مجلة الاصلاح الجزائرية- العدد الثاني والعشرين

Page 1

‫جملة جامعة‬ ‫ت�صدر عن دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫مدير الـمجلة‬ ‫الـمدير‬

‫توفيق عمروين‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫عز الدين رم�ضاين‬ ‫�أع�ضاء التحرير‪:‬‬ ‫عمر احلاج م�سعود‬ ‫عثمان عي�سي‬ ‫جنيب جلواح‬

‫الت�صميم والإخراج الفني‪:‬‬ ‫دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬ ‫الطباعة‪:‬‬ ‫مطبعة الديوان‬

‫عنوان املجلة‪:‬‬

‫دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫حي باحة (‪ ،)03‬رقم (‪ )28‬الليدو ـ‬ ‫املحمدية ـ اجلزائر‬

‫الهاتف والفاك�س‪:‬‬

‫‪)021( 51 94 63‬‬ ‫التوزيع (جوال)‪)0661( 62 53 08 :‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪:‬‬

‫‪darelfadhila@maktoob.com‬‬

‫املوقع على ال�شبكة العنكبوتية‪:‬‬ ‫‪www.rayatalislah.com‬‬

‫االعتاف بال َف�ضل لذوي ال َف�ضل‪ ،‬حتَّى‬ ‫�إنَّ َّ‬ ‫مما اتَّفق على ُح�س ِنه جمي ُع ال ُعقالء ُخ ُلق رِ‬ ‫�شاع بني ال َّنا�س قدميا مث ٌل يقول‪« :‬ال رَ‬ ‫يعتف بال َف�ضل َلذوي ال َف�ضل �إلاَّ ذوو ال َف�ضل»‪.‬‬ ‫االع�تراف املحمو ِد �أن ُي َق َّر بال َف�ضل َ‬ ‫ال�سلفية ال َّنق َّية يف‬ ‫و�إنَّ منَ‬ ‫ِ‬ ‫حل َملة ال َّدعوة َّ‬ ‫حماربة التَّط ُّرف والغل ِّو و ُمنا َب َذة ِفكر التَّكفري والتَّفجري‪ ،‬وت�صدِّ يهم لهذا ال ِفكر الأع َوج‬ ‫باحلجة وال َبيان‪ ،‬ونق�ضِ ُ�ش َبه �أ�صحا ِبه بال َقلم وال ِّل�سان‪ ،‬يف فتاويهم وكتُبهم ودُرو�سهم‬ ‫َّ‬ ‫ري‪،‬‬ ‫ري‪ُ ،‬‬ ‫وع�صِ م بهم جم ٌع غف ٌ‬ ‫ومحُ ا�ضراتهم ويف ُخ َطبهم على املنابر‪ ،‬ف ُهدي بهم خل ٌق كث ٌ‬ ‫ال�صولة ل ُل َغة ال َّنار‬ ‫ف� ُ‬ ‫أ�صلحوا وب َّينوا ون�صحوا و�أف�صحوا يف عزِّ �أ َّيام الفتنة‪ ،‬ويوم كانت َّ‬ ‫وال َّر�صا�ص‪ ،‬ومل يفعلوا ذلك م�ساير ًَة جله ٍة �سيا�سي ٍة‪ ،‬وال ركو ًبا حلملة انتخابية‪ ،‬وال‬ ‫منا�صب دنيوية‪ ،‬بل انطال ًقا من مبد�أ ال َّن�صيحة وال َّدعوة �إىل اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫طم ًعا يف‬ ‫َ‬ ‫اليوم ـ وهم ُك رُث ـ من يجح ُد َ‬ ‫ال�سلفيني‬ ‫و�إنَّ َّ‬ ‫مما يح ُّز يف ال ُّنفو�س �أن يخرج علينا َ‬ ‫ف�ضل َّ‬ ‫جحده وي َّدعي �أ�س َم َج‬ ‫وغل يف ِ‬ ‫ك َّله وينكر �أ َثرهم اجلميل يف التَّ�صدِّ ي لت َّيار التَّكفري‪ ،‬بل ُي ِ‬ ‫ال�سلف ِّيني كانوا �سب ًبا يف الأزمة‪ ،‬وطر ًفا يف ال ِفتنة‪ ،‬واهلل ي�شهد �إ َّنهم‬ ‫ِ‬ ‫الكذب ب�أنَّ ه�ؤالء َّ‬ ‫لكاذبون!!‬ ‫ومل يقف الأمر عند هذا احلدِّ حتَّى رموهم ب�أنواع من التُّهم الواهية من �أ َّنهم �أتبا ُع‬ ‫تع�صب وت�شدُّد‪ ،‬و�أ َّنهم ال َي ْ�ص ُلحون لتَعليم ال َّنا�س‬ ‫فكر وا ِفد‪ ،‬و�‬ ‫عقل ِ‬ ‫أ�صحاب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫جامد‪ ،‬و�أه ُل ُّ‬ ‫و�إمام ِتهم‪ ،‬وجت َّر�أ ُ‬ ‫بع�ضهم و�أخذ يط َعن يف وال ِئهم لوط ِنهم و�أ َّم ِتهم‪.‬‬ ‫وقد يتذ َّرع ُ‬ ‫بح َجج واهية من مثل ت�سمية بع�ض املارقني �أنف�سهم با�سم‬ ‫بع�ضهم ُ‬ ‫ال�سلف َّية‪ ،‬لكن ال يخفى على املب�صر �أنَّ التَّ�س ِّمي ال يغيرِّ من احلقيقة �شي ًئا‪ ،‬و�أنَّ العربة‬ ‫َّ‬ ‫باملنهج‪ ،‬ال باال�سم ِّ‬ ‫فال�سلفية دعو ٌة قائم ٌة على ال ِعلم ال َّنافع وال َعمل‬ ‫وال�شعار املُ َب ْه َرج‪َّ ،‬‬ ‫ال�شديد عن �إهدار دم امل�سلم وقتل الأنف�س الربيئة‪ ،‬و�إعطاء و ِّ‬ ‫ال�صالح‪ ،‬وال ُبعد َّ‬ ‫يل الأمر‬ ‫َّ‬ ‫حقَّه من َّ‬ ‫ال�سلف ُّيون‬ ‫الطاعة والوالء وعدم اخلروج عليه حتقي ًقا للأمن والإميان‪ ،‬ومل يكن َّ‬ ‫يوما ما مناوئني لأوطا ِنهم �أو ثائرينَ على �أ َّمتهم‪ ،‬بل هم حري�صون َّ‬ ‫كل احلر�ص على �أن‬ ‫ً‬ ‫حتيا �أ َّمتهم احلياة َّ‬ ‫الط ِّيبة‪ ،‬و�أن تن َع َم �أوطا ُنهم بالعزَّة وال ِّرفعة‪.‬‬ ‫ال�سابقة وال َف�ضل يجب �أن تحُ فظ كرامتُهم‪ ،‬وتُ�صان � ُ‬ ‫أعرا�ضهم‪ ،‬وتُقال‬ ‫�إنَّ �‬ ‫َ‬ ‫أ�صحاب َّ‬ ‫أف�سد‪.‬‬ ‫لي�س من �أ�ص َل َح ك َمن � َ‬ ‫عرثاتُهم‪� ،‬إذ َ‬ ‫ال�سلف َّية‪ ،‬واجلاحدون جلهو ِدهم‬ ‫وليتَّقِّ اهلل تعاىل املتن ِّكرون ل َف�ضل َح َملة ال َّدعوة َّ‬ ‫ال�صحيح‪ ،‬فاهلل تعاىل يقول‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬ ‫ال َّرامية �إىل ر ِّد ال َّنا�س �إىل الإ�سالم َّ‬ ‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾ [\‪َ ،]r‬و َح ْ�س ُب َنا ُ‬ ‫عم الوكيل‪،‬‬ ‫اهلل و ِن َ‬ ‫جميل كفيل‪.‬‬ ‫وهو ِب ُك ِّل ٍ‬


‫في هذا العدد‬ ‫االفتتاحية‪ :‬ال َّتن ُّكر لأهل الف�ضل‪ /‬مدير املجلة ‪1.............‬‬

‫الطليعة‪ :‬عائ�شة ‪� á‬أ ُّم امل�ؤمنني ال �أ ّم الكافرين‬ ‫‪/‬التحرير ‪4............................................‬‬ ‫يف رحاب القر�آن‪ :‬التجارة التي لن تبور‪/‬لزهر �سنيقرة‪6......‬‬

‫من م�شكاة ال�سنة‪ :‬تربئة �أمهات امل�ؤمنني‬ ‫‪/‬د‪ .‬كمال قاملي‪8..........................‬‬

‫التحرير‬

‫عـائـش��ـة ‪ á‬أم الـمـؤمـنـيـ��ن‬ ‫ال أم الـكـافـريـن!‬

‫التوحيد اخلال�ص‪ :‬اخللود يف النار‬ ‫‪/‬ماهر القحطاين ‪12.....................‬‬ ‫بحوث ودرا�سات‪� :‬إيقاظ العزائم �إىل معرفة �أحكام الوالئم‬ ‫‪�/‬أمينة حداد ‪15..............................‬‬ ‫م�سائل منهجية‪ :‬تنبيه الألباء �إىل طريق معرفة العلماء‬ ‫‪/‬ح�سن �أيت علجت‪22........................‬‬ ‫تزكية و�آداب‪ :‬ف�ضل العلم والتحذير من بع�ض �آفاته‬ ‫‪ /‬د‪.‬عبد اهلل البخاري‪26.......................‬‬

‫د‪ .‬كمال قاملي‬

‫تبـرئة أمــهـــات الـمؤمنني‬

‫فتاوى �شرعية‪� :‬أ‪ .‬د‪ .‬حممد علي فركو�س ‪34..................‬‬

‫�سري الأعالم‪ :‬ال�شيخ نعيم النعيمي ‪:‬‬

‫‪�/‬إبراهيم بدري ‪37.............................‬‬

‫�أخبار الرتاث‪ :‬م�س�ألة يف والية امل�سلمني واحلكم بينهم‬ ‫البن تيمية رحمه اهلل‬ ‫‪/‬عمار متالت ‪42................................‬‬ ‫اللغة والأدب‪ :‬م�شارق الأنوار على مثل ال َّدفلى وال َّن َّوار (‪)2‬‬ ‫‪/‬حممد بو�سالمة ‪46............................‬‬

‫�ألفاظ ومفاهيم يف امليزان‪ :‬نق�ض قاعدة �إبلي�سية‬ ‫‪/‬عمر احلاج م�سعود ‪........................‬‬

‫‪51‬‬

‫بريد القراء‪ :‬التحرير‪54.......................................‬‬ ‫الفوائد والنوادر‪ :‬التحرير ‪56.................................‬‬

‫�سعر املجلة ‪ 150‬دج‬

‫ماهر القحطاين‬

‫الـخـلـود فـي الـنـــار‬


‫العدد السابق‬

‫�أمينة حداد‬

‫إيـقـ��اظ الـعـزائ��م إلـ��ى مـعـرف��ة‬ ‫أحـكــام الـوالئـم‬

‫د‪.‬عبد اهلل البخاري‬

‫فـضـ��ل الـعـل��م والـتـحـذيـ��ر مـن‬ ‫بـعـض آفـاته‬

‫قواعد النشر في المجلة‬ ‫‪� ‬أن تك���ون املو�ض���وعات مطابق���ة خلط���ة املجل���ة‪ ،‬وموافقة‬ ‫ملنهجها‪.‬‬ ‫‪� ‬أن يكون املقال مت�س ًما بالأ�صالة واالعتدال‪.‬‬ ‫‪� ‬أن يح��� َّرر املقال ب�أ�س���لوب يحقق الغر����ض‪ ،‬ولغة بعيدة عن‬ ‫التكلف والتعقيد‪.‬‬ ‫‪ ‬الدقة يف التوثيق والتخريج مع االخت�صار‪.‬‬ ‫‪� ‬أن تك���ون الكتابة على الكمبيوتر‪� ،‬أو ٍّ‬ ‫بخط وا�ض���ح مقروء؛‬ ‫وعلى وجه واحد من الورقة‪.‬‬ ‫‪� ‬أال يزيد املقال على خم�س �صفحات‪.‬‬

‫عمار متالت‬

‫مس��ألة يف والي��ة أم��ور املس��لمني‬ ‫واحلكم بينهم البن تيمية‬

‫‪� ‬أن يذكر �صاحب املقال ا�سمه الكامل وعنوانه ورقم هاتفه‪،‬‬ ‫ودرجته العلمية �إن وجدت‪.‬‬ ‫‪ ‬املقاالت �أو البحوث التي ال تن�شر ال تر ُّد لأ�صحابها‪.‬‬


‫الطليعة‬

‫عائشة ‪á‬‬ ‫أم الـمؤمنني ال أم الكـافرين!‬ ‫التحرير‬

‫ينت�سب �إىل َّ‬ ‫الطائفة ِّ‬ ‫ال�شيع َّية‬ ‫ري و�ضي ٌع‬ ‫ُ‬ ‫جت َّر�أ رويب�ض ٌة حق ٌ‬ ‫يف ال ِّن�صف ال َّثاين من �شهر رم�ضان ل�سنة ‪1431‬هـ وقام‬ ‫لي�صب جا َّم غ�ضبه‬ ‫ممن هُ م على م�ش َربه‬ ‫خطي ًبا يف جماعة َّ‬ ‫َّ‬ ‫على �أ ِّم امل�ؤمنني عائ�شة ‪ á‬حمتفال بليلة وفاتِها‪� ،‬سا ًّبا‬ ‫وال�شتم ا َّلتي َّ‬ ‫ال�س ِّب َّ‬ ‫و�شا ً‬ ‫تتفطر قلوب‬ ‫متا ومقذ ًعا ب�أنواع َّ‬ ‫امل�ؤمنني ل�سماعه‪ ،‬بل ال تطيق � ُ‬ ‫يحب اهلل ور�سوله‬ ‫أذن م�سلم ُّ‬ ‫لر�سول اهلل ‪ Í‬ولك ِّل من‬ ‫�سما َعه‪ ،‬ملا يف ذلك من الإذاية ُ‬ ‫كانت عائ�شة ‪� á‬أ ًّم��ا له‪ ،‬بل �إ َّن القلم ي�أبى املطاوع َة‬ ‫على كتابة ما تف َّوه به هذا املعتوه ا َّلذي َح َكم على نف�سه‬ ‫بال ُكفر وا ُ‬ ‫خل��روج من م َّلة الإ�سالم؛ فقد �أجمع العلماء‬ ‫رحمهم اهلل على �أ َّن��ه ُي َ‬ ‫قط ُع ب ُكفر َمن ر َماها مبا ب َّر�أها‬ ‫ناق�ض �صري َح القر�آن وك َّذب َ‬ ‫اهلل منه؛ لأ َّنه َ‬ ‫اهلل ع َّز وج ّل‬

‫‪4‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫الطليعة‬

‫بي ‪ Í‬يف ال ُّدنيا والآخرة‪� ،‬أفقه ن�ساء الأ َّمة على الإطالق‪ ،‬و�أحد‬ ‫ال�صدِّ يقة بنت ِّ‬ ‫�إنَّ عائ�ش���ة � َّأم امل�ؤمنني َّ‬ ‫ال�ص���دِّ يق زوجة ال َّن ِّ‬ ‫ال�س���بعة املكرثين من َ‬ ‫احلديث عن ر�س���ول اهلل ‪ ،Í‬ر َو ْت وح ِفظت عنه عل ًما كث ًريا ط ِّي ًبا مبار ًكا فيه‪ ،‬مناق ُبها وفرية وف�ض���ائ ُلها‬ ‫َّ‬ ‫وال�س��� َّنة مبثوثة‪ ،‬قد عقد لها امل�ص��� ِّنفون �أبوا ًبا يف كتبهم اجلامعة‪ُ ،‬‬ ‫وبع�ضهم‬ ‫كثرية‪ ،‬م�ش���هورة منثورة‪ ،‬جتدها يف ُكتُب احلديث ُّ‬ ‫ر�سول اهلل!‬ ‫�أفردَها بال َّت�أليف؛ ويكفي �أن تَعلم �أ َّنها � ُّ‬ ‫ر�س���ول اهلل ‪ ،Í‬فل َّما �س����أله عمرو بن العا�ص ‪« :Ç‬يا ُ‬ ‫أحب ال ِّن�س���اء �إىل ُ‬ ‫عائ�ش���ة؛ قال‪ِ :‬منَ ال ِّرجال؟ قال‪� :‬أ ُبوها»؛ وقال ‪�« :Í‬إِنَّ َف ْ�ض َ‬ ‫أحب � َ‬ ‫إليك؟ قال‪َ :‬‬ ‫الث ِيد‬ ‫���ل َعا ِئ َ�ش��� َة َع َلى ال ِّن َ�سا ِء َك َف ْ�ض ِل رَِّ‬ ‫� ُّأي ال َّنا�س � ُّ‬ ‫َع َلى َ�سا ِئ ِر َّ‬ ‫الط َع ِام»‪.‬‬ ‫تزعم �أ َّنها تعمل جاهد ًة‬ ‫و�إنَّ‬ ‫نف�سها �إ�سالم َّية وا َّلتي ُ‬ ‫َ‬ ‫العجب ال ينق�ضي من حال كثري من احلركات واجلماعات ا َّلتي ِّ‬ ‫ت�سمي َ‬ ‫هم�سا وال ركزًا؛ لأنَّ مثل هذه امل�سائل مل تعد عندهم ذات بال‪ ،‬فهي‬ ‫لق�ض���ايا الأ َّمة امل�ص�ي�ر َّية‪َّ ،‬ثم ال تَ�س َمع لهم يف هذه الق�ض َّية ً‬ ‫ً‬ ‫منَ الق�ضايا اجلانب َّية والأمور َّ‬ ‫وحفاظا على الوحدة املهزوزة‪ ،‬وتثبيتًا مل�س�ألة‬ ‫ال�شكل َّية ا َّلتي ال ينبغي �أن تُثار حتَّى ال تُثار الأحقاد‪،‬‬ ‫التَّقري���ب املزعوم���ة‪ ،‬فيتع َّلقون ب�أفكار هي يف حقيقتها �أوهام‪ ،‬ويت�ش��� َّبثون بخيوط ُ‬ ‫كخيوط ال َعنكبوت‪ ،‬وهذا خلل ِّو �س���احتهم من‬ ‫كالم‬ ‫ال�صحيح امل�ستمدِّ من وحي ال ِّر�سالة ونور ال ُّنب َّوة‪ ،‬لأجل هذا كان �سهال �أن يهونَ عليهم ِعر�ض نب ِّيهم ‪ ،Í‬وال يح ِّرك ُ‬ ‫العلم َّ‬ ‫َ‬ ‫حفائظهم‪ ،‬و�إلاَّ ف َمن َ�ش َّم رائح َة العلم َ‬ ‫عرف قد َر عائ�شة ‪ á‬يف الإ�سالم‬ ‫ذاك ال َّدعي اخل�سي�س �شعر ًة من �أبدانهم‪ ،‬وال يثري‬ ‫ال�س���كوت عليه؛ لأ َّنه ال ُيع َقل �أنَّ �أحدً ا يف قلبه بق َّية من حيا ٌة‬ ‫ومنزلتَها يف قلوب امل�س���لمني‪ ،‬وعلم �أنَّ مثل هذا التَّج ُّر�ؤ ال ُ‬ ‫يح�س���ن ُّ‬ ‫ي�س ُّب �أ َّمه؛ َ‬ ‫ي�سب � َّأم امل�ؤمنني جمي ًعا!!!‬ ‫فكيف َمبن ُّ‬ ‫ي�سكتُ ع َّمن ُ‬ ‫َّهجم على‬ ‫ال�س���افل الآ ِفل هي حلق ٌة يف �سل�س���لة طويلة م�ش���دودة حلقاتها ب�إح���كام يف الت ُّ‬ ‫و�إنَّ ه���ذه احلركة ا َّلتي قام بها هذا َّ‬ ‫زعموا يف‬ ‫نبي الإ�س�ل�ام ‪ Í‬وت�ش���ويه �صور ِته‪ ،‬وحماولة تَ�صدير التَّ�ش ُّيع بتواط�ؤ م َع ال َيهود وال َّن�صارى ف ُهم �أح َّباء متعاونون‪ ،‬و�إن َ‬ ‫ِّ‬ ‫ال�س��� َّنة‪ ،‬و�ش���واهد التَّاريخ والواقع على هذه احلقيقة غري خافي ٍة على‬ ‫ال َع َلن �أ َّنهم �أعداء متنافرون‪ ،‬يجمعهم الكيد واملكر ب�أهل ُّ‬ ‫من كان له �أدنى ت�أ ُّمل ِّ‬ ‫ي�س���ب � َّأم امل�ؤمنني ‪َّ á‬ثم ُيحتَفى به وتتهاوى‬ ‫ال�س���اقط �أن َّ‬ ‫واطالع‪ ،‬و�إلاَّ فكيف يمُ َ َّكن ملثل هذا ال َّدينء َّ‬ ‫َّ‬ ‫احرتاما‬ ‫���م �أه ُله �أ َّنهم من �أكرث ال ُّدول‬ ‫علي���ه وكاالت الأنباء‬ ‫واملحطات والقنوات لتحظى معه بلقاء �أو ندوة �ص���حف َّية يف ٍ‬ ‫بلد ُ‬ ‫يزع ُ‬ ‫ً‬ ‫لأديان ال َّنا�س واعتقادا ِتهم!!‬ ‫ويدك َ‬ ‫يهدم ح�ص���ونَ الإ�س�ل�ام َّ‬ ‫هدم لبلوغ هذا الهدف‬ ‫�إنَّ‬ ‫َ‬ ‫الغرب الكافر يري ُد �أن َ‬ ‫معاقل التَّوحيد ُّ‬ ‫وال�س��� َّنة‪ ،‬ولن يجد معاول ٍ‬ ‫الأثيم مثل ِّ‬ ‫َ‬ ‫ال�س َّنة وال ُي�ستَغ َف ُلون‪..‬‬ ‫ال�شيعة ال َّرواف�ض‪،‬‬ ‫فليحذر �أهل ُّ‬ ‫���ب َّ‬ ‫وال�شتم يف عر�ض نب ِّينا ‪Í‬؛ لأنَّ التَّع ُّود يو ِّرث التَّبلُّد‪ ،‬وكرث ُة الإم�سا�س‬ ‫ال�س ِّ‬ ‫�إ َّنهم يريدوننا �أن نتع َّود على �س���ماع مثل هذا َّ‬ ‫فلنهب َّ‬ ‫للذ ِّب عن‬ ‫متيتُ الإح�س���ا�س‪ ،‬ولو َماتت يف قلوبنا ال َغري ُة على ن�س���اء نب ِّينا ‪ ،Í‬فيعني ذلك هالك �أنف�سِ���نا وذهاب دي ِننا؛ َّ‬ ‫ِعر�ض �س ِّيد ا َ‬ ‫حبيب اهلل‪ ،‬امل َّرب�أة من العيوب‪ ،‬وم�ض َرب ا َمل َثل يف‬ ‫ال�صدِّ يقة ِ‬ ‫ال�صدِّ يق حبيبة ِ‬ ‫بنت ِّ‬ ‫خللق �أجمعني ‪ ،Í‬والدِّ فاع عن ِّ‬ ‫العفَّة ُّ‬ ‫والطهر وال َف�ضيلة ‪ُ ،á‬‬ ‫ا�س ف�ضائ َلها وحما�س َنها‪.‬‬ ‫ولنن�ش ْر م�آث َرها‪ ،‬و ُن ِذ ْع مناق َبها‪ ،‬و ُن�سمع ال َّن َ‬ ‫ويف الأخري ما ي�س ُعنا �إلاَّ �أن نقول لهذا َّ‬ ‫�سب َعا ِئ َ�ش َة و َو َقع‬ ‫ال�ض ِّال احلقري مبلء �أفواهنا ما قاله ع َّمار بن يا�سر ‪ Ç‬ل َر ُج ٍل َّ‬ ‫وحا؛ �أَ ُت�ؤ ِْذي َح ِبي َب َة َر ُ�س ِول اهلل ‪� !Í‬إ َّنها لزَ ْو َجتُه يف اجل َّنة» [الرتمذي (‪ ،)3888‬واحلاكم (‪)444/3‬‬ ‫وحا َم ْن ُب ً‬ ‫«ا�س ُك ْت َم ْق ُب ً‬ ‫فيها‪ْ :‬‬ ‫ال�صحابة» (‪.])1647‬‬ ‫َّ‬ ‫و�صححاه‪ ،‬و�أحمد يف «ف�ضائل َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪5‬‬


‫في رحاب القرآن‬

‫التجارة التي لن تبور‬ ‫لزهر �سنيقرة‬

‫�إمام �أ�ستاذ ـ اجلزائر‬ ‫﴿ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬

‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾‪.‬‬

‫ف����إنَّ اهلل مب ِّنه وكرم���ه َّ‬ ‫دل عباده عل���ى �أربح جت���ار ٍة و�أزكاها‬ ‫�إنَّ الإن�س���ان ُخ ِلق حم ًّبا للخري املادِّي بطبعه‪ ,‬م َّيا ًال لتح�ص���يل‬ ‫م�صاحله ومنافعه العاجلة قال اهلل ‪﴿ :y‬ﭒﭓﭔﭕ ﭖ و�أف�ض���ل �ص���فقة و�أعالها‪ ,‬وهي التِّجارة ا َّلتي و�صفها الـموىل ‪y‬‬ ‫ﭗ ﭘ﴾ [\‪ ,]Ê‬وق���ال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ بعدم البوار فق���ال‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬ ‫ﯕ﴾ [\‪ ,]ã‬وق���ال تع���اىل‪ ﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫حب الإن�سان ﯺ﴾ [\ﮯ]‪.‬‬ ‫ﯡ﴾ [\‪ ]Ø‬بهذا الو�ص���ف و�ص���ف اهلل �ش��� َّدة ِّ‬ ‫ه���ذه الآية املباركة جاءت ترغي ًبا يف عبادات جليلة‪ ,‬حتقيقها‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪َ « :‬لو َكا َن الب ِ���ن �آ َد َم َوا ِد َيانِ مِ نْ‬ ‫له���ذا املال‪ ,‬ب���ل �إنَّ ال َّن َّ‬ ‫وب ف���و ٌز به���ذه التِّجارة‪ ,‬وقد ج���اء يف الآية لفظ «جتارة» مع و�ص���فها‬ ‫مَالٍ َال ْب َت َغى َوا ِد ًيا َثا ِل ًثا َو َال مَ ْ‬ ‫يلأُ َج ْو َف ا ْب ِن �آ َد َم �إِ َّال الترُّ َ ُاب َو َي ُت ُ‬ ‫بعدم البوار على �س���بيل اال�س���تعارة التَّ�ص���ريح َّية فو�ص���ف �أهلها‬ ‫اب» رواه البخاري (‪ )6436‬وم�سلم (‪.)1048‬‬ ‫اهلل َعلَى َمنْ َت َ‬ ‫وحتَّ���ى يتم َّيز �أهل التَّقوى والإميان عن غريهم من �أ�ص���حاب ب�أ َّنهم يرجونها‪� ,‬أي‪ :‬يتو َّقعون �أرباحها العظيمة‪.‬‬ ‫الت ِّج���ي واالنتظ���ار «�أنَّ رَّ‬ ‫والف���رق ب�ي�ن رَّ‬ ‫خا�ص����ة‬ ‫الت ِّج���ي للخري َّ‬ ‫الأهواء �أو ع َّباد املال‪ ,‬ف�إنَّ اهلل َّ‬ ‫رغبهم يف �أف�ض���ل املكا�سب و�أعظم‬ ‫التِّجارات ا َّلتي �ض���من لأ�ص���حابها ال ِّربح ال َّدائم وامل�ضمون‪ ,‬وا َّلتي واالنتظ����ار قد يكون يف اخلري َّ‬ ‫وال�ش���� ِّر‪ ,‬ويد ُّل عليه قول���ه تعاىل‪ ﴿ :‬ﭴ‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [\‪ ]b‬وقول���ه‪ ﴿ :‬ﯶ ﯷ‬ ‫الوهاب‪.‬‬ ‫تنجيهم من العذاب وترفع درجتهم عند العزيز َّ‬ ‫ق���ال تع���اىل‪ ﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﯸﯹﯺ﴾ [\ﮯ] وقوله‪﴿ :‬ﯚﯛﯜ﴾ [^‪]218 :‬‬ ‫ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ﴾ [\¼] ونحوها»(‪.)3‬‬ ‫م�س���تقبلي متو َّق ٍع ف�إنَّ �س���ياق‬ ‫أمر‬ ‫و�إذا كان ال َّرج���اء متع ِّل ًق���ا ب� ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وعن �سعيد بن جبري قال‪ :‬ملَّا نزلت هذه الآية قال امل�سلمون‪ :‬لو‬ ‫ُّ‬ ‫علمنا ما هذه التِّجارة‪ ,‬لأعطينا فيها الأموال والأهلني‪ ,‬فبينَّ لهم الآي���ات يدل على �أنَّ هذا ال َّرجاء حتقَّق ملن حقَّق �ش���روطه‪ ,‬بدليل‬ ‫قوله تعاىل بعد ذلك‪﴿ :‬ﯻ﴾ [ﮯ‪ ]30 :‬واختار اهلل لفظ‬ ‫التِّجارة‪ ,‬فقال‪ :‬ت�ؤمنون باهلل ور�سوله‪.)1(»...‬‬ ‫ودل عليها للهف الرجال «جت���ارة» دون غريها من حركات احلياة ك ِّله���ا؛ لأ َّنها مت ِّثل جماع‬ ‫وعن قتادة قال‪ :‬فل���وال �أنَّ اهلل ب َّينها َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫�أن يكون���وا يعلمونها حتَّ���ى يطلبوها ثم د َّله���م اهلل عليها فقال‪ :‬كل ح���ركات احلياة‪ ,‬فهذا يتح َّرك يف ميدان لينفع نف�س���ه وغريه‪,‬‬ ‫َّ‬ ‫ميدان �آخر فينفع نف�س���ه وغريه‪ ,‬وهي � ً‬ ‫أي�ضا حتمل‬ ‫وغريه يعمل يف ٍ‬ ‫﴿ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ الآية(‪.)2‬‬ ‫على الو�ساطة بني ما يعرف باملنتفع وامل�ستهلك‪ ,‬ولذلك حني �أراد‬ ‫(‪� )1‬أخرجه ابن �أبي حامت يف «تف�سريه» (‪.)18887‬‬ ‫(‪� )2‬أخرجه ابن �أبي حامت يف «تف�سريه» (‪.)18888‬‬

‫‪6‬‬

‫[\ ﮯ]‬

‫(‪« )3‬الفروق اللُّغو َّية» (�ص‪.)131‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬

‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [\½] ومل يق���ل اتركوا‬ ‫ال�ص���ناعة �أو التَّدري�س م���ع �أ َّنها داخلة يف عموم الأمر‬ ‫الزِّ راعة �أو ِّ‬ ‫رَّ‬ ‫بالتك‪ ,‬بل اختار من كا َّفة حركات احلياة الك�س���ب َّية حركة البيع؛‬ ‫لأ َّنه �أف�ض���ل ما يف ال ِّتج���ارة‪ ,‬وهي اجلامعة ِّ‬ ‫لكل ح���ركات احلياة‪,‬‬ ‫و�إذا كانت التِّجارة يف معناها اللُّغوي والعريف تتع َّلق ب�أعمال البيع‬ ‫ِّ‬ ‫ال�ص���فقات ا َّلتي ي�س���عى‬ ‫وال�ش���راء ممار�س��� ًة وامتها ًنا �أو هي تلك َّ‬ ‫�أ�ص���حابها �أن تكون مربح ًة‪� ,‬إ َّال �أنَّ معناها يف الآية متع ِّل ٌق ب�صفق ٍة‬ ‫�أعظم و�أف�ض���ل هي �صفقة الإميان ا َّلتي ت�أخذ منها �أكرث من ر�أ�س‬ ‫مالك‪ ,‬وتربح َّ‬ ‫ال�ش���يء الكثري بخالف ما لو تركت ً‬ ‫بع�ضا من دينك‬ ‫ف�إ َّنك تخ�س���ر مبقدار ما ترك���ت‪ ,‬لذلك يقول احل ُّق �س���بحانه عن‬ ‫ال�ص���فقات اخلا�س���رة‪﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫َّ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [\^]‪.‬‬ ‫فاحلر����ص َّ‬ ‫ال�ص���فقة ا َّلتي يكون‬ ‫كل احلر����ص � ًإذا على حتقيق َّ‬ ‫�ضمان �أوثق و�أ�صدق من �ضمانه َّ‬ ‫جل‬ ‫ربحها م�ض���مو ًنا ودائ ًما‪ ,‬و� ُّأي‬ ‫ٍ‬ ‫وعال ا َّلذي �ض���من عدم بوارها فهي ﴿ﯸﯹ﴾ �أي‪ :‬لن تك�س���د‬ ‫ولن َّ‬ ‫ال�ص���فقة‬ ‫تتعطل ولن تخ�س���ر وتهلك‪ ،‬فما هي � ًإذا �أعمال هذه َّ‬ ‫املربحة والتِّجارة املباركة؟‬ ‫ق���ال تع���اىل‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬ ‫ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ‬

‫ال�ص�ل�اة‪ ,‬والإنفاق يف‬ ‫ﯺ﴾ ه���ي � ًإذا ت�ل�اوة كت���اب اهلل‪ ,‬و�إق���ام َّ‬

‫في رحاب القرآن‬

‫اهلل تع���اىل �أن ن�س���تجيب لأذان اجلمعة ق���ال‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬

‫�سبيل اهلل �س ًّرا وعالنية‪.‬‬ ‫ف�أ َّول هذه الأعمال هي تالوة كتاب اهلل‪ ،‬لهذا كان مط ِّرف ابن‬ ‫عبد اهلل يقول‪« :‬هذه �آية الق َّراء»(‪.)4‬‬ ‫وقال البي�ض���اوي ‪ :‬يف قوله تع���اىل ﴿ﯪ ﯫ ﯬ﴾‪:‬‬ ‫«يداوم���ون على قراءته �أو متابعة ما فيه حتَّى �ص���ارت �س���م ًة لهم‬ ‫وعنوا ًن���ا‪ ,‬واملراد بكت���اب اهلل ‪ :‬القر�آن �أو جن����س كتب اهلل فيكون‬ ‫ثنا ًء على امل�صدِّ قني من الأمم»‪.‬‬ ‫ال�سعدي‪�« :‬أي يتَّبعونه يف �أوامره فيمتثلونها‪ ،‬ويف نواهيه‬ ‫وقال َّ‬ ‫فيرتكونها‪ ،‬ويف �أخباره في�صدِّ قونها ويعتقدونها‪ ،‬وال يقدِّ مون عليه‬ ‫م���ا خالفه من الأق���وال‪ ,‬ويتلون � ً‬ ‫أي�ض���ا �ألفاظه بدرا�س���ته ومعانيه‬ ‫بتت ُّبعها وا�ستخراجها»‪.‬‬ ‫ومن معاين ال ِّربح العظيم يف قراءة القر�آن‪:‬‬ ‫�أنَّ من قر�أ حر ًفا فله ح�سن ٌة واحل�سنة بع�شر �أمثالها‪ ,‬فعن ابن‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪َ « :‬منْ َق َر�أَ َح ْر ًفا مِ نْ ِك َتابِ اهلل‬ ‫م�س���عود ‪� Ç‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫حل َ�س َن��� ُة ِب َع ْ�ش��� ِر �أَ ْم َثا ِلهَا َال �أَ ُق ُ‬ ‫َفلَ��� ُه بِ��� ِه َح َ�س َن��� ٌة َوا َ‬ ‫���ول ﴿ﭑ﴾ َح ْر ٌف‬ ‫َو َلكِنْ �أَل ٌِف َح ْر ٌف و َال ٌم َح ْر ٌف َومِ ي ٌم َح ْر ٌف»(‪.)5‬‬ ‫وم���ن ال ِّربح الكبري والف�ض���ل العظيم عند تالوت���ه وقراءته‪� :‬أ َّنه‬ ‫�ش���اف ٌع ل�ص���احبه يوم القيامة‪ ,‬فعن �أبي �أمامة ‪ Ç‬قال‪� :‬س���معت‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬يقول‪ِ « :‬ا ْق َرءُوا ال ُق ْر�آ َن َف�إِ َّن ُه َي�أْتِي َي ْو َم ال ِق َيا َم ِة َ�شفِي ًعا‬ ‫لأَ ْ�ص َحا ِب ِه ِا ْق َرءُوا ال َّزهْ َرا َو ْي ِن ال َب َق َر َة َو ُ�سو َر َة �آ َل عِ ْم َرا َن َف�إِ َّن ُه َما َت�أْ ِت َيانِ‬ ‫َي��� ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َك�أَ َّن ُه َما َغ َما َم َت���انِ �أَ ْو َك�أَ َّن ُه َما َغ َيا َي َتانِ َ�أ ْو َك�أَ َّن ُه َما ِف ْر َقانِ‬ ‫مِ نْ َطيرْ ٍ َ�ص َو َّ‬ ‫اف حُ َ‬ ‫اجانِ َعنْ �أَ ْ�ص َحا ِب ِه َما ِا ْق َرءُوا ُ�سو َر َة ال َب َق َر َة َف�إِ َّن‬ ‫ت َّ‬ ‫�أَ ْخ َذهَا َب َر َك ٌة َو َت ْر َكهَا َح ْ�س َر ٌة َو َال َي ْ�س َتطِ ي ُعهَا ال َب َطلَ ٌة»‪.‬‬ ‫ال�سحرة»(‪.)6‬‬ ‫قال معاوية بن �سالم‪ :‬بلغني �أنَّ البطلة‪َّ :‬‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪« :‬ا ْل ُق ْر� ُآن‬ ‫وعن جابر بن عبد اهلل ‪ È‬عن ال َّن ِّ‬ ‫ُ�صد ٌَّق َمنْ َج َعلَ ُه َ�أمَا َم ُه َقا َد ُه ِ�إلىَ‬ ‫�ساع ـ م َ‬ ‫َ�شا ِف ٌع م َُ�ش َّف ٌع مَاحِ ٌل ـ �أي ٍ‬ ‫جْ َ‬ ‫ال َّن ِة َو َمنْ َج َعلَ ُه َخ ْل َف َظ ْه ِر ِه َ�سا َق ُه �إِلىَ ال َّنارِ»(‪.)7‬‬ ‫ري من عظيم ف�ض���ائل القر�آن وبركته على �أهله‬ ‫هذا �شي ٌء ي�س ٌ‬ ‫و�أ�صحابه يف ال ُّدنيا والآخرة‪.‬‬ ‫ن�س����أله تب���ارك وتعاىل �أن يجع���ل القر�آن العظي���م ربيع قلوبنا‬ ‫ونور �صدورنا وجالء �أحزاننا وذهاب همومنا‪.‬‬ ‫(‪« )4‬الدر املنثور» (‪.)285/12‬‬ ‫(‪ )5‬رواه رِّ‬ ‫التمذي (‪.)2910‬‬ ‫(‪ )6‬رواه م�سلم (‪.)804‬‬ ‫(‪ )7‬رواه ابن ح َّبان (‪ )164‬والبيهقي يف ال�شعب (‪ )1855‬وج َّود �إ�سناده الألباين يف‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)2019‬‬ ‫َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪7‬‬


‫من مشكاة السنة‬

‫تربئة أمهات املؤمنني‬ ‫د‪ /‬كمال قالـمي‬ ‫دكتوراه يف احلديث النبوي‬

‫مم�����ا ُي�����ؤ�����س����ف ل����ه �أن ت�شتمل‬ ‫َّ‬ ‫بع�ض كتب احلديث والترَّ اجم‬ ‫ع��ل��ى رواي����ات و�أخ���ب���ار حت��م��ل يف‬ ‫ط�� َّي��ات��ه��ا الإ�����س����اءة �إىل �أ َّمهات‬ ‫امل���ؤم��ن�ين وال��ق��دح يف �صدقهنَّ‬ ‫و�أم��ان��ت��ه��نَّ ‪ ،‬وب��ال�� َّت��ايل االعتداء‬ ‫������ي ‪.Í‬‬ ‫ع�����ل�����ى م������ق������ام ال������ َّن������ب ِّ‬

‫أحد من �أهل الإ�س�ل�ام مكانة �أم َّهات امل�ؤمنني ـ ر�ض���ي اهلل عنهنَّ ـ‬ ‫ال يخف���ى عل���ى � ٍ‬ ‫ومنزلتهنَّ وما ام َّ‬ ‫ال�ص���فات احلميدة واخلالل اجلميلة واملناقب‬ ‫نت اهلل به عليهنَّ من ِّ‬ ‫َّ‬ ‫أزواجا خلري خلقه و�أف�ضل ر�سله ‪Í‬‬ ‫ال�ش���ريفة‪ ،‬وزادهنَّ ف�ض ًال وت�ش���ري ًفا �أن جعلهنَّ � ً‬ ‫ال�ص�ل�اة‬ ‫يف ال ُّدني���ا والآخرة‪ ،‬وقد توفيِّ ر�س���ول اهلل ‪ Í‬وهو ٍ‬ ‫را�ض عنهنَّ ‪ ،‬وكان عليه َّ‬ ‫وال�سالم يغ�ضبه ما يغ�ضبهنَّ ويكره ما ي�سو�ؤهنَّ ‪ ،‬بل كان ي�شغله �أمرهنَّ ويه ُّمه �ش�أنهنَّ‬ ‫َّ‬ ‫حتَّ���ى بعد موته ـ �ص���لوات اهلل و�س�ل�امه عليه ـ‪ ،‬فقد ثبت عنه ‪� Í‬أ َّن���ه كان يقول‪�« :‬إِ َّن‬ ‫ال�صا ِب ُرون»(‪.)1‬‬ ‫�أَ ْم َر ُكنَّ لمَ ِ َّما ُيه ُِّمنِي َب ْعدِ ي‪َ ،‬و َلنْ َي ْ�صبرِ َ َعلَ ْي ُكنَّ �إِ َّال َّ‬ ‫ومما ُي�ؤ�س���ف له �أن ت�ش���تمل بع�ض كت���ب احلديث رَّ‬ ‫والتاجم عل���ى روايات و�أخبار‬ ‫َّ‬ ‫حتمل يف ط َّياتها الإ�ساءة �إىل �أ َّمهات امل�ؤمنني والقدح يف �صدقهنَّ و�أمانتهنَّ ‪ ،‬وبالتَّايل‬ ‫بي ‪.Í‬‬ ‫االعتداء على مقام ال َّن ِّ‬ ‫ق�ص���ة امل���ر�أة َ‬ ‫���ي ‪ ،Í‬و�أ َّنه ملَّا �أراد‬ ‫م���ن ذلك ما جاء يف َّ‬ ‫اجل ْون َّية ا َّلتي خطبها ال َّنب ُّ‬ ‫الق�ص���ة ورد يف‬ ‫�أن يدخ���ل عليه���ا ا�س���تعاذت باهلل من���ه‪ ،‬ففارقه���ا‪ ،‬وهذا الق���در من َّ‬ ‫«ال�ص���حيحني»‪ ،‬لك���ن وردت يف «طبقات ابن �س���عد» و«م�س���تدرك احلاك���م» وغريهما‬ ‫َّ‬ ‫بي ‪ Í‬ه���نَّ ال َّالئي خدعنها ومتالأن عليها ملا‬ ‫زي���ادات وروايات مفادها �أنَّ �أزواج ال َّن ِّ‬ ‫ر�أين من جمالها وخ�شني �أن ي�صرف ر�سول اهلل ‪ Í‬وجهه عنهنَّ ‪ ،‬فد َّبرن لها هذه املكيدة‬ ‫بي ‪ Í‬وحتَّى تكون لها ُحظوة ومكانة‬ ‫ب�أن تقول له‪�« :‬أعوذ باهلل منك» ف�إنَّ ذلك يعجب ال َّن ّ‬ ‫عند ر�سول اهلل ‪.Í‬‬ ‫و�إليك ـ �أخي القارئ ـ �سياق تلك ال ِّروايات ونقدها باخت�صار‪:‬‬ ‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )3749‬من حديث عائ�شة ‪ á‬وقال‪« :‬ح�سن غريب»‪ ،‬ورواه � ً‬ ‫أي�ضا احلاكم يف «امل�ستدرك»‬ ‫و�صححه على �شرط َّ‬ ‫ال�شيخني‪ ،‬فتعقَّبه َّ‬ ‫الذهبي بقوله‪�« :‬صخر �صدوق مل يخرجا له»‪.‬‬ ‫(‪َّ )312/3‬‬

‫‪8‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫(‪� )2‬أي خدعنها عن غفلة‪« .‬ل�سان العرب» مادة ( َد�أَى)‪.‬‬

‫من مشكاة السنة‬

‫ال ِّرواية الأوىل‪ :‬عن عبد الواحد بن �أبي عون ال ّدو�س���ي قال‪:‬‬ ‫ال ِّرواية ال َّثالثة‪ :‬عن ابن ع َّبا�س ‪ È‬قال‪ :‬تز َّوج ر�سول اهلل‬ ‫قدم ال ُّنعمان بن �أبي اجلون الكندي على ر�س���ول اهلل ‪ Í‬م�سل ًما‪� Í ،‬أ�سماء بنت ال ُّنعمان(‪ )3‬ـ وكانت من �أجمل �أهل زمانها و�أ�ش ِّبه‪ ‬ـ‬ ‫فقال‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬أال �أز ِّوجك �أجمل � مّأي يف العرب‪ »...‬فتز َّوجها قال‪ :‬فل َّما جعل ر�سول اهلل يتز َّوج الغرائب قالت عائ�شة‪ :‬قد و�ضع يده‬ ‫ال�ساعدي ‪ Ç‬يحملها �إليه‪.‬‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬وبعث �أبا �أُ�سيد َّ‬ ‫يف الغرائب يو�شكن �أن ي�صرفن وجهه ع َّنا‪ ،‬وكان خطبها حني وفدت‬ ‫قال �أبو �أُ�س���يد‪« :‬ف�أقبلتُ بها حتَّى قدم���ت املدينة ف�أنزلتها يف‬ ‫بي ‪ Í‬ح�سدنها فقلن لها‪:‬‬ ‫كندة عليه �إىل �أبيها‪ ،‬فل َّما ر�آها ن�ساء ال َّن ِّ‬ ‫فرحنب بها و�س َّهلن وخرجن‬ ‫بني �ساعدة‪ ،‬فدخل عليها ن�ساء احلي َّ‬ ‫أردت �أن تحَ ْ َظ���ي عنده فتع َّوذي ب���اهلل منه �إذا دخل عليك‪ ،‬فل َّما‬ ‫�إن � ِ‬ ‫من عندها فذكرن جمالها و�شاع باملدينة قدومها‪ ،‬قال �أبو �أُ�سيد‪:‬‬ ‫ال�س�ت�ر م َّد ي���ده �إليها فقالت‪� :‬أعوذ ب���اهلل منك! فقال‪:‬‬ ‫دخل و�ألقى ِّ‬ ‫ووجهت �إىل ال َّن ِّ‬ ‫بي ‪ Í‬وهو يف بني عمرو بن عوف ف�أخربته ودخل «�أمن عائ ُذ اهلل! الحْ َ قِي ب�أَهْ لِكِ »‪.‬‬ ‫عليها داخ ٌل من ال ِّن�ساء فدَ �أَ ْين(‪ )2‬لها ملا بلغهنَّ من جمالها ـ وكانت‬ ‫�أخرجها ابن �س���عد (‪ )145/8‬قال‪� :‬أخربنا ه�شام بن حم َّمد‬ ‫فقالت‪� :‬إ َّنك من املل���وك ف�إن كنت تريدين �أن‬ ‫من �أجمل ال ِّن�س���اء ـ ْ‬ ‫ال�سائب‪ ،‬عن �أبيه‪ ،‬عن �أبي �صالح‪ ،‬عن ابن ع َّبا�س‪.‬‬ ‫ابن َّ‬ ‫حتظي عند ر�س���ول اهلل ‪ Í‬ف����إذا جاءك فا�س���تعيذي منه ف�إ َّنك‬ ‫وه���ذا �إ�سن���اد مظلم م�سل�سل ُّ‬ ‫بال�ضعفاء؛ ه�ش���ام بن حم َّمد ابن‬ ‫حتظني عنده ويرغب فيك»‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫أبوه‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫الكلبي(‪ )5‬كالهما متَّهم بالكذب ورم َيا بالو�ضع‪ ،‬و�أبو‬ ‫ائب‬ ‫ال�س‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫�أخرجها ابن �س���عد يف َّ‬ ‫«الطبقات الكربى» (‪ 143/8‬ـ ‪،)144‬‬ ‫واحلاكم يف «امل�ستدرك» (‪ )36/4‬من طريق حممد بن عمر‪ ،‬ثنا �صالح هو باذام �ض َّعفه غري واحد(‪ )6‬ويف «التَّقريب»‪�« :‬ضعيف مدل�س»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫حم َّمد بن يعقوب بن عتبة‪ ،‬عن عبد الواحد بن �أبي عون ال ّدو�سي‪.‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫وهذا �إ�سناد مع�ضل تالف؛ عبد الواحد بن �أبي عون من �أتباع‬ ‫التَّابعني‪ ،‬وفيه حم َّمد بن عمر هو الواقدي وهو مرتوك‪.‬‬ ‫ال�ساعدي ‪ Ç‬قال‪ :‬تز َّوج‬ ‫ال ِّرواي���ة ال َّرابعة‪ :‬عن �أبي �أُ َ�س ْيد َّ‬ ‫ر�س���ول اهلل �أ�س���ماء بنت ال ُّنعم���ان اجلون َّية ف�أر�س���لني فجئت بها‪،‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫فقالت حف�ص���ة‪ :‬لعائ�ش���ة �أو عائ�ش���ة حلف�صة‪ :‬اخ�ض���بيها �أنت و�أنا‬ ‫َّ‬ ‫بي ‪ Í‬يعجبه من‬ ‫ال ِّرواية الثانية‪ :‬عن �س���عيد بن عبد ال َّرحمن بن �أبزى‪ ،‬قال‪� :‬أم�ش���طها‪ ،‬ففعلن َّثم قالت لها �إحداهما‪� :‬إنَّ ال َّن َّ‬ ‫«اجلونية ا�س���تعاذت من ر�سول اهلل ‪ ،Í‬وقيل لها‪ :‬هو �أحظى لك امل���ر�أة �إذا دخلت علي���ه �أن تقول‪� :‬أعوذ باهلل منك! فل َّما دخلت عليه‬ ‫ال�س�ت�ر م َّد يده �إليه���ا فقالت‪� :‬أعوذ باهلل منك‬ ‫عنده‪ ،‬ومل ت�س���تعذ منه ام���ر�أة غريها؛ و� مَّإنا ُخدع���ت ملا ُر�ؤي من و�أغلق الباب و�أرخى ِّ‬ ‫جمالها وهيئتها‪ ،‬وقد ُذكر لر�س���ول اهلل َم���ن َح َملها على ما قالت فقال ب ُك ِّمه على وجهه فا�سترت به وقال‪ُ « :‬ع ْذتِ م َعا ًذا» ثالث م َّرات‪.‬‬ ‫و�س َ‬ ‫���ف‬ ‫لر�س���ول اهلل‪ ،‬فق���ال ر�س���ول اهلل ‪�« :Í‬إ َّنه���نَّ َ�صوَاحِ ُ‬ ‫���ب ُي ُ‬ ‫أحلقْها‬ ‫علي فق���ال‪« :‬يا �أبا �أُ َ�س���يد � ِ‬ ‫قال �أبو �أُ َ�س���يد‪ :‬ث َّ‬ ‫���م خرج َّ‬ ‫َو َك ْيدُهُ نَّ عَظِ ي ٌم»‪.‬‬ ‫با�س���تني‪ .‬فكان���ت تقول‪:‬‬ ‫ب�أه ِله���ا ومتِّعه���ا ب َراز ِق َّيت�ي�ن(‪ )7‬يعني ِك ْر َ‬ ‫�أخرجها ابن �س���عد يف «الطبقات الك�ب�رى» (‪ ،)144/8‬قال‪:‬‬ ‫ادعوين ّ‬ ‫ال�شق َّية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫�أخربن���ا حم َّمد بن عمر‪ ،‬ح َّدثني عبد اهلل بن جعفر (هو املخرمي‬ ‫«ال�صحيح �أنَّ ا�سمها �أميمة بنت ال ُّنعمان‬ ‫ّ (‪ )3‬قال احلافظ يف «الفتح» (‪َّ :)357/9‬‬ ‫ابن �شراحيل‪ ،‬كما يف حديث �أبي �أُ�سيد‪ ،‬وقال م َّرة‪�« :‬أميمة بنت �شراحيل فن�سبت‬ ‫ُّهري)‪،‬عنعمروبن�صالح‪،‬عن�سعيدبنعبدال َّرحمنبن�أبزى‪.‬‬ ‫الز ّ‬ ‫جلدِّ ها» اهـ‪.‬‬ ‫وه���ذا �إ�سن���اد مر�سل تال���ف � ً‬ ‫أي�ضا‪ ،‬فيه الواق���دي‪ ،‬وعمرو ابن‬ ‫وقال يف مو�ضع �آخر‪« :‬وجزم ه�شام ابن الكلبي وكذا حم َّمد ابن �إ�سحاق وحم َّمد‬ ‫ابن حبيب وغريهما ب�أ َّنها �أ�سماء بنت ال ُّنعمان بن �شراحيل‪ ،‬فلعل ا�سمها �أ�سماء‬ ‫�صالح مل �أتب َّينه‪.‬‬ ‫ولقبها �أميمة»‪.‬‬ ‫(‪ )4‬له ترجمة يف «ميزان االعتدال» (‪ ،)304/4‬و«ل�سان امليزان» (‪.)197/6‬‬ ‫(‪ )5‬له ترجمة يف «تهذيب الكمال» (‪ 246/25‬ـ ‪.)252‬‬ ‫(‪ )6‬له ترجمة يف «تهذيب الكمال» (‪ 6/4‬ـ ‪.)8‬‬ ‫(‪ )7‬ال َّرازق َّية ‪ :‬ثياب َكتَّان ٌ‬ ‫بي�ض‪« .‬ال ِّنهاية يف غريب احلديث»‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪9‬‬


‫من مشكاة السنة‬

‫فهذه ال ِّروايات ـ كما ترى ـ جاءت ب�أ�س���انيد واهية‪ ،‬ويف متونها‬ ‫�أخرجها ابن �س���عد (‪ )146/8‬قال‪� :‬أخربنا ه�شام بن حم َّمد‪،‬‬ ‫ال�ساعدي‪ ،‬عن �أبيه‪ً � .‬‬ ‫أي�ضا نكارة وا�ضحة؛ وحا�شا �أ َّمهات امل�ؤمنني �أن يتج َّر�أن ويفرتين‬ ‫ح َّدثني ابن الغ�سيل‪ ،‬عن حمزة بن �أبي �أُ�سيد َّ‬ ‫���ب �أن يتع��� َّوذ باهلل منه!‬ ‫عل���ى ر�س���ول اهلل ‪ Í‬ب�أ َّن���ه يعجبه �أو يح ُّ‬ ‫ومن هذا الوجه ع َّلقه احلاكم يف «م�ستدركه» (‪.)37/4‬‬ ‫ال�س���ائب والواقع �أ َّنه يكره ذلك بدليل فراقه �إ َّياها‪.‬‬ ‫و�إ�س���ناده ك�س���ابقه فيه ه�ش���ام بن حم َّم���د وهو ابن َّ‬ ‫ال�صحابة فكيف‬ ‫فما ُن�س���ب �إليهنَّ ال يت�ص��� َّور وقوعه من �آحاد َّ‬ ‫الكلب���ي‪ ،‬واحلدي���ث �أورده َّ‬ ‫«ال�س�ي�ر» (‪ )259/2‬وقال‪:‬‬ ‫الذهبي يف ِّ‬ ‫ال�صادقات؟!‬ ‫ال�صاحلات العابدات التَّق َّيات َّ‬ ‫بن�سائه َّ‬ ‫«�إ�سناده وا ٍه»‪.‬‬ ‫الق�ص���ة‬ ‫َّ‬ ‫ومما ي�ؤ ِّكد وهاء هذه ال ِّروايات وبطالنها؛ �أنَّ �أ�ص���ل َّ‬ ‫‪  ‬‬ ‫مما ُن�س���ب‬ ‫«ال�ص���حيحني» ـ كما �س���بق ـ ولي�س فيها �ش���يء َّ‬ ‫ورد يف َّ‬ ‫بي ‪.Í‬‬ ‫لأزواج ال َّن ِّ‬ ‫فق���د رواه���ا الإم���ام البخ���اري يف «�ص���حيحه» (‪ )5254‬عن‬ ‫بي ‪ Í‬ا�س���تعاذت‬ ‫الأوزاع���ي قال‪� :‬س����ألت الزُّهري‪ُّ � :‬أي �أزواج ال َّن ِّ‬ ‫من���ه؟ ق���ال‪� :‬أخربين عروة عن عائ�ش���ة ‪� ،á‬أنَّ ابنة َ‬ ‫اجل ْون ملَّا‬ ‫�أُدخلت على ر�س���ول اهلل ‪ Í‬ودنا منه���ا‪ ،‬قالت‪� :‬أعوذ باهلل منك‪،‬‬ ‫يم‪ ،‬الحْ َ قِي ب�أَهْ لِكِ »‪.‬‬ ‫فقال لها‪َ « :‬ل َق ْد ُع ْذتِ ب َعظِ ٍ‬ ‫َّثم رواها (‪ )5255‬من طريق ابن الغ�سيل نف�سه‪ ،‬وهي ال ِّرواية‬ ‫ال َّرابع���ة عند ابن �س���عد واحلاكم‪ ،‬فقال‪ :‬ح َّدثن���ا �أبو نعيم‪ ،‬ح َّدثنا‬ ‫عبد ال َّرحمن بن غ�س���يل عن حمزة ابن �أبي �أ�س���يد عن �أبي �أ�سيد‬ ‫بي ‪ Í‬حتَّى انطلقنا �إىل حائط ُيقال‬ ‫‪ Ç‬قال‪ :‬خرجنا مع ال َّن ِّ‬ ‫«ال�ش ُ‬ ‫له‪َّ :‬‬ ‫���وط»(‪ )8‬حتَّ���ى انتهينا �إىل حائطني فجل�س���نا بينهما فقال‬ ‫«اجل ُِ�س���وا هَاهُ َنا»‪ ،‬ودخل وقد �أُت���ي باجلون َّية ف�أُنزلت‬ ‫���ي ‪ْ :Í‬‬ ‫ال َّنب ُّ‬ ‫يف بي���ت يف نخل يف بي���ت �أميمة بنت ال ُّنعمان بن �ش���راحيل ومعها‬ ‫���ي ‪ Í‬قال‪« :‬هبي‬ ‫داي ُته���ا ـ حا�ض���ن ٌة لها ـ‪ ،‬فل َّما دخ���ل عليها ال َّنب ُّ‬ ‫لل�سوقة؟ قال‪ :‬ف�أهوى‬ ‫َن ْف�سك يل»‪ ،‬قالت‪ :‬وهل ت ُ‬ ‫َهب امللك ُة َ‬ ‫نف�س���ها ُّ‬ ‫بيده ي�ضع يده عليها لت�سكن‪ ،‬فقالت‪� :‬أعوذ باهلل منك! فقال‪َ « :‬ق ْد‬ ‫عُذتِ مبَعاذ»‪َّ ،‬ثم خرج علينا فقال‪َ « :‬يا �أَ َبا �أُ َ�س ْيد‪ ،‬ا ْك ُ�سهَا َرازق َّي َتينْ ِ‬ ‫َو�أَلحْ ِ ْقهَا ب�أَهْ ِلهَا»‪.‬‬ ‫كما رواها � ً‬ ‫أي�ض���ا (‪ )5637‬هو والإمام م�س���لم (‪ )2007‬من‬ ‫���ي ‪ Í‬امر�أة من‬ ‫حديث �س���هل بن �س���عد ‪ Ç‬قال‪ُ :‬ذك���ر لل َّنب ِّ‬ ‫فقدمت‪،‬‬ ‫العرب ف�أمر �أبا �أُ�س���يد �أن ير�س���ل �إليها‪ ،‬ف�أر�س���ل �إليه���ا‬ ‫ْ‬ ‫���ي ‪ Í‬حتَّى جاءها‪،‬‬ ‫فنزل���ت يف �أُ ُجم(‪ )9‬بني �س���اعدة‪ ،‬فخرج ال َّنب ُّ‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫فدخل عليها ف�إذا امر�أ ٌة من ِّك�س��� ٌة ر� َأ�س���ها‪ ،‬فل َّم���ا ك َّلمها ال َّن ُّ‬ ‫(‪ )8‬ب�ستان يف املدينة معروف‪«[ .‬الفتح» (‪.])357/9‬‬ ‫(‪� )9‬أي قلعة �أو ح�صن‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫وهذه احليلة فيها نوع من التَّورية؛ لأنَّ الع�سل له رائحة والب َّد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتعري�ضا‪.‬‬ ‫و� مَّإنا ذكرن ال ُع ْرفط على �سبيل اال�ستفهام تورية‬ ‫أكلت مغافري؟»‬ ‫قال ابنُ امل َنيرِّ ‪ � ::‬مَّإنا �س���اغ لهنَّ �أن يقلن‪ْ �« :‬‬ ‫لأنه���نَّ �أوردن���ه على طري���ق اال�س���تفهام بدليل جواب���ه بقوله‪« :‬ال»‬ ‫و�أردن بذلك التَّعري�ض ال �ص���ريح الكذب فهذا وجه االحتيال التي‬ ‫قالت عائ�شة‪َ « :‬ل َن ْحتَا َلنَّ له» ولو كان كذ ًبا ً‬ ‫ي�سم حيلة �إذ‬ ‫حم�ضا مل َّ‬ ‫ال �شبهة ل�صاحبه»(‪ )13‬اهـ‪.‬‬ ‫وق���ال احلافظ ابن حج���ر ‪« ::‬ويف احلديث من الفوائد ما‬ ‫ُجب���ل عليه ال ِّن�س���اء من ال َغ�ْي�ررْ ة و�أنَّ ال َغيرْ ا َء تُعذر فيم���ا يقع منها‬ ‫م���ن االحتيال فيما َيدف ُع عنها تر ُّف َع َ�ض��� َّر ِتها عليها ب�أيِّ وجه كان‪،‬‬ ‫(‪�« )10‬صحيح البخاري» (‪ ،)5268‬و«�صحيح م�سلم» (‪.)1474‬‬ ‫(‪ )11‬جمع ُمغْفور وهو �صمغ حلو له رائحة كريهة‪«[ .‬فتح الباري» (‪.])377/9‬‬ ‫(‪ )12‬جر�ست‪� :‬أي �أكلت‪ ،‬وال ُع ْرفط‪� :‬شجر له َ�ص ْم ٌغ كري ُه ال َّرائحة ف�إذا �أ َكلتْه ال َّن ُ‬ ‫حل‬ ‫ح�صل يف ع�سلها من ريحهِ‪«[ .‬النهاية يف غريب احلديث»]‪.‬‬ ‫َ‬ ‫(‪ )13‬انظر‪« :‬فتح الباري» (‪.)344/12‬‬

‫من مشكاة السنة‬

‫قال���ت‪� :‬أع���وذ باهلل منك! ق���ال‪َ « :‬ق��� ْد �أَ َع ْذ ُت���كِ مِ ِّن���ي»‪ ،‬فقالوا لها‪:‬‬ ‫�أتدري���ن من هذا؟ قال���ت‪ :‬ال‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا ر�س���ول اهلل ‪ Í‬جاءك‬ ‫ُ‬ ‫ليخطبك‪ ،‬قالت‪ :‬كنت �أنا �أ�شقى من ذلك» احلديث‪.‬‬ ‫وهذه املر�أة �إن كانت هي َ‬ ‫اجل ْون َّية ـ كما هو ظاهر ـ فقد اعتذرت‬ ‫بي ‪ ،Í‬ومل تعتذر باخلديعة‬ ‫ع���ن مقولتها تلك ب�أ َّنها مل تعرف ال َّن َّ‬ ‫مما ي�ؤ ِّكد بطالنها ونكارتها‪.‬‬ ‫املزعومة َّ‬ ‫نعم ربمَّ ا حملت ال َغيرْ ُة ـ التي تكون بني َّ‬ ‫ال�ضرائر عادة ـ بع�ضهنَّ‬ ‫على ارتكاب احليل املباحة �أو ا�س���تعمال املعاري�ض امل�شروعة‪ ،‬كما‬ ‫ق�صة الع�س���ل التي جاءت‬ ‫ح�ص���ل ل ِّأم امل�ؤمنني عائ�ش���ة ‪ á‬يف َّ‬ ‫«ال�ص���حيحني»(‪ ،)10‬قالت‪« :‬كان ر�س���ول اهلل ‪ Í‬يحب الع�س���ل‬ ‫يف َّ‬ ‫واحللواء وكان �إذا ان�ص���رف من الع�ص���ر دخل على ن�سائه فيدنو‬ ‫م���ن �إحداه���نَّ ‪ ،‬فدخل على حف�ص���ة بنت عمر فاحتب����س �أكرث ما‬ ‫كان يحتب�س ف ِغ ْرت ف�س����ألتُ عن ذل���ك فقيل‪� :‬أهدت لها امر�أ ٌة من‬ ‫بي ‪ Í‬منه �ش���ربة‪ ،‬فقلتُ ‪� :‬أما‬ ‫قومها ُع َّكة من ع�س���ل ف�س���قت ال َّن َّ‬ ‫واهلل ل َن ْحتالنَّ له‪ ،‬فقلت ل�س���ودة بنت زمعة‪� :‬إ َّنه �س���يدنو منك ف�إذا‬ ‫دنا منك فقويل‪� :‬أكلت مغافري(‪)11‬؟ ف�إ َّنه �سيقول لك‪ :‬ال‪ ،‬فقويل له‪:‬‬ ‫ما هذه ال ِّريح ا َّلتي �أجد منك؟ ف�إ َّنه �س���يقول لك‪� :‬س���قتني حف�صة‬ ‫�ش���ربة ع�سل‪ ،‬فقويل له‪ :‬جر�س���ت نح ُله ال ُع ْر ُفط(‪ ،)12‬و�س�أقول ذلك‬ ‫وقويل �أنت يا �صف َّية ذاك» احلديث‪.‬‬

‫وترجم عليه امل�ص��� ِّنف (يعن���ي البخاري) يف كتاب ترك احليل ما‬ ‫يكره من احتيال املر�أة من الزَّوج َّ‬ ‫وال�ضرائر»(‪ )14‬اهـ‪.‬‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫و�أ َّما ما جاء يف َّ‬ ‫ق�ص���ة اجلون َّية و�أ َّنها ا�ستعاذت من ال َّن ِّ‬ ‫بتحري�ض عائ�ش���ة �أو حف�ص���ة �أو غريهما من �أ َّمهات امل�ؤمنني فهو‬ ‫ال�ص���راح الذي ينبغي �أن ُينـ َّزه���نَ عنه‪ ،‬ولي�س هو من‬ ‫من الكذب ُّ‬ ‫باب احليل املباحة يف �شيء‪.‬‬ ‫ولذلك ج���زم جم ٌع من املح ِّققني ببطالن ه���ذه الزِّ يادة و�أ َّنها‬ ‫«ال�ص���حيح»‪ ،‬فقال احلافظ اب���ن املل ِّقن يف «البدر‬ ‫خمالف��� ٌة ملا يف َّ‬ ‫بال�ص���ورة ا َّلتي ذكرها‬ ‫املن�ي�ر» (‪ 453/7‬ـ ‪« :)454‬و�أ َّما احلديث ُّ‬ ‫ال َّرافع���ي ـ يعني يف كتاب���ه «الفتح العزيز» ـ‪ ،‬فتب���ع فيه الغزايل يف‬ ‫ال�صالح يف «م�شكله» ـ يعني على «الو�سيط» ـ‪:‬‬ ‫«و�سيطه»‪ ،‬وقال ابن َّ‬ ‫«هذه ال َّلفظة ـ يعني �أنَّ ن�ساءه ع َّل ْم َنها ذلك ـ مل �أجد لها �أ�ص ًال ثابتًا‪،‬‬ ‫قال‪ :‬واحلديث يف «�صحيح البخاري» بدون هذه الزِّ يادة البعيدة‪،‬‬ ‫وق���ال ال َّن���ووي يف «تهذيبه» ـ يعن���ي «تهذيب الأ�س���ماء واللُّغات» يف‬ ‫(‪����/2/1‬ص‪ :)372‬هذه الزِّ يادة باطلة لي�س���ت ب�ص���حيحة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وقد رواها حم َّمد بن �سعد يف «طبقاته» لكن ب�إ�سناد �ضعيف» اهـ‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ويعني ‪ :‬ـ بال ٍّ‬ ‫ال�ضعف َّ‬ ‫�شك ـ َّ‬ ‫ال�شديد‪ ،‬بل جزم الع َّالمة‬ ‫َّ‬ ‫الألباين ‪ :‬ب�أ َّنها مو�ضوعة‪ ،‬وذكر �أنَّ �أحد علماء ِّ‬ ‫ا�ستغل‬ ‫ال�شيعة‬ ‫ال�س��� ِّيدة عائ�ش���ة ‪( .á‬راجع‬ ‫ه���ذه الزِّ ي���ادة فطعن بها عل���ى َّ‬ ‫«ال�سل�سلة ال�ضعيفة ‪.»)167/5‬‬ ‫والعجب �أنَّ بع�ض ُّ‬ ‫ال�ش��� َّراح و�أ�صحاب رَّ‬ ‫التاجم قد تواردوا على‬ ‫الق�صة املنكرة وك�أ َّنها من �صحيح الأخبار املتلقَّاة بالقبول‬ ‫نقل هذه َّ‬ ‫التي �أغنت �ش���هرتها عن البحث يف �أ�س���انيدها! مع �أ َّنها مل ترد من‬ ‫وجه ي�ص ُّح‪ ،‬بل طرقها كلُّها واهية �إذ مدارها على متَّهم �أو مرتوك‪.‬‬ ‫ال�ص َّحة‬ ‫وكونها وردت يف بع�ض الكتب التي التزم فيها �أ�صحابها ِّ‬ ‫كم�ستدرك �أبي عبد اهلل احلاكم ال يعني ثبوتها؛ فقد بينَّ �أهل العلم‬ ‫�أنَّ احلاكم ‪ :‬مت�ساهل جدًّا يف التَّ�صحيح و�ص َّرحوا ب�أنَّ يف كتابه‬ ‫�أحاديث كثرية �ض���عيفة بل ومو�ضوعة وال �سيما يف الأجزاء الأخرية‬ ‫منه(‪ ،)15‬وعليه فال ينبغي االغرتار بذلك‪ ،‬واهلل امل�ستعان‪.‬‬ ‫و�ص��� َّلى اهلل و�س��� َّلم عل���ى نب ِّين���ا حم َّم���د وعل���ى �آل���ه و�ص���حبه‬ ‫�أجمعني‪.‬‬ ‫(‪« )14‬الفتح» (‪.)380/9‬‬ ‫(‪ )15‬ينظر‪�« :‬سري �أعالم ال ُّنبالء» (‪ ،)175/17‬و«اخت�صار علوم احلديث» البن كثري‬ ‫(‪ 113/1‬ـ مع الباعث احلثيث)‪ ،‬و«ال ُّنكت» البن حجر (‪ 312/1‬ـ ‪.)319‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪11‬‬


‫التوحيد الخالص‬

‫اخللود يف النار‬ ‫ماهر القحطاين‬

‫جدة ـ ال�سعودية‬

‫ممن مل يفقه‬ ‫اعل���م �أنها قد تتباين جوابات كث ٍري م���ن ال َّنا�س َّ‬ ‫ذنب ع�صي اهلل به على وجه‬ ‫العلم ومل يعقله �إذا �س���ئل عن �أعظم ٍ‬ ‫الأر����ض‪ ,‬فلربمَّ ا قال قائ ٌل منهم‪ُ :‬‬ ‫قتل الأب‪ ,‬وقال �آخر‪ :‬م�س���افحة‬ ‫ذبح الولد خ�ش���ية �إمالق رج ًما بالغيب‪ ,‬بل‬ ‫ال ِّأم �أو الأخت‪ ,‬وقائ ٌل‪ُ :‬‬ ‫ممن يلحن يف العلم حل ًنا جل ًّيا يقول‬ ‫ق�صا�ص الزَّمان َّ‬ ‫�سمعت بع�ض َّ‬ ‫ذنب ع�صي اهلل به على وجه الأر�ض تناول املخدِّ رات!‪.‬‬ ‫�أعظم ٍ‬ ‫ممن ال ينطق ل�سانه بالهوى �إن هو �إ َّال‬ ‫ولن جتد جوا ًبا �أ�صوب َّ‬ ‫وحي �إليه من اهلل يوحى‪ ,‬حم َّمد بن عبد اهلل ر�س���ول الهدى ا َّلذي‬ ‫ٌ‬ ‫�أنقذ اهلل به ال َّنا�س من الهوى �إىل التَّوحيد والهدى ‪.Í‬‬ ‫فب�َّي�نَّ ذلك َّ‬ ‫الذن���ب الأعظ���م ا َّلذي ع�ص���ي به الأع��� ُّز الأكرم‬ ‫���اري (‪ )6001‬وم�س���لم (‪ )86‬عن َع ْب ِد‬ ‫�س���بحانه فيم���ا رواه البخ ُّ‬ ‫اللهَِّ بن م�س���عود َق َال‪ُ :‬ق ْلتُ َيا َر ُ�س َ‬ ‫���ول اللهَِّ َ�أ ُّي َّ‬ ‫الذ ْن ِب �أَ ْع َظ ُم؟ َقا َل‪:‬‬ ‫«�أَنْ تجَ ْ َع َ‬ ‫���ل للِهَِّ ِندًّا َوهُ َو َخ َل َق َك» ُق ْلتُ ‪ُ :‬ث َّم �أَ ُّي؟ َق َال‪�« :‬أَنْ َت ْقت َُل َو َلدَ َك‬ ‫َخ ْ�ش��� َي َة َ�أنْ َي�أْ ُك َل َم َع َك» قلت‪ُ :‬ث َّم �أَ ُّي؟ َق َال‪�« :‬أَنْ تُزَ انيِ َ َح ِلي َل َة َجار َِك»‬ ‫َ�ص ِديقَ َق ْو ِل ال َّن ِب ِّي ‪﴿ Í‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫َو�أَ ْنزَ َل اللهَّ ُ ت ْ‬ ‫ﭗ﴾ [‪ ]u: 68‬الآ َي َة‪.‬‬ ‫فانظ���ر ـ رحم���ك اهلل ـ كي���ف جعل ِّ‬ ‫ال�ش���رك ب���اهلل �أعظم من‬ ‫���ل الولدِ‪َ ,‬‬ ‫فلذ ِة الكبد طع ًنا يف ق�س���مة اهلل ورزقه وجحدً ا لنعمته‬ ‫قت ِ‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫وف�ض���له‪ ,‬بل والزِّ ن���ا باجلارة امل�ؤمتن���ة‪ ,‬وا َّلتي �أو�ص���ى ال َّن ُّ‬ ‫بزوجه���ا اجلار حتَّى ق���ال‪َ :‬‬ ‫«ظ َن ْن���تُ َ�أ َّن جِ برْ ِ ي��� َل َ�س ُي َو ِّر ُث���هُ» فيكون‬ ‫ق�سي ًما للورثة بعد املوت يف رَّ‬ ‫التكة‪.‬‬ ‫�شك �أنَّ تعلُّم معنى ِّ‬ ‫فحينئذ ال َّ‬ ‫ال�شرك و�أنواعه من العلم ا َّلذي‬ ‫هو فر�ض ع ٍني‪ ,‬وا َّلذي جاء خربه فيما رواه ابن ماجة يف «�س���ننه»‬ ‫(‪ )224‬عن حم َّمد بن �س�ي�رين عن �أن�س بن مالك قال‪َ :‬ق َال َر ُ�س ُ‬ ‫���ول‬ ‫‪َ :Í‬‬ ‫«طلَ ُب ا ْل ِع ْل ِم َفر َ‬ ‫ِي�ض ٌة َعلَى ُك ِّل م ُْ�سل ٍِم»‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫وقد �س���ئل الإمام �أحمد‪ :‬ما العل���م ا َّلذي هو فر�ض عني؟ قال‪:‬‬ ‫«م���ا ال يقوم دي���ن ال َّرجل �إ َّال ب���ه» يعني كالتَّوحيد وما ي�ض���ا ُّده من‬ ‫ال�شرك �أو ي�ضا ُّد كماله الواجب ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫كال�شرك الأ�صغر والبدع‪.‬‬ ‫بي ‪ Í‬ق���د تويف وما ب َّينه �أو َّ‬ ‫حذر منه‪,‬‬ ‫وال ميك���ن �أن يكون ال َّن ُّ‬ ‫ذنب ع�ص���ي به‬ ‫م���ع �أ َّن���ه يحبط العمل ويخ ِّلد يف ال َّنار‪ ,‬وهو �أعظم ٍ‬ ‫أدب ق�ض���ا ِء احلاجة واجلماع‬ ‫بي ‪ Í‬بينَّ � َ‬ ‫الواحد الق َّهار‪ ,‬ف�إنَّ ال َّن َّ‬ ‫وب���دء َّ‬ ‫الطعام ونح َو ذلك‪ ,‬فال ب َّد �أن يكون قد بينَّ ِّ‬ ‫ال�ش���رك؛ ذلك‬ ‫الذنب العظيم َّ‬ ‫َّ‬ ‫وحذر منه وخ َّوف‪.‬‬ ‫روى م�سلم يف «�ص���حيحه» (‪ )262‬عن �سلمان قال‪ :‬قيل له‪:‬‬ ‫«ق���د ع َّلمك���م نب ُّيك���م ‪ Í‬ك َّل �ش���يء حتَّى اخلراءة! ق���ال‪ :‬فقال‪:‬‬ ‫بول �أو �أن ن�س���تنجي‬ ‫�أج���ل لقد نهانا �أن ن�س���تقبل القبلة لغائط �أو ٍ‬ ‫ِباليم�ي�ن �أو �أن َن ْ�س��� َت ْن ِج َي ب َِ�أ َق َّل مِ���نْ ثَلاَ َث ِة �أَ ْح َجا ٍر �أَ ْو �أَنْ َن ْ�س��� َت ْن ِج َي‬ ‫ِب َر ِج ٍيع �أَ ْو ِب َع ْظ ٍم»‪.‬‬ ‫نعم لق���د ع َّلم معنى ِّ‬ ‫ال�ش���رك من ب���اب �أوىل و�أحرى فقال يف‬ ‫بيانه وتعريفه كما م�ض���ى �آنفا يف حديث البخاري‪�« :‬أَ ْن تجَ ْ َع َل هلل‬ ‫ال�ش���بيه وامل�س���اوي‪ِّ ،‬‬ ‫نِ���دًّا َوهُ َو َخلَ َق َك»‪ ،‬فال ِّن ُّد‪َّ :‬‬ ‫فال�ش���رك‪ :‬م�ساواة‬ ‫غري اهلل باهلل فيما هو من خ�صائ�ص اهلل �سوا ًء يف الألوه َّية‪� ,‬أي‪:‬‬ ‫توحيد العبادة‪ ,‬كمن يدعو غري اهلل ولو بزعم طلب َّ‬ ‫ال�شفاعة كمن‬ ‫يقول‪ :‬يا ر�سول اهلل ا�شفع يل عند اهلل‪ ,‬مع كونه يدعو اهلل وي�ص ِّلي‬ ‫وي�صوم ويح ُّج ويذكر اهلل‪ ,‬ولكن �إذا �أ�شرك حبط عمله كلُّه و�صار‬ ‫يف ال َّنار من اخلالدين خمذو ًال مدحو ًرا‪.‬‬ ‫كما قال تعاىل‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ﮧ ﮨ﴾ [\‪.]v‬‬ ‫�أو يف ال ُّربوب َّي���ة كمن يعتق���د �أنَّ غري اهلل يخلق كخلقه �أو يرزق‬ ‫ال�صفات كمن يعتقد �أنَّ لغري اهلل كالأنبياء واملالئكة‬ ‫كرزقه‪� ,‬أو يف ِّ‬ ‫�أو الأولياء �صفة ك�صفته كعلم الغيب‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫َت ْ�صدِ ي َق َق ْولِ ال َّن ِب ِّي ‪﴿ Í‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ الآ َي َة‬ ‫ومن كمال التَّوحيد الواجب‪ :‬اخلوف من ِّ‬ ‫ال�ش���رك والوقوع يف‬ ‫�شراكه‪ ,‬ومعرفة �صفة ِّ‬ ‫ال�شرك للحذر منه و�أنواعه من باب‪:‬‬ ‫ال�ش َّر ال َّ‬ ‫عرفت َّ‬ ‫لل�ش ِّر ولكن لتو ِّقيه‬ ‫ومن ال يعرف َّ‬ ‫ال�ش َّر من اخلري يقع فيه‪.‬‬ ‫وق���د يقول البع�ض‪� :‬أين ِّ‬ ‫ال�ش���رك وعالم التَّحذي���ر منه ف�إ َّننا‬ ‫ال ن���رى ال َّالت وال الع���زَّى وال مناة ال َّثالثة الأخ���رى؛ فما نرى غري‬ ‫لرب العاملني؟‬ ‫م�ضحني ِّ‬ ‫حاجني ِّ‬ ‫م�ص ِّلني �صائمني ِّ‬ ‫قلنا‪ :‬ومن قال �إنَّ التَّحذير من ِّ‬ ‫ال�شرك ال يكون �إ َّال مع وجوده ف�إنَّ‬ ‫نوح كانوا � َ‬ ‫تن�سخ العلم ومعرفة ِّ‬ ‫ال�شرك واحلذ ُر‬ ‫أهل ٍ‬ ‫توحيد‪ ,‬فل َّما َّ‬ ‫قوم ٍ‬ ‫منه وقعوا فيه �إذ َّ‬ ‫نا�ص���ب �شراكه له‬ ‫ال�ش���يطان باملر�ص���اد البن �آدم‬ ‫ٌ‬ ‫ليوق َعه فيه ولو على �سبيل التَّد ُّرج به من البدعة �إىل ِّ‬ ‫ال�شرك‪ ,‬وا َّلتي‬ ‫ا�س‬ ‫هي بريده‪ ,‬خ َّرج‬ ‫ُّ‬ ‫البخاري يف «�ص���حيحه» (‪ )4920‬عن ابن ع َّب ٍ‬ ‫نوح يف العرب بع ُد �أ َّما َو ٌّد‬ ‫‪�« :È‬صارت الأوثان ا َّلتي كانت يف قوم ٍ‬ ‫كانت لكلب بِدَ ْو َم ِة َ‬ ‫لهذيل و�أ َّما ُ‬ ‫يغوث فكانت‬ ‫دَل و�أ َّما �سواع كانت ٍ‬ ‫اجل ْن ِ‬ ‫يف ِب َ‬ ‫وف عندَ �س���ب�إٍ و�أ َّما ُ‬ ‫يعوق فكانت ل َه ْمدَانَ‬ ‫ملُ َر ٍاد َّثم لبني ُغ َط ٍ‬ ‫اجل ِ‬ ‫رجال �صاحلني من‬ ‫و�أ َّما ن�س��� ٌر فكانت ِ‬ ‫حلميرَ َ لآل ذي الكالع �أ�سماء ٍ‬ ‫���وح فل َّما هلكوا �أوحى َّ‬ ‫ال�ش���يطان �إىل قومهم �أن ان�صِ���بوا �إىل‬ ‫ق���وم ن ٍ‬ ‫جمال�سهم ا َّلتي كانوا يجل�سون �أن�ص���ا ًبا و�س ُّموها بِ�أ�سمائهم ففعلوا‬ ‫دَت»‪.‬‬ ‫وتن�سخ العلم ُع ِب ْ‬ ‫فلم تعبد حتَّى �إذا هلك �أُولئك َّ‬ ‫وتن�س���خ العل���م‬ ‫فانظ���ر ـ رحم���ك اهلل ـ �إىل عاقب���ة اجله���ل ُّ‬ ‫وترك التَّحذير من ِّ‬ ‫ال�ش���رك‪ ,‬واال�ش���تغال بالق�ص����ص واحلكايات‬ ‫والزُّهد َّيات‪ ,‬وترك تعليم التَّوحيد وما ي�ض���ا ُّده من ِّ‬ ‫ال�شرك الأكرب‬ ‫نوح على الإ�س�ل�ام‬ ‫ِّ‬ ‫برب الأر�ض َّ‬ ‫وال�س���موات‪ ,‬فقد كان ال َّنا�س قبل ٍ‬ ‫ا�س ‪« :È‬كان بني نوح و�آدم ع�ش���رة‬ ‫والتَّوحيد كما قال ابن ع َّب ٍ‬ ‫قرون كلُّهم على �شريعة احلقِّ »(‪.)1‬‬ ‫فو�سو�س �إليهم َّ‬ ‫ال�شيطان بالبدعة ل�ضعف العلم والتَّحذير من‬ ‫البدع ف�أوقعهم يف التَّ�ص���وير‪ ,‬ونحت الأ�ص���نام لطلب ال َّن�شاط يف‬ ‫و�صححه و�أق َّره َّ‬ ‫الذهبي‪.‬‬ ‫(‪� )1‬أخرجه الطربي (‪ ,)621/3‬واحلاكم (‪َّ ,)546/2‬‬

‫و�س���واع َ‬ ‫ويعوق َ‬ ‫ون�سر‪,‬‬ ‫العبادة بذكر م�آثر �أولئك الز َُّّهاد؛ و ٍّد‬ ‫ويغوث ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فانتظر بهم َّ‬ ‫وتن�سخ العلم مب َّرة‪,‬‬ ‫ال�ش���يطان حتَّى هلك ذلك اجليل َّ‬ ‫ف�أوحى �إليهم �أنَّ �آباءكم كانوا يعبدونها‪ ,‬فلذلك َّ‬ ‫عظموها؛ فكانت‬ ‫�شرك وقع يف الأر�ض‪.‬‬ ‫�سبب �أ َّو ِل ٍ‬ ‫ال�صور واجلهل بتوحيد اهلل َ‬ ‫ُّ‬ ‫مما يخ ِّوفنا من ِّ‬ ‫ال�ش���رك و�إن مل يكن ظاه ًرا‪ ,‬فيدعونا‬ ‫فه���ذا َّ‬ ‫حت�ص��� ًنا بالعلم؛ ف�إنَّ اجله���ل باهلل و�أحكامه‬ ‫لتعلُّم���ه واحلذر منه ُّ‬ ‫وال�س َّن ِة قنطر ُة الوقوع فيه كما وقع فيه قوم نوح‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫بي ‪ Í‬قد ه َّون من �أمر ِّ‬ ‫ال�ش���رك‬ ‫بل �س���معنا من ي َّدعي �أنَّ ال َّن َّ‬ ‫ال�ش ْر َك �أَ َخ ُ‬ ‫فقال‪« :‬ما ِّ‬ ‫«ال�صحيحني»‪ :‬عن عقبة‬ ‫اف َعلَ ْي ُك ْم» كما يف‪َّ :‬‬ ‫يوما ف�ص��� َّلى على �أهل �أُ ُح ٍد �صالته‬ ‫ابن ٍ‬ ‫بي ‪ Í‬خرج ً‬ ‫عامر �أنَّ ال َّن َّ‬ ‫عل���ى امل ِّيت َّثم ان�ص���رف �إىل املنرب فق���ال‪�« :‬إِنيِّ َف��� َر ٌط َل ُك��� ْم َو�أَ َنا‬ ‫َ�ش ِهي��� ٌد َعلَ ْي ُك��� ْم َو�إِنيِّ َواللهَّ ِ َلأ ْن ُظ ُر �إِلىَ َح ْو ِ�ض���ي الآ َن َو�إِنيِّ �أُ ْعطِ يتُ‬ ‫����ض َو�إِنيِّ َواللهَّ ِ مَا �أَ َخ ُ‬ ‫اف‬ ‫ِ���ن الأَ ْر ِ�ض �أَ ْو َم َفاتِي َح الأَ ْر ِ‬ ‫َم َفا ِتي��� َح َخ َزائ ِ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم �أَ ْن ُت ْ�ش ِر ُكوا َب ْعدِ ي َو َلكِنْ َ�أ َخ ُ‬ ‫اف َعلَ ْي ُك ْم �أَ ْن َت َنا َف ُ�سوا فِيهَا»‪.‬‬ ‫فاجلواب‪ :‬كم���ا قال احلافظ ابن حجر‪« :‬مَا �أَ َخ ُ‬ ‫���اف َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫�أَ ْن ُت ْ�ش ِر ُك���وا» �أي‪ :‬عل���ى جمموعكم؛ لأنَّ ذلك وق���ع من البع�ض»‬ ‫ال �أن ال يظه���ر ِّ‬ ‫ال�ش���رك فيك���م‪ ,‬فق���د ظه���ر يف الأ َّم���ة كما روى‬ ‫رِّ‬ ‫���ذي ( ‪ )2219‬عن ثوبان قال‪ :‬قال ر�س���ول اللهَّ ‪َ « :Í‬ال‬ ‫التم ُّ‬ ‫ال�ساعَ��� ُة َح َّتى َت ْل َح��� َق َق َبا ِئ ُل مِ نْ �أُ َّمتِ���ي ِبالمْ ُ ْ�ش ِر ِك َ‬ ‫ني َو َح َّتى‬ ‫َت ُق���و ُم َّ‬ ‫ون فيِ �أُ َّمتِي َث َ‬ ‫َي ْع ُب��� ُدوا الأَ ْو َثا َن َو�إِ َّن��� ُه َ�س َي ُك ُ‬ ‫ال ُث���و َن َك َّذا ُبو َن ُك ُّل ُه ْم‬ ‫َي ْزعُ��� ُم �أَ َّن��� ُه َن ِب ٌّ���ي َو�أَ َن���ا َخ مَ ُ‬ ‫���ات ال َّن ِب ِّي َ‬ ‫�ي�ن َال َن ِب َّ���ي َب ْع���دِ ي» ق���ال �أبو‬ ‫عي�سى‪ :‬هذا حديثٌ ح�سنٌ �صحي ٌح»‪.‬‬ ‫فكيف ال نخاف الوقوع يف ِّ‬ ‫ال�شرك ومل ي�أمن البالء على نف�سه‬ ‫�إبراهي���م اخلليل �أبو الأنبياء ‪ ,Í‬وا َّل���ذي جعله اهلل �أ َّم ًة فقال‪:‬‬ ‫﴿ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [\‪.]j‬‬

‫التوحيد الخالص‬

‫عن َع ْبدِ اللهَّ ِ بن م�سعود َقا َل‪ُ :‬ق ْلتُ َيا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ �أَيُّ ال َّذ ْنبِ �أَ ْع َظ ُم؟ َقا َل‪:‬‬ ‫«�أَ ْن تجَ ْ َع َل للِهَّ ِ ِندًّا َوهُ َو َخلَ َق َك» ُق ْلتُ ‪ُ :‬ث َّم �أَيُّ ؟ َقا َل‪�« :‬أَ ْن َت ْق ُت َل َو َلد َ​َك َخ ْ�ش َي َة‬ ‫�أَ ْن َي ْ�أ ُك َل َم َع َك» قلت‪ُ :‬ث َّم �أَيُّ ؟ َقا َل‪�« :‬أَ ْن ُت َزانيِ َ َحلِيلَ َة َجار َِك» َو َ�أ ْن َز َل اللهَّ ُ‬

‫رجل من‬ ‫���ي ٍ‬ ‫روى �أحم���د يف «م�س���نده» (‪ )19606‬عن �أبي عل ٍّ‬ ‫ا�س!‬ ‫كاهل قال‪ :‬خطبنا �أبو مو�س���ى ال ُّ‬ ‫بني ٍ‬ ‫أ�شعري فقال‪ :‬يا �أ ُّيها ال َّن ُ‬ ‫ا َّت ُق���وا هذا ِّ‬ ‫ال�ش���رك ف�إ َّن���ه �أخفى من دبيب ال َّنمل؛ فق���ام �إليه عبد‬ ‫قلت‬ ‫مما َ‬ ‫اللهَّ بن ٍ‬ ‫حزن وقي�س بن امل�ض���ارب فقاال‪ :‬واللهَّ لتخرجنَّ َّ‬ ‫مما قلت‬ ‫�أو لن� َّ‬ ‫أت�ي�ن عم َر م�أذو ٌن لنا �أو غري م� ٍ‬ ‫أذون‪ ،‬قال‪ :‬بل �أخرج َّ‬ ‫للهَّ‬ ‫ا�س! ا َّت ُقوا َه َذا‬ ‫يوم فقال‪�« :‬أَ ُّيهَ���ا ال َّن ُ‬ ‫خطبنا ر�س���ول ا ‪ Í‬ذات ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ال�ش��� ْر َك َف ِ�إ َّن��� ُه �أَ ْخ َفى مِ ���نْ َدبِيبِ ال َّن ْملِ » فقال له من �ش���اء اللهَّ �أن‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪13‬‬


‫التوحيد الخالص‬

‫اهتم بال ُّدنيا‪ ,‬وان�شغل عن‬ ‫يق���ول‪ :‬وكيف نتَّقي���ه وهو �أخفى م���ن دبيب ال َّنمل يا ر�س���ول اللهَّ ؟‬ ‫فال تكن من �أ�ص���حاب الغفلة َّ‬ ‫ممن َّ‬ ‫ق���ال‪ُ « :‬قو ُلوا‪ :‬ال َّل ُه َّم �إِ َّنا َن ُعو ُذ ب َِك مِ ���نْ �أَ ْن ُن ْ�شر َِك ب َِك َ�ش ْي ًئا َن ْعلَ ُم ُه العلم‪ ,‬حتَّى وقع يف ِّ‬ ‫ال�شرك ً‬ ‫عياذا باهلل ُ‬ ‫وخ ِّلدَ يف ال َّنار بال موت وال‬ ‫نوم وال راحة ولو �ساعة‪.‬‬ ‫َو َن ْ�س َت ْغ ِف ُر َك لمِ َا اَل َن ْعلَ ُم»‪.‬‬ ‫وينق�س���م ِّ‬ ‫ال�ش���رك من جهة العاقبة يف الآخرة وحبوط العمل‬ ‫وق���د �س���معنا بع�ض املف ِّكري���ن‪ ,‬وا َّلذين هم يف ب���اب العلم من‬ ‫املبتدع�ي�ن يق ِّلل���ون من �ش����أن التَّوحي���د وتعلُّمه فق���ال‪ :‬ميكن تعلُّم �إىل ق�سمني‪� :‬شرك �أكرب و�شرك �أ�صغر‪:‬‬ ‫‪1‬ـ ِّ‬ ‫ال�ش���رك الأك�ب�ر‪ :‬ه���و م�س���اواة غ�ي�ر اهلل باهلل فيم���ا هو من‬ ‫التَّوحي���د يف خم�س دقائ���ق! يعني كما َّ‬ ‫حذر �إم���ام ال َّدعوة من قول‬ ‫خ�ص���ائ�ص اهلل‪ ,‬كمن ي�س���جد لغري اهلل وينذر �أو يذبح تع ُّبدًا لغريه‬ ‫بع�ضهم هذا التَّوحيد عرفناه‪.‬‬ ‫���ي ‪« :Í‬ال ِّر َب���ا ب ِْ�ض ٌع �سبحانه‪.‬‬ ‫وذل���ك ي���د ُّل على جهله؛ فق���د قال ال َّنب ُّ‬ ‫‪2‬ـ ِّ‬ ‫وال�ش���رك الأ�صغر‪ :‬م�س���اواة غري اهلل ب���اهلل يف ال َّلفظ وك ُّل‬ ‫َو َ�س ْب ُع���و َن َبا ًبا َو ِّ‬ ‫ال�ش ْر ُك مِ ْثل َذل َِك» [رواه البزَّار (‪�« ،)1935‬صحيح‬ ‫و�س���يل ٍة ِّ‬ ‫لل�ش���رك الأكرب وما �س َّمته َّ‬ ‫ال�شريعة �ش���ر ًكا ومل يكن �أكرب‪,‬‬ ‫اجلامع»(‪.])3540‬‬ ‫بال�صاحلني‪.‬‬ ‫فلو �س���ئل هذا املته ِّوك ما هو �ضابط ِّ‬ ‫ال�ش���رك الأكرب يف اخلوف كالرياء واحللف بغري اهلل والتَّربك َّ‬ ‫���رك يف الألوه َّية‪ٌ ,‬‬ ‫وينق�س���م الأكرب �إىل ثالثة �أق�سام‪� :‬ش ٌ‬ ‫�شرك‬ ‫واملح َّب���ة لتحيرَّ جوا ًبا‪ ,‬فلي�س هو ا َّلذي تع َّلم التَّوحيد وما ي�ض���ا ُّده من‬ ‫ال�شرك و�أنواعه‪ ,‬وال ترك غريه يتع َّلمه فينجو من حبوط العمل واخللود يف ال ُّربوب َّية‪ٌ ,‬‬ ‫وال�صفات‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫�شرك يف الأ�سماء َِّ‬ ‫فم���ن جنا منها ك ِّلها كان حتت امل�ش���يئة‬ ‫يف ال َّنار‪.‬‬ ‫�إن كان من �أهل املعا�صي‪� ،‬إن �شاء اهلل َّ‬ ‫عذبه‬ ‫قال تع���اىل‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ح‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫��ى‬ ‫ل‬ ‫��‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫���‬ ‫مت‬ ‫��س��رة‬ ‫�‬ ‫��‬ ‫ح‬ ‫وال‬ ‫���دٍ‬ ‫ُّ‬ ‫و�إن �ش���اء غفر اهلل كما قال تعاىل‪﴿ :‬ﮄﮅ‬ ‫ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [\‪ ,]b‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬ ‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬

‫مثل امل�شرك م��ن �أه��ل ال َّنار‬ ‫يذبح عنده امل���وت‪ ,‬فلنطلب‬ ‫ع����ل����م ال���� َّت����وح����ي����د ول����ن����ق����ر�أ‬ ‫ك��ت��ب��ه ول��ن��ع��م��ل مبقت�ضاه‬

‫ﮊ﴾ [\‪.]a‬‬ ‫أحد مثل امل�ش���رك‬ ‫وال ح�س���رة مت ُّر على � ٍ‬ ‫م���ن �أهل ال َّن���ار يذبح عنده امل���وت‪ ,‬فلنطلب‬ ‫علم التَّوحيد ولنقر�أ كتبه ولنعمل مبقت�ضاه‪.‬‬ ‫عن �أبي �س���عيد اخل���دريِّ ‪ Ç‬ق���ال‪ :‬قال ر�س���ول اللهَّ ‪:Í‬‬ ‫« ُي�ؤْ َت���ى ِبالمْ َ��� ْوتِ َك َه ْي َئ��� ِة َك ْب ٍ����ش َ�أ ْملَ��� َح َف ُي َنادِي ُم َن���ادٍ‪َ :‬يا �أَهْ ��� َل جْ َ‬ ‫ال َّنةِ!‬ ‫َف َي ْ�ش َر ِئ ُّب���و َن َو َي ْن ُظ ُرو َن َف َي ُق ُ‬ ‫���ول‪ :‬ه َْل َت ْع ِر ُفو َن َه َذا؟ َف َي ُقو ُلو َن‪َ :‬ن َع ْم‬ ‫هَ��� َذا المْ َ��� ْو ُت َو ُك ُّلهُ��� ْم َق ْد َر�آهُ؛ ُث��� َّم ُي َنادِي‪َ :‬ي���ا �أَهْ َل ال َّن���ار ِ! َف َي ْ�ش َر ِئ ُّبو َن‬ ‫َو َي ْن ُظ��� ُرو َن َف َي ُق ُ‬ ‫���ول‪ :‬ه َْل َت ْع ِر ُف���و َن َه َذا؟ َف َي ُقو ُلو َن‪َ :‬ن َع��� ْم َه َذا المْ َ ْو ُت‬ ‫َو ُك ُّلهُ��� ْم َق��� ْد َر�آ ُه َف ُي ْذ َب ُح؛ ُث َّم َي ُق ُ‬ ‫ول‪َ :‬ي���ا �أَهْ َل جْ َ‬ ‫ال َّنة ِ! ُخ ُلو ٌد َفال َم ْو َت‪,‬‬ ‫َو َيا �أَهْ َل ال َّنار ِ! ُخ ُلو ٌد َفال َم ْو َت ُث َّم َق َر�أَ‪﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔﭕ‬ ‫ﭖﭗﭘﭙ﴾ ـ وه�ؤالء يف غفلة �أهل ال ُّدنيا ـ ﴿ﭚﭛﭜﭝ﴾‬ ‫[\‪.)2(»]o‬‬

‫ﮐ﴾ [`‪.]116 ,48 :‬‬ ‫ف�ش���رك الألوه َّية‪� :‬أن يعب���د اهلل ويعبد‬ ‫غ�ي�ره كم���ن ذب���ح لغ�ي�ر اهلل‪� ,‬أو نذر‬ ‫مع���ه َ‬ ‫لغريه‪� ,‬أو دعا غريه‪ ,‬ولو قال‪ :‬يار�س���ول اهلل‬ ‫ا�شفع يل عند اهلل‪.‬‬

‫اخلا�صة به‬ ‫و�شرك ال ُّربوب َّية‪ :‬ت�س����وية غري اهلل باهلل يف الأفعال‬ ‫َّ‬ ‫كاخللق وال َّرزق والإحياء والإماتة‪.‬‬ ‫ال�صفات‬ ‫وال�صفات‪ :‬م�ساواة غري اهلل باهلل يف ِّ‬ ‫و�شرك الأ�سماء ِّ‬ ‫كمن يعتقد �أنَّ الأولياء يعلمون الغيب‪ ,‬ويقدرون على التَّ�ص ُّرف يف‬ ‫الكون كقدرة اهلل‪ ,‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ق�س���م له �أن���واعٌ‪ ,‬ك�ش���رك الألوه َّية ففيه �ش���رك اخلوف‪,‬‬ ‫وك ُّل ٍ‬ ‫و�شرك املح َّبة‪ ,‬والتَّو ُّكل‪ ,‬وال َّرجاء‪.‬‬

‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)4730‬وم�سلم (‪.)2849‬‬

‫‪14‬‬

‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪‬‬


‫‪1‬‬

‫«ف�ص اخلوامت» البن طولون (‪« ,)39‬الإن�صاف» (‪,)3/5/8‬‬ ‫(*) ُّ‬ ‫«خمت�صر املزين» (‪.)184‬‬

‫(‪)1‬‬

‫�أمينة حدَّاد‬

‫مما ذكر‪ ,‬وهي ا َّلتي يقرتن‬ ‫وهذا بحثٌ حم َّرر يف الوالئم اجلائزة َّ‬ ‫�سببها ب�سرور حادث‪ ,‬وجت ُّدد نعمة‪.‬‬ ‫يخرج بذلك ما كان حمظو ًرا كـ«الو�ضيمة» وهي َّ‬ ‫الطعام املتَّخذ عند‬ ‫امل�صيبة والأ�سى‪ ,‬و«الزَّردة» وهو يف عرفنا طعام يتَّخذ على ذبائح من‬ ‫بهيمة الأنعام عند مزارات من يعتقد �صالحهم‪.‬‬ ‫�أ َّما الأوىل‪� :‬أي الو�ضيمة فهي عم ٌل منك ٌر وبدع ٌة يف الدِّ ين‪ ,‬فعن جرير‬ ‫ابن عبد اهلل البجلي ‪ Ç‬قال‪ُ « :‬ك َّنا َن ُعدُّ االِج ِت َما َع �إِلىَ �أَهْ لِ امل َ ِّيتِ‬ ‫َو َ�صن َع َة َّ‬ ‫احةِ»(‪ ,)1‬قال ابن احلاج‪« :‬و�أ َّما �إ�صالح‬ ‫الط َعا ِم َبع َد َد ْف ِن ِه مِ َن ال ِّن َي َ‬ ‫طعاما وجمع ال َّنا�س عليه فلم ينقل فيه �شي ٌء وهو بدعة»(‪.)2‬‬ ‫�أهل امل ِّيت ً‬ ‫و�أ َّما ال َّثانية‪ :‬وهي «الزَّردة»‪ ,‬ففيها قال َّ‬ ‫ال�شيخ ح َّماين مب ِّي ًنا حترميها‪:‬‬ ‫«�إنَّ َّ‬ ‫ن�ص‬ ‫الطعام وال َّلحم املق َّدم يف الزَّردة ال يح ُّل �أكله ً‬ ‫�شرعا؛ لأ َّنه َّ‬ ‫مما َّ‬ ‫القر�آن على حرمة �أكله ف�إ َّنه �سبحانه وتعاىل يقول‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫مما �أه َّل لغري‬ ‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [‪ ]a: 3‬فال َّلحم َّ‬ ‫اهلل‪� ,‬أي ذبح لغري اهلل بل للم�شايخ»(‪.)3‬‬ ‫والقاعدة ا َّلتي ت�ضبط امل�شروع من املمنوع يف هذا الباب هي‪�« :‬أنَّ‬ ‫الوالئم �إذا كان �سببها �إظهار �سرور ملوجب مباح ال موافقة ملوا�سم بدع َّية‬ ‫�أو �أعياد غري �شرع َّية‪ ,‬ف�إ َّنه ال مانع من ال َّدعوة �إليها‪ ,‬وتكون الإجابة واجبة‪,‬‬ ‫وقد قال ‪�« :Í‬إِ َذا دَعا �أَ َح َد ُك ْم �أخاه َف ْليُجِ ْب ُع ْر ً�سا َكا َن �أَ ْو َن ْح َوهُ»(‪.)4‬‬ ‫وهذا مزيد بيان لأحكام بع�ض الوالئم امل�شهورة بني ال َّنا�س‪:‬‬

‫بحوث ودراسات‬

‫الوليم���ة يف ال ُّلغة‪ :‬ا�س���م لطعام العر�س‪� ,‬أو‬ ‫ُّ‬ ‫كل طعا ٍم ُ�صنِع لدعو ٍة �أو غريها‪.‬‬ ‫ولق���د و�ضع���ت الع���رب �أ�سم���ا ًء مل���ا كان���ت‬ ‫ت�صنع���ه م���ن الأطعم���ة ا َّلت���ي له���ا موجِ ���ب‬ ‫و�سب���ب‪ ,‬ف�س َّم���وا طع���ام اخلت���ان «�إع���ذا ًرا»‪,‬‬ ‫و«العقيق���ة» لل���والدة‪ ,‬و«اخلر�س» ل�سالمة‬ ‫املر�أة من الطلق‪ ,‬و«النقيعة» لقدوم امل�سافر‪,‬‬ ‫لل�سكن املتجدِّد‪ ,‬و«احلِذاق» عند‬ ‫و«الوكرية» َّ‬ ‫ال�صبي‪ُّ ,‬‬ ‫و«ال�شندخ» طع���ام الإمالك‬ ‫ح���ذاق َّ‬ ‫عل���ى ال َّزوج���ة‪ ,‬و«ال ُّتحف���ة» طع���ام الق���ادم‪,‬‬ ‫و«املِ�شداخ» َّ‬ ‫الطعام امل�أكول يف ختمة القارئ‪,‬‬ ‫و«امل�أدبة» ما ي َّتخذ بال �سبب‪.‬‬ ‫ويقع عليه���ا جمي ًعا ا�س���م الوليمة فيقال‪:‬‬ ‫وليمة ختان‪� ,‬أو وليمة �إعذار‪ ,‬هكذا مق َّيد ًة‬ ‫بالإ�ضاف���ة‪� ,‬أ َّم���ا عن���د الإط�ل�اق فاملق�ص���ود‬ ‫بالوليمة َّ‬ ‫الطعام امل�صنوع للعر�س(*)‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه �أحمد (‪ ,)6905‬وابن ماجه (‪ ,)1612‬انظر «�أحكام اجلنائز» (‪.)210‬‬ ‫(‪« )2‬املدخل» (‪.)275/3‬‬ ‫(‪�« )3‬أعرا�س َّ‬ ‫ال�شيطان» (‪ 26‬ـ ‪)27‬‬ ‫(‪ )4‬رواه م�سلم (‪.)1429‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪15‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫ُدخل ن�سا َءها يف �ش َّوال(‪ ،)8‬وانظر‪« :‬نيل الأوطار» (‪.)189/6‬‬ ‫ت ِ‬ ‫�أ َّوال ـ وليمة العر�س‪:‬‬ ‫ولع َّل عائ�شة ‪á‬قالت ذلك ردًّا على من تطيرَّ من �ش َّوال‬ ‫َّواج فيه‪ ,‬وقد ذكر ال َّنووي ‪� :‬أ َّنهم كانوا يف اجلاهل َّية‬ ‫ف َك ِره الز َ‬ ‫هي واجبة يف حقِّ الرجل‪ ,‬د َّلت على ذلك ال�س َّنة‪ ,‬فعن �أن�س يتطيرَّ ون من التَّزويج وال ُّدخول يف �ش َّوال‪ ,‬ملا يف ا�سم «�ش َّوال» من‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ابن مالك ‪� Ç‬أنَّ عبد ال َّرحمن بن عوف ‪ Ç‬قال‪ :‬يا الإ�شالة وال َّرفع(‪.)9‬‬ ‫ر�سول اهلل �إنيِّ تز َّوجت امر�أ ًة على وزن نواة من ذهب؛ قال ر�سول‬ ‫مباحا؛ لأ َّنه‬ ‫‪� ‬إذا علم �أنَّ الوليمة واجب ٌة فهل يكون تكرارها ً‬ ‫اهلل ‪َ « :Í‬با َر َك اهلل َل َك �أَ ْو مِ ْ‬ ‫ل َو َلو ب َِ�شاةٍ»(‪ ,)5‬ومل يثبت عن ال َّن ِّ‬ ‫بي داخ ٌل يف عموم الإطعام للم�س َّرة �أم �أ َّنه ممنوع؛ لأ َّنه خروج ع َّما‬ ‫‪� Í‬أ َّ​ّنه تركها �أو تركها �أ�صحابه‪ ,‬بل �أومل و�إن كان قلي ًال‪ ,‬وقوله �ألزم به َّ‬ ‫ال�شرع وزيادة على ما �أمر؟‪.‬‬ ‫‪ Í‬لعبد ال َّرحمن بن عوف‪�« :‬أَ ْو مِ ْ‬ ‫ل َو َل ْو ب َِ�شاةٍ» لي�س دلي ًال على‬ ‫�صحة الأ َّول ـ �أي جواز تكرارها ـ و�إن‬ ‫يتوجه يف هذا‪َّ :‬‬ ‫ا َّلذي َّ‬ ‫تعينُّ ال َّلحم فيها‪ ,‬بل يحتمل �أ َّنه كان �أق َّل ما ر�آه ‪ Í‬يف حقِّ عبد‬ ‫مل يرد طلبها �إ َّال م َّرة واحد ًة‪ ,‬ف� مَّإنا ذلك حتقي ًقا للقدر الواجب‬ ‫ال َّرحمن؛ لأ َّنه كان واجدً ا‪.‬‬ ‫منها‪ ,‬وما زاد عليه عائ ٌد �إىل الأ�صل يف جواز ا ِّتخاذ ِّ‬ ‫ال�ضيافة‬ ‫وي�ستحب لأ�صحاب الزَّوج وجريانه م�ساعدته يف وليمته‬ ‫‪‬‬ ‫ُّ‬ ‫ال�سرور‪.‬‬ ‫حلادث ُّ‬ ‫عرو�سا ب�صف َّية‬ ‫بي ‪ً Í‬‬ ‫مبا عندهم‪ ,‬قال �أن�س ‪� :Ç‬أ�صبح ال َّن ُّ‬ ‫وقد �أ�شار البخاري �إىل ترجيح هذا القول يف تبويبه جلامعه‬ ‫فقال‪َ « :‬منْ َكا َن عِ ْن َد ُه َ�شي ٌء َف ْليَجِ ئ ِبهِ؛ قال‪َ :‬و َب َ�س َط نط ًعا» فجعل‬ ‫الرجل يجيء بالأقط‪ ,‬وجعل الرجل يجيء بالتَّمر‪ ,‬وجعل الرجل حيث قال‪« :‬باب ح ُّق �إجابة الوليمة وال َّدعوة ومن �أومل �سبعة �أ َّيام‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫(‪)10‬‬ ‫يوما وال يومني» ‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫بي ‪ً Í‬‬ ‫ونحوه‪ ,‬ومل يو ِّقت ال َّن ُّ‬ ‫حي�سا فكانت وليمة ر�سول اهلل ‪»Í‬‬ ‫بال�سمن فحا�سوا ً‬ ‫يجيء َّ‬ ‫ومن نافلة القول التَّنبيه على �أنَّ تكرار الوليمة على وجه‬ ‫‪ ‬وقد اختلف العلماء يف وقتها هل تكون عند العقد �أو عقبه‬ ‫وال�سمعة حم َّرم‪ ,‬كما يحرم ك ُّل مباح اقرتن بهما‪.‬‬ ‫دل على �أ َّنها بعد املباهاة ُّ‬ ‫بي ‪ Í‬قد َّ‬ ‫�أو عند ال ُّدخول �أو عقبه‪ ,‬وفعل ال َّن ِّ‬ ‫«ال�صحيحني» �صري ٌح يف ذلك حيث (‪ )8‬رواه م�سلم (‪.)1423‬‬ ‫ال ُّدخول‪ ,‬وحديث �أن�س يف َّ‬ ‫(‪�« )9‬شرح م�سلم» (‪.)221/9‬‬ ‫و�سا ِب َز ْي َن َب ا ْب َن ِة َج ْح ٍ‬ ‫قال‪�« :‬أَ ْ�ص َب َح ‪َ Í‬ع ُر ً‬ ‫�ش‪َ ,‬و َكا َن َت َز َّو َجهَا (‪« )10‬الفتح» (‪.)245/9‬‬ ‫ا�س ل َّ‬ ‫ِلط َعا ِم َب ْع َد ِا ْر ِت َفا ِع ال َّنهَارِ»(‪ ,)7‬كما يد ُّل‬ ‫بِاملَدِ ي َن ِة َف َدعَا ال َّن َ‬ ‫ال�سرور بعد‬ ‫على ذلك حديث بنائه ب�صف َّية املتقدِّ م‪ ,‬ولأنَّ كمال ُّ‬ ‫ال ُّدخول فنا�سب �أن يكون يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫وعلى هذا يكون من �أومل قبل ال ُّدخول ـ كما جرت به العادة ـ‬ ‫قد عدل عن الأف�ضل كمن �أومل ب� َّ‬ ‫أقل من �شاة مع التَّم ُّكن منها‪.‬‬ ‫ا�س���تحب‬ ‫‪ ‬وال ي�س���نُّ تخ�ص���ي�ص ال ُّدخ���ول بزمان معينَّ وقد‬ ‫َّ‬ ‫بع�ض العلماء ال ُّدخول يف �ش َّوال حلديث عائ�شة ‪َ « :á‬ت َز َّو َجنِي‬ ‫َر ُ�س ُ‬ ‫���ول اهلل ‪ِ Í‬يف َ�ش��� َّوال َو َب َن���ى بِ���ي ِيف َ�ش َّوال َف����أَيُّ ن َِ�س���ا ِء َر ُ�سولِ‬ ‫ت�ستحب �أن‬ ‫اهلل ‪َ Í‬كا َن �أَ ْح َظى عِ ْن َد ُه مِ ِّني»‪ ،‬قال‪ :‬وكانت عائ�شة‬ ‫ُّ‬ ‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ,)5155‬وم�سلم (‪.)1427‬‬ ‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ ,)371‬وم�سلم (‪.)1365‬‬ ‫(‪ )7‬قطعة من حديث رواه البخاري (‪ ,)5166‬وم�سلم (‪.)1438‬‬

‫‪16‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫ثانيا ـ العقيقة‪:‬‬

‫طعاما يدعى‬ ‫العقيقة تطلق على ذبيحة املولود‪ ,‬وال يلزم كونها ً‬ ‫ال َّنا�س �إليه‪ ,‬فمن �شاء ت�ص َّدق بلحمها ني ًئا‪ ,‬ومن �شاء طبخه فدعا‬ ‫�إليه �أو �أهداه‪� ,‬أو ت�ص َّدق به‪.‬‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪ :‬يف تقرير هذا ك ِّله‪:‬‬ ‫«‪...‬الأطعمة املعتادة ا َّلتي جتري جمرى ُّ‬ ‫ال�شكران كلُّها‬ ‫�سبيلها َّ‬ ‫الطبخ‪ ,‬ولها �أ�سماء متعدِّ دة فـ«القرى» طعام ال�ضيفان‪,‬‬ ‫و«امل�أدبة» طعام ال َّدعوة‪ ...‬ـ �إىل �أن ذكر العقيقة فقال ـ‪ :‬فكان‬ ‫الإطعام عند هذه الأ�شياء �أح�سن من تفريق ال َّلحم و� َ‬ ‫أدخل يف‬ ‫مكارم الأخالق واجلود»(‪.)11‬‬ ‫ال�صحابة ‪ ,í‬فعن معاوية ابن‬ ‫وما ذكر معروف لدى َّ‬ ‫راب ًعا ـ ال َّنقيعة‪:‬‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫ق َّرة قال‪َ « :‬مل َّا ولد يل �إيا�س دعوتُ نف ًرا من �أ�صحاب ال َّن ِّ‬ ‫ف�أطعمتهم»(‪ ,)12‬وبهذا يتَّجه ال َّر ُّد على ما �أورده ابن احلاج قائ ًال‬ ‫وناق ًال‪« :‬وينبغي �أن ال يعمل بها وليمة ـ �أي العقيقة ـ ويدعو ال َّنا�س‬ ‫ترجم لها البخاري فقال‪« :‬باب َّ‬ ‫الطعام عند القدوم‪ ,‬وكان‬ ‫�إليها؛ لأ َّنه مل يكن من فعل من م�ضى‪ ,‬وقد �سئل مالك‪� :‬أي�صنع‬ ‫ابن عمر يفطر ملن يغ�شاه»(‪ ,)21‬و�أ�سند يف هذا الباب عن جابر بن‬ ‫منها طعام ويجمع عليه الإخوان؟ ف�أنكر ذلك وقال‪ :‬ت�شبه‬ ‫عبد اهلل ‪�« Ç‬أَ َّن َر ُ�سو َل اهلل ‪ Í‬لمَ َّا َقدِ َم املَدِ ي َن َة َن َح َر َج ُزو ًرا‬ ‫بالوالئم؟! وقال‪ � :‬مَّإنا تطبخ وت�ؤكل ويطعم اجلريان»(‪.)13‬‬ ‫�أَو َب َق َرة»‪ً.‬‬

‫بحوث ودراسات‬

‫نعم ِة اهلل عليه و�إطعام �إخوانه مل يكن بذلك ب� ٌأ�س �إن �شاء اهلل(‪,)15‬‬ ‫ال�صبيان‪,‬‬ ‫وقد روى ناف ٌع عن ابن عمر ‪� Ç‬أ َّنه كان يطعم على ختان ِّ‬ ‫طعاما خلتان‬ ‫وروى �أ�شهب عن مالك �أ َّنه قيل له‪ :‬ال َّن�صراين يتَّخذ ً‬ ‫ابنه �أفيجيبه؟ قال‪�« :‬إن �شاء فعل و�إن �شاء ترك»‪ ،‬قال الباجي مع ِّل ًقا‪:‬‬ ‫«فهذا يف ال َّن�صراين قد �أباحه فكيف بامل�سلم؟!»(‪.)16‬‬ ‫وقال َّ‬ ‫ال�شافعي ‪« ::‬ك ُّل دعوة على �إمالك‪� ,‬أو نفا�س‪� ,‬أو‬ ‫ختان‪� ,‬أو حادث �سرور فد ُِع َي �إليها رج ٌل فا�سم الوليمة يقع عليها‬ ‫وال � ِّ‬ ‫عا�ص»(‪.)17‬‬ ‫أرخ�ص يف تركها‪ ,‬ومن تركها مل ينب يل �أ َّنه ٍ‬ ‫ود ُِع َي �أحمد ‪� :‬إىل ختان ف�أجاب و�أكل(‪.)18‬‬ ‫و�ص َّرح ب�إباحتها �شيخ الإ�سالم فقال‪« :‬و�أ َّما دعوة اخلتان فلم‬ ‫ال�صحابة تفعلها وهي مباحة»(‪.)19‬‬ ‫تكن َّ‬ ‫و�ص َّرح مب�شروع َّيتها احلافظ يف «فتح الباري»(‪.)20‬‬

‫قال البخاري ‪« ::‬زاد معاذ عن �شعبة عن حمارب �سمع‬ ‫ثال ًثا ـ الإعذار‪:‬‬ ‫ريا ِب�أُو ِق َي َتينْ ِ‬ ‫جابر بن عبد اهلل‪« :‬ا ِْ�شترَ َ ى مِ ِّني ال َّن ِب ُّي ‪َ Í‬ب ِع ً‬ ‫َو ِد ْره ٍَم �أَ ْو ِد ْر َه َمينْ ِ‪َ ,‬فلَ َّما َقدِ َم ِ�ص َرارا ـ مو�ضع بظاهر املدينة ـ �أَ َم َر‬ ‫ِب َب َق َر ٍة َف ُذب َِحتْ َف�أَ َك ُلوا مِ ْنهَا»(‪.)22‬‬ ‫�إنَّ ال َّدعوة �إىل اخلتان مل تكن معروف ًة يف عهده ‪ Í‬ودليل‬ ‫قال �شم�س احلقِّ �آبادي ‪« ::‬احلديث يد ُّل على م�شروع َّية‬ ‫ذلك ما رواه احل�سن عن عثمان بن �أبي العا�ص ‪� Ç‬أ َّنه‬ ‫ال�سفر ويقال لهذه ال َّدعوة‪ :‬ال َّنقيعة»(‪.)23‬‬ ‫ال َّدعوة عند القدوم من َّ‬ ‫د ُِع َي �إىل ختان ف�أبى �أن يجيب‪ ،‬فقيل له؟! فقال‪�ِ « :‬إ َّنا ُك َّنا َال َن�أتِي‬ ‫(‪ )15‬انظر «فتاوى ال َّلجنة الدَّائمة» (‪.)183/5‬‬ ‫خل َتا َن َعلَى عَهدِ َر ُ�سولِ اهلل ‪َ Í‬و َال ُن ْدعَى َلهُ»(‪.)14‬‬ ‫ا ِ‬ ‫(‪« )16‬املنتقى» (‪.)349/3‬‬ ‫ال�سا ِّر‪ ,‬ف�إن ق�صد فاعلها �شك َر (‪« )17‬خمت�صر املزين» (‪.)184‬‬ ‫�إ َّال �أ َّنه مبنزلة ال َّدعوة للحادث َّ‬ ‫(‪« )11‬حتفة املودود» (‪ 91‬ـ ‪.)92‬‬ ‫(‪�« )12‬صحيح الأدب املفرد» (رقم ‪.)955‬‬ ‫(‪« )13‬املدخل» (‪.)292/3‬‬ ‫(‪ )14‬رواه �أحمد (‪ ,)17908‬وفيه ابن �إ�سحاق وقد عنعنه‪ ,‬وانظر تعليق �شعيب الأرن�ؤوط‬ ‫على «م�شكل الآثار» (‪)31/8‬‬

‫(‪« )18‬املغني» (‪ 116/8‬ـ ‪.)117‬‬ ‫(‪« )19‬جمموع الفتاوى» (‪ 206/32‬ـ ‪.)207‬‬ ‫(‪« )20‬فتح الباري» (‪.)343/10‬‬ ‫(‪( )21‬كتاب اجلهاد‪ /‬باب ‪.)199‬‬ ‫(‪ )22‬حديث رقم (‪.)3089‬‬ ‫(‪« )23‬عون املعبود» (‪.)152/10‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪17‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫قال ابن حجر ‪« ::‬قوله‪ :‬وكان ابن عمر يفطر ملن يغ�شاه‪,‬‬ ‫�أي لأجل من يغ�شاه‪ ,‬والأ�صل فيه �أنَّ ابن عمر كان ال ي�صوم‬ ‫ال�سفر ال ً‬ ‫فر�ضا وال تط ُّو ًعا‪ ,‬وكان يكرث من �صوم التَّط ُّوع يف‬ ‫يف َّ‬ ‫لل�سالم‬ ‫احل�ضر‪ ,...‬لك َّنه يفطر �أ َّول قدومه لأجل ا َّلذين يغ�شونه َّ‬ ‫عليه والتَّهنئة بالقدوم َّثم ي�صوم»‪.‬‬ ‫ـ وقد �صار من املعلوم يف عادة ال َّنا�س اليوم ذهابهم لتهنئة‬ ‫احلج َّ‬ ‫والطعام عنده‪ ,‬بل وللأكل من َّ‬ ‫الذبيحة ا َّلتي‬ ‫العائد من ِّ‬ ‫ُي ْلزَ م بها العائد من هذا املن�سك‪ ,‬حتَّى �صارت �أو كادت ت�صري‬ ‫احلج البعد َّية‪ ,‬وقد بلغ من ذلك �أنَّ بع�ض ال َّنا�س‬ ‫من �أركان ِّ‬ ‫ترك �أداء هذه الفري�ضة �شفق ًة على نف�سه من هذه ال َّنقيعة ا َّلتي‬ ‫ترهق اجليوب‪.‬‬

‫ال جند فائدة عمل َّية يف عر�ض خالف للعلماء بال ترجيح‪� ,‬إ َّال �أ َّنه‬ ‫يح�سن �إيراده لئ َّال يعيب حم�سن على م�سيء‪� ,‬أو يتجا�سر م�سيء‬ ‫على حم�سن‪.‬‬ ‫جاء يف «فتاوى ال َّلجنة ال َّدائمة»(‪�...« :)26‬أ َّما الوليمة �أو االحتفال‬ ‫مبنا�سبة ختم القر�آن فلم يعرف عنه ‪ Í‬وال عن �أحد من اخللفاء‬ ‫ال َّرا�شدين ‪ í‬ولو فعلوه لنقل �إلينا ك�سائر �أحكام َّ‬ ‫ال�شريعة‪,‬‬ ‫فكانت الوليمة �أو االحتفال من �أجل ختم القر�آن بدعة حمدثة»‪.‬‬ ‫و�سئل ال�شيخ عبد املح�سن عن ذلك فقال‪« :‬كون ال َّنا�س ختموا‬ ‫القر�آن وبعد ذلك ذبحوا �شاة �شك ًرا هلل على هذه ال ِّنعمة ا َّلتي‬ ‫�أنعم اهلل بها عليهم عمل ال ب�أ�س به‪ ,‬ويعترب جائزً ا من �أجل �أ َّنه‬ ‫�شكر هلل»‪.‬‬

‫هكذا هي‪ ,‬موائد تفر�ضها العوائد‪ ,‬ال ت�أتي بح�سنة وال فوائد‪,‬‬ ‫فلو مل يكن يف املنع من هذا َّ‬ ‫الطعام �سوى حفظ �أموال ال َّنا�س‬ ‫و�أ َّما عن الإجابة �إىل الوليمة وما يتعلق بها من �أحكام‬ ‫ان�ضم �إىل ذلك درء العوائد‬ ‫عليهم لكانت ح�سنة كافية‪ ,‬فكيف �إذا َّ‬ ‫ففيها �أي�ضا م�سائل‪:‬‬ ‫املبتدعة عن الدِّ ين؟!‬ ‫�أ َّوال‪ :‬حكم الإجابة �إىل الوليمة‪.‬‬ ‫ولو كان للقوم عقول لعلموا �أنَّ التَّهنئة � مَّإنا تكون على �شيءٍ‬ ‫الإجابة �إىل وليمة العر�س واجبة على من دعي ح ًّرا مك َّلفا‪,‬‬ ‫حجه قد ختم عليه بختم‬ ‫وقع عليه بالقبول‪ ,‬ومن ذا ا َّلذي علم �أنَّ َّ‬ ‫فرحا وطنينا وم�أدبة؟! وهو قول الأئ َّمة الأربعة و�أهل َّ‬ ‫الظاهر‪ ,‬ويد ُّل على ذلك جملة من‬ ‫احل�سنة وال َّرفع واملثوبة حتَّى يقيم عليه ً‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪:‬‬ ‫الأحاديث منها ما رواه �أبو هريرة ‪� Ç‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫«�ش ُّر َّ‬ ‫َ‬ ‫ي َن ُعهَا مَن َي�أْتِيهَا َو ُي ْدعَى �إِ َل ْيهَا َمنْ‬ ‫الط َعا ِم َط َعا ُم ال َولِي َم ِة مُ ْ‬ ‫خام�سا ـ احلِذاق‪:‬‬ ‫ً‬ ‫َي�أْ َباهَا َو َمنْ مَ ْ‬ ‫ل يُجِ بِ الدَّعوة َف َق ْد ع َ​َ�صى اهلل َو َر ُ�سو َله»(‪.)27‬‬ ‫وقوله ‪َ « :Í‬و َمنْ مَل يُجِ ب الدَّعوة َف َقد ع َ​َ�صى اهلل َو َر ُ�سو َله»‬ ‫يغني عن الب�سط والإكثار‪.‬‬ ‫ولي�ست هذه على �شرط البحث‪ ,‬و�أذكرها تتمي ًما للفائدة‪.‬‬ ‫وذهب �أهل َّ‬ ‫جاء يف كتاب «ف�ص اخلوامت» البن طولون عن احل�سن‪« :‬كانوا‬ ‫الظاهر �إىل وجوب الإجابة �إىل طعام غري العر�س‪,‬‬ ‫�إذا حذق الغالم قبل اليوم نحروا جزو ًرا واتَّخذوا ً‬ ‫ال�صحابة والتَّابعني(‪ ,)28‬وهو وجه‬ ‫طعاما»‪ ,‬وعن وذكر ابن حزم �أنَّ عليه جمهور َّ‬ ‫بي القر�آن �أن يذبح عند َّ‬ ‫حميد قال‪« :‬كانوا ي�ستح ُّبون �إذا جمع َّ‬ ‫ال�س َّنة حيث مل يرد فيها تفريق بني‬ ‫ال�ص ُّ‬ ‫ال�شافع َّية‪ ,‬وي�ؤ ِّيده ظاهر ُّ‬ ‫ال َّرجل َّ‬ ‫ال�شاة ويدعو �أ�صحابه»(‪.)24‬‬ ‫طعام عر�س وغريه؛ فعن الرباء بن عازب ‪ Ç‬قال‪�« :‬أَ َم َرنا‬ ‫وعن ابن عمر ‪ Ç‬قال‪« :‬تع َّلم عمر ‪ Ç‬البقرة يف ال َّن ِب ُّي ‪ Í‬ب َِ�س ْب ٍع‪ »...‬وذكر فيها �إجابة ال َّداعي(‪ )29‬وقال ‪�ِ « :Í‬إ َذا‬ ‫اثنتي ع�شرة �سنة‪ ,‬فل َّما ختمها نحر جزو ًرا»(‪.)25‬‬ ‫َدعَا �أَ َح َد ُكم �أَ َخا ُه َف ْليُجِ ْب ُع ْر ً�سا َكا َن �أَ ْو َن ْح َوهُ»‪.‬‬ ‫وهذه املرو َّيات من بني عجفاء وك�سري اال�ستدالل بها �ضعيف (‪.)488/2( )26‬‬ ‫هزيل؛ لذلك تباينت �آراء العلماء فيه بني جميز ومانع‪ ,‬و�إن ك َّنا (‪ )27‬رواه البخاري (‪ ,)5177‬وم�سلم (‪.)1432‬‬ ‫‪‬‬

‫«ف�ص اخلوامت» (‪.)66‬‬ ‫(‪ُّ )24‬‬ ‫(‪� )25‬أخرجه البيهقي يف «�شعب الإميان» (‪.)1805‬‬

‫‪18‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )28‬تعقَّبه العراقي يف «طرح التَّرثيب» (‪ )77/7‬وقال‪« :‬ويف ذلك نظر»‪ ,‬كما تعقَّبه ابن‬ ‫حجر يف «الفتح» (‪.)247/9‬‬ ‫(‪ )29‬رواه البخاري (‪ ,)5175‬وم�سلم (‪.)2066‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫(‪ )30‬رواه البخاري (‪ ,)5434‬وم�سلم (‪.)2036‬‬ ‫ال�س َّنة» (‪.)149/9‬‬ ‫(‪�« )31‬شرح ُّ‬

‫ال�س ِّني يف «عمل اليوم ول َّليلة» (‪ ,)843‬انظر «الإرواء»‬ ‫(‪ )32‬رواه م�سلم (‪ ,)1431‬وابن ُّ‬ ‫(‪.)15/7‬‬

‫ففي هذا احلديث �أنَّ من تطفَّل يف ال َّدعوة كان ل�صاحب‬ ‫ال َّدعوة االختيار يف حرمانه‪ ,‬و�أنَّ من ق�صد التَّط ُّفل ال مينع‬ ‫تطيب‬ ‫بي ‪ Í‬فلم ير َّده الحتمال �أن َ‬ ‫ابتدا ًء؛ لأنَّ ال َّرجل تبع ال َّن َّ‬ ‫نف�س �صاحب ال َّدعوة بالإذن له‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ثالثا‪ :‬الأعذار امل�سقطة للإجابة‪.‬‬ ‫مما علم يف َّ‬ ‫ال�شريعة‪,‬‬ ‫ال�صنعاين ‪ :‬م�أخوذ ٌة َّ‬ ‫وهي كما قال َّ‬ ‫لل�صحابة‪ ,‬ومن هذه الأعذار‪:‬‬ ‫ومن ق�ضايا وقعت َّ‬ ‫‪� ‬أن يكون ك�سب �صاحب ال َّدعوة حم َّر ًما �أو فيه �شبهة‪ ,‬وقد‬ ‫حكى ابن عبد ال ِّرب الإجماع على �أ َّنه متى علم �أنَّ عني َّ‬ ‫ال�شيء‬ ‫حرام‪� ,‬أخذ بوجه حم َّرم ف�إ َّنه يحرم تنا ُو ُله‪.‬‬ ‫قال البغوي ‪�« ::‬إذا دعاك من �أكرث ماله من حرام‪ ...‬فال‬ ‫عليك الإجابة»(‪.)31‬‬ ‫ويت�أ َّكد الورع ك َّلما َك رُ َث احلرام وي�أخذ حك َمه �إقام ًة للأكرث‬ ‫مقام ِّ‬ ‫الكل؛ لأنَّ ال َّ‬ ‫أقل تابع‪.‬‬ ‫ـ �أن يكون ال َّداعي قد دعاه خو ًفا من �ش ِّره �أو طم ًعا يف جاهه �أو‬ ‫ليعاونه على باطل‪ ,‬ومل ْيد ُعه تق ُّر ًبا وتو ُّددًا‪.‬‬ ‫ـ �أن يكون هناك من يت� َّأذى بح�ضوره‪.‬‬ ‫ممن يجوز هجره‪.‬‬ ‫ـ �أن يكون ال َّداعي َّ‬ ‫ـ �أن يكون يف ِّ‬ ‫ال�ضيافة مبتدع يتك َّلم ببدعته‪ ,‬ف�إذا كان كذلك‬ ‫مل يجز احل�ضور معه �إ َّال ملن قدر على ال َّر ِّد عليه‪ ,‬و�إن مل يتك َّلم‬ ‫املبتدع جاز احل�ضور معه مع �إظهار الكراهة‪ ,‬وكذلك �إذا كان‬ ‫هناك م�ضحك بالفح�ش‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫بحوث ودراسات‬

‫ثان ًيا‪ :‬حكم ُّ‬ ‫الط َف ْيلي‪.‬‬ ‫وهومني�أتي�إىلطعاممليدع�إليه‪,‬وفعلهيفالعادةم�ستقبح‪,‬وذهب‬ ‫بع�ض الفقهاء �إىل ر ِّد �شهادة من عرف بالتَّط ُّفل وتك َّرر منه ذلك‪.‬‬ ‫ومن جاءه متط ِّف ٌل فهو باخليار يف ردِّه ملا رواه �أبو م�سعود‬ ‫‪ Ç‬قال‪« :‬كان من الأن�صار رجل يقال له �أبو �شعيب وكان له‬ ‫غالم َّ‬ ‫طعاما �أدعو ر�سول اهلل ‪ Í‬خام�س‬ ‫حلا ٌم؛ فقال‪ :‬ا�صنع يل ً‬ ‫خم�سة؛ فدعا ر�سول اهلل ‪ Í‬خام�س خم�سة فتبعهم رجل فقال‬ ‫م�سة َو َه َذا َر ُج ٌل َقد َت ِب َعنا َف�إِ ْن‬ ‫بي ‪�« :Í‬إِ َّن َك َدعَو َت َنا َخامِ َ�س َخ َ‬ ‫ال َّن ُّ‬ ‫�شِ ئتَ �أَ ِذنْتَ َل ُه َو�إن �شِ ئتَ َت َر ْك َتهُ» قال‪ :‬بل �أذنت له(‪.)30‬‬

‫‪� ‬أن يكون له عذر مانع من مر�ض �أو ت�شاغل مبر�ض‪� ,‬أو �إقامة‬ ‫على حفظ مال‪� ,‬أو خوف من عد ٍّو على نف�س �أو مال‪ ,‬ف�إنَّ هذه وما‬ ‫�شاكلها �أعذار يف �سقوط الإجابة‪.‬‬ ‫‪ ‬ف�إن اعتذر بزحام ال َّنا�س يف الوليمة مل يكن ذلك عذ ًرا يف‬ ‫ال َّت� ُّأخر عن الإجابة‪ ,‬وقيل‪ :‬اح�ضر ف�إن وجدت �سعة و�إ َّال عذرت يف‬ ‫ال ُّرجوع‪.‬‬ ‫برد ُن ِظر‪ ,‬ف�إن كان ذلك مان ًعا من‬ ‫و�إن اعتذر ب�ش َّدة ح ٍّر �أو ٍ‬ ‫ت�ص ُّرف �آخر كان عذ ًرا يف ال َّت�أَ ُّخر‪ ,‬و�إن مل يكن مان ًعا من ت�صرف‬ ‫�آخر مل يكن عذرا‪.‬‬ ‫‪ ‬ومن الأعذار �أن يدعو �صاحب الوليمة اجلفلى ـ وهي‬ ‫ال َّدعوة العا َّمة ـ‪.‬‬ ‫‪ ‬ومنها �أن يعتذر املدع ُّو �إىل �صاحب ال َّدعوة فري�ضى‬ ‫واحد ف�إنَّ � َ‬ ‫أهل القرابة وال َّرحم‬ ‫وقت ٍ‬ ‫بتخلُّفه‪ ,‬ف�إذا دعاه اثنان يف ٍ‬ ‫�أح ُّق بالتَّقدمي‪ ,‬ف�إن مل يكن ث َّمة رحم ف�إ َّنه يجيب �أقربهما بابا‪� ,‬أو‬ ‫�أ�سبقهما يف ال َّدعوة‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬ال ي�سقط فر�ض الإجابة كون املدع ِّو �صائ ًما حلديث‬ ‫�أبي هريرة قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪�« :Í‬إِ َذا دُعِ ي �أَ َح ُد ُك ْم َفليُجِ ب‬ ‫َف ِ�إ ْن َكا َن َ�صا ِئ ًما َف ْل ُي َ�ص ِّل (ويف رواية‪َ :‬دعَا َل ُه بِالبرَ َ َكةِ) َو ِ�إ ْن َكا َن‬ ‫ُم ْفطِ را َفل َي ْط َع ْم»(‪.)32‬‬ ‫‪ ‬ومن الأعذار امل�سقطة للإجابة �أن يكون هناك منكر من‬ ‫خمر‪� ,‬أو �صوت مزمار‪� ,‬أو فرا�ش حرير‪� ,‬أو �صورة حم َّرمة‪ ,‬ويف‬ ‫هذا تف�صيل‪:‬‬ ‫فال يخلو املدع ُّو �أن يكون عاملًا بوجود املنكر قبل ح�ضوره �أو‬ ‫غري عامل‪.‬‬ ‫ف�إن علم قبل ح�ضوره فله حالتان‪:‬‬ ‫ـ �إحداهما‪� :‬أن يقدر على �إنكاره و�إزالته فواجب عليه �أن‬ ‫يح�ضر لأمرين‪:‬‬ ‫ـ �أحدهما‪ :‬لإجابة ال َّداعي‪ .‬ـ وال َّثاين‪ :‬لإزالة املنكر‪.‬‬ ‫ـ واحلالة ال َّثانية‪� :‬أن ال يقدر على �إزالته ففر�ض الإجابة قد �سقط‪.‬‬ ‫و�أ َّما �إذا علم املدع ُّو �أنَّ عند �أهل الوليمة منك ًرا ال ي�سمعه وال‬ ‫يراه فله �أن يح�ضر وي�أكل‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫ال�سوداء � مَّإنا اغتفر فيه ‪Í‬‬ ‫والذي يظهر �أنَّ حديث الأمة َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�ضرب بال ُّد ِّف؛ لأنَّ فيه �إظها َر الفرح ب�سالمة ال َّر�سول ‪,Í‬‬ ‫�صور من املخالفات التي تقع يف الوالئم‬ ‫وهذا فعل حممود‪ ,‬قال َّ‬ ‫مما‬ ‫اخلطابي ‪�« ::‬ضرب ال ُّد ِّف لي�س َّ‬ ‫يع ُّد يف باب َّ‬ ‫الطاعات ا َّلتي يتع َّلق بها ال ُّنذور‪ ,‬و�أح�سن حاله �أن‬ ‫يكون من باب املباح‪ ,‬غري �أ َّنه ملَّا اتَّ�صل ب�إظهار الفرح ل�سالمة‬ ‫�أوال ـ وجود لهو حمرم‪:‬‬ ‫«�ص ْو َتانِ َم ْل ُعو َنانِ َمقدَ م ر�سول اهلل ‪ Í‬حني قدم من بع�ض غزواته وكانت فيه‬ ‫بي ‪� Í‬أ َّنه قال‪َ :‬‬ ‫روى �أن�س ‪ Ç‬عن ال َّن ِّ‬ ‫(‪)37‬‬ ‫(‪)33‬‬ ‫م�ساءة الكفَّار و�إرغام املنافقني �صار فعله كبع�ض القرب» ‪.‬‬ ‫ِيف الدُّ ْن َيا َوالآخ ِر ِة مِ ْزمَا ٌر عِ ْن َد ِن ْع َم ٍة َو َر َّنة عِ ْن َد م ُِ�صي َبةٍ»‬ ‫و�أ َّما الأثر ف�إنَّ ع َّلة االنقطاع فيه ظاهرة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فال�ضرب ب�آلة �سوى ال ُّد ِّف يف الوالئم حم َّرم حتر ًميا �شديدً ا‪,‬‬ ‫وقد انت�شرت يف �أ َّيامنا «فرق» لن�ساء ي�ضربن ال ُّد َّف ب�أجرة‪,‬‬ ‫وكذا �ضرب ال ِّرجال على ال ُّد ِّف ال يفعله منهم �إ َّال من �ألقى عن نف�سه‬ ‫واحرتفن ذلك حتَّى �أ�صبحت لهنَّ يف ذلك فنون و�أ�ساليب‪ ,‬وقد‬ ‫�سربال ال ُّرجولة وت�ش َّهى �أن يكون ِذ ْك ُره مقرو ًنا بتاء ال َّت�أنيث‪.‬‬ ‫قال ابن حجر ‪« ::‬والأحاديث القو َّية فيها الإذن يف ذلك قال �شيخ الإ�سالم‪ُ « :‬ر ِّخ َ�ص يف َّ‬ ‫ال�ضرب بال ُّد ِّف يف الأفراح و�إن‬ ‫لل ِّن�ساء‪ ,‬فال يلتحق بهنَّ ال ِّرجال لعموم ال َّنهي عن التَّ�ش ُّبه بِهِ نَّ »(‪ .)34‬نهي عن �أكل املال به»(‪.)38‬‬ ‫ال�صور الفوتوغراف َّية‪:‬‬ ‫ثان ًيا ـ التقاط ُّ‬ ‫وكيف ال ي�ستنوق اجلمل �إذا كان من ال ِّرجال من يتط َّرب‬ ‫وهذا من عادات الكفَّار ال َّدخيلة ا َّلتي غزت ديار امل�سلمني‪,‬‬ ‫طرب ال ِّن�ساء ويلب�س احللية مع احللل‪.‬‬ ‫ن�ص العلماء املعتربون عل ًما وعددًا على حترميها‪.‬‬ ‫ويلحق يف املنع �ضرب ال ِّن�ساء بال ُّد ِّف يف غري العر�س كاخلتان وقد َّ‬ ‫قال �صدِّ يق ح�سن خان ‪ :‬يف التَّ�صوير املح َّرم‪�« :‬سواء‬ ‫وغريه‪ ,‬وقد قال ب�إباحته جمع من الفقهاء م�ستندين �إىل حديث‬ ‫بي ‪� :Í‬إنيِّ نذرتُ �إن ر َّدك اهلل �ساملًا �أن �صنعه بعمل اليد �أو بذريعة �آلة له‪ ,‬ل�صدق �إطالق التَّ�صوير على‬ ‫الأمة َّ‬ ‫ال�سوداء ا َّلتي قالت لل َّن ِّ‬ ‫�أ�ضرب على ر�أ�سك بال ُّد ِّف؛ قال ‪�« :Í‬إِ ْن ُك ْنتِ َن َذ ْرتِ َفا ْف َعلِي»(‪ .)35‬ما ح�صل ب�أعمال الآالت‪ ,‬وحكمه حكم التَّ�صوير‪ ,‬وا�ستعماله‬ ‫وكذا ما رواه ابن �سريين قال‪« :‬نبئت �أن عمر كان �إذا ا�ستمع ا�ستعمال التَّ�صوير»(‪.)39‬‬ ‫ال�شنقيطي ‪« ::‬ال َّ‬ ‫ال�شيخ حم َّمد الأمني َّ‬ ‫وقال َّ‬ ‫�شك �أنَّ‬ ‫�صوتا �أنكره و�س�أل عنه ف�إن قيل عر�س �أو ختان �أقره»(‪.)36‬‬ ‫الطرب» (‪ 51‬ـ ‪ .)52‬دخول امل�ص ِّورين يف امل�سجد حلرام ب�آالت التَّ�صوير ي�ص ِّورون‬ ‫و�صححه الألباين لغريه يف «�آالت َّ‬ ‫(‪� )33‬أخرجه البزَّار (‪َّ )7513‬‬ ‫(‪« )34‬الفتح» (‪.)226/9‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫مناف ملا‬ ‫ال�سجود‪� ,‬أنَّ ذلك ٍ‬ ‫بها الطائفني والقائمني وال ُّركع ُّ‬ ‫«ال�صحيحة» (‪ )1609‬و(‪.)2261‬‬ ‫(‪ )35‬رواه �أحمد (‪ ,)23011‬انظر َّ‬ ‫�أمر هلل به من تطهري بيته احلرام َّ‬ ‫للطائفني والقائمني وال ُّر َّكع‬ ‫(‪« )36‬امل�ص َّنف» البن �أبي �شيبة (‪/485/3‬رقم ‪.)16396‬‬ ‫ال�سجود‪ ,‬فانتهاك حرمة بيت اهلل بارتكاب حرمة التَّ�صوير عنده‬ ‫ُّ‬ ‫ال يجوز‪.)40( »...‬‬ ‫هذا ما قاله ‪ :‬يف ت�صوير َّ‬ ‫الطائفني القائمني فكيف‬ ‫بت�صوير ال َّالهني الغافلني؟!‪.‬‬ ‫يح�صل به �أهل‬ ‫َّ‬ ‫ومما �شاع وهو منكر التَّ�صوير بالكامرا‪ِّ ,‬‬ ‫الوليمة ً‬ ‫�شريطا ع َّما جرى فيها‪� ,‬أو قل هو فيلم بعد البثِّ ‪ ,‬وهذا ال‬ ‫(‪« )37‬مرقاة املفاتيح» (‪.)459/10‬‬ ‫(‪« )38‬جمموع الفتاوى» (‪.)224/32‬‬ ‫(‪« )39‬الدِّ ين اخلال�ص» (‪.)517/4‬‬ ‫(‪�« )40‬أ�ضواء البيان» (‪.)64/5‬‬

‫‪20‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫بحوث ودراسات‬

‫يخلو من حماذير ومفا�سد منها‪:‬‬ ‫عنهنَّ قوله ‪« :Í‬ال ينظر ال َّرجل �إىل عورة ال َّرجل وال املر�أة‬ ‫‪ ‬حر�ص ال َّنا�س على ِّ‬ ‫االطالع عليه ذكرا ًنا و�إنا ًثا‪َّ ,‬‬ ‫فيطلع �إىل عورة املر�أة»(‪ )43‬وعورة املر�أة �أمام املر�أة كعورة ال َّرجل �أمام‬ ‫ال�س َّرة وال ُّركبة(‪.)44‬‬ ‫ال ِّرجال على ال ِّن�ساء‪ ,‬بل على عوراتهنَّ ‪ ,‬و�إدمان ال َّنظر �إليهنَّ ‪ ,‬ال َّرجل‪� ,‬أي ما بني ُّ‬ ‫ولي�ست ال َّنتيجة خافي ًة على من �أوتي م�سك ًة من فطن ٍة �أو فهم‪.‬‬ ‫وقد ت�س َّربت الآفة �إىل بع�ض من �شممن رائحة الفقه ف�صرن‬ ‫‪� ‬إنَّ ت�صوير املدع ِّوين مبثل هذه الآلة م�س ِّب ٌب ُّ‬ ‫لل�شعور‬ ‫بحجة �أنَّ عورة املر�أة ما ذكر‬ ‫يك�شفن عن ظهورهنَّ و�صدورهنَّ َّ‬ ‫باالنزعاج واحلرج لدى كث ٍري منهم‪ ,‬حيث يرى نف�سه م�ضط ًّرا �إىل‬ ‫لي�س �إ َّال!‪.‬‬ ‫مناف لأدب ِّ‬ ‫ال�ضيافة‪.‬‬ ‫التزام هيئ ٍة مع َّينة‪ ,‬وهذا ٍ‬ ‫ويقال له�ؤالء ال ِّن�سوة مثل ما قيل يف ال َّرجل يخرج يف ال َّنا�س‬ ‫وال يخفى �أنَّ نف�س هذا العمل ـ �أي التَّ�صوير ـ من العبث‬ ‫بثوب ال ي�سرت �سوى �سو�أتيه ـ عند من يقول ب�أنَّ الفخذ لي�س بعورة‬ ‫ٍ‬ ‫ح�صل‬ ‫ا َّلذي يتنزَّه عنه امل�سلم‪ ,‬وماذا ي�ستفيد منه �سوى �أ َّنه َّ‬ ‫ـ �أو يخرج وقد ج َّرد بدنه �سات ًرا ما بني �س َّرته وركبتيه‪ ,‬و�إن مل‬ ‫�شاهدً ا زائدً ا على لغطه يف ذلك اليوم‪ ,‬وما كفاه ملكان موكوالن‬ ‫يكن فيه �إظهار للعورة �إ َّال �أ َّنه معدو ٌد من الأفعال ا َّلتي ت�سقط بها‬ ‫عن مي ٍني و�شمال‪.‬‬ ‫املروءة وتر ُّد ب�سببها َّ‬ ‫ن�ص على ذلك الفقهاء(‪.)45‬‬ ‫ال�شهادة‪َّ ,‬‬ ‫ثال ًثا ـ اختالط ال ِّرجال بال ِّن�ساء‪:‬‬ ‫وقال َّ‬ ‫ال�شيخ ابن عثيمني ‪« ::‬ال ِّلبا�س ا َّلذي ي�شرع للمر�أة‬ ‫يف مثل هذه املواطن تن�شط �شياطني الإن�س واجلنِّ للز َِّّج‬ ‫ِّ‬ ‫ال�سابغ جلميع البدن ما عدا ال َّر�أ�س والكفَّني‬ ‫با�س‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫هو‬ ‫تلب�سه‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫َّ‬ ‫بال�شباب‪ ,‬وحتَّى ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش َّيب يف حبائل ال َّرذيلة والف�ساد‪ ,‬فما ظ ُّنك‬ ‫بحجة والقدمني بال ِّن�سبة للمحارم‪.‬‬ ‫مبجامع ت�ساهل ال َّنا�س فيها ِّ‬ ‫بفك العنان لنزواتهم َّ‬ ‫�أ َّما بال ِّن�سبة للعورة‪ ,‬فعورة املر�أة مع املر�أة كعورة ال َّرجل مع‬ ‫ال�سرور ا َّلذي يتع َّدى ك َّل حدٍّ وال ي�ضبطه قيد‪,‬بل‬ ‫االنب�ساط و�إظهار ُّ‬ ‫جتد الكثري منهم يعتذر ب�سالمة باطنه و�صفاء ن َّيته!‪ ,‬وكيف يقبل ال َّرجل‪ ,‬لكن لي�س معنى هذا �أن تخرج املر�أة للمر�أة ولي�س معها �إ َّال‬ ‫ال�س َّرة وال ُّركبة‪ ,‬و� مَّإنا معناه �أن لو كان على‬ ‫لعلي ‪َ « :Ç‬يا َعل ِّي �إِ َّن َل َك �سروال ي�سرت ما بني ُّ‬ ‫بي ‪ Í‬قد قال ٍّ‬ ‫هذا منهم وهذا ال َّن ُّ‬ ‫جل َّن ِة َو�إِ َّن َك ُذو َقر َن ْيهَا َف َ‬ ‫َكن ًزا ِيف ا َ‬ ‫ل�شغل �أو‬ ‫ال ُت ْت ِب ِع ال َّن ْظ َر َة ال َّن ْظ َر َة َف�إِ مَّ َ‬ ‫ثياب �سابغة واحتاجت �إىل �أن تك�شف عن ذراعيها ٍ‬ ‫نا املر�أة ٌ‬ ‫مر�ض‪� ,‬أو �أرادت �أن تر�ضع فال ب�أ�س‪.‬‬ ‫َل َك الأُولىَ َو َل ْي َ�ستْ َل َك الآخِ َر ُة»(‪.)41‬‬ ‫ويجوز �أن تخرج �ساقيها وذراعيها ور�أ�سها ورقبتها عند‬ ‫ال�صحابي وورعه وعفَّة‬ ‫فمع علمه ‪ Í‬بكمال زهد هذا َّ‬ ‫باطنه و�صيانة ظاهره‪ُ ,‬ي ِّ‬ ‫حذره من ال َّنظر‪ ,‬وي� ِّؤمنه من اخلطر‪ ,‬حمارمها‪ ,‬ولي�س معنى ذلك �أن نقول‪ :‬تلب�س ال َّثوب الق�صري»(‪.)46‬‬ ‫لئ َّال ي َّدعي الأمن ك ُّل َّ‬ ‫بطال‪ ,‬وال يتحقَّق الأمن من الفتنة مع بقاء‬ ‫(‪ )43‬رواه م�سلم (‪.)338‬‬ ‫طبع الب�شر َّية كما قال بع�ض َّ‬ ‫ال�سلف‪« :‬لو خلوت بدجاج ٍة مل �آمن (‪« )44‬املو�سوعة الفقه َّية» (‪.)47/31‬‬ ‫(‪« )45‬الفروع» (‪« ,)513/6‬املغني» (‪« ,)152/14‬البحر ال َّرائق» (‪.)153/7‬‬ ‫على نف�سي»(‪.)42‬‬ ‫(‪ )46‬لقاء الباب املفتوح‪� :‬شريط ‪ 126‬بت�ص ُّر ٍف ي�سري‪.‬‬ ‫رابعا ـ ال َّت ُّ‬ ‫ك�شف و�إبداء العورات‪:‬‬ ‫ومن الآفات ا َّلتي ت�ضيق لها �صدور �أهل العفَّة واحلياء يف مثل‬ ‫هذه املنا�سبات‪ :‬تز ُّين بع�ض ال ِّن�ساء بتخفيف ثيابهنَّ وتق�صريها‪ ,‬بل‬ ‫ربمَّ ا وجدن �صعوب ًة يف احلركة من �ش َّدة �ضيقها وت�ضييقها عليهنَّ ‪.‬‬ ‫حرجا يف ال َّنظر �إليهنَّ ‪ ,‬وقد غاب‬ ‫وباملقابل �أخريات ال يجدن ً‬ ‫(‪ )41‬خ َّرجه �أحمد يف «امل�سند» (‪ )22991‬وهو ح�سن‪ ,‬وانظر تعليق م�شهور على‬ ‫ر�سالة «�أحكام ال َّنظر» لأبي بكر بن حبيب (‪.)43‬‬ ‫(‪�« )42‬أحكام ال َّنظر» (‪ 39‬ـ ‪.)45‬‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪21‬‬


‫مسائل منهجية‬

‫‪ ‬ح�سن �أيت علجت‬

‫تنبيه َ‬ ‫األِلبَّاِء‪..‬‬

‫إىل طريـق مـعرفـة العلمــــاء‬ ‫امل�س ِل َم ـ َع َّل َم ِني ُ‬ ‫اهلل و�إ َّي َ‬ ‫اك ـ �أنَّ هذه امل�س�أل َة ـ �أَ ْي‪َ :‬ط ِريقَ َم ْع ِر َف ِة ال ُع َل َما ِء ـ‪ِ ،‬منْ‬ ‫ِا ْع َل ْم � ِأخي ْ‬ ‫ُع ُيون ا َمل َ�سا ِئ ِل املُتَع ِّل َقة َمب ْن َهج ال ِع ْل ِم‪ ،‬وال َع َمل‪ ،‬وال َّد ْع َو ِة‪ ،‬وهذا ِل َ�س َب َبينْ ‪:‬‬ ‫�أ َّو ُلهُما‪� :‬أنّ ال ُع َل َما َء هُ ْم ر� ُأ�س ال ِف ْرق ِة ال َّناجية‪ ،‬والطائ َف ِة َّ‬ ‫الظاهرة املن�صورة(‪.)1‬‬ ‫َّ‬ ‫والطا ِئ َف ُة امل ْن ُ�صو َر ُة هي ْ‬ ‫ال�صحيحينِْ وغيرِْ ِهما عن ُم َعا ِو َي َة ْب ِن �أ ِبي‬ ‫املذ ُكور ُة يف َح ِد ِ‬ ‫يث َّ‬ ‫ُ�س ْفيانَ ‪ È‬عن ر�سول اهلل ‪ Í‬قال‪َ « :‬ال َت َز ُال َطا ِئ َف ٌة مِ نْ �أُ َّمتِي َقا ِئ َم ًة ِب�أَ ْم ِر اللهَّ ِ‪َ ،‬ال‬ ‫ا�س»‪.‬‬ ‫َي ُ�ض ُّرهُ ْم َمنْ َخ َذ َل ُه ْم‪� ،‬أَ ْو َخا َل َف ُه ْم‪َ ،‬ح َّتى َي�أْت َِي �أَ ْم ُر اللهَّ ِ َوهُ ْم َظاهِ ُرو َن َعلَى ال َّن ِ‬ ‫هلل ‪ ،y‬و� ْأع َل ُم ُهم ِب ِه‪َ ،‬ك َما‬ ‫َو َال َغ ْر َو �أنْ َي ُكونَ ال ُع َل َما ُء كذلك؛ � ْإذ هُ م �أَ ْق َو ُم ال َّنا�س ب� ْأم ِر ا ِ‬ ‫�أ َّن ُهم َم ْن ُ�صو ُرون َظ ِاه ُرون با ُ‬ ‫حل َّجة وال َب َيان‪.‬‬ ‫خاري ‪ :‬يف «�صحيحه» ُم رَت ِْجم ًا للحديث الآ ِن ِف ِّ‬ ‫«باب ق ْو ِل‬ ‫لهذا َق َال الإِ َم ُام ال ُب ُّ‬ ‫الذ ْك ِر‪ُ :‬‬ ‫حل ِّق» وهُ ْم‪ُ � :‬‬ ‫ِين على ا َ‬ ‫النبي ‪« :Í‬ال َت َز ُال َطا ِئ َف ٌة مِ نْ �أُ َّمتِي ظاهِ ر َ‬ ‫أهل ال ِع ْل ِم»(‪.)2‬‬ ‫ِّ‬ ‫ف�س َرها ب�أ َّنهم � ْأه ُل َ‬ ‫إمام � ْأح َمدَ ‪ ،‬و�ش ْي ِخه‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫وال ُمنافا َة بينْ َ هذا ال َّتفْ�سري‪َ ،‬ومنْ َّ‬ ‫يث‪ ،‬كال ِ‬ ‫إمام البخاري(‪َ ،)3‬‬ ‫وغيرْ ِهم؛ «لأنَّ � ْأه َل ال ِع ْل ِم‬ ‫يزيدَ ْب ِن هارونَ ‪ِّ ،‬‬ ‫وعلي ْب ِن ا َمل ِدي ِن ِّي �ش ْي ِخ ال ِ‬ ‫احلديث‪ ،‬و ُك َّلما كانَ امل ْر ُء � ْأع َل َم‬ ‫هُ م � ْأه ُل‬ ‫باحلديث‪ ،‬كانَ � ْأع َل َم يف ال ِع ْل ِم ممِ َّ نْ هو دُو َن ُه يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يث‪ ،‬كما ال يخْ َفى»(‪.)4‬‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫ْ�صو ُد ب� ْأه ِل َ‬ ‫يث هُ ُم املُ ْ�ش َت ِغ ُلونَ ِ ِبه ِر َوا َي ًة و ِد َرا َي ًة ور َِعا َي ًة‪ ،‬ف ُه ْم ُم ْع َت ُنونَ بال َّت ْمييز‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫واملق ُ‬ ‫وا�س ِت ِْع َما ِل ِه يف َجمِ ي ِع‬ ‫َبينْ َ َ�ص ِح ِ‬ ‫يح ِه َ‬ ‫و�سقِيمِ ِه‪ ،‬و َي َت َف َّق ُهونَ يف َم َعا ِني ِه‪ ،‬و َي ْح ِر ُ�صون على ا ِّت َب ِاعه ْ‬ ‫�أُ ُمور ِ​ِهم‪.‬‬ ‫لل�س َّنة‪،‬‬ ‫و ُي ْل َحقُ بِهِ ْم ـ �أ ْي ً�ضا ـ َمنْ َ�س َل َك َ�س ِبي َل ُهم ِمنَ املُ َت َف ِّقهِ ني على َط ِري َقتِهِ م‪ ،‬املُ َّت ِب ِعني ُّ‬ ‫واملُ َع ِّظمِ ني للآ َثارِ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‪« :‬قواعِ ُد يف ال َّت َعا ُم ِل َم َع ال ُع َل َماءِ» لعبد الرحمن بن ُم َع ّال اللويحق (‪ 20‬ـ ‪.)21‬‬ ‫(‪« )2‬كتاب االعت�صام بالكتاب وال�س َّنة» (فتح ‪.)293/13 :‬‬ ‫�صح َح هُ َنالِك بع�ض �أ�سانيد هذه الآثار‪.‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‪« :‬فتح الباري» للحافظ ابن حجر (‪ ،)293/13‬وقد َّ‬ ‫(‪ )4‬قاله الع َّال َم ُة الألباين يف «ال�صحيحة» (‪ ،254/1‬ط‪ :‬املعارف)‬

‫‪22‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫�إ َّن هذه الـم�س�أل َة ـ �أَيْ ‪:‬‬ ‫َط�� ِري�� َق َم�� ْع�� ِر َف�� ِة ال ُعلَ َما ِء ـ‪،‬‬ ‫مِ ����نْ ُع��� ُي���ون الـ َم َ�سائِلِ‬ ‫مب ْنهَج ال ِع ْل ِم‪،‬‬ ‫الـ ُم َتع ِّل َقة َ‬ ‫وال����� َع����� َم�����ل‪ ،‬وال�������د َّْع������� َو ِة‬


‫مسائل منهجية‬

‫و�أ َّما ال ِف ْر َق ُة ال َّناجي ُة فهي ْ‬ ‫النبي ‪ Í‬قال‪�« :‬أَ َال �إ َّن َمنْ َق ْبلَ ُكم مِ نْ �أهْ لِ الكِتابِ ا ْفترَ َ قوا‬ ‫املذ ُكور ُة يف ِ‬ ‫حديث معاو َي َة ‪ Ê‬ـ �أ ْي ً�ضا ـ َعن ِّ‬ ‫و�سبعون يف ال َّنار‪ ،‬وواحِ َد ٌة يف ا َ‬ ‫و�س ْبع َ‬ ‫جل َّنةِ‪ ،‬وهي اجلماعة»(‪.)5‬‬ ‫ني‪ِ :‬ث ْن َتانِ َ‬ ‫على ِث ْن َتينْ ِ و�سبعني مِ َّل ًة‪ ،‬و�إ َّن هذه املِ َّل َة �س َتفْترَ ُِق على ثالثٍ َ‬ ‫إمام ال�شاطبي ‪ :‬يف «االعت�صام»‬ ‫ِومن َت َفا�س ِري � ْأه ِل ال ِع ْل ِم مل ْع َنى اجلماعة‪� ،‬أ َّنها َ‬ ‫املج َتهِ ِدين‪ ،‬وقد َن َق َل ال ُ‬ ‫جماع ُة �أَ ِئ َّم ِة ال ُع َل َما ِء ْ‬ ‫(‪)6‬‬ ‫هلل ْب ِن املبارك‪ ،‬و� َ‬ ‫إمام رِّ‬ ‫الت ِْمذي(‪.)7‬‬ ‫(�ص‪ )449‬هذا الق ْو َل عن ع ْب ِد ا ِ‬ ‫إ�سحاق ِبن راهَ َو ْيه‪ ،‬وهو ـ �أ ْي ً�ضا ـ ق ْو ُل الإمام ال ُب َخاريِّ ‪ ،‬وال ِ‬ ‫زَم �أ ُّي َها املُ ْ�س ِل ُم َغ ْر َز � ْأه ِل ال ِع ْل ِم؛ َت ُكنْ َم ْن ُ�صو ًرا يف ال ُّّد ْنيا‪ ،‬و َن ِاج ًيا يف ال ِآخ َر ِة ب�إِ ْذن اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫َفا ْل ْ‬ ‫إمام َّ‬ ‫حاوي يف َعقِيدَ ِت ِه ْ‬ ‫ال�سا ِب ِقني‪َ ،‬ومنْ‬ ‫الط ُّ‬ ‫امل�ش ُهو َر ِة �أَنَّ ‪ُ :‬‬ ‫امل�سلِمِ ني ما َق َّر َر ُه ال ُ‬ ‫ال�س َلف ِمنَ َّ‬ ‫«ع َلما َء َّ‬ ‫من � ْأج ِل هذا ُك ِّله؛ كان ِمنْ ع َقا ِئد ْ‬ ‫خليرِْ والأَ َث ِر‪ ،‬و� ْأه َل ال ِفق ِْه وال َّن َظ ِر‪ ،‬ال ُي ْذ َكرونَ �إ َّال َ‬ ‫َب ْعدَ هُ م من التّا ِب ِعنيَ‪ْ � :‬أه َل ا َ‬ ‫بيل»‪.‬‬ ‫ال�س ِ‬ ‫باجلمِ ِيل‪َ ،‬ومنْ َذ َك َرهُ م ِب ُ�سوءٍ َف ُه َو على َغيرِْ َّ‬ ‫فاع َل ْم �أ َّنه على َغيرِْ َ‬ ‫و�س ْل َر َّب َك العا ِف َي َة‪.‬‬ ‫ال�س َّن ِة ُ‬ ‫ال�س ِ‬ ‫وع َل َما َءهَ ا ِب ُ�سوءٍ ؛ ْ‬ ‫اجلا َّدة‪َ ،‬‬ ‫بيل‪َ ،‬‬ ‫ف� َإذا ر�أَ ْي َت ـ يا �أُ َخ َّي ـ � َأحدً ا َي ْذ ُك ُر �أ ِئ َ​َّم َة ُّ‬ ‫وحا ِئ ٌد عن َّ‬ ‫�سبيل � ْأه ِل ال ِع ْل ِم‪َّ ،‬‬ ‫والط ْعنَ فيهم‪ ،‬و ُم َ�شا َّقتِهِ م؛ وكان � ْأ�ص ُل ذلك‬ ‫و� َإ�ضا َف ًة �إىل هذا‪ ،‬ف�إنَّ َ�أ َّو َل‬ ‫ٍ‬ ‫انحراف َو َق َع يف ال ْإ�س َال ِم كان �س َب ُب ُه تن ُّك َب ِ‬ ‫واع رَت َ‬ ‫َ�ض عل ْيه يف‬ ‫النبي ‪ Í‬ـ �سيِّدَ ال ُع َلما ِء و�إِ َم َام ُهم ـ‪ْ ،‬‬ ‫«ال�ص ِح َ‬ ‫ما َث َب َت يف َّ‬ ‫يحينِْ » ِمنْ �أنَّ ر�أْ َ�س اخلوارج ذا اخل َو ْي�صِ َرة التَّمِ يمِ َّي ا ْن َت َقدَ َّ‬ ‫ِق ْ�س َم ِت ِه ل َغ َنا ِئم َغزوة ُح َنينْ ٍ ‪ ،‬واتَّهمه ُّ‬ ‫بالظلم َ‬ ‫واجل ْور‪.‬‬ ‫ُث َّم َجا َء �أ ْف َر ُاخ ُه ـ ِمنْ َب ْع ِده ـ ا َّل ِذين َخ َر ُجوا من �ضِ ْئ�ضِ ئ ِه(‪َ ،)8‬‬ ‫ال�ص َحا َبة ‪í‬‬ ‫فخ َرجوا على َّ‬ ‫طالب ‪َ ،Ê‬‬ ‫فناظ َرهُ م ع ْب ُد‬ ‫علي ْب ِن �أبي ٍ‬ ‫ـ وهُ ْم َ�سا َد ُة ال ُع َل َماء �آ َن َذاك ـ ‪ ،‬وكانَ َذ ِل َك يف ِخ َال َف ِة ِّ‬ ‫��راف َو َق��� َع يف‬ ‫بيل �إ َّن �أَ َّو َل ان��ح ٍ‬ ‫هلل ْبنُ‬ ‫ا ِ‬ ‫عبا�س ‪َ ،È‬ف َر َج َع ِم ْن ُهم َمنْ َر َج َع‪ ،‬و َت َن َّك َب ال َبا ُقون َ�س ِب َيل ال ُع َل َماءِ؛ ف َه َل ُكوا يف َ�س ِ‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)9‬‬ ‫ال ْإ�س َ‬ ‫َمنْ هَ َل َك ‪.‬‬ ‫ال ِم كان �س َب ُب ُه تن ُّك َب‬ ‫و َك َذ ِلك َمنْ َت�أ ّم َل يف فِتنَِ هذا ال َع ْ�ص ِر‪َ ،‬و َجدَ �أنّ غا ِل َبها �س َب ُب ُه مجُ َ ا َن َب ُة ال ُع َل َماء‪ ،‬واال ْن ِح َر ُاف �سبيلِ �أهْ لِ ال ِع ْل ِم‪َّ ،‬‬ ‫والط ْع َن‬ ‫ُ‬ ‫وعدَ ُم ال ُّرجو ِع �إل ْيهِ م يف َك ِث ٍري ِمنْ َم َ�سا ِئل ال َّد ْع َوة ِ‬ ‫ع ْن ُهم‪َ ،‬‬ ‫واجل َهاد‪ ،‬وما َي ْت َب ُع ذلك من �أ ُمور ف����ي����ه����م‪ ،‬و ُم����� َ����ش����ا َّق���� ِت����هِ����م‬ ‫ال�س َيا�سة والتَّعا ُم ِل مع ا ُ‬ ‫حل َّكام‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫َب ْل َب َل َغ ال ْأم ُر ِب َب َع�ضِ �أ ْف َر ِاخ ا َ‬ ‫خل َوارِ​ِج �إىل ا ِّت َه ِام ال ُع َل َما ِء ال َّنا�صِ ِح َني بال َع َما َلة والإ ْر َجاءِ‪ ،‬وغيرِْ ها‬ ‫اجلا ِئ َر ِة الآ ِث َم ِة‪ُ ،‬‬ ‫من ال ُّت َه ِم َ‬ ‫واهلل ا َمل ْو ِعدُ‪.‬‬ ‫خل َل ُل يف الدِّ ين باال ْبتِدَ اع ِفيه‪ ،‬وا َ‬ ‫امل�س�أَ َل ِة‪َ ،‬ي ْن ُج ُم َع ْن ُه ا َ‬ ‫خل َط ُل‬ ‫َّ‬ ‫ال�س َب ُب ال ّثاين‪� :‬أنَّ ال َّز َل َل يف هذه ْ‬ ‫ُ‬ ‫يف َّ‬ ‫وال�س َّن َة‬ ‫ال�شرع بالتَزَ ُّيد عل ْيه؛ ف َي َق ُع ِع ْندَ ذلك التف ُّر ُق‬ ‫واالختالف؛ لأنَّ ال ِب ْد َع َة َم ْق ُرو َن ٌة بال ُف ْر َق ِة‪ُّ ،‬‬ ‫َم ْق ُرو َن ٌة َ‬ ‫باجل َم َاع ِة‪ ،‬كما قال �شيخُ الإ�سالم ابن تيمية ‪ :‬يف «اال�ستقامة» (‪.)1/42‬‬ ‫إمام َّ‬ ‫اطبي ‪ :‬يف كتابه العظيم «االعت�صام» (‪ 396‬ـ ‪،)397‬‬ ‫و َق ْد َن َّب َه على هذا الأَ ْم ِر ال ُ‬ ‫ال�ش ُّ‬ ‫اب اال ْبتِدَ ا ِع يف الدِّ ين واالخْ ِتالف فيه‪ ،‬فقال‪�« :‬أَ َحدُها‪� :‬أنْ َي ْع َتقِدَ‬ ‫وهذا يف َم ْع ِر�ضِ ِذ ْك ِر ِه ل ْأ�س َب ِ‬ ‫واالج ِت َها ِد يف الدِّ ِين ـ ولمَ ْ َي ْب ُل ْغ ِت ْل َك ال َّد َر َج َة‬ ‫ا ِلإ ْن َ�سانُ يف َن ْف�سِ ه‪� ،‬أ ْو ُي ْع َت َقدَ فيه �أ َّنه ِمنْ � ْأه ِل ال ِع ْل ِم ْ‬ ‫وخال ُف ُه ِخالف ًا‪ ،‬و َل ِكنْ تَا َر ًة َي ُكونُ ذلك يف ُجزْ ِئ ٍّي و َف ْر ٍع من‬ ‫ـ؛ َف ُي ْع َم َل على ذلك‪ ،‬و ُي َع َّد ر�أْ ُي ُه َر�أْي ًا‪ِ ،‬‬ ‫(‪� )5‬صحيح‪ :‬رواه �أحمد (‪ )16937‬و �أبو داود (‪ .)4579‬انظر‪« :‬ال�صحيحة» (‪.)204‬‬ ‫(‪ )6‬انظر‪�« :‬صحيح البخاري» (فتح‪.)316/13 :‬‬ ‫(‪ )7‬انظر‪�« :‬سنن الرتمذي» (‪.)467/4‬‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪َ « :‬يخْ ُر ُج مِ نْ ِ�ض ْئ ِ�ضئِ َه َذا َق ْو ٌم‬ ‫(‪� )8‬أي‪ :‬مِ نْ �أَ ْ�ص ِلهِ‪ ،‬كما يف حديث ال�صحيحني عن �أبي �سعيد اخلدري ‪� Ç‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫ِّين»‪.‬‬ ‫مَ ْ‬ ‫ي ُر ُقو َن مِ نْ الد ِ‬ ‫(‪ )9‬انظر‪« :‬منهاج ال�سنة النبوية» (‪ )385/8‬ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪ ،‬و«�إعالم املوقعني» للإمام ابن القيم (‪ ،)215/1‬ح ْيثُ‬ ‫ا�س»‪.‬‬ ‫ا�س ‪ È‬هذا‪« :‬و َل ُه ُط ُر ٌق عن ا ْب ِن ع َّب ٍ‬ ‫قال يف �أَ َث ِر ا ْب ِن ع َّب ٍ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪23‬‬


‫مسائل منهجية‬

‫ا�س َق ُّط‬ ‫ال ُي�ؤْ َتى ال َّن ُ‬ ‫مِ نْ ِق َبلِ ُعلَما ِئهِم‪ ،‬و� مَّإنا‬ ‫ُي�ؤْ َت ْو َن مِ نْ ِق َبلِ �أ َّنه �إذا‬ ‫َ‬ ‫مات ُعلَ َما�ؤُهُ م‪� ،‬أَ ْفتى‬ ‫ال؛ َف ُي�ؤْ َتى‬ ‫َمنْ ل ْي َ�س ِب َع مِ ٍ‬ ‫ا�س مِ نْ ِق َبلِه‬ ‫ال َّن ُ‬

‫ممِ َّ ا تق َّر َر عِ ْن َد‬ ‫�أهل ال ِع ْل ِم �أ َّن مِ َ‬ ‫العال‬ ‫ال ُي ْع َر ُف �إ َّال َ‬ ‫ب�شهادَة‬ ‫ال ُعلَما ِء له بال ِع ْل ِم‬

‫ال ُف ُرو ِع‪ ،‬وتا َر ًة يف ُك ِّل ٍّي و�أَ ْ�ص ٍل ِمنَ �أُ�صول الدِّ ين ـ كان ِمنَ الأُ ُ�صول االعتقاد َّية �أ ْو ِمنَ الأُ�صول‬ ‫ات َّ‬ ‫ال�شريع ِة يف هَ ْد ِم ُك ِّليا ِتها‪ ،‬حتّى ُي َ�صيرِّ َ ِم ْنها ما َظ َه َر َل ُه‬ ‫ال َع َمل َّية ـ؛ رَفتا ُه � ِآخذ ًا ِب َب ْع�ض ُجزئ َّي ِ‬ ‫َبا ِد َي َر�أْ ِي ِه ِمن َغيرِْ ِ�إ َ‬ ‫حاط ٍة َمب َعانيها‪ ،‬وال ُر ُ�س ٍوخ يف َف ْه ِم َمقا�صِ ِدها‪.‬‬ ‫�ض ُ‬ ‫اهلل ال ِع ْل َم ا ْنتِزاعاً‬ ‫وع َل ْي ِه َن َّب َه َ‬ ‫حيح �أ َّنه ‪َ Í‬‬ ‫قال‪« :‬ال َي ْق ِب ُ‬ ‫وهذا هو املُ ْبت َِدعُ؛ َ‬ ‫ال�ص ُ‬ ‫احل ِديثُ َّ‬ ‫ل َي ْب َق مِ ٌ‬ ‫�ض ال ِع ْل َم ب َق ْب ِ�ض ال ُعل َماءِ‪ ،‬ح ّتى �إذا مَ ْ‬ ‫َي ْن َت ِز ُع ُه من ال َّنا�س‪ ،‬ولكِنْ َي ْق ِب ُ‬ ‫ا�س‬ ‫عال؛ ا َّت َخ َذ ال َّن ُ‬ ‫ف�سئِلوا‪ ،‬ف�أَ ْف َت ْوا ب َغيرْ عِ ْل ٍم‪َ ،‬ف َ�ض ُّلوا و�أَ َ�ض ُّلوا»(‪.)10‬‬ ‫ُر�ؤو�ساً ُجهَّا ًال‪ُ ،‬‬ ‫قال َب ْع ُ�ض �أَ ْه ِل ال ِع ْل ِم‪َ :‬تق ِْدي ُر هذا َ‬ ‫ا�س َق ُّط ِمنْ ِق َب ِل ُع َلمائِهِ م‪،‬‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫يث َي ُد ُّل على �أ َّن ُه ال ُي�ؤْتَى ال َّن ُ‬ ‫ا�س ِمنْ ِق َب ِله‪.‬‬ ‫و� مَّإنا ُي�ؤْ َت ْونَ ِمنْ ِق َب ِل �أ َّنه �إذا ماتَ ُع َل َما�ؤُهُ م‪� ،‬أَ ْفتى َمنْ ل ْي َ�س ِب َعالمِ ٍ ؛ َف ُي ْ�ؤتَى ال َّن ُ‬ ‫ولك ِن ِا ْئ ُتمِ نَ َغيرْ ُ �أَ ِم ٍني فخانَ ‪.‬‬ ‫وقد ُ�ص ِّر َف هذا امل ْع َنى ت َْ�صريف ًا َف ِق َيل‪ :‬ما َخانَ � ِأم ٌ‬ ‫ني َق ُّط‪ِ ،‬‬ ‫قال‪ :‬و َن ْحنُ ُ‬ ‫نقول‪ :‬ما ا ْب َتدَ َع َعالمِ ٌ َق ُّط‪ ،‬ولكن ا�س ُت ْف ِت َي َمنْ لي�س بعالمِ ٍ » اهـ ‪.‬‬ ‫بيل ا ّلذي ُي ْع َر ُف به العالِمِ ُ ‪ ،‬ويمُ َ َّي ُز به‬ ‫ال�س ِ‬ ‫ِمنْ �أَ ْج ِل هذا وذاك‪َ ،‬ت َعينَّ َ على ُك ّل ُم ْ�س ِل ٍم َم ْع ِر َف ُة َّ‬ ‫عن َغيرِْ ه‪.‬‬ ‫و َب َيا ًنا لهذا ال ْأم ِر ُي َق ُال‪� :‬إ َّن ُه ممِ َّ ا تق َّر َر ِع ْندَ �أهل ال ِع ْل ِم �أ َّن مِ َ‬ ‫العال ال ُي ْع َر ُف �إ َّال َ‬ ‫ب�شهادَة ال ُعلَما ِء‬ ‫مِ ُ‬ ‫«والعال �إ َذا مَ ْ‬ ‫إمام َّ‬ ‫ل َي ْ�ش َه ْد‬ ‫اطبي ‪ :‬يف «االعت�صام» (�ص‪:)431‬‬ ‫له بال ِع ْل ِم؛ لهذا قال ال ُ‬ ‫ال�ش ُّ‬ ‫ل ُه ال ُعلَ َماءُ‪ ،‬فهو يف ا ُ‬ ‫حل ْك ِم َباقٍ يف الأَ ْ�صلِ مِ نْ َع َد ِم ال ِع ْل ِم‪ ،‬ح َّتى َي ْ�ش َه َد فيه َغيرْ ُ ه‪ ،‬و َي ْعلَ َم هو من‬ ‫َن ْف�سِ ِه ما ُ�ش ِه َد ل ُه ِبهِ‪ ،‬و�إ َّال فهو على َيق ٍني ِمنْ َعدَ ِم ال ِع ْل ِم‪� ،‬أ ْو على َ�ش ٍّك؛ فاخْ ِت َيا ُر ا ِلإ ْقدَ ِام يف ها َتينْ‬ ‫َ‬ ‫احلا َل َتينِْ على ا ِلإ ْح َج ِام‪ ،‬ال َي ُكونُ �إ ّال ِبا ِّت َبا ِع ال َه َوى؛ � ْإذ كان ي ْن َبغي له �أنْ َي ْ�س َت ْف ِت َي يف َن ْف�سِ ِه َغيرْ َ ُه‪،‬‬ ‫ولمَ ْ َيف َع ْل‪ ،‬وكان ِمنْ َح ِّق ِه �أنْ ال ُيق ِْد َم �إ َّال �أنْ ُي َقدِّ َم ُه َغيرْ ُ ُه ولمَ ْ َي ْف َع ْل هَ َذا»اهـ‪.‬‬ ‫قال ال َع َّال َم ُة الألبا ُّ‬ ‫ين ‪ُ :‬م َع ِّلق ًا على هذا الكالم يف «ال�سل�سلة ال�صحيحة» (‪:)2/713‬‬ ‫يح ُة ال َإم ِام َّ‬ ‫ا�س ِب َ�ش ْيءٍ من ال ِع ْل ِم‪،‬‬ ‫ال�ش ِ​ِاط ِبي �إىل «العالمِ​ِ » الذي ب�إِ ْم َكا ِنه �أنْ َي َت َق َّد َم �إىل ال َّن ِ‬ ‫«هذه َن�صِ َ‬ ‫ن�ص ُح‬ ‫َي ْن َ�ص ُح ُه �أنْ ال َي َت َق َّد َم حتَّى َي ْ�شهَدَ له ال ُع َلما ُء؛ َخ ْ�ش َي َة �أنْ َي ُكونَ من �أهل الأَ ْهواء‪ ،‬فماذا كان َي َ‬ ‫زم ِن َنا هذا؟ َّ‬ ‫ال�شك �أ َّنه كان َي ُق ُ‬ ‫ول َلهُ‪َ « :‬ل ْي َ�س‬ ‫يا تُرى لو َر�أَى ب ْع َ�ض ه�ؤالء املُ َت َع ِّلق َني بهذا ال ِع ْل ِم يف َ‬ ‫َب؟!‬ ‫هذا ُع َّ�ش ِك؛ َفا ْد ُر ِجي»‪ ،‬ف َه ْل ِمنْ ُم ْعت رِ ٍ‬ ‫و�إنيّ ـ واهلل ـ لأَخْ َ�شى على هذا ال َب ْع�ضِ ‪� ،‬أنْ َي ْ�ش َم َل ُهم َق ْو ُل ُه ‪ُ « :Í‬ي ْن َز ُع ُع ُق ُ‬ ‫ول �أهْ لِ َذل َِك ال َّزمَانِ ‪،‬‬ ‫ا�س‪َ ،‬ي ْح َ�س ُب �أَ ْك رَ ُ‬ ‫�شيءٍ»‪ .»)11(.‬اهـ‪.‬‬ ‫و ُي ْخلَ ُف َلهَا َه َبا ٌء مِ َن ال َّن ِ‬ ‫ثهُ م �أَ َّنهُم على َ�ش ْيءٍ‪ ،‬و َل ْي ُ�سوا على ْ‬ ‫ال�س َلف ّية ُت�ؤَ ِّي ُد هذا ا َمل ْن َحى‪ ،‬و ُت َع ِّ�ض ُد هَ َذا ا َمل ْع َنى‪ِ :‬م ْن َها ما‬ ‫هذا؛ و َق ْد َجا َء ْت ُج ْم َل ٌة من الآثار َّ‬ ‫الك ‪� :‬أ ّنه قال‪« :‬ال ي ْن َب ِغي ِل َر ُج ٍل �أنْ َي َرى َنف َْ�س ُه � ْأه ًال َ‬ ‫ي�س�أَ َل َمنْ‬ ‫ُذ ِك َر عن الإمام َم ٍ‬ ‫ل�ش ْيءٍ ‪ ،‬حتّى ْ‬ ‫كان � ْأع َل َم ِم ْنهُ؛ َوما �أ ْف َت ْيتُ حتّى َ�س�أَ ْلتُ ربي َع َة‪ ،‬و َي ْح َيى ْبنَ َ�س ِع ٍيد‪ ،‬ف�أَ َم َرانيِ بذلك‪ ،‬و َل ْو َن َه َياين‬ ‫النت َه ْيتُ » اهـ(‪.)12‬‬ ‫(‪ )10‬رواه البخاري يف كتاب العلم‪« ،‬باب‪ :‬كيف ُيق َب ُ�ض ال ُعلماء» (‪ ،)100‬وم�سلم يف كتاب العلم (‪ )2673‬عن عبد اهلل بن عمرو‬ ‫ابن العا�ص ‪.È‬‬ ‫(‪� )11‬صحيح‪ :‬رواه �أحمد‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬عن �أبي مو�سى الأ�شعري ‪ ،Ê‬انظر‪« :‬ال�صحيحة» (‪.)1682‬‬ ‫(‪ )12‬هذا الأثر والذي بعده رواهما �أبو نعيم يف «احلِ ْل َية» (‪ ،)316/6‬واخلطيب يف «الفقيه واملتف ِّقه» (‪ 1042‬ـ ‪.)1043‬‬

‫‪24‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫مسائل منهجية‬

‫وقال �أي�ضا‪« :‬ما �أَ ْف َت ْيتُ حتَّى َ�شهِ دَ يل َ�س ْب ُعون �أنيِّ � ْأه ٌل لذلك» اهـ‪.‬‬ ‫�إذا ت َق َّر َر هذا ف�إنّ هذه َّ‬ ‫ال�شها َد َة ِمنْ � ْأه ِل العلم لها حالتان(‪:)13‬‬ ‫�أُو َالهُ ما‪� :‬أنْ َت ُكونَ َعنْ َط ِر ِيق َ�ش َها َد ِة عالمِ ٍ ِل ِت ْلمِ ِيذه‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ُي َ�س َّمى با ِلإ َجازة‪َ ،‬ف ُي َو ِّر ُث العالمِ ُ‬ ‫َ‬ ‫تلميذ ُه ِع ْل َمه‪ُ ،‬ث َّم �إذا ر�آ ُه � ْأه ًال‬ ‫لت َ​َ�ص ُّد ِر التَّدري�س والإ ْف َت ِاء � َأج َازه‪ ،‬و� ِأذنَ له بذلك‪.‬‬ ‫َغيرْ َ �أ َّنه َي ْن َب ِغي �أنْ ُي َر َاعى ِد َّق ُة ال َّت ْع ِبري يف هذه ال َإجا َز ِات‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫تزْ ك َي َة ْام ِرئٍ بالتَّقوى ال ُت ْغ ِنيه َك ِب َري َ�ش ْيءٍ يف ال َّت ْبليغ‪َ ،‬ك َما �أنَّ تزْ ك َيتَه‬ ‫بال ِع ْلم ُع ُم ًوما وب� ْإج َم ٍال ال ت َُخ ِّو ُل له الفتوى يف ال َّنوازل التي هي من‬ ‫املج َتهِ ِدين املُ َت َبح ِّرينَ يف علوم َّ‬ ‫ال�شريعة‪.‬‬ ‫اخْ ِت َ�صا�صِ الأ ِئ َّم ِة ْ‬ ‫احلالة الثانية‪� :‬أنْ َي�شهَدَ ال ُع َلما ُء بال ِع ْل ِم ِل َعالمِ ٍ ما‪ ،‬بال َّن َظ ِر يف‬ ‫ب�سما ِع ُد ُرو�سِ ه ومحُ َ ا�ضرا ِته‪.‬‬ ‫فتاويه و ُم�ص َّنفا ِته‪� ،‬أو َ‬ ‫إمام َّ‬ ‫الذهَ ِب ُّي يف «�سري �أعالم النبالء»‬ ‫ومن هذا ما َذ َك َر ُه ال ُ‬ ‫ال�س َل ِف ِّي �أ َّنه قال يف �أبي‬ ‫(‪ 24/17‬ـ ‪َ )26‬ع ِن احلافظ �أبي ِ‬ ‫طاه ٍر ِّ‬ ‫�سليمانَ ا َ‬ ‫ابي‪« :‬و�أ ّما �أبو ُ�س َل ْي َمانَ ‪َّ ،‬‬ ‫لكتاب �أبي داودَ‪،‬‬ ‫ال�شار ُِح ِ‬ ‫خل َّط ِّ‬ ‫ف�إذا َو َق َف ُم ْن�صِ ٌف على ُم َ�ص َّن َفا ِته‪َّ ،‬‬ ‫واط َل َع على َب ِدي ِع ت�ص ُّرفا ِته يف‬ ‫مامتَه‪ ،‬و ِد َيا َنتَه ِفي َما ُيو ِر ُد ُه‪ ،‬و� َأما َنتَه»اهـ‪.‬‬ ‫ُم�ؤَ َّلفاته‪ ،‬حتقَّقَ �إِ َ‬

‫حل ْ�س َنى‪ :‬ال َع ِل ُيم‪ ،‬والذي � َأح َ‬ ‫وتعاىل ـ الذي من � ْأ�س َما ِئ ِه ا ُ‬ ‫اط ِب ُك ِّل‬ ‫�شيءٍ ِع ْلم ًا‪.‬‬ ‫ا�ص َط َفى من ال ّنا�س ُر ُ�س ًال ّز َّكاهُ م‪ ،‬و�آتاهُ م من‬ ‫ُث َّم �إنّ اهلل ‪ْ y‬‬ ‫ل ُد ْنه ِع ْل ًما‪ ،‬كما قال ج َّل ِمنْ قا ِئ ٍل‪ ﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾ [\‪.]r‬‬ ‫ُث َّم َج َع َل ُ‬ ‫وح َوا ِر ّي َني‬ ‫اهلل ‪ y‬ل َه�ؤالء ال ُّر ُ�سل ‡ � ْأ�ص َحا ًبا َ‬ ‫َح َملوا ِع ْل َم ُهم‪ ،‬و َث َبت َْت َعدا َل ُت ُهم وتزك َيتُهم بال ْإج َم ِال وال َّت ْف�صِ يل‬ ‫ِمنَ ال َّر ِّب اجلليل‪ِ ،‬ومنْ ه�ؤالء ال ُّر ُ�س ِل �أ ْن ُف�سِ هِ م؛ كما قال ُ‬ ‫اهلل ‪y‬‬ ‫أ�صحاب َن ِب ِّينا ‪� Í‬أ�صال ًة و�سائ َر �أ َّمته بال َّت َبع‪﴿ :‬ﭞ‬ ‫مخُ ِاط ًبا �‬ ‫َ‬ ‫ﭟﭠﭡﭢ﴾ [\_]؛ و َو ْ�ص ُف ُهم با َ‬ ‫خليرِْ َّية يت َ​َ�ض َّمنُ‬ ‫يب‪.‬‬ ‫هم‪ ،‬و� ْأع َمالِهِ ْم َك َما ال َيخْ َفى َع َلى َل ِب ٍ‬ ‫َك َم َال ُع ُل ِوم ْ‬ ‫كما جا َء ـ �أ ْي ً�ضا ـ َعنْ َن ِب ِّي َنا ‪ Í‬تَزْ ِك َي ُة َطا ِئ َف ٍة ِمنْ َ�ص َحا َب ِته‬ ‫‪ ،í‬و�شها َد ُت ُه لهم بال ِع ْل ِم‪ ،‬كق ْوله ‪ Í‬لأُ ِّبي بن ك ْع ٍب ‪Ê‬‬ ‫يف احلديث الذي رواه عنه م�سلم يف «�صحيحه» (‪ِ « :)810‬ل َي ْهن َِك‬ ‫ال ِع ْل ُم �أ َبا امل ُ ْنذِ رِ»‪ ،‬وقو ِله ‪« :Í‬ا ْق َتدوا بال َّل َذ ْين مِ نْ َب ْعدِ ي �أبِي‬ ‫َب ْكرٍ و ُع َم َر‪ ،‬واهْ َتدوا ِب َهد ِْي ع َّمارٍ»(‪ ،)14‬وق ْو ِله ‪ Í‬يف ابن م�سعود‬ ‫‪َ « :Ê‬ر ِ�ضيتُ لأُ َّمتِي ما َر ِ�ض َي َلهَا ا ْب ُن �أُ ِّم َع ْبدٍ »(‪ ،)15‬وقو ِل ِه‬ ‫هلل �أُ َب ُّي‬ ‫‪ Í‬يف طائف ٍة من �أَ�صحا ِبه ‪�« :í‬أَ ْق َر�ؤُهُ م ل ِك َتابِ ا ِ‬ ‫ابن كعب‪ ،‬و�أَ ْف َر ُ�ضهُم زي ُد ْب ُن ثابِتٍ ‪ ،‬و�أَعلَ ُمهُم بالحَ َ‬ ‫اللِ وا َ‬ ‫ُ‬ ‫حل َرا ِم‬ ‫أحاديث‪.‬‬ ‫ُم َعا ُذ ْب ُن َج َبلٍ »(‪َ ،)16‬و َن ْح ِو ِ‬ ‫هذ ِه ال ِ‬ ‫ال�صحاب َة َز َّك ْوا َمنْ َب ْعدَ هُ م ممِ َّ نْ � َأخ َذ ال ِع ْل َم َع ْن ُهم‬ ‫ُث َّم �إنَّ ه�ؤالء َّ‬ ‫ِمنَ التَّا ِب ِعنيَ‪ُ ،‬ث َّم ه�ؤالء التَّا ِب ُعون َز َّك ْوا َمن َب ْعدَ هم ـ �أي�ضا ـ‪ ،‬وهكذا‬ ‫َد َوال ْي َك‪.‬‬ ‫ا�س هذا ـ وللِهَِّ‬ ‫وما َز َال الأَ ْم ُر على هذا ال َّ​ّن َ�س ِق �إلىَ َي ْو ِم ال َّن ِ‬ ‫َ‬ ‫إمام ا ْبنُ‬ ‫احل ْم ُد ـ‪َ ،‬ومنْ َخ َر َج َعنْ هَ َذا َف�إنَّ َح ِقي َق َة � ْأم ِر ِه كما قال ال ُ‬ ‫ال َق ِّي ِم ‪ :‬يف َق�صِ يدَ ِته ال ُّنو ِن َّية‪:‬‬ ‫وج َع ِاج ٌع َع ِر َي ْت َع ِن البرُ ْ هَ ِان‬ ‫َال ُيف ِْز َع َّن َك َق َرا ِق ٌع و َف َرا ِق ٌع‬ ‫َ‬

‫‪َ ‬ت ْن ِبي ٌه ِل ُك ِّل َن ِبيهٍ‪:‬‬ ‫من الأُ ُمور ا َّل ِتي حدَ َث ْت يف هذا ال َع ْ�ص ِر ـ وهي ِمنْ َع َجا ِئ ِبه ـ �أنَّ‬ ‫ب ْع َ�ض العا َّم ِة‪ ،‬و� ْأ�ش َباهَ ُهم ِمنْ �صِ َغ ِار َّ‬ ‫الط َل َب ِة‪َ ،‬ي ْعمِ دُونَ �إىل َ�شخْ ٍ�ص‬ ‫لمَ ْ ُي�ؤْتَ ٍمنَ ال ِع ْل ِم �إ َّال َق ِلي ًال‪ ،‬وحقيق ُة � ْأم ِر ِه �أ َّن ُه � ْأع َو ُر َبينْ َ ُع ْم َي ٍان؛‬ ‫ف ُي َن ِّ�ص ُبو َنه َعالمِ ًا!‬ ‫وال َّر ِز َّي ُة ال ُكبرْ ى‪ ،‬والبل َّي ُة ال ُع ْظ َمى �أنْ َيغ رَ َّ‬ ‫ْت ذلك امل ِْ�س ِك ُني بِهِ ْم‪،‬‬ ‫َف َي ْغ ُد َو َك َما قال �سبحانه‪ ﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [‪.]t: 39‬‬ ‫وقد َذ َك َر �شيخُ الإ�سالم ابن تيمية ‪ :‬يف «منهاج ال�سنة»‬ ‫(‪ )129/5‬عن ب ْع�ضِ �أ ِئ َّم ِة اللُّ َغ ِة �أَ َّن ُه قال‪« :‬ال َعا َّم ُة ُم ْ�ش َت ٌّق ِمنَ‬ ‫ال َع َمى!»اهـ‪.‬‬ ‫يب ِمنْ هذا َق ْو ُل الإمام ا ْب ِن ُقدَ َام َة ا َملق ِْد�سِ ِّي يف «رو�ضة‬ ‫و َق ِر ٌ‬ ‫واهلل تعاىل �أعلم‪ ،‬و�ص َّلى اهلل وبا َرك و�أ ْن َعم على نبينا حممد‬ ‫ال َّناظر» (�ص ‪َ « :)136‬ولأَنَّ ال َع ِّام َّي ل ْي َ�س َل ُه �آ َل ُة َ‬ ‫هذا َّ‬ ‫ال�ش�أْ ِن‪ ،‬فهو‬ ‫وعلى �آله و�صحبه و�س َّلم ت�سليما كثريا �إىل يوم الدين‪.‬‬ ‫كال�ص ِب ِّي يف ُنق َْ�ص ِان الآ َل ِة» اهـ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫رب العاملني ـ �سبحانه (‪�)14‬صحيح‪:‬رواه �أحمدوالرتمذيعنحذيفة‪.Ê‬انظر‪«:‬ال�صحيحة»(‪.)1233‬‬ ‫َ‬ ‫احلا�صِ ُل �أنَّ ال ِع ْل َم َح ْب ٌل َم ْو ُ�صو ٌل‪� ،‬أ ْ�ص ُل ُه ُّ‬ ‫يحق (‪ 26‬ـ ‪.)27‬‬ ‫(‪« )13‬قواعد يف التعامل مع العلماء» ل َّل ِو َ‬

‫(‪� )15‬صحيح‪ :‬رواه احلاكم عن ابن م�سعود ‪ .Ê‬انظر‪« :‬ال�صحيحة» (‪.)1225‬‬ ‫(‪� )16‬صحيح‪ :‬رواه الرتمذي وابن ماجة عن �أن�س ‪ .Ê‬انظر‪« :‬ال�صحيحة» (‪)1224‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪25‬‬


‫تزكية وآداب‬

‫فضل العلم والتحذير من بعض آفاته‬

‫د‪ /‬عبد اهلل البخاري‬ ‫املد ِّر�س بك ِّل َّية احلديث باجلامعة الإ�سالم َّية باملدينة النبوية‬

‫درك َم���ا للعلم و�أهله من‬ ‫عاقل ُم ٍ‬ ‫ال يخف���ى على ٍ‬ ‫ف�ض���ل ومكان ٍة يف َّ‬ ‫ال�ش���رع احلنيف؛ فـ «الإن�سانُ‬ ‫ٍ‬ ‫ظلوما جهو ًال‪ ،‬فالأ�ص���ل في���ه‪ :‬عدم العلم‪،‬‬ ‫ُخلقَ ً‬ ‫ومي ُل���ه �إىل ما يهواه من َّ‬ ‫ال�ش��� ِّر‪ ،‬فيحتَ���اج دائ ًما‬ ‫مف�ص ٍ���ل ي ُ‬ ‫���دل يف‬ ‫���زول ب���ه جهله‪ ،‬وع ٍ‬ ‫���م َّ‬ ‫�إىل عل ٍ‬ ‫حم َّبته وبغ�ض���ه‪ ،‬ور�ضاه وغ�ضبه‪ ،‬وفعله وتركه‪،‬‬ ‫يحتاج‬ ‫و�إعطائ���ه ومنعه‪ ،‬وك ُّل ما يقول���ه ويعمله‬ ‫ُ‬ ‫عدل ينايف ظلمه‪ ،‬ف�إن مل مينَّ اهلل عليه‬ ‫فيه �إىل ٍ‬ ‫املف�ص���ل‪ ،‬و�إ َّال كان ِفيه‬ ‫املف�ص���ل والعدل َّ‬ ‫ِبالعلم َّ‬ ‫اجلهل ُّ‬ ‫ال�ص���راط‬ ‫م���ن‬ ‫ِ‬ ‫والظلم ما يخرج به عن ِّ‬ ‫امل�ستقيم»(‪.)1‬‬ ‫���رت الآي���ات‬ ‫املف�ص��� ُل «ق���د تكاث ِ‬ ‫وه���ذا العل��� ُم َّ‬ ‫والأخبار والآث���ار وتواترت‪ ،‬وتطابق���ت ال َّد ُ‬ ‫الئل‬ ‫ال�صريحة وتوافقت‪ ،‬على ف�ضيلته‪ ،‬واحلثِّ على‬ ‫َّ‬ ‫حت�ص���يله‪ ،‬واالجتهاد يف اقتبا�س���ه وتعليمه»(‪،)2‬‬ ‫َفمِ ْنها‪:‬‬ ‫(‪ )1‬قاله �شيخ الإ�سالم ابن تيم َّية ‪ :‬فيِ «قاعدة يف �أنواع‬ ‫ال�صالة» (‪.)40‬‬ ‫اال�ستفتاح يف َّ‬ ‫(‪ )2‬قاله احلافظ النووي ‪ :‬يف «مقدمة املجموع» (‪)40/1‬‬ ‫بت�صرف ي�سري‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫* قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯳﯴﯵﯶﯷﯸ‬

‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [\`]‪.‬‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم ابن الق ِّيم ‪:)3(:‬‬ ‫«�إ َّنه �س���بحانه ع َّدد نعمه وف�ض���له على ر�سوله ‪ ،Í‬وجعل من‬ ‫�أج ِّلها‪� :‬أن �آتاه الكتاب واحلكمة وع َّلمه ما مل يكن يعلم»‪.‬‬ ‫* قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ‬ ‫ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬

‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ﴾ [\‪.]a‬‬ ‫َ‬ ‫قال الإمام ابن الق ِّيم ‪:)4(:‬‬ ‫اجلاهل ميت ًة يحرم �أكلها‍!‬ ‫الكلب‬ ‫«�إنَّ اهلل �سبحانه جعل �صيدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكلب املع َّلم‪ ،‬وهذا � ً‬ ‫أي�ضا من �شرف العلم‪� :‬أ َّنه ال يباح‬ ‫و�أباح َ�صيدَ ِ‬ ‫�إ َّال �ص���يد الكلب العالمِ ‪ ،‬و�أ َّما الكلب اجلاهل فال يح ُّل � ُ‬ ‫�ص���يده؛‬ ‫أكل ِ‬ ‫ف َّ‬ ‫���دل على �ش���رف العلم وف�ض���له‪ ،...‬ول���وال مز َّية العل���م والتَّعليم‬ ‫واجلاهل �سوا ًء»‪.‬‬ ‫الكلب املع َّلم‬ ‫و�شر ُفهما كان �صي ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال�س َّنة ال َّنبوية‪:‬‬ ‫‪ ‬ومن ن�صو�ص ُّ‬ ‫البخاري وم�سلم(‪ )5‬عن معاوية ‪ Ç‬قال‪ :‬قال‬ ‫* ما �أخرجه‬ ‫ُّ‬ ‫ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬منْ ُير ِد ُ‬ ‫ِّين»‪.‬‬ ‫اهلل به َخيرْ اً ُي َف ِّق ْه ُه فيِ الد ِ‬ ‫قال الإمام ابن الق ِّيم ‪« :)6(:‬هذا يد ُّل على �أنَّ من مل يف ِّقهه‬ ‫يف دين���ه مل ي���رد ِبه خ ًريا‪ ،‬كما �أنَّ من �أراد ِبه خ ًريا فقَّهه يف دينه‪،‬‬ ‫خ�ي�را‪� ,‬إذا �أري���د ِبالفقه العلم‬ ‫وم���ن ف َّقه���ه يف دينه فق���د �أراد ِبه ً‬ ‫امل�ستلزم للعمل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ال�سعادة» (‪.)52/1‬‬ ‫(‪« )3‬مفتاح دار َّ‬ ‫ال�سعادة» (‪.)55/1‬‬ ‫(‪« )4‬مفتاح دار َّ‬ ‫(‪ )5‬البخاري (‪ ,)71‬وم�سلم (‪.)1037‬‬ ‫ال�سعادة» (‪.)60/1‬‬ ‫(‪« )6‬مفتاح دار َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫(‪« )9‬فتح الباري» (‪.)46/7‬‬ ‫(‪( )10‬كتاب الفرائ�ض‪ /‬باب تَعليم الفرائ�ض ‪ /12‬باب ‪ 4/2‬ـ فتح)‪.‬‬ ‫(‪« )11‬املجموع» (‪.)42/1‬‬ ‫(‪« )12‬فتح الباري» (‪)4/12‬‬ ‫(‪« )13‬جامع بيان العلم» (‪.)1085/2‬‬

‫تزكية وآداب‬

‫* قال �صالح بن مهران َّ‬ ‫ال�شيباين ‪« ::‬ك ُّل �صاحب �صناعة‬ ‫و�أ َّم���ا �إن �أري���د ِبه جم َّرد العل���م فال يد ُّل عل���ى �أنَّ من َف ُق َه يف‬ ‫حينئذ يكون �ش ً‬ ‫���رطا لإرادة ال يقد ُر �أن يع َم َل يف �صناعته �إ َّال ب�آل ٍة‪ ،‬و�آلة الإ�سالم‪ :‬العلم»(‪.)14‬‬ ‫الدِّ ي���ن فقد �أري���د ِبه خ ًريا؛ ف�إنَّ الفقه ٍ‬ ‫موج ًبا‪ ،‬واهلل �أعلم»‪.‬‬ ‫اخلري‪ ،‬وعلى الأ َّول يكون ِ‬ ‫‪  ‬‬ ‫ووي ‪« :)7(:‬فيه ف�ض���يلة العلم والتَّف ُّقه يف‬ ‫وق���ال احلافظ ال َّن ُّ‬ ‫�أال فلي�ش ِّم���ر امل�ؤمن احل�صيف عن �س���اعد اجل���دِّ واالجتهاد؛‬ ‫الدِّ ين‪ ،‬واحلثُّ عليه‪ ,‬و�سب ُبه �أ َّنه قائ ٌد �إىل تقوى اهلل تعاىل»‪.‬‬ ‫لي َ‬ ‫ويلحق بِ���ركاب �أهله؛ ف�إنَّ ‪�« :‬أعل���ى الهِمم‬ ‫���درك ذلكم الف�ض���ل‪َ ،‬‬ ‫البخاري وم�سلم(‪ )8‬من حديث عبداهلل بن عمر‬ ‫* ما �أخرجه‬ ‫ُّ‬ ‫وال�س��� َّنة‪ ،‬والفهم عن اهلل وعن‬ ‫الكتاب‬ ‫علم‬ ‫طلب‬ ‫���م‪:‬‬ ‫ل‬ ‫الع‬ ‫���ب‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫يف‬ ‫ُّ‬ ‫‪ È‬ق���ال‪� :‬سمع���ت ر�س���و َل اهلل ‪ Í‬ق���ال‪َ « :‬ب ْي َنا �أ َنا َنائِ��� ٌم �أُ ِت ْيتُ‬ ‫ر�سوله ‪ Í‬نف�س املراد‪ ،‬وعلم حدود املنز َِّل‪.‬‬ ‫ِب َق���د ِح َل ٍنَ‬ ‫�َب� َف َ�ش ِر ْبتُ َح َّت���ى �إنيِّ لأَ َرى ال ِّريَّ َي ْخ��� ُر ُج فيِ َ�أ ْظ َفارِي ُث َّم‬ ‫َّ‬ ‫ق�ص���ر ه َّمت ِه على تت ُّبع ِّ‬ ‫�شواذ امل�سائل‪،‬‬ ‫العلم‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫ط‬ ‫همم‬ ‫أخ�س‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫�أَ ْع َط ْي���تُ َف ْ�ض ِل���ي ُع َم َر ب َ‬ ‫���ن الخْ َ َّطاب‪َ .‬قا ُل���وا‪َ :‬ف َما �أَ َّو ْل َت��� َه َيا َر ُ�سو َل‬ ‫وما مل ينزل وال هو واق ٌع‪� ،‬أو كانت ه َّمتُه معر َف َة االختالف وتت ُّبع �أقوال‬ ‫هلل ؟ َقا َل‪ :‬ال ِع ْل ُم»‪.‬‬ ‫ا ِ‬ ‫ال�صحيح من تلك الأقوال‪َّ ،‬‬ ‫وقل �أن‬ ‫ال َّنا�س‪ ،‬ولي�س له ه َّم ٌة �إىل معرفة َّ‬ ‫قال احلافظ ابن حجر ‪« :)9(:‬ووجه التَّع ِبري ِبذلك من جهة‬ ‫ينتف َع واح ٌد من ه�ؤالء ِبعلمه»(‪.)15‬‬ ‫لل�ص�ل�اح؛‬ ‫ا�ش�ت�راك ال َّل�ب�ن والعلم يف كرثة ال َّنفع‪ ،‬وكونهما �س���ب ًبا َّ‬ ‫‪  ‬‬ ‫نب للغذاء البد ِّ‬ ‫ين‪ ،‬والعلم للغذاء املعنويِّ »‪.‬‬ ‫فال َّل ُ‬ ‫‪ ‬ولئن �س�أل ٌ‬ ‫�سائل عن حقِيقة العلم ال َّنافع؟‬ ‫ال�سلف ‪:í‬‬ ‫‪ ‬و َّ‬ ‫مما �أثر عن َّ‬ ‫فاجلواب فيما قاله الإمام ُ‬ ‫ابن رجب احلنبلي ‪:)16(:‬‬ ‫ُ‬ ‫البخاري يف «�صحيحه»(‪ :)10‬قال عقبة بن عام ٍر‬ ‫* قال الإمام‬ ‫ُّ‬ ‫«فالعلم ال َّنافع من هذه العلوم ك ِّلها‪� :‬ض���بط ن�ص���و�ص الكتاب‬ ‫‪َ « :Ç‬ت َع َّل ُموا َق ْبل َّ‬ ‫الظا ِّنني»‪.‬‬ ‫ال�ص���حابة‬ ‫وال�س��� َّنة‪ ،‬وفهم معانيه���ا‪ ،‬والتَّق ُّي ُد يف ذلك ِبامل�أثور عن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫���ارحا الق���ول‪« :‬يعن���ي‪ :‬ا َّلذين‬ ‫ق���ال الإم���ام البخ ُّ‬ ‫���اري ‪� :‬ش ً‬ ‫والتَّابع�ي�ن وتا ِبعيه���م؛ يف مع���اين الق���ر�آن واحلدي���ث‪ ،‬وفيما ورد‬ ‫يتك َّلمون ِب َّ‬ ‫الظنِّ »‪.‬‬ ‫ووي ‪ :‬عقب قول الإمام البخاري‪« :‬معناه‪ :‬عنهم من الكالم يف م�س���ائل احلالل واحلرام‪ ،‬والزُّهد وال َّرقائق‬ ‫قال احلافظ ال َّن ُّ‬ ‫تع َّلموا العلم من �أهله املح ِّققني الورعني قبل ذها ِبهم وجميء قوم واملعارف‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬واالجتهاد يف مت ِييز �ص���حيحه من �س���قيمه‬ ‫���م االجتهاد يف الوقوف على معانيه وتف ُّهمه ثان ًيا‪ ،‬ويف ذلك‬ ‫يتك َّلمون يف العلم بمِ ثل نفو�س���هم وظنونهم ا َّلتي لي�س لها م�س���تند �أ َّو ًال‪ ،‬ث َّ‬ ‫كفاي ٌة ملن عقل‪ ،‬و�ش���غ ٌل ملن ِبالعلم ال َّنافع ُع ِن َي وا�شتغل‪ ,‬ومن وقف‬ ‫�شرعي»(‪.)11‬‬ ‫ٌّ‬ ‫���ظ ابن حج ٍ���ر ‪ :‬وجوهً ا �أُخ���رى يف معنى �أثر على هذا و�أخل�ص الق�صد فيه لوجه اهلل عز وجل وا�ستعانه عليه‪،‬‬ ‫وذك���ر احلاف ُ‬ ‫وحينئذ يثمر له هذا‬ ‫عقبة ‪ ،Ç‬ومنها‪« :‬وقيل‪ :‬م���راده‪ :‬قبل اندرا�س العلم وحدوث �أعانه وهداه‪ ،‬وو َّفقه و�س��� َّدده وف َّه َمه و�ألهمه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اخلا�صة به‪ ،‬وهي‪ :‬خ�شية اهلل كما قال عز وجل‪﴿ :‬ﯞ‬ ‫العلم ثمرتَه‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫علم»(‪.)12‬‬ ‫من يتك َّلم بمِ قت�ضى ظ ِّنه غري م�ست ِن ٍد �إىل ٍ‬ ‫م�سعود وغ ُريه‪:‬‬ ‫* قال �س���هل بن عبد اهلل التَّ�س�ت�ري ‪« ::‬ما �أحدث �أح ٌد يف ﯟﯠﯡﯢﯣ﴾ [ﮯ‪ ،]28 :‬وقال ابن‬ ‫ٍ‬ ‫ال�س��� َّنة �سلم و�إ َّال كفى ِبخ�شية اهلل عل ًما‪ ،‬وكفى باالغرتار باهلل جه ًال‪.»...‬‬ ‫العلم �ش���ي ًئا �إ َّال ُ�س��� ِئ َل عنه يوم القيامة؛ ف�إن وافق ُّ‬ ‫و�إنَّ م���ن الكلم���ات امله َّم���ة وامل�ض���يئة يف الباب‪ ،‬كلم���ة الإمام‬ ‫فهو العطب»(‪.)13‬‬ ‫(‪)17‬‬ ‫ال�ش���افعي ‪ :‬حيث قال يف كتابه ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الفذ «ال ِّر�سالة» ‪« :‬وال َّنا�س يف‬ ‫(‪�« )7‬شرح �صحيح م�سلم» (‪.)128/7‬‬ ‫(‪ )8‬البخاري (‪ ,)82‬وم�سلم(‪.)2391‬‬ ‫ٌ‬ ‫طبقات‪ ،‬موق ُعه���م من العلم ِبق���در درجاته���م يف العلم به ـ‬ ‫العل���م‬ ‫(‪« )14‬طبقات املحدِّ ثني ب�أ�صبهان» (‪.)216/2‬‬ ‫(‪ )15‬قاله الإمام ابنُ الق ِّيم يف كتابه املفيد «الفوائد» (‪.)60‬‬ ‫ال�سلف على علم اخللف» (‪.)45‬‬ ‫(‪ )16‬يف كتابه ال َّنافع «ف�ضل علم َّ‬ ‫(‪( )17‬رقم ‪ 44‬ـ‪ 45‬ـ ‪.)19/46‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪27‬‬


‫تزكية وآداب‬

‫يعني العلم بكتاب اهلل عز وجل ـ‪.‬‬ ‫هدهم يف اال�س���تكثار من‬ ‫فح��� ٌّق على طلبة العل���م بلو ُغ غاية َج ِ‬ ‫وال�ص�ب�ر عل���ى ِّ‬ ‫عار�ض دون طلبه‪ ،‬و�إخال����ص ال ِّن َّية هلل‬ ‫كل ٍ‬ ‫علمه‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫وا�ستنباطا‪ ،‬وال َّرغبة �إىل اهلل يف العون‬ ‫ن�ص���ا‬ ‫يف ا�ست���دراك علمه‪ًّ ،‬‬ ‫ري �إ َّال بِعونه‪.‬‬ ‫عليه؛ ف�إ َّنه ال ُيد َر ُك خ ٌ‬ ‫وكذب وافتياتٌ على اهلل‬ ‫قبيح‪ٌ ،‬‬ ‫�إذ ه���ي جرمية عظيمة‪ ،‬و�أم ٌر ٌ‬ ‫ن�ص���ا وا�ست���د ً‬ ‫الال‪ ،‬ج َّ‬ ‫ف����إ َّن م���ن �أدرك عل���م �أح���كا ِم اهلل يف كتاب���ه ًّ‬ ‫أحد‪ ،‬حتَّى قال عز‬ ‫���ل يف عاله‪ ،‬وه���و �أم ٌر مل يبحه اهلل عز وجل ل ٍ‬ ‫وو َّفق���ه اهلل للق���ول والعمل بمِ ا علم منه‪ :‬فاز بِالف�ضيلة يف دينه وجل عن خليله ور�سوله حم َّم ٍد ‪ Í‬ـ وقد ع�صمه من ذلك‪ ،‬فكيف‬ ‫ودني���اه‪ ،‬وانتفت عنه ال ِّر َيب‪ ،‬ون َّورت يف قلبه احلكم ُة‪ ،‬وا�ستوجب بمِ ن دونه؟!! ـ‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ‬ ‫يف الدِّين مو�ض َع الإمامةِ»‪.‬‬ ‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [\‪.]Ä‬‬ ‫وبعد ا َّلذي ُذ ِك َر �أن ِّب ُه على �آفة من �أعظم �آفات العلم‪� ،‬أال وهي‪:‬‬ ‫علم!‬ ‫القول على اهلل بِغري ٍ‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫كث�ي�ر(‪« :)18‬يقول تعاىل‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ﴾ �أي‪:‬‬ ‫قال احلافظ ابن ٍ‬ ‫حم َّم���د ‪ Í‬لو كان كما يزعمون‪ ،‬مفرت ًيا علينا فزاد يف ال ِّر�س���الة‬ ‫�أو نق����ص منها �أو قال �ش���ي ًئا من عنده فن�س���به �إلينا ولي�س كذلك‪،‬‬ ‫لعاجلن���اه ِبالعقوب���ة‪ ،‬ولهذا ق���ال‪﴿ :‬ﮌﮍﮎ﴾‪َ ،‬‬ ‫قيل معناه‪:‬‬ ‫النتقمن���ا منه ِباليمني؛ لأ َّنها �أ�ش��� ُّد يف البط����ش‪ ،‬وقيل‪ :‬لأخذنا منه‬ ‫ا�س‪ :‬هو ُ‬ ‫نياط القلب‪ ،‬وهو‬ ‫ِبيمينه‪﴿ ،‬ﮐﮑﮒﮓ﴾ قال اب���ن ع َّب ٍ‬ ‫القلب م َع َّل ٌق فيه‪...‬‬ ‫العرق ا َّلذي ُ‬

‫وقول���ه‪﴿ :‬ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚ﴾ �أي‪ :‬فما يقد ُر �أح ٌد منكم‬ ‫على �أن يحجزَ بيننا وبينه �إذا �أردنا ِبه �شي ًئا من ذلك‪.‬‬ ‫واملعن���ى يف هذا‪ :‬بل هو �ص���اد ٌق با ٌّر را�ش���دٌ؛ لأنَّ اهلل عز وجل‬ ‫ُم َقر ٌر له ما يب ِّلغ���ه عنه‪ ،‬وم�ؤ ِّي ٌد له ِباملعجزات الباهرات وال َّدالالت‬ ‫القاطعات»‪.‬‬ ‫‪ ‬ومن الأد َّلة يف تقرير هذا املقام اخلطري والعظيم‪:‬‬ ‫* ق���ال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬

‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [‪.]b: 93‬‬ ‫���ي(‪« :)19‬قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮜ ﮝ﴾ ابتدا ٌء‬ ‫قال الع َّالمة القرطب ُّ‬ ‫رب‪� ،‬أي؛ ال �أحد �أظلم‪﴿ ،‬ﮞﮟ﴾ �أي؛ اختلق ﴿ﮠﮡﮢ﴾‪،‬‬ ‫وخ ٌ‬ ‫﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ فزعم �أ َّنه ن ِب ٌّي‪ ﴿ ،‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾‪.‬‬ ‫وال�س�ن�ن‬ ‫ـ �إىل �أن قال ـ ومن هذا ال َّنمط من �أعر�ض عن الفقه ُّ‬ ‫ال�س�ن�ن فيقول‪ :‬وقع يف خاطري كذا‪� ،‬أو‬ ‫ال�س���لف من َّ‬ ‫وما كان عليه َّ‬ ‫�أخربين قلبي ِبكذا !!‬ ‫(‪« )18‬تف�سري ابن كثري» (‪.)415/4‬‬ ‫(‪« )19‬اجلامع لأحكام القر�آن» (‪.)41/7‬‬

‫‪28‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫* ق���ال اهلل تع���اىل‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬

‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [\‪.]l‬‬

‫كث�ي�ر(‪« :)21‬نهى تعاىل عن �س���لوك �س���بيل‬ ‫ق���ال احلاف���ظ ابن ٍ‬ ‫امل�ش���ركني‪ ،‬ا َّلذين ح َّللوا وح َّرموا بمِ ج َّرد ما و�ض���عوه وا�ص���طلحوا‬ ‫علي���ه من الأ�س���ماء بِ�آرائه���م‪ ...‬ـ �إىل �أن قال ـ ويدخ���ل يف هذا ُّ‬ ‫كل‬ ‫مما‬ ‫م���ن ابت���دع بِدع ًة لي�س له فيها م�ستن ٌد‬ ‫�شرعي‪� ،‬أو ح َّلل �شي ًئا َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫مما �أباح اهلل‪ ،‬بمِ ج َّرد ر�أيه �أو ت�شهِّيه ـ �إىل‬ ‫ح َّرم اهلل‪� ،‬أو ح َّرم �شي ًئا َّ‬ ‫توعد على ذلك فقال‪ ﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫�أن قال ـ َّثم َّ‬ ‫ﯢ﴾ �أي‪ :‬يف ال ُّدني���ا وال يف الآخ���رة‪� ،‬أ َّما يف ال ُّدنيا فمتا ٌع قلي ٌل‪،‬‬ ‫���ذاب �ألي ٌم‪ ،‬كما ق���ال‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ‬ ‫و�أ َّم���ا يف الآخ���رة فلهم ع ٌ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [\}]»‪.‬‬ ‫ويدخ���ل يف الك���ذب عل���ى اهلل الك���ذب على ر�س���وله ‪Í‬؛ لأنَّ‬ ‫وحي قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫ُّ‬ ‫ال�س��� َّن َة ٌ‬ ‫بي ‪ Í‬من كذب عليه كما‬ ‫ﭤﭥ﴾ [\‪ ،]³‬وق���د َّ‬ ‫توعد ال َّن ُّ‬ ‫«ال�ص���حيحني» يف قول���ه‪�« :‬إ َّن َكذِ َباً َعلَ َّي َل ْي� َ���س َك َكذِ بٍ َعلَى‬ ‫جاء يف َّ‬ ‫�أَ َحدٍ ‪َ ،‬منْ َك َذ َب َعلَ َّي ُم َت َع ِّمداً َف ْل َي َتب َّو�أْ مَقعد ُه مِ َن ال َّنارِ»‪.‬‬ ‫* ق���ال تع���اىل‪:‬‬

‫﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫ال�سعدي» (‪.)226‬‬ ‫(‪« )20‬تف�سري َّ‬ ‫(‪« )21‬تف�سري ابن كثري» (‪.)590/2‬‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [\‪.]c‬‬

‫ق���ال الإم���ام الهمام ابن الق ِّي���م(‪« :)22‬وقد ح َّرم اللهَّ �س���بحانه‬ ‫أعظم‬ ‫الق���ول علي���ه ِبغري عل ٍ‬ ‫���م يف الفتي���ا والق�ض���اء‪ ،‬وجعله م���ن � ِ‬ ‫املح َّرم���ات‪ ،‬بل جعله يف املرتبة العليا منها‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮀ ﮁ‬

‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬

‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ فر َّت���ب‬ ‫ُ‬ ‫الفواح�ش‪ ،‬ث َّم ث َّنى‬ ‫���ب‪ ،‬وبد�أ ِب�أ�سهلها وه���و‬ ‫املح َّرم���ات �أرب َع مرات َ‬ ‫مي���ا منه وهو الإث���م ُّ‬ ‫والظلم‪ ،‬ث��� َّم ث َّلث بمِ ا هو‬ ‫بمِ���ا ه���و �أ�شدُّ حتر ً‬ ‫مي���ا منهما وهو ِّ‬ ‫ال�شرك بِه �سبحان���ه‪ ،‬ث َّم ر َّبع بمِ ا هو‬ ‫�أعظ���م حتر ً‬ ‫ُ‬ ‫علم‪.‬‬ ‫ميا من ذلك ك ِّله وهو‬ ‫�أ�شدُّ حتر ً‬ ‫القول عَليه بِال ٍ‬ ‫علم يف �أ�س���مائه و�ص���فاته‬ ‫وهذا يع ُّم القول عليه �س���بحانه ِبال ٍ‬ ‫و�أفعال���ه ويف دينه و�ش���رعه‪ ،‬وق���ال تع���اىل‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫تزكية وآداب‬

‫فيحكم���ون بمِ ا يقع يف قلو ِبهم ويغل���ب عليهم من خواطرهم‪،‬‬ ‫ويزعم���ون �أنَّ ذلك ل�ص���فائها م���ن الأكدار وخل ِّوها ع���ن الأغيار‪،‬‬ ‫فتتج َّلى لهم العلوم الإله َّية واحلقائق ال َّر َّبان َّية‪ ،‬فيقفون على �أ�سرار‬ ‫الك ِّل َّي���ات ويعلم���ون �أحكام اجلزئ َّيات في�س���تغنون ِبه���ا عن �أحكام‬ ‫ال�ش���رائع الكل َّيات‪ ،‬ويقولون‪ :‬هذه الأحكام َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش���رع َّية العا َّمة‪ � ،‬مَّإنا‬ ‫يحكم ِبها على الأغ ِبياء والعا َّمة‪ ،‬و�أ َّما الأولياء و�أهل اخل�ص���و�ص‪،‬‬ ‫فال يحتاجون لتلك ال ُّن�صو�ص»‪.‬‬ ‫ال�س���عدي(‪« :)20‬يقول تعاىل‪ :‬ال �أحد �أعظم ظل ًما‬ ‫وقال الع َّالمة َّ‬ ‫مم���ن كذب على اهلل بِ����أن ن�س���ب �إىل اهلل قو ًال �أو‬ ‫جرما َّ‬ ‫وال �أك�ب�ر ً‬ ‫حك ًم���ا وهو تعاىل بري ٌء منه‪ ،‬و� مَّإنا كان هذا �أظلم اخللق؛ لأنَّ فيه‬ ‫من الكذب وتغيري الأديان �أ�ص���ولها وفروعها ون�سبة ذلك �إىل اهلل‬ ‫ما هو من �أكرب املفا�سد»‪.‬‬

‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬

‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ‬ ‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬

‫ﯩ﴾ [\‪ ،]l‬فتق��� َّدم �إليهم �س���بحانه ِبالوعي���د على الكذب‬ ‫علي���ه يف �أحكامه‪ ،‬وقولهم ملا مل يح ِّرمه‪ :‬هذا حرا ٌم‪ ،‬وملا مل يح َّله‪:‬‬ ‫ه���ذا ح�ل�ا ٌل‪ ،‬وه���ذا بي ٌ‬ ‫���ان من���ه �سبحان���ه �أ َّنه ال يج���وز للعب���د �أن‬ ‫يق���ول‪ :‬ه���ذا ٌ‬ ‫حالل وهذا حرا ٌم �إ َّال بمِ ا علم �أ َّن اللهَّ �سبحانه �أح َّله‬ ‫وح َّرمه‪.‬‬ ‫ال�س���لف‪ :‬ليتَّ���ق �أحدكم �أن يق���ول‪�« :‬أح َّل اللهَّ كذا‪،‬‬ ‫وقال بع�ض َّ‬ ‫وح��� َّر َم ك���ذا‪ ،‬فيقول اللهَّ له‪ :‬كذبت‪ ،‬مل �أح َّل ك���ذا‪ ،‬ومل �أح ِّرم كذا؛‬ ‫فال ينبغي �أن يقول ملا ال يعلم ورود الوحي املبني ِبتحليله وحترميه‬ ‫�أح َّله اللهَّ وح َّرمه اللهَّ ملج َّر ِد التَّقليد �أو ِبال َّت�أويل‪.‬‬ ‫ال�ص���حيح �أم�ي�ره بريد َة �أن‬ ‫وق���د نهى ال َّن ِب ُّي ‪ Í‬يف احلديث َّ‬ ‫َ‬ ‫ينزل عد َّوه �إذا حا�ص���رهم على حكم اللهَّ ‪ ،‬وقال‪َ « :‬ف ِ�إ َّنك َال َت ْدرِي‬ ‫�أَ ُت ِ�صي���ب ُح ْك��� َم اللهَّ ِ فِيهِ��� ْم �أَ ْم َال َو َلكِنْ َ�أ ْن ِز ْل ُه ْم َعلَ���ى ُح ْكمِ ك َو ُح ْك ِم‬ ‫املجتهد‪،‬‬ ‫�أَ ْ�ص َحابِك»؛ فت�أ َّمل كيف ف َّرق بني حكم اللهَّ وحكم الأمري‬ ‫ِ‬ ‫حكم اللهَّ ‪.‬‬ ‫ونهى �أن ي�س َّمى حكم املجتهدين َ‬ ‫وم���ن هذا ملَّا كت���ب الكاتب بني ي���دي �أمري امل�ؤمن�ي�ن عمر بن‬ ‫َّ‬ ‫اخلط���اب ‪ Ç‬حك ًم���ا حك���م به فقال‪ :‬ه���ذا م���ا �أرى اللهَّ �أمري‬ ‫رب العاملني» (‪.)38/1‬‬ ‫(‪ )22‬يف كتابه العظيم «�إعالم املو ِّقعني عن ِّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪29‬‬


‫تزكية وآداب‬

‫امل�ؤمن�ي�ن عمر‪ ،‬فق���ال‪« :‬ال تقل هكذا ولكن قل‪ :‬ه���ذا ما ر�أى � ِأم ُري‬ ‫امل�ؤمنني عمر بن َّ‬ ‫اب»‪.‬‬ ‫اخلط ِ‬ ‫وهب‪� :‬س���معت مال ًكا يقول‪« :‬مل يكن من �أمر ال َّنا�س‬ ‫وقال ابن ٍ‬ ‫وال م���ن م�ض���ى من �س���لفنا‪ ،‬وال �أدركت �أح���دً ا �أقتدي بِ���ه يقول يف‬ ‫�ش���يءٍ ‪ :‬هذا حال ٌل‪ ،‬وه���ذا حرا ٌم‪ ،‬وما كان���وا يجرتئون على ذلك‪،‬‬ ‫و� مَّإنا كانوا يقولون‪ :‬نكره كذا‪ ،‬ونرى هذا ح�س ًنا؛ فينبغي هذا‪ ،‬وال‬ ‫ن���رى هذا» ورواه عنه عتيق بن يعق���وب‪ ،‬وزاد‪« :‬وال يقولون‪ :‬حال ٌل‬ ‫وال ح���را ٌم‪� ،‬أما �س���معت قول اللهَّ تع���اىل‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [\‪ ،]f‬احل�ل�ال‪ :‬م���ا �أح َّله اللهَّ ور�س���وله‪،‬‬ ‫واحلرام‪ :‬ما ح َّرمه اللهَّ ور�سوله»‪.‬‬ ‫وق���ال الإمام ابن الق ِّيم � ً‬ ‫أي�ض���ا(‪« :)23‬و�أ َّما الق���ول على اهلل بال‬ ‫���م‪ ،‬فهو �أ�ش��� ُّد هذه املح َّرم���ات حتر ًميا‪ ،‬و�أعظمه���ا �إث ًما‪ ،‬ولهذا‬ ‫عل ٍ‬ ‫ُذك َر يف املرتبة ال َّرابعة من املح َّرمات ا َّلتي اتَّفقت عليها َّ‬ ‫ال�ش���رائع‬ ‫بحال‪ ،‬بل ال تكون �إ َّال حم َّرم ًة‪ ،‬ولي�س���ت كامليتة‬ ‫والأدي���ان‪ ،‬وال تباح ٍ‬ ‫حال‪.‬‬ ‫حال دون ٍ‬ ‫وال َّدم وحلم اخلنزير‪ ،‬ا َّلذي يباح يف ٍ‬ ‫ف�إ َّن املح َّرمات نوعان‪:‬‬ ‫بحال‪.‬‬ ‫يباح ٍ‬ ‫حم َّر ٌم لذاته‪ ،‬ال ُ‬ ‫ميا ً‬ ‫وقت‪.‬‬ ‫وقت دون ٍ‬ ‫عار�ضا يف ٍ‬ ‫وحم َّر ٌم حتر ً‬ ‫قال اهلل تعاىل يف املح َّرم لذاته‪﴿ :‬ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬ ‫���م انتق���ل منه �إىل ما هو �أعظ���م منه فقال‪﴿ :‬ﮊ‬ ‫ﮇﮈﮉ﴾‪ ،‬ث َّ‬ ‫ثم انتقل من���ه �إىل ما هو �أعظم منه فقال‪﴿ :‬ﮎ‬ ‫ﮋﮌﮍ﴾‪َّ ،‬‬ ‫���م انتقل منه �إىل ما هو �أعظم منه‬ ‫ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ﴾‪ ،‬ث َّ‬ ‫فقال‪﴿ :‬ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ﴾‪.‬‬ ‫فهذا �أعظم املح َّرمات عند اهلل و�أ�ش��� ُّدها �إث ًما‪ ،‬ف�إ َّنه يت�ض َّمن‬ ‫الكذب على اهلل‪ ،‬ون�س���ب َت ِه �إىل ما ال يليق به‪ ،‬وتغ ِي َري دينه وتبديله‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ونفي ما �أثبته و�إثبات ما نفاه‪ ،‬وحتقيق ما �أبطله و�إبطال ما حقَّقه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وح َّب ما �أبغ�ض���ه وبغ�ض ما‬ ‫وع���داوة من وااله وم���واالة من عاداه‪ُ ،‬‬ ‫�أح َّبه‪ ،‬وو�صفه بمِ ا ال يليق به يف ذاته و�صفاته و�أقواله و�أفعاله‪.‬‬ ‫فلي����س يف �أجنا����س املح َّرم���ات �أعظ���م عند اهلل من���ه‪ ،‬وال �أ�شدُّ‬ ‫�إث ًما‪ ،‬وهو �أ�صل ِّ‬ ‫ال�شرك والكفر‪ ،‬وعليه � ِّأ�س�ست ال ِبد ُع َّ‬ ‫وال�ض ُ‬ ‫الالت‪،‬‬ ‫ال�سالكني» (‪.)372/1‬‬ ‫(‪« )23‬مدارج َّ‬

‫‪30‬‬

‫ُّ‬ ‫علم‪.‬‬ ‫فكل بِدع ٍة م�ض َّل ٍة يف الدِّين �أ�سا�سها القول على اهلل بِال ٍ‬ ‫ال�س���لف والأئ َّمة لها‪ ،‬و�ص���احوا بِ�أهلها من‬ ‫وله���ذا ا�ش���ت َّد نكري َّ‬ ‫�أقطار الأر�ض‪َّ ،‬‬ ‫وحذروا فتنتهم �أ�ش َّد التَّحذير‪ ،‬وبالغوا يف ذلك ما‬ ‫مل يبالغ���وا مثله يف �إنكار الفواح�ش‪ُّ ،‬‬ ‫والظلم والعدوان‪� ،‬إذ م�ض��� َّر ُة‬ ‫ال ِبدع وهدمها للدِّ ين ومنافاتها له �أ�ش ُّد‪.‬‬ ‫وق���د �أنك���ر تعاىل عل���ى من ن�س���ب �إىل دين���ه حتليل �ش���يءٍ �أو‬ ‫برهان م���ن اهلل‪ ،‬فق���ال‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ‬ ‫حترمي���ه م���ن عنده بِ�ل�ا‬ ‫ٍ‬ ‫ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬

‫ﯙ﴾ الآية‪ ،‬فكيف مبن ن�سب �إىل �أو�صافه �سبحانه وتعاىل ما‬ ‫مل ي�صف به نف�سه؟ �أو نفى عنه منها ما و�صف ِبه نف�سه؟!‬ ‫���ول‪َّ � :‬‬ ‫ال�س���لف‪ :‬ليح���ذر �أحدكم �أن يق َ‬ ‫أحل اهلل كذا‪،‬‬ ‫قال بع�ض َّ‬ ‫وح َّرم اهلل كذا‪ ،‬فيقول اهلل‪ :‬كذبت‪ ،‬مل �أح َّل هذا‪ ،‬ومل �أح ِّرم هذا‪.‬‬ ‫يعن���ي الت َ‬ ‫برهان من اهلل‬ ‫َّحليل والتَّحر َمي ِبال َّر�أي املج��� َّرد‪ِ ،‬بال‬ ‫ٍ‬ ‫ور�سوله‪.‬‬ ‫و�أ�ص���ل ِّ‬ ‫ال�ش���رك والكف���ر ه���و‪ :‬الق���ول على اهلل ب�ل�ا عل ٍ���م‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫امل�ش َ‬ ‫���رك يزعم �أنَّ م���ن اتَّخذه معبودًا م���ن دون اهلل يق ِّربه �إىل اهلل‪،‬‬ ‫وي�شفع له عنده‪ ،‬ويق�ضي حاجته ِبوا�سطته‪ ،‬كما تكون الو�سائط عند‬ ‫علم‪ ،‬دون العك�س‪� ،‬إذ القول‬ ‫ِ‬ ‫امللوك‪ ،‬فك ُّل م�ش ِ���ر ٍك قائ ٌل على اهلل ِبال ٍ‬ ‫علم قد يت�ض َّمن الت َ‬ ‫َّعطيل واالبتدا َع يف دين اهلل‪ ،‬ف ُهو �أع ُّم‬ ‫على اهلل ِبال ٍ‬ ‫ال�شرك‪ِّ ،‬‬ ‫من ِّ‬ ‫وال�شرك فر ٌد من �أفراده‪.‬‬ ‫موج ًبا لدخول ال َّنار‪،‬‬ ‫ولهذا كان الكذب على ر�س���ول اهلل ‪ِ Í‬‬ ‫وا ِّتخ���اذ منزله منها ُمب َّو ً�أ‪ ،‬وهو املنزل ال َّالزم ال يفارقه �ص���اح ُبه‪،‬‬ ‫لأ َّنه‬ ‫علم‪ ،‬ك�صريح الكذب عليه؛ لأنَّ‬ ‫ِّ‬ ‫مت�ض���منٌ للقول على اهلل ِبال ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫والقول على اهلل‬ ‫م�ضاف �إىل املر�سِ ل‪،‬‬ ‫ما ان�ضاف �إىل ال َّر�سول فهو‬ ‫الكذب علي���ه‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫�ص���ريح ا ْفرتاء‬ ‫علم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِبال ٍ‬ ‫ﮢ﴾ [‪.]b: 93‬‬ ‫فذنوب �أهل ال ِبدع ك ُّلها داخل ٌة حتت هذا اجلن�س‪ ،‬فال تتحقَّق‬ ‫التَّوب���ة منه �إ َّال بالتَّوب���ة من البدع‪ ،‬و�أ َّنى بالتَّوب���ة منها ملن مل يعلم‬ ‫ُّ‬ ‫ويح�ض عليها؟ فال‬ ‫�أ َّنها بدع ٌة‪� ،‬أو يظ ُّنها �س��� َّن ًة‪ ،‬فهو يدع���و �إليها‪،‬‬ ‫تنك�ش���ف له���ذا ذنوب���ه ا َّلتي جتب علي���ه ال َّتوبة منه���ا �إ َّال بِت�ض ُّلعِه‬ ‫ال�س َّنة‪ ،‬وكرثة ِّ‬ ‫فتي�ش‬ ‫اطالعه عليها‪ ،‬ودوام البحث عنها وال َّت ِ‬ ‫من ُّ‬ ‫عليها‪ ،‬وال ترى �صاحب ِبدع ٍة كذلك �أبدً ا»‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫مما يزيد قدرهم‪ ،‬وي�ستد َُّل به‬ ‫«لي����س هذا‬ ‫ٍ‬ ‫بناق�ص لأقدارهم‪ ،‬بل هذا َّ‬ ‫لل�صواب‪.‬‬ ‫على دينهم‪ ،‬وحت ِّريهم َّ‬ ‫ويف تو ُّقفه ع َّما ال يعلم فوائد كثرية‪:‬‬ ‫م ْنها‪� :‬أ َّن هذا هو الواجب عليه‪.‬‬ ‫ومنه���ا‪� :‬أ َّن���ه �إذا تو َّق���ف وقال‪ :‬ال �أعل���م‪ ،‬فما �أ�س َر َع م���ا ي�أتي ِه علم ذلك‪،‬‬ ‫�إ َّما من مراجعته �أو مراجعة غريه‪ ،‬ف�إ َّن املتع ِّل َم �إذا ر�أى مع ِّلمه تو َّقف ج َّد‬ ‫واجتهد يف حت�صيل علمها و�إحتاف املع ِّل ِم بِها‪ ،‬فما �أح�سن هذا الأثر‪.‬‬ ‫ومنه���ا‪� :‬أ َّن���ه �إذا تو َّق���ف ع َّم���ا ال يع���رف كان ً‬ ‫دلي�ل�ا على ثقت��� ِه و�إتقانه‬ ‫فيم���ا يج���ز ُم ب���ه من امل�سائل‪ ،‬كم���ا �أ َّن من ع���رف منه الإق���دام على الكالم‬ ‫فيم���ا ال يعل���م كان ذلك داع ًي���ا لل َّريب يف ك ِّل ما يتك َّلم ب���ه‪ ،‬ح َّتى يف الأمور‬ ‫الوا�ضحة‪.‬‬ ‫ومنها‪� :‬أ َّن املع ِّلم �إذا ر�أى منه املتع ِّلمون تو ُّقفه ع َّما ال يعلم‪ ،‬كان ذلك‬ ‫تعلي ًم���ا له���م و�إر�ش���ادًا �إىل ه���ذه َّ‬ ‫الطريق���ة احل�سن���ة‪ ،‬واالقت���داء بالأحوال‬ ‫والأعمال �أبلغ من االقتداء بِالأقوال‪.»...‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫تزكية وآداب‬

‫ريا �أقول‪:‬‬ ‫و�أخ ً‬ ‫لل�شي���خ الع َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�سعدي ‪ :‬كال ٌم نفي� ٌ���س يف �أه ِّم َّية‬ ‫الم���ة عبد ال َّرحم���ن َّ‬ ‫ق���ولِ «املُع ِّل���م» لـ«املتع ِّلم» َجوا ًبا فيما ال يعلم���ه‪« :‬اهلل �أعلم»‪ ،‬قال يف ر�سال ٍة‬ ‫خمت�صر ٍة نافع ٍة يف «�آداب املع ِّلم واملتع ِّلم»(‪:)24‬‬

‫‪‬‬

‫قلت‪ :‬فهذه بع�ض الفوائد املرتَّبة على قول املع ِّلم‪« :‬اهلل �أعلم»‪ ،‬فال َّ‬ ‫�شك‬ ‫ألزم‪.‬‬ ‫�أنَّ قولها من «املتع ِّلم» �آك ُد و� ُ‬ ‫﴿ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ‬

‫ﰂ﴾ [\‪.]g‬‬

‫رب العر�ش الكرمي �أن يو ِّفقنا جمي ًعا ملا يح ِّبه وير�ضاه‪،‬‬ ‫�أ�س�أل اهلل العظيم َّ‬ ‫جميب‪ ،‬و�ص َّلى اهلل‬ ‫و�أن يجعلنا هدا ًة مهتدين غري �ضا ِّلني وال م�ض ِّلني‪� ،‬إ َّنه �سمي ٌع ٌ‬ ‫على نب ِّينا حم َّم ٍد و�آله و�صحبه و�س َّلم‪.‬‬

‫(‪�( )24‬ص‪.)27‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪31‬‬


‫‪32‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫دعوة لالشرتاك‬ ‫تعلن إدارة التوزيع بدار الفضيلة للنشر والتوزيع عن فتح االشرتاك السنوي‬ ‫لألفراد واملؤسسات وفق األسعار اآلتية‪:‬‬ ‫األفراد‪ 900 :‬دج ـ املؤسسات ‪ 1000‬دج‬

‫كيفية طلب االشرتاك‬ ‫يرجى �إر�سال طلب يت�ضمن اال�سم واللقب والعنوان والوظيفة والهاتف‪ ،‬و�إرفاقه بو�صل احلوالة الربيدية‬ ‫با�سم مدير املجلة توفيق عمروين على احل�ساب الربيدي اجلاري‬ ‫‪ccp 4142776 clé 96‬‬

‫على العنوان التايل‪:‬‬ ‫دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬ ‫حي باحة (‪ ، )03‬رقم (‪ )28‬الليدو ـ املحمدية ـ اجلزائر‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪33‬‬


‫فتاوى شرعية‬

‫�أ‪ .‬د‪ .‬حممد علي فركو�س‬ ‫�أ�ستاذ بكلية العلوم الإ�سالمية بجامعة اجلزائر‬

‫يف حكم الحلوى املصنوعة من مادة‬ ‫«الجيالتني» واألجبان املحتوية على «اإلنفحة»‬ ‫ال�سـ�ؤال‪:‬‬ ‫‪ُّ ‬‬ ‫ما حكم احللويات امل�ستوردة من «�إجنلرتا» وغريها من‬ ‫البلدان الأوروب َّي���ة ا َّلتي حتتوي على مادة «اجليالتني»‬ ‫املوجودة يف عظام وحلم اخلنزير والبقر؟‬ ‫وم���ا حك���م الأجب���ان املحتوي���ة عل���ى م���ادَّة «رين���ات» وهي‬ ‫م���ادَّة م�ستخرجة من بطن اجل���دي �أو ا َ‬ ‫حل َمل ال َّر�ضيع‪،‬‬ ‫وت�س َّم���ى بـ«الإنفح���ة»؟ عل ًم���ا ب����أ َّن �أه���ل ه���ذه البل���دان‬ ‫وغريها ال يذبحون غال ًبا؟‬

‫اخل ْنزي���ر‬ ‫أكل لنجا�س���تها وخبثه���ا و�ض���ررها كجل���د ِ‬ ‫املح َّرم���ة ال ِ‬ ‫وعظام���ه وغريه من احليوان���ات واملوا ِّد املح َّرمة‪ ،‬ف����إنَّ احللويات‬ ‫و�س���ائر الأطعم���ة ا َّلت���ي اختلطت بها م���ا َّدة «اجليالت�ي�ن» يحرم ـ‬ ‫���رعا ـ ا�ستهالكها �أو بيعها �أو ا�ستخدامها يف َّ‬ ‫الطعام �أو اقتنا�ؤها‬ ‫�ش ً‬ ‫اخل ْن ِزير وامليتة و�سائر اخلبائث‪� ،‬إذ‬ ‫لل ُّن�صو�ص الواردة يف حترمي ِ‬ ‫مي َي ْت َب ُع ا ُ‬ ‫خل ْب َث َو َّ‬ ‫ال�ض َر َر»‪.‬‬ ‫املعلوم ـ فق ًها ـ �أنَّ «ال َّت ْح ِر َ‬ ‫ف����إن كان يف اخت�ل�اط ه���ذه امل�س���تهلكات �أو املبيع���ات مبا َّدة‬ ‫ال�ش َّ‬ ‫وجه يدخل َّ‬ ‫���ك وال ِّريبة ملو�ض���ع اال�ش���تباه‪،‬‬ ‫«اجليالت�ي�ن» على ٍ‬ ‫ف�إنَّ الواجب �أن يرتكها تغلي ًبا جلانب التَّحرمي‪ ،‬وعم ًال باالحتياط‬ ‫لقول���ه ‪َ « :Í‬ف َم ِن ا َّت َق���ى ُّ‬ ‫ال�ش ُبهَاتِ َف َق���دِ ْا�س َتبرْ َ �أَ لِدِ ينِ��� ِه َوعِ ْر ِ�ض ِه‬ ‫ال�ش ُبهَ���اتِ َو َق َع يف ا َ‬ ‫َو َم���نْ َو َق��� َع يف ُّ‬ ‫حل��� َرا ِم»(‪ ،)1‬ولقوله ‪َ « :Í‬د ْع مَا‬ ‫َيرِي ُب َك �إِىل مَا َال َيرِي ُب َك»(‪.)2‬‬

‫‪ ‬اجلـواب‪:‬‬ ‫وال�س�ل�ام على َمن �أر�س���له‬ ‫احلمد هلل ِّ‬ ‫رب العاملني‪َّ ،‬‬ ‫وال�ص�ل�اة َّ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل رحم���ة للعاملني‪ ،‬وعلى �آله و�ص���حبه و�إخوان���ه �إىل يوم الدِّ ين‪،‬‬ ‫�أ َّما بعد‪:‬‬ ‫فال مانع من جواز احللويات والأجبان امل�س���توردة ا َّلتي حتتوي‬ ‫عل���ى م���ا َّدة «اجليالت�ي�ن» و«الإنفح���ة» �إن كان���ت م�س���تخرجة من‬ ‫ذبائح �أهل‬ ‫حيوانات م�أكولة ال َّلحم �أو من موا ٍّد مباح ٍة تندرج �ضمن ِ‬ ‫مما لهم فيه ممار�سة و�صناعة‪ ،‬فهي طاهرة؛ لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫الكتاب َّ‬ ‫﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [املائدة‪.]5 :‬‬ ‫احليوانات‬ ‫�أ َّم���ا �إذا كانت م���ادة «اجليالتني» م�س���تخرجة من‬ ‫ِ‬ ‫‪34‬‬

‫(‪� )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)52‬وم�سلم (‪ ،)1599‬من حديث النعمان بن ب�شري ‪.È‬‬ ‫(‪� )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2517‬والن�سائي (‪ ،)5711‬و�أحمد (‪ ،)200 /1‬من حديث‬ ‫�صححه الألباين يف «الإرواء» (‪.)44 /1‬‬ ‫احل�سن بن علي ‪ ،Ç‬واحلديث َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫(‪« )4‬جمموع الفتاوى» البن تيمية (‪.)102/21‬‬ ‫(‪« )5‬جمموع الفتاوى» البن تيمية‪.)103/21( :‬‬ ‫(‪� )6‬أخرجه و�أبو داود (‪ ،)66‬والرتمذي (‪ ،)66‬و�أحمد (‪ ،)31/3‬من حديث �أبي �سعيد‬ ‫اخلدري ‪ ،Ç‬وهو �صحيح بطرقه و�شواهده‪ ،‬انظر «التلخي�ص احلبري» البن‬ ‫حجر (‪ )14 ،13 /1‬و«�إرواء الغليل» للألباين (‪.)45/1‬‬

‫فتاوى شرعية‬

‫�أ َّما الأجبان املحتوية على «الإ ْن َف َحة» �أو «رينات»؛ ف�إ َّنه ما دامت‬ ‫مما ي�ؤكل‬ ‫ت�س����تخرج من بطن اجل����دي �أو احل َمل ال َّر�ض����يع ـ وهم����ا َّ‬ ‫حلمها ـ فال �إ�شكال فيما �إذا ُذ ِّك َي هذا احليوانُ ال َّذكا َة َّ‬ ‫ال�شرع َّية‪.‬‬ ‫و�إنمَّ���ا يرد الإ�ش���كال فيم���ا �إذا كانت هذه احليوان���ات ميتة �أو‬ ‫الذكا َة َّ‬ ‫مل ت َُذ َّك َّ‬ ‫ال�ش���رع َّية على ما هو ج���ا ٍر يف معظم بالد الغرب‬ ‫م���ن �أهل الكتاب‪� ،‬أو كانت من ذبائح املجو�س‪ ،‬الأمر ا َّلذي �أحدث‬ ‫خال ًف���ا ب�ي�ن �أهل العلم يف اجل���واز واملنع‪ ،‬واختالفهم نا�ش���ئ عن‬ ‫اختالفه���م يف لنب امليتة و�إِن ِف َحتها‪ ،‬هل هما طاهران �أو جن�س���ان‪،‬‬ ‫فمن ر�أى جنا�س���تهما حكم بتحرمي ما ي�ص���نع بالإنفحة‪ ،‬حلويات‬ ‫كان���ت �أو �أجبا ًن���ا‪ ،‬وهو مذهب مالك َّ‬ ‫وال�ش����افعي ورواية عن �أحمد‪،‬‬ ‫وم����ن ر�أى طهارتهم����ا حك����م بجوازها وه����و مذهب �أب����ي حنيفة(‪،)3‬‬ ‫وال ِّرواي����ة الأخرى عن الإمام �أحمد ارت�ض����اها �ش����يخ الإ�س��ل�ام ابن‬ ‫تيمية(‪ ،)4‬حيث قال ‪::‬‬ ‫«والأظه���ر �أنَّ ُج ْب َنهم حال ٌل ـ يعن���ي املجو�س ـ و�أنَّ �إنفح َة امليت ِة‬ ‫يف الوصية اإلجبارية (التن ِزيل)‬ ‫ولب َنها طاه ٌر»(‪.)5‬‬ ‫الظاه���ر من القولني ً‬ ‫وه���و َّ‬ ‫ال�ص���حابة َلـ َّما فتحوا‬ ‫عم�ل�ا بفعل َّ‬ ‫ب�ل�اد العراق �أكلوا جنب املجو�س و�ش���اع هذا بينهم من غري نكري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لي�سا حم ًّال للموت‪ ،‬و� مَّإنا �أخذ حكم‬ ‫ف�ض�ل�ا عن �أنَّ ال َّلنب والإنفحة َ‬ ‫ال�سـ�ؤال‪:‬‬ ‫‪ُّ ‬‬ ‫جنا�ستها عند من يق�ضي بنجا�ستها لكونهما م�ستخرجني من ذات‬ ‫لرج���لٍ ثالث���ة �أوالد و�ستُّ بن���ات‪ ،‬تويف �أح���د �أوالده تار ًكا‬ ‫امليت���ة وهي وعاء جن�س‪ ،‬غري �أ َّنه ال يت ُّم التَّ�س���ليم �أنَّ املائع ينج�س‬ ‫ابن�ي�ن وثالث بنات‪ ،‬وتوفيت �إح���دى بناته تاركة بنتني‪،‬‬ ‫مرفوعا‪« :‬املَا ُء‬ ‫مبالقاة ال َّنجا�سة لعموم حديث �أبي �سعيد اخلدري‬ ‫ً‬ ‫وتويف بعدهم ذاك ال َّرجل‪ ،‬فهل للأحفاد ٌّ‬ ‫حق يف مرياث‬ ‫َطهُ���و ٌر َال ُي َن ِّج ُ�س��� ُه َ�ش ْيءٌ»(‪ ،)6‬واملائعات ُكلُّها حكمها حكم املاء َق َّلت‬ ‫ج ِّده���م؟ وما ه���ي �أن�صبته���م؟ وهل القان���ون املعمول به‬ ‫�أو َك�ُث�ررُ َ ت‪ ،‬وعليه يتق��� َّرر حكم بيع احللوي���ات والأجبان وهو احل ُّل‬ ‫يوافق احلكم َّ‬ ‫ال�شرعي؟‬ ‫واجلواز ما مل يعلم احتوا�ؤهما على ما َّدة حم َّرمة ك�شحم اخلنزير‬ ‫مما حتلُّها احلياة‪ ،‬فف���ي هذه احلال حترم‬ ‫�أو �أح���د �أج���زاء امليتة َّ‬ ‫‪ ‬اجلـواب‪:‬‬ ‫قط ًعا �إذا مل تتغيرَّ حقائقها‪.‬‬ ‫�إن �أو�ص���ى اجل��� ُّد لأحف���اده �أو للأق���ارب ا َّلذي���ن ال يرثون قبل‬ ‫ف����إذا تق َّرر هذا الأ�ص���ل يف كال امل�س����ألتني؛ ف�إ َّنه يبقى احلكم‬ ‫وفاته؛ ف�إنَّ الو�ص َّية تنفَّذ ـ وجو ًبا ـ ب�شرطني‪:‬‬ ‫بنوع من حتقيق املناط‪.‬‬ ‫على �أفرادها ُيعلم ٍ‬ ‫الأ َّول‪� :‬أن ال تزيد الو�ص َّية على ُث ُلث رَّ‬ ‫التكة؛ لقوله ‪ Í‬ل�سعد‬ ‫ال�صلبة‬ ‫ال�صلبة ا َّلتي ال دم فيها كالقرن ِّ‬ ‫وال�سنّ واحلافر واخلف والإنفحة َّ‬ ‫(‪� )3‬أجزاء امليتة َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫وامليتة‬ ‫فيها‪،‬‬ ‫احلياة‬ ‫دخول‬ ‫لعدم‬ ‫مبيتة‬ ‫لي�ست‬ ‫أ�شياء‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫هذه‬ ‫ل‬ ‫أحناف؛‬ ‫ل‬ ‫طاهرة عند ا‬ ‫أنَّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ث‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ث‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫«ال‬ ‫ري»(‪ ،)7‬وهذا احلديث‬ ‫‪:Ç‬‬ ‫ا�ص‬ ‫ق‬ ‫الو‬ ‫أبي‬ ‫�‬ ‫ابن‬ ‫َ‬ ‫ِ ٌ‬ ‫ال�صلبة متَّفق على طهارتها‪� ،‬أ َّما الإنفحة‬ ‫من احليوان ا�سم ملا زالت حياته‪ ،‬فالإنفحة َّ‬ ‫َق َّي���د � َ‬ ‫إطالق الآية يف قول���ه تعاىل‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫املائعة وال َّلنب يف �ضرع امليتة فالأظهر طهارتها‪«[ .‬البدائع» (‪.])63/1‬‬ ‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬

‫ﯭ ﯮ﴾ [\^]‪.‬‬ ‫(‪� )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)1296‬وم�سلم (‪ ،)1628‬من حديث �سعد بن �أبي وقا�ص ‪.Ç‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪35‬‬


‫فتاوى شرعية‬

‫كث�ي�را واف ًرا؛‬ ‫وال َّث���اين‪� :‬أن يك���ون م���ال املو�ص���ي ا َّل���ذي تركه ً‬ ‫لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯣﯤﯥ﴾‪ ،‬ولقوله ‪ Í‬يف حديث �س����عد بن �أبي‬ ‫الو َّقا�ص ‪ Ç‬املتقدِّ م‪�« :‬إِ َّن َك �أَ ْن َت َذ َر َو َر َث َت َك �أَ ْغ ِن َيا َء َخيرْ ٌ مِ نْ �أَ ْن‬ ‫ا�س»‪.‬‬ ‫َت َذ َرهُ ْم عَا َل ًة َي َت َك َّف ُفو َن ال َّن َ‬ ‫والعلما ُء يختلفون يف حكم الو�ص َّية بنا ًء على اختالفهم يف �آية‬ ‫الو�ص َّية‪ :‬هل هي من�سوخة ب�آية املواريث �أم حمكمة؟‬ ‫وما عليه جمهور �أهل العلم انتفاء م�س���تند الو�ص��� َّية الواجبة‪،‬‬ ‫ويظه���ر ذلك يف �أنَّ �آية الو�ص��� َّية يف قول���ه تعاىل‪﴿ :‬ﯝ ﯞ‬ ‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬

‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [�س���ورة البقرة] من�سوخة ب�آيات‬ ‫امل�ي�راث م���ع قول���ه ‪َ « :Í‬ال َو ِ�ص َّي��� َة لِ��� َوارِثٍ »(‪ ،)8‬وبه���ذا قال ابن‬ ‫ع َّبا�س وابن عمر ‪ í‬ـ �أي بال َّن�سخ ـ‪.‬‬ ‫وذهب بع�ضهم �إىل ن�سخ الوجوب ونفي ال َّندب‪.‬‬ ‫وذهب���ت طائفة �إىل القول ب�أنَّ �آية الو�ص��� َّية حمكمة‪ ،‬وهي و�إن‬ ‫كان���ت عا َّمة فمعناها اخل�ص���و�ص‪ ،‬واملراد بها من الوالدين من ال‬ ‫ي���رث كالأبوي���ن الكافرين‪ ،‬وم���ن الأقربني ما ع���دا الورثة منهم‪،‬‬ ‫فالو�ص َّية جائزة يف ح ِّقهم‪.‬‬ ‫بل يرى بع�ض الفقهاء كابن حزم َّ‬ ‫والطربي و�أبي بكر ابن عبد‬ ‫العزي���ز م���ن احلنابلة �أنَّ الو�ص��� َّية واجبة ديان ًة وق�ض���ا ًء للوالدين‬ ‫ملانع مينعهم‬ ‫والأقربني ا َّلذين ال يرث���ون حلجبهم عن املرياث‪� ،‬أو ٍ‬ ‫م���ن الإرث كاختالف الدِّ ي���ن‪ ،‬ف�إنْ مل يو�ص امل ِّيت للأقارب �ش���ي ًئا‬ ‫الو�ص���ي �إخراج �شيء غ ِري حم َّدد املقدار‬ ‫وجب على الورثة �أو على‬ ‫ِّ‬ ‫من مال امل ِّيت و�إعطا�ؤه لغري الوارثني من الأقارب‪.‬‬ ‫واملختار وجوب الو�ص��� َّية يف ح ِّقهم َّ‬ ‫ال�سابقني؛ لأنَّ‬ ‫بال�ش���رطني َّ‬ ‫الأ�صل عدم ال َّن�س���خ‪ ،‬ولي�س بني �آية الو�ص َّية‪ ،‬و�آية املرياث تعار�ض‬ ‫�إذا ما حملت على اجلمع‪ ،‬و«ا َ‬ ‫جل ْم ُع �أَ ْولىَ مِ َن ال َّن ْ�س ِخ اال ِْح ِت َماليِ »‬ ‫على ال َّراجح من �أقوال الأ�صول ِّيني‪.‬‬ ‫ووجه التَّوفيق �أ َّنه حتمل �آية الو�صية على من ال يرث كالأبوين‬ ‫الكافرين والأقربني ما عدا الورثة منهم‪ ،‬و�آية املرياث مع �ضميمة‬ ‫حدي���ث‪َ « :‬ال َو ِ�ص َّي��� َة لِ��� َوارِثٍ » تحُ ْ َم�ل�ان على الورثة م���ن الوالدين‬ ‫والأقربني‪.‬‬

‫وبذل���ك يت ُّم �إعم���ال ال َّدليلني م ًعا‪ ،‬وهو �أوىل م���ن �إهمالهما �أو‬ ‫�إهمال �أحدهما‪.‬‬ ‫�أ َّما �إن مل يو�صِ اجل ُّد للأحفاد والأقارب �شي ًئا فلهم �أن ينتفعوا‬ ‫ع���ن طريق ورثة اجلدِّ من �أعمامه���م �أو من غريهم بهبة مقتطعة‬ ‫مت ِّث���ل قد ًرا غري معينَّ ٍ وال حم َّد ٍد من �أ�ص���ل ترك���ة اجلدِّ لفائدتهم‬ ‫على وجه اال�ستحباب‪.‬‬ ‫عل ًم���ا �أنَّ ما تق�ض���ي به عم���وم املحاكم احلال َّية يف الو�ص��� َّية‬ ‫الإجبار َّي���ة (ال َّت ْنزي���ل) من �أنَّ �أوالد االب���ن �أو البنت �إذا حتقَّقت‬ ‫وفاتهم���ا يف حياة �أبيهما ف����إنَّ �أوالد االبن ُي َن َّز ُل���ونَ َم ْن ِزل َة �أبيهم‬ ‫يف الإرث َف ُي ْع َط ْونَ ن�ص���يب �أبيهم‪ ،‬وكذل���ك �أوالد البنت ف ُي َن َّز ُلونَ‬ ‫َم ْن ِزلة �أُ ِّمهم‪ ،‬و ُي ْع َط ْونَ ن�ص���يب �أُ ِّمهم ب�ش���رط �أن ال تزيد الو�ص َّية‬ ‫يف َح ِّقه���م ع���ن ثلث رَّ‬ ‫التك���ة ولو مل ُيو����صِ لهم اجل ُّد ب�ش���يءٍ من‬ ‫���رعي‪ ،‬بل‬ ‫املال‪ ،‬ف�إنَّ هذا احلكم مل ي�ش���هد على � َّ‬ ‫صِ���حته دلي ٌل �ش ٌّ‬ ‫فيه اجرتا ٌء على �ش���رع اهلل بتحكيم �ش���رع غريه واعتدا ٌء �صري ٌح‬ ‫على احلقوق املال َّية للورثة‪.‬‬ ‫�أ َّما الو�ص��� َّية بالتَّط ُّوع���ات والقربات؛ فحكمها اال�س���تحباب‬ ‫لـم���ن �أراد كرثة الأجر والتَّط ُّوع‪ِ ،‬عل ًما ب�أنَّ الو�ص��� َّية قد تعرتيها‬ ‫الأح���كام الأخرى‪ ،‬فق���د تكون الو�ص��� َّية حم َّرمة فيم���ا �إذا كان‬ ‫فيها �إ�ض���رار‪� ،‬أو قد تكون مكروهة �أو مباح���ة على نحو ما ب َّينه‬ ‫ال�ص���نعاين ‪ :‬وغريه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫واهلل تعاىل �أعلم‪.‬‬

‫(‪� )8‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2266‬وابن ماجه (‪ ،)2818‬من حديث �أبي �أمامة الباهلي‬ ‫و�صححه الألباين يف «�صحيح �سنن رِّ‬ ‫التمذي» (‪.)2120‬‬ ‫‪َّ ،Ç‬‬

‫‪36‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫(‪1393‬هـ ـ ـ ‪1973‬م)‬

‫‪‬‬

‫�إبراهيم بدري‬

‫لي�سان�س يف ال�شريعة الإ�سالمية ـ ب�سكرة‬

‫قال ال�شيخ الب�شري الإبراهيمي ‪::‬‬ ‫«�أ َّما َّ‬ ‫وحجة‬ ‫عيمي؛ فهو‬ ‫ع�صامي يف العلم‪َّ ،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ال�شيخ نعيم ال ُّن ّ‬ ‫على �أ َّن ال َّذكاء واال�ستعداد ي�أتيان مع قليل من ال َّتعليم‬ ‫بالعجائب‪.‬‬ ‫وال َّرجل جمموعة مواهب‪ ،‬لو ِّ‬ ‫ووجهت؛‬ ‫نظمت يف ِّ‬ ‫ال�صغر ِّ‬ ‫جلاءت �شهادة قاطعة على �أن ال مبالغة يف ك ِّل ما يروى‬ ‫عن �أفذاذ املتقدِّمني‪.»...‬‬

‫سير األعالم‬

‫الشيخ نعيم النعيمي‬

‫هو العامل نِّ‬ ‫املتفن ا ُ‬ ‫املف�سر‪ ،‬الأديب ال َّن َّ�سابة‪ ،‬اخلطيب املُف َّوه‪،‬‬ ‫امل�سنِد‪ ،‬املقرئ ِّ‬ ‫حل َف َظة ال ُّر َحلة‪ ،‬الفقيه املت�ض ِّلع‪ ،‬املحدِّث ْ‬ ‫َّ‬ ‫ال�شاعر املفلق‪ ،‬واملجاهد بل�سانه ويده‪ :‬نعيم النعيمي اجلزائري‪.‬‬ ‫علي‪ ،‬وال عجب‪ ،‬و�إن كان العجب �س َّنة م َّتبعة يف هذه ال َّناحية الغرب َّية من الأر�ض‬ ‫�أقول ك َّل ذلك غري جمازف وال َع ْتب َّ‬ ‫ا َّلتي قد �ألِفت خِ �صاء فحولها‪.‬‬ ‫‪ ‬ا�سمه ون�سبه ومولده‪:‬‬ ‫الق�سنطيني‪.‬‬ ‫هو نعيم بن �أحمد بن علي بن �صالح النعيمي الب�سكريّ ‪ ،‬ث َّم‬ ‫ّ‬ ‫ال�ساد�س‪ ،‬ا َّلذي تعرف به العائلة‪ ،‬ث َّم اخت�صر �إىل نعيم لرتدُّده على الأل�سنة‪.‬‬ ‫�سمي بادئ الأمر‪ :‬النعيمي با�سم جدِّه اخلام�س �أو َّ‬ ‫ينت�سب �إىل ع�شرية «�أوالد حركات» العرب َّية‪ ،‬ا َّلتي تنتمي �إىل قبيلة «�أوالد زكري» ا َّلتي تقطن بـ«الزيبان الغربي» وهي‬ ‫بطن من بطون «�أوالد نائل» الأدار�سة الأ�شراف(‪.)1‬‬ ‫ولد ‪ :‬يف �صائفة عام ‪1327‬هـ ـ ‪1909‬م‪� ،‬سابع �إخوته ال َّثمانية‪ ،‬ببلدة �سيدي خالد(‪ )2‬يف �أ�سرة ط ِّيبة متع ِّففة ت�شتغل‬ ‫مما �أك�سبه ق َّوة يف احلافظة واعتدا ًال يف َّ‬ ‫الطبع وته ُّي�ؤًا لتل ِّقي العلوم‪.‬‬ ‫بالفالحة وال َّرعي يف البادية َّ‬ ‫وكان �أبوه ـ كغريه من الأهايل ـ من مريدي ال َّزاوية املختار َّية �إحدى زوايا َّ‬ ‫الطريقة ال َّرحمان َّية يف املنطقة‪ ،‬وهي‬ ‫قريبة من بلدته ب�ضعة كيلومرتات فقط‪.‬‬ ‫(‪ )1‬وكان قد �أملى على بع�ض طلبة �سيدي خالد عمود ال َّن�سب‪ ،‬و�إمال�ؤه حمفوظ متداول‪.‬‬ ‫نبي مدفون بها‪َّ ،‬‬ ‫ولل�شيخ عبد املجيد ح َّبة كتاب «قيد الأوابد من حياة خالد» خمطوط‪ ،‬وقد قاربت على �إمتام حتقيقه‬ ‫(‪ )2‬ن�سبة �إىل خالد بن �سنان العب�سي ا َّلذي يدَّعون �أ َّنه ٌّ‬ ‫ب�إذن اهلل‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪37‬‬


‫سير األعالم‬

‫بداية الطلب‪:‬‬

‫بد�أ وهو يف البادية بحفظ القر�آن الكرمي على �أخيه اجلنيدي؛‬ ‫فحفظ منه طر ًفا َّثم انتقل �إىل خاله يف مدينة �سيدي خالد َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫ال�صحراوي البو�سعادي؛ ف�أ َّمت حفظه عنده وعمره‬ ‫م�صطفى ابن َّ‬ ‫ال يتجاوز ع�شر �سنوات! وقد بدت عليه خمائل التَّم ُّيز والعبقرية‪.‬‬ ‫َّثم انتقل �إىل الزَّاوية املختارية بـ«�أوالد ج َّالل» حوايل‬ ‫(‪1919‬م) لعالقة �أبيه و�أخيه ب�شيخ الزَّاوية؛ فمكث هناك نحو‬ ‫�أربع �سنوات من االجتهاد والتَّح�صيل‪ ،‬وكان ذلك ال يتاح �إ َّال‬ ‫لل ُّنجباء �أو ملن له �شفاعة ح�سنة‪.‬‬ ‫ف�أخذ الفقه وعلوم اللُّغة والتَّف�سري والأ�صول و�شي ًئا من املنطق‬ ‫والفلك وغريها‪.‬‬ ‫أهم املد ِّر�سني حينذاك بالزَّاوية املذكورة هما َّ‬ ‫ال�شيخ‪:‬‬ ‫«وكان � ّ‬ ‫ال�سماتي اجلاليل (ت‪1959‬م) [والد امل�صلح َّ‬ ‫ال�شهري حم َّمد‬ ‫العابد ّ‬ ‫العابد اجلاليل (ت‪1967‬م) رحمهما اهلل]‪َّ ،‬‬ ‫وال�شيخ م�صطفى ابن‬ ‫قويدر مربوكي (ت‪1945‬م)‪ ،‬وقد كان فقيدنا حتَّى �أواخر �أ َّيامه‬ ‫يتح َّدث عنهما بكثري من الإجالل والتَّعظيم ويعرتف لهما بالف�ضل‬ ‫اجلزيل‪ ،‬وكان ي�صفهما بغزارة املعرفة والتَّم ُّكن البالغ من املعارف‬ ‫الدِّين َّية واللُّغو َّية والورع َّ‬ ‫ال�شديد والتَّع ُّبد ال َّدائم‪ ...‬ورغم وجودهما‬ ‫يف بيئة طرق َّية خراف َّية وجمتمع متخ ِّلف فقد كانا على ا ِّت�صال‬ ‫باحلركة التَّجديد َّية يف َّ‬ ‫وال�صحف»(‪.)3‬‬ ‫ال�شرق عن طريق الكتب ُّ‬ ‫َّ‬ ‫وال�شيخ م�صطفى بن قويدر هو من ع َّلمه القر�آن جم َّودًا‪ ،‬وكان‬ ‫من قبل يقر�أه ال َّنا�س على َّ‬ ‫الطريقة التَّقليد َّية بالوقوف (املحمول)‬ ‫من غري �إقامة احلروف وال �إعطائها حقَّها وال م�ستحقَّها وت�ضييع‬ ‫مما يعرفه � ُ‬ ‫ال�ش�أن‪ ،‬فيقع َّ‬ ‫أهل هذا َّ‬ ‫الطلبة يف‬ ‫املدود وغري ذلك َّ‬ ‫حتريف كالم اهلل ع َّز َّ‬ ‫اجللي‪ ،‬فكان لذلك �أثر يف‬ ‫وجل بال َّلحن‬ ‫ِّ‬ ‫املح�صلني للقراءات‬ ‫نف�سه ليكون فيما بعد من املقرئني الأفذاذ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫بالأ�سانيد العوايل‪.‬‬ ‫فتخ َّرج يف(‪ )4‬هذه الزَّاوية �سنة (‪1342‬هـ ـ ‪1923‬م) بعد �أن‬ ‫وعى وا�ستوعب ما فيها‪.‬‬ ‫(‪ )3‬جم َّلة الأ�صالة‪( :‬العدد‪�/16‬ص‪ )42‬مقال‪َّ :‬‬ ‫«ال�شيخ نعيم ال ُّنعيمي يف ذ َّمة اهلل» كتبه‬ ‫بلقا�سم ال ُّنعيمي‪.‬‬ ‫(‪ )4‬نقول‪« :‬تخ َّرج يف» وال نقول‪« :‬تخرج من»‪ ،‬قال بذلك الع َّالمة تقي الدِّ ين الهاليل يف‬ ‫كتابه‪« :‬الدَّعوة �إىل اهلل» (�ص‪.)166‬‬

‫‪38‬‬

‫وهذه املرحلة هي ركيزة علمه وزاده ا َّلذي مت َّكن به �أن يوا�صل‬ ‫م�سريه َّ‬ ‫الطويل‪.‬‬ ‫الرحلة إلى تونس‪:‬‬

‫توجه �إىل‬ ‫«‪...‬وحني مل يعد يجد من الزَّاوية ما ي�شفي غليله؛ َّ‬ ‫تون�س (‪1343‬هـ ـ ‪1924‬م) �إىل جامع الزَّيتونة دون علم �أهله؛‬ ‫لك َّنه مل يطل املكث بها ومل يوا�صل الدِّ را�سة وعاد �إىل م�سقط‬ ‫ر�أ�سه بعد نحو �ستَّة �أ�شهر لق َّلة ذات اليد ولع�سرة وجدها»(‪.)5‬‬ ‫الرحلة في ربوع الجزائر‪:‬‬

‫مت َّيزت هذه ال ِّرحلة بطول ال َّن َف�س وعمق يف املقا�صد؛ فكانت‬ ‫ك�أ َّنها خرجة مغا�ضب �أو �صولة مغالب‪ ،‬ويا ليت �شعري هل من‬ ‫عد ٍّو �أعدى من اجلهل و�أهله؟! وهل هناك ما هو �أوىل باملغا�ضبة‬ ‫واملغالبة منهما؟! فكبري ال َّنف�س يغا�ضب وقد يغالب‪ ،‬و�صغريها ال‬ ‫ميلك �إ َّال �أن يبكي نف�سه �إن مت َّكن منها اجلهل ولي�س هناك �أ�سوء‬ ‫ممن ال يبكي نف�سه وال يغا�ضب وال يغالب‪...‬‬ ‫حا ًال َّ‬ ‫خرج هذا الفتى يف رحلة دامت ع�شر �سنوات(‪1926( )6‬‬ ‫�سائحا يف الأر�ض‪ ،‬طال ًبا ِّ‬ ‫لكل ما ينفعه من العلم‬ ‫ـ ‪)1936‬‬ ‫ً‬ ‫واحلكمة واحلنكة والتَّجريب‪ ،‬فزار معظم مدن اجلزائر و�أريافها‬ ‫ال�صحراء الكربى‪ ،‬فكان يتق َّلب بني الق�ضاة وامل�شايخ واملفتني‬ ‫�إ َّال َّ‬ ‫واملد ِّر�سني وخزائن الكتب واملخطوطات‪.‬‬ ‫فطفق يحفظ ك َّل ما يجده يف طريقه ل�سيالن ذهنه ومت ُّكنه‬ ‫من �آالت العلم‪ ،‬ويقتني ال َّنوادر من الكتب واملخطوطات حتَّى‬ ‫اجتمعت عنده مكتبة عظيمة‪ ،‬وهي الآن لي�ست عظيمة!(‪.)7‬‬ ‫وقد ا�ستفاد منه فيما بعد ال ُّدكتور �أبو القا�سم �سعد اهلل‬ ‫�أثناء ت�أليف كتابه «تاريخ اجلزائر ال َّثقايف» فقال يف مقدِّ مته‪:‬‬ ‫املهتمني باملخطوطات �أمثال َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫«وا�ستفدت من خربة عدد من ِّ‬ ‫نعيم ال ُّنعيمي ا َّلذي كان ميتلك مكتبة غن َّية بال َّنوادر‪.)8(»...‬‬ ‫(‪ )5‬املرجع نف�سه (�ص‪.)43‬‬ ‫(‪ )6‬وهم بلقا�سم ال ُّنعيمي‪ ،‬فقال‪ :‬اثنتي ع�شرة �سنة (�ص‪.)43‬‬ ‫(‪ )7‬هي الآن حمفوظة يف جامعة الأمري عبد القادر بق�سنطينة‪ .‬يف مكتبة ُّ‬ ‫ال�شيوخ‪ ،‬بعد‬ ‫�أن �ضاع منها الكثري‪.‬‬ ‫(‪« )8‬تاريخ اجلزائر ال َّثقايف» (‪.)31/1‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫قال الأ�ستاذ بلقا�سم ال ُّنعيمي ـ ابن �أخ مرتجمنا ـ حاك ًيا عنه‪:‬‬ ‫ال�صوف َّية يف م َّدة ما ِمنْ‬ ‫«وقد حكى عن نف�سه �أ َّنه مار�س التَّجربة ُّ‬ ‫َّهجد‬ ‫هذه املرحلة فانقطع عن ال َّنا�س �أ َّي ًاما و�أخذ ي�صوم ويكرث من الت ُّ‬ ‫والعبادة‪ ،‬ولأمر ما �أقلع عن هذه التَّجربة ومل يعد �إليها بعد ذلك‪.‬‬

‫ال�سري يف‬ ‫ال�سلف َّية هو ا َّلذي ثناه عن َّ‬ ‫ويبدو �أنَّ ت�أثري الأفكار َّ‬ ‫هذا االتجِّ اه»(‪.)9‬‬ ‫ال�سلف ا َّلتي �أمرنا باقتفائها‬ ‫ال�سلف َّية �إ َّال �آثار َّ‬ ‫وما هذه الأفكار َّ‬ ‫يف الدِّ ين‪.‬‬ ‫وك ُّل خري يف ا ِّتباع من �سلف وك ُّل �ش ٍّر يف ابتداع من خلف‬ ‫وكانت هذه ال ِّرحلة ت�شوف ِّ‬ ‫لالطالع �إىل ما هو كائن َّثم‬ ‫اخلو�ض بعد فيما يجب �أن يكون‪.‬‬ ‫كما كان َّ‬ ‫يطلع على ما ُيكتَب يف العامل الإ�سالمي من خالل‬ ‫ال�صحف واملج َّالت ا َّلتي جمعها‪.‬‬ ‫�أعداد ُّ‬ ‫قال الأ�ستاذ بلقا�سم ال ُّنعيمي‪« :‬وقد �شاهدت بني الكتب‬ ‫ا َّلتي جمعها يف تلك الفرتة �أعدادًا من جم َّلة «املنار» و«الإ�سالم»‬ ‫و«الفتح» و«الزَّهراء» و«ال ِّر�سالة» امل�صر َّيات‪ِّ ،‬‬ ‫و«ال�شهاب القدمي»‬ ‫ِّ‬ ‫و«ال�شهاب» و«الإ�صالح» و«الب�صائر» اجلزائر َّيات‪ ،‬وعن طريق‬ ‫ال�صحف َّ‬ ‫اطلع على �أفكار احلركة الإ�صالح َّية واعتنقها عن‬ ‫�إميان واعتقاد»‪ ،‬وتفتَّحت موهبته ِّ‬ ‫ال�شعر َّية يف هذه الفرتة حيث‬ ‫ال�صدى» البن ه�شام‪،‬‬ ‫نظم كتاب ال َّنحو امل�شهور «قطر ال َّندى وب ُّل َّ‬ ‫وكان ذلك �سنة (‪1929‬م) يف م�سعد(‪.)10‬‬ ‫ال�شيخ حمة قدور زهانة ـ زميل َّ‬ ‫يقول(‪َّ )11‬‬ ‫ال�شيخ وابن بلده ـ‬ ‫در�سا م ًعا علم العرو�ض و�صناعة ِّ‬ ‫ال�شعر على َّ‬ ‫ال�شيخ �أحمد‬ ‫ب�أ َّنهما َ‬ ‫ب�سطامي (‪1890‬م ـ ‪1980‬م)(‪.)12‬‬ ‫ونحن ال ندري يف �أيِّ زمن كان ذلك؛ فلع َّله �أن يكون يف هذه‬ ‫ال ِّرحلة قبل عام (‪1929‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )9‬جملة الأ�صالة (�ص‪( )43‬العدد‪.)16‬‬ ‫(‪ )10‬وهم بلقا�سم ال ُّنعيمي فجعله قبل هذه ال ِّرحلة‪.‬‬ ‫(‪ )11‬اخربين بذلك الأ�ستاذ حم َّمد َّ‬ ‫الطاهر خري الدِّ ين عنه‪.‬‬ ‫(‪ )12‬وهو من علماء �سيدي خالد ا َّلذين طلبوا العلم قد ًميا يف جامعة القرويني يف فا�س‬ ‫ويعرف بابن �شليحة‪ ،‬وقد ا�شتغل بالتَّدري�س يف الزَّاوية احلمالوية يف ق�سنطينة‪،‬‬ ‫يوما ما منتظ ًما يف �سلك جمع َّية العلماء‪.‬‬ ‫وكان ً‬

‫«وحني ت� َّأ�س�ست «جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني» �سنة‬ ‫(‪1931‬م) ا�شرتك يف اجتماعها ال َّت�أ�سي�سي كع�ضو عامل وتع َّرف‬ ‫على رئي�سها عبد احلميد بن بادي�س و�أ�صبح من دعاتها يف ناحية‬ ‫ال�شلف‪ ،‬وبقي له فيها الأثر َّ‬ ‫الغرب اجلزائري»(‪ )13‬يف مدينة ّ‬ ‫الط ِّيب‬ ‫ِّ‬ ‫والذكر احل�سن يف ال َّدعوة �إىل اهلل‪.‬‬ ‫يف �سنة (‪1936‬م) عاد �إىل م�سقط ر�أ�سه فتز َّوج ب�إحدى بنات‬ ‫عمومته ومل يطل املكث ورجع �إىل ّ‬ ‫ال�شلف ليوا�صل م�شواره املبارك‪.‬‬ ‫ال�سلطة اال�ستعمار َّية‬ ‫عند ن�شوب احلرب العامل َّية ال َّثانية ج َّمدت ُّ‬ ‫ن�شاط جمع َّية العلماء و�ض َّيقت على زعمائها؛ ونفته �إىل مدينة‬ ‫طولقة بب�سكرة‪ ،‬ف� َّأ�س�س بها مدر�سة ح َّرة وا�شتغل باخلطابة بها‪،‬‬ ‫وكان يد ِّرب فرق َّ‬ ‫الك�شافة يف اجلبال املجاورة‪.‬‬ ‫«يف �سنة (‪1943‬م) وبعد احتالل ق َّوات احللفاء للجزائر‬ ‫ال�سلطات املح ِّل َّية من طولقة؛ ا�ضط َّر �إىل جتميد ن�شاطه مل َّدة‬ ‫نفته ُّ‬ ‫�سنة»(‪ )14‬عاد فيها �إىل مدينة «�سيدي خالد» فكان تالمذته ي�أتونه‬ ‫�إليها لي ًال‪.‬‬

‫سير األعالم‬

‫مل يكن لفتى منطلق كال ُّنعيمي �أن يجعل يف عنقه ربقة �إ َّال ربقة‬ ‫ال�صالح وتقطعه‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫الإ�سالم ال َّنقي ا َّلتي ت�صله مبا بقي من �آثار َّ‬ ‫عن ِّ‬ ‫كل ما �أحدث بعدهم من املحدثات وتنت�شله من �أوحالها‪.‬‬

‫انضمامه إلى جمعية العلماء أثناء رحلته‪:‬‬

‫َّثم انتقل بعدها �إىل ب�سكرة وك َّون فيها معهدً ا للتَّعليم وكان‬ ‫من بني تالمذته به العربي بن مهيدي ‪ ،:‬دام املعهد ثالث‬ ‫�سنوات �إىل �أن فتح معهد ابن بادي�س يف (‪1947‬م) بق�سنطينة‬ ‫اختري مد ِّر ً�سا به و ِن ْع َم االختيار!‬ ‫قال عنه الأ�ستاذ حم َّمد املهدي بن علي �شعيب �صاحب كتاب‬ ‫«�أ ّم احلوا�ضر»‪« :‬كان من بني �أ�ساتذة املعهد ال َّالمعني املخل�صني؛‬ ‫فرتاه ينتقل بني املعهد وفرعيه «�سيدي قمو�ش» و«�سيدي بو معزة»‬ ‫يف اليوم الواحد م َّرات حتَّى يرى يف َّ‬ ‫الطريق مهرو ًال خو ًفا من‬ ‫فوات الوقت املح َّدد‪ ،‬وكان حمبو ًبا من طرف التَّالميذ لتوا�ضعه‬ ‫وب�ساطته وفكاهته ال َّلطيفة يف حلقات ال َّدر�س»(‪.)15‬‬ ‫وكان ف َّعا ًال َن ِ�ش ًطا يف املعهد وخارجه يف �أنحاء الوطن وحتَّى‬ ‫يف اخلارج؛ فقد ح�ضر امل�ؤمتر الإ�سالمي ال َّثقايف املنعقد بتون�س‬ ‫(‪1949‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )13‬جم َّلة الأ�صالة (�ص‪( )43‬العدد‪.)16‬‬ ‫(‪ )14‬املرجع نف�سه (�ص‪.)44‬‬ ‫(‪�« )15‬أعالم من ب�سكرة» (�ص‪ )132‬فوزي م�صمودي‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪39‬‬


‫سير األعالم‬

‫(‪ )1968‬م�ؤمتر جممع البحوث الإ�سالم َّية‪ ،‬وكان ع�ض ًوا فيه‪.‬‬ ‫وملَّا اندلعت ثورة التَّحرير كان من املل ِّبني لل ِّنداء فا�شتبه يف‬ ‫(‪ )1969‬امل�ؤمتر الإ�سالمي ال ّدويل يف ماليزيا‪ ،‬ق َّدم بح ًثا يف‬ ‫�أمره فنفي من ق�سنطينة ليعود �إىل م�سقط ر�أ�سه وب َّثت عليه العيون‬ ‫ال�صوم وعيد الفطر‪.‬‬ ‫ال�صفوف‬ ‫َّ‬ ‫وا�ستم َّر به يح ِّر�ض على اجلهاد ويزيل ال َّلب�س ِّ‬ ‫ويوحد ُّ‬ ‫ويجمع الكلمة ويحفظ عورة امل�سلمني عن عيون الكفرة ا َّلتي ك�شفها‬ ‫ثناء الناس عليه‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ال�سفهاء وذاك د�أب العلماء‪.‬‬ ‫ع�شاق ال ِّريا�سة‪ ،‬وهذا د�أب ُّ‬ ‫ومل متنعه هذه الأ َّيام الع�صيبة من العطاء؛ فقد �أن�شا مدر�سة‬ ‫وقد �أثنى عليه �ضرغام العرب َّية َّ‬ ‫ال�شيخ الب�شري الإبراهيمي‬ ‫للبنات وجعل على تدري�سهنَّ ابنة له ا�سمها «الزّهرة» وجلب لهنَّ‬ ‫ثنا ًء عط ًرا ـ وكفى به ثنا ًء ـ فقال‪�« :‬أ َّما َّ‬ ‫عيمي؛‬ ‫ال�شيخ نعيم ال ُّن ّ‬ ‫الكتب امل�ص َّورة من تون�س(‪.)16‬‬ ‫وحجة على �أ َّن ال َّذكاء واال�ستعداد ي�أتيان‬ ‫العلم‪،‬‬ ‫يف‬ ‫ع�صامي‬ ‫فهو‬ ‫َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫َّثم نفي �إىل امل�سيلة؛ فارحتل وكان قد �س َّمى نف�سه «�صالح‬ ‫ـ مع قليل من ال َّتعليم ـ بالعجائب‪.‬‬ ‫بال�صالح وال َّن�صر على �أعدائه‪ ،‬والتحق بجبال‬ ‫من�صور» تفا�ؤ ًال منه َّ‬ ‫وال َّرجل جمموعة مواهب‪ ،‬لو ِّ‬ ‫ووجهت؛‬ ‫نظمت يف ِّ‬ ‫ال�صغر ِّ‬ ‫مما‬ ‫احل�ضنه مع �أ َّنه كان منهك القوى وجرح يف �إحدى املعارك َّ‬ ‫جلاءت �شهادة قاطعة على �أن ال مبالغة يف ك ِّل ما يروى عن‬ ‫ا�ضط َّر ال ُّث َّوار �إىل نقله �إىل تون�س لعالجه �سنة (‪1957‬م)‪ ،‬وملَّا �شفي‬ ‫�أفذاذ املتقدِّمني؛ فهو يحفظ الأحاديث ب�أ�سانيدها ـ ال على‬ ‫ك َّلفته قيادة ال َّثورة �سنة (‪1958‬م) مبه َّمة امل�سامرات وهي توعية‬ ‫ال�سري وعلوم‬ ‫احلي(‪ )18‬ـ‪ ،‬ويحفظ عدَّة �ألف َّيات يف ِّ‬ ‫طريقة عبد ّ‬ ‫اجلزائر ِّيني يف تون�س لدعم ال َّثورة ولفت انتباه الإخوة التُّون�س ِّيني‪.‬‬ ‫ريا من متون العلم‪ ،‬ويجيد‬ ‫الأثر وال َّنحو وغريها‪ ،‬ويحفظ كث ً‬ ‫توجهاته فعاد �إىل البحث والتَّنقيب‬ ‫وقد توافقت هذه امله َّمة مع ُّ‬ ‫فهمها وتفهيمها‪ ،‬ويحفظ جز ًء غري قليل من ال ُّلغة مع ال َّتف ُّقه‬ ‫عن ِّ‬ ‫كل ما له �صلة بالعلم وحنَّ �إىل َّ‬ ‫الطلب «وتتلمذ على �أكابر‬ ‫مما يلزم الأديب حفظه من �أ�شعار‬ ‫يف الترَّ اكيب‪ ،‬ويحفظ �أكرث َّ‬ ‫وخا�صة يف مادتي القراءات واحلديث‪.‬‬ ‫علماء الزَّيتونة َّ‬ ‫العرب؛ قدميها وحديثها‪ ،‬ومن ر�سائل البلغاء قري ًبا من ذلك‪،‬‬ ‫ال�سبع‪...‬‬ ‫ويف هذا َّ‬ ‫ال�صدد ختم القر�آن ع َّدة م َّرات بالقراءات َّ‬ ‫ويقر�ض قط ًعا من ِّ‬ ‫ال�شعر كقطع ال ّرو�ض؛ نقاء لغة‪ ،‬و�صفاء‬ ‫ال�صحاح وروى عنهم‬ ‫كما اتَّ�صل بعلماء احلديث وقر�أ عليهم الكتب ِّ‬ ‫ديباجة‪ ،‬وحالوة �صنعة‪ ،‬وقد �أ�سل�س له ال َّرجز قياده؛ فهو‬ ‫مرو َّياتهم يف احلديث وح�صل على �إجازاتهم اخلط َّية � ً‬ ‫أي�ضا»(‪.)17‬‬ ‫ي�أتي منه باملط َّوالت؛ لزوم َّية من�سجمة �سائغة‪ ،‬يف رو َّية ت�شبه‬ ‫حج �سنة (‪1961‬م)‪ ،‬وم َّر على دم�شق وحم�ص وبريوت‬ ‫وقد َّ‬ ‫رجاز العرب يف ع�صرنا هذا‪،‬‬ ‫االرجتال‪ ،‬وهو ثاين اثنني من َّ‬ ‫والقد�س والقاهرة‪ ...‬باح ًثا عن الكتب ال َّنادرة‪ ،‬ومتَّ�ص ًال‬ ‫ولو �شئت؛ لذكرت الأ َّول(‪ ...)19‬و� مَّإنا �آثرت نعي ًما بهذه الكلمات؛‬ ‫بالعلماء‪ ،...‬وقد تف َّرغ �شيخ الق َّراء َّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز �آل عيون‬ ‫لأ َّنه لي�ست له �شهادة؛ فجئته بهذه َّ‬ ‫ال�شهادة(‪.»)20‬‬ ‫ال�سود (ت‪1399‬هـ ـ ‪1979‬م) لإقرائه ملا ر�أى فيه من الأملع َّية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وقال ال ُّدكتور �أبو القا�سم �سعد اهلل ـ متحدِّ ًثا عن الأ�ستاذ‬ ‫وكان قبلها ال ي�ستقبل �أحدً ا‪ ،‬ف�أخذ عنه القراءات الأربعة ع�شر‬ ‫حم َّمد بن عبد اهلل املغربي مدير جملة «دعوة احلقّ » ـ‪« :‬وقد‬ ‫َّ‬ ‫وال�شيخ عبد العزيز �أخذ عن ال ُّنعيمي احلديث‪ ،‬وقد ذكر حفيده‬ ‫�أبدى �إعجابه ببع�ض علمائنا �أمثال َّ‬ ‫ال�شيخ �أحمد ح َّماين‪...‬‬ ‫ب�أ َّنه لقي الع َّالمة الألباين ‪ :‬و�أجازه‪.‬‬ ‫وال�شيخ املهدي البوعبديل‪َّ ...‬‬ ‫َّ‬ ‫وال�شيخ نعيم ال ُّنعيمي (الذي عرفه‬ ‫وملَّا عاد من رحلته الأخرية بعد اال�ستقالل عينِّ مفت ًِّ�شا عا ًّما‬ ‫(‪)21‬‬ ‫لتبحره يف علوم الفقه والأخبار» ‪.‬‬ ‫قبل وفاته) ُّ‬ ‫بوزارة ُّ‬ ‫ال�ش�ؤون الدِّ ين َّية بق�سنطينة و�أحوازها‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ملا ارت�أى الب�شري الإبراهيمي تو�سيع دائرة جلنة الإفتاء؛‬ ‫وم َّثل اجلزائر يف م�ؤمترات دول َّية‪:‬‬ ‫ال�شهور القمرية يف اختاره مع خم�سة من امل�شائخ وو�صفهم فقال‪« :‬من العلماء امل�شهود‬ ‫يف (‪ )1963‬امل�ؤمتر الإ�سالمي لبدايات ُّ‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )18‬وهو الكتاين‪.‬‬ ‫تون�س‪ ،‬وق َّدم فيه بح ًثا‪.‬‬ ‫(‪ )19‬يعني َّ‬ ‫ال�شيخ نف�سه‪ ،‬وهو حمقٌّ‪ ،‬ف�إ َّنه كما يقال‪« :‬مل ير مثل نف�سه»‪.‬‬ ‫(‪� )16‬أخربين بذلك الأ�ستاذ حم َّمد العربي حرز اهلل وقد �شهد ذلك وعاي�شه‪.‬‬ ‫(‪« )17‬جملة الأ�صالة» (�ص‪( )46‬العدد‪.)16‬‬

‫‪40‬‬

‫(‪�« )20‬آثار الإبراهيمي» (‪ 219/2‬ـ ‪.)220‬‬ ‫(‪« )21‬جتارب يف الأدب وال ّرحلة» (�ص‪� )221‬سعد اهلل‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫مل يرتك ال ُّنعيمي م�ؤ َّلفات تتنا�سب مع علمه من حيث كرثتها‬ ‫الن�شغاله بتخريج ال ِّرجال عن �إخراج امل�ص َّنفات‪ ،‬فقد عاجلته‬ ‫املن َّية فحالت بينه وبني ما كان ي� ِّؤمله من كتابة مذ ِّكراته وحتقيق‬ ‫ما كان ينوي من املخطوطات‪.‬‬ ‫وعرف من �آثاره ما يلي‪:‬‬ ‫ال�صدى» نظم رائق على طريقة‬ ‫«‪1‬ـ «نظم قطر ال َّندى وب ّل َّ‬ ‫الأ َّولني من (‪ )478‬بيت‪ ،‬انتهى منه يف (‪ ،)1929‬وهو يف الع�شرين‬ ‫من عمره‪ ،‬رجز َ�س ِل�س ال ح�شو فيه وال انك�سار وال ا�ضطرار‪.‬‬ ‫‪2‬ـ مقطوعات �شعر َّية وق�صائد مبعرثة بني �أوراقه ودفاتره‪.‬‬

‫ح�سبتكم ال�شم املقادمي يف اجللى‬ ‫تعدون �صعب الأمر عندكم �سهال‬ ‫وها حيـن جـ َّد الـجـ ُّد قــلتم ب�أ َّن ـن ـ ــا‬ ‫دهينا وا�سق ـيـنا على �ضم ــا م ــهال‬ ‫�إىل �أن قال‪:‬‬ ‫�أيعجزكم ت�صغـ ــري دار وبابهــا‬ ‫ومن ملعان الربق �أمرهما �أجلى‬ ‫وعهدي بكم �أزكى �شباب عرفته‬ ‫بـه ر�سـمت َّ‬ ‫لل�شعب خطته املثلى‬ ‫م�ضارب �أمثال �إذا ما مررمتـوا‬ ‫بجو ميـيت العقل �أحييتم العقال‬ ‫مبجهودكم تغدو اجلزائر حرة‬ ‫(‪)25‬‬ ‫بكم ت�سرتد العز واملجد والنبال‬

‫سير األعالم‬

‫لهم ب�سعة ِّ‬ ‫االطالع‪ ،‬وح�سن الإدراك حلوادث هذا الع�صر‪ ...‬وك ٌّل‬ ‫كان ‪ :‬حا�ضر ال ُّنكتة‪� ،‬سريع البديهة‪ ،‬ف�صيح ال ِّل�سان‪ ،‬رزين‬ ‫بالذكاء وا�ستح�ضار ال َّنوازل وبالرباعة يف تنزيل القول‪ ،‬ال مي ُّل له حديث يف اجلدِّ والهزل‪ ،‬دائم ال َّتحينُّ للفر�ص‬ ‫منهم م�شهور َّ‬ ‫كي يربط الو�سائل باملقا�صد ويذ ِّكر َّ‬ ‫ال�شباب بالعبء امللقى على‬ ‫الأحكام َّ‬ ‫ال�شرع َّية على ال َّنوازل الفقه َّية»(‪.)22‬‬ ‫ال�صرف يف ت�صغري‬ ‫كواهلهم؛ فمنها �أ َّنه و�ضع لط َّالبه امتحا ًنا يف َّ‬ ‫«دار وباب وكتاب» فا�ست�شكلوا ذلك فقال على البديهة‪:‬‬ ‫آثاره‪:‬‬

‫‪3‬ـ حما�ضرات حول املعركة الإ�صالح َّية يف العامل الإ�سالمي‬ ‫ويف اجلزائر ودرو�س يف التَّف�سري �ألقاها على طبقة كل َّية الآداب‬ ‫بجامعة ق�سنطينة‪.‬‬ ‫وفاته‪:‬‬ ‫‪4‬ـ الأبحاث ا َّلتي ق َّدمها �إىل امل�ؤمترات الإ�سالم َّية ا َّلتي ح�ضرها‪.‬‬ ‫م�سجلة ِّ‬ ‫بخط يده على هوام�ش الكتب‬ ‫‪5‬ـ مقتطفات وتعليقات َّ‬ ‫كان ال ي�أبه بنف�سه وال يعتني بها حتَّى تعاورته الأمرا�ض‬ ‫املطبوعة �أو املخطوطة‪.)23(»...‬‬ ‫ف�أقعدته ومل تزل به حتَّى وافته املن َّية �سنة (‪1973‬م) يف ق�سنطينة‬ ‫ودفن بها و�شهد جنازته �أ َّمة من ال َّنا�س ال يح�صون كرثة‪.‬‬ ‫طرائفه‪:‬‬ ‫ممن رثاه َّ‬ ‫ال�شاعر حم َّمد عا�شور(‪ )26‬بق�صيدة منها‪:‬‬ ‫وقد رثاه َّ‬ ‫ر�أين���ا ب���ه �ش���هو ًقا ال ي�ض���اهى ونو ًرا ي�ست�ضيء به َّ‬ ‫ال�شبـاب‬ ‫ً‬ ‫كان َّ‬ ‫مما ميازح به‬ ‫ال�شيخ ظري ًفا‬ ‫منب�سطا ذا دعابة‪ ،‬فكان َّ‬ ‫وركـنـ���ا للـعـلـ���وم بـ���ه تـجل���ت حقائ����ق كان ي�س��ت�رها حجاب‬ ‫جل�ساءه على مائدة َّ‬ ‫الطعام �إن�شاده‪:‬‬ ‫ومنطيق���ا لـ���ه الأدب املـ���روى جهـ ـ���ورا ال ميل ل���ه خطــاب‬ ‫حب مكركـب ي�سـ َّمى الك�سـكـ�س‬ ‫وخري ما يف �شرقنا يلتم�س ّ‬ ‫ونبـع ـ���ا ق ـ���د تكاثـ���ر واردوه ولكن غي�ض وانت�صر ال�سراب‬ ‫(‪)24‬‬ ‫�أ�ص���يل يف العروب���ة بانت�س���اب له العربية الف�صحى انت�ساب‬ ‫ال�صباح وامل�سا ومن يزد عليهما فقد �أ�سا‬ ‫وقهوتان يف َّ‬ ‫ـ ومن طرائفه �أ َّنه كان يف مه َّمة تفتي�ش‪ ،‬وكان معه ابنه فه���ل غ���اب النعيم���ي فينا حقا وتن�ساه الع�شرية وال�صحاب‬ ‫�إىل �أن قال‪:‬‬ ‫ال�صغري فن�سيه يف باتنة وارحتل �إىل بلد �آخر حتَّى �أخرب بعد ذلك‬ ‫َّ‬ ‫فنم يف اخللد والرحمات ترتى ومن رب الــوج ــود لـ ـكــم ثواب‬ ‫فتذ َّكره و�أتوه به‪.‬‬ ‫رحمه اهلل فقد عا�ش حميدً ا ومات فقيدً ا‪.‬‬ ‫(‪�« )22‬آثار الإبراهيمي» (‪.)309/5‬‬ ‫(‪« )23‬جملة الأ�صالة» (�ص‪( )49‬العدد‪.)16‬‬ ‫(‪� )24‬أي �أ�ساء‪� ،‬أن�شدين البيتني ابن �أخيه م�صطفى ال ُّنعيمي �أم َّد اهلل يف عمره‪.‬‬

‫(‪« )25‬ال ُّن�صو�ص الأدب َّية» (‪.)436/4‬‬ ‫(‪ )26‬من �شعراء �سيدي خالد‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪41‬‬


‫أخبار التراث‬

‫ٌ‬ ‫م��س��أل��ة‬ ‫يف والي��ة‬

‫أم�������ور‬ ‫ا لـمسلمني‬

‫واحل��ك��م‬ ‫ب��ي��ن��ه��م‬

‫(‪)1‬‬

‫�أجاب عنها‪:‬‬ ‫�شي ُخ الإ�سالم ُ‬ ‫ابن تيمية (ت‪728‬هـ)‬ ‫قر�أها وع ّلق عليها‪:‬‬

‫ع ـ ّمــار تـم ـ ــال ــت‬

‫باحث مبركز امللك في�صل للبحوث والدرا�سات‬ ‫الإ�سالمية بالريا�ض‬

‫هذه م�س�ألة فقه َّية‪ ،‬ونازلة ق�ضائ َّية‪َّ ،‬‬ ‫خطها يرا ُع �إما ٍم من �أئ َّمة‬ ‫مل من علمائهم؛ بل هو من كبار العلماء‪ ،‬وجهابذة‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬وعا ٍ‬ ‫املف�سرين الفقهاء‪ ،‬و ُن َّقاد املحدِّثني وا ُ‬ ‫حل َّفاظ‪ ،‬وبق َّية املجتهدين‪ ،‬وهو‬ ‫ِّ‬ ‫�شيخ الإ�سالم ابن تيم َّية احل َّراين الدِّم�شقي‪.‬‬ ‫و�سبب كتابة هذه ال ِّر�سالة �س� ٌؤال ُرفِع �إليه من �أحد ال ُوالة‪ ،‬ي�ستف�س ُر‬ ‫ُ‬ ‫فيه عن �أحكام الوالية على الق�ضاء‪ ،‬ا َّلتي هي من �أه ِّم الواليات الدِّين َّية‪،‬‬ ‫و�أرفع املنا�صب َّ‬ ‫ال�شرع َّية؛ فكتب �شيخ الإ�سالم هذه ال ِّر�سالة اجلواب َّية‪،‬‬ ‫و�شحنها بالأد َّلة َّ‬ ‫ال�شرع َّية‪ ،‬والقواعد الفقه َّية‪ ،‬وال َّن�صائح الإميان َّية‪ ،‬وتلك‬ ‫عاد ُته ‪ :‬يف كتابة �أجوبته‪ ،‬يجمع بني العلم والعمل‪ ،‬وبني العقل َّ‬ ‫وال�شرع‪،‬‬ ‫فح َّبذا �أن يت� َّأ�سى به يف ذلك املُفتون‪ ،‬ويقتدي به العلماء وامل�صلحون‪.‬‬ ‫و�إ َّن �أوىل ال َّنا�س بقراءة هذه ال ِّر�سالة‪ :‬من �أهَّله اهلل للعمل يف من�صب‬ ‫الق�ضاء واحلكم بني ال َّنا�س‪ ،‬من ال ُق�ضاة‪ ،‬واملُحامون‪ ،‬واملُح ِّققون يف اجلرائم‬ ‫أم�س ال َّنا�س حاج ًة �إىل ال َّتز ُّود بالأد َّلة‬ ‫واملخالفات‪ ،‬ف�إ َّنهم و َّفقهم اهلل من � ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�شرع َّية‪ ،‬والقواعد الفقه َّية‪ ،‬وال َّتقوى والأ�س�س الإميان َّية‪ ،‬فبها يعرفون‬ ‫َّ‬ ‫خا�صة يف هذا الع�صر ا َّلذي كرثت‬ ‫احلق من الباطل‪ِّ ،‬‬ ‫وال�صد َق من الكذب‪َّ ،‬‬ ‫وعجت‪ ،‬وانت�شرت فيه �سبل َّ‬ ‫وجمت‪ ،‬ن�س�أل اهلل �أن يرينا‬ ‫ال�شيطان َّ‬ ‫فيه الفنت َّ‬ ‫احلق ح ًّقا ويرزقنا ا ِّتباعَه‪ ،‬وير َينا الباط َل باط ً‬ ‫َّ‬ ‫ال ويرزقنا اجتنا َبه‪.‬‬

‫(‪ )1‬العنوان من عندي‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫َّ‬

‫أخبار التراث‬

‫وم�ؤ ِّلف هذه ال ِّر�سالة هو‪� :‬شيخ الإ�سالم‪ ،‬الإمام‪ ،‬احلافظ‪� ،‬إبراهيم بن عبدال َّرحمن بن علي بن حامت بن حم َّمد بن عمر‬ ‫تقي الدِّ ين �أبو الع َّبا�س �أحمد ابن يو�سف بن �أحمد بن حم َّمد بن احل َّبال الأن�صاري احل َّراين‬ ‫العامل‪ِّ ،‬‬ ‫املف�سر‪ ،‬الفقيه‪ ،‬املجتهد‪ُّ ،‬‬ ‫ال�سالم ابن تيم َّية احل َّراين الدِّ م�شقي‪ .‬احلنبلي‪ ،‬وكان ُ‬ ‫ن�سخه �إ َّياها يف �أواخر القرن ال َّثامن الهجري‪.‬‬ ‫ابن عبداحلليم بن عبد َّ‬ ‫ُولد بح َّران من قرى َّ‬ ‫ال�شام �سنة (‪661‬هـ)‪ ،‬و�سافر به �أبوه و�أقاربه‬ ‫�إىل دم�شق �سنة (‪667‬هـ) عند جور التَّتار ا َّلذين غزوا َّ‬ ‫ال�شام‪.‬‬ ‫ن�ص ال ِّر�سالة‪:‬‬ ‫وهذا ُّ‬ ‫وتع َّلم يف �سنٍّ م َب ِّكرة‪ ،‬فقر�أ القر�آن‪ ،‬و�سمع احلديث‪َّ ،‬ثم �أقبل‬ ‫على الفقه ودقائقه وقواعده وحججه‪ ،‬وقر�أ بق َّية العلوم ونهل منها‬ ‫ﭑﭒﭓ‬ ‫وزهد‬ ‫خوف وتقوى و�إخال�ص‪ٍ ،‬‬ ‫وا�ستفاد من دقائقها‪ ،‬ك ُّل ذلك مع ٍ‬ ‫وورع ووجل‪ ،‬وتعظيم حلرمات اهلل‪.‬‬ ‫�س�أل ُ‬ ‫بع�ض الوالة من والة الأمور �شيخَ الإ�سالم �أبا الع َّبا�س‬ ‫وكان ‪ :‬جمدِّ دًا يف ع�صره ب�شهادة كثري من العلماء‪ ،‬فقد رفع‬ ‫�أحمدَ بنَ تيم َّية احل َّراين ‪� Ç‬أن يبينِّ َ له َ‬ ‫�سبيل حكم الوالية‬ ‫َ‬ ‫وال�ض َ‬ ‫اجلهل َّ‬ ‫الل ا َّلذي �أ�صابهم يف عقيدتهم‪ ،‬وبينَّ لهم‬ ‫عن ال َّنا�س‬ ‫قواعد َّ‬ ‫يكتب له‬ ‫على ِ‬ ‫ال�شرع املط َّهر‪ ،‬ب�سبب ُت ْهم ٍة وقعت يف �سرقة‪ِ ،‬ل َ‬ ‫بي ‪ Í‬و�أعادهم �إليه‪ ،‬وجاهد‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫طريقَ َّ‬ ‫ال�صالح من �أتباع ال َّن ِّ‬ ‫�شي ًئا يف ذلك‪ ،‬فكتب خمت�ص ًرا‪:‬‬ ‫� َ‬ ‫أهل الأهواء َّ‬ ‫وال�ضالل بل�سانه وقلمه‪ ،‬وف َّند �شبها ِتهم‪ ،‬وبينَّ �أخطا َءهم‬ ‫رب العاملني‪ ،‬و�أ�شهد �أن ال �إله �إ َّال اهلل وحده ال‬ ‫احلمد هلل ِّ‬ ‫ال�صالح‪ ،‬ف�س َّلم له الكث ُري منهم‪ ،‬و�أذعنوا‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫وخمالفاتهم ملنهج َّ‬ ‫�شريك له‪ ،‬و�أ�شه ُد �أنَّ حم َّمدً ا عبدُه ور�سو ُله‪� ،‬ص َّلى اهلل عليه وعلى‬ ‫لكالمه‪ ،‬وتركوا �آرا َءهم و�أهوا َءهم‪ ،‬وكت ُبه ا َّلتي َّ‬ ‫�سطرها يف عقيدة‬ ‫�آله و�س َّلم ت�سلي ًما‪.‬‬ ‫ال�سلف خ ُري �شاهد على هديه القومي‪ ،‬وعلمه ال َّر�صني‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫أف�ضل‬ ‫�‬ ‫من‬ ‫امل�سلمني‬ ‫أمور‬ ‫�‬ ‫ة‬ ‫والي‬ ‫أعظم واجبات الدِّ ين‪ ،‬و� ِ‬ ‫ِ‬ ‫وكتب ‪ :‬يف �سائر العلوم‪ ،‬كالتَّف�سري ا َّلذي كان له فيه القدم‬ ‫َ‬ ‫رب العاملني‪� ،‬إذا اجتهدَ‬ ‫ال�صاحلني‪ ،‬و�أعلى ال ُق ُربات �إىل ِّ‬ ‫�أعمال َّ‬ ‫ال َّرا�سخة‪ ،‬والفقه ا َّلذي �أبان فيه عن علمه واجتهاده‪ ،‬واحلديث‬ ‫العدل وال َ‬ ‫و ُّ‬ ‫وال�س َّنة‪ ،‬وحت َّرى َ‬ ‫إن�صاف‪،‬‬ ‫يل �أمرهم يف ا ِّتباع الكتاب ُّ‬ ‫ا َّلذي ظهر فيه ُ‬ ‫حفظه و�إمامتُه‪.‬‬ ‫اجلهل ُّ‬ ‫نف�سا �إ َّال ُو ْ�س َعها‪.‬‬ ‫وجت َّن َب ُط ُر َق‬ ‫ِ‬ ‫والظ ِلم‪ ،‬وال يك ِّل ُف اهلل ً‬ ‫فدونك �أ ُّيها القارىء الكر ُمي كتب هذا الإمام وم�ؤ َّلفاته‪ ،‬ف�إ َّنها‬ ‫«�س ْب َع ٌة يُظِ ُّلهُم اهلل فيِ ظِ ِّل ِه َيو َم َال ظِ َّل �إِ َّال‬ ‫بي ‪َ :Í‬‬ ‫قال ال َّن ُّ‬ ‫ال�سلف‪،‬‬ ‫مي�سرة‪ ،‬يح ُّفها ال َّدليل من الكتاب ُّ‬ ‫وال�سنة وكالم َّ‬ ‫�سهلة َّ‬ ‫ظِ ُّلهُ‪� :‬إِمَا ٌم عَاد ٌِل‪َ ،‬و َ�ش ٌّاب َن َ�ش َ�أ فيِ عِ َبا َد ِة اهلل ‪َ ،y‬و َر ُج ٌل َق ْل ُب ُه ُم َع َّل ٌق‬ ‫فاحر�ص عليها‪ ،‬و�أَ ِد ْم‬ ‫ال�صدور وينري العقول‪،‬‬ ‫وترى فيها ما ي�شفي ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫بِامل َ ْ�سجِ دِ �إِ َذا َخ َر َج مِ ْن ُه َح َّتى َي ُعو َد �إِل ْيهِ‪َ ،‬و َر ُج َ‬ ‫النِ حَ َ‬ ‫تا َّبا فيِ اهلل‬ ‫املطالع َة فيها وا�ستخراج فوائدها‪.‬‬ ‫ا ِْج َت َم َعا َعلَى َذل َِك َو َت َف َّر َقا َعلَ ْيهِ‪َ ،‬و َر ُج ٌل َذ َك َر َ‬ ‫اهلل َخا ِل ًيا َف َف َ‬ ‫ا�ضتْ‬ ‫توفيِّ �شيخ الإ�سالم ابن تيم َّية بدم�شق �سنة ‪728‬هـ‪ ،‬وكانت‬ ‫َع ْي َناهُ‪َ ،‬و َر ُج ٌل َد َع ْته ِْام َر�أَ ٌة َذ ُات َم ْن َ�صبٍ َو َج َمالٍ َف َقا َل‪� :‬إِنيِّ �أَ َخ ُ‬ ‫اف‬ ‫جنازتُه م�شهود ًة‪ ،‬اجتمع لها � ُ‬ ‫أهل دم�شق‪ ،‬وكان فيها الأمراء‬ ‫َ‬ ‫اهلل َر َّب ال َعالمَ ِ َ‬ ‫ني‪َ ،‬و َر ُج ٌل َت َ�ص َّد َق ب َِ�ص َد َق ٍة َف�أَ ْخ َفاهَا َح َّتى َال َت ْعلَ َم‬ ‫والعلماء والق�ضاة‪ ،‬حتَّى قيل‪� :‬إنَّ بع�ض �أعيان �أهل الكتاب تبعوا‬ ‫«ال�صحيحني»(‪.)1‬‬ ‫�شِ َما ُل ُه مَا ُت ْنف ُِق مَيِي ُنهُ»‪� ،‬أخرجاه يف َّ‬ ‫وال�صدِّ يقني‬ ‫جنازته‪ ،‬رحمه اهلل و�أ�سكنه ف�سيح ج َّناته مع ال َّنب ِّيني ِّ‬ ‫َ‬ ‫العادل‪.‬‬ ‫إمام‬ ‫بي ‪ Í‬ال َ‬ ‫فانظر كيف ق َّدم ال َّن ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫وال�صاحلني وح�سن �أولئك رفي ًقا‪.‬‬ ‫وال�شهداء َّ‬ ‫ويف احلديث‪َ « :‬ي ْو ٌم مِ نْ �إِمَا ٍم عَادِلٍ �أَ ْف َ�ض ُل مِ نْ عِ َبا َد ِة �سِ ِّت َ‬ ‫ني ـ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫وهذه ال ِّر�سالة ـ التي مل ُي�س َبق لها �أن طبعت ـ وجدتُ لها ن�سخة �أو‪�َ :‬س ْب ِع َ‬ ‫ني ـ َ�س َن ًة»(‪.)2‬‬ ‫ال�سليمان َّية برتكيا‪ ،‬تبد�أ فيه ال ِّر�سالة‬ ‫م�ص َّور ًة من جمموع باملكتبة ُّ‬ ‫(‪ )1‬البخاري (‪ ،660‬وموا�ضع �أخرى)‪ ،‬وم�سلم (‪.)1031‬‬ ‫ال�صفحة (‪�148‬أ)‪ُ .‬كتبت (‪ )2‬حديث �ضعيف‪ ،‬ومعناه م�شهور‪� ,‬أخرجه َّ‬ ‫الطرباين يف «املعجم الكبري» (‪/337/11‬‬ ‫ال�صفحة (‪145‬ب) وتنتهي �إىل َّ‬ ‫من َّ‬ ‫رقم‪ )11932 :‬والبيهقي (‪ )162/8‬وغريهما‪ ،‬من حديث ابن ع َّبا�س ‪,È‬‬ ‫ٍّ‬ ‫بخط ن�سخي بيد نا�سخها ونا�سخ املجموع‪ :‬حممد بن مو�سى ابن‬ ‫وقد خرج طر َقه الإمام ال�سخاوي يف «تخريج �أحاديث العادلني» (‪ 117‬ـ ‪.)123‬‬ ‫َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪43‬‬


‫أخبار التراث‬

‫بي ‪� Í‬أ َّنه قال‪« :‬امل ُ ْق�سِ ُطو َن‬ ‫ويف احلديث َّ‬ ‫ال�صحيح عن ال َّن ِّ‬ ‫ني ال َّرح َم ِن‪َ ،‬و ِك ْل َتا َي َد ْي ِه‬ ‫ي ِ‬ ‫عِ ْن َد اهلل َعلَى َم َنا ِب َر مِ نْ ُنو ٍر َعنْ مَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ي ٌ‬ ‫ني‪ ،‬ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي ْعدِ ُلو َن فيِ ُح ْكمِ ِه ْم َو�أهْ لِي ِه ْم َومَا َو ُلوا»‪ ،‬رواه‬ ‫مَ ِ‬ ‫م�سلم(‪ )3‬من حديث عبداهلل بن عمرو‪.‬‬ ‫ووالي ُة ُّ‬ ‫ال�ش ْر َطة واحلرب‪ :‬من الواليات الدِّ ين َّية واملنا�صب‬ ‫َّ‬ ‫وال�س َّنة والعدل والإن�صاف‪ ،‬ولها‬ ‫ال�شرع َّية‪ ،‬املبن َّية على الكتاب ُّ‬ ‫قوانني �ص َّنف العلما ُء فيها م�ص َّنفات‪ ،‬كما �ص َّنفوا يف والية‬ ‫الق�ضاء‪ ،‬ف�إنَّ وا َ‬ ‫يل احلرب يقيم احلدو َد َّ‬ ‫ال�شرع َّية على الزَّاين‬ ‫َّعزيرات َّ‬ ‫وال�سارق َّ‬ ‫ال�شرع ّي َة على َمن‬ ‫ويقيم الت‬ ‫ِ‬ ‫وال�شارب ونح ِوهم‪ُ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ويحكم بني ال َّنا�س يف املُخا�صمات وامل�ضاربات‪،‬‬ ‫ت َع َّدى حدو َد اهلل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عاقب يف ال ُّت َهم املتع ِّلقة بال ُّنفو�س والأموال‪ ،‬و َين�صِ ُب ال ُع َرفا َء‬ ‫و ُي ُ‬ ‫ا َّلذين َير َفعون �إليه �أم َر الأ�سواق‪ ،‬وا ُ‬ ‫ا�س ا َّلذين ُيع ِّرفو َنه �أمو َر‬ ‫حل َّر َ‬ ‫امل�ساكن وغ ِري ذلك من م�صالح امل�سلمني‪ ،‬وك ُّل هذه الأمور من‬ ‫الأمور َّ‬ ‫وال�س َّن ُة‪.‬‬ ‫ال�شرع َّية ا َّلتي جاء بها‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب ُّ‬ ‫ي َط ُروا‬ ‫«حدٌّ ُي َقا ُم فيِ الأَ ْر ِ�ض َخيرْ ٌ مِ نْ �أَ ْن مُ ْ‬ ‫بي ‪َ :Í‬‬ ‫قال ال َّن ُّ‬ ‫�أَ ْر َب ِع َ‬ ‫احا»(‪.)4‬‬ ‫ني َ�ص َب ً‬ ‫بي ‪َ « :Í‬منْ َحا َلتْ َ�ش َفا َع ُت ُه دُو َن َح ٍّد مِ نْ ُحدُو ِد اهلل‬ ‫وقال ال َّن ُّ‬ ‫َف َق ْد َ�ضا َّد َ‬ ‫اهلل فيِ �أَ ْم ِرهِ‪َ ،‬و َمنْ َقا َل فيِ م ُْ�سل ٍِم مَا َل ْي َ�س فِي ِه ُح ِب َ�س فيِ‬ ‫َر ْد َغ ِة ا َ‬ ‫ا�ص َم فيِ بَاطِ لٍ َوهُ َو‬ ‫خل َبالِ (‪َ )5‬ح َّتى َي ْخ ُر َج ممِ َّ ا َقا َل‪َ ،‬و َمنْ َخ َ‬ ‫َي ْعلَ ُم مَ ْ‬ ‫ل َي َز ْل فيِ َ�س َخ ِط اهلل َح َّتى َين ِزعَ» رواه �أبو داود(‪.)6‬‬ ‫العقوبات‬ ‫بي ‪ Í‬وخلفا�ؤه ال َّرا�شدون يقيمون‬ ‫ِ‬ ‫فكان ال َّن ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�شرع َّي َة‪ ،‬و ُيع ِّرفون ال ُع َرفاء(‪ ،)7‬و ُين ِّقبون ال ُّن َقباء(‪ ،)8‬ويحكمون بني‬ ‫ال َّنا�س يف احلدود واحلقوق‪.‬‬ ‫فقد جعل اهلل ِّ‬ ‫لكل �شيءٍ قد ًرا؛ ف�إذا ا َّدعى ال َّر ُ‬ ‫جل على �آخر �أ َّنه‬ ‫باعه �أو �أَ ْق َر َ�ضه �أو نحو ذلك من العقود‪ ،‬مل يكن يف ذلك عقوب ٌة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أقام املُ َّد ِعي ب ِّين ًة‪ ،‬و�إ َّال ُح ِّل َف املُ َّد َعى عليه‪ ،‬و�إذا َ‬ ‫حلف برى َء‬ ‫بل �إن � َ‬ ‫(‪�« )3‬صحيح م�سلم» (‪.)1827‬‬ ‫(‪ )4‬حديث ح�سن‪� ,‬أخرجه الإمام �أحمد يف «م�سنده» (‪ )8738‬وال َّن�سائي (‪)4908‬‬ ‫وابن ماجه (‪ )2538‬وغريهم‪ ،‬من حديث �أبي هريرة ‪ ,Ç‬وقد خ َّرج طر َقه‬ ‫وح�سنه َّ‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)231‬‬ ‫ال�شيخ الألباين يف َّ‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )5‬هي ُع�صارة �أهل ال َّنار كما جاء تف�سريها يف حديث �آخر‪.‬‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)438‬‬ ‫(‪�« )6‬سنن �أبي داود» (‪ ,)3597‬وهو �صحيح خم َّرج يف َّ‬ ‫(‪ )7‬جمع عريف‪ ،‬وهو الق ِّيم ب�أمور القبيلة �أو اجلماعة من ال َّنا�س‪ ،‬يلي �أمو َرهم‪ ،‬ويتع َّرف‬ ‫الأم ُري منه �أحوا َلهم‪« .‬ال ِّنهاية» البن الأثري (‪.)218/3‬‬ ‫(‪ )8‬جمع نقيب‪ :‬وهو كالعريف على القوم‪ ،‬املقدَّم عليهم‪ ،‬ا َّلذي يتع َّرف �أخبا َرهم‪ ،‬و ُين ِّقب‬ ‫عن �أحوالهم‪« .‬ل�سان العرب» (ن ق ب)‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫يف َّ‬ ‫ي�شهد عليه‪.‬‬ ‫الظاهر‪ ،‬وكان املُ َّد ِعي هو املُ َف ِّر َط حيث مل ْ‬ ‫وقد جرت العاد ُة ب�أنَّ ما كان فيه �شهاداتٌ وتعدي ٌل و�إثباتٌ‬ ‫فمرج ُعه �إىل ال ُق�ضاة‪.‬‬ ‫و�إميا ٌن ِ‬ ‫و�أ َّما ال ُّت َهم‪ ،‬فهو ما �إذا ُق ِتل قتي ٌل ال ُيع َر ُف قات ُله‪� ،‬أو ُ�س ِرق ما ٌل‬ ‫وجه �آخر‪ ،‬ف�إ َّنه لو ُح ِّل َف‬ ‫ال ُيع َر ُف �سار ُقه‪،‬‬ ‫فاحلكم يف هذا على ٍ‬ ‫ُ‬ ‫و�س ِّي َب �ضاعت الدِّ ما ُء وال ُ‬ ‫أموال‪ ،‬وكذلك لو ُك ِّل َف املُ َّد ِعي‬ ‫املُ َّت َه ُم ُ‬ ‫وال�سارق ال ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أحد‪.‬‬ ‫القاتل‬ ‫بالب ِّينة‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫يفعل ذلك غال ًبا ُق َّد َام � ٍ‬ ‫�صاحب ال َّدم واملال ُي�ض َر ُب‪ ،‬لكان‬ ‫ولو كان ك ُّل من اتَّه َمه‬ ‫ُ‬ ‫ال�صاحلون و� ُ‬ ‫الب والتَّقوى والعلما ُء وامل�شايخُ والق�ضا ُة‬ ‫أهل رِ ِّ‬ ‫ُي�ض َر ُب َّ‬ ‫وعدوانٌ‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫والأمرا ُء وك ُّل �أحد مبج َّرد دعوى املُ َّت َهم‪ ،‬وهذا ظل ٌم ُ‬ ‫زال ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الظ َلم ال ُي ُ‬ ‫االعتدال يف ذلك �أن ُيح َب َ�س املُ َّت َه ُم‬ ‫بالظلم‪ ،‬بل‬ ‫ُعلم براءتُه‪.‬‬ ‫ا َّلذي مل ت ْ‬ ‫فقد روى َب ْه ُز بنُ َحكيم عن �أبيه عن جدِّ ه‪� :‬أ َّن ر�سول اهلل ‪Í‬‬ ‫َح َب َ�س يف ُتهمةٍ»(‪.)9‬‬ ‫أتباعهم من �أ�صحاب‬ ‫وهذا حديثٌ ثابتٌ ‪ ،‬فقد عمل به الأئ َّم ُة و� ُ‬ ‫�أبي حنيفة ومالك َّ‬ ‫وال�شافعي والإمام �أحمد بن حنبل وغريهم‪.‬‬ ‫َّثم ُي َ‬ ‫نظ ُر يف املُ َّت َهم‪ :‬ف�إن ُع ِرف قبل ذلك ب�سرق ٍة‪� ،‬أو قامت‬ ‫�أماراتٌ تقت�ضي �أن يكون قد �سرق‪ ،‬فقد َّ‬ ‫ري من العلماء‬ ‫رخ َ�ص كث ٌ‬ ‫يف �ضربه حتَّى َي َ‬ ‫بال�سرقة‪.‬‬ ‫عرتف َّ‬ ‫بي ‪�َ Í‬س َّل َم �إِلىَ‬ ‫وقد روى‬ ‫ُّ‬ ‫البخاري يف «�صحيحه»(‪�« :)10‬أَ َّن ال َّن َّ‬ ‫ال ُّز َبيرْ ِ ْب ِن ال َع َّوا ِّم َر ُج ً‬ ‫ال ِل ُي َعا ِق َب ُه َعلَى مَالٍ ا ُّت ِه َم ِب ِك ْت َما ِن ِه َح َّتى‬ ‫ا ِْعترَ َ َف بمِ َ َكا ِن ِه»‪.‬‬ ‫ا�س لذلك املُ َّت َه ِم ب�أ َّنه من �أهل ال ِّثقة والأمانة‪ ،‬مل‬ ‫و�إن �شهد ال َّن ُ‬ ‫بيح ذلك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُباح عقوبتُه بال �سبب ُي ُ‬ ‫يجزْ �أن ت َ‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪ِ « :‬ا ْد َر�ؤوا ا ُ‬ ‫حلدُو َد ب ُّ‬ ‫ِال�ش ُبهَاتِ ‪َ ،‬ف�إِ َّن الإِمَا َم‬ ‫ف�إنَّ ال َّن َّ‬ ‫�أَ ْن يُخطِ ى َء فيِ ا ْل َع ْف ِو َخيرْ ٌ مِ نْ �أَ ْن ُي ْخطِ ى َء فيِ ا ْل ُع ُقو َبةِ» رواه �أبو‬ ‫داود(‪.)11‬‬ ‫و�أكرث ما ُيف َع ُل مبن يكونُ هكذا �أن ُي�ضمنَ عليه و ُي َح َّلف الأميانَ‬ ‫َّ‬ ‫ال�شرعي َة على نفي ما ا ُّد ِع َي عليه‪.‬‬ ‫(‪ )9‬حديث ح�سن �أخرجه �أبو داود (‪ )3630‬والرتمذي (‪ )1417‬وال َّن�سائي (‪.)4880‬‬ ‫(‪� )10‬صحيح البخاري (‪ ،)2730‬وقد ع َّلقه الإمام البخاري هنا‪ ،‬وو�صله �أبو داود‬ ‫(‪ ,)3006‬انظر‪« :‬البداية وال ِّنهاية» (‪ ,)301/6‬و«فتح الباري» (‪.)387/5‬‬ ‫(‪ )11‬بل �أخرجه رِّ‬ ‫التمذي (‪ )1424‬من حديث عائ�شة ‪ .á‬وهو �ضعيف‪ ,‬انظر‪:‬‬ ‫«�إرواء الغليل» (‪.)25/8‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫(‪� )12‬سنن �أبي داود (‪ ،)4382‬وهو ح�سن الإ�سناد‪ ,‬قال �أبو داود عقبه‪ �« :‬مَّإنا �أرهبهم‬ ‫بهذا القول‪� ،‬أي ال يجب َّ‬ ‫ال�ضرب �إ َّال بعد االعرتاف»‪.‬‬ ‫(‪� )13‬أخرجه �أبو داود (‪ ,)3628‬وال َّن�سائي (‪ ,)4693‬و�أحمد (‪ ،)17946‬من حديث‬ ‫َّ‬ ‫وح�سنه يف «الإرواء» (‪.)259/5‬‬ ‫ال�شريد بن �سويد ال َّثقفي ‪َّ . Ç‬‬ ‫(‪� )14‬أخرجه البخاري (‪ ,)2287‬وم�سلم (‪ ،)1564‬من حديث �أبي هريرة ‪. Ç‬‬ ‫(‪� )15‬أي‪ :‬ذو جاهٍ‪.‬‬ ‫(‪� )16‬أخرجه �أبو عبيد يف «الأموال» (‪ ،)8‬وابن �سعد يف َّ‬ ‫«الطبقات» (‪ ،)182/3‬انظر‬ ‫«البداية وال ِّنهاية» (‪.)269/5‬‬

‫يجب على الوايل �إذا ثبت �أنَّ ال َّرجل قد �سرق ما مقدا ُره رب ُع‬ ‫فلهذا ُ‬ ‫يجب قط ُع يده‪.‬‬ ‫دينار‪ ،‬وهو نحو خم�سة دراهم بهذه ال َّدراهم‪ ،‬ف�إ َّنه ُ‬ ‫وال يح ُّل ت�أخ ُريه لغري عذر‪.‬‬ ‫أحد �أن ي�شف َع �إليه يف ذلك‪.‬‬ ‫وال يح ُّل ل ٍ‬ ‫وال يح ُّل له َق ُ‬ ‫بول َّ‬ ‫ال�شفاعة‪.‬‬ ‫ال�س َ‬ ‫بل قد جاء يف احلديث‪�« :‬إِ َذا َبلَ َغتِ ا ُ‬ ‫لطا َن َفلَ َع َن‬ ‫حلدُو ُد ُّ‬ ‫اهلل َّ‬ ‫ال�شا ِف َع وامل ُ َ�ش َّف َع»(‪.)18‬‬ ‫أكتب للأمري ـ �أح�سن اهلل �إليه‬ ‫و�سوف �إن �شاء اهلل تعاىل � ُ‬ ‫ـ �شي ًئا جام ًعا‪ ،‬ف�إنَّ وايل احلرب قد كان يف هذه البلدة ـ يعني‬ ‫دم�شق ـ االفتخا َر(‪ ،)19‬وكان عند ال َّنا�س من �أولياء اهلل تعاىل‪ ،‬وقد‬ ‫قا�ض ُيقال له ال َّرفيع(‪ ،)20‬وكان من �أعداء اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫كان عندهم ٍ‬ ‫ِل ُيع َل َم �أنَّ االعتبار يف احلمد َّ‬ ‫والذ ِّم وال َّثواب والعقاب يف جميع‬ ‫وال�س َّنة‪ ،‬وحت ِّري‬ ‫الواليات بطاعة اهلل ور�سوله‪ ،‬وا ِّتباع الكتاب ُّ‬ ‫العدل والإن�صاف‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫نقلتُها من ِّ‬ ‫خط الإمام �شم�س الدِّ ين حم َّمد بن املُ ِح ِّب(‪،)21‬‬ ‫وقال‪ :‬نقلتُها من ِّ‬ ‫خط احل�سني بن �إبراهيم بن �أحمد بن ُ�س َو ْيح‬ ‫ابن عمر بن �إبراهيم بن الدِّ م�شقي ن�س ًبا ال َب ْكري ِخ ْرق ًة‪.‬‬ ‫رب العاملني‪ ،‬و�ص َّلى اهلل على �س ِّيدنا حم َّمد و�آله‬ ‫واحلمد هلل ِّ‬ ‫و�صحبه و�س َّلم ت�سلي ًما‪.‬‬

‫أخبار التراث‬

‫وقد روى �أبو داود يف «�سننه»(‪� :)12‬أنَّ َق ْو ًما َجا�ؤُوا �إىل ال ُّنعمان‬ ‫َ‬ ‫يعرتف به‪،‬‬ ‫ابن ب�شري فقالوا‪� :‬إنَّ هذا �سرق لنا ما ًال فا�ضر ْبه حتَّى‬ ‫ِ‬ ‫فقال‪�« :‬إن �شئتُم �ضربتُه‪ ،‬ف�إن ظهر ما ُلكم عنده‪ ،‬و�إ َّال �أخذتُ من‬ ‫ظهوركم مثل ما �أخذتُ من ظهره» فقالوا‪ :‬هذا ق�ضا�ؤك؟ فقال‪:‬‬ ‫«هذا ق�ضا ُء اهلل ور�سوله»‪.‬‬ ‫و�إذا ُع ِرف �أنَّ ال َّرجل عنده ما ٌل يجب عليه �أدا�ؤُه‪� ،‬إ َّما َد ْينٌ‬ ‫قد ُر على وفائه وقد امتنع من الوفاء‪ ،‬و�إ َّما وديع ٌة �أو عا ِر َّي ٌة‪ ،‬و�إ َّما‬ ‫َي ِ‬ ‫ال�سلطان ا َّلذي يجب عليه‬ ‫ما ٌل �سر َقه �أو غ�صبه �أو خانه من مال ُّ‬ ‫دف ُعه‪� ،‬أو من مال الوقف �أو اليتيم‪� ،‬أو من مال ُم َو ِّكله �أو �شريكه‬ ‫�أو نحو ذلك‪ ،‬ف�إذا ُع ِرف �أ َّنه قاد ٌر على �أداء املال وهو ممُ ْ َت ِن ٌع ف�إ َّنه‬ ‫ُي�ض َر ُب م َّر ًة بعد م َّرة حتَّى ي�ؤ ِّد َيه‪.‬‬ ‫بي ‪« :Í‬ليَ ُّ الوَاجِ د يُحِ ُّل عِ ْر َ�ضه َو ُع ُقو َب َتهُ»(‪.)13‬‬ ‫قال ال َّن ُّ‬ ‫ال َّل ُّي‪ :‬ا َمل ْط ُل‪ ،‬والواجدُ‪ :‬القادر‪.‬‬ ‫بي ‪« :Í‬م َْط ُل ال َغن ِِّي ُظ ْل ٌم»(‪.)14‬‬ ‫وقال ال َّن ُّ‬ ‫وهذا �أ�ص ٌل م َّت َف ٌق عليه بني العلماء‪� :‬أنَّ من ترك الواجبات ف�إ َّنه‬ ‫ُيعا َق ُب حتَّى يفع َلها‪ ،‬ومن ارتكب ا ُ‬ ‫حل ُرمات عوقب على ركو ِبها‪،‬‬ ‫و�أدا ُء احلقوق �إىل �أ�صحابها من الواجبات‪.‬‬ ‫لكن هذا �إذا َ‬ ‫عرف �أنَّ احلقَّ عنده‪ ،‬ف�أ َّما مع التُّه َمة ف ُي َف َّر ُق‬ ‫والفجار‪ ،‬وقد جعل اهلل ِّ‬ ‫لكل �شيءٍ قد ًرا‪ ،‬و�إن مل ْ‬ ‫يفعل‬ ‫بني الأبرار َّ‬ ‫الوايل ذلك و�إ َّال تناق�ضت �أحكا ُمه‪ ،‬فقد يكون املُ َّت َه ُم ُمت َ​َج ِّوهً ا(‪،)15‬‬ ‫عاقب له �أهل الأمانة‬ ‫�أو َي�شف ُع �إليه فيه ذو َق ْدرٍ‪ ،‬فيحتاج �أن ُي َ‬ ‫وال�صالح‪ ،‬وك ُّل هذا ُعدوانٌ‪ ،‬و� مَّإنا ُ‬ ‫حكم بني‬ ‫العدل �أن ُي َ‬ ‫ِّ‬ ‫وال�صدق َّ‬ ‫وال�ضعيف‪َّ ،‬‬ ‫ال َّنا�س ُحك ًما واحدً ا‪ُ ،‬ي َ�س َّوى فيه بني القويِّ َّ‬ ‫وال�شريف‬ ‫والو�ضيع‪ ،‬بح�سب قدرته وطاقته‪.‬‬ ‫ال�صدِّ يق ر�ضي اهلل عنه و�أر�ضاه ملَّا تولىَّ ‪�« :‬أ ُّيها‬ ‫قال �أبو بكر ِّ‬ ‫عيف عندي حتَّى � َ‬ ‫ال�ض ُ‬ ‫القوي فيكم َّ‬ ‫آخذ منه احلقَّ ‪،‬‬ ‫ال َّنا�س!‬ ‫ُّ‬ ‫القوي عندي حتَّى � َ‬ ‫وال�ض ُ‬ ‫َّ‬ ‫آخذ له احلقَّ ‪ ،‬ف�أطيعوين ما‬ ‫عيف فيكم ُّ‬ ‫�أطعتُ اهلل‪ ،‬ف�إذا ع�صيتُ اهلل فال طاع َة يل عليكم»(‪.)16‬‬

‫بي ‪�« :Í‬إِ مَّ َ‬ ‫نا َهلَ َك َمنْ َكا َن َق ْبلَ ُك ْم �أَ َّن ُه ْم َكا ُنوا �إِ َذا‬ ‫وقال ال َّن ُّ‬ ‫َ�س َر َق فِي ِه ُم َّ‬ ‫ال�ضع ُ‬ ‫ال�شر ُ‬ ‫ِيف َت َر ُكوهُ‪َ ،‬و ِ�إ َذا َ�س َر َق فِي ِه ُم َّ‬ ‫ِيف �أَ َقامُوا‬ ‫َعلَ ْي ِه ا َ‬ ‫حلدَّ‪َ ،‬وا َّلذِ ي َن ْف�سِ ي ِب َيدِ ِه َل ْو �أَ َّن َفاطِ َم َة ِبنْتَ محَ َ َّمدٍ َ�س َر َقتْ‬ ‫«ال�صحيحني»(‪.)17‬‬ ‫َل َق َط ْعتُ َي َدهَا» �أخرجاه يف َّ‬

‫كتبه حم َّمد بن احل َّبال الأن�صاري احل َّراين‪ ،‬عفا اهلل عنهم‬ ‫ولطف بهم وبامل�سلمني‪� ،‬آمني‬ ‫(‪ )17‬البخاري (‪ ,)3475‬وم�سلم (‪ ،)1688‬من حديث عائ�شة ‪.á‬‬ ‫َّ‬ ‫«املوط�أ» (‪ ،)835/2‬وانظر‪« :‬فتح الباري»‬ ‫(‪ )18‬هو من قول الزُّبري كما يف‬ ‫(‪.)90/12‬‬ ‫(‪ )19‬افتخار الدِّ ين‪ ،‬وا�سمه‪� :‬أياز‪ ،‬كان وايل دم�شق‪ ،‬و�أ�ضيف �إليه ال َّنظر يف امل�ساجد‬ ‫�سنة ‪660‬هـ‪ .‬انظر‪« :‬الوايف بالوفيات» (‪.)258/9‬‬ ‫(‪ )20‬هو رفيع الدِّ ين عبدالعزيز بن عبدالواحد اجليلي‪ ,‬انظر‪« :‬البداية وال ِّنهاية»‬ ‫(‪.)250/17‬‬ ‫املحب‬ ‫(‪ )21‬هو احلافظ �شم�س الدِّ ين �أبو عبداهلل حم َّمد بن عبداهلل بن �أحمد بن ِّ‬ ‫ال�صامت (ت ‪ 789‬هـ)‪ ،‬كان مكرث ًا من كتابة م�ؤ َّلفات ابن تيم َّية‪ ،‬وهو �صاحب‬ ‫َّ‬ ‫ي�سر اهلل خروجه‪.‬‬ ‫كتاب «�صفات ِّ‬ ‫رب العاملني» ا َّلذي �أعمل على حتقيقه‪َّ ،‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪45‬‬


‫في واحة اللغة واألدب‬ ‫‪46‬‬

‫الدفلى َّ‬ ‫مشارق األنوار على َم َثل َّ‬ ‫والن َّوار‬ ‫اجلزء الثاني‪ :‬كتاب املعاني‬ ‫حممد بو�سالمة‬ ‫اجلزائر‬

‫اعلم �أنَّ ِّ‬ ‫مقامات تنا�سبه‪ ,‬وبقدر املنا�سبة واالرتباط‬ ‫مثل‬ ‫ٍ‬ ‫لكل ٍ‬ ‫ال�سامعني‬ ‫بني املثل واملقام يكون الوقع يف ال ُّنفو�س‪ ,‬في�أخذ املثل من َّ‬ ‫م�أخذه وك�أ َّنه ما قيل �إ َّال يف ذلك املو�ضع‪.‬‬ ‫قوما من �أهل بلدنا بلغوا الغاية يف مراعاة ما‬ ‫ولقد ر�أيت ً‬ ‫ذكرناه مع غزارة حفظهم للأمثال‪ ,‬بل يحفظون يف الباب الواحد‬ ‫�أمثا ًال كثري ًة‪ ,‬ولقد ا�ستمليت بع�ضهم ما ا�ستملحته من جواهر‬ ‫الأمثال �إ َّال �أ َّنني مل �أكن يف ذلك من �أهل احلزم فكان حقَّ املقام‬ ‫�أن نعقد جمال�س للإمالء على طريقة املحدِّ ثني‪ ,‬ولقد ندمت على‬ ‫ذلك ندامة الك�سعي ملَّا طلع ال َّنهار‪ ,‬والفرزدق ملَّا ط َّلق َن َوار‪.‬‬ ‫وقد م�ضى على ذلك زمنٌ طويل وال �أدري ما ُفعل بهم‪َّ ,‬‬ ‫ولعل املن َّية‬ ‫قد �ضربت فيهم ِّ‬ ‫بحظها فماتوا وماتت معهم �أخبارهم ونوادرهم‪,‬‬ ‫وهكذا تذهب ال ِّرجال حيث تجُ هل �أقدا ُرهم وك�أن مل يكونوا‪ ,‬وربمَّ ا‬ ‫�أكون يف هذا َّ‬ ‫ال�ش�أن قد جريت على طريقة قومي يف جتاهل �أقدار‬ ‫ال ِّرجال الكبار ف�إذا ماتوا قلت‪ :‬كانوا وكانوا‪ ,‬ولقد كان من عادة‬ ‫قومي تعليق عراجني التَّمر يف �أعناق الأموات ا َّلذين حرموا لذاذة‬ ‫التَّمر �إذ كانوا �أحيا ًء‪ ,‬و�إ َّنهم ليفهمون ك َّل الفهم َ‬ ‫املثل القائل‪« :‬كي‬ ‫كان حي م�شتاق مترة وكي مات ع ّلقولوا عرجون»‪.‬‬ ‫فعجب �أن ترى ال َّرجل اجلليل فينا ميوت قبل �أن‬ ‫و�إن تعجب‬ ‫ٌ‬ ‫ميوت‪ ,‬و�إنَّ كث ًريا من ا َّلذين ماتوا قبل �أن ميوتوا كانوا على عك�س‬ ‫�شجرة الدِّ فلى؛ ظواهرهم حقري ٌة ونفو�سهم كبرية‪ ,‬ولو �أعارتهم‬ ‫الدِّ فلى نوارها الكتمل لهم َّ‬ ‫ال�شرف‪ ,‬و�أق َّر لهم اجلاحد واعرتف‪,‬‬ ‫�إذ �أنَّ زمنهم زمن املظاهر‪ ,‬و�أكرث هذه املظاهر ي�ص ُّح �أن يقال‬ ‫فيه‪« :‬ما يعجبك نوار الدِّ فلى يف الواد عاملة ّ‬ ‫الظاليل»‪.‬‬

‫غري �أنَّ �أن�سب املواطن لهذا املثل هو مقام ِخطبة ال ِّن�ساء؛ ف�إنَّ‬ ‫ال َّرجل اخلاطب ي�سمعه من � ِّأمه �أو �أخيه �أو �صديقه‪ ,‬ف�صار هذا‬ ‫اخلطبة من م�ألوف العادات‪ ,‬وما ير�سل بهذا املثل‬ ‫املثل يف �أ َّيام ِ‬ ‫�إ َّال تخوي ًفا ملن يجعل ف�ضائل ال ِّن�ساء حم�صوره‪ ،‬يف القدود وح�سن‬ ‫ال�صوره وال �شيء بعد ذلك‪ ,‬فينزجر عن هذا َّ‬ ‫الطي�ش وي�أخذ يف‬ ‫ُّ‬ ‫ال�صورة �إىل جمال ال َّنف�س ومكارمها‪.‬‬ ‫ال َّنظر بعد جمال ُّ‬ ‫ت�صريح‬ ‫واعلم �أنَّ احلكيم قد �ش َّبه �شي ًئا ب�شيءٍ من غري‬ ‫ٍ‬ ‫ال�س ِّيئة اخللق كالدِّ فلى‬ ‫بالتَّ�شبيه فك�أ َّنه قال‪� :‬إنَّ املر�أة احل�سناء َّ‬ ‫اجلميلة املنظر اخلبيثة املذاق‪.‬‬ ‫ف�إذا علمت هذا فاعلم �أنَّ هذا ال َّنوع ي�س َّمى عند �أهل البالغة‬ ‫بالتَّ�شبيه ِّ‬ ‫ال�ضمني‪ ,‬وهو ت�شبي ٌه ال يكون فيه امل�ش َّبه وامل�ش َّبه به‬ ‫ال�صورة املعروفة ا َّلتي �أ�شار �إليها عبد ال َّرحمن الأخ�ضري‬ ‫على ُّ‬ ‫اجلزائري يف «اجلوهر املكنون» بقوله‪:‬‬ ‫�أمرين يف معنى بـ�آلة �أت ْ‬ ‫ْ‬ ‫ـاك‬ ‫ا�شرتاك‬ ‫ت�شبيهنا داللة على‬ ‫وطرفاه فاتَّبع �سـبل ال َّنجاه‬ ‫�أركـ ــانــه �أرب ـعــة وجـ ــه �أداه‬ ‫ال�صراحة‪ ,‬بل‬ ‫فلي�س فيه �شي ٌء من هذه الأركان على وجه َّ‬ ‫ملحا‪ ،‬ومنه قول املتن َِّبي‪:‬‬ ‫ُيل َمح ذلك يف الكالم ً‬ ‫مـن يهن ي�سهل الهوان عـليـه مــا لـجـرح بــم ِّيــت �إيـالم‬ ‫وهذا � مَّإنا ي�ؤتى به برها ًنا على �إمكان ما ُذ ِكر‪ ,‬فاملعنى امل�أخوذ‬ ‫من هذا البيت‪ :‬من هانت نف�سه ومردت على ذلك؛ �سهل عليها‬ ‫حت ُّمل الهوان‪ ,‬وذلك لأنَّ نف�سه قد مات فيها ُّ‬ ‫ال�شعور بالإباء وعزَّة‬ ‫ال َّنف�س‪ ،‬وك�أنَّ َّ‬ ‫ال�شاعر يقول‪ :‬لي�س هذا ادِّعا ًء باط ًال ف�إنَّ �ش�أن هذا‬ ‫ال َّرجل ك�ش�أن امل ِّيت ال ي�شعر ب�أمل اجلراح ولو طعن �ألف طعنة‪,‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫وال َّنا�س كال َّنبت فمنه رائ ٌق‬

‫ٌّ‬ ‫ري عوده م ُّر اجلنى‬ ‫غ�ض نـ�ض ٌ‬

‫وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ املذكور يف املثل حقٌّ‪ ,‬ف�إنَّ كث ًريا من ال ِّن�ساء قد‬ ‫بلغن الغاية يف احل�سن حتَّى ي�سبق �إىل الوهم �أنَّ َّ‬ ‫حظها من جمال‬ ‫ال َّنف�س واخللق ِّ‬ ‫كحظها من جمال الوجه واجل�سم فينخدع لها‬ ‫العا�شق‪� ,‬إذ �أ�صيبت مقاتله ِّ‬ ‫�سهم را�شق‪ ,‬حتَّى �إذا �سلك يف‬ ‫بكل ٍ‬ ‫ِطالبها ك َّل حيلهْ‪ ,‬وظفر بها لنف�سه حليلهْ‪ ,‬ونال منها ما ا�شتهى‪,‬‬ ‫وبلغ من غايته املنتهى‪ ,‬وت�ش َّوفت نف�سه �إىل ما وراء احل�سن‬ ‫َّ‬ ‫نف�سا قبيح ًة وخل ًقا كري ًها فين ُكد عليه عي�شه‪,‬‬ ‫الظاهري وجد ً‬ ‫ال�سعادة �إ َّال �شي ًئا ي�س ًريا �ساعة امل�ضاجعة َّثم‬ ‫وال يجد من معاين َّ‬ ‫ال�شهوه وتبقى َّ‬ ‫تزول َّ‬ ‫ال�صباحه‪ ,‬فال‬ ‫ال�شقوه‪ ,‬وتُن�سيه القباحه تلك َّ‬ ‫تُبقي له دي ًنا �إ َّال �أالنته‪ ,‬وال رح ًما �إ َّال مزَّقته‪ ,‬وال ولدً ا �إ َّال �أف�سدته‪,‬‬ ‫وكم جنت هذه الدِّ فلى على كث ٍري من ال ِّرجال‪ ,‬ولقد َع ِلق رج ٌل من‬ ‫�أ�صحابنا امر�أ ًة و�ضيئ ًة‪ ,‬وقد كان يذكر من جمالها ما يغ ِّيب العقول‬ ‫وتلطف يف ذلك �أيمَّ ا ُّ‬ ‫ف�أعمل احليلة يف الو�صول �إليها‪َّ ,‬‬ ‫تلطف حتَّى‬ ‫ال�شعبي‪« :‬ك ّل َّ‬ ‫خطاب َّ‬ ‫�أمكنه احلال فخطبها‪ ,‬ويف املثل َّ‬ ‫رطاب» َّثم‬ ‫ح َّدثني بعد ذلك �أ َّنه ر�أى منها �أ�شياء تنادي عليها برذالة ال َّنف�س‪,‬‬ ‫فقلت له‪« :‬يل يحب ّ‬ ‫ال�شباح ما يقول �آح»‪َّ ,‬ثم بعد �أن َّمت له امل�أمول‬ ‫ونكد العي�ش ومل حت�صل الألفة‪ ,‬وافرتقا على �أ�سوء‬ ‫�ساءت الع�شرة ِ‬ ‫الأحوال‪ ,‬ونعوذ باهلل من �سوء املنقلب‪ ,‬ولوال االنخداع َّ‬ ‫بالظاهر ملا‬ ‫وقع ما وقع‪ ,‬و�إنَّ االنخداع َّ‬ ‫ق�صة الإن�سان‪,‬‬ ‫للظاهر خط�أٌ قدمي يف َّ‬ ‫ال�سالم ـ بظاهر �إبلي�س �إذ‬ ‫وذلك ما كان من انخداع �آدم ـ‪ ‬عليه َّ‬ ‫بدَ ا له يف ثوب ال َّنا�صحني‪ ,‬ومن املعلوم �أنَّ �سبب هبوط �آدم ـ‪ ‬عليه‬

‫وانظر ـ �أ ُّيها الفطن ـ �إىل هذه املنا�سبة بني ما ح َّدثتك من‬ ‫ال�سالم ـ وما جرى على ذ ِّر َّيته من بعده‪ ,‬ف�إذا‬ ‫�ش�أن �آدم ـ عليه َّ‬ ‫رجعنا بهذه املعاين �إىل ما ك َّنا ب�صدده وجدنا املر�أة من �أعظم‬ ‫املظاهر اخل َّداعة التي تفتك بالرجال فتهلكهم كما تهلك الدِّ فلى‬ ‫طاعمها املغرور بح�سنها‪.‬‬ ‫واعلم �أنَّ احلكيم � مَّإنا اختار �شجرة الدِّ فلى لعلمه بهذه‬ ‫َّ‬ ‫ال�شجرة ظاه ًرا وباط ًنا‪.‬‬ ‫و�إنيِّ حمدِّ ثك عن هذه َّ‬ ‫ال�شجرة لتعلم وجه املنا�سبة يف هذا‬ ‫الباب‪ ,‬ولمِ َ اختارها �صاحب املثل دون غريها‪.‬‬ ‫اعلم �أنَّ الدِّ فلى �شجر ٌة به َّي ُة املنظر ذات �أزها ٍر بديعة الألوان؛‬ ‫فمنها الأحمر والأبي�ض وغري ذلك‪ ,‬وحينما تن ِّور �أغ�صانها ينبعث‬ ‫زكي يتع َّبق منه الهواء‪ ,‬ولذا يغر�سها �أهل املدن يف‬ ‫منها عرف ٌّ‬ ‫يجملون بها مناظر املدينة ـ‪ ,‬وخ�شبها‬ ‫احلدائق و�ساحات العمران ـ ِّ‬ ‫من �أطوع اخل�شب‪ ,‬ولهذا كان �ص َّناع املغازل يف بلدنا ي�صنعون من‬ ‫ال�صوف‪,‬‬ ‫خ�شبها �أفالك املغازل وال َّنواعري لفتل احلرير وغزل ُّ‬ ‫وهي مع جمالها ُم َّرة املذاق خبيث ُة املطعم‪.‬‬ ‫ولها منافع ذكرها �أهل ِّ‬ ‫الط ِّب‪ ,‬وقد ذكرها قدماء �أط َّباء بلدنا‬ ‫منهم‪َّ :‬‬ ‫الطبيب احلاذق عبد ال َّر َّزاق بن حمادو�ش‪ ,‬وغريهم من‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫في واحة اللغة واألدب‬

‫واملعنى امل�أخوذ من املثل على هذه َّ‬ ‫الطريقة؛ �إنَّ املر�أة احل�سناء‬ ‫القبيحة الأخالق لتغ ّر ال َّرجل بجمالها حتَّى تورده موارد الهالك‪,‬‬ ‫فهالكه يف جمالها‪ ,‬وك�أنَّ احلكيم يقول‪ :‬لي�س هذا ادِّعا ًء باط ًال‬ ‫ف�إنَّ �ش�أن هذه املر�أة ك�ش�أن الدِّ فلى ف�إ َّنها به َّية املنظر بديعة‬ ‫احل�سن غري �أنَّ من رام مذاقتها اغرتا ًرا بح�سنها ف�إ َّنه ال يجني‬ ‫�سوى خبث املطعم �أو تلف املهجة‪ ,‬فكلتاهما جميلة َّ‬ ‫الظاهر قبيحة‬ ‫الباطن‪ ,‬وهذا م�سلك لطيف جرت عليه �أ�ساليب البلغاء‪ ,‬وت�شبيه‬ ‫ال َّنا�س مع ح�سن املنظر ُمب ِّر ال َّنبات يف باب التَّحذير من االنخداع‬ ‫َّ‬ ‫للظاهر �شائ ٌع عند �أهل احلكمة والأدب‪ ,‬وهو من ِح َك ِم ال ُّدريدية‪,‬‬ ‫وفيها يقول ابن دريد‪:‬‬

‫ال�سالم ـ �إىل الأر�ض هو �أكله من َّ‬ ‫ال�شجرة ا َّلتي نهي عنها‪ ,‬فلو قال‬ ‫َّ‬ ‫قائ ٌل‪� :‬إنَّ �سبب هبوطه هو االغرتار َّ‬ ‫بالظاهر ا َّلذي كان ُيخفي وراءه‬ ‫كل �ش ٍّر ملا �أبعد‪ ,‬ولكان بحقيقة الأمور �أ�سعد‪ ,‬لكونه َّ‬ ‫َّ‬ ‫اطلع على ع َّلة‬ ‫الع َّلة‪ ,‬وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ اغرتاره بظاهر احلال من �إبلي�س كان �أ�سبق من‬ ‫�أكل َّ‬ ‫ال�شجرة‪ ,‬ونظري هذا ما ذكروه يف طرد �إبلي�س ولعنه‪ ,‬فاملعلوم‬ ‫ال�سجود لآدم‪ ,‬ولقد ذكروا �أنَّ �أ�صل ذلك ك ُربه‪� ,‬إذ لو مل‬ ‫�أ َّنه ت ْرك ُّ‬ ‫ي�ستكرب ل�سجد كما �سجد من هو �أف�ضل منه‪ ,‬فالكرب ع َّلة ع َّلته‬ ‫و�شاهده يف التَّنزيل‪ ,‬وبع�ضهم يذكر يف هذا الباب ح�سده لآدم‪.‬‬ ‫فانظر ـ �أ ُّيها ال َّلبيب ـ كيف �أخرج الإن�سانَ اعتبا ُر َّ‬ ‫الظاهر دون‬ ‫ال�سعادة �إىل ال�شقاء‪ ,‬فجرت هذه‬ ‫ال َّنظر يف حقيقة الأمور من َّ‬ ‫ال�س َّنة يف ولد �آدم من بعده‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫فك ُّل من اتَّبع َّ‬ ‫الظاهر �إعجا ًبا به دون ال َّنظر يف حقائق الأمور‬ ‫ال�سعادة �إىل َّ‬ ‫ال�شقاء فيغدو بعد‬ ‫وما ترجع �إليه �أخرجه ذلك من َّ‬ ‫�صحته علي ًال‪ ,‬ولن جتد ل�س َّنة اهلل تبدي ًال‪.‬‬ ‫عزِّ ه ذلي ًال‪ ,‬وبعد َّ‬

‫‪47‬‬


‫في واحة اللغة واألدب‬ ‫‪48‬‬

‫�أط َّباء امل�سلمني‪ ,‬غري �أ َّنهم مل ي�ستعملوها يف ظ ِّني �إ َّال فيما كان من‬ ‫الأوجاع َّ‬ ‫الظاهر َّية واجلروح اخلارج َّية؛ لأ َّنها من ال َّنبات القتَّال‪,‬‬ ‫ال�سموم‪ ,‬وك ُّل البهائم تعافها‪ ,‬وعليه فال يجوز �أكلها‬ ‫و�س ُّمها من �أخبث ُّ‬ ‫وال اال�ستياك بعودها ملا ف َّهمتك من �أمرها‪ ,‬قال �صاحب «املراقي»‪:‬‬ ‫والـحـكم مــا ب ــه ي ـجــيء ال َّـ�شر ُع‬ ‫و�أ�صـ ــل كـ ـ ِّـل م ـ ــا يـ�ضـ ـ ُّر الـمـنـ ُع‬ ‫�سعوطا ِّ‬ ‫ولقد كان �أهل اجلزائر يتَّخذون منها ً‬ ‫معط ً�سا يجعلون‬ ‫فيه الك ُّمون َّثم ِّ‬ ‫ال�صداع‪.‬‬ ‫يعط�سون به ِّ‬ ‫ال�صبيان و�أ�صحاب ُّ‬ ‫وما ذكرته لك عن هذه َّ‬ ‫ال�شجرة � مَّإنا يجري على مقت�ضى‬ ‫حكمة اهلل يف اخللق‪ ,‬فالب َّد َّ‬ ‫لل�شيء املكروه �أن ي�شتمل وجوده على‬ ‫باب وا�سع مطلبه يف‬ ‫خ ٍري ٍ‬ ‫بوجه من الوجوه وكذا العك�س‪ ,‬وهذا ٌ‬ ‫علم العقائد‪ ,‬ولقد �سمعت بع�ض �أرباب املحا�ضرات يذكر حديث‪:‬‬ ‫«�إِ َذا َو َق َع ُّ‬ ‫اب ِيف �إِ َنا ِء �أَ َحدِ ُكم َفل َي ْغمِ ْ�س ُه ُث َّم ل َي ْنز ِْع ُه َف ِ�إ َّن ِيف‬ ‫الذ َب ُ‬ ‫اح ْي ِه دَا ًء َو ِيف ال َآخ ِر �شِ َفا ًء»‪ ،‬فذهب فيه على غري طريقة‬ ‫�أَ َحدِ َج َن َ‬ ‫�شطط من القول مبا حا�صله التَّ�شكيك يف‬ ‫الفقهاء‪َّ ,‬ثم رجع بعد ٍ‬ ‫ثبوت احلديث ا َّلذي رواه �أمري امل�ؤمنني يف احلديث‪ ,‬و�أجمع ال َّنا�س‬ ‫�صحته‪ ,‬وك�أ َّنه مل يخطر على قلبه �أنْ يخلق اهلل �شي ًئا فيه ال َّداء‬ ‫على َّ‬ ‫وال َّدواء‪ ,‬وال �سيما �إذا كان هذا اخللق هو ال ُّذباب‪َّ ,‬ثم �إ َّنه ظنَّ على‬ ‫ما بدا �أنَّ �إثبات هذا احلديث يف ع�صر العلوم الكون َّية واالكت�شافات‬ ‫العلم َّية فيه ت�سهي ٌل على َّ‬ ‫يوما بـنـورها‬ ‫الطاعنني يف الإ�سالم‪ ,‬وكم ُر َّدت ن�صو�ص‬ ‫�إذا مـا ر�أيت ال ـ ّدفــل ً‬ ‫�صحيحة مبثل هذه ُّ‬ ‫وهو رطيب‬ ‫الظنون‪ ,‬وكم اتُّهم العقل الربيء ب�أ َّنه ال يقبل‬ ‫فال يغرر ْنك الغ�صن ْ‬ ‫وال املر�أة احل�سناء �إن كنت را�شدً ا‬ ‫هذا املعنى �أو �أ َّنه يحيل ذاك املفهوم‪ ,‬وما هو �إ َّال ظل ٌم للعقل ولو‬ ‫�أُ َ‬ ‫�إذا لـم تـكـن مـنـها الـفعال تطيب‬ ‫ال�صحيح‪ ,‬ولقد �أخربنا‬ ‫ال�صحيح ملا ُر َّد حديث روي يف َّ‬ ‫عمل العقل َّ‬ ‫احل ْذ ِر وا�سمع مقالتي‬ ‫�أط َّباء ال َّن�صارى �أ َّنهم ي�ستخرجون بع�ض الأدوية من �سموم احل َّيات‬ ‫فكن منهما يف ِ‬ ‫فـ�إ َّنـك �إن ل ــم تــ�ست ـمــع ل�سل ــيب‬ ‫والعقارب ف�ص َّدقناهم َّثم ج َّربنا ذلك فوجدناه ناف ًعا‪َّ ,‬ثم هم اليوم‬ ‫ي�ستخرجون بع�ض املراهم من احل�شرات احلقرية‪� ,‬أولي�س ا َّلذي‬ ‫ولو �ألقيت هذه املعاين ا َّلتي ا�شتمل عليها ا َمل َثل �إىل �أ�صحاب‬ ‫جعل ال َّداء وال َّدواء يف احل َّيات ا َّلتي هي �ش ٌّر من ال ُّذباب بقاد ٍر على الأراجيز؛ لتباروا يف نظمها وك�أنيِّ بهم �إذ طاف بي طائف‬ ‫�أن يجعل ذلك يف ال ُّذباب؟! بلى وهو اخل َّالق العليم‪.‬‬ ‫اخليال يف �سوق عكاظ‪ ،‬وقد جل�س لهم �شيخهم العجاج ليحكم‬ ‫ال�صادق امل�صدوق بقول الأط َّباء؛ ف�إنَّ بينهم فيما هم فيه يرجتزون‪ ،‬وقد ثار لعراكهم ال َعجاج بني يدي‬ ‫ول�ست �أ�ستظهر لقول َّ‬ ‫العجاج‪ ،‬فما راعهم �إ َّال اقتحامي جمعهم و�أنا �أقول‪:‬‬ ‫حج ٌة بنف�سه غري �أنَّ احلقَّ قد يقوى وي�ضعف باعتبار ما‬ ‫ّ‬ ‫الوحي َّ‬ ‫يقوم بال ُّنفو�س‪� ،‬أ َّما هو يف نف�سه فال يزال قو ًّيا متي ًنا‪ ،‬وك ُّل هذا‬ ‫�إذا ر�أيـت نـور دفـلـى فـي ظـلـ ْـل‬ ‫ا�ستطراد‪ ،‬و�أح�سب �أ َّنه قد الح لك منه ما بني احل�سناء القبيحة‬ ‫وغــ�ص ـنـها بـبـرد حـ�سـن ا�شـتـم ْـل‬

‫الأخالق والدِّ فلى من متام امل�شابهة‪ ،‬و�إنَّ �صاحب املثل قد �أح�سن‬ ‫يف املقابلة بينهما‪.‬‬ ‫و� مَّإنا ق َّيد الدِّ فلى بكونها يف الوادي؛ لأنَّ منبتها يكرث يف‬ ‫الأودية‪ ،‬ولإ َّنها �أجمل ما تكون �إذا كانت بالوادي‪.‬‬ ‫فحقَّ لهذه ال ُّد َّرة �أن ُت ْن َظ َم يف �سموط غرر الق�صائد‪ ،‬و�أن َّ‬ ‫حتل‬ ‫من نحورها َّ‬ ‫حمل القالئد‪ ،‬و�أن تتباهى بها ُّ‬ ‫ال�شعراء‪ ،‬ال�سيما من‬ ‫كان ي َّدعي معرفة �أحوال ال ِّن�ساء‪.‬‬ ‫ولقد كان علقمة الفحل ب�ص ًريا بطباع ال ِّن�ساء‪ ،‬كما ذكر عن‬ ‫نف�سه يف ق�صيدته «طحا بك قلب» حيث قال‪:‬‬ ‫فـ�إن تـ�س�ألـوين بال ِّن ــ�سـ ـ ــاء ف�إ َّنني‬ ‫ب�ص ـ ـيـ ٌر ب ـ�أدواء الـ ـ ِّنـ�سـاء طـبيب‬ ‫�إذا �شاب ر�أ�س الـمـرء �أو َّ‬ ‫قل ماله‬ ‫ف ـلــي�س لـ ــه مــن و ِّدهـ ــنَّ نـ�صـيب‬ ‫يــردن ثراء الـم ــال حـ ـيـث علمنه‬ ‫و�شرخ َّ‬ ‫ال�شباب عـنـدهــنَّ عـجـيب‬ ‫ولو �ألقيت يف ُروعه هذه ال ُّد َّرة؛ َل َن َظ َمها يف �سمط ق�صيدته‪،‬‬ ‫وجلعلها من حكمة �شعره‪.‬‬ ‫ولو كان يل حكم يف ق�صيدة علقمة؛ لزدت على �أبياته املذكورة‬ ‫ناظ ًما ملعاين احلكمة فقلت‪:‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫في واحة اللغة واألدب‬

‫ْ‬ ‫الع�سل‬ ‫فـال تـظـنَّ طـعمها طعم‬ ‫بـل �سـ ُّم ـهـا فـي حـ�سنـها وكم ْ‬ ‫قتل‬ ‫ومـثـلـهـا �أ�صاح ع ـنــد مــن ْ‬ ‫عقل‬ ‫حـ�سـنـاء �شــان ح�سنها قبح ْ‬ ‫العمل‬ ‫�ألب�سها اجلمال من �أبهى ْ‬ ‫احللل‬ ‫ح ـتَّـى بـدت ك ـق ـمـر قــد اكـت ـ ـ ْ‬ ‫ـمل‬ ‫فـ�شـغـفـت قـلـب الـمـتـ َّيـم فـ ـ ْ‬ ‫ـزل‬ ‫ولي�س بعد �أن غوى جتدي ْ‬ ‫احليل‬ ‫فـلـم يـنـل مـن ح�سنها �إ َّال ْ‬ ‫العلل‬ ‫فـطــال �سـقـمـه وقــد ط ــال ال ْ‬ ‫أمل‬ ‫فكن من الدِّ فلى ومنها يف ْ‬ ‫وجل‬ ‫وا�ضرب لها من �شجر الدِّفلى املث ْل‬ ‫ولقد �أفحمت بها ك َّل مفلق من �أ�صحاب الأراجيز‪.‬‬ ‫مغربي ونحن �أوىل به‪ ،‬وك�أنيِّ ببع�ض ال ُّر َّجاز املهره‪،‬‬ ‫فاملثل‬ ‫ٌّ‬ ‫لمَ َّا �سمع م ِّني ما َب َه َره‪ ،‬قد خامر قلبه داء احل�سد‪ ،‬فكاد ي�سطو‬ ‫علي االنتحال؛ ف�أن�شدته يف احلال مبا‬ ‫علي �سطوة �أ�سد‪َّ ،‬ثم ا َّدعى َّ‬ ‫َّ‬ ‫�أده�ش العقول وعلى ل�سانه �أقول‪:‬‬ ‫قد كنت ده ًرا يف املعاين �أرتقي‬ ‫ومـن بحــار الأدب ــاء �أ�س ـت ـقـ ــي‬ ‫وقد جرت خيلي ب�شتَّى ُّ‬ ‫رق‬ ‫الط ِ‬ ‫بـيــن ُكـ َمـ ْيـت وجـ ــواد �أب ـ ـ ـلـ ِـق‬ ‫بال�س ِبق‬ ‫حـتَّـى �أتــى اجلــزائـري ُّ‬ ‫مـن خـيـلـه وقـبـل ذا لــم � ُأ�س ـ َب ِـق‬ ‫البارق‬ ‫ف ـجـا بـح ـكـ ـمــة كـمـ ــاء‬ ‫ِ‬ ‫املحرق‬ ‫ال�صدي من �صداه‬ ‫يروى‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫قد خفيت عن ِّ‬ ‫كل فحل مـفل ِـق‬ ‫�صادق‬ ‫فا�سمع مـقـا ًال م ــن حكيم‬ ‫ِ‬ ‫وا�سـلـك بـه يف �أو�ضـح َّ‬ ‫رائق‬ ‫الط ِ‬ ‫و�إنَّ كث ًريا من ال َّنا�س ترت َّكب يف �أذهانهم �أقي�سة نتائجها‬ ‫واعـلـم بـه خـبـي ـ ـئـة الـحـقـ ــائـ ـ ِـق‬ ‫مبن َّية على مقدِّ مات فا�سدة‪.‬‬ ‫ـورق‬ ‫�إذا بـدت دف ـ ـ ـلــى بـ َنـ ْو ٍر مـ ـ ِ‬ ‫فال َّنظر يف املقدِّ مات هو �س ُّر ال َّنتائج‪ ،‬وينبغي �أن يكون هذا‬ ‫ـمرونق‬ ‫وظ ـل ـل ــت ب ـغــ�ص ـ ـن ـهــا ال ِ‬ ‫فـكن كـمن م ــن الأف ــاعي يتقى‬ ‫قاعدة يف حياة الإن�سان‪.‬‬ ‫�شك �أنَّ اجلمال يف ال ِّن�ساء مطلوب‪ ،‬بل يف ِّ‬ ‫وال َّ‬ ‫ف ــ�س ـمـها فـي عرفــها الـمـ ـع ـب ـ ِـق‬ ‫كل �شيء‪،‬‬

‫لل�صب ال�شقي‬ ‫كذلك احل�سنـاء‬ ‫ّ‬ ‫ـرق‬ ‫�إذ خ ــدعـتـه بالـمحيا الـم ــ�شـ ِ‬ ‫و ُمـقـلـة مـن �أ�سـرهـ ــا ل ــم ُيـعـت ِـق‬ ‫ولـو ر�أى �أف ـع ــالـه ــا لــم ي ـعــ�شـ ِـق‬ ‫وهذا عود من اخليال �إىل احلقيقة وم�شي يف �أقوم طريقة؛‬ ‫لئ َّال ي�أخذين ما �أخذ �أبا العالء املع ِّري يف «ر�سالة الغفران»‪.‬‬ ‫وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ املر�أة اجلميلة ا َّلتي هي يف جن�س ال ِّن�ساء كالدِّ فلى‬ ‫يف جن�س الأ�شجار من �أعظم َّ‬ ‫ملذات احلياة‪� ،‬أو هي �أعظم‪ ،‬حتَّى‬ ‫ال�سعادة عينها فيرت َّكب يف ذهنه قيا�س‬ ‫�إ َّنه ليخ َّيل لل َّرجل �أ َّنها هي َّ‬ ‫م�س َّل ُم املقدِّ مات لديه؛ فتلزمه ال َّنتيجة فيقول‪ :‬هذه امر�أة جميلة‬ ‫ال�سعادة‪ُ ،‬ينتج «هذه جتلب ال�سعادة» بعد �إلغاء‬ ‫وك ُّل جميلة جتلب َّ‬ ‫احلدِّ الأو�سط املك َّرر يف املقدِّ متني على طريقة املناطقة غري �أ َّنه‬ ‫حاد عن �شروطهم‪ ،‬و� مَّإنا يقي�س هذا القي�س من نظر بعني امرئ‬ ‫حب � ِّأم ال َّرباب وعنيزه‪.‬‬ ‫القي�س‪ ،‬حني �أفقده �صوابه وم ْيزه‪ُّ ،‬‬ ‫وعليه فيجب �إبطال هذا القيا�س بالقدح يف بع�ض مقدِّ ماته‬ ‫وهي ال َّثانية يف رَّ‬ ‫التكيب‪ ،‬ويقال لها «الكربى» عند �أهل املنطق‬ ‫ال�سعادة» هذه املقدِّ مة كاذبة؛ لأنَّ‬ ‫فنقول‪ :‬قوله‪« :‬وك ُّل جميلة جتلب َّ‬ ‫احل�س قد �أثبت �أنَّ كث ًريا من ال ِّن�سوة املالح قد جلنب َّ‬ ‫ال�شقاء على‬ ‫َّ‬ ‫�أزواجهنَّ ‪ ،‬وهذا �شائع يف العرب والعجم وال مكابرة يف حم�سو�س‪،‬‬ ‫فانهدمت هذه الكل َّية ا َّلتي ُبني عليها القيا�س؛ فبطلت ال َّنتيجة‪.‬‬ ‫وهكذا يفعل ِّ‬ ‫بكل نتيجة يطلب �إبطالها؛ لأنَّ الت�سليم يف‬ ‫املقدِّ مات واملجادلة يف ال َّنتائج لي�س من ِ�ش َيم العقالء‪.‬‬ ‫«ال�س َّلم املنورق»‪:‬‬ ‫قال الع َّالمة الأخ�ضري يف ُّ‬ ‫ور ِّتــب الـمـقدِّ م ـ ــات وانـ ـظ ـ ــرا‬ ‫�صحــيحـ ـهـا مـ ــن فا�سد خمتربا‬ ‫ـات‬ ‫ف ـ�إنَّ الزم الـ ـم ـ ـق ـ ــدِّ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫بـ ـحـ ــ�س ـ ــب الـ ـ ــمقـ ـ ــدِّ مـ ــات � ِآت‬

‫‪49‬‬


‫في واحة اللغة واألدب‬ ‫‪50‬‬

‫ويف احلديث‪�« :‬إِ َّن َ‬ ‫جل َما َل»‪ ،‬وهذا عا ٌّم يف ِّ‬ ‫اهلل َجمِ ٌ‬ ‫يل يُحِ ُّب ا َ‬ ‫كل‬ ‫�شيء جميل‪.‬‬ ‫وتتو�سم فيه‬ ‫واعلم �أنَّ ح�سن ُّ‬ ‫ال�صورة قد ت�أن�س به ال ُّنفو�س َّ‬ ‫ال�سرية‪ ،‬وذلك �شيء ُجبل عليه ال َّنا�س حتَّى �إنَّ املليح �إذا‬ ‫ح�سن ِّ‬ ‫َبدَ َر منه ما ي�سوء �شفع له ح�سنه‪ ،‬ويف املعنى يقول َّ‬ ‫ال�شاعر‪:‬‬ ‫و�إذا الـمليح �أتى بذنب واحد جاءت حما�سنه ب�ألف �شفيع‬ ‫وا�ست�صحب له ال َّنا�س ذلك َّ‬ ‫الظاهر على حدِّ قول علي ابن‬ ‫حزم َّ‬ ‫الظاهري‪:‬‬ ‫�أمل تر �أين ظـ ــاهــري و�أنـَّنــي على ما بدا حتَّى يقـوم دلي ــل‬ ‫وظاهر َّية ه�ؤالء ت�شبه ظاهر َّية ابن حزم يف �إلغاء املعاين‬ ‫وال ّدالالت املعتمِ دة على القرائن والإ�شارات‪ ،‬ولهذا قال علما�ؤنا‪:‬‬ ‫بالظاهر من �أهل َّ‬ ‫�إنَّ الفقهاء �أ�سعد َّ‬ ‫الظاهر؛ لأ َّنهم �أعملوا َّ‬ ‫كل ما‬ ‫د َّلت عليه الألفاظ من املطابقة وغريها من ال ّدالالت والإمياءات‬ ‫امل�أخوذة من الألفاظ‪ ،‬وقد �صارت بذلك من جملة َّ‬ ‫الظاهر ا َّلذي‬ ‫َّم�سك به‪ ،‬وهذه مناق�شة ال يتَّ�سع لها هذا املو�ضع‪ ،‬و� مَّإنا‬ ‫يجب الت ُّ‬ ‫دعا �إىل ما ذكرناه الكالم عن ا ِّتباع َّ‬ ‫الظاهر دون اعتبار دالئل‬ ‫�أخرى‪ ،‬والق�صد �أ َّنه خط�أ يف ِّ‬ ‫كل �ش�أن‪.‬‬ ‫غري �أنَّ اخلط�أ يف �ش�أن ال ِّن�ساء مرتعه وخيم يحاذره ال َّلبيب‬ ‫وي�شفق منه على ِّ‬ ‫كل حبيب‪ ،‬ولقد �أ�شفق اخلليل على ولده �إ�سماعيل‬ ‫ال�سالم ـ من �صحبة امر�أة �ساءت منها خ�صا ٌل؛ �إذ كانت‬ ‫ـ عليهما َّ‬ ‫ت�شكو �شكاية ي�ؤو�س قنوط‪ ،‬ال يرى ِن َع َم اهلل وال ِن َع َم ال َّنا�س عليه؛‬ ‫ال�سرت على بيت‬ ‫ف�أمره بفراقها ولو �أ َّنها �صربت و�أرخت ُ�سدول ِّ‬ ‫زوجها لكان خ ًريا لها‪.‬‬ ‫وال َّ‬ ‫نبي اهلل �إ�سماعيل ـ عليه‬ ‫�شك �أنَّ هذه املر�أة قد � َ‬ ‫أعج َب ْت َّ‬ ‫ال�سالم ـ غري �أنَّ اخلليل ـ عليه ال�سالم ـ نظر �إىل ما وراء ا ُ‬ ‫حل�سن‪.‬‬ ‫وكم يف ن�ساء زماننا من امر�أة هي �أ�ش ُّد �شك ًوا من امر�أة‬ ‫�إ�سماعيل و� ْأهتَك �سرتًا‪.‬‬ ‫رجل‬ ‫ولرب ٍ‬ ‫و�إنَّ هذا ال َّنوع من ال ِّن�ساء � مَّإنا يعي�ش لنف�سه‪َّ ،‬‬ ‫كان ي� ِّؤمل يف امر�أته ما لي�س عندها‪ ،‬وبعد �أن لبث يف �صحبتها‬ ‫ال�صحبة �صفقة‬ ‫ع ُم ًرا �أدرك �أ َّنها مل تع�ش �إ َّال لنف�سها‪ ،‬و�أنَّ تلك ُّ‬ ‫َخ�سِ َر فيها الفائدة‪ ،‬بل خ�سر ر�أ�س املال‪ ،‬وما �أحوج ال َّداخلني لهذه‬ ‫ال�سوق �أن ي�ستح�ضروا قول املجدوب ‪::‬‬ ‫ُّ‬

‫يــا داخ ـ ـلــو رد ب ــالـ ـ ــك‬ ‫�سوق ال ِّن�سا �سوق مطيار‬ ‫ويخ�س ُروك يف را�س مــالك‬ ‫يـورول ــك الــربح قنـطــار‬ ‫ْ‬ ‫ولقد زدت على َب ْيتَي املجدوب ناظ ًما ملعاين املثل احلكيم فقلت‪:‬‬ ‫وحدو هالك‬ ‫يــاك نــوار الـدِّ فلى غ َّرار‬ ‫والزِّ ين غ ْري ْ‬ ‫ولــي فـ ـهــم را ُه �س ــال ـ ــك‬ ‫الزِّ يـن يــاك مــا يبـني دار‬ ‫ف�إذا قر�أت الأبيات جمي ًعا على َن َ�س ٍق واحد انتظم لك ال َّلفظ‬ ‫واملعنى‪ ،‬وك�أ َّنها جمي ًعا لقائل واحد‪.‬‬ ‫واعلم �أنَّ اخلطاب يف املثل هو ِّ‬ ‫لكل من له مدخل يف هذا‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش�أن‪ ،‬وعليه ف�ضمري اخلطاب هنا خار ٌج عن �أ�صله يف ال ّداللة‬ ‫على معينَّ ‪ ،‬وهذا �أ�سلوب معروف عند العرب يف مثل هذه املوا�ضع‪،‬‬ ‫وذلك لأنَّ البليغ تار ًة يريد ُّ‬ ‫ال�شمول‪ ،‬لك َّنه ال يريد �أن ت�ضيع فائدة‬ ‫اخلطاب حيث ي�شعر ك ّل �سامع �أ َّنه معني باخلطاب‪ ،‬فيح�سن موقع‬ ‫الكالم يف ال ُّنفو�س‪ ،‬فيح�صل ما �أراده من العموم ب�ألفاظ تد ُّل‬ ‫بو�ضعها على اخل�صو�ص‪ ،‬ولهذا ع َّده بع�ض البيان ِّيني من املجاز‪.‬‬ ‫ونظري هذا قول الواعظ‪:‬‬ ‫«تبارز مبع�صيتك مالك نا�صيتك‪ ،‬وجترتئ بقبح �سريتك على‬ ‫عامل �سريرتك»‪.‬‬ ‫وقد جرى التَّنزيل احلكيم على هذا يف موا�ضع كثرية‪ ،‬و�إليه‬ ‫الإ�شارة يف قول عبد ال َّرحمن الأخ�ضري اجلزائري يف «جوهره»‪:‬‬ ‫والأ�صل يف املخاطب التَّعيني والـ َّتــرك للـ ُّـ�شـم ــول مـ�ستبني‬ ‫واحلديث عن املر�أة وحما�سنها ومقابحها قد �أكرث فيه‬ ‫الكتاب‪ ،‬وغر�ضنا هنا مق�صور على �شرح املثل‪ ،‬ولو جرينا وراء‬ ‫مراميه َّ‬ ‫بي ‪َ « :Í‬ف ْ‬ ‫اظ َف ْر‬ ‫ل�شط بنا امل�سري‪ ،‬وجماع ذلك قول ال َّن ِّ‬ ‫ِّين َت ِر َبتْ َيد َ‬ ‫َاك»‪.‬‬ ‫ب َذاتِ الد ِ‬ ‫هذا ما �صاده اخلاطر وق َّيدته امل�ساطر من معاين املثل‪ ،‬وقد‬ ‫�أوثقت لك م�صيدها يف كتابني �أحدهما للمباين والآخر للمعاين‪،‬‬ ‫�ضممت الأ َّول لل َّثاين �صارا لك كتا ًبا واحدا‪ ،‬جتد فيه �ضرو ًبا‬ ‫ف�إذا‬ ‫َ‬ ‫من العلم والأدب واحلكمة‪ ،‬وربمَّ ا خرج بنا �صيد الأوابد وتت ُّبع‬ ‫ال�شوارد �إىل بع�ض اال�ستطراد‪ ،‬وذلك �ش�أن ّ‬ ‫َّ‬ ‫الطراد‪ ،‬وقد جمعت‬ ‫لك يف هذه َّ‬ ‫الطريقه‪ ،‬بني اخليال واحلقيقه‪ ،‬ومزجت اجل َّد ببع�ض‬ ‫الهزل‪ ،‬وجعلت ذلك من و�شي الغزْ ل‪ ،‬وقد وجلت موالج يكرث فيها‬ ‫العثار‪ ،‬و�سلكت مهي ًعا تز ُّل فيه اخلطى وت�ض ُّل فيه القطا‪ ،‬غري �أنيِّ‬ ‫�أ�ست�شفع خلطئه ب�صوابه‪ ،‬ولزعاقه ب ِعذابه‪.‬‬ ‫وقد َّمت ما وعدناك به‪ ،‬واحلمد هلل وبه �أ�ستعني‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫قال ابن الق ِّيم ‪« ::‬و�إذا ت�أ َّملت مقاالت �أهل الباطل ر�أيتهم‬ ‫قد ك�سوها من العبارات وتخيرَّ وا لها من الألفاظ ال َّرائقة ما‬ ‫ي�سرع �إىل قبوله ُّ‬ ‫كل من لي�س له ب�صرية نافذة‪ ،‬ـ و�أكرث اخللق‬ ‫لي�سمون �أعظم �أنواع الفجور ب�أ�سماء‬ ‫كذلك ـ ح َّتى �إ َّن َّ‬ ‫الفجار ُّ‬ ‫ال�سمع ومييل �إليها َّ‬ ‫الطبع»‪.‬‬ ‫ال ينبو عنها َّ‬

‫عمر احلاج م�سعود‬

‫�إنَّ من �أعظم كيد َّ‬ ‫ال�شيطان ومكره وح َيه البن �آدم ت�سمي َة‬ ‫الأ�شياء املح َّرمة ب�أ�سماء ب َّراقة مزخرفة حت ُّبها ال ُّنفو�س وتَق َبلها‪،‬‬ ‫كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ﴾‬ ‫إبلي�س َّ‬ ‫ال�شجر َة ا َّلتي نهى اهلل �آدم عليه‬ ‫[\‪ ،]p‬ف�س َّمى عد ُّو اهلل � ُ‬ ‫ال�سالم عنها �شجر َة اخللد تزيي ًنا لها وترغي ًبا فيها‪ ،‬وهذا ـ كما‬ ‫َّ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪�« ::‬أ َّول املكر والكيد ومنه َورِث �أتباعه ت�سمي َة‬ ‫حتب ال ُّنفو�س م�س َّميا ِتها‪ ،‬ف�س َّموا‬ ‫الأمور املح َّرمة بالأ�سماء ا َّلتي ُّ‬ ‫اخلمر � َّأم الأفراح‪ ,‬و�س َّموا �أخاها ب ُل َقيمة ال َّراحة(‪ ,)1‬و�س َّموا ال ِّربا‬ ‫ال�سلطانية‪ ,‬و�س َّموا �أقبح ُّ‬ ‫الظلم‬ ‫باملعاملة‪ ,‬و�س َّموا املكو�س باحلقوق ُّ‬ ‫الرب‬ ‫و�أفح�شه �شرع الدِّ يوان‪ ,‬و�س َّموا �أبلغ الكفر وهو جحد �صفات ِّ‬ ‫تنزي ًها»(‪.)2‬‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬

‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [\‪ ،]b‬قال ابنُ زيد‪ :‬الزُّخرف‪:‬‬ ‫إبلي�س لآدم ما جاءه‬ ‫املُز َّين‪ ،‬حيث ز َّين لهم هذا الغرور‪ ،‬كما ز َّين � ُ‬ ‫ِبه وقا�سمه �إ َّنه ملن ال َّنا�صحني‪ ،‬وقر�أ‪﴿ :‬ﮒﮓﮔﮕ﴾‬ ‫[¦‪ ،]25 :‬قال‪ :‬ذلك الزُّخرف(‪ ،)3‬وقال ابن �سعدي‪�« :‬أي يز ِّين‬ ‫بع�ضهم لبع�ض الأم َر ا َّلذي يدعون �إليه من الباطل‪ ،‬ويزخرفون له‬ ‫(‪ )1‬هو حلم اخلنزير‪.‬‬ ‫(‪�« )2‬إغاثة ال َّلهفان» (‪ 112 / 1‬ـ ‪.)113‬‬ ‫(‪« )3‬تف�سري َّ‬ ‫الطربي» (‪.)502/9‬‬

‫ال�سفهاء‪ ،‬وينقاد‬ ‫العبارات حتَّى يجعلوه يف �أح�سن �صورة‪ ،‬ليغ َّرت به ُّ‬ ‫له الأغبياء ا َّلذين ال يفهمون احلقائق‪ ،‬وال يفقهون املعاين‪ ،‬بل‬ ‫تعجبهم الألفاظ املزخرفة‪ ،‬والعبارات املم َّوهة‪ ،‬فيعتقدون احلقَّ‬ ‫باط ًال والباطل ح ًّقا»(‪.)4‬‬ ‫ومن طرق �أهل البدع والباطل والف�ساد يف ترويج باطلهم‬ ‫و�س احلقِّ واخلري‪،‬‬ ‫و�ش ِّرهم ت�سميتُه ب�أ�سماء مزخرفة‪ ,‬و� ُ‬ ‫إلبا�سه َل ُب َ‬ ‫و�إ َّال افت�ضح �أمرهم وانك�شف خبثهم وبارت جتارتُهم‪ ،‬قال ابن‬ ‫الق ِّيم ‪« ::‬و�إذا ت�أ َّملت مقاالت �أهل الباطل ر�أيتهم قد ك�سوها‬ ‫من العبارات وتخيرَّ وا لها من الألفاظ ال َّرائقة ما ي�سرع �إىل قبوله‬ ‫ك ُّل من لي�س له ب�صرية نافذة‪ ،‬ـ و�أكرث اخللق كذلك ـ حتَّى �إنَّ‬ ‫ال�سمع‬ ‫َّ‬ ‫الفجار لي�س ُّمون �أعظم �أنواع الفجور ب�أ�سماء ال ينبو عنها َّ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ومييل �إليها َّ‬ ‫الطبع» ‪.‬‬ ‫فهذه قاعدة خبيثة يف التَّمويه والتَّلبي�س‪َ ،‬ورِثها � ُ‬ ‫أهل الباطل‬ ‫والفجور من �إبلي�س‪ ،‬وا�ستعملوها يف �أبواب العقائد والعبادات‬ ‫وال�سيا�سات وغريها‪ ،‬و�أمثلتُها كثرية‪� ،‬أذكر‬ ‫واملعامالت والعادات ِّ‬ ‫ن�صحا وتنبي ًها وحتذي ًرا‪.‬‬ ‫ما ت َّي�سر منها ً‬ ‫‪1‬ـ ال َّتعطيل وال َّتحريف يف باب �أ�سماء اهلل ‪ y‬و�صفاته‪ ،‬ا َّلذي‬ ‫ُ�سميه اجلهم َّية واملعتزلة والأ�شعر َّية تنزي ًها‪ ،‬كما قال �إبراهيم‬ ‫ت ِّ‬ ‫اللقاين الأ�شعري يف «جوهرة التوحيد»‪ ،‬وهي منظومة م�شهورة‬ ‫ومعت َمدة عند الأ�شاعرة‪:‬‬

‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫ن � � � � � � � �ق � � � � � � ��ض‬ ‫ق � � � � � ��اع � � � � � ��دة‬ ‫إبليــــســيــــة‬

‫(‪« )4‬تي�سري الكرمي ال َّرحمن» (‪ 269‬ـ ‪.)270‬‬ ‫«ال�صواعق املر�سلة» (‪ 437/2‬ـ‪.)438‬‬ ‫(‪َّ )5‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪51‬‬


‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫ـ�ص �أوهـم ال ـتَّ�شبـ ـي ـهـا‬ ‫بي ‪�« :Í‬إِ َّن الدُّ عَا َء هُ َو ال ِع َبا َد ُة ثم‬ ‫وك ُّل ن ـ ٍّ‬ ‫ﮒﮓ﴾ [\‪ ،]Ç‬وقال ال َّن ُّ‬ ‫�أ ِّولـ ــه �أو ف ـ ـ ِّو�ض و ُرم تـ ـنــزيـ ـ ـ ـ َها قر�أ‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫أويل املذموم وهو التَّحريف‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾»(‪.)10‬‬ ‫واملق�صود بال َّت�أويل يف كالمه ال َّت� ُ‬ ‫مثل ت�أويل ا�ستوى بـ‪ :‬ا�ستوىل‪ ،‬واليد بـ‪ :‬ال ِّنعمة‪ ،‬قال ابن الق ِّيم‬ ‫أعمال ِّ‬ ‫فت�أ َّمل كيف �س َّموا تلك ال َ‬ ‫احرتاما وتوق ًريا؟‬ ‫ال�شرك َّي َة‬ ‫ً‬ ‫‪ :‬يف نون َّيته‪:‬‬ ‫وهل هذا �إ َّال �سبي ٌل لي�ستَحوذوا على العوام‪ ،‬ويز ِّينوا لهم الباطل‬ ‫�س َّميتم التَّـح َ‬ ‫ويو ِق ُعوهم يف ِّ‬ ‫ـريف تـ�أويـ ًال ك ـ ــذا‬ ‫ال�شرك و َي ْغمِ �سوهم يف َّ‬ ‫ال�ضاللة؟ َّثم �إذا �أنكر‬ ‫ال ّتـَ ـعـط ـ َ‬ ‫رب العاملني‬ ‫ـيل تـنـزي ًها هما لقبان عليهم نا�ص ٌح �أمنيٌ‪ ،‬وقام بال َّدعوة �إىل توحيد اهلل ِّ‬ ‫وهذا ا َّلذي �س َّموه تنزي ًها «ا�س ٌم ح�سن على م�س ًّمى قبيح»(‪ ،)6‬وعبادته وحده ال �شريك له‪� ،‬صاحوا عليه من ِّ‬ ‫جانب بقولهم‪:‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫وال�صاحلني و َت ْنت ِق�صهم وال حترتمهم‪ ،‬قال‬ ‫ال�س َّنة �إ ّنك تُبغ�ض الأولياء َّ‬ ‫وهو خالف احلقِّ ا َّلذي عليه الأئ َّم ُة الأربعة و�سائ ُر �أهل ُّ‬ ‫واجلماعة(‪ ،)7‬حيث �إ َّنهم يثبتون هلل تعاىل ك َّل ما و�صف به نف�سه ابن الق ِّيم ‪�« ::‬إن ج َّردت التَّوحيد بينهم قالوا تنقَّ�صت َجناب‬ ‫وال�صاحلني»(‪.)11‬‬ ‫وو�صفه به ر�سوله ‪ ،Í‬وينزِّ هونه عن مماثلة خلقه تنزي ًها بال الأولياء َّ‬ ‫وقال حممود �شكري الألو�سي ‪�« ::‬إنَّ من مكايد الغالة‬ ‫تعطيل وال حتريف‪ ،‬عم ً‬ ‫ال بقوله تعاىل‪ ﴿:‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫العوام يقولون‪� :‬إنَّ اال�ستغاثة بالأموات وندا َءهم‬ ‫املعطلون «ف�إ َّنهم ا َّلتي كادوا بها‬ ‫َّ‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [\§]‪ ،‬و�أ َّما ِّ‬ ‫ت�ص َّوروا �أنَّ الإثباتَ ي�ستلزم التَّ�شبيه‪ ،‬فف ُّروا من الإثبات �إىل يف امله َّمات و�ش َّد ال ِّرحال لزيارة قبورهم وتقدميِ قرابينهم �إليها‬ ‫التَّعطيل تنزي ًها هلل عن م�شابهة املخلوقني بزعمهم‪ ،‬لكن � َآل ونذورهم‪ ،‬هو من عالمات حم َّبتهم والتَّق ُّرب بقربتهم‪ ،‬ومن �أنكر‬ ‫ال�س ُرج عليها وبناء‬ ‫ت�شبيه �أ�سو�أ‪ ،‬وهو التَّ�شبيه باملعدومات‪ ،‬ذلك و�أبى ما هنالك ونهى عن زخرفتها و�إيقا ِد ُّ‬ ‫�أم ُرهم �إىل �أن وقعوا يف‬ ‫ٍ‬ ‫امل�ساجد عليها و َق ْ�ص ِد �أهلها يف طلب احلاجات وااللتجاء �إليها‬ ‫ال�صفات»(‪.)8‬‬ ‫ف�إ َّنه ال ُيت�ص َّو ُر وجود ٍ‬ ‫ذات جم َّردة من جميع ِّ‬ ‫لل�صاحلني واملنكرين لكرامات‬ ‫وي�صدق فيهم قول ابن القيم ‪« ::‬ولي�س جحودُهم �صفاته يف امله َّمات‪ ،‬فهو من املبغ�ضني َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫وال�صدِّ يقني»(‪.)12‬‬ ‫الأولياء ِّ‬ ‫حجاب‬ ‫�سبحانه وحقائقَ �أ�سمائه يف احلقيقة تنزي ًها و� مَّإنا هو‬ ‫ٌ‬ ‫ممن يتعامل مع َّ‬ ‫ال�شياطني‬ ‫ال�ساحر والع َّراف والكاهن َّ‬ ‫‪3‬ـ َّ‬ ‫حجاب ِّ‬ ‫ال�شرك والبدع‬ ‫ُ�ضرب عليهم فظ ُّنوه تنزي ًها كما ُ�ضرب‬ ‫ُ‬ ‫و َيخدُمهم وي�ستعني بهم‪ ،‬وي�سعى يف الأر�ض ف�سادًا و�إف�سادًا‪،‬‬ ‫امل�ض َّلة َّ‬ ‫وال�شهوات املردية على قلوب �أ�صحابها و ُز ِّين لهم �سو ُء‬ ‫ال�صدور وما تخفيه‬ ‫وي َّد ِعي معرف َة الغيب والإخبا َر مبا ت ُِك ُّنه ُّ‬ ‫�أعمالهم فر�أوها ح�سنة»(‪.)9‬‬ ‫َّ‬ ‫ال ُّنفو�س‪ ،‬ي�س َّمى بـ«الطالب» �أي طالب القر�آن واحلقِّ والعلم‬ ‫وال�شفا َء‪َّ ،‬‬ ‫والط ُ‬ ‫زق والولدَ ِّ‬ ‫‪2‬ـ دعا ُء املوتى و�س�ؤا ُلهم ال ِّر َ‬ ‫واف‬ ‫ي�سمى بـ«ال َّراقي»‪ ،‬ـ وال ُّرقية م�شروعة ـ‪ ،‬وهذا غاية‬ ‫واخلري‪ ،‬وربمَّ ا َّ‬ ‫احرتاما وتوقريا‬ ‫اجلباه برتابها‪ ،‬ي�س َّمى‬ ‫بقبورهم وتقبي ُلها وتعف ُري ِ‬ ‫ً‬ ‫ً التَّلبي�س ونهاية التَّدلي�س‪� ،‬إذ كيف ي�س َّمى كذلك املُ َ�شع ِو ُذ املف�س ُد‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫وتبجيال‪ ،‬وهو يف احلقيقة �شرك و�ضاللة‪ ،‬لأنه �صرف للعبادة يف الأر�ض‪ ،‬ال َّداعي �إىل َّ‬ ‫ال�ش ِّر‪ ،‬املُ َف ِّر ُق بني املرء وزوجه‪ ،‬واملناز ُع‬ ‫لغري اهلل‪ ،‬قال ‪﴿ :y‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ‬ ‫ر َّبه يف �صفة من �صفاته؟ قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ﴾‬ ‫[\‪ ،]n‬وقال‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹﭺﭻﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ‬

‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ‬ ‫(‪ )6‬قاله ابن الوزير يف «�إيثار احلقِّ » (‪.)180‬‬ ‫ال�س َّنةال َّنبو َّية»البنتيمية(‪.)106/2‬‬ ‫(‪)7‬انظر«التَّمهيد»البنعبدال ِّرب(‪«،)145/7‬منهاج ُّ‬ ‫(‪ )8‬قاله َّ‬ ‫ال�شيخ عبد املح�سن الع َّباد يف «قطف اجلنى الدَّاين» (‪.)20‬‬ ‫ال�سالكني» (‪.)352/3‬‬ ‫(‪« )9‬مدارج َّ‬

‫‪52‬‬

‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾‬

‫[\‪ ،]f‬وقال‪:‬‬

‫﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬

‫(‪ )10‬رواه �أحمد (‪ ,)18386‬رِّ‬ ‫والتمذي (‪ )2969‬وقال‪« :‬حديث ح�سن �صحيح»‪،‬‬ ‫و�صححه الألباين يف «�صحيح اجلامع» (‪.)3407‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪« )11‬بدائع الفوائد» (‪.)275/2‬‬ ‫(‪« )12‬غاية الأماين يف ال َّر ِّد على ال َّنبهاين» (‪.)54/1‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫و�صححه الألباين يف «الإرواء» (‪.)69/7‬‬ ‫(‪ )13‬رواه �أحمد (‪َّ ،)9536‬‬ ‫(‪ )14‬رواه البزَّار (‪َّ ,)3578‬‬ ‫و�صححه الألباين يف‬ ‫والطرباين يف «الكبري» (‪َّ ,)15065‬‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)2195‬‬ ‫َّ‬ ‫و�صححه الألباين‪.‬‬ ‫(‪ )15‬رواه �أحمد (‪ ,)22900‬و�أبو داود (‪َّ ،)3688‬‬ ‫(‪ )16‬رواه م�سلم (‪.)2003‬‬ ‫(‪ )17‬رواه البخاري (‪ ،)4619‬وم�سلم (‪.)3032‬‬

‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [\‪ ،]w‬وقال‪:‬‬ ‫بي ‪َ « :Í‬منْ‬ ‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [\‪ ،]Ç‬وقال ال َّن ُّ‬ ‫�أَ َتى َكاهِ ًنا �أَ ْو َع َّرا ًفا َف َ�ص َّد َق ُه بمِ َا َي ُق ُ‬ ‫ول َف َق ْد َك َف َر بمِ َا �أُ ْن ِز َل َعلَى‬ ‫َّ نْ َ َ َ ُ َُ َ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫(‪)13‬‬ ‫َ‬ ‫محُ َ َّمدٍ » ‪ ,‬وقال‪« :‬ل ْي َ�س مِ نا َم تطيرَّ َ �أ ْو تطيرِّ َ له �أ ْو تكهَّن �أ ْو ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾‪ ،‬ففي �ضمن هذا الوعيد �أنَّ املرابي‬ ‫ُت ُكه َِّن َل ُه �أَ ْو َ�س َح َر �أَ ْو ُ�سحِ َر َلهُ»(‪.)14‬‬ ‫حمارب هلل ور�سوله قد �آذنه اهلل بحربه ومل يجئ هذا الوعيد يف‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وال�سعي يف الأر�ض بالف�ساد»(‪،)18‬‬ ‫‪4‬ـ اخلمر �أ ُّم اخلبائث و�أ�صل الفواح�ش‪ ،‬فيها �إث ٌم كبري و�ش ٌّر كبرية �سوى ال ِّربا وقطع الط ِّريق َّ‬ ‫م�ستطري‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ لذا قال الإمام مالك ‪�« ::‬إنيِّ ت�صفَّحت كتاب اهلل و�س َّنة نب ِّيه‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ فلم �أر �شي ًئا �أ�ش َّر من ال ِّربا؛ لأنَّ اهلل � َآذن فيه باحلرب»(‪.)19‬‬ ‫ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬ ‫ومع ِّ‬ ‫وتدلي�سا واحتيا ًال ـ فائد ًة‬ ‫كل هذا ي�س ِّميه قوم ـ متوي ًها‬ ‫ً‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [\‪ ،]a‬فاخلمر من وك�س ًبا ومنا ًء وتوف ًريا وا�ستثما ًرا‪ ،‬وهذا من فعل اليهود املغ�ضوب‬ ‫عمل َّ‬ ‫ال�شيطان‪ ،‬يح ُّبها ويح ِّببها‪ ،‬ويدعو �إليها و ُيز ِّينها‪ ،‬بل يوحي عليهم ا َّلذين احتالوا على احلرام‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﮰ ﮱ‬ ‫ً‬ ‫�إىل �أوليائه تغي َري ا�سمِ ها‬ ‫ً‬ ‫ترويجا لها وتبديال حلكمها‪ ،‬كما �أخرب ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ال�صادق امل�صدوق عليه َّ‬ ‫بذلك نب ُّينا َّ‬ ‫ال�صالة َّ‬ ‫وال�سالم يف قوله‪ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾‬ ‫ا�س مِ نْ �أُ َّمتِي الخْ َ ْم َر ُي َ�س ُّمو َنهَا ِب َغيرْ ِ ْا�سمِ هَا»(‪.)15‬‬ ‫« َل َي ْ�ش َر َبنَّ َن ٌ‬ ‫[\`] ‪ ،‬قال ابن كثري ‪ :‬يف «تف�سريه»‪�« :‬أي �أنَّ اهلل قد‬ ‫رُ‬ ‫ُ‬ ‫أنواع من احليل‬ ‫وقد كثت �أنواع اخلمر يف هذا الع�صر‪ ،‬وتع َّددت �أ�شكالها‪ ،‬نهاهم عن ال ِّربا فتناولوه و�أخذوه واحتالوا عليه ب� ٍ‬ ‫وتباينت �أ�سما�ؤها‪ ،‬لكن ذلك ال يغيرِّ حك َمها‪ ،‬ما دام �أ َّنها م�سكرة‪ ،‬و�صنوف من ُّ‬ ‫ال�شبه‪ ،‬و�أكلوا �أموال ال َّنا�س بالباطل»(‪.)20‬‬ ‫فعن ابن عمر ‪ Ç‬عن ال َّن ِب ِّي ‪ Í‬قال‪ُ « :‬ك ُّل م ُْ�سكِرٍ َخ ْم ٌر َو ُك ُّل‬ ‫‪6‬ـ ال ِّر�شوة وهي كبرية من الكبائر‪ُ ،‬ل ِعن �صاحباها‪ :‬ال َّرا�شي‬ ‫(‪)16‬‬ ‫َخ ْمرٍ َح َرامٌ» ‪ ،‬وهُ ِدي �إىل هذا كذلك املح َّدث املل َهم عمر ابن واملرت�شي‪ ،‬كما يف حديث عبد اهلل بن عمرو قال‪َ « :‬ل َع َن َر ُ�س ُ‬ ‫ول‬ ‫َّ‬ ‫اخلطاب ‪ ،Ç‬فقال على منرب ر�سول اهلل ‪« :Í‬اخلم ُر ما اللهَّ ِ ‪ Í‬ال َّرا�شِ َي َوالمْ ُ ْر َت�شِ َي»(‪ ،)21‬وفيها من املفا�سد والأ�ضرار على‬ ‫العقل»‪� ،‬أي َّ‬ ‫خامر َ‬ ‫غطاه(‪.)17‬‬ ‫الفرد واملجتمع والأ َّمة ما ال يخفى على عاقل من�صِ ف‪ ،‬ومع هذا‬ ‫ومن �أ�شهر �أ�سمائها املزخرفة‪ :‬م�شروبات روح َّية‪ ،‬وح ُّقها �أن‬ ‫ليتو�صلوا �إىل م�آربهم‬ ‫ي�سميها املبطلون واملُم ِّوهون بغري ا�سمها‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ت�س َّمى م�شروبات �شيطان َّية‪ ،‬ويقال عندنا فالن ي�شرب ّْ‬ ‫ال�ش َر ْ‬ ‫اب وينالوا �شهواتهم‪ ،‬فيقولون‪ :‬هي هد َّية‪ ،‬هبة‪� ،‬صدقة‪ ،‬حقٌّ‪ ،‬ح ُّق‬ ‫�أي‪� :‬شراب اخلمر‪ ،‬ولها �أ�سماء غري عرب َّية كثرية م�شهورة‪.‬‬ ‫التَّعب‪� ،‬إكرام‪ ،‬قهوة‪...‬‬ ‫‪5‬ـ ال ِّربا وهو من كبائر ال ُّذنوب و�أ�شنعها‪ ،‬جاء فيه عقوبة‬ ‫وال َّ‬ ‫و�سبب‬ ‫�شك �أنَّ هذا تهوينٌ من مفا�سدها وت�سوي ٌغ لفعلها‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫خا�صة غليظة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ لف�ش ِّوها‪ ،‬و�صدق عم ُر بنُ عبد العزيز ‪ :‬حني قال‪« :‬كانت‬ ‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬ ‫واليوم ر�شو ٌة»(‪.)22‬‬ ‫الهد َّي ُة يف َز َم ِن ر�سول اهلل ‪ Í‬هد َّية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ﯛ﴾ [\^] ‪ ,‬فاهلل ‪�« y‬أ َّكد عليهم التَّحرمي ب�أغلظ �شيءٍ‬ ‫و�أ�شدِّ ه وهي حماربة املرابي هلل ور�سوله فقال تعاىل‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ (‪ )18‬قاله ابن الق ِّيم يف «طريق الهجرتني» (‪.)558‬‬ ‫﴿ﯵ ﯶ‬

‫(‪« )19‬تف�سري القرطبي» (‪.)364/3‬‬ ‫(‪.)467/2( )20‬‬ ‫(‪ )21‬رواه �أبو داود (‪ ,)3580‬رِّ‬ ‫والتمذي (‪ )1337‬وقال‪« :‬هذا حديث ح�سن �صحيح»‪،‬‬ ‫و�صححه الألباين يف «الإرواء» (‪.)244/8‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )22‬ع َّلقه البخاري يف «�صحيحه» ب�صيغة اجلزم (‪ ،)159 /3‬وو�صله عبد اهلل ابن‬ ‫�أحمد يف «الزُّهد» (‪ ،)294‬و�أبو نعيم يف «احللية» (‪ )294/5‬ب�أ�سانيد �أحدها‬ ‫ج ِّيد‪ ,‬انظر «خمت�صر البخاري» للألباين (‪.)190/2‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪53‬‬


‫واحـة اإلصـالح‬ ‫�إعداد‪� :‬أ�سرة التحرير‬

‫عدالة العلماء‬ ‫َ‬ ‫حتريف ال َغالني‪ ،‬وانتحا َل املُبطِ لِني‪،‬‬ ‫بي ‪« :Í‬يحمل هذا العل َم من ك ِّل خلَ ٍف ُعدُوله ين ُفون عنه‬ ‫قال ال َّن ُّ‬ ‫وت�أوي َل اجلاهِ لِني»‪[ .‬قال الألباين‪� :‬صحيح‪« ،‬م�شكاة امل�صابيح» (‪])248‬‬ ‫قال ال َّنووي ‪ :‬عن هذا احلديث‪:‬‬ ‫«وهذا �إخبار منه ‪ Í‬ب�صيانة العِلم وحفظِ ه وعدال ِة ناقليه‪ ،‬و�أ َّن َ‬ ‫اهلل تعاىل يو ِّفق له يف ك ِّل ع�صر ُخلفا َء‬ ‫ت�صريح بعدالة حامِ ليه يف ك ِّل ع�صر‪،‬‬ ‫من ال ُعدول يحملونه وين ُفون عنه ال َّتحريف وما بعدَه فال ي�ضيع‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫الف�ساق يعرف �شي ًئا من العلم‪،‬‬ ‫وهكذا وقع وهلل احلمد‪ ،‬وهذا من �أعالم ال ُّنب َّوة‪ ،‬وال ي�ض ُّر مع هذا كون ِ‬ ‫بع�ض َّ‬ ‫ريهم ال ُ‬ ‫َ‬ ‫يعرف �شي ًئا منه؛ واهلل �أعلم»‪.‬‬ ‫ف�إ َّن‬ ‫احلديث � مَّإنا هو �إخبار ب�أ َّن ال ُعدول يحملو َنه ال �أ َّن غ َ‬ ‫[«تهذيب الأ�سماء واللغات» (‪])21/1‬‬

‫عشاق العلم‬ ‫َّ‬ ‫قال ابن قيم اجلوزية ‪::‬‬ ‫«�أما َّ‬ ‫ع�شاق العلم ف�أعظم �شغ ًفا به وع�ش ًقا له من ك ِّل عا�شق مبع�شوقه‪ ،‬وكثري منهم ال ي�شغله عنه �أجمل‬ ‫�صورة من الب�شر‪...‬‬ ‫وحدَّثني �أخو �شيخنا عبد ال َّرحمن بن تيمية عن �أبيه قال‪ :‬كان اجلدُّ �إذا دخل اخلالء يقول يل‪ :‬اقر�أ‬ ‫يف هذا الكتاب وارفع �صوتك ح َّتى �أ�سمع!‬ ‫و�أعرف من �أ�صابه مر�ض من �صداع وحمى وكان الكتاب عند ر�أ�سه‪ ،‬ف�إذا وجد �إفاقة قر�أ فيه‪ ،‬ف�إذا غلب‬ ‫و�ضعه‪ ،‬فدخل عليه َّ‬ ‫الطبيب يو ًما وهو كذلك فقال‪� :‬إ َّن هذا ال ُّ‬ ‫يحل لك ف�إ َّنك تعني على نف�سك وتكون‬ ‫�سب ًبا لفوات مطلوبك»‪.‬‬ ‫[«رو�ضة املحبني» (�ص ‪])69‬‬

‫‪54‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


‫درر من‬ ‫كالم شيخ اإلسالم‬ ‫ابن تيمية ‪:‬‬

‫ـ «ال يح�صل الإخال�ص � اَّإل بعد ال ُّزهد‪ ،‬وال زهد � اَّإل بتقوى‪ ،‬وال َّتقوى متابع ُة الأمر وال َّنهي»‪.‬‬ ‫[«جمموع الفتاوى» (‪])94 /1‬‬

‫ـ «العارف ال يرى له على �أحدٍ ح ًّقا‪ ،‬وال ي�شهد له على غريه ف�ضلاً ‪ ،‬ولذلك ال يعاتِب‪ ،‬وال يطالِب‪ ،‬وال ي�ضارِب»‪.‬‬ ‫[«مدارج ال�سالكني» (‪])523/ 1‬‬

‫ـ «الباطل من الأعمال هو ما لي�س فيه منفعة‪ ،‬فهذا َّ‬ ‫�ص فيه لل ُّنفو�س ا َّلتي ال ت�صرب على ما ينفع‪ ..‬وهذه‬ ‫يرخ ُ‬ ‫وال�صبيان»‪.‬‬ ‫نفو�س ال ِّن�ساء ِّ‬ ‫[«اال�ستقامة» (‪]) 277‬‬

‫ـ «ال َّراف�ضة �أ َّمة خمذولة‪ ،‬لي�س لها عقل �صحيح‪ ،‬وال نقل �صريح‪ ،‬وال دين مقبول‪ ،‬وال دنيا من�صورة»‪.‬‬ ‫[«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (‪]) 352/2‬‬

‫وال�صدِّيقني ُّ‬ ‫وال�صاحلني يف �أعمالهم �أنفع و�أ ْوىل من متابعتهم يف م�ساكنهم ور�ؤية‬ ‫ـ «متابعة ال َّنب ِّيني ِّ‬ ‫وال�شهداء َّ‬ ‫�آثارهم»‪.‬‬ ‫[«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (‪])268/1‬‬

‫ـ «لو ُفر�ض �أ َّنا علمنا �أ َّن ال َّنا�س ال يرتكون املنك َر‪ ،‬وال يعرتفون ب�أ َّنه منك ٌر‪ :‬مل يكن َ‬ ‫ذلك مان ًعا من �إبالغ ال ِّر�سالة‬ ‫وبيانِ العلم»‬ ‫[«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (‪])171/1‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬

‫‪55‬‬


‫ردود قصرية‪:‬‬ ‫‪ ‬لقد بعث �إلينا �إخوا ٌن لنا يف اهلل من مكتبة ال َّر َّيان بالوادي ر�سال ًة فيها من كلمات التَّ�شجيع وال َّثناء‬ ‫ومن عبارات ُّ‬ ‫ال�شكر والتَّقدير َّ‬ ‫ال�شيء الكثري ما يدعونا لأن نقول اللهم اجعلنا �أح�سن مما يظنون واغفر‬ ‫لنا ما ال يعلمون‪ ،‬كما ق َّدموا لنا جمل ًة من االقرتاحات امله َّمة واملفيدة‪ ،‬وهي قيد الدِّ را�سة عندنا لعلنا‬ ‫نوفق لتحقيق بع�ضها يف امل�ستقبل القريب �إن �شاء اهلل‪َ ،‬‬ ‫يعم اجلميع بف�ضله ورحمته‪.‬‬ ‫واهلل ن�س�أل �أن َّ‬ ‫‪ ‬بارك اهلل يف الأخ الويف ح�سام بن عي�ش ـ حفظه اهلل ـ من مدينة امل�سيلة على �شكره ودعائه‪.‬‬ ‫‪ ‬ون�شكر الأخ حممد �أمني �سبع من بلدية العلمة بوالية �سطيف على ح ِّبه وحر�صه على املجلة‪،‬‬ ‫لل�س َّنة و�أهلها‪.‬‬ ‫وبارك اهلل فيه على ما اقرتحه علينا َّ‬ ‫مما يد ُّل على اهتمامه وح ِّبه ُّ‬ ‫‪ ‬و�أ َّما الأخ املف�ضال عبد الفتَّاح ال�سلفي ـ و َّفقه اهلل ـ من قرية البهاليل ببلدية �أعفري دائرة دل�س‬ ‫ببومردا�س فبعث �إلينا بر�سالة لطيفة حملت �إلينا كلمة �شكر وتقدير‪ ،‬ونحن بدورنا ن�شكره على كلمته‪،‬‬ ‫ون�س�أل اهلل �أن يبارك فيه‪.‬‬ ‫‪ ‬وللأخت زينب عماري ـ وفقها اهلل ـ من بوفريزي باجلزائر العا�صمة جميل ال�شكر على كلمتها‬ ‫الوجيزة‪ ،‬ففيها من معاين امل�ؤازرة واملنا�صرة ما ي�سر ويفرح‪ ،‬فبارك اهلل فيها‪.‬‬ ‫بال�شكر العميم للإخوة والأخوات التالية �أ�سما�ؤهم على كلماتهم احلاوية لل َّثناء ُّ‬ ‫‪ ‬نتق َّدم ُّ‬ ‫وال�شكر‬ ‫وال�سداد للمج َّلة وطا َقمِ ها‪ :‬خالد جدور من عني �آزال بوالية �سطيف‪ ،‬ثابت يا�سني من‬ ‫وال ُّدعاء بالتَّوفيق َّ‬ ‫منطقة بو�سماعيل بتيبازة‪ ،‬وعز الدين بن �صالح من ر�أ�س الوادي بالربج‪ ،‬وطيب تاحنوت من برج منايل‬ ‫ببومردا�س‪ ،‬وكمال كريب�س من مدينة جيجل‪ ،‬و�أرزقي �أو�سامل من قرية توريرت منقالت بدائرة عني احلمام‬ ‫بتيزي وزو‪ ،‬وكرمية عمام من مدينة خمي�س مليانة‪ ،‬ومرمي حمادن من ال َّدامو�س بوالية تيبازة‪.‬‬

‫‪ ‬تنبيه‪:‬‬ ‫ا�ستف�سر كثري من امل�شاركني يف امل�سابقة الأوىل ملجلة الإ�صالح عن طريقة انتقاء الفائزين‪ ،‬ف ُنع ِل ُمهم �أنَّ عدد امل�شاركني قد‬ ‫قارب الألفي م�شار ًكا‪ ،‬وبعد عملية التَّ�صحيح كان عدد الناجحني من ال ُّذكور (‪ ،)392‬ومن الإناث (‪َّ ،)189‬ثم �أقرعنا بينهم‬ ‫بح�ضرة جملة من امل�شايخ الف�ضالء‪ ،‬فظهرت تلك الأ�سماء املن�شورة‪ ،‬واهلل املو ِّفق‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثاين والع�شرون‪ :‬رم�ضان‪�/‬شوال ‪1431‬هـ املوافق لـ �سبتمرب‪�/‬أكتوبر ‪2010‬م‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.