مجلة قوارئ العدد الثاني

Page 1


2


‫تريث أيها الموت !‬

‫‪7‬‬

‫كيف تنهي الكتاب؟‬

‫‪10‬‬

‫قرطبة ‪ ..‬مدينة القراءة‬

‫‪12‬‬

‫سلمان العودة ‪ ..‬المفكر القارئ‬

‫‪18‬‬

‫أليس عبر المرآة‬

‫‪20‬‬

‫فائق منيف وحكايته مع القراءة‬

‫‪28‬‬

‫ال تسجن عقلك !‬

‫‪40‬‬

‫‪3‬‬


‫ِسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫ب ْ‬ ‫احلمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعني‪.‬‬ ‫تسعون يوماً مضت على إطاللة (مجلة قوارئ) يف عددها األول‪ ،‬وهي املدة ذاتها التي‬ ‫استغرقها فريق املجلة إلصدار العدد الثاني‪ ،‬وبعد النجاح الكبير واألصداء اجلميلة الذي‬ ‫استُقبلت به املجلة يف باكورة أعدادها وهلل الفضل واملنة‪ ،‬انطلق فريق املجلة مؤمنني‬ ‫بالرؤية والهدف‪ ،‬ومستعينني باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وواضعني يف عني االعتبار املالحظات‬ ‫التي اقترحها شركاء النجاح من القراء والكتاب‪ ،‬فبدأ الفريق برسم رؤية عامة عن‬ ‫العدد الثاني‪ ،‬وفتح الباب الستقبال املشاركات من القراء حيث وصلت إلى قرابة خمسني‬ ‫مشاركة‪ ،‬تالها مرحلة التصنيف والفرز والتدقيق واملراجعة التي متت عن طريق كوادر‬ ‫متخصصة وأكادميية‪ ،‬ثم انتهى املشوار إلى تصميم وإخراج املجلة لتظهر بشكلها النهائي‪.‬‬ ‫وانطالقا من حرص مشروع أصدقاء القراءة مع ما تستهدفه املجلة إلثراء احملتوى‬ ‫العربي والقرائي‪ ،‬انبثقت فكرة «املسابقة األدبية» التي تخص املهتمني بالكتابة األدبية‪،‬‬ ‫وتهدف إلى إبراز اجلوانب االبداعية لدى الشباب والشابات ‪ ،‬ويف املسابقة بعض‬ ‫التفاصيل التي ستعلن عنها املجلة قري ًبا‪.‬‬ ‫وأخي ًرا‪ ،‬فأسمى آيات الشكر والتقدير لكل من ساهم يف إعداد وإخراج هذا العدد‪،‬‬ ‫سائلني املولى أن يرزقنا اإلخالص يف العمل‪.‬‬

‫‪@m_saad8‬‬

‫‪4‬‬


‫احلمداهلل الذي جعل القراءة أمر إلهي تُل ّبَى بها احتياج العقل لفهم ما حوله و تروي تعطشه للعلم و املعرفة ‪ ،‬و‬ ‫قد حتدث عن أهميتها الكثير من بينهم الروائي األمريكي تيدور سوس جيزل‪ « :‬كلما قرأت أكثر كلما عرفت أشياء‬ ‫أكثر‪ ،‬وكلما تعلمت أكثر كلما حققت إجنازات أكثر» ‪ ،‬وهذه معادلة القراءة فهي بداية ملسيرة التغيير والتطوير‪ ،‬ولو‬ ‫أن كل مجتمع يقرأ قراءة واعية بعني ناقدة لتغير احلال‪ ،‬ولتخلصنا من سطوة التكنولوجيا واألجهزة احلديثة التي‬ ‫حتاول إبعاد القراءة منا‪ ،‬بل جعلناها ط ّيعة لهدفنا ال أن جتعلنا عبيداً مسترقني لها‪.‬‬ ‫إن القراءة يف حقيقتها ليست سباقاً مع الوقت والصفحات وإمنا هي منهج تستقيم به كثي ٌر من أمور احلياة‪،‬‬ ‫فكما أنها تطوير لذواتنا وإثراء ملعارفنا‪ ،‬فهي أيضاً عالج ألرواحنا التي تشحب من قسوة املادية‪ ،‬والعالج بالقراءة‬ ‫مفهوم قدمي يف علم املكتبات يسمى «العالج بالكتب» أو «الببليوثيرابيا»‪ ،‬تُستخدم فيه الكتب كعالج لبعض‬ ‫االضطرابات النفسية‪ ،‬ووفقاً ملا يرويه املؤرخ اليوناني ديودورس فإن عبارة (املكتبة‪ ..‬مشفى الروح) كانت أحد‬ ‫أقدم شعارات املكتبات املعروفة يف العالم‪ ،‬وقد ُكتبت فوق مدخل خزينة كتب امللك رمسيس الثاني يف مصر‪.‬‬ ‫قد مير على كل قارئ فترة فتور أو ملل من القراءة كما مير على كل كاتب فترة ال يستطيع التعبير فيها عن ما‬ ‫يختلج يف نفسه‪ ،‬فحلهما معاً هو القراءة عن القراءة والتمعن يف شغف القراء بها‪ ،‬وهنا يأتي دور (مجلة قوارئ)‬ ‫التي جتمع لكم اجلميل عن حب الكتاب واملكتوب ‪ .‬قوارئ يف هذا العدد حاولت أن تشكل منبراً مفتوحاً جلميع‬ ‫أطياف القراء‪ ،‬وأن تستقبل أعمالهم وكتاباتهم حولها‪.‬‬ ‫كلما فتح لنا باب‪ ،‬كبرت آمالنا وتطلعاتنا‪ ،‬وهو احلال ذاته مع (مجلة قوارئ) فآمالنا وأحالمنا وتطلعاتنا لها‬ ‫بال سقف أو حوائط حتدها من أي جانب‪ ،‬فها نحن هنا فريق كامل يعمل جاهداً لرسم املعالم واملؤشرات األولى‬ ‫لطموح هذه املجلة ووجهتها‪.‬‬ ‫شكراً لكل اجلمال الذي طوقتمونا به يف العدد األول‪ ،‬شكراً للمنظم واملؤمن األول بفكرتها األستاذ محمد‬ ‫احلسيني رئيس التحرير ‪ .‬شكراً لفريق املجلة‪ ،‬لروحهم وإصرارهم على االستمرار‪ .‬شكراً لكل من ساهم بكلمة‬ ‫أو عمل أو دعوة من أجل أن تصل (قوارئ) و (مشروع أصدقاء القراءة) ملا وصلوا إليه اليوم‪.‬‬

‫‪@SaraAlhumaidan‬‬

‫‪5‬‬


‫هــل مللــت القــراءة ؟! قــد يتبــادر إلــى‬ ‫تفكيــر أحدنــا هــذا الســؤال بعــد مــ ّدة‬ ‫مــن معانــاة القــراءة واالطــاع‪ ،‬فكيــف‬ ‫بطالــب العلــم وقــد خاجلتــه هــذه األفــكار‬ ‫الســلبية‪.‬‬ ‫ال أخفيكم أن هذا الشعور ينتابني بني‬ ‫احلــن و اآلخــر‪ ،‬حتــى كان ذلــك اليــوم‪،‬‬ ‫ابنتــي‪،‬‬ ‫يف قريــة األلعــاب متنزهــاً مــع‬ ‫ّ‬ ‫جــاء رجــل يف منتصــف العمــر ُمســلماً و‬ ‫ســائ ً‬ ‫ال عــن مســألة فقهيــة‪ ،‬فلمــا أجبتــه‬ ‫تهلــل وجهــه و شــكر لــي اإلجابــة‪ ،‬لكــن‬ ‫جــاء يف قــرارة نفســي أن هــذا الرجــل قــد‬ ‫أهــدى لــي أجمــل عبــارات التشــجيع علــى‬ ‫املزيــد‪ ،‬و ســألت نفســي ‪ :‬مــاذا لــو لــم‬ ‫أجبــه علــى تســاؤله؟‬ ‫ال يهــم أن يعتقــد النــاس أنــك األفضل‪،‬‬ ‫لكــن املهــم أن تســعى أنــت لألفضــل!‬ ‫ودارت بــي الذاكــرة املتشــعبة يف بعــض‬ ‫النصــوص التــي تذكــر حالــة أمثالــي ممــن‬ ‫ظــن أن مــا يقــرأه أو يطلبــه لــن يســتفيد‬ ‫منــه أو يفيــد بــه أحــداً مــن النــاس‪ ،‬فــكان‬ ‫األمــر مشــوقاً و مشــجعاً و طــارداً للملــل‪،‬‬ ‫فمــن ذلــك مــا نقلــه الشــيخ احملقــق‬ ‫الدكتــور «علــي العمــران» يف كتابــه املاتــع‬ ‫(املشــوق إلــى القــراءة وطلــب العلــم) حتت‬ ‫عنــوان (علمــاء يعرفــون علومـاً ال يعرفهــا‬ ‫أهــل عصرهــم) حيــث قــال‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫اخلشاب النحوي احلنبلي‪:‬‬ ‫‪ -‬قال ابن‬

‫إنــي متق ـ ٌن يف ثمانيــة علــوم‪ ،‬مــا يســألني‬ ‫أحـ ٌد عــن علــم منهــا‪ ،‬وال أجــد لهــا أهـ ً‬ ‫ا‪.‬‬ ‫الس ـبْكي‪ :‬أعــرف‬ ‫ وقــال أبــو البقــاء ُّ‬‫عشــرين علمــاً‪ ،‬لــم يســألني عنهــا‬ ‫بالقاهــرة أحــد‪.‬‬ ‫ وقــال محمــد بــن أبــي بكــر بــن‬‫َج َماعــة‪ :‬أعــرف خمســة عشــر علم ـاً‪ ،‬ال‬ ‫يعــرف علمــاء عصــري أســماءها‪.‬‬ ‫ و يُــروى أن محمــد بــن أحمــد بــن‬‫عثمــان بــن عليــم املالكــي قــال‪ :‬أعــرف‬ ‫ٍ‬ ‫مســألة‬ ‫عشــرين عل ًمــا مــا ُســئل ْ ُت عــن‬ ‫منهــا‪.‬‬ ‫فعلمــت عندهــا أن طالــب العلــم‬ ‫خاص ـ ًة و طالــب املعرفــة عام ـ ًة ال ينبغــي‬ ‫أن تكــون لــه يف العلــم غايــة وال نهايــة‪ ،‬بــل‬ ‫يطلــب العلــم و املعرفــة حتــى املمــات‪ ،‬ويف‬ ‫ذلــك نذكــر كمــا يف (الذيــل علــى طبقــات‬ ‫احلنابلــة) عــن الوفــاء بــن عقيــل رحمــه‬ ‫اهلل قولــه‪( :‬إنــي ألجــد مــن ِح ْرصــي علــى‬ ‫العلــم‪ ،‬وأنــا يف َع ْشـ ِـر الثمانــن أشـ ّد ممــا‬ ‫كنــت أجــده وأنــا ابــ ُن عشــرين ســنة)‪،‬‬ ‫كذلــك قصــة ابــن اجلــوزي رحمــه اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫محنــة‬ ‫يف (ســير أعــام النبــاء) ‪ :‬بعــد‬ ‫لــه‪ ،‬فخــرج مــع ابنــه يوســف ومــا رد مــن‬ ‫واســط حتــى قــرأ هــو وابنــه بتلقينــه‬ ‫بالعشــر علــى ابــن الباقالنــي‪ ،‬وســن‬ ‫الشــيخ نحــو الثمانــن‪ ،‬فانظــر إلــى هــذه‬ ‫الهمــة العاليــة‪.‬‬

‫فالوصيــة إلــى طــاب العلــم و‬ ‫املعرفــة أ ّال يدعــو للملــل والســآمة إلــى‬ ‫أنفســهم طريقــاً وال بابــاً إال أوصــدوه‪،‬‬ ‫وال مســلكاً أو ســبي ً‬ ‫ال إلــى التحصيــل إال‬ ‫طرقــوه‪ ،‬وبإدامــة النظــر ومذاكــرة أخبــار‬ ‫الســابقني يف ســبل التعليــم‪ ،‬ولعلــي أختــم‬ ‫بذكــر طـ ٍ‬ ‫ـرف مــن وصاياهــم‪ ،‬فمــن ذلــك‪:‬‬ ‫ قــال ابــن اجلــوزي يف (صيــد‬‫اخلاطــر)‪( :‬ليكــن لــك مــكان يف بيتــك‬ ‫تخلــو فيــه‪ ،‬وحتــادث ســطور كتبــك‪،‬‬ ‫وجتــري يف حلبــات فكــرك)‪.‬‬ ‫ قــال أبــو هــال العســكري يف‬‫(احلــث علــى طلــب العلــم)‪( :‬رتبــة األديــب‬ ‫مــن أعلــى الرتــب‪ ،‬ودرجــة العلــم أشــرف‬ ‫الــدرج‪ ،‬فمــن أراد مداولتها بالدعة وطلب‬ ‫البلــوغ إليهــا بالراحــة كان مخدوعــا‪،‬‬ ‫ قــال اجلاحــظ‪ :‬العلــم عزيــز‬‫اجلانــب‪ ،‬ال يعطيــك بعضــه حتــى تعطيــه‬ ‫كلــك‪ ،‬وأنــت إذا أعطيتــه كلــك كنــت مــن‬ ‫إعطائــه إيــاك البعــض علــى خطــر)‪.‬‬ ‫فأمثــال هــذه النصــوص و القصــص‬ ‫و املواقــف التــي يســوقها ربنــا عــز وجــل‬ ‫لإلنســان ماهــي إال مؤشــرات و منبهــات‬ ‫ كمــا أعتقــد‪ -‬لتثبتــه علــى الطريــق‪ ،‬و‬‫تســتحثه علــى طلــب املزيــد مــن العلــم و‬ ‫املعرفــة‪.‬‬ ‫هاشم العامري‬ ‫‪hashem.alaamri@gmail.com‬‬

‫‪6‬‬


‫نختنــق إلــى احلــد الــذي يشــعرنا‬ ‫بأنهــا النهايــة ثــم نعــود لنتنفــس‬ ‫الصعــداء‪ ،‬نعــد أيامنــا‪ ،‬البعض يتشــابه‬ ‫والبعــض يحمــل يف طياته خل ً‬ ‫ال‪ ،‬ال يهم‬ ‫إن كان يقتــرب مــن الصفــر أو يزيــد‪،‬‬ ‫األهــم أنــه يجعلنــا نشــعر باحليــاة‪،‬‬ ‫يقيــس مــدى تفاعلنــا‪ ،‬يختبرنــا حتــت‬ ‫الضغــط إلــى الدرجــة التــي تســبق‬ ‫التبخــر‪ ،‬يرفعنــا إلــى الســماء‪ ،‬يحلــق‬ ‫بنــا‪ ،‬يقيــس قدرتنــا علــى الطيــران‪،‬‬ ‫لكــن ثمــن الســقوط نحــن مــن يدفعــه‬ ‫يكــون علــى شــكل كســور يف‪ ‬أرواحنــا‪.‬‬ ‫ثــم تعــود األيــام إلــى التشــابه مــرة‬ ‫أخــرى‪ ،‬نصنــع مــن خيــوط الصبــح‬ ‫أرجوحــة لنحلــق يف ســماء األمــل‪،‬‬ ‫وعنــد املســاء ننســج منهــا ضمــادات‬ ‫لتســ ّكن خيباتنــا‪ ،‬نســلك الطــرق‪،‬‬

‫نضيــع يف املنعطفــات‪ ،‬نغــرق يف دوامــة‬ ‫احليــاة وننغمــس‪ .‬نربــح ونخســر‪،‬‬ ‫نســقط وننهــض‪ .‬نقابــل الغربــاء‪،‬‬ ‫نشــحذ األمــل‪ ،‬لكننــا يف النهاية منضي‬ ‫وحيديــن نلملــم شــتات أنفســنا‪ .‬ننتشــر‬ ‫يف الســكك‪ ،‬نتعثــر‪ ،‬ننفــض الغبــار‬ ‫لنواصــل‪ ،‬نخــاف الوحــدة ويف النهايــة‬ ‫نفتــرش األرض معهــا‪ .‬‬ ‫أنــت وحــدك! ُخلقــت لتكــون أنــت‬ ‫ال غيــرك‪ .‬اســلك طريقــك‪ ،‬احفــر‬ ‫للبحــث عــن كنــزك‪ ،‬انقــش اســمك‬ ‫يف الصخــر‪ ،‬اتــرك لذكــراك بريــق‬ ‫يخصــك‪ .‬ابــدأ بالزحــف وأيقــن بأنــك‬ ‫ســتطير يومــاً‪.‬‬ ‫أنــا أكتــب اآلن ألجلــك‪ ،‬لــك أنــت ال‬ ‫غيــرك‪ .‬رســالة غريــب تعثــر‪ ،‬يتقــوى‬ ‫بــك إذا رآك تــدك األرض بقدمــك‪،‬‬

‫ـض فقــد تكــون قــو ًة ملــن حولــك‪ .‬‬ ‫امـ ِ‬ ‫ويف كل ســقوط أظنــه األخيــر تأتــي‬ ‫لــي القوة ألمســك الــروح وأكتب‪ .‬‬ ‫«تريث أيها املوت إني أكتب»‪ .‬‬ ‫كانــت رضــوى عاشــور تقــول أنهــا‬ ‫تخــاف املــوت لــذا تكتــب‪ ،‬و أنــا كذلــك‬ ‫أقــرأ ألننــي أخــاف املــوت‪ .‬أقــرأ‬ ‫ببســاطة ألعيــش حياتــي املقــدرة لــي‬ ‫وحيــاة مــن ســبقوني‪ ،‬أســلك طريقــي‪،‬‬ ‫وأعــرج علــى طــرق الســالكني قبلــي‪،‬‬ ‫أقطــف ثمــرة مــن كل شــجرة ُغرســت‬ ‫قبلــي‪ ،‬وبذلــك أتقــوى ألغــرس ملــن‬ ‫بعــدي‪ .‬لنواصــل يجــب علينــا أن‬ ‫نتشــارك‪ ،‬أن نلتقــي‪ ،‬ألن الرحلــة‬ ‫مظلمــة‪ ،‬ألن الطريــق بــارد‪ .‬ألننــا‬ ‫نحتــاج الرفقــة‪ ،‬تلــك التــي قــد ال تكــون‬ ‫باألجســاد‪ ،‬فرفقــة الكلمــة تكفــي‪.‬‬ ‫محمد حمدان‬ ‫‪@ideeeep‬‬

‫‪7‬‬


‫كانــت و مازالــت القريــة األملانيــة يف ( كوملبــوس أوهايــو ) يف‬ ‫أمريــكا مــن أهــم املناطــق التاريخيــة‪ ،‬حيــث ســكنها املهاجــرون‬ ‫األملــان يف أوائــل القــرن التاســع عشــر و يشــكلون ثلــث ســكان‬ ‫مدينــة كوملبــوس‪ ،‬نهضــت القريــة األملانيــة بشــكل مذهــل‪ ،‬و‬ ‫اســتأثرت باهتمــام الــزوار والســياح ســنو ًّيا وبصفــة مســتمرة‬ ‫علــى مــدار العــام‪ ،‬وذلــك لتميزهــا بالعديــد مــن األماكــن‬ ‫واملعالــم التاريخيــة‪ ،‬والتــي مــن أهمهــا مكتبــة ( ‪)Book Loft‬‬ ‫والتــي تعرفنــا عليهــا مــن خــال حســاب الشــاب الســعودي‬ ‫البــراء العوهلــي يف ســناب شــات‪ ،‬والــذي أخذنــا يف جولــة أقــل‬ ‫مــا يقــال عنهــا أنهــا رائعــة يف القريــة األملانيــة وحتديـ ًدا مكتبــة‬ ‫(‪.)Book Loft‬‬ ‫كانــت املكتبــة يف األســاس منـ ً‬ ‫ـزل عاد ًّيــا منــذ أيــام احلــرب‬ ‫األهليــة األمريكيــة ‪ ،‬ثــم حولــه صاحبــه ( روجــر تومكينــس) إلــى‬ ‫مكتبــة يف عــام ‪1977‬م تلبيــة الحتياجــات املهاجريــن األملــان‪.‬‬ ‫مــرت املكتبــة مبراحــل توســع بلغــت ثمــان توســعات إلــى أن‬ ‫وصــل عــدد غرفهــا ‪ 32‬غرفــة قســمت علــى إثرهــا إلــى جناحــن‬ ‫( جنــاح شــرقي و جنــاح غربــي ) لتصبــح كل غرفــة مكتبــة‬ ‫منفصلــة بحــد ذاتهــا‪.‬‬ ‫اجلميــل يف مكتبــة ( ‪ ) Book Loft‬أنهــا متنوعــة وتــدار مــن‬

‫قبــل القائمــن عليهــا بــذكاء‪ ،‬ويتوفــر فيهــا أكثــر مــن ‪100.000‬‬ ‫عنــوان‪ ،‬ولــم تقتصــر علــى بيــع الكتــب فقــط بــل تعدتهــا إلــى‬ ‫بيــع املالبــس والقمصــان الرياضيــة‪ ،‬واســطوانات الفيديــو‬ ‫واملوســيقى وبطاقــات املعايــدة‪،‬‬ ‫وتتميــز كذلــك بطريقــة عــرض الكتــب مــن خــال تفعيــل حاســة‬ ‫الســمع لــدى الزائــر‪ ،‬فيكفــي ســماعه لصــوت العصافيــر ليعرف‬ ‫أنــه حال ًّيــا يف قســم الكتــب التــي تتعلــق بتنظيــم احلدائــق‪.‬‬ ‫إن مكتبــة ( ‪ ) Book Loft‬جتــاوزت اخلدمــات التــي تقدمهــا‬ ‫املكتبــات األخــرى عــادة‪ ،‬حيــث نظمــت العديــد مــن الفعاليــات‬ ‫الرياضيــة مثــل ســباقات اجلــري املاراثونيــة‪ ،‬وشــاركت يف‬ ‫تفعيــل األعيــاد الســنوية واملناســبات الدوريــة واأليــام العامليــة‬ ‫مبــادرة منهــا يف تعزيــز ثقافــة القــراءة يف املجتمــع‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إلــى أنهــا تتعــاون مــع دور النشــر لعــرض كتبهــا بأســعار رمزيــة‬ ‫ومغريــة لتتميــز بذلــك عــن جميــع املكتبــات‪.‬‬ ‫( ‪ ) Book Loft‬ليســت مكتبــة عاديــة نظــ ًرا ملكانتهــا‬ ‫التاريخيــة و الثقافيــة و خدماتهــا املميــزة و عروضهــا املذهلــة‬ ‫التــي اســتقطبت بفضلهــا عــد ًدا كبيــ ًرا مــن الــزوار يقــدر‬ ‫باملاليــن‪ ،‬لــذا ال تفوتــوا علــى أنفســكم فرصــة زيارتهــا‪.‬‬

‫ندى ابراهيم‬ ‫‪@ba7lah‬‬

‫‪8‬‬


‫وأنــت يف البريــة ارفــع بصــرك إلى‪ ‬الســماء‪ ،‬وانظر يف‬ ‫َك ـ ِّم النجوم‪ ‬املتناثــر‪ ،‬أو قــل إن شــئت فوضى‪ ‬النجوم‪ ،‬وهــذا يف‬ ‫نظــرك البشــري بالطبــع‪.‬‬ ‫القــراءة بالفوضى‪ ‬املنظمة‪ ،‬هــي أقــرب مــا تكــون إلــى‬ ‫النظــام الكونــي الطبيعــي ‪-‬فيمــا نــراه نحن‪ ‬البشــر‪ -‬يُخ ّيل إلــى‬ ‫مــن ينظــر نحو‪ ‬السماء‪ :‬وج ٌه‪ ‬قســيم‪ ،‬أو إطاللة‪ ‬حســناء‪ ،‬أو‬ ‫أنــف ســاحر‪ ‬معقوف ‪ ،‬أو ظهــر محــدودب لشــيخ كبير‪ ..‬هكــذا‬ ‫نتخيــل حــن ُنعــن النظــر إلــى النجــوم‪.‬‬ ‫حينمــا تقــرأ بالفوضى‪ ‬املنظمة‪ ،‬فــإن أفــكاراً‬ ‫ٍ‬ ‫وتصــورات‬ ‫ـات تُصنــع يف‪ ‬ذهنك‪ ،‬لــم تـ ُ‬ ‫ورؤى وتخيـ ٍ‬ ‫ـك حتســن اســتجالبها‬ ‫ً‬ ‫بغيــر هــذا النــوع مــن القــراءة‪. ‬‬ ‫لكن‪ ،‬هــل يشــترط لهــذا النــوع مــن القــراءة أن يكــون يف‬ ‫علــم أو مجــال معــريف وحيد‪ ‬؟‪ ‬اجلواب‪ :‬ال‪ .. ‬فــا ميكــن‬ ‫أن تنتــج تلــك األفــكار اخلصبــة إال‪ ‬بتالقح‪ ‬أكبــر كميــة مــن‬ ‫املعــارف مــع بعضها‪ ‬البعض‪ ،‬مــع ضرورة‪ ‬إعطائها‪ ‬فرصــة‬ ‫الوقــت لتختمــر فيــه‪ ،‬أدخــل مــا تريــد مــن معــارف‬ ‫متضاربــة يف‪ ‬الظاهر‪ -‬إلى‪ ‬عقلــك‪ ،‬وانتظرهــا حتــى‬‫تســتقر‪ ‬وتتراكم‪ ،‬فينصهر بعضهــا يف‪ ‬بعــض‪ ،‬ومتحــو األفــكار‬ ‫الكبيــرة األفكار‪ ‬الصغيرة‪ ،‬ثــم تنتفــي األفــكار غيــر املجدية‪ ،‬ثــم‬ ‫يحــدث مــا لــم حتتســب‪.‬‬ ‫أتظــن أن أولئــك الذيــن كتبــوا روايــات طويلــة‬ ‫معقــدة ومتماســكة‪ ‬وخالدة‪ ،‬هكذا أنتجتهــا الصدفــة أو‬ ‫احلظ‪ ‬الســعيد‪ ،‬ال‪ ! ‬هي نتــاج تراكمــات طويلــة أنتجــت هــذا‬

‫النــوع من‪ ‬اإلبداع‪ ،‬وحتــى أولئــك الذيــن أظهــرت ُعق ُولهــم‬ ‫للبشــرية علوم ـاً لــم يكونــوا يعرفونهــا هــي مــن املصــدر ذاتــه‪ .‬‬ ‫رمبــا يكــون كالمــي هنــا فوضوياً‪ ‬أيضاً‪ ،‬لك ّنــي أرجــو أن تخرج‬ ‫منــه بفكــرة عمليــة‪ ،‬فأنــا هنا أدافع عن طريقتــي يف‪ ‬القراءة‪ ،‬وال‬ ‫يعنــي أنهــا طريقة‪ ‬مثالية‪ ،‬فهــي تعتمــد على‪ ‬الكم‪ ،‬بخــاف‬ ‫الطريقــة األخــرى املعتمــدة على‪ ‬الكيف‪ ،‬والتــي ينتهجهــا‬ ‫صديقــي ماجد‪ . ‬أُشــفق علــى الكتــاب الــذي يقــع بني‪ ‬يديه‪ ،‬فــا‬ ‫يــزال يُعيــده مــراراً وتكراراً‪ . ‬يُحامــي عــن طريقتــه هــذه ويــرى‬ ‫أنها‪ ‬األجدى‪ ،‬ولــكل وجهــة هــو موليهــا‪.‬‬ ‫ولنأخــذ‪ ‬يف حســباننا أن اجلانب‪ ‬النفســي‪ ،‬واملكون الشــخصي‬ ‫هــو مــن يلعــب دوراً كبيــراً ‪ -‬فيما‪ ‬أظن‪ -‬بشــأن اختيــار هــذه‬ ‫الطريقــة أو تلــك يف‪ ‬القراءة‪ ،‬أحتــدث عن‪ ‬نفســي‪ ،‬هناك‬ ‫جوانــب يف شــخصيتي جتعــل مــن هــذه الطريقــة هي‪ ‬األوفــق‬ ‫لــي‪ ،‬وإن ســألت كيــف أجمع‪ ‬شــتاته؟‪ ، ‬فإني ال أك ُّل‬ ‫من‪ ‬التدوين‪ ،‬وجمــع النظيــر إلــى نظيــره واملثيــل إلى‪ ‬شــبيهه‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فيجتمــع عنــدي مــن اللطائــف يف املوضــوع الواحــد مــا‬ ‫يصعــب علــي جمعــه لــو أردت ذلــك يف بحــث طــارئ‪ ،‬وإن كنت ال‬ ‫أرى هــذه الطريقة‪ ‬منتجة‪ ،‬فهي‪ ‬مشــتتة‪ ،‬وال ميســك اإلنســان‬ ‫معهــا جادة‪ ‬متخصصــة‪ ،‬وال أحبهــا لغيــري ممــن أراد أن يبرز يف‬ ‫علم‪ ‬ما‪ ،‬لكنــي و ‪-‬كمــا قلــت‪ -‬أجــد فيهــا نفسي‪ ‬وحســب‪ ،‬وأنا‬ ‫ال أقرأ‪ ‬لغيري‪ ،‬إمنــا أقــرأ لنفســي ومع‪ ‬نفســي‪ ،‬وأما مــن أراد‬ ‫نفــع النــاس فــا بــد لــه مــن التخصــص‪.‬‬ ‫هشام سعد‬ ‫‪dr.heshamm@gmail.com‬‬

‫‪9‬‬


‫حتمــل أرفــف مكتباتنــا العديــد مــن‬ ‫الكتــب املتنوعــة‪ ،‬التــي تتطــرق إلــى الكثير‬ ‫مــن التخصصــات اإلنســانية و العلميــة‪،‬‬ ‫وكل مــا يتطــرق للعلــم والفكــر‪ ،‬ولكننــا يف‬ ‫الواقــع لــم نقــنِ الكثيــر منهــا إال رغبــة‬ ‫يف قراءتهــا والوصــول إلــى أقاصــي‬ ‫فوائدهــا‪ ،‬وجنــي ثمارهــا و بلــوغ النشــوة‬ ‫واملتعــة بهــا‪ ،‬إال أن البعــض يجــد عجــزاً‬ ‫يف إنهــاء هــذه الكتــب‪ ،‬أو حتــى العجــز عن‬ ‫اخلــوض يف مســاربها‪ ،‬واخلــروج منهــا‬ ‫أكثــر فائــدة وأكثــر فهمـاً واســتيعاباً‪ ،‬وكل‬ ‫ذلــك يرجــع إلــى جهلهــم باألســئلة التاليــة‪:‬‬ ‫مــاذا أقــرأ؟ وكيــف أقــرأ؟ ولــ َم أقــرأ؟‬ ‫ووفقــاً لهــذه األســئلة نصــل للمــدارك‬ ‫العظيمــة لهــذه املمارســة ‪ -‬القــراءة ‪ -‬إذا‬ ‫اســتطعنا اإلجابــة عــن هــذه األســئلة آنفــة‬ ‫الذكــر ‪.‬‬ ‫إن القــراءة لهــا أنــواع وتصانيــف ‪،‬‬ ‫ومداخــل ومخــارج‪ ،‬علينــا أن نأخذهــا‬ ‫بعــن االعتبــار‪ ،‬وأن جنعلهــا معيــاراً‬ ‫يُقــاس عليــه قبــل خوضنــا فيهــا‪ ،‬فالكتــب‬ ‫العلميــة والفلســفية مثــ ً‬ ‫ا التــي حتمــل‬ ‫بــن دفتيهــا احلقائــق واملعلومــات‬ ‫والفرضيــات والعمليــات وكل مــا ينــدرج‬ ‫حتــت هــذا املجــال ‪ ،‬لهــا قــراءة خاصــة‬ ‫ونوعيــة معينــة حتــى نصــل إلــى هدفنــا‬ ‫املنشــود منهــا‪ .‬فالقــراءة االســتيعابية أو‬

‫التحليليــة واملتأنيــة هــي األنســب لهــذا‬ ‫النــوع مــن الكتــب‪ ،‬مــع وجــود مذكــرة‬ ‫صغيــرة تكتــب فيهــا املالحظــات املهمــة أو‬ ‫اإلضافــات والتعليقــات الذاتيــة‪ ،‬وعكســها‬ ‫متامـاً عندمــا نبحــث عــن معلومــة معينــة‬ ‫أو فكــرة طارئــة أو حتــى كلمــة يف‬ ‫القواميــس واملعاجــم‪ ،‬فإننــا نســتخدم‬ ‫هنــا القــراءة الســريعة أو كمــا تســمى‬ ‫االنتقائيــة التــي يقفــز بهــا القــارئ ســريعاً‬ ‫مــن ســطر إلــى آخــر‪ ،‬ومــن صفحــة إلــى‬ ‫أخــرى إلــى أن يلتقــط الكلمــة أو املعلومــة‬ ‫دون الوقــوف طويـ ً‬ ‫ا علــى حرفيــة النــص‪،‬‬ ‫و هلــم جــرا مــن أنــواع القــراءات التــي‬ ‫تضمــن لنــا الوصــول للهــدف املنشــود‬ ‫بالطــرق املناســبة ‪.‬‬ ‫أمــا الشــق اآلخــر الــذي يُعجــز‬ ‫األكثريــة‪ ،‬فهــو كيــف أنتهــي مــن قــراءة‬ ‫كتــاب بأكملــه دون تركــه أو التملمــل‬ ‫منــه؟ وهــذا يعتمــد علــى نــوع الكتــاب‬ ‫وعــدد صفحاتــه‪ ،‬فالروايــات والقصــص‬ ‫تعــد األســهل يف ختمهــا ملــا حتويــه مــن‬ ‫أحــداث مثيــرة و شــخصيات متجســدة‬ ‫وأفــكار مترابطــة وأســلوب مشــوق‪ ،‬يجعــل‬ ‫قارئهــا متعمقــاً ومسترســ ً‬ ‫ا معهــا حتــى‬ ‫يصــل إلــى النهايــة ‪ ،‬أمــا الكتــب العلميــة‬ ‫أو البحثيــة والفكريــة فرمبــا تأخــذ فتــرة‬ ‫أطــول يف حتليلهــا واســتيعابها والوصــول‬

‫لغايتهــا‪.‬‬ ‫إن مــن أفضــل األســاليب التــي تعــن‬ ‫علــى االنتهــاء مــن الكتــاب هــو جعــل تاريخ‬ ‫معــن للبدايــة والنهايــة مــع االلتــزام قــدر‬ ‫اإلمــكان بذلــك‪ ،‬وتقســيم الكتــاب إلــى‬ ‫أجــزاء و فصــول محــددة‪ ،‬مــع ضــرورة‬ ‫االهتمــام بالوقــت املناســب لقــراءة هــذا‬ ‫النــوع مــن الكتــب حتــى نضمــن التركيــز‬ ‫العالــي لإلملــام بــكل مــا يُقــرأ‪ ،‬ولعلــي أجــد‬ ‫أن أفضــل األوقــات لقــراءة هــذه النوعيــة‬ ‫مــن الكتــب هــو الصبــاح الباكــر كمــا قــال‬ ‫رســولنا الكــرمي صلــى اهلل عليــه وســلم‪:‬‬ ‫«بــورك ألمتــي يف بكورهــا» ‪ ،‬إال أننــا‬ ‫يجــب أن ال نغفــل أن بعــض الكتــب هــي‬ ‫مجموعــة خواطــر أو مقــاالت متنوعــة‬ ‫و مســتقلة وهنــا ميكننــا بــكل حريــة أن‬ ‫تصاحبنــا يف أي وقــت وأن نقتطــف منهــا‬ ‫مواضيــع معينــة مــن الفهــرس دون اللجــوء‬ ‫إلــى قــراءة الكتــاب كامــ ً‬ ‫ا إال إذا رغبنــا‬ ‫بذلــك ‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬فالقــراءة فـ ٌن لــه معاييــر محــددة‬ ‫وطــرق خاصــة ومفاتيــح تقيســها العقــول‬ ‫ال ميكــن أن نخــرج منهــا بالفائــدة املرجــوة‬ ‫مــا لــم نختــر املفتــاح املناســب للكتــاب‪ ،‬مع‬ ‫ضــرورة اقتنــاء ومصاحبــة الكتــب املفيــدة‬ ‫التــي تثــري الــروح والعقــل مع ـاً و البعــد‬ ‫عــن إضاعــة الوقــت فيمــا دون ذلــك‪.‬‬

‫هند العساف‬ ‫‪hano7345@hotmail.com‬‬

‫‪10‬‬


‫ﻟﺘﻤﻜﻦ ﺃﻓﻀﻞ ﻭﺇﻧﻬﺎﺀ ﻛﺘﺎﺏ‬

‫ﻣﻬﻼ‬

‫ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺃﻧﺘﻢ ﻭ ﻧــﺤﻦ‬

‫مه ً‬ ‫ال‪ ،‬ليس يف القراءة أنتم ونح ُن ‪.‬‬ ‫كلمــات تُتلــى‪ ،‬ويتلقاهــا العقــ ُل ثــ ّم‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫صياغتهــا اللســان‪ ،‬حتــى تقــع يف‬ ‫يُعيــد‬ ‫آخــر يترجمهــا هــو بِــ َدوره ليعيــد‬ ‫عقــلِ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫صياغتهــا كالمــا مــر ًة أخــرى ‪ .‬‬ ‫تلــك كانــت البداي ـ ُة الكبــرى‪ ،‬إلــى أن‬ ‫طيــب‬ ‫األرض زر ٌع‬ ‫ِ‬ ‫تفجــر مــن بواطــنِ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َرجــم نفــس‬ ‫ـب أث ـ ُره‪ ،‬وحتــى ت َ‬ ‫ثمــره‪ ،‬وطا ِئـ ٌ‬ ‫العقــل األول صياغــة الورقــة اخلضــراء‬ ‫إلــى ورقـ ٍـة خاضعـ ٍـة حتــت ســطوة القلــم ‪ .‬‬ ‫كان الــكالم‪ ،‬وكان الــورق‪ ،‬فكانــت‬ ‫الكتابــة فالقــارئ ‪.‬‬ ‫ال يقــف األمــر علــى ذلــك إنهــا سلســلة‬ ‫مــن النمــو والثــورة التــي تقتلــع كل متراكم‪،‬‬ ‫معرفــة إذا حلّــت موطــن العقــل فإنهــا‬ ‫تعبــث بــه‪ ،‬عبــثٌ يليــق بهــذا العمــر مــن‬ ‫التنقــل‪ ،‬عبــثٌ ال يســتوحش لــه اإلنســان‪،‬‬ ‫عبــثٌ يرتــب و ّ‬ ‫يلطــف‪ ،‬ركا ٌم ال يثيــر‬ ‫فوضــى!‬ ‫مِ ــ ْن أظلــم املَواطــن التــي افتــرى بهــا‬ ‫اإلنســان علــى نفســه حــن وصــف‬ ‫مجتمع ـاً أو فئــة بأنهــا تقــرأ أو ال تقــرأ‪.‬‬ ‫فأصبحــت األولــى فضيلــة واألخــرى‬ ‫ذنب ـاً َمعيب ـاً يترتــب عليــه فشــل وخســائر‬ ‫وظنــون خائبــة‪.‬‬ ‫القــراءة نــوع مــن احليــاة‪ ،‬كمــا أن‬ ‫الرياضــة نــوع‪ ،‬واملوســيقى نــوع‪ ،‬الطهــي‬ ‫نــوع‪ ،‬وغيرهــا الكثيــر‪ .‬وال يعنــي االندمــاج‬ ‫واخلــوض يف أحدهــا أنــه هــو صــورة‬ ‫حليــاة اســتثنائية ترفــع مــن شــأن ٍ‬ ‫أحــد‬ ‫أو حتـ ّ‬ ‫ـط منــه‪ .‬بــل إنهــا تســهم يف تخليــد‬ ‫املعنــى مــن خاللــه‪ ،‬وتكلّــف صاحبهــا عناء‬ ‫تأطيــره بأبهــى احللــل‪ ،‬بيــده أن يصنــع‬ ‫منهــا صــور ًة مقدســة تس ـ ّر الناظريــن‪ ،‬أو‬ ‫صــورة مزيفــة أو متكلّفــة‪ ،‬أو حتــى صــور ًة‬

‫مه َملــة‪.‬‬ ‫إن أكثر األمور التصاقاً باإلنســان هي‬ ‫التــي يختارهــا مبحــض إرادتــه‪ ،‬يختارهــا‬ ‫اســتجابة لرغبتــه وحاجتــه‪ ،‬بــل وينافــح‬ ‫عنهــا ويجــادل مــن يتع ـ ّرض لهــا وإن لــم‬ ‫يكــن مــن أهــل اجلــدال! ذلــك أن االختيــار‬ ‫احلــر مينــح املــرء قضيــة خاصــة ودوراً‬ ‫هامــاً كأن يكــون حصنــاً الختياراتــه‪،‬‬ ‫وبالتالــي فإنــه يراهــا صــورة أخــرى منــه‪،‬‬ ‫وجــزءاً متمم ـاً لــه ‪.‬‬ ‫كذلــك نــرى بــأن اختيــار القــراءة النابــع‬ ‫من االســتجابة للحاجة هو ســلوك أســمى‬ ‫مــن األمــر بهــا‪ ،‬نحــن بشــر ال نستســيغ‬ ‫فــرض أمـ ٍـر بيننــا‪ ،‬فكيــف إذا جــاء لفعـ ٍـل‬ ‫هــو يف أصلــه «اختيــار» ال يفــرض علــى‬ ‫أحــد إال يف صفــوف الدراســة األوليــة‪،‬‬ ‫ومــن هنــا جــاءت قدســية هــذا الفعــل‬ ‫«القــراءة» حــن ســمى بأمـ ٍـر إلهــي عظيــم‬ ‫يف أول ســورة مــن الوحــي املنــزل‪.‬‬ ‫ولــم يكــن هــذا األمــر رغــم قدســيته‬ ‫واجبــاً يلــزم املؤمنــن إتيانــه وينــزل‬ ‫العقوبــة بتاركــه‪ ،‬بــل جــاء كبوابــة خــاص‬ ‫وكتلبيــة حلاجــة بشــرية يُقــاد لهــا البشــر‬ ‫مهمــا كانــت ألوانهــم وأديانهــم وعروقهــم‪،‬‬ ‫اســتجاب ًة فطريــة حلاجــة جتمــع البشــر‬ ‫حــول «اقــرأ»‪.‬‬ ‫إن لــم تكــن القــراءة ممارســة تل ّبــي حاجــة‬ ‫يف داخلــك‪ ،‬فإنهــا تتحــول لثقـ ٍـل ال طاقــة‬ ‫ٍ‬ ‫تــرف وصــورة‬ ‫لــك باحتمالــه‪ ،‬أو إلــى‬ ‫فارغــة مــن املعنــى تضعهــا علــى ٍ‬ ‫رف‬ ‫جمالــي تزيــن بــه شــخصك ‪.‬‬ ‫ليــس علينــا أن نــزرع يف النــاس‬ ‫حاجــات تالئمهــم‪ ،‬أو أن نطلــب منهــم‬ ‫الكشــف عنهــا‪ .‬احلاجــة قــد تتشــكل‬ ‫بإحســاس داخلــي مح ّيــر يعجــز املــرء‬

‫مفســر‪ ،‬ومــن واجبنــا‬ ‫عــن إتيانــه مبعنـ ًـى ّ‬ ‫مراعــاة ذلــك‪.‬‬ ‫مــا علينــا هــو أن نُشــهد اخللــق بأننــا‬ ‫نقــول لهــم أنــه علــى مــدى كل هــذا العمــر‬ ‫مــن البشــرية‪ ،‬حمــل الكتــاب معــه ســ ّر‬ ‫ـدق للمحتاجني‪،‬‬ ‫الكلمــة‪ ،‬وأفصــح عنه بصـ ٍ‬ ‫ـولي احلــرف شــيئاً ســوى‬ ‫ولــم يُبقــي ملتسـ ّ‬ ‫الهوامــش امله َملــة‪ ،‬بــل جعلهــم يخوضــون‬ ‫يف كتــب ومكتبــات دون جــدوى حتــى‬ ‫ســئموا البحــث‪ ،‬وجعلــوا مــن الكتــاب‬ ‫متهمــاً‪ ،‬وقالبــاً فارغــاً إثــر ذلــك‪.‬‬ ‫الكشــف عن هذا السـ ّر ره ُن حاجتك‪،‬‬ ‫تكشــف لــك ّ‬ ‫فــإذا مــا ّ‬ ‫تكشــفت لــك حقــو ٌل‬ ‫مــن البامبــو‪ ،‬وم ـ ّرت مــن أمامــك جســور‬ ‫باريــس‪ ،‬ومطــارات بكــن وســنغافورا‬ ‫جلســت مــع كونفوشــيوس‪،‬‬ ‫وميونيــخ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ووقفــت مــع صــاح الديــن‪ ،‬ثــم رقصت مع‬ ‫زوربــا‪ .‬ســوف تطهــو قالــب احللــوى مــع‬ ‫ســنووايت‪ ،‬وتقلــع علــى عصــاك الســحرية‬ ‫مــع هــاري بوتــر ‪ ،‬ســوف تأخذك الدهشــة‬ ‫مــع حيــران يف قصــة اإلميــان‪ ،‬وتتملــكك‬ ‫الغرابــة وأنــت يف الغابــة مــع كافــكا ثــم‬ ‫يعيــدك معــه لتتولــد قصــة أخــرى فأخــرى‬ ‫فأخــرى‪ ،‬متضــي دون فهــم لكنــك تكبــر‬ ‫وتنضــج وتعيــد النظــر بحــرص أكثــر‪.‬‬ ‫مــن املهــم أنــك حــن تقــرأ ستُكشــف‬ ‫باختصــار أمــام نفســك‪ ،‬وهــو األمــر الــذي‬ ‫س ـتُبقيه ســراً مــا حييــت‪ ،‬وســوف تقــول‬ ‫بعدهــا لآلخريــن ‪ ،‬تل ّمســوا حوائجكــم‬ ‫دون أن يشــير إصبعــك ألي كتــاب‪.‬‬ ‫لــم يكــن الســر يف الكتــاب أبــداً‪ ،‬السـ ّر‬ ‫كان يف نصفــن متالصقــن‪ ،‬أحدهمــا‬ ‫أنــت ‪!..‬‬ ‫آالء القويري‬ ‫‪alaa.abdulelah@gmail.com‬‬

‫‪11‬‬


‫سعيد الزهراني‬ ‫‪@drpolymath85‬‬

‫كانــت قرطبــة قبــل الفتــح العربــي‬ ‫اإلســامي بلــدا موحشــا يضــج بالهمجيــة‬ ‫والعبوديــة ‪ ،‬فالعقــول مســلوبة ‪ ،‬واجلهــل‬ ‫شــائع ‪ ،‬وغالبيــة الســكان مزارعــون‬ ‫فقــراء ‪ ،‬أو عبيــد مغتصبــة حقوقهــم‪.‬‬ ‫ثــم إن الكنيســة هــي الراعيــة لهــذا‬ ‫التخلــف والتــردي واالســتبداد ‪ ،‬فالغالبيــة‬ ‫الســاحقة ال تقــرأ وال تكتــب ‪ ،‬وحتــى‬ ‫لــو أرادت أن تقــرأ فــا تعــرف ملــاذا ؟‬ ‫وكيــف ؟ فالقــراءة تــرف يف ذلــك الوقــت‬ ‫‪ ،‬فهــم يعيشــون ثقافــة العصــور الوســطى‬ ‫املظلمــة‪.‬‬ ‫لقــد كان العقــل األوروبــي مســكونا‬ ‫باخلرافــة واجلهــل كأن التاريــخ توقــف‬ ‫عنــد القــرن الســادس للميــاد حتــى جــاء‬ ‫العــرب املســلمون ونفضــوا عنهــا غبــار‬ ‫الزمــان وأعلنــوا بدايــة عصــر العقــل‬ ‫ونهايــة عصــر الظلمــات ‪ .‬وقــد عجــز‬ ‫األوروبيــون عــن أن يبنــوا مكتبــات فــإذا‬ ‫بنيــت مكتبــة فهــي حلفــظ الكتــب وليســت‬ ‫لنشــر املعرفــة ‪ ،‬وهــذا أســقفهم إيــزدروا‬ ‫األشــبيلي الــذي قيــل عنــه أنــه أعلــم أهــل‬ ‫زمانــه لــم يســتطع أن يحظــى بأكثــر مــن‬ ‫بضعــة كتــب‪ .‬هــذه صــورة موجــزة جــدا‬ ‫عــن أســبانيا األوروبيــة قبــل الفتــح‬ ‫وســنرى كيــف تغيــرت هــذه الصــورة‬ ‫جذريــا ‪ ،‬وأصبحــت الفــردوس املوعــود‬ ‫ومنوذجــا أرضيــا للجنــة كمــا يقــول املــؤرخ‬ ‫الدكتــور حســن مؤنــس‪.‬‬ ‫بعدمــا فتــح املســلمون األندلــس وبــدأ‬ ‫‪12‬‬

‫االســتقرار السياســي بــدأت قرطبــة تبنــي‬ ‫لهــا مجــدا حضاريــا وثقافيــا عظيمــا‬ ‫يقــارع مــدن املشــرقيني الثقافيــة مثــل‬ ‫بغــداد ودمشــق والقاهــرة ‪ ،‬وتتربــع علــى‬ ‫عــرش العلــم واألدب والثقافــة والفكــر ‪،‬‬ ‫وزادهــا فتنــة وجمــاال طبيعتهــا اخلضــراء‬ ‫وأريافهــا البهيــة التــي كانــت بحــق قطــع‬ ‫مــن النعيــم ‪.‬بــدأت العقــول الالمعــة‬ ‫تهاجــر إلــى األندلــس مــن بغــداد وكل‬ ‫احلواضــر واملــدن اإلســامية الثقافيــة ‪،‬‬ ‫ومــع هجــرة العقــول والعلمــاء أو قبلهــا‬ ‫بقليــل توافــدت الكتــب بكثــرة وبــا‬ ‫انقطــاع علــى مــدار الســنني ‪ ،‬ونســتطيع‬ ‫أن نقــول أنــه مــن عصــر اخلليفــة الناصــر‬ ‫بــدأت ســماء قرطبــة تلمــع وتزدهــر‬ ‫وينطلــق عصــر ســيادتها يف العالــم ‪،‬‬ ‫فالبعثــات الدبلوماســية والعقــول اجلائعــة‬ ‫النهمــة والكتــب النفيســة النــادرة كلهــا‬ ‫أصبحــت مــن عــادات املدينــة اليوميــة‬ ‫التــي اشــتهرت بهــا ‪ .‬فهــذا رومانــوس‬ ‫إمبراطــور البيزنطيــن لــم يجــد أثمــن‬ ‫هديــة يبعــث بهــا إلــى الناصــر ســوى‬ ‫كتــاب ديســقوريديس للنبــات مصــورا‬ ‫ومكتوبــا مبــاء الذهــب لعلمــه بولعــه‬ ‫الشــديد وعشــقه للكتــب ‪.‬ويعــد هــذا‬ ‫العصــر بدايــة العصــر الذهبــي لقرطبــة‬ ‫الثقافيــة ‪ ،‬حيــث اســتكمل الناصــر رفــد‬ ‫املكتبــة امللكيــة بالكتــب والتــي أنشــأها‬ ‫عبدالرحمــن األوســط ‪ ،‬ثــم أصبحــت‬ ‫فيمــا بعــد أكبــر مكتبــة يف العالــم يف‬

‫عهــد احلكــم املســتنصر بــاهلل‪ .‬لقــد كان‬ ‫التنافــس شرســا بــن أبنــاء الناصــر علــى‬ ‫حــب العلــم وجمــع الكتــب ‪ ،‬فــكل واحــد‬ ‫منهــم أســس مكتبتــه اخلاصــة حتــى تــويف‬ ‫األخ األصغــر وذهبــت مكتبتــه إلــى مكتبــة‬ ‫أخيــه احلكــم الــذي ضــم أيضــا مكتبــة‬ ‫القصــر إلــى مكتبتــه وبهــذا كان للحكــم‬ ‫أكبــر مكتبــة يف العصــر الوســيط كلــه ‪.‬‬ ‫تتلمــذ احلكــم علــي يــد أبــي علــي القالــي‬ ‫صاحــب كتــاب األمالــي الــذي أتــى مــن‬ ‫بغــداد ليشــهد نهضــة قرطبــة الثقافيــة‬ ‫ويكــون مــن أعمدتهــا األدبيــة ‪ ,‬ولــذا نشــأ‬ ‫محبــا للعلــم واألدب مهووســا بالكتــب‪،‬‬ ‫ويقــول عنــه املستشــرق رانهــارت دوزي‬ ‫مؤلــف الكتــاب املشــهور ( تاريــخ املســلمني‬ ‫يف أســبانيا ) «لم يســبق أن حكم أســبانيا‬ ‫حاكــم عالــم بهــذه الدرجــة ‪ ,‬ورغــم أن‬ ‫أســافه كانــوا رجــاال متعلمــن و أحبــوا‬ ‫أن يغنــوا مكتباتهــم ‪ ,‬فــإن أحــدا منهــم لــم‬ ‫يبحــث بشــغف ونهــم عــن الكتــب النــادرة‬ ‫والثمينــة كمــا فعــل احلكــم «‪ .‬ولــم يكتــف‬ ‫احلكــم بذلــك بــل كان لــه يف كل بلــد‬ ‫مراســلني يخبرونــه عــن الكتــب اجلديــدة‬ ‫والقيمــة ويبعثــون بهــا إليــه ‪ ,‬وحتــى وصلــه‬ ‫أن أبــا الفــرج األصفهانــي يؤلــف كتابــه‬ ‫األغانــي فبعــث إليــه بألــف دينــار مــن‬ ‫الذهــب اخلالــص قيمــة نســخة واحــدة‬ ‫مــن الكتــاب قبــل أن ينشــر ويوضــع يف‬ ‫مكتبــات بغــداد ‪.‬‬


‫وأمــا مكتبــة قرطبــة العامــة فكانــت‬ ‫حديــث الدنيــا والنــاس‪ ،‬فطورهــا ووســعها‬ ‫احلكــم وجعلهــا قبلــة العلمــاء واألدبــاء‬ ‫واملترجمــون وطــاب املعرفــة ‪ ،‬وكثيــر‬ ‫مــن املصــادر التاريخيــة تذكــر أنهــا‬ ‫كانــت حتتــوي علــى أربعمائــة ألــف مجلــد‬ ‫وفهارســها كانت يف أربعة و أربعني مجلد‬ ‫كل مجلــد يحتــوي علــى ‪ 50‬ورقــة ‪ ،‬وأنهــم‬ ‫عندمــا نقلوهــا إلــى مقرهــا اجلديــد‬ ‫اســتغرق النقــل ســتة أشــهر كاملــة ‪.‬كان‬ ‫للمكتبــة إدارة مســتقلة تعنــى بشــؤونها‬ ‫املاليــة وصــرف املرتبــات ولهــا أقســام‬ ‫متخصصــة مثــل قســم النســخ والوراقــة ‪،‬‬ ‫وقســم الترجمــة والتجليــد الفنــي للكتــب‬ ‫وجعلهــا فاخــرة مريحــة للنفــس والنظــر‪،‬‬ ‫وقســم مخصــص جللــب الكتــب مــن‬ ‫أقطــار العالــم ‪ ،‬ولهــم نســاخون ووراقــون‬ ‫يف مــدن احلواضــر العامليــة فــإذا وجــدوا‬ ‫كتابــا قيمــا نســخوه وبعثــوا بــه إلــى املكتبــة‬ ‫التــي ال تســمع فيهــا إال تقليــب الــورق‬ ‫وصــوت احملابــر ‪.‬‬ ‫ولــن تصــدق أيضــا أن يف هــذه املدينــة‬ ‫الباهــرة أكثــر مــن ‪ 20‬مكتبــة عامــة‬ ‫منتشــرة يف أنحــاء املدينــة ويف احلدائــق‬ ‫التــي وضعــت عليهــا كراســي القيشــاني‬ ‫للجلــوس عليهــا واالســتمتاع بالقــراءة‪.‬‬ ‫وهــذا كلــه غيــر مكتبــات املســاجد‬ ‫واجلوامــع واملــدارس ‪ ،‬وأيضــا انتشــرت‬ ‫ظاهــرة املكتبــات اخلاصــة فالــكل يريــد‬ ‫أن يبنــي لــه مكتبــة يف منزلــه ويشــتري‬

‫النــوادر والكنــوز ‪ ،‬فجمــع الكتــب وقراءتها‬ ‫أصبــح حمــى منتشــرة بــن النــاس مــن كل‬ ‫طبقــات املجتمــع فلقــد أصبحــت ثقافــة‬ ‫شــعب كامــل يعشــق القــراءة والكتــب ‪،‬‬ ‫فمالــذي جعــل قرطبــة أم احلواضــر‬ ‫وجعلهــا نــورا ســاطعا يف ظــام أوروبــا‬ ‫ســوى القــراءة وحــب الكتــاب ‪.‬‬ ‫يف ظــل هــذا اجلــو املشــبع بالثقافــة‬ ‫وانفجــار وشــيوع املعرفــة وبعــد أن‬ ‫اســتوعب العلمــاء واألدبــاء مــاكان يف‬ ‫املكتبــات وبطــون الكتــب ‪ ،‬بــدأ حصــد‬ ‫الثمــار وانطلقــت نهضــة علميــة وأدبيــة‬ ‫شــاملة الســابق لهــا يف كل املجــاالت ‪،‬‬ ‫فظهــر الفالســفة والشــعراء واملؤرخــن‬ ‫و اجلغرافيــن و الفقهــاء و احملدثــن‬ ‫واألطبــاء والصيادلــة والكيميائيــن‪،‬‬ ‫وكان التأليــف علــى قــدم وســاق وظهــرت‬ ‫أســماء المعــة خلــدت عبــر التاريــخ مثــل‬ ‫ابــن حــزم القرطبــي عاملهــا وأديبهــا‬ ‫مؤلــف أول كتــاب يف دراســة احلــب‬ ‫واحملبــن ‪ ،‬وهــذا ابــن رشــد فيلســوف‬ ‫قرطبــة الــذي تتلمــذت أوروبــا علــى‬ ‫يديــه ‪ ،‬والننــس أشــهر جغرافيــي العالــم‬ ‫يف العصــر الوســيط ( اإلدريســي )‬ ‫التــي درســت خرائطــه واســتفاد منهــا‬ ‫مستكشــفوا البحــار األوربيــون ‪ ,‬ويف‬ ‫الطــب واجلراحــة لــن جنــد أعظــم مــن‬ ‫أبــي القاســم الزهــراوي الــذي درس يف‬ ‫قرطبــة ويعتبــر أبــا اجلراحــة احلديثــة‬ ‫ومختــرع أكثــر مــن مائتــي آلــة جراحيــة‬

‫كثيــر منهــا يســتخدم إلــى اآلن أو مت‬ ‫تطويــره مــن آالتــه املخترعــة ‪ ,‬ولــذا كانــت‬ ‫األندلــس وقرطبــة خاصــة حلقــة الوصــل‬ ‫التــي نقلــت العلــوم واآلداب إلــى أوروبــا‬ ‫فــكل النتــاج املعــريف القرطبــي ترجــم‬ ‫إلــى الالتينيــة التــي كانــت اللغــة الســائدة‬ ‫يف ذلــك الزمــان ‪ ،‬واســتيقظ العقــل‬ ‫األوروبــي بعــد ذلــك ونــام العقــل العربــي‬ ‫ومازلنــا يف أحالمنــا هائمــون ‪.‬‬ ‫أرأيتــم مــاذا فعلــت قرطبــة مدينــة‬ ‫القــراءة واملكتبــات بســكانها لقــد صنعــت‬ ‫منهــم عباقــرة يف فتــرة زمنيــة قياســية‬ ‫ولكــن تأثيــر هــذه احلقبــة الوجيــزة امتــد‬ ‫إلــى عصرنــا وملســناه يف كل شــي ‪ .‬لقــد‬ ‫بنــت القــراءة مجتمعــا مثاليــا يف مدينــة‬ ‫احلكمــة الباهــرة ذات املكتبــات العامــرة‪,‬‬ ‫ووصــف أحــد املستشــرقني األوروبيــن‬ ‫املتخصصــن يف التــراث األندلســي‬ ‫املجتمــع القرطبــي بــأن قــال «إن الواحــد‬ ‫منهــم يتكلــم كأنــه الفيلســوف الرومانــي‬ ‫ســينيكا ‪ ،‬ويتغنــى بالشــعر كأنــه الشــاعر‬ ‫اإلجنليــزي بليــك ‪ ،‬ويتصــرف كأنــه لويــس‬ ‫الرابــع عشــر عــراب النهضــة األدبيــة‬ ‫والفنيــة يف فرنســا»‬ ‫فهــذا ماكنــا عليــه ســابقا وكيــف كانــوا‬ ‫يروننــا أمــة مــن الشــعراء والفالســفة‬ ‫واحلكمــاء ‪,‬وهــذا مــا نريــد أن نســترجعه‬ ‫وبشــدة بعد أن أصبح الفردوس مفقودا‪,‬‬ ‫فأمــة اقــرأ يجــب أن تقــرأ وتنظــر كيــف‬ ‫غ ّيــر ربيــع قرطبــة العالــم‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫الكتــاب يبحــث يف موضــوع االســتخالف‪ .‬موضــوع وظيفتنــا‬ ‫بوصفنــا خلفــاء يف األرض‪.‬‬ ‫وهــو موضــوع «مفتاحــي»‪ ،‬مبعنــى أنــه يُشــكل «مفتاحــاً‬ ‫ألساســات مهمــة يف فهــم النــص الدينــي‪ ،‬وفهــم وظيفتــه‬ ‫وبالتالــي فهــم املطلــوب منــا‪.‬‬ ‫ملاذا نح ُن ُهنا‪ ،‬على هذا الكوكب؟‬ ‫ســؤال مهــم‪ ،‬مــع أن البعــض قــد ال يُفكــر فيــه‪ ،‬والبعــض‬ ‫يحــاول جتاهلــه‪ ،‬يطــرده مــن بالــه كمــا يطــرد وسواسـاً شــريراً‪.‬‬ ‫األمــر املهــم يف هــذا النــوع مــن األســئلة أن اجلــواب فيهــا‬ ‫ال ميكــن أن يتعــدد‪ ،‬إنــه إمــا أن يكــون صحيحــاً‪ ،‬أو أن يكــون‬ ‫خاطئــاً‪.‬‬ ‫فــا ميكــن أن يؤمــن أحــد حقــاً أن اإلنســان يف الصــن‬ ‫خُ لــق لهــدف آخــر غيــر الــذي خُ لــق ألجلــه يف أفريقيــا؛ مــا دام‬ ‫النــوع اإلنســاني قــد وجــد مــرة واحــدة‪ ،‬يف زمــن هــو بــدء الزمــن‬ ‫اإلنســاني حق ـاً‪ ،‬فــا بــد أن يكــون الهــدف واحــداً‪.‬‬ ‫ولهــذا‪ ،‬فــإن الهــدف مــن وجودنــا هــو قضيــة «عقائديــة»‬ ‫بطريقــة مــا‪ ،‬أي أنــه يدخــل يف صميــم عقيدتنــا وإمياننــا‪ ،‬فلفــظ‬ ‫العقيــدة الــذي اُشــتق منــه الفعــل «عقــد» تنطبــق متام ـاً علــى‬ ‫إمياننــا مبــا خُ لقنــا مــن أجلــه‪ ،‬الــذي هــو «عقــدة األمــر»‪ ،‬فحياتنا‬ ‫كلهــا علــى كوكــب األرض تقــوم علــى مــا ســنفعله فيهــا‪ ،‬ومــا‬ ‫ســنفعله فيهــا يعتمــد بشــكل أو بآخــر علــى إمياننــا بوظيفتنــا‪.‬‬ ‫تع ّرف على اخلليفة‪:‬‬ ‫كانــت املــرة األولــى التــي تع ـ ّرف عليهــا الفــرد املســلم علــى‬ ‫لفــظ «اخلليفــة» ‪ -‬الــذي ســيصير الحقــاً لقبــاً لــه ‪ -‬عبــر‬ ‫مناســبة شــديدة األهميــة والتأثيــر والتفــرد‪.‬‬ ‫عن أي آية أحتدث؟‬ ‫عــن اآليــة األولــى التــي ذكــرت لفــظ «االســتخالف» أو أي‬ ‫لفــظ مشــتق منــه‪ ،‬والتــي ســتكون أيضـاً اآليــة الوحيــدة يف ذات‬ ‫الفتــرة «املكيــة» التــي تتحــدث عــن اخلليفــة بصيغــة املفــرد‪.‬‬ ‫ســيأتي لفــظ «اخلليفــة» أوالً كأول مــا يفتتــح بــه املعنــى‪ .‬ثــم‬ ‫لــن يأتــي قــط بعدهــا بهــذه الصيغــة يف الفتــرة املكيــة‪.‬‬ ‫قولــه تعالــى‪( :‬يــا داود إنــا جعلنــاك خليفــة يف األرض فاحكــم‬ ‫بــن النــاس باحلــق وال تتبــع الهــوى فيضلــك عــن ســبيل اهلل إن‬ ‫الذيــن يضلــون عــن ســبيل اهلل لهــم عــذاب شــديد مبــا نســوا يــوم‬

‫‪14‬‬

‫احلساب) ص‪26:‬‬ ‫نزلــت ســورة «ص» يف قلــب الفتــرة املكيــة‪ ،‬ترتيــب نزولهــا هــو‬ ‫«‪ »38‬مــن أصــل «‪ »86‬ســورة نزلــت يف مكــة‪ ،‬وهــي أطــول ســورة‬ ‫نســبياً مقارنــة مبــا ســبقها مــن ســور قصيــرة‪ ،‬أطــول ســورة‬ ‫ســبقتها هــي ســورة القمــر «‪ »55‬آيــة وســتليها ســورة األعــراف‬ ‫وهــي مــن الســبع الطــوال يف تغيــر جــذري‪.‬‬ ‫(واصبــر علــى مــا يقولــون واذكــر عبدنــا داود ذا األيــدِ إنــه‬ ‫أواب)‬ ‫ســننتبه هنــا أن ســيدنا داود قــد وصــف بأنــه ذا األيــد‪ .‬كــم‬ ‫يــداً كان ميتلــك ســيدنا داود يــا تــرى؟ مثلنــا جميعـاً‪ ،‬كان ميتلــك‬ ‫علــى األغلــب يديــن فقــط‪.‬‬ ‫لكنــه علــى اخلــاف مــن أغلبنــا‪ ،‬كان ميتلــك أيــادي أخــرى‪ ،‬ال‬ ‫تتصــل بجســمه بالضبــط‪ ،‬ولكنهــا تــؤدي غرض األيدي نفســه‪.‬‬ ‫(إنــا ســخرنا اجلبــال معــه يُســبحن بالعشــي واإلشــراق «‪»18‬‬ ‫والطيــر محشــورة كل لــه أواب)‬ ‫إنهــا اليــد اجلماعيــة التــي تنصهــر مــع اليــد القائــدة ألنهــا‬ ‫تؤمــن بالهــدف‪.‬‬ ‫ومــا ميــز داود «عليــه الســام» ليــس فقــط تلــك األيــدي‪ ،‬أي‬ ‫الوســائل املتعــددة‪ ،‬إذ إن هــذا مــا تتصــف بــه مدنيات االســتعالء‬ ‫والعلــو أيض ـاً‪ .‬لكــن أيــادي داود مختلفــة‪ .‬ال ننســى أن وســائله‬ ‫كانــت محكومــة بعبوديتهــا هلل‪.‬‬ ‫فوصــف داود بكونــه «عبــداً هلل» ســبق وصــف بأنــه «ذو‬ ‫األيــدي» وحلــق ذلــك بوصــف إنــه أواب‪.‬‬ ‫أي أن كل وســائل داود‪ ،‬كانــت منســجمة مــع أهدافــه‬ ‫ومنطلقاتــه‪ ،‬خاضعــة لعبوديتــه هلل‪.‬‬ ‫(وشددنا ملكه وأتيناه احلكمة وفصل اخلطاب) ص‪20:‬‬ ‫يُقــدم اخلطــاب القرآنــي منوذجــاً للحكمــة مناقضــاً لتلــك‬ ‫الصــورة الســلبية العالقــة يف أذهاننــا‪ .‬إنهــا صــورة داود ‪ -‬امللــك‪،‬‬ ‫الــذي لــم تكــن حكمتــه نتيجــة النعــزال عــن الفعــل واألداء‪ ،‬بــل‬ ‫كانــت نتيجــة مباشــرة ألداء مــا يجــب أداؤه‪ ،‬كانــت احلكمــة جزءاً‬ ‫أساســياً مــن الفعــل بالنســبة لــداود «ذي األيــد»‪ ،‬ورمبــا كانــت‬ ‫هــذه احلكمــة هــي الســبب يف أن فعاليتــه كانــت إلــى درجــة أنــه‬ ‫وصــف بـــ «ذي األيــد»‪.‬‬


‫تأخذنــا اآليــات التاليــة إلــى مــا ســيبدو للوهلــة األولــى كمــا أيضـاً‪ ،‬كجــزء مــن مســتحقات خالفتــه أو مســوغاتها أن يحكــم‬ ‫لــو كان حدثـاً مــن األحــداث اليوميــة التــي ميكــن أن متــر بــأي بــن النــاس‪ .‬وأن يكــون ذلــك باحلــق‪.‬‬ ‫حاكــم أو صاحــب ســلطة قضائيــة‪.‬‬ ‫(وهــل أتــاك نبــأ اخلصــم إذ تســوروا احملــراب «‪ »21‬إذ كيف ُقتل اخلليفة؟‬ ‫ثالث طعنات يف قلب اخلليفة؟‬ ‫دخلــوا علــى داوود ففــزع منهــم قالــوا ال تخــف خصمــان بغــى‬ ‫بعضنــا علــى بعــض فاحكــم بيننــا باحلــق وال تشــطط واهدنــا‬ ‫معادلــة «االســتخالف» أُصيبــت بهــذه الطعنــات الثــاث‬ ‫إلــى ســواء الصــراط‪ )...‬ص‪24 - 21:‬‬ ‫(حســب رأيــي)‪ ،‬وهــي املفاهيــم الســلبية التــي متكنــت مــن أن‬ ‫تســلط اآليــات الكرميــة الضــوء علــى أن االســتخالف تســتغل التحيــز الســلبي لتحيــد إيجابيــات كثيــرة يف مفاهيمنــا‬ ‫واخلالفــة يجــب أن يرتبطــا بالعدالــة االجتماعيــة‪ ،‬وتقليــص األساســية‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬تهميــش الدنيــا‪ ،‬ســاحة االمتحــان‪ ،‬وحتقيرهــا حتــى‬ ‫الهــوة بــن الفقــراء واألغنيــاء يف مجتمــع االســتخالف‪ .‬ولننتبــه‬ ‫هنــا إلــى إن اآليــات يف هــذا الســياق تضــع داود أمــام نتيجــة صــارت تبــدو كالزبالــة النتنــة‪ ،‬بــل صــارت كذلــك فعـ ً‬ ‫ا‪ ،‬يف آليــة‬ ‫نهائيــة لوضــع الســور بــن احملــراب والنــاس‪ .‬وجــود الســور تخدير لإلنســان عن دوره احلقيقي‪ ،‬حيث يتم إقناعه أن دوره‬ ‫الفاصــل بــن احملــراب‪ ،‬أي بــن الشــعائر‪ ،‬بــن الديــن‪ ،‬وبــن يف هــذه احليــاة يقتصــر علــى بعــض الشــعائر و»التجنبــات»‪،‬‬ ‫النــاس وهمومهــم ومشــاكلهم هــو الــذي يــؤدي إلــى هــذه ومــن ضمنهــا االبتعــاد عــن الدنيــا يف انتظــار اآلخــرة‪.‬‬ ‫النتيجــة‪ ،‬إلــى هــذه الدرجــة التــي يبــدو معهــا االحتــكار‬ ‫فــكان مــا كان مــن ابتعــاد حقيقــي عــن الدنيــا للبعــض‪،‬‬ ‫واالســتئثار حقــاً مشــروعاً تطالــب بــه هــذه الفئــات‪ ،‬وتعــده وإقبــال عليهــا للبعــض‪ ،‬ولكــن بطــرق غيــر شــرعية‪ ،‬أو بكثيــر‬ ‫حقهــا الطبيعــي الــذي ال يُناقــش وال يســتحق املراجعــة‪.‬‬ ‫مــن تأنيــب الضميــر‪ ،‬كمــا لــو كانــوا يقترفــون إثمــاً‪.‬‬ ‫الســور يف الداخــل‪ :‬وأخطــر مــن كل ذلــك هــو ســور ثالــث‬ ‫ثانيـاً‪ :‬جــاء اإلميــان الســلبي «بالقــدر» ليكــون مبثابــة الضربة‬ ‫وهمــي‪ ،‬لكــن تأثيــره أكبــر بكثيــر مــن كل األســوار املاديــة‪ ،‬إنــه القاضيــة علــى معادلــة «االســتخالف» فقــد مت تســويغ الوضــع‬ ‫ذلــك احلاجــز الــذي يســتقر يف نفــس اإلنســان ليكــون أقــوى الســلبي املتدنــي بكونــه جــزءاً مــن قضــاء وقــدر مســبق ال ســبيل‬ ‫مــن أي حاجــز آخــر خــارج نفســه‪ ،‬ذلــك احلاجــز الــذي نضعــه لتغييــره‪ ،‬ومت ســلب نســبة الفعــل مــن العبــد‪ ،‬وإرجاعهــا إليــه‬ ‫أحيانــاً بــا وعــي بــن مــا نؤمــن بــه‪ ،‬ومــا نؤديــه فعــ ً‬ ‫ا‪ ،‬بــن عــز وجــل يف تناقــض صــارخ مــع محاســبته لنــا الحقـاً‪.‬‬ ‫مثلنــا ال ُعليــا‪ ،‬وإمياننــا وقيمنــا الدينيــة مــن جهــة‪ ،‬وبــن واقعنــا‬ ‫ثالثــاً‪ :‬الفهــم الســلبي ملفهــوم ولــي األمــر الــذي رســخ‬ ‫الســلوكي الفعلــي مــن جهــة أخــرى‪ .‬إنــه ذلــك احلاجــز الــذي االســتبداد‪ ،‬وكبل الفرد اإلنســان ‪ -‬اخلليفة بقيود جتاه «خليفة‬ ‫واد‪ ،‬وســلوكنا يف ٍ‬ ‫يجعــل عبادتنــا يف ٍ‬ ‫فــرد واحــد» تربــع علــى قمــة الهــرم‪ ،‬وفــرض ســلطته دون وجــه‬ ‫واد آخــر‪.‬‬ ‫(يــا داود إنــا جعلنــاك خليفــة يف األرض فاحكــم بــن النــاس حــق أو تخويــل مــن اخلالــق الــذي منــح حــق «االســتخالف»‬ ‫باحلــق وال تتبــع الهــوى)‬ ‫و»اخلالفــة» لــكل فــرد يف النــوع البشــري‪ .‬فــإذا بهــذا احلــق‬ ‫وينــح لشــخص واحــد فقــط عبــر فهــم‬ ‫«احلكــم» هنــا يف ســياق االســتخالف ال يتحــدث عــن أي يُســلب مــن اجلميــع‪ُ ،‬‬ ‫حكــم‪ ،‬ال يتحــدث عــن احلكــم باعتبــاره وجهــة نظــر أو رؤيــة ســلبي تراكــم علــى النصــوص الدينيــة وطريقــة تعاملنــا معهــا‪.‬‬ ‫نســبية للحيــاة‪ ،‬بــل هــو يتحــدث عــن حكــم خــاص جــداً‪ ،‬حكــم‬ ‫مــع كل هــذا‪ ،‬هــل كان ميكــن ملعادلــة االســتخالف إال أن‬ ‫يكــون هــو احلكــم الصــواب‪ ،‬حكــم يكــون جــزءاً مــن فصــل حتبــط وتعطــل؟‬ ‫اخلطــاب‪.‬‬ ‫ال‪ ،‬لم يكن ممكناً إال أن يحدث ما حدث بنا ولنا‪.‬‬ ‫فلنتذكر هنا أن مفهوم «احلكم» هنا كان تابعاً لالستخالف‪.‬‬ ‫وداود الــذي جعلــه اهلل عــز وجــل خليفــة يف األرض‪ ،‬قــد أُمــر‬ ‫‪@books_guide‬‬ ‫‪www.waraqcast.com‬‬

‫‪15‬‬


‫أثــرى الدكتــور خالــد الالحــم أســتاذ‬ ‫القــرآن وعلومــه املســاعد يف جامعــة‬ ‫اإلمــام محمــد بــن ســعود اإلســامية‬ ‫عقولنــا ولفــت أنظارنــا إلــى اســتراتيجية‬ ‫مــن اســتراتيجيات القــراءة املهمــة والتــي‬ ‫نغفــل عنهــا وهــي «القــراءة بقلــب» فقــد‬ ‫جعــل القلــب منظــاراً ننظــر بــه إلــى‬ ‫كل كلمــة نقرأهــا فتدخــل يف أعماقنــا‬ ‫وتتخلــل عقولنــا وبالتالــي تقــع يف أفهامنــا‬ ‫وتغــرز يف تصوراتنــا‪ .‬إن القــراءة بقلــب‬ ‫– كمــا يذكــر الدكتــور‪ -‬هــي مفتــاح‬ ‫مــن ‪ ‬مفاتيــح قــوة القلــب والنفــس ‪ ،‬تعيننــا‬ ‫علــى التحكــم بتفكيرنــا والســيطرة علــى‬ ‫مشــاعرنا‪ ،‬هــي طريــق إلــى قــوة اإلرادة‬ ‫وقــوة الذاكــرة‪ .‬لقــد عــ ّرف الدكتــور‬ ‫القــراءة بقلــب عــدة تعريفــات؛ التعريــف‬ ‫األول ‪ :‬هــي القــراءة النقيــة اخلالصــة‬

‫‪16‬‬

‫مــن أي هواجيــس مــن بدايــة القــراءة إلــى‬ ‫نهايتهــا ‪ ،‬بحيــث يحصــل الربــط التــام‬ ‫املســتمر بــن القلــب والعــن واللســان ‪،‬‬ ‫وأال يوجــد يف القلــب غيــر مــا يتم قراءته‪.‬‬ ‫التعريــف الثانــي ‪ :‬هــي تركيــز القلــب‬ ‫علــى مــا يقــرأ لفظــاً‬ ‫ومعنــى ومنــع أي‬ ‫ً‬ ‫قــراءة أخــرى غيرهــا ‪.‬‬ ‫التعريــف الثالــث‪ :‬هــي ربــط القلــب‬ ‫باللســان والعــن حــن القــراءة ‪ ،‬وأال‬ ‫يوجــد يف القلــب كالم أو صــورة غيــر‬ ‫الــذي ينطــق بــه اللســان أو تــراه العــن ‪.‬‬ ‫وقــد ذكــر معنــى القــراءة بقلــب يف القــرآن‬ ‫الكــرمي بألفــاظ ومصطلحــات متعــددة‬ ‫منهــا‪:‬‬ ‫‪ -1‬العلــم‪ -2 .‬العقــل‪ -3 .‬التدبــر‪.‬‬ ‫‪ -4‬التفكــر‪ -5 .‬النظــر‪ -6 .‬اإلنصــات‪.‬‬ ‫‪ -7‬املواطــأة‪ -8 .‬الســمع‪ -9 .‬الشــهود‪.‬‬

‫فهــذه كلهــا معــان وألفــاظ جــاءت يف‬ ‫القــرآن الكــرمي تطلــب أن تكــون القــراءة‬ ‫واعيــة مركــزة ينتــج عنهــا مــا ذكــر مــن‬ ‫علــم وعقــل وتفكــر‪ .‬لقــد تطــرق الكاتــب‬ ‫إلــى مفاهيــم جميلــة وممتعــة فذكــر أنــه‬ ‫يوجــد يف القلــب ثالثــة مصــادر للقــراءة‬ ‫أو الــكالم ‪ :‬األول ‪ :‬حديــث النفــس ‪.‬‬ ‫الثانــي ‪ :‬إلهــام امللــك ‪ .‬الثالــث ‪ :‬وسوســة‬ ‫الشــيطان ‪ .‬فمــا يوجــد مــن كالم يف‬ ‫القلــب إمــا أن يكــون ابتــداء مــن النفــس‬ ‫وليــس مــن مصــدر خارجــي ‪ ،‬أو يكــون‬ ‫أصلــه مــن امللــك ثــم النفــس تقبلــه وتســلم‬ ‫لــه ‪ ،‬أو يكــون مــن الشــيطان يلقيــه وميليــه‬ ‫ثــم النفــس ترويــه وحتكيــه ‪ ،‬دل علــى‬ ‫هــذا عــدد مــن النصــوص‪ .‬‬


‫وذكــر الكاتــب ســتة عشــر فائــدة‬ ‫مــن فوائــد القــراءة بقلــب منهــا‪ :‬تثبيــت‬ ‫الفــؤاد واخلشــوع يف الصــاة وتطويــر‬ ‫الــذات وحتســن النــوم وحتريــر القلــب‬ ‫مــن األمانــي وعــاج للوســواس القهــري‬ ‫وشــفاء مــن األمــراض النفســية‪ ،‬لقــد‬ ‫تطــرق الكاتــب إلــى العديــد مــن املباحــث‬ ‫يف الكتــاب‪ ،‬عندمــا تبحــر يف ثنايــاه‬ ‫ســتجد نفســك إنســانا آخــر وقــد تفتــح‬ ‫ذهنــك علــى الكثيــر مــن األمــور التــي‬ ‫جنهلهــا عنــد القــراءة‪ .‬فالقــراءة بقلــب‬ ‫هــي قلــب النجــاح كمــا اعتبرهــا الدكتــور‪.‬‬ ‫أورد الكاتــب يف كتابــه الثمــن مفاتيحـاً‬ ‫للقــراءة بقلــب فقــال مفاتيــح القــراءة‬ ‫بقلــب تنقســم إلــى ثالثــة أقســام‪:‬‬ ‫األول ‪ :‬مفاتيــح عامــة ‪ ،‬ومهمتهــا تهيئــة‬ ‫القلــب والنفــس للقــراءة‪.‬‬ ‫الثانــي ‪ :‬مفاتيــح التدبــر ‪ ،‬ووظيفتهــا‬ ‫حتقيــق جــودة القــراءة‪.‬‬ ‫الثالــث ‪ :‬مفاتيــح اإلجنــاز ‪ ،‬ومهمتهــا‬ ‫التخطيــط والتنظيــم‪ ،‬وحتقيــق اإلجنــاز‪.‬‬

‫ثــم ذ ّيــل الكتــاب بتدريبــات متنوعــة‬ ‫علــى القــراءة بقلــب ‪ ،‬وهــي ‪ /1 :‬ذكــر‬ ‫اهلل‪ /2 ،‬الصــاة‪ /3 ،‬قــراءة القــرآن‪/4 ،‬‬ ‫القــراءة قبــل النــوم‪ /5 ،‬القــراءة العامــة‪.‬‬ ‫وقــد ركــز علــى التدريبــن األول والثانــي‪.‬‬ ‫أما عن طريقة التدريب فقد تضمنت‬ ‫ثالثــة أقســام‪- :‬أهــداف التدريــب‪- .‬نظام‬ ‫التدريب‪- .‬شرح التدريب‪.‬‬ ‫ومــن املمتــع جــدا يف الكتــاب أن‬ ‫الكاتــب قــد أعطانــا طريقــة لقيــاس قــوة‬ ‫القلــب‪ ،‬فذكــر أنهــا تقــاس بعــدة مقاييــس‬ ‫وميكــن اختبــار قــوة القــراءة بقلــب‬ ‫بعالمــات وأعــراض وصفــات النفــس‪،‬‬ ‫وهــي اختبــارات وصفيــة ميكــن حتويلهــا‬ ‫إلــى أرقــام بالتقديــر والتحكيــم ومــن ذلــك‬ ‫مــا يلــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬قــوة التحكــم باالنفعــاالت واملشــاعر‬ ‫يف املواقــف اليوميــة‪.‬‬ ‫‪ -2‬نشــاط البــدن وانخفــاض احلاجــة‬ ‫للراحــة أو النــوم‪.‬‬ ‫‪ -3‬القــدرة علــى تــرك عــادات عميقــة‬

‫وقدميــة واإلقــاع عنهــا‪.‬‬ ‫‪ -4‬قــوة اإلرادة يف تــرك طعــام تــرى‬ ‫املصلحــة يف تركــه‪.‬‬ ‫‪ -5‬قــوة التحكــم باخلواطــر‪ ،‬أي منــع أي‬ ‫خواطــر مزعجــة ال تريدهــا‪.‬‬ ‫‪ -6‬االنضباط والتقيد باملواعيد‪.‬‬ ‫‪ -7‬نقص حاالت النسيان‪.‬‬ ‫‪ -8‬نقص حاالت الغضب أو االستعجال‪.‬‬ ‫‪ -9‬قــوة االنتبــاه للكلمــات التــي تســمعها‬ ‫مــن اآلخريــن والتحكــم فيهــا‪.‬‬ ‫‪ -10‬الهــدوء والرفــق يف مخاطبــة‬ ‫اآلخريــن وانتقــاء العبــارات‪.‬‬ ‫وأخيــرا إن كتــاب «القــراءة بقلــب» قــد‬ ‫يغيــر الكثيــر مــن مفاهيــم القــراءة ويزيــد‬ ‫مــن غــرس تصــورات جديــدة ممتعــة عنهــا‬ ‫فعندمــا تقــرأ وتتذكــر أن البــد لقلبــك مــن‬ ‫احلضــور واالنتبــاه تعــي كل كلمــة تقرأهــا‬ ‫فتتخلــل يف روحــك وإحساســك وتتحــول‬ ‫القــراءة لديــك إلــى متعــة مابعدهــا متعــة‪.‬‬

‫عبير مصطفى‬ ‫‪abeerali@hotmail.com‬‬

‫‪17‬‬


‫الداعية اإلسالمي ‪ ،‬و املفكر السعودي ‪ ،‬و املشرف العام على مؤسسة اإلسالم اليوم ‪ ،‬و األمني العام للهيئة العاملية لنصرة‬ ‫الرسول صلى اهلل عليه و سلم ‪ .‬ضيف مجلة قوارئ لهذا العدد الدكتور سلمان بن فهد العودة ‪.‬‬ ‫ُولد فضيلة الشيخ الدكتور‪ /‬سلمان بن فهد العودة يف جمادى األولى عام ‪1376‬هـ يف قرية البصر التابعة ملدينة بريدة مبنطقة‬ ‫القصيم‪ ،‬درس االبتدائية واملتوسطة والثانوية يف بريدة‪ ،‬ثم التحق بكلية اللغة العربية ثم بكلية الشريعة يف جامعة اإلمام محمد‬ ‫بن سعود يف القصيم‪ ،‬ومن هناك كانت االنطالقة نحو طلب العلم واالرتقاء به‪..‬‬ ‫‪ -1‬كيــف يصــف الدكتــور هــذه املرحلــة‬ ‫والتــي بــا شــك تعتبــر األســاس يف‬ ‫شــخصيته ؟‬ ‫كانــت مراحــل عديــدة ‪ ...‬يف االبتدائــي‬ ‫تعلّمــت ّ‬ ‫فــك احلــرف‪ ،‬ثــم حــب الكتــاب‬ ‫والولــع بــه‪ ،‬حضنــت املقــررات املدرســية؛‬ ‫ألنهــا كانــت املتعــة النــادرة آنــذاك‪ ،‬ثــم‬ ‫تنافســت مــع إخوتــي علــى قــراءة قصــص‬ ‫األطفال؛ كالســندباد وسالســل احلكايات‬ ‫اجلميلــة الصغيرة‪..‬ثــم وجدتنــي أدلــف‬ ‫إلــى الكتــب اجلــادة فأقــرأ ريــاض‬ ‫الصاحلــن‪ ،‬والكبائــر وتفســير ابــن كثيــر‪،‬‬ ‫والروايــات التاريخية‪.‬أجمــل مــا يف تلــك‬ ‫الســنوات أن حت َّولــت القــراءة إلــى عــادة‪..‬‬ ‫ثــم صــرت أحاكــي أولئــك الك َّتــاب وأحاول‬ ‫أن أقــول شــيئاً‪ ..‬شــعراً أو نثــراً أو مــا‬ ‫شــابه‪.‬‬ ‫‪ -2‬حدثونــا عــن جانــب القــراءة يف‬ ‫حياتكــم‪ ،‬ومــا هــي الســاعة الذهبيــة‬ ‫للعــودة التــي يحــب القــراءة فيهــا؟‬ ‫القــراءة هــي متعتــي الدائمــة‪ ،‬هــي‬ ‫الوجبــة اليوميــة التــي بدونهــا تخــور‬ ‫قواي‪..‬أحــب القــراءة ألنهــا العــادة التــي‬ ‫التزمتهــا منــذ الصغــر‪ ،‬وألنهــا النافــذة‬ ‫التــي أطــل منهــا علــى جماليــات املعرفــة‪،‬‬ ‫وألنهــا غــذاء العقــل والــروح والوجــدان‪..‬‬ ‫‪18‬‬

‫كل ســاعة أخلــو فيهــا بنفســي فهي ســاعة‬ ‫ذهبيــة للقــراءة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -3‬ال شــك أن هنــاك كتب ـا قرأمتوهــا يف‬ ‫الصغــر مــا زالــت عالقــة يف ذهنكــم‪ ،‬فمــا‬ ‫هــي؟ ومــا هــي أبــرز الكتــب التــي أثــرت‬ ‫يف تكويــن شــخصيتكم؟‬ ‫ال زلــت أذكــر روايــة (وا إســاماه)‬ ‫لعلــي أحمــد باكثيــر؛ كأول روايــة قرأتهــا‬ ‫معها‪..‬و(األصمع ّيــات)‪،‬‬ ‫واندمجــت‬ ‫و(املفضل ّيــات)‪ ،‬و(ديــوان احلماســة)‬ ‫يف عالــم الشــعر حيــث حفظــت منهــا‬ ‫الكثيــر‪ ..‬وكتــب الطنطــاوي‪ ،‬واملنفلوطــي‪،‬‬ ‫والرافعــي‪ ،‬والعقــاد‪ ،‬والكيالني‪..‬وأحيان ـاً‬ ‫كنــت أتســلل إلــى روايــات وكتــب توفيــق‬ ‫احلكيــم‪ ،‬وجنيــب محفــوظ‪ ،‬ولــم أكــن‬ ‫بعيــداً عــن الكتــب الفقهيــة مثــل‪ :‬فقــه‬ ‫الســنة لـ»ســيد ســابق»؛ الــذي اقتنيتــه يف‬ ‫ُّ‬ ‫الســنة األولــى املتوســطة‪ ،‬وقرأتــه بنَ َهــم‪،‬‬ ‫وكل هــذا الطيــف املتنــوع أحــدث أثــراً يف‬ ‫تكوينــي ال ميحــى‪.‬‬ ‫‪ -4‬يف ضــوء مــا نعيشــه مــن نهضــة‬ ‫قرائيــة عارمــة‪ ،‬كيــف تقــرؤون مســتقبل‬ ‫القــراءة وتشــكالتها‪ ،‬ومــا ســتؤول إليــه‪،‬‬ ‫ومــا تقييمكــم للنشــاط الثقــايف والقرائــي‬ ‫يف الوطــن العربــي؟‬ ‫الكتــاب إلــى تراجــع‪ ..‬واملنافســة علــى‬

‫أشــدها‪ ،‬والوســائل احلديثــة مدججــة‬ ‫بــأدوات إغرائيــة ال ميلكهــا الكتــاب‪..‬‬ ‫حــن أقــارن نفســي يــوم كنــت يف املرحلــة‬ ‫املتوســطة مــع أبنائــي يف اجلامعــة اآلن‬ ‫أجــد الفــرق كبيــراً‪ ..‬بــل ال مقارنــة‪،‬‬ ‫فالوضــع مختلــف! األجيــال اجلديــدة‬ ‫منفتحــة علــى الشــبكات االجتماعيــة‬ ‫ووســائل املعرفــة املتجــددة املــزودة‬ ‫بالصــور والدرامــا واإلثــارة‪ ..‬واملهــم كيــف‬ ‫ّ‬ ‫توظــف هــذه األدوات لصالــح قيمنــا‬ ‫ومبادئنــا ومســتقبل أجيالنــا‪.‬‬ ‫‪ -5‬يقبــل الكثيــر مــن الشــباب والشــابات‬ ‫احملبــون للقــراءة علــى كتــب الروايــات‬ ‫واخلواطــر‪ ،‬هــل ســينتقلون منهــا إلــى مــا‬ ‫هــو أكثــر عمقــاً‪ ،‬أم أنهــم سيســتمرون‬ ‫علــى هــذه الوتيــرة؟‬ ‫الروايــات تختلــف! فثـ َّم روايــات تتســم‬ ‫بالعمــق والتحليــل النفســي واالجتماعــي‬ ‫واللغــة اجلميلــة‪ ،‬والغــوص يف أعمــاق‬ ‫التاريــخ أو أعمــاق الواقــع‪ ..‬وث ـ َّم روايــات‬ ‫ســطحية ركيكــة؛ جتنــح إلــى اإلغــراء‬ ‫ومخاطبــة الغرائــز‪ .‬والتــد ّرب علــى‬ ‫القــراءة جميــل‪ ،‬وصحبــة الكتــاب هــي‬ ‫صداقــة يكتســبها الفتــى أو الفتــاة فــا‬ ‫يــكاد يتخلَّــى عنهــا‪.‬‬


‫‪ -6‬يزاحــم الكتــاب اإللكترونــي الكتــاب‬ ‫الورقــي‪ ،‬أيهمــا تفضلــون‪ ،‬وملــن ســيكون‬ ‫التســ ّيد مســتقب ً‬ ‫ال‪ ،‬مــن خــال جتربتكــم‬ ‫يف النشــر والقــراءة؟‬ ‫قلَّمــا أقــرأ الكتــاب اإللكترونــي إذا‬ ‫كان متاح ـاً لــي ورق ّي ـاً‪ ..‬وهــي عــادة ذات‬ ‫أبعــاد نفســية‪..‬وميزة الكتــاب اإللكترونــي‬ ‫توفــره يف كل مــكان تنتقــل إليــه‪ ،‬وســهولة‬ ‫الوصــول‪ ،‬وتوفــره بأكثــر مــن صيغــة‪،‬‬ ‫ووجــود خدمــات مصاحبــة‪.‬‬ ‫‪ -7‬مــا نــوع القــراءات التراكميــة التــي‬ ‫تُخــرج لنــا إنســاناً واعيــاً؟‬ ‫حت ـ ّول القــراءة إلــى عــادة مهــم‪ ،‬لئــا‬ ‫تكــون مجــردة (طفــرة) أو (نــار) تغــدو‬ ‫رمــاداً عمــا قريب‪..‬والقــراءة حتــدد‬ ‫للقــارئ مــع الزمــن نوعيــة املعرفــة التــي‬ ‫مييــل إليهــا فيعتنــي بهــا أكثــر‪ ،‬وقــد‬ ‫تكشــف عــن إنســان موســوعي متنــوع‬ ‫املعــارف واالهتمامــات‪.‬‬ ‫‪ -8‬مــع مــرور الزمــن هــل يتحــول القــارئ‬ ‫مــن قــارئ عــادي إلــى قــارئ انتقائــي‪ ،‬أي‬ ‫منتقيــاً للكتــاب ومنتقيــاً للمقــروء مــن‬ ‫الكتــاب‪ ،‬وكيــف ميكــن حتقيــق ذلــك؟‬ ‫قد يصبح االثنني معاً‪...‬فهو قارئ عام‬ ‫يتابــع اجلديــد ويحــرص علــى ّ‬ ‫االطــاع‪..‬‬ ‫ويف الوقــت ذاتــه فهــو متخصــص ينتقــي‬ ‫يف مجالــه مــا لــ ّذ وطــاب مــن جديــد‬ ‫الكتــب‪ ،‬وكمــا قيــل‪« :‬مــن أراد أن يكــون‬ ‫عاملــاً فليلــزم فنــاً واحــداً‪ ،‬ومــن أراد أن‬ ‫يكــون أديبــاً فليتســع يف العلــوم»‪.‬‬ ‫‪ -9‬يصــل القــارئ إلــى مرحلــة مــن التشــبع‬ ‫والــدور‪ ،‬هــذه آفــة قــد تصيــب بعــض‬ ‫القــراء‪ ،‬مــا املخــرج منهــا؟‬ ‫القــارئ اجلــاد هــو منهــوم ال يشــبع‪..‬‬ ‫ومــع امتــاء الرفــوف بالغــث والســمني‪،‬‬ ‫واتســاع دائــرة (خــداع العناويــن)‪ ،‬وشــيوع‬ ‫الســرقة العلمية‪ ،‬والســطو وتــداول طريقة‬ ‫(خــذ مــن هنــا وضــع هنــا وقــل‪ :‬أ ّلفــت‬ ‫أنــا‪ ،!)..‬فــإن القــارئ يحتــاج إلــى بصيــرة‬ ‫فيمــا يشــتري ويقتنــي ويقــرأ مــن الكتــب؛‬ ‫ليظــل متص ـ ً‬ ‫ا مبعــن املعرفــة الصادقــة‪.‬‬ ‫‪ -10‬مــا الــذي يفعلــه د‪ .‬ســلمان العــودة‬ ‫حــن يشــرع يف قــراءة كتــاب مــا ليصــل‬ ‫إلــى شــعور أثنــاء قراءتــه أنــه لــم يــروق لــه‬ ‫‪ ،‬أو لــم يجــد فيــه الفائــدة املرجــوة ؟‬ ‫فعــ ً‬ ‫ا أردت لنفســي أال أكــون مجــرد‬

‫«متــذ ِّوق»؛ يقــرأ صفحــات مــن الكتــاب‬ ‫ثــم يرميــه‪ ..‬عزمــت منــذ الصبــا أال أبــدأ‬ ‫بكتــاب إال وأمتمتــه مهمــا يكــن انطباعــي‬ ‫بتمعــن‬ ‫عنه‪..‬فــإن وجدتــه جديــراً قرأتــه‬ ‫ٍ‬ ‫واهتمــام‪ ،‬وإال مــررت عليــه بقــراءة‬ ‫ســريعة‪.‬‬ ‫‪ -11‬مــا هــي أبــرز املجــاالت التــي تــرون‬ ‫أن الســاحة تفتقــد فيهــا الكتــب‪ ،‬وحتتــاج‬ ‫للكتابــة عنهــا؟‬ ‫هنــاك الكثيــر مــن الكتــب املترجمــة التــي‬ ‫متــأ جوانــب مــن املعرفــة اإلنســانية‬ ‫نفتقــد فيهــا التأليــف العربــي؛ املتصــل‬ ‫بتراثنــا‪ ،‬وبيئتنــا‪ ،‬ومناذجنــا‪ ،‬وأمثلتنــا‪.‬‬ ‫‪-12‬كيــف يــرى الدكتــور الســاحة العربيــة‬ ‫الثقافيــة وخاصــة بعــد الثــورة التقنيــة‪،‬‬ ‫ويف ظــل وجــود صراعــات بــن األفــكار؟‬ ‫لســت قلقــاً مــن هــذه الثــورة التقنيــة‬ ‫فهــي فتحــت مجــال احلــوار بــن النــاس‬ ‫يف قضايــا كثيــرة‪ ،‬وســمحت أن يســتمع‬ ‫بعضهــم لبعــض‪ ،‬ومــع الزمــن ســيكون هــذا‬ ‫ســبباً لبقــاء النافــع وحتجيــم الفاســد‪،‬‬ ‫ـب ُج َفــاء َوأَ َّمــا َمــا يَن َفـ ُع‬ ‫{ َف َأ َّمــا ال َّزبَـ ُد َفيَ ْذ َهـ ُ‬ ‫ض}(‪:17‬الرعــد)‪.‬‬ ‫َّــاس َفيَ ْم ُكــثُ ِف األَ ْر ِ‬ ‫الن َ‬ ‫‪ -13‬مــع التطــور الــذي يشــهده املجتمــع‬ ‫العربــي‪ ،‬كيــف تــرى اإلصــدارات التــي‬ ‫متتلــئ بهــا رفــوف املكتبــات‪ ،‬باختــاف‬ ‫أنواعها؛ (األدبية ‪ -‬الفكرية ‪ -‬اإلســامية‬ ‫ الثقافيــة)؟‬‫يف احلقيقــة لســت متابعــاً للحركــة‬ ‫التأليفيــة مبــا يعطينــي القــدرة علــى‬ ‫الرصــد والتقــومي‪ ،‬وقراءاتــي اآلن غالبــاً‬ ‫تــدور حــول شــيئني‪ :‬موضوعــات تهمنــي‬ ‫ألننــي أف ّكــر فيهــا أو أهـ ّم بإعــداد برنامــج‬ ‫أو حلقــة أو كتــاب عنهــا‪ .‬أو منتــج يتميــز‬ ‫بفــرض نفســه ويتجــاوز نطــاق الفئــة‬ ‫الضيقــة ليصــل إلــى عامــة القـ ّراء؛ الذيــن‬ ‫أُصنّــف نفســي منهــم!‬ ‫‪ -14‬للدكتــور العــودة حضــور دائــم يف‬ ‫التأليــف والنشــر‪ ،‬فكيــف كانــت البدايــة‬ ‫واالنطالقــة مــع أول إصــدار ومــا قصــة‬ ‫املؤلــف األول‪ ،‬ح ّدثونــا عــن جتربتكــم‪..‬‬ ‫أول كتــاب لــي هــو (املســلمون بــن‬ ‫التشــديد والتيســير)‪ ،‬وكان نقــداً جريئــاً‬ ‫لظاهــرة التشــدد املجتمعــي باســم الديــن‬ ‫الســنة‪ ..‬وقــد واجــه الكتــاب حملــة‬ ‫واتبــاع ُّ‬ ‫ضاريــة‪ ،‬وصــدرت كتــب وفتــاوى وردود‪،‬‬

‫و ُعقــدت مناظــرات وحلقــات للحديــث‬ ‫حولــه‪.‬‬ ‫‪ -15‬أفضــل مكتبــة زارهــا د‪ .‬ســلمان‬ ‫العــودة أثنــاء التنقــل و الســفر ؟‬ ‫تتميــز املكتبــات التركيــة بكثــرة‬ ‫املخطوطــات العربيــة فيهــا‪ ..‬وقــد زرت‬ ‫العديــد منهــا‪..‬ويف جامعاتنــا؛ كأم القــرى‪،‬‬ ‫واجلامعــة اإلســامية مكتبــات ضخمــة‬ ‫للعلــوم اإلســامية والعربيــة‪.‬‬ ‫‪ -16‬مــا هــي أبــرز الكتــب التــي تقترحهــا‬ ‫للقــراءة لــدى القــارئ املبتــدئ؟‬ ‫أقتــرح أن يتــد ّرب علــى القــراءة عبــر‬ ‫الكتــب الصغيــرة احلجــم‪ ،‬املــز ّودة بجاذبية‬ ‫مــا‪ ..‬كأن تكــون قصــة أو فيهــا مــا يالئــم‬ ‫ميولــه إن كانــت شــعراً أو شــرحاً ملســألة‬ ‫تعنيــه‪ ،‬أو مــزودة باختبــارات وجتــارب أو‬ ‫مــا شــابه ذلــك‪.‬‬ ‫‪ -17‬مــا هــي آخــر كتبكــم وهــل هنــاك‬ ‫شــيء منهــا ســيطبع قريبــاً؟‬ ‫آخــر إصداراتــي هــو كتــاب (زنزانــة)‪،‬‬ ‫وهــو بحمــد اهلل مــن أكثــر الكتــب مبيع ـاً‪،‬‬ ‫وكتــاب (أســئلة العنــف)‪ ،‬وهــو معاجلــة‬ ‫لظاهــرة العنــف االجتماعــي والسياســي‬ ‫ـدي العديــد مــن الكتــب التــي‬ ‫والدينــي‪ ،‬ولـ ّ‬ ‫أحضرها اآلن أهمها‪ :‬آدم (عليه الســام)‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬و(علَّمنــي موســى)‪ ،‬و (ا ُ‬ ‫حل ُجــب)؛ وهــو‬ ‫كتــاب إميانـ ّـي يكشــف النقــاب عــن بعــض‬ ‫ا ُ‬ ‫حل ُجــب التــي حتــول بيننــا وبــن اهلل‬ ‫تعالــى‪.‬‬ ‫‪-18‬نصائــح وتوجيهــات مــن خبرتكــم يف‬ ‫القــراءة واختيــار الكتــب؟‬ ‫أنصــح أبنائــي وبناتــي أن يتجنَّبوا قراءة‬ ‫الكتــب التــي تثيــر الشــبهات يف عقولهــم‪،‬‬ ‫فكــم مــن قــارئ ملثــل هــذا اللــون مــن‬ ‫الكتابــة ابتلــع الشــبهات ولــم يســتطع أن‬ ‫يتخلَّــص منهــا‪ ..‬ورمبــا ظــن نفســه عامل ـاً‬ ‫أو فيلســوفاً وهــو ال يــزال يخطــو خطوتــه‬ ‫ويتهجــى حروف‬ ‫األولــى يف طريــق املعرفــة‬ ‫ّ‬ ‫األبجديــة!‬ ‫‪ -19‬وصية أخيرة تق ّدمها للق ّراء؟‬ ‫مــن العــادات اجلميلــة أن يكــون معــك‬ ‫قلــم وأنــت تقــرأ‪ ،‬فتــد ّون مــا يعجبــك مــن‬ ‫الطرائــف‪ ،‬واملعــارف‪ ،‬واملعانــي‪ ..‬علــى‬ ‫جوانــب الصفحــة أو يف دفتــر مســتقل‬ ‫يكــون مســتودعاً الختياراتــك‪ ..‬العلميــة‪،‬‬ ‫واألدبيــة‪ ،‬والتاريخيــة‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫يونس بن عمارة‬ ‫‪younes2kc@gmail.com‬‬

‫‪20‬‬

‫الكثيــر منــا لــم ي ـ َر «أليــس» إال بعــن‬ ‫واحــدة تتمثــل يف ( أليــس يف بــاد‬ ‫العجائــب ) ‪ ،‬لكــن مــا ســيحكيه لنــا‬ ‫األديــب البــارع «لويــس كارول» يف اجلــزء‬ ‫الثانــي ألليــس يف بــاد العجائــب املعنونــة‬ ‫بـــ ( أليــس عبــر املــرآة ) ســيمنحنا العــن‬ ‫الثانيــة لتكتمــل حينهــا الرؤيــة‪ ( ،‬أليــس‬ ‫عبــر املــرآة ) ال يعــرف الكثيــر بوجودهــا‬ ‫لعــدم اشــتهارها مثــل اجلــزء األول مــن‬ ‫القصــة‪ ،‬ولزمــن طويــل ُطبــع يف أذهاننــا‬ ‫أن قصــة «أليــس» هــي قصــة موجهــة‬ ‫لألطفــال‪ ،‬لكنهــا يف نظــري ونظــر الكثيــر‬ ‫مــن نقــاد األدب‪ ،‬ليســت قصــة أطفــال‬ ‫وحســب ‪.‬‬ ‫أُلوف الدراسات و مئات الكتب حلّلت‬ ‫القصــة‪ ،‬علــى شــتى األوجــه واجلوانــب‬ ‫ويف هــذا املقــال القصيــر لــن نتحــدث‬ ‫عــن حتليلهــا أدبي ـاً بشــكل مفصــل فهــذا‬ ‫قــد مت‪ ،‬إمنــا نعــرض لهــا بعــرض بســيط‬ ‫يشــوق لقراءتهــا ملــن لــم يطالــع النــص‬ ‫األصلــي والكامــل لهــا بعــد و قــد توفــر‬ ‫–أخيــراً‪ -‬وبترجمــة عربيــة جيــدة ج ـ ًدا‪.‬‬ ‫كِ ال اجلزأيــن تُرجمــا للعربيــة‪،‬‬ ‫ولكننــا ننصــح بالنــص الكامــل ( احلــاوي‬

‫للجزئــن) بترجمــة «ســهام بنــت ســنية»‬ ‫و»عبــد الســام» وطبعــة دار التنويــر‪،‬‬ ‫أمــا اجلــزء الثانــي فقــد تُرجــم مــرة‬ ‫واحــدة للعربيــة ترجمــة جديــدة وجيــدة‬ ‫واحترافيــة وهــي للطبعــة ســابقة الذكــر‬ ‫وأحلقــت بــه‪ ،‬فالقصتــان متكاملتــان‪.‬‬ ‫القصــة األولــى تبــدأ مبشــهد شــعور‬ ‫«أليــس» بامللــل يف نزهــة للحديقــة قامــت‬ ‫بهــا هــي وأختهــا‪ ،‬حتــى حملــت أرنبــاً‬ ‫مســرعاً يلبــس صديريــة‪ ،‬ثــم يتوقــف‬ ‫لينظــر إلــى الســاعة التــي أخرجهــا مــن‬ ‫جيبهــا‪ ،‬ويقــول إنــه تأخــر‪ ،‬ومــن هنــاك‬ ‫فإنهــا تنطلــق مقتفيــة أثــره إلــى جحــره‪،‬‬ ‫لتســقط يف هــ َّوة وتفكــر أفــكاراً كثيــرة‬ ‫جــداً ومثيــرة‪ ،‬لدرجــة أن تفكيــر «أليــس»‬ ‫وهــي تســقط مــن أروع مــا ُكتــب يف النثــر‬ ‫العاملــي ‪ -‬وهــي تســقط لقــرار الهــوة‬ ‫حيــث جتــد غرفــة عجيبــة ‪...‬إلــخ ‪.‬‬ ‫البنــاء الســردي للقصــة شــديد‬ ‫التشــويق‪ ،‬بســيط يف الظاهــر‪ ،‬عميــق‬ ‫للغايــة ‪ ..‬وهــذا مــا يبــرر أن ألــوف‬ ‫الدراســات األكادمييــة والقــراءات العامــة‬ ‫واجلــدل دارت حــول هــذا البنــاء األدبــي‬ ‫املتميــز‪ ،‬القــوي بنيويــاً‪ ،‬أي يف بنائهــا‬

‫أقــوى مــن اجلــزء الثانــي‪ ،‬لكــن اجلــزء‬ ‫الثانــي ســيغازل املهندســن ومحبــي‬ ‫الرياضيــات واأللعــاب العقليــة واللفظيــة‬ ‫ومحبــي لعبــة الشــطرجن ‪.‬‬ ‫مــا ســنخرج بــه عنــد قراءتنــا لقصــة‬ ‫«أليــس» يف بــاد العجائــب كثيــر يــكاد‬ ‫ال يحصــى و لكننــا ســنجمل بعضــه يف‬ ‫نقــاط أهمهــا ‪:‬‬ ‫‪ /1‬قــوة الســرد وبســاطته ووضوحــه مــع‬ ‫العمــق الشــديد ‪ .‬ولنضــرب علــى ذلــك‬ ‫مثــ ً‬ ‫ا باالقتبــاس التالــي مــن القصــة‬ ‫«الفصــل الســادس» ‪:‬‬ ‫«أال قلــت لــي رجــا ًء‪ ،‬يف أي طريــق يجــب‬ ‫أن أذهــب مــن هنــا ؟‬ ‫«ذلــك يتوقــف كثيــراً علــى أيــن تريديــن‬ ‫الذهــاب» قــال القــط»‪.‬‬ ‫هــذه الكلمــة مثــ ً‬ ‫ا ميكــن أن يقــول‬ ‫البعــض ومــا الــذي تعنيــه بالنســبة لــي؟‬ ‫أليســت نثــراً أدبي ـاً وحســب‪ ،‬نقــول إنهــا‬ ‫ليســت كذلــك ‪ .‬ملــاذا ؟ ألنــه كثيــراً مــا‬ ‫نقابــل أصدقــاء ومعــارف يف مــأزق أو‬ ‫وضــع معلــق ويســألوننا مــا الــذي يجــدر‬ ‫بنــا فعلــه اآلن؟‬


‫اجلواب املثالي هو ‪:‬‬ ‫هــذا يعتمــد علــى أيــن تريــد الذهــاب‬ ‫بالتحديــد ‪ .‬لــو أخبـ َ‬ ‫ـرك أنــه ال يــدري‪،‬‬ ‫ـت يف احلقيقــة بطلــة القصــة‬ ‫كمــا فعلـ ْ‬ ‫«أليــس»‪ ،‬فــإن رد القــط هــو اجلــواب‪:‬‬ ‫إذن ال يهــم أي طريــق ســتختار‪ ،‬ألن‬ ‫وجهتــك غيــر محــددة ‪ .‬لكــن عندمــا‬ ‫يخبــرك أريــد الذهــاب إلــى النقطــة‬ ‫(ب) الهــدف املعــن‪ ،‬فــإن لــكل هــدف‬ ‫خطــوات معينــة معروفة للوصول إليه‪،‬‬ ‫عندمــا نحــدد الهــدف يتحــدد الطريــق‬ ‫إليــه هــذه هــي روعــة فكــرة «لويــس‬ ‫كارول» الــذي كان يــدرس الرياضيــات‬ ‫أصــ ً‬ ‫ا و»لويــس كارول» هــو اســمه‬ ‫املســتعار‪ ،‬فهــا قــد رأيتــم النقطــة ألــف‬ ‫والنقطــة بــاء‪ ،‬فــإن لــم حتــدد إلــى‬ ‫أيــن تســير‪ ،‬فــا يهــم الطريــق الــذي‬ ‫ســتتخذه‪ ،‬وهكــذا وصلنــا إلــى هــذه‬ ‫النتيجــة التــي يريدنــا «لويــس كارول»‬ ‫أن نصــل إليهــا ‪.‬‬ ‫‪ /2‬طرحــه لقضيــة الهويــة‪ :‬مــن أنــا؟‬ ‫وهــي القضيــة التــي أثــارت الكثيــر‬ ‫مــن األفــكار يف عصرنــا احلديــث‪،‬‬ ‫قضيــة الهويــة وبعدهــا االنتمــاء‪ ،‬أن‬ ‫تكــون إنســاناً‪ ،‬مــا الــذي يعنيــه ذلــك‬ ‫بالتحديــد؟‪ ،‬وإن كان يعنــي أن تكــون‬ ‫«إنســاناً» شــي ًئا مــا‪ ،‬فمــن أعطانــي‬ ‫ذلــك املعنــى وملــاذا؟ وملــاذا ال يكــون‬ ‫معنــى آخــر؟ وإن ســلمنا مبعنــى‬ ‫لــي‬ ‫ً‬ ‫معــن لإلنســانية‪ ،‬ســتظهر لنــا قضيــة‬ ‫االنتمــاء ومــن ثــم قضيــة اآلخــر‪ ،‬وهــي‬ ‫قضايــا فلســفية وجوديــة جـ ُد شــائكة‪،‬‬

‫اكتفــى «لويــس كارول» بإثــارة األســئلة‬ ‫وشــحذ األذهــان‪ ،‬وهــذا أفضــل مــا‬ ‫ميكــن لكاتــب أن يفعلــه بالتفكيــر‬ ‫البشــري ‪.‬‬ ‫‪ /3‬دعمــه للتســاؤل الطفولــي‬ ‫و ا ســتمر ا ر ه ‪.‬‬ ‫‪ /4‬احليــرة هــي مــا ســنتوصل إليــه‬ ‫كنتيجــة عندمــا نزعــم أننــا فهمنــا‬ ‫هــذا العالــم‪.‬‬ ‫‪ /5‬حس السخرية والتهكم ‪.‬‬ ‫‪ /6‬النسبية‪ :‬العالم يف بالد العجائب‬ ‫عالــم نســبي‪ ،‬البشــر يتكلمــون‪،‬‬ ‫احليوانــات أيضــاً يف قصــة «لويــس‬ ‫كارول»‪ ،‬يقــول العلمــاء احليوانــات ال‬ ‫تتكلــم‪ ،‬إذن كيــف تتفاهــم فيمــا بينهــا؟‬ ‫يخبرونــك أن لديهــا لغــة خاصــة ‪ .‬إذن‬ ‫اجلــواب هــو أنهــا تتكلــم لكــن بلغتهــا‬ ‫اخلاصــة‪ ،‬هــل ســيتاح لنــا يومــا فهمهــا‬ ‫بشــكل كامــل؟ وهــل إن فهمناهــا‬ ‫ســيؤثر ذلــك علــى تفكيرنــا و انتمائنــا‬ ‫وهويتنــا‪ ،‬ال نــدري ! ‪ .‬نســبية احلجــم‬ ‫أيضــاً «أليــس» تكبــر وتصغــر عــدة‬ ‫مــرات وبشــكل مختلــف ال يوجــد يف‬ ‫احلقيقــة كبيــر أو صغيــر إال بالنســبة‬ ‫رجــع مــا‪ ،‬وإن قلــت لــي أن هــذا‬ ‫مل َ ِ‬ ‫الشــيء كبيــر مثــ ً‬ ‫ا‪ ،‬كبيــر بالنســبة‬ ‫ملــن؟ أو صغيــر بالنســبة ملــن؟‪.‬‬ ‫‪ /7‬ميكــن لــكل شــيء أن يتحــدث‬ ‫بطريقتــه اخلاصــة إذا مــا وجدنــا‬ ‫الطريقــة أو الســبيل لفهمــه ‪.‬‬ ‫‪ /8‬العالَــ ُم‪ ،‬مــا لــم نتحــ َل بالدهشــة‬ ‫والتســاؤل ‪ :‬ممــ ٌل جــداً ‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫تــوارد اقتبــاس عبــارة الع ّقــاد الشــهيرة‪:‬‬ ‫ألن حيــاة واحــدة ال تكفــي”‪،‬‬ ‫“أقــرأ ّ‬ ‫ـنوات أربــع مــن القــراءة املك ّثفــة جعلتني‬ ‫سـ ٌ‬ ‫أنظــر لهــذه العبــارة مــن زاويــة أخــرى‪:‬‬ ‫ألن واحــدة ال تكفــي!‪.‬‬ ‫ــت‪ّ ،‬‬ ‫حــواس ِس ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫زلــت أتذكــر نصيحــة أهدانــي إ ّياهــا‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫أحــ ُد القــ ّراء يف موقــع جودريــدز تعلي ًقــا‬ ‫حينمــا قــرأ أحــد تعقيباتــي علــى روايــة‬ ‫(أ ُ َف ِّ‬ ‫كنــت قــد‬ ‫ضــل عــدم ذكــر عنوانهــا)‬ ‫ُ‬ ‫ع ّبــرت فيــه عــن اســتيائي الشــديد منهــا‬ ‫بــل و “كرهــي” لهــا‪ ،‬حينهــا قــال لــي‪:‬‬ ‫“هــذه روايــة ال تُقــرأ فقــط‪ ،‬بــل البــد مــن‬ ‫التّو ُّقــف خاللهــا والبحــث عــن خلفيتهــا‬ ‫ومصطلحاتهــا التاريخيــة‪ ،‬بــدون ذلــك ال‬ ‫ميكــن فهمهــا واحلكــم عليهــا”‪ .‬مبــرور‬ ‫الوقــت‪ ،‬والقــراءة أكثــر‪ ،‬اكتشــفت مــرة‬ ‫تلــو األخــرى بــأن القــراءة بحاســة‬ ‫“النّظــر” وحدهــا ال تكفــي! فمــا معنــى‬ ‫ذلــك وكيــف؟ دعونــي آخذكــم يف رحلــة‬ ‫بســيطة مــع احلــواس اخلمــس املظلومــة‪.‬‬ ‫رأيــت ناكاتــا و ســاكورا َو َســمِ ْع ُت‬ ‫حينمــا‬ ‫ُ‬ ‫ِب ـأُ ُذن كافــكا‪:‬‬ ‫كنــت أالحــظ مــن خــال متابعتــي‬ ‫حلســابات القــ ّراء علــى تويتــر كيــف‬ ‫أنهــم خــال قراءتهــم لكتــاب مــا يضعــون‬ ‫ً‬ ‫روابطــا متنوعــة مابــن مقطــع يوتيوبــي‪،‬‬ ‫موســيقي أو حتــى فيلــم وثائقــي كامــل‪،‬‬ ‫كل منهــم يعــرض بالصــوت والصــورة‬ ‫شــخصيات‪ ،‬أماك ًنــا وأزمنــة ُك ِت َبــت حر ًفــا‬ ‫تتجســد‬ ‫ضمــن مــا يقــرؤون ولكنّهــا لــم‬ ‫ّ‬ ‫ســوى يف خيــال كل قــارئ‪ .‬لــم أستشــعر‬ ‫كيــف ميكــن أن يغ ّيــر هــذا “التكنيك” وجه‬ ‫كنــت قــد انتهيــت مــن‬ ‫قراءتــي لألبــد!‬ ‫ُ‬

‫كافــكا علــى الشــاطئ‪ ،‬لكــن ورغــم اجلمال‬ ‫الــذي عشــته مــع تلكــم الصفحــات‪ ،‬إال‬ ‫ً‬ ‫فراغــا البــد وأن ميلــؤه‬ ‫ـأن‬ ‫أننــي شــعرت بـ ّ‬ ‫شــيء مختلــف‪ .‬وجدتنــي أبحــث علــى‬ ‫الصديــق الــويف (جوجــل) عــن كافــكا‬ ‫علــى الشــاطئ‪ ،‬والــذي بجمــال وســعة‬ ‫اطالعــه املعــريف ـ نعــم أقصــد جوجــل ـ‬ ‫أخــذ بيــدي لعالــم كافــكا علــى الشــاطئ!‬ ‫ال أريــد أن “أحــرق” الروايــة علــى مــن لــم‬ ‫يقرأهــا‪ ،‬لكننــي وجــدت نفســي كأليــس‬ ‫يف بــاد العجائــب إن جــاز لــي التعبيــر‪،‬‬ ‫أن ناكاتــا هــو اسـ ٌم ملدينــة‬ ‫اكتشــفت كيــف ّ‬ ‫يف اليابــان تعـ ّـج بهــا القطــط‪ ،‬ثــم تعلّمــت‬ ‫ـأن ســاكورا هــو اسـ ٌم لألشــجار الورديــة‬ ‫بـ ّ‬ ‫يف اليابــان‪ ،‬ثــم وجدتنــي أرى وجــه ناكاتــا‬ ‫تائهــا يف شــوارع طوكيــو‪ ،‬وأخــرى جلدائــل‬ ‫ســاكورا وبــراءة وجههــا‪ ،‬وكانــت املفاجــأة‬ ‫حــن اســتمعت ملقطــع مــن أغنيــة “كافــكا‬ ‫علــى الشــاطئ” ورجعــت بــي الذاكــرة‬ ‫وحلّــق بــي اخليــال مــع كافــكا يف مكتبــه‬ ‫يشــاهد الشــاطئ أمــام نافــذة يعصــف‬ ‫الهــواء مــن خاللهــا بالســتائر ذات اللــون‬ ‫األزرق الفــاحت‪ .‬هــذه التجربــة املرئيــة‬ ‫واملســموعة جعلتنــي أوقــن بأننــا حــن‬ ‫حاســة واحــدة ال تكفــي!‬ ‫نقــرأ‪ ،‬فــإن ّ‬ ‫السماور الروسي والبامبو الفلبيني‪:‬‬ ‫ال ميكــن ملــن يقــرأ ترجمــة الدروبــي‬ ‫لــأدب الروســي أن ينســى الســماور‪،‬‬ ‫ذلــك اجلــزء مــن الضيافــة وليالــي الســمر‬ ‫يف روايــات ديستوفيســكي‪ ،‬فيشــ ّده‬ ‫الفضــول لرؤيتــه‪ ،‬ورغــم أننــي شــاهدت‬ ‫الســماور يف صــورة علــى صديقــي الــويف‬ ‫أن ســعادتي كانــت مختلفــة‬ ‫ويكيبيديــا‪ ،‬إال ّ‬

‫حــن شــاهدته أمامــي يف أحــد املطاعــم‬ ‫صدفــة يف مدينــة لنــدن‪ ،‬كانــت تلــك هــي‬ ‫ذات الفرحــة التــي وجدتنــي أقــف حينهــا‬ ‫يف حديقــة الشــتاء كمــا يســمونها يف‬ ‫مدينــة شــيفيلد البريطانيــة والتــي حملــت‬ ‫بــن أرجائهــا البامبــو الفلبينــي الــذي هــو‬ ‫رمــ ٌز ال يتجــزّأ مــن روايــة ســاق البامبــو‬ ‫لســعود السنعوســي‪ .‬هــذا النــوع مــن‬ ‫الذاكــرة ال ميكــن أن ميــر علــى جتربتــك‬ ‫مــع أي كتــاب مــرور الكــرام‪ ،‬فســيظ ُّل‬ ‫ذهــب مشــه ًدا ال‬ ‫دو ًمــا ذلــك الســماور امل ُ َّ‬ ‫يُنســى حــن ميــر اســمه أمامــي يف روايــة‬ ‫لديســتو‪ ،‬وســيظ ّل دو ًمــا عمــود البامبــو‬ ‫ي ّذكرنــي بســبب اختيــار ســعود لــه رم ـزًا‬ ‫لروايتــه (البــد أن تقــرأ الروايــة كــي‬ ‫تعــرف مــا أعنيــه)‪.‬‬ ‫ال ّروح التي تَنفُذ إلى قلبك فال تغادره‪:‬‬ ‫نعــم‪ ،‬هــي الــ ّروح التــي تَنفُــ ُذ لقلبــك‬ ‫فــا تغــادره ‪ ..‬روح الكتــب‪ ،‬وليــس حبرهــا‬ ‫فقــط‪ ،‬شــيء كثيــر يظ ـ ُّل يربطــك بذلــك‬ ‫الــذي فــارق يــدك ولــم يفــارق روحــك‪،‬‬ ‫هنالــك الكثيــر مــن األفــكار التــي ميكــن‬ ‫للقــارئ أن يُ ِ‬ ‫بح ـ َر فيهــا وينغمــس بهــا يف‬ ‫مــا يقــرأ‪ .‬جــ ّرب يو ًمــا عزيــزي القــارئ‬ ‫أن تتــذ ّوق طب ًقــا قــرأت اســمه يف كتابــك‪،‬‬ ‫أن تستنشــق رائحــة تغــزّل بهــا الروائــي‬ ‫األقــرب لقلبــك‪ ،‬ورمبــا أن تســافر ألرض‬ ‫لــم تطأهــا قدمــاك بعــد‪ ،‬فقــط كــي تَن ُفـ َذ‬ ‫بحــواس ِســت‪:‬‬ ‫تلــك الــروح إلــى قلبــك‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ملســا‪ ،‬تذ ّو ٍقــا‬ ‫رؤيــة‪ ،‬ســم ًعا‪،‬‬ ‫استنشــاقا‪ً ،‬‬ ‫واإلحســاس الــذي هــو مولــود كل ماســبق‪.‬‬ ‫ألن حاســة واحــدة‬ ‫الســت ّ‬ ‫اقــرأ بحواســك ِّ‬ ‫ال تكفــي‪.‬‬ ‫غيداء الجويسر‬

‫‪22‬‬

‫‪ghayda.aj@me.com‬‬


‫ء‬

‫‪23‬‬


‫سعيد الزهراني‬ ‫‪@drpolymath85‬‬

‫لقــد كان األدب قبلــه شــعرا يتلــى علــى املســامع‪،‬‬ ‫وقصائــد تضــج بهــا مجالــس اخللفــاء والندمــاء‪،‬‬ ‫والنثــر يحبــوا حبــ ًوا ملتمســا طرقــا يســلكها‬ ‫وعقـ ً‬ ‫ـول تتبنــاه ‪ ،‬فالنثــر لــم يكــن إال رســائل مكــررة‬ ‫يف قوالــب جامــدة أغراضهــا بســيطة جــدا‪ ،‬حتــى‬ ‫ولــد معلــم العقــل واألدب الــذي أرســى قواعــد‬ ‫النثــر وانتهــى بــه إلــى أبهــى غاياتــه ‪ ،‬ورفعــه مكانــة‬ ‫تضــارع وتــوازي الشــعر وبــدأت معــه قصــة النثــر‬ ‫العربــي ‪ ،‬لقــد كان أبــو عثمــان اجلاحــظ عالمــة‬ ‫فارقــة يف تاريــح األدب العربــي مــن حيــث األصالة‬ ‫والبالغــة واألســلوب وجمــال التراكيــب وســهولتها‬ ‫بــل ومتعتهــا ‪.‬‬ ‫ولــد أديبنــا األريــب يف البصــرة وتشــبع مــن‬ ‫علمهــا وعلمائهــا‪ ،‬ودرس يف املســاجد ويف حلقــات‬ ‫الكتــاب و كان أشــهر معلميــه أبــا زيــد االنصــاري‪،‬‬ ‫واألصمعــي والنظــام وكلهــم نوابــغ يف فنونهــم‬ ‫وعلومهــم ‪ ،‬وتشــرب اجلاحــظ علــوم العربيــة‬ ‫وفنونهــا وأخبــار العــرب وأنســابها يف البصــرة‬ ‫وحتديــدا يف املربــد التــي كانــت مثــل ســوق عــكاظ‬ ‫عنــد العــرب ‪ ،‬فــكان صــورة ملــا كانــت عليــه مدينتــه‬

‫‪24‬‬

‫حيــث األصالــة والعراقــة والواقعيــة وامليــل إلــى‬ ‫العقالنيــة وكل هــذا ســتجده مالزمــا مالزمــة‬ ‫شــديدة يف كتــب وأدب اجلاحــظ ‪.‬وبعــد أن شــيدت‬ ‫مدينــة العلــم واحلضــارة بغــداد انتقــل اجلاحــظ‬ ‫إليهــا ليبــدأ مرحلــة علميــة جديــدة يف حياتــه‬ ‫ويكــون شــاهدا بــل مشــاركا فيهــا ويكــون املثقــف‬ ‫األول يف العالــم اإلســامي يف ذلــك الزمــان ‪.‬‬ ‫يف عاصمــة الرشــيد قــرأ ونهــل مــن العلــوم‬ ‫اجلديــدة التــي ترجمــت مــن اليونانيــة والفارســية‬ ‫والهنديــة فأصبــح الرجــل موســوعة متشــي علــى‬ ‫األرض‪ ،‬ذو ثقافــة عاليــة وعقــل جــريء المــع‬ ‫وفكــر حــر‪ ،‬وبذلــك تكونــت لــه حصيلــة معرفيــة‬ ‫عظيمــة وخصوصــا إذا علمنــا أن أبــا عثمــان كان‬ ‫ينــام يف دكاكــن الوراقــن ويســتأجرها ويقضــي‬ ‫األيــام والليالــي مشــغوال فيهــا بالقــراءة والكتابــة‪،‬‬ ‫قــال عنــه أبــو هفــان « لــم أر قــط وال ســمعت مــن‬ ‫أحــب الكتــب والعلــوم أكثــر مــن اجلاحــظ فإنــه لــم‬ ‫يقــع بيــده كتــاب قــط إال اســتوفى قراءتــه كائنــا‬ ‫مــا كان‪ ،‬حتــى إنــه كان يكتــري دكاكــن الوراقــن‬ ‫ويبيــت فيهــا للنظــر » ‪.‬‬


‫كان يعشــق القــراءة والكتابــة فهــي ســلوته يف‬ ‫خلوتــه ‪ ،‬ويف عصــر كان يقــوم أغلــب تعليمــه علــى‬ ‫الســماع واحلفــظ‪ ،‬بــدأ ينتقــد هــذه الطريقــة يف‬ ‫التعليــم ويدعــو إلــى الكتابــة والتقييــد ويتفــن‬ ‫أديبنــا يف وصــف الكتــاب وجمالــه فكتــب فصــا‬ ‫كامــا عــن الكتــاب يقــول فيــه «اإلنســان ال يعلــم‬ ‫حتــى يكثــر ســماعه والبــد أن تكــون كتبــه أكثــر‬ ‫مــن ســماعه وال يعلــم وال يجمــع العلــم حتــى يكــون‬ ‫اإلنفــاق عليــه مــن مالــه ألــذ عنــده مــن اإلنفــاق مــن‬ ‫مــال عــدوه « ويقــول أيضــا « الكتــاب نعــم الذخــر‬ ‫والعقــدة واجلليــس والعمــدة ونعــم النشــوة والنزهة‬ ‫ونعــم األنيــس ســاعة الوحــدة ونعــم املعرفــة ببــاد‬ ‫الغربــة» ‪.‬‬ ‫هــذه الصداقــة الشــديدة بينــه وبــن الكتــاب‬ ‫جعلتــه يف عصــره إمامــا لــأدب فــكان اخللفــاء‬ ‫يفاخــرون بقربــه وصداقتــه ‪ ،‬وكتبــه تبــاع بــآالف‬ ‫الدنانيــر وهــذا مــا جعلــه يتفــرغ للعلــم والقــراءة‬ ‫والكتابــة حتــى وصلــت كتبــه ورســائله إلــى أكثــر من‬ ‫مائتــي كتــاب و رســالة حســب صاحــب الفهرســت‬ ‫ابــن النــدمي‪ ،‬ورغــم أن الــذي وصلنــا ال يزيــد عــن‬ ‫ثالثــن كتابــا ورســالة إال أنهــا عاليــة القيمــة‬ ‫ال حــدود لثرائهــا اللغــوي واألدبــي والعلمــي ‪،‬‬ ‫وكانــت ذات قيمــة اجتماعيــة وتربويــة ‪ ،‬وعــد مــن‬ ‫أوائــل مــن أســس مفهــوم اإللتــزام يف األدب قبــل‬ ‫ظهــور النظريــات األخالقيــة املنطلقــة مــن واقــع‬ ‫املســؤولية التــي تقــع علــى عاتــق األديــب ‪ ،‬والتــي‬ ‫تبلــورت فكرتهــا يف أربعينيــات القــرن العشــرين‬ ‫علــى يــد الفيلســوف واألديــب الفرنســي جــون‬ ‫بــول ســارتر وبهــذا يعتبرأســتاذا للفكــر التربــوي‬ ‫واألخالقــي وســابقا لزمانــه بقــرون عديــدة‪.‬‬ ‫ومــن خــال كتبــه التــي عالــج فيها مســائل كثيرة‬ ‫ومــزج العلــم بــاألدب والفكاهــة فهــو فيلســوف‬ ‫األدب الســاخر يف األدب العربــي كلــه ‪ ،‬فرســالة‬ ‫التربيــع والتدويــر خيــر مثــال يســتعرض اجلاحــظ‬ ‫فيهــا قدرتــه علــى مــزج اجلــد بالهــزل‪ ،‬ويجعــل مــن‬ ‫أحمــد ابــن عبدالوهــاب أفكوهــة ‪ ،‬ويتهكــم بــه يف‬ ‫طــول الرســالة وعرضهــا فالرســالة موجهــة إليــه‬ ‫وفيهــا مــن قــوة البيــان والــذكاء اللغــوي والبالغــة‬ ‫النــادرة حتــى قــال عنهــا املستشــرق الفرنســي‬ ‫شــارل بيــا املتخصــص يف أدب وفكــر اجلاحــظ ‪:‬‬ ‫إن كتــاب التربيــع والتدويــر تهكــم مســتمر تتخللــه‬ ‫مســائل جــادة عويصــة تتعلــق بالظواهــر الطبيعيــة‬

‫‪ ،‬والتاريــخ القــدمي وأن اجلاحــظ لــو لــم يخلــف لنــا‬ ‫إال هــذا الكتيــب الســتحق امتنــان العــرب وإعجــاب‬ ‫املســتعربني ‪.‬‬ ‫لقــد صنعــت منــه القــراءة كنــز ال يفنــى مــع‬ ‫الزمــان ‪ ،‬وطوفــان جــارف مــن العلــوم تخطــى‬ ‫املعقــول فانظــر إلــى كتابــه احليــوان عبــارة عــن‬ ‫دائــرة معــارف عظيمــة جــدا تشــمل فنونــا كثيــرة‬ ‫فيهــا مــن احملاججــة العقليــة ونظريــات النقــد‬ ‫األدبــي وعلــم االجتمــاع والتاريــخ وعلــم احليــوان‬ ‫وإشــارات مهمــة إلــى علــوم جديــدة مثــل التطــور‬ ‫واألنثروبولوجيــا ‪ ،‬وأهــم مــن هــذا كلــه فهو صاحب‬ ‫الريــادة يف مجــال الفكــر واســتخدام املنهــج العقلــي‬ ‫الــذي ســبق بــه فرانســيس بيكــون وديــكارت كمــا‬ ‫يقــول جميــل جبــر يف كتابــه اجلاحــظ معلــم‬ ‫العقــل واألدب‪ ،‬يقــول مفكرنــا العظيــم «فالتذهــب‬ ‫إلــى ماتريــك العــن واذهــب إلــى مايريــك العقــل‬ ‫ولألمــور حكمــان ‪ :‬حكــم ظاهــر للحــواس وحكــم‬ ‫باطــن للعقــول‪ ،‬والعقــل هــو احلجــة «‬ ‫اشــتهر مثقفنــا املوســوعي باالســتطراد يف‬ ‫كتبــه ورســائله املجيــدة ومــن غيــره يســتطيع ذلــك‬ ‫واليرهقــك اليجعلــك متــل وتســأم‪ ،‬فكتبــه رحــات‬ ‫استكشــافية عبــر بحــور املعرفــة‪ ،‬ثــم إنــه قــرأ‬ ‫ألــوف الكتــب وحينمــا يكتــب تزدحــم الكلمــات‬ ‫واألفــكار واملعانــي وتكــون قــوة ضاغطــه تريــد أن‬ ‫تتفجــر علــى الــورق ‪ ،‬ولكنــه ينظمهــا ويتربهــا يف‬ ‫عقلــه وثــم يبدعهــا ويرســمها كلمــات وجمــل مليئــة‬ ‫بجمــال البالغــة واألســلوب‪ ،‬وعبقريــة األفــكار‬ ‫لتكــون بعــد ذلــك قطعــة خالــدة علــى صفحــات‬ ‫الــورق‪.‬‬ ‫إن طريــق العظمــة واخللــود يبــدأ مــع القــراءة‬ ‫فمعلمنــا أبــو عثمــان ولــد فقيــرا يبيــع اخلبــز‬ ‫والســمك وكان دميــم الوجــه كريــه املنظــر ‪ ،‬ولكــن‬ ‫القــراءة أعطتــه جمــال العلــم واألدب ونقشــت‬ ‫اســمه مــع زمــرة اخلالديــن ‪ ،‬فكتبــه التــزال تــدرس‬ ‫وتقــرأ وطــاب احلقيقــة واملعرفــة منكبــون علــى‬ ‫تراثــه بعــد أن مضــى عليــه أكثــر مــن ‪ 1000‬ســنة‪،‬‬ ‫وحتــى يــوم وفاتــه كان عجيبــا فقــد مــات قارئــا‬ ‫يف مكتبتــه عندمــا ســقطت عليــه الكتــب وكان قــد‬ ‫جتــاوز عمــره التســعني‪ ،‬لقــد قــرأ معلــم العقــل‬ ‫واألدب حتــى أتــاه اليقــن وضمــت كتبــه إلــى تــراث‬ ‫األدبــاء واملفكريــن اخلالديــن ‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫أغلقــت كتابــي‪ ،‬ورحــت أتأمــل‬ ‫رفــوف املكتبــة؛ مــا الــذي يدفــع كل‬ ‫هــؤالء املؤلفــن إلى تقطيــع أرواحهم‬ ‫علــى شــكل أوراق‪ ،‬وضمهــا بــن‬ ‫دفتــن‪ ،‬وإرســالها يف تابــوت يســميه‬ ‫النــاس كتابــا ! هــذا اخليــال املخيــف‬ ‫طــرق بــاب روحــي فأيقظها‪ ،‬وجعلني‬ ‫أســترجع ذكرياتــي مــع الكتــب؛ كــم‬ ‫دمعــة ســفحت علــى عتبــات نــص‬ ‫بائــس‪ ،‬وكــم ضحكــة فــرت لتختــرق‬ ‫جــو الصمــت املكانــي‪ ،‬وإن مــن‬ ‫لذائــذ احليــاة التــي ال مثيــل لهــا‪:‬‬ ‫أن ينبــت الكاتــب ألحرفــه ذراعــن‬ ‫تعانــق غريب ـاً طــوي يف بئــر روحــك‪،‬‬ ‫فيعانقــه‪ ،‬ويحادثــه‪ ،‬ويبثــه وجــده ‪.‬‬

‫جتاوبــاً مــع مليعــة عبــاس عمــارة‬ ‫التــي أحبــت الســياب وأحبهــا‪ ،‬لكــن‬ ‫اهلل لــم يكتــب لهمــا جمعـاً‪ ،‬فمضــت‬ ‫الســنوات ورأت كتابــاً لهــا يجــاور‬ ‫كتابــا للســياب فقالــت ‪:‬‬

‫كيــف أنســى حســرة غشــيتني‬ ‫عنــد قــراءة فصــل «ملــاذا تخيــب‬ ‫اآلمــال» مــن «رحيــق العمــر» للدكتــور‬ ‫جــال أمــن‪ ،‬وكيــف أصــف حالــي‬ ‫حــن قــرأت كلمــة فرانــز كافــكا‬ ‫يف رســالته ألبيــه‪« :‬أنــت وراء كل‬ ‫إذا بنا ورغمها نلتقي‬ ‫معاناتــي»‪ ،‬هــذا التناســخ الشــعوري‬ ‫هنا كتابني على رف‬ ‫زارنــي مــراراً؛ فقــد كنــت أحتســس‬ ‫أظفــاري مــع مليكــة أوفقيــر عنــد‬ ‫آمنــت أن الكتــب توابيــت املعرفــة‪،‬‬ ‫حديثهــا عــن حفــر النفــق بيديهــا‬ ‫يف كتابهــا «الســجينة»‪ ،‬وكنــت وأن فيهــا ســكينة‪ ،‬وبقيــة ممــا تــرك‬ ‫أتضــور مــع كنــوت هامســون يف العباقــرة‪ ،‬والبائســون‪ ،‬وفرســان‬ ‫روايتــه «اجلــوع»‪ ،‬وأشــم ذرات الشــعور اإلنســاني ‪.‬‬ ‫الغبــار مــع كل ســطر مــن «العطــر»‬ ‫لزوســكيند‪ ،‬وأحــس بضآلــة الدنيــا‬ ‫بدر الثوعي‬ ‫‪@badrTH_313‬‬

‫‪26‬‬


‫قبــل طــرح الكتــب املقترحــة لهــذا‬ ‫الغــرض البــد وأن نضــع توصيفــاً لهــذا‬ ‫النــوع مــن الكتــب‪ ،‬فالروايــات ال تصلــح‬ ‫للقــراءة قبــل النــوم‪ ،‬ألنهــا رمبــا تسترســل‬ ‫باإلنســان وتفــوت عليــه موعــده احملــدد‬ ‫للنــوم ‪.‬‬ ‫الكتــب الفلســفية أو املتخصصــة ال‬ ‫تصلــح كذلــك إذ ال بــد وأن يكــون الكتــاب‬ ‫بعيــداً عــن اإلعمــال الفكــري الشــاق‪،‬‬ ‫وأن يكــون إيجابيــاً فــا تقــرأ كتــب أدب‬ ‫الســجون مثـ ً‬ ‫ا قبــل النــوم‪ ،‬فإنهــا ســتطبع‬ ‫يف نفســك تصــورات ســيئة‪ ،‬رمبــا أورثــت‬ ‫أحالمــاً وكوابيــس مرعبــة‪ ،‬وهــذا عــن‬ ‫جتربــة‪.‬‬ ‫يقتــرح قــراءة كتــب حتتــوي علــى‬ ‫مقطوعــات‪ ،‬ككتــب التراجــم والســير‬ ‫الذاتيــة‪ ،‬أو التاريــخ‪ ،‬أو حتــى الكتــب‬ ‫األدبيــة‪ ،‬أو كتــب اخلواطــر‪ ،‬أو‬ ‫األقصوصــات القصيــرة‪.‬‬ ‫مــن الكتــب املقترحــة‪ :‬صيــد اخلاطــر‬ ‫البــن اجلــوزي‪ .‬و ســير أعــام النبــاء‬ ‫للذهبــي‪ ،‬وهــذا األخيــر كتــاب كبيــر‬ ‫كمــا هــو معــروف تقــع تراجمــه يف ثالثــة‬

‫وعشــرين مجلــداً‪ ،‬أعــرف مــن قــرأه‬ ‫كامــا يف ســبع ســنني‪ ،‬قبــل النــوم‪ ،‬إذ كان‬ ‫هــو كتــاب الوســادة‪.‬‬ ‫مــن فوائــد القــراءة قبــل النــوم‪ :‬االبتعاد‬ ‫عــن األفــكار والهواجــس املقلقــة‪ ،‬وهــذا‬ ‫موجــود عنــد بعــض الشــخصيات القلقــة‪.‬‬ ‫فبعــض العقــول ال تكــف عــن التفكيــر‪،‬‬ ‫وهــذا مــن أجنــح املهدئــات لهــا‪.‬‬ ‫ومــن الفوائــد أيض ـاً‪ :‬الشــعور بحالــة‬ ‫االســترخاء والرضــا عــن النفــس‪ ،‬ممــا‬ ‫يؤثــر إيجابــاً علــى املــزاج العــام أثنــاء‬ ‫النــوم‪.‬‬ ‫وبعــد‪ :‬هــل تفضــل القــراءة علــى‬ ‫الســرير‪ ،‬أو علــى مقعــد منفصــل داخــل‬ ‫غرفــة النــوم ؟ لــك احلريــة يف أنفعهمــا‬ ‫لــك‪ ،‬لكــن إغــراء القــراءة علــى الســرير ال‬ ‫يعدلــه شــيء ‪.‬‬ ‫اإلضــاءة الســريرية هــل تؤثــر علــى‬ ‫القــارئ‪ ،‬اجلــواب‪ :‬ال أظــن ذلــك ‪( ..‬وهــذا‬ ‫رأي شــخصي وليــس لــه أي ســند علمي)‪.‬‬ ‫يقــول العقــاد يف (حيــاة قلــم) ‪« :‬أفتــح‬ ‫الكتــاب اجلديــد فيروقنــي مــا قرأتــه فيــه‬ ‫فــا ألقيــه مــن يــدي حتــى أفــرغ منــه آخــر‬

‫الليــل‪ ،‬وال ضيــاء يف البيــت غيــر شــمعة أو‬ ‫مصبــاح ذي فتيــل»‪.‬‬ ‫ويقــول أحمــد أمــن يف (حياتــي) ‪:‬‬ ‫«أســتمر يف القــراءة إلــى نحــو احلاديــة‬ ‫عشــرة فأنــام‪ ،‬وقــد وضعــت مصباحــا‬ ‫كهربائيــا بجانــب ســريري أقــرأ عليــه‬ ‫حتــى يغشــاني النــوم‪ ،‬وملــا أصبــت يف‬ ‫عينــي منعنــي األطبــاء مــن القــراءة ليــا‬ ‫فاســتعنت علــى مــلء وقتــي مبــن يقــرأ‬ ‫علــي ‪ .‬وإذا علقــت فكــرة بذهنــي كانــت‬ ‫شــغلي الشــاغل ‪ -‬أقــرأ الكثيــر عنهــا‬ ‫وأفكــر فيهــا وأحلــم بهــا»‪.‬‬ ‫نصيحــة أخيــرة ‪-‬لســراة الليــل‪ -‬ينصــح‬ ‫العقــاد بالكتابــة بالقلــم األحمــر أثنــاء‬ ‫الليــل‪( .‬أنــا‪ ،‬العقــاد)‪ .‬كمــا أنــي بحثــت‬ ‫عــن مقالــة لطــه حســن عــن القــراءة قبــل‬ ‫النــوم يف تــراث طــه حســن والــذي يقــع‬ ‫يف ســتة مجلــدات ضخمــة‪ ،‬لكنــي لــم‬ ‫أســتطع الوقــوف عليهــا‪.‬‬ ‫يقــول العقــاد‪ :‬الليــل للــروح والنهــار‬ ‫للجســد‪( .‬أنــا‪ ،‬العقــاد)‪.‬‬ ‫هشام سعد‬ ‫‪dr.heshamm@gmail.com‬‬

‫‪27‬‬


‫أ‪ .‬فائق منيف‬ ‫‪@fmuneef‬‬

‫‪28‬‬

‫تشــرفت بطلــب مــن األخــت الكرميــة‬ ‫نــدى إبراهيــم لكتابــة “جتربتــي مــع‬ ‫الكتــاب والقــراءة” يف املجلــة الفتيــة‬ ‫“قــوارئ”‪ ،‬فانتهــزت الفرصــة لقــراءة‬ ‫متأنيــة لطبيعــة املجلــة ومحتواهــا‪،‬‬ ‫وأحســب أنهــا أول مجلــة متخصصــة‬ ‫يف القــراءة تقنيــة وعواملــا‪ ،‬وأتوقــع لهــا‬ ‫إن وجــدت الدعــم‪ -‬الــذي تســتحقه‬‫أن تكــون ذات شــأن ومنفعــة كبيــرة‬ ‫للقــراء‪ ،‬واجلميــل فيهــا نشــأتها علــى يــد‬ ‫كــوادر شــابة‪ ،‬متطوعــة لتقــدمي الفائــدة‬ ‫ملجتمعهــا ‪.‬‬ ‫احتــرت كيــف أتطــرق لتجربتــي مــع‬ ‫القــراءة والكتــاب‪ ،‬فوجــدت أســهل الســبل‬ ‫ســرد قصصــي معهــا‪ ،‬فمــا التجــارب إال‬ ‫قصــص‪ ،‬وليــس ســرد هــذه احلكايــات من‬ ‫ص‬ ‫بــاب العجــب بالنفــس‪ ،‬فهــي مــن‬ ‫القص ِ‬ ‫َ‬ ‫العــادي الــذي قــد يكــون مــر يف حيــاة أي‬ ‫قــارئ‪ .‬حاولــت التــزام التسلســل الزمنــي‬ ‫وترابــط احلكايــات ببعضهــا‪ ،‬ولكنــي ال‬ ‫أضمــن قلمــي فمــن عادتــه الــزوغ عــن‬ ‫هــذا االلتــزام إلصابتــه بــداء االســتطراد‪.‬‬ ‫بــدأت حكايتــي مــع القــراءة منــذ‬ ‫الصغــر‪ ،‬فقــد كنــت رابــع إخــوة أبنــاء‬ ‫وبنــات‪ ،‬وكانــوا بســبب التحاقهــم‬ ‫بالدراســة مشــغولني مبذاكرتهــم وحــل‬ ‫واجباتهــم‪ ،‬ولــم يجــد طفــ ٌل صغيــر‬ ‫مثلــي ‪-‬يف أيــام لــم تكــن فيهــا ملهيــات‬ ‫التقنيــة شــائعة‪ -‬وســيلة لقضــاء الوقــت‪،‬‬ ‫ســوى التلصــص عليهــم‪ ،‬ومشــاغبتهم‪،‬‬ ‫واالســتماع لنقاشــاتهم املدرســية مــع‬ ‫بعضهــم بعــد عودتهــم مــن املدرســة‪،‬‬ ‫والتعــرف مبســاعدتهم علــى احلــروف‬

‫والكلمــات‪ ،‬ومحاولــة كتابتهــا وتهجئتهــا‪.‬‬ ‫أمــا يف أثنــاء غيابهــم‪ ،‬فقــد أنشــأت أول‬ ‫مدرســة “اســطوانية” يف العالــم‪ ،‬وكنــت‬ ‫املالــك فيهــا واملعلــم والطالــب‪ ،‬كانــت‬ ‫اســطوانات الغــاز تُركــن حتــت الــدرج‬ ‫املــؤدي إلــى الســطح‪ ،‬فاتخــذت مــن هــذا‬ ‫املــكان مدرســة‪ ،‬أذهــب إليهــا بعــد ذهــاب‬ ‫إخوتــي إلــى مدارســهم‪ ،‬ومعــي حقيبتــي‪،‬‬ ‫وإفطــاراً أتناولــه وقــت الفســحة‪ ،‬كان‬ ‫لهــذه املدرســة االفتراضيــة مواعيــد‬ ‫للطابــور والفســحة و”الطلعــة” (والطلعــة‬ ‫اســم شــعبي كان يطلــق علــى نهايــة اليــوم‬ ‫الدراســي)‪ ،‬غيــر أن مــا مييــز نظــام‬ ‫هــذه املدرســة عــن غيرهــا مــن املــدارس‬ ‫احلكوميــة‪ ،‬أن مواعيدهــا غيــر منضبطة‪،‬‬ ‫فبحكــم أنــي املالــك كانــت مواعيدهــا‬ ‫وفتحهــا وإقفالهــا تعتمــد علــى مزاجــي‬ ‫الشــخصي‪ ،‬ومــدى امللــل مــن الــدروس‬ ‫التــي ألقيهــا وأســمعها‪ ،‬وواجباتــي التــي‬ ‫أفرضهــا علــي وأحلهــا‪.‬‬ ‫كان لهذا اجلو الدراســي األخوي أثره‬ ‫يف تعليمــي القــراءة قبــل دخولي املدرســة‪،‬‬ ‫وكان دخولــي املدرســة “مســتمعا”‪ ،‬ألن‬ ‫ســني حينهــا أصغــر بشــهور مــن الســن‬ ‫القانونيــة لدخــول الصــف األول ابتدائــي‪،‬‬ ‫ابتــدأ مــدرس العربيــة أول حصــة لــه‬ ‫بكتابــة “بســم اهلل الرحمــن الرحيــم”‪،‬‬ ‫وســأل إن كان هنــاك مــن يســتطيع‬ ‫قراءتهــا‪ ،‬فمــددت يــدي بحمــاس شــديد‪،‬‬ ‫كادت تقلــع فيهــا يــدي كصــاروخ يحلــق‬ ‫إلــى الفضــاء‪ ،‬قرأتهــا‪ ،‬وكان هــذا أول‬ ‫اختبــار حقيقــي يف القــراءة‪.‬‬ ‫كانــت هنــاك عــادة لطيفــة بــن أبنــاء‬

‫وبنــات احلــي الواحــد‪ ،‬فبعــد نهايــة‬ ‫كل عــام دراســي يطــرق الطفــل بــاب‬ ‫جيــران جنــح ابنهــم‪ ،‬ليأخــذ منــه كتبــاً‬ ‫ٍ‬ ‫دراســية لــم يعــد بحاجتهــا بعــد انتقالــه‬ ‫إلــى صــف دراســي متقــدم‪ ،‬ولــم يكــن‬ ‫ذلــك لنقــص يف الكتــب املدرســية التــي‬ ‫تُو ّفــر للمــدارس‪ ،‬وإمنــا يفعلهــا الطفــل‬ ‫مــن بــاب اســتغالل اإلجــازة للتهيــؤ للعــام‬ ‫املقبــل بقــراءة مناهجــه‪ ،‬حتــى يكــون علــى‬ ‫أهبــة االســتعداد عنــد بــدء الدراســة‬ ‫للعــام املقبــل‪ .‬وكنــت أســتمتع بكتــب‬ ‫املطالعــة أو القــراءة وكتــاب األناشــيد‪،‬‬ ‫ويف مرحلــة متقدمــة بكتــب “صــور مــن‬ ‫حيــاة الصحابــة” التــي ألفهــا الدكتــور‬ ‫عبدالرحمــن رأفــت الباشــا‪ ،‬وكانــت‬ ‫مقــررة علــى طــاب االبتدائــي مــع مــادة‬ ‫القــراءة يف الصفــن اخلامــس و الســادس‬ ‫االبتدائــي‪ ،‬ولــه أيضــا “صــور مــن حيــاة‬ ‫التابعــن” املقــررة يف املرحلــة املتوســطة‪.‬‬ ‫كان املنهــج املقــرر يف مــادة القــراءة‬ ‫مواضيــع مختــارة‪ ،‬بينمــا كنــت خــال‬ ‫اإلجــازة قــد قرأت كل مواضيعها‪ .‬ورددت‬ ‫أناشــيدها‪ ،‬ولــم أكــن أكتفــي بقراءتهــا‬ ‫بــل كنــت أنشــدها بتلحــن طفولــي يف‬ ‫الصــف ويف اإلذاعــة املدرســية‪ ،‬وذات‬ ‫يــوم اســتدعاني مــدرس املــواد العربيــة‬ ‫إلــى فصلــه يف الصــف اخلامــس‪ ،‬وكنــت‬ ‫أضرب أخماســا بأســداس طوال الطريق‬ ‫عــن ســر هــذا االســتدعاء‪ ،‬إلــى أن وصلت‬ ‫معلمــي الــذي أراد أن يســهل علــى طالبــه‬ ‫حفــظ قصيــدة مقــررة عليهــم‪ ،‬بإنشــادها‬ ‫بلحـ ٍـن كنــت قــد أنشــدته العــام املاضــي‪.‬‬


‫كنــت محظوظــا خــال مراحلــي‬ ‫الدراســية مبدرســي لغــة عربيــة يوقــدون‬ ‫احلمــاس يف عقلــي الصغيــر بحب القراءة‬ ‫والكتابــة‪ ،‬ففــي املرحلــة االبتدائيــة كان‬ ‫األســتاذان الســودانيان علــي ومجــذوب‬ ‫محبــان للغــة وآدابهــا‪ ،‬وكان مجــذوب‬ ‫شــاعرا‪ ،‬حتــى إنــه كتــب يف مــادة اخلــط‬ ‫يومــا‪ ،‬بيتــان ّ‬ ‫يف ويف زميلــي‪ ،‬لــم أعــد‬ ‫أذكــر منهــا إال شــطر بيــت هــو “فــاق فائـ ٌق‬ ‫اآلفــاق علمــا”‪ ،‬وجعلنــا ‪-‬نحــن الطــاب‪-‬‬ ‫يف الصــف نخــط هذيــن البيتــن كتابــة‪،‬‬ ‫فكانــت هــذه احلادثــة فاكهــة حديثــي بعــد‬ ‫العــودة إلــى املنــزل‪ ،‬وظللــت أحتفــظ بهــذا‬ ‫اخلــط طويــا‪ .‬ويف املرحلــة املتوســطة‬ ‫كان األســتاذ الســوري أحمــد أديبــا‬ ‫فكانــت مــواده العربيــة محفــزة علــى‬ ‫االســتزادة مــن قــراءة األدب والشــعر‪.‬‬ ‫ويف تلــك املرحلــة كانــت قــراءة‬ ‫الصحــف عــادة يوميــة‪ ،‬فكنــت إذا‬ ‫أحضــر الوالــد صحيفــة التهمــت مــا‬ ‫فيهــا مــن أخبــار ومقــاالت‪ ،‬حتــى ال‬ ‫يــكاد يفلــت منهــا حــرف واحــد‪ ،‬ولــو‬ ‫كانــت إعالنــات مبوبــة‪ ،‬واســتمر عشــقي‬ ‫للصحــف‪ ،‬لدرجــة أنــي كنــت أوفــر مــن‬ ‫مصــرويف الدراســي اليومــي الــذي يبلــغ‬ ‫ريالــن ألشــتري بهــا صحيفــة‪ ،‬وكان ســعر‬ ‫الصحيفــة ريــاال واحــدا‪ .‬ومــن املجــات‬ ‫التــي كنــت أحــرص علــى قراءتهــا مجلــة‬ ‫اليمامــة واملجلــة العربيــة فقــد كانتــا‬

‫مليئتــان باملتعــة والفائــدة‪.‬‬ ‫ال أذكر بداية تعلقي بسلسلة “املغامرون‬ ‫اخلمســة” للكاتــب محمــود ســالم رحمــه‬ ‫اهلل‪ .‬ولكــن أذكــر أن أبطالهــا محــب ولــوزة‬ ‫ونوســة وعاطــف وتختــخ كانــوا أصدقائــي‬ ‫الورقيــن‪ ،‬وصــرت بهــم أعــرف أحيــاء‬ ‫“القاهــرة” أكثــر مــن أحيــاء “الريــاض”‪،‬‬ ‫وتعرفــت علــى مجلتــي “ماجــد” و”باســم”‬ ‫وإن كانــت األولــى األوفــر حظــا مــن‬ ‫املتابعــة واحلــرص‪ ،‬وبلــغ احلــرص بــي أن‬ ‫غامــرت أكثــر مــن مــرة مــع أخــي األصغــر‬ ‫باملشــي إلــى محــل يبعــد كثيــرا عــن املنــزل‬ ‫لشــراء عددهــم األســبوعي‪ ،‬ويف إحــدى‬ ‫املغامــرات‪ ،‬اعتــذر البائــع بــأن العــدد‬ ‫اجلديــد لــم يصــل‪ ،‬وال أدري أي قصــة‬ ‫أو مجلــة غيرهــا تأبطتهــا كــي ال يذهــب‬ ‫ســفري القصيــر هبــاء‪.‬‬ ‫أول مكتبــة حقيقــة لبيــع الكتــب زرتهــا‬ ‫رمبــا كانــت يف نهايــات الســنة السادســة‬ ‫االبتدائيــة أو بدايــات الصــف األول‬ ‫املتوســط ‪ ،‬حــن أخذنــي أخــي األكبــر‬ ‫إلــى مكتبــة يف مبنــى العقاريــة القدميــة‬ ‫التــي تقــع علــى شــارع الســتني يف امللــز‪،‬‬ ‫وكان مــن ضمــن الكتــب التــي ابتعتهــا‪،‬‬ ‫مســرحية “أهــل الكهــف” لتوفيــق احلكيم‪،‬‬ ‫اســتغرب البائــع شــرائي للكتــاب يف هــذا‬ ‫العمــر‪ ،‬ناصحــا لــي باقتنــاء كتــب تناســب‬ ‫مرحلتــي العمريــة حتــى ال تكــون صعبــة‬ ‫الفهــم واالســتيعاب‪ ،‬وبكبريــاء طفــل ال‬

‫يحــب أن يــراه اآلخــرون طفــا بــل رجــا‪،‬‬ ‫شــكرت البائــع علــى نصيحتــه‪ ،‬ولكنــي‬ ‫اقتنيــت الكتــاب‪ .‬وأول مــا ابتــدأت بــه بعــد‬ ‫العــودة مــن هــذه الرحلــة اجلميلــة كان‬ ‫هــذا الكتــاب‪ ،‬اكتشــفت أن البائــع محــق‬ ‫يف نصيحتــه‪ ،‬لكــن هــذه احلادثــة التــي‬ ‫عرفتنــي علــى أدب “توفيــق احلكيــم”‬ ‫جعلتنــي مغرمــا مبؤلفاتــه وبأســلوبه‬ ‫الســلس العــذب يف إيصــال فكرتــه‪،‬‬ ‫وقدرتــه علــى شــحن قصصــه بالتشــويق‪،‬‬ ‫فكنــت أقــرأ كتبــه الواحــد منهــا تلــو‬ ‫اآلخــر‪ ،‬وعندمــا أســافر للقاهــرة أزور‬ ‫ســور األزبكيــة‪ ،‬وناشــر كتبــه “مكتبــة‬ ‫مصــر” ألبحــث عــن كتــاب لــه ليــس يف‬ ‫مجموعتــي‪ ،‬وقــد أشــتري كتابــا‪ ،‬فأجــد‬ ‫يف مكتبتــي مثلــه‪ ،‬ولكنــه هــرب مــن‬ ‫ذاكرتــي‪ ،‬فأهديــه لقريــب أو صديــق‪،‬‬ ‫وإبــان تعاونــي مــع الصفحــة الشــعبية يف‬ ‫جريــدة “الريــاض”‪ ،‬كتبــت ثالثــة أربــاع‬ ‫صفحــة عــن موقــف توفيــق احلكيــم‬ ‫مــن األدب الشــعبي‪ ،‬وبعدهــا شــجعني‬ ‫األســتاذ نايــف رشــدان املســؤول يف‬ ‫القســم الثقــايف باجلريــدة علــى التعــاون‬ ‫مــع القســم‪ ،‬فكنــت أكتــب عرضــا للكتــب‪،‬‬ ‫أقــرأ بتــأن مــا يشــدني منهــا‪ ،‬وســريعا مــا‬ ‫يشــعرني بامللــل‪ ،‬حتــى حــان ابتعاثــي إلــى‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة فانقطــع‬ ‫هــذا التعــاون‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫تنوعــت القــراءات يف أيــام املرحلــة‬ ‫املتوســطة‪ ،‬وكان ألجاتــا كريســتي نصيــب‬ ‫األســد منهــا‪ ،‬فكنــت مشــدودا إلى سلســلة‬ ‫رواياتهــا البوليســة‪ ،‬ومشــدوهاً بقدرتهــا‬ ‫علــى إحــكام تصاعــد حبكــة قصصهــا‬ ‫لدرجــة يســتحيل معهــا مفارقــة القصــة‬ ‫حتــى إنهائهــا ملعرفــة املجــرم والبــريء‪.‬‬ ‫ومــن األمــور التــي لــم أكتشــفها إال بعــد‬ ‫حــن‪ ،‬أنــي كنــت أقــرأ روايــات شــهيرة‬ ‫مترجمــة ظنــا أنهــا كاملة‪ ،‬وهــي يف الواقع‬ ‫ملخصــة ومبســطة لتناســب الناشــئة‪،‬‬ ‫كروايــات ديفيــد كوبرفيلــد وذهــب مــع‬ ‫الريــح واألرض الطيبــة والبؤســاء وبــن‬ ‫مدينتــن وغيرهــا‪ .‬عرفــت بعــد طــول‬ ‫زمــن أن مــا قرأتــه‪ ،‬رغــم فائدتــه‪ ،‬كان‬ ‫اختصــارا يذهــب عبقريــة الروايــة وإبــداع‬ ‫الكاتــب‪ ،‬وكان علــي أن أعيــد قراءتهــا‬ ‫بترجماتهــا التامــة‪.‬‬ ‫وللكتــب الدينيــة والتراثيــة نصيــب مــن‬ ‫القــراءة‪ ،‬فالوالــد رحمــه اهلل كان يحتفــظ‬ ‫ببعــض منهــا‪ ،‬وكان مــن عادتــه قبــل‬ ‫اإلفطــار يف رمضــان‪ ،‬أن يجمعنــا نحــن‬ ‫أبنــاؤه‪ ،‬لنقــرأ يف كتــاب نتناقلــه بيننــا‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫عــال صفحتــن‪،‬‬ ‫كل يقــرأ منــه بصــوت ٍ‬ ‫وأتذكــر منهــا كتــاب ريــاض الصاحلــن‬ ‫للنــووي‪ ،‬وكتــاب الطــب النبــوي البــن قيــم‬ ‫‪30‬‬

‫اجلوزيــة‪ .‬يف أواســط املرحلــة املتوســطة‬ ‫التحقــت بجمعيــة الثقافــة اإلســامية‪،‬‬ ‫ويف إحــدى مســابقاتها‪ ،‬ســأل املــدرس‬ ‫عــن مصــادر التشــريع‪ ،‬واختارنــي مــن‬ ‫بــن املتحفزيــن لإلجابــة‪ ،‬فأجبتــه بفــرح‬ ‫مــن يعــرف املعلومــة‪ ،‬بأســماء كتــب منهــا‬ ‫املغنــي البــن قدامــة‪ ،‬وفقــه الســنة للســيد‬ ‫ســابق‪ ،‬وكنــت قرأتهمــا فظننــت أنهمــا لــم‬ ‫يبقيــا ولــم يــذرا بعدهمــا مــن ضــروب‬ ‫الفقــه والتشــريع شــيئا‪ ،‬ومــا إن علمــت‬ ‫بجنوحــي بعيــدا عــن اإلجابــة الصحيحــة‪،‬‬ ‫حتــى كان هــذا دافعــا لــي لالســتزادة مــن‬ ‫القــراءة يف كتــب والفقــه‪.‬‬ ‫وال أذكــر أنــي قــد ثنيــت ال ُركــب عنــد‬ ‫عالــم‪ ،‬إال يف ســن متقدمــة‪ ،‬وكانــت لــدى‬ ‫الشــيخ عبدالكــرمي اخلضيــر حفظــه اهلل‪،‬‬ ‫فقــط حضــرت عنــده دروســا يف شــرح‬ ‫كتــاب “مــن اآلجروميــة” البــن آجــروم‪،‬‬ ‫ولكنــي توقفــت بســبب ضيــق الوقــت‪،‬‬ ‫وأعتقــد أن الشــيخ لــم يكملهــا أيضــا‪.‬‬ ‫واســتمعت بعدهــا لــدروس الشــيخ ابــن‬ ‫عثيمــن يف شــرحها‪.‬‬ ‫وقــرأت املشــهور مــن الكتــب التراثيــة‬ ‫وهــي عديــدة ال أســتطيع حصرهــا‪ ،‬لكــن‬ ‫أتذكــر متلملــي مــن الكتــب احملققة عندما‬ ‫أضطــر كل حــن لقــراءة معنــى أو متابعــة‬

‫شــرح‪ ،‬فتذهــب متعــة القــراءة املتواصلــة‬ ‫لكلمــات الكاتــب بالقــراءة املتقطعــة بينهــا‬ ‫وبــن الشــروحات‪ .‬رغــم أن القــراءة بــدون‬ ‫الشــروحات حتــرم أحيانــا مــن معرفــة‬ ‫كلمــات ومواقــع لهــا دالئلهــا وتأثيرهــا‬ ‫علــى ســياق احلديــث‪.‬‬ ‫وأمــا الشــعر فــا أتذكــر يف البدايــات‬ ‫أن شــاعرا حديثــا علــق بذهنــي‪ ،‬بــل جــل‬ ‫مــا أقــرأه كان لشــعراء قدامــى مــن الشــعر‬ ‫اجلاهلــي حتــى العباســي‪.‬‬ ‫ومــا دمــت ع ّرجــت علــى األخطــاء‪،‬‬ ‫فــإن إحداهــا أيضــاً تغ ّيــر عاداتــي‬ ‫القرائيــة‪ ،‬فبعــد أن كنــت مدمــن قــراءة‪،‬‬ ‫لدرجــة تفريــغ وقتــي كلــه إلنهــاء كتــاب‬ ‫بــدأت فيــه‪ ،‬أو عــدم أكل وجبــة طعــام‬ ‫إال وبجانبــي صحيفــة أتصفحهــا أو‬ ‫كتابــا أقــرؤه‪ ،‬مــ ّرت ســنوات كانــت يف‬ ‫بدايــة احليــاة اجلامعيــة‪ّ ،‬قلــت فيهــا هــذه‬ ‫العــادة‪ ،‬وأصبحــت أحمــل كتابــا معــي‬ ‫لالســتراحة أو املقهــى‪ ،‬آمــا أن أقــرأه‬ ‫ــس‪ .‬وبعــد‬ ‫هنــاك‪ ،‬فأعــود بــه دون أن ُي ّ‬ ‫تصحيــح خطــأ هــذه الســنوات‪ ،‬احتجــت‬ ‫ومــا زلــت يف حاجــة‪ -‬الســتعادة لياقــة‬‫القــراءة مــن جديــد‪ ،‬فلــم تعــد كمــا كانــت‬ ‫بلذتهــا وســحرها وســرعتها‪.‬‬


‫وفتحــت جتربــة االبتعــاث إلــى‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة البــاب‬ ‫لقــراءة كتــب مكتوبــة باللغــة االجنليزيــة‪،‬‬ ‫وكان أول كتــاب قرأتــه هنــاك روايــة باســم‬ ‫ِ‬ ‫املالحــق أو‬ ‫‪ The Stalker‬وميكــن ترجمتهــا‬ ‫املطــارد‪ ،‬أهدانــي إياهــا كاتبهــا‪ ،‬الــذي‬ ‫كان أيضــا معلمــي يف معهــد اللغــة‪ ،‬وبعــد‬ ‫أيــام ســألني عــن رأيــي فيهــا‪ ،‬فــكان‬ ‫ـان نقــدي أجنبــي‪ ،‬ذكــرت‬ ‫ذلــك أول امتحـ ٍ‬ ‫لــه محاســنها‪ ،‬وذكــرت أن مــن عيوبهــا‬ ‫االســتطراد يف تفاصيــل األمكنــة ومواقــع‬ ‫األحــداث حتــى بلغــت إحداهــا صفحتــن‬ ‫كاملتــن‪ ،‬وتنفســت الصعــداء بعــد أن ذكــر‬ ‫لــي أن هــذا فعــا أحــد االنتقــادات التــي‬ ‫وجهــت للروايــة‪ .‬كشــفت لــي القــراءة بلغــة‬ ‫أخــرى حجــم الكارثــة التــي يرتكبهــا بعض‬ ‫املترجمــن للعربيــة‪ ،‬فقــد كنــت أقــرأ‬ ‫كتبــا فكريــة وأدبيــة مترجمــة فأعجــب‬ ‫مــن شــهرتها‪ ،‬رغــم ثقلهــا علــى النفــس‪،‬‬ ‫وتعقيــد طرحهــا‪ ،‬وركاكــة أســلوبها‪ .‬وبعــد‬ ‫مــا تيســر لــي قــراءة بعضهــا بلغتهــا األم‬ ‫عرفــت أن املشــكلة مــن املترجــم ال مــن‬ ‫الكاتــب‪ ،‬ولــو علــم الكاتــب مبــا فعــل‬ ‫املترجــم يف كتابــه لصــب عليــه غضبــه‬ ‫ولعناتــه‪ .‬وهــذا مــا جعلنــي بعدهــا أد ّقــق‬ ‫يف اســم املترجــم قبــل املؤلــف‪ ،‬حتــى ال‬ ‫أظلــم الكاتــب بكــره الكتــاب‪.‬‬ ‫ويف الســنوات األخيــرة‪ ،‬تصاحلــت مــع‬

‫الزمــن‪ ،‬وتك ّيفــت مــع تق ّدمــه‪ ،‬فأصبحــت‬ ‫أقــرأ الكتــب اإللكترونيــة أكثــر مــن‬ ‫قراءتــي للكتــب الورقيــة‪ ،‬وأنهــي كتبــا‬ ‫مبئــات الصفحــات بالقــراءة الســماعية‪،‬‬ ‫وكل ذلــك باســتخدام “اجلــوال”‪ .‬لقــد‬ ‫وفــرت علــي التقنيــة عنــاء حمــل الكتــب‬ ‫الــذي كان يرهقنــي ويثقــل حقائبــي عنــد‬ ‫الســفر‪ ،‬فصــرت أحمــل مكتبــة كبيــرة‬ ‫متنوعــة يف جوالــي الصغيــر‪ .‬وكان األمــر‬ ‫يف البدايــة صعبــا‪ ،‬بســبب احلنــن إلــى‬ ‫الــورق‪ ،‬وحميميــة تصفحــه‪ ،‬لكــن مــع‬ ‫الوقــت اعتــدت هــذه الوســائل اجلديــدة‬ ‫للقــراءة‪ ،‬بــل وجــدت أنهــا زادت معــدل‬ ‫القــراءة بعدمــا ســ ّهلت حمــل الكتــاب‬ ‫يف كل مــكان‪ ،‬وقراءتــه يف أي موقــع‪،‬‬ ‫وســماعه إن لــم أســتطع قراءتــه بالعــن‪.‬‬ ‫وبقــدوم هــذه العــادة اجلديــدة‪ ،‬اضمحلّــت‬ ‫عــادات أخــر‪ ،‬كزيــارة املكتبــات‪ ،‬وقضــاء‬ ‫الســاعات فيهــا‪ ،‬وزيــارة معــارض الكتــب‪،‬‬ ‫وعــدم التعــب مــن الــدوران فيهــا‪ ،‬وتصفــح‬ ‫الكتــب‪ ،‬واختيــار املناســب منهــا‪.‬‬ ‫ومــن بــاب إلــزام النفــس بالقراءة‪ ،‬أنشــأت‬ ‫وســما يف موقــع التواصــل “تويتــر”‪ ،‬كنــت‬ ‫أســتعرض فيــه كل أســبوع اقتباســات مــن‬ ‫كتــاب‪ ،‬ونقلــت ذلــك أيضــا ‪-‬بعــد نصيحــة‬ ‫زميلــة‪ -‬إلــى موقــع “قــود ريــدز” الــذي‬ ‫يتواصــل فيــه القــراء والكتــاب‪ ،‬ثــم زادت‬ ‫غلــة الكتــب املقــروءة أســبوعيا ‪-‬وأقصــد‬

‫بهــا غيــر العلميــة‪ -‬فصــرت أقــرأ شــبه‬ ‫يومــي مــا بــن ‪ ٥٠‬إلــى ‪ ١٠٠‬صفحــة‪،‬‬ ‫قــد تزيــد إلــى كتــاب كامــل عندمــا يتوفــر‬ ‫الوقــت‪.‬‬ ‫وتخليــت عــن عــادة ســيئة‪ ،‬وهــي‬ ‫عــدم القــراءة للحديــث مــن النتــاج‬ ‫األدبــي والفكــري‪ ،‬فقــد كنــت أقــرأ فقــط‬ ‫لكبــار األدبــاء وأعمالهــم الشــهيرة‪ ،‬حتــى‬ ‫اكتشــفت خطــأ ذلــك‪ ،‬لعزلــه القــارئ عــن‬ ‫عصــره‪ ،‬وجعلــه بعيــدا عــن التغيــرات‬ ‫والتطــورات التــي تســتجد علــى األدب‬ ‫واملجتمــع إنتاجــا وذائقــة‪ .‬فيكتــب الكاتــب‬ ‫حينئــذ بعــد تشــبعه مــن هــذه القــراءات‬ ‫بــروح مندثــرة وليــس بــروح معاصــرة‪.‬‬ ‫هــذه بعــض حكاياتــي مــع القراءة‪ ،‬التي‬ ‫كلمــا أوغلــت فيهــا اكتشــفت أنــي مــا زلــت‬ ‫يف بقعــة صغيــرة منهــا‪ ،‬فهــي كالعالَــم ال‬ ‫تســتطيع وضعــه يف جيبــك‪ ،‬لكــن تســتطيع‬ ‫بــن كل حــن زيــارة جــزء منــه للتعــرف‬ ‫عليــه‪ ،‬وحتــى لــو زرت هــذا املــكان مــرة‬ ‫أخــرى الكتشــفت فيــه جماليــات ومباهــج‬ ‫لــم تكــن ظاهــرة يف املــرة األولــى‪ .‬القــراءة‬ ‫عمليــة مســتمرة مــا اســتمرت احليــاة‪،‬‬ ‫تفتــح اآلفــاق وتســبر األعمــاق‪ ،‬لذلــك‬ ‫حكاياتهــا ال تنتهــي‪ ،‬فمــع كل كتــاب تبــدأ‬ ‫حكايــة قرائيــة جديــدة‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫ﻗﺮﺅﻭﺍ ﺻﻐﺎﺭًﺍ‬ ‫أمســكت معلمتــه األمريكيــة مــن أصــل‬ ‫لبنانــي يــده ‪ ،‬و وضعتــه علــى طريــق‬ ‫القــراءة ‪ ،‬غرســت يف روحــه بــذور حبهــا‬ ‫لتنمــو مــع األيــام ‪ ،‬جعلــت منــه و هــو‬ ‫ابــن التســع ســنوات قار ًئــا نه ًمــا نوع ًّيــا ‪،‬‬ ‫علمتــه كيــف يقــرأ ؟ و مــاذا يقــرأ ؟ دلتــه‬ ‫علــى معظــم الكتــاب الكبــار ‪ ،‬فقــرأ عــن‬ ‫جــورج واشــنطن و عــن بوليفــار ‪ ،‬وقــع بــن‬ ‫فكــي قصــص إميرســون التــي تــدور حــول‬ ‫أبطــال لديهــم مشــكلة دائ ًمــا مــع اخلالــق‬ ‫و الوجــود ‪ ،‬و مؤلفــات نيتشــة الــذي‬ ‫ً‬ ‫أبطــال خارقــن بحيــث يكونــوا‬ ‫يصنــع‬ ‫آلهــة ‪ ،‬و علــى اجلانــب اآلخــر خضــع‬ ‫لرغبــة جــده الــذي أقــرأه كتــب الشــيخ‬ ‫عبدالرحمــن الســعدي ‪ ،‬اســتقرت احليــرة‬ ‫يف روع هــذا الطفــل الصغيــر الــذي يقــرأ‬ ‫هــذا النتــاج الضخــم املتناقــض فكر ًّيا و ال‬ ‫ميلــك الــرد و غيــر مؤهــل الســتقبال هــذا‬ ‫التنــوع الفكــري لصغــر ســنه ‪..‬‬ ‫أثــر هــذا املزيــج ســل ًبا و إيجا ًبــا علــى‬ ‫شــخصية هــذا الطفــل الصغيــر فكبــرت و‬ ‫تبلــورت هــذه األفــكار لينتــج عنهــا املفكــر‬ ‫الســعودي و رائــد العمــل التطوعــي‬ ‫أ‪.‬جنيــب الزامــل ‪ ،‬و الــذي كتــب قصتــه‬ ‫عندمــا تــرك الصــاة يف عــدة مقــاالت‬ ‫واص ًفــا إياهــا بـــ( اخلــروج مــن القصــر‬

‫إلــى الكــوخ ) ‪ ،‬و كــم كانــت لهــذه القــراءات‬ ‫يف صغــره أثــر كبيــر علــى مجــرى تفكيــره‬ ‫حيــث وصفهــا قائــا ( لعبــت مبخــي )‬ ‫‪ ،‬كبــرت هــذه االســتفهامات محصــورة‬ ‫باحليــرة و الشــك حتــى وصــل معهــا‬ ‫لتــرك الصــاة فتــرة مــن حياتــه عندمــا‬ ‫كان شــا ًّبا ‪.‬‬ ‫هــذه التجربــة املريــرة احملفوفــة‬ ‫مبخاطــر الشــك و التــي مــر بهــا أ‪.‬جنيــب‬ ‫الزامــل رمبــا تعــرض لهــا بعــض مــن‬ ‫األطفــال ممــن واجهــوا أمــواج الســؤال و‬ ‫لــم يجــدوا مــن يفتــح لهــم مغالــق األبــواب‪،‬‬ ‫فيتولــى بنفســه مهمــة البحــث ليغــرق‬ ‫أكثــر‪ ،‬أو يصبــح كل مــا يســتقر بذهنــه‬ ‫مــن قــراءات حقائــق ماثلــة ال تقبــل الشــك‬ ‫و هنــا يبــدأ الصــراع احلقيقــي الــذي‬ ‫يهــدم أســوار احلصــن الــذي كان يقبــع‬ ‫فيــه فتــرة مــن الزمــن ‪.‬‬ ‫ليــس أســوأ مــن أن يتــرك الطفــل‬ ‫فريســة الســؤال و مرت ًعــا خصبــا للشــك‪،‬‬ ‫فأصعــب اللحظــات التــي يعيشــها‬ ‫العقــل البشــري أن يعيــا بالســؤال و ال‬ ‫يجــد الــدواء يف أثنــاء رحلتــه بح ًثــا عــن‬ ‫احلقيقــة‪.‬‬ ‫إن التجربــة التــي عاشــها أ‪ .‬جنيــب‬ ‫الزامــل ‪ ،‬واجههــا الرئيــس الهنــدي‬

‫؟!‬

‫‪32‬‬

‫الراحــل ( املهامتــا غانــدي ) إال أن‬ ‫جتربــة املهامتــا جتربــة إيجابيــة بــكل‬ ‫مافيهــا و كانــت ســببا يف تقويــة عالقتــه‬ ‫بوالديــه ‪ ،‬و ذلــك عندمــا وقعــت عينــاه‬ ‫علــى كتــاب كان أبــاه قــد اشــتراه و كان‬ ‫عبــارة عــن مســرحية عــن ( إخــاص‬ ‫شــرافانا لوالديــه ) و لكــم أن تتخيلــوا‬ ‫كيــف اســتثار الكتــاب مشــاعره ‪ ،‬و حــدث‬ ‫أن وفــد إلــى بلــده بعــض العارضــن‬ ‫املتجولــن ‪ ،‬و كان مــن بــن الصــور التــي‬ ‫عرضــت عليهــم صــورة متثــل ( شــرافانا )‬ ‫و قــد حمــل والديــه الضريريــن إلــى احلــج‬ ‫بواســطة ألــواح مــن اخلشــب شــدت إلــى‬ ‫كتفيــه ‪ ،‬فتــرك الكتــاب و الصــورة أثــ ًرا‬ ‫يف ذهنــه ال ســبيل إلــى محــوه ‪ ،‬فقــد كان‬ ‫يقــول ‪ :‬إذا مــا قــدر لــي أن أقــرأ اليــوم‬ ‫هــذه املســرحية أنــا واثــق أن عواطفــي‬ ‫ستســتثار حــد البــكاء كشــأنها مــن قبــل ‪.‬‬ ‫إن معاجلة املعارف و األفكار يف ذهن‬ ‫الطفــل ليســت باألمــر الهــن ألنــه لــن يرى‬ ‫يف اقتحــام عقلــه و قلــب موازينــه اعتــداء‬ ‫طاملــا أنــه يعيــش مــع اآلخــر الــذي يــدس‬ ‫لــه الســم يف العســل قمــة املتعــة و اإلثــارة‬ ‫و هــذا مــا ينشــده الطفــل دائ ًمــا ‪ ،‬فيجــد‬ ‫بغيتــه يف النصــوص األجنبيــة و يفتقدهــا‬ ‫يف النصــوص العربيــة ‪.‬‬ ‫ندى إبراهيم‬ ‫‪@ba7lah‬‬


‫سعيد الزهراني‬ ‫‪@drpolymath85‬‬

‫‪33‬‬


‫انطلقــت فعاليــات مهرجــان كتــارا‬ ‫للروايــة العربيــة يف دورتــه األولــى والــذي‬ ‫نظمتــه املؤسســة العامــة للحــي الثقــايف‬ ‫«كتــارا» يف قطــر‪ ،‬وقــد بــدأ صبــاح اإلثنني‬ ‫املوافــق ‪ 18‬مايــو واســتمر حتــى ‪ 21‬مايــو‪،‬‬ ‫أقيــم خاللــه حفــل توزيــع جائــزة كتــارا‬ ‫يــوم األربعــاء ‪ 20‬مايــو بحضــور عــدد مــن‬ ‫كبــار الشــخصيات والــوزراء واملســؤولني‬ ‫والســفراء واملدعويــن مــن داخــل وخــارج‬ ‫دولــة قطــر‪.‬‬ ‫اشــتملت اجلوائــز علــى خمســة‬ ‫فائزيــن يف مجــال الروايــات املنشــورة‪،‬‬ ‫وخمســة فائزيــن يف مجــال الروايــات غير‬ ‫املنشــورة‪ ،‬وجائزتــن ألفضــل روايتــن‬ ‫قابلتــن للتحويــل إلــى عمــل درامــي مــن‬ ‫بــن الروايــات املنشــورة والروايــات غيــر‬ ‫املنشــورة‪.‬‬ ‫وقــد كانــت جوائــز فئــة الروايــات‬ ‫املنشــورة مــن نصيــب كل مــن ‪ :‬الروائــي‬

‫‪34‬‬

‫اجلزائــري واســيني األعــرج عــن روايتــه‬ ‫«مملكــة الفراشــة»‪ ،‬الروائــي الســوداني‬ ‫أميــر تــاج الســر عــن روايتــه «‪،»366‬‬ ‫الروائيــة البحرينيــة منيــرة ســوار لروايــة‬ ‫«جاريــة»‪ ،‬الروائيــة العراقيــة ناصــرة‬ ‫الســعدون لروايتهــا «دوامــة الرحيــل»‪،‬‬ ‫والروائــي املصــري إبراهيــم عبــد املجيــد‬ ‫عــن روايتــه « أداجيــو‪ ،‬حصــل كل منهــم‬ ‫علــى جائــزة ماليــة قدرهــا ‪ 60‬ألف دوالر‪.‬‬ ‫أمــا فئــة الروايــة غيــر املنشــورة فقــد‬ ‫كانــت لــكل مــن‪ :‬الروائــي األردنــي جــال‬ ‫برجــس عــن روايــة « أفاعي النــار‪ -‬حكاية‬ ‫العاشــق علــي بــن محمــود القصــاد»‪،‬‬ ‫الروائــي املغربــي عبداجلليــل التهامــي‬ ‫عــن روايــة «إمــرأة يف الظــل»‪ ،‬الروائيــة‬ ‫العراقيــة ميســلون هــادي عــن روايــة‬ ‫«العــرش واجلــدول»‪ ،‬الروائــي املغربــي‬ ‫زكريــاء أبــو ماريــة عــن روايــة «مزاميــر‬ ‫الرحيــل والعــودة»‪ ،‬والروائــي املصــري‬

‫ســامح اجلبــاس عــن روايــة «حبــل قــدمي‬ ‫وعقــدة مشــدودة» نــال كل منهــم جائــزة‬ ‫ماليــة قدرهــا ‪ 30‬أألف دوالر‪.‬‬ ‫جائــزة أفضــل روايــة قابلــة للتحويــل‬ ‫إلــى عمــل درامــي مــن بــن الروايــات‬ ‫املنشــورة كانــت مــن نصيــب الروائــي‬ ‫واســيني األعــرج عــن روايتــه «مملكــة‬ ‫الفراشــة» وقيمتهــا ‪200‬أألف دوالر‪ ،‬أمــا‬ ‫أفضــل روايــة قابلــة للتحويــل إلــى عمــل‬ ‫درامــي مــن بــن الروايــات غيــر املنشــورة‬ ‫فقــد كانــت مــن نصيــب الروائــي ســامح‬ ‫اجلبــاس بروايتــه «حبــل قــدمي وعقــدة‬ ‫مشــدودة» وبلغــت قيمتهــا ‪ 100‬ألــف‬ ‫دوالر‪.‬‬ ‫وتشــمل جائــزة كتــارا للروايــة العربيــة‬ ‫طباعــة وتســويق األعمــال الفائــزة‬ ‫غيــر املنشــورة‪ ،‬وترجمــة الروايــات إلــى‬ ‫خمــس لغــات هــي اإلجنليزيــة واإلســبانية‬ ‫والفرنســية والصينيــة والهنديــة‪​.‬‬


‫بالتعــاون مــع مشــروع حــروف‬ ‫الثقــايف نظــم املجلــس الوطنــي للثقافــة‬ ‫والفنــون واآلداب املؤمتــر الوطنــي‬ ‫األول للقــراءة والــذي حمــل عنــوان‬ ‫«وألــقِ بصــرك» ‪ ،‬حيــث أقيــم يومــي ‪19‬‬ ‫و ‪ 20‬مــن شــهر أبريــل للعــام اجلــاري‪.‬‬ ‫وكانــت محــاور املؤمتــر تــدور حــول‬ ‫مفهــوم القــراءة وبيــان هويــة القــارئ‬ ‫ودوره يف املجتمــع‪ ،‬والتأويــل وإشــكالية‬ ‫فهــم النصــوص األدبيــة والفكريــة‪،‬‬

‫ووســائل تشــكيل الفــرد القــارئ‪،‬‬ ‫وحركــة الترجمــة‪ ،‬ودور الســينما‬ ‫الثقــايف‪ ،‬والقــراءة النوعيــة‪ ،‬والتأصيــل‬ ‫املعــريف‪ ،‬وتهميــش وســائل اإلعــام‬ ‫للثقافــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى حلقــة نقاشــية‬ ‫بعنــوان (الرقابــة والتأويــل)‪.‬‬ ‫وجمــع املؤمتــر أبــرز الشــخصيات‬ ‫مــن املثقفــن والروائيــن واملفكريــن‪،‬‬ ‫منهــم د‪ .‬ســاجد العبدلــي‪ ،‬ود‪ .‬ســعد‬ ‫البازعــي‪ ،‬و د‪ .‬محمــد العوضــي‪،‬‬

‫ود‪ .‬الــزواوي بغــورة‪ ،‬والروائيــة بثينــة‬ ‫العيســى والروائــي يوســف زيــدان‬ ‫والشــاعرة برويــن حبيــب وغيرهــم‪.‬‬ ‫كمــا أقيمــت علــى هامــش املؤمتــر‬ ‫عــدة فعاليــات وورش عمــل وحلقــات‬ ‫نقاشــية باإلضافــة إلــى فعاليــات‬ ‫الطفــل‪ ،‬واألمســيات الشــعرية‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫‪36‬‬

‫أعلنــت جائــزة الشــيخ زايــد للكتــاب عــن أســماء‬ ‫الفائزيــن لدورتهــا التاســعة ‪2015-2014‬م‪ ،‬و ُكــرم‬ ‫الفائــزون مســاء االثنــن ‪ 11‬مايــو ‪ 2015‬وذلــك‬ ‫خــال احلفــل الــذي أقامتــه اجلائــزة علــى هامــش‬ ‫معــرض أبوظبــي الدولــي للكتــاب يف دورتــه اخلامســة‬ ‫والعشــرين‪.‬‬ ‫وأمــا عــن الفائزيــن‪ ،‬فقــد كانــت جائــزة الشــيخ‬ ‫زايــد لــآداب مــن نصيــب كتــاب «مجانــن بيــت حلــم»‬ ‫للروائــي الصحفــي الفلســطيني أســامة العيســة‪ ،‬أمــا‬ ‫جائــزة الترجمــة فقــد فــاز بهــا البروفيســور اليابانــي‬ ‫هانــاوا هــاروو عــن ترجمــة ثالثيــة جنيــب محفــوظ‬ ‫«قصــر الشــوق» و «بــن القصريــن» و «الســكرية»‬ ‫حيــث ترجمهــا إلــى اللغــة اليابانيــة ‪ ،‬وفــاز يف فــرع‬ ‫اجلائــزة للثقافــة العربيــة يف اللغــات األخــرى املــؤرخ‬ ‫اليابانــي ســوغيتا هايدباكــي عــن كتابــه «تأثيــر‬

‫الليالــي العربيــة يف الثقافــة اليابانيــة»‪ ،‬أمــا جائــزة‬ ‫النشــر والتقنيــات الثقافيــة فقــد حــازت عليهــا الــدار‬ ‫العربيــة للعلــوم ناشــرون يف لبنــان‪ ،‬واختــارت اجلائــزة‬ ‫الشــيخ محمــد بــن راشــد آل مكتــوم للفــوز بشــخصية‬ ‫العــام الثقافيــة‪.‬‬ ‫كمــا أعلــن مجلــس أمنــاء اجلائــزة عــن حجــب اجلائزة‬ ‫لــكل مــن فــرع «التنميــة وبنــاء الدولــة» وفــرع «الفنــون‬ ‫والدراســات النقديــة» وفــرع «املؤلــف الشــاب» و«أدب‬ ‫الطفــل والناشــئة»‪ ،‬وذلــك ألن األعمــال املشــاركة لــم‬ ‫حتقــق املعاييــر العلميــة واألدبيــة و الشــروط العامــة‬ ‫للجائــزة‪.‬‬ ‫ويذكــر أن اجلائــزة تأسســت بدعــم ورعايــة مــن‬ ‫هيئــة أبوظبــي للســياحة والثقافــة ‪ ،‬وتبلــغ القيمــة‬ ‫اإلجماليــة لهــا ســبعة ماليــن درهــم إماراتــي‪.‬‬

‫أعلنــت اجلائــزة العامليــة للروايــة العربيــة يف‬ ‫دورتهــا الثامنــة مســاء األربعــاء ‪ 7‬مايــو ‪2015‬م عشــية‬ ‫افتتــاح معــرض أبوظبــي الدولــي للكتــاب عــن فــوز‬ ‫الكاتــب التونســي «شــكري املبخــوت» عــن روايتــه‬ ‫«الطليانــي» الصــادرة عــن دار تنويــر بتونــس‪.‬‬ ‫و كانت رواية «الطلياني» قد ترشــحت يف القائمة‬ ‫القصيــرة التــي ضمــت ســت روايــات للتنافــس علــى‬ ‫اجلائــزة‪ ،‬و ُكــرم الكتــاب الســتة املرشــحني يف القائمــة‬ ‫القصيــرة ونــال كل واحــد منهــم جائــزة مبقــدار ‪10‬‬ ‫آالف دوالر‪ ،‬كمــا حصــل الفائــز باجلائــزة علــى‬ ‫‪ 50‬ألــف دوالر‪ ،‬إضافــة إلــى ترجمــة روايتــه للغــة‬ ‫اإلجنليزيــة‪ ،‬وســتحظى الروايــة‪ ‬باالنتشــار الواســع‬

‫وحتقيــق مبيعــات أعلــى نظيــر فوزهــا بجائــزة البوكــر‬ ‫العربيــة الشــهيرة‪.‬‬ ‫و«شــكري املبخــوت» أكادميــي تونســي وناقــد‬ ‫معــروف‪ ،‬مــن مواليــد ‪1962‬م‪ ،‬ويشــغل منصــب رئيــس‬ ‫جامعــة منوبــة‪ ،‬وتعــد «الطليانــي» روايتــه األولــى‪،‬‬ ‫وقــد صــرح يف املؤمتــر الصحفــي الــذي أقيــم بعــد‬ ‫حفــل اجلائــزة قائــ ً‬ ‫ا بأنــه لــم يتفاجــأ بالفــوز‪ ،‬بــل‬ ‫توقعــه عندمــا وجــد الشــباب يهتمــون بقــراءة روايتــه‪،‬‬ ‫وجذبــت قــراء ال يقــرؤون إال باللغــة الفرنســية‪.‬‬ ‫ويذكــر أن اجلائــزة تدعمهــا مؤسســة جائــزة بوكــر‬ ‫يف لنــدن ومتولهــا هيئــة أبوظبــي للســياحة والثقافــة‬ ‫يف أبــو ظبــي‪.‬‬


37


‫مي أحمد‬ ‫‪@mai_ahmd‬‬

‫لــن أزعــم أن أيــة روايــة موضوعهــا‬ ‫الكتــاب ســتجعل أيــادي كثيــرة متتــد‬ ‫إليهــا‪ ،‬الكتــب التــي أشــبعت العطــش‬ ‫للمعرفــة و أنــارت التفكيــر وأشــعلت‬ ‫األســئلة‪ ،‬الكتــب التــي أثــرت العقــول و‬ ‫أثــارت العواطــف‪ ،‬احلقيقــة أن هــذا هــو‬ ‫مــا يحــدث بالفعــل حــن يكــون املوضــوع‬ ‫هــو الكتــاب ‪ ،‬فاألمــر يصبــح مغريــا لــكل‬ ‫قــارىء وعاشــق للكتــاب ‪ ،‬وفهرنهايــت ‪451‬‬ ‫لــراي برادبــوي جــاءت بذلــك املضمــون‬ ‫الــذي ســيلفت انتبــاه أي عاشــق لرائحــة‬ ‫الكتــب ألغلفتهــا لســطورها وصفحاتهــا‪،‬‬ ‫ألي عاشــق لزيــارة املكتبــات والتجــول بــن‬ ‫أرففهــا متكبــدا الوقــوف لســاعات طــوال‬ ‫مــن أجــل احلصــول علــى كتــاب أو كتابني!‪.‬‬ ‫ال ميكــن أن ال يخطــر يف الذهــن إنــه‬ ‫قبــل اختــراع الطباعــة كانــت الكتــب تنســخ‬ ‫نســخا وبالرغــم مــن ذلــك املجهــود الهائــل‬ ‫الــذي كان مــن املمكــن أن يؤثــر علــى نظــر‬ ‫هــؤالء النســاخ ويعــدم الرؤيــة لديهــم ‪،‬‬ ‫إال إنهــم لــم يتوقفــوا يومــا واســتمروا يف‬

‫‪38‬‬

‫النســخ ‪ ،‬تلــك الكتــب نفســها التــي أفنــى‬ ‫البعــض حياتــه ألجلهــا اعتبرهــا البعــض‬ ‫أيضــا ذلــك الكائــن التخريبــي اخلطيــر‬ ‫والعــدو احملتمــل هــل ميكــن أن تتخيــل‬ ‫ذلــك ! لكــن علــى مــدار عصــور مختلفــة‬ ‫خضعــت العديــد مــن الشــعوب للعبوديــة‬ ‫الفكريــة ‪ ،‬ومورســت الديكتاتوريــة يف‬ ‫محاولــة خلنــق الهــواء وقــد نالــت الكتــب‬ ‫حظهــا مــن اإلهمــال اإلغــراق واحلــرق يف‬ ‫محــاوالت جاهــدة للقضــاء علــى املنبــع‬ ‫األساســي لقيــام احلضــارات اإلنســانية‪.‬‬ ‫أمــام هــذا الكنــز الهائــل الــذي تقدمــه‬ ‫الكتــب التــي متتلــك تلــك الرائحــة‬ ‫اجلذابــة واألغلفــة امللونــة البراقــة ذات‬ ‫امللمــس البــريء الناعــم والــذي يخطــف‬ ‫قلــوب وعيــون عشــاقها ! كانــت الســلطة‬ ‫ونحــن هنــا نتحــدث عــن روايــة فهرنهايــت‬ ‫تضطهــد بشراســة أي شــخص ميتلــك‬ ‫كتابــا ‪ ،‬أو أولئــك الذيــن كانــوا يخبئونهــا‬ ‫ســرا‪ ،‬فالقــراءة وياللعجــب جرميــة يعاقــب‬ ‫عليهــا القانــون ! وال عجــب أن يصــاب‬

‫مونتــاغ بأزمــة ضميــر وهــو اإلطفائــي‬ ‫يف زمــن يقــوم فيــه بالنقيــض مــن عمــل‬ ‫األطفائــي املعتــاد ‪ ،‬فقــد كان مونتــاغ‬ ‫يشــعل النــار وال يطفئهــا ‪ ،‬يرتكــب واحــدة‬ ‫مــن أخطــر اجلرائــم لتدميــر التــراث‬ ‫األدبــي واإلنســاني ‪ ،‬يحــول املكتبــات‬ ‫املنزليــة وأصحابهــا إلــى رمــاد ويســاويها‬ ‫بــاألرض ‪ ،‬كالريــس هــي أرض أخــرى هــي‬ ‫املطــر هــي العشــب هــي النحــل إنهــا تقــول‬ ‫أمــورا رائعــة ومتتلــك عيونــا مختلفــة‬ ‫بينمــا أصابهــم العمــى ‪ ،‬هــي احليــاة‬ ‫احلقيقيــة و اجلانــب املشــرق يف الليالــي‬ ‫البــاردة ‪ ،‬وهــي الســبب الرئيســي يف حتـ ّرك‬ ‫ضميــر مونتــاغ يف عبــارة صغيــرة وخاطفة‬ ‫وبريئــة ‪:‬‬ ‫هل أنت سعيد !‬ ‫كالريــس تســير يف طريــق ال يجــب أن‬ ‫متــر بــه الــكالب اآلليــة وال النــار املســتعرة‬ ‫! والتــي تنتظــر القــوم الضالــن مــن‬ ‫عشــاق الكتــب‪.‬‬


‫أمــا عــن الشــخصية األخــرى وهــي‬ ‫شــخصية ثانويــة يف القصــة إال إنهــا‬ ‫ملفتــة ومتثــل شــيئا بــا شــك ‪ ،‬وهــي‬ ‫ميلدريــد زوجــة مونتــاغ املــرأة الصقيــع ‪،‬‬ ‫حوارهــا مــع مونتــاغ يخلــو مــن أي دفء‬ ‫أي حميميــة إنــه كأي حــوار آلــي ‪ ،‬لــو كانــت‬ ‫يف زمــن اختــرع فيــه التيلفــون ألمضــت‬ ‫وقتهــا يف التحــدث والغيبــة والنميمــة‬ ‫منــوذج لإلنســان اإلســتهالكي فــارغ الــرأس‬ ‫والــذي يعيــش كيفمــا أتفــق وال ميكــن أن‬ ‫يكــون قــد عــرف يف حياتــه لــذة أو متعــة‬ ‫القــراءة ‪ ..‬ميلدريــد لــم تعــرف كيــف‬ ‫ممكــن أن تبقــى رائحــة الكتــاب يف اليــد‬ ‫لــم تشــمها يومــا ‪ ،‬لــم تتنقــل مــن مكتبــة‬ ‫ألخــرى لتبحــث عــن كتــاب و لــم تطــارد‬ ‫كتابــا يف حياتهــا لذلــك كــم كان ســهال‬ ‫عليهــا أن تتخــذ قرارهــا وتخضــع للنظــام‬ ‫وتتخلــى عــن زوجهــا!‬ ‫ُ‬ ‫الكتــب منــارات تضــيء العالــم فيمــا‬ ‫الكابــن بيتــي الــذي ميثــل الشــر يف‬ ‫الروايــة أراد إغــراق العالــم يف العتمــة‬

‫كمــا كان يفعــل هتلــر عندمــا أوعــز بحــرق‬ ‫الكتــب عــام ‪ ،1933‬كمــا فعــل املغــول عندمــا‬ ‫أغرقــوا الكتــب يف نهــر دجلــة ‪ ،‬كمــا فعــل‬ ‫مــن أحرقــوا مكتبــة البابــا ســروج يف لبنــان‬ ‫‪ ،‬كمــا أحــرق املجرمــون الكتــب يف العــراق‬ ‫‪ ،‬إن حــرق الكتــب هــو حريــق يف القلــوب‬ ‫العاشــقة وكل مــن أحــرق الكتــب لهــو‬ ‫الشــيطان بعينــه ! بيتــي ينــوي اإلضــرار‬ ‫بتلــك املنــارات العاليــة قــد ميثــل نظامــا‬ ‫سياســيا يســيطر على اجلمهور‪ ،‬قد يكون‬ ‫الــرداءة يف الفكــر قــد تكــون الصرامــة يف‬ ‫الرقابــة ‪ ،‬وإن كان راي برادبــري قــد نفــى‬ ‫ذلــك قــد يكــون ركــود األفــكار أو شــيء آخــر‬ ‫قبيــح أشــبه بذلــك التنــن الهائــل الــذي‬ ‫يقــذف النــار وال ميلــك أحــد الســيطرة‬ ‫عليــه !‬ ‫يف النهايــة يبــدو أن راي كان يتنبــأ‬ ‫بــأن التكنولوجيــا ستســيطر علــى عقــل‬ ‫اإلنســان يف مرحلــة مــا ‪ ،‬وعلــى الرغــم‬ ‫مــن شــعور القــارىء بــأن راي يقــدم األمــل‬ ‫فهنــاك حفظــة ينتشــرون علــى طــول‬

‫الطريــق إال إنــه يتركــه محتــارا يتســاءل‬ ‫هــل تكفــي ذاكــرة اإلنســان ؟! تلــك الذاكــرة‬ ‫املعرضــة لإلهتــراء وللمــرض واملــوت !‬ ‫لعلــه أراد مــن خــال طابــور احلفظــة‬ ‫اإلنســاني أن يجعلنــا نــدرك أهميــة‬ ‫وقيمــة الكتــاب‪.‬‬ ‫الروايــة علــى الرغــم مــن إنهــا رســالة‬ ‫حتذيريــة إال إنهــا أغنيــة يف حــب القــراءة‬ ‫وعشــق الكتــاب ‪ ،‬وهــي موجهــة لعمــر‬ ‫معــن فيهــا رســالة واضحــة ومباشــرة‬ ‫لألجيــال التــي ال تقــرأ ‪ ،‬لألجيــال التــي‬ ‫وضعــت الكتــاب جانبــا واســتبدلته‬ ‫بأشــياء أخــرى أقــل أهميــة وأقــل ثــراءا ‪،‬‬ ‫الكتــاب رســالة لــكل مــن لــه دور يف رســم‬ ‫الثقافــة التــي حتــدد قيــم املجتمــع وتؤثــر‬ ‫فيــه ولألنظمــة السياســية أيــا ماكانــت‬ ‫والتــي حتــاول أو حاولــت غســل العقــول أو‬ ‫التالعــب بهــا‪ ،‬إنهــا دعــوة أيضــا لفضــاءات‬ ‫واســعة يف القــراءة و حريــة الكتابــة‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫أ‪ .‬فهد الشاطري‬ ‫‪@fss232‬‬

‫كل إنســان معــرض للخطــأ والصــواب‪،‬‬ ‫واخلطــأ‪ ،‬أو الذنــب‪ ،‬أمــر مجبــول عليــه‬ ‫اإلنســان‪ ،‬فرســولنا الكــرمي –عليــه الصالة‬ ‫والســام – يقــول‪ »:‬والــذي نفســي بِيــدهِ‪،‬‬ ‫ــب اهللُ ِب ُكــ ْم‪َ ،‬و َ َ‬ ‫لــا َء‬ ‫لَــ ْو لَــ ْم تُ ْذ ِنبُــوا لَ َذ َه َ‬ ‫َ‬ ‫ِب َقــ ْو ٍم يُ ْذ ِنبُــو َن َف َيســتَغْفِ ُرو َن اهلل؛ َف َيغْفِ ــ ُر‬ ‫لَ ُه ـ ْم»‪.‬‬ ‫وبنــاء علــى مــا مضــى‪ ،‬فإننــا نعلــم‬ ‫مــا تنــوء بــه الســجون مــن املذنبــن‬ ‫واملقصريــن‪ ،‬مــن إخواننــا وأخواتنــا‪،‬‬ ‫الذيــن ضلــوا طريــق الرشــاد‪ ،‬وســلكوا‬ ‫درب الغوايــة‪ ،‬واجتمعــت عليهــم مصائــب‬ ‫الزمــان ومنغصاتــه‪ ،‬فتحملــوا تبعــات‬ ‫كثيــرة‪ ،‬كانــت نهايتهــا الســجن‪.‬‬ ‫والنزيــل عندمــا يخــرج مــن اإلصالحية‬ ‫إلــى مجتمعــه؛ فــإن لقطــات اإلصالحيــة‬ ‫جرحــا‬ ‫ال تنفــك عــن مالحقتــه‪ ،‬مســببة لــه‬ ‫ً‬ ‫غائـ ًرا تســمع أ َّناتــه بــن الفينــة واألخــرى؛‬ ‫لقســوة املــكان وأملــه‪ ،‬وارتباطــه مــن ناحيــة‬ ‫بالعقــاب واحلرمــان‪ ،‬لكــن هنــاك مــا هــو‬ ‫أقســى مــن ذلــك؛ وهــو أن يتخلــى عنــه‬ ‫املجتمــع داخــل الســجن قبــل أن يخــرج‪،‬‬

‫‪40‬‬

‫بيــد أننــا ال يجــب أن نقــف موقــف‬ ‫اجلمهــور علــى حــال هــؤالء املســاكني‪،‬‬ ‫بــل ينبغــي– بوصفنــا مجتم ًعــا ينبغــي أن‬ ‫تتوافــر فيــه املســؤولية‪ -‬أن نأخــذ بيــده‬ ‫إلــى ســاحة النــور‪ ،‬ومســرح األمــل‪ ،‬وأن‬ ‫نتحلــى باألنــاة والصبــر يف مســاندته‬ ‫ومعاضدتــه‪ ،‬مردديــن قــول الشــاعر ‪:‬‬ ‫ـالما‬ ‫ـجن خَ ِّي ْم إنّنا ن َْهـ َوى الظ َ‬ ‫يا ظال َم ّ‬ ‫الس ِ‬ ‫ـجن إال فج ُـر مج ٍـد يت َ​َسامى‬ ‫َ‬ ‫ليس بع َد ّ‬ ‫الس ِ‬ ‫نعــم‪ ،‬بعــد الضيــق الفــرج‪ ،‬وبعــد‬ ‫الظــام النــور‪ ,‬ينبغــي أن منــد لهــم أيدينا؛‬ ‫لنطمــس الصــورة الباهتــة عــن املاضــي‪،‬‬ ‫ونحــل محلهــا صــورة زاهيــة رائعــة‪.‬‬ ‫ومــن منطلــق املســؤولية تبــادرت إلــى‬ ‫ذهنــي فكــرة مشــروع القراءة ( ال تســجن‬ ‫عقلــك ) باإلضافــة إلــى أســباب أخــرى‬ ‫لعلــي أوجزهــا فيمــا يلــي ‪:‬‬ ‫• احلــرص الواضــح مــن النــزالء علــى‬ ‫العلــم‪ ،‬والتطويــر‪ ،‬واالطــاع‪ ،‬ومالحقــة‬ ‫املعرفــة‪ .‬وقــد اتضــح لــي ذلــك األمــر‬ ‫مــن خــال تقــدمي دورات تدريبيــة داخــل‬ ‫اإلصالحيــات‪.‬‬

‫• وجــود خبــرات متميــزة داخــل‬ ‫اإلصالحيــات مــن حملــة الشــهادات‬ ‫العليــا‪ :‬البكالوريــوس واملاجســتير‪ ،‬إضافة‬ ‫إلــى وجــود املواهــب والطاقــات التــي‬ ‫حتتــاج إلــى االهتمــام ‪ ،‬وحتريــر عقولهــم‬ ‫مــن الســجن بــدل أن تضــم اإلصالحيــة‬ ‫اجلســد والعقــل م ًعــا‪.‬‬ ‫• وجــود نــواة القــراءة‪ ،‬واحلــرص‬ ‫عليهــا‪ ,‬وقــد اتضحــت معالــم الفعــل ذلــك‬ ‫مــن خــال أســئلتهم املتكــررة‪ ،‬واإلحلــاح‬ ‫بالســؤال عــن أفضــل الكتــب التــي يطلبون‬ ‫النصيحــة حــول أفضلهــا‪.‬‬ ‫• روح التعــاون التــي رأيتهــا منهــم يف‬ ‫طلــب العلــم عنــد بدايــة كل دورة تدريبيــة؛‬ ‫فهــذا يجهــز املــكان‪ ،‬وآخــر يــوزع األوراق‪،‬‬ ‫وثالــث يســجل األســماء‪.‬‬ ‫ــرص القائمــن علــى هــذه‬ ‫• ِح ُ‬ ‫اإلصالحيــات بــأن تكــون منــار علــم وعمل‬ ‫وتدريــب‪ ،‬وليــس مــكان عقــاب وحســب‪.‬‬ ‫• رغبتهــم يف االســتفادة مــن دروس‬ ‫املاضــي‪ ،‬واســتكمال احلاضــر‪ ،‬بنظــرة‬ ‫مشــرقة و َّثابــة‪.‬‬


‫و كمــا تبــادرت إلــى ذهنــي فكــرة‬ ‫أنديــة القــراءة يف الســجون‪ ،‬أدركــت أنــه‬ ‫مــن العبــث أن نتــرك هــذه األنديــة داخــل‬ ‫اإلصالحيــات بــدون تنظيــم واضــح لهــا‪،‬‬ ‫لــذا حاولــت‪ -‬يف الســطور التاليــة‪ -‬أن‬ ‫أحدد مالمح تنفيذ املشــروع‪ ،‬يف خطوات‬ ‫مبســطة‪ ،‬بعي ـ ًدا عــن التعقيــد واإلطنــاب‪،‬‬ ‫مــا يســهل عمــل النــزالء يف إنشــاء أنديــة‬ ‫خاصــة بهــم يف اإلصالحيــة‪.‬‬ ‫• الرؤية للمشروع‪ :‬كل نزيل قارئ‪.‬‬ ‫• الرســالة‪ :‬إنشــاء العديــد مــن األنديــة‬ ‫القرائيــة داخــل اإلصالحيــة‪ ،‬بحيــث تكون‬ ‫مشــابهة ألداء أنديــة القــراءة خارجــه‪.‬‬ ‫• األهداف‪:‬‬ ‫ نشــر ثقافــة القــراءة بــن نــزالء‬‫ا إل صال حيــا ت ‪.‬‬ ‫ قضــاء وقــت فراغهــم مبــا يعــود عليهــم‬‫بالنفــع والفائــدة‪.‬‬ ‫ إشــراكهم يف أنديــة القــراءة‪ :‬هــي‬‫مشــاركتهم للمجتمــع ‪,‬مــن خــال إقامــة‬

‫األيــام الثقافيــة‪ ،‬وأيــام الكتــاب داخــل‬ ‫اإلصالحيــات‪ ،‬كمــا تقــام خارجــه‪ ،‬مــا‬ ‫يدفعهــم إلــى اإلحســاس بعــدم اختالفهــم‬ ‫مــع املجتمــع خــارج اإلصالحيــة‪ ،‬ولــو‬ ‫ثقاف ًّيــا‪.‬‬ ‫ طرد السآمة وامللل ‪.‬‬‫ إبعادهــم عــن األفــكار الســلبية التــي‬‫قــد تنشــأ مــن خــال الفــراغ‪ ،‬والتفكيــر‬ ‫يف املاضــي‪.‬‬ ‫ ترســيخ حــب القــراءة داخــل‬‫اإلصالحيــات‪ ،‬وأنهــا مــكان للعلــم ال‬ ‫للجهــل ‪.‬‬ ‫ إضافــة روح احلمــاس والتشــجيع مــن‬‫خــال إقامــة املســابقات القرائيــة‪.‬‬ ‫ تشــجيع النــزالء علــى القيــادة‪ ،‬وإدارة‬‫شــؤون النــادي ‪.‬‬ ‫ تشــجيع النــزالء علــى اختيــار الكتــب‬‫املناســبة لهــم‪ ،‬فهــم بذلــك ال يفقــدون‬ ‫ثقافــة االختيــار كمــا فقــدوا احلريــة‪.‬‬ ‫‪ -‬تبصيــر املجتمــع‪ ،‬ومؤسســات املســؤولية‬

‫االجتماعيــة‪ ،‬ورعايــة الشــباب‪ ،‬بأهميــة‬ ‫دعــم مثــل هــذه املشــاريع‪.‬‬ ‫ خــروج النزيــل مــن اإلصالحيــة وهــو‬‫يحمــل ثقافــة قرائيــة ال يســتهان بهــا‪،‬‬ ‫وخبــرات إداريــة جيــدة‪ ،‬ال ســيما إذا‬ ‫علمنــا عــدد الســنوات التــي يقضيهــا‬ ‫بعــض النــزالء داخــل اإلصالحيــة‪.‬‬ ‫فإلــى كل مــن أراد أن يكــون عنصــ ًرا‬ ‫فعـ ً‬ ‫ـال يف تغييــر ثقافــة الســجني و متلكتــه‬ ‫الرغبــة يف تطبيــق هــذا املشــروع ‪ :‬تخلص‬ ‫مــن األفــكار الســلبية جتــاه الســجناء قبــل‬ ‫القيــام باملشــروع‪ ،‬وال حتــاول النظــر إلــى‬ ‫قضاياهــم ومشــكالتهم‪ ،‬بقــدر مــا تنظــر‬ ‫إلــى قضيتــك معهــم‪ ،‬وهــي القــراءة‪.‬‬ ‫فاجتهــد – مــا اســتطعت‪ -‬أن تســجن‬ ‫القــراءة يف قلوبهــم‪ ،‬وأن حتــرر عقولهــم‬ ‫مــن التفكيــر الســلبي والتشــاؤم‪».‬‬

‫‪41‬‬


‫ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ‬

‫اﻷدﺑﻴﺔ‬ ‫اﻟﻜﺮام‬ ‫أ ﱡﻳﻬﺎ اﻟﻘﻮارئ ﹺ‬ ‫ﻣﺠﻠﺔ ﻗﻮارئ داﺋﻤﴼ ﺗﺒﺘﻬﻞ ﺑﻜﻢ وﺗﺴﻌﻰ ﻟﺮﺿﺎﻛﻢ وﻹﺛﺮاء‬ ‫اﻟﻤﺤﺘﻮى اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻘﺮاﺋﻲ ﻧﻘﺪم ﻟﻜﻢ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ اﻷدﺑﻴﺔ‬ ‫واﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ اﻷدﺑﺎء واﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ ﺑﺎﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷدﺑﻲ واﻟﻠﻐﻮي‪،‬‬

‫ﺗﺮﻗﺒﻮﻧﺎ‬ ‫ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻧﺮﺟﻮ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻤﺸﺮوع ﻓﻲ ﺗﻮﻳﺘﺮ‬

‫‪42‬‬


‫ﺷــﺎﺭﻛﻨﺎ ﺍﻟﺘـــﺤﺮﻳﺮ‬

‫ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ‪..‬‬ ‫ﺃﺭﺳﻞ ﻣﺸﺎﺭﻛﺘﻚ ﺇﻟﻰ ‪:‬‬ ‫‪magazine.rfriends.net‬‬

‫‪43‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.