغضها حتى بدأ يشك فى األمر كما الحظ مراد األمر ثانية لكنه تجاهله أمال أن يجد لبالل مسكنا عما قريب وينتهى األمر كله وتعود الحياة إلى طبيعتها .. مضت األيام والحزن فى قلب رامة يولد من جديد ..عفوا الحزن لم يمت كى يولد من جديد أو ليبعث من مرقده ..إنما كان مستقرا ..منقوشا بل محفورا فى جدار قلبها ..مغلفا بألوان زاهية خادعة ذابت جميعها وظهر الحزن جليا ..ظهر فى قلبها ..فى عينيها ..فى بسمتها الشاحبة ..
فى صوتها الشجى فى رجفة يديها وفى كل خلجاتها.. ضاقت ذرعا بتلك الحياة لم تعد تحتمل أن تنظر فى وجه بالل ,,أن تترك عالقته بمراد تتوطد يوم تلو األخر ..فقررت أن تواجه بالل بكل شئ وتطلب منه بكل أدب أن يرحل عنها وأن ينسحب فى هدوء ويدع الحياة تستمر كما كانت من قبل . مواعيد العمل المختلفة لمراد وبالل أتاحت لها الفرصة أن تنفرد ببالل ساعة واحدة ..ذهبت إليه حيث يجلس كالعادة فى غرفة المكتب عند غياب مراد عن البيت.. طرقت الباب بكل أدب ثم دخلت.. _هل يمكننى التحدث معك قليال يا بالل ؟ _طبعا سيدتى ..تفضلى ..بكل سرور. _كيف حالك يا بالل ؟ "أجابها بدهشة شديدة ,,فهو لم يعتد أن تناديه سوى أستاذ بالل "! .. _ بخير _وكيف كان حالك خالل العشر سنوات الماضية ؟ إزدادت دهشة بالل وقبل أن يلفظ بكلمة ..أكملت هى.. _كيف كان الحال بدونى ؟ كنت تحيا ..أليس كذلك ؟؟ كنت بصحة جيدة ايضا ..أليس كذلك ؟؟ أنا ايضا كنت أحيا وكنت بصحة جيدة وفى أفضل حال وكنت فى غاية السعادة مع زوجى ..لماذا إذا نعكر صفو تلك الحياة ..إفهم جيدا يا بالل أنه ال داعى أبدا لوجودك هنا ..عد إلى حيث كنت ال مكان لك مطلقا فى هذا البيت.
شف فبدأ يستجدى عطف أدرك بالل ان أمره قد ُك ِ رامة.. _رامة أرجوكى ..إنى لم أزل أحبك ..صدقينى حياتى بدونك لم تكن كاملة أبدا ..انا ال أريد أن اعكر صفو حياتك أبدا ..أنا ال يمكن أن أنكر جميل مراد فقد مد لى يد العون واستضافنى فى بيته ,, لك أو أقسم أنى لم أكن أنتوى على أى أذى ِ لك هو الشئ لمراد ...صدقينى يا رامة ..حبى ِ الوحيد الذى يسيطر على أعلم أنه ال يحق لى ,, ولكن من منا يستطيع السيطرة على قلبه .. صدقينى يا رامة... "للمرة األولى ال يكذب عليها ...وللمرة األولى ال تصدقه" _أصدقك !! كيف ولماذا ..لم أعد يا بالل تلك الطفلة الساذجة التى إعتدت الكذب عليها وإعتادت تصديقك ..كبرت كثيرا ولم يعد بوسعك خداعى مجددا ,,على أى حال ال يهمنى هذه المرة إن كنت صادقا أم كاذبا كعهدك دوما ..هذا شانك أنت ..أما شأنى أنا هو بيتى وزوجى وحياتى التى ال ينبغى أن تعكرها أكثر من ذلك .. إذهب حيث ال أراك أبدا وحيث ال يجدك مراد مهما بحث ..إذهب وال تدع أى صدفة تجمعنا مجددا.. وبعد أن أسهب كثيرا في الحديث عن أعذاره وبعد أن حاول جاهدا أن يستجدى عفو قلبها نظرت إليه للمرة األولى بعد ألف عام ..وأخبرته بأن شيئا أسمه عشق قد مات في قلبها ..وما بقى منه لم يعد صالحا حتى ألكلي النِثار!...
بالل لم يكن يرجو من رامة أن يعود لقلبها ,,لم يكن يتمنى حتى نظرة عشق وال كلمة طيبة .. كل ما كان يتطلع إليه ..أن تسامحه فقط ! كان طامعا فقط فى أال يحمل وزر جرحها وأال يبقى فى قلبها مثقال ذرة من كراهية أو حب له ! ولكن ُ خيبت كل أماله . مضى بالل منهزما محنى الجبين حتى فاجأه صوت مراد.. _أين ستذهب يا بالل ؟ _مراد ...أنا.. _أنت ماذا يا بالل ؟ هزمت كعادتك ؟ إستسلمت سريعا ؟ _ماذا ؟ ماذا تعنى ؟ _ال تعرف ماذا أعنى ..سأوضح لك األمر ..عد إلى أعماق ذاكرتك التى لم تفقدها قط ..قبل عشر سنوات ..أتذكر إبن خالة حبيبتك وصديقها المقرب ..ذلك الشخص الذى كرهته دون ان تراه ألنك تغار على حبيبتك منه ..أكان اسمه مراد ؟؟ أجل يا عزيزى انه ليس تشابه فى األسماء ..انه هو ذات الشخص الذى يقف أمامك األن ..وهو بعينه أيضا نفس الشخص الذى وقف باكيا منذ عشر سنوات أمام غرفتها فى المشفى ليخبرك ان روحها قد صعدت إلى السماء ..لك كل الحق فى أال تذكر مالمحى فقد غشى الدمع عينك حينها ..لكنى لم أشعر وقتها بأى شفقة تجاهك ..لم اشعر بأى شئ سوى األسى لما تعانيه
رامة ..ال أحد سواى وال حتى أنت يعرف كم عشقتك رامة وكم عانت من أجل هذا العشق. الحب مثل الخاليا السرطانية إن لم تنزعها كاملة فخلية واحدة قادرة أن تهاجم القلب من جديد .. أن تفتك به لو أرادت .. علمت منذ ذلك الحين أن سرطان حبك لن يغادر قلب رامة إذ تمكن من قلبها وجرى فى عروقها مجرى الدم ..ذلك الحب اللعين الذى جعلها ال تقبل الزواج من أى رجل بعدك ..األمر الذى اثار غضب خالتى وزوجها إستشاط األهل أجمعون وتناوبت األلسنة حولها ..كيف لفتاة فى السابعة والعشرين من عمرها ان تضيع كل فرص الزواج ؟ وحدى أنا فقط كنت أقدر مدى عنائها وشقائها .. فرامة لم تكن لتقبل أن تعطى أى رجل جسدا بال قلب ..فقلبها ال يمكنه الوفاء سوى لحبيب واحد فقط. أيقنت حينها ماذا يتوجب على أن افعل .ال أحد سواى يمكنه أن يحفظ لها سمعتها ويصون كرامتها .. _رامة يا صغيرتى وصديقتى ..أتقبلين بى زوجا ؟ نظرت إلى حينها كطفل ذابت فى يده قطعة" األيس كريم" ..عينان دامعتان وشفاه باسمة .. أومأت رأسها بخجل ثم قالت ..مراد ..هذا لطف منك ولكنى ..لكنك ..انت تعرف يا مراد .. ال أملك قلبا ً ألمنحه لك .. _ال اريد قلبك يا رامة ال أريد قلبك بل أنى ال أريد
جسدك بالطبع ..كل ما أريده هو أن أحفظ لك ِ سمعتك وسمعة عائلتنا ..أن اصون كرامتك لك أخا وأدعك ترفعين رأسك عاليا لطالما كنت ِ ِ أكبر وصديقا مخلصا ..سأظل هكذا ..دائما وأبدا ..سنعيش سويا فى بيت واحد كزوجين أمام الناس فقط ..أرجوكى يا رامة ...إمنحى ألخيكى األكبر ذلك الوسام الرفيع ..وأعدك ..أعدك ِ يا لك رامة حالما أجد بالل هذا سأبرحه ضربا ألنتقم ِ منه ثم أداويه سريعا ليعود لك ِ حبيب وزوج.. إزدادت بسمتها وإزدادت دمعاتها معا ..ثم اردفت ..بالل ..ايناه بالل األن ..هل كنت مخطئة يا مراد أن بعدت عنه كل هذا البعد ؟ ظننت أنى سأحيا بدونه هانئة هادئة ال يعترينى أى ألم .. ظننت ان بوسعى نزع حبه من قلبى ..أكنت مخطئة ؟ ت مخطئة وأنا أيضا كنت مخطأ _أجل يا رامة كن ِ ..كان يجب على أن ..أن ..أه ..أجل كان على ان أحادث خالتى وزوجها سريعا ..هيا اذهبى يا فتاة سنحدد يوم عرسنا المزيف عما قريب.. _مراد ..أنا .. _لن ترفضى طلب أخيكى يا رامة ..لن ترفضيه .... وتم الزواج وبقيت لها أخا وفيا وصديقا مخلص طوال السنوات الثالثة المنصرمة ..واألن حان الوقت ألنفذ وعدى لها ..ألعيد إليها حبيبها.. نزل حديث مراد منزل الصاعقة على بالل ..
عقدت الدهشة لسانه وكأن جبال من الجليد قد سقط فجأة فوق رأسه الذى كاد ينصهر من الغليان .. _من ماذا خلقت يا مراد ..من طين مثل البشر أم من نور كالمالئكة ؟؟ أم أنك أسمى من هذا ومن ذاك ؟؟ وكيف عرفت أنى لم أفقد الذاكرة ؟ ولماذا إلتزمت الصمت كل هذه الفترة ؟ _بكل بساطة ألنه ليس بمقدور فاقد الذاكرة أن يوقع إسمه كامال فى سجالت المشفى حين يسلم مريضا نيابة عن أهله ..رأيت توقيعك حين ذهبت ألكمل حساب المشفى ... _غبى أنا حقا غبى _ال يا بالل لست غبيا بل أنك محب ..والحب يغشى العين ويغيب العقل. _ولماذا لم تكشف أمر كذبى من وقتها ؟ لماذا تركتنى أجول فى بيتك كل هذه الفترة ؟ _من ناحية أردت أن أعيدك إلى حياة رامة تدريجيا وأن أمنحك الفرصة لتثبت لها حبك من جديد .ومن ناحية أخرى أردت أن أتعامل معك عن قرب ألتكد أنك ستكون مناسبا لرامة ..ألرى إن كنت أهال لثقتى أم ال .بقى لى شئ واحد فقط لم أعرفه بعد ..هل تزوجت يا بالل ؟ هل دخلت حياتك إمرأة أخرى ؟ _أنا !! أتزوج ! إن قلبا تسكنه رامة ال يمكن ألخرى أن تمس مفاتيحه ..إن جسدا تعطش لحبها ال يرويه عسال من نساء الكون لو إجتمعن . لم أتزوج ولم أنتوى أبدا ..وتمنيت لو كانت لى
حياة أخرى ألعيشها لرامة فقط ..صدقنى يا مراد ..إنها الحقيقة ..أنا لم أعد أكذب ..طيش الشباب وغروره قد مضى ..إن رجال فى الخامسة والثالثين من عمره تعذب كثيرا لفقد حبيبته التى ظن أنه تسبب فى موتها ..لم يعد بمقدوره إفتعال الحيل وصنع األالعيب ..لم يعد يرد حتى أن يفعلها ..صدقنى يا مراد لم أكن اخطط ألى شئ حين دخلت بيتك لم أكن أريد أن افسد عليك حياتك. _أنت لم تفسد حياتى يا بالل ..أنت أصلحتها .. واألن هلم بنا لنحدث رامة ..أين هى األن ؟ _ ال أعرف ,,ربما فى غرفتها _ ال فى األغلب إتجهت إلى مرسمها ..اعتادت رامة أن تفرغ كل مواجعها وهمومها هناك . _ ال أعرف كيف أشكرك يا مراد _ اشكرنى يوم زفافكما يا بالل ,,ليس األن ,, _ تعتقد أنها ستلين ؟ _ أنا وعدتها أن أعيدك إليها ,,,واألن اعدك أن أجعلها تلين . إبتسم بالل إبتسامة خجل ,,وقبل أن يتفوه بكلمة ,,قاطهم قرع جرس الباب .. فتح مراد الباب ... نظر بالل بدهشة كبيرة,, ت إلى هنا ؟ _لمياء !! ,,كيف جئ ِ _أيمكننى الدخول يا أستاذ مراد ؟ _تفضلى ,,على الرحب والسعة _دعنى أعرفك بنفسى أوال أنا لمياء فخر خطاب ,,,إبنة عم بالل ,,
ثم نظرت إلى بالل وقالت ..ألن تعود إلى بيتك يا بالل ..طالت غيبتك والكل فى إنتظارك.. _سأعود يا لمياء ..إنتظرينى هنا لدقائق .. سأعود معك ِ قاطع مراد حديثهما قائال ,,هيا يا بالل ..يجب أن نقابل رامة نظرت لمياء فى شغف شديد ,,رامة ؟؟ رامة هنا ؟؟ هل يمكن أن أقابلها... لم يلتفت بالل أو مراد لحديث لمياء ,,وإنطلقا مسرعين إلى رامة .. وبعد أن حكى مراد لها كل ما دار بينه وبين بالل وهى مصدومة ..تصغى إليه ولم تتفوه بكلمة واحدة ..عيناها السوداوان يفيض منهما الدمع .. وجهها شاحب حزين ..قلبها يخفق كما كان يخفق منذ عشر سنوات ..وصوتها ..صوتها يحتبس الصراخ ويكتم األنين. أمسك مراد بيديها كأب يدلل طفلته الغاضبة .. رامة يا صغيرتى ..أن األوان ألفى بوعدى وأعيدعنك منذ سنوات طويلة ..هلمى قلبك التائه إليك ِ ِ ِ يا صغيرتى آن األوان لتولدى من جديد. بعد صمت طويل مر الوقت فيه كألف عام ..نطقت بكلمات قالل كانت كالصاعقة على راس بالل "لكنى سأبقى معك يا مراد ..لن أتركك" نظر إليها مراد نظرة باسمة وعاد يربت على كفها كأب ٍ حنون قائال: ت معى يا رامة ال تكذبى على قلبك أنت ت لس ِ أن ِ
وروحك وعقلك ت معى لتتركينى ..إن قلبك ِ لس ِ متعلقون جميعا ببالل .. إن حبك هو بالل .. إن عقلك هو بالل .. إن شغفك ِ األول واألخير دائما وأبدا هو بالل .. لك أخا وصديقا ال أكثر ولن أصبح أكثر أنا كنت دوما ِ من هذا أبدا. حاولت جاهدة أن تخفى دمعها الذى غلبها قائلة: ال يمكننى التخلى عنك يا مراد كيف اتخلى عنك وقد ضحيت بالكثير من اجلى. نهض من مجلسه منفعال وهو يقول: تللك اللحظة التى يضحى فيها المحبون بأحبائهم يصبح الكل خاسرون فى آن واحد... بحبك ت ِ ت ضحي ِ هذا ليس عدال يا رامة ..إن أن ِ لبالل من أجلى فسوف تخسرين قلبك ِ ويخسر بالل حبه وأخسر أنا نفسى ..أنا ال أعرف جيدا لماذا يجب ان يتكبد المحبون كل هذا العناء لماذا يجب دائما أن يبقى هناك قلب منكسر ..ولكنى يا رامة أبيت هذا منذ سنواتنا األولى ..أدركت جيدا ان قلبك ال يضخ دم ..بل عشق .. إن ما يجرى فى شرايينك .. إن ما يظهر جليا فى عينيك ِ شفتيك إن ما يرسم على ِ إن ما يقبع فى انفاسك ..بالل ..كل هذا بالل وحسب.. ثم ذهب إلى خزانة لوحاتها القديمة ,,واحضر اللوحة التى تحمل وجه بالل ,,,وضعها أمام رامة وقال ,,إن كنتى قد نسيتى بالل ,,ما الذى يخرج
هذه اللوحة يوميا لتبللها دمعاتك ثم تعود لتستقر فى ذكريات الماضى األليم ,,إن كنت ِ تعيشين هانئة من دونه فما هذا الحزن المسيطر على كل لوحاتك يا رامة ؟؟ ..أجيبينى ,,إن كان لديك ت أنى ال أعرف من هو إجابة ..منذ شهور ظنن ِ ولكنك هذا الغريب الذى أدعوه ليقيم فى بيتى ِ ت أنى قد نسيت إسم أسميتيه بالل ! هل ظنن ِ ت بالقدر الذى يجعلك ال حبيبك ! ساذجة ان ِ تستطيعين خداعى ..ال تستطيعين إخفاء مالمح العشق ..مهما جاهدتى قلبك . إنهارت رامة وفاض الدمع من عينيها كبحر هائج ضربته عاصفة كبرى أطاحت بكل ما يحوى.. وحده بالل قادر أن يتصدى لتلك العاصفة ..كما يقولون "فقط إحتضن أوراق الجريدة " ..تقدم نحوها ..وفتح ذراعيه ..وللمرة األولى إحتضنها بمنتهى العمق ..إعتصرها ..إحتواها بكل ما تحمله الكلمة من معان ..إختلط سيل دمعه بسيل دمعها ال أعرف كيف ..إختلطت أنفاسه بأنفاسها ال أعرف كيف !! قبلت أنامله كل خصالت شعرها وهو يردد حبيبتى ..حبيبتى ..وقد بلغ نبض قلبه منتهاه وعلى صوت تنهيدته على صوت بكائها حتى هدأت بين ذراعية لوقت ٍ طويل ال يعرف مقداره أحد ,,فالعاشقون ال يدركون حساب الزمن. ثم إستفاقت وقد بدأ الدمع يطل من عينيها من جديد وهى تقول.. _إبتعد عنى يا بالل كفانى منك ..كفانى منك عشق وكفانى منك جرح...
ثم جرت نحو مراد ,,وإرتمت ـ للمرة األولى ـ بين ذراعيه ..باكية بأقصى ما فيها وهى تقول ...ال تتركنى يا مراد,, أصبح مراد فى ورطة ,, قلبا وعقال وجسدا .. للمرة األولى رامة بين ذراعيه ,,للمرة األولى يشعر بنبضات قلبه تتسارع إلى حد لم تصله من ذى قبل ..أغمض عينيه فتدحرجت منهما دمعة بللت رأسها المستندة على صدره ,,إستفاق بعد غفلة كاذبة لم تستمر لجزء من الثانية ,,حين شعر أنه بدأ ال إراديا يتحسس شيئا من جسدها ..دفعها عنه برفق وهو يقول: ال يا رامة ,,أخطأتِ السبيل هذه المرة يا صغيرتى ..لست انا من يمكنه مسح دمعاتك األن ..طيب جروحك لم يعد بيدى ..كل ما بيدى األن أن اسوق إليك طبيبك.. قالها وهو يتجه نحو بالل ويجذبه من يده ليقربه منها ,,ثم أماء على اذنه دون أن تلحظ هى قائال ,,حاول مرة أخرى ..سوف تلين.. نظر بالل إلى مراد وعقله يقول,, إنك تزداد مالئكية يا مراد ونحن نزداد إنسانية ,, لم أكن أعرف انك تحمل كل هذا الحب لرامة ,,لم أكن أتخيل أن هذه الدنيا قد خلق فيها رجل مثلك ,,أشبه بالمالئكة ,,يضحى بمليكة قلبه من أجل سعادتها ,,
فكر بالل حينها ان يتراجع وانا يترك رامة لتكمل حياتها مع مراد ..ولكنه أمعن التفكير وقال فى عقله ,,إن كانت عشر سنوات لم تستطع أن تنقى قلب رامة من حبى وتسكنه مراد هل يمكن أن يحدث هذا األن ؟! لو تركت رامة األن سأكون انا الجانى مرة أخرى ..ستعيش ما بقى من عمرها مع مراد ولكنها لن تعطيه شيئا من قلبها ,, سينكسر قلبها من جديد ويعتصر قلب مراد من أجلها ,,لم ينتظرانى طوال هذه السنوات حتى أتى ألرحل من جديد ! ,,حان الوقت يا رامة أن معك ,,لالبد يا رامة ,, أتخذ أول قرار بأن أبقى ِ لألبد يا حبيبتى مهما كلفنى األمر.. إتجه نحوها ..وإرتكز على ركبتيه أمام قدميها ,, قائال _يا رامة دعى أوراق الماضى تتساقط من دفاترنا ..دعينى أكفر عن كل ذنوبى ,,دعينى اعفر ك لن وجهى بالتراب أمام قدميك لتغفرى .أعلم أن ِ ِ تصدقينى مهما حلفت ولن تثقى فى مهما وعدت ,,لكنى اعلم أن ثقة مراد تكفيكى ,,إغفرى يا رامة إغفرى ,, _أغفر ماذا يا بالل ؟ ألم يكن لك حبيبة أخرى آنذاك أين راحت ؟؟ إذهب إليها إذا ..كفر ذنوبك نحوها ..عفر وجهك بالتراب أمام قدميها .. إستغفرها هى ..أما أنا فال ..ال ..ال "أجابها بضحكة ساخرة " _هى ..هى لم تصمد معى بضعة اشهر من رحلة عالجى التى إستمرت لثالث سنوات .. تزوجت وأنجبت طفلين أحدهما يقترب منى طوال.
قاطعهم مراد قائال: _هاك ورقة طالقك يا رامة ..لم يعد هناك حاجة لنكمل تمثيلية زواجنا تلك.. _أين ستذهب يا مراد ؟ لن تقف الحياة يا صغيرتى قريبا جدا ساتزوج .. وعندما تضع زوجتى فتاة ..لن اسميها رامة .. فرامة واحدة فى العمر تكفى. _ال بأس يا مراد ..أن األوان لتعيش حياتك التى ضيعتها من قبل من أجلى ,, ثم نظرت إلى بالل وقالت _لكن هذا ليس معناه أن اعود إليك يا بالل ,, لست طفلة تحتاج ألحد كى يرعاها ,,سأكمل حياتى بمفردى ,,كالكما إبتعدا عنى ,,ال حاجة لى ألى منكما,, أنهت كالمها ومضت مسرعة ,,تالحق دمعاتها التى تسيل دون توقف ..إتجهت إلى البيت والدمع يغشى عينها ,,فاصطدمت بلمياء,, مسحت دمعاتها سريعا ,, ت _معذرة ,,من أن ِ جاء مراد وبالل مسرعين ,,نظرا إلى لمياء ..وقال لها بالل ..معذرة يا لمياء ..إذهبى وأنا سآتى عما قريب .. أجابته ..ال يا بالل ..لن أذهب بدونك ..ولن أذهب دون أن أحادث رامة ,,هل هذه رامة ..رامة بعينها التى...
_إصمتى يا لمياء ..ال داعى أبدا لحديثك هذا .. _ال يا بالل ..لن أصمت األن ..وقد صمت كثيرا فيما مضى ,,آن األوان ألن أبوح بكل شئ صرخ فيها بالل ,,,لمياء ..ماذا ستفعلين ,,رجاء إذهبى _سأوضح بعض األمور الغائبة عن الجميع ,,وربما تكون غائبة عنك أيضا يا بالل.. _أستاذ مراد ,,هل أنت زوج رامة ؟ أماء مراد رأسه إماءة "أجل" فى تردد ودهشة كبيرة .. _ال بأس ..حديثى ربما ال يروق لك ..ولكنى يجب أن أتحدث.. قاطعت رامة كالمها بإنفعال ,,هال اخبرتينى من ت وماذا تريدين ؟ وكيف تعرفينى ؟ أجيبينى أن ِ على الفور سيدة رامة ,,بداية سأعرفكم بنفسى ,,أنا لمياء فخر خطاب ..إبنة عم بالل ,,هذا المسكين الذى يقف أمامكم ..ربما أنتم ال تعرفون عنه سوى كل سوء ..ولكنى سأكشف األن الجانب الخفى من حياته والذى ظل يخفيه عن كل البشر لسنوات طويلة.. _لمياء ,,إصمتى _لن اصمت يا بالل دعنى اكفر عن ذنبى إن ما جنيته أنا ليس بقليل ..وما عانيت انت جراء أنانيتى ليس بقليل أبدا,, منذ سنوات كان بالل فى العاشرة من عمره ,, حين توفى عمى عز ..والد بالل ..حينها صار بالل مسؤال عن أم وأربعة أخوات ,,لم يكن بوسعه
سوى أن يبقى فى ظل أبى الذى تبرع أن يرعاهم جميعا ,,فى الواقع لم يكن تبرع أبى كرما منه وإنما كان لزاما عليه ألن شركته الكبرى هى عمل مشترك مع أخيه المتوفى ..تربى بالل وأخواته معنا ,,كبرنا جميعا ,,وعندما صار بالل فى عقده الثانى ..كنت قد بلغت السادسة عشر ,,وتعلقت به ..ليس كأخ وإنما كحبيب .. حينها كنت بالنسبة ألبى فتاة مدللة ..إشاراتها أوامر ,,ما أن شعر أبى أنى أميل إلى بالل إال وفاتحه فى األمر ,,وأوضح له أن ال مفر من أن يتزوجنى ,,دون ذلك لن ينال أى شئ من حقه او حق أخواته وأمه فى الشركة ..قبل بالل األمر حينها على مضد ..كنت انا فى قمة سعادتى ,, على الرغم من أنى لم أشعر يوما أنه يحبنى ,, إال أنى كنت سعيدة لشعور اإلمتالك ..حتى ظهرت رامة فى حياته ,,إنشغل عنى بالل قليال وحاول أن يخرجنى من حياته ..دفعت برجال ابى ليراقبونه ..عرفت أنه يقابل فتاة ..فى الحقيقة لم أضجر كثيرا من األمر ,,فحينها كنت قد تعرفت على شاب فى الجامعة ..شعرت وقتها أن تعلقى ببالل هو مجرد تعود وحسب ..فتركته يفعل ما يحلو له ..وبعدت عنه لفترة.. لم يخطر ببالى أبدا أن كريم سوف يتخلى عنى ,, سافر إلى الخارج وارسل لى قائال أن سفره كان مفاجئ وانه سيعود بعد عامين أو ثالث ,,لم يكن أمامى آنذاك إال أن أعود إلى بالل ,,وحين صارحنى بأنه يحب فتاة أخرى ..ذهبت إلى أبى وبكيت كثيرا ,,فوعدنى أبى أن يزوجنى من بالل
رغم أنفه ,,لم أكن أعلم حينها يا بالل أن تهديد أبى ألمك سوف يوقف قلبها ويجعلها تغادر الحياة ,,هذا السر الذى لم تكن تعرفه أنت من قبل .. بدوت لك طوال هذه السنوات مالك يحبك لم تكن تعرف ما أخفيه من أنانية وخديعة ,,غير أنى كنت أجهل تهديد أبى لك بحياة رامة ..لم أتخيل أنى جعلت أبى يقسو عليك وعلى حبيبتك هكذا ليجبرك على الزواج منى وتركها. يبعدك عنه ومن ثم وجب على بالل يا رامة أن ِ بأية طريقة ممكنة حفاظا على حياتك ..حياتك ت فقدانها. تلك التى ادعي ِ حينها شعرت بالذنب الشديد تجاهك وتجاه بالل .. بقيت طوال السنوات الماضية أشعر بتأنيب الضمير حيالكما ..بقيت إلى جوار بالل لفترة ..حتى عاد كريم ,,وحاول أن يقابلنى ,,فى البداية رفضت ولكنى عندما أمعنت التفكير وجدت أن بالل ال يحتاج إمرأة مثلى ..فأنا حتى ال أسكن قلبه .. ذهبت مع كريم وتزوجنا منذ تسع سنوات ,,لدى طفالن أصغرهما اسمه بالل ..كم تمنيت أن أنجب فتاة ألسميها رامة ,,ولكن األن إذا حضر الماء بطل التيمم ..اسفة يا بالل أنى لم أزل اراقبك حتى األن ,,أوليس من حق الفتاة أن تطمأن على ..أخيها ؟ سيدة رامة ..أعرف انك إمرأة متزوجة ..وال يجدر بى أن أذكر هذا الحديث أمام زوجك مطلقا .. لكنى اردت أن أريح ضميرى وأبرئ ذمتى ,, أستاذ مراد ,,سأرحل أنا وبالل األن ..إعلم جيدا أن زوجتك هى أنقى وأطهر النساء ,,
_هى لم تعد زوجتى يا سيدتى ,,وعدتها من قبل أن اعيد إليها حبيبها ,,وها أنا ذا فعلت .. رامة ..آن األوان ليستريح قلبك ...بالل ...لم يعد هناك قوة على األرض يمكنها التفريق بينكما ,, إقترب منها بالل من جديد جفف بكلتا يديه دمعاتها المنهمره ..أومئ براسه على أذنها قائال .. _أطيعى قلبك يا رامة وإغفرى ..إقتربى منى أكثر وأكثر ..لبى نداء قلبى وقلبك ..اكاد اسمع أنينه ..أشعر بصراخه وهو ينادينى ..أحبك يا رامة ..أحبك دائما وأبدا _لو أنك صارحتنى من البداية بكل شيئ يا بالل ,,ما كنا تألمنا أبدا .. _ألم أقل لك ذاك اليوم أمام القطار أن لهيب قلب سيحرقك! _ما كنت أعلم ما تعنيه يا بالل .. _ما كنت أنوى أن أوجعك يا رامتى.. " _رامتى" آ آ آ آ آ ه ..سنوات لم اسمعها.. _أحبك يا رامتى ..أحبك أكثر من نفسى .. . إرتمت مسرعة بين ذراعية ..ذاك الشوق العظيم يغلبها ويمزق قلبها ..بسمتها تحتضن دمعاتها صوتها الشجى يهمس أخيرا بما طوته فى قلبها منذ دهور .. إفتقدتك كثيرا يا بالل ..ال تتركنى ثانية ابدا ..أبدا ..
أمائت برأسها على صدره وتنفست بعمق كأنما لم تتنفس منذ عشرة أعوام ...أحبك يا بالل .. أحبك أحبك ..أحبك
رامة أخيرا تحيا إنتهى ضحى أحمد