مجلة قوارئ العدد الثالث

Page 1


2


3


‫يقــول أحــد الفالســفة‪« :‬الكتــب ســعادة احلضــارة بدونهــا يصمــت التاريــخ‪ ،‬ويخــرس‬ ‫األدب‪ ،‬ويتوقــف العلــم‪ ،‬ويتجمــد الفكــر والتأمــل»‪ .‬وعندمــا ســئل فولتيــر عمــن ســيقود‬ ‫اجلنــس البشــري‪ ،‬أجــاب بقولــه‪« :‬الذيــن يعرفــون كيــف يقــرؤون»‪.‬‬ ‫وألن القــراءة هــي األســاس يف احليــاة‪ ،‬حملــت (مجلــة قــوارئ) علــى عاتقهــا‬ ‫مســؤولية ترســيخ القــراءة وتعزيزيهــا يف املجتمــع‪.‬‬ ‫نأمــل –بعــد توفيــق اهلل – أن نكــون األداة الفعالــة لتوظيــف املقــروء‪ ،‬والــذي بــدوره‬ ‫ســيخدم املجتمــع معرفي ـاً وثقافي ـاً ‪ .‬تســعى املجلــة بكامــل إمكانياتهــا يف اإلســهام يف‬ ‫بنــاء املجتمــع القــارئ‪ ،‬وذلــك مــن خــالل حتفيــز أفــراده ليكونــوا عناصــر التحــول إلــى‬ ‫حضــارة مرموقــة‪ ،‬وتاريــخ مجيــد‪.‬‬ ‫مت ّيــز هــذا العــدد مــن املجلــة بتنــوع املواضيــع واملقــاالت‪ ،‬واحملاولــة اجلــادة إلــى‬ ‫تقــدمي مــادة تليــق بقرائهــا الكــرام‪ ،‬كمــا نأمــل أن حتــوز علــى رضاهــم‪.‬‬ ‫شــكراً لــكل مــن ســاهم يف إعــداد وإخــراج هــذا العــدد‪ ،‬نســأل اهلل أن يرزقنــا‬ ‫األخــالص والقبــول ‪.‬‬

‫‪@m_saad8‬‬

‫‪4‬‬


‫‪胾跾껾䀆䀆䀆䀆񁰀 跾 껾 䀆䀆䀆䀆䀆럾菾‬‬ ‫رائــد لغــة التجديــد يف شــعرنا العربــي‬ ‫احلديــث‪ ،‬عــرف احليــاة يف أقســى ثوانيها‬ ‫مــع املــرض والعزلــة‪ ،‬و عرفهــا أيض ـاً يف‬ ‫أعظــم معانيهــا يف كل موعــد يجمعــه مــع‬ ‫صفحــات كتــاب‪ ،‬فقــط مــع صفحــات‬ ‫الكتــاب تآمــر لينقــض نســج العنكبــوت‪،‬‬ ‫فكلمــا زاده قيــد الصمــت بعــداً عــن‬ ‫النــاس تعاظــم الشــوق يف روحــه ليرمتــي‬ ‫بــن أحضــان مكتبــة والــده التــي أمطرتــه‬ ‫بوابــل مــن الرحمــات ‪.‬‬ ‫مصطفــى صــادق الرافعــي‪ ،‬الــذي‬ ‫اجتمــع يف أصلــه ومولــده وانتمائــه مــا‬ ‫تفــ َّرق يف وطننــا العربــي‪ ،‬فهــو ســوري‬ ‫األصــل‪ ،‬مصــري املولــد‪ ،‬إســالمي الوطن‪،‬‬ ‫أنكــر كل القوميــات ليعتــرف فقــط بــأن‬ ‫الوطــن هــو كل أرض يخفــق فيهــا لــواء‬ ‫اإلســالم ‪.‬‬ ‫عرفــت أســرته بطلبهــا للعلــوم‬ ‫الشــرعية و توليهــا الكثيــر مــن مناصــب‬ ‫القضــاء‪ ،‬فقــد كان والــده رئيســاً‬ ‫للمحاكــم الشــرعية يف كثيــر مــن أقاليــم‬ ‫مصــر‪ ،‬كانــت أمــه حتبــه وتؤثــره وكان‬ ‫يطيعهــا ويبرهــا‪ ،‬وظــل فقدهــا جرح ـاً ال‬ ‫يندمــل حتــى أيامــه األخيــرة‪ ،‬كان يُســند‬ ‫إليهــا الفضــل فيمــا آل إليــه أمــره ‪ .‬نــال‬ ‫الشــهادة االبتدائيــة وهــي كل مــا نــال‬

‫مــن الشــهادات الدراســية‪ ،‬انقطــع عــن‬ ‫الدراســة النظاميــة ليلتحــق مبدرســته‬ ‫بــن ظهرانــي مكتبــة والــده فلــم يتــرك‬ ‫كتابـاً طبــع أو نُشــر إال وتعاهــده بالقــراءة‬ ‫والدراســة ليســتظهر كنــوزه‪ ،‬ويســتنطق‬ ‫بواطنــه ومعانيــه‪ ،‬رســم منهجيــة القــراءة‬ ‫باختصــار عندمــا قــال‪« :‬ليكــن غرضــك‬ ‫مــن القــراءة اكتســاب قريحــة مســتقلة‪ ،‬و‬ ‫فكــر واســع‪ ،‬وملكــة تقــوى علــى االبتــكار‪،‬‬ ‫فــكل كتــاب يرمــي إلــى إحــدى هــذه‬ ‫الثــالث ‪ ،‬فاقــرأه» ‪.‬‬ ‫قــرأ لقدمــاء العــرب و املســلمن‬ ‫ومحدثيهــم‪ ،‬وحفــظ مــن ذلــك مــا يعجبــه‪،‬‬ ‫ومــا يــدل علــى ميلــه األدبــي ‪ .‬حفــظ‬ ‫القــرآن الكــرمي وجــ َّوده بأحــكام القــراءة‬ ‫وهــو يف العاشــرة مــن عمــره‪ ،‬وقــرأ ابــن‬ ‫املقفــع واجلاحــظ واألصفهانــي‪ ،‬و أُولــع‬ ‫بكتــاب املثــل الســائر البــن األثيــر‪ ،‬أكــب‬ ‫علــى مكتبــة والــده التــي كانــت جتمــع‬ ‫نــوادر كتــب الديــن واألدب والفقــه‪ ،‬و كان‬ ‫ٍ‬ ‫ســاعات ال‬ ‫يقــرأ يف اليــوم قرابــة ثمــانِ‬ ‫يـ ُّل‪ ،‬وظــل علــى حالــه تلــك حتــى‬ ‫يَـ َك ُّل وال َ َ‬ ‫آخــر يــوم يف عمــره ‪.‬‬ ‫أَل َ‬ ‫ِــف عزلــة الكتــاب حتــى وهــو بــن‬ ‫النــاس‪ ،‬فــإذا زاره زائــر يف مكتبــه وجلــس‬ ‫إليــه يجيبــه ويســتمع ملــا يقولــه ال يلبــث أن‬

‫يتنــاول كتابـاً ليقــرأه علــى محدثــه ‪.‬‬ ‫الزمــه الكتــاب يف كل مــكان‪ ،‬ففــي‬ ‫القهــوة ويف القطــار ويف الديــوان ال تــرى‬ ‫الرافعــي إال ممســكا بالكتــاب‪ ،‬قــرأ الكتب‬ ‫املنقولــة عــن االجنليزيــة والفرنســية مثــل‬ ‫كتــاب حضــارة العــرب لغوســتاف لوبــون‪،‬‬ ‫و تاريــخ التمــدن لكيــزو‪ ،‬و الســلطة‬ ‫واحلريــة لتولســتوي‪ ،‬وكتــب أخــرى‬ ‫مترجمــة كثيــرة لينتــج عــن هــذه القــراءات‬ ‫املتعــددة مجموعــة مــن املؤلفــات النثريــة‬ ‫و الشــعرية منهــا‪ ( :‬مــن وحــي القلــم ) و (‬ ‫علــى الســفود ) و ( رســائل األحــزان ) و‬ ‫( حديــث القمــر ) ‪.‬‬ ‫ازداد ولعــه بالقــراءة والكتابــة فلــم‬ ‫يعــد يطيــق صبــراً علــى فراقهمــا‪ ،‬فهــرب‬ ‫منهمــا إلــى ممارســة رياضــة املشــي‬ ‫ليريــح دماغــه الــذي أنهكــه بكثــرة القــراءة‬ ‫والكتابــة كمــا صــرح كثيــر مــن األطبــاء‬ ‫بــأن العلــل التــي أصابتــه منشــأها‬ ‫عصبــي‪ ،‬ولكنــه مــا لبــث أن عــاد إلــى‬ ‫أحضانهمــا مــرة أخــرى تــاركاً خلفــه كل‬ ‫نــداءات األطبــاء‪ ،‬فعندمــا تولــع النفــس‬ ‫بشــيء تنقــض وتنفــي يف ســبيله كل‬ ‫شــيء‪ ،‬فالكتــاب الــذي مســح علــى قلبــه‬ ‫يف أحلــك الظــروف لــن يضيــره يف نهايــة‬ ‫املشــوار ‪.‬‬ ‫نورة الفايز‬

‫‪nafayez@hotmail.com‬‬

‫‪5‬‬


‫‪跾‬‬

‫قليلــة هــي الكتــب التــي حتــدث يف‬ ‫أنفســنا انطباعــاً يــدوم لفتــرة طويلــة‪،‬‬ ‫يتلجــج يف صــدر القــارئ مــا أحدثــه هــذا‬ ‫الكتــاب‪ ،‬ويســهل التعبيــر عنــه يف حالــة‬ ‫مــن اإلشــراق واإللهــام‪.‬‬ ‫روايــة (احلــارس يف حقــل الشــوفان)‬ ‫لـــ جيــروم ديفيــد ســالينجر‪ ،‬مــن تلــك‬ ‫القائمــة التــي ســتُحدث انطباعــاً عنــد‬ ‫قارئهــا ‪.‬‬ ‫«هولــدن كولفيلــد» بطــل هــذه الروايــة‬ ‫والتــي ُمنعــت ‪-‬يف فتــرة مــا‪ -‬يف أمريــكا‬ ‫!‪ ،‬هــذا الفتــى املراهــق ال يكــف عــن‬ ‫التفكيــر فيمــا حولــه‪ ،‬اســتطاع الكاتــب‬ ‫أن يُخــرج مــا يعتمــل يف عقــل هــذا الفتــى‬ ‫اليافــع بقــدرة مبهــرة‪ ،‬ولــو كان الفتــى هــو‬ ‫احلاكــي أصالــة وحقيقــة ملــا اســتطاع أن‬ ‫يع ّبــر مبثــل هــذه القــدرة ‪.‬‬ ‫املراهقــون ينظــرون إلــى املواقــف‪،‬‬ ‫األحــداث العابــرة‪ ،‬وحتــى الكلمــات‬ ‫بشــكل مختلــف‪ ،‬يحتاجــون منــا إلــى تفهــم‬ ‫هــذه النظــرة املختلفــة وإن كانــت عابــرة‬ ‫وســتمضي ‪ .‬وقــد يكــون معهــم احلــق‬ ‫فيها ‪.‬‬ ‫ولرمبــا كان يف ذهــن املراهــق ســؤال‬ ‫ملــ ٌح دائمــا‪ ،‬كالســؤال الــذي تكــرر يف‬

‫الروايــة ثــالث أو أربــع مــرات‪ :‬أيــن يذهــب‬ ‫البــط عندمــا تتجمــد البحيــرة ؟ قــد يكون‬ ‫منطقيـاً أو غبيـاً أو ذكيـاً أو ســاذجاً‪ ،‬لكنــه‬ ‫ســؤال يُلح وحســب ‪.‬‬ ‫ويقــوم ســياق الروايــة علــى الزيــف‪،‬‬ ‫هــل نحــن مزيفــون؟ هــل مــا نُظهــره هــو‬ ‫غيــر احلقيقــة التــي نُخفيهــا بيننــا وبــن‬ ‫أنفســنا‪ ،‬تكــررت مظاهــر الزيــف يف‬ ‫الروايــة مــرات عــدة‪ ،‬وســيلحظها القــارئ‪،‬‬ ‫منهــا‪« :‬إذا كنــت أمقــت كلمــة فهــي كلمــة‬ ‫عظيــم‪ ،‬إنهــا كلمــة مزيفــة جــداً» نفخــم‬ ‫بعضنــا بألقــاب حتكــي انتفاخــة الهــر !‬ ‫نفخــم أنفســنا بشــكل يقــزز منــا اآلخريــن‬ ‫َش ـ ُعرنا بذلــك أو لــم نشــعر ‪.‬‬ ‫ومنهــا‪« :‬عندمــا ســألَتْ ُه ســالي عــن‬ ‫رأيــه يف املســرحية‪ ،‬كان أحــد أولئــك‬ ‫يوســعون الفــراغ الــذي‬ ‫املزيفــن الذيــن ّ‬ ‫حولهــم حــن يــر ّدون علــى ســؤال ُوجــه‬ ‫إليهــم»‪ ،‬تخ ّيــ ُل هــذه احلالــة يف ذهنــك‬ ‫يكفــي عــن شــرحها ‪ .‬قــد يكمــن فصــل‬ ‫اخلطــاب هنــا بــن الثقــة والغــرور ‪.‬‬ ‫إن أحــداث الروايــة كلهــا جــرت يف يــوم‬ ‫واحــد فقــط‪ ،‬كمــا يفعــل دان بــراون يف‬ ‫بعــض رواياتــه ‪ .‬وهــي قــدرة مهولــة علــى‬ ‫خلــق كل هــذه الثرثــرة مــن الصبــاح إلــى‬

‫املســاء‪ ،‬لرمبــا لــم يســتوعب الوقــت ذلــك‪،‬‬ ‫لكــن اخليــال يتدخــل منحــازاً إلجنــاز‬ ‫الفكــرة ! ‪.‬‬ ‫ويف الروايــة جـ ٌو مــن الطفوليــة واملــرح‬ ‫والبســاطة ‪ .‬وكأن غــرض الروايــة العــام‬ ‫هــو الدعــوة إلــى العزلــة‪ ،‬وهــو مــا فعلــه‬ ‫املؤلــف الحق ـاً ! ‪.‬‬ ‫اقتباسات أعجبتني‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫« أنــا إنســان شــديد اجلهــل ولكننــي أقــرأ‬ ‫كثيــراً » ‪.‬‬ ‫« إن الكتــب التــي تثيــر اهتمامــي بالفعــل‬ ‫هــي تلــك التــي عندمــا أنتهــي مــن قراءتهــا‬ ‫أرغــب يف أن يكــون املؤلــف صديقــا عزيزاً‬ ‫لــي وأســتطيع أن أخابــره بالتليفــون يف أي‬ ‫وقــت شــئت» ‪.‬‬ ‫« النــاس دائمــا يصفقــون لألشــياء التــي‬ ‫ال قيمــة لهــا» ‪.‬‬ ‫أي أن أقــول‬ ‫«هــذا شــيءٌ يقلقنــي ‪ْ .‬‬ ‫لشــخص مــا إنني ســعيد بلقائه‪ ،‬بينمــا‬ ‫أنــا لست ســعيداً بذلــك علــى اإلطــالق ‪.‬‬ ‫ولكــن ال بــد مــن قــول هــذه األشــياء حتــى‬ ‫تســتطيع أن تواصــل احليــاة» ‪. .‬‬

‫هشام سعد‬ ‫‪dr.heshamm@gmail.com‬‬

‫‪6‬‬


‫‪胾 菾‬‬

‫‪ôÏÏÏÏÏÏÏó€‬‬ ‫بربطــة عنــق وأربــع عيــون ومعطــف‪،‬‬ ‫يخــرج مــن بيتــه قاصــداً مكتبــة مــا‪ ،‬يقــف‬ ‫أمــام الــرف ويتصفــح الكتــاب مائــ ً‬ ‫ال‬ ‫بصفحاتــه يين ـاً وشــماالً‪ ،‬تتلفــت حدقــة‬ ‫العــن ين ـ ًة ويســر ًة‪ ،‬وبخفــة يــد وضميــر‬ ‫مكمــم بحجــة أن «ســرقة العلــم فضيلــة»‬ ‫يختفــي الكتــاب يف ملــح البصــر‪ ،‬يخبئــه‬ ‫الســيد القــارئ يف معطفــه أو أمكنــة مــن‬ ‫جســده ويغــادر بهــدوء كمــن لــم تعجبــه‬ ‫البضاعــة ‪.‬‬ ‫تكــون الســرقة لــدى القــراء العاديــن‬ ‫ولكنهــا تشــتهر بكونهــا «ظاهــرة» بــن‬ ‫األدبــاء واملثقفــن‪ ،‬ظاهــرة حتولــت عنــد‬ ‫الكثيريــن إلــى عــادة ال يُتــاب منهــا وال‬ ‫يُســتتاب ‪ .‬بــل هــي تــكاد تكــون أقــرب‬ ‫حلالــة َمرضيــة صعبــة العــالج‪ ،‬وتظــل‬ ‫تالزمــه أينمــا وجــد ووجــدت قبالتــه‬ ‫مكتبــة‪ ،‬يســيل لعابــه وتتحــرك داخلــه‬ ‫رغبــات غامضــة جتعــل كل اخلاليــا‬ ‫احلســية تتأهــب لالنتبــاه وتتشــجع‬ ‫للســطو علــى الكتــاب املطلــوب ‪.‬‬ ‫تعد معارض الكتاب لألدباء اللصوص‬ ‫وليمــة عامــرة يف الهــواء الطلــق‪ ،‬ومــن‬ ‫أشــهر الســاحات التــي تشــهد ســرقات‬ ‫الكتــب شــارع املتنبــي املشــهور يف بغــداد‪،‬‬ ‫فهــو فضــاء غيــر محــدود ملمارســة هــذه‬ ‫«الهوايــة»‪ .‬وال يجــد بعــض األدبــاء أي‬ ‫حــرج يف االعتــراف بأنهــم ســرقوا كتاب ـاً‬ ‫أو أكثــر ذات يــوم‪ ،‬بــل ويشــددون علــى أن‬ ‫مــا يقومــون بــه ليــس «الســرقة» مبعناهــا‬ ‫البشــع املَقيــت‪ ،‬ولكنهــا «اســتعارة» لكتــاب‬ ‫لــم يجــدوه‪ ،‬أو أنهــم عجــزوا عــن شــرائه‪،‬‬ ‫ومــا قادهــم لفعــل مــا فعلــوه إال حــب‬

‫العلــم والتــوق إليــه ‪.‬‬ ‫تاريــخ األدبــاء عامــر بالســرقات ويف‬ ‫حــن يتكتــم بعضهــم فــإن آخريــن ال‬ ‫يجدونهــا جريــرة أو مرضـاً ويؤمنــون بــأن‬ ‫جميــع األدبــاء مارســوا هــذا النــوع مــن‬ ‫اجلنــون مبــا فيهــم ماركيــز وتولســتوي‬ ‫العظيمــان‪ ،‬وأنهــا ظاهــرة عامليــة لــم ين ـ ُج‬ ‫منهــا أحــد‪ ،‬وإن ا َّدعــى أحــد غيــر ذلــك‬ ‫فهــو يســتحي أن يبــوح بالفكــرة وحســب ‪.‬‬ ‫ولــم تتوقــف هــذه الظاهــرة علــى‬ ‫األدبــاء بــل وطالــت األديبــات أيضـاً‪ ،‬تقول‬ ‫إحــدى األديبــات العربيــات‪ « :‬رغــم كــون‬ ‫الظاهــرة غيــر مســتحبة‪ ،‬فمــا اكتشــفته‬ ‫أن ســراق الكتــب هــم األدبــاء بالــذات‪،‬‬ ‫فالقــارئ العــادي ال يســرق»‪ ،‬وتبــرر‪:‬‬ ‫«واألديــب األريــب يجــد ٌفتيــة لتشــريع مــا‬ ‫يقــوم بــه » ‪.‬‬ ‫ولألدبــاء طرقهــم اخلاصــة يف كل‬ ‫شــيء‪ ،‬ويف الســرقة أيض ـاً‪ .‬يعتــرف أحــد‬ ‫النقــاد بأنــه كان يلــك معطفــاً يرتديــه‬ ‫خصيصــاً لعمليــة الســرقة إذ يخبــئ‬ ‫الكتــاب يف جيــب داخــل بطانــة املعطــف‬ ‫ولــم يُكشــف قــط‪ ،‬ويع ّقــب‪« :‬هــذه أســرار‬ ‫مهنــة» ‪.‬‬ ‫كان املعطف رمبا احلاضنة ملرجعيتهم‬ ‫الثقافيــة‪ ،‬ورمبــا كانــت لــه فضيلــة كبــرى‬ ‫بفتــح آفــاق معرفيــة مهمــة لهــم ‪ .‬وهــم‬ ‫ال يــرون ســرقة الكتــب علــى أنهــا جريــة‬ ‫بقــدر كونهــا مفتاحــاً لبــاب احلماســة‬ ‫للقــراءة يف بلــدان يكــون فيهــا املثقفــون‬ ‫عــادة مــن شــرائح اجتماعيــة فقيــرة‪،‬‬ ‫ويستشــهدون مبقولــة شــهيرة لبرنــارد‬ ‫شــو‪« :‬غبــي مــن يعيــر كتابـاً واألغبــى مــن‬

‫يســتعير كتابــاً ويعيــده» ‪.‬‬ ‫ويشــيرون إلــى أن هــذه الســرقة‬ ‫مشــروعة وذات فضيلــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن‬ ‫ـــس‬ ‫أنهــا ال يكــن أن تبــرر إال بــأن يٌ َ‬ ‫ـح ّ‬ ‫مبقــدار الشــغف واحلــب للعلــم ‪ .‬يقــول‬ ‫الناقــد العربــي خضيــر الزيــدي‪« :‬أنــا‬ ‫أســميها اجلريــة األخالقيــة الكبــرى‬ ‫ذات الفضيلــة الوحيــدة» ‪.‬‬ ‫بعــض اللصــوص «األوفيــاء» يؤكــدون‬ ‫أنهــم وبعــد ســرقة الكتــاب فإنهــم ال‬ ‫يكتبــون فوقــه وال يضيفــون وال يتلفــون‬ ‫بــل يحرصــون علــى إعادتــه ملكانــه كمــا‬ ‫وجــدوه‪ .‬صاحــب املعطــف ســالف الذكــر‬ ‫أيض ـاً أكــد أنــه يعيــد الكتــاب بالطريقــة‬ ‫نفســها التــي يســرق بهــا‪ ،‬وقــد اســتمرت‬ ‫هــذه العمليــة خمــس ســنوات ‪.‬‬ ‫حجــة أخيــرة لألدبــاء اللصــوص‬ ‫هــي أن ســرقة الكتــب فكــرة ثقافيــة‬ ‫وليســت جانبـاً اجتماعيـاً يخضــع مرتكبــه‬ ‫للمســاءلة‪ ،‬فاألديــب عندمــا يســرق ال‬ ‫ينتصــر لنفســه ولكنــه ينتصــر للكتــاب ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يكتــف األدبــاءُ مــن غنائــم املكتبــات‬ ‫وال‬ ‫العامــة أو معــارض الكتــاب بــل يصافحون‬ ‫رفــوف مكتبــات بيــوت األصدقــاء التــي‬ ‫يدخلونهــا زائريــن أيضـاً ‪ .‬وقــد فطن كثير‬ ‫مــن أصحــاب الكتــب واملكتبــات العامــرة‬ ‫وجعلــوا ملكتباتهــم أبوابــاً وأقفــاالً‪ ،‬وعــ ّز‬ ‫عليهــم أن يتركوهــا يف غرفــة الضيــوف أو‬ ‫مــكان قريــب منهــا بــل ـ وكمــا هــو احلــال‬ ‫يف بيتنــا ـ ُجعلــت املكتبــة يف غرفــة يفصــل‬ ‫بينهــا وبــن غرفــة الضيــوف ثــالث غـ ٍ‬ ‫ـرف‬ ‫وبابــان ‪.‬‬ ‫نسرين إسماعيل‬ ‫‪@nisreanismael‬‬

‫‪7‬‬


‫تشــكل معــارض الكتــب مواســ َم ‪ .١‬أمازون‪:‬‬ ‫اســتثنائية للقــراء‪ ،‬يحصلــون فيهــا علــى‬ ‫بغيتهــم ممــا ال يتوفــر يف دور النشــر‬ ‫واملكتبــات احملليــة‪ ،‬لكــن املعــارض‬ ‫محــدودة بزمــن قصيــر وقــد اليســتطيع‬ ‫املــرء شــراء كل مــا يريــد منهــا أو يصعــب‬ ‫عليــه حضورهــا لســبب أو آلخــر‪ ،‬إال أن‬ ‫(مواقــع) بيــع الكتــب تشــكل معــارض‬ ‫دائمــة علــى االنترنــت يطلــب منهــا‬ ‫القــارئ مــا يشــاء يف أي وقــت ويصلــه‬ ‫الكتــاب إلــى بــاب منزلــه أو شاشــة جهــازه‬ ‫بطريقــة مشــروعة وقانونيــة‪ ،‬ومــع أن‬ ‫كثيــراً مــن هــذه الكتــب يتوفــر لهــا نســخ‬ ‫إلكترونيــة مجانيــة (وأخــص بالذكــر‪:‬‬ ‫الكتــب العربيــة) إال أن حتميــل هــذه‬ ‫جتــن علــى حقــوق‬ ‫النســخ مجانــاً فيــه‬ ‫ٍّ‬ ‫الكاتــب أو دار النشــر إذا لــم يأذنــا بذلــك‪،‬‬ ‫كمــا أن للكتــاب الورقــي حميميــة خاصــة‬ ‫ال تُضاهــى‪ ،‬ويف هــذا املقــال عــرض‬ ‫لبعــض مواقــع بيــع الكتــب التــي تعاملــت‬ ‫معهــا مــع ذكــر بعــض مميزاتهــا وعيوبهــا‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫ال يحلــو احلديــث عــن مواقــع بيــع‬ ‫الكتــب دون البــدء بأشــهرها (أمــازون)‬ ‫الــذي متتلــئ رفوفــه مباليــن العناويــن‪،‬‬ ‫وممــا جتــدر اإلشــارة إليــه أن الكتــب‬ ‫كانــت البضاعــة األولــى ألمــازون قبــل أن‬ ‫يشــرع يف بيــع شــتى الســلع! وإذا كنــت‬ ‫مــن هــواة القــراءة باللغــة االجنليزيــة‬ ‫فســتجد فيــه بغيتــك وأكثــر‪.‬‬ ‫يقــدم أمــازون الكتــب بخياراتهــا‬ ‫املتعــددة‪ :‬ورقيــة‪ ،‬أو إلكترونيــة عبــر‬ ‫أجهــزة كينــدل‪ ،‬أو صوتيــة عبــر‬ ‫تطبيــق ‪ ، audiobook‬بإمــكان القــارئ‬ ‫حتميــل الكتــب اإللكترونيــة والصوتيــة‬ ‫يف جهــازه فــوراً يف أي مــكان يف العالــم‬ ‫مبجــرد الشــراء‪ ،‬أمــا الورقيــة فســعرها‬ ‫يف أمــازون زهيــد لكــن تكلفــة شــحنها‬ ‫للــدول العربيــة مرتفعــة وتصــل أحيانــاً‬ ‫ألضعــاف ســعر الكتــاب نفســه‪.‬‬ ‫يتميــز موقــع أمــازون بعــرض مراجعات‬ ‫وافيــة ودقيقــة مــن القــراء حــول الكتــاب‪،‬‬

‫فتجــد مثــ ً‬ ‫ال مــن يناقــش أفــكار الكاتــب‬ ‫وطرحــه ولغتــه أو مــن يبــدي رأيــه يف‬ ‫األمــور الفنيــة مثــل أســلوب القــراءة‬ ‫يف الكتــاب الصوتــي أو مســتوى طباعــة‬ ‫الكتــاب الورقــي وتغليفــه‪ ،‬ممــا يســاعد‬ ‫يف قــرار الشــراء ويدفــع للمنافســة‬ ‫واجلــودة ‪ .‬يقــدم املوقــع قوائــم متعــددة‬ ‫للكتب بحســب تصويــت القــراء عليهــا‬ ‫مثــل‪ :‬أفضــل الكتــب عــام ‪ ،٢٠١٤‬أفضــل‬ ‫كتــب شــهر نوفمبــر‪ ،‬أفضــل مئــة كتــاب‬ ‫لألطفــال‪ ،‬وغيرهــا مــن التصنيفــات التــي‬ ‫تثــري املوقــع‪ ،‬ومــع أن أمــازون اليخــدم‬ ‫املكتبــة العربيــة إال بشــكل ضئيــل ال‬ ‫يــكاد يُذكــر إال أن لــه فضــ ً‬ ‫ال يف بــروز‬ ‫نظائــر عربيــة ســيأتي ذكرهــا ونتمنــى أن‬ ‫تنافســه وتتفــوق عليــه يف كل مــا يقــدم‬ ‫مــن خدمــات للقــراء وعلــى رأســها‪:‬‬ ‫الكتــب الصوتيــة‪.‬‬


‫‪ .٢‬نيل وفرات‪:‬‬ ‫موقــع لبنانــي يعــد مــن أقــدم املواقــع‬ ‫العربيــة وأضخمهــا‪ ،‬نشــأ يف أحضــان الــدار‬ ‫العربيــة للعلــوم عــام ‪١٩٩٨‬م وتطــور ليض ـ ّم‬ ‫اليــوم أكثــر مــن أربعمائــة ألــف عنــوان مــن‬ ‫دور نشــر مختلفــة يف لبنــان وســوريا ومصــر‬ ‫واألردن والســعودية ‪.‬‬ ‫ميزة املوقع أنك جتد فيه من الكتب ما‬ ‫ال جتده يف غيره من املواقع وال يف املكتبات‬ ‫احملليــة أو حتــى معــارض الكتــب‪ ،‬ويوفــر‬ ‫بعــض الكتب بصيغــة إلكترونية باإلضافــة‬ ‫لأللبومــات الصوتيــة واملرئيــة‪ .‬واملوقــع‬ ‫منظــم جــداً‪ ،‬إذ يســتعرض كتــب املؤلــف أو‬ ‫املوضــوع بحســب تاريــخ النشــر أو الســعر‬ ‫أو مســتوى الشــعبية‪ ،‬ويتــم حتديــث حالــة‬ ‫الطلــب بدقــة وإعــالم املشــتري بتطوراتــه‬ ‫مثــل تاريــخ الشــحن ورقــم التتبــع أو عــدم‬ ‫تو ّفــر الكتــاب الســتبداله ‪.‬‬ ‫يعيــب املوقــع ارتفــاع أســعار الشــحن‬ ‫الــذي يتــم عبــر البريــد املضمــون أو‬ ‫شــركة ‪ ،DHL‬وينبغــي تفحــص الســعر بــكال‬ ‫الطريقتــن قبــل الشــراء إذ تكــون إحداهمــا‬ ‫أقــل ســعراً مــن األخــرى بفــارق كبيــر‪،‬‬ ‫ويســتغرق توفيــر بعــض الكتب مــن دور‬ ‫النشــر أوقاتــا متفاوتــة‪ ،‬أمــا فتــرة وصــول‬ ‫الكتــاب بعــد شــحنه فتتــراوح بــن أســبوع و‬ ‫عشــرة أيــام تقريبــاً ‪.‬‬

‫‪ .٣‬جملون‪:‬‬ ‫موقــع أردنــي يضــم أكثــر مــن تســعة‬ ‫ماليــن كتــاب‪ ،‬ييــز املوقــع خدمــة احملادثــة‬ ‫الســريعة مــع املوظفــن فيــه لالستفســار‪،‬‬ ‫ورســائل البريــد اإللكترونــي التــي تطلــع‬ ‫املشــترك علــى جديــد الكتــب وأهــم‬ ‫إصــدارات دور النشــر وأفضــل الكتــب مبيعاً‬ ‫لــكل شــهر‪ ،‬وييــزه أيضـاً انخفــاض أســعار‬ ‫الكتــب والعــروض اليوميــة التــي تصــل إلــى‬ ‫‪ ٪٧٠‬أحيانــاً‪ ،‬باإلضافــة خليارات الدفــع‬ ‫املتنوعــة‪ :‬بالبطاقــة االئتمانيــة أو عــن طريق‬ ‫البــاي بــال أو الدفــع نقــداً عنــد التوصيــل‬ ‫برســم إضــايف أو النقــاط التــي تتكــون يف‬ ‫رصيــد املشــتري جــراء شــرائه مببلــغ مرتفــع‬ ‫أو دعــوة صديــق أو تدويــن مراجعــة كتــاب ‪.‬‬ ‫أمــا عيــوب املوقــع فتتلخص يف أنه ال يحوي‬ ‫بعــض العناويــن التخصصيــة أو النــادرة‬ ‫أحيان ـاً مــع أن عــدد الكتــب فيــه كبيــر جــداً‬

‫بينمــا يوفرهــا موقــع نيــل وفــرات‪ ،‬كذلــك بوكتشــينو املميــزة واجلذابــة‪ :‬شــريط‬ ‫ضعــف متابعــة الطلبــات وحتديــث بياناتهــا‪ ،‬حريــري أخضــر فاقــع لونــه يســر الناظريــن!‬ ‫فتجــد حالــة الطلــب يف املوقــع ال تفيــد بــأي‬ ‫تطــورات واحلقيقــة أن الكتــاب مت شــحنه ‪ .٥‬لولو ‪:Lulu‬‬ ‫وهــو يف طريقــه إليــك‪ ،‬وقــد يحصــل تأخــر‬ ‫موقــع أمريكــي يوفــر خدمــة الطبــع عنــد‬ ‫شــديد يف توفيــر الكتــب مــن بعــض دور الطلــب أو النشــر احلــر الــذي ال يشــترط‬ ‫النشــر لكــن حــن يتــم شــحنها تصــل يف أقــل إذن وزارات اإلعــالم‪ ،‬ينشــر املوقــع الكتــب‬ ‫مــن أســبوع ومعهــا فواصــل جميلــة جــداً الورقيــة واإللكترونيــة‪ ،‬ويخــدم ال ُكتّــاب‬ ‫وعمليــة ‪.‬‬ ‫الناشــئن الذيــن اليلكــون ميزانيــات‬ ‫ممــا يلفــت النظــر يف (جملــون) و (نيــل للطباعــة والتدعمهــم دور النشــر‪ ،‬يُطبــع‬ ‫وفــرات) عــدم وجــود مراجعــات كافيــة الكتــاب بعــد الطلــب ثــم يرســله للمشــتري‬ ‫للكتــب مــن قبــل القــراء الذيــن اشــتروها ويكــون للكاتــب نســبة مــن األربــاح‪ ،‬يلجــأ‬ ‫وقرؤوها‪ ،‬مــع أن جملــون خاصــة يشــجع لهــذا املوقــع غالبــاً كتــاب املدونــات الذيــن‬ ‫عليهــا ويكافــئ بنقــاط يكــن شــراء كتــب يجمعــون مقاالتهــم يف كتــب‪ ،‬ويختلــف ســعر‬ ‫جديــدة بهــا‪ ،‬والعتــب علينــا نحــن القــراء إذ الشــحن ومدتــه بحســب نوعــه‪ ،‬اجلديــر‬ ‫ينبغــي أن نثــري احملتــوى العربــي وال نكتفــي بالذكــر أن قلّــة مــن الكتــاب العــرب بــدؤوا‬ ‫باالســتهالك فقــط ‪.‬‬ ‫ولــوج عالــم النشــر بهــذه الطريقــة ومنهــم‬ ‫املــدون املصــري الشــهير رؤوف شــبايك‬ ‫أردت‬ ‫ـت علــى موقــع لولــو حــن‬ ‫‪ .٤‬بوكتشينو‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الــذي تعرفـ ُ‬ ‫مشــروع ســعودي يرمــز اســمه لثنائيــة شــراء كتابــه (شــاحن األمــل) وصــل الكتــاب‬ ‫القــراء الشــهيرة‪:‬الكتاب والقهــوة (مت بعــد طباعتــه عبــر البريــد الســعودي خــالل‬ ‫افتتــاح املقهــى مؤخــراً)‪ ،‬يوفــر املشــروع ثالثــة أســابيع ‪.‬‬ ‫الكتــب اخلفيفــة والســهلة بأســعار معقولــة‬ ‫بهــدف التشــجيع علــى القــراءة فهــو يهــدف ‪:Book Depository .٦‬‬ ‫يوفــر هــذا املوقــع الكتــب اإلجنليزيــة‬ ‫لـــ “املســاهمة يف نشــر ثقافــة القــراءة يف‬ ‫املجتمــع” ويقــول القائمــون عليــه “نحــن بخيــارات متعــددة وأســعار زهيــدة ويشــحنها‬ ‫النســ ّوق لكتــاب بقــدر مانســ ّوق للقــراءة” مجان ـاً ملعظــم دول العالــم واخلليــج العربــي‬ ‫يهــدف جلــذب القــراء‪ ،‬ثــم إذا اعتــاد القــارئ وهــذا مــا ييــزه عــن أمــازون‪ ،‬لكــن املوقــع‬ ‫علــى القــراءة وألفهــا انطلــق وتعمــق يف أي اليــزودك برقــم تتبــع للشــحنة وجتربتــي‬ ‫دروب املعرفــة شــاء‪ ،‬ولذلــك ال يســتغرب معــه ُمنيــت بالفشــل حيــث كان االســم‬ ‫القــارئ حــن يجــد عناويــن الكتــب يف الطلــب يختلــف عــن اســم صاحــب‬ ‫محــدودة نوعــا ما وليســت كالتــي يجدهــا صنــدوق البريــد ومــع عــدم توفــر (رقــم تتبــع‬ ‫عنــد نيــل وفــرات أو جملــون مث ـ ً‬ ‫ال ألن لــكل للشــحنة) تســبب هــذا اخلطــأ يف ضيــاع‬ ‫الكتــاب ولــم أحصــل عليــه‪ ،‬ولعلــي أتالفــى‬ ‫موقــع هدفــا مختلفــاً ‪.‬‬ ‫يوفــر بوكتشــينو اكسســوارات للقــراءة هــذا مســتقب ً‬ ‫ال بــإذن اهلل ‪.‬‬ ‫وأكواب ـاً منقوشــة بعبــارات جميلــة‪ ،‬ويكــن‬ ‫كانــت هــذه جولــة مــع بعــض مواقــع بيــع‬ ‫الطلــب عــن طريــق املوقــع الــذي يوفــر‬ ‫خدمــة احملادثــة الســريعة مــع املوظفــن‪ ،‬الكتــب‪ ،‬ويوجــد العشــرات غيرهــا بيــد أن‬ ‫أو عبــر حســاباته يف تويتــر برســالة خاصــة هــذا املقــال اقتصــر علــى تلــك التــي تعاملــت‬ ‫يوضــح فيهــا اســم الكتــاب املطلــوب وعنوان معهــا شــخصياً واســتفدت منهــا يف اقتنــاء‬ ‫العميل وبعــد اســتالم التحويــل املصــريف كتــب لــم أجدهــا يف متنــاول يــدي ولعلــي‬ ‫لثمــن الكتــاب مــع ســعر شــحنه يصــل الطلب أجــرؤ علــى القــول بتفــاؤل وثقــة‪ :‬إن الكتــاب‬ ‫يف مــدة وجيــزة ال تتجــاوز يومــن يف العــادة جنــح يف جعــل التقنيــة تخدمــه وتس ـ ّوق لــه‬ ‫(ملــدن اململكــة العربيــة الســعودية) مــع بــدالً مــن أن تســحب البســاط مــن حتتــه !‬ ‫إمكانيــة الشــحن للخارج‪ ،‬تأتــي مــع الطلــب‬ ‫فواصــل جميلــة وتُغلــف الكتــب ببصمــة‬ ‫ليلى العصيلي‬ ‫‪@SSDanahSS‬‬

‫‪9‬‬


‫وقــف أحدهــم مبحطــة القطــار ونظــر‬ ‫لرجــل يقــف بجانبــه ثــم ســأله‪:‬‬ ‫الى أين أنت ذاهب؟‬ ‫ر َّد الرجل‪:‬‬ ‫إلى القطار‪.‬‬ ‫أقصد ماهي وجهتك؟‬ ‫القطار !‬ ‫أعني هدفك‪.‬‬ ‫هديف هو أن أركب القطار!‬ ‫هــذا مضحــك وغيــر منطقــي أليــس‬ ‫كذلــك؟ حســناً هــذا مــا يفعلــه الكثيــر منــا‬ ‫ولكــن بطــرق مختلفــة قلي ـ ً‬ ‫ال‪ ،‬أذكــر أنــي‬ ‫ذات يــوم حضــرت دورة بعنــوان (ملــاذا‬ ‫نقــرأ؟) لقارئــة يُعــرف عنهــا أنهــا قارئــة‬ ‫نهمــة! وكان اجلــواب الوحيــد املطــروح يف‬ ‫نهايــة الــدورة هــو‪( :‬لنصبــح مؤلفــن!)‪،‬‬ ‫حســناً ملــاذا نؤلــف ؟‬ ‫كثيــراً مايخلــط البعــض بــن الغايــة‬

‫والوســيلة‪ ،‬فحــن نقيــم النــوادي‬ ‫والــدورات والنــدوات التــي حتــث علــى‬ ‫القــراءة‪ ،‬أو حتــى التأليــف‪ ،‬فهــذا ال يعنــي‬ ‫أنهــا هــدف ولكــن وســيلة ممتــازة لتحقيــق‬ ‫الهــدف‪.‬‬ ‫ســر ابتــداء‬ ‫ألــم تتســاءل يومــاً عــن ِ ّ‬ ‫بعثــة الرســول عليــه الصــالة والســالم‬ ‫باألمــر بالقــراءة وهــو مالــم يتكــرر بعــد‬ ‫ذلــك ؟‬ ‫ف ّكــر يف األمــر وســتجد أن القــراءة‬ ‫هــي ســالحك وزادك للوصــول إلــى‬ ‫أهدافــك أ ّيـاً كانــت‪ ،‬وكلمــا عظمــت الغايــة‬ ‫كلمــا احتجنــا لـ ٍ‬ ‫ـزاد أكبــر بالتأكيــد‪ ،‬ولكــن‬ ‫مــن غيــر املجــدي أن تضــل تتــزود طيلــة‬ ‫حياتــك دون أن تنطلــق ألي هــدف !‬ ‫دخــل رجــل مــع زوجتــه إلــى إحــدى‬ ‫املطاعــم وأثنــاء فتــرة االنتظــار كان‬ ‫الرجــل منهمــكاً بالقــراءة حينهــا قــال‬

‫النــادل لزوجتــه‪« :‬زوجــك يقــرأ كثيــراً‪،‬‬ ‫وســيصبح يوم ـاً مــا رئيس ـاً ألمريــكا !»!!!‬ ‫هــذه الزوجــة يف القصــة هــي «هيالري‬ ‫كلينتــون» الزوجــة الســابقة للرئيــس‬ ‫األميريكــي الســابق «بيــل كلينتــون» !‬ ‫ويف زمــن االســتعباد كان الســود يف‬ ‫أميــركا ممنوعــن مــن تعلــم القــراءة‪ ،‬ومــن‬ ‫يرتكــب جريــة كهــذه فليــس لــه جــزاء‬ ‫ســوى املــوت‪ ،‬ألن عبــداً يقــرأ ‪-‬بزعمهــم‪-‬‬ ‫ســيطلع علــى حقوقــه وســيملك القــدرة‬ ‫الكافيــة ليحــاور ويناقــش ويطالــب ومــن‬ ‫ثــم يَغلــب !‬ ‫مــا أردت قولــه هنــا هــو أن القــراءة‬ ‫والكتابــة ليســت غايــات كمــا هــو شــائع‬ ‫بــن الشــباب هــذه األيــام‪ ،‬ولكــن هــي‬ ‫وســائل مهمــة لنشــر الوعــي واملعرفــة‬ ‫وبالتالــي هــي الســبيل حلريــة الشــعوب‬ ‫ونهوضهــا‪.‬‬

‫مليس العمري‬ ‫‪ima40@hotmail.com‬‬

‫‪10‬‬


‫كتــب التوحيــدي كتابــه «الصداقــة‬ ‫والصديــق» بعــد معانــاة مــع النــاس‪ ،‬وكان‬ ‫ميلــه للحــث علــى العزلــة والتــرك يف‬ ‫كتابــه الــذي جمــع فيــه أدبيــات الصداقــة‬ ‫وصفــات الصديــق ونقائــض ذلــك أيضــا‬ ‫دليــ ً‬ ‫ال علــى تعبــه مــن هــذه املســألة‪،‬‬ ‫وكان حتريضــه علــى العزلــة ونقلــه عــن‬ ‫الكثيريــن ممــن اختاروهــا بــدالً عــن‬ ‫خلطــة النــاس هــو النبــرة الطاغيــة علــى‬ ‫حروفــه عبــر صفحــات كتابــه‪ .‬مــن هنــا‪،‬‬ ‫ومــن بعــد أن طويــت صفحــات الكتــاب‬ ‫وانتهيــت مــن قراءتــه‪ ،‬طــاف ببالــي‬ ‫عالقــة األمــر بالقــراءة والكتــب والقــراء‬ ‫وال ُك ّتــاب وممارســاتهم‪ ،‬فلــم تــزل الكتابــة‬ ‫والكتــب وقراءتهــا باعثـاً علــى العزلــة عــن‬ ‫النــاس‪ ،‬الســيما يف بدايــات اختيارهــم‬ ‫لهــذا الطريــق‪ ،‬ثــم ال يلبــث القــارئ منهــم‬ ‫إال أن يختــار التقــرب قليــ ً‬ ‫ال وبحــذر‬ ‫شــديد مــن أبنــاء جنســه البشــر‪ ،‬فيختــار‬ ‫منهــم مــن يوافــق ميولــه وكتبــه وقراءاتــه‬ ‫وعالقتــه الفريــدة مــع الكتــب‪ .‬ولألدبــاء‬ ‫واملفكريــن قــول عريــض يف هــذا األمــر‬ ‫يتمثــل ذلــك يف مــدح الشــعراء مجالســة‬ ‫الكتــاب‪ ،‬وإعالئهــم ملكانــة املطالعــة يف‬ ‫ســيرة األولــن الســيما الصاحلــن الذيــن‬ ‫هــم كالنجــوم يف الســماء يقتــدي بهــم مــن‬ ‫خلفهــم‪ .‬وعالقــة الكتــب بالكاتــب والقارئ‬ ‫تبــدو كنهــر جــار يبــدأ أولــه عنــد أول‬ ‫كتــاب يجــرك كقــارئ إلــى عاملــه‪ ،‬وال يقــف‬ ‫هــذا النهــر إال عنــد مصبــه‪ ،‬حيــث يتدفــق‬

‫شــالل احلكمــة والرغبــة يف التعبيــر عــن واألقــالم‪ ،‬وتكويــن األســرة يعنــي أن تبــث‬ ‫الــرأي‪ ،‬كأن القــارئ تتلبســه روح الكاتــب يف أفرادهــا روح القلــم والعلــم والعمــل‪،‬‬ ‫شــيئا فشــيئا حتــى تتمكــن منــه‪ ،‬كالســحر وإال فهــي وبــال علــى نفســها ومجتمعهــا‪.‬‬ ‫يســري يف اجلســد فــال متلــك الــروح إال‬ ‫ً‬ ‫حســنا‪ ،‬الكتــاب والقلــم‪ ،‬والصداقــة‪،‬‬ ‫أن تذعــن لــه‪ ،‬وحقيقــة األمــر أننــي ال‬ ‫أجــرؤ علــى التعميــم‪ ،‬لكننــي مقتنــع بــأن رأينــا أثرهــا وتكاملهــا‪ ،‬مــاذا عــن جوهــر‬ ‫كل قــارئ البــد وأن ينتهــي إلــى كاتــب‪ ،‬ومــا األمــر كلــه؟ مــاذا عــن ذلــك الظلــوم‬ ‫مــن شــيء يحــدث إال بــإذن اهلل ســبحانه‪ .‬اجلهــول؟ ذاك الــذي حمــل األمانــة عندما‬ ‫فمــن هنــا كانــت الوصيــة لــكل كاتــب أال أشــفق منهــا اآلخــرون‪ .‬اإلنســان‪ ،‬محــور‬ ‫ينقطــع عــن مالحقــة الكتــب والســطور الكــون والــذي ســخر اهلل لــه كل مــا فوقهــا‬ ‫حتــى يجلــو عقلــه وتنبــت أفــكاره مــن كل وحتتهــا‪ ،‬جميعـاً‪ .‬مــاذا عنــه؟ يحكــى عنــه‬ ‫الكثيــر‪ ،‬لكننــي أكتفــي مبشــهد واحــد‪،‬‬ ‫زوج بهيــج‪.‬‬ ‫صــورة إنســان كاتــب بــن كتبــه وقلمــه‬ ‫وقريــب مــن هــذا القــول‪ ،‬أعني صداقة يف يــده‪ ،‬عينــاه تتراقــص فــوق صفحــات‬ ‫الكتــب والكتــاب والقــراءة والكتابــة‪ ،‬ال الكتــاب بــن الســطور لتــروي شــغفاً مــا‬ ‫أنســى رفيقهــم األثيــر‪ ،‬ومصــدر عطرهــم يف القلــب‪ ،‬وعقلــه يبحــث عــن ألفــاظ‬ ‫الشــذي الــذي يفــوح عبقــه مــن كل كتــاب ويختــار منهــا مــا يــروي رغبته يف التشــبيه‬ ‫وورقــة‪ ،‬أال وهــو القلــم‪ ،‬القلــم الــذي والتقريــب‪ ،‬هــذه املنظومــة الفريــدة التــي‬ ‫بــدأ اخللــق بــه‪ ،‬واســتمر يــدون عواملنــا تراهــا وكأنهــا صــارت كيانـاً واحــداً يقــرأ‬ ‫وأحداثنــا دومنــا ملــل‪ ،‬وصــار عشــقه مــن وينتــج ويســافر ويفكــر وينعــزل عــن كل‬ ‫عشــق الكتــاب الــذي كتــب بــه‪ ،‬القلــم قــد مــا حولــه يف الوقــت نفســه‪ ،‬أكاد أجــزم‬ ‫يكــون أداة ألــم‪ ،‬ســيفاً يقطــع أو رشاش ـاً أال مشــهد فيــه مــن االندمــاج واالنغمــاس‬ ‫برصــاص ولــو كان قلــم رصــاص‪ ،‬القلــم مثــل هــذا!‬ ‫ومــن هنــا‪ ،‬مــن منبــر الكتابــة والقراءة‪،‬‬ ‫أيضــا قــد يكــون مبضــع جــراح يعالــج‬ ‫ويــداوي كل ألــم‪ ،‬القلــم يــزرع األمــل‪ ،‬أســتطيع أن أقــول ‪ :‬ال غوايــة فــوق‬ ‫بواســطته ‪-‬وهــو أداة الكتابــة‪ -‬يكــن غوايــة القــراءة والكتابــة وال بهجــة تعلــو‬ ‫أن نطبــق مــا قالــه حكيــم صينــي‪« :‬إذا بهجتهمــا‪ ،‬فــأي خيــر مــن أي خلــوة إذا‬ ‫أردت أن تعمــر األرض فعليــك أن تــزرع لــم تكــن خلــوة القــارئ والقلــم ‪ ...‬وثالثهــا‬ ‫شــجرة‪ ،‬وتكــون أســرة وتؤلــف كتابــاً»‪ ،‬الكتــاب!‬ ‫والشــجرة قــد يؤخــذ منهــا الثمــر والــورق‬ ‫علي الضويلع‬ ‫‪@aaduwaila‬‬

‫‪11‬‬


‫‪跾‬‬ ‫بــأن أفضــل ســالح يجــب أن‬ ‫أظــن ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتســلح بــه القــارئ للتاريــخ هــو املعرفــة‬ ‫الكافيــة بعلــم االجتمــاع وأن يزامــن‬ ‫بــن قراءاتــه لهذيــن العِ لمــن إذا كان‬ ‫ً‬ ‫مقبــال ‪ ،‬و كلمــا تعلّــم أداة يبــدأ‬ ‫نهِ ًمــا‬ ‫يف اســتخدامها فيمــا يقــرأ مــن التاريــخ‬ ‫ليحقــق أكبــر قــدر مــن الفائــدة و العظــة‬ ‫و العبــرة ‪ ،‬ولكــن كيــف يكــون ذلــك ؟‬ ‫لنتطـ ّرق ً‬ ‫أوال إلــى التفريــق بــن التاريــخ‬ ‫و علــم االجتمــاع حتــى نفهــم الكيفيــة‬ ‫التــي ســيخدمنا بهــا علــم االجتمــاع هنــا‬ ‫وحتــى نربــط بينهمــا ‪:‬‬ ‫أوالً التاريــخ هــو العلــم الــذي يهتــم‬ ‫بدراســة الوقائــع التــي حدثــت يف‬ ‫(املاضــي) و التوقــف عنــد (شــخصيات)‬ ‫بعينهــا و التركيــز علــى (ســنة) و ( مــكان)‬ ‫احلــدث‪.‬‬ ‫أمــا علــم االجتمــاع ‪ :‬فقــد قـ ّدم العالــم‬ ‫ماكــس فيبــر تعري ًفــا لــه وهــو «العلــم الذي‬ ‫يحــاول الوصــول إلــى فهــم ( حتليلــي )‬ ‫«للفعــل التاريخــي» مــن أجــل الوصــول‬ ‫إلــى تفســير ( ســببي ) ملجــراه ونتائجــه»‪.‬‬ ‫مــن هذيــن التعريفــن ننطلــق إلــى‬ ‫مثــال قــد يتضــح فيــه املقــال و لنأخــذ‬ ‫لهــذا الثــورة الفرنســية التــي حدثــت يف‬ ‫عــام ‪ ١٧٨٩‬م‪.‬‬

‫‪跾‬‬ ‫حــن ننظــر لهــا مــن وجهــة «نظــر‬ ‫التاريــخ» ســنجد أ ّنــه ســيهتم بنابليــون‬ ‫بونابــرت و مــاري أنطوانيــت ولويــس‬ ‫الســادس عشــر ( كشــخصيات ) و باريس‬ ‫و ســجن الباســتيل ( كأماكــن) أي يهتــم‬ ‫بالكيفيــة التــي حصلــت بهــا األحــداث‬ ‫بشــكل وصفــي بحــت و يبعد عــن التجريد‬ ‫كل البعــد و ينقلهــا لنــا « كقصــة و حــدث‬ ‫قــد جــرى »‪.‬‬ ‫أمــا علــم االجتمــاع فســينظر لهــذه‬ ‫الثــورة مــن زاويــة حتليليــة جتعــل مــن‬ ‫األنظمــة امللكيــة الديكتاتوريــة و ســوء‬ ‫األحــوال االقتصاديــة و ارتفــاع أســعار‬ ‫املــواد األساســية للعيــش هــي الســبب‬ ‫وراء قيــام ( الثــورة ) و مــن ثــم ثــورات‬ ‫قــد تقــوم بعدهــا ‪ ،‬فهنــا جنــد أنــه‬ ‫نظــر للحــدث بشــكل « جتريــدي « ثــم‬ ‫قــام بتحليلــه وتصنيفــه للوصــول إلــى‬ ‫تعميمــات وقوانــن وســن بعيــ ًدا عــن‬ ‫اهتمــام بالشــخوص والتركيــز عليهــا‪.‬‬ ‫إذن نســتنتج أن علــم التاريــخ يهتــم‬ ‫باملاضــي املنصــرم ويذكــر احلــدث‬ ‫كحكايــة ‪ ،‬و علــم االجتمــاع يهتــم بالواقــع‬ ‫الراهــن عــن طريــق التاريــخ و الرابــط‬ ‫بينهمــا هــو ( احلــدث الواحــد )‪.‬‬ ‫ماذا إذن ؟‬

‫ـأن مــن أســباب تخلّفنــا تاريخ ًيــا‬ ‫أظــن بـ ّ‬ ‫هــو انصرافنــا إلــى التاريــخ بكونــه مــادة‬ ‫ممتعــة و يف قراءتهــا تســلية للنفــس و‬ ‫ترويــح عــن الــروح ‪ ،‬و ترديــد األمجــاد و‬ ‫التغنــي بالثــروات الســالفة و الفرادِ يــس‬ ‫املفقــودة هــو غايــة مــا نقصــد وهــذا مــا‬ ‫جنــده مــن تصويــر درامــي و خلفيــات‬ ‫موســيقية دافئــة ‪ ،‬حتــى أنــك قــد تســأل‬ ‫بعضهــم مــاذا بعــد اهتمامــك بهــذه‬ ‫(القضيــة التاريخيــة) يقــول ال شــيء‬ ‫ســوى التذكيــر ! ومــاذا بعــده بحــق ؟!‬ ‫كــم نحتــاج مــن اجلهــد و الوقــت و العمــل‬ ‫لالهتمــام بهــذا العلــم اجلليــل و هــذه‬ ‫الصنعــة البديعــة و املغيــرة يف واقعنــا ‪ ،‬و‬ ‫ّ‬ ‫بــكل صراحــة أنــا شــخص ًيا أنصــرف عــن‬ ‫قــراءة التاريــخ أو ســماعه مــن النســاء‬ ‫ً‬ ‫مثــال ألنــه يســتحيل أن جتــد امــرأة إال‬ ‫نــاد ًرا تتكلــم عــن التاريــخ بنظــرة غيــر‬ ‫رومانســية وحاملــة بعيــدة كل البعــد عــن‬ ‫بأن‬ ‫الواقــع املتــأزم ‪ ..‬ختا ًمــا يكــن القــول ّ‬ ‫التاريــخ هــو احلكايــة و علــم االجتمــاع‬ ‫ســيخبرك مــا الفائــدة مــن هــذه القصــة؟‬

‫آالء املناصرة‬ ‫‪sultanah.r.a@gmail.com‬‬

‫‪12‬‬


н l­0 Œj UB-¦ «Õ§k¦ ¥ÕV l­1¦ Ãñ < ł ͼ Ͳ ˘ Ã ­¦ LòJ ¦

с ¦ ö k JĠ ¸ ­ñ

à ­¦ LòJ Ãò·k­¦ à ­¦ ¨ò¦;˦ ų <P B¦ ¸­,B¦ < k¦ ¨Wòs¦ ˢ B~ = ¬ˢ Ô ʹ ˘ ¨ò, Ħ

13

м

Ͳͼ ¦ ţrA k¦ ¥ ×J k c¦ ¨]r ¸j ͳ ŷ VÕW4Ô ˘ ަ

ͱ trAĠ A ò 4 ˘ Ã J ·­¦

л

к J ·­¦ µ ­¦ A ò 4

р iÕ¶ ; 1ñ Ã¦Ô -¬

п ¥ 1k JĠ «<j

о ¥Õò­¦ Â j B¬

ͱ ¦ l¬ Ãs¦Ġ ¸¬ ͱ Ã, ¥ sbġ¦ ¥Õ4< ®¾¦ ÃVBs¦ ¦ L­¦Ô à ­¦ ®¦ Õ¦Ô ¾-sW Ô ˘ ˘ ÖB ñ

à ­¦ <ñÔD łͼ Ͳ B­k¦ Õ­· Õ­· ó¾r ¾ëA ~ l¬ Ţ Ô ͻ ˘ ŷ ìòQr ŷ ìòP

Ͳ ˘ ò ¦ ł à ­§¦ ͼ

ÃòW5Q¦ Ã nB¦ Ô ˘ ¦ A ò 4 ł ͼ Ͳ


‫فاطمة أبو سعدة‬

‫‪@fatimah_youssef‬‬

‫إن املتأمــل يف أحــوال املبدعــن‬ ‫والعظمــاء علــى مــر العصــور يــدرك أنــه‬ ‫مــا مــن عالــم جليــل‪ ،‬وال فقيــه فــ ّذ‪ ،‬وال‬ ‫كاتــب أريــب‪ ،‬وال أديــب لبيــب‪ ،‬وال نابغــة‬ ‫مــن الطــراز النــادر‪ ،‬إال وكانــت القــراءة‬ ‫الواعيــة املســتمرة وســيلته إلــى العلــم ‪.‬‬ ‫ضيــاء الديــن بــن األثيــر‪ ،‬أحــد كبــار‬ ‫األدبــاء وكتّابهــم املتفننــن‪ ،‬اســتفاض يف‬ ‫ِســفره العظيــم «املثــل الســائر» يف ذكــر‬ ‫األدوات التــي يجــب توفرهــا عنــد ال ُك َّتــاب‬ ‫والشــعراء وأصحــاب البيــان؛ ليكونــوا‬ ‫فرســاناً يف ميــدان اإلبــداع‪ ،‬وض ّمــن‬ ‫كتابــه كثيــراً مــن اآلراء واألفــكار التــي‬ ‫تــدور حــول فـ ّـن األدب‪ ،‬ومــن جملــة آرائــه‬ ‫املوف ّقــة أنــه يــرى بــأن الكاتــب ينبغــي أن‬ ‫يتعلــق بــكل فــن مــن العلــم‪ ،‬ويف رأيــه أن‬ ‫كل ذي علــم يســوغ لــه أن ينســب نفســه‬ ‫إليــه‪ ،‬فيقــال‪ :‬فــالن النحــوي‪ ,‬وفــالن‬ ‫الفقيــه‪ ،‬وفــالن الطبيــب‪ .‬وال يســوغ لــه‬ ‫أن ينســب إلــى الكتابــة‪ ،‬فيقــال‪ :‬فــالن‬ ‫الكاتــب‪ ،‬وذلــك ملــا يفتقــر إليــه الكاتــب‬ ‫مــن اخلــوض يف كل فــن‪ ،‬حتــى إنــه‬ ‫يحتــاج إلــى معرفــة مــا تقولــه النادبــة بــن‬ ‫النســاء‪ ،‬واملاشــطة عنــد جلــوة العــروس‪،‬‬ ‫مؤهــل ألن يهيــم‬ ‫والســبب يف ذلــك أنــه َّ‬ ‫يف كل ٍ‬ ‫واد؛ ألن احلكمــة ضالــة املؤمــن‪،‬‬ ‫وقــد يســتفيدها أهلهــا مــن غيــر أهلهــا‪.‬‬ ‫كمــا يــرى أن ثقافــة األديــب‪ ،‬ال حصــر‬ ‫ملواردهــا‪ ،‬وإلــى أن البيــان كاجلمــال‪ ،‬ال‬ ‫نهايــة لــكل منهمــا‪.‬‬ ‫مبثــل هــذه النظــرة نظــر ابــن األثيــر‬ ‫إلــى الكاتــب‪ ،‬كمــا تطــ ّرق يف كتابــه إلــى‬ ‫ثمانيــة أنــواع مــن املعــارف بدونهــا ال‬ ‫يكــن للكاتــب أن يُقــدم علــى هــذا العلــم‪،‬‬ ‫‪14‬‬

‫وقــد أجــاد فيهــا وأفــاد ‪.‬‬ ‫فالكتابــة ليســت مه ّمــة ســهلة كمــا‬ ‫يعتقــد البعــض‪ ،‬وليســت وليــدة يــوم وليلة‪،‬‬ ‫بــل إن تعل ّمهــا والطريــق إليهــا صعــب‬ ‫وطويــل ُســلّمه ـ كمــا يقــول احلطيئــة ـ‬ ‫ألنهــا حتتــاج مــن الكاتــب إعــداداً نفس ـ ّياً‬ ‫وفكر ّيــاً وأدب ّيــاً قو ّيــاً‪ ،‬وإملامــاً بالعلــوم‪،‬‬ ‫ودرجــة عاليــة مــن الثقافــة وســعة‬ ‫االطــالع ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وبالرغــم مــن طــول ُسـلم الكتابــة وصعوبــة‬ ‫طريقــه إال أن مــن ســبقونا إليــه مــن‬ ‫الك ّتــاب واألدبــاء قــد اختصــروا لنــا ســبيل‬ ‫الوصــول إليــه حــن أجمعــوا بــأن الســ ّر‬ ‫احلقيقــي الــذي مكنهــم مــن صعــوده‬ ‫يكمــن يف القــراءة ‪.‬‬ ‫يقــول أحــد الك ّتــاب‪« :‬نصحنــي أحــد‬ ‫املعلمــن بعــد أن اطلــع علــى محاوالتــي‬ ‫األولــى يف الكتابــة‪ :‬اقــرأ ثــم اقــرأ ثــم اقرأ‬ ‫ثــم اكتــب ‪ .‬يقــول‪ :‬تأملــت حــن ســمعت‬ ‫تلــك النصيحــة‪ ،‬ولكــن حــن عملــت بهــا‬ ‫وواظبــت علــى القــراءة وجــدت أن قدرتــي‬ ‫علــى الكتابــة بــدأت تتقــدم‪ ،‬ومغالــق‬ ‫املعانــي بــدأت تتفتــح»‪.‬‬ ‫مشــوار األلــف ميــل يبــدأ بخطــوة‪،‬‬ ‫وكــذا مشــوار األلــف كلمــة يبــدأ بكلمــة‪،‬‬ ‫تشــبه خطــوة الكتابــة إلــى حــ ّد بعيــد‬ ‫محاوالتنــا األولــى يف تعلــم املشــي‪ ،‬منــر‬ ‫خاللهــا بعــدة مراحــل‪ ،‬فنبــدأ باحلبــو‪ ،‬ثــم‬ ‫الوقــوف بصعوبــة بالغــة‪ ،‬ثــم مــا نلبــث أن‬ ‫نقــف بشــجاعة‪ ،‬ثــم نخطــو بحــذر‪ ،‬ونقــع‬ ‫مــرا ًرا‪ ،‬لكننــا نُعــاود احملاولــة مــن جديــد‬ ‫دون يــأس أو ضجــر‪ ،‬وشــهراً تلــو شــهر‬ ‫تســتقيم مشــيتنا‪ ،‬ثــم ننطلــق وجنــري‬ ‫بــكل االجتاهــات‪ ،‬ويصبــح املشــي جــزء‬

‫منــا‪ ،‬منارســه متام ـاً كمــا األكل والشــرب‬ ‫والفــرح والبــكاء ‪.‬‬ ‫فاقــرأ كثيــراً يــا صديقــي‪ ،‬اقــرأ أي‬ ‫شــيء تقــع عليــه يــدك‪ ،‬وال جتعــل الكتــاب‬ ‫يــر مــن بــن يديــك دون أن يكــون لــك‬ ‫حـ ٌ‬ ‫ـدي‪،‬‬ ‫ـظ منــه‪ ،‬ال تعلــل بقولــك‪ :‬ال وقــت لـ ّ‬ ‫فلــو انتظــرت الفرصــة املواتيــة ملمارســة‬ ‫القــراءة فلــن نقــرأ أب ـ ًدا ‪.‬‬ ‫القــراءة تختصــر لــك األزمنــة‬ ‫واملســافات‪ ،‬وتضيــف إلــى عمــرك أعمــا ًرا‬ ‫أخــرى ومتنحــك حيــاة جديــدة‪ ،‬وأصدقــاء‬ ‫جــدداً ‪.‬‬ ‫خصــص للقــراءة جــز ًءا مــن يومــك‪،‬‬ ‫واجعلهــا يف قائمــة أولوياتــك‪ ،‬واعلــم‬ ‫بــأن حاجتــك إليهــا ال تقــل عــن حاجتــك‬ ‫لــألكل والنــوم‪ ،‬ابحــث بــن صنــوف‬ ‫الكتــب وفنونهــا عــن النمــط الــذي حتــب‪،‬‬ ‫واملجــال الــذي يوافقــك‪ ،‬ابــدأ بالتدريــج‪،‬‬ ‫ع ـ ّود نفســك اقتنــاء الكتــب؛ ألنــك حــن‬ ‫جتمعهــا فكأمنــا جتمــع الســعادة‪ ،‬وابــدأ‬ ‫بتأســيس مكتبتــك وال تقلــل مــن شــأن‬ ‫الكتــاب الواحــد بــن رفوفهــا‪ ،‬فمــع‬ ‫األيــام ســتكبر مكتبتــك‪ ،‬ويتســع قاموســك‬ ‫املعــر ّ‬ ‫يف‪ ،‬وتتكــ ّون ذائقتــك األدبيــة‪،‬‬ ‫وحصيلتــك العلميــة‪ ،‬وستشــعر كــم أنــت‬ ‫غنــي وســعيد جــداً وستشــعر أيضــاً أن‬ ‫ّ‬ ‫شــيئاً مــا يف داخلــك بــدأ يكبــر ويُزهــر‬ ‫ويتفتــح ‪.‬‬ ‫اقــرأ وأدمــن النظــر يف ســيرة العلمــاء‬ ‫ومــدى تعلقهــم بالكتــب‪ ،‬فهــذا ابــن‬ ‫اجلــوزي يقــول‪« :‬وإنــي أُخبــر عــن حالــي‪:‬‬ ‫مــا أشــبع مــن مطالعــة الكتــب وإذا رأيــت‬ ‫كتاب ـاً لــم أره فكأنــي وقعــت علــى كنــز» ‪.‬‬


‫ويقــول اجلاحــظ ‪« :‬مــن لــم تكــن‬ ‫نفقتــه التــي تخــرج يف الكتــب أل ـ ّذ عنــده‬ ‫مــن إنفــاق ُع ّشــاق القِ يــان‪ ،‬واملســتهترين‬ ‫بالبنيــان‪ ،‬لــم يبلــغ يف العلــم مبلغـاً رضيـاً‪.‬‬ ‫وليــس ينتفــع بإنفاقــه حتــى يؤثــر اتخــاذ‬ ‫فرســه باللــن‬ ‫الكتــب إيثــار األعرابــي‬ ‫َ‬ ‫علــى عيالــه وحتــى يُؤ ِّمــل يف العلــم مــا‬ ‫يؤمــل األعرابــي يف فرســه» ‪.‬‬ ‫صــادق أصدقــاء القــراءة‪ ،‬وإن لــم تكــن‬ ‫َ‬ ‫قارئـاً‪ ،‬فأخالقهــم حتمـاً سـتُعديك‪ ،‬جـ ِ ّـرب‬ ‫أن تــزور معــارض الكتــاب ففيهــا ســتختبر‬ ‫شــعوراً لــم تختبــره مــن قبــل‪ ،‬مزيــج مــن‬ ‫الغبطــة‪ ،‬والزهــو والفخــر وأنــت تعيــش‬ ‫وســط الزخــم الثقــايف والثــراء املعــريف‪،‬‬ ‫وســتمنحك زيارتهــا دافعـاً قو ّيـاً للحــرص‬ ‫علــى القــراءة واالطــالع‪ ،‬واإلقبــال علــى‬ ‫الكتــب‪ ،‬والشــغف بهــا‪ ،‬وحــب امتالكهــا‪،‬‬ ‫ومصاحبتهــا ‪.‬‬ ‫الكتــاب جليــس ال ُيــل‪ ،‬وصديــق ال‬ ‫يخــون‪ ،‬وكل أولئــك الــذي عقــدوا بينــه‬ ‫وبينهــم عقــداً وفــى لهــم بــه‪ ،‬وكانــت‬ ‫صداقتــه علــى مـ ّر الســنن عالمــة فارقــة‬ ‫يف حياتهــم ‪.‬‬ ‫وصدق الشاعر إذ قال‪:‬‬ ‫لنا ندماء ما منل حديثهم‬ ‫أمينون مأمونون غيباً ومشهدا‬ ‫يفيدوننا من علمهم علم ما مضى‬ ‫ورأياً و تأديباً وأمراً مسددا‬ ‫بال علة تُخشى وال خوف ريبة‬ ‫وال نتقي منهم بناناً و ال يدا‬ ‫فإن قلت هم أحياء لست بكاذب‬ ‫وإن قلت هم موتى فلست مفندا‬ ‫الكتــاب ال يرضــى لصاحبــه ســوى أن‬ ‫يتبــوأ يف مجتمعــه مكان ـاً الئق ـاً بــه‪ ،‬ولــن‬

‫تــراه إال كاتبـاً عظيمـاً‪ ،‬أو عضــواً فاعـ ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫أو خطيبــاً مفوهــاً‪ ،‬أو أســتاذاً رائــداً‪،‬‬ ‫ورمبــا فيلســوفاً مــن فالســفة الدهــر‪،‬‬ ‫أو حكيم ـاً مــن حكمــاء العصــر‪ ،‬وســيكون‬ ‫جديــراً بحيــاة أكثــر تفوقــاً و ُرق ّيــاً علــى‬ ‫كافــة املســتويات ‪.‬‬ ‫اقــرأ‪ ،‬وال تتعجــل احلصــاد‪ ،‬فالكتابــة‬ ‫مثلهــا مثــل أي صناعــة نتعلمهــا‪ ،‬حتتــاج‬ ‫منــا إلــى صبــر ومصابــرة‪ ،‬وإلــى طــول‬ ‫ربــاط وعكــوف علــى الكتــب‪ ،‬وكثيــر مــن‬ ‫الدربــة واملــران واحملــاوالت‪ ،‬وتيقــن بــأن‬ ‫آثــار القــراءة حتمــاً ســتظهر عليــك وإن‬ ‫لــم تدخلــك إلــى عالــم الكتابــة بعــد‪،‬‬ ‫وســتخلق منــك شــخصاً واعي ـاً‪ ،‬ناضج ـاً‪،‬‬ ‫واســع األفــق‪ ،‬متعــدد األبعــاد‪ ،‬وستنشــأ‬ ‫بينــك وبــن الكتــب عالقــة وطيــدة‪ ،‬ومــودة‬ ‫أكيــدة‪ ،‬وكلمــا تطــورت عالقتــك بالكتــب‬ ‫ســتلمس تطــوراً يف ملكــة الكتابــة لديــك‪،‬‬ ‫ألن العالقــة بينهمــا عالقــة تبادليــة بقــدر‬ ‫مــا تعطيهــا تعطيــك ‪.‬‬ ‫اقــرأ‪ ،‬واســتعن بــاهلل دائمــاً‪ ،‬فحــن‬ ‫تؤمــن بقدراتــك وطاقتــك التــي أودعهــا‬ ‫اهلل فيــك‪ ،‬وترغــب يف شــيء مــا‪ ،‬فــإن‬ ‫العالــم كلــه يطاوعــك لتحقيــق رغبتــك‪،‬‬ ‫وســيتناغم الكــون بأســره معــك ليعمــل‬ ‫علــى حتقيــق هدفــك وأســطورتك‬ ‫الشــخصية‪ ،‬كمــا يقــول باولــو كويلــو‪،‬‬ ‫وســتكفل لــك عجلــة األيــام اللحــاق بركــب‬ ‫اإلبــداع والتميــز مــن خــالل تشــكيل‬ ‫أفــكارك ورؤاك وكتاباتــك اخلاصــة‬ ‫بــك‪ ،‬بعيــداً عــن أســر الرتابــة والتقليــد‬ ‫كون لــك لونــاً ال يشــبهك فيــه‬ ‫‪ .‬وســيُ ِ ّ‬ ‫ً‬ ‫أحــد ـ وأســلوبا يعرفــك بــه عامــة النــاس‪،‬‬ ‫وســتحجز الســمك مكانــاً بــن أروقــة‬

‫الثقافــة وذاكــرة اإلبــداع والتجديــد ‪.‬‬ ‫أعلــم أن األمــر صعــب بعــض الشــيء‬ ‫ال ســيما ونحــن يف زمــن تنازعنــا فيــه‬ ‫التكنولوجيــا احلديثــة وتســتحوذ علــى‬ ‫عقولنــا برامــج التواصــل التــي باتــت‬ ‫تُســتهلك للتســلية وإضاعــة الوقــت‬ ‫أكثــر مــن اكتســاب املعرفــة ‪ .‬إن غايــة‬ ‫مــا نحتــاج اليــوم جيــ ً‬ ‫ال يواكــب حداثــة‬ ‫الدنيــا‪ ،‬ويلــك أن يُســخر تلــك املعطيــات‬ ‫يف بنائــه املعــريف والثقــا ّ‬ ‫يف ‪ .‬علــى أنــه‬ ‫غيــر خـ ٍ‬ ‫ـاف اليــوم الــدور اإليجابــي الكبيــر‬ ‫الــذي قــام بــه عــدد مــن املهتمــن بالكتــب‬ ‫والقــراءة‪ ،‬حيــث أنشــؤوا حســابات‬ ‫خاصــة تُعنــى بتطويــر مهــارة القــراءة‬ ‫والكتابــة‪ ،‬وشــ ّرعوا أبوابهــا خلدمــة‬ ‫الق ـ ّراء‪ ،‬واإلفــادة عــن الكتــب‪ ،‬والتعريــف‬ ‫بهــا‪ ،‬وتيســير الوصــول إليهــا‪ ،‬وتوفيــر‬ ‫روابــط للكتــب بشــتى مجاالتهــا‪ ،‬وإنشــاء‬ ‫املكتبــات اإللكترونيــة الضخمــة‪ ،‬ودعــم‬ ‫مشــاريع القــراءة‪ ،‬وتيســير ســبلها‪ ،‬وجذب‬ ‫النــاس إليهــا‪ ،‬فأســهمت هــذه اجلهــود يف‬ ‫دعــم احلركــة العلميــة والثقافيــة واألدبيــة‬ ‫بشــكل غيــر مســبوق‪ ،‬وهــا هــي شــجرتهم‬ ‫الط ّيبــة تؤتــي أُكلهــا كل حــن بــإذن ربهــا ‪.‬‬ ‫الكتــب حيــاة أخــرى نعيشــها‪ ،‬وعوالــم‬ ‫متجــددة‪ ،‬ومتعــة ال حتدهــا حــدود‬ ‫اخليــال‪ ،‬وليــس عي ًبــا يــا صديقــي إن لــم‬ ‫القرائــي‬ ‫تكــن قارئــاً أن تبــدأ مشــوارك‬ ‫ّ‬ ‫مــن اآلن‪ ،‬فــال يــزال يف الوقــت متســع‪،‬‬ ‫ويف العمــر فســحة لتبنــي نفســك ُ‬ ‫وحتســن‬ ‫إعدادهــا للمــكان الــذي تختــار أن تضعهــا‬ ‫فيــه ‪.‬‬ ‫وما املرء إال حيثُ يجع ُل نفسه‬ ‫ففي صالح األعمالِ نفسك فاجعلِ‬ ‫‪15‬‬


‫‪跾‬‬

‫‪胾跾껾‬‬

‫الدومنــة فرقــة باطنيــة أنشــأها ‪-‬قبــل‬ ‫مــا يقــرب مــن ثالثــة قــرون ونصــف‪-‬‬ ‫حاخــام يهــودي اســمه شــبتاي صبــي‪،‬‬ ‫ادعــى بأنــه املســيح ا ُملخ ّلــص لليهــود‪ ،‬ثــم‬ ‫تظاهــر باإلســالم فيمــا بعــد وتبعــه الكثيــر‬ ‫مــن اليهــود علــى ذلــك‪ ،‬وظلــوا علــى هــذه‬ ‫احلــال حتــى وقتنــا احلاضــر ‪ .‬وهــم اليــوم‬ ‫فرقــة كبيــرة يعيــش أغلبهــا يف تركيــا حيــث‬ ‫كان لهــم دور بــارز يف تاريــخ هــذه الدولــة يف‬ ‫القــرن العشــرين ‪.‬‬ ‫ولــد شــبتاي صبــي يف مدينــة أزميــر‬ ‫التركيــة مــن أبويــن يهوديــن‪ ،‬وكان أبــوه‬ ‫مردخــاي صبــي قــد هاجــر مــن اليونــان‬ ‫إلــى تركيــا يف حــدود عــام ‪ 1630‬واشــتغل‬ ‫بالتجــارة وأصبــح تاجــر ًا معروف ـ ًا‪ ،‬ومنــذ‬ ‫صغــره توســم فيــه أبــوه مالمــح ذكاء وأراد‬ ‫أن ُيحقــق رغبــة يف نفســه يف أن ُيصبــح‬ ‫أحــد أبنائــه حاخام ـ ًا‪ ،‬وهكــذا كان‪ ،‬أرســل‬ ‫شــبتاي وهــو مــا زال طف ـ ًال إلــى املــدارس‬ ‫الدينيــة اليهوديــة ثــم تــدرج يف دراســته‬ ‫وأصبــح حاخام ـ ًا و ّمل َــا يبلــغ العشــرين مــن‬ ‫عمــره ‪ ،‬وحتلــق حولــه طــالب يدرســون‬ ‫علــى يديــه ويتأثــرون بــه ‪.‬‬ ‫وكان شــبتاي ُيعانــي مــن حالــة نفســية‬ ‫الزمتــه طــوال حياتــه‪ ،‬وهــي حالــة هيجــان‬ ‫ونشــاط بالغــن يعقبهمــا حالــة انقبــاض‬ ‫وقنــوط ‪ .‬وقــد أطلــق أتباعــه علــى احلالــة‬ ‫األولــى حالــة االســتنارة ‪ ،‬وعلــى احلالــة‬ ‫الثانيــة حالــة اســتتار الوجــه (وجــه‬ ‫اإللــه)‪.‬‬ ‫وكان شــبتاي عندمــا تعتريــه احلالــة‬ ‫األولــى يتغنــى باألشــعار وينشــد املزاميــر‬ ‫ـال وأحيانـ ًا يرقــص أمــام طالبــه‬ ‫بصـ ٍ‬ ‫ـوت عـ ٍ‬ ‫وزواره‪ ،‬وكان يلجــأ إلــى الوحــدة واالعتزال‬ ‫عــن النــاس عندمــا تصيبــه احلالــة الثانية‬ ‫وعندمــا ُيســأل عــن ســبب هــذا االعتــزال‬ ‫يكــون جوابــه بأنــه كان ُيصــارع قــوى الشــر‬ ‫والشــياطن ‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫‪:‬‬

‫‪跾‬‬

‫‪跾‬‬

‫(رحلة شبتاي إلى الشرق)‬ ‫غــادر شــبتاي إزميــر عــام ‪ 1662‬ولــم‬ ‫يذهــب مباشــرة إلــى فلســطن بــل ذهــب‬ ‫أو ًال إلى جزيرة رودس يف البحر املتوسط‬ ‫ونــزل ضيفـ ًا علــى حاخــام اجلزيــرة ودرس‬ ‫معــه كتــاب الزهــر‪ ،‬ثــم تركهــا متوجهـ ًا إلــى‬ ‫طرابلــس ومنهــا إلــى مصــر‪ ،‬ويف مصــر‬ ‫تعــرف علــى زعيــم اجلاليــة ومســؤول‬ ‫اخلزانــة املاليــة يف الدولــة رفائيــل يوســف‬ ‫جلبــي‪ ،‬الــذي كان يعيــش يف كنفــه عشــرات‬ ‫اليهــود مــن رجــال الديــن ومــن املختصــن‬ ‫بعلــم القبــاله‪ ،‬وكان ُينفــق عليهــم مــن‬ ‫مالــه اخلــاص‪ ،‬وكان لشــبتاي مــع هــؤالء‬ ‫مناقشــات ومطارحــات يف قضايــا الفقــه‬ ‫اليهــودي والقبــاله فأقــروا لــه بالعلــم ‪.‬‬ ‫ومــن مصــر توجــه شــبتاي لفلســطن‬ ‫وانضــم ألحــد املــدارس الدينيــة‪ ،‬وأثنــاء‬ ‫وجــوده يف أورشــليم أصابــت اجلاليــة‬ ‫اليهوديــة ضائقــة ماليــة‪ ،‬فــأرادت أن‬ ‫ترســل شــخص ًا ملصــر جلمــع املــال فوقــع‬ ‫اختيارهــا علــى شــبتاي أو هــو الــذي طلــب‬ ‫منهــم ذلــك لعالقتــه بروفائيــل جلبــي ‪.‬‬ ‫ســمع جلبــي أن حاخام ـ ًا يف غــزة اســمه‬ ‫(أبراهــام) ناثــان‪ ،‬لــه معرفــة عميقــة‬ ‫بالقبــاله يأتــي لــه النــاس فيكشــف لهــم‬ ‫عــن مــرض نفوســهم‪ ،‬حتــى وصفــه الذيــن‬ ‫رأوه بأنــه نبــي ‪ .‬فأرســل رفائيــل جلبــي‬ ‫رسـ ًال ملعرفــة حقيقتــه‪ ،‬وعندمــا رآه هــؤالء‬ ‫مدحوه وأثنوا عليه ‪ .‬وما أن علم شــبتاي‬ ‫باخلبــر حتــى عــزم علــى الذهــاب إليــه‬ ‫واالجتمــاع بــه وعــرض حالتــه النفســية‬ ‫ليصلحهــا ‪ .‬ومنــذ اللقــاء األول‬ ‫عليــه ُ‬ ‫ارتبــط االثنــان بعالقــة روحيــة قويــة‪،‬‬ ‫وأخبــر ناثــان شــبتاي بأنــه ميلــك نفس ـ ًا‬ ‫يف منتهــى العلــو والســمو وليســت بحاجــة‬ ‫إلــى شــيء مــن اإلصــالح‪ ،‬وقــد فســر حالــة‬ ‫الكآبــة التــي ميــر بهــا علــى أنهــا املعانــاة‬ ‫التــي ميــر بهــا املســيح ا ُملخ ّلــص‪ ،‬كمــا‬

‫حــاول ناثــان أن ُيقنــع شــبتاي بأنــه املســيح‬ ‫ـاء علــى رؤيــا رآهــا ‪.‬‬ ‫بنـ ً‬ ‫أعلــن شــبتاي أنــه املســيح بــن ‪ 14‬و‪17‬‬ ‫مــن الشــهر العبــري ســيوان‪ ،‬ولذلــك فــإن‬ ‫يــوم الســابع عشــر مــن ســيوان يعتبــر مــن‬ ‫األعيــاد املهمــة عنــد الدومنــة‪ ،‬ألنــه بدايــة‬ ‫مهمــة شــبتاي املســيحانية ‪.‬‬ ‫ليس املسيح يف الفكر الديني اليهودي‬ ‫نبيـ ًا فقــط بــل إمنــا هــو ملــك أيضـ ًا لــه مــا‬ ‫للملــك مــن ســلطة دنيويــة وســيطرة ‪.‬‬ ‫فعندمــا وصــل شــبتاي إلــى إزميــر نفــخ‬ ‫اليهــود بالبــوق وخرجــوا إلــى الشــوارع‬ ‫ُينــادون عــاش ملكنــا عــاش مســيحنا ‪.‬‬ ‫كان شــبتاي يوقــع رســائله بألقــاب‬ ‫مثــل «ابــن اهلل البكــر» و «أبوكــم إســرائيل»‬ ‫وكذلــك «أنــا الــرب إلهكــم شــبتاي صبــي»‬ ‫‪ .‬وقــد أثــار هــذا اللقــب األخيــر ردود‬ ‫فعــل لــدى اليهــود املعارضــن ولكنهــم لــم‬ ‫يكونــوا قادريــن علــى فعــل شــيء ‪.‬‬ ‫ويف هــذه الفتــرة أخــذ شــبتاي يعــد‬ ‫اليهــود بالســلطة والثــأر لهــم من أعدائهم‬ ‫وحتقيــق دولتهــم التــي ســيحكمون‬ ‫العالــم مــن خاللهــا‪ ،‬وكان يكتــب الرســائل‬ ‫للجاليــات اليهوديــة يف العالــم بهــذا‬ ‫اخلصــوص ويعدهــا بالنصــر القريــب ‪.‬‬ ‫وما إن َع ّ َم التصديق بن أتباع شبتاي‬ ‫بأنــه هــو املســيح املخ ّلــص حتــى أخــذوا‬ ‫يحتفلــون يف كثيــر مــن املــدن داخــل تركيــا‬ ‫وخارجهــا‪ ،‬بــل وصــل األمــر ببعضهــم‬ ‫إلــى أن يتهيــؤوا للذهــاب إلــى فلســطن‪.‬‬ ‫وكذلــك فعــل يهــود تونــس‪ ،‬ويف اليمــن‬ ‫أخــذ الكثيــر منهــم يبيــع مــا ميلــك مــن‬ ‫عقــار وأمــالك‪ ،‬بــل إن البعــض توقــف عــن‬ ‫العمــل وتهيــأ للذهــاب إلــى فلســطن ويف‬ ‫إيــران خــرج اليهــود إلــى احلقــول وتركــوا‬ ‫بيوتهــم وأعمالهــم وأكثــروا مــن الصيــام‬ ‫والصــالة وظلــوا ينتظــرون الذهــاب إلــى‬ ‫أورشــليم مــع مســيحهم ‪.‬‬


‫أعلــن شــبتاي ألتباعــه بأنــه سـ ُـيغادر‬ ‫إزميــر ويذهــب إلــى القســطنطينية وقــال‬ ‫لهــم إن الــرب قــد دعــاه للذهــاب إليهــا‬ ‫إلكمــال اجلــزء األخيــر مــن مهمتــه ‪ .‬وكان‬ ‫الصــدر األعظــم فاضــل أحمــد كوبرلــو‬ ‫يعلــم مبجــيء شــبتاي وكان عازم ـ ًا علــى‬ ‫ســجنه‪ ،‬وعنــد وصــول شــبتاي ُقبــض‬ ‫عليــه‪ ،‬وأمــر الوزيــر بوضعــه يف الســجن‪،‬‬ ‫ويبــدو أن ذلــك لــم يؤثــر علــى أتباعــه‬ ‫فقــد احتفلــوا بقدومــه يف الشــوارع وقالــوا‬ ‫بــأن ســجنه شــيء طبيعــي ألنــه جــزء مــن‬ ‫حتقيــق مهمتــه ونبوءتــه‪ ،‬وبــدأ اليهــود‬ ‫مــن أتباعــه يذهبــون لزيارتــه يف الســجن‬ ‫ويظهــرون لــه الطاعــة والتبجيــل ‪ .‬وكان‬ ‫ُ‬ ‫شــبتاي يعــد الوافديــن إليــه بالنصــر‬ ‫ويحثهــم علــى الصبــر ومينيهــم بالكثيــر‬ ‫عندمــا يذهــب منتصــر ًا إلــى فلســطن‪.‬‬ ‫جــيء بشــبتاي إلــى أدرنــة حيــث كان‬ ‫الســلطان يقضــي أكثــر وقتــه‪ ،‬وطلــب‬ ‫الســلطان أن ُيختبــر شــبتاي فيمــا يدعيــه‬ ‫ويجعــل‬ ‫وذلــك بــأن ُيجــرد مــن مالبســه ُ‬ ‫ـؤذ جســمه فيكــون‬ ‫هدفـ ًا للســهام فــإذا لــم تـ ِ‬ ‫أول املصدقــن بــه وإن آذتــه فهــو رجــل‬ ‫كاذب ودجــال ‪.‬‬ ‫وعندمــا ســمع شــبتاي ذلــك أنكــر‬ ‫أن يكــون قــد ادعــى أنــه املســيح وقــال‬ ‫عــن نفســه إنــه مجــرد حاخــام يهــودي‬ ‫فقيــر ليــس لــه مزايــا علــى غيــره‪ ،‬ولكــن‬ ‫الســلطان لــم يقبــل منــه ذلــك واتهمــه‬ ‫بإثــارة االضطرابــات يف الدولــة العثمانيــة‬ ‫ـزء منهــا‬ ‫وأنــه كان يريــد أن ينتــزع جـ ً‬ ‫وهــو أرض فلســطن‪ ،‬ولذلــك يجــب أن‬ ‫ُيعاقــب‪ ،‬ولكــن طبيــب الســلطان اقتــرح‬ ‫علــى شــبتاي أن ُيعلــن إســالمه ليســلم‬ ‫مــن العقــاب‪ ،‬وبعــد تــردد أعلــن شــبتاي‬ ‫إســالمه‪ ،‬بــل لقــد قــال إنــه كان ُيفكــر يف‬ ‫هــذا األمــر منــذ زمــن وأنــه يتشــرف أن‬ ‫ُيشــهر إســالمه ‪.‬‬

‫وانتشــر خبــر إســالمه بســرعة بــن‬ ‫اليهــود واألتــراك علــى الســواء ‪ .‬وكان مــا‬ ‫حــدث صدمــة كبيــرة ألتباعــه ‪ .‬وكانت ردود‬ ‫الفعــل مختلفــة لــدى أتباعــه واملقربــن‬ ‫منــه فكثيــر منهــم ارتــدوا علــى أعقابهــم‬ ‫وكفــروا بــه‪ ،‬وآخــرون تريثــوا ليــروا حقيقــة‬ ‫األمــر ‪.‬‬ ‫كمــا أخــذ شــبتاي يســلك ســلوك ًا‬ ‫مزدوج ـ ًا فــكان يقــول للمســلمن بأنــه ال‬ ‫عالقــة لــه باملســيح املخ ّلــص ويف الوقــت‬ ‫نفســه ُيخبــر أتباعــه بــأن خالصهــم مــن‬ ‫أيــدي الظاملــن قريــب ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وذكــر عنــه أنــه كان يضــع التــوراة يف‬ ‫يــد والقــرآن يف اليــد األخــرى ولكنــه‬ ‫عندمــا كان يــؤدي الصــالة كان يتهيــأ لهــا‬ ‫بطريقــة يهوديــة وأنــه كان يذهــب إلــى‬ ‫الكنيــس اليهــودي ويطلــب مــن اليهــود أن‬ ‫يتحولــوا إلــى اإلســالم ‪.‬‬ ‫(فرقة الدومنة)‬ ‫الدومنــة كلمــة تركيــة تعنــي املتحولــن‬ ‫عــن دينهــم أو املرتديــن عنــه ‪ .‬بينمــا‬ ‫ُيطلــق الدومنــة علــى أنفســهم «مئامنيــم»‬ ‫وهــي كلمــة عبريــة تعنــي مؤمنــن أو‬ ‫مصدقــن (بشــبتاي صبــي) ‪ .‬ويعتبــر‬ ‫الدومنــة أنفســهم مجموعــة مختــارة‬ ‫متميــزة ألنهــم تابعــوا شــبتاي يف تظاهــره‬ ‫باإلســالم وقبلــوه بينمــا لــم يفعــل ذلــك‬ ‫البقيــة مــن أتباعــه ولــم يتشــرفوا بــه كمــا‬ ‫يقولــون ‪.‬‬ ‫ولقــد ظلــت عقائــد الدومنــة ردح ـ ًا مــن‬ ‫الزمــن طويـ ًال ســر ًا مــن األســرار ال يعرفــه‬ ‫إال هــم ‪ .‬وبقــي النــاس ال مييــزون بــن‬ ‫الدومنــة وغيرهــم مــن املســلمن ‪ .‬ولــم‬ ‫تبــدأ أســرار هــذه الفرقــة تنكشــف إال يف‬ ‫بدايــة القــرن العشــرين حيــث حصــل‬ ‫بعــض الباحثــن واملختصــن علــى بعــض‬ ‫كتبهــم التــي تضــم عقائدهــم وتعاليمهــم‬ ‫‪.‬‬

‫(أصول عقيدة الدومنة)‬ ‫مــن املعــروف أن ُأصــول عقيــدة الدومنــة‬ ‫كان قــد وضعهــا شــبتاي و ُتســمى (وصايــا‬ ‫ســيدنا شــبتاي صبــي) ‪ .‬وال نــدري فيمــا‬ ‫إذا كانــت صورتهــا احلاليــة هــي نفــس‬ ‫الصــورة التــي وضعهــا شــبتاي أو أنــه‬ ‫وضعهــا بصــورة مختلفــة ثــم تطــورت‬ ‫مبــرور الزمــن‪ ،‬وصــورة األصــول التــي بــن‬ ‫أيدينــا تبــدأ بصيغــة املفــرد املتكلــم وفيمــا‬ ‫يلــي أهــم أصولهــم‪:‬‬ ‫أؤمــن بإلــه واحــد وأؤمــن مبســيحه‬ ‫املخ ّلــص احلــق شــبتاي صبــي حفيــد‬ ‫امللك داوود وأقسم بأنني ال أذكر اسمهما‬ ‫بالباطــل ‪.‬‬ ‫وأقســم بأننــي ال أجبــر أحــد ًا علــى‬ ‫اعتنــاق عقيــدة العمامــة التــي ُتســمى‬ ‫اإلســالم وأقــرأ (التــوراة) ومزاميــر داوود‬ ‫كل يــوم بســرية ‪.‬‬ ‫و ُأطبــق ديــن األتــراك بحذافيــره أمــام‬ ‫النــاس حتــى ال ُأثيــر شــكوكهم ‪ .‬ليــس‬ ‫بصيــام شــهر رمضــان فقــط بــل بــكل‬ ‫العبــادات الظاهــرة للعيــان ‪.‬‬ ‫وال أتــزوج مــن عائلــة مســلمة وال‬ ‫ُأصــادق أحــد ًا مــن املســلمن ألننــا منقتهــم‬ ‫خصوص ـ ًا نســاؤهم ‪.‬‬ ‫(من تعاليم الدومنة وتقاليدهم)‬ ‫الدومنــة يف املجتمعــات اإلســالمية‬ ‫يذهبــون إلــى املســاجد ألداء الصــالة‬ ‫فيهــا‪ ،‬كمــا أنهــم يصومــون شــهر رمضــان‬ ‫بــل ُذكــر أن أعــداد ًا منهــم يذهبــون ألداء‬ ‫فريضــة احلــج ‪ .‬ولكــن العبــادة احلقيقيــة‬ ‫تكــون يف معابدهــم اخلاصــة والتــي ال‬ ‫يدخلهــا غيرهــم ويكــون معبدهــم عــادة يف‬ ‫وســط احلــي الــذي يعيشــون فيــه حتــى ال‬ ‫يجلبــوا نظــر اآلخريــن‪ ،‬وهــو يف ظاهــره ال‬ ‫يختلــف عــن بقيــة البيــوت فليــس فيــه مــا‬ ‫مييــز معابــد اليهــود مــن زخرفــة ‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫صفية عبدالرحمن‬ ‫‪@safiah_a‬‬

‫تُشكل احلكايات مادتي املفضلة‪ ،‬فمنذ‬ ‫طفولتــي أَســرتني احلكايــات اخلياليــة‬ ‫كســندريال‪ ،‬باإلضافــة إلــى األســاطير‬ ‫«الســبحانيات» التــي كانــت تقصهــا‬ ‫أو‬ ‫ُ‬ ‫علــي جدتــي وبالــكاد أتذكــر منهــا؛ قصــة‬ ‫الســدرة والبنــات الســبع‪ ،‬وجــرة العســل‪،‬‬ ‫وســارق الدجاجــة … وروايتهــا حــن تكــون‬ ‫يف مــزاج رائــق ملغامــرات أبــي وأشــقائه‬ ‫يف طفولتهــم‪ ،‬كانــت حكاياتهــا تدعــو إلــى‬ ‫موعظــة لــم تكــن تالمســني كثيــراً‪ ،‬أو‬ ‫تنتهــي نهايــة ســعيدة غيــر مقنعــة‪ ،‬غالب ـاً‬ ‫مــا تثيــر تســاؤالتي دون أن أحظــى بتــرف‬ ‫اإلجابــة‪ ،‬آمنــت مــن حينهــا أنــه مــا إن‬ ‫ينتهــي ســرد احلكايــة ســتقفز املشــاكل‪،‬‬ ‫وحتــدث األزمــات كمــا هــو الواقــع‬ ‫بطبيعــة احلــال‪ ،‬بينمــا يحلــو لنــا الظــن‬ ‫أنهــم سيعيشــون بســعادة إلــى األبــد‪ .‬لــم‬ ‫أصــدق أن األحــوال تســتمر علــى رتابتهــا‬ ‫مهمــا كانــت ســعيدة‪ ،‬فمشــاهداتي كانــت‬ ‫تثبــت لــي أن اســتمرارية الســعادة مجلبــة‬ ‫لفتــور الــروح ‪.‬‬ ‫زاحــم طفولتــي جانــب منطقــي أزعــج‬ ‫املخيلــة ووفــر بيئــة خصبــة للضجــر ‪ .‬ويف‬ ‫واقــع باهــت ال يثيــر الفضــول مبواقفــه‬ ‫املتكــررة اضطــررت إلــى ابتــكار عاملــي‬ ‫اخلــاص؛ ألجتــاوز إحباطــي وســأمي‬ ‫وانعــدام حيلتــي بانتقــاء خياراتــي‬ ‫‪18‬‬

‫اخلاصــة يف احليــاة‪ ،‬لكنــه ككل العوالــم‬ ‫كان بحاجــة إلــى تغذيــة راجعــة مســتمرة‬ ‫حتــى يكــن تطويــره وحتويلــه إلــى‬ ‫مملكــة ثريــة عامــرة مبختلــف األجنــاس‬ ‫واألطيــاف ‪.‬‬ ‫أســرتني يف البدايــة حكايــة ســندريال‬ ‫احلاملــة‪ ،‬فتتبعــت كل مــا اســتطعت‬ ‫الوصــول إليــه عنهــا‪ ،‬ألنهــا ممتلئــة‬ ‫بالثغــرات املناقضــة للمنطــق‪ ،‬وألنهــا‬ ‫اســتهلكت شــغفي بحــل املشــاكل ومــلء‬ ‫الفراغــات ‪ .‬لــم أكــن منــذ طفولتــي أؤمــن‬ ‫حقيقــة بالنهايــات الســعيدة‪ ،‬ليــس يف‬ ‫الدنيــا علــى األقــل‪ ،‬فــأي شــيء ينتهــي‬ ‫إلــى املــوت ال يعتبــر يف تصــوري نهايــة‬ ‫ســعيدة‪ ،‬نحــن نفــرح باخلامتــة احلســنة‬ ‫ألنهــا تدعــو إلــى حســن املــآل‪ ،‬ال ألنهــا‬ ‫جميلــة بحــد ذاتهــا‪ ،‬ومــن أجــل هــذه‬ ‫النظريــة تكــ ّون عاملــي فأنشــأت يف‬ ‫مخيلتــي مســرحاً ضخمــاً ابتكــرت فيــه‬ ‫شــتى أصنــاف الشــخصيات‪ ،‬وشــرعت‬ ‫أغ ّذيــه باحلكايــات املعدلــة‪ ،‬مب ّدلــة يف‬ ‫ســياق األحــداث عبــر إضافــة شــخصيات‬ ‫جديــدة أو إلغائهــا أو متابعــة األحــداث‬ ‫بعــد اخلامتــة ‪ .‬لــم يزعجنــي غيــاب‬ ‫النهايــة يف روايــة ثمانــون عامــاً بحثــاً‬ ‫عــن مخــرج التــي استُشــهد كاتبهــا قبــل‬ ‫إنهائهــا‪ ،‬بــل ق ّدمــت لــي خدمــة بترســيخ‬

‫قناعتــي يف هــذا اجلانــب‪ ،‬وأثبتــت لــي‬ ‫أن احلكايــات قابلــة للتغييــر‪ ،‬فالقصــة‬ ‫ُوجــدت إللهامنــا وإثــارة خيالنــا‪ ،‬ويكنكــم‬ ‫أن تقــرؤوا مذكــرات إيزابيــل اللينــدي‬ ‫فهــي كاتبــة ذات خيــال واســع‪ ،‬كانــت تثيــر‬ ‫الرعــب يف نفــوس أحفادهــا ألنهــا تؤمــن‬ ‫أنــه ال يوجــد أفضــل مــن اخلــوف لتنميــة‬ ‫املخيلــة ‪.‬‬ ‫اعتدت على رواية احلكايات يف وقت‬ ‫مبكــر مــن حياتــي‪ ،‬تقمصــت شــخصية‬ ‫احلـ ّكاء‪ ،‬وتظاهــرت بالشــيخوخة‪ ،‬ودربــت‬ ‫صوتــي علــى القــص وط ّوعتــه علــى‬ ‫اإلقنــاع‪ ،‬ممارسـ ًة هوايتــي علــى األطفــال‪،‬‬ ‫الذيــن يشــكلون جمهــوراً متحمسـاً‪ ،‬فــكان‬ ‫انســجامهم العــذب وحماســتهم مــع‬ ‫القصــة مدغدغــاً للشــعور‪.‬‬ ‫لــم تكــن حكاياتــي تنتهــي نهايــة‬ ‫ســعيدة‪ ،‬وال أظننــي ختمــت حكايــة يف‬ ‫يــوم مــن األيــام‪ ،‬بــل غالبــاً مــا تنتهــي‬ ‫نهايــات مفتوحــة‪ ،‬قابلــة لالســتئناف ‪.‬‬ ‫كنــت أحكيهــا متسلســلة‪ ،‬منطقــت فيهــا‬ ‫اخليــال‪ ،‬وجعلــت كل األشــياء ممكنــة‪،‬‬ ‫وأعلنــت أن املســتحيل ممنــوع‪ ،‬محاولــة‬ ‫قــدر اإلمــكان التقليــل مــن اســتهالك‬ ‫الصــدف‪ ،‬وكثيــراً مــا توقفــت ألوضــح‬ ‫ّ‬ ‫وأثبــت قابليــة الفكــرة للتطبيــق‪ ،‬فتلــك‬ ‫كانــت قناعاتــي ‪.‬‬


‫رافقنــي مــع مــرور الزمــن ســؤال‬ ‫ملــح؛ وهــو إمكانيــة تغييــر القــدر‬ ‫الــذي بُنيــت عليــه أحــداث احلكايــة‬ ‫؟‪ .‬لقــد اعتمــد تالعبــي باحلكايــات‬ ‫علــى النهايــات فقــط‪ ،‬لــم أكــن أجــرؤ‬ ‫علــى تبديــل البدايــات وافتعــال أي‬ ‫تشــويه علــى أساســات القصــة‪ ،‬ألن‬ ‫حبكتهــا جيــدة وبنائها صلــب وأحببت‬ ‫تسلســلها‪ ،‬بــل اقتصــر تذمــري علــى‬ ‫النهايــات ‪ .‬كنــت أعلــم أن احلكايــة‬ ‫تفســد إذا غ ّيرنــا يف بدايتهــا‪،‬‬ ‫فاملقدمــة أســاس الطريــق‪ ،‬والبدايــة‬ ‫هــي اجلوهــر‪ ،‬فلــو أن زوجــة األب‬ ‫يف حكايــة ســندريال النــت يف موعــد‬ ‫ذهابهــا إلــى احلفلــة واصطحبــت‬ ‫معهــا ابنــة الــزوج بفســتان والدتهــا‬ ‫القــدمي ومنظرهــا الــرث‪ ،‬ملــا لفتــت‬ ‫انتبــاه أحــد‪ ،‬مهمــا كان توهــج‬ ‫روحهــا‪ ،‬فقــوة القصــة تعتمــد علــى‬ ‫وصولهــا املتأخــر ودخولهــا امللكــي‬ ‫إلــى القصــر بفســتان ليــس لــه مثيــل‬ ‫‪ .‬فبعدمــا تــالءم احلضــور مــع املــكان‪،‬‬ ‫وتالشــى توترهــم‪ ،‬وأصبــح املــكان‬ ‫مألوف ـاً للجميــع‪ ،‬جــاءت هــي بلحظــة‬ ‫مدروســة ومعــدة إعــداداً دقيقــاً‬ ‫لتلفــت االنتبــاه وتشــد أنظــار الــكل‬ ‫مبــن فيهــم احلــرس امللكــي والســقاة‬ ‫واجلوقــة‪ ،‬فهــذا املوقــف هــو احلــدث‬ ‫الضخــم الــذي م ّيزهــا ومنحهــا‬ ‫شــهرتها العامليــة ‪.‬‬ ‫يف التاســعة مــن عمــري تقريبــاً‬ ‫تعرفــت علــى قصــة يوســف‪ ،‬عندمــا‬ ‫كانــت معلمــة الديــن تســتغل الوقــت‬ ‫املتبقــي بعــد نهايــة الــدرس لتقــص‬

‫علينــا القصــص القرآنيــة بصــوت‬ ‫زاخــر باإلثــارة تثقلــه اللهجــة‪،‬‬ ‫اكتشــفت يومهــا أن املصحــف يحتفــظ‬ ‫بــن دفتيــه بقصــص مشــ ّوقة‪ ،‬وال‬ ‫أنســى حلظــة الدهشــة التــي متلكتنــي‬ ‫عندمــا أخبرتنــا عــن قصــة يوســف‬ ‫عليــه الســالم‪ ،‬امتــأل قلبــي حلظتهــا‬ ‫باالنتشــاء‪ ،‬وانطلــق يســري يف دمــي‬ ‫إحســاس عــذب ولذيــذ‪ ،‬نــوع مــن‬ ‫النشــوة النــادرة واجلديــدة كليـاً علــي‪،‬‬ ‫تلــك النشــوة التــي ألفــت صحبتهــا‬ ‫فيمــا بعــد كلمــا قــرأت كتاب ـاً جيــداً‪.‬‬ ‫عشــقت فــوراً تلــك القصــة‪ ،‬وبقيــت‬ ‫ثملــة مــن تأثيرهــا لســنوات‪ ،‬كانــت‬ ‫أقــوى قصــة جديــرة بــأن حتكــى‪،‬‬ ‫مــن يومهــا وأنــا أعكــف علــى قــراءة‬ ‫ســورة يوســف‪ ،‬حتــى صــارت جرعتــي‬ ‫العالجيــة عنــد األزمــات‪ ،‬ومه ّدئــي‬ ‫يف أوقــات احملــن‪ ،‬متدنــي بالســكينة‬ ‫وتغمرنــي بالســالم كلمــا طحنتنــي‬ ‫مصاعــب احليــاة‪ ،‬وتعتقنــي من ســجن‬ ‫املنطقيــة وماد ّيــة اللحظــة‪ ،‬علمتنــي‬ ‫القــوة‪ ،‬والشــجاعة‪ ،‬ورباطــة اجلــأش‪،‬‬ ‫والرســوخ علــى املبــدأ‪ ،‬وإمكانيــة‬ ‫األمنيــات‪ ،‬والعديــد مــن املعانــي التــي‬ ‫ال يســع املجــال إلحصائهــا ‪.‬‬ ‫أســرتني حكايــة ســندريال وقصــة‬ ‫يوســف عليــه الســالم ألنهمــا كانتــا‬ ‫بدايــة انغماســي يف القــراءة الفعليــة‬ ‫لشــتى املجــاالت‪ ،‬كمــا أنهمــا كانتــا‬ ‫تثيــران التســاؤل وتقهــران الفضــول‪،‬‬ ‫وتتحديــان املنطــق الــذي ولــدت‬ ‫بكميــة وافــرة منــه‪ ،‬ومــع وجــود عنصر‬ ‫املفاجــأة التــي انهــار ثقلهــا علــى‬

‫الــروح كالعســل كان امللــل مســتحي ً‬ ‫ال ‪.‬‬ ‫قصتــان مــن تياريــن مختلفــن تعبــران‬ ‫عــن نشــأتي يف خليــط مجتمعــي‬ ‫متنــوع؛ بعضــه منفتــح علــى التغريــب‪،‬‬ ‫وبعضــه محافــظ ومتحفــظ ‪.‬‬ ‫بالرغــم مــن تناقــض القصتــن يف‬ ‫انتمائهمــا إال أن رابــط تأثــري بهمــا‬ ‫اعتمــد علــى تطــور احلــال مــن الفقــر‪،‬‬ ‫والتهميــش‪ ،‬والعبوديــة‪ ،‬إلــى املكانــة‪،‬‬ ‫والتقديــر‪ ،‬واحلظــوة االجتماعيــة‪،‬‬ ‫وكذلــك مكافــأة حســن األخــالق‬ ‫بتغييــر احلــال ‪.‬‬ ‫صنعتنــي صحبــة احل ّكائــن‪،‬‬ ‫وأشــدهم عطــا ًء وأكبرهــم قيمــة‬ ‫أولئــك الســاكنن بــن دِ فــاف الكتــب ‪.‬‬ ‫لقــد تلمســت مــن احلكايــات طريقــي‪،‬‬ ‫وتعلمــت منهــا مهــارة نقــل األحــداث‪،‬‬ ‫وأحيانــاً محــاكاة شــخوصها بالســير‬ ‫علــى نهجهــم والتعلــم مــن مواقفهــم ‪.‬‬ ‫تكمــن القــوة دائمــاً يف احلكايــة‬ ‫اجليــدة‪ ،‬كل حكايــة قرأتهــا ســاهمت‬ ‫يف صناعــة مــا أنــا عليــه اآلن‪،‬‬ ‫علمتنــي القــراءة تخفيــف املنطــق‬ ‫وتضخيــم اخليــال‪ ،‬فصــارت تســتأثر‬ ‫بــي مهمــا كانــت ســيطرة الواقــع و‬ ‫النشــوة املكتســبة مــن حكايــة جيــدة‬ ‫لوقــت طويــل‪ .‬احلكايــات املؤثــرة هــي‬ ‫مشــروع بحــث ال ينتهــي لــكل قــارئ‬ ‫نهــم‪ ،‬فهــي التــي تؤثــر بنــا وتأخــذ‬ ‫مبشــاعرنا‪ ،‬وتســتفز أحاسيســنا‪،‬‬ ‫ومتنحنــا قفــزة التغييــر التــي نترقبهــا‬ ‫ونبحــث عنهــا يف احليــاة ‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫تن َهــا ُل عليــك الكثيــر مِ ــن الكلِمــات‬ ‫ُ‬ ‫ـت أبحــث‬ ‫املصفوفــةِ بِعنايــة‪ ،‬وتُبهــرك‬ ‫األســطر ال لــم تنتَهــي احلِ كايــة ب َعــد‪ِ ،‬‬ ‫الزلـ ُ‬ ‫املُزينــة ب َ‬ ‫األحــ ُرف العظيمــة بــن الســطور عــن تلك األعــن التي قرأت‬ ‫ِزخــارف‬ ‫َ‬ ‫إيذانــاً بِبــدء ِرحلتــك مــع الكِ تــاب ! ن َفــس هــذه ال َكلِمــات‪ ،‬عن الدهشــات التَي‬ ‫اعترتهــم‪ ،‬عــن مشــاعر تعتمل يف نفوســهم‬ ‫نحــو النِهايــة‬ ‫ذات مســاء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أمســكت بِروايــة (ثُالثيــة أثنــاء القِ ــراءة‪ ،‬عــن توق َعاتِهــم َ‬ ‫ـدأت أقــرأ واخلِ تــام ‪ِ ،‬‬ ‫وصــرت أقــارن بــن قِ راءتــي‬ ‫ُغرناطــة) لـــ رضــوى عاشــور وبـ ُ‬ ‫روحــي إال وقــد تنقلَّــت معهــا وقراءتِهــم ‪ ،‬وهــل أعجبتهــم هــذ ِه الفِ كــرة‬ ‫فلــم ِ‬ ‫أجــد َ‬ ‫يف عوالــم ُمختلِفــة ليســت تِلــك املُتعلقــة مِ ثلــي أم َ‬ ‫جتاوزوهــا ِبــدون اقتِنــاع !!‬ ‫مبوضــوع الكِ تــاب ذا ِتــه ‪ ،‬بــل أعمــق وأكثــر‬ ‫تاب قدياً ِجداً!؟‬ ‫بُعــداً !!‬ ‫فكيف إذا كان الكِ ُ‬ ‫حين َهــا يــزداد لــدي ُ‬ ‫الشــعور بِاألثيريــة‪،‬‬ ‫اللحظــات األولــى تخ ّيــل أن تقــرأ كِ تاب ـاً قــد ألُــف يف عالــم‬ ‫ُكنــت أغــوص يف‬ ‫َ‬ ‫لل ُمؤلفــة أثنَــاء الكِ تابــة‪ ،‬يف البدايــة التــي قــدمي‪ ،‬ومــن ســنن طويلــة‪ ،‬وقــرأهُ آالف‬ ‫الروايــة‪ ،‬أثنــاء ُشــروعها يف األشــخاص قبلــك وتشــ ّكلت لديهــم‬ ‫شــ ّكلت ِ‬ ‫ِ‬ ‫انطباعــات وانتِقــادات كثيــرة‪ ،‬بــل قــد‬ ‫ال َكلِمــة األولــى واكتِمــال الســطر األول‬ ‫حلظــة االنتِهــاء َ‬ ‫واملُســودة األولــى ‪ْ ،‬‬ ‫ونشــوة يكــون قــرأه ُعظ َمــاء تتَــوق للجلــوس معهــم‬ ‫حلظــة البحــث عــن نَاشــر‪ ،‬وا َ‬ ‫اإلجنــاز‪ْ ،‬‬ ‫ـرب مِ ــن‬ ‫حلديــث إليهــم‪ّ ،‬‬ ‫أي وكأنــك تشـ ُ‬ ‫شــربوا مِ نهــا‪.‬‬ ‫عــن الغِ ــالف واألف ـ َكار ال َكثيــرة لــه‪ ،‬عــن ذات الــكأس التــي ِ‬ ‫بــدأت أتخ ّيــ ُل‬ ‫ال ُعنــوان و َكيفيــة اخت َيــاره‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫متســكت حينمــا رفعــت كــوب القهــوة ألشــرب‪،‬‬ ‫كيــف اقتنَعــت بال ُعنــوان‪ ،‬و َكيــف ّ‬ ‫صــورة الغِ ــالف توقفــت ألتأ َمــل أكثــر‪ ،‬كــم شــخصاً حينمــا‬ ‫ورســمت مِ ــن ِخاللــه ُ‬ ‫بــه َ‬ ‫صــوره قــرأ ذات الكِ تــاب قــد شــرب الق َهــوة أيضـاً‬ ‫ليكتمِ ــل بــن يَديهــا الكِ تــاب بِأبهــى ُ‬ ‫َ‬ ‫الدهشــة وا ُ‬ ‫!!‬ ‫حلبــور !‬ ‫ومتتلِكهــا‬

‫صفحــات‬ ‫ـت أن ال ُكتــب ليســت ُمجــرد‬ ‫أيقنـ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مكتُوبــة‪ ،‬بــل حتمِ ــل بــن ط ّياتِهــا الكثيــر‬ ‫واألحاديــث واخليَــاالت‬ ‫مِ ــن الذكريَــات‬ ‫َ‬ ‫والقُــراء وإن ت َعــددت النُســخ وكثُــرت‬ ‫الطب َعــات !‬ ‫مخزونــاً ثقافيــاً‬ ‫وأن القِ ــراءة ال تُعطيــك َ‬ ‫وم َعلوماتيـاً فقــط‪ ،‬بــل إنهــا تفتـ ُح لقل ِبــك‬ ‫آفاقــاً ِ‬ ‫واســعة‪ ،‬تغ ُمــ ُر شــ ُعورك بال َكثيــر‬ ‫مِ ــن التنَا ُقضــات و احل َمــاس و االمتِــالء‬ ‫‪ ،‬تُلهِ ــب خيالــك وتُعــزّز ِ‬ ‫داخلــك كــم مِ ــن‬ ‫األفـ َكار املُتشــعِ بة مـ ّرت أثنَــاء قراء ِتــه مِ ــن‬ ‫َقب ِلــك ومِ ــن بعــدِ ك‪.‬‬ ‫إن الشــ ُعور باالنتِمــاء أثنــاء القِ ــراءة‪،‬‬ ‫ضــروري حتــى تهِ ــب الكِ تــاب ُكل طاق ِتــك‬ ‫واســتي َعابِك ‪ ،‬و ُرغــم بقائــك وحيــداً مــع‬ ‫يعزلــك عــن اآلخريــن إال‬ ‫الكِ تــاب وقــد ِ‬ ‫وحــدك يف‬ ‫أنــ ُه يُخبِــرك أنــك لســت َ‬ ‫َهــذه ال ُعزلــة‪ ،‬فقــد قرأنــي غي ـ ُرك كثيــر‪،‬‬ ‫وألهمتهــم ذات الصفحــة التــي ألهمتــك‬ ‫وقــد شــربوا الق َهــوة مِ ثلــك متام ـاً ‪ ،‬فــال‬ ‫تقلــق مِ ــن ُعزلتِــك البه ّيــة ‪.‬‬ ‫زهرة الصالح‬ ‫‪@meeladfajr‬‬

‫‪20‬‬


‫افتراضيـاً؛ أضحــت الكتابــة مهنــة مــن‬ ‫ال مهنــة لــه‪ ،‬وهوايــة مــن ال هوايــة لــه وال‬ ‫مهــارة ‪ ،‬الغالبيــة ال ُعظمــى شـقّت طريقهــا‬ ‫يف هذا املجال واختارت أن تُع ّرف بنفسها‬ ‫ضمــن فئــة الكـ ـتّاب‪ ،‬وهــذا االختيــار هــو‬ ‫املـــشكلة بحــد ذاتهــا ؛ إذ أن الكتابــة لــم‬ ‫تكــن يومـاً اختيــار! وأن مخضرمــي األدب‬ ‫لــم يختــر أحـ ٌد منهــم أن يكتــب ولــم يســبق‬ ‫ألحدهــم أن عـ ّرف عــن نفســه بهــذا أبــداً‪،‬‬ ‫ولم يكن كاتبــاً مبحــض إرادته كانــت‬ ‫ظــروف حتمــت ذلــك وأوجبتــه إلــى جانــب‬ ‫وجود املهــارة ووجــود اللغــة أصــ ً‬ ‫ال ممــا‬ ‫أ ّدى بالشــخص الــذي يتلكهــا ألن يجــد‬ ‫نفســه يكتــب بــال ُمشــارطات بــال اختيــار‬ ‫وبــال مشــقة هــو يكتــب فحســب‪ ،‬ألن قــدره‬ ‫أن يكتــب‪ ،‬وســيلته يف الصــراخ أن يكتــب‪،‬‬ ‫شــكواه و نحيبــه أن يكتــب‪ ،‬بينمــا لــم يُقـ ّدر‬ ‫آلخــر مثــ ً‬ ‫ال أن يكتــب‪ُ ،‬قــ ّدر لــه أن تأتــي‬ ‫انفعاالتــه مثــ ً‬ ‫ال يف إطــار الغنــاء‪ ،‬رمبــا‬ ‫الرقــص رمبــا الثرثــرة دون توقــف‪ ،‬ورمبــا‬ ‫التهريــج‪ ،‬ك ٌل لــه طريقتــه التــي لــم يخترهــا‬ ‫عمــداً يف ترجمــة انفعاالتــه الالإراديــة‪،‬‬ ‫املعضلــة كلهــا تتشــكل يف االختيــار‪ ،‬أن‬ ‫يُقــدِ م شــخص ُمرتــاح البــال والقلــب‬ ‫ليقــرر بــن ليلــة وضحاهــا أن يكتــب‪،‬‬ ‫ليســت هــذه مبشــكلة كبــرى فبإمــكان‬ ‫املتمــرس ي اللغــة واملُجيــد لتصريفاتهــا‬ ‫ومفرداتهــا أن يصبــح كاتبـاً وفــق خياالتــه‬ ‫وأفكاره‪ ،‬املشــكلة أن يكــون الشــخص‬ ‫ال متامــاً باألبجدية فاشــ ً‬ ‫جاهــ ً‬ ‫ال بشــكل‬ ‫واضــح لتصريفــات اللغــة األساســية ‪ ،‬ال‬ ‫ـت كلماتــه للعربيــة بأيــة صلــة وليس من‬ ‫متـ ّ‬ ‫ترابــط أو اتزان وينطلــق بهــذه الشــاكلة‬ ‫ككاتــب افتراضــي يُقــرأ لــه الكثيــر الكثيــر‪،‬‬ ‫يُصــدق هــذه الهالــة حولــه ح ـ ّد أن يفكــر‬

‫بطباعــة كتــاب ! توقــف هنــا ‪ ..‬جميعنــا‬ ‫بــال اســتثناء صعاليــك يف اللغــة وإن‬ ‫أجدناهــا متــام اإلجــادة تبقــى بالنســبة‬ ‫للجميــع ِســراً يســتحيل القبــض علــى كل‬ ‫خيوطــه‪ ،‬اجلميــع و دون اســتثناء اتفــق أن‬ ‫االنســان مهمــا بلــغ مــن علمــه مبلغــه‪ ،‬فإنــه‬ ‫اليــزال جاهــ ً‬ ‫ال بالكثيــر وينتظــره الكثيــر‬ ‫ليتعلمــه ويعمــل به‪ ،‬كيــف بــك أنــت الــذي‬ ‫ال تفقــه فيهــا حتــى مــا تعلمــه منهــا ؟ ال‬ ‫يعطيهــا حقهــا كلغــة مقدسة يســتخدمها‬ ‫يف أبشــع الصــور واألشــكال يُص ّر باســمها‬ ‫و بســخفه أن يكــون كاتبــاً حتــت مظلــة‬ ‫الفصحــى العربيــة ؟ أنــت ُمثرثــ ٌر ليــس‬ ‫إال؛ حتتــاج ل ُهدنــة طويلــه جــداً مــع‬ ‫الكتابة‪ ،‬حتتــاج أن تــركل كل جمهــورك‬ ‫الســاذج عنــك جانباً وتُصــادق ذاتــك‬ ‫قليـ ً‬ ‫ال يف عـــزلة غرضهــا النضــج ‪ ،‬انضــج‬ ‫ومــن ثــم تعلــم استشــعار األشــياء حتــى‬ ‫وإن لــم تكــن قــد مــررت بهــا كتجربــة‪،‬‬ ‫تعلــم كيــف تختــرق كل شــعور حتــى يتحــول‬ ‫القلــب الــذي يســكنك إلــى ظـ ٍـل ألصحــاب‬ ‫املأســاة واملواجــع ‪،‬صدقنــي هدنــة واحــدة‬ ‫وعزلــة واحــدة كفيلــة بتحويلــك مــن مثرثــر‬ ‫واع وناضــج‪ ،‬ال تعبُــر مــن أمامه‬ ‫إلــى قــارئ ٍ‬ ‫الكلمــات إال وقــد نقحهــا بوعــي وإجــادة‬ ‫ـس أن اهلل عــز‬ ‫‪،‬قبــل أن تكتــب اقــرأ‪ ،‬وال تنـ َ‬ ‫و جــل أوصــى بهــا نبــي األمــة صلــى اهلل‬ ‫عليــه وســلم ثالثاً‪ ،‬لم يقــل اكتــب بــل اقــرأ‬ ‫ثــم اقــرأ ثــم اقــرأ ‪ .‬بــادر خللــوة تنويريــة‬ ‫تُضــيء قلبــك وعقلك‪ ،‬انضـ ْج تعلَّـ ْم ادخــل‬ ‫أرواح الكتــب لرأســك فلن تخــرج مــن ذلــك‬ ‫ـب‬ ‫إال بحصـ ٍـاد عظيم وقــارئ عظيــم أو كاتـ ٌ‬ ‫أعظــم ورمبــا كليهمــا معـاً ‪ ..‬ال تك ْن « ممن‬ ‫مــن يرطنــون بألفـ ٍ‬ ‫ـاظ معوملـ ٍـة‪ ،‬مــن يقتُلــون‬ ‫جمــال َّ‬ ‫بــأن‬ ‫الضــاد دون حيــاء ويز ُعمــون ّ‬

‫اجلِ ـ ّد كاللعــب « ال تــدع لغتــك تتصلّــب يف‬ ‫زاويــة مظلمــة و شــاحبة وال حتــرم عقلــك‬ ‫مــن اكتســاب املفــردة النقيــة والفصاحــة‬ ‫التــي ال يشــوبها شــائب‪ ،‬اقرأ فحســب‬ ‫لســت أهــ ً‬ ‫ال‬ ‫وانــس كل الــذي كتبــت ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ـت يف خضــم هــذا كلــه‬ ‫ـ‬ ‫كن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ولك‬ ‫‪،‬‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫للنص‬ ‫ُ‬ ‫وال زلت أُناضــل يف خلــوة ألنصــرف متامـاً‬ ‫عــن هاجــس الكتابــة ›ألنتقــل مــن فكــرة‬ ‫طباعــة كتــاب إلــى اقتنــاء كتــاب ‪ ،‬فحـــباً‬ ‫بــاهلل ثــم لغــة القــرآن املقدســة لنقــرأ‬ ‫فحســب‪ ،‬فقد وجــدت يف هــذا كل النضــج‬ ‫والتغييــر الــذي استشــعرته يف ذاتــي و مــن‬ ‫حولــي‪ ،‬و مــن هنــا فلتعلــم يــا صديقــي أن‬ ‫التجربــة خيــر بُرهــان و جتربتــي برمتهــا‬ ‫بــكل انفعاالتهــا هنــا ليســت نصيحــة و‬ ‫تهكم إمنــا ُحبــاً للغــة و وال ًء لها‪ ،‬وغيــرة‬ ‫شــريفة عليهــا مــن كل األنامــل التــي‬ ‫تســتظل حتتهــا بطريقــة مشــوهة وظاملــة‪،‬‬ ‫ودعــوة صاحلــة مردودهــا فيــه مــن اخليــر‬ ‫الكثيــر لــك ولألعــن التــي تتــوق لرؤيــة‬ ‫فكـ ٍـر ينضــح بالنضــج والعمــق ‪.‬‬ ‫يختنــق الكاتــب بفطرتــه يــا أصحــاب‬ ‫حــن تضيــق عليــه لغتــه َويــوت مــن حولــه‬ ‫رتابــة وســأم مــن مفرداتــه املتكــررة ‪ ..‬لــذا‬ ‫تنفســوا استنشــقوا احليــوات املتفرقــة يف‬ ‫الكتــب ‪ ،‬أحيــوا أنفســكم مــن جديد ثــم‬ ‫هاتــوا النصــوص التــي تختمــر بقلوبكــم‬ ‫املســتجدة لتنبعــث فينــا روح الذهــول‬ ‫َوالشــغف للحــرف منكــم ‪ ..‬دعــوة للقــراءة‬ ‫و ُهدنــة مــع الكتابــة حتــى حــن والدة‬ ‫كــر جديــد َولغــة باذخــة العمــق‪ ،‬وحتــى‬ ‫فِ ٍ‬ ‫ذلــك احلــن؛ فلتُضــيء عقولكــم معرفــة‬ ‫وفكــر ‪ ،‬ولتُزهــر يف أرواحكــم نشــوة‬ ‫التحليق لتكونــوا غيــر أنتــم ‪.‬‬ ‫أروى الزهراني‬ ‫‪rorozahrani123@gmail.com‬‬

‫‪21‬‬


‫هناء احلمراني‬ ‫‪@hana_al_homrani‬‬

‫اعتــادت مكتبتــي أن تســتضيف‬ ‫بــن فتــرة وأخــرى مجموعــة جديــدة‬ ‫مــن الكتــب‪ ،‬كانــت كل مجموعــة تعيــش‬ ‫تباينــاً أو انســجاماً بــن موضوعاتهــا‬ ‫ـت يف كل مــرة أتأمــل‬ ‫التــي تناقشــها‪ ،‬وكنـ ُ‬ ‫مئــات الكتــب التــي مــا زالــت متلفعــة‬ ‫بالبالســتيك الشــفاف أتســاءل بينــي‬ ‫ٍ‬ ‫بشــغف متــى يكننــي أن‬ ‫وبــن نفســي‬ ‫أنهــي قــراءة كل هــذه الكتــب‪.‬‬ ‫علــى مركــب األيــام تطــوى أعمارنــا وما‬ ‫تــزال مكتبتــي تســتقبل ضيوفاً جــدداً دون‬ ‫قدرتهــا علــى التعــارف واإلفصــاح عمــا‬ ‫يف نفســها ‪ ،‬ونــداء موحــد مــن اجلميــع‪:‬‬ ‫اقرئينــا‪.‬‬ ‫أتنقــل مــن عمــل إلــى آخــر‪ ،‬ومــع كل‬ ‫انتقــال تتغيــر اختياراتــي ملضامــن الكتــب‬ ‫التــي أقتنيهــا حتــى صــارت املكتبــة مهــوى‬ ‫لــكل محــب أ ّيـاً كان حبيبــه‪.‬‬ ‫ومــع عاداتــي الســيئة يف القــراءة‬ ‫ازددت بعــداً عــن مكتبتــي الفاتنــة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فالقــراءة علــى الســرير‪ ،‬جتعلنــي‬ ‫ُ‬ ‫اســتهلك أســابيع عديــدة لقــراءة كتــاب‬ ‫واحــد‪ ،‬اإلحســاس بامللــل‪ ،‬نســيان القلــم‪،‬‬

‫‪22‬‬

‫االنتشــاء بفكــرة جتعلنــي أتــرك الكتــاب‬ ‫ألتلــذذ باســتعادتها يف ذاكرتــي‪ُ ،‬حلمــي‬ ‫األزلــي بــأن أكتــب كتابــاً رائعــاً‪ ،‬القــراءة‬ ‫بعــد االنتهــاء مــن أعمالــي اليوميــة‪ ،‬كل‬ ‫ذلــك كان كفيــ ً‬ ‫ال بإيــذاء عــادة القــراءة‬ ‫اجلميلــة لــدي‪.‬‬ ‫ولكــن لــذة املعرفــة والشــغف بتلــك‬ ‫الصفحــات وأهــدايف الكبــرى التــي أرجــو‬ ‫حتقيقهــا يف حياتــي جعلتنــي أقــرر إعــادة‬ ‫النظــر يف ممارســاتي الســابقة والضــرب‬ ‫بيــد مــن حديــد مليــالد قرائــي جديــد‪.‬‬ ‫حتــدي املائــة كتــاب كان هديــة مــن‬ ‫الســماء‪ ،‬جعلنــي أضــع بجــوار الســرير‬ ‫مجموعــات منوعــة مــن الكتــب‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال‬ ‫عــن حمــل الكتــاب املختــار يف حقيبتــي‬ ‫ألتخــذه صديقــاً لــي يف طريقــي إلــى‬ ‫العمــل ويف ســفري ويف مــكان إقامتــي‪.‬‬ ‫لــم يكــن التحــدي متعلقـاً بالكــم بقــدر‬ ‫مــا كان يعنــي وجــود هــدف أســتطي ُع مــن‬ ‫خاللــه القــراءة مهمــا كانــت الظــروف‬ ‫وأ ّيــاً كان موضــوع الكتــاب‪.‬‬ ‫املوضوعــات املتشــابهة غاصــت بــي يف‬ ‫أعماقهــا ‪ ،‬واملوضوعــات املتنوعــة شـ َّكلت‬

‫يف ذهنــي مزيجــاً مترابطــاً مــن األفــكار‬ ‫اجلديــدة املذهلــة‪.‬‬ ‫أســئلة كثيــرة يطرحهــا رأســي فأجــد‬ ‫اإلجابــات الرائعــة بعــد كتابــن أو ثالثــة ‪،‬‬ ‫وكــم مــن ســؤال لــم أجــد إجابتــه إال بعــد‬ ‫قــراءة عشــرات الكتــب‪.‬‬ ‫عالــم التفكيــر أصبــح أكثــر متعــة‪،‬‬ ‫األهــداف أصبحــت أكثــر وضوحــاً‪،‬‬ ‫األحــالم اقتربــت أو أننــي أنــا مــن اقتــرب‬ ‫ـدأت أشــعر بدفئهــا يلمــس‬ ‫منهــا حتــى بـ ُ‬ ‫يــدي‪.‬‬ ‫أطــراف أصابــع‬ ‫َّ‬ ‫حتــى كتبــي التــي ربطــت األفــكار‬ ‫فيمــا بينهــا أصبحــت تتحــدث مــع‬ ‫بعضهــا بســعادة غامــرة‪ ،‬ويف ضجيجهــا‬ ‫الالمســموع كنــت أجــد حلنــي املفضــل‪،‬‬ ‫كنــت أســمع الكتــب تتســاءل يف شــوق‬ ‫متــى يحــن دوري لكــي تقرأنــي؟‬ ‫لــم أنتــه بعــد مــن التحــدي‪ ،‬ولكننــي جنيت‬ ‫ثماره‪.‬‬ ‫واعجبــا! كيــف يفــوز املتســابق وهــو لــم‬ ‫يصــل بعــد إلــى خــط النهاية‪.‬‬


‫لــي مــع الليــل شــأ ٌن خــاص‪ ،‬ولــوال فكرة‬ ‫املقــال ملــا جتاوزتــه‪ ،‬علــى األقــل احترامـاً‬ ‫لســمرتي فشــبيه الشــيء منجــذب إليــه‬ ‫كمــا قيــل ‪.‬‬ ‫أعود فأقول ‪:‬‬ ‫أعــددت متكئــي مبكتبتــي نهــاراً علــى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ملوعــد‬ ‫شــاكلة احتفاليــة‪ ،‬ونفســي تهفــو‬ ‫بصحبــة مأثــرة القــراءة وقيثــارة الكتــب‬ ‫ُ‬ ‫والســارح يف ملكــوت الكــون املكتباتــي‬ ‫ألبرتُــو مانغويــل !! وقــد كان ‪...‬‬ ‫حضــرت مانغويــل مــن خــالل كتابــه‬ ‫ُ‬ ‫(املكتبــة يف الليــل) كأنــي بطــل فلــم (باعث‬ ‫الكتــب) الــذي كان ُيــارس إحياءهــا‪،‬‬ ‫وبــدأت الصحبــة بالبــكاء ‪.‬‬ ‫كان الذي أبكاني ـــح ّد التضاؤل ـ ذوباً‬ ‫وخجــ ً‬ ‫ال تواضــع ألبرتــو ملكتبتــه وكتبهــا‪،‬‬ ‫حــن قــال ‪ ... « :‬و إننــي حتَّــى ممــن‬ ‫ألنهــا جتيــز حضــوري بينهــا‪ ،‬أحيانــاً‬ ‫أشــع ُر بأنــي أســيء هــذا االمتيــاز » !!‬ ‫و قولــه « قضيــت نصــف قــرن بجمــع‬ ‫الكتــب‪ ،‬و بكــرم ال حــد لــه قدمــت لــي‬ ‫كتبــي كل أنــواع اإلشــراقات‪ ،‬دون أن‬ ‫تســأل شــيئاً باملقابــل » ‪.‬‬ ‫وال غرابــة بالنســبة لــي يف مشــاعره‬ ‫جتــاه مكتبتــه‪ ،‬أو دعنــي أقــول املكتبــة‬ ‫أ ّي ـاً وأينمــا كانــت ‪ ،‬فألبرتــو يــرى املكتبــة‬ ‫داراً للتخاطــر خــارج مســتوى اللغــة التــي‬ ‫نعرفهــا ونســتخدمها ‪،‬فهاهــو يشــير إلــى‬ ‫ـجل فقــط‬ ‫أنــه أ ّلــف هــذا الكتــاب لـــ يُسـ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كشــاهد ال أكثــر !‬ ‫« وقائــع دهشــته »‬ ‫ويــرى أنهــا « أمكنــة مجنونــة علــى نحــو‬ ‫ممتــع » و أن الكتــب فيهــا « أدوات للفنــون‬

‫ال َقدريــة » ‪.‬‬ ‫و يُدلــي باعتـ ٍ‬ ‫ـراف متواضــع عــن كونــه‬ ‫« يف طيــش فتُوتــه كان يحلــم بــأن يصبــح‬ ‫أمــن مكتبــة » و « أنــه علــى الرغــم مــن‬ ‫أنــي ال أدعــو نفســي مكتبيــا بشــكل خــاص‬ ‫‪ ،‬إ ّال أنــي أعيــش وســط رفــوف كتــب ال‬ ‫تنفــك تتنامــى ‪ ،‬حيــث بــدأت حدودهــا‬ ‫تبــدو ضبابيــة ‪ ،‬أو أنهــا متاهــت مــع‬ ‫البيــت نفســه » ‪.‬‬ ‫و مــن كــرمي احليــاة فيهــا يــرى مانغويــل‬ ‫أن « حــب املكتبــات ‪ ،‬مثــل أكثــر احمل ّبــات‬ ‫‪ ،‬ينبغــي أن يُكتســب بالتعلّــم» ‪.‬‬ ‫و مــا أعجــب احلــب الــذي وقــع بينــه و‬ ‫بينهــا مــن أول نظــرة قبــل أن تُبنــى و هــي‬ ‫مجــرد حائــط مكــوم يف بيتــه ‪ ،‬وقــارئ‬ ‫الكتــاب ســيعرف أســرار هــذا احلــب ‪،‬‬ ‫وكيــف أنــه كان يراودهــا عــن نفســها وهــي‬ ‫يف طــور اإلنشــاء‪.‬‬ ‫أمــا عــن ليــل املكتبــة !! يقــول ‪« :‬‬ ‫يف الليــل حــن توقــد مصابيــح املكتبــة ‪،‬‬ ‫يختفــي العالــم اخلارجــي و ال يبقــى ســوى‬ ‫لعالــم‬ ‫انفتــاح‬ ‫فضــاء الكتــب » هكــذا يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ســراني ب ْكــر ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يُتــم يف وصفــه فيقــول ‪ « :‬يف الليــل‬ ‫يتبــدل اجلــو ‪ ،‬األصــوات متســي مكتومــة‬ ‫و األفــكار يعلــو صوتهــا ‪ ،‬يبــدو الوقــت‬ ‫أقــرب لتلــك اللحظــة بــن النــوم و اليقظــة‬ ‫و التــي يغــدو فيهــا إعــادة تخيــل العالــم‬ ‫ســه ً‬ ‫ال ‪ ... ،‬أحــس بحركاتــي دفينــة مــن‬ ‫غيــر قصــد ‪ ،‬و نشــاطي سـ ّري ‪ ،‬و أحتـ ّول‬ ‫إلــى مــا يشــبه الشــبح ‪ ...‬تشــكل الكتــب‬ ‫اآلن احلضــور الواقعــي و أنــا القــارئ‬

‫الــذي يكــون عبــر الطقــوس الصوفيــة‬ ‫للحــروف شــبه املرئيــة ‪ ،‬مغويــا و مقــاداً‬ ‫لكتــاب معــن و صفحــة معينــة » ‪ ،‬ألبرتــو‬ ‫أحســبو أنــك لســت موجــوداً حلظتهــا‬ ‫إال كآخــر كمــا أشــرت يف بدايتــك مــع‬ ‫مكتبتــك ‪.‬‬ ‫كان مــن أعجــب مــا أكــد عليــه أن‬ ‫«املكتبــة يف الليــل ليســت ألي قــارئ» !!‬ ‫ويعــرف هــذا املعنــى اخلطاطــون خاصــة‬ ‫كمــا يف روايــة ياســمن غاتــا (ليــل‬ ‫اخلطاطــن) ســلوهم ‪.‬‬ ‫أمــا حــن يغــادر مكتبتــه فهــذا أمــ ٌر‬ ‫آخــر ‪ ،‬يقــول ‪ « :‬عندمــا أقــرر يف نهايــة‬ ‫اليــوم أن أطفــئ ضــوء املكتبــة ‪ ،‬فأنــا‬ ‫أحمــل معــي إلــى النــوم أصــوات وحــركات‬ ‫الكتــاب الــذي كنــت أغلقتــه للتــو » ‪.‬‬ ‫ويف اخلتــام أُشــير إلــى إملاحـ ٍـة عذبـ ٍـة‬ ‫عــن ســبب (وجــود القــارئ) أساس ـاً كمــا‬ ‫يــرى مانغويــل ‪ ،‬يقــول ‪ « :‬كل قــارئ يوجــد‬ ‫كــي يضمــن لكتــاب معــن قــدراً متواضعـاً‬ ‫مــن اخللــود ؛ القــراءة بهــذا املفهــوم هــي‬ ‫طقــس انبعــاث » ‪.‬‬ ‫و كــي تبقــى احلــالوة يف كمونهــا‬ ‫ـس يف ليــل مكتبتــي‬ ‫أودعــك بقولــه ‪ « :‬جالـ ٌ‬ ‫ـب يف هــاالت الضــوء ‪ ...‬ويطيــب لــي‬ ‫أرقـ ُ‬ ‫أن أتخيــل يف اليــوم األخيــر مــن حياتــي‬ ‫‪ ،‬كيــف نهلــك أنــا و مكتبتــي مع ـاً ‪ ،‬حتــى‬ ‫إذا لــم ي ُعــد لــي وجــو ٌد فإنــي ســأبقى مــع‬ ‫مكتبتــي » ‪.‬‬ ‫تنويه ‪:‬‬ ‫عجــل ‪ ..‬و صالــح مكتبتــك ‪ ،‬فــإن ملكتبتــك‬ ‫ّ‬ ‫عليـ َ‬ ‫ـك ُح ّبا‪.‬‬ ‫علي محمد أبو احلسن‬

‫‪@draliaboalhasan‬‬

‫‪23‬‬


‫نسرين إسماعيل‬ ‫‪@nisreanismael‬‬

‫إنــه ملــن الصعــب التكلــم عنهــا بلســان‬ ‫احليــاد‪ ،‬وال أظــن أن أحــداً قــرأ لهــا‬ ‫فعرفهــا سيســتطيع أن يفعــل‪ ،‬فعــدا كونها‬ ‫قدمــت الكثيــر وأثْــرت املكتبــة العربيــة‪،‬‬ ‫لقــد جعلــت مــن كل قــارئ ألعمالهــا‬ ‫صديقــاً لهــا علــى نحــو شــخصي‪ .‬تقــرأ‬ ‫مــا كتبتــه فتتخيــل أن لقلمهــا عشــرة‬ ‫رؤوس إذ يكتــب بعشــرة أســاليب‪ ،‬لكــن‬ ‫صاحبــة األســاليب العشــرة كانــت بــروح‬ ‫واحــدة ‪ . . .‬روح واحــدة وفقدناهــا‪.‬‬ ‫القامــة األدبيــة الرفيعــة‪ ،‬القلــم‬ ‫النســوي املناضــل‪ ،‬الروائيــة األولــى‪ .‬يف‬ ‫زمــن تعانــي فيــه املكتبــة العربيــة مــن‬ ‫املتســلقن واملتملقــن بقــي قلمهــا يف‬ ‫أول القائمــة يحمــل شــعار العروبــة ولــواء‬ ‫القضيــة‪ ،‬تكتــب بقلــم قــرر منــذ أول قطرة‬ ‫حبــر فيــه أنــه ســيبقى لألجيــال ويُربــط‬ ‫بالتجــارب احملترمــة يف العالــم العربــي‪،‬‬ ‫وأنــه ســيكون رمــزاً ثقافيــاً ووطنيــاً‪.‬‬ ‫ولــدت الســيدة عاشــور عــام ‪١٩٤٦‬‬ ‫يف القاهــرة‪ ،‬درســت األدب اإلجنليــزي‬

‫‪24‬‬

‫وحصلــت علــى املاجســتير يف األدب‬ ‫املقــارن مــن جامعــة القاهــرة عــام ‪،١٩٧٢‬‬ ‫وبعــد ثــالث ســنوات نالــت الدكتــوراه‬ ‫يف الواليــات املتحــدة‪ ،‬لتعمــل فيمــا بعــد‬ ‫أســتاذة يف كليــة اآلداب بجامعــة عــن‬ ‫شــمس‪.‬‬ ‫لــم تكتــف الســيدة بنــوع واحــد يف‬ ‫إنتاجاتهــا الثريــة‪ ،‬فقــد توزعــت أعمالهــا‬ ‫مــا بــن دراســات نقديــة ومجموعــات‬ ‫قصصيــة وروايــات وأعمــال أخــرى‬ ‫صنفــت علــى أنهــا أعمــال تنتمــي للســير‬ ‫ُ‬ ‫الذاتيــة‪ ،‬وقــد حظيــت جميعهــا باهتمــام‬ ‫كبيــر مــن النقــاد العــرب‪.‬‬ ‫كتبــت رضــوى علــى مــدى أربــع‬ ‫ْ‬ ‫وثالثــن ســنة‪ ،‬وكانــت باكــورة أعمالهــا‬ ‫قــد صــدرت ســنة ‪ ،١٩٧٧‬وهــي دراســة‬ ‫يف أعمــال غســان كنفانــي حتــت عنــوان‬ ‫«الطريــق إلــى اخليمــة األخــرى»‪ ،‬وختمــت‬ ‫سلســة التميــز واإلجنــاز ســنة ‪٢٠١٣‬‬ ‫بروايتهــا «أثقــل مــن رضــوى» والتــي‬ ‫تناولــت فيهــا ســيرة حياتهــا ومــا كانــت‬

‫شــاهدة عليــه علــى الصعيــد العربــي‬ ‫والقومــي والشــخصي‪.‬‬ ‫القــارئ املتتبــع لكتــب وروايــات رضــوى‬ ‫ال يخفــى عليــه التطــور الــذي مــر بــه‬ ‫قلمهــا‪ ،‬فــإن كانــت روايتهــا « فــرج» تســرد‬ ‫بحبكــة متقنــة الكثيــر مــن األحــداث‬ ‫والتفاصيــل التــي تدمــج بــن احلقيقــة‬ ‫واخليــال‪ ،‬فإنهــا بروايتيهــا «الطنطوريــة»‬ ‫و«ثالثيــة غرناطــة» تفــردت باختــالف يف‬ ‫الرؤيــة‪ ،‬والتفاصيــل‪ ،‬وتقنيــات الســرد ال‬ ‫أعتقــد أن ســنيناً قصيــرة ســتأتي مبــن‬ ‫يشــغل محلهــا‪ ،‬أو يكــون منافســاً لهــا أو‬ ‫بدي ـ ً‬ ‫ال عنهــا‪.‬‬ ‫آثــرت رضــوى أن جتعــل ُجــ ّل أبطــال‬ ‫رواياتهــا نِســوة‪ ،‬يف «فــرج» البطلــة كانــت‬ ‫الثائــرة «نــدى»‪ ،‬ويف «ثالثيــة غرناطــة»‬ ‫كانــت «مريــة» عنوانــاً ألحــد األجــزاء‪،‬‬ ‫و «رقيــة» كانــت هــي «الطنطوريــة»‪ .‬يف‬ ‫محاولــة جــادة رمبــا للموازنــة بــن كفتــي‬ ‫ميــزان الروايــة العربيــة‪ ،‬قصــدت رضــوى‬ ‫لفعــل هــذا وأعتقــد أنهــا أفلحــت‪.‬‬


‫املصنّفــون للروايــة يُدرجــون أعمــال‬ ‫رضــوى حتــت بنــد الفكــر امللتــزم املنفتــح ‪.‬‬ ‫ففــي حــن أن رضــوى كانــت تكتــب وينــال‬ ‫مــا تكتبــه دهشــة وإعجابــاً وانتشــاراً‪،‬‬ ‫فإنهــا كســبت احتــرام جمهورهــا كذلــك‪،‬‬ ‫فهــي لــم تتكلــف ولــم تبتــذل ولــم تخــدش‬ ‫قيمــة إنســانية أو دينيــة أو عربيــة بــل‬ ‫علــى العكــس‪ ،‬لقــد رفعــت رضــوى‬ ‫ســقف توقعــات القــارئ العربــي و ّ‬ ‫منــت‬ ‫ذوقــه‪ ،‬وجعلــت مــن األعمــال التــي‬ ‫تغــص بالغراميــات‪ ،‬وجتعــل مــن احلــب‬ ‫والرومانســية شــغلها الشــاغل‪ ،‬أعمــاالً‬ ‫ســاذجة ودون املســتوى‪.‬‬ ‫كانــت رضــوى مناضلــة حتــى يف نقدهــا‬ ‫األدبــي‪ ،‬إذ أنهــا كانــت تتصــدى إلــى أي‬ ‫عمــل أدبــي جاعلــة مهمتهــا البحــث عــن‬ ‫اإلبــداع احلقيقــي ‪ .‬وتركــت لألجيــال‬ ‫رســالة حــول الفكــر املنفتــح امللتــزم‪،‬‬ ‫والــذي يصعــب الرهــان عليــه يف هــذا‬ ‫الزمــان الــذي امتــأل بكتّــاب ي ّدعــون‬ ‫اإلبــداع وال يصلــون إليــه‪ ،‬ويتلبســون‬ ‫بردائــه وال يليقــون بــه‪.‬‬ ‫وكانــت رضــوى قــد متيــزت مبواقفهــا‬ ‫الوطنيــة يف مجــال الدفــاع عــن الهويــة‬

‫العربيــة واالنحيــاز إلــى القضيــة‬ ‫الفلســطينية يف حياتهــا وترجمــت ذلــك‬ ‫إلــى أعمــال فنيــة ال شــك أنهــا ســتخلد‬ ‫يف ذاكــرة القــراء ‪ .‬لقــد كانــت مناضلــة‬ ‫حقيقيــة‪ ،‬مناضلــة علــى املســتوى الثقــايف‬ ‫واالجتماعــي والسياســي‪.‬‬ ‫نشــوءُ قلــم رضــوى بصحبــة مريــد‬ ‫البرغوثــي ـ زوجهــا ـ ال شــك أن لــه تأثيــره‬ ‫القــوي والواضــح‪ ،‬ويف روايتها الطنطورية‬ ‫ـ وهــي نســبة إلى قريــة الطنطورة الواقعة‬ ‫علــى الســاحل الفلســطيني جنــوب حيفــا‪،‬‬ ‫التــي حدثــت فيهــا املذبحــة العــام ‪١٩٤٨‬‬ ‫علــى يــد العصابــات الصهيونيــة ـ‪-‬وأنــت‬ ‫تقــرأ البــد لــك أن تقــف وال تــدري مــا‬ ‫ستســأله‪ ،‬أتســأل كيــف ملصريــة ولــدت يف‬ ‫القاهــرة ولــم تعــرف ُمريدهــا حتــى ســن‬ ‫العشــرين أن تكــون فلســطينية إلــى هــذا‬ ‫احلــد؟ أم إلــى أي حــد اســتطاع مريــد‬ ‫أن يتغلغــل يف روح رضــوى وقلمهــا حتــى‬ ‫صــارت هــي هــو؟ أو تســأل إلــى أي حــد‬ ‫كانــت رضــوى تؤمــن بالقضيــة؟‬ ‫كقارئــة ألعمــال الثالثــي‪ ،‬الرجــل‬ ‫وزوجتــه وابنهمــا حلظــت غيــر مــرة وجــود‬ ‫تشــابه كبيــر يف األســاليب ووقفــت علــى‬

‫ســياقات وتشــبيهات متطابقــة متامـاً‪ ،‬وال‬ ‫أدري صدفــة هــذا مــن افتعالــه ولكنــه‬ ‫شــيء يدعــو لالحتــرام علــى أيــة حــال‪.‬‬ ‫ودون أدنــى شــك‪ ،‬فــإن رضــوى مثلــت‬ ‫منوذجــاً للمثقــف العربــي األصيــل‪،‬‬ ‫وبنــت بأعمالهــا هرمــاً مهيبــاً للمــرأة‬ ‫املكافحــة واملناضلــة التــي تتجــاوز األلغــام‬ ‫والظــروف لتشــكل نســيجاً مــن اإلبــداع‬ ‫يف مجــاالت كثيــرة‪ ،‬يف النقــد ويف العمــل‬ ‫األكاديــي ويف الترجمــة ويف اإلبداعــات‬ ‫الروائيــة‪ ،‬ولــكل ذلــك فإنهــا وعــن جــدارة‬ ‫قــد أضيفــت إلــى ســجل املبدعــن‬ ‫اخلالديــن بــل وكانــت علــى رأســهم‪.‬‬ ‫توقفت رضوى عاشــور عن الكتابة يف‬ ‫الســابع مــن ســبتمبر عنــد الســاعة ‪٦:٣٧‬‬ ‫م‪ ،‬وذلــك حســب آخــر تعديــل لهــا علــى‬ ‫ملــف نصــي يف جهــاز احلاســب خاصتهــا‪.‬‬ ‫توفيــت رضــوى يف الثالثــن مــن نوفمبــر‬ ‫يف القاهــرة عــن عمــر يناهــز ثمانيــة‬ ‫وســتن عامــاً‪ ،‬بعــد صــراع ُشــجاع مــع‬ ‫املــرض‪ ،‬بعــد تشــييد هــرم مــن اإلجنــاز‬ ‫ـوب مــن عرفهــا‪.‬‬ ‫وحــب كثيــر يف قلـ ِ‬ ‫رحم اهلل رضوى‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫񁰀‬

‫!‬

‫لطيفة املانعي‬ ‫‪latifa55@outlook.com‬‬

‫مــا مــن مشــهد إال وحتيــط بــه العيــون‬ ‫مــن كل جهــة‪ ،‬وكل عــن تــرى مــن زاويــة‬ ‫مختلفــة ‪ ،‬كلهــا مغمضــة‪ ،‬ومــع كل فصــل‬ ‫تفتــح عــن مــن تلــك العيــون ‪ .‬ومــع تتابــع‬ ‫الفصــول تتعــدد العيــون التــي ترصــد‪،‬‬ ‫وتتعــدد تفاصيــل الزوايــا‪ ،‬وتنكشــف لنــا‬ ‫أحــداث الروايــة‪ُ ،‬‬ ‫وحتــل ألغازهــا ‪ .‬هكــذا‬ ‫كان انطباعــي وأنــا أواصــل قــراءة روايــة‬ ‫(ال تقصــص رؤيــاك)‪ ،‬العمــل الروائــي‬ ‫الثانــي للكاتــب عبدالوهــاب احلمــادي‪،‬‬ ‫واألول الــذي يدخــل القائمــة الطويلــة‬ ‫جلائــزة البوكــر العربيــة ‪.‬‬ ‫مــن خــالل بطــل الروايــة بســام‬ ‫وحياتــه ومــن خــالل مــن يعيشــون معــه أو‬ ‫بالقــرب منــه‪ ،‬مــن يســحبهم حلياتــه ومــن‬ ‫يقتحمونهــا‪ ،‬ومــن خــالل اســتعراضه‬ ‫ألحــداث حياتهــم يســلط املؤلــف الضــوء‬ ‫علــى املشــاكل التــي عانــى منهــا املجتمــع‬ ‫الكويتــي بأســلوبه املشــوق ‪ .‬ومــن تلــك‬ ‫املشــاكل التــي طرحهــا‪ :‬االختالفــات‬ ‫الطائفيــة‪ ،‬الطبقيــة‪ ،‬التنــوع السياســي‪،‬‬ ‫الفســاد‪ ،‬اإلحلــاد‪ ...‬وغيرهــا‪ ،‬كل ذلــك‬ ‫مت عرضــه بصــورة محايــدة‪ ،‬وأســلوب‬ ‫فيــه الكثيــر مــن جــو احلريــة‪ ،‬فالكاتــب‬ ‫يعــرض‪ ،‬والقــارئ حــر يف اتخــاذ القــرار‪،‬‬ ‫كل تلــك األحــداث كانــت منســجمة مــع‬ ‫خــط ســير الروايــة ولــم تُقحــم فيهــا‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫املميــز يف هــذا العمــل تع ُّمــد الكاتــب‬ ‫أن يغلــف روايتــه بغمــوض يشــبه الــرؤى‬ ‫واألحــالم ‪ .‬والبومــة التــي أرادها أن تكون‬ ‫إشــارة حلســن الطالــع يف هــذه الروايــة‬ ‫علــى خــالف مــا اعتــاد عليــه العــرب‬ ‫مــن التشــاؤم منهــا ‪ ،‬كمــا أحــاط الروايــة‬ ‫بالتســاؤالت‪ ،‬األحجيــات واأللغــاز‪ ،‬وقــد‬ ‫بــرع احلمــادي يف ذلــك ويف أشــياء أخــرى‬ ‫كثيــرة‪ ،‬فقــد كان جريئـاً‪ ،‬احترمــت جرأتــه‬ ‫كثيــراً بــل وأردت املزيــد منهــا‪ ،‬فهــي‬ ‫أقــرب للمواجهــة واملصارحــة بــن أفــراد‬ ‫ِ‬ ‫وكشــف مشــاكلهم مــن‬ ‫البيــت الواحــد‪،‬‬ ‫أجــل الوصــول إلــى حــل ‪.‬‬ ‫كمــا يتميــز الكاتــب بتم ُّكنــه مــن‬ ‫اإلمســاك بخيــوط الروايــة يف يــده‪ ،‬ممــا‬ ‫زاد مــن درجــة التشــويق فيها‪ ،‬فكانت مثل‬ ‫قطــع األحجيــة يف يــده‪ ،‬ومــع كل مشــهد‬ ‫كان يناولنــا قطعــه لكــي نقــوم بحــل اللغــز‬ ‫بأنفســنا‪ ،‬وقــد كان هــذا اجلانــب متقــن‬ ‫جــداً جعــل القــارئ يتطلــع للنهايــة ‪.‬‬ ‫كمــا يجــب أن ال نُغفــل احلمــادي‬ ‫املتمكــن مــن جتســيد املشــاعر اإلنســانية‪،‬‬ ‫فمــع الروايــة قــد تتفــاوت مشــاعرك‬ ‫وتتذبــذب مــن فصــل إلــى آخــر ‪ ،‬احليــرة‪،‬‬ ‫الغضــب‪ ،‬األلــم‪ ،‬احلــزن‪ ،‬القلــق‪ ،‬وقــد‬ ‫تفوق يف جتســيد تلك املشــاعر يف فصل‬ ‫وكيــل النيابــة‪ ،‬حيــث احتــوى علــى كميــة‬

‫ألــم حتبــس األنفــاس‪ ،‬وحتــرر الدمــوع‪،‬‬ ‫وذلــك عندمــا اســتعرض معانــاة وكيــل‬ ‫النيابــة مــع انفصــال والدتــه‪ ،‬وارتباطهــا‬ ‫الســريع برجــل ثــري‪ ،‬ثــم انقطاعهــا عــن‬ ‫التواصــل معــه‪ ،‬ثــم ظهورهــا املفاجــئ‪،‬‬ ‫فقــط لتســلمه مبلغ ـاً مــن املــال وتختفــي‪،‬‬ ‫ثــم معاناتــه عنــد فشــل عالقتــه العاطفية‪،‬‬ ‫يتبعهــا لومــه لنفســه النشــغاله بالعمــل يف‬ ‫آخــر حلظــات أبيــه مــع احليــاة‪ ،‬تلــك‬ ‫احليــاة الصعبــة التــي كانــت سلســلة‬ ‫مــن اإلحســاس بالذنــب‪ ،‬واأللــم‪ ،‬وانهيــار‬ ‫األحــالم‪ ،‬والتــي يعبــر عنهــا احلمــادي‬ ‫بهــذه العبــارة البليغــة «بقــدر األلــم يف‬ ‫حياتنــا تنــزف قلوبنــا فتكتــب أقالمنــا» ‪.‬‬ ‫كذلــك تفــوق يف مــزج الواقــع بأحــداث‬ ‫الروايــة‪ ،‬فقــد أدخــل الكاتــب بعضــاً‬ ‫مــن أحــداث شــهدتها الكويــت‪ ،‬ثــم زرع‬ ‫أبطالــه بــن زوايــا تلــك املشــاهد‪ ،‬فكانــوا‬ ‫مســاهمن بتلــك األحــداث‪ ،‬وصانعــن‬ ‫لهــا‪ ،‬ممــا دفعنــي إلــى البحــث يف موقــع‬ ‫اليوتيــوب ملشــاهدة تلــك األحــداث‪،‬‬ ‫والبحــث عــن أبطــال الروايــة ‪.‬‬ ‫وقفة أخيرة‪:‬‬ ‫«عندمــا يغلــق املنــام عليــك بابــه وتغــرق‬ ‫يف ظالمــه يفتــح لــك مــن اجلهــة املقابلــة‬ ‫بــاب األحــالم فكيــف تهــرب مــن النــوم‬ ‫وبــن األحــالم و الــرؤى تــدور األحــداث» ‪.‬‬


‫إيان األمير‬ ‫‪emanalameer1@gmail.com‬‬

‫يف عصــر االنفتــاح املعلوماتــي‬ ‫املعــريف ويف ظــل هــذا الزمــن امل ُ َع ْولَــم‪،‬‬ ‫أصبــح مــن الواجبــات اليوميــة لــكل فــرد‬ ‫منّــا أن يتنــاول صفحــ ًة ليقرأهــا‪ ,‬ألننــا‬ ‫نعيــش اخلبــر وليــس ُمقنِعــاً أن جنهــل‬ ‫محتــواه‪ ,‬كمــا أنــه لــن نتمكــن مــن مواكبــة‬ ‫مجريــات ثــورة املعلومــات اجلاريــة دون‬ ‫أن تقــرأ‪ ,‬ســتحتاج إلــى القــراءة مهمــا‬ ‫كان عمــرك ومكانــك ومكانتــك‪ ،‬ألنــك‬ ‫متصـ ٌل باحلــدث واحلديــث‪ ,‬وأعتقــد بــأن‬ ‫الســؤال عــن التخييــر النوعــي بــن الكتاب‬ ‫ـات بائــراً‪ ،‬فاألَ ْولــى‬ ‫الورقــي واإللكترونــي بـ َ‬ ‫أن نســأل عــن األقــرب لشــخصيتنا‬ ‫ووجداننــا الــذي تك ـ َّون بالقــراءة‪ ,‬فالــذي‬ ‫بــدأ يف بدايــة تكوينــه الدماغــي بالقــراءة‬ ‫الورقيــة ســيجد نفســه فيهــا ولكنــه لــن‬ ‫يســتغني عــن البديــل مــا دام موجــوداً‪،‬‬ ‫ومــن لــم يعتــاد الــورق ســيجد جفــوة وهـ ّوة‬ ‫لــن يســ ّدها الــكالم ‪ ..‬فاملهــم أن نقــرأ‪,‬‬ ‫وكيــف نقــرأ ألن النمــط القرائــي الواحــد‬ ‫قــد يُفــ ِّو ُت علينــا فرصــاً أكثــر اندماجــاً‬ ‫مــع الوقــت الســريع‪ ،‬كالقــراءة التحليليــة‬ ‫والقــراءة النقديــة والقــراءة التصويريــة‬ ‫والقــراءة البحثيــة والقــراءة الســريعة ـ‬ ‫التــي اليعتــرف بهــا أغلــب الذيــن عرفوهــا‬ ‫ـ ولكــن النتائــج هــي الفيصــل! وعلينــا أن‬

‫نتحمــل مســؤولية القــراءة كمــا نتحمــل‬ ‫مســؤولية القلــم‪ ,‬فمــا الكتــاب الــذي أ ّثــر‬ ‫يف وعينــا‪ ,‬ومــا نــوع التأثيــر؟ وهــل نحــن‬ ‫علــى قناعـ ٍـة بــه مــا دمنــا نتطــور مــن وقـ ٍـت‬ ‫َ‬ ‫آلخــر؟! عــن جتربتــي يف تنــاول الكتــاب‬ ‫بــدأت العالقــة منــذ املرحلــة التمهيديــة‬ ‫ْ‬ ‫قبــل الصــف األول االبتدائــي‪ ،‬بــدأَ ْت‬ ‫باقتنــاء القصــة‪ ,‬ثــم البحــث عمــن يقرأهــا‬ ‫لــي‪ ,‬ثــم البحــث عمــن يجيــد قراءتهــا لــي‬ ‫بالصــوت واإللقــاء والتمثيــل‪ ,‬ألتخ ّيــل‬ ‫‪,‬وأشــعر ‪,‬وأتك ّيــف ‪ ,‬وأســتمتع‪ ,‬ثــم تطـ ّورت‬ ‫العالقة إلى القصص املرفقة مع كاســيت‬ ‫وهــي نــوع ثــري جــداً وغنــي باملفــردات‬ ‫والقــراءة العربيــة الفصيحــة اجليــدة‪ ،‬مــع‬ ‫شــارات التوقــف لنقلــب الصفحــة‪ ،‬فنتعلــم‬ ‫حتــى مــكان ترقيــم الصفحــة‪ ,‬وعالمــات‬ ‫الترقيــم ومتــى يكــون الوقــوف يف القــراءة‬ ‫ومتــى يأتــي االســتئناف‪ ،‬وأحمــد اهلل‬ ‫إذ أجدنــي اليــوم أُجيــد املرونــة يف‬ ‫تقليــب الكتــاب الورقــي أو حتــى الكتــاب‬ ‫املســموع‪ ،‬وهــذا مــن إيجابيــات التقنيــة‬ ‫وحســنات الكتــب املســموعة‪ ,‬واملكتبــات‬ ‫اإللكترونيــة‪ ,‬صحيـ ٌح أنــي ال أعتمــد علــى‬ ‫الكتــاب املرئــي باجلــوال‪ ،‬ألن كل شــيء‬ ‫عــدا (خيــر جليــس) البــد أن يخذلــك‬ ‫فجــأة كأن ينتهــي شــحن البطاريــة فــال‬

‫تكمــل قراءتــك‪ ,‬أو يأتيــك اتصــال أو‬ ‫إشــعار أو تنبيــه فيســرق فــؤادك للتصفــح‬ ‫عدت‬ ‫والتواصــل وإمتــام املهــام‪ ،‬فحتــى لــو‬ ‫َ‬ ‫لكتابــك اإللكترونــي هــذا لــن تعــود بــذات‬ ‫اللهفــة مــع الورقــي! كانــت هــذه وجهــة‬ ‫نظــري فيمــن يُفــ ِّوت عليــه القــراءة يف‬ ‫زمــن التنــاول الســهل‪ ،‬أو يجعلهــا جوابــاً‬ ‫اعتباطيــاً‬ ‫لســؤال أكثــر ( اعتباطــاً)‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ماهــي هوايتــك؟ واملفتــرض أن تكــون‬ ‫القــراءة فرضــاً يوميــاً ال هوايــة نأتيهــا‬ ‫باملــزاج والهــوى‪ .‬يقــول جلبــرت كيــث‬ ‫ وهــو الكاتــب والفيلســوف والشــاعر‬‫واملســرحي والصحفــي والناقــد‪« :-‬هنــاك‬ ‫فــر ٌق عظيــم بــن شــخص متش ـ ّوق يريــد‬ ‫أن يقــرأ كتابــاً‪ ,‬وشــخص مت َعــب يريــد‬ ‫كتابــاً ليقــرأهُ!»‪ ،‬فانتهــزوا األوقــات‬ ‫وتربصوهــا واحشــوها بالقــراءة بــن‬ ‫تصفحكــم ويومياتكــم وجدولكــم‪ ،‬لكــي‬ ‫يبقــى التواصــل مــع أطفالكــم وأبنائكــم‬ ‫والبيئــة األكبــر فاألكبــر أكثــر متعــ ًة‬ ‫ورفعـ ًة‪ ،‬واســموا بالقــراءة تنفتــح‬ ‫وأصالـ ًة ِ‬ ‫اآلفــاق وتتســع املــدارك‪ ،‬فقــارئ احلــرف‬ ‫مــازال يتعلــم ولكــن قــارئ الكتــاب هــو‬ ‫املثقــف والثقافــة صناعــة وعـ ٍـي وجتديــد‬ ‫وتطويــر وتنميــة ورحابــة و تعايــش و تق ّبــل‬ ‫و حيــاة‪ ..‬عيشــوا احليــاة‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫وبعــد طــول انتظــار أعلــن مشــروع‬ ‫أصدقــاء القــراءة عــن ناديــه الثقايف األول‬ ‫بالشــراكة مــع عمــادة املكتبــات واملكتبــة‬ ‫املركزيــة يف جامعــة األميــرة نــورة بنــت‬ ‫عبدالرحمــن يف مدينــة الريــاض‪ .‬ويهــدف‬ ‫النــادي إلــى تكويــن محضــن ثقــايف يُلــم‬ ‫بجميــع نوافــذ املعرفــة‪ .‬وتتمثــل سياســة‬ ‫النــادي يف تنظيــم لقــاءات أســبوعية‬ ‫ضمــن نطــاق أنشــطة ُمختلفــة مــن‬ ‫حلقــات النقــاش الثقافيــة‪ ،‬نقــاش ال ُكتــب‪،‬‬ ‫واســتضافة بعــض املؤلفــن‪ ،‬وورش العمــل‬ ‫املُختلفــة‪.‬‬ ‫وقــد انطلــق النــادي رســم ًيا بحفــل‬ ‫افتتــاح يــوم اإلثنــن ‪ ١٣‬أغســطس ‪٢٠١٥‬‬ ‫املوافــق ‪ ١٦‬ذو القعــدة ‪ ،١٤٣٦‬وقــد توجت‬ ‫أنشــطة النــادي باجللســة النقاشــية‬ ‫األولــى والتــي كانــت بعنــوان «الكتــاب‬ ‫علــى مــر العصــور»‪ ،‬بــإدارة األســتاذة‬ ‫صفيــة عبدالرحمــن‪ ،‬لتعــرج علــى محــاور‬ ‫عديــدة كان مــن بينهــا محــور بعنــوان‬ ‫«الكتــاب ضيــف علــى األرض» والتــي‬ ‫قالــت فيــه‪ :‬إن املعرفــة غريــزة إنســانية‬ ‫بعثــت اإلنســان مــن مرقــده وهــي جوهــر‬ ‫وجــوده يف احليــاة‪ ،‬لهــذا ســعى إلــى‬ ‫حتصيلهــا وكل متأمــل يف التاريــخ يجــد‬ ‫أن غالــب صراعــات البشــر تكمــن حــول‬

‫املعرفــة‪ .‬وقــد كان الســومريون هــم أول‬ ‫مــن وعــى احليــاة ورأوهــا كشــيء يســتحق‬ ‫أن يســجل ويفكــر فيــه‪ .‬وتــروي أيضــا أن‬ ‫انتشــار الكتــب اســتدعى احلاجــة إلــى‬ ‫دور النشــر‪ ،‬فظهــر أول ناشــر يف القــرن‬ ‫‪ ١٥‬وكان يطبــع قوائــم بعناويــن الكتــب‬ ‫ترســل لألفــراد واملؤسســات‪.‬‬ ‫وعندمــا نتذكــر جرائــم حــرق الكتــب‬ ‫علــى مــدى قــرون نــدرك متا ًمــا أنهــا لــم‬ ‫تؤثــر علــى قيمــة الكتــاب ولــم يتقهقــر‬ ‫انتشــاره‪ .‬بــل أعطتنــا دليـ ًـال وبرها ًنــا قو ًّيــا‬ ‫علــى قــوة الكتــاب‪ ،‬وأنــه الهويــة األساســية‬ ‫لــكل الشــعوب‪ ،‬وتدميــره يعنــي القضــاء‬ ‫علــى كرامــة وهويــة أي شــعب‪.‬‬ ‫وطرحــت األســتاذة صاحلــة الدعيــج‬ ‫ُمداخلــة تقــول فيهــا «عنــد ســقوط‬ ‫األندلــس وحــن أصبحــت بيــوت‬ ‫املســلمن تهــدم كانــت الكتــب مخبــأة‬ ‫داخــل اجلــدران» مســتدلة بهــا علــى‬ ‫اهتمــام املُســلمن بالقــراءة‪.‬‬ ‫وحتدثــت األســتاذة صفيــة ً‬ ‫أيضــا‬ ‫عــن محــور آخــر بعنــوان «ميــدان الكتــب‬ ‫والكتابــة» اســتفتحته بســؤال احلضــور‬ ‫عــن أوقــات قراءتهــم املفضلــة وطقوســهم‬ ‫ال ّتــي يارســونها حــال القــراءة ثــم تنتقــل‬ ‫باحلــوار قائلــ ًة‪ :‬القــراءة ال جتدنــا بــل‬

‫وعد العريفج‬ ‫رئيسة نادي أصدقاء القراءة‬ ‫‪@wa3adAlorayfij‬‬

‫‪28‬‬

‫نحــن مــن نبحــث عنهــا والقــارئ الشــغوف‬ ‫هــو مــن يســرق ً‬ ‫بعضــا مــن وقتــه ليقــرأ‬ ‫وكل قــارئ شــغوف البــد وتنمــو يف حياتــه‬ ‫مكتبــة وأن القــراءة ال متنحنــا املعلومــة‬ ‫فارغــة وســطحية‪ ،‬بــل حتقنهــا بعشــرات‬ ‫املذاقــات والنكهــات لنســتعذب حالوتهــا‬ ‫فــال يجــد امللــل طريقــه إلــى أذهاننــا‬ ‫وأنهــا تدربنــا علــى عــدم احلكــم املســبق‬ ‫علــى األشــياء‪ ،‬وأن الكراهيــة بــال ســبب‬ ‫قصــور يف املخيلــة‪.‬‬ ‫وقــد خُ تمــت حلقــة النقــاش مبقولــة‬ ‫هنــري ميلــر ‪-‬الكاتــب املشــهور‪ « -‬الكتــاب‬ ‫ليــس صديقــاً فقــط‪ ،‬بــل يصنــع لــك‬ ‫أصدقــاء » ومــن ثــم ســؤال احلضــور عــن‬ ‫تنبوءاتهــم مبســتقبل القــراءة‪.‬‬ ‫قائلــة أن القــراءة لــن متــوت بــإذن‬ ‫اهلل‪ ،‬فهــي جوهــر االنســان واعتمــاد‬ ‫وجــوده وثمــن بقائــه‪ ،‬وهــي بوابــة املعرفــة‬ ‫التــي ليــس لإلنســان غنــى عنهــا وأنــه مــن‬ ‫الواجــب علــى كل قــارئ أن يعتمــد علــى‬ ‫تنظيــم احليــاة والوقــت مــن أجــل القــراءة‪،‬‬ ‫وأن يكــون مخلصـاً للكتــاب‪ ،‬فالقــارئ هــو‬ ‫مــن يخلّــد الكتــب‪.‬‬ ‫وأغلــق النــادي أبوابــه علــى أمــل اللقاء‬ ‫بــزواره يــوم االثنــن القــادم كمــا ســيكون‬ ‫املوعــد ُكل أســبوع‪.‬‬


‫اختتمت أرامكو السعودية فعاليات‬ ‫« مســابقة اقــرأ » يف حفلهــا الــذي‬ ‫أقيــم يف الظهــران يــوم اجلمعة املوافق‬ ‫‪ ٤‬ســبتمبر مــن العــام اجلــاري بحضــور‬ ‫وزيــر التعليــم عــزام الدخيــل ‪.‬‬ ‫مت فيــه اإلعــالن عــن أســماء الفائزيــن‬ ‫الســتة يف فرعــي املســابقة‪ ،‬حيــث‬ ‫حصــل عبــداهلل املشــوح علــى لقــب‬ ‫قــارئ العــام عــن فئــة املرحلــة‬ ‫اجلامعيــة ‪ ،‬وحصلــت شــروق شخشــير‬ ‫علــى لقــب قــارئ العــام عــن فئــة‬ ‫التعليــم العــام ‪ ،‬وفــاز علــي ســليس‬ ‫بتصويــت اجلمهــور‪ ،‬أمــا عــن الفائزيــن‬ ‫بقــارئ اجلمــال فقــد كان املركــز األول‬ ‫مــن نصيــب خالــد الســبت ‪ ،‬واملركــز‬ ‫الثانــي خلــود اخلالــدي ‪ ،‬واملركــز‬ ‫الثالــث فهــد املســعود‪.‬‬ ‫مســابقة أقــرأ هــي أحــد مبــادرات‬ ‫أرامكــو عبــر ذراعهــا الثقــايف مركــز‬ ‫امللــك عبدالعزيــز الثقــايف العاملــي ‪،‬‬ ‫وكانــت قــد انطلقــت فعالياتها للموســم‬ ‫الثانــي يف ‪ ٤‬مــارس ‪ ، ٢٠١٥‬وعلــى‬ ‫هامــش احلفــل أعلــن رئيــس أرامكــو‬ ‫الســعودية املهنــدس أمــن الناصــر‬ ‫عــن تدشــن أســبوع وطنــي للقــراءة‬ ‫يســتهدف ‪ ٥٠‬ألــف مشــارك وزائــر‬ ‫يســتضيفهم مركــز امللــك عبدالعزيــز‬ ‫الثقــايف العاملــي يف العــام القــادم‪.‬‬

‫‪29‬‬


跾껾

30


..

跾껾 껾 :

magazine.rfriends.net

31



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.