مجلة قوارئ العدد الرابع

Page 1


2


3


‫بانعقــاد احلــول تكــون (قــوارئ) قــد أمتــت عامهــا األول‪،‬‬ ‫محملــة بإعجــاب وترقــب قرائهــا‪ ،‬وهــذا مــا يلقــي علــى عاتــق‬ ‫ً‬ ‫حمــا ومســؤولية أكبــر‪ ،‬والعاملــون ماضــون‬ ‫أســرة املجلــة‬ ‫ص ُعــداً يف ســبيل تقــدمي كل مــا هــو مفيــد ومثـ ٍـر‪ ،‬وستامســون‬ ‫ُ‬ ‫هــذا فيمــا هــو بــن أيديكــم اآلن‪ ،‬وفيمــا يأتــي مســتقب ً‬ ‫ا مــن‬ ‫أعــداد املجلــة‪.‬‬ ‫مت ّيــز هــذا العــدد ‪-‬الرابــع‪ -‬بإضافــات ســتكون مســتمرة‬ ‫يف بقيــة األعــداد‪ ،‬ومنهــا‪ :‬ملــف العــدد‪ ،‬الــذي يركــز علــى بلــد‬ ‫معــن‪ ،‬ويتناولــه مــن الناحيــة الثقافيــة‪ ،‬كتُب ـاً وقــراء ومــزارات‬ ‫ثقافيــة‪ .‬ومنهــا‪ :‬زاويــة القصــة القصيــرة‪ ،‬تــدور أحداثها بشــكل‬ ‫أصيــل حــول القــراءة والكتــب ومــا هــو متصــل بفلكهمــا‪ ،‬تطــرح‬ ‫جتــارب وتعالــج مشــكات‪.‬‬ ‫ومنهــا‪ :‬زاويــة عــرض موجــز عــن الكتــب بلغتيهــا العربيــة‬ ‫واإلجنليزيــة‪.‬‬ ‫هــذه كلهــا زوايــا ثابتــة انطاق ـاً مــن هــذا العــدد‪ ،‬وفيمــا‬ ‫يأتــي مــن األعــداد‪ ،‬باإلضافــة إلــى زوايــا أخــرى ســتظهر يف‬ ‫وقتهــا‪.‬‬ ‫وستُلم ‪-‬عزيزي القارئ‪ -‬يف هذا العدد مبشاركات متميزة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫حرصنا كل احلرص عند انتقائها أن تصل ملســتوى شــغفك‪ ،‬و‬ ‫حتفــزك بطاقــة إيجابيــة نحــو عوالــم القــراءة الرحبــة‪ ،‬وتُريــك‬ ‫بُعــداً فلســفياً خاص ـاً بفئــة القــراء‪ ،‬قــد ال يــويف الــكام هنــا‬ ‫حــق مــا أمامــك مــن كنــوز مخبــوءة يف صفحــات املجلــة‪.‬‬ ‫تفضل إلى املتعة‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫لــم تكــد أبــواب معــرض جــدة‬ ‫الدولــي للكتــاب تُوصــد‪ ،‬حتــى مت‬ ‫اعتمــاد إقامــة املعــرض خلمــس ســنوات‬ ‫قادمــة‪ ،‬وبالتحديــد يف الثانــي عشــر مــن‬ ‫ديســمبر مــن كل عــام‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ولــم يكــن هــذا القــرار نابعــا إال‬ ‫مــن ردة فعــل إيجابيــة‪ ،‬ومتماهيــة‬ ‫مــع احلضــور اجلماهيــري املرضــي‬ ‫للمعــرض يف عامــه األول‪.‬‬ ‫إذ بلــغ عــدد زوار املعــرض علــى‬ ‫امتــداد أيامــه العشــرة‪ ٨50 ،‬ألــف‬

‫أطلــق صاحــب الســمو الشــيخ‬ ‫محمــد بــن راشــد آل مكتــوم «حتــدي‬ ‫القــراءة العربــي» أكبــر مشــروع عربــي‬ ‫لتشــجيع الطــاب علــى القــراءة‪ ،‬وذلــك‬ ‫بالتــزام أكثــر مــن مليــون طالــب بقــراءة‬ ‫خمســن مليــون كتــاب خــال عامهــم‬ ‫الدراســي‪.‬‬ ‫تهـدف املبادرة لتشجيع القـراءة‬ ‫بشكـــل مسـتـدام ومـنـتـظم عـبر نـظـام‬ ‫مـتـكامـل مـن املـتـابـعـة للـطـاب طـيـلـة‬ ‫الـعـام الـدراسي‪ ،‬وتشتمـل املبادرة على‬ ‫حوافـز مـاليـة وتـشـجـيـعـيـة للـمـدارس‬ ‫والطاب واألسر واملشرفن املشاركن‬

‫زائــر‪ ،‬وبلغــت املبيعــات اإلجماليــة لكتــب‬ ‫املعــرض ثمانيــة مايــن ريــال‪.‬‬ ‫اجلديــر بالذكــر أن عــدد الــدور‬ ‫واملكتبــات املشــاركة بلــغ ‪ ٤٤0‬دار نشــر‬ ‫ومكتبــة‪ ،‬مــن ‪25‬دولــة‪.‬‬ ‫فيمــا نــ ّوه عــدد مــن الــزوار إلــى‬ ‫متيــز موقــع املعــرض ومتيــزه املطــل‬ ‫علــى البحــر‪ ،‬واجللســات املوزعــة يف‬ ‫خــارج املعــرض‪ ،‬إذ يعطــي هــذا جــواً‬ ‫عائليــاً جميــ ً‬ ‫ا ويطبــع يف الذاكــرة مــا‬ ‫ال يُنســى‪.‬‬

‫من كافة أنحاء الوطن العربي‪.‬‬ ‫بلغــت القيمــة اإلجماليــة للحوافــز‬ ‫‪ 3‬مايــن دوالر‪ ،‬حيــث ســيمنح للطالــب‬ ‫الفائــز بتحــدي القــراءة العربــي ‪150‬‬ ‫ألــف دوالر يخصــص ‪ 100‬ألــف منهــا‬ ‫منحــة لدراســته اجلامعيــة والباقــي‬ ‫ألســرته مكافــأة لهــم علــى توفيــر‬ ‫اجلــو التحفيــزي املناســب لــه‪ ،‬كمــا‬ ‫مت تخصيــص جائــزة بقيمــة مليــون‬ ‫دوالر ألكثــر املــدارس مشــاركة علــى‬ ‫مســتوى الوطــن العربــي‪ ،‬كمــا يشــمل‬ ‫التحــدي مكافــأت للمشــرفن املتميزيــن‬ ‫علــى مســتوى الوطــن العربــي بقيمــة‬

‫كمــا متيــزت فــرق املتطوعــن‬ ‫املتواجــدة يف ردهــات وممــرات‬ ‫املعــرض‪ ،‬إذ كان مــن مهامهــا داللــة‬ ‫الــزوار علــى أماكــن الكتــب واملكتبــات‪،‬‬ ‫والبحــث أحيانــاً عــن عناويــن محــددة‬ ‫يرغــب بهــا الزائــر‪.‬‬ ‫وبع ـ ُد‪ :‬فــإن كان هــذا هــو مســتوى‬ ‫التنظيــم واإلقبــال‪ ،‬فالســنوات القادمــة‬ ‫حتمــل يف ثنايهــا الكثيــر مــن التميــز‬ ‫واإلبــداع‪.‬‬

‫إجماليــة تبلــغ ‪ 300‬ألــف دوالر‪ ،‬وحوافز‬ ‫للمــدارس املشــاركة ومكافــأت مختلفــة‬ ‫للطــاب تتجــاوز قيمتهــا املليــون دوالر‪.‬‬ ‫املراحــل التنفيذيــة للمســابقة بــدأت‬ ‫يف شــهر ســبتمبر‪ ،‬ليبــدأ الطــاب يف‬ ‫التحــدي مــع بدايــة شــهر أكتوبــر ‪2015‬‬ ‫وحتى شــهر مارس ‪ 2016‬عبر االنتقال‬ ‫يف خمــس مراحــل تضــم كل مرحلــة‬ ‫قــراءة وتلخيــص عشــر كتــب لألطفــال‬ ‫لتبــدأ بعدهــا مراحــل التصفيــات‪،‬‬ ‫وســتعقد التصفيــات النهائيــة يف دبــي‬ ‫نهايــة شــهر مايــو مــن العــام ‪.2016‬‬

‫علياء العومير‬ ‫‪@alyayod‬‬

‫‪5‬‬


‫مقطع من حوار إيزابيل الليندي عن القراءة يف صحيفة «نيويورك تاميز»‬ ‫‪ ٤‬أبريل ‪2013‬‬

‫ترجمة‪ :‬راضي النماصي‬ ‫‪@radhitrans‬‬

‫حظيت مجلة قوارئ بترجمة جزء من حوار ( إيزابيل الليندي ) القارئة التي سكبت يف قلب مؤلفاتها‬ ‫عصارة قراءاتها‬ ‫أين ومتى حتبني القراءة؟ لــم أبلــغ بعــد العمــر الــذي يقنعنــي أكــون كاتبــة‪ .‬كانــت شــخصياته تشــبه‬ ‫بــأن إعــادة القــراءة أكثــر متعــة مــن عائلتــي‪ ،‬وكان أســلوبه يبــدو ســه ً‬ ‫ا‪،‬‬ ‫أقــرأ يف جهــاز «آي‪-‬بــاد» اكتشــاف أســلوب كتابــة جديــد‪.‬‬ ‫وفكــرت بالتالــي‪« :‬لــو اســتطاع الكتابة‬ ‫هكــذا‪ ،‬فإنــي بالتأكيــد أســتطيع‪».‬‬ ‫اخلــاص بــي يف الطائــرة‪ ،‬وأســتمع‬ ‫للكتــب الصوتيــة يف الســيارة‪ ،‬وأقــرأ ما هي الكتب التي كان لها‬ ‫كيف تبدو مكتبتك؟ هل‬ ‫يف غرفــة نومــي أيض ـاً‪ ،‬حيــث أملــك أبلغ األثر عليك ككاتبة؟‬ ‫أريكــة مريحــة ومصباحـاً وكلبــن مــن‬ ‫ترتبني الكتب بطريقة‬ ‫وهل هناك كتاب محدد‬ ‫أجــل أن أبقــي جــواً دافئــاً‪.‬‬ ‫معينة؟‬ ‫كتبــت العديــد مــن الروايــات أوقد فيك الرغبة للكتابة؟‬ ‫التاريخيــة التــي تطلبــت بح ًثــا‬ ‫منلــك يف املنــزل تشــكيلة جميلــة‬ ‫قــرأت يف مراهقتــي الروايــات‬ ‫متعمقــاً‪ ،‬لــذا فإنــي أقــرأ أيضــاً يف‬ ‫الروســية والفرنســية واإلجنليزيــة‪ ،‬مــن الكتــب الكاســيكية ذات الغــاف‬ ‫ذات املــكان الــذي أكتــب فيــه‪ .‬أعتــرف‬ ‫وتعلمــت منهــا كيفيــة الكتابــة بشــكل اجللــدي‪ ،‬وقــد اشــتراها زوجــي علــى‬ ‫بأنــي قارئــة فوضويــة وقليلــة الصبــر‪،‬‬ ‫جيــد‪ .‬أمــا يف العشــرينات مــن مــدار ســنوات‪ ،‬وال أعتبرهــا ســوى‬ ‫إذا لــم يشــد انتباهــي الكتــاب خــال‬ ‫عمــري‪ ،‬كنــت أقــرأ لكتــاب حركــة مجــرد زينة‪ .‬بالنســبة لــي‪ ،‬فأنا أمتلك‬ ‫أربعــن صفحــة فإنــي أتركــه وأذهــب‬ ‫«بــووم» وهــي حركــة أدبيــة انطلقــت العديــد مــن الكتــب باللغــة اإلســبانية‪،‬‬ ‫لغيــره‪ .‬هنــاك العديــد مــن الكتــب‬ ‫خــال ســتينات و ســبعينات القــرن وأحتفــظ بهــا بســبب أنــي ال أســتطيع‬ ‫التــي لــم أنههــا يف مكتبتــي‪ ،‬ولــن أعــود‬ ‫العشــرين‪ ،‬أبــرز أفرادهــا هــم ماريــو احلصــول عليهــا بســهولة يف الواليــات‬ ‫لهــا إال لــو كنــت مريضــة ومجبــرة‬ ‫بارغــاس يوســا‪ ،‬كارلــوس فوينتيــس‪ ،‬املتحــدة‪ ،‬أمــا باقــي الكتــب فتذهــب‬ ‫علــى الراحــة ألقــرأ أكثــر‪.‬‬ ‫غابرييــل غارســيا ماركيــز يف أمريــكا وتأتــي بــن فتــرة وأخــرى‪ .‬كل عــام‬ ‫الاتينيــة – ولألســف‪ ،‬كانــوا كلهــم أجمــع الكتــب التــي قرأتهــا ســل ًفا‬ ‫هل تعيدين قراءة بعض‬ ‫رجــاالً –‪ .‬كان هنــاك العديــد مــن ولــن أعيــد قراءتهــا – وهــي تأتــي يف‬ ‫قدمــت صناديــق كثيــرة – وأتخلــى عنهــا دون‬ ‫الكتب؟ وما هي؟‬ ‫األصــوات املختلفــة التــي َّ‬ ‫قارتنــا املجنونــة للعالــم ولنــا كأفــراد‪ .‬أن أفتقدهــا الح ًقــا‪ ،‬ألنــي أســتطيع‬ ‫هنــاك الكثيــر مــن الكتــب ولعــل روايــة «مائــة عــام مــن العزلــة» شــراءها فيمــا بعــد إذا أردتهــا‪.‬‬ ‫لنقرأهــا‪ ،‬وأوقاتنــا محــدودة جــ ًدا‪ .‬ملاركيــز هــي التــي جعلتنــي أرغــب بــأن‬ ‫أنــا يف الســبعن مــن عمــري‪ ،‬ولكنــي‬ ‫‪6‬‬


‫يف ذلــك احلــوار املقــدس‬ ‫بــن (اقــرأ) و (مــا أنــا بقارئ)‬ ‫تتجــاذب قــوى (األمــر)‬ ‫و(املســتحيل) لتفصــل بينهمــا‬ ‫(املعجــزات الربانيــة) مــع نبي‬ ‫أمــي ســكب الوحــي يف روعــه‬ ‫آيــات أعظــم و أقــدس كتــاب‪،‬‬ ‫ليبثهــا يف أرواح أنهكهــا‬ ‫اجلهــل‪ ،‬هنــا فقــط نــدرك أن‬ ‫(الكتــاب) لــم يعقــد اتفاقياتــه‬ ‫فقــط مــع القــراءة‪ ،‬وإمنــا‬ ‫تناغــم مــع جميــع احلــواس‬ ‫ليوصــل رســالته وليضمــن‬ ‫لنفســه البقــاء واالنتشــار‪.‬‬ ‫كانــت ومازالــت الكتابــة‬ ‫فعــل بقــاء ملــن أراد البقــاء‪،‬‬ ‫فعندمــا كانــت الكتابــة رمــزاً‬ ‫ســاعدت ذلــك اإلنســان‬ ‫البســيط أن يُبقــي علــى‬ ‫بعــض مــن حيــاة ليقــول‬ ‫كنــت هنــا‪ ،‬واليــوم وقــد‬ ‫ضجــت و امتــألت باملعانــي‬ ‫واحلكايــات‪ ،‬هيــأت إلنســان‬ ‫اليــوم كل أســباب البقــاء‬ ‫ليــروي حكايــة ذلــك اإلنســان‬ ‫البســيط و يضمــن لنفســه‬

‫االســتمرار إلــى أن يشــاء اهلل‬ ‫بــن دفتــي كتــاب‪.‬‬ ‫فيــا عجبــاً لرســول‬ ‫الكتــاب يبنــي اجلســور بــن‬ ‫مايــن النــاس وال ترهقــه‬ ‫املســافات‪ ،‬كيــف لــه أن‬ ‫يحــرك ســاكنًا وينفــخ الــروح‬ ‫لتــدب احليــاة يف أوصــال‬ ‫ثقافــات‪ ،‬نســترق النظــر‬ ‫إليــه يف حضــرة اجلميــع فبــه‬ ‫اكتفينــا ومــا اكتفينــا‪ ،‬يأســرنا‬ ‫حــرف وتلجمنــا كلمــة ونعقــد‬ ‫الهدنــة مــع نقطــة يف آخــر‬ ‫ســطر ‪.‬‬ ‫تلملــم شــتاتنا فكــرة‬ ‫ويبعثرنــا ســؤال فنشــعل منــه‬ ‫شــمعة تهتــك ســتر آالف‬ ‫الظلمــات‪.‬‬ ‫فمــا بــن كتــاب و كتــاب‬ ‫نبحــث عــن آخــر لنجلــس‬ ‫ســوية علــى طاولة مفاوضات‬ ‫فثمــة أفــكار متــ ُّل احلــرب‬ ‫وترنــو دائ ًمــا للســام ‪ ..‬فبــن‬ ‫األفــكار والــرؤى صلــة رحــم‬ ‫وقربــى مهمــا تباعــدت البــد‬ ‫أن حتضنهــا دفتــا كتــاب‪.‬‬

‫فمــع كل كتــاب تترقــب‬ ‫العقــول يف كل حــن ثمــار‬ ‫أينعــت وحــان قطافهــا وتأبــى‬ ‫إال أن تكــون قاطفتهــا‪..‬‬ ‫متــد يديهــا لتامــس مابــن‬ ‫الســطور فمــا بينهــا أفــكار‬ ‫ال تبــذل ودهــا إال ملــن اجتهــد‬ ‫يف وصلهــا‪.‬‬ ‫إن حقيقــة الكتــاب ال‬ ‫تكمــن يف صفحــات و مــداد‬ ‫وإمنــا يف مــا يحملــه مــن‬ ‫عقائــد وأفــكار ورؤى ومنهــج‬ ‫حيــاة تســتحق احليــاة‪ ،‬ففــي‬ ‫كل نفــس بشــرية (كتــاب) إمــا‬ ‫أن يتــاح لــه النشــر أو يظــل‬ ‫حبيــس النفــس‪.‬‬ ‫كل مــا يف الكتــاب ينبــض‬ ‫باحليــاة‪ ،‬فنحــن معــه وبــه‬ ‫نعيــش ونــدرك ونســتوعب‬ ‫ونفهــم حقيقــة كل شــيء‪،‬‬ ‫فــإذا أردت أن تتناغــم مــع‬ ‫احليــاة فليكــن نصفــك اآلخــر‬ ‫(كتــاب)‪.‬‬

‫ندى السماعـيل‬ ‫‪@ba7lah‬‬

‫‪7‬‬


‫ملف العدد‪ ،‬أعده وكتبه‪:‬‬ ‫د‪.‬سعيد الزهراني‬ ‫هنـد الصبار‬

‫مدينــة ال متــوت أبــدا‪ ،‬فمنــذ مــا‬ ‫يقــارب ثاثــة آالف عــام بقيــت حيــة تروي‬ ‫قصصهــا وتاريخهــا العميــق وثقافتهــا‬ ‫املجيــدة علــى مــر األعــوام والســنن‪.‬‬ ‫كانــت ضاحيــة يف العصــر الفرعونــي‬ ‫تســمى بيــت الكتابــات أو دار عــاج الــروح‬ ‫لوجــود بعــض خزائــن ملفوفــات البــردي‬ ‫املهمــة‪ ،‬فقــد كانــت هــذه البدايــة فكيــف‬ ‫يقــدر أن تكــون لهــا نهايــة‪ .‬إن مدينــة‬ ‫الكتــب واملكتبــات ال متــوت بــل تتجــدد يف‬ ‫كل عصــر وتفجــر مــا لديهــا مــن الكنــوز‬ ‫والعقــول وهــذه مدينتنــا مثــال حــي ونــادر‬ ‫ال يوجــد مثلهــا يف كل األزمــان والعصــور‪،‬‬ ‫إنهــا القاهــرة اجلوهــرة التــي أطلــق عليهــا‬ ‫جوهــرة الشــرق وأحــق أن تكــون جوهــرة‬ ‫العالــم أجمــع فلديهــا مــا يشــفع مــن‬ ‫التاريــخ الثقــايف لبنــي االنســان‪.‬‬ ‫كان الصعــود احلقيقــي علــى مســرح‬ ‫األحــداث والتاريــخ عندمــا احتفــى بهــا‬ ‫املعــز لديــن اهلل الفاطمــي وســماها‬ ‫القاهــرة وجعلهــا عاصمــة الدولــة‬ ‫واخلافــة وأراد لهــا أن تنافــس بغــداد‬ ‫وقرطبــة‪ ،‬فكيــف الســبيل إلــى ذلــك إال‬ ‫عــن طريــق الكتــب‪ ،‬لتكــون بعــد ذلــك‬ ‫عاصمــة الفاطميــن السياســية والثقافيــة‬ ‫والدينيــة‪ .‬وأنشــأ قائــده جوهــر الصقلــي‬ ‫اجلامــع األزهــر الــذي حتــول فيمــا بعــد‬

‫‪8‬‬

‫إلــى إحــدى منــارات العلــم يف العالــم‬ ‫وأقــدم مؤسســة تعليميــة موجــودة إلــى‬ ‫وقتنــا احلاضــر‪ .‬بعــد فتــرة غيــر بعيــدة‬ ‫انطلــق احلاكــم بأمــر اهلل الفاطمــي‬ ‫بإنشــاء مكتبــة عظيمــة ســماها دار العلــم‬ ‫(احلكمــة) ومت افتتاحهــا بحســب بعــض‬ ‫املصــادر التاريخيــة عــام ‪ 395‬هجــري‪،‬‬ ‫وفتحــت مــن أول يــوم لعامــة الشــعب‬ ‫للقــراءة واالســتعارة واحتــوت املكتبــة‬ ‫حســب تقديــرات املستشــرقة األملانيــة‬ ‫(هونكــة) علــى مليونــا وســتمائة ألــف‬ ‫مجلــد مــن بينهــا ‪ 6500‬مخطوطــة يف‬ ‫الرياضيــات و‪ 1٨000‬مخطوطــة يف‬ ‫الفلســفة‪ ،‬ويقــول املقريــزي عنها «وحصل‬ ‫يف هــذه الــدار مــن خزائــن أميــر املؤمنــن‬ ‫احلاكــم بأمــر اهلل مــن الكتــب التــي أمــر‬ ‫بحملهــا إليهــا مــن ســائر العلــوم واآلداب‬ ‫مالــم يــر مثلــه مجتمعــا ألحــد قــط»‪ .‬ولــم‬ ‫يســع بابــا رومــا سلفســتر الثانــي أن يقــول‬ ‫عــن املكتبــة عــام ‪999‬م «إنــه ملــن املعلــوم‬ ‫متامــا أنــه ال يوجــد أحــد يف رومــا لــه مــن‬ ‫العلــم مــا يؤهلــه ألن يعمــل بوابــاً لتلــك‬ ‫املكتبــة و أنــى لنــا أن نعلــم النــاس ونحــن‬ ‫يف حاجــة ملــن يعلمنــا‪ ،‬إن فاقــد الشــيء ال‬ ‫يعطيــه»‪.‬‬ ‫وكمــا تكــون عواصــم الثقافــة و‬ ‫العلــم واألدب يف العالــم مــزارا وحــ ً‬ ‫ا‬

‫‪@drpolymath85‬‬ ‫‪@hind_alsbbar‬‬

‫يشــد الرحــال إليهــا فهــذه مدينتنــا‬ ‫مدينــة القــراءة وجوهــرة الشــرق والغــرب‬ ‫وعاصمــة الكتــاب اجلديــد تفــد إليهــا‬ ‫العقــول مــن كل أصقــاع العالــم‪ ،‬فهــذا‬ ‫احلســن بــن الهيثــم أعظــم وأجــل‬ ‫عالــم متخصــص يف العلــوم التجريبيــة‬ ‫والهندســة قــدم مــن بغــداد إلــى القاهــرة‬ ‫ومكــث يف اجلامــع األزهــر يــدرس العلــوم‬ ‫التطبيقيــة والهندســة‪ ،‬وعــاش فيهــا‬ ‫أيضــاً أعظــم أطبــاء العصــور الوســطى‬ ‫ومكتشــف الــدورة الدمويــة الصغــرى ابــن‬ ‫النفيــس الــذي عــن رئيــس ألطبــاء مصر‪،‬‬ ‫وال ننســى ابــن خلــدون عالــم االجتمــاع‬ ‫الــذي وصــل إلــى القاهــرة يف عهــد‬ ‫الســلطان الظاهــر ســيف الديــن برقــوق‬ ‫اململوكي ودرس يف اجلامع األزهر وكانت‬ ‫لــه نــدوة مشــهورة هنــاك‪ ،‬قــال عنهــا ابــن‬ ‫خلــدون «رأيــت حاضــرة الدنيــا وبيتــان‬ ‫العالــم ومحشــر األمم ومــدرج الــذر مــن‬ ‫البشــر وإيــوان اإلســام وكرســي امللــك‬ ‫تلــوح القصــور و األواويــن يف جــوه وتزهــو‬ ‫اخلوانــق واملــدارس والكواكــب بأفاقــه‬ ‫وتضــيء البــدور والكواكــب مــن علمائــه‪،‬‬ ‫ويجبــي إليهــم الثمــرات واخليــرات ثجــة‬ ‫ومــررت يف ســكك املدينــة تغــص بزحــام‬ ‫املــارة‪ ،‬أســواقها تزخــر بالنعيــم»‪.‬‬


‫وأيضـاً قــدم الكثير مــن العلماء املهاجرين‬ ‫مــن األندلــس لينعمــوا بالزخــم الثقــايف‬ ‫يف القاهــرة وجنــد الشــاعر والطبيــب‬ ‫األندلســي أميــة ابــن أبــي الصلــت أوائــل‬ ‫القادمــن‪ .‬وبهــذه املكتبــات والعقــول‬ ‫املهاجــرة وعقــول علمائهــا غــدت القاهــرة‬ ‫مدينــة مصــدرة للعلــم فنشــطت حركــة‬ ‫تأليــف عظيمــة وكثــر االهتمــام بالكتــاب‬ ‫واقتنائــه وبقيــت علــى هــذه احلــال لعــدة‬ ‫قــرون نقشــت علــى جــدار الزمــان‪.‬‬ ‫كمــا قلنــا ســابقاً أنهــا مدينــة ال‬ ‫متــوت ولكــن يحصــل لهــا أن تنــام‬ ‫وتغفــو ثــم تصحــو وتكــون أعظــم ممــا‬ ‫كانــت عليــه مســتوعبة الثقافــة اجلديــدة‬ ‫للقادمــن اجلــدد مــن احلــكام والعلمــاء‬ ‫وعــوام النــاس‪ ،‬وقــد حكمــت املدينــة بعــد‬ ‫الفاطميــن مــن قبــل األيوبيــن واملماليــك‬ ‫وبعدهــم العثمانيــن ووقفــت شــوكة‬ ‫يف حلــوق املغــول والصليبــن وكانــت‬ ‫احلصــن املنيــع للعالــم االســامي‪ .‬أقــول‬ ‫إن القاهــرة قــد جتــدد عهدهــا بالكتــب‬ ‫واملكتبــات يف العصــر اململوكــي ومت بنــاء‬

‫مكتبــات كثيــرة يف أنحــاء املدينــة واهتــم‬ ‫حكامهــا بالعلــم والعلمــاء ويقــول عميــد‬ ‫األدب العربــي طــه حســن أنــه لــو اســتمر‬ ‫حكــم املماليــك إلــى العصــر احلاضــر‬ ‫لــكان للقاهــرة شــأن آخــر ولســوف تكــون‬ ‫يف مقدمــة املــدن العامليــة يف العصــر‬ ‫احلديــث ألن فتــرة احلكــم العثمانــي‬ ‫كانــت فتــرة ركــود وســكون للمدينــة حتــى‬ ‫أتــى عصــر محمــد علــي باشــا صانــع‬ ‫النهضــة املصريــة وبانــي مصــر احلديثــة‪.‬‬ ‫كانــت ســاعة قــدر حرجــة يف تاريــخ‬ ‫مصــر والقاهــرة خصوصــاً ومنعطــف‬ ‫تاريخــي مهــم عندمــا تولــى محمــد علــي‬ ‫باشــا عــرش مصــر فقــد أراد أن يطلــق‬ ‫املــارد الــذي يف املصبــاح والــذي كان‬ ‫يعيــش يف عصــور القــرون الوســطى‪.‬‬ ‫بــدأ الباشــا يف اإلصاحــات‬ ‫الشــاملة يف الزراعــة والعلــوم احلربيــة‬ ‫والرياضيــات وأقــام مدرســة متخصصــة‬ ‫يف الترجمــة وأرســل البعثــات إلــى‬ ‫إيطاليــا وفرنســا وعلــى رأســهم املترجــم‬ ‫واملفكــر رفاعــة الطهطــاوي الــذي ابتعــث‬

‫إلــى فرنســا وأقــام فيهــا خمــس ســنوات‬ ‫وأنشــأ عندمــا رجــع مدرســة األلســن‬ ‫والترجمــة ‪ ,‬واســتقدم العلمــاء األوربيــن‬ ‫مــن أوروبــا يف مجــاالت الطــب والهندســة‬ ‫والزراعــة وجلــب أول مطبعــة مــن إيطاليــا‬ ‫والتــي ســميت فيمــا بعــد مبطبعــة بــوالق‬ ‫وقــدر عــدد الكتــب التــي طبعتهــا إلــى‬ ‫نهايــة القــرن التاســع عشــر أكثــر مــن‬ ‫‪ 10‬آالف كتــاب‪ .‬وبــدأت القاهــرة تنتعــش‬ ‫قليــا فــازدادت أعــداد الطــاب املبتعثــن‬ ‫واملتعلمــن واملتســلحون بالعلــم والثقافــة‬ ‫األوروبيــة احلديثــة وقــدم الســوريون‬ ‫واللبنانيون ليســاعدوا يف عملية الترجمة‬ ‫أوال ويف إنشــاء الصحــف واملجــات‬ ‫الثقافيــة ويشــاركوا يف عصــر النهضــة‬ ‫اجلديــدة يف النصــف الثانــي مــن القــرن‬ ‫التاســع عشــر مثــل أنطــون جميــل وجــورج‬ ‫زيــدان و العالــم الفريــد يعقــوب صــروف‬ ‫صاحــب مجلــة املقتطــف واألخويــن تقــا‬ ‫مؤسســي صحفيــة األهــرام‪ ،‬ومحمــد‬ ‫أمــن اخلاجنــي صاحــب مكتبــة اخلاجنــي‬ ‫الشــهيرة املوجــودة إلــى اآلن‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫بــدأت القاهــرة تســترجع أيامهــا‬ ‫العظيمــة ولكــن بوهــج أقــوى وأعنــف‬ ‫فالهجــرات املتتاليــة لطــاب العلــم مــن‬ ‫األقطــار العربيــة واإلســامية والنهضــة‬ ‫األدبيــة احلديثــة علــى يــد كثيــر مــن‬ ‫الكتــاب واألدبــاء مثــل املنفلوطــي وانتشــار‬ ‫الكتــاب املطبــوع والكتــب القصصيــة‬ ‫املترجمــة عــن الفرنســية واإلجنليزيــة‪،‬‬ ‫والثــورة الفكريــة يف كل مجــاالت احليــاة‬ ‫واحلــركات الوطنيــة ومحاربــة االحتــال‬ ‫البريطانــي كل هــذا دفــع بالقاهــرة‬ ‫لتكــون عاصمــة الشــرق اجلديــد يف‬ ‫مطلــع القــرن العشــرين‪ .‬وقاهــرة القــرن‬ ‫العشــرين تبــدو لوهلــة عاصمــة أوروبيــة‬ ‫جلمــال تنظيمهــا وحدائقهــا ومكتباتهــا‬ ‫ودار األوبــرا وطابعهــا العمرانــي اجلديــد‬ ‫ووجــود جاليــة أوروبيــة كبيــرة قدمــت‬ ‫لتعمــل يف املدينــة‪.‬‬ ‫اآلن القاهرة تعيش عصرها الذهبي‬ ‫فكانــت بحــق ثــورة يف عالــم األدب والفكــر‬ ‫والعلــوم والفنــون واملســرح وصعــد جيــل‬ ‫مــن األدبــاء واملفكريــن العظــام أمثــال‬ ‫العقــاد وطــه حســن وتوفيــق احلكيــم‬ ‫والزيــات صاحــب الرســالة مجلــة الثقافــة‬

‫العربيــة و أحمــد أمــن الــذي أنشــأ هــو‬ ‫و مجموعــة مــن املثقفــن جلنــة التأليــف‬ ‫والترجمــة والتــي تعــد أكبر عمــل ومجهود‬ ‫حقيقــي يف ترجمــة روائــع األدب الغربــي‬ ‫إلــى العربيــة‪ ،‬ويف مجــال العلــم يكفــي‬ ‫القاهــرة ومصــر شــرفاً أن أخرجــت‬ ‫مصطفــى مشــرفة عالــم الفيزيــاء‬ ‫العبقــري صديــق ألبــرت أينشــتاين‪،‬‬ ‫ويف أربعينيــات القــرن العشــرين كانــت‬ ‫معامــل الفيزيــاء والكيميــاء يف جامعــات‬ ‫القاهــرة مثــل مثياتهــا يف إيطاليــا‪ .‬أمــا‬ ‫يف مجــال الفنــون واملوســيقى فالقاهــرة‬ ‫يف الصــدارة دائمــاً وأبــداً فهنــا مســرح‬ ‫الريحانــي ويوســف وهبــي والســت أم‬ ‫كلثــوم وعبدالوهــاب وعبداحلليــم وامللحــن‬ ‫واملوســيقار العبقــري ســيد درويــش‪.‬‬ ‫ويف مجال الكتب والنشر تعد القاهرة‬ ‫مدينــة القــراءة األولــى يف العالــم العربــي‬ ‫فيوجــد فيهــا مئــات املكتبــات ودور النشــر‬ ‫ومكتبــات وســط القاهــرة قائمــة إلــى اآلن‬ ‫تشــهد علــى ذلــك منــذ نشــأتها يف بدايــة‬ ‫القرن العشــرين وال زالت مصدراً للتنوير‬ ‫والثقافــة والعلــم‪ ،‬مثــل مكتبــة األجنلــو‬ ‫املصريــة التــي كان ميكــث فيهــا العقــاد‬

‫ســاعات يقلــب الكتــب فيهــا مــن ســاعات‬ ‫الصبــاح حتــى منتصــف الظهيــرة‪ ،‬وأهــم‬ ‫مــن ذلــك ســور األزبكيــة الشــهير الــذي‬ ‫كان ســور حديقــة األزبكيــة وبعــد ذلــك‬ ‫حتــول إلــى ســوق للكتــب بــل أعظــم ســوق‬ ‫مفتــوح للكتــب ســتجد كل شــيء فيــه مــن‬ ‫أقــدم املجــات والطبعــات للكتــب النــادرة‬ ‫إلــى اجلديــد يف عالــم الكتــب وســيخبرك‬ ‫العــم طاهــر يف ســور األزبكيــة أن أشــهر‬ ‫كتــاب مصــر وعظمائهــا كانــوا يشــترون‬ ‫مــن هــذا املــكان وكان الســور مــاذ لهــم‪,‬‬ ‫وكل زائــر يبحــث عــن الســياحة الثقافيــة‬ ‫عليــه بزيــارة الســور ويقتنــي بعــض الكتــب‬ ‫منــه‪.‬‬ ‫هكــذا هــي مــدن الثقافــة والقــراءة‬ ‫تنتــج عباقــرة يف كل املجــاالت فــكان‬ ‫مــن املتوقــع أن يحصــد جنيــب محفــوظ‬ ‫جائــزة نوبــل وأيضــاً عالــم مصــر زويــل‬ ‫وغيرهــم كثيــر مــن عباقــرة القاهــرة وكمــا‬ ‫قلــت ســابقاً إن القاهــرة مدينــة ال متــوت‬ ‫أبــدا فقــد كانــت بدايتهــا داراً لعــاج‬ ‫الــروح فكيــف يقــدر أن تكــون لهــا نهايــة‪.‬‬

‫د‪ .‬سعيد الزهراني‬ ‫‪@drpolymath85‬‬

‫‪10‬‬


‫كانــت خطواتــه األولــى أرق وعــرق‬ ‫وقلــق‪ ،‬وحكايــة مــن قصــص الغجــر فقــد‬ ‫أصابتــه لعنتهــم وعذاباتهــم فعــاش متنقــا‬ ‫يف صغــره لظــروف عمــل والــده وعــاش‬ ‫الغربــة احلقيقيــة ولكــن الكتــاب كان‬ ‫ينقــذه دائمــا فــكان ينــام حتتــه أو فوقــه‬ ‫وأحيانــا يقــرأه وال يفهــم شــيء ممــا يقــرأ‬ ‫ولكــن أحضــان الكتــب أعطتــه دفئـاً وأمانـاً‬ ‫ولــذا ظــل يدعــو إلــى القــراءة طــول عمــره‬ ‫ليــرد إليهــا جــزء مــن اجلميــل‪ ،‬حتــى أنــه‬ ‫ألــف كتابــا أســماه ( اقــرأ ) أي شــيء‪ ،‬وهــو‬ ‫القائــل ال أكبــر مــن القلــم وال أعظــم مــن‬ ‫العقــل‪.‬‬ ‫بــدأت رحلتــي معــه قبــل أكثــر مــن‬ ‫‪ 15‬ســنة عندمــا قــرأت لــه أول كتــاب ولــم‬ ‫أمتالــك نفســي مــن الدهشــة والعظمــة‬ ‫والعذوبــة يف األســلوب وكان فتحــاً مبينــا‬ ‫لــي وشــمعة أضــاءت طريقــي‪ ،‬ومــع كل‬ ‫كتــاب اقتنيــه لــه اشــتريت أضعافــا أخــرى‬ ‫مــن الكتــب التــي دلنــي عليهــا يف كتبــه‬ ‫ومقاالتــه الثريــة واملوســوعية حتــى كبــرت‬ ‫وانتفخــت مكتبتــي بســببه‪ ،‬فهــو يقــرأ كل‬ ‫شــيء وأي شــيء ويجــد متعــة يف ذلــك وأنــا‬ ‫أيضــاً‪ .‬هــل عرفتــم عمــن أحتــدث؟ عــن‬ ‫أعظــم قــارئ يف الوطــن العربــي بشــهادة‬ ‫عميــد األدب العربــي الدكتــور طــه حســن‪،‬‬ ‫إننــي أحتــدث عــن أنيــس منصــور األديــب‬ ‫والصحفــي واملترجــم والكاتــب املشــهور‬ ‫واملتفلســف والــذي أعــده مبثابــة ســقراط‪،‬‬ ‫فســقراط أنــزل الفلســفة مــن الســماء إلــى‬ ‫األرض وجعلهــا يف متنــاول العقــول‪ ،‬أمــا‬ ‫أنيســنا فجعلهــا متعــة مؤكــدة وبثهــا يف‬ ‫جميــع كتاباتــه ومقاالتــه فهــو فيلســوف‬ ‫بالفطــرة وجائــع للمعرفــة وعقلــه مشــتعل‬ ‫ويف شــغل وتفكيــر دائــم‪.‬‬ ‫كانــت نقطــة التحــول يف حياتــه عندمــا‬

‫قــرأ للعقــاد يف مجلــة الرســالة وبــدأت‬ ‫رحلتــه معــه بعــد ذلــك إلــى أن تــويف العقــاد‬ ‫رحمــه اهلل‪ ،‬لقــد تتلمــذ علــى يديــه وتعــزز‬ ‫لديــه حــب القــراءة فمعلمــه وأســتاذه‬ ‫العمــاق العقــاد الــذي عــاش للقــراءة‬ ‫وبهــا‪ ،‬وعندمــا وصــل إلــى القاهــرة قــال‬ ‫دخلــت جامعتــن‪ ..‬جامعــة العقــاد وجامعــة‬ ‫القاهــرة وكتــب عــن رحلتــه مــع العقــاد‬ ‫وصالونــه الشــهير يف كتــاب يعــد مــن أهــم‬ ‫الكتــب العربيــة يف النصــف الثانــي مــن‬ ‫القــرن العشــرين وهــو يف ( صالــون العقــاد‬ ‫كانــت لنــا أيــام)‪ .‬ويف جامعــة القاهــرة‬ ‫درس الفلســفة وأصبــح أســتاذا لهــا ودرس‬ ‫فيهــا أكثــر مــن عشــر ســنوات وتعــرف علــى‬ ‫أســتاذه الفيلســوف العبقــري واملوســوعي‬ ‫اآلخــر صاحــب الدراســات الفلســفية‬ ‫والوجوديــة عبــد الرحمــن بــدوي وتعلم منه‬ ‫حــب وعشــق الفلســفة وخصوصــا األملانيــة‬ ‫وحــب اللغــات حتــى أنــه أتقــن أكثــر مــن ‪7‬‬ ‫لغــات يتحــدث بهــا بطاقــة ويقــرأ ألدبائهــا‬ ‫ومفكريهــا ويترجــم لهــم فقــد ترجــم كثيــر‬ ‫مــن املســرحيات والدراســات األدبيــة‬ ‫مــن اإليطاليــة واألملانيــة إلــى الفرنســية‬ ‫وعرفنــا علــى كثيــر مــن فاســفتها‬ ‫وعباقرتهــا مثــل صديقــه الكاتــب اإليطالــي‬ ‫( ألبرتــو موارفيــا ) الــذي ترجــم لــه كثيــر‬ ‫مــن قصصــه ورواياتــه‪.‬‬ ‫إننــا أمــام قــارئ بجميــع اللغــات ويريــد‬ ‫أن يعــرف كل شــي ويحشــره يف دماغــه‬ ‫كمــا يقــول لعــل قلقــه املعــريف يهــدأ‪ ،‬حتــى‬ ‫أنــه يف أحــد رحاتــه إلــى أمريــكا وصــل‬ ‫إلــى مكتبــة عامــة وقــال يف نفســه البــد‬ ‫أننــي أعــرف الكثيــر مــن مــا حتويــه هــذه‬ ‫الرفــوف وصــدق قارئنــا وأخــذ يقلــب‬ ‫الكتــب وميــر علــى أســمائها حتــى قــال ال‬ ‫جديــد هنــا ميكــن أن يفيدنــي‪ ،‬ومــع كل‬

‫الــذي قــرأه ال يــزال يقــول إن الــذي يعرفــه‬ ‫قليــل وأمامــه الكثيــر‪.‬‬ ‫كتــب أنيــس منصــور أكثــر مــن ‪200‬‬ ‫كتــاب يف شــتى املوضوعــات مــن الفلســفة‬ ‫واألديــان والصحافــة والعلــم واألزيــاء‬ ‫والتاريــخ والدراســات النفســية واألدبيــة‬ ‫إلــى الرحــات والتــي بــرع فيهــا كثيــراً‬ ‫فلديــه كتــب عديــدة عــن الرحــات‬ ‫وأشــهرها حــول العالــم يف ‪ 200‬يــوم والتــي‬ ‫دونهــا أثنــاء طوافــه حــول الكــرة األرضيــة‬ ‫وكتــب مقدمتــه طــه حســن وقــال عــن‬ ‫الكتــاب هــذا كتــاب ممتــع حقـاً تقــرؤه فــا‬ ‫تنقــص متعتــك بــل تزيــد كلمــا تقدمــت يف‬ ‫قراءتــه‪.‬‬ ‫إنــه فعـ ً‬ ‫ا ظاهــرة فكريــة وأدبيــة غريبــة‬ ‫عصيــة علــى التصنيــف يذكرنــا بعلمائنــا‬ ‫وأدبائنــا األوائــل الذيــن برعــوا وأبدعــوا‬ ‫يف كل شــيء فهــو قــارئ نهــم مهــووس‬ ‫بالكتــب ومكتبتــه اخلاصــة احتــوت أكثــر‬ ‫مــن ‪ 50‬ألــف كتــاب وهــو أيضــاً صحفــي‬ ‫ورئيــس حتريــر لكبــرى املجــات الثقافيــة‬ ‫يف مصــر وكاتــب ورحالــة وفيلســوف ولــو‬ ‫تفــرغ للفلســفة ألنشــأ مذهبــاً فكريــا‬ ‫جديــدا‪ .‬ويعتبــر آخــر املوســوعين مــن‬ ‫املثقفــن العــرب والذيــن افتقدناهــم‬ ‫بعــد وفاتــه رحمــه اهلل فقــد عــاش قارئ ـاً‬ ‫عاشــقاً لهــا باحثــاً عــن احلقيقــة مــن‬ ‫خالهــا وكان يوصينــا بالقــراءة دائمــاً‬ ‫ويقــول‪ « :‬أي شــيء يقــع يف يــدك يجــب أن‬ ‫تقــرأه املهــم أن تكــون القــراءة عــادة‪ ،‬وأن‬ ‫تصاحبهــا لــذة املعرفــة‪ ،‬واملهــم أن يشــغلك‬ ‫الكتــاب وأن يشــعل النــار يف خيالــك‬ ‫ويجــدد أحامــك ويفتــح شــهيتك علــى‬ ‫دنيــا جديــدة يف أي اجتــاه أدبــي أو علمــي‬ ‫أو فلكــي أو جغــرايف»‪.‬‬ ‫د‪ .‬سعيد الزهراني‬ ‫‪@drpolymath85‬‬

‫‪11‬‬


‫‪폾‬‬

‫✆ 񁰀‪⤆껾 軾䀆䀆䀆䀆‬‬

‫‪ЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅЅ‬‬

‫ال يمكــن لزائــر هــذه األرض‪ ،‬األرض التــي حــوت مــن التاريــخ مــا لــم تحــوه أراضــي‬ ‫البســيطة واســتأثرت بإقامــة اإلنســان عليهــا منــذ أزلهــا‪ ،‬و تعاقــب عليهــا مــا‬ ‫ال يحصــى مــن الثقافــات والملــل والــدول‪ ،‬مــا جعــل هــذا مــن أرض الكنانــة كمــا‬ ‫يســميها العــرب األرض التاريخيــة األولــى‪ ،‬أن يتجاهــل قيمــة المــزارات التاريخيــة‬ ‫والثقافيــة التــي حوتهــا هــذه األرض المجيــدة‪.‬‬ ‫الســياحة الثقافيــة فــي مصــر ثريــة جــدا بــكل أنــواع اآلثــار التــي كمــا خربــت‬ ‫ونهبــت وتــم التفريــط فــي بعضهــا إال أنهــا مازالــت تمتلــك مــا تثــري وتجــذب‬ ‫وتســتقطب بــه اآلالف بــل والمالييــن مــن الســياح والمهتميــن بهــذا الشــأن‪.‬‬

‫المتحف المصري‬

‫ال ميكــن للســائح أن يــزور مصــر وال يخصــص رحلــة وينظمهــا إلــى املتحــف املصــري‬ ‫الذي يحتــوي علــى أكبــر مجموعــة مــن اآلثــار املصريــة القدميــة ‪ ,‬وإن نافســه فيهــا‬ ‫متحفــي اللوفــر وميــت روبيتــان‪ .‬يقبــع املتحــف املصري مبيــدان التحريــر بقلــب القاهــرة‬ ‫منــذ عــام ‪ ،1906‬يحــوي معــرض املتحــف علــى ‪ 136‬ألــف أثــر فرعونــي‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫مئــات اآلالف مــن اآلثــار املوجــودة يف مخازنــه مــن اآلثــار النفيســة جــدا التــي تعــود‬ ‫إلــى مــا قبــل التأريــخ‪.‬‬

‫‪---------------------------------------------------------------------‬‬

‫المتحف اإلسالمي‬

‫يعــرف بأنــه أكبــر متحــف إســامي‪ ،‬بنــي يف عهــد اخلديــوي إســماعيل‪ ،‬كانــت فكــرة إنشــاء دار جتمــع‬ ‫التحــف اإلســامية ســنة ‪1٨69‬م‪ ،‬حيــث جمعــت يف اإليــوان الشــرقي مــن جامــع احلاكــم وصــدر‬ ‫مرســوم ســنة ‪1٨٨1‬م بتشــكيل جلنــة حفــظ اآلثــار العربيــة‪ ،‬وملــا ضــاق هــذا اإليــوان بالتحــف بنــي لهــا‬ ‫مــكان يف صحــن هــذا اجلامــع حتــى بنــي هــذا املــكان احلالــي مبيــدان أحمــد ماهــر بشــارع بورســعيد‬ ‫(اخلليــج املصــري قدميـاً) وكان يعــرف جــزءه الشــرقي بــدار اآلثــار العربيــة وجــزءه الغربــي باســم دار‬ ‫الكتــب الســلطانية‪.‬‬

‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪---------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪---------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪---------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪12‬‬

‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬


‫الجامع األزهر‬ ‫هو أول عمل معماري أقامه الفاطميون يف مصر‪ ،‬بناه جوهر الصقلي بعد عام من فتح الفاطمين ملصر عام ‪ 970‬ميادية‪ ،‬جامع األزهر الشريف هو أول اجلوامع‬ ‫الفاطمية يف العالم‪ ،‬ويعد هذا املعلم اإلسامي من أقدم اجلامعات اإلسامية يف العالم والتي يأتي إليها أفواج من الطاب من شتى بقاع األرض حتى اآلن‪.‬‬ ‫‪--------------------------------------------‬‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫تقــع الكنيســة املعلقــة فــى منطقــة القاهــرة القبطيــة األثريــة املهمــة يف حــي مصــر القدميــة‪ ،‬علــى‬ ‫مقربــة مــن جامــع عمــرو بــن العــاص ومعبــد ”بــن عــزرا“ اليهــودي وكنيســة القديــس مينــا بجــوار‬ ‫وســ ِّميت‬ ‫حصــن بابليــون وكنيســة الشــهيد مرقوريــوس ”أبــو ســيفن“ وكنائــس عديــدة أخــرى‪ُ ،‬‬ ‫الكنيســة بهــذا االســم ألنهــا بُنيــت علــى برجــن مــن األبــراج القدميــة للحصــن الرومانــي الشــهير‬ ‫”حصــن بابليــون“‪ ،‬وهــو احلصــن الــذى بنــاه اإلمبراطــور الرومانــي ”تراجــان“ يف القــرن الثانــي‬ ‫امليــادي‪ ،‬وتعتبــر الكنيســة املُعلّقــة أقــدم الكنائــس التــي مــا زالــت باقيــة يف مصــر علــى هيئتهــا‬ ‫ومنــذ تدشــينها‪.‬‬ ‫‪-------------------------------------------------------------------‬‬‫‪-------------------------------------------‬‬

‫خان الخليلي‪،‬‬

‫أحد أحياء القاهرة القدمية‬ ‫خــان اخلليلــي واحــد مــن أعــرق أســواق الشــرق‪ ،‬يزيــد عمــره قلي ـ ً‬ ‫ا‬ ‫علــى ‪ 600‬عــام ومــا زال معمــاره األصيــل باقيــاً علــى حالــه منــذ‬ ‫عصر املماليك وحتــى اآلن‪ .‬هاجــر إليــه عــدد كبيــر مــن جتــار مدينــة‬ ‫اخلليــل الفلســطينية وســكنوه و اآلن توجــد بــه جاليــة مــن أهــل اخلليل‬ ‫تســكن بــه وتعمــل بالتجــارة وإليهــم ينســب خــان اخلليلــي بالقاهــرة‬ ‫وقــد ســمي بهــذا االســم نســبة ملؤسســه وهــو أحــد األمــراء املماليــك‬ ‫وكان يدعــى جركــس اخلليلــي وهــو مــن مدينــة اخلليــل‪ .‬يذكــر أن‬ ‫حــي خــان اخلليلــي كان مصــدر إلهــام للعديــد مــن الكتــاب واألدبــاء‬ ‫املصريــن أبرزهــم الكاتــب ‪:‬جنيــب محفــوظ والــذي ألــف روايتــه‬ ‫التــي حتمــل اســم احلــي وحتكــي عــن أحــداث تقــع فيــه ويوجــد بــه‬ ‫املقهــى األشــهر يف مصــر قهــوة الفيشــاوي التــي يصــل عمرهــا إلــى‬ ‫‪ 200‬عــام‪.‬‬

‫الكنيسة المعلقة‬

‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫قلعة صالح الدين‬

‫‪---------------------------------------------------------------------‬‬

‫شــرع صاح الديــن األيوبــي يف تشــييد قلعــة فــوق جبــل املقطــم يف موضــع كان يعــرف بقبــة الهــواء‪.‬‬ ‫ولكنــه لــم يتمهــا يف حياتــه‪ .‬وإمنــا أمتهــا الســلطان الكامــل بــن العــادل‪ .‬فــكان أول مــن ســكنها‬ ‫هو امللــك الكامــل واتخذهــا داراً للملــك‪ .‬واســتمرت كذلــك حتــى عهد محمــد علــي‪ .‬وتقــع قلعــة‬ ‫صــاح الديــن األيوبــي يف حــي القلعــة بالقاهــرة‪ ،‬وتعــد قلعــة صــاح الديــن األيوبــي أحــد القــاع‬ ‫احلربيــة التــي بُنيــت يف العصــور الوســطى وكانــت قلعــة ذات أهميــة عاليــة باحتالهــا للموقــع‬ ‫الدفاعــي االســتراتيجي املســيطر علــى القاهــرة والفســطاط باإلضافــة لكونهــا الفاصــل بــن‬ ‫املدينتــن‪ ،‬واملــاذ األول لاعتصــام يف حالــة ســقوط املدينــة بيــد اخلصــوم‪.‬‬ ‫‪-------------------------------------------‬‬

‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪13‬‬

‫‪---------------------------------------------------------------------------------------------- ---------------------------------------------------------------------‬‬


‫‪ѫ‬‬ ‫ ‪ѫ Ѵ ɯ ϱ‬‬ ‫ ‪Ѭ ʇ¤ ` ϱ ÀL¼ ¤ £‬‬ ‫‪ѭ ɶ ϱ Fø‬‬ ‫‪Ѭ‬‬ ‫‪ѫѴ‬‬ ‫‪Ѭ ѳȤ ½ɲK‬‬ ‫ ‪ɞɷxÖ‬‬ ‫ ¼‪ʂ Ȥ įÖ n | ½¥‬‬ ‫ ‪µy÷ ț‬‬ ‫ ‪Nj ¤‬‬ ‫ ‪ʅ‬‬ ‫‪ķѳ‬‬ ‫ ‪Ѵ ʇ´l ש µ© Ȯ‬‬ ‫‪Ѵ‬‬ ‫‪Ѵ‬‬ ‫˛‬ ‫‪Ѫ‬‬ ‫ ‪ѫ Ѵ ʂª ½ȝ Ö‬‬ ‫‪Ѭ‬‬ ‫‪ѭ‬‬ ‫‪ѫѴ‬‬ ‫‪ѫѴ‬‬ ‫¼ ‪ѫ Ѵ Ő Uȝ ȹ L6 U¤‬‬ ‫ |‪ ʇ‬‬ ‫ ‪ɲK‬‬ ‫ ‪ʂ‬‬ ‫ ¦ ‪ɷ Ѵ ɯ æFu‬‬ ‫½ ‪Ѵ 7 ÷ µ©Ö řKF÷ µ© ªȮ ϱ ʂTK F¤ Ö‬‬ ‫‪Ѭ‬‬ ‫« ‪ 6פ ²×© TKÖ ²×³ ´| ʅ őK F | ÀL¼ ¤‬‬ ‫÷‪ʇªȮ µɆ ¨ TL¤ Á[úK ³ǒÖ ϱ ¼M×´ ~[ F‬‬ ‫‪ɶ µ©Ö‬‬ ‫‪ѳ‬‬ ‫‪Ѵ‬‬ ‫‪ѫ‬‬ ‫‪Ѭ‬‬ ‫‪ѳ‬‬ ‫‪L H ʑ¤ 6×¥§ µ‬‬ ‫>‪ƻ ϱÀL¼ ¤ ÀK g6Ö Á| Ö £ ķ FU:Ö K×au¤ L© Ȼt F¥‬‬ ‫‪Ѵ‬‬ ‫لوحة ‪ 㨀‬الصالة في القاهرة‬ ‫جان جيرو ⤀‪ ⠀㄀㤀 㐀 ጠ ㄀㠀㈀㐀‬هو فنان‬ ‫ونحات فرنسي‪ ،‬زار الشر في منتصف‬ ‫القرن التاسع عشر تحديدا عا ‪㄀㠀㔀㘀‬‬ ‫وتر لنا إرثا كامال من اللوحات⸀ تعتبر‬ ‫لوحة ‪ᴠ‬الصالة في القاهرة‪ ᰠ‬من أفضل‬ ‫وأروع أعمال الفنان العالمي جان جيرو‬ ‫والتي اهتم فيها كمستشر بأهم ‪،‬‬ ‫م هر ممكن أن يلفت ن ر زائر أجنبي‬ ‫إلى القاهرة ⸀‬

‫لوحة ‪ 㨀‬الكتاب بالجامع األزهر‬ ‫بريشة الفنان لو في ويت عا ‪㄀㤀㠀‬‬ ‫من بين كل المستشرقين األوروبيين‪ ،‬يشكل‬ ‫الفنان النمساوي لو في ويت حالة فريدة‬ ‫من نوعها‪ ،‬تتمثل خصوصيتها في االرتبا‬ ‫بمكان واحد من هذا الشر ‪ 㨀‬مدينة القاهرة‬ ‫وتكري سيرته المهنية كاملة لهذا‬ ‫المكان بعد اكتشافه‬

‫⸀‬

‫‪14‬‬


‫لوحة من مجموعة القاهرة‬ ‫للفنان البريطاني تشارلز روبرتسون‬ ‫⤀‪⠀㄀㠀㐀㐀-㄀㠀㤀㄀‬‬

‫ارع النحاسين بالقاهرة التاريخية‬ ‫بريشة الفنان البريطاني والتر تيندال‬ ‫⤀‪⠀㄀㠀㔀㔀-㄀㤀㐀㐀‬‬

‫لوحة ‪ 㨀‬بانوراما أبو الهول‬

‫وصل يفيد روبرت إلى اإلسكندريــة سنة‪㄀㠀㌀㠀‬‬ ‫وقد أخذت مصر نصيب األسد من لوحات روبرت‬ ‫فقد صور الكثير من معالم مصر في لوحاته مثل‬ ‫∀قنا ر على النيل∀‪ ،‬و∀جامع ال ــوري∀‪ ،‬و∀باب زويلــة∀‬ ‫و∀مقيا النيل في جزيرة الروضة∀‪ ،‬و∀ جرة العيلة المقدسة‪ᰠ‬‬ ‫و∀قصر محمد علي∀‪ ،‬و∀مسلة في األقصر∀‪ᴠ ،‬ومعبد الكرنك‪ᰠ‬‬ ‫و ‪ᴠ‬معبد إيزي في أسوان∀‪ ،‬و∀معبد أبو سمبل‪ᰠ‬‬

‫‪㄀‬‬

‫لوحات الفنان جون فريدريك لوي‬ ‫فنان إنجليزي ‪㄀㠀㜀㘀 -㄀㠀 㐀‬‬ ‫أحد أع م الرسامين المستشرقين البريطانيين‬

‫‪㌀‬‬

‫‪㈀‬‬

‫‪15‬‬


‫منــذ فتــرة ليســت بقصيــرة أصبحــت‬ ‫أحتفــظ بطريقــة خاصــة و فعالــة جــداً‬ ‫وهــي‪ :‬عندمــا أعيــش خيبــة أو تكــون‬ ‫إرادتــي ضعيفــة أبحــث بــن الكلمــات مــا‬ ‫قــد يكــون قــادر علــى ترميــم مــا بداخلــي‪،‬‬ ‫و دائمــا كنــت أفضــل الكلمــات املكتوبــة‬ ‫علــى مــا يُقــال لــي و ال أعلــم مــا هــو الســر‬ ‫لكــن تبقــى الكلمــات املكتوبــة ذات وقــع‬ ‫أعمــق بداخلــي وســحر جميــل‪.‬‬ ‫بذهــن مرهــق وإرادة منهكــة تصفحــت‬ ‫كتاب ‪:‬‬ ‫‪DON`T SWEAT THE SMALL STUFF‬‬ ‫‪And it`s all small stuff‬‬

‫‪RICHARD CARLSON‬‬

‫قرأت باســتطراد ولرمبا كان الســبب‬ ‫شــعوري أنهــا مقــاالت مكــررة عــن تطويــر‬ ‫الــذات ســبق وقرأتهــا أو أننــي كنــت‬ ‫مشــغولة البــال بأفــكار مزدحمــة‪ ،‬قــرأت‬ ‫إلــى أن اســتوقفتني عبــارة‪:‬‬ ‫‪ - 60‬حــول مســرحيتك الدراميــة إلــى‬

‫مســرحية كوميديــة‪.‬‬ ‫شــدت انتباهــي وبــدأت بتجميــع‬ ‫أفــكاري وترتيبهــا وكانــت الفكــرة رقــم‬ ‫واحــد هــي‪:‬‬ ‫ملاذا قال مسرحية؟‬ ‫هــل يُعقــل أن حياتــي اآلن أقــرب‬ ‫مــا تكــون إلــى خشــبة مســرح تــروى عليهــا‬ ‫قصــة وأحــداث و ممثلــن؟‬ ‫هــل املنتقديــن لقراراتــي وأفــكاري‬ ‫وســلوكي مــا بــن مؤيــد أو رافــض هــم‬ ‫مجــرد حضــور املســرحية؟‬ ‫هــل الدرامــا الكئيبــة احلزينــة املؤملــة‬ ‫اململــة التــي قــد تتخللهــا دمــوع أو بــرود‬ ‫مشــاعر مــن املمكــن أن تتحــول إلــى‬ ‫كوميديــا مضحكــة مفرحــة ومبهجــة‬ ‫تُســعد الــروح قبــل أن تُســعد احمليطــن؟‬ ‫بــدأت أطــرح أســئلة وكأنــي أردت أن‬ ‫أنتصــر للكوميديــا بقناعــة ثابتــة حتيــزاً‬ ‫جلــزء مــن شــخصيتي مييــل للضحــك‬

‫وهــو شــيء ال يعجــب أغلــب مــن يعرفنــي‬ ‫لســت مندفعــة‬ ‫بالرغــم مــن أننــي فتــاة‬ ‫ُ‬ ‫لكــن لطاملــا كان ال ُكــره مــن مبــدأ أن‬ ‫كثــرة الضحــك تقلــل هيبــة الفــرد‪ ،‬فكــرت‬ ‫قليــ ً‬ ‫ا وتذكــرت أنــي قــرأت يف ســيرة‬ ‫املصطفــى عليــه الصــاة والســام أنــه‬ ‫قــد كان يضحــك مــع األعــراب الغــاظ‬ ‫الشــداد ليشــعرهم بالســعة والرحمــة‬ ‫والنعمــة التــي جــاء بهــا اإلســام ‪ ،‬وبــأن‬ ‫الديــن فســحة ورفــق ولــن يُقابــل اإلســاءة‬ ‫باإلحســان والعبــوس بالضحــك‪.‬‬ ‫هنــا أيقنــت أنــي أجبــت علــى أســئلتي‬ ‫وتأكــدت بأنــه مهمــا كان ثقــل الدرامــا‬ ‫يف مــا قــد نعيشــه أو مــا ســوف نواجهــه‬ ‫ســيكون يف أدق تفاصيلــه كوميديــا يجــب‬ ‫أن نبحــث عنهــا كــي تُخفــف مــن وقــع‬ ‫الثقــل وجـ ّل مــا علينــا أن نكــون صبوريــن‬ ‫مبتســمن لــكل شــيء‪.‬‬

‫ود العتيبي‬ ‫__‪@al3tebeh‬‬

‫‪16‬‬


‫ميسون أحمد‬ ‫‪@maysoon_ah2‬‬

‫ـدي تلــك العادة‪ ،‬مرافقــة الكتــاب‬ ‫أنــا لـ ّ‬ ‫ً‬ ‫احتجــت صديقــا‪ .‬إن حزّبنــي الضيــق‬ ‫إن‬ ‫ُ‬ ‫واحلــزن تقوقعــت بــن زوايــا دفــات كتــاب‪،‬‬ ‫فكــم مــن مــرة ذاقــت الصفحــات ملوحــة‬ ‫أدمعــي!‬ ‫اتخــذت مــن‬ ‫أحسســت باأللــم‬ ‫وإن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ـت يف فــاة الفكــر‬ ‫الكتــاب مس ـكنا! وإن تهـ ُ‬ ‫اتخــذت مــن القــراءةَ مذهبــاً!‬ ‫ُ‬ ‫فكــم آنــس مــن وحــدة وأحتضــن مــن‬ ‫حنــن‪ ،‬كــم س ـ ّكن مــن ألــم‪ ،‬وإن و ّلــد آخــر‬ ‫ـت بســكونه لــروح عطشــى‪،‬‬ ‫باملقابــل‪ .‬أنصـ َ‬ ‫عقــل جائــع‪ ،‬كــم‬ ‫وغــ ّذى بثرثرتــه شــغف‬ ‫ٍ‬ ‫أســع َد وأشــقى‪ ،‬كــم أضحـ َ‬ ‫ـك وأبكــى!‬ ‫حتــى لتكــون بعــض الكتــب بعــد‬ ‫هــذا أكثــر مــن كونهــا أوراق‪ ،‬أو وريقــات‬ ‫أصلهــا حلــاف شــجر‪ ،‬خُ طــت مــن روح‬ ‫كاتبهــا‪ ،‬وكأنهــا خالطــت الــ ّروح حتــى‬ ‫ســكنتها‪ ،‬توشــك يف ذلــك منافســة غيرهــا‬ ‫مــن األحيــاء بــل لهــي أبقــى وأحيــا‪.‬‬ ‫هــي كمــن ميشــي علــى األرض‪،‬‬ ‫ـب الوجــه أو هــاد إلــى الصــراط‬ ‫منهــا مكـ ّ‬ ‫املســتقيم‪.‬‬ ‫كأنهــا يف تلونهــا واختافهــا كأصنــاف‬ ‫البشــر تتبايــن عاقتنــا بــك ّل صنــف‪.‬‬ ‫فمــن الكتــب‪ ،‬تلــك الكتــب العابــرة‪ ،‬متـ ّر‬

‫علينــا مـ ّر الســام‪ ،‬تلقــي بدلوهــا حينـاً يف‬ ‫الهــواء فلرمبــا لــم يألــف قالبهــا قلبــك‪،‬‬ ‫لكنّــك علــى أقــل تقديــر أمضيــت الوقــت‬ ‫فيمــا يُذكــر‪.‬‬ ‫و تلــك التــي ترافقــك لبرهــة مــن الزّمــن‬ ‫وتأنــس بهــا حلــن انتهائــك منهــا‪ ،‬تــزرع‬ ‫فيــك مــا يبقــى طويـ ً‬ ‫ا‪ ،‬يســهل اســترجاعه‬ ‫وذكــر مــا احتــواه متــى مــا بحثــت عنــه يف‬ ‫أدراج ذاكرتــك ثــم يبقــى معــك متمنيــاً‬ ‫إهــداءه رجــاء تبــادل املنفعــة‪ ،‬فتلــك كانــت‬ ‫الكتــب الزّميلــة ‪.‬‬ ‫وأخــرى حت ّبهــا‪ ،‬كانــت لــك فتحـاً وحبـا‪ً،‬‬ ‫كانــت لــك ُمعلمـاً وشــيخاً‪ُ ،‬و ِهبــت لــك فيهــا‬ ‫حيــاة أخــرى‪ ،‬فِ كــر آخــر‪ ،‬هــي ذلــك األنــس‬ ‫وأشــرت إليــه يف بدايــة‬ ‫اللــذي قصدتــه‬ ‫ُ‬ ‫حديثــي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫علــى كل حــال‪ ،‬منــذ يومــن أو أكثــر‪،‬‬ ‫إلــي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أعــرت صديقــة لــي أقــرب الكتــب ّ‬ ‫أحــب أصدقائــي‪ ،‬لــك أن تعلــم‬ ‫أعرتهــا‬ ‫َّ‬ ‫تــرددي قبــل إعارتــه‪ ،‬يــد تقدمــه وأخــرى‬ ‫تنــوح ج ـ ّراء فقــد قــد ِأزف وتبكينــي رجــاء‬ ‫اختــاق أعــذار ألبقيــه معــي‪ ،‬متن ّيــت كل‬ ‫التمنــي أن يعلــم مــن نعيرهــم الكتــب‪ ،‬بأننــا‬ ‫نُؤمنهــم علــى عظيــم‪ ،‬بأننــا كســرنا أنان ّيتنــا‬ ‫يف التملــك علّنــا نبادلهــم كنزنــا العميــق‪.‬‬

‫ما الضي ُر يف أ ْن تب َق أص َّم عما يتف ّوه‬ ‫به العالم من ت َّرهات؟‬ ‫َ‬ ‫البشر‬ ‫ضجيج‬ ‫سماع‬ ‫تتوقف عن‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأنينِهم!‬ ‫َ‬ ‫عينيك لتصب َح ضريراً ال‬ ‫أو تُري َح‬ ‫يبصر‪...‬‬ ‫مامح ِ‬ ‫آالف‬ ‫ضريراً أَطفأ زحا َم‬ ‫ِ‬ ‫اجلموع من ُمخ َّيلتِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أو‪ُ ...‬كن أبكماً !‬ ‫الكام ألجلِ الكام ‪..‬‬ ‫نفس ُه من‬ ‫َح َر َم َ‬ ‫ِ‬ ‫معنى لكامي‪: -‬‬ ‫كنت تبحثُ عن‬ ‫إ ْن َ‬‫ً‬ ‫اجلواب أ ْن تفع َل‬ ‫فستتطلب معرف َة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أمراً واحداً‪ ،‬بسيطاً وال أكث َر منه!‬ ‫« ُق ْم واقرأ»‬ ‫َ‬ ‫كتاب‪ ..‬ال يفار ُق‬ ‫وجه‬ ‫حواسك نحو ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ك َّفيْك‪ ..‬حقيبتك‪ ..‬أو جهازك‬ ‫احملمول حتى!‬ ‫« ُق ْم واقرأ»‬ ‫ اطر ْح بثقلِ العالم عن عاتق‬‫تفكيرك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫رؤيتك مجدداً‪.‬‬ ‫ ح ِّد ْد زاوية‬‫عالم‬ ‫ أَط ِل ْق سهام حت ُّر َرك إلى ٍ‬‫آخر‪ ..‬ال متناهٍ ‪.‬‬ ‫« ُق ْم واقرأ»‬ ‫وكن مساهماً يف إحياء األمة بعلمِ ها‪،‬‬ ‫ثقا َفتِها‪ ،‬و ُرق ِّيها‪.‬‬ ‫كوثر آل بزرون‬ ‫‪@K_AlBazroon‬‬

‫‪17‬‬


‫أجرى احلوار ‪ :‬ندى السماعيل‬ ‫‪@ba7lah‬‬

‫مدير إدارة النشر والترجمة يف شركة العبيكان للتعليم‪ ،‬من مؤلفاته ( القوة الهادئة ‪ /‬النهر اجلاري ‪ /‬فن إدارة املواقف )‬ ‫ولعــل الرســم أدنــاه يوضــح كيــف ميــر‬ ‫‪ /1‬كيف ترى حركة الترجمة يف‬ ‫املكتبات لدينا وهل تلبي متطلبات الكتــاب مبراحــل اإلنتــاج املختلفــة والتــي‬ ‫ليــس لهــا أي حــظ مــن املصداقيــة‪،‬‬ ‫تتبايــن بــن كتــاب وآخــر تبعـاً للتخصــص وأبعادهــا تســويقية بحتــة جــداً‪ ،‬ال‬ ‫احلركة الثقافية وحاجة القراء‬ ‫والنطــاق املوضوعــي للكتــاب‪.‬‬ ‫يوجــد جهــة عربيــة واحــدة لديهــا أرقــام‬ ‫وشغفهم املعريف؟‬ ‫‪ /3‬تقييمك ملعارض الكتب لدينا حقيقيــة عــن املبيعــات‪ ،‬وكذلــك دور‬ ‫حركــة متميــزة جــداً ومتطورة ينقصها‬ ‫مقارنة مبعارض الكتب العاملية‪ ،‬النشــر تتحفــظ علــى هــذه األرقــام كمــا‬ ‫بعــض النقــاط التــي لــو مت معاجلتهــا‬ ‫لــو كانــت أســرار عســكرية‪ ،‬وأعتقــد أن‬ ‫لكانــت مخرجاتهــا عاليــة اجلــودة‪ ،‬منهــا أين تقف اآلن و كيف ميكنها أن‬ ‫القــارئ العربــي اآلن أصبــح واعيــاً عــن‬ ‫البرامــج املتخصصــة بالترجمــة‪ ،‬وكذلــك تلحق مبثيالتها يف الدول األخرى؟‬ ‫ً ذي قبــل ‪ ،‬ويعــرف أن هــذه األســاليب لــن‬ ‫تصنيــف املترجمــن والعاملــن بالقطــاع‬ ‫وضــع املعــارض حاليـاً اليســر إطاقـا‬ ‫جتــدي نفع ـاً يف التغريــر بــه‪ ،‬كمــا أقتــرح‬ ‫عمومــاً‪ ،‬وكذلــك وجــود جهــات داعمــة وهــو متبايــن جــداً مــع املعــارض العامليــة‬ ‫علــى القــارئ عندمــا يقــرأ هــذه العبــارة‬ ‫وراعيــة لعمليــات الترجمــة املتخصصــة متامــاً‪ ،‬كــون املعــارض العامليــة معــارض‬ ‫أن يســأل الناشــر أو املــوزع (هــل ميكــن‬ ‫واألكادمييــة‪.‬‬ ‫لبيــع احلقــوق واألفــكار واالطــاع علــى‬ ‫إطاعــي علــى تقريــر مبيعــات الكتــاب)؟‬ ‫التجــارب يف مجــاالت النشــر املختلفــة‪،‬‬ ‫‪ /2‬يروقنا منظر الكتب على‬ ‫وســيرى بنفســه مصداقيــة العبــارة‪.‬‬ ‫أمــا املعــارض العربيــة فجــل االهتمــام‬ ‫األرفف و لكننا جنهل كيف‬ ‫ينصــب علــى البيــع املباشــر فقــط ومــا ‪ /5‬ما مدى رضاك عن عناوين‬ ‫استقرت عليها‪ ،‬حدثنا عن املراحل‬ ‫الكتب التي تنشرها مكتبة‬ ‫عــداه ففــي طــي النســيان أو التناســي‪.‬‬ ‫التي مير بها الكتاب حتى يستقر‬ ‫العبيكان؟‬ ‫كمــا أن احلديــث عــن التنظيــم فهــو‬ ‫بني يدي القارئ ؟‬ ‫نحــن نغطــي مجموعــة تخصصــات‬ ‫حديــث يطــول جــداً‪ ،‬فيكفــي أن نعــرف‬ ‫ميــر الكتــاب مبجموعــة مراحــل تبــدأ أن معــرض اســطنبول كمثــال يتــم كل مهمــة اليــوم للقــارئ العربــي ونحــاول‬ ‫بالفكــرة وتنتهــي بالطباعــة‪،‬‬ ‫عمليــات املشــاركة والدفــع والشــحن جاهديــن تغطيــة الطيــف املعــريف بشــتى‬ ‫وخافــه مــن عمليــات التنظيــم آلي ـاً مــن أنواعــه‪ ،‬خصوصــاً مــع التوســع الهائــل‬ ‫ألفــه إلــى يائــه دون احلاجــة للحديــث مــع يف املعرفــة البشــرية اليــوم‪ .‬كمــا نحــاول‬ ‫أحــد‪ ،‬وهــذا غيــر مطبــق يف كل املعــارض جاهديــن أن ال نكــرر الكتــب والعناويــن‬ ‫قــدر املســتطاع‪ ،‬ويف النهايــة احلكــم‬ ‫العربيــة دومنــا اســتثناء‪.‬‬ ‫مبيعا ) عبارة كثر باجلــودة مــن عدمهــا يحكمهــا القــارئ‪،‬‬ ‫‪ ( /4‬أكثر الكتب‬ ‫ً‬ ‫ومبيعــات الكتــاب‪.‬‬ ‫تدوينها على أغلفة الكتب ‪ ،‬ما‬

‫أبعادها ؟ و مدى مصداقيتها ؟‬

‫‪18‬‬


‫‪ /6‬ما معايير و متطلبات النشر يف جــداً‬ ‫مرفق لكم رابط ألحد الفعاليات‪:‬‬ ‫مكتبة العبيكان؟‬ ‫منذ بداية النشــر يف شــركة العبيكان‬ ‫وضعنــا ألنفســنا معاييــر خاصــة ألزمنــا‬ ‫أنفســنا ومؤلفينــا ومترجمينــا بهــا تتركــز‬ ‫هــذه املعاييــر‪.‬‬ ‫ باجلديــة واملوضوعيــة واملهنيــة يف‬‫طــرح املوضــوع‪.‬‬ ‫ االبتعــاد عــن التكــرار يف طرح املواضيع‬‫التــي ســبق ومت طرحهــا مــن قبــل ناشــرين‬ ‫آخرين‪.‬‬ ‫ اإلســناد العلمــي يف الكتــب والتــي‬‫تشــمل املراجــع واملصــادر التــي اعتمــد‬ ‫عليهــا الباحــث يف كتبــه‪.‬‬ ‫ التركيــز علــى طــرق النشــر غيــر‬‫التقليديــة وقبــول املواضيــع التــي تقبــل‬ ‫طــرق اإلنتــاج املختلفــة‪.‬‬ ‫ عــدم نشــر الكتــب ذات البعــد الطائفــي‬‫والفلســفي واجلدلــي وكذلــك تلــك الكتــب‬ ‫التــي ال تقــدم قيمــة مضافــة للقــارئ‬ ‫العربــي‪.‬‬

‫‪ /7‬ما األنشطة الثقافية التي‬ ‫تفتقد إليها املكتبات العامة و‬ ‫التجارية و التي لو نفذت بالشكل‬ ‫املطلوب سيكون لها أبلغ األثر يف‬ ‫نشر ثقافة القراءة ؟‬ ‫احلقيقــة املكتبــة تفتقــد ألشــياء كثيــرة‬ ‫جــداً مــن أهمها‪:‬‬ ‫املكتبــي املتميــز الــذي يســتطيع خدمــة‬ ‫الباحــث والزائــر مبهنيــة وحرفيــة عاليــة‪،‬‬ ‫كمــا تفتقــد للبرامــج القرائيــة اخلاصــة‬ ‫واملســابقات واألنشــطة احملفــزة‪ ،‬برامــج‬ ‫وفعاليــات غيــر تقليديــة جتــذب الــزوار‬ ‫للمكتبــات علــى ســبيل املثــال‪:‬‬ ‫فعاليــة إجنايــت (إشــعال) وهــي فكــرة‬ ‫أجنبيــة لتحفيــز النــاس علــى إلهــام‬ ‫غيرهــم بالكتــب التــي أثــرت بهــم‪ ،‬وأعتقد‬ ‫أرامكــو أقامــت نشــاط مشــابه كان مميــز‬

‫‪https://www.youtube.com/‬‬

‫تكون غير حضارية و كأن القراءة‬ ‫تؤت ثمارها؟‬ ‫لم ِ‬

‫يجب أن يكون الســؤال ماذا يقرؤون؟‬ ‫‪watch?v=hS1YgPSUy4k‬‬ ‫لألســف الشــديد ســئلت هــذا الســؤال‬ ‫‪ https://www.youtube.com/‬كثيــراً فيكــون جوابــي عليهــم أســأل مــن‬ ‫‪ watch?v=O5M7FKH68ds‬يقــرأ مــاذا يقــرأ لتعــرف ســبب هــذه‬ ‫الســلوكيات التــي تراهــا؟‬ ‫فعالية تيد ‪ TED‬خاصة بالكتب مثال ‪ :‬هنــاك كتــب غيــرت مســار البشــر يف‬ ‫‪https://www.youtube.com/‬‬ ‫‪ kx9Y0-watch?v=LPrS7‬التفكيــر واإلبــداع واإللهــام وهنــاك كتــب‬ ‫هــذه الفعاليــات وغيرهــا تكــون لألســف علــى النقيــض متام ـاً ويبــدو أن‬ ‫مرتبطــة عــادة بنتائــج وجوائــز ومكافــآت القــراءة وطريقتهــا لــم تنضــج عنــد كثيــر‬ ‫غيــر تقليديــة تقدمهــا اجلهــات الراعيــة‪ ،‬ممــن ميارســون هــذه الســلوكيات‪.‬‬ ‫مسابقات القراء اجلماعية وهي مشهورة‬ ‫بعيدا عن مجال عملك‬ ‫‪ً /4‬‬ ‫جــداً يف بعــض الــدول األوروبيــة ومحفــزة‬ ‫جــداً نظــراً للتنافــس بــن املشــاركن‪،‬‬ ‫د‪.‬محمد حدثنا عن ( ميولك‬ ‫وغيرهــا الكثيــر مــن الفعاليــات شــريطة القرائية ‪ /‬مجاالتك يف القراءة‬ ‫أن تكــون غيــر منطيــة ومســتهلكة‪.‬‬ ‫‪ /‬ملن تقرأ ؟ ‪ /‬و ما التغيير الذي‬

‫‪ /8‬حدثنا د‪.‬محمد عن مكتبة‬ ‫زرتها و تطلعت لوجود مثيلة لها‬ ‫لدينا ‪ ،‬و لم ؟‬ ‫أشــهر مكتبــة زرتهــا كانــت مكتبــة‬ ‫للمكفوفــن يف مدينــة فرانكفــورت‬ ‫بأملانيــا واحلقيقــة أنهــا ليســت مكتبــة‬ ‫فقــط‪ ،‬ولكنــه مركــز متكامــل فيــه كل‬ ‫شــيء يخــص املكفوفــن‪ :‬أدوات كتابــة‪،‬‬ ‫أدوات تعلــم‪ ،‬كتــب‪ ،‬فنــون‪ ،‬مجســمات‬ ‫باللمــس‪ ،‬كورســات تعليميــة وغيرهــا‬ ‫الكثيــر وكل شــيء يتعلــق باملكفوفــن‬ ‫تقريبــاً‪ .‬وباملناســبة هــذا املركــز لــه ‪1٨‬‬ ‫فــرع علــى مســتوى أوروبــا‪ ،‬وأكثــر شــيء‬ ‫شــدني فيهــا أن العاملــن فيهــا جميعــاً‬ ‫مــن املكفوفــن!! أليســت فكــرة جهنميــة‬ ‫لتشــغيلهم ؟‬

‫‪ /9‬كيف تفسر إقبال الناس‬ ‫على القراءة و الكتاب و انتشار‬ ‫ممارسات دينية و اجتماعية‬ ‫وثقافية عديدة خاطئة و رمبا‬

‫أحدثته القراءة يف ذاتك ؟ )‬ ‫حقيقة قراءاتي متعددة بحكم عملي‬ ‫لكننــي أقــرأ يف مجــال تخصصــي كثيــراً‪،‬‬ ‫مجــال املنصــات التعليميــة منصــات‬ ‫النشــر اإللكترونــي‪ ،‬تطــور النشــر يف‬ ‫العالــم واجتاهاتــه‪ ،‬وكذلــك بعــض الكتــب‬ ‫الفكريــة املتنوعــة‪.‬‬ ‫أقرأ كثيراً ملصطفى محمود‪ ،‬العقاد‪،‬‬ ‫غازي القصيبي‪ ،‬رحمهم اهلل جميعاً‪.‬‬ ‫أمــا التغييــر الــذي أحدثتــه فأكثــر‬ ‫مــن أن حتصــى لكــن أختصرهــا مبقولــة‬ ‫اجلاحــظ ( إن الكتــاب اجليــد يشــحذ‬ ‫طباعــك‪ ،‬ويفخــم ألفاظــك‪ ،‬ويجــود‬ ‫بيانــك‪ ،‬ويصقــل أفــكارك)‬ ‫كمــا أذكــر كلمــة شــهيرة جــداً للشــيخ‬ ‫ابــن بــاز رحمــة اهلل عندمــا قــال (القــراءة‬ ‫مــن النعــم املعجلــة للعبــد يف الدنيــا)‪.‬‬ ‫كل الشــكر لــك د‪ .‬محمــد علــى هــذا‬ ‫اللقــاء املثمــر‪ ،‬باســمي واســم أســرة املجلة‬ ‫شــاكرين وممتنــن لــك كثيـ ًرا‪..‬‬

‫‪19‬‬


‫مي أحمد‬

‫‪@mai_ahmd‬‬

‫هنــاك نــوع مــن التنــاص اجلميــل مــا‬ ‫بــن األدب وبــن الســينما‪ ،‬هــذا التنــاص‬ ‫الــذي يجمــع بــن الكلمــة والصــورة والــذي‬ ‫كان ســبباً يف حتــول العديــد مــن األعمــال‬ ‫والكاســيكيات األدبيــة إلــى أفــام‪،‬‬ ‫بعضهــا القــى رواجــاً عظيمــاً وبعضهــا‬ ‫تراجــع ونســيه الزمــان‪ ،‬إن القــراءة‬ ‫تفتــح طاقــة اخليــال عنــد القــارىء‪،‬‬ ‫بينمــا الشاشــة حتصــره يف إطــار محــدد‬ ‫هــذا اإلطــار وجــب أن يكــون ذا قيمــة‬ ‫عاليــة وإال انصــرف عنــه املشــاهد‪،‬‬ ‫ولعــل أغلــب مطــاردي األفــام التــي‬ ‫ظهــرت مــن فوانيــس الكتــب‪ ،‬باألســاس‬ ‫هــم قــراء أمعنــوا يف اخليــاالت وجــاؤوا‬ ‫ملطابقــة خياالتهــم مــع خيــاالت مقدمــي‬ ‫هــذه األفــام‪ ،‬إال أنهــا يف أغلــب األحيــان‬ ‫ال تتطابــق وإن تطابقــت فبنســبة قليلــة‬ ‫فالســينما وإن كانــت تســرد قصــة حالهــا‬ ‫حــال الروايــة إال إنهــا مختلفــة‪ ،‬فهــي وإن‬ ‫كانــت نتاجــا لــألدب إال إن لهــا نهجــاً‬ ‫وأســلوباً تدخــل فيــه معاييــر مغايــرة كليـ ًة‪،‬‬ ‫لذلــك علــى ُقــراء القصــص أال يغضبــوا‬ ‫يف حــال مــا فشــل هــذا التطابــق بــن نــص‬ ‫الروايــة وســيناريو الفيلــم‪.‬‬ ‫هنــاك نصــوص معقــدة للغايــة حتولــت‬

‫‪20‬‬

‫ألفــام كنــص روايــة العمــى لســاراماغو‪،‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن رمزيــة النــص‬ ‫واحلــوارات النفســية املعقــدة إال أن أحــد‬ ‫أكبر أســاطن اإلخراج اســتطاع أن يحول‬ ‫هــذه الروايــة العظيمــة إلــى فيلــم أبكــى‬ ‫مؤلــف احلكايــة نفســه عنــد مشــاهدة‬ ‫شــخصياته حيــة تــرزق‪ ،‬وكأنهــا قفــزت‬ ‫مــن الكتــاب إلــى الواقــع‪ ،‬وعلــى الرغــم‬ ‫مــن أن نســبة جنــاح الفيلــم كانــت نســبية‬ ‫حســب ظنــي إال أن أغلــب املشــاهدين‬ ‫والذيــن قــرؤوا الروايــة مســبقاً انحــازوا‬ ‫لصفهــا والغرابــة يف ذلــك فمهمــا كان‬ ‫الفيلــم ناجحـاً‪ ،‬فإنــه ســيظل عاجــزاً أمــام‬ ‫ســطوة الكلمــة وتأثيرهــا الــذي ال يــزول‬ ‫حتــى مــع مضــي الوقــت‪.‬‬ ‫هنــاك روايــة صغيــرة ســأتوقف‬ ‫عندهــا ملــا حققتــه علــى الصعيديــن‬ ‫الســينمائي والســرد الروائــي وحتــى‬ ‫علــى صعيــد الترجمــة العربيــة‪ ،‬وهــي‬ ‫روايــة قدمــي اليســرى للرســام واألديــب‬ ‫اإليرلنــدي كريســتي بــراون وهــي ســيرة‬ ‫ذاتيــة كتبهــا بنفســه يحكــي فيهــا عــن‬ ‫إصابتــه منــذ الــوالدة بشــلل دماغــي تركــه‬ ‫عاجــزاً‪ ،‬بيديــن معوجتــن وجســد خــارج‬ ‫عــن الســيطرة‪ ،‬كان كل مــن كانــوا حــول‬

‫كريســتي ينعتونــه باملتخلــف عقليــاً غيــر‬ ‫أن عقــل بــراون كان صحيحــاً ممتلئــاً‬ ‫بالصحــة والعافيــة‪ ،‬وكانــت لــه روح حــرة‬ ‫طليقــة وإن كانــت قــد حبســت يف ذلــك‬ ‫اجلســد الصغيــر‪ ،‬كان علــى كريســتي أن‬ ‫يتحــرر مــن عبوديتــه لهــذا اجلســد وأن‬ ‫يحــاول إطــاق روحــه‪ ،‬فلــم يكــف عــن‬ ‫احملــاوالت بشــتى الطــرق‪ ،‬إمــا للفــت‬ ‫النظــر أو حملاولــة االندمــاج مــع األســرة‬ ‫ومتســكه باحليــاة وإثبــات وجــوده علــى‬ ‫الرغــم مــن إعاقتــه‪.‬‬ ‫كان لوالــدة كريســتي يف الكتــاب دور‬ ‫هــام‪ ،‬إنهــا األم التــي آمنــت بــه وأخلصــت‬ ‫لــه وحاولــت بــكل الطــرق أن تكــون لــه‬ ‫عونـاً علــى أن يشــق لــه طريقـاً يف احليــاة‪،‬‬ ‫إال أن كريســتي لــم يتحــرر إال بعــد أن‬ ‫توصــل إلــى أن ميســك الطبشــورة بقدمــه‬ ‫اليســرى ليخــط بهــا حرفــه األول‪ ،‬لقــد‬ ‫كان يف اخلامســة مــن عمــره ووســط‬ ‫دهشــة وإعجــاب عائلتــه الكبيــرة لتصبــح‬ ‫تلــك القدم هي وســيلته للحيــاة والتواصل‬ ‫مــع اآلخريــن وطريقــه لإلبــداع والفــن‪.‬‬


‫إن قصــة كريســتي بــراون هــي قصــة‬ ‫حتــدي وكفــاح وصــراع مــع اإلعاقــة‬ ‫أثمــرت عــن رســام كبيــر وأديــب يصنــف‬ ‫يف درجــة ال تقــل عــن مواطنــه الشــهير‬ ‫جويــس‪.‬‬ ‫لقــد كان الكتــاب واقعيــاً شــفافاً‪،‬‬ ‫وذا إحســاس صــادق‪ ،‬كمــا كان ممتلئــاً‬ ‫بالعاطفــة‪ ،‬وجتســيد أحــام إنســان‪،‬‬ ‫وبــذل شــتى الطــرق إلثبــات الوجــود‪ ،‬أنــا‬ ‫هنــا أنــا أعيــش وأحــس أحــب وأحــزن‬ ‫وأتألــم‪ ،‬لقــد كتبــه بــراون عــدة مــرات‬ ‫ومزقــه حتــى يصــل إلــى نســخته األخيــرة‪،‬‬ ‫لتصبــح ســيرة مترعــة باأللــم تُســيل دمــع‬ ‫القــارىء ويتعاطــف معــه‪ ،‬يحــزن ألجلــه‪،‬‬ ‫وقــد يتســرب شــيءٌ مــن اإلحبــاط لشــدة‬ ‫مــا م ـ ّر بالرســام مــن متاعــب وآالم ‪ ..‬إال‬ ‫أن الكتــاب أيض ـاً يعطــي باملقابــل جرعــة‬ ‫للتحــدي ومثــاالً علــى النجــاح والقــدرة‬ ‫علــى الوقــوف يف وجــه املصاعــب بــل‬ ‫وخلــق شــيء مــا مــن العــدم‪.‬‬ ‫وللحديــث عــن فيلــم قدمــي اليســرى‬ ‫وهــل اســتطاع أن يحقــق النجــاح الــذي‬ ‫حققــه الكتــاب‪ ،‬فــإن تاريــخ الفيلــم‬ ‫يحكــي‪ ،‬وتاريــخ مــن قــام بــدور البطولــة‬

‫يشــير إلــى ذلــك‪ ،‬إنــه الفنــان العظيــم‬ ‫دانيــال دي لويــس‪ ،‬وقدمــي اليســرى‬ ‫الفيلــم الــذي حــاز ســبعة أوســكارات‬ ‫لشــدة مــا لفــت أنظــار صنــاع األفــام‪ ،‬إن‬ ‫احلكايــة ال تقــوم علــى اإلتيــان بشــخص‬ ‫يشــبه الرســام ليــؤدي شــخصيته بــل‬ ‫كيــف جتعــل هــذا املمثــل يشــبه الرســام‬ ‫بروحــه بعذاباتــه وآالمــه بحركاتــه املبهمــة‬ ‫ونداءاتــه الغامضــة بغضبــه اجلامــح‬ ‫بانهياراتــه ورفضــه لاستســام ‪ ..‬لقــد‬ ‫كان دانيــال دي لويــس مثــاالً أو منوذجــاً‬ ‫للممثــل البــارع الــذي لــم يحســن األداء‬ ‫فقــط‪ ،‬بــل تق َّمــص روح الشــخصية‬ ‫ببعدهــا النفســي وأبعادهــا الروحيــة‬ ‫التــي وضعهــا املؤلــف يف النــص‪ ،‬يف ذلــك‬ ‫الفيلــم لــم يكــن هنــاك وجــود لــدي لويــس‬ ‫بــل كان كريســتي بــراون بشــحمه وحلمــه‬ ‫‪،‬ذلــك اإلحســاس باملضمــون الداخلــي‬ ‫للشــخصية بــل ألعمــق منطقــة فيهــا‪ ،‬إنهــا‬ ‫حلظــة ال يصــل إليهــا إال فنــان عظيــم‪،‬‬ ‫إنهــا حلظــة اإللهــام التــي تؤثــر وحتــدث‬ ‫مثــل هــذا االنقــاب‪.‬‬ ‫ممــا ال شــك فيــه أن هنــاك جهــداً‬ ‫خارق ـاً بُــذل مــن قِ بــل الفنــان دي لويــس‪،‬‬

‫ألن عليه أن ياحق كل التفاصيل املتعلقة‬ ‫بشــخصية كريســتي بــراون كيــف يعيــش‬ ‫كيــف يــأكل كيــف يرســم كيــف يحــس‬ ‫ـب وتــزوج‪ ،‬لقــد‬ ‫وكيــف يغضــب‪ ،‬كيــف أحـ َّ‬ ‫كان الفيلــم موحيــاً وصادقــاً يف الوقــت‬ ‫نفســه‪ ،‬ففــي الوقــت الــذي كانــت فيــه‬ ‫الروايــة تعتمــد علــى الكلمــة املؤثــرة كان‬ ‫الفيلــم يعتمــد علــى الصــوت واملوســيقى‬ ‫اإلميــاءة احلركــة والصمــت‪ ،‬لقــد كان‬ ‫كاهمــا يســير يف نعومــة وساســة‪ ،‬وكان‬ ‫دانيــال دي لويــس دعامــة الفيلــم‪ ،‬فارتقــى‬ ‫مبســتوى الفيلــم ومنحــه جاذبيــة فنيــة‬ ‫خاصــة ليبقــى صــداه واســعاً وممتــداً‪.‬‬ ‫املفارقــة األخيــرة أن الكتــاب فيــه‬ ‫جانــب حزيــن يتــرك ظالــه علــى‬ ‫القــارىء‪ ،‬بينمــا ترتفــع جرعــة التفــاؤل‬ ‫يف الفيلــم وخاصــة يف مشــهد النهايــة‪،‬‬ ‫وألن احلــزن والفــرح يك ّمــان بعضهمــا‪،‬‬ ‫فــإن املشــاهد يشــعر بــأن الفيلــم والكتــاب‬ ‫ينتميــان لبعضهمــا‪ ،‬وهــذا إحســاس نــادر‬ ‫يف احلقيقــة مــن الصعــب أن يقدمــه فيلــم‬ ‫مــا للقــارىء املشــاهد ‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫ساجد العبدلي الطبيب البشري واملدرب احملترف يف التنمية البشرية والقارئ املميز الذي ترك بصمته وأبى إال أن‬ ‫تكون القراءة ثقافة مجتمع من خالل مؤلفاته ( القراءة الذكية ‪ /‬اقرأ ‪ /‬بصحبة كوب من الشاي)‬ ‫‪ .1‬أي أنواع القراءة تلك التي أثرت بهــا النــاس علــى أمــل أن يكــون فيهــا مــا‬ ‫يفيدهــم‪ ،‬ومــا يامــس أرواحهــم‪.‬‬ ‫يف د‪ .‬ساجد؟‬ ‫كل القــراءات التــي مارســتها أثــرت‬ ‫يف تكوينــي الفكــري والنفســي‪ .‬كتــاب مــا‪،‬‬ ‫يف أي مجــال كان‪ ،‬أو رمبــا فصــل مــن‬ ‫كتــاب‪ ،‬أو فقــرات أو رمبــا ســطور‪ ،‬قــد‬ ‫تكــون أثــارت يف عقلــي آالف األفــكار‬ ‫والتســاؤالت وجعلتنــي أســتمر يف البحــث‬ ‫عــن اإلجابــات‪ .‬الكتــب التــي تشــعل يف‬ ‫األســئلة هــي الكتــب التــي أثــرت يف كثيرا‪.‬‬

‫‪ .2‬ما الذي يدفع اإلنسان للكتابة‪،‬‬ ‫من وجهة نظرك؟‬

‫‪ .3‬ما فلسفة القراءة عند د‪ .‬ساجد‬ ‫إجما ًال؟‬ ‫القراءة بالنسبة لي سياحة يف عقول‬ ‫اآلخريــن علــى أمــل أن أجــد مــن النــور مــا‬ ‫يثيــر عقلــي للتفكيــر والتســاؤل والبحــث‬ ‫عــن اإلجابــات املصيريــة التــي أحتاجهــا‬ ‫ألتقــوى علــى مواجهــة هــذه احليــاة‬ ‫املثقلــة باألعبــاء‪.‬‬

‫‪ .4‬متى بدأ د‪ .‬ساجد الكتابة‪ ،‬وما‬ ‫اخلطة التي يتبعها عند كتابة‬ ‫كتبه؟‬

‫الدوافــع كثيــرة‪ .‬رمبــا طمعــا يف‬ ‫الشــهرة‪ ،‬أو بحثــا عــن املــال‪ ،‬أو تلبيــة‬ ‫حلاجــة نفســية داخليــة إلفــراغ مــا يجيش‬ ‫يف صــدره‪ .‬بالنســبة لــي كان دافعــي دومــا‬ ‫بــدأ أول مشــاريعي الكتابيــة يف‬ ‫هــو أن لــدي أفــكار مــا أرغــب بأن أشــارك العــام ‪ 200٤‬ميــادي‪ ،‬حيــث نشــرت‬

‫‪22‬‬

‫كتابــي األول‪ :‬القــراءة الذكيــة يف العــام‬ ‫‪2006‬م‪ .‬وأنــا أتعامــل مــع كل كتــاب‬ ‫جديــد مــن كتبــي علــى أنــه مشــروع‪ ،‬البــد‬ ‫لــه حتــى يبــدأ أن ينطلــق مــن فكــرة أؤمــن‬ ‫عميقــا بأنهــا متميــزة ومختلفــة عمــا هــو‬ ‫مطــروح وســائد‪ ،‬وأنهــا ستشــكل إضافــة‬ ‫للمكتبــة العربيــة وللقــارئ الذكــي‪ .‬الفكــرة‬ ‫الرئيســية للمشــروع الكتابــي تتحــول إلــى‬ ‫خريطــة ذهنيــة أضــع فيهــا كل احملــاور‬ ‫التــي ســأتناولها‪ ،‬ثــم أنطلــق لكتابــة‬ ‫محتــوى الكتــاب علــى شــكل مقــاالت‪،‬‬ ‫أضــع كل واحــدة منهــا يف مكانهــا يف‬ ‫الكتــاب‪ ،‬حتــى أنتهــي مــن كل احملتــوى‪،‬‬ ‫لتبــدأ بعــد ذلــك مرحلة الكتابــة احلقيقية‬ ‫واملتمثلــة يف مرحلــة املراجعــة‪ ،‬والتغييــر‬ ‫وإعــادة الكتابــة واإلضافــة واإلزالــة‪،‬‬ ‫والتــي تســتغرق عــادة أكثــر مــن املرحلــة‬ ‫التــي تســبقها‪.‬‬


‫‪ .5‬ما رأيك باستراتيجية القراءة‬ ‫السريعة؟‬ ‫ال أعتقــد أن مشــكلة النــاس أنهــا‬ ‫بطيئــة يف القــراءة‪ ،‬بــل مشــكلة الناس أنها‬ ‫ال تقــرأ الكتــب أساســا‪ ،‬وال حتبهــا‪ .‬أغلــب‬ ‫النــاس تقــرأ مئــات الرســائل االلكترونيــة‬ ‫عبــر هواتفهــا الذكيــة يوميــا‪ ،‬وال تعانــي‬ ‫يف ذلــك مشــكلة‪ .‬املشــكلة احلقيقيــة‬ ‫هــي أن النــاس ال حتــب قــراءة الكتــب‪،‬‬ ‫لذلــك يجــب أن يكــون اهتمامنــا منصبــا‬ ‫علــى هــذا اجلانــب‪ .‬كيــف نحبــب النــاس‬ ‫بقــراءة الكتــب‪ .‬فكــرة القــراءة الســريعة‬ ‫والــدورات املرتبطــة بهــا راجــت ألســباب‬ ‫تســويقية جتاريــة بحتــة ال عاقــة لهــا‬ ‫بحقيقــة واقــع مشــكلة القــراءة‪.‬‬

‫‪ .6‬هل ترى أن القراءة املتنوعة من‬ ‫املمكن أن تشكّ ل شخصية الفرد؟‬ ‫ال يشــكل فكــر الفــرد‪ ،‬وشــخصيته‬ ‫بالتبعيــة‪ ،‬إال تعريضــه لقــراءات متنوعــة‪،‬‬ ‫وباألخــص قراءتــه ملــا يخالــف مــا لديــه‬ ‫مــن قناعــات فكريــة‪ .‬مــن ال يتعــرض ملثــل‬ ‫هــذه التحديــات الفكريــة لــن يتطــور ولــن‬ ‫يخــرج مــن قمقــم التبعيــة ولــن يتطــور‬ ‫ولــن تتشــكل شــخصيته املســتقلة أبــدا‪.‬‬

‫‪ .7‬بعض األشخاص يرى أن‬ ‫القراءة من الترف‪ ،‬كيف ميكن‬ ‫إقناعه ‪ -‬برأيك ‪ -‬بأهميتها؟‬

‫‪ .9‬قيل‪ :‬مصر تؤلف‪ ،‬ولبنان تطبع‪،‬‬ ‫والعراق يقرأ‪ ،‬ما مدى انطباق هذه‬ ‫املقولة يف عصرنا احلاضر؟‬

‫املشــكلة أن هــؤالء النــاس يظنــون أن‬ ‫ممارســة القــراءة هــي ألجــل االســتمتاع‬ ‫وتزجيــة الوقــت فحســب‪ ،‬ولذلــك عندمــا‬ ‫يجــدون أنفســهم مطحونــن يف عجلــة‬ ‫احليــاة‪ ،‬يــرون أن البحــث عــن االســتمتاع‬ ‫مــن التــرف‪ ،‬وهــذا صحيــح يف هــذه‬ ‫الزاويــة‪ .‬لكــن للقــراءة فوائــد عديــدة‪،‬‬ ‫منهــا االســتمتاع وال شــك‪ ،‬ولكــن منهــا‬ ‫أيضــا وقبــا أنهــا تعطــي اإلنســان قــدرة‬ ‫علــى مواجهــة أعبــاء احليــاة‪ ،‬حــن تنميــه‬ ‫نفســا وفكــرا‪ ،‬وتطــور ذكاءه العقلــي‬ ‫والعاطفــي‪.‬‬

‫تغيــرت املوازيــن وال شــك‪ ،‬لظــروف‬ ‫عديــدة‪ ،‬منهــا الظــروف السياســية‬ ‫والتغيــرات االقتصاديــة‪ ،‬وكذلــك النهضــة‬ ‫الثقافيــة اآلخــذة بالتســارع يف دول‬ ‫اخلليــج العربــي‪ .‬لكــن وعلــى كل حــال‪ ،‬ال‬ ‫يهمنــي هــذا كلــه‪ ،‬بــل مــا يهمنــي أن نــرى‬ ‫كتابــا عربيــا جيــدا يصــل للقــارئ العربــي‬ ‫أينمــا كان بغــض النظــر عــن مصــدره‪.‬‬

‫‪ .1٠‬ما رأي د‪ .‬ساجد يف املجلة‬ ‫املتخصصة‪ ،‬كالتي تعنى بالشأن‬ ‫القرائي؟‬

‫نحــن بحاجــة لهــذا طبعــا‪ ،‬مــع ضــرورة‬ ‫أن نتذكــر أن للعصــر احلديــث أحكامــا‬ ‫‪ .8‬لـ د‪ .‬ساجد جهد ملموس يف‬ ‫ومتطلبــات‪ .‬منــط احليــاة العصريــة‬ ‫إشاعة ثقافة القراءة‪ ،‬هل وجدمت املتطبــع بأســلوب الشــبكات االجتماعيــة‬ ‫تأثير ذلك فيمن حولكم (الزوجة‪ ،‬والرشــقات الســريعة‪ ،‬يحتــم تنــاوال‬ ‫مختلفــا إلصــدار املجــات‪ ،‬حتــى ميكــن‬ ‫األوالد)؟‬ ‫هلل احلمــد‪ ،‬وجــدت لهــذا األمــر أثــرا لهــا أن جتــد مســاحتها يف ظــل هــذا‬ ‫كبيــرا علــى كثيــر مــن أفــراد األســرة وعلى الزحــام والضجيــج‪.‬‬ ‫العديــد مــن أهلــي وأصدقائــي وزمائــي‪.‬‬ ‫ممارســة فعــل القــراءة اجلميــل مثــل‬ ‫حمــل العطــر‪ ،‬ســرعان مــا تنتشــر رائحتــه‬ ‫الزكيــة حــول مــن يحملــه‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫هاني حيدر‬ ‫روائي وكاتب سعودي‬

‫‪@hani_haidar‬‬

‫ُرزق صديقــي املبتعــث بأمريــكا‬ ‫مبولــود يف إحــدى مستشــفيات‬ ‫لــوس أجنلــوس‪ ،‬وبعــد أن اســتقر‬ ‫وضــع اجلنــن والوالــدة‪ ،‬أتتــه إدارة‬ ‫ٍ‬ ‫بلفافــة حتــوي مجموعــة‬ ‫املستشــفى‬ ‫مــن الكتــب‪ ،‬فســألهم‪ :‬هــل الكتــب لــي؟‬ ‫أم للوالــدة؟‬ ‫فأجابــوه بــأن الكتــب هــي للمولــود‪،‬‬ ‫ويجــب عليهمــا أن يقرآنهــا عليه!!‬ ‫وتعــد هــذه هديــة الكتــب مــن‬ ‫العــادات املنتشــرة يف املستشــفيات‬ ‫األمريكيــة لألطفــال حديثــي الــوالدة‪.‬‬

‫فهــل الطفــل الرضيــع ذو األشــهر‬ ‫املعــدودة سيســتفيد مــن الكتــب‬ ‫والقــراءة؟ ومــا هــو التأثيــر اخلفــي‬ ‫للقــراءة علــى الفــرد؟ ومــا مردودهــا‬

‫‪24‬‬

‫اآلنــي واآلجــل علــى اإلنســان فكــراً‬ ‫ّ‬ ‫وعقــ ً‬ ‫ا وشــخصية؟ً‬ ‫احلقيقــة أن القــراءة تفيــد‬ ‫الرضيــع والصغيــر والشــاب والكبيــر‬ ‫والشــيخ والذكــر واألنثــى‪ ،‬حتــى دون‬ ‫أن يــدرك الفــرد تلــك الفوائــد اجلمــة‬ ‫التــي تأتيــه دون وعــي منــه وتســاهم‬ ‫بفعاليــة يف تشــكيل شــخصيته وصقــل‬ ‫مواهبــه وتوســيع مداركــه وحتســن‬ ‫منطوقــه لفظــاً وكتابــ ًة‪.‬‬ ‫كثيــر مــن النــاس يســتعجل ثمــرة‬ ‫القــراءة ويظــن بأنــه مبجــرد قــراءة‬ ‫كتــاب أو كتابــن ســيخرج مــن جلبابــه‬ ‫ـب‬ ‫ـب مفــوهٌ أو كاتـ ٌ‬ ‫عالـ ٌم مجلـ ٌل أو خطيـ ٌ‬ ‫بليــغ‪ ،‬واحلقيقــة أن القــراءة عمليــة‬ ‫تراكميــة يتضــح أثرهــا – عــاد ًة ‪ -‬علــى‬ ‫املــدى الطويــل‪.‬‬ ‫يؤكــد أطبــاء األطفــال ظهــور‬ ‫عامــات النبــوغ والــذكاء علــى‬ ‫الرضــع يف البيــوت التــي‬ ‫األطفــال‬ ‫ّ‬ ‫تكثــر فيهــا النقاشــات اجلــادة أو يكــون‬ ‫اآلبــاء فيهــا مــن القــراء‪.‬‬

‫والكثيــر مــن نابغــي العالــم عام ـ ًة‬ ‫وأمتنــا خاصــ ًة ذكــروا يف ســيرهم‬ ‫الذاتيــة بأنهــم تأثــروا باملكتبــات‬ ‫العامــرة التــي كانــت يف بيوتهــم‪ ،‬فــإذا‬ ‫كان جــو القــراءة وحــده مفيــداً‪ ،‬فكيــف‬ ‫احلــال بالقــراءة؟‬ ‫القــراءة هــي إحــدى املكونــات‬ ‫األساســية للعقــل الســليم –الــذي ال‬ ‫يكــون يف اجلســد الســليم بالضرورة‪،-‬‬ ‫ـب يف مخــزون مفرداتــه‪ ،‬تتيــح لــه‬ ‫تنصـ ّ‬ ‫أن ينتشــل منهــا مــا يحتاجــه وقتمــا‬ ‫يحتاجــه نطقــاً أو كتابــة دون إدراك‬ ‫مباشــر منــه‪ ،‬هــي تتحــدث بالنيابــة‬ ‫عنــه وتظهــر كمــارد املصبــاح يف‬ ‫اللحظــة التــي يقــدح صاحبهــا فكــره‬ ‫التماســاً لهــا‪.‬‬ ‫القــراءة تنشــط العقــل وتقــوي‬ ‫الذاكــرة وتســاعد علــى صفــاء‬ ‫الذهــن وتدفــع عنــه البــادة والتشــتت‬ ‫والنســيان‪ ،‬ذلــك أنهــا تُنشــئ روابــط‬ ‫عصبيــة يف اخلايــا الدماغيــة وتبقيها‬ ‫نشــطة ومتحفــزة علــى الــدوام‪.‬‬


‫للقــراءة مفعــول الســحر علــى‬ ‫قــوة الشــخصية والكاريزمــا‪ ،‬فهــي‬ ‫تزيــد مــن ثقــة اإلنســان وتكســبه‬ ‫جاذبيــة تلقائيــ ًة وحضــوراً الفتــاً يف‬ ‫كل املجالــس التــي يحضرهــا ويشــارك‬ ‫فيهــا‪.‬‬ ‫هــي تفتــح مــدارك الشــخص‪،‬‬ ‫وتصبــح كالضــوء املنتشــر يف أفــق‬ ‫الذهــن‪ ،‬جتعلــه مــدركاً ألبعــاد‬ ‫املواضيــع وحقيقتهــا‪ ،‬تهديــه يف‬ ‫تشــعبات املســالك الشــائكة ‪ ،‬وترســيه‬ ‫بأمــان يف موانــئ الطمأنينــة‪.‬‬ ‫أس الدمــاغ وقشــرة‬ ‫القــراءة هــي ّ‬ ‫الــذكاء ومفتــاح العلــم وبســاط‬ ‫املعلومــات‪ ،‬بوابــة التاريــخ ومجلبــة‬ ‫األخــاق و ُمكســبة األدب‪ ،‬بهــا تلــج‬ ‫إلــى عقــول ال ُكتّــاب وتســير يف‬ ‫باطــات بائــدة‪ ،‬وتقفــز حاجــز الزمــان‬ ‫إلــى املســتقبل القــادم وتعــود بــك إلــى‬ ‫املاضــي الســحيق‪.‬‬ ‫لقــد خلــق اهلل اخلليقــة وجعلهــا أممـاً‬ ‫متتاليــة‪ ،‬حتــى إذا أراد ختــم األمم‬

‫‪Ô‘Ìáñ@7«c@Êc‬‬

‫وإنهــاء الرســاالت بــدأ وحيــه وخطابــه‬ ‫إلــى األمــة اخلامتــة التــي أرادهــا أن‬ ‫تكــون خيــر األمم‪ ،‬بــدأ وحيــه بأمــر‬ ‫القــراءة‪( :‬اقــرأ باســم ربــك الــذي‬ ‫خلــق‪ ،‬خلــق اإلنســان مــن علــق‪ ،‬اقــرأ‬ ‫وربــك األكــرم‪ ،‬الــذي علــم بالقلــم‪ ،‬علــم‬ ‫اإلنســان مــا لــم يعلــم) (العلــق)‪.‬‬ ‫فهــو أمــر إلهــي يتضمــن كثيــراً‬ ‫مــن مدلــوالت النجــاح واخليريــة‪،‬‬ ‫ومــن يتمســك بــه فقــد حــاز أفضليــة‬ ‫عظمــى‪ ،‬وضمــن لــه مكانـاً يف دواويــن‬ ‫الناجحــن‪.‬‬ ‫وهــذا مــا أدركتــه دول العالــم‬ ‫املتقدمــة حتــى غــدت ثقافــة القــراءة‬ ‫متفشــية فيهــا وباديــ ًة يف جميــع‬ ‫املظاهــر املجتمعيــة فقلمــا جتــد يف‬ ‫اليابــان أو أمريــكا أو بريطانيــا أو‬ ‫أوروبــا شــخصاً يف أي مــكان عــام‬ ‫إال ويف يــده كتــاب‪ ،‬حتــى بلغــت نســب‬ ‫القــراءة لــدى الفــرد منهــم نســباً‬ ‫عالي ـ ًة قــد تفــوق نســب القــراءة لــدى‬ ‫مجتمعــات مــن دول العالــم الثالــث‬

‫”·@‪cã”aÎ‬‬

‫بأجمــع‪ ،‬كل ذلــك وفــق مخطــط ســليم‬ ‫يبــدأ منــذ ســن الرضاعــة ويترقــى‬ ‫تدريجي ـاً حتــى آخــر مراحــل احليــاة‪،‬‬ ‫محققــن مقولــة أحــد أكبــر أعــام‬ ‫أمتنــا اإلمــام أحمــد بــن حنبــل حــن‬ ‫قــال‪( :‬مــع احملبــرة إلــى املقبــرة)‪.‬‬ ‫وهــذه الفوائــد املذكــورة أعــاه‬ ‫فــن مــن‬ ‫ليســت حكــراً علــى قــراء ٍ‬ ‫الفنــون‪ ،‬بــل هــي عامــة لــكل قــارئ‬ ‫يف أي مجــال أحبــه‪ ،‬فثمــة قــراء‬ ‫فتــح اهلل عليهــم يف قــراءة الكتــب‬ ‫العلميــة الدســمة‪ ،‬وآخــرون حباهــم‬ ‫اهلل قــدر ًة علــى قــراءة املراجــع‬ ‫الضخمــة‪ ،‬والبعــض وجــد لذتــه يف‬ ‫قــراءة األدب بفنونــه املتعــددة‪ ،‬املهــم‬ ‫أن حتــدد طريقــك وفقــاً ملواهبــك‬ ‫ورغباتــك وقدراتــك‪ ،‬ماحق ـاً شــغفك‬ ‫دون تكلــف ينفــرك عــن املواصلــة‪ ،‬وال‬ ‫تســاهل يقلــل مــن مكاســبك القرائيــة‪.‬‬ ‫هــا أنــت قــد علمــت أن «الرضــع»‬ ‫يف أمريــكا يقــرؤون‪ ،‬فمتــى ســتبدأ‬ ‫أنــت بالقــراءة ؟‬

‫‪25‬‬


‫ملؤلفه‪ :‬يوسف علي املطيري‬

‫تتنــاول هــذه الدراســة تاريــخ‬ ‫األقليــة اليهوديــة يف منطقــة اخلليــج‬ ‫العربــي يف العصــر احلديــث‪،‬‬ ‫وأنشــطتها االقتصاديــة وحياتهــا‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬وعاقاتهــا بالســكان‬ ‫احملليــن والســلطات احملليــة واألجنبيــة‬ ‫واحلركــة الصهيونيــة‪ ،‬وقــد جــاء‬ ‫اختيــار موضــوع الدراســة انطاقـاً مــن‬ ‫عــدة أســباب موضوعيــة‪ ،‬ومنهجيــة‬ ‫حتمتهــا الظــروف واألوضــاع التاريخيــة‬ ‫والسياســية والعلميــة‪،‬‬ ‫ومن هذه األسباب ما يلي‪:‬‬ ‫‪ /1‬االهتمــام العاملــي املتزايــد‬ ‫بدراســة أوضــاع األقليــات الدينيــة‬ ‫والعرقيــة يف مختلــف مناطــق العالــم‬ ‫خصوصـاً بعــد ظهــور القوانــن الدوليــة‬ ‫التــي متنــح األقليــات حقوقــاً متوازنــة‬ ‫مــع األكثريــة ملــا لهــذه األقليــات‬ ‫مــن تأثيــر مباشــر علــى االســتقرار‬ ‫ا لسيا ســي ‪.‬‬ ‫‪ /2‬قلــة الدراســات التــي‬ ‫تناولــت األقليــة اليهوديــة يف منطقــة‬ ‫اخلليــج العربــي وندرتهــا‪ ،‬حيــث أخــذت‬ ‫أقليــات أخــرى مثــل الهنــود الهنــدوس‬ ‫(البانيــان) واملســيحين اجلانــب األكبــر‬ ‫مــن االهتمــام يف الوقــت الــذي أغفلــت‬ ‫هــذه الدراســات بشــكل عفــوي أو‬

‫‪26‬‬

‫متعمــد مــا يتعلــق باألقليــة اليهوديــة‪.‬‬ ‫انتشرت اليهودية يف اليمن واحلجاز‬ ‫ووســط شــبه اجلزيــرة العربيــة وســاحل‬ ‫اخلليــج العربــي وغيرهــا مــن املناطــق‪،‬‬ ‫وقــد اختلفــت اآلراء يف شــأن الوقــت‬ ‫الــذي ظهــرت فيــه اليهوديــة يف شــبه‬ ‫اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ومــا إذا كان معتنقــو‬ ‫اليهوديــة هــم يهــو ُد مهاجــرون إلــى شــبه‬ ‫اجلزيــرة العربيــة مــن بــاد الشــام أو‬ ‫العــراق أو قبائــل عربيــة تهــودت عــن‬ ‫طريــق التبشــير باليهوديــة أو عــن‬ ‫طريــق التجــارة‪.‬‬ ‫يــرى فريــق مــن الباحثــن ومنهــم‬ ‫الباحــث اليهــودي إســرائيل ولفنســون‬ ‫أن وجــود الديانــة اليهوديــة يف شــبه‬ ‫اجلزيــرة العربيــة ارتبــط بهجــرة‬ ‫يهوديــة مــن فلســطن ألســباب‬ ‫مختلفــة‪ ،‬وعــارض فريــق مــن الباحثــن‬ ‫هــذا الــرأي‪ ،‬ومنهــم الدكتــور أحمــد‬ ‫سوســة الــذي كان لــه الكثيــر مــن‬ ‫املؤلفــات واألبحــاث املتعلقــة باليهوديــة‬ ‫والصهيونيــة ويؤيــده يف هــذا الــرأي‬ ‫عــدد آخــر مــن الباحثــن واملستشــرقن‬ ‫إذ يــرى‪« :‬أن يهــود اجلزيــرة العربيــة‬ ‫كانــوا عربـاً تهــودوا ال يهــوداً مهاجريــن‬ ‫مــن فلســطن اســتعربوا»‪.‬‬ ‫ميكــن حتديــد العوامــل والظــروف‬ ‫التــي دعــت األقليــة اليهوديــة للهجــرة‬ ‫إلــى منطقــة اخلليــج العربــي كالتالــي‪:‬‬ ‫‪ /1‬تعــرض األقليــة اليهوديــة‬

‫الضطهــاد سياســي أو دينــي يف مناطــق‬ ‫اســتقرارهم‪ ،‬ففــي بــاد فــارس كانــت‬ ‫األوضــاع االقتصاديــة واالجتماعيــة‬ ‫لليهــود متدهــورة للغايــة‪ ،‬ففــي نهايــة‬ ‫القــرن الثامــن عشــر وحتــت حكــم‬ ‫األســرة القاجاريــة‪ ،‬مت فــرض اإلســام‬ ‫عليهــم قســراً‪ ،‬فتحــول بعضهــم إلــى‬ ‫يهــود متخفــن يُظهــرون اإلســام‪،‬‬ ‫وقــد أدى ذلــك إلــى هجــرة بعــض‬ ‫أفــراد األقليــة اليهوديــة إلــى الكويــت‬ ‫والبحريــن‪.‬‬ ‫‪ /2‬تعــرض املناطــق التــي‬ ‫تســتقر فيهــا أقليــة يهوديــة إلــى كــوارث‬ ‫طبيعية مختلفــة ‪.‬‬ ‫‪ /3‬جلــب بعــض اليهــود للعمــل‬ ‫يف بعــض الدوائــر اإلداريــة واملاليــة‬ ‫ا حلكو ميــة ‪.‬‬ ‫‪ /٤‬البحــث عــن فــرص جتارية‬ ‫أفضــل وحتقيــق الثــراء‪ ،‬ويُعتبــر هــذا‬ ‫العامــل مــن أكثــر العوامــل التــي دعــت‬ ‫األقليــة اليهوديــة للهجــرة إلــى منطقــة‬ ‫اخلليــج العربــي‪.‬‬ ‫‪ /5‬العمــل يف بعــض الشــركات‬ ‫األجنبيــة أو الشــركات التــي أسســها‬ ‫يهــود مبفردهــم أو مبشــاركة بعــض‬ ‫التجــار احملليــن‪ ،‬وخاصــة شــركات‬ ‫النفــط‪ ،‬مثــل شــركة نفــط الكويــت أو‬ ‫شــركة بابكــو يف البحريــن‪.‬‬


‫تتواجــد أقليــة يهوديــة صغيــرة‬ ‫يف مســقط وصحــار ومطــرح قبــل‬ ‫عــام ‪ 1٨2٨‬جــاء بعضهــا من الهند‪،‬‬ ‫ومجموعــة مــن اليمــن هاجــرت‬ ‫بحثــاً عــن فــرص جتاريــة أفضــل‬ ‫وتســامح دينــي‪ ،‬ثــم ازداد عددهــا‬ ‫بهجــرة مجموعــة جديــدة مــن‬ ‫بغداد يف عهد داوود باشــا‪ ،‬ويعتبر‬ ‫العقــد الثالــث مــن القــرن التاســع‬ ‫عشــر حتــى منتصــف القــرن فتــرة‬ ‫ازدهــار لتواجــد األقليــة اليهوديــة‬ ‫يف ُعمــان التــي تركــزت يف مناطــق‬ ‫مســقط وصحــار ومطــرح‪ ،‬أي‬ ‫منــذ اســتقرار األوضــاع يف عمــان‬ ‫للســلطان ســعيد بــن ســلطان حتــى‬ ‫وفاتــه‪ ،‬حيــث وصــل عددهــم إلــى‬ ‫‪ 350‬أســرة يف عــام ‪ ،1٨35‬ثــم بــدأ‬ ‫وجودهــم باألفــول بعــد ذلــك حتــى‬ ‫وصــل عددهــم يف العقــد األول مــن‬ ‫القــرن العشــرين إلــى ســتة فقــط‬ ‫يف مســقط‪.‬‬ ‫ويرجــع أقــدم ذكــر لألقليــة‬ ‫اليهوديــة يف الكويــت إلــى مــا جــاء‬ ‫يف تقريــر لويــس بيلــي املقيــم‬ ‫السياســي البريطانــي يف اخلليــج‪،‬‬ ‫والــذي زار الكويــت عــام ‪1٨65‬‬ ‫وذكــر أن ســكان الكويــت مبــن‬ ‫فيهــم اليهــود يتمتعــون بحريــة‬ ‫العبــادة والشــعائر‪.‬‬ ‫كمــا ارتبطــت بدايــة تواجــد‬ ‫األقليــة اليهوديــة يف األحســاء‬

‫والبحريــن يف القرنــن التاســع‬ ‫عشــر والعشــرين باحلملــة‬ ‫العثمانيــة علــى منطقــة األحســاء‬ ‫‪ ،1٨71‬فقــد جلــب العثمانيــون‬ ‫عنــد اســتيائهم علــى منطقــة‬ ‫األحســاء عــدداً مــن اليهــود مــن‬ ‫العــراق لتولــي بعــض الوظائــف‬ ‫اإلداريــة واملاليــة هنــاك‪.‬‬ ‫اســتمرت أعــداد األقليــات‬ ‫اليهوديــة يف البحريــن باالزديــاد يف‬ ‫الثاثينيــات مــن القــرن العشــرين‬ ‫ممــا جعــل املواطنــن البحرينيــن‬ ‫يكتبــون مقــاالت احتجــاج يف بعــض‬ ‫الصحــف العربيــة يف ذلــك الوقــت‬ ‫علــى الســماح لليهــود بالهجــرة إلــى‬ ‫البحريــن‪.‬‬ ‫ومــن أبــرز األســر اليهوديــة‬ ‫يف البحريــن حتــى اآلن عائلــة‬ ‫النونــو ذات األصــول العراقيــة‬ ‫التــي بــرز منهــا إبراهيــم النونــو‬ ‫عضــو مجلــس الشــورى يف مملكــة‬ ‫البحريــن وهــدى النونــو ســفيرة‬ ‫مملكــة البحريــن يف الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة اآلن‪ ،‬وعائلــة‬ ‫روبــن وكاء أشــهر شــركات‬ ‫األجهــزة الكهربائيــة وااللكترونيــة‬ ‫يف البحريــن‪.‬‬

‫األوضاع االقتصادية لألقلية‬ ‫اليهودية يف منطقة اخلليج‬

‫العربي والتجار اليهود‬ ‫األجانب‬ ‫متتعــت األقليــة اليهوديــة‬ ‫يف منطقــة اخلليــج العربــي‪،‬‬ ‫وحتــت ظــل حكوماتهــا احملليــة‪،‬‬ ‫بحريــة تامــة يف جميــع املجــاالت‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬كمــا ســاهم تزايــد‬ ‫حجــم تدخــل القــوى األجنبيــة‬ ‫االســتعمارية وخاصــة بريطانيــا‪،‬‬ ‫يف اتســاع حجــم أنشــطتهم‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬وبالتالــي حتســن‬ ‫أوضاعهــم االقتصاديــة‪.‬‬ ‫فقــد كان يف الكويــت يف‬ ‫العقــد الثانــي مــن القــرن العشــرين‬ ‫تاجــران يهوديــان ثريــان يســتثمر‬ ‫كل منهمــا مــا بــن ‪ ٤000‬و ‪50‬‬ ‫ألــف روبيــة يف التجــارة احملليــة‪،‬‬ ‫وهــي مبالــغ كبيــرة نســبياً يف تلــك‬ ‫الفتــرة يتــم اســتثمارها يف التجــارة‬ ‫احملليــة‪.‬‬ ‫ويف البحريــن مــارس أغلبيــة‬ ‫األقليــة اليهوديــة أنشــطة جتاريــة‬ ‫محــدودة حيــث كانــوا مــن الطبقــة‬ ‫الوســطى‪ ،‬كمــا مــارس بعضهــم‬ ‫أعمــاالً بســيطة وحرفــاً يدويــة‪،‬‬ ‫وبعضهــم وخاصــة ممــن قدمــوا‬ ‫مــن بــاد فــارس‪ ،‬عاشــوا حيــاة‬ ‫بائســة علــى الكفاف واملســاعدات‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫األوضاع االجتماعية لألقلية‬ ‫اليهودية يف منطقة اخلليج‬ ‫العربي‪:‬‬ ‫اعتــاد أفــراد األقليــة اليهوديــة‬ ‫إمــا برغبتهــا ألســباب خاصــة تتعلــق‬ ‫بديانتهــم أو فرضــاً عليهــم‪ ،‬العيــش‬ ‫يف أحيــاء أو أجــزاء مــن املــدن التــي‬ ‫اســتقروا بهــا وهــو مــا يُســمى اجليتــو‬ ‫(واجليتــو‪ :‬هــو مــكان داخــل املدينــة‬ ‫عــال لــه‬ ‫أو خارجهــا‪ ،‬محــاط‬ ‫بســور ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بوابــة أو أكثــر تُغلــق عــاد ًة يف املســاء‬ ‫ويتمتــع بدرجــة عاليــة مــن اإلدارة‬ ‫الذاتيــة)‪ ،‬وكان اجليتــو يُشــكل حاجــزاً‬ ‫أمــام اندمــاج اجلماعــات اليهوديــة يف‬ ‫املجتمعــات التــي تعيــش بينهــا‪ ،‬وكانــت‬ ‫النظــرة لتلــك اجليتــوات نظــرة ازدراء‬ ‫تنــم عــن نــوع مــن العــداء املوجــه‬ ‫ضدهــم‪.‬‬ ‫وإذا كانت اجليتوات قد ُعرفت يف‬ ‫املجتمعــات الغربيــة وبعــض املجتمعــات‬ ‫العربيــة‪ ،‬فإنهــا لــم يكــن لهــا وجــود يف‬ ‫منطقــة اخلليــج العربــي التــي متتعــت‬ ‫فيهــا األقليــة اليهوديــة باحلــق يف‬ ‫امتــاك املنــازل والســكن دون حتديــد‬ ‫ذلــك بحــي أو منطقــة معينــة‪ ،‬رغــم‬ ‫تركــز تواجــد األقليــة اليهوديــة بجــوار‬ ‫بعضهــم البعــض يف مراكــز املــدن‬ ‫السياســية والتجاريــة‪.‬‬ ‫وكان ألفــراد األقليــة اليهوديــة‬ ‫احلــق يف امتــاك املنــازل والبنايــات‬ ‫واألراضــي‪ ،‬وممارســة األعمــال‬ ‫التجاريــة دون قيــود أو ضوابــط‬ ‫خاصــة بهــم‪.‬‬ ‫كمــا أن بعضهــم اتخــذ موقفــاً‬ ‫إيجابيــاً مــن القضايــا التــي آمــن بهــا‬ ‫الســكان ودافعــوا عنهــا مثــل القضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬فقــد شــارك بعــض‬

‫‪28‬‬

‫أفــراد األقليــة اليهوديــة يف البحريــن‬ ‫يف حملــة التبرعــات التــي أقامتهــا‬ ‫جلنــة أيتــام فلســطن عــام ‪.1939‬‬ ‫كمــا أصــدرت األقليــة اليهوديــة‬ ‫يف البحريــن بيانــاً باســم «اجلاليــة‬ ‫اإلســرائيلية يف البحريــن» مبناســبة‬ ‫إصــدار األمم املتحــدة قرارهــا الشــهير‬ ‫بتقســيم فلســطن عــام ‪ ،19٤7‬رفضــت‬ ‫فيــه القــرار وأكــدت يف بيانهــا علــى‬ ‫عروبــة فلســطن ضــد الصهيونيــة‬ ‫اجلائــرة‪.‬‬

‫تأثر األقلية اليهودية اجتماعي ًا‬ ‫بالسكان احملليني‪:‬‬ ‫اعتــاد عامــة وغالبيــة أفــراد األقلية‬ ‫اليهوديــة ارتــداء مابــس الســكان‬ ‫احملليــن يف املجتمعــات التــي أقامــوا‬ ‫فيهــا‪ ،‬العقــال أو الشــطفة والزبــون‬ ‫والبالطــو أو املعطــف‪ ،‬كمــا كان بعــض‬ ‫اليهــود يرتــدون الثيــاب احملليــة‬ ‫والغتــرة‪ ،‬والبعــض منهــم يرتــدي بشــتاً‬ ‫كذلــك‪ .‬وقــد جعــل ارتــداء عامــة أفــراد‬ ‫األقليــة اليهوديــة للمابــس احملليــة‬ ‫البعــض ال ُمييــز بــن اليهــود وعامــة‬ ‫الســكان‪ ،‬بــل حتــى نســاء اليهــود كان‬ ‫البعــض منهــن ترتــدي العبــاءة وغطــاء‬ ‫الوجــه عنــد خروجهــا مــن املنــزل‪ ،‬وقــد‬ ‫ســاهم عــدم متيــز األقليــة اليهوديــة‬ ‫مبابــس خاصــة بهــا يف ســرعة‬ ‫اندماجهــم يف املجتمــع ورمبــا هــم‬ ‫قصــدوا ذلــك أيضــاً‪.‬‬

‫دور الصحف واملجالت العربية‬ ‫غير العالقات‬ ‫واخلليجية يف َت ُ‬ ‫بني األقلية اليهودية والسكان‬ ‫والسلطات احمللية يف منطقة‬ ‫اخلليج العربي‬

‫لقد لعبت مجلتا «البعثة» الكويتية‬ ‫الصــادرة يف القاهــرة منــذ عــام ‪19٤6‬‬ ‫و «صــوت البحريــن» الصــادرة يف‬ ‫عــام ‪ ،1950‬وبخاصــة األخيــرة دوراً‬ ‫كبيــراً يف نشــر األخبــار املختلفــة‬ ‫املتعلقــة باألقليــة اليهوديــة يف الكويــت‬ ‫والبحريــن‪ ،‬والربــط يف أحيــان كثيــرة‬ ‫بــن بعــض أفــراد األقليــة اليهوديــة يف‬ ‫الكويــت والبحرين باحلركة الصهيونية‬ ‫ودولــة إســرائيل‪ ،‬وخاصــة بعــد إعــان‬ ‫قيــام دولــة إســرائيل وهزميــة اجليــوش‬ ‫العربيــة ومنــو الفكــر القومــي وانتشــاره‬ ‫يف الكويــت والبحريــن؛ ومــن خــال‬ ‫ُمتابعــة مــا كانــت تنشــره هــذه املجــات‬ ‫الثــاث يتضــح أن هنــاك تنســيقاً بينهــا‬ ‫وتبــادالً يف نشــر األخبــار‪ ،‬وكان لهــذه‬ ‫املجــات دو ٌر كبيــر يف تغييــر النظــرة‬ ‫إلــى األقليــة اليهوديــة املســتقرة يف‬ ‫الكويــت والبحريــن وتهديــد وجودهــا‬ ‫واســتقرارها السياســي واالقتصــادي‪،‬‬ ‫وحملهــا رايــة املقاطعــة االقتصاديــة‬ ‫واالجتماعيــة لألقليــة اليهوديــة‪.‬‬

‫هجرة األقلية اليهودية من‬ ‫منطقة اخلليج العربي‬ ‫تختلــف أســباب ودوافــع هجــرة‬ ‫األقليــة اليهوديــة بــن منطقــة وأخــرى‬ ‫يف اخلليــج العربــي‪ ،‬وأدى اختــاف‬ ‫األســباب والدوافــع إلــى اختــاف‬ ‫الفتــرة الزمنيــة التــي هاجــرت فيهــا‬ ‫كل أقليــة‪ ،‬وبالتالــي اختــاف املناطــق‬ ‫التــي هاجــرت إليهــا‪ ،‬لذلــك ال ميكــن‬ ‫اعتبــار هجــرة األقليــة اليهوديــة طــرداً‬ ‫نتيجــة ظهــور القضيــة الفلســطينية‬ ‫علــى مســرح األحــداث العربيــة‬ ‫والعامليــة ومــا نتــج عنهــا مــن صــراع‬ ‫عربــي إســرائيلي كمــا تَ ّدعــي بعــض‬ ‫املصــادر اإلســرائيلية واألجنبيــة‪.‬‬


‫هند الصبار‬

‫بين ‪G‬ما ا‪ꀁ‬تقرأ و ‪G‬ما ا‪ꀁ‬تقتب‬ ‫العبــارات التــي تصفنــا أو تصــف‬ ‫أشــياءنا بدقــة مــا كنــا نتخيــل أن‬ ‫الكلمــات قــد تشــرحها‪ ،‬وتلــك التــي‬ ‫تشــد انتباهنــا وتدهشــنا‪ ،‬أو تلــك‬ ‫التــي نتعجــب أن كيــف لــم تخطــر‬ ‫لنــا علــى بــال؟ وتلــك التــي مــن بــن‬ ‫كل األســطر جتعلنــا نتوقــف لنفكــر‬ ‫فيهــا أو نبحــث عــن وســيلة توثيقهــا‪.‬‬ ‫بــأن ندونهــا خارجــا أو نشــاركها‬ ‫أو نلتقــط لهــا صــورة! ال أحــد‬ ‫ينكــر أنهــا مــن األشــياء اخلاصــة‬ ‫واحلميميــة التــي يشــعر بهــا كل‬ ‫قــارئ مــع كتابــه‪.‬‬ ‫لكــن مشــاهد كالتالــي‪ :‬صــور‬ ‫أســطر مظللــة باحملــددات امللونــة‪،‬‬ ‫عبــارات بــن عامــات تنصيــص‬ ‫جتدهــا يوميــا يف حســابات القــراء‬ ‫وغيــر القــراء يف املواقــع وشــبكات‬ ‫التواصــل‪ ،‬رؤوس وذيــول وحتــى‬ ‫متــون تدوينــات ومراجعــات عن كتب‬ ‫وغيرهــا متتلــىء بهــذه العبــارات‬ ‫«املنصصــة»‪ .‬قــد نتحــدث أيضــا عــن‬ ‫عــن تلــك الفرحــة أو كمــا نســتطيع‬ ‫تســميتها النشــوة التــي تعتــري‬ ‫القــارئ عندمــا يجــد االقتبــاس‬ ‫الــذي يظــن أنــه كان يبحــث عنــه‬ ‫وأنــه اختصــر كل معانــي النــص‬ ‫وغاياتــه‪ ،‬هــذا االقتبــاس الــذي‬ ‫قــد يكــون معبــرا عــن حالــة أو عــن‬ ‫شــخص أو عن شــيء‪ ،‬يهرول لنشره‬ ‫واســتعراضه والدفــاع عنــه‪ .‬البعــض‬ ‫يصــل شــعوريا إلــى مرحلــة قــد‬ ‫توصــف بالبحــث عــن الكنــز‪ ،‬الكنــز‬ ‫املكشــوف الــذي ينــايف طبيعتــه‪ ،‬مــا‬ ‫يجعلــه يتجاهــل أو يهمــل الكنــز‬ ‫احلقيقــي‪ .‬جتعلــك هــذه املشــاهد‬ ‫وأكثــر تتأمــل وتفكــر يف هــذا األمــر‪،‬‬

‫℀‬

‫هــل ســيجعلنا هــذا االحتفــال ننســى‬ ‫القيمــة احلقيقيــة الرمزيــة ونلتفــت‬ ‫بــكل إدراكنــا إلــى بهرجــة العبــارات‬ ‫وداللتهــا الســطحية‪ ،‬أو هــل نحــن‬ ‫أمــام نــوع جديــد مــن القــراءة التــي‬ ‫قــد توصــف بـ(القــراءة بهــدف‬ ‫االقتبــاس)؟‪.‬‬ ‫املواقع واحلسابات التي تختص‬ ‫باالقتباســات اليــوم أصبحــت ال تعــد‬ ‫وال حتصــى‪ ،‬متابعوهــا ال يحصــون‪،‬‬ ‫الكثيــر منــا مــر بفتــرة مــن الفقــر‬ ‫الفكــري واللغــوي الــذي يجعــل منــه‬ ‫متعطشــا مســتعدا الســتقبال وتناول‬ ‫كل اقتبــاس‪ .‬حقيقــ ًة وجدتنــي يف‬ ‫وقــت مــن األوقــات أبحــث عن الكتب‬ ‫التــي أســتطيع أن أجــد فيهــا مــن‬ ‫االقتباســات والعبــارات اجلاهــزة مــا‬ ‫يكفــي إلثــراء ماحظاتــي وأفــكاري‬ ‫أو حتــى تغريداتــي و تدويناتــي‪ ،‬تلــك‬ ‫االقتباســات التــي تصــف واقعــا أراه‬ ‫أو التــي أســتطيع بســهولة إســقاطها‬ ‫علــى الواقــع‪ .‬وتلــك التــي تنــال‬ ‫إعجــاب اآلخريــن وتدعــم رأيــي يف‬ ‫أحــد املوضوعــات‪ .‬لكننــي أدركــت‬ ‫الحق ـاً أن هــذا الســلوك يف اختيــار‬ ‫الكتــب أو تصنيفهــا أو حتــى يف‬ ‫تنــاول النــص ونشــره ليــس باجليــد‪،‬‬ ‫فــدور القــارئ ليــس محصــورا يف‬ ‫التلقــي والنقــل فقــط‪ ،‬إمنــا الــدور‬ ‫احلقيقــي لــه يكمــن يف القــراءة‬ ‫الناقــدة وحتريــر املعلومــة والتفكيــر‬ ‫يف الرمــز و النظــر إلــى مــا وراء‬ ‫النصــوص والعبــارات‪.‬‬ ‫لقــد بدأنــا نفقــد تلــك التعليقــات‬ ‫واملاحظــات واملناقشــات التــي‬ ‫تزاحــم النصــوص األصليــة يف‬ ‫مطالعتنــا للكتــب‪ ،‬األفــكار التــي‬

‫‪@hind_alsbbar‬‬

‫تنطلــق شــرحا وحتليــا أو تأييــدا‬ ‫وتعقيبــا علــى املخالــف منهــا‬ ‫واملؤيــد ألفــكار النــص‪ ،‬بدأنــا‬ ‫نفقــد اإلحســاس والتفكيــر العميــق‬ ‫باخللفيــات واملتواريــات عــن وجــه‬ ‫النــص الظاهــر لنــا والبحــث عــن‬ ‫معناهــا الكامــن‪ ،‬بدأنــا نــرى الكثيــر‬ ‫يتناقــل االقتباســات‪ ،‬يُســلم بــكل‬ ‫مافيهــا‪ ،‬ينشــرها دون أن يفكــر‬ ‫بخلفياتهــا وبترابــط االقتبــاس مبــا‬ ‫هــو خلفــه ومــا هــو بعــده‪ .‬عمليــة‬ ‫الفصــل بــن النــص واالقتبــاس‬ ‫والتمــرد الــذي يريــده املقتبــس‬ ‫لألخيــر علــى الترابــط يقلقنــي‬ ‫جــدا‪.‬‬ ‫وقــد أتســاءل أيضــا هــل‬ ‫ميكــن أن يكــون االقتبــاس وســيلة‬ ‫لتبــادل ونقــل أفــكار النصــوص‬ ‫بطريقــة موضوعيــة‪ ،‬معبــرة عــن‬ ‫الســياق احلقيقــي‪ ،‬تســاعد علــى‬ ‫الفهــم واإلدراك ال علــى التضليــل؟‬ ‫حيــث أنــه مــن املعلــوم جــدا هــذا‬ ‫ســبب الكثيــر مــن ســوء‬ ‫االنفصــال‬ ‫ّ‬ ‫الفهــم وتأويــل النصــوص بطريقــة‬ ‫مجحفــة ملــا حتملــه يف احلقيقــة‪،‬‬ ‫فكــم مــن األحــكام الظاملــة التــي‬ ‫صــدرت يف حــق الكتــاب والنصــوص‬ ‫بســبب ُمقتبــس مســتقصد التضليــل‬ ‫أو حتــى مقتبــس آخــر ال يقصــد‬ ‫ذلــك‪.‬‬ ‫(ســيوران) كان قــد حــذر مــن‬ ‫املفكريــن الذيــن ال تعمــل عقولهــم‬ ‫إال انطاقــا مــن االقتبــاس علــى‬ ‫حــد قولــه لكننــي يف هــذه املقالــة‬ ‫أحــذر مــن القــراء الذيــن يجعلــون‬ ‫االقتبــاس هدفهــم أو أولئــك الذيــن‬ ‫يروجــون ثقافــة االقتبــاس‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫صفية عبدالرحمن‬ ‫‪@safiah_a‬‬

‫هــل حقـاً هنــاك إنســان اختــار بكامــل‬ ‫قــواه العقليــة أن يقــرأ الكتــب مــن أجــل‬ ‫املتعــة؟‬ ‫ال شــك أنــه مــن فصيلــة أخــرى‪،‬‬ ‫ال تشــبهنا‪ ،‬أخبرنــي مــن فضلــك بوضــوح‬ ‫كيــف ميكنــك االنســجام والضحــك مــع‬ ‫كتلــة مــن الــورق ؟ الســيما هــذا الكتــاب‬ ‫الضخــم واملخيــف الــذي رأيتــك طــوال‬ ‫الســاعات املاضيــة تعكــف عليــه و تقهقــه‬ ‫بصحبتــه ‪ ،‬مــا املمتــع يف ســطور ســوداء‬ ‫ال حتتــوي حتــى علــى ألــوان مبهجــة للفــت‬ ‫االنتبــاه ! ال ميكننــي تصديــق أن بإمكانــك‬ ‫االســتمتاع بكلمــات ص ّمــاء خاليــة حتــى‬ ‫مــن الصــور‪ ،‬كيــف تفعــل ذلــك؟ هــل أنــت‬ ‫إنســان طبيعــي؟ هــل مــا يحتويــه رأســك‬ ‫يشــبه مــا يف رؤوســنا؟ هــل تقابــل نوعيــة‬ ‫األطبــاء نفســها لــو تعــرض دماغــك‬ ‫للعطــب؟!‬ ‫إنهــا تســاؤالت تــدور يف عقــول‬ ‫النــاس مــن حولنــا‪ ،‬بعضهــم يكــون جريئـاً‬ ‫وصريحـاً ليســأل بشــكل مباشــر أو ملتــو‪،‬‬ ‫وبعضهــم يفضــل الســكوت‪ ،‬واغتصــاب‬ ‫ابتســامة مجاملــة مترقبـاً فرصــة للهــرب‪،‬‬ ‫أو تغييــر املوضــوع‪.‬‬ ‫بالتأكيــد حيــاة القــارئ ليســت ب ّراقــة‬ ‫دائمــاً‪ ،‬وهــذا ال يعنــي أنــه يعانــي مــن‬ ‫مشــاكل يف االنســجام مــع اآلخريــن‪ ،‬أو‬ ‫تنقــص حياتــه االجتماعيــة اإلثــارة‪ ،‬لكــن‬ ‫نوعيــة انســجامه مــع النــاس مختلفــة‬

‫‪30‬‬

‫بعــض الشــيء عــن طبيعــة انســجامه مــع‬ ‫الكتــب‪ ،‬وليســامحني اهلل علــى مــا يف‬ ‫عبــارة بعــض الشــيء مــن تطفيــف‪.‬‬ ‫أجــل إنــه ينتمــي إلــى فئــة مــن غريبــي‬ ‫األطــوار‪ ،‬أكثرهــم اســتهلك طاقاتــه‬ ‫البصريــة حتــى ذوت عينــاه‪ ،‬وامتــألت‬ ‫أدراجــه بنظــارات القــراءة مختلفــة‬ ‫األحجــام واأللــوان‪ ،‬وهــم أســوأ النــاس‬ ‫اكتراثــاً بشــأن صحتهــم‪ ،‬وحيويتهــم‪،‬‬ ‫ويفضلــون عــادة اجللــوس وقضــاء كل‬ ‫وقتهــم بالقــراءة‪ ،‬يشــترون صحبــة الكتــب‬ ‫علــى غيرهــا‪ ،‬يفكــرون بهــا دائم ـاً‪ ،‬وبهــا‬ ‫يحلمــون‪ ،‬وعندمــا يكونــون مــع النــاس‬ ‫ويصبــح احلديــث ممــ ً‬ ‫ا ‪ -‬وباملناســبة‬ ‫عــادة مــا يصعــب االســتحواذ علــى‬ ‫اهتمامهــم ‪ -‬يلجــؤون إلــى التفكيــر‬ ‫بالصفحــات املتبقيــة مــن كتابهــم احلالــي‪،‬‬ ‫يحاولــون االســتنتاج واســتئناف التفكيــر‬ ‫مــن العبــارة التــي توقفــوا عندهــا أثنــاء‬ ‫القــراءة‪ ،‬وإال فلــو كان األمــر بأيديهــم‬ ‫ألحضــروا الكتــاب معهــم يف االجتماعــات‬ ‫العائليــة‪ ،‬وبرفقــة األصدقــاء‪ ،‬بــل وحتــى‬ ‫يف حفــات الزفــاف ‪ -‬يــا اهلل كــم مــن‬ ‫مجلــد كانــوا ســينتهون لــو اســتثمروا‬ ‫أوقاتهــم فقــط يف حفــات الزفــاف ‪ -‬ال‬ ‫ميكــن لصاحــب التســاؤالت أعــاه أن‬ ‫يتصــور آالف املــرات التــي متنــوا فيهــا‬ ‫االنغمــاس يف كتــاب بــدل احلديــث عــن‬ ‫األمــور الســطحية التــي تــدور حولهــم‪ ،‬وال‬

‫يســعه تصــور كميــة املناســبات الكثيــرة يف‬ ‫احليــاة التــي قامــوا بإلغائهــا‪ ،‬مــن أجــل‬ ‫ارتشــاف متعــة اجللــوس والقــراءة‪.‬‬ ‫الق ـ ّراء فئــة صعبــة اإلرضــاء متام ـا‪ً،‬‬ ‫أنــا أحــذر كل شــخص ُقـ ّدر لــه أن يرتبــط‬ ‫مــع قــارئ أنــه ســيعاني من حيــاة صعبة ال‬ ‫ريــب‪ ،‬ومــن اجلديــر بالقــول أن أنصفهــم‬ ‫بــأن أذكــر أن هنــاك مكاســب ال ميكــن‬ ‫احلصــول عليهــا بالطبــع إال منهــم‪ ،‬لكــن‬ ‫علــى اآلخريــن التحلــي بالصبــر وســعة‬ ‫البــال ويجــب أن تكــون لديهــم قــدرات‬ ‫عاليــة علــى التحمــل‪ ،‬ألن القــارئ ســريع‬ ‫امللــل‪ ،‬مصــاب بالقلــق‪ ،‬وتؤذيــه الفكــرة‬ ‫الســيئة‪ .‬إنــه أشــبه مــا يكــون مبهنــدس‬ ‫معمــاري غالب ـاً مــا يتحتــم عليــه العيــش‬ ‫يف خيمــة‪ ،‬ال شــيء ممــا يف مســكنه يشــبع‬ ‫مــا يتقنــه‪ ،‬لــذا ألتمــس منــك أيها اإلنســان‬ ‫الطيــب أن تتواضــع قليـ ً‬ ‫ا مــن أجلــه‪ ،‬وأن‬ ‫متنحــه الفرصــة علــى األقــل مــرة يومي ـاً‬ ‫بــأن يقــرأ عليــك عبــارة لفتــت انتباهــه‬ ‫وإن كانــت مــن العناويــن التــي يف صفحــة‬ ‫احملتــوى‪ ،‬ال بــأس رمبــا جتــد العبــارة‬ ‫غبيــة وغيــر مفهومــة‪ ،‬فيصعــب عليــك‬ ‫مجاراتــه يف التفكيــر‪ ،‬لكــن تفاعــل معهــا‬ ‫باعتبارهــا جرعــة دواء عليــك تناولهــا مــن‬ ‫أجــل يــوم مشــرق برفقــة شــخص يعــرف‬ ‫كيــف يكــون براق ـاً فيبهــج حياتــك‪.‬‬


‫تذكــر أنــك يجــب أن تكــون بارعـاً يف‬ ‫التمثيــل‪ ،‬مــع القليــل مــن ســرعة البديهــة‪،‬‬ ‫ألن القــارئ سيكتشــف خداعــك‪ ،‬فهــو‬ ‫لألســف ال يعانــي مــن الغبــاء‪ ،‬فمقابــل‬ ‫صعوبــة إيجــاده ملــا يرضيــه وميتعــه ينتقــد‬ ‫كل مــا يحــدث يف رأســه‪ ،‬يحللــه ويشـ ّرحه‬ ‫ويصنفــه إلــى أجــزاء‪ ،‬ممــا يقــوده للميــل‬ ‫إلــى املبالغــة يف أمــور احليــاة‪ ،‬وتفاصيلها‪،‬‬ ‫وغالب ـاً مــا يناقشــك يف أفــكار لــم تفكــر‬ ‫فيهــا مطلقـاً‪ ،‬وقــد يجادلك بشــأن مســألة‬ ‫ال تظنهــا تســتحق االلتفــات إليهــا‪ ،‬رمبــا‬ ‫يتســبب لــك انغماســه مبواقــف محرجــة‪،‬‬ ‫فقــد يوقــف نظــام الســير يف الشــارع‪،‬‬ ‫فقــط ألن مــن علقــوا إعانهــم يف إحــدى‬ ‫اللوحــات أخطــؤوا يف صياغــة اجلملــة‪ ،‬أو‬ ‫نظمــوا عبــارة هــي مــن الغبــاء والتفاهــة‬ ‫لدرجــة جتعلــه يستشــيط غضب ـاً‪ ،‬حــاول‬ ‫أن متنعــه مــن محاولــة االتصــال بتلــك‬ ‫الشــركة‪ ،‬ألن يومــه لــن يكــون طيبــاً‪،‬‬ ‫وأرجــو أن تكمــل معروفــك إن ســاءت‬ ‫األحــوال مبحاولــة اختــراع ســبب تذكــره‬ ‫مبــرراً هــذه األزمــة لرجــل املــرور حتــى‬ ‫ال تصفعــه غرامــة‪ ،‬ألنــه مفلــس كالعــادة‬ ‫أنفــق نقــوده يف شــراء الكتــب‪.‬‬ ‫وإن رغبــت بــأن تكــون لطيفـاً وتشــعره‬ ‫بالبهجــة؛ حــاول مجاراتــه يف لعبــة‬ ‫الكلمــات أثنــاء الطــرق الطويلــة‪ ،‬فلوحــات‬ ‫الشــوارع واألحــرف العشــوائية للوحــات‬ ‫الســيارات التــي قــد ال تعنــي لــك شــيئاً‬ ‫جتــد لهــا يف رأســه روابــط ال تنتهــي‪،‬‬ ‫وتأكــد أن فعلــك هــذا ســيجازى يف الدنيــا‬ ‫واآلخــرة‪ ،‬وستكســب يف حياتــك متعــة ال‬ ‫تضاهــى؛ ســتصبح حياتــك شــيقة مــع‬ ‫مــرور الوقــت‪ ،‬كل األشــياء العاديــة ســتبدأ‬ ‫برؤيتهــا بطريقــة أخــرى‪ ،‬ســنوات مــن‬

‫عشــرته ســتجعلك تخبــر اآلخريــن عــن‬ ‫الكتــب وكأنــك قرأتهــا‪ ،‬بالرغــم مــن كونــك‬ ‫لــم تفتــح كتاب ـاً واحــداً منهــا‪ ،‬حتــى إنــك‬ ‫ستشــك ألــف مــرة قبــل أن تتذكــر أنــك‬ ‫حقـاً لــم تقــرأ الكتــاب وأن كل مــا حتملــه‬ ‫مــن معلومــات عنــه اقتبســتها مــن حديــث‬ ‫صاحبــك‪ ،‬ســتصبح مــع مــرور الوقــت‬ ‫مدمن ـاً علــى حديثــه تســتمع بشــغف إلــى‬ ‫حكاياتــه‪ ،‬ورمبــا تقتــرح عليــه أنــواع مــن‬ ‫الكتــب تفضــل أن يقرأهــا‪ ،‬ألنــك فضولــي‬ ‫جتاههــا‪.‬‬ ‫كل تلك الزيارات للمكتبات ومعارض‬ ‫الكتــب التــي حتملتهــا‪ ،‬أصبحــت اآلن‬ ‫ممتعــة‪ ،‬وصــرت تترقبهــا معــه‪ ،‬وأصبحــت‬ ‫حتفظ عن ظهر قلب أســماء دور النشــر‪،‬‬ ‫بــل وتــكاد تضــرب كفــك مــع الناشــرين‬ ‫كصديــق قــدمي‪ ،‬وصــرت تقفــز مــن مكتبــة‬ ‫إلــى أخــرى تبحــث لــه عــن كتــاب يتمنــاه و‬ ‫يتحــدث عنــه كحبيــب غائــب ف ّرقتــه عنــه‬ ‫األيــام‪.‬‬ ‫ومــا أجملــك وقــد تعلمــت أن ال‬ ‫تقاطــع انســجامه مــع الكتــاب بحديــث‬ ‫عابــر‪ ،‬حتــى إنــك ســتتردد ألــف مــرة قبــل‬ ‫أن تخبــره أن ثمــة كارثــة كونيــة‪ ،‬أو أن‬ ‫قنبلــة نوويــة توشــك أن تنفجــر يف احلــي‬ ‫املجــاور‪ ،‬لــن تفعــل ذلــك أبــداً بالطبــع‪ ،‬ألن‬ ‫النظــرة التــي ســتأتيك مــن تلــك العينــان‬ ‫الشــاردتان ســتزعزعان ســامك الداخلي‬ ‫لبقيــة اليــوم‪ ،‬وســتخرج الشــيطان مــن‬ ‫مرقــده‪ ،‬وتفجــر بركان ـاً خامــداً‪ ،‬وحينهــا‬ ‫ســتعرف ببســاطة أيهــا املبــارك أن األمــر‬ ‫لــم يكــن أبــداً يســتحق املجازفــة‪.‬‬ ‫ســتلفت انتباهــك صــور الكتــب‪،‬‬ ‫وســتحتفظ بهــا لترســلها إليــه يف وقــت‬ ‫مائــم‪ ،‬ســتفكر بتعليــق مناســب حــول‬

‫عباراتــه التــي يكتبهــا‪ ،‬وســتفتش عــن‬ ‫اقتباســات تظــن أنهــا ســتعجبه‪ ،‬وعندمــا‬ ‫تفاجئــك يف طريقــك زاويــة لبيــع الكتــب‬ ‫ســتتوقف عندهــا‪ ،‬لكــن حاشــا هلل‬ ‫أنــت بالطبــع لــن تلمســها‪ ،‬يكفــي يف‬ ‫حياتــك مهــووس واحــد‪ ،‬ال تقــل بأننــي‬ ‫لــم أحــذرك‪ ،‬أنــت وافقــت علــى خــوض‬ ‫هــذه املغامــرة عندمــا تعرفــت علــى‬ ‫هــذا اإلنســان العجيــب‪ ،‬هــذه التركيبــة‬ ‫الداخليــة املعقــدة‪ ،‬تلــك الشــبكة الغريبــة‬ ‫مــن التصرفــات املتفاوتــة‪ ،‬وهــذه املزاجيــة‬ ‫البهلوانيــة التــي جتعلــك يف دوامــة ال‬ ‫تهــدأ‪ ،‬والتشــويق املســتمر ملفاجــآت هــذا‬ ‫املخلــوق‪ ،‬الــذي يكــره املألــوف‪ ،‬ويفضــل‬ ‫املــوت علــى التكــرار‪ ،‬ويحــب التغييــر‬ ‫حتــى إنــه ســيغريك ويقنعــك باالنتقــال‬ ‫للعيــش يف زحــل بحجــة أن األرض لــم‬ ‫تعــد مثيــرة!‪.‬‬ ‫أخيــراً أثــق بأنــك ســتكون ذكيــاً‬ ‫وتســتثمر هــذا املخلــوق بشــيء يســتحق‪،‬‬ ‫كــن داعمــاً لــه‪ ،‬اهتــف لــه يف املقدمــة‪،‬‬ ‫كــن كل جمهــوره‪ ،‬واســتمع إليــه‪ ،‬كل مــا‬ ‫يحتاجــه منــك بــن وقــت وآخــر هــو أذن‬ ‫تصغــي‪ ،‬وقلــب يتأثــر‪.‬‬ ‫تباهــى بــه دائمــاً‪ ،‬فأنــت متلــك‬ ‫صنــدوق مفاجــآت ال ينضــب معينــه‪،‬‬ ‫وإذا انتهــى بــك احلــال قارئــاً‪ ،‬ال تقــل‬ ‫بأننــي لــم أحــذرك‪ ،‬فمرحبـاً بــك يف هــذا‬ ‫العالــم‪ ،‬هيــا ‪ ..‬ال تبالــغ باالندهــاش‪ ،‬فلــم‬ ‫تــر منــه حتــى اآلن غيــر الواجهــة‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫فاطمة أبو سعدة‬ ‫_‪@_0f9‬‬

‫الصداقــة عاطفــة رفيعــة القــدر‪ ،‬لذيذة‬ ‫املطعــم‪ ،‬جليلــة املعانــي‪ ،‬وهــي أعلى مراتب‬ ‫العاقــات اإلنســانية وأســماها‪ ،‬ومعنــى‬ ‫الصداقــة هــو صــدق االعتقــاد يف املــودة‬ ‫واحملبــة والنصــح‪ ،‬وقــد احتفــى ديننــا‬ ‫اإلســامي مبشــاعر الصداقــة النقيــة‪،‬‬ ‫و ّرغــب املؤمنــن يف إخاصهــا هلل‪ ،‬وحــث‬ ‫علــى اتخــاذ الصديــق الصالــح‪ ،‬ور ّتــب على‬ ‫ذلــك عظيــم األجــر والثــواب‪.‬‬ ‫ِوملَــا للصداقــة مــن أهميــة يف حيــاة‬ ‫ــت كتــب العلمــاء‬ ‫اإلنســان‪ ،‬فقــد َحفِ ل َ ْ‬ ‫ميــا وحدي ًثــا مبوضــوع‬ ‫واحلكمــاء قد ً‬ ‫الصداقــة‪ ،‬حيــث ألفــوا فيهــا الكتــب‪،‬‬ ‫وصاغــوا احلكــم واألمثــال‪ ،‬ونظمــوا‬ ‫الشــعر‪ ،‬ود ّونــوا القصــص واألخبــار‬ ‫والتجــارب‪ .‬كمــا جــرت عــادة العلمــاء يف‬ ‫تراثنــا العربـ ّـي واإلســامي أن يعقــدوا لهــا‬ ‫ـص بهــا‪ ،‬وال يــكاد يخلــو كتــاب مــن‬ ‫با ًبــا يختـ ّ‬ ‫كتــب كبــار األدبــاء والشــعراء والفاســفة‬ ‫مــن التطــ ّرق لذكرهــا واحلديــث عنهــا‬ ‫بطريقــة أو بأخــرى؛ مــا يؤكــد علــى أن‬ ‫للصداقــة حظــوة كبيــرة يف وجدانهــم‪.‬‬ ‫فهــذا األديــب والشــاعر الكبيــر غــازي‬ ‫أن الصداقة‬ ‫القصيبــي يقــول‪« :‬إننــي أؤمــن ّ‬ ‫تُعطــي احليــاة معنــى أعمــق»‪.‬‬ ‫ولــم يقتصــر حديثهــم عــن صداقــة‬ ‫اإلنســان فحســب؛ بــل جتــاوز ذلــك ليشــمل‬ ‫ضــروب الصداقــة املختلفــة كصداقــة‬ ‫األمكنــة‪ ،‬واألشــياء‪ ،‬والكائنــات‪ ،‬والطبيعــة‪،‬‬ ‫والكــون‪ ،‬واألطفــال‪ ،‬والكتــب‪ ،‬وغيرهــا‪.‬‬ ‫صداقــة الكتــب مــن بــن هــذه‬ ‫‪32‬‬

‫الصداقــات كان لهــا النصيــب األكبــر مــن‬ ‫الذكــر واالهتمــام؛ وبعــض الك ّتــاب ب ّوأهــا‬ ‫منزلــة تفــوق صداقــة اإلنســان‪ ،‬ألــم يقــل‬ ‫أميــر الشــعراء يف قصيدتــه الر ّنانــة‪( :‬أنــا‬ ‫الصحابــا)‪ ،‬وقــال املتنبــي‬ ‫مــن بـ ّدل بالكتـ ِـب ّ‬ ‫يف أبياتــه الشــهيرة‪َ :‬‬ ‫ليــس يف‬ ‫(وخيــ ُر َج ٍ‬ ‫كتــاب) فهــل معنــى ذلــك أن‬ ‫الزّمــانِ‬ ‫ُ‬ ‫نســتغني بالكتــب عــن األصدقــاء؟ بالطبــع‬ ‫ال‪ ،‬فــإذا كان الكتــاب يف نظــر املتنبــي‬ ‫هــو خيــر جليــس‪ ،‬فهــو يــرى ً‬ ‫أيضــا بــأن‬ ‫الصديــق هــو أعظــم مــا ميلكــه اإلنســان‪،‬‬ ‫ألــم يقــل ُمعات ًبــا صديقــه ســيف الدولــة‪:‬‬ ‫(شــ ُّر البــاد مــكا ٌن ال صديــق فيــه)‬ ‫فكاهمــا ضروريــان ومكمــان لبعضهمــا‪،‬‬ ‫ذلــك أن صداقــة الكتــاب هــي فــر ٌع عــن‬ ‫صداقــة اإلنســان وجــزءٌ منهــا‪ ،‬رمبــا‬ ‫تختلــف عنهــا يف املعنــى العــام‪ ،‬إال أنهمــا‬ ‫يف حقيقــة األمــر متشــابهتان وتلتقيــان‬ ‫يف جوانــب عديــدة‪ ،‬ولعلــي يف ثنايــا هــذا‬ ‫املقــال أن أســلط الضــوء علــى أبــرز أوجــه‬ ‫االلتقــاء بــن هاتــن الصداقتــن النبيلتــن‬ ‫فعلــى ســبيل املثــال‪ :‬يف عوالــم صداقــة‬ ‫اإلنســان لبنــي اإلنســان يلتقــى املــرء يف‬ ‫زحــام احليــاة بشــخص مــا‪ ،‬فيشــعر نحــوه‬ ‫باأللفــة واالجنــذاب فكأمنــا يعرفــه حياتــه‬ ‫كلهــا أو يزيــد‪ ،‬فمــا يلبثــا أن يتصادقــا‬ ‫ويصبحــا صديقــن حميمــن‪ ،‬وقــد يعيــش‬ ‫شــخص دهــراً كامــ ً‬ ‫ا وفصــوالً مــن‬ ‫مــع‬ ‫ٍ‬ ‫العمــر؛ لكنــه ال يجــد معــه أي نــوع مــن‬ ‫األلفــة أو التقــارب الروحــي‪ ،‬وهــذا مــن‬ ‫معانــي (األرواح جنــود مجنــدة)‪ ،‬فتعــا ُرف‬

‫األرواح يقــع بحســب الطبــاع التــي ُجبلــت‬ ‫عليهــا مــن خير وشــر‪ ،‬وال تنعقــد الصداقة‬ ‫الفاضلــة بــن شــخصن إال أن يكــون بــن‬ ‫روحيهمــا تقــارب‪ ،‬ويف آدابهمــا تشــابه‪،‬‬ ‫وقــد قــال الشــاعر‪:‬‬ ‫وما يلبث ا ِإلخوان أن يتفرقوا‬ ‫شكل إلى شكلِ‬ ‫إذا لم يُؤ ِّلف رو ُح ٍ‬ ‫وقــال احلكيــم‪ :‬االئتــاف باجلواهــر قبــل‬ ‫االئتــاف باألجســام‪.‬‬ ‫مثــل هــذا التآلــف الــذي يقــع بــن‬ ‫بنــي اإلنســان يحــدث يف عوالــم الكتــب‪،‬‬ ‫وكمــا أن ث ّمــة بشــر يســتحقون احملبــة‬ ‫والصداقــة‪ ،‬فث ّمــة كتــب تتحــول مــن‬ ‫القــراءة لهــا إلــى الصداقــة معهــا‪ ،‬كتــب‬ ‫مــن الوهلــة األولــى متنحنــا شــعور األلفــة‬ ‫روحــا‬ ‫واحملبــة‪ ،‬وكأن روحنــا راحــت تعانــق ً‬ ‫أخــرى‪ ،‬وليــس ذلــك بغريــب‪ ،‬أليــس الكتاب‬ ‫كائــن حــي يولــد مــع كل قــارىء جديــد؟! أال‬ ‫يوجــد وراء هــذا الكتــاب كاتــب عظيــم‪ ،‬لــه‬ ‫حضــوره الافــت‪ ،‬وشــخصيته اخلالــدة‪،‬‬ ‫شــخص يتحــدث إلينــا‪ ،‬ويخاطبنــا‪،‬‬ ‫ويشــاركنا رحلــة احليــاة‪ ،‬وأســرار الــذات؟!‬ ‫يقــول أحمــد مطــر‪« :‬يف صبــاي املبكــر‬ ‫غريــب‬ ‫كان يداخلنــي دائ ًمــا إحســاس‬ ‫ٌ‬ ‫ولذيــ ٌذ بــأن الكتــب ُمــدن ح ّيــة حافلــة‬ ‫بأنــواع األماكــن وأصنــاف النــاس‪ ،‬وكنــت‬ ‫أتخيــل أن انطبــاق أغلفتهــا ال يوقــف علــى‬ ‫اإلطــاق مــا فيهــا مــن ضجــة األصــوات‬ ‫وحركــة النــاس واملركبــات‪ ،‬أو إينــاع النبــات‬ ‫وذبولــه‪ ،‬بــل إن األغلفــة ال تعــدو كونهــا‬ ‫أبوا ًبــا‪ ،‬تخفــت بإغاقهــا الضجــة»‪.‬‬


‫إن الكتب التي نســتطيع أن نصادقها‬ ‫قليلــة بالنســبة للكــم الهائــل الــذي يحيــط‬ ‫بنــا‪ ،‬فكــم مــن الكتــب التــي حاولنــا‬ ‫قراءتهــا لكنهــا لــم تفلــح يف اســتقطابنا‬ ‫لهــا‪ ،‬وبنظــرة عامــة علــى أُولــى صفحاتهــا‬ ‫وجدنــا أنهــا ال تائمنــا‪ ،‬فأعدناهــا إلــى‬ ‫الـ ّ‬ ‫ـرف غيــر آســفن‪ .‬ألــم نســأل أنفســنا‬ ‫يو ًمــا مــا الــذي يجعلنــا نختــار ً‬ ‫منطــا معينًا‬ ‫مــن الكتــب‪ ،‬ونقبــل بشــغف علــى كتــب‬ ‫بعــض املؤ ّلفــن دون غيرهــم‪ ،‬فنشــعر‬ ‫أننــا معقــودون بهــا‪ ،‬منجذبــون إليهــا‪،‬‬ ‫ونســعى المتاكهــا‪ ،‬نقرؤهــا بشــغف مــن‬ ‫أولهــا إلــى آخرهــا فــا نحــس معهــا‬ ‫بالوقــت كيــف مضــى؟! نقرؤهــا فنشــعر‬ ‫بيننــا وبينهــا بصلــة وربــاط عميــق كأمنــا‬ ‫هــي مرآتنــا‪ ،‬أو انعــكاس أمزجتنــا‪ ،‬وكأن‬ ‫مــا َحوتــه لــم يُكتــب إال لنــا‪ ،‬ولــم يجــىء‬ ‫إال وفــق شــاكلتنا وهوانــا‪ .‬ونشــعر حــن‬ ‫نلتقــي بهــا بلحظــة لقائنــا مبــن نحــب‪،‬‬ ‫وقــد وصــف ســلمان العــودة هــذه اللحظــة‬ ‫قائــ ً‬ ‫ا‪« :‬ألتقــي بالكتــب صدفــة كمــا‬ ‫ٍ‬ ‫صدفــة خيــ ٌر‬ ‫ألتقــي باألصدقــاء و( ُر ّب‬ ‫مــن ميعــاد) وأعــز األصدقــاء تع ّرفــت‬ ‫عليهــم بجــوار رفــوف املكتبــات»‪.‬‬ ‫وكمــا يُعــرف املــرء بأصدقائــه‬ ‫وأصفيائــه‪ ،‬وتــوزن أخاقــه بإخوانــه‬ ‫ــن باملــرء‬ ‫ميــا قالــوا‪« :‬يُ َظ ّ‬ ‫وأخائــه‪ ،‬وقد ً‬ ‫مــا ظــن بقرينــه»‪ ،‬فهــو بطبعــه وفطرتــه‬ ‫يتأثــر مبــن يصاحبهــم‪ ،‬ويؤ ّثــر بهــم‪،‬‬ ‫كذلــك صداقــة الكتــاب ال تقــل تأثيــ ًرا‬ ‫يف اإلنســان عــن تأثيــر الصديــق املــازم‪،‬‬ ‫وكمــا يُســتدل علينــا ممــن نصاحبهــم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضــا مــا نقــرؤه هــو ســبيل إلينــا ودليــل‬ ‫علينــا‪ ،‬فالنــاس يحكمــون علينــا مــن‬ ‫حصيلــة مــا نقــرأ‪ ،‬مــن املنابــع التــي نغــذي‬

‫بهــا عقولنــا‪ ،‬ونســتقي منهــا معارفنــا‪،‬‬ ‫ونســتلهم منهــا أفكارنــا‪ ،‬وقــد قيــل‪ :‬قــد‬ ‫عرفنــاك باختيــارك إذ كان دليــ ً‬ ‫ا علــى‬ ‫اللبيــب اختيــاره‪ .‬وقيــل‪« :‬قــل لــي مــاذا‬ ‫تقــرأ أقــل لــك من أنت!» فاإلنســان نتيجة‬ ‫مــا يقــرأ‪ ،‬هــل يعنــي ذلــك أننــا نســتطيع‬ ‫احلكــم علــى األشــخاص مــن خــال مــا‬ ‫يقــرؤون؟ نعــم‪ ،‬فلــو ســألت فا ًنــا عمــا‬ ‫يقــرأ‪ ،‬أو ألقيــت نظــرة إلــى مكتبتــه أو‬ ‫كتبــه التــي يحملهــا بــن يديــه يف خلواتــه‪،‬‬ ‫ويصحبهــا معــه يف جلواتــه‪ ،‬سيســهل‬ ‫عليــك معرفتــه؛ إذ إن نوعيــة املوضوعــات‬ ‫التــي يتغــ ّذى بهــا الفكــر تعتبــر مبثابــة‬ ‫مؤشــر واضــح علــى ميولنــا وتوجهاتنــا‬ ‫وأهدافنــا‪ ،‬وميكــن التعــرف أكثــر مــن‬ ‫خالهــا علــى شــخصيتنا وهو ّيتنــا‪،‬‬ ‫وكتبنــا املفضلــة هــي أشــبه بالبوصلــة أو‬ ‫اخلريطــة املؤديــة إلينــا‪ .‬ويف هــذا يقــول‬ ‫العقــاد‪« :‬والقــارئ املطبــوع يتوشــج مزاجه‬ ‫علــى صنــف واحــد مــن القــراءة يوائمــه‬ ‫ويتصــل النســب بينــه وبــن عقلــه وخُ لقــه‬ ‫وهــواه‪ ،‬فــإذا عرفــت الكتــاب ومؤلفــه‬ ‫عرفــت القــارئ ومزاجــه‪ ،‬أو عرفــت علــى‬ ‫األقــل أن إقبالــه علــى طــراز آخــر مــن‬ ‫املؤلفــن بعيــد‪ ،‬وأن اعتكافــه علــى منــط‬ ‫آخــر مــن التأليــف عجيــب»‪.‬‬ ‫وكمــا أن األصدقــاء منهــم النافــع‬ ‫الــذي يضيــف إلــى عمــرك أعمــا ًرا بعلمــه‬ ‫وفضلــه وخلقــه‪ ،‬ومنهــم الضــار الــذي‬ ‫يســرق منــك عمــرك ويفســد عليــك دينــك‬ ‫ومروءتــك‪ ،‬وال تضيــف صحبتــه إليــك‬ ‫شــيء ‪ ،‬كــذا احلــال مــع الكتــب‪ ،‬منهــا‬ ‫الغــث ومنهــا الســمن‪ ،‬ومنهــا الزَّبــد الــذي‬ ‫يذهــب جفــا ًء‪ ،‬ومنهــا مــا ينفــع النــاس‬ ‫فيمكــث يف العقــل‪ .‬فــكل كتــاب نقرؤه يؤثر‬

‫فينــا ولــو لــم نشــعر‪ ،‬ويُ َق ّســم يف داخلنــا‪،‬‬ ‫فيعــز ّز لغتنــا‪ ،‬ويزيــد معرفتنــا‪ ،‬ويهــ ّذب‬ ‫أخاقنــا‪ ،‬ويوســع مداركنــا‪ ،‬وير ّقــي‬ ‫أســلوبنا يف الكتابــة واحلديــث‪ .‬قــال‬ ‫أحــد األدبــاء‪« :‬كمــا تنتخبــون األصدقــاء‬ ‫وتوالونهــم إذا رأيتــم فيهــم الفضــل‪،‬‬ ‫وحســن األخــاق‪ ،‬هكــذا اختــاروا الكتــب‬ ‫التــي تقرؤونهــا فهــي خيــر اجللســاء‪،‬‬ ‫إذا كانــت ممــا تتضمــن حكمــة األزمنــة‬ ‫الســالفة واحلاضــرة‪ ،‬ألنهــا تزيدكــم عل ًمــا‬ ‫وتهديكــم صــراط احليــاة املســتقيم‪،‬‬ ‫وتفعــل فيكــم فعــل قــدوة الصديــق إذا كان‬ ‫عاقــ ً‬ ‫ميــا»‪.‬‬ ‫ا كر ً‬ ‫صديــق حميــم‬ ‫كمــا أن يف اتخــاذ‬ ‫ٍ‬ ‫لــ ّذة روحيــة‪ ،‬كــذا يف صداقــة الكتــب‬ ‫ـس وســعادة حقيقيــة دائمــة‪ ،‬هــل رأيــت‬ ‫أنـ ٌ‬ ‫صدي ًقــا للكتــاب يشــكو الوحــدة؟ أو يعانــي‬ ‫مــن الفــراغ؟ أو يشــعر بثقــل احليــاة‬ ‫ومرارتهــا؟ حت ًمــا ال‪ ،‬فصديــق الكتــاب‬ ‫يعيــش أســعد أوقاتــه‪ ،‬وكلمــا فتــح كتا ًبــا‬ ‫أحــس بنبــض احليــاة فيــه‪.‬‬ ‫جديــ ًدا‬ ‫ّ‬ ‫صديــق الكتــاب يــراوده شــعور عميــق‬ ‫باالغتنــاء والثــراء والرضــا‪ ،‬أتعرفــون لــم؟‬ ‫ٌ‬ ‫محــاط بأصدقائــه وأحبابــه مــن‬ ‫ألنــه‬ ‫كل جانــب‪ ،‬يشــتاق للنبــي ‪-‬صلــى اهلل‬ ‫عليــه وســلم‪ -‬فيــراه يف ســيرته‪ ،‬ويتمنــى‬ ‫أن يصحــب اإلمــام الشــافعي فيــراه يف‬ ‫كتــاب األم‪ ،‬ويهفــو للرافعــي فيصحبــه يف‬ ‫ويحــن للعقــاد فيلتقيــه يف‬ ‫وحــي القلــم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عبقر ّياتــه‪ ،‬ويتــوق للطنطــاوي فيجــده يف‬ ‫ذكرياتــه‪ ..‬أال يعتبــر ذلــك مبثابــة إحــدى‬ ‫القــوى اخلارقــة التــي ميتلكهــا صديــق‬ ‫الكتــب‪ ،‬فيحــس معهــا كأمنــا نــال شــي ًئا‬ ‫مــن جنــة الفــردوس؟!‬ ‫‪33‬‬


‫إن الوقــت الــذي يقضيــه املــرء برفقــة‬ ‫كتــاب لهــو وقــت ذهبــي حافل احليــاة‪ ،‬يعج‬ ‫باألحــداث واملواقــف‪ ،‬ويزخــر باألفــكار‬ ‫والتأمــات‪ ،‬وكــم يخســر أولئــك الذيــن ال‬ ‫يقــرؤون‪ ،‬أو لــم يصادقــوا الكتــب فــرص‬ ‫حيــوات نــادرة توف ّرهــا القــراءة وحدهــا‪.‬‬ ‫بصحبــة الكتــاب ال مــكان للعزلــة‬ ‫أو الوحشــة أو الوحــدة؛ بــل يُعتبــر‬ ‫جناحــا يف‬ ‫أولئــك القــ ّراء أكثــر النــاس‬ ‫ً‬ ‫التواصــل مــع اآلخريــن‪ ،‬وأعمقهــم فه ًمــا‬ ‫لتصرفاتهــم ونفســ ّياتهم‪ .‬ويؤكــد هــذا‬ ‫مــا توصــل إليــه كيــث أوتلــي‪ ،‬أســتاذ علــم‬ ‫النفــس يف جامعــة تورنتــو‪ ،‬حيــث قــال بــأن‬ ‫مــا يبــدو مــن عمليــة ُعزلــة ينقطــع فيهــا‬ ‫الشــخص مــع كتــاب يقــرؤه‪ ،‬يعــد ممارســة‬ ‫لنــوع مــن التفاعــل اإلنســاني‪ ،‬وأضــاف‬ ‫بــأن القــراءة تعــزّز اجلانــب االجتماعــي‬ ‫يف الدمــاغ‪ ،‬وبالتالــي فإنــه عندمــا نقــوم‬ ‫بوضــع الكتــاب جان ًبــا نكــون بتنــا أكثــر‬ ‫اســتعدا ًدا للتفاعــل والتعــاون‪ ،‬بــل وحتــى‬ ‫تبــادل مشــاعر احلــب مــع اآلخريــن‪.‬‬ ‫يقــول ألبرتــو مانغويــل يف كتابــه تاريــخ‬ ‫القــراءة‪« :‬أعطتنــي القــراءة عــذ ًرا مقبــوالً‬ ‫معنــى لتلــك‬ ‫لعزلتــي؛ بــل رمبــا أعطــت‬ ‫ً‬ ‫العزلــة املفروضــة علــي‪ ..‬ال أســتطيع أن‬ ‫أتذكــر أبـ ًدا أننــي كنــت وحيـ ًدا يف حلظــة‬ ‫مــن اللحظــات‪ ،‬علــى العكــس متا ًمــا؛ فــإن‬ ‫ألعــاب وأحاديــث األطفــال الذيــن مــا كنــت‬ ‫ألقاهــم إال نــاد ًرا وجدتهــا أقــل إثــارة‬ ‫بكثيــر مــن املغامــرات واألحاديــث التــي‬ ‫كنــت أعيشــها يف كتبــي»‪.‬‬ ‫حــن يصبــح الكتــاب رفي ًقــا لدربــك‪،‬‬ ‫فلــن جتــد متعــة يف الدنيــا تعــادل متعتــك‬

‫‪34‬‬

‫وأنــت بحضــرة كتــاب واحــد يأخــذك مــن‬ ‫بــن نفســك‪ ،‬ويســافر بــك يف فضــاءات‬ ‫الــروح الرحيبــة‪ ،‬يقــول املازنــي‪« :‬وكنــت ال‬ ‫أتخطــى عتبــة البيــت إال متأ ّب ًطــا كتا ًبــا ال‬ ‫علــي ليلــة إال طلعــت يف بعضهــا‬ ‫متضــي‬ ‫ّ‬ ‫قليــ ً‬ ‫ا أو كثيــ ًرا‪ ،‬وكانــت الكتــب أنيســي‬ ‫يف وحدتــي‪ ،‬وســميري يف خلوتــي‪ ،‬وكنــت‬ ‫أســتغني بهــا عــن متــع احليــاة ولــذات‬ ‫احلــس»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كمــا أن األصدقــاء احلقيقيــون ال‬ ‫يغيبــون عــن الذاكــرة‪ ،‬درجــة تأثيرهــم‬ ‫علينــا نحــو األفضــل‪ ،‬األشــياء اجلميلــة‬ ‫التــي اكتســبناها مــن أخاقهــم‪ ،‬النضــج‬ ‫واحلكمــة واإليجابيــة التي تعلمناها منهم‪،‬‬ ‫إمياننــا الــذي يــزداد حــن نخالطهــم‪ ،‬كل‬ ‫هــذه اخلصــال وغيرهــا ممــا ال يحصــى‬ ‫جتعلنــا مدينــون لــكل حلظــة أمضيناهــا‬ ‫بصحبتهــم‪ ،‬ومهمــا بلغــت درجــة بعدنــا‬ ‫عنهــم إال أننــا نراهــم يف أدق تفاصيــل‬ ‫حياتنــا‪ ،‬نتمنــى لــو يعــود بنــا الزمــن‬ ‫لنعيــد تلــك الذكريــات‪ ،‬ونعيــش ذلــك‬ ‫العهــد الــذي قلمــا يجــود الزمــان مبثلــه‪.‬‬ ‫كذلــك لبعــض الكتــب ذكرياتهــا اللذيــذة‪،‬‬ ‫ومذاقهــا اخلــاص‪ ،‬وبريقهــا اآلســر‪ ،‬قــد‬ ‫ميــر علــى كتــاب قرأنــاه عشــر ســنن‬ ‫ونحــن ال زلنــا نتذكــر تلــك الدهشــة الــذي‬ ‫متلكتنــا حلظــة قراءتــه‪ ،‬وذلــك الســحر‬ ‫العجيــب الــذي أحسســنا بــه ونحــن نقلــب‬ ‫صفحاتــه‪ ،‬وننصهــر بــن كلماتــه‪ ،‬نعيــش‬ ‫حالــة ذهــول عــن العالــم‪ ،‬نتمنــى لــو أن‬ ‫رحلتنــا معــه ليــس لهــا نهايــة‪ ،‬مــا يجعلنــا‬ ‫نؤمــن بــأن ثمــة طاقــة هائلــة تختزلهــا‬ ‫الكتــب بــن ط ّياتهــا‪.‬‬

‫يقــول بهيــج عثمــان‪« :‬الكتــاب الــذي ال‬ ‫يــدع قارئــه يُف ّكــر فيــه بعــد فراقــه‪ ،‬ليــس‬ ‫الصديــق الــذي‬ ‫بكتــاب ق ّيــم‪ ،‬كمــا ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫يُنســى بســهولة ليــس صدي ًقــا»‪.‬‬ ‫هــذه هــي الصداقــة التــي أطمــح أن‬ ‫نصــل إليهــا جمي ًعــا‪ ،‬ومبــا أننــي خصصــت‬ ‫حديثــي هــذه املــرة عــن صديقــي الكتــاب‪،‬‬ ‫فإنــه ليطيــب لــي قبــل اخلتــام أن أســ ّر‬ ‫إليــه بحديــث الصديــق لصديقــه‪ ،‬وأن‬ ‫أكتــب إليــه بصــدق‪« :‬ال أعلــم ملــاذا‬ ‫وجدتنــي هــذه املــرة مدفوعــة للكتابــة‬ ‫عنــك واإلشــادة بفضلــك‪ ،‬ال شــك أننــي‬ ‫لــن أوفيــك حقّــك يف بضــع ســطور؛‬ ‫لكــن حســبي أننــي أع ـ ّدك خيــر جليــس‪،‬‬ ‫وأصــدق صديــق‪ ،‬وأوفــى رفيــق‪ ،‬فمهمــا‬ ‫ّ‬ ‫التــف حولــي مــن أصدقــاء فإنــي لســت‬ ‫مبأمــن مــن فراقهــم ولــو بعــد حــن‪،‬‬ ‫فأنــت الصديــق الوحيــد الــذي ُكتــب لــه‬ ‫الــدوام والبقــاء‪ ،‬وقــد عاهــدت نفســي‬ ‫أن أكــون وف ّيــة لــك ماحييــت‪ ،‬حزينــة أنــا‬ ‫علــى كل دقيقــة فاتتنــي قبــل أن أعرفــك‪،‬‬ ‫وممتنــة لــكل ثانيــة ق ّربتنــي منــك‪ ،‬ولــكل‬ ‫صديــق ســاعدني يف الوصــول إليــك‪ ،‬أو‬ ‫أهدانــي إ ّيــاك‪ ،‬فأنــت الهد ّيــة األغلــى‬ ‫دائ ًمــا‪ .‬عمــري يتضاعــف بــك‪ ،‬وبدونــك‬ ‫لــن أتعـ ّدى حــدودي‪ ،‬أنــت عالـ ٌم مختلــف‪،‬‬ ‫جن ـ ٌم يشــرق يف ســماء وجــودي‪ ،‬رســالتي‬ ‫أن أخلّــدك يف أرواح العاملــن‪ ،‬أن أجعلــك‬ ‫صدي ًقــا عزي ـزًا لهــم‪ ،‬لكــي نلتقــي جمي ًعــا‬ ‫الــدري الــذي‬ ‫يف كوكبــك‪ ،‬ذلــك الكوكــب‬ ‫ّ‬ ‫ال ُ‬ ‫يقطنــه ســوى أصدقــاؤك‪ ،‬وأصدقائــي‬ ‫ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬وقبــل هــذا وذاك‪ ..‬أصدقــاء‬ ‫القــراءة‪.‬‬


35


‫يذكــر ُ‬ ‫الكتْ بــي العراقــي قاســم‬ ‫محمــد الرجــب يف مذكراتــه عــن‬ ‫أكبــر زبــون ملكتبــات ســوق الســراي‬ ‫وهــو احملامــي واملــؤرخ العراقــي‬ ‫عبــاس العــزاوي‪ ،‬الــذي كان يتــردد‬ ‫إلــى املكتبــات أربــع مــرات أو أكثــر كل‬ ‫يــوم فــا يفوتــه كتــاب مطبــوع أو‬ ‫مخطــو ط !‬ ‫هــذا الولــع بالكتــب وإدمــان‬ ‫التــردد علــى املكتبــات والســفر بــن‬ ‫املــدن والتجــوال يف معــارض الكتــب‬ ‫وزيــارة املكتبــات العامــة واخلاصــة‬ ‫يقودنــي إلــى بعــض التســاؤالت‬ ‫منهــا هــل الكتــاب يغنــي عــن متــع‬ ‫احليــاة ولـ ّ‬ ‫ـذات العيــش؟ وهــل يحتاج‬ ‫القــارئ للتضحيــة بجــزء مــن وقتــه‬ ‫للبحــث عــن الكتــب ؟‬ ‫مثــل الدكتــور عبــاس العــزاوي‪،‬‬ ‫الكتــاب عنــده يدخــل يف قائمــة‬ ‫االحتياجــات اليوميــة مــن غــذاء‬ ‫وكســاء ودواء‪ ،‬بــل تصــل إلــى مرحلــة‬ ‫أكبــر مــن قائمــة االحتياجــات‬ ‫اليوميــة كمــا يقــول ألبرتــو‬ ‫مانغويــل يف كتابــه تاريــخ القــراءة‬ ‫بــأن القــراءة مثــل التنفــس وظيفيــة‬ ‫حياتيــة‪.‬‬ ‫إن من طبيعة القراءة التوسع‪ ،‬كل‬ ‫كتــاب يزيــدك معرفــة‪ ،‬كلمــا قرأنــا‬ ‫كتابـ ًا صــار دافعـ ًا نحــو قــراءة كتــاب‬ ‫آخــر‪ ،‬تتوســع القــراءة ويتوســع‬ ‫البحــث يف املكتبــات وتبــدأ لــذة‬

‫‪Ô‘Ìáñ@7«c@Êc‬‬

‫‪36‬‬

‫البحــث عــن املجهــول بــن الرفــوف‪،‬‬ ‫الباحــث عــن الكتــب يف املكتبــات‬ ‫دائمـ ًا علــى موعــد مــع مفاجــأة غيــر‬ ‫منتظــرة أو صدفــة غيــر متوقعــة‬ ‫بعــد تنقيــب كثيــر وبحــث عســير ‪.‬‬ ‫القــراءة خبــرة متراكمــة علــى‬ ‫مــر األيــام‪ ،‬الكتــب اجليــدة هــي‬ ‫الكتــب التــي ترفــع الــذوق األدبــي‬ ‫واحلــس الفنــي ليصبــح القــارئ‬ ‫مؤهـ ً‬ ‫ـا لقنــص أنفــع الكتــب وأمتعهــا‪،‬‬ ‫قــد يكــون القــارئ علــى قــدر كاف‬ ‫مــن الثقافــة ويســتطيع أن يختــار‬ ‫الكتــاب بنفســه‪ ،‬لكــن هــذا ال‬ ‫مينــع بــأن يسترشــد مــن هــو أقــدر‬ ‫منــه‪ ،‬وليــس يف ذلــك حــرج‪ ،‬إن‬ ‫مهمــة اإلرشــاد مهمــة دقيقــة ألنهــا‬ ‫تتطلــب فيمــن يقــوم بهــا أن ميتلــك‬ ‫ثقافــة واســعة واطاعــا كبيــرا علــى‬ ‫التــراث العربــي والغربــي‪ ،‬كان يكفــي‬ ‫أن يرمــي أحــد املرشــدين بعنــوان‬ ‫كتــاب نفيــس حتــى أطيــر بحثــ ًا‬ ‫عنــه يف املكتبــات‪.‬‬ ‫محصور‬ ‫توزيــع املكتبــات يف وطننــا‬ ‫ٌ‬ ‫يف نطــاق املــدن الكبيــرة‪ ،‬ولــو عــددت‬ ‫لــك املكتبــات ذات التنــوع يف كتبهــا‬ ‫ال تــكاد تتجــاوز عــدد أصابــع‬ ‫اليــد الواحــدة‪ ،‬ال تلبــي حاجــة‬ ‫شــريحة كبيــرة مــن جمهــور متنــوع‬ ‫االهتمامــات‪ ،‬ممــا يجعــل البحــث‬ ‫عــن بعــض الكتــب أشــبه مباحقــة‬ ‫ســراب يف صحــراء قاحلــة‪.‬‬

‫”·@‪cã”aÎ‬‬

‫بعــض الكتــب نشــتريها ال لنقرأهــا‬ ‫مباشــرة‪ ،‬بــل ألننــا نتوقــع أنــه‬ ‫يف يــوم مــن األيــام ســنعود إليهــا‬ ‫ونقرأهــا أو نخشــى عــدم العثــور‬ ‫ً‬ ‫مســتقبا‪ ،‬وكــم مــن كتــاب‬ ‫عليهــا‬ ‫أفلتــه مــن بــن يــدي وفرطــت بــه‪،‬‬ ‫ســمعت وعملــت بالنصيحــة القائلة‪:‬‬ ‫ـتره‬ ‫جيــد ًا اشـ ِ‬ ‫» حــن تصــادف كتابـ ًا ّ‬ ‫حتّ ــى ولــو لــم تقــرأه»‪.‬‬ ‫يــرى بعــض النقــاد أنــه ولكــي‬ ‫تســتمتع بعمــل أدبــي ألي كاتــب‬ ‫ينبغــي أن تكــون ملمــ ًا بالعالــم‬ ‫اخلــاص الــذي عاشــه ذلــك األديــب‪،‬‬ ‫أصبــح لــدي اهتمــام بكتــب التراجــم‬ ‫والســيرة لفهــم أعمــال أديــب مــا‪ ،‬مــن‬ ‫خــال قــراءة كتــب الســير والتراجــم‬ ‫تتضــح اجلوانــب املختلفــة واملواهــب‬ ‫الكامنــة يف الشــخصية وفهــم روح‬ ‫العصــر الــذي عاشــه‪ ،‬ســاعدني يف‬ ‫البحــث عــن الكتــب كتــاب (األعام)‬ ‫خليــر الديــن الزركلــي وهــذا الكتــاب‬ ‫مــن أشــهر كتــب التراجــم يف العصــر‬ ‫احلديــث ومرجــع ال أســتغني عــن‬ ‫قراءتــه‪ ،‬أيضــا كتــاب (مصــادر‬ ‫الدراســة األدبيــة) ليوســف أســعد‬ ‫داغــر وكتــب أخــرى ال يتســع املجــال‬ ‫لذكرهــا‪ ،‬هــذه الكتــب تختصــر‬ ‫الوقــت واجلهــد يف البحــث عــن‬ ‫أعمــال املؤلــف ومــا ُكتــب عنــه ‪.‬‬


‫كانــت مكتبــات ســوق الكتــاب‬ ‫املســتعمل‪-‬فيما مضــى‪ -‬يف مدينــة‬ ‫الريــاض أكبــر منجــم لتزويــد رواد‬ ‫القــراءة بالكتــب املتنوعــة والنــادرة‪،‬‬ ‫ليــس مــا مييــز مكتبــات الكتــاب‬ ‫املســتعمل رخــص الكتــاب‪ -‬بعــض‬ ‫الكتــب ليســت رخيصــة كمــا يتوقــع‬ ‫البعــض‪ -‬لكــن جتــد فيهــا كتبــا‬ ‫ال تتوقــع احلصــول عليهــا‪ ،‬ذات‬ ‫مــرة خرجــت مــن إحــدى مكتبــات‬ ‫الكتــاب املســتعمل وأنــا أكاد أطيــر‬ ‫فرحــ ًا بكتــاب عنوانــه (أعمــال‬ ‫مهرجــان ابــن خلــدون) وهــو كتــاب‬ ‫ظللــت ســنوات أبحــث عنــه يف كل‬ ‫مكتبــة‪ ،‬وأســأل عنــه كل صديــق‪،‬‬ ‫فلــم أوفــق يف العثــور عليــه‪ ،‬وكان يف‬ ‫حكــم احملــال‪ ،‬حتــى عثــرت عليــه‬ ‫بــن أكــوام الكتــب صدفــة يف هــذه‬ ‫املكتبــة‪.‬‬ ‫كذلــك هنــاك كتــب تبــاع بأســعار‬ ‫زهيــدة منهــا مــا هو نــادر يغفــل عنها‬ ‫املكتبــي‪ ،‬ومــن أجمــل مــا وجدتــه يف‬ ‫مكتبــات الكتــاب املســتعمل عــدة‬ ‫أعــداد مــن مجــات قدميــة مثــل‬ ‫مجلــة املختــار وهــي مجلــة رصينــة‬ ‫توقفــت عــن اإلصــدار‪ ،‬ومجلــة‬ ‫الهــال ومجلــة العربــي الكويتيــة‪.‬‬ ‫كــم مــن الكتــب النــادرة جتدهــا‬ ‫يف هــذه املكتبــات‪ ،‬لــم نعــد اليــوم‬ ‫نشــاهد هــذه الكتــب واملجــات نظــر ًا‬ ‫ملــا أصــاب هــذه املكتبــات مــن ركــود‬

‫‪Ô‘Ìáñ@7«c@Êc‬‬

‫وجمــود واعتمادهــا علــى كتــب‬ ‫املناهــج‪ ،‬وهــذا الركــود طــال حتــى‬ ‫مكتبــات عربيــة مثــل مكتبــات ســور‬ ‫األزبكيــة يف القاهــرة ومكتبــات‬ ‫شــارع املتنبــي يف بغــداد‪.‬‬ ‫املكتبــات العامــة يغفــل عنهــا رواد‬ ‫املكتبــات التجاريــة‪ ،‬معظــم املكتبــات‬ ‫العامــة واجلامعيــة واملكتبــة‬ ‫الوطنيــة تقتنــي عــدد ًا كبيــر ًا مــن‬ ‫الكتــب واملجــات‪ ،‬وأكثرهــا نــادر‬ ‫ويصعــب العثــور عليــه‪.‬‬ ‫املكتبــة التراثيــة كانــت نقطــة‬ ‫حتــول يف تاريــخ املكتبــات التجاريــة‬ ‫مبدينــة الريــاض‪ ،‬أحدثــت تغيــر‬ ‫كبيــر يف نوعيــة املقــروء وصاحبهــا‬ ‫علــى قــدر كاف مــن الثقافــة خــدم‬ ‫أصدقــاء الكتــب خدمــة عظيمــة‬ ‫يســجلها التاريــخ‪ ،‬تتميــز هــذه‬ ‫املكتبــة بتنــوع الكتــب وتعــدد‬ ‫اجتاهاتهــا أصبــح االطــاع علــى‬ ‫الفكــر العاملــي والكتــب احلديثــة‬ ‫ممكنــا بعــد أن كان هنــاك نقــص يف‬ ‫املــواد الصاحلــة للقــراءة مــن حيــث‬ ‫الشــكل واملضمــون للكتــب العربيــة‬ ‫والكتــب املترجمــة مــن اآلداب‬ ‫العامليــة‪ ،‬غيــر أن هــذه املكتبــة‬ ‫ينقصهــا توفيــر حاســب آلــي للبحــث‬ ‫عــن قوائــم الكتــب‪.‬‬ ‫قامــت مكتبــة جريــر بتجربــة‬ ‫رائــدة بوضعهــا محــرك للبحــث على‬ ‫موقعهــا اإللكترونــي للكتــب يتيــح‬

‫”·@‪cã”aÎ‬‬

‫لــك معرفــة عــدد النســخ املتبقيــة‬ ‫يف فروعهــا املنتشــرة‪ ،‬أمتنــى أن‬ ‫تاقــي هــذه الفكــرة القبــول لــدى‬ ‫بقيــة املكتبــات وتطبيقهــا فهــي‬ ‫توفــر الوقــت واجلهــد يف البحــث‬ ‫عــن الكتــب‪ ،‬لكــن مكتبــة جريــر‬ ‫كذلــك تعــوز إلــى التنــوع يف الكتــب‪،‬‬ ‫فمــا يعــرض فيهــا مــن كتــب ال‬ ‫يكفــي حاجــة جمهــور كبيــر متنــوع‬ ‫االهتمامــات‪.‬‬ ‫مــا أكثــر املكتبــات التــي أغلقــت‬ ‫ولــم تكمــل مســيرتها‪ ،‬يقــول األديــب‬ ‫الفرنســي جــورج دوهاميــل يف‬ ‫كتابــه «دفــاع عــن األدب»‪« :‬كلّمــا‬ ‫رأيــت مكتبـ ًـة تفلــس أو قاعــة قــراءة‬ ‫إن هــذه هزميــة‬ ‫تغلــق أبوابهــا قلــت‪ّ :‬‬ ‫للــروح!»‪.‬‬ ‫اآلن لــم تعــد هنــاك مشــكلة يف‬ ‫العثــور علــى الكتــب مــن متاجــر‬ ‫بيــع الكتــب علــى الشــبكة وشــراء مــا‬ ‫حتتاجــه مــن كتــب لتصلــك خــال‬ ‫أيــام مــن أي مــكان يف العالــم‪ ،‬ويف‬ ‫عصــر الســرعة القــارئ يحصــل على‬ ‫الكتــاب اإللكترونــي املطلــوب دون‬ ‫عنــاء مــن خــال شــبكة االنترنــت يف‬ ‫أقــل مــن دقيقــة هــي مــدة حتميــل‬ ‫الكتــاب‪ ،‬بعــض هــذه الكتــب كان‬ ‫مجــرد مشــاهدة غافهــا الورقــي‬ ‫حلــم!‬ ‫أبو يعرب‬ ‫‪@abdullah_1395‬‬

‫‪37‬‬


‫كــم مــن كتــاب ر ّوجــه غافــه‪ ،‬أو‬ ‫عنوانــه‪ ،‬أو اســم صاحبــه‪ ،‬ومــا كان طــاء‬ ‫كام‬ ‫السـ ِ‬ ‫ـور إال توري ـ ًة ملــا يف الفنــاء مــن ُر ٍ‬ ‫وحطــام ال يســر العــن وال يعجبهــا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كثيــرون مــن يختــارون كتبـاً ويقتنونهــا‬ ‫دون أي تريــث أو اهتمــام ملضمونهــا‪،‬‬ ‫فاالســم البــراق الــذي يعتلــي غــاف‬ ‫الكتــاب كفيــل بإقناعهــم بــأن فيــه مــا‬ ‫يســتحق أن يُقــرأ‪ ،‬وكثيــ ٌر مــن شــعراء‬ ‫و كتــاب و أدبــاء هــذا اجليــل اشــتهروا‬ ‫وعرفــوا بكتــاب واحــد و قصيــدة واحــدة‬ ‫لــم يســتطيعوا بعدهــا إخــراج مــا ينافســها‬ ‫أو يدانيهــا يف املســتوى‪ ،‬فكانــت هــي‬ ‫الكفيلــة بصقــل االســم وشــهرته حتــى‬ ‫وإن توقــف الكاتــب عــن حرفتــه يف اليــوم‬ ‫التالــي‪ ،‬فعمــل يتيــم كفيــل بــأن يُبهــر‬ ‫ليعطــي للكاتــب ميداليــة‬ ‫قــارئ اليــوم‬ ‫َ‬ ‫ذهبيــ ًة أبديــة‪ ،‬ويغفــل أن الكاتــب ككل‬ ‫شــيء يف هــذه الدنيــا قــد يرتفــع مســتوى‬ ‫كتاباتــه وقــد يهبــط‪ ،‬قــد يكتــب فيبــدع‬ ‫وقــد يســرع فيثرثــر ويفشــل!‬ ‫ومــن جهـ ٍـة أخــرى فــإن اختيــار الكتــب‬ ‫اجلديــرة بالقــراءة ليــس باألمــر اليســير‪،‬‬ ‫فكــم مــن الصفقــات التجاريــة التــي‬ ‫ُجتــرى علــى حســاب القــارئ املســكن‪،‬‬ ‫ســعر‬ ‫باســم بــ ّراق أو غــاف ملّــاع‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫زهيــد‪.‬‬

‫واالبتعاد عن سماسرة الكتب‪ ،‬الذين‬ ‫يســوقون ويبيعــون كتبـاً كــــ « كيف تتحدث‬ ‫لغـ ًة مــا يف أســبوع‪ ،‬اخســر خمســة باونــد‬ ‫يف شــهر‪ ،‬وتعلــم الطهــي يف عشــر دقائــق»‬ ‫صــار صعبــاً وكتبهــم متــأل األرفــف‬ ‫واملعــارض ‪ ،‬وعناوي ـ ٌن كالتــي ذكــرت آنف ـاً‬ ‫ليســت إال كذبـ ًة باخلــط العريــض تعتلــي‬ ‫غــاف كتــاب ال يفيــد يف أكثــر األحيــان‪،‬‬ ‫والقــارئ احلــذق فقــط بإمكانــه التمييــز‬ ‫بــن هــذه الكتــب وغيرهــا مــن الكتــب‬ ‫النافعــة الرافعــة لثقافــة الفــرد وعلمــه‪.‬‬ ‫ليــس املهــم أن تقــرأ ولكــن كيــف وملــن‬ ‫تقرأ؟‬ ‫نــرى معظــم رفــوف مكتباتنــا العامــة‬ ‫عامــر ًة بالروايــات والقصــص العربيــة‬ ‫واملترجمــة‪ ،‬دون غيرهــا مــن الكتــب التــي‬ ‫مــن شــأنها أن تثــري ثقافتنــا وتنقــح‬ ‫بأقــام غيــر ناضجــة‪،‬‬ ‫أفكارنا‪ .‬روايــات‬ ‫ٍ‬ ‫بأفــكار رتيبــة‪ ،‬وتركيبــات هشــة هــي‬ ‫أغلــب مــا يحتــل ســوق الكتاب‪ ،‬لهــذا‬ ‫الســبب نــرى أنــه مــن غيــر العــدل أن نلــوم‬ ‫علــى الشــباب القــارئ اقتنــاءه ملثــل هــذه‬ ‫الكتــب دون كتــب العلــم احلقيقيــة‪ ،‬ألنــه‬ ‫وببســاطة لــم يجــد غيرهــا أمــام عينيــه‪،‬‬ ‫وغــ ّره الصــدى اإلعامــي للروايــة هــذه‬ ‫أو تلــك فقرأهــا فأضــاع وقتــه ومالــه وال‬ ‫أخالــه فــاز بشــيء‪.‬‬

‫قــراءة القصــص والروايــات تأخــذ‬ ‫القــارئ إلــى مســتوى حســي ومــادي أكثــر‬ ‫مــن قــراءة الكتــب األخــرى التــي تعنــى‬ ‫باجلانــب العقلــي واملوضوعــي‪ ،‬واألخيــرة‬ ‫ولســت‬ ‫هــي مــا يصنــع ثقافــة واعية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أنكــر أن للروايــات متعتهــا وأهميتهــا‬ ‫وخاصــة كبدايــة ملــن يريــد أن يؤصــل ركــن‬ ‫القــراءة يف حياتــه‪ ،‬ولكــن علينــا أن نؤمــن‬ ‫بــأن الروايــات لــم تصنــع مثقف ـاً حقيقي ـاً‬ ‫ذات يــوم‪.‬‬ ‫علينــا أن نضــع يف احلســبان «أهميــة‬ ‫االختيــار» ملــا يُنمــي فكرنــا ويُغــذي‬ ‫بأســس قــادرة علــى تقــومي‬ ‫عقليتنــا‬ ‫ٍ‬ ‫ـال ُميكــن أن تُصلــح وتــرمم‬ ‫أفكارنــا كأجيـ ٍ‬ ‫مــا تراكــم مــن ُمخلفــات فكــر املُجتمــع‬ ‫الــذي ننتمــي إليــه واالرتقــاء بــهِ ملــا هــو‬ ‫أســمى ‪.‬‬ ‫القــراءة ســاح‪ ،‬والنبيــه هــو مــن‬ ‫اســتطا َع أن مييــ َز الفــرق بــن القــراءة‬ ‫التــي تُعمــر عقلياتنــا والتــي تُدمرهــا‬ ‫بثقافتهــا الرديئــة!‬ ‫اقــرؤوا املفيــد اجلديــد‪ ،‬ال تتوقفــوا‬ ‫عنــد أســلوب واحــد وال نــوع واحــد‪ ،‬ومــع‬ ‫كل هــذا فلتكــن لديكــم حــدود وضوابــط‬ ‫وقناعــات للــرد والنقــد والتصحيــح‬ ‫واإلضافــة ‪.‬‬

‫نسرين إسماعيل‬ ‫‪@nisreanismael‬‬

‫‪38‬‬


‫اللغــات قوالــب‪ ،‬مضمونهــا إن لــم‬ ‫يتشــابه أســلوباً فهــو يتطابــق هدفــاً‬ ‫وغايــة‪ ،‬ولكــن هــل اختــاط قالــب بآخــر‬ ‫يُفســد املضمــون أم يزيــده متكين ـاً وقــوة؟‬ ‫مبراجعـ ٍـة آلخــر إحصائيــات األعمــال‬ ‫األدبيــة املترجمــة مــن العربيــة إلــى‬ ‫اإلجنليزيــة والعكــس نــرى تباينــا ب ّينــا‪،‬‬ ‫واألمــر اجلديــر باالنتبــاه ليــس الرقــم‬ ‫وحــده‪ ،‬وإن ّ‬ ‫دل علــى ضعــف وانكســار‬ ‫يف اإلنتــاج العربــي اخلالــص‪ ،‬ولكــن‬ ‫الســؤال هــل يف زحمــة األعمــال املترجمــة‬ ‫واكتظــاظ دور الطبــع بهــا أي عــن رقيبــة‬ ‫علــى جــودة النتــاج؟ أم أن احلبــل علــى‬ ‫الغــارب؟‬ ‫إن دخــول اآلخــر إلينــا بطريقــة‬ ‫ميكــن وصفهــا بأنهــا «ســامية» يعــد‬ ‫تهديــدا‪ ،‬فبمــا نــراه مــن ترجمــات ركيكــة‬ ‫ٍ‬ ‫ومفــردات العربيــ ُة منهــا بــراء وأســاليب‬ ‫غريبــة ال يليــق بــأن تصنــف إبداعــا‬ ‫ولكنهــا تهجــن وصــو ٌر دخيلــة‪ ،‬بذلــك‬ ‫كلــه‪ ،‬أمســت الترجمة بالفعــل مدخــ ً‬ ‫ا‬ ‫إلضعــاف اللغــة بــدل تقويتهــا وزيــادة‬ ‫متكينهــا‪ ،‬وبابــاً يتســلل منــه اخلطــأ‬ ‫واللحــن‪.‬‬ ‫ففــي حــن أن اخلطــأ النحــوي‬ ‫واإلمائــي‪ ،‬ال يتــوارى عــن التعريــف‬ ‫بنفســه أمــام أي قــارئ نبيــه‪ ،‬فــإن أخطــاء‬ ‫أخــرى صــارت من بُنية ألســنتنا وتركيبات‬ ‫َمقولنــا‪ ،‬ال تتضــح إال لــذوي االختصــاص‪،‬‬ ‫وبالتالــي فــإن القــارئ ســيحمل هــذا‬ ‫اللفــظ أو التركيــب اخلاطــئ الــذي قــرأه‪،‬‬ ‫ليســتخدمه قــوالً أو كتابــ ًة يف مواضــع‬ ‫أخــرى جلمهــور آخــر‪ ،‬فينتشــر خطــأ‬ ‫يصبــح مــن العســير اقتاعــه مــن ألســنة‬ ‫وأقــام‪.‬‬ ‫إن خطــر األعمــال املترجمــة ‪-‬عبثـاً‪-‬‬ ‫كبيــر‪ ،‬فهــي تزاحــم األعمــال احملليــة‪،‬‬

‫وفــوق ذلــك تأتــي يف قالــب ال يتناســب‬ ‫وعظمــة النــص األصلــي وال يليــق وعظمــة‬ ‫اللغــة الفصيحــة‪ ،‬وهنــا يقــع القــارئ‬ ‫ضحيــ ًة لنــص معــاق‪ ،‬ناقــص ومحــ ّرف‬ ‫ـص َمكــذوب يف‬ ‫رمبــا‪ ،‬بــل وقــد ينتهــي لنـ ٍ‬ ‫النهايــة‪ ،‬ومــا ذلــك إال بســبب قصــور لغــة‬ ‫املترجمــن وعــدم موازنتهــم بــن كفتــي‬ ‫اللغتــن‪ ،‬فرجحــت أولــى بخســت حــق‬ ‫أختهــا‪.‬‬ ‫وأبــرز نقــاط الضعــف التــي يعانــي‬ ‫منهــا املترجــم غيــر احملنــك ســببها غفلتــه‬ ‫عــن اختــاف تراكيــب وقواعــد اللغــات‪،‬‬ ‫فيحــدث أن يخلــط بــن االســم والفعــل‪،‬‬ ‫ويســيء ترتيب اجلملــة‪ ،‬وال مييــز‬ ‫بن املعنــى الوظيفــي لصيغــة الكلمــة‬ ‫وغيرهــا كثير‪ .‬ومثــل هــذه األخطــاء قــد‬ ‫ال تتضــح للقــارئ العــادي‪ ،‬إمــا لضعــف‬ ‫يف مخزونــه اللغــوي أو لثقتــه يف الكتــاب‬ ‫الــذي أمامــه‪ ،‬ومــن أمثلــة ذلــك‪:‬‬ ‫قولهم (لعــب دوراً) فيقــول املترجــم مثـ ً‬ ‫ا‪:‬‬ ‫لعــب اجليــش دوراً عظيمــا يف نصــرة‬ ‫الثــوار‪ ،‬فأنــى يقتــرن اللعــب بعظ َمــة‬ ‫الــدور‪ ،‬والقــول ‪( :‬عضــه بأســنانه)‬ ‫والســؤال هنــا مضحـ ٌ‬ ‫ـك رمبــا‪ ،‬فهــل ميكــن‬ ‫أن يكــون العــض بغيــر األســنان؟‬ ‫ومــن الغرابــة مبــكان أن جنــد جمل ـ ًة‬ ‫ّ‬ ‫و(غطــى‬ ‫كـــ‪( :‬اســتق ّل الرجــل ّســيارة)‪،‬‬ ‫املراســل احلــدث) والصــواب هــو‬ ‫(اســتقلّت الســيارة الرجــل) أي حملتــه‬ ‫و (نقــل املراســل احلــدث) ألن معنــى‬ ‫«غطــى» أخفــى‪ ،‬واملراســل مــا أُرســل‬ ‫إال ليُبــدي‪ ،‬وغيــر هــذه األمثلــة كثيــر‪،‬‬ ‫مثــل دخــول كاف التشــبيه علــى مــاال‬ ‫يصــح‪ ،‬واخللــط يف ترتيــب كلمــة (كافــة)‬ ‫وســط اجلملــة‪ ،‬وعــدم التفريــق بــن‬ ‫معنــى وغايــة يف ســياقات‬ ‫(أم) و (أو)‬ ‫ً‬ ‫االســتفهام‪.‬‬

‫قــد ال نعــي أهميــة ذلــك‪ ،‬ولكنــه أمــر‬ ‫يحــدث ببــطء وحــدة‪ .‬وممــا يُلحــظ كذلــك‬ ‫تأثيــر أســلوب األدب الروســي يف كثيــر‬ ‫مــن األقــام العربيــة‪ ،‬وســوا ًء كان هــذا‬ ‫الفعــل مقصــوداً أم ال ‪ ،‬فــإن اســتخدام‬ ‫التراكيــب الغريبــة الدخيلــة بُغيــة كتابــة‬ ‫شــيء مميــز وفريــد ليــس مــن اإلبــداع‪،‬‬ ‫وإن كان الكاتــب أو املترجــم يتــوق لنشــر‬ ‫ترجمــة مميــزة بهــذه الكلمــات األعجميــة‪،‬‬ ‫واألســاليب التــي ليســت مــن العربيــة فهــو‬ ‫كســر ُحرمــة‬ ‫وعــن قصــد يعمــل علــى‬ ‫ِ‬ ‫اللغتــن‪ ،‬ألن تراجــع اللفــظ األصيــل‪،‬‬ ‫وغيــاب الكلمــة الفصيحــة الصريحــة‬ ‫املليحــة‪ ،‬وإفســاح املجــال لكلمــات ليســت‬ ‫لنــا وال منــا‪ ،‬عجــز وخيانــة‪.‬‬ ‫لقد آذت نصوص كثيرة اللغة العربية‬ ‫يف أوجــه عــدة‪ ،‬أبرزهــا اإلســهاب غيــر‬ ‫املبــرر واحلشــو الزائــد الــذي يتجاهــل‬ ‫اإلعجــاز واإليجــاز يف اللســان العربــي‪،‬‬ ‫وقــد طمســت تلــك النصــوص مامــ َح‬ ‫جماليــة كثيــرة يف اللغــة أهمهــا ميــزة‬ ‫التــرادف التــي نُحتــت حتــى امتزجــت‬ ‫فيهــا املعانــي واختلطت‪ .‬ويتعــدى الضــرر‬ ‫اللغــة فيطــال العلــم‪ ،‬ويتســبب يف أخطــاء‬ ‫علميــة ســببها عدم اإلدراك اللغــوي‬ ‫لــدالالت املعانــي‪ ،‬وتراكيــب القواعــد‬ ‫واألســاليب‪.‬‬ ‫نختــم بإجابــة الســؤال‪ ،‬فاحلبــل إذن‬ ‫علــى الغــارب ‪ ،‬وهــذه األخطــاء ليســت‬ ‫اللغــة ســبباً فيهــا ولكنهــا أخطــاءٌ بشــرية‪،‬‬ ‫واللــوم يقــع علــى املترجــم الــذي كلــف‬ ‫نفســه هــذه املســؤولية‪ ،‬وعلــى رقابــة‬ ‫دورالطبــع التــي صــارت مهنتهــا بيــع ورق‬ ‫ال تصديــر ثقافــة ونشــر وعــي‪ ،‬وهــذا‬ ‫واهلل مؤســف ومزعــج‪.‬‬ ‫نسرين إسماعيل‬ ‫‪@nisreanismael‬‬

‫‪39‬‬


‫د‪ .‬سعيد الزهراني‬ ‫‪@drpolymath85‬‬

‫‪:‬‬

‫‪40‬‬


‫يحصل‬

‫‪41‬‬


‫حــب القــراءة كن ـزٌ‪ ،‬غنـ ّـي َم ـ ْن امتلكــه‪،‬‬ ‫هــذا مــا أردده دائمــا عــن القــراءة‪ ،‬ولكــن‬ ‫ال تكــون القــراءة ثمينــة إن لــم تكســبك‬ ‫املداومــة عليهــا عل ًمــا أو فصاحــ ًة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تثريــك لغــ ًة‬ ‫فالقــراءة الثمينــة هــي التــي‬ ‫وعل ًمــا قــد ال حتتاجــه يف تخصصــك أو‬ ‫مجــال عملــك‪.‬‬ ‫ـت طبي ًبــا علــى ســبيل املثــال‪ ،‬فــإن‬ ‫لــو كنـ َ‬ ‫معظــم الكتــب التــي حتتــاج إلــى قراءتهــا‬ ‫هــي كتــب الطــب والصحــة وكل مــا يــدور‬ ‫حولهــا‪ ،‬وهــذا يزيــد مــن خبرتــك يف‬ ‫الطــب‪ ،‬ولكــن مــا قــد ال حتتاجــه يف عملك‬ ‫ولكنــه يفيــدك بشــكل أو بآخــر يف لغتــك‬ ‫األم ويف حياتــك ويف فكــرك االجتماعــي‬ ‫والسياســي هــو أن تقــرأ كت ًبــا أدبيــة أو‬ ‫تاريخيــة أو غيرهــا‪ ،‬وهــذا مــا ينطبــق على‬ ‫جميــع الق ـ ّراء مــن جميــع التخصصــات‪.‬‬ ‫ال ميكــن حصــر كلمــة قــارئ علــى‬ ‫العلمــاء الذيــن يتخصصــون يف قــراءة‬ ‫ً‬ ‫مثــا ”‪ ،‬وننفيهــا‬ ‫كتــب مع ّينــة ” كاألدب‬ ‫عــن ّ‬ ‫املطلعــن الذين يتنوعــون يف قراءتهــم‬ ‫ـوم وغيرهــا‪ ،‬أو ح ّتــى‬ ‫بــن ٍ‬ ‫أدب وتاريــخ وعلـ ٍ‬ ‫العكــس‪ ،‬فالقــراءة هــي فعــل يســتزيد منــه‬ ‫الشــخص مبــا يثــري مخزونــه اللغــوي‬ ‫والعلمــي أو اخليالــي‪ ،‬ك ّل بحســب مــا‬

‫‪42‬‬

‫َ‬ ‫ناهيــك عــن كــون أعظــم القــ ّراء‬ ‫يحــب‪،‬‬ ‫بحــر قطــرة‬ ‫هــم مــن يأخــذون مــن كل‬ ‫ٍ‬ ‫أو أكثــر‪ -‬ويتع ّمقــون يف مجــال أو أكثــر‪،‬‬‫أحــب شــخص ًّيا أن أصفهــم‬ ‫وأولئــك‬ ‫ّ‬ ‫باملثقفــن ‪-‬ال ســ ّيما إن توازنــت لديهــم‬ ‫األخــاق مــع العلــم‪.‬‬ ‫كــي يكــون ح ّبــك للقــراءة كنـزًا‪ ،‬عليـ َ‬ ‫ـك‬ ‫أن تثبــت لنفســك قبــل اجلميــع بوجــود‬ ‫حصلــت عليهــا مــن‬ ‫مخرجــات مفيــدة‬ ‫َ‬ ‫ك ّل مجلّــد قرأتــه‪ ،‬حتّــى وإن كان الكتــاب‬ ‫قصص ًّيــا وغيــر واقعــي‪ ،‬فأكبــر هديــة قــد‬ ‫حتصــل عليهــا حينهــا مــن الكاتــب هــي‬ ‫اإللهــام‪ ،‬واملصطلحــات اجلديــدة‪.‬‬ ‫ـب عقلــك‬ ‫فــأن تقــرأ كتا ًبــا يعنــي أن تصـ ّ‬ ‫أوراق ثمينــة حتمــل لـ َ‬ ‫ـك شــي ًئا مــا يف‬ ‫بــن‬ ‫ٍ‬ ‫كل صفحـ ٍـة منهــا‪ ،‬قــد يكــون املُخــرج مــن‬ ‫الكتــاب إلها ًمــا أدب ًّيــا أو ف ّن ًّيــا‪ ،‬قــد يكــون‬ ‫معلومــة خبر ّيــة تفيــدك يف حياتــك أو‬ ‫مجــال عملــك أو تزيــدك عل ًمــا ملــا حتــب‬ ‫وتهــوى‪ ،‬وقــد يكــون املُخــرج مــن الصفحــة‬ ‫كامل ـ ًة كلمــة جديــدة كنــت جتهــل معناهــا‪،‬‬ ‫أو رمبــا كنــت تفهمهــا مــن ســياق الــكام‬ ‫كلمــا ســمعتها أو قرأتهــا ولكنــك لــم‬ ‫تســتخدمها يو ًمــا يف حواراتــك‪ ،‬أو قــد‬ ‫تســتخدمها ولكنــك ال تعــرف اســتخدا ًما‬

‫آخ ـ ًرا لهــا‪ ،‬متا ًمــا كمــا نســتخدم األمثــال‬ ‫ونحــن جنهــل قصصهــا أو مقاصدهــا‬ ‫األساســية‪.‬‬ ‫أكثــر فئــة قــ ّراء تغفــل عــن االنتبــاه‬ ‫ملــا قــد يثــري معلوماتهــم العامــة هــم‬ ‫معــن‪ ،‬وأكثــر‬ ‫مجــال‬ ‫املتخصصــون يف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فئــة قــ ّراء ينتبهــون ج ّيــ ًدا للمصطلحــات‬ ‫اجلديــدة والتعبيــرات اجلديــدة هــم‬ ‫بالطبــع الكتّــاب والنقّــاد واألدبــاء بصفــة‬ ‫عامة‪.‬‬ ‫شــخصا لــم يقــرأ‬ ‫قابلــت‬ ‫قــد تكــون‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ـت ولكنــه يفوقــك‬ ‫كت ًبــا بقــدر مــا قـ َ‬ ‫ـرأت أنـ َ‬ ‫فصاح ـ ًة وعل ًمــا‪ ،‬وبعــض املعلومــات التــي‬ ‫يفاجئُ َ‬ ‫َ‬ ‫يخبــرك بأنهــا ُذكــرت يف‬ ‫ــك بهــا‬ ‫ـت‪ ،‬ولكنــك ببسـ ٍ‬ ‫ـاطة تــكاد‬ ‫كتـ ٍ‬ ‫ـاب قرأتَ ـ ُه أنـ َ‬ ‫أال تتذكرهــا‪ ،‬الســر ك ّل الســ ّر هــو يف‬ ‫طريقتــك يف تنــاول اجلديــد مــن املعلومات‬ ‫واملصطلحــات واألســماء‪.‬‬ ‫القراءة املثاليــة هــي القــراءة التــي‬ ‫حتتــاج فيهــا إلــى أن تــدون الكثيــر الكثيــر‪،‬‬ ‫نصوصــا نثريــة‪ ،‬أو‬ ‫ـت تقــرأ‬ ‫حتــى وإن كنـ َ‬ ‫ً‬ ‫مقـ ٍ‬ ‫ـاالت ذات ّيــة‪ ،‬أو رمبــا روايــة مــا‪ ،‬تأكــد‬ ‫أنــك يف حاجــة ألن تنتبــه إلــى كم ّيــة‬ ‫األشــياء اجلديــدة التــي وجدتهــا بــن‬ ‫دفتــي هــذا الكتــاب‪.‬‬


‫كيف تستفيد من القراءة ؟‬ ‫َ‬ ‫أنــواع القــراءة مختلفــة‪ ،‬هنــاك قــراءة‬ ‫عا ّمــة لفهـ ِـم اخلاصــة‪ ،‬وقــراءة علــى مراحــل‬ ‫لتلخيــص النــص‪ ،‬وقــراءة تثقيفيــة لاطــاع‪،‬‬ ‫وقــراءة تطويريــة تطــور اللغــة أو العلــم‪ ،‬وقــراءة‬ ‫تصويريــة الســتخراج فكــرة مقصودة‪ ،‬وغيرهــا‬ ‫مــن القــراءات التــي تختلــف بحســب الهــدف؛‬ ‫عليــك ً‬ ‫َ‬ ‫أوال أن حتــدد الهــدف لتعــرف‬ ‫لــذا‬ ‫مــا نــوع القــراءة التــي ستمارســها‪ ،‬ومــا الــذي‬ ‫ينبغــي عليـ َ‬ ‫ـك التركيــز عليــه واالنتبــاه لــه‪.‬‬ ‫ســأذكر لــك بعــض النقــاط التي أتبعهــا‬ ‫يف القــراءة التثقيفيــة ‪-‬والتــي أصــف حبهــا‬ ‫بالكنــز‪ -‬لعلهــا تعمــل علــى إفادتــك يف قراءتك؛‬ ‫وأقصــد بالقــراءة التثقيفيــة‪ ،‬هــي القــراءة‬ ‫التــي تزيــد مــن حصيلــة القــارئ املعلوماتيــة‬ ‫واللغويــة‪ ،‬ليكـ ّون مــن خالهــا فكــرة عامــة عــن‬ ‫ك ّل مصطلــح – أو معلومــة – ذكــر فيهــا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫عليــك أن تبــدأ باملــا ّدة‬ ‫‪ -1‬قبــل كل شــيء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كنــت قار ًئــا‬ ‫مســتواك‪ ،‬فــإن‬ ‫التــي توافــق‬ ‫َ‬ ‫لــألدب فابــدأ مبــا يناســبك لغو ًّيا لتتــدرج‬ ‫ـت طال ًبــا‬ ‫بعدهــا إلــى مســتويات أعلــى‪ .‬وإن كنـ َ‬ ‫جامع ًّيا تقــرأ يف مجالــك خــارج املقــررات‪،‬‬ ‫ينبغــي عليــك أن تختــار مــا يعلــو مســتواك‬ ‫العلمــي بدرجــة؛ حتّــى ال تســتهلك الوقــت يف‬ ‫محاولــة فهــم مــا يفوقــك مســت ًوى‪ .‬وإن كنــت‬ ‫قــد بــدأت للتــو يف قــراءة تطويــر الــذات‪ ،‬فابــدأ‬ ‫علــى ســبيل املثــال‪ -‬بالكتــب احملفــزة السلســة‬‫والتــي تكــون مبثابــة مق ّدمــة لعلــوم التنميــة‬ ‫ن‬ ‫البشــرية وتطويــر الــذات؛ حتّــى ال جتــد بــ َ‬ ‫يديـ َ‬ ‫ـك كتا ًبــا ال يفهمــه إال مــن تعمــق يف هــذا‬ ‫املجــال‪ ،‬فتكــره القــراءة منــذ البــدء؛ وقــس‬ ‫ـال آخــر‪ ،‬فالقــراءة مبختلــف‬ ‫علــى ذلــك أي مجـ ٍ‬ ‫مجاالتهــا تشــبه تعلّــم لغــة جديــدة‪ ،‬حتتــاج إلــى‬ ‫التــدرج يف الفهــم‪ ،‬مــن األســهل إلــى األقــل‬ ‫ســهولة‪.‬‬ ‫‪ -2‬حــن تبــدأ بقــراءة كتــاب‪ ،‬عليـ َ‬ ‫ـك أن حترص‬ ‫علــى اختيــار الوقــت املناســب لقراءتــه‪ ،‬فمثـ ًـا‬ ‫قــد تكــون ممــن تناســبهم قــراءة الروايــات‬ ‫قبــل النــوم‪ ،‬أو قــراءة السياســة بعــد تصفّــح‬

‫اجلرائــد‪ .‬وإن كنــت ممــن يحــب القــراءة يف‬ ‫َ‬ ‫فعليــك أن تخلــق ذلــك اجلــو قبــل‬ ‫معــن‬ ‫جــو‬ ‫ّ‬ ‫أن تهــ ّم بالقــراءة ؛ فالبعــض ال يقــرؤون إال‬ ‫يف هــدوء‪ ،‬والبعــض يفضلــون القــراءة يف‬ ‫مقهــى مزدحــم بالنــاس‪ ،‬وآخــرون ال يقــرؤون‬ ‫كــوب مــن القهــوة‪ ،‬والبعــض ال‬ ‫دون احتســاء ٍ‬ ‫يســتطيع البــدء يف القــراءة قبــل االنتهــاء مــن‬ ‫األعمــال املنزليــة أو املهنيــة ؛ اعــرف طبيعــة‬ ‫العاقــة بــن الكتــب ونفســك ” أو بــن القــراءة‬ ‫بصفــة عامــة ونفســك ”‪ ،‬فــكل جملــة تقرأهــا‪،‬‬ ‫ســيختلف وقعهــا عليــك باختــاف وقــت وحــال‬ ‫قراءتــك لهــا ‪.‬‬ ‫‪ -3‬أثنــاء قراءتــك‪ ،‬ســتجد كلمــات لــم تفهمهــا‪،‬‬ ‫مصطلحــات جديــدة لــم تقرأهــا مــن قبــل‬ ‫كااملصطلحــات السياســية‪ ،‬وأســماء ال تعــرف‬ ‫عنهــا الكثيــر أو أنــك قــد جتهلهــا متا ًمــا‬ ‫(أشــخاص‪ ،‬دول‪ ،‬اختراعــات‪ ،‬مخلوقــات)‪،‬‬ ‫وكلمــات ال جتيــد اســتخدامها يف كتاباتــك أو‬ ‫حواراتــك؛ ألنــك ال تعــرف لهــا مرادفــات‪ ،‬كل‬ ‫َ‬ ‫عليــك فعلــه حينهــا هــو أن تضــع إشــارة‬ ‫مــا‬ ‫ّ‬ ‫كل منهــا‪ ،‬وال تقلــق عنــد رؤيــة الصفحــة‬ ‫حتــت ٍ‬ ‫ممتلئــة باإلشــارات‪ ،‬فمــن لــم يجهــل لــن يتعلــم‪،‬‬ ‫تلــك خطــوة ســتق ّوي مــن ذكائــك اللغــوي‬ ‫فتكــون أكثــر قــدرة علــى الفهــم الســريع وعلــى‬ ‫التعبيــر بوضــوح‪ ،‬كمــا ســتزيد مــن مخزونــك‬ ‫العلمــي والثقــايف لتفهــم مــا يــدور حولــك يف‬ ‫احليــاة بشــكل أقــل غموضــاً‪ .‬وتذكــر! إن لــم‬ ‫تكــن قراءتــك للنــص وأنــت جاهــل لتلــك‬ ‫املعانــي قــد يؤثــر علــى انســجامك يف النــص‬ ‫وفهمــك لفكــرة الكاتــب الرئيســية فــا تتوقــف‬ ‫عنــد كل مــا تضــع عنده إشــارة‪ ،‬بــل أكمــل إلــى‬ ‫أن تأخذ حصتك مــن القراءة اليوميــة‪.‬‬ ‫‪ -٤‬حــن تنتهــي مــن الكتــاب أو حــن تتوقــف‬ ‫بعــد جــزء منــه‪ ،‬ابــدأ بتدويــن كل كلمــة مــن تلــك‬ ‫الكلمــات يف دفتـ ٍـر خــاص‪ ،‬ســتجد الصفحــات‬ ‫ـوم جتــد نفســك‬ ‫تتكاثــر؛ و ّفــر مــا د ّونتــه إلــى يـ ٍ‬ ‫فيــه متف ّر ًغــا ومســتع ًّدا للبحــث عــن كل مــا‬ ‫دونتــه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -5‬عندمــا تبــدأ البحــث عــن كل مــا د ّونتــه‬

‫يف الدفتــر‪ ،‬احــرص علــى تدويــن تعريفــات‬ ‫مختصــرة ومب ّينــة ملاهيــة تلــك املصطلحــات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ولــك – بالطبــع – أن تبحــث عــن ك ّل مــا أثــار‬ ‫اهتمامـ َ‬ ‫ـك – الح ًقــا – بــن الكتـ ِـب أو املواقــع أو‬ ‫األفــام الوثائقيــة؛ إليـ َ‬ ‫ـك بعــض األمثلــة حــول‬ ‫طريقــة تعريفــي يف دفتــري اخلــاص لكلمــات‬ ‫مســتخرجة مــن كتــاب (يوميــات نــص الليــل)‬ ‫ملؤلفــه د‪ .‬مصطفــى محمــود‪:‬‬ ‫ داروِ ن‪( :‬تشارلز داروين) عالم تاريخ‬‫طبيعي‪ ،‬ومؤلف بريطاني‪.‬‬ ‫ جزر الواق واق‪ :‬يقال أنها تقع يف الصن‬‫أو الهند‪.‬‬ ‫ عويص‪ :‬شائك‪ ،‬صعب‪ ،‬يصعب فهمه‪.‬‬‫ يضطرم‪( :‬اضطرم فهو مضطرم) يهيج‪،‬‬‫يشتد‪ ،‬يشتعل‪.‬‬ ‫ ماكميان‪ :‬دار نشر مصرية‪.‬‬‫ باخرة ّ‬‫ماكي‪ :‬مصطلح مصري يدل على‬ ‫أن الباخرة للتمليك أو مملوكة‪.‬‬ ‫ عقدة أوديب‪ :‬هي عقدة (يف علم النفس)‬‫يعشق فيها االبن والدته‪.‬‬ ‫التحضر) الوحشية‪.‬‬ ‫ الهمجية‪( :‬عكس‬‫ّ‬ ‫‪ -6‬مــن الطبيعــي بعــد أن جتمــع الكثيــر مــن‬ ‫املعلومــات يف دفتــرك أن تنســى جــز ًءا كبيــ ًرا‬ ‫منهــا‪ ،‬فلــن ترســخ ج ّيــ ًدا يف ذاكرتــك مــا لــم‬ ‫تســتخدمها يف كتاباتك وتراجعها وتقرأها بن‬ ‫احلــن واآلخــر‪ ،‬وتذكــر بــأن تذكــر يف حـ ٍ‬ ‫ـوارات‬ ‫مناســبة ً‬ ‫بعضــا مما قرأتــه‪ ،‬فاستشــهادك مبــا‬ ‫تعلمــت يزيــده ثبا ًتــا يف الذاكــرة‪.‬‬ ‫تلـ َ‬ ‫ـك كانــت بعــض اخلطــوات التــي أتبعهــا‬ ‫ألثــري معلوماتــي بهــا والتــي آمــل أن تكــو َن‬ ‫َ‬ ‫مفيــد ًة َ‬ ‫لديــك طريقــة أخــرى‬ ‫لــك‪ ،‬قــد تكــون‬ ‫رمبــا قــد تصنــع‬ ‫أنفــع مــن طريقتــي‪ ،‬أو ّ‬ ‫مسـ ً‬‫ـتقبا‪ -‬طريقــة تفيـ َ‬ ‫ـكل أكبــر‪ ،‬ك ّل‬ ‫ـدك بشـ ٍ‬ ‫مــا عليـ َ‬ ‫ـك فعلــه هــو أن تهــيء لنفســك عوامــل‬ ‫َ‬ ‫هدفــك مــن قــراءة الكتــب‬ ‫التثقيــف إن كا َن‬ ‫كنــت ممــن ميلــك هــذا الكنــز‬ ‫كهــديف‪ ،‬وإن‬ ‫َ‬ ‫”حــب القــراءة»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سارة خالد مائكة‬ ‫‪@sk_novembre‬‬

‫‪43‬‬


‫«نعتذر لك عن قبول روايتك!»‬ ‫أغلــق بريــده اإللكترونــي مــع تنهيــدة‬ ‫بطيئــة وكأنــه يز ُفــر ُكل خيبــات حياتِــه‪،‬‬ ‫ن َهــض مِ ــن مكانِــه وأخــذ يتأمــل مكتَبــه‪،‬‬ ‫تراصــة ويف ُطرتِهــا علّــق‬ ‫ُهنــا ُكتــب ُم ّ‬ ‫َ‬ ‫بعــض امل ُ‬ ‫احظــات حتــى يعــود إليهــا‬ ‫ِ‬ ‫الحقــاً‪.‬‬ ‫وأ َمامــه وبِجانــب بــاب الغُرفــة املُعتــق‬ ‫لوحــة «فتــاة تقــرأ»‬ ‫الســماء علّــق َ‬ ‫بِلــون ّ‬ ‫لألملانــي غوســتاف‪ ،‬لتُلهِ مــه يف ُكل حلظــة‬ ‫أنُــه يجــب أن يقــرأ وأال يتَوقــف عــن‬ ‫القــراءة!‬ ‫التفــت يســاراً ليطمئِــن علــى ُكتبــه‬ ‫املَرصوصــة بِعنايــة علــى أرفــف مكتَبتــه‪،‬‬ ‫ابتســم بِحبُــور و ُهــو ميســح بِعينيــه عناوين‬ ‫وجــد‬ ‫ُكتبــه البرا َقــة‪ ،‬وحــن التفــت ميين ـاً َ‬ ‫لوحــة م َهامــه التــي علّقهــا علــى اجلِ ــدار‬ ‫ليعــرف خُ طتــه الكِ تابيــة ‪.‬‬ ‫أنعــش صــدرهُ َ‬ ‫املخنــوق نســي ُم الهــواء‬ ‫اخلفيــف الــذي حـ ّرك الســتائر احلريريَة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫والشــفق‬ ‫الواســعة‬ ‫الســماء‬ ‫وأخــذ يتأمــل ّ‬ ‫الــذي بــدأ َ‬ ‫ِ‬ ‫متوهــج‪.‬‬ ‫يغطيهــا بِلــون أحمــر‬ ‫عــاد ليُقلــب الدفتَــر األســود الــذي‬ ‫خصصــه لِكتابــة رواي ِتــه ا َ‬ ‫جلديــدة‪ ،‬والتَــي‬ ‫ّ‬ ‫انتهــى مِ نهــا أخيــراً‪ ،‬وهــو يفكِ ــر بالفتــرة‬ ‫املاضيــة أثنــاء كِ تابتهــا وكيــف انعــزل عــن‬ ‫اآلخريــن ليُنجزهــا يف الوقــت احملــدد‪.‬‬ ‫كان اختيــار فكــرة الروايــة صعبــا‪ ،‬بــدأ‬ ‫يتذ َكــر األفــكار الكثيــرة التــي مــرت بــه‬ ‫أثنــاء عصفــه الذِ هنــي‪ ،‬يف البدايــة قــرر‬ ‫أن تكــون عــن (م َعركــة الغُلــو يف الديــن)‬ ‫وجــد أن إثــارة مِ ثــل‬ ‫لكِ نــه تراجــع بعــد أن َ‬ ‫َ‬ ‫القضايــا لــن تُرضــي اجلميــع‪ ،‬ألنــه‬ ‫هــذه‬ ‫ســ َيجد فئــة ُمت ِجــده وأخــرى تُع ِّنفــه‪،‬‬ ‫فف ّكــر بالكِ تابــة عــن (شــاب ناقِ ــم علــى‬ ‫ِ‬ ‫يستســغ الفِ كــرة‬ ‫حكومتــه) لكِ نــه لــم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اخلطيــرة‪ ،‬وجــد أنهــا ستســتهل ُ‬ ‫ِك طاقتــه‬

‫وتعرضــه للخطــر أكثــر‪ ،‬وشــرع بالكِ تابــة‬ ‫ـب َ‬ ‫عــن (ا ُ‬ ‫ونشــوتِه) لكِ نــه خشــي علــى‬ ‫حلـ َّ‬ ‫قلبِــه مــن وع َكــة هــذا ا ُ‬ ‫حلــب البائِــس‪.‬‬ ‫وأخيــراً اســتق ّر علــى أن يكتُــب عــن‬ ‫ـيخ كبيــر َ‬ ‫أمضــى ُعمــره بــن ال ُكتــب)‬ ‫(شـ ٍ‬ ‫َهــذه الفِ كــرة جعلتــه ينتَشــي ويتح ّمــس‬ ‫أكثــر‪ ،‬جعلــت مِ ــن الكِ تابــة لديــه ُمتعــة‬ ‫وليســت واجبــاً تأليفيــاً‪.‬‬ ‫والبحــث عــن اإللهــام‬ ‫بــدأ الكتابــة‬ ‫َ‬ ‫األدبــي مِ ــن خــال زيَــارة املكتَبــات‬ ‫ال َعظيمــة‪ ،‬و اســتغرق ذلِــك مِ نــه عامــن‬ ‫كاملــن‪ ،‬زار فيهمــا مكتبــات القاهــرة‪،‬‬ ‫اإلســكندرية‪ ،‬بغــداد‪ ،‬الــدار البيضــاء‪،‬‬ ‫حتــى ختمهــا بالريــاض‪ .‬قــرأ العديــد‬ ‫مِ ــن ال ُكتــب ملؤلفــن ُكثــر‪ ،‬ل َقــد حــاول‬ ‫أن يتقمــص حقيقــة ذلِــك الشــيخ حتــى‬ ‫خليــال يف هــذه ا َ‬ ‫يكتُبــه حقـاً‪ ،‬ألن ا َ‬ ‫حلالــة‬ ‫الي َكفــي‪ ،‬كان يجــب أن يُط ّعمــه بِالواقــع‬ ‫التجربــة لي ُكــون أكثــر‬ ‫اللذيــذ وشــيء مِ ــن َ‬ ‫ِصدقــاً !‬ ‫لــذا يف أحــد فصــول الروايَــة جتِ ــده‬ ‫قــد َ‬ ‫حتــدث عــن مكتبــة اإلســكندرية‬ ‫العظيمــة‪ ،‬أحــد أقــدم املكتبــات يف العالــم‬ ‫ذات الواجهــة املزينــة بــكل لغــات العالــم‬ ‫املختلِفــة‪ ،‬والتــي حينَمــا تضــع قدمــك‬ ‫فيهــا تُبهِ ــرك بضــوء الشــمس الكثيــف‬ ‫الــذي يختــرق أعمدتَهــا َ‬ ‫الش ِ‬ ‫ــاهقة‪.‬‬ ‫وهــو يَعتقِ ــد أن تَصميمهــا الافِ ــت‬ ‫هــو مــن ج َعلهــا أكثــر مكتَبــة تسـ ِ‬ ‫ـتحق منــه‬ ‫إفرا َدهــا باحلديــث و ُمحاولــة جعــل القراء‬ ‫َ‬ ‫يتشــوقون لزيَارتِهــا!‬ ‫يتحــدث عــن‬ ‫ويف آخــر الروايــة جتِ ــده َ‬ ‫الكا ِتــب الرقيــق جبــران خليــل جبــران يف‬ ‫ُمحاولــة لعيــش ا ُ‬ ‫حلــب والبــؤس أيضــاً‪،‬‬ ‫وكأنــه اختَــار جبــران ليُخ ِبــر ال َعالــم عــن‬ ‫وحبيبتــه البعيــدة !‬ ‫وحد ِتــه َ‬ ‫يف ن َهايــة الروايَــة جعــل ذلــك الشــيخ‬

‫ميــوت كمــداً بعــد أن قــرأ روايَــة (زوربــا)‬ ‫ُ‬ ‫ألنــه اكتَشــف أن حيَاتــه املاضيــة وعيشــه‬ ‫بــن ال ُكتــب وانعِ زالــه عــن جيرانــهِ األُميــن‬ ‫نتيجتــه ودفــع‬ ‫لــم ي ُكــن إال خطــأ ت َكبــد َ‬ ‫ُجــل عمــره ألجلــه!‬ ‫حليــاة حســب مــا ُ‬ ‫فا َ‬ ‫يظــن ال يجــب‬ ‫أن ت ُكــون ُمغرقــة بال ُكتــب والقــراءة فقــط‪،‬‬ ‫بَــل حتتــاج أن ت َعيــش تفاهتَهــا وأن تُغامِ ــر‬ ‫بِصداقــة غيــر القُــراء ألنهــم وبِبســاطة‬ ‫قــد ف َهمــوا ا َ‬ ‫حليــاة بخبراتِهــم ال بِخبــرة‬ ‫َمــن قــرؤوا عن ُهــم!‬ ‫َ‬ ‫ووجــد ورقــة ماحظــات‬ ‫أغلــق الدفتَــر َ‬ ‫قــد ألصقهــا علــى الغِ ــاف األســود لت َكــون‬ ‫افتتَاحيــة روايته ‪:‬‬ ‫توجــد لنقرأهــا فقــط‪ ،‬بــل‬ ‫(ال ُكتــب لــم َ‬ ‫لن َعيــش مع َهــا ونشــتم َعبــق رائِحتهــا‬ ‫ِننســاها أحيانــاً!)‬ ‫و ِلتُز ّيــن مكتبَاتنــا ‪ ،‬ول َ‬ ‫تذ ّكــر شــ ُعوره حينمــا انتَهــى منهــا‪،‬‬ ‫وكيــف اســتغرقه تفكيــره ب َكيفيــة اســتقبِال‬ ‫مجدونها أم أن ُهم‬ ‫النَــاس لروايتــه‪َ ،‬هــل سـيُ ِ‬ ‫وأي ُدور‬ ‫سيُشــيحون وجوههــم عنَهــا‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫النشــر ســتقبل بِهــا خصوص ـاً أنــه كا ِتــب‬ ‫م َغمــور‪ ،‬وتأكــد أنــ ُه فِ عــ ً‬ ‫ا أمــام ِرحلــة‬ ‫طويلــة أ َ‬ ‫جنــز نِصفهــا بِكتابــة رواي ِتــه تِلــك!‬ ‫عــاد ليفتــح بريــد الــدار الناشــرة مِ ــن‬ ‫جديــد وأرســل لهــم مستفســراً عــن ســبب‬ ‫الرفــض‪ ،‬وصلــه الــرد ســريعاً بـــ‪:‬‬ ‫«…‪ .‬بِســبب ســرقتك األدبيــة يف بعــض‬ ‫املقطوعــات بــدون اإلشــارة لذلــك»‬ ‫الســرقات‬ ‫ضحــك بِخيبــة أل َن هــذه َ‬ ‫مقصــودة‪ ،‬إ َ‬ ‫منــا جــاءت بِفعــل‬ ‫ليســت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِباســات التــي‬ ‫ترســبات القِ ــراءة واالقت َ‬ ‫ُ‬ ‫امتَــأل َعقلــ ُه بِهــا علــى مــ ّر قراءاتِــه‬ ‫َ‬ ‫الطويلــة!!‬ ‫تراجــع عــن فكــرة النشــر … ووضــع‬ ‫روايتــه يف الــ ُدرج !‬ ‫زهرة الصالح‬ ‫‪@meeladfajr‬‬

‫‪44‬‬


‫يحــدث يف مــكان مــا يف العالــم أن‬ ‫يصــاب شــخص مــا بأزمــة عاطفيــة‬ ‫أو صدمــة لفقــد قريــب أو عزيــز ثــم‬ ‫يذهــب ملعالــج نفســي ويتحــدث معــه‬ ‫عمــا مــر بــه‪ ،‬وبــدال أن يصــرف لــه‬ ‫املعالــج عاجــا دوائيــا يخفــف مــن وطــأة‬ ‫املصيبــة أو يعلمــه طرقــا لتجــاوز هــذه‬ ‫األزمــة فيتفاجــأ بــأن املعالــج يكتــب لــه‬ ‫وصفــة عاجيــة حتتــوي علــى مجموعــة‬ ‫مــن الكتــب واملقــاالت وقــد يضيــف لهــا‬ ‫فيلمـاً أو مقطــع فيديــو صغيــر! وهــذا مــا‬ ‫يســمى بالعــاج بالقــراءة أو مــا يســمى‬ ‫بالـــ ‪.Bibliotherapy‬‬ ‫القراءة قد تكون أسلوب حياة وهواية‬ ‫وقــد تكــون عاجــا نتجــاوز بــه منعطفــات‬ ‫احليــاة املؤملــة‪ ،‬أحيانــاً قــد نســمع كلمــة‬ ‫مــن مقــرب لنــا تؤذينــا وجتــرح مشــاعرنا‪،‬‬ ‫وقــد نســمع كلمــة لصديــق لنــا تكــون‬ ‫بلســما وطمأنينــة وهــذه فلســفة العــاج‬ ‫أن مــن يتأثــر بكلمــة قــد يشــفى‬ ‫بالقــراءة ّ‬ ‫بكلمــة‪.‬‬ ‫قــال اهلل تعالــى (وننــزل مــن القــرآن‬ ‫مــا هــو شــفاء ورحمــة للمؤمنــن) وهــذا‬ ‫دليــل علــى التأثيــر القــوي الــذي يحــدث‬ ‫عنــد قــراءة القــرآن‪ ،‬واليغيــب عــن‬ ‫الذهــن أن أول آيــة أنزلــت علــى نبينــا‬ ‫عليــه الصــاة والســام وهــو خائــف يف‬ ‫الغــار (اقــرأ)‪ ،‬حــن يأمــرك اهلل بالقــراءة‬ ‫ويدعــوك يف آيــات أخــرى للتأمــل والتدبــر‬ ‫والتفكــر ســتجد أن هنــاك تأثيــرا يحــدث‬ ‫وأفــكارا تتغيــر مــن خــال القــراءة يزيــد‬ ‫مــن فعاليتهــا التفكــر والتأمــل‪.‬‬

‫يف علــم النفــس اإلرشــادي تعتبــر‬ ‫عمليــة العــاج النفســي بالقــراءة أحــد‬ ‫وســائل العــاج املعــريف التــي تهــدف‬ ‫لتغييــر أمنــاط التفكيــر الســالبة وذلــك‬ ‫بإحــال أفــكار إيجابيــة حتســن مــن‬ ‫الصحــة النفســية لــدى العميــل عبــر‬ ‫القــراءة ومناقشــة املقــروء‪ ،‬وتتكــون عملية‬ ‫العــاج مــن معالــج نفســي متخصــص‬ ‫يف العــاج بالقــراءة‪ ،‬وعميــل يطلــب‬ ‫املســاعدة‪ ،‬باإلضافــة إلنتــاج فكــري‬ ‫معالــج (يشــمل اإلنتــاج الفكــري القــرآن‬ ‫الكــرمي واألحاديــث وقصــص الســير‬ ‫والتراجــم وبعــض املقاطــع األدبيــة‬ ‫والقصصيــة وكتــب التغيــر اإليجابــي‬ ‫باإلضافــة لإلنتــاج املرئــي واملســموع)‪.‬‬ ‫لســوء احلــظ لــم يهتــم الباحثــون‬ ‫العــرب لهــذا النــوع مــن العــاج بالقــراءة‬ ‫كثيــرا‪ ،‬والدراســات العربيــة يف هــذا‬ ‫املجــال ال تتجــاوز عــدد أصابــع اليــد‬ ‫الواحــدة‪ ،‬بينمــا يف الــدول املتقدمــة‬ ‫أصبحــت الدراســات باملئــات وبالتالــي‬ ‫تعــدد الدراســات أدى إلــى أن العــاج‬ ‫بالقــراءة دخــل يف عــاج أنــواع كثيــرة مــن‬ ‫االضطرابــات النفســية نتيجــة لوفــرة‬ ‫اإلنتــاج الفكــري املعالــج مثــل (القلــق‪،‬‬ ‫واالكتئــاب‪ ،‬واخلجــل‪ ،‬والرهــاب بجميــع‬ ‫أنواعــه‪ .‬وغيرهــا) ممــا أدى إلــى حتســن‬ ‫الصحــة النفســية لــدى الكثير ممن يعيش‬ ‫يف تلــك املجتمعــات املتقدمــة وســاعدهم‬ ‫علــى جتــاوز أزماتهــم حتــى أنــه قبــل‬ ‫عامــن صــدر يف بريطانيــا كتــاب بعنــوان‬ ‫(العــاج بالروايــة مــن األلــف إلــى اليــاء)‪،‬‬

‫ذكــرت فيــه مؤلفــة الكتــاب أكثــر مــن ‪750‬‬ ‫روايــة وكتــاب تعالــج أنواع ـاً مختلفــة مــن‬ ‫األمــراض العضويــة والنفســية!‬ ‫مــن ال يهــوى القــراءة قــد يظــن أن‬ ‫هــذا العــاج غيــر مناســب لــه ولكــن‬ ‫احلقيقــة أنــه مناســب فمــا ال تســتطيع‬ ‫أن تقــرأه تســتطيع ســماعه أو تســتطيع‬ ‫مشــاهدته أيضــاً‪ ،‬ونوعيــة اإلنتــاج‬ ‫الفكــري املعالــج ومتكــن املعالــج القرائــي‬ ‫مــن فنياتــه النفســية واختيــاره احلســن‬ ‫لإلنتــاج ووجــود الرغبــة اجلــادة لــدى‬ ‫العميــل جميعهــا عوامــل مهمــة تســاعد‬ ‫يف حتقيــق التوافــق النفســي يف العــاج‬ ‫بالقــراءة‪.‬‬ ‫إن بنــاء وإنتــاج فكــري عربــي‬ ‫يتماشــى مــع قيمنــا اإلســامية وثقافتنــا‬ ‫األصيلــة مهمــة ليســت باملســتحيلة إذا‬ ‫وجــدت لهــا املظلــة الرســمية الداعمــة‬ ‫واملتمثلــة يف وزارة التعليــم (بإضافــة مــادة‬ ‫العــاج بالقــراءة كمتطلــب لتخصــص علــم‬ ‫النفــس يف اجلامعــات)‪ ،‬ووزارة الصحــة‬ ‫بتبنــي هــذا النــوع مــن العــاج واإلشــراف‬ ‫عليــه يف العيــادات النفســية‪ ،‬واملكتبــات‬ ‫بشــكل عــام يف توفيــر املــادة القرائيــة‪،‬‬ ‫وقبــل ذلــك تظافــر جهــود الباحثــن‬ ‫مــن األطبــاء واألخصائيــن النفســين‪،‬‬ ‫باإلضافــة ألمنــاء املكتبــات بالعمــل‬ ‫كفريــق هدفــه حتقيــق التوافــق النفســي‬ ‫باســتخدام العــاج بالقــراءة لطالــب‬ ‫اخلدمة(العميــل)‪.‬‬ ‫أحمد الزهراني‬ ‫‪@ Ahz96666‬‬

‫‪45‬‬


46


47


48


‫إن اســتخدام األجهــزة الذكيــة‪ ،‬و‬ ‫الهواتــف اخللويــة‪ ،‬و اللوحيــة‪ ،‬و قــوارئ‬ ‫الكتــب وأجهــزة األلعــاب والتلفزيونــات‬ ‫ملــدة تتــراوح بــن ســاعتن خلمــس‬ ‫ســاعات متواصلــة يوميــا مــن املمكــن أن‬ ‫يتســبب فيمــا يســمى ( اإلجهــاد العينــي‬ ‫الرقمــي ) ‪ ،‬فمــا هــو؟‬ ‫هــو شــعور بعــدم الراحــة يف العــن‬ ‫خــال اســتخدام أي مــن الشاشــات‬ ‫الرقميــة مــع أعــراض أخــرى ‪ .‬مــن‬ ‫املعــروف أن أعيننــا ترمــش مبعــدل‬ ‫‪ 1٨‬مــرة يف الدقيقــة الواحــدة ‪ ،‬وحينمــا‬ ‫نحــدق يف الشاشــات ملــدة ســاعتن أو‬ ‫أكثــر يقــل معــدل الرمشــان وهــذا بــدوره‬ ‫يــؤدي إلــى الشــعور بجفــاف يف العــن‬ ‫ألن الرمــش عامــل ترطيــب كماســحات‬ ‫الســيارة األماميــة للزجــاج األمامــي ‪/‬‬ ‫القرنيــة‪ ،‬وهــذا بــدوره يــؤدي إلــى الشــعور‬ ‫ببعــض التهيــج أو بالوخــز واحمــرار يف‬ ‫العــن‬ ‫و من أعراضه كذلك ‪:‬‬ ‫ آالم يف الرقبة ‪/‬الظهر أو حتى الكتف‬‫ الرؤية الضبابية‬‫‪ -‬الصداع‬

‫أمام الشاشات وال ننسى وضعية‬ ‫اجللوس اخلاطئة أو املسافة ‪.‬‬ ‫‪ /6‬قد يتفاقم كذلك مع اإلضاءة إذا لم‬ ‫تُضبط باتساق‬

‫ إجهــاد يف العــن الــذي ينشــأ عــادة مــن‬‫انقباض‪/‬انبســاط عضــات التكيــف يف‬ ‫العــن بطريقــة أكثــر مــن املعتــاد نتيجــة‬ ‫لوضــع الشاشــات علــى مقربــة مــن العــن‬ ‫حتــى تتــم رؤيــة مــايف الشاشــة بوضــوح‬ ‫و مــع تزايــد املشــكلة يهمنــا معرفــة‬ ‫ومــن املاحــظ أنــه ليــس تأثيــرا دائمــا بــل‬ ‫مؤقــت‪ ،‬يتــراوح بــن البســيط‪ ،‬املتوســط‪ ،‬وســائل التقليــل مــن اإلجهــاد الرقمــي ‪:‬‬ ‫الشــديد وهــذا يتبايــن مــن شــخص آلخــر‬ ‫حســب كثافــة اســتخدامه للشاشــات ‪ /1‬قاعدة العشرينات الثاث ‪ :‬وهي‬ ‫بعد مرور ‪ 20‬دقيقة من التحديق يف‬ ‫الرقميــة‪.‬‬ ‫الشاشات تنظر جلسم يبعد عنك‬ ‫و قــد تتفاقــم املشــكلة لألســباب ‪20‬قدم‪ 6/‬م وملدة ‪20‬ثانية‬ ‫‪ /2‬ضبط اإلضاءة لتقليل الوهج‬ ‫التاليــة ‪:‬‬ ‫‪ /3‬اإلبقاء على مسافة معينة‬ ‫‪ /٤‬ضبط اإلضاءة اخللفية‬ ‫‪ /1‬إجهاد العن الرقمي قد يتفاقم‬ ‫مع وجود مشكات يف العن ابتداء مثل ‪ /5‬تكبير حجم اخلط‬ ‫‪ /6‬احلرص على الرمش‬ ‫طول النظر‪ ،‬قصره‪ ،‬أو الابؤرية‬ ‫‪ /7‬شرب السوائل‬ ‫‪ /2‬إجهاد العن قد يتفاقم كلما تقدم‬ ‫‪ /٨‬البد من حتديد وقت معن لألطفال‬ ‫املرء يف العمر‬ ‫‪ /3‬قد يتفاقم يف نهاية اليوم بن الثالثة مع األجهزة‬ ‫‪ /9‬ارتداء املساعد البصري يف حال‬ ‫والتاسعة مساء‬ ‫النظارة والعدسات مع األخذ يف‬ ‫‪ /٤‬قد يتفاقم مع الشاشات ذوات‬ ‫اجلودة األقل‪ ،‬خذ مثا شاشات الـ‪ HD‬االعتبار جودات معينة لها ‪.‬‬ ‫مقارنة بسواها‬ ‫‪ /5‬قد يتفاقم كلما زادت مدة املكث‬

‫د‪ .‬منى عبداهلل‬ ‫أخصائية عيون‬

‫‪49‬‬


ꧾ꫾쳾 跾 껾 韾軾 귾軾􁰀

------------------------

50


magazine.rfriends.net

51



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.