حب خال من الدسم للأديبة اللبنانية نوره حلاب

Page 1


‫تمهيد للكتاب‬ ‫ليس هو الراس الذي يجب رفعه عاليا ولكنه القلب ‪...‬لذلك‬ ‫كان الحب هو المحرك األهم في الوجود ‪ ......‬لذلك نُثرت‬ ‫تلك الحروف‪.....‬‬ ‫نوره‬


‫سم‬ ‫حب‪ ...‬خا ٍل من الد َ‬ ‫مالصقا ً لسور المستشفى‪ ،‬حيث كان يعتصم بائع الكعك بمنقله وكعكاته الشهية‬ ‫التي إستوقفت المرأة لتنتقي منها قمرا ً ذهبيا ً ساخنا ً شَرعت في إلتهامه بشهية‬ ‫سرها‪.‬‬ ‫مفتوحة وحدها تعرف ّ‬ ‫كدشة وراء كدشة من العجين الساخن والزعتر كانت تجرفها في نشوة عارمة‬ ‫من األخذ بالثأر من ذاك الرجل الذي يرقد في المستشفى أمامها على سرير‬ ‫أبيض تحفه أغطية بيضاء‪.‬‬ ‫هو نفسه الذي أوصاها البارحة على كعكة يزعتر بها خفية عن طاقم األطباء‬ ‫والممرضات ونظامهم الغذائي الصارم‪.‬‬ ‫سمت لنفسها منتشية حين الحظت القمر الذهبي الدافئ بين يديها‪ ،‬يتناقص‬ ‫تب ّ‬ ‫تدريجيا ً ويكاد يصبح هالالً يتالشى بسرعة قياسية‪.‬‬ ‫لجمت شهيتها المفتوحة على كل اإلحتماالت‪ .‬لفّت بالورقة ما تبقّى من الكعكة‪،‬‬ ‫ستها في حقيبتها وإنطلقت تصعد الساللم نحو باب المستشفى منتصبة القامة‬ ‫د َّ‬ ‫مرفوعة الرأس واثقة ال ُخطى‪ ،‬ال يخالطها أدنى شعور بالذنب أو الندم على‬ ‫عطها طيلة مسيرة حياتها سوى‬ ‫نصف كعكة ستعطيها لهذا الرجل الذي لم يُ ِ‬ ‫مجموعة انصاف‪.‬‬ ‫أعطته حبا ً كامالً‪ ،‬قلبا ً كامالً‪ ،‬عمرا ً كامالً‪ ،‬ودائما ً كان بكامل قواه العاطفية ال‬ ‫عمر‪.‬‬ ‫يتصدّق عليها سوى بنصف قلب‪ ،‬بنصف حب ونصف ُ‬ ‫حتى حين وعدها ببيت األحالم بنى لها نصف بيت تاركا ً أعمدة األساسات‬ ‫على السطح منتصبة تتورم تعبا ً من الوقوف وتتثاءب ضجرا ً من الملل‪.‬‬ ‫ملل من طول إنتظار عائلة لم تكتمل‪.‬‬ ‫حتى القدر تآمر عليها معه فخذلها على طريقته حين أهداها هذا الرجل الذي‬ ‫ص ّرت أن تكون له عائلته‬ ‫ّ‬ ‫كونت معه نصف عائلة فقط دون أبناء‪ .‬رغم ذلك أ َ‬ ‫الكبرى من األم واألخت والحبيبة‪ ،‬حتى الزوجة واألبنة‪ ،‬رغم علمها جيدا ً أنها‬ ‫ربما لو َح َملت إسم غيره لَ َح ْ‬ ‫ملت ربما بقبيلة من األطفال‪.‬‬ ‫هو القدر وهي مستسلمة لقدرها ساكنة ذاك السكون المتخاذل األحمق قانعة‬ ‫بقسمتها ونصيبها بذاك النصف الفارغ الذي يَ ّ‬ ‫من به عليها والذي ال يروي وال‬ ‫سمن وال يغني عن جوع‪.‬‬ ‫يُ ِ‬ ‫كانت تخطو برشاقة ُمل ِفتة في ممر المستشفى يخالطها شعور خفيف بالشبع‬ ‫سنَدت قلبها منذ قليل بنصف كعكة ساخنة إقتنصتها من‬ ‫حين تذكرت أنها َ‬


‫حصة هذا الرجل الذي لن يطال منها بعد اليوم سوى النصف من كل شيء‪.‬‬ ‫بدءا ً من نصف الكعكة ستنقلب اآلية‪.‬‬ ‫ستكون باسلةً‪ ،‬ستستجمع شجاعتها المتخاذلة وإصرارها لتسترجع منه كل ما‬ ‫لها بذمته من أنصاف‪ ،‬عبر ربع قرن‪ ،‬وتبدأ هي بالتالي تتصدّق عليه وهي‬ ‫بكامل قواها العقلية والعاطفية‪.‬‬ ‫من قلبها لن تهبه سوى النصف‪ .‬ومن حبها ستحجب عنه النصف‪ ،‬حتى‬ ‫جسدها لن تدعه بعد اليوم يتحلل بكامله بين ذراعيه‪ ،‬ستعطيه نصفه الصنم‬ ‫البارد‪ ،‬المبلّد األحاسيس وتحتفظ لنفسها بنصفه الدافئ النابض بالحب والحياة‪.‬‬ ‫منذ الغد حين يغادر المستشفى سليما ً معافى ستباغته بسياسة الند للند‪ ،‬العين‬ ‫بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم ومثلما تراني يا جميل أراك‪.‬‬ ‫كانت أفكارها تغافلها متسللة تجتمع بين شفتيها تمتمات شبه مسموعة وسط‬ ‫حلقة أشخاص ظلوا يُحدّقون إليها بفضول غريب وهي تتخذ مكانها بينهم أمام‬ ‫باب المصعد تنتظر بدورها وصوله‪ .‬شعرت باألحراج‪ ،‬إبتلعت ريقها‪ ،‬علّقت‬ ‫حقيبتها في كتفها ثم شبكت يديها على صدرها متجاهلة األمر‪ ،‬شاخصةً‬ ‫ببصرها مع الشاخصين بأبصارهم نحو اإلشارة الضوئية وهي تشير الى‬ ‫المصعد في الطبقة األرضية‪.‬‬ ‫حين فُت َح الباب وولجت المجموعة داخل الكابين كان عددهم معها ال يتجاوز‬ ‫الخمسة أشخاص‪ ،‬ضغط كل بدوره على رقم طابقه وأخذ ينتظر ألكثر من‬ ‫ّ‬ ‫ويعن مستنفرا ً كل قواه ليحملهم ببطء شديد لفت‬ ‫خمس ثوان‪ ،‬أخذ المصعد يئن‬ ‫إنتباه المرأة وأثار همة تفكيرها‪.‬‬ ‫عزت األمر لسالمة المرضى ربما أو للحرص على راحتهم أثناء نقلهم ربما‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫يشت في إتجاه بينما خيالها يجنح صوب إحتمال آخر‪ .‬لعله لم يكن‬ ‫كان عقلها‬ ‫مجرد مصعد عادي بقدر ما كان حماالً للهموم‪ .‬يحمل ه ّمها وهم هؤالء األفراد‬ ‫المحيطين بها‪.‬‬ ‫إختطفت من الوجوه حولها نظرة عابرة‪ .‬ال إبتسامات في مصاعد‬ ‫المستشفيات‪ ،‬ليس هناك سوى التنهدات والكل يغني على مواله الحزين‪.‬‬ ‫كانت المرأة عن يمينها تزفر الزفرة تلو األخرى والرجل عن يسارها يتمتم‬ ‫راجيا ً رحمة هللا وفرجه‪ ،‬حين فتح الباب وأُفرج عنهما معا ً في الطابق األول‬ ‫عند قسم العالج الكيميائي واألمراض المستعصية‪ .‬سبحان هللا‪ ،‬أخذت المرأة‬ ‫تحدث نفسها‪ ،‬بالتأكيد هما قريبا شخص عزيز دخل نفق هذا العالج المشؤوم‬


‫طامعا ً بوصلة إضافية إصطناعية من الحياة‪.‬‬ ‫في الطابق الثاني إستراح المصعد أمام قسم الوالدات واألطفال حيث أحد لم‬ ‫يدفع الباب‪ .‬أخذت تتخيّل رواد هذا القسم وزواره‪ ،‬بالتأكيد ال ينتظرون‬ ‫المصاعد‪ ،‬اقدامهم تصعد الساللم بخفة الغزالن مح َّملين بهدايا الحدث السعيد‪،‬‬ ‫علب الشوكوال‪ ،‬باقات الزهور وافراحهم بالمولود الجديد‪ .‬حماسهم وحده كفيل‬ ‫بأن يحملهم حتى الطابق العاشر على رجل واحدة‪ ،‬سبحان هللا‪ ...‬كانت تتمتم‬ ‫لنفسها وهي تغادر الكابين عند الطابق الثالث حيث جناح العناية المركزة‬ ‫وأمراض القلب والشرايين‪.‬‬ ‫ر ّكزت حقيبتها على كتفها وانطلقت تقطع الممرات الطويلة بخطواتها‬ ‫صة حتى بلغت الغرفة إياها حيث دفعت الباب برفق وحذر تتفقّد رجلها‪،‬‬ ‫المترا ّ‬ ‫فأذا بها تعاين فراغ المكان‪ .‬إرت ّج قلبها في صدرها وكاد يقع فريسة أسوأ‬ ‫األحتماالت لوال تلك الممرضة التي أسعفتها في توضيح المالبسات‪« .‬ال‬ ‫تجزعي يا سيدتي زوجك في العناية الفائقة بعد تعرضه البارحة لنوبة قلبية‪،‬‬ ‫اتبعيني لزيارته من فضلك‪».‬‬ ‫في غرفة العناية المركزة أعطوها جهازا ً كامل التعقيم‪ ،‬من غطاء الرأس‪ ،‬الى‬ ‫الروب األبيض حتى الجوارب المعقّمة ثم أوصوها التوجه مباشرة نحو الغرفة‬ ‫الزجاجية حيث يرقد المريض مع التقيّد بالتعليمات‪.‬‬ ‫سي شيئا ً في طريقك حتى ال تنتشر الجراثيم‪،‬‬ ‫«احرصي سيدتي على أال تم ّ‬ ‫أخذت تخطو نحوه بتأن‪ ،‬كانت تحفّها طاقة حب فت ّ‬ ‫ش ُع منها هالة افكار‬ ‫وتساؤالت‪ .‬ترى اليست اشعاعات هذا الحب الذي يمألها كفيلة بتعقيم تلك‬ ‫األرجاء حولها‪ .‬خيالها كان جامحاً‪ ،‬أما عقلها فكان يتولى أمر ردّه لجادة‬ ‫الصواب‪ ،‬يخبرها حقيقة ال مناص منها في هذا المكان هنا‪ ،‬حيث ال يؤمنون‬ ‫سوى بما تشير اليه األجهزة واألنابيب وتسجله اآلالت التي يرقد بينها الرجل‬ ‫على ظهره‪.‬‬ ‫تأملته‪ ،‬سبحان هللا هو نفسه الذي بقي لسنوات طوال يدير لها ظهره‪ ،‬عادت‬ ‫تشوش على تركيزها‪ ،‬كيف أسرفت قلبها لتفديه؟!‬ ‫قضية األنصاف ّ‬ ‫كيف بذّرت كامل حبها لترضيه؟!‬ ‫كيف سفحت كامل عمرها عند قدميه لتسعده وترويه؟!‬ ‫كيف وكيف ‪،‬كيف كانت هي وكيف كان هو بكامل قواه العقلية والعاطفية‬ ‫شحيحا ً وضنينا ً ال يتصدَّق عليها سوى بنصف قلبه‪ ،‬بنصف حبه‪ ،‬بنصف‬


‫إهتمامه معظم الرجال من حولها يخصمون سلفا ً من حصص نسائهم نصف‬ ‫قلوبهم‪ ،‬نصف حبهم ونصف إهتمامهم‪.‬‬ ‫أكثر النساء من معارفها يكابدن مثلها وجع تلك األنصاف وسوء مرارتها‪.‬‬ ‫كانت تتقدم منه وهي تحدّق به عاجزا ً ال حول له وال قوة‪ ،‬ودّت ساعتها لو‬ ‫ترشقه بسهام تلك األسئلة الصعبة‪.‬‬ ‫ ترى أين يذهب الرجال بكنوز أنصافهم؟!‬‫ ماذا يفعلون بها؟ هل يرمونها في البحر مثال؟!‬‫أين يهدرونها؟! هل يختزنونها ألمرأة اخرى؟!‬ ‫هل لديهم في األساس ش ّحا ً في عواطفهم؟!‬ ‫أم يكدّسونها في صدورهم عمدا ً عبر السنين حتى تنفجر بهم ذات ليلة في نوبة‬ ‫قلبية؟!‬ ‫أخذت تدنو أكثر فأكثر من العازل الزجاجي‪ ،‬صدرها يعلو ويهبط على وقع‬ ‫أنفاسها الدافئة المتالحقة على صفحة الزجاج بقعا ً ضبابية تتبينه من خاللها‪.‬‬ ‫صة اعتذار تتلوان عليها‬ ‫كانت تقرأه وكان يرنو إليها بحب كبير‪ ،‬عيناه من ّ‬ ‫قصيدة حسرة وندم‪ ،‬طاف في بالها ساعتها إحتمال وخطر لها ما لها بذمته!!‬ ‫كان مدينا ً لعمرها بمخزون الحب الهائل‪.‬‬ ‫ماذا لو قرر اآلن أن يصفّي حساباته أو يبرئ ذمته أمام ربه ونفسه فيعيد إليها‬ ‫حقها من قلبه ويفرغ لها مرة ً واحدة كل بيادر حبه‪ .‬ماذا ستفعل عندها؟!‬ ‫كيف ستتدبر األمر هي التي أصبحت في المقلب الثاني من العمر؟؟‬ ‫ربع قرن كانت خالله تَض ُّخ في أيامه حبا ً غنيا ً كامل الدسم‪ ،‬غذا ًء ملكيا ً للقلب‬ ‫والعقل والروح‪ .‬ربع قرن قضاها ذاك الرجل يمتص رحيق هذا الحب يشرب‬ ‫من زبدته وال يشبع!!‬ ‫كيف سيعيده إليها اليوم وقد صار بال لون وال طعم وال رائحة‪ .‬لم يعد يلزمها‬ ‫حب صار ماصالً!!‬ ‫ٌ‬ ‫سيعيده اليها حبا ً خاليا ً من الدسم‪...‬‬


‫الحديث األخير‬

‫" زوجتي الحبيبة ‪ ....‬سامحيني ‪ ...‬غادرتك بغتةً على عجل دون ان اطبع‬ ‫على خدك األسيل قبلة الوداع األخير ‪ ،،‬دون ان استنشق منك عطر الياسمين‬ ‫الرقيق ‪ ،،‬دون ان اروي لك على عادتي كل مساء ‪ ،‬تفاصيل نهاري ال ُمتعب‬ ‫حين أُفرغ لك بجعبة اخباري ‪ ،‬فتضحكين من طرافة بعضها وتُشرقين و‬ ‫تستاءين من بعضها اآلخر وتتعكرين ثم ال يلبث ان يستوي مزاجك وتعتدلين‬ ‫وسط ض ّجة أطفالنا وتحضير مائدة عشاءنا ‪ ...‬كان وقت العشاء في المسجد‬ ‫حيث كنت اؤدي آخر ركعة من فريضة صالته ‪ ...‬كنت اسلم يمينا ً ويسارا ً ثم‬ ‫اتلو الدعاء األحب على قلبي ‪ " ..‬اللهم اجعل في قلبي نورا ً وفي عقلي نورا ً‬ ‫وفي بصري نورا ً وفي سمعي نورا ً " حين ّ‬ ‫رن الموبايل في جيبي فكلفت قلبي‬ ‫تتمة الدعاء ألتكفل بالرد عليك‪..‬‬ ‫ "عادل حبي ال تنسى ان تحضر لنا ربطة الخبز للعشاء األوالد ينتظرون‬‫وال لقمة خبز في البيت "‬ ‫ "حاضر حبيبتي حاضر عشر دقائق فقط واكون عندك مسافة الطريق ‪"..‬‬‫أقفلت الخط وانتصبت واقفا ً برشاقة الرمح ‪ .‬كنت اتلفّت حولي وسط العشرات‬ ‫دوى‬ ‫مصغيا ً لتمتمات األدعية تتصاعد في الفضاء لتمأله سكينةً ورهبةً حين ّ‬ ‫في القرب انفجار هائل ارت ّجت له ارجاء القاعة وقلوب المصلّين‪ .‬هرعت‬ ‫صوب باب المسجد ألتبين األمر وسامحيني يا حبيبتي ألنني لم انتعل حذائي‬ ‫فدُست العتبة واول درجة في السلم بجواربي البيضاء فاتسخت بالتاكيد وانا‬ ‫اعلم تماما ً كم تعاني اناملك الرقيقة في حكاية دعكها وتنظيفها العميقة ‪،،،‬‬ ‫ولكنه الحدث او األلهام الذي غلبني ودفعني ألتس ّمر على عتبة المسجد محدّقا ً‬ ‫شر متربّص يد على قميصه يفتح بها‬ ‫به قادما ً باتجاهي اسود الوجه‪ ،‬في عينيه ّ‬ ‫زرا ً واخرى على بطنه يتحسس بها امرا ً ادركته بلمح البصر ‪ " ...‬كان حزاما ً‬ ‫ناسفا ً ‪ ""..‬فورا ً اتخذت قراري ‪ ،‬نسيت ربطة الخبز واطفالي الجائعين ولم‬ ‫اتخيل في الداخل سوى اشالء المصلين‪ " ...‬ال والف ال ‪...‬طويلة على رقبتك‬ ‫تصر بين‬ ‫ياحقير يا سافل يا وغد يا خبيث ‪..‬انتظر وسترى ‪ " .‬كانت العبارات‬ ‫ّ‬ ‫اسناني صريرا ً مخيفا ً وانا االقيه مر ّحبا ً فافتح له ذراعي وآخذه في احضاني‪،‬‬ ‫اطوقه ألصدّه بوهلة الترحيب الوهمي وال افلته ‪ " ..‬اهالً اهالً ابو صطيف‬ ‫ّ‬ ‫النجس تسدّ انفاسي‬ ‫‪...‬وينك يا زلمي اشتقنالك وين هالغيبة " محتضنا ً جسده ِ‬ ‫رائحته الن ِتنة كنت اس ّمره في مكانه في اللحظة ذاتها التي شعرت خاللها‬


‫باصابعه تكبس على بطنه حين انفجرنا سويا ً على اثره ‪ ..............‬تناثر‬ ‫لحمي وعظمي وسال دمي نهرا ً على درج السلم الرخامي األبيض‪ ...‬تفتت‬ ‫رئتاي وذاب قلبي الذي كان منذ قليل يستأنس بحكاية حبك يا حبيبتي ‪ ....‬في‬ ‫اليوم التالي شيّعوني كما يقولون ؟؟؟ !!! ماذا شيّعوا مني ربما نثرات مبعثرة‬ ‫هللا واعلم ‪ ...‬قالوا انه لم يبق مني سوى صفحة وجهي وعيناي المفتوحتان‬ ‫على فرح كبير ‪ ..‬كانت صورة وجهك يا حبيبتي في ذاكرتي آخر مشهد سجلته‬ ‫عدسة المقلتان ‪ ..‬سامحيني يا زوجتي ألنني تاخرت ولم اعد حامالً ربطة‬ ‫الخبز لطعام العشاء ‪ ..‬لم يتعشى طفلينا ومائدة اليتم العامرة كانت وحدها‬ ‫حاضرة ‪ .‬سامحيني ألنني لم ابتسم لك عند المساء آخر ابتساماتي ولم اقطف‬ ‫من عينيك فرح الورد الشجي وعطر الزنبق البهي ‪ ..‬سامحيني واحضني‬ ‫طفلتنا التي تحتضن صورتي وال تنفك تردد امام عدسات المصورين انها‬ ‫اشتاقت لقبلة والدها الشهيد ‪ ..‬خذيها على صدرك ودعيها تكبر ‪ ...‬ذات يوم‬ ‫سوف تُغرم وفي يوم زفافها الموعود آسف يا حبيبتي لن اكون السند والجود ‪،‬‬ ‫في يوم فرحها لن يكون لي وجود وعلى ساحة صدري لن يكون رأسك هو‬ ‫المسنود ‪ ..‬على وجنتيك الناعمتين سينهمر شالل الدموع ‪ ،،،‬ستسألك عني‬ ‫صغيرتي وبين فرحها وحسرتك ال اعرف اذا كانت ستسعفك الحروف‬ ‫يغص من الجرح لم يزل موجوع ‪ ،،،‬وانينه‬ ‫والنبض في صدرك لم يزل‬ ‫ّ‬ ‫مسموع‪..‬‬


‫"تعي دفيكي"‬ ‫زوجي العزيز ‪:‬‬ ‫هو احد امرين ‪ ،،،‬او انك صرت تشكو من شح خطير في المشاعر او تعطل‬ ‫ميزان الحس لديك لذلك صرت تستعين" ببوست" سخيف ترسله لي في عز‬ ‫هذا البرد كما يفعل غيرك لتحدثني عن الدفئ وتقول لي " تعي دفيكي " ‪....‬‬ ‫ماذا تظن نفسك ‪...‬عصري ‪ ،،‬مهضوم ‪ ،،‬ام انك صرت اخيرا الرجل‬ ‫المتعاطف الحنون ‪....‬‬ ‫لعلمك يا سيدي انني انتمي لجيل العقد الخامس عند النساء ‪ ،،‬الذي صار اليوم‬ ‫وسط تلك األجيال المعاصرة ما يسمى بالرقم الصعب و العملة النادرة ‪..‬‬ ‫جيلنا الذي كان عقد زواجه منذ ثالثة عقود وهو لم يزل بعد في عمر الورود‬ ‫‪....‬‬ ‫كان الزواج المبكر الموضة في ايامنا وكنا حريصات على اتباع احدث‬ ‫خطوطها وازياءها وقصاتها ‪...‬‬ ‫كنا في عمر الورود و كنا نواكب الموضة ومع امواجها كنا نموج ‪....‬‬ ‫وكنت كغيرك من الرجال ‪ ،‬فارس األحالم جواد يمتطي جواد ‪ ،‬يصهل معه‬ ‫َ‬ ‫ويصهل لصهيله وحين يبلغ بوابة دارنا ‪ ،،،،‬يشد لجامه ويكاد يفقد صوابه‬ ‫حين ترحب به عرائش الياسمين ‪ ،‬يستقبله عطره الفواح الرقيق وتحييه شتول‬ ‫الورد ويسلم عليه قوام الزنبق األنيق ‪.........‬‬ ‫مددت لي يدك حينها فتركتها لك ببراءة عمر الطيبة والصبا ‪...‬رفعتني على‬ ‫َ‬ ‫جوادك ‪ ،،‬فجلست خلفك احتمي بظهرك واطوق خصرك لتنطلق بي حينها‬ ‫مضرجة بالخجل والوجل ‪...‬‬ ‫وردة ندية‬ ‫ّ‬ ‫كنت اسمع صهيل فرسك وصهيل قلبك فيرتجف قلبي حماسا ً وتاثرا ً والفرس‬ ‫يعدو بنا نحو ارض الحب والفرح الموعود ‪.......‬‬ ‫هناك شعرت بالبرد ألول مرة حين عرفت انك تنتمي لعشيرة ال تشبه عشيرتي‬ ‫مسور بحدود !!!!! وال يمنح للصبية الغريبة مجانا ً وله في‬ ‫‪....‬الحب عندكم ّ‬ ‫ذلك شروط وقيود ‪..‬‬ ‫وكنت اشعر بالبرد بينهم ‪ .....‬وحينها كان عليك ان تقول لي " تعي دفيكي "‬ ‫‪..‬ولكنك كنت تبقى صامتا كأبي الهول ‪..‬‬


‫ولم اكن سوى في الثامنة عشرة ‪...‬يافعة جدا وطيبة جدا ومستغربة جدا وسط‬ ‫وجوه مسطحة تجيد تبديل األقنعة ‪ ،،،‬فال اعرف األصلي فيها من التقليد‬ ‫واشعر انني غريبة جدا وضعيفة جدا ‪....‬‬ ‫سب على هفواتي وكانني املك خبرة الثامنة‬ ‫في االثامنة عشرة ‪ ،،،‬كنت أحا َ‬ ‫والثالثين وكم كنت ارتجف واشعر بالبرد ‪ ،،،‬وكم انتظرتك لتقول لي‬ ‫" تعي دفيكي " ‪..‬‬ ‫كنت احلم ان ترفع لي رأسي حين اوشك ان ان ّكسه وتثبّت لي كتفي حين اود لو‬ ‫الوذ بالفرار ‪...‬‬ ‫كنت الزعيم وكان لك السمع دون‬ ‫كنت الشيخ واألمير ‪َ ،،‬‬ ‫ولكنك وسط اهلك َ‬ ‫تردد وكانت لك الطاعة بال حدود ‪.‬وكنت اشعر بالبرد ولم تقل لي يوما ً " تعي‬ ‫دفيكي " ‪....‬‬ ‫بعدها تعلمت ان اعتمد على نفسي فاوقد لها دفئا ً من نفسي وحين جاور قلبي‬ ‫ذات يوم نبضا ً ضعيفا ً آخر غير نبضي عرفت انني انتظر مولودا ً منك فتفائلت‬ ‫‪...‬‬ ‫اخيرا ستكون لي ‪...‬اخيرا ستعيش معي سحر اللحظة وروعة الحدث السعيد‬ ‫اخيرا سيصبح لنا عائلة واطفال وخصوصيات ‪...‬اخيرا سنصبح اسرة انت لي‬ ‫فيها السند والحامي وال‪................‬‬ ‫ولكنك تركتني في توقيت النساء األهم ‪......‬وقت الوالدة وهن بين الحياة‬ ‫والموت ‪ ..‬وبحجة السفرة الطارئة والعمل الذي ال يرحم والمستقبل والمجد‬ ‫الذي تسعى له ‪....‬ادرت ظهرك ورحلت ومن قلبي من حينها تداعيت ‪....‬‬ ‫وكانت والدة عسيرة تركت طاقم المستشفى في عجز وحيرة ‪....‬ولم يكن يكفي‬ ‫صدر امي الحنون وال ساعد الطبيب الموزون ‪ ،،،‬وكنت احتاجك شريانا‬ ‫للحياة في حين كان علي ان اهب الحياة وكنت اشعر بالبرد في عز صيف "‬ ‫تموز " ولم تقل لي حينها " انا هنا "وتعي دفيكي " ‪...‬‬ ‫ثالثون عاما مضت لم تتذكر خاللها مرة عيد زواجنا لتقول لي " كل عام‬ ‫وانت بخير " ربي يخليلي ياك " ‪...‬حتى في عيد األم لم تكن تعايد سوى امك‬ ‫متناسيا انني بدوري اما‪ .‬وانك بفضلي صرت ابا لثالثة من الذكور ‪..‬ومعهم‬ ‫غدوت الثريا المضيئة في حياتنا بثالثة شموع‪....‬‬


‫كنت تستكثر علي‬ ‫سواء في عيد زواجنا او في عيد األم او في اعياد ميالدي َ‬ ‫دائما ً " كل عام وانت بخير" و هللا يحميلي ياك ‪... .‬‬ ‫و كثيرا ما كنت اشعر بالبرد ولم تبادرني مرة ب‬ ‫" تعي دفيكي " ‪....‬‬ ‫ثالتون عاما مضت على هذا الزواج كنت تسافر خاللها الهثا ً خلف اعمالك‬ ‫طامعا في انجازاتك ‪،،‬لم تتصل بي مرة لتقول لي انك نشتاقني او تفتقدني‬ ‫وكنت تعود دائما ً محمال بالهدايا ‪ ،‬ممتلئ الجيوب ‪......................‬وفارغ‬ ‫القلب ‪...‬‬ ‫وكم كنت اشعر باألسى وانا احس انني اسكن في الجزء الخلفي من دماغك ‪،،‬‬ ‫واحوم دوما حول قلبك فال تترك لي منفذا اليه عن سابق تصور وتصميم‬ ‫‪.........‬وكانت تسري في داخلي قشعريرة برد ولم تقل لي ابدا وقتها " تعي‬ ‫دفيكي " ‪.‬‬ ‫ثالثون عاما مضت ‪...‬هل تعلم يا زوجي العزيز اي شوط قطعته خاللها من‬ ‫العذاب الصامت حين اعلم واتاكد انك تقطع في احدى نزواتك العابرة التي‬ ‫يقطع بها حكما معظم الرجال ‪ ....‬وكان علي ان اتحمل بروح رياضية ‪،،‬‬ ‫فاصبر بترف واتحمل باناقة ألن ما لقنتني اياه امي كان اطروحة في حسن‬ ‫التصرف واللياقة ‪....‬‬ ‫ان للبيت اعمدة عديدة يا بنيتي هي الرجل وجسر واحد هو المرأة هو انت فال‬ ‫تنسفي الجسور كي ال ينهد السقف على روؤس هؤالء الصغار ابناؤك ‪..‬‬ ‫وكنت وفية لحكمة امي وامومتي و وصية جدتي ‪ (...‬الحكمة يا صغيرتي‬ ‫ثلثاها تغابي وثلثها فطنة) ‪..‬‬ ‫هكذا كانت تردد على مسامعي ‪...‬ال حقا ً حين تكررت نزواتك اضطررت‬ ‫للتعديل في الوصية ومسارها ‪...‬ولم تعد الحكمة في نظري تعادل ثلت فطنة‬ ‫وثلثان تغابي صارت باثالثها كلها ‪....‬‬ ‫التغابي ثم التغابي ثم التغابي ‪ ..‬ألن الفطنة كانت لدي والحمدهلل تحصيل‬ ‫حاصل‪..‬‬ ‫وكنت تظن نفسك حاذقا جدا وكنت اراك متذاكيا جدا فاتركك تعتقد انني آخر‬ ‫من يعلم ‪،،‬ادعك في عماك وانكفئ على نفسي ‪ ،،‬يرتجف قلبي ويكاد يثلج من‬ ‫شدة البرد ورغم ذلك ‪......‬‬


‫لم تاخذني مرة على صدرك لتقول لي انك آسف وانك اخطات " وتعي دفيكي‬ ‫"‪.‬‬ ‫ثالثون عاما مضت ‪...‬‬ ‫امتدت شجرة العائلة ‪ ،،‬ومن بيتنا تفرعت ثالثة بيوت وصار لنا باقة احفاد‬ ‫صاروا فرح مواسمي وصارت ضحكاتهم الدفئ الذي يسري في اوصالي‬ ‫‪.......................‬ولم اعد اشعر بالبرد ‪....‬‬ ‫زوجي العزيز ‪....‬انتهت رسالتي ‪..‬‬ ‫لم افكر في الكتابة لك يوما ولكنه ذاك البوست ‪.‬‬ ‫تعي دفيكي """"" كان تلك النقطة التي طفح منها الكيل ‪ ،،،‬فانساب البوح‬ ‫وتفككت سلسلة المشاعر ‪..‬‬ ‫ساترك الرسالة لك جانبا واذهب للنادي حيث ينتظرني صف " األيروبيك "‬ ‫ودفىء الصحبة الحلوة ورفيقاتي ‪...‬‬ ‫زوجي الحبيب ‪.....‬‬ ‫ابواب الدار مشرعة لك ‪ ،، ،‬وصدر البيت يرحب بك ‪ ،‬تركت لك المدفأة‬ ‫مشتعلة والحساء الدافئ الذي تحبه على المائدة بانتظارك ‪...‬‬ ‫وفي حال كنت متعبا تستطيع التمدد عل فراشك والتامل بالسقف فوقك ‪....‬‬ ‫السقف مذكر اليس كذلك ؟؟؟ ولكن الوسادة التي يغرق فيها راسك وعنادك‬ ‫هي مؤنث ‪....‬فال تنسى ذلك وتذكر ‪.....‬دائما ً تذكر ‪..‬‬


‫حكاية ‪.....‬لم تعُد‪....‬‬ ‫غرد في فضاءنا حاضرة ‪...‬‬ ‫لم تعُد طيور الفرح ت ُ ّ‬ ‫صارت مستوحشةً تعدّ العدّة للرحيل مهاجرة ‪...‬‬ ‫لم تعد توقظني باكرا ً ناهرا ً كسلي الصباحي مستهجنا ً ‪ ،‬حاضنا ً صينيةً وركوة‬ ‫قهوة تغلي وفنجانين فارغين يقرقعان بين يديك ‪..‬‬ ‫صارت الصينية بين يدي ‪ ،‬مضافةً لجهاز فحص الدم ‪ ،‬قياس الضغط ومعدّل‬ ‫سكر ‪....‬‬ ‫ال ُ‬ ‫لم يعد صوت ( فيروز) يجمعنا عند الصباح شاديا ً ولم تعد اغنية " حبيتك‬ ‫تنسيت النوم " تعويذتنا اىصباحية ‪..‬‬ ‫صرنا من محبي " هللا معك يا هوانا" والحانها الشجية ‪...‬‬ ‫لتقف تحت رذاذ الدوش مستنفرا ً‬ ‫لم تعد تهرول لحمامك الصباحي مستبشرا ً‬ ‫َ‬ ‫تطالب بليفة‪ ٍ.‬جديدة ‪ ،‬بلوح صابونتك المفضّل ‪...‬‬ ‫ب‬ ‫لم اعد اقف على باب ح ّمامك‬ ‫َ‬ ‫انتظرك كما تقف الجواري على ابوا ِ‬ ‫السالطين انتظر يدك التي ستمتد ألعطيها بياض قلبي الناصعِ اكثر من طقم‬ ‫المناشف األبيض ‪....‬‬ ‫امك احتفال نشاط قب َل نهار عملك الوفير ‪ ،‬صار علي بعدها ان ان‬ ‫لم يعد ح ّم َ‬ ‫فك بعدها باحتفا ِل صبري الجميل ‪...‬‬ ‫اعدّك له على كرسي واجفّ َ‬ ‫لم تعد تودّعني عند الباب بقبلة تبخل علي بها مستهترا ً ‪،‬فاطالبك بها مل ّحةً وانا‬ ‫ادس بجيبك ما يشي به نسيانك الخفيف ‪ ،‬الموبايل وعالّقة المفاتيح ‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫صرت على كرسي متحرك في ارجاء البيت يدور ‪ ،‬عجالته بمجهودها‬ ‫َ‬ ‫الشخصي تدور ولم يعُد يعنيك ال الموبايل وال عالّقة المفاتيح ‪....‬‬ ‫صرتُ ابطأ من سلحفاة‬ ‫لم اعد في بيتي اطير بين ارجاءه كالفراشة المبدعة ‪ِ ،‬‬ ‫بين ه ّمك وه ّم واجبات البيت ابدا ً لست مسرعة ‪...‬‬ ‫سك الجوع ‪ ،‬لتكتشف ان الغذاء لم ينضج بعد و إنه عن‬ ‫لم تعد تعودَ ظهرا ً يفتر ُ‬ ‫س ِد جوعك لم يزل ممنوع ‪... .‬‬ ‫لم تعد تُرغي وتُزبد وتهدد بالويل والثبور وعظائم األمور فادخل مع غضبك‬ ‫في سبق محموم ألعدّ لك وجبةً سريعةً من اعصابي ثمنها مدفوع ‪...‬‬ ‫صار الغذاء عندك منظما ً كعقارب الساعة مسلوقا ً دون زبدة دون ملح عكس‬ ‫األيام الخوالي ‪.‬‬


‫صار وجبةً تصيبك بالغثيان بتكرارها كل يوم على التوالي ‪.....‬‬ ‫وحمل األكياس متضجرا ً ‪..‬‬ ‫لم تعد تدقَ الباب متاففا ً من ثقل األغراض ِ‬ ‫دت مح ّمالً بما ال‬ ‫ع َ‬ ‫لم نعد نتشارع يوميا ً عما اوصيتك به وعنه تغاضيت و ُ‬ ‫يلزمنا وال يعنينا ورغم ذلك بحمله تباهيت ‪..‬‬ ‫التسوق‬ ‫صرت اشتهي غضبك وتض ّجرك واحلم بثورتك وتأففك ‪ ،‬تعبت من‬ ‫ّ‬ ‫وثقله من حمل ُخ ِلقت له سواعد الرجال ولم تالفه سواعد النساء التي ُو ِجدت‬ ‫لتهدهد اساسا ً براءة األطفال ‪....‬‬ ‫ظك كي عن موعدك ال تتأ ّخر ‪...‬وحين‬ ‫لم تعُد تاخذ قيلولتك وتوصني ان او ِق َ‬ ‫تأخذني مشاغلي وعنك اسهو ‪ ،‬تستيقظ لتلعن مع تلك المرأة حظك التعيس‬ ‫فوت عليك فرصةً ذهبيةً في عملك النفيس ‪..‬‬ ‫الذي ّ‬ ‫لم تعَد مساءاتنا أستعدادا ً محموما ً للزيارات ولقاءآت األصحاب ‪.....‬‬ ‫لم نعد نتنافس على "الريموت" انا اتعقب كاظم الساهر واغانيه العاطفية وانت‬ ‫تبحث عن "توك شو" اهل السياسة ومناظراتهم الكرتونية ‪...‬‬ ‫تخلّيت لي عن " صندوق الفرجة" وسحره وجاور سريرك المذياع وو ّ‬ ‫شته‬ ‫وضجره‪...‬‬ ‫لم تعُد الليالي مكللةً بذراعيك وانفاس الحياة ‪ ...‬وبدل احتضاني صارتا‬ ‫تمتدان لي ألغرس فيهما حقنةً تحافظ على شريان الحياة ‪...‬‬ ‫لم يعُد زندك جسر الحنان الوردي ‪ ،‬ولم تعُد تستلقي بجانبي مستدفئا ً بخطوط‬ ‫ُ‬ ‫ستتفتق عنه عبقرية الحب‬ ‫بك مترقّبةً ما‬ ‫عد التصق َ‬ ‫انفاسي األفقية ولم ا ُ‬ ‫وشهيته األزلية ‪.‬‬ ‫اليوم ‪.‬‬ ‫صارالمرض مكاني شريك فراشك‪..‬صرتما‬ ‫العشيران ألحميمان ‪...‬العمر يمضي والسنين تتناثر وهو يزأر بك الما ً وانت‬ ‫الموت رعبا ً ‪..‬اما انا‬ ‫تترقّب‬ ‫َ‬ ‫فاخليتُ له المكان وعلى الكنبة ارتميت بحمولتي ووسادتي واغطيتي والشوق‬ ‫الذي كان ‪..‬‬


‫مسدس كاتم ‪.........‬للحب‪...‬‬ ‫قال له ‪:‬‬ ‫بابا تصبح على خير سانام قرب الماما ‪..‬‬ ‫‪ -‬وتتركني وحدي ‪...‬‬‫‪ -‬ذقنك ّ‬‫تخزني ‪....‬خدود الماما انعم بكثير ‪..‬‬ ‫‪ -‬سأحلقها عند ألصباح ‪...‬‬‫‪ -‬بابا حين اكبر ساصبح مثلك رجالً بشارب ولحية ‪..‬؟؟‬‫‪ -‬بالطبع يا حبيبي ‪..‬‬‫‪ -‬ساحلق ذقني كل يوم مثلك ‪ ،‬وساتزوج ايضا ً مثلك ‪ ،‬هل تعرف من ؟؟؟؟؟؟‬‫‪ -‬ال ‪ .‬ال اعرف هيا اخبرني بسرعة ‪..‬‬‫‪ -‬ساتزوج واحدة مثل الماما ‪.. .‬ألنها احلى واحسن ام في العالم ‪...‬‬‫‪ -‬بابا‬‫‪ -‬بابا رد علي ‪..‬‬‫ورثت طباعي وتزوجت امراة ً بتركيبة أمك ‪.....‬‬ ‫حسرتي عليك يا ولدي اذا‬ ‫َ‬ ‫سيجتر التاريخ احداثه وينتهي بك األمر رجالً مهجورا ً خائبا ً في فراش بارد‬ ‫ّ‬ ‫تسكنه الوحشة ويعشش بين طياته الملل ‪.‬‬ ‫‪ -‬بابا بابا اين شردت ؟؟‬‫‪ -‬بابا رد علي واال صوبت نحوك مسدسي واطلقت عليك كل رصاصاتي ‪..‬‬‫‪ -‬ال إياك ان تفعل ستزعج بفرقعته الجيران أنها العاشرة ليالً ‪..‬‬‫‪ -‬طيب عندي حل ‪.‬‬‫‪ -‬وما هو ‪..‬‬‫‪ -‬تشتري لي غدا ً مسدسا ً كاتما ً للصوت كالذي رايناه في الفيلم البارحة ‪..‬‬‫‪ -‬ان شاء هللا‬‫‪ -‬وتعلمني الرماية والصيد الذي تجيده ‪..‬‬‫‪ -‬عندما تكبر قل " ان شاء هللا"‬‫‪ -‬ان شاء هللا ‪...‬سترى يا بابا كيف ساكبر بسرعة واصبح رجالً قويا ً ‪ ،‬اقود‬‫عنك سيارة الجيب ‪ ،‬تجلس بجانبي ونذهب لنصطاد سويا ً في حقول ضيعتنا ‪..‬‬ ‫‪ --‬وكيف ستفعل يا حبيبي الصغير ‪..‬‬


‫‪ -‬هناك في الحقول ستصطاد انت كل الطيور والنسور ‪....‬وساصوب انا على‬‫القوارير الفارغة فانسفها كلها دون ان ازعج احد‪..‬‬ ‫‪ -‬وكيف سيكون ذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬‫‪ -‬الم تعدني منذ قليل انك ستشتري لي مسدسا ً كاتما ً الصوت !!!‬‫‪ -‬آه صحيح نسيت ‪...‬‬‫‪ -‬غدا ً ال تنسى تذكر ‪..‬‬‫‪ -‬لن انسى يا حبيبي ‪..‬‬‫‪ -‬واآلن تصبح على خير ‪..‬‬‫‪ -‬ولكن اين تذهب وتتركني ‪ ،‬ساخاف وحدي ‪..‬‬‫‪ -‬تخاف ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!‬‫الم تقل لي البارحة حين كنت ابكي ان الرجال ال يبكون وال يخافون ‪..‬‬ ‫‪ -‬آه صحيح نسيت‬‫‪ -‬واآلن تصبح على خير سانام مع الماما ‪ ،‬خدودها انعم وارق من خدودك‬‫‪...‬‬ ‫الماما دائما ً الماما ‪....‬عند الصباح خالل النهار وعند المساء ال يلهج لسانك أال‬ ‫بذكرها ‪....‬‬ ‫الماما حضّرت طعاما ً شهيا ً ‪ ،‬الماما اشترت لك تيابا ً جميلة ‪ ،‬الماما وعطرها‬ ‫تقارن نعومة خدودها بخشونة خدودي ‪..‬‬ ‫الرقيق الماما الرائعة والماما ال َ‬ ‫واتحسس وجهي فالعن جنسي وخشونته ‪ ،‬جلدي وخصوبته وذقني التي احلقها‬ ‫عند الصباح فتعود لتنبت في المساء ‪ّ ،‬‬ ‫تخزك وتكاد تدمي بشرتك ‪ ،‬فتفر منها‬ ‫وتحتمي بجوار تلك المرأة التي نبذتني لتزاحمك غرفتك ‪ ،‬تقاسمك سريرك ‪،‬‬ ‫وسادتك واغطيتك ‪ ،‬فتبدو راضيا ً مستمتعا ً بدفئ جوارها الهيا ً بمتعة صحبتها‬ ‫‪ ،‬بدليل ضحكتك الصاخبة التي تتسلل إلى مسمعي فتثير غيظي وتفتح شهية‬ ‫حنقي عليك وعلى امك ‪....‬‬ ‫احسدك ويثور فضولي واتمنى لو كنت شريكا ً في سعادتك الصغيرة ‪ ،‬انصت‬ ‫لما تنصت ‪ ،‬اضحك لما تضحك واه ّم باللحاق بك يا صغيري حين اتذكر انك‬ ‫لم تودعني قبلة المساء ثم اعود فاتريث حين اتذ ّكر حساسية الموقف ودقته‬ ‫وانا اتصورها تستلقي بجوارك ‪.‬‬ ‫سر األمر على هواها‬ ‫كيف سانحني فوق وجهك ألقبّلك ؟؟ ستستغلها فرصة لتف ّ‬


‫ستظنني وال بد افتعل حجة تقبيلك كي ام ّهد لجسور الصلح بيننا ‪....‬‬ ‫ال لن اخطو الخطوة األولى حتى ولو كنت مذنباً‪...‬‬ ‫غادرتني بطوعها وستعود بكيفها ‪...‬‬ ‫كيف نسيت أني رجل وان الرجال ال يبكون وال يخافون وال يعتذرون‬ ‫‪....‬مواقفهم حازمة وقراراتهم حاسمة‪...‬‬ ‫انا ابن رجل كان يامر وينهي بعينيه وانا حفيد رجل ‪ ،‬كانت جدتي ترتجف‬ ‫قصبا ً في حضوره ‪ ،‬انا ال ارهب الوحدة وال وحشة العتمة وال القي باالً لبرودة‬ ‫سريري الفارغ وال لعرضه الهائل ‪...‬‬ ‫فقط لو استطيع اغراءك يا صغيري فتقبل المبيت الى جانبي ‪ ،‬تسليني‬ ‫واستانس برفقتك ع ّل طوق وحدتي يلين ‪ ،‬ع ّل سالسل عزلتي تتفكك ‪..‬‬ ‫اجتر فشلي ليلة وراء اخرى ‪ ،‬اسبوعا‬ ‫فشلت في اقناعك تلك الليلة وظللت‬ ‫ّ‬ ‫وراء آخر ‪ ،‬سنة بعد اخرى حتى تواترت السنون وخلفتني وراءها كهالً‬ ‫مهجورا ً على ابواب الستينات‪..‬؟؟؟!!!!‬ ‫كيف تتالت فقطعت بك يا صغيري من ارصفة الطفولة اآلمنة لشوارع‬ ‫المراهقة الخطرة ؟؟!!‬ ‫كيف توالت وابحرت اشرعتها بزوارق تلك المرأة فبلغت مرافئ‬ ‫الثالثينات؟؟!!‬ ‫تبدّلت امك ازدادت غموضا ً وامتألت سحرا ً ‪..‬‬ ‫نضجت تلك المراة التي غضبت مني ذات ليلة ‪ ،‬فهجرت فراشي ولم تعد‬ ‫بعدها ابدا ً ‪...‬‬ ‫اكثر دفئا ً اصبحت اكثر رقةً وشفافية ‪ ،‬عذوبتها التي كانت ترهقني باتت‬ ‫تمزقني ‪ ،‬رقتها التي كانت تسبب لي صداعا ً تحولت لمطارق حادة تقرع في‬ ‫رأسي نهارا ً ‪ ،‬تقرع في راسي ليالً فاكاد اجن حين أوقن ان زواجنا البارد‬ ‫محكوم بسجن مؤبد اسعى جاهدا ً لألفراج عنه دون جدوى ‪..‬‬ ‫كنت اعود لفراشي ككل مساء اغالب فيه شوقي وحنيني اليها و يستيقظ مارد‬ ‫حبها الغافي في اعماقي واتذكر يا صغيري المراهق انك آنستني قليالً ثم‬ ‫غادرتني بعدها دون ان تودعني قبلة المساء واه ّم باللحاق بك لوال ‪......‬‬ ‫واتذكر يا صغيري المراهق انك غادرتني دون ان تودعني قبلة المساء‪ ،‬وا ِه ّم‬ ‫سني اسالك قهقهتك ألمتوترة ‪ ،‬تكهربني وهي تتصاعد الي من‬ ‫باللحاق بك فتم ّ‬


‫الغرفة المجاورة ‪ ،‬وادرك حينها ان الجلسة بينكما دافئة حميمة وال تحتمل ابدا ً‬ ‫عبئ تطفلي ‪.‬‬ ‫على عادتك كل مساء تفرغ بجعبة اخبارك ‪ ،‬تحدثها عن رفاقك وتقلّد لها‬ ‫اساتذتك ‪ ،‬تدفع بها في نوبة ضحك عارمة ال تلبث ان تفرملها نبرة صوتك‬ ‫المختالة ببراعتك في حقل الرماية والتصويب ‪...‬‬ ‫واتذكر رحالت صيدنا األسبوعية ‪ ،‬مسدسك الكاتم للصوت وعشرات‬ ‫كصف األسرى ‪ ،‬فال يرحمها مسدسك ‪،‬‬ ‫القوارير التي تصطف مذعورة‬ ‫ّ‬ ‫يرديها بخفة واحدة تلو األخرى شظايا متطايرة فتخف عندها ّ قدماك وهي‬ ‫ترتفع في الهواء مع هتافك متفاخرة ‪.‬‬ ‫" نعم اجدتها نعم اجدتها "‬ ‫وها انت تصف ألمك بطولتك وتهتف حقا ً فتشدّ اوتار وعيي الى الغرفة‬ ‫المجاورة حيث تضحك امك عل جنون مراهقتك ‪....‬‬ ‫سمفونية ضحكتها تشعل الحماس في جوف قلبي واتمنى مشاركتك في متعتك‬ ‫الكبيرة ولكني اعود فاتريث ‪...‬‬ ‫ربما فسرت األمر على هواها ‪ ،‬ربما حلّق خيالها صوب اعتذار ّ‬ ‫مبطن ‪ ،‬ام ّهد‬ ‫له بحجة تقبيلك ‪ ،‬تجهل انني رجل ؟؟!! والرجال ال يبكون ال يخافون وال‬ ‫يعتذرون ‪...‬حتى لو كانت تلك المراة التي تتالت على سطح حضورها‬ ‫الفصول ‪....‬‬ ‫لكيا بني دفئ رببعها وصيفها المشرق ‪ ،‬ولي حزن الخريف ‪ ،‬صقيع الشتاء‬ ‫والزمهرير ‪.....‬‬ ‫وارتجف حين تعوم في راسي صور وتفاصيل تلك اللحظات التي اقتنص‬ ‫وتغص بها‬ ‫تغص‬ ‫خاللها متعتي من عينين معلقتين في السقف وشبه جثة تظل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫روحي حتى يدركني القيئ بدل الشبع ‪ ،‬فاعود لسريري يائسا ً حين ادرك ان‬ ‫عزلة القلب هي وحدها العذاب الحقيقي في هذا العالم ‪.‬‬ ‫وال اصدق ارفض ان اصدّق ان ما يصفونه باألمومة هو تلك التفاصيل‬ ‫اليومية الصغيرة التي تجمع بينكما‬ ‫تتاملك وتسرح بانظارها ‪ ،‬تشيّعك بها لتحرسك وتحميك ‪ ،‬تشتاق اليك ‪ ،‬تعد‬ ‫لك ما تحبه وهي تكابد مشقّة األنتظار ‪.‬‬


‫تشرع لها ذراعيك فترتمي في احضانك تتعلق بجذع رقبتك ‪،‬‬ ‫عند العتبة ّ‬ ‫فترفعها ذراعاك وتدور بها حول نفسك ويدور راسي واتوه في رموز تلك‬ ‫العاطفة التي تربط بينكما ‪.‬‬ ‫عيناها اللتات تفيضان لهفة وتقطران هياما ً وحنانا ً ‪.‬‬ ‫انظارها التي تسترسل نحوك في تلك األنجذابة العنيفة ‪ ،‬واكاد اجن وتمزقني‬ ‫الغيرة ويحفر في جوفي الشك حين افكر في ماهية تلك األمومة التي يخالطها‬ ‫هذا القدر الغريب من العشق ‪..‬‬ ‫واصل لقناعة تتملكني ‪. ..‬‬ ‫عاشقة تلك المرأة ‪..‬‬ ‫عاشقة دون شك لرجل آخر ‪ ،‬تفتقده ّ‬ ‫تحن اليه ‪ ،‬تحلم بقربه فتذكرها به عيناك ‪،‬‬ ‫احضانك وارجوحة يداك ‪.‬‬ ‫بدات اراقبها وانا اقرأ كل ما قيل و كتب في احوال العاشقين واطوارهم ‪،‬‬ ‫صرت احصي عليها ادق حركاتها وادنى سكناتها ‪ ،‬اراقبها مرة مشرقة ‪ ،‬مرة‬ ‫ذابلة ‪ ،‬احيانا ً منتعشة وغالبا ً ما يلوح في عينيها حزن فار من رقابة ارادتها‪...‬‬ ‫وبدات ّ‬ ‫اشك واخذت اطلق عليها كالب خيالي المسعورة لتنهشها بانياب‬ ‫ظنوني ومخالب شكوكي حتى صارت فكرة خيانتها في بالي يقينا ً يعذبني ‪،‬‬ ‫يزلزلني وهو يحفر بازميله في صندوق راسي جاهرا ً ذات يوم باعلى صوته‬ ‫‪..‬‬ ‫كان عصر ذلك اليوم ‪ ،‬في ضيعتنا ‪ ،‬في حقل الرماية ومسدسك يردي بكل‬ ‫القوارير الرقيقة الفارغة وفمي يلقي بالحكايات المفخخة باحداث القنابل‬ ‫الموقوتة ‪.‬‬ ‫حلقت بومة في الفضاء ‪ ،‬نعق غراب تناثرت شظايا الزجاج الملون‪ ،‬وتحت‬ ‫جلد وجهك تقاتل الحب والبغض ‪ ،‬على صفحة وجهك تفجرت ينابيع دماءك‬ ‫واحتفلت بعرس األلوان ‪.....‬‬ ‫تصوب نحو آخر قارورة كانت تحت‬ ‫رايتك تستدير ‪ ،‬تمسك بالمسدس ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫انظارك نحو أمك ‪......‬‬ ‫تصوب جيدا ً ثم تطلق‪.....‬فيرت ّج الكون ‪ ،‬تتصادم الكواكب ‪،‬‬ ‫راقبتك كيف‬ ‫ّ‬ ‫سخ السقوف ‪ ،‬تتصدع الجدران وتتشىلع النوافذ فتصرخ بي مرعوبا ً ‪....‬‬ ‫تتف ّ‬ ‫بابا ‪...‬‬


‫اليس هذا المسدس كاتما ً للصوت ‪..‬‬ ‫واجيبك ‪...‬‬ ‫‪ -‬كاتما ً للصوت وليس كاتما ً للحب ليس كاتما ً للحب ‪.......‬‬‫‪ -‬بابا ‪ ..‬بابا ‪...‬استيقظ ما بك ‪..‬‬‫الم تقل لي اننا سنشتري اليوم مسدسا ً كاتمأ للصوت ‪..‬‬ ‫‪ -‬ماذا قلت ؟؟؟؟!!!! خير اللهم اجعله خيرا ً‬‫‪ -‬بابا ‪..‬بابا ‪...‬اتبكي ؟؟!!!‬‫‪ -‬كنت احلم كان كابوسا ً مرعبا ً ‪.‬‬‫‪ -‬الم تقل لي البارحة ان الرجال ال يبكون !!!!!!!‬‫وال يخافون ‪!!!!.‬؛‬ ‫‪ ‬الرجال يبكون ياصغيري ‪ ،‬احيانا ً يخافون وغالبا ً يعتذرون ‪...‬‬


‫عمر الهوى الثاني‪..‬‬ ‫"ال شئ يكفل راحة ألقلب مثل شغل العقل ‪ ،‬اما افضل األنتصارات ‪ ،‬فهي‬ ‫تغلّب ألمرء على فلبه‪ "...‬إسمع يا قلب !!!! إسمع!!!! ّ‬ ‫ينظرون فيك أقوال‬ ‫ويشيعون ِح َكم ‪.‬إسمع‪..‬ال تبالي بكل ما تسمع ‪ ،‬إضرب به عرض الحائط ثم‬ ‫ّ‬ ‫وتحطم ‪.‬هيا كن باسالً ولو في العمر مرة ‪ ،‬إخلع عنك‬ ‫أضرب ضربتك األخير‬ ‫معطف ألحكمة ‪ّ ،‬‬ ‫مزق شال ألرزانة ‪ ،‬أرم بقبّعة ألوقار والرصانة وال تخجل‬ ‫نضجت‬ ‫بخمسيناتك وآهاتها ‪ ،‬لوعتها وتجلّياتها ‪ .‬هيا يا خافقي ماذا تنتظر ؟!‬ ‫َ‬ ‫في الحب ‪ ،‬ولم تعد هاويا ً ‪ ،‬هيا أضرب ضربتك األخيرة وبعدها لو شئت‬ ‫ّ‬ ‫تحطم ‪....‬عليك اللعنة ‪ ..‬ال عليك األمان ‪..‬هبا تكلم ‪..‬دع مارد ذلك الحب الغافي‬ ‫يقهقه يحكي الحكاية وهو يتألم ‪ ..‬في بهو األفندق‪.‬‬ ‫كنت يومها بصحبة زوجتي حاضرا ً باألسم فقط ‪ ،‬فكري مشتّت شريد في‬ ‫رحالت مكوكية ببن الفندق حيث قاعة الحفالت والكلية حيث قاعة‬ ‫المحاضرات وتالمذتي وغيابي ومحاضرتي ‪ " .‬إنه زفاف وحيدتنا واألمر‬ ‫بفتضي تعاوننا عليك تدبّر أمرك"‬ ‫عزمت جاهدا ً على تدبّر امري الذي كاد يخونني ويفلت مني عدة مرات حين‬ ‫تشوش علبها زوجتي‬ ‫يثور ضميري المهني ويعصف برأسي كموجة مل ّحة ّ‬ ‫وهي تناقش في اكثر ألتفاصيل دقّة ‪ .‬الوان الشراشف ‪ ،‬ديكور ألموائد ‪ ،‬أنواع‬ ‫الزهور ‪ ،‬وبين حين وآخر كانت تستطلع رأيي في بعض األمور‪..‬وكنت‬ ‫أجيبها كألببغاء ألمبرمج‪ "...‬كما تحبّين ‪..‬كما تريدين‪ "..‬كنت غي ورطة بدت‬ ‫لي حينها ابدية سرمدية ‪ ،‬لوال ظهورك ال ُمبهر المبا ِغت‪.‬‬ ‫ت كشمس‬ ‫في طللتك البهية ‪ .‬وراء " الكونتوار" خلف كتف زميلتك اشرق ِ‬ ‫صغيرة تش ّع بالف وهج ووهج ‪..‬ماذا حدث بعدها؟؟؟؟!!! حتى تلك اللحظة‬ ‫يعجز الشرح ويستحيل التفسير !! ات ِعب الزمن من إندفاعه ألمجنون ‪ ،‬فتوقّف‬ ‫لحظة ليلتقط انفاسه‪..‬أم ُجنت الكرة األ‪،‬ضية فداست على مكابحها واخذت‬ ‫تدور عكس دورتها ويدور معها كل ما في الكون معكوسا ً فاعود طفالً في‬ ‫الخامسة وتعود امي التي تشبهك حد الذهول ‪ ،‬لتنبعث من كل تفصيلة فيك ‪.‬من‬ ‫المكور الشامخ‪ ،‬من‬ ‫شعرك األشقر األجعد من عينيك الزرقاوين من انفك‬ ‫ّ‬ ‫المشرعة فوق قميص مهفهف ابيض‬ ‫شفتيك المكتنزتين و" الجيليه" التركواز‬ ‫ّ‬ ‫يوقظ نداء امي من الزمن البعيد األغبر ‪.‬‬


‫" تعال يا حبيبي تعال الي ‪ " ".‬بدي ش ّمك ول ّمك و ض ّمك " وكنت اكاد ّ‬ ‫أجن‬ ‫فأهرع إليك طفالً بطاعة عمياء لوال تلك النظرة الغريبة التي أنفجرت من‬ ‫وجهك تكتسحني ولوال قلبي الذي إرت ّج قلقا ً مطلقا ً طلقته التحذيرية ‪ .‬ال ال تلك‬ ‫ّ‬ ‫ويهتز إهتزازات‬ ‫النظرة لم ألمحها قط في وجه امي ‪ .‬كان صدري يعلو ويهبط‬ ‫ت في الثامنة‬ ‫إرتدادية ‪ ،‬تردّ لي صوابي وشيئا ً من رشدي أتف ّحصك به ‪ .‬كن ِ‬ ‫عشرة أو أكثر بقليل وكان يسكن وجهك نور إلهي ال بلفح الوجوه إال في‬ ‫ت ترشحين طيبةً وتذوبين سذاجةً ‪ ،‬طاهرة نقيّةً تشبهين‬ ‫الثامنة عشرة ‪ .‬كن ِ‬ ‫المفوح سبع مرات ‪ ،‬وكنت عزالء حائرة في ارض مكشوفة‬ ‫الغسيل األبيض‬ ‫ّ‬ ‫ال تجبدين بعد رصد ألمواقف ودقّة ألتصويب تحتمين بكتف زميلتك ‪ ،‬تغيبين‬ ‫وراءه ثم تطلّين بكل ما في روعة شبابك وتحدّيه وتلك النظرة ألكاسحة‬ ‫الكاسرة المزدحمة بالشهوة والشوق والحب والفضول والحنين !!!‬ ‫هل كنت تتاملينني يا حبيبتي؟؟ ال على األرجح كنت تمارسين تقشيري طبقة‬ ‫بعد طبقة وكنت مستسلما ً‬ ‫عقدي عقدة بعد عقدة‬ ‫لعينيك أتخفف من أثقال ُ‬ ‫ِ‬ ‫فتستطيل قامتي ويكسو الشعر صلعتي ويرتفع أصلي ألشعبي ألمتواضع‬ ‫فأصير إبن حسب ونسب أفاخر بجناحه أحلّق به وانا أضغط زناد قلبي فيطلق‬ ‫طلفاته الترحيبية مهلالً معي " مرحبا ً ايها الحب مرحبا ً ابها الحب" الخافق‬ ‫الخببث كان يعلن نيّة ويبيّت أخرى ‪ ،‬كان يسايسني مهلالً للحب معي مر ّحبا ً ثم‬ ‫عدا ً ‪ .‬كان يجمع لي رصيدي الماضي وكلفة‬ ‫يعود فيهمس في أذني مذ ّكرا ً متو ّ‬ ‫الحاضر ث ّم يُنبئني بصورة المستقبل و يغويني الربح معك يا حبيبتي و تذبحني‬ ‫ت في أول سطر من الهوى وكنتُ في‬ ‫الخسارة وانا اتاملك يا صغيرتي ‪ .‬كن ِ‬ ‫السطر األخير وكانت بك إشراقة الصباح وكان بي حزن المغيب ومن حطام‬ ‫سرحته في إجازة ولسان إنعقد يتأتئ امام زوجتي‬ ‫الدنيا لم اكن املك سوى عقل ّ‬ ‫وهي تغزل بين عيني وعينيك نظرة ً بهلوانيةً تقفز دها ًء وحنكة ‪.‬‬ ‫سرحته في إجازة‬ ‫من حطام ألدنيا لم أكن املك سوى عقل ّ‬ ‫ولسان إنعقد يتأتئ أمام زوجتي وهي تغزل بين عيني وعينيك نظرة بهلوانية‬ ‫تقفز دها ًء وحنكة ‪.‬‬ ‫ضبطتك متلبسةً بتلك النظرة الكاسحة وقبضت علي مستسلما ً لها متلذذا ً بها‬ ‫فلمعت عيناها بتصميم غريب ومالت على كتفي تهمس في أذني آمرة ‪.‬‬ ‫" هيا بنا با عزيزي أراك تعبت ‪ ،‬كفاك هذا اليوم "‬


‫أجل كان كافيا ً يا صغيرتي وطافحا ً جدا ً ما حصل لي في ذلك اليوم ولم يكن‬ ‫ينقصني بتاتا ً ليلةً طويلةً ببضاء تليه وصداع أليم ‪ ،‬عصبت منه رأسي ورحت‬ ‫أدور في أرجاء البيت اتخيّلك ‪ ،‬واستعبد سهام عينيك الكاسرة فأعرف أنني‬ ‫سقطتُ صريع هواك وانتهى األمر ‪....‬‬ ‫ال زلت أذكر كيف إبتلعتُ في حينها كل ما طالته يداي من أنواع ألمس ّكنات‬ ‫دون جدوى ‪ ،‬كان يسكنني الخوف وتنفرد بي الكآبة والوحدة ‪ ،‬وكنت أحتاجك‬ ‫سدي لي خصالت شعري المعدودة‬ ‫بجنون لكي تأخذي برأسي على كتفك ‪ ،‬فتم ّ‬ ‫وتفركي شحمة أذني كي اهدأ فيزول تشنّجي وتنح ّل عقدة لساني فأستكين‬ ‫ألمروع اكثر من خوف األحالم واحدّثك عن‬ ‫وأشكو إليك من خوف الرجال‬ ‫ّ‬ ‫وحدة الرجال التي هي أقسى من وحدة األطفال وأود لو أصرخ غي وجه‬ ‫العالم أنني احبك علّني أغربل روحي بك واتخلّص من فائض الحزن في‬ ‫داخلي ولكن هيهات ‪....‬هيهات يا صغيرتي ‪...‬فصوتي كان يشبه آهةً عميقة‬ ‫في أغنية إسبانية شجيّة عتيقة ‪ ،‬مزيج من فرح والم لم يهدأ إال حين مدّت لي‬ ‫زوجتي يدها بتلك الحبة الصغيرة الببضاء‬ ‫" خذ يا عزيزي إبلع هذا ما يلزمك ‪ ،‬مهدئ اعصاب ال مس ّكن صداع ‪ ..‬ثم‬ ‫ربتت على كتفي وكأنها تخفف عني ‪.‬‬ ‫طول بالك ِشدّة وبتزول بإذن هللا '‬ ‫ـ "بسيطة يا عزيزي ّ‬ ‫وكنت أطرق برأسي صامتا ً ‪ ،‬وكان صمتي متواطئا ً مع مراسيم ظنونها‬ ‫وإستنتاجاتها ‪.‬‬ ‫أهذه زوجتي حقا ً ؟؟؟!!!‬ ‫كيف تستوعبني بتلك الفلسفة البسيطة ؟؟؟!!!‬ ‫من أية طينة ُجبلت تلك المرأة ؟! ومنذ متى تتمتع بحكمة العقالء وأناة‬ ‫ألمفكرين ؟؟!!‬ ‫كنت بدأت استسلم لغفوة اصطناعية متخيّالً معشرنا نحن الرجال ‪..‬نحن‬ ‫العباقرة ‪ ،‬نحن أنصاف اآللهة نحن الذبن ّ‬ ‫ونشرع األحكام‬ ‫نسن للمرأة القوانين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألدق اسرارها ‪ ،‬نحن فقط نحن ومن‬ ‫‪ ،‬نحن العارفون المدركون لخفابا الحياة‬ ‫بعدنا الطوفان ‪...‬‬ ‫في الحقيقة نحن مجانين جهلة واحيانا ً اغبياء ‪ ،‬وكم يلزمنا بعد في مسبحة‬ ‫العمر من حبات إضافية علّنا نفهم فيها خلطة المرأة السحرية‬


‫في اليوم التالي اذكر انني استيقظت على اجمل نهار ربيعي ألنني كنت‬ ‫مغرما ً بك يا صغيرني ‪.‬‬ ‫ارق والهواء الطف حتى الورود في حديفتي كانت اشدّ إحمرارا ً‬ ‫كانت السماء ّ‬ ‫‪ ،‬وحين أقفلت ورائي باب السور كعادتي‬ ‫وخزتني شجرة " البوغونفيليا " كعادتها فإبتسمت لها على غير عادتي‬ ‫وإنطلقت صوب الجامعة ليس ّجل تاريخي المهني سابقةً لم يشهدها من قبل حين‬ ‫اخذت إجازة ً طويلةً‬ ‫متذرعا ً بالتحضير لحفل زفاف إبنتي األسطوري ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫انعم بمرآك بين حين وآخر في قاعة الفندق ‪ ،‬تحررت‬ ‫وهكذا يا حبيبتي ‪..‬كي َ‬ ‫وتبرعت بحمل اعباء زوجاتي في التحضيرات‬ ‫من إعباء ضميري المهني ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لحفل الزفاف وهمومه ‪.‬‬ ‫صرت ملتصقا ً بها كظلّها وصار ألبنتي بدل ام العروس الواحدة إثنتان ‪!!!.‬‬ ‫يختص بالشوؤن النسائية وتفاهاتها ‪ ،‬صرت‬ ‫وبعد المباالة ظننتها أبدية بكل ما‬ ‫ّ‬ ‫فجأة ً شغوفا ً بها وبكل تفاصيلها !!!!‬ ‫كل ذلك في سبيل عينيك وتلك النظرة الكاسحة التي كانت مكافأتي في آخر كل‬ ‫نهار ُمت ِعب تحملت فيه ما لم اكن اتخيّله ذات يوم ‪.‬‬ ‫تصوري ‪..‬عانيت طويال مشقّة اإلنتظار في صالونات المصممين ‪ ،‬حتى‬ ‫حفظتُ غيبا ً موديل فستان الزفاف ‪ ،‬عدد ازراره هندسة قصاّته ‪ ،‬ومواعيد‬ ‫بروفاته ‪..‬وألجل عينيك فقط صرت خبيرا ً بكل انواع الزهور رغم ذلك بقيت‬ ‫وفيا ً للورود مخلصا ً لها محذّرا ً زوجتي من إستبدالها بأي نوع آخر في زينة‬ ‫الموائد ‪....‬‬ ‫لماذا الورود ؟؟!!‬ ‫ألنها كانت تشبهك أنت بكل ما فبك من تألق الشباب وفتنته ‪....‬‬ ‫وهكذا صارت نهاراتي سعيا ً حثيثا ً متواصالً وصرت نموذجا ً يحتذى لألب‬ ‫الصبور الحنون ‪.‬‬ ‫تحملت زحمة السير الخانقة بإبتسامة رضيّة ‪ ،‬وتهت في الشوارع الفرعية‬ ‫باحثا ً عن ذاك الكندرجي الشهير بتطريز احذية العروس الجلدية ‪.‬‬ ‫كرمى عيون وحيدتي ؟! ال كرمى عيونك يا حبيبتتي التي كانت مكافأتي في‬ ‫آخر كل نهار ُمت ِعب ‪.‬‬ ‫صرت ألهث وراء تفاصبل تافهة في عرفنا نحن الرجال وهي في الحقيقة ما‬ ‫يصنع سحر عالم النساء ‪..‬‬


‫صحوت بغتةً ألكتشف ان كل ماهو رقيق ومنسجم من حولي هو من صنع‬ ‫إمرأتي وأنني ال املك من امري سوى هذا الدماغ الف ّج الحزين الذي كاد‬ ‫يهترئ من حل المعادالت الفبزيائية ‪ ،‬حتى صرت أصلعا ً معقّدا ً بإمتياز ‪ ،‬ال‬ ‫يتحرر من عقده ويدوس عليها إال في قاعة الفندق امام عينيك وهي ترشقني‬ ‫بتلك النظرة الكاسرة الكاسحة ‪..‬‬ ‫كنت اشرب منها اكسير الحياة فتتفتح شهية عروقي على الوان قوس قزح‬ ‫عدا ً مستنكرا ً‬ ‫ويصدح قلبي للحب مر ّحبا ً ثم يغضب وهو يزمجر متو ّ‬ ‫فاضطرب ‪ ،‬تختلج اطرافي وينعقد لساني حين تضبطنا زوجتي متلبّسين بتلك‬ ‫النظرة المتآمرة‪.‬‬ ‫كم كانت متف ّهمةً تلك المراة ‪ ،‬متسامحة وهي تربّت على كتفي في كل مرة تلك‬ ‫الترببتة اآلمرة وكم كنت طائعا ً هيّنا ً ليّنا ً وانا اختم كل بوم ككل يوم كان يسبقه‬ ‫بليلة طويلة بيضاء وحبات صغيرة أنصع بباضا ً تقدمها لي زوجتي على طبق‬ ‫حكمتها الماكرة‪!!!!.‬‬ ‫" طول بالك شدّة وبتزول بإذن هللا تعالى"‬ ‫كيدهن عظيم اقسم باهلل ان كيدهن عظبم ‪.‬‬ ‫كيف كانت تستعبط وهي تدرك تماما ً انها تعزف على اشد اوتاري حساسية‬ ‫مرة‬ ‫وكيف كنت اكابر‬ ‫فأعض على جرحي وأصبر تح ّ‬ ‫ّ‬ ‫سبا ً وإحترازا ً في كل ّ‬ ‫‪ ....‬حتى حان موعد الزفاف الموعود ‪.. ..‬ويا ليتني حينها لم اكن على سطح‬ ‫هذا الوجود‪ً .......‬‬ ‫أذكر جيدا ً كيف إستيقظت صبيحة ذاك اليوم ‪ ،‬بجناحين ‪.‬كنت أكاد اطير ببن‬ ‫فيترينات المخازن ‪ ،‬باحثا ً عن ربطة عنق تناسب والد العروس المغروم‬ ‫‪...‬حتى عثرت أخيرا ً على ضالتي المنشودة في مساحة حريرية متدفقة بأللون‬ ‫وتموجاته ‪.....‬وال تسالي با حبيبتي عن حدث األناقة الذي شكلته "‬ ‫البنفسجي‬ ‫ّ‬ ‫الكراڤات" البنفسجية حين تناغمت مع القمبص " البيج" والبدلة الكحلية ‪.‬‬ ‫هل كنت أخبئ في داخلي موهبة الحس المرهف األنبق ‪ ،‬وانتظر فقط الفرصة‬ ‫السانحة لتفجيرها ‪.‬؟؟!!‬ ‫ال ال اعتقد ولكنه الحب الذي يصنع من الرجال ااتقليدين المضجرين والمملبن‬ ‫‪ ،‬شعراء وفالسفة ومبدعين ‪.‬‬ ‫كنت في عمر الهوى الثاني وكان هواك !!!‬


‫بعده صرت عاشقا ً مستبشرا ً يبرق الحب من عينيه ويش ّع من لفتاته فتضي‬ ‫اساريره وتنهمر علبه اإلطراءات سخية ندية كزخات المطر ‪.‬‬ ‫ليلة الزفاف كنت ار ّحب بالمدعوين أصافحهم متلقيا ً من المديح ما يخفف من‬ ‫روح أشد الرجال رصانة وهيبة ‪.‬‬ ‫"شو هالحلو يا عم مين بيقول إنك أبو العروس ‪ .‬دخلك مين فيكن العريس انت‬ ‫ام هوي " ويشيرون الى صهري عن يميني ‪.‬‬ ‫كانت تدغدغني متعة الكلمات وتسحرني مخارج الحروف حتى اكاد اطير‬ ‫واحلّق ‪ ،‬اما زوجتي التي كانت بالعادة وحدها من يستاثر بتلك النعمة ‪ ،‬بدت‬ ‫بجانبي هادئة ‪ ،‬رزبنة ‪،‬ال مبالية تغمز لي بطرفها بين حين وآخر ‪ ،‬مبتسمة‬ ‫تلك اإلبتسامات الصغيرة‪.‬الغامضة ‪ ،‬فال اعيرها من انتباهي شيئا ً يذكر ‪ ،‬كنت‬ ‫أصرف بعضه على الضيوف وأحتفظ بالباقي كله متأهبا ً ينتظرك وراء "‬ ‫الكونتوار " خلف كتف زميلتك المنهمكة باأخذ المعاطف وتعليقها ‪.‬‬ ‫أبن انت ؟؟!! اين عبنيك وسهامها ‪ ،‬وعودها وعهودها‪..‬؟؟!!‬ ‫وحدها كانت تساوي حينها كنوز الدنيا ومديح الكون ‪.‬‬ ‫كنت أداعب نفسي فأالعبها لعبة الغميضة ‪ ،‬أغ ّمض وافتّح‪ ،‬وأفتّح وأغ ّمض‬ ‫ّ‬ ‫تنشق سوى عن ذلك‬ ‫متمنيا ً لو تنبثقين فجأة ً امامي ولكن عبثا ً فاألرض لم تكن‬ ‫المصور الذي كان يضغط الفالش في وجهي وهو يقفز امامي عن‬ ‫البهلوان‬ ‫ّ‬ ‫يميني ويساري ‪ ،‬يكاد يعميني فألعن المصورين ومن اخترع آالت التصوير‬ ‫واوشك ان احطمها فوق راسه لوال عذره السوبر مقبول ‪...‬‬ ‫" بعتذر استاذ بس و ّجك مش معقول شو فوتوجينيك "‬ ‫كنت اعبس في وجهه واتج ّهم وفي داخلي كنت أسعد وأستانس وأصبر علبه ‪،‬‬ ‫حبن اتصورك كيف ستطلّين بين لحظة واخرى ‪ ،‬كبف ستدهشك وسامتي‬ ‫وتبهرك أناقتي وكيف ستتمتمين لي بكلمة او تهمسين لي بهمسة تعزلني عن‬ ‫كل ما يحيط بي من صخب وزيف وضوضاء ‪ .‬كنت لمجرد تصور األمر‬ ‫وتتورد خدودي خجالً ‪.‬‬ ‫تلتهب أذناي‬ ‫ّ‬ ‫سرك‪...‬‬ ‫تعرفبن يا صغيرتي ‪.ٌٍ ..‬والكالم في ّ‬ ‫بحدث للرجال في الخمسين ان يصابوا بحياء العذارى وارتباكهن خصوصا ً‬ ‫حين يكونوا عشاقا ً في عمر الهوى الثاني وفي خانة والد العروس ودوره‬ ‫المن ّمق المرسوم ‪.‬‬ ‫رايت زوجتي من البعيد تومئ لي ‪...‬بما معناه ‪..‬‬


‫"هيا أستعد حان دورك ‪ ..‬ها هي العروس مقبلةً نحوك فقط كن هادئأ ً ور ّكز‬ ‫إنتباهك "‬ ‫ار ّكز إنتباهي ‪....‬؟؟؟!!! يا للهول وتركيزي كله كان يحوم حول مكانك الفارغ‬ ‫الملحوظ ‪.‬‬ ‫رحت أحسب خطوات العروس ألمتأنية من أعلى درجات السلم حتى أسفله ‪.‬كم‬ ‫يلزمها من الوقت لتوافيني ؟؟ دقيقة ‪ ،‬او دقيقتان ربما ‪.‬حسنا ً أستعيرها‬ ‫واستفسر خاللها عنك وليكن ما يكون ‪.‬‬ ‫" عقبالك دموازيل " قلت لزميلتك ‪ ،‬بالمناسبة اين هي رفيقتك اليوم؟‬ ‫" مرسي إستاذ" رفيقتي خطبت والليلة عقد قرانها‪ ،‬ليش ما خبّرتك المدام ‪..‬‬ ‫المدام زوجتي تخبرني ؟! بماذا ؟! بما سمعت ؟ ولكن ماذا سمعت ؟!‬ ‫ّ‬ ‫تعطل سمعي تالشى وجرفني دوار حين زلزلت األرض تحت قدمي ‪ ،‬إرت ّجت‬ ‫القاعة من حولي ‪ ،‬أطفأت األنوار ‪ ،‬أضيئت الشموع واخذت دفوف الزفّة‬ ‫تقرع من و" دقوا المزاهر" تصدح والعروس وحيدتي تهبط كالحلم آخر‬ ‫درجات السلم كمالك يهبط من السماء ‪ ،‬فيهبط قلبي بين رجلي هلعا ً حين‬ ‫اتصورك عروسا ً تتقدّمين كأبنتي تشبكين ذراعك بذراع رجل آخر سيراقصك‬ ‫‪ ،‬سيش ّمك ‪ ،‬سيل ّمك بين ذراعيه ويض ّمك و‪...‬‬ ‫وخطوات إبنتي تدنو فتكاد تدانيني وانا مزروع بأرضي يقفز افراد الزفّة‬ ‫ّ‬ ‫فتسك ركبتاي‬ ‫كألمهرجين واسمع الزغاريد فوق راسي كالعويل ‪،‬‬ ‫حولي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معطلة ‪ ،‬تطفئها زوجتي حين‬ ‫وارتجف بأرضي أضيء واطفيء كأشارة سير‬ ‫تمسك بيدي وتشبكها بذراع إبنتي فاخطو معها ألسلّمها لعريسها وسط الزفّة‬ ‫واألهازيج الشعبية ‪...‬‬ ‫كانوا يرددون زجالً يوصي العريس بعروسته والعروس بعريسها ‪.....‬‬ ‫لم أفهم شيئا ً حينها ‪ ،‬كان هناك فرد واحد يحتاج لموسوعة توصية كان هو والد‬ ‫العروس ‪...‬وعمر هواه الثاني المصدوم ‪.‬‬ ‫تلك حكايتي يا حبيبتي حتى تلك االحظة اما ما جرى بعدها فلن تفهميه إال إذا‬ ‫المتنوعة ‪.‬‬ ‫إنضممت لنادي اسرار النساء وغرابة طقوسه الفريدة‬ ‫ّ‬ ‫تخيلي بعدها كيف قادت زوجتي حفل ألزفاف من األلف إلي الياء بإتقان مذهل‬ ‫وتخيّلي كيف كنت أنا "محسوبك" ببن يديها ‪.‬‬ ‫روبوت مبرمج بشحنات آمرة من عينيها ‪.‬كانت تجلس فأجلس ‪ ،‬تنصت‬ ‫فأنصت ‪ ،‬تساير فأساير ‪ ،‬تتلقّى التهاني فأتلقّتى التهاني وفي نهاية الحفل‬


‫حصدت هي من األطراءات المستحقة ما بكفيها خزينا ً يرويها حتى آخر ألعمر‬ ‫وحصدت أنا من ألخيبة ما طرحني في فراشي لبلتها فريسة ليلة سوداء لم تنفع‬ ‫معها سوى حبة صغيرة بيضاء وحكمة حاسمة رقطاء ‪.‬‬ ‫"‪ ،‬ما قلتلك شدة وبتزول الحمدهلل ‪..‬احمد هللا "‬ ‫رددت إمرأتي كلماتها مبتسمة توأم اإلبتسامة التي كانت ترشقني بها في بداية‬ ‫حفل ألزفاف ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كيدهن عظيم وهللا كيدهن عظيم ‪.‬‬ ‫حينها فقط فطنت لألمر فصحوت وتيقنت ‪...‬‬ ‫كانت تعلم باألمر‪.‬وكل تفاصيله ‪ ،‬فتتكتّم وتتجاهل لتشمت بي وتتشفّى مني ‪.‬‬ ‫" ألم اقل لك شدة وبتزول "‬ ‫كانت شدّة نعم خفّت قليالً ‪ ،‬بهتت ربما لكنها أبدا ً يا حبيبتي لم تزول ‪..‬‬ ‫سنوات مضت على زواج وحيدتي وال زلت بين حين وآخر اقلّب في صفحات‬ ‫البوم الزفاف ‪ ،.‬أستعيد الذكريات ‪ ،‬متأنيا ً بين الصور ‪ ،‬مفتشا ً ببن الوجوه‬ ‫علّني أعثر على ذاك الرجل الحاضر الناضر ذو الوجه الفوتوجينيك "الذي‬ ‫كان يستقبل المدعوين ‪ ....‬ال اثر له‪.‬؟؟؟!!!‬ ‫نجمة األلبوم إبنتي كاألميرات ‪ ،‬تليها زوجتي كالملكات وانا بينهما اشبه كهالً‬ ‫هرما ً بربطة عنق بنفسجية فاقعة وصلعة شاسعة ‪.‬‬ ‫من هو هذا الذي اراه ال يشبه بتاتا ً ذاك الذي كنته بشئ ‪.‬كيف أختفى؟! اين‬ ‫الصور ‪.‬‬ ‫دُفنت تلك‬ ‫َ‬ ‫استنفر كعادتي كل مرة وأعود ألستنطق زوجتي مستفسرا ً فتنعتني برجل‬ ‫المصور الذي يصاب‬ ‫والتصورات واألوهام ‪ ،‬اتركها لشأنها وأقصد‬ ‫الخياالت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بغتة عند رؤيتي بداء الخرف المب ّكر فال يتذ ّكر شيئا ً ‪ ،‬ال حفل الزفاف وال‬ ‫تاريخه وال كيف كان يضغط على الفالش وبقفز امامي كالسعدان متعلالً‬ ‫بوجهي" الفوتوجينيك "‬ ‫واعيد واعيد تذكيره بالتفصيل الممل فيعيد تأملي ببالهة‪.‬الحمقى والمهابيل ‪،‬‬ ‫محدّقا ً بعرض صلعتي وطول قامتي متسائالً بالتأكيد عما أحمله من شروط‬ ‫ومؤهالت ال"فوتوجينيك " ال شئ على األرجح ‪!!.‬‬ ‫والمصور ُ‬ ‫غسل دماغه‬ ‫الصور إختفت تحت سابع ارض ‪ ،‬زوجتي تنصلت‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وحتى اليوم لم يستطع شئ ان يغسل عينيك وسهامها وتلك النظرة الكاسحة عن‬ ‫جدران قلبي ‪.‬‬ ‫ايه يا قلب ‪..‬‬


‫ايه يا حبيبتي !!!‪ ،‬تلك هي الحكاية من األلف حتى آخر ابجدية فرح الحب في‬ ‫هذا العالم الحزين ‪.‬‬ ‫أغلق صفحات األلبوم والزكريات النابضة وافتح كتاب الكيمياء والفيزياء‬ ‫والمعادالت الغامضه عمالً بتلك المقولة الشائعة ‪ ".‬ال شئ يكفل راحة القلب‬ ‫مثل شغل العقل" ‪.‬‬ ‫اغوص في المسائل المعقّدة احلل وانقّب ‪ ،‬ادقق واستنتج اراجع واراجع مرة‬ ‫مرتبن عشرات المرات فال شئ يكفل راحة القلب مثل شغل العقل‬ ‫صحيح ؟! ربما احيانا ً ؟! إلى حد ما ‪ .‬او‪.....‬‬


‫أمي‪....‬‬ ‫أمي الحبيبة‪...‬‬ ‫لم يمهلني ألقدر يومها للحظة قصيرة أقول لك فيها وداعاً‪.‬‬

‫لم يمهلني حتى ألطبع على وجنتيك قبل ًة صغيرة قبل أن تلفظي أنفاسك‬ ‫األخيرة ‪..‬‬

‫إنقضت عليك بطريقة‬ ‫غدرني ذلك ألحادث ألمشؤوم ‪ ،‬بتلك ألشاحنة التي ّ‬ ‫هستيرية لترسلك نحو األبدية بسرعة قياسية‪.‬‬

‫أذكر تماماً تفاصيل ذلك أليوم البعيد ‪ ،‬وكيف كان ُمضج اًر وروتينياً ثم كيف‬

‫حمالة بدل ان اهرع إليك يا‬ ‫ّ‬ ‫تحول بغت ًة رهيباً ومأساوياً حين إستقبلتك على ّ‬ ‫امي آلخذك في األحضان!!!‬

‫وحيدة كنت وتائهة في ذاك اليوم مذهول ًة في قلب الحدث أشبه ضلعاً ضعيفاً‬ ‫متصلٍباً في مثلث ألمأساة ‪..‬‬

‫" كنا انا وانت وحضرة ألموت "‬

‫كانت اطرافك ساخن ٌة لم تزل ‪ ،‬وكنت ارفض ان اصدق انك إنسحبت نهائياً‬

‫والى أألبد من لعبة الحياة ‪.‬‬

‫اذكر جيداٌ كيف نزعت عنك ثوب الحادث المشؤوم ‪ ،‬وكيف البستك وسط‬ ‫سيول دموعي قميصك األبيض المطرز بخرز اللؤلؤ المنظوم ‪..‬‬

‫مشطت خصالت شعرك المبعثرة ‪ ،‬مسحت وجهك بماء الورد وعن طرف‬ ‫ّ‬ ‫لت خيطاً رفيعاً يابساً منساالٌ من الدم ‪.‬‬ ‫ثغرك از ُ‬ ‫المخ‪.‬‬ ‫كان يشي بجنون نزيف داخلي حدث كله مستت اًر داخل ّ‬


‫أعزي نفسي وأقنعها ‪ ،‬أنك وال ّبد ستفتحين عينيك ألخضراوين ألجميلتين‬ ‫كنت ّ‬ ‫‪ ،‬او ستبتسمين لي ربع إبتسامتك المعهودة ‪ .‬عبثاً ‪ ..‬كانت األماني سراباً ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫فات األوان ‪ِ ،‬‬ ‫أصبحت طيفاً وُقضي األمر ‪..‬‬ ‫كنت قد‬ ‫ِ‬ ‫فخلفت في قلبي لوعة وفي قلب والدي حسرة‪.‬‬ ‫غادرِتنا أمي ‪،‬‬

‫قبل رحيلك لم أكن اتصور ابداٌ ان ابي بدوره سيصبح احد هؤالء الرجال الذين‬

‫ُكتب عل جبينهم اليتم ثالث مرات ‪.‬مرةً من األم ومرةٌ من األب ومرةٌ من‬ ‫الزوجة ويتم الزوجة كان اليماً وموجعاٌ لرجل صار في أواخر خريف العمر ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فك‬ ‫صار والدي يتيماً بحق بعد رحيلك ولم بكن ينفع كل اهتمام األبناء في ّ‬ ‫دمعة مترقر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قة دائماٌ في عينيه‬ ‫تلك العقدة المتربعة بين حاجبيه او في تجفيف‬

‫‪..‬‬

‫ٱه لو تعلمبن يا امي ‪.....‬‬

‫يحدث للبيوت ايضاً ان تموت مباشرًة بعد موت أصحابها ‪.‬‬ ‫صار ببتنا جثّ ًة هامدة من بعدك ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫وسره ومن اناملك كان‬ ‫كنت تطوفين بين ارجاءه فيعبق اريج الحياة ‪.‬كنت ربتُ ُه ّ‬ ‫ذبلت‬ ‫يكمن سحره ‪ .‬عقب رحيلك يبست على الشرفة شجرة " الغاردينيا" ‪ُ ،‬‬ ‫ونكست رؤوسها اعواد "الياسمين "‪.‬‬ ‫شتول الورد "والقرنفل" ّ‬ ‫تعدينه تعشعش في زوايا المطبخ‬ ‫لم تعد رائحة طعامك الشهي الذي كنت ّ‬

‫وحبال الغسيل أهترأت من طول الهجر‪ ،‬إفتفدت طويالً ألناملك والمالقط‬

‫الفواحة من غسيلك المنشور ‪.‬‬ ‫ورائحة النظافة ّ‬ ‫صار والدي في الببت من بعدك عنوان الضيف الثقيل ‪ ،‬ال يكاد يطأ عتبته ‪،‬‬ ‫يفر هارباً من وجع العمر وعفونة الذكريات ‪.‬‬ ‫يتجول بين غرفه حتى ّ‬


‫رحل ابي بعد رحيلك بخمسة عشر عاماً غادر الحياة كما هو متعارف عليه ‪،‬‬

‫فعليا كما كنت اشعر هو غادرها تماماً مع وفاتك ‪ ،‬كان يعيش بيننا كالموت‬ ‫الذي يتنفس على شكل حياة ‪.‬‬

‫بعد رحيله اقفلنا الباب للمرة األخيرة ورمينا بالمفتاح‪.‬‬

‫أليوم يسكن المكان اناس ٱخرون ‪ ،‬بين جدرانه تدور حكاياتهم وقصصهم ‪،‬‬ ‫اوجاعهم ‪ ،‬همومهم ‪ ،‬فرحهم وذكرياتهم ‪.‬‬

‫يغص قلبي ويجتاحني حنين ليس‬ ‫أليوم كلما قطعت بجانب بيتنا ورصيفه ‪ّ ،‬‬ ‫لمكان ترعرعت وصرت صبي ًة فيه وانما شوقاً وحنيناً لك امي وقد ِ‬ ‫كنت شمسه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقمره ومن بعدك اظلم واقفر ‪..‬‬ ‫اشتاقك امي مع اننا لم نكن نتسامر إال قليالً وكنا نتناقش كثي اًر كثي اًر ‪..‬‬

‫أشتاقك امي ‪ ،‬يفتقدك هذا القلب الذي صار ناضجاً جداً راشداً جداً ورغم‬

‫ذلك لم يزل يحبو دوماً بالسر نحو‬

‫قدميك‪....‬‬


‫بحبَك قد الدني‬ ‫مالت براسها قليالً متكئةً به على وسادة األثير وقالت له على عادتها مرات‬ ‫ومرات في كل يوم‬ ‫*‪ ،‬بحبك قد الدني *‬ ‫نفث الرجل دخان سيجارته سهما ً مشتتا ً ثم غرق في قهقهة صاخبة ارت ّج منها‬ ‫فضاء الغرفة وأرتجف اثيرها‪..‬‬ ‫تاملته بخيبة الحب المسكوب ‪ ،،،‬كان الدمع في عينيها بين نية األشراق‬ ‫وتراجع األخفاق ‪...‬‬ ‫‪-‬اتسخر من بهاء بوحي وتهزأ بمصابيح حبي " قالت له‪" .‬‬‫اطفأ الرجل سيجارته وتقدم منها ‪ ،،‬امسك براسها جلّسه بين يديه ‪ ،‬غرز‬ ‫أنظاره في عينيها وقال لها ‪:‬‬ ‫‪-‬‬‫‪-‬ايا ساذجتي اليس الحب فرح ‪ .‬؟؟؟‬‫وعاد لمقعده امسك الموبايل في عالمه األفتراضي يجول بينما كريات التساؤل‬ ‫في رأسها كانت تجول‪...‬‬ ‫ايكون هذ الرجل حليف الحب وصديقه وبيت سره‪..‬‬ ‫تصرح بها له ‪..‬وهاهو يفنّد العبارة ‪ ،‬يعيش نبض حروفها‬ ‫*بحبك قد الدني *‬ ‫ّ‬ ‫ويغرق في امواج حبورها‪...‬‬ ‫يصرح لها بحبه تغرق في تأمل حزين‪...‬‬ ‫وهي لماذا حين‬ ‫ّ‬ ‫هي تقول له * احبك * في اليوم الواحد اربعين مرة ربما ‪ ،،،‬وهو يصرح لها‬ ‫بها مرة واحدة فقط كل اربعين يوما ً ‪....‬‬ ‫تراجعت لمقعدها اخذت الموبايل ‪ ،،،،،‬وفتحت " غوغل " وكتبت ‪...‬كيف‬ ‫يحب الرجل ؟؟ وكيف تحب المراة ؟؟‬ ‫*مقال في الحب *‪...‬كتبت الشاشة امامها ‪..‬‬ ‫كانت تتامل في كلمة الحب لتكتشف انها اكثر ما تجهل في تلك الكلمة هي ال‬ ‫تعريفها‪ .‬؟؟؟؟ !!!!!‬


‫الرجل الرمادي‬ ‫اعرف نفسي بالرجل الخارق وال قلت انني‬ ‫نعم انا الرجل الرمادي ‪،،،،‬لم ّ‬ ‫الرجل ألفوالذي او الرجل الحديدي ‪،،،‬بكل بساطة انا الرجل الرمادي‪.....‬‬ ‫إذا شقوا راسي ‪ ،‬سيكتشفون ان نخاعي رمادي وإذا تاملوني سيالحظون ان‬ ‫ي ‪ ،‬رموشي رمادية ‪ ،‬ذقني رمادية ‪ ،‬حتى جلدي بدوره ود ّ​ٍّع‬ ‫شعري رماد ً‬ ‫لونه الزهري الباهت وأتّحد مع هذ اللون الغريب الذي ال يعني احدا ً ‪...‬‬ ‫انا الرجل الرمادي المقيم في المربع األمني منذ سنوات طويلة او " او غرفة‬ ‫الجلوس " التي استوطنتها هاربا ً من سريري وغرفة ونومي وخط النار ‪،‬‬ ‫احتللت اكبر كنبة بالغرفة حيث اعتمرت القبعة الزرقاء وصرتُ حارسا ً على‬ ‫مستوطنتي ‪ ،‬اتشمس على الخط األزرق رافعا ً يافطة ُكتب عليها‬ ‫"الف كلمة جبان وال كلمة هللا يرحمو "‬ ‫الثالثة بعد منتصف الليل ‪ ،‬في مكان إقامتي المعتاد المكان األكثر عمومية في‬ ‫المنزل ‪ ،‬المكان الذي يعبره ال ُكل ويستريح فيه ال ُكل ويهجره الكل في آخر‬ ‫النهار ‪ ،‬ما عداي انا المستوطن األبدي فيه‪..‬‬ ‫انا الرجل الرمادي الذي مال ّ‬ ‫عز رجولته ‪ ،‬فصار الرجل المتألم بعد ان كان‬ ‫المؤرق الذي يؤ ِلم‪.‬‬ ‫الرجل‬ ‫ِ‬ ‫انا الرجل الذي غدوت بال لون وال طعم وال تاثير وال رائحة وهل هناك اجمل‬ ‫من رائحة الرجال حين تفوح في ارجاء الدار وفي اثير المكان‪...‬‬ ‫رمادي انا غدوت ولم اعد ّ‬ ‫فزاعةً لتلك المرأة الذهبية التي تقبع هناك في غرفة‬ ‫يتسلل منها ضوء خافت ويفصل بيني وبينها رواق ‪.....‬‬ ‫ال زلت ِارقا ً تحيط بي اشيائي او كما تسميها تلك المرأة " اكسسواراتي‪" .‬‬ ‫عصاي ‪ ،‬هاتفي ‪ ،‬نظاراتي ‪ ،‬والريموت التي ال تكاد تهدا في يدي ‪،،،،،‬اقلّب‬ ‫المحطات ‪ ،‬فتقفز الصور وتختلط األلوان وتتشابك األصوات فال افقه شيئا ً‬ ‫‪،،،‬عقلي سابح في مداره الخاص يحاول فك لغزه الليلي المعتادالكائن في آخر‬ ‫الرواق ‪،،،،،‬حيث غرفة بابها نصف ُمغلق ‪ ،‬يتسلل منها ضوء خافت وتسكنها‬ ‫امرأة يقال انها زوجتي ‪... .‬‬


‫ليلة اخرى بيضاء ‪ ،‬انا بطلها والشاهد علي كنبة مزروع انا وسطها مثل عمود‬ ‫فارغ ‪ ،‬في قبضتي عصا تنحني فوقها هامتي ويتكئ على مقبضها جبيني‪....‬‬ ‫المقوس الحزين "‬ ‫"العمود‬ ‫ّ‬ ‫تسمية تطلقها علي المرأة الذهبية كلما لمحتني في تلك الوضعية لتتحفني عندها‬ ‫بتوصياتها الخنفشارية‪. .‬‬ ‫"جلّس ظهرك ‪ ،‬هات العصا ‪ ،‬إرفع راسك وقل يا رب ‪ ،‬ال تحدّق الى األسفل‬ ‫فتجذب اليك الطاقة السلبية ‪..‬ال وال وال‪. ...‬‬ ‫ما اصعب ان تكون رجالً رماديا ً ‪ ،‬مريضا ً ومتشائما ً فيهديك القدر امرأة ذهبية‬ ‫بخلطة الجاذبية ‪ ،‬فيها شيئأ ً أعشقه من امي وشيئا ً اكرهه في اختي وشيئا ً اعبده‬ ‫في خالتي وشيئا ً يجذبني لجارتي ‪..‬‬ ‫امراة ً تش ّع فرحا ً وتنهمر علي الطيبة منها‬ ‫شالالً ‪ ،،،‬تطوف حولي ملبيةً كل احتياجاتي بعصا روحها السحرية‪ ...‬امراة ً‬ ‫صارت لغزا ً عصيا مثيرا ً ‪ ،‬جذابا ً ‪ ،،‬امراة‪ .‬تسكن تلك الغرفة في آخر ذاك‬ ‫الرواق ‪ ،‬حيث يتسلل من بابها ضوء خافت وإذا اصغتُ السمع اكاد اسمع‬ ‫حفيف قميص نومها األبيض واتخيل طراوة وسادتها الحريرية‪.‬‬


‫احالم ‪...‬انثوية‪...‬‬ ‫كانت المرأة بالكاد دافئة تتقوقع داخل نفسها ‪،،،،‬حين سمعت الصوت اياه‬ ‫يناديها وانتبهت انها كانت غافية ‪،،‬طافية على سطح الحلم اللذيذ ‪.‬‬ ‫اتجهت صوبه ال شعوريا ً ‪،،،‬كانت تحركها قوة مغناطيسية خفية‪.‬‬ ‫لم يكن صوته أنما حروف اسمها سابحةً نحو اذنيها عبر األثير ‪..‬لطالما احبّت‬ ‫هذا األسم خصوصا ً حين علمت معنى حروفه ‪...‬‬ ‫يطوقها بحب‪ ،‬بشوق‬ ‫حين التقته كان يأسرها فرح طفولي غامر‪ ،،،‬ها هو ّ‬ ‫ساخن تماما ً كنا كانت تحلم منذ قليل ‪...‬‬ ‫وضع يده اليمنى على كتفها األيسر ‪ ،‬ضاغطا ً اياها متكئا ً عليها ‪،،،،،‬لم تصدق‬ ‫ما كانت تعيشه ها هو بكل جبروته وعنفوانه ينحني فوق راسها ويشرع‬ ‫بضغط جبينه الى جبينها‪.....‬‬ ‫ياهللا سبحان مغير األحوال " قالت لنفسها "‬ ‫هذا الرجل الذي طالما عاب عليها قصر قامتها المعتدلة بالنسبة لهامته‬ ‫المشرعة‪....‬‬ ‫ّ‬ ‫هاهو يتشبث بها باصرار طفل رضيع عثر على صدر امه بعد طول عناء ‪..‬‬ ‫كانت فرحة منتشية وهو يتكئ بذراعه اليسرى على كتفها األيمن ‪،،‬فيكمل‬ ‫بحركته حولها نصف دورة حب‪....‬‬ ‫ها هو اخيرا ً يضغطها اليه ضغطةً خفيفة ال تلبث ان تشتدّ شيئا ً فشيئا ً حتى‬ ‫كادت تذوب فيها وتتالشى‪....‬‬ ‫ها هي اخيرا ً ستتغلغل في طيات صدره كما كانت تحلم قبل قليل ‪،،،‬وهل‬ ‫يحدث ان يهدينا القدر هداياه بتلك السرعة ‪....‬‬ ‫كانت تستعدّ ألحتفال ذوباني شهي يشبه قالب الزبدة الذي اسمتعت بطعمه هذا‬ ‫الصباح ‪،،،‬حين اقترب من اذنها هامسا ً لها يوشوشها بصوته الواهن الضعيف‬ ‫‪:‬‬ ‫"حبيبتي معدتي تؤلمني كثيرا ً ‪ ..‬هل لي بفنجان نعناع ساخن لو سمحت "‪.‬‬ ‫بغتة صارت تمثاال رخاميا ً باردا ً تنزلق عنه ساعدا الرجل لتفلت منها متجهة‬ ‫صوب المطبخ وهي تفكر بسذاجة قلبها وطيبة مشاعرها واحاسيسها وكومة‬ ‫احالمها ‪ ....‬كانت تفكر وتفكر وتضع الركوة على النار وهي تفكر ‪.‬‬


‫هي صرة احالمها وتجلياتها كم صارت رخيصةً في ذلك المساء كم صارت‬ ‫في ذلك المساء سخيفة غبية‪...‬‬


‫مقعد شاغر‪.......‬للحب‬ ‫ألحب للشجعان ‪.....‬الجبناء تزوجهم أمهاتهم‪.‬‬ ‫لم أكن شجاعا ً كفايةً تلك الليلة ألتحرش بكوكب متألق من الحب ‪ ،‬كنت جبانا ً‬ ‫متوجا ً بأمتياز‪ ,‬ماتت امي منذ زمن بعيد وخلفتني عازبا ً يدور حول نفسه في‬ ‫ّ‬ ‫تلك السهرة حائرا في منطقة وسطى ما بين الحب والالحب ‪ ،‬ما بين الجنة‬ ‫والنار ‪ ،‬ما بين حضور تلك المراة و حضور احالم صيفية عابرة‪.‬‬ ‫وحده القمر كان مناوبا ً على الحراسة تلك الليلة فاألمسية من ايلول ‪ ،‬مستغربة‬ ‫على مفترق ألفصول ‪ ،‬ليلها مستوحش ونجومها في إجازة قد تطول ‪.‬‬ ‫البساط تحت قدمي كان سندسيا ً والموائد من حولي عامرة ً سخية وصديقي‬ ‫صاحب الدعوة ‪ ،‬يطوف بينها متفقدا ً مدعويه في جوالت مكوكية‪ ،‬ينثر خاللها‬ ‫دعاباته مرحبا ً بي بين حين وآخر‪....‬‬ ‫‪-‬اهالً اهالً كل شي عذوقك تمام‪.‬؟؟‬‫وكنت أجيب‪.‬‬ ‫‪-‬أكيد تمام بوجودك‪..‬‬‫بنبرة مشبعة بألحماس كنت أجيبه فأخدعه كما اخدع نفسي التي لم تكن أبدأ‬ ‫تمام او على ما يرام بجانب المقعد الشاغر الذي كان يفصلني عن تلك ألمرأة‪.‬‬ ‫اصب لنفسي كأسا ً مثلّجا ً وارفعه‬ ‫كانت هناك بجانبي وكنت غافالً بادئ األمر ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫شاربا ً نخب ألمعارف واألصحاب حين افلتت من نطاق رؤيتي نظرة عفوية ‪،‬‬ ‫لمحتها عن يساري وحيدة خلفها ينبسط الشاطئ والبحر وبيني وببنها مقعد‬ ‫شاغر‪.......‬‬ ‫بغتة تالشت كل الوجوه ‪ ،‬تحللت كل األقنعة ولم يبقى في مداري سابحا ً سوى‬ ‫حنين شهر ايلول ‪ ،‬ضوء القمر ‪،‬قفشات الموج ‪ ،‬عطر تلك المراة سحر‬ ‫حضورها والمقعد الشاغر الذي يفصلني عنها‪....‬‬ ‫فكرت باحتالله‪...‬‬ ‫داهمني الخاطر مفاجئأ ً وكدت أباشره بفعل قوة مغناطيسية تجذبني لجوارها ‪،‬‬ ‫لكنني تريثت تاركا ً للعقل فرصة سانحة ليستعرض خاللها عضالته الكابحة‪.‬‬ ‫ربما لم يكن المقعد شاغرا ً ‪ ،‬ربما هو خاصة زوجها او احد أقاربها وما شأني‬ ‫انا بها وما بال فكري العابث المشتت في ليالي ايلول ‪.‬‬


‫كنت اسعى ألنتشال حضوري من شباك حضورها ‪ ،‬فاشيح بوجهي واتابع‬ ‫تواصلي مع من حولي ‪ ،‬فآكل وأشرب واثرثر وأقهقه دون جدوى‪...‬‬ ‫لم اكن افلح في مقاومة تلك تلك األنجذابة العنيفة التي كانت توخزني من كتفي‬ ‫اصوب‬ ‫بين الفينة والفينة ‪ ،‬تدفعني كي استدير بحذر ‪ ،‬اوهم نفسي بتامل البحر‬ ‫ّ‬ ‫نحوها انظاري اطلقها موازية لصفحة وجهها فيطرق راسها بقليل من حياء‬ ‫وشيئ من خضوع يخفق له قلبي وانتهزها فرصة ألغرق في تأملها ‪.‬‬ ‫دفء انظارها ‪ ،‬عذوبة صوتها ‪ ،‬سحر ابتسامتها ‪ ،‬كان ذلك الشئ الغامض ‪،‬‬ ‫الحريري والمقدس يطوف في توازن غريب ي ّ‬ ‫شع من حضورها‪.‬‬ ‫هل كنت مسحورا ً تلك الليلة ؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!‬ ‫كانت الموسيقى حالمةوكان نسيم ايلول يتصاعد من شاطئ البحر فيغمرها قبل‬ ‫عبوره صوب رأسي ُمشبعا ً بخدر عطرها ‪ ،‬وتستيقظ توا ً في داخلي وحدة‬ ‫ً‬ ‫حنين ينتفض وفي صدري تعصف ريح الفراغ‬ ‫تعترض ‪ ،‬ويُزهر في قلبي‬ ‫حائرة ً كيف تستند ‪..‬‬ ‫وكنت إعود ألفكر بامر المقعد الشاغر ‪......‬فأقدح زناد فكري باحثا ً عن وسيلة‬ ‫تبرر لي احتالله فأنزع يد" الغرسون " عنه كلما امتدت اليه تحاول استعارته‬ ‫وأكذب بيقين وادّعي ان له صاحبا ً سيعود بعد قليل وأنقّب بالتالي عن حجة‬ ‫تحلله لي‪.‬‬ ‫اادعي حاجتي للملح او لبعض قطع الثلج او لكوب ماء وهكذا احاورها فأبدأ‬ ‫الحديث معها عن حال الطقس او عن حال األوضاع األجتماعية وبعده‪.....‬‬ ‫كم كنت سأبدو مضجرا ً وسخيفا ً‪.....‬‬ ‫في تلك السهرة الشاعرية هل يحلو الحديث عن غير الموسيقى والحب والشعر‬ ‫والغزل‪.‬‬ ‫كنت منهمك الفكر ‪ ،‬كيف ابرر إقترابي منها بحاجتي للملح او لقطع الثلج ‪،‬‬ ‫األهمية كانت في الخطوة األولى بعدها تتسلسل الخطوات تلقائيا ً المهم ان‬ ‫اسابق الوقت قبل ان يسبقني فتنتهي دعوة العشاء وانا ملتصق بمقعدي والمقعد‬ ‫بجانبي شاغر يضيئ في عيون النادلين تمتد األيدي إليه فانزعها عنه وانا‬ ‫اكرر حكاية عودة صاحبه الوشيكة وانشغل عن خطوتي األولى وترتيب‬ ‫اسبابها ‪ ،‬اابدأ بالملح او قطع الثلج وتتوه افكاري وتتشوش واسهو عن حضور‬ ‫رئيس الخدم قارئ األفكار و الرابض فوق راسي كظلي‪.‬‬ ‫بقدرة قادر إنهارت قطع الثلج في كاسي‪ .‬بسحر ساحر زرعت زجاجة الملح‬


‫قرب صحني وكنت ابتسم له شاكرأ وانا العن في سري حسن الضيافة ودقتها‬ ‫التي تنسف كل مخططاتي ‪،‬تتواطئ مع مراسيم عقلي تردني لجادة صوابي ‪،‬‬ ‫لحسرة خمسيناتي وقطارها المتعب الذي يصفّر مقتربا ً من آخر محطات العمر‬ ‫‪.‬‬ ‫تلوح لي‬ ‫ضاعت فرص الحب ولم يعد هناك سوى محطة التقاعد األخيرة التي ً‬ ‫بهدؤها آمرة وتمد لي لسانها ساخرة‪.‬‬ ‫كان الضيق يعتصرني ‪ ،‬في صدري تتزاحم تنهدات الشوق والحنين ألى‬ ‫المجهول التي تجتاحني فقط في شهر ايلول ‪ ،‬تتدفق في دمي ‪ ،‬تسيل في‬ ‫اوردتي ‪ ،‬فاسيل معها كالمادة الخام التي تحتاج ألنامل امرأة تعيد تشكيلها‪.‬‬ ‫إمرأة تشبه تلك الحسناء التي كانت تجاورني وبيني وبينها مقعد شاغر انهكني‬ ‫في الحفاظ عليه حتى قررت حسم األمر في النهاية ‪.‬نزعت عنه يد الغرسون‬ ‫وهممت باألنتقال اليه حين غادرت المراة مقعدها واختفت تحت جناح الليل‬ ‫‪.....‬‬ ‫الواحدة بعد منتصف الليل صرعني الوقت قبل ان اصرعه‪.‬‬ ‫بغتة تالشى السحر من حولي‪ ،‬القمر بدا شاحبا ً والناس من حولي مضجرين ‪،‬‬ ‫شعرت بالبرد وخشيت على نفسي من نزلة صدرية‪.........‬‬ ‫حدث كل ذلك منذ عام اقسمت بعدها يمينا ً اال البي دعوة عشاء احد في شهر‬ ‫ايلول‪.‬‬ ‫مضى الصيف بعدها ومضت سهراته الرومانسية الحالمة ‪ ،‬لم التق بتلك المرأة‬ ‫فيما بعد ‪ ،‬حتى اليوم ال اعرف من هي واي اسم يميّزها‪....‬‬ ‫كل ما بقي لي منها ذكرحضورها الوهاج ‪ ،‬حقيقة كونها امرأة ‪ ،‬حقيقة كونها‬ ‫تعي ذلك تماما ً‪.‬‬ ‫بعض النساء تلتقيهن مرة واحدة فال يعود زمنك مقفرا ً والوانه بال نبض‪....‬‬ ‫بعض النساء يعبرن صفحة حياتك مرة ً واحدة فيدمغن صفحة الروح إلى األبد‬ ‫‪.‬‬ ‫أكتب لك يا سيدي بعد ان قرأت على صفحات " الفايسبوك" قصة بعنوان ‪".‬‬ ‫مقعد شاغر للحب " اكتب لك ألخبرك أنني كنت اقرأ واقرأ واغوص في‬ ‫التفاصيل بين الحروف واغرق ‪ ،‬ألكتشف أن العنوان المبتكر ليس سوى‬ ‫لقصة حب مختصر بيني وبينك ومقعد شاغر كان بيننا يندب حظه العاثر في‬


‫دفئه المنتظر‪.‬‬ ‫قرأت القصة مرة ثالث مرات عشر مرات ‪ ،‬تشتت صور الحاضر في ذهني‬ ‫وازاحتها تلك الزيارة اليتيمة الى الوطن في شهر ايلول ودعوةصديقتي الملحة‬ ‫لذلك االعشاء الساهر‪...‬‬ ‫اتذكر دائما ً األمر بالتفصيل‪. ً..‬‬ ‫تايوري ألشانيل الزهري الذي كنت ارتديه والعطر الذي كنت انثره باسراف‬ ‫في أرجاء الغرفة وانا ادور فيها أللتصق برزازه المبعثر‪ ......‬امام المرآة كنت‬ ‫اغازل نفسي وأتاملها بحب وموجة من الرومانسية تهدهدني وتخدر اوصالي ‪،‬‬ ‫كان يحتلني شعور مبهم وتوشوشني الروح بوعد سري بفرحة صغيرة بذلك‬ ‫األكيد الذي ال نراه ولكننا نحسه بوفرة اللمعان‪.‬‬ ‫عرفتني بالحاضرين ‪ ،‬قدمتني‬ ‫على طاولة العشاء رحبّت بي صديقتي ‪ّ ،‬‬ ‫لمقعدي وهي تنصرف لمدعوبها‪.‬‬ ‫استرخيت مكاني وانا اتأمل ما يحيطني ‪ ،‬عن يميني كان هناك مقعدان‬ ‫شاغران ‪ ،‬رحت اتخيل شكل " الكوبل' الذي سيحتلهما بعد قليل‪.‬‬ ‫المرأة بالتأكيد دمية متقنة متصنعة على األرجح تشبه اللواتي يحطن بي !!!!!‪.‬‬ ‫والرجل بعد كاسه الثالثة سيفقد بعض صوابه وينضم ألشباه الرجال ذوي‬ ‫النظرات الجائعة البلهاء !!!!‪..‬‬ ‫كانت القهقهات تلعلع من حولي فارغة تهلل لفرح كاذب ال اعرف كيف اقلدّه‬ ‫في وسط ال انتمي اليه‪.‬‬ ‫ضاق صدري وندمت ماذا افعل هنا؟؟ !!‬ ‫بصحبة من استمتع؟؟ ?‬ ‫صديقتي ملهوة بواجب المضيفة المتمرسة وانا مس ّمرة في مقعدي كمجهر‬ ‫يتفحص وجوه الحاضرين ينقّب ويحلل‪.....‬‬ ‫لو انتهزت ذلك الوقت في توضيب حقائبي ‪ ،‬ايام معدودة وموعد سفري‬ ‫الوشيك ‪.....‬‬ ‫قررت األنسحاب ‪..‬‬ ‫تناولت حقيبتي ‪ ،‬حاولت األيماء لصديقتي الغارقة في موجة تاهيل وترحيب‪.‬‬ ‫المقعدان شاغران بجانبي ال بد انه ذلك الثنائي المنتظر‪.......‬‬ ‫تصاعدت همسات النساء من حولي فثار فضولي ‪ ،‬نسيت ما كنت بصدده‬


‫واستدرت استطلع شكل هذا الثنائي المثير لألهتمام ‪ ،‬حين رأيتك وحيدا ً‬ ‫منتصب القامة ببذلتك " الدوباتي "األنيقة تسلم بيد وتدس األخرى في جيبك‬ ‫وانت تتقدم نحونا تحفّك طلة تفيض رجولة حانية‪.‬‬ ‫كنت واثق الخطوة تتجه صوبي ملكا ً‪....‬‬ ‫غاص قلبي بين ضلوعي وانا أتأملك بما يشبه الذهول فأضغط حقيبتي بأصابع‬ ‫متشنجة ال البث ان اصافحك بها فأبادلك تحية عفوية انيقة تن ّم عن تهذيب رفيع‬ ‫متأصل فيك‪.‬‬ ‫إتخذت مكانك بجانبي متجاهالً عمدا ً او سهوا ً المقعد الشاغر الذي لم استطع‬ ‫ابدا ً تجاهله‪.‬‬ ‫تمنيتك له وخشيت فقدانه او احتالله ولم اكن املك شاالً او معطفا ً اشغله به و‬ ‫بين يدي لم يكن سوى حقيبة صغيرة ‪ ،‬شاخ جلدها من دعك اصابعي رميت‬ ‫بها دون وعي الى المقعد الشاغر واسترخيت في مقعدي استرد انفاسي فادخل‬ ‫مجهري اتأمل كل شاردة وواردة فيك‪.‬‬ ‫كنت تشعل سيجارتك تفرج عن اكمام قميصك العاجية وازراره الفضية‬ ‫فيضرب قلبي بعنف وانا اتذكر بغتة قميص ابي وازراره الفضية واستعيد‬ ‫وشوشة الروح ووعدها السري لي امام المرآة‪.‬‬ ‫إذن هذا هو انت ‪ ،‬هذا هو حضوره ‪ ،‬إذن كل ما يحيطنا هو آخر همي ووحدك‬ ‫صرت همي الوحيد‪.‬‬ ‫ماذ حل بي بعدها ؟ !‬ ‫حتى اآلن ال اجد له تفسيرا ً اهو حنين شهر ايلول ام هي نسماته البحرية التي‬ ‫كانت تلفّنا في دورة منتظمة فيتغلغل في حواسي عطرك ينبهني لسر العطور‬ ‫وخطورتها فاشعر انك بعض مني وأنني بعض منك ويجرفني الحنين ألبي‬ ‫الساحر فاشتاقه وانتشله من قاع الذاكرة ‪ ،‬شامخا ً منتصب القامة ببدلته "‬ ‫الدوباتي " األنيقة ويده المدسوسة في جيبها‪.‬‬ ‫كانت له تلك الطلة األخاذة تلك القوة الملفلفة بالحنان والتي تخضع لها اكثر‬ ‫النساء صالبة‪.‬‬ ‫كله كان يشبهك وكلك كنت تجسده بعفوية الجرح المفتوح فانزف في داخلي‬ ‫الما ً لفقدانه واتهلل فرحا ً للقياك لوال ذلك المقعد الشاغر بينناوالذي كان يُش ِغلك‬


‫ف َيشغلك عمن حولك ويخفض معدّل تركيزك وانت تحاول اختراع حجة‬ ‫ألحتالله بين الحين واآلخر دون جدوى‪.‬‬ ‫خدمة نوعية كانت تكلل راسك تقرأ افكارك وتنسف بالتالي كل خططك الخبيثة‬ ‫الصغيرة‪.‬‬ ‫بسحر ساحر كانت تطير زجاجة الملح او تقفز قطع الثلج من مكانها امامي‬ ‫لتحط على مدرجها امامك‪.‬‬ ‫وكنت استمتع برؤياك حائرا ً مرتبكا ً ترمي رئيس الخدم بنظرة سخط قاتلة‬ ‫وشفتاك تتمتمان بما احسه انا كالشتائم ويفهمه االمسكين بعبارات الشكر فيبتسم‬ ‫لك ابتسامته المهذبة األنيقة مرددا ً عبارته األشهر‬ ‫"في خدمتك يا سيدي "‬ ‫الى صوابه كان يرتد السيد ويتراجع فيسحب يده عن المقعد بجانبه يشعل‬ ‫سيجارته وينغمس في الحلقة حوله متبادال معها األنخاب‬ ‫فرصة نادرة كنت انتهزها بحذر ألرقبك بعين المرأة المحنكة ألخبيرة فاضحك‬ ‫في سري من غرابة الرجال وتركيبتهم العبثية العجيبة‪....‬‬ ‫كيف يشنّون الحروب ‪ ،‬يبنون القالع ويغزون الفضاء ثم يعجزون عن ملء‬ ‫مقعد شاغر ‪ .....‬يفصلهم عن امرأة مربكة األنوثة وتجذبهم‪......‬‬


‫جميع الحقوق محفوظة للمؤلف‬ ‫ال يجوز طبع هذا الكتاب أو نشر أو تصوير أو تخزين أى جزء منه ‪،‬‬ ‫بأية وسيلة ألكترونية أو ميكانيكية أو بالتصوير أو غير ذلك إال بإذن‬ ‫من المؤلفة‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.