SCIENTIFIC AMERICAN ARABIC مجلة العلوم النسخة العربية - المجلد_28 - العددان 9\10

Page 1

‫املجلد ‪ 28‬ـــ العددان ‪10/9‬‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪September / October 2012‬‬

‫البحث عن فيزياء جديدة‬ ‫العددان ‪ 294/ 293‬ــــ السعر‪ 1.500 :‬دينار كويتي‬

‫هبطت املركبة اجلوالة‬

‫كيوريوسيتي‬

‫على كوكب املريخ بتاريخ‬ ‫‪ 2012/8/5‬متأخرة‬

‫ثانية واحدة عن موعد‬

‫متالزمة التصادم‬

‫هبوطها املتوقع بعد أن‬ ‫قطعت مسافة ‪ 570‬مليون‬ ‫كيلومتر‪!...‬‬

‫اجلرذ الذي ضحك‬

‫مفاتيح مخفية في الدماغ‬


‫جـائزة الكـويت لـعـام ‪2012‬‬ ‫دعــوة للترشيح‬

‫متش� � ��يا مع أهداف مؤسس� � ��ة الكويت للتقدم العلمي‪ ،‬وحتقيقا ألغراضها في دعم اإلنتاج العلمي وتشجيع العلماء والباحثني‪،‬‬ ‫تقوم املؤسس� � ��ة بتخصيص جوائز في مجاالت العلوم واآلداب والفنون والتراث‪ ،‬وذلك وفق برامجها الس� � ��نوية‪ .‬وتسجل املؤسسة‬ ‫من خالل هذه اجلوائز اعترافها باإلجنازات الفكرية املتميزة التي تخدم التقدم العلمي‪ ،‬وتفتح الطريق أمام اجلهود املبذولة لرفع‬ ‫املستوى احلضاري في مختلف امليادين‪.‬‬ ‫وموضوعات جائزة الكويت لعام ‪ 2012‬هي في املجاالت اخلمسة اآلتية‪:‬‬

‫علم األحياء اجلزيئي‬ ‫٭ الـعـلـوم األســـاسـية‪:‬‬ ‫الطاقة‬ ‫٭ الـعـلـوم التـطبـيقـيـة‪:‬‬ ‫٭ العلوم االقتصادية واالجتماعية‪ :‬علم اإلدارة‬ ‫املسرح‬ ‫٭ الـفـنـون واآلداب‪:‬‬ ‫٭ التراث العلمي العربي واإلسالمي‪ :‬التراث العلمي العربي واإلسالمي‬

‫‪Molecular Biology‬‬ ‫‪Energy‬‬

‫‪Management Science‬‬ ‫‪Theatre‬‬

‫‪Arabic and Islamic Scientific Heritage‬‬

‫تُخصص املؤسس� � ��ة س� � ��نويا لكل مجال من هذه املجاالت جائزتني مقدار كل منهما ‪ 30 000‬د‪.‬ك‪( .‬ثالثون ألف دينار كويتي)‪،‬‬ ‫متن� � ��ح األول� � ��ى لواحد (أو أكثر) من أبن� � ��اء دولة الكويت ومتنح الثانية لواحد (أو أكثر) من أبن� � ��اء الدول العربية األخرى‪ .‬كما تقدم‬ ‫املؤسسة مع اجلائزة النقدية ميدالية ذهبية ودرع املؤسسة وشهادة تقديرية تبني مميزات اإلنتاج بصورة مختصرة‪.‬‬ ‫ويتم منح جائزة الكويت وفق الشروط اآلتية‪:‬‬ ‫ـــ أن يكون اإلنتاج مبتكرا وذا أهمية بالغة بالنسبة إلى احلقل املقدم فيه ومنشورا خالل السنوات العشر املاضية‪.‬‬ ‫ـــ أال يكون املرشح قد نال جائزة عن اإلنتاج املقدم من أي جهة أخرى‪.‬‬ ‫ـــ تقبل املؤسسة طلبات املتقدمني وترشيحات اجلامعات والهيئات العلمية‪ ،‬كما يحق لألفراد احلاصلني على هذه اجلائزة ترشيح‬ ‫من يرونه مؤهال لنيلها وال ُتقبل ترشيحات الهيئات السياسية‪.‬‬ ‫ـــ يتضمن الترشيح السجل العلمي للمرشح ونبذة مختصرة عن حياته وإنتاجه ومبررات ترشيحه لنيل اجلائزة‪.‬‬ ‫ـــ ال يعاد اإلنتاج املقدم إلى ِ‬ ‫مرسله سواء فاز املرشح أو لم يفز‪.‬‬ ‫ـــ ال تقبل االعتراضات على قرارات املؤسسة بشأن منح اجلوائز‪.‬‬ ‫ـــ على الفائز أن يقدم محاضرة عن اإلنتاج الذي نال عنه اجلائزة‪.‬‬ ‫ـــ تعبئة منوذج بيان السيرة الذاتية اخلاص باجلائزة‪.‬‬ ‫ـــ تقبل الترشيحات حتى ‪ 2012/12/1‬مرفقة بأربع نسخ من اإلنتاج املقدم‪.‬‬

‫ترسل الترشيحات واالستفسارات بشأن اجلائزة إلى العنوان اآلتي‪:‬‬ ‫السيد مدير عام‬ ‫مؤسسة الكويت للتقدم العلمي‬ ‫ص‪.‬ب‪ 25263 :‬الصفاة ‪ 13113‬ــ دولة الكويت‬ ‫فاكس‪ (+965) 22403891 :‬ـــ هاتف‪ (+965) 22429780 :‬ـــ البريد اإللكتروني‪:‬‬ ‫كما ميكنكم زيارة موقع املؤسسة اإللكتروني ‪ www.kfas.org‬للتعرف على اجلائزة وشروطها وطرق التقدم لنيلها‪.‬‬ ‫‪prize@kfas.org.kw‬‬


‫املجلد ‪ 28‬ـــ العددان‬

‫‪(2012) 9/8‬‬

‫‪294/293‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫عدنان شهاب الدين‬ ‫رئــيـس الهيـئــــة‬

‫عبداللطيف البدر‬ ‫نائب رئيس الهيئة‬

‫عدنان احلموي‬

‫رئيس حترير‬ ‫مراسالت التحرير توجه إلى‪:‬‬ ‫مؤسسة الكويت للتقدم العلمي‬ ‫شارع أحمد اجلابر‪ ،‬الشرق ‪ -‬الكويت‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 20856 :‬الصفاة‪ ،‬الكويت ‪13069‬‬ ‫عنوان البريد اإللكتروني‪ - oloom@kfas.org.kw :‬موقع الوِ ب‪www.oloommagazine.com :‬‬ ‫هاتف‪ - )+965(22428186 :‬فاكس ‪)+965(22403895 :‬‬ ‫اإلعالنات في الوطن العربي يتفق عليها مع قسم اإلعالنات باملجلة‪.‬‬

‫‪Advertising correspondence from outside the Arab World should be addressed to‬‬ ‫‪SCIENTIFIC AMERICAN 415, Madison Avenue, New York, NY 10017 - 1111‬‬ ‫‪Or to MAJALLAT AL-OLOOM, P.O.Box 20856 Safat, Kuwait 13069 - Fax. (+965) 22403895‬‬

‫ ‬

‫عضو الهيئة ــ رئيس التحرير‬

‫شارك في هذا العدد‬ ‫خضر األحمد‬ ‫علي األمير‬ ‫أحمد فؤاد باشا‬ ‫يوسف بركات‬ ‫حسني ثابت‬ ‫محمد حسن حتاحت‬ ‫عدنان احلموي‬ ‫سليم الذكي‬ ‫قاسم سارة‬ ‫وجدي سواحل‬ ‫موفق شخاشيرو‬ ‫سمير شمعون‬ ‫نضال شمعون‬ ‫مختار الظواهري‬ ‫فؤاد العجل‬ ‫فوزي عوض‬ ‫إياد غامن‬ ‫أحمد الكفراوي‬ ‫ليلى املوسوي‬ ‫حامت النجدي‬

‫سعر العدد‬ ‫األردن‬ ‫اإلمارات‬ ‫البحرين‬ ‫تونس‬ ‫اجلزائر‬ ‫جيبوتي‬ ‫السعودية‬ ‫>‬

‫‪1.800‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪1.800‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪206‬‬ ‫‪20‬‬

‫دينار‬ ‫درهم‬ ‫دينار‬ ‫دينار‬ ‫دينار‬ ‫فرنك‬ ‫ريال‬

‫مراكز توزيع‬

‫‪5.4‬‬

‫السودان‬ ‫سوريا‬ ‫الصومال ‪1497‬‬ ‫العراق ‪1964‬‬ ‫ُعمان‬ ‫‪2‬‬ ‫فلسطني ‪U.S $ 1.25‬‬ ‫ريال‬ ‫قطر‬ ‫‪20‬‬ ‫‪100‬‬

‫جنيه‬ ‫ليرة‬ ‫شلن‬ ‫دينار‬ ‫ريال‬

‫الكويت‬ ‫لبنان‬ ‫ليبيا‬ ‫مصر‬ ‫املغرب‬ ‫موريتانيا‬ ‫اليمن‬

‫‪1.500‬‬ ‫‪2765‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪889‬‬ ‫‪250‬‬

‫دينار‬ ‫ليرة‬ ‫دينار‬ ‫جنيه‬ ‫درهم‬ ‫أوقية‬ ‫ريال‬

‫‪4‬‬ ‫‪2.5‬‬

‫‪₤‬‬ ‫‪CI‬‬

‫‪Britain‬‬ ‫‪Cyprus‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪Greece‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪Italy‬‬

‫‪6‬‬

‫‪$‬‬

‫‪U.S.A.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪France‬‬

‫‪Germany‬‬

‫في األقطار العربية (انظر الصفحة ‪.)74‬‬

‫االشتراكات‬ ‫ترسل الطلبات إلى قسم االشتراكات باملجلة‪.‬‬ ‫ للطلبة وللعاملني في سلك‬ ‫التدريس و‪/‬أو البحث العلمي‬ ‫ لألفراد‬ ‫ للمؤسسات‬

‫بالدينار الكويتي‬

‫بالدوالر األمريكي‬

‫‪12‬‬

‫‪45‬‬

‫‪16‬‬

‫‪56‬‬

‫‪32‬‬

‫‪112‬‬

‫مالحظة‪ :‬حتول قيمة االشتراك بشيك مسحوب على أحد البنوك في دولة الكويت‪.‬‬

‫بزيارة موقع املجلة ‪ www.oloommagazine.com‬ميكن االطالع على مقاالت اإلصدارات املختلفة اعتبارا من العدد ‪.1995/1‬‬

‫كما ميكن االطالع على قاموس مصطلحات‬

‫باتباع التعليمات الواردة على الصفحة الرئيسية للموقع‪.‬‬

‫بنسـخة مجـانية من قرص ‪ CD‬يتضمن خالصات مقاالت هذه املجلة منذ نشأتها‬ ‫ميكـن تزويــد املشـتركني في‬ ‫عام ‪ 1986‬والكلمات الدالة عليها‪ .‬ولتشغيل هذا القرص في جهاز ُمدعم بالعربية‪ ،‬يرجى اتباع اخلطوات التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬اختر ‪ Settings‬من ‪ start‬ثم اختر ‪Control Panel‬‬ ‫‪ -2‬اختر ‪Regional and Language Options‬‬ ‫‪ -3‬اختر ‪ Arabic‬من قائمة ‪ Standards and Formats‬ثم اضغط ‪OK‬‬ ‫حقوق الطبع والنشر محفوظة ملؤسسة الكويت للتقدم العلمي‪ ،‬ويسمح باستعمال ما يرد في‬

‫شريطة اإلشارة إلى مصدره في هذه املجلة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر‬

‫‪4‬‬

‫‪10/9‬‬

‫‪2012‬‬

‫فضاء‬

‫قراءة الكوكب األحمر‬ ‫>‪ .P .J‬گروتزنگر< ‪-‬‬

‫>‪ .A‬ڤاساڤادا<‬

‫خضر األحمد ــ عدنان احلموي‬

‫جوال ُة ناسا اجلديدة كيوريوسيتي ستمعن النظ َر في الطبقات اجليولوجية للكوكب‬ ‫األحمر (املريخ) بحثا عما إذا كان هذا الكوكب في وقت من األوقات صاحلا للحياة‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫علوم عصبية‬

‫مفاتيح مخفية في العقل‬

‫>‪ .J .E‬نيسلر<‬

‫يوسف بركات ــ علي األمير‬

‫ميكن لتجارب احلياة أن ُتسهم في نشوء األمراض النفسية من خالل ما تسببه من‬ ‫الت ُتش ّغل اجلينات أو ُتوقفها عن‬ ‫تبدالت بالتخلّق املتوالي ‪ ،epigenetic‬وهي تب ّد ٌ‬ ‫العمل من غير أن ُتدخل تعديالت عليها‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫علم الڤيروسات‬

‫مقاومة مقاتل‬ ‫مقابلة أجراها‬

‫وجدي سواحل ــ أحمد الكفراوي‬

‫>‪ .B‬بوريل<‬

‫سعيا للتصدي لوباء اإليدز‪ ،‬انتقل >‪ .Th‬ندونگو< من إفريقيا إلى أمريكا ثم عاد‬ ‫إلى إفريقيا بحثا عن أساليب لوقف هذا الوباء‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫تطور البشر‬ ‫األول من شاكلتنا‬

‫فؤاد العجل ــ إياد غامن‬

‫>‪ .K‬وونگ<‬

‫أحافير مدهشة من جنوب إفريقيا قد جتدد اجلدل حول الكيفية التي صرنا من خاللها بشرا‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫تاريخ العلم‬ ‫عندما ُيل ِْم ُع اخلطأ إلى طريق الصواب‬ ‫>‪.D‬‬

‫كايزر< ‪-‬‬

‫>‪ .H .N .A‬كريگير<‬

‫أحمد فؤاد باشا ــ موفق شخاشيرو‬ ‫&‬ ‫التحرير‬

‫في معظم األوقات‪ُ ،‬ينسى بسرعة خطأ ما‪ .‬ولكن أحيانا‪ُ ،‬يسهم هذا اخلطأ في إعادة‬ ‫صياغة العِ لم‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫فيزياء كمومية‬

‫رى وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة‬ ‫ُع ً‬

‫>‪ .Z‬بيرن< ‪ .J .L> -‬ديكسون< ‪-‬‬

‫>‪ .A .D‬كوسوور<‬

‫فوزي عوض ــ نضال شمعون‬ ‫&‬ ‫التحرير‬

‫قد ال يكون توحيد قوى الطبيعة بالصعوبة نفسها التي كان الفيزيائيون يتوقعونها‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪46‬‬

‫سلوك احليوان‬

‫اجلرذ الذي ضحك‬ ‫>‪ .J‬بيرنگ<‬

‫حسني ثابت ــ مختار الظاهري‬

‫هل لبعض احليوانات غير اإلنسان طبيعة فكاهية؟ رمبا نعم‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫أمراض إنتانية‬

‫في انتظار االنفجار‬

‫>‪ .F‬وتيرل<‬

‫سمير شمعون ــ محمد حسن حتاحت‬

‫نتيجة لتوليد ڤيروس إنفلونزا طيور قد يستطيع االنتشار بني الثدييات‪ ،‬أثار‬ ‫البيولوجيون (األحيائيون) جداال ملحا عن كيفية املوازنة بني احلاجة إلى التشارك‬ ‫املفتوح في النتائج العلمية واحلاجة إلى حماية املجتمع من األخطار البيولوجية‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫علوم الدماغ‬ ‫متالزمة التصادم‬ ‫>‪ .J‬بارثوليت<‬

‫علي األمير ــ قاسم سارة‬

‫عندما يتم تشخيص داء لو گيريگ ‪ Lou Gehrig‬لدى العبي كرة القدم األمريكية‪ ،‬فسببه‬ ‫قد يعود إلى الضربات املتكررة التي تلقوها على رؤوسهم‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫آالت صنعية‬

‫تفكر لنفسها‬ ‫اآلالت التي ِّ‬

‫>ياسر أبو‬

‫مصطفى<‬

‫حامت النجدي ــ عدنان احلموي‬

‫ِ‬ ‫املنتجات التي تنصح‬ ‫مواقع الوِ ب على‬ ‫نظرة من الداخل إلى الكيفية التي تتعرف بها‬ ‫ُ‬ ‫بها وإلى سبب التحسن املستمر مع مرور الزمن إلمكانات هذه املواقع بهذا الشأن‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫مناخ‬

‫اضربهم بعصا الهوكي‬ ‫مقابلة أجراها‬

‫>‪ .D‬بييلو<‬

‫سليم الذكي ــ ليلى املوسوي‬

‫بعد سنوات من اتخاذه موقف الدفاع‪ ،‬يتحدى >‪ .E .M‬مان< نقاده ويتحدث عن التغ ّير املناخي‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪3‬‬


‫‪John P. Grotzinger‬‬

‫‪‬‬ ‫➊‬

‫>گروتزنگر< عالم مشاريع في بعثة مختبر علوم املريخ(‪،)1‬‬ ‫وجيولوجي في معهد كاليفورنيا للتقانة ‪ ،CIT‬ومتخصص‬ ‫في دراسة تطور البيئة السطحية لكل من األرض واملريخ‪.‬‬ ‫وهو عضو في األكادميية الوطنية للعلوم(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫➋‬

‫‪Ashwin Vasavada‬‬

‫>ڤاساڤادا< نائب عالم مشاريع تثيره فكرة إمكان البشر يوما ما‪ ،‬أن يصعدوا جبل ماونت‬ ‫شارب ‪ Mount Sharp‬في املريخ وأن يقتفوا أثر اجلوالة كيوريوسيتي‪ .‬وبوصفه خبيرا في‬ ‫(‪)3‬‬ ‫مختبر الدفع النفاث التابع للوكالة ناسا‪ ،‬فقد شارك في اإلعداد لبعثات گاليليو ‪Galileo‬‬ ‫وكاسيني ‪ ،Cassini‬ومسبار االستطالع القمري ‪.lunar Reconnaissance Orbiter‬‬

‫‪‬‬ ‫➌‬

‫قراءة الكوكب األحمر‬

‫‪‬‬ ‫➍‬

‫( )‬

‫في الساعة ‪ 10:31‬بتوقيت احمليط الهادئ بتاريخ ‪ ،2012/8/5‬ستبدأ مركبة ناسا اجلوالة‬ ‫كيوريوسيتي ‪ Curiosity rover‬بأول بحث لها عن بيئات صاحلة للحياة على كوكب املريخ‪.‬‬ ‫( )‬

‫(‪)4‬‬

‫>‪ .P .J‬گروتزنگر< ‪-‬‬

‫ُ‬ ‫وطؤها‪،‬‬ ‫تب����دأ جمي����ع العل����وم بالذهاب إل����ى أمكنة لم يتس����نَّ ألح����د‬ ‫وباكتشاف أشياء جديدة دون معرفة مسبقة بها‪ .‬وبعد إكمال الباحثني‬ ‫عمليات مس����حهم األولي����ة وجتميعهم قائمة طويلة من األس����ئلة‪ ،‬فإنهم‬ ‫ينتقلون إلى األسلوب الذي سلكه >شرلوك هوملز< (بطل قصص الكاتبة‬ ‫>أگاث����ا كريس����تي<) وال����ذي يتلخص بص����وغ فرضيات مح����ددة وابتكار‬ ‫طرائ����ق الختباره����ا‪ .‬ويب����دو أن عملي����ة استكش����اف املريخ توش����ك على‬ ‫االنتقال إلى هذا األسلوب‪ .‬وقد رسمت السفن الفضائية‪ ،‬التي تدور في‬ ‫َ‬ ‫خرائط ش����املة ملعامله اجلغرافية وتركيبه‪،‬‬ ‫مس����ارات حول هذا الكوكب‪،‬‬ ‫ثم إن املركبات اجلوالة على سطحه جمعت معا املخططات اجليولوجية‬ ‫الت����ي أجنزتها لتكوِّ ن فك����رة عامة عن التاريخ اجليولوجي للمريخ‪ .‬وقد‬ ‫آن األوان للحصول على معلومات أكثر تطورا عن هذا الكوكب‪.‬‬ ‫لقد بنى فري ُقنا مختب َر علوم املريخ(‪ ،)1‬الذي ُيعرف أيضا باسم اجلوالة‬ ‫كيوريوسيتي وذلك بناء على فرضية مفادها أن املريخ كان في وقت من‬ ‫األوقات‪ ،‬صاحلا للحياة‪ .‬وحتمل اجلوالة على متنها مختبرا للتحليل‪،‬‬ ‫بغي���ة اختب���ار صحة هذه الفرضي���ة‪ ،‬ومعرفة ما ح���دث لبيئته املعتدلة‬ ‫املبك���رة‪ ،‬الت���ي نعتقد أن بيئة الكوكب كانت تتس���م بها‪ .‬وميكننا تقدمي‬ ‫تعري���ف‪ ،‬غير دقيق متام���ا‪ ،‬للبيئة الصاحلة للحياة بأنها بيئة حتتوي‬ ‫على ماء وطاقة وكربون‪ .‬وقد ركزت البعثات الس���ابقة إلى املريخ على‬ ‫املاء‪ ،‬وأكدت أنه كان يوجد عليه ‪ -‬ومازال يوجد‪ ،‬أحيانا ‪ -‬ماء سائل(‪.)5‬‬ ‫ورأت ه���ذه البعث���ات أيضا عالمات عل���ى وجود مكون���ات جيوكيميائية‬ ‫‪ geochemical‬تسمح بتوفير طاقة لعملية االستقالب ‪ .metabolism‬بيد أنه‬ ‫لم ُي َر كربون بصيغة ميكن أن تكون مالئمة لوجود حياة‪.‬‬ ‫وكم���ا فعل���ت مركبت���ا ڤايكن���گ اجلوالت���ان ف���ي منتص���ف س���بعينات‬ ‫الق���رن املاضي‪ ،‬فإن كيوريوس���يتي حتم���ل مطياف كتلة لوني للغازات‬

‫>‪ .A‬ڤاساڤادا<‬

‫‪gas chromatograph/mass spectrometer‬؛ باس���تطاعته استش���عار املركب���ات‬ ‫العضوية‪ ،‬س���واء أكان���ت بيولوجي���ة أم البيولوجية ‪ abiological‬األصل‪ .‬غير‬ ‫أن���ه‪ ،‬خالفا لڤايكنگ‪ ،‬فإن كيوريوس���يتي قابل���ة للحركة‪ ،‬ثم إنها حتطُّ على‬ ‫موقع أفضل‪ .‬واألهم من س���عي البعثة إلى العثور على الكربون ذاته‪ ،‬هو‬ ‫أنها تستهدف اكتشاف الطريقة املالئمة إلجراء عملية البحث عنه‪ .‬وحتى‬ ‫عل���ى أرضن���ا‪ ،‬فال نع���رف بدق���ة كيفية التنقي���ب في الس���جل اجليولوجي‬ ‫(‪)6‬‬ ‫املعقد بحثا عن عالمات بيولوجية محفوظة‪ .‬ومن التناقض في الظاهر‬ ‫أن الس���مات املمي���زة بال���ذات التي جتع���ل كثيرا جدا م���ن البيئات صاحلا‬ ‫للحياة ‪ -‬املاء واملؤكسدات ‪ oxidants‬واملواد الكيميائية والتدرجات احلرارية‬ ‫‪ - temperature gradients‬تنح���و إل���ى تدمي���ر املر َّكب���ات العضوية‪ .‬وقد عرف‬ ‫الپليونتولوجي� � ��ون(‪ paleontologists )7‬كيف يبحثون عن الظروف النادرة التي‬ ‫تُس���هل حفظ األش���ياء‪ ،‬مثل الش���روط اجليوكيميائية الت���ي تدعم التمعدن‬ ‫‪ mineralization‬املبكر جدا‪ .‬ومن املعروف أن الس���يليكا والفوسفات والطني‬ ‫والس���لفات‪ ،‬وعموم���ا أق���ل‪ ،‬الكربونات‪ ،‬هي جميعا تدفن امل���وا َّد العضوية‬ ‫ُّ‬ ‫ترسبها‪ .‬وقد وفرت السفن الفضائية خرائط لبعض هذه املعادن في‬ ‫خالل‬ ‫ُّ‬ ‫(‪)8‬‬ ‫موقع هبوط كيوريوسيتي‪ ،‬وسيكون ذلك مرشدا لطواف هذه السفن ‪> .‬‬ ‫( ) ‪READING THE RED PLANET‬‬

‫( ) كم���ا نوهن���ا في مقالة الع���دد األخير‪« :‬تنقيب عن احلياة عل���ى املريخ»‪ ،‬فقد هبطت هذه‬ ‫املركبة بسالم على سطح املريخ متأخرة ثانية واحدة فقط عن موعد هبوطها املتوقع بعد‬ ‫أن قطعت مسافة ‪ 570‬مليون كيلو متر‪ !...‬إنه بحق إجناز علمي رائع غير مسبوق‪.‬‬ ‫(‪Mars Science Laboratory )1‬‬ ‫(‪Jet Propulsion Laboratory )3‬‬

‫(‪National Academy of Sciences )2‬‬

‫(‪ )4‬وتُقرأ من ِق َبل البعض كيوريوزيتي‪.‬‬

‫(‪ )5‬انظر‪“The Red Planetʼs Watery Past,” by Jim Bell; Scientific American, December 2006 :‬‬ ‫(‪paradoxically )6‬‬

‫(‪ )7‬علم���اء يبحث���ون ف���ي أش���كال احلي���اة في العص���ور اجليولوجي���ة الغابرة‪ ،‬كم���ا متثلها‬ ‫املستحاثات احليوانية والنباتية‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪ )8‬أضيفت الفقرات (‪ )3 ،2 ،1‬من قِ َبل هيئة حترير ساينتفيك أمريكان‪.‬‬

‫باختصار‬ ‫بع���د عقود من التركيز على جيولوجية املري���خ وعلم مياهه‪ ،‬يخطط علماء الكواكب‬ ‫اآلن للبح���ث‪ ،‬بخصوصية أش���د‪ ،‬عن عالمات تش���ير إلى أن الكوك���ب كان‪ ،‬في حقبة ما‪،‬‬ ‫ينعم بالبيئة املالئمة الستدامة حياة عليه‪.‬‬ ‫وس���تطوف مركب���ة كيوريوس���يتي اجلوالة في أرج���اء فوهة گيل بحث���ا عن مركبات‬ ‫عضوية‪ ،‬وسعيا إلى حسم اجلدل الدائر منذ عقود حول إمكان هذه املركبات أن حتافظ‬

‫‪4‬‬

‫‪4‬‬

‫على وجودها على سطح املريخ‪.‬‬ ‫وس���تكون املركب���ة األول���ى في إجناز ع���دة عمليات‪ :‬فه���ي أكبر كبس���ولة تدخل جوا‬ ‫كوكبيا؛ وهي أول كبس���ولة تس���تعمل رافعة س� � ��ماوية ‪ ،sky crane‬تشبه طائرة مروحية‬ ‫في عملية هبوط سفينة فضائية‪ ،‬ثم إنها حتمل على متنها مختبرا كيميائيا يعد أكثر‬ ‫املختبرات املؤمتتة تطورا مقارنة بأي مختبر آخر ُأطلق إلى كوكب آخر‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫متتالية الهبوط‬

‫من الفضاء إلى التربة في سبع دقائق‬

‫( )‬

‫‪‬‬ ‫➎‬

‫‪‬‬ ‫➏‬

‫عندما نقول عن مركبة جوالة إن صنعتها حذقة وماهرة ‪،sophisticated‬‬ ‫فإننا نعني أنها كبيرة وثقيلة‪ .‬وفيما يتعلق بكيوريوسيتي‪ ،‬فإن حجمها‬ ‫قريب من حجم السيارة الصغيرة املعروفة ‪ ،Mini Cooper‬ووزنها نحو طن‬ ‫متري‪ .‬والكبسولة ‪ capsule‬التي حتملها عبر الفضاء البيكوكبي(‪ ،)1‬أكب ُر من‬ ‫تلك التي حملت رواد أپولو‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالطريقة التي ستهبط بها اجلوالة‬ ‫كيوريوسيتي جريئة وغير مسبوقة‪.‬‬ ‫وفي مدخل الكبسولة وضعت لصاقة ُسجل عليها‪ ➊ :‬اجلوالة‪:‬‬ ‫تنفصل أوال عن نظامها الذي يزودها بالطاقة‪ ،‬ويجعلها تندفع في‬ ‫الفضاء البيكوك ّبي‪ ➋ .‬تقذف الكبسولة ثِ َق َل املوازنة(‪( )2‬املكون من قطع‬ ‫معدنية َوتَنگستني ‪ )tungsten‬لتحويل مركز ثقلها إلى جناح ميكنه‬ ‫توجيه الكبسولة‪ ،‬التي تقابل جو املريخ األعلى بسرعة فوصوتية‬ ‫‪ hypersonic‬تساوي نحو ستة كيلومترات في الثانية‪ .‬تقوم درع حرارية‬ ‫بامتصاص الطاقة الهائلة الناجمة عن إبطاء التسارع الناجت‪ ➌ .‬بعد‬ ‫ذلك‪ ،‬تطير السفينة الفضائية أفقيا‪ ،‬وتنخفض السرعة تدريجيا نتيجة‬ ‫قيام صواريخ الدسر اجلانبية بتوجيه السفينة باجتاه موقع هبوطها‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫➍ وحني تصبح على ارتفاع ‪ 10‬كيلومترات‪ ،‬تنشر مظلة هبوط‬ ‫طولها ‪ 50‬مترا وقطرها ‪ 21.5‬متر‪ .‬وعند بلوغ هذه املرحلة تظل سرعة‬ ‫اجلوالة فوصوتية‪ .‬هذا‪ ،‬وقد كان تصميم املظلة جزءا مهما من البعثة‪،‬‬ ‫إذ إنه َم ّثل حتديا خاصا لها‪ .‬فالفيزياء املتعلقة بكيفية انتفاخ املظلة‬ ‫(أو اهتزازها‪ ،‬أو عدم انتفاخها) بهذه السرعات‪ ،‬غير مفهومة جيدا‪،‬‬ ‫ومن الصعوبة مبكان منذجتها‪.‬‬ ‫➎ وبعد وقت قصير من انتفاخ املظلة‪ ،‬تتخلص السفينة الفضائية من‬ ‫الدرع احلرارية‪ ،‬و ُت ِّ‬ ‫شغل نظامها الراداري الستشعار أرض سطح املريخ‪.‬‬ ‫وعلى ارتفاع منه يقارب كيلومترين‪ ،‬تكون سرعة طيران السفينة الفضائية‬ ‫نحو ‪ 100‬متر في الثانية ‪ -‬وهذه قريبة من سرعتها النهائية‪ ،‬وهي أبطأ‬ ‫سرعة للمركبة ميكن للجو كبح حركتها باجتاهه؛ ومع ذلك‪ ،‬فهي سرعة عالية‬ ‫جدا لهبوط آمن على سطح الكوكب‪ .‬وعند ذلك‪ ،‬تتخلى اجلوالة عن املظلة‬ ‫محمول على ظهر اجلوالة للتحكم في هبوطها‪.‬‬ ‫دسر‬ ‫بواسطة‬ ‫ٍ‬ ‫صاروخ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫➏ وعلى ارتفاع نحو ‪ 20‬مترا فوق سطح املريخ‪ ،‬يجري إنزال‬ ‫اجلوالة على ثالثة كبال ‪ - cables‬بشكل ُيطلق عليه اسم الرافعة السماوية‬ ‫‪ - sky crane‬وحتط على السطح بعد نشرها ثالثة دواليب ونظاما للتعليق‬ ‫السطح بسرعة قريبة من ‪0.75‬‬ ‫دواليب اجلوالة‬ ‫‪ .suspension‬وتالمس‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫متر في الثانية‪ ➐ .‬وبعد انتظار مدته ثانيتان للتوثق من أن اجلوالة‬ ‫على أرض صلبة‪ ،‬تطلق عدة جتهيزات متفجرة صغيرة لقطع الكبال‪،‬‬ ‫وحبال ُس ّريا ‪ umbilical‬خاصا بالبيانات ‪ .data‬بعدئذ‪ُ ،‬ت ْق َذ ُف مرحل ُة الهبوط‬ ‫وتدم ُر على بعد نحو ‪ 450‬مترا من املركبة‪ .‬وخالل ساعة‪ ،‬أو نحو‬ ‫اآللي‬ ‫َّ‬ ‫ذلك‪ ،‬يجب أن نحصل على أول صور من السطح؛ وبحلول‬ ‫نهاية الشهر الثاني‪ ،‬يكون املختبر املوجود على منت‬ ‫اجلوالة قد ح ّلل أول عينتني للتربة والصخور‪.‬‬ ‫( ) ‪From Space to Soil in Seven Minutes‬‬ ‫(‪interplanetary space )1‬‬ ‫(‪ :ballast )2‬ثقل يستعمل في السفن‬

‫حلفظ توازنها‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫➐‬

‫الفضائية وغيرها‬

‫(‪parachute )3‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪5‬‬


‫آالت‬

‫محاوالت بجميع الوسائل املمكنة‬

‫( )‬

‫ص الصخور‬ ‫صمِّ َمت مجموع ُة آالت كيوريوسيتي‬ ‫لتفح ِ‬ ‫لقد ُ‬ ‫ُّ‬ ‫والتربة واجلو بغية ّ‬ ‫حل ألغاز البيئات الصاحلة للحياة الغابرة‬ ‫واحلالية‪ .‬وتفعل اآلالت ذلك بقياس تركيب املواد الكيميائية‬ ‫ُ‬ ‫بعضها بعضا‪.‬‬ ‫يكمل‬ ‫واملعدنية بطرق متعددة ّ‬

‫محطة للرصد اجلوي ستقيس املتغيرات البيئية‪،‬‬ ‫وتصدر تقارير يومية‪ ،‬وميثل ذلك أول تسجيل مستمر‬ ‫في التاريخ لألرصاد اجلوية املريخية‪ .‬وبصرف النظر‬ ‫عن أهمية هذه األرصاد في حد ذاتها‪ ،‬فإن تقارير الطقس‬ ‫السائد على الكوكب مفيدة في توجيه عمليات اجلوالة‪.‬‬

‫محس اإلشعاع‬

‫مقياس الطيف‬ ‫النتروني النشط‬

‫‪radiation sensor‬‬

‫سيراقب اإلشعاعات‬ ‫الشمسية والكونية‪.‬‬

‫‪active neutron‬‬ ‫‪spectrometer‬‬

‫سيبحث عن املاء في‬ ‫الصخور والتربة‬ ‫املوجودة حتت اجلوالة‪.‬‬

‫مجموعة آالت حتليل العينات على املريخ(‪ )1‬تسمح بإجراء‬ ‫ص مسحوقا في أفران صغيرة يقوم فيها‬ ‫حتليل كيميائي‪ .‬فهي تحُ َ مِّ ُ‬ ‫االحتراق ‪ combustion‬أو املذيبات الكيميائية ‪ chemical solvents‬بإطالق‬ ‫غازات يتكفل مطياف الكتلة اللوني للغازات ومحلل الغازات ‪gas analyzer‬‬ ‫بفحصها‪ ،‬بحثا ‪ -‬في املقام األول ‪ -‬عن كربون عضوي‪ .‬وتسمح هذه‬ ‫املجموعة‪ ،‬أيضا‪ ،‬باعتيان(‪ )2‬مباشر للجو‪.‬‬ ‫( ) ‪Leaving No Stone Unturned‬‬ ‫(‪sample analysis at Mars (SAM) )1‬‬ ‫(‪ :sampling )1‬أخذ عينات‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪0.4‬‬

‫متر‬


‫موقع الهبوط‬ ‫آالت تصوير لوني ‪ color cameras‬ميكن أن تلتقط صورا‬ ‫ملناظر طبيعية ولبنى صخرية وترابية مبيز ‪ resolution‬عال‪ .‬وتساعد‬ ‫تلك البنى العلماء على إعادة العمليات التي كوّ نت الصخور أو‬ ‫التربة‪ ،‬ورمبا تتضمن آثار ماء سائل‪ .‬وإحدى آالت التصوير ّ‬ ‫مركبة‬ ‫على قعر اجلوالة‪ ،‬وموجهة نحو األسفل‪ ،‬وستنتج شريطا سينمائيا‬ ‫لعملية هبوط اجلوالة وحطِّ ها على سطح الكوكب‪.‬‬

‫<‬

‫<‬

‫ڤايگنگ‬

‫‪2‬‬

‫فونكس‬

‫سوجرنر < < ڤايگنگ‬

‫فوهة گيل‬

‫‪1‬‬

‫<‬

‫أوپورشنيتي‬

‫< سپريت‬

‫املريخ‬ ‫آلة شي مني ‪ CheMin‬ترسل حزمة من األشعة السينية‬ ‫عبر مساحيق ناعمة لتوليد شكل انعراج ‪diffraction pattern‬‬ ‫يحدد بدقة املعادن من جميع األمناط‪ .‬لقد كانت مقاييس‬ ‫الطيف على منت املركبات السابقة محدودة األداء‪ ،‬إذ كانت‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬ال تكشف إال املعادن التي حتوي احلديد‪.‬‬

‫ذراع إنسالة‬

‫‪robot arm‬‬

‫ميكن أن متتد مسافة تصل إلى‬ ‫مترين‪ ،‬وحتمل ‪ 30‬كيلوغراما من‬ ‫التجهيزات حلفر الثقوب وسحق‬ ‫الصخور‪ .‬وتقوم مجموعة من‬ ‫املناخل بفرز املسحوق لتحليله‬ ‫بواسطة جتهيزات املختبر‬ ‫املوجودة على منت اجلوالة‪.‬‬

‫مطياف حتليل‬ ‫ُمح َّّرض بالليزر‬

‫سيحدث ثقوبا في‬ ‫الصخور والتربة إلى‬ ‫مسافة سبعة أمتار تقريبا‪،‬‬ ‫ثم يستشعر من بعد‬ ‫تركيبها الكيميائي‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫<‬

‫فوهة ِگيل‬

‫( )‬

‫عقب خمس سنوات من دراسة مواقع على املريخ‪ ،‬بدأت بقائمة‬ ‫أولية حتتوي على أكثر من ‪ 50‬موقعا‪ ،‬اختارت وكالة الفضاء‬ ‫األمريكية (ناسا) موقع فوهة گيل لهبوط اجلوالة كيوريوسيتي‪ .‬وفي‬ ‫هذه الفوهة القدمية‪ ،‬التي تكونت نتيجة صدم جرم سماوي لسطح‬ ‫املريخ‪ ،‬فإن تعرية الرياح لسطح املريخ طوال آالف السنني‪ ،‬وما رافق‬ ‫ذلك من صدمات حديثة‪ ،‬كشفت املواد التي كانت مطمورة من قبل في‬ ‫جار‪،‬‬ ‫الفوهة‪ ،‬وأظهرت ترسبات نهر قدمي توفر سجالت ملاء سطحي ٍ‬ ‫وتضاريس مكسرة غنية باملعادن تشبه التضاريس األرضية الواقعة‬ ‫فوق املكامن املائية للمياه اجلوفية‪.‬‬ ‫ويوجد في الفوهة‪ ،‬التي قطرها ‪ 150‬كيلومترا‪ ،‬جبل مركزي يرتفع أكثر‬ ‫من خمسة كيلومترات فوق السهول‪ .‬هذا وإن معظم‪ ،‬بل هذا اجلبل كلّه‪،‬‬ ‫الذي يطلق عليه اسم ماونت شارب ‪ Mount Sharp‬ميكن صعوده باملركبة‬ ‫التي تسلك ممرات متتد من مركز منطقة الهبوط‪ .‬وستبدأ اجلوالة‬ ‫باحلركة الصاعدة بعد ‪ 9-6‬أشهر من تاريخ هبوطها‪ .‬ويتكون اجلبل من‬ ‫طبقات صخور رسوبية ميكن قراءتها‪ ،‬مثلما ُتقرأ الكتب‪ ،‬ولكن من األسفل‬ ‫إلى األعلى‪ ،‬بغية التوصل إلى سجل َّ‬ ‫منظم للتاريخ املبكر للمريخ‪ ،‬بدءا‬ ‫من وقت ما‪ ،‬يلي تكون الفوهة الضخمة التي يقع فيها اجلبل‪ .‬هذا وقد‬ ‫استكشفت املركبة اجلوالة أوپورشونيتي ‪ 20-15 Opportunity‬مترا من‬ ‫طبقات الصخور خالل عملياتها التي استغرقت ثماني سنوات ‪ -‬وهذا‪،‬‬ ‫في حد ذاته‪ ،‬زمن غير كاف لتبيان تطور مناخ املريخ‪ ،‬ولكنه يكفي لتوفير‬ ‫قدر طفيف من املعلومات‪ ،‬التي ستحصل عليها كيوريوسيتي‪.‬‬ ‫وللصخور التي تكونت من الترسبات املائية‪ ،‬أهمية خاصة‪ ،‬إذ إنها‬ ‫قد حتتفظ بعالمات مميزة على وجود حياة سابقة إن كان ثمة وجود‬ ‫فعلي لهذه احلياة‪ .‬وخالل بحث كيوريوسيتي عن معلومات عن تاريخ‬ ‫املريخ‪ ،‬فإنها س ُتلقي‪ ،‬بطريقة غير مباشرة‪ ،‬ضوءا على مرحلة من تاريخ‬ ‫األرض كانت غائبة كليا تقريبا عن سجلنا اجليولوجي‪ ،‬وهي مرحلة‬ ‫رمبا ال يكون فيها الكوكبان (األرض واملريخ) قد انفصال بعد‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫أن يبدأ املريخ بتصحر شديد‪ ،‬وتشرع األرض في البروز إلى الوجود‪.‬‬ ‫ويبقى الهدف النهائي لعلم الكواكب هو فهم عاملنا فهما أفضل‪.‬‬ ‫( ) ‪Gale Crater‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫مطياف أشعة سينية‬ ‫جلسيمات ألفا‬ ‫‪alpha-particle X-ray‬‬ ‫‪ spectrometer‬سيقوم‬

‫بتحديد كيمياء الصخور والتربة‪،‬‬ ‫وهي في موقعها األصلي‪.‬‬

‫‪Mars 3-D: A Roverʼs-Eye View of the Red Planet. Jim Bell. Sterling,‬‬ ‫‪2008.‬‬ ‫‪Beyond Water on Mars. John Grotzinger in Nature Geoscience,‬‬ ‫‪Vol. 2, pages 231-233; April 2009.‬‬ ‫‪Paleoclimate of Mars as Captured by the Stratigraphic Record‬‬ ‫‪in Gale Crater. R. E. Milliken, J. P. Grotzinger and B.J. Thomson‬‬ ‫;‪in Geophysical Research Letters, Vol. 37, Article No. L04201‬‬ ‫‪February 19, 2010.‬‬ ‫‪Mars Science Laboratory Web site: http://marsprogram.jpl.nasa.‬‬ ‫‪gov/msl‬‬

‫‪Scientific American, July 2012‬‬

‫‪7‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫مفاتيح مخفية في العقل‬

‫( )‬

‫ميكن لتجارب احلياة أن ُتسهم في نشوء األمراض النفسية بصورة مفاجئة‪:‬‬ ‫إنها تسبب تبدالت عبر «التخلّق املتوالي» ‪ ،epigenetic changes‬وهي تب ّدالت‬ ‫ُتش ّغل اجلينات أو ُتوقفها عن العمل من دون أن ُتدخل تعديالت عليها‪.‬‬ ‫>‪ .J .E‬نيسلر<‬

‫يعمل >مات< مدرسا للتاريخ‪ ،‬وأخوه التوأم >گريگ<‪ ،‬مدمن‬ ‫مخ ّدرات (مت تغيير اسميهما حلماية سر ّيتهما‪ ).‬لقد ك ُبرا معا‬ ‫في منطقة بوس� � ��طن‪ ،‬وكالهما أبلى بالء حسنا في املدرسة‬ ‫الثانوية‪ :‬كانا طالبني جيدين في قاعة الدراس� � ��ة ورياض ّيينْ‬ ‫خلوق� �ْي��نْ في امليدان‪ ،‬وكانا منس� � ��جمني مع زمالئهما‪ .‬ومثل‬ ‫كثيرين من الشباب‪ ،‬قام األخوان أحيانا باحتساء البيرة أو‬ ‫تدخني السگائر وجتريب احلشيش (املاريوانا) خلسة‪ .‬وبعد‬ ‫ذلك‪ ،‬وفي اجلامعة‪ ،‬جرب� � ��ا الكوكائني‪ ،‬وهذه التجربة غيرت‬ ‫مجرى حياة >گريگ<‪.‬‬ ‫في بادئ األمر‪ ،‬كان>گريگ< قادرا على أداء مهامه بشكل‬ ‫اعتي� � ��ادي – حضور ال� � ��دروس واحلفاظ عل� � ��ى العالقات مع‬ ‫األصدقاء؛ ولكنه س� � ��رعان ما ص� � ��ار يهتم باملخ ّدرات اهتماما‬ ‫بالغا ولم يعد بوس� � ��عه االستغناء عنها‪ .‬ترك >گريگ< املدرسة‬ ‫ومارس سلس� � ��لة م� � ��ن املهن اخلدمية في مجال� � ��ي بيع الطعام‬ ‫اجلاهز والبيع بالتجزئ� � ��ة‪ .‬ونادرا ما احتفظ مبوقعه ألكثر من‬ ‫ش� � ��هر أو اثنني‪ ،‬ل ُيطرد عموما من العمل بسبب إهماله للكثير‬ ‫من واجباته أو مجادلة الزبائن وزمالء العمل‪ .‬وتزايد س� � ��لوكه‬ ‫عصبي� � ��ة ّ‬ ‫باطراد ليصبح عنيفا أحيانا‪ ،‬واعتُقل مرارا بس� � ��بب‬ ‫جلوئه إلى السرقة لتلبية متطلبات عادته‪ .‬فشلت عدة محاوالت‬ ‫ملعاجلته‪ ،‬وعندما أرس� � ��لت احملكم ُة >گريگ< إلى مستش� � ��فى‬ ‫ومش ّردا‪ :‬منبوذا‬ ‫نفسي للتقييم كان بعمر ‪ 33‬سنة وكان ُمعدما ُ‬

‫من عائلته وأسيرا إلدمانه‪.‬‬ ‫ما الذي جعل >گريگ< ش� � ��ديد االس� � ��تعداد لتلبية نداء‬ ‫الكوكائني إل� � ��ى احل ّد الذي حطّ م فيه املخ � � � ّدر حياته كل ّيا؟‬ ‫وكيف تصرف توأم� � ��ه املتماثل‪ ،‬والذي يش� � ��اركه اجلينات‬ ‫يؤهب‬ ‫نفس� � ��ها متام� � ��ا‪ ،‬لينجو من مصي� � ��ر مماثل؟ كي� � ��ف ّ‬ ‫التع � � � ّرض للمخ ّدرات بع� � ��ض األفراد إلدم� � ��ان دائم‪ ،‬بينما‬ ‫يس� � ��تطيع آخرون جتاوز حماقات الش� � ��باب واالس� � ��تمرار‬ ‫مبمارسة حياة منتجة؟‬ ‫هذه األس� � ��ئلة ليست جديدة‪ ،‬لكن علماء اجلهاز العصبي‬ ‫‪ neuroscientists‬بات� � ��وا يتبعون أس� � ��لوبا حديثا للحصول على‬ ‫األجوبة‪ ،‬مقتبسني من اكتش� � ��افات حتققت في ميادين أخرى‬ ‫س� � ��ابقا‪ .‬فخالل الس� � ��نوات العش� � ��ر املاضية كش� � ��ف علماء‬ ‫البيولوجي� � ��ا‪ ،‬خالل دراس� � ��تهم التطور اجلنيني والس� � ��رطان‪،‬‬ ‫منظومة واسعة من اآلليات اجلزيئية التي تسمح للبيئة بتعديل‬ ‫منط سلوك اجلينات من دون أن تُغ ّير ما حتتويه من معلومات‪.‬‬ ‫فبدال م� � ��ن أن تقوم التعديالت بالتخلّ���ق املتوالي ‪epigenetic‬‬ ‫بتطفي���ر اجلينات(‪ ،)1‬فإنها تُعدها على نحو يمُ كنُها من تغيير‬ ‫درجة نشاطها ملدة قد تستمر مدى احلياة‪.‬‬ ‫( ) ‪HIDDEN SWITchES IN THE MIND‬‬

‫(‪ = mutating genes )1‬إحداث طفرات فيها‪.‬‬ ‫(‪epigenetic marks on chromosomes )2‬‬

‫باختصار‬ ‫توحي موج� � ��ودات جدي� � ��دة أنّ جتارب احلياة ميكن أن تس� � ��هم‬

‫في نش� � ��وء األمراض النفسية بإضافة واس���مات متعلقة بالتخلق‬ ‫املتوالي إلى الصبغيات(‪ )2‬أو إزالتها‪ .‬وهذه الواس� � ��مات هي مواد‬

‫كيميائية مع ّينة ميكن أن تؤ ّثر في نشاط اجلينات دون تب ّدل املعلومات‬ ‫املك ّودة فيها‪.‬‬ ‫تُظهر الدراس� � ��ات على الفئ� � ��ران دورا للتعدي� �ل��ات بالتخ ّلق املتوالي‬

‫‪8‬‬

‫الطويلة األمد في اضطرابات مثل اإلدمان واالكتئاب‪.‬‬ ‫ميكن أن تؤ ّثر التبدالت بالتخلّق املتوالي أيضا في سلوك األم بطرائق‬ ‫تعيد إنتاج الس� � ��لوك ذاته عند أبنائها‪ ،‬مع أنّ هذه التبدالت لم تعبر إليها‬ ‫جلرم ّية (اجلنسية)‪.‬‬ ‫عبر اخلاليا ا ُ‬ ‫يأمل الباحثون أ ْن تقود املوجودات اجلديدة إلى طرق معاجلة أفضل‪،‬‬ ‫على الرغم من أن السبيل إلى ذلك ليس واضحا بعد‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Eric J. Nestler‬‬

‫<نيس� � ��لر> أس� � ��تاذ العلوم العصبية مبجموعة ناش‬ ‫‪ ،Nash‬ومدي� � ��ر معه� � ��د فريدم� � ��ان ‪ Friedman‬للدماغ‬ ‫في مركز ماونت س� � ��يناي الطب� � ��ي مبدينة نيويورك‪.‬‬ ‫ير ّكز مختبره على كش� � ��ف اآلليات اجلزيئية إلدمان‬ ‫املخدرات واالكتئاب‪.‬‬

‫لقد بدأنا اآلن في مختبرنا ومختبرات‬ ‫أخ� � ��رى تعمل ف� � ��ي امليدان ذات� � ��ه‪ ،‬برصد‬ ‫مؤش� � ��رات على أنّ التعدي� �ل��ات بالتخ ّلق‬ ‫املتوالي الناجمة عن استخدام املخ ّدرات‬ ‫أو ع� � ��ن الك� � ��رب املزمن‪ ،‬ميك� � ��ن أن تغ ّير‬ ‫الطريقة التي يستجيب بها الدماغ لتجارب‬ ‫احلي� � ��اة‪ :‬إنها تُع ّد الف� � ��رد للتفاعل مبرونة‬ ‫أو لالستس� �ل��ام لإلدم� � ��ان أو لالكتئ� � ��اب‬ ‫أو ملجموع� � ��ة من االضطرابات النفس� � ��ية‬ ‫األخ� � ��رى‪ .‬ومع أنّنا ما زلن� � ��ا في املراحل‬ ‫املبكرة لفهم هذا التفاعل اجلزيئي الشديد‬ ‫بني اجلينات والبيئة‪ ،‬فنحن متفائلون بأنّ‬ ‫م� � ��ا نتع ّلمه ق� � ��د يقود إلى ط� � ��رق معاجلة‬ ‫أفضل له� � ��ذه احلاالت املدم� � ��رة – ورمبا‬ ‫يرفدن� � ��ا بإضاءات جدي� � ��دة لكيفية انتقال‬ ‫املرض النفسي من جيل إلى آخر‪.‬‬ ‫وراء اجلينات‬

‫( )‬

‫لفك طالس� � ��م تأثيرات التخ ّلق املتوالي على املرض‬ ‫إن جهودنا ّ‬ ‫النفس� � ��ي تس� � ��اعد على ملء فراغات تركته� � ��ا لعقود األبحاث‬ ‫والتوحد‬ ‫الس� � ��ابقة حول اجلذور اجلينية لإلدم� � ��ان واالكتئاب‬ ‫ّ‬ ‫والفص� � ��ام واضطراب� � ��ات نفس� � ��ية أخ� � ��رى‪ .‬إن هذه املآس� � ��ي‬ ‫العصبية هي اضطرابات موروثة(‪ )1‬إلى حد كبير‪ ،‬شأنها في‬ ‫ذلك ش� � ��أن معظم احلاالت الصحية الشائعة‪ .‬فنصف اختطار‬ ‫(احتم� � ��ال خطر) اإلدمان أو االكتئاب ه� � ��و تقريبا جيني(‪– )2‬‬ ‫وه� � ��و أكبر من االختطار اجليني الرتفاع ضغط الدم أو ملعظم‬ ‫الس� � ��رطانات‪ .‬ولكن اجلينات ليست كلّ شيء‪ ،‬وكما رأينا مع‬ ‫>گري� � ��گ< و>مات<‪ ،‬فحت� � ��ى امتالك جينات متماثلة ال يش� � ��كل‬ ‫ضمانا إلصابة الشخصني باملرض ذاته‪ .‬بل إنّ االضطرابات‬

‫تترس� � ��خ باملُ ْدخالت البيئية –‬ ‫النفس� � ��ية عند املستعدين جينيا‬ ‫ّ‬ ‫كالتع � � � ّرض للمخ ّدرات أو للكرب – وق� � ��د تتأثر حتى بأحداث‬ ‫جزيئية عش� � ��وائية حتدث في أثناء النم ّو‪ .‬وال يوجد شخصان‬ ‫ميتلكان التجارب ذاتها أو التاريخ التطوري ذاته متاما‪.‬‬ ‫وهكذا يصبح الس� � ��ؤال‪ :‬ما هي اآلليات التي تس� � ��تطيع‬ ‫من خاللها املُ ْدخالت البيئية ممارسة الدور الذي تؤديه في‬ ‫نشوء املرض النفسي؟ اجلواب واضح على أحد املستويات‪:‬‬ ‫جتتمع الطبيعة والتنشئة معا في اخلاليا العصبية بالدماغ‪.‬‬ ‫تعالج هذه اخلاليا ّ‬ ‫كل شيء نواجهه – سواء أكان مشاهدة‬ ‫( ) ‪BEYOND GENES‬‬ ‫(‪heritable )1‬‬ ‫(‪genetic )2‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪9‬‬


‫أساسيات‬

‫الوراثيات مقابل علم التخ ّلق‬

‫( )‬

‫(‪)1‬‬

‫ج���اء العدي���د من اإلضاءات اجلديدة لألمراض النفس���ية من دراس���ة‬ ‫التعدي�ل�ات بالتخلّ���ق املتوال���ي عل���ى اجلين���ات‪ ،‬وه���ي تختل���ف عن‬ ‫الطف���رات اجلينية (في األس���فل)‪ .‬وكال النوع�ي�ن من التعديالت ميكن‬ ‫أن يؤدي إلى اضطرابات في وظائف الدماغ واألنسجة األخرى‪.‬‬

‫غالبا ما تغ ّير الطفرات‬ ‫اجلينية املعنى‬

‫ّ‬ ‫تشكل نيوكليوتيدات اجلني‬ ‫ّ‬ ‫مخطط‬ ‫(حروف التكويد)‬ ‫بروتني ما (في األعلى)‪ .‬ميكن‬ ‫حلرف خطأ أو طفرة أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫أن تفسد البروتني الناجت (في‬ ‫األسفل) أو تسبب زيادة كبيرة‬ ‫أو نقصا كبيرا في إنتاجه‪.‬‬

‫البروتني املكوّ د‬ ‫نسخة الرنا‬ ‫من اجلني‬ ‫إنزمي‬ ‫نيوكليوتيد‬

‫جني فاعل‬ ‫(زهري)‬

‫بروتني زائغ‬

‫دنا‬

‫طفرة‬

‫التبدّالت بالتخ ّلق املتوالي تحُ دث تعديال في النشاط‬

‫تتموضع الواسمات الكيميائية املعروفة بعالمات التخ ّلق املتوالي في‬ ‫أعلى اجلينات‪ ،‬إما على الدنا ‪ DNA‬ذاته أو على البروتينات الهيستونية‬ ‫التي يلتف حولها (في األسفل)‪ .‬وميكن للتغيّرات في مزيج من هذه‬ ‫العالمات أن تعدّل سلوك اجلني إما بتعطيله‪ ،‬فيتثبّط تخليق البروتني‪ ،‬أو‬ ‫بتنشيطه – ّ‬ ‫وكل هذا يحدث دون تبدّل املعلومات التي يحويها اجلني‪.‬‬

‫فيلم أم عناقا أم استنشاق كوكائني أم تفكيرا فيما سنتناول‬ ‫على العش� � ��اء – ثم تتش� � ��ارك املعلومات فيما بينها بإطالق‬ ‫م� � ��واد كيميائي� � ��ة وتع ّرفها‪ُ .‬تدعى ه� � ��ذه امل� � ��واد الكيميائية‬ ‫بالنواقل العصبي���ة ‪ ،neurotransmitters‬وهي مواد ميكنها‬ ‫تنش� � ��يط خاليا عصبية معينة أو تثبيطها‪ ،‬وبالتالي تشغيل‬ ‫مجموع� � ��ة من اجلينات املس� � ��تجيبة أو إيقافه� � ��ا عن العمل‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن تعي� �ي��ن هوية اجلينات التي تتأثر بناقل عصبي‬ ‫بعينه يساعدنا على حتديد الكيفية التي تستجيب بها إحدى‬ ‫اخلاليا العصبية لتجربة م� � ��ا من جتارب احلياة‪ ،‬ويتيح لنا‬ ‫ف� � ��ي النهاية تعرف أمناط س� � ��لوك الش� � ��خص التي حتددها‬ ‫كيفية االستجابة هذه‪.‬‬ ‫إن العديد من هذه التأثيرات يزول س� � ��ريعا‪ .‬فعلى س� � ��بيل‬ ‫املثال‪ ،‬يفضي التع ّرض للكوكائني إلى تنش� � ��يط مركز املكافأة‬ ‫‪ reward center‬ف� � ��ي الدم� � ��اغ‪ ،‬ويثي� � ��ر بالتالي غبط���ة مفرطة‬ ‫(ش���مق) ‪ euphoria‬عابرة س� � ��رعان ما تبه� � ��ت على وقع عودة‬ ‫منظومة املكافأة إلى وضعها الس� � ��ابق‪ .‬وال يزال غامضا كيف‬ ‫ميك� � ��ن للمخ ّدرات أو الكرب أو جتارب احلياة األخرى إحداث‬ ‫تأثيرات أطول أمدا جتعل الفرد يستسلم لالكتئاب أو اإلدمان‪.‬‬ ‫لق� � ��د بدأ الكثير من علماء اجلهاز العصب� � ��ي يعتقدون أنّ علم‬ ‫التخ ّلق سوف ُيسهم في تقدمي إجابات عن ذلك‪.‬‬ ‫صنع العالمات‬ ‫ُ‬

‫( )‬

‫بروتينات‬ ‫هيستونية‬ ‫ذيل هيستوني‬

‫عالمات التخ ّلق املتوالي‬

‫ُ‬ ‫بعض عالمات التخ ّلق املتوالي اجلينات من خالل‬ ‫اجلني ُمغلق (معطّ ل)‪ :‬تثبّط‬ ‫حتريض التطوّ ي احملكم للكروماتني (الدنا املع ّقد مع بروتينات هيستونية وبروتينات‬ ‫أخرى) لتمنع قراءة اجلينات‪ ،‬وتؤدي مجموعات امليثيل أحيانا هذا الدور‪.‬‬ ‫جني عاطل‬

‫مجموعة‬ ‫ميثيل‬

‫كروماتني‬

‫اجلني مفتوح (فاعل)‪ :‬تُعنى عالمات أخرى‪ ،‬مثل مجموعات األسيتيل‪ ،‬ب َرفْع‬ ‫نشاط اجلني من خالل مساعدتها للكروماتني على االنبساط‪.‬‬ ‫بروتني‬

‫مجموعة أسيتيل‬ ‫جني فاعل‬

‫لفهم م� � ��ا لفت انتباهنا إل� � ��ى علم التخلّق‪ ،‬فإن� � ��ه من املجدي‬ ‫أن نع� � ��رف قليال عن كيفية تنظيم نش� � ��اط اجل� �ي��ن‪ .‬واجلنيُ‪،‬‬ ‫مبس� � ��ط‪ ،‬هو قطعة من الدنا ‪ DNA‬حت ّدد في احلاالت‬ ‫بتعبير ّ‬ ‫النموذجية تركيب البروتني؛ والبروتينات تن ّفذ معظم العمليات‬ ‫في اخلاليا‪ ،‬وبذا فهي تضبط سلوك اخللية‪ .‬والدنا هذا ليس‬ ‫مرميا عشوائيا في نواة اخللية‪ ،‬بل هو ملفوف كالتفاف احلبل‬ ‫على البكرة حول عناقيد من البروتينات تُدعى الهيستونات‬ ‫‪ ،histones‬ومص� � ��رور ‪ -‬إضافة إلى ذل� � ��ك ‪ -‬في ُبنى ندعوها‬ ‫الصبغيات ‪ .chromosomes‬أما جتميعة الدنا مع البروتني في‬ ‫الصبغيات فتُسمى «الكروماتني» ‪.chromatin‬‬ ‫ليس� � ��ت الغاية من حتزمي الدنا على النحو املذكور مجرد‬ ‫احلف� � ��اظ على النواة مرتّبة‪ ،‬فهو يس� � ��اعد أيض� � ��ا على تنظيم‬ ‫س� � ��لوك اجلينات املقيمة‪ ،‬حيث يهدف احل ْزم األش ّد إلى إبقاء‬ ‫اجلينات عل� � ��ى حالة عطالة‪ ،‬فهو يقيها م� � ��ن وصول املاكنات‬ ‫‪ machinery‬املش � � � ِّغلة للجين� � ��ات‪ .‬ففي اخللي� � ��ة العصبية‪ ،‬على‬ ‫( ) ‪Genetics vs. Epigenetics‬‬ ‫( ) ‪MAKING MARKS‬‬

‫(‪ :genetics )1‬الوراثيات أو علم الوراثة‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫ئني)‬ ‫وكا‬ ‫(ك‬ ‫بي‬ ‫جتري‬

‫‪a‬‬

‫‪b‬‬

‫اكتشافات‬

‫شا‬ ‫هد (دون كو‬ ‫كائني)‬

‫علم َتخ ُّلق اإلدمان‬

‫( )‬

‫أظه���رت الدراس���ات عل���ى الفئ���ران أنّ التع��� ّرض املزمن‬ ‫للكوكائ�ي�ن ُيح���دث تغي���را في ت���وازن عالم���ات التخ ّلق‬ ‫املتوالي في جينات مركز املكافأة في الدماغ‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يؤدي إلى ازدياد حساس���ية ه���ذه احليوانات لتأثيرات‬ ‫املخدّر ويجعلها أكثر عرضة لإلصابة باإلدمان‪.‬‬

‫مجموعة أسيتيل‬ ‫بروتني‬

‫جني مثبّط‬

‫ما الذي يتغ ّير بالضبط؟‬

‫حتى جرعة وحيدة من الكوكائني ميكن أن تغ ّير مشهد‬ ‫التخ ّلق املتوالي للجينات في النواة املتكئة التي هي جزء‬ ‫تغلب عالمات‬ ‫من مركز املكافأة‪ .‬ففي غياب املخدّرات )‪،(a‬‬ ‫ُ‬ ‫امليثيل ُمبقية الكروماتني املتأثّر محزوما بإحكام وجيناته‬ ‫صامتة‪ .‬يؤدي الكوكائني إلى هيمنة مجموعات األسيتيل‬ ‫وانفكاك الكروماتني )‪ ،(b‬األمر الذي يترتب عليه تفعيل‬ ‫العديد من اجلينات املكوّ دة للبروتينات التي تؤدي دورا في‬ ‫نشوء اإلحساس باملتعة استجابة للمخدّر‪.‬‬

‫مجموعة ميثيل‬

‫جني فاعل‬

‫نواة متكئة‬

‫تعرض مزمن‬

‫دون كوكائني‬

‫تعرض أولي للكوكائني‬

‫مرتفعة‬ ‫فعالية‬

‫‪D‬‬

‫‪C‬‬

‫‪B‬‬

‫‪A‬‬

‫بعد أسبوع دون مخدّر‪:‬‬ ‫تبقى بعض اجلينات‬ ‫مفرطة النشاط‬

‫‪D‬‬

‫‪C‬‬

‫‪B‬‬

‫‪A‬‬

‫‪D‬‬

‫‪C‬‬

‫‪B‬‬

‫‪A‬‬

‫بعد أسبوع دون مخدّر‪:‬‬ ‫يعود نشاط اجلينات‬ ‫إلى حالته السوية‬

‫‪D‬‬

‫‪C‬‬

‫‪B‬‬

‫‪A‬‬

‫‪D‬‬

‫‪C‬‬

‫جني‬

‫‪B‬‬

‫‪A‬‬

‫منخفضة‬

‫تأثيرات مستدامة‬

‫يرفعُ التع ّر ُ‬ ‫األولي للكوكائني مؤقتا فعالية العديد من اجلينات ( ُم ّثلت تخطيطيا بالتبدالت‬ ‫ض‬ ‫ّ‬ ‫في ‪ B‬و‪ C‬و‪ ،D‬اليمني القريب)‪ ،‬ولكنها سرعان ما تعود مجددا إلى نقطة االنطالق‪ .‬إال أنّ‬ ‫التع ّرض املزمن له تأثيرات أكثر تعقيدا‪ :‬فهو يجعلُ بعض اجلينات أقل حساسية للمخدّر‬ ‫(‪ ،B‬أقصى اليمني)‪ ،‬بينما يرفع فعالية جينات أخرى ألكثر مما كانت عليه من قبل (‪ C‬و‪،)D‬‬ ‫حيث تبقى بعض هذه اجلينات مفرطة الفاعلية لوقت يتجاوز احلد الطبيعي‪.‬‬

‫سبيل املثال‪ ،‬تكون اجلينات التي تك ّود إلنزميات الكبد مدفونة‬ ‫في مناطق صبغية محزومة بإحكام‪ .‬لكن‪ ،‬وعندما تكون هناك‬ ‫حاجة إلى جني ما‪ ،‬فإن قس� � ��م الدنا ‪ DNA‬الذي يس� � ��تق ّر فيه‬ ‫هذا اجلني يس� � ��ترخي قليال ويس� � ��مح بعبور املاكنات اخللوية‬ ‫التي تنتسخ الدنا إلى ضفيرة من الرنا ‪ ،RNA‬تلك الضفيرة‬ ‫التي ستس� � ��تخدم بعد ذلك في أكثر احل� � ��االت كقالب إلنتاج‬ ‫البروت� �ي��ن املك ّود‪ .‬فتنبيه خلية عصبية‪ ،‬على س� � ��بيل املثال‪ ،‬قد‬ ‫يح ّثها على تنشيط استنساخ اجلينات املكوِّ دة ‪genes coding‬‬ ‫لبعض النواقل العصبية مما يؤ ّدي إلى زيادة في تصنيع تلك‬ ‫اجلزيئات ح ّمالة الرسائل‪.‬‬ ‫وأن تك� � ��ون قطع� � ��ة م� � ��ن الكروماتني مس� � ��ترخية (جاهزة‬

‫للتفعي� � ��ل) أو منقبضة (مغلقة بصورة دائم� � ��ة أو مؤقتة) لهو‬ ‫أمر يتأثر بعالمات التخ ّلق املتوالي‪ :‬واسمات كيميائية ترتبط‬ ‫بالهيس� � ��تونات أو بالدنا ذاته‪ ،‬حيث ميكن لهذه الواسمات أن‬ ‫تتخذ أش� � ��كاال مختلفة‪ ،‬وتخْ لقُ سوية نوعا من الكود يدل على‬ ‫درجة اإلحكام التي ينبغي أن يتم بها حزم الكروماتني‪ ،‬وعلى‬ ‫ما إذا كان استنس� � ��اخ اجلينات املس� � ��تبطنة أم� � ��را ال بد منه‬ ‫[انظر اإلطار في الصفحة املقابلة]‪ .‬وما يحدد درجة النشاط‬ ‫التي ميكن أن يكون عليها اجلني هو طبيعة الوسم التي يتميز‬ ‫بها الكروماتني احمليط به‪.‬‬ ‫تقوم تش� � ��كيلة من اإلنزميات بإج� � ��راء تعديالت التخ ّلق‬ ‫( ) ‪Epigenetics of Addiction‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪11‬‬


‫املتوالي‪ ،‬حيث يضيف بعضها الواسمات الكيميائية ويزيلها‬ ‫بعضها اآلخر‪ .‬وقد أطلق >‪ .D .C‬أليس< [من جامعة روكفيلر]‬ ‫وهو من القياديني في هذا املجال‪ ،‬على هذه اإلنزميات تسمية‬ ‫«كتب���ة(‪ »)1‬كود التخلّق املتوالي و«ماحياته(‪ .»)2‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬اإلنزمي املعروف باسم ناقلة أسيتيل الهيستونات‬ ‫‪ ،histone acetyltransferase‬والذي يربط مجموعة أس� � ��يتيل‬ ‫ببروت� �ي��ن الهيس� � ��تون‪ ،‬كاتب‪ ،‬أما إن� � ��زمي نازعة أس���يتيل‬ ‫الهيس���تونات ‪ histone deacetylase‬فيزي� � ��ل ه� � ��ذه العالمة‪،‬‬ ‫وهو ماح‪ .‬وم� � ��ن ثم تقوم هذه العالم� � ��ات بجذب بروتينات‬ ‫أخ� � ��رى تؤدي دور «ال ُق���رّاء(‪ .»)3‬تتحد الق ّراء مع واس� � ��مات‬ ‫ني احمليط بها‬ ‫تخلّق متوال مع ّينة‪ ،‬ومتكّ ن الق� � ��را ُء الكرومات َ‬ ‫من االنبس� � ��اط أو االنقب� � ��اض من خالل جتني� � ��د بروتينات‬ ‫تنظيمية أخرى من ّبهة أو ُمث ّبطة الستنساخ اجلينات املقيمة‪.‬‬ ‫فالهيستونات الش� � ��ديدة األستلة‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬جتذب‬ ‫الق ّراء املعنية ببس� � ��ط الكروماتني وبس� � ��ط بروتينات أخرى‬ ‫معزّزة للنش� � ��اط اجلين� � ��ي‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬فإن الهيس� � ��تونات‬ ‫تغص مبجموعات امليثيل جتذب ُق ّراء قادرة على كبح‬ ‫التي‬ ‫ّ‬ ‫االستنساخ أو حتفيزه على حد سواء‪ ،‬وذلك بحسب موقع‬ ‫عالمات امليثيل بالضبط‪.‬‬ ‫ميكن للبيئة أن تؤ ّثر في نش� � ��اط اجلينات من خالل نظمها‬ ‫لس� � ��لوك كتب ِة التخلّق املتوالي وماحياته‪ ،‬أي وبتعبير أدقّ من‬ ‫لوس � � � ُم الكرومات� �ي��ن وإعادة هيكلت� � ��ه‪ .‬أما املدة‬ ‫خالل نظمها ْ‬ ‫الزمنية لفعال ّية الواس� � ��مات‪ ،‬فق� � ��د تكون أحيانا قصيرة بحيث‬ ‫تسمح خللية عصبية‪ ،‬مثال‪ ،‬باالستجابة السريعة لتنبيه شديد‬ ‫بتولي� � ��د دفقة مديدة من الناقل العصبي‪ .‬غير أن الواس� � ��مات‪،‬‬ ‫في أغلب األحيان‪ ،‬تستمر لشهور أو سنوات – أو حتى مدى‬ ‫حي� � ��اة املتعضي (الكائن احل���ي) ‪ :organism‬وخير مثال على‬ ‫ذلك هو ما نعرفه عن تقوي� � ��ة أو إضعاف الوصالت العصبية‬ ‫املشاركة في عملية تدوين الذكريات‪.‬‬ ‫وهك� � ��ذا ميكن إلضاف� � ��ة مجموعات األس� � ��يتيل وامليثيل –‬ ‫وعالمات أخرى – وإزالتها أن تساعد الدماغ على االستجابة‬ ‫للتحديات البيئي� � ��ة وجتارب احلياة‪ ،‬والتك ّيف معها‪ .‬بيد أنّ ما‬ ‫جنده اآلن في مختبرنا وغيره من الدراسات على احليوان‪ ،‬هو‬ ‫أنّ عمليات التخ ّل� � ��ق املتوالي املفيدة هذه قد ُت ْخ ِف ُق في حاالت‬ ‫كاإلدمان واالكتئ� � ��اب‪ ،‬حيث ميكن أن ي� � ��ؤدي تغ ّير املصفوفة‬ ‫الس� � ��وية للتعديالت إلى إثارة الش� � ��هوات أو حتريض مشاعر‬ ‫الهزمية‪ ،‬أو يؤهب احليوان بطريقة ما إلى سوء تك ّيف يستمر‬ ‫طوال عمره‪ .‬ويوحي فحص نسيج الدماغ البشري بعد الوفاة‬ ‫بأنّ األمر رمبا ال يختلف عند اإلنسان‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫مهيأ لإلدمان‬

‫( )‬

‫تنطلق املوجودات اخلاصة باإلدمان مما سبقها من إضاءات‬ ‫لكيفي� � ��ة اس� � ��تيالء املخ ّدرات على مركز املكافأة الس� � ��وي في‬ ‫الدم� � ��اغ‪ .‬وقد توصل العديد من الدراس� � ��ات إلى الكش� � ��ف‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬عن وجود تبدالت كبيرة في فعالية اجلينات اس� � ��تجابة‬ ‫للكوكائني أو األفيونات أو املواد األخرى املس � � � ّببة لإلدمان‪،‬‬ ‫وع� � ��ن أنّ بعض هذه التبدالت ف� � ��ي التعبير اجلين���ي ‪gene‬‬ ‫‪ expression‬تستمر حتى بعد شهور من الفطام (االمتناع عن‬ ‫تناول املخ ّدر)‪ ،‬علما بأن الباحثني ما زالوا يعانون صعوبات‬ ‫ج ّمة في تقدمي تفس� � ��ير لآللية الكامنة خلف هذه االستدامة‪.‬‬ ‫وبالنظ� � ��ر إلى أن تأثيرات التبدالت بالتخلّق املتوالي ميكن أن‬ ‫تكون طويل� � ��ة األمد‪ ،‬فقد بدأنا في مختبرنا قبل نحو عش� � ��ر‬ ‫س� � ��نوات ببحث م� � ��ا إذا كان الكوكائني ق� � ��ادرا على أن يب ّدل‬ ‫فعالي� � ��ة اجلينات في مركز املكاف� � ��أة في الدماغ من خالل ما‬ ‫ُيحدثه من تغيير في وسمها التخلّقي املتوالي‪ .‬وألنّ الكوكائني‬ ‫قوي يس� � ��بب اإلدمان عند احليوانات والبشر على حد‬ ‫مخ ّدر ّ‬ ‫س� � ��واء‪ ،‬فإن تأثيرات� � ��ه املديدة ميكن أن تُدرس بس� � ��هولة في‬ ‫الظروف املختبرية‪.‬‬ ‫وما وجدن� � ��اه هو أن جرعة وحيدة م� � ��ن الكوكائني تحُ دث‬ ‫تغ ّيرات ش� � ��ديدة وواسعة النطاق في التعبير اجليني‪ ،‬وهو ما‬ ‫ُيظهره قياس تراكيز جزيئات الرنا املرسال ‪ mRNA‬بوصفها‬ ‫الدليل املباش� � ��ر على تنش� � ��يط اجلني‪ .‬فبعد ساعة واحدة من‬ ‫تلقي الفئران للحقنة األولى من الكوكائني‪ ،‬أخذ نحو ‪ 100‬جني‬ ‫جديد في االشتغال‪ .‬واألكثر إثارة من ذلك هو ما يحدث عند‬ ‫احليوانات بعد إعطائها املخدر ملدة طويلة‪ ،‬حيث إن بعضا من‬ ‫اجلينات التي ّ‬ ‫تتنش� � ��ط بعد التع ّرض للكوكائني لفترة وجيزة‪،‬‬ ‫تتوق� � ��ف عن العمل بعد التعرض له ّ‬ ‫كل يوم‪ ،‬األمر الذي يعني‬ ‫أن هذه اجلينات تفقد حساسيتها جتاه املخ ّدر‪.‬‬ ‫ب ْي� � ��د أنّ ع� � ��ددا أكبر بكثير من اجلينات يس� � ��لك الس� � ��لوك‬ ‫املعاكس متاما‪ :‬فمع أنّها تتنش� � ��ط مؤقتا بعد تعرضها األولي‬ ‫للكوكائني‪ ،‬فإن تع ّرضها املزمن له يرفع مس� � ��تويات نش� � ��اطها‬ ‫حتى إل� � ��ى أعلى مما كان عليه‪ ،‬حيث يس� � ��تمر هذا النش� � ��اط‬ ‫املرتف� � ��ع إلى م� � ��ا بعد اجلرع� � ��ة األخيرة بأس� � ��ابيع في بعض‬ ‫حساسة جدا‬ ‫احلاالت‪ .‬واألكثر من ذلك هو بقاء هذه اجلينات ّ‬ ‫للكوكائني لبعض الوقت حتى بعد إيقاف املخ ّدر عن احليوان‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن االس� � ��تخدام املزمن للكوكائني يش� � ��حن أو ُيج ّهز‬ ‫أي يسمح لها بأن «تتذ ّكر»‬ ‫هذه اجلينات للتنشيط املستقبلي‪ْ ،‬‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪PRIMED FOR ADDICTION‬‬ ‫‪writers‬‬ ‫‪erasers‬‬ ‫‪readers‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫ٌ‬ ‫منط جدي ٌد للتوريث‬

‫والدتي‪ ،‬نفسي‬

‫( )‬

‫أظه���رت الدراس���ات عل���ى اجل���رذان أنّ التخلّ���ق املتوالي ميكن ل���ه أن يؤثّر‬ ‫جيل إلى تاليه بالعمل‬ ‫ف���ي س���لوك األم‪ّ ،‬‬ ‫وأن هذا التأثير ميك���ن أن يعبر من ٍ‬ ‫عل���ى دماغ املولود وحده‪ ،‬دون تعديل عل���ى اخلاليا اجلُ رم ّية‪ .‬فعندما يولد‬ ‫الصغي���ر‪ ،‬تك���ون جيناته التي تش���ارك في نظ���م اس���تجاباته للكرب مزودة‬ ‫بعالم���ات امليثي���ل التثبيطية‪ ،‬مما يزيد من حساس���يته لل َك��� ْرب‪ .‬فإذا تربت‬

‫املوالـيد على يد أ ٍّم هـادئة ويقظة‪ ،‬فإن العديد من مجموعات امليثيل س���وف‬ ‫تتالش���ى لديه���ا‪ ،‬فتصبح هذه احليوانات أكثر ه���دوءا‪ .‬وعندما تنضج هذه‬ ‫أن تنشئة املواليد على‬ ‫املواليد س���تكون‪ ،‬هي أيضا‪ ،‬آباء هادئة ويقظة‪ .‬بيد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سلبية يسكنها اخلوف ميكن أن تؤدي إلى اكتساب جيناتها لعالمات‬ ‫يد أ ٍّم‬ ‫امليثيل‪ ،‬ويفضي بها إلى أن تصبح راعية عصبية ومهملة بعد كبرها‪.‬‬

‫ستكب ُر الصغيرة‬ ‫لتصبح ُأما‬ ‫هادئة ويقظة‬

‫سيكب ُر الصغير‬ ‫ليصبح أبا عصبيا‬ ‫ومهمال‬

‫األمومة املهملة‬ ‫تسبب إضافة‬ ‫عالمات امليثيل‬

‫يولد الصغير ولديه‬ ‫عالمات ميثيل على‬ ‫جينات معينة‬

‫التأثيرات املُجزية للمخ ّدر‪ .‬كما أنّ هذا الش���حن ‪ُ priming‬يع ّد‬ ‫احليوان أيضا لل ُّن ْكس‪ ،‬مم ّهدا الطريق لإلدمان‪ .‬وعلى ما يبدو‪،‬‬ ‫فاحلساسية املتصاعدة تنجم عن التعديالت بالتخ ّلق املتوالي‬ ‫التي تصيب اجلينات‪.‬‬ ‫وباس� � ��تخدام التقانات العالية لتصنيف عالمات التخلّق‬ ‫املتوالي عبر كامل جينوم الفأر‪ ،‬اس� � ��تطعنا تبيان أنّ اإلعطاء‬ ‫املزمن للكوكائني يعيد انتقائيا تش� � ��كيل مجموعة واس� � ��مات‬ ‫امليثيل واألس� � ��يتيل على مئات اجلينات ضمن مركز املكافأة‬ ‫ف� � ��ي الدماغ‪ .‬وتعمل هذه التغ ّيرات بصورة جماعية على دفع‬ ‫بنية الكروماتني لالنبس� � ��اط جاعلة هذه اجلينات أكثر عرضة‬ ‫للتنش� � ��يط بالكوكائني الحقا‪ .‬وجتدر اإلشارة مرة أخرى إلى‬ ‫أنّ العديد م� � ��ن التغ ّيرات املذكورة ذو طبيعة مؤقتة‪ ،‬وال يدوم‬ ‫س� � ��وى بضع س� � ��اعات بعد تلقي احليوان للمخ � � � ّدر‪ .‬إال أنّ‬ ‫بعضها أطول دميومة بكثير‪ ،‬فقد س� � � ّ�جلنا تغ ّيرات تس� � ��تم ّر‬ ‫لشهر على األقل‪ ،‬وباشرنا نبحث اآلن حتى عن تبدالت تدوم‬ ‫فترات أطول‪.‬‬ ‫بدأنا أيضا نتلمس خيوط اآلليات القابعة خلف هذه التغ ّيرات‬ ‫املستدامة‪ .‬فقد وجدنا في مختبرنا أنّ إعطاء الكوكائني املزمن‬ ‫ُيخْ م� � ��د فعالية بع� � ��ض املاحيات املزيلة ملجموعات األس� � ��يتيل‪،‬‬ ‫كم� � ��ا يخمد فعالي� � ��ة فئة مع ّينة من الكتب� � ��ة املضيفة ملجموعات‬ ‫امليثيل التثبيطية‪ .‬ويبقى الكروماتني الش� � ��ديد األس� � ��تلة – أو‬

‫األمومة اليقظة‬ ‫تسبب إزالة‬ ‫عالمات امليثيل‬

‫األق� � ��ل مثيلة – في حالة أكثر انفتاحا واس� � ��ترخاء‪ ،‬ما يجعل‬ ‫جينات� � ��ه املقيمة أكثر قابلية للتنش� � ��يط‪ .‬كم� � ��ا وجدنا أيضا أن‬ ‫التع � � � ّرض املزم� � ��ن للكوكائني يؤ ّثر في فعالي� � ��ة كتبة وماحيات‬ ‫أخ� � ��رى في مركز املكافأة في الدماغ‪ ،‬ت� � ��اركا وراءه مصفوفة‬ ‫م� � ��ن عالمات التخ ّلق املتوالي الداعمة لتنش� � ��يط اجلينات‪ .‬وما‬ ‫يدع� � ��م هذه املالحظة هو ما وجدناه عندما قمنا صنعيا بد ْوزنة‬ ‫فعاليات هؤالء الكتبة واملاحيات بطريقة تتيح لها تقليد تأثيرات‬ ‫فعلي للمخ ّدر‬ ‫االستخدام املزمن للمخ ّدر ‪ -‬بالطبع دون إعطاء‬ ‫ّ‬ ‫القادر على توليد اإلدمان – حيث جعلنا احليوانات من خالل‬ ‫ذل� � ��ك أكثر حساس� � ��ية للتأثيرات املمتع� � ��ة للكوكائني بوصفها‬ ‫إحدى السمات املميزة لإلدمان‪.‬‬ ‫إنّ التبدالت التالية الستخدام الكوكائني املزمن في نشاط‬ ‫يفس� � ��ر التبدالت‬ ‫الكتبة واملاحيات مديدة أيضا‪ ،‬وهذا ما قد ّ‬ ‫الطويلة األمد في فعاليات اجلينات املُع ّلمة – والطريقة التي‬ ‫سوف يستجيب احليوان بها لطيف من التجارب املستقبلية‪.‬‬ ‫وألن مرك� � ��ز املكاف� � ��أة في الدماغ يتفاعل م� � ��ع عدد كبير من‬ ‫مختلف أنواع املنبهات – مبا فيها اجلنس والغذاء‪ ،‬فالتالعب‬ ‫في نش� � ��اط اخلاليا العصبية في ه� � ��ذا املركز ميكن أن يب ّدل‬ ‫سلوك احليوان جوهريا‪.‬‬ ‫( ) ‪My Mother, Myself‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪13‬‬


‫لالكتئاب‬ ‫ُيش � � �كّلُ التك ّيف العصب� � � ّ�ي املؤ ّثر في الس� � ��لوك الطويل األمد‬ ‫أيض� � ��ا أساس� � ��ا واحدا من أكث� � ��ر احلاالت النفس� � ��ية إزمانا‬ ‫وإنه� � ��اكا وش� � ��يوعا‪ ،‬أال وهو االكتئاب‪ .‬وكم� � ��ا هي احلال في‬ ‫اإلدمان‪ ،‬ميكن دراسة بعض جوانب هذا االضطراب بسهولة‬ ‫ف� � ��ي احليوانات‪ .‬فف� � ��ي مختبرنا‪ ،‬نعمل مع فئ� � ��ران أُخضعت‬ ‫إلحباط اجتماعي مزمن‪ .‬فق� � ��د ُعزلت الفئران الذكور املعتدلة‬ ‫الس� � ��لوك أزواجا مع حيوانات أكثر عدواني� � ��ة‪ ،‬وبعد ‪ 10‬أيام‬ ‫م� � ��ن تعرضها للمضايقات‪ ،‬أ ْبدت الفئ� � ��ران الطّ ّيعة العديد من‬ ‫عالمات االكتئاب البشرية‪ :‬لم تعد تستمتع بالنشاطات املمتعة‬ ‫(اجلن� � ��س‪ ،‬أكل احللويات)‪ ،‬وصارت أكث� � ��ر قلقا وعزلة وأقل‬ ‫اس� � ��تعدادا للمغامرة؛ وحتى أحيانا أكث� � ��ر قابلية للبدانة من‬ ‫خالل إفراطها في الطعام‪ .‬تدوم بعض هذه التبدالت لشهور‪،‬‬ ‫وميكن عكس� � ��ها مبعاجلتها مبض� � ��ادات االكتئاب ذاتها التي‬ ‫ُتستخدم عند البشر‪.‬‬ ‫وباالطالع عن كثب على دنا الفئران‪ ،‬وجدنا تبدالت في‬ ‫التعديالت بالتخ ّلق املتوال� � ��ي لدى نحو ‪ 2000‬جني مبركز‬ ‫املكاف� � ��أة في الدماغ‪ .‬وقد قِ س� � ��نا زيادة ف� � ��ي عالمة مع ّينة‬ ‫للتخلّق املتوالي طالت ‪ 1200‬من هذه اجلينات‪ ،‬حيث جتلّت‬ ‫ه� � ��ذه العالمة على ش� � ��كل «م ْثيلة الهيس� � ��تونات» الكابحة‬ ‫للنشاط اجليني‪ .‬وهكذا‪ ،‬يبدو أنّ االكتئاب يمُ كنه أن ُيج ّمد‬ ‫عم� � ��ل جينات لها دور مهم في تنش� � ��يط جزء الدماغ الذي‬ ‫يتيح للحيوان الش� � ��عور باالرتياح‪ ،‬ت� � ��اركا وراءه نوعا من‬ ‫الندب����ة اجلزيئي����ة ‪ .molecular scar‬كما وجدنا أيضا أنّ‬ ‫العديد من التب� � ��دالت املذكورة الناجمة ع� � ��ن الك ْرب قابلة‬ ‫للع ْكس مبعاجلة الفئران لشهر واحد بدواء اإلمييپرامني‬ ‫‪ ،imipramine‬وه� � ��و مضا ّد اكتئاب واس� � ��ع االس� � ��تخدام‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد مت اكتشاف تبدالت بالتخلّق املتوالي‬ ‫مماثلة في عينات من دماغ اإلنس� � ��ان مأخوذة من متوفني‬ ‫تعرضوا لالكتئاب أثناء احتضارهم‪.‬‬ ‫ومع أن االكتئاب مش� � ��كلة شائعة بني البشر‪ ،‬فهم ليسوا‬ ‫جميع� � ��ا معرض� �ي��ن لإلصابة ب� � ��ه على قدم املس� � ��اواة‪ .‬وقد‬ ‫تب� �ي��ن لنا أنّ الفئران أيضا ال تش � � � ّذ عن هذه القاعدة‪ ،‬فثلث‬ ‫الذك� � ��ور تقريبا التي تعرضت «جلرع� � ��ة» يومية من اإلحباط‬ ‫االجتماعي كان� � ��ت فيما يبدو مقاومة لالكتئاب‪ ،‬فعلى الرغم‬ ‫م� � ��ن خضوعها كغيرها للك ْرب املضني ذاته‪ ،‬فإنها لم تُظهر‬ ‫االنسحاب أو الفتور الذي أبدته زميالتها املؤهبة‪ .‬لقد نزلت‬ ‫هذه املرونة إلى مس� � ��توى جيناتها‪ ،‬فالعدي� � ��د من التبدالت‬ ‫بالتخ ّل� � ��ق املتوالي املحُ ّ‬ ‫رض� � ��ة بالك ْرب‪ ،‬والت� � ��ي رأيناها في‬ ‫( )‬

‫‪14‬‬

‫الفئران املؤهبة‪ ،‬ل� � ��م حتدث في الفئران املرنة‪ ،‬وإمنا ظهرت‬ ‫لديها تعديالت بالتخلّق املتوال� � ��ي في مجموعة إضافية من‬ ‫اجلين� � ��ات في مركز املكافأة بطريقة تختلف عما يحدث لدى‬ ‫الفئران التي أصابها االكتئاب‪ .‬وتوحي هذه االكتشافات أنّ‬ ‫وقائي الطبيعة‪ ،‬وأنّ املرونة‬ ‫هذا النمط البديل من التعديالت‬ ‫ّ‬ ‫هي أكثر من مجرد غياب االس� � ��تعداد؛ إنها تتض ّمن برنامج‬ ‫تخلّق متوال فاعال ميكن استدعاؤه ملقارعة تأثيرات الك ْرب‬ ‫املزمن‪.‬‬ ‫وجدن� � ��ا أيضا أنّ اجلين� � ��ات الوقائية الت� � ��ي مت تعديلها‬ ‫بآلي� � ��ة التخ ّلق املتوالي في الفئران املرنة تتض ّمن العديد من‬ ‫اجلينات ذاتها التي تس� � ��تعيد نشاطها الطبيعي في الفئران‬ ‫املكتئبة إثر معاجلته� � ��ا باإلمييپرامني‪ .‬ومجموعة فرعية من‬ ‫هذه اجلينات معروفة بقدرتها على رفع فعالية مركز املكافأة‬ ‫ف� � ��ي الدماغ‪ ،‬وبالتالي على جتنّب االكتئاب‪ .‬ال ش� � ��ك في أن‬ ‫هذه املالحظات تعزّز احتم� � ��ال أنّ تكون إحدى آل ّيات تأثير‬ ‫مضادات االكتئاب عند البش� � ��ر ه� � ��ي تفعيل عدد من برامج‬ ‫التخ ّلق املتوالي الوقائية ذاته� � ��ا املعروفة عند األفراد األقل‬ ‫عرض� � ��ة لالكتئاب‪ .‬وإذا كان األم� � ��ر كذلك‪ ،‬فينبغي علينا أ ّال‬ ‫نبحث عن أدوية حاصرة لتأثي� � ��رات الك ْرب املزمن الضارة‬ ‫وحس� � ��ب‪ ،‬وإمنا أن نكون قادرين أيض� � ��ا على حتديد هوية‬ ‫األدوية املُقوية آلليات املرونة الطبيعية في الدماغ‪.‬‬ ‫ميراث األم‬

‫( )‬

‫إن التأثيرات التي ناقش� � ��ناها حتى اآلن ال تس� � ��تمر م ّدتها‬ ‫سوى شهر واحد‪ ،‬وهي أطول فترة زمنية بحثنا فيها‪ .‬ولكن‬ ‫التعديالت بالتخ ّلق املتوالي ميكن أن تحُ ّرض تب ّدالت سلوكية‬ ‫ت� � ��دوم طوال العم� � ��ر‪ .‬وهذا ما ب ّينه >‪ .M‬مين� � ��ي< [من جامعة‬ ‫‪ ]McGill‬وزمالؤه‪ ،‬فقد فحص تأثيرات الرعاية األمومية في‬ ‫التعديالت بالتخ ّلق املتوالي وفي سلوك األبناء الحقا‪.‬‬ ‫الحظ الباحثون أنّ بعض أمهات اجلرذان تُظهر مستويات‬ ‫عالية من سلوك احلضانة ولعق صغارها وهندمتها(‪ ،)1‬بينما‬ ‫بعضها اآلخر أقل اجتهادا‪ .‬والحظ الباحثون أيضا أن نس� � ��ل‬ ‫األمهات األكثر نش� � ��اطا أقل قلق� � ��ا‪ ،‬وكمية هرمون الك ْرب التي‬ ‫ينتجها عند االنزعاج ّ‬ ‫أقل مم� � ��ا ينتجه صغار األمهات األكثر‬ ‫سلبية‪ .‬كما تبني للباحثني‪ ،‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬أن اإلناث اللواتي‬ ‫تنشأ برعاية أمهات حاضنة تصبح أنفسها أمهات حاضنة‪.‬‬ ‫لقد تابعت مجموعة >ميني< تقدمي دالئلها على أنّ تأثيرات‬ ‫السلوك األمومي تتواسطها‪ ،‬جزئيا على األقل‪ ،‬آليات التخلّق‬ ‫( ) ‪MARKED FOR DEPRESSION‬‬ ‫( ) ‪A MOTHER’S LEGACY‬‬ ‫(‪grooming )1‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫املتوالي‪ .‬فمقارن� � ��ة بالصغار التي تعرضت للرعاية الفائقة‪،‬‬ ‫تبدي الصغار الناش� � ��ئة عند أمهات سلبية «دنا» أكثر مثْيلة‬ ‫في السالسل التنظيمية للجني املك ّود ملستقبل القشرانيات‬ ‫الس� � ��كرية – وهو بروتني يوجد في معظم خاليا اجلس� � ��م‪،‬‬ ‫ويتواسط استجابة احليوان لهرمون الك ْرب املعروف باسم‬ ‫الكورتيزول‪ .‬وه� � ��ذه املثْيلة املفرطة التي مت اكتش� � ��افها في‬ ‫احلصني ‪ - hippocampus‬وهو منطقة من الدماغ تش� � ��ارك‬ ‫ُ‬ ‫ف� � ��ي نظم وظيفتي التع ّلم والذاكرة – حتثّ اخلاليا العصبية‬ ‫على تخفيض إنتاجها من مس� � ��تقبل القشرانيات السكرية‪.‬‬ ‫ومل� � ��ا كان تفعيل هذا املس� � ��تقبل في ا ُ‬ ‫حلص� �ي��ن يترتب عليه‬ ‫فعل ّيا إرس� � ��ال إش� � ��عار للجس� � ��م إلبطاء إنتاج الكورتيزول‪،‬‬ ‫ف� � ��إن تخفيض إنتاجه عبر آل ّي� � ��ة التخلّق املتوالي هو ما أدى‬ ‫إل� � ��ى تفاقم اس� � ��تجابة احليوانات للك ْرب‪ ،‬وه� � ��و بالتالي ما‬ ‫جعله� � ��ا تصبح أكثر قلقا وخوفا – وه� � ��ي خصال رافقتها‬ ‫طوال حياتها‪ .‬غير أن التأثيرات في مس� � ��تقبل القشرانيات‬ ‫القصة فقط‪ .‬فقد وجدت‬ ‫السكرية قد تكون جزءا واحدا من‬ ‫ّ‬ ‫>‪ .F‬ش� � ��مبانيا< [من جامعة كولومبيا] وزمالؤها اختالفات‬ ‫مماثلة ف� � ��ي التخلّق املتوال� � ��ي على اجلني املك ّود ملس� � ��تقبل‬ ‫اإلستروجينات ‪ estrogens‬في الصغار الناشئة عند أمهات‬ ‫نشيطة وأمهات س� � ��لبية‪ .‬من املرجح‪ ،‬إذن‪ ،‬أن يأتينا الدليل‬ ‫في املس� � ��تقبل على أن الوس� � ��م التخلّقي املتوالي للعديد من‬ ‫اجلينات األخرى ُيس� � ��هم في برمجة االس� � ��تجابات ألمر من‬ ‫األمور املع ّقدة‪ ،‬كالسلوك األمومي مثال‪ ،‬ويسهم بالتالي في‬ ‫توريث هذا السلوك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وف� � ��ي هذه احلال‪ ،‬فإن التب� � ��دالت بالتخلق املتوالي التي‬ ‫حصلت ف� � ��ي أحد اجلينات عند جيل م� � ��ا‪ ,‬تبدو في الواقع‬ ‫قابلة لالنتق� � ��ال إلى اجليل القادم مع عدم مرورها عبر خطّ‬ ‫اخلاليا اجلُرم ّية‪ .‬فسلوك األ ّم يغ ّير عبر آلية التخلق املتوالي‬ ‫نظم اجلينات في دماغ صغيرها الذي ُيبدي الحقا س� � ��لوك‬ ‫األم ذاته‪ ،‬والذي يقوم بدوره بتعديل عالمات التخ ّلق املتوالي‬ ‫والسلوك عند صغيره‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫تتراف������ق بتغ ّيرات في م ْثيل���ة الدن���ا(‪ ،)1‬فقد وجد >ميني‬ ‫أنّ األدوية املذكورة قادرة على تعزيز السلوك احلاضن‪،‬‬ ‫باعتبار أن األستلة املعززة(‪ )2‬لديها القدرة على معارضة‬ ‫التأثيرات الكابحة للم ْثيلة املفرطة‪.‬‬ ‫وم� � ��ع أنّ هذه النتائج واعدة‪ ،‬فمن غي� � ��ر احملتمل أن تكون‬ ‫املثبطات املوجودة حاليا في الس� � ��وق مفي� � ��دة ملجابهة املرض‬ ‫النفس� � ��ي‪ ،‬ذلك ألن ماحيات األس� � ��يتيل؛ أي نازعات أس� � ��يتيل‬ ‫الهيس� � ��تونات‪ ،‬تق� � ��وم بنظم عالمات التخ ّل� � ��ق املتوالي اخللوي‬ ‫في س� � ��ائر مناط� � ��ق الدماغ وفي جميع أنحاء اجلس� � ��م‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يعني أن األدوية التي تعطّ لها بصورة عش� � ��وائية لها آثار‬ ‫جانبي� � ��ة خطيرة‪ ،‬وميكن أن تكون س� � ��ا ّمة‪ .‬ال بد إذن من بدائل‬ ‫ق� � ��د يكمن أحدها في تطوير أدوية ق� � ��ادرة على تثبيط نازعات‬ ‫أس� � ��يتيل الهيس� � ��تونات بأش� � ��كالها املختلفة بصورة انتقائية‪،‬‬ ‫والت� � ��ي توجد بكثافة عالي� � ��ة في مناطق الدم� � ��اغ األكثر تأثرا‬ ‫بحاالت نفس� � ��ية مع ّينة‪ ،‬كمركز املكافأة‪ ،‬على سبيل املثال‪ .‬أما‬ ‫البدي� � ��ل اآلخر فقد يتمخض عن عملية تع ُّرف بروتينات جديدة‬ ‫تس� � ��هم في التعديالت بالتخ ّلق املتوالي في الدماغ‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫أي‬ ‫وفي النهاي� � ��ة‪ ،‬فقد تكون املقاربة األكثر جدوى هي حتديد ّ‬ ‫اجلينات عرضة للتعدي� �ل��ات بالتخ ّلق املتوالي في االكتئاب أو‬ ‫اإلدم� � ��ان‪ :‬مثال‪ ،‬جينات مس� � ��تقبالت نواق� � ��ل عصبية مع ّينة أو‬ ‫بروتينات ناظمة لبث اإلش� � ��عارات‪ ،‬ولتكن بروتينات تسهم في‬ ‫التنشيط العصبي‪ .‬ميكن بعدها أن نركّز جهودنا على تصميم‬ ‫أدوية تس� � ��تهدف مباشرة نش� � ��اط اجلينات احملددة تلك – أو‬ ‫منتجاتها البروتينية‪.‬‬

‫<‬

‫ُ‬ ‫نقل التبدّالت‬

‫( )‬

‫أي درجة‬ ‫أحد األس� � ��ئلة املثيرة التي س� � ��تبقى قائمة ه� � ��و‪ :‬إلى ّ‬ ‫س� � ��تكون التب� � ��دالت بالتخ ّل� � ��ق املتوالي الت� � ��ي ترافق احلاالت‬ ‫«ترثُ »‬ ‫العصبية النفس� � ��ية قابلة للتوريث؟ في جتارب >ميني<‪ِ ،‬‬ ‫اجلرذان من أمهاتها بعض أمناط س� � ��لوك معينة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫بروفيالت التخلّق املتوالي املرافقة‪ .‬ولكن تلك التبدالت‪ ،‬والتي‬ ‫تتأ ّثر مباش� � ��رة بالس� � ��لوك‪ ،‬حتدث في الدماغ‪ .‬فهي ال تنتقل‪،‬‬ ‫( )‬ ‫عالج تخ ّلقي متوالٍ‬ ‫إذن‪ ،‬بواس� � ��طة عالمات حتملها جينات اخلاليا اجلرمية التي‬ ‫إن التحدي الرئيس في العقود القادمة هو اس������تغالل ما تُشكّل اجلنني اجلديد‪ .‬والس� � ��ؤال األكثر إثارة هو‪ :‬هل ميكن‬ ‫نتعلّمه حول التعديالت بالتخلّق املتوالي وحول السلوك‪ ،‬ملثل هذه التجارب احلياتية أن تس ّبب تبدالت بالتخلّق املتوالي‬ ‫من أجل تطوير طرائق‬ ‫محس������نة ملعاجل������ة االضطرابات ف� � ��ي خاليا النطاف والبويض� � ��ات‪ ،‬والتي ميكن بعدها أن تعبر‬ ‫ّ‬ ‫النفس������ية املختلف������ة‪ .‬فمختبرن������ا وغيره وج������د‪ ،‬مثال‪ ،‬أنّ مباشرة إلى ساللة الفرد؟‬ ‫األدوي������ة التي حتفظ الهيس������تونات مكس������ية مبجموعات‬ ‫( ) ‪EPIGENETIC CURE‬‬ ‫( ) ‪PASSING IT ON‬‬ ‫األس������يتيل عبر آلية تثبيط اإلنزمي������ات املاحية لها وف ّعالة‬ ‫(‪DNA methylation )1‬‬ ‫ضد االكتئاب‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬ومع أن التربية السلبية‬ ‫(‪enhanced acetylation )2‬‬ ‫التتمة في‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫الصفحة ‪31‬‬

‫‪15‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫مقاومة مقاتل‬

‫( )‬

‫بحثا عن أساليب للتصدي لوباء اإليدز‪ ،‬انتقل >‪ .Th‬ندونگو< من إفريقيا‬ ‫إلى أمريكا وعاد مجددا إلى إفريقيا بحثا عن أساليب لوقف وباء اإليدز‪.‬‬ ‫مقابلة أجراها‬

‫إن املس� � ��ار غير املألوف الذي اتبعه‬ ‫<ندونگو< ليصير من أبرز باحثي اإليدز‬ ‫في العالم بدأ في قرية جبلية بكينيا‪ .‬نشأ‬ ‫<ندونگو< مع خمسة ذكور وخمسة إناث‬ ‫يعيش� � ��ون جميعا في بي� � ��ت ال توجد فيه‬ ‫كهرباء أو ماء ج� � � ٍ�ار‪ .‬وعندما كان يعود‬ ‫من املدرسة كانت مهمته جمع حبوب النب‬ ‫وحل ِْب بقرة العائلة‪ .‬ووفقا للمعايير الكينية‬ ‫َ‬ ‫كانت عائلته تنتمي إلى الطبقة الوسطى‬ ‫وكان أبوه مدرس� � ��ا مجته� � ��دا في إحدى‬ ‫احلي‪ ،‬وتطلب األمر سلسلة من‬ ‫مدارس‬ ‫ّ‬ ‫األحداث السعيدة لكي يتمكن هذا العالِم‬ ‫املوهوب من أن يشق طريقه نحو برنامج‬ ‫الدكتوراه ف� � ��ي جامعة هارڤارد‪ ،‬ويصير‬ ‫أول عالم يقوم باستنس� � ��اخ الساللة )‪(C‬‬ ‫من ڤي���روس متالزم���ة الع���وز املناعي‬ ‫البش���ري )‪ ،(HIV‬وهي الس� �ل��الة األكثر‬ ‫شيوعا في إفريقيا والتي طاملا جتاهلها‬ ‫العلماء الغربيون‪.‬‬ ‫وف� � ��ي ه� � ��ذا الع� � ��ام )‪ (2012‬حص� � ��ل‬ ‫<ندونگو< البالغ من العمر ‪ 43‬عاما على‬ ‫جائزة معهد هوارد هيوز الطبي الدولية‬ ‫لباحث في بدايت� � ��ه املهنية والتي متنحه‬ ‫متويال ملدة خمس سنوات ملتابعة أبحاثه‬ ‫حول اجلينات ‪ genes‬في اجلهاز املناعي‬ ‫والت� � ��ي تس� � ��اعد على مكافح� � ��ة اإليدز‪،‬‬ ‫ورمبا ت� � ��ؤدي إلى التوصل إلى لقاح له‪.‬‬ ‫وهو اآلن يش� � ��غل منصب رئيس برنامج‬ ‫اإلمراض ‪ pathogenesis‬بالـڤيروس ‪HIV‬‬ ‫‪16‬‬

‫>‪.B‬‬

‫بوريل<‬

‫في جامع� � ��ة كوا‪ -‬زولو‪ -‬نات� � ��ال املوجودة‬ ‫في إحدى زوايا جن� � ��وب إفريقيا‪ ،‬حيث‬ ‫تبلغ معدالت اإلصاب� � ��ة بالڤيروس ‪HIV‬‬ ‫نح� � ��و ‪ %39.5‬من الس� � ��كان مما يجعلها‬ ‫من أكث� � ��ر ال� � ��دول إصابة ف� � ��ي العالم‪.‬‬ ‫وبابتس� � ��امة عريضة وتفاؤل ال يتزعزع‬ ‫يقوم <ندونگو< بإرش� � ��اد علماء إفريقيا‬ ‫تصطف‬ ‫الناش� � ��ئني والصاعدين‪ ،‬الذين‬ ‫ُّ‬ ‫بطاقات الشكر املقدمة منهم على مكتبه‬ ‫املتواضع‪ ،‬والذي يسمح بالكاد بإقحام‬ ‫كرسي ثان فيه‪.‬‬ ‫ومؤخرا أج� � ��رت مجلة س���اينتفيك‬ ‫أمري���كان حوارا م� � ��ع <ندونگو< ملعرفة‬ ‫إلى أي� � ��ن وصل� � ��ت أبحاث اإلي� � ��دز في‬ ‫إفريقيا وكيف أ َّثر مسار حياته السابقة‬ ‫في تش� � ��كيل مهمته العلمية‪ .‬وفيما يلي‬ ‫مقتطفات من احلوار‪:‬‬ ‫ساينتفيك أمريكان )‪ :(SA‬عندما‬ ‫نشأتَ في ريف كينيا في ثمانينات‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬هل تتذكر أول مرة‬ ‫سمعت فيها عن شخص مصاب‬ ‫مبرض اإليدز أو بالڤيروس ‪HIV‬؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬بالفعل‪ ،‬أتذكر أش� � ��خاصا‬ ‫كنت أعرفه� � ��م يعانون هذا املرض‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أن هذا كان من األشياء التي‬ ‫كنت‬ ‫الينبغ� � ��ي التحدث عنها علنا‪ .‬ولكن َ‬ ‫ت َْس� � ��م ُع إش� � ��اعات وفي الغالب لم تكن‬ ‫غي� � ��ر صحيحة ب� � ��ل كان هؤالء مصابني‬ ‫به‪ .‬وكان هذا املرض مبثابة وصمة عار‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫وكان هن� � ��اك خوف ش� � ��ديد منه‪ .‬وكانت‬ ‫املعان� � ��اة من هذا امل� � ��رض رهيبة ألنه لم‬ ‫تكن هن� � ��اك أدوية ض� � ��د الڤيروس���ات‬ ‫االرجتاعية ‪.antiretroviral‬‬ ‫)‪ :(SA‬وهل كان هذا األمر في ذهنك‬ ‫مع زيادة اهتمامك العلمي؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬ب� � ��دأ اهتمام� � ��ي بالعل� � ��وم‬ ‫والرياضيات منذ سن مبكرة ألنني كنت‬ ‫متفوقا فيهما وكان والدي يش� � ��جعني‪.‬‬ ‫لقد كان يعمل مدرس� � ��ا للغة اإلنكليزية‬ ‫في مدرس� � ��ة احلي‪ .‬وكان دائما ُيحضر‬ ‫الصحف للبيت وكنت أقرؤها بش� � ��غف‪،‬‬ ‫وكن� � ��ت دائ� � ��م االهتمام بأخب� � ��ار العالم‬ ‫الكبير على الرغم من أنني نش� � ��أت في‬ ‫قرية صغيرة‪.‬‬ ‫وق� � ��ررت االلتح� � ��اق بكلي� � ��ة الط� � ��ب‬ ‫البيط� � ��ري‪ .‬وقدمني أحد أس� � ��اتذتي في‬ ‫املدرسة إلى أس� � ��تاذ دكتور في جامعة‬ ‫نيروب� � ��ي كان يق� � ��وم بعم� � ��ل أبحاث عن‬ ‫لقاح ملرض البلهارس� � ��يا (مرض طفيلي‬ ‫منتش� � ��ر في البالد النامي� � ��ة)‪ .‬وافتتنت‬ ‫بهذه التجربة التي وضعتني على طريق‬ ‫احلصول على الدكتوراه‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬أنت لم حتصل على الدكتوراه‬ ‫من أي مكان ولكنك درست في‬ ‫جامعة هارڤارد‪ .‬كيف حدث ذلك؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬أيض� � ��ا كن� � � ُ�ت محظوظ� � ��ا‬ ‫جدا ألنني عندم� � ��ا حصلت على فرصة‬ ‫( ) ‪RESISTANCE FIGHTER‬‬


‫باختصار‬ ‫من هو‬

‫>‪ .Th‬ندونگو<‬ ‫املهنة‬

‫مـدير عـلمي لبـرنـامـج اإلمراض‬ ‫بالڤيروس ‪.HIV‬‬

‫أين‬

‫جـامـعـة كـوا ‪ -‬زولو‪ -‬نـاتـال‪ ،‬ديـربـان‪،‬‬ ‫جنوب إفريقيا‪.‬‬

‫مجال التخصص‬

‫مقاربات جديدة لتطوير لقاح مضاد‬ ‫للڤيروس ‪( HIV‬ڤيروس العوز املناعي‬ ‫البشري)‪.‬‬

‫املفهوم العام‬

‫ٌ‬ ‫بروتينات معينة أماكنَ ضعف‬ ‫قد تُظهر‬ ‫في الڤيروس والتي ميكن استغاللها في‬ ‫التوصل إلى لقاح أو عالج‪.‬‬

‫دراس� � ��ة البلهارس� � ��يا و ّفرت لي الوكالة‬ ‫األمريكي� � ��ة للتنمية الدولية منحة تدريبية‬ ‫ملدة س� � ��تة أشهر وذلك في كلية هارڤارد‬ ‫للصحة العامة‪ ،‬لدراسة بعض أساليب‬ ‫عم� � ��ل األجس���ام املض���ادة ‪antibodies‬‬ ‫الوحيدة النس� � ��يلة‪ .‬وشجعني أساتذتي‬ ‫على مواصلة عملي ف� � ��ي العلوم‪ ،‬وفيما‬ ‫بعد س� � ��جلت لدراس� � ��ة الدكتوراه وكنت‬ ‫محظوظ� � ��ا حي� � ��ث حصلت عل� � ��ى منحة‬ ‫دراسية كاملة‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هل كانت هذه أول مرة تزور‬ ‫فيها أمريكا؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬كانت تل� � ��ك أول مرة أغادر‬ ‫فيها كينيا! وعندما وصلت إلى بوسطن‬ ‫كان من املفترض أن يكون هناك شخص‬ ‫بانتظ� � ��اري في املطار‪ ،‬ولكن لس� � ��بب ما‬ ‫لم يحضر هذا الش� � ��خص‪ .‬فاستأجرت‬ ‫تاكس� � ��يا‪ ،‬ونزلت عند باب كلية هارڤارد‬ ‫للصح� � ��ة العامة‪ .‬ومازل� � ��ت أتذكر أنني‬ ‫كن� � ��ت جائعا عصر ذلك الي� � ��وم بالذات‪،‬‬ ‫وأول ش� � ��يء فعلته هو البحث عن مكان‬

‫لتناول القه� � ��وة‪ ،‬وانتهى بي املطاف في‬ ‫دنكن دونت ‪.Dunkin’ Donuts‬‬ ‫)‪ :(SA‬هل شعرت بأنك بحاجة إلى‬ ‫تعلم الكثير عن الثقافة األمريكية‪,‬‬ ‫وكذلك عن ثقافة هارڤارد؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬كان ش� � ��عورا غامرا‪ .‬فأنا‬ ‫لم أعم� � ��ل قبل ذلك ف� � ��ي مختبر أبحاث‬ ‫الئ� � ��ق‪ .‬ألن اإلمكانيات في نيروبي كانت‬ ‫ف� � ��ي ح ّدها األدن� � ��ى‪ .‬وكان من الصعب‬ ‫احلص� � ��ول عل� � ��ى الكواش� � ��ف‪ .‬ولم يكن‬ ‫هناك العدد الكافي م� � ��ن العلماء‪ ،‬لذلك‬ ‫كن� � ��ت غالبا م� � ��ا أعمل مبف� � ��ردي أو مع‬ ‫شخصني على األكثر‪.‬‬ ‫أما أن أجد نفس� � ��ي في مكان تكون‬ ‫فيه الكتب في كل م� � ��كان وكذلك جميع‬ ‫الكواش� � ��ف والزجاجي� � ��ات واألش� � ��ياء‬ ‫املختلفة التي جندها في املختبرات التي‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫تعمل بصورة جيدة في الواليات املتحدة‬ ‫فقد كان ذلك شيئا ال يصدق‪ ،‬لقد أذهلني‬ ‫ذلك حقيقة‪ .‬وكان هناك الكثير ألتعلمه‪.‬‬ ‫وكانت املرة األولى التي أرى فيها عَ دّاد‬ ‫تدف���ق اخلالي���ا ‪ flow cytometer‬الذي‬ ‫اس� � ��تخدمته في حس� � ��اب عدد اخلاليا‪.‬‬ ‫وحلسن احلظ‪ ،‬كان هناك بعض األناس‬ ‫الرائعني في املختب� � ��ر الذي ذهبت إليه‪،‬‬ ‫وقد ساعدوني على االستقرار سريعا‪.‬‬ ‫وسرعان ما شجعوني على التقدم إلى‬ ‫برنام� � ��ج الدكتوراه األم� � ��ر الذي أقدمت‬ ‫عليه في عام ‪.1995‬‬ ‫)‪ :(SA‬كيف اتخذت قرار العودة إلى‬ ‫إفريقيا مجددا؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬قضيت أوقاتا عصيبة بعد‬ ‫احلص� � ��ول على الدكت� � ��وراه محاوال أن‬ ‫أقرر ما ال� � ��ذي أري� � ��د أن أعمله‪ .‬وكنت‬ ‫‪17‬‬


‫في قرارة نفس� � ��ي دوما أو ّد العودة إلى‬ ‫إفريقيا‪ ،‬ولكن الش� � ��كوك كانت تراودني‬ ‫بشأن إمكانية جناحي‪ .‬حيث كنت أعرف‬ ‫العدي� � ��د من الباحثني الذي� � ��ن عادوا ولم‬ ‫تكن جتربتهم إيجابية‪ .‬حيث عادوا ولم‬ ‫يجدوا الدعم الكافي لتشغيل مختبر‪.‬‬ ‫ولكن >‪ .M‬إس� � ��يكس< [املشرف على‬ ‫رس� � ��الة الدكتوراه] س� � ��اعد على إنشاء‬ ‫لي العمل‬ ‫مختبر في بتس� � ��وانا واقترح َع ّ‬ ‫هناك‪ .‬مما أتاح لي اإلمكانيات التي تتمتع‬ ‫بها مؤسسة مثل هارڤارد‪ ،‬حيث أتاح لي‬ ‫فرصة العمل مباش� � ��رة في إفريقيا التي‬ ‫طاملا أردت أن ُأح� � ��دِ ثَ بها فارقا؛ ولذلك‬ ‫كان هذا َع ْرضا ال ميكن رفضه‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬كثير من أبحاثك تركز على‬ ‫مراحل تطور الڤيروس ‪ HIV‬وصوال‬ ‫إلى الظهور الكامل ألعراض اإليدز‪.‬‬ ‫هل من املمكن تفسير ذلك؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬اإليدز ه� � ��و متالزمة العوز‬ ‫املناعي البشري التي يسببها الڤيروس‬ ‫‪ .HIV‬فعندما تص� � ��اب بالڤيروس ‪،HIV‬‬ ‫فه� � ��ذا ال يعن� � ��ي أنك مص� � ��اب باإليدز‪.‬‬ ‫وف� � ��ي الواق� � ��ع‪ ،‬إن الس� � ��مة املميزة هي‬ ‫أن اإلصابة بالڤيروس ‪ HIV‬تس� � ��تغرق‬ ‫س� � ��نني طويلة حتى تتطور للمرض‪ .‬فمن‬ ‫املمكن أن تصاب به ملدة عش� � ��ر سنوات‬ ‫وال تظهر عليك أي أعراض‪ .‬فما يحدث‬ ‫هو أن الڤيروس� � ��ات ‪ HIV‬تقوم تدريجيا‬ ‫وببطءٍ بتدمير اجله� � ��از املناعي‪ ،‬ثم تبدأ‬ ‫ُتص� � ��اب باملُ ْم ِرض� � ��ات االنتهازية والتي‬ ‫ال تصيب األش� � ��خاص الذي� � ��ن يتمتعون‬ ‫بجهاز مناع� � ��ي طبيع� � ��ي‪ ،‬ووقتها يقال‬ ‫إن املرء مص� � ��اب باإليدز‪ .‬ويركز بحثي‬ ‫على أس� � ��باب اختالف مراحل اإلصابة‬ ‫باملرض لدى املصابني به‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬يستغرق تنشؤ اإليدز لدى‬ ‫بعض الناس عاما واحدا‪ ،‬بينما‬ ‫يستغرق َتن َُّشؤه لدى آخرين‬ ‫‪ 20‬عاما‪ .‬فما الذي يسبب هذا‬ ‫‪18‬‬

‫التباين الكبير؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬ما يحدث ه� � ��و عبارة عن‬ ‫َف ْق� � � ٍ�د تدريجي للخاليا الرئيس� � ��ية في‬ ‫اجله� � ��از املناع� � ��ي التي يطل� � ��ق عليها‬ ‫اخلاليا ‪ .CD4‬وتختلف نوعية اإلصابة‬ ‫باملُ ْم ِرضات االنتهازية من شخص إلى‬ ‫آخر اعتمادا على موقعه‪ .‬فعلى س� � ��بيل‬ ‫املثال‪ ،‬فإن اإلصابة بااللتهاب الرئوي‬ ‫‪ ،pneumocystis pneumonia‬العــــالمـــ� � ��ة‬ ‫املمي� � ��زة لإلصابة باإلي� � ��دز في الغرب‪،‬‬ ‫هي أمر غير شائع في الدول اإلفريقية‪،‬‬ ‫ورمبا يكون س� � ��بب ذل� � ��ك هو اختالف‬ ‫البيئة‪ .‬وهنا ف� � ��ي إفريقيا فإن اإلصابة‬ ‫االنتهازية األكثر ش� � ��يوعا هي اإلصابة‬ ‫بالسل (التدرن) ‪ .tuberculosis‬واألكثر‬ ‫ّ‬ ‫أهمية ه� � ��و وجود أدلة تش� � ��ير إلى أن‬ ‫العوام� � ��ل الوراثية واس� � ��تجابة اجلهاز‬ ‫املناعي وطبيعة الڤيروس نفسه مجتمعة‬ ‫تحُ ّدد نتيجة العدوى‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هناك أناس مقاومون‬ ‫بطبيعتهم لهذه اإلصابات االنتهازية‪.‬‬ ‫>ندونگو<‪ :‬ه� � ��ذا صحيح‪ ،‬لقد قمنا‬ ‫بالتعاون مع أربعة مستشفيات الختبار‬ ‫أي م� � ��ن العوامل اجلينية واملناعية‬ ‫وفهم ّ‬ ‫والبيولوجية قد تكون هي املس� � ��ؤولة عن‬ ‫تل� � ��ك االختالفات التي نراه� � ��ا في تطور‬ ‫املرض‪ .‬فبع� � ��ض املصاب� �ي��ن بـالڤيروس‬ ‫‪ HIV‬ال يصاب� � ��ون مب� � ��رض اإلي� � ��دز وال‬ ‫ميكن الكش� � ��ف عن وجود الڤيروس� � ��ات‬ ‫لديهم‪ ،‬وتظل أعداد اخلاليا ‪ CD4‬طبيعية‬ ‫متاما‪ .‬ولكننا نعرف أنهم مصابون ألنهم‬ ‫ينتجون أجساما مضادة للڤيروس ‪.HIV‬‬ ‫ومن املمك� � ��ن أخذ اخلاليا م� � ��ن دمائهم‬ ‫وزراعة الڤيروس في املختبر‪ ،‬ولكن داخل‬ ‫أجسامهم يبقى الڤيروس مكبوحا‪ ،‬رمبا‬ ‫بس� � ��بب اجلهاز املناعي الفع� � ��ال لديهم‪،‬‬ ‫وهذا هو ما نحاول أن نفهمه‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬لقد وجدتَ بعض البروتينات‬ ‫املناعية املعينة التي تؤدي دورا مهما‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫>ندونگ���و<‪ :‬نعم هناك بروتينات تسمى‬

‫مستضدات الكريات البيض البشرية‬

‫)‪ )1((HLAs‬الت� � ��ي تلتص� � ��ق ببروتين� � ��ات‬ ‫الڤي� � ��روس وتقوم بتنبي� � ��ه خاليا اجلهاز‬ ‫املناعي بوجود الڤيروس‪ .‬ومن ثم تتجه‬ ‫هذه اخلاليا لتهاج� � ��م اخلاليا املصابة‬ ‫باملرض وتقتلها‪ .‬والبروتينات ‪ HLA‬هذه‬ ‫هي أكثر أنواع البروتينات املوجودة في‬ ‫اجلس� � ��م تنوعا‪ .‬والناس في املجموعات‬ ‫البش� � ��رية املختلفة لديهم أنواع مختلفة‬ ‫من جزيئات هذه البروتينات‪ .‬وقد بينت‬ ‫دراس� � ��ات عديدة‪ ،‬ومنه� � ��ا البحث الذي‬ ‫نقوم به‪ ،‬أن ه� � ��ذه البروتينات هي أكثر‬ ‫العوامل الوراثية احمل ِّددة ملن سيكونون‬ ‫قادري� � ��ن على الس� � ��يطرة على الڤيروس‬ ‫‪ ،HIV‬ومن س� � ��يكون تقدم املرض لديهم‬ ‫س� � ��ريعا‪ .‬حيث ُو ِج َد أن الن� � ��اس الذين‬ ‫لديه� � ��م ألي�ل�ات (بدائ���ل) ‪ alleles‬معينة‬ ‫واقي� � ��ة تك� � ��ون كمي� � ��ة الڤي� � ��روس لديهم‬ ‫بص� � ��ورة عامة أقل بثالث مرات أو أكثر‬ ‫مقارنة بغيرهم من السكان‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬وكيف تستطيع هذه‬ ‫البروتينات عمل ذلك؟‬ ‫>ندونگ����و<‪ :‬هذا يرج� � ��ع حقيقة إلى‬ ‫تأثير هذه البروتينات في االس� � ��تجابة‬ ‫املناعي� � ��ة لدينا‪ ،‬وما يفعل� � ��ه الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬اس� � ��تجابة لتل� � ��ك البروتين� � ��ات‪،‬‬ ‫فالڤيروس يتطور للهرب من أن تتعرفه‬ ‫البروتينات ‪ HLA‬املعين� � ��ة تلك‪ ،‬ولكنه‬ ‫يصبح عاجزا بفعل ه� � ��ذه التغيرات؛‬ ‫فيصبح غير قادر على التكاثر بكفاءة‬ ‫كما كان احلال من قبل‪ .‬ورمبا ننجح‬ ‫ف� � ��ي التوصل إلى لق� � ��اح ملهاجمة تلك‬ ‫املناطق الضعيفة من الڤيروس‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬وما هي اخلطوة املقبلة في‬ ‫سبيل تطوير استراتيجية صنع‬ ‫لقاح ملرض اإليدز؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬حتدي� � ��د املناطق الضعيفة‬ ‫(‪the human leukocyte antigen proteins )1‬‬


‫بعض البلدان وقدراتها من حيث الرعاية‬ ‫الصحية املتاحة‪.‬‬

‫يقوم الباحثون في مختبر >ندونگو< بدراسة عينات الدم ملعرفة أماكن الضعف بـالڤيروس ‪ HIV‬التي رمبا‬ ‫تؤدي إلى التوصل إلى إنتاج لقاح يوما ما‪.‬‬

‫ف� � ��ي الڤيروس باس� � ��تخدام االختبارات‬ ‫املتاحة لنا في املختبر‪ .‬بعدها نس� � ��تطيع‬ ‫حتديد األجزاء الضعيفة ‪ segments‬في‬ ‫الڤي� � ��روس‪ ،‬ونحاول النظ� � ��ر في إمكانية‬ ‫اس� � ��تخدامها ف� � ��ي تركيب لق� � ��اح يكون‬ ‫قادرا على َش ِّل الڤيروس‪ .‬ومن الواضح‬ ‫أنه رمب� � ��ا توجد آليات أخ� � ��رى ملكافحة‬ ‫الڤيروس‪ .‬ونس� � ��تمر نح� � ��ن وغيرنا من‬ ‫الباحثني اآلخرين في البحث عن حتسني‬ ‫ه� � ��ذه اآلليات‪ .‬وبدمج تل� � ��ك األمناط من‬ ‫االس� � ��تراتيجيات‪ ،‬فإننا نأمل بالتوصل‬ ‫إلى لقاح مركب فعال‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬وهل هناك طرق أخرى متكننا‬ ‫من التحكم في انتشار الڤيروس ‪HIV‬؟‬ ‫>ندونگ���و<‪ :‬نعم‪ ،‬فنح� � ��ن نعلم أن هناك‬ ‫أناسا لديهم القدرة على مقاومة اإلصابة‬ ‫بالڤي� � ��روس ‪ .HIV‬ومثال جيد هو الطفرة‬ ‫‪ CCR5-delta 32‬الت� � ��ي متن� � ��ع الڤيروس‬ ‫من اختراق اخلالي� � ��ا ومتكّن الناس من‬ ‫مقاومة اإلصابة ب� � ��ه متاما‪ .‬ونعلم كذلك‬ ‫من دراسات أجريت في نيروبي وجنوب‬ ‫إفريقيا أن هناك أفرادا يتمتعون بآليات‬

‫أخرى للمقاومة‪ .‬ونأمل بأن تكون مرتبطة‬ ‫ببع� � ��ض اجلينات البش� � ��رية التي يحتاج‬ ‫إليها الڤيروس ‪ HIV‬إلكثار نفسه‪ ،‬حيث‬ ‫يتطلب هذا الڤيروس البروتينات البشرية‬ ‫الستكمال دورة حياته‪ ،‬ولكن إذا اختلفت‬ ‫ه� � ��ذه البروتينات فرمبا تؤث� � ��ر في عملية‬ ‫تكاثره‪ ،‬ونقوم حاليا ببحث هذا اجلانب‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬فضال عن احتمالية إنتاج‬ ‫لقاح‪ ،‬فإن العالج املضاد للڤيروسات‬

‫االرجتاعية‬ ‫ومثبطات اإلنزمي پروتييز ‪protease‬‬ ‫‪antiretroviral therapy‬‬

‫‪ inhibitors‬قد جعلت من املمكن‬ ‫التحكم في الڤيروس ‪ HIV‬في الغرب‪.‬‬ ‫ماذا عن مدى انتشار هذه الوسائل‬ ‫العالجية في إفريقيا اليوم؟‬ ‫>ندونگو<‪ :‬العقاقير املضادة للڤيروسات‬ ‫متواف� � ��رة هنا في جن� � ��وب إفريقيا‪ .‬وفي‬ ‫أغلب األحي� � ��ان تقدمها احلكومة مجانا؛‬ ‫ولكن بالتأكيد‪ ،‬يختلف الوضع من مكان‬ ‫إل� � ��ى آخ� � ��ر‪ ،‬ومازلنا غي� � ��ر قادرين على‬ ‫توصيل العالج لكل من ينبغي معاجلته‪.‬‬ ‫ويتباين األمر وفقا لإلرادة السياسية في‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫)‪ :(SA‬صحيح‪ .‬الرئيس السابق‬ ‫جلنوب إفريقيا >‪ .T‬مبيكي< كان ممِ َّ ن‬ ‫ينكرون مرض اإليدز‪ .‬كيف أثرت‬ ‫وجهات نظره في جهود الدولة لكبح‬ ‫جماح اإليدز؟‬ ‫>ندونگو<‪ :‬إنها قصة مأس� � ��اوية جدا‪،‬‬ ‫فعدم استجابة جنوب إفريقيا للوباء قد‬ ‫أبط� � ��أ اجلهود الالزمة حملاربة الڤيروس‬ ‫‪ HIV‬واإليدز‪ .‬فلم تكن احلكومة ملتزمة‬ ‫كما هو احلال اآلن‪ ،‬ومن دون شك فقد‬ ‫أدى ذلك إلى تأخ� � ��ر جنوب إفريقيا في‬ ‫معركتها ضد املرض‪ .‬وكان املسؤولون‬ ‫الذين ينك� � ��رون خطورة املرض من ذوي‬ ‫الش� � ��خصيات املؤث� � ��رة‪ ،‬وأدى ذلك إلى‬ ‫الكثير من املفاهيم اخلاطئة لديهم‪.‬‬ ‫ولكن اآلن أصبح� � ��ت األمور أفضل‬ ‫كثيرا‪ .‬وص� � ��ار هناك تع� � ��اون أكبر بني‬ ‫احلكوم� � ��ة واملنظمات غي���ر احلكومية‬ ‫)‪ )1((NGOs‬وغيره� � ��م م� � ��ن العاملني في‬ ‫مكافحة اإليدز‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬عندما تعود إلى قريتك في‬ ‫كينيا‪ ،‬هل أنت هناك شخص مشهور‬ ‫نوعا ما؟‬ ‫>ندونگو<‪ :‬لست أدري إن كنت مشهورا‬ ‫بالفع� � ��ل‪ ،‬ولكنهم فخورون ب� � ��ي جدا‪ .‬وأنا‬ ‫بدوري أش� � ��عر باالمتنان العظيم لعائلتي‬ ‫ومجتمعي لدعمهم لي على مر السنني‪> .‬‬ ‫يقيم >‪ .B‬بوريل< في مدينة نيويورك‪.‬‬ ‫وكثيرا ما يقوم بالكتابة عن العلوم والبيئة‬ ‫ملجلة ساينتفيك أمريكان ومجلة نيتشر‪.‬‬ ‫(‪nongovernmental organizations )1‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, June 2012‬‬

‫‪19‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫األول من شاكلتنا‬

‫( )‬

‫أحافير مدهشة من جنوب إفريقيا قد جتدد‬ ‫اجلدل حول الكيفية التي صرنا من خاللها بشرا‪.‬‬ ‫>‪ .K‬وونگ<‬

‫في وقت من األوقات ما بني ثالثة ماليني ومليوني س� � ��نة‬ ‫خل� � ��ت‪ ،‬رمبا على أراضي الس� � ��اڤانا القدمي� � ��ة في إفريقيا‬ ‫أصبح أس� �ل��افنا بش� � ��را ميكن متييزهم بجالء‪ .‬فألكثر من‬ ‫مليون س� � ��نة ازده� � ��ر أس� �ل��افهم األسترالوپيثيس���ينات‬ ‫‪ - australopithecine‬لوس� � ��ي ‪ Lucy‬وس� �ل��التها‪ ،‬التي كانت‬ ‫متشي منتصبة اجلسم مثلنا ولكنها ما زالت متتلك ساقني‬ ‫قصيرتني ويدين متكيفتني لتسلق األشجار وأدمغة صغيرة‪،‬‬ ‫وه� � ��ي صفات متيز أس� �ل��افها القردة ‪ -‬ف� � ��ي غابات القارة‬ ‫وأحراجه� � ��ا وما حولها‪ .‬ولكن عاملهم كان آخذا في التغير‪.‬‬ ‫فقد س ّهل تغير املناخ انتش� � ��ار املروج العشبية‪ ،‬ونشأ عن‬ ‫األسترالوپيثيس� � ��ينات األوائل سالالت جديدة‪ .‬وقد طورت‬ ‫وأيدي متكيفة لتصنيع‬ ‫إحدى هذه السالالت سيقانا طويلة‬ ‫َ‬ ‫األدوات‪ ،‬وأدمغة كبيرة‪ .‬وكان هذا جنس� � ��نا هومو ‪،Homo‬‬ ‫أحد الرئيسيات الذي سيحكم الكوكب‪.‬‬ ‫وعلى م� � ��دى عقود ن ّقب علم���اء األنثروبولوجيا القدمية‬ ‫‪ paleoanthropologists‬مناطق نائية في إفريقيا بحرص ومتعن‬ ‫بحثا عن األحافير املمثلة ألبكر أفراد اجلنس هومو‪ ،‬سعيا إلى‬ ‫فهم تفاصيل كيف برز فيها جنس� � ��نا‪ .‬ولكن جهودهم لم تفض‬ ‫إال إلى مكاس� � ��ب متواضعة‪ :‬عظمة فك هنا وحفنة من األسنان‬ ‫هن� � ��اك‪ .‬ومعظم األحافير الت� � ��ي مت احلصول عليها تنتمي بدال‬ ‫من ذلك إما إلى األس� �ل��اف من األسترالوپيثيس� � ��ينات أو إلى‬

‫أف� � ��راد أحدث من اجلنس هوم� � ��و ‪ -‬مخلوقات‪ ،‬متقدمة جدا ال‬ ‫توضــح التســلس� � ��ل الــذي أدى إلى نش� � ��وء ســمـــاتنــا املميــزة‬ ‫أو الضغوط االنتقائية التي أدت إلى ظهورها‪ .‬لقد اس� � ��تعصى‬ ‫عليهم اكتش� � ��اف عينات يزيد عمرها على مليوني سنة وتضم‬ ‫عناصر هيكلية متعددة محفوظة كان ميكن لها أن تكشف عن‬ ‫كيفية تشكل بنية اجلنس هومو‪ .‬إن أفضل تخمني للعلماء هو‬ ‫أن التح ّول حدث في ش� � ��رق إفريقيا‪ ،‬حي� � ��ث وجدت األحافير‬ ‫األقدم التي تنـتسب إلى اجلنس هومو أن سمات هومو املميزة‬ ‫س� � ��محت له بإضاف� � ��ة املزيد من اللحم ف� � ��ي نظامه الغذائي ‪-‬‬ ‫مصدر غني بالكالوريات (السعرات احلرارية) ‪ calories‬في‬ ‫بيئة أصبحت فيها الفواكه والبذور (املكس� � ��رات) نادرة‪ .‬ولكن‬ ‫مع قلة األدلة الضرورية لالس� � ��تدالل بقي أصل جنس� � ��نا على‬ ‫غموضه املعهود‪.‬‬ ‫يعتق� � ��د>‪ .L‬برگر< [وهو عال� � ��م أنثروبولوجيا قدمية‪ ،‬في‬ ‫جامعة ويتواترس� � ��راند بجوهانسبيرگ في جنوب إفريقيا]‬ ‫أن� � ��ه وجد قطع� � ��ة كبيرة م� � ��ن اللغز‪ ،‬حيث اكتش� � ��ف حديثا‬ ‫مجموعة نفيسة من األحافير يعتقد مع فريقه أنها ميكن أن‬ ‫حتدث ثورة في فهم الباحث� �ي��ن جلذور اجلنس هومو‪ .‬فمن‬ ‫بني جوانب اجل� � ��دران البيضاء للغرفة ‪ 210‬في معهد تطور‬ ‫( ) ‪FIRST OF OUR KIND‬‬

‫باختصار‬ ‫إن أصل جنسنا «هومو» ‪ Homo‬هو واحد من أكثر مسائل تطور‬ ‫اإلنسان ‪ -‬التي تواجه العلماء ‪ -‬غموضا‪.‬‬ ‫بن� � ��اء على األدلة الضئيلة املتوافرة ّ‬ ‫خلص العلماء نش� � ��وء اجلنس‬ ‫هومو في شرق إفريقيا حیث قدم النوع أسترالوبثیكس آفارینسیس‬ ‫‪ ،Australopithecus afarensis‬نوع األحفورة لوس� � ��ي ‪ ،Lucy‬الس� � ��لف‬ ‫‪20‬‬

‫املؤسس لساللتنا‪ ،‬هومو هابیلس ‪.Homo Habilis‬‬ ‫األحافیر املكتشفة مؤخرا من موقع في شمال غرب جوهانسبيرگ‪،‬‬ ‫في جنوب إفريقيا‪ ،‬قد تقلب هذا السيناريو‪ .‬إذ تقدم األحافير أنواعا‬ ‫غير معروفة من قبل من البش� � ��ر بخليط من سمات األسترالوبثیكس‬ ‫والهومو والتي تقترح ملكتشفيها بأنها قد تكون سلفا للهومو‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫اإلنسان(‪ )1‬التابع للجامعة يراقب >برگر‬ ‫>‪ .B‬وود< [من جامعة جورج واشنطن] وهو‬ ‫يخطو أمام أربعة صناديق من البالستيك‬ ‫مت نقلها م� � ��ن خزنتها املض� � ��ادة للحريق‬ ‫ووضعها على طاول� � ��ة مغطاة مبخمل من‬ ‫اللون األزرق امللك� � ��ي‪ .‬الصناديق املبطنة‬ ‫بالفل� �ي��ن مفتوحة‪ ،‬وتكش� � ��ف عما حتويه‬ ‫م� � ��ن األحافير التي يع� � ��ود عمرها إلى ما‬ ‫يقرب من مليوني سنة‪ .‬األول يحوي عظام‬ ‫احلوض والس� � ��اق‪ .‬والثاني يحتوي على‬ ‫أضالع وفق� � ��رات‪ .‬والثالث يعرض عظام‬ ‫ذراع وترق� � ��وة واحدة‪ .‬أم� � ��ا الرابع فيؤوي‬ ‫جمجم� � ��ة‪ .‬وعلى منضدة مقابل� � ��ة للطاولة‪،‬‬ ‫يوج� � ��د املزيد من الصنادي� � ��ق التي حتوي‬ ‫أجزاء من هيكل ثان غير كامل مبا في ذلك‬ ‫عظام يد كاملة تقريبا‪.‬‬ ‫يتوقف >وود<‪ ،‬وهو شخصية مؤثرة جدا‬ ‫في هذا امليدان‪ ،‬أم� � ��ام اجلمجمة وينحني‬ ‫فوقها إللقاء نظرة فاحصة‪ .‬ميس� � ��د حليته‬ ‫يتفحص األس� � ��نان اجليدة التش� � ��كل‪،‬‬ ‫وهو ّ‬ ‫واجلمجم� � ��ة بحجم ثمرة الگريپفروت‪ .‬ومن‬ ‫ثم يس� � ��تقيم في وقفته وهو يهز رأسه قائال‬ ‫ببطء وكأنه يكلم نفس� � ��ه‪« :‬نادرا ما تعوزني‬ ‫الكلمات‪ ،‬ولكن مدهش‪ ،‬فقط مدهش‪».‬‬ ‫يبتسم >برگر< ابتس� � ��امة عريضة‪ .‬لقد‬ ‫رأى رد الفع� � ��ل ه� � ��ذا من قب� � ��ل‪ .‬فمنذ أن‬ ‫ُكش� � ��ف النقاب ع� � ��ن املكتش� � ��فات في عام‬ ‫‪ ،2010‬تدفق العلماء من جميع أنحاء العالم‬ ‫إل� � ��ى مختبره ليحدقوا بذهول في األحافير‬ ‫نوع جديد من اإلنسان من جنوب إفريقيا ‪ -‬أسترالوبثیكس سيديبا ‪ Australopithecus sedibahas‬ينظر‬ ‫له كسلف جلنسنا هومو‪.‬‬ ‫املثيرة‪ .‬واستنادا إلى املجموعة التشريحية‬ ‫الفريدة التي تقدمها هذه الهياكل العظمية‪،‬‬ ‫( )‬ ‫نسب >برگر< وفريقه البقايا إلى نوع جديد‪ ،‬أسترالوپيثيكس‬ ‫الطريق الذي لم ُيس َلك‬ ‫س���يديبا ‪ .australopithecus sediba‬وق� � ��د اقترح� � ��وا‪ ،‬إضاف� � ��ة‬ ‫في منتصف الطريق الترابي الذي تتناثر فيه الصخور والذي‬ ‫إل� � ��ى ذل� � ��ك‪ ،‬أن االجتماع الواض� � ��ح في العظام بني س� � ��مات‬ ‫األس� � ��ترالوپيثيكس البدائية وس� � ��مات اجلنس هومو املتطورة يتعرج عبر محمية جون ناش الطبيعة‪ ،‬يوقف >برگر< السيارة‬ ‫يؤه� � ��ل النوع إلى أن يحتل مكانا متميزا في ش� � ��جرة العائلة‪( :‬اجليب) ويش� � ��ير إل� � ��ى طريق أضيق يتفرع من� � ��ه إلى اليمني‪.‬‬ ‫بوصفه س� � ��لفا للجنس هومو‪ .‬إن الرهان� � ��ات كبيرة‪ .‬فإذا كان فعلى مدى ‪ 17‬عاما كان يقوم برحلة األربعني كيلومترا باجتاه‬ ‫>برگر< محقا‪ ،‬س� � ��يتعني على علماء األنثروبولوجيا القدمية أن الش� � ��مال الغربي من جوهانس� � ��بيرگ إلى قطع� � ��ة من األرض‬ ‫يعي� � ��دوا التفكير كليا في أين ومتى وكيف كانت بداية اجلنس‬ ‫( ) ‪THE ROAD NOT TAKEN‬‬ ‫هومو ‪ -‬وما هو معنى أن تكون إنسانا في املقام األول‪.‬‬ ‫(‪Institute for Human Evolution )1‬‬ ‫<‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪21‬‬


‫البري� � ��ة ذات امللكي� � ��ة اخلاص� � ��ة والتي تبلغ مس� � ��احتها‬ ‫هكت� � ��ار وكان يتجاوز هذا الطري� � ��ق الفرعي‪ ،‬متابعا على طول‬ ‫الطريق الرئيسي‪ ،‬متجاوزا مواطن الزرافات واخلنازير البرية‬ ‫والظب� � ��اء‪ ،‬إلى كهف كان يستكش� � ��فه ال يبع� � ��د عنها إال بضعة‬ ‫كيلومت� � ��رات يدعى گالديس� � ��ڤال ‪ .Gladysvale‬وفي عام ‪1948‬‬ ‫ج� � ��اء عاملا األحافير األمريكيان >‪ .F‬پيبودي< و>‪ .Ch‬كامب< إلى‬ ‫ه� � ��ذه املنطقة للبحث عن أحافير البش���ريات ‪( hominins‬أفراد‬ ‫اإلنس� � ��ان احلديث وأقرباؤه املنقرضون) بناء على نصيحة من‬ ‫عالم األحافير اجلنوب إفريقي الشهير >‪ .R‬بروم< الذي كان قد‬ ‫وجد أمثال هذه األحافير في كهفي ستركفونتاين ‪Sterkfontein‬‬ ‫وس� � ��وارتكرانس ‪ Swartkrans‬على بع� � ��د ثمانية كيلومترات‪ .‬لم‬ ‫يكن >پيب� � ��ودي< معجبا باملواقع األحفوري� � ��ة هنا البتة‪ ،‬لدرجة‬ ‫ظن فيها أن >بروم< قد أرس� � ��لهم في حملة ال طائل منها‪ .‬ولم‬ ‫يعرف >برگر< أو املستكش� � ��فون من قبل� � ��ه أنهم لو اتبعوا هذا‬ ‫املمر األضيق ‪( -‬أحد مس� � ��ارات عمال املناجم املتعددة التي‬ ‫اس� � ��تخدمت في وقت من القرن التاس� � ��ع عش� � ��ر لنقل احلجر‬ ‫اجليري‪ ،‬الذي بنيت منه أبنية جوهانس� � ��بيرگ‪ ،‬من مقالعه إلى‬ ‫الطريق الرئيسي) ‪ -‬لكانوا قد وقعوا على اكتشاف العمر‪.‬‬ ‫ل� � ��م يتخيل >برگر< مطلق� � ��ا [الذي يبلغ اآلن ‪ 46‬س� � ��نة من‬ ‫العمر] أنه سيجد ش� � ��يئا مثل أسترالوپيثيكس سيديبا‪ .‬فعلى‬ ‫الرغ� � ��م من أنه كان يعتقد أن ج� � ��ذور (أصول) هومو قد تكون‬ ‫ف� � ��ي جن� � ��وب إفريقيا بدال من ش� � ��رق إفريقيا‪ ،‬فق� � ��د كان يعلم‬ ‫أن احتم� � ��االت إيجاد لـقي� � ��ة كبيرة كانت ضئيل� � ��ة‪ .‬إن أحافير‬ ‫البش� � ��ريات نادرة للغاية‪ ،‬ولذلك بحس� � ��ب قوله‪« :‬لم يكن لدينا‬ ‫أي توقع� � ��ات»‪ .‬وما هو أكثر من ذلك‪ ،‬كان يركز على ما يدعى‬ ‫مه���د اجلن���س البش���ري ‪ ،Cradle of Humankind‬وهي منطقة‬ ‫سبق أن مت استكش� � ��افها بكثافة والتي قدمت كهوفها ولفترة‬ ‫طويلة أفرادا من األسترالوپيـثيس���ينات ‪australopithecines‬‬ ‫الت� � ��ي كان يعتقد أنها أبعد من حيث القرابة عن اجلنس هومو‬ ‫من األسترالوپيثيس� � ��ينات الش� � ��رق إفريقية الت� � ��ي تبدو أقرب‬ ‫للجنس هومو‪ .‬وهكذا استمر >برگر< في العمل بجد في كهف‬ ‫كالديس� � ��ڤال يوما بعد يوم‪ ،‬وعاما بعد عام‪ .‬وبسبب أنه وجد‬ ‫القليل من أحافير البشريات بني املاليني من األحافير احليوانية‬ ‫في هذا الكهف – فقط مجرد بقايا للنوع أس���ترالوپيثيكس‬ ‫أفريكانس ‪ - A. africanus‬فقد شغل نفسه في هدف آخر‪ :‬أال‬ ‫وهو تأريخ ‪ dating‬املوقع‪ .‬فاملشكلة املهمة التي واجهت تفسير‬ ‫أحافير البشريات اجلنوب إفريقية كانت أن العلماء لم يكونوا‬ ‫ق� � ��د وجدوا بعد طريقة يحددون من خاللها عمر هذه األحافير‬ ‫بصورة موثوقة‪ .‬ففي شرق إفريقيا‪ ،‬تأتي أحافير البشريات من‬ ‫رواسب تقع بني طبقات من الرماد البركاني التي غطت املوقع‬ ‫‪9000‬‬

‫‪22‬‬

‫أثناء االنفجارات البركانية التي حدثت منذ زمن بعيد‪ .‬وميكن‬ ‫أن يتأكد اجليولوجيون من عمر طبقة الرماد بتحليل «بصمتها»‬ ‫الكيميائية‪ .‬وبذلك فإن عمر األحفورة املستخرجة من طبقة من‬ ‫الرواس� � ��ب تتموضع بني طبقتني من الرماد البركاني هو قيمة‬ ‫وس� � ��طى بني عمري طبقتي الرماد‪ .‬ولك� � ��ن مواقع الكهوف في‬ ‫منطقة «مهد اجلنس البش� � ��ري» تفتقر إلى وجود طبقة الرماد‬ ‫البركاني‪ .‬ومع ذلك ومن خالل ‪ 17‬عاما من التجريب في كهف‬ ‫گالديس� � ��ڤال وجد >برگر< وزمالؤه تقنيات حلل مش� � ��كلة عدم‬ ‫توفر الرماد البركاني الستخدامه في التأريخ‪.‬‬ ‫لم مي� � ��ض وقت طويل حتى أثبتت ه� � ��ذه التقنيات فائدتها‪.‬‬ ‫ففي الي� � ��وم األول من الش� � ��هر ‪ ،2008/8‬وبينم� � ��ا كان >برگر<‬ ‫يقوم مبس� � ��ح احملمية ‪ reserve‬بحثا عن مواقع أحفورية جديدة‬ ‫محتمل� � ��ة في املنطقة التي كان قد حددها باس� � ��تخدام برنامج‬ ‫گ� � ��وگل إرث ‪ ،Google Earth‬انعط� � ��ف >برگر< ميينا ليأخذ ممر‬ ‫عم� � ��ال املناجم الذي كان قد اعتاد جتاهله مدة ‪ 17‬عاما وتابع‬ ‫سيره فيه إلى أن قاده إلى حفرة أبعادها ثالثة أمتار في أربعة‬ ‫أمت� � ��ار كان عمال املناجم قد فجروه� � ��ا‪ .‬وبينما كان يحدق في‬ ‫املوق� � ��ع وجد عددا قليال من األحافي� � ��ر احليوانية‪ ،‬كانت كافية‬ ‫لتبري� � ��ر زيارة ثانية إللقاء نظرة أكثر متعنا‪ .‬ففي يوم ‪ 8/15‬عاد‬ ‫مع ابنه >ماثيو< [الذي كان عمره وقتها تس� � ��ع سنوات] وكلبه‬ ‫تاو‪ .‬انطل� � ��ق >ماثيو< وراء كلبه تاو إلى احلرش وخالل دقائق‬ ‫صرخ مناديا والده ليعلمه أنه عثر على أحفورة‪ .‬شكك >برگر<‬ ‫في أن تكون ش� � ��يئا ذا أهمي� � ��ة ‪ -‬رمبا مجرد عظم ظبي‪ ،‬ولكن‬ ‫في خطوة إلظهار الدعم األبوي‪ ،‬شق طريقه إليه ليعاين اللقية‪.‬‬ ‫وهناك كان يب� � ��رز ‪ -‬من قطعة كبيرة من الصخر الداكن التي‬ ‫تقع في وسط احلشائش الطويلة بالقرب من جذع شجرة ميتة‬ ‫ضربتها صاعقة ‪ -‬طرف من عظم الترقوة‪.‬‬ ‫وحاملا رأى >برگر< العظم‪ ،‬عرف أنه ينتمي إلى البشريات‪.‬‬ ‫ففي األشهر التي تلت ذلك‪ ،‬وجد املزيد من عظام الهيكل الذي‬ ‫يعود إليه عظم الترقوة‪ ،‬إضافة إلى هيكل عظمي آخر غير كامل‬ ‫على بعد ‪ 20‬مترا من حفرة عمال املناجم‪ .‬استحصل >برگر<‬ ‫وفريقه م� � ��ن املوقع‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬على أكث� � ��ر من ‪ 220‬عظمة من‬ ‫عظام أسترالوپيثيكس سيديبا – أكثر من جميع عظام جنس‬ ‫هومو املبكر املعروفة مجتمعة‪ .‬فقد أعطى اس� � ��م ماالپا ‪Malapa‬‬ ‫للموقع‪ ،‬وهذا االس� � ��م يعني في لغة سيسوتو احمللية «العزبة»‬ ‫‪ .homestead‬وباس� � ��تخدام املقاربات التي جرى حتسينها في‬ ‫كهف گالديس� � ��ڤال‪ ،‬قام اجليولوجيون في فريق >برگر< فيما‬ ‫بعد بتحديد عمر بقايا املستحاثات بدقة كبيرة حيث قدر بنحو‬ ‫‪ 1.977‬مليون سنة خلت بزيادة أو نقصان قدرها ‪ 2000‬سنة‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫>‪ .L‬برگر< (في اليس���ار) و >‪ .M‬كجاس���ي< (في اليمني) يعاينان حفرة عمال املناجم‬ ‫عند موقع ماالپا‪ ،‬حيث اكتشف >برگر< أسترالوپيثيكس سيديبا )‪ .(1‬كتل الرواسب‬ ‫الفتاتي���ة املتكلس���ة الش���بيهة باخلرس���انة‪ ،‬الت���ي أزاحه���ا عم���ال املناجم‪ ،‬س���يجري‬

‫سلف ُمر ّقع‬

‫( )‬

‫إن أهمي� � ��ة احتواء أحافي� � ��ر موقع ماالپا على ع� � ��دد كبير من‬ ‫أجزاء اجلس� � ��م تعود إلى أنها ميكن أن تقدم تبصرات فريدة‬ ‫في الترتيب الذي ظهرت فيه س� � ��مات هومو األساس� � ��ية‪ .‬وما‬ ‫تظهره هذه السمات بشكل واضح جدا هو أن مالمح اإلنسان‬ ‫اجلوهرية لم تتطور بالض� � ��رورة كمجموعة متكاملة‪ ،‬كما كان‬ ‫يعتق� � ��د‪ .‬لنأخذ‪ ،‬على س� � ��بيل املثال‪ ،‬احل� � ��وض والدماغ‪ .‬تقول‬ ‫احلكم� � ��ة التقليدية إن ح���وض ‪ pelvis‬األسترالوپيثيس� � ��ينات‬ ‫املسطح والواسع تطور إلى حوض على شكل التجويف الذي‬ ‫يالح� � ��ظ في جنس الهومو ذي الدماغ األكبر‪ ،‬وذلك للس� � ��ماح‬ ‫بوالدة أطفال برؤوس أكبر‪ .‬ومع ذلك فإن األس� � ��ترالوپيثيكس‬ ‫س� � ��يديبا ميتلك حوضا واسعا مشابها حلوض اجلنس هومو‬ ‫وقن� � ��اة والدة واس� � ��عة بالترافق مع دم� � ��اغ صغير ‪ -‬نحو ‪420‬‬ ‫سنتيمترا مكعبا فقط‪ ،‬ما يعادل ثلث حجم دماغنا‪ .‬يظهر هذا‬ ‫الترافق أن ازدي� � ��اد حجم الدماغ لم يكن له أي دور مؤثر في‬

‫‪3‬‬

‫تفريس���ها (تش���خيصها) بالتصوير الطبقي احملوري احملوس� � ��ب ‪ CT-scanned‬ملعرفة‬ ‫فيم���ا إذا كان���ت حتتوي عل���ى أحافير )‪ .(2‬منظر يبينّ ودي���ان منطقة ماالپا وحولها‪،‬‬ ‫شمال غرب جوهانسبيرگ في جنوب إفريقيا )‪.(3‬‬

‫حتول شكل احلوض في ساللة أسترالوپيثيكس سيديبا‪.‬‬ ‫المتزج أحافير أس� � ��ترالوپيثيكس سيديبا فقط بني نسخ‬ ‫قدمي� � ��ة وأخرى جديدة ملالمحها العام� � ��ة‪ ،‬مثل حجم الدماغ‬ ‫وش� � ��كل احلوض‪ ،‬ب� � ��ل إن هذا النمط يتكرر على مس� � ��تويات‬ ‫أعمق‪ ،‬مبا يشبه التشعبات التطورية ‪.evolutionary fractal‬‬ ‫ويب� �ي��ن حتليل باطن قحف دماغ الذكر الفتي أن لدى دماغه‪،‬‬ ‫على الرغم م� � ��ن أنه صغير‪ ،‬منطقة جبهية أكبر من قبل‪ ،‬مما‬ ‫يش� � ��ير إلى حالة متقدمة من إع� � ��ادة التنظيم (إعادة التطور)‬ ‫للم� � ��ادة الرمادية؛ وأن الطرف العل� � ��وي لألنثى البالغة يجمع‬ ‫ب� �ي��ن ذراع طويلة ‪ -‬وه� � ��ي صفة بدائية محفوظة من س� � ��لف‬ ‫قاطن لألش� � ��جار وأصابع قصيرة ومستقيمة تكيفت لصنع‬ ‫واس� � ��تخدام األدوات (على الرغم من أن عالمات العضالت‬ ‫على العظام تش� � ��هد على قدرات قبض قوية ش� � ��بيهة بقدرات‬ ‫القرود)‪ .‬وفي بع� � ��ض احلاالت يبدو التناقض في اجلمع بني‬ ‫( ) ‪A PATCHWORK PREDECESSOR‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪23‬‬


‫الق� � ��دمي واحلديث غير ممكن أبدا لدرجة أنه لو لم تكتش� � ��ف‬ ‫العظام متصل� � ��ة ببعضها بعضا‪ ،‬فإن تفس� � ��ير الباحثني لها‬ ‫كان س� � ��يتم على أس� � ��اس انتمائها إلى مخلوقات مختلفة عن‬ ‫بعضها كليا‪ .‬على س� � ��بيل املثال‪ ،‬يجمع القدم بني عظم كعب‬ ‫ش� � ��بيه بعظم كعب قدم قرد قدمي مع عظم كاحل شبيه بعظم‬ ‫كاحل اجلنس هومو‪ ،‬وفقا ألح� � ��د أعضاء فريق كهف ماالپا‬ ‫>‪ .B‬زيپف� � ��ل< [من جامعة ويتواترس� � ��راند]‪ .‬وهذا أمر يصفه‬ ‫>برگر< كما لو أن التطور كان يلعب لعبة اخللط العش� � ��وائي‬ ‫(يلعب لعبة مستر پوتيتو هيد(‪.))1‬‬ ‫ويقول >برگر< إن التبرقش(‪( )2‬الفسيفسائية) ‪mosaicism‬‬ ‫املفرط الواضح لدى األس� � ��ترالوپيثيكس س� � ��يديبا ينبغي أن‬ ‫يكون درس� � ��ا لعلم� � ��اء األنثروبولوجيا القدمي� � ��ة‪ .‬فلو أنه وجد‬ ‫أي ع� � ��دد من عظام هذا اجلنس في عزل� � ��ة عن بعضها لكان‬ ‫صنفها بش� � ��كل مختلف‪ .‬فاعتمادا عل� � ��ى احلوض‪ ،‬كان من‬ ‫املمكن أن يسميه اإلنسان املنتصب ‪ ،Homo erectus‬ويوحي‬ ‫عظم ال� � ��ذراع وحده أنه قرد من الق� � ��رود‪ .‬وعظم الكاحل هو‬ ‫نس� � ��خة مطابقة لعظم كاحل إنسان حديث‪ .‬وبذلك كان خطؤه‬ ‫ش� � ��بيها بخطأ الرجال العميان (املكفوفني) الذين يتفحصون‬ ‫«يبينِّ‬ ‫األجزاء املختلفة للفي� � ��ل منفردة‪ .‬ويتابع >برگر< مؤكدا ُ‬ ‫س� � ��يديبا ‪ sediba‬أن أح� � ��دا لم يعد قادرا على إس� � ��ناد عظام‬ ‫معزول� � ��ة (منفصلة) إلى جنس ما‪ ».‬وهذا يعني‪ ،‬في رأيه‪ ،‬أن‬ ‫لق���ى ‪ finds‬مثل الفك العلوي الذي يعود عمره إلى ‪ 2.3‬مليون‬ ‫س� � ��نة من حدار في إثيوبيا‪ ،‬والذي ُق ِّدم على أنه األثر األقرب‬ ‫للجنس هومو الميكن أن نتخذه بصورة أكيدة على أنه ينتمي‬ ‫إلى سلسلة نسب هومو‪.‬‬ ‫إن اس� � ��تبعاد ذلك الف� � ��ك من العملية من ش� � ��أنه أن يجعل‬ ‫أس� � ��ترالوپيثيكس س� � ��يديبا أقدم من أي أحف� � ��ورة من أحافير‬ ‫هومو التي جرى حتديدها بصورة جيدة‪ ،‬ولكنه ال يزال أحدث‬ ‫عمرا من أس���ترالوپيثيكس آفارنس���يس ‪ ،A. afarensis‬وهذا‬ ‫يضعه في موقع مركزي بالنسبة إلى السلف املباشر للجنس‬ ‫هوم� � ��و‪ ،‬كما يؤكد فريق >برگر<‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬وعند األخذ‬ ‫باحلسبان مالمح أسترالوپيثيكس س� � ��يديبا املتطورة‪ ،‬يقترح‬ ‫الباحثون أنه ميكن أن يكون س� � ��لفا لإلنس� � ��ان املنتصب على‬ ‫وجه اخلصوص (والذي يعتبر البعض جزءا منه على أنه نوع‬ ‫مختلف يدعى اإلنس���ان العام���ل ‪ .)H. ergaster‬وهكذا‪ ،‬وبدال‬ ‫م� � ��ن وجهة النظر التقليدية أن أس� � ��ترالوپيثيكس آفارنس� � ��يس‬ ‫و ّلـد اإلنس���ان املاهر ‪ ،H. habilis‬والذي بدوره ولـد اإلنس� � ��ان‬ ‫املنتصب‪ ،‬يؤكــد هذا الفريق أن أس� � ��ترالوپيثيكس أفريكانس‬ ‫هو السلف املرجح (احملتمل) للنوع أسترالوپيثيكس سيديبا‪،‬‬ ‫الذي و ّلد بعد ذلك اإلنسان املنتصب‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن هذا الترتيب سيقصي اإلنسان‬ ‫املاهر إلى فرع جانبي مسدود النهاية من شجرة عائلة البشر‪.‬‬ ‫كما ميكن حتى أن تركل أسترالوبيثيكس آفارنسيس ‪ -‬الذي‬ ‫اعتبر ملدة طويلة الس� � ��لف جلميع البش� � ��ريات األحدث عمرا‪،‬‬ ‫مبا في ذلك أس� � ��ترالوپيثيكس أفريكانس وهومو ‪ -‬إلى طرف‬ ‫مهمل من الطريق التطوري‪ .‬ويشير >برگر< إلى أن عظم عقب‬ ‫أس� � ��ترالوپيثيكس سيديبا هو أكثر بدائية من ذلك املوجود في‬ ‫أسترالوبيثيكس آفارنسيس‪ ،‬مما يشير إلى أن أسترالوپيثيكس‬ ‫سيديبا قد خضع إما إلى انعكاس تطوري نحو عظم عقب أكثر‬ ‫بدائية أو أنه انحدر من س� �ل��الة مختلفة عن تلك التي تتضمن‬ ‫أسترالوپيثيكس آفارنسيس وأس� � ��ترالوپيثيكس أفريكانس ‪-‬‬ ‫ساللة يتعني عليه اكتشافها‪.‬‬ ‫يق� � ��ول >برگر< [الذي ترعرع في مزرعة بس� � ��يلڤانيا بوالية‬ ‫جورجيا] س� � ��اخرا‪« :‬في اجلنوب‪ ،‬لدينا مثل يقول‪ :‬سترقص‬ ‫م� � ��ع الفتاة الت� � ��ي أحضرتها معك‪ ،‬وهذا م� � ��ا كان يفعله علماء‬ ‫األنثروبولوجي� � ��ا القدمية في محاولتهم حل لغز أصل اجلنس‬ ‫هومو من األحافير التي اكتشفت في شرق إفريقيا»‪ .‬وأضاف‪:‬‬ ‫«علين� � ��ا اآلن أن نعترف بتوفر احتم� � ��االت أكبر هناك»‪ .‬ورمبا‬ ‫تكون قصة اجلانب الشرقي عن أصل اإلنسان غير صحيحة‪.‬‬ ‫وبحسب االعتقاد التقليدي متثل أحافير البشريات األقدم في‬ ‫جنوب إفريقيا جتربة تطورية منفصلة أخفقت في نهاية األمر‪.‬‬ ‫وأس� � ��ترالوپيثيكس س� � ��يديبا ميكن أن يقلب الطاولة ويكشف‪،‬‬ ‫في جنوب إفريقيا‪ ،‬عن وجود س� �ل��الة أخرى‪ ،‬الس� �ل��الة التي‬ ‫أعطت في النهاية اجلنس البش� � ��ري كما نعرفه ‪( -‬وس� � ��يديبا‬ ‫‪ sediba‬في الواقع هي كلمة في لغة السيس� � ��وتو تعني «املنبع»‬ ‫أو «الينبوع»)‪.‬‬ ‫ال يواف� � ��ق >‪ .W‬كيمب� � ��ل< [من جامعة والي� � ��ة أريزونا] الذي‬ ‫ق� � ��اد الفريق الذي عثر على عظم الف� � ��ك الذي يعود عمره إلى‬ ‫‪ 3.2‬مليون س� � ��نة في إثيوبيا على أي من هذا‪ .‬ويرد على فكرة‬ ‫أن امل� � ��رء يحتاج إلى هي� � ��كل عظمي كام� � ��ل لتصنيف عينة ما‬ ‫بأنها «حجة ال معنى لها»‪ .‬واحلل يكون‪ ،‬كما يقول‪ ،‬في إيجاد‬ ‫قطـع من الهيكل العظمي حتتوي على سمات تشخيصية‪ ،‬وفك‬ ‫«حدار» ميتلك م� � ��ن املالمح ما يجعله يرتبط بوضوح باجلنس‬ ‫هومو‪ ،‬مثل شكل القطـع املكافئ الذي تشكله صفوف أسنانه‪.‬‬ ‫يج� � ��د >كيمبل<‪ ،‬ال� � ��ذي رأى أحافير ماالپا ولكن لم يدرس� � ��ها‬ ‫بالتفصيل‪ ،‬أن سماتها الشبيهة بسمات هومو مثيرة لالهتمام‪،‬‬ ‫على الرغم من أنه ليس متأكدا أين يضعها تصنيفيا‪ .‬ومع ذلك‬ ‫(‪playing Mr. Potato Head )1‬‬

‫(‪ )2‬أو التطور الفسيفس� � ��ائي‪ :‬هو املفهوم القائ� � ��ل إن التغير التطوري يجري في بعض‬ ‫أجزاء اجلسم من دون تغيرات متزامنة في أجزاء أخرى من اجلسم‪( .‬التحرير)‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫لـقى (مكتشفات)‬

‫فتى ذكر أسترالوپيثيكس سيديبا‬ ‫دماغ‬ ‫صغيرة‬

‫مزج وتطابق‬

‫( )‬

‫أنثى أسترالوپيثيكس سيديبا بالغة‬ ‫جسم‬ ‫صغير‬

‫منطقة جبهية‬ ‫موسعة في الدماغ‬

‫أسنان‬ ‫صغيرة‬

‫أنف‬ ‫بارز‬

‫قناة والدة‬ ‫واسعة‬

‫تب����دي هيــاكــ����ل األس����ترالوپيثيكس‬ ‫س����يديبا مزيج����ا غي����ر متوق����ع كلي����ا‬ ‫م����ن س����مات جن����س األس����ترالوپيـثني‬ ‫‪ australopithecine‬وس����ــــمــات جنـــــ����س‬ ‫الهوم����و‪ ،‬واألمثل����ة عل����ى ذل����ك مبين����ة‬ ‫هن����ا‪ .‬اعتق����د العلماء س����ابقا أن مالمح‬ ‫هوم����و كاألذرع القصي����رة واألي����دي‬ ‫البارعة تطورت دفعة واحدة (بخطوات‬ ‫متناس����قة)‪ ،‬ولك����ن أس����ترالوپيثيكس‬ ‫س����يديبا يب��ي�ن أنه����ا تظه����ر تدريجيا ‪-‬‬ ‫ف����ي هذه احلالة ت����زاوج األذرع الطويلة‬ ‫املتكيفة لتس����لق األش����جار‪ ،‬م����ع األيدي‬ ‫القصي����رة األصاب����ع وذات اإلبه����ام‬ ‫الطوي����ل الت����ي وفـ����رت قبضة مش����ابهة‬ ‫لقبض����ة اإلنس����ان ف����ي دقته����ا‪ .‬ويوحي‬ ‫مزيج أسترالوپيثيكس سيديبا النوعي‬ ‫(اخلاص) لفريق >برگر< أنه انحدر من‬ ‫أس����ترالوپيثيكس أفريكان����س أو م����ن‬ ‫س��ل�الة غي����ر معروفة أدت مباش����رة إلى‬ ‫ظهوراإلنسان املنتصب‪.‬‬

‫أذرع‬ ‫طويلة‬

‫مشابه‬ ‫لألسترالوپيثيكس‬ ‫يد‬ ‫بارعة‬ ‫مشابه‬ ‫للهومو‬

‫متقدم عظم‬ ‫كاحل‬

‫سيقان‬ ‫طويلة‬ ‫بدائي عظم‬ ‫عقب‬

‫أسترالوپيثيكس سيديبا‬

‫أسترالوپيثيكس أفريكانس‬

‫اإلنسان املنتصب‬

‫( ) ‪Mix and Match‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪25‬‬


‫تفسير‬

‫سلف لنا جميعا؟‬

‫( )‬

‫بحس���ب االعتق���اد التقلي���دي ع���ن أص���ل اجلن���س هوم���و‪ ،‬أدى وجود‬ ‫أس���ترالوپيثيكس عفارنس���يس إل���ى ظه���ور اإلنس���ان املاه���ر (هومو‬ ‫هابيلي���س)‪ ،‬وال���ذي أدى بدوره إلى ظهور اإلنس���ان املنتصب (هومو‬ ‫إيركتس)‪ ،‬وجميع أنواع هومو الالحقة‪ .‬ولكن الس���مات التش���ريحية‬ ‫الرئيسة (املفتاحية) ألسترالوپيثيكس سيديبا‪ ،‬مبا فيها عظم العقب‪،‬‬ ‫ال���ذي هو أكث���ر بدائية من عظم عقب أس���ترالوپيثيكس آفارنس���يس‪،‬‬ ‫ويده التي تبدو أكثر تش���ابها بيد اإلنس���ان احلديث من يد اإلنس� � ��ان‬ ‫املاهر ‪ ،Homo habilis‬تثير االحتمال املثير للجدل بأن أسترالوپيثيكس‬ ‫س���يديبا قد يكون س���لفا لإلنس���ان املنتص���ب وبأن أس���ترالوپيثيكس‬ ‫آفارنسيس وهومو هابيليس قد يكونان فرعني جانبيني‪.‬‬

‫أرديـبيـثيكس‬ ‫أسترالوپيثيكس‬ ‫كينيانتروبس‬ ‫هومو‬ ‫مؤكد إلى حد ما‬ ‫غير نهائي (مؤقت)‬

‫ساللة غير مكتشفة ؟‬

‫أسترالوپيثيكس آفارنسيس‬

‫أسترالوپيثيكس جارهي‬

‫كينيانتروبس بالتيوبس‬

‫منذ ‪ 4‬ماليني سنة‬

‫فقد س� � ��خر من االقتراح القائل إن تلك األحافير متثل السلف‬ ‫املباش� � ��ر لإلنسان املنتصب‪ .‬ويعلن‪ ،‬في إشارة إلى الفك‪« :‬أنا‬ ‫ال أرى كي� � ��ف ميكن لصنف ‪ taxon‬ما ذي س� � ��مات قليلة تبدو‬ ‫مشابهة لهومو في جنوب إفريقيا أن يكون السلف لهومو عند‬ ‫وجود شيء ما في شرق إفريقيا يبدو بوضوح أنه هومو ويعود‬ ‫في عمره إلى ‪ 300 000‬سنة‪».‬‬ ‫ل� � ��م يك� � ��ن >كيمب� � ��ل< وحي� � ��دا ف� � ��ي رفض� � ��ه االدع� � ��اء أن‬ ‫أسترالوپيثيكس س� � ��يديبا هو األصل (اجلذر) الذي نشأ عنه‬ ‫اجلنس هومو‪ .‬فقد يعلق >‪ .M‬ليكي< [من معهد توركانا بايسني‬ ‫‪ Turkana Basin‬في كينيا] ال� � ��ذي ركزت أبحاثه اخلاصة على‬ ‫أحافير من ش� � ��رق إفريقيا بقوله‪« :‬هناك الكثير من األمور غير‬ ‫املنسجمة‪ ،‬وخصوصا في التواريخ واجلغرافيا»‪ .‬ويتابع‪« :‬إن‬ ‫األمر األكثر احتماال هو أن مت ّثل البش� � ��ريات اجلنوب إفريقية‬ ‫فرعا منفصال نشأ في جنوب القارة‪».‬‬ ‫أما >‪ .R‬ب� � ��وب< [من جامعة جورج واش� � ��نطن] فيقول‪ :‬إذا‬ ‫كانت بقايا أس� � ��ترالوپيثيكس س� � ��يديبا أقدم عمرا – لنقل إن‬ ‫عمره� � ��ا نحو ‪ 2.5‬مليون س� � ��نة ‪ -‬فذلك قد يجعل منها س� � ��لفا‬ ‫معق� � ��وال لهومو‪ .‬ولكن عندما يكون عمرها ‪ 1.977‬مليون س� � ��نة‪،‬‬ ‫ف� � ��إن هذه البقايا تك� � ��ون بدائية إلى أبعد احلدود في ش� � ��كلها‬ ‫العام لتكون سلفا ألحافير من منطقة بحيرة توركانا في كينيا‬ ‫التي هي أحدث عمرا‪ ،‬ومع ذلك لديها الكثير من سمات هومو‬ ‫التي ال تقبل اجلدل‪ .‬أم� � ��ا >برگر< فيجيب معترضا بقوله‪ :‬من‬ ‫ش� � ��به املؤكد أن أسترالوپيثيكس س� � ��يديبا كان موجودا كنوع‬ ‫‪26‬‬

‫أسترالوپيثيكس‬ ‫أفريكانس‬ ‫هومو مبكر‬

‫أسترالوپيثيكس‬ ‫أنامنسيس‬ ‫هومو راميدس‬

‫أسترالوپيثيكس‬ ‫إثيوپيـثيكس‬

‫منذ ‪ 3‬ماليني سنة‬

‫قب� � ��ل أفراد كهف ماالپا‪ .‬أما >بوب< وآخرون فيؤكدون أن مثل‬ ‫ه� � ��ذه املعلومات غير معروفة حالي� � ��ا‪ .‬ويرى >بوب<‪« :‬أن علماء‬ ‫األنثروبولوجيا القدمية مييلون إلى االعتقاد أن األحافير التي‬ ‫يجدونها حتتل موقعا مفصليا ضمن شجرة التطور [لسالالت‬ ‫البش� � ��ريات]‪ ،‬وأن الوض� � ��ع على األغلب لي� � ��س كذلك في كثير‬ ‫م� � ��ن احلاالت‪ »،‬ومن وجهة النظر اإلحصائية‪« ،‬إذا كانت لدينا‬ ‫مجتمعات من البش� � ��ريات متوزعة في جمي� � ��ع أنحاء إفريقيا‪،‬‬ ‫وتتطور بطرائق معقدة‪ ،‬فما الذي سيجعل املجتمع الذي جتده‬ ‫أنت هو السلف؟»‬ ‫وج� � ��د >برگر< أذنا صاغية من قب� � ��ل >وود< الذي يقول إن‬ ‫>برگر< «محق متاما» في أن أس� � ��ترالوپيثيكس س� � ��يديبا يثبت‬ ‫أن عظاما معزولة ال تنبىء بالش� � ��كل ال� � ��ذي يبدو فيه ما تبقى‬ ‫من احليوان‪ .‬ويعلق >وود< أن أس� � ��ترالوپيثيكس سيديبا يظهر‬ ‫أن امتزاج (تخالط) الس� � ��مات الواضح من خالل االكتشافات‬ ‫األحفورية السابقة ال يستنفد كافة االحتماالت املطروحة‪ .‬ولكنه‬ ‫ال يقر باالقتراح أن أسترالوپيثيكس سيديبا هو سلف اجلنس‬ ‫هوم� � ��و‪ .‬وعلى حد تعبيره‪« :‬ال يوجد هناك العديد من الصفات‬ ‫التي تربطه بساللة اجلنس هومو‪ ».‬وأسترالوپيثيكس سيديبا‬ ‫ميكن أن يكون قد طور تلك السمات بشكل مستقل عن ساللة‬ ‫الهوم� � ��و‪ .‬ويقول >وود<‪« :‬إنني أعتق� � ��د أن هناك فارقا تطوريا‬ ‫كبيرا بني أسترالوپيثيكس سيديبا واإلنسان املنتصب»‪.‬‬ ‫إن ما يعيق حل قضية متوضع أس� � ��ترالوپيثيكس سيديبا‬ ‫( ) ?‪Ancestor of Us All‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫أسترالوپيثيكس بوازي‬

‫أسترالوپيثيكس‬ ‫روبستس‬

‫هومو نياندرثلنسيس‬

‫هومو هايدلبرجنسيس‬

‫هومو هابيليس‬ ‫هومو أنتسيسور‬

‫هومو ساپيانس‬ ‫(اإلنسان العاقل)‬ ‫أسترالوپيثيكس سيديبا‬ ‫هومو إيركتس (اإلنسان املنتصب)‬

‫هومو إركاستر (اإلنسان العامل)‬

‫هومو فلوريسيانسيس‬

‫هومو رودولفنسيس‬

‫منذ مليون سنة‬

‫منذ مليوني سنة‬

‫على ش� � ��جرة نس� � ��ب عائلتنا هو عدم وج� � ��ود تعريف واضح‬ ‫للجن� � ��س هومو‪ .‬ولك� � ��ن الوصول إلى هك� � ��ذا تعريف‪ ،‬هو أمر‬ ‫أصعب مما يب� � ��دو‪ .‬فمع ندرة العينات م� � ��ن الفترة االنتقالية‪،‬‬ ‫وبس� � ��بب ك� � ��ون معظمها قِ طع� � ��ا (أجزاء) ناقصة‪ ،‬فقد ش � � � ّكل‬ ‫حتديد تلك املالمح التي ميزت للمرة األولى هومو من أسالفه‬ ‫من األسترالوپيثيس� � ��ينات ‪ -‬تلك الس� � ��مات التي جعلتنا حقا‬ ‫بش� � ��را ‪ -‬حتديا صعبا‪ .‬إذ تكش� � ��ف الهياكل من كهف ماالپا‬ ‫ك� � ��م هي احلالة مربكة‪ :‬فقد كان� � ��ت هياكل ماالپا أكمل من أي‬ ‫عينات لهومو مبكر لدرجة أنه كان من الصعب جدا أن تقارن‬ ‫بأي ش� � ��يء آخر‪ .‬ويقول >برگر<‪« :‬قد يجبرنا أسترالوپيثيكس‬ ‫سيديبا على التوصل إلى تعريف ما‪».‬‬ ‫كل شيء في التفاصيل‬

‫( )‬

‫أيا كان موقع أحافير كهف ماالپا على ش� � ��جرة نسب فصيلة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فهي مؤهلة لتزويد الباحثني بالوصف األكثر تفصيال‬ ‫حت� � ��ى اآلن ألحد أنواع البش� � ��ريات املبكرة‪ ،‬ويعود ذلك جزئيا‬ ‫إلى كونه� � ��ا تضم (جتمع) أفرادا متعددة‪ .‬فإضافة إلى الذكر‬ ‫الفتي واألنث� � ��ى البالغة‪ ،‬العينتني األكث� � ��ر اكتماال‪ ،‬جمع فريق‬ ‫>برگ� � ��ر< عظاما متثل أربعة أفراد آخرين‪ ،‬بينهم طفل رضيع‪.‬‬ ‫إن املجتمعات نادرة جدا في الس� � ��جل األحفوري البش� � ��ري‪،‬‬ ‫وميت� � ��از أفراد كه� � ��ف ماالپا مبيزة إضافي� � ��ة تتمثل في بقائها‬ ‫محفوظة بشكل قل نظيره‪ .‬إن عظام البشريات‪ ،‬التي لم يسبق‬

‫لها فعليا النجاة من تـأثير عوامل الزمن املديد املخربة‪ ،‬ظهرت‬ ‫هنا‪ :‬عظ� � ��م لوح الكتف الرقيق‪ ،‬رقاقة رهيفة هي الضلع األول‬ ‫ف� � ��ي القفص الص� � ��دري‪ ،‬وعظام إصبع بحجم حب� � ��ة البازالء‪،‬‬ ‫وفقرات الظهر مع نتوءاتها الش� � ��وكية الس� � ��ليمة‪ .‬إضافة إلى‬ ‫عدد من العظام الكاملة التي لم يتم تعرفها في السابق إال من‬ ‫ش� � ��ظاياها‪ .‬وقبل اكتش� � ��اف كهف ماالپا‪ ،‬لم يتوفر لدى علماء‬ ‫األنثروبولوجي� � ��ا القدمية ذراع مفردة كاملة تعود للبش� � ��ريات‬ ‫األوائ� � ��ل‪ ،‬وهذا يعني أن أطوال أطرافها التي اس� � ��تخدمت في‬ ‫تصور سلوكياتها األساسية كالتنقل هي تخمينات‪ .‬حتى في‬ ‫حالة لوس� � ��ي ‪ -‬التي كانت أحفورة البش� � ��ريات األكثر اكتماال‬ ‫عندم� � ��ا عث� � ��ر عليها في ع� � ��ام ‪ - 1974‬كان� � ��ت تنقصها أجزاء‬ ‫كبيرة من عظام ذراعها وس� � ��اقها‪ .‬أما ف� � ��ي أنثى كهف ماالپا‬ ‫البالغة‪ ،‬فعلى العك� � ��س من ذلك‪ ،‬كان الطرف العلوي محفوظا‬ ‫بالفع� � ��ل حفظا كام� �ل��ا ‪ -‬من لوح الكتف إل� � ��ى اليد‪ .‬واألجزاء‬ ‫املفقودة منها هي بعض الس� �ل��اميات األخي� � ��رة من أصابعها‬ ‫وبعض عظام الرس� � ��غ فقط‪ ،‬ويتوقع >برگر< أن يعثر على هذه‬ ‫القطع ‪ -‬إضافة إلى باق� � ��ي العظام التابعة للهيكلني العظميني‬ ‫عندما يقوم بالتنقيب في املوقع (حتى اآلن جمع الفريق العظام‬ ‫املرئية فقط على س� � ��طح األرض بدال من التنقيب املنهجي عن‬ ‫املواد املدفونة)‪ .‬ومن هذه األدلة سيكون الباحثون قادرين على‬ ‫إع� � ��ادة بناء كثير من األمور م� � ��ن بينها‪ :‬اآللية التي نضج فيها‬ ‫أسترالوپيثيكس سيديبا‪ ،‬وكيف كان يتنقل على األرض وكيف‬ ‫( ) ‪ALL IN THE DETAILS‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪27‬‬


‫األنث� � ��ى ‪ -‬إضافة إلى بقع مماثلة على‬ ‫عظام الظبي من املوقع‪ ،‬هي في الواقع‬ ‫من اجللد‪.‬‬ ‫ميك� � ��ن للجلد احملف� � ��وظ‪ ،‬في حال‬ ‫التأكد أنه كذلك‪ ،‬أن يكش� � ��ف عن لون‬ ‫أسترالوپيثيكس س� � ��يديبا وعن كثافة‬ ‫ش� � ��عره ومنطه‪ .‬ومثل هذه األدلة ميكن‬ ‫أن تبيـن أيضا توزع الغدد العرقية ‪-‬‬ ‫وهذه معلومات س� � ��وف توفر تبصرات‬ ‫حول مدى الق� � ��درة التي امتلكتها هذه‬ ‫األن� � ��واع عل� � ��ى تنظيم درج� � ��ة حرارة‬ ‫جسمها‪ ،‬والتي بدورها كانت تؤثـر في‬ ‫مدى نش� � ��اطها الذي كانت عليه‪ .‬وقد‬ ‫تق� � ��دم الغدد العرقية‪ ،‬إضافة إلى ذلك‪،‬‬ ‫أدلة على تطور الدماغ‪ :‬فقد كان توفر‬ ‫وسيلة فعالة إلبقاء اجلسم باردا شرطا‬ ‫الزما لظه� � ��ور دماغ كبي� � ��ر احلجم ‪-‬‬ ‫العالمة املميزة جلنس هومو ‪ -‬بسبب‬ ‫كون األدمغة حساس� � ��ة للحرارة‪ .‬وفي‬ ‫حال كانت امل� � ��ادة العضوية موجودة‪،‬‬ ‫قد يتمك� � ��ن >برگر< حتى من احلصول‬ ‫على الدنا من البقايا‪ .‬حاليا يبلغ عمر‬ ‫لقد مكّ ن مسح جمجمة ذكر األسترالوپيثيكس سيديبا الفتي بالسنكروترون األشعة السينية من إعادة بناء‬ ‫تفصيلي للدماغ (اللون الوردي) الذي يبدي إعادة تنظيم (متوضع) متقدم في الفصوص اجلبهية على الرغم من أق� � ��دم دنا بش� � ��ريات جرت سلس� � ��لته‬ ‫كونه أكبر قليال من دماغ الشيمبانزي‪.‬‬ ‫‪ 100 000‬س� � ��نة‪ ،‬وهو دن� � ��ا مأخوذ من‬ ‫إنس� � ��ان نياندرتال‪ .‬ولكن وبسبب كون‬ ‫ظ� � ��روف احلفظ في كهف ماالپا اس� � ��تثنائية على ما يبدو‪ ،‬فإن‬ ‫كان أفراد مجتمعاته يختلف بعضهم عن بعض‪.‬‬ ‫ليس� � ��ت العظام وحده� � ��ا هي التي تع� � ��د بإخبارنا حكايات لدى >برگر< بعض األمل في احلصول على معلومات جينية من‬ ‫جديدة‪ .‬إن كهف ماالپا أعطى أيضا بعض املواد األخرى التي عينات أس� � ��ترالوپيثيكس سيديبا أقدم عمرا‪ .‬وفي هذه احلالة‪،‬‬ ‫ميكن أن تغير فعليا فهم الباحثني ألس� � ��ترالوپيثيكس سيديبا‪ .‬قد يكون العلماء قادرين على حتديد ما إذا كانت األنثى البالغة‬ ‫لقد اعتقد علماء األحافير ملدة طويلة أنه خالل عملية التأحفـر والذكر الفت� � ��ي حقا أ ّما وابنها‪ ،‬كما هو مقترح‪ ،‬وحتديد ماهية‬ ‫(التح� � ��ول إلى أحافير)‪ ،‬تزول جميع املكونات العضوية للكائن الصالت‪ ،‬إن وجدت أصال‪ ،‬بني البشريات األخرى في املوقع‪.‬‬ ‫احلي‪ ،‬كاجللد والشعر واألعضاء وما إلى ذلك نتيجة حتلـلها‪ ،‬وإضافة إلى ذلك‪ ،‬س� � ��يدفع مثل هذا االكتش� � ��اف الباحثني في‬ ‫تاركة وراءها العظام املتمعدنة فقط‪ .‬ولكن عندما رأى >برگر< مواقع بش� � ��ريات قدمية أخرى إلى اختبار الدنا الذي‪ ،‬في حال‬ ‫صورة األشعة املقطعية ‪ CT scan‬جلمجمة الذكر اليافع‪ ،‬الحظ جناح� � ��ه‪ ،‬ميكـن أن يحس� � ��م اجلدل حول ص� �ل��ات القربى التي‬ ‫موضع� � ��ا في أعل� � ��ى اجلمجمة حيث ظهر هن� � ��اك فراغ مملوء كانت تربط أنواع البشريات املختلفة‪.‬‬ ‫سيكون تسجيل حفظ البقايا العضوية األول من نوعه في‬ ‫بالهواء بني سطح األحفورة‪ ،‬وانحناءات حدود العظم الفعلي‪.‬‬ ‫وعندم� � ��ا قام بفحص البقعة عن كثب‪ ،‬الحظ وجود مظهر مميز علم أحافير البشريات‪ ،‬ويعرف فريق كهف ماالپا أنه سيحتاج‬ ‫على السطح‪ ،‬يش� � ��به املكونات الهيكلية للجلد‪ .‬وهو يقوم اآلن إلى أدلة استثنائية إلقناع مجتمع الباحثني مبثل هذا االدعاء‪.‬‬ ‫بإجراء اختبارات مكثفة لتحدي� � ��د ما إذا كانت البقعة الغريبة ولكن نتائج االختبار تدعم‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬هذه الفرضية‪ ،‬ويعتقد‬ ‫املظه� � ��ر على أعلى جمجمة الذكر والبقع� � ��ة األخرى على ذقن >برگر< أن االحتماالت جيدة للغاية وأن التحاليل املقبلة سوف‬ ‫‪28‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫تؤك� � ��د هذا األم� � ��ر‪ .‬فعلى الرغم من كل ش� � ��يء هناك ادعاءات‬ ‫مماثلة تفيد بالعثور على مادة عضوية في عظام الدينوصورات‪،‬‬ ‫وهذه يفوق عمرها بعش� � ��رات املاليني من السنني عمر أحافير‬ ‫كه� � ��ف ماالپا‪ .‬وقد يكون حفظ البقاي� � ��ا العضوية في جتمعات‬ ‫البش� � ��ريات‪ ،‬ش� � ��ائعا إلى حد كبير‪ ،‬كما يقترح >برگر< – وأن‬ ‫أحدا لم يفكر قط في البحث عنها‪.‬‬ ‫وش� � ��يء آخر ل� � ��م يفكر أحد ف� � ��ي البحث عنه ل� � ��دى أفراد‬ ‫البش� � ��ريات بهذا العمر؟ أال وهو قلح األس� � ��نان‪ .‬إن س� � ��طوح‬ ‫أضراس الطواحن لدى الذك� � ��ر الفتي حتمل بقعا بنية داكنة‪.‬‬ ‫وعندم� � ��ا يقوم محض� � ��رو األحافير بتجهيز بقايا البش� � ��ريات‬ ‫للدراس� � ��ة يقومون بتنظيف األس� � ��نان‪ .‬ولكن خط� � ��ر على بال‬ ‫>برگ� � ��ر< أن تلك البقع قد تكون في الواقع القلح نفس� � ��ه الذي‬ ‫نزيله نحن البشر املعاصرون بفرشاة األسنان‪ ،‬ونذهب ألجله‬ ‫إلى طبيب األسنان‪ .‬وقلح األس� � ��نان القدمي سيوفـر تبصرات‬ ‫قيمة حول تطور النظام الغذائي لدى البشريات‪.‬‬ ‫لقد حترت دراسات سابقة ملا اهتمت مبا يأكله أفراد البشر‬ ‫األوائل عن نسب نظائر الكربون في األسنان‪ ،‬والتي ميكن أن‬ ‫تش� � ��ير إلى ما إذا كان حيوان ما يتغذى مبا يس� � ��مى نباتات‬ ‫‪ C3‬مثل األش� � ��جار والشجيرات‪ ،‬أو مبا يس� � ��مى نباتات ‪،C4‬‬ ‫مثل بعض األعش� � ��اب والقصب‪ ،‬أو فيما إذا كانت احليوانات‪،‬‬ ‫في حالة األن� � ��واع آكالت اللحوم‪ ،‬تفترس حيوانات أكلت تلك‬ ‫األطعم� � ��ة النباتية‪ ،‬أو تغذت مبزيج منه� � ��ا خالل فترة حياتها‪.‬‬ ‫إن ه� � ��ذه األدلة هي أدلة غير مباش� � ��رة وغي� � ��ر محددة‪ .‬وعلى‬ ‫العك� � ��س من ذلك‪ ،‬إن قلح األس� � ��نان هو بقايا الطعام نفس� � ��ه‪.‬‬ ‫يقوم الفريق حاليا بدراس� � ��ة بلورات السيليكا الصغيرة التي‬ ‫تس� � ��مى فايتوليث ‪ phytoliths‬املتضمنة ف� � ��ي القلح‪ .‬وبلورات‬ ‫الفايتوليث هذه تنش� � ��أ عن النبات� � ��ات‪ ،‬وتصنع بعض النباتات‬ ‫أشكاال نوعية من البلورات خاصة بنوع نباتي محدد‪ .‬وهكذا‬ ‫ميكن أن تكش� � ��ف دراسة بلورات الفايتوليث بالضبط أي نوع‬ ‫من أنواع النباتات التي أكلها حيوان ما قبل أن ينفق مباشرة‪.‬‬ ‫ومن خالل حتليل نس� � ��ب النظائر املشعة وبلورات الفايتوليث‬ ‫وعالمات التآكل على أس� � ��نان أسترالوپيثيكس سيديبا والتي‬ ‫ميكن أن تش� � ��ير إلى م� � ��ا إذا كان حيوان م� � ��ا ميضغ طعاما‬ ‫أكثر قساوة أو ليونة في األسابيع التي سبقت حتفه‪ ،‬سيكون‬ ‫الفريق ق� � ��ادرا على جمع مجموعة كبيرة م� � ��ن البيانات حول‬ ‫الش� � ��روط التي س� � ��اعدته على البقاء على قي� � ��د احلياة‪ .‬وألن‬ ‫الباحثني يحوزون عظاما تعود إلى أفراد من أسترالوپيثيكس‬ ‫س� � ��يديبا متثل طيفا من مراحل منوها‪ ،‬فهم قادرون حتى على‬ ‫اس� � ��تنتاج ما كان يأكله األطف� � ��ال الرضع مقابل ما كان يأكله‬ ‫الكبار‪ ،‬على سبيل املثال‪.‬‬

‫وف� � ��ي مقالة مرجعية نش� � ��رت في عدد الش� � ��هر ‪ 2011/10‬من‬ ‫مجلة س� � ��اينس‪ ،‬الحـــظ >‪ .P .S‬أنكر< [من جــامعــة أركنس� � ��اس]‬ ‫و>‪ .M‬سبونهامير< [من جامعة كولورادو في بولدر] أن التحاليل‬ ‫التي أجريت مؤخرا أحملت إل� � ��ى تنوع وتعقيد غير متوقعني في‬ ‫نظم أس� �ل��افنا الغذائية‪ .‬ففي ح� �ي��ن كان أردبيـثيكس راميدس‬ ‫‪ ،Ardipithecus ramidus‬أحد البشريات األوائل املفترضة‪ ،‬يتناول‬ ‫في املق� � ��ام األول أغذية ‪ ،C3‬كما كانت تفعل أفراد ش� � ��يمبانزي‬ ‫الساڤانا‪ ،‬يبدو أن البشريات اإلفريقية املبكرة األخرى كانت تأكل‬ ‫مزيجا من أطعمة ‪ C3‬و ‪ .C4‬وثمة نوع واحد‪ ،‬وهو پارانثروپس‬ ‫روبستس ‪ ،Paranthropus robustus‬كان يتبع أيضا نظاما غذائيا‬ ‫يعتم� � ��د في معظمه عل� � ��ى أطعمة ‪ ،C4‬كما أفاد >‪ .Th‬س� � ��يرلينك<‬ ‫وزمالؤه [من جامعة يوتا] في دراسة نشرت في الشهر ‪2011/6‬‬ ‫في وقائع األكادميية الوطنية للعلوم بالواليات املتحدة األمريكية‬ ‫)‪ .(PNAS USA‬ومن دون أي ش� � ��ك س� � ��يرغب العلماء في معرفة‬ ‫مكان أسترالوپيثيكس سيديبا على طيف النظام الغذائي ‪dietary‬‬ ‫‪ spectrum‬وكيف تتوافق تلك الصورة مع األدلة التي تتكشف عن‬ ‫تلك التي تـبيـنها البيئة القدمية في كهف ماالپا‪ ،‬والتي كانت‪ ،‬على‬ ‫ما يبدو‪ ،‬تتضمن وفرة من احلشائش واألشجار‪ .‬ورمبا سيسلط‬ ‫املتحصل من النظ� � ��ام الغذائي الضوء على الكيفية التي‬ ‫الدليل‬ ‫ّ‬ ‫كان أسترالوپيثيكس سيديبا يس� � ��تخدم فيها تلك اليد البارعة‪،‬‬ ‫مع تكيفاتها الواضحة الستخدام األدوات ‪ -‬وبالطريقة نفسها‪،‬‬ ‫معرف� � ��ة فيما إذا كان يس� � ��تخدم ذراعيه الطويلتني الش� � ��بيهتني‬ ‫بذراعي القردة ليتغذى بني األشجار‪.‬‬ ‫األيام األخيرة‬

‫( )‬

‫يبدو أن أيام بشريات كهف ماالپا األخيرة كانت أياما مروعة‪.‬‬ ‫فقد تكون ظروف جف� � ��اف محتملة جعلت احلصول على املياه‬ ‫صعب� � ��ا‪ .‬ويظن >برگر< أن البش� � ��ريات‪ ،‬مدفوعة بيأس� � ��ها من‬ ‫احلصول على مياه الشرب‪ ،‬قد حاولت النزول إلى كهف حتت‬ ‫األرض كان عمق� � ��ه عندئ� � ��ذ يتراوح ب� �ي��ن ‪ 30‬و ‪ 50‬مترا ضمن‬ ‫كهف ماالپا للوصول إلى بركة ضحلة من املياه العذبة‪ ،‬وأثناء‬ ‫محاولتها انتهى بها األمر إلى س� � ��قوطها ولقيت حتفها‪ .‬رمبا‬ ‫س� � ��قط الصبي أوال‪ ،‬وحاولت األنث� � ��ى البالغة ‪ -‬رمبا والدته ‪-‬‬ ‫إنقاذه لتسقط هي األخرى في آخر األمر‪ .‬والقت مجموعة من‬ ‫الوحوش املتنوعة األخرى‪ ،‬من الظباء إلى احلمر الوحش� � ��ية‪،‬‬ ‫املصير نفسه‪ ،‬لتغدو مدفونة إلى جانب البشريات لألبد‪.‬‬ ‫واملثير للفضول هو أن األدلة اجليولوجية من املوقع تش� � ��ير‬ ‫إل� � ��ى أن التجم� � ��ع األحفوري في كهف ماالپا تش � � � َّكل متاما في‬ ‫الوقت نفسه الذي كانت فيه الكرة األرضية تخضع النقالب في‬ ‫( ) ‪END OF DAYS‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪29‬‬


‫مغنطيس� � ��يتها اجليولوجية ‪ -‬وهو حدث غامض تنقلب فيه قطبية‬ ‫الكوكب ويصبح شمالها املغنطيس� � ��ي جنوبا مغنطيسيا‪ .‬ويثير‬ ‫هذا التوقيت التساؤل حول ما إذا كان هذا االنقالب املغنطيسي‬ ‫قد أدى بطريقة ما أو بأخرى دورا في موت هذه املخلوقات‪.‬‬ ‫ال يعرف العلماء سوى القليل جدا حول أسباب االنقالبات‬ ‫املغنطيسية‪ ،‬وما إذا كانت تعجل في التغير البيئي‪ .‬وقد اقترح‬ ‫بعض علماء اجليولوجيا أنه ميكن تصور أن تـؤدي هذه األحداث‬ ‫إل� � ��ى فوضى بيئية ‪ -‬نتيجة اضطراب في املجال املغنطيس� � ��ي‬ ‫الذي يحمي الكائنات احلية من اإلش� � ��عاع القاتل‪ ،‬على سبيل‬ ‫املث� � ��ال‪ ،‬أو نتيجة إرباك نظم املالحة الداخلية للطيور املهاجرة‬ ‫وغيرها من احليوانات التي تستخدم املجال املغنطيسي للكرة‬ ‫األرضية لتحديد اجتاهاتها‪ .‬وباعتبار أن كهف ماالپا هو أحد‬ ‫األماك� � ��ن الفريدة في العالم الذي احتفظ بس� � ��جل أرضي عن‬ ‫االنقالب املغنطيس� � ��ي‪ ،‬إضافة إلى مجموعة من األحافير التي‬ ‫عاشت في الزمن نفس� � ��ه‪ ،‬فإنه ميكن أن يقدم تبصرات نادرة‬ ‫فيما يحدث عندما يـغير كوكب األرض أماكن قطبيه‪.‬‬ ‫وثم� � ��ة أدلة أخ� � ��رى قد تلقي املزيد من الضوء على س� � ��بب‬ ‫موتها‪ .‬ميكن لعظام متأحف� � ��رة ألنثى ظبي حامل وجنينها من‬ ‫كهف ماالپا أن تس� � ��اعد العلماء على حتديد الوقت من السنة‬ ‫الذي ماتت فيه البش� � ��ريات بدقة تصل إلى حدود أس� � ��بوعني‬ ‫م� � ��ن الزمن‪ :‬فإناث الظباء تل� � ��د ضمن فاصل زمني ضيق جدا‬ ‫ف� � ��ي فصل الربيع‪ ،‬وحتليل اجلنني يجب أن يس� � ��مح للباحثني‬ ‫باس� � ��تنتاج مدى تقدم احلم� � ��ل قبل نفوق أنث� � ��ى الظبي‪ .‬وفي‬ ‫غض� � ��ون ذلك ميكن أن تكش� � ��ف آثار اخلناف� � ��س التي تتغذى‬ ‫باليرقات واألنس� � ��جة املتفس� � ��خة التي هاجمت البشريات بعد‬ ‫موتها عن طول املدة التي بقيت أجس� � ��امها مكش� � ��وفة قبل أن‬ ‫تدفنها رواسب الكهف املتدفقة‪.‬‬ ‫وميكن القول إن العمل على أس� � ��ترالوپيثيكس سيديبا قد‬ ‫بدأ للتو‪ .‬يقول >برگ� � ��ر< لزوار كهف ماالپا صباح يوم ربيعي‬ ‫جنوب� � ��ي في أواخر الش� � ��هر ‪« :11‬إنكم تس� � ��يرون فوق جميع‬ ‫أحافير البش� � ��ريات »‪ .‬إنهم يقفون على األرض الصخرية بني‬ ‫الش� � ��جرة‪ ،‬حيث وجد >ماثيو< عظم الترق� � ��وة‪ ،‬وحفرة املنجم‬ ‫حي� � ��ث وجد >برگر < صاحبها‪ .‬ويلفت نظر املش� � ��اهدين‪ ،‬وهو‬ ‫ينزل إلى أس� � ��فل احلف� � ��رة‪ ،‬إلى أجزاء م� � ��ن األحافير البارزة‬ ‫من الصخور تنتظ� � ��ر جمعها‪ .‬مد الضيوف املذهولون رقابهم‬ ‫ليلقوا نظ� � ��رة على عظم ذراع طفل وعلى الفك الس� � ��فلي لهر‬ ‫سيفي األس� � ��نان(‪ ،saber-toothed cat )1‬واملنطقة التي يبدو أنها‬ ‫حتتوي على ما تبقى م� � ��ن هيكل الذكر الفتي‪ .‬ومبجرد قيامه‬ ‫بجمع البقايا التي أزاح عمال املناجم النقاب عنها وتلك التي‬ ‫أظهرتها العواصف املمطرة العارضة جمع فريق االستكشاف‬ ‫‪30‬‬

‫إحدى أكب� � ��ر مجموعات أحافي� � ��ر البش� � ��ريات املعروفة على‬ ‫اإلطالق‪ .‬وعندما يبدأ الباحثون بالتنقيب في موقع مس� � ��احته‬ ‫نحو ‪ 500‬متر مربع‪ ،‬يعلم >برگر< أنهم س� � ��وف يجدون املزيد‬ ‫من العظام ‪ -‬الكثي� � ��ر منها‪ .‬ويجري حاليا إعداد خطة مك ّثفة‬ ‫إلقامة بني� � ��ة حلماية املوقع من أذى عناص� � ��ر الطقس‪ ،‬وتقوم‬ ‫ب� � ��دور مختبر ميدان� � ��ي متقدم من أجل الب� � ��دء بأعمال احلفر‬ ‫املنهجي في وقت الحق من هذا العام‪ ،‬والذي سيس� � ��بر أعمق‬ ‫مما أظهره عمال املناجم ليصل إلى أجزاء الرواسب التي لم‬ ‫حتفر بعد‪ .‬وفي هذه األثناء‪ ،‬وفي مختبر ماالپا لكتل األحافير‬ ‫في [جامع� � ��ة ويتواترس� � ��راند] متأل كتل الصخ� � ��ور التي مت‬ ‫احلصول عليها من املنجم الرفوف املصفوفة من األرض إلى‬ ‫السقف‪ .‬وسوف يقوم الباحثون بالتمحيص في هذه الصخور‬ ‫باستخدام املسح املقطعي للبحث عن عظام البشريات مبا في‬ ‫ذلك جمجمة األنثى البالغة املفقودة‪.‬‬ ‫إن ثروات كهف ماالپا ضخمة لدرجة أنه قـد ميكن لـ>برگر<‬ ‫أن ميض� � ��ي ما تبقى مـن حيـاته املهنية في العمل عليها‪ .‬وعلى‬ ‫الرغ� � ��م من ذلك فقد باش� � ��ر التفكير في الوجه� � ��ة التالية التي‬ ‫س� � ��يطرقها‪ .‬ويؤكد بقوله إن أسترالوپيثيكس سيديبا‪« :‬علـمني‬ ‫بأنن� � ��ا بحاج� � ��ة بالفعل إلى س� � ��جل أفضل ‪ -‬وه� � ��و هناك في‬ ‫اخلارج»‪ .‬وقد تع ّرف مش� � ��روع املس� � ��ح الذي قاد >برگر< إلى‬ ‫كهف ماالپا على أكثر من ثالث دس� � ��تات (دزينات) من املواقع‬ ‫األحفوري� � ��ة اجلديدة في منطق� � ��ة الـمهد فقط والتي من املرجح‬ ‫أنها تؤوي بقايا بش� � ��ريات‪ .‬فهو يع ّد الباحثني لينقب كل واحد‬ ‫بدوره أفض َل تلك البقع الواعدة‪ .‬أما >برگر< نفسه فقد وضع‬ ‫نصب عينيه تطلعات أبعد‪ .‬ويرى أن لدى الكونغو وأنغوال‪ ،‬من‬ ‫بني أماكن أخرى‪ ،‬تش� � ��كيالت كهفية مماثلة لتلك املوجودة في‬ ‫املهد والتي لم يتم البحث فيها عن أحافير البش� � ��ريات‪ .‬ورمبا‬ ‫هناك‪ ،‬في األرض املجهولة من األنثروبولوجيا القدمية‪ ،‬سيجد‬ ‫رس� � ��وال آخر غير متوقع من فجر البشرية سيعيد كتابة قصة‬ ‫>‬ ‫أصل البشر مرة أخرى‪.‬‬ ‫>‪ .K‬وونگ< رئيسة حترير في مجلة ساينتفيك أمريكان‬ ‫(‪ )1‬حيوان ثديي ضخم منقرض يتبع عائلة القطط وميتلك صفا من األنياب العلوية املنحنية‬ ‫على شكل سيف يتبع له اجلنس ‪ Smilodon‬الذي يعود لعصر البليستوسني األمريكي‪،‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫واجلنس ‪ Machairodus‬الذي يعود إلى عصر بليوسني العالم القدمي‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, April 2012‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫تتمة الصفحة ‪( 15‬مفاتيح مخفية في العقل)‬

‫ليس من املستهجن بالتأكيد أن نفكر في احتمال أن يكون‬ ‫للك ْرب املزمن أو لألدوية املس� � ��ببة لإلدم� � ��ان أو لكليهما تأثير‬ ‫مع � � � ّدل في نش� � ��اط اجلينات في النط� � ��اف أو البويضات؛ ففي‬ ‫النهاية‪ ،‬هرمونات الك ْرب واألدوية ليست محصورة في الدماغ‬ ‫بل جتول اجلس� � ��م بكامله‪ ،‬مبا في ذلك اخلصيتني واملبيضني‪.‬‬ ‫ب ْي� � ��د أنّ ما يصعب فهمه هو كيف ميكن ملث� � ��ل هذا التغ ّير في‬ ‫اخلاليا اجلنس� � ��ية أن يبقى ُمصانا عبر األجيال‪ .‬فالتعديالت‬ ‫بالتخ ّلق املتوالي املكتس� � ��بة تمُ حى أثناء انقسام اخللية بالنمط‬ ‫الذي تنش� � ��أ عنه النطاف والبويضات‪ .‬وما يصعب فهمه أيضا‬ ‫ه� � ��و كيف له� � ��ذه التعديالت‪ ،‬إ ْن وجدت ف� � ��ي اجلنني‪ ،‬أن تطلق‬ ‫العنان للتأثير في نش� � ��اط اجلين� � ��ات في أجزاء منتقاة فقط من‬ ‫الدماغ أو في الغدد الصم عند شخص بالغ؟‬ ‫وعلى الرغم من كل ذلك‪ ،‬فإن األبحاث اخلالّبة توحي أنّ‬ ‫بعض التعدي� �ل��ات بالتخ ّلق املتوالي قد تكون قابلة للتوريث‪.‬‬ ‫فق� � ��د وجدت ع ّدة مجموعات أنّ الق� � ��وارض املعرضة للكرب‬ ‫املزمن ت ِل ُد ذرية حساس� � ��ة للك ْرب بوجه خاص‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬قامت >‪ .I‬مانسوي< [من جامعة زيوريخ] مع زمالئها‬ ‫بفصل صغار الفئران عن أمها في أثناء أول أس� � ��بوعني من‬ ‫حياتها‪ ،‬فوجدت أنّ النسل الذكري أبدى عالمات االكتئاب‬ ‫في س� � � ّ�ن البل� � ��وغ‪ .‬وعند تناس� � ��ل هذه الذكور م� � ��ع الفئران‬ ‫اإلناث السوية‪ ،‬أبدى النسل الناجت أيضا سلوكيات شبيهة‬ ‫باالكتئاب‪ ،‬مماثلة ملا أبدته البالغة‪ ،‬مع عدم تعرضها للكرب‬ ‫في أثناء تربيته� � ��ا‪ .‬وانتقال هذا االس� � ��تعداد للكرب مرتبط‬ ‫باملس� � ��تويات املتبدلة مل ْثيلة دنا ع ّدة جينات مع ّينة في النطاف‬ ‫والدماغ كليهما‪.‬‬ ‫وق� � ��د أجرينا دراس� � ��ة مماثلة ف� � ��ي مختبرنا باس� � ��تخدام‬ ‫منوذجنا اخلاص باإلحباط االجتماعي‪ ،‬حيث أخضعنا فئرانا‬ ‫ذكورا للك ْرب املزمن‪ .‬ثم انتظرنا ش� � ��هرا واحدا‪ ،‬وسمحنا لها‬ ‫بالتزاوج فاكتش� � ��فنا أنّ نس� � ��لها أبدى زيادة كبيرة في تأهبها‬ ‫لالكتئاب‪ .‬ومن ث � � � ّم تقدمنا خطوة واحدة ف� � ��ي التجربة‪ .‬فإذا‬ ‫كانت تعديالت التخ ّل� � ��ق املتوالي التي جتعل الفئران معرضة‬ ‫لالكتئ� � ��اب قابلة للتوريث حقا‪ ،‬يج� � ��ب أن تصل التبدالت إلى‬ ‫اخلاليا اجلنس� � ��ية للحيوانات‪ .‬ول� � ��ذا أخذنا نطافا من ذكورنا‬ ‫املرهبة واس� � ��تخدمناها لتخصيب بويضات من أنثى س� � ��وية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫واكتش� � ��فنا أنّ أنسال هذا التزاوج الصنعي كانت سوية جدا‬ ‫تقريبا‪ :‬لقد أظهرت مؤشرات طفيفة فقط على سلوك االنسحاب‬ ‫والقلق الثابتني عند آبائها‪.‬‬ ‫ليست هذه التجربة جازمة ألنّ عالمات التخ ّلق املتوالي قد‬ ‫تكون تعرضت لإلزال� � ��ة بطريقة ما من النطاف في أثناء عملية‬ ‫اإلخص� � ��اب خارج اجلس� � ��م‪ .‬إال أنّ النتائج توح� � ��ي أنّ اإلناث‬

‫الالتي تزاوجت جسديا بالذكور املرهبة تعاملت مع صغارها‬ ‫بش� � ��كل مختلف عن اإلناث الالتي تزاوجت بذكور سوية – أو‬ ‫الالتي لم تقابل قطُّ آباء صغارها‪ .‬بالنتيجة‪ ،‬فاكتئاب النس� � ��ل‬ ‫رمبا جنم عن التجربة الس� � ��لوكية املبك� � ��رة وليس عن الوراثة‬ ‫املباشرة للتخلّق املتوالي احملمول عبر النطفة أو البويضات‪.‬‬ ‫ال يعن� � ��ي هذا الق� � ��ول أنّ مثل هذا االنتق� � ��ال عبر األجيال‬ ‫مس� � ��تحيل‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فال منتلك حاليا الدليل اجلازم لإلشارة‬ ‫إلى أنّه يحدث‪ .‬وللتصدي لهذه املسألة‪ ،‬يجب أن نط ّور األدوات‬ ‫التجريبية التي مت ّكننا من حتديد التعديالت بالتخ ّلق املتوالي‬ ‫ذات الصل� � ��ة في اخلاليا اجلرمية وإثب� � ��ات أنّ هذه التعديالت‬ ‫الزمة وكافية لتحرض انتقال اخلِ صال املرصودة‪.‬‬ ‫عرف عالم بيولوجيا القرن الثامن عشر >‪ .B-J‬المارك<‬ ‫لقد ُ‬ ‫من نظريته عن توارث الصفات املكتسبة‪ .‬وبحسب هذه الفكرة‪،‬‬ ‫تتلبس� � ��ها املتعضيات عل� � ��ى مدى عمرها –‬ ‫فاخلِ ص� � ��ال التي‬ ‫ّ‬ ‫اجلهاز العضلي املتمرن جيدا على س� � ��بيل املثال – ميكن أن‬ ‫تنقلها إلى نس� � ��لها‪ .‬نعرف اآلن بالطب� � ��ع أنّ جينات الفرد هي‬ ‫التي تؤدي ال� � ��دور املهيمن في حتديد الفيزيولوجيا والوظيفة‪.‬‬ ‫وفي الوق� � ��ت ذاته‪ ،‬فالعلماء يتقدمون باط� � ��راد نحو االعتراف‬ ‫بأنّ التع ّرض للبيئة والتجارب املختلفة (مبا في ذلك احلوادث‬ ‫العش� � ��وائية) خالل مراحل النم ّو وسن البلوغ ميكن أن يع ّدل‬ ‫فعالي� � ��ة جيناتنا‪ ،‬وبالتالي طرق إظه� � ��ار هذه اخلِ صال لذاتها‪.‬‬ ‫ونعل� � ��م اآلن أنّ آليات التخ ّلق املتوالي تتواس� � ��ط هذا التفاعل‬ ‫بني الطبيعة والتنش� � ��ئة‪ .‬وما زال لدين� � ��ا الكثير جدا من العمل‬ ‫لنق� � ��وم به لنتوصل إلى فهم تام لكيفية تأثير علم التخلّق ومداه‬ ‫في خصالنا السلوكية واستعدادنا للمرض النفسي‪ ،‬وما إذا‬ ‫كانت تلك االس� � ��تعدادات ميكن أن تنتقل إلى األجيال التالية‪.‬‬ ‫وال ّ‬ ‫شك في أنّ >المارك< ون ّقاده كانوا سيبتهجون في مناقشة‬ ‫>‬ ‫مثل هذه اإلمكانيات‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, December 2011‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪31‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫عندما ُي ْل ِم ُع اخلطأ إلى طريق الصواب‬

‫( )‬

‫نسى بسرعة‪ .‬وبصورة بارعة تؤدي أخرى إلى إعادة صياغة العلم‪.‬‬ ‫معظم األخطاء ُت َ‬ ‫>‪.D‬‬

‫كايزر< ‪-‬‬

‫ُيش� � ��ترط في العلم‪ ،‬رمبا أكثر من أي مهنة أخرى‪ ،‬أن يكون‬ ‫صحيحا‪ .‬وبطبيعة احلال‪ ،‬فإن معظم العلماء ‪ -‬ش� � ��أنهم شأن‬ ‫غيرهم من الناس ‪ -‬يقع� � ��ون في الكثير من األخطاء على طول‬ ‫الطري� � ��ق‪ ،‬ولكن األخطاء ال تكون جميعها على قدم املس� � ��اواة‪.‬‬ ‫وقد اكتشف املؤرخون عددا من احلاالت التي تكون فيها فكرة‬ ‫م� � ��ا غير صحيحة‪ ،‬ثم ثبت أنها أكث� � ��ر فعالية من آالف األفكار‬ ‫اخلاطئ� � ��ة جزئيا أو القريبة من الص� � ��واب‪ .‬ومثل هذه األخطاء‬ ‫املُثم���رة(‪ )1‬تعرف بأنها األخطاء التي تقود إلى مالمح أساسية‬ ‫عميق� � ��ة للعالم من حولنا‪ ،‬وحت ّفز عل� � ��ى املزيد من البحث الذي‬ ‫يؤدي إلى حتقيق إجنازات كبرى‪ .‬واألخطاء املثمرة أخطاء بكل‬ ‫تأكيد‪ ،‬ولكن العلم من دونها كان سيصبح أسوأ حاال بكثير‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬أنشأ >‪ .N‬بور< منوذجا للذرة خاطئا من‬ ‫جميع اجلوانب تقريبا‪ ،‬إال أنه أوحى بفكرة الثورة امليكانيكية‬ ‫الكمومية‪ .‬و>‪ .A‬فيگنر< حاول‪ ،‬في مواجهة ش� � ��كوك هائلة‪ ،‬أن‬ ‫يثب� � ��ت أن قوى الطرد املركزي هي التي جتعل القارات تتحرك‬ ‫(أو «تن� � ��زاح») على طول س� � ��طح األرض‪ .‬كان يدرك الظاهرة‬ ‫الصحيحة‪ ،‬وإن كانت اآللية خاطئة‪ .‬واعتقد >‪ .E‬فيرمي< أنه قد‬ ‫استحدث نواة أثقل من اليورانيوم‪ ،‬قبل أن ُيدرك أن ما قام به‬ ‫هو أساس عملية االنشطار النووي على نحو ما نعرفه اآلن‪.‬‬ ‫توضح هذه النقطة بشكل كبير مثالني من األخطاء املثمرة‪.‬‬ ‫أحدهم� � ��ا من الفيزياء في س� � ��بعينات الق� � ��رن املاضي واآلخر‬ ‫م� � ��ن البيولوجيا ف� � ��ي األربعينات‪ ،‬لم يعم� � ��ل املخطئان بطريقة‬ ‫خرق� � ��اء جعلتهم غي� � ��ر محظوظينْ في املاض� � ��ي‪ ،‬فقد طرحا ‪-‬‬

‫>‪ .H .N .A‬كريگير<‬

‫بثقة وثبات ‪ -‬األس� � ��ئلة التي تط ّرق إليه� � ��ا قليل من زمالئهما‪،‬‬ ‫وجمع� � ��ا بني أف� � ��كار لم تخطر ببال الكثيري� � ��ن في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫وفي هذه العملية‪ ،‬وضعا األسس املهمة حلقول اليوم املزدهرة‬ ‫مجالي التقانة احليوية(‪ )2‬وعلم املعلومات الكمومية(‪.)3‬‬ ‫في‬ ‫ْ‬ ‫لقد كانا مخطئني‪ ،‬وعلى العالم أن يكون ش� � ��اكرا ألخطائهما‪,‬‬ ‫وسنشرح فيما يلي هذين اخلطأين املثمرين‪.‬‬ ‫نسيلة الفوتون الشبحي‬

‫( )‬

‫ساعد اخلطأ األول على إلقاء الضوء على اخلالف الذي كان قد‬ ‫بدأ خالل األيام األولى للميكانيك الكمومي(‪ ،)4‬عندما اشترك‬ ‫>‪ .A‬آينش� � ��تاين< و>بور< في سلس� � ��لة من املناظرات احلماسية‬ ‫حول طبيعة النظرية الكمومية ومضامينها القصوى‪ .‬لقد أدان‬ ‫>آينشتاين<‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬عدة مالمح غريبة لهذه النظرية‪.‬‬ ‫فعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬باس� � ��تخدام معادالت امليكانيك الكمومي‪،‬‬ ‫يس� � ��تطيع الفيزيائي� � ��ون أن يتنبؤوا فقط باحتم� � ��االت األحداث‬ ‫املختلف� � ��ة‪ ،‬من دون نتائج محددة‪ .‬وجاء رد >آينش� � ��تاين< على‬ ‫هذا االدع� � ��اء بقوله‪« :‬أنا‪ ،‬على أية ح� � ��ال‪ ،‬مقتنع بأن [اإلله] ال‬ ‫( ) ‪THE RIGHT WAY TO GET IT WRONG‬‬ ‫( ) ‪THE PHANTOM PHOTON CLONE‬‬ ‫(‪productive mistakes )1‬‬ ‫(‪biotechnology )2‬‬

‫(‪quantum information science )3‬‬ ‫(‪quantum mechanics )4‬‬ ‫(‪molecular biology )5‬‬

‫باختصار‬

‫ميكن لألخطاء أن تدفع الفهم العلمي إلى األمام‪ .‬واألخطاء التي تقود‬ ‫إل� � ��ى فهم مالمح عميقة م� � ��ن العالم ميكن أن تكون أكثر قيمة على املدى‬ ‫البعيد من أفكار محدودة الصواب‪.‬‬ ‫واألخطاء العلمية املش� � ��هورة بأهميتها تشمل منوذج >‪ .N‬بور< للذرة‪،‬‬ ‫ونظري� � ��ة االنزياح القاري (في ش� � ��كلها األصلي)‪ ،‬وجتارب >‪ .E‬فيرمي<‬ ‫التي أدت إلى اكتشاف االنشطار النووي‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫هنالك أيضا مثاالن لألخطاء األقل شهرة‪ :‬ففي ثمانينات القرن املاضي‪ ،‬ابتكر‬ ‫فيزيائي متسكع تليغرافا ‪ telegraph‬أسرع من الضوء‪ .‬وقد قادت عمليات البحث‬ ‫للكشف عن اخللل فيه إلى املزيد من التقدم في نظرية املعلومات الكمومية‪.‬‬ ‫وفي أربعينات القرن املاضي بنى>‪ .M‬دلبروك< [املؤس� � ��س الرئيسي‬ ‫للبيولوجي���ا اجلزيئي���ة(‪ ])5‬أبحاثه على ع� � ��دة افتراضات غير صحيحة‬ ‫ومضللة‪ .‬ولكنه مضى قدما بعد ذلك وفاز بجائزة نوبل‪.‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫املؤلفان‬ ‫‪David Kaiser‬‬

‫>كايزر< هو أستاذ تاريخ العلوم في معهد ماساتشوتس للتقانة‪،‬‬ ‫ومحاضر في قسم الفيزياء‪ .‬حصل على الدكتوراه في الفيزياء وتاريخ‬ ‫العلوم من جامعة هارڤارد‪.‬‬ ‫‪Angela N. H. Creager‬‬

‫>كريگير< هي أستاذة التاريخ في جامعة برينستون‪ ,‬وتقوم بدراسة‬ ‫تاريخ البيولوجيا‪ .‬حصلت على الدكتوراه في الكيمياء احليوية بجامعة‬ ‫كاليفورنيا في بيركلي‪ ،‬قبل أن تصبح ُمتمرنة في تاريخ العلوم بجامعة‬ ‫هارڤارد ومعهد ماساتشوتس للتقانة )‪.(M.I.T‬‬

‫يلعب النرد»‪ .‬واس� � ��تمرت هذه املسألة ‪ 30‬عاما دون أن يتمكن‬ ‫>آينشتاين < وال >بور< من أن يقنع أحدهما اآلخر‪.‬‬ ‫وبعد مرور عدة عقود عاد >‪ِ .J‬بل< [وهو فيزيائي ش� � ��اب من‬ ‫إيرلندا الشمالية] إلى محاورات >آينشتاين< و>بور<‪َ .‬نظَ ر > ِبل<‬ ‫من جديد في جتربة ذهنية كان >آينش� � ��تاين< قد نش� � ��رها عام‬ ‫‪ .1935‬كان >آينش� � ��تاين< قد تصور مص� � ��درا ُيطلق أزواجا من‬ ‫اجلسيمات الكمومية‪ ،‬مثل اإللكترونات أو الفوتونات‪ ،‬تتحرك في‬ ‫اجتاهني متعاكسني وقد متكن الفيزيائيون من قياس خصائص‬ ‫معينة لكل جسيم بعد أن انتقل بعيدا عن اآلخر‪ .‬وتساءل > ِبل<‬ ‫عن العالقات التي تربط بني نتائج تلك القياسات‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 1964‬قام > ِبل< بنشر مقالة قصيرة ورائعة تشرح‪،‬‬ ‫وفقا للميكانيك الكمومي‪ ،‬أن نتيجة واحدة من تلك القياس� � ��ات‪،‬‬ ‫ولتكن مثال‪ ،‬سپني ‪ spin‬اجلسيم اليميني احلركة على طول اجتاه‬ ‫معني‪ ،‬يجب أن تعتمد على اختيار أي خاصة من اخلواص التي‬ ‫ستقاس للجسيم اليساري احلركة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬استنتج > ِبل< أن‬ ‫أي نظرية تك� � ��رر إنتاج نفس التوقع� � ��ات التجريبية الناجتة من‬ ‫امليكانيك الكمومي يجب أن تتضمن إش� � ��ارة ما أو «آلية ميكن‬ ‫من خاللها أن يؤثر ضبط أداة قياس في قراءة جهاز آخر‪ ،‬مهما‬ ‫كان بعيدا‪ ».‬وإضافة إلى ذلك‪ ،‬استنتج أن «اإلشارة املصاحبة‬ ‫يجب أن تنتش� � ��ر حلظيا‪ .‬ومثل ه� � ��ذه االرتباطات البعيدة املدى‬ ‫صارت تعرف اآلن باسم التشابك الكمومي(‪».)1‬‬ ‫وم� � ��ع أن مقالة > ِبل< ذائعة الش� � ��هرة بني الفيزيائيني اليوم‪ ،‬إال‬ ‫أنها لم حتظ بانتشار ملموس وقت ظهورها‪ ،‬حتى وإن كان االنتقال‬ ‫اللحظي لإلشارة سوف ينتهك القوانني املدعومة جيدا في نسبية‬ ‫>آينش� � ��تاين<‪ ،‬والتي تقضي بأنه ال ميكن انتش� � ��ار أي إشــارة أو‬ ‫تــأثير بس� � ��رعـة أكبـر من سرعة الضوء‪ .‬كان >‪ .N‬هيربرت< من بني‬ ‫الفيزيائيني الذين تنبهوا إلى ذلك‪ .‬وبدأ املوضوع يش� � ��غل اهتمام‬ ‫>هيرب� � ��رت< أكثر فأكثر‪ ،‬مزاحم� � ��ا أفكار مهام� � ��ه اليومية كخبير‬ ‫فيزي� � ��اء صناعية في منطقة خليج س� � ��ان فرانسيس� � ��كو‪ .‬وفي ذلك‬

‫الوقت‪ ،‬كان >هيربرت< عضوا أساسيا في مجموعة حوار متميزة‬ ‫غير رس� � ��مية تدعى مجموعة الفيزياء األساس���ية ‪Fundamental‬‬ ‫‪ .Fysiks Group‬التقى املش� � ��اركون في بيركلي‪ ،‬وكان معظمهم من‬ ‫الفيزيائي� �ي��ن الش� � ��باب الذين حصلوا على الدكت� � ��وراه في صفوة‬ ‫البرامج اجلامعية ‪> -‬هيربرت< حصل على الدكتوراه في جامعة‬ ‫س� � ��تانفورد ‪ -‬فقط من أجل أن يس� � ��قطوا ضحية ألزمة وظيفية لم‬ ‫يسبق لها مثيل‪ .‬ففي عام ‪ ،1971‬على سبيل املثال‪ ،‬كان هناك أكثر‬ ‫من ‪ 1000‬فيزيائي ش� � ��اب مسجلني تنافس� � ��وا على ‪ 53‬وظيفة فقط‬ ‫معروضة لدى إدارة التوظيف في املعهد األمريكي للفيزياء(‪.)2‬‬ ‫مع قل� � ��ة العمل وتوفر الوق� � ��ت‪ ،‬التقى >هيرب� � ��رت< ورفاقه‬ ‫أس� � ��بوعيا خالل منتصف الس� � ��بعينات لتب� � ��ادل األفكار حول‬ ‫األلغاز العميق� � ��ة للفيزياء احلديث� � ��ة‪ ،‬واملوضوعات التي القت‬ ‫اهتماما قليال في تدريبهم الرسمي للفيزياء‪ .‬وصاروا مفتونني‬ ‫بنظرية > ِبل< والتش� � ��ابك الكمومي‪ .‬وقد أجرى عضو آخر في‬ ‫املجموعة‪ ،‬يدعى >‪ .J‬كلوس� � ��ر< أول اختبار جتريبي في العالم‬ ‫لنظرية > ِبل<‪ ،‬فوجد أن التنبؤات الغريبة عن التشابك الكمومي‬ ‫ميكن حتديدها متاما‪( .‬في عام ‪ 2010‬تقاسم >كلوسر< جائزة‬ ‫وولف(‪ )3‬املرموقة تقديرا إلسهاماته‪).‬‬ ‫وفي الوقت نفس� � ��ه‪ ،‬كانت منطقة اخلليج من حولهم تشهد‬ ‫اهتماما متفجرا بالظواهر الغريبة مثل اإلدراك خارج النطاق‬ ‫احلس� � ��ي‪ ،‬والرؤى االس� � ��تبصارية للمس� � ��تقبل‪ .‬وقد نش� � ��رت‬ ‫ّ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫سان فرانسيس� � ��كو كرونيكل والصحف الرئيسية األخرى‬ ‫قصصا عن جتارب في التخاطر من بعد(‪ ،)5‬في حني احتفل‬ ‫املتحمس� � ��ون للسحر والتنجيم بحلول «عصر جديد»‪ .‬وقد بدأ‬ ‫(‪quantum entanglement )1‬‬ ‫(‪the American Institute of Physics )2‬‬ ‫(‪Wolf prize )3‬‬

‫(‪San Francisco Chronicle )4‬‬ ‫(‪telepathy )5‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪33‬‬


‫>هيربرت< وزمالؤه في احلوار يتساءلون عما إذا كان بإمكان‬ ‫نظرية > ِبل< ‪ -‬الت� � ��ي يبدو أنها تقتضي ضمنا وجود عالقات‬ ‫حلظي� � ��ة غامضة وبعيدة املدى بني األجس� � ��ام املتباعدة – أن‬ ‫تفسر أحدث حصيلة من األعاجيب‪.‬‬ ‫وبالتركي� � ��ز على ما وصفه > ِبل< كإش� � ��ارات حلظية (آنية)‬ ‫بني جس� � ��يمات كمومية‪ ،‬تساءل >هيربرت< عما إذا كان ميكن‬ ‫اس� � ��تغاللها لبثّ رسائل أس� � ��رع من الضوء‪ .‬وشرع في رسم‬ ‫مخطط ملا سماه «تِ ليغرافا فائق اإلنارة»(‪ :)1‬البدعة التي ميكن‬ ‫أن ّ‬ ‫تسخر خاصية أساسية للنظرية الكمومية النتهاك النسبية‪،‬‬ ‫وم� � ��ن ثم قوانني الفيزي� � ��اء‪ .‬وبعد قليل من البدايات الفاش� � ��لة‪،‬‬ ‫توصل >هيربرت< إلى مخططه «فالش» ‪ FLASH‬في الش� � ��هر‬ ‫مضخم‬ ‫‪1981/1‬؛ ويرم� � ��ز االختص� � ��ار إلى «أول وصلة لي���زر‬ ‫َ‬ ‫فائقة اإلنارة»(‪ .)2‬وقد اس� � ��تخدم ف� �ل��اش نظاما مفصال قائما‬ ‫على الليزر إلرس� � ��ال إشارة أس� � ��رع من الضوء [انظر الشكل‬ ‫في الصفحة املقابلة]‪.‬‬ ‫بدا مخطط >هيربرت< أنه محكم ال عيب فيه‪ ،‬واقتنع بحجته‬ ‫عدد من املراجعني في املجلة التي قدم فكرته إليها‪ .‬وحسبما‬ ‫ذك� � ��ر اثنان م� � ��ن احملكمني‪« :‬لم نكن قادري� � ��ن على حتديد أي‬ ‫خل� � ��ل جوهري في التجربة املقترحة التي تكش� � ��ف عن أصل‬ ‫املفارق� � ��ة»‪ .‬وأخذ ُمح ِّكم آخ� � ��ر‪ .A> ،‬بيريز<‪ ،‬خطوة أكثر جرأة‬ ‫عندما أعلن في تقريره املوجز أن ورقة بحث >هيربرت< يجب‬ ‫أن تك� � ��ون خاطئة ‪ -‬ومن ثم فهي بحاجة إلى أن تنش� � ��ر‪ .‬ومبا‬ ‫أن >بيريز< نفس� � ��ه لم يس� � ��تطع أن يجد أي خلل‪ ،‬فقد أكد أن‬ ‫اخلطأ يجب أن يكون غني� � ��ا باألفكار‪ ،‬وهو النوع الذي يحفز‬ ‫إلى مزيد من التقدم‪.‬‬ ‫وس� � ��رعان م� � ��ا حظي موق� � ��ف >بيريز< غير الع� � ��ادي (بل‬ ‫الش� � ��جاع) بالتأييد‪ ،‬وتو ّلت ثالث مجموعات من الفيزيائيني‬ ‫عرض مقالة >هيربرت< لتمحي� � ��ص دقيق‪ .C .G> :‬جيراردي<‬ ‫و>‪ .T‬يبر< في إيطاليا‪ .W> ،‬زوريك< و>‪ .B‬ووترز< في الواليات‬ ‫املتح� � ��دة‪ ،‬و>‪ .D‬ديكس< ف� � ��ي هولندا‪ .‬واعترف� � ��وا جميعا بأن‬ ‫>هيربرت< ارتكب خطأ بارعا ومراوغا في حس� � ��ابه ملا يجب‬ ‫على الفيزيائي الذي اس� � ��تقبل اإلشارة أن يراه‪ .‬فقد افترض‬ ‫>هيربرت< أن مضخم الليزر كاختراع جديد س� � ��يكون قادرا‬ ‫على أن يبعث كميات وفي� � ��رة من الضوء بنفس حالة الضوء‬ ‫األصل� � ��ي‪ .‬في الواقع‪ ،‬أدرك العلم� � ��اء أن الليزر لم يتمكن من‬ ‫صنع تلك النس� � ��خ من فوتون وحيد‪ ،‬وإمن� � ��ا أدى إلى خلطة‬ ‫عش� � ��وائية فقط‪ ،‬مثل آلة تصوير خلط� � ��ت صورتني مختلفتني‬ ‫صي على الوضوح‪.‬‬ ‫معا إلنتاج طمس َع ّ‬ ‫وف� � ��ي عملية اس� � ��تبصار مكن� � ��ون ملا اقترح� � ��ه >هيربرت<‪،‬‬ ‫‪34‬‬

‫كشفت تلك املجموعات الثالث سمة أساسية رائعة للميكانيك‬ ‫الكمومي لم يتع ّرفها أحد من قبل‪ .‬لقد فش� � ��ل النظام ‪FLASH‬‬ ‫بس� � ��بب «نظرية ع���دم االستنس���اخ»(‪ ،)3‬الت� � ��ي ال جتيز حلالة‬ ‫كمومية غير معروفة أن يتم نسخها أو نسلها من دون إحداث‬ ‫اضطراب فيها‪ .‬فه� � ��ذه النظرية متنع الذين يريدون أن يكونوا‬ ‫مخترعني من استخدام النظرية الكمومية لصنع برقيات أسرع‬ ‫من الض� � ��وء‪ ،‬ومن ثم فإنه ميكن للتش� � ��ابك الكمومي التعايش‬ ‫سلميا بجانب نسبية >آينشتاين<‪ .‬ومع توالي األحداث‪ ،‬رتبت‬ ‫جس� � ��يمات التوأم نفسها واقعيا وفقا الرتباطات حلظية بعيدة‬ ‫املدى‪ ،‬ولكن ال ميكن أبدا استخدام تلك االرتباطات لبثّ رسالة‬ ‫أسرع من الضوء‪.‬‬ ‫وس� � ��رعان ما أدرك ع� � ��دد قليل م� � ��ن الفيزيائيني اآلخرين‬ ‫أن نظرية عدم االستنس� � ��اخ عرضت م� � ��ا هو أكثر من مجرد‬ ‫رد فع� � ��ل ملقالة >هيربرت< املثي� � ��رة للفضول‪ ،‬أو أنها وضعت‬ ‫األس� � ��اس لهدنة هشة بني التشابك والنسبية‪ .‬وفي عام ‪1984‬‬ ‫اعتم� � ��د >‪ .T‬بينيت< و>‪ .J‬برازارد< مباش� � ��رة على نظرية عدم‬ ‫االستنس� � ��اخ لتصميم أول بروتوكول على اإلطالق ملا يس ّمى‬ ‫«التعمي���ة الكمومية»(‪ :)4‬وهي وس� � ��يلة جديدة متاما حلماية‬ ‫املتنصتني‪ .‬فاحلقيق� � ��ة التي تقضي‬ ‫اإلش� � ��ارات الرقمية م� � ��ن‬ ‫ّ‬ ‫ب� � ��أن امليكانيك الكمومي مينع أي ش� � ��خص من صنع نس� � ��خ‬ ‫من حالة كمومية مجهولة كان� � ��ت تعني‪ ،‬مثلما أدرك >بينيت<‬ ‫و >برازارد<‪ ،‬أن الشركاء ميكنهم تكويد(‪ )5‬رسائل سرية في‬ ‫فوتونات تشابكية(‪ )6‬ومتريرها ذهابا وإيابا‪ .‬وإذا حاول أي‬ ‫ش� � ��خص اعتراض فوتون في الطريق وصنْع نسخ‪ ،‬فإن هذه‬ ‫النس� � ��خ تدمر اإلش� � ��ارة املتت َّبعة على الفور وتعلن في الوقت‬ ‫نفسه عن وجودها‪.‬‬ ‫وفي السنوات األخيرة انتقلت التعمية الكمومية إلى مقدمة‬ ‫اجله� � ��د املبذول عامليا في علم املعلومات الكمومية‪ .‬وقد أجرى‬ ‫فيزيائي� � ��ون‪ ،‬أمثال >‪ .A‬زايلينجر< ف� � ��ي فيينا و>‪ .N‬جيزين< في‬ ‫جنيف‪ ،‬ش� � ��روحات حقيقية لتطبيقات ه� � ��ذه التعمية على أمور‬ ‫مهم� � ��ة مثل التحوي� �ل��ات البنكية (املصرفي� � ��ة) املع ّماة كموميا‪،‬‬ ‫والتصويت اإللكتروني‪ .‬ومثل هذه اإلجنازات ليست إرثا سيئا‬ ‫للمخطط ‪ FLASH‬اخلاطئ الذي وضعه >هيربرت<‪.‬‬ ‫(‪superluminal telegraph )1‬‬ ‫(‪First Laser-Amplified Superluminal Hookup )2‬‬ ‫(‪no-cloning theorem )3‬‬ ‫(‪ :quantum encryption )4‬كان للع� � ��رب دور رائد‬

‫في تأس� � ��يس علم التعمية‬ ‫وحتليلها ‪ :Cryptanalysis‬وتعتبر رسالة الكندي في علم التعمية واستخراج املع ّمى‬ ‫أول رس� � ��الة عربية يع� � ��ود تأليفها إلى النص� � ��ف األول من الق� � ��رن الثالث الهجري‬ ‫(التاسع امليالدي)‪.‬‬ ‫(‪ :encode )5‬حتويل نص واضح إلى رموز يستطيع من يعرفها أن يفهم النص‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪entangled photons )6‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪Cryptology‬‬


‫املفارقة اجلينية‬

‫( )‬

‫مثالن� � ��ا الثاني لتصورات عالِم مخط� � ��ئ هو عمل >‪ .M‬دلبروك‬ ‫[األستاذ في جامعة فاندربيلت وبعد ذلك في معهد كاليفورنيا‬ ‫للتقانة]‪ .‬وهو تلميذ سابق لـ>بور<‪ .‬أخذ >دلبروك< من محاضرة‬ ‫>بور< الش� � ��هيرة عام ‪ 1932‬بعنوان «الضوء واحلياة» فكرة أن‬ ‫فهم العمليات البيولوجية من ش� � ��أنه أن يعود علينا مبفارقات‬ ‫جديدة‪ ،‬وأن حل هذه املفارقات قد يؤدي إلى اكتشاف قوانني‬ ‫جديدة للفيزي� � ��اء‪ .‬وطلب >دلبروك< إلى علماء آخرين أن يعنوا‬ ‫بهذا اجلهد ويس� � ��اعدوا على إنشاء حقل البيولوجيا اجلزيئية‬ ‫في السنوات التي أعقبت احلرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫وكان أحد األسئلة الرئيس� � ��ية التي أثيرت في أربعينات القرن‬ ‫املاض� � ��ي هو‪« :‬ما هو اجلني ‪gene‬؟» ففي منتصف القرن ‪ 19‬اقترح‬ ‫الراه� � ��ب >‪ .G‬من� � ��دل< وجود عوام���ل وراثية(‪( )1‬س� � ��ميت فيما بعد‬ ‫«جينات» ‪ ،)genes‬متتلك خاصيتني مميزتني‪ :‬األولى هي القدرة على‬ ‫نسخ ذاتها‪ ،‬والثانية هي القدرة على إنتاج التغيرات أو التحورات‬ ‫التي يتم نسخها بالكفاءة نفسها كما في اجلني األصلي‪.‬‬ ‫مم تتكون اجلينات‪ ،‬أو‬ ‫وحتى األربعينات لم يكن أحد يعرف ّ‬ ‫كيف تكاثرت‪ .‬وكما أشار رائد الفيزياء الكمومية >‪ .E‬شرودنگر<‬ ‫ف� � ��ي كتابه عام ‪ 1944‬بعنوان «ما هي احلياة؟»(‪ ،)2‬فإنه ال يوجد‬ ‫نظام فيزيائي عادي ذاتي التكرار‪ ,‬وما يبدو من قدرة اجلينات‬ ‫<‬

‫تليغراف حلظي‪ :‬في عام ‪ 1981‬أفاد الفيزيائي >‪ .N‬هيربرت< من املالمح‬ ‫الغريبة للميكانيك الكمومي في تصميم نظام اتصاالت أسرع من الضوء‪.‬‬ ‫ووفقا لنظرية النسبية لِـ>آينشتاين<‪ ،‬ال ميكن ملثل هذا النظام أن يوجد‪،‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬في البداية لم يجد أحد أي شيء خاطئ في هذا النظام‪ .‬ومع‬ ‫مرور الوقت‪ ،‬كشفت دراسة دقيقة فاحصة خطأ >هيربرت<‪ :‬ال ميكن أبدا‬ ‫أن ُتنسخ اجلسيمات األولية ‪ elementary particles‬متاما بالطريقة التي‬ ‫افترضها >هيربرت<‪ .‬وفي النهاية استغل الفيزيائيون هذه الرؤية لتحقيق‬ ‫تقدم حاسم في علم املعلومات الكمومية ‪.quantum information science‬‬

‫على القيام بذلك يتحدى القانون الثاني للديناميكا احلرارية‪.‬‬ ‫لقد كان >دلب� � ��روك< يبحث عن اجلني الذري ‪ -‬أي النظام‬ ‫الفيزيائي غير القابل للتجزئة الذي كان مس� � ��ؤوال عن أسرار‬ ‫الوراثة‪ .‬وكفيزيائي جي� � ��د‪ ،‬أدرك >دلبروك< أن املدخل األكثر‬ ‫إثمارا قد يكون بدراس� � ��ة وحدات احلياة األصغر واألبسط‪:‬‬ ‫الڤيروس� � ��ات‪ .‬واخت� � ��ار على وجه التحديد‪ ،‬دراس� � ��ة عاثيات‬ ‫(ملتهمات) البكتيريا ‪«( bacteriophages‬الفاجات»(‪phages )3‬‬ ‫اختصارا)‪ ،‬أي الڤيروس� � ��ات التي تصي� � ��ب البكتيريا‪ .‬وكانت‬ ‫هذه من بني أس� � ��هل الڤيروس� � ��ات عزال وأسرعها منوا‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن الفاجات‪ ،‬مثل جميع الڤيروس� � ��ات‪ ،‬تتكاثر فقط‬ ‫داخ� � ��ل اخللية املضيف� � ��ة‪ ،‬إال أن >دلبروك< ح� � ��اول جتنب ما‬ ‫اعتبره تعقيدا ال لزوم له‪ .‬لذلك طور‪ ،‬جنبا إلى جنب مع زميله‬ ‫>‪ .E‬ايليس<‪ ،‬طريقة منو س� � ��محت لهم� � ��ا بالتركيز على تكاثر‬ ‫الفاجات‪ ،‬مع جتاهل التعقيدات اخللوية للبكتيريا املصابة‪.‬‬ ‫( ) ‪THE GENETIC PARADOX‬‬ ‫(‪hereditary factors )1‬‬

‫(‪What Is life? )2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫)‪ = bacteriophages (“phages” for short‬فاجات = ج‪ :‬فاج‪.‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪35‬‬


‫كان >دلب� � ��روك< مقتنع� � ��ا بأن اجلينات مكون� � ��ة من بروتني‪،‬‬ ‫واعتق� � ��د أن فهم كيفية تكاثر أجزاء البروتني من الڤيروس� � ��ات‬ ‫سوف يؤدي إلى فهم اجلينات‪ .‬وأفضل طريقة لدراسة التكاثر‬ ‫الڤيروسي‪ ،‬فيما كان يظن‪ ،‬كانت مراقبتها وهي تتكاثر‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن كيف ميكن للمرء في الواقع أن يقتنص الڤيروس� � ��ات‬ ‫أثناء تكاثرها لكي يفهم هذه العملية؟ اختلف الوقت الذي تتكــاثر‬ ‫خاللــه ملتهمات البكتيريـــا املتنوعـــة‪ ،‬وعلل >دلبــروك< ومعـــاونـــه‬ ‫>‪ .S‬لوريا< ذلك بأنهما إذا أصابا البكتيريا نفسها بعدوى اثنتني‬ ‫من سالالت الفاجات‪ ،‬إحداهما تتكاثر بسرعة أكبر من األخرى‪،‬‬ ‫فس� � ��يكون باس� � ��تطاعتهما اقتناص املركّب املتوس� � ��ط في عملية‬ ‫التكاثر الذي يتضاعف بشكل أبطأ عندما تتفجر اخلاليا‪.‬‬ ‫لم تنجح جتربة العدوى املزدوجة حس� � ��بما ُخطط لها‪ ,‬فقد‬ ‫وج� � ��د >لوريا< و>دلب� � ��روك< أن العدوى التي تس� � ��ببها إحدى‬ ‫الساللتني الڤيروسيتني منعت العدوى بالساللة األخرى‪ .‬وفي‬ ‫الوقت نفسه تقريبا‪ ،‬فحص >‪ .Th‬أندرسون< [من جامعة والية‬ ‫ساللتي‬ ‫بنس� � ��لڤانيا] عينة حتت املجهر اإللكتروني من إحدى‬ ‫ْ‬ ‫عاثية البكتيريا لـ>دلبروك< و>لوريا<‪ ,‬واكتش� � ��ف أن الڤيروس‬ ‫كان أكث� � ��ر تعقيدا بكثير مما هو متصور س� � ��ابقا ‪ -‬من املؤكد‬ ‫أنه تك ّون من ش� � ��يء أكثر بكثير من جني ذري وحيد‪ .‬لقد كان‬ ‫‪36‬‬

‫اختبار صحيح‪ ،‬وتعليل خاطئ‪ :‬أراد >‪ .M‬دلبروك< وزمالؤه‬ ‫مم تتكون اجلينات‪ ،‬وكيف كانت‬ ‫أن يفهموا سر احلياة – حتديدا‪ّ ،‬‬ ‫تعمل‪ .‬لقد كانوا في حاجة إلى كائن بسيط للعمل عليه‪ ،‬لذلك اختاروا‬ ‫عاثية (ملتهمة) البكتيريا ‪ bacteriophage‬اختصارا‪ :‬فاج كنموذج لهم‪،‬‬ ‫وهو ڤيروس يصيب البكتيريا‪ .‬وفي عام ‪ 1943‬أجروا «اختبار التقلب‬ ‫(التراوح)»(‪ )1‬للبحث في كيفية إنتاج الڤيروسات‪ ،‬وذلك باستعارة‬ ‫تقنيات من امليكانيك الكمومي لدراسة كيفية تطور البكتيريا املقاومة‬ ‫للعدوى الڤيروسية‪ .‬وقد صار االختبار جتربة شائعة ‪ -‬ولكن لدراسة‬ ‫البكتيريا‪ ،‬وليس الڤيروسات‪ .‬وقد اشتكى >دلبروك< في وقت الحق‬ ‫من أن علماء آخرين لم يدركوا هذا املعنى على حقيقته‪.‬‬

‫الش���رغوف(‪ )2‬يتألف من بروتني وحمض‬ ‫جس���يْما على ش���كل ُّ‬ ‫نووي‪ ،‬ويرتبط بالبكتيريا من اخلارج ل ُيحدث العدوى ‪.infection‬‬ ‫وبذلك كانت العالقة املباش� � ��رة بني الڤيروسات واجلينات التي‬ ‫تصورها >دلبروك< على وشك أن تُكتشف‪.‬‬ ‫غي� � ��ر أن >دلبروك< لم يكن مقتنعا بالع� � ��دول عن رأيه‪ .‬ففي‬ ‫محاولة للحص� � ��ول على فهم أفضل للطريق� � ��ة التي قاومت بها‬ ‫بع� � ��ض أنواع البكتيريا ع� � ��دوى الفاج‪ ،‬ابتكر ه� � ��و و>لوريا< ما‬ ‫أس� � ��مياه «اختبار التقلب(‪ .»)1‬انتهى االختبار بكش� � ��ف القليل‬ ‫جدا عن التكاثر الڤيروس� � ��ي‪ ،‬ولكن منهجيت� � ��ه البارعة أظهرت‬ ‫أن البكتيري� � ��ا تتطور وفق� � ��ا للمبادئ الدارويني� � ��ة‪ ،‬مع الطفرات‬ ‫العشوائية التي متنح أحيانا مزايا البقاء على قيد احلياة‪ .‬وكان‬ ‫هذا عالمة فارقة في مجال دراس� � ��ة علم الوراثة البكتيرية(‪،)3‬‬ ‫وفتح حقول أبحاث جديدة كلية‪ .‬وبهذا اإلجناز ش� � ��ق >دلبروك<‬ ‫و>لوريا< (جنبا إلى جنب مع >‪ .A‬هيرشي<) طريقهما إلى الفوز‬ ‫والشرغوف هو فرخ الضفدع (أبو ذن ْيبة)‪.‬‬ ‫(‪،tadpole – shaped particle )1‬‬ ‫ُّ‬ ‫(‪fluctuation test )2‬‬ ‫(‪bacterial genetics )3‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫بجائ� � ��زة نوبل لع� � ��ام ‪ 1969‬في علم وظائ� � ��ف األعضاء أو الطب‬ ‫إلجنازاتهم الكثيرة التي كان أهمها هذا العمل‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬لم يسهم اختبار التقلب في فهم تكاثر الڤيروس‪،‬‬ ‫األمر الذي أدى إلى إحباط >دلبروك<‪ ،‬حتى أنه في عام ‪1946‬‬ ‫اش� � ��تكى في محاضرة عامة من أن االحتم� � ��االت «املتفجرة»‬ ‫لدراس� � ��ة البكتيريا التي كان قد أنش� � ��أها هددته اآلن بصرف‬ ‫تركيزه على الڤيروسات‪ .‬وإضافة إلى ذلك صار من الواضح أن‬ ‫الفاج (العاثية) استخدم املوارد اخللوية لبكتيريا اإلشريكية‬ ‫القولوني���ة(‪ )1‬املضيفة في عملي� � ��ة تكاثرها‪ .‬وخالفا الفتراض‬ ‫األولي‪ ،‬لم يكن جتاهل املضيف أمرا صائبا‪.‬‬ ‫>دلبروك<‬ ‫ّ‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن موهبته في التركيز على نظام بس� � ��يط كانت‬ ‫مثمرة للغاية‪ ،‬حتى وإن ثب� � ��ت أن الفاجات أكثر تعقيدا بكثير‬ ‫مم� � ��ا كان يتوقع‪ .‬وتطور الفاج إلى نظ� � ��ام منوذجي جليل من‬ ‫البيولوجيني‪ ،‬حتى إنه ألهم >‪ .J‬واتسون< البحثَ في بنية الدنا‬ ‫‪ .DNA‬لقد اختار >دلبروك< موضوعه التجريبي بش� � ��كل جيد‪،‬‬ ‫ووضع طرقا مبتكرة لدراسته‪.‬‬ ‫لق� � ��د تخل� � ��ى >دلبروك< عن أبح� � ��اث الفاج� � ��ات متاما في‬ ‫خمس� � ��ينات القرن املاضي لكي يركز عل� � ��ى الفيزياء احليوية‬ ‫لإلدراك احلس� � ��ي‪ ،‬وذلك باستخدام فطر ُيسمى فيكوميسيز‬ ‫‪ .phycomyces‬ومع أنه كان ق� � ��ادرا على توظيف بعض علماء‬ ‫الفيزياء الش� � ��باب للعمل على النظام النموذجي اجلديد هذا‪،‬‬ ‫إ ّال أن ذل� � ��ك كان أق� � ��ل ثم� � ��را بكثير من أبحاث� � ��ه على الفاج»‪.‬‬ ‫واس� � ��تمر بعد ذلك ليكون الناقد احلي لتجارب اآلخرين على‬ ‫الفاج‪ ،‬وأصبح ميله إلى إساءة احلكم على ُمكتشفات جديدة‬ ‫أس� � ��طوريا‪ .‬وقد اعتاد >‪ .J‬فيگل< [عال� � ��م البيولوجيا اجلزيئية‬ ‫مبعه� � ��د ‪ ]Caltech‬أن يحك� � ��ي قصة مواجهة الباحث الش� � ��اب‬ ‫الذي كان مكتئبا بعد رد فعل >دلبروك <على جتربته املقترحة‪.‬‬ ‫أحب >دلب� � ��روك< الفكرة‪ ،‬ولكن هذه عالم� � ��ة مؤكدة على أنها‬ ‫غير مجدية! وبالنس� � ��بة إلى أولئك الذي� � ��ن كانوا على الطريق‬ ‫الصحيح‪ ،‬كان أعلى ثناء ميكن للمرء أن يتوقعه من >دلبروك<‬ ‫هو‪« :‬ال أصدق كلمة واحدة من ذلك!»‬

‫حتى في أيامنا احلالية صياغة العالم الذي نعيش فيه‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ففي طريقة مهمة واحدة‪ ،‬ولَّدت أخطاء >هيربرت<‬ ‫و>دلبروك < موروثات مختلفة إلى حد ما‪ .‬متتع >دلبروك< (عن‬ ‫ج� � ��دارة) مبهنة علمية ناجحة بش� � ��كل كبير‪ .‬فقد ث َّمن مقاربات‬ ‫غي� � ��ر تقليدي� � ��ة‪ ،‬وع َّرض حت� � ��ى أفضل العل� � ��وم لفحص دقيق؛‬ ‫ومكانته كانت عالية مبا فيه الكفاية لتكون قادرة على اإلبداع‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخ� � ��رى‪ ،‬كافح >هيربرت< من أج� � ��ل تغطية نفقاته‬ ‫في ح� � ��دود دخله‪ ،‬حتى إنه قضى بع� � ��ض الوقت معتمدا على‬ ‫املساعدة العامة – وهذه ليست طريقة مناسبة لتشجيع املفكر‬ ‫الذي س� � ��اعد عمله على توضيح ال� � ��رؤى العميقة في النظرية‬ ‫الكمومية وإطالق ثورة تقانية‪.‬‬ ‫وهذا التباعد الهائل في املسارات املهنية يشير إلى احلاجة‬ ‫إلى برنامج جديد للمحاسبة نستطيع من خالله توزيع األرصدة‬ ‫واجلوائز في العلوم‪ .‬فأولئك الذين يق ِّيمون إس� � ��هامات العلماء‬ ‫ل� � ��ن يحققوا ُّ‬ ‫قط الوضوح الذي يتمتع به إحصائيو الرياضة ‪-‬‬ ‫من تتبع دائم للرميات والتمريرات‪ :‬وأحد أس� � ��باب ذلك يكمن‬ ‫في أن أهمية األخطاء العلمية س� � ��وف تتغير مبرور الوقت مع‬ ‫تص� � ��ارع احملققني على اآلثار املترتبة عليه� � ��ا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫األمر يس� � ��تحق التأمل في أفضل السبل لتقدير ‪ -‬وتشجيع ‪-‬‬ ‫هذا النوع من القفزات اخلالقة التي ال تصيب الهدف ولكنها‬ ‫تدفع اللعبة إلى األمام‪.‬‬ ‫وعلى كل حال‪ ،‬فإن أي شخص ميكن أن يخطئ‪ .‬وبالفعل‪،‬‬ ‫ف� � ��إن احلجم الهائل من األعمال العلمية التي نش� � ��هدها اليوم‬ ‫تشير إلى أن معظمنا رمبا يكون مخطئا في معظم الوقت‪ .‬ومع‬ ‫فإن بعض األخطاء ميكن أن تؤدي دورا إيجابيا في مجال‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬ ‫األبحاث‪ .‬وفي الوقت الذي نس� � ��عى فيه إلى أن نكون في جادة‬ ‫الص� � ��واب‪ ،‬دعونا نتوقف لإلعجاب بفن البحث العلمي العظيم‬ ‫>‬ ‫الذي ميكن أن تكون أخطاؤه ُمثمرة‪.‬‬ ‫( ) ‪FAIR CREDIT‬‬ ‫(‪Escherichia coli bacterium )1‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫رصيد عادل‬

‫( )‬

‫ف� � ��ي هذه األمثلة من الفيزياء والبيولوجيا‪ ،‬ق ّدم العلماء األذكياء‬ ‫أفكارا خاطئة‪ ،‬وحفزوا تطورات رئيس� � ��ية في مختلف مجاالت‬ ‫العلوم األساس� � ��ية م� � ��ن دون أخطاء عادية‪ .‬وقد س� � ��اعدت تلك‬ ‫األفكار العلمية بتسلس� � ��ل س� � ��ريع على مي� �ل��اد برامج أبحاث‬ ‫بباليني الدوالرات‪ْ ،‬‬ ‫ووضع بذور صناعات أعادت بنشاط فائق‬

‫‪Scientific American, June 2012‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪37‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫رى وأشجار‬ ‫ُع ً‬ ‫والبحث عن فيزياء جديدة‬

‫( )‬

‫قد ال يكون توحيد قوى الطبيعة متاما بالصعوبة التي كان الفيزيائيون يظنونها‪.‬‬ ‫>‪ .Z‬بيرن< ‪ .J .L> -‬ديكسون< ‪-‬‬

‫في يوم ربيعي مش� � ��مس‪ ،‬دخل أحدنا (>‪ .J .L‬ديكس� � ��ون<)‬ ‫محط� � ��ة قطار مايل إند (مترو األنفاق) في لندن في طريقه إلى‬ ‫مط� � ��ار هيث� � ��رو‪ .‬وعندما ملح غريبا‪ ،‬واحدا م� � ��ن أكثر من ثالثة‬ ‫ماليني راكب يسافرون بالقطار يوميا‪ ،‬تساءل بخمول متعجبا‪:‬‬ ‫م� � ��ا هو احتمال أن يخرج الغريب عن� � ��د محطة وميبلدن مثال؟‬ ‫وكي� � ��ف ميكن للمرء أن يس� � ��تخلص ذلك‪ ،‬علما بأنه مس� � ��موح‬ ‫للشخص بأن يسلك أي عدد من املسارات؟ فتبني له وهو يفكر‬ ‫في ذلك‪ ،‬أن هذا الس� � ��ؤال يشبه املس� � ��ائل املعقدة التي تواجه‬ ‫فيزيائيي اجلس� � ��يمات الذين يبحثون ع� � ��ن تنبؤات بخصوص‬ ‫تصادمات اجلسيمات في التجارب احلديثة‪.‬‬ ‫إن املص���ادم الهادرون���ي الكبي���ر )‪ )1((LHC‬يق� � ��ع ضمن‬ ‫مختبر سيرن بالقرب من جنيڤ‪ ،‬وهو آلة االكتشافات الرئيسة‬ ‫في عصرنا احلاضر‪ ،‬حيث ُتس � � � َّرع في� � ��ه البروتونات لتتحرك‬ ‫بس� � ��رعة تقارب س� � ��رعة الضوء ثم يرتطم بعضها ببعض بغية‬ ‫دراس� � ��ة شظايا (مخلفات) تصادماتها‪ .‬لقد دفع بناء املصادم‬ ‫وكواشفه بالتقانة إلى أقصى حدودها‪ .‬وميثل تفسير ما تعطيه‬ ‫الكواش� � ��ف حتديا مبس� � ��توى ضخامة البناء‪ ،‬إن لم يكن أقل‬ ‫وضوحا‪ .‬وللوهلة األولى‪ ،‬يبدو هذا األمر غريبا؛ إذ إن النموذج‬ ‫املعياري للجسيمات األولية نظرية متينة البناء ومقبولة بشكل‬ ‫كبي َر حيث يطبقها النظري� � ��ون روتينيا للتنبؤ بنتائج جتاربهم‪.‬‬

‫>‪ .A .D‬كوسوور<‬

‫ولتنفيذ ذلك‪ ،‬نعتمد تقنية حس� � ��ابية طُ ورت منذ أكثر من ستني‬ ‫س� � ��نة من قبل الفيزيائي املشهور >‪ .R‬فاينمان<‪ .‬وكل فيزيائي‬ ‫جس� � ��يمات يتعلم تقنية >فاينمان< خالل دراس� � ��ته العليا‪ ،‬وكل‬ ‫كتاب ومقالة في مجلة يتناول فيزياء اجلس� � ��يمات ويش� � ��رحها‬ ‫للعموم يعتمد على مفاهيم >فاينمان<‪.‬‬ ‫وم� � ��ع ذلك‪ ،‬فقد َب ُطلَت هذه التقنية وصارت عدمية الفائدة‬ ‫عند معاجلة آخر املش� � ��كالت املس� � ��تجدة؛ إذ إنه� � ��ا تزودنا‬ ‫بطريقة حدس� � ��ية وتقريبية لتلمس أبس� � ��ط العمليات وإجناز‬ ‫احلسابات املتعلقة بها‪ ،‬غير أنها مضنية ال أمل يرجى منها‬ ‫في حالة مش� � ��كالت أكثر تعقيدا أو في طلب حسابات عالية‬ ‫الدقة‪ .‬فالتنبؤ مبا سينش� � ��أ عن تصادم جسيم أكثر تعقيدا‬ ‫من التنبؤ إلى أين سيذهب مسافر القطار‪ .‬فإذا عملت جميع‬ ‫حواس� � ��يب العالم معا فإنها لن تستطيع حتديد خرج حادثة‬ ‫صدم شائعة ومألوفة في املصادم ‪ .LHC‬وإذا كان النظريون‬ ‫ال يستطيعون القيام بتنبؤات دقيقة في حالة قوانني فيزيائية‬ ‫معروفة وفي حالة أشكال معروفة للمادة‪ ،‬فما األمل املنتظر‬ ‫فج ّل‬ ‫منهم إلخبارنا برؤية املص� � ��ادم حادثة ما جديدة حقا؟ ُ‬ ‫ما نعرفه عن املص� � ��ادم أنه رمبا وجد بعض األجوبة لبعض‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪LOOPS, TREES AND THE SEARCH FOR NEW PHYSICS‬‬ ‫‪the Large Hadron Collider‬‬

‫باختصار‬ ‫مؤخ� � ��را اجتاح� � ��ت ث� � ��ورة صامت� � ��ة فه� � ��م الفيزيائي� �ي��ن لتصادمات‬ ‫اجلس������يمات‪ .‬فقد بلغت املفاهيم التي طرحها الفيزيائي الشهير‬ ‫>‪ .R‬فاينمان< حدود فائدتها في تطبيقات عديدة‪ ،‬لذلك فقد طور املؤلفون‬ ‫وزمالؤهم مقاربة جديدة‪.‬‬ ‫وباتباع هذه املقاربة يس� � ��تطيع الفيزيائيون وصف سلوك اجلسيمات‬ ‫العادي� � ��ة ‪ -‬بوثوقي� � ��ة أفضل مما س� � ��بق ‪ -‬حتت الش� � ��روط املتطرفة في‬ ‫‪38‬‬

‫املص� � ��ادم الهادرون� � ��ي الكبير )‪ (LHC‬في مختبر س� � ��يرن‪ ،‬مما يس� � ��اعد‬ ‫التجريبيني على بحثهم عن جسيمات وقوى غريبة‪.‬‬ ‫وبص� � ��ورة أكثر عمق� � ��ا‪ ،‬تبث املقاربة اجلدي� � ��دة روحا جديدة في‬ ‫نظرية موحدة تركه� � ��ا الفيزيائيون ميتة في ثمانينات القرن املاضي‪،‬‬ ‫حي� � ��ث تبدو قوة الثقالة كنس� � ��ختني من تآثرات حتت نووية ش� � ��ديدة‬ ‫تعمالن معا‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫املؤلفون‬ ‫‪Zvi Bern‬‬

‫>بيرن< أستاذ الفيزياء في جامعة كاليفورنيا بلوس أجن ُلس‪ .‬ومؤخرا‬ ‫شارك في تنظيم ورشة عمل مدتها ثالثة أشهر في معهد كاڤلي للفيزياء‬ ‫النظرية بجامعة كاليفورنيا سانتا بربارا ملناقشة اجلسيمات ذات‬ ‫الطاقات العالية‪.‬‬ ‫‪Lance J. Dixon‬‬

‫>ديكسون< يتذكر بداية اهتمامه بالعلم عندما كان يراقب إطالق املركبة‬ ‫الفضائية َبيونير العاشرة‪ ،‬أول مجس فضائي يزور املنطقة خارج‬ ‫املنظومة الشمسية‪ .‬واليوم هو أستاذ في مختبر املسرع الوطني ‪.SLAC‬‬ ‫أمضى السنة األكادميية األخيرة في سيرن يتحدث مع التجريبيني‬ ‫بخصوص أفضل استعمال للتنبؤات النظرية املوصوفة في هذه املقالة‪.‬‬ ‫‪David A. Kosower‬‬

‫>كوسوور< شغوف بالعلم بقدر شغفه بالترحال والتزلج والركض‪ .‬وهو‬ ‫استاذ في معهد الفيزياء النظرية بهيئة الطاقة الذرية والطاقات البديلة‬ ‫الفرنسية في مركز أبحاث ‪ .Saclay‬حائز حاليا على منحة مجلس‬ ‫األبحاث األوروبي املتقدمة‪.‬‬

‫أعظ� � ��م خفايا الطبيعة‪ ،‬ولكننا ما زلن� � ��ا في ظلمة اجلهل بها‬ ‫ألننا ال نس� � ��تطيع إيجاد حل دقي� � ��ق مبا فيه الكفاية ملعادالت‬ ‫النموذج املعياري‪.‬‬ ‫لقد طورنا (ثالثتنا وزمالؤنا) مؤخرا طريقة جديدة لتحليل‬ ‫عمليات اجلس� � ��يمات تتجاوز تعقيد تقنية >فاينمان<‪ .‬وسميت‬ ‫هذه الطريقة بالطريقة الواحدية ‪ ،unitarity method‬وهي ترقى‬ ‫للتنبؤ بشكل اقتصادي فعال مبا سيفعله مسافر القطار وذلك‬ ‫بإدراك أن خيارات املسافر عند اتخاذ أي قرار في نقطة معينة‬ ‫هي في الواقع محدودة ج� � ��دا‪ ،‬وميكن جتزئتها إلى احتماالت‬ ‫ملتتاليات من األفعال‪ .‬ومت التغلب على مسائل نظرية عديدة في‬ ‫فيزياء اجلس� � ��يمات وفق هذه الفك� � ��رة اجلديدة‪ ،‬كان ُيظن أنها‬ ‫غير قابلة للحل‪ .‬وتس� � ��مح حلول هذه املسائل بفهم تفصيالت‬ ‫غير مس� � ��بوقة ملا تتنبأ به نظريتنا احلالية بخصوص الطبيعة‪،‬‬ ‫مما ميكننا من معرفة حدوث اكتش� � ��اف جديد عندما نراه‪ .‬وقد‬ ‫أنتجت هذه الطريقة أيض� � ��ا نتائج غنية بخصوص منوذج ابن‬ ‫عم مثالي للنموذج املعياري ذي أهمية خاصة للفيزيائيني كركنٍ‬ ‫أساسي للتوصل إلى نظرية نهائية للطبيعة‪.‬‬ ‫واملقارب� � ��ة الواحدية ه� � ��ي أكثر من مجرد حيلة حس� � ��ابية‬ ‫مس� � ��اعدة‪ ،‬فهي تقود إلى رؤية جوهرية جديدة لنظريات تآثر‬ ‫اجلس� � ��يمات احملكومة بتناظرات غير متوقعة‪ ،‬عاكسة أناقة ‪-‬‬ ‫لم ُتع ِط حق قدرها ‪ -‬للنموذج املعياري‪ .‬فقد أظهرت‪ ،‬على وجه‬ ‫اخلصوص‪ ،‬تطورا غير متوقع وحتويرا غريبا في جهد عمره‬ ‫عقود في سبيل توحيد النظرية الكمومية مع نظرية >أينشتاين<‬ ‫للنسبية العامة وذلك ضمن نظرية كمومية للثقالة‪ .‬لقد افترض‬ ‫الفيزيائي� � ��ون ‪ -‬حتى نهاية س� � ��بعينات الق� � ��رن املاضي ‪ -‬أن‬

‫الثقالة تس� � ��لك س� � ��لوك بقية قوى الطبيعة وبحث� � ��وا في إمكان‬ ‫تعميم ومتديد النظريات القائمة عندئذ لتشملها‪ .‬غير أنه عندما‬ ‫طبقوا تقنية >فاينمان< فإنهم حصلوا إما على نتائج غير ذات‬ ‫معن� � ��ى أو أعاقتهم رياضياتها‪ .‬وبدا لهم في النهاية أن الثقالة‬ ‫ال تش� � ��به بقية القوى؛ فتح ّول الفيزيائيون نتيجة إحباطهم نحو‬ ‫أفكار أكث� � ��ر ثورية مثل فكرة التناظر الفائ���ق(‪ ،)1‬وتلتها فيما‬ ‫بعد نظرية األوتار(‪.)2‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬لقد سمحت لنا الطريقة الواحدية بإجناز حسابات‬ ‫مطروح� � ��ة منذ ثمانينات القرن املاضي‪ ،‬ولكنها بدت آنئذ بعيدة‬ ‫املن� � ��ال‪ .‬فقد وجدنا في الواقع أن بع� � ��ض النقاط التي بدت غير‬ ‫متس� � ��قة إمنا هي غائبة وغير موجودة‪ .‬إذ إن الثقالة تشبه فعليا‬ ‫القوى األخرى‪ ،‬ولكن بطريقة غير متوقعة – فهي تس� � ��لك سلوك‬ ‫«نس� � ��خة مضاعفة» من القوة حتت النووية الش���ديدة ‪strong‬‬ ‫‪ subnuclear force‬الت� � ��ي تربط مكونات النواة معا‪ .‬يتم نقل القوة‬ ‫الشديدة بواسطة جس� � ��يمات معروفة بالگلوونات (غريونات)‬ ‫‪ ،gluons‬بينم� � ��ا يتعني نقل الثقالة بواس� � ��طة جس� � ��يمات تعرف‬ ‫بالگرافيتون���ات ‪ .gravitons‬أم� � ��ا الصورة اجلديدة فهي أن كل‬ ‫َ‬ ‫مخيطني معا‪ .‬وهذا املفهوم غريب‬ ‫گرافيتون يسلك سلوك گلوونَني‬ ‫حق� � ��ا‪ ،‬فحتى اخلبراء لم تتك� � ��ون لديهم صورة ذهنية جيدة عما‬ ‫يعنيه‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن خاصة النسخة املضاعفة تزودنا مبنظور‬ ‫جديد ملا ميكن أن يوحد الثقالة بالقوى األخرى املعروفة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪supersymmetry‬‬

‫‪ ،‬الـعــددان ‪ ،(2007) 8/7‬ص ‪ :74‬كتابان جديدان يقوالن‬ ‫(‪ )2‬انظـر‪« :‬الكـون الـذكي»‪،‬‬ ‫إن الوقت قد حان إلسقاط نظرية األوتار!‬ ‫وانظــــر أيضـا‪« :‬نظريــة كــل شيء الالمــدركـــة»‪ ،‬العـددان ‪ ،(2011) 2/1‬ص ‪.36‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪39‬‬


‫البنية التشريحية ملخطط فاينمان‬

‫من األشجار إلى األحراش‬

‫( )‬

‫عندما تتصادم اجلسيمات‬

‫( )‬

‫جند في كل ما يجري حولنا وفي جميع األوقات جس���يمات أولية تتجاذب أو تتنافر‬ ‫أو تتض���ارب‪ ،‬تب���دل وحتول بنية بعضها بعضا أو يفن���ي أحدها اآلخر‪ .‬ولكي َن ِص َف‬ ‫هذا الهرج واملرج الكموميني ابتدع >فاينمان< ‪ -‬احلائز على جائزة نوبل ‪ -‬منظومة‬ ‫من املخططات تش���به األش���كال املكونة من العيدان‪ .‬ومتثل املخططات املرسومة فيما‬ ‫يلي تآثر كواركني ‪ two quarks‬يؤديان إلى والدة گلوون والبوزون ‪.W‬‬ ‫يصدر‬ ‫‪‬‬ ‫الكوارك ➋‬ ‫السفلي‬

‫يطير الگلوون‬ ‫‪‬‬ ‫مبتعدا ➎‬ ‫ليأخذ دوره في‬ ‫تآثر آخر‪ .‬تنقل‬ ‫الگلوونات القوى‬ ‫حتت النووية‬ ‫الشديدة ومتثل‬ ‫بخطوط ملتوية‬ ‫حلزونية‪.‬‬

‫يكون اجلسيم‬ ‫‪‬‬ ‫األول ➊‬ ‫القادم كواركا سفليا‬

‫گلوونا فيغدو‬ ‫كواركا سفليا‬ ‫«افتراضيا»‪.‬‬ ‫واجلسيمات‬ ‫االفتراضية هي‬ ‫مراحل وسطية ال‬ ‫ميكن مشاهدتها‬ ‫في حد ذاتها‪.‬‬

‫‪ ،down quark‬وهو‬ ‫لبنة من لبنات‬ ‫بناء البروتون‪.‬‬ ‫واصطالحا‪ ،‬ميثل‬ ‫بخط مستقيم‬ ‫(شأنه في ذلك شأن‬ ‫جسيمات املادة‬ ‫األخرى)‪.‬‬

‫‪d‬‬

‫‪d‬‬ ‫‪u‬‬

‫‪W‬‬

‫مضاد‬ ‫‪‬‬ ‫الكوارك ➍‬ ‫العلوي والكوارك‬

‫يطير البوزون‬ ‫‪‬‬ ‫مبتعدا ➏‬ ‫ويضمحل (يتفكك)‬ ‫‪W‬‬

‫بسرعة إلى كواركات‬ ‫وجسيمات أخرى‪.‬‬ ‫تنقل بوزونات ‪ W‬ما‬ ‫يعرف بالقوة حتت‬ ‫النووية الضعيفة‬ ‫ومتثل عادة بخطوط‬ ‫متموجة‪.‬‬

‫أما اجلسيم‬ ‫‪‬‬ ‫القادم ➌‬ ‫اآلخر فهو مضاد‬

‫السفلي‬ ‫االفتراضي يفني‬ ‫أحدهما اآلخر‬ ‫ليتركا وراءهما‬ ‫البوزون ‪.W‬‬

‫كوارك علوي‬ ‫‪ ،antiquark‬ويشير‬ ‫السهم إلى أن اجتاه‬ ‫حركته نحو الوراء‪،‬‬ ‫ألسباب تتعلق‬ ‫بالنظرية النسبية‪.‬‬ ‫‪up‬‬

‫‪d‬‬

‫‪d‬‬ ‫‪d‬‬ ‫‪W‬‬

‫‪d‬‬

‫‪u‬‬

‫عروة مغلقة تشير إلى وجود مراحل‬ ‫‪‬‬ ‫متوسطة ➐‬ ‫جلسيمات افتراضية إضافية ميكن أن تنشأ آنيا‪.‬‬ ‫وفي احلالة املمثلة هنا‪ ،‬يصدر الكوارك السفلي‬ ‫االفتراضي گلوونا افتراضيا ثم ميتصه‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫إن م� � ��ا جعل تقني� � ��ة >فاينم� � ��ان< مقنعة جدا‬ ‫ومفي� � ��دة هي أنها تعطي وصف� � ��ة بيانية دقيقة‬ ‫حلسابات معقدة جدا‪ .‬وهي تعتمد مخططات‬ ‫تعطي صورة مرئية جلسيمني اثنني‪ ،‬أو أكثر‪،‬‬ ‫متصادم� �ي��ن أو متبعثرين‪ .‬وميكن أن جتد في‬ ‫كل مؤسسة بحثية تُد ِّرس فيزياء اجلسيمات‬ ‫ألواحا س� � ��وداء مطلوس� � ��ة بهذه املخططات‪.‬‬ ‫ولكي يقوم الباحث النظري بتنبؤات كمية فإنه‬ ‫يرسم مجموعة من هذه املخططات‪ ،‬وميثل كل‬ ‫واحد منها إحدى الطرق احملتملة ملا ميكن أن‬ ‫يسلكه ويكشف عنه تصادم ما؛ فهي تشبه أحد‬ ‫الس� � ��بل التي ميكن أن يأخذها راكب القطار‪.‬‬ ‫وباتباع مجموعة إرشادات تفصيلية وضعها‬ ‫>فــاينمان< وزمــــــالؤه‪ ،‬خصــــوصــــا زميـــلــــه‬ ‫>‪ .F‬دايسون<‪ُ ،‬يس� � ��ند الفيزيائيون النظريون‬ ‫إل� � ��ى كل واحد م� � ��ن املخطط� � ��ات رقما مقابل‬ ‫احتمال حدوث حادثة وفق هذا الطريق‪.‬‬ ‫واجلانب املثبط في ذلك هو إمكان رس� � ��م‬ ‫عدد هائل من هذه املخططات – عدد النهائي‬ ‫من حيث املبدأ‪ .‬ولم يكن هذا العيب ذا أهمية‬ ‫عندما وض� � ��ع >فاينمان< قواع� � ��ده وطورها‪،‬‬ ‫فقد كان يدرس اإللكتروديناميك (التحريك‬ ‫الكهربائي) الكمومي )‪ )1((QED‬الذي يصف‬ ‫كيفية تآث� � ��ر اإللكترونات بالفوتونات‪ .‬ويحكم‬ ‫ه� � ��ذا التآث� � ��ر مق� � ��دا ٌر ‪ -‬هو ثاب� � ��ت االقتران‬ ‫‪ - coupling‬ويساوي تقريبا ‪ .1/137‬ويضمن‬ ‫صغ� � ��ر هذا االقتران تلقي املخططات املعقدة‬ ‫أوزانا منخفضة في احلساب‪ ،‬ومن ثم ميكن‬ ‫في الغالب إهمالها جميعا‪ .‬وهذا يشبه قولنا‬ ‫إنه من األفضل ملس� � ��افر القطار أن يس� � ��لك‬ ‫طريقا بسيطا متاما‪.‬‬ ‫وبع� � ��د انقضاء عقدين م� � ��ن الزمن‪ ،‬ط ّور‬ ‫الفيزيائي� � ��ون تقنية >فاينمان< لتش� � ��مل القوة‬ ‫حتت النووية الشديدة‪ .‬وبالتشابه مع تسمية‬ ‫اإللكترودينامي� � ��ك الكموم� � ��ي ‪ُ ،QED‬عرف� � ��ت‬ ‫( ) ‪When Particles Collide‬‬ ‫( ) ‪FROM TREES TO THICKETS‬‬ ‫(‪quantum electrodynamics )1‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫نظرية القوة الش� � ��ديدة باس� � ��م الكرومودينامي���ك (التحريك‬ ‫اللوني) الكمومي )‪ .)1((QCD‬وهذا الكروموديناميك الكمومي‬

‫محكوم أيضا بثابت اقتران‪ ،‬لكن قيمته ‪ -‬كما تشير إليه كلمة‬ ‫«ش� � ��ديدة» ‪ -‬أكبر من قيمة ثابت االقتران الكهرطيسي‪ .‬ومن‬ ‫ث� � ��م‪ ،‬كما هو متوقع‪ ،‬فإن كِ َبر قيمة ثابت االقتران يتطلب زيادة‬ ‫عدد املخططات املعقدة الواج� � ��ب على النظريني تضمينها في‬ ‫حساباتهم ‪ -‬كما في حالة مسافر القطار والراغب باتباع طرق‬ ‫ملتوية غير مباش� � ��رة مما يجعل التنبؤ مبا س� � ��يقوم به صعبا‪.‬‬ ‫وحلس� � ��ن احلظ‪ ،‬تتناقص قيمة ثابت االقتران عند املس� � ��افات‬ ‫القصيرة جدا‪ ،‬مبا في ذلك املس� � ��افات املوافقة لتصادمات في‬ ‫املصادم ‪ ،LHC‬مما يجع� � ��ل النظريني قادرين مرة ثانية ‪ -‬في‬ ‫حالة تصادمات بسيطة جدا ‪ -‬على القيام بتنبؤات دقيقة وذلك‬ ‫باالقتصار على مخططات غير معقدة لــ>فاينمان<‪.‬‬ ‫غير أنه في حالة تصادمات غير بس� � ��يطة‪ ،‬فإنه س� � ��رعان‬ ‫م� � ��ا يتجلى التعقيد الكامل في مخططات >فاينمان<‪ .‬وتصنّف‬ ‫مخطط� � ��ات >فاينم� � ��ان< عادة اعتم� � ��ادا على ع� � ��دد اخلطوط‬ ‫اخلارجي� � ��ة وعلى ع� � ��دد الع����رى ‪ loops‬املغلق� � ��ة التي متتلكها‬ ‫[انظر اإلطار في الصفحة ‪ .]42‬ومتثل العرى إحدى السمات‬ ‫اجلوهرية للنظرية الكمومية‪ ،‬أال وهي اجلسيمات االفتراضية‪.‬‬ ‫ومع أنها ال ُتشاهد مباشرة‪ ،‬فإن للجسيمات االفتراضية أثرا‬ ‫قابال للقياس في ش� � ��دة القوى‪ .‬وه� � ��ي تخضع جلميع قوانني‬ ‫الطبيعة املألوفة ‪ -‬مثل انحفاظ الطاقة وانحفاظ العزم(‪ - )2‬مع‬ ‫حتذير واحد‪ :‬هو إمكان اختالف كتلتها عن كتلة اجلسيمات‬ ‫«احلقيقية» (أي تلك التي ميكن مش� � ��اهدتها مباشرة) املقابلة‪.‬‬ ‫ومتثل الع� � ��رى دورة احلياة العابرة والس� � ��ريعة الزوال لهذه‬ ‫اجلسيمات االفتراضية‪ :‬فهي تظهر إلى مسرح الوجود فجأة‪،‬‬ ‫وتتحرك ملس� � ��افات قصيرة‪ ،‬ثم تختف� � ��ي ثانية‪ .‬وحتدد كتلتها‬ ‫عمر حياته� � ��ا املتوقع؛ إذ كلما كانت اجلس� � ��يمات أثقل كلما‬ ‫قصر عمرها‪.‬‬ ‫يهمل أبسط مخططات >فاينمان< اجلسيمات االفتراضية‪:‬‬ ‫فليس فيها عرى مغلقة وتدعى عندئذ مخططات ش���جرية(‪.)3‬‬ ‫ففي اإللكتروديناميك الكمومي ‪ُ ،QED‬يظهر أبسط املخططات‬ ‫عل� � ��ى اإلطالق إلكترونني ينفر أحدهما من اآلخر عبر تبادل‬ ‫فوتون‪ .‬وتضيف املخطط� � ��ات املتزايدة التعقيد عرى واحدة‬ ‫بع� � ��د أخرى‪ .‬ويدل الفيزيائيون على هذا النهج اجلمعي بأنه‬ ‫«اضطراب���ي»(‪ ،)4‬م� � ��ا يعني أننا نبدأ بتقدي� � ��ر تقريبي معني‬ ‫(متثله املخططات الش� � ��جرية) ثم جنعل� � ��ه يضطرب تدريجيا‬ ‫بإضافة حتس� � ��ينات (هي العرى)‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬ميكن‬ ‫للفوتون خالل انتقاله بني اإللكترونني أن ينفصم تلقائيا إلى‬

‫إلكترون افتراضي ومضاد إلكترون افتراضي‪ ،‬يعيش� � ��ان‬ ‫مل� � ��دة زمنية قصيرة قب� � ��ل أن يفني أحدهم� � ��ا اآلخر لينتجا‬ ‫فوتونا‪ .‬ويتابع هذا الفوتون األخير رحلة الفوتون األصلي‪.‬‬ ‫وعند املستوى التالي من التعقيد‪ ،‬ميكن لإللكترون ومضاد‬ ‫اإللكترون االفتراضيني أن ينفصم كل منهما بدوره مؤقتا‪.‬‬ ‫ومع زيادة عدد اجلس� � ��يمات االفتراضية‪ ،‬تصف املخططات‬ ‫آثارا كمومية بدقة متزايدة‪.‬‬ ‫وحتى املخططات الش� � ��جرية‪ ،‬فإنها ميكن أن تبدي حتديا‬ ‫للح� � ��ل‪ .‬فف� � ��ي الكرومودينامي� � ��ك الكموم� � ��ي ‪ ،QCD‬إذا كنت‬ ‫جريئ� � ��ا كفاية للنظر ف� � ��ي تصادم يتضم� � ��ن گلوونني واردين‬ ‫وثمانية گلوونات صادرة‪ ،‬فإنك س� � ��تحتاج إلى كتابة عش� � ��رة‬ ‫ماليني مخطط ش� � ��جري وحس� � ��اب احتمال حدوث كل منها‪.‬‬ ‫ففي ثمانينات القرن املاض� � ��ي‪ ،‬كان >‪ .F‬بيرندز< [من جامعة‬ ‫ليدن في هولن� � ��دا] و>‪ .W‬گيل< [الذي يعم� � ��ل اآلن في مختبر‬ ‫ِفرمي] رائدين في ترويض مس� � ��ألة املخططات الشجرية من‬ ‫خالل ما يعرف باملقاربة التراجعية (التدريجية) ‪recursion‬‬ ‫‪ ،approach‬ولك� � ��ن هذه املقاربة ال تعميم واضحا لها لتش� � ��مل‬ ‫العرى‪ .‬واألس� � ��وأ من ذلك‪ ،‬جتعل الع� � ��رى املغلقة عبء العمل‬ ‫ثقيال جدا‪ .‬إذ يس� � ��بب وجود عروة واح� � ��دة فقط انفجارا في‬ ‫ع� � ��دد املخططات وف� � ��ي تعقيد كل منها‪ ،‬حي� � ��ث ميكن للصيغ‬ ‫الرياضياتية املقابلة ملء موس� � ��وعة‪ .‬وتس� � ��تطيع مقاربة القوة‬ ‫العمياء ‪ -‬أي تلك املعتمدة على زيادة اس� � ��تطاعة وقدرة عدد‬ ‫متنام من احلواس� � ��يب ‪ -‬معاجلة حج� � ��م التعقيد املتزايد ملدة‬ ‫زمني� � ��ة محدودة‪ ،‬ولكنها س� � ��تنهار بعدئذ حت� � ��ت ضغط العدد‬ ‫املتزايد من اجلسيمات اخلارجية أوالعرى‪.‬‬ ‫واألس� � ��وأ من ذلك‪ ،‬أن ما ابتدأ بكون� � ��ه طريقة متينة جلعل‬ ‫العالم املجهري(‪ )5‬مرئيا ميكن أن ينقلب دوره فيزيد هذا العالَم‬ ‫غموضا‪ .‬وغالبا ما تكون مخططات >فاينمان< املنفردة متسمة‬ ‫بزخرفة معقدة ال ميكن تبس� � ��يطها‪ ،‬وعندما جنري احلسابات‬ ‫على عدد وافر منها فسرعان ما يغيب عنا لب وجوهر الفيزياء‬ ‫املتضمن� � ��ة‪ .‬ومما يثي� � ��ر الدهش� � ��ة أن النتيج� � ��ة النهائية‪ ،‬التي‬ ‫نحصل عليها بجمع جميع املخططات‪ ،‬قد تكون بس� � ��يطة جدا‪.‬‬ ‫إذ يب� � ��دو أن بعض املخططات حت� � ��ذف جزئيا مخططات أخرى‬ ‫وتلغيها‪ ،‬وميكن أحيانا لبعض الصيغ احملتوية على ماليني من‬ ‫احلدود أن تنهار إلى حد وحيد‪ .‬وتشير اإللغاءات هذه إلى أن‬ ‫املخطط� � ��ات هي أدوات خاطئة لتنفيذ العمل ‪ -‬مثل محاولة دق‬ ‫(‪quantum chromodynamics )1‬‬

‫(‪ momentum )2‬أو كمية احلركة‪.‬‬ ‫(‪tree diagrams )3‬‬ ‫(‪perturbative )4‬‬ ‫(‪ microscpic )5‬أو‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫امليكروسكوبي‪.‬‬

‫(التحرير)‬ ‫‪41‬‬


‫ملاذا تجُ َ نِّ ُ‬ ‫ن مخططات فاينمان الفيزيائيني‬

‫>فاينمان<‪ .‬وقد بدأ اهتمامنا باألمر منذ بداية‬ ‫( )‬ ‫مسارات عديدة جدا يصعب اقتفاء آثارها‬ ‫تس� � ��عينات القرن املاضي‪ ،‬عندم� � ��ا بينّ اثنان‬ ‫يزودنا كل مخطط من مخططات >فاينمان< بطريقة حدسية لرؤية أحد طرق تآثر اجلسيمات منا (>بيرن< و>كوس� � ��وور<) كيف ميكن لنظرية‬ ‫املمكن���ة‪ .‬وامل���أزق ه���و وجود ط���رق أخرى ال حصر لها أيض���ا‪ .‬فقد ينتج تآثر ك���وارك بكوارك‬ ‫آخر أكثر من گلوون واحد‪ ،‬أو قد يتضمن التآثر أكثر من عروة جس���يم افتراضي واحدة‪ ،‬أو األوتار أن تبس� � ��ط حس� � ��ابات الكروموديناميك‬ ‫كليهما‪ .‬فتصبح احلسابات غير مسيطر عليها سريعا‪.‬‬ ‫الكموم� � ��ي ‪ QCD‬عبر تلخيص جميع مخططات‬ ‫>فاينمان< املتعلقة بها في صيغة واحدة‪ .‬وقام‬ ‫من دون عرى‬ ‫عروة واحدة‬ ‫ثالثتنا باس� � ��تعمال هذه الصيغة لتحليل تفاعل‬ ‫جس� � ��يمي لم ُيفهم سلوكه س� � ��ابقا بالتفصيل‬ ‫ُّ‬ ‫قط‪ :‬أال وهو تبعثر (اس� � ��تطارة) گلوونني إلى‬ ‫گلوون ثالثة گلوونات‪ ،‬مع عروة جسيم افتراضي‬ ‫واحد‬ ‫واح� � ��دة‪ .‬وكانت هذه العملي� � ��ة معقدة جدا‬ ‫وفق معايير ذلك الزمن‪ ،‬ولكنه أمكن وصفها‬ ‫متاما بصيغة بس� � ��يطة مذهلة‪ ،‬تقع في صفحة‬ ‫واحدة فقط‪.‬‬ ‫كانت الصيغة بسيطة إلى حد أننا وجدنا ‪-‬‬ ‫مع >‪ .D‬دنبر< الذي كان آنئذ في جامعة كاليفونيا‬ ‫بل� � ��وس أجنلوس ‪ -‬إم� � ��كان فه� � ��م التبعثر متاما‬ ‫تقريبا وفق مب� � ��دأ يدعى مب���دأ الواحدية(‪.)1‬‬ ‫گلوونان والواحدية ه� � ��ي املتطلب القائل بوجوب كون‬ ‫مجموع احتماالت نتائج اخلرج املمكنة كلها‬ ‫مس� � ��اويا مئة في املئة‪( .‬من الناحية التقنية‪ ،‬إن‬ ‫الكميات التي يجري جمعها ليس� � ��ت احتماالت‬ ‫وإمن� � ��ا هي جذور تربيعي� � ��ة لالحتماالت‪ ،‬غير أن‬ ‫ه� � ��ذا التمييز ليس ب� � ��ذي أهمية هن� � ��ا)‪ .‬وتوجد‬ ‫الواحدية ضمنيا في تقني� � ��ة >فاينمان<‪ ،‬لكنها‬ ‫ثالثة متيل إلى أن تكون مخبأة وغير ظاهرة للعيان‬ ‫گلوونات‬ ‫بس� � ��بب تعقيد احلسابات‪ .‬لذلك طورنا تقنية‬ ‫بديلة تضعها في املقدمة واملركز‪ .‬لقد ظهرت‬ ‫فك� � ��رة اعتماد احلس� � ��ابات عل� � ��ى الواحدية في‬ ‫ستينات القرن املاضي(‪ ،)2‬ولكنها لم تكن مفضلة‬ ‫ومحبوبة‪ .‬وكم� � ��ا يحدث مرارا في العلوم‪ ،‬ميكن‬ ‫ألفكار أهملت أن تظهر حائمة بحلة جديدة‪.‬‬ ‫ويكمن مفتاح جن� � ��اح طريقة الواحدية في‬ ‫جتنبها االس� � ��تعمال املباشر للجس� � ��يمات االفتراضية‪ ،‬التي‬ ‫مسمار بريشة‪ .‬ومن َث َّم فال بد من وجود طريقة أفضل‪.‬‬ ‫هي السبب الرئيس في حصول تعقيدات كثيرة في مخططات‬ ‫( )‬ ‫ما بعد مخططات فاينمان‬ ‫>فاينمان<‪ .‬وإن لهذه اجلس� � ��يمات آثارا حقيقية ودخيلة معا‪.‬‬ ‫على مر الس� � ��نني‪ ،‬حاول الفيزيائيون إجراء تقنيات حس� � ��اب‬ ‫جدي� � ��دة عدي� � ��دة‪ ،‬وكان� � ��ت كل واحدة منها أفض� � ��ل قليال من‬ ‫سابقتها‪ ،‬فتشكلت تدريجيا خطوط عريضة لبديل عن مخططات‬ ‫‪42‬‬

‫( ) ‪Too Many to Keep Track Of‬‬ ‫( ) ‪BEYOND FEYNMAN DIAGRAMS‬‬ ‫(‪unitarity )1‬‬ ‫”‪“ Strongly Interacting Particles,‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪:‬‬ ‫;‪by Geoffrey F. Chew - Murray Gell-Mann - Arthur H. Rosenfeld‬‬ ‫‪Scientific American, February 1964‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫وبالتعريف‪ ،‬يتعني على اآلثار الدخيلة أن تنحذف من النتيجة‬ ‫النهائي� � ��ة‪ ،‬فهي إذن حقائب رياضياتية إضافية(‪ )1‬يس� � ��عد‬ ‫الفيزيائيون بتركها وراءهم‪.‬‬ ‫وميكن فه� � ��م طريقة الواحدية عند تش� � ��بيهها مبنظومة‬ ‫طرق� � ��ات حتت أرضية معقدة مثل منظومة قطار لندن‪ ،‬ذات‬ ‫مسارات متعددة بني أي محطتني حتت أرضيتني‪ .‬لنفترض‬ ‫أننا نود معرفة احتمال خروج ش� � ��خص دخل محطة مايل‬ ‫إن� � ��د من محط� � ��ة وميبلدن‪ .‬تق� � ��وم تقنية >فاينم� � ��ان< بجمع‬ ‫احتماالت جميع املسارات املمكنة‪ .‬واملقصود باجلميع هو‬ ‫اجلميع فعليا‪ :‬فإلى جانب املسارات عبر املمرات واألنفاق‪،‬‬ ‫تتضم� � ��ن مخططات >فاينمان< مس� � ��ارات عب� � ��ر الصخور‬ ‫الصلب� � ��ة حي� � ��ث ال توجد خطوط حتت أرضي� � ��ة أو ممرات‬ ‫مشاة‪ .‬وتش� � ��به هذه املس� � ��ارات غير الواقعية املساهمات‬ ‫الدخيلة لعرى اجلس� � ��يمات االفتراضية‪ .‬ومن ثم س� � ��تلغى‬ ‫في النهاية‪ ،‬غير أننا نحتاج إلى متابعتها وتقفي أثرها في‬ ‫املراحل املتوسطة جميعها من احلسابات‪ .‬أما في املقاربة‬ ‫الواحدية‪ ،‬فإننا نهتم فقط باملس� � ��ارات احملسوس� � ��ة وذات‬ ‫املعنى‪ .‬فنحس� � ��ب احتمال س� � ��لوك الشخص مسارا معينا‬ ‫وذلك بتجزئة املس� � ��ألة‪ :‬ما هو احتمال أن يسير الشخص‬ ‫عبر منعطف معني‪ ،‬ثم يأخذ أحد املسارات أو غيره‪ ،‬وذلك‬ ‫عن� � ��د كل خطوة يخطوها من رحلته؟ ويخفض هذا اإلجراء‬ ‫حجم احلسابات تخفيضا ضخما‪.‬‬ ‫لي� � ��س االختيار ب� �ي��ن تقنية >فاينم� � ��ان< والتقنية الواحدية‬ ‫اختي� � ��ارا بني الصح واخلط� � ��أ‪ .‬فكلتا التقنيت� �ي��ن تُع ِّبران عن‬ ‫املبادئ األساسية نفس� � ��ها في الفيزياء‪ ،‬وكلتاهما ستقودان‬ ‫إلى القيم العددية نفس� � ��ها لالحتم� � ��االت‪ ،‬غير أنهما متثالن‬ ‫مستويني مختلفني من التوصيف‪ .‬إذ يشبه مخطط >فاينمان<‬ ‫واح ٌد‪ ،‬من بني عش� � ��رات اآلالف املوافقة حلالة تصادم معقد‪،‬‬ ‫جزيئا واحدا ضمن قطيرة مائع‪ .‬فمن حيث املبدأ‪ ،‬تس� � ��تطيع‬ ‫تعيني ما سيسلكه مائع بتتبع جميع جزيئاته فرادى‪ ،‬غير أن‬ ‫ه� � ��ذا األمر ال معنى له إال عندم� � ��ا تكون لديك قطيرة مجهرية‬ ‫صغيرة‪ ،‬أما في احلالة العامة‪ ،‬فاألمر ليس صعبا فحس� � ��ب‬ ‫مبصر‪ .‬فيمكن للمائع أن يتبع شالال‬ ‫بل أيضا غير ُمن ِّور وال ِّ‬ ‫لدى نزوله هضب� � ��ة‪ ،‬ولكنك بالكاد تس� � ��تطيع معرفة ذلك عن‬ ‫طريق الوصف اجلزيئي‪ .‬وسيكون من األفضل لك النظر في‬ ‫خواص مبستوى أعلى من الوصف مثل سرعة املائع وكثافته‬ ‫وضغط� � ��ه‪ .‬وباملثل‪ ،‬فعوضا عن النظر في تصادم اجلس� � ��يم‬ ‫كأن� � ��ه مبني مخططا بعد آخر من مخططات >فاينمان<‪ ،‬ميكن‬ ‫للفيزيائي� �ي��ن التفكي� � ��ر ب� � ��ه ككل واحد متكام� � ��ل‪ .‬فنركز على‬

‫اخلواص التي حتكم العملية كلية‬ ‫إن الترجحات‬ ‫ أي مبدأ الواحدية‪ ،‬إضافة إلى‬‫والتراوحات‬ ‫تناظرات خاصة تبرزها الطريقة‬ ‫الكمومية‬ ‫الواحدي� � ��ة‪ .‬وفي حاالت خاصة‪،‬‬ ‫للفضاء وللزمن‬ ‫نس� � ��تطيع القيام بتنبؤات نظرية‬ ‫هي حميدة أكثر بدق� � ��ة كامل� � ��ة‪ ،‬كانت س� � ��تتطلب‬ ‫باس� � ��تعمال تقني� � ��ة >فاينم� � ��ان<‬ ‫مما ُك ّنا نتخيل‪.‬‬ ‫مخططات المتناهية العدد ومدة‬ ‫زمنية النهائية أيضا‪.‬‬ ‫ومتت� � ��د مزايا الطريق� � ��ة اجلديدة أبعد من ذل� � ��ك‪ .‬فبعد أن‬ ‫طورنا الطريقة الواحدية لتشمل عرى اجلسيمات االفتراضية‪،‬‬ ‫ق� � ��ام فريق آخر ‪ -‬كان آنئذ في معهد الدراس� � ��ات املتقدمة في‬ ‫برينس� � ��تون ‪ -‬بإضافة ملفت� � ��ة متممة‪ .‬لقد أع� � ��ادوا النظر في‬ ‫املخططات الش� � ��جرية وحس� � ��بوا احتمال أن يحوي التصادم‬ ‫خمس� � ��ة جس� � ��يمات مثال بداللة احتمال احتواء التصادم على‬ ‫أربعة جس� � ��يمات‪ ،‬متبوعا بانفصام جس� � ��يم واحد إلى اثنني‪.‬‬ ‫وهذا استنتاج مدهش ألن تصادم خمسة جسيمات يبدو عادة‬ ‫مختلف� � ��ا جدا عن التصادمني املتتاليني املذكورين‪ .‬ونس� � ��تطيع‬ ‫بطرائق متعددة جتزئة مس� � ��ائل اجلس� � ��يمات املرعبة إلى قطع‬ ‫أبسط مما كانت عليه‪.‬‬ ‫حتطيم ساعات‬

‫( )‬

‫إن تصادم� � ��ات البروتونات في املص� � ��ادم ‪ LHC‬معقدة تعقيدا‬ ‫استثنائيا‪ .‬فقد قارنها مرة >فاينمان< نفسه بتقديركيف تعمل‬ ‫الساعات السويس� � ��رية عبر حتطيم بعضها بعضا‪ ،‬وتصارع‬ ‫تقنيت� � ��ه ‪ -‬عن� � ��د تطبيقها به� � ��دف إجراء احلس� � ��ابات ‪ -‬لتتبع‬ ‫وتتقف� � ��ى أثر ما يحدث أثن� � ��اء حوادث الص� � ��دم‪ .‬فالبروتونات‬ ‫ليس� � ��ت جس� � ��يمات أولية لكنها كرات صغيرة من الكواركات‬ ‫والگلوونات مرتبطة معا بالقوة حتت النووية الشديدة‪ .‬وعندما‬ ‫تتالطم معا‪ ،‬ميكن لكواركات أن تقفز عن كواركات أخرى‪ ،‬أو‬ ‫ع� � ��ن گلوونات كذلك‪ ،‬أو لگلوونات أيضا أن ترتد عن گلوونات‪.‬‬ ‫كما ميكن للكواركات والگلوونات أن تنفصم مشكلة كواركات‬ ‫وگلوون� � ��ات إضافية‪ .‬وهي في النهاية تلتح� � ��م معا في تركيبة‬ ‫جسيمات تقذف خارجة من املصادم على شكل رشات ضيقة‬ ‫يدعوها الفيزيائيون نفثات ‪.jets‬‬ ‫ق� � ��د يوجد داخل تل� � ��ك الكوم� � ��ة التركيبة ُ‬ ‫بعض األش� � ��ياء‬ ‫املطم� � ��ورة التي لم يش� � ��اهدها اإلنس� � ��ان من قبل‪ :‬جس� � ��يمات‬ ‫( ) ‪SMASHING WATCHES‬‬ ‫(‪excess mathematical baggage )1‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪43‬‬


‫طريقة أفضل‬

‫الطاقة‪ .‬ولسوء احلظ‪ ،‬فإن فقد الطاقة الظاهري‬ ‫( )‬ ‫جتعل احلياة أبسط‬ ‫وحده ال يعني بالضرورة أن املصادم ‪ LHC‬قد‬ ‫طور املؤلفون بديال لطريقة مخططات >فاينمان< س���موها الطريقة الواحدية‪ .‬فهي تس���تفيد من‬ ‫صنع مادة معتمة‪ .‬فمثال‪ ،‬ينتج املصادم ‪LHC‬‬ ‫مب���ادئ النظرية الكمومية األساس���ية من أجل دمج العديد م���ن مخططات >فاينمان< مع بعضها‬ ‫بصورة متكررة جس� � ��يما مألوفا عاديا يسمى‬ ‫بعضا‪ ،‬مما جعل حسابات لم تكن قابلة لإلجناز سابقا ممكنة‪.‬‬ ‫البوزون ‪ ،Z‬وفي ُخ ْمس زمن تفككه فإنه يتحول‬ ‫إلى نيوترينوَ ين ‪ ،tow neutrinos‬يتآثران أيضا‬ ‫تآثرا ضعيفا جدا فيفلتان من الكاش� � ��ف دون‬ ‫أن يسجلهما‪ .‬والس� � ��ؤال كيف ميكن للمرء أن‬ ‫يتنبأ بعدد جس� � ��يمات النموذج املعياري التي‬ ‫تقلد آثا ُرها آثا َر اجلسيمات املعتمة؟‬ ‫اقترح فري� � ��ق >إنكاندال< ح� �ل��ا كالتالي‪:‬‬ ‫خذ عدد الفوتونات التي يس� � ��جلها الكاشف‬ ‫‪ ،CMS‬وق ِّدر من ذلك اس����تقرائيا ‪extrapolate‬‬ ‫عدد احلوادث التي تتضم� � ��ن نيوترينوهات‪،‬‬ ‫ث� � ��م انظر ما إذا كان هذا يفس� � ��ر فقد الطاقة‬ ‫الظاهري كله‪ .‬فإذا لم يحقق ذلك‪ ،‬فمن املمكن‬ ‫والتقنية اجلديدة أظهرت سمات للعالم الطبيعي كانت موجودة ضمنيا في النظريات‬ ‫أن يكون املصادم ‪ LHC‬قد أنتج مادة معتمة‪.‬‬ ‫املعاصرة‪ ،‬ولكننا أضعنا رؤيتها في أمواج بحر مخططات >فاينمان<‪ .‬وأكثر ما يلفت النظر‬ ‫تش� � ��كل هذه الفكرة مثاال منوذجيا لتقديرات‬ ‫بينها طريقة ممكنة لتضمني قوة الثقالة‪ ،‬التي قاومت جهودا سابقة لتفسيرها‪ .‬فاجلسيمات‬ ‫التي تنقل قوة الثقالة‪ ،‬واملعروفة بالگرافيتونات‪ ،‬حتمل تشابهات مثيرة بالگلوونات‪ ،‬حيث‬ ‫الفيزيائيني التجريبيني غير املباشرة الواجب‬ ‫يشبه الگرافيتون الواحد في الواقع‪ ،‬من وجهة النظر الرياضياتية‪ ،‬نسختني من الگلوون‪،‬‬ ‫عليهم القيام بها بسبب فقدانهم للقدرة على‬ ‫تعمالن معا كمتباريني في سباق ثالثي املراحل‪.‬‬ ‫مشاهدة أنواع معينة من اجلسيمات مباشرة‪.‬‬ ‫گلوون‬ ‫گرافيتون‬ ‫ولكن كي ينجز ذلك‪ ،‬احتاج فريق >إنكاندال<‬ ‫=‬ ‫إل� � ��ى معرفة كيفي� � ��ة ارتباط ع� � ��دد الفوتونات‬ ‫گلوون‬ ‫بالضب� � ��ط بعدد النيوترينوه� � ��ات‪ .‬وما لم تكن‬ ‫الدق� � ��ة عالية كفاية‪ ،‬ستفش� � ��ل اس� � ��تراتيجية‬ ‫جدي� � ��دة‪ ،‬وتناظ� � ��رات جديدة‪ ،‬أو حتى أبع� � ��اد جديدة للزمكان خلف الس� � ��تار هذه‪ .‬لقد درسنا هذه املس� � ��ألة مع عدة زمالء‬ ‫‪ .spacetime‬غير أن غربلتها ومتحيصها أمر صعب‪ .‬وقد تبدو باستعمال األدوات النظرية اجلديدة وكنا قادرين على التأكيد‬ ‫اجلسيمات الغريبة ‪ exotic‬ألدواتنا كاجلسيمات العادية متاما‪ ،‬لـ>إنكاندال< على أن الدقة كان� � ��ت عالية كفاية‪ .‬وبعد اطمئنان‬ ‫فتكون الفروق صغيرة بحيث تُغفل بس� � ��هولة‪ .‬ولكننا نستطيع فريق الكاشف ‪ CMS‬لذلك‪ ،‬قاموا بتطبيق تقنيتهم واستطاعوا‬ ‫بالطريقة الواحدية وصف الفيزياء املألوفة بدقة جتعل الفيزياء فرض قيود قاس� � ��ية على جسيمات املادة املعتمة‪ .‬فبرهن ذلك‬ ‫على جناعة طريقتنا‪.‬‬ ‫غير املألوفة تقف بارزة‪.‬‬ ‫أوحى إلينا هذا النجاح بالتقدم نحو حسابات أكثر طموحا‪.‬‬ ‫على س� � ��بيل املث� � ��ال‪ ،‬أتى إلين� � ��ا >‪ .J‬إنكان� � ��دال< [من جامعة‬ ‫كاليفورنيا في س� � ��انتا باربارا] وهو املتحدث حاليا باسم أل َف ْي وكما هو ش� � ��ائع في مجتمع فيزياء اجلسيمات اجلديدة‪ ،‬نعمل‬ ‫فيزيائ� � ��ي ونيف يعمل� � ��ون على التجرب� � ��ة ‪ CMS‬ضمن املصادم بـــالتعــــاون مــــع عـــلمـــاء عــلى مســـتوى العـــالــم‪ ،‬مبــن فــيــهــم‬ ‫‪ - LHC‬يس� � ��ألنا سؤاال يتناول بحث فريقه عن جسيمات غريبة >‪ .F .F‬كوردرو< [جامعة سيمون بوليڤار في كاراكاس بڤنزويال]‬ ‫تك ِّون املادة املعتمة الكونية‪ ،‬التي تش� � ��كل ذاك احلشو الغامض و>‪ .H‬إيتا< [م� � ��ن جامعة تل أبيب وجامعة كاليفورنيا في لوس‬ ‫ال� � ��ذي يعتقد الفلكيون بوجوده هناك بانتظار حتديد الفيزيائيني أجنلس )‪ ](U.C.L.A‬و>‪ .D‬ميتر< [من جامعة درهام في إنكلترا]‬ ‫و>‪ .S‬هوخيه< [من مختبر املسرع الوطني ‪ ]SLAC‬و>‪ .K‬أوزرن<‬ ‫ماهيته‪ .‬وأي جس� � ��يمات من هذا الن� � ��وع ينتجها املصادم ‪LHC‬‬ ‫س� � ��تحتال على الكاش� � ��ف ‪ ،CMS‬تاركة االنطباع بفقدان بعض‬ ‫( ) ‪Making Life Simpler‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫[من جامعة كاليفورنيا في لوس أجنلس )‪ .](U.C.L.A‬لقد قمنا‬ ‫معا بتنبؤات دقيقة الحتمال أن تنتج تصادمات املصادم ‪LHC‬‬ ‫زوجا من النيوترينوهات م� � ��ع أربع نفثات مرافقة لها‪ .‬ويعتبر‬ ‫إجناز مثل هذه احلس� � ��ابات باس� � ��تعمال مخططات >فاينمان<‬ ‫صعبا جدا حتى مع فريق عمل كبير من الفيزيائيني يعمل بجد‬ ‫لعقد من الزمن ومبساعدة أفضل احلواسيب احلديثة املتقدمة‪.‬‬ ‫غير أن الطريقة الواحدية مكنتنا من إجنازها بأقل من س� � ��نة‪.‬‬ ‫ولسرورنا البالغ‪ ،‬قام فريق آخر يعمل في املصادم ‪ - LHC‬هو‬ ‫فريق العاملني في جتربة الكاش� � ��ف أطلس ‪ - ATLAS‬مبقارنة‬ ‫تنبؤاتن� � ��ا ببياناته‪ ،‬وكانت النتائج على توافق ممتاز لغاية اآلن‪.‬‬ ‫وبالتقدم إلى األمام‪ ،‬س� � ��وف يستعمل التجريبيون هذه النتائج‬ ‫للبحث عن فيزياء جديدة‪.‬‬ ‫وقد ساعدت الطريقة الواحدية أيضا على البحث عن جسيم‬ ‫هيگز الذي طال انتظاره(‪ .)1‬إذ إن مؤشرا لوجود هيگز هو إنتاج‬ ‫إلكت� � ��رون منفرد‪ ،‬مع نفثتني ونيوترين� � ��و‪ ،‬حيث يعطي النيوترينو‬ ‫مرة ثانية االنطباع بفقدان طاقة‪ .‬وميكن لهذا النتاج نفس� � ��ه أن‬ ‫ينش� � ��أ أيضا عن تآثرات جسيمات ال تش� � ��مل جسيمات هيگز‪.‬‬ ‫لقد متثل أحد استعماالتنا األولى للطريقة الواحدية في حساب‬ ‫االحتمال الدقيق جلميع هذه التآثرات املتعارضة واملش ِّوشة‪.‬‬ ‫عودة إلى الثقالة‬

‫( )‬

‫إن دراسة الثقالة الكمومية باس� � ��تعمال الطريقة الواحدية هو‬ ‫املجال األكثر إث� � ��ارة؛ إذ على الفيزيائيني عند تطويرهم نظرية‬ ‫متس� � ��قة كلي� � ��ة للطبيعة أن يج� � ��دوا طريقة تضم� � ��ن الثقالة في‬ ‫إطار امليكانيك الكمومي‪ .‬فلو كانت الثقالة تس� � ��لك سلوك قوى‬ ‫الطبيعة األخرى‪ ،‬لكان عليها أن تنتقل بجسيمات الگرافيتون‪.‬‬ ‫وستصطدم الگرافيتونات وتتبعثر متاما كما تفعل اجلسيمات‬ ‫األخرى‪ ،‬ومن ثم ميكننا رس� � ��م مخططات >فاينمان< لها‪ .‬ومع‬ ‫ذل� � ��ك‪ ،‬فإن محاوالت أجريت منتصف ثمانينات القرن املاضي‬ ‫لوص� � ��ف تبعثر الگرافيتون� � ��ات عبر تكمي���م ‪ quantizing‬نظرية‬ ‫>أينش� � ��تاين< وفق أبس� � ��ط طريقة ممكنة قد قادت إلى تنبؤات‬ ‫عدمي� � ��ة املعنى‪ ،‬مثل إعطاء قيم النهائية لكميات يجب أن تكون‬ ‫محدودة وضوحا‪ .‬وإن الكميات الالنهائية بحد ذاتها ليس� � ��ت‬ ‫مشكلة‪ ،‬إذ ميكن أن تنشأ في مراحل متوسطة من احلسابات‬ ‫حت� � ��ى في نظريات جيدة الس� � ��لوك ‪ -‬مثل النموذج املعياري ‪-‬‬ ‫ولكنه يجب أن تختف� � ��ي وتتفانى في حالة أي مقدار ميكن أن‬ ‫يك� � ��ون قابال للقياس‪ .‬ولم يحدث ‪ -‬على م� � ��ا يبدو ‪ -‬مثل هذا‬ ‫الفن� � ��اء واحلذف في الثقالة‪ .‬وبعبارة واضحة وصريحة‪ ،‬يعني‬ ‫هذا األمر أن الترجحات والتراوحات الكمومية للمكان والزمن‬

‫التي س� � ��ماها رائد الثقالة الكمومية >‪ .J‬ويل� � ��ر<‪« ،‬رغوة (زبد)‬ ‫الزمكان»‪ ،‬س� � ��تنتفض ملتفة وخارجة عن متناول اليد بش� � ��كل‬ ‫يصعب معه السيطرة عليها‪.‬‬ ‫إن أح� � ��د التفس� � ��يرات احملتمل� � ��ة ه� � ��و أن الطبيعة حتتوي‬ ‫جس� � ��يمات غير مكتش� � ��فة حتكم هذه اآلثار الكمومية‪ .‬درست‬ ‫ه� � ��ذه الفكرة‪ ،‬املتضمنة مبا يع� � ��رف نظريات الثقال���ة الفائقة‬ ‫‪ ،supergravity‬دراس� � ��ة موسعة خالل سبعينات القرن املاضي‬ ‫وأوائ� � ��ل ثمانيناته(‪ ،)2‬غير أن اإلث� � ��ارة واحلماس حولها خمدا‬ ‫عندم� � ��ا أفضت نقاش� � ��ات غير مباش� � ��رة إلى نتيج� � ��ة أن هذه‬ ‫الالنهائيات العدمية املعنى ستستمر بالنشوء مع وجود ثالث‬ ‫عرى جس� � ��يمات افتراضية أو أكثر‪ .‬وب� � ��دا أن الثقالة الفائقة‬ ‫محكوم عليها بالفشل‪.‬‬ ‫لق� � ��د قادت ه� � ��ذه اخليب � � � ُة العدي � � � َد ملتابعة نظري� � ��ة األوتار‬ ‫ومحاول� � ��ة فهمه� � ��ا‪ .‬وتعد نظري� � ��ة األوتار ابتعادا رئيس� � ��ا عن‬ ‫النموذج املعياري‪ .‬وتبعا لها‪ ،‬فإن اجلسيمات مثل الكواركات‬ ‫والگلوون� � ��ات والگرافيتون� � ��ات لم تع� � ��د نقاطا دقيق� � ��ة‪ ،‬ولكنها‬ ‫اهتزازات أوتار أحادية البعد‪ .‬وإن تآثرات اجلسيمات سوف‬ ‫تنتش� � ��ر على طول األوتار بدال من أن تكون متمركزة في نقطة‬ ‫وحيدة‪ ،‬مما مينع نشوء الالنهائيات آليا‪ .‬ومن جهة ثانية‪ ،‬فقد‬ ‫صادفت نظرية األوتار مش� � ��كالتها اخلاصة بها؛ وعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬فإنها ال تقوم بإعطاء تنبؤات نظرية قاطعة (محددة) عن‬ ‫الظواهر املشاهدة‪.‬‬ ‫مشكلة مضاعفة‬

‫( )‬

‫في أواس� � ��ط ثمانينات القرن املاضي‪ ،‬دف� � ��ع >‪ .S‬هوكنگ< [من‬ ‫جامع� � ��ة كامبردج] بفكرة إعطاء نظريات الثقالة الفائقة مظهرا‬ ‫آخر‪ .‬فقد أشار إلى أن دراسات فترة منتصف الثمانينات قد‬ ‫اتخذت طرقا مختصرة جعلت اس� � ��تنتاجاتها موضع تساؤل‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن >هوكنگ< كان غير قادر على إقناع أي ش� � ��خص آخر‬ ‫بوجود س� � ��بب جيد التخاذ العاملني في ه� � ��ذه النظريات هذه‬ ‫الطرق املختصرة‪ ،‬فاحلس� � ��ابات الكاملة كانت أبعد مناال وبال‬ ‫أمل ف� � ��ي حلها حتى من قب� � ��ل أملع الرياضياتيني وأوس� � ��عهم‬ ‫خب� � ��رة‪ .‬ولكي نتأكد مما إذا كان� � ��ت مخططات >فاينمان< ذات‬ ‫عرى الگرافيتونات االفتراضية الثالث ستنتج كميات النهائية‬ ‫نحتاج إلى تقدير ‪ 1020‬حدا‪ .‬وفي حالة خمس عرى‪ ،‬سيحتوي‬ ‫( ) ‪BACK TO GRAVITY‬‬ ‫( ) ‪DOUBLE TROUBLE‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‪“ Supergravity and the Unification of the Laws of Physics,” :‬‬ ‫;‪by Daniel Z. Freedman - Peter van Nieuwenhuizen‬‬ ‫‪Scientific American, February 1978‬‬

‫(‪)2‬‬

‫انظـر‪« :‬في انتظار جسيم هيگز»‪،‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪ ،‬الـعــددان ‪ ،(2012) 4/3‬ص‬

‫التتمة في‬

‫‪.46‬‬

‫الصفحة ‪57‬‬

‫‪45‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫اجلرذ الذي ضحك‬

‫( )‬

‫هل لبعض احليوانات غير اإلنسان طبيعة فكاهية؟ رمبا نعم‪.‬‬ ‫>‪ .J‬بيرنگ<‬

‫ذات مـــرة بينمــا كنت في حالة نعـاس وهـذيـان على ارتفـاع‬ ‫‪ 35 000‬ق� � ��دم في مكان ما فوق أيس� � ��لندا‪ ،‬أخذت أحتس� � ��س‬ ‫بطانيتي الزرقاء الدافئة املدسوسة حتت مقعدي ألحتقق فقط‬ ‫في ظل رعبي الذي ال يوصف من أنني في الواقع كنت أجذب‬ ‫قدم رجل كبير يتلوى داخل جوربه‪ .‬واآلن مع مزاج مثل‬ ‫أصبع ِ‬ ‫مزاجي‪ ،‬تبدو احلياة موقفا محرجا في إثر آخر‪ ،‬ولذا فعندما‬ ‫التفت حولِي وتبس� � ��مت واعتذرت لصاحب هذا األصبع‪ ،‬وقع‬ ‫نظري على رجل ضخم اجلثة تش� � ��ي قبعتُه بأنه يجد صعوبة‬ ‫في العثور على النكتة في هذا احلادث‪.‬‬ ‫هذا ليس س� � ��ارا باملرة‪ ،‬غير أنني أعد هذا احلدث من قبيل‬ ‫املصادفة‪ .‬وبينما أس� � ��ند رأس� � ��ي إلى وسادة ش� � ��ركة الطيران‬ ‫خطرت في ذهن� � ��ي ذكريات أكثر‬ ‫املغطاة باملناش� � ��ف الصحية‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫س� � ��عادة‪ ،‬واحدة منها تتضمن أصبع قدم كبيرا آخر‪ ،‬غير أنه‬ ‫ينتمي إلى حيوان يتمت� � ��ع بطبيعة جيدة للفكاهة وملحوظة أكثر‬ ‫من ذلك اجلالس خلفي‪ .‬وهذا األصبع اآلخر – الذي يشعر بكل‬ ‫علي أن أضيف‬ ‫ملس� � ��ة كما يش� � ��عر بها نظيره من البشر‪ ،‬وجب ّ‬ ‫ذلك ‪ -‬كان لغوريال يزن ‪ 450‬رطال يسكن في السهول الغربية‪،‬‬ ‫ُمكلَّس اللثة ويسمى امللك‪ .‬عندما كان عمري ‪ 20‬عاما وعمره ‪27‬‬ ‫عام� � ��ا‪ ،‬أمضيت معظم صيف عام ‪ 1996‬مع صديقي امللك الذي‬ ‫أصبح بال أسنان‪ ،‬أستمع إلى >‪ .F‬سيناترا< والتينورات الثالث‪،‬‬ ‫وأطـارده مـن جانب إلى آخـر‪ ،‬وأدغدغ أصابع قدمـه‪ .‬وقـد كان‬ ‫مستلقيا على ظهره في منزله الليلي‪ ،‬ما ّدا قدما رمادية شاحبة‬ ‫ضخمة من خالل قضبان قفصه تاركا إياها تتدلى بينما أتوقع‬ ‫انفجاره في نوبة من القهقهة الش� � ��ديدة حني قبضت على أحد‬ ‫أصابع قدميه وضغطت علي� � ��ه ضغطة واضحة‪ .‬وهو بالكاد لم‬ ‫يستطع السيطرة على نفسه حينما استلقيت على األرض يوما‬ ‫ما متظاهرا بأنني س� � ��وف أقضم ذلك األصبع الس� � ��مني‪ .‬وإذا‬ ‫كن� � � َ�ت لم تش� � ��ه ْد غوريال منهمكا في نوبة م� � ��ن الضحك‪ ،‬فإنني‬ ‫أوصيك ب� � ��أن تبحث عن هذا املش� � ��هد قب� � ��ل أن تنتقل من هذا‬ ‫العالم‪ .‬إنه شيء ما يثير تصارع األفكار حتى عند أقوى هؤالء‬ ‫املؤمنني «باخلَ لْقيَّة»(‪.creationists )1‬‬ ‫‪46‬‬

‫هل تتمتع حيوانات أخرى غير اإلنسان ِ‬ ‫س الدُّعابة(‪)2‬؟‬ ‫بح ّ‬ ‫رمب� � ��ا نعم في بع� � ��ض النواحي‪ .‬ولكن من ن� � ��واح أخرى‪ ،‬فمن‬ ‫احملتمل أن تكون لإلنس� � ��ان خصائص فريدة لهذه العواطف‪.‬‬ ‫وبص� � ��رف النظر عن القصص اللطيفة‪ ،‬فنحن نعلم القلي َل فقط‬ ‫عن الضحك وروح الدعابة لدى الرئيس� � ��يات غير البش� � ��رية‪،‬‬ ‫غي� � ��ر أن بعض أه� � ��م النتائج في عل���م املقارن���ات(‪ )3‬على مدى‬ ‫العقد املنصرم اش� � ��تملت على االكتش� � ��اف غير املتوقع في أن‬ ‫اجلرذان – وبخاصة الصغار منها ‪ -‬تضحك‪ .‬هذا صحيح‪،‬‬ ‫اجلرذان تضحك‪ .‬على أقل تقدير ذلك اجلدل الش� � ��جاع الذي‬ ‫أثاره الباحث >‪ .J‬پانكسيب< الذي نشر مقاال رائعا بل وساخنا‬ ‫حول هذا املوضوع في مجلة أبحاث السلوك الدماغي(‪.)4‬‬ ‫وعل� � ��ى وجه اخلصوص‪ ،‬ركزت أبحاث >پانكس� � ��يب< على‬ ‫«إمكانية كون احليوانات األكثر اس� � ��تخداما كأدوات‪ ،‬أقصد‬ ‫القوارض املختبرية‪ ،‬متتلك جتارب من نوعية املرح االجتماعي‬ ‫أثناء أنش� � ��طة لعبها وأن مكونا مهما للتواصل املرتبط باملزاج‬ ‫لتلك العملية‪ ،‬والتي تنش� � ��ط التواصل املجتمعي‪ُ ،‬يعد ش� � ��كال‬ ‫بدائ ّي� � ��ا من أش� � ��كال الضحك»‪ .‬واآلن قب� � ��ل أن تذهب متخيال‬ ‫بعض القهقهات على غرار ستيوارت ليتل ‪ )5(Stuart Little‬أنيق‬ ‫املظه� � ��ر (أم كان فأرا؟)‪ ،‬فإن ضحكة اجل� � ��رذ ال يصدر عنها‬ ‫صوت مثلما هو احلال في النوع البشري‪ ،‬الذي عادة يتضمن‬ ‫اندفاعات صوتية نابضة تبدأ باستنش� � ��اقٍ ناطق ويتكون من‬ ‫سلس� � ��لة من الشهقات القصيرة املميزة تفصلها فترات زمنية‬ ‫متس� � ��اوية إلى حد ما‪ .‬والنمط الصوتي للضحك البشري هو‬ ‫استنشاق حرف ‪ h‬يليه حرف علة‪ ،‬يكون عادة ‪ ،a‬وذلك إلى حد‬ ‫بعيد ألن حنجرتنا غنية باإليقاعات‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬ضحك اجلرذ‬ ‫( )‬

‫‪THE RAT THAT LAUGHED‬‬

‫(‪ )1‬اخلِ لقِ َّي� � ��ة هي مذه� � ��ب إمياني يؤمن معتنقوه بأن البش� � ��رية واحلياة والكون وجميع‬ ‫املخلوقات قد برئت بواسطة قوة عليا «رب إبراهيم» كما هي ال عن طريق التطور‪.‬‬ ‫(‪ sense of humor )2‬أو بتذَوق للنكتة‪.‬‬ ‫(‪comparative science )3‬‬ ‫(‪Behavioural Brain Research )4‬‬

‫(‪ )5‬فيلم كوميدى أمريكي مأخوذ عن رواية باالس� � ��م نفس� � ��ه كتبها >‪ .B .E‬وايت<‪ ،‬أُنتج‬ ‫الفيلم في عام ‪ 1999‬ويقوم ببطولته جرذ يتعامل مع البشر بشكل طبيعي‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Jesse Bering‬‬

‫<بيرنگ> من املس� � ��اهمني بش� � ��كل متكرر في مجلة س� � ��اينتيفك‬ ‫أمريكان ومجلة س� � ��ليت أند داس ‪( Slate and Das‬سويس� � ��را)‪.‬‬

‫<بيرنگ> هو املدير السابق ملعهد املعرفة والثقافة بجامعة كوين‪،‬‬ ‫ببلفاست‪ .‬وهو يعيش بالقرب من إيثاكا بوالية نيويورك‪.‬‬

‫يأتي عــلى شــكل نـــداءات فـــــوق صوتيــــة عــاليــة‬ ‫التـــ� � ��ردد تصــل إلـى ‪ 50‬كيلوهرتز‪ ،‬أو «زقزقات»‬ ‫تك� � ��ون مميزة من غيرها م� � ��ن االنبعاث الصوتي‬ ‫في اجلرذان‪ .‬وإليك كيف وصف >پانكس� � ��يب<‬ ‫اكتشافه لهذه الظاهرة‪:‬‬

‫وقد انتهيت للتو رمبا من أول حتليل إثنولوجى‬ ‫منهج� � ��ي (أعني أنه حتليل منضبط بش� � ��كل‬ ‫جيد) لأللعاب الشرسة واملثيرة في اجلنس‬ ‫البش� � ��ري في أواخر التسعينات‪ ،‬حيث كان‬ ‫لدي‬ ‫الضحك هو االس� � ��تجابة األكثر‪ ،‬كـانـت ّ‬ ‫البصيــرة (ورمبـا التـوهـم) أن الـزقـزقـة ذات‬ ‫ال � � �ـ‪ 50‬كيـلـوهـرتـز فـي اجلرذان الالعبـة رمبا‬ ‫كانـت لها عـالقـة س���لفية(‪ )1‬بضحك البشر‪.‬‬ ‫وفي صباح اليوم التالي‪ ،‬ذهبت إلى املختبر‬ ‫وطلبت إلى أحد تالمذتي في ذلك الوقت أن‬ ‫يأتي ليقوم بدغدغة بعض اجلرذان معي‪.‬‬ ‫وعل� � ��ى مدى الس� � ��نوات الت� � ��ي تلت ذلك قام >پانكس� � ��يب‬ ‫ومعاونوه بدراس� � ��ات منهجي� � ��ة الواحدة تل� � ��و األخرى لبحث‬ ‫ضحك اجلرذان‪ ،‬وقد كشف عن تداخل الفت بني اخلصائص‬ ‫الوظيفية والتعبيرية لهذه الزقزقة في اجلرذان الصغيرة وبني‬ ‫نظيراتها في ضحك أطفال البش� � ��ر‪ .‬وحلثِّ جرائه الصغيرة‬ ‫على الضحك‪ ،‬استخدم >پانكس� � ��يب< تقنية أسماها األلعاب‬ ‫اليدوي���ة النوعي���ة املغاي���رة ‪ ،heterospecific hand play‬وهو‬ ‫مصطلح علمي يعبر عن الدغدغة ‪.tickling‬‬ ‫واجلرذان بشكل خاص حساسة للدغدغة‪ ،‬وعلى ما يبدو‪،‬‬ ‫في مؤخرتها‪ ،‬وهو املكان الذي تستهدفه اجلراء الصغيرة في‬ ‫أنشطة لعبها مثل سلوك التس� � ��لق (حيث يتسلق أحد اجلراء‬

‫<‬

‫ظهر آخر)‪ .‬وسرعان ما وجد >پانكسيب< أن اجلرذان األكثر‬ ‫حساس� � ��ية للدغدغة‪ ،‬وهي عمليا وببساطة‪ ،‬تلك اجلرذان التي‬ ‫أصدرت بني يدي البش� � ��ر زقزقات بت� � ��ردد ‪ 50‬كيلوهرتز كانت‬ ‫األق� � ��وى واألكثر تواترا‪ ،‬كانت أيضا اجلرذان األكثر نش� � ��اطا‬ ‫في اللعب بني اجلرذان املدروس� � ��ة‪ .‬وقد اكتشف >پانكسيب<‬ ‫أن حتفيز الضحك لدى اجلراء عزز الروابط‪ :‬بحيث إن اجلراء‬ ‫املدغدغة س� � ��عت س� � ��عيا حثيثا إلى اليد البشرية التي جعلتها‬ ‫تضحك س� � ��ابقا‪ .‬وفضال عن ذلك‪ ،‬وكما يتوقع في البشر‪ ،‬فإن‬ ‫بعض احملفزات البيئية املنفرة قد خفضت بشكل كبير حدوث‬ ‫الضحك بني اجلرذان موضع الدراسة‪.‬‬ ‫(‪ancestral relationship )1‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪47‬‬


‫وعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬فحتى عندما ُأبقي التحفيز بالدغدغة‬ ‫تضاءلت الزقزقة بش� � ��كل معنوي عندما حصلت اجلراء‬ ‫ثابتا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫على نفحة من رائحة القطط‪ ،‬أو عندما كانت جائعة جدا وكذلك‬ ‫عندما تعرضت لضوء س� � ��اطع أثناء دغدغتها‪ .‬وقد اكتش� � ��ف‬ ‫>پانكس� � ��يب< أيض� � ��ا أن اإلناث البالغة كانت أكثر اس� � ��تجابة‬ ‫للدغدغ� � ��ة من الذكور‪ ،‬غير أنه بش� � ��كل ع� � ��ام كان من الصعب‬ ‫احلث بالدغدغ� � ��ة عند اجلرذان البالغة «ما لم تكن قد ُدغدغت‬ ‫كثيرا حال كونها جراء»‪ .‬وأخيرا‪ ،‬عندما مت تخيير اجلراء بني‬ ‫جرذين بالغني – أحدهما كان ال يزال يزقزق بش� � ��كل تلقائي‬ ‫بينما توق� � ��ف اآلخر ‪ -‬أمضت اجلراء وقت� � ��ا أكثر مع اجلرذ‬ ‫النامي الذي بدا أكثر سعادة‪.‬‬ ‫ورمب� � ��ا ليس من املده� � ��ش أن >پانكس� � ��يب< واجه مقاومة‬ ‫مؤس� � ��فة لتفسيره لهذا الكم من النتائج‪ ،‬وبخاصة في صفوف‬ ‫زمالئه الباحثني‪ .‬ومع ذلك فهو يعترض‪:‬‬

‫«حاولنا أن ننفي رأينا مرارا وتكرارا‪ ،‬ولكننا فشلنا في‬ ‫ذلك‪ .‬ووفقا لذلك‪ ،‬نحن نرى ما يبرر أن ندفع بحذر وأن‬ ‫نض� � ��ع البذرة األولى لالحتمالية النظرية بأن هناك نوعا‬ ‫من العالقة السلفية بني زقزقات اللعب لدى اجلراء وبني‬ ‫ضحكات رضع البشر‪».‬‬ ‫واآلن‪ ،‬قد يكون >پانكس� � ��يب< أول م� � ��ن يعترف بأن نتائجه‬ ‫«حس الدعاب� � ��ة»‪ ،‬بقدر ما تقول‬ ‫ال تعن� � ��ي أن اجل� � ��رذان لديها‬ ‫ُّ‬ ‫إن� � ��ه يبدو أن هناك متاس� � ��ا تطوريا ب� �ي��ن الضحك في األطفال‬ ‫أثناء األلعاب الشرس� � ��ة املثيرة وبني التعبير باألصوات نفسها‬ ‫في جراء اجلرذان‪ِ .‬‬ ‫فح ُّس الدعابة – الس� � ��يما لدى البالغني ‪-‬‬ ‫يتطلب آليات معرفية رمبا تكون أو ال تكون موجودة في أنواع‬ ‫أخرى‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد اقترح >پانكس� � ��يب< أنه رمبا يكون ذلك‬ ‫تس� � ��اؤال جتريبيا ميكن دحض� � ��ه‪« .‬إذا كان القط ميثل ملمحا‬ ‫مزعجا مس� � ��تمرا في حياة جرذ ما‪ ،‬فهل يصدر اجلرذ بعضا‬ ‫من الزقزقة الس� � ��عيدة إذا ما حدث مكروه لعدوه؟ وهل يزقزق‬ ‫جرذ من الس� � ��عادة إذا س� � ��قط القط في املصي� � ��دة أو ُط ِّوح به‬ ‫في الهواء ممس� � ��وكا بذيله؟ نحن ال نحبذ إجراء هذه التجارب‬ ‫االنفعالية‪ ،‬ولكننا نش� � ��جع أي ش� � ��خص يرغب في املضي في‬ ‫هذا االجتاه أن يجد طرقا أكثر أمانا لتقييم هذه األمور‪.‬‬ ‫واالختالف� � ��ات في «نظ� � ��م» الضحك بني الثدييات تعكس� � ��ها‬ ‫االختالف� � ��ات الهيكلية عبر النوعية في مناطق الدماغ فضال عن‬ ‫البن� � ��اء الصوتي‪ .‬وفي العدد نفس� � ��ه من مجلة أبحاث الس� � ��لوك‬ ‫الدماغ� � ��ي‪ ،‬وص� � ��ف >‪ .M‬ماي� � ��ر< [املتخصص في عل� � ��م النفس‬ ‫‪48‬‬

‫العصبي] وزم� �ل��اؤه هذه االختالفات بش� � ��كل مفصل‪ .‬ومع أن‬ ‫دراس� � ��ات صور دماغ البش� � ��ر وهم يش� � ��اهدون أفالم كارتون‬ ‫مضحكة أو يس� � ��تمعون إل� � ��ى نكات‪ ،‬قد أثبتت تنش� � ��يط تراكيب‬ ‫تطورية قدمية مثل اللوزات املخية ‪ amygdala‬واملتكئة ‪nucleus‬‬ ‫‪ ،accumbens‬فقد أوضحت مؤخرا أن هناك تراكيب «أوامر عليا»‬ ‫قد نش� � ��طت أيضا‪ ،‬تش� � ��مل مناطق متفرقة من القش���رة املخية‬ ‫األمامي���ة(‪ .)1‬ولذا فمع أن الرئيسيات غير البشرية تضحك‪ ،‬فإن‬ ‫الفكاهة البش� � ��رية يبدو أنها تنطوي على العديد من الش� � ��بكات‬ ‫اإلدراكية املتخصصة غير املوجودة في األنواع األخرى‪.‬‬ ‫الضح� � ��ك في نوعنا البش� � ��ري‪ ،‬بطبيعة احلال‪ُ ،‬يس� � ��تحث‬ ‫مبجموع� � ��ة كبيرة من احملفزات االجتماعية ويحدث حتت مظلة‬ ‫واسعة من املشاعر‪ ،‬ليست دائما إيجابية‪ .‬وعلى سبيل املثال ال‬ ‫احلصر‪ ،‬هناك بعض أمناط السياقات العاطفية للضحك ميكن‬ ‫أن ترافق الفرح واحملبة والتسلية واملرح والدهشة والعصبية‬ ‫واحل� � ��زن واخلوف واخلج� � ��ل والعدوان واالنتص� � ��ار والتهكم‬ ‫والشماتة (املتعة في مصائب اآلخرين)‪ .‬ولكن الضحك عادة‬ ‫يعمل مبثابة إش� � ��ارات اجتماعية مشحونة بالعواطف ويحدث‬ ‫في وجود آخرين‪ ،‬وهو ما قاد العاملة النفسانية >‪ .D‬زاميتات<‬ ‫وفريقه� � ��ا البحثي إلى استكش� � ��اف الوظيف� � ��ة التكيفية املمكنة‬ ‫للضحك البش� � ��ري‪ .‬وهذه الدراس� � ��ة‪ ،‬التي نش� � ��رت في مجلة‬ ‫العاطف� � ��ة ‪ ،Emotion‬توف� � ��ر أول دليل جتريبي يبني أن البش� � ��ر‬ ‫ميتلكون قدرة خارقة على اكتشاف نية الضاحك النفسية فقط‬ ‫من اخلصائص الصوتية للضحكة وحدها‪ .‬وأحيانا‪ ،‬كما يؤكد‬ ‫الباحثون‪ ،‬فإن الضحك يش� � ��ير إلى نوايا عدوانية جدا‪ ،‬وهي‬ ‫حقيقة ينبغ� � ��ي ‪ -‬من منظور تطوري ‪ -‬أن حتفز اس� � ��تجابات‬ ‫سلوكية‪ ،‬متكيفة بيولوجيا ومناسبة من جانب املستمع‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬يبدو صعبا‪ ،‬إن لم يكن مستحيال‪ ،‬استحثاث مشاعر‬ ‫أصيل� � ��ة ومتوالي� � ��ة حتت الظ� � ��روف املخبرية املنضبط� � ��ة‪ ،‬ولذا‬ ‫فلدراستهم األولى قامت >زاميتات< وزمالؤها بالشيء األفضل‬ ‫التالي‪ :‬فقد استخدموا ثمانية من املمثلني احملترفني (ثالثة رجال‬ ‫وخمس سيدات) وسجلوا ضحكهم‪ .‬هذا ليس مثاليا‪ ،‬وضوحا‪،‬‬ ‫فقد اعترف الباحثون مبحدودية تطبيق استخدام «التصويرات‬ ‫العاطفية» بدال من املش� � ��اعر احلقيقية‪ .‬ولك� � ��ن «أخبر املمثلون‬ ‫بالتركي� � ��ز حصريا على االنخراط في احلال� � ��ة العاطفية وليس‬ ‫عل� � ��ى التعبير اخلارجي للضحك»‪ .‬وه� � ��ذه هي أمناط الضحك‬ ‫األربعة األساس� � ��ية التي ُطلب إلى املمثل� �ي��ن أداؤها‪ ،‬جنبا إلى‬ ‫جنب مع أوصاف عينات الضحك والسيناريوهات املستخدمة‬ ‫لتسهيل اندماج املمثلني في أدوارهم‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪the frontal cortex‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫ضح���ك البهجة‪ :‬مقابلتك لصدي� � ��ق حميد بعد انقطاع‬ ‫رؤيته لفترة طويلة‪.‬‬ ‫ضحك���ة الس���خرية‪ :‬ضح� � ��كك على خصم� � ��ك بعد أن‬ ‫هزمت� � ��ه‪ .‬وهي ضحكة تعكس عاطف� � ��ة االحتقار وتعمل‬ ‫على إذالل املستمع‪.‬‬ ‫ضحكة الش���ماتة‪ :‬ضحكك على ش� � ��خص ما أصابته‬ ‫مصيب� � ��ة مثل االنزالق في قذارة كلب‪ .‬وخالفا لضحكة‬ ‫الس� � ��خرية‪ ،‬فالضاح� � ��ك ضحكة الش� � ��ماتة ال يريد أن‬ ‫يلحق ضررا بالغا بالشخص اآلخر‪.‬‬ ‫ضحك���ة الدغدغة‪ :‬وهي حرفيا الضحك عندما يدغدغ‬ ‫أحدهم جسدك‪.‬‬ ‫ومبجرد جتميع هذه التسجيالت‪ ،‬متت دعوة ‪ 72‬مشاركا‬ ‫من املتحدثني باإلنكليزية إلى املختبر‪ ،‬وأعطوا س� � ��ماعات‬ ‫أذن وطلب إليه� � ��م تعرف املش� � ��اعر وراء هذه الضحكات‬ ‫املتتالية‪ .‬وقد استمع هؤالء الناس إلى العديد من تتابعات‬ ‫الضح� � ��ك ‪ 429 -‬مقطعا من الضح� � ��ك إجماال‪ ،‬كل منها‬ ‫متثل ضحكات متداخلة عش� � ��وائية تراوح� � ��ت أطوالها ما‬ ‫ب� �ي��ن ثالث إلى تس� � ��ع ثوان‪ ،‬وعلى ذل� � ��ك كان هناك ما بني‬ ‫‪ 102‬إلى ‪ 111‬ضحكة لكل عاطفة‪( .‬وقد استغرق ذلك نحو‬ ‫الساعة‪ ،‬أفكار كابوسية تذكرني مبسلسالت السيت كوم‬ ‫التليفزيوني����ة ‪ television sitcomes‬ف� � ��ي فترة الثمانينات‪،‬‬ ‫وتركز انتباهي على مقاطع الضحك الغريبة في اخللفية)‪.‬‬ ‫ولكن النتائج كانت مثيرة لإلعجاب؛ فقد متكن املشاركون‬ ‫من تصني� � ��ف مقاطع الضحك بش� � ��كل صحيح من خالل‬ ‫مش� � ��اعرهم التي ع َّبروا عنها مبهارة والتي كانت بش� � ��كل‬ ‫معنوي فوق مستوى الصدفة‪.‬‬ ‫وفي دراسة أخرى‪ ،‬كانت اخلطوات تقريبا متشابهة‪ ،‬غير‬ ‫أن املش� � ��اركني قد سئلوا أسئلة مختلفة تتعلق بالديناميكية‬ ‫االجتماعي���ة (الس���لوك املجتمع���ي) ‪.social dynamics‬‬ ‫وحتديدا‪ ،‬ل� � ��كل مقطع ضحك‪ ،‬جرى س� � ��ؤالهم عما إذا كان‬ ‫«املرسل» (الضاحك) في حالة بدنية متوترة أم كان في حالة‬ ‫هادئة‪ ،‬وهل هو أو هي مهيمنا أم منقادا بالنسبة إلى «املتلقي»‬ ‫(الش� � ��خص موضع الدراسة)‪ ،‬في حالة سارة أم غير سارة‪،‬‬ ‫وهل هو أو هي كان ودودا أم فظا تلقاء املتلقي‪ .‬وفيما يخص‬ ‫هذه الدراس� � ��ة الثانية لم تكن هناك استجابات «صحيحة» أو‬ ‫«غير صحيحة»‪ ،‬وذلك ألن إدراك خصائص مقاطع الضحك‬ ‫املعنية تش� � ��تمل على صفات ذاتية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كما هو متوقع‪،‬‬ ‫فقد كان لكل فئة من الضحك (املرح والس� � ��خرية والش� � ��ماتة‬

‫والدغدغة) ملم� � ��ح فريد لهذه‬ ‫يبدو أن الفكاهة‬ ‫األبع� � ��اد االجتماعية األربعة‪.‬‬ ‫(التن ُّدر) لدى البشر وه� � ��ذا يعني أن املش� � ��اركني‬ ‫توظف شبكات‬ ‫اس� � ��تخدموا ه� � ��ذه األصوات‬ ‫تف ّكرية ال تتقاسمها الستنتاج معلومات اجتماعية‬ ‫مح� � ��ددة فيما يخص املواقف‬ ‫األنواع األخرى‪.‬‬ ‫غي� � ��ر املرئي� � ��ة‪ .‬فامل� � ��رح‪ ،‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬استدعى احلكم‬ ‫عليه بأنه قليل االس� � ��تثارة ومس� � ��تكني وإيجابي التكافؤ على‬ ‫كال اجلانبني‪ .‬وضحكة الس� � ��خرية قد برزت بوضوح‪ :‬كانت‬ ‫مهيمنة للغاية كما أنها كان� � ��ت الصوت الوحيد الذي اعتبره‬ ‫املشاركون ذا تكافؤ سلبي موجه للمتلقي‪.‬‬ ‫وق� � ��د كان تص� � ��ور املش� � ��اركني لضحكة الش� � ��ماتة مثيرا‬ ‫لالهتم� � ��ام‪ .‬فقد ُس� � ��مع كما لو كان مهيمنا‪ ،‬غي� � ��ر أنه لم يكن‬ ‫كالس� � ��خرية؛ واألشخاص الذين ش� � ��اركوا في هذه الضحكة‬ ‫اع ُتب� � ��روا في حالة إيجابية أكثر م� � ��ن أولئك أصحاب ضحكة‬ ‫الس� � ��خرية وأقل من هؤالء أصحاب ضحكة الدغدغة‪ .‬وكانت‬ ‫ص ِّنفت من قِ بل املتلقي بأنها ليست فظة‬ ‫ضحكة الش� � ��ماتة قد ُ‬ ‫وال ودودة ولكنها كانت محايدة‪ .‬ووفقا للباحثني‪ ،‬الذين كانت‬ ‫تفس� � ��يراتهم لهذه البيانات مرة أخرى مس� � ��توحاة من منطق‬ ‫تطوري‪« :‬ضحكة الش� � ��ماتة رمبا متث� � ��ل أداة دقيقة (ومحتملة‬ ‫مجتمعيا) للسيطرة على املس� � ��تمع دون عزله في الوقت ذاته‬ ‫عن سياق املجموعة‪».‬‬ ‫وأود االعتقاد بأنني كنت أش� � ��اهد مرحا بريئا نقيا في‬ ‫املل���ك ‪ King‬طيلة تلك الس� � ��نوات الفائت� � ��ة‪ ،‬غير أن دماغي‬ ‫بالطبع لم يصمم حلل انفعاالت بعينها لدى الغوريال‪ .‬ومنذ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أن كان يضح� � ��ك‪ ،‬فيم� � ��ا يبدو‪ ،‬عل� � ��ى >‪ .E‬دي جينيريس<‬ ‫بينما كان يش� � ��اهدها في التلفاز من قفصه؛ فإن اثنني هو‬ ‫حجم ع ّينة صغير‪ ،‬إني أدرك ذلك‪ ،‬لكنه رمبا يجد الكائنات‬ ‫البشرية املثلية اجلنس‪ ,‬بصفة خاصة‪ ,‬مضحكة‪ .‬وعلى أية‬ ‫أصبحت فرحا بدراس� � ��ة تطور الفرح‪ .‬وميكنني‬ ‫حال‪ ،‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫هنا الق� � ��ول إن بيانات اجلرذان هذه جعلتن� � ��ي أفكر جد ّيا‬ ‫ف� � ��ي العودة إلى س� � ��ابق عهدي حيث كن� � ��ت نباتيا ‪ -‬وليس‬ ‫يعني ذلك أنني أتناول اجلرذان على العشاء‪ ،‬بالطبع‪ ،‬ولكن‬ ‫احليوانات الضاحكة أوح� � ��ت بإمكانية معاناتها على نحو‬ ‫>‬ ‫غير عادي وغير مريح‪ ،‬في ذهني ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ممثلة كوميدية أمريكية لها عدة أفالم وبرامج تلفازية‪ ,‬ولدت في ‪.1958/1/26‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫‪Scientific American, July 2012‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪49‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫في انتظار االنفجار‬

‫( )‬

‫نتيجة لتحضير ڤيروسات إنفلونزا طيورٍ لديها اإلمكانية‬ ‫لالنتشار بسهولة بني البشر‪ ،‬أثار الباحثون جداال بشأن‬ ‫احلاجة إلى األمان في مقابل احلاجة إلى البحث املنفتح‪.‬‬ ‫>‪ .F‬وتيرل<‬

‫كـانـت الدجاجات قد ش� � ��رعت ُتصاب باملرض عندما وصل‬ ‫>‪ .Y‬كاواوكا<(‪ )1‬إلى الواليات املتحدة في الش� � ��هر ‪ .1983/8‬فقبل‬ ‫عدة أشهر من ذلك‪ ،‬أي في الشهر ‪ ،1983/4‬كان ڤيروس إنفلونزا‬ ‫طيور قد ظهر في املداجن املوجودة في شرق بنسيلڤانيا‪ ،‬ولكن‬ ‫األطب� � ��اء البيطريني اعتب� � ��روه «ضعيف اإلم���راض»(‪ :)2‬قاصدين‬ ‫بذل� � ��ك أنه يصيب الدج� � ��اج باملرض‪ ،‬لكنه ال ميي� � ��ت عددا كبيرا‬ ‫منهم‪ .‬ولك� � ��ن مع اجتياح الڤي� � ��روس املداجن‪ ،‬تط َّورت س� �ل��الة‬ ‫جديدة‪ .‬ب� � ��دأت الدجاجات تنفق بأعداد كبي� � ��رة‪ ،‬وبدأ أصحاب‬ ‫�لطات‬ ‫املداجن يخافون من فقدان مصدر رزقهم‪ .‬فقد أبلغت س� � � ُ‬ ‫الوالية وزار َة الزراعة األمريكية باحلالة‪ ،‬فقامت األخيرة بإنشاء‬ ‫مركز قي� � ��ادة ومراقبة مؤقت في مبان متج� � ��اورة ملجمع جتاري‬ ‫خارج النكستر‪ .‬ومن أجل احتواء الوباء‪ ،‬قاموا بانتقاء ‪ 17‬مليون‬ ‫طائر امتدادا من بنسيلڤانيا وصوال إلى ڤيرجينيا‪.‬‬ ‫كان <كاواوكا> باحث� � ��ا ش� � ��ابا من اليابان ق� � ��د بدأ بالعمل‬ ‫في مستش� � ��فى س� � ��انت جود لألبحاث املتع ِّلق� � ��ة باألطفال في‬ ‫ميمفيس‪ .‬وكان لدى رئيس� � ��ه في العمل >‪ .R‬ويبس� � ��تر< [عالم‬ ‫الڤيروس� � ��ات] نظرية مفادها أن ڤيروسات اإلنفلونزا البشرية‬ ‫تنشأ في مجتمعات الطيور؛ وأنها تتنقَّل ضمن البط واإلوز من‬ ‫دون إحداث أذية‪ ،‬ولك ْن من حني إلى آخر تط ِّور س� �ل��ال ٌة معينة‬

‫القدر َة على العيش في الطرق التنفس� � ��ية العلوية للبشر‪ .‬فمن‬ ‫أجل مكافحة اإلنفلونزا البش� � ��رية‪ ،‬كان >ويبس� � ��تر< يؤكِّد على‬ ‫أنه في البدء يتعني علينا فهم إنفلونزا الطيور‪ .‬وعندما س� � ��مع‬ ‫>ويبس� � ��تر< في الشهر ‪ 1983/11‬عن الوباء الذي صار خطيرا‪،‬‬ ‫وتوجه نحو مركز احلدث‪.‬‬ ‫ترك كلَّ ما كان يفعله‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تفشي األزمة‪،‬‬ ‫بقي >كاواوكا< في اخلطوط اخللفية‪ ،‬يراقب ّ‬ ‫وهو قابع خل� � ��ف حاجب الهواء في املختب� � ��ر اخلاص بالعزل‬ ‫احليوي في مش� � ��فى ميمفيس‪ .‬وقام بأخذ ع ّينات أرسلت إليه‬ ‫من احلقول‪ ،‬واس� � ��تخلص الڤيروس منه� � ��ا وزرعه‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫اس� � ��تخدمه لنقل اخلمج(‪ )3‬إلى دجاجات وضعها في أقفاص‬ ‫متجاورة‪ ،‬وشرع في انتظار ما سوف يحدث‪ .‬وكانت النتيجة‬ ‫الت� � ��ي وجده� � ��ا مزعجة له‪ :‬لق� � ��د نفقت جمي� � ��ع الدجاجات بال‬ ‫اس� � ��تثناء‪ ،‬أي أنّ نس� � ��بة الوفيات كانت ‪ .%100‬وعند تشريح‬ ‫اجلثث‪ ،‬تبينَّ له أنّ الڤيروس كان ممُ ْ رضا بطريقة عنيفة‪ ،‬حيث‬ ‫هاجم جميع األعضاء تقريبا؛ بش� � ��كل يش� � ��به ما تفعله للبشر‬ ‫بعض سالالت الڤيروس إيبوال ‪. ebola‬‬ ‫( ) ‪WAITING TO EXPLODE‬‬

‫(‪)1‬‬

‫‪ Y. Kawaoka‬عالم وخبير عاملي في حقل اإلنفلونزا وغيرها من األمراض املعدية‪.‬‬

‫(‪"low pathogenic" )2‬‬ ‫(‪infected chickens )3‬‬ ‫(‪infected )4‬‬

‫(التحرير)‬

‫باختصار‬ ‫إن الطيور هي مستودع طبيعي لڤيروسات إنفلونزا ميكنها في بعض‬ ‫األحيان االنتقال إلى البشر‪ .‬وقد س َّببت سالالت الڤيروس ‪ H5N1‬القلق‬ ‫بش� � ��كل خاص لبعض علماء الڤيروسات‪ ،‬ألن نس� � ��بة الوفيات ميكن أن‬ ‫تكون مرتفعة بني األشخاص القالئل الذين يصابون باخلمج(‪ )4‬الناجم‬ ‫التماس املباشر مع الطيور‪.‬‬ ‫عنها الذي يتم بشكل رئيسي عن طريق‬ ‫ّ‬ ‫وبعد هجمات احلادي عشر من الشهر ‪ ،2001/9‬ارتفع اإلنفاق على الدفاع‬ ‫احليوي بش� � ��كل هائل‪ ،‬مما قاد إلى أبحاث حديثة على سالالت من الڤيروس‬ ‫‪50‬‬

‫‪ H5N1‬مت صنعها في املختبرات ولديها القدرة على االنتقال بني الثدييات‪.‬‬ ‫وق� � ��د أدى هذا العمل إلى نش� � ��وء جدال بني خب� � ��راء الدفاع احليوي‬ ‫الذين رأوا أن س� �ل��االت الڤيروس ‪ H5N1‬اجلديدة من احملتمل أن تكون‬ ‫خطي� � ��رة وأرادوا أن يضع� � ��وا قيودا على األبحاث‪ ،‬وب� �ي��ن العلماء الذين‬ ‫رأوا أن األبحاث القائمة على العوامل املمرضة اخلطيرة مهمة من أجل‬ ‫حتسني مراقبة األوبئة الطبيعية‪ ،‬وأن الضرر من عرقلة مثل هذه األعمال‬ ‫سيجاوز الفائدة منه‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫وف� � ��ي األش� � ��هر الت� � ��ي تلت‬ ‫األزم� � ��ة‪ ،‬ح� � ��اول >كاواوكا< أن‬ ‫يعلّل ملاذا كانت ساللة الشهر ‪4‬‬ ‫من الڤيروس ضعيفة للغاية‪ ،‬في‬ ‫حني كانت الساللة التي تط َّورت‬ ‫إليها مع حلول الشهر ‪ 11‬مميتة‬ ‫إلى ح ّد بعي� � ��د‪ .‬وق ّرر أن يقارن‬ ‫ما بني الس� �ل��التني‪ .‬وحس� � ��بما‬ ‫اكتش� � ��ف‪ ،‬كان الف� � ��ارق بينهما‬ ‫ناجم� � ��ا ع� � ��ن تغ ّي� � ��رات ضئيلة‬ ‫نس� � ��بيا ف� � ��ي الڤي� � ��روس‪ .‬وقد‬ ‫صرح >كاواوكا< لي في مقابلة‬ ‫َّ‬ ‫أجريته� � ��ا معه ع� � ��ام ‪ 2010‬بأنه‬ ‫«ما يخبرك به هذا األمر هو أنّ‬ ‫ڤيروسا ش� � ��ديد اإلمراض تولَّد‬ ‫ع� � ��ن طفرة وحي� � ��دة‪ .‬وهذا يدلّك‬ ‫على وج� � ��ود كثير م� � ��ن املنابع‬ ‫لڤيروس� � ��ات إنفلونزا ش� � ��ديدة‬ ‫اإلم� � ��راض‪ .‬فهي جميعها هناك‬ ‫داخل الطيور‪».‬‬ ‫وص� � ��ل >كاواوكا< بع� � ��د ما‬ ‫اختبره إلى قناعة بوجود حاجة‬ ‫ملح� � ��ة إل� � ��ى أن يق� � ��وم العلماء‬ ‫باكتش� � ��اف الكيفية التي ميكن‬ ‫تسبب‬ ‫إلنفلونزا الطيور بها أن ِّ‬ ‫املتاعب للبشر؛ إذ من األفضل‬ ‫أن يت � � � ّم تبينّ ه� � ��ذا األمر باكرا‬ ‫وأن يت � � � ّم حتضي� � ��ر عالج� � ��ات‬ ‫ولقاحات ف ّعالة ضده‪ .‬وبش� � ��كل‬ ‫�اص‪ ،‬كان يري� � ��د أن يعرف‬ ‫خ� � � ّ‬ ‫م� � ��ا إذا كان ڤيروس طيور قاتل‬ ‫مماثل للڤيروس الذي ّ‬ ‫تفش� � ��ى‬ ‫ف� � ��ي املداجن ع� � ��ام ‪ 1983‬ميكن‬ ‫أن يتح َّول إل� � ��ى مرض يصيب‬ ‫البشر‪ .‬وفي حال حصول ذلك‪ ،‬ما هي سلسلة الكود اجليني‬ ‫‪ genetic code‬التي يجب على الڤيروس أن يكتسبها؟‬ ‫حص� � ��ل >كاواوكا< على جواب لس� � ��ؤاله بع� � ��د مرور نحو‬ ‫ثالثة عق� � ��ود من الزمن‪ .‬لقد أخذ ڤيروس� � ��ا طيريا ‪ -‬من النمط‬ ‫‪ - H5N1‬يعي� � ��ش داخل الطيور‪ ،‬وق� � ��ام بجمعه مع الڤيروس من‬ ‫النمط ‪ H1N1‬املس� � ��ؤول عن جائحة عام ‪ .2009‬وبعد ذلك اختبر‬

‫الڤيروس الهجني على احليوان املدعو ابن مقرض(‪( )1‬وهو بديل‬ ‫عن البش� � ��ر شائع االس� � ��تعمال في األبحاث)‪ ،‬ووجد أنه ينتشر‬ ‫بسهولة بواسطة القطيرات احملمولة بالهواء‪ .‬وبهذه النتيجة‪ ،‬لم‬ ‫ت ُعد نظرية أن ڤيروس اإلنفلونزا ‪ H5N1‬يستطيع أن يصبح عامال‬ ‫(‪ferret )1‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪51‬‬


‫ممرضا للبش� � ��ر مج َّرد افتراض‪ .‬فإذا كان هو قد استطاع فعل‬ ‫هذا األمر في املختبر‪ ،‬فإن الطبيعة قادرة على ذلك أيضا‪.‬‬ ‫ق � � � ّدم >كاواوكا< ورقة بحثه إلى مجلة نيتش���ر(‪ Nature )1‬التي‬ ‫أرس� � ��لته إل� � ��ى بعض زمالئه م� � ��ن أجل مراجعته‪ ،‬وه� � ��و اإلجراء‬ ‫االعتي� � ��ادي في ه� � ��ذه احلاالت‪ .‬وقام أيضا >‪ .R‬فوش� � ��يير< [عالم‬ ‫الڤيروس� � ��ات من مركز إيراس� � ��موس الطبي في روتردام] بشكل‬ ‫مس� � ��تقل بتحضير ڤي� � ��روس ‪ H5N1‬لديه إمكاني� � ��ة االنتقال إلى‬ ‫وقدم ورقة بحثه إلى‬ ‫البش� � ��ر‪ ،‬واختبره على حيوان ابن مقرض؛ َّ‬ ‫مجلة س� � ��اينس ‪ .Science‬وحدث في وقت من األوقات أن ترامت‬ ‫إلى سمع البيت األبيض ماهية هذه الدراسات‪ ،‬فمع حلول الشهر‬ ‫‪ 2011/12‬كان موظفو األمن احليوي ميارسون الضغوط من أجل‬ ‫تأجيل نشرها ومن أجل فرض تعليق رسمي لهذه األبحاث‪.‬‬ ‫وم� � ��ا أقلق خبراء األمن احلي� � ��وي (البيولوجي) هو أنه من‬ ‫احملتمل ألحد هذه الڤيروسات أن يستطيع أن يفعل بالبشر ما‬ ‫فعله ڤيروس عام ‪ 1983‬بالدجاج‪ .‬وفي مثل هذه احلالة‪ ،‬ميكن‬ ‫لألبحاث أن تقوم مقام مخطَّ ط عمل لسالح بيولوجي‪ .‬أو رمبا‬ ‫يستطيع الڤيروس نفسه أن يهرب من املختبر عن طريق عامل‬ ‫تصيبه العدوى به من غير قصد‪ .‬وفي األش� � ��هر التالية لتقدمي‬ ‫ورق� � ��ات األبحاث‪ ،‬انخرط العلماء في جدال علني ‪ -‬وفي كثير‬ ‫م� � ��ن األحيان صاخب ‪ -‬الواحد ض� � ��د اآلخر حول إمكانية أن‬ ‫تكون الڤيروس� � ��ات اجلديدة مميتة؛ وحول نوعية القيود ‪ -‬إذا‬ ‫افترضنا لزوم وجودها ‪ -‬التي يجب تطبيقها على العمل على‬ ‫ڤيروس� � ��ات اإلنفلونزا ‪ .H5N1‬فاملمارس� � ��ة العلمية التي تزدهر‬ ‫مع التدفق احل ّر للمعلومات ونزوع العلماء إلى اتباع فضولهم‬ ‫أينما أخذهم‪ ،‬اصطدمت باحلاجة إلى احلفاظ على الناس في‬ ‫مأمن من عامل ممرض ميكن جدال أن ُيعت َبر س� �ل��احا محتمال‬ ‫من أس� � ��لحة الدمار الش� � ��امل مياثل األسلحة النووية في فتكه‬ ‫وفي صعوبة السيطرة عليه‪.‬‬ ‫التهديد الطبيعي‬

‫( )‬

‫إن أول حالة مس� � � ّ�جلة لـ «طاع� � ��ون الطيور» في املداجن حدثت‬ ‫في األرياف بشمال إيطاليا عام ‪ .1878‬وقد ظ ّنوه حينئذ شكال‬ ‫خاصا شديد الفوعة(‪ )2‬من الكوليرا‪ .‬وفي عام ‪َ 1901‬ث ُبت لدى‬ ‫العلماء عزوه إلى نوع ما من الڤيروسات‪ .‬وفي عام ‪ 1955‬تبينَّ‬ ‫لهم أنه ڤيروس إنفلونزا من النمط ‪ A‬ش� � ��بيه بالس� �ل��االت التي‬ ‫تخمج ‪ infect‬اإلنس� � ��ان‪ ،‬وهو األمر الذي قاد الحقا <ويبستر>‬ ‫وآخرين إلى التساؤل عن وجود نوع من العالقة بني اإلنفلونزا‬ ‫عند الطيور واألوبئة عند البشر‪.‬‬ ‫إن اإلحس� � ��اس الباطني لـ<ويبس� � ��تر> عن كون الطيور‬ ‫خزانا لطالئع الڤيروسات البشرية هو حاليا الرأي احلكيم‬ ‫‪52‬‬

‫املتعارف‪ .‬وحتمل الطيور الب ّرية ِمثْلَ هذه الڤيروسات معها‬ ‫ضم� � ��ن أجهزته� � ��ا الهضمية م� � ��ن دون أن ُتصاب باملرض‪،‬‬ ‫وتنق� � ��ل الڤي� � ��روس إلى اآلخرين ع� � ��ن طريق الب� � ��راز‪ .‬فإذا‬ ‫أصيب� � ��ت دجاجة في مدجنة ما بخمج ناجم عن طائر ب ّري‪،‬‬ ‫فإن الڤي� � ��روس ميكن أن يحصل على ف� � ��رص للتفاعل مع‬ ‫العديد من الڤيروس� � ��ات اإلضافية عبر التماس القريب مع‬ ‫اخلنازي� � ��ر وغيرها من احليوانات‪ .‬وه� � ��ذا ما حدث بالفعل‬ ‫في أس� � ��واق بيع احليوانات احل ّية وفي املزارع املنزلية في‬ ‫الصني وجنوب آس� � ��يا‪ .‬ولدى ڤيروس� � ��ات اإلنفلونزا سمعة‬ ‫س� � ��يئة بخصوص قدرتها على التغ ّير من خالل اجلمع بني‬ ‫الطفرات و«إعادة الترتي���ب»(‪)3‬؛ واملقصود بالتعبير األخير‬ ‫اس� � ��تعارة جينات من ڤيروس� � ��ات أخرى‪ .‬وت� � ��ؤدي املزارع‬ ‫املفتوحة دور مؤمتر للڤيروس� � ��ات‪ ،‬حيث تتبادل السالالت‬ ‫املختلفة مادتها اجلينية مثلما يتبادل احلاضرون في مؤمتر‬ ‫ما بطاقات أعمالهم‪.‬‬ ‫وفي العقود املاضي� � ��ة األخيرة‪ ,‬تركَّز قلق االختصاصيني‬ ‫بالڤيروس� � ��ات على س� �ل��االت ‪ H5N1‬التي تتج َّول في املزارع‬ ‫اآلس� � ��يوية‪ .‬فڤيروس� � ��ات اإلنفلونزا من النمط ‪ A‬يتم تصنيفها‬ ‫الراص����ة لل����دم(‪ )4‬وخمائر‬ ‫ّ‬ ‫بواس� � ��طة بروتيناته� � ��ا الس� � ��طحية‬ ‫النيوراميني����داز(‪)5‬؛ وهذا ما يع ّبر عن� � ��ه حرفا «‪ »H‬و«‪ »N‬في‬ ‫تس� � ��مية األمناط املختلفة‪( .‬ڤيروس ع� � ��ام ‪ 1983‬كان ‪.)H5N2‬‬ ‫وإذا كان باإلمكان القول إن ڤيروس� � ��ا ما لديه شخصية‪ ،‬لقلنا‬ ‫إن الڤيروس ‪ H5N1‬يبدو ذا ش� � ��خصية هائجة ويصعب التنبؤ‬ ‫بتصرفاتها‪ .‬فعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬كان ُيعت َقد أن هذا الڤيروس‬ ‫س� � ��ليم الس� � ��لوك في احليوانات الب ّرية‪ ،‬ولك� � ��ن في عام ‪2005‬‬ ‫ُوجدت آالف من طيور البط واإلوز والنورس والغاق نافقة في‬ ‫بحيرة ش� � ��ينگهاي في وس� � ��ط الصني‪ ،‬وقد ُقتلت على ما يبدو‬ ‫بواس� � ��طة الڤيروس ‪ .H5N1‬وفي العقد األخير قتل الڤيروس‬ ‫‪ H5N1‬عددا من حيوانات الزب� � ��اد في ڤيتنام ومن النمور في‬ ‫حديقة حيوان تايالندية‪.‬‬ ‫أ ّدى ذلك الڤيروس إلى وفيات بشرية أيضا‪ .‬فخالل الوباء‬ ‫صبي‬ ‫تفش� � ��ى بني الدواجن في آس� � ��يا عام ‪ ،1997‬كان‬ ‫الذي َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫عمره ثالث س� � ��نوات ف� � ��ي هونغ كونغ أول حال� � ��ة معروفة من‬ ‫الوفيات يس� � ��ببه بني البش� � ��ر‪ .‬ومع حلول نهاية ذلك العام كان‬ ‫مجموع عدد الوفيات قد بلغ س� � ��تة‪ .‬ومن أجل احتواء الوباء‪،‬‬ ‫قامت الس� � ��لطات في الصني وفي الدول املجاورة باإلشراف‬ ‫( ) ‪The Natural Threat‬‬

‫(‪ )1‬إن مجلة «ساينتفيك أمريكان» هي واحدة من مجموعة النشر «نيتشر»‬ ‫(‪virulent )2‬‬ ‫(‪“reassortment” )3‬‬ ‫(‪hemagglutinin )4‬‬ ‫(‪neuraminidase )5‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫”‪‟Nature‬‬


‫عل� � ��ى انتقاء وقتل ماليني من الطيور‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬عاد الڤيروس‬ ‫إل� � ��ى الظهور من جديد ف� � ��ي عام ‪ 2004‬ف� � ��ي تايالند وڤيتنام‬ ‫والصني وإندونيسيا‪.‬‬ ‫ومع أخذ جميع احلاالت باحلس� � ��بان‪ ،‬توفي نحو ‪350‬‬ ‫شخصا بسبب الڤيروس ‪ ،H5N1‬وكان معظم احلاالت بسبب‬ ‫�اس مع الطيور‪ .‬والعدد املطل� � ��ق للوفيات ليس مرتفعا‪،‬‬ ‫التم� � � ّ‬ ‫ولكن نس� � ��بة الوفيات عند اإلصابة بالڤيروس تبلغ ‪ -‬حسب‬ ‫تقديرات منظم� � ��ة الصحة العاملية ‪ -‬نحو ‪ .%60‬وفي املقابل‬ ‫ل� � ��دى ڤيروس إنفلونزا عام ‪ 1918‬الذي قتل ما بني ‪ 20‬مليون‬ ‫إلى ‪ 50‬مليون ش� � ��خص نس� � ��بة وفيات تعادل نحو ‪ %2‬فقط‪.‬‬ ‫ومنذ ظهور ورقتي بحث >كاواوكا< و>فوش� � ��يير< في خريف‬ ‫عام ‪ ،2011‬صارت النسبة الفعلية للوفيات بسبب الڤيروس‬ ‫‪ H5N1‬موضوع جدال شديد‪ .‬فبعض العلماء ‪ -‬على رأسهم‬ ‫>‪ .P‬باليس< أستاذ األمراض اإلنتانية ورئيس قسم األحياء‬ ‫الدقيقة في كلية ماونت س� � ��يناي للطب البشري ‪ -‬يرون أن‬ ‫هناك حاالت إصابة خفيفة بالڤيروس ‪ H5N1‬م َّرت من دون‬ ‫اإلعالن عنها أو لم يتم تس� � ��جيلها ف� � ��ي االختبارات‪ ،‬وهذا‬ ‫م� � ��ا رفع نس� � ��بة الوفيات بش� � ��كل مصطنع‪ .‬ف� � ��ي حني يرى‬ ‫علم� � ��اء آخرون أن هناك وفيات بس� � ��بب الڤيروس ‪ H5N1‬لم‬ ‫يت� � ��م التبليغ عنه� � ��ا‪ ،‬األمر الذي قد ينجم عنه ظهور نس� � ��بة‬ ‫وفيات أق� � ��ل مما هي عليه في الواقع الفعلي‪ .‬كانت نس� � ��بة‬ ‫الوفيات التي أعلن عنها >كاواوكا< و>فوشيير< عند حيوان‬ ‫ابن مقرض لإلصابة بڤيروساتهم املصنوعة في املختبر هي‬ ‫نس� � ��بة منخفضة‪ .‬ولكن مهما كان اخلطر الذي ميكن أو ال‬ ‫ميكن لهذه الڤيروس� � ��ات بال� � ��ذات أن مت ّثله‪ ،‬فإن حقيقة كون‬ ‫الڤيروس ‪ُ H5N1‬يحت َمل أن يس� � ��تطيع االنتشار بسهولة بني‬ ‫خبر ليس جيدا‪.‬‬ ‫البشر هي ٌ‬ ‫في الشهر ‪ 2001/9‬ش َّقت اجلمرة اخلبيثة التي اس ُتخدِ مت‬ ‫كسالح على شكل بودرة بيضاء دقيقة طري َقها إلى داخل بريد‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬فس � � � َّببت مقتل خمسة أشخاص‪ ،‬وأرهبت‬ ‫أمة س� � ��بق لها أن أصيبت بالفزع بسبب هجمات ‪2001/9/11‬‬ ‫على مركز التجارة العاملي والبنتاگون‪ .‬فارتفع اإلنفاق على‬ ‫الدفاع احليوي بشكل هائل‪ .‬ومنذ عام ‪ 2001‬أنفقت حكومة‬ ‫الوالي� � ��ات املتح� � ��دة أكثر من ‪ 60‬بلي� � ��ون دوالر على التخزين‬ ‫وترصد األمراض واألبحاث األساسية‬ ‫االحتياطي للقاحات‬ ‫ّ‬ ‫ف� � ��ي مجال العوامل التي ميكن أن تكون أس� � ��لحة بيولوجية؛‬ ‫للتحس� � ��س‬ ‫مب� � ��ا فيه� � ��ا اإلنفلونزا‪ .‬وقد ق� � ��ام املعهد الوطني‬ ‫ّ‬ ‫واألم� � ��راض اإلنتاني� � ��ة )‪ - (NIAID‬وه� � ��و املص� � ��در الرئيس‬ ‫املخصصة‬ ‫للتموي� � ��ل في الواليات املتحدة ‪ -‬برف� � ��ع ميزانيته‬ ‫َّ‬ ‫ألبحاث اإلنفلونزا مبقدار ثالثة أضعاف تقريبا في الس� � ��نة‬

‫املالي� � ��ة لعام ‪2003‬؛ من ‪ 17‬مليون دوالر إلى ‪ 50‬مليون دوالر‪،‬‬ ‫وق� � ��ام مبضاعفتها مرة أخرى إلى ‪ 100‬مليون دوالر في عام‬ ‫‪ .2004‬وفي عام ‪ 2009‬بلغ التمويل ذروته حيث وصل إلى ما‬ ‫يقارب ‪ 300‬مليون دوالر‪ ،‬وبعد ذلك هبط مبقدار ضئيل‪ .‬كان‬ ‫>كاواوكا< أحد املتل ّقني لقس� � � ٍ�م من هذا الس� � ��خاء‪ .‬فمنذ عام‬ ‫‪ 2006‬تلقّى نحو ‪ 500‬ألف دوالر في السنة من املعهد الوطني‬ ‫‪ NIAID‬من أجل البحث على «القدرة الكامنة عند ڤيروسات‬ ‫اإلنفلونزا ‪ H5N1‬إلحداث جائحة»‪ ،‬وذلك حس� � ��ب ما ورد في‬ ‫موقع املعاهد الوطنية للصحة على شبكة اإلنترنت‪ .‬وحصل‬ ‫>فوشيير< على متويله من مجموعة پاليس في ماونت سيناي‬ ‫الذي� � ��ن وقعوا معه عقدا فرعيا م� � ��ن منحة حصلوا عليها من‬ ‫املعهد الوطني ‪ .NIAID‬لقد أحدث مختبر >فوشيير< طفرات‬ ‫ف� � ��ي ڤيروس م� � ��ن النمط ‪ H5N1‬م� � ��ن أجل حتفي� � ��ز إمكانية‬ ‫االنتق� � ��ال‪ ،‬ثم أدخل الڤيروس إلى حي� � ��وان ابن مقرض إلى‬ ‫أن أصبح ينتش� � ��ر بني هذه احليوانات بواس� � ��طة القطيرات‬ ‫احملمول� � ��ة باله� � ��واء‪ .‬كذلك ف� � ��إن مراكز مكافح� � ��ة األمراض‬ ‫والوقاي� � ��ة منها كانت لديها هي أيضا مجموعة الس� � ��تقصاء‬ ‫س� � ��راية الڤيروس� � ��ات ‪ ،H5N1‬ولكنها لم حتقق النجاح الذي‬ ‫ح َّققته مجموعتا >كاواوكا< و>فوشيير<‪.‬‬ ‫السالح‬

‫( )‬

‫وم� � ��ن ناحية ثانية‪ ،‬في الس� � ��نوات التي تلت التاس� � ��ع من‬ ‫الشهر ‪ 2001/9‬طغى االهتمام باجلدري كسالح بيولوجي‬ ‫ُمحت َم� � ��ل على ذلك املتعل� � ��ق باإلنفلونزا‪ .‬فڤيروس اجلدري‬ ‫يسبب هذا املرض يقتل واحدا من كل ثالثة ُيصابون‬ ‫الذي ِّ‬ ‫به‪ ،‬كما يستمر بالوجود ملدة سنوات لدى حاملي املرض‪.‬‬ ‫لق� � ��د س� � ��بق أن مت اإلعالن في ع� � ��ام ‪ 1979‬ع� � ��ن اجتثاث‬ ‫ذلك املرض‪ .‬ومع أنه ال توجد منه رس� � ��ميا س� � ��وى ع ّينتني‬ ‫محفوظتني ضمن احلجز وحتت احلراسة في أتالنتا وفي‬ ‫كولتسوڤو في روسيا‪ ،‬إال أن هناك شائعات مستمرة عن‬ ‫وجود ع ّينات أخرى غير ش� � ��رعية‪ .‬وكاستجابة للمخاوف‬ ‫املتصاع� � ��دة بع� � ��د هجم� � ��ات ‪ ،2001/9/11‬قام� � ��ت الواليات‬ ‫املتح� � ��دة بالتخزين االحتياطي لنح� � ��و ‪ 300‬ألف جرعة من‬ ‫لق� � ��اح اجلدري‪ ،‬وه� � ��ي موضوعة في الوق� � ��ت احلالي في‬ ‫مستودعات سرية منتشرة عبر البالد‪.‬‬ ‫لقد ظهرت اإلنفلونزا على الئحة األس� � ��لحة البيولوجية‬ ‫في عام ‪ ،2005‬لكن موظفي األمن احليوي م ّروا عليها مرور‬ ‫الكرام‪ .‬وكان العلماء قد جنحوا في إعادة إنش� � ��اء ڤيروس‬ ‫اإلنفلونزا املس� � ��ؤول عن جائحة ع� � ��ام ‪ ،1918‬وذلك اعتبارا‬ ‫( ) ‪The Weapon‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪53‬‬


‫‪700‬‬

‫‪600‬‬ ‫‪500‬‬ ‫‪400‬‬ ‫‪300‬‬ ‫‪200‬‬ ‫‪100‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2012‬‬

‫‪2012‬‬

‫‪2011‬‬

‫‪2011-2012‬‬

‫‪2009‬‬

‫‪2010‬‬

‫سياسة عامة‬

‫موظفو األمن احليوي‬ ‫يوصون مبنع نشر‬ ‫تفاصيل األبحاث عن‬ ‫سراية الڤيروسات‬ ‫‪ H5N1‬في الثدييات‪،‬‬ ‫ويعطون الحقا اإلذن‬ ‫باملتابعة‪.‬‬

‫‪2007/5‬‬

‫‪2009‬‬

‫جائحة‬

‫جائحة إنفلونزا‬ ‫بالڤيروس ‪H1N1‬‬ ‫تقتل نحو ‪18 500‬‬ ‫شخص بني الشهر‬ ‫‪ 2009/4‬والشهر‬ ‫‪.2010/8‬‬

‫‪2007‬‬

‫‪2008‬‬

‫سياسة عامة‬

‫االجتماع‬ ‫الصحي العاملي‬ ‫ّ‬ ‫ملنظمة الصحة‬ ‫العاملية يصدر‬ ‫قرارا عن أهمية‬ ‫التشارك الدولي‬ ‫في ڤيروسات‬ ‫اإلنفلونزا‪.‬‬

‫‪2006/3‬‬

‫وجدت مجموعتا‬ ‫بحث أن ڤيروسات‬ ‫الطيور متيل‬ ‫إلى أن ترتبط‬ ‫بجزيئات تقع‬ ‫عميقا في الرئتني‪،‬‬ ‫وليس في األنف‬ ‫أو احلنجرة‪،‬‬ ‫وهذا ميكن أن‬ ‫يفسر ل َم ليس‬ ‫ِّ‬ ‫الڤيروس ‪H5N1‬‬ ‫ساريا بسهولة بني‬ ‫البشر‪.‬‬

‫من العينات النس� � ��يجية للبقايا البشرية التي كانت مج َّمدة‬ ‫في جليد القطب الشمالي‪ .‬إذ تباحث املجلس االستشاري‬ ‫العلمي الوطني لألمن احليوي )‪ (NSABB‬وق َّرر أن الفوائد‬ ‫التي يجنيه� � ��ا العلم والصحة العامة تفوق املخاطر األمنية‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن >‪ .P‬كامي< [الرئيس احلالي للمجلس االستش� � ��اري‬ ‫العلم� � ��ي الوطني لألمن احليوي] وصف هذا القرار مؤخرا‬ ‫بأن� � ��ه «غلطة»‪ .‬فقد أثار ڤيروس جائح� � ��ة عام ‪ – 2009‬وهو‬ ‫ڤيروس من النمط ‪ H1N1‬ذو إمراضية منخفضة ‪ -‬النقاش‬ ‫ح� � ��ول املوضوع نتيجة إحداثه مناع� � ��ة (على األقل جزئية)‬ ‫جتاه ڤيروس عام ‪ 1918‬في غالبية س� � ��كان العالم‪ .‬وباعتبار‬ ‫أن النمط ‪ H5N1‬جديد بالنسبة إلى اجلهاز املناعي البشري‪،‬‬ ‫فليست هناك مقاومة طبيعية له‪.‬‬ ‫وفي الوقت احلالي‪ُ ،‬يعتبر بعض خبراء الدفاع أن الڤيروسات‬ ‫‪ H5N1‬التي صنعها مختبرا >كاواوكا< و>فوشيير<‪ ،‬ميكن أن‬ ‫تكون أش� � ��د خطورة من اجلدري‪ .‬فڤيروسات اإلنفلونزا ُمعدية‬ ‫أكثر من ڤيروس اجلدري‪ ،‬وتتحرك بسرعة أكبر عبر التجمعات‬ ‫السكانية البشرية‪ ،‬وهذا يعطي موظفي الصحة العامة وقتا أقل‬ ‫‪54‬‬

‫‪H5N1‬‬

‫‪2006‬‬

‫‪2005/10‬‬

‫‪H5N1‬‬

‫من خالل إعادة‬ ‫إنشاء املادة‬ ‫اجلينية املج‪........‬‬ ‫لوبة من ضحية‬ ‫متجمِّ دة إلنفلونزا‬ ‫عام ‪ ،1918‬اقترح‬ ‫العلماء أن‬ ‫الڤيروس نشأ أوال‬ ‫في الطيور ثم تأقلم‬ ‫الحقا مع البشر‪،‬‬ ‫وأن هناك أوجها‬ ‫متشابهة بينه وبني‬ ‫الڤيروس ‪.H5N1‬‬

‫‪2012‬‬ ‫‪2005‬‬

‫‪2005/2‬‬

‫‪2011‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2004‬‬

‫سياسة عامة‬

‫منظمة الصحة‬ ‫العاملية تو ِّفر‬ ‫النماذج البدئية‬ ‫لسالالت لقاح‬ ‫الڤيروس ‪.H5N1‬‬ ‫ومنذ ذلك احلني‬ ‫مت تطوير عدة‬ ‫لقاحات لالختبار‬ ‫السريري‪ ،‬حيث‬ ‫أعدَّت من أجل‬ ‫موظفي الصحة‬ ‫واملستجيبني‬ ‫األوائل‪.‬‬

‫‪2010‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪2003‬‬

‫الشهر‬ ‫أول بيان منشور‬ ‫عن احتمال وقوع‬ ‫انتقال بشري‬ ‫ثانوي لڤيروس‬ ‫إنفلونزا طيري‪ .‬إذ‬ ‫ُرجح بشدة كون‬ ‫ي َّ‬ ‫فتاة في تايالند‬ ‫قد قامت بتمرير‬ ‫الڤيروس إلى أمها‬ ‫في الشهر ‪.2004/9‬‬

‫‪H5N1 2005/1‬‬

‫من أجل إعداد اللقاحات والعالجات‪ .‬ويقول >‪ .M‬أوسترهولم‬ ‫[مدير مركز األبحاث والسياسة العامة لألمراض اإلنتانية في‬ ‫جامعة مينيسوتا وهو عضو في املجلس االستشاري العلمي‬ ‫الوطني لألمن احليوي]‪« :‬اإلنفلون� � ��زا هي مبثابة امللك الزعيم‬ ‫من ناحية السراية»‪ .‬فڤيروس من النمط ‪ H5N1‬ذو سراية عالية‬ ‫شاهدة لغاية‬ ‫ولديه نسبة وفيات بني البشر تقترب من الـ‪ %60‬املُ َ‬ ‫اآلن بني ضحايا إنفلونزا الطيور‪ ،‬هو فعال مشه ٌد مرعب للغاية‪.‬‬ ‫وكما أشار إليه >أوسترهولم<‪ ،‬فإن الڤيروس ‪ H5N1‬حتى وإن‬ ‫كانت إمراضيته أقل بعش� � ��رين مرة‪ ،‬س� � ��يكون مميتا أكثر من‬ ‫ڤي� � ��روس جائحة ع� � ��ام ‪ .1918‬وقد طلب املجلس االستش� � ��اري‬ ‫العلمي الوطني إلى األمن احليوي منع نش� � ��ر تفاصيل مقالتَي‬ ‫>كاواوكا< و>فوشيير< في الشهر ‪ ،2011/12‬ولكنه ُأذِ ن مبتابعة‬ ‫النشر الكامل في الشهر ‪.2012/4‬‬ ‫وهناك اتفاق عام في أوساط جماعة األمن احليوي على‬ ‫أن إنفلون� � ��زا الطيور ‪ -‬أو على وجه التحديد الڤيروس� � ��ات‬ ‫صنعت ف� � ��ي املختبر كي تصير قابلة لالنتقال‬ ‫‪ H5N1‬التي ُ‬ ‫بني الثديي� � ��ات ‪ -‬هي س� �ل��اح بيولوجي ُمح َتم� � ��ل يجب أن‬

‫<‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪9‬‬

‫‪400‬‬

‫‪700‬‬

‫‪700‬‬ ‫‪600‬‬ ‫‪700‬‬ ‫‪500‬‬ ‫‪600‬‬ ‫‪400‬‬ ‫‪500‬‬ ‫‪300‬‬

‫أشخاص‬

‫العدد التراكمي حلاالت‬

‫‪600‬‬ ‫باإلنفلونزا بني عامي ‪2011-2003‬‬ ‫اإلصابة البشرية املُثب َتة ‪700‬‬ ‫‪500‬‬ ‫عدد حاالت الڤيروس ‪600‬‬ ‫‪( H5N1‬إنفلونزا الطيور)‬ ‫‪400‬‬ ‫عدد الوفيات ‪500‬‬ ‫بسبب الڤيروس ‪H5N1‬‬ ‫‪300‬‬ ‫عدد حاالت الڤيروس ‪400H1N1‬‬ ‫(إنفلونزا اخلنازير)‬ ‫‪200‬‬ ‫عدد الوفيات ‪300‬‬ ‫بسبب الڤيروس ‪H1N1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪200‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪100‬‬


‫تاريخ اإلنفلونزا‬

‫التطور لسالح بيولوجي‬ ‫مسيرة‬ ‫ّ‬

‫( )‬

‫س��� َّببت اإلنفلونزا حدوث جائحات منذ فترة طويلة‪ ،‬ولكن إنفلونزا الطيور ‪ H5N1‬لم ت ُكن قادرة على االنتش���ار بس���هولة‬ ‫من إنس���ان إلى آخر‪ .‬وتقترح االكتش���افات احلديثة أن الطبيعة أو اإلرهابيني ميكن أن يغيروا هذا األمر‪ ،‬وبذلك س��� ُت َمهّ د‬ ‫الطري���ق لظه���ور س�ل�اح بيولوجي بإنفلون���زا الطيور‪ .‬فاألوبئة التي أحدثتها الس�ل�الة ‪ H5N1‬بني الدواجن في آس���يا في‬ ‫تيس���ر‬ ‫تس���عينات القرن العش���رين ن َّبهت املس���ؤولني الصحيني إلى إمكان ظهور س�ل�الة تس���بِّب جائحة بني البش���ر‪ .‬فلو َّ‬ ‫لڤيروس إنفلونزا عالي اإلمراضية أن ينتش���ر بس���رعة متاثل ڤيروس عام ‪ ،)H1N1) 2009‬فإن موظفي الصحة لن يكون‬ ‫لديهم سوى القليل من الوقت كي يتصدّوا له‪ .‬ومنذ هجمات ‪ ،2001/9 /11‬اع ُت ِبرت اإلنفلونزا (مبا فيها ساللة جائحة‬ ‫عام ‪ )1918‬سالحا بيولوجيا ُمح َتمال‪.‬‬

‫‪2000‬‬

‫‪1990‬‬

‫‪ 2001‬سياسة عامة‬ ‫بعد هجمات ‪،9/11‬‬ ‫ارتفع متويل‬ ‫الدفاع احليوي في‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫بشكل هائل‪ .‬وكان‬ ‫التركيز األولي‬ ‫على اجلدري‪ ،‬في‬ ‫حني كان االهتمام‬ ‫باإلنفلونزا أقل‬ ‫درجة‪.‬‬

‫‪1980‬‬

‫‪1997‬‬

‫‪H5N1‬‬

‫أول حالة معروفة‬ ‫خلمج بشري‬ ‫بالڤيروس ‪H5N1‬‬ ‫يتم التبليغ عنها‬ ‫في هونگ كونگ‪،‬‬ ‫حيث بلغ العدد‬ ‫الكلي لإلصابات‬ ‫‪( 18‬ست منها‬ ‫مميتة)‪.‬‬

‫‪1970‬‬

‫‪ 1972‬سياسة عامة‬ ‫ميثاق األسلحة‬ ‫البيولوجية‬ ‫والسمية‪ ،‬و ّقعت‬ ‫ّ‬ ‫عليه ‪ 72‬دولة‪،‬‬ ‫وهو يدعو إلى‬ ‫إنهاء األبحاث‬ ‫على األسلحة‬ ‫البيولوجية‬ ‫وإلى تدمير‬ ‫املُخزن منها‪.‬‬

‫‪1950‬‬

‫‪1960‬‬

‫‪1930‬‬

‫‪1940‬‬

‫‪1925‬‬

‫‪1968‬‬

‫جائحة‬

‫جائحة إنفلونزا‬ ‫هونغ كونغ‪ ،‬حدثت‬ ‫بسبب ڤيروس‬ ‫إنفلونزا من النمط‬ ‫‪ ،H3N2‬وقتلت ‪700‬‬ ‫ألف شخص‪.‬‬

‫‪1957‬‬

‫جائحة‬

‫جائحة اإلنفلونزا‬ ‫اآلسيوية‪ ،‬حدثت‬ ‫بسبب ڤيروس‬ ‫إنفلونزا من النمط‬ ‫‪ ،H2N2‬وقتلت ‪100‬‬ ‫ألف شخص‪.‬‬

‫‪1920‬‬

‫سياسة عامة‬

‫حظرت اتفاقية‬ ‫جنيف استعمال‬ ‫األسلحة‬ ‫البيولوجية‪ ،‬ولكنها‬ ‫لم متنع األبحاث‬ ‫والتطوير للعوامل‬ ‫املتع ِّلقة بها‪.‬‬

‫‪1918‬‬

‫جائحة‬

‫جائحة اإلنفلونزا‬ ‫اإلسبانية‪ ،‬حدثت‬ ‫بسبب ڤيروس‬ ‫إنفلونزا من النمط‬ ‫‪ ،H1N1‬وقتلت‬ ‫أكثر من ‪ 20‬مليون‬ ‫شخص‪.‬‬

‫العدد النسبي للوفيات املرتبطة باجلائحة (الدوائر احلمراء)‬

‫يخضع للتدبي� � ��ر مثله مثل اجلدري‪ .‬ويقول >‪ .R .H‬إيبرايت‬ ‫[وهو خبير في الدفاع احليوي وعالم في الكيمياء احليوية‬ ‫ف� � ��ي جامعة روجتيرس]‪« :‬إن مجرد وج� � ��ود هذا الڤيروس‬ ‫حترره‬ ‫بحد ذاته‪ .‬فهذا يعني‬ ‫يش� � ��كّ ل خطرا ّ‬ ‫نشوء خطر من ّ‬ ‫َ‬ ‫�وء خطر من أن شخصا ما‬ ‫بش� � ��كل عارض‪ ،‬كما يعني نش� � � َ‬ ‫سيح ّوله إلى سالح‪».‬‬ ‫والش� � ��يء الذي أغضب خبراء الدفاع ‪ -‬وكذلك العديد من‬ ‫العلماء ‪ -‬هو أن األبحاث نشأت وتواصلت من دون أي حتليل‬ ‫للفوائد واملخاطر بشكل مسبق‪ .‬واملجلس االستشاري العلمي‬ ‫الوطني لألمن احليوي ‪ -‬وهو مج ّرد مجلس استشاري بحت‬ ‫من دون أية مس� � ��ؤولية لإلش� � ��راف واملراقب� � ��ة ‪ -‬لم يتدخَّ ل في‬ ‫األمر إال بعد أن ح ّثه البيت األبيض على ذلك‪ .‬وفي عام ‪2007‬‬ ‫أصدر >‪ .J‬ش� � ��تاينبرونر< وزمالؤه في مركز الدراسات الدولية‬ ‫واألمنية ف� � ��ي ماريالند تقريرا أوصى بـ«بع� � ��ض التقييد على‬ ‫حرية العمل في مس� � ��توى األبحاث األساس� � ��ية‪ ،‬حيث اع ُتبرت‬ ‫االستقاللية الش� � ��خصية تقليديا ذات قيمة عالية استنادا إلى‬ ‫املبررات»‪ .‬وه� � ��ذا التقرير جرى جتاهله إلى ح ّد بعيد‪.‬‬ ‫أفضل ِّ‬ ‫<‬

‫ولك� � ��ن بعد ظهور ورقتي بحث >كاواوكا< و>فوش� � ��يير<‪ ،‬طلبت‬ ‫حكومة الواليات املتحدة إلى وكاالت التمويل أن جتري تقييما‬ ‫ملخاطر األبحاث املتع ِّلق� � ��ة بالڤيروس ‪ H5N1‬وڤيروس إنفلونزا‬ ‫عام ‪.1918‬‬ ‫وقد أوصى >ش� � ��تاينبرونر< وآخرون باستحداث نوع من‬ ‫املجموعة الدولية لإلش� � ��راف واملراقبة مع بعض الصالحيات‬ ‫لفرض قي� � ��ود إجبارية على األبح� � ��اث ذات املخاطر املحُ تَملة‬ ‫ولإلشراف عليها ومراقبتها‪ ،‬بطريقة تشبه ما متارسه منظمة‬ ‫الصحة العاملي� � ��ة في الوقت احلالي بالنس� � ��بة إلى اجلدري‪.‬‬ ‫ويقول >ش� � ��تاينبرونر<‪« :‬لن يكون األمر مبثابة حماية ُمحك َمة‬ ‫الس � � � ّد‪ ،‬لكنه س� � ��وف يضع النهج الذي لن يس� � ��مح ألحد بأن‬ ‫ختلى س � � � ّري ويقوم بإجراء ه� � ��ذه التجارب»‪.‬‬ ‫يذهب إل� � ��ى ُم ً‬ ‫ويضي� � ��ف قائال إن ڤيروس� � ��ا من النمط ‪ H5N1‬تتم هندس� � ��ته‬ ‫بحيث ينتشر بني الثدييات «هو وسيلة للدمار الشامل تدخل‬ ‫في زمرة األس� � ��لحة النووي� � ��ة بالذات‪ ،‬بل حت� � ��ى تتجاوزها‪.‬‬ ‫إنه عامل ممرض ش� � ��ديد اخلطورة‪ ،‬وليس مس� � ��ألة قد يكون‬ ‫( ) ‪Evolution of a Bioweapon‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪55‬‬


‫بد أن يكون هناك نوع‬ ‫[العلماء] بالذات حذرين ومنتبهني‪ .‬فال ّ‬ ‫املؤسسية للسالمة واألمان‪».‬‬ ‫من اإلجراءات‬ ‫ّ‬ ‫ولك� � ��ن ما م� � ��دى التقييد ال� � ��ذي يجب أن تك� � ��ون عليه هذه‬ ‫اإلج� � ��راءات؟ إن تقانة األس� � ��لحة النووي� � ��ة تخضع للتصنيف‬ ‫العسكري(‪ ،)1‬وهذا يعني أن أية أبحاث في هذا الشأن ال ميكن‬ ‫أن تجُ رى إال في س� � ��ر ّية تا ّمة‪ .‬ولك� � � ّ�ن اإلنفلونزا ‪ -‬على عكس‬ ‫األسلحة النووية ‪ -‬هي مس� � ��ألة صحة عامة عاملية‪ .‬فتصنيف‬ ‫بعض جوانب أبحاث الڤيروس ‪ H5N1‬بالطريقة السابقة سوف‬ ‫يترك علماء ومس� � ��ؤولني صحي� �ي��ن في ظالم دامس بخصوص‬ ‫واحد من أكبر التهديدات للصحة العامة على مستوى العالَم‪.‬‬ ‫وفي املقاب� � ��ل‪ ،‬يدافع العديد من اخلب� � ��راء األمنيني عن الرأي‬ ‫الداعي إلى حصر األبحاث على الڤيروس� � ��ات القابلة لالنتقال‬ ‫بني الثدييات باملختبرات املأمونة إلى أقصى احلدود؛ أي تلك‬ ‫املأمونة بش� � ��كل يفوق املختبرات الت� � ��ي أجرى فيها >كاواوكا<‬ ‫و>فوش� � ��يير< أعمالهم� � ��ا‪ .‬ومثل هذه القيود س� � ��وف جتعل تلك‬ ‫األبحاث مبنأى عن متناول العديد من العلماء‪.‬‬ ‫كثير من الباحثني يتح ّمسون جدا وهم يدافعون عن منط‬ ‫العمل الذي قام به >كاواوكا< و>فوشيير<‪ ،‬مستندين إلى أنه‬ ‫كلما ازدادت معرفتنا عن الڤيروس ‪ ،H5N1‬فإن قدرتنا على‬ ‫تتحسن‪ .‬ويضيفون‬ ‫حماية أنفسنا من التهديد الطبيعي سوف‬ ‫َّ‬ ‫حجته� � ��م أن العلم يتق َّدم أفضل ما يك� � ��ون عندما ُتت َرك‬ ‫إلى ّ‬ ‫فعاليات األبحاث ح ّرة من القي� � ��ود‪ .‬فالتحديد الدقيق ملاهية‬ ‫املك ّونات اجلينية الالزمة ملنح سمات من أمثال مع ّدل اإلماتة‬ ‫والس� � ��راية إلى الڤيروسات ‪ ،H5N1‬س� � ��وف يسمح للخبراء‬ ‫الصحي� �ي��ن بأن يكونوا يقظني ومتن ّبهني ملواجهة الس� �ل��االت‬ ‫اجلديدة اخلطرة التي تظهر في البراري وأن يس� � ��تع ّدوا لها‬ ‫بشكل ُمس � � � َبق‪ .‬وعندما يظهر فجأة ڤيروس إنفلونزا بشرية‬ ‫جديد ويبدأ باالنتشار‪ ،‬يكون إيقاف املوجة األولى من اإلنتان‬ ‫قد فات أوانه منذ أمد طويل‪ .‬فإنتاج لقاح لإلنفلونزا يستغرق‬ ‫في احلالة النموذجية س� � ��تة أشهر كي يكتمل‪ ،‬وأحيانا فترة‬ ‫أطول من ذلك‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬في الشهر ‪ 2009/4‬عندما‬ ‫انتبه موظفو الصحة إلى الڤيروس ‪ ،H1N1‬كان قد انتش� � ��ر‬ ‫بش� � ��كل واسع في املكسيك والواليات املتحدة‪ ،‬وكان قد قطع‬ ‫شوطا واسعا في طريقه إلى أن يصير جائحة‪.‬‬ ‫إضاف� � ��ة إلى ذل� � ��ك‪ ،‬فإن واح� � ��دا من املك ِّون� � ��ات اجلينية‬ ‫التي ح َّددها >كاواوكا< على أنها متنح س� � ��مة الس� � ��راية إلى‬ ‫متت مالحظتها في الڤيروسات الطبيعية‪،‬‬ ‫الڤيروسات ‪َّ H5N1‬‬ ‫األمر الذي يشير إلى أن عجلة «الروليت» قد شرعت سلفا في‬ ‫الدوران‪« .‬ونظرا ألن طف� � ��رات الـڤيروس ‪ H5N1‬التي متنحها‬ ‫سمة السراية بني الثدييات ميكن أن تنشأ في الطبيعة‪ ،‬فإنني‬ ‫‪56‬‬

‫أعتق� � ��د أنه من االس� � ��تهتار وعدم املس� � ��ؤولية أال ندرس اآللية‬ ‫املستبطنة لذلك»‪ ،‬هذا ما كتبه >كاواوكا< في مقالة ُنشرت في‬ ‫مجلة نيتشر (وقد رفض أن تجُ رى معه مقابلة بخصوص هذا‬ ‫املوضوع)‪ .‬ومن جهته‪ ،‬دافع >فوشيير< عن عمله استنادا إلى‬ ‫األسس نفسها‪.‬‬ ‫ومن ناحية ثانية‪ ،‬فإن امتالك التفاصيل اجلينية لڤيروسات‬ ‫اإلنفلون� � ��زا التي ميكن أن تكون مميتة هو أمر قليل الفائدة إذا‬ ‫لم يقترن بالتمويل والشبكات ووسائل الوصول إلى احليوانات‬ ‫وهي في حيزها الطبيعي‪ .‬وخالل أوبئة الڤيروس ‪ ،H5N1‬شرع‬ ‫علماء الڤيروس� � ��ات في ممارس� � ��ة مراقبة صارمة على أسواق‬ ‫احليوان� � ��ات احل ّية في جنوب الصني‪ ،‬ولك� � ��ن هذه اإلجراءات‬ ‫لم تُط َّبق بش� � ��كل ثابت في األماكن األخرى من الصني أو في‬ ‫جنـــوب شرق آس� � ��يا‪ .‬وفي الواليــات املتحـــدة‪ ،‬منعـــت مـــزارع‬ ‫املواشي في كثيـــر من األحيـــان موظفــي الصحــة من فحـــص‬ ‫اخلنازي� � ��ر املوجودة فيه� � ��ا‪ ،‬على الرغم م� � ��ن أن نذائر جائحة‬ ‫الڤيـــروس ‪ H1N1‬لـعـــام ‪ُ 2009‬يعـتـ َقـــد أنهـــا كـــانــــت منتش� � ��رة‬ ‫فــي مــــزارع اخلنـــازيــر في الواليــات املتحـــدة ملـــدة س � � �ـــنوات‬ ‫‪،‬‬ ‫قبل أن تظهر في املكسيك [انظر‪« :‬مصانع اإلنفلونزا»‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،(2011) 6/5‬ص ‪.]14‬‬ ‫إن املراقب� � ��ة ميك� � ��ن أال تكون أبدا كافي� � ��ة بالدرجة الالزمة‬ ‫إلحباط اجلائحات البش� � ��رية‪ .‬وتقول >‪ .N‬كوكس< [مديرة قسم‬ ‫اإلنفلون� � ��زا في مراكز مكافحة األمراض ‪« :]CDC‬حاليا‪ ،‬نحن‬ ‫مما كنّا عليه قب� � ��ل جائحة الڤيروس‬ ‫مجهزون بش� � ��كل أفضل ّ‬ ‫‪ .H1N1‬ولكن العالَم ليس مجهزا ملواجهة ظهور ڤيروس إنفلونزا‬ ‫عالي السراية وعالي اإلمراضية في البشر‪ .‬وبكل صراحة‪ ،‬ال‬ ‫أعتقد أن العالَم س� � ��يكون كذلك في يوم من األيام ما لم منتلك‬ ‫لقاحا شموليا يقي من جميع السالالت»‪ .‬إن اللقاح الشمولي‬ ‫ال يبدو أنه سيتو َّفر في املدى املنظور‪ ،‬وهذا يتركنا في الوضع‬ ‫املزعج حيث منتلك الكثير جدا من املعلومات والقليل جدا من‬ ‫>‬ ‫القدرة على التص ّرف‪.‬‬ ‫>‪ .F‬وتيرل< هو احمل ِّرر التنفيذي ملجلة ساينتفيك أمريكان‪ ،‬ومؤلف الكتاب‬ ‫‪( The Fate of the Species‬ق َدر األنواع) الذي ُتصدره ‪ Bloomsbury‬هذا الشهر‪.‬‬ ‫(‪military classification )1‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, June 2012‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫تتمة الصفحة ‪( 45‬عُ رىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة)‬ ‫مخطط فاينمان ‪ 1030‬حدا‪ ،‬لكل ذرة تقريبا في املصادم ‪.LHC‬‬

‫وبدت القضية محكومة برميها في سلة املهمالت للمسائل غير‬ ‫القابلة للقطع فيها‪.‬‬ ‫لقد غيرت الطريق ُة الواحدية احلال َة تغييرا تاما‪ .‬فباستعمالها‪،‬‬ ‫أجرينا نس� � ��خة فيزيائية ملش���روع البراءة(‪ )1‬وأعدنا فتح القضية‬ ‫املتعلق� � ��ة بنظـــرية الثقال� � ��ة الفائقــة‪ .‬وما كان يحت� � ��اج ‪ 1020‬حدا‬ ‫وفق تقنية >فاينمان<‪ ،‬نس� � ��تطيع اآلن إجنازه ببضع دس� � ��تات‬ ‫من احل� � ��دود‪ .‬فقد وجدن� � ��ا بالتع� � ��اون مع >‪ .R‬رويب� � ��ان< [من‬ ‫جـــامعــــة واليــــة بنس� � ��لڤانيا] إضـــافــــة إلى >‪ .J .J‬كاراس � � �ـــكو<‬ ‫و>‪ .H‬جوهانس� � ��ون< اللذين كانا آنئذ طالبي دراسات عليا في‬ ‫جامعة )‪ ،(U.C.L.A‬أن توقعات فترة منتصف الثمانينات كانت‬ ‫خاطئة‪ .‬فالكميات التي بدت أنها ستنتهي إلى الالنهاية هي في‬ ‫احلقيقة محدودة‪ .‬ومن ثم فالثقالة الفائقة ليست عدمية املعنى‬ ‫كما ظنه� � ��ا الفيزيائيون‪ .‬ويعني ه� � ��ذا أن ترجحات وتراوحات‬ ‫امل� � ��كان والزمن الكمومية هي حميدة ف� � ��ي الثقالة الفائقة أكثر‬ ‫مما بدت عليه في البداية‪.‬‬ ‫وما يلفت النظر أكثر‪ ،‬هو أن ثالثة گرافيتونات تتآثر متاما‬ ‫كما تتآثر نس� � ��ختان من ثالثة گلوونات‪ .‬وتبدو خاصة النسخة‬ ‫املضاعفة هذه مس� � ��تمرة مهما كان عدد اجلسيمات املتبعثرة‬ ‫أو مهما كان عدد عرى اجلس� � ��يمات االفتراضية املشتركة في‬ ‫التآثر‪ .‬وهذا يعني‪ ،‬من الناحية الش� � ��كلية‪ ،‬أن الثقالة هي مربع‬ ‫التآثر حتت النووي الش� � ��ديد‪ .‬وس� � ��نحتاج إل� � ��ى بعض الوقت‬ ‫لترجم� � ��ة الرياضيات املتضمنة إلى رؤى فيزيائية وللتحقق من‬ ‫صحتها ضمن جميع الشروط‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فإن النقطة احلاسمة‬ ‫ه� � ��ي أنه رمبا ال تكون الثقالة مختلف� � ��ة اختالفا كبيرا عن بقية‬ ‫قوى الطبيعة األخرى‪.‬‬ ‫وكما هو ش� � ��ائع في العلم‪ ،‬بعد الب� � � ِّ�ت مبناظرة أولى تثو ُر‬ ‫مناظرة أخرى‪ .‬فبعد انتهاء حس� � ��اباتنا لثالث عرى مباش� � ��رة‪،‬‬ ‫تساءل املتشككون عما إذا كانت ستظهر املشكالت عند أربع‬ ‫عرى‪ .‬وكم� � ��ا يحدث تكرارا أيضا‪ ،‬ج� � ��رى الرهان على نتيجة‬ ‫احلسابات‪ ،‬وعندما أجنزنا احلسابات‪ ،‬لم جند أي إشارة إلى‬ ‫لنبت في هذه املناظرة األخيرة‪.‬‬ ‫صعوبات‪ّ ،‬‬ ‫والس� � ��ؤال اآلن‪ ،‬هل نظرية الثقالة الفائقة خالية متاما من‬ ‫الالنهائي� � ��ات؟ أم هل أن درجة التناظ� � ��ر العالية التي متتلكها‬ ‫تقوم مبجرد كبح بعض نتائجها املتطرفة في حالة عدد صغير‬ ‫من الع� � ��رى؟ وفي احلالة األخيرة‪ ،‬يجب أن تظهر املش� � ��كالت‬ ‫منسلة عند خمس عرى؛ وعند الوصول إلى سبع عرى ستكون‬ ‫اآلثار الكموميــة قد منــت بش� � ��كل كاف إلنتاج النهائيات‪ .‬وقد‬ ‫راهن >‪ .D‬گروس< [من جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا] على‬

‫عدم نشوء النهائيات عندما يكون عدد العرى مساويا لسبعة‪.‬‬ ‫وللبت في هذا الرهان‪ ،‬باش� � ��ر بعض منا بحس� � ��ابات جديدة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وغياب الالنهائيات في حالة س� � ��بع عرى‪ ،‬سيذهل املتشككني‬ ‫ورمب� � ��ا يقنعهم في النهاية أن الثقالة الفائقة قد تكون متس� � ��قة‬ ‫ذاتي� � ��ا‪ .‬ومع ذلك وحتى لو كانت هك� � ��ذا‪ ،‬فإن النظرية ال تعالج‬ ‫أنواعا أخرى من اآلثار‪ ،‬تدعى ال اضطرابية(‪ ،)2‬تتعذر لدقتها‬ ‫وصغرها رؤيته� � ��ا في املقاربة عروة ‪ -‬ع� � ��روة‪ ،‬التي اتبعناها‬ ‫حت� � ��ى اآلن‪ .‬وقد يتطلب تناول مثل هذه اآلثار نظرية أعمق من‬ ‫الثقالة‪ ،‬ورمبا تكون نظرية األوتار‪.‬‬ ‫وغالبا م� � ��ا مييل الفيزيائي� � ��ون إلى التفكير ب� � ��أن النظريات‬ ‫اجلديدة إمنا تنبعث من ضربات فرش� � ��اة جريئة ملبادئ جديدة‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬النس� � ��بية وامليكانيك الكموم� � ��ي والتناظر‪ .‬ولكنه يتم أحيانا‬ ‫ظهور هذه النظريات من إعادة الفحص املتأني للمبادئ املعروفة‬ ‫لدين� � ��ا‪ .‬فالث� � ��ورة الهادئة في فهمنا لتصادمات اجلس� � ��يمات قد‬ ‫جعلتن� � ��ا قادرين عل� � ��ى اس� � ��تخالص نتائج النم� � ��وذج املعياري‬ ‫بتفصيالت مدهش� � ��ة‪ ،‬مما قاد إلى حتسينات مهمة في مقدرتنا‬ ‫الكامنة على اكتش� � ��اف فيزياء ما بعد النم� � ��وذج املعياري‪ .‬وما‬ ‫يثير الدهشة أكثر‪ ،‬أنها جتعلنا نتبع مقتضيات غير مستكتشفة‬ ‫للفيزي� � ��اء القدمية‪ ،‬مبا فيها طريق كان قد ُأهمِ ل س� � ��ابقا لتوحيد‬ ‫الثقال� � ��ة بالقوى املعروفة األخرى‪ .‬ومن نواح عديدة‪ ،‬فإن الرحلة‬ ‫لفهم أسرار كيفية تبعثر اجلسيمات األولية لم تكن على اإلطالق‬ ‫تش� � ��به عملية قابل� � ��ة للتوقع مثل ركوب قط� � ��ار األنفاق في لندن‪،‬‬ ‫ولكنها أقرب شبها برحلة حافلة الفارس(‪ )3‬في حكايات >هاري‬ ‫بوت� � ��ر< (روايات س� � ��حرية حتولت أفالم� � ��ا وذاع صيتها‪ ،‬بطلها‬ ‫>‬ ‫>هاري بوتر<) حيث ال تعرف أبدا ما سيحدث تاليا‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪the Innocence Project‬‬

‫‪nonperturbative‬‬ ‫‪Knight Buss‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, May 2012‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪57‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫متالزمة التصادم‬

‫( )‬

‫تفيد أبحاث جديدة مثيرة للجدل بأن العبي كرة القدم األمريكية الذين ُش ِّخصت إصابتهم‬ ‫بداء لو گيريگ قد ُتر ّد معاناتهم إلى الضربات املتكررة التي تلقوها على رؤوسهم‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .J‬بارثوليت<‬

‫كان >‪ .K‬تورنر< العبا أساسيا في الفريق الوطني لكرة القدم‬ ‫األمريكي� � ��ة‪ ،‬وكان يلعب ظهيرا في خ� � ��ط الدفاع‪ ،‬يركض ويلتقط‬ ‫الك� � ��رة ويصد الهجمات‪ .‬وكان طول قامت� � ��ه ‪ 6.1‬قدم ووزنه ‪230‬‬ ‫باوندا تقريبا‪ ،‬مما يجعله أصغر حجما ممن يلعبون في موقعه‪،‬‬ ‫ولكنه كان ميتلك قوة دفع هائلة في س� � ��اقيه اللتني كان يستخدم‬ ‫كل ما أوتي من قوة فيهما لالنطالق نحو الالعبني الذين يفوقونه‬ ‫في احلج� � ��م‪ .‬لعب >تورنر< ف� � ��ي صفوف فري� � ��ق الوطنيني بنيو‬ ‫إنكالند(‪ )2‬منذ عام ‪ 1992‬حتى عام ‪ ،1994‬ثم انتقل بعد ذلك إلى‬ ‫صفوف فريق صقور فيالدلفيا‪ ،‬وبقي فيه حتى عام ‪ 1999‬حيث‬ ‫اعتزل اللعب فيه على نحو مفاجئ‪ .‬وقد أطلق عليه البعض لقب‬ ‫«خبير التصادم» بسبب التشققات العديدة في خوذته‪.‬‬ ‫ل� � ��م يعد >تورنر< اآلن قادرا عل� � ��ى تزرير قميصه‪ .‬وعندما‬ ‫التقيت به مؤخرا ف� � ��ي مطبخ كاليفورنيا للبيتزا في برمنگهام‬ ‫بوالي� � ��ة آالباما‪ ،‬وكان أول ما اس� � ��ترعى انتباهي من أمارات‬ ‫االختالل في جس� � ��ده هي الصعوبة الت� � ��ي عاناها عندما ه ّم‬ ‫بوض� � ��ع حقيبته الظهري� � ��ة الصغيرة في الس� � ��قيفة التي تعلو‬ ‫املكان الذي س� � ��يجلس فيه‪ ،‬وكانت ذراعه مستقيمة استقامة‬ ‫ذراع فرانكينش� � ��تاين‪ ،‬وكان كتف� � ��اه متيبس� �ي��ن وهو يؤرجح‬ ‫حقيبته ليلقيها بعيدا عن جسده‪ .‬وبعد برهة وجيزة استرعت‬ ‫انتباهي أمور أخ� � ��رى من بينها أصابع� � ��ه املعقوفة وإبهاماه‬

‫اللذان ال يكادان يس� � ��اعدانه بش� � ��يء‪ ،‬مما يجعله يس� � ��تخدم‬ ‫راحتيه لإلمس� � ��اك بالكوب الذي يش� � ��رب منه‪ .‬وحينما واجه‬ ‫>تورن� � ��ر< صعوبة في متزيق َحلَ َقة ورقي� � ��ة صغيرة ُل َّفت حول‬ ‫منديل املائدة‪ ،‬اختلس نظرة سريعة إلى الطاوالت املجاورة ثم‬ ‫حنى رأسه إلى األسفل ومزقها بأسنانه‪.‬‬ ‫وأثناء خروجنا من املطعم قال لي >تورنر< [الذي صار أبا‬ ‫لثالثة أطفال‪ ،‬وبلغ من العمر ‪ 42‬عاما]‪« :‬ال أس� � ��تطيع أن أع ّبر‬ ‫ل� � ��ك كم هو محبط أن تقوم بفتح علبة من مس� � ��حوق احلبوب»‪،‬‬ ‫ثم أضاف‪« :‬إن فتح علبة من مسحوق احلبوب هو حدث بحد‬ ‫ذاته»‪ .‬ويحت� � ��اج >تورنر< اليوم إلى من يس� � ��اعده على ارتداء‬ ‫س� � ��رواله في الصباح‪ ،‬وقد قامت ابنته التي تبلغ من العمر ‪11‬‬ ‫عاما بهذه املهمة في اليوم الذي التقينا فيه‪ ،‬كما س� � ��اعدته تلك‬ ‫االبنة على حالقة ذقنه أيضا‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ُش� � � ّ‬ ‫�خص مرض التصلب اجلانبي الضم����وري )‪(ALS‬‬ ‫لدى >تورنر< في عام ‪ ،2010‬وهو مرض يش� � ��يع إطالق اس� � ��م‬ ‫داء ل����و گيري����گ ‪ Lou Gehrig‬عليه‪ .‬وال أحد يعرف األس� � ��باب‬ ‫احلقيقي� � ��ة لهذا امل� � ��رض‪ .‬وتعود ‪ %10-5‬فق� � ��ط من حاالته إلى‬ ‫( ) ‪THE COLLISION SYNDROME‬‬ ‫(‪Lou Gehrig’s disease )1‬‬ ‫(‪New England Patriots )2‬‬ ‫(‪amyotrophic lateral sclerosis )3‬‬

‫باختصار‬ ‫>‪ .K‬تورنر<‪ ،‬العب محترف س� � ��ابق ف� � ��ي كرة القدم األمريكية‪ ،‬عانى‬ ‫خالل مس� � ��يرته الرياضية ‪ -‬مرتني على األقل ‪ -‬ارجتاج الدماغ قبل أن‬ ‫ُي ّ‬ ‫شخص لديه داء لو گيريگ أو ما ُيسمى مرض التصلب ‪.ALS‬‬ ‫ويعتق� � ��د بعض الباحثني أن >تورنر< مصاب بنمط خاص من مرض‬ ‫التصلب ‪ ALS‬يعود س� � ��ببه إلى ارجتاج الدماغ املتكرر‪ ،‬ش� � ��أنه في ذلك‬ ‫شأن غيره من الالعبني الذين تعرضوا لظروف مماثلة‪.‬‬ ‫غي� � ��ر أن نتائج األبحاث التي تربط االرجتاجات بأمراض أخرى من‬ ‫أمراض الدماغ ال تزال مثيرة للجدل‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫ويق� � ��ارن أنصار هذا الرأي مس� � ��اعيهم الرامي� � ��ة إلى إثبات وجود‬ ‫ارتباط بني رضوض الدم� � ��اغ واألمراض املماثلة ملرض التصلب‬ ‫باجلهود الكبيرة التي ُبذلت إلقامة الدليل على وجود صلة بني سرطان‬ ‫الرئة والتدخني؛ وهناك آخرون ممن يرون أن مثل هذا التشابه ال يقوم‬ ‫على أساس علمي‪.‬‬ ‫وعلى أية حال‪ ،‬فإن هناك إجماعا واس� � ��عا على أن ضربات الرأس‬ ‫املتكررة؛ كتلك التي يتعرض لها العبو كرة القدم األمريكية خالل حياتهم‬ ‫الرياضية‪ ،‬ميكن أن تُلحق أضرارا بأدمغتهم‪.‬‬

‫‪ALS‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫أس� � ��باب وراثية‪ ،‬أما باقي احلاالت‬ ‫فهي مبثابة حكم عشوائي باإلعدام‪.‬‬ ‫إذ ال يعرف أحد متى يظهر املرض‪،‬‬ ‫وليس له معاجلة شافية‪.‬‬ ‫وت� � ��رى مجموع� � ��ة م� � ��ن العلماء‬ ‫الذين يعملون اليوم في بوسطن أن‬ ‫>تورنر< رمبا ال يكون حقا مصابا‬ ‫مبرض التصلب ‪ ALS‬مع أنه يعاني‬ ‫أعراضه‪ .‬فعندما قام هؤالء الباحثون‬ ‫بتش� � ��خيص حالت� � ��ه اكتش� � ��فوا في‬ ‫الوقت ذاته تقريبا ‪ -‬كما يقولون ‪-‬‬ ‫ما ميكن أن يكون مرضا مستقال ال‬ ‫يختلف بتاتا عن متالزمة التصلب‬ ‫‪ ،ALS‬سواء من حيث األعراض أو‬ ‫من حيث إنه اليرجى له شفاء‪ .‬ولعل‬ ‫الفارق احلقيقي الوحيد بينهما هو‬ ‫أن املرض الذي أصيب به >تورنر<‬ ‫يبدو كما لو كان معروف الس� � ��بب‪:‬‬ ‫ضربات متكررة على الرأس‪ ،‬كتلك‬ ‫التي حتدث ع� � ��ادة في مالعب كرة‬ ‫القدم األمريكية‪.‬‬ ‫غي� � ��ر أن االكتش� � ��افات الت� � ��ي‬ ‫توصل� � ��ت إليها ه� � ��ذه الدراس� � ��ة‬ ‫اجلديدة تبقى مثي� � ��رة للجدل إلى‬ ‫حد كبير‪ ،‬فكثير من املتخصصني‬ ‫في مرض التصلب ‪ ALS‬ما زالوا‬ ‫يش � � � ِّككون في األس� � ��اس العلمي‬ ‫الذي تق� � ��وم عليه تلك الدراس� � ��ة‪،‬‬ ‫ويع ِّب� � ��رون ع� � ��ن قلقهم بس� � ��بب ما‬ ‫أثارته تلك الدراس� � ��ة من تشويش‬ ‫في أذهان مرضاهم‪ ،‬ويؤكدون أن األبحاث التي أجريت على‬ ‫مدى عقود عدة سعيا وراء إثبات وجود عالقة بني رضوض‬ ‫الرأس ومرض التصلب ‪ ALS‬لم تتوصل إلى نتائج حاسمة‬ ‫في أفضل األحوال‪ .‬لقد أثارت هذه الدراسات سخطا كبيرا‪،‬‬ ‫وعلى وجه اخلصوص‪ ،‬عندما أشار واضعوها في مقابالت‬ ‫صحفية إلى أن السيد >لو گيريگ< نفسه [وهو املريض الذي‬ ‫ُس� � � ِّ�م َي املرض باس� � ��مه] رمبا ال يكون مصابا بهذا املرض‪.‬‬ ‫وفي رســالة إلى رئيــس حتريـر مجلة الباثولوجيا العصبية‬ ‫وطب اجلهاز العصبي التجريبي(‪ ،)1‬ع ّبر أكثر من اثني عشر‬ ‫طبيبا وباحثا عن ش� � ��كوكهم في األس� � ��اس العلمي لنتائج هذه‬

‫الدراسات‪ ،‬وع ّبروا عن امتعاضهم من «هذه التصريحات التي‬ ‫أخاف� � ��ت العديد من املرضى وشوش� � ��ت أذهانهم‪ ،‬وجعلتهم ‪-‬‬ ‫بالطبع ‪ -‬يتساءلون اآلن حول ما إذا كانت التشخيصات التي‬ ‫ُوضعت لديهم صحيحة فعال‪».‬‬ ‫تق� � ��ول >‪ .A‬م� � ��اك كي< [وه� � ��ي اختصاصي� � ��ة بالباثولوجيا‬ ‫العصبية في جامعة بوس� � ��طن وفي مركز بدفورد الطبي بوالية‬ ‫ماساتشوس� � ��تس‪ ،‬والباحث� � ��ة األساس� � ��ية املس� � ��ؤولة عن هذه‬ ‫الدراسة] إنها تأسف للجدل الذي أثارته هذه التكهنات بشأن‬ ‫(‪Journal of Neuropathology & Experimental Neurology )1‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪59‬‬


‫السيد >گيريگ<‪ ،‬ولكنها تؤيد بحزم األساس العلمي الذي تقوم‬ ‫عليه الدراسة‪ .‬فدراستها األصلية استندت إلى ثالث حاالت‪.‬‬ ‫أما اآلن فلديها خمس حاالت إضافية‪ ،‬فضال عن ثالث حاالت‬ ‫أخرى ُي ْ‬ ‫ش � � �تَبه بها وهي في انتظار التأكيد‪ .‬وتُش ِّبه >ماك كي<‬ ‫وزمالؤه� � ��ا معركتهم بتلك التي خاضها باحثون حاولوا إثبات‬ ‫أن التدخني يس� � ��بب الس� � ��رطان‪ .‬والتزال >ماك كي< وزمالؤها‬ ‫يواجهون مقاومة عنيفة‪ ،‬ولكنهم يعتقدون أنهم سوف ينجحون‬ ‫في نهاية األمر في إثب� � ��ات أن االرجتاجات الدماغية املتكررة‬ ‫تسبب مرضا في النورون(‪ )1‬احلركي يترافق بأعراض مماثلة‬ ‫ألعراض مرض التصلب ‪.ALS‬‬ ‫ترجح احتمال أن تؤدي‬ ‫وقد كانت نتائج الدراسات التي ّ‬ ‫ارجتاجات الدماغ املتكررة إلى أش� � ��كال أخرى من االختالل‬ ‫الذهن� � ��ي قد دفع� � ��ت بالفعل احتاد كرة الق� � ��دم األمريكي إلى‬ ‫إدخال تعديالت على بعض مواد دستوره املتعلقة بالضربات‬ ‫املوجعة على الرأس‪ ،‬كما أ ُِق َّرت أيضا في العديد من الواليات‬ ‫قوانني لضمان عدم إعادة الرياضيني الفتيان الذين ُأصيبوا‬ ‫بارجت� � ��اج الدماغ بس� � ��رعة إلى س� � ��احات املالعب‪ .‬ومن بني‬ ‫العلماء الذين ينتقدون بعض التفاصيل في أبحاث >ماك كي<؛‬ ‫أو األس� � ��لوب الذي ُق ّدمت به ه� � ��ذه التفاصيل إلى الصحافة‪،‬‬ ‫َمن ي� � ��رى أن النتائج الت� � ��ي توصلت إليها الدراس� � ��ات ذات‬ ‫أهمية بالغة؛ وهذا ما يراه مثال >‪ .R‬براون< [رئيس قسم طب‬ ‫اجله� � ��از العصبي في كلية الطب بجامعة ماساتشوس� � ��تس]‬ ‫عندم� � ��ا يق� � ��ول‪« :‬إن املالحظات اجلوهرية لعم� � ��ل >ماك كي<‬ ‫العلمي ذات ش� � ��أن كبير‪ ،‬وآثارها املترتبة على السياس� � ��ات‬ ‫العامة ستكون مدهشة‪».‬‬ ‫فوضى عارمة في الدماغ‬

‫( )‬

‫لفهم اجلدل العلمي احلالي‪ ،‬علينا أن ندرك أوال ما يحدث في‬ ‫دماغ املصاب باالرجتاج‪ .‬فما زلنا نس� � ��تقي معارفنا احلالية‬ ‫إلى ح� � ��د بعيد من النماذج احليوانية (جتارب على القوارض‬ ‫والقط� � ��ط)‪ ،‬ومن مراقبة املصابني بأذ ّي� � ��ات دماغية وخيمة في‬ ‫غرف الرعاية املركزة‪ ،‬ومما لدينا من صور الرنني املغنطيسي‬ ‫الت� � ��ي ُأجريت ألش� � ��خاص عانوا ارجتاج� � ��ات دماغية خفيفة‬ ‫الوط� � ��أة‪ ،‬وهكذا فإن جزءا من املش� � ��هد العام ضبابي‪ .‬بيد أن‬ ‫العلم يتحس� � ��ن‪« .‬ففي املاضي لم يكن بوسعنا احلصول على‬ ‫املعلومات الالزمة س� � ��وى من خالل إج� � ��راء ثقب في جمجمة‬ ‫الش� � ��خص املصاب‪ ،‬أما اليوم فلدين� � ��ا تقنية تصوير متطــورة‬ ‫تـوفـر لنـا بعضـا مـن هــذه املعــلومات»‪ ،‬كما يقول >‪ .Ch‬جيزا<‬ ‫[األس� � ��تاذ املش� � ��ارك في ط� � ��ب اجلهاز العصب� � ��ي واجلراحة‬ ‫العصبية عن� � ��د األطفال بجامعة كاليفورنيا ‪ -‬لوس أجنلوس]‬ ‫‪60‬‬

‫الذي أجرى مراجعة لألبحاث العلمية املنشورة عن املوضوع‬ ‫الذي نتحدث عنه هنا‪.‬‬ ‫ومن الواضح اليوم أن الرأس عندما يتحرك بسرعة كبيرة‬ ‫ثم يتوقف بصورة مفاجئة‪ ،‬فإن خاليا الدماغ تتعرض للتمطط‬ ‫واالنضغاط وااللتواء‪ .‬فهذه اخلاليا تؤدي وظائفها في احلالة‬ ‫الطبيعية بواسطة انتقال التيار الكهربائي‪ ،‬حيث يقوم جزؤها‬ ‫املُس� � ��مى «احملوار» ‪ axon‬بنقل التيار ب� �ي��ن اخلاليا كما تفعل‬ ‫األسالك إلى حد ما‪ .‬فتنتقل األيونات ذهابا وإيابا على امتداد‬ ‫احملاوي� � ��ر وفق من� � ��ط ُم َ‬ ‫نضبط‪ ،‬لتنقل الرس� � ��ائل من مكان إلى‬ ‫آخر في الدماغ‪ ،‬ومن الدماغ إلى باقي أنحاء اجلسم‪ .‬ويقول‬ ‫>جي� � ��زا< إنه عندم� � ��ا يتعرض الدماغ لالرجتاج‪ ،‬فإن أغش� � ��ية‬ ‫خالياه تُصاب بضرر يؤدي إلى تسرب السوائل من اخلاليا‪،‬‬ ‫فتندف� � ��ع األيونات للدخول إلى اخلاليا واخلروج منها بصورة‬ ‫عش� � ��وائية‪ ،‬فيندفع كل من الصوديوم والكالسيوم إلى داخل‬ ‫اخلاليا ويندفع البوتاس� � ��يوم إلى خارجها‪ ،‬األمر الذي يتط ّلب‬ ‫من الدماغ عندئذ العمل على إعادة التوازن‪.‬‬ ‫سألت الس� � ��يد >جيزا< هل من املمكن مقارنة هذه‬ ‫وعندما‬ ‫ُ‬ ‫العملية بتحطم سيارة‪ ،‬أجاب بأن مقارنتها بحادث تتعرض له‬ ‫غواصة أو قارب هو األقرب للواقع‪ ،‬حيث تتسرب السوائل في‬ ‫كل م� � ��كان‪ ،‬وحيث تكافح طواقم الطوارئ من أجل إيقاف هذا‬ ‫التس� � ��رب‪ .‬وهكذا تس� � ��عى املضخات امليكروية (املجهرية) في‬ ‫اخلالي� � ��ا املصابة إلى إعادة األيونات إلى أماكنها الصحيحة‪.‬‬ ‫بيد أن هذه املضخات حتتاج إلى طاقة لتأدية عملها‪ ،‬في الوقت‬ ‫ال� � ��ذي تعاني فيه اخلاليا املُج َه َدة أزمة في الطاقة‪ .‬وفي الوقت‬ ‫ذاته‪ ،‬حتدث فوضى أخرى نتيج� � ��ة الدمار الذي يلحق بهيكل‬ ‫اخللية بس� � ��بب اندفاع األيونات بس� � ��رعة إلى داخلها‪ .‬ويتابع‬ ‫>جيزا< قائال‪« :‬وكأننا هنا نقف أمام مشهد يظهر فيه شخص‬ ‫ما داخل اخللية وبيده منش� � ��ار ُي ّ‬ ‫قطع ب� � ��ه ركائزها ودعاماتها‬ ‫كاف� � ��ة»‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإنه من املمكن أن يقوم الكالس� � ��يوم‬ ‫املتس� � ��لل إلى داخل اخللية بتفعيل إنزميات قادرة على إطالق‬ ‫الزناد في اخللية لتدمير ذاتها‪.‬‬ ‫وف� � ��ي حني أن بعض خاليا الدماغ في احلاالت الش� � ��ديدة‬ ‫تتج� � ��زأ متاما حتت وطأة اإلجهاد‪ ،‬ف� � ��إن اخلاليا املُج َهدة في‬ ‫احل� � ��االت اخلفيفة الوطأة التي يدعوها >جيزا< «باخلاليا التي‬ ‫تُش���رف على املوت ‪ »sublethal‬يمُ كن لها أن تتعافى‪ .‬غير أننا‬ ‫ال نعرف متاما حتى اآلن كم من الوقت تستغرق عملية التعافي‬ ‫هذه‪ ،‬فهي تس� � ��تغرق لدى اجلرذان مثال‪ ،‬من أس� � ��بوع إلى ‪10‬‬ ‫أيام‪ ،‬علما بأن املقاييس الزمنية لدى البش� � ��ر هي أطول عموما‬ ‫( ) ‪HAVOC IN THE BRAIN‬‬

‫(‪ neuron )1‬نورون أو عصبون‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫منها لدى ج� � ��رذان املختبر‪ ،‬التي ُيق ّدر مدى عمرها بس� � ��نتني‬ ‫فقط‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن دماغ اإلنس� � ��ان قد يستغرق وقتا أطول في‬ ‫رحلة العودة إلى حالة طبيعية يتمتع فيها بالصحة‪.‬‬ ‫وهنا ال بد من طرح السؤال اآلتي‪ :‬ماذا سيحدث للدماغ إذا‬ ‫ما تعرض أثناء فترة نقاهته الضرورية الرجتاج آخر أو أكثر؟‬ ‫من ارجتاجات الدماغ إلى مرض دماغي‬

‫( )‬

‫مَ ْحفَ���ظُ اجلثث ‪ morgue‬في مركز بدفورد س� � ��بع مج ِّمدات‬ ‫فوالذية مقاومة للصدأ ُمح َّملة بدالء لتثليج املادة الدماغية‪.‬‬ ‫رع بها حت� � ��ى تبدأ >ماك كي<‬ ‫وم� � ��ا أن تص� � ��ل األدمغة املُتب ّ‬ ‫بأخذ خزعات منها وفحص قطع منها ميكرويا (مجهر ّيا)‪،‬‬ ‫لتبحث عن ترس� � ��بات غير سوية لنوعني من البروتينات هما‬ ‫‪ tau‬و ‪ .TDP-43‬أم� � ��ا باقي النس� � ��يج الدماغي فيتم جتميده‬ ‫وتخزينه بدرجة ‪ 80-‬سيلزية بحيث ميكن استخدامه إلجراء‬ ‫أبحاث أخرى‪.‬‬ ‫قمت بها مؤخرا للمنش� � ��أة‪ ،‬اس� � ��تعرضت‬ ‫وفي إطار جولة ُ‬ ‫>م� � ��اك كي< معي دماغ� �ي��ن وصال حديثا‪ .‬كانا يش� � ��بهان كتل‬ ‫املرج� � ��ان الهالمية أو الكائنات التي تعي� � ��ش في قاع البحار‪.‬‬ ‫وكانت >ماك كي< ترتدي ز ًّيا من الفينيل األزرق اللون وقفازات‬ ‫مطاطية بيض� � ��اء عندما أخذت تق ّلب أحد الدماغني وتديره في‬ ‫يديها‪ .‬وبعد ذلك قامت وبعناية بالغة‪ ،‬باقتطاع شريحة بحجم‬

‫لقد تبني منذ فترة طويلة أن الضربات املتكررة على الرأس‬ ‫ميك� � ��ن أن تؤدي إلى اختالل ذهني‪ .‬واس� � ��تنادا إلى إفادات‬ ‫الس ْكر‪.‬‬ ‫املالكمني فإن هذا االختالل يتجلى بحالة تشبه حالة ُّ‬ ‫بيد أن العلماء لم يكش� � ��فوا النقاب عن وجود هذه املش� � ��كلة‬ ‫لدى العبي كرة القدم األمريكية أيضا‪ ،‬إال في العقد املاضي‪،‬‬ ‫حيث جنحوا‪ ،‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬وعبر اس� � ��تقصاءات تشريح‬ ‫اجلثة‪ ،‬في حتديد الواصمات (الواس���مات)(‪ )1‬الباثولوجية‬ ‫للم� � ��رض الذي ُيدعى اليوم اعت�ل�ال الدماغ الرضي املزمن‬ ‫أو اختصارا )‪.)2((CTE‬‬ ‫ال ي� � ��زال بع� ّ� ��ض العلم� � ��اء عندما يحدث االرجتاج الدماغي‪ ،‬فإن الضرر الذي يلحق‬ ‫يستبعدون أو يشكون في احتمال‬ ‫أن يعان� � ��ي العب� � ��و ك� � ��رة الق� � ��دم بخاليا الدماغ يشبه ما يحصل لغواصة إثر تعرضها‬ ‫األمريكية السابقون اكتئابا شديدا‬ ‫أو فقدان ذاكرة أو سلوكا عدوانيا حلادث يؤدي إلى تسرب املاء إلى سائر أرجائها‪.‬‬ ‫أو تصرفا غريب األطوار أو خرفا‬ ‫مبك� � ��را نتيجة للضربات املتكررة عل� � ��ى الرأس‪ .‬بيد أن ذلك ال ظفر اإلصبع ووضعها في علبة صغيرة من البالستيك‪ ،‬حيث‬ ‫يغ ّير شيئا من حقيقة أن عددا مثيرا للقلق من هؤالء الالعبني ميكن أخ� � ��ذ أجزاء منها الحقا وتلوينها بالطرق التي تس� � ��مح‬ ‫انتح� � ��روا أو ماتوا بعد إصابتهم باضطرابات عقلية‪ ،‬وال يغير باس� � ��تقصاء الواصمة ‪ tau‬والواصم� � ��ة ‪ TDP-43‬وغيرهما من‬ ‫أيض� � ��ا من حقيق� � ��ة أن عددا آخر من الذي� � ��ن أصابهم املرض الواصمات‪ .‬وقد ُع ّلقت على اجلدار قائمة تضم مناطق الدماغ‬ ‫يش� � ��عرون بالقلق ويتخذون التدابير الالزمة للتبرع بأدمغتهم التي ينبغي اختبارها‪ ،‬وعددها ‪ .28‬غير أن >ماك كي< أشارت‬ ‫للبح� � ��ث العلمي‪ .‬وأح� � ��د أبرز األمثلة على ذل� � ��ك هو ما قام به إلى أن الالئحة الفعلية تشمل ما يقارب ‪ 40‬منطقة‪.‬‬ ‫علمت من >ماك ك� � ��ي< أن أدمغة العب� � ��ي كرة القدم‬ ‫وق� � ��د‬ ‫مؤخرا >‪ .D‬دويرسون< [جنم فريق دببة شيكاغو سابقا] الذي‬ ‫ُ‬ ‫قتل نفسه بإطالق النار على صدره (وليس على رأسه)‪ ،‬تاركا األمريكي� � ��ة ولي� � ��س علم� � ��اء الصواريخ هي األكب� � ��ر حجما من‬ ‫وصية تقضي بالتبرع بدماغه لبنك الدماغ التابع الحتاد كرة الوس� � ��طي‪ ،‬وذلك ألن أجس� � ��امهم هي األضخم‪ .‬غير أن هذين‬ ‫القدم األمريكية من أجل البح� � ��ث العلمي‪ .‬وكما هو األمر في الدماغني اللذين بني أيدينا هنا ليس� � ��ا باحلجم الذي يجب أن‬ ‫العديد من احلاالت األخرى‪ ،‬فقد أظهر اس� � ��تقصاء تش� � ��ريح يكون� � ��ا عليه‪ ،‬كما تق� � ��ول >ماك كي<‪ .‬ف� � ��األول ال يتجاوز ‪1120‬‬ ‫غرام� � ��ا‪ ،‬في حني أن وزنه يج� � ��ب أ ّال يقل عن ‪ 1350‬غراما‪ .‬أما‬ ‫اجلثة أن >دويرسون< كان مصابا باالعتالل ‪.CTE‬‬ ‫تُعد >ماك كي< واحدة م� � ��ن أبرز العلماء الذين يحتلون الثاني‪ ،‬وصاحبه كان أكبر س� � ��نا والعبا متقاعدا‪ ،‬فال يتجاوز‬ ‫موق� � ��ع الصدارة في البحث العلم� � ��ي في هذا املجال‪ ،‬وهي وزنه ‪ 820‬غراما‪ .‬ومن ثم أشارت >ماك كي< إلى بعض العيوب‬ ‫التي قامت بتش� � ��ريح دماغ >دويرسون< وفحصه‪ .‬كما أنها الظاه� � ��رة املتمثلة بغي� � ��اب أحد احلواجز وبضم� � ��ور هائل في‬ ‫تشرف على أحد بنوك الدماغ الذي حصل حتى اآلن على‬ ‫( ) ‪FROM CONCUSSIONS TO BRAIN DISEASE‬‬ ‫أكثر من ‪ 100‬دماغ مت التبرع بها؛ وكان ‪ 30‬منها تقريبا من (‪ markers )1‬واصمات ج‪ :‬واصمة = صفة مالزمة للشيء‪ ،‬أو وسمات ج‪ :‬وسمة =‬ ‫صفة مميزة‪.‬‬ ‫(‪chronic traumatic encephalopathy )2‬‬ ‫الالعبني السابقني في احتاد كرة القدم األمريكية‪ .‬ويحتوي‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪61‬‬


‫اللوزة ‪ amygdala‬كاد أن يزيلها‪.‬‬ ‫يتطلب الكش� � ��ف عن االعتالل ‪ CTE‬من >ماك كي< أن تقوم‬ ‫باس� � ��تقصاء النس� � ��يج امللون مجهريا‪ ،‬فوجود تكتالت بروتني‬ ‫الـواصم� � ��ة ‪ tau‬داخل خالي� � ��ا الدماغ‪ ،‬مؤش� � ��ر على اإلصابة‬ ‫باملرض‪ .‬وتش� � ��ير >ماك كي< إلى أن هن� � ��اك ترابطا بني أجزاء‬ ‫الدماغ املصابة بالـواصمة غير الس� � ��وية ‪ tau‬وبني املش� � ��كالت‬ ‫النفس� � ��ية التي يعانيها املريض قبل وفاته‪ .‬وقد كش� � ��فت >ماك‬ ‫كي< وجود الواصمة غير الس� � ��وية ‪ tau‬في القش� � ��رة اجلبهية‪،‬‬ ‫وهي املسؤولة عن ضبط االندفاعات وعن احملاكمة وأداء املهام‬ ‫املتع� � ��ددة‪ .‬كما وجدته أيضا ف� � ��ي بنية عميقة من جذع الدماغ‬ ‫تُدع� � ��ى املوض���ع األزرق ‪ locus coeruleus‬املعروف� � ��ة بعالقتها‬ ‫باالكتئ� � ��اب‪ .‬أما ف� � ��ي مراحل املرض املتأخ� � ��رة فقد مت العثور‬ ‫عل� � ��ى الـواصمة ‪ tau‬في اللوزة املعروف� � ��ة بدورها بالتحكم في‬ ‫صي ‪ hippocampus‬الذي يستمد‬ ‫االندفاعات‪ ،‬وأيضا في احلُ َ‬ ‫أهميته من دوره في تشكل الذكريات وحفظها‪.‬‬ ‫وبعد س� � ��نوات من إنكار احتاد ك� � ��رة القدم األمريكية ومن‬ ‫تشكيك بعض األوس� � ��اط العلمية‪ ،‬صار االعتالل ‪« CTE‬يلقى‬ ‫اآلن قبوال واسعا»‪ ،‬كما تقول >ماك كي< مضيفة‪ « :‬لقد قطعنا‬ ‫بالتأكيد منتص� � ��ف الطريق‪ ،‬فأعداد متزايدة من الناس تنضم‬ ‫إلين� � ��ا»‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فحتى احتاد كرة الق� � ��دم األمريكية قد غ ّير‬ ‫رأيه ومنح املركز املتخصص بدراسة «اعتالل الدماغ الرضي‬ ‫املزمن» في جامعة بوسطن مبلغ مليون دوالر أمريكي تشارك‬ ‫>ماك كي< في إدارتها من أجل األبحاث‪.‬‬ ‫وما النتائ� � ��ج التي توصلت إليها >ماك كي< مؤخرا إ ّال من‬ ‫ثم� � ��رات هذا البحث العلمي‪ ،‬ولعلها أكثر النتائج إثارة للجدل‪.‬‬ ‫فق� � ��د وجدت >ماك كي< وزمالؤها أنه في نحو ‪ %13‬من حاالت‬ ‫ص‬ ‫االعتالل ‪ CTE‬التي متت دراس� � ��تها كان املتوفى قد ُش� � � ِّ�خ َ‬ ‫لديه أيضا مرض التصلب ‪ .ALS‬وهي بال ش� � ��ك نس� � ��بة عالية‬ ‫جدا إذا ما ُقورنت بنس� � ��بة هذا املرض لدى السكان العاديني‪،‬‬ ‫التي ميكن أن تصل عن� � ��د البالغني منهم إلى نحو ‪ 1‬بني ‪.400‬‬ ‫كما وجدت >ماك كي< بتش� � ��ريح اجلث� � ��ة في احلاالت املذكورة‬ ‫دليال اليقتصر على وجود الواصمة غير الس� � ��وية ‪ ،tau‬وإمنا‬ ‫أيضا‪ ،‬على وجود كمية كبيرة جدا من البروتينات غير السوية‬ ‫‪ TDP-43‬التي تتوزع وفق أمناط غير مألوفة‪.‬‬ ‫ويبدو البروتني ‪ TDP-43‬حتت املجهر أش� � ��به بزغب أسود أو‬ ‫بفتات البراغيث‪ .‬ويوجد هذا البروتني عادة ضمن نوى اخلاليا‬ ‫الدماغية‪ .‬أما عندما تعان� � ��ي اخلاليا أذية ما تصيب محاويرها‬ ‫وتص� � ��اب باملرض‪ ،‬فإن البروتينات تخرج م� � ��ن نواة اخللية إلى‬ ‫الس���يتوبالزم (الهيولى) ‪ cytoplasm‬حيث تتراكم فيها‪ .‬وقد مت‬ ‫العثور على البروتني غير السوي ‪ TDP-43‬عند املصابني مبرض‬ ‫‪62‬‬

‫التصلب ‪ ALS‬أيضا‪ .‬غير أن >ماك كي< تشير إلى أن منط توزع‬ ‫البروتني ‪ TDP-43‬كان مختلفا في األدمغة التي قامت بدراستها‪،‬‬ ‫والت� � ��ي كان أصحابه� � ��ا مصابني‪ ،‬إضافة إل� � ��ى مرض التصلب‬ ‫‪ ،ALS‬باالعتالل ‪ .CTE‬فقد عثرت >ماك كي< على رواس� � ��ب منه‬ ‫في مناطق عدة تش� � ��مل س� � ��طح الدماغ وحول البطينات وجذع‬ ‫الدماغ‪ ،‬وهو من� � ��ط غير منوذجي في مرض التصلب ‪ ،ALS‬كما‬ ‫تقول >ماك كي<‪ .‬وق� � ��د دفعها هذا األمر مع أعضاء فريقها إلى‬ ‫أن تطلق اس� � ��ما جديدا على هذا امل� � ��رض‪ ،‬وهو اعتالل الدماغ‬ ‫والنخاع الرضيّ املزمن أو اختصارا )‪.)1((CTEM‬‬ ‫وتوضح >ماك كي< بأن بحثها لم يكتمل بعد‪ ،‬فهي لم تَفهم‪،‬‬ ‫على س � � �ــبيل املثـــال‪ ،‬الـدور الدقيــق ال� � ��ذي تؤديــه البروتينات‬ ‫‪ tau‬و ‪ TDP-43‬ف� � ��ي التس� � ��بب باألمراض‪ ،‬وم� � ��ا إذا كان لهذه‬ ‫البروتين� � ��ات أي دور في ذلك أصال‪ .‬وتق� � ��ول >ماك كي< بهذا‬ ‫الص� � ��دد‪« :‬نحن ما زلنا ال نفهم ذل� � ��ك حقا»‪ ،‬ثم تضيف قائلة‪:‬‬ ‫«لقد أثبتت الباثولوجيا أن هناك مش� � ��كلة‪ ،‬ولكنها لم تقدم بعد‬ ‫إجابات على كثير من األسئلة»‪ .‬ومن بني هذه األسئلة‪ ،‬كما تفيد‬ ‫>م� � ��اك كي< وزمالؤها‪ :‬ملاذا تظهر أعراض هذه األمراض لدى‬ ‫بعض الناس بصورة س� � ��ريعة نس� � ��بيا‪ ،‬في حني أنها تستغرق‬ ‫س� � ��نوات عدة قبل أن تظهر عند بعضهم اآلخر؟ ملاذا ال يعاني‬ ‫بعض األش� � ��خاص الذين ُأصيبوا بارجتاجات دماغية متعددة‬ ‫أية مش� � ��كالت على اإلطالق؟ هل االستعداد الوراثي لإلصابة‬ ‫باالعتالل ‪ CTE‬واالعتالل ‪ CTEM‬لدى بعض األشخاص أكبر‬ ‫منه ل� � ��دى بعضهم اآلخر؟ وق� � ��د تنطبق األس� � ��ئلة ذاتها أو ما‬ ‫يشبهها على التدخني وعالقته بالسرطان‪ .‬وال أحد يشك اليوم‬ ‫في أن التدخني يسبب السرطان‪.‬‬ ‫قفزة أبعد مما ينبغي؟‬

‫( )‬

‫يج� � ��ادل كثير من املتخصصني مب� � ��رض التصلب ‪ ALS‬في أن‬ ‫تصريحات >ماك كي< وزمالئها تنطوي على ادعاءات واسعة ال‬ ‫ميكن تبريرها علميا‪ .‬ويقول >‪ .H .S‬أبل< [املدير املساعد للمعهد‬ ‫املنهجي لألمراض العصبية في هيوس� �ت��ن(‪« : ])2‬ال شك في أن‬ ‫هن� � ��اك ثغرة كبيرة في معارفن� � ��ا»‪ ،‬ثم يضيف‪« :‬ال نعرف متاما‬ ‫عدد االرجتاج� � ��ات الدماغية التي يتطلبه� � ��ا األمر‪ ،‬وال ما هي‬ ‫عوامل االختطار(‪ .)3‬ولنفترض أننا أوقفنا إصابات االرجتاج‪،‬‬ ‫فهـل س � � �ــيعني هــذا أننا ســـوف لن نشــهد بعد عشــر ســنوات‬ ‫أو خمس عشرة سنة ظهور حالة من احلاالت الشديدة الوطأة؟‬ ‫وهذا يتطلب التفكير بتأن ش� � ��ديد واالس� � ��تقصاء بعناية بالغة‪.‬‬ ‫( ) ?‪A LEAP TOO FAR‬‬ ‫(‪chronic traumatic encephalomyelopathy )1‬‬ ‫(‪the Methodist Neurological Institute in Houston )2‬‬ ‫(‪risk factors )3‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫بعد ارجتاجات‬ ‫دماغية متكررة‬ ‫‪ TDP-43‬في‬ ‫السيتوبالزم‬

‫ر ّد فعل متأخر‬

‫موت نورون‬

‫( )‬

‫ق����د ت����ؤدي أذ ّيات الدماغ الرضية‪ ،‬مبا فيها االرجتاجات الدماغية‪ ،‬إلى إصابة قس����م م����ن نوروناته بتنكس يفضي أخيرا‬ ‫إلى موتها بعد س���نوات من حدوث األذية‪ .‬ففي ما ُيس���مى اعتالل الدماغ والنخاع الرضي املزمن (‪ )1()CTEM‬الذي يش���به‬ ‫داء >لو گيري����گ<‪ ،‬تنفص����ل البروتينات املثبتة ‪ tau‬عن الن َُّب ْيبات التي هي دعامات هيكلية حملاوير النورونات الش����بيهة‬ ‫باألسالك‪ ،‬مما يؤدي إلى تفكك هذه النبيبات وتراكم البروتينات ‪ tau‬وحتولها إلى كتل من اخليوط املتشابكة ‪tangles‬‬ ‫تفتك باخللية‪ .‬وفي الوقت نفس����ه‪ ،‬فإن البروتينات ‪ TDP-43‬التي ُيعتقد أنها تقوم بتنظيم نش����اط اجلينات‪ ،‬تنزح من‬ ‫نواة اخللية إلى الس����يتوبالزم‪ ،‬حيث تش����كل هناك ُكداس� � ��ات س� � ��امة(‪ .)2‬وميكن لنزوح البروتينات ‪ tau‬و ‪ TDP-4‬أن‬ ‫يؤدي إلى تدهور في الوظيفة اخللوية يفضي بدوره إلى موت النورون‪.‬‬ ‫‪TDP-43‬‬

‫ُن َب ْيب سليم‬

‫في النواة‬

‫جزيئات‬ ‫التثبيتية‬

‫‪tau‬‬

‫ُن َب ْيب متفكك‬

‫نورون‬

‫محوار‬

‫تراكم كتل من‬ ‫اخليوط املتشابكة‬ ‫من ‪( tau‬داخل أحد النورونات)‬

‫إنني ال أنتقد االس� � ��تعالم الدقيق‪ ،‬ولكنني أنتقد قيام عشرات‬ ‫املرضى باالتصال بي هاتفيا والذعر ميأل قلوبهم خش� � ��ية أن‬ ‫تكـون حـاالتـهـم قد ُش ِّخصت تشخيصا خاطئا‪».‬‬ ‫بي� � ��د أن >أبل< و>ماك كي< يتفقان على نقطة واحدة‪ ،‬وهي‬ ‫تتعلق بحقيقة أن مرض التصلب ‪ ALS‬هو متالزمة ‪،syndrome‬‬ ‫وليس مرضا مفردا‪ ،‬ش� � ��أنه في ذلك شأن اخلرف ‪dementia‬‬ ‫الذي مي ّثل فئة واس� � ��عة من األمراض‪ .‬فمرض التصلب ‪ALS‬‬ ‫إذن فئة من األعراض الس� � ��ريرية‪ ،‬ويعد االعتالل ‪ CTEM‬من‬ ‫االضطرابات التي تتوافر فيها الش� � ��روط إلدراجها ضمن هذه‬ ‫املتالزمة‪ ،‬كما ترى >ماك كي<‪ ،‬فهو ُيش � � � ّكل اضطرابا متميزا‬ ‫ويعود س� � ��ببه إل� � ��ى ارجتاجات متكررة‪ .‬وعل� � ��ى أية حال‪ ،‬فإن‬ ‫>أبل< يرى أن املعلومات املنش� � ��ورة حتى اآلن ال تبرر احلديث‬ ‫عن «قفزة نظرية هائلة‪».‬‬ ‫ويش� � � ّ�ك >أبل< وغيره في صحة ما تذهب إليه >ماك كي<‪،‬‬ ‫وه� � ��و أن األدمغة املصابة بتنكس ف� � ��ي النورون احلركي التي‬ ‫َ‬ ‫باملرضينْ معا‪ :‬التصلب ‪ALS‬‬ ‫اس� � ��تقصتها كانت مصابة فعال‬ ‫واالعتالل ‪ .CTE‬ويشير هؤالء النقاد إلى أن أفضل الدراسات‬ ‫العلمية التي كانت تس� � ��عى إلى إقامة الدليل على وجود صلة‬ ‫ب� �ي��ن االرجتاج� � ��ات الدماغية ومرض التصل� � ��ب ‪ ALS‬لم تفلح‬ ‫في ذلك‪ .‬ويتس� � ��اءل >أبل< في هذا الس� � ��ياق‪« :‬هل من املمكن‬

‫حالة سليمة‬

‫أن ت� � ��ؤدي الرضوض إلى مرض التصل� � ��ب ‪ALS‬؟» ثم يجيب‪:‬‬ ‫«بالطبع إن ذلك ممكن‪ ،‬إال أن كبار الباحثني ما زالوا يدرسون‬ ‫ذلك منذ ‪ 30‬عاما‪ ،‬ولم يتمكنوا حتى اآلن من إثبات ش� � ��يء من‬ ‫هذا القبيل‪».‬‬ ‫ربمّ ا ال يقوم الناس العاديون بتحليل الفروق الطفيفة والنقاط‬ ‫الدقيقة للعملية العلمية عندما ُيق ّيمون حاالتهم الش� � ��خصية‪ .‬وفي‬ ‫هذا‪ ،‬م� � ��ن املرجح أن يعتمدوا فقط عل� � ��ى ذاكراتهم ‪ -‬ومعارفهم‬ ‫الشخصية بعقولهم وأجسادهم ‪ -‬لتقدير ما حل بهم‪ .‬فـ >تورنر<‬ ‫وعائلت� � ��ه وأصدقاؤه‪ ،‬مثال‪ ،‬هم عل� � ��ى يقني بأنه مصاب باالعتالل‬ ‫‪ CTE‬وأنه بصورة ش� � ��به مؤكدة يعان� � ��ي االعتالل ‪ CTEM‬أيضا‪.‬‬ ‫وقد اطمأنت قلوبهم إلى ح ّد ما بعد أن وجدوا تفس� � ��يرا للكارثة‬ ‫التي تعرض لها >تورنر<‪.‬‬ ‫بدأت مبمارس� � ��ة رياض� � ��ة كرة القدم‬ ‫يق� � ��ول >تورنر<‪« :‬لقد ُ‬ ‫عشقت هذه‬ ‫كنت في اخلامسة من عمري‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬ ‫األمريكية عندما ُ‬ ‫وتفرغت لها كليا من اخلامس� � ��ة وحتى‬ ‫اللعب� � ��ة بإخالص كبير‬ ‫ُ‬ ‫ركبتي وظهري‬ ‫احلادية والثالثني من العمر‪ .‬كن� � � ُ�ت مدركا أن‬ ‫َّ‬ ‫وعنقي س� � ��تكون بالغة السوء عندما سأبلغ الستني من العمر‪.‬‬ ‫إلي ع ّما ميكن أن يصيب دماغي‪.‬‬ ‫بيد أن أحدا لم يتحدث ّ‬ ‫( ) ‪ Death of A Neuron‬أو‪ :‬موت عصبون‪.‬‬ ‫(‪chronic traumatic encephalomyelopathy )1‬‬ ‫(‪toxic aggregates )2‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪63‬‬


‫كانوا يقولون لنا‪« :‬اضرب بجبهتك»‪ .‬وهذا هو األسلوب الوحيد‬ ‫الذي كنت أتقنه‪».‬‬ ‫أصيب مرتني بارجتاج دماغي وخيم‬ ‫ويتذك� � ��ر >تورنر< أنه ُ‬ ‫خالل مسيرته الرياضية؛ املرة األولى‪ ،‬عندما كان يلعب لصالح‬ ‫فري� � ��ق الوطنيني‪ ،‬والثانية في الفت� � ��رة التي كان يلعب فيها مع‬ ‫فري� � ��ق الصقور‪ .‬وم� � ��ازال يتذكر أنه واص� � ��ل اللعب لربع آخر‬ ‫م� � ��ن املباراة بعد االرجتاج الدماغي الثان� � ��ي‪ ،‬ولكنه غير قادر‬ ‫اآلن عل� � ��ى تذكر املدينة التي جرت املب� � ��اراة فيها آنذاك‪ ،‬وهل‬ ‫ه� � ��ي فيالدلفيا أم ‪Green Bay‬؟ ثم يضي� � ��ف قائال‪« :‬من املمكن‬ ‫أن يك� � ��ون دماغ� � ��ي قد اهت ّز ‪ 100‬مرة‪ ،‬ولك� � ��ن ما هو االرجتاج‬ ‫الدماغي؟ وما هي معاييره؟ هل هو س� � ��ماع أجراس تقرع في‬ ‫رأسك؟ أو رؤية بقع أمام عينيك؟ أو شعور بالدوار ينتابك؟ لقد‬ ‫عشت هذا ك ّله مرات عديدة وعلى األكثر في املمارسة‪».‬‬ ‫التعامل مع حكم باإلعدام‬

‫( )‬

‫تجُ مع روايات كثي� � ��رة على أن >تورنر< كان طفال يتميز بقدرة‬ ‫كبي� � ��رة على التركيز الذهني وتنظيم ش� � ��ؤون حياته‪ .‬ولم يتغير‬ ‫لدي� � ��ه ذلك وهو بالغ‪ ،‬كما يش� � ��هد على ذلك >‪ .C‬ساندرس� � ��ون<‬ ‫[صديقه وزميله في السكن والدراسة في جامعة آالباما] الذي‬ ‫كان يلعب مهاجما جنبا إلى جنب معه‪ ،‬في فريق املد القرمزي‬ ‫آلالباما ‪ .Alabama Crimson Tide‬يقول >ساندرس� � ��ون<‪« :‬لقد‬ ‫كان >تورن� � ��ر< دائما ط ّيبا ومس� � ��تقيما‪ ،‬يحترم املواعيد ويلتزم‬ ‫بها بدقة»‪ ،‬ث� � ��م يضيف‪« :‬عندما كنا نس� � ��كن في غرفة واحدة‬ ‫كان >تورنر< ش� � ��ديد احل� � ��رص على أن يضع كل ش� � ��يء في‬ ‫مكانه»‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فقد أصبحت هذه الغرفة التي يتحدث عنها‬ ‫>ساندرسون< بحد ذاتها دليال صارخا على التغير الذي طرأ‬ ‫على صديقه في السنوات األخيرة‪ ،‬فعندما يسكن >تورنر< مع‬ ‫عائلة >ساندرس� � ��ون< في بيتها بني احلني واآلخر‪ ،‬فإن أمتعته‬ ‫الش� � ��خصية مبا تتضمنه من س� �ل��ال حتوي الثياب واألغطية‬ ‫وغيره� � ��ا‪ ،‬ومبا في ذلك علبة بطاقات كرة القدم‪ ،‬تكون متناثرة‬ ‫ف� � ��ي جميع أرجاء الغرفة التي يقطنها‪ .‬و ُيع ّلق >ساندرس� � ��ون<‬ ‫الحظت تغيرا جليا في ش� � ��خصيته‪ ،‬إذ‬ ‫عل� � ��ى ذلك قائال‪« :‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫يعيش اليوم فترة عصيبة من حياته إذا طلب إليه أداء مهمة ما‬ ‫من البداية إلى النهاية‪».‬‬ ‫ويقول كل من >ساندرسون< و>جويس< (زوجة >تورنر<‬ ‫الس� � ��ابقة) إن >تورنر< كان يعاني االكتئاب‪ ،‬وكانا يعتقدان‬ ‫في بداية األمر أن الس� � ��بب يعود إلى تقاعده من كرة القدم‬ ‫وانخراط� � ��ه في أمناط احلي� � ��اة االعتيادية وما رافق ذلك من‬ ‫تغي� � ��رات في أس� � ��لوب حياته العادي� � ��ة‪ .‬كان >تورنر< يعاني‬ ‫أيض� � ��ا إدمانا ش� � ��ديدا على مض� � ��ادات األل� � ��م عندما ترك‬ ‫‪64‬‬

‫اللع� � ��ب‪ .‬وفوق ذل� � ��ك كله‪ ،‬كانت ش� � ��ركته العقارية قد أعلنت‬ ‫إفالسها‪ .‬فليس من العسير أن نتصور إذن‪ ،‬أن هناك صلة‬ ‫بني تلك الصعوبات ومش� � ��كالت >تورنر< النفسية‪ ،‬مبا فيها‬ ‫نق� � ��ص التركيز الذهني واالكتئاب‪ .‬غير أن أصدقاء >تورنر<‬ ‫وعائلته يؤكدون أن املش� � ��كالت التي واجهها هي مشكالت‬ ‫مخالفة لطباعه‪ ،‬وينبغي أن يكون لها تفسير آخر‪ ،‬فإخفاقاته‬ ‫الشخصية هي إخفاقات منوذجية جندها لدى عدد كبير من‬ ‫العبي كرة القدم األمريكية السابقني الذين تبني باستقصاء‬ ‫تش� � ��ريح اجلثة أن أدمغتهم ُأصيبت بتبدالت صمغية ناجمة‬ ‫ع� � ��ن بروتينات الـواصمة ‪ .tau‬وترى >ماك كي< أنه قد يكون‬ ‫هناك من يعتبر أن التغيرات احلاصلة في سلوك وشخصيات‬ ‫هؤالء املرضى «نفسية املنشأ‪ ،‬بيد أنها في حقيقة األمر ذات‬ ‫أساس بنيوي‪».‬‬ ‫ويقول >تورنر< الذي أنش� � ��أ مؤسسة لدعم البحث العلمي‬ ‫في املجال الذي نتحدث عنه‪« :‬لقد لَ َف َت االعتالل ‪ CTE‬انتباهي‬ ‫بالفعل‪ ،‬ال س� � ��يما أن العبا تلو آخ� � ��ر ممن أعرفهم قد واجهوا‬ ‫املش� � ��كالت ذاتها التي أصابتني»‪ .‬ويتاب� � ��ع قائال‪« :‬ما زلت ال‬ ‫أعرف سبب املش� � ��كالت التي أعانيها‪ ،‬غير أن األمر املهم لي‬ ‫هو أ ّ‬ ‫ال أنس� � ��ى أنني لس� � ��ت وحيدا‪ ،‬فهناك م� � ��ا ال يقل عن ‪14‬‬ ‫العبا آخر عانوا مشكالت مماثلة‪ :‬إدمان وطالق وإفالس‪ .‬وما‬ ‫مييزني عن هؤالء هو أنني أنضوي حتت راية مجموعة خاصة‬ ‫يعاني أفرادها مرض التصلب ‪ ALS‬أيضا‪ .‬وما يجعلني أشعر‬ ‫بقليل من العزاء هو أنني لست الوحيد الذي حتول بني عشية‬ ‫وضحاها إلى إنسان خاسر‪».‬‬ ‫وال ميكن كش� � ��ف الواصمة غير السوية ‪ tau‬إ ّال باستقصاء‬ ‫تشريح اجلثة‪ ،‬ولهذا السبب فإن حالة >تورنر< ستبقى غامضة‬ ‫حتى ذلك احلني‪ .‬وقد قرر >تورنر< أن يتبرع بدماغه وبنخاعه‬ ‫لفري� � ��ق >ماك ك� � ��ي< للبحث العلمي‪ ،‬علما بأنه وأفراد أس� � ��رته‬ ‫واثقون مما سوف تظهره النتائج‪.‬‬ ‫وم� � ��ع كل ذلك‪ ،‬ال ي� � ��زال >تورنر< يحب لعب� � ��ة كرة القدم‬ ‫األمريكي� � ��ة‪ ،‬واليزال جناله >نوالن< ذو األربعة عش� � ��ر عاما‬ ‫و>كول< الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات أيضا ميارسان‬ ‫هذه اللعبة‪( .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد ابتعد >تورنر< بولديه عن مالعب‬ ‫كرة القدم في اخلريف املاضي‪ ،‬فهو يريد قضاء أطول وقت‬ ‫ممكن معهما ما دام قادرا على استخدام ساقيه‪ ،‬كما أنه ال‬ ‫يود أن يتع ّرض ابن� � ��ه األصغر لإلصابة بارجتاجات دماغية‬ ‫قبل أن يدخل املدرسة املتوس� � ��طة على أقل تقدير)‪ .‬ويعيش‬ ‫جناله مع أ ّمهما في منزل قرميدي حديث توجد على طريقه‬ ‫اخللفي منصة للقفز البهلواني ‪ trampoline‬ومسار أللواح‬ ‫( ) ‪DEALING WITH A DEATH SENTENCE‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫التزل����ج ‪ .skateboard ramp‬ويؤك� � ��د >تورنر< قائال‪« :‬إذا ّ‬ ‫كف‬ ‫الولدان عن ممارس� � ��ة رياضة كرة القدم فس� � ��وف أكون من‬ ‫السعداء‪ ،‬ولكنني س� � ��وف أواجه صعوبة بالغة في إقناعهما‬ ‫باإلق� �ل��اع عنها»‪ ،‬ثم يتابع >تورنر< ‪ -‬الذي حافظ على روحه‬ ‫املرحة الس� � ��اخرة في التعبير عن حالت� � ��ه الصعبة ‪ -‬قائال‪:‬‬ ‫«هناك أش� � ��ياء ما زالت حتتل حيزا كبيرا في فضاء حياتي‪،‬‬ ‫وهي أش� � ��ياء ال أس� � ��تطيع أن أكرهها أبدا‪ ،‬ش� � ��أنها في ذلك‬ ‫ش� � ��أن زوجتي الس� � ��ابقة التي ما زلت أجد صعوبة بالغة في‬ ‫أن أكرهها‪».‬‬ ‫أما >جويس< فتقول عن نفسها إن الوضع الكئيب مبجمله‬ ‫يغيظها‪ ،‬وتضيف‪« :‬لق� � ��د كان >تورنر< الرجل احملظوظ الدائم‬ ‫االبته� � ��اج وال� � ��ذي ال تعرف الهم� � ��وم إليه س� � ��بيال‪ ،‬ثم ُأصيب‬ ‫باالكتئاب بغتة‪ ،‬وكان يرفض أن يعرف أحد شيئا عما يعانيه‪،‬‬ ‫ث� � ��م فقد قدرته على اتخاذ أي قرار‪ ،‬وعلى تس� � ��يير أي ش� � ��أن‬ ‫أضحيت كمن يعيش مع طفل رابع‬ ‫من ش� � ��ؤون حياته‪ .‬وهكذا‬ ‫ُ‬ ‫أو أخ أو صديق حميم ال هم له س� � ��وى إث� � ��ارة غضبي‪ .‬وقبل‬ ‫تش� � ��خيص مرض التصلب ‪ ALS‬لدى >تورنر< بثالث سنوات‬ ‫حاول االنتحار‪ .‬فقد كان عنده بضع بنادق‪ .‬وقد أخبرني بأنه‬ ‫كان يريد قتل نفسه لشعوره بأنه صار شخصا مختلفا‪ ،‬وقال‬ ‫لي إنه لم ينتحر بسبب األطفال‪».‬‬ ‫أمقت ما أصابه من مكروه‬ ‫وتابعت >جويس< قولها‪« :‬إنني‬ ‫ُ‬ ‫جسدي ونفسي بسبب كرة القدم‪ .‬فعندما كان يتعرض ألذيات‬ ‫رضية في الركبة كان يتلقى العالج على يد أفضل اجلراحني‬ ‫واملعاجل� �ي��ن الفيزيائيني‪ .‬أما عندما كان� � ��ت تأتيه اللكمات على‬ ‫دماغه هنا وهناك‪ ،‬فقد كان عليه دائما أن يعود بأقصى سرعة‬ ‫ممكن� � ��ة إلى املب� � ��اراة‪ ،‬وذلك كما لو ك ّن� � ��ا ال نعرف أن التدخني‬ ‫يضر بصحتنا‪».‬‬ ‫وي� � ��رى الذين ينتق� � ��دون >ماك كي< أن مث� � ��ال التدخني هنا‬ ‫ال ينطب� � ��ق متاما عل� � ��ى مرض االعت� �ل��ال ‪ ،CTEM‬حيث يعتقد‬ ‫>‪ .C‬أرمون< مثال [وهو رئيس قسم األمراض العصبية مبركز‬ ‫بايستيت الطبي(‪ )1‬في سپرينگفيلد – ماساتشوستس وأستاذ‬ ‫طب اجله� � ��از العصبي بكلي� � ��ة الطب في جامع� � ��ة ِ‬ ‫تافتس] أن‬ ‫البيان� � ��ات اخلاصة بعالقة التدخني بالس� � ��رطان التي تراكمت‬ ‫على مر العقود منذ عام ‪ 1950‬هي بيانات أكثر متاسكا من تلك‬ ‫التي قدمتها >ماك ك� � ��ي< وزمالؤها عن االرجتاجات الدماغية‬ ‫وأم� � ��راض النورون احلركي‪ .‬فالب ِّينات ‪ -‬كما يرى >أرمون< ‪-‬‬ ‫ش� � ��حيحة‪ ،‬وال ميكن أن نستنتج منها سوى أن هناك َ‬ ‫مرضينْ‬ ‫ميك� � ��ن أن يتصاحبا ويظهرا معا وهما‪ :‬االعتالل ‪ CTE‬ومرض‬ ‫التصلب ‪.ALS‬‬ ‫ويتاب� � ��ع >أرم� � ��ون< قائال‪« :‬هن� � ��اك الكثير م� � ��ن الظالل‬

‫الضئيل� � ��ة التي ميكن أن نضفيها إلى البيانات حتى عندما‬ ‫تكون قاطعة الداللة»‪ .‬ثم يش� � ��دد على أنه من املمكن‪ ،‬مثال‪،‬‬ ‫أن تك� � ��ون الواصمت� � ��ان ‪ tau‬و‪ TDP-43‬مس� � ��ببتني للمرض‬ ‫الدماغي‪ ،‬ومن املمكن أن تكونا جزءا من آلية االس� � ��تجابة‬ ‫الدماغي� � ��ة ملكافحة األم� � ��راض‪ .‬وإذا افترضنا جدال أنهما‬ ‫عامالن مس� � ��ببان‪ ،‬فإن من املمكن أن يكونا قد أسهما في‬ ‫نشوء مرضني مختلفني‪ .‬ويشير >أرمون< إلى أن «البيانات‬ ‫ال تدع� � ��م الفرضي� � ��ة القائلة‪ :‬إن االعت� �ل��ال ‪ CTE‬واالعتالل‬ ‫‪ CTEM‬هما حلقتان من سلسلة واحدة‪».‬‬ ‫ويتابع >أرمون< حديثه مش� � ��ددا عل� � ��ى أن ما قاله ال يعني‬ ‫على اإلطالق التش� � ��كيك في حقيقة أن لالرجتاجات الدماغية‬ ‫أضرارا صحية‪ .‬ولكنه يود أن ينوه بأن «األمر بات يشكل قضية‬ ‫اجتماعية أيضا‪ ،‬إذن ملاذا يشجع املجتمع أنواعا من الرياضة‬ ‫تُع ِّرض الالعبني لإلصابة بارجتاجات دماغية متعددة؟ فعصر‬ ‫املصارع� �ي��ن الرومان ‪ gladiators‬قد و ّلى إلى غير رجعة‪ ،‬وليس‬ ‫هناك اليوم أي جدال في األوساط العلمية حول التأثير الضار‬ ‫بالصحة لالرجتاجات الدماغية املتكررة‪».‬‬ ‫تواف� � ��ق >ماك كي< عل� � ��ى هذه النقطة‪ ،‬ولكنه� � ��ا تعتقد أنها‬ ‫سوف تتمكن من العثور على حلول لها‪ ،‬مشيرة إلى أن عملها‬ ‫العلمي يهدف باألس� � ��اس إلى حتقيق فهم أفضل لآلليات التي‬ ‫تؤدي االرجتاجات الدماغية من خاللها إلى نش� � ��وء تنكس في‬ ‫الدماغ‪« ،‬األمر الذي قد يس� � ��اعدنا بصورة كبيرة على حتقيق‬ ‫فهم أفضل ملا جنهله حتى اآلن من مداخالت عالجية ممكنة»‪،‬‬ ‫كما تقول‪ .‬أما فيما يتعلق بأشخاص مثل >تورنر< وأسرته‪ ،‬فقد‬ ‫يكون األمر متأخرا جدا‪ ،‬ومع ذلك فإن ذلك هو األمل الوحيد‪،‬‬ ‫>‬ ‫كما تراه >ماك كي<‪.‬‬ ‫(‪Baystate Medical Center )1‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, February 2012‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪65‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫تفكر لنفسها‬ ‫اآلالت التي ِّ‬

‫( )‬

‫تقنيات جديدة تتف َّوق على اخلبراء في تعليم احلواسيب كيف تتعلَّم‪.‬‬ ‫>ياسر أبو‬

‫إلي مديرو شركة مالبس نسائية‬ ‫قبل بضع سنوات‪ ،‬طلب َّ‬ ‫مساعدتهم على وضع توصيات ألزياء أفضل لزبائنهم‪ .‬ولم‬ ‫يكن في ذهن أحد منهم أن يسعى إلى نصيحة مني في مجال‬ ‫ال أعرف عنه إال قليال‪ ،‬فأنا في الواقع لس� � ��ت س� � ��وى رجل‬ ‫مختص باحلاس� � ��وب‪ .‬ولم يكونوا مهتمني برأيي الشخصي‬ ‫في األزياء‪ ،‬بل بإرش� � ��اداتي حول تعلُّم اآللة‪ .‬وقد استجبت‬ ‫لهم بس� � ��رور‪ .‬واعتمادا على أرقام املبيعات واس� � ��تطالعات‬ ‫نت من أن أقترح على نس� � ��اء لم ِ‬ ‫ألتق بهن‬ ‫الزبائن فقط‪ ،‬متكَّ ُ‬ ‫م� � ��ن قبل أزياء ل� � ��م أرها قط‪ .‬وتف َّوق� � ��ت توصياتي على أداء‬ ‫احملترفني في عالم األزياء‪ ،‬مع أنني ما زلت ال أعرف سوى‬ ‫القليل عن أزياء النساء‪.‬‬ ‫عد تع ُّلم اآللة(‪ )1‬فرعا من علم احلاسوب ميكِّن احلواسيب‬ ‫ُي ُّ‬ ‫من التعلُّم من التجربة واملمارسة‪ .‬وهو منتشر في كل مكان‪.‬‬ ‫إنه يجعل نتائج البحث في ال ِوب أقرب إلى املطلوب وفحوص‬ ‫الدم أكثر دقة‪ ،‬كما يجعل خدمات التواعد الغرامي أقدر على‬ ‫ِ‬ ‫صيغ ِه‪ ،‬تأخذ خوارزميات‬ ‫العثور على قرين مالئم‪ .‬وفي أبسط‬ ‫تعلُّم اآللة مجموعة من البيانات املتو ِّفرة‪ ،‬وتبحث ضمنها عن‬ ‫أمناط معينة‪ ،‬ثم تس� � ��تعمل تلك األمن� � ��اط لتوليد تو ُّقعات عن‬ ‫حسنت التطورات في تعلُّم اآللة خالل العقد‬ ‫املس� � ��تقبل‪ .‬وقد َّ‬ ‫املنصرم من أداء هذا احلقل‪ .‬وبالفعل‪ُ ،‬تعتبر تقنيات تعلُّم اآللة‬ ‫اليوم مسؤولة عن جعل احلواس� � ��يب «أذكى» من البشر في‬ ‫كثير من مهامهم‪ُ .‬خ ْذ املنظومة واتسون(‪ )2‬مثال‪ ،‬وهي منظومة‬ ‫حاسوبية من الشركة ‪ IBM‬استعملت تعلُّم اآللة للتغلب على‬

‫مصطفى<‬

‫أفضل متسابقي البرنامج جيوباردي(‪ )3‬في العالم‪.‬‬ ‫التحدث إلى‬ ‫إال أن أهم مس� � ��ابقة لتعلُّم اآللة ل� � ��م تتضمن‬ ‫ُّ‬ ‫حواسيب تجُ يب عن أس� � ��ئلة جيوباردي‪ .‬فقبل عدة سنوات‪،‬‬ ‫رغبت ش� � ��ركة أفالم ال � � � ِوب نتفليكس ‪ Netflix‬في مس� � ��اعدة‬ ‫زبائنه� � ��ا على العث� � ��ور على األفالم الت� � ��ي يحبونها‪ ،‬وخاصة‬ ‫األفالم غير املطلوبة كثيرا وغير احلديثة‪ ،‬وحتى تلك املغمورة‬ ‫مؤخرة فهارس� � ��ها‪ .‬وتوجد لدى الش� � ��ركة فعال منظومة‬ ‫ف� � ��ي ِّ‬ ‫القت� � ��راح األف� �ل��ام‪ ،‬إال أن مديريها رأوا أنه� � ��ا بعيدة عن أن‬ ‫تكون مالئمة‪ ،‬ولذا أطلقوا مس� � ��ابقة لتحسني احلالة القائمة‪.‬‬ ‫وكانت قواعد املسابقة بسيطة‪ :‬يربح أول من يتف َّوق أداؤه في‬ ‫املس� � ��ابقة على أداء منظومة الشركة املوجودة بـ‪ ،%10‬جائزة‬ ‫مقدارها مليون دوالر‪ .‬واشترك في املسابقة ألوف الناس من‬ ‫شتى بقاع العالم‪.‬‬ ‫لقد كانت املس� � ��ابقة حلما بالنس� � ��بة إلى الباحثني الذين‬ ‫يعمل� � ��ون ف� � ��ي مجال تعلُّم اآلل� � ��ة (وليس هذا بس� � ��بب قيمتها‬ ‫مكونات‬ ‫النقدية وحس� � ��ب على الرغم من جاذبيته� � ��ا)‪ .‬فأكثر ِّ‬ ‫منظوم� � ��ة تعلُّم اآللة أهمية هي البيانات‪ ،‬وقد و َّفرت الش� � ��ركة‬ ‫( ) ‪MACHINES THAT THINK FOR THEMSELVES‬‬ ‫(‪machine learning )1‬‬ ‫(‪ :Watson )2‬واتس� � ��ون منظومة حاس� � ��وبية للذكاء الصنعي‬

‫تستطيع اإلجابة عن أسئلة‬ ‫ُتط� � ��رح باللغات الطبيعية‪ ،‬وقد ُس � � � ِّميت باس� � ��م أول رئيس للش� � ��ركة ‪> IBM‬توماس‬ ‫واتسون<‪.‬‬ ‫(‪ Jeopardy )3‬جيوباردي‪ :‬برنامج حزازير تلفزيوني أمريكي يطرح أس� � ��ئلة بسيطة في‬ ‫مجاالت مختلفة من التاريخ واجلغرافيا واآلداب والعلوم والفنون والثقافة الشعبية‬ ‫ومماحنة الكلمات ‪ wordplay‬وغيرها‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪personalize recommendations )4‬‬

‫باختصار‬ ‫تع ُّل� � ��م اآللة هو فرع من علم احلاس� � ��وب يبحث ف� � ��ي البيانات عن‬ ‫التنبؤ باملستقبل‪.‬‬ ‫معلومات الستعمالها في ُّ‬ ‫توجه� � ��ات اقتصادية والستِ ش���خاص‬ ‫وه� � ��و ُيس� � ��تعمل لتحدي� � ��د ُّ‬ ‫توصيات(‪ ،)4‬وبناء حواسيب تبدو وكأنها تفكِّر‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫ومع أن تعلُّم اآللة أصبح رائجا إلى حد بعيد‪ ،‬فإنه ال ينجح إال في‬ ‫حاالت مشكالت ذات مجموعات بيانات كبيرة‪.‬‬ ‫ويجب أن يك� � ��ون العاملون في مجال تعلُّم اآلالت حذرين من قيام‬ ‫اخلوارزمية بتحديد أمناط غير موجودة فعال‪.‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫املؤلف‬

‫‪1‬‬

‫ياسر أبو مصطفى‬ ‫أستاذ الهندسة الكهربائية وعلم احلاسوب‬ ‫في معهد كاليفورنيا للتقانة‪.‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫في مسابقتها ‪ 100‬مليون عنصر‬ ‫من البيان� � ��ات احلقيقية اجلاهزة‬ ‫للتحميل من ال ِوب‪.‬‬ ‫أيام التدريب‬

‫( )‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫ودام� � ��ت املس� � ��ابقة نح� � ��و ث� �ل��اث‬ ‫‪1‬‬ ‫س� � ��نوات‪ .‬وقد عاجلت مجموعات‬ ‫كثيرة من الباحثني املش� � ��كلة بأن‬ ‫نس� � ��بت عددا كبيرا من السمات‬ ‫املختلفة إلى كل فيلم‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫املث� � ��ال‪ ،‬بإمكانك أن تعثر على أي‬ ‫فيل� � ��م يتصف ِب ِس� � ��مات معينة من‬ ‫قبي� � ��ل مقدرت� � ��ه على التس� � ��لية أو‬ ‫اإلضحاك أو درج� � ��ة تعقيده أو جاذبية ممثليه‪ .‬ومن أجل كل‬ ‫ُمش� � ��اهد‪ ،‬تعود وتلقي نظرة على األفالم التي َبحث عنها هذا‬ ‫املشاهد بغرض معرفة تقييمه لتلك السمات‪ :‬مدى استمتاعه‬ ‫باألف� �ل��ام الهزلية‪ ،‬وتفضيله للمؤامرات البس� � ��يطة أو املعقدة‪،‬‬ ‫ورغبته في مش� � ��اهدة األفالم بس� � ��بب وسامة وجمال ممثليها‬ ‫وجمالهم [انظر املؤطَّ ر في الصفحة ‪.]69‬‬ ‫لقد صار التن ُّبؤ اآلن مجرد مطابقة بس� � ��يطة لذوق املشاهد‬ ‫بس� � ��مات األفالم اجلديدة‪ .‬ف� � ��إذا كان يحب األف� �ل��ام الهزلية‬ ‫واملؤام� � ��رات املع َّقدة‪ ،‬فعل� � ��ى األرجح أنه س� � ��وف يحب أفالم‬ ‫الرقص الصاخب التي هي من قبيل الفيلم السينمائي «البعض‬ ‫يحبونها ساخنة» ‪ Some Like It Hot‬أو «سمكة اسمها واندا»‬ ‫‪ .A Fish Called Wanda‬وبعد أن تتال َءم اخلوارزمية مع عشرات‬ ‫مؤشرا جيدا إلى‬ ‫من هذه الس� � ��مات‪ ،‬تكون التوصية النهائية ِّ‬ ‫مدى رغبة املشاهد في رؤية الفيلم‪.‬‬ ‫ونحن نفكر عادة ِ‬ ‫بسمات سهلة التحديد من قبيل «ال َه ْزل»‬ ‫أو «املؤامرة املعقدة»‪ ،‬إال أن اخلوارزميات ليس� � ��ت بحاجة إلى‬ ‫هذا التمييز‪ .‬وف� � ��ي الواقع‪ ،‬تتصف الس� � ��يرورة برمتها بأنها‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫مؤمتت� � ��ة‪ ،‬والباحثون ال يكترثون البت� � ��ة بتحليل محتوى الفيلم‪.‬‬ ‫فخوارزمية تعلُّم اآللة تبدأ ِب ِس� � ��مات عش� � ��وائية ال اس� � ��م لها‪.‬‬ ‫وبحصولها على بيانات عن تقييمات املش� � ��اهدين لألفالم في‬ ‫السابق‪ ،‬تولِّف سماتها مع تقييماتهم حتى تتوافق معا‪.‬‬ ‫على س� � ��بيل املثال‪ ،‬إذا كان الناس الذين ُيعجبهم الفيلم ‪A‬‬ ‫مييلون أيضا إلى األفالم ‪ B‬و ‪ C‬و‪ ،D ‬فس� � ��تخ ُرج اخلوارزمية‬ ‫ِب ِسمة جديدة مشت َركة بني ‪ A‬و ‪ B‬و ‪ C‬و ‪ .D‬ويحصل هذا فيما‬ ‫يس� � ��مى بطور التدريب(‪ ،)1‬وفيه يبحث احلاسوب عن السمات‬ ‫ضم� � ��ن املاليني من تقييمات املش� � ��اهدين‪ .‬وه� � ��دف هذا الطور‬ ‫ه� � ��و إيجاد مجموعة من الس� � ��مات املوضوعية التي تقوم على‬ ‫تقييمات موضوعية‪ ،‬ال على حتليل شخصاني(‪.)2‬‬ ‫قد يكون من الصعب تفسير السمات املختلفة التي ُتنتجها‬ ‫خوارزمية تعلُّم اآللة‪ ،‬تفس� � ��يرا مفهوما لنا‪ .‬فهي رمبا ال تكون‬ ‫واضحة وضوح الس� � ��مة «هزلي» مثال‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬ميكن أن‬ ‫( ) ‪TRAINING DAYS‬‬ ‫(‪training phase )1‬‬ ‫(‪subjective analysis )2‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪67‬‬

‫‪1‬‬


‫تكون السمة ش� � ��ديدة التعقيد‪ ،‬وحتى غير قابلة لإلدراك‪ ،‬ألن‬ ‫للتنبؤ‬ ‫اخلوارزمي� � ��ة حتاول فق� � ��ط العثور على أفضل الس� � ��بل ُّ‬ ‫بكيفية تقييم املش� � ��اهد للفيلم‪ ،‬دون أن تش� � ��رح لنا كيفية فعل‬ ‫ذل� � ��ك‪ .‬وإذا كان أداء املنظومة جي� � ��دا‪ ،‬فإننا ال نصر على فهم‬ ‫كيف فعلت ذلك‪.‬‬ ‫وه� � ��ذه‪ ،‬ليس� � ��ت الطريقة التي اعتاد الن� � ��اس على فعلها‪.‬‬ ‫رت منظومة تدقيق‬ ‫فف� � ��ي وقت مبكر من حياتي العملية‪ ،‬ط � � � َّو ُ‬ ‫في احلس� � ��ابات البنكية ملصلحة أح� � ��د البنوك (املصارف)‪.‬‬ ‫إلي تفس� � ��ير معنى كل‬ ‫وعندم� � ��ا أجن� � ��زت العمل‪ ،‬طلب البنك ّ‬ ‫س� � ��مة‪ .‬ولم يكن للطلب صلة بأداء املنظومة الذي كان جيدا‪.‬‬ ‫فقد كان س� � ��بب الطلب قانونيا‪ :‬ال ميكن للبنك رفض إقراض‬ ‫أي شخص من دون تبرير معقول‪ ،‬وال يستطيع هذا إرسال‬ ‫رس� � ��الة إلى أي ش� � ��خص تقول إن الطلب ق� � ��د ُرفِ ض ألن ‪X‬‬ ‫أصغر من ‪ ،0.5‬مثال(‪.)1‬‬ ‫طور مجموعات‬ ‫ومع ذلك فإن منظومات تعلُّم اآللة املختلفة ُت ِّ‬ ‫فري� � ��دة م� � ��ن الس� � ��مات‪ .‬ففي األس� � ��بوع األخير من مس� � ��ابقة‬ ‫نتفليكس‪ ،‬بدأت مجموعات البحث‪ ،‬التي كانت تعمل مس� � ��تقلة‬ ‫عن بعضها‪ ،‬مب� � ��زج خوارزمياتها معا باس� � ��تعمال ما ُيعرف‬ ‫بتقني���ات التجمي���ع(‪ .)2‬وفي الس� � ��اعة األخيرة من املس� � ��ابقة‬ ‫التي دامت ثالث سنوات‪ ،‬بقي فريقان في حلبة التنافس على‬ ‫اجلائزة‪ .‬وأظهرت لوحة الدرجات (العالمات)(‪ )3‬تقدما طفيفا‬ ‫(‪)4‬‬ ‫خريج‬ ‫للفريق أَنس���امبل ‪ ،‬وهو فري� � ��ق كان من بني أعضائه ِّ‬ ‫حضر أطروحة الدكت� � ��وراه ضمن مجموعة البحث التابعة لي‬ ‫َّ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫في معهد كاليفورنيا للتقانة‪ ،‬على فريق ِبلّكور ‪ .‬ولكن السجل‬ ‫النهائي للدرجات وضع الفريقني في املقام نفس� � ��ه إحصائيا‪،‬‬ ‫فقد حقَّق كل منهما حتس� � ��نا مق� � ��داره ‪ 10.06‬في املئة مقارنة‬ ‫باخلوارزمية األصلية‪ .‬ووفقا لقواعد املسابقة‪ ،‬تذهب اجلائزة‬ ‫في حالة التساوي إلى الفريق الذي ُيسلِّم حله أوال‪ .‬وبعد ثالث‬ ‫س� � ��نوات من التنافس‪ ،‬وفي الساعة األخيرة من املعركة‪ ،‬سلَّم‬ ‫فريق ِبلّكور حلَّه قبل الفريق أَنس� � ��امبل بعشرين دقيقة‪ .‬وجنم‬ ‫عن ذلك التأخير مبقدار ‪ 20‬دقيقة‪ ،‬في مس� � ��ابقة امتدت ثالث‬ ‫سنوات‪ ،‬فرقٌ يقدر مبليون دوالر‪.‬‬ ‫التطابق املطلق‬

‫( )‬

‫إن نوع تعلُّم اآللة الذي اس ُتعمل في مسابقة تقييم األفالم‬ ‫ُيسمى تع ُّل���م حتت اإلشراف(‪ ،)6‬وهو ُيستعمل أيضا في مهام‬ ‫من قبيل التش� � ��خيص الطبي‪ .‬فمثال‪ ،‬ميكننا تزويد احلاسوب‬ ‫كريات الدم البيضاء من س� � ��جالت املرضى‬ ‫بألوف من صور َّ‬ ‫‪68‬‬

‫الطبية‪ ،‬إضافة إلى معلومات عن كون اخللية مسرطَنة أو غير‬ ‫مس� � ��رطَ نة‪ .‬ومن هذه املعلومات‪ ،‬تتعلَّم اخلوارزمية اس� � ��تعمال‬ ‫سمات خلوية معينة‪ ،‬من قبيل الشكل واملقاس واللون‪ ،‬لتحديد‬ ‫اخلاليا املصابة‪ .‬هنا ُيش� � ��رف الباحثون على سيرورة التعلُّم‬ ‫ويتحكم� � ��ون فيها‪ ،‬فمن أجل كل صورة م� � ��ن بيانات التدريب‪،‬‬ ‫احلاسوب اجلواب الصحيح‪.‬‬ ‫الباحث أو الباحثة‬ ‫يعطي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُيعتب� � ��ر التع ُّل� � ��م حتت اإلش� � ��راف أكث� � ��ر أن� � ��واع تعلُّم اآللة‬ ‫شيوعا‪ ،‬إلاّ أنه ليس الوحيد‪ .‬فالباحثون في مجال اإلنسالية‬ ‫(الروبوتي���ة)(‪ ،)7‬مثال‪ ،‬رمبا ال يعرفون أفضل الس� � ��بل جلعل‬ ‫إنسالة (روبوت) ذات ساقني متشي عليهما‪ .‬وفي تلك احلالة‪،‬‬ ‫ميكنهم تصميم خوارزمية تجُ ري جتارب باس� � ��تعمال مشيات‬ ‫مختلفة‪ .‬فإذا أدت مش� � ��ية ما إلى سقوط اإلنسالة (الروبوت)‪،‬‬ ‫تعلَّمت اخلوارزمية عدم استعمالها ثانية‪.‬‬ ‫وذاك هو نهج التع ُّلم املعزَّز(‪ .)8‬وهو نهج جتربة وخطأ من‬ ‫حيث املبدأ مألوف لدينا جميعا‪ .‬ففي واحد من س� � ��يناريوهات‬ ‫التعلُّم املع َّزز الشائعة لدى كل من البشر واآلالت‪ ،‬نواجه حالة‬ ‫تظه� � ��ر فيها حاجة إلى إجراء ما‪ .‬وعوضا عن أن ُيخبرنا أحد‬ ‫جنرب ش� � ��يئا ما ونرى ما يحص� � ��ل‪ .‬وبناء على ما‬ ‫مبا نفعله‪ِّ ،‬‬ ‫يحصل‪ ،‬نع ِّزز األفعال اجليدة‪ ،‬ونتجنب في املس� � ��تقبل األفعال‬ ‫الس� � ��يئة‪ .‬وفي النهاية نتعلَّم‪ ،‬نحن واآلالت‪ ،‬اإلجراء الصحيح‬ ‫للحاالت املختلفة‪.‬‬ ‫على س� � ��بيل املثال‪ ،‬خ� � ��ذ محركات البحث ف� � ��ي اإلنترنت‪.‬‬ ‫فمؤسس� � ��و گوگل لم يخوضوا غمار ال � � � ِوب حتى حوالي عام‬ ‫ِّ‬ ‫‪ ،1997‬وق� � ��د فعلوا ذلك بغرض تدريب حواس� � ��يبهم على متييز‬ ‫صفح� � ��ات من قبي� � ��ل صفح� � ��ة «الغنم���ة دولِّ���ي(‪ .»)9‬وزحفت‬ ‫خوارزمياتهم عبر ال ِوب ببطء لتوليد نس� � ��خة أولية من النتائج‪،‬‬ ‫ثم اعتمدت على نقرات املس� � ��تعملني لتعزيز الصفحات املهمة‬ ‫واستبعاد الصفحات غير املهمة‪ .‬فعندما ينقر املستعملون على‬ ‫راب� � ��ط صفحة في نتائج البحث‪ ،‬تس� � ��تنتج اخلوارزمية أن تلك‬ ‫الصفحة مهمة‪ ،‬وإذا أهمل املس� � ��تعملون رابطا ظهر في أعلى‬ ‫نتائج البحث‪ ،‬اس� � ��تنتجت اخلوارزمية أن صفحة ذلك الرابط‬ ‫( )‬

‫‪THE PERFECT FIT‬‬

‫(‪ X« )1‬أصغ� � ��ر من ‪ »0.5‬هي عبارة مجردة حتمل معاني مختلفة تبعا للس� � ��ياق‪ ،‬ولذا ال‬ ‫ميكن اعتمادها قانونيا‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫(‪ :robot )7‬إنسالة‪ ،‬وهذه نحت من إنسان‪-‬آلة‬ ‫(‪reinforcement-learning )8‬‬ ‫(‪ :Dolly the sheep )9‬النعجة دولي‪.‬‬ ‫‪aggregation techniques‬‬ ‫‪the scoreboard‬‬ ‫‪Ensemble‬‬ ‫‪,‬‬ ‫‪BellKor s Pragmatic Chaos‬‬ ‫‪supervised learning‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫ومنها نشتق إنسالية ‪.robotics‬‬


‫كيفية عمل تقانة تعلُّم اآللة‬

‫‪( Z‬فيلم‬ ‫حيوانات)‬

‫‪( D‬تراث ديني)‬

‫‪( C‬دراما)‬

‫‪( B‬فيلم رسوم‬ ‫متحركة)‬

‫‪( A‬فيلم هزلي)‬

‫وأحيانا يكون التعلُّم املع َّزز‬ ‫( )‬ ‫للكبار فقط (وتصنيفات أخرى)‬ ‫أكثر كثيرا مم� � ��ا نحتاج إليه‪،‬‬ ‫ما هو الفيلم الذي يجب أن تش���اهده هذه الليلة؟ تس���اعد محركات توصيات مستش� � ��خصة(‪ )1‬ماليني الناس‬ ‫ألننا ال نس� � ��تطيع في� � ��ه معرفة‬ ‫عل���ى تضيي���ق نطاق األفالم املتوفرة بحيث تتوافق مع أذواقهم الش���خصية الفريدة‪ .‬وتعتمد هذه اخلدمات‬ ‫اس� � ��تجابة اآللة ألفعالنا‪ .‬وفي‬ ‫على طريقة لتعلُّم اآللة تسمى حتليل القيم الفريدة(‪ ،)2‬وهي طريقة حتلِّل الفيلم إلى الئحة طويلة من السمات‪،‬‬ ‫وتطابق تلك الس���مات مع تفضيالت املش���اهد‪ .‬وميكن توس���يع هذه التقنية لتعمل في أي منظومة توصيات‬ ‫ِ‬ ‫تلك احل� � ��االت‪ ،‬علينا االلتفات‬ ‫تقريبا‪ ،‬من محركات البحث في اإلنترنت حتى مواقع املواعيد الغرامية‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫إلى «التعلُّم دون إشراف» ‪.‬‬ ‫هن� � ��ا توج� � ��د ل� � ��دى الباح� � ��ث‬ ‫حتويل األفالم إلى بيانات‬ ‫مجموعة من البيانات من دون‬ ‫يأخذ محرك التوصيات أوال مجموعة‬ ‫كبيرة من البيانات عن األفالم وتقييمات‬ ‫التقييمات أي معلومات عن اإلجراء الذي‬ ‫املشاهدين لها‪ .‬ومن ثم يستعمل‬ ‫اجلماعية إلضفاء مجموعة كبيرة من‬ ‫يجب القيام به ‪ -‬إما صراحة‪،‬‬ ‫السمات على األفالم إفراديا‪ .‬وميكن‬ ‫كما في التعلُّم حتت اإلشراف‪،‬‬ ‫للسمات الناجتة أن تطابق خصائص‬ ‫سهلة التمييز من قبيل «هزلي» أو «تراث‬ ‫وإما ضمنا‪ ،‬كما ف� � ��ي التعلُّم‬ ‫ديني»‪ ،‬وميكن أال تطابق شيئا‪ ،‬وحينئذ‬ ‫يع ِّرفها احلاسوب بأنها ‪ X‬و ‪ Y‬و ‪.Z‬‬ ‫املع َّزز‪ .‬فكي� � ��ف ميكننا التعلُّم‬ ‫من هذه البيان� � ��ات؟ إن خطوة‬ ‫أولى لفع� � ��ل ذلك هي تصنيف‬ ‫مطابقة رغبات املشاهدين مع األفالم‬ ‫لقد أصبحت اآلن التوصية مبشاهدة فيلم‬ ‫البيانات ف� � ��ي مجموعات تبعا‬ ‫ما مشكلة بسيطة تنطوي على حتديد‬ ‫ويس� � ��مى هذا‬ ‫�ابهاتها‪.‬‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫لت‬ ‫رغبة املشاهد ثم مطابقتها مع األفالم‬ ‫ُ‬ ‫املوافقة لها‪ .‬فإذا استمتع شخص في‬ ‫(‪)8‬‬ ‫التصنيف بالعَ ْن َق����دة ‪ ،‬وفيه‬ ‫املاضي بفيلم هزلي مع حيوانات مثال‪،‬‬ ‫أو ذي خاصية سحرية ما ‪ X‬ال اسم لها‪،‬‬ ‫يجري البحث ضمن البيانات‬ ‫فسيعثر محرك التوصيات على أفالم‬ ‫ع� � ��ن معلومات تخ� � ��ص بنيتها‬ ‫مشابهة لذلك الفيلم‪.‬‬ ‫اخلف َّية الس� � ��تعمالها أساسا‬ ‫للتصني� � ��ف‪ .‬وتوفِّر لنا العنقدة‬ ‫غير مهمة‪ .‬وتجُ ِّمع اخلوارزمية استجابات ماليني املستعملني فهما أفضل للبيانات قب� � ��ل حتديد اإلجراء الذي يجب القيام‬ ‫ب� � ��ه‪ .‬وأحيانا تكون العنقدة كافية وحدها؛ ‪ -‬فإذا أردنا ترتيب‬ ‫معا لتقييم الصفحات في عمليات البحث املستقبلية‪.‬‬ ‫مكتبة‪ ،‬فإن جتميع الكتب في فئات متش� � ��ابهة هو كل ما علينا‬ ‫( )‬ ‫مشكالت اإلفراط في البيانات‬ ‫فعل� � ��ه‪ .‬وفي أحيان أخرى‪ ،‬ميكنن� � ��ا الذهاب إلى أبعد من ذلك‬ ‫يس� � ��تعمل الباحثون التعلُّم املع � � � َّزز غالبا للمهام التي تتطلب وتطبيق التعلُّم حتت اإلشراف على البيانات املعنقدة‪.‬‬ ‫سلسلة من األفعال املتتالية‪ ،‬ومن أمثلتها األلعاب‪ُ .‬خذ مثاال‬ ‫وعل� � ��ى عكس املنتظر‪ ،‬فإن أكبر ف� � ��خ يقع فيه العاملون في‬ ‫( ) )‪Rated X (and Y and Z‬‬ ‫بسيطا من قبيل لعبة ِتك تاك توي(‪ .)3‬يبدأ احلاسوب بوضع‬ ‫( ) ‪EXCESS PROBLEMS‬‬ ‫(‪personalized recommendation engines )1‬‬ ‫‪ X‬عش� � ��وائيا في إح� � ��دى الزاويا‪ .‬وهذه حرك� � ��ة قوية‪ ،‬ولذا‬ ‫(‪singular value decomposition )2‬‬ ‫ُرسم على الورق‬ ‫يربح احلاس� � ��وب هذه اللعبة عددا من املرات يفوق تلك التي (‪ :tic-tac-toe )3‬هي لعبة يلعبها ش� � ��خصان باستعمال الورق والقلم‪ .‬ت َ‬ ‫ش� � ��بكة مؤلفة من ‪ 3 × 3‬مربعات‪ ،‬ويضع الالعبان ‪ X‬و ‪ O‬إش� � ��ارتيهما في املربعات‬ ‫يربحها حني يضع في البداية ‪ X‬على أحد اجلوانب‪ .‬وتتع َّزز‬ ‫على التتالي‪ ،‬والالعب الذي يحتل املربعات القطرية الثالثة أوال يكون هو الفائز‪.‬‬ ‫احلرك� � ��ة التي تؤدي إلى الربح‪ ،‬أي ‪ X‬في الزاوية‪ .‬ويوس� � ��ع (‪ :checkers )4‬لعبة يلعبها ش� � ��خصان على رقعة شطرجن باستعمال ‪ 12‬قطعة (حجرا)‬ ‫ِّ‬ ‫الالعبينْ ‪ ،‬ويحاول كل منهما أسر أحجار الالعب اآلخر‪.‬‬ ‫لكل من‬ ‫َ‬ ‫الباحثون هذه العملية الستنتاج ما هو الفعل الصحيح الذي‬ ‫(‪ )5‬لعبة ُيطلق عليها اإلنكليز االسم ‪ ،Go‬وهي لعبة صينية قدمية يزيد عمرها على ‪2500‬‬ ‫س� � ��نة‪ ،‬ويلعبها العبان باستعمال شبكة مؤلفة من ‪ 19 × 19‬مربعا مع أحجار بيضاء‬ ‫قد يحصل في أي خطوة مستقبلية من اللعبة‪ ،‬ومن أي لعبة‬ ‫وسوداء‪ ،‬ويحاول فيها كل العب تطويق أحجار اآلخر‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫أخرى‪ ،‬من لعبة الداما إلى لعبة التطويق ‪ .‬و ُيس� � ��تعمل (‪ :Nash equilibrium )6‬توازن ُينس� � ��ب إلى عالم الرياضيات >‪ .F .J‬ناش< الذي حاز عام‬ ‫‪ 1994‬جائزة نوبل في االقتصاد ألبحاثه في نظرية املباريات ‪.game theory‬‬ ‫التعلُّم املع َّزز أيض� � ��ا في التطبيق� � ��ات االقتصادية املتقدمة‪،‬‬ ‫(‪”unsupervised learning“ )7‬‬ ‫(‪ :clustering )8‬أي التجميع في عناقيد‪.‬‬ ‫ومنها إيجاد توازن ناش(‪.)6‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫‪69‬‬


‫مجال تعلُّم اآللة هو تسخير كثير من الطاقة احلسابية للمسألة‬ ‫الواح� � ��دة‪ .‬وإدراك ذل� � ��ك والتم ُّكن من التعام� � ��ل معه على نحو‬ ‫مييز احملترفني من الهواة‪.‬‬ ‫مناسب هو ما ِّ‬ ‫كي� � ��ف ميكن للمزيد من الطاقة احلس� � ��ابية أن يكون ضارا؟‬ ‫حت� � ��اول خوارزمي� � ��ات تعلُّم اآللة كش� � ��ف وج� � ��ود أمناط ضمن‬ ‫البيان� � ��ات‪ .‬فإذا كانت تلك اخلوارزميات قوية جدا واس � � �تَعملت‬ ‫منوذجا شديد التعقيد لتمثيل عينة محدودة من البيانات‪ ،‬أمكن‬ ‫صادف وجودها‬ ‫لها أن تضلِّل نفس� � ��ها بكش� � ��ف أمناط زائفة َت‬ ‫َ‬ ‫ف� � ��ي العينة من دون أن تك� � ��ون لها صلة حقيقية به� � ��ا‪ .‬لذا فإن‬ ‫جزءا كبيرا من البحث في النظرية الرياضياتية لتعلُّم اآللة يركِّز‬ ‫االهتمام على مش� � ��كلة اإلفراط في متثي� � ��ل البيانات هذه‪ ،‬فنحن‬ ‫نريد كش� � ��ف روابط حقيقية تتوافق مع البيانات‪ ،‬لكننا ال نرغب‬ ‫في اإلفراط في ذلك لئال ننتهي إلى أمناط ال ميكن الوثوق بها‪.‬‬ ‫لفه� � ��م كيفية حصول ذلك‪ ،‬تخ َّيل مقامرا على طاولة روليت‬ ‫(بغرض التبسيط‪ ،‬سوف نفترض أن الطاولة حتتوي على أرقام‬ ‫حمراء وسوداء فقط‪ ،‬وال حتتوي على ‪ 0‬أو ‪ .)00‬يرصد املقامر‬ ‫ال� � ��دوالب ويالحظ أنه قد دار ‪ 10‬دورات وأعطى نتائج متعاقبة‬ ‫متناوبة بني األحمر واألسود‪ .‬فيقول لنفسه‪« :‬ال بد أن الدوالب‬ ‫منحاز‪ ،‬فهو يعطي دائما أحمر‪ ،‬أس� � ��ود‪ ،‬أحمر‪ ،‬أسود‪ ،‬أحمر‪،‬‬ ‫أس� � ��ود»‪ .‬وبذلك يكون قد تولَّد في ذهن الالعب منوذجا أ َّكدته‬ ‫تلك البيانات احملدودة العدد‪ .‬ولكن في الدورة احلادية عشرة‪،‬‬ ‫ومباشرة بعد أن وضع املقامر ‪ 100‬دوالر على األحمر‪ ،‬أ َّكدت‬ ‫الطبيعة العش� � ��وائية للدوالب عشوائيتها‪ ،‬وتوقف عند األسود‬ ‫في تلك الدورة‪ ،‬وخسر الالعب الـ‪ 100‬دوالر‪.‬‬ ‫لق� � ��د كان العبنا يبحث عن أمناط معين� � ��ة ال وجود لها في‬ ‫الواق� � ��ع‪ .‬إحصائيا‪ ،‬ثمة احتمال يس� � ��اوي نحو ‪ 1‬من ‪ 500‬ألي‬ ‫دوالب رولي� � ��ت للتناوب عش� � ��وائيا بني األحمر واألس� � ��ود ‪10‬‬ ‫مرات متتالية‪ .‬وليس للدورات الس� � ��ابقة في الروليت تأثير في‬ ‫املستقبل‪ ،‬واحتمال ظهور األحمر أو األسود في الدورة التالية‬ ‫يس� � ��اوي ‪ 50‬في املئة دائما‪ .‬وفي مج� � ��ال تعلُّم اآللة‪ ،‬لدينا قول‬ ‫مأثور‪« :‬إذا ع َّذبت البيانات طويال‪ ،‬فإنها سوف تعترف»(‪.)1‬‬ ‫لتجنب هذه النتيجة‪ ،‬يجري جع� � ��ل خوارزميات تعلُّم اآللة‬ ‫منح� � ��ازة بغية إبقاء النموذج أبس� � ��ط ما ميك� � ��ن‪ ،‬ويتحقَّق ذلك‬ ‫باستعمال تقنية تسمى التطويع(‪ .)2‬فكلما كان النموذج أكثر‬ ‫تعقي� � ��دا‪ ،‬كان أكثر عرضة ألن يك� � ��ون مفرطا‪ ،‬والتطويع يضع‬ ‫َح ًّدا لذلك التعقيد‪.‬‬ ‫ويتي َّق� � ��ن الباحث� � ��ون أيضا من صح� � ��ة اخلوارزميات عادة‬ ‫باس� � ��تعمال بيانات من خارج مجموعة بيانات التدريب‪ .‬وبهذه‬ ‫‪70‬‬

‫الطريق� � ��ة نضمن أن األداء الذي نحصل عليه هو أداء حقيقي‪،‬‬ ‫ال مصطنع بفعل بيانات التدريب‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬لم ُتخ َتبر‬ ‫جائ� � ��زة نتفليكس‪ ،‬باس� � ��تعمال البيانات األصلي� � ��ة التي ُق ِّدمت‬ ‫للمش� � ��تركني في املس� � ��ابقة‪ ،‬بل باس� � ��تعمال مجموعة بيانات‬ ‫جديدة لم يكن يعرفها سوى العاملني في الشركة‪.‬‬ ‫التن ُّبؤ باملستقبل‬

‫( )‬

‫من الصعب أن تش� � ��عر بامللل وأنت تعمل في مجال تعلُّم اآللة‪.‬‬ ‫إن� � ��ك ال تعرف التطبيق الذي س� � ��وف تعمل به في املرة القادمة‬ ‫أبدا‪ .‬فتعلُّم اآللة ميكِّن غير املختصني في مجال تطبيقي معني‪،‬‬ ‫ومنهم الذين يستعملون احلاسوب في مجال األزياء النسائية‬ ‫والتنب� � ��ؤ بناء على البيان� � ��ات فقط‪ .‬في ربيع‬ ‫مث� �ل��ا‪ ،‬من التعلُّم‬ ‫ُّ‬ ‫ع� � ��ام ‪ ،2012‬اتبع طلبة من ‪ 15‬تخصص� � ��ا مختلفا املقرر الذي‬ ‫ضعت‬ ‫أقدمه عن تعلُّم اآللة في معهد كاليفورنيا للتقانة‪ .‬وقد َو‬ ‫ُ‬ ‫مادة املقرر في ال ِوب وأذعت احملاضرات بالڤيديو مباش� � ��رة‪.‬‬ ‫وش� � ��اهدها ألوف من الناس في ش� � ��تى أنح� � ��اء العالم‪ ،‬وحلُّوا‬ ‫متارينها (وميكنك أنت فعل ذل� � ��ك أيضا‪ :‬انظر الرابط ضمن‪:‬‬ ‫مراجع لالستزادة)‪.‬‬ ‫إال أن تعلُّم اآللة ال يعمل إال في حاالت توفر بيانات كافية‪.‬‬ ‫علي فيها مش� � ��روع لتعلُّم اآللة‪ ،‬كان أول‬ ‫وف� � ��ي كل مرة ُع ِرض َّ‬ ‫سؤال أطرحه‪ :‬ما هي البيانات املتوفرة؟ إن تعلُّم اآللة ال يك ّون‬ ‫معلوم� � ��ات‪ ،‬بل يحصل عليها من البيان� � ��ات‪ .‬ومن دون بيانات‬ ‫تدري� � ��ب كافية حتتوي على املعلوم� � ��ات املالئمة‪ ،‬لن يكون تعلُّم‬ ‫اآللة ناجحا‪.‬‬ ‫لق� � ��د أصبحت البيانات متوفرة في عدد هائل من املجاالت‬ ‫أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬وبوجودها س� � ��وف تستمر قيمة تعلُّم‬ ‫>‬ ‫اآللة باالزدياد‪ .‬ثقوا بقولي هذا‪ ،‬فالتن ُّبؤ من اختصاصي‪.‬‬ ‫( )‬

‫‪PREDICTING THE FUTURE‬‬

‫(‪ )1‬أي س� � ��وف تعت� � ��رف بجرمية ل� � ��م ترتكبها‪ .‬مبعنى أنه إذا أخضعته� � ��ا إلى كثير من‬ ‫املعاجلة أعطت نتائج غير صحيحة‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪ regularization )2‬أو تنسيق‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, July 2012‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬


‫املجلد ‪ 28‬العددان‬ ‫سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪2012‬‬

‫‪10/9‬‬

‫اضربهم بعصا الهوكي‬

‫( )‬

‫انطلق >‪ .E .M‬مان< باحثا عن مشكلة علمية كبرى وانتهى به املطاف في قلب عاصفة‬ ‫سياسية تتمحور حول التغير املناخي‪ .‬وهو اآلن يروي لنا القصة من وجهة نظره‪.‬‬ ‫مقابلة أجراها‬

‫لقد ْ‬ ‫اش � � � ُتهِ ر >مان< [األخصائي في‬ ‫علم املناخ] بسبب ما يصفه بأنه «واحدة‬ ‫من النواحي األقل تش� � ��ويقا» في عمله‪.‬‬ ‫ففي تس� � ��عينات القرن املاضي استخدم‬ ‫بيانات اس� � ��تخلصها من حلقات جذوع‬ ‫األشجار وخطوط منو املرجان والعينات‬ ‫األسطوانية عبر طبقات اجلليد باعتبارها‬ ‫دالئل غير مباشرة على درجات احلرارة‬ ‫في األزمنة القدمي� � ��ة‪ ،‬وقرنها بالقراءات‬ ‫احلديثة مليزان احل� � ��رارة‪ .‬وقد ق ّدم هذا‬ ‫السجل الس� � ��نوي للتغيرات في درجات‬ ‫احل� � ��رارة خ� �ل��ال األلفي� � ��ة املنصرم� � ��ة‬ ‫تصورات لدورات املناخ الطبيعية‪ .‬ومن‬ ‫ثم خطرت له الحقا فكر ُة إضافة رس� � ��م‬ ‫بيان� � ��ي ملع� � ��دالت درجات احل� � ��رارة في‬ ‫نصف الكرة الشمالي وصوال إلى القرن‬ ‫اخلامس عشر وذلك في بحث نشر عام‬ ‫‪( 1998‬وقد قام في وقت الحق بتوسيعه‬ ‫حتى القرن احلادي عشر بعد امليالد)‪.‬‬ ‫وق� � ��د أصبح هذا الرس� � ��م البياني الذي‬ ‫يش� � ��به «عصا الهوك���ي»(‪ - )1‬ألنه ُيظهر‬ ‫درجات حرارة ترتفع وتنخفض قبل أن‬ ‫ترتفع بسرعة في آخر املطاف ‪ -‬مبثابة‬ ‫أيقونة التغير املناخي‪.‬‬ ‫كما أصبح ذلك الرسم بؤرة للجدل؛‬ ‫فم� � ��ع أن املجلس الوطن� � ��ي لألبحاث في‬ ‫الواليات املتحدة(‪ )2‬تفحص عصا الهوكي‬ ‫وأقر نتائجها ع� � ��ام ‪ ،2006‬إال أن >مان>‬ ‫وبحث� � ��ه ُو ِض َعا حتت تفحص عام دقيق‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومعاد في أحيان كثي� � ��رة بلغ ذروته في‬

‫>‪.D‬‬

‫بييلو<‬

‫القضية «مناخ ‪ -‬گيت»(‪)3‬؛ أي قضية سرقة‬ ‫ونشر رس� � ��ائل >مان< ورسائل زمالئه‬ ‫اإللكترونية الشخصية عام ‪ .2009‬وعلى‬ ‫أثر ذلك قامت جامعة والية بنس� � ��لڤانيا‬ ‫التي توظفه بالتحقيق معه بتهمة إساءة‬ ‫السلوك في أبحاثه (وتبرئته عام ‪.)2010‬‬ ‫كما قام >‪ .K‬كوس� � ��ينيلي< [املدعي العام‬ ‫في والية فيرجينيا] برفع دعوى قضائية‬ ‫ضد جامعة فيرجينيا التي كانت توظفه‬ ‫قبل ذل� � ��ك‪ ،‬للتحقيق ف� � ��ي أبحاثه لديها‬ ‫(حتى اآلن لم حتس� � ��م القضية)‪ .‬ويقول‬ ‫>مان< إن منتقديه «ال يتوقفون أبدا عن‬ ‫مالحقته‪».‬‬ ‫واآلن ير ّد >م� � ��ان< عارضا من وجهة‬ ‫نظره حكاية عصا الهوكي وحروب املناخ‪.‬‬ ‫فقد أجرت معه مجلة ساينتفيك أمريكان‬ ‫حديثا ح� � ��ول بحثه واجل� � ��دل الذي أثاره‬ ‫وعن آماله في جتنب تغير مناخي كارثي‪.‬‬ ‫وفيما يلي مقتطفات من هذا احلديث‪:‬‬ ‫ساينتفيك أمريكان )‪ :(SA‬ما الذي‬ ‫أثار اهتمامك في املقام األول‬ ‫بدراسات املناخ؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬كانت ش� � ��هاداتي للبكالوريوس‬ ‫ف� � ��ي الرياضيات التطبيقي� � ��ة والفيزياء‪،‬‬ ‫وف� � ��ي الدراس� � ��ات العلي� � ��ا اجتهت نحو‬ ‫الفيزي� � ��اء النظرية‪ .‬وعندم� � ��ا تبني لي أن‬ ‫ص صارت مح� � ��دودة متاما‪ ،‬بدأت‬ ‫ال ُف َر َ‬ ‫أبحث عن مجال أستطيع فيه استخدام‬ ‫ما تعلمته ف� � ��ي الفيزي� � ��اء والرياضيات‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫للعمل على حل مش� � ��كلة كبيرة‪ ،‬مشكلة‬ ‫لها تطبيقات في العالم احلقيقي‪ .‬وقمت‬ ‫بفتح فهرس العلوم التطبيقية في جامعة‬ ‫ييل ‪ Yale‬فعثرت على قسم يصف بعضا‬ ‫م� � ��ن العمل الذي يقوم ب� � ��ه العاملون في‬ ‫كلية اجليولوجي� � ��ا واجليوفيزياء لتطوير‬ ‫النمذجات النظرية للنظام املناخي‪ .‬وبدا‬ ‫لي هذا املجال مجاال آسرا‪.‬‬ ‫في ذل� � ��ك الوقت‪ ،‬كانت تدور مناظرة‬ ‫علمية مشروعة حول حقيقة ما إذا كان‬ ‫التغ ّي� � ��ر املناخي املُالحظ آنذاك س� � ��ببه‬ ‫البش� � ��ر‪ .‬وفي الواقع ل� � ��م تكن ألبحاثي‬ ‫عالقة تذكر بتلك املناظرة‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬لقد بدأت بدراسة التغير‬ ‫الطبيعي في درجات احلرارة‪.‬‬ ‫أليس كذلك؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬هنا ثم� � ��ة تهكم‪ .‬فق� � ��د احتفى‬ ‫معارضو التغير املناخي ببعض أبحاثي‬ ‫املبك� � ��رة‪ ،‬كنت قد صغت عبارة «الذبذبة‬ ‫األطلس� � ��ية املتعددة العقود )‪.»)4((AMO‬‬ ‫فقد أحبوا أن يجادلوا بأن الذبذبة ‪AMO‬‬ ‫هي املس� � ��ؤولة تقريبا عن كل شيء‪ ،‬في‬ ‫حني أن هناك في الواقع فارقا دقيقا‪ .‬إذ‬ ‫يبدو أن هذه الذبذبة موجودة ولكنها ال‬ ‫( ) ‪HIT THEM WITH THE HOCKEY STICK‬‬

‫(‪ :The Hockey Stick )1‬تس� � ��مية لرسم بياني تندرج فيه‬ ‫أرقام البيانات ‪ data‬بشكل سلس ولكنها تنتهي أمام‬ ‫نتوء ضخم يسد طريق املتابعة‪.‬‬ ‫(‪U.S National Research Council )2‬‬ ‫(‪Climate-gate )3‬‬ ‫(‪Atlantic multidecadal oscillation (AMO) )4‬‬

‫‪71‬‬


‫من هو‬

‫باختصار‬

‫>‪ .E .M‬مان<‬

‫الوظيفة‪ /‬الهواية‬

‫مطور منذجات للمناخ‪ /‬ومستهدف من‬ ‫قبل معارضي التغير املناخي‪.‬‬

‫املكان‬

‫جامعة والية بنسلڤانيا‬

‫مجال البحث‬

‫تتركز أبحاثه على حتسني منذجات املناخ‬ ‫وآليات التحاور حول املناخ‪.‬‬

‫الصورة الكبيرة‬

‫«مبا أنك في هذه األيام عالم مناخ فعملك‬ ‫ليس من التاسعة صباحا حتى اخلامسة‬ ‫مساء‪ ،‬بل هو من الساعة ‪ 0‬إلى الساعة ‪».24‬‬

‫تفسر التغير املناخي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ف ِّكر بالذبذب� � ��ة ‪ AMO‬على أنها ابنة‬ ‫عم طويلة األمد لظاهرة النينو(‪ .)1‬فهذه‬ ‫الذبذبة ف� � ��ي النظام املناخي تس� � ��تغرق‬ ‫عدة عقود لكي تتح� � ��ول من مرحلة إلى‬ ‫أخ� � ��رى‪ .‬وهذا ف� � ��ي الواقع م� � ��ا جعلني‬ ‫أهتم بالبيانات غير املباش� � ��رة (مثل تلك‬ ‫املستفادة من حلقات جذوع األشجار)‬ ‫ألنك س� � ��تواجه مش� � ��كالت واضحة إذا‬ ‫كنت حتاول أن تستخلص ذبذبة مدتها‬ ‫بني ‪ 50‬و ‪ 70‬س� � ��نة وليس لديك س� � ��وى‬ ‫مقاييس ألرصاد آلية تتراوح مدتها بني‬ ‫‪ 100‬و‪ 150‬سنة‪.‬‬ ‫وه� � ��ذه البيانات غير املباش� � ��رة هي‬ ‫أرش� � ��يفات طبيعية‪ ،‬بطبيعتها‪ ،‬تس� � ��جل‬ ‫بعض خصائص املناخ‪ .‬فسماكة حلقات‬ ‫جذوع األش� � ��جار‪ ،‬على س� � ��بيل املثال‪،‬‬ ‫تك� � ��ون نتيجة لدفء املناخ في فصل منو‬ ‫الش� � ��جر‪ ،‬أو كما في بع� � ��ض الظروف‪،‬‬ ‫بس� � ��بب رطوبة الطقس في فصل النمو‪،‬‬ ‫ولذلك من املمكن أن تستخلص معلومات‬ ‫مناخية من حلقات الشجر هذه‪.‬‬ ‫وعن طري� � ��ق اجلمع ب� �ي��ن معلومات‬ ‫مستقاة من عدة مجموعات من البيانات‬ ‫غير املباش� � ��رة‪ ،‬يصبح بإمكانك أن تبدأ‬ ‫‪72‬‬

‫برس� � ��م صورة عام� � ��ة ملا يج� � ��ري‪ ،‬كما‬ ‫يكون بإمكانك حتصني نفسك من خطر‬ ‫االعتماد بشكل كلي على نوع واحد من‬ ‫البيانات غير املباش� � ��رة‪ .‬فلكل نوع نقاط‬ ‫قوة ونقاط ضعف‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬إن النتيجة األكثر شهرة والتي‬ ‫حققها بحثك هي‪ ،‬بطبيعة احلال‪،‬‬ ‫الرسم البياني الذي وضعته على‬ ‫شكل عصا الهوكي‪ .‬فكيف حتقق ذلك؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬ه� � ��ذه موازي� � ��ن ح� � ��رارة غير‬ ‫دقيق� � ��ة توفره� � ��ا الطبيع� � ��ة‪ .‬ورمبا كان‬ ‫التحدي الرئيس� � ��ي هو استنباط طريقة‬ ‫إليجاد الصلة بني املعلومات املشوش� � ��ة‬ ‫والس� � ��جالت احلديثة لدرج� � ��ات حرارة‬ ‫س� � ��طح األرض‪ ،‬وذلك بطريقة تسمح لنا‬ ‫عندئذ بتقدير درجات حرارة سطح الكرة‬ ‫األرضية في املاضي‪ .‬وفقط بالنظر في‬ ‫منط درجات احلرارة حول العالم‪ ،‬يكون‬ ‫التبصر‪ ،‬على سبيل املثال‪ :‬في‬ ‫بإمكانك‬ ‫ّ‬ ‫تاريخ حدوث ظواهر النينو‪.‬‬ ‫إن أق� � ��ل أمر مثير لالهتمام بإمكانك‬ ‫عمله باس� � ��تخدام تلك األمن� � ��اط املكانية‬ ‫بعد أن ُتش � � � ِّكلها‪ ،‬هو حساب مع ّدل تلك‬ ‫البيان� � ��ات للحصول على رقم مفرد لكل‬ ‫س� � ��نة‪ ،‬مثل معدل درج� � ��ة حرارة نصف‬ ‫الكرة الش� � ��مالي‪ ،‬وأن تعيد رس� � ��م ذلك‬ ‫بيانيا للس� � ��نوات املاضية‪ ،‬وهذا هو ما‬ ‫أنتج منحنى عصا الهوكي‪.‬‬ ‫وعلى مدى زم� � ��ن طويل‪ ،‬انخفضت‬ ‫درجة احل� � ��رارة ببطء عم� � ��ا كانت عليه‬ ‫خالل ما يش� � ��ار إلي� � ��ه أحيان� � ��ا بحقبة‬ ‫القرون الوس� � ��طى الدافئة‪ .‬وهي احلقبة‬ ‫التي كانت دافئة نس� � ��بيا قبل ‪ 1000‬سنة‬ ‫خ� �ل��ال العصر اجللي� � ��دي الصغير في‬ ‫القرنني الس� � ��ابع عش� � ��ر والثامن عشر‬ ‫وأوائل القرن التاسع عشر‪ .‬وكان ذلك‪،‬‬ ‫إذا أردت‪ ،‬هو مقبض عصا الهوكي‪.‬‬ ‫حينئذ‪ ،‬في الط� � ��رف‪ ،‬ذلك االرتفاع‬ ‫الس� � ��ريع ه� � ��و نص� � ��ل عص� � ��ا الهوكي‪:‬‬ ‫االحت� � ��رار خ� �ل��ال الس� � ��نوات املئ� � ��ة‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬

‫واخلمس� �ي��ن املاضية‪ ،‬الذي رفع درجة‬ ‫احلرارة إلى مستوى أعلى من أي مما‬ ‫أعدنا استخالصه إلى أبعد ما استطعنا‬ ‫الرجوع إليه‪ .‬تل� � ��ك النتيجة الفردية هي‬ ‫التي حازت االهتمام كله‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬مَ ن هو أول من أطلق على‬ ‫رسمك البياني اسم «عصا الهوكي»؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬إنه >‪ .J‬مامل� � ��ان< الذي كان يدير‬ ‫مختبر ديناميك الس� � ��وائل اجليوفيزيائي‬ ‫التابع للمختبر ‪ )2(NOAA’S‬في برنستون‬ ‫بوالي� � ��ة نيوجيرس� � ��ي‪ .‬وق� � ��د تب� �ي��ن أن‬ ‫(‪ :El- Nino )1‬ظاه� � ��رة مناخي� � ��ة ش� � ��به دورية في جنوب‬ ‫الكرة األرضي� � ��ة‪ ،‬حتدث عبر األجزاء االس� � ��توائية‬ ‫م� � ��ن احمليط الهادي‪ ،‬وتش� � ��ير إل� � ��ى اختالف درجة‬ ‫حرارة سطح املياه عن درجة حرارة الهواء‪ ،‬وعندما‬ ‫يك� � ��ون االختالف في أقصى درجاته فإنه يؤدي إلى‬ ‫فيضان أو جفاف ش� � ��ديد‪ .‬واللفظة اإلسبانية تعني‬ ‫حرفيا الطفل وتش� � ��ير إلى ميالد املس� � ��يح‪ ،‬وأطلقت‬ ‫عل� � ��ى هذه الظاهرة ألنها حت� � ��دث في العادة حوالي‬ ‫‪ ،‬العدد ‪،(1987)3‬‬ ‫عيد امليالد‪ ،‬انظر‪«:‬النينو»‪،‬‬ ‫ص ‪.28‬‬ ‫(‪NOAA’s Geophysical Dynamics Lab )2‬‬


‫املصطلح كان قد اس � � � ُت ْخ ِدم قبل ذلك في‬ ‫س� � ��ياق نضوب األوزون‪ .‬فهن� � ��اك تاريخ‬ ‫من اس� � ��تخدام مصطلح «عصا الهوكي»‬ ‫لوص� � ��ف ذلك النوع من سلس� � ��لة بيانات‬ ‫حيث تتدرج األرقام بشكل سلس إلى أن‬ ‫تنحرف فجأة مبيل شديد نحو األعلى‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هل أنت نادم على هذه التسمية؟‬ ‫>مان<‪ :‬هن� � ��اك دوما خطر يتمثل في أن‬ ‫تطبيق مصطلح بس� � ��يط مث� � ��ل هذا على‬ ‫أمر معق� � ��د قد يؤدي إلى اختزال العلم‪.‬‬ ‫وهناك اآلن دوري هوكي حقيقي إلعادة‬ ‫تش� � ��كيل البيانات ‪ -‬كما فعلنا ‪ -‬تشير‬ ‫جميعها إلى النمط األساسي نفسه‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬في تقريرها لعام‬ ‫عرضت الهيئة احلكومية الدولية‬ ‫املعنية بتغير املناخ )‪ )1((IPCC‬التابعة‬ ‫لألمم املتحدة عصا الهوكي عرضا‬ ‫مميزا‪ .‬هل كان ذلك قرارا حكيما؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬إذا تأملن� � ��ا اآلن بع� � ��د ح� � ��دوث‬ ‫م� � ��ا حدث‪ ،‬ف� � ��إن ه� � ��ذا القرار ل� � ��م يكن‬ ‫صب مباش� � ��رة في‬ ‫األكثر حكم� � ��ة‪ ،‬ألنه ّ‬ ‫تعزي� � ��ز احلجة التي ي� � ��روق للمعارضني‬ ‫استخدامها‪ :‬من أن العلم يعتمد‪ ،‬بشكل‬ ‫ما‪ ،‬على دراس� � ��ة واح� � ��دة‪ ،‬أو حتى على‬ ‫مؤلف واحد لدراس� � ��ة واح� � ��دة‪ .‬وإذا ما‬ ‫استطعت بشكل من األشكال أن تدحض‬ ‫تلك الدراس� � ��ة الوحي� � ��دة أو ذلك املؤلف‬ ‫الواحد‪ ،‬فتنهار املسألة العلمية برمتها‪.‬‬ ‫في احلقيقة‪ ،‬كانت هناك عدة دراسات‬ ‫إعادة تش� � ��كيل وصلت إلى النتيجة ذاتها‬ ‫في التقري� � ��ر التقني‪ .‬وف� � ��ي الوقت الذي‬ ‫صدر فيه تقرير الهيئة ‪ IPCC‬كانت هناك‬ ‫ثالث دراس� � ��ات إعادة تشكيل (إضافية)‬ ‫توصلت إلى النتيجة نفسها تقريبا‪.‬‬ ‫‪2001‬‬

‫)‪ :(SA‬ما هو شعورك بالنسبة‬ ‫وصفت به بأنك كبش فداء‬ ‫إلى ما ِ‬ ‫علم املناخ؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬أحيان� � ��ا كنت أش� � ��عر وكأنني‬ ‫أطالبهم «هل من مزيد»‪ .‬إنني أثق مبتانة‬

‫عملنا العلمي‪ .‬ولكنني أعتقد أنه إذا ما‬ ‫ظن منكرو التغي� � ��ر املناخي أنهم عثروا‬ ‫عل� � ��ى مجال في العل� � ��م مي ّكنهم دحضه‬ ‫عن طريق مالحقة عالم واحد (أي أنا)‪،‬‬ ‫فإنني أعتقد أنه قد خاب ظنهم‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬رسائل البريد اإللكتروني‬ ‫التي سرقت عام ‪ 2009‬كان من بينها‬ ‫رسائل تعود إليك‪ ،‬مع أنها لم تكن‬ ‫من الرسائل األكثر إثارة للجدل‪.‬‬ ‫فكيف كان شعورك وقتها؟‬ ‫>مان<‪ :‬هل ُيحب أولئك األشخاص الذين‬ ‫سرقوا تلك الرسائل ونشروها أن يقوم‬ ‫ش� � ��خص ما بأخذ يومياتهم ورسائلهم‬ ‫الش� � ��خصية ويعرضه� � ��ا عل� � ��ى العالم‬ ‫خارج س� � ��ياقها؟ من جهة ف� � ��إن حقيقة‬ ‫كون منكري التغي� � ��ر املناخي احتاجوا‬ ‫إلى اللجوء لنشاط إجرامي في محاولة‬ ‫لدحض علمنا أمر يثير اشمئزازي‪ .‬وقد‬ ‫أغضبني ذلك‪ .‬وأظن أنه أيضا أغضب‬ ‫العديد من العاملني في املجال العلمي‪.‬‬ ‫كانت هن� � ��اك حملة دعائية منس� � ��قة‬ ‫الس� � ��تخدام تلك الرس� � ��ائل اإللكترونية‬ ‫املسروقة إلحداث مجال للصدى تتردد‬ ‫فيه أقوال منك� � ��ري التغير املناخي قبل‬ ‫مؤمت� � ��ر قم� � ��ة كوبنهاگن ح� � ��ول املناخ‪.‬‬ ‫وكانت هناك محاولة الستخدام التشويه‬ ‫واالدعاءات الكاذبة لوصم تلك الرسائل‬ ‫اإللكترونية املقدمة خارج س� � ��ياقها من‬ ‫أجل طرد العلماء من أعمالهم‪.‬‬ ‫وفي وقت ما هدد مش � � � ّرع جمهوري‬ ‫في والية بنسلڤانيا بحجب التمويل عن‬ ‫جامعة پن س� � ��تيت ما لم تتخذ إدارتها‬ ‫إجراء ما ضدي بس� � ��بب اخلطأ املزعوم‬ ‫في أبحاثي‪ .‬وهو أمر قبيح‪.‬‬ ‫لقد أضعنا ثالث سنوات لعمل شيء‬ ‫ما حيال التغير املناخي‪ ،‬وهذه خسار ٌة‬ ‫ثمن باهظ‪ .‬وفي كل‬ ‫لفرص ِة ضياعها له ٌ‬ ‫عام إضافي ننتظر في� � ��ه تزداد صعوبة‬ ‫متكننا من حتقيق استقرار في تركيزات‬ ‫ثنائي أكسيد الكربون حتت املستويات‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪(2012) 10/9‬‬

‫التي ميكن أن تكون خطيرة‪ .‬وأعتقد أن‬ ‫(من� � ��اخ ‪ -‬گي� � ��ت) كان مبثابة جرمية ضد‬ ‫اإلنسانية‪ .‬إنها جرمية ضد كوكبنا‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬ما هو جوابك عن االدعاءات‬ ‫بأنه كانت هناك «حيلة إلخفاء‬ ‫التراجع في درجات حرارة األرض»؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬هن� � ��اك خمس� � ��ة أش� � ��ياء على‬ ‫األق� � ��ل غير صحيحة ح� � ��ول ذلك القول‪،‬‬ ‫ولكن الش� � ��يء األكثر وضوحا هو عدم‬ ‫وجود مرجع تنس� � ��ب إليه حيلة إلخفاء‬ ‫التراجع(‪ .)3‬لقد ُأخذ قس� � ��مان مختلفان‬ ‫من رسالة إلكترونية و ُدمجا معا بطريقة‬ ‫من شأنها أن تغير متاما من فحوى ما‬ ‫كان ُيناقش فعليا‪.‬‬ ‫ومما يثير الس� � ��خرية بشكل خاص‬ ‫بالنس� � ��بة إلى االدعاء ب� � ��أن علماء املناخ‬ ‫كان� � ��وا يحاول� � ��ون إخف� � ��اء التراجع في‬ ‫درج� � ��ات حرارة األرض‪ ،‬ه� � ��و كون تلك‬ ‫الرس� � ��الة اإللكترونية كتب� � ��ت أوائل عام‬ ‫‪ .1999‬وتلك الس� � ��نة ج� � ��اءت في أعقاب‬ ‫أدفأ س� � ��نة مرت علينا في حياتنا‪ ،‬وهي‬ ‫س� � ��نة ‪ .1998‬لذلك‪ ،‬إذا كنت عاملا تكتب‬ ‫رس� � ��الة إلكترونية في ذلك التاريخ‪ ،‬أي‬ ‫أوائل ع� � ��ام ‪ ،1999‬فلم يكن بإمكانك أن‬ ‫تتص� � ��ور وج� � ��ود أي ميل نح� � ��و تراجع‬ ‫درج� � ��ات احل� � ��رارة‪ .‬بل وج� � ��ود تزايد‬ ‫ظاه� � ��ري في االحترار‪ .‬أم� � ��ا «التراجع»‬ ‫فهو يش� � ��ير ببساطة إلى بعض البيانات‬ ‫الرديئة عن حلقات األشجار‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬كيف ميكن مقارنة املعارضة‬ ‫احلالية لعلم املناخ باحلمالت‬ ‫الصليبية الغابرة املعادية للعلم؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬يصعب علينا أن نصدق أنه في‬ ‫القرن احلادي والعش� � ��رين مازلنا نواجه‬ ‫رفضا للعل� � ��م‪ ،‬في حني أن معظم حياتنا‬ ‫املعاصرة تعتمد إلى حد كبير على البنية‬ ‫(‪The United Nations Intergovernmental Panel on )1‬‬ ‫‪Climate Change - IPCC‬‬ ‫(‪E-mail )2‬‬ ‫(‪trick to hide the decline )3‬‬

‫‪73‬‬


‫األرشيفات الطبيعية مثل حلقات الشجر تقدم أد ّلة‬ ‫على املناخات السابقة‪.‬‬

‫التحتي� � ��ة التقانية الت� � ��ي طورناها بفضل‬ ‫العلم‪ .‬وأولئك األشخاص الذين ينددون‬ ‫مبا ميك� � ��ن للعل� � ��م أن يقدمه في ش� � ��تى‬ ‫املج� � ��االت يس� � ��تفيدون هم أنفس� � ��هم من‬ ‫إسهامات العلوم احلديثة في حياتهم‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬ماذا كان تأثير ذلك في العلماء؟‬ ‫>مان<‪ :‬رمبا يكون قد ج ّرأ علماء آخرين‬ ‫عل� � ��ى محاربة جه� � ��ود التضليل القائمة‬ ‫على قدم وس� � ��اق ض� � ��د مجالنا العلمي‬ ‫وضد مجاالت علمية أخرى‪ .‬فالعلماء ال‬ ‫يس� � ��تطيعون بعد اآلن أن يبقوا معزولني‬ ‫في مختبراتهم ويثقوا بأن تأثير عملهم‬ ‫سوف ينتشر بأمانة في خطاب اجلمهور‪.‬‬ ‫فالعلماء بحاج� � ��ة إلى أن يكونوا فاعلني‬ ‫للتأكد من أن علمهم ُينش� � ��ر بأكبر قدر‬ ‫من الدقة‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬هل لك أي تعليق على‬ ‫الدعوى القضائية املرفوعة ضدك‬ ‫وضد جامعة فيرجينيا؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬من املؤس� � ��ف أن الناس الذين‬ ‫لديه� � ��م وجه� � ��ات نظ� � ��ر عدائي� � ��ة للعلم‪،‬‬ ‫وينظرون إليه بازدراء‪ ،‬يس� � ��تطيعون في‬ ‫هذا البلد االرتق� � ��اء إلى أعلى املناصب‬ ‫احلكومية‪ .‬إن ذلك أمر مروع جدا‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬ما هو الدور الذي تؤديه‬ ‫السياسة في العلم؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬من املناس� � ��ب متاما أن يستنير‬ ‫‪74‬‬

‫الش� � ��خص بالعلم في تكوين وجهة نظره‬ ‫ف� � ��ي الش� � ��ؤون السياس� � ��ية‪ .‬إال أنه من‬ ‫اخلط� � ��أ أن يكون لوجهة نظر أحدهم في‬ ‫السياس� � ��ة تأثير في الطريقة التي يعمل‬ ‫بها العالم‪.‬‬ ‫فقبل سنوات لم يكن التغير املناخي‬ ‫قضي� � ��ة سياس� � ��ية‪ .‬وق� � ��د جن� � ��ح زميلي‬ ‫>‪ .L‬تومبس� � ��ون< (خبي� � ��ر اجلليديات في‬ ‫جامع� � ��ة والية أوهايو) ف� � ��ي التعبير عن‬ ‫ذلك تعبيرا س� � ��ليما عندم� � ��ا كان يتكلم‬ ‫عن فقدان اجلليديات اجلبلية‪ .‬فاجلليد‬ ‫ليس ل� � ��ه ج� � ��دول أعمال‪ .‬ف� �ل��ا يهم أن‬ ‫تكون من احلزب اجلمهوري أو احلزب‬ ‫الدميقراط� � ��ي‪ .‬إن اجللي� � ��د يتراج� � ��ع‪.‬‬ ‫ومس� � ��توى س� � ��طح البح� � ��ار يرتفع‪ .‬وال‬ ‫يحدث كل ذلك ألس� � ��باب سياسية‪ .‬أما‬ ‫ماذا ميكنن� � ��ا أن نفعل حيال ذلك فهذا‪،‬‬ ‫من دون ريب‪ ،‬أمر سياسي‪.‬‬

‫كانوا حذرين للغاية ومتحفظني جدا‪.‬‬ ‫)‪ :(SA‬إنك تقول إنه مازال لديك‬ ‫أمل‪ ،‬ملاذا؟‬ ‫>م���ان<‪ :‬ألنن� � ��ا إذا نظرنا إل� � ��ى التاريخ‬ ‫لرأينا أن العلم واالستقامة والصدق هم‬ ‫الذين كسبوا في النهاية ‪ -‬رمبا يحدث‬ ‫ذلك في وقت أبعد مما ُنحب‪.‬‬ ‫لقد تصرفنا متأخرين عما كان علينا‬ ‫عمل� � ��ه بش� � ��أن التبغ‪ .‬وكذل� � ��ك األمر‪ ،‬فقد‬ ‫تصرفنا أيض� � ��ا متأخرين عما كان علينا‬ ‫عمله بخص� � ��وص نضوب األوزون وحظر‬ ‫اس� � ��تخدام غ� � ��ازات كلوري� � ��دات فلوريد‬ ‫الكرب� � ��ون(‪ .)1‬وم� � ��ن احملتمل أنن� � ��ا تكبدنا‬ ‫أضرارا وخسائر في األرواح أكبر بكثير‬ ‫ألننا تأخرنا في التصدي لهذه املشكالت‪.‬‬ ‫ولكن املهم هو أننا قمنا بالتصدي لها‪>.‬‬ ‫(‪ :Chlorofluorocarbons )1‬كربونات فلوريد الكلور‪.‬‬ ‫(التحرير)‬

‫)‪ :(SA‬هل تظهر تأثيرات التغير‬ ‫املناخي بشكل أسرع مما كان متوقعا؟‬ ‫مراجع لالستزادة‬ ‫>مان<‪ :‬التغيرات حتدث مبعدل أس� � ��رع‬ ‫مما توقعته النمذجات‪ ،‬س� � ��واء بالنسبة‬ ‫إل� � ��ى ارتفاع مس� � ��توى س� � ��طح البحر‪،‬‬ ‫أو التغي� � ��رات في درج� � ��ات احلرارة‪ ،‬أو‬ ‫انبعاثات الكربون؛ بل حتى بالنسبة إلى‬ ‫كل حالة‪ ،‬حدث� � ��ت إما عند احلد األعلى‬ ‫‪Scientific American, March 2012‬‬ ‫للتنبؤات أو حتى على مس� � ��تويات تفوق‬ ‫مدى التنبؤات‪.‬‬ ‫ولــع� � ��ل جـــليـــــد‬ ‫في األقطار العربية‪:‬‬ ‫الــبـحــــر الــقــطـــبــــي مراكز توزيع‬ ‫ه� � ��و املث� � ��ال األكثر‬ ‫< اإلمارات‪ :‬شركة اإلمارات للطباعة والنشر والتوزيع ‪ -‬أبوظبي‪ /‬دار‬ ‫احلكمة ‪ -‬دبي < البحرين‪ :‬الشركة العربية للوكاالت والتوزيع ‪-‬‬ ‫وضوحا على ذلك‪،‬‬ ‫املنامة < تونس‪ :‬الشركة التونسـية للصحافة ‪ -‬تونس < السعودية‪:‬‬ ‫حي� � ��ث إن التراجع‬ ‫تهامـة للتوزيع ‪ -‬جدة ‪ -‬الرياض ‪ -‬الدمام < سوريا‪ :‬املؤسـسة‬ ‫املالحظ في اجلليد‬ ‫العربية السورية لتوزيع املطبوعات ‪ -‬دمشق < عُ مان‪ :‬محالت‬ ‫الثالث جنوم ‪ -‬مسقط < فلسطني‪ :‬وكالة الشرق األوسط‬ ‫القطبي في الصيف‬ ‫للتوزيع ‪ -‬القدس < قطر‪ :‬دار الثقافة للطباعة والصحافة‬ ‫قد تخط� � ��ى املعدل‬ ‫والنشر والتوزيع ‪ -‬الدوحة < الكويت‪ :‬الشـركة املتحدة لتوزيع‬ ‫املُتنبأ به‪ .‬والسخرية‬ ‫الصحف واملطبوعات ‪ -‬الكويت < لبنان‪ :‬الشركة اللبنانية‬ ‫الـكـبـ� � ��رى هـ� � ��ي أن‬ ‫لتوزيع الصحف واملطبوعات ‪ -‬بيروت < مصر‪ :‬األهرام للتوزيع ‪-‬‬ ‫القاهرة < املغرب‪ :‬الشركة الشريفية للتوزيع والصحافة ‪ -‬الدار‬ ‫علماء املن� � ��اخ‪ ،‬إذا‬ ‫البيضاء < اليمن‪ :‬الدار العربية للنشر والتوزيع ‪ -‬صنعاء‪.‬‬ ‫َب َد َر منهم أي شيء‪،‬‬ ‫‪(2012) 10/9‬‬


46

ANIMAL BEHAVIOR

The Rat That Laughed by Jesse Bering

Do animals other than humans have a sense of humor? Maybe so.

50

INFECTIOUS DISEASE

Waiting to Explode by Fred Guterl

By creating a bird flu virus that could spread among mammals, biologists have sparked an urgent debate over how to balance the need for open sharing of science and the need to protect the public from biothreats.

58

ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello, Larry Greenemeier news Reporter, ONLINE: John Matson ART DIRECTOR, online: Ryan Reid

BRAIN SCIENCE

by Jeffrey Bartholet

COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller

Football players diagnosed with Lou Gehrigʼs disease may suffer from the effect of repeated blows to the head. artificial intelligence

Machines That Think for Themselves by Yaser S. Abu-Mostafa

An inside look at how Web sites figure out which products to recommend and why are they getting better at it all the time.

71

CONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert, Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs, Marguerite Holloway, Christie Nicholson, Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer, Sarah Simpson

ART DIRECTOR: Edward Bell ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley

The Collision Syndrome

66

EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam SEnIor writeR: Gary Stix EDITORS: Davide Castelvecchi, Graham P. Collins, Mark Fischetti, Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser, Christine Soares, Kate Wong

CLIMATE

Hit Them with the Hockey Stick Interview by David Biello

Editorial Administrator: Avonelle Wing SENIOR SECRETARY: Maya Harty COPY and PRODUCTION, nature publishing group: Senior COPY editor, npg: Daniel C. Schlenoff COPY editor, npg: Michael Battaglia editorial assistant, npg: Ann Chin managing pRODUCTION EDITOR, npg:  Richard Hunt senior pRODUCTION EDITOR, npg: Michelle Wright PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:  Carl Cherebin PREPRESS AND QUALITY MANAGER:  Silvia De Santis CUSTOM PUBLISHING MANAGER:  Madelyn Keyes-Milch pRESIDENT: Steven Inchcoombe VICE PRESIDENT, operations and Administration: Frances Newburg Vice president, finance and BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek BUSINESS MANAGER: Marie Maher

After years of playing defense, Michael E. Mann takes on his critics and speaks out about climate change.

ADVISORY BOARD

Adnan Shihab-Eldin Chairman

75

Abdullatif A. Al-Bader Deputy

Adnan Hamoui

Member - Editor In Chief

(2012) 8/7

Letters to the Editor Scientific American 75 Varick Street, 9th Floor, New York, NY 10013-1917 or editors@SciAm.com

Letters may be edited for length and clarity. We regret that we cannot answer each one. Post a comment on any article instantly at

www.ScientificAmerican.com/ sciammag


September / October - 2012

4

Volume 28

Number 9/10

space

Reading the Red Planet

by John P. Grotzinger - Ashwin Vasavada

NASAʼs new Curiosity rover will pore over the geologic strata of Mars, seeking signs that the planet was once habitable.

8

NEUROSCIENCE

Hidden Switches in the Mind by Eric J. Nestler

Experience may contribute to mental illness by causing “epigenetic” changes–ones that turn genes on or off without altering the genes themselves.

16

VIROLOGY

Resistance Fighter

Interview by Brendan Borrell

Thumbi Ndungʼuʼs life has taken him from Africa to Massachusetts and back in his quest to halt the AIDS epidemic.

20

HUMAN EVOLUTION

First of our Kind by Kate Wong

Sensational fossils from South Africa could revise long-held ideas about how we came to be human.

32

HISTORY OF SCIENCE

The Right Way to Get It Wrong by David Kaiser - Angela N. H. Creager

Most of the time, an error is quickly forgotten. Once in a while, it remakes science.

38

QUANTUM PHYSICS

Loops, Trees and the Search for New Physics by Zvi Bern - Lance J. Dixon - David A. Kosower

Unifying physics may not be as hard as scientists think. (2012) 8/7

76


‫مجلة العلوم عالية التأثير‬ ‫للمجتمع العربي‬

‫جائزة عبد احلميد شومان‬ ‫للباحثني العرب الشبان‬ ‫إسهاما في تشجيع البحث العلمي العربي ودعم األجيال القادمة من‬ ‫العلماء العرب‪ ،‬تخصص مؤسس���ة عبداحلميد ش���ومان سنويا منذ‬ ‫عام ‪ :1982‬جائزة عبداحلميد ش���ومان للباحثني العرب الشبان‬ ‫في س� � ��تة تخصص� � ��ات كل عام من أصل التخصصات االثنتي عش� � ��ر‬ ‫املعتمدة لهذه اجلائزة‪.‬‬ ‫وس� � ��تكون تخصصات هذا الع� � ��ام ‪ :2012‬الفيزي� � ��اء واجليولوجيا ‪-‬‬ ‫الرياضي� � ��ات والتكنولوجيا ‪ -‬العلوم الزراعي� � ��ة ‪ -‬العلوم االجتماعية ‪-‬‬ ‫العلوم الطبية ‪ -‬العلوم الهندسية‪.‬‬ ‫< آخر موعد لقبول الترشيحات ‪2012 /12 /31 :‬‬

‫< شروط اجلائزة ‪:‬‬

‫باطالعك على‬ ‫رواد العلوم ِّ‬ ‫انضم إلى ّ‬ ‫‪ Nature‬الطبعة العربية‪ ،‬التي تصدر‬ ‫شهريا باللغة العربية‪ ،‬إلى جانب الموقع اإللكتروني الخاص‬ ‫ًّ‬

‫> أن يكون املرشح عربي اجلنسية أو من أصل عربي‪.‬‬ ‫> أن يكون قد ق َّدم للعلم واملجتمع خالل السنوات الثالث السابقة‬ ‫للترشيح‪ ,‬خدمات قيمةً‪ ,‬وقام بذلك في بلد عربي‪.‬‬ ‫> أن ال يزيد عمره وقت التقدمي على ‪ 45‬سنة‪.‬‬ ‫> أن يرشحه كتابيا أستاذان في جامعة أو مؤسسة علمية عربية‪.‬‬ ‫< مكونات اجلائزة ‪ :‬شهادة الفوز باجلائزة – مكافأة مالية‬ ‫قدرها ‪ 15 000‬دوالر – درع أو ميدالية اجلائزة‪.‬‬ ‫< ترسل الترشيحات إلى ‪ :‬رئيس الهيئة العلمية للجائزة ‪:‬‬ ‫ص‪ .‬ب‪ 940255 :‬عمان ‪11194‬‬ ‫‪e-mail: AHSF@shoman.org.jo‬‬ ‫هاتف‪+(962) 64659154 :‬‬ ‫موقع اجلائزة ‪www.shoman.org :‬‬

‫إن ‪ Nature‬الطبعة العربية تتيح للناطقين باللغة العربية من‬ ‫كل مكان في أنحاء العالم متابعة األخبار العلمية العالمية‬ ‫عالية الجودة‪ ،‬والتعليقات الواردة عليها من خالل ‪،Nature‬‬ ‫باإلضافة إلى كل ملخصات األوراق البحثية المنشورة في‬ ‫الدوريات المتخصصة الرائدة‪.‬‬ ‫متاحا مجانً ا على اإلنترنت كل‬ ‫إن محتوى المجلة سيكون‬ ‫ً‬ ‫شهريا‪.‬‬ ‫أسبوع‪ ،‬مع وجود نُ َسخ مطبوعة محدودة من المجلة‬ ‫ًّ‬ ‫اطلِ ْع على ‪ Nature‬الطبعة العربية من خالل اإلنترنت‪ ،‬وامأل‬ ‫َّ‬ ‫النموذج الخاص باالشتراك مجانً ا باستخدام الرابط التالي‪:‬‬

‫‪arabicedition.nature.com‬‬ ‫باملشاركة مع‪:‬‬

‫تعلن‬ ‫عن حاجتها إلى مدقق لغوي‬ ‫يجيد اللغة العربية ولديه‪ < :‬خبرة عملية في التدقيق اللغوي‬ ‫< إملام جيد باللغة اإلنكليزية < خلفية علمية‬ ‫ترسل الطلبات إلى ‪ :‬مجلة العلوم ـــــ ص‪.‬ب ‪ 20856 :‬الصفاة‪ ،‬الكويت ‪13069‬‬ ‫العنوان اإللكتروني‪ e-mail: oloom@kfas.org.kw :‬ـــــ فاكس‪:‬‬

‫بها على شبكة اإلنترنت‪ ،‬الذي يتم تحديثه بصفة دائمة‪.‬‬

‫‪(+965) 22403895‬‬


(2012) 10/9

78


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.