ملخص المظاهر الجمالية والبنية العرفانية والاحالية

Page 1

‫الخصائص الجمالية والعرفانية‬ ‫في الكتابة الصوفية الزاووية في الصحراء المغربية‬ ‫ـــــــــــــ‬ ‫الدكتور ‪ :‬محمد أزلماط‬


‫التصميـــــــــم‬

‫‪ -I‬تمهيــــــد‪.‬‬ ‫‪ -II‬السياق المفاهيمي والتاريخي للزاوية وارتباطهما‬ ‫بالتصوف في الصحراء‪.‬‬ ‫‪ -III‬البنية العرفانية في الزوايا بالصحراء المغربية‪.‬‬ ‫‪ -IV‬المظاهر الجمالية والبنية العرفانية للكتابة الزواوية الصوفية‬ ‫بالصحراء المغربية‪.‬‬ ‫‪ -V‬الخاتمـــــة‪.‬‬


‫‪ -I‬تمهيد‬

‫طفق االهتمام يتزايد بالكتابة الزاووية الصوفية من قبل االنتروبولوجيين‬ ‫والسوسيولوجيين والسميائيين ومؤرخي المعرفة‪ ،‬بعد أن اتسع استعمالها من قبل المبدعين‬ ‫والدراسي‪ ،‬حيث يتجلى االهتمام بالكتابة الزاووية الصوفية في المراكز الدراسية التي تم‬ ‫إنشاؤها‪ ،‬وإحداث الملتقيات التي دارت فيها نقاشات وندوات حول الزوايا وكتاباتها التي‬ ‫غيرت مالمح الحياة االجتماعية والثقافية والسياسية بالمجتمعات‪ ،‬فأطرت سكانها ومن‬ ‫ضمنها الصحراء المغربية في جميع الميادين‪ ،‬والسيما الثقافية والمعرفية حيث نشطت فيها‬ ‫طرق صوفية وحركة علمية ساهمتا في إحياء العلم والثقافة وفي تأصيل الكتابة الزاووية‪،‬‬ ‫التي تعتبر شكال من أشكال الكتابة اإلبداعية المختلفة‪ ،‬التي تتجلى فيها الجمالية الباهرة قصد‬ ‫تحقيق اللذة واإلعجاب والتجاوب الذوقي الوجداني‪ ،‬وأيضا تظهر فيها مميزات فنية مسبوكة‬ ‫وخصائص الدينية المذهبية والفكرية الرؤيوية‪ ،‬وصياغتها االدائية النسقية وأبعادها لما وراء‬ ‫النصية الكامنة في عالقتها بالمريد والقارىء‪.‬‬ ‫وبما أن الكتابة الزاووية في جوهرها نبش في منظومتها الفكرية العرفانية‬ ‫المتنوعة والمختلفة في ماهيتها وطبيعتها ونتائجها‪ ،‬يجب القيام بالحفر في السياق المفاهيمي‬ ‫والتاريخي للزاوية وعالقتها بالرباط‪ ،‬والتي منها انبثقت الكتابة الزاووية المختلفة عن‬ ‫الكتابات اإلبداعية البيانية والبرهانية والبديعية المعتمدة على تصورات فكرية عقلية‬ ‫ومعرفية متفاوتة قربا وبعدا من الكتابات الصوفية الغنوصية والتيارات طرق الصوفية‬ ‫الشعبوية‪.‬‬ ‫وعلى هذا األساس‪ ،‬اقترحنا المصطلح التركيبي الكتابة الزاووية لتأصيله‪،‬‬ ‫باعتبار أن الكتابة نشأت وتكونت في ظل الزوايا التي هي وعاء للمنظومة الفكرية العرفانية‬ ‫التي تفاعل فيها الوجدان والذوق الروحي مع المجتمع والخطاب االيديولوجي والسياسي‪،‬‬ ‫ألن الكتابة الزاووية تعتبر محورا استراتيجيا في التصور والممارسة الدينية‪ ،‬إلن تحديد‬ ‫أبعادها وقيمها وممارستها وجمالياتها يعود إلى بعدها الكينوني الباطني‪ ،‬لكونها تبحث في‬ ‫النفس االنسانية بعمق التأويل‪ ،‬حيث تنصهر الكتابة بالسلوك وبالعرفان وبالخيال وبالخظ‬ ‫وبتفاعل الظاهر بالباطن وعلى اثره يستخدم الكاتب الزووي اللغة المشفرة واالنزياحية‪.‬‬ ‫فتمحورت هذه الدراسة على المحاور التاريخية‪:‬‬ ‫ السياق المفاهيمي والتاريخي للزاوية بالتصوف بالصحراء‪.‬‬‫‪ -‬البنية العرفانية في الزوايا بالصحراء المغربية‪.‬‬


‫‪ -‬المظاهر الجمالية والفنية للكتابة الزاووية بالصحراء المغربية‪.‬‬

‫‪-1-‬‬

‫‪ -II‬السياق المفاهيمي والتاريخي للزاوية‪:‬‬ ‫‪ *1‬السياق المفاهيمي‪:‬‬ ‫فمن الكتابة الزاووية نستنبط أن الزواية بمعانيها ومدلوالتها المتمططة يمكن‬ ‫اعتبارها تفسيرا إجرائيا الذي يستوعب القيم الروحية الدينية والعرفانية المتفاعلة بالمجال‬ ‫االجتماعي واالنساني‪ ،‬بذلك فهي تعتبر مؤسسة نسقية تداللية لكونها تمثل المعيار الذي‬ ‫يجعلها تدخل في نطاق المجتمع‪ ،‬العتبارها صنع االنسان‪ ،‬ألن هذا األخير أضفى على‬ ‫الزاوية عالقة إنسانية مؤطرة بالنظم العرفانية والثقافية الصوفية المقتبسة من القرآن والسنة‬ ‫من قبل شيوخها الذين يتمتعون بالسلطة العلمية وبعمق الوجدان الديني لتحقيق سلطة‬ ‫اجتماعية سياسية مقابل سلطة الحكام وهي مستمدة من الشرعية الدينية‪ .‬فالزاوية عالمة‬ ‫مؤسساتية دينية واجتماعية وعلمية وتربوية وتأطيرية بذلك تتصف بالسلطة واالستقاللية‬ ‫والشخصية الوجدانية‪.‬‬ ‫فالزاوية تتناسق في تكوينها من خالل محورين‪:‬‬ ‫* فاألول محور سياقي‪ ،‬ترتبط في الزاوية بالمنظومة الفكرية الصوفية باعتبارها‬ ‫النواة األساسية لتنظيم مجال التعبد والتفقه والجمع بينهما‪ ،‬ودعم المجال الفكري والعرفاني‪،‬‬ ‫وتدبير شؤون اإليواء والطعام واالستقبال والتواصل‪ ،‬وتسيير مجال الجهاد انطالقا من‬ ‫مدارج أرباب السلوك والكرمات‪ ،‬واالبتعاد عن التجريد‪ ،‬والجمع بين المجاهدة والجهاد للدفاع‬ ‫عن الوطن واألمة‪.‬‬ ‫* أما المحور الثاني فيكمن في االستبدالية التي تقوم على مبدأي االختيار‬ ‫والتركيب في بنية نسقية داخل الزاوية في إطار منظومة مكونة من مجموعة من المبادئ‬ ‫المتسمة بالوسطية والكشف واالرتباط بسياقات معيشية ومفاهيم فعالة جعلت من تصوف‬ ‫الزوايا تصوف حركي دينامي معتمدة على القرآن والسنة واالبتعاد عن مجال الشعوذة‬ ‫والخزعبالت‪ ،‬وذاك ما أكده الشيخ ماء العينين‪.‬‬ ‫‪ *2‬السياق التاريخي لمصطلح الزاوية في الثقافة الحسانية‪:‬‬


‫وللزوايا في الثقافة الحسانية أو البيضان والتي يطلق عليها باللهجة الحسانية‬ ‫أزواي وتسمى أيضا الطلبة أو أهل الكتوب هي فئة أو قبائل يضمها مصطلح واحد وال‬ ‫ينتمي لساللة محددة أوحلف معين ويرى البعض أنها " من أصول مرابطية والبعض منها‬ ‫من غرب األمصار الذين وفدوا إلى الصحراء خالل فترات متباينة وانزووا بعلمهم ودينهم‬ ‫بعد انكسار دولة المرابطين واندثارها" (‪.)1‬‬ ‫وانحدرت منها قبائل من الزوابا التي استوطنت أغلبها بالد موريطانيا وتواتر‬ ‫عطاء أبنائها الفكري في العلوم الشرعية ونجد منها أديقب وأهل بارك هللا وأهل محمد سالم‪.‬‬ ‫ويطلق على الزوايا اسم الشرفاء‪ ،‬ومصطلح الزوايا هي "القبائل التي أخذت‬ ‫االسالم وهي‪:‬‬ ‫‪ ‬الزوايا التياب والتائبون هم الذين تخلوا عن حمل السالح‪.‬‬ ‫‪ ‬الطلبة أو المتمربطون وهي قبائل الزوايا األصلية والتي تعتني بالعلم وال تحمل‬ ‫السالح إال في حالة الدفاع‪.‬‬ ‫‪-2-‬‬

‫‪ ‬العيال وهو كل من ال يربطه صلة النسب مباشرة بالزوايا ولكن يسكن معهم‬ ‫ويخدمهم مثال‪.‬‬ ‫‪ ‬الزوايا االنتمائية التي تنتمي إلى نسب ونذكر منها‪:‬‬ ‫زاوية شرفاء الركيبات وزاوية شرفاء العروسيين وزاوية آل ماء العينين وزاوية‬ ‫ابناء تدارين وزاوية شرفاء فاللة والزاوية المختارية التكنية‪.‬‬ ‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فالزوايا في الثقافة البيضانية تعني ما قاله الشيخ بابا بن الشيخ‬ ‫سيدي االبيري " أنهم سموا بهذا االسم لمالزمتهم الزاوية‪ ،‬وهي موضع العبادة" (‪ )2‬وأورد‬ ‫محمد محمود سالم المدلشي تعريفا تاريخيا لهم إذ قال‪ " :‬أنه على عهد المرابطين كانت‬ ‫هناط فئة من المجتمع تنقطع للعبادة والعلم وأنهم كانوا يلزمون الزاوية‪)3( ".‬‬ ‫وان الزوايا في الصحراء مؤسسة لها طريقة ومذاهب ومنهج تربوي حيث وصف‬ ‫الشاعر ماهيتها وطبيعتها ووظيفتها في قوله‪:‬‬ ‫وزاوية عن زورها ينجلي الفقر‬ ‫وشيدها العلم المورث والنصر‬ ‫وأبرق فيها ومزن علم جرت به‬ ‫من الشيخ أنها يواصلها بحر‬ ‫ونسمع ضوضاء الحجيج أمامها‬ ‫ويطربك الترتيل والدرس والذكر‬ ‫فما حاتم الطائي في حلم ّأحنف‬ ‫على عقل اياسي إذا م‬


‫ه عمرو‬ ‫بأطول باعا في العطا من محمد‬ ‫وال العارض الهتان في صوبه القطر(‪)4‬‬ ‫البنية العرفانية في الزوايا بالصحراء‪:‬‬ ‫‪ *1‬دعائم البنية العرفانية في الزوايا بالصحراء المغربية‪:‬‬ ‫فمن خالل الزوايا نشأ التصوف الذي هو امتداد للمسلك الجنيدي الذي تأسس من‬ ‫منطلقات تدينية دعامتها القرآن والسنة‪ ،‬اللذان حددا تصورا للتعبير عن إشكاليات االنسان‬ ‫من الواقع الذي يبلوره الشيخ عبر الطريقة‪ ،‬وتلقين مفاهيمها للمريدين من حيث األوراد‬ ‫واألذكار واألحزاب وتقديم دروسا في اآلداب والحكمة والقيم الروحية‪ .‬فالتصوف ينطلق من‬ ‫منطلقات الزهد والغنى عن الناس والقناعة ورعاية الفقراء ومجاهدة النفس والورع‬ ‫واالعتكاف‪ .‬كما أنه قام بتأليف بين ما هو روحي وما هو عملي وسلوكي واسترفد من بنية‬ ‫إحالية محلية ومشرقية وعلى ضوئها ظهر شكلين من التصوف فالشكل األول ذوطابع‬ ‫مشرقي ويتزعمه كل من أي يعزى يلنور ومحي الدين بن عربي وعلي بن حرزهم وأبي‬ ‫مدين الغوت‪ ،‬وأما الثاني فيتسم بالمحلية والمغربة حيث أن هذا الشكل حاول إدماج لغة‬ ‫التشريع بلغة التحقيق الذوقية ومن رواد عبد السالم بن مشيش وأبو الحسن الشاذلي ومحمد‬ ‫بن سليمان الجازولي والشيخ أحمد الرقيبات والشيخ ماء العينين و‪...‬الخ‪.‬‬ ‫‪-3-‬‬

‫‪ *2‬أسس ومبادىء دعائم البنية العرفانية في الزوايا بالصحراء المغربية‪:‬‬ ‫‪ *1-2‬الطرق الصوفية‪:‬‬ ‫ولكل زاوية طريقتها تنسب إلى الشيخ الذي يصل إلى رتبة المربي والترقي في‬ ‫التصوف ويرتب رتبة من رتب األولياء كالقطب والغوث والوتد إلى غير ذلك وكما تكون‬ ‫له الكرامات والمكاشفات وللشيخ شروط كما حددتها رائية سيدي أحمد الشريشي‪:‬‬ ‫وللشيخ آيات إذا لم تكن له‬

‫فما هو إال في ليالي الهوى يسري‬

‫إذا لم يكن علم لديه بظاهر‬

‫وال باطن فاضرب به لحج البصر‬

‫وإن كان إال أنه غير جامع‬

‫لو صفيهما جمعا على أكمل األمر‬

‫فأقرب أحوال العليل إلى الردى‬

‫إذا لم يكن منها الطبيب على الخبر‬

‫فالطريقة الصوفية تعني "السيرة المختصة بالسالكين إلى هللا تعالى من قطع‬ ‫المنازل والترقي في المقامات" (‪ .)6‬فالطريقة الصوفية هي رؤيا تقوم على منهج ألحد‬ ‫العارفين بالمجاهدة والجهاد والتزكية والتربية والتعليم واألذكار واألوراد والعلم واالرتكاز‬


‫على التقوى‪ ،‬وممارسة الشعائر االسالمية وفق أركان الدين الثالثة االسالم وااليمان‬ ‫واالحسان‪.‬‬ ‫فالطريقة الصوفية في زوايا الصحراء تقوم على عبادة واعتقاد وعمل في طاعة‬ ‫هللا وإيواء وإطعام الغريب وتلقين العلوم وإنشاد الشعر وروايته‪.‬‬ ‫وتقوم الطرق الصوفية في الزوايا على خلفية معرفية واجتماعية تتمثل في‪:‬‬ ‫* تقييد المحبة بالخوف من هللا والرجاء فيه وطاعته من أجل التواب إليه والسفر‬ ‫إلى طريق هللا في رحلة روحية ذوقية يتالزم فيها الظاهر والباطن حيث يقول شيخ ماء‬ ‫العينين في هذا المضمار‪:‬‬ ‫ال تجعل الرحيل من كون لكون بل للمكون رحيلك يكون‬ ‫وانظر إلى قول النبي من كانت هجرته آلخر قد بان‪.‬‬ ‫ولتتأمل ذلك الكالما فهو يرشدك والسالما (‪.)7‬‬ ‫* التنسيق بين التصوف والتفقه وبين المجاهدة والجهاد حيث عملت الطرق‬ ‫الصوفية بالزاوية في الصحراء على التنسيق في تفاعل وإدماج بين الممارسة الصوفية‬ ‫السلوكية والفقه في بنية منسجمة متكاملة‪ ،‬وهذه البنية مرتبطة بالمجاهدة والجهاد القائمان‬ ‫على " استفراغ الوسع في مدفعة العدو‪ ،‬والجهاد ثالثة أضرب‪ :‬مجاهدة العدو الظاهر‪،‬‬ ‫ومجاهدة الشيطان‪ ،‬ومجاهدة النفس‪ ،‬وتدخل ثالثهما في قوله تعالى‪ " :‬وجاهدوا في هللا حق‬ ‫جهاده"‪" ،‬وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل هللا" "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا‬ ‫بأموالهم وأنفسهم في سبيل هللا" (‪ )8‬وهذا التالزم القائم بين التصوف والتفقه عبر المجاهدة‪.‬‬ ‫‪-4-‬‬

‫و يمكن تحديد مالمح التصوف الزواوي في الصحراء في المحاور التالية وذلك‬ ‫انطالقا من الكتابة الزووية‪:‬‬ ‫* اإللمام بعلوم الشريعة واالعتصام باهلل وحده بالعين وبالقلب‪.‬‬ ‫* معاشرة الناس بالحسنى‬ ‫* االعتزال االداري للطالبين‬ ‫* االلتزام بالكتاب والسنة‬ ‫* االتصاف بالصبر والحلم والعفاف‬ ‫* االرتكاز على األخوة وتوحيد فيما بين الطرق الصوفية ألنها" تعددت وفي‬ ‫الظاهر ربما اختلفت‪ ،‬شيء واحد واخوة في الدين‪ ،‬ولبعضهم على بعض حرمة االخوة ال‬ ‫بغض األباعد ذوي الجفوة" وأكد ذلك الشيخ ماء العينين في قصيدته المشهورة أني مخاوي‬ ‫التي يقول فيها‪:‬‬ ‫* االرتكاز على الوحدة واالبتعاد عن التفرقة السياسية إذ يهتم الشيخ" بوحدة‬ ‫الجماعة اإلسالمية وينادي بتحقيق أخوتها الدينية‪ ،‬فإنه ال ينطق من نزعة إقليمية أو سياسية‬ ‫ضيقة‪ ،‬وإنما يهدف إلى الرفع من مكانة األمة اإلسالمية ويسعى إلى إنقاذها من مما يهددها‬ ‫من أخطار استعمارية‪ ،‬وهو يستقي هذه العناصر اإلصالحية من عالقته بالتصوف‬


‫اإلسالمي ومن خصوصية البيئة التي نشأ فيها وترعرع فيها‪ ،‬فهو ليس حلقة مفقودة في‬ ‫التاريخ اإلسالمي أو شجرة منقطعة الصلة عن البيئة التي نشأ فيها ولكنه امتداد طبيعي‬ ‫للتجربة الصوفية اإلسالمية فيما تقوم عليه من دعوة إلى مجاهدة النفس وترويضها وتربية‬ ‫الفرد وتنشئته وينطلق من واقع المجتمع الصحراوي فيما ينبني عليه من دعوة إلى االتحاد‬ ‫واالئتالف" (‪.)9‬‬ ‫* استدعاء الكرامة في ترسيخ العمل الصوفي بالزاوية في الصحراء واللجوء‬ ‫الشيخ إلى الكرامة " لم يكن عن رغبة ذاتية وال نزعة نفسية وإنما دعا إلى ذلك أمر‬ ‫توجيهي يتمثل في زرع الثقة التي ينبغي أن تسود بين المريد وشيخه وهي في األساس في‬ ‫سلوك طريق قوم‪ ..‬ولقد استثمر صوفي المغرب هذا المبدأ حيث ادخلوا الكرمات في باب‬ ‫الرخص‪ ،‬فال ينبغي إظهار منها إال حينما يضطر إلى ذلك حيث يقول االمام الشاطبي بعد ما‬ ‫ذكر مذهب القوم من عدم التفاهم إلى الكرامات بقوله" وهذا كله يدلك على ما تقدم من كونها‬ ‫في حكم الرخصة ال في حكم العزيمة" (‪ .)10‬فالشيخ ال يظهر الكرامات إال عند الضرورة‬ ‫من أجل إقناع المتشكك وتغيير أفق انتظار المريد وتشجيعه للسير قدما نحو االستقامة على‬ ‫الشريعة المستنبطة من القرآن الكريم والسنة الخماد حيرته‪.‬‬ ‫* االرتكاز على التعايش بين الملل والنحل والتسامح الديني واللوني والعرقي والجنسي‬ ‫حيث لم يقتصر على الذكور وإنما أيضا على النساء‪ ،‬وعلى أساس ما سبق ذكره أن الزوايا‬ ‫بالمغرب بصفة عامة قامت بتوحيد جميع المغاربة وغير المغاربة في إطار روحي سني‪ ،‬أخالقي‬ ‫ألن" الجانب السلوكي غطى حصة األسد من ذهنية متصوفة المغرب‪ ،‬فالسالك طريق التصوف ال‬ ‫يبلغ الكمال إال باالستقامة والتخلي عن مرذول الصفات" (‪ )11‬وذلك عن طريق العلم‪.‬‬ ‫* الطرق الصوفية بالزوايا في الصحراء مقرونة بصوفية الجنيد المتصلة بالقرآن‬ ‫والسنة والتأسي بالرسول (ص) ومراعاة الذكر والتعامل مع الناس والتفكر والتأمل في‬ ‫مصنوعات هللا بالرغم من المكابدات وما أصابها من دمار وخراب على يد المستعمر وذاك ما‬ ‫أكده الشيخ ماء العينين في متنه‬ ‫‪-5-‬‬

‫ال يمكن للزوايا أن تلعب دورا استراتيجيا كجسر حضاري وإنساني إذا لم تكن هناك‬ ‫معرفة صوفية عرفانية ذوقية‪ ،‬ومن هنا ينبع أهمية التصوف في الزوايا‪ ،‬ألنه ال يمكنه أن يكون‬ ‫مغلقا داخل فئة معينة أو في خطاب فني عال بعيد عن التواصل‪ ،‬فالتصوف الزووي جزء من‬ ‫حياة االنسان المتداول في الواقع الذي يمنح له داللة‪ .‬فهو قابل للتنويع والتجديد والمثاقفة‬ ‫والمناقشة‪ ،‬ومنها ينتج سلسلة من الطرق والممارسات حسب خريطة جغرافيته التي يرسمها‬ ‫القطب أو الشيخ والتي من خاللها يمكن إدراك تطوره وخصوصيته انطالقا من الفضاء والزمان‬ ‫وبالتغيرات الطارئة على المجتمع‪.‬‬ ‫فالتصوف مضمونه كائن مع االنسان‪ ،‬غير أنه كمصطلح وخطاب أصبح سببا في‬ ‫خالف بين الدارسين فنتجت مقارات للتصوف وتعدد تلقياته التي تمحورت حول االستجابة‬ ‫واالقناع وتغيير وتخييب أفق انتظار المريد أو المتشكك فالتصوف " علم شريف لمن أكرمه هللا‬ ‫بمعرفته وحال منيف لمن تفضل هللا عليه بكمال أوصافه وحسن سيرته وليس هو كما يزعمون‬ ‫يلبس المرقعات والمشي حافيا في الطرقات‪ ،‬وتعرية الرأس وانزعاج النفس‪ ،‬وتقشف الثياب‬ ‫وتغير الحاالت والشطح والرقص والتصفيق والتغاسي في الطرقات بل التصوف كما قال ابو‬ ‫علي سيدي الحسن اليوسي‪ :‬هو صفاء القلوب من األقدار" (‪ )12‬وهو أيضا" الوقوف مع آداب‬ ‫الشريعة ظاهرا وباطنا غير حكمة من الظاهر في الباطن‪ ،‬ومن الباطن في الظاهر فيحصل من‬ ‫الحكمين كمال ثم يكن بعده كمال" (‪)13‬‬


‫فالبنية العرفانية في الزوايا بالصحراء المغربية تقوم على التصوف الذي اصطلحت‬ ‫عليه بالتصوف الزاووي العتباره ليس ملكا عينا وإنما مشاع بين مريدي الزوايا‪ ،‬وحاضر‬ ‫وجودي في بنيات المجتمع هذه األخيرة تعكس الثقافة الصوفية لكونها رأسمال ال مادي تتكون من‬ ‫الطريقة والرؤيا والممارسات والتقنيات وسلوكات مكتسبة من الشيوخ عن طريق رموز‬ ‫وعالمات حركية وكتابية‪ .‬حيث خلفوا كتابات إبداعية عرفانية متميزة ذات خصوصيات جمالية‬ ‫وفنية‪ .‬فكيف تتمظهر في الكتابة الزاووية‪.‬‬ ‫‪ -IV‬المظاهر الجمالية للكتابة الزاووية بالصحراء المغربية‪:‬‬ ‫تعتبر الكتابة الزاووية صوفية في ماهيتها وكنهها فعال سلوكيا وقيميا لتوصيل العرفان‬ ‫عبر الفهم لتطهير القلب والترقي في مقامات الروح الممزوجة مع البنية االجتماعية وأن يكون‬ ‫المريد مبدعا يغير أفق انتظاره‪.‬‬ ‫فالكتابة الزاووية تتأسس على االستماع والتحدث والقراءة باعتبارها صناعة إنسانية‬ ‫ورسوم وأشكال حرفية على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس‪ ،‬والمؤطرة بالمنظومة‬ ‫الفكرية الصوفية القائمة على التعامل مع النفس والغير‪ ،‬ومحاربة النفس مع االقتداء بأخالق النبي‬ ‫(ص) وااللتزام بمقتضيات القرآن الكريم‪ ،‬واستنباط الرؤيا الصوفية من مرجعية الشيخ المعتمدة‬ ‫على الطريقة‪.‬‬ ‫فالكتابة الزاووية هي تصوير اللفظ بالحروف الهجائية‪ ،‬وتتكون من رؤيا والرمز‬ ‫للتعبير عن الطريقة والمذهب والشكل انطالقا من الخط‪ ،‬ومن خالل هذا التشكيل يتضح ان الكتابة‬ ‫تتخذ مجموعة من الخصائص المتعددة والمتنوعة والناتجة في بلورتها من السياق والتي يمكن‬ ‫تحديدها في فن التواصل الفعال واإلبداع والمعرفة وفي فن التخطيط وهندسة الكتابة وترميز اللغة‬ ‫في شكل خطي عبر الحروف وتطويقها بقواعد تؤطرها اللغة اإلشارية وعلى ضوئها تشكلت‬ ‫أنواع من الكتابات الصوفية والتي يمكن تحديدها في‪:‬‬ ‫‪-6-‬‬

‫* الكتابة الصوفية السلوكية التي تحدد منظومة القيم التي يسلكها السالك في زهده‬ ‫عبر المذاقات ليكون السالك مع هللا بال عالقة والحد في السلوك إلى ملك الملوك وهو تيقظ‬ ‫فطري يوجه المجاهدات لتحقيق التطهير والنقاء‪.‬‬ ‫* الكتابة الصوفية البرزخية توافق بين الحدس والعقل وذات رؤيا دينية ترتكز‬ ‫على إصالح القلوب وافرادها باهلل وتفسير مقام اإلحسان الذي هو مقام الشهود والعيان‬ ‫(‪ .)14‬وتنشأ الكتابة الصوفية البرزخية من األصل (القرآن والسنة) والعلم (البحث‬ ‫والتحقيق) والوجدان المبنى على الحال ( التسليم والتصديق)‪.‬‬ ‫* الكتابة الصوفية الحدسية اإللهامية أسست " منهجا في الكتابة وفق تصور ال‬ ‫يشبه قواعد التأليف المتداولة بين المؤلف فإذا كان األديب مصدرا إلبداعه‪ .‬فالصوفي يعتبر‬ ‫نفسه مجرد ناقل للمعرفة المتنزلة عليه باإللهام وعبره ينتقل المقدس ليطهر المدنس‪ ،‬فرسالة‬ ‫المتصوف هي إنقاذ العالم‪ .‬ففي النسق الصوفي يصبح االلهام مصدرا للكتابة واالبتداع‬


‫الصوفيين‪ ،‬وبدل أن يكتب الصوفي تجربته يحدث العكس‪ ،‬فتصير الكتابة الصوفية هي من‬ ‫تكتب الصوفي وتنفخ فيه من إلهامها‪ ،‬وكأن وجود الكتابة أسبق من الكاتب حيث خلود‬ ‫النص في األزل ونزوله في لحظات الفيض ليكون عالمة على الجمال االبدي لمبدع الكون‬ ‫" (‪)15‬‬ ‫فالكتابة الصوفية ذات منحى متميزة في معجمها الخاص‪ ،‬ألن اللغة عند الصوفي‬ ‫تكتسي أبعادا انطلوجية وجودية وهي ليست مجرد وسيلة للتبعية لفكر أو شعور (‪ )16‬وإنما‬ ‫هي رؤيا في ماهيتها تنطلق من ابستمية عرفانية تجسد في عالمة لغوية إشارية رمزية‬ ‫تجربته الكامنة غايتها في البحث عن المقدس ابتداءا من المجاهدة ليس بالنفس فقط بل أيضا‬ ‫المجاهدة في العلم والعرفان‪ ،‬وتدرج فيهما عبر األحوال والمقامات ومدارك السلوك‪.‬‬ ‫فالكتابة الصوفية الزاووية يمكن فهمها حسب المقام والحال الكامن فيها‪ ،‬ألن" الصوفية‬ ‫مصطلحات تعبر عنها ألفاظ وكلمات وتراكيب‪ ،‬ولها معان خاصة ومطالب مخصوصة غير‬ ‫ما يدل عليه ظاهر األلفاظ والكلمات أو تتضمن هذه الكلمات واأللفاظ على مدلوالتها‬ ‫األصلية ولكن لها معان أعمق وأكثر من مفهومها ومدلولها الظاهر بداهة وألول وهلة فإنها‬ ‫لم توضع إال لنوع معين وقسم خاص من المفاهيم والمقاصد الغير المتبادر إليها الذهن‪،‬‬ ‫ولكل قوم ما اصطلحوا عليه فال يدرك أبعادها‪ ،‬وال يفهم مطالبها إال من كان له معرفة‬ ‫وإلمام وعلم وإدراك بمصطلحات القوم وبما اختاروا لها من الكلمات واأللفاظ هي كاأللفاظ"‬ ‫(‪)17‬‬ ‫‪ *2‬خصائص الكتابة الزاووية‪:‬‬ ‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬فالكتابة الصوفية الزاووية تتمثل خصائصها في المعجمية‬ ‫واألسلوبية وحقول الداللية التي تتباين عن الكتابة اإلبداعية البيانية والبديعية الشعورية‬ ‫والتي تمث الكتابة الزاووية صلة برؤيا باطنية تقوم على اإلدراك الحدسي والمجاهدة‬ ‫والذوق والوجدان‪.‬‬ ‫‪-7-‬‬

‫إن الكتابة الزاووية ولغتها متداخلتين فتكوينهما يحدد طبيعة وماهية كل منهما‬ ‫وبشكل تفاعلي لكونهما تكونتا في رحم اإلشارة والعالمة مع االعتماد على اإلدراك‬ ‫الحدسي‪.‬‬ ‫وإن الكتابة الزاووية تمنح االنتقال بين األزمنة المختلفة لإلشارة الحدثية بعالمة‬ ‫لغوية لبست من الزمن نفسه كاإلشارة إلى فعل استشرافي بداللة ماضية لبعد اشاري‪ ،‬ألنه‬ ‫اللغة العربية تقيم تقابال بين صورتين زمنيتين (فعل ‪/‬يفعل) وأن هاتين الصورتين تندمجان‬ ‫في سياقات زمنية متعددة حيث ال تقابل صورة فعل بالضرورة زمن الماضي‪ .‬وال يتوافق‬ ‫صورة يفعل " القيمة السلبية للماضي‪ ،‬كالدعاء بقولنا‪ ،‬بارك هللا فيك‪ ،‬أو الحص بقولنا هال‬


‫منحته الجائزة ألنهما ال تعبران عن حدث متحقق وإنما عن حدث مرغوب في تحقيقه‪.‬‬ ‫معتبرا أن هذا ما يجعل هذه الحاالت تجليا واضحا لالتوافق الصرف‪ /‬زمني والتأويل‬ ‫الزمني في اللغة" (‪.)18‬‬ ‫فالبعد الزمني ال يكون إال على سبيل اإلشارة االحتمالية بذلك يمكن استخالص أن‬ ‫الزمن في الكتابة الزاووية ال زماني ألن الخيال يكون برزخي بين العقل والقلب‪.‬‬ ‫وعلى هذا األساس‪ ،‬انبثقت أنماط الكتابة الصوفية والمتمثلة في ‪:‬‬ ‫ كتابة شعرية الصوفية الزاووية‬‫ كتابة الكرمات الصوفية الزاووية‬‫ كتابة الرحالت واألسفار الصوفية الزاووية‬‫ كتابة الرسائل الصوفية الزاووية‬‫ كتابة األوراد واألذكار واألحزاب الصوفية الزاووية‬‫ كتابة الخطب الصوفية الزاووية‬‫ كتابة التأويل الصوفي الزاووي‬‫وبالرغم من تعدد وتنوع هذه األنماط فإنها تحتوي على عناصر مشتركة في‬ ‫الجمالية والفنية‪ ،‬ألن الكتابة الصوفية الزاووية ذات بعد وجودي كينوني باطني تبحث في‬ ‫النفس االنسانية بعمق تأويلي‪ ،‬وتنصهر وتتفاعل في الكتابة بالسلوك وبالقيم لتطهير النفس‬ ‫والروح من حب شهوات الدنيا‪.‬‬ ‫فالكتابة الصوفية الزاووية بكل أنماطها وفي الصحراء خصوصا تتمظهر فيها‬ ‫جمالية وفنية لكون أن التصوف اعتنى بالجمال الذي يعلو وبسمو على النظم التمثلية‬ ‫المستوحاة من الحواس‪ ،‬ومستوحى من عالم إلهي نوراني‪ ،‬ألن" كل جمال محبوب عند‬ ‫مدرك ذلك الجمال‪ ،‬وهللا تعالى جميل يحب الجمال‪ ،‬ولكن الجمال إن كان يتناسب الخلقة‬ ‫وصفاء اللون أدرك بحاسة البصر‪ ،‬وإن كان الجمال والحالل والعظمة وعلو الرتبة وحسن‬ ‫الصفات واألخالق وإرادة الخيرات لكافة الخلق وإفاضتها عليهم على الدوام إلى غير ذلك‬ ‫من الصفات الباطنة ادرك بحاسة القلب" (‪)18‬‬ ‫فالجمال في الكتابة الصوفية الزاووية حاضر باعتباره مستهلم من الجمال االلهي‬ ‫المستوحى من القرآن والسنة‪ ،‬فهو نوعان في الكتابة الصوفية‪ ،‬فاألول يتم إدراكه بالنظم‬ ‫التمثيلية وتتحدد خصائصه في األشكال والصور واألشياء المرئية في المتن والثاني يتم‬ ‫إدراكه من خالل الحدس والذوق‪ ،‬ألنه باطني ومرتبط بالسلوك والقيم ال ينكشف إال عبر‬ ‫التأويل‪.‬‬ ‫وغالبا ما تكون الكتابة الصوفية صادرة من مبدعها الشيخ‪ ،‬النها متفاعلة معه‬ ‫العتباره " شيخ ناصح مرشد عالم بعيوب النفس وأغراضه ودواعيها وأدوية أمراضها‬ ‫فارغ من تهذيب نفسه‪ ،‬وأغراضها يبصره بعيوب نفسه ويخرجه من دائرة حسه ألن من لم‬ ‫يكن له شيخ يقوده إلى طريق الهى قاده الشيطان إلى طريق الردى"‪)20(.‬‬ ‫‪-8-‬‬


‫ومن هذا المنطلق يتبين أن جمالية الكتابة الصوفية الزاووية مرتبطة بالكينونة‬ ‫المتمثلة في حب القطبية التي يقول فيها الشاعر‪:‬‬ ‫أنا قطب من قلبي وهو من بعدي‬ ‫ومن هو في دهري وذي الهزل والجد‬ ‫ولست أحاشي في األنام لفردهم‬ ‫وال لغوث واألقطاب والعد والحد‬ ‫وأجلسني ربي بمجمع طرقهم‬ ‫ألصدر ذا صدر واورد ذا ورد‬ ‫وشاهدت عرش هللا من فوق سبعنا‬ ‫وشاهدت والكرسي والعرش بالمجد‬ ‫وفطيت باألقالم من بعد أخذها‬ ‫ومن بعد ما سمعي الصرير بال جحد‬ ‫ومن كان ذا كشف يصدق قوليا‬ ‫ومن كان في األعمى يضل عن القصد‬ ‫وياناشدا قولي فإياك االله بال ضد‬ ‫نظرت بعين الحق عين عناية‬ ‫تراقب باألعيان بالواحد الفرد‬ ‫عليك من الرضوان أحسن خلعة‬ ‫تنال بها عزا ونصرا بال ند‬ ‫والخوف تطويل من القول زدتكم‬ ‫ولكنه ما ضر ذو الحق بالعد‬ ‫وإن قلت إن الغير قال هو القطب‬ ‫أقول فسبحان العليم بنا جهدي‬ ‫وإن قلت أنت القطب فاهلل أعلم‬ ‫ويعلم ما يخفي وعلم ما نبدي‬ ‫فصدق وال تخش الورى ان ثغل لها‬ ‫أنا قطب من قبلي ومن هو من بعدي (‪)21‬‬


‫فالقطبية في الحقل الداللي في الكتابة الصوفية الزاووية‪ ،‬يقصد بها االنسان الكامل‬ ‫او الحقيقة المحمدية نوعان وهما القطب الحسي و القطب المعنوي فهو " مركز الدائرة‬ ‫ومحيطها ومرآة الحق‪ ،‬عليه مدار العالم رقائق ممتدة إلى جميع القلوب الخالئق بالخير‬ ‫والشر على حد واحد ال يترجح واحد على صاحبه وهو عنده ال خير و ال شر ولكن وجود‬ ‫ويظهر كونها خيرا وشرا في المحل القابل بحكم الوضع عن أهل السنة وبالعرض والعقل‬ ‫عند بعض العقالء" (‪.)22‬‬ ‫وللقطب عالمات ومن ضمنها الكشف الذي يعني " كشف حجاب حقائق‬ ‫الموجودات ذلك أن الصوفي ال يفتأ يندرج على سلم القوم إلى أن ينقدح لديه المصباح الذي‬ ‫ينير له عالم حقائق الموجودات‪ ،‬فيطلع على سائر الخفايا‪ ،‬ويدرك حقيقة كل موجود موجود‬ ‫ويصبح متملكا لناصية الحقيقة" (‪ ) 23‬وذلك ما وقع لشيخ الطريقة الفاضلية الكنتية الذي‬ ‫مدحه أحد مريديه بقوله‪:‬‬ ‫منيب إلى المولى الجليل وشأوه‬ ‫إلى العرف والفعل الجميل بعيد‬ ‫له المجد عرش والسماحة والتقى‬ ‫‪-9-‬‬

‫جليساه صفيح إن حفاه بليد‬ ‫أبا السيد المختار جزت المدى فهل بمثلك أيام الزمان تجود‬ ‫وهل لي حظ يغلب الدهر فيك ام‬ ‫لنا جيتي نحو الوصول رقيد‬ ‫قصدتك يا قطب الوجود فليس لي‬ ‫مدى الدهر إال من حجاك حتود‬ ‫فصيتك حيث شاع في كل بلدة‬ ‫ومجدة مجد خلفته جدود (‪)24‬‬ ‫الكتابة الصوفية الزاووية في المتن ليست محاكاتية‪ ،‬وإنما ذوقية تنتج حقول داللية‬ ‫متغيرة باستمرار متفاعلة مع المقامات واألحوال‪ ،‬ألن الذوق يؤسس على مرجعية إشارية‬ ‫باطنية تقوم على مطابقة الحروف والكلمات لغوية للمعاني الباطنية في خيال الشاعر‪،‬‬ ‫لتحقيق خرق التمثيل األدبي للواقع واالنزياح عن المؤلوف المتداول في النص التناظري‬ ‫وتشكيل االطار المعرفي يقوم على االنزياح والتكثيف والتأويل والتخييل الباطني‪.‬‬ ‫واتخذت الكتابة الصوفية في الزاووية منحا مخالفا لما كان سائدا وابتعدت عن‬ ‫الكتابة االبداعية المرتبطة بالمدارس واالتجاهات النطباعية والتكسبية والصنعة وانغمست‬ ‫في الزهد وتغني بمناقب الزهاد والصلحاء واألقطاب واألولياء والشيوخ‪ ،‬ووصف سيرهم‬


‫في لوحاتهم اإلبداعية واعتبارهم أبطال روحانيون بغيتهم اداء رسالتهم التكليفية‬ ‫االستخالفية‪ ،‬ووصف طرقهم الصوفية واالنتماء إليها وما لها من فضائل‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬ ‫قدوما مبارك وسهال ومرحبا‬ ‫بمن ليس ما سوى طريقه مذهبا‬ ‫طريقته هنا كحوض رسوله‬ ‫فمن ذاق ماء هاروي‪ :‬تذهبا (‪)25‬‬ ‫فمن خالل هذه األبيات‪ ،‬نستخلص مدى العالقة القائمة بين الشيوخ والمريدين‬ ‫والمجتمع‪ ،‬انطالقا من سياقها حيث تتجلى داللة الوالء واالنتماء للخط المنهجي للزاوية‬ ‫الذي هو وسيلة للقيام بشعائر الدينية للتطهير من الرذائل‪ ،‬وتزكية النفس لتحقيق السعادة‬ ‫األبدية‪ ،‬كما يعد اللجوء إلى طريقة الشيخ "بديال وخالصا فهي في نظر أصحابها –‬ ‫وبخاصة الشعراء منهم الملجأ الوحيد الذي تطمئن إليه النفس‪ ،‬وتتطهر فيه الجوارح‪ ،‬وبها‬ ‫يتم جمع شتات الناس من كل تفرقة" (‪.)76‬‬ ‫وإن حب القطبية الواردة في الكتابة الزواوية في الصحراء المغربية‪ ،‬نابعة من‬ ‫حقائق االيمان وانخراط في انوار رب العالمين مسافر إليه عبر الوجدان والقلب مقتديا بنهج‬ ‫النبي (ص) ومنغمسا في نسبة لتأكيد التشبت بالهوية االسالمية وبالثقافة العربية وحبه إليهما‬ ‫واالشارة واضحة إلى مشاعر الحب واالرتباط بالنسب وما ينبثق عنه من تفاعالت وجدانية‬ ‫ووالء له كقول الشاعر‪:‬‬ ‫حمدا لمن رفع صيت العرب‬ ‫وخصهم بين األنام بالنيي‬ ‫وعمهم إنعامه بنسبته‬ ‫ليدخلوا بيمنها في زمرته (‪)26‬‬

‫‪-10-‬‬

‫فأقطاب الزوايا يشيرون إلى االنتساب لكيان النبي (ص) العتبارهم متوحدون فيه‬ ‫ومندمجون فيه روحا وشكال انتماءا ووالءا وذلك من أجل توطيد الهوية لفسح المجال‬ ‫لسلوكيات األقطاب كعالمات للتعبير عن االنتماء‪ ،‬وتأكيد على الميل نحو النزعة الطرقية‬ ‫القطبية والقبلية‪ ،‬ويعبر عنها بتوحد مريدها مع المنظومة العرفانية للقطب والرغبة‬ ‫الوجدانية في المشاعر للتوحد وااللتزام بنظم المنظومة القطبية‪ .‬كما كان هناك صراع بين‬ ‫األقطاب الطرقية في قبيلة واحدة‪ ،‬وقد ظهرت مالمحه في الصراع الدائر بين شيوخ القبيلة‬ ‫الذين انتسبوا إلى عدة أقطاب مثل قبيلة بنوسباع الذين تجاذبهم الطريقة الدرقاوية والطريقة‬


‫التيجانية مثل الشيخ الجياللي بن أحمد والشيخ ابراهيم بن سيدي محمد البكاري ومحمد بن‬ ‫ابراهيم السباعي تكرور والمامون األشقرالذي قال‪:‬‬ ‫رضيت رضيت بالتجاني وحزبه‬ ‫وأهل طريقه قبيال ومعشرا‬ ‫حرام على قلبي سواه تعلقا‬ ‫وميال سوى صحب الرسول إلى الورى " (‪)27‬‬ ‫وفي ذات السياق‪ ،‬تسعى بعض الطرق الصوفية إلى خلق جو من التواد‪ ،‬وتكوين‬ ‫العالقات والروابط في أبعاد وجدانية والميل إلى التآخي والمحبة والعطاء وااليثار والتعاون‬ ‫كما قال الشاعر‬ ‫وحب القطبية ال يتأتى إال بحب االله الذي يجعل المريد يتحمل كل اآلالم‬ ‫والمصائب‪ ،‬التي يبتلي هللا بها ليختبر حبه ويظهره‪ ،‬بل ويجعله يتلذذ بها‪ ،‬وذلك الحب يمكن‬ ‫قلب المحب من االتصال بالحضرة اإلالهية كالصقر يحمل صيده بعيدا ويجعله يغيب عن‬ ‫حاضره‪ )28(".‬وإن الوصول إلى حب هللا يتأتى عبر مجموعة من اإلجراءات التي تتمثل‬ ‫في‪:‬‬ ‫* المجاهدة‪ ،‬وهي ترتبط بالطرق الصوفية المختلفة حيث ال بد" للمريد في أول‬ ‫دخوله إلى الطريق من مجاهدة ومكابدة وصدق وتصديق وهي مظهر ومجالء للنهايات‪،‬‬ ‫فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته‪ ،‬فمن رأيناه جادا في طلب الحق باذال نفسه‪ ،‬وفلسه‬ ‫وروحه وعزه وجاهه ابتغاء الوصول إلى التحقق بالعبودية‪ ،‬والقيام بوظائف الربوبية علمنا‬ ‫اشراق نهايته بالوصول إلى المحبوب‪ .‬وإذا رأينا مقصرا علمنا قصوره عما هنالك" (‪.)29‬‬ ‫وإن هذه المجاهدة تعتبر وسيلة وغاية في ذات الوقت لتربية النفس وتنقيتها بنوع من اآلالم‪.‬‬ ‫وفي الكتابة الصوفية الزاووية الصحراوية أنواع من المجاهدات ونذكر منها المهيمن‬ ‫والمتداول في الطرق الصوفية وهي‪:‬‬ ‫ مجاهدة التقوى‪ :‬معرفة هللا جل جالله والتخلق والتأدب مع هللا في الظاهر‬‫والباطن واالستسالم إلى القضاء والقدر كقول الشاعر‪:‬‬ ‫هلل في الخلق ما اختارت مشيئته‬ ‫ما الخير إال الذي يختاره هللا‬ ‫إذا اقتضى هللا فاستسلم لقدرته‬ ‫ما المرىء حيلة فيما قضى هللا‬ ‫‪-11-‬‬

‫تجري األمور ألسباب لها علل‬ ‫تجري األمور على قدره هللا (‪)30‬‬


‫وإلى جانب هذه المجاهدة هناك صنف آخر وهو المهيمن في الكتابة الصوفية‬ ‫الصحراوية يصطلح عليه مجاهدة االستقامة التي تقوم على تنقية النفس وتطهيرها باتباع‬ ‫مجموعة من التعاليم التربوية الواردة في المنظومة العرفانية نستخلص ذلك من قول‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫وقم ترى الصبح قد بدت عساكره‬ ‫يجره كوكب بالنور يشتعل‬ ‫كواكب الليل قد بدت لمغربها‬ ‫كأنها طعن جادت به االبل‬ ‫وال تضيع صالة الصبح ويحك ال‬ ‫ألن أهل التقى بالصبح قد شغلوا‬ ‫والظهر والعصر ال تتركها أبدا‬ ‫مع الغتاءين ال يلفى بك الكسل‬ ‫تم الصالة على المختار دائمة‬ ‫دامت الشمس في البروج تنتقل (‪)31‬‬ ‫وكما تطرقت بعض الكتابات الصوفية إلى مجاهدة الجهاد لحماية الثغور االسالمية‬ ‫والوطنية من االستعمار ويتضح ذلك في قول الشاعر‪:‬‬ ‫تظنون سورا من حديد أمامكم‬ ‫وما هو إال من ركام الدواخن‬ ‫فا انتم راجعتم نهج دينكم‬ ‫وقمتم على ساق اإلخا والتعاون‬ ‫أثر تم دفين العز من كل كامن‬ ‫وحركتم من مجدكم كل ساكن‬ ‫واحرزتم من ارتكم كل غابر‬ ‫على رغم خيشوم العدو المشاخن‬ ‫فإن انتم استحليتم الذل مرتعا‬ ‫والفتم شرب المياه األواجن‬ ‫والقيتم للمعتدين زمامكم‬ ‫‪-12-‬‬

‫يقودونكم من كل عات وخائن‬ ‫وقلتم مقال العجز في اليأس راحة‬


‫فتصليهم آذان وجذع موازن (‪)32‬‬ ‫النص يبين التعلق بالوطن وشحد روح الجهاد أما المستعمر الذي هو بمثابة ركام‬ ‫الدواجن ويؤكد على ضرورة التعاون واالخاء وربط جسور الجهاد ضد العدو والخونة ان‬ ‫النص يلح على الرغبة في توحيد كل مكونات المجتمع لزعزة كيان المستعمر‪.‬‬ ‫فالكتابة الزاووية كيفية مرتبطة باألحوال والمقامات أي طريقة التعامل مع الذات‬ ‫والوجود فهي صورة ذهنية برزخية بين الواقع والتجريد‪ ،‬وهي خاضعة للتنوع والتطور في‬ ‫تكويناتها‪ ،‬بذلك فالقيمة الجمالية متفاوتة في الكتابة الزاووية‪ ،‬ألن االحساس بالجمال ال يكمن‬ ‫في المحسوس‪ ،‬وإنما في الخيال والذوق عبر التأمل وذاك ما أشار إليه هذا النص الذي‬ ‫يقول‪ :‬هوى يفوق الذي من قبله ذكرا‬ ‫ليس الهوى كالهوى لمن هو قمرا‬ ‫هاج الهوي فاهيج بالذي ذكرا‬ ‫قالوا لنا قمر من شمسنا ظهرا (‪)33‬‬ ‫فالنص استعمل لغة اشارية للتعبير عن تجربة صوفية كامنة في الطريقة التي‬ ‫سلكتها ألنها ليست أداة للتشخيص وإنما هي سلوك جمالي يكشف الباطن لمعانقة الوجود‬ ‫واالنفالت من قيود البرهان والبيان وإعادة ترتيب العالقة بين الذات وهللا‪ ..‬فالمعجم‬ ‫المستعمل في المتن الشعري ذاتي وذوقي يقوم على القلب‪.‬‬ ‫فاللغة في الكتابة الزاووية تقوم على استلهام من األطالل والغزل القديم للداللة‬ ‫على الحب االلهي كقول الشاعر‪.‬‬ ‫أوهاجه دارسن االطالل والدمن‬ ‫البذع إن حن ذولب إلى وطن‬ ‫هوج الرياح وسح الصيب الهين‬ ‫عوجا على طلل محت معالمه‬ ‫لوال ارتسام الهوى بالقلب لم يبن‬ ‫وقفت بالرسم أياما أبينه‬ ‫ورقا ترجع ألحانا على فنن‬ ‫ماذا أثارت من أفنان الغرام به‬ ‫أو تشتكي مثلما أشكو من الشجن‬ ‫ّكأنما أصفحت عما أجمجمه‬ ‫ال نهد شم الدار من جانبي حضن‬ ‫تحمل القلب وجدا لو تحمله (‪.)34‬‬ ‫‪-13-‬‬

‫وتكمن جمالية الكتابة الصوفية الزاووية في تطرقها إلى السفر والرحلة بطريقة‬ ‫خاصة‪ ،‬تقوم على التعبير االشاري المسترفد من األحوال الروحية واالنسانية وهذا ما جعل‬


‫بعض مبدعي الكتابة الزاووية طريقة جديدة‪ ،‬ألن لكل سفر مقصد‪ ،‬فمقصده عند الشيخ ماء‬ ‫العينين يكمن في البحث عن الحقيقة القائمة على البدن والقلب ألن " سفر بالبدن وهو‬ ‫االنتقال من بقعة إلى بقعة وسفر بالقلب وهو االرتقاء من صفة إلى صفة‪ ،‬فترى الكثيرين‬ ‫سافرون بأجسامهم والقالئل يسافرون بقلوبهم" (‪.)35‬‬ ‫لقد نزعت الكتابة الزاووية في التطرق إلى سفر نزعتين‪ :‬فالنزعة األولى ذاتية‬ ‫عميقة تعتمد على طريق الذوق والكشف الباطني انطالقا من الشريعة وفي هذا المضمار‬ ‫يقور الشاعر‪:‬‬ ‫ال تجعل الرحيل من كون لكون‬ ‫بل للمكون رحيلك يكون‬ ‫وانظر إلى قول النبي‬ ‫من كانت هجرته آلخر قد بانت‬ ‫ولتتأمل ذلك الكالما‬ ‫فهو يرشدك والسالما (‪)36‬‬ ‫وأما النزعة الثانية إنسانية ذات بعد معاناتي وماعانه االنسان والمدينة من دمار‬ ‫وخراب في عهد االستعمار فالشاعر يرثي مدينة السمارة التي كانت عامرة وعالمة أصبحت‬ ‫خاوية خالية فيقول في هذا المضمار‪:‬‬ ‫هذه السمارة في انبائها العبر‬ ‫منها تحيرت األلباب والفكر‬ ‫دار بصحراء من رأى عمارتها فيها‬ ‫مضى أورأها اليوم يعتبر (‪)37‬‬ ‫وإن السفر بالبدن يكون إلى أماكن خلفت أثرا في شيوخ الزوايا لها أبعاد نفسية‬ ‫واجتماعية جعلتهم يعبرون حبهم إليها بقولهم‪.‬‬ ‫اذا ما رأى الرائي مباني شيدت‬ ‫باندلس لم يلق فيها مخبر‬ ‫يظل على فكر يكفكف حسرة‬ ‫به عبرة لم يدر كيف يعبر‬ ‫‪-14-‬‬

‫ويقتصر عن أوصافها غير أنه‬


‫يحوقل يجابابها ويكبر (‪)38‬‬ ‫وعلى العموم فالكتابة الزاووية الصوفية عن السفر برزخية تحاول التوفيق بين‬ ‫الذوق والمعيش االنساني من أجل كشف أسرار الوجود وكينونة االنسان‪.‬‬ ‫فالكتابة الزاووية في األقاليم الجنوبية تتأسس على بعدين استراتيجيين‪ :‬فالبعد‬ ‫األول يقوم على المنظومة العرفانية التي تتشكل من‪:‬‬ ‫* معرفة هللا جل جالله‪.‬‬ ‫* مؤاخاة بين الطرق الصوفية وتوحيدها‪.‬‬ ‫* ترسيخ وحدة المجتمع في التشريع والسلوك‪.‬‬ ‫* بيان الصلة بين الشريعة واالحسان‪.‬‬ ‫* تصفية الروح وإعادتها إلى أصلها‪.‬‬ ‫االحسان‪.‬‬

‫* التخلق باألخالق الحميدة وتطهير النفس من الدرن والرذائل لتحقيق مقام‬

‫* المصادر الصوفية المهيمنة على الزوايا في الصحراء مستمدة من الطرق‬ ‫الصوفية المغربية التي مغربت التصوف منذ عهد عبد السالم بن مشيش وألفت كتب أسست‬ ‫على خلفية الطرق الصوفية وفي هذا المضمار‪" ،‬شملت الظاهرة الصوفية من جميع جوانبها‬ ‫مثل المذهب الصوفي في التوحيد الذي ال يعتمد على العقل والبرهان واالستدالل مثلما تفعل‬ ‫الفرقة كالمعتزلة مثال‪ ،‬والطرق الصوفية وآدابهم‪ ،‬وعبادتهم واذكارهم واأللفاظ الخاصة بهم‬ ‫ومناقبهم‪ .‬ثم أن هؤالء المؤلفين كان أغلبهم من شيوخ الطوائف الصوفية وبخاصة من‬ ‫األندلس أو من المتصوفة أو من الذين لهم ميل إليه‪ ،‬ومهما يكن فكلهم كان يشبع حاجات فئة‬ ‫معينة ومعنية بهذا الخطاب‪ .‬إن الفهارس لم ترو مؤلفات المرفوضين مثل ابن عربي وابن‬ ‫سبعين والشتري وغيرهم مما يدل على أن تلك المؤلفات أقصيت تماما من مادة التصوف‬ ‫وحتى المتأخرين‪ ،‬وبخاصة ما قرب من أجيالهم من الرواة الذين كانوا يستكثرون من‬ ‫مروياتهم ليعظموا في أعين الناس لم يذكروها" (‪.)39‬‬ ‫ومن هذا المنطلق اتخذت العرفانية الزاووية أبعادا تكمن في نهجها نهج التصوف‬ ‫السني الذي هو " سيد العلوم ورئيسها‪ ،‬ولباب الشريعة وأساسها‪ ،‬وكيف ال ‪ ،‬وهو تفسير‬ ‫لمقام االحسان الذي هو مقام الشهود والعيان‪ ،‬كما أن علم الكالم تفسير لمقام االيمان‪ ،‬وعلم‬ ‫الفقه تفسير لمقام االسالم‪ ،‬وقد اشتمل حديث جبريل عليه السالم على تفسير الجميع فإذا‬ ‫تقرر أنه أفضل العلوم تبين أن االشتغال به أفضل ما يتقرب به إلى هللا تعالى‪ ،‬لكونه سببا‬ ‫للمعرفة الخاصة التي هي معرفة العيان" القائمة على العناصر التي يمكن تشكيلها في‬ ‫الجدول التالي‪:‬‬ ‫‪-15-‬‬

‫التسليم‬


‫المنظومة العرفانية‬

‫التصديق‬ ‫الحال‬ ‫الذوق‬

‫الكشف‬

‫كشف حجاب حقائق الموجودات‬

‫الوجدان‬

‫االختراق‬

‫اختراق حاجز الزمن تجاوز حدودها وتخطيطها إلى المستقبل‬

‫الحدس‬

‫الطي‬

‫طي المكان أي السفر من مكان إلى آخر دور حاجة إلى وسائل النقل‬

‫المجاهدة‬

‫التعددية‬

‫تعدد صور الوالي‬

‫الديمومة‬

‫ديمومة الحياة الروحية‬

‫االتصال‬

‫االتصال بارسول (ص) وبالمخلوقات أمواتا وأحياء‬

‫التلقي‬

‫تلقي العلم على أيدي السابقين الظاهر والباطن‬

‫الشهود‬

‫شهود الحق الباري‬

‫التصرف‬

‫التصرف في الموجودات‬

‫القيام بجميع حقوق هللا تعالى سرا وعلنا‬ ‫إقامة الشريعة االسالمية على أحسن التقويم‬ ‫االعراض عن عالم الحسن‬ ‫الخضوع بحفظ األدب في الزوايا‬ ‫هللا حاضر مع شيوخ الزوايا ومريدهم‬ ‫المراقبة‬ ‫الحياء من الحق بالحق هيبة‬ ‫المشاهدة‬

‫حفظ الشريعة واألحكام الدينية‬ ‫عبادة هللا كأنك تراه‬

‫المعرفة‬

‫القرب الدائم‬ ‫إقامة الوظائف الدينية‬ ‫مخلقا بأخالق الحق‬ ‫اعطاء الحكمة ألهلها ومالزمة الهيبة وحفظ أسرار الحق‬ ‫‪-16-‬‬


‫وإن هذه المنظومة العرفانية اعتمدت على البعد الثاني الذي يكمن في الجمالي في‬ ‫الكتابة‪ ،‬والذي يكمن في الخط وانتظام األصوات في الكلمة‪ ،‬والكلمة في الجملة والجملة‬ ‫تشكل خصوصية النص الذي هو نسق من العالمات يقوم على نظام تركيبي‪ ،‬الذي هتك‬ ‫وتجاوز البنية المؤطرة والمرجعية المتداولة‪ ،‬وإخراج " المعاجم الطبيعية والغزالية‬ ‫والخمرية من السياق الدنيوي والفضاء الحسي والبعد الظاهري والالهي إلى السياق الديني‬ ‫والفضاء المعنوي والبعد الباطني الروحاني االلهي‪ ،‬هذا الخرق كان مصدر تفجير‬ ‫وخلق(‪ )...‬فيتلون النص بوقت صوفي واألحوال التي تتلبسه‪ ،‬مثلما يتبلل لمعالم المقامات‬ ‫التي يقيم فيها‪ ،‬وهو ما يظهر ويتجسد ويتشخص في أخالق اللغة الصوفية‪ ،‬أعني أخالقها‬ ‫الجمالية وتقاسيمها وكتماتها ومالمحها المعجمية والتركيبية والداللية وااليقاعية وهنا تستبين‬ ‫أول خاصية للغة صوفية أعني مصدرها الروحاني الجوانب‪ ،‬مما يجعلنا ننعتها بكونها لغة‬ ‫باطنية" (‪ .)40‬ورؤيوية وبرزخية وإشارية و ال محدودية وكثافة التخييل واالبتعاد عن‬ ‫البيان والبديع والنظم الذي يقوم على العقل والمحاكاة واالنغماس في الخيال للتحليق في عالم‬ ‫التداللية واالحتمالية وتجريد المحسوس عبر العبارة العرفانية‪.‬‬ ‫ويتضح من خالل الكتابة الصوفية الزاووية أن جماليتها تكمن في االبتعاد عن‬ ‫التجلي حيث تتساند فيما بينها لتشكل انسجاما النص‪ ،‬وتالحم عناصره التعبيرية‬ ‫والتصويرية‪ .‬وتساهم هذه السمة التصويرية الهامة في تشكيل وحدة النص الصوفي‪ ،‬الذي‬ ‫يجمع بين ثناياه عددا ال متناهيا من صيغ التعبير وأساليب التصوير‪ .‬وعبر هذا التساند‬ ‫يصبح التصوير الصوفي‪ ،‬وتعني المتلقي في لغة تصويرية بالغية مخصوصة تجمع‬ ‫المتنافرات والمتنافقات في بؤرة متراكبة على قدر عال من الفنية‪ .‬وفي هذا البعد تكمن‬ ‫أهمية التصوير األدبي الصوفي وقدرته على التمييز" (‪.)41‬‬

‫الخاتمـــــة‬ ‫وعلى هذا األساس‪ ،‬نستخلص مما سبق ذكره‪ ،‬أن الكتابة الصوفية الزاووية‪،‬‬ ‫ليست محاكاتية وإنما ذوقية تنتج حقوال داللية متغيرة باستمرار متفاعلة مع المقامات‬ ‫واألحوال‪ ،‬ألن الذوق يؤسس على مرجعية إشارية تداللية باطنية‪ ،‬تقوم على مطابقة‬ ‫الحروف والكلمات اللغوية للمعاني الباطنبة في خيال العارف الزاووي لتحقيق خرق التمثيل‬ ‫األدبي للواقع واالنزياح عنه‪ ،‬وتشكيل اإلطار العرفاني يقوم على االنزياح والتكثيف‬ ‫والتأويل والتخييل والذوق المتشكلة من االدراك الحدسي عبر المقامات واألحوال‪ ،‬لتشكيل‬ ‫ال محدودية الوحدة الداللية للكتابة الصوفية الزاووية‪ ،‬ألن الشفرة والترميزية المستعلمة‬ ‫ليست استعارة‪ ،‬لكونها تشير إلى معنى خفي ال يمكن استنباطه إال عن طريق التأويل‪ .‬ألن‬ ‫الكتابة الصوفية الزاووية ترتبط بالكيفية التي يتم فيها تشفيرها وترميزها دون تضمين‬ ‫الوظيفة والمحاكاة والمرجعية لتحقيق قرينة الجمال وإعجاب القارىء‪.‬‬ ‫والســالم‪.‬‬

‫‪-17-‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.