جملة جامعة ت�صدر عن دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
مدير الـمجلة الـمدير
توفيق عمروين رئي�س التحرير
عز الدين رم�ضاين �أع�ضاء التحرير: عمر احلاج م�سعود عثمان عي�سي جنيب جلواح
الت�صميم والإخراج الفني: دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع الطباعة: مطبعة الديوان
عنوان املجلة:
دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
حي باحة ( ،)03رقم ( )28الليدو ـ املحمدية ـ اجلزائر
الهاتف والفاك�س:
)021( 51 94 63 التوزيع (جوال))0661( 62 53 08 :
الربيد الإلكرتوين:
darelfadhila@maktoob.com
املوقع على ال�شبكة العنكبوتية: www.rayatalislah.com
االعتاف بال َف�ضل لذوي ال َف�ضل ،حتَّى �إنَّ َّ مما اتَّفق على ُح�س ِنه جمي ُع ال ُعقالء ُخ ُلق رِ �شاع بني ال َّنا�س قدميا مث ٌل يقول« :ال رَ يعتف بال َف�ضل َلذوي ال َف�ضل �إلاَّ ذوو ال َف�ضل». االع�تراف املحمو ِد �أن ُي َق َّر بال َف�ضل َ ال�سلفية ال َّنق َّية يف و�إنَّ منَ ِ حل َملة ال َّدعوة َّ حماربة التَّط ُّرف والغل ِّو و ُمنا َب َذة ِفكر التَّكفري والتَّفجري ،وت�صدِّ يهم لهذا ال ِفكر الأع َوج باحلجة وال َبيان ،ونق�ضِ ُ�ش َبه �أ�صحا ِبه بال َقلم وال ِّل�سان ،يف فتاويهم وكتُبهم ودُرو�سهم َّ ري، ريُ ، وع�صِ م بهم جم ٌع غف ٌ ومحُ ا�ضراتهم ويف ُخ َطبهم على املنابر ،ف ُهدي بهم خل ٌق كث ٌ ال�صولة ل ُل َغة ال َّنار ف� ُ أ�صلحوا وب َّينوا ون�صحوا و�أف�صحوا يف عزِّ �أ َّيام الفتنة ،ويوم كانت َّ وال َّر�صا�ص ،ومل يفعلوا ذلك م�ساير ًَة جله ٍة �سيا�سي ٍة ،وال ركو ًبا حلملة انتخابية ،وال منا�صب دنيوية ،بل انطال ًقا من مبد�أ ال َّن�صيحة وال َّدعوة �إىل اهلل تعاىل. طم ًعا يف َ اليوم ـ وهم ُك رُث ـ من يجح ُد َ ال�سلفيني و�إنَّ َّ مما يح ُّز يف ال ُّنفو�س �أن يخرج علينا َ ف�ضل َّ جحده وي َّدعي �أ�س َم َج وغل يف ِ ك َّله وينكر �أ َثرهم اجلميل يف التَّ�صدِّ ي لت َّيار التَّكفري ،بل ُي ِ ال�سلف ِّيني كانوا �سب ًبا يف الأزمة ،وطر ًفا يف ال ِفتنة ،واهلل ي�شهد �إ َّنهم ِ الكذب ب�أنَّ ه�ؤالء َّ لكاذبون!! ومل يقف الأمر عند هذا احلدِّ حتَّى رموهم ب�أنواع من التُّهم الواهية من �أ َّنهم �أتبا ُع تع�صب وت�شدُّد ،و�أ َّنهم ال َي ْ�ص ُلحون لتَعليم ال َّنا�س فكر وا ِفد ،و� عقل ِ أ�صحاب ٍ ُ جامد ،و�أه ُل ُّ و�إمام ِتهم ،وجت َّر�أ ُ بع�ضهم و�أخذ يط َعن يف وال ِئهم لوط ِنهم و�أ َّم ِتهم. وقد يتذ َّرع ُ بح َجج واهية من مثل ت�سمية بع�ض املارقني �أنف�سهم با�سم بع�ضهم ُ ال�سلف َّية ،لكن ال يخفى على املب�صر �أنَّ التَّ�س ِّمي ال يغيرِّ من احلقيقة �شي ًئا ،و�أنَّ العربة َّ باملنهج ،ال باال�سم ِّ فال�سلفية دعو ٌة قائم ٌة على ال ِعلم ال َّنافع وال َعمل وال�شعار املُ َب ْه َرجَّ ، ال�شديد عن �إهدار دم امل�سلم وقتل الأنف�س الربيئة ،و�إعطاء و ِّ ال�صالح ،وال ُبعد َّ يل الأمر َّ حقَّه من َّ ال�سلف ُّيون الطاعة والوالء وعدم اخلروج عليه حتقي ًقا للأمن والإميان ،ومل يكن َّ يوما ما مناوئني لأوطا ِنهم �أو ثائرينَ على �أ َّمتهم ،بل هم حري�صون َّ كل احلر�ص على �أن ً حتيا �أ َّمتهم احلياة َّ الط ِّيبة ،و�أن تن َع َم �أوطا ُنهم بالعزَّة وال ِّرفعة. ال�سابقة وال َف�ضل يجب �أن تحُ فظ كرامتُهم ،وتُ�صان � ُ أعرا�ضهم ،وتُقال �إنَّ � َ أ�صحاب َّ أف�سد. لي�س من �أ�ص َل َح ك َمن � َ عرثاتُهم� ،إذ َ ال�سلف َّية ،واجلاحدون جلهو ِدهم وليتَّقِّ اهلل تعاىل املتن ِّكرون ل َف�ضل َح َملة ال َّدعوة َّ ال�صحيح ،فاهلل تعاىل يقول﴿ :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ال َّرامية �إىل ر ِّد ال َّنا�س �إىل الإ�سالم َّ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾ [\َ ،]rو َح ْ�س ُب َنا ُ عم الوكيل، اهلل و ِن َ جميل كفيل. وهو ِب ُك ِّل ٍ
في هذا العدد االفتتاحية :ال َّتن ُّكر لأهل الف�ضل /مدير املجلة 1.............
الطليعة :عائ�شة � áأ ُّم امل�ؤمنني ال �أ ّم الكافرين /التحرير 4............................................ يف رحاب القر�آن :التجارة التي لن تبور/لزهر �سنيقرة6......
من م�شكاة ال�سنة :تربئة �أمهات امل�ؤمنني /د .كمال قاملي8..........................
التحرير
عـائـش��ـة áأم الـمـؤمـنـيـ��ن ال أم الـكـافـريـن!
التوحيد اخلال�ص :اخللود يف النار /ماهر القحطاين 12..................... بحوث ودرا�سات� :إيقاظ العزائم �إىل معرفة �أحكام الوالئم �/أمينة حداد 15.............................. م�سائل منهجية :تنبيه الألباء �إىل طريق معرفة العلماء /ح�سن �أيت علجت22........................ تزكية و�آداب :ف�ضل العلم والتحذير من بع�ض �آفاته /د.عبد اهلل البخاري26.......................
د .كمال قاملي
تبـرئة أمــهـــات الـمؤمنني
فتاوى �شرعية� :أ .د .حممد علي فركو�س 34..................
�سري الأعالم :ال�شيخ نعيم النعيمي :
�/إبراهيم بدري 37.............................
�أخبار الرتاث :م�س�ألة يف والية امل�سلمني واحلكم بينهم البن تيمية رحمه اهلل /عمار متالت 42................................ اللغة والأدب :م�شارق الأنوار على مثل ال َّدفلى وال َّن َّوار ()2 /حممد بو�سالمة 46............................
�ألفاظ ومفاهيم يف امليزان :نق�ض قاعدة �إبلي�سية /عمر احلاج م�سعود ........................
51
بريد القراء :التحرير54....................................... الفوائد والنوادر :التحرير 56.................................
�سعر املجلة 150دج
ماهر القحطاين
الـخـلـود فـي الـنـــار
العدد السابق
�أمينة حداد
إيـقـ��اظ الـعـزائ��م إلـ��ى مـعـرف��ة أحـكــام الـوالئـم
د.عبد اهلل البخاري
فـضـ��ل الـعـل��م والـتـحـذيـ��ر مـن بـعـض آفـاته
قواعد النشر في المجلة � أن تك���ون املو�ض���وعات مطابق���ة خلط���ة املجل���ة ،وموافقة ملنهجها. � أن يكون املقال مت�س ًما بالأ�صالة واالعتدال. � أن يح��� َّرر املقال ب�أ�س���لوب يحقق الغر����ض ،ولغة بعيدة عن التكلف والتعقيد. الدقة يف التوثيق والتخريج مع االخت�صار. � أن تك���ون الكتابة على الكمبيوتر� ،أو ٍّ بخط وا�ض���ح مقروء؛ وعلى وجه واحد من الورقة. � أال يزيد املقال على خم�س �صفحات.
عمار متالت
مس��ألة يف والي��ة أم��ور املس��لمني واحلكم بينهم البن تيمية
� أن يذكر �صاحب املقال ا�سمه الكامل وعنوانه ورقم هاتفه، ودرجته العلمية �إن وجدت. املقاالت �أو البحوث التي ال تن�شر ال تر ُّد لأ�صحابها.
الطليعة
عائشة á أم الـمؤمنني ال أم الكـافرين! التحرير
ينت�سب �إىل َّ الطائفة ِّ ال�شيع َّية ري و�ضي ٌع ُ جت َّر�أ رويب�ض ٌة حق ٌ يف ال ِّن�صف ال َّثاين من �شهر رم�ضان ل�سنة 1431هـ وقام لي�صب جا َّم غ�ضبه ممن هُ م على م�ش َربه خطي ًبا يف جماعة َّ َّ على �أ ِّم امل�ؤمنني عائ�شة áحمتفال بليلة وفاتِها� ،سا ًّبا وال�شتم ا َّلتي َّ ال�س ِّب َّ و�شا ً تتفطر قلوب متا ومقذ ًعا ب�أنواع َّ امل�ؤمنني ل�سماعه ،بل ال تطيق � ُ يحب اهلل ور�سوله أذن م�سلم ُّ لر�سول اهلل Íولك ِّل من �سما َعه ،ملا يف ذلك من الإذاية ُ كانت عائ�شة � áأ ًّم��ا له ،بل �إ َّن القلم ي�أبى املطاوع َة على كتابة ما تف َّوه به هذا املعتوه ا َّلذي َح َكم على نف�سه بال ُكفر وا ُ خل��روج من م َّلة الإ�سالم؛ فقد �أجمع العلماء رحمهم اهلل على �أ َّن��ه ُي َ قط ُع ب ُكفر َمن ر َماها مبا ب َّر�أها ناق�ض �صري َح القر�آن وك َّذب َ اهلل منه؛ لأ َّنه َ اهلل ع َّز وج ّل
4
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
الطليعة
بي Íيف ال ُّدنيا والآخرة� ،أفقه ن�ساء الأ َّمة على الإطالق ،و�أحد ال�صدِّ يقة بنت ِّ �إنَّ عائ�ش���ة � َّأم امل�ؤمنني َّ ال�ص���دِّ يق زوجة ال َّن ِّ ال�س���بعة املكرثين من َ احلديث عن ر�س���ول اهلل ،Íر َو ْت وح ِفظت عنه عل ًما كث ًريا ط ِّي ًبا مبار ًكا فيه ،مناق ُبها وفرية وف�ض���ائ ُلها َّ وال�س��� َّنة مبثوثة ،قد عقد لها امل�ص��� ِّنفون �أبوا ًبا يف كتبهم اجلامعةُ ، وبع�ضهم كثرية ،م�ش���هورة منثورة ،جتدها يف ُكتُب احلديث ُّ ر�سول اهلل! �أفردَها بال َّت�أليف؛ ويكفي �أن تَعلم �أ َّنها � ُّ ر�س���ول اهلل ،Íفل َّما �س����أله عمرو بن العا�ص « :Çيا ُ أحب ال ِّن�س���اء �إىل ُ عائ�ش���ة؛ قالِ :منَ ال ِّرجال؟ قال� :أ ُبوها»؛ وقال �« :Íإِنَّ َف ْ�ض َ أحب � َ إليك؟ قالَ : الث ِيد ���ل َعا ِئ َ�ش��� َة َع َلى ال ِّن َ�سا ِء َك َف ْ�ض ِل رَِّ � ُّأي ال َّنا�س � ُّ َع َلى َ�سا ِئ ِر َّ الط َع ِام». تزعم �أ َّنها تعمل جاهد ًة و�إنَّ نف�سها �إ�سالم َّية وا َّلتي ُ َ العجب ال ينق�ضي من حال كثري من احلركات واجلماعات ا َّلتي ِّ ت�سمي َ هم�سا وال ركزًا؛ لأنَّ مثل هذه امل�سائل مل تعد عندهم ذات بال ،فهي لق�ض���ايا الأ َّمة امل�ص�ي�ر َّيةَّ ،ثم ال تَ�س َمع لهم يف هذه الق�ض َّية ً ً منَ الق�ضايا اجلانب َّية والأمور َّ وحفاظا على الوحدة املهزوزة ،وتثبيتًا مل�س�ألة ال�شكل َّية ا َّلتي ال ينبغي �أن تُثار حتَّى ال تُثار الأحقاد، التَّقري���ب املزعوم���ة ،فيتع َّلقون ب�أفكار هي يف حقيقتها �أوهام ،ويت�ش��� َّبثون بخيوط ُ كخيوط ال َعنكبوت ،وهذا خلل ِّو �س���احتهم من كالم ال�صحيح امل�ستمدِّ من وحي ال ِّر�سالة ونور ال ُّنب َّوة ،لأجل هذا كان �سهال �أن يهونَ عليهم ِعر�ض نب ِّيهم ،Íوال يح ِّرك ُ العلم َّ َ حفائظهم ،و�إلاَّ ف َمن َ�ش َّم رائح َة العلم َ عرف قد َر عائ�شة áيف الإ�سالم ذاك ال َّدعي اخل�سي�س �شعر ًة من �أبدانهم ،وال يثري ال�س���كوت عليه؛ لأ َّنه ال ُيع َقل �أنَّ �أحدً ا يف قلبه بق َّية من حيا ٌة ومنزلتَها يف قلوب امل�س���لمني ،وعلم �أنَّ مثل هذا التَّج ُّر�ؤ ال ُ يح�س���ن ُّ ي�س ُّب �أ َّمه؛ َ ي�سب � َّأم امل�ؤمنني جمي ًعا!!! فكيف َمبن ُّ ي�سكتُ ع َّمن ُ َّهجم على ال�س���افل الآ ِفل هي حلق ٌة يف �سل�س���لة طويلة م�ش���دودة حلقاتها ب�إح���كام يف الت ُّ و�إنَّ ه���ذه احلركة ا َّلتي قام بها هذا َّ زعموا يف نبي الإ�س�ل�ام Íوت�ش���ويه �صور ِته ،وحماولة تَ�صدير التَّ�ش ُّيع بتواط�ؤ م َع ال َيهود وال َّن�صارى ف ُهم �أح َّباء متعاونون ،و�إن َ ِّ ال�س��� َّنة ،و�ش���واهد التَّاريخ والواقع على هذه احلقيقة غري خافي ٍة على ال َع َلن �أ َّنهم �أعداء متنافرون ،يجمعهم الكيد واملكر ب�أهل ُّ من كان له �أدنى ت�أ ُّمل ِّ ي�س���ب � َّأم امل�ؤمنني َّ áثم ُيحتَفى به وتتهاوى ال�س���اقط �أن َّ واطالع ،و�إلاَّ فكيف يمُ َ َّكن ملثل هذا ال َّدينء َّ َّ احرتاما ���م �أه ُله �أ َّنهم من �أكرث ال ُّدول علي���ه وكاالت الأنباء واملحطات والقنوات لتحظى معه بلقاء �أو ندوة �ص���حف َّية يف ٍ بلد ُ يزع ُ ً لأديان ال َّنا�س واعتقادا ِتهم!! ويدك َ يهدم ح�ص���ونَ الإ�س�ل�ام َّ هدم لبلوغ هذا الهدف �إنَّ َ الغرب الكافر يري ُد �أن َ معاقل التَّوحيد ُّ وال�س��� َّنة ،ولن يجد معاول ٍ الأثيم مثل ِّ َ ال�س َّنة وال ُي�ستَغ َف ُلون.. ال�شيعة ال َّرواف�ض، فليحذر �أهل ُّ ���ب َّ وال�شتم يف عر�ض نب ِّينا Í؛ لأنَّ التَّع ُّود يو ِّرث التَّبلُّد ،وكرث ُة الإم�سا�س ال�س ِّ �إ َّنهم يريدوننا �أن نتع َّود على �س���ماع مثل هذا َّ فلنهب َّ للذ ِّب عن متيتُ الإح�س���ا�س ،ولو َماتت يف قلوبنا ال َغري ُة على ن�س���اء نب ِّينا ،Íفيعني ذلك هالك �أنف�سِ���نا وذهاب دي ِننا؛ َّ ِعر�ض �س ِّيد ا َ حبيب اهلل ،امل َّرب�أة من العيوب ،وم�ض َرب ا َمل َثل يف ال�صدِّ يقة ِ ال�صدِّ يق حبيبة ِ بنت ِّ خللق �أجمعني ،Íوالدِّ فاع عن ِّ العفَّة ُّ والطهر وال َف�ضيلة ُ ،á ا�س ف�ضائ َلها وحما�س َنها. ولنن�ش ْر م�آث َرها ،و ُن ِذ ْع مناق َبها ،و ُن�سمع ال َّن َ ويف الأخري ما ي�س ُعنا �إلاَّ �أن نقول لهذا َّ �سب َعا ِئ َ�ش َة و َو َقع ال�ض ِّال احلقري مبلء �أفواهنا ما قاله ع َّمار بن يا�سر Çل َر ُج ٍل َّ وحا؛ �أَ ُت�ؤ ِْذي َح ِبي َب َة َر ُ�س ِول اهلل � !Íإ َّنها لزَ ْو َجتُه يف اجل َّنة» [الرتمذي ( ،)3888واحلاكم ()444/3 وحا َم ْن ُب ً «ا�س ُك ْت َم ْق ُب ً فيهاْ : ال�صحابة» (.])1647 َّ و�صححاه ،و�أحمد يف «ف�ضائل َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
5
في رحاب القرآن
التجارة التي لن تبور لزهر �سنيقرة
�إمام �أ�ستاذ ـ اجلزائر ﴿ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾.
ف����إنَّ اهلل مب ِّنه وكرم���ه َّ دل عباده عل���ى �أربح جت���ار ٍة و�أزكاها �إنَّ الإن�س���ان ُخ ِلق حم ًّبا للخري املادِّي بطبعه ,م َّيا ًال لتح�ص���يل م�صاحله ومنافعه العاجلة قال اهلل ﴿ :yﭒﭓﭔﭕ ﭖ و�أف�ض���ل �ص���فقة و�أعالها ,وهي التِّجارة ا َّلتي و�صفها الـموىل y ﭗ ﭘ﴾ [\ ,]Êوق���ال تعاىل ﴿ :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ بعدم البوار فق���ال﴿ :ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯕ﴾ [\ ,]ãوق���ال تع���اىل ﴿ :ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ حب الإن�سان ﯺ﴾ [\ﮯ]. ﯡ﴾ [\ ]Øبهذا الو�ص���ف و�ص���ف اهلل �ش��� َّدة ِّ ه���ذه الآية املباركة جاءت ترغي ًبا يف عبادات جليلة ,حتقيقها بي Íقالَ « :لو َكا َن الب ِ���ن �آ َد َم َوا ِد َيانِ مِ نْ له���ذا املال ,ب���ل �إنَّ ال َّن َّ وب ف���و ٌز به���ذه التِّجارة ,وقد ج���اء يف الآية لفظ «جتارة» مع و�ص���فها مَالٍ َال ْب َت َغى َوا ِد ًيا َثا ِل ًثا َو َال مَ ْ يلأُ َج ْو َف ا ْب ِن �آ َد َم �إِ َّال الترُّ َ ُاب َو َي ُت ُ بعدم البوار على �س���بيل اال�س���تعارة التَّ�ص���ريح َّية فو�ص���ف �أهلها اب» رواه البخاري ( )6436وم�سلم (.)1048 اهلل َعلَى َمنْ َت َ وحتَّ���ى يتم َّيز �أهل التَّقوى والإميان عن غريهم من �أ�ص���حاب ب�أ َّنهم يرجونها� ,أي :يتو َّقعون �أرباحها العظيمة. الت ِّج���ي واالنتظ���ار «�أنَّ رَّ والف���رق ب�ي�ن رَّ خا�ص����ة الت ِّج���ي للخري َّ الأهواء �أو ع َّباد املال ,ف�إنَّ اهلل َّ رغبهم يف �أف�ض���ل املكا�سب و�أعظم التِّجارات ا َّلتي �ض���من لأ�ص���حابها ال ِّربح ال َّدائم وامل�ضمون ,وا َّلتي واالنتظ����ار قد يكون يف اخلري َّ وال�ش���� ِّر ,ويد ُّل عليه قول���ه تعاىل ﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [\ ]bوقول���ه ﴿ :ﯶ ﯷ الوهاب. تنجيهم من العذاب وترفع درجتهم عند العزيز َّ ق���ال تع���اىل ﴿ :ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﯸﯹﯺ﴾ [\ﮯ] وقوله﴿ :ﯚﯛﯜ﴾ [^]218 : ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ﴾ [\¼] ونحوها»(.)3 م�س���تقبلي متو َّق ٍع ف�إنَّ �س���ياق أمر و�إذا كان ال َّرج���اء متع ِّل ًق���ا ب� ٍ ٍّ وعن �سعيد بن جبري قال :ملَّا نزلت هذه الآية قال امل�سلمون :لو ُّ علمنا ما هذه التِّجارة ,لأعطينا فيها الأموال والأهلني ,فبينَّ لهم الآي���ات يدل على �أنَّ هذا ال َّرجاء حتقَّق ملن حقَّق �ش���روطه ,بدليل قوله تعاىل بعد ذلك﴿ :ﯻ﴾ [ﮯ ]30 :واختار اهلل لفظ التِّجارة ,فقال :ت�ؤمنون باهلل ور�سوله.)1(»... ودل عليها للهف الرجال «جت���ارة» دون غريها من حركات احلياة ك ِّله���ا؛ لأ َّنها مت ِّثل جماع وعن قتادة قال :فل���وال �أنَّ اهلل ب َّينها َّ ِّ ِّ �أن يكون���وا يعلمونها حتَّ���ى يطلبوها ثم د َّله���م اهلل عليها فقال :كل ح���ركات احلياة ,فهذا يتح َّرك يف ميدان لينفع نف�س���ه وغريه, َّ ميدان �آخر فينفع نف�س���ه وغريه ,وهي � ً أي�ضا حتمل وغريه يعمل يف ٍ ﴿ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ الآية(.)2 على الو�ساطة بني ما يعرف باملنتفع وامل�ستهلك ,ولذلك حني �أراد (� )1أخرجه ابن �أبي حامت يف «تف�سريه» (.)18887 (� )2أخرجه ابن �أبي حامت يف «تف�سريه» (.)18888
6
[\ ﮯ]
(« )3الفروق اللُّغو َّية» (�ص.)131
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [\½] ومل يق���ل اتركوا ال�ص���ناعة �أو التَّدري�س م���ع �أ َّنها داخلة يف عموم الأمر الزِّ راعة �أو ِّ رَّ بالتك ,بل اختار من كا َّفة حركات احلياة الك�س���ب َّية حركة البيع؛ لأ َّنه �أف�ض���ل ما يف ال ِّتج���ارة ,وهي اجلامعة ِّ لكل ح���ركات احلياة, و�إذا كانت التِّجارة يف معناها اللُّغوي والعريف تتع َّلق ب�أعمال البيع ِّ ال�ص���فقات ا َّلتي ي�س���عى وال�ش���راء ممار�س��� ًة وامتها ًنا �أو هي تلك َّ �أ�ص���حابها �أن تكون مربح ًة� ,إ َّال �أنَّ معناها يف الآية متع ِّل ٌق ب�صفق ٍة �أعظم و�أف�ض���ل هي �صفقة الإميان ا َّلتي ت�أخذ منها �أكرث من ر�أ�س مالك ,وتربح َّ ال�ش���يء الكثري بخالف ما لو تركت ً بع�ضا من دينك ف�إ َّنك تخ�س���ر مبقدار ما ترك���ت ,لذلك يقول احل ُّق �س���بحانه عن ال�ص���فقات اخلا�س���رة﴿ :ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ َّ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [\^]. فاحلر����ص َّ ال�ص���فقة ا َّلتي يكون كل احلر����ص � ًإذا على حتقيق َّ �ضمان �أوثق و�أ�صدق من �ضمانه َّ جل ربحها م�ض���مو ًنا ودائ ًما ,و� ُّأي ٍ وعال ا َّلذي �ض���من عدم بوارها فهي ﴿ﯸﯹ﴾ �أي :لن تك�س���د ولن َّ ال�ص���فقة تتعطل ولن تخ�س���ر وتهلك ،فما هي � ًإذا �أعمال هذه َّ املربحة والتِّجارة املباركة؟ ق���ال تع���اىل﴿ :ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ
ال�ص�ل�اة ,والإنفاق يف ﯺ﴾ ه���ي � ًإذا ت�ل�اوة كت���اب اهلل ,و�إق���ام َّ
في رحاب القرآن
اهلل تع���اىل �أن ن�س���تجيب لأذان اجلمعة ق���ال ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ
�سبيل اهلل �س ًّرا وعالنية. ف�أ َّول هذه الأعمال هي تالوة كتاب اهلل ،لهذا كان مط ِّرف ابن عبد اهلل يقول« :هذه �آية الق َّراء»(.)4 وقال البي�ض���اوي :يف قوله تع���اىل ﴿ﯪ ﯫ ﯬ﴾: «يداوم���ون على قراءته �أو متابعة ما فيه حتَّى �ص���ارت �س���م ًة لهم وعنوا ًن���ا ,واملراد بكت���اب اهلل :القر�آن �أو جن����س كتب اهلل فيكون ثنا ًء على امل�صدِّ قني من الأمم». ال�سعدي�« :أي يتَّبعونه يف �أوامره فيمتثلونها ،ويف نواهيه وقال َّ فيرتكونها ،ويف �أخباره في�صدِّ قونها ويعتقدونها ،وال يقدِّ مون عليه م���ا خالفه من الأق���وال ,ويتلون � ً أي�ض���ا �ألفاظه بدرا�س���ته ومعانيه بتت ُّبعها وا�ستخراجها». ومن معاين ال ِّربح العظيم يف قراءة القر�آن: �أنَّ من قر�أ حر ًفا فله ح�سن ٌة واحل�سنة بع�شر �أمثالها ,فعن ابن بي Íقالَ « :منْ َق َر�أَ َح ْر ًفا مِ نْ ِك َتابِ اهلل م�س���عود � Çأنَّ ال َّن َّ حل َ�س َن��� ُة ِب َع ْ�ش��� ِر �أَ ْم َثا ِلهَا َال �أَ ُق ُ َفلَ��� ُه بِ��� ِه َح َ�س َن��� ٌة َوا َ ���ول ﴿ﭑ﴾ َح ْر ٌف َو َلكِنْ �أَل ٌِف َح ْر ٌف و َال ٌم َح ْر ٌف َومِ ي ٌم َح ْر ٌف»(.)5 وم���ن ال ِّربح الكبري والف�ض���ل العظيم عند تالوت���ه وقراءته� :أ َّنه �ش���اف ٌع ل�ص���احبه يوم القيامة ,فعن �أبي �أمامة Çقال� :س���معت ر�سول اهلل Íيقولِ « :ا ْق َرءُوا ال ُق ْر�آ َن َف�إِ َّن ُه َي�أْتِي َي ْو َم ال ِق َيا َم ِة َ�شفِي ًعا لأَ ْ�ص َحا ِب ِه ِا ْق َرءُوا ال َّزهْ َرا َو ْي ِن ال َب َق َر َة َو ُ�سو َر َة �آ َل عِ ْم َرا َن َف�إِ َّن ُه َما َت�أْ ِت َيانِ َي��� ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َك�أَ َّن ُه َما َغ َما َم َت���انِ �أَ ْو َك�أَ َّن ُه َما َغ َيا َي َتانِ َ�أ ْو َك�أَ َّن ُه َما ِف ْر َقانِ مِ نْ َطيرْ ٍ َ�ص َو َّ اف حُ َ اجانِ َعنْ �أَ ْ�ص َحا ِب ِه َما ِا ْق َرءُوا ُ�سو َر َة ال َب َق َر َة َف�إِ َّن ت َّ �أَ ْخ َذهَا َب َر َك ٌة َو َت ْر َكهَا َح ْ�س َر ٌة َو َال َي ْ�س َتطِ ي ُعهَا ال َب َطلَ ٌة». ال�سحرة»(.)6 قال معاوية بن �سالم :بلغني �أنَّ البطلةَّ : بي Íقال« :ا ْل ُق ْر� ُآن وعن جابر بن عبد اهلل Èعن ال َّن ِّ ُ�صد ٌَّق َمنْ َج َعلَ ُه َ�أمَا َم ُه َقا َد ُه ِ�إلىَ �ساع ـ م َ َ�شا ِف ٌع م َُ�ش َّف ٌع مَاحِ ٌل ـ �أي ٍ جْ َ ال َّن ِة َو َمنْ َج َعلَ ُه َخ ْل َف َظ ْه ِر ِه َ�سا َق ُه �إِلىَ ال َّنارِ»(.)7 ري من عظيم ف�ض���ائل القر�آن وبركته على �أهله هذا �شي ٌء ي�س ٌ و�أ�صحابه يف ال ُّدنيا والآخرة. ن�س����أله تب���ارك وتعاىل �أن يجع���ل القر�آن العظي���م ربيع قلوبنا ونور �صدورنا وجالء �أحزاننا وذهاب همومنا. (« )4الدر املنثور» (.)285/12 ( )5رواه رِّ التمذي (.)2910 ( )6رواه م�سلم (.)804 ( )7رواه ابن ح َّبان ( )164والبيهقي يف ال�شعب ( )1855وج َّود �إ�سناده الألباين يف «ال�صحيحة» (.)2019 َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
7
من مشكاة السنة
تربئة أمهات املؤمنني د /كمال قالـمي دكتوراه يف احلديث النبوي
مم�����ا ُي�����ؤ�����س����ف ل����ه �أن ت�شتمل َّ بع�ض كتب احلديث والترَّ اجم ع��ل��ى رواي����ات و�أخ���ب���ار حت��م��ل يف ط�� َّي��ات��ه��ا الإ�����س����اءة �إىل �أ َّمهات امل���ؤم��ن�ين وال��ق��دح يف �صدقهنَّ و�أم��ان��ت��ه��نَّ ،وب��ال�� َّت��ايل االعتداء ������ي .Í ع�����ل�����ى م������ق������ام ال������ َّن������ب ِّ
أحد من �أهل الإ�س�ل�ام مكانة �أم َّهات امل�ؤمنني ـ ر�ض���ي اهلل عنهنَّ ـ ال يخف���ى عل���ى � ٍ ومنزلتهنَّ وما ام َّ ال�ص���فات احلميدة واخلالل اجلميلة واملناقب نت اهلل به عليهنَّ من ِّ َّ أزواجا خلري خلقه و�أف�ضل ر�سله Í ال�ش���ريفة ،وزادهنَّ ف�ض ًال وت�ش���ري ًفا �أن جعلهنَّ � ً ال�ص�ل�اة يف ال ُّدني���ا والآخرة ،وقد توفيِّ ر�س���ول اهلل Íوهو ٍ را�ض عنهنَّ ،وكان عليه َّ وال�سالم يغ�ضبه ما يغ�ضبهنَّ ويكره ما ي�سو�ؤهنَّ ،بل كان ي�شغله �أمرهنَّ ويه ُّمه �ش�أنهنَّ َّ حتَّ���ى بعد موته ـ �ص���لوات اهلل و�س�ل�امه عليه ـ ،فقد ثبت عنه � Íأ َّن���ه كان يقول�« :إِ َّن ال�صا ِب ُرون»(.)1 �أَ ْم َر ُكنَّ لمَ ِ َّما ُيه ُِّمنِي َب ْعدِ يَ ،و َلنْ َي ْ�صبرِ َ َعلَ ْي ُكنَّ �إِ َّال َّ ومما ُي�ؤ�س���ف له �أن ت�ش���تمل بع�ض كت���ب احلديث رَّ والتاجم عل���ى روايات و�أخبار َّ حتمل يف ط َّياتها الإ�ساءة �إىل �أ َّمهات امل�ؤمنني والقدح يف �صدقهنَّ و�أمانتهنَّ ،وبالتَّايل بي .Í االعتداء على مقام ال َّن ِّ ق�ص���ة امل���ر�أة َ ���ي ،Íو�أ َّنه ملَّا �أراد م���ن ذلك ما جاء يف َّ اجل ْون َّية ا َّلتي خطبها ال َّنب ُّ الق�ص���ة ورد يف �أن يدخ���ل عليه���ا ا�س���تعاذت باهلل من���ه ،ففارقه���ا ،وهذا الق���در من َّ «ال�ص���حيحني» ،لك���ن وردت يف «طبقات ابن �س���عد» و«م�س���تدرك احلاك���م» وغريهما َّ بي Íه���نَّ ال َّالئي خدعنها ومتالأن عليها ملا زي���ادات وروايات مفادها �أنَّ �أزواج ال َّن ِّ ر�أين من جمالها وخ�شني �أن ي�صرف ر�سول اهلل Íوجهه عنهنَّ ،فد َّبرن لها هذه املكيدة بي Íوحتَّى تكون لها ُحظوة ومكانة ب�أن تقول له�« :أعوذ باهلل منك» ف�إنَّ ذلك يعجب ال َّن ّ عند ر�سول اهلل .Í و�إليك ـ �أخي القارئ ـ �سياق تلك ال ِّروايات ونقدها باخت�صار: ( )1رواه الرتمذي ( )3749من حديث عائ�شة áوقال« :ح�سن غريب» ،ورواه � ً أي�ضا احلاكم يف «امل�ستدرك» و�صححه على �شرط َّ ال�شيخني ،فتعقَّبه َّ الذهبي بقوله�« :صخر �صدوق مل يخرجا له». (َّ )312/3
8
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
(� )2أي خدعنها عن غفلة« .ل�سان العرب» مادة ( َد�أَى).
من مشكاة السنة
ال ِّرواية الأوىل :عن عبد الواحد بن �أبي عون ال ّدو�س���ي قال: ال ِّرواية ال َّثالثة :عن ابن ع َّبا�س Èقال :تز َّوج ر�سول اهلل قدم ال ُّنعمان بن �أبي اجلون الكندي على ر�س���ول اهلل Íم�سل ًما� Í ،أ�سماء بنت ال ُّنعمان( )3ـ وكانت من �أجمل �أهل زمانها و�أ�ش ِّبه ـ فقال :يا ر�سول اهلل� ،أال �أز ِّوجك �أجمل � مّأي يف العرب »...فتز َّوجها قال :فل َّما جعل ر�سول اهلل يتز َّوج الغرائب قالت عائ�شة :قد و�ضع يده ال�ساعدي Çيحملها �إليه. ر�سول اهلل Íوبعث �أبا �أُ�سيد َّ يف الغرائب يو�شكن �أن ي�صرفن وجهه ع َّنا ،وكان خطبها حني وفدت قال �أبو �أُ�س���يد« :ف�أقبلتُ بها حتَّى قدم���ت املدينة ف�أنزلتها يف بي Íح�سدنها فقلن لها: كندة عليه �إىل �أبيها ،فل َّما ر�آها ن�ساء ال َّن ِّ فرحنب بها و�س َّهلن وخرجن بني �ساعدة ،فدخل عليها ن�ساء احلي َّ أردت �أن تحَ ْ َظ���ي عنده فتع َّوذي ب���اهلل منه �إذا دخل عليك ،فل َّما �إن � ِ من عندها فذكرن جمالها و�شاع باملدينة قدومها ،قال �أبو �أُ�سيد: ال�س�ت�ر م َّد ي���ده �إليها فقالت� :أعوذ ب���اهلل منك! فقال: دخل و�ألقى ِّ ووجهت �إىل ال َّن ِّ بي Íوهو يف بني عمرو بن عوف ف�أخربته ودخل «�أمن عائ ُذ اهلل! الحْ َ قِي ب�أَهْ لِكِ ». عليها داخ ٌل من ال ِّن�ساء فدَ �أَ ْين( )2لها ملا بلغهنَّ من جمالها ـ وكانت �أخرجها ابن �س���عد ( )145/8قال� :أخربنا ه�شام بن حم َّمد فقالت� :إ َّنك من املل���وك ف�إن كنت تريدين �أن من �أجمل ال ِّن�س���اء ـ ْ ال�سائب ،عن �أبيه ،عن �أبي �صالح ،عن ابن ع َّبا�س. ابن َّ حتظي عند ر�س���ول اهلل Íف����إذا جاءك فا�س���تعيذي منه ف�إ َّنك وه���ذا �إ�سن���اد مظلم م�سل�سل ُّ بال�ضعفاء؛ ه�ش���ام بن حم َّمد ابن حتظني عنده ويرغب فيك». ()4 أبوه � و ، الكلبي( )5كالهما متَّهم بالكذب ورم َيا بالو�ضع ،و�أبو ائب ال�س َّ ّ �أخرجها ابن �س���عد يف َّ «الطبقات الكربى» ( 143/8ـ ،)144 واحلاكم يف «امل�ستدرك» ( )36/4من طريق حممد بن عمر ،ثنا �صالح هو باذام �ض َّعفه غري واحد( )6ويف «التَّقريب»�« :ضعيف مدل�س». َّ حم َّمد بن يعقوب بن عتبة ،عن عبد الواحد بن �أبي عون ال ّدو�سي. وهذا �إ�سناد مع�ضل تالف؛ عبد الواحد بن �أبي عون من �أتباع التَّابعني ،وفيه حم َّمد بن عمر هو الواقدي وهو مرتوك. ال�ساعدي Çقال :تز َّوج ال ِّرواي���ة ال َّرابعة :عن �أبي �أُ َ�س ْيد َّ ر�س���ول اهلل �أ�س���ماء بنت ال ُّنعم���ان اجلون َّية ف�أر�س���لني فجئت بها، فقالت حف�ص���ة :لعائ�ش���ة �أو عائ�ش���ة حلف�صة :اخ�ض���بيها �أنت و�أنا َّ بي Íيعجبه من ال ِّرواية الثانية :عن �س���عيد بن عبد ال َّرحمن بن �أبزى ،قال� :أم�ش���طها ،ففعلن َّثم قالت لها �إحداهما� :إنَّ ال َّن َّ «اجلونية ا�س���تعاذت من ر�سول اهلل ،Íوقيل لها :هو �أحظى لك امل���ر�أة �إذا دخلت علي���ه �أن تقول� :أعوذ باهلل منك! فل َّما دخلت عليه ال�س�ت�ر م َّد يده �إليه���ا فقالت� :أعوذ باهلل منك عنده ،ومل ت�س���تعذ منه ام���ر�أة غريها؛ و� مَّإنا ُخدع���ت ملا ُر�ؤي من و�أغلق الباب و�أرخى ِّ جمالها وهيئتها ،وقد ُذكر لر�س���ول اهلل َم���ن َح َملها على ما قالت فقال ب ُك ِّمه على وجهه فا�سترت به وقالُ « :ع ْذتِ م َعا ًذا» ثالث م َّرات. و�س َ ���ف لر�س���ول اهلل ،فق���ال ر�س���ول اهلل �« :Íإ َّنه���نَّ َ�صوَاحِ ُ ���ب ُي ُ أحلقْها علي فق���ال« :يا �أبا �أُ َ�س���يد � ِ قال �أبو �أُ َ�س���يد :ث َّ ���م خرج َّ َو َك ْيدُهُ نَّ عَظِ ي ٌم». با�س���تني .فكان���ت تقول: ب�أه ِله���ا ومتِّعه���ا ب َراز ِق َّيت�ي�ن( )7يعني ِك ْر َ �أخرجها ابن �س���عد يف «الطبقات الك�ب�رى» ( ،)144/8قال: ادعوين ّ ال�شق َّية. ُ �أخربن���ا حم َّمد بن عمر ،ح َّدثني عبد اهلل بن جعفر (هو املخرمي «ال�صحيح �أنَّ ا�سمها �أميمة بنت ال ُّنعمان ّ ( )3قال احلافظ يف «الفتح» (َّ :)357/9 ابن �شراحيل ،كما يف حديث �أبي �أُ�سيد ،وقال م َّرة�« :أميمة بنت �شراحيل فن�سبت ُّهري)،عنعمروبن�صالح،عن�سعيدبنعبدال َّرحمنبن�أبزى. الز ّ جلدِّ ها» اهـ. وه���ذا �إ�سن���اد مر�سل تال���ف � ً أي�ضا ،فيه الواق���دي ،وعمرو ابن وقال يف مو�ضع �آخر« :وجزم ه�شام ابن الكلبي وكذا حم َّمد ابن �إ�سحاق وحم َّمد ابن حبيب وغريهما ب�أ َّنها �أ�سماء بنت ال ُّنعمان بن �شراحيل ،فلعل ا�سمها �أ�سماء �صالح مل �أتب َّينه. ولقبها �أميمة». ( )4له ترجمة يف «ميزان االعتدال» ( ،)304/4و«ل�سان امليزان» (.)197/6 ( )5له ترجمة يف «تهذيب الكمال» ( 246/25ـ .)252 ( )6له ترجمة يف «تهذيب الكمال» ( 6/4ـ .)8 ( )7ال َّرازق َّية :ثياب َكتَّان ٌ بي�ض« .ال ِّنهاية يف غريب احلديث».
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
9
من مشكاة السنة
فهذه ال ِّروايات ـ كما ترى ـ جاءت ب�أ�س���انيد واهية ،ويف متونها �أخرجها ابن �س���عد ( )146/8قال� :أخربنا ه�شام بن حم َّمد، ال�ساعدي ،عن �أبيهً � . أي�ضا نكارة وا�ضحة؛ وحا�شا �أ َّمهات امل�ؤمنني �أن يتج َّر�أن ويفرتين ح َّدثني ابن الغ�سيل ،عن حمزة بن �أبي �أُ�سيد َّ ���ب �أن يتع��� َّوذ باهلل منه! عل���ى ر�س���ول اهلل Íب�أ َّن���ه يعجبه �أو يح ُّ ومن هذا الوجه ع َّلقه احلاكم يف «م�ستدركه» (.)37/4 ال�س���ائب والواقع �أ َّنه يكره ذلك بدليل فراقه �إ َّياها. و�إ�س���ناده ك�س���ابقه فيه ه�ش���ام بن حم َّم���د وهو ابن َّ ال�صحابة فكيف فما ُن�س���ب �إليهنَّ ال يت�ص��� َّور وقوعه من �آحاد َّ الكلب���ي ،واحلدي���ث �أورده َّ «ال�س�ي�ر» ( )259/2وقال: الذهبي يف ِّ ال�صادقات؟! ال�صاحلات العابدات التَّق َّيات َّ بن�سائه َّ «�إ�سناده وا ٍه». الق�ص���ة َّ ومما ي�ؤ ِّكد وهاء هذه ال ِّروايات وبطالنها؛ �أنَّ �أ�ص���ل َّ مما ُن�س���ب «ال�ص���حيحني» ـ كما �س���بق ـ ولي�س فيها �ش���يء َّ ورد يف َّ بي .Í لأزواج ال َّن ِّ فق���د رواه���ا الإم���ام البخ���اري يف «�ص���حيحه» ( )5254عن بي Íا�س���تعاذت الأوزاع���ي قال� :س����ألت الزُّهريُّ � :أي �أزواج ال َّن ِّ من���ه؟ ق���ال� :أخربين عروة عن عائ�ش���ة � ،áأنَّ ابنة َ اجل ْون ملَّا �أُدخلت على ر�س���ول اهلل Íودنا منه���ا ،قالت� :أعوذ باهلل منك، يم ،الحْ َ قِي ب�أَهْ لِكِ ». فقال لهاَ « :ل َق ْد ُع ْذتِ ب َعظِ ٍ َّثم رواها ( )5255من طريق ابن الغ�سيل نف�سه ،وهي ال ِّرواية ال َّرابع���ة عند ابن �س���عد واحلاكم ،فقال :ح َّدثن���ا �أبو نعيم ،ح َّدثنا عبد ال َّرحمن بن غ�س���يل عن حمزة ابن �أبي �أ�س���يد عن �أبي �أ�سيد بي Íحتَّى انطلقنا �إىل حائط ُيقال Çقال :خرجنا مع ال َّن ِّ «ال�ش ُ لهَّ : ���وط»( )8حتَّ���ى انتهينا �إىل حائطني فجل�س���نا بينهما فقال «اجل ُِ�س���وا هَاهُ َنا» ،ودخل وقد �أُت���ي باجلون َّية ف�أُنزلت ���ي ْ :Í ال َّنب ُّ يف بي���ت يف نخل يف بي���ت �أميمة بنت ال ُّنعمان بن �ش���راحيل ومعها ���ي Íقال« :هبي داي ُته���ا ـ حا�ض���ن ٌة لها ـ ،فل َّما دخ���ل عليها ال َّنب ُّ لل�سوقة؟ قال :ف�أهوى َن ْف�سك يل» ،قالت :وهل ت ُ َهب امللك ُة َ نف�س���ها ُّ بيده ي�ضع يده عليها لت�سكن ،فقالت� :أعوذ باهلل منك! فقالَ « :ق ْد عُذتِ مبَعاذ»َّ ،ثم خرج علينا فقالَ « :يا �أَ َبا �أُ َ�س ْيد ،ا ْك ُ�سهَا َرازق َّي َتينْ ِ َو�أَلحْ ِ ْقهَا ب�أَهْ ِلهَا». كما رواها � ً أي�ض���ا ( )5637هو والإمام م�س���لم ( )2007من ���ي Íامر�أة من حديث �س���هل بن �س���عد Çقالُ :ذك���ر لل َّنب ِّ فقدمت، العرب ف�أمر �أبا �أُ�س���يد �أن ير�س���ل �إليها ،ف�أر�س���ل �إليه���ا ْ ���ي Íحتَّى جاءها، فنزل���ت يف �أُ ُجم( )9بني �س���اعدة ،فخرج ال َّنب ُّ بي Í فدخل عليها ف�إذا امر�أ ٌة من ِّك�س��� ٌة ر� َأ�س���ها ،فل َّم���ا ك َّلمها ال َّن ُّ ( )8ب�ستان يف املدينة معروف«[ .الفتح» (.])357/9 (� )9أي قلعة �أو ح�صن.
10
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
وهذه احليلة فيها نوع من التَّورية؛ لأنَّ الع�سل له رائحة والب َّد، ً وتعري�ضا. و� مَّإنا ذكرن ال ُع ْرفط على �سبيل اال�ستفهام تورية أكلت مغافري؟» قال ابنُ امل َنيرِّ � ::مَّإنا �س���اغ لهنَّ �أن يقلنْ �« : لأنه���نَّ �أوردن���ه على طري���ق اال�س���تفهام بدليل جواب���ه بقوله« :ال» و�أردن بذلك التَّعري�ض ال �ص���ريح الكذب فهذا وجه االحتيال التي قالت عائ�شةَ « :ل َن ْحتَا َلنَّ له» ولو كان كذ ًبا ً ي�سم حيلة �إذ حم�ضا مل َّ ال �شبهة ل�صاحبه»( )13اهـ. وق���ال احلافظ ابن حج���ر « ::ويف احلديث من الفوائد ما ُجب���ل عليه ال ِّن�س���اء من ال َغ�ْي�ررْ ة و�أنَّ ال َغيرْ ا َء تُعذر فيم���ا يقع منها م���ن االحتيال فيما َيدف ُع عنها تر ُّف َع َ�ض��� َّر ِتها عليها ب�أيِّ وجه كان، (�« )10صحيح البخاري» ( ،)5268و«�صحيح م�سلم» (.)1474 ( )11جمع ُمغْفور وهو �صمغ حلو له رائحة كريهة«[ .فتح الباري» (.])377/9 ( )12جر�ست� :أي �أكلت ،وال ُع ْرفط� :شجر له َ�ص ْم ٌغ كري ُه ال َّرائحة ف�إذا �أ َكلتْه ال َّن ُ حل ح�صل يف ع�سلها من ريحهِ«[ .النهاية يف غريب احلديث»]. َ ( )13انظر« :فتح الباري» (.)344/12
من مشكاة السنة
قال���ت� :أع���وذ باهلل منك! ق���الَ « :ق��� ْد �أَ َع ْذ ُت���كِ مِ ِّن���ي» ،فقالوا لها: �أتدري���ن من هذا؟ قال���ت :ال ،قالوا :هذا ر�س���ول اهلل Íجاءك ُ ليخطبك ،قالت :كنت �أنا �أ�شقى من ذلك» احلديث. وهذه املر�أة �إن كانت هي َ اجل ْون َّية ـ كما هو ظاهر ـ فقد اعتذرت بي ،Íومل تعتذر باخلديعة ع���ن مقولتها تلك ب�أ َّنها مل تعرف ال َّن َّ مما ي�ؤ ِّكد بطالنها ونكارتها. املزعومة َّ نعم ربمَّ ا حملت ال َغيرْ ُة ـ التي تكون بني َّ ال�ضرائر عادة ـ بع�ضهنَّ على ارتكاب احليل املباحة �أو ا�س���تعمال املعاري�ض امل�شروعة ،كما ق�صة الع�س���ل التي جاءت ح�ص���ل ل ِّأم امل�ؤمنني عائ�ش���ة áيف َّ «ال�ص���حيحني»( ،)10قالت« :كان ر�س���ول اهلل Íيحب الع�س���ل يف َّ واحللواء وكان �إذا ان�ص���رف من الع�ص���ر دخل على ن�سائه فيدنو م���ن �إحداه���نَّ ،فدخل على حف�ص���ة بنت عمر فاحتب����س �أكرث ما كان يحتب�س ف ِغ ْرت ف�س����ألتُ عن ذل���ك فقيل� :أهدت لها امر�أ ٌة من بي Íمنه �ش���ربة ،فقلتُ � :أما قومها ُع َّكة من ع�س���ل ف�س���قت ال َّن َّ واهلل ل َن ْحتالنَّ له ،فقلت ل�س���ودة بنت زمعة� :إ َّنه �س���يدنو منك ف�إذا دنا منك فقويل� :أكلت مغافري()11؟ ف�إ َّنه �سيقول لك :ال ،فقويل له: ما هذه ال ِّريح ا َّلتي �أجد منك؟ ف�إ َّنه �س���يقول لك� :س���قتني حف�صة �ش���ربة ع�سل ،فقويل له :جر�س���ت نح ُله ال ُع ْر ُفط( ،)12و�س�أقول ذلك وقويل �أنت يا �صف َّية ذاك» احلديث.
وترجم عليه امل�ص��� ِّنف (يعن���ي البخاري) يف كتاب ترك احليل ما يكره من احتيال املر�أة من الزَّوج َّ وال�ضرائر»( )14اهـ. بي Í و�أ َّما ما جاء يف َّ ق�ص���ة اجلون َّية و�أ َّنها ا�ستعاذت من ال َّن ِّ بتحري�ض عائ�ش���ة �أو حف�ص���ة �أو غريهما من �أ َّمهات امل�ؤمنني فهو ال�ص���راح الذي ينبغي �أن ُينـ َّزه���نَ عنه ،ولي�س هو من من الكذب ُّ باب احليل املباحة يف �شيء. ولذلك ج���زم جم ٌع من املح ِّققني ببطالن ه���ذه الزِّ يادة و�أ َّنها «ال�ص���حيح» ،فقال احلافظ اب���ن املل ِّقن يف «البدر خمالف��� ٌة ملا يف َّ بال�ص���ورة ا َّلتي ذكرها املن�ي�ر» ( 453/7ـ « :)454و�أ َّما احلديث ُّ ال َّرافع���ي ـ يعني يف كتاب���ه «الفتح العزيز» ـ ،فتب���ع فيه الغزايل يف ال�صالح يف «م�شكله» ـ يعني على «الو�سيط» ـ: «و�سيطه» ،وقال ابن َّ «هذه ال َّلفظة ـ يعني �أنَّ ن�ساءه ع َّل ْم َنها ذلك ـ مل �أجد لها �أ�ص ًال ثابتًا، قال :واحلديث يف «�صحيح البخاري» بدون هذه الزِّ يادة البعيدة، وق���ال ال َّن���ووي يف «تهذيبه» ـ يعن���ي «تهذيب الأ�س���ماء واللُّغات» يف (����/2/1ص :)372هذه الزِّ يادة باطلة لي�س���ت ب�ص���حيحة ،قال: وقد رواها حم َّمد بن �سعد يف «طبقاته» لكن ب�إ�سناد �ضعيف» اهـ. قلت :ويعني :ـ بال ٍّ ال�ضعف َّ �شك ـ َّ ال�شديد ،بل جزم الع َّالمة َّ الألباين :ب�أ َّنها مو�ضوعة ،وذكر �أنَّ �أحد علماء ِّ ا�ستغل ال�شيعة ال�س��� ِّيدة عائ�ش���ة ( .áراجع ه���ذه الزِّ ي���ادة فطعن بها عل���ى َّ «ال�سل�سلة ال�ضعيفة .»)167/5 والعجب �أنَّ بع�ض ُّ ال�ش��� َّراح و�أ�صحاب رَّ التاجم قد تواردوا على الق�صة املنكرة وك�أ َّنها من �صحيح الأخبار املتلقَّاة بالقبول نقل هذه َّ التي �أغنت �ش���هرتها عن البحث يف �أ�س���انيدها! مع �أ َّنها مل ترد من وجه ي�ص ُّح ،بل طرقها كلُّها واهية �إذ مدارها على متَّهم �أو مرتوك. ال�ص َّحة وكونها وردت يف بع�ض الكتب التي التزم فيها �أ�صحابها ِّ كم�ستدرك �أبي عبد اهلل احلاكم ال يعني ثبوتها؛ فقد بينَّ �أهل العلم �أنَّ احلاكم :مت�ساهل جدًّا يف التَّ�صحيح و�ص َّرحوا ب�أنَّ يف كتابه �أحاديث كثرية �ض���عيفة بل ومو�ضوعة وال �سيما يف الأجزاء الأخرية منه( ،)15وعليه فال ينبغي االغرتار بذلك ،واهلل امل�ستعان. و�ص��� َّلى اهلل و�س��� َّلم عل���ى نب ِّين���ا حم َّم���د وعل���ى �آل���ه و�ص���حبه �أجمعني. (« )14الفتح» (.)380/9 ( )15ينظر�« :سري �أعالم ال ُّنبالء» ( ،)175/17و«اخت�صار علوم احلديث» البن كثري ( 113/1ـ مع الباعث احلثيث) ،و«ال ُّنكت» البن حجر ( 312/1ـ .)319
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
11
التوحيد الخالص
اخللود يف النار ماهر القحطاين
جدة ـ ال�سعودية
ممن مل يفقه اعل���م �أنها قد تتباين جوابات كث ٍري م���ن ال َّنا�س َّ ذنب ع�صي اهلل به على وجه العلم ومل يعقله �إذا �س���ئل عن �أعظم ٍ الأر����ض ,فلربمَّ ا قال قائ ٌل منهمُ : قتل الأب ,وقال �آخر :م�س���افحة ذبح الولد خ�ش���ية �إمالق رج ًما بالغيب ,بل ال ِّأم �أو الأخت ,وقائ ٌلُ : ممن يلحن يف العلم حل ًنا جل ًّيا يقول ق�صا�ص الزَّمان َّ �سمعت بع�ض َّ ذنب ع�صي اهلل به على وجه الأر�ض تناول املخدِّ رات!. �أعظم ٍ ممن ال ينطق ل�سانه بالهوى �إن هو �إ َّال ولن جتد جوا ًبا �أ�صوب َّ وحي �إليه من اهلل يوحى ,حم َّمد بن عبد اهلل ر�س���ول الهدى ا َّلذي ٌ �أنقذ اهلل به ال َّنا�س من الهوى �إىل التَّوحيد والهدى .Í فب�َّي�نَّ ذلك َّ الذن���ب الأعظ���م ا َّلذي ع�ص���ي به الأع��� ُّز الأكرم ���اري ( )6001وم�س���لم ( )86عن َع ْب ِد �س���بحانه فيم���ا رواه البخ ُّ اللهَِّ بن م�س���عود َق َالُ :ق ْلتُ َيا َر ُ�س َ ���ول اللهَِّ َ�أ ُّي َّ الذ ْن ِب �أَ ْع َظ ُم؟ َقا َل: «�أَنْ تجَ ْ َع َ ���ل للِهَِّ ِندًّا َوهُ َو َخ َل َق َك» ُق ْلتُ ُ :ث َّم �أَ ُّي؟ َق َال�« :أَنْ َت ْقت َُل َو َلدَ َك َخ ْ�ش��� َي َة َ�أنْ َي�أْ ُك َل َم َع َك» قلتُ :ث َّم �أَ ُّي؟ َق َال�« :أَنْ تُزَ انيِ َ َح ِلي َل َة َجار َِك» َ�ص ِديقَ َق ْو ِل ال َّن ِب ِّي ﴿ Íﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ َو�أَ ْنزَ َل اللهَّ ُ ت ْ ﭗ﴾ [ ]u: 68الآ َي َة. فانظ���ر ـ رحم���ك اهلل ـ كي���ف جعل ِّ ال�ش���رك ب���اهلل �أعظم من ���ل الولدَِ , فلذ ِة الكبد طع ًنا يف ق�س���مة اهلل ورزقه وجحدً ا لنعمته قت ِ بي Í وف�ض���له ,بل والزِّ ن���ا باجلارة امل�ؤمتن���ة ,وا َّلتي �أو�ص���ى ال َّن ُّ بزوجه���ا اجلار حتَّى ق���الَ : «ظ َن ْن���تُ َ�أ َّن جِ برْ ِ ي��� َل َ�س ُي َو ِّر ُث���هُ» فيكون ق�سي ًما للورثة بعد املوت يف رَّ التكة. �شك �أنَّ تعلُّم معنى ِّ فحينئذ ال َّ ال�شرك و�أنواعه من العلم ا َّلذي هو فر�ض ع ٍني ,وا َّلذي جاء خربه فيما رواه ابن ماجة يف «�س���ننه» ( )224عن حم َّمد بن �س�ي�رين عن �أن�س بن مالك قالَ :ق َال َر ُ�س ُ ���ول َ :Í «طلَ ُب ا ْل ِع ْل ِم َفر َ ِي�ض ٌة َعلَى ُك ِّل م ُْ�سل ٍِم».
12
وقد �س���ئل الإمام �أحمد :ما العل���م ا َّلذي هو فر�ض عني؟ قال: «م���ا ال يقوم دي���ن ال َّرجل �إ َّال ب���ه» يعني كالتَّوحيد وما ي�ض���ا ُّده من ال�شرك �أو ي�ضا ُّد كماله الواجب ِّ ِّ كال�شرك الأ�صغر والبدع. بي Íق���د تويف وما ب َّينه �أو َّ حذر منه, وال ميك���ن �أن يكون ال َّن ُّ ذنب ع�ص���ي به م���ع �أ َّن���ه يحبط العمل ويخ ِّلد يف ال َّنار ,وهو �أعظم ٍ أدب ق�ض���ا ِء احلاجة واجلماع بي Íبينَّ � َ الواحد الق َّهار ,ف�إنَّ ال َّن َّ وب���دء َّ الطعام ونح َو ذلك ,فال ب َّد �أن يكون قد بينَّ ِّ ال�ش���رك؛ ذلك الذنب العظيم َّ َّ وحذر منه وخ َّوف. روى م�سلم يف «�ص���حيحه» ( )262عن �سلمان قال :قيل له: «ق���د ع َّلمك���م نب ُّيك���م Íك َّل �ش���يء حتَّى اخلراءة! ق���ال :فقال: بول �أو �أن ن�س���تنجي �أج���ل لقد نهانا �أن ن�س���تقبل القبلة لغائط �أو ٍ ِباليم�ي�ن �أو �أن َن ْ�س��� َت ْن ِج َي ب َِ�أ َق َّل مِ���نْ ثَلاَ َث ِة �أَ ْح َجا ٍر �أَ ْو �أَنْ َن ْ�س��� َت ْن ِج َي ِب َر ِج ٍيع �أَ ْو ِب َع ْظ ٍم». نعم لق���د ع َّلم معنى ِّ ال�ش���رك من ب���اب �أوىل و�أحرى فقال يف بيانه وتعريفه كما م�ض���ى �آنفا يف حديث البخاري�« :أَ ْن تجَ ْ َع َل هلل ال�ش���بيه وامل�س���اويِّ ، نِ���دًّا َوهُ َو َخلَ َق َك» ،فال ِّن ُّدَّ : فال�ش���رك :م�ساواة غري اهلل باهلل فيما هو من خ�صائ�ص اهلل �سوا ًء يف الألوه َّية� ,أي: توحيد العبادة ,كمن يدعو غري اهلل ولو بزعم طلب َّ ال�شفاعة كمن يقول :يا ر�سول اهلل ا�شفع يل عند اهلل ,مع كونه يدعو اهلل وي�ص ِّلي وي�صوم ويح ُّج ويذكر اهلل ,ولكن �إذا �أ�شرك حبط عمله كلُّه و�صار يف ال َّنار من اخلالدين خمذو ًال مدحو ًرا. كما قال تعاىل﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [\.]v �أو يف ال ُّربوب َّي���ة كمن يعتق���د �أنَّ غري اهلل يخلق كخلقه �أو يرزق ال�صفات كمن يعتقد �أنَّ لغري اهلل كالأنبياء واملالئكة كرزقه� ,أو يف ِّ �أو الأولياء �صفة ك�صفته كعلم الغيب.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
َت ْ�صدِ ي َق َق ْولِ ال َّن ِب ِّي ﴿ Íﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ الآ َي َة ومن كمال التَّوحيد الواجب :اخلوف من ِّ ال�ش���رك والوقوع يف �شراكه ,ومعرفة �صفة ِّ ال�شرك للحذر منه و�أنواعه من باب: ال�ش َّر ال َّ عرفت َّ لل�ش ِّر ولكن لتو ِّقيه ومن ال يعرف َّ ال�ش َّر من اخلري يقع فيه. وق���د يقول البع�ض� :أين ِّ ال�ش���رك وعالم التَّحذي���ر منه ف�إ َّننا ال ن���رى ال َّالت وال الع���زَّى وال مناة ال َّثالثة الأخ���رى؛ فما نرى غري لرب العاملني؟ م�ضحني ِّ حاجني ِّ م�ص ِّلني �صائمني ِّ قلنا :ومن قال �إنَّ التَّحذير من ِّ ال�شرك ال يكون �إ َّال مع وجوده ف�إنَّ نوح كانوا � َ تن�سخ العلم ومعرفة ِّ ال�شرك واحلذ ُر أهل ٍ توحيد ,فل َّما َّ قوم ٍ منه وقعوا فيه �إذ َّ نا�ص���ب �شراكه له ال�ش���يطان باملر�ص���اد البن �آدم ٌ ليوق َعه فيه ولو على �سبيل التَّد ُّرج به من البدعة �إىل ِّ ال�شرك ,وا َّلتي ا�س هي بريده ,خ َّرج ُّ البخاري يف «�ص���حيحه» ( )4920عن ابن ع َّب ٍ نوح يف العرب بع ُد �أ َّما َو ٌّد �« :Èصارت الأوثان ا َّلتي كانت يف قوم ٍ كانت لكلب بِدَ ْو َم ِة َ لهذيل و�أ َّما ُ يغوث فكانت دَل و�أ َّما �سواع كانت ٍ اجل ْن ِ يف ِب َ وف عندَ �س���ب�إٍ و�أ َّما ُ يعوق فكانت ل َه ْمدَانَ ملُ َر ٍاد َّثم لبني ُغ َط ٍ اجل ِ رجال �صاحلني من و�أ َّما ن�س��� ٌر فكانت ِ حلميرَ َ لآل ذي الكالع �أ�سماء ٍ ���وح فل َّما هلكوا �أوحى َّ ال�ش���يطان �إىل قومهم �أن ان�صِ���بوا �إىل ق���وم ن ٍ جمال�سهم ا َّلتي كانوا يجل�سون �أن�ص���ا ًبا و�س ُّموها بِ�أ�سمائهم ففعلوا دَت». وتن�سخ العلم ُع ِب ْ فلم تعبد حتَّى �إذا هلك �أُولئك َّ وتن�س���خ العل���م فانظ���ر ـ رحم���ك اهلل ـ �إىل عاقب���ة اجله���ل ُّ وترك التَّحذير من ِّ ال�ش���رك ,واال�ش���تغال بالق�ص����ص واحلكايات والزُّهد َّيات ,وترك تعليم التَّوحيد وما ي�ض���ا ُّده من ِّ ال�شرك الأكرب نوح على الإ�س�ل�ام ِّ برب الأر�ض َّ وال�س���موات ,فقد كان ال َّنا�س قبل ٍ ا�س « :Èكان بني نوح و�آدم ع�ش���رة والتَّوحيد كما قال ابن ع َّب ٍ قرون كلُّهم على �شريعة احلقِّ »(.)1 فو�سو�س �إليهم َّ ال�شيطان بالبدعة ل�ضعف العلم والتَّحذير من البدع ف�أوقعهم يف التَّ�ص���وير ,ونحت الأ�ص���نام لطلب ال َّن�شاط يف و�صححه و�أق َّره َّ الذهبي. (� )1أخرجه الطربي ( ,)621/3واحلاكم (َّ ,)546/2
و�س���واع َ ويعوق َ ون�سر, العبادة بذكر م�آثر �أولئك الز َُّّهاد؛ و ٍّد ويغوث ٍ ٍ فانتظر بهم َّ وتن�سخ العلم مب َّرة, ال�ش���يطان حتَّى هلك ذلك اجليل َّ ف�أوحى �إليهم �أنَّ �آباءكم كانوا يعبدونها ,فلذلك َّ عظموها؛ فكانت �شرك وقع يف الأر�ض. �سبب �أ َّو ِل ٍ ال�صور واجلهل بتوحيد اهلل َ ُّ مما يخ ِّوفنا من ِّ ال�ش���رك و�إن مل يكن ظاه ًرا ,فيدعونا فه���ذا َّ حت�ص��� ًنا بالعلم؛ ف�إنَّ اجله���ل باهلل و�أحكامه لتعلُّم���ه واحلذر منه ُّ وال�س َّن ِة قنطر ُة الوقوع فيه كما وقع فيه قوم نوح. ُّ بي Íقد ه َّون من �أمر ِّ ال�ش���رك بل �س���معنا من ي َّدعي �أنَّ ال َّن َّ ال�ش ْر َك �أَ َخ ُ فقال« :ما ِّ «ال�صحيحني» :عن عقبة اف َعلَ ْي ُك ْم» كما يفَّ : يوما ف�ص��� َّلى على �أهل �أُ ُح ٍد �صالته ابن ٍ بي Íخرج ً عامر �أنَّ ال َّن َّ عل���ى امل ِّيت َّثم ان�ص���رف �إىل املنرب فق���ال�« :إِنيِّ َف��� َر ٌط َل ُك��� ْم َو�أَ َنا َ�ش ِهي��� ٌد َعلَ ْي ُك��� ْم َو�إِنيِّ َواللهَّ ِ َلأ ْن ُظ ُر �إِلىَ َح ْو ِ�ض���ي الآ َن َو�إِنيِّ �أُ ْعطِ يتُ ����ض َو�إِنيِّ َواللهَّ ِ مَا �أَ َخ ُ اف ِ���ن الأَ ْر ِ�ض �أَ ْو َم َفاتِي َح الأَ ْر ِ َم َفا ِتي��� َح َخ َزائ ِ َعلَ ْي ُك ْم �أَ ْن ُت ْ�ش ِر ُكوا َب ْعدِ ي َو َلكِنْ َ�أ َخ ُ اف َعلَ ْي ُك ْم �أَ ْن َت َنا َف ُ�سوا فِيهَا». فاجلواب :كم���ا قال احلافظ ابن حجر« :مَا �أَ َخ ُ ���اف َعلَ ْي ُك ْم �أَ ْن ُت ْ�ش ِر ُك���وا» �أي :عل���ى جمموعكم؛ لأنَّ ذلك وق���ع من البع�ض» ال �أن ال يظه���ر ِّ ال�ش���رك فيك���م ,فق���د ظه���ر يف الأ َّم���ة كما روى رِّ ���ذي ( )2219عن ثوبان قال :قال ر�س���ول اللهَّ َ « :Íال التم ُّ ال�ساعَ��� ُة َح َّتى َت ْل َح��� َق َق َبا ِئ ُل مِ نْ �أُ َّمتِ���ي ِبالمْ ُ ْ�ش ِر ِك َ ني َو َح َّتى َت ُق���و ُم َّ ون فيِ �أُ َّمتِي َث َ َي ْع ُب��� ُدوا الأَ ْو َثا َن َو�إِ َّن��� ُه َ�س َي ُك ُ ال ُث���و َن َك َّذا ُبو َن ُك ُّل ُه ْم َي ْزعُ��� ُم �أَ َّن��� ُه َن ِب ٌّ���ي َو�أَ َن���ا َخ مَ ُ ���ات ال َّن ِب ِّي َ �ي�ن َال َن ِب َّ���ي َب ْع���دِ ي» ق���ال �أبو عي�سى :هذا حديثٌ ح�سنٌ �صحي ٌح». فكيف ال نخاف الوقوع يف ِّ ال�شرك ومل ي�أمن البالء على نف�سه �إبراهي���م اخلليل �أبو الأنبياء ,Íوا َّل���ذي جعله اهلل �أ َّم ًة فقال: ﴿ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [\.]j
التوحيد الخالص
عن َع ْبدِ اللهَّ ِ بن م�سعود َقا َلُ :ق ْلتُ َيا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ �أَيُّ ال َّذ ْنبِ �أَ ْع َظ ُم؟ َقا َل: «�أَ ْن تجَ ْ َع َل للِهَّ ِ ِندًّا َوهُ َو َخلَ َق َك» ُق ْلتُ ُ :ث َّم �أَيُّ ؟ َقا َل�« :أَ ْن َت ْق ُت َل َو َلد ََك َخ ْ�ش َي َة �أَ ْن َي ْ�أ ُك َل َم َع َك» قلتُ :ث َّم �أَيُّ ؟ َقا َل�« :أَ ْن ُت َزانيِ َ َحلِيلَ َة َجار َِك» َو َ�أ ْن َز َل اللهَّ ُ
رجل من ���ي ٍ روى �أحم���د يف «م�س���نده» ( )19606عن �أبي عل ٍّ ا�س! كاهل قال :خطبنا �أبو مو�س���ى ال ُّ بني ٍ أ�شعري فقال :يا �أ ُّيها ال َّن ُ ا َّت ُق���وا هذا ِّ ال�ش���رك ف�إ َّن���ه �أخفى من دبيب ال َّنمل؛ فق���ام �إليه عبد قلت مما َ اللهَّ بن ٍ حزن وقي�س بن امل�ض���ارب فقاال :واللهَّ لتخرجنَّ َّ مما قلت �أو لن� َّ أت�ي�ن عم َر م�أذو ٌن لنا �أو غري م� ٍ أذون ،قال :بل �أخرج َّ للهَّ ا�س! ا َّت ُقوا َه َذا يوم فقال�« :أَ ُّيهَ���ا ال َّن ُ خطبنا ر�س���ول ا Íذات ٍ ِّ ال�ش��� ْر َك َف ِ�إ َّن��� ُه �أَ ْخ َفى مِ ���نْ َدبِيبِ ال َّن ْملِ » فقال له من �ش���اء اللهَّ �أن
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
13
التوحيد الخالص
اهتم بال ُّدنيا ,وان�شغل عن يق���ول :وكيف نتَّقي���ه وهو �أخفى م���ن دبيب ال َّنمل يا ر�س���ول اللهَّ ؟ فال تكن من �أ�ص���حاب الغفلة َّ ممن َّ ق���الُ « :قو ُلوا :ال َّل ُه َّم �إِ َّنا َن ُعو ُذ ب َِك مِ ���نْ �أَ ْن ُن ْ�شر َِك ب َِك َ�ش ْي ًئا َن ْعلَ ُم ُه العلم ,حتَّى وقع يف ِّ ال�شرك ً عياذا باهلل ُ وخ ِّلدَ يف ال َّنار بال موت وال نوم وال راحة ولو �ساعة. َو َن ْ�س َت ْغ ِف ُر َك لمِ َا اَل َن ْعلَ ُم». وينق�س���م ِّ ال�ش���رك من جهة العاقبة يف الآخرة وحبوط العمل وق���د �س���معنا بع�ض املف ِّكري���ن ,وا َّلذين هم يف ب���اب العلم من املبتدع�ي�ن يق ِّلل���ون من �ش����أن التَّوحي���د وتعلُّمه فق���ال :ميكن تعلُّم �إىل ق�سمني� :شرك �أكرب و�شرك �أ�صغر: 1ـ ِّ ال�ش���رك الأك�ب�ر :ه���و م�س���اواة غ�ي�ر اهلل باهلل فيم���ا هو من التَّوحي���د يف خم�س دقائ���ق! يعني كما َّ حذر �إم���ام ال َّدعوة من قول خ�ص���ائ�ص اهلل ,كمن ي�س���جد لغري اهلل وينذر �أو يذبح تع ُّبدًا لغريه بع�ضهم هذا التَّوحيد عرفناه. ���ي « :Íال ِّر َب���ا ب ِْ�ض ٌع �سبحانه. وذل���ك ي���د ُّل على جهله؛ فق���د قال ال َّنب ُّ 2ـ ِّ وال�ش���رك الأ�صغر :م�س���اواة غري اهلل ب���اهلل يف ال َّلفظ وك ُّل َو َ�س ْب ُع���و َن َبا ًبا َو ِّ ال�ش ْر ُك مِ ْثل َذل َِك» [رواه البزَّار (�« ،)1935صحيح و�س���يل ٍة ِّ لل�ش���رك الأكرب وما �س َّمته َّ ال�شريعة �ش���ر ًكا ومل يكن �أكرب, اجلامع»(.])3540 بال�صاحلني. فلو �س���ئل هذا املته ِّوك ما هو �ضابط ِّ ال�ش���رك الأكرب يف اخلوف كالرياء واحللف بغري اهلل والتَّربك َّ ���رك يف الألوه َّيةٌ , وينق�س���م الأكرب �إىل ثالثة �أق�سام� :ش ٌ �شرك واملح َّب���ة لتحيرَّ جوا ًبا ,فلي�س هو ا َّلذي تع َّلم التَّوحيد وما ي�ض���ا ُّده من ال�شرك و�أنواعه ,وال ترك غريه يتع َّلمه فينجو من حبوط العمل واخللود يف ال ُّربوب َّيةٌ , وال�صفات. ِّ �شرك يف الأ�سماء َِّ فم���ن جنا منها ك ِّلها كان حتت امل�ش���يئة يف ال َّنار. �إن كان من �أهل املعا�صي� ،إن �شاء اهلل َّ عذبه قال تع���اىل﴿ :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ح � أ ��ى ل �� ع ر ��� مت ��س��رة � �� ح وال ���دٍ ُّ و�إن �ش���اء غفر اهلل كما قال تعاىل﴿ :ﮄﮅ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [\ ,]bوقال تعاىل: ﴿ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
مثل امل�شرك م��ن �أه��ل ال َّنار يذبح عنده امل���وت ,فلنطلب ع����ل����م ال���� َّت����وح����ي����د ول����ن����ق����ر�أ ك��ت��ب��ه ول��ن��ع��م��ل مبقت�ضاه
ﮊ﴾ [\.]a أحد مثل امل�ش���رك وال ح�س���رة مت ُّر على � ٍ م���ن �أهل ال َّن���ار يذبح عنده امل���وت ,فلنطلب علم التَّوحيد ولنقر�أ كتبه ولنعمل مبقت�ضاه. عن �أبي �س���عيد اخل���دريِّ Çق���ال :قال ر�س���ول اللهَّ :Í « ُي�ؤْ َت���ى ِبالمْ َ��� ْوتِ َك َه ْي َئ��� ِة َك ْب ٍ����ش َ�أ ْملَ��� َح َف ُي َنادِي ُم َن���ادٍَ :يا �أَهْ ��� َل جْ َ ال َّنةِ! َف َي ْ�ش َر ِئ ُّب���و َن َو َي ْن ُظ ُرو َن َف َي ُق ُ ���ول :ه َْل َت ْع ِر ُفو َن َه َذا؟ َف َي ُقو ُلو َنَ :ن َع ْم هَ��� َذا المْ َ��� ْو ُت َو ُك ُّلهُ��� ْم َق ْد َر�آهُ؛ ُث��� َّم ُي َنادِيَ :ي���ا �أَهْ َل ال َّن���ار ِ! َف َي ْ�ش َر ِئ ُّبو َن َو َي ْن ُظ��� ُرو َن َف َي ُق ُ ���ول :ه َْل َت ْع ِر ُف���و َن َه َذا؟ َف َي ُقو ُلو َنَ :ن َع��� ْم َه َذا المْ َ ْو ُت َو ُك ُّلهُ��� ْم َق��� ْد َر�آ ُه َف ُي ْذ َب ُح؛ ُث َّم َي ُق ُ ولَ :ي���ا �أَهْ َل جْ َ ال َّنة ِ! ُخ ُلو ٌد َفال َم ْو َت, َو َيا �أَهْ َل ال َّنار ِ! ُخ ُلو ٌد َفال َم ْو َت ُث َّم َق َر�أَ﴿ :ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭖﭗﭘﭙ﴾ ـ وه�ؤالء يف غفلة �أهل ال ُّدنيا ـ ﴿ﭚﭛﭜﭝ﴾ [\.)2(»]o
ﮐ﴾ [`.]116 ,48 : ف�ش���رك الألوه َّية� :أن يعب���د اهلل ويعبد غ�ي�ره كم���ن ذب���ح لغ�ي�ر اهلل� ,أو نذر مع���ه َ لغريه� ,أو دعا غريه ,ولو قال :يار�س���ول اهلل ا�شفع يل عند اهلل.
اخلا�صة به و�شرك ال ُّربوب َّية :ت�س����وية غري اهلل باهلل يف الأفعال َّ كاخللق وال َّرزق والإحياء والإماتة. ال�صفات وال�صفات :م�ساواة غري اهلل باهلل يف ِّ و�شرك الأ�سماء ِّ كمن يعتقد �أنَّ الأولياء يعلمون الغيب ,ويقدرون على التَّ�ص ُّرف يف الكون كقدرة اهلل ,ونحو ذلك. ق�س���م له �أن���واعٌ ,ك�ش���رك الألوه َّية ففيه �ش���رك اخلوف, وك ُّل ٍ و�شرك املح َّبة ,والتَّو ُّكل ,وال َّرجاء.
( )2رواه البخاري ( ،)4730وم�سلم (.)2849
14
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
1
«ف�ص اخلوامت» البن طولون (« ,)39الإن�صاف» (,)3/5/8 (*) ُّ «خمت�صر املزين» (.)184
()1
�أمينة حدَّاد
مما ذكر ,وهي ا َّلتي يقرتن وهذا بحثٌ حم َّرر يف الوالئم اجلائزة َّ �سببها ب�سرور حادث ,وجت ُّدد نعمة. يخرج بذلك ما كان حمظو ًرا كـ«الو�ضيمة» وهي َّ الطعام املتَّخذ عند امل�صيبة والأ�سى ,و«الزَّردة» وهو يف عرفنا طعام يتَّخذ على ذبائح من بهيمة الأنعام عند مزارات من يعتقد �صالحهم. �أ َّما الأوىل� :أي الو�ضيمة فهي عم ٌل منك ٌر وبدع ٌة يف الدِّ ين ,فعن جرير ابن عبد اهلل البجلي Çقالُ « :ك َّنا َن ُعدُّ االِج ِت َما َع �إِلىَ �أَهْ لِ امل َ ِّيتِ َو َ�صن َع َة َّ احةِ»( ,)1قال ابن احلاج« :و�أ َّما �إ�صالح الط َعا ِم َبع َد َد ْف ِن ِه مِ َن ال ِّن َي َ طعاما وجمع ال َّنا�س عليه فلم ينقل فيه �شي ٌء وهو بدعة»(.)2 �أهل امل ِّيت ً و�أ َّما ال َّثانية :وهي «الزَّردة» ,ففيها قال َّ ال�شيخ ح َّماين مب ِّي ًنا حترميها: «�إنَّ َّ ن�ص الطعام وال َّلحم املق َّدم يف الزَّردة ال يح ُّل �أكله ً �شرعا؛ لأ َّنه َّ مما َّ القر�آن على حرمة �أكله ف�إ َّنه �سبحانه وتعاىل يقول ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ مما �أه َّل لغري ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [ ]a: 3فال َّلحم َّ اهلل� ,أي ذبح لغري اهلل بل للم�شايخ»(.)3 والقاعدة ا َّلتي ت�ضبط امل�شروع من املمنوع يف هذا الباب هي�« :أنَّ الوالئم �إذا كان �سببها �إظهار �سرور ملوجب مباح ال موافقة ملوا�سم بدع َّية �أو �أعياد غري �شرع َّية ,ف�إ َّنه ال مانع من ال َّدعوة �إليها ,وتكون الإجابة واجبة, وقد قال �« :Íإِ َذا دَعا �أَ َح َد ُك ْم �أخاه َف ْليُجِ ْب ُع ْر ً�سا َكا َن �أَ ْو َن ْح َوهُ»(.)4 وهذا مزيد بيان لأحكام بع�ض الوالئم امل�شهورة بني ال َّنا�س:
بحوث ودراسات
الوليم���ة يف ال ُّلغة :ا�س���م لطعام العر�س� ,أو ُّ كل طعا ٍم ُ�صنِع لدعو ٍة �أو غريها. ولق���د و�ضع���ت الع���رب �أ�سم���ا ًء مل���ا كان���ت ت�صنع���ه م���ن الأطعم���ة ا َّلت���ي له���ا موجِ ���ب و�سب���ب ,ف�س َّم���وا طع���ام اخلت���ان «�إع���ذا ًرا», و«العقيق���ة» لل���والدة ,و«اخلر�س» ل�سالمة املر�أة من الطلق ,و«النقيعة» لقدوم امل�سافر, لل�سكن املتجدِّد ,و«احلِذاق» عند و«الوكرية» َّ ال�صبيُّ , و«ال�شندخ» طع���ام الإمالك ح���ذاق َّ عل���ى ال َّزوج���ة ,و«ال ُّتحف���ة» طع���ام الق���ادم, و«املِ�شداخ» َّ الطعام امل�أكول يف ختمة القارئ, و«امل�أدبة» ما ي َّتخذ بال �سبب. ويقع عليه���ا جمي ًعا ا�س���م الوليمة فيقال: وليمة ختان� ,أو وليمة �إعذار ,هكذا مق َّيد ًة بالإ�ضاف���ة� ,أ َّم���ا عن���د الإط�ل�اق فاملق�ص���ود بالوليمة َّ الطعام امل�صنوع للعر�س(*).
( )1رواه �أحمد ( ,)6905وابن ماجه ( ,)1612انظر «�أحكام اجلنائز» (.)210 (« )2املدخل» (.)275/3 (�« )3أعرا�س َّ ال�شيطان» ( 26ـ )27 ( )4رواه م�سلم (.)1429
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
15
بحوث ودراسات
ُدخل ن�سا َءها يف �ش َّوال( ،)8وانظر« :نيل الأوطار» (.)189/6 ت ِ �أ َّوال ـ وليمة العر�س: ولع َّل عائ�شة áقالت ذلك ردًّا على من تطيرَّ من �ش َّوال َّواج فيه ,وقد ذكر ال َّنووي � :أ َّنهم كانوا يف اجلاهل َّية ف َك ِره الز َ هي واجبة يف حقِّ الرجل ,د َّلت على ذلك ال�س َّنة ,فعن �أن�س يتطيرَّ ون من التَّزويج وال ُّدخول يف �ش َّوال ,ملا يف ا�سم «�ش َّوال» من ُّ َّ ابن مالك � Çأنَّ عبد ال َّرحمن بن عوف Çقال :يا الإ�شالة وال َّرفع(.)9 ر�سول اهلل �إنيِّ تز َّوجت امر�أ ًة على وزن نواة من ذهب؛ قال ر�سول مباحا؛ لأ َّنه � إذا علم �أنَّ الوليمة واجب ٌة فهل يكون تكرارها ً اهلل َ « :Íبا َر َك اهلل َل َك �أَ ْو مِ ْ ل َو َلو ب َِ�شاةٍ»( ,)5ومل يثبت عن ال َّن ِّ بي داخ ٌل يف عموم الإطعام للم�س َّرة �أم �أ َّنه ممنوع؛ لأ َّنه خروج ع َّما � Íأ َّّنه تركها �أو تركها �أ�صحابه ,بل �أومل و�إن كان قلي ًال ,وقوله �ألزم به َّ ال�شرع وزيادة على ما �أمر؟. Íلعبد ال َّرحمن بن عوف�« :أَ ْو مِ ْ ل َو َل ْو ب َِ�شاةٍ» لي�س دلي ًال على �صحة الأ َّول ـ �أي جواز تكرارها ـ و�إن يتوجه يف هذاَّ : ا َّلذي َّ تعينُّ ال َّلحم فيها ,بل يحتمل �أ َّنه كان �أق َّل ما ر�آه Íيف حقِّ عبد مل يرد طلبها �إ َّال م َّرة واحد ًة ,ف� مَّإنا ذلك حتقي ًقا للقدر الواجب ال َّرحمن؛ لأ َّنه كان واجدً ا. منها ,وما زاد عليه عائ ٌد �إىل الأ�صل يف جواز ا ِّتخاذ ِّ ال�ضيافة وي�ستحب لأ�صحاب الزَّوج وجريانه م�ساعدته يف وليمته ُّ ال�سرور. حلادث ُّ عرو�سا ب�صف َّية بي ً Í مبا عندهم ,قال �أن�س � :Çأ�صبح ال َّن ُّ وقد �أ�شار البخاري �إىل ترجيح هذا القول يف تبويبه جلامعه فقالَ « :منْ َكا َن عِ ْن َد ُه َ�شي ٌء َف ْليَجِ ئ ِبهِ؛ قالَ :و َب َ�س َط نط ًعا» فجعل الرجل يجيء بالأقط ,وجعل الرجل يجيء بالتَّمر ,وجعل الرجل حيث قال« :باب ح ُّق �إجابة الوليمة وال َّدعوة ومن �أومل �سبعة �أ َّيام َّ َّ َّ ()10 يوما وال يومني» . ()6 بي ً Í ونحوه ,ومل يو ِّقت ال َّن ُّ حي�سا فكانت وليمة ر�سول اهلل »Í بال�سمن فحا�سوا ً يجيء َّ ومن نافلة القول التَّنبيه على �أنَّ تكرار الوليمة على وجه وقد اختلف العلماء يف وقتها هل تكون عند العقد �أو عقبه وال�سمعة حم َّرم ,كما يحرم ك ُّل مباح اقرتن بهما. دل على �أ َّنها بعد املباهاة ُّ بي Íقد َّ �أو عند ال ُّدخول �أو عقبه ,وفعل ال َّن ِّ «ال�صحيحني» �صري ٌح يف ذلك حيث ( )8رواه م�سلم (.)1423 ال ُّدخول ,وحديث �أن�س يف َّ (�« )9شرح م�سلم» (.)221/9 و�سا ِب َز ْي َن َب ا ْب َن ِة َج ْح ٍ قال�« :أَ ْ�ص َب َح َ Íع ُر ً �شَ ,و َكا َن َت َز َّو َجهَا (« )10الفتح» (.)245/9 ا�س ل َّ ِلط َعا ِم َب ْع َد ِا ْر ِت َفا ِع ال َّنهَارِ»( ,)7كما يد ُّل بِاملَدِ ي َن ِة َف َدعَا ال َّن َ ال�سرور بعد على ذلك حديث بنائه ب�صف َّية املتقدِّ م ,ولأنَّ كمال ُّ ال ُّدخول فنا�سب �أن يكون يف ذلك الوقت. وعلى هذا يكون من �أومل قبل ال ُّدخول ـ كما جرت به العادة ـ قد عدل عن الأف�ضل كمن �أومل ب� َّ أقل من �شاة مع التَّم ُّكن منها. ا�س���تحب وال ي�س���نُّ تخ�ص���ي�ص ال ُّدخ���ول بزمان معينَّ وقد َّ بع�ض العلماء ال ُّدخول يف �ش َّوال حلديث عائ�شة َ « :áت َز َّو َجنِي َر ُ�س ُ ���ول اهلل ِ Íيف َ�ش��� َّوال َو َب َن���ى بِ���ي ِيف َ�ش َّوال َف����أَيُّ ن َِ�س���ا ِء َر ُ�سولِ ت�ستحب �أن اهلل َ Íكا َن �أَ ْح َظى عِ ْن َد ُه مِ ِّني» ،قال :وكانت عائ�شة ُّ ( )5رواه البخاري ( ,)5155وم�سلم (.)1427 ( )6رواه البخاري ( ,)371وم�سلم (.)1365 ( )7قطعة من حديث رواه البخاري ( ,)5166وم�سلم (.)1438
16
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
ثانيا ـ العقيقة:
طعاما يدعى العقيقة تطلق على ذبيحة املولود ,وال يلزم كونها ً ال َّنا�س �إليه ,فمن �شاء ت�ص َّدق بلحمها ني ًئا ,ومن �شاء طبخه فدعا �إليه �أو �أهداه� ,أو ت�ص َّدق به. قال ابن الق ِّيم :يف تقرير هذا ك ِّله: «...الأطعمة املعتادة ا َّلتي جتري جمرى ُّ ال�شكران كلُّها �سبيلها َّ الطبخ ,ولها �أ�سماء متعدِّ دة فـ«القرى» طعام ال�ضيفان, و«امل�أدبة» طعام ال َّدعوة ...ـ �إىل �أن ذكر العقيقة فقال ـ :فكان الإطعام عند هذه الأ�شياء �أح�سن من تفريق ال َّلحم و� َ أدخل يف مكارم الأخالق واجلود»(.)11 ال�صحابة ,íفعن معاوية ابن وما ذكر معروف لدى َّ راب ًعا ـ ال َّنقيعة: بي Í ق َّرة قالَ « :مل َّا ولد يل �إيا�س دعوتُ نف ًرا من �أ�صحاب ال َّن ِّ ف�أطعمتهم»( ,)12وبهذا يتَّجه ال َّر ُّد على ما �أورده ابن احلاج قائ ًال وناق ًال« :وينبغي �أن ال يعمل بها وليمة ـ �أي العقيقة ـ ويدعو ال َّنا�س ترجم لها البخاري فقال« :باب َّ الطعام عند القدوم ,وكان �إليها؛ لأ َّنه مل يكن من فعل من م�ضى ,وقد �سئل مالك� :أي�صنع ابن عمر يفطر ملن يغ�شاه»( ,)21و�أ�سند يف هذا الباب عن جابر بن منها طعام ويجمع عليه الإخوان؟ ف�أنكر ذلك وقال :ت�شبه عبد اهلل �« Çأَ َّن َر ُ�سو َل اهلل Íلمَ َّا َقدِ َم املَدِ ي َن َة َن َح َر َج ُزو ًرا بالوالئم؟! وقال � :مَّإنا تطبخ وت�ؤكل ويطعم اجلريان»(.)13 �أَو َب َق َرة»ً.
بحوث ودراسات
نعم ِة اهلل عليه و�إطعام �إخوانه مل يكن بذلك ب� ٌأ�س �إن �شاء اهلل(,)15 ال�صبيان, وقد روى ناف ٌع عن ابن عمر � Çأ َّنه كان يطعم على ختان ِّ طعاما خلتان وروى �أ�شهب عن مالك �أ َّنه قيل له :ال َّن�صراين يتَّخذ ً ابنه �أفيجيبه؟ قال�« :إن �شاء فعل و�إن �شاء ترك» ،قال الباجي مع ِّل ًقا: «فهذا يف ال َّن�صراين قد �أباحه فكيف بامل�سلم؟!»(.)16 وقال َّ ال�شافعي « ::ك ُّل دعوة على �إمالك� ,أو نفا�س� ,أو ختان� ,أو حادث �سرور فد ُِع َي �إليها رج ٌل فا�سم الوليمة يقع عليها وال � ِّ عا�ص»(.)17 أرخ�ص يف تركها ,ومن تركها مل ينب يل �أ َّنه ٍ ود ُِع َي �أحمد � :إىل ختان ف�أجاب و�أكل(.)18 و�ص َّرح ب�إباحتها �شيخ الإ�سالم فقال« :و�أ َّما دعوة اخلتان فلم ال�صحابة تفعلها وهي مباحة»(.)19 تكن َّ و�ص َّرح مب�شروع َّيتها احلافظ يف «فتح الباري»(.)20
قال البخاري « ::زاد معاذ عن �شعبة عن حمارب �سمع ثال ًثا ـ الإعذار: ريا ِب�أُو ِق َي َتينْ ِ جابر بن عبد اهلل« :ا ِْ�شترَ َ ى مِ ِّني ال َّن ِب ُّي َ Íب ِع ً َو ِد ْره ٍَم �أَ ْو ِد ْر َه َمينْ َِ ,فلَ َّما َقدِ َم ِ�ص َرارا ـ مو�ضع بظاهر املدينة ـ �أَ َم َر ِب َب َق َر ٍة َف ُذب َِحتْ َف�أَ َك ُلوا مِ ْنهَا»(.)22 �إنَّ ال َّدعوة �إىل اخلتان مل تكن معروف ًة يف عهده Íودليل قال �شم�س احلقِّ �آبادي « ::احلديث يد ُّل على م�شروع َّية ذلك ما رواه احل�سن عن عثمان بن �أبي العا�ص � Çأ َّنه ال�سفر ويقال لهذه ال َّدعوة :ال َّنقيعة»(.)23 ال َّدعوة عند القدوم من َّ د ُِع َي �إىل ختان ف�أبى �أن يجيب ،فقيل له؟! فقال�ِ « :إ َّنا ُك َّنا َال َن�أتِي ( )15انظر «فتاوى ال َّلجنة الدَّائمة» (.)183/5 خل َتا َن َعلَى عَهدِ َر ُ�سولِ اهلل َ Íو َال ُن ْدعَى َلهُ»(.)14 ا ِ (« )16املنتقى» (.)349/3 ال�سا ِّر ,ف�إن ق�صد فاعلها �شك َر (« )17خمت�صر املزين» (.)184 �إ َّال �أ َّنه مبنزلة ال َّدعوة للحادث َّ (« )11حتفة املودود» ( 91ـ .)92 (�« )12صحيح الأدب املفرد» (رقم .)955 (« )13املدخل» (.)292/3 ( )14رواه �أحمد ( ,)17908وفيه ابن �إ�سحاق وقد عنعنه ,وانظر تعليق �شعيب الأرن�ؤوط على «م�شكل الآثار» ()31/8
(« )18املغني» ( 116/8ـ .)117 (« )19جمموع الفتاوى» ( 206/32ـ .)207 (« )20فتح الباري» (.)343/10 (( )21كتاب اجلهاد /باب .)199 ( )22حديث رقم (.)3089 (« )23عون املعبود» (.)152/10
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
17
بحوث ودراسات
قال ابن حجر « ::قوله :وكان ابن عمر يفطر ملن يغ�شاه, �أي لأجل من يغ�شاه ,والأ�صل فيه �أنَّ ابن عمر كان ال ي�صوم ال�سفر ال ً فر�ضا وال تط ُّو ًعا ,وكان يكرث من �صوم التَّط ُّوع يف يف َّ لل�سالم احل�ضر ,...لك َّنه يفطر �أ َّول قدومه لأجل ا َّلذين يغ�شونه َّ عليه والتَّهنئة بالقدوم َّثم ي�صوم». ـ وقد �صار من املعلوم يف عادة ال َّنا�س اليوم ذهابهم لتهنئة احلج َّ والطعام عنده ,بل وللأكل من َّ الذبيحة ا َّلتي العائد من ِّ ُي ْلزَ م بها العائد من هذا املن�سك ,حتَّى �صارت �أو كادت ت�صري احلج البعد َّية ,وقد بلغ من ذلك �أنَّ بع�ض ال َّنا�س من �أركان ِّ ترك �أداء هذه الفري�ضة �شفق ًة على نف�سه من هذه ال َّنقيعة ا َّلتي ترهق اجليوب.
ال جند فائدة عمل َّية يف عر�ض خالف للعلماء بال ترجيح� ,إ َّال �أ َّنه يح�سن �إيراده لئ َّال يعيب حم�سن على م�سيء� ,أو يتجا�سر م�سيء على حم�سن. جاء يف «فتاوى ال َّلجنة ال َّدائمة»(�...« :)26أ َّما الوليمة �أو االحتفال مبنا�سبة ختم القر�آن فلم يعرف عنه Íوال عن �أحد من اخللفاء ال َّرا�شدين íولو فعلوه لنقل �إلينا ك�سائر �أحكام َّ ال�شريعة, فكانت الوليمة �أو االحتفال من �أجل ختم القر�آن بدعة حمدثة». و�سئل ال�شيخ عبد املح�سن عن ذلك فقال« :كون ال َّنا�س ختموا القر�آن وبعد ذلك ذبحوا �شاة �شك ًرا هلل على هذه ال ِّنعمة ا َّلتي �أنعم اهلل بها عليهم عمل ال ب�أ�س به ,ويعترب جائزً ا من �أجل �أ َّنه �شكر هلل».
هكذا هي ,موائد تفر�ضها العوائد ,ال ت�أتي بح�سنة وال فوائد, فلو مل يكن يف املنع من هذا َّ الطعام �سوى حفظ �أموال ال َّنا�س و�أ َّما عن الإجابة �إىل الوليمة وما يتعلق بها من �أحكام ان�ضم �إىل ذلك درء العوائد عليهم لكانت ح�سنة كافية ,فكيف �إذا َّ ففيها �أي�ضا م�سائل: املبتدعة عن الدِّ ين؟! �أ َّوال :حكم الإجابة �إىل الوليمة. ولو كان للقوم عقول لعلموا �أنَّ التَّهنئة � مَّإنا تكون على �شيءٍ الإجابة �إىل وليمة العر�س واجبة على من دعي ح ًّرا مك َّلفا, حجه قد ختم عليه بختم وقع عليه بالقبول ,ومن ذا ا َّلذي علم �أنَّ َّ فرحا وطنينا وم�أدبة؟! وهو قول الأئ َّمة الأربعة و�أهل َّ الظاهر ,ويد ُّل على ذلك جملة من احل�سنة وال َّرفع واملثوبة حتَّى يقيم عليه ً بي Íقال: الأحاديث منها ما رواه �أبو هريرة � Çأنَّ ال َّن َّ «�ش ُّر َّ َ ي َن ُعهَا مَن َي�أْتِيهَا َو ُي ْدعَى �إِ َل ْيهَا َمنْ الط َعا ِم َط َعا ُم ال َولِي َم ِة مُ ْ خام�سا ـ احلِذاق: ً َي�أْ َباهَا َو َمنْ مَ ْ ل يُجِ بِ الدَّعوة َف َق ْد ع ََ�صى اهلل َو َر ُ�سو َله»(.)27 وقوله َ « :Íو َمنْ مَل يُجِ ب الدَّعوة َف َقد ع ََ�صى اهلل َو َر ُ�سو َله» يغني عن الب�سط والإكثار. ولي�ست هذه على �شرط البحث ,و�أذكرها تتمي ًما للفائدة. وذهب �أهل َّ جاء يف كتاب «ف�ص اخلوامت» البن طولون عن احل�سن« :كانوا الظاهر �إىل وجوب الإجابة �إىل طعام غري العر�س, �إذا حذق الغالم قبل اليوم نحروا جزو ًرا واتَّخذوا ً ال�صحابة والتَّابعني( ,)28وهو وجه طعاما» ,وعن وذكر ابن حزم �أنَّ عليه جمهور َّ بي القر�آن �أن يذبح عند َّ حميد قال« :كانوا ي�ستح ُّبون �إذا جمع َّ ال�س َّنة حيث مل يرد فيها تفريق بني ال�ص ُّ ال�شافع َّية ,وي�ؤ ِّيده ظاهر ُّ ال َّرجل َّ ال�شاة ويدعو �أ�صحابه»(.)24 طعام عر�س وغريه؛ فعن الرباء بن عازب Çقال�« :أَ َم َرنا وعن ابن عمر Çقال« :تع َّلم عمر Çالبقرة يف ال َّن ِب ُّي Íب َِ�س ْب ٍع »...وذكر فيها �إجابة ال َّداعي( )29وقال �ِ « :Íإ َذا اثنتي ع�شرة �سنة ,فل َّما ختمها نحر جزو ًرا»(.)25 َدعَا �أَ َح َد ُكم �أَ َخا ُه َف ْليُجِ ْب ُع ْر ً�سا َكا َن �أَ ْو َن ْح َوهُ». وهذه املرو َّيات من بني عجفاء وك�سري اال�ستدالل بها �ضعيف (.)488/2( )26 هزيل؛ لذلك تباينت �آراء العلماء فيه بني جميز ومانع ,و�إن ك َّنا ( )27رواه البخاري ( ,)5177وم�سلم (.)1432
«ف�ص اخلوامت» (.)66 (ُّ )24 (� )25أخرجه البيهقي يف «�شعب الإميان» (.)1805
18
( )28تعقَّبه العراقي يف «طرح التَّرثيب» ( )77/7وقال« :ويف ذلك نظر» ,كما تعقَّبه ابن حجر يف «الفتح» (.)247/9 ( )29رواه البخاري ( ,)5175وم�سلم (.)2066
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
( )30رواه البخاري ( ,)5434وم�سلم (.)2036 ال�س َّنة» (.)149/9 (�« )31شرح ُّ
ال�س ِّني يف «عمل اليوم ول َّليلة» ( ,)843انظر «الإرواء» ( )32رواه م�سلم ( ,)1431وابن ُّ (.)15/7
ففي هذا احلديث �أنَّ من تطفَّل يف ال َّدعوة كان ل�صاحب ال َّدعوة االختيار يف حرمانه ,و�أنَّ من ق�صد التَّط ُّفل ال مينع تطيب بي Íفلم ير َّده الحتمال �أن َ ابتدا ًء؛ لأنَّ ال َّرجل تبع ال َّن َّ نف�س �صاحب ال َّدعوة بالإذن له. ُ ثالثا :الأعذار امل�سقطة للإجابة. مما علم يف َّ ال�شريعة, ال�صنعاين :م�أخوذ ٌة َّ وهي كما قال َّ لل�صحابة ,ومن هذه الأعذار: ومن ق�ضايا وقعت َّ � أن يكون ك�سب �صاحب ال َّدعوة حم َّر ًما �أو فيه �شبهة ,وقد حكى ابن عبد ال ِّرب الإجماع على �أ َّنه متى علم �أنَّ عني َّ ال�شيء حرام� ,أخذ بوجه حم َّرم ف�إ َّنه يحرم تنا ُو ُله. قال البغوي �« ::إذا دعاك من �أكرث ماله من حرام ...فال عليك الإجابة»(.)31 ويت�أ َّكد الورع ك َّلما َك رُ َث احلرام وي�أخذ حك َمه �إقام ًة للأكرث مقام ِّ الكل؛ لأنَّ ال َّ أقل تابع. ـ �أن يكون ال َّداعي قد دعاه خو ًفا من �ش ِّره �أو طم ًعا يف جاهه �أو ليعاونه على باطل ,ومل ْيد ُعه تق ُّر ًبا وتو ُّددًا. ـ �أن يكون هناك من يت� َّأذى بح�ضوره. ممن يجوز هجره. ـ �أن يكون ال َّداعي َّ ـ �أن يكون يف ِّ ال�ضيافة مبتدع يتك َّلم ببدعته ,ف�إذا كان كذلك مل يجز احل�ضور معه �إ َّال ملن قدر على ال َّر ِّد عليه ,و�إن مل يتك َّلم املبتدع جاز احل�ضور معه مع �إظهار الكراهة ,وكذلك �إذا كان هناك م�ضحك بالفح�ش.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
بحوث ودراسات
ثان ًيا :حكم ُّ الط َف ْيلي. وهومني�أتي�إىلطعاممليدع�إليه,وفعلهيفالعادةم�ستقبح,وذهب بع�ض الفقهاء �إىل ر ِّد �شهادة من عرف بالتَّط ُّفل وتك َّرر منه ذلك. ومن جاءه متط ِّف ٌل فهو باخليار يف ردِّه ملا رواه �أبو م�سعود Çقال« :كان من الأن�صار رجل يقال له �أبو �شعيب وكان له غالم َّ طعاما �أدعو ر�سول اهلل Íخام�س حلا ٌم؛ فقال :ا�صنع يل ً خم�سة؛ فدعا ر�سول اهلل Íخام�س خم�سة فتبعهم رجل فقال م�سة َو َه َذا َر ُج ٌل َقد َت ِب َعنا َف�إِ ْن بي �« :Íإِ َّن َك َدعَو َت َنا َخامِ َ�س َخ َ ال َّن ُّ �شِ ئتَ �أَ ِذنْتَ َل ُه َو�إن �شِ ئتَ َت َر ْك َتهُ» قال :بل �أذنت له(.)30
� أن يكون له عذر مانع من مر�ض �أو ت�شاغل مبر�ض� ,أو �إقامة على حفظ مال� ,أو خوف من عد ٍّو على نف�س �أو مال ,ف�إنَّ هذه وما �شاكلها �أعذار يف �سقوط الإجابة. ف�إن اعتذر بزحام ال َّنا�س يف الوليمة مل يكن ذلك عذ ًرا يف ال َّت� ُّأخر عن الإجابة ,وقيل :اح�ضر ف�إن وجدت �سعة و�إ َّال عذرت يف ال ُّرجوع. برد ُن ِظر ,ف�إن كان ذلك مان ًعا من و�إن اعتذر ب�ش َّدة ح ٍّر �أو ٍ ت�ص ُّرف �آخر كان عذ ًرا يف ال َّت�أَ ُّخر ,و�إن مل يكن مان ًعا من ت�صرف �آخر مل يكن عذرا. ومن الأعذار �أن يدعو �صاحب الوليمة اجلفلى ـ وهي ال َّدعوة العا َّمة ـ. ومنها �أن يعتذر املدع ُّو �إىل �صاحب ال َّدعوة فري�ضى واحد ف�إنَّ � َ أهل القرابة وال َّرحم وقت ٍ بتخلُّفه ,ف�إذا دعاه اثنان يف ٍ �أح ُّق بالتَّقدمي ,ف�إن مل يكن ث َّمة رحم ف�إ َّنه يجيب �أقربهما بابا� ,أو �أ�سبقهما يف ال َّدعوة. تنبيه :ال ي�سقط فر�ض الإجابة كون املدع ِّو �صائ ًما حلديث �أبي هريرة قال :قال ر�سول اهلل �« :Íإِ َذا دُعِ ي �أَ َح ُد ُك ْم َفليُجِ ب َف ِ�إ ْن َكا َن َ�صا ِئ ًما َف ْل ُي َ�ص ِّل (ويف روايةَ :دعَا َل ُه بِالبرَ َ َكةِ) َو ِ�إ ْن َكا َن ُم ْفطِ را َفل َي ْط َع ْم»(.)32 ومن الأعذار امل�سقطة للإجابة �أن يكون هناك منكر من خمر� ,أو �صوت مزمار� ,أو فرا�ش حرير� ,أو �صورة حم َّرمة ,ويف هذا تف�صيل: فال يخلو املدع ُّو �أن يكون عاملًا بوجود املنكر قبل ح�ضوره �أو غري عامل. ف�إن علم قبل ح�ضوره فله حالتان: ـ �إحداهما� :أن يقدر على �إنكاره و�إزالته فواجب عليه �أن يح�ضر لأمرين: ـ �أحدهما :لإجابة ال َّداعي .ـ وال َّثاين :لإزالة املنكر. ـ واحلالة ال َّثانية� :أن ال يقدر على �إزالته ففر�ض الإجابة قد �سقط. و�أ َّما �إذا علم املدع ُّو �أنَّ عند �أهل الوليمة منك ًرا ال ي�سمعه وال يراه فله �أن يح�ضر وي�أكل.
19
بحوث ودراسات
ال�سوداء � مَّإنا اغتفر فيه Í والذي يظهر �أنَّ حديث الأمة َّ َّ ال�ضرب بال ُّد ِّف؛ لأنَّ فيه �إظها َر الفرح ب�سالمة ال َّر�سول ,Í �صور من املخالفات التي تقع يف الوالئم وهذا فعل حممود ,قال َّ مما اخلطابي �« ::ضرب ال ُّد ِّف لي�س َّ يع ُّد يف باب َّ الطاعات ا َّلتي يتع َّلق بها ال ُّنذور ,و�أح�سن حاله �أن يكون من باب املباح ,غري �أ َّنه ملَّا اتَّ�صل ب�إظهار الفرح ل�سالمة �أوال ـ وجود لهو حمرم: «�ص ْو َتانِ َم ْل ُعو َنانِ َمقدَ م ر�سول اهلل Íحني قدم من بع�ض غزواته وكانت فيه بي � Íأ َّنه قالَ : روى �أن�س Çعن ال َّن ِّ ()37 ()33 م�ساءة الكفَّار و�إرغام املنافقني �صار فعله كبع�ض القرب» . ِيف الدُّ ْن َيا َوالآخ ِر ِة مِ ْزمَا ٌر عِ ْن َد ِن ْع َم ٍة َو َر َّنة عِ ْن َد م ُِ�صي َبةٍ» و�أ َّما الأثر ف�إنَّ ع َّلة االنقطاع فيه ظاهرة. َّ فال�ضرب ب�آلة �سوى ال ُّد ِّف يف الوالئم حم َّرم حتر ًميا �شديدً ا, وقد انت�شرت يف �أ َّيامنا «فرق» لن�ساء ي�ضربن ال ُّد َّف ب�أجرة, وكذا �ضرب ال ِّرجال على ال ُّد ِّف ال يفعله منهم �إ َّال من �ألقى عن نف�سه واحرتفن ذلك حتَّى �أ�صبحت لهنَّ يف ذلك فنون و�أ�ساليب ,وقد �سربال ال ُّرجولة وت�ش َّهى �أن يكون ِذ ْك ُره مقرو ًنا بتاء ال َّت�أنيث. قال ابن حجر « ::والأحاديث القو َّية فيها الإذن يف ذلك قال �شيخ الإ�سالمُ « :ر ِّخ َ�ص يف َّ ال�ضرب بال ُّد ِّف يف الأفراح و�إن لل ِّن�ساء ,فال يلتحق بهنَّ ال ِّرجال لعموم ال َّنهي عن التَّ�ش ُّبه بِهِ نَّ »( .)34نهي عن �أكل املال به»(.)38 ال�صور الفوتوغراف َّية: ثان ًيا ـ التقاط ُّ وكيف ال ي�ستنوق اجلمل �إذا كان من ال ِّرجال من يتط َّرب وهذا من عادات الكفَّار ال َّدخيلة ا َّلتي غزت ديار امل�سلمني, طرب ال ِّن�ساء ويلب�س احللية مع احللل. ن�ص العلماء املعتربون عل ًما وعددًا على حترميها. ويلحق يف املنع �ضرب ال ِّن�ساء بال ُّد ِّف يف غري العر�س كاخلتان وقد َّ قال �صدِّ يق ح�سن خان :يف التَّ�صوير املح َّرم�« :سواء وغريه ,وقد قال ب�إباحته جمع من الفقهاء م�ستندين �إىل حديث بي � :Íإنيِّ نذرتُ �إن ر َّدك اهلل �ساملًا �أن �صنعه بعمل اليد �أو بذريعة �آلة له ,ل�صدق �إطالق التَّ�صوير على الأمة َّ ال�سوداء ا َّلتي قالت لل َّن ِّ �أ�ضرب على ر�أ�سك بال ُّد ِّف؛ قال �« :Íإِ ْن ُك ْنتِ َن َذ ْرتِ َفا ْف َعلِي»( .)35ما ح�صل ب�أعمال الآالت ,وحكمه حكم التَّ�صوير ,وا�ستعماله وكذا ما رواه ابن �سريين قال« :نبئت �أن عمر كان �إذا ا�ستمع ا�ستعمال التَّ�صوير»(.)39 ال�شنقيطي « ::ال َّ ال�شيخ حم َّمد الأمني َّ وقال َّ �شك �أنَّ �صوتا �أنكره و�س�أل عنه ف�إن قيل عر�س �أو ختان �أقره»(.)36 الطرب» ( 51ـ .)52دخول امل�ص ِّورين يف امل�سجد حلرام ب�آالت التَّ�صوير ي�ص ِّورون و�صححه الألباين لغريه يف «�آالت َّ (� )33أخرجه البزَّار (َّ )7513 (« )34الفتح» (.)226/9 َّ َّ مناف ملا ال�سجود� ,أنَّ ذلك ٍ بها الطائفني والقائمني وال ُّركع ُّ «ال�صحيحة» ( )1609و(.)2261 ( )35رواه �أحمد ( ,)23011انظر َّ �أمر هلل به من تطهري بيته احلرام َّ للطائفني والقائمني وال ُّر َّكع (« )36امل�ص َّنف» البن �أبي �شيبة (/485/3رقم .)16396 ال�سجود ,فانتهاك حرمة بيت اهلل بارتكاب حرمة التَّ�صوير عنده ُّ ال يجوز.)40( »... هذا ما قاله :يف ت�صوير َّ الطائفني القائمني فكيف بت�صوير ال َّالهني الغافلني؟!. يح�صل به �أهل َّ ومما �شاع وهو منكر التَّ�صوير بالكامراِّ , الوليمة ً �شريطا ع َّما جرى فيها� ,أو قل هو فيلم بعد البثِّ ,وهذا ال (« )37مرقاة املفاتيح» (.)459/10 (« )38جمموع الفتاوى» (.)224/32 (« )39الدِّ ين اخلال�ص» (.)517/4 (�« )40أ�ضواء البيان» (.)64/5
20
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
بحوث ودراسات
يخلو من حماذير ومفا�سد منها: عنهنَّ قوله « :Íال ينظر ال َّرجل �إىل عورة ال َّرجل وال املر�أة حر�ص ال َّنا�س على ِّ االطالع عليه ذكرا ًنا و�إنا ًثاَّ , فيطلع �إىل عورة املر�أة»( )43وعورة املر�أة �أمام املر�أة كعورة ال َّرجل �أمام ال�س َّرة وال ُّركبة(.)44 ال ِّرجال على ال ِّن�ساء ,بل على عوراتهنَّ ,و�إدمان ال َّنظر �إليهنَّ ,ال َّرجل� ,أي ما بني ُّ ولي�ست ال َّنتيجة خافي ًة على من �أوتي م�سك ًة من فطن ٍة �أو فهم. وقد ت�س َّربت الآفة �إىل بع�ض من �شممن رائحة الفقه ف�صرن � إنَّ ت�صوير املدع ِّوين مبثل هذه الآلة م�س ِّب ٌب ُّ لل�شعور بحجة �أنَّ عورة املر�أة ما ذكر يك�شفن عن ظهورهنَّ و�صدورهنَّ َّ باالنزعاج واحلرج لدى كث ٍري منهم ,حيث يرى نف�سه م�ضط ًّرا �إىل لي�س �إ َّال!. مناف لأدب ِّ ال�ضيافة. التزام هيئ ٍة مع َّينة ,وهذا ٍ ويقال له�ؤالء ال ِّن�سوة مثل ما قيل يف ال َّرجل يخرج يف ال َّنا�س وال يخفى �أنَّ نف�س هذا العمل ـ �أي التَّ�صوير ـ من العبث بثوب ال ي�سرت �سوى �سو�أتيه ـ عند من يقول ب�أنَّ الفخذ لي�س بعورة ٍ ح�صل ا َّلذي يتنزَّه عنه امل�سلم ,وماذا ي�ستفيد منه �سوى �أ َّنه َّ ـ �أو يخرج وقد ج َّرد بدنه �سات ًرا ما بني �س َّرته وركبتيه ,و�إن مل �شاهدً ا زائدً ا على لغطه يف ذلك اليوم ,وما كفاه ملكان موكوالن يكن فيه �إظهار للعورة �إ َّال �أ َّنه معدو ٌد من الأفعال ا َّلتي ت�سقط بها عن مي ٍني و�شمال. املروءة وتر ُّد ب�سببها َّ ن�ص على ذلك الفقهاء(.)45 ال�شهادةَّ , ثال ًثا ـ اختالط ال ِّرجال بال ِّن�ساء: وقال َّ ال�شيخ ابن عثيمني « ::ال ِّلبا�س ا َّلذي ي�شرع للمر�أة يف مثل هذه املواطن تن�شط �شياطني الإن�س واجلنِّ للز َِّّج ِّ ال�سابغ جلميع البدن ما عدا ال َّر�أ�س والكفَّني با�س ل ال هو تلب�سه أن � َّ بال�شباب ,وحتَّى ُّ َّ ال�ش َّيب يف حبائل ال َّرذيلة والف�ساد ,فما ظ ُّنك بحجة والقدمني بال ِّن�سبة للمحارم. مبجامع ت�ساهل ال َّنا�س فيها ِّ بفك العنان لنزواتهم َّ �أ َّما بال ِّن�سبة للعورة ,فعورة املر�أة مع املر�أة كعورة ال َّرجل مع ال�سرور ا َّلذي يتع َّدى ك َّل حدٍّ وال ي�ضبطه قيد,بل االنب�ساط و�إظهار ُّ جتد الكثري منهم يعتذر ب�سالمة باطنه و�صفاء ن َّيته! ,وكيف يقبل ال َّرجل ,لكن لي�س معنى هذا �أن تخرج املر�أة للمر�أة ولي�س معها �إ َّال ال�س َّرة وال ُّركبة ,و� مَّإنا معناه �أن لو كان على لعلي َ « :Çيا َعل ِّي �إِ َّن َل َك �سروال ي�سرت ما بني ُّ بي Íقد قال ٍّ هذا منهم وهذا ال َّن ُّ جل َّن ِة َو�إِ َّن َك ُذو َقر َن ْيهَا َف َ َكن ًزا ِيف ا َ ل�شغل �أو ال ُت ْت ِب ِع ال َّن ْظ َر َة ال َّن ْظ َر َة َف�إِ مَّ َ ثياب �سابغة واحتاجت �إىل �أن تك�شف عن ذراعيها ٍ نا املر�أة ٌ مر�ض� ,أو �أرادت �أن تر�ضع فال ب�أ�س. َل َك الأُولىَ َو َل ْي َ�ستْ َل َك الآخِ َر ُة»(.)41 ويجوز �أن تخرج �ساقيها وذراعيها ور�أ�سها ورقبتها عند ال�صحابي وورعه وعفَّة فمع علمه Íبكمال زهد هذا َّ باطنه و�صيانة ظاهرهُ ,ي ِّ حذره من ال َّنظر ,وي� ِّؤمنه من اخلطر ,حمارمها ,ولي�س معنى ذلك �أن نقول :تلب�س ال َّثوب الق�صري»(.)46 لئ َّال ي َّدعي الأمن ك ُّل َّ بطال ,وال يتحقَّق الأمن من الفتنة مع بقاء ( )43رواه م�سلم (.)338 طبع الب�شر َّية كما قال بع�ض َّ ال�سلف« :لو خلوت بدجاج ٍة مل �آمن (« )44املو�سوعة الفقه َّية» (.)47/31 (« )45الفروع» (« ,)513/6املغني» (« ,)152/14البحر ال َّرائق» (.)153/7 على نف�سي»(.)42 ( )46لقاء الباب املفتوح� :شريط 126بت�ص ُّر ٍف ي�سري. رابعا ـ ال َّت ُّ ك�شف و�إبداء العورات: ومن الآفات ا َّلتي ت�ضيق لها �صدور �أهل العفَّة واحلياء يف مثل هذه املنا�سبات :تز ُّين بع�ض ال ِّن�ساء بتخفيف ثيابهنَّ وتق�صريها ,بل ربمَّ ا وجدن �صعوب ًة يف احلركة من �ش َّدة �ضيقها وت�ضييقها عليهنَّ . حرجا يف ال َّنظر �إليهنَّ ,وقد غاب وباملقابل �أخريات ال يجدن ً ( )41خ َّرجه �أحمد يف «امل�سند» ( )22991وهو ح�سن ,وانظر تعليق م�شهور على ر�سالة «�أحكام ال َّنظر» لأبي بكر بن حبيب (.)43 (�« )42أحكام ال َّنظر» ( 39ـ .)45 ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
21
مسائل منهجية
ح�سن �أيت علجت
تنبيه َ األِلبَّاِء..
إىل طريـق مـعرفـة العلمــــاء امل�س ِل َم ـ َع َّل َم ِني ُ اهلل و�إ َّي َ اك ـ �أنَّ هذه امل�س�أل َة ـ �أَ ْيَ :ط ِريقَ َم ْع ِر َف ِة ال ُع َل َما ِء ـِ ،منْ ِا ْع َل ْم � ِأخي ْ ُع ُيون ا َمل َ�سا ِئ ِل املُتَع ِّل َقة َمب ْن َهج ال ِع ْل ِم ،وال َع َمل ،وال َّد ْع َو ِة ،وهذا ِل َ�س َب َبينْ : �أ َّو ُلهُما� :أنّ ال ُع َل َما َء هُ ْم ر� ُأ�س ال ِف ْرق ِة ال َّناجية ،والطائ َف ِة َّ الظاهرة املن�صورة(.)1 َّ والطا ِئ َف ُة امل ْن ُ�صو َر ُة هي ْ ال�صحيحينِْ وغيرِْ ِهما عن ُم َعا ِو َي َة ْب ِن �أ ِبي املذ ُكور ُة يف َح ِد ِ يث َّ ُ�س ْفيانَ Èعن ر�سول اهلل Íقالَ « :ال َت َز ُال َطا ِئ َف ٌة مِ نْ �أُ َّمتِي َقا ِئ َم ًة ِب�أَ ْم ِر اللهَّ َِ ،ال ا�س». َي ُ�ض ُّرهُ ْم َمنْ َخ َذ َل ُه ْم� ،أَ ْو َخا َل َف ُه ْمَ ،ح َّتى َي�أْت َِي �أَ ْم ُر اللهَّ ِ َوهُ ْم َظاهِ ُرو َن َعلَى ال َّن ِ هلل ،yو� ْأع َل ُم ُهم ِب ِهَ ،ك َما َو َال َغ ْر َو �أنْ َي ُكونَ ال ُع َل َما ُء كذلك؛ � ْإذ هُ م �أَ ْق َو ُم ال َّنا�س ب� ْأم ِر ا ِ �أ َّن ُهم َم ْن ُ�صو ُرون َظ ِاه ُرون با ُ حل َّجة وال َب َيان. خاري :يف «�صحيحه» ُم رَت ِْجم ًا للحديث الآ ِن ِف ِّ «باب ق ْو ِل لهذا َق َال الإِ َم ُام ال ُب ُّ الذ ْك ِرُ : حل ِّق» وهُ ْمُ � : ِين على ا َ النبي « :Íال َت َز ُال َطا ِئ َف ٌة مِ نْ �أُ َّمتِي ظاهِ ر َ أهل ال ِع ْل ِم»(.)2 ِّ ف�س َرها ب�أ َّنهم � ْأه ُل َ إمام � ْأح َمدَ ،و�ش ْي ِخه احل ِد ِ وال ُمنافا َة بينْ َ هذا ال َّتفْ�سريَ ،ومنْ َّ يث ،كال ِ إمام البخاري(َ ،)3 وغيرْ ِهم؛ «لأنَّ � ْأه َل ال ِع ْل ِم يزيدَ ْب ِن هارونَ ِّ ، وعلي ْب ِن ا َمل ِدي ِن ِّي �ش ْي ِخ ال ِ احلديث ،و ُك َّلما كانَ امل ْر ُء � ْأع َل َم هُ م � ْأه ُل باحلديث ،كانَ � ْأع َل َم يف ال ِع ْل ِم ممِ َّ نْ هو دُو َن ُه يف ِ ِ َ يث ،كما ال يخْ َفى»(.)4 احل ِد ِ ْ�صو ُد ب� ْأه ِل َ يث هُ ُم املُ ْ�ش َت ِغ ُلونَ ِ ِبه ِر َوا َي ًة و ِد َرا َي ًة ور َِعا َي ًة ،ف ُه ْم ُم ْع َت ُنونَ بال َّت ْمييز احل ِد ِ واملق ُ وا�س ِت ِْع َما ِل ِه يف َجمِ ي ِع َبينْ َ َ�ص ِح ِ يح ِه َ و�سقِيمِ ِه ،و َي َت َف َّق ُهونَ يف َم َعا ِني ِه ،و َي ْح ِر ُ�صون على ا ِّت َب ِاعه ْ �أُ ُمور ِِهم. لل�س َّنة، و ُي ْل َحقُ بِهِ ْم ـ �أ ْي ً�ضا ـ َمنْ َ�س َل َك َ�س ِبي َل ُهم ِمنَ املُ َت َف ِّقهِ ني على َط ِري َقتِهِ م ،املُ َّت ِب ِعني ُّ واملُ َع ِّظمِ ني للآ َثارِ. ( )1انظر« :قواعِ ُد يف ال َّت َعا ُم ِل َم َع ال ُع َل َماءِ» لعبد الرحمن بن ُم َع ّال اللويحق ( 20ـ .)21 (« )2كتاب االعت�صام بالكتاب وال�س َّنة» (فتح .)293/13 : �صح َح هُ َنالِك بع�ض �أ�سانيد هذه الآثار. ( )3انظر« :فتح الباري» للحافظ ابن حجر ( ،)293/13وقد َّ ( )4قاله الع َّال َم ُة الألباين يف «ال�صحيحة» ( ،254/1ط :املعارف)
22
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
�إ َّن هذه الـم�س�أل َة ـ �أَيْ : َط�� ِري�� َق َم�� ْع�� ِر َف�� ِة ال ُعلَ َما ِء ـ، مِ ����نْ ُع��� ُي���ون الـ َم َ�سائِلِ مب ْنهَج ال ِع ْل ِم، الـ ُم َتع ِّل َقة َ وال����� َع����� َم�����ل ،وال�������د َّْع������� َو ِة
مسائل منهجية
و�أ َّما ال ِف ْر َق ُة ال َّناجي ُة فهي ْ النبي Íقال�« :أَ َال �إ َّن َمنْ َق ْبلَ ُكم مِ نْ �أهْ لِ الكِتابِ ا ْفترَ َ قوا املذ ُكور ُة يف ِ حديث معاو َي َة Êـ �أ ْي ً�ضا ـ َعن ِّ و�سبعون يف ال َّنار ،وواحِ َد ٌة يف ا َ و�س ْبع َ جل َّنةِ ،وهي اجلماعة»(.)5 نيِ :ث ْن َتانِ َ على ِث ْن َتينْ ِ و�سبعني مِ َّل ًة ،و�إ َّن هذه املِ َّل َة �س َتفْترَ ُِق على ثالثٍ َ إمام ال�شاطبي :يف «االعت�صام» ِومن َت َفا�س ِري � ْأه ِل ال ِع ْل ِم مل ْع َنى اجلماعة� ،أ َّنها َ املج َتهِ ِدين ،وقد َن َق َل ال ُ جماع ُة �أَ ِئ َّم ِة ال ُع َل َما ِء ْ ()6 هلل ْب ِن املبارك ،و� َ إمام رِّ الت ِْمذي(.)7 (�ص )449هذا الق ْو َل عن ع ْب ِد ا ِ إ�سحاق ِبن راهَ َو ْيه ،وهو ـ �أ ْي ً�ضا ـ ق ْو ُل الإمام ال ُب َخاريِّ ،وال ِ زَم �أ ُّي َها املُ ْ�س ِل ُم َغ ْر َز � ْأه ِل ال ِع ْل ِم؛ َت ُكنْ َم ْن ُ�صو ًرا يف ال ُّّد ْنيا ،و َن ِاج ًيا يف ال ِآخ َر ِة ب�إِ ْذن اهلل تعاىل. َفا ْل ْ إمام َّ حاوي يف َعقِيدَ ِت ِه ْ ال�سا ِب ِقنيَ ،ومنْ الط ُّ امل�ش ُهو َر ِة �أَنَّ ُ : امل�سلِمِ ني ما َق َّر َر ُه ال ُ ال�س َلف ِمنَ َّ «ع َلما َء َّ من � ْأج ِل هذا ُك ِّله؛ كان ِمنْ ع َقا ِئد ْ خليرِْ والأَ َث ِر ،و� ْأه َل ال ِفق ِْه وال َّن َظ ِر ،ال ُي ْذ َكرونَ �إ َّال َ َب ْعدَ هُ م من التّا ِب ِعنيَْ � :أه َل ا َ بيل». ال�س ِ باجلمِ ِيلَ ،ومنْ َذ َك َرهُ م ِب ُ�سوءٍ َف ُه َو على َغيرِْ َّ فاع َل ْم �أ َّنه على َغيرِْ َ و�س ْل َر َّب َك العا ِف َي َة. ال�س َّن ِة ُ ال�س ِ وع َل َما َءهَ ا ِب ُ�سوءٍ ؛ ْ اجلا َّدةَ ، بيلَ ، ف� َإذا ر�أَ ْي َت ـ يا �أُ َخ َّي ـ � َأحدً ا َي ْذ ُك ُر �أ ِئ ََّم َة ُّ وحا ِئ ٌد عن َّ �سبيل � ْأه ِل ال ِع ْل ِمَّ ، والط ْعنَ فيهم ،و ُم َ�شا َّقتِهِ م؛ وكان � ْأ�ص ُل ذلك و� َإ�ضا َف ًة �إىل هذا ،ف�إنَّ َ�أ َّو َل ٍ انحراف َو َق َع يف ال ْإ�س َال ِم كان �س َب ُب ُه تن ُّك َب ِ واع رَت َ َ�ض عل ْيه يف النبي Íـ �سيِّدَ ال ُع َلما ِء و�إِ َم َام ُهم ـْ ، «ال�ص ِح َ ما َث َب َت يف َّ يحينِْ » ِمنْ �أنَّ ر�أْ َ�س اخلوارج ذا اخل َو ْي�صِ َرة التَّمِ يمِ َّي ا ْن َت َقدَ َّ ِق ْ�س َم ِت ِه ل َغ َنا ِئم َغزوة ُح َنينْ ٍ ،واتَّهمه ُّ بالظلم َ واجل ْور. ُث َّم َجا َء �أ ْف َر ُاخ ُه ـ ِمنْ َب ْع ِده ـ ا َّل ِذين َخ َر ُجوا من �ضِ ْئ�ضِ ئ ِه(َ ،)8 ال�ص َحا َبة í فخ َرجوا على َّ طالب َ ،Ê فناظ َرهُ م ع ْب ُد علي ْب ِن �أبي ٍ ـ وهُ ْم َ�سا َد ُة ال ُع َل َماء �آ َن َذاك ـ ،وكانَ َذ ِل َك يف ِخ َال َف ِة ِّ ��راف َو َق��� َع يف بيل �إ َّن �أَ َّو َل ان��ح ٍ هلل ْبنُ ا ِ عبا�س َ ،Èف َر َج َع ِم ْن ُهم َمنْ َر َج َع ،و َت َن َّك َب ال َبا ُقون َ�س ِب َيل ال ُع َل َماءِ؛ ف َه َل ُكوا يف َ�س ِ ٍ ()9 ال ْإ�س َ َمنْ هَ َل َك . ال ِم كان �س َب ُب ُه تن ُّك َب و َك َذ ِلك َمنْ َت�أ ّم َل يف فِتنَِ هذا ال َع ْ�ص ِرَ ،و َجدَ �أنّ غا ِل َبها �س َب ُب ُه مجُ َ ا َن َب ُة ال ُع َل َماء ،واال ْن ِح َر ُاف �سبيلِ �أهْ لِ ال ِع ْل ِمَّ ، والط ْع َن ُ وعدَ ُم ال ُّرجو ِع �إل ْيهِ م يف َك ِث ٍري ِمنْ َم َ�سا ِئل ال َّد ْع َوة ِ ع ْن ُهمَ ، واجل َهاد ،وما َي ْت َب ُع ذلك من �أ ُمور ف����ي����ه����م ،و ُم����� َ����ش����ا َّق���� ِت����هِ����م ال�س َيا�سة والتَّعا ُم ِل مع ا ُ حل َّكام. ِّ َب ْل َب َل َغ ال ْأم ُر ِب َب َع�ضِ �أ ْف َر ِاخ ا َ خل َوارِِج �إىل ا ِّت َه ِام ال ُع َل َما ِء ال َّنا�صِ ِح َني بال َع َما َلة والإ ْر َجاءِ ،وغيرِْ ها اجلا ِئ َر ِة الآ ِث َم ِةُ ، من ال ُّت َه ِم َ واهلل ا َمل ْو ِعدُ. خل َل ُل يف الدِّ ين باال ْبتِدَ اع ِفيه ،وا َ امل�س�أَ َل ِةَ ،ي ْن ُج ُم َع ْن ُه ا َ خل َط ُل َّ ال�س َب ُب ال ّثاين� :أنَّ ال َّز َل َل يف هذه ْ ُ يف َّ وال�س َّن َة ال�شرع بالتَزَ ُّيد عل ْيه؛ ف َي َق ُع ِع ْندَ ذلك التف ُّر ُق واالختالف؛ لأنَّ ال ِب ْد َع َة َم ْق ُرو َن ٌة بال ُف ْر َق ِةُّ ، َم ْق ُرو َن ٌة َ باجل َم َاع ِة ،كما قال �شيخُ الإ�سالم ابن تيمية :يف «اال�ستقامة» (.)1/42 إمام َّ اطبي :يف كتابه العظيم «االعت�صام» ( 396ـ ،)397 و َق ْد َن َّب َه على هذا الأَ ْم ِر ال ُ ال�ش ُّ اب اال ْبتِدَ ا ِع يف الدِّ ين واالخْ ِتالف فيه ،فقال�« :أَ َحدُها� :أنْ َي ْع َتقِدَ وهذا يف َم ْع ِر�ضِ ِذ ْك ِر ِه ل ْأ�س َب ِ واالج ِت َها ِد يف الدِّ ِين ـ ولمَ ْ َي ْب ُل ْغ ِت ْل َك ال َّد َر َج َة ا ِلإ ْن َ�سانُ يف َن ْف�سِ ه� ،أ ْو ُي ْع َت َقدَ فيه �أ َّنه ِمنْ � ْأه ِل ال ِع ْل ِم ْ وخال ُف ُه ِخالف ًا ،و َل ِكنْ تَا َر ًة َي ُكونُ ذلك يف ُجزْ ِئ ٍّي و َف ْر ٍع من ـ؛ َف ُي ْع َم َل على ذلك ،و ُي َع َّد ر�أْ ُي ُه َر�أْي ًاِ ، (� )5صحيح :رواه �أحمد ( )16937و �أبو داود ( .)4579انظر« :ال�صحيحة» (.)204 ( )6انظر�« :صحيح البخاري» (فتح.)316/13 : ( )7انظر�« :سنن الرتمذي» (.)467/4 بي Íقالَ « :يخْ ُر ُج مِ نْ ِ�ض ْئ ِ�ضئِ َه َذا َق ْو ٌم (� )8أي :مِ نْ �أَ ْ�ص ِلهِ ،كما يف حديث ال�صحيحني عن �أبي �سعيد اخلدري � Çأنَّ ال َّن َّ ِّين». مَ ْ ي ُر ُقو َن مِ نْ الد ِ ( )9انظر« :منهاج ال�سنة النبوية» ( )385/8ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ،و«�إعالم املوقعني» للإمام ابن القيم ( ،)215/1ح ْيثُ ا�س». ا�س Èهذا« :و َل ُه ُط ُر ٌق عن ا ْب ِن ع َّب ٍ قال يف �أَ َث ِر ا ْب ِن ع َّب ٍ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
23
مسائل منهجية
ا�س َق ُّط ال ُي�ؤْ َتى ال َّن ُ مِ نْ ِق َبلِ ُعلَما ِئهِم ،و� مَّإنا ُي�ؤْ َت ْو َن مِ نْ ِق َبلِ �أ َّنه �إذا َ مات ُعلَ َما�ؤُهُ م� ،أَ ْفتى ال؛ َف ُي�ؤْ َتى َمنْ ل ْي َ�س ِب َع مِ ٍ ا�س مِ نْ ِق َبلِه ال َّن ُ
ممِ َّ ا تق َّر َر عِ ْن َد �أهل ال ِع ْل ِم �أ َّن مِ َ العال ال ُي ْع َر ُف �إ َّال َ ب�شهادَة ال ُعلَما ِء له بال ِع ْل ِم
ال ُف ُرو ِع ،وتا َر ًة يف ُك ِّل ٍّي و�أَ ْ�ص ٍل ِمنَ �أُ�صول الدِّ ين ـ كان ِمنَ الأُ ُ�صول االعتقاد َّية �أ ْو ِمنَ الأُ�صول ات َّ ال�شريع ِة يف هَ ْد ِم ُك ِّليا ِتها ،حتّى ُي َ�صيرِّ َ ِم ْنها ما َظ َه َر َل ُه ال َع َمل َّية ـ؛ رَفتا ُه � ِآخذ ًا ِب َب ْع�ض ُجزئ َّي ِ َبا ِد َي َر�أْ ِي ِه ِمن َغيرِْ ِ�إ َ حاط ٍة َمب َعانيها ،وال ُر ُ�س ٍوخ يف َف ْه ِم َمقا�صِ ِدها. �ض ُ اهلل ال ِع ْل َم ا ْنتِزاعاً وع َل ْي ِه َن َّب َه َ حيح �أ َّنه َ Í قال« :ال َي ْق ِب ُ وهذا هو املُ ْبت َِدعُ؛ َ ال�ص ُ احل ِديثُ َّ ل َي ْب َق مِ ٌ �ض ال ِع ْل َم ب َق ْب ِ�ض ال ُعل َماءِ ،ح ّتى �إذا مَ ْ َي ْن َت ِز ُع ُه من ال َّنا�س ،ولكِنْ َي ْق ِب ُ ا�س عال؛ ا َّت َخ َذ ال َّن ُ ف�سئِلوا ،ف�أَ ْف َت ْوا ب َغيرْ عِ ْل ٍمَ ،ف َ�ض ُّلوا و�أَ َ�ض ُّلوا»(.)10 ُر�ؤو�ساً ُجهَّا ًالُ ، قال َب ْع ُ�ض �أَ ْه ِل ال ِع ْل ِمَ :تق ِْدي ُر هذا َ ا�س َق ُّط ِمنْ ِق َب ِل ُع َلمائِهِ م، احل ِد ِ يث َي ُد ُّل على �أ َّن ُه ال ُي�ؤْتَى ال َّن ُ ا�س ِمنْ ِق َب ِله. و� مَّإنا ُي�ؤْ َت ْونَ ِمنْ ِق َب ِل �أ َّنه �إذا ماتَ ُع َل َما�ؤُهُ م� ،أَ ْفتى َمنْ ل ْي َ�س ِب َعالمِ ٍ ؛ َف ُي ْ�ؤتَى ال َّن ُ ولك ِن ِا ْئ ُتمِ نَ َغيرْ ُ �أَ ِم ٍني فخانَ . وقد ُ�ص ِّر َف هذا امل ْع َنى ت َْ�صريف ًا َف ِق َيل :ما َخانَ � ِأم ٌ ني َق ُّطِ ، قال :و َن ْحنُ ُ نقول :ما ا ْب َتدَ َع َعالمِ ٌ َق ُّط ،ولكن ا�س ُت ْف ِت َي َمنْ لي�س بعالمِ ٍ » اهـ . بيل ا ّلذي ُي ْع َر ُف به العالِمِ ُ ،ويمُ َ َّي ُز به ال�س ِ ِمنْ �أَ ْج ِل هذا وذاكَ ،ت َعينَّ َ على ُك ّل ُم ْ�س ِل ٍم َم ْع ِر َف ُة َّ عن َغيرِْ ه. و َب َيا ًنا لهذا ال ْأم ِر ُي َق ُال� :إ َّن ُه ممِ َّ ا تق َّر َر ِع ْندَ �أهل ال ِع ْل ِم �أ َّن مِ َ العال ال ُي ْع َر ُف �إ َّال َ ب�شهادَة ال ُعلَما ِء مِ ُ «والعال �إ َذا مَ ْ إمام َّ ل َي ْ�ش َه ْد اطبي :يف «االعت�صام» (�ص:)431 له بال ِع ْل ِم؛ لهذا قال ال ُ ال�ش ُّ ل ُه ال ُعلَ َماءُ ،فهو يف ا ُ حل ْك ِم َباقٍ يف الأَ ْ�صلِ مِ نْ َع َد ِم ال ِع ْل ِم ،ح َّتى َي ْ�ش َه َد فيه َغيرْ ُ ه ،و َي ْعلَ َم هو من َن ْف�سِ ِه ما ُ�ش ِه َد ل ُه ِبهِ ،و�إ َّال فهو على َيق ٍني ِمنْ َعدَ ِم ال ِع ْل ِم� ،أ ْو على َ�ش ٍّك؛ فاخْ ِت َيا ُر ا ِلإ ْقدَ ِام يف ها َتينْ َ احلا َل َتينِْ على ا ِلإ ْح َج ِام ،ال َي ُكونُ �إ ّال ِبا ِّت َبا ِع ال َه َوى؛ � ْإذ كان ي ْن َبغي له �أنْ َي ْ�س َت ْف ِت َي يف َن ْف�سِ ِه َغيرْ َ ُه، ولمَ ْ َيف َع ْل ،وكان ِمنْ َح ِّق ِه �أنْ ال ُيق ِْد َم �إ َّال �أنْ ُي َقدِّ َم ُه َغيرْ ُ ُه ولمَ ْ َي ْف َع ْل هَ َذا»اهـ. قال ال َع َّال َم ُة الألبا ُّ ين ُ :م َع ِّلق ًا على هذا الكالم يف «ال�سل�سلة ال�صحيحة» (:)2/713 يح ُة ال َإم ِام َّ ا�س ِب َ�ش ْيءٍ من ال ِع ْل ِم، ال�ش ِِاط ِبي �إىل «العالمِِ » الذي ب�إِ ْم َكا ِنه �أنْ َي َت َق َّد َم �إىل ال َّن ِ «هذه َن�صِ َ ن�ص ُح َي ْن َ�ص ُح ُه �أنْ ال َي َت َق َّد َم حتَّى َي ْ�شهَدَ له ال ُع َلما ُء؛ َخ ْ�ش َي َة �أنْ َي ُكونَ من �أهل الأَ ْهواء ،فماذا كان َي َ زم ِن َنا هذا؟ َّ ال�شك �أ َّنه كان َي ُق ُ ول َلهَُ « :ل ْي َ�س يا تُرى لو َر�أَى ب ْع َ�ض ه�ؤالء املُ َت َع ِّلق َني بهذا ال ِع ْل ِم يف َ َب؟! هذا ُع َّ�ش ِك؛ َفا ْد ُر ِجي» ،ف َه ْل ِمنْ ُم ْعت رِ ٍ و�إنيّ ـ واهلل ـ لأَخْ َ�شى على هذا ال َب ْع�ضِ � ،أنْ َي ْ�ش َم َل ُهم َق ْو ُل ُه ُ « :Íي ْن َز ُع ُع ُق ُ ول �أهْ لِ َذل َِك ال َّزمَانِ ، ا�سَ ،ي ْح َ�س ُب �أَ ْك رَ ُ �شيءٍ» .»)11(.اهـ. و ُي ْخلَ ُف َلهَا َه َبا ٌء مِ َن ال َّن ِ ثهُ م �أَ َّنهُم على َ�ش ْيءٍ ،و َل ْي ُ�سوا على ْ ال�س َلف ّية ُت�ؤَ ِّي ُد هذا ا َمل ْن َحى ،و ُت َع ِّ�ض ُد هَ َذا ا َمل ْع َنىِ :م ْن َها ما هذا؛ و َق ْد َجا َء ْت ُج ْم َل ٌة من الآثار َّ الك � :أ ّنه قال« :ال ي ْن َب ِغي ِل َر ُج ٍل �أنْ َي َرى َنف َْ�س ُه � ْأه ًال َ ي�س�أَ َل َمنْ ُذ ِك َر عن الإمام َم ٍ ل�ش ْيءٍ ،حتّى ْ كان � ْأع َل َم ِم ْنهُ؛ َوما �أ ْف َت ْيتُ حتّى َ�س�أَ ْلتُ ربي َع َة ،و َي ْح َيى ْبنَ َ�س ِع ٍيد ،ف�أَ َم َرانيِ بذلك ،و َل ْو َن َه َياين النت َه ْيتُ » اهـ(.)12 ( )10رواه البخاري يف كتاب العلم« ،باب :كيف ُيق َب ُ�ض ال ُعلماء» ( ،)100وم�سلم يف كتاب العلم ( )2673عن عبد اهلل بن عمرو ابن العا�ص .È (� )11صحيح :رواه �أحمد ،وابن ماجة ،عن �أبي مو�سى الأ�شعري ،Êانظر« :ال�صحيحة» (.)1682 ( )12هذا الأثر والذي بعده رواهما �أبو نعيم يف «احلِ ْل َية» ( ،)316/6واخلطيب يف «الفقيه واملتف ِّقه» ( 1042ـ .)1043
24
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
مسائل منهجية
وقال �أي�ضا« :ما �أَ ْف َت ْيتُ حتَّى َ�شهِ دَ يل َ�س ْب ُعون �أنيِّ � ْأه ٌل لذلك» اهـ. �إذا ت َق َّر َر هذا ف�إنّ هذه َّ ال�شها َد َة ِمنْ � ْأه ِل العلم لها حالتان(:)13 �أُو َالهُ ما� :أنْ َت ُكونَ َعنْ َط ِر ِيق َ�ش َها َد ِة عالمِ ٍ ِل ِت ْلمِ ِيذه ،وهذا ما ُي َ�س َّمى با ِلإ َجازةَ ،ف ُي َو ِّر ُث العالمِ ُ َ تلميذ ُه ِع ْل َمهُ ،ث َّم �إذا ر�آ ُه � ْأه ًال لت ََ�ص ُّد ِر التَّدري�س والإ ْف َت ِاء � َأج َازه ،و� ِأذنَ له بذلك. َغيرْ َ �أ َّنه َي ْن َب ِغي �أنْ ُي َر َاعى ِد َّق ُة ال َّت ْع ِبري يف هذه ال َإجا َز ِات ،ف�إنَّ تزْ ك َي َة ْام ِرئٍ بالتَّقوى ال ُت ْغ ِنيه َك ِب َري َ�ش ْيءٍ يف ال َّت ْبليغَ ،ك َما �أنَّ تزْ ك َيتَه بال ِع ْلم ُع ُم ًوما وب� ْإج َم ٍال ال ت َُخ ِّو ُل له الفتوى يف ال َّنوازل التي هي من املج َتهِ ِدين املُ َت َبح ِّرينَ يف علوم َّ ال�شريعة. اخْ ِت َ�صا�صِ الأ ِئ َّم ِة ْ احلالة الثانية� :أنْ َي�شهَدَ ال ُع َلما ُء بال ِع ْل ِم ِل َعالمِ ٍ ما ،بال َّن َظ ِر يف ب�سما ِع ُد ُرو�سِ ه ومحُ َ ا�ضرا ِته. فتاويه و ُم�ص َّنفا ِته� ،أو َ إمام َّ الذهَ ِب ُّي يف «�سري �أعالم النبالء» ومن هذا ما َذ َك َر ُه ال ُ ال�س َل ِف ِّي �أ َّنه قال يف �أبي ( 24/17ـ َ )26ع ِن احلافظ �أبي ِ طاه ٍر ِّ �سليمانَ ا َ ابي« :و�أ ّما �أبو ُ�س َل ْي َمانَ َّ ، لكتاب �أبي داودَ، ال�شار ُِح ِ خل َّط ِّ ف�إذا َو َق َف ُم ْن�صِ ٌف على ُم َ�ص َّن َفا ِتهَّ ، واط َل َع على َب ِدي ِع ت�ص ُّرفا ِته يف مامتَه ،و ِد َيا َنتَه ِفي َما ُيو ِر ُد ُه ،و� َأما َنتَه»اهـ. ُم�ؤَ َّلفاته ،حتقَّقَ �إِ َ
حل ْ�س َنى :ال َع ِل ُيم ،والذي � َأح َ وتعاىل ـ الذي من � ْأ�س َما ِئ ِه ا ُ اط ِب ُك ِّل �شيءٍ ِع ْلم ًا. ا�ص َط َفى من ال ّنا�س ُر ُ�س ًال ّز َّكاهُ م ،و�آتاهُ م من ُث َّم �إنّ اهلل ْ y ل ُد ْنه ِع ْل ًما ،كما قال ج َّل ِمنْ قا ِئ ٍل ﴿ :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾ [\.]r ُث َّم َج َع َل ُ وح َوا ِر ّي َني اهلل yل َه�ؤالء ال ُّر ُ�سل ‡ � ْأ�ص َحا ًبا َ َح َملوا ِع ْل َم ُهم ،و َث َبت َْت َعدا َل ُت ُهم وتزك َيتُهم بال ْإج َم ِال وال َّت ْف�صِ يل ِمنَ ال َّر ِّب اجلليلِ ،ومنْ ه�ؤالء ال ُّر ُ�س ِل �أ ْن ُف�سِ هِ م؛ كما قال ُ اهلل y أ�صحاب َن ِب ِّينا � Íأ�صال ًة و�سائ َر �أ َّمته بال َّت َبع﴿ :ﭞ مخُ ِاط ًبا � َ ﭟﭠﭡﭢ﴾ [\_]؛ و َو ْ�ص ُف ُهم با َ خليرِْ َّية يت ََ�ض َّمنُ يب. هم ،و� ْأع َمالِهِ ْم َك َما ال َيخْ َفى َع َلى َل ِب ٍ َك َم َال ُع ُل ِوم ْ كما جا َء ـ �أ ْي ً�ضا ـ َعنْ َن ِب ِّي َنا Íتَزْ ِك َي ُة َطا ِئ َف ٍة ِمنْ َ�ص َحا َب ِته ،íو�شها َد ُت ُه لهم بال ِع ْل ِم ،كق ْوله Íلأُ ِّبي بن ك ْع ٍب Ê يف احلديث الذي رواه عنه م�سلم يف «�صحيحه» (ِ « :)810ل َي ْهن َِك ال ِع ْل ُم �أ َبا امل ُ ْنذِ رِ» ،وقو ِله « :Íا ْق َتدوا بال َّل َذ ْين مِ نْ َب ْعدِ ي �أبِي َب ْكرٍ و ُع َم َر ،واهْ َتدوا ِب َهد ِْي ع َّمارٍ»( ،)14وق ْو ِله Íيف ابن م�سعود َ « :Êر ِ�ضيتُ لأُ َّمتِي ما َر ِ�ض َي َلهَا ا ْب ُن �أُ ِّم َع ْبدٍ »( ،)15وقو ِل ِه هلل �أُ َب ُّي Íيف طائف ٍة من �أَ�صحا ِبه �« :íأَ ْق َر�ؤُهُ م ل ِك َتابِ ا ِ ابن كعب ،و�أَ ْف َر ُ�ضهُم زي ُد ْب ُن ثابِتٍ ،و�أَعلَ ُمهُم بالحَ َ اللِ وا َ ُ حل َرا ِم أحاديث. ُم َعا ُذ ْب ُن َج َبلٍ »(َ ،)16و َن ْح ِو ِ هذ ِه ال ِ ال�صحاب َة َز َّك ْوا َمنْ َب ْعدَ هُ م ممِ َّ نْ � َأخ َذ ال ِع ْل َم َع ْن ُهم ُث َّم �إنَّ ه�ؤالء َّ ِمنَ التَّا ِب ِعنيَُ ،ث َّم ه�ؤالء التَّا ِب ُعون َز َّك ْوا َمن َب ْعدَ هم ـ �أي�ضا ـ ،وهكذا َد َوال ْي َك. ا�س هذا ـ وللِهَِّ وما َز َال الأَ ْم ُر على هذا ال َّّن َ�س ِق �إلىَ َي ْو ِم ال َّن ِ َ إمام ا ْبنُ احل ْم ُد ـَ ،ومنْ َخ َر َج َعنْ هَ َذا َف�إنَّ َح ِقي َق َة � ْأم ِر ِه كما قال ال ُ ال َق ِّي ِم :يف َق�صِ يدَ ِته ال ُّنو ِن َّية: وج َع ِاج ٌع َع ِر َي ْت َع ِن البرُ ْ هَ ِان َال ُيف ِْز َع َّن َك َق َرا ِق ٌع و َف َرا ِق ٌع َ
َ ت ْن ِبي ٌه ِل ُك ِّل َن ِبيهٍ: من الأُ ُمور ا َّل ِتي حدَ َث ْت يف هذا ال َع ْ�ص ِر ـ وهي ِمنْ َع َجا ِئ ِبه ـ �أنَّ ب ْع َ�ض العا َّم ِة ،و� ْأ�ش َباهَ ُهم ِمنْ �صِ َغ ِار َّ الط َل َب ِةَ ،ي ْعمِ دُونَ �إىل َ�شخْ ٍ�ص لمَ ْ ُي�ؤْتَ ٍمنَ ال ِع ْل ِم �إ َّال َق ِلي ًال ،وحقيق ُة � ْأم ِر ِه �أ َّن ُه � ْأع َو ُر َبينْ َ ُع ْم َي ٍان؛ ف ُي َن ِّ�ص ُبو َنه َعالمِ ًا! وال َّر ِز َّي ُة ال ُكبرْ ى ،والبل َّي ُة ال ُع ْظ َمى �أنْ َيغ رَ َّ ْت ذلك امل ِْ�س ِك ُني بِهِ ْم، َف َي ْغ ُد َو َك َما قال �سبحانه ﴿ :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [.]t: 39 وقد َذ َك َر �شيخُ الإ�سالم ابن تيمية :يف «منهاج ال�سنة» ( )129/5عن ب ْع�ضِ �أ ِئ َّم ِة اللُّ َغ ِة �أَ َّن ُه قال« :ال َعا َّم ُة ُم ْ�ش َت ٌّق ِمنَ ال َع َمى!»اهـ. يب ِمنْ هذا َق ْو ُل الإمام ا ْب ِن ُقدَ َام َة ا َملق ِْد�سِ ِّي يف «رو�ضة و َق ِر ٌ واهلل تعاىل �أعلم ،و�ص َّلى اهلل وبا َرك و�أ ْن َعم على نبينا حممد ال َّناظر» (�ص َ « :)136ولأَنَّ ال َع ِّام َّي ل ْي َ�س َل ُه �آ َل ُة َ هذا َّ ال�ش�أْ ِن ،فهو وعلى �آله و�صحبه و�س َّلم ت�سليما كثريا �إىل يوم الدين. كال�ص ِب ِّي يف ُنق َْ�ص ِان الآ َل ِة» اهـ. َّ َ رب العاملني ـ �سبحانه (�)14صحيح:رواه �أحمدوالرتمذيعنحذيفة.Êانظر«:ال�صحيحة»(.)1233 َ احلا�صِ ُل �أنَّ ال ِع ْل َم َح ْب ٌل َم ْو ُ�صو ٌل� ،أ ْ�ص ُل ُه ُّ يحق ( 26ـ .)27 (« )13قواعد يف التعامل مع العلماء» ل َّل ِو َ
(� )15صحيح :رواه احلاكم عن ابن م�سعود .Êانظر« :ال�صحيحة» (.)1225 (� )16صحيح :رواه الرتمذي وابن ماجة عن �أن�س .Êانظر« :ال�صحيحة» ()1224
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
25
تزكية وآداب
فضل العلم والتحذير من بعض آفاته
د /عبد اهلل البخاري املد ِّر�س بك ِّل َّية احلديث باجلامعة الإ�سالم َّية باملدينة النبوية
درك َم���ا للعلم و�أهله من عاقل ُم ٍ ال يخف���ى على ٍ ف�ض���ل ومكان ٍة يف َّ ال�ش���رع احلنيف؛ فـ «الإن�سانُ ٍ ظلوما جهو ًال ،فالأ�ص���ل في���ه :عدم العلم، ُخلقَ ً ومي ُل���ه �إىل ما يهواه من َّ ال�ش��� ِّر ،فيحتَ���اج دائ ًما مف�ص ٍ���ل ي ُ ���دل يف ���زول ب���ه جهله ،وع ٍ ���م َّ �إىل عل ٍ حم َّبته وبغ�ض���ه ،ور�ضاه وغ�ضبه ،وفعله وتركه، يحتاج و�إعطائ���ه ومنعه ،وك ُّل ما يقول���ه ويعمله ُ عدل ينايف ظلمه ،ف�إن مل مينَّ اهلل عليه فيه �إىل ٍ املف�ص���ل ،و�إ َّال كان ِفيه املف�ص���ل والعدل َّ ِبالعلم َّ اجلهل ُّ ال�ص���راط م���ن ِ والظلم ما يخرج به عن ِّ امل�ستقيم»(.)1 ���رت الآي���ات املف�ص��� ُل «ق���د تكاث ِ وه���ذا العل��� ُم َّ والأخبار والآث���ار وتواترت ،وتطابق���ت ال َّد ُ الئل ال�صريحة وتوافقت ،على ف�ضيلته ،واحلثِّ على َّ حت�ص���يله ،واالجتهاد يف اقتبا�س���ه وتعليمه»(،)2 َفمِ ْنها: ( )1قاله �شيخ الإ�سالم ابن تيم َّية :فيِ «قاعدة يف �أنواع ال�صالة» (.)40 اال�ستفتاح يف َّ ( )2قاله احلافظ النووي :يف «مقدمة املجموع» ()40/1 بت�صرف ي�سري.
26
* قوله تعاىل﴿ :ﯳﯴﯵﯶﯷﯸ
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [\`]. قال �شيخ الإ�سالم ابن الق ِّيم :)3(: «�إ َّنه �س���بحانه ع َّدد نعمه وف�ض���له على ر�سوله ،Íوجعل من �أج ِّلها� :أن �آتاه الكتاب واحلكمة وع َّلمه ما مل يكن يعلم». * قوله تعاىل﴿ :ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ﴾ [\.]a َ قال الإمام ابن الق ِّيم :)4(: اجلاهل ميت ًة يحرم �أكلها! الكلب «�إنَّ اهلل �سبحانه جعل �صيدَ ِ ِ الكلب املع َّلم ،وهذا � ً أي�ضا من �شرف العلم� :أ َّنه ال يباح و�أباح َ�صيدَ ِ �إ َّال �ص���يد الكلب العالمِ ،و�أ َّما الكلب اجلاهل فال يح ُّل � ُ �ص���يده؛ أكل ِ ف َّ ���دل على �ش���رف العلم وف�ض���له ،...ول���وال مز َّية العل���م والتَّعليم واجلاهل �سوا ًء». الكلب املع َّلم و�شر ُفهما كان �صي ُد ِ ِ ال�س َّنة ال َّنبوية: ومن ن�صو�ص ُّ البخاري وم�سلم( )5عن معاوية Çقال :قال * ما �أخرجه ُّ ر�سول اهلل َ « :Íمنْ ُير ِد ُ ِّين». اهلل به َخيرْ اً ُي َف ِّق ْه ُه فيِ الد ِ قال الإمام ابن الق ِّيم « :)6(:هذا يد ُّل على �أنَّ من مل يف ِّقهه يف دين���ه مل ي���رد ِبه خ ًريا ،كما �أنَّ من �أراد ِبه خ ًريا فقَّهه يف دينه، خ�ي�را� ,إذا �أري���د ِبالفقه العلم وم���ن ف َّقه���ه يف دينه فق���د �أراد ِبه ً امل�ستلزم للعمل. ُ ال�سعادة» (.)52/1 (« )3مفتاح دار َّ ال�سعادة» (.)55/1 (« )4مفتاح دار َّ ( )5البخاري ( ,)71وم�سلم (.)1037 ال�سعادة» (.)60/1 (« )6مفتاح دار َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
(« )9فتح الباري» (.)46/7 (( )10كتاب الفرائ�ض /باب تَعليم الفرائ�ض /12باب 4/2ـ فتح). (« )11املجموع» (.)42/1 (« )12فتح الباري» ()4/12 (« )13جامع بيان العلم» (.)1085/2
تزكية وآداب
* قال �صالح بن مهران َّ ال�شيباين « ::ك ُّل �صاحب �صناعة و�أ َّم���ا �إن �أري���د ِبه جم َّرد العل���م فال يد ُّل عل���ى �أنَّ من َف ُق َه يف حينئذ يكون �ش ً ���رطا لإرادة ال يقد ُر �أن يع َم َل يف �صناعته �إ َّال ب�آل ٍة ،و�آلة الإ�سالم :العلم»(.)14 الدِّ ي���ن فقد �أري���د ِبه خ ًريا؛ ف�إنَّ الفقه ٍ موج ًبا ،واهلل �أعلم». اخلري ،وعلى الأ َّول يكون ِ ووي « :)7(:فيه ف�ض���يلة العلم والتَّف ُّقه يف وق���ال احلافظ ال َّن ُّ �أال فلي�ش ِّم���ر امل�ؤمن احل�صيف عن �س���اعد اجل���دِّ واالجتهاد؛ الدِّ ين ،واحلثُّ عليه ,و�سب ُبه �أ َّنه قائ ٌد �إىل تقوى اهلل تعاىل». لي َ ويلحق بِ���ركاب �أهله؛ ف�إنَّ �« :أعل���ى الهِمم ���درك ذلكم الف�ض���لَ ، البخاري وم�سلم( )8من حديث عبداهلل بن عمر * ما �أخرجه ُّ وال�س��� َّنة ،والفهم عن اهلل وعن الكتاب علم طلب ���م: ل الع ���ب ل ط يف ُّ Èق���ال� :سمع���ت ر�س���و َل اهلل Íق���الَ « :ب ْي َنا �أ َنا َنائِ��� ٌم �أُ ِت ْيتُ ر�سوله Íنف�س املراد ،وعلم حدود املنز َِّل. ِب َق���د ِح َل ٍنَ �َب� َف َ�ش ِر ْبتُ َح َّت���ى �إنيِّ لأَ َرى ال ِّريَّ َي ْخ��� ُر ُج فيِ َ�أ ْظ َفارِي ُث َّم َّ ق�ص���ر ه َّمت ِه على تت ُّبع ِّ �شواذ امل�سائل، العلم ب ال ط همم أخ�س � و ْ ُّ �أَ ْع َط ْي���تُ َف ْ�ض ِل���ي ُع َم َر ب َ ���ن الخْ َ َّطابَ .قا ُل���واَ :ف َما �أَ َّو ْل َت��� َه َيا َر ُ�سو َل وما مل ينزل وال هو واق ٌع� ،أو كانت ه َّمتُه معر َف َة االختالف وتت ُّبع �أقوال هلل ؟ َقا َل :ال ِع ْل ُم». ا ِ ال�صحيح من تلك الأقوالَّ ، وقل �أن ال َّنا�س ،ولي�س له ه َّم ٌة �إىل معرفة َّ قال احلافظ ابن حجر « :)9(:ووجه التَّع ِبري ِبذلك من جهة ينتف َع واح ٌد من ه�ؤالء ِبعلمه»(.)15 لل�ص�ل�اح؛ ا�ش�ت�راك ال َّل�ب�ن والعلم يف كرثة ال َّنفع ،وكونهما �س���ب ًبا َّ نب للغذاء البد ِّ ين ،والعلم للغذاء املعنويِّ ». فال َّل ُ ولئن �س�أل ٌ �سائل عن حقِيقة العلم ال َّنافع؟ ال�سلف :í و َّ مما �أثر عن َّ فاجلواب فيما قاله الإمام ُ ابن رجب احلنبلي :)16(: ُ البخاري يف «�صحيحه»( :)10قال عقبة بن عام ٍر * قال الإمام ُّ «فالعلم ال َّنافع من هذه العلوم ك ِّلها� :ض���بط ن�ص���و�ص الكتاب َ « :Çت َع َّل ُموا َق ْبل َّ الظا ِّنني». ال�ص���حابة وال�س��� َّنة ،وفهم معانيه���ا ،والتَّق ُّي ُد يف ذلك ِبامل�أثور عن َّ ُّ ���ارحا الق���ول« :يعن���ي :ا َّلذين ق���ال الإم���ام البخ ُّ ���اري � :ش ً والتَّابع�ي�ن وتا ِبعيه���م؛ يف مع���اين الق���ر�آن واحلدي���ث ،وفيما ورد يتك َّلمون ِب َّ الظنِّ ». ووي :عقب قول الإمام البخاري« :معناه :عنهم من الكالم يف م�س���ائل احلالل واحلرام ،والزُّهد وال َّرقائق قال احلافظ ال َّن ُّ تع َّلموا العلم من �أهله املح ِّققني الورعني قبل ذها ِبهم وجميء قوم واملعارف ،وغري ذلك ،واالجتهاد يف مت ِييز �ص���حيحه من �س���قيمه ���م االجتهاد يف الوقوف على معانيه وتف ُّهمه ثان ًيا ،ويف ذلك يتك َّلمون يف العلم بمِ ثل نفو�س���هم وظنونهم ا َّلتي لي�س لها م�س���تند �أ َّو ًال ،ث َّ كفاي ٌة ملن عقل ،و�ش���غ ٌل ملن ِبالعلم ال َّنافع ُع ِن َي وا�شتغل ,ومن وقف �شرعي»(.)11 ٌّ ���ظ ابن حج ٍ���ر :وجوهً ا �أُخ���رى يف معنى �أثر على هذا و�أخل�ص الق�صد فيه لوجه اهلل عز وجل وا�ستعانه عليه، وذك���ر احلاف ُ وحينئذ يثمر له هذا عقبة ،Çومنها« :وقيل :م���راده :قبل اندرا�س العلم وحدوث �أعانه وهداه ،وو َّفقه و�س��� َّدده وف َّه َمه و�ألهمه، ٍ اخلا�صة به ،وهي :خ�شية اهلل كما قال عز وجل﴿ :ﯞ العلم ثمرتَه ُ َّ علم»(.)12 من يتك َّلم بمِ قت�ضى ظ ِّنه غري م�ست ِن ٍد �إىل ٍ م�سعود وغ ُريه: * قال �س���هل بن عبد اهلل التَّ�س�ت�ري « ::ما �أحدث �أح ٌد يف ﯟﯠﯡﯢﯣ﴾ [ﮯ ،]28 :وقال ابن ٍ ال�س��� َّنة �سلم و�إ َّال كفى ِبخ�شية اهلل عل ًما ،وكفى باالغرتار باهلل جه ًال.»... العلم �ش���ي ًئا �إ َّال ُ�س��� ِئ َل عنه يوم القيامة؛ ف�إن وافق ُّ و�إنَّ م���ن الكلم���ات امله َّم���ة وامل�ض���يئة يف الباب ،كلم���ة الإمام فهو العطب»(.)13 ()17 ال�ش���افعي :حيث قال يف كتابه ِّ َّ الفذ «ال ِّر�سالة» « :وال َّنا�س يف (�« )7شرح �صحيح م�سلم» (.)128/7 ( )8البخاري ( ,)82وم�سلم(.)2391 ٌ طبقات ،موق ُعه���م من العلم ِبق���در درجاته���م يف العلم به ـ العل���م (« )14طبقات املحدِّ ثني ب�أ�صبهان» (.)216/2 ( )15قاله الإمام ابنُ الق ِّيم يف كتابه املفيد «الفوائد» (.)60 ال�سلف على علم اخللف» (.)45 ( )16يف كتابه ال َّنافع «ف�ضل علم َّ (( )17رقم 44ـ 45ـ .)19/46
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
27
تزكية وآداب
يعني العلم بكتاب اهلل عز وجل ـ. هدهم يف اال�س���تكثار من فح��� ٌّق على طلبة العل���م بلو ُغ غاية َج ِ وال�ص�ب�ر عل���ى ِّ عار�ض دون طلبه ،و�إخال����ص ال ِّن َّية هلل كل ٍ علمهَّ ، ً وا�ستنباطا ،وال َّرغبة �إىل اهلل يف العون ن�ص���ا يف ا�ست���دراك علمهًّ ، ري �إ َّال بِعونه. عليه؛ ف�إ َّنه ال ُيد َر ُك خ ٌ وكذب وافتياتٌ على اهلل قبيحٌ ، �إذ ه���ي جرمية عظيمة ،و�أم ٌر ٌ ن�ص���ا وا�ست���د ً الال ،ج َّ ف����إ َّن م���ن �أدرك عل���م �أح���كا ِم اهلل يف كتاب���ه ًّ أحد ،حتَّى قال عز ���ل يف عاله ،وه���و �أم ٌر مل يبحه اهلل عز وجل ل ٍ وو َّفق���ه اهلل للق���ول والعمل بمِ ا علم منه :فاز بِالف�ضيلة يف دينه وجل عن خليله ور�سوله حم َّم ٍد Íـ وقد ع�صمه من ذلك ،فكيف ودني���اه ،وانتفت عنه ال ِّر َيب ،ون َّورت يف قلبه احلكم ُة ،وا�ستوجب بمِ ن دونه؟!! ـ﴿ :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ يف الدِّين مو�ض َع الإمامةِ». ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [\.]Ä وبعد ا َّلذي ُذ ِك َر �أن ِّب ُه على �آفة من �أعظم �آفات العلم� ،أال وهي: علم! القول على اهلل بِغري ٍ
كث�ي�ر(« :)18يقول تعاىل﴿ :ﮆ ﮇ ﮈ﴾ �أي: قال احلافظ ابن ٍ حم َّم���د Íلو كان كما يزعمون ،مفرت ًيا علينا فزاد يف ال ِّر�س���الة �أو نق����ص منها �أو قال �ش���ي ًئا من عنده فن�س���به �إلينا ولي�س كذلك، لعاجلن���اه ِبالعقوب���ة ،ولهذا ق���ال﴿ :ﮌﮍﮎ﴾َ ، قيل معناه: النتقمن���ا منه ِباليمني؛ لأ َّنها �أ�ش��� ُّد يف البط����ش ،وقيل :لأخذنا منه ا�س :هو ُ نياط القلب ،وهو ِبيمينه﴿ ،ﮐﮑﮒﮓ﴾ قال اب���ن ع َّب ٍ القلب م َع َّل ٌق فيه... العرق ا َّلذي ُ
وقول���ه﴿ :ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚ﴾ �أي :فما يقد ُر �أح ٌد منكم على �أن يحجزَ بيننا وبينه �إذا �أردنا ِبه �شي ًئا من ذلك. واملعن���ى يف هذا :بل هو �ص���اد ٌق با ٌّر را�ش���دٌ؛ لأنَّ اهلل عز وجل ُم َقر ٌر له ما يب ِّلغ���ه عنه ،وم�ؤ ِّي ٌد له ِباملعجزات الباهرات وال َّدالالت القاطعات». ومن الأد َّلة يف تقرير هذا املقام اخلطري والعظيم: * ق���ال اهلل تعاىل﴿ :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [.]b: 93 ���ي(« :)19قوله تعاىل﴿ :ﮜ ﮝ﴾ ابتدا ٌء قال الع َّالمة القرطب ُّ رب� ،أي؛ ال �أحد �أظلم﴿ ،ﮞﮟ﴾ �أي؛ اختلق ﴿ﮠﮡﮢ﴾، وخ ٌ ﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ فزعم �أ َّنه ن ِب ٌّي ﴿ ،ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾. وال�س�ن�ن ـ �إىل �أن قال ـ ومن هذا ال َّنمط من �أعر�ض عن الفقه ُّ ال�س�ن�ن فيقول :وقع يف خاطري كذا� ،أو ال�س���لف من َّ وما كان عليه َّ �أخربين قلبي ِبكذا !! (« )18تف�سري ابن كثري» (.)415/4 (« )19اجلامع لأحكام القر�آن» (.)41/7
28
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
* ق���ال اهلل تع���اىل﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [\.]l
كث�ي�ر(« :)21نهى تعاىل عن �س���لوك �س���بيل ق���ال احلاف���ظ ابن ٍ امل�ش���ركني ،ا َّلذين ح َّللوا وح َّرموا بمِ ج َّرد ما و�ض���عوه وا�ص���طلحوا علي���ه من الأ�س���ماء بِ�آرائه���م ...ـ �إىل �أن قال ـ ويدخ���ل يف هذا ُّ كل مما م���ن ابت���دع بِدع ًة لي�س له فيها م�ستن ٌد �شرعي� ،أو ح َّلل �شي ًئا َّ ٌّ مما �أباح اهلل ،بمِ ج َّرد ر�أيه �أو ت�شهِّيه ـ �إىل ح َّرم اهلل� ،أو ح َّرم �شي ًئا َّ توعد على ذلك فقال ﴿ :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ �أن قال ـ َّثم َّ ﯢ﴾ �أي :يف ال ُّدني���ا وال يف الآخ���رة� ،أ َّما يف ال ُّدنيا فمتا ٌع قلي ٌل، ���ذاب �ألي ٌم ،كما ق���ال﴿ :ﮬ ﮭ ﮮ و�أ َّم���ا يف الآخ���رة فلهم ع ٌ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [\}]». ويدخ���ل يف الك���ذب عل���ى اهلل الك���ذب على ر�س���وله Í؛ لأنَّ وحي قال اهلل تعاىل﴿ :ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ُّ ال�س��� َّن َة ٌ بي Íمن كذب عليه كما ﭤﭥ﴾ [\ ،]³وق���د َّ توعد ال َّن ُّ «ال�ص���حيحني» يف قول���ه�« :إ َّن َكذِ َباً َعلَ َّي َل ْي� َ���س َك َكذِ بٍ َعلَى جاء يف َّ �أَ َحدٍ َ ،منْ َك َذ َب َعلَ َّي ُم َت َع ِّمداً َف ْل َي َتب َّو�أْ مَقعد ُه مِ َن ال َّنارِ». * ق���ال تع���اىل:
﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ال�سعدي» (.)226 (« )20تف�سري َّ (« )21تف�سري ابن كثري» (.)590/2
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [\.]c
ق���ال الإم���ام الهمام ابن الق ِّي���م(« :)22وقد ح َّرم اللهَّ �س���بحانه أعظم الق���ول علي���ه ِبغري عل ٍ ���م يف الفتي���ا والق�ض���اء ،وجعله م���ن � ِ املح َّرم���ات ،بل جعله يف املرتبة العليا منها ،فقال تعاىل﴿ :ﮀ ﮁ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ فر َّت���ب ُ الفواح�ش ،ث َّم ث َّنى ���ب ،وبد�أ ِب�أ�سهلها وه���و املح َّرم���ات �أرب َع مرات َ مي���ا منه وهو الإث���م ُّ والظلم ،ث��� َّم ث َّلث بمِ ا هو بمِ���ا ه���و �أ�شدُّ حتر ً مي���ا منهما وهو ِّ ال�شرك بِه �سبحان���ه ،ث َّم ر َّبع بمِ ا هو �أعظ���م حتر ً ُ علم. ميا من ذلك ك ِّله وهو �أ�شدُّ حتر ً القول عَليه بِال ٍ علم يف �أ�س���مائه و�ص���فاته وهذا يع ُّم القول عليه �س���بحانه ِبال ٍ و�أفعال���ه ويف دينه و�ش���رعه ،وق���ال تع���اىل﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
تزكية وآداب
فيحكم���ون بمِ ا يقع يف قلو ِبهم ويغل���ب عليهم من خواطرهم، ويزعم���ون �أنَّ ذلك ل�ص���فائها م���ن الأكدار وخل ِّوها ع���ن الأغيار، فتتج َّلى لهم العلوم الإله َّية واحلقائق ال َّر َّبان َّية ،فيقفون على �أ�سرار الك ِّل َّي���ات ويعلم���ون �أحكام اجلزئ َّيات في�س���تغنون ِبه���ا عن �أحكام ال�ش���رائع الكل َّيات ،ويقولون :هذه الأحكام َّ َّ ال�ش���رع َّية العا َّمة � ،مَّإنا يحكم ِبها على الأغ ِبياء والعا َّمة ،و�أ َّما الأولياء و�أهل اخل�ص���و�ص، فال يحتاجون لتلك ال ُّن�صو�ص». ال�س���عدي(« :)20يقول تعاىل :ال �أحد �أعظم ظل ًما وقال الع َّالمة َّ مم���ن كذب على اهلل بِ����أن ن�س���ب �إىل اهلل قو ًال �أو جرما َّ وال �أك�ب�ر ً حك ًم���ا وهو تعاىل بري ٌء منه ،و� مَّإنا كان هذا �أظلم اخللق؛ لأنَّ فيه من الكذب وتغيري الأديان �أ�ص���ولها وفروعها ون�سبة ذلك �إىل اهلل ما هو من �أكرب املفا�سد».
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﯩ﴾ [\ ،]lفتق��� َّدم �إليهم �س���بحانه ِبالوعي���د على الكذب علي���ه يف �أحكامه ،وقولهم ملا مل يح ِّرمه :هذا حرا ٌم ،وملا مل يح َّله: ه���ذا ح�ل�ا ٌل ،وه���ذا بي ٌ ���ان من���ه �سبحان���ه �أ َّنه ال يج���وز للعب���د �أن يق���ول :ه���ذا ٌ حالل وهذا حرا ٌم �إ َّال بمِ ا علم �أ َّن اللهَّ �سبحانه �أح َّله وح َّرمه. ال�س���لف :ليتَّ���ق �أحدكم �أن يق���ول�« :أح َّل اللهَّ كذا، وقال بع�ض َّ وح��� َّر َم ك���ذا ،فيقول اللهَّ له :كذبت ،مل �أح َّل ك���ذا ،ومل �أح ِّرم كذا؛ فال ينبغي �أن يقول ملا ال يعلم ورود الوحي املبني ِبتحليله وحترميه �أح َّله اللهَّ وح َّرمه اللهَّ ملج َّر ِد التَّقليد �أو ِبال َّت�أويل. ال�ص���حيح �أم�ي�ره بريد َة �أن وق���د نهى ال َّن ِب ُّي Íيف احلديث َّ َ ينزل عد َّوه �إذا حا�ص���رهم على حكم اللهَّ ،وقالَ « :ف ِ�إ َّنك َال َت ْدرِي �أَ ُت ِ�صي���ب ُح ْك��� َم اللهَّ ِ فِيهِ��� ْم �أَ ْم َال َو َلكِنْ َ�أ ْن ِز ْل ُه ْم َعلَ���ى ُح ْكمِ ك َو ُح ْك ِم املجتهد، �أَ ْ�ص َحابِك»؛ فت�أ َّمل كيف ف َّرق بني حكم اللهَّ وحكم الأمري ِ حكم اللهَّ . ونهى �أن ي�س َّمى حكم املجتهدين َ وم���ن هذا ملَّا كت���ب الكاتب بني ي���دي �أمري امل�ؤمن�ي�ن عمر بن َّ اخلط���اب Çحك ًم���ا حك���م به فقال :ه���ذا م���ا �أرى اللهَّ �أمري رب العاملني» (.)38/1 ( )22يف كتابه العظيم «�إعالم املو ِّقعني عن ِّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
29
تزكية وآداب
امل�ؤمن�ي�ن عمر ،فق���ال« :ال تقل هكذا ولكن قل :ه���ذا ما ر�أى � ِأم ُري امل�ؤمنني عمر بن َّ اب». اخلط ِ وهب� :س���معت مال ًكا يقول« :مل يكن من �أمر ال َّنا�س وقال ابن ٍ وال م���ن م�ض���ى من �س���لفنا ،وال �أدركت �أح���دً ا �أقتدي بِ���ه يقول يف �ش���يءٍ :هذا حال ٌل ،وه���ذا حرا ٌم ،وما كان���وا يجرتئون على ذلك، و� مَّإنا كانوا يقولون :نكره كذا ،ونرى هذا ح�س ًنا؛ فينبغي هذا ،وال ن���رى هذا» ورواه عنه عتيق بن يعق���وب ،وزاد« :وال يقولون :حال ٌل وال ح���را ٌم� ،أما �س���معت قول اللهَّ تع���اىل﴿ :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [\ ،]fاحل�ل�ال :م���ا �أح َّله اللهَّ ور�س���وله، واحلرام :ما ح َّرمه اللهَّ ور�سوله». وق���ال الإمام ابن الق ِّيم � ً أي�ض���ا(« :)23و�أ َّما الق���ول على اهلل بال ���م ،فهو �أ�ش��� ُّد هذه املح َّرم���ات حتر ًميا ،و�أعظمه���ا �إث ًما ،ولهذا عل ٍ ُذك َر يف املرتبة ال َّرابعة من املح َّرمات ا َّلتي اتَّفقت عليها َّ ال�ش���رائع بحال ،بل ال تكون �إ َّال حم َّرم ًة ،ولي�س���ت كامليتة والأدي���ان ،وال تباح ٍ حال. حال دون ٍ وال َّدم وحلم اخلنزير ،ا َّلذي يباح يف ٍ ف�إ َّن املح َّرمات نوعان: بحال. يباح ٍ حم َّر ٌم لذاته ،ال ُ ميا ً وقت. وقت دون ٍ عار�ضا يف ٍ وحم َّر ٌم حتر ً قال اهلل تعاىل يف املح َّرم لذاته﴿ :ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ���م انتق���ل منه �إىل ما هو �أعظ���م منه فقال﴿ :ﮊ ﮇﮈﮉ﴾ ،ث َّ ثم انتقل من���ه �إىل ما هو �أعظم منه فقال﴿ :ﮎ ﮋﮌﮍ﴾َّ ، ���م انتقل منه �إىل ما هو �أعظم منه ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ﴾ ،ث َّ فقال﴿ :ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ﴾. فهذا �أعظم املح َّرمات عند اهلل و�أ�ش��� ُّدها �إث ًما ،ف�إ َّنه يت�ض َّمن الكذب على اهلل ،ون�س���ب َت ِه �إىل ما ال يليق به ،وتغ ِي َري دينه وتبديله، َ ونفي ما �أثبته و�إثبات ما نفاه ،وحتقيق ما �أبطله و�إبطال ما حقَّقه، َ وح َّب ما �أبغ�ض���ه وبغ�ض ما وع���داوة من وااله وم���واالة من عاداهُ ، �أح َّبه ،وو�صفه بمِ ا ال يليق به يف ذاته و�صفاته و�أقواله و�أفعاله. فلي����س يف �أجنا����س املح َّرم���ات �أعظ���م عند اهلل من���ه ،وال �أ�شدُّ �إث ًما ،وهو �أ�صل ِّ ال�شرك والكفر ،وعليه � ِّأ�س�ست ال ِبد ُع َّ وال�ض ُ الالت، ال�سالكني» (.)372/1 (« )23مدارج َّ
30
ُّ علم. فكل بِدع ٍة م�ض َّل ٍة يف الدِّين �أ�سا�سها القول على اهلل بِال ٍ ال�س���لف والأئ َّمة لها ،و�ص���احوا بِ�أهلها من وله���ذا ا�ش���ت َّد نكري َّ �أقطار الأر�ضَّ ، وحذروا فتنتهم �أ�ش َّد التَّحذير ،وبالغوا يف ذلك ما مل يبالغ���وا مثله يف �إنكار الفواح�شُّ ، والظلم والعدوان� ،إذ م�ض��� َّر ُة ال ِبدع وهدمها للدِّ ين ومنافاتها له �أ�ش ُّد. وق���د �أنك���ر تعاىل عل���ى من ن�س���ب �إىل دين���ه حتليل �ش���يءٍ �أو برهان م���ن اهلل ،فق���ال﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ حترمي���ه م���ن عنده بِ�ل�ا ٍ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ
ﯙ﴾ الآية ،فكيف مبن ن�سب �إىل �أو�صافه �سبحانه وتعاىل ما مل ي�صف به نف�سه؟ �أو نفى عنه منها ما و�صف ِبه نف�سه؟! ���ولَّ � : ال�س���لف :ليح���ذر �أحدكم �أن يق َ أحل اهلل كذا، قال بع�ض َّ وح َّرم اهلل كذا ،فيقول اهلل :كذبت ،مل �أح َّل هذا ،ومل �أح ِّرم هذا. يعن���ي الت َ برهان من اهلل َّحليل والتَّحر َمي ِبال َّر�أي املج��� َّردِ ،بال ٍ ور�سوله. و�أ�ص���ل ِّ ال�ش���رك والكف���ر ه���و :الق���ول على اهلل ب�ل�ا عل ٍ���م ،ف�إنَّ امل�ش َ ���رك يزعم �أنَّ م���ن اتَّخذه معبودًا م���ن دون اهلل يق ِّربه �إىل اهلل، وي�شفع له عنده ،ويق�ضي حاجته ِبوا�سطته ،كما تكون الو�سائط عند علم ،دون العك�س� ،إذ القول ِ امللوك ،فك ُّل م�ش ِ���ر ٍك قائ ٌل على اهلل ِبال ٍ علم قد يت�ض َّمن الت َ َّعطيل واالبتدا َع يف دين اهلل ،ف ُهو �أع ُّم على اهلل ِبال ٍ ال�شركِّ ، من ِّ وال�شرك فر ٌد من �أفراده. موج ًبا لدخول ال َّنار، ولهذا كان الكذب على ر�س���ول اهلل ِ Í وا ِّتخ���اذ منزله منها ُمب َّو ً�أ ،وهو املنزل ال َّالزم ال يفارقه �ص���اح ُبه، لأ َّنه علم ،ك�صريح الكذب عليه؛ لأنَّ ِّ مت�ض���منٌ للقول على اهلل ِبال ٍ ٌ ُ والقول على اهلل م�ضاف �إىل املر�سِ ل، ما ان�ضاف �إىل ال َّر�سول فهو الكذب علي���ه﴿ :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ �ص���ريح ا ْفرتاء علم ِ ُ ِبال ٍ ﮢ﴾ [.]b: 93 فذنوب �أهل ال ِبدع ك ُّلها داخل ٌة حتت هذا اجلن�س ،فال تتحقَّق التَّوب���ة منه �إ َّال بالتَّوب���ة من البدع ،و�أ َّنى بالتَّوب���ة منها ملن مل يعلم ُّ ويح�ض عليها؟ فال �أ َّنها بدع ٌة� ،أو يظ ُّنها �س��� َّن ًة ،فهو يدع���و �إليها، تنك�ش���ف له���ذا ذنوب���ه ا َّلتي جتب علي���ه ال َّتوبة منه���ا �إ َّال بِت�ض ُّلعِه ال�س َّنة ،وكرثة ِّ فتي�ش اطالعه عليها ،ودوام البحث عنها وال َّت ِ من ُّ عليها ،وال ترى �صاحب ِبدع ٍة كذلك �أبدً ا».
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
مما يزيد قدرهم ،وي�ستد َُّل به «لي����س هذا ٍ بناق�ص لأقدارهم ،بل هذا َّ لل�صواب. على دينهم ،وحت ِّريهم َّ ويف تو ُّقفه ع َّما ال يعلم فوائد كثرية: م ْنها� :أ َّن هذا هو الواجب عليه. ومنه���ا� :أ َّن���ه �إذا تو َّق���ف وقال :ال �أعل���م ،فما �أ�س َر َع م���ا ي�أتي ِه علم ذلك، �إ َّما من مراجعته �أو مراجعة غريه ،ف�إ َّن املتع ِّل َم �إذا ر�أى مع ِّلمه تو َّقف ج َّد واجتهد يف حت�صيل علمها و�إحتاف املع ِّل ِم بِها ،فما �أح�سن هذا الأثر. ومنه���ا� :أ َّن���ه �إذا تو َّق���ف ع َّم���ا ال يع���رف كان ً دلي�ل�ا على ثقت��� ِه و�إتقانه فيم���ا يج���ز ُم ب���ه من امل�سائل ،كم���ا �أ َّن من ع���رف منه الإق���دام على الكالم فيم���ا ال يعل���م كان ذلك داع ًي���ا لل َّريب يف ك ِّل ما يتك َّلم ب���ه ،ح َّتى يف الأمور الوا�ضحة. ومنها� :أ َّن املع ِّلم �إذا ر�أى منه املتع ِّلمون تو ُّقفه ع َّما ال يعلم ،كان ذلك تعلي ًم���ا له���م و�إر�ش���ادًا �إىل ه���ذه َّ الطريق���ة احل�سن���ة ،واالقت���داء بالأحوال والأعمال �أبلغ من االقتداء بِالأقوال.»...
تزكية وآداب
ريا �أقول: و�أخ ً لل�شي���خ الع َّ َّ ال�سعدي :كال ٌم نفي� ٌ���س يف �أه ِّم َّية الم���ة عبد ال َّرحم���ن َّ ق���ولِ «املُع ِّل���م» لـ«املتع ِّلم» َجوا ًبا فيما ال يعلم���ه« :اهلل �أعلم» ،قال يف ر�سال ٍة خمت�صر ٍة نافع ٍة يف «�آداب املع ِّلم واملتع ِّلم»(:)24
قلت :فهذه بع�ض الفوائد املرتَّبة على قول املع ِّلم« :اهلل �أعلم» ،فال َّ �شك ألزم. �أنَّ قولها من «املتع ِّلم» �آك ُد و� ُ ﴿ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
ﰂ﴾ [\.]g
رب العر�ش الكرمي �أن يو ِّفقنا جمي ًعا ملا يح ِّبه وير�ضاه، �أ�س�أل اهلل العظيم َّ جميب ،و�ص َّلى اهلل و�أن يجعلنا هدا ًة مهتدين غري �ضا ِّلني وال م�ض ِّلني� ،إ َّنه �سمي ٌع ٌ على نب ِّينا حم َّم ٍد و�آله و�صحبه و�س َّلم.
(�( )24ص.)27
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
31
32
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
دعوة لالشرتاك تعلن إدارة التوزيع بدار الفضيلة للنشر والتوزيع عن فتح االشرتاك السنوي لألفراد واملؤسسات وفق األسعار اآلتية: األفراد 900 :دج ـ املؤسسات 1000دج
كيفية طلب االشرتاك يرجى �إر�سال طلب يت�ضمن اال�سم واللقب والعنوان والوظيفة والهاتف ،و�إرفاقه بو�صل احلوالة الربيدية با�سم مدير املجلة توفيق عمروين على احل�ساب الربيدي اجلاري ccp 4142776 clé 96
على العنوان التايل: دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع حي باحة ( ، )03رقم ( )28الليدو ـ املحمدية ـ اجلزائر
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
33
فتاوى شرعية
�أ .د .حممد علي فركو�س �أ�ستاذ بكلية العلوم الإ�سالمية بجامعة اجلزائر
يف حكم الحلوى املصنوعة من مادة «الجيالتني» واألجبان املحتوية على «اإلنفحة» ال�سـ�ؤال: ُّ ما حكم احللويات امل�ستوردة من «�إجنلرتا» وغريها من البلدان الأوروب َّي���ة ا َّلتي حتتوي على مادة «اجليالتني» املوجودة يف عظام وحلم اخلنزير والبقر؟ وم���ا حك���م الأجب���ان املحتوي���ة عل���ى م���ادَّة «رين���ات» وهي م���ادَّة م�ستخرجة من بطن اجل���دي �أو ا َ حل َمل ال َّر�ضيع، وت�س َّم���ى بـ«الإنفح���ة»؟ عل ًم���ا ب����أ َّن �أه���ل ه���ذه البل���دان وغريها ال يذبحون غال ًبا؟
اخل ْنزي���ر أكل لنجا�س���تها وخبثه���ا و�ض���ررها كجل���د ِ املح َّرم���ة ال ِ وعظام���ه وغريه من احليوان���ات واملوا ِّد املح َّرمة ،ف����إنَّ احللويات و�س���ائر الأطعم���ة ا َّلت���ي اختلطت بها م���ا َّدة «اجليالت�ي�ن» يحرم ـ ���رعا ـ ا�ستهالكها �أو بيعها �أو ا�ستخدامها يف َّ الطعام �أو اقتنا�ؤها �ش ً اخل ْن ِزير وامليتة و�سائر اخلبائث� ،إذ لل ُّن�صو�ص الواردة يف حترمي ِ مي َي ْت َب ُع ا ُ خل ْب َث َو َّ ال�ض َر َر». املعلوم ـ فق ًها ـ �أنَّ «ال َّت ْح ِر َ ف����إن كان يف اخت�ل�اط ه���ذه امل�س���تهلكات �أو املبيع���ات مبا َّدة ال�ش َّ وجه يدخل َّ ���ك وال ِّريبة ملو�ض���ع اال�ش���تباه، «اجليالت�ي�ن» على ٍ ف�إنَّ الواجب �أن يرتكها تغلي ًبا جلانب التَّحرمي ،وعم ًال باالحتياط لقول���ه َ « :Íف َم ِن ا َّت َق���ى ُّ ال�ش ُبهَاتِ َف َق���دِ ْا�س َتبرْ َ �أَ لِدِ ينِ��� ِه َوعِ ْر ِ�ض ِه ال�ش ُبهَ���اتِ َو َق َع يف ا َ َو َم���نْ َو َق��� َع يف ُّ حل��� َرا ِم»( ،)1ولقوله َ « :Íد ْع مَا َيرِي ُب َك �إِىل مَا َال َيرِي ُب َك»(.)2
اجلـواب: وال�س�ل�ام على َمن �أر�س���له احلمد هلل ِّ رب العاملنيَّ ، وال�ص�ل�اة َّ ُ اهلل رحم���ة للعاملني ،وعلى �آله و�ص���حبه و�إخوان���ه �إىل يوم الدِّ ين، �أ َّما بعد: فال مانع من جواز احللويات والأجبان امل�س���توردة ا َّلتي حتتوي عل���ى م���ا َّدة «اجليالت�ي�ن» و«الإنفح���ة» �إن كان���ت م�س���تخرجة من ذبائح �أهل حيوانات م�أكولة ال َّلحم �أو من موا ٍّد مباح ٍة تندرج �ضمن ِ مما لهم فيه ممار�سة و�صناعة ،فهي طاهرة؛ لقوله تعاىل: الكتاب َّ ﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [املائدة.]5 : احليوانات �أ َّم���ا �إذا كانت م���ادة «اجليالتني» م�س���تخرجة من ِ 34
(� )1أخرجه البخاري ( ،)52وم�سلم ( ،)1599من حديث النعمان بن ب�شري .È (� )2أخرجه الرتمذي ( ،)2517والن�سائي ( ،)5711و�أحمد ( ،)200 /1من حديث �صححه الألباين يف «الإرواء» (.)44 /1 احل�سن بن علي ،Çواحلديث َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
(« )4جمموع الفتاوى» البن تيمية (.)102/21 (« )5جمموع الفتاوى» البن تيمية.)103/21( : (� )6أخرجه و�أبو داود ( ،)66والرتمذي ( ،)66و�أحمد ( ،)31/3من حديث �أبي �سعيد اخلدري ،Çوهو �صحيح بطرقه و�شواهده ،انظر «التلخي�ص احلبري» البن حجر ( )14 ،13 /1و«�إرواء الغليل» للألباين (.)45/1
فتاوى شرعية
�أ َّما الأجبان املحتوية على «الإ ْن َف َحة» �أو «رينات»؛ ف�إ َّنه ما دامت مما ي�ؤكل ت�س����تخرج من بطن اجل����دي �أو احل َمل ال َّر�ض����يع ـ وهم����ا َّ حلمها ـ فال �إ�شكال فيما �إذا ُذ ِّك َي هذا احليوانُ ال َّذكا َة َّ ال�شرع َّية. و�إنمَّ���ا يرد الإ�ش���كال فيم���ا �إذا كانت هذه احليوان���ات ميتة �أو الذكا َة َّ مل ت َُذ َّك َّ ال�ش���رع َّية على ما هو ج���ا ٍر يف معظم بالد الغرب م���ن �أهل الكتاب� ،أو كانت من ذبائح املجو�س ،الأمر ا َّلذي �أحدث خال ًف���ا ب�ي�ن �أهل العلم يف اجل���واز واملنع ،واختالفهم نا�ش���ئ عن اختالفه���م يف لنب امليتة و�إِن ِف َحتها ،هل هما طاهران �أو جن�س���ان، فمن ر�أى جنا�س���تهما حكم بتحرمي ما ي�ص���نع بالإنفحة ،حلويات كان���ت �أو �أجبا ًن���ا ،وهو مذهب مالك َّ وال�ش����افعي ورواية عن �أحمد، وم����ن ر�أى طهارتهم����ا حك����م بجوازها وه����و مذهب �أب����ي حنيفة(،)3 وال ِّرواي����ة الأخرى عن الإمام �أحمد ارت�ض����اها �ش����يخ الإ�س��ل�ام ابن تيمية( ،)4حيث قال :: «والأظه���ر �أنَّ ُج ْب َنهم حال ٌل ـ يعن���ي املجو�س ـ و�أنَّ �إنفح َة امليت ِة يف الوصية اإلجبارية (التن ِزيل) ولب َنها طاه ٌر»(.)5 الظاه���ر من القولني ً وه���و َّ ال�ص���حابة َلـ َّما فتحوا عم�ل�ا بفعل َّ ب�ل�اد العراق �أكلوا جنب املجو�س و�ش���اع هذا بينهم من غري نكري، ً لي�سا حم ًّال للموت ،و� مَّإنا �أخذ حكم ف�ض�ل�ا عن �أنَّ ال َّلنب والإنفحة َ ال�سـ�ؤال: ُّ جنا�ستها عند من يق�ضي بنجا�ستها لكونهما م�ستخرجني من ذات لرج���لٍ ثالث���ة �أوالد و�ستُّ بن���ات ،تويف �أح���د �أوالده تار ًكا امليت���ة وهي وعاء جن�س ،غري �أ َّنه ال يت ُّم التَّ�س���ليم �أنَّ املائع ينج�س ابن�ي�ن وثالث بنات ،وتوفيت �إح���دى بناته تاركة بنتني، مرفوعا« :املَا ُء مبالقاة ال َّنجا�سة لعموم حديث �أبي �سعيد اخلدري ً وتويف بعدهم ذاك ال َّرجل ،فهل للأحفاد ٌّ حق يف مرياث َطهُ���و ٌر َال ُي َن ِّج ُ�س��� ُه َ�ش ْيءٌ»( ،)6واملائعات ُكلُّها حكمها حكم املاء َق َّلت ج ِّده���م؟ وما ه���ي �أن�صبته���م؟ وهل القان���ون املعمول به �أو َك�ُث�ررُ َ ت ،وعليه يتق��� َّرر حكم بيع احللوي���ات والأجبان وهو احل ُّل يوافق احلكم َّ ال�شرعي؟ واجلواز ما مل يعلم احتوا�ؤهما على ما َّدة حم َّرمة ك�شحم اخلنزير مما حتلُّها احلياة ،فف���ي هذه احلال حترم �أو �أح���د �أج���زاء امليتة َّ اجلـواب: قط ًعا �إذا مل تتغيرَّ حقائقها. �إن �أو�ص���ى اجل��� ُّد لأحف���اده �أو للأق���ارب ا َّلذي���ن ال يرثون قبل ف����إذا تق َّرر هذا الأ�ص���ل يف كال امل�س����ألتني؛ ف�إ َّنه يبقى احلكم وفاته؛ ف�إنَّ الو�ص َّية تنفَّذ ـ وجو ًبا ـ ب�شرطني: بنوع من حتقيق املناط. على �أفرادها ُيعلم ٍ الأ َّول� :أن ال تزيد الو�ص َّية على ُث ُلث رَّ التكة؛ لقوله Íل�سعد ال�صلبة ال�صلبة ا َّلتي ال دم فيها كالقرن ِّ وال�سنّ واحلافر واخلف والإنفحة َّ (� )3أجزاء امليتة َّ َ ُ ُ ُّ ُّ َّ وامليتة فيها، احلياة دخول لعدم مبيتة لي�ست أ�شياء ل ا هذه ل أحناف؛ ل طاهرة عند ا أنَّ ُ ُ ث ك ث ل ث ال و ث ل ث «ال ري»( ،)7وهذا احلديث :Ç ا�ص ق الو أبي � ابن َ ِ ٌ ال�صلبة متَّفق على طهارتها� ،أ َّما الإنفحة من احليوان ا�سم ملا زالت حياته ،فالإنفحة َّ َق َّي���د � َ إطالق الآية يف قول���ه تعاىل﴿ :ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ املائعة وال َّلنب يف �ضرع امليتة فالأظهر طهارتها«[ .البدائع» (.])63/1 ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﯭ ﯮ﴾ [\^]. (� )7أخرجه البخاري ( ،)1296وم�سلم ( ،)1628من حديث �سعد بن �أبي وقا�ص .Ç
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
35
فتاوى شرعية
كث�ي�را واف ًرا؛ وال َّث���اين� :أن يك���ون م���ال املو�ص���ي ا َّل���ذي تركه ً لقوله تعاىل﴿ :ﯣﯤﯥ﴾ ،ولقوله Íيف حديث �س����عد بن �أبي الو َّقا�ص Çاملتقدِّ م�« :إِ َّن َك �أَ ْن َت َذ َر َو َر َث َت َك �أَ ْغ ِن َيا َء َخيرْ ٌ مِ نْ �أَ ْن ا�س». َت َذ َرهُ ْم عَا َل ًة َي َت َك َّف ُفو َن ال َّن َ والعلما ُء يختلفون يف حكم الو�ص َّية بنا ًء على اختالفهم يف �آية الو�ص َّية :هل هي من�سوخة ب�آية املواريث �أم حمكمة؟ وما عليه جمهور �أهل العلم انتفاء م�س���تند الو�ص��� َّية الواجبة، ويظه���ر ذلك يف �أنَّ �آية الو�ص��� َّية يف قول���ه تعاىل﴿ :ﯝ ﯞ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [�س���ورة البقرة] من�سوخة ب�آيات امل�ي�راث م���ع قول���ه َ « :Íال َو ِ�ص َّي��� َة لِ��� َوارِثٍ »( ،)8وبه���ذا قال ابن ع َّبا�س وابن عمر íـ �أي بال َّن�سخ ـ. وذهب بع�ضهم �إىل ن�سخ الوجوب ونفي ال َّندب. وذهب���ت طائفة �إىل القول ب�أنَّ �آية الو�ص��� َّية حمكمة ،وهي و�إن كان���ت عا َّمة فمعناها اخل�ص���و�ص ،واملراد بها من الوالدين من ال ي���رث كالأبوي���ن الكافرين ،وم���ن الأقربني ما ع���دا الورثة منهم، فالو�ص َّية جائزة يف ح ِّقهم. بل يرى بع�ض الفقهاء كابن حزم َّ والطربي و�أبي بكر ابن عبد العزي���ز م���ن احلنابلة �أنَّ الو�ص��� َّية واجبة ديان ًة وق�ض���ا ًء للوالدين ملانع مينعهم والأقربني ا َّلذين ال يرث���ون حلجبهم عن املرياث� ،أو ٍ م���ن الإرث كاختالف الدِّ ي���ن ،ف�إنْ مل يو�ص امل ِّيت للأقارب �ش���ي ًئا الو�ص���ي �إخراج �شيء غ ِري حم َّدد املقدار وجب على الورثة �أو على ِّ من مال امل ِّيت و�إعطا�ؤه لغري الوارثني من الأقارب. واملختار وجوب الو�ص��� َّية يف ح ِّقهم َّ ال�سابقني؛ لأنَّ بال�ش���رطني َّ الأ�صل عدم ال َّن�س���خ ،ولي�س بني �آية الو�ص َّية ،و�آية املرياث تعار�ض �إذا ما حملت على اجلمع ،و«ا َ جل ْم ُع �أَ ْولىَ مِ َن ال َّن ْ�س ِخ اال ِْح ِت َماليِ » على ال َّراجح من �أقوال الأ�صول ِّيني. ووجه التَّوفيق �أ َّنه حتمل �آية الو�صية على من ال يرث كالأبوين الكافرين والأقربني ما عدا الورثة منهم ،و�آية املرياث مع �ضميمة حدي���ثَ « :ال َو ِ�ص َّي��� َة لِ��� َوارِثٍ » تحُ ْ َم�ل�ان على الورثة م���ن الوالدين والأقربني.
وبذل���ك يت ُّم �إعم���ال ال َّدليلني م ًعا ،وهو �أوىل م���ن �إهمالهما �أو �إهمال �أحدهما. �أ َّما �إن مل يو�صِ اجل ُّد للأحفاد والأقارب �شي ًئا فلهم �أن ينتفعوا ع���ن طريق ورثة اجلدِّ من �أعمامه���م �أو من غريهم بهبة مقتطعة مت ِّث���ل قد ًرا غري معينَّ ٍ وال حم َّد ٍد من �أ�ص���ل ترك���ة اجلدِّ لفائدتهم على وجه اال�ستحباب. عل ًم���ا �أنَّ ما تق�ض���ي به عم���وم املحاكم احلال َّية يف الو�ص��� َّية الإجبار َّي���ة (ال َّت ْنزي���ل) من �أنَّ �أوالد االب���ن �أو البنت �إذا حتقَّقت وفاتهم���ا يف حياة �أبيهما ف����إنَّ �أوالد االبن ُي َن َّز ُل���ونَ َم ْن ِزل َة �أبيهم يف الإرث َف ُي ْع َط ْونَ ن�ص���يب �أبيهم ،وكذل���ك �أوالد البنت ف ُي َن َّز ُلونَ َم ْن ِزلة �أُ ِّمهم ،و ُي ْع َط ْونَ ن�ص���يب �أُ ِّمهم ب�ش���رط �أن ال تزيد الو�ص َّية يف َح ِّقه���م ع���ن ثلث رَّ التك���ة ولو مل ُيو����صِ لهم اجل ُّد ب�ش���يءٍ من ���رعي ،بل املال ،ف�إنَّ هذا احلكم مل ي�ش���هد على � َّ صِ���حته دلي ٌل �ش ٌّ فيه اجرتا ٌء على �ش���رع اهلل بتحكيم �ش���رع غريه واعتدا ٌء �صري ٌح على احلقوق املال َّية للورثة. �أ َّما الو�ص��� َّية بالتَّط ُّوع���ات والقربات؛ فحكمها اال�س���تحباب لـم���ن �أراد كرثة الأجر والتَّط ُّوعِ ،عل ًما ب�أنَّ الو�ص��� َّية قد تعرتيها الأح���كام الأخرى ،فق���د تكون الو�ص��� َّية حم َّرمة فيم���ا �إذا كان فيها �إ�ض���رار� ،أو قد تكون مكروهة �أو مباح���ة على نحو ما ب َّينه ال�ص���نعاين :وغريه. َّ واهلل تعاىل �أعلم.
(� )8أخرجه الرتمذي ( ،)2266وابن ماجه ( ،)2818من حديث �أبي �أمامة الباهلي و�صححه الألباين يف «�صحيح �سنن رِّ التمذي» (.)2120 َّ ،Ç
36
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
(1393هـ ـ ـ 1973م)
�إبراهيم بدري
لي�سان�س يف ال�شريعة الإ�سالمية ـ ب�سكرة
قال ال�شيخ الب�شري الإبراهيمي :: «�أ َّما َّ وحجة عيمي؛ فهو ع�صامي يف العلمَّ ، ٌّ ال�شيخ نعيم ال ُّن ّ على �أ َّن ال َّذكاء واال�ستعداد ي�أتيان مع قليل من ال َّتعليم بالعجائب. وال َّرجل جمموعة مواهب ،لو ِّ ووجهت؛ نظمت يف ِّ ال�صغر ِّ جلاءت �شهادة قاطعة على �أن ال مبالغة يف ك ِّل ما يروى عن �أفذاذ املتقدِّمني.»...
سير األعالم
الشيخ نعيم النعيمي
هو العامل نِّ املتفن ا ُ املف�سر ،الأديب ال َّن َّ�سابة ،اخلطيب املُف َّوه، امل�سنِد ،املقرئ ِّ حل َف َظة ال ُّر َحلة ،الفقيه املت�ض ِّلع ،املحدِّث ْ َّ ال�شاعر املفلق ،واملجاهد بل�سانه ويده :نعيم النعيمي اجلزائري. علي ،وال عجب ،و�إن كان العجب �س َّنة م َّتبعة يف هذه ال َّناحية الغرب َّية من الأر�ض �أقول ك َّل ذلك غري جمازف وال َع ْتب َّ ا َّلتي قد �ألِفت خِ �صاء فحولها. ا�سمه ون�سبه ومولده: الق�سنطيني. هو نعيم بن �أحمد بن علي بن �صالح النعيمي الب�سكريّ ،ث َّم ّ ال�ساد�س ،ا َّلذي تعرف به العائلة ،ث َّم اخت�صر �إىل نعيم لرتدُّده على الأل�سنة. �سمي بادئ الأمر :النعيمي با�سم جدِّه اخلام�س �أو َّ ينت�سب �إىل ع�شرية «�أوالد حركات» العرب َّية ،ا َّلتي تنتمي �إىل قبيلة «�أوالد زكري» ا َّلتي تقطن بـ«الزيبان الغربي» وهي بطن من بطون «�أوالد نائل» الأدار�سة الأ�شراف(.)1 ولد :يف �صائفة عام 1327هـ ـ 1909م� ،سابع �إخوته ال َّثمانية ،ببلدة �سيدي خالد( )2يف �أ�سرة ط ِّيبة متع ِّففة ت�شتغل مما �أك�سبه ق َّوة يف احلافظة واعتدا ًال يف َّ الطبع وته ُّي�ؤًا لتل ِّقي العلوم. بالفالحة وال َّرعي يف البادية َّ وكان �أبوه ـ كغريه من الأهايل ـ من مريدي ال َّزاوية املختار َّية �إحدى زوايا َّ الطريقة ال َّرحمان َّية يف املنطقة ،وهي قريبة من بلدته ب�ضعة كيلومرتات فقط. ( )1وكان قد �أملى على بع�ض طلبة �سيدي خالد عمود ال َّن�سب ،و�إمال�ؤه حمفوظ متداول. نبي مدفون بهاَّ ، ولل�شيخ عبد املجيد ح َّبة كتاب «قيد الأوابد من حياة خالد» خمطوط ،وقد قاربت على �إمتام حتقيقه ( )2ن�سبة �إىل خالد بن �سنان العب�سي ا َّلذي يدَّعون �أ َّنه ٌّ ب�إذن اهلل.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
37
سير األعالم
بداية الطلب:
بد�أ وهو يف البادية بحفظ القر�آن الكرمي على �أخيه اجلنيدي؛ فحفظ منه طر ًفا َّثم انتقل �إىل خاله يف مدينة �سيدي خالد َّ ال�شيخ ال�صحراوي البو�سعادي؛ ف�أ َّمت حفظه عنده وعمره م�صطفى ابن َّ ال يتجاوز ع�شر �سنوات! وقد بدت عليه خمائل التَّم ُّيز والعبقرية. َّثم انتقل �إىل الزَّاوية املختارية بـ«�أوالد ج َّالل» حوايل (1919م) لعالقة �أبيه و�أخيه ب�شيخ الزَّاوية؛ فمكث هناك نحو �أربع �سنوات من االجتهاد والتَّح�صيل ،وكان ذلك ال يتاح �إ َّال لل ُّنجباء �أو ملن له �شفاعة ح�سنة. ف�أخذ الفقه وعلوم اللُّغة والتَّف�سري والأ�صول و�شي ًئا من املنطق والفلك وغريها. أهم املد ِّر�سني حينذاك بالزَّاوية املذكورة هما َّ ال�شيخ: «وكان � ّ ال�سماتي اجلاليل (ت1959م) [والد امل�صلح َّ ال�شهري حم َّمد العابد ّ العابد اجلاليل (ت1967م) رحمهما اهلل]َّ ، وال�شيخ م�صطفى ابن قويدر مربوكي (ت1945م) ،وقد كان فقيدنا حتَّى �أواخر �أ َّيامه يتح َّدث عنهما بكثري من الإجالل والتَّعظيم ويعرتف لهما بالف�ضل اجلزيل ،وكان ي�صفهما بغزارة املعرفة والتَّم ُّكن البالغ من املعارف الدِّين َّية واللُّغو َّية والورع َّ ال�شديد والتَّع ُّبد ال َّدائم ...ورغم وجودهما يف بيئة طرق َّية خراف َّية وجمتمع متخ ِّلف فقد كانا على ا ِّت�صال باحلركة التَّجديد َّية يف َّ وال�صحف»(.)3 ال�شرق عن طريق الكتب ُّ َّ وال�شيخ م�صطفى بن قويدر هو من ع َّلمه القر�آن جم َّودًا ،وكان من قبل يقر�أه ال َّنا�س على َّ الطريقة التَّقليد َّية بالوقوف (املحمول) من غري �إقامة احلروف وال �إعطائها حقَّها وال م�ستحقَّها وت�ضييع مما يعرفه � ُ ال�ش�أن ،فيقع َّ أهل هذا َّ الطلبة يف املدود وغري ذلك َّ حتريف كالم اهلل ع َّز َّ اجللي ،فكان لذلك �أثر يف وجل بال َّلحن ِّ املح�صلني للقراءات نف�سه ليكون فيما بعد من املقرئني الأفذاذ، ِّ بالأ�سانيد العوايل. فتخ َّرج يف( )4هذه الزَّاوية �سنة (1342هـ ـ 1923م) بعد �أن وعى وا�ستوعب ما فيها. ( )3جم َّلة الأ�صالة( :العدد�/16ص )42مقالَّ : «ال�شيخ نعيم ال ُّنعيمي يف ذ َّمة اهلل» كتبه بلقا�سم ال ُّنعيمي. ( )4نقول« :تخ َّرج يف» وال نقول« :تخرج من» ،قال بذلك الع َّالمة تقي الدِّ ين الهاليل يف كتابه« :الدَّعوة �إىل اهلل» (�ص.)166
38
وهذه املرحلة هي ركيزة علمه وزاده ا َّلذي مت َّكن به �أن يوا�صل م�سريه َّ الطويل. الرحلة إلى تونس:
توجه �إىل «...وحني مل يعد يجد من الزَّاوية ما ي�شفي غليله؛ َّ تون�س (1343هـ ـ 1924م) �إىل جامع الزَّيتونة دون علم �أهله؛ لك َّنه مل يطل املكث بها ومل يوا�صل الدِّ را�سة وعاد �إىل م�سقط ر�أ�سه بعد نحو �ستَّة �أ�شهر لق َّلة ذات اليد ولع�سرة وجدها»(.)5 الرحلة في ربوع الجزائر:
مت َّيزت هذه ال ِّرحلة بطول ال َّن َف�س وعمق يف املقا�صد؛ فكانت ك�أ َّنها خرجة مغا�ضب �أو �صولة مغالب ،ويا ليت �شعري هل من عد ٍّو �أعدى من اجلهل و�أهله؟! وهل هناك ما هو �أوىل باملغا�ضبة واملغالبة منهما؟! فكبري ال َّنف�س يغا�ضب وقد يغالب ،و�صغريها ال ميلك �إ َّال �أن يبكي نف�سه �إن مت َّكن منها اجلهل ولي�س هناك �أ�سوء ممن ال يبكي نف�سه وال يغا�ضب وال يغالب... حا ًال َّ خرج هذا الفتى يف رحلة دامت ع�شر �سنوات(1926( )6 �سائحا يف الأر�ض ،طال ًبا ِّ لكل ما ينفعه من العلم ـ )1936 ً واحلكمة واحلنكة والتَّجريب ،فزار معظم مدن اجلزائر و�أريافها ال�صحراء الكربى ،فكان يتق َّلب بني الق�ضاة وامل�شايخ واملفتني �إ َّال َّ واملد ِّر�سني وخزائن الكتب واملخطوطات. فطفق يحفظ ك َّل ما يجده يف طريقه ل�سيالن ذهنه ومت ُّكنه من �آالت العلم ،ويقتني ال َّنوادر من الكتب واملخطوطات حتَّى اجتمعت عنده مكتبة عظيمة ،وهي الآن لي�ست عظيمة!(.)7 وقد ا�ستفاد منه فيما بعد ال ُّدكتور �أبو القا�سم �سعد اهلل �أثناء ت�أليف كتابه «تاريخ اجلزائر ال َّثقايف» فقال يف مقدِّ مته: املهتمني باملخطوطات �أمثال َّ ال�شيخ «وا�ستفدت من خربة عدد من ِّ نعيم ال ُّنعيمي ا َّلذي كان ميتلك مكتبة غن َّية بال َّنوادر.)8(»... ( )5املرجع نف�سه (�ص.)43 ( )6وهم بلقا�سم ال ُّنعيمي ،فقال :اثنتي ع�شرة �سنة (�ص.)43 ( )7هي الآن حمفوظة يف جامعة الأمري عبد القادر بق�سنطينة .يف مكتبة ُّ ال�شيوخ ،بعد �أن �ضاع منها الكثري. (« )8تاريخ اجلزائر ال َّثقايف» (.)31/1
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
قال الأ�ستاذ بلقا�سم ال ُّنعيمي ـ ابن �أخ مرتجمنا ـ حاك ًيا عنه: ال�صوف َّية يف م َّدة ما ِمنْ «وقد حكى عن نف�سه �أ َّنه مار�س التَّجربة ُّ َّهجد هذه املرحلة فانقطع عن ال َّنا�س �أ َّي ًاما و�أخذ ي�صوم ويكرث من الت ُّ والعبادة ،ولأمر ما �أقلع عن هذه التَّجربة ومل يعد �إليها بعد ذلك.
ال�سري يف ال�سلف َّية هو ا َّلذي ثناه عن َّ ويبدو �أنَّ ت�أثري الأفكار َّ هذا االتجِّ اه»(.)9 ال�سلف ا َّلتي �أمرنا باقتفائها ال�سلف َّية �إ َّال �آثار َّ وما هذه الأفكار َّ يف الدِّ ين. وك ُّل خري يف ا ِّتباع من �سلف وك ُّل �ش ٍّر يف ابتداع من خلف وكانت هذه ال ِّرحلة ت�شوف ِّ لالطالع �إىل ما هو كائن َّثم اخلو�ض بعد فيما يجب �أن يكون. كما كان َّ يطلع على ما ُيكتَب يف العامل الإ�سالمي من خالل ال�صحف واملج َّالت ا َّلتي جمعها. �أعداد ُّ قال الأ�ستاذ بلقا�سم ال ُّنعيمي« :وقد �شاهدت بني الكتب ا َّلتي جمعها يف تلك الفرتة �أعدادًا من جم َّلة «املنار» و«الإ�سالم» و«الفتح» و«الزَّهراء» و«ال ِّر�سالة» امل�صر َّياتِّ ، و«ال�شهاب القدمي» ِّ و«ال�شهاب» و«الإ�صالح» و«الب�صائر» اجلزائر َّيات ،وعن طريق ال�صحف َّ اطلع على �أفكار احلركة الإ�صالح َّية واعتنقها عن �إميان واعتقاد» ،وتفتَّحت موهبته ِّ ال�شعر َّية يف هذه الفرتة حيث ال�صدى» البن ه�شام، نظم كتاب ال َّنحو امل�شهور «قطر ال َّندى وب ُّل َّ وكان ذلك �سنة (1929م) يف م�سعد(.)10 ال�شيخ حمة قدور زهانة ـ زميل َّ يقول(َّ )11 ال�شيخ وابن بلده ـ در�سا م ًعا علم العرو�ض و�صناعة ِّ ال�شعر على َّ ال�شيخ �أحمد ب�أ َّنهما َ ب�سطامي (1890م ـ 1980م)(.)12 ونحن ال ندري يف �أيِّ زمن كان ذلك؛ فلع َّله �أن يكون يف هذه ال ِّرحلة قبل عام (1929م). ( )9جملة الأ�صالة (�ص( )43العدد.)16 ( )10وهم بلقا�سم ال ُّنعيمي فجعله قبل هذه ال ِّرحلة. ( )11اخربين بذلك الأ�ستاذ حم َّمد َّ الطاهر خري الدِّ ين عنه. ( )12وهو من علماء �سيدي خالد ا َّلذين طلبوا العلم قد ًميا يف جامعة القرويني يف فا�س ويعرف بابن �شليحة ،وقد ا�شتغل بالتَّدري�س يف الزَّاوية احلمالوية يف ق�سنطينة، يوما ما منتظ ًما يف �سلك جمع َّية العلماء. وكان ً
«وحني ت� َّأ�س�ست «جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني» �سنة (1931م) ا�شرتك يف اجتماعها ال َّت�أ�سي�سي كع�ضو عامل وتع َّرف على رئي�سها عبد احلميد بن بادي�س و�أ�صبح من دعاتها يف ناحية ال�شلف ،وبقي له فيها الأثر َّ الغرب اجلزائري»( )13يف مدينة ّ الط ِّيب ِّ والذكر احل�سن يف ال َّدعوة �إىل اهلل. يف �سنة (1936م) عاد �إىل م�سقط ر�أ�سه فتز َّوج ب�إحدى بنات عمومته ومل يطل املكث ورجع �إىل ّ ال�شلف ليوا�صل م�شواره املبارك. ال�سلطة اال�ستعمار َّية عند ن�شوب احلرب العامل َّية ال َّثانية ج َّمدت ُّ ن�شاط جمع َّية العلماء و�ض َّيقت على زعمائها؛ ونفته �إىل مدينة طولقة بب�سكرة ،ف� َّأ�س�س بها مدر�سة ح َّرة وا�شتغل باخلطابة بها، وكان يد ِّرب فرق َّ الك�شافة يف اجلبال املجاورة. «يف �سنة (1943م) وبعد احتالل ق َّوات احللفاء للجزائر ال�سلطات املح ِّل َّية من طولقة؛ ا�ضط َّر �إىل جتميد ن�شاطه مل َّدة نفته ُّ �سنة»( )14عاد فيها �إىل مدينة «�سيدي خالد» فكان تالمذته ي�أتونه �إليها لي ًال.
سير األعالم
مل يكن لفتى منطلق كال ُّنعيمي �أن يجعل يف عنقه ربقة �إ َّال ربقة ال�صالح وتقطعه ال�سلف َّ الإ�سالم ال َّنقي ا َّلتي ت�صله مبا بقي من �آثار َّ عن ِّ كل ما �أحدث بعدهم من املحدثات وتنت�شله من �أوحالها.
انضمامه إلى جمعية العلماء أثناء رحلته:
َّثم انتقل بعدها �إىل ب�سكرة وك َّون فيها معهدً ا للتَّعليم وكان من بني تالمذته به العربي بن مهيدي ،:دام املعهد ثالث �سنوات �إىل �أن فتح معهد ابن بادي�س يف (1947م) بق�سنطينة اختري مد ِّر ً�سا به و ِن ْع َم االختيار! قال عنه الأ�ستاذ حم َّمد املهدي بن علي �شعيب �صاحب كتاب «�أ ّم احلوا�ضر»« :كان من بني �أ�ساتذة املعهد ال َّالمعني املخل�صني؛ فرتاه ينتقل بني املعهد وفرعيه «�سيدي قمو�ش» و«�سيدي بو معزة» يف اليوم الواحد م َّرات حتَّى يرى يف َّ الطريق مهرو ًال خو ًفا من فوات الوقت املح َّدد ،وكان حمبو ًبا من طرف التَّالميذ لتوا�ضعه وب�ساطته وفكاهته ال َّلطيفة يف حلقات ال َّدر�س»(.)15 وكان ف َّعا ًال َن ِ�ش ًطا يف املعهد وخارجه يف �أنحاء الوطن وحتَّى يف اخلارج؛ فقد ح�ضر امل�ؤمتر الإ�سالمي ال َّثقايف املنعقد بتون�س (1949م). ( )13جم َّلة الأ�صالة (�ص( )43العدد.)16 ( )14املرجع نف�سه (�ص.)44 (�« )15أعالم من ب�سكرة» (�ص )132فوزي م�صمودي.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
39
سير األعالم
( )1968م�ؤمتر جممع البحوث الإ�سالم َّية ،وكان ع�ض ًوا فيه. وملَّا اندلعت ثورة التَّحرير كان من املل ِّبني لل ِّنداء فا�شتبه يف ( )1969امل�ؤمتر الإ�سالمي ال ّدويل يف ماليزيا ،ق َّدم بح ًثا يف �أمره فنفي من ق�سنطينة ليعود �إىل م�سقط ر�أ�سه وب َّثت عليه العيون ال�صوم وعيد الفطر. ال�صفوف َّ وا�ستم َّر به يح ِّر�ض على اجلهاد ويزيل ال َّلب�س ِّ ويوحد ُّ ويجمع الكلمة ويحفظ عورة امل�سلمني عن عيون الكفرة ا َّلتي ك�شفها ثناء الناس عليه: َّ ال�سفهاء وذاك د�أب العلماء. ع�شاق ال ِّريا�سة ،وهذا د�أب ُّ ومل متنعه هذه الأ َّيام الع�صيبة من العطاء؛ فقد �أن�شا مدر�سة وقد �أثنى عليه �ضرغام العرب َّية َّ ال�شيخ الب�شري الإبراهيمي للبنات وجعل على تدري�سهنَّ ابنة له ا�سمها «الزّهرة» وجلب لهنَّ ثنا ًء عط ًرا ـ وكفى به ثنا ًء ـ فقال�« :أ َّما َّ عيمي؛ ال�شيخ نعيم ال ُّن ّ الكتب امل�ص َّورة من تون�س(.)16 وحجة على �أ َّن ال َّذكاء واال�ستعداد ي�أتيان العلم، يف ع�صامي فهو َّ ٌّ َّثم نفي �إىل امل�سيلة؛ فارحتل وكان قد �س َّمى نف�سه «�صالح ـ مع قليل من ال َّتعليم ـ بالعجائب. بال�صالح وال َّن�صر على �أعدائه ،والتحق بجبال من�صور» تفا�ؤ ًال منه َّ وال َّرجل جمموعة مواهب ،لو ِّ ووجهت؛ نظمت يف ِّ ال�صغر ِّ مما احل�ضنه مع �أ َّنه كان منهك القوى وجرح يف �إحدى املعارك َّ جلاءت �شهادة قاطعة على �أن ال مبالغة يف ك ِّل ما يروى عن ا�ضط َّر ال ُّث َّوار �إىل نقله �إىل تون�س لعالجه �سنة (1957م) ،وملَّا �شفي �أفذاذ املتقدِّمني؛ فهو يحفظ الأحاديث ب�أ�سانيدها ـ ال على ك َّلفته قيادة ال َّثورة �سنة (1958م) مبه َّمة امل�سامرات وهي توعية ال�سري وعلوم احلي( )18ـ ،ويحفظ عدَّة �ألف َّيات يف ِّ طريقة عبد ّ اجلزائر ِّيني يف تون�س لدعم ال َّثورة ولفت انتباه الإخوة التُّون�س ِّيني. ريا من متون العلم ،ويجيد الأثر وال َّنحو وغريها ،ويحفظ كث ً توجهاته فعاد �إىل البحث والتَّنقيب وقد توافقت هذه امله َّمة مع ُّ فهمها وتفهيمها ،ويحفظ جز ًء غري قليل من ال ُّلغة مع ال َّتف ُّقه عن ِّ كل ما له �صلة بالعلم وحنَّ �إىل َّ الطلب «وتتلمذ على �أكابر مما يلزم الأديب حفظه من �أ�شعار يف الترَّ اكيب ،ويحفظ �أكرث َّ وخا�صة يف مادتي القراءات واحلديث. علماء الزَّيتونة َّ العرب؛ قدميها وحديثها ،ومن ر�سائل البلغاء قري ًبا من ذلك، ال�سبع... ويف هذا َّ ال�صدد ختم القر�آن ع َّدة م َّرات بالقراءات َّ ويقر�ض قط ًعا من ِّ ال�شعر كقطع ال ّرو�ض؛ نقاء لغة ،و�صفاء ال�صحاح وروى عنهم كما اتَّ�صل بعلماء احلديث وقر�أ عليهم الكتب ِّ ديباجة ،وحالوة �صنعة ،وقد �أ�سل�س له ال َّرجز قياده؛ فهو مرو َّياتهم يف احلديث وح�صل على �إجازاتهم اخلط َّية � ً أي�ضا»(.)17 ي�أتي منه باملط َّوالت؛ لزوم َّية من�سجمة �سائغة ،يف رو َّية ت�شبه حج �سنة (1961م) ،وم َّر على دم�شق وحم�ص وبريوت وقد َّ رجاز العرب يف ع�صرنا هذا، االرجتال ،وهو ثاين اثنني من َّ والقد�س والقاهرة ...باح ًثا عن الكتب ال َّنادرة ،ومتَّ�ص ًال ولو �شئت؛ لذكرت الأ َّول( ...)19و� مَّإنا �آثرت نعي ًما بهذه الكلمات؛ بالعلماء ،...وقد تف َّرغ �شيخ الق َّراء َّ ال�شيخ عبد العزيز �آل عيون لأ َّنه لي�ست له �شهادة؛ فجئته بهذه َّ ال�شهادة(.»)20 ال�سود (ت1399هـ ـ 1979م) لإقرائه ملا ر�أى فيه من الأملع َّية، ّ وقال ال ُّدكتور �أبو القا�سم �سعد اهلل ـ متحدِّ ًثا عن الأ�ستاذ وكان قبلها ال ي�ستقبل �أحدً ا ،ف�أخذ عنه القراءات الأربعة ع�شر حم َّمد بن عبد اهلل املغربي مدير جملة «دعوة احلقّ » ـ« :وقد َّ وال�شيخ عبد العزيز �أخذ عن ال ُّنعيمي احلديث ،وقد ذكر حفيده �أبدى �إعجابه ببع�ض علمائنا �أمثال َّ ال�شيخ �أحمد ح َّماين... ب�أ َّنه لقي الع َّالمة الألباين :و�أجازه. وال�شيخ املهدي البوعبديلَّ ... َّ وال�شيخ نعيم ال ُّنعيمي (الذي عرفه وملَّا عاد من رحلته الأخرية بعد اال�ستقالل عينِّ مفت ًِّ�شا عا ًّما ()21 لتبحره يف علوم الفقه والأخبار» . قبل وفاته) ُّ بوزارة ُّ ال�ش�ؤون الدِّ ين َّية بق�سنطينة و�أحوازها. َّ ملا ارت�أى الب�شري الإبراهيمي تو�سيع دائرة جلنة الإفتاء؛ وم َّثل اجلزائر يف م�ؤمترات دول َّية: ال�شهور القمرية يف اختاره مع خم�سة من امل�شائخ وو�صفهم فقال« :من العلماء امل�شهود يف ( )1963امل�ؤمتر الإ�سالمي لبدايات ُّ َّ ( )18وهو الكتاين. تون�س ،وق َّدم فيه بح ًثا. ( )19يعني َّ ال�شيخ نف�سه ،وهو حمقٌّ ،ف�إ َّنه كما يقال« :مل ير مثل نف�سه». (� )16أخربين بذلك الأ�ستاذ حم َّمد العربي حرز اهلل وقد �شهد ذلك وعاي�شه. (« )17جملة الأ�صالة» (�ص( )46العدد.)16
40
(�« )20آثار الإبراهيمي» ( 219/2ـ .)220 (« )21جتارب يف الأدب وال ّرحلة» (�ص� )221سعد اهلل.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
مل يرتك ال ُّنعيمي م�ؤ َّلفات تتنا�سب مع علمه من حيث كرثتها الن�شغاله بتخريج ال ِّرجال عن �إخراج امل�ص َّنفات ،فقد عاجلته املن َّية فحالت بينه وبني ما كان ي� ِّؤمله من كتابة مذ ِّكراته وحتقيق ما كان ينوي من املخطوطات. وعرف من �آثاره ما يلي: ال�صدى» نظم رائق على طريقة «1ـ «نظم قطر ال َّندى وب ّل َّ الأ َّولني من ( )478بيت ،انتهى منه يف ( ،)1929وهو يف الع�شرين من عمره ،رجز َ�س ِل�س ال ح�شو فيه وال انك�سار وال ا�ضطرار. 2ـ مقطوعات �شعر َّية وق�صائد مبعرثة بني �أوراقه ودفاتره.
ح�سبتكم ال�شم املقادمي يف اجللى تعدون �صعب الأمر عندكم �سهال وها حيـن جـ َّد الـجـ ُّد قــلتم ب�أ َّن ـن ـ ــا دهينا وا�سق ـيـنا على �ضم ــا م ــهال �إىل �أن قال: �أيعجزكم ت�صغـ ــري دار وبابهــا ومن ملعان الربق �أمرهما �أجلى وعهدي بكم �أزكى �شباب عرفته بـه ر�سـمت َّ لل�شعب خطته املثلى م�ضارب �أمثال �إذا ما مررمتـوا بجو ميـيت العقل �أحييتم العقال مبجهودكم تغدو اجلزائر حرة ()25 بكم ت�سرتد العز واملجد والنبال
سير األعالم
لهم ب�سعة ِّ االطالع ،وح�سن الإدراك حلوادث هذا الع�صر ...وك ٌّل كان :حا�ضر ال ُّنكتة� ،سريع البديهة ،ف�صيح ال ِّل�سان ،رزين بالذكاء وا�ستح�ضار ال َّنوازل وبالرباعة يف تنزيل القول ،ال مي ُّل له حديث يف اجلدِّ والهزل ،دائم ال َّتحينُّ للفر�ص منهم م�شهور َّ كي يربط الو�سائل باملقا�صد ويذ ِّكر َّ ال�شباب بالعبء امللقى على الأحكام َّ ال�شرع َّية على ال َّنوازل الفقه َّية»(.)22 ال�صرف يف ت�صغري كواهلهم؛ فمنها �أ َّنه و�ضع لط َّالبه امتحا ًنا يف َّ «دار وباب وكتاب» فا�ست�شكلوا ذلك فقال على البديهة: آثاره:
3ـ حما�ضرات حول املعركة الإ�صالح َّية يف العامل الإ�سالمي ويف اجلزائر ودرو�س يف التَّف�سري �ألقاها على طبقة كل َّية الآداب بجامعة ق�سنطينة. وفاته: 4ـ الأبحاث ا َّلتي ق َّدمها �إىل امل�ؤمترات الإ�سالم َّية ا َّلتي ح�ضرها. م�سجلة ِّ بخط يده على هوام�ش الكتب 5ـ مقتطفات وتعليقات َّ كان ال ي�أبه بنف�سه وال يعتني بها حتَّى تعاورته الأمرا�ض املطبوعة �أو املخطوطة.)23(»... ف�أقعدته ومل تزل به حتَّى وافته املن َّية �سنة (1973م) يف ق�سنطينة ودفن بها و�شهد جنازته �أ َّمة من ال َّنا�س ال يح�صون كرثة. طرائفه: ممن رثاه َّ ال�شاعر حم َّمد عا�شور( )26بق�صيدة منها: وقد رثاه َّ ر�أين���ا ب���ه �ش���هو ًقا ال ي�ض���اهى ونو ًرا ي�ست�ضيء به َّ ال�شبـاب ً كان َّ مما ميازح به ال�شيخ ظري ًفا منب�سطا ذا دعابة ،فكان َّ وركـنـ���ا للـعـلـ���وم بـ���ه تـجل���ت حقائ����ق كان ي�س��ت�رها حجاب جل�ساءه على مائدة َّ الطعام �إن�شاده: ومنطيق���ا لـ���ه الأدب املـ���روى جهـ ـ���ورا ال ميل ل���ه خطــاب حب مكركـب ي�سـ َّمى الك�سـكـ�س وخري ما يف �شرقنا يلتم�س ّ ونبـع ـ���ا ق ـ���د تكاثـ���ر واردوه ولكن غي�ض وانت�صر ال�سراب ()24 �أ�ص���يل يف العروب���ة بانت�س���اب له العربية الف�صحى انت�ساب ال�صباح وامل�سا ومن يزد عليهما فقد �أ�سا وقهوتان يف َّ ـ ومن طرائفه �أ َّنه كان يف مه َّمة تفتي�ش ،وكان معه ابنه فه���ل غ���اب النعيم���ي فينا حقا وتن�ساه الع�شرية وال�صحاب �إىل �أن قال: ال�صغري فن�سيه يف باتنة وارحتل �إىل بلد �آخر حتَّى �أخرب بعد ذلك َّ فنم يف اخللد والرحمات ترتى ومن رب الــوج ــود لـ ـكــم ثواب فتذ َّكره و�أتوه به. رحمه اهلل فقد عا�ش حميدً ا ومات فقيدً ا. (�« )22آثار الإبراهيمي» (.)309/5 (« )23جملة الأ�صالة» (�ص( )49العدد.)16 (� )24أي �أ�ساء� ،أن�شدين البيتني ابن �أخيه م�صطفى ال ُّنعيمي �أم َّد اهلل يف عمره.
(« )25ال ُّن�صو�ص الأدب َّية» (.)436/4 ( )26من �شعراء �سيدي خالد.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
41
أخبار التراث
ٌ م��س��أل��ة يف والي��ة
أم�������ور ا لـمسلمني
واحل��ك��م ب��ي��ن��ه��م
()1
�أجاب عنها: �شي ُخ الإ�سالم ُ ابن تيمية (ت728هـ) قر�أها وع ّلق عليها:
ع ـ ّمــار تـم ـ ــال ــت
باحث مبركز امللك في�صل للبحوث والدرا�سات الإ�سالمية بالريا�ض
هذه م�س�ألة فقه َّية ،ونازلة ق�ضائ َّيةَّ ، خطها يرا ُع �إما ٍم من �أئ َّمة مل من علمائهم؛ بل هو من كبار العلماء ،وجهابذة امل�سلمني ،وعا ٍ املف�سرين الفقهاء ،و ُن َّقاد املحدِّثني وا ُ حل َّفاظ ،وبق َّية املجتهدين ،وهو ِّ �شيخ الإ�سالم ابن تيم َّية احل َّراين الدِّم�شقي. و�سبب كتابة هذه ال ِّر�سالة �س� ٌؤال ُرفِع �إليه من �أحد ال ُوالة ،ي�ستف�س ُر ُ فيه عن �أحكام الوالية على الق�ضاء ،ا َّلتي هي من �أه ِّم الواليات الدِّين َّية، و�أرفع املنا�صب َّ ال�شرع َّية؛ فكتب �شيخ الإ�سالم هذه ال ِّر�سالة اجلواب َّية، و�شحنها بالأد َّلة َّ ال�شرع َّية ،والقواعد الفقه َّية ،وال َّن�صائح الإميان َّية ،وتلك عاد ُته :يف كتابة �أجوبته ،يجمع بني العلم والعمل ،وبني العقل َّ وال�شرع، فح َّبذا �أن يت� َّأ�سى به يف ذلك املُفتون ،ويقتدي به العلماء وامل�صلحون. و�إ َّن �أوىل ال َّنا�س بقراءة هذه ال ِّر�سالة :من �أهَّله اهلل للعمل يف من�صب الق�ضاء واحلكم بني ال َّنا�س ،من ال ُق�ضاة ،واملُحامون ،واملُح ِّققون يف اجلرائم أم�س ال َّنا�س حاج ًة �إىل ال َّتز ُّود بالأد َّلة واملخالفات ،ف�إ َّنهم و َّفقهم اهلل من � ِّ َّ ال�شرع َّية ،والقواعد الفقه َّية ،وال َّتقوى والأ�س�س الإميان َّية ،فبها يعرفون َّ خا�صة يف هذا الع�صر ا َّلذي كرثت احلق من الباطلِّ ، وال�صد َق من الكذبَّ ، وعجت ،وانت�شرت فيه �سبل َّ وجمت ،ن�س�أل اهلل �أن يرينا ال�شيطان َّ فيه الفنت َّ احلق ح ًّقا ويرزقنا ا ِّتباعَه ،وير َينا الباط َل باط ً َّ ال ويرزقنا اجتنا َبه.
( )1العنوان من عندي.
42
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
َّ
أخبار التراث
وم�ؤ ِّلف هذه ال ِّر�سالة هو� :شيخ الإ�سالم ،الإمام ،احلافظ� ،إبراهيم بن عبدال َّرحمن بن علي بن حامت بن حم َّمد بن عمر تقي الدِّ ين �أبو الع َّبا�س �أحمد ابن يو�سف بن �أحمد بن حم َّمد بن احل َّبال الأن�صاري احل َّراين العاملِّ ، املف�سر ،الفقيه ،املجتهدُّ ، ال�سالم ابن تيم َّية احل َّراين الدِّ م�شقي .احلنبلي ،وكان ُ ن�سخه �إ َّياها يف �أواخر القرن ال َّثامن الهجري. ابن عبداحلليم بن عبد َّ ُولد بح َّران من قرى َّ ال�شام �سنة (661هـ) ،و�سافر به �أبوه و�أقاربه �إىل دم�شق �سنة (667هـ) عند جور التَّتار ا َّلذين غزوا َّ ال�شام. ن�ص ال ِّر�سالة: وهذا ُّ وتع َّلم يف �سنٍّ م َب ِّكرة ،فقر�أ القر�آن ،و�سمع احلديثَّ ،ثم �أقبل على الفقه ودقائقه وقواعده وحججه ،وقر�أ بق َّية العلوم ونهل منها ﭑﭒﭓ وزهد خوف وتقوى و�إخال�صٍ ، وا�ستفاد من دقائقها ،ك ُّل ذلك مع ٍ وورع ووجل ،وتعظيم حلرمات اهلل. �س�أل ُ بع�ض الوالة من والة الأمور �شيخَ الإ�سالم �أبا الع َّبا�س وكان :جمدِّ دًا يف ع�صره ب�شهادة كثري من العلماء ،فقد رفع �أحمدَ بنَ تيم َّية احل َّراين � Çأن يبينِّ َ له َ �سبيل حكم الوالية َ وال�ض َ اجلهل َّ الل ا َّلذي �أ�صابهم يف عقيدتهم ،وبينَّ لهم عن ال َّنا�س قواعد َّ يكتب له على ِ ال�شرع املط َّهر ،ب�سبب ُت ْهم ٍة وقعت يف �سرقةِ ،ل َ بي Íو�أعادهم �إليه ،وجاهد ال�سلف َّ طريقَ َّ ال�صالح من �أتباع ال َّن ِّ �شي ًئا يف ذلك ،فكتب خمت�ص ًرا: � َ أهل الأهواء َّ وال�ضالل بل�سانه وقلمه ،وف َّند �شبها ِتهم ،وبينَّ �أخطا َءهم رب العاملني ،و�أ�شهد �أن ال �إله �إ َّال اهلل وحده ال احلمد هلل ِّ ال�صالح ،ف�س َّلم له الكث ُري منهم ،و�أذعنوا ال�سلف َّ وخمالفاتهم ملنهج َّ �شريك له ،و�أ�شه ُد �أنَّ حم َّمدً ا عبدُه ور�سو ُله� ،ص َّلى اهلل عليه وعلى لكالمه ،وتركوا �آرا َءهم و�أهوا َءهم ،وكت ُبه ا َّلتي َّ �سطرها يف عقيدة �آله و�س َّلم ت�سلي ًما. ال�سلف خ ُري �شاهد على هديه القومي ،وعلمه ال َّر�صني. َّ ُ أف�ضل � من امل�سلمني أمور � ة والي أعظم واجبات الدِّ ين ،و� ِ ِ وكتب :يف �سائر العلوم ،كالتَّف�سري ا َّلذي كان له فيه القدم َ رب العاملني� ،إذا اجتهدَ ال�صاحلني ،و�أعلى ال ُق ُربات �إىل ِّ �أعمال َّ ال َّرا�سخة ،والفقه ا َّلذي �أبان فيه عن علمه واجتهاده ،واحلديث العدل وال َ و ُّ وال�س َّنة ،وحت َّرى َ إن�صاف، يل �أمرهم يف ا ِّتباع الكتاب ُّ ا َّلذي ظهر فيه ُ حفظه و�إمامتُه. اجلهل ُّ نف�سا �إ َّال ُو ْ�س َعها. وجت َّن َب ُط ُر َق ِ والظ ِلم ،وال يك ِّل ُف اهلل ً فدونك �أ ُّيها القارىء الكر ُمي كتب هذا الإمام وم�ؤ َّلفاته ،ف�إ َّنها «�س ْب َع ٌة يُظِ ُّلهُم اهلل فيِ ظِ ِّل ِه َيو َم َال ظِ َّل �إِ َّال بي َ :Í قال ال َّن ُّ ال�سلف، مي�سرة ،يح ُّفها ال َّدليل من الكتاب ُّ وال�سنة وكالم َّ �سهلة َّ ظِ ُّلهُ� :إِمَا ٌم عَاد ٌِلَ ،و َ�ش ٌّاب َن َ�ش َ�أ فيِ عِ َبا َد ِة اهلل َ ،yو َر ُج ٌل َق ْل ُب ُه ُم َع َّل ٌق فاحر�ص عليها ،و�أَ ِد ْم ال�صدور وينري العقول، وترى فيها ما ي�شفي ُّ ْ َ بِامل َ ْ�سجِ دِ �إِ َذا َخ َر َج مِ ْن ُه َح َّتى َي ُعو َد �إِل ْيهَِ ،و َر ُج َ النِ حَ َ تا َّبا فيِ اهلل املطالع َة فيها وا�ستخراج فوائدها. ا ِْج َت َم َعا َعلَى َذل َِك َو َت َف َّر َقا َعلَ ْيهَِ ،و َر ُج ٌل َذ َك َر َ اهلل َخا ِل ًيا َف َف َ ا�ضتْ توفيِّ �شيخ الإ�سالم ابن تيم َّية بدم�شق �سنة 728هـ ،وكانت َع ْي َناهَُ ،و َر ُج ٌل َد َع ْته ِْام َر�أَ ٌة َذ ُات َم ْن َ�صبٍ َو َج َمالٍ َف َقا َل� :إِنيِّ �أَ َخ ُ اف جنازتُه م�شهود ًة ،اجتمع لها � ُ أهل دم�شق ،وكان فيها الأمراء َ اهلل َر َّب ال َعالمَ ِ َ نيَ ،و َر ُج ٌل َت َ�ص َّد َق ب َِ�ص َد َق ٍة َف�أَ ْخ َفاهَا َح َّتى َال َت ْعلَ َم والعلماء والق�ضاة ،حتَّى قيل� :إنَّ بع�ض �أعيان �أهل الكتاب تبعوا «ال�صحيحني»(.)1 �شِ َما ُل ُه مَا ُت ْنف ُِق مَيِي ُنهُ»� ،أخرجاه يف َّ وال�صدِّ يقني جنازته ،رحمه اهلل و�أ�سكنه ف�سيح ج َّناته مع ال َّنب ِّيني ِّ َ العادل. إمام بي Íال َ فانظر كيف ق َّدم ال َّن ُّ ُّ وال�صاحلني وح�سن �أولئك رفي ًقا. وال�شهداء َّ ويف احلديثَ « :ي ْو ٌم مِ نْ �إِمَا ٍم عَادِلٍ �أَ ْف َ�ض ُل مِ نْ عِ َبا َد ِة �سِ ِّت َ ني ـ ُ ً َّ وهذه ال ِّر�سالة ـ التي مل ُي�س َبق لها �أن طبعت ـ وجدتُ لها ن�سخة �أو�َ :س ْب ِع َ ني ـ َ�س َن ًة»(.)2 ال�سليمان َّية برتكيا ،تبد�أ فيه ال ِّر�سالة م�ص َّور ًة من جمموع باملكتبة ُّ ( )1البخاري ( ،660وموا�ضع �أخرى) ،وم�سلم (.)1031 ال�صفحة (�148أ)ُ .كتبت ( )2حديث �ضعيف ،ومعناه م�شهور� ,أخرجه َّ الطرباين يف «املعجم الكبري» (/337/11 ال�صفحة (145ب) وتنتهي �إىل َّ من َّ رقم )11932 :والبيهقي ( )162/8وغريهما ،من حديث ابن ع َّبا�س ,È ٍّ بخط ن�سخي بيد نا�سخها ونا�سخ املجموع :حممد بن مو�سى ابن وقد خرج طر َقه الإمام ال�سخاوي يف «تخريج �أحاديث العادلني» ( 117ـ .)123 َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
43
أخبار التراث
بي � Íأ َّنه قال« :امل ُ ْق�سِ ُطو َن ويف احلديث َّ ال�صحيح عن ال َّن ِّ ني ال َّرح َم ِنَ ،و ِك ْل َتا َي َد ْي ِه ي ِ عِ ْن َد اهلل َعلَى َم َنا ِب َر مِ نْ ُنو ٍر َعنْ مَ ِ َ ي ٌ ني ،ا َّلذِ َ ين َي ْعدِ ُلو َن فيِ ُح ْكمِ ِه ْم َو�أهْ لِي ِه ْم َومَا َو ُلوا» ،رواه مَ ِ م�سلم( )3من حديث عبداهلل بن عمرو. ووالي ُة ُّ ال�ش ْر َطة واحلرب :من الواليات الدِّ ين َّية واملنا�صب َّ وال�س َّنة والعدل والإن�صاف ،ولها ال�شرع َّية ،املبن َّية على الكتاب ُّ قوانني �ص َّنف العلما ُء فيها م�ص َّنفات ،كما �ص َّنفوا يف والية الق�ضاء ،ف�إنَّ وا َ يل احلرب يقيم احلدو َد َّ ال�شرع َّية على الزَّاين َّعزيرات َّ وال�سارق َّ ال�شرع ّي َة على َمن ويقيم الت ِ وال�شارب ونح ِوهمُ ، َّ ويحكم بني ال َّنا�س يف املُخا�صمات وامل�ضاربات، ت َع َّدى حدو َد اهلل، ُ عاقب يف ال ُّت َهم املتع ِّلقة بال ُّنفو�س والأموال ،و َين�صِ ُب ال ُع َرفا َء و ُي ُ ا َّلذين َير َفعون �إليه �أم َر الأ�سواق ،وا ُ ا�س ا َّلذين ُيع ِّرفو َنه �أمو َر حل َّر َ امل�ساكن وغ ِري ذلك من م�صالح امل�سلمني ،وك ُّل هذه الأمور من الأمور َّ وال�س َّن ُة. ال�شرع َّية ا َّلتي جاء بها ُ الكتاب ُّ ي َط ُروا «حدٌّ ُي َقا ُم فيِ الأَ ْر ِ�ض َخيرْ ٌ مِ نْ �أَ ْن مُ ْ بي َ :Í قال ال َّن ُّ �أَ ْر َب ِع َ احا»(.)4 ني َ�ص َب ً بي َ « :Íمنْ َحا َلتْ َ�ش َفا َع ُت ُه دُو َن َح ٍّد مِ نْ ُحدُو ِد اهلل وقال ال َّن ُّ َف َق ْد َ�ضا َّد َ اهلل فيِ �أَ ْم ِرهَِ ،و َمنْ َقا َل فيِ م ُْ�سل ٍِم مَا َل ْي َ�س فِي ِه ُح ِب َ�س فيِ َر ْد َغ ِة ا َ ا�ص َم فيِ بَاطِ لٍ َوهُ َو خل َبالِ (َ )5ح َّتى َي ْخ ُر َج ممِ َّ ا َقا َلَ ،و َمنْ َخ َ َي ْعلَ ُم مَ ْ ل َي َز ْل فيِ َ�س َخ ِط اهلل َح َّتى َين ِزعَ» رواه �أبو داود(.)6 العقوبات بي Íوخلفا�ؤه ال َّرا�شدون يقيمون ِ فكان ال َّن ُّ َّ ال�شرع َّي َة ،و ُيع ِّرفون ال ُع َرفاء( ،)7و ُين ِّقبون ال ُّن َقباء( ،)8ويحكمون بني ال َّنا�س يف احلدود واحلقوق. فقد جعل اهلل ِّ لكل �شيءٍ قد ًرا؛ ف�إذا ا َّدعى ال َّر ُ جل على �آخر �أ َّنه باعه �أو �أَ ْق َر َ�ضه �أو نحو ذلك من العقود ،مل يكن يف ذلك عقوب ٌة، َ أقام املُ َّد ِعي ب ِّين ًة ،و�إ َّال ُح ِّل َف املُ َّد َعى عليه ،و�إذا َ حلف برى َء بل �إن � َ (�« )3صحيح م�سلم» (.)1827 ( )4حديث ح�سن� ,أخرجه الإمام �أحمد يف «م�سنده» ( )8738وال َّن�سائي ()4908 وابن ماجه ( )2538وغريهم ،من حديث �أبي هريرة ,Çوقد خ َّرج طر َقه وح�سنه َّ «ال�صحيحة» (.)231 ال�شيخ الألباين يف َّ َّ ( )5هي ُع�صارة �أهل ال َّنار كما جاء تف�سريها يف حديث �آخر. «ال�صحيحة» (.)438 (�« )6سنن �أبي داود» ( ,)3597وهو �صحيح خم َّرج يف َّ ( )7جمع عريف ،وهو الق ِّيم ب�أمور القبيلة �أو اجلماعة من ال َّنا�س ،يلي �أمو َرهم ،ويتع َّرف الأم ُري منه �أحوا َلهم« .ال ِّنهاية» البن الأثري (.)218/3 ( )8جمع نقيب :وهو كالعريف على القوم ،املقدَّم عليهم ،ا َّلذي يتع َّرف �أخبا َرهم ،و ُين ِّقب عن �أحوالهم« .ل�سان العرب» (ن ق ب).
44
يف َّ ي�شهد عليه. الظاهر ،وكان املُ َّد ِعي هو املُ َف ِّر َط حيث مل ْ وقد جرت العاد ُة ب�أنَّ ما كان فيه �شهاداتٌ وتعدي ٌل و�إثباتٌ فمرج ُعه �إىل ال ُق�ضاة. و�إميا ٌن ِ و�أ َّما ال ُّت َهم ،فهو ما �إذا ُق ِتل قتي ٌل ال ُيع َر ُف قات ُله� ،أو ُ�س ِرق ما ٌل وجه �آخر ،ف�إ َّنه لو ُح ِّل َف ال ُيع َر ُف �سار ُقه، فاحلكم يف هذا على ٍ ُ و�س ِّي َب �ضاعت الدِّ ما ُء وال ُ أموال ،وكذلك لو ُك ِّل َف املُ َّد ِعي املُ َّت َه ُم ُ وال�سارق ال ُ َ َ أحد. القاتل بالب ِّينة ،ف�إنَّ يفعل ذلك غال ًبا ُق َّد َام � ٍ �صاحب ال َّدم واملال ُي�ض َر ُب ،لكان ولو كان ك ُّل من اتَّه َمه ُ ال�صاحلون و� ُ الب والتَّقوى والعلما ُء وامل�شايخُ والق�ضا ُة أهل رِ ِّ ُي�ض َر ُب َّ وعدوانٌ ،ف�إنَّ والأمرا ُء وك ُّل �أحد مبج َّرد دعوى املُ َّت َهم ،وهذا ظل ٌم ُ زال ُّ ُّ ُ الظ َلم ال ُي ُ االعتدال يف ذلك �أن ُيح َب َ�س املُ َّت َه ُم بالظلم ،بل ُعلم براءتُه. ا َّلذي مل ت ْ فقد روى َب ْه ُز بنُ َحكيم عن �أبيه عن جدِّ ه� :أ َّن ر�سول اهلل Í َح َب َ�س يف ُتهمةٍ»(.)9 أتباعهم من �أ�صحاب وهذا حديثٌ ثابتٌ ،فقد عمل به الأئ َّم ُة و� ُ �أبي حنيفة ومالك َّ وال�شافعي والإمام �أحمد بن حنبل وغريهم. َّثم ُي َ نظ ُر يف املُ َّت َهم :ف�إن ُع ِرف قبل ذلك ب�سرق ٍة� ،أو قامت �أماراتٌ تقت�ضي �أن يكون قد �سرق ،فقد َّ ري من العلماء رخ َ�ص كث ٌ يف �ضربه حتَّى َي َ بال�سرقة. عرتف َّ بي �َ Íس َّل َم �إِلىَ وقد روى ُّ البخاري يف «�صحيحه»(�« :)10أَ َّن ال َّن َّ ال ُّز َبيرْ ِ ْب ِن ال َع َّوا ِّم َر ُج ً ال ِل ُي َعا ِق َب ُه َعلَى مَالٍ ا ُّت ِه َم ِب ِك ْت َما ِن ِه َح َّتى ا ِْعترَ َ َف بمِ َ َكا ِن ِه». ا�س لذلك املُ َّت َه ِم ب�أ َّنه من �أهل ال ِّثقة والأمانة ،مل و�إن �شهد ال َّن ُ بيح ذلك. ُ ُباح عقوبتُه بال �سبب ُي ُ يجزْ �أن ت َ بي Íقالِ « :ا ْد َر�ؤوا ا ُ حلدُو َد ب ُّ ِال�ش ُبهَاتِ َ ،ف�إِ َّن الإِمَا َم ف�إنَّ ال َّن َّ �أَ ْن يُخطِ ى َء فيِ ا ْل َع ْف ِو َخيرْ ٌ مِ نْ �أَ ْن ُي ْخطِ ى َء فيِ ا ْل ُع ُقو َبةِ» رواه �أبو داود(.)11 و�أكرث ما ُيف َع ُل مبن يكونُ هكذا �أن ُي�ضمنَ عليه و ُي َح َّلف الأميانَ َّ ال�شرعي َة على نفي ما ا ُّد ِع َي عليه. ( )9حديث ح�سن �أخرجه �أبو داود ( )3630والرتمذي ( )1417وال َّن�سائي (.)4880 (� )10صحيح البخاري ( ،)2730وقد ع َّلقه الإمام البخاري هنا ،وو�صله �أبو داود ( ,)3006انظر« :البداية وال ِّنهاية» ( ,)301/6و«فتح الباري» (.)387/5 ( )11بل �أخرجه رِّ التمذي ( )1424من حديث عائ�شة .áوهو �ضعيف ,انظر: «�إرواء الغليل» (.)25/8
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
(� )12سنن �أبي داود ( ،)4382وهو ح�سن الإ�سناد ,قال �أبو داود عقبه �« :مَّإنا �أرهبهم بهذا القول� ،أي ال يجب َّ ال�ضرب �إ َّال بعد االعرتاف». (� )13أخرجه �أبو داود ( ,)3628وال َّن�سائي ( ,)4693و�أحمد ( ،)17946من حديث َّ وح�سنه يف «الإرواء» (.)259/5 ال�شريد بن �سويد ال َّثقفي َّ . Ç (� )14أخرجه البخاري ( ,)2287وم�سلم ( ،)1564من حديث �أبي هريرة . Ç (� )15أي :ذو جاهٍ. (� )16أخرجه �أبو عبيد يف «الأموال» ( ،)8وابن �سعد يف َّ «الطبقات» ( ،)182/3انظر «البداية وال ِّنهاية» (.)269/5
يجب على الوايل �إذا ثبت �أنَّ ال َّرجل قد �سرق ما مقدا ُره رب ُع فلهذا ُ يجب قط ُع يده. دينار ،وهو نحو خم�سة دراهم بهذه ال َّدراهم ،ف�إ َّنه ُ وال يح ُّل ت�أخ ُريه لغري عذر. أحد �أن ي�شف َع �إليه يف ذلك. وال يح ُّل ل ٍ وال يح ُّل له َق ُ بول َّ ال�شفاعة. ال�س َ بل قد جاء يف احلديث�« :إِ َذا َبلَ َغتِ ا ُ لطا َن َفلَ َع َن حلدُو ُد ُّ اهلل َّ ال�شا ِف َع وامل ُ َ�ش َّف َع»(.)18 أكتب للأمري ـ �أح�سن اهلل �إليه و�سوف �إن �شاء اهلل تعاىل � ُ ـ �شي ًئا جام ًعا ،ف�إنَّ وايل احلرب قد كان يف هذه البلدة ـ يعني دم�شق ـ االفتخا َر( ،)19وكان عند ال َّنا�س من �أولياء اهلل تعاىل ،وقد قا�ض ُيقال له ال َّرفيع( ،)20وكان من �أعداء اهلل تعاىل، كان عندهم ٍ ِل ُيع َل َم �أنَّ االعتبار يف احلمد َّ والذ ِّم وال َّثواب والعقاب يف جميع وال�س َّنة ،وحت ِّري الواليات بطاعة اهلل ور�سوله ،وا ِّتباع الكتاب ُّ العدل والإن�صاف ،واهلل �أعلم. نقلتُها من ِّ خط الإمام �شم�س الدِّ ين حم َّمد بن املُ ِح ِّب(،)21 وقال :نقلتُها من ِّ خط احل�سني بن �إبراهيم بن �أحمد بن ُ�س َو ْيح ابن عمر بن �إبراهيم بن الدِّ م�شقي ن�س ًبا ال َب ْكري ِخ ْرق ًة. رب العاملني ،و�ص َّلى اهلل على �س ِّيدنا حم َّمد و�آله واحلمد هلل ِّ و�صحبه و�س َّلم ت�سلي ًما.
أخبار التراث
وقد روى �أبو داود يف «�سننه»(� :)12أنَّ َق ْو ًما َجا�ؤُوا �إىل ال ُّنعمان َ يعرتف به، ابن ب�شري فقالوا� :إنَّ هذا �سرق لنا ما ًال فا�ضر ْبه حتَّى ِ فقال�« :إن �شئتُم �ضربتُه ،ف�إن ظهر ما ُلكم عنده ،و�إ َّال �أخذتُ من ظهوركم مثل ما �أخذتُ من ظهره» فقالوا :هذا ق�ضا�ؤك؟ فقال: «هذا ق�ضا ُء اهلل ور�سوله». و�إذا ُع ِرف �أنَّ ال َّرجل عنده ما ٌل يجب عليه �أدا�ؤُه� ،إ َّما َد ْينٌ قد ُر على وفائه وقد امتنع من الوفاء ،و�إ َّما وديع ٌة �أو عا ِر َّي ٌة ،و�إ َّما َي ِ ال�سلطان ا َّلذي يجب عليه ما ٌل �سر َقه �أو غ�صبه �أو خانه من مال ُّ دف ُعه� ،أو من مال الوقف �أو اليتيم� ،أو من مال ُم َو ِّكله �أو �شريكه �أو نحو ذلك ،ف�إذا ُع ِرف �أ َّنه قاد ٌر على �أداء املال وهو ممُ ْ َت ِن ٌع ف�إ َّنه ُي�ض َر ُب م َّر ًة بعد م َّرة حتَّى ي�ؤ ِّد َيه. بي « :Íليَ ُّ الوَاجِ د يُحِ ُّل عِ ْر َ�ضه َو ُع ُقو َب َتهُ»(.)13 قال ال َّن ُّ ال َّل ُّي :ا َمل ْط ُل ،والواجدُ :القادر. بي « :Íم َْط ُل ال َغن ِِّي ُظ ْل ٌم»(.)14 وقال ال َّن ُّ وهذا �أ�ص ٌل م َّت َف ٌق عليه بني العلماء� :أنَّ من ترك الواجبات ف�إ َّنه ُيعا َق ُب حتَّى يفع َلها ،ومن ارتكب ا ُ حل ُرمات عوقب على ركو ِبها، و�أدا ُء احلقوق �إىل �أ�صحابها من الواجبات. لكن هذا �إذا َ عرف �أنَّ احلقَّ عنده ،ف�أ َّما مع التُّه َمة ف ُي َف َّر ُق والفجار ،وقد جعل اهلل ِّ لكل �شيءٍ قد ًرا ،و�إن مل ْ يفعل بني الأبرار َّ الوايل ذلك و�إ َّال تناق�ضت �أحكا ُمه ،فقد يكون املُ َّت َه ُم ُمت ََج ِّوهً ا(،)15 عاقب له �أهل الأمانة �أو َي�شف ُع �إليه فيه ذو َق ْدرٍ ،فيحتاج �أن ُي َ وال�صالح ،وك ُّل هذا ُعدوانٌ ،و� مَّإنا ُ حكم بني العدل �أن ُي َ ِّ وال�صدق َّ وال�ضعيفَّ ، ال َّنا�س ُحك ًما واحدً اُ ،ي َ�س َّوى فيه بني القويِّ َّ وال�شريف والو�ضيع ،بح�سب قدرته وطاقته. ال�صدِّ يق ر�ضي اهلل عنه و�أر�ضاه ملَّا تولىَّ �« :أ ُّيها قال �أبو بكر ِّ عيف عندي حتَّى � َ ال�ض ُ القوي فيكم َّ آخذ منه احلقَّ ، ال َّنا�س! ُّ القوي عندي حتَّى � َ وال�ض ُ َّ آخذ له احلقَّ ،ف�أطيعوين ما عيف فيكم ُّ �أطعتُ اهلل ،ف�إذا ع�صيتُ اهلل فال طاع َة يل عليكم»(.)16
بي �« :Íإِ مَّ َ نا َهلَ َك َمنْ َكا َن َق ْبلَ ُك ْم �أَ َّن ُه ْم َكا ُنوا �إِ َذا وقال ال َّن ُّ َ�س َر َق فِي ِه ُم َّ ال�ضع ُ ال�شر ُ ِيف َت َر ُكوهَُ ،و ِ�إ َذا َ�س َر َق فِي ِه ُم َّ ِيف �أَ َقامُوا َعلَ ْي ِه ا َ حلدََّ ،وا َّلذِ ي َن ْف�سِ ي ِب َيدِ ِه َل ْو �أَ َّن َفاطِ َم َة ِبنْتَ محَ َ َّمدٍ َ�س َر َقتْ «ال�صحيحني»(.)17 َل َق َط ْعتُ َي َدهَا» �أخرجاه يف َّ
كتبه حم َّمد بن احل َّبال الأن�صاري احل َّراين ،عفا اهلل عنهم ولطف بهم وبامل�سلمني� ،آمني ( )17البخاري ( ,)3475وم�سلم ( ،)1688من حديث عائ�شة .á َّ «املوط�أ» ( ،)835/2وانظر« :فتح الباري» ( )18هو من قول الزُّبري كما يف (.)90/12 ( )19افتخار الدِّ ين ،وا�سمه� :أياز ،كان وايل دم�شق ،و�أ�ضيف �إليه ال َّنظر يف امل�ساجد �سنة 660هـ .انظر« :الوايف بالوفيات» (.)258/9 ( )20هو رفيع الدِّ ين عبدالعزيز بن عبدالواحد اجليلي ,انظر« :البداية وال ِّنهاية» (.)250/17 املحب ( )21هو احلافظ �شم�س الدِّ ين �أبو عبداهلل حم َّمد بن عبداهلل بن �أحمد بن ِّ ال�صامت (ت 789هـ) ،كان مكرث ًا من كتابة م�ؤ َّلفات ابن تيم َّية ،وهو �صاحب َّ ي�سر اهلل خروجه. كتاب «�صفات ِّ رب العاملني» ا َّلذي �أعمل على حتقيقهَّ ،
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
45
في واحة اللغة واألدب 46
الدفلى َّ مشارق األنوار على َم َثل َّ والن َّوار اجلزء الثاني :كتاب املعاني حممد بو�سالمة اجلزائر
اعلم �أنَّ ِّ مقامات تنا�سبه ,وبقدر املنا�سبة واالرتباط مثل ٍ لكل ٍ ال�سامعني بني املثل واملقام يكون الوقع يف ال ُّنفو�س ,في�أخذ املثل من َّ م�أخذه وك�أ َّنه ما قيل �إ َّال يف ذلك املو�ضع. قوما من �أهل بلدنا بلغوا الغاية يف مراعاة ما ولقد ر�أيت ً ذكرناه مع غزارة حفظهم للأمثال ,بل يحفظون يف الباب الواحد �أمثا ًال كثري ًة ,ولقد ا�ستمليت بع�ضهم ما ا�ستملحته من جواهر الأمثال �إ َّال �أ َّنني مل �أكن يف ذلك من �أهل احلزم فكان حقَّ املقام �أن نعقد جمال�س للإمالء على طريقة املحدِّ ثني ,ولقد ندمت على ذلك ندامة الك�سعي ملَّا طلع ال َّنهار ,والفرزدق ملَّا ط َّلق َن َوار. وقد م�ضى على ذلك زمنٌ طويل وال �أدري ما ُفعل بهمَّ , ولعل املن َّية قد �ضربت فيهم ِّ بحظها فماتوا وماتت معهم �أخبارهم ونوادرهم, وهكذا تذهب ال ِّرجال حيث تجُ هل �أقدا ُرهم وك�أن مل يكونوا ,وربمَّ ا �أكون يف هذا َّ ال�ش�أن قد جريت على طريقة قومي يف جتاهل �أقدار ال ِّرجال الكبار ف�إذا ماتوا قلت :كانوا وكانوا ,ولقد كان من عادة قومي تعليق عراجني التَّمر يف �أعناق الأموات ا َّلذين حرموا لذاذة التَّمر �إذ كانوا �أحيا ًء ,و�إ َّنهم ليفهمون ك َّل الفهم َ املثل القائل« :كي كان حي م�شتاق مترة وكي مات ع ّلقولوا عرجون». فعجب �أن ترى ال َّرجل اجلليل فينا ميوت قبل �أن و�إن تعجب ٌ ميوت ,و�إنَّ كث ًريا من ا َّلذين ماتوا قبل �أن ميوتوا كانوا على عك�س �شجرة الدِّ فلى؛ ظواهرهم حقري ٌة ونفو�سهم كبرية ,ولو �أعارتهم الدِّ فلى نوارها الكتمل لهم َّ ال�شرف ,و�أق َّر لهم اجلاحد واعرتف, �إذ �أنَّ زمنهم زمن املظاهر ,و�أكرث هذه املظاهر ي�ص ُّح �أن يقال فيه« :ما يعجبك نوار الدِّ فلى يف الواد عاملة ّ الظاليل».
غري �أنَّ �أن�سب املواطن لهذا املثل هو مقام ِخطبة ال ِّن�ساء؛ ف�إنَّ ال َّرجل اخلاطب ي�سمعه من � ِّأمه �أو �أخيه �أو �صديقه ,ف�صار هذا اخلطبة من م�ألوف العادات ,وما ير�سل بهذا املثل املثل يف �أ َّيام ِ �إ َّال تخوي ًفا ملن يجعل ف�ضائل ال ِّن�ساء حم�صوره ،يف القدود وح�سن ال�صوره وال �شيء بعد ذلك ,فينزجر عن هذا َّ الطي�ش وي�أخذ يف ُّ ال�صورة �إىل جمال ال َّنف�س ومكارمها. ال َّنظر بعد جمال ُّ ت�صريح واعلم �أنَّ احلكيم قد �ش َّبه �شي ًئا ب�شيءٍ من غري ٍ ال�س ِّيئة اخللق كالدِّ فلى بالتَّ�شبيه فك�أ َّنه قال� :إنَّ املر�أة احل�سناء َّ اجلميلة املنظر اخلبيثة املذاق. ف�إذا علمت هذا فاعلم �أنَّ هذا ال َّنوع ي�س َّمى عند �أهل البالغة بالتَّ�شبيه ِّ ال�ضمني ,وهو ت�شبي ٌه ال يكون فيه امل�ش َّبه وامل�ش َّبه به ال�صورة املعروفة ا َّلتي �أ�شار �إليها عبد ال َّرحمن الأخ�ضري على ُّ اجلزائري يف «اجلوهر املكنون» بقوله: �أمرين يف معنى بـ�آلة �أت ْ ْ ـاك ا�شرتاك ت�شبيهنا داللة على وطرفاه فاتَّبع �سـبل ال َّنجاه �أركـ ــانــه �أرب ـعــة وجـ ــه �أداه ال�صراحة ,بل فلي�س فيه �شي ٌء من هذه الأركان على وجه َّ ملحا ،ومنه قول املتن َِّبي: ُيل َمح ذلك يف الكالم ً مـن يهن ي�سهل الهوان عـليـه مــا لـجـرح بــم ِّيــت �إيـالم وهذا � مَّإنا ي�ؤتى به برها ًنا على �إمكان ما ُذ ِكر ,فاملعنى امل�أخوذ من هذا البيت :من هانت نف�سه ومردت على ذلك؛ �سهل عليها حت ُّمل الهوان ,وذلك لأنَّ نف�سه قد مات فيها ُّ ال�شعور بالإباء وعزَّة ال َّنف�س ،وك�أنَّ َّ ال�شاعر يقول :لي�س هذا ادِّعا ًء باط ًال ف�إنَّ �ش�أن هذا ال َّرجل ك�ش�أن امل ِّيت ال ي�شعر ب�أمل اجلراح ولو طعن �ألف طعنة,
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
وال َّنا�س كال َّنبت فمنه رائ ٌق
ٌّ ري عوده م ُّر اجلنى غ�ض نـ�ض ٌ
وال َّ �شك �أنَّ املذكور يف املثل حقٌّ ,ف�إنَّ كث ًريا من ال ِّن�ساء قد بلغن الغاية يف احل�سن حتَّى ي�سبق �إىل الوهم �أنَّ َّ حظها من جمال ال َّنف�س واخللق ِّ كحظها من جمال الوجه واجل�سم فينخدع لها العا�شق� ,إذ �أ�صيبت مقاتله ِّ �سهم را�شق ,حتَّى �إذا �سلك يف بكل ٍ ِطالبها ك َّل حيلهْ ,وظفر بها لنف�سه حليلهْ ,ونال منها ما ا�شتهى, وبلغ من غايته املنتهى ,وت�ش َّوفت نف�سه �إىل ما وراء احل�سن َّ نف�سا قبيح ًة وخل ًقا كري ًها فين ُكد عليه عي�شه, الظاهري وجد ً ال�سعادة �إ َّال �شي ًئا ي�س ًريا �ساعة امل�ضاجعة َّثم وال يجد من معاين َّ ال�شهوه وتبقى َّ تزول َّ ال�صباحه ,فال ال�شقوه ,وتُن�سيه القباحه تلك َّ تُبقي له دي ًنا �إ َّال �أالنته ,وال رح ًما �إ َّال مزَّقته ,وال ولدً ا �إ َّال �أف�سدته, وكم جنت هذه الدِّ فلى على كث ٍري من ال ِّرجال ,ولقد َع ِلق رج ٌل من �أ�صحابنا امر�أ ًة و�ضيئ ًة ,وقد كان يذكر من جمالها ما يغ ِّيب العقول وتلطف يف ذلك �أيمَّ ا ُّ ف�أعمل احليلة يف الو�صول �إليهاَّ , تلطف حتَّى ال�شعبي« :ك ّل َّ خطاب َّ �أمكنه احلال فخطبها ,ويف املثل َّ رطاب» َّثم ح َّدثني بعد ذلك �أ َّنه ر�أى منها �أ�شياء تنادي عليها برذالة ال َّنف�س, فقلت له« :يل يحب ّ ال�شباح ما يقول �آح»َّ ,ثم بعد �أن َّمت له امل�أمول ونكد العي�ش ومل حت�صل الألفة ,وافرتقا على �أ�سوء �ساءت الع�شرة ِ الأحوال ,ونعوذ باهلل من �سوء املنقلب ,ولوال االنخداع َّ بالظاهر ملا وقع ما وقع ,و�إنَّ االنخداع َّ ق�صة الإن�سان, للظاهر خط�أٌ قدمي يف َّ ال�سالم ـ بظاهر �إبلي�س �إذ وذلك ما كان من انخداع �آدم ـ عليه َّ بدَ ا له يف ثوب ال َّنا�صحني ,ومن املعلوم �أنَّ �سبب هبوط �آدم ـ عليه
وانظر ـ �أ ُّيها الفطن ـ �إىل هذه املنا�سبة بني ما ح َّدثتك من ال�سالم ـ وما جرى على ذ ِّر َّيته من بعده ,ف�إذا �ش�أن �آدم ـ عليه َّ رجعنا بهذه املعاين �إىل ما ك َّنا ب�صدده وجدنا املر�أة من �أعظم املظاهر اخل َّداعة التي تفتك بالرجال فتهلكهم كما تهلك الدِّ فلى طاعمها املغرور بح�سنها. واعلم �أنَّ احلكيم � مَّإنا اختار �شجرة الدِّ فلى لعلمه بهذه َّ ال�شجرة ظاه ًرا وباط ًنا. و�إنيِّ حمدِّ ثك عن هذه َّ ال�شجرة لتعلم وجه املنا�سبة يف هذا الباب ,ولمِ َ اختارها �صاحب املثل دون غريها. اعلم �أنَّ الدِّ فلى �شجر ٌة به َّي ُة املنظر ذات �أزها ٍر بديعة الألوان؛ فمنها الأحمر والأبي�ض وغري ذلك ,وحينما تن ِّور �أغ�صانها ينبعث زكي يتع َّبق منه الهواء ,ولذا يغر�سها �أهل املدن يف منها عرف ٌّ يجملون بها مناظر املدينة ـ ,وخ�شبها احلدائق و�ساحات العمران ـ ِّ من �أطوع اخل�شب ,ولهذا كان �ص َّناع املغازل يف بلدنا ي�صنعون من ال�صوف, خ�شبها �أفالك املغازل وال َّنواعري لفتل احلرير وغزل ُّ وهي مع جمالها ُم َّرة املذاق خبيث ُة املطعم. ولها منافع ذكرها �أهل ِّ الط ِّب ,وقد ذكرها قدماء �أط َّباء بلدنا منهمَّ : الطبيب احلاذق عبد ال َّر َّزاق بن حمادو�ش ,وغريهم من
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
في واحة اللغة واألدب
واملعنى امل�أخوذ من املثل على هذه َّ الطريقة؛ �إنَّ املر�أة احل�سناء القبيحة الأخالق لتغ ّر ال َّرجل بجمالها حتَّى تورده موارد الهالك, فهالكه يف جمالها ,وك�أنَّ احلكيم يقول :لي�س هذا ادِّعا ًء باط ًال ف�إنَّ �ش�أن هذه املر�أة ك�ش�أن الدِّ فلى ف�إ َّنها به َّية املنظر بديعة احل�سن غري �أنَّ من رام مذاقتها اغرتا ًرا بح�سنها ف�إ َّنه ال يجني �سوى خبث املطعم �أو تلف املهجة ,فكلتاهما جميلة َّ الظاهر قبيحة الباطن ,وهذا م�سلك لطيف جرت عليه �أ�ساليب البلغاء ,وت�شبيه ال َّنا�س مع ح�سن املنظر ُمب ِّر ال َّنبات يف باب التَّحذير من االنخداع َّ للظاهر �شائ ٌع عند �أهل احلكمة والأدب ,وهو من ِح َك ِم ال ُّدريدية, وفيها يقول ابن دريد:
ال�سالم ـ �إىل الأر�ض هو �أكله من َّ ال�شجرة ا َّلتي نهي عنها ,فلو قال َّ قائ ٌل� :إنَّ �سبب هبوطه هو االغرتار َّ بالظاهر ا َّلذي كان ُيخفي وراءه كل �ش ٍّر ملا �أبعد ,ولكان بحقيقة الأمور �أ�سعد ,لكونه َّ َّ اطلع على ع َّلة الع َّلة ,وال َّ �شك �أنَّ اغرتاره بظاهر احلال من �إبلي�س كان �أ�سبق من �أكل َّ ال�شجرة ,ونظري هذا ما ذكروه يف طرد �إبلي�س ولعنه ,فاملعلوم ال�سجود لآدم ,ولقد ذكروا �أنَّ �أ�صل ذلك ك ُربه� ,إذ لو مل �أ َّنه ت ْرك ُّ ي�ستكرب ل�سجد كما �سجد من هو �أف�ضل منه ,فالكرب ع َّلة ع َّلته و�شاهده يف التَّنزيل ,وبع�ضهم يذكر يف هذا الباب ح�سده لآدم. فانظر ـ �أ ُّيها ال َّلبيب ـ كيف �أخرج الإن�سانَ اعتبا ُر َّ الظاهر دون ال�سعادة �إىل ال�شقاء ,فجرت هذه ال َّنظر يف حقيقة الأمور من َّ ال�س َّنة يف ولد �آدم من بعده. ُّ فك ُّل من اتَّبع َّ الظاهر �إعجا ًبا به دون ال َّنظر يف حقائق الأمور ال�سعادة �إىل َّ ال�شقاء فيغدو بعد وما ترجع �إليه �أخرجه ذلك من َّ �صحته علي ًال ,ولن جتد ل�س َّنة اهلل تبدي ًال. عزِّ ه ذلي ًال ,وبعد َّ
47
في واحة اللغة واألدب 48
�أط َّباء امل�سلمني ,غري �أ َّنهم مل ي�ستعملوها يف ظ ِّني �إ َّال فيما كان من الأوجاع َّ الظاهر َّية واجلروح اخلارج َّية؛ لأ َّنها من ال َّنبات القتَّال, ال�سموم ,وك ُّل البهائم تعافها ,وعليه فال يجوز �أكلها و�س ُّمها من �أخبث ُّ وال اال�ستياك بعودها ملا ف َّهمتك من �أمرها ,قال �صاحب «املراقي»: والـحـكم مــا ب ــه ي ـجــيء ال َّـ�شر ُع و�أ�صـ ــل كـ ـ ِّـل م ـ ــا يـ�ضـ ـ ُّر الـمـنـ ُع �سعوطا ِّ ولقد كان �أهل اجلزائر يتَّخذون منها ً معط ً�سا يجعلون فيه الك ُّمون َّثم ِّ ال�صداع. يعط�سون به ِّ ال�صبيان و�أ�صحاب ُّ وما ذكرته لك عن هذه َّ ال�شجرة � مَّإنا يجري على مقت�ضى حكمة اهلل يف اخللق ,فالب َّد َّ لل�شيء املكروه �أن ي�شتمل وجوده على باب وا�سع مطلبه يف خ ٍري ٍ بوجه من الوجوه وكذا العك�س ,وهذا ٌ علم العقائد ,ولقد �سمعت بع�ض �أرباب املحا�ضرات يذكر حديث: «�إِ َذا َو َق َع ُّ اب ِيف �إِ َنا ِء �أَ َحدِ ُكم َفل َي ْغمِ ْ�س ُه ُث َّم ل َي ْنز ِْع ُه َف ِ�إ َّن ِيف الذ َب ُ اح ْي ِه دَا ًء َو ِيف ال َآخ ِر �شِ َفا ًء» ،فذهب فيه على غري طريقة �أَ َحدِ َج َن َ �شطط من القول مبا حا�صله التَّ�شكيك يف الفقهاءَّ ,ثم رجع بعد ٍ ثبوت احلديث ا َّلذي رواه �أمري امل�ؤمنني يف احلديث ,و�أجمع ال َّنا�س �صحته ,وك�أ َّنه مل يخطر على قلبه �أنْ يخلق اهلل �شي ًئا فيه ال َّداء على َّ وال َّدواء ,وال �سيما �إذا كان هذا اخللق هو ال ُّذبابَّ ,ثم �إ َّنه ظنَّ على ما بدا �أنَّ �إثبات هذا احلديث يف ع�صر العلوم الكون َّية واالكت�شافات العلم َّية فيه ت�سهي ٌل على َّ يوما بـنـورها الطاعنني يف الإ�سالم ,وكم ُر َّدت ن�صو�ص �إذا مـا ر�أيت ال ـ ّدفــل ً �صحيحة مبثل هذه ُّ وهو رطيب الظنون ,وكم اتُّهم العقل الربيء ب�أ َّنه ال يقبل فال يغرر ْنك الغ�صن ْ وال املر�أة احل�سناء �إن كنت را�شدً ا هذا املعنى �أو �أ َّنه يحيل ذاك املفهوم ,وما هو �إ َّال ظل ٌم للعقل ولو �أُ َ �إذا لـم تـكـن مـنـها الـفعال تطيب ال�صحيح ,ولقد �أخربنا ال�صحيح ملا ُر َّد حديث روي يف َّ عمل العقل َّ احل ْذ ِر وا�سمع مقالتي �أط َّباء ال َّن�صارى �أ َّنهم ي�ستخرجون بع�ض الأدوية من �سموم احل َّيات فكن منهما يف ِ فـ�إ َّنـك �إن ل ــم تــ�ست ـمــع ل�سل ــيب والعقارب ف�ص َّدقناهم َّثم ج َّربنا ذلك فوجدناه ناف ًعاَّ ,ثم هم اليوم ي�ستخرجون بع�ض املراهم من احل�شرات احلقرية� ,أولي�س ا َّلذي ولو �ألقيت هذه املعاين ا َّلتي ا�شتمل عليها ا َمل َثل �إىل �أ�صحاب جعل ال َّداء وال َّدواء يف احل َّيات ا َّلتي هي �ش ٌّر من ال ُّذباب بقاد ٍر على الأراجيز؛ لتباروا يف نظمها وك�أنيِّ بهم �إذ طاف بي طائف �أن يجعل ذلك يف ال ُّذباب؟! بلى وهو اخل َّالق العليم. اخليال يف �سوق عكاظ ،وقد جل�س لهم �شيخهم العجاج ليحكم ال�صادق امل�صدوق بقول الأط َّباء؛ ف�إنَّ بينهم فيما هم فيه يرجتزون ،وقد ثار لعراكهم ال َعجاج بني يدي ول�ست �أ�ستظهر لقول َّ العجاج ،فما راعهم �إ َّال اقتحامي جمعهم و�أنا �أقول: حج ٌة بنف�سه غري �أنَّ احلقَّ قد يقوى وي�ضعف باعتبار ما ّ الوحي َّ يقوم بال ُّنفو�س� ،أ َّما هو يف نف�سه فال يزال قو ًّيا متي ًنا ،وك ُّل هذا �إذا ر�أيـت نـور دفـلـى فـي ظـلـ ْـل ا�ستطراد ،و�أح�سب �أ َّنه قد الح لك منه ما بني احل�سناء القبيحة وغــ�ص ـنـها بـبـرد حـ�سـن ا�شـتـم ْـل
الأخالق والدِّ فلى من متام امل�شابهة ،و�إنَّ �صاحب املثل قد �أح�سن يف املقابلة بينهما. و� مَّإنا ق َّيد الدِّ فلى بكونها يف الوادي؛ لأنَّ منبتها يكرث يف الأودية ،ولإ َّنها �أجمل ما تكون �إذا كانت بالوادي. فحقَّ لهذه ال ُّد َّرة �أن ُت ْن َظ َم يف �سموط غرر الق�صائد ،و�أن َّ حتل من نحورها َّ حمل القالئد ،و�أن تتباهى بها ُّ ال�شعراء ،ال�سيما من كان ي َّدعي معرفة �أحوال ال ِّن�ساء. ولقد كان علقمة الفحل ب�ص ًريا بطباع ال ِّن�ساء ،كما ذكر عن نف�سه يف ق�صيدته «طحا بك قلب» حيث قال: فـ�إن تـ�س�ألـوين بال ِّن ــ�سـ ـ ــاء ف�إ َّنني ب�ص ـ ـيـ ٌر ب ـ�أدواء الـ ـ ِّنـ�سـاء طـبيب �إذا �شاب ر�أ�س الـمـرء �أو َّ قل ماله ف ـلــي�س لـ ــه مــن و ِّدهـ ــنَّ نـ�صـيب يــردن ثراء الـم ــال حـ ـيـث علمنه و�شرخ َّ ال�شباب عـنـدهــنَّ عـجـيب ولو �ألقيت يف ُروعه هذه ال ُّد َّرة؛ َل َن َظ َمها يف �سمط ق�صيدته، وجلعلها من حكمة �شعره. ولو كان يل حكم يف ق�صيدة علقمة؛ لزدت على �أبياته املذكورة ناظ ًما ملعاين احلكمة فقلت:
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
في واحة اللغة واألدب
ْ الع�سل فـال تـظـنَّ طـعمها طعم بـل �سـ ُّم ـهـا فـي حـ�سنـها وكم ْ قتل ومـثـلـهـا �أ�صاح ع ـنــد مــن ْ عقل حـ�سـنـاء �شــان ح�سنها قبح ْ العمل �ألب�سها اجلمال من �أبهى ْ احللل ح ـتَّـى بـدت ك ـق ـمـر قــد اكـت ـ ـ ْ ـمل فـ�شـغـفـت قـلـب الـمـتـ َّيـم فـ ـ ْ ـزل ولي�س بعد �أن غوى جتدي ْ احليل فـلـم يـنـل مـن ح�سنها �إ َّال ْ العلل فـطــال �سـقـمـه وقــد ط ــال ال ْ أمل فكن من الدِّ فلى ومنها يف ْ وجل وا�ضرب لها من �شجر الدِّفلى املث ْل ولقد �أفحمت بها ك َّل مفلق من �أ�صحاب الأراجيز. مغربي ونحن �أوىل به ،وك�أنيِّ ببع�ض ال ُّر َّجاز املهره، فاملثل ٌّ لمَ َّا �سمع م ِّني ما َب َه َره ،قد خامر قلبه داء احل�سد ،فكاد ي�سطو علي االنتحال؛ ف�أن�شدته يف احلال مبا علي �سطوة �أ�سدَّ ،ثم ا َّدعى َّ َّ �أده�ش العقول وعلى ل�سانه �أقول: قد كنت ده ًرا يف املعاين �أرتقي ومـن بحــار الأدب ــاء �أ�س ـت ـقـ ــي وقد جرت خيلي ب�شتَّى ُّ رق الط ِ بـيــن ُكـ َمـ ْيـت وجـ ــواد �أب ـ ـ ـلـ ِـق بال�س ِبق حـتَّـى �أتــى اجلــزائـري ُّ مـن خـيـلـه وقـبـل ذا لــم � ُأ�س ـ َب ِـق البارق ف ـجـا بـح ـكـ ـمــة كـمـ ــاء ِ املحرق ال�صدي من �صداه يروى ِ َّ قد خفيت عن ِّ كل فحل مـفل ِـق �صادق فا�سمع مـقـا ًال م ــن حكيم ِ وا�سـلـك بـه يف �أو�ضـح َّ رائق الط ِ و�إنَّ كث ًريا من ال َّنا�س ترت َّكب يف �أذهانهم �أقي�سة نتائجها واعـلـم بـه خـبـي ـ ـئـة الـحـقـ ــائـ ـ ِـق مبن َّية على مقدِّ مات فا�سدة. ـورق �إذا بـدت دف ـ ـ ـلــى بـ َنـ ْو ٍر مـ ـ ِ فال َّنظر يف املقدِّ مات هو �س ُّر ال َّنتائج ،وينبغي �أن يكون هذا ـمرونق وظ ـل ـل ــت ب ـغــ�ص ـ ـن ـهــا ال ِ فـكن كـمن م ــن الأف ــاعي يتقى قاعدة يف حياة الإن�سان. �شك �أنَّ اجلمال يف ال ِّن�ساء مطلوب ،بل يف ِّ وال َّ ف ــ�س ـمـها فـي عرفــها الـمـ ـع ـب ـ ِـق كل �شيء،
لل�صب ال�شقي كذلك احل�سنـاء ّ ـرق �إذ خ ــدعـتـه بالـمحيا الـم ــ�شـ ِ و ُمـقـلـة مـن �أ�سـرهـ ــا ل ــم ُيـعـت ِـق ولـو ر�أى �أف ـع ــالـه ــا لــم ي ـعــ�شـ ِـق وهذا عود من اخليال �إىل احلقيقة وم�شي يف �أقوم طريقة؛ لئ َّال ي�أخذين ما �أخذ �أبا العالء املع ِّري يف «ر�سالة الغفران». وال َّ �شك �أنَّ املر�أة اجلميلة ا َّلتي هي يف جن�س ال ِّن�ساء كالدِّ فلى يف جن�س الأ�شجار من �أعظم َّ ملذات احلياة� ،أو هي �أعظم ،حتَّى ال�سعادة عينها فيرت َّكب يف ذهنه قيا�س �إ َّنه ليخ َّيل لل َّرجل �أ َّنها هي َّ م�س َّل ُم املقدِّ مات لديه؛ فتلزمه ال َّنتيجة فيقول :هذه امر�أة جميلة ال�سعادةُ ،ينتج «هذه جتلب ال�سعادة» بعد �إلغاء وك ُّل جميلة جتلب َّ احلدِّ الأو�سط املك َّرر يف املقدِّ متني على طريقة املناطقة غري �أ َّنه حاد عن �شروطهم ،و� مَّإنا يقي�س هذا القي�س من نظر بعني امرئ حب � ِّأم ال َّرباب وعنيزه. القي�س ،حني �أفقده �صوابه وم ْيزهُّ ، وعليه فيجب �إبطال هذا القيا�س بالقدح يف بع�ض مقدِّ ماته وهي ال َّثانية يف رَّ التكيب ،ويقال لها «الكربى» عند �أهل املنطق ال�سعادة» هذه املقدِّ مة كاذبة؛ لأنَّ فنقول :قوله« :وك ُّل جميلة جتلب َّ احل�س قد �أثبت �أنَّ كث ًريا من ال ِّن�سوة املالح قد جلنب َّ ال�شقاء على َّ �أزواجهنَّ ،وهذا �شائع يف العرب والعجم وال مكابرة يف حم�سو�س، فانهدمت هذه الكل َّية ا َّلتي ُبني عليها القيا�س؛ فبطلت ال َّنتيجة. وهكذا يفعل ِّ بكل نتيجة يطلب �إبطالها؛ لأنَّ الت�سليم يف املقدِّ مات واملجادلة يف ال َّنتائج لي�س من ِ�ش َيم العقالء. «ال�س َّلم املنورق»: قال الع َّالمة الأخ�ضري يف ُّ ور ِّتــب الـمـقدِّ م ـ ــات وانـ ـظ ـ ــرا �صحــيحـ ـهـا مـ ــن فا�سد خمتربا ـات ف ـ�إنَّ الزم الـ ـم ـ ـق ـ ــدِّ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ بـ ـحـ ــ�س ـ ــب الـ ـ ــمقـ ـ ــدِّ مـ ــات � ِآت
49
في واحة اللغة واألدب 50
ويف احلديث�« :إِ َّن َ جل َما َل» ،وهذا عا ٌّم يف ِّ اهلل َجمِ ٌ يل يُحِ ُّب ا َ كل �شيء جميل. وتتو�سم فيه واعلم �أنَّ ح�سن ُّ ال�صورة قد ت�أن�س به ال ُّنفو�س َّ ال�سرية ،وذلك �شيء ُجبل عليه ال َّنا�س حتَّى �إنَّ املليح �إذا ح�سن ِّ َبدَ َر منه ما ي�سوء �شفع له ح�سنه ،ويف املعنى يقول َّ ال�شاعر: و�إذا الـمليح �أتى بذنب واحد جاءت حما�سنه ب�ألف �شفيع وا�ست�صحب له ال َّنا�س ذلك َّ الظاهر على حدِّ قول علي ابن حزم َّ الظاهري: �أمل تر �أين ظـ ــاهــري و�أنـَّنــي على ما بدا حتَّى يقـوم دلي ــل وظاهر َّية ه�ؤالء ت�شبه ظاهر َّية ابن حزم يف �إلغاء املعاين وال ّدالالت املعتمِ دة على القرائن والإ�شارات ،ولهذا قال علما�ؤنا: بالظاهر من �أهل َّ �إنَّ الفقهاء �أ�سعد َّ الظاهر؛ لأ َّنهم �أعملوا َّ كل ما د َّلت عليه الألفاظ من املطابقة وغريها من ال ّدالالت والإمياءات امل�أخوذة من الألفاظ ،وقد �صارت بذلك من جملة َّ الظاهر ا َّلذي َّم�سك به ،وهذه مناق�شة ال يتَّ�سع لها هذا املو�ضع ،و� مَّإنا يجب الت ُّ دعا �إىل ما ذكرناه الكالم عن ا ِّتباع َّ الظاهر دون اعتبار دالئل �أخرى ،والق�صد �أ َّنه خط�أ يف ِّ كل �ش�أن. غري �أنَّ اخلط�أ يف �ش�أن ال ِّن�ساء مرتعه وخيم يحاذره ال َّلبيب وي�شفق منه على ِّ كل حبيب ،ولقد �أ�شفق اخلليل على ولده �إ�سماعيل ال�سالم ـ من �صحبة امر�أة �ساءت منها خ�صا ٌل؛ �إذ كانت ـ عليهما َّ ت�شكو �شكاية ي�ؤو�س قنوط ،ال يرى ِن َع َم اهلل وال ِن َع َم ال َّنا�س عليه؛ ال�سرت على بيت ف�أمره بفراقها ولو �أ َّنها �صربت و�أرخت ُ�سدول ِّ زوجها لكان خ ًريا لها. وال َّ نبي اهلل �إ�سماعيل ـ عليه �شك �أنَّ هذه املر�أة قد � َ أعج َب ْت َّ ال�سالم ـ غري �أنَّ اخلليل ـ عليه ال�سالم ـ نظر �إىل ما وراء ا ُ حل�سن. وكم يف ن�ساء زماننا من امر�أة هي �أ�ش ُّد �شك ًوا من امر�أة �إ�سماعيل و� ْأهتَك �سرتًا. رجل ولرب ٍ و�إنَّ هذا ال َّنوع من ال ِّن�ساء � مَّإنا يعي�ش لنف�سهَّ ، كان ي� ِّؤمل يف امر�أته ما لي�س عندها ،وبعد �أن لبث يف �صحبتها ال�صحبة �صفقة ع ُم ًرا �أدرك �أ َّنها مل تع�ش �إ َّال لنف�سها ،و�أنَّ تلك ُّ َخ�سِ َر فيها الفائدة ،بل خ�سر ر�أ�س املال ،وما �أحوج ال َّداخلني لهذه ال�سوق �أن ي�ستح�ضروا قول املجدوب :: ُّ
يــا داخ ـ ـلــو رد ب ــالـ ـ ــك �سوق ال ِّن�سا �سوق مطيار ويخ�س ُروك يف را�س مــالك يـورول ــك الــربح قنـطــار ْ ولقد زدت على َب ْيتَي املجدوب ناظ ًما ملعاين املثل احلكيم فقلت: وحدو هالك يــاك نــوار الـدِّ فلى غ َّرار والزِّ ين غ ْري ْ ولــي فـ ـهــم را ُه �س ــال ـ ــك الزِّ يـن يــاك مــا يبـني دار ف�إذا قر�أت الأبيات جمي ًعا على َن َ�س ٍق واحد انتظم لك ال َّلفظ واملعنى ،وك�أ َّنها جمي ًعا لقائل واحد. واعلم �أنَّ اخلطاب يف املثل هو ِّ لكل من له مدخل يف هذا َّ ال�ش�أن ،وعليه ف�ضمري اخلطاب هنا خار ٌج عن �أ�صله يف ال ّداللة على معينَّ ،وهذا �أ�سلوب معروف عند العرب يف مثل هذه املوا�ضع، وذلك لأنَّ البليغ تار ًة يريد ُّ ال�شمول ،لك َّنه ال يريد �أن ت�ضيع فائدة اخلطاب حيث ي�شعر ك ّل �سامع �أ َّنه معني باخلطاب ،فيح�سن موقع الكالم يف ال ُّنفو�س ،فيح�صل ما �أراده من العموم ب�ألفاظ تد ُّل بو�ضعها على اخل�صو�ص ،ولهذا ع َّده بع�ض البيان ِّيني من املجاز. ونظري هذا قول الواعظ: «تبارز مبع�صيتك مالك نا�صيتك ،وجترتئ بقبح �سريتك على عامل �سريرتك». وقد جرى التَّنزيل احلكيم على هذا يف موا�ضع كثرية ،و�إليه الإ�شارة يف قول عبد ال َّرحمن الأخ�ضري اجلزائري يف «جوهره»: والأ�صل يف املخاطب التَّعيني والـ َّتــرك للـ ُّـ�شـم ــول مـ�ستبني واحلديث عن املر�أة وحما�سنها ومقابحها قد �أكرث فيه الكتاب ،وغر�ضنا هنا مق�صور على �شرح املثل ،ولو جرينا وراء مراميه َّ بي َ « :Íف ْ اظ َف ْر ل�شط بنا امل�سري ،وجماع ذلك قول ال َّن ِّ ِّين َت ِر َبتْ َيد َ َاك». ب َذاتِ الد ِ هذا ما �صاده اخلاطر وق َّيدته امل�ساطر من معاين املثل ،وقد �أوثقت لك م�صيدها يف كتابني �أحدهما للمباين والآخر للمعاين، �ضممت الأ َّول لل َّثاين �صارا لك كتا ًبا واحدا ،جتد فيه �ضرو ًبا ف�إذا َ من العلم والأدب واحلكمة ،وربمَّ ا خرج بنا �صيد الأوابد وتت ُّبع ال�شوارد �إىل بع�ض اال�ستطراد ،وذلك �ش�أن ّ َّ الطراد ،وقد جمعت لك يف هذه َّ الطريقه ،بني اخليال واحلقيقه ،ومزجت اجل َّد ببع�ض الهزل ،وجعلت ذلك من و�شي الغزْ ل ،وقد وجلت موالج يكرث فيها العثار ،و�سلكت مهي ًعا تز ُّل فيه اخلطى وت�ض ُّل فيه القطا ،غري �أنيِّ �أ�ست�شفع خلطئه ب�صوابه ،ولزعاقه ب ِعذابه. وقد َّمت ما وعدناك به ،واحلمد هلل وبه �أ�ستعني.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
قال ابن الق ِّيم « ::و�إذا ت�أ َّملت مقاالت �أهل الباطل ر�أيتهم قد ك�سوها من العبارات وتخيرَّ وا لها من الألفاظ ال َّرائقة ما ي�سرع �إىل قبوله ُّ كل من لي�س له ب�صرية نافذة ،ـ و�أكرث اخللق لي�سمون �أعظم �أنواع الفجور ب�أ�سماء كذلك ـ ح َّتى �إ َّن َّ الفجار ُّ ال�سمع ومييل �إليها َّ الطبع». ال ينبو عنها َّ
عمر احلاج م�سعود
�إنَّ من �أعظم كيد َّ ال�شيطان ومكره وح َيه البن �آدم ت�سمي َة الأ�شياء املح َّرمة ب�أ�سماء ب َّراقة مزخرفة حت ُّبها ال ُّنفو�س وتَق َبلها، كما يف قوله تعاىل﴿ :ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ﴾ إبلي�س َّ ال�شجر َة ا َّلتي نهى اهلل �آدم عليه [\ ،]pف�س َّمى عد ُّو اهلل � ُ ال�سالم عنها �شجر َة اخللد تزيي ًنا لها وترغي ًبا فيها ،وهذا ـ كما َّ قال ابن الق ِّيم �« ::أ َّول املكر والكيد ومنه َورِث �أتباعه ت�سمي َة حتب ال ُّنفو�س م�س َّميا ِتها ،ف�س َّموا الأمور املح َّرمة بالأ�سماء ا َّلتي ُّ اخلمر � َّأم الأفراح ,و�س َّموا �أخاها ب ُل َقيمة ال َّراحة( ,)1و�س َّموا ال ِّربا ال�سلطانية ,و�س َّموا �أقبح ُّ الظلم باملعاملة ,و�س َّموا املكو�س باحلقوق ُّ الرب و�أفح�شه �شرع الدِّ يوان ,و�س َّموا �أبلغ الكفر وهو جحد �صفات ِّ تنزي ًها»(.)2 وقال اهلل تعاىل﴿ :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [\ ،]bقال ابنُ زيد :الزُّخرف: إبلي�س لآدم ما جاءه املُز َّين ،حيث ز َّين لهم هذا الغرور ،كما ز َّين � ُ ِبه وقا�سمه �إ َّنه ملن ال َّنا�صحني ،وقر�أ﴿ :ﮒﮓﮔﮕ﴾ [¦ ،]25 :قال :ذلك الزُّخرف( ،)3وقال ابن �سعدي�« :أي يز ِّين بع�ضهم لبع�ض الأم َر ا َّلذي يدعون �إليه من الباطل ،ويزخرفون له ( )1هو حلم اخلنزير. (�« )2إغاثة ال َّلهفان» ( 112 / 1ـ .)113 (« )3تف�سري َّ الطربي» (.)502/9
ال�سفهاء ،وينقاد العبارات حتَّى يجعلوه يف �أح�سن �صورة ،ليغ َّرت به ُّ له الأغبياء ا َّلذين ال يفهمون احلقائق ،وال يفقهون املعاين ،بل تعجبهم الألفاظ املزخرفة ،والعبارات املم َّوهة ،فيعتقدون احلقَّ باط ًال والباطل ح ًّقا»(.)4 ومن طرق �أهل البدع والباطل والف�ساد يف ترويج باطلهم و�س احلقِّ واخلري، و�ش ِّرهم ت�سميتُه ب�أ�سماء مزخرفة ,و� ُ إلبا�سه َل ُب َ و�إ َّال افت�ضح �أمرهم وانك�شف خبثهم وبارت جتارتُهم ،قال ابن الق ِّيم « ::و�إذا ت�أ َّملت مقاالت �أهل الباطل ر�أيتهم قد ك�سوها من العبارات وتخيرَّ وا لها من الألفاظ ال َّرائقة ما ي�سرع �إىل قبوله ك ُّل من لي�س له ب�صرية نافذة ،ـ و�أكرث اخللق كذلك ـ حتَّى �إنَّ ال�سمع َّ الفجار لي�س ُّمون �أعظم �أنواع الفجور ب�أ�سماء ال ينبو عنها َّ ()5 ومييل �إليها َّ الطبع» . فهذه قاعدة خبيثة يف التَّمويه والتَّلبي�سَ ،ورِثها � ُ أهل الباطل والفجور من �إبلي�س ،وا�ستعملوها يف �أبواب العقائد والعبادات وال�سيا�سات وغريها ،و�أمثلتُها كثرية� ،أذكر واملعامالت والعادات ِّ ن�صحا وتنبي ًها وحتذي ًرا. ما ت َّي�سر منها ً 1ـ ال َّتعطيل وال َّتحريف يف باب �أ�سماء اهلل yو�صفاته ،ا َّلذي ُ�سميه اجلهم َّية واملعتزلة والأ�شعر َّية تنزي ًها ،كما قال �إبراهيم ت ِّ اللقاين الأ�شعري يف «جوهرة التوحيد» ،وهي منظومة م�شهورة ومعت َمدة عند الأ�شاعرة:
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
ن � � � � � � � �ق � � � � � � ��ض ق � � � � � ��اع � � � � � ��دة إبليــــســيــــة
(« )4تي�سري الكرمي ال َّرحمن» ( 269ـ .)270 «ال�صواعق املر�سلة» ( 437/2ـ.)438 (َّ )5
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
51
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
ـ�ص �أوهـم ال ـتَّ�شبـ ـي ـهـا بي �« :Íإِ َّن الدُّ عَا َء هُ َو ال ِع َبا َد ُة ثم وك ُّل ن ـ ٍّ ﮒﮓ﴾ [\ ،]Çوقال ال َّن ُّ �أ ِّولـ ــه �أو ف ـ ـ ِّو�ض و ُرم تـ ـنــزيـ ـ ـ ـ َها قر�أ﴿ :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ أويل املذموم وهو التَّحريف ،ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾»(.)10 واملق�صود بال َّت�أويل يف كالمه ال َّت� ُ مثل ت�أويل ا�ستوى بـ :ا�ستوىل ،واليد بـ :ال ِّنعمة ،قال ابن الق ِّيم أعمال ِّ فت�أ َّمل كيف �س َّموا تلك ال َ احرتاما وتوق ًريا؟ ال�شرك َّي َة ً :يف نون َّيته: وهل هذا �إ َّال �سبي ٌل لي�ستَحوذوا على العوام ،ويز ِّينوا لهم الباطل �س َّميتم التَّـح َ ويو ِق ُعوهم يف ِّ ـريف تـ�أويـ ًال ك ـ ــذا ال�شرك و َي ْغمِ �سوهم يف َّ ال�ضاللة؟ َّثم �إذا �أنكر ال ّتـَ ـعـط ـ َ رب العاملني ـيل تـنـزي ًها هما لقبان عليهم نا�ص ٌح �أمنيٌ ،وقام بال َّدعوة �إىل توحيد اهلل ِّ وهذا ا َّلذي �س َّموه تنزي ًها «ا�س ٌم ح�سن على م�س ًّمى قبيح»( ،)6وعبادته وحده ال �شريك له� ،صاحوا عليه من ِّ جانب بقولهم: كل ٍ وال�صاحلني و َت ْنت ِق�صهم وال حترتمهم ،قال ال�س َّنة �إ ّنك تُبغ�ض الأولياء َّ وهو خالف احلقِّ ا َّلذي عليه الأئ َّم ُة الأربعة و�سائ ُر �أهل ُّ واجلماعة( ،)7حيث �إ َّنهم يثبتون هلل تعاىل ك َّل ما و�صف به نف�سه ابن الق ِّيم �« ::إن ج َّردت التَّوحيد بينهم قالوا تنقَّ�صت َجناب وال�صاحلني»(.)11 وو�صفه به ر�سوله ،Íوينزِّ هونه عن مماثلة خلقه تنزي ًها بال الأولياء َّ وقال حممود �شكري الألو�سي �« ::إنَّ من مكايد الغالة تعطيل وال حتريف ،عم ً ال بقوله تعاىل ﴿:ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ العوام يقولون� :إنَّ اال�ستغاثة بالأموات وندا َءهم املعطلون «ف�إ َّنهم ا َّلتي كادوا بها َّ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [\§] ،و�أ َّما ِّ ت�ص َّوروا �أنَّ الإثباتَ ي�ستلزم التَّ�شبيه ،فف ُّروا من الإثبات �إىل يف امله َّمات و�ش َّد ال ِّرحال لزيارة قبورهم وتقدميِ قرابينهم �إليها التَّعطيل تنزي ًها هلل عن م�شابهة املخلوقني بزعمهم ،لكن � َآل ونذورهم ،هو من عالمات حم َّبتهم والتَّق ُّرب بقربتهم ،ومن �أنكر ال�س ُرج عليها وبناء ت�شبيه �أ�سو�أ ،وهو التَّ�شبيه باملعدومات ،ذلك و�أبى ما هنالك ونهى عن زخرفتها و�إيقا ِد ُّ �أم ُرهم �إىل �أن وقعوا يف ٍ امل�ساجد عليها و َق ْ�ص ِد �أهلها يف طلب احلاجات وااللتجاء �إليها ال�صفات»(.)8 ف�إ َّنه ال ُيت�ص َّو ُر وجود ٍ ذات جم َّردة من جميع ِّ لل�صاحلني واملنكرين لكرامات وي�صدق فيهم قول ابن القيم « ::ولي�س جحودُهم �صفاته يف امله َّمات ،فهو من املبغ�ضني َّ ِ ِّ وال�صدِّ يقني»(.)12 الأولياء ِّ حجاب �سبحانه وحقائقَ �أ�سمائه يف احلقيقة تنزي ًها و� مَّإنا هو ٌ ممن يتعامل مع َّ ال�شياطني ال�ساحر والع َّراف والكاهن َّ 3ـ َّ حجاب ِّ ال�شرك والبدع ُ�ضرب عليهم فظ ُّنوه تنزي ًها كما ُ�ضرب ُ و َيخدُمهم وي�ستعني بهم ،وي�سعى يف الأر�ض ف�سادًا و�إف�سادًا، امل�ض َّلة َّ وال�شهوات املردية على قلوب �أ�صحابها و ُز ِّين لهم �سو ُء ال�صدور وما تخفيه وي َّد ِعي معرف َة الغيب والإخبا َر مبا ت ُِك ُّنه ُّ �أعمالهم فر�أوها ح�سنة»(.)9 َّ ال ُّنفو�س ،ي�س َّمى بـ«الطالب» �أي طالب القر�آن واحلقِّ والعلم وال�شفا َءَّ ، والط ُ زق والولدَ ِّ 2ـ دعا ُء املوتى و�س�ؤا ُلهم ال ِّر َ واف ي�سمى بـ«ال َّراقي» ،ـ وال ُّرقية م�شروعة ـ ،وهذا غاية واخلري ،وربمَّ ا َّ احرتاما وتوقريا اجلباه برتابها ،ي�س َّمى بقبورهم وتقبي ُلها وتعف ُري ِ ً ً التَّلبي�س ونهاية التَّدلي�س� ،إذ كيف ي�س َّمى كذلك املُ َ�شع ِو ُذ املف�س ُد ً َّ وتبجيال ،وهو يف احلقيقة �شرك و�ضاللة ،لأنه �صرف للعبادة يف الأر�ض ،ال َّداعي �إىل َّ ال�ش ِّر ،املُ َف ِّر ُق بني املرء وزوجه ،واملناز ُع لغري اهلل ،قال ﴿ :yﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ر َّبه يف �صفة من �صفاته؟ قال اهلل تعاىل﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ﴾ [\ ،]nوقال﴿ :ﭷ ﭸ ﭹﭺﭻﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ( )6قاله ابن الوزير يف «�إيثار احلقِّ » (.)180 ال�س َّنةال َّنبو َّية»البنتيمية(.)106/2 ()7انظر«التَّمهيد»البنعبدال ِّرب(«،)145/7منهاج ُّ ( )8قاله َّ ال�شيخ عبد املح�سن الع َّباد يف «قطف اجلنى الدَّاين» (.)20 ال�سالكني» (.)352/3 (« )9مدارج َّ
52
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾
[\ ،]fوقال:
﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
( )10رواه �أحمد ( ,)18386رِّ والتمذي ( )2969وقال« :حديث ح�سن �صحيح»، و�صححه الألباين يف «�صحيح اجلامع» (.)3407 َّ (« )11بدائع الفوائد» (.)275/2 (« )12غاية الأماين يف ال َّر ِّد على ال َّنبهاين» (.)54/1
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
و�صححه الألباين يف «الإرواء» (.)69/7 ( )13رواه �أحمد (َّ ،)9536 ( )14رواه البزَّار (َّ ,)3578 و�صححه الألباين يف والطرباين يف «الكبري» (َّ ,)15065 «ال�صحيحة» (.)2195 َّ و�صححه الألباين. ( )15رواه �أحمد ( ,)22900و�أبو داود (َّ ،)3688 ( )16رواه م�سلم (.)2003 ( )17رواه البخاري ( ،)4619وم�سلم (.)3032
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [\ ،]wوقال: بي َ « :Íمنْ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [\ ،]Çوقال ال َّن ُّ �أَ َتى َكاهِ ًنا �أَ ْو َع َّرا ًفا َف َ�ص َّد َق ُه بمِ َا َي ُق ُ ول َف َق ْد َك َف َر بمِ َا �أُ ْن ِز َل َعلَى َّ نْ َ َ َ ُ َُ َ ُ َ َ َ َ َ ()13 َ محُ َ َّمدٍ » ,وقال« :ل ْي َ�س مِ نا َم تطيرَّ َ �أ ْو تطيرِّ َ له �أ ْو تكهَّن �أ ْو ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ ،ففي �ضمن هذا الوعيد �أنَّ املرابي ُت ُكه َِّن َل ُه �أَ ْو َ�س َح َر �أَ ْو ُ�سحِ َر َلهُ»(.)14 حمارب هلل ور�سوله قد �آذنه اهلل بحربه ومل يجئ هذا الوعيد يف ٌ ُ وال�سعي يف الأر�ض بالف�ساد»(،)18 4ـ اخلمر �أ ُّم اخلبائث و�أ�صل الفواح�ش ،فيها �إث ٌم كبري و�ش ٌّر كبرية �سوى ال ِّربا وقطع الط ِّريق َّ م�ستطري ،قال اهلل تعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ لذا قال الإمام مالك �« ::إنيِّ ت�صفَّحت كتاب اهلل و�س َّنة نب ِّيه ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ فلم �أر �شي ًئا �أ�ش َّر من ال ِّربا؛ لأنَّ اهلل � َآذن فيه باحلرب»(.)19 ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ومع ِّ وتدلي�سا واحتيا ًال ـ فائد ًة كل هذا ي�س ِّميه قوم ـ متوي ًها ً ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [\ ،]aفاخلمر من وك�س ًبا ومنا ًء وتوف ًريا وا�ستثما ًرا ،وهذا من فعل اليهود املغ�ضوب عمل َّ ال�شيطان ،يح ُّبها ويح ِّببها ،ويدعو �إليها و ُيز ِّينها ،بل يوحي عليهم ا َّلذين احتالوا على احلرام ،قال اهلل تعاىل﴿ :ﮰ ﮱ ً �إىل �أوليائه تغي َري ا�سمِ ها ً ترويجا لها وتبديال حلكمها ،كما �أخرب ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ال�صادق امل�صدوق عليه َّ بذلك نب ُّينا َّ ال�صالة َّ وال�سالم يف قوله :ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾ ا�س مِ نْ �أُ َّمتِي الخْ َ ْم َر ُي َ�س ُّمو َنهَا ِب َغيرْ ِ ْا�سمِ هَا»(.)15 « َل َي ْ�ش َر َبنَّ َن ٌ [\`] ،قال ابن كثري :يف «تف�سريه»�« :أي �أنَّ اهلل قد رُ ُ أنواع من احليل وقد كثت �أنواع اخلمر يف هذا الع�صر ،وتع َّددت �أ�شكالها ،نهاهم عن ال ِّربا فتناولوه و�أخذوه واحتالوا عليه ب� ٍ وتباينت �أ�سما�ؤها ،لكن ذلك ال يغيرِّ حك َمها ،ما دام �أ َّنها م�سكرة ،و�صنوف من ُّ ال�شبه ،و�أكلوا �أموال ال َّنا�س بالباطل»(.)20 فعن ابن عمر Çعن ال َّن ِب ِّي Íقالُ « :ك ُّل م ُْ�سكِرٍ َخ ْم ٌر َو ُك ُّل 6ـ ال ِّر�شوة وهي كبرية من الكبائرُ ،ل ِعن �صاحباها :ال َّرا�شي ()16 َخ ْمرٍ َح َرامٌ» ،وهُ ِدي �إىل هذا كذلك املح َّدث املل َهم عمر ابن واملرت�شي ،كما يف حديث عبد اهلل بن عمرو قالَ « :ل َع َن َر ُ�س ُ ول َّ اخلطاب ،Çفقال على منرب ر�سول اهلل « :Íاخلم ُر ما اللهَّ ِ Íال َّرا�شِ َي َوالمْ ُ ْر َت�شِ َي»( ،)21وفيها من املفا�سد والأ�ضرار على العقل»� ،أي َّ خامر َ غطاه(.)17 الفرد واملجتمع والأ َّمة ما ال يخفى على عاقل من�صِ ف ،ومع هذا ومن �أ�شهر �أ�سمائها املزخرفة :م�شروبات روح َّية ،وح ُّقها �أن ليتو�صلوا �إىل م�آربهم ي�سميها املبطلون واملُم ِّوهون بغري ا�سمها ِّ َّ ت�س َّمى م�شروبات �شيطان َّية ،ويقال عندنا فالن ي�شرب ّْ ال�ش َر ْ اب وينالوا �شهواتهم ،فيقولون :هي هد َّية ،هبة� ،صدقة ،حقٌّ ،ح ُّق �أي� :شراب اخلمر ،ولها �أ�سماء غري عرب َّية كثرية م�شهورة. التَّعب� ،إكرام ،قهوة... 5ـ ال ِّربا وهو من كبائر ال ُّذنوب و�أ�شنعها ،جاء فيه عقوبة وال َّ و�سبب �شك �أنَّ هذا تهوينٌ من مفا�سدها وت�سوي ٌغ لفعلها ٌ َّ خا�صة غليظة ،قال تعاىل﴿ :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ لف�ش ِّوها ،و�صدق عم ُر بنُ عبد العزيز :حني قال« :كانت ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ واليوم ر�شو ٌة»(.)22 الهد َّي ُة يف َز َم ِن ر�سول اهلل Íهد َّية، ِ َ ﯛ﴾ [\^] ,فاهلل �« yأ َّكد عليهم التَّحرمي ب�أغلظ �شيءٍ و�أ�شدِّ ه وهي حماربة املرابي هلل ور�سوله فقال تعاىل﴿ :ﯔ ﯕ ﯖ ( )18قاله ابن الق ِّيم يف «طريق الهجرتني» (.)558 ﴿ﯵ ﯶ
(« )19تف�سري القرطبي» (.)364/3 (.)467/2( )20 ( )21رواه �أبو داود ( ,)3580رِّ والتمذي ( )1337وقال« :هذا حديث ح�سن �صحيح»، و�صححه الألباين يف «الإرواء» (.)244/8 َّ ( )22ع َّلقه البخاري يف «�صحيحه» ب�صيغة اجلزم ( ،)159 /3وو�صله عبد اهلل ابن �أحمد يف «الزُّهد» ( ،)294و�أبو نعيم يف «احللية» ( )294/5ب�أ�سانيد �أحدها ج ِّيد ,انظر «خمت�صر البخاري» للألباين (.)190/2
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
53
واحـة اإلصـالح �إعداد� :أ�سرة التحرير
عدالة العلماء َ حتريف ال َغالني ،وانتحا َل املُبطِ لِني، بي « :Íيحمل هذا العل َم من ك ِّل خلَ ٍف ُعدُوله ين ُفون عنه قال ال َّن ُّ وت�أوي َل اجلاهِ لِني»[ .قال الألباين� :صحيح« ،م�شكاة امل�صابيح» (])248 قال ال َّنووي :عن هذا احلديث: «وهذا �إخبار منه Íب�صيانة العِلم وحفظِ ه وعدال ِة ناقليه ،و�أ َّن َ اهلل تعاىل يو ِّفق له يف ك ِّل ع�صر ُخلفا َء ت�صريح بعدالة حامِ ليه يف ك ِّل ع�صر، من ال ُعدول يحملونه وين ُفون عنه ال َّتحريف وما بعدَه فال ي�ضيع ،وهذا ٌ الف�ساق يعرف �شي ًئا من العلم، وهكذا وقع وهلل احلمد ،وهذا من �أعالم ال ُّنب َّوة ،وال ي�ض ُّر مع هذا كون ِ بع�ض َّ ريهم ال ُ َ يعرف �شي ًئا منه؛ واهلل �أعلم». ف�إ َّن احلديث � مَّإنا هو �إخبار ب�أ َّن ال ُعدول يحملو َنه ال �أ َّن غ َ [«تهذيب الأ�سماء واللغات» (])21/1
عشاق العلم َّ قال ابن قيم اجلوزية :: «�أما َّ ع�شاق العلم ف�أعظم �شغ ًفا به وع�ش ًقا له من ك ِّل عا�شق مبع�شوقه ،وكثري منهم ال ي�شغله عنه �أجمل �صورة من الب�شر... وحدَّثني �أخو �شيخنا عبد ال َّرحمن بن تيمية عن �أبيه قال :كان اجلدُّ �إذا دخل اخلالء يقول يل :اقر�أ يف هذا الكتاب وارفع �صوتك ح َّتى �أ�سمع! و�أعرف من �أ�صابه مر�ض من �صداع وحمى وكان الكتاب عند ر�أ�سه ،ف�إذا وجد �إفاقة قر�أ فيه ،ف�إذا غلب و�ضعه ،فدخل عليه َّ الطبيب يو ًما وهو كذلك فقال� :إ َّن هذا ال ُّ يحل لك ف�إ َّنك تعني على نف�سك وتكون �سب ًبا لفوات مطلوبك». [«رو�ضة املحبني» (�ص ])69
54
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
درر من كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية :
ـ «ال يح�صل الإخال�ص � اَّإل بعد ال ُّزهد ،وال زهد � اَّإل بتقوى ،وال َّتقوى متابع ُة الأمر وال َّنهي». [«جمموع الفتاوى» (])94 /1
ـ «العارف ال يرى له على �أحدٍ ح ًّقا ،وال ي�شهد له على غريه ف�ضلاً ،ولذلك ال يعاتِب ،وال يطالِب ،وال ي�ضارِب». [«مدارج ال�سالكني» (])523/ 1
ـ «الباطل من الأعمال هو ما لي�س فيه منفعة ،فهذا َّ �ص فيه لل ُّنفو�س ا َّلتي ال ت�صرب على ما ينفع ..وهذه يرخ ُ وال�صبيان». نفو�س ال ِّن�ساء ِّ [«اال�ستقامة» (]) 277
ـ «ال َّراف�ضة �أ َّمة خمذولة ،لي�س لها عقل �صحيح ،وال نقل �صريح ،وال دين مقبول ،وال دنيا من�صورة». [«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (]) 352/2
وال�صدِّيقني ُّ وال�صاحلني يف �أعمالهم �أنفع و�أ ْوىل من متابعتهم يف م�ساكنهم ور�ؤية ـ «متابعة ال َّنب ِّيني ِّ وال�شهداء َّ �آثارهم». [«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (])268/1
ـ «لو ُفر�ض �أ َّنا علمنا �أ َّن ال َّنا�س ال يرتكون املنك َر ،وال يعرتفون ب�أ َّنه منك ٌر :مل يكن َ ذلك مان ًعا من �إبالغ ال ِّر�سالة وبيانِ العلم» [«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (])171/1
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م
55
ردود قصرية: لقد بعث �إلينا �إخوا ٌن لنا يف اهلل من مكتبة ال َّر َّيان بالوادي ر�سال ًة فيها من كلمات التَّ�شجيع وال َّثناء ومن عبارات ُّ ال�شكر والتَّقدير َّ ال�شيء الكثري ما يدعونا لأن نقول اللهم اجعلنا �أح�سن مما يظنون واغفر لنا ما ال يعلمون ،كما ق َّدموا لنا جمل ًة من االقرتاحات امله َّمة واملفيدة ،وهي قيد الدِّ را�سة عندنا لعلنا نوفق لتحقيق بع�ضها يف امل�ستقبل القريب �إن �شاء اهللَ ، يعم اجلميع بف�ضله ورحمته. واهلل ن�س�أل �أن َّ بارك اهلل يف الأخ الويف ح�سام بن عي�ش ـ حفظه اهلل ـ من مدينة امل�سيلة على �شكره ودعائه. ون�شكر الأخ حممد �أمني �سبع من بلدية العلمة بوالية �سطيف على ح ِّبه وحر�صه على املجلة، لل�س َّنة و�أهلها. وبارك اهلل فيه على ما اقرتحه علينا َّ مما يد ُّل على اهتمامه وح ِّبه ُّ و�أ َّما الأخ املف�ضال عبد الفتَّاح ال�سلفي ـ و َّفقه اهلل ـ من قرية البهاليل ببلدية �أعفري دائرة دل�س ببومردا�س فبعث �إلينا بر�سالة لطيفة حملت �إلينا كلمة �شكر وتقدير ،ونحن بدورنا ن�شكره على كلمته، ون�س�أل اهلل �أن يبارك فيه. وللأخت زينب عماري ـ وفقها اهلل ـ من بوفريزي باجلزائر العا�صمة جميل ال�شكر على كلمتها الوجيزة ،ففيها من معاين امل�ؤازرة واملنا�صرة ما ي�سر ويفرح ،فبارك اهلل فيها. بال�شكر العميم للإخوة والأخوات التالية �أ�سما�ؤهم على كلماتهم احلاوية لل َّثناء ُّ نتق َّدم ُّ وال�شكر وال�سداد للمج َّلة وطا َقمِ ها :خالد جدور من عني �آزال بوالية �سطيف ،ثابت يا�سني من وال ُّدعاء بالتَّوفيق َّ منطقة بو�سماعيل بتيبازة ،وعز الدين بن �صالح من ر�أ�س الوادي بالربج ،وطيب تاحنوت من برج منايل ببومردا�س ،وكمال كريب�س من مدينة جيجل ،و�أرزقي �أو�سامل من قرية توريرت منقالت بدائرة عني احلمام بتيزي وزو ،وكرمية عمام من مدينة خمي�س مليانة ،ومرمي حمادن من ال َّدامو�س بوالية تيبازة.
تنبيه: ا�ستف�سر كثري من امل�شاركني يف امل�سابقة الأوىل ملجلة الإ�صالح عن طريقة انتقاء الفائزين ،ف ُنع ِل ُمهم �أنَّ عدد امل�شاركني قد قارب الألفي م�شار ًكا ،وبعد عملية التَّ�صحيح كان عدد الناجحني من ال ُّذكور ( ،)392ومن الإناث (َّ ،)189ثم �أقرعنا بينهم بح�ضرة جملة من امل�شايخ الف�ضالء ،فظهرت تلك الأ�سماء املن�شورة ،واهلل املو ِّفق.
56
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون :رم�ضان�/شوال 1431هـ املوافق لـ �سبتمرب�/أكتوبر 2010م