SCIENTIFIC AMERICAN ARABIC مجلة العلوم النسخة العربية - المجلد_29 - العددان 03\04

Page 1

‫املجلد ‪ 29‬ـــ العددان ‪4/3‬‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫تصدر في دولة الكويت منذ عام ‪ 1986‬عن‬

‫‪March / April 2013‬‬

‫احلد األقصى‬ ‫حلبس ال َّن َفس‬

‫طيور البطريق ال تطير ولكنها‬ ‫بارعة في الغوص والسباحة‬

‫العددان ‪ 300/ 299‬ــــ السعر‪ 1.500 :‬دينار كويتي‬

‫في الدماغ تريليونات الوصالت‬ ‫تربط باليني خالياه ببعضها‬

‫دراسة الدنا‬ ‫ملاموث عاش قبل نحو ‪ 42000‬سنة‬ ‫‪DNA‬‬

‫احلزب‬ ‫اجلمهوري‬

‫التدخالت السلوكية والدوائية للحفاظ‬ ‫على االتزان العقلي في املواقف الصعبة‬

‫احلزب‬ ‫الدميوقراطي‬

‫تطور ِ‬ ‫العلم بني مؤيد ومعارض‬ ‫لدى احلزبني األمريكيني الرئيسيني‬

‫حركة تنوير جديدة‪ ...‬اّ‬ ‫حشر‬ ‫لئل َن ُ‬ ‫تفكيرنا في إطار عقالني محض‬


‫جـائزة اإلنتاج العلمي لعام ‪2013‬‬ ‫إميانا من حضرة صاحب الس���مو أمير البالد ‪ -‬حفظه الله ‪ -‬بأهمية رعاية العلماء والباحثني وتش� � ��جيع الكفاءات العلمية‬ ‫املتميزة في مختلف فروع املعرفة‪ ،‬وتش� � ��جيعا حلملة الدكتوراه‪ ،‬من أبناء البالد على التفرغ للبحث والدراس� � ��ة والتأليف والترجمة‬ ‫خصص مؤسسة الكويت للتقدم العلمي جائزة‬ ‫في مختلف فروع اإلنتاج العلمي ودعما لروح التنافس الب ّناء بني املختصني‪ُ ،‬ت ِّ‬ ‫باسم جائزة اإلنتاج العلمي متنح سنويا في كل من املجاالت اآلتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬العلوم الطبيعية والريـاضية‪ :‬الفيزياء – الكيمياء – اجليولوجيا – الرياضيات – اإلحصاء – احلاسوب‪.‬‬ ‫‪ -2‬العلوم الهنــدسية‪ :‬الهندسة الكيميائية ‪ -‬الهندسة املدنية ‪ -‬الهندسة الكهربائية ‪ -‬الهندسة الصناعية – الهندسة‬ ‫امليكانيكية ‪ -‬هندسة البترول ‪ -‬الهندسة الزراعية‪.‬‬ ‫‪ -3‬العلوم احلياتية‪ :‬النبات ‪ -‬علم األجنة ‪ -‬علم احليوان ‪ -‬علم احلشرات ‪ -‬الكيمياء احليوية ‪ -‬الزراعة والثروة احليوانية‬ ‫(وتشمل البيطرة ‪ :‬إنتاج احلليب واأللبان ‪ -‬الدواجن واملاشية واألسماك) ‪ -‬الكيمياء الزراعية ‪ -‬األمراض الزراعية ‪-‬‬ ‫البستنة والبساتني ‪ -‬امليكروبيولوجيا‪.‬‬ ‫‪ -4‬العلوم الطبية‪ :‬التشريح ‪ -‬الصيدلة – وظائف األعضاء ‪ -‬امليكروبيولوجيا ‪ -‬علم األمراض ‪ -‬األمراض الباطنية ‪ -‬أمراض‬ ‫النساء والتوليد ‪ -‬األطفال ‪ -‬العيادة النفسية ‪ -‬العالج باألشعة ‪ -‬اجلراحة ‪ -‬طب األسنان وطب العيون‪.‬‬ ‫‪ -5‬العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ :‬علم اإلنسان ‪ -‬علم النفس – علم االجتماع ‪ -‬علم السياسة ‪ -‬التاريخ ‪ -‬اجلغرافيا ‪-‬‬ ‫التربية ‪ -‬اللغة العربية ‪ -‬اللغات األجنبية – الفلسفة ‪ -‬احلقوق والشريعة‪.‬‬ ‫‪ -6‬العلوم اإلدارية واالقتصادية‪ :‬إدارة األعمال ‪ -‬التسويق ‪ -‬إدارة صناعية ‪ -‬متويل واستثمار‪ -‬محاسبة ‪ -‬اقتصاد ‪-‬‬ ‫تأمني ‪ -‬إدارة عامة‪.‬‬

‫قيمة اجلائزة‪:‬‬

‫تتألف كل جائزة من مبلغ (‪ 10000‬د‪.‬ك‪ ).‬عشرة آالف دينار كويتي مع ميدالية ذهبية وشهادة تقديرية تبني مميزات اإلنتاج‬ ‫العلمي‪.‬‬

‫شروط الترشيح للجائزة‪:‬‬

‫يشترط فيمن يرشح لنيل جائزة اإلنتاج العلمي ما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن يكون كويتي اجلنسية‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يكون حامال للدكتوراه‪.‬‬ ‫‪ -3‬له أبحاث منشورة أو دراسات أو تقارير علمية أو كتب منشورة بعد حصوله على الدكتوراه‪ ،‬وأال يقل اإلنتاج املقدم عن‬ ‫ثمانية أعمال‪.‬‬ ‫‪ -4‬يعامل اإلنتاج املقبول للنشر معاملة اإلنتاج املنشور لغرض الترشيح للجائزة‪.‬‬ ‫‪ -5‬أن يتم ترشيحه بنفسه أو من قبل الهيئة العلمية أو الوزارة التي يعمل فيها‪ ،‬وذلك في أحد املجاالت املذكورة سابقا‪.‬‬ ‫‪ -6‬أال يكون اإلنتاج املقدم قد نال عليه جائزة من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أو أي مؤسسة كويتية أخرى ‪ ،‬وأال يكون قد‬ ‫فاز باجلائزة من قبل‪ ،‬كما ميكن للفائز بهذه اجلائزة التقدم باإلنتاج الفائز جلائزة الكويت‪.‬‬ ‫‪ -7‬أن يقدم ثالث نسخ من كل إنتاج منشور مع ثالث نسخ من سجله العلمي‪.‬‬ ‫‪ -8‬ال يعاد اإلنتاج املقدم إلى صاحبه سواء فاز أو لم يفز‪.‬‬ ‫‪ -9‬قرارات مجلس إدارة املؤسسة نهائية وال يجوز االعتراض عليها‪.‬‬ ‫‪ -10‬تعبئة منوذج بيان السيرة الذاتية اخلاص باجلائزة‪.‬‬ ‫‪ -11‬تقبل الترشيحات حتى نهاية الشهر ‪.2013/10‬‬ ‫ترسل الترشيحات واالستفسارات بشأن اجلائزة إلى العنوان اآلتي‪:‬‬ ‫السيد مدير عام‬ ‫مؤسسة الكويت للتقدم العلمي‬ ‫ص‪.‬ب‪ 25263 :‬الصفاة‬

‫ـــ البريد اإللكتروني‪:‬‬

‫‪ ، 13113‬دولة الكويت ـــ فاكس‪ (+965) 22270462 :‬ـــ هاتف‪(+965) 22270465 :‬‬ ‫ملزيد من املعلومات ميكنكم زيارة موقع املؤسسة اإللكتروني ‪www.kfas.org‬‬

‫‪prize@kfas.org.kw‬‬


‫املجلد ‪ 29‬ـــ العددان‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪300/299‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫عدنان أحمد شهاب الدين‬ ‫ ‬

‫رئــيـس الهيـئــــة‬

‫عبداللطيف البدر‬ ‫نائب رئيس الهيئة‬

‫عدنان احلموي‬

‫مراسالت التحرير توجه إلى‪ :‬رئيس حترير‬ ‫مؤسسة الكويت للتقدم العلمي‬ ‫شارع أحمد اجلابر‪ ،‬الشرق ‪ -‬الكويت‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 20856 :‬الصفاة‪ ،‬الكويت ‪13069‬‬ ‫عنوان البريد اإللكتروني‪ - oloom@kfas.org.kw :‬موقع الوِ ب‪www.oloommagazine.com :‬‬ ‫هاتف‪ - )+965(22428186 :‬فاكس ‪)+965(22403895 :‬‬ ‫اإلعالنات في الوطن العربي يتفق عليها مع قسم اإلعالنات باملجلة‪.‬‬

‫‪Advertising correspondence from outside the Arab World should be addressed to‬‬ ‫‪SCIENTIFIC AMERICAN 415, Madison Avenue, New York, NY 10017 - 1111‬‬ ‫‪Or to MAJALLAT AL-OLOOM, P.O.Box 20856 Safat, Kuwait 13069 - Fax. (+965) 22403895‬‬

‫ ‬

‫عضو الهيئة ــ رئيس التحرير‬

‫شارك في هذا العدد‬ ‫محمد أبوحرب‬ ‫خضر األحمد‬ ‫علي األمير‬ ‫يوسف بركات‬ ‫محمد حسن حتاحت‬ ‫عدنان احلموي‬ ‫زياد درويش‬ ‫عبدالقادر رحمو‬ ‫جمعة الزهوري‬ ‫قاسم سارة‬ ‫وليد الشارود‬ ‫رميون شكوري‬ ‫أحمد شوقي‬ ‫سعيد طه‬ ‫إيهاب عبدالرحيم‬ ‫سامية عقل‬ ‫عصام قاسم‬ ‫أحمد الكفراوي‬ ‫صباح املؤمن‬ ‫حامت النجدي‬

‫سعر العدد‬ ‫األردن‬ ‫اإلمارات‬ ‫البحرين‬ ‫تونس‬ ‫اجلزائر‬ ‫جيبوتي‬ ‫السعودية‬ ‫>‬

‫‪1.800‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪1.800‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪206‬‬ ‫‪20‬‬

‫دينار‬ ‫درهم‬ ‫دينار‬ ‫دينار‬ ‫دينار‬ ‫فرنك‬ ‫ريال‬

‫مراكز توزيع‬

‫‪5.4‬‬

‫السودان‬ ‫سوريا‬ ‫الصومال ‪1497‬‬ ‫العراق ‪1964‬‬ ‫ُعمان‬ ‫‪2‬‬ ‫فلسطني ‪U.S $ 1.25‬‬ ‫ريال‬ ‫قطر‬ ‫‪20‬‬ ‫‪100‬‬

‫جنيه‬ ‫ليرة‬ ‫شلن‬ ‫دينار‬ ‫ريال‬

‫الكويت‬ ‫لبنان‬ ‫ليبيا‬ ‫مصر‬ ‫املغرب‬ ‫موريتانيا‬ ‫اليمن‬

‫‪1.500‬‬ ‫‪2765‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪889‬‬ ‫‪250‬‬

‫دينار‬ ‫ليرة‬ ‫دينار‬ ‫جنيه‬ ‫درهم‬ ‫أوقية‬ ‫ريال‬

‫‪4‬‬ ‫‪2.5‬‬

‫‪₤‬‬ ‫‪CI‬‬

‫‪Britain‬‬ ‫‪Cyprus‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪Greece‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪Italy‬‬

‫‪6‬‬

‫‪$‬‬

‫‪U.S.A.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪France‬‬

‫‪Germany‬‬

‫في األقطار العربية (انظر الصفحة ‪.)84‬‬

‫االشتراكات‬ ‫ترسل الطلبات إلى قسم االشتراكات باملجلة‪.‬‬ ‫ للطلبة وللعاملني في سلك‬ ‫التدريس و‪/‬أو البحث العلمي‬ ‫ لألفراد‬ ‫ للمؤسسات‬

‫بالدينار الكويتي‬

‫بالدوالر األمريكي‬

‫‪12‬‬

‫‪45‬‬

‫‪16‬‬

‫‪56‬‬

‫‪32‬‬

‫‪112‬‬

‫مالحظة‪ :‬حتول قيمة االشتراك بشيك مسحوب على أحد البنوك في دولة الكويت‪.‬‬

‫بزيارة موقع املجلة ‪ www.oloommagazine.com‬ميكن االطالع على مقاالت اإلصدارات املختلفة اعتبارا من العدد ‪.1995/1‬‬

‫كما ميكن االطالع على قاموس مصطلحات‬

‫باتباع التعليمات الواردة على الصفحة الرئيسية للموقع‪.‬‬

‫بنسـخة مجـانية من قرص ‪ CD‬يتضمن خالصات مقاالت هذه املجلة منذ نشأتها‬ ‫ميكـن تزويــد املشـتركني في‬ ‫عام ‪ 1986‬والكلمات الدالة عليها‪ .‬ولتشغيل هذا القرص في جهاز ُمدعم بالعربية‪ ،‬يرجى اتباع اخلطوات التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬اختر ‪ Settings‬من ‪ start‬ثم اختر ‪Control Panel‬‬ ‫‪ -2‬اختر ‪Regional and Language Options‬‬ ‫‪ -3‬اختر ‪ Arabic‬من قائمة ‪ Standards and Formats‬ثم اضغط ‪OK‬‬ ‫حقوق الطبع والنشر محفوظة ملؤسسة الكويت للتقدم العلمي‪ ،‬ويسمح باستعمال ما يرد في‬

‫شريطة اإلشارة إلى مصدره في هذه املجلة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫‪4‬‬

‫العلم واملجتمع‬

‫مشكلة ِ‬ ‫العلم في أمريكا‬ ‫<‪ .L .Sh‬أوتو>‬

‫رميون شكوري ــ خضر األحمد‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫احلكومات املستبد َة اليمينية منها واليسارية‪،‬‬ ‫بشجاعة‬ ‫الواليات املتحد ُة‬ ‫لقد واجهت‬ ‫ُ‬ ‫ورمبا ِ‬ ‫تواج ُه اآلن بجسارة حتديا أعظم من الداخل‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫فيزياء كمومية‬

‫حركة تنوير جديدة‬

‫موسر<‬ ‫>‪َّ .G‬‬

‫حامت النجدي ــ عدنان احلموي‬

‫دق في نعش االستدالل العقلي احملض‪،‬‬ ‫فيما مضى‪ ،‬بدت النظرية الكمومية أنها آخر مسمار ُي ُّ‬ ‫أما اليوم فتبدو وكأنها املخلِّص له‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫فيزيولوجيا‬

‫احلد األقصى حلبس ال َّن َفس‬

‫>‪ .J .M‬باركز<‬

‫أحمد الكفراوي ــ زياد درويش‬

‫إن حاجة الدماغ إلى األكسجني هي التي تتحكم في املدة التي ميكنك أن حتبس نفسك‬ ‫خاللها؟ هذا تعليل منطقي إال أنه ليس صحيحا متاما‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫علوم عصبية حديثة‬

‫مشروع الدماغ البشري‬ ‫>‪ .H‬ماركرام<‬

‫يوسف بركات ــ علي األمير‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫من خالل بناء محاكاة رقمية واسعة للدماغ‪ ،‬ميكننا تغيير مجرى الطب واختراع‬ ‫حواسيب أكثر قدرة‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫علم الغالف اجلوي‬

‫أشعة قاتلة من السحب‬ ‫<‪َ .R .J‬وير> ‪-‬‬

‫<‪ .M .D‬سميث>‬

‫سعيد طه ــ جمعة الزهوري‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫تُطلق العواصف الرعدية عصفات قوية من أشعة گاما وأشعة إكس (األشعة‬ ‫السينية)‪ ،‬كما تقذف إلى الفضاء حزمة من اجلسيمات ومن املادة املضادة‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫صحة‬

‫أسرار كابحي ڤيروس‬ ‫العوز املناعي البشري‬

‫إيهاب عبدالرحيم ــ محمد حسن حتاحت‬

‫>‪ .D .B‬ووكر<‬

‫يصاب بعض الناس بعدوى الڤيروس ‪ ،HIV‬لكنهم يتمكنون من كبح جماح هذا الڤيروس‬ ‫بصورة طبيعية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن دراسة الكيفية التي يقومون من خاللها بذلك قد متكننا من‬ ‫تطوير عالجات جديدة ‪ -‬ورمبا إنتاج لقاح ضد مرض اإليدز‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫علوم عصبية‬

‫لغة الدماغ‬

‫>‪.T‬‬

‫سيجنوفسكي< ‪-‬‬

‫>‪ .T‬ديلبروك<‬

‫علي األمير ــ عدنان احلموي‬

‫إننا قادرون على فهم العالَم‪ ،‬ألن أدمغتنا تُعنى عناية بالغة الدقة بتوقيت نبضات‬ ‫تتدفق عبر باليني النورونات (العصبونات)‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪52‬‬

‫كيمياء حيوية‬

‫رحلة إلى داخل عالم اجلينات‬ ‫مقابلة أجراها‬

‫<‪ .S .S‬هال>‬

‫عبدالقادر رحمو ــ صباح املؤمن‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫عا ِلم احلياة احلوسبي >‪ .E‬بيرني< يجد كنوزا مخبأة في «دنا ‪ DNA‬خردة»‪.‬‬ ‫علوم عصبية‬

‫‪56‬‬

‫هذا هو ِدماغك أثناء انهياره‬ ‫>‪ .A‬أرنستني< ‪ .M .C> -‬مازور< ‪-‬‬

‫>‪ .R‬سينها<‬

‫سامية عقل ــ يوسف بركات‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫يشرح اختصاصيو العلوم العصبية كيف ميكن للك ْرب حتويل العقل إلى‬ ‫كتلة بال معالم‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫علم املستحاثات (األحافير)‬

‫أغرب الطيور‬

‫>‪ .E .R‬فورديس< ‪ .T .D> -‬كسيپكا<‬

‫عصام قاسم ــ محمد أبوحرب‬

‫التاريخ املذهل لتطور طيور البطريق‪.‬‬ ‫املستحاثات املكتشفة حديثا‬ ‫تُظهر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪70‬‬

‫علم اجلراثيم‬

‫عامل العاثية‬ ‫مقابلة أجراها‬

‫>‪ .B‬بوريل<‬

‫وليد الشارود ــ قاسم سارة‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫حملاربة امليكروبات املقاومة لألدوية‪ ،‬فإن >‪ .V‬فيتشيتي< يقوم بتجنيد الڤيروسات‬ ‫ملهاجمة تلك البكتيريا‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫بيولوجيا التطور‬

‫حياة جديدة لدنا ‪ DNA‬قدمي‬ ‫<‪ .L .K‬كامپل> ‪-‬‬

‫<‪ .M‬هوفريتر>‬

‫أحمد شوقي ــ إيهاب عبدالرحيم‬

‫كشفت املواد اجلينية املستخرجة من أحافير تبلغ أعمارها عشرات اآلالف من‬ ‫السنني عن ٍ‬ ‫أدلة مدهشة حول كيفية تعامل أجسام املاموث الصوفي مع البرد‪.‬‬ ‫‪ 80‬أخبار علمية‬ ‫>‬

‫جتدد األمل‬

‫‪ 82‬تقدمات‬ ‫>‬ ‫>‬

‫النقاط املضيئة في برامج األطفال التلفازية‬ ‫كم عمر سرطانك؟‬ ‫‪(2012) 12/11‬‬

‫‪3‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫مشكلة ِ‬ ‫العلم في أمريكا‬

‫( )‬

‫الواليات املتحد ُة بشجاع ٍة احلكوماتِ املستبد َة اليمينية‬ ‫لقد واجهت‬ ‫ُ‬ ‫منها واليسارية؛ ورمبا هي اآلن توا ِج ُه بجسارة حتديا أعظم من الداخل‪.‬‬ ‫<‪ .L .Sh‬أوتو>‬

‫م� � ��ن الصع� � ��ب إج� � ��راء حتديد دقي� � ��ق للتاري� � ��خ الذي‬ ‫أصبح فيه مقبوال لسياس� � ��يي الواليات املتحدة أن يكونوا‬ ‫مناهض� �ي��ن للعلم‪ .‬فقد كان� � ��ت العلوم طوال نحو قرنني من‬ ‫الزمن ق� � ��وة أخالقية ذات مكانة مرموقة في السياس� � ��ات‬ ‫االبتكارات‬ ‫األمريكي� � ��ة‪ .‬ومنذ احلرب العاملية الثانية‪ ،‬كانت‬ ‫ُ‬ ‫احملرك املوجه للنمو االقتصادي للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫العلمية‬ ‫َ‬ ‫وفي س� � ��تينات القرن املاض� � ��ي‪ ،‬كان الطلبة يجتمعون في‬ ‫كافتيرات املدارس كي يش� � ��اهدوا على شاشات تلفازات‪,‬‬ ‫محمولة على عربات‪ ,‬ص� � ��و َر اإلطالقات الصاروخية نحو‬ ‫القمر والهبوط عليه‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن الفتوحات العلمية التي‬ ‫حدثت في س� � ��بعينات وثمانينات القرن املاضي‪ ،‬أش� � ��علت‬ ‫شرارة الثورة احلاسوبية واالقتصاد املعلوماتي احلديث‪.‬‬ ‫التقدم في عل� � ��وم احلياة املبن� � � ُّ�ي على نظرية‬ ‫واس� � ��تحدث‬ ‫ُ‬ ‫التطور أنش� � ��ط َة التصني� � ��ع في التقان� � ��ة البيولوجية‪ .‬وثمة‬ ‫أبحاث تجُ رى هذه األيام في علوم الوراثة ُيتوقع أن تؤدي‬ ‫إلى إحداث تغييرات في فهمنا لألمراض ومجاالت الطب‬ ‫والزراعة وحقول أخرى‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫كان اآلباء املؤسسون شديدي االهتمام بالعلم‪ .‬فقد‬ ‫اعتمد احملامي والعا ِل ُم >‪ .Th‬جيفرس����ون<(‪ )2‬في تسويغاته‬ ‫الرئيسية الستقالل أمريكا على مفاهيم كل من‪ .I> :‬نيوتن<‬

‫بيكن< و>‪ .J‬لوك< وهم‪ ،‬بالترتيب مس� � ��تحدثو الفيزياء‬ ‫و>‪ُ .F‬‬ ‫وأسلوب التفكير االستقرائي والفلسفة التجريبية‪ ،‬فس َّمى‬ ‫هؤالء األش� � ��خاص «ثالوث� � ��ه ألعظم ثالثة رج� � ��ال‪ ».‬وكان‬ ‫>جيفرس� � ��ون< ُيحاج في قول� � ��ه إن� � ��ه إذا كان بإمكان أي‬ ‫ش� � ��خص التوصل إلى اكتشاف احلقيقة بالتفكير املنطقي‬ ‫والعل� � ��م‪ ،‬فمن الطبيعي أال يك� � ��ون أي كائن آخر أكثر دنوا‬ ‫إل� � ��ى احلقيقة منه‪ .‬وكنتيجة لذل� � ��ك‪ ،‬ال ميتلك أولئك‪ ،‬الذين‬ ‫يشغلون مواقع سلطوية‪ ،‬احلقَّ في فرض اعتقاداتهم على‬ ‫اآلخرين‪ .‬ويحتفظ الش� � ��عب نفس� � ��ه بهذا احلق غير القابل‬ ‫لالنت� � ��زاع‪ .‬وبفضل ه� � ��ذه احلجج املؤسس� � ��ة على قواعد‬ ‫العلم ‪ -‬أي املعرفة الناجتة من دراسات واختبارات منظمة‬ ‫بدال من مزاعم أيديولوجية ‪ -‬توضحت صيغة جديدة لدولة‬ ‫دميوقراطية وضوحا بديهيا‪.‬‬ ‫وم� � ��ع ذلك‪ ،‬فعل� � ��ى الرغم من تاري� � ��خ الواليات املتحدة‬ ‫( )‬

‫‪AMERICA’S SCIENCE PROBLEM‬‬

‫(‪ )2‬يطلق األمريكيون لقب «اآلباء املؤسسني» ‪ Founding Fathers‬على قادتهم السياسيني‬ ‫الذين وقعوا على وثيقة إعالن االستقالل األمريكي في القرن الثامن عشر‪ ،‬أو الذين‬ ‫ش� � ��اركوا في الثورة األمريكية على احلك� � ��م البريطاني‪ .‬وغالبا ما يع ّول األمريكيون‬ ‫على أقوال وتصرفات اآلباء املؤسسني‪.‬‬ ‫(‪> )3‬توماس جيفرسون< هو أحد اآلباء املؤسسني‪ ،‬وهو الصائغ الرئيسي لوثيقة إعالن‬ ‫(التحرير)‬ ‫االستقالل‪ ،‬وقد كان الرئيس الثالث للواليات املتحدة‪.‬‬

‫باختصار‬ ‫اتخذ عدد كبير من املنتمني إلى احلزبني الرئيسيني‪ ،‬واملتنافسني على‬ ‫منصب سياسي في انتخابات سنة ‪ ،2012‬مواقف مناهضة للعلم‪ ،‬مثال‪،‬‬ ‫ض� � ��د نظرية التطور‪ ،‬وفكرة التغير املناخي الناجت من أنش� � ��طة بش� � ��رية‪،‬‬ ‫وضد التلقيح‪ ،‬وإجراء أبحاث في موضوع اخلاليا اجلذعية وغير ذلك‪.‬‬ ‫املواقف الدهش � � �ةَ‪ ،‬ألن االقتص� � ��اد عامل مؤثر في هذه‬ ‫وتثير هذه‬ ‫ُ‬ ‫االنتخاب� � ��ات‪ ،‬ثم إن نص� � ��ف النمو االقتصادي من� � ��ذ احلرب العاملية‬ ‫الثانية ميكن عزوه إلى االبتكارات في العلوم والتقانة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫لقد أخط� � ��أ املوالون إلى األحزاب على طرفي الطيف السياس� � ��ي‬ ‫بنكرانهم العلم؛ ولك� � ��ن اجلمهوريني بوجه خاص‪ ،‬هم األكثر خطورة‬ ‫ألنهم يهاجمون العلم نفسه‪.‬‬ ‫ويجب عل� � ��ى الناخبني األمريكيني الضغط على املرش� � ��حني وعلى‬ ‫املوظفني املنتخب� �ي��ن كي ُيع ِّبروا عن مواقفهم من املش� � ��كالت العلمية‬ ‫الرئيس� � ��ية التي تواجه األمة‪ ،‬وإال فإنهم يجازفون بخس� � ��ارة السباق‬ ‫العلمي أمام الدول ذات السياسات املبنية على الواقع‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Shawn Lawrence Otto‬‬

‫املؤس� � ��س املش� � ��ارك للموقع اإللكتروني ‪ ،ScienceDebate.org‬ومؤل� � ��ف كتاب عنوانه‬ ‫«اخدعن� � ��ي مرت� �ي��ن»‪ :‬مكافحة االنقضاض عل� � ��ى العلوم في أمري� � ��كا(‪ .)1‬وهو حاصل‬ ‫عل� � ��ى جائزة «اخلدم� � ��ات املتميزة العام� � ��ة» التي متنحها جمعية مهندس� � ��ي الكهرباء‬ ‫واإللكتروني� � ��ات (ف� � ��رع الوالي� � ��ات املتح� � ��دة) ‪ .)2(IEEE‬ويكتب في املوق� � ��ع اإللكتروني‬ ‫‪ .Huffington Post‬ويد ِّون ‪.Neorenaissance.org‬‬

‫وثرواتها احلالية غير املسبوقة والناجمة عن العلم‪ ،‬أخذت‬ ‫تحَ ي ُد عن أساس� � ��ها العلمي‪ ،‬فبعد انقضاء نحو ‪ 236‬عاما‬ ‫على وثيقة إعالن االس� � ��تقالل‪ ،‬التي خطّ ها >جيفرسون<‪،‬‬ ‫جند في أحزاب رئيس� � ��ية ف� � ��ي دورة انتخابات عام ‪2012‬‬ ‫عديدا م� � ��ن املتنافس� �ي��ن على منصب سياس� � ��ي متخذين‬ ‫مواق� � ��ف ال ميكن وصفها س� � ��وى أنها «مض� � ��ادة للعلم»‪،‬‬ ‫مبعنى أنها ضد نظرية التطور والتغيير املناخي املس � � � َّبب‬ ‫بش� � ��ريا وضد أبحاث اخلاليا اجلذعية والتلقيح وأش� � ��ياء‬ ‫كثيرة غيرها‪ .‬حتى إن حاكما س� � ��ابقا إلحدى الواليات قد‬ ‫ح ّذر من أن حزبه اجلمهوري في خطر أن يصبح «احلزب‬ ‫املناهض للعلم‪».‬‬ ‫من املمكن صرف النظر عموما عن أمثال تلك املواقف‬ ‫باالدعاء أنها ليست س� � ��وى مجرد مناذج ملظاهر في عام‬ ‫إج� � ��راء االنتخابات‪ ،‬لو لم تكن تعكس تطابقا مع اجتاهات‬ ‫ضد العقالنية‪ .‬وقد أخذت هذه االجتاهات تكتسب زخما‬ ‫في الواليات املتحدة في ذلك الوقت بالضبط الذي يتطلب‬ ‫فيه النمو االقتصادي والتهدي� � ��دات اخلطيرة لرفاه األمة‪،‬‬ ‫إحاطة أفضل بالقضايا العلمية احلاسمة‪ .‬وبإبعاد الرأي‬ ‫العام ع� � ��ن املبادئ املناهضة لالس� � ��تبداد التي أنش� � ��أها‬ ‫مؤسسو هذه األمة‪ ،‬فإن املواقف املستجدة الرافضة للعلم‬ ‫ٍ‬ ‫وجود قلّما واجهت الدولة مثيال لها من قبل‪.‬‬ ‫تخلق أزم َة‬ ‫وبس� � ��بب القلــق املتنامي م� � ��ن هذه النــزع� � ��ة‪َ ،‬أ ْقـ َد َم في‬ ‫أواخر عام ‪ 2007‬س� � ��تة وأنا واحد منهم على محاولة القيام‬ ‫بعمل ش� � ��يء ما ملعاجلتها‪ ،‬وهم الفيزيائي >‪ .M .L‬كراوس<‪،‬‬ ‫والكات� � ��ب العلم� � ��ي واملخرج الس� � ��ينمائي >‪ .M‬تش� � ��امبان<‬ ‫(وهو من ساللة أحفاد >تش� � ��ارلز داروين<) واملختص في‬ ‫فلس� � ��فة العلوم >‪ .A‬ديس� � ��ي< والكاتب الـعـلـمي >‪ .C‬مـوني<‪،‬‬ ‫وعــاملـــة البيـــولـوجيــا البحريــة >‪ .S‬كرش� � ��نبوم<‪ .‬فقد قررنا‬ ‫الضغ� � ��ط إلجراء مناظ� � ��رة في العلوم بني املتنافس� �ي��ن على‬ ‫منصب الرئاسة‪ .‬فاستحدثنا لهذه الغاية موقعا على شبكة‬

‫اإلنترنت‪ ،‬وش� � ��رعنا في االتصال بعلميني ومهندسني‪ .‬وفي‬ ‫غضون أس� � ��ابيع وافق على املناظرة ‪ 38 000‬ش� � ��خص‪ ،‬من‬ ‫ضمنهم عدد كبير من رؤس� � ��اء ش� � ��ركات كبرى‪ ،‬ومجموعة‬ ‫صغيرة من أعض� � ��اء الكونگرس م� � ��ن كال احلزبني‪ ،‬وعدد‬ ‫من حائ� � ��زي جائزة نوبل‪ ،‬وكثير م� � ��ن اجلامعات األمريكية‬ ‫الرئيس� � ��ية‪ ،‬وجميع املنظمات العلمية الكبيرة تقريبا‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من اعتذار كال املتنافس� �ي��ن >باراك أوباما< و >جون‬ ‫ماكني< عن إج� � ��راء مناظرة بينهما ف� � ��ي قضايا علمية‪ ،‬إال‬ ‫أنهما أجابا كتابيا عن األسئلة األربعة عشر التي طرحناها‬ ‫عليهما والتي قرأها ماليني الناخبني‪.‬‬ ‫أما في الدورة االنتخابية لعام ‪ ،2012‬فقد وضعنا قائمة‬ ‫مشابهة سميناها «أسئلة العلوم ذات األولوية األمريكية»‪،‬‬ ‫ُيطلب فيها إلى املرش� � ��حني ألي منصب رس� � ��مي اإلجابة‬ ‫عنها‪[ .‬وميكن االطالع على اإلجابتني الكاملتني ملرشحي‬ ‫الرئاسة وكذلك على إجابات الزعماء الرئيسيني للكونگرس‬ ‫عن جزء من تلك األسئلة في املوقعني اإللكترونيني اآلتيني‪:‬‬

‫‪www.ScientificAmerican.com/nov2012/science-debate‬‬ ‫و ‪.]www.sciencedebate.org/debate12‬‬

‫وم� � ��ع أن هذه اجلهود متثل محاولة ملواجهة املش� � ��كلة‪،‬‬ ‫إال أن سؤاال أوسع يبقى مفتوحا‪ ،‬أال وهو‪ :‬ما الذي ح َّول‬ ‫كثيرا جدا من األمريكيني إلى اتخاذ مواقف مضادة للعلم‪،‬‬ ‫(‪Fool Me Twice: Fighting the Assault on Science in America )1‬‬

‫(‪ )2‬اسم اجلائزة‪:‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪IEEE-USA’s Award for Distinguished Public Service‬‬

‫‪5‬‬


‫علما بأن العلم‪ ،‬هو بالذات‪،‬‬ ‫ولكن� � ��ه يؤدي ف� � ��ي نهاية األمر‬ ‫تتضمن مناهضة العلم بني‬ ‫األداة التي غي� � ��رت حياتهم‬ ‫إلى إقصاء املفكرين مبختلف‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بأن‬ ‫اخلاطئ‬ ‫االعتقاد‬ ‫الدميوقراطيني‬ ‫نوعا وكما؟‬ ‫اجتاهاته� � ��م ‪ -‬علم� � ��ا ب� � ��أن‬ ‫التلقيح يؤدي إلى مرض التوحد‪ .‬أما‬ ‫املفكري� � ��ن ه� � ��م الذي� � ��ن نحتاج‬ ‫( )‬ ‫دعوة إلى التعقل‬ ‫اجلمهوريون(‪ )1‬الرافضون للعلم فينكرون إليهم حلل املش� � ��كالت املعقدة‬ ‫في أيامنا هذه‪.‬‬ ‫إن املواق� � ��ف الرافضة للعلوم‬ ‫التطورية‪.‬‬ ‫والبيولوجيا‬ ‫املناخي‬ ‫التغير‬ ‫لق� � ��د خ ّل� � ��ف ه� � ��ذا النهج‬ ‫غي� � ��ر املالئم� � ��ة تأت� � ��ي الي� � ��وم‬ ‫مجموع� � ��ة كبيرة م� � ��ن ناخبني‬ ‫م� � ��ن ِقبل مش� � ��ايعي األحزاب‬ ‫صامتني‪ ،‬الذين هم محافظون‬ ‫ف� � ��ي كال طرف� � ��ي الطي� � ��ف‬ ‫ماليا‪ ،‬ومتسامحون اجتماعيا‬ ‫السياس� � ��ي‪ .‬فالدافع للموقف‬ ‫ومؤمنون بالعلم وبالسياس� � ��ة‬ ‫الرافض للعل� � ��وم عند مؤيدي‬ ‫املبنية على األدلة ولكنهم تخلوا‬ ‫الدميوقراطيني هو س� � ��وء ظن‬ ‫عن احلزب‪ .‬ه� � ��ذا‪ ،‬وقد قوبلت‬ ‫ال س� � ��ند ل� � ��ه بوج� � ��ود أخطار‬ ‫هجم� � ��ات اجلمهوري� �ي��ن على‬ ‫خفية‪ ،‬على الصح� � ��ة والبيئة‪.‬‬ ‫القضاي� � ��ا الراس� � ��خة علميا ‪-‬‬ ‫ومن األمثلة الشائعة على ذلك‬ ‫كالتط� � ��ور والتغ ّي� � ��ر املناخ� � ��ي‬ ‫االعتقاد بأنّ الهواتف اخللوية‬ ‫تس� � ��بب س� � ��رطان الدماغ (لكن فيزياء املرحل� � ��ة الثانوية ُتبينِّ ُ املس َّبب بش� � ��ريا ‪ -‬في معظم األحيان‪ ،‬من قبل الدميوقراطيني‬ ‫اس� � ��تحالة حدوث ذلك)‪ ،‬أو االعتقاد بأن اللقاحات الواقية من بالصمت‪ ،‬أو مبا هو أسوأ باملهادنة‪.‬‬ ‫و ُيقدم احلاكم >رومني< في مس� � ��ار إقراره تش� � ��ريعا يتعلق‬ ‫األمراض تس� � ��بب مرض التوحد (إال أن العلم يبني عدم وجود‬ ‫أي ارتباط مهما كان بينهما)‪ .‬أما مر ّد املوقف الرافض للعلوم بحماي� � ��ة البيئة‪ ،‬مثاال يجس� � ��د املش� � ��كلة‪ .‬إذ إنه أبل� � ��غ الناخبني‬ ‫عن� � ��د اجلمهوريني فينحو إلى أن يكون بدافع من احلماس في بعد إعالن ترش� � ��يحه في الش� � ��هر ‪ ،2011/6‬خالل اجتماع ُعقد‬ ‫مناهضة التشريعات الناظمة وأيضا من ال ّتز ّمت في مواضيع ف� � ��ي قاعة املدينة ما يلي‪« :‬أنا‪ ،‬بطبيعة احلال‪ ،‬ال أنطق بلس� � ��ان‬ ‫تتعلق بالتحكم في دورة اإلجناب والتكاثر‪ .‬ومن األمثلة األخرى املجتم� � ��ع العلمي‪ ،‬ولكنني أعتقد أن حرارة العالم تزداد‪ .‬وأنا ال‬ ‫قرأت‪ ،‬أعتقد أن العالَم‬ ‫اقتناعهم الراس� � ��خ بأن االحترار العاملي ليس س� � ��وى خديعة أستطيع إثبات ذلك‪ ،‬ولكنني بناء على ما ُ‬ ‫(إال أن باليني القياس� � ��ات تشير إلى أنه حقيقة واقعة)‪ ،‬وكذلك يزداد حرارة‪ ،‬وأعتقد ثانيا أن البشر يسهمون في ذلك‪ ».‬ولكن‬ ‫�ن املعلق اإلذاعي >‪ .R‬ليمب���او< ‪Limbaugh‬‬ ‫دعوتهم إل� � ��ى وجوب تعليم أطفال امل� � ��دارس «املوضوع الذي بع� � ��د أربعة أيام ش� � � َّ‬ ‫يتص� � ��ورون أن اآلراء تختلف فيه» وهو ما إذا كانت احلياة قد في برنامجه هجوما عنيفا على ه� � ��ذا املوقف لـ>رومني< قائال‪:‬‬ ‫نش� � ��أت على كوكب األرض من خالل تطور على مدى ماليني «وداعا للترش� � ��يح‪ ،‬وداعا للترشيح‪ ،‬واحد آخر لن ُيرشح‪ .‬نحن‬ ‫الس� � ��نني‪ ،‬أو أنها قد نش� � ��أت بفعل مصم� � ��م ذكي خالل آالف هنا في خض ِّم اكتشاف أن كل ذلك كان خديعة ‪ .hoax‬فقد ثبت‬ ‫السنني (يتفق العلماء على أن التطور حقيقة)‪ .‬ومن بني هذين ف� � ��ي العام الفائت أن االدعاء بأن االحترار العاملي هو من صنع‬ ‫النمطني من املواق� � ��ف الرافضة للعلوم‪ ،‬فإن النمط اجلمهوري اإلنس� � ��ان ما هو إال خديعة‪ .‬ومازال مرشحون للرئاسة راغبني‬ ‫أشد خطورة ألن احلزب أخذ على عاتقه مهاجمة صحة العلم في تق ّبلها متاما‪».‬‬ ‫وبحلول الش� � ��هر ‪ ،2011/10‬أخذ >رومني< يعبر عن تغيير في‬ ‫بالذات كأساس للسياسة العامة وذلك عندما ال يتفق العلم مع‬ ‫موقف� � ��ه‪ ،‬إذ صرح أمام جمهور من أنصاره في مدينة پتس� � ��برگ‬ ‫أيديولوجية احلزب‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وال يس� � ��رني التصريح بأن عائلتي هي التي أنشأت قائال‪« :‬رأيي هو أننا ال نعرف ما الذي يس� � ��بب تغير املناخ على‬ ‫فرع احلزب اجلمه� � ��وري في والية مينيس� � ��وتا‪ .‬ولكن احلزب كوكب األرض‪ .‬وإن إنف� � ��اق تريليونات وتريليونات الدوالرات في‬ ‫( ) ‪A CALL TO REASON‬‬ ‫اجلمهوري اعتمد في كثير من سياساته نهجا سلطويا مطالبا (‪ )1‬إن املقص� � ��ود في هذه املقالة بالكلمتني «دميوقراطي� �ي��ن» و «جمهوريني» هما مؤيدو‬ ‫احلزب الدميوقراطي واحلزب اجلمهوري‪ ،‬وهما احلزبان الرئيس� � ��يان في الواليات‬ ‫بتك ّيف أعضائ� � ��ه مع أيديولوجيته‪ ،‬حتى ولو كان فيها تناقض‬ ‫املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫مع أدلة علمية‪ ،‬أما أولئ� � ��ك الذين ال يتكيفون ف ُينبذون من غير‬ ‫(‪> )2‬راش ليمب� � ��او<‪ :‬له برنامج إذاعي يهاجم فيه بعنف الليبراليني‪ ،‬وهو متطرف مييني‬ ‫مس� � ��اءلة‪ .‬وقد ينجح هذا النهج في جتانس نس� � ��يج األعضاء‪،‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫مناهض تقليدي لكثير من املواقف العلمية‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫عندما تصبح احلقائق آراء‪ ،‬تنهار عملية صنع القرار اجلماعي في النهج الدميوقراطي‪،‬‬ ‫إذ يغيب القاسم املشترك ‪ -‬املعرفة ‪ -‬الذي ميكنه جمع الفرقاء املتعارضني معا‪.‬‬ ‫محاولة للحد من انبعاث ثنائي أكس� � ��يد الكربون‪ ،‬فكرة ليس� � ��ت‬ ‫املسلك الصحيح لنا‪ ».‬ومن ثم فقد دعا إلى تنقيب ف ّعال عن النفط‪.‬‬ ‫وفي اليوم التالي النعقاد املؤمتر الوطني للحزب اجلمهوري‪ ،‬عاد‬ ‫وغ ّي� � ��ر اجتاهه فجأة نحو املوقف الذي اتخذه عندما قدم إجاباته‬ ‫إلى املوق� � ��ع اإللكتروني ‪ ScienceDebate.org‬في الش� � ��هر ‪2011/6‬‬ ‫عندما قدم إجاباته إلى املوقع اإللكتروني ‪.ScienceDebate.org‬‬ ‫لم يك� � ��ن >رومني< وحيدا في إدراك الضرورة السياس� � ��ية‬ ‫لتبن� � ��ي آراء مناهضة للعلم‪ ،‬فرئي� � ��س مجلس النواب األمريكي‬ ‫>‪ .A.J‬بوش� � ��نر<‪ ،‬الذي يسيطر على تدفق كثير من املعلومات في‬ ‫الكونگ� � ��رس‪ ،‬نادى في إحدى امل� � ��رات باعتماد تدريس نظرية‬ ‫اخلل���ق(‪ )1‬لطلب� � ��ة املدارس ف� � ��ي دروس العلوم‪ .‬كم� � ��ا أكد على‬ ‫شاش� � ��ة التلفاز الوطني أن علماء املناخ يلمحون إلى أن ثنائي‬ ‫أكسيد الكربون مادة مسرطنة‪ ،‬مع أنه من املعروف علميا أنها‬ ‫ليست كذلك‪ .‬وحذرت >‪ .M‬باكمان< [ممثلة مينيسوتا في مجلس‬ ‫النواب األمريكي] خالل مناظرة االنتخابات األولية التي جرت‬ ‫في والية فلوريدا س� � ��نة ‪ 2011‬من «أن فتيات صغيرات بريئات‬ ‫في س� � ��ن الثانية عشرة أُجبرن حكوميا على التلقيح بڤيروس‬ ‫الورم احلليمي البشري )‪ )2((HPV‬ملنع العدوى»؛ وأضافت في‬ ‫وقت الحق أن التلقيح س� � � َّ�ب َب «تخلفا عقليا»‪ ،‬ولكنه في احلقيقة‬ ‫مينع السبب الرئيسي لسرطان عنق الرحم‪ .‬ويعتقد املتطرفون‬ ‫دينيا أنه يشجع االتصال اجلنسي غير الشرعي‪ .‬وال يوجد أي‬ ‫دليل على وجود صلة لهذا اللقاح بالتخلف العقلي‪.‬‬ ‫وفي مناظرة منفصلة‪ُ ،‬س ِئ َل >‪ .J‬هنتسمان< [أحد مرشحي‬ ‫احل� � ��زب اجلمهوري] عن تصريحات كان قد أدلى بها مفادها‬ ‫أن احلزب اجلمهوري سيغدو احلزب املناهض للعلم‪ ،‬فأجاب‪:‬‬ ‫«كل ما أود قوله هو أنه كي يتس� � ��نى للحزب الفوز في معركة‬ ‫انتخابي� � ��ة‪ ،‬عليه أال يهرب من العلم‪ ».‬وكما يبدو فإن الناخبني‬ ‫األوليني(‪ )3‬في االنتخابات التمهيدية لم يوافقوا على ذلك‪ ،‬وقد‬ ‫حصل >هنتس� � ��مان< [وهو املرشح الوحيد الذي يساند العلوم‬ ‫بقوة] على أقل عدد من أصوات الناخبني‪.‬‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬فإن املرشحني الذين يتخلفون في االنتخابات‬ ‫التمهيدي� � ��ة للحزب اجلمهوري غالبا ما يلجؤون إلى التصريح‬ ‫بعبارات مناهضة للعلم‪ ،‬ومن ثم ترتفع األصوات التي يحصلون‬ ‫عليها عند االقتراع‪ .‬فمثال >‪ .H‬كني<‪ ،‬الذي يتمتع بسمعة حسنة‬ ‫في دوائر األعمال‪ ،‬أبلغ الناخبني «بأن االحترار العاملي هراء‪».‬‬ ‫أم� � ��ا >‪ .N‬جنگرتش<‪ ،‬الذي دعم مضاعفة ميزانية املؤسس� � ��ات‬

‫الوطنية للصحة‪ ،‬وهو أيضا م� � ��ن مؤيدي‬ ‫بدأ يص� � ��ف أبحاث اخلاليا اجلذعية بأنه� � ��ا «قتل أطفال بغية‬ ‫احلصــول على مــواد للبحـث‪ ».‬ووصف املرشحان >‪ .R‬پيري<‬ ‫و >‪ .R‬پ� � ��ول< التغير املناخي بأنه خديعة‪ .‬وفي الش� � ��هر ‪2012/2‬‬ ‫علّق >‪ .R‬س� � ��انتورم< متذمرا من وصم اليساريني للجمهوريني‬ ‫بأنه� � ��م مناهضون للعلم بقوله‪« :‬كال‪ ،‬كال‪ ،‬نحن لس� � ��نا كذلك‪،‬‬ ‫إمنا نحن حزب احلقيقة‪».‬‬ ‫برزت السياس� � ��ة املناهضة للعلم بش� � ��أن األمور اجلنسية‬ ‫على الس� � ��طح ثانية في الش� � ��هر ‪ ،2012/8‬وكانت هذه املرة في‬ ‫إحدى أش� � ��د املعارك منافسة في االنتخابات لعضوية مجلس‬ ‫الش� � ��يوخ األمريكي‪ .‬فقد صرح >‪ .T‬آك� � ��ن<‪ ،‬الذي كــان ينافس‬ ‫>‪ .C‬ماك كاسكل< في والية ميزوري قائال إنه َفهِ َم من أطباء أنه‬ ‫من النادر ج� � ��دا أن حتمل امرأة نتيجة اغتصابها «اغتصابا‬ ‫قانونيا(‪ »)4‬ألن جلس� � ��م األنثى طرقا حملاولة غلق كل ش� � ��يء‪.‬‬ ‫ولكن ينبغي على الس� � ��يد >آكن< أن يعي م� � ��ا يقوله العلم عن‬ ‫القضايا السياس� � ��ية األساس� � ��ية‪ ،‬خاصة وأنه عضو في جلنة‬ ‫العلوم والفض� � ��اء والتقنية التابعة ملجل� � ��س النواب األمريكي‪،‬‬ ‫وهي اللجنة املسؤولة عن كثير من املشاريع العلمية الفدرالية‬ ‫للواليات املتحدة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬تش� � ��ير الدراسات إلى أنه رمبا‬ ‫يتضاع� � ��ف عدد النس� � ��اء احلوامل نتيج� � ��ة اغتصابهن‪ .‬وعلى‬ ‫أي ح� � ��ال‪ ،‬ال توج� � ��د آلي� � ��ة بيولوجية لوقف احلم� � ��ل في حالة‬ ‫االغتصاب‪ .‬واحلقيقة أن وجهات نظر الس� � ��يد >آكن< ليس� � ��ت‬ ‫عادية بني خصوم اإلجهاض الذين يسعون في غالب األحيان‬ ‫إلى التقليل مما يقوله العلم كي يبرروا اتخاذ موقف سياسي‬ ‫من مناهضة اإلجهاض‪ ،‬بال استثناء‪ ،‬وهو املوقف الذي أصبح‬ ‫فيما بعد جزءا من البرنامج السياس� � ��ي على املستوى الوطني‬ ‫للحزب اجلمهوري لسنة ‪.2012‬‬ ‫ويتب� �ي��ن من إلق� � ��اء نظرة عل� � ��ى س� � ��باقات االنتخابات على‬ ‫مس� � ��توى الوالي� � ��ات املتحدة أن األمور قد تغدو أس� � ��وأ‪ .‬إذ من‬ ‫املرجح أن كثيرا من املشرعني املناهضني للعلم‪ ،‬الذين ُا ِ‬ ‫نتخ ُبوا‬ ‫‪ScienceDebate.org‬‬

‫(‪ )1‬نظرية اخللق ‪ :creationism‬هي االعتقاد بأن اإلنسان واحلياة والكون نشؤوا بإبداع‬ ‫رباني إلهي كما ورد في الكتب الدينية‪ .‬ويتعارض هذا االعتقاد مع النظرية العلمية‬ ‫القائلة بالتطور‪.‬‬ ‫(‪Human Papillomavirus (HPV) )2‬‬ ‫(‪primary voters )3‬‬

‫(‪ “legal rapeˮ )4‬هذا بالضبط هو التعبير الذي اس� � ��تعمله الس� � ��يد >آكن<‪ ،‬لعله يقصد‬ ‫(التحرير)‬ ‫استثناء النساء اللواتي يدعني كذبا بأنهن اغتصنب‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪7‬‬


‫في مجالس الواليات س� � ��نة ‪ ،2010‬سيعملون على وضع آرائهم‬ ‫في املجرى السائد للسياسة حني يخوضون‪ ،‬عاجال أو آجال‪،‬‬ ‫انتخابات الكونگرس‪ .‬وفي سنة ‪ 2012‬تناولت الهيئة التشريعية‬ ‫بوالية ساوث كاروالينا مش� � ��روع القانون رقم ‪ 819‬الذي مينع‬ ‫اس� � ��تعمال التقديرات املستقبلية الرتفاع مستوى سطح البحر‬ ‫املعتمدة من قبل معظ� � ��م العلماء بغية التخطيط حلماية املناطق‬ ‫املنخفضة‪ُ ( .‬يتنبأ بارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة لالحترار‬ ‫العاملي‪ ).‬ويس� � ��مح القانون املقت� � ��رح بالتخطيط الرتفاع مقبول‬ ‫سياس� � ��يا وقدره ثماني بوصات فقط ب� � ��دال مما يتوقعه العلماء‬ ‫وهو ثالثة إلى أربعة أقدام للمنطقة في سنة ‪.2100‬‬ ‫وفي الشهر ‪ 2012/6‬اتخذ اجلمهوريون في والية فيرجينيا‬ ‫إجرا ًء مماثال‪ ،‬بعد دراس� � ��ة حكومية ُم َكلَّفة‪ ،‬بحظر اس� � ��تعمال‬ ‫املصطلح «ارتفاع مس� � ��توى سطح البحر‪ »،‬وطالبوا باستعمال‬ ‫املصطلح «فيضانات متكررة» ب� � ��دال منه‪ ،‬ألن األول يعتبر من‬ ‫مفردات اجلناح اليساري حسبما صرح به أحد املشرعني‪.‬‬ ‫تطور املوقف األمريكي املناهض للعلم‬

‫( )‬

‫لم تنتق� � ��ل احلركة األمريكية املناهضة للعلم من حافة املجتمع‬ ‫إلى مركزه بني ليلة وضحاها‪ .‬ومن املمكن تتبع جذور احلركة‬ ‫إلى م� � ��ا قبل نح� � ��و قرن في احلم� �ل��ات االنتخابية للمرش� � ��ح‬ ‫الدميوقراطي >‪ .J .W‬براين< لالنتخابات الرئاسية لثالث مرات‪،‬‬ ‫الذي اتس� � ��مت حمالته باألصولية ضد نظرية التطور‪ ،‬مدعيا‬ ‫أن هذه النظرية تس� � ��بب انحطاطا أخالقيا عند ش� � ��باب األمة‬ ‫بتقويضها سلطة الكتاب املقدس‪.‬‬ ‫وعلى الرغــم من خس� � ��ارته أمام كل م� � ��ن >‪ .W‬ماك كنلي<‬ ‫واص َل‬ ‫و>‪ .H .W‬تافت< اللذين كانا مؤيدين للعلم‪ ،‬فإن >براين< َ‬ ‫حملته ف� � ��ي جميع أنح� � ��اء اجلنوب األمريكي في س� � ��عيه إلى‬ ‫اس� � ��تبعاد نظرية التطور عن أن تدرس في الصفوف الدراسية‬ ‫األمريكية‪ .‬وفي نهاية األمر َس � � �نَّت والية تنيس� � ��ي قانونا مينع‬ ‫تدري� � ��س أي نظري� � ��ة تُنكِ ر قصة اخللق اإللهي لإلنس� � ��ان كما‬ ‫تُع َّل� � ��م في الكتاب املقدس‪ ،‬ومينع القانون أيضا أن يدرس بدال‬ ‫منها أن اإلنس� � ��ان منحدر من حيوانات أدنى منزلة‪ .‬والتغطية‬ ‫اإلعالمية‪ ،‬الناجتة من محاكمة >سكوپس< واملشهورة باسم‬ ‫«محاكمة القرد»(‪ )1‬جعلت عامة األمريكيني َي ْن َأون بأنفسهم عن‬ ‫األصولي� � ��ة الدينية طوال جيل من الزمن‪ ،‬كما دفعت احلمالت‬ ‫املتواصلة ضد التطور معظم العلماء إلى احلزب اجلمهوري‪.‬‬ ‫وعندما ن َ​َش� � ��بت احلرب العاملية الثانية‪ ،‬اكتسب العلم بريقا‬ ‫جدي� � ��دا‪ .‬فقد اعتم� � ��د >فرانكلني روزڤل� � ��ت< [الرئيس األمريكي‬ ‫آنذاك] على العلوم كسالح فكري للمساعدة على االنتصار في‬ ‫احل� � ��رب‪ .‬فطلب >روزڤلت< إلى >‪ .V‬ب���وش<(‪[ )2‬الذي كان يرأس‬ ‫‪8‬‬

‫ما يسمى معهد كارنيگي للعلوم] أن يتولى مهمة إرشاد وتنظيم‬ ‫مش� � ��روع الواليات املتحدة العلمي‪ .‬وقد جنحت جهود >بوش<‬ ‫مما أدى إلى تطوير الرادار واملطاط الصناعي وإنتاج البنسلني‬ ‫على نطاق واس� � ��ع والقنبلة الذري� � ��ة‪ .‬وبعد احلرب‪ ،‬أقنع >بوش<‬ ‫الرئي� � ��س >هاري ترومان< بأن االس� � ��تثمار الفدرالي املس� � ��تمر‬ ‫للعلوم ميكن أن يجعل من الواليات املتحدة زعيمة عاملية‪.‬‬ ‫لقد أتى االس� � ��تثمار بثماره‪ .‬ولكن تدفق التمويل الفدرالي‬ ‫املس� � ��تمر كان له تأثير جانبي غير متوق� � ��ع‪ ،‬إذ لم يعد العلماء‬ ‫في حاجة إلى اس� � ��تمالة عموم الناس أو املشاركة في أحاديث‬ ‫عامة بغي� � ��ة متويل أبحاثهم‪ .‬ونتيجة لذلك بدؤوا باالنس� � ��حاب‬ ‫من احلوار العام الوطن� � ��ي للتركيز بإمعان أكثر على أعمالهم‬ ‫البحثية وحياتهم اخلاص� � ��ة‪ .‬ومن ناحية أخرى صارت أنظمة‬ ‫اجلامعات تسمح بتثبيت األساتذة في مناصبهم‪ ،‬مما جعلهم‬ ‫بعيدي� � ��ن عن اجلماهي� � ��ر‪ .‬وانتهى األمر بالعلم� � ��اء إلى أن يروا‬ ‫االنخراط في املهمات املدنية والسياسية عبئا مهنيا‪.‬‬ ‫وعندما انخفض صوت العلم وآل إلى الصمت‪ ،‬بدأ صوت‬ ‫األصولي� � ��ة الدينية باالنبعاث‪ .‬وق� � ��د أدت حالة القلق األخالقي‬ ‫الناجمة عن القنبلة الذرية عند الكثيرين‪ ،‬إلى التنبؤ بقرب نهاية‬ ‫العالم‪ ،‬فبرزت موجة جدي� � ��دة من اإلجنيليني األصوليني‪ .‬ومن‬ ‫أشهر هؤالء واعظ ش� � ��اب ذو قابلية فذة على سحر اجلماهير‬ ‫مبواعظه‪ ،‬اس� � ��مه >‪ .B‬گراهام<‪ ،‬فقد قال في سنة ‪« :1949‬يعلم‬ ‫الن� � ��اس في جميع أنحاء أوروبا أن الوقت ينفد»‪ ،‬ثم اس� � ��تطرد‬ ‫قائال‪« :‬روس� � ��يا متتلك اآلن القنبل� � ��ة الذرية‪ ،‬فالعالم مقبل نحو‬ ‫سباق تسلح يدفعنا إلى الدمار‪».‬‬ ‫الصدع خالل‬ ‫وس� � ��ع التحك� � ��م املتزايد في اإلجن� � ��اب‬ ‫َ‬ ‫وقد ّ‬ ‫السنوات التالية‪ ،‬إذ يش� � ��عر احملافظون دينيا بأنه ينبغي على‬ ‫اإلنس� � ��ان عدم التدخل في املخطط اإللهي‪ ،‬فشجبوا الشعبية‬ ‫املتزايدة حلبوب منع احلمل في ستينات القرن املاضي‪ ،‬وأثاروا‬ ‫في سبعيناته نقاشا فيما إذا كان «أطفال األنابيب»‪ ،‬الناجتون‬ ‫من تلقيح صناعي ميتلك� � ��ون أرواحا‪ ،‬وأعادوا تعريف احلمل‬ ‫ليبدأ عند حلظة اإلخصاب‪ ،‬بدال من االزدراع ‪ implantation‬في‬ ‫جدار الرحم‪ ،‬وحاجوا في أن اإلجهاض جرمية قتل‪.‬‬ ‫وزاد العار الذي حلق بالعلم مع منو حجم اجلماهير‪ .‬ففي‬ ‫( )‬

‫‪THE EVOLUTION OF AMERICAN SCIENCE DENIALISM‬‬

‫(‪ )1‬كان� � ��ت محاكمة >س� � ��كوپس< ‪ Scopes‬املعروفة صحفيا بـ«محاكم� � ��ة القرد» دعوى‬ ‫قضائية أمريكية حدثت س� � ��نة ‪ 1925‬التي ُحكم فيها >جون سكوپس< [املدرس في‬ ‫مدرس� � ��ة ثانوية عامة بوالية تنيسي] بس� � ��بب اتهامه بتدريس نظرية التطور املمنوعة‬ ‫حسب قانون الوالية‪ .‬وقد جذبت احملاكمة اهتماما كبيرا بسبب اشتراك شخصيتني‬ ‫مشهورتني >براين< لالتهام و>بارو< للدفاع‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أنه أُلفت مسرحية‬ ‫وص ِّور فيلم سينمائي بالعنوان نفسه‪.‬‬ ‫حول وقائعها بعنوان «وارث الريح» ُ‬ ‫(‪> )2‬ڤانيڤار بوش< )‪ :(1974-1896‬مهندس أمريكي ومخترع ومدير ملؤسسات علمية‪.‬‬ ‫(التحرير)‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫خمسينات القرن املاضي كان األطفال يلعبون في ضباب املبيد‬ ‫احلش� � ��ري ‪ DDT‬الذي ترشه ش� � ��احنات في املناطق املجاورة‪.‬‬ ‫بيد أنه في سنة ‪ 1962‬التي نشرت فيها >‪ .R‬كارسن<(‪ )1‬كتابها‬ ‫«الربي���ع الصامت»(‪ )2‬عرفنا أن هذا املبيد احلش� � ��ري س� � ��ام‪.‬‬ ‫وتك� � ��رر هذا النمط مرارا وتك� � ��رارا حني ظهرت للعيان عواقب‬ ‫غي� � ��ر متوقعة على الصح� � ��ة والبيئة للعلوم املس� � ��تغلة جتاريا‬ ‫لغ� � ��رض الربح الس� � ��ريع‪ .‬واندلعت فضائح مماثل� � ��ة لتأثيرات‬ ‫عش� � ��رات التطبيقات الصناعية بدءا من ثنائي أكسيد الكبريت‬ ‫إلى األمطار احلمضية‪ ،‬وإلى نوع من هباءات جوية(‪ ،)3‬وإلى‬ ‫الثقب في طبقة األوزون‪ ،‬والبنزين احلاوي ملركبات الرصاص‪،‬‬ ‫والضعف اإلدراكي(‪ ،)4‬وإلى ما هو مبثابة «السلف» لها جميعا‬ ‫الوقود األحفوري‪ ،‬والتغير املناخي العاملي‪.‬‬ ‫إن تل� � ��ك احلوادث املؤس� � ��فة الناجتة م� � ��ن الصناعات أدت‬ ‫(‪)5‬‬ ‫إل� � ��ى وضع ضوابط علمية جديدة تس� � ��مى علوم���ا ضابطة‬ ‫‪ regulatory science‬للصح� � ��ة والبيئة‪ .‬ولك� � ��ن القيود املتزايدة‬ ‫دفعت ش� � ��ركات الصناعات األقدم في حقول الكيمياء والنفط‬ ‫واألدوي� � ��ة إلى معارض� � ��ة القيود اجلدي� � ��دة حلماية مصاحلها‬ ‫التجاري� � ��ة‪ .‬فوجد أصحاب هذه النظرة أنفس� � ��هم في حتالف‬ ‫طبيع� � ��ي مع األصولي� �ي��ن الدينيني املتزايدين بس� � ��رعة والذين‬ ‫ُ‬ ‫التمويل‬ ‫يعارضون تدريس نظرية التطور‪ .‬وس� � ��رعان ما شكل‬ ‫الصناعي واجلنود املش���اة(‪ )6‬املتدينون أساسا جديدا للحزب‬ ‫اجلمهوري‪ .‬وقد صرح >‪ .R‬ريگان< في خطاب تنصيبه رئيسا‬ ‫للواليات املتحدة س� � ��نة ‪ 1981‬بقول� � ��ه‪« :‬ال يكمن احلل في هذه‬ ‫األزمة احلالية في احلكومة‪ ،‬إمنا احلكومة هي املشكلة‪ ».‬هذا‬ ‫وإن التحال� � ��ف املناهض للعلم وللعل� � ��وم الضابطة ُيح ّدد اليوم‬ ‫األحزاب السياسي َة‪ ،‬ويساعد على تفسير سبب‬ ‫إلى حد بعيد‬ ‫َ‬ ‫أن ‪ -‬وفقا ملس� � ��ح سنة ‪ - 2009‬تسعة من كل عشرة علماء من‬ ‫املرتبطني بحزب سياسي رئيسي قالوا إنهم دميوقراطيون‪.‬‬ ‫وهذا التزاوج للمال الصناعي مع قيم األصوليني منح احلركة‬ ‫األصولية س� � ��لطة متجددة في اجلدل العام‪ ،‬فعادت اجلهود من‬ ‫جديد إلى مقاومة تدريس نظرية التطور في املدارس العامة في‬ ‫العديد من الواليات‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬أصدرت مؤخرا كل من واليات‬ ‫تنيسي وساوث داكوتا ولويزيانا تشريعات مشجعة كي ُتدرس‬ ‫في مدارس� � ��ها العامة االنتقادات التي ال تس � � � ّوغ نظرية التطور‪.‬‬ ‫وفي س� � ��نة ‪َ 2012‬ش َّن املش� � ��رعون اإلجنيليون وأعضاء مجالس‬ ‫املدارس في واليات أوكالهوما وميزوري وكانس� � ��اس وتكساس‬ ‫وأالباما حمالت مماثلة‪ ،‬كما ورد في البرنامج السياسي للحزب‬ ‫نص ينتقد «تدريس مهارات التفكير‬ ‫اجلمهوري لوالية تكساس ٌّ‬ ‫النقدي وما شابهها من برامج والتي‪ ..‬غرضها حتدي معتقدات‬ ‫الطالب الثابتة وتقويض السلطة األبوية‪».‬‬

‫فلسفة مناهضة للعلم‬

‫( )‬

‫إذا كان احلزبان الدميوقراطي واجلمهوري قد ارتديا كالهما‬ ‫عب� � ��اءة املناهض� � ��ة للعلم‪ ،‬فلماذا ال ُيكتفى فق� � ��ط باالنتظار إلى‬ ‫التوجهات‬ ‫أن يتأرج� � ��ح النواس (البندول) مرة أخ� � ��رى فتفقد‬ ‫ُ‬ ‫الرافض ُة فعاليتَها السياس� � ��ية؟ إن احلج� � ��ة التخاذ إجراء ما‬ ‫تستند إلى اإلدراك أنه‪ ،‬وللمرة األولى منذ بداية عصر التنوير‬ ‫في أواسط القرن السابع عش� � ��ر‪ ،‬تجُ رى حمالت عامة ممولة‬ ‫متويال س� � ��خيا هدفها التش� � ��كيك على نطاق واسع في صميم‬ ‫الفكرة بأن العلم وسيلة لتثبيت سجل معرفي للعالم‪.‬‬ ‫ومن املفارقات أن الوس� � ��يلة الفكرية املس� � ��تغلة حاليا من‬ ‫قبل اليمني السياسي إلحداث مثل تلك التأثيرات السلبية قد‬ ‫نشأت أصال في اليسار األكادميي‪ .‬ففي ستينات وسبعينات‬ ‫القرن املاضي انتش� � ��رت حركة فلس� � ��فية تس� � ��مى «م���ا بعد‬ ‫احلداثة»(‪ postmodernism )7‬بني أس� � ��اتذة فروع الدراس� � ��ات‬ ‫اإلنسانية املستائني لكونهم معزولني عن العلم الذي اعتبروه‬ ‫جنوحا نحو اليمني‪ .‬فقد تبنت فلسفة ما بعد احلداثة أفكارا‬ ‫لألنثروبولوجيا الثقافية ومن نظرية النس���بية(‪ )8‬الس� � ��تنتاج‬ ‫أن احلقيقة نس� � ��بية وخاضعة لفرضيات وحتيزات املشاهد‪.‬‬ ‫فادع� � ��وا أن العلم ما هو إال مج� � ��رد واحدة من طرائق كثيرة‬ ‫للمعرف� � ��ة‪ ،‬وطريقته ليس� � ��ت أكثر وال أقل صح� � ��ة من غيرها‪،‬‬ ‫مثل تلك التي سلكتها الش� � ��عوب البدائية أو سكان الواليات‬ ‫األمريكية األصليون أو النس� � ��اء‪ .‬ومن ثم فإنهم ع ّرفوا العلم‬ ‫بأن� � ��ه طريقة املعرفة عن� � ��د الرجل الغربي األبيض‪ ،‬ووس� � ��يلة‬ ‫ورن صدى هذه احلجج عند كثير من‬ ‫لالضطهاد الثقاف� � ��ي‪َّ .‬‬ ‫احلركات النس� � ��ائية والنش� � ��طاء في مجال احلق� � ��وق املدنية‪،‬‬ ‫( )‬

‫‪AN ANTISCIENCE PHILOSOPHY‬‬

‫(‪> )1‬راش� � ��يل كارس� � ��ن< )‪ :(1964-1907‬عامل� � ��ة أمريكية مختصة في عل� � ��م أحياء البحار‬ ‫ومنادية بضرورة صيان� � ��ة املوارد الطبيعية وقد كتبت في هذه املواضيع عدة كتب‪.‬‬ ‫وقد أس� � ��همت في دفع األوس� � ��اط العلمية والصحفية إلى االهتمام باحلركة البيئية‬ ‫على املستوى العاملي‪.‬‬ ‫(‪ :Silent Spring )2‬كتاب من تأليف >راشيل كارسن< ُنشر سنة ‪ ،1962‬وكان له وقع كبير‬ ‫في املساعدة على إطالق احلملة املعاصرة للحركة البيئية في أمريكا‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الهب� � ��اءات اجلوية ‪ :aerosols‬هي جس� � ��يمات محتواة ف� � ��ي الغالف اجلوي لألرض‪،‬‬ ‫مكونة من مواد صلبة‪.‬‬ ‫(‪ )4‬من املعروف علميا أن وجود مستويات عالية من مركبات الرصاص في الدم تؤدي‬ ‫إلى أضرار في اجلهاز العصبي واجلهاز الهضمي‪.‬‬ ‫(‪ )5‬املقصود بالعلوم الضابطة مجموعة األسس واملبادئ العلمية التي ُيعتمد عليها في‬ ‫وضع قوانني على مختلف الصناعات حلماية الصحة البيئية بوجه خاص‪.‬‬ ‫(‪« )6‬اجلنود املش� � ��اة»‪ :‬تعبير مجازي ُيقصد به اإلشارة إلى أولئك الذين ينفذون أعماال‬ ‫شاقة بنشاط وهمة ملساندة حركة ما‪.‬‬ ‫(‪ )7‬ما بعد احلداثة‪ :‬فلس� � ��فة نش� � ��أت كرد فعل من احلداثة بعد الدمار الذي ّ‬ ‫حل بسبب‬ ‫احل� � ��رب العاملية الثانية‪ ،‬ف ُأصيب كثير من املثقفني باإلحباط‪ ،‬وتزعزعت ثقتهم بكثير‬ ‫مم� � ��ا هو حديث من سياس� � ��ة واقتصاد وعلوم وغيرها‪ .‬ومل� � ��ا كانت احلداثة مرتبطة‬ ‫بالسلطة واليقني‪ ،‬فإن ما بعد احلداثة أخذت تتسم بالتشكك والفروق واالنفصال‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪relativity theory )8‬‬

‫التتمة في‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫الصفحة ‪29‬‬

‫‪9‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫حركة تنوير جديدة‬

‫( )‬

‫دق في نعش‬ ‫بدت النظرية الكمومية يوما أنها آخر مسمار ُي ُّ‬ ‫االستدالل العقلي احملض ؛ أما اليوم فتبدو وكأنها املخ ِّلص له‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫موسر<‬ ‫>‪.G‬‬ ‫َّ‬

‫يبدو موس� � ��م االنتخابات األمريكية وقتا س� � ��يئا إلنش� � ��اد‬ ‫ترانيم متجيـــد العقالنية(‪ )2‬البشريــــة‪ .‬فاملرشــــحون يقطعـــون‬ ‫وعـــودا ال يفون بها أبدا‪ ،‬ومع ذلك يقبل بها الناخبون‪ .‬وتغيب‬ ‫احلجج الرصينة‪ ،‬وتس� � ��ود مقتطفات من األق� � ��وال‪ .‬إال أن ما‬ ‫يخ ِّيب اآلمال من مثاليات حركة التنوير هو اإلميان بالعقالنية‬ ‫التي ألهمت إقامة اجلمهورية‪ .‬واألمر أس� � ��وأ أيضا مما ميكن‬ ‫أن تظنه‪ .‬فبعض األشياء التي تظن أن من املمكن حلها عقالنيا‬ ‫إذا بذلت ما بوسعك حللها‪ ،‬ستجدها ليست كذلك‪ .‬فحتى ولو‬ ‫جنح� � ��ت فعال بالعيش حياة عقالنية‪ ،‬من خالل عدم التصويت‬ ‫ألي مرشح من دون التمحيص في سجله بعناية‪ ،‬وعدم شراء‬ ‫أي جه� � ��از من دون الع� � ��ودة إلى تقرير املس���تهلكني(‪ ،)3‬وعدم‬ ‫التس� � ��ليم مبا ميكن أن يكون غير صحيح‪ ،‬وعدم حتوير كالم‬ ‫أي من األش� � ��راك األخرى التي اب ُتلي‬ ‫الغير‪ ،‬وعدم الوقوع في ٍّ‬ ‫بها البش� � ��ر‪ ،‬لوجدت أنك ما زلت تفعل أشياء ال مغزى لها‪ ،‬ال‬ ‫ألنك قد أخفقت‪ ،‬بل ألن االس� � ��تدالل العقلي نفسه هو منشار‬ ‫تنقصه بعض األسنان‪.‬‬ ‫لقد كان على العلماء والرياضياتيني في القرن العش� � ��رين‬ ‫أن يقبلوا بأن بعض األش� � ��ياء س� � ��وف تبق� � ��ى دائما بعيدة عن‬ ‫س� � ��يطرة االس� � ��تدالل العقلي‪ .‬وفي ثالثينات القرن نفسه‪َ ،‬بينَّ‬ ‫>‪ .K‬گودل< على نحو رائع أنه في مقابل كل لغز يحلُّه التفكير‬ ‫العميق‪ ،‬تظهر عدة ألغ� � ��از جديدة‪ ،‬حتى في عالم الرياضيات‬ ‫العقالني‪ .‬وقد وج� � ��د املنظِّ رون االقتصاديون والسياس� � ��يون‬

‫محدوديات مشابهة في القواعد العقالنية في تنظيم املجتمع‪،‬‬ ‫وأط� � ��اح مؤ ِّرخو العلم باالعتقاد القائ� � ��ل إن اخلالفات العلمية‬ ‫تحُ َ � � � ُّ�ل اس� � ��تنادا إلى احلقائ� � ��ق فقط‪ .‬واتَّضح� � ��ت محدوديات‬ ‫االس� � ��تدالل العقلي األخيرة من خالل الفيزياء الكمومية التي‬ ‫تقول إن بعض األش� � ��ياء حتدث فقط‪ ،‬م� � ��ن دون أن نتمكن من‬ ‫معرفة السبب‪.‬‬ ‫إال أن األحداث عكس� � ��ت اجتاهها على نحو غريب في العقد‬ ‫املاضي‪ .‬فالفيزياء الكمومية نفس� � ��ها التي ب� � ��دت أنها قد ق َّيدت‬ ‫توس� � ��ع‬ ‫املعرفة البش� � ��رية‪ ،‬أس� � ��همت أيض� � ��ا في حتريرنا‪ .‬فهي ِّ‬ ‫معرفتنا‪ ،‬ليس عن العالم املادي فحسب‪ ،‬بل عن أنفسنا أيضا‪.‬‬ ‫فبإغنائها لألفكار العقالنية‪ ،‬تُخرجنا من النهايات املسدودة التي‬ ‫يقودنا إليها االس� � ��تدالل العقلي‪ .‬وبالنظر إلى الفيزياء الكمومية‬ ‫من املنظور العريض الذي تو ِّفره‪ ،‬رمبا ال يكون السلوك البشري‬ ‫( ) ‪ُ :A New Enlightenment‬ن ِشرت حملة عن هذه املقالة متثَّلت بفقرتيها األولى والثانية في‬ ‫موقع مجلة ساينتفيك أمريكان في اإلنترنت بتاريخ ‪ 2012/11/5‬حتت عنوان‪« :‬البشر‬ ‫ُس ْيمات الكمومية» ‪ :Humans Think Like Quantum Particles‬أما الكلمة‬ ‫يفكرون كاجل َ‬ ‫‪ ،Enlightenment‬فهي تشير إلى حركة التنوير الفلسفية في القرن الثامن عشر‪.‬‬ ‫(‪ :pure reason )1‬قبل ظهور النظرية الكمومية بأكثر من قرن‪ ،‬كان الفيلس� � ��وف األملاني‬ ‫>‪ .I‬كنت< قد هاجم االس� � ��تدالل العقلي احملض في كتابه الش� � ��هير ‪Critique of Pure‬‬ ‫‪ Reason‬أو «نقد االستدالل العقلي احملض» الذي ُترجم إلى العربية‪ .‬وكان ذلك في‬ ‫معرض الدعوة إلى االنعتاق من س� � ��لطة الكنيسة التي كانت تعتمد على ذلك النوع‬ ‫من االستدالل العقلي‪.‬‬ ‫(‪rationality )2‬‬

‫(‪ ،Consumer Reports )3‬مجلة ش� � ��هرية أمريكية تصدرها رابطة املس� � ��تهلكني وتتضمن‬ ‫مراجعات للمنتجات االستهالكية ومقارنات بينها من حيث اجلودة واألسعار‪.‬‬ ‫(التحرير)‬

‫باختصار‬ ‫يوسع مقدرتنا‬ ‫كش� � ��فت الفيزياء الكمومية أن امليكانيك الكمومي ِّ‬ ‫على االس� � ��تدالل العقلي بطرائ� � ��ق غير متو َّقعة‪ .‬فمعضلة الس� � ��جني‬ ‫الش� � ��هير‪ ،‬الذي ُيعتبر فيه اخليار العقالن� � ��ي خيارا خاطئا‪ ،‬ميكن أن‬ ‫ُيحل بواسطة التش� � ��ابك الكمومي‪ .‬وثمة ادعاء حديث (لم ُيث َبت بعد)‬ ‫ينطوي على أن نظ� � ��ام االنتخاب الكمومي يدرأ التناقضات املوجودة‬ ‫‪10‬‬

‫في نظام االنتخاب العادي‪.‬‬ ‫وقد يكون امليكانيك الكمومي منوذجا للسلوك البشري أفضل من‬ ‫املنطق التقليدي الذي ُيخفق في التن ُّبؤ باحلافز البشري على التعاون‬ ‫وح� � ��ب العمل مع اآلخرين‪ .‬لذا‪ ،‬وبدال من محاولة حش� � ��ر تفكيرنا في‬ ‫نوسع إطار تفكيرنا‪.‬‬ ‫إطار عقالني محض‪ ،‬فمن األفضل لنا أن ِّ‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫العقالنيا بالقدر الذي تص ِّوره لنا صحف املساء‪.‬‬ ‫ثقل االستدالل العقلي‬

‫( )‬

‫قلة هم الذين عاشوا حلم حركة التنوير وتن َّفسوا هواءه أكثر‬ ‫من >املاركيز دو كوندورس���يه<(‪ ،)1‬أحد علماء الرياضيات‬ ‫ف� � ��ي أواخر الق� � ��رن الثامن عش� � ��ر‪ .‬فمتأثِّرا بنج� � ��اح فيزياء‬ ‫فسرت‬ ‫>نيوتن<‪ ،‬التي تتمثَّل ببعض القواعد البس� � ��يطة التي َّ‬ ‫س� � ��قوط التفاحات ومدارات الكواكب‪ ،‬سعى >كوندورسيه<‬ ‫إلى إيج� � ��اد علم مجتمع ش� � ��بيه بفيزياء >نيوت� � ��ن<‪ .‬واعتقد‬ ‫يحس� � ��ن حالة العالم‪ .‬وقاد‬ ‫أن االس� � ��تدالل العقلي ميكن أن‬ ‫ِّ‬ ‫>كوندورس� � ��يه< مع مفكرين آخرين من حركة التنوير حملة‬ ‫لبرنامج سياس� � ��ي تقدم� � ��ي‪ :‬إلغاء العبودي� � ��ة وإعطاء املرأة‬ ‫حقوقا مس� � ��اوية حلق� � ��وق الرجل‪ ،‬وتعليم عمومي ش� � ��امل‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وغدا >كوندورس� � ��يه< [وهو صدي� � ��ق لـ>‪ .Th‬جيفرس���ون<‬ ‫و>‪ .B‬فرانكل�ي�ن<(‪ )3‬و>‪ .Th‬باي���ن<(‪ ])4‬م� � ��ن أوائل قادة الثورة‬ ‫الفرنس� � ��ية‪ .‬وفي عام ‪ 1794‬كتب‪« :‬س� � ��وف يأتي يوم تسطع‬ ‫في� � ��ه الش� � ��مس على كوكب الن� � ��اس األحرار فق� � ��ط الذين ال‬ ‫يعرفون سوى العقل سيدا‪ ..‬ويتعلمون كيف يكتشفون أولى‬ ‫إشارات اخلرافة واالستبداد ويخنقون هذه اإلشارات حتت‬ ‫ثقل االستدالل العقلي إذا جت َّرأت على معاودة الظهور‪».‬‬ ‫ومن ثم أتى االنهيار‪ ،‬وا َّتخذت الثورة منحاها املظلم‪ .‬اع ُتقل‬ ‫>كوندورسيه< ومات في الس� � ��جن في اليوم التالي‪ ،‬و ُدفِ ن في‬ ‫مقب� � ��رة عامة اختفت فيما بع� � ��د‪ .‬وأخلت حركة التنوير الطريق‬ ‫للرومانسية(‪ ،)5‬ورأى كثير من املفكِّرين الرواد أن اإلفراط في‬ ‫الثورة قد أفرغ برنامجها التقدمي برمته من محتواه‪.‬‬ ‫فكأن >كوندورسيه< كان قد فاقم املأساة بقيامه بالتشكيك‬ ‫بالفكرة التنويرية إلرادة الشعب‪ .‬فقد بينَّ أن أنظمة االنتخاب‬ ‫الدميوقراطية تؤدي إلى مفارق� � ��ات‪ :‬ميكن الختيارات الناس‬ ‫أن تتراكم مع� � ��ا بطرق متناقضة فيما بينها وغير قابلة للحل‪.‬‬ ‫وقد أعطى الرياضياتي والكاتب السياس� � ��ي >‪ .P‬أودي ْف ِر ِّدي<‬ ‫[م� � ��ن جامعة تورين بإيطاليا] مثاال عل� � ��ى ذلك‪ :‬في انتخابات‬ ‫الرئاس� � ��ة األمريكية عام ‪َ ،1976‬‬ ‫ضمِ ن >‪ .G‬فورد<(‪ )6‬ترش� � ��يح‬ ‫اجلمهوريــــني لــــه للرئــــاس � � �ــة بعــــد منـــافــســـة شــــديــدة مـــع‬ ‫>‪ .R‬ريگان<(‪ ،)7‬لكن >‪ .J‬كارتر<(‪ )8‬هزمه في االنتخابات العامة‪.‬‬ ‫إال أن عدد األصوات قد بينَّ أن >ريگان< كان سيهزم >كارتر<‬ ‫لو َّ‬ ‫رش� � ��حه احلزب اجلمهوري حينئ� � ��ذ (وهذا ما حصل فعال‬ ‫ف� � ��ي االنتخابات الت� � ��ي جرت في ع� � ��ام ‪ .)1980‬إن تفضيالت‬ ‫الناخب� �ي��ن غي����ر متع ِّدي����ة(‪ :)9‬تفضيل >كارت� � ��ر< على >فورد<‪،‬‬ ‫وتفضيل >ف� � ��ورد< على >ريگان<‪ ،‬لم َي ْع ِني� � ��ا أن >كارتر< كان‬ ‫َّ‬ ‫مفض� �ل��ا على >ري� � ��گان<‪ .‬ولم ي ُف� � ��ز >كارت� � ��ر< حينئذ إال ألن‬

‫االنتخاب����ات األولية(‪ )10‬قد حصل� � ��ت قبل االنتخابات العامة‪.‬‬ ‫ويق� � ��ول >أودي ْف ِر ِّدي<‪« :‬تحَ َّدد الفائ� � ��ز بالترتيب الذي حصلت‬ ‫ب� � ��ه االنتخابات األولية والعام� � ��ة‪ ،‬ال بأصوات الناخبني‪ ».‬وفي‬ ‫اللجان والهيئات التش� � ��ريعية أيضا‪ ،‬يس� � ��تطيع املوظفون من‬ ‫ذوي الس� � ��لطة اس� � ��تغالل هذا االعتماد على الترتيب‪ ،‬أو هذه‬ ‫( ) ‪THE WEIGHT OF REASON‬‬

‫(‪ :Marquis de Condorcet )1‬فيلسوف ورياضياتي فرنسي عاش بني عامي ‪ 1743‬و‪.1794 ‬‬ ‫(‪ :Thomas Jefferson )2‬أح� � ��د مؤسس� � ��ي الوالي� � ��ات املتحدة األمريكي� � ��ة ومؤلف إعالن‬ ‫استقاللها ورئيسها الثالث فيما بني عامي ‪ 1801‬و ‪.1809‬‬ ‫(‪ :Benjamin Franklin )3‬أح� � ��د مؤسس� � ��ي الواليات املتحدة وأح� � ��د املو ِّقعني على إعالن‬ ‫اس� � ��تقاللها‪ ،‬وهو رياضياتي ومؤلف وسياسي وموسيقي‪ ،‬وله اختراعات ونظريات‬ ‫في الكهرباء‪.‬‬ ‫(‪ :Thomas Paine )4‬ناش� � ��ط سياسي أمريكي من أصل إنگليزي وكاتب وثائر عاش في‬ ‫القرن الثامن عشر‪.‬‬ ‫(‪ :Romanticism )5‬الرومانس� � ��ية حركة في الفن واألدب انتشرت في القرن الثامن عشر‬ ‫ومج� � ��دت الطبيعة ووضعت اخليال واملش� � ��اعر فوق‬ ‫وأوائل القرن التاس� � ��ع عش� � ��ر َّ‬ ‫العقالنية‪.‬‬ ‫(‪ :Gerald Ford )6‬الرئي� � ��س الثام� � ��ن والثالثون للواليات املتح� � ��دة األمريكية‪ ،‬بني عامي‬ ‫‪ 1974‬و ‪.1977‬‬ ‫(‪ :Ronald Reagan )7‬الرئي� � ��س األربعون للواليات املتح� � ��دة األمريكية‪ ،‬بني عامي‬ ‫‪ 1981‬و ‪.1989‬‬ ‫(‪ .Jimmy Carter )8‬الرئيس التاس� � ��ع والثالثون للوالي� � ��ات املتحدة األمريكية‪ ،‬بني عامي‬ ‫‪ 1977‬و ‪.1981‬‬ ‫(‪intransitive )9‬‬

‫(‪ )10‬أي انتخابات احلزب اجلمهوري األمريكي التي َهزم فيها >فورد< >ريگان<‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪11‬‬


‫الالتبادلي����ة ‪ ،noncommutativity‬لتوجيه التصويت بالطريقة هو أن الفرد يجب أن ميتلك س� � ��لطة نقض القرارات التي تؤ ِّثر‬ ‫فيه فقط‪ .‬وكان مثال > ِس � � � ْن< األصلي بهذا الشأن عن الرقابة‬ ‫التي يريدونها‪.‬‬ ‫آرو< [طالب الدراس� � ��ات العليا على املطبوعات‪ :‬إن القرار بخصوص قراءة كتاب أو عدم قراءته‬ ‫وف� � ��ي عام ‪ ،1950‬ب� �َّي��نَّ >‪ُّ .K‬‬ ‫في جامعة كولومبيا] أنه ال توجد س� � ��وى طريقة أكيدة واحدة يجب أن يعود إلى ذلك الش� � ��خص فق� � ��ط‪ ،‬ولذا يجب أن يكون‬ ‫فق� � ��ط لتجنُّب تلك املفارقة‪ ،‬أال وه� � ��ي الديكتاتورية(‪ .)1‬فترتيب حتت س� � ��يطرته‪ .‬ولكن حكم األغلبي� � ��ة كان دائما متعارضا مع‬ ‫االنتخابات يصبح بال قيمة عندما ميتلك ناخب واحد س� � ��لطة حقوق األفراد‪ ،‬فاألغلبية تس� � ��تطيع فرض إرادتها على األقلية‪.‬‬ ‫القرار‪ .‬وقد س� � ��اعد هذا االكتشاف املعقول >آ ُّرو< على الفوز واألغرب من ذلك هو أنه حتى األحكام امل َّتفق عليها باإلجماع‬ ‫تنتهك حقوق األفراد ‪ -‬وبكلمات أخرى‪ ،‬ميكن‬ ‫بجائزة نوبل لالقتصاد في عام ‪ .1972‬ويقول‬ ‫أن يك� � ��ون حق الفرد مه � � � َّددا بقرارات يدعمها‬ ‫>أودي ْف� � � ِ�ر ِّدي<‪« :‬إنه� � ��ا نظرية مماثل� � ��ة لنظرية‬ ‫تو ِّفر الفيزياء‬ ‫ضمنيا ذلك الفرد نفسه‪.‬‬ ‫>گودل<‪ ،‬فهي تثبت أن ثمة محدوديات للفكرة‬ ‫الكمومية‬ ‫العام� � ��ة التي منتلكها عن الدميوقراطية‪ ».‬وقد‬ ‫وفي صيغة ليست افتراضية كمثال > ِس ْن<‪،‬‬ ‫يك� � ��ون >گودل< نفس� � ��ه قد صاغ نس� � ��خة من منوذجا للسلوك‬ ‫ُخ ْذ ناخ َب� �ْي��نْ (أزرق وأحمر) يقومان باحلكم‬ ‫آرو< في وقت سابق‪ ،‬فقد أورد أفكارا‬ ‫دعم اجتماعي حكومي‪ .‬يفضل‬ ‫عل� � ��ى برنامج ٍ‬ ‫البشري تتسم‬ ‫نظرية > ُّ‬ ‫مشابهة في حجة قدمها إلثبات وجود اللـه‪.‬‬ ‫األزرق أن يحص� � ��ل كالهما على الدعم‪ .‬وإذا‬ ‫فيه الالعقالنية‬ ‫إذا كان� � ��ت الدميوقراطي� � ��ات تتجنب عادة‬ ‫كان ذل� � ��ك غير ممكن‪ ،‬فإنه يفضل أن يحصل‬ ‫كامل‪.‬‬ ‫مبغزى‬ ‫مفارقات >كوندورس� � ��يه<‪ ،‬فإن ذلك يعود إلى‬ ‫األحمر عليه ألنه هو األح َوج بينهما‪ .‬ويفضل‬ ‫أن الناخب� �ي��ن يعتم� � ��دون على طي� � ��ف عقائدي‬ ‫أي منهما على الدعم‪ ،‬وإذا‬ ‫األحمر أال يحصل ٌّ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫يعطي آراءهم بعض الترابط والتماس� � ��ك املتبادل ‪ .‬والغريب كان ذل� � ��ك غير ممكن‪ ،‬وجب أن يحصل هو عليه‪ ،‬بغية حماية‬ ‫هو أنه مع أن احلضارة الغربية حتترم التفكير املس� � ��تقل غير األزرق م� � ��ن مفاعيل الفس� � ��اد للمس� � ��اعدة احلكومية‪ .‬ونظرا‬ ‫العقائ� � ��دي‪ ،‬فإن تفكيرا من ه� � ��ذا القبيل ميكن أن يؤدي عمليا لوصولهم� � ��ا في حك َم ْيهما إلى طريق مس� � ��دود‪ ،‬فإن عليهما‬ ‫بنظم االنتخاب إلى الشلل‪ .‬ويقول >أودي ْف ِر ِّدي< إن ذلك الطيف القب� � ��ول بخياريهما األخيرين‪ .‬وهك� � ��ذا ُيعطى الدعم لألحمر‬ ‫أي منهما على القرارات‬ ‫ُيصبح متش� � ��ابكا في األوقات املضطربة سياس� � ��يا‪ ،‬وتصبح ويمُ نع عن األزرق‪ ،‬وبذلك ال يسيطر ٌّ‬ ‫الدميوقراطية مشلولة كليا‪ ،‬ال جزئيا فقط‪.‬‬ ‫الت� � ��ي تخصه بالذات‪ .‬وهذه األلغاز جميعها توحي أن بعض‬ ‫وفي الس� � ��نة نفس� � ��ها الت� � ��ي بره� � ��ن فيه� � ��ا >آ ُّرو< نظريته‪ ،‬النزاعات في مجتمعنا تستمر‪ ،‬ال ألن الناس غير منسجمني‬ ‫اكتش� � ��فت الرياضياتيت� � ��ان >‪ .M‬فلَ ْد< و >‪ِ .M‬‬ ‫در َش� � ��ر< تعارضا أو غير عقالنيني‪ ،‬بل ألن آلي� � ��ات اتخاذ القرارات العقالنية‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫آخ� � ��ر بني القرارات الفردية واجلماعية‪ :‬مُ عضلة الس���جني ‪ .‬التي ُيقصد بها التوفي� � ��ق بني وجهات النظر املختلفة‪ ،‬ميكن‬ ‫لصني وتق � � � ِّدم لكل منهما مكافأة أن تع ِّمق التعارض بدال من أن تدعم التوافق‪.‬‬ ‫تُلقي الش� � ��رطة القبض على ّ‬ ‫كي يشي أحدهما باآلخر‪ .‬فإذا صمت االثنان‪ ،‬نجَ َوا معا‪ .‬وإذ‬ ‫(‪ )1‬من نظريات >آ ُّرو< نظرية االستحالة ‪ ،impossibility theorem‬وهي نظرية رياضياتية‬ ‫وشى كل منهما باآلخر‪ ،‬أُدينا بجميع جرائمهما؛ وبتحفيز كل‬ ‫ميك� � ��ن تقريب مضمونها بإحدى العبارات التالية‪ :‬ال توجد طريقة انتخاب عادلة‪ ،‬أو‬ ‫ثمة عيوب في كل ط� � ��رق االنتخاب القائمة على األفضليات‪ ،‬أو أن طريقة االنتخاب‬ ‫منهما على الوشاية باآلخر‪ ،‬فإن كال منهما سوف يفعل ذلك‪،‬‬ ‫الوحي� � ��دة اخلالية من العيوب هي الدكتاتورية‪ .‬وعل� � ��ى نحو أدق‪ ،‬عندما تكون أمام‬ ‫الناخب� �ي��ن ثالثة خيارات أو أكثر‪ ،‬ال ميكن لطريق� � ��ة انتخاب قائمة على األفضليات‬ ‫إال أنهما س� � ��وف يخسران بعدئذ [انظر املؤطَّ ر في الصفحتني‬ ‫أن حت � � � ِّول أولويات األفراد إلى أولويات مقبولة للمجتمع برمته مع حتقيق مجموعة‬ ‫‪ 14‬و ‪ .]15‬وميث� � ��ل هذا املأزق منوذج� � ��ا حملدوديات االقتصاد‬ ‫معينة من معايير العدل‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪“The Fairest Vote of All,” by Partha Dasgupta - Eric Maskin; :‬‬ ‫احلر(‪ .)4‬وهو يخ� � ��رق حكمة االقتصاد التقلي���دي احلديث‬ ‫‪Scientific American, March 2004‬‬ ‫‪ ،‬العدد ‪ ،)1996(1‬ص ‪.70‬‬ ‫التي تنطوي على أن األفراد الذين يتصرفون وفقا ملصاحلهم (‪ ،the Prisoner’s Dilemma )3‬انظر‪« :‬حسابات التعاون»‪،‬‬ ‫(‪ :laissez-faire economics )4‬مذه� � ��ب ف� � ��ي االقتصاد يرفض تدخل الدولة في الش� � ��أن‬ ‫العقالنية الذاتية ُيعطون جماعيا أفضل النتائج‪.‬‬ ‫االقتص� � ��ادي إال في احلدود الدنيا الضرورية للحفاظ على الس� � ��لم وحقوق امللكية‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫وثمة أمر محبط مش� � ��ابه هو لغز حرية االختي���ار الذي‬ ‫والعبارة الفرنسية ‪ laissez-faire‬تعني‪« :‬دع الناس يفعلون ما يبدو لهم‪».‬‬ ‫س � � � ْن< [عالم االقتص� � ��اد بجامعة (‪ :neoclassical economy )5‬ه� � ��و االقتصاد التقليدي الذي أسس� � ��ه >آدم س� � ��ميث< في‬ ‫صاغ� � ��ه في ع� � ��ام ‪ِ .A> 1970‬‬ ‫القرن الثامن عشر‪ ،‬والذي يقول إن املنافسة تؤدي إلى استمثال تخصيص املوارد‬ ‫آرو < على‬ ‫وحت ّق� � ��ق التوازن بني العرض والطلب وتر ُّد صفة احلداثة في تعريف هذا االقتصاد‬ ‫هارڤرد]‪ .‬فبالقدر نفس� � ��ه من الش� � ��ك الذي ألق� � ��اه > ُّ‬ ‫إلى كونه يعتمد طرائق التحليل الرياضياتية‪.‬‬ ‫الدميوقراطية‪ ،‬والذي ألقاه >فلد< على اقتصاد الس� � ��وق‪ ،‬فتح‬ ‫(‪liberal paradox )6‬‬ ‫> ِس ْن< ثقبا في مقولة حقوق األفراد‪ :‬إن أكثر احلقوق جوهرية‬ ‫(التحرير)‬ ‫‪12‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫لغز مفقود‬

‫( )‬

‫ف� � ��ي خمس� � ��ينات وس� � ��تينات الق� � ��رن العش� � ��رين اس� � ��تقصى‬ ‫الرياضياتي� � ��ون طرقا مختلفة للخروج من معضلة الس� � ��جني‪.‬‬ ‫وإحداها هي اتباع االس� � ��تراتيجيات املشروطة‪ .‬فبدال من أن‬ ‫يختار املتهمان الصمت أو الوشاية‪ ،‬ميكن أن يقول كل منهما‬ ‫للمح ِّقق على س� � ��بيل املثال‪« :‬إذا بقي زميلي صامتا‪ ،‬بقيت أنا‬ ‫صامتا أيضا»‪ .‬وباس� � ��تعمال مجموعة مناس� � ��بة من العبارات‬ ‫الشرطية التي من الش� � ��كل إذا ‪ -‬فإن‪ ،‬ميكن للمته َمينْ جت ُّنب‬ ‫أي منهما بتغيير هذه‬ ‫الس� � ��جن‪ .‬ومن حيث اجلوهر‪ ،‬لن يربح ٌّ‬ ‫اخلطة‪ ،‬ولذا فإن احلسابات العقالنية للمصلحة الذاتية يجب‬ ‫أن تدف� � ��ع بهما إلى التعاون(‪ .)1‬فما هو أفضل للفرد هو أفضل‬ ‫للجماعة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن ثم� � ��ة عيبا جوهريا في هذه الطريقة‪:‬‬ ‫على الشريكني االتفاق على االلتزام باالستراتيجيات املشروطة‬ ‫وأ ّال يغ ِّيرا رأييهما في اللحظة األخيرة ويشي أحدهما باآلخر‪.‬‬ ‫إنهما بحاجة إلى طريقة ال خداع فيها ل ُيبقي كل منهما اآلخر‬ ‫معه على اخلط‪.‬‬ ‫وتوفر الفيزياء الكمومية مثل هذه الطريقة‪ .‬ففي عام ‪،1998‬‬ ‫اقترح الفيزيائي� � ��ان >‪ .J‬آيزرت< و >‪ .M‬ويلكنز< [وكانا حينذاك‬ ‫ف� � ��ي جامعة بوس� � ��تدام بأملانيا] و>‪ .M‬لڤنش� � ��تاين< [الذي كان‬ ‫جل َس � � � ْيمني متش���ابكني‬ ‫في جامعة هانوڤر بأملانيا] أنه ميكن ُ‬ ‫‪ entangled‬أن يؤديا دور َع ْقد ُم ِلزم‪ .‬وميكن للش� � ��ريكني تنسيق‬ ‫جل َس ْيمني من دون أن يعرفا سلفا‬ ‫قراراتهما باستعمال هذين ا ُ‬ ‫ماهية تلك القرارات التي ُتعتبر معلومات ميكن أن ُتس� � ��تعمل‬ ‫النتهاك بنود العق� � ��د‪ .‬وفي عام ‪ ،2001‬قام >‪ .J‬دو< [من جامعة‬ ‫الص� �ي��ن للعلوم والتقانة ف� � ��ي هيفاي] وزمالؤه باس� � ��تعراض‬ ‫الطريقة ف� � ��ي املختبر‪ ،‬وش� � ��ابكوا نواتي هدروج� �ي��ن ووجهوا‬ ‫عليهما نبضات راديوية لتنفيذ مراحل اخلطة‪.‬‬ ‫واقت� � ��رح الفيزيائي الرياضياتي اإليطالي >‪ .G‬س� � ��يگري< أن‬ ‫طريقة مش� � ��ابهة ميكن أن ت� � ��درأ وصول التصوي� � ��ت إلى طريق‬ ‫مسدود من دون اللجوء إلى تنصيب ديكتاتور‪ .‬وهو يقول إنه اهتم‬ ‫باملوضوع في صيف عام ‪ 2008‬لدى قراءته املقابلة التي أجرتها‬ ‫الصحيف� � ��ة ‪ La Stampa‬مع مواطنه >أودي ْف ِر ِّدي<‪ .‬فمستش� � ��هدا‬ ‫بنظرية > ُّآرو<‪ ،‬كان >أودي ْف ِر ِّدي< قد أ َّكد أن الدميوقراطية النيابية‬ ‫آيلة إلى الزوال‪ .‬ويقول >س� � ��يگري<‪« :‬لم أوافق على هذه املقولة‬ ‫وبدأت بالتفكير بطريقة إلثبات خطأ نظرية > ُّآرو<»‪.‬‬ ‫يجادل >س� � ��يگري< ب� � ��أن الفيزياء الكمومي� � ��ة ُتغني إمكانات‬ ‫التصوي� � ��ت في االنتخابات‪ .‬فعلى غرار قطة ش���رودنگر(‪ )2‬ميكن‬ ‫يصوت بنعم‪،‬‬ ‫أن يك� � ��ون للمواطن عقالن في آن واح� � ��د‪ ،‬أحدهما‬ ‫ِّ‬ ‫يصوت ب� �ل��ا‪ ،‬في نوع مما ُيس� � ��مى بالتراك���ب الفائق‬ ‫واآلخ� � ��ر‬ ‫ِّ‬ ‫‪ .superposition‬وعن� � ��د مراكمة األص� � ��وات االنتخابية‪ ،‬ميكن لها‬

‫أن تنجم� � ��ع متضافرة‪ ،‬أو ميك� � ��ن لبعضها إلغاء األخرى‪ .‬وميكن‬ ‫أن تصبح متش� � ��ابكة معا‪ ،‬مك ِّون� � ��ة نوعا من احللف بني املواطنني‬ ‫منس� � ��قة على غرار العق� � ��د امللزم في معضلة‬ ‫للتصوي� � ��ت بطريقة َّ‬ ‫السجني الكمومي‪ .‬وفي هذه احلالة‪ ،‬وخالفا للطريقة القدمية التي‬ ‫قال بها > ُّآرو<‪ ،‬ميكن إلرادات الناس أن تكون تامة االنسجام‪.‬‬ ‫إال أن بره� � ��ان >س� � ��يگري< جتريدي ج� � ��دا‪ .‬وثمة عدد من‬ ‫اخلبراء بنظري� � ��ة التصويت االنتخابي‪ ،‬الذين أُخذ رأيهم بهذه‬ ‫املقالة‪ ،‬يش � � �كِّكون ف� � ��ي صحته وبإمكان إدراجه في دس� � ��تور‬ ‫ُيكت� � ��ب في القرن احل� � ��ادي والعش� � ��رين‪ .‬إال أن الفيزيائي >‪.A‬‬ ‫إكِ رت<‪[ ،‬من جامعة أوكسفورد ومركز التقانات الكمومية في‬ ‫س� � ��ينغافورة] يقول إن >سيگري< قد يكون محقا‪ .‬فنظرا لكون‬ ‫الفيزياء الكمومية احتمالية‪ ،‬فقد ميكن لنظام تصويت كمومي‬ ‫أن ي� � ��درأ التعارضات‪ ،‬ال بوج� � ��ود ديكتاتور مطلق‪ ،‬بل مبجرد‬ ‫وجود حاكم ي َّتخذ قرارات س� � ��لطوية ناجحة وس� � ��طيا‪ ،‬وتمُ كِ ن‬ ‫معارضت� � ��ه من وقت إلى آخر‪ .‬ويقول >إكِ رت<‪« :‬س� � ��وف يكون‬ ‫لدينا ديكتاتور‪ ،‬لكنه سوف يكون ضعيفا جدا‪».‬‬ ‫نقد االستدالل العقلي احملض (التقليدي)‬

‫( )‬

‫ال متح� � ��و الفيزياء الكمومية األلغاز األصلية أو توفِّر نظاما‬ ‫عملي� � ��ا ال ِّتخاذ القرار‪ ،‬إال إذا َق ِب َل املس� � ��ؤولون احلكوميون‬ ‫بأن يحمل الناس معهم ُج َس � � � ْيمات متش� � ��ابكة إلى حجرة‬ ‫التصويت أو إلى غرفة االس� � ��تجواب في قس� � ��م الش� � ��رطة‪.‬‬ ‫فاملغزى احلقيقي لهذه االكتشافات هو أن الفيزياء الكمومية‬ ‫توفِّر منوذجا للس� � ��لوك البش� � ��ري تتس� � ��م فيه الالعقالنية‬ ‫الظاهرية(‪ )3‬مبغزى كامل‪.‬‬ ‫في احلياة العملية‪ ،‬يتعاون الناس أكثر بكثير مما لو كانوا‬ ‫مدفوعني مبجرد التقدير العقالني ملصاحلهم الذاتية‪ .‬فحينما‬ ‫يس� � ��أل علماء النفس متط ِّوعي االختب� � ��ارات أن يقوموا بتمثيل‬ ‫معضلة الس� � ��جني‪ ،‬يبقى املمثلون أحيانا صامتني على الرغم‬ ‫دت >أسماء<‬ ‫من احلافز القوي على القيام بالوشاية‪ .‬إذا اعتق َ‬ ‫بأن >باس� � ��م< سوف يشي بها‪ ،‬فإنها س� � ��وف تشي به حتما‪.‬‬ ‫وإذا اعتق َدت بأن >باس� � ��م< سوف يبقى صامتا‪ ،‬فمن احملتمل‬ ‫أن تش� � ��ي به‪ ،‬لكنها «قد» تبقى صامتة أيضا‪ .‬إن الكلمة «قد»‬ ‫تنطوي عادة على ‪ 20‬في املئة من احلاالت فقط‪ ،‬إال أنها تشع‬ ‫( ) ‪PARADOX LOST‬‬ ‫( ) ‪CRITIQUE OF PURE (CLASSICAL) REASON‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬

‫;‪“Escape from Paradox,” by Anatol Rapoport‬‬ ‫‪Scientific American, July 1967‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪« :‬إحياء قطـة ش� � � ِ‬ ‫‪ ،‬العــدد ‪ ،(1997) 12‬ص ‪ .48‬وكتـاب «العقـل‬ ‫�رودنگـر»‪،‬‬ ‫واحلاس� � ��وب وقوانني الفيزياء»‪ ،‬ملؤلفه روجيه بنروز ‪ -‬ترجمة‪ :‬محمد وائل األتاسي‬ ‫وبسام معصراني‪ ،‬دار طالس ‪ -‬دمشق ‪.1998‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪apparent irrationality )3‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪13‬‬


‫كيف يجعل املنطق الكمومي الالعقالنية البشرية ذات مغزى‬

‫حترير السجني الكمومي‬

‫( )‬

‫‪ ‬متثيل معضلة السجني‬

‫يضغط احمل ِّقق على‬ ‫املشتبه بهما جلعل كل‬ ‫منهما يشي باآلخر‪.‬‬

‫لصني‪> ،‬أسماء< و>باسم<‪،‬‬ ‫يُلقى القبض على ّ‬ ‫خلي‬ ‫مشتبه بهما ويستجوبا‪ .‬فإذا صمت االثنان‪ُ ،‬أ َ‬ ‫سبيلهما‪ .‬وإذا وشى أحدهما باآلخر‪ ،‬أُخلي سبيله‬ ‫وحصل على مكافأة‪ ،‬وأودع اآلخر في السجن‪ .‬وإذا‬ ‫وشى كل منهما باآلخر‪ ،‬أودع االثنان في السجن‪.‬‬

‫تقول احلكمة الشائعة إن الناس‬ ‫ال يتص َّرفون عقالنيا‪ .‬ولكن ما هي‬ ‫«العقالنية»؟ إنها تعني ببساطة‬ ‫التزام مبادئ املنطق التقليدي‪ .‬إال أن‬ ‫موسعة من القواعد املنطقية‪،‬‬ ‫مجموعة‬ ‫َّ‬ ‫التي اق ُترحت في البداية للفيزياء‬ ‫الكمومية‪ ،‬و ُتط َّبق اآلن على علم النفس‪،‬‬ ‫ميكن أن جتعل الالعقالنية الظاهرية‬ ‫ذات مغزى‪ .‬ويتضح ذلك من معضلة‬ ‫السجني الشهير‪.‬‬

‫يق ِّرر كل من >أسماء<‬ ‫و>باسم<‪ ،‬البقاء صامتا‬ ‫أو الوشاية باآلخر‪.‬‬

‫هل أَبقى‬ ‫صامتا أم‬ ‫أَشي؟‬

‫>باسل<‬ ‫>أسماء<‬

‫‪ ‬سيرورة التفكير الالعقالنية‬

‫‪ ‬سيرورة التفكير العقالنية‬

‫تظن >أسماء<‪ ،‬املتفائلة أنه إذا بقيت صامتة‪ ،‬بقي >باسم<‪،‬‬ ‫صامتا بالتأكيد؛ أي إنها تقيم تخمينها ألفعال >باسم<‪ ،‬على نيتها‬ ‫بخصوص ما سوف تفعله هي نفسها‪ .‬ويفتح هذا التفاؤل غير املبرر‬ ‫الباب أمام نتيجة مفيدة مشتركة‪.‬‬ ‫َ‬

‫تخمِّ ن >أسماء< ما ميكن لـ>باسم<‪ ،‬فعله و ُتدرك أنه مهما فعل‬ ‫فإنها سوف تكون في حال أفضل إذا وشت به‪ .‬وي َّتبع >باسم<‪،‬‬ ‫التفكير نفسه‪ ،‬والنتيجة أن كال منهما سوف يشي باآلخر‪،‬‬ ‫وسوف يُعاقب كالهما‪ .‬ومنطقيا‪ ،‬ال مناص لهما من هذه النهاية‪.‬‬

‫ثم تخمِّ ن‬

‫>أسماء<‬

‫تخمِّ ن‬ ‫ما ميكن‬ ‫لـ>باسم<‪ ،‬أن‬ ‫يفعله‬

‫تتخذ‬

‫تق ِّرر‬ ‫>أسماء<‬ ‫وحدها ما‬ ‫سوف تفعله‬

‫تص ُّرف‬ ‫احملتمل‬

‫تشي >أسماء<‬ ‫بـ>باسم<‪،‬‬

‫قرارها بشأن‬ ‫ما ستفعله‬

‫تبقى‬

‫>أسماء<‬

‫صامتة‬

‫النزعة الالعقالنية‬ ‫بناء على الفعل امل ْنوي القيام به‪َ ،‬غيِّر التخمني‬

‫ما تنوي >أسماء< فعله‬

‫تخمني >أسماء‬

‫>باسم< سوف‬ ‫يبقى صامتا‬

‫وشاية‬

‫صمت‬

‫>باسم< سوف‬ ‫يبقى صامتا‬

‫>باسم< سوف يشي‬

‫وشاية‬

‫وشاية‬

‫>باسم< سوف يشي‬

‫<‬

‫تصرف >أسماء‬

‫<‬

‫ومضة من األمل في لعبة تافهة‪.‬‬ ‫إال أن الش� � ��يء الغريب حقا هو أنه إذا لم تكن >أس� � ��ماء<‬ ‫متي ِّقنة مما س� � ��وف يفعله >باس� � ��م<‪ ،‬فإنها على األرجح سوف‬ ‫تبقى صامتة‪ .‬وال يفعل ذلك أي ش� � ��خص يستند إلى العقالنية‬ ‫احملضة‪ .‬فوفقا للمنطق التقليدي‪ ،‬إذا ظنَّت >أس� � ��ماء< أن ثمة‬ ‫احتماال يس� � ��اوي ‪ 50‬في املئة لبقاء >باسم< صامتا‪ ،‬فإن عليها‬ ‫أن تأخ� � ��ذ متوس� � ��ط نزع َت ْيها إلى الصم� � ��ت وأن تبقى صامتة‬ ‫ف� � ��ي ‪ 10‬في املئ� � ��ة من احلاالت‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ف� � ��إن املتط ِّوعني في‬ ‫‪14‬‬

‫>باسم<‬

‫>أسماء<‬

‫النزعة العقالنية‬ ‫بناء على التخمني‪ ،‬اجعل املصلحة الذاتية أعظمية‬

‫تخمني >أسماء‬

‫>أسماء<‬

‫<‬

‫االختبارات النفس���انية(‪ )1‬املوجودين في هذه الظروف يبقون‬ ‫صامتني في ‪ 40‬في املئة من احلاالت‪.‬‬ ‫أم� � ��ا في املنطق الكموم���ي ‪ ،quantum logic‬فيمكن بالفعل‬ ‫للقيمة الوسطية للصفر و ‪ 20‬أن تساوي ‪ .40‬فنزعتا >أسماء<‬ ‫املتمثلتان بالوش� � ��اية بـ>باس� � ��م< حتما إذا وش� � ��ى بها‪ ،‬ورمبا‬ ‫الوشاية به إذا بقي صامتا‪ ،‬متحو إحداهما األخرى جزئيا إذا‬ ‫( ) ‪ ، Freeing the Quantum Prisoners‬إش� � ��ارة إل� � ��ى كتاب >كانت< الذي يحمل العنوان‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫(‪psychology tests )1‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫يُحكم على املشتبه بهما وفق ما يلي‪:‬‬

‫تصرف >باسم‬

‫<‬

‫تصرف‬

‫صمت‬

‫مقارنة الشهادتني‬

‫صمت‬

‫وشاية‬

‫إخالء سبيل‬

‫عقوبة قصوى‬

‫إخالء سبيل‬

‫إخالء سبيل‬ ‫ومكافأة‬

‫>أسماء<‬

‫وشاية‬

‫إخالء سبيل‬ ‫ومكافأة‬

‫العقوبة املقررة‬

‫عقوبة قصوى‬

‫العقوبة املقررة‬

‫‪ ‬أين يدخل التعليل الكمومي‬

‫يحصل تنافس بني النزعتني العقالنية والالعقالنية‪ .‬وميكن للمح ِّقق أن يؤ ِّثر في‬ ‫النتيجة باالنحياز إلى ما سيفعله اآلخر‪ .‬إذا لم يقل احمل ِّقق شيئا‪ ،‬فمنطقيا سوف يفعل‬ ‫املشتبه بهما كما فعال سابقا‪ .‬ولكن إذا سأل عال ُم نفس متطوِّ عني لتمثيل هذا املأزق‪ ،‬فإن‬ ‫االرتياب ينزع نحو تقليص احتمال الوشاية عند كثير من الناس‪ .‬والنموذج الكمومي‪،‬‬ ‫سبب ذلك‪.‬‬ ‫يفسر‬ ‫الذي تنضم فيه معا احتماالت النتائج املختلفة بطرق مخالفة للبداهة؛ ِّ‬ ‫َ‬

‫ما يقوله احملقق‬

‫ما تفعله >أسماء‬

‫«>باسم< سوف يشي»‬

‫تشي >أسماء< في ‪ %100‬من احلاالت‬

‫«>باسم< سوف يصمت»‬

‫تشي >أسماء< في ‪ %80‬من احلاالت‬

‫<‬

‫للمعهود‪:‬‬

‫ال توجد معلومات‬

‫ذل� � ��ك النم� � ��وذج هو أن معظ� � ��م الناس ال ميتلك� � ��ون تفضيالت‬ ‫ثابتة‪ .‬فمش� � ��اعرنا متناقضة وظرفي� � ��ة إزاء ما يف ِّكر فيه الناس‬ ‫احمليط� � ��ون بنا‪ .‬ويقول >بوزماير<‪« :‬إننا مخلوقات ظرفية جدا‪،‬‬ ‫وم� � ��ن َث َّم ليس ثمة من موقف ينتظر رصده‪ ».‬ويهيمن التراكب‬ ‫الكمومي الفائق(‪ )1‬على هذه املش� � ��اعر املتناقضة‪ ،‬إال أن هذا‬ ‫ال يعن� � ��ي أن أدمغتنا هي حواس� � ��يب كمومية باملعنى احل ْرفي‪،‬‬ ‫وفقا ملا قاله بع� � ��ض الفيزيائيني‪ ،‬بل إن الفيزياء الكمومية هي‬ ‫استعارة مفيدة للتعبير عن التد ُّفق احلر للفكر البشري‪.‬‬ ‫ومبعن� � ��ى ما‪ُ ،‬يعيد حقل االس���تعراف الكموم���ي(‪ )2‬البازغ‬ ‫الفيزي� � ��ا َء الكمومية إلى جذورها‪ .‬ففي وق� � ��ت مبكر من القرن‬ ‫العش� � ��رين‪ ،‬اعتمد >‪ .N‬ب���ور<(‪ )3‬وغيره م� � ��ن واضعي النظرية‬ ‫الكمومي� � ��ة على أف� � ��كار من عل� � ��م النفس‪ ،‬ومنه� � ��ا أعمال >‪.M‬‬ ‫جيمس<(‪ .)4‬وبلغت النظرية الكمومية مرحلة النضج في الوقت‬ ‫ال� � ��ذي لم تلقَ فيه العقالني� � ��ة ‪ -‬التي تأرجحت بني الدخول في‬ ‫احلياة الفكرية واخلروج منها منذ حركة التنوير ‪ -‬سوى قبول‬ ‫متواضع‪ .‬ولم تكن احلرب العاملية األولى مالئمة للتفاؤل مبقدرة‬ ‫اإلنسان على اإلصالح الذاتي‪ ،‬وراقت لـ>بور< وزمالئه النظري ُة‬ ‫الت� � ��ي وضعت قيودا على املعرف� � ��ة لـ>بور<‪ .‬إال أن تاريخ الفكر‬ ‫يعيد نفسه‪ .‬فبتجديد التفاؤل باملعرفة والسلوك البشريني‪ ،‬قد‬ ‫تساعد الفيزياء الكمومية اليوم على نشوء حركة تنوير جديدة‬ ‫>‬ ‫وإعادة إنعاش سياساتنا اجلوفاء‪.‬‬

‫>أسماء< سوف تشي في ‪ %90‬من احلاالت‬ ‫(وسطيا الـ‪ %80‬و الـ‪)%100‬‬

‫النموذج الكمومي‪:‬‬

‫>أسماء< سوف تشي في ‪ %60‬من احلاالت (وفقا‬ ‫للمالحظ في النموذج الكمومي‪ ،‬فإن أسباب الوشاية‬ ‫املختلفة جتعل النتائج منحازة بدال من جمعها)‬

‫كان عليها التعامل في ذهنها ببراعة مع كلتا اإلمكانيتني‪ ،‬ولذا‬ ‫تلتصق بخيارها الثاني وتلت� � ��زم الصمت‪ .‬ويقول عالم النفس‬ ‫>‪ .E‬پوث� � ��وس< [من جامعة مدينة لن� � ��دن]‪« :‬إن هذين التعليلني‪،‬‬ ‫اللذين ُيعتبر كل منهما جيدا مبفرده‪ ،‬يتداخالن معا ويق ِّلصان‬ ‫احتمال تغيير الشخص ملوقفه‪».‬‬ ‫وفي عام ‪ ،2009‬ابتكر >پوتوس< وعالم النفس >‪ .J‬بوزماير<‬ ‫[من جامعة إنديانا ببلومنگت� � ��ون] منوذجا كموميا يولِّد نتائج‬ ‫التجارب النفس� � ��انية نفس� � ��ها‪ .‬والس� � ��بب الكامن وراء جناح‬

‫>‪.G‬‬

‫موسر<‪ ،‬مح ِّرر مساهم في مجلة ساينتفيك أمريكان‬ ‫َّ‬ ‫ومؤلف كتاب «دليل األغبياء الكامل إلى نظرية األوتار»‬ ‫)‪.The Complete Idiot’s Guide to String Theory (2008‬‬

‫(‪A quantum superposition )1‬‬

‫(‪ :quantum cognition )2‬حقل أبحاث ُتس� � ��تعمل فيه أفكار م� � ��ن الفيزياء الكمومية وعلم‬ ‫املعلومات الكمومية لتطوير مناذج جديدة كليا لظواهر اس� � ��تعراف متنوعة متتد من‬ ‫ذاكرة اإلنس� � ��ان واسترجاع املعلومات واللغة البشرية حتى اتخاذ القرار والتفاعل‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫(‪ :Niels Bohr )3‬فيزيائي دامناركي له إس� � ��هامات أساسية في فهم بنية الذرة وامليكانيك‬ ‫الكمومي‪ ،‬حاز جائزة نوبل للفيزياء عام ‪.1922‬‬ ‫(‪ :(1910 - 1842) William James )4‬فيلس� � ��وف وعالم نفس أمريكي تدرب على ممارس� � ��ة‬ ‫(التحرير)‬ ‫الطب‪ ،‬وكان أول من ق َّدم دورات في علم النفس بالواليات املتحدة‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‬ ‫‪Quantum Games and Quantum Strategies. Jens Eisert, Martin Wilkens and Maciej Lewenstein in‬‬ ‫‪Physical Review Letters, Vol. 83, No. 15, pages 3077–3080; October 11, 1999. http://arxiv.org/abs/‬‬ ‫‪quant-ph/9806088‬‬ ‫‪A Quantum Probability Explanation for Violations of “Rational” Decision Theory. Emmanuel M. Po‬‬‫‪thos and Jerome R. Busemeyer in Proceedings of the Royal Society B, Vol. 276, No. 1665, pages‬‬ ‫‪2171–2178; June 22, 2009.‬‬ ‫‪Does Quantum Interference Exist in Twitter? Xin Shuai, Ying Ding, Jerome Busemeyer, Yuyin Sun,‬‬ ‫‪Shanshan Chen and Jie Tang. http://arxiv.org/abs/1107.0681‬‬ ‫‪Quantum Democracy Is Possible. Gavriel Segre. http://arxiv.org/abs/0806.3667v4‬‬ ‫‪Quantum Structure in Cognition: Fundamentals and Applications. Diederik Aerts,‬‬ ‫‪Liane Gabora, Sandro Sozzo and Tomas Veloz. http://arxiv.org/abs/1104.3344‬‬

‫‪Scientific American, November 2012‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪15‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫احلد األقصى حلبس ال َّن َفس‬

‫( )‬

‫حتدد حاجة الدماغ إلى األكسجني املدة القصوى التي ميكن‬ ‫منطقي ولكنه ليس كل الواقع‪.‬‬ ‫لإلنسان أن يحبس فيها َن َف َسه‪ .‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫>‪ .J .M‬باركز<‬

‫خذ َن َفس ًا عميق ًا ثم احبسه‪ .‬إنك بذلك تشارك في‬ ‫نش� � ��اط غامض مدهش‪ ،‬ففي املتوس� � ��ط يتنفس البشر بصورة‬ ‫تلقائي� � ��ة نحو اثنتي عش� � ��رة مرة ف� � ��ي الدقيقة‪ ،‬فه� � ��ذه الدورة‬ ‫التنفس� � ��ية مصحوبة بنبضات القلب‪ ،‬وهي واحدة من النظمني‬ ‫البيولوجيني لدينا‪ ،‬فالدماغ يضبط إيقاع التنفس تبعا حلاجة‬ ‫اجلس� � ��م دون أي جهد واع‪ .‬غير أننا جميعا لدينا القدرة على‬ ‫حبس َن َفس� � ��نا مل� � ��دة قصيرة‪ .‬وتفيد هذه الق� � ��درة في منع املاء‬ ‫واألتربة من دخول رئتينا وفي تثبيت صدورنا قبل بدء مجهود‬ ‫عضل� � ��ي‪ ،‬وكذلك في إطالة املدة الزمنية للتكلم من دون توقف‪.‬‬ ‫إننا نحبس أنفاس� � ��نا بطريقة طبيعي� � ��ة وعفوية بحيث إن األمر‬ ‫يبــدو مفاجئــا عندمــا نعــلم أن الفهــم األساسي لهــذه القــدرة‬ ‫ما زال يستعصي على العلم‪.‬‬ ‫(بحرية أطلق اآلن زفرة إن لم تكن َبع ُد قد فعلت بذلك)‪.‬‬ ‫ف ّكر فيما يبدو أنه سؤال مباشر‪ :‬ما الذي يحدد طول املدة‬ ‫التي ميكن أن حتبس َن َف َسك فيها؟ إن استقصاء هذه املشكلة‬ ‫يب� � ��دو معقدا إلى حد بعيد‪ ،‬فم� � ��ع أن جميع احليوانات الثديية‬ ‫ميكنه� � ��ا فعل ذل� � ��ك‪ ،‬فإن أحدا لم يجد طريق� � ��ة حلث حيوانات‬ ‫املختبر على حبس أنفاس� � ��ها ملدة تزيد على بضع ثوان‪ .‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬فإن حبس ال ّن َفس اإلرادي ميكن دراسته في اإلنسان فقط‪.‬‬ ‫فإذا ما نفد األكسجني من الدماغ أثناء جتربة مطولة‪ ،‬فإن َف ْق َد‬ ‫الوع� � ��ي وتلف الدماغ واملوت قد تتعاقب س� � ��ريعا وهي أخطار‬ ‫ق� � ��د جتعل العديد من التج� � ��ارب‪ ،‬التي يحتمل أن توصلنا إلى‬

‫معلومات مفيدة‪ ،‬غير أخالقية‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فإن بعض الدراسات‬ ‫الـمَ عْ لَمية(‪ )1‬من العقود الس� � ��ابقة ال ميكن إعادتها اليوم ألنها‬

‫تخالف تعليمات األمان لإلنسان‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فقد وجد الباحثون طرقا لبدء اإلجابة عن أسئلة‬ ‫خاص� � ��ة بحبس ال ّن َف� � ��س‪ .‬ففضال عن تنوير عل� � ��م فيزيولوجيا‬ ‫اإلنس� � ��ان‪ ،‬فإن اكتش� � ��افاتهم قد تس� � ��هم في إنقاذ احلياة في‬ ‫مجالي الطب وتطبيق القانون‪.‬‬ ‫تعيني نقطة االنهيار‬

‫( )‬

‫في ع� � ��ام ‪ 1959‬اس� � ��تخدم >‪ .H‬ران< الفيزيولوج� � ��ي [من كلية‬ ‫الطب بجامعة بافال� � ��و] خليطا من طرق غير مألوفة مثل إبطاء‬ ‫االس� � ��تقالب وف� � ��رط التهوية وملء الرئتني باألكس� � ��جني النقي‬ ‫وغيرها لكي يحبس َن َفس� � ��ه ملدة تقرب من أربع عشرة دقيقة‪.‬‬ ‫وباملثل فإن >‪ .E‬شنايدر< [وهو أحد رواد أبحاث حبس ال ّن َفس‬ ‫باملعهد التقني لطب الطيران التابع للجيش في ميتش� � ��ل فيلد‬ ‫بوالية نيويورك وبعد ذلك في جامعة ويزليان] وصف شخصا‬ ‫مكث خمس عشرة دقيقة وثالث عشرة ثانية في ظروف مماثلة‬ ‫في الثالثينات من القرن العشرين‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ف� � ��إن الدراس� � ��ات واخلبرة اليومي� � ��ة توحي أن‬ ‫أغلبن� � ��ا بعد ملء رئتينا إلى حدها األقص� � ��ى بهواء الغرفة‪ ،‬ال‬ ‫( ) ‪THE LIMITS OF BREATH HOLDING‬‬ ‫( ) ‪DETERMINING THE BREAK POINT‬‬ ‫(‪landmark studies )1‬‬

‫باختصار‬ ‫ما الذي يحدد املدة التي ميكن خاللها لشخص ما أن يحبس َنفَسه؟‬ ‫يتوق الناس إلى أن يش� � ��هقوا قبل وقت طويل من نفاد األكس� � ��جني من‬ ‫دماغهم (التقييد الواضح)‪.‬‬ ‫إن استقصاء السبب الذي يحدد قدرتنا على التحكم في حبس النفس‬ ‫هو أمر صعب‪ ،‬غير أن عقودا من البحث تشير إلى أن احلجاب احلاجز‬ ‫الذي يتقلص كي تنتفخ الرئتان يؤدي دورا جوهريا في هذا الشأن‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫وإن أفضل فرضية هي أن احلجاب احلاجز يرس������ل إشارات‬ ‫إل������ى الدماغ ع������ن املدة التي بق������ي متقلصا فيه������ا وكيف يتفاعل‬ ‫مع اس������تنفاد مستوى األكسجني وزيادة مس������توى ثنائي أكسيد‬ ‫الكربون‪ ،‬وهذه اإلش������ارات تس������بب في البدء مجرد إزعاج‪ ،‬ولكن‬ ‫في نهاية األمر يجدها الدم������اغ غير محتملة وجتبر التنفس على‬ ‫البدء مرة أخرى‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫املؤلف‬ ‫‪Michael J. Parkes‬‬

‫محاضر رئيس في الفيزيولوجيا التطبيقية في كلية العلوم الرياضية والتدريب بجامعة‬ ‫«بيرمنگهام» في إنگلترا‪ .‬ويعمل أيضا في مختبرات «ولكوم تراس� � ��ت» الطبية لألبحاث‬ ‫في مستشفيات بيرمنگهام اجلامعية التابعة ملؤسسة اخلدمات الصحية الوطنية‪.‬‬

‫ميكنه حبس ن َف َس� � ��ه ألكثر من دقيقة واح� � ��دة‪ .‬وملاذا ال ميكننا‬ ‫ذل� � ��ك مدة أطول؟ إن الرئتني وحدهما حتويان كمية أكس� � ��جني‬ ‫كافية إلعاش� � ��تنا مدة أربع دقائ� � ��ق‪ ،‬غير أن القليل منا ميكنهم‬ ‫حبس أنفاس� � ��هم ملدة قريبة من هذا احل� � ��د دون تدريب‪ .‬وفي‬ ‫هذا الصدد‪ ،‬فإن ثنائي أكس� � ��يد الكرب� � ��ون (وهو الغاز الذي‬ ‫يطرح مع الزفير والذي تنتجه اخلاليا عند استهالكها للغذاء‬ ‫واألكس� � ��جني) ال يتراكم إلى مستويات سامة في الدم بسرعة‬ ‫كبيرة كافية لتفسر ح ّد الدقيقة الواحدة‪.‬‬ ‫وعند الغطس في املاء ميكن للبشر حبس أنفاسهم ملدة أطول‪،‬‬ ‫وهذا التحديد رمبا ينشأ جزئيا عن زيادة التحفيز لتجنب غمر‬ ‫الرئتني باملاء (ليس من الواضح إذا كان لدى البش� � ��ر ارتكاس‬ ‫الغطس(‪ )1‬املعهود لدى احليوانات املائية الثديية والطيور والذي‬ ‫يؤدي إلى خفض معدل االس� � ��تقالب أثناء حبس ال ّن َفس عندما‬ ‫تكون هذه احليوانات مغمورة باملاء)‪ ،‬غير أن املبدأ يظل قائما‪:‬‬ ‫فالغطاسون الذين يحبسون أنفاسهم يشعرون بأنهم مكرهون‬ ‫على أن يجذبوا نفسا قبل أن ينفد لديهم األكسجني فعال‪.‬‬ ‫وكما الحظ >ش� � ��نايدر< فإنه «من املستحيل عمليا لإلنسان‬ ‫في مستوى س� � ��طح البحر أن يحبس ن َف َسه إراديا حتى يفقد‬ ‫الوع� � ��ي»‪ .‬وقد يحدث فقد الوعي نادرا في ظروف اس� � ��تثنائية‬ ‫مثل منافس� � ��ات الغطس املتطرفة‪ ،‬وتشير بعض الروايات إلى‬ ‫ح� � ��االت نادرة متكن األطفال أثناءها من حبس أنفاس� � ��هم ملدة‬ ‫طويلة حتى فقدوا وعيهم‪ ،‬غير أن الدراس� � ��ات املختبرية أكدت‬ ‫أننا‪ ,‬نحن الراش� � ��دون من البشر‪ ,‬ال ميكننا فعل ذلك‪ .‬فقبل أن‬ ‫يبلغ مستوى األكس� � ��جني حدا ضئيال جدا أو يصل مستوى‬ ‫حدث شيء على‬ ‫ثنائي أكس� � ��يد الكربون إلى حد مرتفع جدا َي ُ‬ ‫ما يبدو يوصلنا إلى نقطة االنهيار (كما يس� � ��ميها الباحثون)‬ ‫والتي ال ميكننا بعدها مقاومة أن نلهث طلبا للهواء‪.‬‬ ‫وأحد التفسيرات املنطقية االفتراضية لنقطة االنهيار هي أن‬ ‫محساس���ات ‪ sensors‬متخصصة في اجلسم تراقب التغيرات‬ ‫الفيزيولوجي� � ��ة املصاحب� � ��ة حلبس ال ّن َفس والت� � ��ي حتفز جذب‬ ‫نفس قب� � ��ل أن يتوقف عمل الدماغ‪ .‬واملرش� � ��حون الواضحون‬

‫لهذه احملساس� � ��ات هي‬ ‫األجهزة الت� � ��ي تراقب‬ ‫التوس� � ��ع املديد للرئتني‬ ‫والص� � ��در أو تلك التي‬ ‫تكش� � ��ف انخف� � ��اض‬ ‫مستوى األكسجني أو‬ ‫ارتفاع مس� � ��توى ثنائي‬ ‫أكسيد الكربون في الدم‬ ‫أو في الدماغ‪ .‬ومع ذلك‬ ‫لم تصمد أي واحدة من تــلــك األفكــار‪ ،‬فقــد جرى اس � � �ــتبعاد‬ ‫تــورط أجهــزة اسـتشعار حجم الرئتني من خالل التجارب التي‬ ‫أجريت بني عامي ‪ 1960‬و ‪ 1990‬من قبل >‪ .R .H‬هارتي< و >‪.H .J‬‬ ‫إيزيلي< اللذين عمال مستقلني في مختبر ‪ Abe Guz‬مبستشفى‬ ‫تش� � ��ارينگ كروس في لندن‪ ،‬إضافة إلى التجارب التي أجراها‬ ‫>‪ .A .P‬فلوم< الذي كان يعمل وقتها بجامعة كارولينا الش� � ��مالية‬ ‫في تشاپل هيل‪ .‬وقد أظهرت جتاربهم أنه ليس مبقدور مرضى‬ ‫اغتراس الرئة(‪ ،)2‬الذين قطعت لديهم االتصاالت العصبية بني‬ ‫الرئت� �ي��ن والدماغ‪ ،‬وال املرضى الذين ُخ � � � ِّدروا تخديرا نخاعيا‬ ‫تاما‪ ،‬وأحصرت(‪ )3‬لديهم بذلك املس� � ��تقبالت احلسية لعضالت‬ ‫الصدر‪ ،‬أن يحبسوا أنفاسهم ملدة طويلة غير طبيعية‪( .‬من املهم‬ ‫اإلش� � ��ارة إلى أن التخدير النخاعي التام ل� � ��م يؤثر في عضلة‬ ‫احلجاب احلاجز ألسباب ستكون واضحة فيما يلي)‪.‬‬ ‫ويب� � ��دو أن األبح� � ��اث قد اس� � ��تبعدت تورط جميع وس� � ��ائل‬ ‫االستش� � ��عار الكيميائي� � ��ة املعروفة (املس� � ��تقبالت الكيميائية)‬ ‫لألكسجني وثنائي أكسيد الكربون‪ .‬فلدى البشر تكون وسائل‬ ‫االستش� � ��عار الوحيدة املعروفة لنقص األكسجني موجودة في‬ ‫الش���رايني الس���باتية(‪ )4‬حتت زاوية الفك السفلي متاما وهي‬ ‫التي ت� � ��زود الدماغ بال� � ��دم‪ ،‬أما املس� � ��تقبالت الكيميائية التي‬ ‫تكشف ارتفاع مس� � ��توى ثنائي أكسيد الكربون فهي موجودة‬ ‫في الش� � ��رايني الس� � ��باتية وفي جذع الدماغ الذي يتحكم في‬ ‫التنفس املنتظم والوظائف املستقلة (الالإرادية) األخرى‪.‬‬ ‫فإذا كانت املس� � ��تقبالت الكيميائية لألكس� � ��جني هي التي‬ ‫تس� � ��بب اإلحس� � ��اس العاجل بنقط� � ��ة االنهيار‪ ،‬فإن� � ��ه من دون‬ ‫اإلشارات االرجتاعية الصادرة عنها يكون مبقدور البشر أن‬ ‫يحبس� � ��وا َن َفس� � ��هم حتى يفقدوا الوعي‪ .‬إال أن التجارب [التي‬ ‫أجري� � ��ت في مختبر واس� � ��رمان بجامع� � ��ة كاليفورنيا في لوس‬ ‫أجنلوس] ب ّينت أن املرض� � ��ى ال ميكنهم فعل ذلك حتى عندما‬ ‫(‪Diving reflex )1‬‬ ‫(‪lung-transplant )2‬‬ ‫(‪blocked )3‬‬ ‫(‪the carotid arteries )4‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪17‬‬


‫تقط� � ��ع الوصالت العصبية ما بني املس� � ��تقبالت الكيميائية في‬ ‫شرايينهم السباتية وجذوع أدمغتهم‪.‬‬ ‫فضال عن ذلك‪ ،‬إذا كان نقص مستوى األكسجني أو ارتفاع‬ ‫مستوى ثنائي أكسيد الكربون وحدهما قد فرضا نقطة االنهيار‪،‬‬ ‫فإنه عندما تتخطى هذه املستويات حدودا معينة يصبح حبس‬ ‫ال ّن َفس أمرا مس� � ��تحيال‪ .‬بيد أن العديد من الدراسات بينت أن‬ ‫ذل� � ��ك ليس هو الواقع‪ .‬وينبغي أيضا أن يكون صحيحا أنه بعد‬ ‫أن حتث مس� � ��تويات الغازين نقطة االنهيار يبقى حبس ال ّن َفس‬ ‫أمرا مستحيال حتى تعود مستويات األكسجني وثنائي أكسيد‬ ‫الكرب� � ��ون إلى مس� � ��تواها الطبيعي‪ ،‬ولكن ل� � ��م تثبت صحة هذه‬ ‫الفرضية أيض� � ��ا‪ ،‬وقد الحظ الباحثون ذل� � ��ك منذ أوائل القرن‬ ‫العشرين‪ .‬وفي عام ‪ 1954‬وجد >‪ .S .W‬فالور< [من مايو كلينك]‬ ‫أن� � ��ه بعد حبس النفس ألقصى مدة يكون مبقدور األش� � ��خاص‬ ‫إعادة فعل األمر نفس� � ��ه فورا إذا ما استنش� � ��قوا غازا خانقا‪،‬‬ ‫ورمبا كرروا ذلك مرة ثالثة على الرغم من أن مستوى الغازات‬ ‫في دمائهم يزداد سوءا بصورة متدرجة‪.‬‬ ‫وق� � ��د أثبت املزيد من البحث أن تلك القدرة الفذة على حبس‬ ‫النفــس املتكــرر هي أمر مس� � ��تقل عن عدد مرات االستنش� � ��اق‬ ‫أو الكمية التي ُتس َت ْنش� � ��ق من الغازات اخلانقة‪ .‬وفي عام ‪1974‬‬ ‫أوض� � ��ح >‪ .R .J‬ري� � ��گ< و>‪ .M‬كامب� � ��ل< [من جامعة ماك ماس� � ��تر‬ ‫بكندا] أن هذه القدرة تستمر حتى ولو حاول األشخاص مجرد‬ ‫الشهيق أو الزفير بينما تكون مسالكهم الهوائية مغلقة‪.‬‬ ‫وعندم� � ��ا نضع كل ذلك معا‪ ،‬يتضح أن جميع التجارب التي‬ ‫تتعلق بتكرار مناورات حبس النفس توحي أن احلاجة إلى سحب‬ ‫النفس تتعلق بش� � ��كل ما بالفعل العضلي نفسه وليس بوظائف‬ ‫تبادل الغازات املرتبطة به‪ .‬وعندما يكون الصدر منتفخا بش� � ��دة‬ ‫عضالت‬ ‫ف� � ��إن ميله الطبيعي يكون نحو التراجع ما لم حتتفظ به‬ ‫ُ‬ ‫التنفس الش� � ��هيقية في حالة االنتفاخ‪ .‬لذلك ب� � ��دأ الباحثون في‬ ‫نقطة االنهيار بالبحث عن اإلجابات في أجهزة التحكم العصبي‬ ‫واآللي بعضالت التنفس الش� � ��هيقية‪ .‬وكج� � ��زء من عملهم فإنهم‬ ‫يرغب� � ��ون أيضا معرف َة م� � ��ا إذا كان حبس النفس يتضمن توقفا‬ ‫إراديا لنظم التنفس التلقائي الذي يقود تلك العضالت‪ ،‬أو منعا‬ ‫لعضالت التنفس من أن تُع ِّبر عن هذا النظم اآللي‪.‬‬ ‫جتارب غير قابلة للتكرار‬

‫( )‬

‫ميك� � ��ن القول إن اإليقاع(‪ )1‬الطبيعي يبدأ عندما يرس� � ��ل جذع‬ ‫الدماغ دفع���ات (نبض���ات) ‪ impulses‬إل� � ��ى عضلة احلجاب‬ ‫(‪)3‬‬ ‫احلاجز(‪ )2‬التي تش� � ��به الزبدية عبر العصب�ي�ن احلجابيني‬ ‫ليخبرها ب� � ��أن تتقلص وتنفخ الرئتني‪ ،‬وعندما تتوقف الدفعات‬ ‫فإن احلجاب احلاجز يرتخي ويتضاءل حجم الرئتني‪ .‬وبعبارة‬ ‫‪18‬‬

‫أخ� � ��رى‪ ،‬فإن منطا م� � ��ن الفاعلية العصبية ‪ -‬النظم التنفس� � ��ي‬ ‫املركزي ‪ -‬يعكس دورة أنفاس� � ��نا‪ .‬وعند البشر ليس مبقدورنا‬ ‫من الناحية التقنية واألخالقي� � ��ة أن نقيس هذا اإليقاع (النظم‬ ‫املرك� � ��زي) مباش� � ��رة من األعص� � ��اب احلجابي� � ��ة أو من جذع‬ ‫الدم� � ��اغ‪ ،‬ومع ذلك فقد ابتكر الباحثون طرقا لتس� � ��جيل النظم‬ ‫التنفسي املركزي بصورة غير مباشرة‪ :‬وذلك مبراقبة النشاط‬ ‫الكهربائي في عضلة احلج� � ��اب احلاجز ومراقبة الضغط في‬ ‫املسالك الهوائية أو أي تغييرات في اجلملة العصبية املستقلة‬ ‫مثل نظم ضربات القلب (الذي يعرف باس� � ��م اضطراب النظم‬ ‫اجليبي التنفسي(‪.))4‬‬ ‫واعتمــــــادا عـلى تلــــك القيــــاســات غيــــر املبــــاشـــــرة أظـهـــــر‬ ‫>‪ .E‬إگوس� � ��توني< [من جامعة ميالنو في إيطاليا] عام ‪ 1963‬أنه‬ ‫متكن من كشف نظم تنفس� � ��ي مركزي لدى البشر الذين كانوا‬ ‫يحبس� � ��ون أنفاس� � ��هم وذلك قبل فترة من وصوله� � ��م إلى نقطة‬ ‫االنهيار‪ ،‬وفي جتارب ذات عالقة باملوضوع في جامعة بيرمنگهام‬ ‫ـــت مع الطــالبــــة >‪.E .H‬‬ ‫ُأجــريـــت عــامي ‪ 2003‬و ‪ ،2004‬اســـتخدم ُ‬ ‫كوبر< واختصاصي التخدير >‪ .H .Th‬كالتون‪-‬بروك< اضطراب‬ ‫النظ� � ��م اجليبي التنفس� � ��ي لنبينّ أن اضطراب النظم التنفس� � ��ي‬ ‫املركزي ال يتوقف أبدا‪ :‬وأنه يس� � ��تمر طوال فترة حبس النفس‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬فإن حبس النفس البد أن يتضمن كبح احلجاب احلاجز‬ ‫عن التعبير عن النظم التنفسي املركزي‪ .‬ومن احملتمل أن يكون‬ ‫ذل� � ��ك من خالل انقباض إرادي مس� � ��تمر لتل� � ��ك العضلة‪( .‬يبدو‬ ‫أن العديد من التجارب اس� � ��تبعدت مشاركة العضالت والبنى‬ ‫األخرى في التنفس الطبيعي‪ ).‬إن نقطة االنهيار قد تعتمد باملثل‬ ‫على االرجتاع احلسي املرتد إلى الدماغ من احلجاب احلاجز‬ ‫الذي يعكس مثال مدى متدده أو إرهاقه بالعمل‪.‬‬ ‫وإذا كان األمر كذلك فإن إحداث شلل في احلجاب احلاجز‬ ‫الس� � ��تبعاد االرجتاع احلس� � ��ي إلى الدماغ من ش� � ��أنه أن يتيح‬ ‫لألش� � ��خاص أن يطيلوا فترة حبس أنفاس� � ��هم ج� � ��دا إن لم يكن‬ ‫ذلك إلى أجل غي� � ��ر محدد‪ .‬وكان ذلك هو املتوقع في واحدة من‬ ‫أكث� � ��ر جتارب حبس النفس ترهيبا على اإلطالق‪ ،‬والتي أجراها‬ ‫>كامبل< في مستشفى هامر سميث بلندن في أواخر الستينات‬ ‫وس ِليمان على‬ ‫من القرن العش� � ��رين‪ .‬فقد وافق متطوعان واعيان َ‬ ‫أن ن َّ‬ ‫ُشل مؤقتا جميع عضالتهم الهيكلية باستخدام مادة الكورار‬ ‫‪ curare‬في الوريد ‪ -‬باس� � ��تثناء عضالت أحد الس� � ��اعدين الذي‬ ‫ُيس� � ��تخدم في اإلشارة إلى ما يريدان‪ .‬وأمكن اإلبقاء على هذين‬ ‫متت محاكاة‬ ‫حيني باس� � ��تخدام جهاز تنفس آلي‪ ،‬و ّ‬ ‫الش� � ��خصني ّ‬ ‫( ) ‪UNREPEATABLE EXPERIMENTS‬‬ ‫(‪ rhythm )1‬أو‪ :‬النظم‪.‬‬ ‫(‪diaphragm )2‬‬ ‫(‪two phrenic nerves )3‬‬ ‫(‪respiratory sinus arrhythmia )4‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫حالة العلم‬

‫ما الذي يطلق نقطة االنهيار ؟‬ ‫( )‬

‫إن نقط���ة االنهي���ار هي تلك اللحظة أثناء حبس النفس عندما يصبح من املس���تحيل حلابس النفس أن يقاوم الش���هيق‬ ‫طلب���ا لله���واء‪ .‬إن التدري���ب على حب���س النفس ميكن أن يطي���ل مدته‪ ،‬وكذلك يفع���ل التأمل ‪ meditation‬وإغراق اجلس���م‬ ‫باألكسجني وتخليصه من ثنائي أكسيد الكربون )‪ .(CO2‬واكتشاف السبب الذي يحدد نقطة االنهيار ال يزال أمرا صعبا‬ ‫ومحبطا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد استبعدت األبحاث بعض االحتماالت‪ ،‬كما أن بدايات تفسير ما قد تكون على مرمى البصر‪.‬‬

‫نظريات مت استبعادها‬

‫جذع الدماغ‬

‫املستقبالت الكيميائية لغازات الدم‪ :‬إن البنى احلسية التي‬ ‫تستجيب ملستويات األكسجني في الدم توجد فقط في الشرايني السباتية‬ ‫في البشر‪ .‬أما احملساسات ‪ sensors‬التي تستجيب لثنائي أكسيد الكربون‬ ‫فهي موجودة في الشرايني السباتية وفي جذع الدماغ‪ ،‬وألن مبادلة تلك‬ ‫الغازات أمر رئيس لعملية التنفس‪ ،‬فقد بدت تلك احملساسات كوحدات‬ ‫حتكم منطقية لنقطة االنهيار‪ .‬غير أنها ليست كذلك‪ ،‬فلو كانت تلك مهمتها‬ ‫لكانت التركيزات احلرجة من غازات الدم تتحكم بصورة مطلقة في نقطة‬ ‫االنهيار‪ ،‬األمر الذي بينت التجارب أنه غير صحيح‪.‬‬

‫ ‬

‫الشريان السباتي‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫العصب احلجابي‬ ‫محساسات احلجم في الرئتني‪ :‬إن احملساسات‬ ‫التي تراقب متدد الصدر والرئتني بدت كأنها محددات‬ ‫أخرى محتملة لنقطة االنهيار‪ .‬غير أن التجارب التي‬ ‫قُطعت فيها األعصاب أو ُشلّت‪ ،‬لم يظهر لها أي تأثير‪.‬‬

‫ ‬

‫أفضل نظرية حتى اآلن‬ ‫إشارات عصبية من احلجاب احلاجز إلى الدماغ‪:‬‬

‫احلجاب احلاجز‬ ‫(في حالة االرتخاء)‬ ‫احلجاب احلاجز‬ ‫(في حالة التقلص‪:‬‬ ‫الرئتان ممتلئتان)‬

‫حب� � ��س النفس بإطفاء اآلل� � ��ة‪ ،‬وعينّ الش� � ��خصان نقطة االنهيار‬ ‫باإلشارة إلى رغبتهما في إعادة تشغيل جهاز التنفس‪.‬‬ ‫كانت نتائج التجربة مذهلة‪ ،‬فقد كان املتطوعان س� � ��عيدين‬ ‫بت� � ��رك اجلهاز مطف ًأ مل� � ��دة ال تقل عن أربع دقائ� � ��ق‪ .‬وعند تلك‬ ‫النقطة ّ‬ ‫�رف على التخدير نظرا الرتفاع مس� � ��توى‬ ‫تدخل املش� � � ُ‬

‫توحي معظم األدلة أن عضلة احلجاب احلاجز‪ ،‬التي‬ ‫تتقلص لتمأل الرئتني‪ ،‬ترسل إشارات مزعجة إلى الدماغ عن‬ ‫املدة التي ظلت فيها حابسة للنفس‪ .‬بعد ذلك يوازن الدماغ‪،‬‬ ‫ومن دون وعي‪ ،‬تلك اإلشارات مع االعتبارات األخرى ليحدد‬ ‫ك ّم اإلزعاج الذي ميكن له أن يتحمله‪.‬‬

‫ثنائي أكس� � ��يد الكربون ف� � ��ي دمهما مم� � ��ا يعرضهما للخطر‪،‬‬ ‫وعندما زال أثر الكورار أفاد الش� � ��خصان بأنهما لم يش� � ��عرا‬ ‫بأي انزعاج أو أعراض مؤملة ناشئة عن االختناق‪.‬‬ ‫وألس� � ��باب واضحة فإن تكرار مثل هذه التجربة اجلريئة‬ ‫( ) ?‪What Triggers Break Point‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪19‬‬


‫عالم قائم بذاته‬

‫أكسيد الكربون عن املستوى الطبيعي إال بقدر طفيف‪ .‬وتوحي‬ ‫هذه املالحظات أن هؤالء األشخاص رمبا اختاروا أن ينهوا‬ ‫اختباراتهم مبكرا بس� � ��بب الضيق الناشئ عن أنابيب الهواء‬ ‫الت� � ��ي ُتبقِ ي املزمار مفتوحا (وهي تدابير أمان حديثة لم تكن‬ ‫موجودة في جتربة >كامبل<)‪ ،‬وبسبب زيادة وعيهم بخطورة‬ ‫األمر عل� � ��ى حياتهم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن جت� � ��ارب مماثلة أجراها‬ ‫>‪ .M .I .M‬نوبل< في مختبر ‪ Abe Guz‬مبستش� � ��فى تش� � ��ارينگ‬ ‫كروس في الس� � ��بعينات من القرن العش� � ��رين يبدو أنها تؤكد‬ ‫أن ش� � ��لل احلجاب احلاج� � ��ز يطيل أمد حب� � ��س النفس‪ .‬وقد‬ ‫اس� � ��تخدم >نوبل< وزمالؤه املناورة األقل تهديدا للحياة وهي‬ ‫إحداث ش� � ��لل في احلجاب احلاجز فقط بدال من ش� � � ّ�ل كامل‬ ‫اجلسم‪ ،‬وذلك بتخدير العصبني احلجابيني‪ ،‬وقد ضاعف هذا‬ ‫الفعل متوسط فترة حبس النفس للشخص الواحد وق ّلل من‬ ‫األحاسيس غير املريحة التي تصاحب حبس النفس‪.‬‬

‫أسرار األبطال‬

‫( )‬

‫إن الذي���ن يتفوقون في حب���س النفس يعتمدون عادة على أربعة‬ ‫مبادئ جوهرية‪ .‬فإطالة حبس النفس تس���بب مجازفات خطيرة‬ ‫م���ن فق���د الوعي إلى أذى الدماغ وحتى إلى املوت‪ .‬لذلك يجب أن‬ ‫تكون العناية الطبية دوما في حالة تأهب‪.‬‬ ‫فرط إمالء الرئتني‪ :‬يبالغ بعض الرياضيني في ملء رئاتهم‬ ‫متجاوزين احلد األقصى الطبيعي من خالل أسلوب يعرف باسم الضخ‬ ‫بالفم‪ ،‬وذلك بتحريك قاع الفم بشكل متواتر ليسحب املزيد من الهواء‬ ‫للداخل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الضغوط املرتفعة داخل الرئتني تع ّرض خلطر‬ ‫حدوث صمات(‪ )1‬غازية شريانية ‪ - arterial gas embolism‬وهي فقاعات‬ ‫غازية في الدم ميكن أن تؤذي الدماغ أو الشعيرات الدموية اإلكليلية‪.‬‬ ‫استرخ لتبطئ االستقالب‪ :‬يستهلك االستقالب البشري في وقت‬ ‫الراحة ‪ 0.36‬لتر من األكسجني في الدقيقة‪ ،‬يستطيع الفرد بعد صيام‬ ‫اثنتي عشرة ساعة واالستلقاء متيقظا في هدوء أن يخفض استهالك‬ ‫األكسجني إلى ‪ 0.27‬لتر في الدقيقة‪ ،‬األمر الذي يجعل الهواء في الرئتني‬ ‫كافيا ملدة أطول بنسبة ‪ 33‬في املئة‪.‬‬ ‫استنشق أكسجينا نقيا‪ :‬يحوي الهواء النقي األكسجني بنسبة‬ ‫‪ 21‬في املئة‪ .‬وقد أوضحت التجارب أن استنشاق األكسجني النقي‬ ‫بنسبة ‪ %100‬بإمكانه أن يضاعف مدة حبس النفس‪ ،‬إال أن ذلك يزيد‬ ‫خطر احتمال إصابة مناطق الرئة باالنخساف ‪ collapse‬عندما ينفد فيها‬ ‫األكسجني متاما‪.‬‬

‫التفسير األفضل حاليا‬

‫( )‬

‫فرط التهوية‪ :‬ميكن لفرط التهوية الذي يسبق حبس النفس أن‬ ‫يخفض مستوى ثنائي أكسيد الكربون في الدم الذي أدى حسب بعض‬ ‫الدراسات إلى مضاعفة زمن الوصول إلى نقطة االنهيار‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫قد يكون لفرط التهوية نتائج عكسية‪ :‬ذلك أنه مييل إلى زيادة سرعة‬ ‫استهالك األكسجني وإنتاج ثنائي أكسيد الكربون‪ .‬وفضال عن ذلك‪ ،‬فإنه‬ ‫قد يحد من تزويد الدماغ بالدم ويقلل فاعلية املنعكسات التي حتمي‬ ‫الدماغ من نقص األكسجني‪.‬‬

‫أرقام قياسية‬

‫بارزة ‬

‫‪ 1:00‬دقيقة‬

‫الوقت الذي ميكن لشخص‬ ‫منوذجي أن يحبس نفسه‬ ‫فيه خارج املاء‪.‬‬

‫ ‬

‫‪8:06‬‬

‫>‪ .M‬ستيبانيك<‬ ‫‪ 2001/7/3‬في ميامي‬

‫‪9:04‬‬

‫>‪ .H‬نيتش< ‪2006/12/13‬‬

‫في الغردقة مبصر‬

‫‪10:12‬‬

‫>‪ .T‬سيتاس< ‪2008/6/7‬‬

‫في أثينا باليونان‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪11:35‬‬

‫>‪ .S‬ميفسود< ‪2009/6/8‬‬

‫في الكرو بفرنسا‬

‫ حتققت هذه األرقام أثناء البقاء بال حراك والرأس لألسفل داخل املاء ومن دون استنشاق أكسجني نقي قبل البدء‪.‬‬

‫أمر نادر‪ .‬وقد حاول بعض الباحثني استنساخ نتائج >كامبل‬ ‫ولكنهم فشلوا‪ ،‬غير أن متطوعيهم الشجعان وصلوا إلى نقطة‬ ‫االنهيار بعد برهة قصيرة دون أن يرتفع لديهم مستوى ثنائي‬

‫<‬

‫‪20‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن املوازنة بني األدلة ترجح التخمني بأن تقلصا إراديا‬ ‫مط� � ��وال للحجاب احلاجز يس� � ��بب حبس النف� � ��س بإبقاء الصدر‬ ‫منتفخا‪ ،‬ورمب� � ��ا تعتمد نقطة االنهيار كثي� � ��را على املنبهات التي‬ ‫تص� � ��ل إلى الدماغ من احلجاب احلاج� � ��ز في حالة التقلص غير‬ ‫الطبيعية تلك‪ .‬وأثناء هذا التقلص املطول يس� � ��تقبل الدماغ‪ ،‬رمبا‬ ‫دون وعي تام‪ ،‬اإلش� � ��ارات من احلجاب احلاجز معتبرا إياها في‬ ‫البدء غير مريحة بشكل مبهم ولكنها تصبح غير محتملة بعد ذلك‬ ‫فتسبب نقطة االنهيار‪ ،‬ويستعيد النظم اآللي السيطرة بعد ذلك‪.‬‬ ‫وه� � ��ذه الفرضية ل� � ��م تتبلور متاما بعد‪ ،‬ولكنه� � ��ا تتواءم مع‬ ‫مالحظات >فاولر< (وهي أن إنهاء حبس ال ّن َفس يتم بالضرورة‬ ‫بإرخاء احلجاب احلاجز‪ ،‬وميكِّن من حبس النفس مرة أخرى)‪،‬‬ ‫فض� �ل��ا عن تأثيرات نفخ الرئتني ومنابل���ة(‪ )2‬غازات الدم خالل‬ ‫حبس النفس‪ ،‬فإن ارتخاء احلجاب احلاجز ولو بقدر بس� � ��يط‬ ‫وإخ� � ��راج القليل م� � ��ن الهواء قد يؤخر نقط� � ��ة االنهيار بتخفيف‬ ‫اإلش� � ��ارات الصادرة عن محساس� � ��ات التم� � ��دد في احلجاب‬ ‫احلاجز‪ .‬كما أن رفع مس� � ��توى األكس� � ��جني وخفض مستوى‬ ‫ثنائي أكسيد الكربون في الدم رمبا يطيالن أيضا القدرة على‬ ‫حبس النفس بتقليل املؤشرات الكيميائية على إجهاد احلجاب‬ ‫احلاجز‪ ،‬وأن أي ش� � ��يء من شأنه منع الدماغ من مراقبة مثل‬ ‫هذه املعلومات (مثل إحصار(‪ blocking )3‬األعصاب املوصلة بني‬ ‫احلجاب احلاجز والدماغ) سيطيل هذا األمد‪ .‬إن قدرة الدماغ‬ ‫( ) ‪Secrets of Champions‬‬ ‫( ) ‪CURRENT BEST EXPLANATION‬‬

‫(‪ )1‬مفردها‪ِ :‬صمامة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬منابلة‪ :‬لفظ معرب لكلمة ‪ manipulation‬وتعني معاجلة بارعة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أو‪ :‬إعاقة‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫(التحرير)‬


‫على حتمل مثل تلك اإلش� � ��ارات غير املريحة تعتمد أيضا على‬ ‫مزاجك وحتمسك وقدرتك على أن تنشغل باحلساب الذهني‪.‬‬ ‫يوحد بني‬ ‫وهذه الفرضية هي التفسير األكثر بساطة الذي ّ‬ ‫نتائج التجارب‪ .‬فبعض تلك التجارب استخدم عددا قليال من‬ ‫األف� � ��راد‪ ،‬لذلك ال ميكن اتخاذها أساس� � ��ا لتعميم يع ّول عليه‪،‬‬ ‫كم� � ��ا أن املوافقة األخالقية على إعادة مثل تلك التجارب رمبا‬ ‫ال ميكن احلصول عليه� � ��ا‪ .‬والقطع اجلوهرية ألحجية الصور‬ ‫املقطعة رمبا ال تزال مفقودة‪.‬‬ ‫وفض� �ل��ا عن ذلك‪ ،‬فإن قطعة األحجي� � ��ة التي ما زالت غير‬ ‫موائم� � ��ة متاما تأتي من جت� � ��ارب >نوبل< ومختب� � ��ر ‪Abe Guz‬‬ ‫الدراماتيكي� � ��ة حلبس النف� � ��س (والتي ال ميك� � ��ن إعادتها اآلن‬ ‫ألس� � ��باب أخالقية)‪ .‬فقد ضاعف ه� � ��ذان الباحثان مدة حبس‬ ‫ال ّن َفس ث� �ل��اث مرات عند ثالثة أش� � ��خاص أصح� � ��اء بتخدير‬ ‫طاقمني من األعصاب القحفية (األعصاب املبهمة التي تذهب‬ ‫م� � ��ن الدماغ إلى األعض� � ��اء الصدرية والبطني� � ��ة‪ ،‬واألعصاب‬ ‫اللس� � ��انية البلعومية التي تذهب إلى املزمار واحلنجرة وأجزاء‬ ‫أخ� � ��رى من احللق)‪ .‬ويبدو أن هذه النتيجة قد حتققت من دون‬ ‫التأثي� � ��ر في احلجاب احلاج� � ��ز‪ ،‬فيما عدا احتم� � ��ال أن يكون‬ ‫العصب املبهم ينقل بعض اإلش� � ��ارات من احلجاب احلاجز‪.‬‬ ‫وهن� � ��اك احتمال ضعيف في أن تضم احلنجرة عضلة متورطة‬ ‫في حبس النفس‪ :‬ففي عام ‪ ،1993‬عندما قام >‪ .M‬مندلس� � ��ون<‬ ‫[اجلراح في سيدني بأستراليا] مبشاهدة املزمار (باستخدام‬ ‫كاميرا مثبتة في أحد املنخرين) الحظ أن املزمار بقي مفتوحا‬ ‫طوال فترة حبس النف� � ��س‪ .‬وتدعم هذه املالحظة على ما يبدو‬ ‫احلدس بأن احلجاب احلاجز هو املفتاح‪.‬‬ ‫إنقاذ األرواح‬

‫( )‬

‫إن الفه� � ��م األفضل ملدى قدرة الناس على حبس أنفاس� � ��هم له‬ ‫اس� � ��تخداماته في مجال الطب‪ .‬فقد يتضمن عالج س� � ��رطان‬ ‫الث� � ��دي مثال إعط� � ��اء املرضى معاجلة إش� � ��عاعية الهدف منها‬ ‫إيصال جرعة مميتة لكامل الورم دون إبداء النس� � ��ج السليمة‬ ‫احمليطة به‪ ،‬ويتطلب ذلك دقائق من التعرض لإلش� � ��عاع يتعني‬ ‫عل� � ��ى املريضة خالله� � ��ا أن حتاول إبق� � ��اء صدرها بال حراك‪،‬‬ ‫وألن حبس النفس هذه املدة الطويلة غير عملي‪ ،‬فإن املمارسة‬ ‫احلالية تس� � ��تخدم دفعات صغيرة من اإلشعاع مؤقت ًة لتصل‬ ‫ما ب� �ي��ن َن َفس املريضة عندما تك� � ��ون حركة صدرها في أدنى‬ ‫درجاتها‪ ،‬وم� � ��ع ذلك يتحرك الصدر م� � ��ع كل َن َفس وال يرجع‬ ‫بدأت اآلن مع‬ ‫بالضرورة متاما إلى موضعه الس� � ��ابق‪ .‬وق� � ��د ُ‬ ‫الفيزيائي الطبي >‪ .S‬كرين< واختصاصي األورام >‪ .A‬ستيڤنز<‬ ‫واختصاصي التخدير >كالتون‪-‬بروك< بإجراء جتارب (ممولة‬

‫من مستش� � ��فى بيرمنگهام تشارتيز اجلامعي) الختبار ما إذا‬ ‫كان م� � ��ن املمك� � ��ن أن نطيل حبس النفس مدة كافية ملس� � ��اعدة‬ ‫املداواة باملعاجلة اإلشعاعية‪.‬‬ ‫إن فهم� � ��ا عملي� � ��ا حلب� � ��س النفس رمب� � ��ا تكون ل� � ��ه قيمته‬ ‫لألش� � ��خاص الذين ُين ّفذون القانون عندما يعتقلون املش� � ��تبه‬ ‫به� � ��م بالقوة‪ .‬ففي كل عام‪ ،‬وفي جميع أنحاء العالم قد ميوت‬ ‫بع� � ��ض األش� � ��خاص املعتقلني بش� � ��كل غير مقص� � ��ود‪ .‬فرفع‬ ‫معدالت االس� � ��تقالب وخفض مستوى األكس� � ��جني في الدم‬ ‫ورفع مس� � ��توى ثنائي أكس� � ��يد الكربون في الدم كلها ُت ِنقص‬ ‫مدة حبس النفس لدى الشخص‪ ،‬وهكذا فإن الشخص الثائر‬ ‫أو الذي يتعارك مع اآلخر أو الذي نريد أن جنبره على البقاء‬ ‫منبطح� � ��ا على األرض يحتاج إلى أن يجذب نفس� � ��ا في وقت‬ ‫أبكر من الشخص املسترخي‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،2000‬درس >‪ .R .A‬كيومن< وفريقه من مستش� � ��فى‬ ‫تشارينگ كروس ما حدث بعدما أطلق ثمانية أشخاص زفرات‬ ‫إلى احلد األقصى ثم حبس� � ��وا أنفاس� � ��هم بعد ركوب دراجات‬ ‫بس� � ��رعة متوسطة ملدة دقيقة واحدة‪ :‬فقد انخفضت مدة حبس‬ ‫أنفاس� � ��هم إلى خمس عشرة ثانية وانخفض املستوى املتوسط‬ ‫لألكس� � ��جني في دمائهم بدرجة كبيرة‪ ،‬وظهر لدى اثنني منهم‬ ‫عدم انتظام في ضربات القلب‪ .‬وقد استنتج الباحثون من ذلك‬ ‫أن وقت التنفس ملدة قصيرة أثناء االعتقال بالقوة رمبا يفسر‬ ‫حاالت الوفاة حتت هذه الظروف‪ ،‬وقد وضعت س� � ��لطات تنفيذ‬ ‫القانون بعناي� � ��ة مبادئ توجيهية الس� � ��تخدامها عند االعتقال‬ ‫بالقوة‪ ،‬وينبغي اتباع هذه املبادئ بدقة‪.‬‬ ‫الباب‬ ‫وتفتح مثل هذه االستقصاءات اخلاصة بحبس النفس َ‬ ‫على مجاالت حيوية من الفيزيولوجيا البش� � ��رية‪ ،‬ومن الواضح‬ ‫أن املزيد من االكتشافات الرائدة‪ ،‬وبخاصة ما يتعلق باحلجاب‬ ‫احلاجز نفسه‪ ،‬ستبقى في املقدمة‪ ،‬األمر الذي سيترك بعضنا‬ ‫>‬ ‫مبهورا بهذه االكتشافات‪.‬‬ ‫( ) ‪SAVING LIVES‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Diaphragm Activity during Breath Holding: Factors Related to Its Onset. E. Agostoni in‬‬ ‫‪Journal of Applied Physiology, Vol. 18, No. 1, pages 30–36; 1963.‬‬ ‫‪Behavioural and Arousal-Related Influences on Breathing in Humans. S. A. Shea in Ex‬‬‫‪perimental Physiology, Vol. 81, No. 1, pages 1–26; 1996.‬‬ ‫‪CO2-Dependent Components of Sinus Arrhythmia from the Start of Breath Holding in‬‬ ‫‪Humans. H. E. ­Cooper, M. J. Parkes and T. H. Clutton-Brock in American Journal of Phys‬‬‫‪iology—Heart and Circulatory Physiology, Vol. 285, No. 2, pages H841–H848; 2003.‬‬ ‫­‪Contribution of the Respiratory Rhythm to Sinus Arrhythmia in Normal Un­an­es­the‬‬ ‫‪tized Subjects during Positive-Pressure Mechanical Hyperventilation. H. E. ­Cooper,‬‬ ‫‪T. H. Clutton-Brock and M. J. Parkes in American Journal of Physiology—Heart and Cir‬‬‫‪culatory Physiology, Vol. 286, No. 1, pages H402–H411; 2004.‬‬ ‫‪Breath-Holding and Its Breakpoint. Michael J. Parkes in Experimental Physiology, Vol.‬‬ ‫‪91, No. 1, pages 1–15; 2006.‬‬

‫‪Scientific American, April 2012‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪21‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫مشروع الدماغ البشري‬

‫( )‬

‫إن بناء محاكاة رقمية واسعة للدماغ ميكن أن يغير مجرى العلوم‬ ‫الطبية والعصبية‪ ،‬وأن ُيظهر طرائق جديدة لصناعة حواسيب أكثر قدرة‪.‬‬ ‫>‪ .H‬ماركرام<‬

‫حان الوقت لتغيير طريقة دراستنا للدماغ‪.‬‬

‫لقد حققنا بفضل البيولوجيا االختزالية‬

‫‪ - reductionist biology‬وهي علم يفحص‬ ‫كال من أجزاء الدماغ والدارات العصبية‬ ‫واجلزيئات عل� � ��ى انفراد ‪ -‬تقدما كبيرا‪،‬‬ ‫ومع ذلك فهي ال تستطيع وحدها تفسير‬ ‫طرائ� � ��ق عمل دم� � ��اغ اإلنس� � ��ان‪ :‬معالج‬ ‫املعلوم� � ��ات القابع ضمن جمجمتنا الذي‬ ‫ال مثي� � ��ل له بهذا الكون‪ .‬فعلينا أن جنمع‬ ‫ب� �ي��ن التجمي� � ��ع واالختزال‪ ،‬وب� �ي��ن البناء‬ ‫والتفكي� � ��ك‪ .‬ولكي نقوم بذلك‪ ،‬نحتاج إلى‬ ‫(‪)1‬‬ ‫منط تفكير جديد (باراديگما جديدة)‬ ‫يدمج التحلي� � ��ل والتركيب معا‪ .‬وقد كتب‬ ‫الفيلسوف الفرنس� � ��ي >‪ .R‬ديكارت<‪ ،‬أبو‬ ‫االختزالي���ة ‪ ,reductionism‬عن احلاجة‬ ‫إل� � ��ى حتري األجزاء‪ ،‬ثم جتميعها إلعادة‬ ‫إنشاء الكيان الكامل‪.‬‬ ‫باختصار‬ ‫سوف توفر احملاكاة احلاسوبية للتصوير‬ ‫الرقمي أكبر إمكانية عرفها في تاريخه في‬ ‫مجال توصيف طرق عمل دماغ اإلنسان‪.‬‬ ‫فبحل� � ��ول عام ‪ ،2020‬قد يك� � ��ون الدماغ‬ ‫الرقم� � ��ي قادرا عل� � ��ى متثيل ط� � ��رق العمل‬ ‫الداخل� � ��ي خللي� � ��ة دماغية وحي� � ��دة أو حتى‬ ‫لكامل الدماغ‪.‬‬ ‫وميكن أن يعم� � ��ل دماغ احملاكاة (دماغ‬ ‫الس� � ��يم ‪ )sim‬كبديل عن الدماغ احلقيقي‪،‬‬ ‫ومن ثم يسهم في نشوء فهم جديد للتوحد‪،‬‬ ‫أو يتيح إجراء جتارب دوائية افتراضية‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫إن جتميع م� � ��ا لدينا البتكار محاكاة‬ ‫تام� � ��ة لدماغ اإلنس� � ��ان ه� � ��و الهدف من‬ ‫مشروع جار اآلن غايته تشكيل أداة علمية‬ ‫جديدة خارقة‪ ،‬ال ش� � ��يء يشبهها متاما‬ ‫حت� � ��ى اآلن‪ ،‬لكننا بدأنا نبنيها‪ .‬والطريقة‬ ‫الوحيدة لتخيل هذه األداة هي بتشبيهها‬ ‫بأق� � ��وى ُم ٍ‬ ‫حاك للطيران بني حتى اآلن ‪-‬‬ ‫والف� � ��رق الوحيد هو أنه بدال من محاكاة‬ ‫الطيران في الفضاء‪ ،‬س � � �ـتكون احملاكاة‬ ‫لرحلـة عبر الدماغ‪ .‬وسوف يشتغل هذا‬ ‫«الدم���اغ االفتراضي(‪ »)2‬في حواس� � ��يب‬ ‫عمالق� � ��ة تتضمن جمي� � ��ع البيانات التي‬ ‫ولدتها العلوم العصبية حتى اآلن‪.‬‬ ‫سيش� � ��كل الدماغ الرقم���ي(‪ )3‬موردا‬ ‫للمجتمع العلمي كله‪ :‬سيحجزه الباحثون‬ ‫مدة زمنية معينة ‪ -‬ش� � ��أنه في ذلك شأن‬ ‫أكبر التلس� � ��كوبات ‪ -‬إلج� � ��راء جتاربهم‬ ‫عليه‪ .‬سيس� � ��تعملونه الختب� � ��ار نظريات‬ ‫تتعل� � ��ق بكيفية عمل دماغ اإلنس� � ��ان في‬ ‫حالت� � ��ي الصحة واملرض‪ .‬وس� � ��يوظفونه‬ ‫ملس� � ��اعدتهم‪ ،‬لي� � ��س فق� � ��ط ف� � ��ي تطوير‬ ‫اختبارات تشخيصية جديدة للتوحد أو‬ ‫الفصام وإمنا أيضا في تطوير عالجات‬ ‫جدي� � ��دة لالكتئ� � ��اب وداء ألزهامي� � ��ر‪ .‬إن‬ ‫خط���ة تش���بيك(‪ )4‬عش� � ��رات التريليونات‬ ‫م� � ��ن الدارات العصبية س� � ��تلهم تصميم‬ ‫احلواسيب الشبيهة بالدماغ واإلنساالت‬ ‫الذكي���ة(‪ .)5‬وباختص� � ��ار‪ ،‬س� � ��تغير هذه‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫اخلطة مجرى العل� � ��وم العصبية والطب‬ ‫وتقانة املعلومات‪.‬‬ ‫دماغ في صندوق‬

‫( )‬

‫م� � ��ع نهاي� � ��ة ه� � ��ذا العقد‪ ،‬رمبا س� � ��يكون‬ ‫العلم� � ��اء قادرين على االنطالق باحملاكاة‬ ‫األولى لدماغ اإلنسان‪ ،‬حيث احلواسيب‬ ‫العمالق� � ��ة قادرة مبا يكف� � ��ي لدعم العدد‬ ‫الهائ� � ��ل م� � ��ن احلس� � ��ابات املطلوبة‪ .‬ولن‬ ‫تتطلب أداة احملاكاة أن يتم الكشف عن‬ ‫ألغ� � ��از الدماغ كلها ف� � ��ي بداية األمر؛ بل‬ ‫إنها ستشكل اإلطار الهيكلي لتوطني ما‬ ‫نعرفه‪ ،‬ومتكننا في الوقت نفسه من التنبؤ‬ ‫مبا ال نعرفه‪ .‬وستحدد لنا هذه التنبؤات‬ ‫بدورها األهداف التي علينا أن نسعى إلى‬ ‫حتقيقها في جتاربنا املس� � ��تقبلية لتجنب‬ ‫إضاع� � ��ة اجلهود‪ .‬وس� � ��نضافر املعارف‬ ‫التي ننتجها مع املعارف املتوفرة‪ ،‬فتمتلئ‬ ‫«الثغ� � ��رات» املوجودة في اإلطار الهيكلي‬ ‫بالتفصي� �ل��ات الواقعي� � ��ة املتزايدة حتى‬ ‫منتلك في نهاية املطاف‪ ،‬منوذجا موحدا‬ ‫للدم� � ��اغ قابال للعمل – وهو منوذج يعيد‬ ‫إنتاج الدماغ بدقة‪ ،‬من أعلى مستوياته ‪-‬‬ ‫مستوى الدماغ الكامل ‪ -‬إلى أدناها ‪-‬‬ ‫( ) ‪THE HUMAN BRAIN PROJECT‬‬ ‫( ) ‪BRAIN IN A BOX‬‬ ‫(‪new paradigm )1‬‬ ‫(‪virtual brain )2‬‬ ‫(‪digital brain )3‬‬ ‫(‪wiring plan )4‬‬ ‫(‪intelligent robots )5‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Henry Markram‬‬

‫هو مدي� � ��ر مش���روع الدم���اغ األزرق‬ ‫مبعه� � ��د التقانة االحتادي السويس� � ��ري في لوزان‪ .‬وقد‬ ‫أجنز عمال كبيرا ش� � ��امال حول كيفية ارتباط النورونات‬ ‫فيما بينها وتواصلها وتعلمها‪ ،‬واكتش� � ��ف أيضا مبادئ‬ ‫أساس� � ��ية في بالس���تية ‪ plasticity‬الدماغ‪ ،‬وشارك في‬ ‫اكتشاف نظرية التوحد في عالَم حاد النشاط والنظرية‬ ‫املتعلق� � ��ة بالكيفي� � ��ة التي يج� � ��ري بها الدم� � ��اغ عملياته‬ ‫احلسابية وهو سائل دائم االضطراب‪.‬‬

‫‪Blue Brain Project‬‬

‫مستوى اجلزيئات‪.‬‬ ‫إن بناء هذه األداة هو ما يرمي إليه‬ ‫مشروع الدماغ البشري )‪ ،)1((HBP‬وهو‬ ‫مبادرة تضم نحو ‪ 130‬جامعة من جميع‬ ‫أنحاء العالم‪ .‬وهذا املش� � ��روع هو واحد‬ ‫من ستة مش� � ��اريع تتنافس على جائزة‬ ‫براق� � ��ة تص� � ��ل قيمتها إلى بلي� � ��ون يورو‬ ‫مينحه� � ��ا االحتاد األوروب� � ��ي على مدى‬ ‫عش� � ��ر س� � ��نوات لكل م� � ��ن فائزين اثنني‬ ‫سيعلن عنهما في الشهر ‪.2013/2‬‬ ‫إننا نحتاج إلى احملاكي لسببني على‬ ‫األقل‪ .‬يتعلق أولهما بأمراض الدماغ التي‬ ‫تصيب‪ ،‬في أوروب� � ��ا وحدها‪ 180 ،‬مليون‬ ‫شخص‪ ،‬أو واحدا من كل ثالثة أشخاص‬ ‫تقريب� � ��ا ‪ -‬وهو عدد مرش� � ��ح لالزدياد مع‬ ‫زيادة أعمار الس� � ��كان‪ .‬وفي الوقت ذاته‪،‬‬ ‫ال تستثمر شركات األدوية في املعاجلات‬ ‫اجلديدة ألمراض اجلهاز العصبي‪ .‬ولعل‬ ‫النظرة الشمولية للدماغ متكننا من إعادة‬ ‫تصني� � ��ف مثل ه� � ��ذه األم� � ��راض بتعابير‬ ‫بيولوجية بدال من النظر إليها ‪ -‬ببساطة ‪-‬‬ ‫كمجموعات من األعراض‪ .‬والتوس� � ��ع في‬ ‫هذا املنظور قد يس� � ��مح لنا باملضي قدما‬ ‫نح� � ��و تطوير جي� � ��ل من املعاجل� � ��ات التي‬ ‫تستهدف انتقائيا الش� � ��ذوذات التي ُترد‬ ‫إليها هذه األمراض‪.‬‬ ‫ويع� � ��ود الس� � ��بب الثان� � ��ي إل� � ��ى أن‬

‫اس� � ��تخدام عمليات احلوسبة سيصطدم‬ ‫سريعا بعوائق متنع املزيد من التطوير‪.‬‬ ‫فاحلواسيب ال تس� � ��تطيع القيام بالعديد‬ ‫من املهام التي تقوم بها األدمغة احليوانية‬ ‫بسهولة‪ ،‬على الرغم من الزيادة املطردة‬ ‫في قدرة املعاجلة‪ .‬فعلى س� � ��بيل املثال‪،‬‬ ‫وعل� � ��ى الرغم من أن علماء احلاس� � ��وب‬ ‫أح� � ��رزوا تقدما هائال في مجال التعرف‬ ‫البص� � ��ري‪ ،‬فإن ه� � ��ذه املكن� � ��ات ال تزال‬ ‫تكافح للتمكن من اس� � ��تخدام الس� � ��ياق‬ ‫في املشهد‪ ،‬أو استخدام نتف اعتباطية‬ ‫من املعلومات لتوقع األحداث املستقبلية‬ ‫بالطريقة التي يستطيعها الدماغ‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬وألن احلواس� � ��يب‬ ‫األعل� � ��ى ق� � ��درة تتطلب طاق� � ��ة أكثر‪ ،‬فإن‬ ‫تزويدها مبا حتتاجه س� � ��يغدو أمرا غير‬ ‫عمل� � ��ي يوما م� � ��ا‪ .‬إن أداء احلواس� � ��يب‬ ‫العمالقة اليوم محسوب بالبيتافلوبات‬ ‫‪ - petaflops‬كوادريليونات ‪quadrillions‬‬ ‫من العمليات املنطقي� � ��ة بالثانية‪ .‬واجليل‬ ‫القادم‪ ،‬نحو عام ‪ ،2020‬س� � ��يكون أسرع‬ ‫‪ 1000‬مرة ومحس� � ��وبا باإليكسافلوبات‬ ‫‪ - exaflops‬كوينتيليونات ‪quintillions‬‬ ‫من العملي� � ��ات بالثانية‪ .‬ومن احملتمل أن‬ ‫تس� � ��تهلك أول مكنة من مقاس اإليكسا‬ ‫أي ما‬ ‫وحده� � ��ا‪ ،‬نح� � ��و ‪ 20‬ميغاواط� � ��ا‪ْ ،‬‬ ‫يقارب متطلبات بلدة صغيرة من الطاقة‬ ‫في الش� � ��تاء‪ .‬وإلنتاج حواسيب بقدرات‬ ‫متزايدة‪ ،‬ميكنها القيام ببعض األش� � ��ياء‬ ‫البس� � ��يطة‪ ،‬لكن املفيدة‪ ،‬التي يس� � ��تطيع‬ ‫البش� � ��ر القيام بها‪ ،‬وبطريقة ذات مردود‬ ‫اقتصادي في اس� � ��تهالك الطاقة‪ ،‬فإننا‬ ‫نحتاج إلى استراتيجية جديدة جذريا‪.‬‬ ‫وم� � ��ن اجلدير بن� � ��ا أن نس� � ��تلهم من‬ ‫الدماغ البش� � ��ري‪ ،‬الذي ينجز سلس� � ��لة‬ ‫من الوظائف الذكي� � ��ة بطاقة ال تتعدى ‪20‬‬ ‫واطا ‪ -‬وهي أقل مبلي� � ��ون مرة من مكنة‬ ‫اإليكسا‪ ،‬وتعادل ما يحتاج إليه مصباح‬ ‫ضوئي ضعيف‪ .‬ومن أجل ذلك‪ ،‬علينا أن‬ ‫نفهم نظام الدماغ املتعدد املستويات؛ من‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫اجلينات إلى السلوك‪ .‬فاملعارف متوفرة‪،‬‬ ‫ولكن علينا جمعها سوية ‪ -‬وآلتنا ستمدنا‬ ‫باألرضية الالزمة لهذه العملية‪.‬‬ ‫يقول املنتقدون إن الهدف املبتغى من‬ ‫منذجة دماغ اإلنس� � ��ان ال ميكن بلوغه؛‬ ‫وأح� � ��د اعتراضاتهم الرئيس� � ��ة يبررونه‬ ‫باس� � ��تحالة إعادة إنتاج نظام االتصال‬ ‫املس� � � َّ�ير ملئ� � ��ة تريليون مش� � ��بك عصبي‬ ‫دماغي‪ ،‬ألننا ال نس� � ��تطيع قياسها‪ .‬إنهم‬ ‫محقون بأننا ال نس� � ��تطيع قياس شبكة‬ ‫االرتباطات هذه كلها‪ ،‬ونحن لس� � ��نا في‬ ‫وارد قياس� � ��ها كلها‪ ،‬بل جزء منها على‬ ‫األقل‪ .‬وما نس� � ��عى إليه هو إعادة إنتاج‬ ‫ما ال يحصى من االرتباطات بني خاليا‬ ‫الدماغ بوسائل مختلفة‪.‬‬ ‫إن مفتاح مقاربتنا هو وضع مخطط‬ ‫هندس� � ��ي تفصيلي دقيق لبنية الدماغ‪:‬‬ ‫أوال‪ ،‬مجموع� � ��ة القواع� � ��د الت� � ��ي وجهت‬ ‫بناء الدماغ عب� � ��ر مراحل تطور النوع‬ ‫‪evolution‬؛ وثاني� � ��ا‪ ،‬تل� � ��ك الت� � ��ي توجه‬ ‫التطور في اجلنني‪ .‬ومتثل تلك القواعد‪،‬‬ ‫نظري� � ��ا‪ ،‬جميع املعلوم� � ��ات التي نحتاج‬ ‫إليه� � ��ا لبدء بناء دماغ‪ .‬واملش� � ��ككون في‬ ‫ذلك محق� � ��ون‪ :‬فالطريقة التي يطرحونها‬ ‫معقدة إل� � ��ى درجة تثي� � ��ر الرعب وتثبط‬ ‫(‪the Human Brain Project )1‬‬

‫‪23‬‬


‫قوة اإليكسافلوب‬

‫‪EXAFLOP‬‬

‫نبن� � ��ي ما نصطلح عليه اس� � ��م‬

‫حاسوب إضافي = دماغ إضافي‬

‫( )‬

‫مع زيادة قوة احلاس����وب س����تنمو القدرة على محاكاة الدماغ بتفصيل يكفي إلجراء أبحاث علمية حيوية‪.‬‬ ‫والنس����خة الرقمية لقطعة أس����طوانية من نسيج ِ‬ ‫القش����رة الدماغية جلرذ صارت حقيقة واقعة في عام‬ ‫عندم����ا أصبح����ت الس����رعة تقاس بالتيرافلوبات‪ .‬ومبا أن س����رعة احلوس����بة في ارتفاع إل����ى مقياس البيتا‬ ‫واإلكسا‪ ،‬فإن املشروع ‪ HBP‬يضع في حسبانه محاكاة الدماغ الكامل لفأر‪ ،‬وللنوع ذاته الذي وضع النظرية‬ ‫النسبية العامة لـ >ه ْملتْ < و>أينشتاين<‪.‬‬

‫‪2008‬‬

‫‪2023‬‬ ‫دماغ إنسان‬ ‫كامل (‪1000‬‬ ‫ضعف من‬ ‫دماغ قارض)‬

‫‪2011‬‬ ‫دارة قشرية‬ ‫دماغية متوسطة ‪2008‬‬ ‫(‪ 100‬عمود قشرة عمود في القشرة‬ ‫دماغية حديثة) الدماغية احلديثة‬ ‫(‪ 10 000‬نورون)‬ ‫‪2014‬‬ ‫دماغ قارض‬ ‫كامل (‪100‬‬ ‫دارة متوسطة)‬

‫ذاكرة احلوسبة‬ ‫إيكسابايت (‪ 1018‬بايت)‬ ‫بيتابايت (‪ 1015‬بايت)‬ ‫‪2005‬‬ ‫منوذج‬ ‫نورون‬ ‫وحيد‬

‫تيرابايت (‪ 1012‬بايت)‬ ‫گيگابايت‬

‫(‪109‬‬

‫بايت)‬

‫وحدة‬ ‫مناذج احلاس���وب ُ‬ ‫الـم ِّ‬

‫‪- unifying computer models‬‬ ‫وهي من� � ��اذج تدمج فيها جميع‬ ‫البيان� � ��ات والفرضيات احلالية‬ ‫املتعلقة ب� � ��دارة دماغية معينة‪،‬‬ ‫وتس� � ��وي ف� � ��ي الوقت نفس� � ��ه‬ ‫التعارضات في تلك املعلومات‪،‬‬ ‫وتبرز املجاالت التي نفتقر فيها‬ ‫إلى املعرفة‪.‬‬ ‫بيولوجيا التركيب املزجي‬

‫( )‬

‫على الصعي� � ��د االختباري‪ ،‬لقد‬ ‫ميگابايت (‪ 106‬بايت)‬ ‫موحــــد‬ ‫بدأنــ� � ��ا ببنـــــاء من� � ��وذج ّ‬ ‫إيكسافلوب (‪ 1018‬فلوب) بيتافلوب (‪ 1015‬فلوب) تيرافلوب (‪ 1012‬فلوب) گيگافلوب (‪ 109‬فلوب)‬ ‫لبنيـ� � ��ة الدمــــــ� � ��اغ املعروفــــ� � ��ة‬ ‫سرعة احلوسبة (بالفلوبات)‬ ‫باسم عمود القشرة الدماغية‬ ‫‪ ،cortical column‬وه� � ��ي بني� � ��ة‬ ‫الهمم‪ ،‬وتتطلب ‪ -‬بالتالي ‪ -‬حواس� � ��يب ألنواع النورونات املختلفة وأعدنا بناء مكافئة ملعالج في حاس� � ��وبك احملمول‪.‬‬ ‫عمالق� � ��ة لإلحاطة بالدم� � ��اغ‪ .‬ولكن حل املئ� � ��ات منها رقميا باألبع� � ��اد الثالثية‪ .‬ولتمثي� � ��ل ذلك مجازا‪ ،‬ميكنك أن تتخيل‬ ‫لغ� � ��ز القواعد ذاتها هو مش� � ��كلة ميكن وباستخدام طريقة دقيقة تدعى تثبيت أن� � ��ك إذا قم� � ��ت بغرز ن���ازع ل���ب تفاح‬ ‫التعامل معه� � ��ا بصورة أيس� � ��ر بكثير‪ .‬الرقع���ة ‪ ،patch clamping‬وهي طريقة ‪ apple corer‬صغي� � ��ر جدا عبر قش� � ��رة‬ ‫وس� � � َ�ح ْب َت جزءا من نس� � ��يجها‬ ‫فإذا تس� � ��نى لنا ذلك‪ ،‬فل� � ��ن يكون هناك تتضمن وض� � ��ع رأس ماصة زجاجية تفاح� � ��ة َ‬ ‫سبب منطقي مينعنا من تطبيق املخطط ميكروسكوبية (مجهرية) مقابل غشاء على شكل أس� � ��طوانة يبلغ قطرها نحو‬ ‫التفصيلي بالطريقة ذاتها التي ُم ِ‬ ‫ور َس ْت اخللية لقي� � ��اس الڤولطية عب� � ��ر قنواته ‪ 0.5‬مم وارتفاعه� � ��ا ‪ 1.5‬مم‪ ،‬ف� � ��إن هذه‬ ‫في البيولوجيا‪ ،‬وقادت إلى بناء الدماغ األيوني� � ��ة‪ ،‬متكن� � ��ا أيضا من تس� � ��جيل األس� � ��طوانة هي ذل� � ��ك العمود‪ .‬وضمن‬ ‫اخلصائص الكهربائية للنورونات‪.‬‬ ‫االفتراضي ”‪.“in silico brain‬‬ ‫لب النسيج ذاك‪ ،‬س� � ��تجد شبكة كثيفة‬ ‫إن ن� � ��وع القواع� � ��د الت� � ��ي نتحدث‬ ‫ف� � ��ي ع� � ��ام ‪ 2005‬احتاج� � ��ت منذجة جدا تش� � ��مل بضع عشرات اآلالف من‬ ‫عنه� � ��ا هي تل� � ��ك التي تدي� � ��ر اجلينات ن� � ��ورون وحي� � ��د إلى حاس� � ��وب ضخم اخلاليا‪ .‬والعمود القشري هو جتسيد‬ ‫املس� � ��ؤولة عن نش� � ��وء أنواع اخلاليا ومش� � ��روع دكتوراه ملدة ثالث سنوات‪ .‬لذلك التصميم البارع لعنصر معاجلة‬ ‫املوجودة ف� � ��ي الدم� � ��اغ‪ ،‬وعن اخلطة بي� � ��د أن� � ��ه كان واضحا ب� � ��أن األهداف املعلومات الذي ما أن أظهر تطور النوع‬ ‫التي تت� � ��وزع مبوجبها تل� � ��ك اخلاليا األكثر طموحا س� � ��تصبح قابلة للتحقق صيغته‪ ،‬حتى بات يستخدم وصفة هذه‬ ‫وتترابط فيما بينه� � ��ا‪ .‬نحن نعرف أن قريبا‪ ،‬وبأنه ميكننا منذجة عناصر أكثر الصيغة مرارا وتكرارا إلى أن امتألت‬ ‫مثل ه� � ��ذه القواع� � ��د موج� � ��ودة‪ ،‬ألننا م� � ��ن مجموعة دارات الدماغ‪ ،‬حتى ولو اجلمجمة كلها‪ ،‬فكان البد للقش� � ��رة أن‬ ‫اكتش� � ��فنا بعضه� � ��ا بينم� � ��ا كنا نضع كان� � ��ت معرفتنا بتلك العناصر ناقصة‪ .‬تتط َّوى على نفس� � ��ها لتكوين املزيد من‬ ‫األساس للمش� � ��روع ‪ .HBP‬لقد بدأنا وفي معهد العقل والدماغ ‪ Brain Mind‬املس� � ��احات‪ ،‬وهذا ما أدى إلى نش� � ��وء‬ ‫هذا العمل قبل نحو ‪ 20‬س� � ��نة بقياس ‪ ،Institute‬مبعه� � ��د التقان� � ��ة االحتادي دماغك امللفف(‪.)1‬‬ ‫يخت� � ��رق العمود القش� � ��ري الطبقات‬ ‫خصائص النورون� � ��ات (العصبونات) السويس� � ��ري في ل� � ��وزان‪ ،‬أطلقنا أحد‬ ‫إفراديا‪ .‬وجمعن� � ��ا كميات ضخمة من أس� �ل��اف املش� � ��روع ‪ ،HBP‬حتت اسم‬ ‫( ) ‪More Computer = More Brain‬‬ ‫( ) ‪ SYNTHESIS BIOLOGY‬أو بيولوجيا تخليق‪.‬‬ ‫البيانات حول اخلصائص الهندس� � ��ية «مش� � ��روع الدماغ األزرق»‪ .‬وس� � ��وف‬ ‫(‪convoluted brain )1‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫العمودية الس� � ��ت للقش���رة (الدماغية)‬ ‫احلديثة(‪ )1‬التي تش� � ��كل طبقة القش� � ��رة‬

‫اخلارجي� � ��ة‪ .‬أما الوصالت العصبية بني‬ ‫ذل� � ��ك العمود وبني س� � ��ائر الدماغ‪ ،‬فهي‬ ‫منظمة بش� � ��كل مختلف ف� � ��ي كل طبقة‪.‬‬ ‫ويش� � ��به تنظي� � ��م هذه الوص� �ل��ات طريقة‬ ‫تخصي� � ��ص املكاملات الهاتفي� � ��ة بعناوين‬ ‫رقمية وحتدي� � ��د مس� � ��اراتها عبر مركز‬ ‫(س� � ��نترال) الهات� � ��ف‪ .‬وتس� � ��تقر بضع‬ ‫مئات م� � ��ن أنواع النورونات في العمود‪،‬‬ ‫وباستخدام حاس� � ��وبنا العمالق اجلني‬ ‫األزرق للش���ركة ‪ ،)2(IBM‬دمجنا جميع‬ ‫املعلومات املتوفرة حول كيف متتزج تلك‬ ‫األنواع كلها في كل طبقة حتى حصلنا‬ ‫على «وصفة» للعمود(‪ )3‬في جرذ وليد‪.‬‬ ‫كما أعطينا التعليمات للحاسوب بالسماح‬ ‫للنورون� � ��ات االفتراضي� � ��ة بالترابط فيما‬ ‫بينها مبختلف الطرق التي تس� � ��تخدمها‬ ‫النورونات احلقيقية ‪ -‬وليس بغيرها من‬ ‫الطرق‪ .‬ولقد احتجنا إلى ثالث سنوات‬ ‫لوض� � ��ع تلك البرمجيات التي س� � ��محت‬ ‫لن� � ��ا بدورها ببناء ه� � ��ذا النموذج املوحد‬ ‫األول للعم� � ��ود‪ .‬وقد اس� � ��تطعنا بفضله‬ ‫أن نبره� � ��ن‪ ،‬أوال‪ ،‬على صحة مفهوم ما‬ ‫نسميه بيولوجيا التركيب املزجي ‪ -‬أي‬ ‫محاكاة الدماغ باستخدام مختلف أنواع‬ ‫املعرفة البيولوجية ‪ -‬وأثبتنا‪ ،‬ثانيا‪ ،‬كيف‬ ‫ميكن اس� � ��تخدامه كطريقة جديدة عملية‬ ‫ومبتكرة إلجراء األبحاث‪.‬‬ ‫ف� � ��ي ذاك الوق� � ��ت كان لدينا منوذج‬ ‫س���كوني(‪ - static )4‬يكافِ � � ��ئ عمودا في‬ ‫دماغ دخ� � ��ل ف� � ��ي غيبوب� � ��ة‪ .‬وملعرفة ما‬ ‫إذا كان س� � ��يتصرف كعم� � ��ود حقيقي‪،‬‬ ‫ول� � ��و أنه عمود واحد معزول عن س� � ��ائر‬ ‫الدماغ في ش� � ��ريحة من نس� � ��يج دماغي‬ ‫حي‪َ ،‬ع ّرضن� � ��اه لصدم� � ��ة ‪ -‬أي لبعض‬ ‫التنبيه اخلارجي‪ .‬وفي عام ‪ 2008‬طبقنا‬ ‫عل� � ��ى هذا العم� � ��ود االفتراض� � ��ي نبضا‬ ‫يحاكي النبض الكهرب� � ��ي‪ ،‬فالحظنا أن‬

‫النورون� � ��ات بدأت تتخاط� � ��ب فيما بينها‪،‬‬ ‫حيث انتش� � ��رت املوج���ات اإلس���فينية‬ ‫(احلسكات ”‪ ،)”Spikes‬أو جهود الفعل‬ ‫‪ - action potentials‬وه� � ��ي لغة الدماغ ‪-‬‬ ‫عبر العم� � ��ود عندما ب� � ��دأ بالعمل كدارة‬ ‫متكاملة‪ .‬لقد تدفقت املوجات اإلسفينية‬ ‫بني الطبقات وتذبذبت ذهابا وإيابا‪ ،‬متاما‬ ‫كما تفعل في ش� � ��رائح دماغ حي‪ .‬وهو‬ ‫سلوك لم نكن قد برمجناه في منوذجنا؛‬ ‫بل نشأ تلقائيا بسبب الطريقة التي بنيت‬ ‫بها الدارة‪ .‬وبقيت الدارة نش� � ��يطة حتى‬ ‫بعد إيقاف التنبيه‪ ،‬وطورت ديناميكيتها‬ ‫أي‪ ،‬طريقتها‬ ‫الداخلية اخلاصة سريعا‪ْ ،‬‬ ‫اخلاصة بتمثيل املعلومات‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك احل� �ي��ن ونحن نقوم بتغذية‬ ‫املوح� � ��د للعمود باملزيد من‬ ‫هذا النموذج‬ ‫ّ‬ ‫املعلومات الت� � ��ي توصلت إليها مختبرات‬ ‫ش� � ��تى في س� � ��ائر أنحاء العالم‪ ،‬وجنري‬ ‫بص� � ��ورة مس� � ��تمرة حتس� � ��ينات عل� � ��ى‬ ‫البرمجيات الت� � ��ي وضعناها‪ ،‬بحيث إننا‬ ‫نعيد بناء العمود كل أسبوع‪ ،‬وذلك مبزيد‬ ‫من البيانات‪ ،‬ومزيد من القواعد والضبط‪.‬‬ ‫وستتضمن اخلطوة القادمة مكاملة بيانات‬ ‫منطقة دماغية بكاملها ثم املتعلقة بالدماغ‬ ‫كله ‪ -‬وسنبدأ بدماغ جرذ‪.‬‬ ‫سنعتمد في مسعانا كثيرا على فرع‬ ‫علم� � ��ي يدع� � ��ى املعلوماتي���ة العصبية‬ ‫‪ neuroinformatics‬يتطلب جتميع كميات‬ ‫هائلة م� � ��ن البيانات املتعلقة بالدماغ من‬ ‫جمي� � ��ع أنحاء العالم عل� � ��ى نحو مترابط‬ ‫منطقيا‪ ،‬ومن ثم نستخلص منها أمناطا‬ ‫أو قواعد تصف كيفي� � ��ة تنظيم الدماغ‪.‬‬ ‫كما علينا اإلحاطة بالعمليات البيولوجية‬ ‫الت� � ��ي تصفها تلك القواع� � ��د‪ ،‬ووضعها‬ ‫على ش� � ��كل مجموعات م� � ��ن املعادالت‬ ‫الرياضياتية أثن� � ��اء تطويرنا للبرمجيات‬ ‫التي س� � ��تمكننا من حل ه� � ��ذه املعادالت‬ ‫على احلواس� � ��يب العمالقة‪ .‬وما نحتاج‬ ‫إليه أيضا هو ابت� � ��كار برمجيات قادرة‬ ‫على تركيب دماغ يتوافق مع البيولوجيا‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫الطبيعي� � ��ة‪ ،‬وه� � ��ي برمجي� � ��ات ندعوه� � ��ا‬ ‫«بانيات الدماغ(‪».)5‬‬ ‫إن التنب� � ��ؤات بآلية عمل الدماغ التي‬ ‫وفرتها املعلوماتي� � ��ة العصبية وصقلتها‬ ‫البيان� � ��ات اجلدي� � ��دة‪ ،‬ستس� � ��رع فهمنا‬ ‫لوظيف� � ��ة الدم� � ��اغ‪ ،‬علىالرغ� � ��م من عدم‬ ‫إحاطتن� � ��ا بجميع جوانب� � ��ه‪ .‬وميكننا أن‬ ‫نط� � ��رح تنبؤات اس� � ��تنادا إل� � ��ى القواعد‬ ‫التي نكشفها‪ ،‬وأن نختبر هذه التنبؤات‬ ‫بع� � ��د ذل� � ��ك على مح� � ��ك الواق� � ��ع‪ .‬وأحد‬ ‫أهدافنا احلالية هو اس� � ��تخدام معارفنا‬ ‫عن اجلين� � ��ات الناظمة لتركيب بروتينات‬ ‫بعض أنواع النورونات للتنبؤ ببنية هذه‬ ‫اخلاليا وس� � ��لوكها‪ .‬ويشكل الرابط بني‬ ‫اجلينات والنورون� � ��ات الفعلية ما ندعوه‬ ‫اجلسر املعلوماتي ‪،informatics bridge‬‬ ‫وهو الطري� � ��ق املختصر ال� � ��ذي تقترحه‬ ‫علينا بيولوجيا التركيب املزجي‪.‬‬ ‫وهن� � ��اك ن� � ��وع آخ� � ��ر من اجلس� � ��ور‬ ‫املعلوماتية اس� � ��تخدمه العلماء لسنوات‪،‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫وهو نوع يرتبط بالطف���رات اجلينية‬ ‫وعالقته� � ��ا باألم� � ��راض‪ :‬وبالتحدي� � ��د‪،‬‬ ‫كيف تغير الطف� � ��رة في البروتينات التي‬ ‫تصنعها اخلاليا‪ ،‬ومن ثم كيف يؤثر ذلك‬ ‫في هندسة النورونات(‪ )7‬وخصائصها‬ ‫الكهربية‪ ،‬وفي املش� � ��ابك التي تش� � ��كلها‬ ‫والنش� � ��اط الكهربائي الذي ينشأ محليا‬ ‫في ال���دارات امليكروي���ة ‪،microcircuits‬‬ ‫قبل انتش� � ��اره في حزم� � ��ة عريضة إلى‬ ‫سائر أنحاء الدماغ‪.‬‬ ‫نظري� � ��ا‪ ،‬ميكننا‪ ،‬على س� � ��بيل املثال‪،‬‬ ‫برمجة طف� � ��رة معينة ضم� � ��ن النموذج‪،‬‬ ‫ومن ثم مالحظة كيفية تأثير تلك الطفرة‬ ‫في� � ��ه في كل خطوة على طول السلس� � ��لة‬ ‫البيولوجية‪ .‬فإذا كان العرض الناجت‪ ،‬أو‬ ‫مركب األعراض الناجتة‪ ،‬يوافق ما نراه‬ ‫(‪neocortex )1‬‬ ‫(‪IBM Blue Gene )2‬‬ ‫(‪“recipe” for a column )3‬‬

‫(‪ )4‬أو‪ :‬استاتيكي‪.‬‬

‫(‪brain builder )5‬‬ ‫(‪genetic mutations )6‬‬ ‫(‪the geometry of the neurons )7‬‬

‫‪25‬‬


‫طبقة طبقة‬

‫تفكيك الدماغ‬

‫( )‬

‫يه���دف املش���روع ‪ HBP‬إل���ى ابتكار محاكاة حاس���وبية لل���ـ‪ 89‬بليونا من النورون���ات املوجودة داخل‬ ‫جمجمتنا والـ‪ 100‬تريليون من الوصالت التي تش���بك تلك اخلاليا س���وية‪ .‬وس���وف تسمح النسخة‬ ‫االفتراضي���ة الدقيق���ة من دماغ اإلنس���ان بإجراء األبحاث األساس���ية على خاليا الدم���اغ وداراته أو‬ ‫التجارب الدوائية املس���تندة إلى احلاس���وب‪ .‬واملشروع الذي يسعى إلى احلصول على متويل قدره‬ ‫بلي���ون ي���ورو من االحتاد األوروبي‪ ،‬س���يقوم بنمذجة وظائ���ف الدماغ على جميع مس���توياتها‪ ،‬من‬ ‫مس���توى إطالق اإلشعار الكيميائي والكهربي وحتى املستوى املتعلق باخلصائص اإلدراكية التي‬ ‫تقوم على أساسها السلوكيات الذكية‪.‬‬

‫املستوى اجلزيئي‬

‫قرن من البحث‪ ،‬بدأ بأول معاينة خللية‬ ‫دماغية حتت املجهر‪ ،‬سيترجم إلى‬ ‫نسخة رقمية تدمج املكونات اجلزيئية‬ ‫لبنية خلية تظهر خصائص النورون‬ ‫األساسية – أي نقل اإلشعارات‬ ‫(اإلشارات) الكهربية والكيميائية‪.‬‬

‫املستوى اخللوي‬

‫يجب أن حتيط محاكاة الدماغ‬ ‫حاسوبيا (دماغ في صندوق) بجميع‬ ‫تفصيالت النورونات واخلاليا الدبقية‬ ‫الالنورونية على حد سواء‪ ،‬مبا‬ ‫في ذلك األشكال الهندسية الدقيقة‬ ‫للمحاوير والتغصنات التي تستقبل‬ ‫املعلومات وترسلها‪.‬‬

‫الدارات‬

‫منوذج للوصالت العصبية بني مناطق‬ ‫الدماغ املختلفة‪ ،‬وفيما بني اخلاليا‬ ‫املتجاورة‪ ،‬قد يعطي املفاتيح الالزمة‬ ‫للكشف عن أصول أمراض الدماغ‬ ‫املعقدة كالتوحد والفصام‪.‬‬

‫املناطق‬

‫ميكن تأمل البنى العصبية الرئيسة ‪-‬‬ ‫اللوزة (االنفعاالت)‪ ،‬احلصني‬ ‫(الذاكرة)‪ ،‬الفصني اجلبهيني (ضبط‬ ‫الوظائف التنفيذية) ‪ -‬منفردة أو خالل‬ ‫تآثر أحدها مع اآلخر‪.‬‬

‫العضو الكامل‬

‫قد يكون من املمكن االستعاضة عن العضو‬ ‫الفعلي بالدماغ االفتراضي ‪.in silico‬‬ ‫وبإزالة الكود احلاسوبي لـ«جني» ما‪،‬‬ ‫ميكن للنظام االفتراضي‪ ،‬على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬أن يقلد تأثيرات الطفرات‪ ،‬كما‬ ‫يفعل العلماء اليوم عندما يخربون جينا‬ ‫عند الفئران‪ .‬وتتفادى هذه الوسيلة‬ ‫عملية التوالد الطويلة‪ ،‬وميكن أن‬ ‫حتاكي تعددية الشروط التجريبية‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫في احلياة الواقعية‪ ،‬فإن تلك السلس� � ��لة‬ ‫االفتراضية لألحداث تصبح مرش� � ��حة‬ ‫كآلية إمراضية‪ ،‬وميكننا حينئذ أن نبدأ‬ ‫بالبحث عن أهداف عالجية محتملة على‬ ‫طول تلك السلسلة‪.‬‬ ‫وهذه العملية هي عملية شاقة‪ ،‬يتخللها‬ ‫كثير م� � ��ن التكرار‪ ،‬حيث نقوم بجمع كل‬ ‫البيانات التي نستطيع احلصول عليها‪،‬‬ ‫ونبرمج النموذج ليكون خاضعا لبعض‬ ‫القواع� � ��د البيولوجية‪ ،‬ثم جنري محاكاة‬ ‫ونقارن «املخرج» ‪ - output‬أي السلوك‬ ‫الناجت للبروتينات واخلاليا والدارات ‪-‬‬ ‫بالبيان� � ��ات التجريبية ذات العالقة‪ .‬فإذا‬ ‫كانت غير متوافقة‪ ،‬نعود وندقق البيانات‬ ‫ونصق� � ��ل القواعد البيولوجي� � ��ة‪ .‬أما إذا‬ ‫كان� � ��ت متوافق� � ��ة‪ ،‬فإننا ندخ� � ��ل بياناتنا‬ ‫اجلدي� � ��دة إلى منوذجنا‪ ،‬مضيفني إليه‪،‬‬ ‫كل مرة‪ ،‬تفاصي� � ��ل أكثر‪ ،‬ونقوم‪ ،‬أثناء‬ ‫ذلك‪ ،‬بتوس� � ��يعه ليش� � ��مل ج� � ��زءا أكبر‬ ‫من الدماغ‪ .‬ومع حتس� � ��ن البرمجيات‪،‬‬ ‫يصبح القيام بدمج البيانات أمرا أسرع‬ ‫وأتوماتيكيا‪ ،‬ويأخذ النموذج بالتصرف‬ ‫على نحو قريب من البيولوجيا الفعلية‪.‬‬ ‫وهك� � ��ذا‪ ،‬فإن منذجة الدم� � ��اغ بكامله‪،‬‬ ‫على الرغم من ع� � ��دم اكتمال معرفتنا‬ ‫باخلاليا واملش� � ��ابك العصبية‪ ،‬لم تعد‬ ‫تبدو حلما مستحيال‪.‬‬ ‫ولتنمية هذا املش� � ��روع‪ ،‬نحتاج إلى‬ ‫مزي� � ��د من البيانات‪ ،‬وإل� � ��ى الكثير منها‪.‬‬ ‫وال ش� � ��ك في أن االعتب� � ��ارات األخالقية‬ ‫حتد من التجارب التي ميكن أن يجريها‬ ‫علم� � ��اء اجله� � ��از العصبي عل� � ��ى دماغ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ولكن أدمغة الثدييات‪ ،‬وحلسن‬ ‫احل� � ��ظ‪ ،‬مبني� � ��ة جميعها طبق� � ��ا لقواعد‬ ‫مشتركة‪ ،‬بصرف النظر عن االختالفات‬ ‫اخلاص� � ��ة بالنوع‪ .‬وفي حني أن أغلب ما‬ ‫نعرفه حول وراثي���ات(‪ )1‬دماغ الثدييات‬ ‫يأتي من الفئران‪ ،‬فإن القرود قدمت لنا‬ ‫( ) ‪Deconstructing the Brain‬‬ ‫(‪the genetics )1‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫اس���تبصارات ‪ insights‬ثمينة في مجال‬ ‫االس� � ��تعراف‪ .‬إذن ميكننا الب� � ��دء ببناء‬ ‫«منوذج موح� � ��د» لدماغ ق� � ��ارض‪ ،‬ومن‬ ‫ثم اس� � ��تخدامه كمرصاف(‪ )1‬أولي ميكن‬ ‫أن نطور منه منوذجنا لدماغ اإلنس� � ��ان‬ ‫وذلك من خ� �ل��ال إدخال تفاصيل الحقة‬ ‫تدريجيا‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن مناذج أدمغة الفأر‬ ‫واجلرذ واإلنسان ستتطور بالتوازي‪.‬‬ ‫والبيان� � ��ات التي يزودن� � ��ا بها علماء‬ ‫اجلهاز العصبي ستساعدنا على حتديد‬ ‫ماهي� � ��ة القواعد املس � � � ِّيرة لنظ� � ��ام عمل‬ ‫الدم� � ��اغ وعلى التحق� � ��ق جتربيا من أن‬ ‫اس� � ��تقراءاتنا ‪ -‬تلك السالسل املتوقعة‬ ‫م� � ��ن املس� � ��ببات ‪ -‬تتوافق م� � ��ع احلقيقة‬ ‫البيولوجي� � ��ة‪ .‬فعل� � ��ى مس� � ��توى املعرفة‬ ‫واالس� � ��تعراف‪ ،‬نعلم أن ل� � ��دى األطفال‬ ‫الصغار جدا بع� � ��ض اإلدراك للمفاهيم‬ ‫العددي� � ��ة ‪ 1‬و‪ 2‬و‪ ،3‬ولك� � ��ن ليس لألعداد‬ ‫األكب� � ��ر‪ .‬وعندما نصب� � ��ح أخيرا قادرين‬ ‫عل� � ��ى منذجة دماغ مول� � ��ود جديد‪ ،‬فذلك‬ ‫النموذج يج� � ��ب أن يلخص ما ميكن أن‬ ‫يفعله الرضيع وما ال يستطيعه‪.‬‬ ‫والكثي� � ��ر من البيان� � ��ات التي نحتاج‬ ‫إليها موجودة‪ ،‬ولكنها ليس� � ��ت س� � ��هلة‬ ‫املنال‪ .‬وأحد التحديات الرئيس� � ��ة التي‬ ‫يواجهه� � ��ا املش� � ��روع ‪ HBP‬هو جتميع‬ ‫هذه البيان� � ��ات وتنظيمها‪ .‬لنأخذ امليدان‬ ‫الطب� � ��ي مثاال على ذل� � ��ك‪ :‬فالبيانات في‬ ‫هذا امليدان س� � ��تصبح قريبا ثمينة جدا‬ ‫بالنس� � ��بة إلينا‪ ،‬لي� � ��س فقط ألننا بفضل‬ ‫اخللل الوظيفي نعلم املزيد عن الوظيفة‬ ‫السوية‪ ،‬بل أيضا ألن أي منوذج ننتجه‬ ‫يجب أن يتصرف مثل دماغ سليم‪ ،‬وأن‬ ‫ميرض الحق� � ��ا بالطريقة نفس� � ��ها التي‬ ‫ميرض بها الدم� � ��اغ احلقيقي‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫فإن مس� � ��وح أدمغة املرضى س� � ��تكون‬ ‫مصدرا غنيا للمعلومات‪.‬‬ ‫يج� � ��ري حاليا حفظ أي مس� � ��ح لدماغ‬ ‫مري� � ��ض ف� � ��ي أرش� � ��يف رقم� � ��ي‪ ،‬وتق� � ��وم‬

‫مستش� � ��فيات العال� � ��م بتخزي� � ��ن مالي� �ي��ن‬ ‫املس� � ��وح‪ .‬وم� � ��ع أن ه� � ��ذه املس� � ��وح غدت‬ ‫تستخدم ألغراض البحث‪ ،‬فإنها ما زالت‬ ‫تش� � ��كل إلى حد بعيد ثروة غير مس� � ��تغلة‬ ‫بس� � ��بب سياس� � ��ة «اخلطوة خطوة» املتبعة‬ ‫في األبح� � ��اث الطبية‪ .‬أما إذا تس� � ��نى لنا‬ ‫جتميع تلك املس� � ��وح معا‪ ،‬وصنفناها في‬ ‫مجموعات كبيرة‪ ،‬ثم أنزلناها مع سجالت‬ ‫املرضى واملعلوم� � ��ات الكيميائية احليوية‬ ‫واجلينية س� � ��وية على سحابات اإلنترنت‬ ‫املتاح���ة ”‪،Internet accessible “clouds‬‬ ‫فيمكن لألطباء حينئ� � ��ذ أن يبحثوا ضمن‬ ‫ه� � ��ذا الع� � ��دد الكبي� � ��ر م� � ��ن املرضى عن‬ ‫النماذج احملددة لألمراض‪ .‬وتعود فعالية‬ ‫ه� � ��ذه االس� � ��تراتيجية إل� � ��ى قدرتها على‬ ‫التحديد الدقي� � ��ق رياضياتيا لالختالفات‬ ‫والتش� � ��ابهات بني األمراض كلها‪ .‬مبادرة‬ ‫التصوي���ر العصبي مل���رض ألزهامير‬

‫(‪)2‬‬

‫ه� � ��ي محاولة للقي� � ��ام بذلك م� � ��ن قبل عدة‬ ‫جامعات من خالل جمع سجالت التصوير‬ ‫العصبي والسائل الدماغي الشوكي والدم‬ ‫من أعداد كبي� � ��رة من مرضى اخلرف من‬ ‫جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى أشخاص سليمني‬ ‫كمجموعة شاهدة‪.‬‬ ‫احلوسبة‬ ‫مستقبل‬ ‫ْ‬

‫( )‬

‫وأخي� � ��را وليس آخ� � ��را‪ ،‬هن� � ��اك قضية‬ ‫احل ْوسبة‪ .‬آخر جيل من اجلني األزرق‬ ‫‪ Blue Gene‬ه� � ��و عم� �ل��اق م� � ��ن مقياس‬ ‫البيت���ا ‪ peta-scale‬يتأل� � ��ف م� � ��ن نح� � ��و‬ ‫‪ 300 000‬معال� � ��ج محش� � ��ورة في فضاء‬ ‫‪ 72‬مجم���دة ‪ .fridges‬والبيتافلوب���ات‬ ‫كافية لنمذجة دماغ جرذ مؤلف من ‪200‬‬ ‫ملي� � ��ون نورون‪ ،‬على املس� � ��توى اخللوي‬ ‫من التحليل‪ ،‬لكنها ليست كافية لنمذجة‬ ‫دم� � ��اغ اإلنس� � ��ان املكون م� � ��ن ‪ 89‬بليون‬ ‫نورون‪ ،‬فذلك يتطلب حاس� � ��وبا عمالقا‬ ‫من مقياس اإلكسا ‪ .exa-scale‬وحتى إن‬ ‫توفر مثل هذا احلاس� � ��وب‪ ،‬فإن محاكاة‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫دماغ اإلنس� � ��ان على املستوى اجلزيئي‬ ‫ستبقى أمرا بعيد املنال‪.‬‬ ‫تتسابق ِ‬ ‫الفرق حول العالم لبناء مثل‬ ‫هذه احلواسيب‪ .‬وعندما يتسنى لها ذلك‪،‬‬ ‫فمن املرجح أن تكون هذه احلواسيب ‪-‬‬ ‫شأنها في ذلك شأن األجيال السابقة من‬ ‫احلواس� � ��يب العمالقة ‪ -‬بحاجة إلى أن‬ ‫ُتك َّيف كي تتمكن م� � ��ن محاكاة العمليات‬ ‫الفيزيائية‪ ،‬كما هو عليه األمر في الفيزياء‬ ‫النووية‪ .‬فللمحاكاة البيولوجية متطلباتها‬ ‫املختلفة‪ ،‬وبالتعاون مع منتجي احلواسيب‬ ‫الكبار‪ ،‬وغيرهم من الشركاء الصناعيني‪،‬‬ ‫سيصمم احتادنا ‪ -‬الذي يضم مجموعة‬ ‫م� � ��ن خبراء احلواس� � ��يب العالية األداء ‪-‬‬ ‫واحدة من ه� � ��ذه املكن� � ��ات للقيام مبهمة‬ ‫محاكاة الدماغ‪ .‬وس� � ��يقوم هؤالء اخلبراء‬ ‫أيضا بتطوير البرمجيات التي ستسمح‬ ‫موحدة‪ ،‬م� � ��ن أدنى دقة‬ ‫لن� � ��ا ببناء مناذج ِّ‬ ‫إلى أعالها‪ ،‬بحيث يصبح بوسعنا ضمن‬ ‫محاكينا أن نرص� � ��د اجلزيئات واخلاليا‬ ‫والدماغ بكامله‪ ،‬تكبيرا وتصغيرا‪.‬‬ ‫وعندم� � ��ا ننته� � ��ي من بن� � ��اء محاكي‬ ‫الدماغ س� � ��يكون الباحثون قادرين على‬ ‫البدء بالتجارب االفتراضية باس� � ��تخدام‬ ‫منوذج البرمجيات كما تستخدم النماذج‬ ‫البيولوجي� � ��ة‪ ،‬م� � ��ع بع� � ��ض االختالفات‬ ‫الرئيسة بالطبع‪ .‬وإلعطائك فكرة عما قد‬ ‫يكونه كل ذلك‪ ،‬تخيل كيف يبحث العلماء‬ ‫حالي� � ��ا عن ج� � ��ذور املرض باس� � ��تخدام‬ ‫الفئ� � ��ران بعد «تخري� � ��ب» اجلينات فيها‪.‬‬ ‫عليه� � ��م أن يجعلوا الفئران تتوالد‪ ،‬وهذا‬ ‫يأخ� � ��ذ وقتا وه� � ��و مكلف ولي� � ��س ممكنا‬ ‫دائما ‪ -‬إذا كان التخريب مميتا للجنني‬ ‫على س� � ��بيل املثال ‪ -‬حت� � ��ى وإن نحينا‬ ‫جانب� � ��ا االعتب� � ��ارات األخالقية احمليطة‬ ‫بالتجارب على احليوان‪.‬‬ ‫أما الدماغ االفتراضي ‪silico brain‬‬ ‫( ) ‪THE FUTURE OF COMPUTING‬‬ ‫(‪template )1‬‬ ‫(‪the Alzheimer’s Disease Neuroimaging Initiative )2‬‬

‫‪27‬‬


‫فس� � ��يجعلهم قادرين عل� � ��ى تخريب جني‬ ‫افتراضي ومراقب� � ��ة النتائج في األدمغة‬ ‫«اإلنس� � ��انية» مبختلف األعمار وأساليب‬ ‫العم� � ��ل‪ .‬وباس� � ��تخدام من� � ��وذج الدماغ‬ ‫االفتراضي‪ ،‬س� � ��يكون بوس� � ��ع العلماء‬ ‫تكرار التجربة حتت أي ش� � ��رط يرغبون‬ ‫به‪ ،‬ومن ثم ضم� � ��ان الدقة التي ال ميكن‬ ‫حتقيقها ف� � ��ي التجارب على احليوانات‪.‬‬ ‫وهذا ما قد يمُ كِّن الباحثني الصيدالنيني‬ ‫من حتدي� � ��د األه� � ��داف املمكن� � ��ة للدواء‬ ‫بصورة أسرع‪ ،‬ويغير ‪ -‬كذلك ‪ -‬طرائق‬ ‫إجراء التجارب الطبية أيضا‪ .‬فاجلمهرة‬ ‫املستهدفة سيكون انتقاؤها أيسر بكثير‪،‬‬ ‫واألدوي� � ��ة التي ال تفي� � ��د‪ ،‬أو ذات اآلثار‬ ‫اجلانبية غير املقبولة‪ ،‬ستصبح فلترتها‬ ‫أس� � ��رع‪ .‬وهك� � ��ذا‪ ،‬ف� � ��إن عملي� � ��ة البحث‬ ‫والتطوير بكامله� � ��ا تصبح في احملصلة‬ ‫األخيرة أسرع وأكثر فعالية‪.‬‬ ‫وس� � ��يكون ملا نتعلمه م� � ��ن مثل هذه‬ ‫احمل� � ��اكاة أث� � ��ر ارجتاعي ف� � ��ي تصميم‬ ‫احلواس� � ��يب أيض� � ��ا‪ ،‬وذلك م� � ��ن خالل‬ ‫الكش� � ��ف عن اآلليات الت� � ��ي أنتجت بها‬ ‫عملية تطور النوع دماغا مرنا قادرا على‬ ‫أداء مهام متعددة س� � ��ريعا‪ ،‬وفي الوقت‬ ‫ذاته‪ ،‬على مقياس هائل ‪ -‬وال يس� � ��تهلك‬ ‫سوى قدر من الطاقة يعادل الطاقة التي‬ ‫يستهلكها مصباح ضوئي ‪ -‬إضافة إلى‬ ‫قدرته الهائلة على التذكر‪.‬‬ ‫وستستخدم الشيبات ‪ chips‬احلاسوبية‬ ‫الش� � ��بيهة بالدم� � ��اغ ف� � ��ي بناء ما يس� � ��مى‬ ‫حواس���يب عصبية البنية‬

‫‪neuromorphic‬‬

‫‪ .computers‬وس� � ��يقوم «مش� � ��روع الدماغ‬ ‫البش� � ��ري» بطباع� � ��ة دارات دماغي� � ��ة على‬ ‫ش� � ��يبات الس� � ��يليكون اس� � ��تنادا إلى تقانة‬ ‫طورت في مش� � ��رو َع ْي االحت� � ��اد األوروبي‪:‬‬ ‫‪ BrainScaleS‬و ‪.SpiNNaker‬‬ ‫غير أن الدفع� � ��ة األولى من محاكاة‬ ‫الدم���اغ الكام���ل ‪ whole-brain‬الت� � ��ي‬ ‫سنجريها بآلتنا س� � ��تفتقر إلى خاصية‬ ‫أساسية من خصائص دماغ اإلنسان‪:‬‬ ‫‪28‬‬

‫ل� � ��ن تعرف هذه احمل� � ��اكاة التطور الذي‬ ‫يعرفه الطفل‪ ،‬حيث تتش� � ��كل القش� � ��رة‬ ‫الدماغي� � ��ة لديه‪ ،‬من ال� � ��والدة فصاعدا‪،‬‬ ‫نتيج� � ��ة لتكاث� � ��ر النورون� � ��ات وهجرتها‬ ‫وتش� � ��ذيبها ولعملية ندعوها البالستية‬ ‫‪ ،)1(plasticity‬وهي عملي� � ��ة تعتمد كثيرا‬ ‫على جتارب احلياة املعيش� � ��ة‪ .‬وبدال من‬ ‫ذلك‪ ،‬س� � ��تبدأ مناذجنا بأي عمر ال على‬ ‫التعي� �ي��ن‪ ،‬قافزة فوق س� � ��نوات التطور‪،‬‬ ‫لتس� � ��تمر من هناك بفهم التجارب التي‬ ‫مت� � ��ر بها‪ .‬وس� � ��وف يك� � ��ون علين� � ��ا بناء‬ ‫ه� � ��ذه املكنة العمالقة على نحو يس� � ��مح‬ ‫لنموذجنا بالتغير اس� � ��تجابة للمدخالت‬ ‫الواردة إليه من بيئته احمليطة‪.‬‬ ‫وس� � ��يحني موعد إج� � ��راء اختبارنا‬ ‫احلاسم ‪ litmus test‬للدماغ االفتراضي‬ ‫عندم� � ��ا يت� � ��م وصله بجس� � ��م افتراضي‬ ‫ممث� � ��ل برمجي� � ��ا‪ ،‬ووضع� � ��ه ف� � ��ي بيئة‬ ‫افتراضي� � ��ة واقعي� � ��ة‪ .‬حينئذ‪ ،‬س� � ��يكون‬ ‫الدم� � ��اغ االفتراضي ق� � ��ادرا على تلقي‬ ‫املعلوم� � ��ات من البيئة والتصرف وفقها‪.‬‬ ‫وبعد هذا اإلجناز فقط سنكون قادرين‬ ‫على تعليم� � ��ه امله� � ��ارات‪ ،‬وقادرين على‬ ‫احلك� � ��م عل� � ��ى م� � ��ا إذا كان ذكيا فعال‪.‬‬ ‫وألنن� � ��ا نعرف أن هناك وفرة في الدماغ‬ ‫أي‪ ،‬إنه ميكن لنظام عصبي‬ ‫البشري ‪ْ -‬‬ ‫أن يع� � ��وض عن اآلخ� � ��ر ‪ -‬ميكننا البدء‬ ‫باس� � ��تقصاء جوانب الدم� � ��اغ الوظيفية‬ ‫الالزمة للسلوك الذكي‪.‬‬ ‫يثير املشروع ‪ HBP‬قضايا أخالقية‬ ‫مهمة‪ .‬فحت� � ��ى وإن كان� � ��ت األداة التي‬ ‫تقلد دماغ اإلنس� � ��ان بعيدة املنال‪ ،‬فمن‬ ‫املش� � ��روع أن نتس� � ��اءل ما إذا كان من‬ ‫املس� � ��ؤولية مبكان بناء دماغ افتراضي‬ ‫ق� � ��د ميتلك أعمدة قش� � ��رية يفوق عددها‬ ‫عدد أعمدة دماغ اإلنسان‪ ،‬أو ذكاء شبه‬ ‫بشري وقدرة على مزج األرقام بسرعة‬ ‫أكبر مبليون مرة من س� � ��رعة حاس� � ��وب‬ ‫«ديب بل� � ��و» ‪ Deep Blue‬للش� � ��ركة ‪IBM‬‬ ‫الذي يلعب الشطرجن‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫ولس� � ��نا الوحيدي� � ��ن الذي� � ��ن يرفعون‬ ‫س� � ��قف مطالبهم في محاول� � ��ة للتصدي‬ ‫لظاه� � ��رة التج� � ��زؤ في أبح� � ��اث الدماغ‪،‬‬ ‫والعم� � ��ل عل� � ��ى توحيدها‪ .‬ففي الش� � ��هر‬ ‫‪ 2010/5‬أطلق معهد أل� �ْي��نْ ‪ Allen‬للعلوم‬ ‫العصبية‪ ،‬ومقره سياتل ‪ ،Seattle‬أطلس‬ ‫ألينْ لدماغ اإلنس� � ��ان ال� � ��ذي يرمي إلى‬ ‫وضع خارطة جلميع اجلينات النشيطة‬ ‫في دماغ اإلنسان‪.‬‬ ‫لع� � ��ل التموي� � ��ل هو العام� � ��ل احملدد‬ ‫الرئيس ألي مجموعة تقوم مبحاولة من‬ ‫هذا الن� � ��وع‪ .‬وهذا ينطبق عل� � ��ى حالتنا‬ ‫أيض� � ��ا‪ ،‬فنحن ل� � ��ن نبلغ اله� � ��دف الذي‬ ‫نس� � ��عى إليه إال إذا حصلنا على الدعم‬ ‫الذي نحتاج إليه؛ فاحلواسيب العمالقة‬ ‫باهظة الثمن‪ ،‬وم� � ��ن احملتمل أن تجُ اري‬ ‫التكلفة النهائية للمش� � ��روع ‪ HBP‬تكلفة‬ ‫مشروع اجلينوم البشري أو تتجاوزها‪.‬‬ ‫وفي الشهر ‪ 2013/2‬سنعرف ما إذا كنا‬ ‫س� � ��نحصل على الضوء األخضر‪ .‬وفي‬ ‫هذه األثناء سنس� � ��تمر مبش� � ��روع نؤمن‬ ‫بأنه سيقدم لنا رؤى فريدة حول هوياتنا‬ ‫اخلاصة ككائنات حية قادرة على تأمل‬ ‫الضوء والعتمة في رس� � ��وم كاراڤاجيو‬ ‫‪ Caravaggio‬أو التبصر في التناقضات‬ ‫>‬ ‫الظاهرية للفيزياء الكمومية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬البالستية ‪ :plasticity‬لقد جرى تعريب هذا املصطلح‬ ‫(ج‪ :‬بالس� � ��تيات‪ ،‬ص‪ :‬بالستية‪ ،‬ح‪ :‬بالستيا) وتبرير‬ ‫ذلــ� � ��ك علميا في إطار بحث علمي لنيل إجازة دكتور‬ ‫في الطب البش� � ��ري بجامعة دمشق للعام الدراسي‬ ‫‪ .2009 / 2008‬راج� � ��ع به� � ��ذا اخلصوص «بالس� � ��تية‬ ‫الدماغ»‪ ،‬من قبل الطالب هادي فرح‪ .‬أما الترجمات‬ ‫املقترح� � ��ة ف� � ��ي اللغ� � ��ة العربي� � ��ة لكلم� � ��ة )‪(plasticity‬‬ ‫اإلنكليزية‪ ،‬مثل اللدون� � ��ة أو املرونة أو التكيفية‪ ،‬فال‬ ‫(التحرير)‬ ‫تغطي متاما مفهوم البالستية‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪L inks to a few Human Brain Project sites:‬‬ ‫‪Human Brain Project: www.humanbrainproject.eu‬‬ ‫‪BrainScaleS: http://brainscales.kip.uni-heidelberg.de‬‬ ‫‪SpiNNaker:http://apt.cs.man.ac.uk/projects/SpiNNaker‬‬

‫‪Scientific American, June 2012‬‬


‫تتمة الصفحة ‪( 9‬مشكلة ِ‬ ‫العلم في أمريكا)‬

‫وغدت معتمدة على نطاق واس� � ��ع‪ ،‬وهذا أدى إلى «الصواب فيها الناخبون من ذوي االطالع احلسن‪ ،‬وتصبح الدميوقراطية‬ ‫السياسي»(‪ )1‬الذي يكرهه >ليمباو< كرها مبررا‪ ،‬والذي سخر مرة أخرى عرضة للطغيان الذي كان يخشاه >جيفرسون<‪.‬‬ ‫منه >‪ .W‬آلن<(‪ )2‬بنعته «إنه استمناء ذهني(‪.»)3‬‬ ‫( )‬ ‫أزمة وجودية‬ ‫إن قبول هذه النظرة النسبية إلى العالم يقوض الدميوقراطية‪،‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫وال يؤدي إلى التسامح بل إلى االستبداد‪ ،‬إذ إنه قبل ثالثة قرون يقول >‪ .J‬آدم���ز< ‪« :‬إن احلقائق أش� � ��ياء عنيدة؛ فمهما كانت‬ ‫تقريبا بينَّ الفيلس� � ��وف >جون لوك< [وهو واحد من ثالثة أعظم رغباتنا‪ ،‬ومهما كان لدينا من ميول‪ ،‬أو ما متليه عواطفنا علينا‪،‬‬ ‫رجال في ثالوث >جيفرس� � ��ون<] األسباب لذلك االستنتاج‪ .‬فقد ال ميكن تغيير حالة احلقائق واألدلة‪ ».‬وعندما تصبح احلقائق‬ ‫راقب >لوك< مختلف الزمر البروتس� � ��تانتية املتجادلة‪ ،‬التي كان آراء‪ ،‬تب� � ��دأ العملية الدميوقراطية اجلماعية لصنع السياس� � ��ة‬ ‫كل منه� � ��ا يدعي أن دينه هو الدين الصحيح الوحيد‪ .‬فتس� � ��اءل‪ :‬باالنهيار‪ ،‬إذ يغيب القاس� � ��م املش� � ��ترك ‪ -‬وهو املعرفة ‪ -‬الذي‬ ‫كيف نعلم أن ش� � ��يئا ما صحيح؟ وما هو أس� � ��اس املعرفة؟ لذا ميك� � ��ن أن يجمع األطراف املتعارض� � ��ة معا‪ .‬وتصبح احلكومة‬ ‫ع ّرف في س� � ��نة ‪ 1689‬مفه� � ��وم املعرفة وكيف أنها ترس� � ��خ على رجعية ومكلفة ومتأخرة في حل املش� � ��كالت‪ ،‬أو يغرق احلوار‬ ‫مشاهدات للعالم الطبيعي‪ ،‬وذلك في كتابه بعنوان‪« :‬مقال خاص الوطني في آراء متصارعة‪.‬‬ ‫إن عصرا يؤثر فيه العلم في كل جانب من جوانب احلياة ‪-‬‬ ‫بالفهم البش���ري(‪ ».)4‬فكتب أن كل ادعاء يفشل في اجتياز هذا‬ ‫االختبار ال يكون معرفة‪ ،‬إمنا هو مجرد إميان أو رأي‪ .‬لقد كانت ب� � ��دءا مما ه� � ��و في غاي� � ��ة اخلصوصية كالعالقات اجلنس� � ��ية‬ ‫هذه الفكرة ‪ -‬ب� � ��أن العالم قابل للمعرفة وأن املعرفة املوضوعية واإلجن� � ��اب إلى ما هو في غاية العمومية كالتغ ُّيرات العامة في‬ ‫التجريبية هي األس� � ��اس ألكثر السياسات العامة اعتداال ‪ -‬هي املن� � ��اخ واالقتصاد ‪ -‬وفي زمن أصبحت في� � ��ه الدميوقراطية‬ ‫التي قامت عليها حجة >جيفرسون< التأسيسية للدميوقراطية ‪ .‬النمط السائد على هذا الكوكب‪ ،‬فمن املهم في مثل هذا العصر‬ ‫واملعادل� � ��ة الزائفة بني املعرفة والرأي جتعل أتباع فلس� � ��فة أن يدفع الناخبون جميع املسؤولني املنتخبني ومرشحي جميع‬ ‫ما بع� � ��د احلداثة وكذلك احملافظني املناهض� �ي��ن للعلم يعيدون األحزاب إلى التحدث بصراحة عن وجهات نظرهم في أسئلة‬ ‫تفكيرنا إلى عصر ما قبل التنوير(‪ ،)5‬تاركني السياسة العامة العل� � ��م الكبرى الت� � ��ي تواجه األمة‪ .‬وبطرح ه� � ��ذه القضايا في‬ ‫من دون أساس مش� � ��ترك‪ .‬فيتحول عندئذ التخاطب العام إلى احلوارات العامة‪ ،‬يكتس� � ��ب مواطن� � ��و الواليات املتحدة فرصة‬ ‫آراء متصارع� � ��ة ال نهاية لها‪ ،‬وال ينظر إلى أي رأي منها على اكتش� � ��اف ما إذا كان أولئك الذين يقودونهم ميتلكون الثقافة‬ ‫أنه أكث� � ��ر صوابا من غيره‪ .‬وتتحدد السياس� � ��ة بأعلى صوت واحلكمة والش� � ��جاعة الضرورية للحكم في قرن ُيس� � � َّ�ير علميا‬ ‫>‬ ‫ارتفاع� � ��ا‪ ،‬ونتحول إلى عالم الق� � ��وة وهي التي تصنع احلق ‪ -‬واحلفاظ على الدميوقراطية للجيل القادم‪.‬‬ ‫وهو التعريف التقليدي لالستبداد‪.‬‬ ‫( ) ‪AN EXISTENTIAL CRISIS‬‬ ‫(‪ :political correctness )1‬مصطلح ُيعبر فيه عن اس� � ��تعمال ألفاظ مهذبة ال تثير نزاعات‬ ‫تسللت فلسفة ما بعد احلداثة إلى جيل من برامج التعليم‬ ‫وال جترح املش� � ��اعر ويتجنب فيها التمييز بني اجلنس� �ي��ن‪ ،‬ف� �ل��ا يقال عن املرأة غير‬ ‫املتزوجة إنها آنسة‪ ،‬بل سيدة أسوة بالرجل‪ .‬ومن األمثلة األخرى‪ :‬يوصف األعمى‬ ‫األمريكية‪ ،‬كما أش� � ��ار إلى ذل� � ��ك >‪ .A‬بلوم< في كتابه «انغالق‬ ‫ف� � ��ي اللغ� � ��ة العربية بالبصير‪ ،‬وفي أمريكا ينبغي أن يق� � ��ال عن الزجني إنه أمريكي‬ ‫العقل األمريكي(‪ .»)6‬ومن ثم فإن هذه الفلس� � ��فة تفشت أيضا‬ ‫إفريقي‪ ،‬إلخ‪.‬‬ ‫ف� � ��ي الصحافة‪ ،‬حيث صارت العبارة «ليس هنالك ش� � ��يء من (‪ )2‬ممثل كوميدي وكاتب سينمائي كان مشهورا قبل عقد من الزمن‪.‬‬ ‫(‪mental masturbation )3‬‬ ‫قبيل املوضوعية» تتكرر في غالب األحيان وكأنها تعويذة‪.‬‬ ‫(‪An Essay Concerning Human Understanding )4‬‬ ‫(‪pre-Enlightenment era )5‬‬ ‫إن املراس� � ��لني الذين يتفقون مع هذه العبارة ليسوا بحاجة‬ ‫(‪The Closing of the American Mind )6‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫إلى البحث العميق كي يحصلوا على احلقيقة‪ ،‬إمنا س� � ��يميلون (‪> )7‬جون آدمز< هو الرئيس الثاني للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫بكل بساطة إلى عرض «كال اجلانبني» للقضايا املثيرة للجدل‪،‬‬ ‫ال س� � ��يما إذا لم يكونوا قادري� � ��ن على احلكم على صحة األدلة‬ ‫مراجع لالستزادة‬ ‫‪Why Are Americans So Ill-informed about Climate Change? Robin Lloyd in Scientific‬‬ ‫العلمية‪ .‬ويغدو هذا التوازن الكاذب مشكلة عندما يستند أحد‬ ‫‪American. Published online‬‬ ‫‪February 23, 2011. www.ScientificAmerican.com/article.cfm?id=why-are-americans-so-ill‬‬ ‫اجلانب� �ي��ن إلى املعرفة‪ ،‬واجلانب اآلخ� � ��ر إلى مجرد رأي‪ ،‬وهي‬ ‫‪Straight Talk about Vaccination. Matthew F. Daley and Jason M. Glanz in Scientific‬‬ ‫‪American, Vol. 305, No. 3; pages 32-34; September 2011. www.ScientificAmerican.com/‬‬ ‫حالة غالبا ما حتدث عند تقاطع مشكالت السياسة مع العلم‪.‬‬ ‫‪article.cfm?id=straight-talk-about-vaccination‬‬ ‫ ‪Fool Me Twice: Fighting the Assault on Science in America. Shawn Lawrence Otto.‬‬ ‫إذا لم تناض� � ��ل الصحافة لنقل احلقيقة املوضوعية التي تكون‬ ‫ ‪Rodale Books, 2011.‬‬ ‫األدلة العلمية فيها هي املرشد الوحيد املعول عليه‪ ،‬فإن سفينة‬ ‫الدميوقراطية س� � ��تجري على غير هدى من املنطقة التي يوجد‬ ‫‪Scientific American, November 2012‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪29‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫أشعة قاتلة من السحب‬

‫( )‬

‫تطلق العواصف الرعدية عصفات قوية من أشعة گاما وأشعة‬ ‫إكس (األشعة السينية)‪ ،‬كما تقذف إلى الفضاء حزمة من اجلسيمات‬ ‫ومن املادة املضادة‪ ،‬فالغالف اجلوي هو مكان أغرب مما نتخيل‪.‬‬ ‫<‪َ .R .J‬وير> ‪-‬‬

‫بع� � ��د وق� � ��ت قصير من إطالق س� � ��فينة الفض� � ��اء أتالنتس‬ ‫‪ Atlantis‬مرص� � ��دا فلكيا جديدا إلى املدار ع� � ��ام ‪ ،1991‬أدرك‬ ‫>‪ .G‬فيش� � ��مان< [من مركز ناسا مارشال لرحالت الفضاء] أن‬ ‫ص ِّم َم املرصد الفلكي كومپتون‬ ‫هناك شيئا غريبا يحدث‪ .‬وقد ُ‬ ‫ألشعة گاما )‪ )1((CGRO‬للكشف عن هذه األشعة من األجسام‬ ‫الفيزيائية الفلكية البعيدة مثل النجوم النيترونية وبقايا النجم‬ ‫املس� � ��تعر‪ ،‬كما أنه سجل أيضا انفجارات ساطعة طولها م ّلي‬ ‫ثانية من أش� � ��عة گاما غير آتية من الفضاء اخلارجي فقط بل‬ ‫من األسفل بالقرب من األرض‪.‬‬ ‫لق� � ��د عرف علماء الفيزياء الفلكية أن الظواهر الغريبة مثل‬ ‫التوهجات الشمس� � ��ية والثقوب الس� � ��وداء والنجوم املتفجرة‬ ‫تس� � � ِّ�رع اإللكترونات وغيرها من اجلسيمات إلى طاقات عالية‬ ‫للغاية‪ ،‬ومن ثم تس� � ��تطيع هذه اجلس� � ��يمات الفائقة الش����حن‬ ‫‪ supercharged‬بث أش� � ��عة گام� � ��ا ‪ -‬الفوتونات األكثر طاقة في‬ ‫الطبيعة‪ .‬وفي األحداث الفيزيائية الفلكية‪ ،‬تتسارع اجلزيئات‬ ‫خالل احلركة احلرة تقريبا في الفراغ‪ .‬فكيف إذن‪ ،‬تستطيع‬ ‫اجلزيئات في الغالف اجل� � ��وي لألرض ‪ -‬وهو بالتأكيد ليس‬ ‫فراغا تاما في أي مكان ‪ -‬من فعل الشيء نفسه؟‬ ‫إن البيانات األولية قادتنا مع خبراء آخرين إلى االعتقاد‬

‫<‪ .M .D‬سميث>‬

‫مبدئيا أن ما تدعى ومضات أش� � ��عة گاما األرضية نش� � ��أت‬ ‫على ارتفاع ‪ 40‬ميال فوق السحب‪ ،‬ولكننا اآلن وجدنا أنها‬ ‫تنت� � ��ج على ارتفاع أق� � ��ل من ذلك بكثير بواس� � ��طة التفريغ‬ ‫الكهربائ���ي(‪ )2‬داخل الس� � ��حب الرعدي� � ��ة املتنوعة‪ .‬وخالل‬ ‫ذل� � ��ك فإن الكثير م� � ��ن النظريات املتطورة املبتكرة تس� � ��عى‬ ‫بازدياد لتفس� � ��ير أشعة گاما املُستغربة تفسيرا يتوافق مع‬ ‫املشاهدات‪ :‬فمرة بعد أخرى‪ ،‬تكشف التجارب عن طاقات‬ ‫كان يس� � ��تحيل من قبل تخيل وجودها في الغالف اجلوي‪.‬‬ ‫وحتى املادة املضادة ‪ antimatter‬حققت ظهورا مفاجئا‪.‬‬ ‫وبعد واحد وعش� � ��رين عاما‪ ،‬توص� � ��ل الباحثون إلى فكرة‬ ‫جيدة عن الكيفية احملتملة لتكوين هذه الومضات ألشعة گاما‬ ‫األرضية‪ ،‬وذلك على الرغم من استمرار بعض الشكوك حولها‪.‬‬ ‫وإضافة إلى احلاجة امللحة إلى حل هذا اللغز الساحر تكمن‬ ‫التأثيرات احملتملة في صحة اإلنسان‪ :‬فمثال إذا حلقت طائرة‬ ‫ركاب على مقربة من مصادر أشعة گاما‪ ،‬فإن هذه األشعة قد‬ ‫متثل ضررا إشعاعيا على ركاب تلك الطائرة‪.‬‬ ‫( ) ‪DEADLY RAYS FROM CLOUDS‬‬ ‫(‪the Compton Gamma Ray Observatory )1‬‬ ‫(‪electric discharges )2‬‬

‫باختصار‬ ‫تطلق السحب الرعدية أشعة گاما على شكل انفجارات قوية‬ ‫يقاس طولها بامللّي ثانية وتسمى ومضات أشعة گاما األرضية‪،‬‬ ‫املكتشفة أوال بواسطة مراصد الفضاء‪.‬‬ ‫وتنتج هذه االنفجارات أيضا أشعة من اإللكترونات وحتى من املادة‬ ‫املضادة التي تستطيع السير نصف الطريق حول الكرة األرضية‪.‬‬ ‫إن جميع التفسيرات املقترحة تتضمن مجاالت كهربائية‬ ‫‪30‬‬

‫قوية مطلقة إلكترونات مندفعة بقوة إلى داخل السحب الرعدية‪،‬‬ ‫ولكن ال يوجد تفسير يفسر متاما الطاقات املنحدرة عموديا‬ ‫ألشعة گاما‪.‬‬ ‫واملهمات الفضائية املوجهة احلديثة والطائرات البحثية رمبا حتل‬ ‫هذا اللغز‪ ،‬إضافة إلى االستعالم عما إذا كانت الومضات تُعرض‬ ‫رحالت خطوط الطيران ألخطار إشعاعية‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫َأتضرب عصفورين بحجر واحد؟‬

‫( )‬

‫في البداية تس� � ��اءل العلماء عما إذا كانت أش� � ��عة گاما لها‬ ‫عالقة بأعجوبة أخرى من عجائب الغالف اجلوي املكتش� � ��فة‬ ‫قبل س� � ��نوات قليلة فقط‪ .‬فقد التقطت الكاميرات املوجهة فوق‬ ‫الس� � ��حب الرعدية صورا ضوئية لومضات قصيرة المعة من‬ ‫الضوء األحمر على ارتفاع ‪ 50‬ميال فوق سطح األرض وعلى‬ ‫اتس� � ��اع عدة أميال‪ ،‬وكانت هذه الصور ملا يش� � ��به قنديل بحر‬ ‫عمالق‪ .‬وهذا التفريغ الكهربائي الرائع ُس � � � ِّمي تسمية غريبة‬ ‫س���پرايتس (عفاريت) ‪ ،sprites‬وألن سپرايتس تصل تقريبا‬ ‫إلى حدود الفضاء‪ ،‬فيبدو مقنعا أنها رمبا تطلق أش� � ��عة گاما‪،‬‬ ‫التي ميكن رؤيتها عن طريق مسبار يدور حول األرض‪.‬‬ ‫بعد وقت قصير‪ ،‬قام الفيزيائيون النظريون بأولى احملاوالت‬ ‫لش� � ��رح كيف ميكن لس� � ��پرايتس إنتاج أش� � ��عة گاما املرتبطة‬ ‫بالفضاء‪ .‬ويعتقد أن سپرايتس هي عبارة عن تأثيرات جانبية‬ ‫للبرق الطبيعي احلادث في الس� � ��حب عل� � ��ى ارتفاع منخفض‬ ‫ج� � ��دا‪ .‬والب� � ��رق هو عبارة عن قن� � ��اة موصل� � ��ة كهربائيا‪ ،‬تفتح‬

‫مؤقتا ف� � ��ي الهواء‪ ،‬الذي يكون على العك� � ��س عازال كهربائيا‪.‬‬ ‫وحتمل الصاعقة اإللكترون� � ��ات بني مناطق الغالف اجلوي أو‬ ‫بني الغالف اجلوي واألرض‪ ،‬وهذا يحدث بس� � ��بب عدم اتزان‬ ‫الشحنات الكهربائية التي تنطلق بواسطة املجاالت الكهربائية‬ ‫الناجتة والتي يزيد فرق جهدها على ‪ 100‬مليون ڤلط‪.‬‬ ‫إن االندفاع العنيف لإللكترونات ُيعيد االتزان الكهربائي‬ ‫جزئي� � ��ا؛ وذلك مثلما يجري عندما نُحدث نتو ًءا في س� � ��جادة‬ ‫فإنه غالبا ما ينش� � ��أ عنه نتوء باجتاه معاكس في مكان آخر؛‬ ‫فالتفريغ الكهربائي داخل السحب غالبا ما ينبثق عنه مجال‬ ‫كهربائي في مكان آخر‪ ،‬مبا في ذلك س� � ��طح األرض ‪ -‬حيث‬ ‫ميكن أن يؤدي الحقا إلى برق صاعد ‪ -‬أو قريبا من أس� � ��فل‬ ‫الغالف األيوني لألرض ‪ -‬حيث قد تنشأ سپرايتس‪.‬‬ ‫في ع� � ��ام ‪ 1992‬اس� � ��تطاع >‪ .V .A‬گيوريڤيتش< [من معهد‬ ‫ليبيدي� � ��ڤ الفيزيائ� � ��ي في موس� � ��كو] ومعاون� � ��وه أن يبينوا أن‬ ‫املج� � ��االت الكهربائي� � ��ة الثانوية بالقرب م� � ��ن الغالف األيوني‬ ‫ل� �ل��أرض ميكن أن تنت� � ��ج كما هائال م� � ��ن اإللكترونات العالية‬ ‫( )‬

‫?‪TWO BIRDS WITH ONE STONE‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪31‬‬


‫املؤلفان‬

‫براءة سپرايتس‬

‫( )‬

‫‪Joseph R. Dwyer‬‬

‫> َوير< فيزيائي فلكي ممن صاروا مهتمني بالبرق‪ ،‬وذلك بعد انتقاله إلى‬ ‫وسط فلوريدا – مركز حدوث البرق في الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وهو‬ ‫أستاذ في معهد فلوريدا للتقانة‪.‬‬ ‫‪David M. Smith‬‬

‫>سميث< أستاذ الفيزياء املشارك في جامعة كاليفورنيا‪ ،‬سانتا كروز‪.‬‬ ‫يد ّرس البرق وحزام األشعة األرضية احمليط باألرض والتوهجات‬ ‫الشمسية‪ .‬ويقوم أيضا بدراسات مراقبة ألشعة إكس وأشعة گاما من‬ ‫الثقوب السوداء‪.‬‬

‫الطاقة‪ ،‬والتي عند اصطدامها بالذرات‪ ،‬تنطلق منها فوتونات‬ ‫أشعة إكس ذات الطاقة العالية وكذلك أشعة گاما ذات الطاقة‬ ‫العالية للغاية ‪ -‬إضافة إلى التوهج األحمر املميز لسپرايتس‪.‬‬ ‫فه� � ��ذه اآللية التي جرى افتراضها ُمس� � ��تنتجة من قبل العالم‬ ‫األس� � ��كتلندي >‪ .R .T .C‬ويلسون< في عام ‪ 1920‬احلائز جائزة‬ ‫نوبل‪ .‬وعند الطاقات الصغيرة تتصرف اإللكترونات املندفعة‬ ‫بواسطة املجال الكهربائي كالبحارة املخمورين‪ ،‬حيث تتدافع‬ ‫م� � ��ن جزيء إلى آخر فاقدة طاقتها م� � ��ع كل تصادم‪ .‬أما عند‬ ‫الطاقات العالية‪ ،‬فتسير اإللكترونات في خط مستقيم‪ ،‬مكتسبة‬ ‫طاق� � ��ة عالية من املجال الكهربائي مما يجعل أي تصادم قليل‬ ‫التأثي� � ��ر في اضطراب مس� � ��ارها وهكذا‪ ,‬وه� � ��ي عملية ذاتية‬ ‫التعزي� � ��ز‪ .‬وتختلف هذه النتيجة مع خبراتنا اليومية‪ ،‬حيث إنه‬ ‫كلما أسرعنا في احلركة‪ ،‬زادت معاناتنا من القوة العكسية‪،‬‬ ‫متاما مثل ما يعانيه سائق دراجة‪.‬‬ ‫تس� � ��تطيع هذه اإللكترونات الهاربة‪ ،‬التسارع إلى سرعة‬ ‫الضوء تقريبا وتسير إلى أميال قبل توقفها بدال من املسافة‬ ‫الصغيرة القليل� � ��ة التي يتحركها اإللكترون عادة في الهواء‪.‬‬ ‫لقد أرجع فريق >جيوريڤيتش< ذلك إلى أن اإللكترون الهارب‬ ‫عندما يصطدم بجزيء الغاز في الهواء‪ ،‬فإنه يستطيع حترير‬ ‫إلكترون آخر‪ ,‬وه� � ��ذا اإللكترون يتس� � ��ارع‪ .‬والنتيجة متاثل‬ ‫تفاعل السلس� � ��لة‪ :‬اندفاع هائل من إلكترونات عالية الطاقة‬ ‫والتي تتزايد لوغاريتميا مع املس� � ��افة املقطوعة وتس� � ��تطيع‬ ‫الس� � ��ير مسافات بعيدة مع امتداد املجال الكهربائي‪ .‬وتأثير‬ ‫االندفاع الهائل لإللكترونات‪ ،‬طبقا حلسابات >جيوريڤيتش<‬ ‫ومعاونيه‪ ،‬من املمكن أن يزيد إنتاج أشعة إكس وأشعة گاما‬ ‫مبقادي� � ��ر مضاعفة جدا‪ .‬ويبدو هذا التص� � ��ور لبرهة مقبوال‬ ‫بشدة بسبب قدرته على توحيد ظاهرتني جويتني منفصلتني –‬ ‫ومضات أشعة گاما والسپرايتس‪ .‬وكما سوف نرى‪ ,‬اتضح‬ ‫أن الواقع أكثر تعقيدا‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫خالل السنوات العديدة الالحقة‪ ،‬ابتداء من عام ‪ ،1996‬ظهر‬ ‫العديد من الروايات الدقيقة للنظرية التي مثلت س� � ��پرايتس‬ ‫كاندفاعات هائلة من اإللكترونات منتجة أشعة گاما‪ .‬ودليل‬ ‫واح� � ��د هو الذي دع� � ��م هذا النموذج الش� � ��بحي‪ ،‬وهو طيف‬ ‫الطاقة ألش� � ��عة گاما‪ .‬فأشعة گاما ذات الطاقة العالية تسير‬ ‫مسافات أبعد في الهواء أكثر من األشعة األقل طاقة‪ ،‬ومن‬ ‫ثم فهي األكثر احتماال لعمل ذلك في الفضاء‪ .‬وبحساب عدد‬ ‫فوتونات أشعة گاما التي تصل إلى سفينة الفضاء عند كل‬ ‫مستوى طاقة‪ ،‬يستطيع العلماء استنتاج ارتفاع مصدرها‪.‬‬ ‫وأش� � ��ارت أولى اختبارات الطاقة ألش� � ��عة گاما‪ ،‬كما جرى‬ ‫رصدها بواس� � ��طة املرصد ‪ ،CGRO‬إلى وجود مصدر على‬ ‫عال جدا‪ ،‬وهذا متناسق مع سپرايتس‪.‬‬ ‫ارتفاع ٍ‬ ‫وفي عام ‪ ،2003‬أخذت األحداث منحى غير متوقع‪ .‬فخالل‬ ‫العم� � ��ل في موقع أبحاث البرق في فلوريدا وقياس االنبعاثات‬ ‫من أشعة إكس التي تصل األرض من برق الصاروخ املنطلق‪،‬‬ ‫اكتش� � ��ف واحد منا (> َوير<) ومعاونوه ومض ًة المعة جدا من‬ ‫أش� � ��عة گاما والتي خرجت من سحابة رعدية وغمرت املنطقة‬ ‫حولنا(‪ .)1‬هذا الوميض املس� � ��جل على أجهزتنا ش� � ��ابه متاما‬ ‫إحدى ومضات أشعة گاما األرضية التي اعتقد اجلميع أنها‬ ‫نشأت عن مكان أكثر بعدا‪ :‬األشعة لها الطاقة نفسها والفترة‬ ‫الزمنية نفس� � ��ها‪ ،‬نحو ‪ 0.3‬ملي ثاني� � ��ة‪ .‬وقد اعتقد اجلميع أن‬ ‫هذه الومضات آتية من ارتفاعات عالية جدا يتعذر رؤيتها من‬ ‫األرض‪ .‬وقد أوحى التشابه أنه رمبا تكون الصواعق البرقية‬ ‫في داخل السحب الرعدية من املصادر املباشرة ألشعة گاما‬ ‫الواصل� � ��ة إلى املرصد ‪ ،CGRO‬ولكن في الوقت نفس� � ��ه بدت‬ ‫الفك� � ��رة ضربا من الهوس‪ ،‬إذ يتع� �ي��ن أن يكون الضوء مبهرا‬ ‫للغاية للحصول على أش� � ��عة گاما كافية للخروج إلى الفضاء‬ ‫عبر كل الغالف اجلوي‪.‬‬ ‫وبعد وقت قصير‪ ،‬استطاعت التطورات األخرى إبطال‬ ‫املزاعم املرتبطة بني سپرايتس وأشعة گاما‪ .‬ففي عام ‪2002‬‬ ‫أطلقت ناس� � ��ا ‪ NASA‬مصور التحليل الطيفي الشمسي‬ ‫العالي الطاقة(‪ ،RHESSI )2‬لدراسة أشعة إكس وأشعة گاما‬ ‫من الش� � ��مس‪ ،‬ولكن كشافات اجلرمانيوم الكبيرة اخلاصة‬ ‫باملرصد ‪ RHESSI‬كانت ممتازة لقياس أشعة گاما القادمة‬ ‫م� � ��ن الغالف اجلوي بكفاءة عالية مع أنه يتطلب القيام بذلك‬ ‫من خالل خلفية الس� � ��فينة الفضائي� � ��ة‪ ،‬بينما يكون املرصد‬ ‫( ) ‪THE INNOCENCE OF SPRITAS‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‪“A Bolt out of the Blue,ˮ by Joseph R. Dwyer; Scientific American, May 2005 :‬‬ ‫)‪Reuven Ramaty High Energy Solar Spectroscopic Imager (2‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫مواجه� � ��ا جنمنا‪ .‬وكان واحد منا >س� � ��ميث< [وهو فيزيائي‬ ‫فلكي وفيزيائي شمس� � ��ي] ضمن فري� � ��ق املرصد ‪RHESSI‬‬ ‫وق� � ��ام بتوظيف >‪ .L‬لوپي� � ��ز<‪ ،‬التي كانت حينئ� � ��ذ طالبة في‬ ‫املرحلة اجلامعية األولى بجامعة كاليفورنيا‪ ،‬لتنظر في سيل‬ ‫البيانات املس� � ��جلة من قبل املرصد ‪ RHESSI‬لسنوات بحثا‬ ‫عن أي دليل ألش� � ��عة گاما املنبعثة من ارتفاعات منخفضة‬ ‫من األرض‪ .‬وفي هذا الوقت‪ ،‬كان ُيعتقد أن ومضات أشعة‬ ‫گاما األرضية نادرة ج� � ��دا‪ .‬وبدال من ذلك‪ ،‬وجدت >لوپيز<‬ ‫اكتشافا نفيس� � ��ا‪ :‬إن املرصد ‪ RHESSI‬كان يسجل ومضة‬ ‫مرة كل بضعة أيام أكثر بعشر مرات من املعدل الذي جرى‬ ‫رصده من قبل املرصد ‪.CGRO‬‬ ‫لق� � ��د ق� � ��اس املرص� � ��د ‪ RHESSI‬طاقات فوتونات أش� � ��عة‬ ‫گاما في كل ومضة بش� � ��كل أفض� � ��ل بكثير مما فعله املرصد‬ ‫‪ .CGRO‬ويبدو طيف أش� � ��عة گام� � ��ا الضوئي مماثال متاما ملا‬ ‫هو متوقع من اإللكترونات الهاربة‪ .‬إضافة إلى ذلك ومبقارنة‬ ‫تلك القياس� � ��ات بالقياس� � ��ات النظرية املتوقعة املماثلة للواقع‪،‬‬ ‫استنتجنا أن أشعة گاما مرت عبر الكثير من الهواء‪ ،‬ومن ثم‬ ‫يجب أن تكون قد نشأت عن ارتفاع تقريبي يتراوح بني تسعة‬ ‫أميال وثالثة عش� � ��ر ميال‪ ،‬وهي مسافة مساوية متاما ألعالي‬ ‫العواصف الرعدية ولكنها أقل بكثير من ارتفاع اخلمس� �ي��ن‬ ‫ميال حيث توجد سپرايتس‪.‬‬ ‫وقد جتمعت س� � ��ريعا أدلة مس� � ��تقلة إضافية تؤيد منش� � ��أ‬ ‫االرتفاع املنخفض ألشعة گاما أفضل من ارتباطه بسپرايتس‪.‬‬ ‫فقد أوضحت القياس� � ��ات اإلش� � ��عاعية التي أجريت بواس� � ��طة‬ ‫>‪ .S‬كوم� � ��ر< [من جامعة ديوك] للب� � ��رق املرتبط ببعض أرصاد‬ ‫املرص� � ��د ‪ RHESSI‬أن هذه الومض� � ��ات البرقية أضعف بكثير‬ ‫مما يتطلب لعمل س� � ��پرايتس‪ .‬وفضال ع� � ��ن ذلك‪ ،‬تبدو خريطة‬ ‫املرصد ‪ RHESSI‬لومضات أش� � ��عة گاما حول العالم مشابهة‬ ‫متاما للب� � ��رق الطبيعي‪ ،‬الذي يتركز في املناطق االس� � ��توائية‪،‬‬ ‫وأقل بكثير جدا من ش� � ��بهها بخريطة سپرايتس‪ ،‬التي تتجمع‬ ‫أحيانا على ارتفاعات أعلى في هذه األماكن‪ ،‬كما في السهول‬ ‫العظمى بالواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫وبقيت حجة واحدة لتفضيل س� � ��پرايتس كمنشأ‪ ،‬وهي أن‬ ‫طي� � ��ف الطاقة طبقا ألرصاد ‪ CGRO‬يش� � ��ير إلى مصدر عالي‬ ‫االرتفاع‪ ،‬مما يتفق أكثر مع س� � ��پرايتس أكثر من العواصف‬ ‫الرعدي� � ��ة‪ .‬لقد ب� � ��دأ الكثير منا يعتقد أن م� � ��ن احملتمل وجود‬ ‫نوعني من ومضات أش� � ��عة گاما‪ ،‬منخفضة وعالية االرتفاع‪.‬‬ ‫ولكن التأكيد النهائي لفكرة س� � ��پرايتس جاءت عندما أدركنا‬ ‫أن ومضات أش� � ��عة گام� � ��ا األرضية كانت أكث� � ��ر إضاءة مما‬ ‫كان يعتقد س� � ��ابقا‪ .‬وف� � ��ي الواقع‪ ,‬أثناء العم� � ��ل فيما بعد مع‬

‫مقاربة انفراغ الشحنة‬ ‫‪80‬‬

‫كيلومترا‬

‫‪60‬‬

‫كيلومترا‬

‫‪40‬‬

‫كيلومترا‬

‫‪20‬‬

‫كيلومترا‬

‫سپرايتس‬

‫أشعة گاما‬ ‫مقابل سپرايتس‬ ‫(عفاريت)‬ ‫( )‬

‫عندم���ا بدأت املراص���د الفضائية‬ ‫بالتق���اط انفجارات خارجية آتية‬ ‫من الغالف اجلوي في عام ‪،1990‬‬ ‫َح��� َز َر الباحثون أنها ناش���ئة عن‬ ‫تفري���غ كهربائ���ي ف���ي ارتفاع���ات‬ ‫عالي���ة تس���مى س���پرايتس‪ .‬ولكن‬ ‫اتض���ح أن ومض���ات أش���عة گاما‬ ‫األرضي���ة تنطل���ق م���ن الس���حب‬ ‫الرعدية‪ ،‬عل���ى ارتفاع أقل بكثير‪.‬‬ ‫وأنه���ا أيضا ُتنتج أش���عة ثانوية‬ ‫م���ن اجلزيئ���ات ‪ -‬متضمنة املادة‬ ‫املضادة ‪ -‬التي تس���تطيع الفرار‬ ‫إلى الفضاء وتطير حول األرض‪،‬‬ ‫مع املجال‪.‬‬

‫سحابة رعدية‬

‫طائرة جتارية‬

‫طالب دراسات عليا >‪ .B‬جريفينستيت< في عام ‪ ،2008‬وجدنا‬ ‫أن هذه الومضات كانت ش� � ��ديدة الس� � ��طوع حتى إن املرصد‬ ‫معمى جزئيا بس� � ��ببها ولم يستطع قياس الشدة‬ ‫‪ CGRO‬كان‬ ‫ً‬ ‫الكلية لها‪( .‬هذا التش� � ��بع أثر أيضا ف� � ��ي املرصد ‪,RHESSI‬‬ ‫ولك� � ��ن بدرجة أقل‪ ).‬وعندما أعاد الباحثون في جامعة بيرگن‬ ‫بالنرويج حتليل البيانات في عام ‪ ،2010‬وجدوا أن األخذ في‬ ‫االعتبار تش� � ��بع اجلهاز‪ ،‬جعل النتائ� � ��ج متوافقة مع املصادر‬ ‫القليلة االرتفاع‪.‬‬ ‫وبع� � ��د ذلك ف� � ��ي أقل من س� � ��نتني‪ ،‬هبط االرتف� � ��اع املزعوم‬ ‫حيث تتكون ومضات أش� � ��عة گاما أكث� � ��ر من ‪ 30‬ميال‪ .‬إن من‬ ‫الن� � ��ادر ما ُيالحظ في العل� � ��وم تبدال في النماذج التفس� � ��يرية‬ ‫يحدث بهذه الس� � ��رعة‪ .‬وهذا التبدل مثير للس� � ��خرية‪ ،‬باعتبار‬ ‫أنه عندم� � ��ا أصبحنا منضمني إلى هذا املجال من البحث منذ‬ ‫( )‬

‫‪Gamma Rays vs. Sprites‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪33‬‬


‫تفسير ممكن‬

‫ما هي مسببات ومضات أشعة گاما؟‬

‫( )‬

‫اتف���ق العلماء على أن أش���عة گاما األرضية رمبا تتضمن ش�ل�االت من‬ ‫اإللكترون���ات الت���ي مبجرد حتريرها من ذراتها‪ ،‬تتس���ارع إلى س���رعة‬ ‫الضوء تقريبا في مجال كهربائي شديد داخل السحب الرعدية‪ .‬وبعد‬ ‫ذل���ك‪ ،‬عندما تصط���دم هذه اإللكترون���ات بنوى جزيئات اله���واء فإنها‬ ‫حترر فوتونات أش���عة گاما‪ .‬ولكن لتفس���ير طاقات الفوتونات ‪ -‬التي‬ ‫تش���به الفوتونات الناجتة من انفجارات النجوم ‪ -‬يتعني توفر بعض‬ ‫اآلليات اإلضافية‪ .‬وفي فرضية االسترجاع النسبي (في اليسار)‪ ،‬فإن‬

‫بعضا من أشعة گاما ينتج مادة جديدة ‪ -‬زوجا من اجلزيئات يتكون من‬ ‫إلكت���رون واحد وبوزيترون واحد (املادة املضادة النظيرة لإللكترون)‪.‬‬ ‫ألن البوزيترون���ات حتم���ل ش���حنة كهربائي���ة معاكس���ة لإللكترون���ات‪،‬‬ ‫فهي تس���ير إلى األسفل وتطلق ش�ل�االت جديدة من اإللكترونات‪ .‬وفي‬ ‫فرضية البرق النموذجي (في اليمني)‪ ،‬س���يحافظ س���هم البرق الشديد‬ ‫على حترير ش�ل�االت من اإللكترونات اجلديدة أثناء صعوده من أسفل‬ ‫السحابة إلى قمتها‪.‬‬

‫أشعة گاما‬

‫زوج إلكتروني‬ ‫بوزيتروني‬

‫بوزيترون‬

‫إلكترونات‬ ‫هاربة مسرعة‬

‫آلية البرق النموذجي‬

‫آلية االسترجاع النسبي‬

‫عقد من الزمن‪ ،‬كانت س� � ��پرايتس هي املثال الس� � ��اطع الواحد‬ ‫لكيفية إنتاج أش� � ��عة ذات طاقة في غالفنا اجلوي‪ .‬واآلن‪ ،‬بعد‬ ‫عشر سنوات‪ ،‬يبدو كل شيء تقريبا منتجا أشعة عالية الطاقة‬ ‫ميكن كشفها ‪ -‬سحب رعدية‪ ،‬أنواع عديدة مختلفة من البرق‪،‬‬ ‫ش� � ��رارات مختبر ‪ -‬ولكنها ليست س� � ��پرايتس‪ .‬وكما يبدو ثمة‬ ‫إجماع اآلن على أن انخفاض طاقة أشعة سپرايتس يدل على‬ ‫أن سپرايتس ليست مسؤولة عن ومضات أشعة گاما‪.‬‬

‫أن طريقة االندفاعات العنيفة لإللكترونات‪ ،‬كما متت صياغتها‬ ‫وتصويره� � ��ا بواس� � ��طة >جيوريڤيت� � ��ش< ومعاوني� � ��ه‪ ،‬مع أنها‬ ‫ش� � ��ديدة الطاقة لتفعل أي شيء مع س� � ��پرايتس‪ ،‬فإنها ليست‬ ‫قوية لدرجة تكفي لتوليد اإلضاءات الكبيرة املرئية بواس� � ��طة‬ ‫املرصد ‪ RHESSI‬أو عن طري� � ��ق التحليالت اجلديدة لبيانات‬ ‫املرصد ‪ .CGRO‬غير أن احلس� � ��ابات الت� � ��ي أجريت من قبل‬ ‫> َوير< أوضحت أن طريقة االندفاعات الش� � ��ديدة لإللكترونات‬ ‫العالية الطاقة جدا تس� � ��تطيع إطالق طاق� � ��ة أكبر بتريليونات‬ ‫املرات أكثر مما نتصور‪ ،‬وتستطيع عمل الشيء نفسه داخل‬ ‫س� � ��حابة رعدية‪ .‬واملذهل أن هذه الطريقة تتضمن وبكل تأكيد‬

‫مسببات املادة املضادة‬

‫( )‬

‫إذا كانت س� � ��پرايتس ليست هي املسؤولة عن إنتاج ومضات‬ ‫أشعة گاما‪ ،‬فمن املسؤول إذن؟ وهل العملية ال تزال تتضمن‬ ‫االندفاعات العنيفة لإللكترونات الهاربة؟ لقد ثبت في النهاية‬ ‫‪34‬‬

‫( ) ?‪What Causes the Gamma-Ray Flashes‬‬ ‫( ) ‪BRING ON THE ANTIMATTER‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫إنتاج الكثير من املادة املضادة‪.‬‬ ‫وإذا كان املجال الكهربائي داخل الس� � ��حب الرعدية قويا‬ ‫بالقدر الكافي‪ ،‬فإن اإللكترون� � ��ات الهاربة ‪ -‬املفترض تكونها‬ ‫بطريقة ما ‪ -‬تتسارع إلى سرعة الضوء تقريبا وعندما تلتقي‬ ‫بنوى الذرات في جزيئات الهواء‪ ،‬فإنها س� � ��وف تبعث أش� � ��عة‬ ‫گاما‪ .‬وبالتبعية‪ ،‬فإن فوتونات أش� � ��عة گاما تستطيع التصادم‬ ‫بنوى الذرات إلنتاج زوج من اجلزيئات‪ :‬إلكترونات ومضاداتها‬ ‫التوائم بوزيترونات(‪ .)1‬فالبوزيترونات س� � ��وف تندفع أيضا‪،‬‬ ‫مكتسبة طاقة املجال الكهربائي‪ .‬ولكن بينما تندفع اإللكترونات‬ ‫إلى األعلى‪ ،‬فإن البوزيترونات التي حتوي ش� � ��حنة معاكس� � ��ة‬ ‫س� � ��وف تندفع إلى األس� � ��فل‪ .‬وعندما تصل البوزيترونات إلى‬ ‫أس� � ��فل املجال الكهربائي‪ ،‬سوف تصطدم بذرات الهواء فتنتج‬ ‫منها إلكترونات جديدة تندفع إلى األعلى مرة أخرى‪.‬‬ ‫وبه� � ��ذه الطريقة‪ ،‬فإن اإللكترونات الصاعدة س� � ��وف تنتج‬ ‫بوزيترونات متجهة إلى األس� � ��فل والتي بالتبعية س� � ��وف تنتج‬ ‫إلكترونات أكثر صعودا إلى األعلى وهكذا‪ .‬وإذا كان اندفاع‬ ‫واح� � ��د لإللكترونات يؤدي إلى إنتاج العديد منها‪ ،‬فإن التفريغ‬ ‫الكهربائي سوف ينتشر سريعا فوق مساحة واسعة للسحابة‬ ‫الرعدية‪ ،‬تصل في اتساعها إلى أميال عديدة‪ .‬واألعداد املتنبأ‬ ‫بها به� � ��ذا النموذج ‪ -‬يس� � ��مى من���وذج التفري���غ الكهربائي‬ ‫االس���ترجاعي النس���بي(‪ - )2‬تتالءم متاما مع الشدة والفترة‬ ‫الزمني� � ��ة وطي� � ��ف الطاقة ألش� � ��عة گاما‪ ،‬كما ج� � ��رى رصدها‬ ‫باملرصدين ‪ CGRO‬و ‪.RHESSI‬‬ ‫واالس� � ��ترجاع اإليجابي من البوزيترونات يشبه الزعيق‬ ‫املزعج الذي نحصل عليه عند اإلمساك بامليكروفون من فوق‬ ‫السماعة‪ .‬وبالطبع إذا كنا نريد ضجيجا عاليا‪ ،‬فإننا نستطيع‬ ‫أيضا الصياح في امليكروفون‪ .‬وهذا املنطق هو وراء تفسير‬ ‫آخر محتمل وإن لم يجر متاما التحقق منه رياضياتيا متاما‪:‬‬ ‫هذه الومضات من أش� � ��عة گاما هي النسخة األكثر طاقة من‬ ‫انفجارات أش� � ��عة إكس املنبعثة بواسطة البرق عند اقترابه‬ ‫من األرض‪ .‬ولسنوات عديدة قام الباحثون في معهد فلوريدا‬ ‫للتقانة‪ ،‬ومعهد نيومكس� � ��يكو للتعدين والتقانة بقياس أشعة‬ ‫إكس هذه‪ ،‬سواء تلك الناجتة من البرق الذي ينبعث صنعيا‬ ‫م� � ��ن إطالق الصواريخ أو من الب� � ��رق الطبيعي الذي يضرب‬ ‫األرض‪ .‬وقد أوضحت أفالم أش� � ��عة إكس من كاميرا أشعة‬ ‫إكس السريعة في والية فلوريدا أن االنفجارات تنبثق من قمة‬ ‫قناة البرق خالل سريانها من السحب إلى األرض‪ .‬ومعظم‬ ‫العلماء يعتقدون أن أشعة إكس تتولد عن طريق اإللكترونات‬ ‫الهاربة‪ ،‬املُ َع َّجلة بواس� � ��طة املج� � ��االت الكهربائية القوية أمام‬ ‫البرق‪ .‬ورمبا ألسباب لم تعرف بعد‪ ،‬فإن البرق الذي يتحرك‬

‫في املجال الكهربائي داخل الس� � ��حب الرعدية يقوم بوظيفة‬ ‫صحت هذه‬ ‫أفض� � ��ل إلنتاج هذه اإللكترون� � ��ات الهاربة‪ .‬وإذا ّ‬ ‫الفكرة‪ ،‬فإن الومضات املرصودة من سفينة فضاء على بعد‬ ‫مئات األمي� � ��ال رمبا تكون مجرد نوع ‪ -‬مكبر ببعض الطرق‬ ‫غير املعروفة بعد ‪ -‬من أشعة إكس املتولدة من البرق والتي‬ ‫جتري رؤيتها على األرض بواسطة كشافات على بعد مئات‬ ‫األقدام من الصاعقة‪.‬‬ ‫على حني ِغ ّرة‬

‫( )‬

‫م� � ��ع نهاية عام ‪ 2005‬كنا واثقني من أن معظم ومضات أش� � ��عة‬ ‫گاما األرضية تنش� � ��أ من داخل أو قريبا من أعالي الس� � ��حب‬ ‫الرعدية‪ ،‬بغض النظر عما إذا كانت املادة املضادة أو س� � ��هام‬ ‫البرق املقوى متضمنة معها‪ .‬وقبل أن نتقبل هذا الطرح بشغف‪،‬‬ ‫ظهر شيء يضع فهمنا محل تساؤل من جديد‪ :‬إحدى الظواهر‬ ‫املرصودة من املرصد ‪ RHESSI‬كانت دويا ش� � ��ديدا في وسط‬ ‫الصحراء الكبرى في أواسط إفريقيا ‪ Sahara Desert‬في يوم‬ ‫مشمس ومن دون سحب رعدية في املشهد‪.‬‬ ‫قضينا نحن وطلبتنا شهورا نناضل على هذا احلدث‪ .‬لقد‬ ‫حتول األمر إلى أن الس� � ��حب الرعدية تشكلت هذا اليوم ولكن‬ ‫ليس في املكان الذي كانت تبحث فيه السفينة الفضائية‪ .‬كانت‬ ‫الس� � ��حب الرعدية على بعد آالف األمي� � ��ال إلى اجلنوب‪ ،‬على‬ ‫مدى األفق من املرصد ‪ .RHESSI‬وأشعة گاما لهذه السحب‪،‬‬ ‫وهي كجميع أش� � ��كال الضوء تسير في خط مستقيم‪ ،‬لم تكن‬ ‫تستطيع الوصول إلى السفينة الفضائية‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬تس� � ��ير اجلس� � ��يمات املش� � ��حونة‪ ،‬مثل‬ ‫اإللكترون� � ��ات‪ ،‬طبيعيا في مس� � ��ارات منحنية ملتف� � ��ة حلزونيا‬ ‫حول اخلط� � ��وط املنحنية للمجال املغنطيس� � ��ي لألرض‪ .‬كانت‬ ‫العواص� � ��ف الرعدية موجودة متاما عل� � ��ى الطرف اآلخر خلط‬ ‫املجال املغنطيسي املار بالسفينة الفضائية‪ .‬واإللكترونات التي‬ ‫وصلت إلى ارتفاعات عالية جدا تستطيع السير حول الكوكب‬ ‫والتحط� � ��م في كش� � ��افات املرص� � ��د ‪ ،RHESSI‬مكونة في هذه‬ ‫العملية أشعة گاما‪ .‬ومع ذلك‪ ,‬يبدو مستحيال أن اإللكترونات‬ ‫املتحررة داخل سحابة رعدية تستطيع عمل ذلك خالل الكثير‪،‬‬ ‫الكثير من األميال في الغالف اجلوي إلى ارتفاع في الفضاء‬ ‫حيث تستطيع الس� � ��ير حول خطوط املجال‪ .‬وقد بدت املراقبة‬ ‫اجلديدة بأنها حتتاج إلى مصدر عالي االرتفاع‪.‬‬ ‫وفضال عن ذلك‪ ,‬وفي عام ‪ 2011‬الحظ تيليس� � ��كوب فيرمي‬ ‫( ) ‪OUT OF THE BLUE‬‬ ‫)‪positrons (1‬‬ ‫)‪the relativistic feedback discharge model (2‬‬

‫التتمة في‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫الصفحة ‪45‬‬

‫‪35‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫أسرار كابحي ڤيروس‬ ‫العوز املناعي البشري‬

‫( )‬

‫ثمة مجموعة نادرة من األفراد املصابني بالڤيروس ‪ ،HIV‬والذين ال يحتاجون‬ ‫إلى أية أدوية لإلبقاء على الڤيروس حتت السيطرة‪ .‬وحظهم احلسن قد يدلنا‬ ‫على الطريق إلى عالجات أكثر فاعلية  ‪ -‬ورمبا إلى لقاح ضد املرض‪.‬‬ ‫<‪ .D .B‬ووكر>‬

‫ف� � ��ي أحد األيام من أوائل عام ‪ ،1995‬دخل رجل يدعى‬ ‫>‪ .B‬ماسي< إلى مكتبي في العيادات اخلارجية ملستشفى‬ ‫ماساتشوس� � ��تس العام في بوسطن‪ .‬ليخبرني أنه مصاب‬ ‫بالڤيروس ‪ - HIV‬وهو الڤيروس الذي يس� � ��بب داء اإليدز‬ ‫‪ - AIDS‬منذ س� � ��تة عشر عاما‪ ،‬ومع ذلك لم تظهر عليه أية‬ ‫أعراض مرضية على اإلطالق‪ .‬وقد أكد فحصي السريري‬ ‫أنه كان بصحة جيدة‪ ،‬وذلك في تناقض صارخ مع جميع‬ ‫املرض� � ��ى اآلخرين الذين فحصتهم في ذل� � ��ك اليوم‪ .‬وفي‬ ‫ذلك الوق� � ��ت‪ ،‬كان الباحثون يختبرون مجموعة جديدة من‬ ‫األدوية التي من شأنها أن تبطئ في نهاية املطاف التدهور‬ ‫التدريج� � ��ي للوظائف املناعية الناج� � ��م عن الڤيروس ‪.HIV‬‬ ‫وف� � ��ي ع� � ��ام ‪ ،1995‬على أية حال‪ ،‬كان معظم األش� � ��خاص‬ ‫الذين أصيبوا بع� � ��دوى الڤيروس ‪ HIV‬لعقد من الزمن أو‬ ‫أكثر ق� � ��د تفاقمت حالتهم بالفعل إل� � ��ى داء اإليدز ‪ -‬وهي‬ ‫ضات‬ ‫املرحلة التي تتسم بعدم القدرة على مقاومة الـمُ مْ رِ َ‬ ‫‪ pathogens‬األخ� � ��رى‪ .‬ولم يكن الش� � ��اب الواقف أمامي قد‬ ‫تناول مطلق� � ��ا أي دواء مضاد للڤي� � ��روس ‪ ،HIV‬كما كان‬ ‫يعتق� � ��د اعتقادا جازما بأنني إذا علمت س� � ��ر حظه اجل ّيد‪،‬‬

‫فمن املمكن لهذه املعلومات أن تساعد اآلخرين على البقاء‬ ‫على قيد احلياة بعد اإلصابة مبا كان ُيعتقد عموما آنذاك‬ ‫بأنه مرض مميت في جميع احلاالت‪.‬‬ ‫ولد >ماس� � ��ي< مصابا بالناعور ‪ ،hemophilia‬وهو أحد‬ ‫اضطراب� � ��ات تخثّر ال� � ��دم‪ .‬وفي تلك األي� � ��ام‪ ،‬كانت الغالبية‬ ‫العظم� � ��ى من الناعوري�ي�ن(‪ )1‬إيجابيني للڤيروس ‪ HIV‬ألنهم‬ ‫كان� � ��وا يخضعون لتس� � ��ريب منتجات الدم وريديا بش� � ��كل‬ ‫متك� � ��رر‪ ،‬تلك املنتجات التي تجُ َّمع من آالف املتبرعني الذين‬ ‫ل� � ��م يفحص أي منهم لتحري اإلصابة بالڤيروس ‪ HIV‬حتى‬ ‫منتص� � ��ف وإلى أواخر ثمانينات القرن العش� � ��رين‪ُ ( .‬يعالج‬ ‫الناعوريون الي� � ��وم بعوامل التخث� � ��ر االصطناعية‪ ،‬التي ال‬ ‫تش� � ��كل أي خطر للعدوى بالڤيروس ‪ .)HIV‬وكشفت بعض‬ ‫عينات الدم املأخوذة من >ماسي<‪ ،‬والتي ُخ ِّزنت في سياق‬ ‫إحدى الدراس� � ��ات‪ ،‬أن� � ��ه أصيب بالڤي� � ��روس ‪ HIV‬في عام‬ ‫‪ .1978‬ومع ذلك‪ ،‬فإن جميع االختبارات التي أجريتها عليه‬ ‫أو عل� � ��ى عينات دمه املخ ّزنة أظهرت أن مقدار الڤيروس في‬ ‫( )‬

‫‪SECRETS OF THE HIV CONTROLLERS‬‬

‫(‪ )1‬املصابون بالناعور‪.‬‬

‫باختصار‬ ‫ميكن لواح� � ��د من بني كل ‪ 300‬مصاب بع� � ��دوى الڤيروس ‪ HIV‬أن‬ ‫يكب� � ��ح الڤي� � ��روس بصورة طبيعي� � ��ة دون احلاجة إلى تن� � ��اول األدوية‬ ‫املضادة للڤيروسات‪.‬‬ ‫ويعتقد الباحثون أن مفتاح حس� � ��ن طال� � ��ع نخبة كابحي الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬هذه يكمن في طريقة العمل املعقدة ألجهزتهم املناعية‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫وقد كش� � ��فت الدراس� � ��ات اجلينية ع� � ��ن األس� � ��باب الدقيقة لكون‬ ‫اس� � ��تهداف وتدمير اخلاليا املصابة بعدوى الڤيروس ‪ HIV‬يحدث في‬ ‫أجسام نخبة كابحي هذا الڤيروس بسرعة أكبر‪.‬‬ ‫إن فهم هذه االستجابة املناعية الفعالة والقوية مبزيد من التفصيل‬ ‫قد يؤدي في يوم ما إلى حتسني أساليب الوقاية من اإليدز وعالجه‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫دمه كان ضئيال للغاية‪ ،‬وأن اس� � ��تجاباته املناعية تبدو قوية‬ ‫كما كانت دائما ‪.‬‬ ‫ُهلت‪ ،‬فهذه كانت املرة األولى التي أقف فيها وجها‬ ‫لقد ذ ُ‬ ‫لوج� � ��ه مع مريض يبدو أن جس� � ��مه يس� � ��يطر على الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬من تلقاء نفس� � ��ه‪ ،‬وأنه ظل يقوم بذلك ملدة عشر سنوات‬ ‫ونصف‪ .‬بيد أن >ماس� � ��ي<‪ ،‬كما اتضح الحقا‪ ،‬لم يكن وحده‬ ‫في ذلك‪ .‬فقد كان الباحثون في كل من كاليفورنيا وماريالند‬ ‫وإيطاليا وفرنس� � ��ا‪ ,‬قد اكتش� � ��فوا في أوائل تسعينات القرن‬ ‫العش� � ��رين‪ ،‬عددا م� � ��ن األفراد ذوي خصائ� � ��ص مماثلة غير‬ ‫عادي� � ��ة‪ ،‬ومن ثم عكفوا باهتمام على دراس� � ��ة حاالتهم‪ .‬وفي‬ ‫نهاية املطاف قررنا أن هؤالء األفراد غير العاديني ينقسمون‬ ‫إل� � ��ى مجموعتني رئيس� � ��تني‪ :‬مجموعة من «غي����ر املتفاقمني‬ ‫‪ nonprogressors‬على املدى الطويل»‪ ،‬الذين كانت أجسامهم‬ ‫قادرة على مقاومة عدوى الڤيروس ‪ HIV‬لفترة طويلة للغاية‪،‬‬ ‫ولكنه� � ��م يصاب� � ��ون باملرض ف� � ��ي نهاية املط� � ��اف؛ ومجموعة‬ ‫أصغ� � ��ر بكثير من «نخبة كابحي الڤي����روس ‪ ،»)1(HIV‬ذوي‬ ‫اخلصائص املدهشة ‪ -‬مثل >ماسي< ‪ -‬والذين‪ ،‬ببساطة‪ ،‬لم‬ ‫يصابوا باإليدز عاما بعد عام‪ ،‬مع أنهم لم يتناولوا مطلقا أية‬ ‫أدوية مضادة للڤيروس ‪.HIV‬‬ ‫وبطريقة م� � ��ا‪ ،‬فإن نخبة كابحي الڤي� � ��روس ‪ HIV‬حتتفظ‬ ‫مبستويات منخفضة للغاية ‪ -‬أو حتى ال ميكن اكتشافها ‪-‬‬ ‫متكن العلماء من معرفة كيف‬ ‫من الڤيروس في دمائها‪ .‬فإذا ّ‬ ‫ميكن لهؤالء األفراد النادرين للغاية حتقيق مثل هذا اإلجناز‬ ‫الفذ‪ ،‬فقد يتعلمون كيفية إنتاج لقاح فعال أو تطوير عالجات‬ ‫تق ّوي اجلهاز املناعي لدى املرضى‪ ،‬مقابل االكتفاء مبهاجمة‬ ‫الڤيروس باألدوية‪.‬‬ ‫َب ْي � � � َد أن مثل ه� � ��ذا اإلجناز رمبا ال يتحق� � ��ق عما قريب‪.‬‬ ‫وف� � ��ي الوقت احلال� � ��ي‪ ،‬يعيش ف� � ��ي العالَم نح� � ��و ‪ 33‬مليون‬ ‫مص� � ��اب بالڤيروس ‪ ،HIV‬يس� � ��تطيع أكثر من س� � ��تة ماليني‬ ‫منه� � ��م احلصول على األدوية املضادة للڤيروس ‪ ،HIV‬ولكن‬ ‫هذه األدوية ال تمُ كِّ ن من الش� � ��فاء من عدوى الڤيروس ‪،HIV‬‬ ‫كما يجب تناولها م� � ��دى احلياة‪ .‬وإن احتمال توفير العالج‬ ‫الدوائي جلميع الذين يحتاجون إليه ‪ -‬عند احتياجهم إليه ‪-‬‬ ‫ضعيف‪ .‬وثمة حاجة ماس� � ��ة إلى ح� � ��ل للوقاية من العدوى‬ ‫ألولئ� � ��ك الذين لم يصابوا بها بعد‪ ،‬وملنع حدوث املرض لدى‬ ‫الذين تعرضوا للعدوى‪.‬‬ ‫بع� � ��د عقدين من دراس� � ��ة نخبة كابح� � ��ي الڤيروس ‪،HIV‬‬ ‫مثل >ماسي<‪ ،‬صرت مع زمالئي أكثر اقتناعا من أي وقت‬ ‫مضى ب� � ��أن إجراء األبحاث حول بنيتهم الكيميائية احليوية‬

‫حالة فريدة‪ :‬إن البنية اجلينية‬ ‫لألفراد املشاهَ دين في هذه الصور‬ ‫مكنتهم من محاربة الڤيروس وتعطيل‬ ‫فعاليته متاما دون احلاجة إلى تناول‬ ‫مزيج من املعاجلات املضادة للڤيروس‬ ‫‪ .HIV‬ظل <‪ .S‬وافروك> (‪ )1‬مصابا‬ ‫بالڤيروس ‪ HIV‬ملدة ‪ 26‬عاما‪ ،‬كما‬ ‫عــايـشـه <‪ .B‬ماسي> (‪ )2‬ملدة ‪ 34‬عاما‪،‬‬ ‫و<‪ .L‬ويلينبيرگ> (‪ )3‬ملدة ‪ 20‬عاما‪ .‬أما‬ ‫<‪ .D‬روبنسون> (‪ )4‬فقد علم بإصابته‬ ‫بالڤيروس ‪ HIV‬في عام ‪.2003‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفري� � ��دة يزودن� � ��ا بفه� � ��م عميق‬ ‫جدا بطرق الوقاي� � ��ة من اإليدز‬ ‫ومعاجلته‪ .‬ولهذه الرحلة العلمية‬ ‫نتائج كبي� � ��رة تتعلق بقدرتنا في‬ ‫النهاي� � ��ة عل� � ��ى تس� � ��خير جهاز‬ ‫املناعة البشري ملكافحة عدد ال‬ ‫يحصى من األمراض البشرية‬ ‫الـ ُمعدي� � ��ة األخرى‪ ،‬ورمبا بعض‬ ‫أنواع السرطان‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ليس ثمة ما يكفي‬ ‫( )‬ ‫من اجلنراالت‬ ‫من أجل فهم مدى مت ّيز >ماسي‬ ‫وغيره من نخبة كابحي الڤيروس‬ ‫‪ ،HIV‬وس� � ��بب ك� � ��ون قصته� � ��م‬ ‫تزودن� � ��ا باألمل ف� � ��ي َق ْهر اإليدز‬ ‫وغيره م� � ��ن األمراض‪ ،‬من املفيد‬ ‫أن نفه� � ��م أوال كي� � ��ف يهاج� � ��م‬ ‫الڤيروس ‪ HIV‬اجلس � � � َم‪ ،‬وكيف‬ ‫ُ‬ ‫يح� � ��اول اجلس� � ��م الدف� � ��اع عن‬ ‫نفسه‪ .‬وخالل السنوات الثالثني‬ ‫املاضي� � ��ة‪ ،‬تع ّل� � ��م الباحث� � ��ون أن‬ ‫األجهزة املناعية ملعظم املصابني‬ ‫بالڤي� � ��روس ‪ - HIV‬ولي� � ��س فقط‬ ‫نخبة كابحي� � ��ه ‪ -‬تكافح العدوى‬ ‫األولية بكل ق� � ��وة‪ ،‬مما ينتج منه‬

‫<‬

‫( )‬

‫‪3‬‬

‫‪NOT ENOUGH GENERALS‬‬

‫(‪ elite HIV controllers )1‬أو نخبة ضابطي‬ ‫الڤيروس ‪.HIV‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪37‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Bruce D. Walker‬‬

‫رأى >ووك���ر< أول مرض� � ��اه املصابني باإليدز في عام ‪ 1981‬عندما كان ال يزال‬ ‫طبيب� � ��ا مقيما‪ .‬وهو اآلن مدير املعهد ‪ Ragon‬في بوس� � ��طن‪ ،‬وأس� � ��تاذ األمراض‬ ‫الباطنية في كلية الطب بجامعة هارڤارد‪ ،‬وأستاذ مساعد في جامعة كوازولو ‪-‬‬ ‫ناتال ‪ KwaZulu-Natal‬بدوربان‪ ،‬جنوب إفريقيا‪.‬‬

‫الكثير من أضداد ‪ antibodies‬الڤيروس‪ .‬ولس� � ��وء احلظ‪ ،‬فإن‬ ‫هذه األضداد ليس� � ��ت فعالة‪ ،‬ولهذا تس� � ��تمر العدوى ‪ -‬حتى‬ ‫ف� � ��ي صفوف نخبة كابح� � ��ي الڤيروس ‪ .HIV‬وتتس� � ��م اآلليات‬ ‫الدقيقة ملكافحة الڤيروس في ظل غياب أضداد جيدة‪ ،‬بكونها‬ ‫معق� � ��دة وأحيانا غامض� � ��ة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ومن حي� � ��ث املبدأ‪ ،‬فإن‬ ‫نوعني مختلفني من اخلالي� � ��ا املناعية ‪ -‬املعروفة باخلاليا ‪T‬‬ ‫املساعدة(‪( )1‬أو ‪ ،)CD4+‬واخلاليا ‪ T‬القاتلة(‪( )2‬أو ‪- )CD8+‬‬ ‫واجلزيئات املعروفة باس� � ��م مس����تقبالت مس����تضد الكريات‬ ‫البي����ض البش����رية )‪ - )3((HLA‬يبدو أنهم� � ��ا يؤديان األدوار‬ ‫األكثر أهمية‪.‬‬ ‫وباعتب� � ��اره ڤيروس� � ��ا‪ ،‬ف� � ��إن الڤي� � ��روس ‪ HIV‬ال ميكنه‬ ‫التكاثر من تلقاء نفس� � ��ه‪ .‬وعندم� � ��ا يصيب اخلاليا بعدواه‪،‬‬ ‫يقوم بالس� � ��يطرة عل� � ��ى آلياتها احليوية وم� � ��ن ثم توجيهها‬ ‫لصنع ڤيروس� � ��ات جديدة بدال من القيام بوظائفها اخللوية‬ ‫املعتادة‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬فإن هذه اخلاليا املصابة بالعدوى‬ ‫حتتوي على نظام لإلنذار املبكر لتنبيه اجلس� � ��م من أولئك‬ ‫الغزاة‪ .‬وخالل الس� � ��اعات األولى للغزو الڤيروس� � ��ي‪ ،‬تقوم‬ ‫اخلالي� � ��ا املصابة بالع� � ��دوى بتمرير قطع م� � ��ن البروتينات‬ ‫الڤيروس� � ��ية ‪( -‬التي أجبرت على تصنيعها) إلى سطحها‪.‬‬ ‫وهن� � ��اك يتم ع� � ��رض هذه القط� � ��ع املكونة من م� � ��واد غريبة‬ ‫بواس� � ��طة املس� � ��تقبالت ‪ .HLA‬وس� � ��رعان ما يعمل وجود‬ ‫البروتينات الڤيروسية امللتصقة باجلزيئات ‪ HLA‬اخلاصة‬ ‫بهذه اخلاليا على جذب انتباه اجلهاز املناعي‪ ،‬الذي يقوم‬ ‫ببرمجة اخلاليا ‪ T‬املساعدة حلشد مجموعة من اخلاليا ‪T‬‬ ‫القاتلة‪ ،‬التي يتم حينئذ إعدادها خصيصا لتدمير اخلاليا‬ ‫املصاب� � ��ة بالڤيروس ‪ .HIV‬إضافة إل� � ��ى ذلك‪ ،‬فإن اخلاليا‬ ‫‪ T‬املس� � ��اعدة الـ ُمفعلة اآلن تقوم أيضا تدريجيا بتحريض‬ ‫إنتاج جزيئ� � ��ات األضداد‪ ،‬عن طريق نوع آخر من اخلاليا‬ ‫املناعية الت� � ��ي تلتصق مبكونات محددة من الڤيروس� � ��ات‬ ‫‪38‬‬

‫ُتفرزه� � ��ا اخلاليا املصابة بالعدوى ‪ -‬في محاولة منفصلة‪،‬‬ ‫مع أنها غير ُمجدية‪ ،‬للقضاء على ال ُغزاة‪.‬‬ ‫يعم� � ��ل هذا اجلهد الدفاعي بش� � ��كل جيد ج� � ��دا في معظم‬ ‫األخماج الڤيروس� � ��ية‪ ،‬ولكن الڤي� � ��روس ‪ُ HIV‬ينفذ خدعة غير‬ ‫عادي� � ��ة مت ّكنه في نهاي� � ��ة املطاف من هزمي� � ��ة اجلهاز املناعي‪:‬‬ ‫وتس� � ��تهدف ع� � ��دوى الڤيروس بش� � ��كل تفضيل� � ��ي اخلاليا ‪T‬‬ ‫املساعدة‪ ،‬مبا في ذلك تلك املج ّهزة خصيصا للمساعدة على‬ ‫مكافحتها‪ .‬وهذا الفعل التخريبي الڤيروسي احمل ّدد يتسبب ‪-‬‬ ‫بصورة مباشرة أو غير مباشرة ‪ -‬في تدمير معظم اخلاليا ‪T‬‬ ‫املس� � ��اعدة املتاحة‪ .‬وإذا اعتبرنا اخلاليا ‪ T‬املساعدة جنراالت‬ ‫اجلهاز املناعي واعتبرنا اخلاليا ‪ T‬القاتلة جنودا مشا ًة‪ ،‬فإن‬ ‫الڤيروس ‪ HIV‬يقوم بتصويب سهامه بكل دقة إلى اجلنراالت‪،‬‬ ‫مما يؤدي إلى تعطي� � ��ل قدراتهم على إصدار أوامر فعالة إلى‬ ‫اجلنود املش� � ��اة بشأن كيفية املضي قدما‪ .‬وفي أبسط معانيه‪،‬‬ ‫فإن الڤيروس ‪ HIV‬هو عدوى تصيب اجلهاز املناعي‪ ،‬والنتائج‬ ‫متوقعة‪ :‬عدم قدرة اجلس� � ��م في نهاية املطاف على الدفاع عن‬ ‫نفس� � ��ه‪ ،‬ليس فقط ضد الڤيروس ‪ HIV‬ولكن أيضا ضد مئات‬ ‫الغزاة اآلخرين‪.‬‬ ‫عندما زار >ماسي< عيادتي في منتصف التسعينات‪،‬‬ ‫كان تركيز مختبري منص ّب� � ��ا على دور اخلاليا ‪ T‬القاتلة‬ ‫في مكافحة الڤي� � ��روس ‪ .HIV‬وخ ّمنا أنه إذا كان اجلهاز‬ ‫املناعي لدى >ماس� � ��ي< يسيطر حقا على الڤيروس ‪،HIV‬‬ ‫فالبد أن جس� � ��مه قد ج َّهز اس� � ��تجابة قوي� � ��ة جدا للخاليا‬ ‫‪ T‬القاتل� � ��ة‪ .‬ومن ثم قمنا بإدراجه في دراس� � ��ة كنا بصدد‬ ‫إجرائها‪ ،‬وس� � ��رعان ما اكتش� � ��فنا أن جسمه ُيظهر أقوى‬ ‫استجابة للخاليا ‪ T‬القاتلة النوعية للڤيروس ‪ HIV‬رأيناها‬ ‫في أي مريض على اإلط� �ل��اق‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فقد أنتج‬ ‫جهازه املناعي فرقة مش� � ��اة كبيرة مدربة خصيصا على‬ ‫تعرف الڤيروس ‪ .HIV‬وهذه النتيجة تتالءم مع فرضيتنا‪،‬‬ ‫ولكن الرجال والنس� � ��اء اآلخرين احلاملني للڤيروس ‪HIV‬‬ ‫كانوا ُيظهرون في بعض األحيان استجابات قوية للخاليا‬ ‫‪ T‬القاتل� � ��ة‪ ،‬ومع ذل� � ��ك فقد تفاقم� � ��ت أوضاعهم وأصيبوا‬ ‫باإليدز‪ ،‬وكأن اجلنود املش� � ��اة ميك� � ��ن أن يوجدوا بأعداد‬ ‫كبيرة دون أن يتمكنوا من القتال بفعالية‪.‬‬ ‫أدت ه� � ��ذه املالحظة‪ ،‬بدورها‪ ،‬إل� � ��ى وضع فرضية ثانية‪.‬‬ ‫فاخلالي� � ��ا ‪ T‬القاتلة رمبا كانت لدى >ماس� � ��ي< فعالة بصفة‬ ‫ِ‬ ‫املساعدة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أو‪ :‬اخلاليا التائية‬ ‫(‪ )2‬أو‪ :‬اخلاليا التائية القاتلة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪human leukocyte antigen‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫خاصة ألنها تلقت التوجيهات املالئمة من خاليا ‪ T‬مساعدة‬ ‫فعال� � ��ة على وجه اخلصوص‪ .‬وبعب� � ��ارة أخرى‪ ،‬فإن كال من‬ ‫جنراالته (اخلاليا ‪ T‬املساعدة) ومشاته (اخلاليا ‪ T‬القاتلة)‬ ‫قد تلقوا تدريبا جيدا على نحو الفت للنظر‪.‬‬ ‫وكما صادف‪ ،‬فإن أول مشروع اضطلعت به عندما بدأت‬ ‫مسيرتي البحثية في منتصف الثمانينات كان معن ّيا بدراسة‬ ‫اخلطوات احملددة التي تقوم اخلاليا ‪ T‬املساعدة من خاللها‬ ‫بتنسيق االس� � ��تجابة املناعية ضد الڤيروس ‪ .HIV‬قمت مع‬ ‫زمالئي بفحص عينات من دماء عشرات من مرضى اإليدز‬ ‫بحثا عن أدلة على قيام اخلاليا ‪ T‬املس� � ��اعدة بتدبير هجوم‬ ‫مضاد‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإننا لم جند ش� � ��يئا ‪ -‬حتى بعد ش� � ��هور‬ ‫من احملاولة‪ .‬كان األمر أش� � ��به بكون اجله� � ��از املناعي غير‬ ‫قادر على توليد مثل هذه االس� � ��تجابة العالية املستوى‪ .‬وفي‬ ‫الواقع‪ ،‬كان عدم وجود خاليا ‪ T‬مس� � ��اعدة نوعية للڤيروس‬ ‫‪ HIV‬ه� � ��و الثغرة األكثر وضوحا في الذخيرة الدفاعية لدى‬ ‫األفراد املصابني بعدوى الڤيروس ‪.HIV‬‬ ‫حتى اآلن لم يكن >ماس� � ��ي< مصاب� � ��ا باإليدز‪ ،‬فقد كان‬ ‫يس� � ��يطر بنجاح على إصابته بع� � ��دوى الڤيروس ‪ .HIV‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬فقد قمنا بنفض الغبار عن املقايسة ‪ assay‬نفسها التي‬ ‫استخدمتُها قبل عشر سنوات‪ .‬وفي هذه املرة‪ ،‬كشفت أول‬ ‫نظ� � ��رة بالتحدي� � ��د عما كنا نتوقع أن يح� � ��دث إذا كان جهاز‬ ‫املناعة يس� � ��يطر بالفعل على العدوى ‪ -‬لم يكتف >ماس� � ��ي<‬ ‫بامتالك جنراالت اجله� � ��از املناعي هؤالء الذين مت تدريبهم‬ ‫خصيص� � ��ا على قيادة حملة ضد الڤيروس ‪ ،HIV‬بل كانت‬ ‫لديه أعداد هائلة منهم‪ .‬لقد نش� � ��رنا نتائج أبحاثنا في املجلة‬ ‫‪ Science‬ف� � ��ي عام ‪ ،1997‬وأظهرت دراس� � ��تنا أن اخلاليا ‪T‬‬ ‫املس� � ��اعدة املأخوذة م� � ��ن مصابني بع� � ��دوى الڤيروس ‪HIV‬‬ ‫ميكنها في بعض األحيان أن تس� � ��تجيب للڤيروس بفعالية‪،‬‬ ‫وهو اكتش� � ��اف أدى إلى تغ ّير جذري ف� � ��ي نظرة مجموعتنا‬ ‫إلى الڤيروس ‪ .HIV‬وبعد طول انتظار‪ ،‬بدا ممكنا أن جهاز‬ ‫املناعة يس� � ��تطيع‪ ،‬في بعض احلاالت‪ ،‬حتقي� � ��ق الغلبة على‬ ‫الڤيروس الذي يفتك مباليني البشر حول العالم‪.‬‬ ‫مزيد من األسئلة‬

‫( )‬

‫كما هو احلال مع العديد من االكتشافات العلمية‪ ،‬فاكتشافنا‬ ‫أن االستجابة الفعالة للخاليا ‪ T‬القاتلة ضد الڤيروس ‪HIV‬‬ ‫تتطلب وجود كادر قوي من اخلاليا ‪ T‬املساعدة‪ ،‬قد أدى إلى‬ ‫طرح العديد من األس� � ��ئلة والفرضيات اجلديدة‪ .‬هل خلّص‬ ‫>ماس� � ��ي< جس� � ��ده من الڤيروس بالفعل؟ لقد كان اجلواب‬

‫من بني قياسات الدنا البالغ عددها ‪ 1.3‬مليون‪،‬‬

‫والتي أجريت لكل مريض في دراسة تهدف إلى‬ ‫تفسير السيطرة الناجحة بشكل مدهش على الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬التي ُيظهرها بعض املرضى‪ ،‬فقد ِ‬ ‫وجد أن‬ ‫‪ 300‬متغير جيني تختلف بدرجة كبيرة لدى نخبة‬ ‫كابحي الڤيروس ‪.HIV‬‬ ‫أدى إجراء مزيد من االختبارات إلى تضييق التركيز على‬ ‫أربع قصاصات مستقلة من الدنا‪.‬‬ ‫أدى التحليـل النهـائي إلى اكتشاف تباينات في‬ ‫أحد البروتينات الرئيسة التي ُتبقي على السيطرة‬ ‫املناعية على الڤيروس ‪.HIV‬‬

‫بالنفي‪ ،‬ألننا اس� � ��تطعنا اكتشاف مادة وراثية ڤيروسية في‬ ‫دمه‪ .‬وملعرفة سبب كون بعض الناس‪ ،‬على عكس >ماسي<‪،‬‬ ‫منيع� �ي��ن ضد الڤيروس ‪[ ،HIV‬انظ� � ��ر‪« :‬ص ّد هجوم ڤيروس‬ ‫‪ ،‬العددان ‪،)2012( 12/11‬‬ ‫العوز املناعي البشري (‪،»)HIV‬‬ ‫ص ‪ .]58‬هل من املمكن أن يظل >ماس� � ��ي< ُمعديا لآلخرين؟‬ ‫لم نكن نعرف اإلجابة عن هذا الس� � ��ؤال‪ ،‬ولكننا اضطررنا‬ ‫إلى افتراض أنه كذلك ‪ -‬وهو أمر مهم بالنس� � ��بة إليه وإلى‬ ‫زوجت� � ��ه (وإلى ابنتهم� � ��ا)‪ .‬هل كان جه� � ��ازه املناعي «فائق‬ ‫الش���حن» ‪ supercharged‬على نحو ما‪ ،‬بحيث ميكنه محاربة‬ ‫جميع الغزاة؟ لألسف‪ ،‬فقد كان اجلواب هنا بالنفي أيضا‪،‬‬ ‫ألنه عانى أيضا الع� � ��دوى بڤيروس التهاب الكبد ‪ - C‬وهي‬ ‫نتيجة أخرى لعالجات الناعور املل ِّوثة ‪ -‬وكان جس� � ��ده غير‬ ‫قادر متاما على الس� � ��يطرة على هذا الڤيروس‪( .‬لقد خضع‬ ‫>ماسي< الحقا لعملية زرع كبد‪ ،‬أدت إلى شفائه من إصابته‬ ‫بكل من التهاب الكبد والناع� � ��ور ‪ -‬ألن الكبد اجلديدة كان‬ ‫بوسعها تصنيع عوامل التخ ّثر الالزمة‪).‬‬ ‫وقد نظرنا في احتمال كون كل شخص مصاب بعدوى‬ ‫الڤيروس ‪ HIV‬يقوم في الواقع بإنتاج خاليا ‪ T‬مس� � ��اعدة‬ ‫نوعية للڤيروس ‪ ،HIV‬وكذلك أن هؤالء اجلنراالت املدربني‬ ‫تدريبا عاليا يكونون ُمس� � ��تهدفني ويتعرضون للقتل خالل‬ ‫املراح� � ��ل األولى التالية للغ� � ��زو األول� � � ّ�ي‪ .‬وإذا كان األمر‬ ‫( )‬

‫‪MORE QUESTIONS‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪39‬‬


‫كذل� � ��ك‪ ،‬فإن مهاجمة الڤيروس في مرحلة مبكرة وبكل قوة‬ ‫باستخدام مزيج من األدوية اجلديدة التي ميكنها إحداث‬ ‫تثبيط كامل إلنتاج الڤيروس من ش� � ��أنه حماية اخلاليا ‪T‬‬ ‫املساعدة لدى األشخاص الذين تعرضوا للڤيروس مؤخرا‪.‬‬ ‫وهذه الضربة األولى القوية للجهاز املناعي تسمح بالتغلب‬ ‫على الڤيروس بسرعة‪ ،‬ومن ثم احلفاظ على هذه السيطرة‬ ‫بالفعالية نفس� � ��ها التي امتلكها جس� � ��م >ماس� � ��ي< بشكل‬ ‫طبيعي‪ .‬لقد قمنا بإجراء عدد من التجارب السريرية على‬ ‫بضع عش� � ��رات من املتطوعني والتي أظه� � ��رت أن العالج‬ ‫املبكر يؤدي إلى خفض س� � ��ريع ف� � ��ي كمية الڤيروس ‪HIV‬‬ ‫في الدم بحيث تصل إلى مس� � ��تويات ال ميكن اكتشافها‪،‬‬ ‫كما ُيحدث ‪ -‬في غضون أس� � ��ابيع قليلة ‪ -‬زيادة هائلة في‬ ‫إنتاج اخلاليا ‪ T‬املس� � ��اعدة التي ميكنها توجيه اخلاليا ‪T‬‬ ‫القاتلة ملكافحة الڤيروس ‪ .HIV‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن اجلهاز‬ ‫املناعي لدى الغالبية الس� � ��احقة من البش� � ��ر ميكنه إنتاج‬ ‫جن� � ��راالت مدربني تدريبا عاليا (أي اخلاليا ‪ T‬املس� � ��اعدة‬ ‫النوعية للڤي� � ��روس ‪ ،)HIV‬ولكنه يتم القضاء عليها تقريبا‬ ‫مبجرد أن يتم إنتاجها‪.‬‬ ‫لس� � ��وء احلظ‪ ،‬فإن الوقاية املكتش� � ��فة حديثا ال تُنتج هذا‬ ‫النوع من الس� � ��يطرة املناعية الدائمة التي كنا نالحظها لدى‬ ‫>ماس� � ��ي<‪ .‬وكجزء من جتربة متابعة س� � ��ريرية‪ ،‬قمنا بإيقاف‬ ‫الع� �ل��اج لدى عدد قليل م� � ��ن املرضى (بعد أخ� � ��ذ موافقتهم‬ ‫املس� � ��تنيرة وبع� � ��د احلصول عل� � ��ى إذن من جلن� � ��ة املراجعة‬ ‫األخالقية)‪ .‬وباعتبار أن املرضى املش� � ��اركني في دراس� � ��تنا‬ ‫ق� � ��د توقفوا عن تناول العالج ملدة س� � ��نة أو أكثر‪ ،‬فقد تعرض‬ ‫معظمه� � ��م الرتفاع تدريجي في مس� � ��توى الڤيروس في الدم‪،‬‬ ‫بحيث تعينّ ب� � ��دء معاجلتهم مبزيج األدوية املضادة للڤيروس‬ ‫‪ .HIV‬ومع ذلك‪ ،‬فإن النتائج ‪ -‬التي نُشرت في املجلة ‪Nature‬‬ ‫عام ‪ - 2000‬أظهرت أنه من املمكن تعزيز س� � ��يطرة اجلس� � ��م‬ ‫على الڤيروس ‪ ،HIV‬على األقل مؤقتا‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫اآلليات نفسها التي م ّكنت >ماسي< من السيطرة على عدواه‬ ‫ميكن تفعيلها في األشخاص اآلخرين‪.‬‬ ‫ولكن كيف ميكننا جعل هذا املستوى اجلديد من السيطرة‬ ‫املناعية أكثر اس� � ��تدامة‪ ،‬مثل ذلك الذي تتمتع به نخبة كابحي‬ ‫الڤي� � ��روس ‪HIV‬؟ حتى هذه النقطة‪ ،‬كنا ندرس االس� � ��تجابات‬ ‫املناعية ‪ -‬للخاليا ‪ T‬املساعدة والقاتلة ‪ -‬التي كنا نعلم مسبقا‬ ‫كيفية قياس� � ��ها‪ .‬كنا بحاجة إل� � ��ى التعمق في بحث آليات عمل‬ ‫اجلهاز املناعي لكي نعلم‪ ،‬على نحو حاس� � ��م‪ ،‬ماهية اختالف‬ ‫( )‬

‫كيف يقوم كابحو الڤيروس ‪ HIV‬بصد الهجوم‬

‫سد ثغرة‬ ‫ّ‬ ‫في دفاعات‬ ‫اجلسم‬ ‫( )‬

‫خالفا ملعظم األشخاص املصابني‬ ‫بع����دوى الڤي����روس ‪( HIV‬اللوحة‬ ‫العلوي����ة)‪ ،‬هن����اك ع����دد قلي����ل‬ ‫م����ن األف����راد النادري����ن (اللوح����ة‬ ‫الس����فلية) الذي����ن ميكنه����م تقليل‬ ‫كمي����ة الڤي����روس ف����ي أجس����امهم‬ ‫إلى مستويات متدنية أو ال ميكن‬ ‫اكتش����افها ألن أجهزتهم املناعية‬ ‫مجه����زة بش����كل رائ����ع لتع����رف‬ ‫اخلاليا املصابة وتدميرها‪.‬‬

‫البالعم أو اخلاليا‬ ‫املناعية األخرى‬

‫الڤيروس‬ ‫‪HIV‬‬

‫االستجابة املعتادة‬ ‫للڤيروس ‪HIV‬‬

‫عادة ما تتسبب العدوى‬ ‫بالڤيروس ‪ HIV‬في وقوع معركة‬ ‫متأرجحة طويلة بني اجلهاز‬ ‫املناعي والڤيروس‪ ،‬حيث ينتصر‬ ‫اجلهاز املناعي في اجلوالت‬ ‫العديدة األولى‪ ،‬لكنه يتقهقر‬ ‫أكثر فأكثر مبرور السنني‪.‬‬

‫االستجابة املفرطة‬

‫تبدأ نخبة كابحي الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬بنفس االستجابة املناعية‬ ‫األساسية مثل اجلميع ‪ -‬بيد‬ ‫أنها تكون أكثر فعالية‪ .‬ويعمل‬ ‫هذا األداء االستثنائي على وقاية‬ ‫سائر اجلهاز املناعي من األذى‪.‬‬

‫‪Plugging a Gap in the Body’s Defenses‬‬

‫‪40‬‬

‫‪‬‬

‫في وقت مبكر‪ ،‬تقوم اخلاليا املناعية‬ ‫اجلوالة (مثل البالعم ‪)macrophages‬‬ ‫مبهاجمة اخلاليا املصابة بعدوى‬ ‫الڤيروس ‪ ،HIV‬والتي تقوم بصنع‬ ‫البروتينات الڤيروسية‪.‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫الڤيروس‬ ‫‪HIV‬‬

‫يصيب‬ ‫خلية‬ ‫بالعدوى‬


‫‪‬‬

‫تقوم هذه اخلاليا اجلوالة باستخدام جزيء‬ ‫متخصص يعرف باسم املستقبلة ‪ HLA‬لربط البروتني‬ ‫الڤيروسي اخلارج من اخلاليا التي قامت بتدميرها‪،‬‬ ‫ومن ثم عرض كامل مع ّقد البروتني ‪ HLA -‬على‬ ‫اخلاليا ‪ T‬املساعدة (اخلاليا ‪.)CD4+‬‬

‫خلية ‪ T‬قاتلة‬

‫خلية ‪ T‬مساعدة مفعّ لة‬

‫الـ ‪ HLA‬يُظهر‬ ‫البروتني الڤيروسي‬

‫خلية ‪ T‬قاتلة‬ ‫مفعلة‬

‫‪‬‬

‫خلية ‪ T‬مساعدة‬

‫خلية ‪ T‬مساعدة‬ ‫ّ‬ ‫محطمة‬

‫انتشار الڤيروس إلى اخلاليا‬ ‫املساعدة األخرى‬ ‫‪T‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫مثل اخلاليا املناعية في الفقرة ‪،‬‬ ‫ُتظهر اخلاليا املصابة من بروتني‬ ‫الڤيروس ‪ HIV‬على أسطحها‪ .‬ولسوء‬ ‫احلظ‪ ،‬ففي معظم األشخاص املوجبني‬ ‫للڤيروس ‪ ،HIV‬تكون اخلاليا ‪T‬‬ ‫القاتلة غير فعالة نسبيا في تع ّرف‬ ‫مع ّقد الـ ‪ - HLA‬البروتني الڤيروسي‪،‬‬ ‫مما يسمح للعديد من اخلاليا املصابة‬ ‫باالستمرار بإنتاج الڤيروسات‪.‬‬

‫خلية ‪ T‬قاتلة‬ ‫تقوم بتدمير‬ ‫خلية مصابة‬ ‫(مع عدم انطالق‬ ‫الڤيروسات)‬

‫ُتصبح اخلاليا ‪ T‬املساعدة مفعّ لة‪،‬‬ ‫ومن ثم حتشد اخلاليا ‪ T‬القاتلة‬ ‫(اخلاليا ‪ ،)CD8+‬وتوجهها‬ ‫لتدمير أية خلية تقوم بتصنيع‬ ‫بروتينات الڤيروس ‪.HIV‬‬

‫خلية ‪ T‬مساعدة‬ ‫مصابة ُتطلق‬ ‫الڤيروسات قبل‬ ‫أن متوت‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬يصيب‬ ‫الڤيروس ‪ HIV‬بعدواه اخلاليا‬ ‫‪ T‬املساعدة على نحو تفضيلي‪.‬‬ ‫وبعد سنوات من اإلصابة‪،‬‬ ‫ومع اختفاء املزيد واملزيد من‬ ‫اخلاليا ‪ T‬املساعدة‪ ،‬تصبح‬ ‫اخلاليا ‪ T‬القاتلة جاهلة بكيفية‬ ‫الهجوم ومباهية ما يتعني‬ ‫عليها مهاجمته‪.‬‬

‫معقد واضح للغاية من الـ ‪- HLA‬‬ ‫البروتني الڤيروسي‬

‫النتيجة‬ ‫تنجو معظم اخلاليا ‪ T‬املساعدة‬ ‫من العدوى‪ ،‬مما يسمح لها‬ ‫مبساعدة اخلاليا ‪ T‬القاتلة‬ ‫في اكتشاف اخلاليا املصابة‬ ‫وتدميرها أكثر‪ .‬ومن شأن‬ ‫هذا اجلهد املشترك أن يحافظ‬ ‫على مستويات منخفضة من‬ ‫الڤيروس في اجلسم‪.‬‬

‫الفرق الرئيس‬ ‫متتلك نخبة كابحي الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬اختالفا طفيفا في‬ ‫اجلزيئات ‪ HLA‬لديها‪،‬‬ ‫والذي يجعل تعرف اخلاليا‬ ‫املصابة أكثر سهولة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫استهدافها للتدمير بواسطة‬ ‫اخلاليا ‪ T‬القاتلة‪.‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪41‬‬


‫الناجي‪ :‬عـلى الـرغـم من إصابته بالعدوى طوال فترة قد تبلغ ‪ 35‬عاما‪،‬‬ ‫ال يزال <‪ .S‬مونش> غير محتاج إلى تناول األدوية املضادة للڤيروس ‪- HIV‬‬ ‫مع أن مستوى الڤيروس في دمه قد ارتفع قليال خالل العقد املاضي‪.‬‬

‫نخبة كابحي الڤيروس ‪ HIV‬التي تقيهم من ويالته‪.‬‬ ‫مقاربة جديدة‬

‫( )‬

‫لقد حت ّقق بحث أعمق في أس� � ��س التحكم في الڤيروس‬ ‫بفضل سلس� � ��لة من املصادفات املواتي� � ��ة‪ .‬وفي هذا الوقت‪،‬‬ ‫ُدعيت إلى حفل عش� � ��اء أقامه >‪ .L‬س� � ��امرز< [رئيس جامعة‬ ‫هارڤارد آنذاك] ملناقش� � ��ة مهمة الكلية اآلخذة في االتس� � ��اع‬ ‫ف� � ��ي مجال الصحة العامة‪ .‬وقد حضر حفل العش� � ��اء أيضا‬ ‫>‪ .E‬الندر<‪ ،‬وهو زميل دراس� � ��ة سابق لـ>ماسي< في جامعة‬ ‫برينس� � ��تون وخبير في تطبيق أحدث التط� � ��ورات في مجال‬ ‫الوراثي����ات البش����رية(‪ )1‬عل� � ��ى األبحاث الطبي� � ��ة‪ .‬لم أكن قد‬ ‫التقي� � ��ت >الندر< من قب� � ��ل [وهو رئيس املعه� � ��د ‪ Broad‬الذي‬ ‫كان وقتئذ حديث النش� � ��أة‪ ،‬وهو مشروع مشترك بني جامعة‬ ‫هارڤارد ومعهد ماساتشوس� � ��تس للتقانة] ولكنني كنت أود‬ ‫ذلك منذ فترة طويلة ألنه كان يبدو أن تلك التقانة اجلديدة قد‬ ‫متبصر ملشكلة الڤيروس ‪.HIV‬‬ ‫تزودنا بفهم‬ ‫ِّ‬ ‫ومعرفتنا الو ِّدية املشتركة بـ>ماسي< كانت نقطة البداية‬

‫‪HIV‬‬

‫‪42‬‬

‫حملادث� � ��ة طويلة ف� � ��ي تلك الليلة عل� � ��ى الرصيف خارج منزل‬ ‫>س� � ��امرز<‪ .‬عندها أوضح ل� � ��ي >الندر< أنه ميك� � ��ن مقارنة‬ ‫الدن���ا ‪ DNA‬اخلاص بأش� � ��خاص مختلفني ‪ -‬وذلك حتديدا‬ ‫باستخدام االختالفات الطبيعية في األسس ‪ A, T, C, G‬املك ّونة‬ ‫لك���ود ‪ code‬الــدنــا‪ ،‬املســمــاة تعــدد األشـكال للنوكليوتيد‬ ‫الواح���د (‪ - )2()SNPs‬في محاولة لتع ّرف التأثيرات اجلينية‬ ‫الستجابة شخص بعينه للمرض‪ .‬وميكن لتعدد األشكال ‪SNPs‬‬ ‫أن يعمل كمؤشر ‪ -‬أو واسمات ‪ - markers‬ألجزاء من جينوم‬ ‫نخبة كابحي الڤيروس ‪ ،HIV‬مثل >ماس� � ��ي<‪ ،‬والتي تس� � ��مح‬ ‫لهم بتقليل األضرار الناجمة عن العدوى بالڤيروس ‪ HIV‬إلى‬ ‫أدنى حد ممكن‪ .‬فإذا متكنا من اكتش� � ��اف منط فريد من تعدد‬ ‫األشكال ‪ SNPs‬التي ترتبط بالتحكم‪ ،‬فقد يساعدنا هذا النمط‬ ‫على حتديد موقع اجلينات املسؤولة‪ ،‬إن وجدت‪ .‬وللقيام بهذه‬ ‫الدراسات‪ ،‬سنحتاج إلى احلصول على مسحة من اللعاب أو‬ ‫عينة دم من نخب� � ��ة كابحي الڤيروس ‪ HIV‬واملرضى املوجبني‬ ‫للڤيروس ‪ HIV‬الذين تط� � ��ورت حالتهم ملرحلة اإليدز‪ ،‬ومن ثم‬ ‫اس� � ��تخراج بعض الدن� � ��ا من تلك العينات‪ .‬وكح� � ��د أدنى‪ ،‬كُنا‬ ‫بحاجة إلى فرز نحو مليون تعدد ش� � ��كلي ‪ SNPs‬لكل فرد من‬ ‫أف� � ��راد نخبة كابحي الڤي� � ��روس ‪ ،HIV‬الذين قد يناهز عددهم‬ ‫األل� � ��ف‪ ،‬ونحو ضعف ذلك العدد من مرضى اإليدز للحصول‬ ‫على عينة إحصائية مناسبة‪.‬‬ ‫بطبيعة احلال‪ ،‬لم يكن احلصول على الدنا من أعداد كبيرة‬ ‫من املصابني باإليدز ميثل مشكلة‪ .‬أما املشكلة التي بدا أنه ال‬ ‫ميك� � ��ن التغلب عليها فكانت العثور على أعداد كبيرة من نخبة‬ ‫كابحي الڤيروس ‪ .HIV‬وبحلول ذلك الوقت‪ ،‬علمنا نحن وغيرنا‬ ‫م� � ��ن الباحثني في جميع أنح� � ��اء العالم بوجود حفنة من أولئك‬ ‫األشخاص غير العاديني‪ ،‬ولكن فكرة إيجاد أكثر من ألف من‬ ‫نخبة كابحي الڤيروس ‪ HIV‬كانت أكثر من مرعبة‪.‬‬ ‫وفي هذا الوقت نفس� � ��ه‪ُ ،‬دعيت إل� � ��ى إلقاء محاضرة في‬ ‫مدينة نيويورك ملجموعة من ‪ 300‬من مقدمي الرعاية الصحية‬ ‫الذي� � ��ن كانوا يديرون عيادات كبيرة لعالج مرضى الڤيروس‬ ‫‪ .HIV‬وكان� � ��ت مهمت� � ��ي حتدي� � ��ث معلومات ه� � ��ؤالء األطباء‬ ‫املمارس� �ي��ن مبا كنا نعرفه حول كيفية إحداث الڤيروس ‪HIV‬‬ ‫كرت حالة‬ ‫لداء اإلي� � ��دز‪ .‬وخالل محاضرت� � ��ي‪ ،‬ا ُّتف� � ��ق وأن َذ ُ‬ ‫>ماسي< ‪ -‬كشخص أصيب بالعدوى منذ ما يقرب من ربع‬ ‫قرن من الزمن‪ ،‬ولم يسبق أن تلقى أي عالج‪ ،‬والذي ما زال‬ ‫ميتلك عددا سويا من اخلاليا ‪ T‬املساعدة‪ ،‬وكميات ال ميكن‬ ‫( ) ‪A NEW APPROACH‬‬ ‫(‪human genetics )1‬‬ ‫(‪single-nucleotide polymorphisms )2‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫اكتش� � ��افها من الڤيروس في دمه‪( .‬عن� � ��د هذه النقطة‪ ،‬كانت‬ ‫اختبارات الڤيروس ‪ HIV‬قد صارت أكثر حساس� � ��ية‪ ،‬فكان‬ ‫بوس� � ��عها اكتش� � ��اف ما ال يزيد على ‪ 50‬نسخة من الڤيروس‬ ‫ف� � ��ي كل ملليلتر من ال� � ��دم‪ .‬وكان >ماس� � ��ي< دائما دون هذا‬ ‫املع ّدل)‪ .‬فطلب� � ��ت إلى األطباء واملمرضات بني احلضور رفع‬ ‫أيديهم إذا كان أي منهم قد ش� � ��اهد مثل هذه احلالة في أي‬ ‫وقت من األوقات‪.‬‬ ‫البد أنني قد ش� � ��هقت بصوت مس� � ��موع عندم� � ��ا قام أكثر‬ ‫م� � ��ن نصف املوجودين في الغرفة برف� � ��ع أيديهم‪ .‬كان هذا هو‬ ‫حل مش� � ��كلتنا املتمثلة في العثور عل� � ��ى ألف من نخبة كابحي‬ ‫الڤيروس ‪ !HIV‬فمن خالل مقدمي الرعاية الصحية املوجودين‬ ‫في هذه القاعة وحدها كان من املمكن أن نصل إلى مئتني من‬ ‫ه� � ��ؤالء األفراد غير العاديني‪ .‬وإذا أمكننا أن نتواصل بصورة‬ ‫مباشرة مع األطباء واملمرضني العاملني في العيادات اخلاصة‬ ‫ف� � ��ي جميع أنح� � ��اء الب� �ل��اد وأن نطلب إليهم حتوي� � ��ل كابحي‬ ‫الڤي� � ��روس ‪ HIV‬من مرضاهم إلينا‪ ،‬فمن املعتقد أنه ميكننا أن‬ ‫نصل بسهولة إلى العدد الالزم إلجراء بحث ُيعت ُّد به إحصائيا‬ ‫لتحديد م� � ��ا إذا كانت هناك متفاوتات جيني� � ��ة محددة‪ ،‬والتي‬ ‫ُتع � � �زّز أو تُضعف قدرة اجلهاز املناعي على مكافحة الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬ومن ثم تعطيله بصفة دائمة‪.‬‬ ‫وقد منحنا مستش� � ��فى ماساتشوس� � ��تس الع� � ��ام (‪)MGH‬‬ ‫موافقته املؤسس� � ��ية على املضي ُق ُدما في هذه الدراسة‪ .‬وعلى‬ ‫أية حال‪ ،‬فسرعان ما واجهتنا عقبة أخرى‪ ،‬فلم تُسفر طلباتنا‬ ‫للحصول على متوي� � ��ل من العديد من الوكاالت واملنظمات عن‬ ‫حتقيق أي جناح‪ .‬يبدو أنهم اعتقدوا أن أهدافنا كانت غامضة‬ ‫لدرج� � ��ة أننا لم نكن نعل� � ��م ما نبحث عنه‪ ،‬كم� � ��ا أن احتماالت‬ ‫جناحنا بدت ضئيلة للغاية‪.‬‬ ‫وأثناء كفاحنا ضد هذه املماطل� � ��ة املخيبة لآلمال‪ ،‬دعاني‬ ‫>‪ .M‬ش� � ��وارتز< [وهو رئيس س� � ��ابق لبنك گولدمان س� � ��اكس‬ ‫(آس� � ��يا)] إلى اإلفطار معه في أحد الفنادق مبدينة نيويورك‪.‬‬ ‫كان >ش� � ��وارتز< وزوجته >ليزا< قد ش� � ��رعا في متويل بعض‬ ‫من جهود مستشفى ماساتشوستس العام وجامعة هارڤارد‬ ‫الرامية إلى تدريب العلماء واألطباء في إفريقيا على املساعدة‬ ‫ف� � ��ي التص� � ��دي ألزمة اإلي� � ��دز‪ .‬وخ� �ل��ال اجتماعنا‪ ،‬س� � ��ألني‬ ‫>ش� � ��وارتز< عن األبحاث األخ� � ��رى التي كن� � ��ت أعمل عليها‪.‬‬ ‫وأثناء إجابتي‪ ،‬أعربت له عن إحباطي بش� � ��أن مش� � ��روع نخبة‬ ‫كابحي الڤيروس ‪ HIV‬وذكرت أنني أرى أنه يحمل بني طياته‬ ‫معلومات حيوية لدفع مس� � ��ارنا إلى األمام‪ .‬وعندما شرحت له‬ ‫منطق الدراسة‪ ،‬تهلّل وجه >شوارتز< على الفور‪ ،‬وسأل ملاذا‬

‫ال يقوم هو وزوجته بتمويلها‪ .‬ولدهشتي‪ ،‬فعندما افترقنا كان‬ ‫الزوجان >ش� � ��وارتز< قد التزما بدف� � ��ع ‪ 2.5‬مليون دوالر على‬ ‫مدى السنوات اخلمس التالية من أجل إطالق دراستنا حول‬ ‫نخب� � ��ة كابحي الڤيروس ‪ .HIV‬وقد مت االتفاق على إنفاق هذه‬ ‫األموال على إحلاق مرضى من جميع أنحاء البالد بالدراسة‪،‬‬ ‫كما أننا سنش� � ��ير إلى إدراجهم الناجح فيها إلقناع املمولني‬ ‫اآلخرين بدفع تكاليف التحاليل اجلينية‪.‬‬ ‫بدأنا الدراس� � ��ة على الفور‪ ،‬ومن ثم تواصلنا مع كافة‬ ‫كب� � ��ار األطب� � ��اء واملمرضات املعنيني بالڤي� � ��روس ‪ HIV‬في‬ ‫جميع أنحاء الواليات املتحدة‪ ،‬ومتكنّا في النهاية من جمع‬ ‫عينات من الدنا من مرضى في أوروبا وآس� � ��يا وأستراليا‬ ‫وأمري� � ��كا اجلنوبية‪ .‬وقد حاولنا إش� � ��راك أفراد من نخبة‬ ‫كابحي الڤي� � ��روس ‪ HIV‬من إفريقيا‪ ،‬ولكننا وجدنا صعوبة‬ ‫في العث� � ��ور عليهم؛ ألنه لم يكن يج� � ��ري اختبار الڤيروس‬ ‫ف� � ��ي الدم بصورة روتينية في العديد من البلدان اإلفريقية‬ ‫في ذلك الوقت‪ .‬وقد تولّت >‪ .F‬بيريرا<‪[ ،‬وهي طبيبة وعاملة‬ ‫ف� � ��ي كلية هارڤارد الطبية] تنظيم اجله� � ��ود الهائلة إلدراج‬ ‫املرضى في الدراس� � ��ة باالس� � ��تعانة مبس� � ��اعد واحد في‬ ‫البداي� � ��ة‪ ،‬ثم اثنني‪ ،‬وبعد ذلك ثالثة‪ .‬وقد زودتنا مؤسس� � ��ة‬ ‫بي� � ��ل وميليندا گيتس مبنحة مدتها خمس س� � ��نوات‪ ،‬وتبلغ‬ ‫قيمتها عشرين مليون دوالر‪ ،‬الستكمال الدراسات‪.‬‬ ‫لقد احتاجت معاجلة وحتليل البيانات إلى الوقت نفسه‬ ‫الذي اس� � ��تغرقه جتميع العينات تقريبا‪ .‬فبالنس� � ��بة إلى كل‬ ‫م� � ��ن أفراد نخبة كابحي الڤي� � ��روس ‪ HIV‬البالغ عددهم ‪،974‬‬ ‫واملتفاقمني البال� � ��غ عددهم ‪ ،2648‬والذين اش� � ��تملت عليهم‬ ‫دراستنا‪ ،‬قمنا بقياس نحو ‪ 1.3‬مليون من تعددات األشكال‬ ‫‪ SNPs‬الت� � ��ي تنط� � ��وي عل� � ��ى نوكليوتي� � ��د واحد ف� � ��ي دنا كل‬ ‫منهم‪ ،‬وذلك باس� � ��تخدام نظام مؤمتت للشيپات ‪ .chips‬وقد‬ ‫اعتمدنا على خدمات احلوس� � ��بة الهائلة املتوفرة لدى املعهد‬ ‫‪ Broad‬إلج� � ��راء مقارنات بني تعددات األش� � ��كال ‪ SNPs‬لدى‬ ‫املجموعتني‪ .‬وقد متت عمليات التحليل احلاس� � ��وبية بقيادة‬ ‫>‪ .P‬ديباكر<‪ ،‬وهو اختصاصي الوراثيات في املعهد نفسه‪.‬‬ ‫وبحلول عام ‪ ،2009‬كانت لدينا إجابة أولية‪ .‬فمن بني الثالثة‬ ‫باليني نوكليوتيد التي يحتوي عليها اجلينوم البش� � ��ري‪ ،‬كانت‬ ‫هناك ‪ 300‬من تعددات األش� � ��كال ‪ ،SNPs‬التي تختلف بش� � ��كل‬ ‫ملحوظ في نخبة كابحي الڤيروس ‪ HIV‬عنها في األش� � ��خاص‬ ‫األكث� � ��ر قابلية لإلصابة باإلي� � ��دز‪ .‬وقد أدى إج� � ��راء مزيد من‬ ‫التحلي� �ل��ات إلى تقليل تعددات األش� � ��كال ‪ SNPs‬الثالثمئة تلك‬ ‫إلى أربعة فقط‪ ،‬والتي ترتبط بشكل مستقل بعالقة قوية بكبح‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪43‬‬


‫جماح الع� � ��دوى‪ .‬وتقع تلك التع� � ��ددات األربعة جميعها داخل‬ ‫الصبغ� � ��ي (الكروموس� � ��وم) رقم ‪ ،6‬واملع� � ��روف باحتوائه على‬ ‫العدي� � ��د من اجلينات املؤثرة في الوظائ� � ��ف املناعية‪ .‬ولكننا لم‬ ‫نكن نعلم أي جني أو جينات هي املهمة‪ ،‬وملاذا‪.‬‬ ‫ولكنن� � ��ا كنا نعرف اآلن‪ ،‬على األقل‪ ،‬أين س� � ��نقوم بالبحث‪.‬‬ ‫وبعد ذلك‪ ،‬كنا بحاجة إلى حتديد التسلس� � ��ل اجليني الكامل‬ ‫لتلك الناحية من الصبغي رقم ‪ ،6‬التي أخبرنا تعدد األش� � ��كال‬ ‫‪ SNPs‬بأهميته� � ��ا‪ .‬ومع أن� � ��ه لم يكن لدينا متوي� � ��ل للقيام بتلك‬ ‫العملية اإلضافية ّ‬ ‫للسل َْس���لة ‪ sequencing‬التفصيلية‪ ،‬فقد حلَّ‬ ‫طالب متميز في كلية الطب‪ ،‬يدعى >ش� � ��ياومينگ‬ ‫املش� � ��كل َة لنا‬ ‫ٌ‬ ‫«شيرمان» جيا<‪ .‬فباس� � ��تخدام مجموعات البيانات الضخمة‬ ‫كن >جيا<‬ ‫املستقاة من الدراسات اجلينية الكبيرة األخرى‪ ،‬مت ّ‬ ‫من تطوير خوارزمية حاسوبية ميكنها‪ ،‬استنادا إلى مزيج من‬ ‫تعددات األشكال ‪ SNPs‬لدى كل شخص‪ ،‬استنباط التسلسل‬ ‫الدقيق لنوكليوتي� � ��دات الدنا‪ ،‬أو حروف الك���ود ‪،code letters‬‬ ‫لهذا القطاع احملدد من الصبغي‪ ،‬ومن ثم تسلسل األحماض‬ ‫األمينية للبروتينات التي يكودها الدنا في تلك الناحية‪.‬‬ ‫ومثل اس� � ��تخدام قوة تكبير أعلى في ا ِملجهر‪ ،‬أدى حتليل‬ ‫>جيا< إلى وضوح الصورة بجالء على نحو مفاجئ‪ .‬لقد اتضح‬ ‫أن االختالف اجليني الرئيس بني نخبة كابحي الڤيروس ‪HIV‬‬ ‫واملتفاقم� �ي��ن ال يعدو كونه تبدال ف� � ��ي األحماض األمينية الذي‬ ‫يؤثر في ش� � ��كل أحد األثالم ‪ groove‬في املس� � ��تقبالت ‪،HLA‬‬ ‫الذي يقبع على س� � ��طح اخلاليا املصابة بالعدوى‪ .‬ويحمل هذا‬ ‫الثل� � ��م احمل ّدد تل� � ��ك القطع من بروتينات الڤي� � ��روس ‪ HIV‬التي‬ ‫تُظهرها املستقبالت ‪ .HLA‬وثمة شيء بخصوص هذا الشكل‬ ‫هو ما يجعل توليفة الڤيروس ‪ HLA-HIV‬على اخلاليا املصابة‬ ‫بالع� � ��دوى في نخبة كابحي الڤي� � ��روس ‪ HIV‬مالئمة على نحو‬ ‫غير عادي ألن تكتشفها اخلاليا ‪ T‬القاتلة‪ ،‬والتي تقوم حينئذ‬ ‫بتدمير اخللية املصابة بالعدوى‪ .‬ويبدو األمر كما لو أن عامال‬ ‫في مصنع يرغب في إبالغ املجتمع اخلارجي بأن املصنع قد‬ ‫استولى عليه إرهابيون يقومون بصنع القنابل من خالل طالء‬ ‫يلوح من النافذة‬ ‫ي� � ��ده وقطعة من قنبلة بلون برتقال� � ��ي فاقع ثم ِّ‬ ‫لكي يراه املارة‪ .‬ومن ش� � ��أن عمله هذا أن يس� � ��اعد السلطات‬ ‫على مالحظة حدوث ش� � ��يء س� � ��يئ‪ ،‬ومن ثم ميكنها احلضور‬ ‫واالستجابة للتهديد‪.‬‬ ‫وقد مثّل هذا‪ ،‬أخيرا‪ ،‬قطعة مفقودة أخرى من األحجية‪،‬‬ ‫وهي سبب كون >ماسي< وغيره من نخبة كابحي الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬ال يزال� � ��ون أصحاء بعد جميع هذه الس� � ��نوات‪ .‬ومنذ‬ ‫األيام األول� � ��ى لإلصابة بالعدوى‪ ،‬حتتفظ أجهزتهم املناعية‬ ‫‪44‬‬

‫بعدد ح� � ��رج من اخلاليا ‪ T‬املس� � ��اعدة النوعي� � ��ة للڤيروس‬ ‫‪ ،HIV‬مم� � ��ا يوفر تعليمات بالغة األهمي� � ��ة للخاليا ‪ T‬القاتلة‬ ‫التي جرى تفعيلها حديثا‪ .‬وجنود املش� � ��اة هؤالء في جيش‬ ‫اجلهاز املناعي هم بدورهم قادرون على اكتش� � ��اف وتدمير‬ ‫اخلالي� � ��ا املصابة بالڤي� � ��روس ‪ HIV‬على نح� � ��و فعال‪ ،‬ألن‬ ‫اجلزيئات ‪ HLA‬املوجودة على أسطح تلك اخلاليا املنكوبة‬ ‫تك� � ��ون مؤهلة جينيا إلعالم اخلاليا ‪ T‬القاتلة بوجود الغزاة‬ ‫بصورة أفضل مم� � ��ا تفعل اجلزيئات ‪ HLA‬ل� � ��دى الغالبية‬ ‫العظمى من الناس‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬وعن طريق احلفاظ على مس� � ��تويات الڤيروس‬ ‫منخفض� � ��ة‪ ،‬تقوم هذه اخلاليا ‪ T‬القاتل� � ��ة العالية الكفاءة بوقاية‬ ‫اخلاليا ‪ T‬املس� � ��اعدة املتبقية بعد العدوى‪ .‬ويقوم جنود املشاة‬ ‫بحراس� � ��ة اجلنراالت‪ ،‬مما يس� � ��مح للجهاز املناع� � ��ي مبحاربة‬ ‫الڤيروس ومن ثم تعطيله‪ .‬أما مقاربتنا اجلينية البعيدة املدى ‪-‬‬ ‫والت� � ��ي بدأت في غياب فرضي� � ��ة وراثية واضحة واعتمدت على‬ ‫تعاون أكثر من ‪ 300‬باحث من جميع أنحاء العالم ‪ -‬فكشفت أن‬ ‫األساس اجليني الرئيس للسيطرة الدائمة على عدوى الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬ال يتجاوز خصائص بروتني واحد‪ ،‬هو اجلزيء ‪.HLA‬‬ ‫ومرة أخرى‪ ،‬أدت هذه النتائج التي نش� � ��رت في املجلة‬ ‫‪ Science‬في عام ‪ 2010‬إلى إثارة أسئلة جديدة‪ ،‬فنحن نحتاج‬ ‫إلى معرفة كيفية إعادة بناء االس� � ��تجابة املناعية املوجودة‬ ‫عن� � ��د نخبة كابحي الڤيروس ‪ HIV‬لدى معظم األش� � ��خاص‬ ‫املصابني بالعدوى‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد بدأنا نفهم ما يلزم‬ ‫بالتحديد لشحذ دفاعات اجلسم ضد أمراض بعينها‪ ،‬بداية‬ ‫من احلاجة إلى تعزيز اإلجراءات املناسبة من قبل اخلاليا‬ ‫‪ T‬املس� � ��اعدة والقاتلة‪[ .‬ملعرفة املزيد عن العالج باخلاليا ‪T‬‬ ‫‪،‬‬ ‫في السرطان‪ ،‬انظر‪« :‬حليف جديد ضد السرطان»‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،)2012( 4/3‬ص ‪.]40‬‬ ‫لفترة طويلة‪ ،‬ظل اجلهاز املناعي شريكا قويا ‪ -‬وإن لم يكن‬ ‫مثاليا ‪ -‬في مكافحة األمراض‪ .‬وال يزال أمامنا الكثير لنتعلمه‪،‬‬ ‫ولكننا س� � ��نتمكن عما قريب ‪ -‬كما نأمل ‪ -‬من مساعدة ذلك‬ ‫>‬ ‫اجلهاز على سد ثغراته‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪T he Major Genetic Determinants of HIV-1 Control Affect HLA Class I Peptide Presentation. Inter‬‬‫‪national HIV Controllers Study in Science, Vol. 330, pages 1551–1557; December 10, 2010. www.‬‬ ‫‪ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3235490‬‬ ‫‪Immunogenetics of Spontaneous Control of HIV. Mary Carrington and Bruce D. Walker in An‬‬‫‪nual Review of Medicine, Vol. 63, pages 131–145; February 2012. www.ncbi.nlm.nih.gov/‬‬ ‫‪pubmed/22248321‬‬ ‫‪A Song in the Night: A Memoir of Resilience. Bob Massie. Nan A. Talese, 2012.‬‬

‫‪Scientific American, July 2012‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫تتمة الصفحة ‪( 35‬أشعة قاتلة من السحب)‬ ‫‪ FERMI‬الفضائي ألش� � ��عة گاما العديد‬

‫من هذه األشعة التي‬ ‫ت� � ��دور حول الكوك� � ��ب محققا بذلك اكتش� � ��افا مذهال‪ ،‬وهو أن‬ ‫جزءا كبيرا من األش� � ��عة يتكون م� � ��ن بوزيترونات‪ .‬وهكذا فإنه‬ ‫يب� � ��دو أن الظواهر اجلوية ال تس� � ��تطيع فقط إطالق إلكترونات‬ ‫وأشعة گاما إلى الفضاء وإمنا أيضا جزيئات املادة املضادة‪.‬‬ ‫وب� � ��إدراك متأخر‪ ،‬كان يجب أن نتوقع رؤية هذه البوزيترونات‪،‬‬ ‫نظرا ملدى طاقة أشعة گاما‪ .‬ومع ذلك‪ ,‬إذا أخذنا بعني االعتبار‬ ‫ك� � ��م هو غريب مالحظ� � ��ة املادة املضادة ف� � ��ي الطبيعة‪ ،‬فإن ما‬ ‫اكتشفه تيليسكوب فيرمي كان مذهال‪.‬‬ ‫إن التفس� � ��ير الكتشاف الصحارى الكبرى‪ ،‬الذي أدركه‬ ‫فريقنا عاجال‪ ،‬لم يكن أن أشعة گاما كانت قادمة من ارتفاع‬ ‫عال وإمنا على األرجح أنها نتجت داخل الس� � ��حب الرعدية‬ ‫بأع� � ��داد هائلة أكثر مم� � ��ا كان متوقع� � ��ا‪ .‬ويصطدم البعض‬ ‫منها املتجه إل� � ��ى الفضاء بجزيئات اله� � ��واء ال َع َرضية على‬ ‫ارتف� � ��اع يتجاوز الـ‪ 25‬مي� �ل��ا تقريبا منتج� � ��ة أزواجا ثانوية‬ ‫من اإللكترون� � ��ات والبوزيترونات‪ ،‬التي تركب عندئذ خطوط‬ ‫املجال املغنطيس� � ��ي حول األرض‪ .‬وفي املرة القادمة عندما‬ ‫ترى سحابة رعدية طويلة‪ ،‬توقف لتتذكر أنها قادرة على أن‬ ‫تطلق إلى الفضاء جزيئات عالية الطاقة ميكن كش� � ��فها على‬ ‫اجلانب اآلخر من الكوكب‪.‬‬ ‫قيم متطرفة جديدة‬

‫( )‬

‫إن ظه� � ��ور البوزيترونات لم يكن مفاجأتنا األخيرة‪ .‬ففيما بعد‪،‬‬ ‫وفي عام ‪ 2011‬كش� � ��ف املرصد أجي� � ��ل ‪ AGILE‬التابع لوكالة‬ ‫الفض� � ��اء اإليطالي� � ��ة أن طي� � ��ف الطاقة لومضات أش� � ��عة گاما‬ ‫األرضي� � ��ة يصل إلى ‪ 100‬ميگا إلكترون ڤلط‪ ،‬وهي قيمة مذهلة‬ ‫حت� � ��ى ولو كان� � ��ت قادمة من الوهج الشمس� � ��ي‪ .‬وإذا كان هذا‬ ‫صحيحا‪ ،‬فهذه الرصود تش� � ��كك في مناذجن� � ��ا ألنه يبدو من‬ ‫غير احملتمل أن هذه الظاهرة البعيدة تس� � ��تطيع بنفسها توليد‬ ‫مثل ه� � ��ذه الطاقات‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬إن� � ��ه ليس واضحا ما ميكن‬ ‫أن يس� � � ِّ�رع اإللكترونات إلى مثل هذه الطاقات داخل السحب‬ ‫الرعدي� � ��ة‪ .‬وعند ه� � ��ذه النقطة‪ ،‬نحن نحتاج إل� � ��ى رصود أكثر‬ ‫للمس� � ��اعدة على توجيه النظرية‪ .‬وحلس� � ��ن احلظ‪ ،‬تشرع اآلن‬ ‫مجموعات من الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وأوروبا وروس� � ��يا‬ ‫في إطالق أولى املهام الفضائية املكرس� � ��ة للكشف عن أشعة‬ ‫گاما األرضية‪.‬‬ ‫وفي غضون ذلك‪ ،‬ولالقتراب من احلدث‪َ ،‬ب َن ْينا مع مساعدينا‬ ‫صممت لقياس أشعة گاما من السحب‬ ‫جهاز س� � ��فينة فضاء ُ‬ ‫الرعدية‪ .‬فقد منعنا القلق من أخطار التعرض ألشعة گاما من‬ ‫الطيران مباش� � ��رة إلى داخل السحب الرعدية‪ .‬ولكن في رحلة‬

‫اختبارية مبكرة التي كان > َوير< مشاركا فيها‪ ،‬أخذت الطائرة‬ ‫دورانا خاطئا غير متعمد‪ .‬وتالشى اإلحساس بالرعب سريعا‬ ‫ليحل محله االبتهاج عندما أضاءت كشافاتنا فجأة‪ .‬وأوضحت‬ ‫التحلي� �ل��ات الالحقة أن هذه املنطقة كانت تس� � ��رع إلكترونات‬ ‫فا َّرة من النوع نفس� � ��ه الذي نتوقعه لتش� � ��كيل ومضات أشعة‬ ‫گاما‪ .‬وحلس� � ��ن احلظ‪ ،‬ظل االنبعاثُ اإللكتروني قليل املستوى‬ ‫ول� � ��م يحدث له منو انفجاري كما ُيرى من الفضاء‪ .‬ومن خالل‬ ‫هذه الرحالت‪ ،‬وجدنا أن العواص� � ��ف الرعدية غالبا ما تبعث‬ ‫ومضات مستمرة من أشعة گاما غير ضارة نسبيا‪.‬‬ ‫إال أن احلس� � ��ابات األولي� � ��ة توض� � ��ح أنه إذا م� � ��ا حدث أن‬ ‫اصطدم� � ��ت رحلة خط� � ��وط طيران مباش� � ��رة بإلكترونات عالية‬ ‫الطاقة وأش� � ��عة گام� � ��ا داخل عاصف� � ��ة رعدية‪ ،‬ف� � ��إن الركاب‬ ‫وأعضاء طاقم الطائرة ‪ -‬من دون الش� � ��عور بأي ش� � ��يء ‪ -‬من‬ ‫املمكن أن يتلقوا جرعة إشعاعية في جزء من الثانية تصل إلى‬ ‫اجلرعة اإلش� � ��عاعية الطبيعية التي ميكن أن يتعرض لها املرء‬ ‫طوال حياته‪ .‬ومن األخبار احلس� � ��نة أننا ال نحتاج إلى حتذير‬ ‫الطيارين للبقاء بعيدا ع� � ��ن العواصف الرعدية‪ ،‬ألنهم يفعلون‬ ‫ذلك بالفع� � ��ل; فالعواصف الرعدية ه� � ��ي أماكن يكون الوجود‬ ‫فيها خطرا جدا‪ ،‬في حال وجود أشعة گاما أو عدمه‪.‬‬ ‫وإلى حد ما‪ ،‬فإن دراس� � ��ة ومضات أش� � ��عة گاما األرضية‬ ‫هي اس� � ��تكمال لعم� � ��ل >‪ .B‬فرانكلني<‪ ،‬الذي يزعم أنه أرس� � ��ل‬ ‫طائرة ورقية إلى س� � ��حابة رعدية لرؤية مدى إمكانية توصيلها‬ ‫للكهرب� � ��اء‪ ،‬وم� � ��ن ثم أوض� � ��ح أن البرق هو عب� � ��ارة عن تفريغ‬ ‫كهربائي‪ .‬واملفاجأة أنه وبعد قرنني ونصف من جتربته للطائرة‬ ‫الورقي� � ��ة‪ ،‬ال يزال لدى العلم� � ��اء فهم غير كامل ليس فقط حول‬ ‫كيفية تك ّون ومضات أشعة گاما بواسطة السحب الرعدية بل‬ ‫أيضا وحتى تك ّون البرق البسيط‪ .‬إن كلينا أمضى الكثير من‬ ‫مشوار حياته في دراس� � ��ة األشياء الغريبة البعيدة من النظام‬ ‫الشمس� � ��ي‪ ،‬ولكن إغراء هذا البحث أعادنا إلى األرض‪ .‬فرمبا‬ ‫لم يدرك >فرانكلني< نفسه أن السحب الرعدية ميكن أن تكون‬ ‫>‬ ‫مثيرة جدا لالهتمام‪.‬‬ ‫( )‬

‫‪NEW OUTLIERS‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Discovery of Intense Gamma Ray Flashes of Atmospheric Origin. G. J. Fishman et al. in‬‬ ‫‪Science, Vol. 264, pages 1313–1316; May 27, 1994.‬‬ ‫‪Runaway Breakdown and the Mysteries of Lightning. Alexander V. Gurevich and Kirill P.‬‬ ‫‪Zybin in Physics Today, Vol. 58, No. 5, pages 37–43; May 2005.‬‬ ‫‪Source Mechanisms of Terrestrial Gamma-Ray Flashes. J. R. Dwyer in Journal of Geo‬‬‫‪physical Research, Vol. 113, No. D10103; May 20, 2008.‬‬ ‫‪Electron-Positron Beams from Terrestrial Lightning Observed with Fermi GBM. ­Michael S.‬‬ ‫‪Briggs et al. in Geophysical Research Letters, Vol. 38, No. L02808; January 20, 2011.‬‬

‫‪Scientific American, August 2012‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪45‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫لغة الدماغ‬

‫( )‬

‫الدماغ هو ما ُيضفي املعنى إلى خبراتنا احلياتية‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫تركيزه الدقيق على تزامن النبضات التي تتدفق عبر باليني اخلاليا العصبية‪.‬‬ ‫<‪ .T‬سيجنوفسكي> ‪ .T< -‬ديلبروك‬

‫>‬

‫أدمغتنا تتفوق على گوگل‪ ،‬وعلى أفضل إنساالت األنا(‪.iROBOT )1‬‬

‫لقد صار بوس� � ��عنا اليوم أن نبح� � ��ث في عدد كبير من جتارب‬ ‫احلياة واالنفعاالت‪ .‬ونحن البشر منتلك مقدرة التعرف الفوري‬ ‫عل� � ��ى وجه األب أو األم أو ال� � ��زوج‪ ،‬أو وجه أحد األصدقاء أو‬ ‫أحد احليوانات األليفة‪ ،‬س� � ��واء في ظ� �ل��ام الليل أو في وضح‬ ‫النهار‪ ،‬وس� � ��واء من األعلى أو م� � ��ن اجلانب‪ ،‬في حني ال ميكن‬ ‫إلنس���الة ‪ robot‬مزودة بأفضل نظام رؤية حاس� � ��وبي أن يقوم‬ ‫بذل� � ��ك من دون تلكؤ‪ .‬وإضافة إلى ذلك‪ ،‬فإننا نس� � ��تطيع القيام‬ ‫بأفع� � ��ال متعددة املهام م� � ��ن دون عناء‪ ،‬كانتش� � ��ال منديل من‬ ‫جيوبنا ومس� � ��ح جباهنا في الوقت الذي نتابع فيه حديثنا إلى‬ ‫أح� � ��د معارفنا‪ .‬بيد أن تصميم دماغ إلكتروني يمُ كن أن يجعل‬ ‫اإلنسالة قادرة على ممارس� � ��ة مثل هذه التوليفة البسيطة من‬ ‫السلوك‪ ،‬ال يزال قيد احتماالت املستقبل البعيد‪.‬‬ ‫تتألف الشبكات داخل جماجمنا من باليني اخلاليا الدماغية‬ ‫وتريليون� � ��ات الوصالت فيما بينها‪ .‬وإذا افترضنا أن التركيبة‬ ‫املعقدة لهذه الشبكات تجُ اري شبكة اإلنترنت‪ ،‬فسيكون علينا‬ ‫حينئذ‪ ،‬عن كيفية قي� � ��ام الدماغ بإجناز جميع ما‬ ‫أن نتس� � ��اءل‬ ‫ٍ‬ ‫ذكرناه؟ والكفاءة في اس� � ��تخدام الطاقة هي إحدى اإلجابات‪:‬‬ ‫فعندم� � ��ا تتواصل خلية عصبية مع خلي� � ��ة أخرى‪ ،‬فإن الدماغ‬ ‫يس� � ��تخدم فقط واحدا في املليون من الطاقة التي يس� � ��تهلكها‬ ‫حاس� � ��وب رقم� � ��ي لتنفيذ عملي� � ��ة مماثلة‪ .‬وقد يك� � ��ون التطور‬

‫‪ evolution‬قد أدى بالفع� � ��ل‪ ،‬دورا مهما في حثّ هذا العضو‪،‬‬ ‫ذي الباوندات الثالثة‪ ،‬على السعي الدائم إلى حتسني كفاءته‬ ‫في استخدام الطاقة‪.‬‬ ‫غير أن االقتصاد في استهالك الطاقة ال ميكن أن يقدم لنا‬ ‫مبفرده تفسيرا وافيا لذلك‪ ،‬خاصة وأن الدماغ يخضع أيضا‬ ‫لتقييدات عديدة بحكم طبيعت� � ��ه البنيوية‪ .‬فنورون (عصبون)‬ ‫‪ neuron‬واحد في القش� � ��رة الدماغية‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬قادر‬ ‫على االستجابة ملدخالت ت َِرده من نورون آخر‪ ،‬وإطالق موجة‬ ‫إس���فينية ‪ )2(spike‬خالل جزء من ألف من الثانية‪ ،‬وهي سرعة‬ ‫بطيئة جدا إذا ما قورنت بس� � ��رعة الترانزستورات املستخدمة‬ ‫كب ّداالت في أجهزة احلاسوب‪ ،‬والتي ال تتجاوز جزءا من بليون‬ ‫من الثانية‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن كفاءة الشبكات العصبية هي‬ ‫كفاءة متدنية‪ :‬فاإلشارة (اإلشعار)(‪ )3‬التي تطلقها خلية قشرية‬ ‫إلى خلية قش� � ��رية أخ� � ��رى ال يتجاوز ع� � ��ادة احتمال وصولها‬ ‫إلى هدفها النهائي نس� � ��بة العش� � ��رين في املئة‪ ،‬وهي أقل من‬ ‫ذل� � ��ك بكثير إذا ما كان هدفها الوصول إلى نورون بعيد وغير‬ ‫متصل مباشرة بالنورون الذي أطلقها‪.‬‬ ‫( )‬

‫‪THE LANGUAGE OF THE BRAIN‬‬

‫(‪)3‬‬

‫‪signal‬‬

‫(‪ )1‬إنساالت األنا أو روبوتات األنا‪ .‬وإنساالت‪ :‬ج‪ :‬إنسالة‪ ،‬وهذه نحت من إنسان آلي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أو إطالق دفعة (نبضة) ‪.impulse‬‬

‫باختصار‬ ‫إن باوندات ثالثة من النسيج العصبي حتت اجلمجمة قادرة على‬ ‫اإلدراك والتفكير والفعل‪ ،‬وال ميكن ألي حاسوب أن يجاريها‪.‬‬ ‫والدماغ ينجز هذا العمل املعرفي الفذ ألسباب تعود في جزء منها‬ ‫إل� � ��ى ما يقوم به من مزامنة بالغة الدقة لإلش� � ��ارات التي تومض عبر‬ ‫تريليونات الوصالت التي تربط ما بني باليني اخلاليا الدماغية‪.‬‬ ‫فرؤي� � ��ة مزهرية جتع� � ��ل مجموعات من النورون� � ��ات (العصبونات)‬ ‫‪46‬‬

‫تطلق إش� � ��ارات بفاصل زمني قصير من أجل تنش� � ��يط جزء الدماغ‬ ‫الذي ُيسجل ذلك الشيء نفسه في تلك اللحظة بالذات‪.‬‬ ‫وفهم الكيفية التي يعمل بها نظام املزامنة هذا س� � ��وف يقودنا إلى‬ ‫فهم أفضل لسلوكنا من جهة‪ ،‬وإلى متكيننا من بناء أجهزة حاسوبية‬ ‫وإلكترونية تش� � ��تغل ‪ -‬مثل الدماغ ‪ -‬بطريقة أكثر فعالية من الطريقة‬ ‫التي تعمل بها اآلالت الرقمية املعهودة‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫املؤلفان‬ ‫‪Terry Sejnowski‬‬

‫>سيجنوفسكي< هو باحث في معهد «هاوارد هيوز الطبي»‪ ،‬وأستاذ‬ ‫«فرانس� � ��يس كريك» في معهد «سالك» للدراسات البيولوجية‪ ،‬حيث‬ ‫يعمل مديرا ملختبر البيولوجيا العصبية احلاسوبية‪.‬‬ ‫‪Tobi Delbruck‬‬

‫>ديلب� � ��روك< هو نائ� � ��ب رئيس فريق احلواس في معه� � ��د املعلوماتية‬ ‫العصبية بجامعة زوريخ‪.‬‬

‫وال يفه� � ��م علماء اجلهاز العصبي متاما كيف ينظّ م الدماغُ‬ ‫عملي َة اس� � ��تخالص معلومات مفيدة من مجمل اإلشارات التي‬ ‫جت� � ��ري بداخله‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد متكنا (نح� � ��ن االثنان وغيرنا)‬ ‫مؤخرا من حتقيق تقدم مثير من خالل تركيز اهتمامنا بصورة‬ ‫غير مس� � ��بوقة على الكيفية التي يقوم بها الدماغ باس� � ��تعمال‬ ‫تزامن املوجات اإلسفينية وس� � ��يلة لتكوي���د ‪ encode‬املعلومات‬ ‫وحلل س� � ��ريع للمشكالت احلاس� � ��وبية املعقدة‪ ،‬وذلك استنادا‬ ‫إل� � ��ى حقيقة أن هذه الفئة من املوجات‪ ،‬التي تنطلق في اللحظة‬ ‫ذاتها تقريبا‪ ،‬قادرة على حمل معلومات أكثر بكثير مما ميكن‬ ‫أن حتمله فئ� � ��ة أخرى مكونة من موج� � ��ات ذات أبعاد مماثلة‪،‬‬ ‫ولكنها ال تنشط بصورة متزامنة‪.‬‬ ‫ومبعــ� � ��زل عــن تقــدمي رؤيــة عــن أعقـــ� � ��د آلـــة معــروفـــة في‬ ‫الكـ� � ��ون‪ ،‬ف� � ��إن حتقيق مزيد م� � ��ن التقدم في ه� � ��ذا املجال من‬ ‫البح� � ��ث العلمي ميكن أن يفضي إلى تطوير أنواع جديدة كليا‬ ‫للحواس� � ��يب‪ .‬وقد قام العلماء بالفعل ببناء دارات إلكترونية‬ ‫عل���ى غرار ال���دارات العصبي���ة ‪ neuromorphic‬حتاكي بعض‬ ‫جوانب شبكة الدماغ املُطلقة لإلشارات‪ .‬وميكننا اليوم أن ُنصنّع‬ ‫أجهزة مزودة مبليون نورون إلكتروني‪ ،‬ويجري التخطيط حاليا‬ ‫لتصني� � ��ع ُنظم أكبر من ذلك بكثير‪ .‬وينبغي للباحثني أن يكونوا‬ ‫قادرين ف� � ��ي نهايـــة األمـــر‪ ،‬عـلى تصنيــع حواس� � ��يب عصبيـــة‬ ‫البنيـــة تعمل بس� � ��رعة أكب� � ��ر بكثير من احلواس� � ��يب احلديثة‪،‬‬ ‫ولكنها ال حتتاج إال إلى قدر بسيط من الطاقة [انظر‪« :‬شيبات‬ ‫‪ ،‬العددان ‪ ،)2005( 6/5‬ص ‪.]24‬‬ ‫عصبية البنية»‪،‬‬

‫املشابك‪ :‬تقوم نقاط االتصال بني النورونات‬ ‫بتنظيم تدفق املعلومات في سائر أنحاء الدماغ‪.‬‬

‫يشكل جزءا حاسما من الكود الذي يستخدمه الدماغ لتحديد‬ ‫ما إذا كانت املعلومات العابرة للشبكة مجدية أو ال‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫مت جتاهل هذه األفكار لعدة عق� � ��ود‪ ،‬ذلك ألن التزامن ال‬ ‫فق� � ��د َّ‬ ‫يكتس� � ��ب أهمية تذكر ما لم تجُ َر املقارنة بني أجزاء مختلفة من‬ ‫قياس النشاط في أكثر من‬ ‫الدماغ‪ ،‬وقد كان آنذاك أمرا صعبا‬ ‫ُ‬ ‫نورون واحد بصورة متزامنة‪ .‬بيد أن تطوير مناذج حاس� � ��وبية‬ ‫للجه� � ��از العصبي ال� � ��ذي جرى مؤخرا في املج� � ��ال التطبيقي‬ ‫وم� � ��ا متخض من نتائج جديدة ع� � ��ن العلوم العصبية والنظرية‬ ‫والتجريبية‪ ،‬قد شجعا على االهتمام مبسألة التزامن بوصفها‬ ‫لفهم أفضل للكيفية التي تتحاور بها النورونات معا‪.‬‬ ‫سبيال ٍ‬ ‫وتتلق� � ��ى خاليا الدماغ كافة أن� � ��واع املدخالت على فترات‬ ‫( )‬ ‫ثرثرة اخلاليا‬ ‫زمنية متباينة‪ .‬فاإلشارة املنطلقة من األذن اليمنى مثال‪ ،‬والتي‬ ‫كغيرن� � ��ا من علم� � ��اء اجلهاز العصبي‪ ،‬غالبا ما نس� � ��تخدم ُتق ّدر س� � ��رعتها بامليكروثانية‪ ،‬ينبغ� � ��ي أن تجُ رى مواءمتها مع‬ ‫اجلهاز البصري ‪ visual system‬أداة الختباراتنا‪ ،‬والسبب في اإلش� � ��ارة املنطلقة من األذن اليس� � ��رى لوقوعه� � ��ا خارج إطار‬ ‫ذلك يعود جزئيا إلى أن الترس���يمة األساس���ية لتشابكاته(‪ )1‬املزامنة قليال‪ .‬وهذه االستجابات السريعة يقابلها في اجلانب‬ ‫مفهومة جيدا‪ .‬فتزامن اإلش� � ��ارات في اجلهاز البصري أو في‬ ‫( ) ‪CELL CHATTER‬‬ ‫غيره من مناطق الدماغ كان وما زال محط اش� � ��تباه في كونه‬ ‫(‪basic wiring diagram )1‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪47‬‬


‫اآلخ� � ��ر جريان بطيء للهرمونات في ال� � ��دورة الدموية‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫فإن اإلش� � ��ارات األكثر أهمية ملناقش� � ��تنا ه� � ��ذه‪ ،‬هي املوجات‬ ‫اإلس� � ��فينية‪ ،‬وهي ارتفاع ح� � ��اد في التي� � ��ار الكهربائي الذي‬ ‫يسري عبر النورونات وفيما بينها‪ .‬واملوجات اإلسفينية‪ ،‬التي‬ ‫ال تدوم س� � ��وى أجزاء من امليلي ثانية‪ ،‬هي وس� � ��يلة للتواصل‬ ‫بني خلية وأخرى تلبية لالحتياجات الفورية‪ .‬ال يطلق النورون‬ ‫موجة إسفينية إ ّال بعد التأكد من أن املدخالت التي حتثه على‬ ‫العم� � ��ل تفوق عددا تلك التي حتثه عل� � ��ى التوقف عنه‪ .‬وما أن‬ ‫يتأكد من ذلك‪ ،‬حتى تش� � ��رع املوجة اإلسفينية في الهبوط على‬ ‫طول محوار اخللية(‪( )1‬وهو يشبه إلى حد ما سلكا كهربائيا‬ ‫متفرع� � ��ا) لتبلغ ذراه‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يجري نقل اإلش� � ��ارة بطريقة‬ ‫كيميائية عبر نقاط اتصال ‪ُ junctions‬تدعى مشابك ‪,synapses‬‬ ‫تربط احملوار بالنورون املستق ِبل‪.‬‬ ‫وش� � ��بكية العني الواحدة حتتوي على مئة مليون مستق ِبل‬ ‫ضوئ� � ��ي تس� � ��تجيب ألمناط الض� � ��وء املتغيرة‪ .‬وم� � ��ا أن ُتنهي‬ ‫النورون� � ��ات في طبقات عدة معاجل َة الضوء الوارد إلى العني‪،‬‬ ‫حت� � ��ى تبدأ مليون خلي� � ��ة عقدية في اجلزء اخللفي للش� � ��بكية‬ ‫بتحويل هذه اإلش� � ��ارات إلى متوالية من املوجات اإلس� � ��فينية‬ ‫تنتقل بواس� � ��طة احملاوير إلى أج� � ��زاء أخرى من الدماغ تقوم‬ ‫هي األخرى بدورها بإرس� � ��ال موجات إس� � ��فينية إلى مناطق‬ ‫الدماغ املسؤولة في نهاية املطاف عن إنتاج الوعي باملدركات‪.‬‬ ‫واحملوار الواحد ق� � ��ادر على نقل ما يصل إلى عدة مئات من‬ ‫املوجات اإلس� � ��فينية في الثانية الواحدة‪ ،‬علما بأن ما يسري‬ ‫من ه� � ��ذه املوجات عبر التش� � ��ابكات العصبية هو مجرد عدد‬ ‫قليل في معظم األحيان‪ .‬وجميع ما تدركه من العالم املرئي ‪-‬‬ ‫أي جميع األشياء احمليطة بك بأشكالها وألوانها وحركاتها ‪-‬‬ ‫ُمك � � � ّود في ه� � ��ذه األنهار من املوجات اإلس� � ��فينية التي تتدفق‬ ‫بفواصل زمنية متفاوتة‪.‬‬ ‫إن رصد نشاط العديد من النورونات في آن واحد هو أمر‬ ‫حاس� � ��م لفهم ما يجري في الدماغ‪ ،‬ومنذ زمن بعيد‪ ،‬كان هذا‬ ‫األمر‪ ،‬وال يزال‪ ،‬يش� � ��كل حتديا كبي� � ��را‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد أخبرنا‬ ‫>‪ .J .E‬تشيتشلنيس� � ��كي< وزمالؤه [من املعهد ‪ Salk‬للدراسات‬ ‫البيولوجية ف� � ��ي الجو ّال بكاليفورنيا] في مقال لهم ُنش� � ��ر في‬ ‫املجل���ة ‪ ،)2( Nature‬بأنه� � ��م متكنوا من إجن� � ��از املهمة العظمى‬ ‫املتمثل� � ��ة في التس� � ��جيل املتزامن جلميع املوجات اإلس� � ��فينية‬ ‫الناش� � ��ئة عن مئ� � ��ات اخلاليا العقدية املتجاورة في ش� � ��بكيات‬ ‫الق� � ��رود‪ .‬وبفضل هذا اإلجناز ص� � ��ار بإمكاننا أن نقتفي آثار‬ ‫املستقبالت الضوئية النوعية ألي خلية عقدية‪ .‬وقدرتنا املتنامية‬ ‫في مجال التسجيل املتزامن للموجات اإلسفينية الصادرة عن‬ ‫عدد كبير من النورونات‪ ،‬سوف تساعدنا على اكتشاف مغزى‬ ‫‪48‬‬

‫هذه اإلشارات شبه الكودية‪.‬‬ ‫ومنذ س� � ��نوات‪ ،‬يس� � ��تخدم الباحثون طرائق عدة لتفسير‪،‬‬ ‫أو باألحرى لفك كود‪ ،‬س� � ��يل املوجات اإلس� � ��فينية املتدفق من‬ ‫الش� � ��بكية‪ .‬وتقوم إح� � ��دى هذه الطرق على مب� � ��دأ َع ِّد املوجات‬ ‫اإلس� � ��فينية الصادرة ع� � ��ن كل محوار مبف� � ��رده‪ ،‬ولفترة زمنية‬ ‫معينة‪ :‬وكلما كان معدل إطالق املوجات أعلى‪ ،‬كانت اإلشارة‬ ‫أقوى‪ .‬واملعلومات املنقولة مبعدل إطالق متغ ّير تقوم بإبدال كل‬ ‫ملمح من مالمح الصور البصرية ‪ -‬كاملوقع في املكان ومناطق‬ ‫تباين اإلضاءة ومكان ظهور احلركة ‪ -‬ممثال مبجموعة معينة‬ ‫من النورونات‪.‬‬ ‫كما يتم نقل املعلومات بواسطة التزامن النسبي أيضا‪ ،‬أي‬ ‫عندم� � ��ا يرتبط إطالق أحد النورونات إلش� � ��اراته ارتباطا وثيقا‬ ‫بلحظة انطالق موجات إس� � ��فينية من خلي� � ��ة أخرى‪ .‬فاخلاليا‬ ‫العقدية في الش� � ��بكية على سبيل املثال‪ ،‬تتقن استشعار كثافة‬ ‫الضوء إتقانا بالغا ولها القدرة على االستجابة ملشهد بصري‬ ‫ُمتغي� � ��ر من خالل م� � ��ا تنقله من موجات إس� � ��فينية إلى أجزاء‬ ‫أخرى من الدماغ‪ .‬فعندما يطلق عدد من هذه اخلاليا العقدية‬ ‫إشاراته في اللحظة ذاتها تقريبا‪ ،‬فإن الدماغ يشتبه في كونها‬ ‫تس� � ��تجيب جلانب من جوانب املُدرك املادي ذاته‪ .‬وقد وصف‬ ‫>‪ .H‬بارل� � ��و< [أحد أب� � ��رز علماء اجلهاز العصبي الرئيس� � ��يني‬ ‫بجامعة كامبردج] هذه الظاهرة بأنها مجموعة من التوافقات‬ ‫املريبة(‪ .)3‬و ُيحيل >بارلو< في ذلك إلى مش� � ��اهدة تفيد بأن أي‬ ‫خلية من خاليا القش� � ��رة الدماغية ميك� � ��ن تفعيلها مبلمح من‬ ‫املالم� � ��ح النوعية لـ ُمدرك مادي (ولنق� � ��ل‪ ،‬لونه أو توجهه ضمن‬ ‫مش� � ��هد)‪ .‬فعندما ُت ِ‬ ‫باش� � ��ر بعض هذه اخلاليا عملها في وقت‬ ‫واحد‪ ،‬فإن نش� � ��اطها حينئذ ُيش� � ��كل «توافقا مريبا»‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫هذا التوافق قد يك� � ��ون فقط بخصوص ُمدرك فريد يحدث في‬ ‫زمن معني‪ .‬ولعل الدماغ‪ ،‬باعتماده مثل هذا التزامن‪ ،‬يعتبر أن‬ ‫اإلش� � ��ارات املتزامنة جتدر مالحظتها ألن فرص ظهورها بهذا‬ ‫التنسيق مصادفة هي فرص ضعيفة‪.‬‬ ‫وانطالقا من هذه املعارف‪ ،‬يحاول مهندس� � ��و الكهرباء حاليا‬ ‫إبداع عتاديات حاس� � ��وبية أكثر فعالية تقوم بتس� � ��جيل املشاهد‬ ‫البصري� � ��ة وفق مب� � ��ادئ تزامن املوج� � ��ات اإلس� � ��فينية‪ .‬وقد قام‬ ‫(>ديلبروك<) [أحد مؤلفي هذا املقال] ببناء كاميرا تبث موجات‬ ‫إسفينية استجابة لتغيرات اللمعان في املشهد‪ ،‬وقادرة على تتبع‬ ‫األجسام املتحركة بسرعة كبيرة وبأدنى قدر ممكن من املعاجلة‬ ‫املطلوبة اللتقاط الصور [انظر اإلطار في الصفحة ‪.]50‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪cell’s axon‬‬

‫(‪)3‬‬

‫‪suspicious coincidences‬‬

‫(‪ )2‬وللعلم فإن مجلة ساينتفيك أمريكان تتبع املجموعة التي تنشر املجلة ‪.Nature‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫أمناط التواصل‬

‫رابط التراسل السريع في الدماغ‬

‫( )‬

‫املوج����ات اإلس����فينية (ارتفاع����ات ف����ي الڤلطية مليلي‬ ‫ثاني����ة‪ ،‬تنطل����ق م����ن أجس����ام اخلالي����ا‪ ،‬وتس����ري في‬ ‫احملاوير إلى أسفلها‪ ،‬ثم تعبرها لتصل إلى اخلاليا‬ ‫العصبي����ة األخرى) هي إش����ارات التواصل التي‬ ‫يس����تعملها الدم����اغ لتوفي����ر اس����تجابة فورية‬ ‫حل����دث ما‪ .‬وقد أظهرت األبح����اث اجلديدة أن‬ ‫تزامن املوجات اإلس����فينية املتناسق يضفي‬ ‫القدرة إلى شبكة خاليا الدماغ املكونة من‬ ‫تريليونات الوصالت بني النورونات‪.‬‬

‫موجة إسفينية ُتطلق ‪1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫من جسم خلية عصبية‪.‬‬ ‫تهاجر اإلشارة على ‪2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫طول احملوار‪ ،‬وهو‬

‫استطالة في النورون‬ ‫تشبه السلك‪.‬‬

‫عندما تصل موجة إسفينية ‪3‬‬ ‫‪l‬‬ ‫إلى املشبك مع نورون مجاور‪،‬‬

‫جسم‬ ‫خلية‬

‫يتم حترير ناقل عصبي‪،‬‬ ‫وتدخل دفقة كهربائية إلى أحد‬ ‫التغصنات‪ ،‬وهي نتوء متفرع‬ ‫عن النورون املستقبل‪.‬‬

‫موجات إسفينية ترد إلى أحد النورونات‬ ‫ضمن نافذة زمنية ضيقة‪ ،‬ال تتجاوز عدة‬ ‫ميلي ثوانٍ‪ ،‬قادرة على حتريض هذا النورون‬ ‫على إطالق إشاراته‪ ،‬كما هو مبني في صورة‬ ‫الشاشة الصغيرة امللونة أدناه‪.‬‬

‫محوار‬ ‫موجة‬ ‫إسفينية‬ ‫مشبك‬ ‫تغصن‬

‫ويقوم جسم اخللية العصبية املستقبلة ‪4‬‬ ‫‪l‬‬ ‫بدمج الدفقات الواردة من مشابك‬

‫ُمدخل‬ ‫إشارة كهربائية‬

‫مختلفة‪ .‬ومجموعة املوجات اإلسفينية‬ ‫التي تصل إلى النورون املستقبل في‬ ‫الوقت نفسه تقريبا‪ ،‬هي أكثر فعالية‬ ‫بكثير في نقل املعلومات من ُمدخالت‬ ‫عشوائية التزامن‪.‬‬

‫ُمخرج‬

‫عندما يتجاوز التيار ‪5‬‬ ‫‪l‬‬ ‫الكهربائي في جسم‬

‫زمن‬

‫اخللية عتبة معينة‪ ،‬يُطلق‬ ‫النورون موج ًة إسفينية‪.‬‬

‫قرنية‬ ‫شبكية‬

‫مهاد‬

‫قشرة دماغية بصرية‬

‫َ‬ ‫الدماغ‬ ‫مباذا تخبر العينان‬

‫حتدث الرؤية عندما تصل املوجات اإلسفينية التي و ّلدتها خاليا العني استجابة ملُدرك ما‪ ،‬إلى محطة اإلبدال في‬ ‫املهاد‪ ،‬ومنها إلى القشرة الدماغية البصرية‪ .‬فاملوجات اإلسفينية املتزامنة كما ينبغي ‪ -‬والتي ميثل كل منها‬ ‫بعضا من خصائص املُدرك‪ ،‬كاللون أو التوجه املكاني ‪ -‬يتم دمجها في القشرة الدماغية لإلحاطة الكاملة باملُدرك‪.‬‬

‫إلى داخل القشرة الدماغية‬

‫( )‬

‫هن� � ��اك ب ّين� � ��ة جديدة تزودن� � ��ا بدليل آخر على أن القش� � ��رة‬ ‫الدماغية البصرية تُعنى باللمحات العابرة لفهم ما تراه العني‪.‬‬ ‫فاخلاليا العقدية في الش� � ��بكية ال ترسل إش� � ��اراتها مباشرة‬ ‫إلى هذه القش� � ��رة‪ ،‬بل من خالل نورونات في املهاد ‪thalamus‬‬ ‫(بني� � ��ة تقع عميقا داخل املقطع النصفي للدماغ)‪ .‬ويقوم املهاد‬

‫بدوره بتفعيل ‪ 100‬مليون خلية في القشرة الدماغية البصرية‬ ‫لنصف الكرة الدماغية الواحدة في اجلزء اخللفي من الدماغ‪،‬‬ ‫وذلك قبل أن ُتبعث الرس� � ��ائل إلى الباحات األعلى من الدماغ‬ ‫لتفسيرها بصورة واعية‪.‬‬ ‫( ) ‪The Brain’s Fast Messaging Link‬‬ ‫( ) ‪INTO THE CORTEX‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪49‬‬


‫تطبيقات‬

‫شبكية العني تُلهم إنتاج‬ ‫نوع جديد من الكاميرات‬

‫( )‬

‫تقانة تنبعث من دراسة سرعة‬ ‫ومردود املعاجلة البصرية في الدماغ‪.‬‬ ‫إن كاميرات الفيدي� � ��و الرقمية املعهودة‬ ‫ضعيفة املردود بصورة مدهشة‪ .‬فهي تلتقط‬ ‫‪ 24‬مقطعا في الثاني� � ��ة لإلحاطة بالدرجات‬ ‫املتفاوت� � ��ة لكثافة الضوء الت� � ��ي تظهر على‬ ‫خلفيتها مختلف عناصر املشهد البصري‪.‬‬ ‫وكل بكس���ل ‪ ،pixel‬أو كل عنصر منعزل من‬ ‫عناصر الصورة‪ ،‬يس� � ��جل متوسط الكثافة‬ ‫عل� � ��ى مدى الـ ‪ 40‬ميلي ثانيـة املاضيـة‪ ،‬وهـو‬ ‫الزم� � ��ن الذي تس� � ��تغرقه ك� � ��رة التنس بعد‬ ‫ضربة س� � ��ريعة لقطع مس� � ��افة متر ونصف‬ ‫تقريبا‪ .‬ونتيجة لذل� � ��ك‪ ،‬فإن الكاميرات تو ّلد‬ ‫فيضا م� � ��ن املعلومات يس� � ��تهلك الكثير من‬ ‫زمن املعاجلة‪.‬‬ ‫وبهدف حتس� �ي��ن املردود‪ ،‬قام واحد منا‬ ‫>ديلب� � ��روك< وزمالؤه [م� � ��ن معهد املعلومات‬ ‫العصبي� � ��ة بجامعة زي� � ��ورخ] بتطوير كاميرا‬ ‫م� � ��ن نوع جديد حتاكي الطريق� � ��ة التي ُت ّكود‬ ‫بها أجزاء من الش� � ��بكية الص� � ��و َر لدماغنا‪.‬‬ ‫وهذه الكاميرا التي ُتدعى محساس الرؤية‬ ‫الديناميكي���ة ‪ ،Dynamic Vision Sensor‬أو‬ ‫(‪ ،)DVS‬حتاكي الش� � ��بكية‪ ،‬فتتحس� � ��س فقط‬ ‫عناصر املش� � ��هد التي تتغير كلما اكتش� � ��ف‬ ‫أي بكس� � ��ل تبدال في اللمعان مقارنة بالقيمة‬

‫ال تلتقط الكاميرا ‪ DVS‬من مشهد سوى أجزائه املتغيرة‪ ،‬حيث تتغير درجة‬ ‫ملعان البكسالت من حلظة إلى أخرى‪ .‬وحسبما يتغير التفاوت (الكونتراست)‬ ‫في صورة الطفل (في اليمني)‪ ،‬تتغير البكسالت‪ ،‬فتصبح أكثر سطوعا أو أكثر‬ ‫قتامة‪ .‬أما بالنسبة إلى البهلواني (في اليسار)‪ ،‬فإن آخر حركات الكرة تتوهج‬ ‫باللون األحمر وأقدمها باللون األزرق‪.‬‬

‫املسجلة القائمة‪ .‬ولذلك فإن الكاميرا قادرة‬ ‫حتى عل� � ��ى التق� � ��اط صور ألش� � ��ياء تتحرك‬ ‫بس� � ��رعة‪ ،‬وال تس� � ��تعمل من أجل ذلك سوى‬ ‫قدر ضئيل من البيانات‪.‬‬ ‫وسلوك البكسل في الكاميرا ‪ DVS‬يشبه‬ ‫إلى حد ما س� � ��لوك بعض خاليا الش���بكية‬ ‫العقدي���ة ‪ ،ganglion cells‬م� � ��ن حي� � ��ث إنها‬ ‫تص� � ��در أيضا موج���ة إس���فينية كهربائية‬ ‫‪ an electrical spike‬عندم� � ��ا يتبدل اللمعان‪.‬‬ ‫والكاميرا ق� � ��ادرة على تس� � ��جيل حتول في‬ ‫كثافة الضوء خالل وميض من ميكروثانية‪،‬‬ ‫ومن ثم فالكاميرا ‪ DVS‬قادرة على تتبع حركة‬ ‫عالية السرعة بصورة أفضل من الكاميرات‬ ‫العادي� � ��ة التي تقدر س� � ��رعاتها بامليلّي ثانية‪،‬‬ ‫وتلتقط املشهد مقطعا تلو آخر‪.‬‬ ‫وبس� � ��بب ما يتحلى به ُمخ� � ��رج الكاميرا‬ ‫‪ DVS‬من بس� � ��اطة وكثافة في املعلومات في‬ ‫الوقت ذاته‪ ،‬فإن الكاميرا صاحلة ألن تكون‬

‫أم� � ��ا ما ه� � ��ي أمن� � ��اط املوجات اإلس� � ��فينية األق� � ��در على‬ ‫تش� � ��غيل اخلاليا في القش� � ��رة الدماغي� � ��ة البصرية‪ ،‬فهذا ما‬ ‫يمُ ك ُننا اكتش� � ��اف بعض جوانبه من خالل فحص الوصالت‬ ‫الت� � ��ي تربط نورونات اإلبدال في املهاد بخاليا تعرف باس� � ��م‬ ‫النورون���ات النجمي���ة الش���وكية ‪ spiny stellate neurons‬في‬ ‫الطبقة الوس� � ��طى من القش� � ��رة الدماغية البصرية‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ ،1994‬ق� � ��ام >‪ .K‬مارتن< [يعمل حاليا ف� � ��ي معهد املعلوماتية‬ ‫العصبي� � ��ة بجامعة زيورخ] وزمالؤه‪ ،‬بإعادة تركيب مدخالت‬ ‫املهاد ‪ the thalamic inputs‬إلى القشرة‪ ،‬فوجد أنها ال تشكل‬ ‫س� � ��وى ستة في املئة من مجمل املشابك على اخللية النجمية‬ ‫الش� � ��وكية الواحدة‪ .‬ويتس� � ��اءل كل واحد‪ :‬كيف ميكن‪ ،‬إذن‪،‬‬ ‫‪50‬‬

‫حارسا أمينا ومكش� � ��افا ألي شيء يتحرك‪،‬‬ ‫س� � ��واء كان سيارة أو حركة مرور مشاة‪ ،‬أو‬ ‫شخصا مسنا ينزلق ويسقط‪ .‬ونظرا لسرعة‬ ‫الكامي� � ��را ‪ ،DVS‬فقد مت دمجها في إنس���الة‬ ‫‪ robot‬ق� � ��ادرة على صد ك� � ��رات مصوبة إلى‬ ‫الهدف‪ ،‬وكذلك في إنس� � ��الة أخ� � ��رى توازن‬ ‫القلم‪ ،‬وأيضا في س� � ��يارة تتبع في س� � ��يرها‬ ‫خطا ُرسم بالطباشير‪ ،‬وفي أجهزة استشعار‬ ‫تتعقب جسيمات تتنقل في السوائل‪ ،‬وأخرى‬ ‫تفسر حركات اإلنسان اإلميائية‪.‬‬ ‫و«املقارب� � ��ة املتمثلة بأال ُتس� � � ِّ�جل إال ما‬ ‫يتغي� � ��ر» في مش� � ��هد بصري ق� � ��د ات ِب َعت في‬ ‫تطبيق� � ��ات أخ� � ��رى‪ ،‬حيث اجتذب� � ��ت اهتمام‬ ‫مصمم� � ��ي التقان� � ��ة على نطاق واس� � ��ع‪ .‬وقد‬ ‫قام� � ��ت مؤخرا مجموعة تعمل في كلية الطب‬ ‫واي� � ��ل كورني� � ��ل‪ ،‬ومتعاونون معه� � ��ا‪ ،‬بتقدمي‬ ‫تقرير عن بدل� � ��ة ش� � ��بكية اصطناعية تعالج‬ ‫الضوء بالطريقة املذكورة آنفا‪.‬‬

‫لهذا املدخل ‪ input‬البصري الضعيف نسبيا ‪ -‬مجرد مجرى‬ ‫هزيل ‪ -‬القيام بإدارة التواصل مع نورونات في كافة طبقات‬ ‫القشرة الدماغية؟‬ ‫متتلك نورونات القشرة الدماغية حساسية فائقة للمدخالت‬ ‫املتقلبة‪ ،‬وميكنها االستجابة لها بإطالق موجة إسفينية خالل‬ ‫أج� � ��زاء قليلة م� � ��ن امليلي ثاني� � ��ة‪ .‬ففي عام ‪ ،2010‬ق� � ��ام أحدنا‬ ‫>سينجوفس� � ��كي< مبش� � ��اركة >‪ .P-H‬وانگ< و>‪ .D‬سپنسر< [من‬ ‫معهد س� � ��الك] و>‪ .M .J‬فيلوس< [من جامع� � ��ة أريزونا] بتطوير‬ ‫مفصل خللية جنمية شوكية‪ ،‬وأثبت ما يلي‪:‬‬ ‫منوذج حاس� � ��وبي ّ‬ ‫في الوقت الذي ال تتمكن فيه موجة إسفينية واحدة منطلقة من‬ ‫( )‬

‫‪The Retina Inspires a New Kind of Camera‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫محوار وحيد من تفعيل أي من النورونات القش� � ��رية الدماغية‬ ‫الس� � ��الفة الذكر؛ أي دفعها إلطالق اإلش� � ��ارات‪ ،‬فإن مدخالت‬ ‫محاوير واردة من املهاد‪ ،‬ال يتجاوز عددها األربعة‪ ،‬قادرة على‬ ‫ذلك بصورة موثوقة‪ ،‬ش� � ��ريطة أن تتالحق املوجات اإلسفينية‬ ‫املنطلقة م� � ��ن احملاوير األربعة كلها بفاص� � ��ل زمني ال يتعدى‬ ‫أج� � ��زاء قليلة م� � ��ن امليلي ثانية‪ .‬واملدخالت ال� � ��واردة من املهاد‬ ‫ال تتطل� � ��ب فور وصولها س� � ��وى أن تقوم فئ� � ��ة فرعية صغيرة‬ ‫من نورونات القش� � ��رة البصرية بإطالق إشاراتها لتمثيل‪ ،‬أو‬ ‫ترس� � ��يم‪ ،‬مدرك من امل� � ��دركات بخطوطه العريض���ة ‪،outline‬‬ ‫ومبنس���وجه ‪ .texture‬ول� � ��كل نورون م� � ��ن النورونات النجمية‬ ‫يفضله من املنبهات البصرية الواردة من العني‬ ‫الش� � ��وكية ما ّ‬ ‫التي تو ّلد معدال عاليا من إطالق اإلشارات‪ :‬مثال‪ ،‬حافة ُمدرك‬ ‫ما بزاوية اجتاه معينة‪.‬‬ ‫في س� � ��تينات القرن العش� � ��رين‪ ،‬اكتشف >‪ .D‬هابل< [من‬ ‫كلي� � ��ة الطب بجامعة هارڤارد] و>‪ .T‬فيزل< [حاليا في جامعة‬ ‫روكفلر] أن كل نورون من نورونات اجلزء املتعلق بالقش� � ��رة‬ ‫الدماغية ال يستجيب بشدة ملنبهه املفضل إال إذا صدر هذا‬ ‫املنبه عن قسم محدد من ساحة الرؤية ُيدعى حقل النورون‬ ‫االس����تقبالي ‪ .the neuron’s receptive field‬وأصغ� � ��ر ه� � ��ذه‬ ‫احلقول االس� � ��تقبالية‪ ،‬هي احلقول التابع� � ��ة للنورونات التي‬ ‫تس� � ��تجيب للتنبيه القادم من ال ُّن ْقرَة ‪(‎fovea‬املنطقة املركزية‬ ‫من الش� � ��بكية)‪ ،‬حيث تقارب مس� � ��احتها احلرف ‪ e‬على هذه‬ ‫الصفحة‪ .‬وميكن التفكير فيها كما لو أنها (النورونات) تنظر‬ ‫إلى العالم عبر مصاصة شراب غازي‪ .‬وفي ثمانينات القرن‬ ‫العشرين أثبت >‪ .J‬أوملان< [من معهد كاليفورنيا للتقانة ‪]CIT‬‬ ‫أن التنبيه البصري لنورون ما من خارج حقله االس� � ��تقبالي‬ ‫يمُ كنه أن يؤدي إلى تغ ّير في معدل اإلش� � ��ارات التي يطلقها‬ ‫هذا النورون اس� � ��تجابة لل ُمدخالت ال� � ��واردة إليه من داخل‬ ‫حقله االستقبالي‪ .‬وينطوي هذا الـمُ دخل «احمليطي»(‪ )1‬على‬ ‫داللة مفادها أن االس� � ��تجابة النورونية تتم في سياق البيئة‬ ‫البصرية األوسع‪.‬‬ ‫إن تنبيه املنطقة احمليطة باحلقل االستقبالي ألحد النورونات‬ ‫ل� � ��ه أيضا تأثي� � ��ر كبير في دق� � ��ة تزامن املوجات اإلس� � ��فينية‪.‬‬ ‫ومؤخرا قام >‪ .D‬ماكورميك< و>‪ .J‬ميزر< وزمالؤهم في جامعة‬ ‫ييل بتسجيل استجابات نورونات مفردة في القشرة الدماغية‬ ‫البصري� � ��ة ّ‬ ‫لقط ٍة وهي تش� � ��اهد عرضا متك� � ��ررا ألحد األفالم‪.‬‬ ‫وعندم� � ��ا كان الباحثون يض ّيقون صورة الفيلم‪ ،‬كي ُتس� � ��تثار‬ ‫النورونات من قبل املدخالت الواردة من احلقل االس� � ��تقبالي‬ ‫وحده� � ��ا (وضمان عدم ورود أي مدخل من الباحة احمليطية)‪،‬‬ ‫كانت هذه النورونات تطلق إش� � ��اراتها بتزامن ذي منط متغير‬

‫يوس� � ��عون الصورة لتشمل أيضا‬ ‫وغير دقيق‪ .‬أما عندما كانوا ّ‬ ‫الباح� � ��ة احمليطية خارج احلقل االس� � ��تقبالي‪ ،‬فقد كان كل من‬ ‫ه� � ��ذه النورونات يق ّل� � ��ص معدل إطالق إش� � ��اراته‪ ،‬ولكنه يطلق‬ ‫موجاته اإلسفينية بتزامن دقيق‪.‬‬ ‫إن تزامن املوجات اإلس� � ��فينية هو أمر مهم أيضا بالنسبة‬ ‫إل� � ��ى عملي� � ��ات عصبية أخ� � ��رى‪ .‬فبعض األدلة تش� � ��ير إلى أن‬ ‫التوقيت املتزامن ‪ -‬والذي يستعمل كل موجة إسفينية لترسيم‬ ‫أو متثيل جانب من جوانب الـ ُمدرك (لونه أو اجتاهه‪ ،‬مثال) ‪-‬‬ ‫يخدم كوس� � ��يلة لتجميع األج� � ��زاء املكونة للص� � ��ورة‪ .‬فاملوجة‬ ‫اإلسفينية اخلاصة باللون «األحمر الضارب للوردي» تتزامن‬ ‫م� � ��ع تلك اخلاص� � ��ة «باحمليط املس���تدير»(‪ )2‬لتمكني القش� � ��رة‬ ‫الدماغي� � ��ة البصرية من م� � ��زج هاتني اإلش� � ��ارتني معا وتوليد‬ ‫صورة مزهرية(‪ )3‬قابلة للتمييز‪.‬‬ ‫االنتباه والذاكرة‬

‫( )‬

‫حتى اآلن‪ ،‬تعقبنا ف� � ��ي مقالتنا آثار املعاجلة البصرية من‬ ‫املس� � ��تقبالت الضوئية إلى القش� � ��رة الدماغية‪ .‬بيد أن إدراك‬ ‫مشهد ما يقتضي تش� � ��كيله أكثر من ذلك‪ .‬فنشاط النورونات‬ ‫القش� � ��رية الدماغي� � ��ة الت� � ��ي تتلقى مدخالت بصري� � ��ة ال تتأثر‬ ‫بتلك املدخالت فحس� � ��ب‪ ،‬ب� � ��ل أيضا بالتآثرات االس� � ��تثارية‬ ‫واملث ّبط� � ��ة اجلارية بني النورونات القش� � ��رية الدماغية‪ .‬وما له‬ ‫أهمية خاصة‪ ،‬في تنس� � ��يق عمل معظم النورونات املس� � ��ؤولة‬ ‫عن تش� � ��كيل اإلدراك البصري‪ ،‬هو تلك اإلش����ارات العفوية‬ ‫اإليقاعية ‪ the spontaneous, rhythmic firing‬التي يطلقها عدد‬ ‫كبير من النورونات القشرية الدماغية املتباعدة كثيرا بترددات‬ ‫تقل عن ‪ 100‬هرتز‪.‬‬ ‫واالنتب����اه ‪ ،attention‬وه� � ��و أح� � ��د حقائ� � ��ق االس����تعراف‬ ‫‪ cognition‬الرئيسية‪ ،‬ميكن أن يقوم في جزء من أسسه املادية‬ ‫عل� � ��ى متواليات م� � ��ن املوجات اإلس� � ��فينية املتزامنة‪ .‬ويبدو أن‬ ‫مثل ه� � ��ذا التزامن يحدث للتأكيد عل� � ��ى أهمية حدوث إدراك‬ ‫‪ perception‬معني أو تذك����ر ‪ memory‬يعبران التفكير الواعي‬ ‫‪ .conscious awareness‬وقد بينّ >‪ .R‬ديزميون< [وهو حاليا في‬ ‫املعه� � ��د ‪ ]MIT‬وزمالؤه‪ ،‬أن القرود الت� � ��ي تولي انتباهها ملنبه‬ ‫ما‪ ،‬يزداد لديها عدد النورونات القشرية الدماغية التي ُتطلق‬ ‫موجات إس� � ��فينية متزامنة تقع ضمن ش� � ��ريط گام����ا ‪gamma‬‬ ‫بت� � ��رددات بني ‪ 30‬و ‪ 80‬هيرتز‪ ،‬كم� � ��ا يرتفع لديها املعدل الذي‬ ‫تطل� � ��ق به هذه النورونات إش� � ��اراتها‪ .‬وقد عثر >‪ .P‬فريز< [من‬ ‫( ) ‪ATTENTION AND MEMORY‬‬ ‫(‪surround input )1‬‬ ‫(‪round contour )2‬‬ ‫(‪flower pot )3‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫التتمة في‬

‫الصفحة ‪69‬‬

‫‪51‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫رحلة إلى داخل عالم اجلينات‬

‫( )‬

‫«إن ما كان يعرف بدنا ‪ DNA‬خردة يخبئ في طياته‬ ‫كنوزا»‪ ،‬هذا ما يقوله عالم احلياة احلوسبي >‪ .E‬بيرني<‪.‬‬ ‫مقابلة أجراها‬

‫عندم� � ��ا مت ّك� � ��ن علم� � ��اء احلي� � ��اة في‬ ‫الس� � ��بعينات من إلقاء بعض الضوء على‬ ‫تضاري� � ��س بيئة اجلين���ات ‪ ،genes‬تراءى‬ ‫لهم أن هناك قطعا صغيرة من الدنا تكوِّ د‬ ‫‪ coded‬البروتينات (املعروفة باإلكسونات‬ ‫‪ ،)exons‬وبدت كقطع صغيرة من اخلشب‬ ‫تعوم في بحر واس� � ��ع من املادة الوراثية‬ ‫املبهمة(‪ .)1‬ما س� � ��بب وجود هذه الباليني‬ ‫األخــرى مـــن ح� � ��روف الــدن� � ��ا؟ يـعـتـقـــد‬ ‫>‪ .F‬كريك< [العالم الش� � ��هير في ش� � ��ؤون‬ ‫اجلزيئات والذي شارك في اكتشاف بنية‬ ‫الدن���ا الثنائي احللزون(‪ ])2‬أن هذا الدنا‬ ‫ليس أفضل إال قليال من اخلردة‪».‬‬ ‫ومن� � ��ذ ذلك احل� �ي��ن‪ ،‬ص� � ��ارت جملة‬ ‫«الدن���ا اخلردة»(‪ )3‬مالزمة لعلم الوراثة‬ ‫البش���رية(‪ .)4‬وفي عام ‪ ،2000‬قدم علما ُء‬ ‫مش���روع اجلينوم البش���ري(‪ )5‬املسود َة‬ ‫املبدئي� � ��ة األولى لتسلس� � ��ل قواعد الدنا‬ ‫البش� � ��رية‪ ،‬حيث أظهرت القراءة األولية‬ ‫للنتائ� � ��ج أن غالبية السلس� � ��لة ‪ -‬أي ما‬ ‫يقرب من ‪ 97‬في املئة من ‪ 3.2‬بليون قاعدة‬ ‫(أساس) ‪ -‬بال وظيفة واضحة؛ وبعبارة‬ ‫أخرى‪ ،‬ب� � ��دا وكأن «كتاب احلياة»(‪ )6‬هو‬ ‫نص غير مش ّذب إلى حد كبير‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن في الوق� � ��ت ذات� � ��ه تقريبا‪ ،‬عمل‬ ‫جتمع من عدة مختبرات عاملية على إطالق‬ ‫مش� � ��روع كبير ولكن غير ملحوظ‪ ،‬أسماه‬ ‫أحد علماء احلياة‪ :‬أجزاء اجلينوم البشري‬ ‫«املتواضعة وغي� � ��ر الطموحة والالجينية»‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫<‪ .S .S‬هال>‬

‫وقــ� � ��د تطــلـ� � ��ب هـ� � ��ذا املش � � �ـروع‪ ،‬ال� � ��ذي‬ ‫(‪)7‬‬ ‫ُع ِرف باس� � ��م موس���وعة عناص���ر الدنا‬ ‫(باختصار‪ ،)ENCODE :‬من العلماء‪ ،‬من‬ ‫َ‬ ‫الزحف على طول احللزون‬ ‫حيث اجلوهر‪،‬‬ ‫املضاعف ف� � ��ي محاولة للكش� � ��ف عن أي‬ ‫ش� � ��يء ذي جدوى حيوي� � ��ة‪ .‬وبحلول عام‬ ‫‪ ،2007‬نشرت املجموعة تقريرا أوليا أشار‬ ‫إلى وج� � ��ود كنوز كثيرة َو ْس� � � َ�ط ما يدعى‬ ‫باخلردة‪ ،‬كما هو ح� � ��ال بعض األغراض‬ ‫التي نضعها في سقيفة البيت‪.‬‬ ‫اآلن وف� � ��ي سلس� � ��لة أوراق علمية مت‬ ‫نش� � ��رها في الش� � ��هر ‪ 2012/9‬في مجلة‬ ‫نيتش���ر ‪ )8(Nature‬وغيره� � ��ا‪ ،‬فق� � ��د بينت‬ ‫مجموع� � ��ة املش� � ��روع ‪ ENCODE‬وجود‬ ‫مخزون مدهش من املفاتيح واإلش� � ��ارات‬ ‫واملعال� � ��م املطم� � ��ورة ف� � ��ي ش� � ��ريط الدنا‬ ‫البش� � ��ري‪ .‬وفي س� � ��ياق النتائ� � ��ج‪ ،‬يعمل‬ ‫املشروع ‪ ،ENCODE‬على إعادة اختراع‬ ‫املفردات التي يس� � ��تخدمها علماء احلياة‬ ‫لدراسة ومناقشة وفهم ظاهرتي الوراثة‬ ‫واملرض لدى اإلنسان‪.‬‬ ‫وبه� � ��دف ش���رح ‪ annotate‬اجلينوم‪،‬‬ ‫أدار الباحث >‪ .E‬بيرني< [)‪ 39‬سنة ( من‬ ‫معه� � ��د املعلوماتية احليوية في كامبردج‬ ‫بإنگلت� � ��را] عملية التحلي� � ��ل‪ ،‬حيث متت‬ ‫م� � ��ن خالل مش� � ��اركة ‪ 400‬باحث تابعني‬ ‫لتكتل املش� � ��روع ‪ ،ENCODE‬وقد أجرى‬ ‫ه� � ��ذا الباح� � ��ث مقابلة ‪ -‬حديث� � ��ا ‪ -‬مع‬ ‫مجلة ‪ Scientific American‬اس� � ��تعرض‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫فيها املكتشفات الرئيسية التي حتققت؛‬ ‫وفيما يلي مقتطفات من هذه املقابلة‪.‬‬ ‫ساينتفيك أمريكان )‪ :(SA‬عمل‬ ‫املشروع ‪ ENCODE‬على كشف مشهد‬ ‫زاخر ‪ landscape‬بعناصر جينية‬ ‫مهمة ‪ -‬مشهد كان يعد في املاضي‬ ‫«خردة الدنا» ‪ ،Junk DNA‬فهل كانت‬ ‫تصوراتنا القدمية حول الكيفية‬ ‫التي ُنظم بها اجلينوم بسيطة أكثر‬ ‫مما ينبغي؟‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬دائما كان اجلميع يعلم أن‬ ‫هناك في اجلينوم ما هو أكثر من مجرد‬ ‫جينات ُمكودة للبروتينات‪ .‬وكنا متيقنني‬ ‫بوج� � ��ود تنظيم لعمل اجلين� � ��ات‪ .‬وما لم‬ ‫نكن نعرفه هو مدى هذا التنظيم‪.‬‬ ‫ولك� � ��ي أعطيك فكرة عم� � ��ا أقصده‪،‬‬ ‫أقول إن هناك نحو ‪ %1.2‬من األس� � ��س‬ ‫مخص� � ��ص لإلكس� � ��ونات املك� � ��ودة‬ ‫للبروتينات‪ ،‬وقد توقع الناس بأنه «رمبا‬ ‫هناك العدد ذاته منخ� � ��رط في التنظيم‪،‬‬ ‫أو رمبا أكثر قلي� �ل��ا»‪ .‬ولكن‪ ،‬حتى وإن‬ ‫اتخذنا موقفا محافظا من بيانات ‪data‬‬ ‫( ) ‪ JOURNEY TO THE GENETIC INTERIOR‬أو‪ :‬رحلة‬ ‫إلى داخل العالَم اجليني‪.‬‬ ‫(‪genetic gibberish )1‬‬ ‫(‪DNA’s double-helical )2‬‬ ‫(‪junk DNA )3‬‬ ‫(‪human genetics )4‬‬

‫(‪the Human Genome Project )5‬‬ ‫(‪Book of Life )6‬‬ ‫(‪the Encyclopedia of DNA Elements )7‬‬ ‫(‪ )8‬علما بأن مجلة ساينتفيك أمريكان جزء‬

‫نيتشر للنشر‪.‬‬

‫من مجموعة‬ ‫(التحرير)‬


‫من هو‬

‫باختصار‬

‫>‪ .E‬بيرني<‬

‫املهنة‬ ‫«راعي القطط الرئيسي» لتكتل‬ ‫املشروع ‪ ENCODE‬املؤلف من‬ ‫عالم وراثة في العالم‪.‬‬

‫‪400‬‬

‫أين‬ ‫معهد املعلوماتية احليوية األوروبي‪،‬‬ ‫كامبردج ‪ -‬إنگلترا‪.‬‬ ‫مجال التخصص‬ ‫إيجاد موسوعة تفصيلية لألجزاء‬ ‫األكثر غموضا من اجلينوم البشري‪.‬‬ ‫املفهوم العام‬ ‫«لدي هذا اإلحساس القوي بأنني‬ ‫كنت جاهال مبدى جهلي‪ ،‬أما اآلن‬ ‫فأنا أدرك جهلي‪».‬‬

‫مجموعة املشروع ‪ ENCODE‬فسينتهي‬ ‫بنا املطاف إلى القول إن ما يتراوح بني‬ ‫‪ 8‬و ‪ %9‬م� � ��ن قواع� � ��د اجلينوم‪ ،‬هي التي‬ ‫تدخل فيما يشبه العملية التنظيمية‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬إذن‪ ،‬هناك في اجلينوم قدر‬ ‫مخصص لتنظيم اجلينات أكبر‬ ‫بكثير مما هو مخصص للجينات‬ ‫املكودة للبروتني نفسها؟‬ ‫ِّ‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬وإن ‪ %9‬ال ميك� � ��ن أن متث� � ��ل‬ ‫القص� � ��ة كامل� � ��ة‪ .‬فأكث� � ��ر اآلراء تطرف� � ��ا‬ ‫بخص� � ��وص النس� � ��بة الت� � ��ي مت تقديرها‬ ‫تصل إلى ‪ .%50‬وهكذا من املؤكد أن تلك‬ ‫النسبة ستكون أكبر من ‪ ،%9‬ومن السهل‬ ‫احملاججة بنس� � ��بة تبلغ ما يقارب الـ‪.%20‬‬ ‫وهذه القيمة ليست بعيدة عن الواقع‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هل يتعني علينا اآلن أن نعزل‬ ‫جانبا عبارة «دنا خردة»؟‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬نعم‪ ،‬أعتق� � ��د أنه بالفعل البد‬ ‫من شطب هذه العبارة كليا من القاموس‪.‬‬

‫وكانت هذه العبارة أقرب إلى عبارة ملقاة‬ ‫لوصف ظواهر مثيرة جدا مت اكتشافها‬ ‫في الس� � ��بعينات من القرن املاضي‪ .‬وأنا‬ ‫مقتن� � ��ع اآلن بأنه� � ��ا طريقة غي� � ��ر مجدية‬ ‫لوصف ما يحدث في اجلينوم‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬ما الذي فاجأك من «اخلردة»؟‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬متحور الكثي� � ��ر من اجلدل‬ ‫داخل املشروع ‪ ENCODE‬وخارجه حول‬ ‫ما إذا كانت نتائج جتاربنا تصف شيئا‬ ‫ما يجري فعال في الطبيعة‪ .‬كما كان هناك‬ ‫تساؤل آخر إلى حد فلسفي أكثر‪ ،‬حول‬ ‫أهمي� � ��ة هذه النتائج‪ .‬وبكلمات أخرى‪ ،‬إن‬ ‫هذه األش� � ��ياء قد حتدث كيميائيا حيويا‪،‬‬ ‫لكن التطور‪ ،‬كما كان‪ ،‬أو أن أجس� � ��امنا‪،‬‬ ‫في واقع األمر‪ ،‬ال تبالي‪.‬‬ ‫منذ عام ‪ ،2003‬استمر هذا اجلدل‪.‬‬ ‫ومن ث� � ��م اتضح‪ ،‬من خالل عملنا وعمل‬ ‫علم� � ��اء خ� � ��ارج مجموعتن� � ��ا‪ ،‬أن قواعد‬ ‫التط� � ��ور اخلاص� � ��ة بالعناص� � ��ر املنظمة‬ ‫مختلفة ع� � ��ن تلك اخلاص� � ��ة بالعناصر‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫املكودة للبروتني‪ .‬إذ تبني من حيث املبدأ‬ ‫أن التح� � ��والت لدى العناص� � ��ر املختلفة‬ ‫املنظِّ َمة حتدث بس� � ��رعة أكبر بكثير‪ .‬أي‬ ‫إنك عندم� � ��ا جتد جني تكويد بروتني في‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فغالبا ستجد تقريبا ما مياثله‬ ‫في الفأر‪ ،‬ولك� � ��ن هذه القاعدة ال تنطبق‬ ‫على العناصر املنظِّ َمة‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬بعبارة أخرى‪ ،‬هل هناك‬ ‫تعقيد أكبر في تنظيم عمل اجلينات‬ ‫وتطور أسرع لعناصر اجلينوم‬ ‫املنظمة في البشر؟‬ ‫ِّ‬ ‫>بيرني<‪ :‬بالتأكيد‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هذا ميثل غالبا طريقة مختلفة‬ ‫في التفكير حول اجلينات والتطور‪.‬‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬لدي إحس� � ��اس قوي بأنني‬ ‫كنت جاهال بجهل� � ��ي‪ ،‬واآلن أدرك مدى‬ ‫جهلي‪ .‬إن� � ��ه ملدعاة لإلحب� � ��اط قليال أن‬ ‫تصل إلى إدراك مستوى جهلك‪ .‬إ ّال أن‬ ‫هذه هي طبيعة التقدم‪ .‬وتتمثل اخلطوة‬ ‫‪53‬‬


‫األولى لفهم هذه األش� � ��ياء املجهولة في‬ ‫اقتناء الئحة باألش� � ��ياء التي على الفرد‬ ‫فهمها‪ ،‬وهذا ما منتلكه هنا‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬أشارت دراسات سابقة‬ ‫إلى أن اجلزء الوظيفي الفعال من‬ ‫اجلينوم يتراوح بني ‪ 3‬و ‪ ،%15‬سواء‬ ‫كان ذلك تكويدا لبروتني أو تنظيما‬ ‫لعمل اجلينات أو عمل شيء آخر‪.‬‬ ‫هل أنا محق في أن بيانات املشروع‬ ‫‪ ENCODE‬تعني أن ما يقارب ‪ %80‬من‬ ‫مكونات اجلينوم هي وظيفية؟‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬ميكن اس� � ��تخدام بيانات‬ ‫املش� � ��روع ‪ ENCODE‬والوص� � ��ول إلى‬ ‫نس� � ��بة مئوي� � ��ة تتراوح ب� �ي��ن ‪ 9‬و ‪.%80‬‬ ‫وهذا بالطبع مجال واس� � ��ع جدا‪ .‬كيف‬ ‫ميكن تفس� � ��ير ذلك؟ لنع� � ��د خطوة إلى‬ ‫الوراء‪ .‬يلتف الدنا داخل خاليانا حول‬ ‫بروتينات متنوعة‪ ،‬معظمها هيستونات‬ ‫‪ ،histones‬وهي التي تعمل عموما على‬ ‫إبقاء كل شيء سليما وسعيدا‪ .‬إال أن‬ ‫هناك أمناطا أخرى م� � ��ن البروتينات‪،‬‬ ‫تدع� � ��ى عوام����ل النس����خ(‪ )1‬ولديه� � ��ا‬ ‫تفاع� �ل��ات معينة مع الدنا‪ .‬يرتبط عامل‬ ‫النس� � ��خ في نح� � ��و ‪ 1000‬موقع فقط أو‬ ‫على األكثر في ‪ 50 000‬موقع معني في‬ ‫اجلينوم‪ .‬وعليه فإننا عندما نذكر الـ‪%9‬‬ ‫يكون املقصود بالتحديد مواقع ارتباط‬ ‫عوامل النسخ‪.‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬يبدو أن َن ْس َخ الدنا‬ ‫إلى رنا ‪ RNA‬يحدث دائما؛ ويتم فعليا‬ ‫نس� � ��خ نح� � ��و ‪ %80‬من اجلين� � ��وم‪ .‬ولكن‬ ‫م� � ��ازال هناك جدل ق� � ��وي محتدم حول‬ ‫ما إذا كان هذا الكم الكبير من النس� � ��خ‬ ‫ميثل عملية خلفية ليس لها أهمية كبيرة‬ ‫ج� � ��دا‪ ،‬أم أن للرنا املصن� � ��وع وظيف ًة ما‬ ‫جنهلها حتى اآلن‪.‬‬ ‫ش� � ��خصيا‪ ،‬أعتقد أن كل شيء يتم‬ ‫ن َْس� � � ُ�خ ُه جدي� � ��ر باالستكش� � ��اف‪ .‬وهذه‬ ‫إحدى املهام التي يتحتم علينا االنخراط‬ ‫فيها مستقبال‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫)‪ :(SA‬هناك انطباع سائد في أن‬ ‫محاوالت حتديد التنوعات اجلينية‬ ‫املشتركة املتعلقة بأمراض اإلنسان‬ ‫عبر ما يسمى بدراسات االرتباط‬ ‫اجلينومي الواسع (‪ ،)2()GWAS‬لم‬ ‫تكشف الكثير‪ .‬وبالفعل‪ ،‬بينت‬ ‫نتائج املشروع ‪ ENCODE‬اآلن أن‬ ‫نحو ‪ %75‬من مناطق الدنا التي‬ ‫سبق أن ربطتها الدراسة ‪GWAS‬‬ ‫باألمراض ليست لها عالقة‬ ‫باجلينات املكودة للبروتني‪ .‬هل‬ ‫كنا مخطئني في التركيز على‬ ‫طفرات الدنا املكودة للبروتني‬ ‫فيما يخص دراسة األمراض؟‬ ‫>بيرني<‪ :‬إن الدراسات ‪ GWAS‬مثيرة‬ ‫جدا لالهتمام؛ إال أنها ليست رصاصة‬ ‫الطب السحرية‪ .‬فالنتائج التي تبلورت‬ ‫عن ه� � ��ذه الدراس� � ��ات دفع� � ��ت اجلميع‬ ‫نحو إعادة التفكير‪ .‬ولكن عندما نضع‬ ‫االرتباطات اجلينية مع بيانات املشروع‬ ‫‪ ،ENCODE‬رأين� � ��ا أنه عل� � ��ى الرغم من‬ ‫ك� � ��ون مواق� � ��ع االرتباط� � ��ات بعيدة عن‬ ‫اجلين� � ��ات املكودة للبروت� �ي��ن‪ ،‬فإنها في‬ ‫الواق� � ��ع قريبة عن العناص� � ��ر اجلديدة‬ ‫التي نحن بصدد اكتش� � ��افها‪ .‬لقد كان‬ ‫ذلك مدعاة للسرور‪ .‬في الواقع‪ ،‬عندما‬ ‫أدركتها للمرة األول� � ��ى‪ ،‬كانت أبعد من‬ ‫أن ُتص� � ��دق‪ .‬وقضينا وقت� � ��ا طويال في‬ ‫التأكد من صحة كل شيء‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬كيف يساعدنا هذا االكتشاف‬ ‫على فهم املرض؟‬ ‫>بيرني<‪ :‬إنه مبثابة فتح باب‪ .‬فكِّر في‬ ‫جميع الوسائل املختلفة التي ميكنك أن‬ ‫تنتهجها في دراس� � ��ة مرض معني مثل‬ ‫م� � ��رض ‪ .Crohn‬هل نبح� � ��ث في خاليا‬ ‫جه� � ��از مناعة في األمع� � ��اء؟ أم علينا أن‬ ‫ندرس اخلالي� � ��ا العصبية التي حترض‬ ‫األمعاء؟ أم أن ندرس املعدة وآلياتها في‬ ‫عمل شيء آخر؟‬ ‫جمي� � ��ع هذه مجرد خي� � ��ارات‪ .‬واآلن‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫فجأة‪ ،‬أت� � ��اح لك املش� � ��روع‬ ‫اختبار هذه اخليارات والقول «حس� � ��نا‬ ‫أعتقد أنه عليك الب� � ��دء بالبحث في هذا‬ ‫اجل� � ��زء من جهاز مناع� � ��ة ‪ -‬اخلاليا ‪T‬‬ ‫املس���اعدة ‪ ».helper T cells‬وبإمكانن� � ��ا‬ ‫عمل ذلك لعدد كبير جدا من األمراض‪.‬‬ ‫وهذا بحق مثير للغاية‪.‬‬ ‫‪ENCODE‬‬

‫)‪ :(SA‬مبا أننا اآلن ُننحي عبارة‬ ‫«دنا اخلردة» جانبا‪ ،‬هل هناك تعبير‬ ‫مجازي آخر ميكن أن يوضح النظرة‬ ‫البازغة حول املشهد اجليني(‪)3‬؟‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬انطباع� � ��ي‪ ،‬ه� � ��و أن ه� � ��ذا‬ ‫املش� � ��هد كالدغل احلقيقي؛ دغل كثيف‬ ‫من األش� � ��ياء علي� � ��ك أن جتد طريقك من‬ ‫خاللها‪ .‬فأنت حتاول أن تش� � ��ق طريقك‬ ‫إل� � ��ى موقع معني مع أنك غير متأكد أين‬ ‫أنت‪ ،‬ومن الس� � ��هولة واحلال� � ��ة هذه أن‬ ‫يشعر املرء بالضياع‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬في خضم العشرين سنة‬ ‫املاضية‪ ،‬جرى تكرار إعالم‬ ‫اجلمهور أن من خالل هذه املشاريع‬ ‫اجلينومية الكبيرة‪ ،‬بدءا مبشروع‬ ‫اجلينوم البشري ومرورا بعدة‬ ‫مشاريع أخرى مختلفة‪ ،‬سيتم‬ ‫تفسير جميع ما نحتاج إلى معرفته‬ ‫حول «كتاب احلياة»‪ .‬فهل املشروع‬ ‫‪ ENCODE‬ميثل ببساطة املشروع‬ ‫األحدث في سلسلة املشاريع هذه؟‬ ‫>بيرني<‪ :‬أعتق� � ��د أنه في كل مرة كان‬ ‫يقال دوم� � ��ا إن «هذه أساس� � ��يات ُيبنى‬ ‫عليها»‪ ،‬ولم يقل أحد «انظر‪ ،‬تلك قواعد‬ ‫الدن� � ��ا‪ ،‬كل ش� � ��يء مت حتدي� � ��ده وإزاحة‬ ‫الغبار عنه‪ ،‬فقط بقي علينا إجناز القليل‬ ‫من ف� � ��ك الكود»‪ ،‬بل ق� � ��ال اجلميع «إننا‬ ‫س� � ��نعمل على دراستها ملدة ‪ 50‬سنة أو‬ ‫‪ 100‬سنة‪ .‬ولكن ذلك ميثل القاعدة التي‬ ‫لدي ش� � ��عور بأن املش� � ��روع‬ ‫نبدأ منها»‪ّ .‬‬ ‫(‪transcription factors )1‬‬ ‫(‪genome wide association studies )2‬‬ ‫(‪the genetic landscape )3‬‬


‫‪ :ENIGMA‬كشف الباحثون عن مستوى من التعقيد في اجلينوم البشري أكبر مما يوحي به منوذج الدنا البسيط هذا‪.‬‬

‫‪ ENCODE‬ميثل الطبق� � ��ة التالية ملصدر‬ ‫القاعدة‪ ،‬التي تسمح لآلخرين باعتالئها‬ ‫والنظ� � ��ر إل� � ��ى البعيد‪ .‬ويكم� � ��ن التغيير‬ ‫الكبير هنا في الئح� � ��ة معرفة املجهول‪.‬‬ ‫وأعتقد أنه البد للناس من أن ُيدركوا أنه‬ ‫على الرغم من هذا اإلحساس باإلحباط‬ ‫والتراج� � ��ع الناجم عن اكتش� � ��اف مدى‬ ‫جهلنا‪ ،‬إال أن حتديد تلك الفجوات ميثل‬ ‫إجنازا «جيدا»‪.‬‬ ‫وقبل عش� � ��ر س� � ��نوات لم نكن نعلم‬ ‫م� � ��ا جنهله‪ .‬وال ش� � ��ك في أن املش� � ��روع‬ ‫‪ ENCODE‬يأتي بأسئلة أكثر بكثير مما‬ ‫توفره كأجوبة مباشرة‪ .‬وفي الوقت ذاته‬ ‫هناك ملرض ‪ ،Crohn‬وللكثير من األشياء‬ ‫األخرى‪ ،‬مغامن س� � ��ريعة وفاكهة متدلية‪،‬‬ ‫على األق� � ��ل للباحث� �ي��ن‪ .‬حينم� � ��ا يكون‬ ‫باإلم� � ��كان القول للناس «ي� � ��ا إلهي‪ ،‬هل‬ ‫نظرت هناك؟»‬ ‫إنه� � ��ا خطوة أخرى فقط وهي خطوة‬ ‫مهمة‪ .‬ولكنني‪ ،‬أخشى أننا لسنا قريبني‬ ‫إطالقا من نهاية املطاف‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬أنت تطلق على نفسك في‬

‫املشروع ‪« ENCODE‬راعي القطط‬ ‫الرئيسي»‪ .‬كم كان عدد املشاركني في‬ ‫التجمع؟ وكيف كانت عملية تنسيق‬ ‫هذا املجهود الكبير؟‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬ميثل هذا املش� � ��روع طريقة‬ ‫مختلفة ملمارس� � ��ة البح� � ��ث العلمي‪ .‬وأنا‬ ‫مجرد واح� � ��د من مجم� � ��وع ‪ 400‬باحث‬ ‫والوحيد املنوط به التأكد من أن التحليل‬ ‫قد مت تسليمه‪ ،‬وأن كل شيء مت كما هو‬ ‫علي أن أس� � ��تند إلى‬ ‫مطلوب‪ .‬ولكن تعينّ‬ ‫َّ‬ ‫مواهب الكثير‪ ،‬الكثير من الناس‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬أنا أ َْش� � � َ�ب ُه براع� � ��ي قطيع قطط‬ ‫املدي� � ��ر‪ .‬ولي� � ��س بالض� � ��رورة ذاك الذي‬ ‫يس� � ��تطيع عقله اس� � ��تيعاب جميع ذلك‪.‬‬ ‫وهذا يعود إلى اإلحساس بأن هناك ما‬ ‫هو يشبه الدغل‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬حسنا‪ ،‬يعود إليك الكثير من‬ ‫الفضل‪ ،‬فهم ليسوا مجرد قطط‪ ،‬إمنا‬ ‫هم قطط عنيدة جدا‪.‬‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬نعم إنهم كذل� � ��ك‪ .‬فالعلماء‬ ‫ليس� � ��وا بالتأكي� � ��د كال� � ��كالب‪ ،‬والكالب‬ ‫ترك� � ��ض بطبيعتها ف� � ��ي مجموعات‪ .‬أما‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫القطط فال‪ .‬وأن� � ��ا أعتقد أن هذا يختزل‬ ‫النمط الظاهري لدى العلماء‪ .‬ولذلك البد‬ ‫أحيان� � ��ا من الس� � ��ير مبحاذاتهم التخاذ‬ ‫الوجهة ذاتها‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هل ترى هناك نقطة‬ ‫في املستقبل تتبلور فيها هذه‬ ‫املعلومات املعقدة إلى رسالة أبسط‬ ‫حول وراثة وأمراض البشر؟ أم‬ ‫علينا أن نتقبل حقيقة أن التعقيد‬ ‫هو ذاته في الدنا‪ ،‬كما كان سابقا؟‬ ‫>بيرن���ي<‪ :‬نح� � ��ن مخلوق� � ��ات معقدة‪.‬‬ ‫وعلين� � ��ا أن نتوقع وجود ه� � ��ذا التعقيد‪،‬‬ ‫إال أنني أرى أن� � ��ه يتعني علينا أن نكون‬ ‫>‬ ‫سعداء بذلك‪ ،‬ال بل فخورين به‪.‬‬ ‫>‪ .S .S‬هال< عن ِ‬ ‫العلم لألطلسي‪،‬‬ ‫ملجلة نيويورك تاميز‪ ،‬والنيويوركي‪،‬‬ ‫وغيرها الكثير من املجالت‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬ ‫‪ he ENCODE project: Encyclopedia of DNA Elements:‬‬ ‫‪T‬‬ ‫‪ www.genome.gov/10005107‬‬

‫‪Scientific American, October 2012‬‬

‫‪55‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫هذا هو ِدماغك أثناء انهياره‬

‫( )‬

‫إن الدارات العصبية املسؤولة عن التحكم الذاتي الواعي‬ ‫ّ‬ ‫سريعة التأثر حتى بالكرب اخلفيف‪ ،‬وعندما تتوقف عن العمل‬ ‫تنطلق الدفقات العصبية البدئية دون ضب ٍط‪ ،‬ويظهر الشلل الذهني‪.‬‬ ‫>‪ .A‬أرنستني< ‪ .M .C> -‬مازور< ‪ .R> -‬سينها‬

‫<‬

‫يتأل� � ��ف اختب� � ��ار القبول بكلي� � ��ة الطب من س� � ��يل من مئات‬ ‫األس� � ��ئلة وميتد إلى خمس ساعات متواصلة‪ ،‬وغالبا ما ُي ِ‬ ‫دخل‬ ‫املتقدِ َم له في حالة من االرتباك والقلق‪ ،‬حتى مع أعلى درجات‬ ‫االستعداد‪ .‬وسيتسبب هذا الضغط القاسي لبعض من سيصير‬ ‫طبيب� � ��ا من هؤالء بتباطؤ قدراته� � ��م على احملاكمة العقلية ورمبا‬ ‫توقفها التام‪ .‬والتجربة املعروفة بأسماء مختلفة ‪ -‬كاإلحساس‬ ‫باالختن� � ��اق أو التجمد العقل� � ��ي أو التوترات العصبية أو القلق‬ ‫الش� � ��ديد أو االنطواء أو عدم القدرة على التذكر أو غيرها من‬ ‫التعابير الوصفية التي قد تصل إلى دستة ‪ -‬مألوفة جدا فعليا‬ ‫ألي ش� � ��خص تعثر ف� � ��ي الكالم أو اصطدم بع� � ��دم القدرة على‬ ‫الكتابة أو تعرض لتجربة الدخول في اختبار طويل‪.‬‬ ‫ولعق� � ��ود من الزمن‪ ،‬ظن العلماء أنهم فهموا ما يحدث في‬ ‫الدماغ خالل االختبار أو املواجهة في ساحة املعركة‪ .‬ولكن‬ ‫خط� � ��ا مختلفا من األبحاث ظهر مؤخ� � ��را ووضع فيزيولوجيا‬ ‫الك���رب ‪ stress‬في منظور جديد متاما‪ .‬فاالس� � ��تجابة للكرب‬ ‫ليس� � ��ت مجرد تفاع� � ��ل بدائي يؤث� � ��ر في أجزاء م� � ��ن الدماغ‬ ‫مشتركة بني مجموعة كبيرة من األنواع تتدرج من السمادل‬ ‫‪ salamanders‬حتى البش� � ��ر‪ .‬وحقيقة األمر أن الك ْرب يستطيع‬ ‫أن يصيب بالعجز قدراتنا العقلية األكثر تقدما‪ ،‬وهي املناطق‬ ‫األكثر تطورا في الرئيسيات‪.‬‬

‫لق� � ��د أوضحت الكت� � ��ب املدرس� � ��ية األق� � ��دم أنّ الوطاء‬

‫‪ ،hypothalamus‬وه� � ��و بنية قدمية تطوريا تس� � ��تقر في قاعدة‬ ‫الدماغ‪ ،‬يس� � ��تجيب للكرب من خ� �ل��ال حتريض إفراز موجة‬ ‫م� � ��ن الهرمونات من الغدت� �ي��ن النخامية والكظرية تعمل على‬ ‫تس� � ��ريع ضربات القلب ورفع ضغط الدم وإنقاص الشهية‪.‬‬ ‫أم� � ��ا اآلن فقد أظهرت األبح� � ��اث دورا غير متوقع للقش���رة‬ ‫املخية أمام اجلبهية(‪ ،)1‬وهي الباحة التي تقع خلف اجلبهة‬ ‫مباش� � ��رة وتعد مبثاب� � ��ة مركز الضبط الذي يتواس� � ��ط أعلى‬ ‫قدراتنا املعرفية ‪ -‬ومنها التركيز والتخطيط واتخاذ القرار‬ ‫والتأمل واحلكم والقدرة على استعادة الذكريات‪ .‬والقشرة‬ ‫أمام اجلبهية ه� � ��ي أكثر أجزاء الدماغ حداثة تطوريا‪ ،‬وهي‬ ‫قد تكون حساس� � ��ة بدقة بالغة حتى حل� � ��االت القلق والتوتر‬ ‫املؤقتة اليومية‪.‬‬ ‫وعندمــــا تكـــون األحـــوال جيـــدة تعمـــل القش � � �ــرة أمـــام‬ ‫اجلبهيـــ� � ��ة كمـركـــز ضبـــ� � ��ط ُيبقـــي انفعـــاالتن� � ��ا ونبضــاتـنـــا‬ ‫األســــاســـيـــة حتـــت الســـيــطـــرة‪ .‬وتـثـبـــت األبحـــــاث احلديثة‬ ‫أنّ التعــــرض للكـــرب احلــــ� � ��اد غيــــر املضبــــوط يـــــؤدي إلى‬ ‫( ) ‪THIS IS YOUR BRAIN IN MELTDOWN‬‬ ‫(‪the prefrontal cortex )1‬‬

‫باختصار‬ ‫التجم���د بتأثي���ر الكرْب‪ ،‬جتربة معروف������ة لكل منا في‬ ‫أوق������ات معينة م������ن حياتنا‪ ،‬وتقبع جذورها ف������ي فقدان ضبط‬ ‫«الوظائف التنفيذية» التي تسمح لنا بضبط انفعاالتنا‪.‬‬ ‫الباحات القش����رية أمام اجلبهية‪ ،‬التي تعمل كمراكز‬ ‫لألوام������ر التنفيذي������ة الدماغية‪ ،‬تقوم في األحوال الس������وية‬ ‫بإبق������اء انفعاالتنا حت� � ��ت الس� � ��يطرة وذلك عن طريق إرس� � ��ال‬ ‫إشارات (إشعارات) ‪ signals‬لتخفيف النشــاط في أجهزة الدماغ‬ ‫‪56‬‬

‫البدئية‪.‬‬

‫حت����ت تأثير الضغوط اليومية‪ ،‬قد تتوقف القش� � ��رة أمام‬ ‫اجلبهية عن العمل لتسمح للوزة ‪ - amygdala‬موضع لتنظيم النشاط‬ ‫االنفعالي ‪ -‬بتولي األمر فيحدث الشلل الذهني والفزع‪.‬‬ ‫يس���بر الباحثون املزيد م� � ��ن فيزيولوجيا الك ْرب احلاد آخذين‬ ‫ّ‬ ‫التدخالت الس� � ��لوكية والدوائية ملساعدتنا على االحتفاظ‬ ‫باحلسبان‬ ‫باتزاننا العقلي في مواجهة املواقف الصعبة‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫بدء سلس� � ��لة من األحداث الكيميائية (‪ )1‬التي تضعف تأثير من الدماغ البش� � ��ري‪َ ،‬ف ُه ْم اآلن ال يحاولون فهم ما يحدث في‬ ‫القشرة أمام اجلبهية وتقوي غلبة أجزاء الدماغ األقدم تطوريا‪ .‬رأس� � ��ك عندم� � ��ا يتجمد عقلك فقط‪ ،‬بل أيض� � ��ا تطوير تدخالت‬ ‫يقوم الك ْرب في اجلوهر بنقل الضبط الرفيع املستوى للتفكير سلوكية ودوائية تساعدك على احلفاظ على رصانتك(‪.)2‬‬ ‫واالنفعال من القشرة أمام اجلبهية إلى منطقة الوطاء وغيرها‬ ‫( )‬ ‫احذر التوتر العصبي‬ ‫من مناطق الدماغ األقدم تطوريا‪ .‬وعندما تكون السيطرة ملثل‬ ‫هذه املناطق قد جند أنفس� � ��نا منهكني في مواجهة قلق معطِّ ل مل� � ��اذا ُيضيع املرء رصانت� � ��ه أو رباطة جأش� � ��ه؟ لقد حيرت‬ ‫أو ف� � ��ي حالة خضوع الندفاعات نتدبر أمرها عادة من خالل ه� � ��ذه العبارة العلم� � ��اء لعقود‪ .‬فبعد احل� � ��رب العاملية الثانية‬ ‫ضبطها‪ :‬كاالنغماس في اإلفراط في الطعام أو الش� � ��راب أو قام الباحث� � ��ون بتحليل كيفية ارت� � ��كاب طيارين ذوي مهارة‬ ‫السلم‪ ،‬أخطاء بسيطة لكنها قاتلة خالل مناورات‬ ‫املخ� � ��درات أو قضاء الوقت في أح� � ��د املخازن املتخصصة‪ .‬عالية وقت ِّ‬ ‫طائراتهم وس� � ��ط معركة حربية‪ .‬وبقي ما يحدث فعال خلف‬ ‫وبكل بساطة نكون قد فقدنا ضبط اندفاعاتنا‪.‬‬ ‫لق� � ��د لفت انتباه الباحثني الفهم املتزايد ملا يس� � ��ببه الكرْب‬ ‫( ) ‪MIND THE JITTERS‬‬ ‫(‪chemical events )1‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫احل���اد ‪ acute stress‬من إعاقة لوظيفة الباحات التنفيذية العليا (‪ :composure )2‬رزانة أو رباطة اجلأش‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪57‬‬


‫ِ‬ ‫املؤلفات‬

‫‪Amy Arnsten‬‬

‫>أرنستني< أستاذة البيولوجيا العصبية بكلية طب ‪ .Yale‬قادت‬ ‫أبحاثها عن التغيرات اجلزيئية في قشرة املخ أمام اجلبهية‬ ‫خالل الكرب والتش ّيخ إلى استخدام أدوية مثل البرازوسني‬ ‫والگوانفاسني في اضطراب الكرب التالي للصدمة واضطراب‬ ‫ضعف االنتباه مع فرط النشاط وغيرهما من احلاالت‪.‬‬ ‫‪Carolyn M. Mazure‬‬

‫>مازور< أستاذة الطب النفسي وعلم النفس بكلية طب‬ ‫ووكيل الكلية للشؤون األكادميية‪ .‬وقد أنشأت مركز أبحاث صحة‬ ‫املرأة املتعدد التخصصات في تلك الكلية‪.‬‬ ‫‪Yale‬‬

‫‪Rajita Sinha‬‬

‫>سينها< أستاذة الطب النفسي بكلية طب ‪ ،Yale‬وتدير مركز الكرب‬ ‫فيها‪ ،‬الذي يركز على فهم تأثيرات الكرب في السلوك‪.‬‬

‫عظم اجلبهة من جمجمة البش� � ��ر مبهما حتى ظهرت تقنيات‬ ‫التصوير العصبي احلديثة‪ .‬وقد أعطى نشاط مفرط بالقشرة‬ ‫أمام اجلبهية في إحدى تفريس���ات ‪ scanner‬الدماغ مفتاحا‬ ‫ملعرفة مدى سهولة تأثر مراكز ضبط الدماغ‪.‬‬ ‫إنّ القش� � ��رة أمام اجلبهية حساسة جدا للك ْرب‪ ،‬ويعود‬ ‫ه� � ��ذا إلى وضعها اخلاص ضمن التسلس� � ��ل الهرمي لبنى‬ ‫الدماغ؛ وهي أكث� � ��ر مناطق الدماغ تطورا‪ ،‬وأكبرها حجما‬ ‫نس� � ��بيا في اإلنس� � ��ان عنه في الرئيس� � ��يات األخرى ومتثل‬ ‫نحو ثلث قش� � ��رة املخ في اإلنس� � ��ان‪ .‬وه� � ��ي تنضج بصورة‬ ‫أبطأ كثيرا من أي من أج� � ��زاء الدماغ األخرى وتصل إلى‬ ‫النضج الكامل فقط بعد مضي س� � ��نوات املراهقة‪ .‬وتسكنُ‬ ‫في الناحي ِة أم� � ��ام اجلبهية الدار ُة العصبي ُة املس� � ��ؤول ُة عن‬ ‫التفكي� � ��ر التجريدي وتس� � ��مح لنا بالتركي� � ��ز ومتابعة املهام‬ ‫بينم� � ��ا تقوم بتخزين املعلومات عل� � ��ى اللوح الذهني املؤقت‬ ‫للذاكرة العاملة‪ .‬وتشتغل باحة تخزين الذاكرة املؤقتة هذه‬ ‫بأن تس� � ��مح لنا بحفظ معلومات مثل مجموع األرقام الذي‬ ‫نحتاج إلى نقله إلى العمود التالي عند القيام بعملية اجلمع‪.‬‬ ‫وكوحدة ضبط ذهني‪ ،‬فإن الناحية أمام اجلبهية تثبط أيضا‬ ‫األفكار واألفعال غير املالئمة‪.‬‬ ‫يقوم املركز العصبي التنفيذي بوظيفته من خالل ش� � ��بكة‬ ‫داخلي� � ��ة واس� � ��عة م� � ��ن االرتباط� � ��ات فيما ب� �ي��ن العصبونات‬ ‫(النورون���ات) ‪ neurons‬املثلثة الش� � ��كل والتي تدعى اخلاليا‬ ‫الهرمي���ة ‪ .pyramidal cells‬كم� � ��ا ترس� � ��ل ه� � ��ذه العصبونات‬ ‫ارتباطات إلى نواح أبعد في الدماغ تضبط انفعاالتنا ورغباتنا‬ ‫وعاداتنا‪ .‬وعندما تكون غي� � ��ر معرضة للكرب‪ ،‬تؤدي الدارات‬ ‫العصبية في هذه الش� � ��بكة عملها بنش� � ��اط وتناغم‪ .‬فالذاكرة‬ ‫‪58‬‬

‫العامل� � ��ة تذكرنا مثال أن هناك اختبارا في األس� � ��بوع املقبل‪،‬‬ ‫وترسل دارة أخرى برسالة إلى نواحي الدماغ األدنى مشيرة‬ ‫إل� � ��ى أنه رمب� � ��ا من األفضل التخلي عن فك� � ��رة كأس ثانية من‬ ‫املش� � ��روبات‪ .‬وفي الوقت ذاته هناك رسالة أخرى إلى اللوزة‬ ‫‪ - amygdala‬وهي بنية دماغية عميقة تضبط انفعاالت اخلوف‬ ‫وتق ّدم تطمينا بأن الكتلة الضخمة التي تقترب على املمر ليست‬ ‫على وشك أن تصدم وجهك‪.‬‬ ‫واحلفاظ على هذه الشبكة نشطة ومتوهجة كما ينبغي‬ ‫قد يكون عملية هشة ‪ -‬وعندما يداهمنا الك ْرب فإنه حتى‬ ‫التغيرات البس� � ��يطة في البيئة الكيميائية العصبية ميكن‬ ‫أن تضع� � ��ف فى احلال ارتباطات الش� � ��بكة‪ .‬وفي مواجهة‬ ‫الك ْرب‪ ،‬يفي� � ��ض دماغنا بامل� � ��واد الكيميائية املس� � ��تثيرة‪،‬‬ ‫كالنورإيبينفري� � ��ن والدوبامني‪ ،‬التي تطلقها عصبونات في‬ ‫جذع الدماغ ترسل استطاالتها إلى أنحاء الدماغ جميعها‪.‬‬ ‫وارتفاع مس� � ��توى هذه املركبات الكيميائية اإلشعارية في‬ ‫القش� � ��رة أمام اجلبهية يوقف نشاط العصبونات‪ ،‬ويجري‬ ‫ذلك‪ ،‬ولو جزئيا‪ ،‬من خالل اإلضعاف املؤقت لنقاط ارتباط‬ ‫العصبون� � ��ات‪ ،‬أو املش���ابك ‪ ،synapses‬فيتناقص نش� � ��اط‬ ‫الش� � ��بكة وكذلك القدرة على تنظيم السلوك‪ .‬وتسوء هذه‬ ‫اآلثار فقط عندما تبدأ الغدد الكظرية قرب الكليتني‪ ،‬وبأوامر‬ ‫(‪)1‬‬ ‫من الوطاء‪ ،‬بضخ هرمون الك ْرب املسمى بالكورتيزول‬ ‫إلى الدم مرس� � ��لة إياه إلى الدماغ‪ .‬وعندها يعتمد الضبط‬ ‫الذاتي على موازنة دقيقة‪.‬‬ ‫«احتفاظ اإلنس� � ��ان بهدوئ� � ��ه» تعبير ميثّل بدق� � ��ة العمليات‬ ‫البيولوجية املستبطنة‪ ،‬فاآللة العصبية للقشرة أمام اجلبهية ‪-‬‬ ‫وقدرته� � ��ا على ضبط الذاكرة العاملة لتبقى مركّزة على املهمة‬ ‫احلالية – قد متنع ش� �ل��ال النواقل العصبية املتولد عميقا في‬ ‫الدماغ من استثارة موجة مسعورة من االنفعال‪.‬‬ ‫لقد بدأت أبحاثنا املوضحة ملدى س� � ��هولة إيقاف نش� � ��اط‬ ‫القش� � ��رة أمام اجلبهي� � ��ة منذ نحو عش� � ��رين عام� � ��ا‪ .‬وكانت‬ ‫الدراس� � ��ات الت� � ��ي أجرته� � ��ا واحدة من� � ��ا >أرنس� � ��تني< على‬ ‫احليوانات‪ ،‬م� � ��ع الراحل� � ��ة >‪ .P‬گولدمان‪-‬راكيك< [من جامعة‬ ‫‪ ]Yale‬من بني الدراسات األولى التي أوضحت كيف تستطيع‬ ‫التغي� � ��رات الكيميائية العصبية خالل الك� � ��رب إيقاف وظيفة‬ ‫القش� � ��رة أمام اجلبهية سريعا‪ .‬وقد أظهر هذا العمل انقطاع‬ ‫االتصال بني عصبونات القش� � ��رة أمام اجلبهية وتوقفها عن‬ ‫إطالق اإلش� � ��ارات بعد تعرضها لفيض من النواقل العصبية‬ ‫أو هرمونات الك ْرب‪.‬‬ ‫وفي املقابل‪ ،‬فإن الباحات العميقة داخل الدماغ تس� � ��يطر‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪cortisol‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫دماغك حتت الكرب‬

‫اختبار‬ ‫احلقيقة‬ ‫ورصد اخلطأ‬ ‫توجيه االنتباه‬ ‫والفكر من أعلى‬ ‫إلى أسفل‬

‫القشرة املخية‬ ‫أمام اجلبهية‬

‫تثبيط‬ ‫األفعال غير‬ ‫املالئمة‬

‫املستويات‬ ‫املثلى للدوبامني‬ ‫والنورإيبينفرين‬

‫كيف نخسره‬

‫( )‬

‫تنظيم‬ ‫االنفعاالت‬

‫اجلسم املخطط‬

‫الوطاء‬

‫اللوزة‬

‫عصبون القشرة‬ ‫أمام اجلبهية‬

‫قناة‬ ‫إشارة محولة إلى‬ ‫العصبون التالي عندما‬ ‫تكون القناة مغلقة‬

‫بدون ك ْرب‬

‫التنظيم املباشر‬ ‫للنورإيبينفرين والدوبامني‬ ‫بواسطة القشرة املخية‬ ‫أمام اجلبهية‬

‫فقدان التنظيم‬ ‫أمام اجلبهي‬

‫اخلاليا املنتجة‬ ‫للنورإيبينفرين‬ ‫والدوبامني‬

‫السلوكيات‬ ‫القهرية‬ ‫االستجابات‬ ‫االنفعالية‬

‫املستويات‬ ‫املرتفعة للدوبامني‬ ‫والنورإيبينفرين‬ ‫تغمر املستقبالت‬

‫تصدر اللوزة أوامرها بإنتاج مفرط من‬ ‫النورإيبينفرين والدوبامني في حاالت‬ ‫الكرب‪ ،‬وهذا بدوره يوقف وظيفة القشرة‬ ‫يقوي النشاط في‬ ‫أمام اجلبهية لكنه ّ‬ ‫اجلسم املخطط واللوزة‪ .‬إن املستويات‬ ‫العالية من النورإيبينفرين والدوبامني في‬ ‫القشرة أمام اجلبهية تشغل مستقبالت‬ ‫تفتح قنوات تقوم بفصل االرتباطات بني‬ ‫العصبونات أمام اجلبهية مما يضعف‬ ‫تأثير هذه الناحية الضابط لالنفعاالت‬ ‫والنبضات (بدرجات)‪.‬‬

‫ارتفاع مستوى‬ ‫النورإيبينفرين‬ ‫والدوبامني‬

‫أكثر على س� � ��لوكنا‪ .‬ويصل الدوبامني إلى سلس� � ��لة من البنى‬ ‫العميقة ف� � ��ي الدماغ تدعى مجتمعة باس� � ��م العق���د القاعدية‬ ‫‪ ،basal ganglia‬وتقوم بتنظيم الشغف واالستجابات االنفعالية‬ ‫واحلركي� � ��ة املعت� � ��ادة‪ .‬وال تبقى العقد القاعدية مس� � ��يطرة عند‬ ‫ركوبنا دراجة دون الوقوع من فوقها فحس� � ��ب بل أيضا عند‬ ‫اجنرافن� � ��ا ألي من العادات اإلدمانية‪ ،‬كتلك التي جتعلنا نتوق‬ ‫إلى ما ُحرمنا منه كالبوظة‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،2001‬وجد >‪ .B‬روزندال< [من جامعة ‪Groningen‬‬

‫تتحرك اإلشارات الصادرة عن القشرة‬ ‫أمام اجلبهية عميقا في الدماغ لتنظيم‬ ‫عاداتنا (اجلسم املخطط)‪ ،‬وشهواتنا‬ ‫األساسية كاجلوع واجلنس والعدوانية‬ ‫(الوطاء)‪ ،‬واستجاباتنا االنفعالية‬ ‫كاخلوف (اللوزة)‪ .‬كما تنظم القشرة أمام‬ ‫اجلبهية االستجابات للك ْرب من جذع‬ ‫الدماغ مبا في ذلك نشاط العصبونات‬ ‫التي تصنع النورإيبينفرين والدوبامني‪.‬‬ ‫ويقوم االرتفاع املتوسط في مستوى‬ ‫هذين الناقلني العصبيني بجذب‬ ‫املستقبالت التي تقوي االرتباطات‬ ‫بالقشرة أمام اجلبهية (بدرجات)‪.‬‬

‫حتت وطأة الكرب‬

‫مستقبِ ل‬

‫تنفتح القناة في‬ ‫العصبون املستقبِ ل‬ ‫وتختفي اإلشارة‬

‫املنطق���ة الواقع���ة خلف جبهتك مباش���رة‬ ‫ه���ي مركز الضبط التنفي���ذي في الدماغ‪،‬‬ ‫وتس���مى القش���رة أمام اجلبهي���ة‪ ،‬وهي‬ ‫املس���ؤولة ع���ن قدرتن���ا عل���ى تثبي���ط‬ ‫النبضات غي���ر املالئمة‪ .‬غير أنّ حاالت‬ ‫الكرب احل���اد اليومية املعت���ادة قادرة‬ ‫على تقويض هذا اإلحساس األساسي‬ ‫بالضبط الذاتي‪ ,‬ما يس���مح بس���يطرة‬ ‫االنفعال واالندفاع‪.‬‬

‫بهولندا اآلن] و>‪ .J‬ماكوف< [من جامعة كاليفورنيا] وزمالؤهما‬ ‫تغيرات مشابهة في اللوزة(‪ ،)1‬وهي ناحية دماغية أخرى قدمية‬ ‫تطوريا‪ .‬فبوجود النورإيبينفرين(‪ )2‬والكورتيزول توقظ اللوزة‬ ‫سائر أجزاء اجلهاز العصبي لالستعداد للخطر وتق ّوي أيضا‬ ‫الذكريات املتعلقة باخلوف واالنفعاالت األخرى‪.‬‬ ‫امت ّد هذا البحث اآلن إلى اإلنسان‪ .‬وبدأت هذه الدراسات‬ ‫( ) ‪How We Lose It‬‬ ‫(‪the amygdala )1‬‬ ‫(‪norepinephrine )2‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪59‬‬


‫ِ‬ ‫تظهر أنّ بعض األش� � ��خاص َي ْبدون أكثر تأثرا من غيرهم إما الحق‪ ،‬وتسهم غالبا في االكتئاب واإلدمان واضطرابات القلق‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫بس� � ��بب املكوّ ن اجليني أو بسبب التعرض السابق للكرب‪ .‬مبا في ذلك الكرب التالي للصدمة ‪ .‬ويبدو أن اجلنس أحد‬ ‫وبعد أن يوق� � ��ف النورإيبينفرين والدوبامني الدارات العصبية العوامل احمل� � ��ددة لكيفية تعاملنا مع الك � � � ْرب‪ .‬ففي اإلناث قد‬ ‫ّ‬ ‫في الناحية أمام اجلبهية املطلوبة من أجل املعرفة العليا‪ ،‬تقوم‬ ‫يضخم هرمون اإلس� � ��تروجني احلساسية‪ .‬وعلى سبيل املثال‪،‬‬ ‫اإلنزميات عادة بتكسير النواقل العصبية‬ ‫وكما أظهرت واحدة منا >مازور< وزمالؤها‪،‬‬ ‫مما يكفل عدم اس� � ��تمرار اإليقاف‪ .‬وبهذه‬ ‫يش� � ��كل ضغط احلياة خطرا أكبر لإلصابة‬ ‫الطريقة ميكننا العودة إلى خط األس� � ��اس‬ ‫باالكتئاب عند النساء مقارنة بالرجال‪ ،‬ومن‬ ‫عندما يبطل الك ْرب‪ .‬وتستطيع بعض أشكال‬ ‫املرجح أيضا أنه يحد من عملية اإلقالع عن‬ ‫بعض الس� � ��لوكيات اإلدمانية كالتدخني عند‬ ‫ج� �ي��ن ما إضعاف عمل هذه اإلنزميات مما تعبير يعكس بدقة‬ ‫النس� � ��اء مقارنة بالرجال‪ .‬أما عند الرجال‪،‬‬ ‫يجعل هؤالء األشخاص أكثر تأثرا بالك ْرب‪،‬‬ ‫الدماغ‬ ‫فيزيولوجيا‬ ‫فالك � � � ْرب قد يؤدي دورا ب� � ��ارزا في مفاقمة‬ ‫وف� � ��ي بعض األحيان يعانون مرضا عقليا‪.‬‬ ‫املستبطنة‪.‬‬ ‫الش� � ��هوات واستثارة س� � ��لوكيات اعتيادية‬ ‫وباملثل فقد تزيد بعض العوامل البيئية من‬ ‫تتواسطها الغدد القاعدية‪.‬‬ ‫هذا االستعداد للتأثر؛ فالتسمم بالرصاص‬ ‫وكيفية تأثير الك ْرب في موضع الضبط‬ ‫مثال ميكن أن يحاكي مظاهر االس� � ��تجابة‬ ‫الذاتي أمام اجلبهية في الدماغ تبقى بحاجة‬ ‫للكرب والتضاؤل املعرفي‪.‬‬ ‫إلى املزيد من البحث‪ .‬ويقوم بعض الباحثني‬ ‫وال ي� � ��زال بحث آخ� � ��ر ير ّك� � ��ز على ما‬ ‫بدراسة كيفية تأثير بعض املواد الكيميائية‬ ‫يحدث عندما يدوم الهجوم على القش� � ��رة‬ ‫العصبية األخرى في القشرة أمام اجلبهية‪.‬‬ ‫أمام اجلبهية إلى أيام أو أس� � ��ابيع‪ .‬ويبدو‬ ‫فقد قاد >‪ .W .T‬روبينز< و>‪ .A‬روبرتس< [من‬ ‫يوس� � ��ع الشبكة‬ ‫أنّ التعرض املزمن للكرب ّ‬ ‫جامعة كمبريدج] فري� � ��ق بحث في محاولة‬ ‫املعقدة من االرتباطات بني العصبونات في‬ ‫ملعرفة ما إذا كان السيروتونني‪ ،‬الذي يؤدي‬ ‫مراكز اجلس� � ��م االنفعالية الدنيا‪ ،‬في حني‬ ‫دورا رئيسا في االكتئاب‪ ،‬باستطاعته تعديل‬ ‫أن املس� � ��احات املنخرطة بالتفكير املنطقي‬ ‫الك ْرب والقلق من خالل أفعاله على القشرة‬ ‫املستدام واملرن ‪ -‬أي شيء بدءا من فلسفة‬ ‫أمام اجلبهية‪.‬‬ ‫>إميانويل كانت< حتى رياضيات التفاضل‬ ‫وتظل هذه األبحاث صعبة ألن املعايير‬ ‫والتكام� � ��ل ‪ -‬تب� � ��دأ بالذب� � ��ول‪ .‬وف� � ��ي هذه‬ ‫األخالقي� � ��ة احلديثة للتجارب على البش� � ��ر‬ ‫احلاالت‪ ،‬تتضخم التغصن���ات ‪dendrites‬‬ ‫تس� � ��تلزم عدم تعرض األشخاص للحاالت‬ ‫املتفرعة املتلقية لإلشارات في اللوزة األولية‬ ‫القصوى م� � ��ن الكرب النفس� � ��ي‪ ،‬وبالفعل‬ ‫في حني تنكمش مثيالتها في القشرة أمام‬ ‫يت� � ��م إبالغ املش� � ��اركني في البح� � ��ث بأنهم‬ ‫اجلبهية‪ .‬وقد أوضح >‪ .J‬موريس� � ��ون< [من‬ ‫يس� � ��تطيعون االنس� � ��حاب في أي وقت مما‬ ‫كلية طب جبل س� � ��يناء بنيويورك] وزمالؤه‬ ‫يعطيهم س� � ��يطرة عل� � ��ى وضعي� � ��ة البحث‬ ‫أنّ التغصنات أمام اجلبهية تس� � ��تطيع أن‬ ‫بطريقة ال حتاكي احلالة احلقيقية الواقعية‬ ‫تع� � ��اود النمو عن� � ��د اختفاء الك � � � ْرب‪ ،‬ولكن‬ ‫للتع� � ��رض للكرب‪ .‬وقد جنح� � ��ت مختبرات‬ ‫هذه الق� � ��درة االرتدادية قد تتالش� � ��ى إذا‬ ‫متع� � ��ددة في محاكاة تأثي� � ��رات الك ْرب غير‬ ‫كان الك � � � ْرب وخيما على وجه اخلصوص‪.‬‬ ‫املضبوط عن طريق مشاهدة املشاركني في‬ ‫وقد وجدت واحدة منا >س� � ��ينها< ب ّينة على‬ ‫البح� � ��ث ألفالم مزعجة أو ‪ -‬كما فعل فريق‬ ‫هذا عند البشر حيث ارتبط انكماش املادة‬ ‫>س� � ��ينها< ‪ -‬التخ ّيل املختص� � ��ر لتجاربهم‬ ‫الرمادية في املنطق� � ��ة أمام اجلبهية بقصة‬ ‫الشخصية املكربة للولوج إلى تفاعالتهم‪.‬‬ ‫التعرض للكرب‪.‬‬ ‫والس� � ��ؤال الذي ال يزال يحير الباحثني‬ ‫إن هذه السلسلة من التغيرات اجلزيئية‬ ‫(‪genetic makeup )1‬‬ ‫جتعلن� � ��ا أكثر اس� � ��تعدادا للتأثر بأي كرب‬ ‫(‪post-traumatic stress )2‬‬

‫«احتفاظ املرء‬ ‫برباطة جأشه»‬

‫‪60‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫هو ملاذا يبن� � ��ي الدماغ آليات داخلية مدمجة إلضعاف وظائفه‬ ‫املعرفية العليا‪ .‬ما زلنا ال نعرف بصورة مؤكدة‪ ،‬ولكن استثارة‬ ‫هذه التفاعالت البدئية رمبا تكون قد أس� � ��همت في إنقاذ حياة‬ ‫أشخاص عندما كان هناك حيوان مفترس يترصدهم مختبئا‬ ‫بني الش� � ��جيرات‪ .‬فإذا رأينا فجأة منرا وعيناه تلمعان وس� � ��ط‬ ‫الغابة فس� � ��يكون جتمدنا في مكاننا كي ال يرانا أفضل كثيرا‬ ‫لنا من أن نتذكر كلمات قصيدة >وليام بليك<‪.‬‬ ‫وفي غياب شبكات دماغنا العليا البطيئة املتأنية‪ ،‬تستطيع‬ ‫سبل الدماغ البدائية أن توقفنا قبيل الهاوية أو تع ّدنا للهروب‪.‬‬ ‫وقد تؤدي هذه اآلليات وظيفة مش� � ��ابهة عند مواجهة خطر ما‬ ‫في عاملنا احلديث ‪ -‬لنقل عندما يقطعنا سائق متهور بسيارته‬ ‫فيلزمنا ضرب الفرامل بقوة‪ .‬فإذا بقينا على هذه احلال‪ ،‬ومع‬ ‫ضعف وظيفة الناحية أمام اجلبهية‪ ،‬فس� � ��نواجه عائقا مدمرا‬ ‫في حاالت يتعني علينا فيها املش� � ��اركة في اتخاذ قرار صعب‬ ‫بخص� � ��وص حالة طبية خطيرة لش� � ��خص نحب� � ��ه أو في تنظيم‬ ‫مشروع مهم في وقت قصير‪.‬‬ ‫تمَ َ اسكْ‬

‫( )‬

‫إن االس� � ��تجابة املنطقية لفهمنا املتزايد النفعاالت الغضب هي‬ ‫في اس� � ��تنباط اس� � ��تراتيجيات حتفظ مركز الضبط العصبي‬ ‫س� � ��ليما‪ .‬ويأمل العلماء بأن فهم التغيرات اجلزيئية املس� � ��ببة‬ ‫لتحول الدم� � ��اغ من احلالة «العاكس���ة» ‪ reflective‬إلى احلالة‬ ‫«املنعكسية» ‪ ،reflexive‬سوف يؤدي إلى التوصل إلى عالجات‬ ‫أفضل لالضطرابات الك ْربي� � ��ة‪ .‬ويؤكد بعض الفهم العميق ما‬ ‫نعرفه بالفعل‪ .‬فعمليات التدريب على مواجهة احلاالت الطارئة‬ ‫أو اخلدمة العسكرية تدور جميعها حول تدريب العقد القاعدية‬ ‫وبنى الدماغ األخرى على تعل� � ��م ردود األفعال األوتوماتيكية‬ ‫املطلوبة للبقيا‪ .‬وتوحي األبحاث على احليوانات أن إحس� � ��اس‬ ‫الضبط النفس� � ��ي الذي يصبح الطبيعة الثانية للجندي أو فني‬ ‫الطوارئ الطبي‪ ،‬يبقى العامل الذي يحدد ما إذا كنا سنتهاوى‬ ‫خالل الك ْرب‪ .‬فمخاطبة جمهور من الناس تبهج الذين يشعرون‬ ‫بالثقة في النفس في مواجهة اجلمهور‪ ،‬ولكنها تس� � ��بب الذعر‬ ‫آلخرين وتصبح عقولهم «بيضاء»‪.‬‬ ‫لق� � ��د جرى تطبيق ما مياثل التدري� � ��ب الروتيني للرقيب في‬ ‫اجلي� � ��ش في أبحاث أجريت على احليوان� � ��ات‪ ،‬فأظهر ذلك أن‬ ‫صغار هذه احليوانات تنمو مع قدرة أكبر على مواجهة الك ْرب‬ ‫إذا تعرض� � ��ت مبكرا لعدة جت� � ��ارب ناجحة في مواجهة الكرب‬ ‫اخلفيف‪ .‬وباملثل‪ ،‬تش� � ��ير الدراس� � ��ات البشرية إلى أن النجاح‬ ‫ف� � ��ي تدبير التحديات قد يقوي املرونة‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬إذا تعثر‬ ‫األطفال خ� �ل��ال هذه التجارب فقد يصبح� � ��ون عندما يكبرون‬

‫أكثر حساسية ومثقلني بوطأة الك ْرب واالكتئاب‪.‬‬ ‫قد تبدأ مفاتي� � ��ح املعاجلات اجلديدة بالظهور ببطء من‬ ‫املختبرات‪ ،‬فدواء البرازوسني(‪ ،)1‬وهو معاجلة عامة لعالج‬ ‫ارتف� � ��اع ضغط الدم والذي يحصر بعض األفعال الضارة‬ ‫للنورإيبينفري� � ��ن‪ ،‬ج� � ��رى اختباره على قدم� � ��اء احملاربني‬ ‫واملدني� �ي��ن املصاب� �ي��ن باضطراب الك � � � ْرب التالي للصدمة‬ ‫(للرض)‪ .‬ويبدو أن البرازوس� �ي��ن يخفف الرغبة في تناول‬ ‫الكحول ومعدل استهالكه‪ .‬وقد وجدت دراسة حديثة جدا‬ ‫قامت به� � ��ا >‪ .Sh‬ماكي< [من جامع� � ��ة ‪ ]Yale‬وزمالؤها أن‬ ‫هن� � ��اك دواء عاما آخر لعالج ارتفاع ضغط الدم‪ ،‬واس� � ��مه‬ ‫گوانفاس��ي�ن(‪ ،)2‬ميكنه تثبيط بعض تفاعالت الك ْرب وتقوية‬ ‫الشبكات العصبية القشرية أمام اجلبهية‪ ،‬فيساعد بعض‬ ‫األشخاص على مقاومة الرغبة في التدخني أثناء التعرض‬ ‫كال من >أرنستني<‬ ‫للكرب‪( .‬وقد أعطت شركة شير لألدوية ُ‬ ‫وجامعة ‪ Yale‬احلق في اس� � ��تخدام نوع من الگوانفاسني‬ ‫املمتد املفعول في عالج اضطراب ضعف االنتباه مع فرط‬ ‫النش� � ��اط عند األطفال واملراهق� �ي��ن‪ ،‬ولكن لم يتم احلصول‬ ‫على هذا احلق الس� � ��تخدام الگوانفاسني السريع املفعول‬ ‫املس� � ��تخدم في عالج البالغني في هذا البحث‪ ).‬فضال عن‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد أظهرت عدة مختبرات أن استراتيجيات سلوكية‬ ‫كاالس� � ��ترخاء والتنف� � ��س بعمق والتأمل ميك� � ��ن أن تخفف‬ ‫االستجابة االنفعالية للكرب‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ح���س الضب���ط ؟ رمبا عن طري� � ��ق تعلّم كيف‬ ‫ّ‬ ‫وم� � ��اذا عن‬ ‫حلس‬ ‫يستجيب الدماغ للك ْرب‪ ،‬ميكنك اخلروج بإدراك‬ ‫محسن ِّ‬ ‫ّ‬ ‫الضب� � ��ط‪ .‬وهكذا‪ ،‬رمبا في املرة القادمة مع دخولك اختبار ما‬ ‫أو إلقاء كلمة أمام اجلمهور ويخلو عقلك «من األفكار» ميكنك‬ ‫أن تقول لنفس� � ��ك‪« :‬إنها مج� � ��رد محاولة من عقلي ليبقيني في‬ ‫أمان‪ ».‬وقد ال تأتي هذه اجلملة باإلجابة أو الكلمة الصائبة إلى‬ ‫>‬ ‫ذهنك ولكنها سترسم ابتسامة مريحة على وجهك‪.‬‬ ‫( ) ‪GET AHOLD OF YOURSELF‬‬ ‫(‪prazosin )1‬‬ ‫(‪guanfacine )2‬‬ ‫(‪sense of control )3‬‬

‫مراجع لالستزادة‬ ‫‪Stress Signalling Pathways That Impair Prefrontal Cortex Structure and Function. Amy‬‬ ‫‪F. T. Arnsten in Nature Reviews Neuroscience, Vol. 10, pages 410–422; June 2009.‬‬ ‫‪Can’t Remember What I Forgot: Your Memory, Your Mind, Your Future. Sue Halpern.‬‬ ‫‪Three Rivers Press, 2009.‬‬ ‫‪Prefrontal Cortical Network Connections: Key Site of Vulnerability in Stress and Schizo‬‬‫‪phrenia. Amy F. T. Arnsten in International Journal of Developmental Neuroscience, Vol.‬‬ ‫‪29, No. 3, pages 215–223; 2011.‬‬

‫‪Scientific American, April 2012‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪61‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫أغرب الطيور‬

‫( )‬

‫التاريخ املذهل لتطور طيور البطريق‪.‬‬ ‫املستحاثات املكتشفة حديثا‬ ‫ُتظهر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫>‪ .E .R‬فورديس< ‪-‬‬

‫م� � ��ا أن يبدأ الثلج بالذوبان في القارة القطبية اجلنوبية مع‬ ‫بداية الش� � ��هر ‪ ،11‬حتى يبدأ معه موس� � ��م الصيد بالنسبة إلى‬ ‫أباطرة البطارق���ة(‪ )1‬التي تقضي معظم الصيف اجلنوبي في‬ ‫التزحل� � ��ق عبر احمليط املتجمد اجلنوب� � ��ي‪ ،‬تغوص إلى أعماق‬ ‫تص� � ��ل حتى ‪ 1500‬قدم بحثا عن األس� � ��ماك واحلبار وقريدس‬ ‫البحر‪ ،‬لتتخم نفسها بالطعام قبل أن تبدأ برحلة مضنية على‬ ‫اليابسة لتقوم بالتناسل في فصل الشتاء‪ .‬تراها تقفز خارجة‬ ‫من املاء عائدة إلى اجلليد‪ .‬ومتثل اللحظ ُة الفاصلة بني اخلروج‬ ‫من املاء والوصول إلى اجللي� � ��د التجرب َة الوحيدة التي يختبر‬ ‫فيها طائر البطريق ما اعتادت عليه أغلب الطيور‪ :‬الطيران‪.‬‬ ‫ف� � ��ي احلقيق� � ��ة‪ ،‬إن أباط� � ��رة البطارقة األخ� � ��رى هي طيور‬ ‫غريب� � ��ة‪ ،‬فهي ‪ -‬كس� � ��ائر الطيور ‪ -‬متتلك الري� � ��ش واألجنحة‬ ‫واملناقير‪ ،‬وتضع البيض‪ .‬غير أن البطريق يتمتع مبجموعة من‬ ‫اخلصائ� � ��ص التي متيزه من أقرانه من ذوات الريش األخرى‪.‬‬ ‫فأجنحة البطريق تطورت إلى زعانف للسباحة‪ ،‬وهندامه املموه‬ ‫يحميه من احليوانات املفترسة في البر والبحر‪ ،‬وعظامه الثقيلة‬ ‫تس� � ��اعده على الغوص‪ ،‬أما أقدامه الثخينة والقصيرة فتعمل‬ ‫كعنفة تدفع اجلس� � ��م حتت املاء ومتنحه مشيته احملببة املفعمة‬ ‫باحليوية‪ .‬وبفضل هذه امليزات‪ ،‬وغيرها‪ ،‬يعد البطريق س� � ��يد‬ ‫اململك� � ��ة البحرية‪ ،‬وقد متكن العديد م� � ��ن أنواع البطريق‪ ،‬ومن‬ ‫بينها اإلمبراطور‪ ،‬من أن يغزو إحدى أكثر البيئات تطرفا على‬ ‫كوكب األرض‪.‬‬ ‫لطاملا تس� � ��اءل علماء املستحاثات عن نش� � ��أة هذه الطيور‬

‫>‪ .T .D‬كسيپكا<‬

‫املميزة‪ ،‬وكيف انتش� � ��رت عب� � ��ر نصف الك� � ��رة اجلنوبي‪ .‬وقد‬ ‫س� � ��اعدت املس� � ��تحاثات املكتش� � ��فة خالل العق� � ��د األخير على‬ ‫إعادة تش� � ��كيل مسيرة البطريق التطورية‪ .‬وتبني أن العديد من‬ ‫اخلصائ� � ��ص املميزة لهذا الطائر قد نش� � ��أت في ظروف أكثر‬ ‫اعتداال بكثير م� � ��ن الظروف الباردة والقاس� � ��ية التي يتخيلها‬ ‫الن� � ��اس عندم� � ��ا يفكرون بالبطري� � ��ق‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يس� � ��اعدها‬ ‫تاريخها هذا على حتس� �ي��ن فرص بقائه� � ��ا مع ازدياد درجات‬ ‫احلرارة في املس� � ��تقبل‪ .‬وتشير االكتش� � ��افات احلديثة إلى أن‬ ‫الطبيع� � ��ة احليوية‪ ،‬والت� � ��وزع اجلغرافي له� � ��ذه الطيور تعكس‬ ‫تفاعال معقدا بني االجنراف القاري وتغيرات املناخ واالنتقاء‬ ‫الطبيعي(‪ ،natural selection )2‬عبر عشرات ماليني السنني‪ ،‬إال‬ ‫أنها تؤكد أيضا على س� � ��هولة تأثر طيور البطريق في العصر‬ ‫احلديث بالتغيرات املناخية السريعة‪.‬‬ ‫تاريخ قدمي‬

‫( )‬

‫ومن� � ��ذ ‪ 150‬عام� � ��ا‪ ،‬عرف العلم� � ��اء بوجود مس� � ��تحاثات طيور‬ ‫البطريق ولكن البقايا التي اس� � ��تطاعوا استعادتها كانت فتاتا‬ ‫واحتوت على معلومات ضئيلة جدا عن هذه الطيور التي أتت‬ ‫منها‪ .‬وقد اكتش� � ��فت أول مس� � ��تحاثة تع� � ��ود لطائر بطريق في‬ ‫( ) ‪THE STRANGEST BIRD‬‬ ‫( ) ‪ANCIENT ORIGIN‬‬

‫(‪ )1‬ج‪ :‬بطري���ق إمبراط���وري ‪( emperor penguin‬واختص� � ��ارا‪ :‬اإلمبراطور) وهو أحد‬ ‫أنواع البطاريق‪ ،‬يصل طوله إلى ‪ 1.20‬متر ووزنه ‪ 40‬كغ‪ ،‬وهو صاحب أعمق غوصة‬ ‫(التحرير‪ ،‬عن گوگل)‬ ‫لطائر وأطولها مدة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أو‪ :‬انتخاب طبيعي‬

‫باختصار‬ ‫طيور البطريق طيور غريبة‪ ،‬ال تس� � ��تطيع الطي� � ��ران‪ ،‬ولكنها بارعة‬ ‫وماهرة في الغوص والسباحة‪.‬‬ ‫ولطاملا تس� � ��اءل علماء األحياء كيف اكتس� � ��بت طيور البطريق هذه‬ ‫املزايا الغريبة‪ ،‬وكيف استطاعت بعض أنواعها غزو القارة اجلنوبية‬ ‫ذات البرد القارس‪.‬‬ ‫ومن خ���ل��ال االكتش������افات احلديث������ة للمس������تحاثات متكن‬ ‫‪62‬‬

‫الباحثون من كش������ف التاريخ التطوري لطيور البطريق‪ ،‬والتي‬ ‫بين������ت أن بعض اخلصائص التي حتميها من البرد قد تطورت‬ ‫في ظروف دافئة‪.‬‬ ‫وم� � ��ع أن البطريق جنح ف� � ��ي التكيف خالل أكثر من ‪ 60‬مليون عام‬ ‫من التغيرات املناخية‪ ،‬فإن الظروف الدافئة احلالية قد تكون أس� � ��رع‬ ‫من قدرة هذا الطائر على التكيف‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫نيوزيالندا ضمن حجر كلسي من قبل أحد السكان احملليني‪،‬‬ ‫ووصلت إلى يد عالم التش� � ��ريح اإلنكليزي >‪ .H .Th‬هكس� � ��لي<‪،‬‬ ‫ال� � ��ذي تع ّرف القطعة عل� � ��ى أنها عظم الكاح� � ��ل لطائر بطريق‬ ‫منقرض أكبر من اإلمبراطور الذي يصل طوله إلى ثالثة أقدام‬ ‫ووزنه ‪ 90‬پاوندا‪ ،‬ويعد أكبر أن� � ��واع البطريق املوجودة اليوم‪.‬‬ ‫وقد أطلق >هكس� � ��لي< اس� � ��م غواص اجلنوب املاهر على هذا‬ ‫النوع املكتشف‪ .‬وفي العقود التالية جرى اكتشاف العديد من‬ ‫املستحاثات العائدة إلى طيور بطريق ضخمة بنيوزيالندا وما‬ ‫وراءها‪ .‬ولكنها كانت أيضا غير كاملة وصعبة التفسير‪ ،‬وظل‬ ‫العلماء يتس� � ��اءلون كيف عاش� � ��ت هذه الطيور الضخمة وملاذا‬ ‫انقرضت‪ ،‬وأين تندرج ضمن التاريخ التطوري للبطريق‪.‬‬ ‫بدأ السجل األحفوري لطيور البطريق بالتحسن منذ نهاية‬ ‫الس� � ��بعينات‪ ،‬عندما عثر أحد علمائنا (>فوردايس<) على عظم‬ ‫رجل مكس� � ��ورة ب� � ��ارزة من منحدر حجر رمل� � ��ي قرب واميات‬ ‫‪ Waimate‬ف� � ��ي جن� � ��وب نيوزيالن� � ��دا‪ ،‬وعند البح� � ��ث بحذر في‬

‫احلج� � ��ر الرملي احمليط بالعظم‪ ،‬وج� � ��د >فوردايس< املزيد من‬ ‫عظ� � ��ام بطريق ضخم عاش قبل ‪ 27‬ملي� � ��ون عام‪ .‬وقدم لنا هذا‬ ‫الهيكل العظم� � ��ي غير املكتمل‪ ،‬منظورا جديدا ملخطط جس� � ��م‬ ‫البطريق القدمي‪ ،‬ولكنه كان أكثر تطورا من أن يكش� � ��ف أصل‬ ‫ه� � ��ذه الطيور‪ .‬ولم يتم احلصول على مثل هذه املعلومات حتى‬ ‫الثمانين� � ��ات والتس� � ��عينات من القرن العش� � ��رين‪ ،‬عندما جرى‬ ‫العث� � ��ور في منطقة وايب� � ��ارا بنيوزيالندا على عينات تكش� � ��ف‬ ‫املراح� � ��ل األولى املعروفة لتط� � ��ور البطريق‪ .‬وتظهر هذه البقايا‬ ‫الت� � ��ي تعود إلى ما يقارب م� � ��ن ‪ 62‬مليون عام و‪ 58‬مليون عام‪،‬‬ ‫تشابها ظاهريا لطيور البطريق مع طيور الغاق ‪،cormorants‬‬ ‫مبناقيره� � ��ا الطويلة الرفيعة‪ ،‬وأجنحته� � ��ا املرنة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬بينّ‬ ‫البحث الدقيق أن أس� �ل��اف البطريق أولئك ق� � ��د طوروا مزايا‬ ‫خاص� � ��ة بالبطريق‪ ،‬فعظ� � ��ام األجنحة العلوي� � ��ة كانت عريضة‬ ‫ومسطحة كعظام البطريق احلديث‪ ،‬وعظم الكاحل كان قصيرا‬ ‫وعريضا‪ ،‬وكانت عظامها بش� � ��كل عام أكثف من عظام الطيور‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪63‬‬


‫املؤلفان‬ ‫‪R. Ewan Fordyce‬‬

‫>فوردي���س<‪ ،‬عال� � ��م مس� � ��تحاثات الفقاريات في جامع� � ��ة أوتاگو‬ ‫بنيوزيالندا‪ ،‬ترتكز أبحاثه على مس� � ��تحاثات الفقاريات البحرية في‬ ‫نيوزيالندا مبا فيها اخلاصة بالبطريق واحليتان‪.‬‬ ‫‪Daniel T. Ksepka‬‬

‫>كس���يپكا<‪ ,‬عال� � ��م مس� � ��تحاثات الفقاريات ف� � ��ي جامعة نورث‬ ‫كارولينا‪ .‬وأحد أهم اهتماماته البحثية هو دراس� � ��ة مراحل تطور‬ ‫البطريق من أسالفه من الطيور‪.‬‬

‫التي تستطيع الطيران‪.‬‬ ‫وبعد حتليل هذه املستحاثات العائدة ألجداد البطريق‪ ،‬قام‬ ‫>فوردايس< وطالبه >‪ .T‬أندو<‪ ،‬في جامعة أوتاگو بنيوزيالندا‪،‬‬ ‫و>‪ .C‬جونز< [من ‪ GNS‬للعلوم] بنس� � ��بها إلى نوعني من جنس‬ ‫ي‪( Waimanu :‬طائر املاء في لغ� � ��ة املاوري ‪Maori‬‬ ‫جديد ُس � � � ِّم َ‬ ‫للسكان األصليني)‪ .‬وكان النوع األكبر ‪Waimanu manneringi‬‬ ‫قريبا ف� � ��ي حجمه من البطريق اإلمبراط� � ��ور‪ ،‬بطول يصل إلى‬ ‫ثالثة أقدام‪ ،‬بينما كان النوع ‪ Waimanu tuatahi‬أكبر بقليل من‬ ‫البطريق احلالي ذي األع� �ي��ن الصفراء‪ ،‬وبطول يصل إلى ‪2.5‬‬ ‫قدم‪ ،‬ولم يب� � ��د على أي من النوعني قدرتهما على الطيران‪ ،‬بل‬ ‫كانا خبراء في دفع أجسامهما عبر املاء‪.‬‬ ‫إن البطريق ‪ Waimanu‬هو أقدم بطريق معروف‪ ،‬كما أنه من‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أقدم األسالف املعروفة التي تتحدر منها سالالت البطاريق‬ ‫احلالية‪ .‬وقد عاش� � ��ت هذه الطيور فت� � ��رة قصيرة‪ ،‬بعد الكارثة‬ ‫الت� � ��ي أنهت احلقبة الطباش���يرية ‪ Cretaceous period‬قبل ‪65‬‬ ‫ملي� � ��ون عام‪ ،‬والت� � ��ي قضت على الدينوص� � ��ورات والعديد من‬ ‫املخلوقات األخرى‪ ،‬وقد اقترح العلماء أن هذه الكارثة تسببت‬ ‫بهالك جميع الطيور تقريبا ولم يبق سوى حفنة من السالالت‪.‬‬ ‫ويعتبر مث� � ��ل هذا التحليل أن أس� �ل��اف البطريق‪ ،‬وأس� �ل��اف‬ ‫الطيور األخرى الت� � ��ي تعيش في العصر احلديث‪ ،‬قد تطورت‬ ‫بسرعة من س� �ل��الة قدمية واحدة خالل بضعة ماليني السنني‬ ‫التي تلت االنقراض الش� � ��امل‪ .‬وقد طرحت األدلة املستقاة من‬ ‫املس� � ��تحاثات وحتليل احلمض النووي (الدن���ا ‪ )DNA‬للطيور‬ ‫في العصر احلديث‪ ،‬تفسيرا أكثر معقولية‪ ،‬يقول إن األسالف‬ ‫القدمية للطيور احلالية‪ ،‬مبا فيها أسالف البطريق نشأت قبل‬ ‫ح� � ��دوث الكارثة واس� � ��تطاعت البقاء بطريقة م� � ��ا‪ ،‬في حني أن‬ ‫أشقاءها من الدينوصورات فشلت في ذلك‪.‬‬ ‫لم يكن وجود طيور البطريق األولى في نيوزيالندا من قبيل‬ ‫الصدفة‪ ،‬فالعديد منها يعيش اليوم على س� � ��واحل هذا البلد‪،‬‬ ‫فحتى وصول اإلنس� � ��ان إليه منذ ما يقارب األلف عام شكلت‬ ‫أط� � ��راف احمليط اله� � ��ادي واحمليط اجلنوبي فردوس� � ��ا معتدل‬ ‫‪64‬‬

‫احلرارة لطي� � ��ور البحر هذه‪ ،‬حيث خلت م� � ��ن الثدييات البرية‬ ‫املفترس� � ��ة‪ ،‬وامتازت مبساحات مناسبة لتناسل مستعمراتها‪،‬‬ ‫وبطعام وافر في البحار احمليطة‪.‬‬ ‫وتش� � ��ير األدل� � ��ة اجليولوجية إل� � ��ى أن ه� � ��ذه املنطقة كانت‬ ‫مواتي� � ��ة أيضا لطريقة حياة الطي� � ��ور البحرية في نهاية احلقبة‬ ‫الطباشيرية‪ ،‬في الوقت الذي يفترض أن طيور البطريق عاشت‬ ‫فيه ألول مرة ‪ -‬إمنا ألسباب مختلفة إلى حد ما‪ .‬إن ما يعرف‬ ‫اليوم بنيوزيالندا هو أكبر قس� � ��م ظاهر م� � ��ن القارة الصغيرة‬ ‫املغمورة باملياه والتي تعرف بزيالنديا وقد انشطرت عن القارة‬ ‫الضخمة القدمية املعروفة بگوندوانا رمبا قبل ما يقارب ثمانني‬ ‫مليون عام‪ .‬ومع اجنراف زيالنديا باجتاه الش� � ��مال الش� � ��رقي‬ ‫إلى احمليط اله� � ��ادي‪ ،‬حملت معها النبات� � ��ات واحليوانات مبا‬ ‫فيها الدينوصورات‪ ،‬إلى موقعها احلالي في منتصف الطريق‬ ‫ب� �ي��ن القطب اجلنوبي وخ� � ��ط املدار اجلنوب� � ��ي‪ .‬ومع اجنرافها‬ ‫ب� � ��ردت زيالنديا وغاصت‪ ،‬فغمرت أراضيها بحار س� � ��طحية‪،‬‬ ‫وتش� � ��كل رف قاري حول محيطها‪ .‬وعل� � ��ى الرغم من انعزالها‬ ‫عن سائر األرض‪ ،‬لم تنج زيالنديا من الكارثة في نهاية احلقبة‬ ‫الطباشيرية‪ .‬فقد انقرض العديد من مخلوقاتها البحرية والبرية‬ ‫في هذا الفناء اجلماعي‪ .‬ومع ذلك ما كان س� � ��يئا بالنسبة إلى‬ ‫هذه املخلوقات كان جيدا بالنس� � ��بة إل� � ��ى البطريق‪ .‬فمع زوال‬ ‫الزواحف البحرية كاملوزاص� � ��ور والپلزيوصور‪ ،‬متتعت طيور‬ ‫البطريق األولى بالسباحة في املياه حول زيالنديا من دون أن‬ ‫تتعرض للمنافسة أو االفتراس‪.‬‬ ‫التأقلم التطوري‬

‫( )‬

‫بعد حصولها على أقدامها املالئمة للحياة البحرية في زيالنديا‪،‬‬ ‫وس� � ��عت طيور البطريق نطاق انتش� � ��ارها مبكرا بشكل كبير‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫آلالف األميال‪ ،‬وإلى مناطق مناخية جديدة‪ .‬وتشير مستحاثات‬ ‫‪ Perudyptes devriesi‬ف� � ��ي البيرو إلى أن طيور البطريق وصلت‬ ‫إلى قرب خط االس� � ��تواء منذ ما يقارب ‪ 42‬مليون عام‪ ،‬لتستقر‬ ‫في إحدى أكثر املناطق حرارة على وجه األرض خالل واحدة‬ ‫من أحر احلقب من تاريخ األرض في ذلك الوقت‪ ،‬حيث كانت‬ ‫احلرارة في البيرو تقارب الـ‪ 83‬درجة فهرنهايت‪ ،‬وكان متوسط‬ ‫حرارة البحار أعلى بـ ‪ 10.8‬إلى ‪ 14.4‬درجة فهرنهايت عما هي‬ ‫علي� � ��ه اليوم‪ .‬وقد عاش� � ��ت طيور البطري� � ��ق العمالقة من النوع‬ ‫‪ Anthropornis nordenskjoeldi‬على ساحل جزيرة سيمور في‬ ‫الق� � ��ارة القطبية اجلنوبية في الفترة نفس� � ��ها تقريبا‪ .‬ومنذ ‪37‬‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪BREAKTHROUGH ADAPTATION‬‬

‫‪ :Lineage; bird lineage‬أرومة وهي اجلد األول األصل الذي يتحدر منه النوع‪.‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫مليون عام انتشرت هذه الطيور إلى أغلب األراضي الرئيسية وق� � ��ت ما خالل املرحلة الفاصلة بينهم� � ��ا والتي كانت األرض‬ ‫فيه� � ��ا أكثر دفئ � � � ًا عما هي عليه اليوم‪ .‬وف� � ��ي ذلك الوقت كانت‬ ‫في نصف الكرة اجلنوبي‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬ملاذا انتشرت طيور البطريق في أغلب نصف الكرة القارة القطبي� � ��ة اجلنوبية خالية من الطبقات اجلليدية‪ ،‬ومتتاز‬ ‫اجلنوب� � ��ي منذ ما يقارب ‪ 50‬مليون عام‪ ،‬بعد أن انحصرت في ببيئة غابات معتدلة‪ ،‬حتى إن زيالنديا كانت أكثر دفئاً‪.‬‬ ‫ماذا اس� � ��تفاد البطريق القدمي من ضفيرة حلفظ احلرارة‬ ‫زيالنديا ملاليني السنني؟ لقد اكتشف أحد علمائنا (>كسيپكا<)‬ ‫مفتاحا مهما حلل هذا اللغز‪ :‬عالمة كانت قد أهملت لفترة طويلة ف� � ��ي هذه البيئ� � ��ة الدافئ� � ��ة الش� � ��بيهة باالحتب���اس احلراري‬ ‫على سطح عظام زعانف أحفورية‪ .‬فقد حمل العظم العضدي ‪greenhouse‬؟ عل� � ��ى الرغم من أن درجة احلرارة عند س� � ��طح‬ ‫سلسلة من األثالم ميكن أن تضيع بسهولة بني العالمات التي البحر كانت مرتفعة‪ ،‬عمد هذا البطريق القدمي في الغالب إلى‬ ‫البحث عن الطعام في املياه الباردة الصاعدة‬ ‫تتركها األوتار والعضالت‪ .‬والحظ >كسيپكا<‬ ‫ِ‬ ‫م� � ��ن عمق احمليط لغناها باملواد الغذائية ومن‬ ‫األثالم للمرة األولى في عام ‪ 2006‬عندما كان‬ ‫يدرس عظام زعان� � ��ف بطريق متجمد في قبو كوكالء التنوع‬ ‫ثم بالفرائس كالس� � ��مك واحلبار‪ .‬إال أن وفرة‬ ‫الطعام هن� � ��اك تترافق مع بع� � ��ض اخلطورة‪،‬‬ ‫املتح� � ��ف األمريكي للتاري� � ��خ الطبيعي مبدينة‬ ‫عند الطيور‬ ‫فخس� � ��ارة احلرارة أس� � ��رع في املي� � ��اه منها‬ ‫نيويورك‪ ،‬محاوال إيجاد العالقة بني العالمات احلديثة‪ ،‬فإنه‬ ‫في اله� � ��واء‪ ،‬حيث ميكن حلي� � ��وان من ذوات‬ ‫على العظام األحفورية والطبيعة التش� � ��ريحية‬ ‫تعلم‬ ‫ميكننا‬ ‫ال� � ��دم احلار ‪ -‬كالغواص مث� �ل��ا ‪ -‬أن يعاني‬ ‫اللين� � ��ة للزعانف‪ .‬وفي ذلك الوقت كان الزميل‬ ‫العديد من‬ ‫�اض درج� � ��ة حرارة اجلس� � ��م حتى في‬ ‫الباح� � ��ث في طي� � ��ور البطري� � ��ق >‪ .D‬توماس<‬ ‫انخف� � � َ‬ ‫البحار الدافئة إذا كانت درجة حرارتها أقل‬ ‫يجري دراسات مش� � ��ابهة في جامعة أوتاگو دروس احلفاظ‬ ‫من درجة حرارة اجلسم‪ .‬وكان من املمكن أن‬ ‫به� � ��دف فهم كيفية تطور ق� � ��درة البطريق على‬ ‫على النوع‬ ‫تعاني طيور البطريق ذات الدم احلار املصير‬ ‫تنظيم حرارة جسمه‪.‬‬ ‫السجل‬ ‫من‬ ‫نفس� � ��ه حتى بوجود الطبقات الدهنية العازلة‬ ‫أدرك >كس� � ��يپكا< و>توم� � ��اس< من خالل‬ ‫مقارنة مالحظاتهما أن هذه األثالم تشكلت في األحفوري لطيور وريشها املقاوم لالبتالل‪ ،‬ومن ثم فإن إنقاص‬ ‫خسارة احلرارة عبر الزعانف ساعدها على‬ ‫املناطق التي تضغط فيها الشرايني واألوردة‬ ‫البطريق‪.‬‬ ‫احلفاظ على حرارة جسمها خالل الرحالت‬ ‫على عظ� � ��م العضد‪ .‬وتش� � ��كل ه� � ��ذه األوعية‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الطويلة للبحث عن الطعام في املياه الباردة‪.‬‬ ‫الدموية مب���ادال حراريا متعاك���س التيار‬ ‫قد تكون الضفيرة العضدية ساعدت طيور البطريق أيضا‬ ‫يعرف بالضفيرة الشريانية العضدية(‪ ،)2‬وهذه تسمح لطيور‬ ‫البطريق باحلد من خس� � ��ارة احلرارة عبر الزعانف واحملافظة على البقاء عل� � ��ى قيد احلياة خالل رحالته� � ��ا الطويلة والتي‬ ‫على حرارة أجس� � ��امها في املياه الباردة‪ .‬ولدى طيور البطريق متكنت من خاللها من االنتش� � ��ار م� � ��ن زيالنديا إلى القارات‬ ‫احلي� � ��ة يجري تبري� � ��د الدم اخلارج من القل� � ��ب عند مروره في األخ� � ��رى‪ ،‬و ُيرد هذا التخمني إلى حقيقة أن جميع املجموعات‬ ‫الضفي� � ��رة قبل أن يصل إلى قمة الزعانف‪ ،‬كما تتم تدفئة الدم األولى من أحافير البطريق التي وجدت خارج زيالنديا تبدي‬ ‫هذه اخلاصية‪ .‬ولم تستخدم طيور البطريق في العصر احلديث‬ ‫البارد العائد من الزعانف قبل اقترابه من القلب‪.‬‬ ‫لقد س� � ��لط اكتش� � ��اف طبيعة األثالم على عظ� � ��ام الزعانف هذه اخلاصية في اجتياح املس� � ��طحات اجلليدية البحرية إال‬ ‫األحفورية بع� � ��ض الضوء على منش� � ��أ التنظيم احلراري عند بعد مرور الكثير من الوقت لتبرد الكرة األرضية‪.‬‬ ‫البطريق‪ .‬فإحدى أهم اخلصائص البيولوجية لطيور البطريق‬ ‫( )‬ ‫تنويعات على موضوع واحد‬ ‫احلالية هي قدرتها على حتمل البرد الشديد‪ ،‬لذلك قد يفترض‬ ‫طيور البطريق مع انتش� � ��ارها عبر احمليطات اجلنوبية‬ ‫املرء أن هذه الضفيرة تطورت للتأقلم مع بيئة قارسة البرودة‪ .‬طورت‬ ‫ُ‬ ‫ولكن املس� � ��تحاثات تقول غير ذلك؛ فطيور البطريق املتوسطة العدي َد من األش� � ��كال املتش� � ��عبة والكثير م� � ��ن األنواع‪ .‬وكانت‬ ‫احلج� � ��م ‪ Delphinornis‬من القارة القطبي� � ��ة اجلنوبية تظهر أن الطي� � ��ور ‪ Pachydyptes ponderosus‬النيوزلندي� � ��ة (والتي تعني‬ ‫ه� � ��ذه اخلاصية ظهرت منذ ما يقارب ‪ 49‬مليون عام‪ .‬فالبطريق الغواص الضخم) إحداها والت� � ��ي كانت ضخمة بالفعل‪ ،‬ومت‬ ‫‪ Waimanu‬الق� � ��دمي والذي عاش قبل ‪ 58‬مليون عام ال يظهر أي‬ ‫( ) ‪VARIATIONS ON A THEME‬‬ ‫(‪countercurrent heat exchanger )1‬‬ ‫أث� � ��ر لهذه اخلاصية‪ .‬فالبد أن ه� � ��ذه الضفيرة قد تطورت في‬ ‫(‪the humeral arterial plexus )2‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪65‬‬


‫‪ 1‬متر‬

‫‪ 0٫5‬متر‬

‫‪Spheniscus‬‬ ‫‪mendiculus‬‬

‫‪Aptenodytes forsteri‬‬

‫البليوسيني‬ ‫العصر ِ‬ ‫اليوم‬

‫‪Inguza predemersus‬‬

‫قبل ‪ 10‬ماليني عام‬

‫‪Paraptenodytes‬‬ ‫‪antarcticus‬‬

‫العصر الثاني األوسط امليوسيني‬

‫‪Kairuku waitaki‬‬

‫العصر األوليگوسيني‬ ‫منذ ‪ 30‬مليون عام‬ ‫‪I. salasi‬‬

‫‪A. forsteri‬‬

‫‪K. waitaki‬‬

‫(بطريق إمبراطوري)‬ ‫‪S. mendiculus‬‬

‫(بطريق گاالباگوسي)‬

‫‪P.gunnari‬‬

‫‪P.antarcticus‬‬

‫‪l.predemersus‬‬

‫تعرفها من خالل بضعة عظام س� � ��ميكة تعود إلى أكثر من‬ ‫مليون عام‪ .‬وق ّدر علماء املس� � ��تحاثات وزن هذه الطيور بأكثر‬ ‫م� � ��ن ‪ 68‬كيلوغراما‪ ،‬تخيل مقدار املاء املتطاير عندما يقفز هذا‬ ‫الطائر من مرتفع صخ� � ��ري! على الناحية األخرى من الطيف‬ ‫جند اجلذاف الصغير ‪ Eretiscus tonnii‬الذي عاش منذ واحد‬ ‫وعش� � ��رين مليون س� � ��نة في األرجنتني‪ ،‬والذي ال يتجاوز طوله‬ ‫نح� � ��و قدم ونصف فقط‪ ،‬وكما ح� � ��ال البطريق األزرق الصغير‬ ‫النيوزلندي‪ ،‬ق� � ��د يكون هذا الطائر قد وص� � ��ل إلى األرجنتني‬ ‫ف� � ��ي مجموعات تتألف من عش� � ��رات الطيور مم� � ��ا يقلل خطر‬ ‫احليوانات املفترسة‪.‬‬ ‫كان لبعض طيور البطريق أس� � ��لحة فتاكة‪ .‬فمنذ ‪ 36‬مليون‬ ‫عام كان غ����واص اإليكا ‪( Icadyptes salasi‬وقد س� � ��مي بذلك‬ ‫نس� � ��بة إلى منطق� � ��ة معروفة في البيرو) يط� � ��وف بحار ما قبل‬

‫‪35‬‬

‫‪66‬‬

‫(ال توجد صورة)‬

‫‪Inkayacu‬‬

‫التاري� � ��خ حام� �ل��ا منقارا قوي� � ��ا طويال جدا يرتف� � ��ع على رقبة‬ ‫ملفوفة بعضالت قوية‪ ،‬جاهزا الختراق أي س� � ��مكة أو حبار‬ ‫ف� � ��ي اجلوار‪ .‬وقد متتعت بعض طيور البطريق األخرى بعباءة‬ ‫غريبة‪ .‬ومازال >كس� � ��يپكا< يذكر بوض� � ��وح ليلة في ليما حني‬ ‫أنهت >‪ .J‬كالرك< [من جامعة تكس� � ��اس في أوستني] تنظيف‬ ‫الصخ� � ��ور احملتوي� � ��ة عل� � ��ى عينة رائع� � ��ة محفوظة ملل����ك املاء‬ ‫‪ Inkayacu paracasensis‬مظهرة جلد وريش طائر يعود إلى ‪36‬‬ ‫مليون عام‪ ،‬كان اكتشافا ال يحدث إال مرة واحدة في العمر‪،‬‬ ‫وق� � ��د أظهر الفحص املجه� � ��ري الحقا دالئل عل� � ��ى تصبغات‬ ‫بنية محمرة مش� � ��يرة إلى اختالف مذهل عن الرداء األس� � ��ود‬ ‫واألبيض الذي يتميز به البطريق اليوم‪.‬‬ ‫لم تكن األشكال التطورية للبطريق القدمي متنوعة فقط‪ ،‬بل‬ ‫كثي� � ��رة العدد‪ ،‬فقد أحصى العلماء أكثر من ‪ 50‬نوعا أحفوريا‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫موجودات‬

‫الرداء املميز للبطريق‬

‫( )‬

‫‪Icaduptes salasi‬‬

‫‪Palaeeudyptes‬‬ ‫‪gunnari‬‬

‫‪Delphinornis‬‬

‫(لم يصور)‬

‫‪P.devriesi‬‬

‫العصر احلجري‬ ‫منذ ‪ 50‬مليون عام‬

‫‪Perudyptes devriesi‬‬

‫‪Waimanu manneringi‬‬

‫العصر الباليوسيني‬

‫أواخر العصر الطباشيري‬ ‫منذ ‪ 70‬مليون عام‬

‫‪W.manneringi‬‬

‫انفصلت طيور‬ ‫البطريق عن نوع‬ ‫آخر من الطيور‬ ‫خالل العصر‬ ‫الطباشيري‪.‬‬

‫إضافة إلى األنواع التسعة عشر‪ ،‬ولدينا دالئل على أن العديد‬ ‫من أنواع طيور البطريق قد عاش� � ��ت معا في كثير من املناطق‪.‬‬ ‫وقد ظهر في جزيرة سيمور على سبيل املثال ما يقارب عشرة‬ ‫أنواع في سرير أحفوري واحد‪ .‬ويعد هذا التداخل من األمور‬ ‫املذهل� � ��ة؛ ألنه يبني أن هذه الطيور كانت قادرة على إقامة نظم‬ ‫بيئي� � ��ة خاصة مالئمة لها في املنطقة اجلغرافية نفس� � ��ها التي‬ ‫تتشاركها مبا يس� � ��مح لها بالتعايش مع بعضها (على سبيل‬ ‫املقارنة‪ ،‬ال يتعايش أكثر من خمس� � ��ة أنواع من طيور البطريق‬ ‫احلديثة على أرض واحدة)‪.‬‬ ‫ومما أسهم في زيادة إمكانية التعايش عند طيور البطريق‬ ‫القدمي� � ��ة عنها في الطيور احلديثة‪ ،‬ه� � ��و االختالف األكبر في‬ ‫حجومها‪ ،‬الذي يعيدنا إلى تلك الطيور الضخمة النيوزيالندية‪.‬‬ ‫لقد أنهينا حاليا دراسة معمقة على عينات تعود إلى ‪ 27‬مليون‬

‫تش���ير األحافي���ر املكتش���فة حديث���ا‪،‬‬ ‫ونتائ���ج حتلي���ل دن� � ��ا ‪ DNA‬طي���ور‬ ‫البطري���ق في العصر احلديث إلى أن‬ ‫ه���ذه الطيور املميزة بدأت مس���يرتها‬ ‫بينم���ا كان���ت الدينوص���ورات ال تزال‬ ‫جت���وب األرض‪ .‬ويع���ود أص���ل أق���دم‬ ‫طي���ور البطري���ق األحفوري���ة إل���ى ما‬ ‫يع���رف اآلن بنيوزيالن���دا‪ ،‬ويرج���ع‬ ‫تاريخ هذه الطيور إلى قبل ما بني ‪62‬‬ ‫مليون و ‪ 58‬مليون عام‪ .‬والكارثة التي‬ ‫تس���ببت بانق���راض الدينوص���ورات‬ ‫واحليـوان���ات املفتــرس���ــة البـريـــــ���ة‬ ‫والبحري���ة األخ���رى س���محت لطي���ور‬ ‫البطري���ق بالتكاث���ر واالزده���ار‬ ‫ف���ي املي���اه الدافئ���ة لق���ارة زيالندي���ا‬ ‫الصغي���رة املغمورة باملي���اه‪ .‬ومن ثم‪،‬‬ ‫ومنذ م���ا يقارب ‪ 50‬مليون عام‪ ،‬بدأت‬ ‫طيور البطريق فجأة باالنتش���ار عبر‬ ‫نص���ف الك���رة اجلنوب���ي‪ ،‬وذل���ك على‬ ‫األغل���ب بفضل حتديث تطوري‪ :‬نظام‬ ‫تبادل حراري متعاكس التيار ُيسمى‬ ‫بالضفي� � ��رة الش� � ��ريانية العضدي� � ��ة(‪،)1‬‬ ‫ساعد الطيور على االحتفاظ بحرارة‬ ‫جس���مها ف���ي املي���اه الب���اردة‪ ،‬وم���ع‬ ‫انتش���ار طيور البطري���ق تطورت إلى‬ ‫تنوع ضخ���م من األش���كال واألحجام‬ ‫أكبر بكثير مما تبديه طيور البطريق‬ ‫ُ‬ ‫مخطط‬ ‫ف���ي العصر احلدي���ث‪ .‬ويظهر‬ ‫ِ‬ ‫العالقات بني عدد من‬ ‫التط���ور املرفق‬ ‫أنواع طيور البطريق‪.‬‬

‫عام باملش� � ��اركة مع >أندو< و>جون� � ��ز<‪ ،‬وكان من بينها الهيكل‬ ‫العظم� � ��ي اجلزئي ال� � ��ذي وجده >فوردايس< ع� � ��ام ‪ .1970‬ومع‬ ‫أنها تشبه أحافير >هكسلي< اخلاصة بالنوع ‪،Palaeeudyptes‬‬ ‫فإن هذه األحافير تؤلف جنس� � ��ا جديدا‪ ،‬أس� � ��ميناه ‪Kairuku-‬‬ ‫‪( Maori‬أي الغ� � ��واص الذي يعود حامال الطعام)‪ .‬وقد س� � ��مح‬ ‫انحفاظ جميع العظام األساس� � ��ية في الهيكل العظمي بإعادة‬ ‫بناء اجلس� � ��م بحجمه وأبع� � ��اده احلقيقية‪ .‬وقد وصل إلى طول‬ ‫يقدر بأربع� � ��ة أقدام وأربع بوصات‪ ،‬ليترب� � ��ع على قمــة طيـــور‬ ‫البطريــ� � ��ق الضخمـة بـ ‪ 136‬رطال‪ ،‬مم� � ��ا يجعل أباطرة البطريق‬ ‫احلالية قزمة أمامه‪.‬‬ ‫نعتق� � ��د أن احلجم الضخم لهذه الطي� � ��ور النيوزلندية كان‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪A Panoply of Penguins‬‬ ‫‪the humeral arterial plexus‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪67‬‬


‫تكيفا مع الس� � ��باحة ملسافات طويلة‪ ،‬من املستعمرات في جزر‬ ‫زيالنديا الدنيا إلى حافة الرف القاري‪ .‬ورمبا س� � ��اعد احلجم‬ ‫الكبي� � ��ر لهذه الطيور على الغوص بفعالي� � ��ة إلى املياه العميقة‬ ‫للبحث عن طرائد كاحلبار‪ ،‬ألن الطيور األكبر تس� � ��بح بسرعة‬ ‫أكبر‪ ،‬وحتتفظ بكمية أكبر من األكسجني وحتافظ على حرارة‬ ‫جس� � ��مها بفعالية أكبر‪ ،‬وبناء على ذل� � ��ك افترضنا أن الطيور‬ ‫الضخم� � ��ة ف� � ��ي جزيرة س� � ��يمور كانت قادرة على الس� � ��باحة‬ ‫واالصطياد في مناطق أبعد وأعمق من األنواع الصغيرة التي‬ ‫كانت تبحث عن طرائدها قرب اليابسة‪.‬‬ ‫مستقبل مجهول‬

‫( )‬

‫مبا أننا مس� � ��ؤولون عن احلفاظ على تنوع الطيور في العصر‬ ‫احلديث‪ ،‬فإن ذلك يلزمنا تعلم العديد من الدروس للحفاظ على‬ ‫األنواع من السجل األحفوري لهذه الطيور‪ .‬وعلى مدى الـ ‪60‬‬ ‫ملي� � ��ون عام املاضية‪ ،‬انقرض العديد م� � ��ن طيور البطريق قبل‬ ‫ظهور اإلنس� � ��ان‪ .‬إال أن اإلنس���ان العاقل ‪ Homo sapiens‬ليس‬ ‫بريئا متاما ويبدو أن صيد هذه احليوانات قد أسهم ‪ -‬جزئيا‬ ‫على األقل ‪ -‬ف� � ��ي انقراض أحد أنواع طي� � ��ور البطريق‪ ,‬وهو‬ ‫من أقارب البطريق األصف� � ��ر العينني‪ ،‬ويعرف بـ ‪Megadyptes‬‬ ‫ُصطاد عن عمد‬ ‫‪ .waitaha‬وم� � ��ع أن طيور البطريق ن� � ��ادرا ما ت ْ‬ ‫اليوم‪ ،‬فإنها تبق� � ��ى حتت تهديدات محلية وعاملية‪ ،‬كاالصطياد‬ ‫اجلائر لألس� � ��ماك وتس� � ��رب النف� � ��ط‪ ،‬واحليوانات املفترس� � ��ة‬ ‫املستقدمة‪ ،‬ومع ذلك رمبا يبقى التهديد الناجت من تغير املناخ‬ ‫هو األخطر على املدى الطويل‪.‬‬ ‫م� � ��ن املدهش ل� � ��دى طيور البطري� � ��ق تكيفها م� � ��ع تغيرات‬ ‫املناخ‪ ،‬حيث اس� � ��تطاعت النمو والتكاث� � ��ر في كل من املناطق‬ ‫الرطبة االس� � ��توائية خالل املرحلة الدافئ� � ��ة‪ ،‬واألراضي البور‬ ‫املكسوة باجلليد من القارة القطبية اجلنوبية احلديثة‪ .‬ولكننا‬ ‫سنكون مخطئني إذا اعتبرنا أن استمرار بقاء طيور البطريق‬ ‫خالل الـ ‪ 60‬مليون عام من التغيرات املناخية س� � ��يحميها من‬ ‫أي تأثي� � ��رات قد تواجهها نتيجة ارتف� � ��اع درجة حرارة الكرة‬ ‫األرضية‪ .‬وهذا اخلطأ س� � ��يكون جسيما‪ ،‬فعندما يتعلق األمر‬ ‫بالتكي� � ��ف مع التغيرات املناخية‪ ،‬تكون س� � ��رعة هذه التغيرات‬ ‫عامال حاس� � ��ما‪ .‬فق� � ��د وجد علماء املس� � ��تحاثات أدلة على أن‬ ‫وسعت نطاقها تدريجيا تبعا للتغيرات املناخية‬ ‫بعض األنواع َّ‬ ‫قب� � ��ل التاريخي� � ��ة الكبرى‪ ،‬كتل� � ��ك التي رافقت تق� � ��دم وتراجع‬ ‫املسطحات اجلليدية خالل بضع مئات آالف السنني املاضية‬ ‫من احلقب بني اجلليدية‪.‬‬ ‫هذا وإن اس� � ��تجابة بعض األنواع للتغيرات املناخية ببطء‬ ‫‪68‬‬

‫شديد ال تعد مشكلة‪ ،‬عندما يتغير املناخ بضع درجات خالل‬ ‫عدة ماليني من الس� � ��نني‪ ،‬ولكن عندم� � ��ا ترتفع احلرارة بضع‬ ‫درجات خالل بضعة عقود‪ ،‬كما تتوقع العديد من الدراسات‪،‬‬ ‫فإن الوقت لن يك� � ��ون كافيا لتُغير األنواع مواقعها إلى أماكن‬ ‫أكثر مالءمة‪ ،‬أو أنها ال جتد هذه األماكن لتنتقل إليها‪.‬‬ ‫ويزدهر بطريق ج� � ��زر الكاالباكوس صغير احلجم على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬حتت أشعة الشمس االستوائية‪ ،‬إال أنه يعاني‬ ‫هبوط� � ��ا حادا في تعداد أف� � ��راده خالل س���نوات التذبذب‬ ‫اجلنوب���ي(‪ ،)1‬عندما تضطرب تيارات احمليط الهادي وحتل‬ ‫مي� � ��اه دافئة فقيرة باملواد الغذائية مكان املياه الباردة الغنية‬ ‫باملواد الغذائية احمليطة باجل� � ��زر‪ .‬وملا كانت هذه الطيور ال‬ ‫تبتع� � ��د كثيرا عن مواطنها‪ ،‬فإنها ل� � ��ن جتد أي مكان تذهب‬ ‫إلي� � ��ه إذا أدى ازدي� � ��اد درجات احلرارة إل� � ��ى حتويل جزر‬ ‫الكاالباك� � ��وس إلى مكان غير مناس� � ��ب لنم� � ��و صغارها أو‬ ‫التقاط الطعام‪.‬‬ ‫ومن جانبها‪ ،‬تواجه أباطرة البطريق حتديا مختلفا‪ ،‬فهذه‬ ‫الطيور تعيش وتتكاثر على املسطحات اجلليدية احمليطية‪،‬‬ ‫ورمبا ال تطأ يابس� � ��ة طوال فترة حياتها وس� � ��يؤدي ذوبان‬ ‫هذه املس� � ��طحات إلى تدمير أمكن� � ��ة تكاثرها‪ ،‬ويزيد ارتباط‬ ‫طيور البطريق مبس� � ��تعمراتها من هذا اخلطر‪ ،‬حيث يعود‬ ‫العديد من هذه الطيور إلى موقع تكاثرها نفس� � ��ه عاما بعد‬ ‫آخر‪ ،‬ويصبح احلل البديه� � ��ي ظاهريا باالنتقال إلى مكان‬ ‫آخر للتكاثر غير وارد بالنسبة إليها ألن سلوكها التكاثري‬ ‫عميق الترسخ‪.‬‬ ‫وكعلماء مس� � ��تحاثات‪ ،‬يزيد إدراكنا لضعف طيور البطريق‬ ‫احلديثة‪ .‬فهي أقل تنوعا في الش� � ��كل اخلارجي (املورفولوجي)‪،‬‬ ‫وأكثر ارتباطا بقواعده� � ��ا البيئية‪ ،‬وعدد األنواع املوجودة اليوم‬ ‫أقل مما كان عليه منذ بضعة ماليني من السنني‪ .‬ومع أن علماء‬ ‫األحي� � ��اء ينظرون إليها على أنها طيور حديثة املنش� � ��أ‪ ،‬فإن هذه‬ ‫الطي� � ��ور هي ما تب ّقى من س� �ل��الة عظيمة أنتج� � ��ت بعض أعظم‬ ‫احليوانات التي س� � ��كنت البر والبحر‪ ،‬وفناء هذه املخلوقات غير‬ ‫>‬ ‫العادية حتت أعيننا سيكون مأساة عظيمة‪.‬‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪AN UNCERTAIN FUTURE‬‬ ‫‪El Nino: southern oscillation‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Penguin Heat-Retention Structures Evolved in a Greenhouse Earth. Daniel B. Thomas, Daniel T.‬‬ ‫‪Ksepka and R. Ewan Fordyce in Biology Letters, Vol. 7, No. 3, pages 461–464; June 23, 2011.‬‬ ‫‪New Fossil Penguins (Aves, Sphenisciformes) from the Oligocene of New Zealand Reveal the‬‬ ‫‪Skeletal Plan of Stem Penguins. Daniel T. Ksepka et al. in Journal of Vertebrate Pale­ontology,‬‬ ‫‪Vol. 32, No. 2, pages 235–254; March 2012.‬‬ ‫‪ March of the Fossil Penguins (blog): http://fossilpenguins.wordpress.com‬‬ ‫‪Scientific American, November 2012‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫تتمة الصفحة ‪( 51‬لغة الدماغ)‬ ‫املعه� � ��د ‪Ernst Strüngmann‬‬

‫للعل� � ��وم العصبي� � ��ة] بالتعاون مع‬ ‫جمعية ماكس بالنك في فرانكفورت‪ ،‬على دليل يثبت أن هناك‬ ‫باحات قش� � ��رية دماغية متباعدة تتبادل فيما بينها إش� � ��ارات‬ ‫شريط گاما‪.‬‬ ‫والتفعيل العصبي لشريط ترددات گاما لفت أيضا انتباه‬ ‫باحث� �ي��ن وجدوا في تخطيطات الدم� � ��اغ الكهربائية ملرضى‪،‬‬ ‫مصابني بالفصام والتوحد‪ ،‬انخفاضا في مس� � ��تويات هذا‬ ‫النمط من إطالق اإلشارات‪ .‬وبحسب >‪ .D‬لويس< [من جامعة‬ ‫پيتس� � ��برگ] و>‪ .M‬بيرينز< [من معهد س� � ��الك] وآخرين‪ ،‬فإن‬ ‫هذا اخللل يعود إلى منط من النورونات القش� � ��رية الدماغية‬ ‫ُيدعى «خلية الس���لة» ‪ ،basket cell‬وهي خلية تش� � ��ارك في‬ ‫مزامنة املوجات اإلسفينية في الدارات القريبة‪ .‬ويبدو أن ال‬ ‫توازن تثبيط أو اس� � ��تثارة خاليا السلة يفضي إلى تقليص‬ ‫النشاط املتزامن في ش� � ��ريط گاما‪ ،‬ومن ثم ميكن أن يفسر‬ ‫بعض األس� � ��س الفيزيولوجية لهذه االضطرابات العصبية‪.‬‬ ‫ومن املثي� � ��ر لالهتم� � ��ام‪ ،‬أن مرضى الفص� � ��ام ال ينخدعون‬ ‫ببعض األوهام البصرية‪ ،‬كوهم امليل ‪ tilt illusion‬وهو حكم‬ ‫شخص حكما خاطئا على ميل خط ما بسبب ميل اخلطوط‬ ‫القريبة منه‪ .‬ولعل شذوذات مماثلة في بعض دارات القشرة‬ ‫الدماغية قبل اجلبهية هي املسؤولة عن اضطرابات التفكير‬ ‫املرافقة للفصام‪.‬‬ ‫أم� � ��ا في مرحل� � ��ة تدوي� � ��ن الذكريات‪ ،‬فيب� � ��دو أن التزامن‬ ‫النس� � ��بي للموجات اإلس� � ��فينية يؤدي دورا ال يقل أهمية عن‬ ‫دور معدل إطالق اإلش� � ��ارات‪ .‬وبش� � ��كل خاص‪ ،‬فإن إطالق‬ ‫املوجات اإلس� � ��فينية املتزامن في القش� � ��رة الدماغية يكتسب‬ ‫أهمي� � ��ة خاصة في تعزيز قوة املش� � ��ابك‪ ،‬وه� � ��ي عملية مهمة‬ ‫لتش� � ��كيل الذكريات الطويل����ة األم����د ‪.long-term memories‬‬ ‫وكما هو معروف‪ ،‬فإن املشبك يصبح أشد قوة عندما يطلق‬ ‫نورون على أحد جانبي املشبك إشاراته بطريقة جتعل نورونا‬ ‫في اجلانب اآلخر ُيظهر اس� � ��تجابة أق� � ��وى‪ .‬وفي عام ‪1997‬‬ ‫اكتش� � ��ف >‪ .H‬ماركرام< و >‪ .B‬س� � ��اكمان< [من معهد ماكس‬ ‫بالن� � ��ك لألبحاث الطبية في هايدلبرگ] عملية ُعرفت باس� � ��م‬ ‫البالس����تية املرتبطة بتزامن املوجات اإلس����فينية(‪ ،)1‬وهي‬ ‫عملية يتم خاللها إرسال ُمدخل إلى أحد املشابك بتردد يقع‬ ‫ضمن مجال ترددات گاما‪ ،‬تتبعه دائما وخالل ‪ 10‬ميلي ثانية‬ ‫موج ٌة إس� � ��فينية يطلقها النورون الواقع على اجلانب اآلخر‬ ‫من املش� � ��بك‪ ،‬وهو منط يفضي إلى تعزيز إطالق اإلشارات‬ ‫من النورون الذي يتلقى التنبيه‪ .‬أما إذا أطلق النورون الواقع‬ ‫في اجلانب اآلخر إش� � ��اراته ف� � ��ي غضون ‪ 10‬ميلي ثانية قبل‬ ‫الن� � ��ورون األول‪ ،‬فإن ذلك يؤدي إلى أثر عكس� � ��ي يتجلى في‬

‫تراجع قوة مشبك هذين النورونني‪.‬‬ ‫وقد قدم >‪ .G‬بوزاكي< [من جامعة نيويورك] وآخرون‪ ،‬بعضا‬ ‫من أقوى األدلة على أهمية الدور الذي ميكن أن تؤديه املوجات‬ ‫اإلس� � ��فينية املتزامنة في الذاكرة‪ ،‬وذلك من خالل األبحاث التي‬ ‫أجروها عل� � ��ى احلص�ي�ن (الهيپوكامپ���وس)(‪ - )2‬وهو منطقة‬ ‫دماغية لها دور مهم في تذكر األشياء واألحداث‪ .‬وتتأثر نورونات‬ ‫احلص� �ي��ن الـ ُمط ِلقة للموجات اإلس� � ��فينية والباحات القش� � ��رية‬ ‫املتفاعلة معها‪ ،‬على حد س� � ��واء‪ ،‬بالتذبذب� � ��ات املتزامنة ملوجات‬ ‫الدماغ ذات الترددات من ‪ 4‬إلى ‪ 8‬هيرتز (ش� � ��ريط ثيتا ‪،)theta‬‬ ‫وهذا النوع من النشاط العصبي الذي نصادفه مثال‪ ،‬لدى فأر‬ ‫يستكش� � ��ف قفصه في إطار جتربة مختبرية‪ .‬وتذبذبات شريط‬ ‫ثيتا قادرة على القيام بتنس� � ��يق تزامن املوجات اإلسفينية‪ ،‬ولها‬ ‫أيضا تأثير أكثر اس� � ��تدامة في املشابك؛ األمر الذي ينجم عنه‬ ‫تغييرات طويلة األجل في عملية إطالق النورونات إلشاراتها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حتد كبير مقبل‬

‫( )‬

‫تش� � ��هد العلوم العصبية نقطة حتول بعد أن أصبحت متتلك‬ ‫طرائق جديدة لتسجيل املوجات اإلسفينية في آالف من النورونات‬ ‫بصورة متزامنة؛ وأضحت هذه الطرائق تش � � � ّكل وسيلة تساعد‬ ‫على الكش� � ��ف عن أمناط مفتاحية لتزامن املوجات اإلسفينية من‬ ‫جهة‪ ،‬و ُت َقدم للباحثني قواعد بيانات ضخمة من جهة أخرى‪ .‬إن‬ ‫عل���م الوراثة الضوئ���ي ‪ optogenetics‬هو طريقة تقوم على مبدأ‬ ‫استخدام الضوء لتشغيل النورونات املعدلة جينيا‪ .‬ومي ّكننا هذا‬ ‫العِ لم أيضا‪ ،‬من تشغيل نورونات قشرية دماغية أو إيقافها عن‬ ‫العم� � ��ل بصورة انتقائية‪ ،‬األمر الذي ُيعد خطوة أساس� � ��ية على‬ ‫طريق تكوين آلية للتحكم في الس� � ��لوك‪ .‬وكذلك سوف تساعدنا‬ ‫ه� � ��ذه التقني� � ��ات‪ ،‬وغيرها على التنصت عل� � ��ى نورونات الدماغ‪،‬‬ ‫وحتصي� � ��ل املزيد‪ ،‬م� � ��ن املعارف عن الك���ود الس���ري ‪the secret‬‬ ‫‪ code‬الذي يس� � ��تعمله الدماغ للتحدث إلى نفسه‪ .‬وإذا ما تسنى‬ ‫لنا حل لغز هذا الكود‪ ،‬فس� � ��وف َن ْب ُل � � � ُغ هدفنا ليس فقط في فهم‬ ‫نظام التواصل في الدماغ‪ ،‬بل أيضا في الش� � ��روع في بناء آالت‬ ‫>‬ ‫تضاهي بكفاءتها كفاءة هذا العضو الرائع‪.‬‬ ‫( ) ‪A GRAND CHALLENGE AHEAD‬‬ ‫(‪spike-timing-dependent plasticity )1‬‬ ‫(‪hippocampus )2‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪T erry Sejnowski’s 2008 Wolfgang Pauli Lectures on how neurons compute and communicate:‬‬ ‫‪ www.podcast.ethz.ch/podcast/episodes/?id=607‬‬ ‫‪Neuromorphic Sensory Systems. Shih-Chii Liu and Tobi Delbruck in Current Opinion in‬‬ ‫‪Neurobiology, Vol. 20, No. 3, pages 288–295; June 2010. http://tinyurl.com/bot7ag8‬‬

‫‪Scientific American, October 2012‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪69‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫عامل العاثية‬

‫( )‬

‫للڤيروسات التي تهاجم البكتيريا دور في الطب احلديث طال جتاهله‬ ‫من قبل الباحثني في االجتاه السائد بهذا احلقل‪ ،‬هذا ما يقوله <‪ .V‬فيتشيتي>‪.‬‬ ‫مقابلة أجراها‬

‫في مكتب بالطابق الثالث‪ ،‬وعلى ُب ْعدِ‬ ‫مس� � ��افة قصيرة من نهر هدسون مبدينة‬ ‫يونكرز‪ ،‬بوالية نيويورك‪ ،‬تس� � ��تعد شركة‬ ‫تقانة حيوية صغيرة تسمى ‪ContraFect‬‬ ‫الختبار طريقة جديدة رائعة لقتل البكتيريا‬ ‫في أجسام البشر‪ .‬فقد َف َق َد ْت املضادات‬ ‫احليوية‪ ،‬بع� � ��د اس� � ��تخدامها املعتاد أو‬ ‫املبال� � ��غ فيه على مدار س� � ��نوات عديدة‪،‬‬ ‫تأثيرها في اجلراثيم الس� � ��ريعة التطور‪،‬‬ ‫فأصبحت العدوى بها جميعها‪ ،‬س� � ��واء‬ ‫العنقوديات(‪ )1‬أو الس���ل(‪ )2‬أكثر تدميرا‬ ‫وأكثر تس� � ��بيبا للموت وأكثر صعوبة في‬ ‫العالج‪ .‬وفي حني أن املضادات احليوية‬ ‫التقليدية كانت ُتشتَقّ من مواد كيميائية‬ ‫تنتجها اجلراثيم والفطريات في التربة‪،‬‬ ‫فإن شركة ‪ ContraFect‬وجدت بديال لتلك‬ ‫املضادات في العاثيات ‪:bacteriophages‬‬ ‫ڤيروس� � ��ات تصيب اجلراثيم بالعدوى‪،‬‬ ‫وتس� � ��يطر على آلياتها الداخلية‪ .‬وتنتج‬ ‫العاثيات ف� � ��ي الطبيع� � ��ة إنزميات يطلق‬ ‫عليه� � ��ا احل���الاَّ ت ‪ lysins‬تتس� � ��بب ف� � ��ي‬ ‫متزيق البكتيريا واندفاع مئات العاثيات‬ ‫خارجها‪ .‬وتعتقد الش� � ��ركة ‪ContraFect‬‬ ‫أن باس� � ��تطاعتها االس� � ��تفادة م� � ��ن هذه‬ ‫«احل � � �الاَّ ت» في عالج الع� � ��دوى الناجمة‬ ‫عن البكتيريا في اإلنسان‪.‬‬ ‫مــ� � ��ن املتـــوق� � ��ع أن تب� � ��دأ التجـــارب‬ ‫األولية للتحقق من س� �ل��امة املرضى هذا‬ ‫العام )‪ .(2012‬إنها حلظة س� � ��عى العالم‬ ‫>‪ .V‬فيتش� � ��يتي< إلى االقتراب منها على‬ ‫‪70‬‬

‫<‪ .B‬بوريل>‬

‫م� � ��دار عقود من الزم� � ��ن‪ ،‬وهو باحث في‬

‫عل���م الكائن���ات الدقيق���ة ‪microbiology‬‬

‫يبلغ من العمر ‪ 71‬عاما‪ ،‬ويعمل بجامعة‬ ‫روكفيلل� � ��ر‪ .‬وألنه كان طف� �ل��ا انحدر من‬ ‫والدين من الطبقة العاملة في منطقة لونگ‬ ‫كر >فيتش� � ��يتي<‬ ‫أيالن� � ��د ‪ ،Long Island‬ف ّ‬ ‫ذات م� � ��رة في أنه س� � ��وف يصبح طبيب‬ ‫أس� � ��نان‪ ،‬وذلك قبل أن يولع بدراسة علم‬ ‫الكائنات الدقيقة وهو طالب في اجلامعة‪.‬‬ ‫ومن خالل دراس� � ��ته املس� � ��ائية من أجل‬ ‫احلص� � ��ول على املاجس� � ��تير‪ ،‬ومع عمله‬ ‫«كتقني مختبر(‪ »)3‬في مشروع بحثي عن‬ ‫احلم���ى القرمزي���ة(‪ )4‬أثناء النهار‪ ،‬وذلك‬ ‫لكي يس� � ��تمد قوت يوم� � ��ه واحتياجاته‪،‬‬ ‫أصب� � ��ح >فيتش� � ��يتي< منبه� � ��را بعاثيات‬ ‫البكتيري� � ��ا‪ .‬فبعد س� � ��نوات م� � ��ن العمل‪،‬‬ ‫وذلـك في ع� � ��ام ‪ ،2001‬متكن من إيضاح‬ ‫أن احلالاَّ ت ميكنها أن تس� � ��اعد الفئران‬ ‫على مكافحة ع���دوى احلل���ق الناجمة‬ ‫ع���ن العقديات(‪ .)5‬وت� � ��رى قوات اجليش‬ ‫أيض� � ��ا أن هناك فرصة في اس� � ��تخدام‬ ‫فعال للح � � �الاَّ ت‪ ،‬حيث ميكن تناولها قبل‬ ‫إج� � ��راء العمليات اجلراحية ملنع العدوى‬ ‫بامليكروب� � ��ات‪ ،‬كما ميكن نش� � ��رها على‬ ‫األس� � ��طح لتنظي� � ��ف منطقة إث� � ��ر تلوثها‬ ‫بهجمة مبيكروب اجلمرة اخلبيثة(‪.)6‬‬ ‫ومبنظور أع ّم‪ُ ،‬يظهر الباحثون اآلن‬ ‫اهتماما متجددا ف� � ��ي إعطاء املرضى‬ ‫خليط� � ��ا م� � ��ن العاثيات‪ ،‬وذل� � ��ك لعالج‬ ‫حاالت الع� � ��دوى املس� � ��تعصية‪ .‬وهذه‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫الطريق� � ��ة مت� � ��ت رعايتها ف� � ��ي االحتاد‬ ‫الس� � ��وڤييتي الس� � ��ابق دون أن يعيرها‬ ‫غي� � ��ره أي اهتم� � ��ام‪ .‬ولئ� � ��ن كان هناك‬ ‫بع� � ��ض الصعوب� � ��ات الفني� � ��ة والعملية‬ ‫الت� � ��ي تقف في طريق اس� � ��تخدام هذه‬ ‫الطريق� � ��ة على نطاق واس� � ��ع في عالج‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فإن العديد من الشركات في‬ ‫الواليات املتح� � ��دة األمريكية قد حازت‬ ‫على موافق� � ��ة إدارة الغ� � ��ذاء والــــدواء‬ ‫بـــإضــافــ� � ��ة العاثي� � ��ات القاتل� � ��ة إل� � ��ى‬ ‫بــكـتـيـريـــــا الساملونيال(‪ )7‬واإلشـريكية‬ ‫القولونية ‪ Escherichia coli‬في اللحوم‬ ‫املعبأة‪ ،‬وغيرها من املنتجات الغذائية‪.‬‬ ‫وق� � ��د أج� � ��رت مجل� � ��ة «س���اينتفيك‬ ‫أمري���كان» مقابلة مع >فيتش� � ��يتي< لكي‬ ‫نع� � ��رف املزيد ع ّما حتمل� � ��ه العاثيات من‬ ‫وعود‪ ،‬وما قد تتضمنه من مخاطر على‬ ‫صحة اإلنسان‪ .‬وفيما يلي مقتطفات من‬ ‫هذه املقابلة‪:‬‬ ‫ساينتفيك أمريكان )‪ :(SA‬كيف‬ ‫بدأ اهتمامك ِ‬ ‫بالعلم؟‬ ‫>فيتش���يتي<‪ :‬لقد نش� � ��أت في منطقة‬ ‫لونگ أيالن� � ��د‪ ،‬حيث كانت عائلتي تعمل‬ ‫في مجال تصميم املس� � ��احات الطبيعية‬ ‫( ) ‪ PHAGE FACTOR‬أو عام� � ��ل الفاج‪ ،‬وعاثية في اللغة‬ ‫من عثا = أفسد إفسادا شديدا‪ ،‬والعاثية هنا مبعنى‬ ‫ِ‬ ‫املفسدة‪.‬‬ ‫‪staphylococcus‬‬ ‫‪tuberculosis‬‬ ‫‪technician‬‬ ‫‪scarlet fever‬‬ ‫‪strep throat infection‬‬ ‫‪anthrax‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫(‪Salmonella )7‬‬


‫من هو‬

‫باختصار‬

‫>‪ .V‬فيتشيتي<‬

‫املهنة‬ ‫باحث في علم األحياء الدقيقة‬ ‫أين‬ ‫جامعة روكفيللر‬ ‫مجال التخصص‬ ‫إيجاد بديل لالستخدام املفرط‬ ‫للمضادات احليوية‪.‬‬ ‫املفهوم العام‬ ‫هل ميكن استخدام الڤيروسات التي‬ ‫تهاجم البكتيريا في عالج اإلصابات‬ ‫املرضية ومنعها؟‬

‫وجتميله� � ��ا(‪ ،)1‬وذلك بج� � ��وار بركة مياه‪.‬‬ ‫وعندما بلغت الثانية عش� � ��رة من عمري‪،‬‬ ‫اش� � ��ترى لي وال� � ��داي مجه� � ��را‪ .‬لم يكن‬ ‫هناك إنترنت أو شيء آخر كي ألهو به‪،‬‬ ‫ولذل� � ��ك كنت أقوم بأخ� � ��ذ عينات ماء من‬ ‫البركة وأقضي فترات املس� � ��اء أتفحص‬ ‫امليكروبات‪ ،‬وهي تسبح في عينات املاء‪:‬‬ ‫اليوجلينا(‪ )2‬والبارامس���يوم(‪ )3‬وجميع‬ ‫قضيت س� � ��اعات‬ ‫أنواع امليكروبات‪ .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫وأن� � ��ا أمت ّعن في ه� � ��ذه العينات‪ .‬وعندما‬ ‫قمت بدراسة أول مقرر دراسي في علم‬ ‫ُ‬ ‫األحياء الدقيقة بكلية واگنر في س� � ��تاتن‬ ‫أحب‬ ‫أيالند‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أدركت أن هذا حقا هو ما ُّ‬ ‫وظللت أمارسه فيما بعد‪.‬‬ ‫أن أقوم به‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫)‪ :(SA‬متى بدأت معرفتك بعاثيات‬ ‫البكتيريا؟‬ ‫>فيتش���يتي<‪ :‬عندم� � ��ا التحق� � � ُ�ت بأول‬ ‫علي أن‬ ‫وظيف� � ��ة في حياتي‪ ،‬حي� � ��ث كان ّ‬ ‫أعمل «كتقني مختبر» بجامعة روكفيللر‬ ‫مع العالم الطبيب <‪ .J‬زابريسكي>‪ .‬وفي‬ ‫ذلك الوق� � ��ت‪ ،‬كان العلم� � ��اء في جامعة‬ ‫نيويورك قد اكتش� � ��فوا منذ فترة قصيرة‬

‫أن ذيفان الس���عال الديكي(‪ )4‬املس� � ��بب‬ ‫للسعال الشبيه بصي���اح الديك(‪ )5‬تنتجه‬ ‫إح� � ��دى العاثيات الت� � ��ي حتملها إحدى‬ ‫اجلراثيم‪ .‬وق� � ��د كنا نتس� � ��اءل ع ّما إذا‬ ‫كان الذيفان املس� � ��بب للحمى القرمزية‬ ‫تنظمه إحدى تلك العاثيات‪ .‬وقد وجدنا‬ ‫أنه كذلك‪ .‬ففي هذه احلالة‪ ،‬فإن بكتيريا‬ ‫العقديات(‪ )6‬حتم� � ��ل عاثية لديها اجلني‬ ‫‪ gene‬املس� � ��ؤول ع� � ��ن ذيف� � ��ان احلم� � ��ى‬ ‫القرمزي� � ��ة‪ .‬وعندما تتضاع� � ��ف العاثية‬ ‫داخل املتعضي���ات ‪ organisms‬العقدية‬ ‫التي تصيب شخصا ما بالعدوى‪ ،‬فإنها‬ ‫تنتج الذيفان الذي يسبب احمرار اجللد‬ ‫وارتفاع درج� � ��ة احل� � ��رارة املصاح َبينْ‬ ‫للحم� � ��ى القرمزية‪ .‬ونح� � ��ن نعلم اآلن أن‬ ‫العاثيات مس� � ��ؤولة عن معظم األمراض‬ ‫املرتبطة بإنتاج الذيفان‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬ما أهمية العاثيات في البيئة؟‬ ‫>فيتش���يتي<‪ :‬يحت� � ��وي كل غ� � ��رام من‬ ‫التربة‪ ،‬أو كل سنتيمتر مكعب من املاء‪،‬‬ ‫عل� � ��ى ما اليقل عن ‪ 10‬إل� � ��ى ‪ 100‬مليون‬ ‫م� � ��ن العاثي� � ��ات‪ .‬إنه� � ��ا أكث� � ��ر الكائنات‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫البيولوجي� � ��ة عددا على س� � ��طح األرض‪.‬‬ ‫فهي موجودة في كل ش� � ��يء نلمس� � ��ه أو‬ ‫نأكله أو نشربه‪ .‬فنحن نتناول العاثيات‬ ‫طوال الوقت‪ .‬إنها موجودة في أمعائنا‪،‬‬ ‫وعلى أغش���يتنا املخاطي���ة(‪ ،)7‬وفي كل‬ ‫مكان في أجس� � ��امنا‪ .‬وتصيب العاثيات‬ ‫بالعدوى البكتيريا وتقتلها باس� � ��تمرار‪.‬‬ ‫ومن ثم تنمو البكتيريا املقاومة لها مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬وتستمر العملية‪ .‬وفي كل يومني‬ ‫فإن نصف ع� � ��دد البكتيريا على األرض‬ ‫ُي ْقتَل بواسطة العاثيات‪.‬‬ ‫إنها عملية ديناميكية بش� � ��كل هائل‪،‬‬ ‫فكل من البكتيريا وعاثياتها يحتاج إلى‬ ‫اآلخر لكي يتمكن من البقاء‪ .‬ومن وجهة‬ ‫نظ� � ��ري – وال أعرف إن كان هناك أحد‬ ‫آخر يشاركني حقيقة في هذه الرؤية ‪-‬‬ ‫فإن� � ��ه نظرا ألن أعداد العاثيات أكثر من‬ ‫أعداد البكتيريا بعش� � ��ر مرات‪ ،‬فإن من‬ ‫يتحكم في هذا الكوكب بش� � ��كل حقيقي‬ ‫(‪landscaping business )1‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪Euglena‬‬ ‫‪paramecium‬‬ ‫‪pertussis‬‬ ‫‪whooping cough‬‬ ‫‪Streptococcus‬‬ ‫‪our mucous membranes‬‬

‫‪71‬‬


‫هو عاثيات البكتيري� � ��ا‪ .‬إنها تتحكم في‬ ‫كل شيء‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬متى أدرك العلماء أنه من‬ ‫املمكن استخدام العاثيات في الطب؟‬ ‫>فيتش����يتي<‪ :‬عندما ج� � ��رى تعرف‬ ‫العاثيات ألول مرة‪ ،‬وذلك منذ نحو ‪100‬‬ ‫عام‪ ،‬لم يك� � ��ن هناك وجود للمضادات‬ ‫احليوية‪ ،‬وكان هناك إحساس بأن هذه‬ ‫العاثيات ميكن أن تكون هي العنصر‬ ‫الذي ميكنه قتل البكتيريا‪ ،‬ونس� � ��تطيع‬ ‫أن نستغل ذلك اآلن في قتل البكتيريا‬ ‫التي تس� � ��بب الع� � ��دوى‪ .‬وفي الواليات‬ ‫املتح� � ��دة األمريكي� � ��ة‪ ،‬كانت ش� � ��ركة‬ ‫«فاي� � ��زر» ‪ Pfizer‬من أوائل الش� � ��ركات‬ ‫التي شرعت في تطوير عاثيات بكتيريا‬ ‫الستخدامها في العالج‪ ،‬وكان لديها‬ ‫وحدة إنتاجية في بروكلني جتري فيها‬ ‫تنمية عاثيات بكتيريا ملكافحة العدوى‪.‬‬ ‫إال أن� � ��ه ق� � ��د مت اكتش� � ��اف املضادات‬ ‫احليوية في الوقت نفس� � ��ه تقريبا‪ ،‬مما‬ ‫أدى إلى إس� � ��قاطنا للعاثيات كوسيلة‬ ‫في الواليات املتحدة األمريكية ملكافحة‬ ‫الع� � ��دوى‪ .‬لق� � ��د انحزنا إلى أس� � ��لوب‬ ‫العالج باملضادات احليوية‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬ثم اتخذ الباحثون السوڤييت‬ ‫الطريق اآلخر؟‬ ‫>فيتش���يتي<‪ :‬هذا صحي� � ��ح‪ .‬هناك‬ ‫معه� � ��دان‪ ،‬أحدهم� � ��ا ف� � ��ي تبليس� � ��ي‬ ‫بجورجي� � ��ا‪ ،‬مازال لديه برنامج نش� � ��ط‬ ‫في األبحاث ح� � ��ول عاثيات البكتيريا‪.‬‬ ‫فيس� � ��تطيع األش� � ��خاص الذين لديهم‬ ‫إصاب� � ��ات مرضية‪ ،‬وغالب� � ��ا ما تكون‬ ‫تلك اإلصاب� � ��ات هي تقرح���ات القدم‬ ‫الس���كرية(‪ ،)1‬التي ال ميكن ش� � ��فاؤها‬ ‫باس� � ��تخدام املض� � ��ادات احليوي� � ��ة‬ ‫املعت� � ��ادة‪ ،‬أن يذهبوا إلى هناك ليتلقوا‬ ‫العالج بخليط م� � ��ن عاثيات البكتيريا‪.‬‬ ‫وقد جنحت تل� � ��ك املعاجلة‪ ،‬ولكنها في‬ ‫‪72‬‬

‫احلقيقة معاجلة احمل� �ل��ات واملعارض‬ ‫التجارية(‪ .)2‬فعلى خ� �ل��اف املضادات‬ ‫احليوية‪ ،‬التي تس� � ��تطيع قت� � ��ل الكثير‬ ‫من املتعضيات املختلفة‪ ،‬فإن العاثيات‬ ‫تتفرد بأنه� � ��ا تقتل بكتيريا معينة فقط‪.‬‬ ‫وعندما تذه� � ��ب إلى تبليس� � ��ي‪ ،‬فإنهم‬ ‫يقومون بشكل أساسي بتنمية البكتيريا‬ ‫املوجودة في القدم املصابة في مزارع‬ ‫خاصة‪ ،‬ث� � ��م يقومون بتطوير خليط من‬ ‫العاثيات ليس� � ��تهدف تل� � ��ك البكتيريا‪،‬‬ ‫ويجري العالج هناك ألسابيع عديدة‪.‬‬ ‫وف� � ��ي الوالي� � ��ات املتح� � ��دة األمريكية‪،‬‬ ‫فإن >‪ .R‬ولكوت< [م� � ��ن مركز اجلنوب‬ ‫الغربي اإلقليمي لع� �ل��اج اجلروح في‬ ‫لوب� � ��وك بوالية تكس� � ��اس] يقوم أيضا‬ ‫باس� � ��تخدام العاثيات في التعامل مع‬ ‫البكتيريا املقاومة لألدوية التي تسبب‬ ‫العدوى في اجلروح‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هل يسهم االزدياد في مقاومة‬ ‫البكتيريا للمضادات احليوية في‬ ‫جتديد االهتمام بالعالجات املرتبطة‬ ‫بعاثيات البكتيريا؟‬ ‫>فيتش���يتي<‪ :‬نعم‪ .‬فمقاومة البكتيريا‬ ‫للمض� � ��ادات احليوية مش� � ��كلة خطيرة‬ ‫لها جانب� � ��ان‪ ،‬أحدهم� � ��ا‪ ،‬أن البكتيريا‬ ‫قد ص� � ��ارت مقاومة للعديد من األجيال‬ ‫اجلدي� � ��دة م� � ��ن املض� � ��ادات احليوية‪.‬‬ ‫واملش� � ��كلة الكبرى حت� � ��ى اآلن هي في‬ ‫ظه� � ��ور البكتيريا العنقودي���ة املذهبة‬ ‫املقاوم���ة للميثيس���لني(‪ )3‬أو ‪،MRSA‬‬ ‫وكذلك البكتيريا العنقودية املقاومة‬ ‫للفانكوميس�ي�ن(‪ .)4‬إنها بالفعل مشكلة‬ ‫للمرض� � ��ى الذي� � ��ن يخضع� � ��ون إلجراء‬ ‫عملي� � ��ة جراحي� � ��ة وتعان���ي أجهزتهم‬ ‫املناعي���ة قصورا ف���ي األداء(‪ .)5‬إال أن‬ ‫األم� � ��ر ال يتطلب وقتا طويال بالنس� � ��بة‬ ‫إلي لكي نصاب بالعدوى بأحد‬ ‫إليك أو ّ‬ ‫هذه املتعضيات ‪ -‬بعد زيارة مستشفى‬ ‫للقيام بإجراء طبي بسيط ‪ -‬ونعاني إثر‬ ‫ذلك مرضا خطي� � ��را من دون أن يكون‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫هن� � ��اك الكثير الذي ميكن اس� � ��تخدامه‬ ‫لعالجن� � ��ا‪ ،‬وق� � ��د صار ه� � ��ذا النوع من‬ ‫العدوى أكثر انتش� � ��ارا‪ ،‬ليس فقط في‬ ‫املستشفيات‪ ،‬ولكن خارجها أيضا‪.‬‬ ‫اجلان� � ��ب اآلخ� � ��ر هي أن ش� � ��ركات‬ ‫األدوي� � ��ة الكبيرة لم تعد تعمل في مجال‬ ‫املضادات احليوية‪ .‬إنه أمر بالغ التكلفة‬ ‫بالنس� � ��بة إليها أن تقوم بتطوير مضاد‬ ‫حيوي يصبح امليكروب مقاوما له بشكل‬ ‫س� � ��ريع‪ .‬وهذه قضي� � ��ة مزعجة ألن هذه‬ ‫الش� � ��ركات هي األفضل جتهيزا لتطوير‬ ‫املضادات احليوي� � ��ة‪ ،‬وأعتقد أنه يتعني‬ ‫عليها أن تستمر في ذلك‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬ما هي معوقات استخدام‬ ‫العاثيات في العالج؟‬ ‫>فيتش���يتي<‪ :‬أوال‪ ،‬وقبل كلّ ش� � ��يء‪،‬‬ ‫فإن النجاحات التي حتققت في روسيا‬ ‫[واالحتاد السوڤييتي السابق] لم يجر‬ ‫توثيقها بش� � ��كل جي� � ��د‪ .‬فعندما يصاب‬ ‫شخصان بجرح من نوع واحد تقريبا‪،‬‬ ‫فلي� � ��س بالض� � ��رورة أن يت� � ��م عالجهما‬ ‫بالنوع نفسه من عاثيات البكتيريا‪ .‬فمن‬ ‫الصع� � ��ب واحلالة هذه أن يتم تس� � ��جيل‬ ‫جناح املعاجلة بطريقة علمية وواقعية‪.‬‬ ‫املش� � ��كلة األخرى ه� � ��ي أنك حتتاج‬ ‫إلى استخدام خليط من العاثيات لقتل‬ ‫ميك� � ��روب واح� � ��د‪ .‬ورمبا تك� � ��ون هناك‬ ‫صعوب� � ��ات في احلص� � ��ول على موافقة‬ ‫إدارة الغذاء والدواء )‪ (FDA‬الستخدام‬ ‫اخللطات املعقدة‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن العاثيات‬ ‫تلتقط الدن���ا ‪ DNA‬من البكتيريا‪ ،‬ولذا‬ ‫ف� � ��إن اإلدارة ‪ FDA‬تري� � ��د أن تع� � ��رف‬ ‫أي دن� � ��ا تلتقطه‪ .‬إن ش� � ��ركات املعاجلة‬ ‫بالعاثيات حتاول باس� � ��تمرار‪ ،‬وهذا ال‬ ‫يعني أنها لن تس� � ��تطيع أبدا اإلجناز‪،‬‬ ‫إال أن لديها معركة ش� � ��اقة كي حتصل‬ ‫(‪diabetic foot ulcers )1‬‬ ‫(‪boutique-type treatment )2‬‬

‫(‪methicillin-resistant Staphylococcus aureus )3‬‬ ‫(‪vancomycin-resistant staph )4‬‬ ‫(‪compromised immune systems )5‬‬


‫صة ‪ capsid‬أو رأس (اجلزء العلوي)‪ ،‬وذيل‬ ‫العاثية ڤيروس يصيب البكتيريا بالعدوى‪ .‬وللعاثية ُق َف ْي َ‬ ‫(اللون الوردي)‪ ،‬و ُل َي ْيفات ذيلية (االمتدادات السفلية الزرقاء اللون)‪.‬‬

‫على املوافقة على اس� � ��تخدام العاثيات‬ ‫في عالج البشر‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هل هناك طرق أخرى ميكن‬ ‫من خاللها االستفادة من العاثيات‬ ‫في الطب؟‬ ‫>فيتش���يتي<‪ :‬لقد قمنا بتطوير إحدى‬ ‫الط� � ��رق‪ ،‬الت� � ��ي يت� � ��م فيها اس� � ��تخدام‬ ‫اإلنزميات احلالَّة من العاثيات‪ .‬فعندما‬ ‫تدخ� � ��ل العاثيات إلى داخ� � ��ل خلية أحد‬ ‫أنواع البكتيريا‪ ،‬فإنه� � ��ا تأخذ بزمامها‬ ‫كي تنتج جزيئات ڤيروسية جديدة‪ .‬وفي‬ ‫نهاية الدورة‪ ،‬يتع� �ي��ن على العاثيات أن‬ ‫تخ� � ��رج من اخللية البكتيرية‪ .‬وهي تفعل‬ ‫ذلك بإنتاج إنزمي ّ‬ ‫حال يعمل على تفكيك‬ ‫اجلدار اخللوي للبكتيريا‪ ،‬مما يس� � ��بب‬ ‫انفجار اخللية البكتيرية‪ .‬لقد قمنا بتنقية‬ ‫هذا اإلن� � ��زمي وإضافته إلى ما لدينا من‬ ‫اخلاليا البكتيري� � ��ة‪ .‬إنه يعمل على حفر‬ ‫ثقب في اجلدار اخللوي‪ ،‬مس� � ��ببا على‬ ‫الف� � ��ور م� � ��وت البكتيريا عملي� � ��ا‪ .‬وعند‬

‫اس� � ��تخدام احلالاَّ ت في اإلنسان‪ ،‬فإنه‬ ‫ميكن إضافتها مباش� � ��رة إلى اجللد أو‬ ‫األغش� � ��ية املخاطية أو حقنها في الدم‪.‬‬ ‫ونظرا ألن اجلسم يتخلص منها بسرعة‬ ‫وال ميكنها أن حتلِّل أنس� � ��جة اإلنسان‪،‬‬ ‫فإننا نتوقع أنها ستكون آمنة‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬كيف أدركتَ أن هذه اإلنزميات‬ ‫ميكن استخدامها ألغراض عالجية؟‬ ‫قمت بتنقية إحدى‬ ‫>فيتش����يتي<‪ :‬لقد ُ‬ ‫هذه احل � � �الاَّ ت ضمن عملي في إعداد‬ ‫الدكت� � ��وراه قب� � ��ل نحو أربع� �ي��ن عاما‪.‬‬ ‫وفي ذل� � ��ك الوق� � ��ت‪ ،‬كنت أس� � ��تخدم‬ ‫هذا اإلنزمي لتكس� � ��ير اجلدر اخللوية‬ ‫للبكتيري� � ��ا العقدي� � ��ة‪ ،‬وذلك لدراس� � ��ة‬ ‫البروتينات الس� � ��طحية باخللية‪ ،‬إال أن‬ ‫الفتح الطبي احلقيق� � ��ي الذي متكَّ ْنت‬ ‫من حتقيقه لم يأت إال منذ نحو عش� � ��ر‬ ‫لدي فئران مصابة‬ ‫س� � ��نوات‪ .‬إذ كانت ّ‬ ‫بالته� � ��اب احللق الناجت من املجموعة‬ ‫‪ A‬م���ن العقدي���ات(‪ .)1‬وعندم� � ��ا قمت‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫بإيص� � ��ال احل � � �الاَّ ت إلى حل� � ��وق هذه‬ ‫الفئران‪ ،‬وجدت أنه� � ��ا قد متكنت من‬ ‫قتل امليكروبات العقدية بسرعة‪ .‬ومن‬ ‫ث � � � ّم أدركت أن ه� � ��ذه اإلنزميات ميكن‬ ‫استخدامها في أسلوب عالجي‪ .‬لقد‬ ‫كانت حلظة الظفر ب� � ��إدراك احلقيقة‪.‬‬ ‫فقد كانت هذه أول مرة يستطيع فيها‬ ‫أي إنسان أن يستخدم إحدى احلالاَّ ت‬ ‫في من� � ��وذج من كائن حيواني‪ ،‬و ُيظهِ ر‬ ‫أن لها تأثيرا عالجيا‪.‬‬ ‫منذ ذل� � ��ك الوقت‪ ،‬ونحن نس� � ��تخدم‬ ‫احل � � �الاَّ ت ف� � ��ي حيوان� � ��ات التج� � ��ارب‬ ‫باملختب� � ��رات‪ ،‬وذل� � ��ك لع� �ل��اج الته���اب‬ ‫الش���غاف(‪ ،)2‬وه� � ��ي ع� � ��دوى تصي� � ��ب‬ ‫صمامات القلب‪ ،‬كما قمنا باستخدامها‬ ‫لدراسة التهاب السحايا(‪ ،)3‬وهي عدوى‬ ‫تصيب املخ‪ .‬كذلك قمنا أيضا باستخدام‬ ‫احلالاَّ ت في معاجل� � ��ة االلتهاب الرئوي‬ ‫الناجت م� � ��ن املجموعة ‪ B‬م� � ��ن البكتيريا‬ ‫العقدي� � ��ة‪ ،‬وجترثم ال���دم(‪ ،)4‬وهي عدوى‬ ‫مكروبي� � ��ة بالدم‪ .‬وه� � ��ذه اإلنزميات على‬ ‫درج� � ��ة عالية من الثبات‪ ،‬ومن املمكن أن‬ ‫يجري جتميده� � ��ا أو جتفيفها بالتجميد‬ ‫لسنوات عديدة مع احتفاظها بفعاليتها‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هذا أمر مثير لإلعجاب‪ .‬هل‬ ‫وجد العلماء اآلخرون هذه الفاعلية‬ ‫العالجية نفسها؟‬ ‫>فيتش����يتي<‪ :‬لق� � ��د كان األمر صعبا‪.‬‬ ‫فق� � ��د قال الناس‪« :‬إن ه� � ��ذا األمر مثير‬ ‫لالهتم� � ��ام ولك� � ��ن ‪ » -‬فق� � ��د كان هناك‬ ‫قلق لدى ش� � ��ركات صناعة األدوية بأن‬ ‫أجهزتن� � ��ا املناعية ق� � ��د تصنع أضدادا‬ ‫له� � ��ذه احلالاَّ ت وتع � � � ِّدل مفعولها‪ .‬وكان‬ ‫هنال� � ��ك أيضا قلق م� � ��ن أن ما لدينا من‬ ‫إنزمي� � ��ات كان من نوعية عالية الدرجة؛‬ ‫فإنزمي العقديات استطاع قتل البكتيريا‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪group A strep throat‬‬ ‫‪endocarditis‬‬ ‫‪meningitis‬‬ ‫‪bacteremia‬‬

‫التتمة في‬

‫الصفحة ‪84‬‬

‫‪73‬‬


‫املجلد ‪ 29‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2013‬‬

‫‪4/3‬‬

‫حياة جديدة لدنا ‪ DNA‬قدمي‬

‫( )‬

‫تقانة حيوية تكشف الكيفية التي مكنت املاموث الصوفي من النجاة‬ ‫من البرد‪ ،‬كما تكشف أيضا ألغازا أخرى حول الكائنات املنقرضة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫<‪ .L .K‬كامپل> ‪-‬‬

‫ألكثر م� � ��ن ‪ 150‬عاما‪ ،‬اعتمد العلماء بصورة رئيس� � ��ية على‬ ‫العظ� � ��ام واألس� � ��نان األحفورية ف� � ��ي اس���تبناء(‪ )2‬كائنات الزمن‬ ‫السحيق‪ .‬فالهياكل العظمية تنبئ بحجم وشكل احليوانات التي‬ ‫عاش� � ��ت منذ مدة طويلة؛ وتدل آث� � ��ار عضالتها في العظام على‬ ‫مدى قوتها وعل� � ��ى الطريقة احملتملة حلركته� � ��ا؛ في حني يظهر‬ ‫شكل األس� � ��نان وتآكلها أنواع الطعام الذي كانت تتناوله‪ .‬وفي‬ ‫املجمل‪ ،‬متكّن الباحثون من اس� � ��تخالص كميات استثنائية من‬ ‫املعلومات من هذه األج� � ��زاء الصلبة‪ .‬وفي حاالت نادرة‪ ،‬وقعوا‬ ‫مصادفة على مومياوات محفوظة بعناية ِ‬ ‫وج َي ٍف مجمدة سمحت‬ ‫لهم بإضافة مزيد من التفاصيل لعمليات االس� � ��تبناء املذكورة‪،‬‬ ‫مث� � ��ل طول الفراء وش� � ��كل األذنني واملكونات احمل� � ��ددة آلخر ما‬ ‫تناولت� � ��ه احليوانات م� � ��ن طعام‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فعل� � ��ى الرغم من كل‬ ‫ما متكن العلماء من االس� � ��تدالل عليه م� � ��ن اخلصائص البدنية‬ ‫ألش� � ��كال احلياة في العصور املاضية‪ ،‬إال أننا ال نعرف إال أقل‬ ‫القليل عن العمليات الفيزيولوجية التي مكنتها من احلياة‪.‬‬ ‫وعلى أية حال‪ ،‬يجري جتس� � ��ير ه� � ��ذه الفجوة‪ ..‬فالتطورات‬ ‫اجلارية حاليا في مجال التقانة احليوية متكننا من إعادة جتميع‬ ‫اجلينات القدمية من احليوان� � ��ات املنقرضة وإحياء البروتينات‬ ‫التي تكود ‪ encode‬لها ه� � ��ذه اجلينات ‪ -‬وهي البروتينات التي‬ ‫تشكل وتوجه اآلليات اخللوية التي تقوم عليها العمليات احليوية‪.‬‬ ‫وتبش� � ��ر هذه األبحاث ببزوغ فرع علمي مثي� � ��ر‪ :‬فيزيولوجيا‬ ‫الكائن���ات القدمية ‪ ،paleophysiology‬وهو دراس� � ��ة كيفية قيام‬ ‫أجس� � ��ام احليوانات البائدة بوظائفها خ� �ل��ال حياتها‪ .‬ومع أننا‬ ‫ال ن� � ��زال في مرحلة مبكرة من البح� � ��ث‪ ،‬إال أننا حصلنا بالفعل‬ ‫على تبصرات رائعة حول الكيفية التي مت ّكن بها أحد الوحوش‬ ‫املميزة لعص� � ��ور ما قبل التاريخ ‪ -‬وهو املاموث الصوفي(‪- )1‬‬

‫<‪ .M‬هوفريتر>‬

‫من التكيف مع الظروف القاسية في العصر اجلليدي‪ ،‬ومع أن‬ ‫احللم الذي ع ّبر عنه فيلم احلديقة اجلوراسية(‪ ،)3‬واملتمثل في‬ ‫استنس� � ��اخ حيوانات ما قبل التاريخ‪ ،‬ما زال بعيد املنال‪ ،‬إال أن‬ ‫أبحاثنا أظهرت إمكان تعرف العمليات الفيزيولوجية التي جرت‬ ‫في حيوانات اختفت من على وجه األرض منذ مدة طويلة‪.‬‬ ‫حالة باردة‬

‫( )‬

‫بالنس� � ��بة إلى أحدنا (>كامپل<)‪ ،‬بدأت ه� � ��ذه املغامرة في إحدى‬ ‫أمس� � ��يات عام ‪ ،2001‬خالل مشاهدته برنامجا وثائقيا تليفزيونيا‬ ‫عن اس� � ��تخراج بقايا ماموث صوفي من املنطقة الدائمة التجمد‬ ‫في س� � ��يبريا‪ .‬ومع الدعاية الواسعة الستنس� � ��اخ النعجة دوللي‪،‬‬ ‫ال� � ��ذي أُعلن عنه عام ‪ ،1997‬توق� � ��ع املعلقون على هذا البرنامج ‪-‬‬ ‫على نحو خاطئ‪ ،‬كما اتضح الحقا ‪ -‬أن الدنا ‪ DNA‬املستخرج‬ ‫من ه� � ��ذا املاموث قد مي ّكن العلماء من إعادة هذه املخلوقات إلى‬ ‫احلياة‪ .‬أما رؤية >كامپل< اخلاصة فقد كانت أكثر حتديدا لهدفها‬ ‫من هذه املغامرة البالغة التعقيد‪ ،‬ومن ثم أكثر قابلية للتطبيق‪ .‬لقد‬ ‫أراد أن يكتشف الكيفية‪ ،‬التي متكنت بها تلك األقارب املنقرضة‬ ‫للفيلة اآلسيوية املعاصرة‪ ،‬أن تتكيف مع املناخ البارد في املناطق‬ ‫البعيدة عن خط االستواء التي عاشت فيها‪.‬‬ ‫يوضح الس� � ��جل األحفوري أن أسالف املاموث الصوفي‬ ‫( ) ‪NEW LIFE FOR ANCIENT DNA‬‬ ‫( ) ‪COLD CASE‬‬ ‫(‪extinct creatures )1‬‬

‫(‪ reconstruct )2‬أو‪ :‬إعادة بناء‪.‬‬ ‫(‪ )3‬احلديقة اجلوراس� � ��ية‪ :‬إش� � ��ارة إلى القصة التي حتولت إلى فيلم شهير يحكي عن‬ ‫احتمال إعادة الدينوصورات إلى احلياة باستخدام تقنيات استخالص الدنا القدمي‬ ‫لهذه الكائنات املنقرضة‪ ،‬واس� � ��تكمال ما اعتراها من نقص باالس� � ��تعانة بدنا ‪DNA‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫الزواحف احلية وغرسه في بيضها املنزوع النواة‪.‬‬

‫باختصار‬ ‫لقد اعتمد فهم العلماء للكائنات املنقرضة ‪ extinct creatures‬طويال على‬ ‫حفريات عظامها وأسنانها‪.‬‬ ‫ولكن التطورات احلديثة في أبحاث الدنا القدمي تحُ دث ثورة في دراسات‬ ‫هذه الوحوش القدمية‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫ويس� � ��تطيع العلماء اآلن إعادة تكوين جينات ه� � ��ذه احليوانات‪ ،‬ومن ثم‬ ‫دراسة البروتينات التي تكودها‪.‬‬ ‫وإمكان قيام العلماء في يوم من األيام بدراسة هذه الفيزيولوجيا القدمية‬ ‫لم يكن مطروحا للتفكير قبل عقد واحد ال غير‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫املؤلفان‬ ‫‪Kevin L. Campbell‬‬

‫أس� � ��تاذ الفيزيولوجيا البيئية والتطوري� � ��ة بجامعة مانيتوبا في كندا‪.‬‬ ‫وتتركز أبحاثه على هيموگلوب� �ي��ن الثدييات احلية‪ ،‬وعلى خصائص‬ ‫وتطور بروتينات الثدييات املنقرضة التي أعيدت للحياة‪.‬‬ ‫‪Michael Hofreiter‬‬

‫أستاذ البيولوجيا بجامعة يورك في إنگلترا‪ .‬وهو يستخدم متواليات‬ ‫الدنا القدمي لدراسة كيفية استجابة احليوانات للتغير البيئي‪.‬‬

‫نش� � ��أت في السهول اإلفريقية شبه االستوائية‪ ،‬ولم تتوجه إلى‬ ‫سيبيريا إال منذ أقل من مليوني عام‪ ،‬عندما كانت األرض تدلف‬ ‫إلى أقس� � ��ى العصور الباردة في تاريخها‪ :‬العصور اجلليدية‬ ‫البليستوسينية ‪ .Pleistocene‬وكما كان ذلك صحيحا بالنسبة‬ ‫إل� � ��ى الفيلة اإلفريقي� � ��ة‪ ،‬فإن التحدي الفيزيولوجي الرئيس� � ��ي‬ ‫الذي كان س� � ��يواجه أسالف املاموث في موطنها األصلي هو‬ ‫جتن� � ��ب احلرارة الزائدة‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬فبعد هجرة نس� � ��لها‬ ‫إلى الش� � ��مال وانخفاض درجة حرارة العالم‪ ،‬صار االحتفاظ‬ ‫بحرارة اجلسم أمرا بالغ األهمية‪.‬‬ ‫كل ما نعرف� � ��ه تقريبا عن بيولوجية األنواع املنقرضة‬ ‫وألن َّ‬ ‫مس� � ��تنتج من الدراس� � ��ات التفصيلية لبقايا حفريات املاموث‬ ‫واملومياوات املجمدة‪ ،‬فإن املناقشات اخلاصة بتحمل املاموث‬ ‫للبرودة اقتصرت أساسا على اخلصائص البدنية التي ميكن‬ ‫مالحظتها بصورة مباش� � ��رة في اجليف املكتشفة‪ ،‬مثل الفراء‬ ‫الصوفي الكثيف الذي سميت حيوانات املاموث على أساسه‪.‬‬ ‫بي� � ��د أن هذه املالمح البدنية كان� � ��ت جزءا واحدا من القصة ‪-‬‬ ‫ورمبا كان اجلزء األصغر منها‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن ش� � ��بكة من‬ ‫العمليات الفيزيولوجية كانت أساس� � ��ية من دون ش� � ��ك لبقائها‬ ‫عل� � ��ى قيد احلياة ف� � ��ي املناخ البارد‪ .‬ولس� � ��وء احلظ‪ ،‬فإن هذه‬ ‫العمليات ال تترك آثارا في الس� � ��جل األحف� � ��وري‪ ،‬ولذلك فإن‬ ‫األمل الوحيد لدراس� � ��تها يتمثل في اس� � ��تخراج قطع صغيرة‬ ‫م� � ��ن الدنا من البقايا القدمية‪ ،‬ومن ثم جتميع اجلينات معا في‬ ‫هيئته� � ��ا الكاملة‪ ،‬وإدخالها في خالي� � ��ا حية يجري حثها على‬ ‫إع� � ��ادة صنع البروتينات التي كانت تتحكم في هذه العمليات‪،‬‬ ‫ومن ثم ميكننا أن نالحظ بدقة كيفية عمل بروتينات احليوانات‬ ‫املنقرضة مقارنة مبا يقابلها في األحياء ذوي القربى‪.‬‬ ‫وعلى ذل� � ��ك‪ ،‬فإن فكرة >كامپل< لدراس� � ��ة تكيف املاموث مع‬ ‫البرودة باستخدام الدنا احملفوظ‪ ،‬وعلى الرغم من أن هذه الفكرة‬ ‫أبس� � ��ط مبراحل من إعادة الوحوش امليتة إل� � ��ى احلياة‪ ،‬إال أنها‬ ‫كانت حتتاج إلى قدر هائل من تطوير التقانة احليوية‪ .‬وقد حالفه‬ ‫احل� � ��ظ ألن ثمة تط� � ��ورات هائلة في أبحاث الدن� � ��ا القدمي‪ ،‬والتي‬

‫تساعد على حتقيق هدفه‪ ،‬كانت قاب قوسني أو أدنى‪.‬‬ ‫واحلقيق� � ��ة أن دن� � ��ا العينات التي مضى عل� � ��ى موتها زمن‬ ‫طوي� � ��ل‪ ،‬حتى ولو مت حفظها في أفضل الظروف‪ ،‬إذا ما جرى‬ ‫حفظها أصال‪ ،‬يكون شديد الضآلة‪ ،‬كما يعاني قدرا كبيرا من‬ ‫التش� � ��ظي والتلف الكيميائي‪ .‬فخاليا املتعضيات ‪organisms‬‬ ‫حتت� � ��وي عل� � ��ى نوعني من الدنا‪ :‬لفات بس� � ��يطة م� � ��ن الدنا في‬ ‫العضي���ات ‪ organelles‬اخللوية املول� � ��دة للطاقة‪ ،‬أو املتقدرات‬ ‫‪ ،mitochondria‬وال ّدن� � ��ا األكث� � ��ر تعقيدا في ن� � ��واة اخللية‪ .‬وقد‬ ‫ركزت الدراس� � ��ات املبكرة للدنا القدمي على نوع الدنا املوجود‬ ‫ف� � ��ي املتقدرات ألنه أكث� � ��ر توافرا من دنا الن� � ��واة‪ :‬حتتوي كل‬ ‫خلية على مئات من املتق� � ��درات مقابل نواة واحدة‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫فإن دنا املتقدرات مس� � ��ؤول عن جزء ضئيل من املادة اجلينية‬ ‫احملتواة في اخللية؛ فهو يكود عددا قليال من البروتينات التي‬ ‫ال تُستخدم إال في املتقدرات‪ ،‬أما النشاط احلقيقي فيوجد في‬ ‫دنا النواة‪ .‬وفي البداية‪ ،‬اعتقد العلماء أنه يستحيل استخراج‬ ‫م� � ��ا يكفي من دنا النواة لدراس� � ��ته‪ .‬ولكن >‪ .A‬گرينوود<‪ ،‬الذي‬ ‫يعمل اآلن مبعه� � ��د ليبنيتز ألبحاث حدائ� � ��ق احليوان واحلياة‬ ‫البري� � ��ة في برلني‪ ،‬أصدر هو وزمالؤه ع� � ��ام ‪ 1999‬تقريرا يفيد‬ ‫بعثوره� � ��م على دليل في البقاي� � ��ا احملفوظة في املناطق الدائمة‬ ‫التجمد على أن ُش� � ��دفا صغي� � ��رة من دنا النواة ميكن أن تبقى‬ ‫لعشرات اآلالف من السنني وبكميات تكفي لتحليلها‪.‬‬ ‫ومع أن أبحاث >گرينوود< أوضحت إمكانية احلصول على‬ ‫قصاص� � ��ات قصيرة من املتوالي� � ��ات النووية (وهي قطع حتوي‬ ‫م� � ��ا يصل إلى ‪ 70‬نيوكليوتي� � ��دا ‪ -‬أي «حروف» الكود اجليني)‬ ‫م� � ��ن مخلوقات قدمي� � ��ة مثل املاموث الصوف� � ��ي‪ ،‬إال أنه ظل من‬ ‫غير العملي إلى حد كبير َسلْ َس � � �لَة مئات آالف النيوكليوتيدات‬ ‫التي يتألف منه� � ��ا كل جني كامل‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن طريقة‬ ‫>گرينوود< تستلزم إتالف كمية كبيرة من الدنا القدمي‪ ،‬الذي يتم‬ ‫احلصول عليه بصعوبة‪ .‬وقد اس� � ��تطاع أحدنا (>هوفريتر<) ‪-‬‬ ‫باالستعانة بتقنية يستخدمها علماء البيولوجيا اجلزيئية إلنتاج‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪75‬‬


‫كيف تعمل‬

‫بث احلياة في حيوانات املاموث‬

‫( )‬

‫ع����ن طري����ق اس����تبناء (إعادة بناء) اجلينات القدمية‪ ،‬يس����تطيع العلماء إعادة تكوين البروتين����ات التي تكودها ومالحظة‬ ‫سلوكها‪ ،‬ومن ثم تعرف فيزيولوجية احليوانات املنقرضة‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬أوضحت عملية بعث بروتني الهيموگلوبني‬ ‫املس����تخرج من كريات الدم احلمراء للماموث الصوفي (في األس����فل) أن هذا البروتني احلس����اس للحرارة طور تالؤمات‬ ‫مكنته من القيام بعمله في إمداد أنسجة اجلسم باألكسجني في ظروف قارسة البرودة التي واجهتها هذه الوحوش‪.‬‬

‫‪AT G C‬‬

‫‪‬‬

‫سلسلة الشظايا‬ ‫اجلينية التي تكود‬ ‫لبروتني الهيموگلوبني‪.‬‬

‫نس� � ��خ عديدة من دنا املتعضيات املوجودة حاليا‪ ،‬وتدعى تقنية‬ ‫التفاعل السلس� � ��لي املضا َعف للپوليمي� � ��راز(‪ - )1‬أن يقدم حال‬ ‫لهذه املش� � ��كالت‪ ،‬مزيال عقبة رئيس� � ��ية في دراسة فيزيولوجية‬ ‫املتعضي� � ��ات املنقرض� � ��ة‪ .‬وكأول دليل على ذل� � ��ك‪ ،‬متكن فريقه‬ ‫البحثي من جتميع أول جينوم متقدري(‪ )2‬كامل (وهي متوالية‬ ‫مكونة من ‪ 16 500‬نيوكليوتيد) ألحد األنواع التي عاش� � ��ت في‬ ‫عصر جليدي ‪ -‬املاموث ‪ -‬ومن ثم نُشرت النتائج عام ‪.2005‬‬ ‫الشقر وذوو الشعر األحمر‬

‫( )‬

‫بع� � ��د أن قام فري� � ��ق >هوفريتر< في اليپتزي� � ��گ بأملانيا بتطوير‬ ‫تقنيتهم اخلاصة بسلسلة الدنا القدمي‪ ،‬قاموا باستخدامها في‬ ‫استبناء أول جني نووي كامل من أحد األنواع املنقرضة‪ .‬ومرة‬ ‫أخرى‪ ،‬كان مصدر الدنا هو أحد حيوانات املاموث‪ ،‬وبالتحديد‬ ‫عظمة فخذ عمرها ‪ 43 000‬سنة‪ ،‬ظلت محفوظة جيدا على نحو‬ ‫استثنائي‪ ،‬وقد عثر عليها في شمال سيبيريا >‪ .E‬ويلرسليف<‬ ‫[الذي يعمل في جامع� � ��ة كوبنهاگن]‪ .‬وقد اختار الفريق جينا‬ ‫يدعى مس���تقبلة امليالنوكورت�ي�ن(‪ ،(MC1R)1 )3‬واملعروف أنه‬ ‫يساعد على حتديد لون ريش الطيور وشعر الثدييات‪ .‬وقد لقي‬ ‫اجلني ‪ MC1R‬استحسانا إضافيا ألنه قصير ويسهل إدماجه‬ ‫ف� � ��ي اخلاليا حيث ميكن قياس نش� � ��اطه اجلزيئ� � ��ي‪ ،‬مما يتيح‬ ‫املالحظة‪.‬‬ ‫للباحثني الربط بني متواليات الدنا واخلالل ‪traits‬‬ ‫َ‬ ‫وبالنظر إلى أن لون ش� � ��عر حيوانات املاموث املستخرجة‬ ‫م� � ��ن املناطق الدائم� � ��ة التجمد ينزع إلى أن يك� � ��ون إما فاحتا‬ ‫أو داكن� � ��ا‪ ،‬فقد افترض >هوفريتر< وزمالؤه أن ثمة اختالفات‬ ‫ف� � ��ي عمل اجلني ‪ -‬في مقابل العوامل الكيميائية املوجودة في‬ ‫‪76‬‬

‫‪‬‬

‫إعادة تكوين جينات فعالة وظيفيا‬ ‫لهيموگلوبني املاموث عن طريق‬ ‫احلصول على اجلينات الكاملة‬ ‫املقابلة لها في الفيل اآلسيوي‪،‬‬ ‫ومن ثم حتوير متوالياتها‬ ‫في ثالثة مواضع لتتوافق مع‬ ‫متواليات املاموث‪.‬‬

‫املترس� � ��بات التي تعرض لها الشعر طوال عشرات اآلالف من‬ ‫الس� � ��نني ‪ -‬رمبا شكلت األساس للوني الشعر املتميزين‪ .‬وقد‬ ‫أظهر حتديد املتوالية الكاملة للجني ‪ ،MC1R‬واملكونة من ‪1236‬‬ ‫نيوكليوتيدا‪ ،‬وجود متغايرين مختلفني‪ ،‬أو أليلني ‪ ،alleles‬لهذا‬ ‫اجل� �ي��ن‪ .‬اختل� � ��ف األليل األول عن اجلني املقاب� � ��ل له في الفيل‬ ‫اإلفريقي ف� � ��ي نيوكليوتيد واحد‪ ،‬بينما احت� � ��وى األليل الثاني‬ ‫على ثالث طفرات إضافية‪ ،‬تؤدي جميعها إلى إحالل أحماض‬ ‫أمينية مغايرة (وهي لبنات بناء البروتني) في البروتني الناجت‪.‬‬ ‫ومع أن >هوفريتر< ومعاونيه اهتموا باكتش� � ��اف أن اثنتني‬ ‫من حاالت اإلح� �ل��ال وقعتا في موضع� �ي��ن بروتينيني يندر أن‬ ‫يتغي� � ��را خالل املس� � ��يرة التطورية‪ ،‬إال أن ع� � ��دم وجود طفرات‬ ‫مشابهة في الثدييات األخرى جعل من املستحيل مقارنة تأثير‬ ‫هذي� � ��ن اإلحاللني غير املعتادين في لون صوف املاموث‪ .‬وعلى‬ ‫أية حال‪ ،‬فقد أوضح حتليل نشاط اجلني في اخلاليا أن إحدى‬ ‫الطف� � ��رات الثالث في األليل الثاني أدت إلى إحالل نتجت منه‬ ‫نس� � ��خة أقل نشاطا من اجلني اخلاص بالتصبغ‪ .‬وقياسا على‬ ‫النشاط اجلزيئي جلينات التصبغ في الثدييات األخرى‪ ،‬فمن‬ ‫احملتمل أن يكون هذا الشكل املغاير األضعف قد ساعد على‬ ‫جعل لون فراء بعض حيوانات املاموث أشقر‪.‬‬ ‫وفي مصادفة الفتة للنظر‪ ،‬اكتشفت >‪ .H‬هوكسترا< [عندما‬ ‫( ) ‪Breathing Life into Mammoths‬‬ ‫( ) ‪BLONDES AND REDHEADS‬‬

‫(‪ )1‬تقنية إلنتاج نس� � ��خ عديدة من متواليات معينة من الدنا عن طريق فصل ش� � ��ريطي‬ ‫دنا حراريا وبقاء الش� � ��ريط املكم� � ��ل لكل منهما‪ ،‬ثم فصل ش� � ��ريطي كل منهما في‬ ‫دورة تالي� � ��ة‪ ،‬وهكذا في دورات متتالية‪ .‬ومن ثم ميكن احلصول على كمية كافية من‬ ‫(التحرير)‬ ‫املتواليات املطلوبة من دون إدخالها في خاليا حية إلكثارها‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪mitochondrial genome‬‬ ‫‪melanocortin 1 receptor‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫‪‬‬

‫إدماج اجلينات احملورة في بكتيريا‬ ‫اإلشريكية القولونية ودفعها إلنتاج‬ ‫هيموگلوبني املاموث‪.‬‬

‫‪‬‬

‫املنقى لبيئة‬ ‫تعريض الهيموگلوبني‬ ‫ّ‬ ‫كيميائية مشابهة لتلك املوجودة‬ ‫داخل الكريات الدموية‪.‬‬

‫كانت تعمل في جامعة كاليفورنيا بس� � ��ان دييگو] وزمالؤها في‬ ‫الوقت نفس� � ��ه‪ ،‬أن بعض جمهرات فئران الشواطئ التي تعيش‬ ‫حالي� � ��ا حتمل ش� � ��كال مغايرا من اجل� �ي��ن ‪ ،MC1R‬والذي ينتج‬ ‫التبادل األساس� � ��ي نفسه في األحماض األمينية الذي اكتشف‬ ‫في األليل الثاني للماموث‪ .‬واألهم من ذلك أن الفئران احلاملة‬ ‫لهذا الشكل املغاير كان فراؤها أفتح لونا؛ مما يوفر لها متويها‬ ‫طبيعيا في البيئة الرملية التي تسكنها‪ .‬وبالنسبة إلى حيوانات‬ ‫املاموث‪ ،‬فإن الفائدة من كونها شقراء تبدو أقل وضوحا بدرجة‬ ‫كبيرة ألن أفرادها الشقر كانت ستبدو ظاهرة للعيان متاما في‬ ‫املشهد اخلالي من األشجار في س� � ��يبيريا البدائية‪ .‬وعلى أية‬ ‫حال‪ ،‬فمن املمكن تصور أن الفراء الباهت اللون قد ساعد هذه‬ ‫احليوانات على أن تظل دافئة في هذه البيئة الباردة العاصفة‪،‬‬ ‫كما اتضح بالنسبة إلى الطيور والثدييات الفاحتة اللون والتي‬ ‫تعيش حاليا‪ .‬وقد يبدو ذلك مناقضا ملا هو معروف عن الشعر‬ ‫الفاحت اللون‪ ،‬الذي يعكس الكثير من أش� � ��عة الش� � ��مس‪ ،‬ولكنه‬ ‫يعمل أيضا على تشتيت بعض اإلشعاع الوارد باجتاه اجللد‪،‬‬ ‫�ص كحرارة‪ .‬وعلى النقيض م� � ��ن ذلك‪ ،‬فإن الفراء‬ ‫والذي يمُ ت� � � ُّ‬ ‫الداكن ميتص اإلش� � ��عاع الشمس� � ��ي عند س� � ��طحه اخلارجي‪،‬‬ ‫ولكن الرياح سرعان ما تبدد احلرارة الناجمة عن ذلك‪.‬‬ ‫إثر جناح مجموعة >هوفريتر< في اس� � ��تبناء جينات املاموث‬ ‫النووي� � ��ة‪ ،‬حولت انتباهها إل� � ��ى النياندرتاليني‪ ،‬وهم أقارب جنس‬ ‫اإلنس���ان العاقل ‪ ،Homo sapiens‬الذين عاش� � ��وا في أوراس� � ��يا‬ ‫وانقرضوا منذ نحو ‪ 28 000‬عام‪ .‬وقد حصل الفريق على شدفة‬ ‫بط� � ��ول ‪ 128‬نيوكليوتيدا من اجل� �ي��ن ‪ ،MC1R‬التي تكود إلحالل‬ ‫حم� � ��ض أميني ال يوجد في البش� � ��ر املعاصرين‪ .‬وكما هو احلال‬ ‫بالنس� � ��بة إلى أليل املام� � ��وث‪ ،‬أوضح التحلي� � ��ل الوظيفي أن هذا‬

‫‪‬‬

‫مالحظة مدى السهولة التي يحرر بها‬ ‫هيموگلوبني املاموث األكسجني حتت مختلف‬ ‫درجات احلرارة املالئمة فيزيولوجيا‪.‬‬

‫التغي� � ��ر املفرد يجعل البروتني أقل نش� � ��اطا من نظيره املقابل في‬ ‫البشر‪ .‬وبالنظر إلى أن أشكاال مغايرة من اجلني ‪ ،MC1R‬والتي‬ ‫تتميز بنقائص وظيفية مش� � ��ابهة‪ ،‬توجد في البشر احلاليني ذوي‬ ‫األصول األوروبية ممن ميتلكون ش� � ��عرا أحمر وجلودا ش� � ��قراء‪،‬‬ ‫فق� � ��د خمنا أن بعض النياندرتاليني كانوا ميتلكون ش� � ��عرا أحمر‬ ‫وجل� � ��دا أش� � ��قر (وإن كان ذلك بس� � ��بب طفرة مختلف� � ��ة لها تأثير‬ ‫مشابه في النش� � ��اط البروتيني)‪ .‬وفي االرتفاعات العالية‪ ،‬حيث‬ ‫ع� � ��اش النياندرتاليون‪ ،‬كان هناك نقص في إمدادات الضوء فوق‬ ‫البنفسجي الالزم لتصنيع الفيتامني ‪ .D‬ويبدو أن اللون األشقر‬ ‫قد ساعد النياندرتاليني على امتصاص ما يكفي من الضوء فوق‬ ‫البنفسجي‪ ،‬الذي يخترق اجللد الداكن بدرجة أقل‪.‬‬ ‫وقد أوضحت هذه الدراسات الرائدة دون لبس أن استبناء‬ ‫املالحظة صار حقيقة عملية‪ .‬وبذلك صرنا‬ ‫الصفات اجليني� � ��ة‬ ‫َ‬ ‫مستعدين اآلن الستخدام هذه األداة اجلديدة القوية في تتبع‬ ‫العمليات احليوية لألن� � ��واع املنقرضة ‪ -‬وهو علم فيزيولوجيا‬ ‫الكائنات القدمية مبعناه احلقيقي ‪.paleophysiology‬‬ ‫عندما تسري دماء باردة‬

‫( )‬

‫متتلك جميع الثدييات الكبيرة املتكيفة للبرودة التي تعيش في‬ ‫الوقت احلالي ‪ -‬من حيوانات الرنة(‪ )1‬إلى ثيران املس���ك(‪- )2‬‬ ‫نظاما محكما من الشرايني واألوردة العكسية التوازي بطول‬ ‫أعضائها وأطرافها‪ .‬وهذا الترتيب‪ ،‬املعروف باس� � ��م «الشبكة‬ ‫الرائعة» ‪ ،rete mirabile‬يش� � ��كل مبادال حراريا معاكس التيار‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪WHEN BLOOD RUNS COLD‬‬ ‫‪reindeer‬‬ ‫‪musk OX‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪77‬‬


‫إن الفطائس النادرة مثل تلك اخلاصة بهذا املاموث الصغير الذي‬ ‫عاش قبل ‪ 42 000‬عام‪ ،‬والتي عثر عليها في روسيا‪ ،‬تزودنا بثروة من‬ ‫املعلومات‪ ،‬ولكن الدنا فقط هو ما ميكنه كشف العمليات البيولوجية التي‬ ‫أقامت َأ ْو َد تلك احليوانات خالل حياتها‪.‬‬

‫يتميز بكفاءة عالية‪ ،‬حيث يس� � ��مح بانتق� � ��ال معظم حرارة الدم‬ ‫الشرياني املؤكسج الدافئ اخلارج من مركز اجلسم إلى الدم‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الوريدي العائد باجتاه القلب‪ .‬يس� � ��مح امل���دروج احلراري‬ ‫الناجت لألطراف املالمس� � ��ة لألسطح الباردة‪ ،‬مثل بطن القدم‪،‬‬ ‫بأن تظ� � ��ل حرارتها فوق مرحلة التجمد بقليل‪ ،‬مما يقلل الفقد‬ ‫احل� � ��راري اإلجمالي بش� � ��كل ملحوظ‪ .‬وتعني ه� � ��ذه الوفورات‬ ‫احلرارية حاجة أقل إلى السعرات احلرارية من أجل االحتفاظ‬ ‫بالدفء‪ ،‬مما ميث� � ��ل ميزة بالغة األهمية لألن� � ��واع القطبية في‬ ‫موس� � ��م الش� � ��تاء‪ ،‬عندما تكون هذه الس� � ��عرات صعبة املنال‪.‬‬ ‫وعل� � ��ى النقيض من ذلك‪ ،‬فإن هذا التكيف التش� � ��ريحي يحرم‬ ‫األطراف من الطاقة احلرارية الالزمة لقيام الهيموگلوبني بأداء‬ ‫وظيفته بكفاءة‪ .‬ففي الفقاريات‪ ،‬يقوم بروتني الهيموگلوبني في‬ ‫اخلاليا احلمراء بتجميع األكسجني من الرئتني وتوصيله إلى‬ ‫األنسجة‪ .‬ومبا أن كس� � ��ر الرابطة الضعيفة بني الهيموگلوبني‬ ‫واألكس� � ��جني يتطلب طاقة‪ ،‬فإن قدرة الهيموگلوبني على إمداد‬ ‫األنسجة باألكسجني تتناقص سريعا مع انخفاض احلرارة‪.‬‬ ‫ولتعويض هذا القصور‪ ،‬يحتاج الهيموگلوبني في الثدييات‬ ‫املتحملة للبرودة إلى مصدر إضافي للحرارة‪ .‬ومع أن اآلليات‬ ‫اجلزيئي� � ��ة الدقيقة له� � ��ذه اخلاصية غير مفهوم� � ��ة جيدا‪ ،‬يبدو‬ ‫أنه� � ��ا تتضمن عموم� � ��ا ارتباط اجلزيئات األخ� � ��رى في خاليا‬ ‫الدم بالهيموگلوبني‪ .‬وتك ّون ه� � ��ذه الروابط الكيميائية بني هذه‬ ‫اجلزيئات والهيموگلوبني يؤدي إلى إنتاج طاقة حرارية ميكن‬ ‫أن تب� � ��ذل في املس� � ��اعدة على نقل محت� � ��وى الهيموگلوبني من‬ ‫األكسجني إلى األنسجة‪.‬‬ ‫افترض فريق >كامپ� � ��ل< ‪ -‬الذي كان يعمل حينذاك بصورة‬ ‫مستقلة عن مجموعة >هوفريتر< ‪ -‬حدوث تغيرات في هيموگلوبني‬ ‫املاموث َي َّس� � ��رت إطالق األكسجني في اجلو البارد‪ .‬وعلى ذلك‪،‬‬ ‫‪78‬‬

‫فإن َسلْ َس� � ��لة جينات هيموگلوبني املاموث ومقارنتها مبتواليات‬ ‫جينات الهيموگلوبني في الفيل اآلسيوي يفترض أن تكشف عما‬ ‫إذا كانت هذه التغيرات قد حدثت‪ ،‬وكذلك حتديد ماهيتها‪.‬‬ ‫إن احملــــ� � ��اوالت املبكــــرة التــي ج� � ��رت بــالتعــــاون مـــع >‪.A‬‬ ‫جيني املاموث‬ ‫لسلْ َسلة‬ ‫كوبر< [من جامعة أدياليد األسترالية] َ‬ ‫ْ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫املسؤولني عن إنتاج ما يسمى بروتينات سلسلة الگلوبني ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عقبات رئيس� � ��ية متثلت في أن‬ ‫وهي بروتينات مختلفة‪ ،‬واجهت‬ ‫معظم عين� � ��ات املاموث املتاحة لم تكن م� � ��ن اجلودة مبا يكفي‬ ‫للحصول على قطع ميكن اس� � ��تخدامها م� � ��ن الدنا‪ .‬وعند هذه‬ ‫النقطة‪ ،‬تضافرت جهود مجموعة >كامپل< و >كوبر< مع مجموعة‬ ‫>هوفريتر<‪ ،‬وباستخدام خالصة الدنا نفسها املستخدمة في‬ ‫دراس� � ��ة اجلني ‪ ،MC1R‬أمكننا بسرعة احلصول على متوالية‬ ‫التكوي� � ��د الكاملة جليني هيموگلوب� �ي��ن املاموث‪ ،‬ومن ثم تعرفنا‬ ‫متواليات األحماض األمينية في سلسلتي الگلوبني‪.‬‬ ‫أظهرت النتائج األولية لسلس� � ��لة الدنا أن إحدى سلسلتي‬ ‫گلوبني املاموث تختلف عن الفيلة اآلسيوية في ثالثة من مواضع‬ ‫األحماض األمينية البالغ عددها ‪ - 146‬وهي نتيج ٌة سرعان ما‬ ‫أثارت اهتماما كبيرا ألننا اعتقدنا أن ثالثية إحالالت األحماض‬ ‫األميني� � ��ة هذه حتتوي على البصمة الوراثية الواضحة للتكيف‬ ‫الفيزيولوجي على البرودة‪ .‬وجاء الدعم املبدئي لهذه الفرضية‬ ‫في صورة ش� � ��كل نادر من الهيموگلوبني البشري‪ُ ،‬يسمى َرش‬ ‫‪ ،Rush‬يحمل إحدى الطفرات املوج� � ��ودة في متوالية املاموث‪.‬‬ ‫ومع أن البروتني ‪ Rush‬يختلف عن البروتني البش� � ��ري العادي‬ ‫ف� � ��ي موضع واحد لألحماض األمينية‪ ،‬إال أن هذا الفارق يغير‬ ‫جذري� � ��ا اخلصائص البيوكيميائي� � ��ة للهيموگلوبني جذريا‪ ،‬مما‬ ‫يقلل بشكل ملحوظ من حساسيته للحرارة ويسمح له بإطالق‬ ‫األكس� � ��جني بس� � ��هولة أكبر في اجلو البارد‪ ،‬متاما كما تفعل‬ ‫هيموگلوبينات الثدييات املتكيفة مع البرودة‪.‬‬ ‫أما اخلطوة التالية إلثبات أن هذه التغيرات في هيموگلوبني‬ ‫املاموث مثلت تالؤمات للجو البارد‪ ،‬فكانت استبناء الهيموگلوبني‬ ‫القدمي ومالحظة نش� � ��اطه‪ .‬ولعمل نس� � ��خ من اجلينات اخلاصة‬ ‫مبكون� � ��ات هيموگلوب� �ي��ن املاموث‪ ،‬حصلنا على جينات س� � ��ليمة‬ ‫للهيموگلوب� �ي��ن م� � ��ن دم الفيل اآلس� � ��يوي وقمن� � ��ا بتحويرها في‬ ‫املواقع الطافرة الثالث� � ��ة لتتوافق مع متواليات املاموث‪ .‬ومن ثم‬ ‫قمنا بإيالج مش� � ��ابهات جينات املاموث في بكتيريا اإلشريكية‬ ‫القولونية (‪ ،)3‬ودفعناها لبناء هيموگلوبني املاموث الذي ال ميكن‬ ‫تفرقته من حيث الشكل والوظيفة عن مثيله الذي كان يسري في‬ ‫دماء العينة البالغة ‪ 43 000‬عام‪ ،‬والتي حصلنا على دناها‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪thermal gradient‬‬ ‫‪globin chain proteins‬‬ ‫‪Escherichia coli‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫لق� � ��د صرنا ألول م� � ��رة في التاريخ في وضع يس� � ��تحق أن‬ ‫ُنحس� � ��د عليه‪ ،‬حيث متكنا من حتلي� � ��ل عملية فيزيولوجية مهمة‬ ‫في أحد األنواع املنقرضة باألسلوب نفسه املستخدم لدراسة‬ ‫تلك العملية في حيوان معاصر‪ ،‬وقد قمنا بقياس دقيق لقابلية‬ ‫كل من هيموگلوبني املاموث والفيل على االرتباط باألكس� � ��جني‬ ‫وإطالقه حتت درجات احلرارة املالئمة فيزيولوجيا في محاليل‬ ‫حتاك� � ��ي البيئة الكيميائية املوجودة داخل خاليا الدم احلمراء‪.‬‬ ‫وكما توقعنا من دراس� � ��ات الهيموگلوبني َرش ‪ ،Rush‬فقد أبدى‬ ‫بروتني املاموث قدرة أكبر بكثير من هيموگلوبني الفيل اآلسيوي‬ ‫على التخلي عن األكسجني حتت درجات احلرارة الباردة (مع‬ ‫التشابه الوظيفي بني هذين النوعني من الهيموگلوبني عند درجة‬ ‫حرارة اجلسم العادية البالغة نحو ‪ 37‬درجة مئوية)‪ .‬ومن املثير‬ ‫لالهتمام أن قدرة هيموگلوبني املاموث على االرتباط بجزيئات‬ ‫إضافي� � ��ة‪ ،‬وال� � ��ذي يوفر بالتال� � ��ي مصدر احل� � ��رارة اإلضافية‬ ‫الالزمة لتوصيل ش� � ��حنتها من األكسجني الناشئة عن تغيرات‬ ‫جينية مختلفة متاما عن تلك املكتش� � ��فة ف� � ��ي الثدييات القطبية‬ ‫الش� � ��مالية املعاصرة‪ ،‬كما ُتظهر مقارنة متواليات جني املاموث‬ ‫مبتواليات أقرانه احلديثة‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أنه في حني أن‬ ‫طفرة املاموث تكون متكيفة لتحمل البرودة‪ ،‬فإن املغاير ‪variant‬‬ ‫البش� � ��ري ‪ -‬الهيموگلوبني َرش ‪ - Rush‬ليس كذلك‪ ،‬ألنه يزعزع‬ ‫اس� � ��تقرار البروتني بحيث يعاني األف� � ��راد احلاملون له فق َر د ٍم‬ ‫مزمنا‪ .‬وما زال التس� � ��اؤل اخلاص بسبب ظهور هذه اخلاصية‬ ‫غي� � ��ر املرغوب بها ف� � ��ي هيموگلوبني البش� � ��ر‪ ،‬وليس نظيره في‬ ‫املاموث‪ ،‬ينتظر اإلجابة‪.‬‬ ‫إعادة املاموث إلى احلياة؟‬

‫( )‬

‫بطبيعة احلال‪ُ ،‬يع ُّد تكيف الهيموگلوبني قطعة واحدة من أحجية‬ ‫تكيف حيوانات املاموث الصوفي م� � ��ع احلياة في اجلو البارد‪،‬‬ ‫فكثير من التالؤمات البيوكيميائية لهذه احليوانات‪ ،‬ناهيك عن تلك‬ ‫اخلاصة بعشرات األنواع املنقرضة األخرى‪ ،‬تنتظر التوضيح‪.‬‬ ‫ولس� � ��وء احلظ‪ ،‬فإن فيض اجلينومات القدمية التي حدد العلماء‬ ‫متوالياتها في الس� � ��نني األخيرة ال ُينتظر أن يساعد كثيرا على‬ ‫ذلك‪ ،‬ألن التقنية املسماة بالسلسلة القذفية(‪ ،)1‬واملستخدمة في‬ ‫احلصول على تشكيلة عشوائية من املتواليات التي‪ ،‬على الرغم‬ ‫م� � ��ن جودتها في تقييم الصورة الكبيرة‪ ،‬ليس� � ��ت دقيقة أو كاملة‬ ‫مبا يكف� � ��ي لتزويدنا بتبصرات فيزيولوجية م� � ��ا لم تتكرر عملية‬ ‫السلْ َسلة مرات عديدة بحيث تصبح تكلفتها باهظة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫هناك مقاربة جديدة قد حتل هذه املش� � ��كلة تس� � ��مى التقاط‬ ‫التهج�ي�ن(‪ ،hybridization capture )2‬والت� � ��ي توف� � ��ر تغطية أعمق‬ ‫للجينات املس� � ��تهدفة بتكلف� � ��ة أقل بكثير‪ ،‬حيث تس� � ��مح بإجراء‬

‫دراس� � ��ات واس� � ��عة النطاق ملقارنة الش� � ��بكات اجليني� � ��ة املهمة‬ ‫حليوانات املاموث بسيبيريا‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬التي عاشت في‬ ‫مراحل بني جليدية أدفأ نس� � ��بيا‪ ،‬مقارنتها بتلك التي عاشت في‬ ‫أقص� � ��ى درجات التجمد‪ ،‬عندما كانت األنهار اجلليدية في أكثر‬ ‫حاالتها س� � ��ماكة‪ .‬كما أن تقنية التق� � ��اط التهجني تمُ كِّن الباحثني‬ ‫من مقارنة جمه� � ��رات النوع الواحد التي تقطن مناطق جغرافية‬ ‫مختلفة ‪ -‬كحيوانات املاموث في كل من س� � ��يبيريا وإس� � ��بانيا‪،‬‬ ‫على سبيل املثال‪ .‬وهذه الدراسات رمبا ال تسمح بتقييم التباين‬ ‫اجليني ضمن النوع الواحد فحسب‪ ،‬بل تزودنا بتبصرات حول‬ ‫التالؤمات الفيزيولوجية اجلديدة التي حتدث كاستجابة للظروف‬ ‫اجلغرافي� � ��ة واملناخية احمللية‪ .‬ومع كل م� � ��ا متثله هذه التوقعات‬ ‫املس� � ��تقبلية من إثارة (تخيل مشاهدة ما حدث عبر ‪ 50 000‬عام‬ ‫من التطور يتكش� � ��ف أمام ناظري� � ��ك)‪ ،‬إال أن قدرتنا على حتليل‬ ‫فيزيولوجية الكائنات القدمية تظل محدودة إلى حد ما‪ .‬فالوضع‬ ‫املثالي ال يكون إال بدراسة البروتينات املنقرضة في متعضيات‬ ‫(حي� � ��ة) ‪ ،‬إذ ال يظهر كثير من خصائص هذه البروتينات إال في‬ ‫هذه احلالة‪ .‬وليس من املتوقع أن تجُ رى هذه الدراسات في وقت‬ ‫قريب‪ ،‬إذ إنها تستلزم إعادة الكائنات املنقرضة إلى احلياة‪.‬‬ ‫وف� � ��ي الوقت احلالي‪ ،‬علينا أن نكتفي مبالحظة البروتينات‬ ‫القدمية في أنابيب االختبار ومزارع اخلاليا‪ .‬ونحن نستخدم‬ ‫هذه التقني� � ��ات بالفعل في تعرف فيزيولوجية كائنات منقرضة‬ ‫أخرى‪ ،‬مثل املاس���تودون ‪ mastodon‬الش� � ��بيه بالفيل‪ ،‬والحقا‬ ‫أحد الثدييات القطبية الش� � ��مالية البحرية املنقرضة املس� � ��مى‬ ‫بقر ستيلر البحري(‪ .)3‬وسيبقى االحتمال األكثر تعقيدا وغير‬ ‫احملدود الستنساخ هذه احليوانات في نطاق اخليال بالنسبة‬ ‫إلى املس� � ��تقبل املنظور‪ .‬وفي الوقت نفس� � ��ه‪ ،‬سنستمر في بث‬ ‫احلياة في ه� � ��ذه الوحوش التي نفقت منذ زمن طويل‪ ،‬بروتينا‬ ‫>‬ ‫واحدا تلو آخر‪.‬‬ ‫( )‬

‫?‪RAISING THE MAMMOTH‬‬

‫(‪ )1‬تتضمن اس� � ��تخالص الدنا الكامل املطلوب دراس� � ��ة متوالية نيوكليوتيداته وجتزئته‬ ‫ميكانيكيا إلى ش� � ��ظايا يجري حتليل متوالياتها‪ ،‬واس� � ��تبناء (إعادة بناء) حاسوبي‬ ‫للمتواليات املتتالية بناء على حتديد مناطق التداخل في الشظايا املختلفة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬تس� � ��مح باحلصول على معلومات تفصيلية عن مقطع مس� � ��تهدف من الدنا استنادا‬ ‫إلى نظام ازدواج القواعد في حلزونه‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪sea cow )3‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Multiplex Amplification of the Mammoth Mitochondrial Genome and the Evolution of Elephantidae.‬‬ ‫‪ Johannes Krause et al. in Nature, Vol. 439, pages 724–727; February 9, 2006.‬‬ ‫‪A Melanocortin 1 Receptor Allele Suggests Varying Pigmentation among Neanderthals. Carlos‬‬ ‫‪Lalueza-Fox et al. in Science, Vol. 318, pages 1453–1455; November 30, 2007.‬‬ ‫‪ Substitutions in Woolly Mammoth Hemoglobin Confer Biochemical Properties Adaptive for Cold‬‬ ‫‪Tolerance. Kevin L. Campbell et al. in Nature Genetics, Vol. 42, pages 536–540; June 2010.‬‬

‫‪Scientific American, August 2012‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪79‬‬


‫أخبار علمية‬ ‫جتدد األمل‬

‫(٭)‬

‫على الرغم من اجلدل حول الدراسة التي أُجريت‬ ‫في تايالند بشأن اللقاح املضاد لإليدز ‪،AIDS‬‬ ‫فإنها تثير تفاؤال حذرا‪.‬‬ ‫لقد أدى البحث الطويل عن لقاح مضاد لإليدز إلى عدد ال‬ ‫يحصى من الدراسات ذات البدايات الكاذبة والفشل املتكرر‪،‬‬ ‫التي حولت اآلمال املشرقة إلى ظالل من األوهام املتبددة‪ .‬وفي‬ ‫خريف عام ‪ 2009‬بدا أن التأرجح املألوف في الوقت الراهن قد‬ ‫حتول إلى انفراج رفيع املس� � ��توى مع أخبار أكثر حداثة حول‬ ‫املرحلة الثالثة والتي متر بها الدراسة في تايالند‪ .‬فقد أفضت‬ ‫الضج� � ��ة والتي ظهرت في البدء ح� � ��ول ما يتمتع به اللقاح من‬ ‫حصيلة واقية إلى خيبة أمل بعد إعادة حتليل لهذه الدراس� � ��ة‬ ‫أظهر أن الوقاية قد تع� � ��زى إلى الصدفة احملضة‪ .‬ولكن‪ ،‬بدال‬ ‫من أن تؤدي الدراس� � ��ة إلى تالشي جميع اآلمال املعلقة على‬ ‫اللق� � ��اح املضاد لإليدز‪ ،‬فإنها ش� � ��جعت بعض الباحثني الذين‬ ‫رأوا فيه� � ��ا دالئل جديدة ف� � ��ي املعركة الت� � ��ي يخوضونها في‬ ‫مجابهة عدو مميت‪.‬‬ ‫وقد كانت الدراس� � ��ة التايالندية أوس� � ��ع الدراس� � ��ات التي‬ ‫أجري� � ��ت على اللقاح املض� � ��اد لإليدز حتى الي� � ��وم‪ ،‬فقد بلغت‬ ‫تكاليفها ‪ 105‬ماليني دوالر أمريكي‪ ،‬وشملت ‪ 16 000‬شخص‪.‬‬ ‫لقد بدأت في عام ‪ 2003‬وأُعلنت النتائج الباكرة لها في الشهر‬ ‫‪ ،2009/9‬وأظه� � ��رت أن للقاح مناف� � ��ع ضئيلة ولكنها ذات فائدة‬ ‫إحصائية راس� � ��خة (وهو سلس� � ��لة من تلقيح���ات(‪ )1‬من أدوية‬ ‫ُتعـــرف بـ ‪ ALVAC-HIV‬و ‪ .)AIDSVAX B/E‬إال أن الـتـقـــريـــــر‬ ‫الكامل ق� � ��د أطلق في اجتم� � ��اع عقد في باريس في الش� � ��هر‬ ‫‪ 2009/10‬وتضمن حتلي� �ل��ات إحصائية مختلفة ورافق إطالقه‬ ‫قدر أكبر من الش� � ��كوك‪ .‬فعلى وج� � ��ه اخلصوص‪ ،‬تبني أن ‪74‬‬ ‫ش� � ��خصا ممن تلقوا املادة ال ُغ ْفل أصيب� � ��وا بعدوى ڤيروس‬ ‫العوز املناعي البشري )‪ (HIV‬في زمن إجراء الدراسة‪ ،‬وذلك‬ ‫مقارن� � ��ة بــ ‪ 51‬ش� � ��خصا ممن تلقوا اللق� � ��اح وأصيبوا بعدوى‬ ‫الڤي� � ��روس ‪ HIV‬بعد تلقيهم اللقاح‪ ،‬مما يجعل املقارنة لصالح‬ ‫التأثير الواقي للقاح من العدوى بالڤيروس ‪ HIV‬مبقدار ‪31.2‬‬ ‫ف� � ��ي املئة‪ .‬إال أنه عند إدراج ‪ 7‬أش� � ��خاص مم� � ��ن اتضح أنهم‬ ‫أصيبوا بعدوى الڤيروس ‪ HIV‬منذ بداية الدراسة (وكان اثنان‬ ‫منهم ينتميان إلى املجموعة التي تلقت املادة ال ُغ ْفل وخمس� � ��ة‬ ‫‪80‬‬

‫انتصارات صغيرة‪ :‬لقد أثارت الدراسة التايالندية الضخمة التفاؤل في النفوس‪،‬‬ ‫على الرغم من أن قيمة الوقاية للقاحات (وإن وجدت) كانت ضئيلة‪.‬‬

‫منهم في املجموعة التي تلقت اللقاح)‪ ،‬انخفض التأثير الواقي‬ ‫إلى ‪ 26.4‬في املئة‪.‬‬ ‫ويق� � ��ول >‪ .D‬بورتون< [اختصاصي عل� � ��م املناعة في معهد‬ ‫سكريپس لألبحاث في الهوال بكاليفورنيا]‪« :‬ومع ذلك‪ ،‬فاليزال‬ ‫هناك قدر هائل من عدم اليقني يحيط بهذه الدراسة‪ ».‬وقد كان‬ ‫األش� � ��خاص الذين شملتهم الدراس� � ��ة ينتمون إلى مجموعات‬ ‫معرضة الختطار منخفض أو متوس� � ��ط‪ ،‬مثل املنغمس� �ي��ن في‬ ‫عالقات جنسية ثنائية مع زوج واحد‪ ،‬بدال من األشخاص الذين‬ ‫ينتمون إلى مجموعات معرضة إلى اختطار مرتفع مثل الذين‬ ‫يتعاطون املخدرات باحلقن الوريدية‪ .‬ويضيف >بورتون<‪« :‬إن‬ ‫عدد املش� � ��مولني بالدراسة قليل؛ وأنه من الوجهة اإلحصائية‪،‬‬ ‫قد تكون التأثيرات الوقائية نتيجة للصدفة احملضة‪».‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن الكثير من الباحثني مقتنعون بأن الدراسة‬ ‫ق� � ��د قدمت الكثير من البيانات الت� � ��ي تصلح لالنطالق منها‪.‬‬ ‫ويقول >‪ .J‬كي� � ��م< [من معهد والتر ريد العس� � ��كري لألبحاث‬ ‫واملؤلف املساعد ملقالة حول الدراسة التايالندية التي نشرت‬ ‫في الش� � ��هر ‪ 2009/10‬ف� � ��ي مجل� � ��ة ‪New England Journal of‬‬ ‫‪« :]Medicine‬تسهم هذه البيانات في توفير املزيد من الب ِّينات‬ ‫عل� � ��ى أن اللقاح املضاد لإليدز ق� � ��د يكون ممكنا»‪ ،‬ويضيف‪:‬‬ ‫«لق� � ��د تقدمنا خطوة صغي� � ��رة‪ ،‬إنها ليس� � ��ت انطالقا للنهاية‬ ‫ولكنها تفتح الباب لعمل مس� � ��تقبلي‪ ».‬كما أشار املناصرون‬ ‫للقاحات أيضا إلى الدروس املس� � ��تقاة من الدراسة الفاشلة‬ ‫( ) ‪Renewed Hope‬‬ ‫(‪inoculations )1‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


‫لشركة ميرك والتي أطلق عليها ‪ .STEP‬وهذا االختبار للقاح‬ ‫أوق� � ��ف عام ‪ 2007‬ولم يتجاوز بعد مرحلت� � ��ه الثانية‪ ،‬ولكنه لم‬ ‫يعد الباحثني إلى املربع األول‪ .‬وقد الحظ >كيم< أن الدراسة‬ ‫للق� � ��اح ق� � ��د أوضحت كي� � ��ف ميكن إحصار بعض س� �ل��االت‬ ‫(ذراري) الڤيروس ‪ HIV‬ومنعها من إصابة اخلاليا بالعدوى‪،‬‬ ‫وأنها قدمت بيانات ميكن أن تساعد على تفسير النتائج التي‬ ‫أس� � ��فرت عنها الدراس� � ��ة التايالندية‪ .‬وقد قدم حتليل جديد‬ ‫للدراسة ‪ُ STEP‬نشر في الشهر ‪ 2009/11‬في ‪Proceedings of‬‬ ‫‪ ،the National Academy of Sciences USA‬حتذيرا بأن العوامل‬ ‫الناقلة ذاتها (وهي الڤيروسات الغُ دّية ‪ adenoviruses‬والتي‬ ‫تستخدم بالذات أيض ًا في أعمال تطوير اللقاحات األخرى)‪،‬‬ ‫التي اس� � ��تخدمت في توزيع ذراري الڤي� � ��روس ‪ HIV‬املعطلة‬ ‫قد جعلت اجلمل� � ��ة املناعية أكثر عرض� � ��ة للعدوى عن طريق‬ ‫حش� � ��د اخلاليا التائية املستعدة اللتقاط العدوى في األغشية‬ ‫املخاطية‪ ،‬حيث كان احتمال تعرضها للعدوى أثناء النش� � ��اط‬ ‫اجلنسي أكبر‪.‬‬ ‫ملحا بشكل متزايد‪ .‬وعلى‬ ‫لقد أصبح إيجاد اللقاح واجبا ّ‬ ‫الرغم من جوان� � ��ب التقدم التي أُحرزت في املعاجلات‪ ،‬اليزال‬ ‫اإليدز والعدوى بالڤيروس ‪ HIV‬عصيني على الشفاء‪ .‬ففي كل‬ ‫يوم يصاب ‪ 7000‬ش� � ��خص بعدوى الڤي� � ��روس ‪ HIV‬في جميع‬ ‫أرج� � ��اء العالم؛ أما ف� � ��ي الواليات املتح� � ��دة‪ ،‬ف ُي َبلَّغ عن ‪66 000‬‬ ‫حالة كل عام‪ .‬وس� � ��تؤدي وقاية الناس م� � ��ن اإلصابة بالعدوى‬ ‫بالڤيروس إلى إنقاذ ماليني األرواح‪ ،‬كما ستؤدي إلى خفض‬ ‫كبير في تكالي� � ��ف الرعاية الصحية املصاحبة للمعاجلة‪ .‬وعن‬ ‫اللق� � ��اح‪ ،‬يق� � ��ول >‪ .R‬دولني< [الذي يعمل باملرك� � ��ز الطبي ‪Beth‬‬ ‫في بوس� � ��طن]‪« :‬إن اللقاح ه� � ��و الطريقة املثالية في واقع األمر‬ ‫ملكافحة الوباء املرعب‪».‬‬ ‫إن اللقاحات تعمل من خالل استنهاض اجلهاز املناعي‬ ‫لتع ّرف العامل املس� � ��تهدف املسبب للمرض ومهاجمته عند‬ ‫اكتش� � ��افه‪ .‬والتقاء خطر الڤي� � ��روس ‪HIV‬؛ أدخل الباحثون‬ ‫أحد اللقاحات (وهو اللقاح ‪ )ALVAC‬لتحريض استجابة‬ ‫اخلالي���ا التائي���ة(‪ ،)1‬ومن ثم تنبيه اجله� � ��از املناعي بهذا‬ ‫التحريض‪ ،‬وآخر (وه� � ��و اللق���اح ‪ )AIDSVAX‬لتحريض‬ ‫اس� � ��تجابة األض���داد ‪ .antibodies‬وف� � ��ي املرحل� � ��ة الثالث� � ��ة‬ ‫من الدراس� � ��ة املذكورة آنفا‪ ،‬والت� � ��ي أجريت على متعاطي‬ ‫املخدرات باحلقن الوريدي� � ��ة‪ ،‬لم ينجح اللقاح ‪AIDSVAX‬‬ ‫في عمله‪ ،‬ولم يج� � ��ر اختبار اللق���اح ‪ ALVAC‬الذي تنتجه‬ ‫شركة سانوفي پاستور ‪ Sanofi Pasteur‬منفردا‪.‬‬ ‫وقد أدى استخدام هذين اللقاحني معا إلى إثارة موجة من‬ ‫التعجب في املجتمع املعني باللقاحات‪ .‬وقد تشارك >بورتون<‬ ‫ُّ‬

‫مع ‪ 21‬باحثا آخر في كتابة مقالة نش� � ��رت عام ‪ 2004‬في مجلة‬ ‫‪ Science‬انتقدوا فيها تب ِّني اختيار متابعة التقدم نحو املرحلة‬ ‫الثالثة بلقاحني لم يسبق ألي منهما أن أثبت أي فعالية عندما‬ ‫اس� � ��تخدم منفردا‪ .‬إلاّ أن املتعاونني مع الدراس� � ��ة قد ارتكزوا‬ ‫في اتخاذهم هذا القرار على أبحاث س� � ��ابقة أش� � ��ارت إلى‬ ‫أن منهجا يش� � ��ترك فيه اللقاحان معا ميكن أن يعزز استجابة‬ ‫اخلاليا التائية أفضل مما يعززه لقاح واحد‪.‬‬ ‫وعلى الرغم مما انتاب >بورتون< من ش� � ��كوك أول األمر‪،‬‬ ‫فإن النتائج التي متخضت عنها الدراسة كانت مصدر إلهام‬ ‫له‪ .‬وفي ذلك يقول‪« :‬أش� � ��عر بأنن� � ��ي أكثر تفاؤ ًال مما كنت في‬ ‫بعض األوقات»‪ .‬ويباشر الباحثون اآلن عملهم على استضافة‬ ‫دراسات جديدة لتفعيل نتائج الدراسة التايالندية‪ .‬فس ُيف َْحص‬ ‫املتطوع� � ��ون من الدراس� � ��ة التايالندية لتع ّرف االس� � ��تجابات‬ ‫ِ‬ ‫املعادل���ة ‪،neutralizing‬‬ ‫املناعية لديهم‪ ،‬والس� � ��يما األض� � ��داد‬ ‫إضافة إلى املناعة اخللوية في اخلاليا التائية‪ ،‬كما س� � ��يتلقى‬ ‫بعض املتطوعني حقنات مع � � �زِّزة تالية ملعرفة ما إذا كان في‬ ‫اإلمكان اس� � ��تدامة الوقاية‪ .‬وفي املختبر‪ ،‬سيحاول الباحثون‬ ‫إعادة التوص� � ��ل إلى النتائج التي متخضت عنها الدراس� � ��ة‬ ‫التايالندية على القرود‪ ،‬وذلك بقصد توثيق مصداقية منوذج‬ ‫حيواني جديد من خالل استخدام جرعات متعددة منخفضة‬ ‫املقدار‪ .‬وقد أظهرت دراسات حديثة أخرى أن عدد األضداد‬ ‫الالزم� � ��ة لتوفير الوقاية هو أقل مما كان يعتقد من قبل‪ ،‬مما‬ ‫قد يجعل إعداد اللقاح أكثر سهولة‪.‬‬ ‫وف� � ��ي احلقيقة‪ ،‬فإن هناك لقاحات مرش� � ��حة جديدة كليا‬ ‫وواع� � ��دة بنتائج جيدة‪ ،‬جت� � ��رى عليها ف� � ��ي الوقت احلاضر‬ ‫دراسات على احليوانـــات‪ ،‬ومن تلــك اللقــاحــــات ما يجــريـــه‬ ‫اجليــش في الواليــات املتحــدة األمــريكيــة الستخدام األمناط‬ ‫الفرعي� � ��ة ‪ A‬و‪ C‬واملتعددة ‪( E‬بدال من النمط الفرعي ‪ B‬الذي‬ ‫كان يس� � ��تخدم في الدراس� � ��ة التايالندي� � ��ة)‪ .‬وتوجد لقاحات‬ ‫أخرى أيضا قيد اإلنتاج لدى منظمات أخرى‪ ،‬منها املبادرة‬ ‫الدولية للقاح املضاد لإليدز )‪ ،)2((IAVI‬ومعهد كارولينسكا‬ ‫واملؤسس���ة السويس���رية الالربحية ‪ EuroVacc‬إلى جانب‬ ‫شركات صناعية أخرى‪ .‬ويقول >‪ .S‬بيركلي<‪[ ،‬وهو اختصاصي‬ ‫الوبائيات في كلية الصحة العامة مليلمان بجامعة كولومبيا(‪،)3‬‬ ‫ورئيس ومؤس� � ��س للمب� � ��ادرة ‪« :]IAVI‬إن العلم يتقدم حقاً»‪،‬‬ ‫ويأم� � ��ل جميع م� � ��ن يواجه وباء اإليدز ب� � ��أن يؤتي هذا الزخم‬ ‫>‬ ‫ثماره عاجال وليس آجال‪.‬‬

‫>‪ .K‬هارمون<‬

‫(‪T cell )1‬‬ ‫(‪the International AIDS Vaccine Initiative )2‬‬ ‫(‪Columbia University’s Mailman School of Public Health )3‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪81‬‬


‫تقدمات‬ ‫تعليم‬

‫النقاط املضيئة في برامج‬ ‫األطفال التلفازية‬ ‫أربعة برامج تلفازية قد تساعد‬ ‫على إثارة اهتمام مبكِّر في العلوم‪.‬‬ ‫(٭)‬

‫مؤخرا‪ ،‬اس� � ��تهلَّت هيئ���ة اخلدمات‬ ‫ِ‬ ‫اإلذاعي���ة العام���ة )‪ )1((PBS‬ب� � ��ثَّ‬ ‫أحدث‬

‫املخصص� � ��ة‬ ‫مسلس� �ل��اتها العلمي� � ��ة‬ ‫َّ‬ ‫لألطف� � ��ال الصغ� � ��ار في عم� � ��ر رياض‬ ‫األطف� � ��ال الذي� � ��ن ل� � ��م يبلغوا َب ْع ُد س� � � َّ�ن‬ ‫الدخول إلى مرحلة التعليم األساس� � ��ي‪،‬‬ ‫وه� � ��و بعنوان القطة ف���ي القبعة تعرف‬ ‫الكثير عن القصة!(‪ .)2‬وقد تكون برامج‬ ‫األطفال التلفازية تعليمية بطرائق شتى‪،‬‬ ‫ولكن هل تس� � ��تطيع حقا أن تعلِّم العلوم‬ ‫للصغار؟ يق ِّدم بح� � � ٌ�ث علمي عـن كيفية‬ ‫تع ُّلم األطف� � ��ال دليال مفيدا لتحديد كون‬ ‫هذا العرض وغيره يستحق املشاهدة‪.‬‬ ‫يشير >‪ .S‬فيش< [من مركز ميدياكيدز‬ ‫للبحث واالستش� � ��ارة] إل� � ��ى أنه ملا كان‬ ‫الصغار في ري� � ��اض األطفال محدودي‬ ‫القدرات في معاجل� � ��ة املعلومات‪ ،‬فإنهم‬ ‫أق� � ��رب إلى فهم احملتوى التعليمي الذي‬ ‫يرتبط مباش� � ��رة بس� � ��ياق حكاية‪ .‬وبهذه‬ ‫الطريق� � ��ة‪ ،‬ال تتناف� � ��س َح ْبك � � � ُة القص� � ��ة‬ ‫والعبر ُة على املوارد املعرفية‪ .‬فالقطة في‬ ‫َ‬ ‫الغرض جيدا‬ ‫هذا املسلسل حتقِّق هذا‬ ‫بتعلي� � ��م األطفال الصغار ما يتعلَّق مثال‬ ‫باألغصان الغضة والطني والعشب عن‬ ‫طريق حبكة ت� � ��دور أحداثها حول إنقاذ‬ ‫فرخ من صغار الطير‪.‬‬ ‫روض أخ� � ��رى َتعل َُّم األطفال‬ ‫تدعم ُع ٌ‬ ‫الصغ� � ��ار باألخ� � ��ذ في االعتب� � ��ار مدى‬ ‫انتباههم وتش� � ��كيل بعض الس� � ��لوكيات‬ ‫‪82‬‬

‫ليحاكيها األطفال‪ .‬فبعد ش� � ��رح مفهوم‬ ‫علم� � � ٍّ�ي معني مثل كيفي� � ��ة عمل الظالل‪،‬‬ ‫يصور مسلس� � ��ل پيپ والعال���م الكبير‬ ‫ِّ‬ ‫الفسيح (من إنتاج ‪ )3()WGBH‬األطفال‬ ‫وهم يقومون بتجارب على هذا املفهوم‪،‬‬ ‫ع� � ��ن طري� � ��ق صن� � ��ع ُدمى الظ� � ��ل مثال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يوض� � ��ح هذا العرض ُح َّب االس� � ��تطالع‬ ‫واالستكش� � ��اف لدى األطف� � ��ال الصغار‬ ‫بيـنمـــا يقــــدم عـــلى لس � � �ــان الراويـــــــــة‬ ‫موجهة‬ ‫>‪ .J‬كوساك< مالحظات ساخرة َّ‬ ‫وي َع ُّد هذا النوع من اخلطاب‬ ‫إلى الكبار‪ُ .‬‬ ‫املوج� � ��ه إل� � ��ى الكب� � ��ار إضاف� � ��ة بارعة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫الذي‬ ‫العلمي‬ ‫البحث‬ ‫إلى‬ ‫�تنادا‬ ‫�‬ ‫اس� �‬ ‫ينِّ‬ ‫أن مش� � ��اركة اآلباء ألطفالهم في عرض‬ ‫تلفازي مش� � ��اركة فاعلة‪ ،‬يرفع مستوى‬ ‫فهم األطفال ملا يشاهدونه‪.‬‬ ‫ويركز برنامج قطار الدينوصور‬ ‫(من إنتاج ‪ )4()PBS‬على وضع األساس‬ ‫كل‬ ‫مله� � ��ارات التفكير الس� � ��ليم‪ ،‬إذ تبدأ ُّ‬ ‫حلق� � ��ة مبقدمة من مثل‪« :‬س� � ��نقوم اليوم‬ ‫بزي� � ��ارة ثالثي القرون(‪ )5‬ونكتش� � ��ف ما‬ ‫الذي يأكل� � ��ه هذا الدينوص� � ��ور!» وهذا‬ ‫يس� � ��اعد األطفال الصغ� � ��ار على تركيز‬ ‫انتباههم إل� � ��ى النواحي املراد إيصالها‬ ‫إليه� � ��م‪ .‬ومن ثم َتس� � ��تنتج ش� � ��خصيات‬ ‫أنواع الغ� � ��ذاء الذي‬ ‫البرنام� � ��ج‪ ،‬مث� �ل��ا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تقتاته أنواع الدينوصورات املختلفة عن‬ ‫طريق فحص أفواهها وأس� � ��نانها‪ .‬وهذا‬ ‫يق ِّدم منط� � ��ا ميكِّن األطف� � ��ال من تطوير‬ ‫تفكيرهم النقدي باالعتماد عليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫امض!‬ ‫امض‪ ,‬ديگ���و‪,‬‬ ‫أم� � ��ا برنامج‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫(من إنتاج ‪ ،)6()Nickelodeon‬فهو يدور حول‬ ‫ش� � ��خصية كرتونية يقوم فيه� � ��ا الراوي‬ ‫الصغي� � ��ر مبس� � ��اعدة احليوان� � ��ات عند‬ ‫تعرضها للخطر‪ ،‬واعتماد أس� � ��لوب أكثر‬ ‫تفاعلية‪ ،‬عن طريق طرح أس� � ��ئلة ِ‬ ‫مباشرة‬ ‫على املش� � ��اهدين وإعطائه� � ��م زمنا كافيا‬ ‫ملعاجلتها واإلجابة عنها بصوت مرتفع‪.‬‬ ‫يساعد طلب املشاركة في البرنامج على‬ ‫حتفيز التعلُّم أو حتى تعزيز اإلحس� � ��اس‬ ‫باملعرفة ال� � ��ذي ال تخفى قيمت� � ��ه العالية‬ ‫>‬ ‫بالنسبة إلى األطفال‪.‬‬ ‫>‪ .L‬روب ْنزال<‪ ,‬حاصل على املاجستير في‬ ‫منسقا للبرامج لدى مركز اإلعالم‬ ‫التربية‪ ،‬ويعمل ِّ‬ ‫وصحة الطفل في مستشفى بوسطن لألطفال‪.‬‬ ‫( ) ‪THE BRIGHT SPOTS OF KIDS’ TV‬‬ ‫(‪Public Broadcasting Service )1‬‬ ‫(‪:the Cat in the Hat Knows a Lot About That! )2‬‬

‫مسلسل‬ ‫تلفزيوني على شكل رسوم متحركة‪ ،‬بدأ عرضه األول في‬ ‫الش� � ��هر ‪ 2010/8‬على شاش� � ��ة تلفزيون ‪ Treehose TV‬في‬ ‫كندا‪ ،‬وفي الشهر ‪ 2010/9‬على ‪ PBS Kids‬بالواليات‬ ‫املتح� � ��دة‪ ،‬و ‪ CITV‬ف� � ��ي اململك� � ��ة املتح� � ��دة‪ .‬يركِّز هذا‬ ‫املسلسل على تعريف األطفال الصغار بعلوم مختلفة‬ ‫وتعلُّم بعض املفاهيم‪.‬‬ ‫(‪ :Peep and the Big Wide World (WGBH) )3‬فيلم كرتوني‬ ‫جذاب‪ ،‬يعلِّم األطفا َل الصغار (‪ 5-3‬سنوات) الطبيعة‬ ‫ومفاهيم علمية أساس� � ��ية‪ .‬شخصياته الرئيسية‪ :‬فرخ‬ ‫َ‬ ‫دجاج اس� � ��مه ‪ ،Peep‬وبطة‪ ،‬وطائر أبو احلناء‪ .‬أنتجت‬ ‫هذا الفيلم شركة ‪ WGBH‬التابعة للهيئة ‪.PBS‬‬ ‫(‪ :Dinosaur Train (PBS) )4‬مسلس� � ��ل أمريكي على شكل‬ ‫ظهر شابا محبا لالستطالع يركب‬ ‫رسوم متحركة‪ُ ،‬ي ِ‬ ‫قط� � ��ار الدينوصور الستكش� � ��اف أن� � ��واع مختلفة من‬ ‫الدينوصورات والقيام مبغامرات مثيرة‪.‬‬ ‫(‪ :Triceratops )5‬دينوص� � ��ور ضخم عاش� � � ٌ�ب من العصر‬ ‫يتميز بقرونه الثالثة وبصفيحة عظم َّية‬ ‫الطباش� � ��يري‪َّ ،‬‬ ‫تغطي رقبته‪.‬‬ ‫موجه إلى‬ ‫(‪ :Go, Diego, Go! (Nickelodeon) )6‬مسلس� � ��ل َّ‬ ‫األطفال الصغار‪ ،‬ب� � ��دأ عرضه على ‪ Nickelodeon‬في‬ ‫شخصيات مسلسل‬ ‫الش� � ��هر ‪ ،2005/9‬تؤدي أدوا َره‬ ‫ُ‬ ‫سابق هو ‪.Dora the Explorer‬‬ ‫(التحرير)‬


‫علم األورام‬

‫كم عمر سرطانك؟‬ ‫ميكن ألورام الپنكري� � ��اس (املعثكلة) أن تنمو عقد ًا من الزمن قبل أن‬ ‫تصبح أوراما مميتة‪ ،‬وهذا يبعث األمل في االكتشاف املبكر‪.‬‬ ‫( )‬

‫إن املريض الذي تش� � � ّ�خص إصابته‬ ‫بسرطان الپنكرياس‪ ،‬ال تتعدى فرصته‬ ‫في البقاء على قي� � ��د احلياة مدة خمس‬ ‫سنوات نس� � ��بة ‪ ،%5‬وهذا إنذار مخيف‬ ‫جاهد العلماء طويال من أجل فهمه‪ .‬إن‬ ‫جزءا من املش� � ��كلة‪ ،‬كما تشير األبحاث‬ ‫اجلديدة‪َ ،‬ي ْك ُمن في أن املرض ال ُي َش َّخص‬ ‫ع� � ��ادة إال بعد مرور ‪ 15‬عاما على ظهور‬ ‫الطف� � ��رات األولى املس� � ��ببة للس� � ��رطان‪،‬‬ ‫وعندئ� � ��ذ يكون الس� � ��رطان مب� � ��رور هذا‬ ‫الوقت قد انتشر وصار عدوانيا للغاية‪.‬‬ ‫وتشير النتائج البحثية إلى أنه ميكن أن‬ ‫كاف أمام األطباء للتدخل‬ ‫يتوافر وق� � � ٌ�ت ٍ‬ ‫قب� � ��ل أن يصب� � ��ح س� � ��رطان الپنكرياس‬ ‫مميت� � ��ا‪ ،‬ويعزى هذا االحتمال املثير إلى‬ ‫حدوث تطورات في التش� � ��خيص املبكر‬ ‫للمرض‪ ،‬فيمكن في هذه املرحلة املبكرة‬ ‫إزالة الورم بنج� � ��اح باجلراحة والعالج الرنا (احلمض النووي الريبي) ‪RNA‬‬ ‫املوجود ف� � ��ي لعاب ‪ 60‬مريضا يعاجلون‬ ‫الكيميائي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وفي البحث الذي ُنش� � ��ر أخيرا في من س� � ��رطان الپنكرياس بلعاب ‪ 30‬فردا‬ ‫مجلة نيتش���ر ‪( Nature‬مجلة ‪ Scientific‬خالني من السرطان‪ ،‬واستطاعوا تعيني‬ ‫‪ ،American‬هي إحدى مجموعة النش� � ��ر ُهوِ َّية أربعة أنواع من الرنا التي ميكن بها‬ ‫‪ ،)Nature‬ق� � ��ام العلماء في جامعة جون مجتمعة َتعرف السرطان بشكل صحيح‬ ‫بسل َْسلة ‪ sequencing‬جينومات في ‪ %90‬من احل� � ��االت‪ .‬كما قام باحثو‬ ‫هوپكنز َ‬ ‫س� � ��بعة أش� � ��خاص ماتوا إثر معاناتهم اجلامعة الشمالية الغربية الذين ينشرون‬ ‫من س� � ��رطان الپنكرياس ف� � ��ي مراحله أبحاثهم في مجلة «واسمات األمراض»‬ ‫األخيرة‪ .‬وكانت خالي� � ��ا األورام حتوي ‪ Disease Markers‬ف� � ��ي الش� � ��هر ‪2009/3‬‬ ‫أمناطا مختلفة م� � ��ن الطفرات التي تت َّبع بتطوير تقنية بصرية ميكن بواس� � ��طتها‬ ‫العلم� � ��اء أصولها في الزم� � ��ن التطوري تعرف املراحل املختلفة خلاليا سرطان‬ ‫مستخدمني مناذج رياضياتية لبناء نوع الپنكرياس بدرجة حساس� � ��ية تصل إلى‬ ‫من «ش� � ��جرة العائلة للطفرات»‪ .‬وتقترح ‪ .%95‬وه� � ��ذه التقني� � ��ة تس� � ��تخدم تبعثر‬ ‫النماذج أن اخلاليا الس� � ��رطانية تظهر الضوء الكتشاف التغيرات التي حتدث‬ ‫بعد نش� � ��وء أول طفرة مسببة للسرطان‬ ‫بعشر س� � ��نوات‪ ،‬وأنه تمَ ُّر أيضا خمس‬ ‫س� � ��نوات أخرى قبل أن تنتشر اخلاليا‬ ‫الس� � ��رطــانيـــة‪ ،‬وتصبــح مميتة‪ .‬وتقــول‬ ‫>‪ .A .Ch‬الكوبوزي� � ��و‪ -‬دوناهي� � ��و< [الباحثة‬ ‫املش� � ��اركة في الدراسة واالختصاصية‬ ‫في الپاثولوجيا وعل� � ��م األورام بجامعة‬ ‫جون هوپكنز]‪« :‬تشكك النتائج البحثية‬ ‫في صحة االعتقاد الس� � ��ائد أن سرطان‬ ‫الپنكرياس عدواني وسريع التطور إلى‬ ‫حد ال ميكن معه أن تس� � ��تخدم وس� � ��ائل‬ ‫الكشف املبكر بفاعلية»‪.‬‬ ‫وف� � ��ي الس� � ��نتني ‪ 2009‬و ‪ 2010‬ق � � � َّدم‬ ‫العلم� � ��اء طرقا للكش� � ��ف عن س� � ��رطان‬ ‫الپنكري� � ��اس واقعية أكثر‪ .‬ففي الش� � ��هر‬ ‫‪ ،2010/2‬ق� � ��ام الباحث� � ��ون [ف� � ��ي جامعة‬ ‫كاليفورني� � ��ا بلوس أجنل� � ��وس] مبقارنة‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫خاليا سرطان الپنكرياس‬

‫في خاليا االثني عشري‪ ،‬وهو اجلزء من‬ ‫األمعاء الدقيقة املجاور للپنكرياس‪ ،‬الذي‬ ‫ميكن رؤيته باس� � ��تخدام املنظ� � ��ار وهذه‬ ‫الطريقة إجراء بسيط‪.‬‬ ‫وال تزال ه� � ��ذه التقنيات غير متوفرة‬ ‫جتاريا‪ ،‬ولكن االكتشاف املبكر باستخدام‬ ‫االختبارات البصري� � ��ة وحتاليل الدم أو‬ ‫اللعاب م� � ��ن املفترض أن يتق� � ��دم تقدما‬ ‫ملحوظا خالل العق� � ��د القادم‪ ،‬كما يقول‬ ‫>‪ .D‬توڤيسون< [اختصاصي علم األورام‬ ‫مبعهد أبحاث كامبري� � ��دج في إنگلترا]‪،‬‬ ‫والذي ينبه إلى أنه حتى ذلك احلني ينبغي‬ ‫على األطباء التفكير في استخدام الطرق‬ ‫املتوف� � ��رة حاليا مث� � ��ل التصوير املقطعي‬ ‫‪ CT‬والتصوير بالرنني املغنطيسي ‪MRI‬‬ ‫لتقص� � ��ي املرضى املعرض� �ي��ن أكثر من‬ ‫غيرهم للخطر بسبب وجود تاريخ عائلي‬ ‫للمرض‪ .‬ويقول >توڤيسون<‪« :‬تذكروا أن‬ ‫>‪ .B .R‬جينزب� � ��رگ< [القاضية في محكمة‬ ‫القضاء العالي] كانت مصابة بسرطان‬ ‫صغير في الپنكرياس جرى تش� � ��خيصه‬ ‫في الش� � ��هر ‪ ،2009/1‬عندما كانت تجُ ري‬ ‫تصويرا مقطعيا»‪ .‬وقد قام األطباء بإزالته‬ ‫بنجاح بع� � ��د ذلك بش� � ��هر‪ ،‬وخرجت من‬ ‫>‬ ‫املستشفى في صحة تامة‪.‬‬ ‫>‪ .W .M‬موير<‬

‫( ) ?‪HOW OLD IS YOUR CANCER‬‬

‫‪83‬‬


‫تتمة الصفحة ‪( 73‬عامل العاثية)‬

‫العقدية فقط‪ ،‬وإنزمي املكورات الرئوية‬

‫(‪)1‬‬

‫اس� � ��تطاع قتل بكتيريا املكورات الرئوية‬ ‫فقط‪ ،‬وإنزمي اجلمرة اخلبيثة اس� � ��تطاع‬ ‫قت� � ��ل بكتيري� � ��ا اجلمرة اخلبيث� � ��ة فقط‪.‬‬ ‫لق� � ��د قال الناس‪« :‬كم� � ��ا تعلم‪ ،‬فإن هذه‬ ‫اإلنزميات ذات أهداف محددة إلى ح ّد‬ ‫بعي� � ��د‪ .‬ونحن في حاج� � ��ة إلى إنزميات‬ ‫ذات نشاط واسع النطاق‪».‬‬ ‫ولدينا اآلن إنزميات ذات نشاط واسع‬ ‫النطاق إلى حد مقبول‪ ،‬إال أن «النشاط‬ ‫الواسع النطاق» ليس هو الطريق الذي‬ ‫يجب أن نس� � ��عى إليه‪ ،‬ألن� � ��ك من خالل‬ ‫ذل� � ��ك تقتل الكثي� � ��ر جدا م� � ��ن البكتيريا‬ ‫اجليدة‪ .‬وعندما تقتل متعضيات جيدة‪،‬‬ ‫فإن� � ��ك تع� � ��دو نح� � ��و مش� � ��كالت أخرى‪.‬‬ ‫واألفضل بالنس� � ��بة إليك ه� � ��و أن تقتل‬ ‫فقط املتعضيات الت� � ��ي ترغب في قتلها‬ ‫م� � ��ن دون أن يصاحب ذل� � ��ك إتالف أو‬ ‫قت� � ��ل للمتعضي� � ��ات الضرورية لصحتك‬ ‫ومعيشتك السعيدة‪ .‬أعتقد أن كل شيء‬ ‫سوف يبدأ بالتحرك في هذا االجتاه‪ :‬أن‬ ‫حتاول أن تقت� � ��ل فقط ما تريد قتله دون‬ ‫تدمير كل شيء آخر في جسمك‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬وهل من املمكن استخدام‬ ‫هذه احلالاَّ ت بطرق أخرى حلماية‬ ‫صحة اإلنسان؟‬ ‫>فيتش���يتي<‪ :‬هذا ممك� � ��ن‪ .‬وقد قمنا‬ ‫بتطوي� � ��ر إنزمي يس� � ��تطيع قت� � ��ل بكتيريا‬ ‫اجلم� � ��رة اخلبيثة‪ .‬لقد تطل� � ��ب األمر من‬ ‫احلكوم� � ��ة عش� � ��رة أع� � ��وام لك� � ��ي تدرك‬ ‫أن� � ��ه في حالة حدوث إره� � ��اب بيولوجي‬ ‫ببكتيري� � ��ا اجلمرة اخلبيث� � ��ة‪ ،‬يجري فيه‬ ‫نشر أبواغ امليكروب في مدينة ما‪ ،‬فإن‬ ‫التخلص اآلمن من جميع هذه اجلراثيم‬ ‫من هذه البيئة س� � ��وف يتطلب عقودا من‬ ‫الزمن‪ .‬وللقي� � ��ام بذلك‪ ،‬فإنك حتتاج إلى‬ ‫اس� � ��تخدام مواد أكّ الة(‪ .)2‬وما استطعنا‬ ‫فعله في املختبر ه� � ��و أننا أخذنا احلا َّلة‬ ‫النوعي� � ��ة لبكتيري� � ��ا اجلم� � ��رة اخلبيثة‪،‬‬ ‫‪84‬‬

‫وخلطناه مب� � ��ادة كيميائية طبيعية‪ ،‬وذلك‬ ‫خلداع بكتيريا اجلمرة اخلبيثة‪ ،‬ودفعها‬ ‫إلى إنبات أبواغها‪ .‬وفي خالل عشرين‬ ‫دقيقة‪ ،‬ميكنك قتل ‪ 99.99%‬من األبواغ‪.‬‬ ‫ويتم ذلك كله في وس� � ��ط مائي وبش� � ��كل‬ ‫آمن‪ ،‬ول� � ��ذا فإنه من املمكن اس� � ��تخدام‬ ‫هذه املعاجلة إلزالة التلوث من مساحات‬ ‫واسعة من األسطح امللوثة باألبواغ‪.‬‬ ‫وميكن� � ��ك أن تتخي� � ��ل أن ذلك ميكن‬ ‫اس� � ��تخدامه لقتل البكتيريا في املزارع‬ ‫أو ملكافحة التلوث بالبكتيريا العنقودية‬ ‫‪ ،MRSA‬وذل� � ��ك بإج� � ��راء مس���حات‬ ‫للمرض���ى(‪ )3‬قب� � ��ل العملي� � ��ة اجلراحية‬ ‫وبعدها‪ .‬كذل� � ��ك‪ ،‬ف� � ��إن العاثيات ميكن‬ ‫اس� � ��تخدامها أيضا لقتل البكتيريا في‬ ‫اللحوم املعبأة‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬أال ميكن للبكتيريا أن تطور‬ ‫مقاومة للحالاَّ ت؟‬ ‫>فيتشيتي<‪ :‬حتى اآلن فإننا لم جند أي‬ ‫بكتيريا مقاومة لهذه اإلنزميات‪ .‬وأعتقد أن‬ ‫أساس ذلك هو الطريقة التي تطورت من‬ ‫خاللها تلك اإلنزميات عبر باليني السنني‬ ‫والتي جعلتها ترتبط بأجزاء من البكتيريا‬ ‫ال تس� � ��تطيع البكتيري� � ��ا أن تغيره� � ��ا‪ .‬وال‬ ‫ميكنك القول أبدا إن ذلك ال ميكن حدوثه‬ ‫أبدا‪ ،‬ولكنه سوف يكون حدثا نادرا جدا‬

‫مراكز توزيع‬

‫أن تتشكل مقاومة لهذه اإلنزميات‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬التجربة السريرية(‪ )4‬األولى‬ ‫لشركة ‪ ContraFect‬ضد البكتيريا‬ ‫املقاومة ألدوية متعددة سوف‬ ‫تبدأ هذا العام (‪ )2012‬باستخدام‬ ‫إحدى احلالاَّ ت التي قمت‬ ‫باكتشافها‪ .‬هل هذه هي التجربة‬ ‫األولى التي تجُ رى على البشر‬ ‫باستخدام احلالاَّ ت؟‬ ‫>فيتشيتي<‪ :‬متاما‪ .‬سوف يكون ذلك‬ ‫أول مرة يجري فيها استخدام احلالاَّ ت‬ ‫في اإلنسان‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬أظن أنك مثار جدا حول ذلك؟‬ ‫>فيتش���يتي<‪ :‬فعال إنني مث� � ��ار جدا‪ .‬فقد‬ ‫تطلب األمر عش� � ��رة أعوام من العمل اجلاد‬ ‫>‬ ‫لكي نصل إلى هذه النقطة‪.‬‬ ‫<‪ .B‬بوريل> يقيم في مدينة نيويورك‪،‬‬

‫ويكتب بشكل متكرر ملجلة ساينتفيك‬ ‫أمريكان ومجلة نيتشر ‪.Nature‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪pneumococcal‬‬ ‫‪corrosive materials‬‬ ‫‪swabbing patients‬‬ ‫‪clinical trial‬‬

‫مراجع لالستزادة‬ ‫‪View animations depicting how bacteriophages work:‬‬ ‫‪http://tinyurl.com/btxzr2f‬‬

‫‪Scientific American, August 2012‬‬

‫في األقطار العربية‪:‬‬

‫< اإلمارات‪ :‬شركة اإلمارات للطباعة والنشر والتوزيع ‪ -‬أبوظبي‪ /‬دار‬ ‫احلكمة ‪ -‬دبي < البحرين‪ :‬الشركة العربية للوكاالت والتوزيع ‪ -‬املنامة‬ ‫< تونس‪ :‬الشركة التونسـية للصحافة ‪ -‬تونس < السعودية‪ :‬تهامـة‬ ‫للتوزيع ‪ -‬جدة ‪ -‬الرياض ‪ -‬الدمام < سوريا‪ :‬املؤسـسة العربية السورية‬ ‫لتوزيع املطبوعات ‪ -‬دمشق < عُ مان‪ :‬محالت الثالث جنوم ‪ -‬مسقط‬ ‫< فلسطني‪ :‬وكالة الشرق األوسط للتوزيع ‪ -‬القدس < قطر‪ :‬دار الثقافة‬ ‫للطباعة والصحافة والنشر والتوزيع ‪ -‬الدوحة < الكويت‪ :‬الشـركة‬ ‫املتحدة لتوزيع الصحف واملطبوعات ‪ -‬الكويت < لبنان‪ :‬الشركة اللبنانية‬ ‫لتوزيع الصحف واملطبوعات ‪ -‬بيروت < مصر‪ :‬األهرام للتوزيع ‪ -‬القاهرة‬ ‫< املغرب‪ :‬الشركة الشريفية للتوزيع والصحافة ‪ -‬الدار البيضاء‬ ‫< اليمن‪ :‬الدار العربية للنشر والتوزيع ‪ -‬صنعاء‪.‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬


‫(قسيمة اشتراك ‪ /‬جتديد اشتراك في‬ ‫ أرجو تسجيل ‪ /‬جتديد اشتراكي في‬ ‫اعتبارا من الشهر ‪ .........................‬عام‬ ‫االسم ‪:‬‬

‫ملدة (‬

‫)‬

‫) سنة‬

‫‪...........................‬‬

‫‪..................................................................................................................................................................................‬‬

‫الوظيفة‪ /‬املهنة (اختياري) ‪:‬‬ ‫العنوان البريدي ‪:‬‬

‫‪......................................................................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................................................................................‬‬

‫‪ ......................................................................................................................................‬فاكس‬ ‫العنوان اإللكتروني ‪:‬‬ ‫هاتف ‪ :‬نقال‬

‫‪........................................... :‬‬

‫‪.....................................................................................................................................................‬‬

‫‪..............................................‬‬

‫عمل‬

‫‪..............................................‬‬

‫منزل‬

‫‪..............................................‬‬

‫مرفق القيمة وقدرها (‪).............................................................................................................................................‬‬ ‫شيك‪ /‬حوالة رقم (‪ )................................................................................‬بتاريخ‬ ‫مسحوب على‬

‫‪....................................................‬‬

‫‪..............................................................................................................................................................‬‬

‫التوقيع‬

‫االشتراكات‬ ‫ للطلبة وللعاملين في سلك‬ ‫التدريس و‪/‬أو البحث العلمي‬ ‫ لألفراد‬ ‫ للمؤسسات‬

‫‪....................................................‬‬

‫بالدينار الكويتي‬

‫بالدوالر األمريكي‬

‫‪12‬‬

‫‪45‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪56‬‬ ‫‪112‬‬

‫ترسل طلبات االشتراكات إلى المجلة مرفقة بشيك أو حوالة باسم «شركة التقدم العلمي للنشر والتوزيع»‬ ‫مسحوبين على أحد البنوك الكويتية التالية‪.‬‬ ‫ بنك الكويت الوطني‬ ‫ البنك التجاري الكويتي‬ ‫ البنك األهلي الكويتي‬ ‫ بنك الخليج‬ ‫ بنك برقان‬ ‫ البنك األهلي المتحد‬ ‫ بيت التمويل الكويتي‬

‫‪ National Bank of Kuwait‬‬ ‫‪ The Commercialk Bank of Kuwait‬‬ ‫‪ Al Ahli Bank of Kuwait‬‬ ‫‪ The Gulf Bank‬‬ ‫‪ Burgan Bank‬‬ ‫‪ Ahli United Bank‬‬ ‫‪ Kuwait Finance House‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪85‬‬


‫(قسيمة إهداء اشتراك في‬ ‫لقريب أو صديق أو مؤسسة‬ ‫كإهداء ملدة (‬

‫ أرجو تسجيل اشتراك في‬ ‫اعتبارا من الشهر ‪ .........................‬عام‬ ‫اسم املُهْ دى إليه ‪:‬‬

‫) سنة‬

‫‪...........................‬‬

‫‪Name:............................................................................................................................................‬‬

‫الوظيفة‪ /‬املهنة (اختياري) ‪:‬‬ ‫العنوان البريدي ‪:‬‬

‫)‬

‫‪......................................................................................................................................‬‬

‫‪Mailing Address: ..................................................................................................................‬‬

‫‪ ................................................................................................................................‬فاكس‬ ‫العنوان اإللكتروني ‪:‬‬ ‫هاتف ‪ :‬نقال‬

‫‪.................................................. :‬‬

‫‪e-mail: ...................................................................................................................................‬‬

‫‪..............................................‬‬

‫عمل‬

‫‪..............................................‬‬

‫منزل‬

‫‪..............................................‬‬

‫مرفق القيمة وقدرها (‪)....................................................................................................................................................‬‬ ‫شيك‪ /‬حوالة رقم‬ ‫مسحوب على‬

‫(‪ ).........................................................................................‬بتاريخ ‪...................................................‬‬

‫‪....................................................................................................................................................................‬‬

‫اسم مقدم اإلهداء ‪:‬‬ ‫العنوان ‪:‬‬

‫‪..........................................................................................................................................................‬‬

‫‪..............................................................................................................................................................................‬‬

‫‪.................................................................................................................................‬‬

‫هاتف ‪ :‬نقال‬ ‫التاريخ‬

‫‪..............................................‬‬

‫عمل‬

‫‪...........................................‬‬

‫فاكس‬ ‫منزل‬

‫‪.....................................................‬‬

‫‪.........................................................‬‬

‫التوقيع‬

‫‪.............................................................‬‬

‫شارع أحمد الجابر‪ ،‬الشرق ‪ -‬الكويت‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 20856 :‬الصفاة‪ ،‬الكويت‬ ‫العنوان اإللكتروني‪e-mail: oloom@kfas.org.kw :‬‬ ‫هاتف‪ - (+965) 22428186 :‬فاكس‪(+965) 22403895 :‬‬ ‫‪13069‬‬

‫‪86‬‬

‫‪................................................ :‬‬

‫‪(2013) 4/3‬‬


52

BIOCHEMISTRY

Journey to the Genetic Interior Interview by Stephen S. Hall

Computational biologist Ewan Birney finds hidden treasure in “junk DNA.”

56

NEUROSCIENCE

This Is Your Brain in Meltdown

CONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert, Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs, Marguerite Holloway, Christie Nicholson, Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer, Sarah Simpson

Neuroscientists explain why stress can make the mind turn to mush.

ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello, Larry Greenemeier news Reporter, ONLINE: John Matson ART DIRECTOR, online: Ryan Reid

y Amy Arnsten, Carolyn M. Mazure and B Rajita Sinha

62

EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam SEnIor writeR: Gary Stix EDITORS: Davide Castelvecchi, Graham P. Collins, Mark Fischetti, Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser, Christine Soares, Kate Wong

PALEONTOLOGY

The Strangest Bird

By R. Ewan Fordyce and Daniel T. Ksepka

ART DIRECTOR: Edward Bell ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller

Fossil discoveries reveal the surprising evolutionary history of penguins.

70

BACTERIOLOGY

Phage Factor

Interview by Brendan Borrell

To fight drug-resistant microbes, Vincent Fischetti is enlisting viruses that attack bacteria.

74

EVOLUTIONARY BIOLOGY

New Life for Ancient DNA

By Kevin L. Campbell and Michael Hofreiter

80 News Scan >

Renewed Hope

87

PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:  Carl Cherebin PREPRESS AND QUALITY MANAGER:  Silvia De Santis CUSTOM PUBLISHING MANAGER:  Madelyn Keyes-Milch pRESIDENT: Steven Inchcoombe VICE PRESIDENT, operations and Administration: Frances Newburg

82 Advances

Letters to the Editor

>

The Bright Spots of Kids' TV How Old Is Your Cancer?

ADVISORY BOARD

Chairman

COPY and PRODUCTION, nature publishing group: Senior COPY editor, npg: Daniel C. Schlenoff COPY editor, npg: Michael Battaglia editorial assistant, npg: Ann Chin managing pRODUCTION EDITOR, npg:  Richard Hunt senior pRODUCTION EDITOR, npg: Michelle Wright

Genetic material from fossils tens of thousands of years old has revealed surprising clues to how the woolly mammoth’s body coped with the cold.

>

Adnan A. Shihab-Eldin

Editorial Administrator: Avonelle Wing SENIOR SECRETARY: Maya Harty

Abdullatif A. Al-Bader Deputy

Adnan Hamoui

Member - Editor In Chief

(2013) 4/3

Vice president, finance and BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek BUSINESS MANAGER: Marie Maher

Scientific American 75 Varick Street, 9th Floor, New York, NY 10013-1917 or editors@SciAm.com

Letters may be edited for length and clarity. We regret that we cannot answer each one. Post a comment on any article instantly at

www.ScientificAmerican.com/ sciammag


March / April - 2013

4

Volume 29

Number 3/4

SCIENCE AND SOCIETY

America’s Science Problem By Shawn Lawrence Otto

The U.S. faced down authoritarian governments on the left and right. The “antiscience” movement is now posing an even greater challenge.

10

QUANTUM PHYSICS

A New Enlightenment By George Musser

Quantum theory once seemed like the last nail in the coffin of pure reason. Now it’s looking like its savior.

16

PHYSIOLOGY

The Limits of Breath Holding By Michael J. Parkes

The brain’s need for oxygen dictates how long you can hold your breath, right? It’s a perfectly logical explanation but not entirely true.

22

NEUROSCIENCE

The Human Brain Project By Henry Markram

By building a vast digital simulation of the brain, we could transform medicine and invent more powerful computers.

30

ATMOSPHERIC SCIENCE

Deadly Rays from Clouds

By Joseph R. Dwyer and David M. Smith

Common thunderstorms emit powerful blasts of gamma rays and x-rays—and even antimatter.

36

HEALTH

Secrets of the HIV Controllers By Bruce D. Walker

Some people carry HIV infections but manage to keep the virus in check naturally. Studying how they do it could lead to new treatments—and maybe a vaccine.

46

NEUROSCIENCE

The Language of the Brain

By Terry Sejnowski and Tobi Delbruck

We can make sense of the world because our brains attend to the exquisite timing of impulses that flow through billions of neurons. (2013) 4/3

88


‫مركز عبدالسالم الدولي للفيزياء النظرية‬

‫(٭)‬

‫مؤسسة الكويت للتقدم العلمي‬

‫‪Kuwait Foundation for the‬‬ ‫)‪Advancement of Sciences (KFAS‬‬

‫تريستا (إيطاليا)‬

‫‪The Abdus Salam International Centre for‬‬ ‫)٭٭()‪Theoretical Physics (ICTP‬‬ ‫‪Trieste - Italy‬‬

‫برنامج الكويت‬

‫لدى املركز ‪ICTP‬‬

‫يهدف هذا البرنامج إلى دعم الباحثني العلميني من دولة الكويت والدول العربية األخرى‬ ‫وس� � ��عت مؤسس���ة الكويت للتقدم العلمي ‪ KFAS‬إطار تعاونها مع مركز عبدالسالم الدولي للفيزياء النظرية ‪ ICTP‬منذ‬ ‫عام ‪ 1983‬بهدف دعم مشاركة الباحثني العلميني من دولة الكويت والدول العربية األخرى في فعاليات علمية ينظمها هذا املركز ويعلن‬ ‫عنها في أجندته السنوية‪ ،‬وتتمثل هذه الفعاليات في‪:‬‬ ‫مؤمترات علمية ‪ -‬مدارس متقدمة ‪ -‬دورات تدريبية ‪ -‬ورشات عمل ‪ -‬دبلومات دراسات عليا في الفيزياء والرياضيات‪.‬‬

‫وفيما يلي عرض للفرص التي يوفرها برنامج الكويت لدى املركز ‪:ICTP‬‬

‫برنامج دعم مشاركة العلميني من الدول‬ ‫العربية في أنشطة املركز ‪ ICTP‬املعلن‬ ‫عنها في أجندته السنوية‪:‬‬ ‫يق� � ��دم البرنامج لعدد م� � ��ن العلميني العرب‬ ‫دعما ماليا لهذه املشاركة يتمثل في‪:‬‬ ‫تغطية نفقات س� � ��فر املش� � ��ارك من بلده في‬ ‫الوطن العربي إلى تريس� � ��تا (إيطاليا)‪ ،‬وكذلك‬ ‫نفقات إقامته في تريس� � ��تا خالل فترة النشاط‬ ‫على أال تتجاوز شهرا واحدا‪.‬‬ ‫والختيار نش� � ��اط علمي معني للمشاركة فيه‪،‬‬ ‫ميكن االطالع على ‪ICTP´s Scientific Calender‬‬

‫‪ICTP‬‬

‫برنامج زمالة ما بعد الدكتوراه في العلوم‬

‫برنامج دبلوم الدراسات العليا لدى‬

‫برنامج دراس� � ��ات ما قب� � ��ل الدكتوراه في‬ ‫الرياضي� � ��ات أو الفيزي� � ��اء مدته ‪ 12‬ش� � ��هرا‬ ‫خلريجي كليات العلوم في العالم النامي من‬ ‫الشباب املوهوبني الذين ال تتوفر لهم إمكانات‬ ‫متابعة دراسات عليا في بلدانهم‪.‬‬ ‫وبرنام������ج الكويت يدعم س������نويا ثالثة‬ ‫طلبة عرب للمش������اركة في هذا البرنامج‬ ‫التعليمي املكثف ويتم اختيارهم باملفاضلة‬ ‫بـني املتقــدمـــ���ي��ن لهـــذا البرنــامـــج انظـر‪:‬‬

‫تمُ نح هذه الزمالة لشاب عربي حاصل على‬ ‫الدكت� � ��وراه في العلوم م� � ��ن العاملني في دولة‬ ‫الكويت‪ ،‬واألفضلية للكويتيني منهم‪.‬‬ ‫مت ّكن ه� � ��ذه الزمالة احلاص� � ��ل عليها من‬ ‫متابع� � ��ة أبحاثه‪ /‬أبحاثها في اختصاص من‬ ‫اختصاص� � ��ات املرك� � ��ز ‪ ICTP‬العلمية‪ ،‬وذلك‬ ‫بإشراف أحد الباحثني العلميني املقيمني في‬ ‫املركز ‪.ICTP‬‬ ‫ولالطالع على مجاالت البحث العلمي لدى‬ ‫املركز ‪ ICTP‬انظر‪ICTP´s research web page :‬‬

‫‪ICTP´s Diploma Programme Website‬‬

‫ملزيد من املعلومات حول املركز ‪ PTCI‬وبرامجه‪ ،‬يرجى زيارة املوقع‪:‬‬ ‫)٭( ص‪.‬ب ‪ 36252‬الصفاة ‪ 31131‬الكويت‬ ‫هاتف‪ - )569+( 41407222 :‬فاكس‪11407222(+965) :‬‬ ‫‪gro.safk.www - wk.gro.safk@pio:liam-E‬‬

‫‪ti.ptci@ofni_ics‬‬

‫‪)ylatI ,etseirT 41043 ,11areitsoC adartS‬٭٭(‬ ‫‪361 422 040 93+ xaF - 111 0422 040 93+ .leT‬‬ ‫‪ti.ptci.www - ti.ptci@ofni_ics‬‬ ‫‪(2013) 4/3‬‬

‫‪89‬‬


(2013) 4/3

90


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.