مجلة الاصلاح الجزائرية- العدد العشرين

Page 1

‫جملة جامعة‬ ‫ت�صدر عن دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫الـمدير‬

‫توفيق عمروين‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫عز الدين رم�ضاين‬ ‫�أع�ضاء التحرير‪:‬‬ ‫عمر احلاج م�سعود‬ ‫عثمان عي�سي‬ ‫جنيب جلواح‬

‫الت�صميم والإخراج الفني‪:‬‬ ‫دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫عنوان املجلة‪:‬‬

‫دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫حي باحة (‪ ،)03‬رقم (‪ )28‬الليدو ـ‬ ‫املحمدية ـ اجلزائر‬

‫الهاتف والفاك�س‪:‬‬

‫‪)021( 51 94 63‬‬ ‫التوزيع (جوال)‪)0661( 62 53 08 :‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪:‬‬

‫‪darelfadhila@maktoob.com‬‬

‫املوقع على ال�شبكة العنكبوتية‪:‬‬ ‫‪www.rayatalislah.com‬‬

‫ج���اء يف « َّ‬ ‫الطبق���ات الكبري» البن �سعد عن ابن ع َّبا�س ‪� Ç‬أ َّنه قال ل�سعيد بن‬ ‫جب�ي�ر ‪ ::‬حدِّ ث؛ فقال‪� :‬أُحدِّ ُث و�أنتَ ها هُ ن���ا؟! قال‪� :‬أَ َو لي�س من ِنعمة اهلل َ‬ ‫عليك �أن‬ ‫تتح َّدث و�أنا �شاهدٌ‪ ،‬ف�إن �أ�صبتَ فذاك‪ ،‬و�إن �أخط�أتَ ع َّلمتُك‪.‬‬ ‫فمِ ���ن نعمة اهلل على َطلبة العلم وال ُّدع���اة �إىل اهلل �أن يكونَ بني ظهرانيهم ال ُعلماء‬ ‫أ�صاب‪� :‬أ�صبت و�أح�سنتَ ‪،‬‬ ‫ال َّر َّبان ُّيون ا َّلذين ي�ش َهدون على من دو َنهم يف ال ِعلم‪ ،‬ليقال ملن � َ‬ ‫وملن �أخط�أ‪� :‬أخط�أتَ و ُيع َّلم وير ُّد ل َّلتي هي �أقوم‪ ،‬فالعلماء ُح َّرا�س الدِّين وح َف َظة َّ‬ ‫ال�شريعة‪،‬‬ ‫ري وال م�ستن�ص ٌح‪.‬‬ ‫جلي�س وال متع ِّل ٌم وال م�ست�ش ٌ‬ ‫وهم القوم ا َّلذين ال ي�ش َقى بهم ٌ‬ ‫وعم�ل�ا بهذا املنهج القومي ك َّنا نحر�ص دائ ًما على �إطال ِع بع�ض �أهل ال ِعلم ال ُّنبالء‬ ‫على ِّ‬ ‫عدد جديدٍ من جم َّلتنا‪ ،‬ل َنظفر منهم ُمب�شاركة بر�أي �أو ن�صح �أو توجيه �أو مقال‪،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫���ي ‪ Í‬ـ‪ ،‬وكم َ�سعدنا ملَّا جت���اوب معنا هذه امل َّرة‬ ‫ف رَ َ‬ ‫ـ«الب َك��� ُة َم��� َع �أَ َكا ِبر ُك ْم» ـ كما قال ال َّنب ُّ‬ ‫�شيخ���ان جليالن م���ن �أر�ض احلجاز‪� ،‬أحدهم���ا �شيخنا َّ‬ ‫ال�شيخ ربيع بن ه���ادي َ‬ ‫املدخلي ـ‬ ‫حفظه اهلل ورعاه ـ ا َّلذي �أر�سل �إلينا مقالاً مل ي�سبق له و�أن ُن�شر‪ ،‬وثانيهما �شيخنا َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫عبد املح�سن بن حمد الع َّباد ال َبدر ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ا َّلذي � َ‬ ‫أر�سل �إلينا كلم ًة يفرح �أمثالنا‬ ‫�ضي ُقد ًُما فيما نحن فيه ـ فجزاه اهلل ع َّنا ك َّل خري و َف�ضل ـ‪ ،‬وقد‬ ‫مبثلها‪ ،‬ويح ِّفزنا على املُ ِّ‬ ‫ر�أي َنا �أن ُن�شرك ق َّراءنا الكرام يف ِّ‬ ‫للجميع‪،‬‬ ‫االطالع عليها؛ ملا يف ذلك من الفائدة ال ُعظمى َ‬ ‫ف�إليكموها‪:‬‬ ‫ح�ضرة الأخ املك َّرم رئي�س حترير جم َّلة الإ�صالح يف اجلزائر‪.‬‬ ‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وبع���د‪ ،‬تلقَّيت ر�سالتك���م امل�ؤ َّرخ���ة‪1431/4/5 :‬هـ‪ ،‬املرفق بها ن�سخ���ة من العدد‬ ‫التَّا�سع ع�شر من جم َّلة الإ�صالح‪ ،‬و�إنيِّ لأ�شكركم والقائمني على املج َّلة على اهتمامكم‬ ‫وعنايتك���م بال َّدعوة �إىل اهلل ون�شر املقاالت اجل ِّي���دة املفيدة‪ ،‬و�أ�س�أل اهلل ـ ع َّز وج َّل ـ �أن‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬ ‫يتولىَّ اجلميع بتوفيقه‪َّ ،‬‬ ‫‪1431/4/16‬هـ ـ عبد املح�سن بن حمد العباد البدر‬ ‫كما ال يفوتني �أن �أذ ِّكر ب�شيخ فا�ضل نبيل ك َّنا نتوا�صل معه باملدينة ال َّنبو َّية‪ ،‬وكان‬ ‫حري�ص���ا على متابعة �أع���داد جم َّلتنا‪ ،‬وهو َّ‬ ‫ال�شيخ الدُّكتور يو�س���ف ال َّدخيل ا َّلذي وافته‬ ‫ً‬ ‫املن َّية بعد �صدور العدد التَّا�سع ع�شر‪ ،‬فرحمه اهلل رحم ًة وا�سعة‪.‬‬ ‫مدير املجلة‬


‫في هذا العدد‬ ‫االفتتاحية‪ :‬قوم ال ي�شقى بهم جلي�سهم‪/‬مدير املجلة‪1........‬‬ ‫الطليعة‪ :‬بني الأمانة واخليانة‪/‬التحرير ‪4......................‬‬

‫يف رحاب القر�آن‪ :‬ك�شف الوجه ال�صبيح يف فوائد ق�صة الذبيح‬ ‫‪/‬د‪ .‬عبد املجيد جمعة‪6.....................‬‬ ‫من م�شكاة ال�سنة‪ :‬بيان نكارة ق�صة �سجود معاذ للنبي ‪Í‬‬ ‫‪/‬د‪ .‬ربيع بن هادي املدخلي ‪10............‬‬ ‫التوحيداخلال�ص‪ :‬الأ�سباب املعينة على تقوية الإميان بالقدر‬ ‫‪�/‬أمني ال�سعدي ‪12........................‬‬ ‫بح���وث ودرا�س���ات‪ :‬ن�صو�ص عقدية لل�شي���خ عبد احلميد‬ ‫اب���ن بادي����س يف الإمي���ان ب���اهلل‪ ،‬ومنهجه يف‬ ‫تقرير �أ�سماء اهلل و�صفاته‬ ‫‪�/‬أ‪.‬د‪ .‬حممد علي فركو�س ‪16.......................‬‬ ‫م�سائل منهجية‪� :‬أ�سباب الوقاية من الفنت‬ ‫‪/‬عبا�س ولد عمر ‪23........................‬‬ ‫�سرية وتاريخ‪� :‬صفة النبي ‪ Í‬يف التوراة‬ ‫‪/‬ح�سن �أيت علجت ‪29..........................‬‬ ‫تزكية و�آداب‪ :‬اخل�شوع (‪ /)2‬عبد املالك رم�ضاين ‪35.........‬‬ ‫فتاوى �شرعية‪� :‬أ‪ .‬د‪ .‬حممد علي فركو�س ‪40..................‬‬

‫التحرير‬

‫بني األمانة واخليانة‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد علي فركو�س‬ ‫نصوص عقدية البن باديس ومنهجه‬ ‫يف تقرير أمساء اهلل وصفاته‬

‫ا�ستطالع وحوار‪ :‬مدر�سة دار احلديث بتلم�سان‬ ‫‪/‬عز الدين رم�ضاين ‪45....................‬‬ ‫�أخبار الرتاث‪ :‬جديد املخطوطات املطبوعة‪/‬عمار متالت‪51......‬‬ ‫اللغة والأدب‪ :‬ق�صيدة ‪/‬عبد املالك بن مربوك‪54............‬‬

‫ق�ضايا تربوية‪ :‬الأطفال يف بيت النبوة (‪)5‬‬ ‫‪/‬فريد عزوق ‪56...............................‬‬ ‫�ألف���اظ ومفاهي���م يف املي���زان‪ :‬جرمي���ة الر�ش���وة يف‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫‪/‬عبد اهلل بوزنون ‪60..........................‬‬ ‫الفوائد والنوادر‪ :‬التحرير ‪63.................................‬‬ ‫بريد القراء‪ :‬التحرير‪64.......................................‬‬

‫�سعر املجلة ‪ 150‬دج‬

‫د‪ .‬ربيع بن هادي املدخلي‬

‫بي��ان ضعف ون��كارة قصة س��جود‬ ‫معاذ للنيب ‪Í‬‬


‫العدد السابق‬

‫عمار متالت‬

‫جديد املخطوطات الـمطبوعة‬

‫د‪.‬عبد املجيد جمعة‬

‫كش��ف الوج��ه الصبي��ح يف فوائ��د‬ ‫قصة الذبيح‬

‫قواعد النشر في المجلة‬ ‫‪� ‬أن تك���ون املو�ضوع���ات مطابق���ة خلط���ة املجل���ة‪ ،‬وموافقة‬ ‫ملنهجها‪.‬‬ ‫‪� ‬أن يكون املقال مت�س ًما بالأ�صالة واالعتدال‪.‬‬ ‫‪� ‬أن يح��� َّرر املق���ال ب�أ�سلوب يحقق الغر����ض‪ ،‬ولغة بعيدة عن‬ ‫التكلف والتعقيد‪.‬‬ ‫‪ ‬الدقة يف التوثيق والتخريج مع االخت�صار‪.‬‬ ‫‪� ‬أن تك���ون الكتابة على الكمبيوت���ر‪� ،‬أو ٍّ‬ ‫بخط وا�ضح مقروء؛‬ ‫وعلى وجه واحد من الورقة‪.‬‬ ‫‪� ‬أال يزيد املقال على خم�س �صفحات‪.‬‬

‫عز الدين رم�ضاين‬

‫مدرسة دار احلديث بتلمسان‬ ‫كما �أرادها َّ‬ ‫ال�شيخ الب�شري الإبراهيمي‬

‫‪� ‬أن يذكر �صاحب املقال ا�سمه الكامل وعنوانه ورقم هاتفه‪،‬‬ ‫ودرجته العلمية �إن وجدت‪.‬‬ ‫‪ ‬املقاالت �أو البحوث التي ال تن�شر ال تر ُّد لأ�صحابها‪.‬‬


‫الطليعة‬

‫التحرير‬ ‫ال�صفات ا َّلتي امتاز بها �أهل احلقِّ‬ ‫�إنّ �صفة الأمانة من �أعظم ِّ‬ ‫عن �أهل الباطل‪ ،‬ذلك لأنَّ املتَّ�صف بها يحتاج �إىل جتريد التَّوحيد‬ ‫رب العاملني‪ ،‬و�إفرا ِد اال ِّتباع لنب ِّينا حم َّم ٍد الأمني ‪.Í‬‬ ‫هلل ِّ‬ ‫قال اهلل ‪﴿ :y‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ‬

‫ﯲ﴾ [\{]‪ .‬والأمانة املعرو�ضة ه���ي �أمانة التَّكاليف‪،‬‬ ‫م���ن امتثال الأوامر‪ ،‬واجتناب ال َّنواهي‪ ،‬مع ما يتبعها من ثواب‬ ‫وعق���اب‪ ،‬وهي باملعن���ى الوا�سع ك ُّل ما يحمل���ه الإن�سان ويتح َّمله‬ ‫ً‬ ‫وفع�ل�ا‪ ،‬وهذا يع ُّم جمي���ع الأمانات‬ ‫م���ن �أمر دينه ودني���اه قو ًال‬ ‫احل�س َّية واملعنو َّية‪.‬‬ ‫ف����إذا قام العبد مب���ا حت َّمله و�أ َّداه هلل ح�س���ب طاقته وو�سعه‪،‬‬ ‫ونه�ض بالأمان���ة املنوطة بعنقه‪ ،‬و�أ َّداها عل���ى وجهها‪ ،‬كان َّ‬ ‫حمل‬ ‫ممن خلق تف�ضي ًال‪� ،‬إذ حمل‬ ‫تك���رمي ر ِّبه له‪ ،‬وتف�ضيله على كث�ي�ر َّ‬ ‫ال�سماوات‬ ‫ـ م���ع جهل���ه وظلم���ه ـ م���ا �أ�شفقت وخافت م���ن حمل���ه َّ‬ ‫والأر�ض واجلبال‪.‬‬ ‫و�أ َّول م���ا ت�شم���ل كلم���ة الأمانة‪� ،‬أداء ح���قِّ اهلل ‪ y‬يف �إفراده‬ ‫بالعب���ادة‪ ،‬وع���دم الإ�شراك به‪َّ ،‬ثم �أداء الفرائ����ض ا َّلتي فر�ضها‬ ‫ً‬ ‫عل���ى العب���اد‪ ،‬وغريه���ا م���ن التَّكالي���ف َّ‬ ‫كام�ل�ا‬ ‫ال�شرعي���ة‪� ،‬أدا ًء‬ ‫بي‬ ‫وخال�صا له ‪ y‬غ َري‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫م�شوب برياءٍ وال �سمعة‪ ،‬مواف ًقا ل�س َّنة ال َّن ِّ‬ ‫امل�صطفى ‪.Í‬‬ ‫ونب ُّينا ‪ Í‬قد ُعرف ـ يف اجلاهل َّية ـ بني نا�سه و�أهله وع�شريته‬ ‫وقومه بالأمني كما هو معلوم من �سريته العطرة‪ ،‬فكانوا ي�أمتنونه‬ ‫عل���ى الأموال وغريها‪ ،‬ل�صدقه ووفائ���ه ‪ ،Í‬وال َّنا�س مييلون �إىل‬ ‫الأم�ي�ن مي ًال طبيع ًّيا فطر ًّي���ا‪ ،‬ملا جبلت علي���ه ال ُّنفو�س من الوثوق‬ ‫بالأمناء‪ ،‬واالرتياح لهم‪ ،‬وهذا عا ٌّم يف الب�شر ك ِّلهم‪.‬‬ ‫هلل ‪َ Í‬قا ُل���وا‪ :‬ا ْب َعثْ َم َع َنا‬ ‫وملَّ���ا قدم �أَ ْه ُل ا ْل َي َم ِن َع َل���ى َر ُ�س ِول ا ِ‬ ‫‪4‬‬

‫َر ُج ً‬ ‫ال�س َّن َة َوا ِلإ ْ�س َال َم‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف�أَ َخ َ‬ ‫���ذ ِب َي ِد َ�أ ِبي ُع َب ْيدَ َة َف َق َال‪:‬‬ ‫�ل�ا ُي َع ِّل ْم َنا ُّ‬ ‫« َه َذا �أَمِ ُ‬ ‫ني هَذِ ِه الأُ َّمةِ» [م�سلم (‪.])2419‬‬ ‫فال َّنا�س م�ؤم ُنهم وكاف ُره���م يت�ش َّوفون �إىل الأمني يف التَّعامل‪،‬‬ ‫وذل���ك ملا للأمني من الأثر َّ‬ ‫الط ِّيب �إذا تعامل مع ال َّنا�س �أو دعاهم‬ ‫َّقدير‬ ‫�إىل اله���دى ودي���ن احلقِّ ‪ ،‬وملا ل���ه من الهيب ِة واالح�ت�رام والت ِ‬ ‫عنده���م‪ ،‬كي���ف َال‪ ،‬وق���د ا�ست َق َّر يف �أذه���ان العق�ل�اء �أنَّ الأم َني ال‬ ‫ُيخ َّون‪ ،‬و�أنَّ اخلائن ال ي�ؤمتن‪.‬‬ ‫وال�س َ​َّن َة‪ ،‬ويدعو �إليهما‪ ،‬عليه �أن‬ ‫ا�س ال‬ ‫َ‬ ‫فا َّلذي يع ِّل ُم ال َّن َ‬ ‫إ�س�ل�ام ُّ‬ ‫وال�صدع ب���ه‪� ،‬أمي ًنا يف دينه‬ ‫يك���ون قو ًّيا بعلمه وثبات���ه على احل ِّق َّ‬ ‫وعقيدت���ه ومنهج���ه‪ ،‬و�أن تك���ون دعوت���ه �إىل اهلل ‪ y‬عل���ى هدى‬ ‫وب�ص�ي�رة‪ ،‬قد �سلم���ت نف�سه من عالئق ال ُّدني���ا‪ ،‬وحظوظ ال َّنف�س‪،‬‬ ‫ودواعي الهوى‪.‬‬ ‫ذل���ك لأنَّ العلم���اء ورث���ة الأنبي���اء‪ ،‬والأنبياء وال ُّر�س���ل عليهم‬ ‫وال�س�ل�ام هم �أمن���اء اهلل على دينه و�شرع���ه‪ ،‬فوجب �أن‬ ‫َّ‬ ‫ال�ص�ل�اة َّ‬ ‫يك���ون ال ُّدعاة �إىل اهلل ‪ y‬هم الأمناء من بعدهم على هذا ِّ‬ ‫احلظ‬ ‫الوافر واملرياث العظيم‪.‬‬ ‫ال�سامية يف‬ ‫وله���ذا كان خل���قُ الأمان���ة �أح���دَ �أركان الأخ�ل�اق َّ‬ ‫الإ�س�ل�ام ا َّلت���ي عليها املرتك���ز‪ِ ،‬ومن �أع���زِّ ما يحر����ص املر ُء على‬ ‫اال ِّت�ص���اف به‪َّ ،‬ثم ال ي�ض��� ُّره ـ بعد ذلك ـ ما فاته م���ن ال ُّدنيا‪ ،‬قال‬ ‫ِيك َف َ‬ ‫يك مَا َفا َت َ‬ ‫ال َعلَ َ‬ ‫نب ُّين���ا ‪�« :Í‬أَ ْر َب ٌع �إذا ُك���نَّ ف َ‬ ‫���ك مِ ن الدُّ ْن َيا‪:‬‬ ‫حِ ْف���ظ �أَمَا َن���ةٍ‪َ ،‬و ِ�صدْق َحدِ ي���ثٍ ‪َ ،‬و ُح ْ�سن َخلِي َقةٍ‪َ ،‬وعِ َّف���ة يف ُط ْع َمةٍ»‬ ‫[�أحمد (‪.])177/2‬‬ ‫والأمان���ة من الإميان‪ ،‬كما ق���ال ‪َ « :Í‬ال �إِميَا َن لمِ َ���نْ َال َ�أمَا َن َة‬ ‫َل��� ُه َو َال ِدي َ‬ ‫���ن لمِ َنْ َال َع ْه َد َلهُ» [�أحمد (‪ ،)38321‬وال ميكن �أن تكون‬ ‫رجال �أمناء دون‬ ‫الأمان���ة بغري تقوى هلل ‪ ،y‬ولهذا م���ن رام �صن َع ٍ‬ ‫تعويل على التَّقوى‪ ،‬وت�أ�سي�س عليها‪ ،‬فقد رام حما ًال من َّ‬ ‫الطلب‪ ،‬ويف‬ ‫ٍ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫الطليعة‬

‫القر�آن الإ�شارة �إىل هذا‪ ،‬ففي باب املعامالت املال َّية قال اهلل ‪:y‬‬ ‫﴿ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ﴾ [^‪ ]283 :‬فالتَّقوى هي‬ ‫���ث مبمتلكاتهم‪ ،‬وت�ضيي ِع‬ ‫املانعة م���ن بخ�س حقوق الآخرين‪ ،‬والعب ِ‬ ‫الأمان���ات وال َّته���اون �أوالتَّفري���ط يف حفظها و�أدائه���ا‪ ،‬لأنَّ امل�ؤمن‬ ‫أحر����ص ال َّنا�س على �أم���وال غريه‪ ،‬ائتما ًن���ا ً‬ ‫وحفظا و�أدا ًء‪،‬‬ ‫���ي � ُ‬ ‫ال َّتق َّ‬ ‫وكذلك َّ‬ ‫ال�ش�أنُ يف �أعرا����ض امل�سلمني‪ ،‬فقد جاء يف القر�آن الكرمي‬ ‫ال�سالم‪:‬‬ ‫م���ا يد ُّل عليها �أي�ضا‪ ،‬قال ‪ y‬على ل�س���ان مرمي عليها َّ‬ ‫﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ﴾ [\‪.]o‬‬ ‫َّقي ال ينتهك �أعرا�ض امل�سلمني وامل�سلمات‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫فالـم�ؤمن الت ُّ‬ ‫ع���ن حرمات اجلريان واجل���ارات‪ ،‬قال ‪َ « :Í‬ال َي ْ�س َت ِقي��� ُم �إِمي ُ‬ ‫َان‬ ‫َع ْبدٍ َح َّتى َي ْ�س َتقِي َم َق ْل ُب ُه َو َال َي ْ�س َتقِي ُم َق ْل ُب ُه َح َّتى َي ْ�س َتقِي َم ل َِ�سا ُن ُه َو َال‬ ‫َيد ُْخ ُل َر ُج ٌل جْ َ‬ ‫ال َّن َة َال َي�أْم َُن َجا ُر ُه َب َوا ِئ َقهُ» [�أحمد (‪.])13048‬‬ ‫َّقي ال ِّ‬ ‫كافر م�ؤمتن �أو معاهَ د‪،‬‬ ‫م�سلم‪� ،‬أو ِ‬ ‫وامل�ؤمن الت ُّ‬ ‫يلطخ يدَه بدم ٍ‬ ‫إ�سالم دمه �إ َّال بح ِّقه ـ قال ‪َ « :Í‬والمْ ُ�ؤْمِ ُن َمنْ �آ َم َن ُه‬ ‫ـ ممن َ‬ ‫ع�صم ال ُ‬ ‫ال َّنا� ُ���س َعلَى ِدمَا ِئ ِه ْم َو�أَ ْم َوا ِلهِ��� ْم» وقال ‪َ « :Í‬منْ َق َت َل ُم َعا َهدًا فيِ‬ ‫َغيرْ ِ ُك ْن ِه ِه َح َّر َم ُ‬ ‫اهلل َعلَ ْي ِه ا َ‬ ‫جل َّن َة» [�أبو داود (‪.])2760‬‬ ‫ه���ذا ح���ال امل�ؤم���ن ح ًّق���ا‪ ،‬ال يخ���اف ال َّنا� ُ���س من���ه غيلة وال‬ ‫بي ‪ Í‬خم�س ًة من �أهل‬ ‫خداع���ا وال خيانة وال �ش��� ًّرا‪ ،‬وقد ذكر ال َّن ُّ‬ ‫ال َّن���ار منهم «‪َ ...‬وا َ‬ ‫خلائ ُِن ا َّل���ذِ ي َال َي ْخ َفى َل ُه َط َم��� ٌع َو�إِ ْن َد َّق �إِ َّال‬ ‫َخا َن��� ُه َو َر ُج ٌ���ل َال ُي ْ�ص ِب��� ُح َو اَل يمُ ْ�سِ ي �إِ َّال َوهُ ��� َو ُي َخا ِدع َُك َعنْ �أَهْ ل َِك‬ ‫َومَال َِك‪[ »...‬م�سلم (‪.])2865‬‬ ‫وا َّل���ذي �صارت الأمانة �صف ًة مالزمة له‪ ،‬تراه ي�ؤدِّيها ولو ل َّلذي‬ ‫خانه‪ ،‬ال يقابله باملثل لقبح اخليانة‪ ،‬فهي من �صفات املنافقني‪ ،‬وهي‬ ‫خديعة يف موطن ائتمان‪ ،‬ال تليق بحال �أهل الإميان‪ ،‬قال ‪�« :Í‬أَ ِّد‬ ‫الأَمَا َن َة �إِلىَ َمنْ ا ْئ َت َم َن َك َو َال َت ُخنْ َمنْ َخا َن َك» [�أبو داود (‪.])3535‬‬ ‫واملواثيق كما عرفت بنو‬ ‫ونق�ض العهو ِد‬ ‫ِ‬ ‫ومل تُعرف �أ َّم ٌة باخليانة ِ‬ ‫أخ�ص �أو�صافهم‪،‬‬ ‫�إ�سرائيل‪ ،‬فينبغي التَّنزُّه عن م�شابهة اليهود يف � ِّ‬ ‫مم���ن يرف���ع ِّ‬ ‫ال�شع���ارت ال َّرباق���ة ويتباكى عل���ى فل�سطني‬ ‫خا�ص���ة َّ‬ ‫َّ‬ ‫احلبيب���ة يف خمتلف اخلرجات الإعالم َّي���ة‪ ،‬واملنا�سبات ال َّدور َّية؛‬ ‫لأنَّ دف���ا َع اهلل ‪ y‬عن امل�ؤمنني‪� ،‬إنمَّ���ا يكون للقائمني بحقِّ اهلل َّثم‬ ‫بحقوق العب���اد‪ ،‬املحافظني على الأمان���ات‪ ،‬امل�ؤدِّين لها‪ ،‬واملوفني‬ ‫بالعقود والعهود‪ ،‬فه�ؤالء هم املن�صورون املو َّفقون يف دعوتهم‪� ،‬أ َّما‬

‫ا َّلذي���ن خانوا اهلل ور�سو َله ‪ ،‬ب�ت�رك ما �أوجبه اهلل عليهم‪ ،‬و ِف ْعل ما‬ ‫نهاه���م عنه‪ ،‬فه�ؤالء ال ين�صرهم اهلل وال يهديهم �سبي ًال‪ ،‬قال اهلل‬ ‫‪﴿ :y‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [\‪ ،]d‬وقال‪ ﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬ ‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾ [ \‪ ،]r‬و ق���ال‪:‬‬ ‫﴿ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ﴾ [\‪.]h‬‬ ‫ول ُيعل���م �أنَّ خيان���ة الوجيه لي�س���ت كخيانة الو�ضي���ع‪ ،‬وخيان َة‬ ‫امل�س����ؤول الكب�ي�ر لي�ست كخيانة العامل ال�صغ�ي�ر‪ ،‬وخيانة العامل‬ ‫لي�س���ت كخيانة اجلاهل‪ ،‬وظه���و ُر ِّ‬ ‫كل هذا يف الأ َّم���ة �أمارة ف�ساد‬ ‫ال�ساع���ة ودن ِّوها‪ ،‬قال نب ُّينا‬ ‫وانقالب للموازي���ن‪ ،‬ينبئ عن قرب َّ‬ ‫ا�س َ�س َن َو ٌات َخدَّاع ٌ‬ ‫َات ُي َ�صد َُّق فِيهَا ا ْل َكاذ ُِب‬ ‫«�س َي ْ�أتِي َعلَى ال َّن ِ‬ ‫‪َ :Í‬‬ ‫���ن فِيهَ���ا الخْ َ ائ ُ‬ ‫ال�ص���اد ُِق َو ُي�ؤْتمَ َ ُ‬ ‫ِ���ن َو ُي َخ��� َّو ُن فِيهَ���ا‬ ‫َو ُي َك��� َّذ ُب فِيهَ���ا َّ‬ ‫الأَمِ ُ‬ ‫�ي�ن َو َي ْنطِ ُق فِيهَ���ا ال ُّر َو ْي ِب َ�ض ُة‪ ،‬قِي َل‪َ :‬ومَ���ا ال ُّر َو ْي ِب َ�ض ُة؟ َقا َل‪:‬‬ ‫ال َّر ُج��� ُل ال َّتافِ��� ُه َي َت َك َّل ُم يف �أَ ْم��� ِر ال َعا َّمةِ» [�أحمد (‪ ،)291/ 2‬وابن‬ ‫ماجه (‪.])4042‬‬ ‫ال�سا َع َة»‪َ ،‬ق َال َك ْي َف‬ ‫وق���ال ‪�« :Í‬إِ َذا ُ�ض ِّي َعتِ ا َلأمَا َن ُة َفا ْن َتظِ ��� ِر َّ‬ ‫���ول اللهَّ ِ َق َ‬ ‫ِ�إ َ�ض َاع ُت َه���ا َي���ا َر ُ�س َ‬ ‫���ال « ِ�إ َذا �أُ ْ�سنِ��� َد الأَ ْم��� ُر ِ�إلىَ َغ�ْيلرِْ �أَهْ ِلهِ‪،‬‬ ‫ال�ساعَ��� َة»‪[ .‬البخ���اري (‪� )6496‬أي‪ُ :‬ف ِّو�ض احلكم املتع ِّلق‬ ‫َفا ْن َتظِ ��� ِر َّ‬ ‫بالدِّ ي���ن �إىل م���ن لي�س ل���ه ب�أه���ل‪ ،‬ف�س ِّود و�ش��� ِّرف م���ن ال ي�ستح ُّق‬ ‫ال�سيادة َّ‬ ‫وال�شرف‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ومن لطائف تبويب���ات الإمام البخاري ‪ :‬يف «�صحيحه» �أن‬ ‫جعل هذا احلديث يف كتاب العلم‪� ،‬إ�شار ًة منه �إىل �أنَّ �إ�سناد الأمر‬ ‫�إىل غري �أهله � مَّإنا يكون عند غلبة اجلهل‪ ،‬ورفع العلم‪.‬‬ ‫وللأمانة �صور كثرية‪ ،‬كما للخيانة مثل ذلك‪ ،‬و�إمنا هذا تنويه‬ ‫ب�ش�أنها‪ ،‬وتذكري ب�أمره���ا‪ ،‬ل ُيعلم �أنَّ اال�ستخالف الواعد للم�ؤمنني‬ ‫حماب‬ ‫ال�ص���ادق ب���اهلل ‪ ،y‬و�إيثارِهم َّ‬ ‫م���ا هو �إ َّال ثم���رة لإميانهم َّ‬ ‫اهلل ور�سول���ه ‪ Í‬على ما تهوى �أنف�سهم‪ ،‬وما هو �إ َّال ثمرة لعملهم‬ ‫بي‬ ‫املبني على العلم ال َّنافع َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�صحيح‪ ،‬واملوافق لهدي ال َّن ِّ‬ ‫ال�صال���ح ِّ‬ ‫ال�سلف ال َّرجيح‪� ،‬إذ لي�س اال�ستخالف مق�صودًا لذاته‪،‬‬ ‫‪ ،Í‬وقول َّ‬ ‫ب���ل هو و�سيلة لقيام امل�ؤمنني ب�أعظ���م الأمانات وهي‪ :‬ح ُّق اهلل ‪y‬‬ ‫على العبيد يف �إفراده بالعبادة والتَّوحيد‪.‬‬ ‫واهلل الهادي �إىل َّ‬ ‫الطريق ال َّر�شيد‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫في رحاب القرآن‬

‫كشف الوجه َّ‬ ‫الصبيح يف‬

‫فوائد قصة الذبيح‬ ‫د‪ /‬عبد املجيد جمعة‬ ‫�أ�ستاذ حما�ضر بجامعة الأمري عبد القادر ـ ق�سنطينة‬

‫� ّإن اهلل تع���اىل ذك���ر ق�ص����ص �أنبيائ���ه ور�سل���ه‪ ،‬لن�أخذ منها‬ ‫العربة والعظ���ة‪ ،‬ون�ستخل�ص منها ال ِّذك���رى واملوعظة‪ ،‬فقال‬ ‫�سبحان���ه‪:‬‬

‫﴿ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬

‫ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾‬

‫[\‪ ،]h‬و�إ َّن‬

‫ق�صة �إبراهي���م مع ابن���ه �إ�سماعيل‬ ‫م���ن �أبرز ه���ذه الق�ص����ص‪َّ ،‬‬ ‫ال�س�ل�ام‪.‬‬ ‫عليهم���ا َّ‬ ‫ال�سالم دع���ا قومه �إىل توحيد اهلل‬ ‫وذل���ك �أنَّ �إبراهيم عليه َّ‬ ‫تع���اىل وترك عبادة الأ�صن���ام‪ ،‬فل َّما مل يت�ستجيبوا ل���ه‪� ،‬أراد �أن‬ ‫���ام ال تنفع وال‬ ‫يقي َ‬ ‫احلج َة‪ ،‬ويبينِّ َ ل ُه���م �أنَّ هذه الأ�صن َ‬ ‫���م عليه���م ُّ‬ ‫ت�ض��� ُّر‪ ،‬بل هي عاجزة عن نفع نف�سها ودفع َّ‬ ‫ال�ضر ِر عنها‪ ،‬فكيف‬ ‫تنفع من يعبدها؟! فجعلها حطاما‪.‬‬ ‫احلج َة ه ُّموا ب�إحراقه بال َّنار‪ ،‬ف�أجناه اهلل‬ ‫فل َّما �أقام عليهم ُّ‬ ‫تع���اىل منها‪ ،‬و�أظهره عليهم‪ ،‬فل َّما ن�صره اهلل تعاىل على قومه‪،‬‬ ‫و�أ ِي�س م���ن �إميا ِنهم‪ ،‬تركه���م وهاجر ِمن َب�ْي نِْ �أظهرهم‪ ،‬ف�س�أل‬ ‫ر َّب���ه �أن َي َه َبه ولدً ا �صا ً‬ ‫حلا‪ً ،‬‬ ‫عو�ضا عن قومه‪ ،‬وي�ؤن�سه يف غربته‪،‬‬ ‫فا�ستجاب ُ‬ ‫اهلل دعا َءه‬ ‫ويعي ُن���ه على طاعة ر ِّبه وال َّدعو ِة �إىل دي ِنه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َف َر َز َق ُه ولدً ا �صا ً‬ ‫حلا‪ ،‬ف�أح َّبه وق َّرت عي ُنه‪ ،‬وتع َّلق قل ُبه به‪َّ ،‬ثم �أمره‬ ‫الق�صة‪ ،‬وذلك‬ ‫اهلل تعاىل َبذ ِ‬ ‫بحه بيده‪ ،‬وهنا تتج َّلى احلكم ُة من َّ‬ ‫هلل تعاىل‪ ،‬ولهذا كان‬ ‫�أنَّ �أَ ْ�ص َل الت ِ‬ ‫َّوحيد بل ل ّبه وروحه هو حم ّب ُة ا ِ‬ ‫ُ‬ ‫أحب هلل‬ ‫احلب يف اهلل‬ ‫ر�أ� َ���س الإميان ُّ‬ ‫والبغ�ض يف اهلل‪ ،‬وكان من � َّ‬ ‫‪6‬‬

‫ا�ستك َم َل الإمي���انَ ‪ ,‬و� ُ‬ ‫و� َ‬ ‫أ�صل‬ ‫أبغ����ض هلل‪ ،‬و�أعطى هلل ومن���ع هلل ِ‬ ‫فقد ْ‬ ‫املح َّبة التِّي �أم��� َر ُ‬ ‫اهلل بها وخ َلق خل َقه لأَ ْج ِل َها‪� ،‬إذ العباد ُة مت َ​َ�ض ِّم َن ٌة‬ ‫لغاي ِة ا ُ‬ ‫���ب غاية ُ‬ ‫هلل‬ ‫يج���ب �أنْ تكونَ خال�ص ًة ِ‬ ‫الذ ِّل‪ ,‬فهذه املح َّب ُة ِ‬ ‫حل ِّ‬ ‫زاحم‪.‬‬ ‫يزاح ُمها ُم ِ‬ ‫وحدَ ه‪ ،‬ال ت�شو ُبها �شائ َب ٌة‪ ،‬وال ِ‬ ‫إبراهيم يف حم َّب ِته ل���ه �سبحانه‪ ،‬و�إيثارِها‬ ‫فاب َت َل���ى اهلل تع���اىل �‬ ‫َ‬ ‫وتقد ِميه���ا عل���ى حم َّب ِة اب ِن��� ِه‪ ،‬ف�أمره َبذ ْب ِح���ه يف حم َّبة اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حتَّ���ى يكونَ ُ‬ ‫���ب �إليه من اب ِن���ه‪ ،‬ويبل َغ كم َ‬ ‫���ال املح َّب ِة ومرتب َة‬ ‫اهلل �أح َّ‬ ‫ح�ص َل ْ‬ ‫ا ُ‬ ‫عظيم‪.‬‬ ‫املط ُل ُ‬ ‫خل ّلة‪ ،‬فل َّما َ‬ ‫وب َفدا ُه اهلل ِبذ ْب ٍح ٍ‬ ‫ قال الإمام ابن القيم ‪ :‬يف «جالء الأفهام» (�ص‪:)274‬‬ ‫‪‬‬ ‫«ولـم���ا ا َّتخ���ذه ر ُّب���ه خلي ًال؛ وا َ‬ ‫خل ّل���ة هي كم���ال املح َّبة‪ ،‬وهي‬ ‫مرتب���ة ال تَق َب ُل امل�شارك َة واملزاحم َة‪ ،‬وكان ق���د �س�أل ر َّبه �أن ي َه َب‬ ‫َ‬ ‫ل���ه ولدً ا �صا ً‬ ‫�سماعيل‪ ،‬ف�أخذ هذا الول ُد �شعب ًة من‬ ‫حلا‪ ،‬فوهَ ب له �إِ‬ ‫ُ‬ ‫اخلليل على قل���ب خلي ِله �أن يكونَ فيه م���كا ٌن لغ ِريه‪،‬‬ ‫ق ْلب���ه‪ ،‬فغ���ار‬ ‫فامتح َن���ه َبذ ْب ِحه ليظه َر �س ُّر ا َ‬ ‫تقدميه حم ّب َة خلي ِله على‬ ‫خل ّل���ة يف ِ‬ ‫َ‬ ‫ولده‪ ،‬فل َّم���ا ا�ست�سلم لأم���ر ر ّبه‪ ،‬وعزم عل���ى فعله‪ ،‬وظهر‬ ‫حم َّب��� ِة ِ‬ ‫�سلطان ا َ‬ ‫خل َّلة يف الإقدام على ذبح الولد �إيثا ًرا ملح َّبة خليله على‬ ‫حم ّبته‪ ،‬ن�سخ اهلل ذلك عنه‪ ،‬وفداه ِّ‬ ‫بالذبح العظيم؛ لأنَّ امل�صلحة‬ ‫يف َّ‬ ‫الذب���ح كان���ت نا�شئ ًة من الع���زم وتوطني ال َّنف����س على ما �أمر‬ ‫به‪ ،‬فل َّم���ا ح�صلت هذه امل�صلحة‪ ،‬عاد َّ‬ ‫الذب���ح مف�سدة‪ ،‬ف ُن�سخ يف‬ ‫ح ِّق���ه‪ ،‬ف�ص���ارت َّ‬ ‫الذبائح والقرابني من الهداي���ا َّ‬ ‫وال�ضحايا ُ�س َّنة‬ ‫يف اتّباعه �إىل يوم القيامة»‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫فقد ت�ض َّمنت هذه الآيات درر الفوائد وغرر الفرائد‪ ،‬فاقتن�صت هذه َّ‬ ‫ال�شوارد‪ ،‬من ت�ضاعيف كتب الأماجد‪ ،‬لبلوغ مرام املقا�صد‪،‬‬ ‫فجمع���ت �أن���واع املوائد‪ ،‬ـ فوائد عقد َّية‪� ،‬أ�صول َّية‪ ،‬فقه َّية‪ ،‬علم َّية‪ ،‬تربو َّية ـ ب�صريح العبارة‪� ،‬أو بداللة الإ�شارة ـ وهي من �ألطف ال ّدالالت ـ‪،‬‬ ‫مع االعرتاف بالتَّق�صري‪ ،‬واهلل امل�ستعان‪ ،‬وعليه التّكالن‪.‬‬ ‫الفائ���دة الأوىل‪ :‬فيه وجوب الهجرة م���ن دار ِّ‬ ‫ال�شرك والكفر‬ ‫�إىل دار التَّوحيد والإميان‪ ،‬ومن دار املع�صية �إىل دار َّ‬ ‫الطاعة‪.‬‬ ‫فق���د هاج���ر �إبراهي���م من بل���د قوم���ه �إىل حي���ث يتم َّكن من‬ ‫عبادة ر ِّب���ه‪ ,‬وقال كما يف �آ ي���ة �أخرى‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾‬ ‫[ ‪ ،]26 :y‬ويلح���ق به���ذا الهجرة م���ن دار البدعة �إىل دار‬ ‫ال�سن���ة‪ ،‬ق���ال ابن القا�سم‪� :‬سمع���ت مالكا يقول‪ :‬ال يح��� ُّل لأحد �أن‬ ‫ُّ‬ ‫ال�سلف(‪.)1‬‬ ‫يقيم ببلد ُ�س َّب فيها َّ‬ ‫الفائ���دة ال َّثاني���ة‪ :‬وفيه دليل عل���ى م�شروع َّية الهجرة والفرار‬ ‫من املكان ا َّلذي يكرث فيه الأعداء‪ ،‬ويخ�شى فيها الإذاية يف الدِّ ين‬ ‫ال�سالم ملَّا �أح� َّ���س العداوة‬ ‫�أو الب���دن‪ ،‬وذل���ك �أنَّ �إبراهي���م علي���ه َّ‬ ‫ال�شديدة من قومه حيث �أ�ضرموا ال َّنار و�أل َق ْوه فيها‪ ،‬فل َّما َّ‬ ‫َّ‬ ‫جناه اهلل‬ ‫ال�سالم‪:‬‬ ‫تعاىل منها هاج���ر‪ ،‬وقد قال تعاىل عن نب ِّيه مو�سى عليه َّ‬ ‫﴿ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﴾ [‪ ،]21 :v‬وق���ال �أي�ض���ا‪ ﴿ :‬ﰈ ﰉ‬ ‫ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ﴾ [\‪ ،]x‬وله���ذا‬ ‫بي ‪ Í‬بالهجرة من م َّكة ملَّا ا�شت َّدت �إذاية امل�شركني له‪.‬‬ ‫�أمر ال َّن ُّ‬ ‫املهاجر ينبغي �أن تكونَ هجرته هلل‪،‬‬ ‫الفائدة ال َّثالثة‪ :‬وفيه �أنَّ‬ ‫ِ‬ ‫ويكونَ عم ُله له وحده‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯩﯪﯫﯬ﴾ [‪،]99 :¢‬‬ ‫(‪�« )1‬أحكام القر�آن» البن العربي (‪.)484/1‬‬

‫في رحاب القرآن‬

‫ قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ‬ ‫ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬ ‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﭑ‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [ \‪. ]¢‬‬

‫نا الأَ ْع َم ُ‬ ‫���ال ِبِال ِّن َياتِ َو�إِ مَّ َ‬ ‫وي�شه���د لهذا قوله ‪�« :Í‬إِ مَّ َ‬ ‫نا ِل ُك ِّل ْامرِئٍ‬ ‫هلل َو َر ُ�سو ِل ِه َفه ِْج َر ُت ُه للِهَّ ِ َو َر ُ�سو ِل ِه‬ ‫مَا َن َوى َف َمنْ َكا َنتْ هِ ْج َر ُت ُه �إىلا ِ‬ ‫َو َم���نْ َكا َنتْ هِ ْج َر ُت ُه �إِلىَ ُد ْن َيا ُي ِ�صي ُبهَ���ا �أَ ْو ْام َر�أَ ٍة َي ْنك ُِحهَا َفه ِْج َر ُت ُه‬ ‫َاج َر �إِ َل ْيهِ» متفق عليه‪.‬‬ ‫�إِلىَ مَا ه َ‬ ‫الفائ���دة الرابعة‪ :‬يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯬﯭ﴾ [‪]99 :¢‬‬ ‫�إ�شارة �إىل �أق�سام التَّوحيد ال َّثالثة‪ :‬فقوله‪﴿ :‬ﯬ﴾‪ ،‬ت�ض َّمن توحيد‬ ‫وال�صفات‪ ،‬حيث �أق َّر بربوب َّية اهلل تعاىل‬ ‫الربوبية وتوحيد الأ�سماء ِّ‬ ‫علي���ه‪ ،‬م�ستعم�ل�ا ا�سما من �أ�سمائ���ه تعاىل‪ ،‬وهو «ال��� َّر ُّب»؛ وقوله‪:‬‬ ‫﴿ ﯭ﴾ ت�ض َّم���ن توحي���د الإله َّي���ة‪ ،‬حيث دع���ا َ‬ ‫اهلل تعاىل �أن‬ ‫يهد َيه‪ ،‬وال ُّدعاء هو العبادة‪.‬‬ ‫الفائ���دة اخلام�سة‪ :‬وفيه �س�ؤال اهلل تعاىل ب�أ�سمائه بح�سب ما‬ ‫يقت�ضي���ه املق���ام‪ ،‬ولهذا مل يقل �إبراهي���م‪� :‬إنيِّ ذاهب �إىل اهلل‪ ،‬بل‬ ‫ق���ال‪﴿ :‬ﯫ ﯬ﴾‪ ،‬ومل يقل‪ :‬اللهم هب يل‪ ،‬بل قال‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬ ‫ﯳﯴ﴾؛ لأ َّن���ه يف مو�ضع يفتقر في���ه �إىل ال ُّربوب َّية‪� ،‬إذ ال َّر ُّب‬ ‫ه���و القائم على هدايت���ه‪ ،‬املد ِّبر لأم���ره‪ ،‬ولهذا ال يق���ول ال َّداعي‪:‬‬ ‫هم اغفريل وارحمني يا عزيز يا‬ ‫هم ارزقني يا قاب����ض‪ ،‬وال‪ :‬ال َّل َّ‬ ‫ال َّل َّ‬ ‫جب���ار‪ ،‬بل يقول‪ :‬اللهم ارزقني يا رزاق‪ ،‬واللهم اغفريل وارحمني‬ ‫يا غفور يا رحيم ونحو ذلك‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪7‬‬


‫في رحاب القرآن‬ ‫‪8‬‬

‫الفائ���دة ال�ساد�س���ة‪ :‬وفيه الت���و ُّدد �إىل اهلل تعاىل واالفتقار‬ ‫�إلي���ه و�إظه���ار احتياج���ه �إلي���ه‪ ،‬و�س�ؤال���ه الهداي���ة والتوفي���ق‪،‬‬ ‫فحاجت���ه �إىل ذل���ك فوق حاجته �إىل طعام���ه و�شرابه بل الهواء‬ ‫ح�صول ِّ‬ ‫َ‬ ‫وال�سالمة‬ ‫ال���ذي يتنفَّ�س���ه؛ لأنَّ ذل���ك يت�ض َّمن‬ ‫كل خ�ي�ر َّ‬ ‫كل �ش��� ٍّر‪ ،‬ولهذا �أمرنا تع���اىل �أن ن�س�أَله �إ َّياه���ا يف ِّ‬ ‫م���ن ِّ‬ ‫كل ركعة‬ ‫من �صالتن���ا عند قراءة الفاحتة‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾ [\[]‪.‬‬ ‫الفائ���دة ال�سابع���ة‪ :‬وفيه �إخال�ص ال ُّدعاء هلل تعاىل‪ ،‬لقوله‪:‬‬ ‫﴿ﯯ ﯰ ﯱ﴾‪.‬‬ ‫ال�صالح‪،‬‬ ‫الفائ���دة الثامن���ة‪ :‬وفي���ه ا�ستحباب طلب الول���د َّ‬ ‫لأنَّ نعم���ة الول���د تك���ون يف �صالحه‪ ،‬ف����إنَّ �ص�ل�اح ا لأبناء ُق َّر ُة‬ ‫ع ٍني للآباء‪.‬‬ ‫الفائ���دة التا�سع���ة‪ :‬وفي���ه تف�ضي���ل الذك���ور عل���ى البن���ات‪،‬‬ ‫لقول���ه‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾‪َّ ،‬ثم قال‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ﴾‪،‬‬ ‫وه���ذه الب�شارة تد ُّل على �أ َّن���ه َّ‬ ‫ذكر‪ ،‬وقد قال تعاىل‪:‬‬ ‫بابن ٍ‬ ‫مب�شر ٍ‬ ‫﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [_‪.]36 :‬‬ ‫الفائ���دة العا�ش���رة‪ :‬وفيه احلثُّ على ال��� َّزواج‪ ،‬لأ َّنه الو�سيلة‬ ‫الوحي���دة يف جل���ب الأوالد‪.‬‬ ‫الفائ���دة احلادي���ة ع�ش���ر‪ :‬وفي���ه احل���ثُّ عل���ى م�صاحب���ة‬ ‫ال�صاحل�ي�ن واال�ستعان���ة بهم يف �أمور الدِّ ين وال ُّدنيا وهو �أف�ضل‬ ‫َّ‬ ‫م���ن االعت���زال‪ ،‬لقول���ه‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾‪.‬‬ ‫الفائدة ال َّثانية ع�شر‪ :‬وفيه �إجابة اهلل تعاىل لدعاء �إبراهيم‬ ‫حي���ثق���العقي���ب�س�ؤال���هالول���د‪﴿:‬ﯵﯶﯷ﴾‪.‬‬ ‫الفائ���دة الثالث���ة ع�ش���ر‪ :‬وفي���ه ا�ستحباب ب�شارة م���ن ولد له‬ ‫مولود و�إعالمه مبا ي�س ُّره‪.‬‬ ‫الفائ���دة الرابع���ة ع�ش���ر‪ :‬وفي���ه �أنَّ الأوالد نعم���ة م���ن اهلل‬ ‫تعاىل‪ ،‬وق���د و�صفهم �سبحان���ه بالب�شرى‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﯕ ﯖ‬ ‫ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [‪.]69 :g‬‬ ‫َ‬ ‫إ�سماعيل ‪،º‬‬ ‫الفائ���دة اخلام�س���ة ع�ش���ر‪ :‬وفيه منقب���ة ل‬ ‫حي���ث و�صف���ه اهلل تع���اىل ب�أ ّن���ه حليم‪ ،‬كم���ا َ‬ ‫و�صف بذل���ك �أباه‬ ‫�إبراهي���م ‪ º‬حي���ث ق���ال‪ ﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾‬ ‫[\‪.]e‬‬

‫الفائ���دة ال�ساد�س���ة ع�ش���ر‪ :‬وفي���ه من �أعالم نب��� َّوة �إبراهيم‬ ‫‪ ،º‬حي���ث ُب ِّ�شر بالولد وو�صف ب�أ َّنه غ�ل�ام حليم‪ ،‬فت�ض َّمنت‬ ‫ال�صغري ال‬ ‫ه���ذه الب�ش���ارة بقاءه حتى يكرب وي�ص�ي�ر حلي ًما؛ لأنَّ َّ‬ ‫يو�ص���فباحلل���م‪.‬‬ ‫ال�سابع���ة ع�شر‪ :‬وفيه �أ َّنه ينبغ���ي على املرء �أن ِّ‬ ‫يوطئ‬ ‫الفائ���دة َّ‬ ‫بني ي���دي امل�سائ���ل َّ‬ ‫ال�شديدة‪ ،‬ما يك���ون م�ؤذنا بها حتَّ���ى ي�ست�أن�س‬ ‫به���ا‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯶﯷ﴾‪َّ ،‬‬ ‫فوط����أ �سبحانه بني يدي الأمر‬ ‫الغ�ل�ام �أ ّنه حليم‪� ،‬إ�شارة �إىل ح�صول البالء‪� ،‬أي‬ ‫بذبحه‪ ،‬فو�صف‬ ‫َ‬ ‫�أ ّنه �سيبتلى فيحلم‪.‬‬ ‫الفائ���دة ال َّثامن���ة ع�ش���ر‪ :‬وفيه ج���واز ت�سمية املخل���وق ببع�ض‬ ‫�أ�سم���اء اخلالق‪ ،‬لقوله‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ﴾‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬ﭩ‬ ‫ﭪﭫ﴾‪ ،‬وم���ن �أ�سمائ���ه �سبحانه «احللي���م» و«العظيم»‪ ،‬قال‬ ‫تع���اىل‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [^‪ ،]263 :‬وق���ال �سبحان���ه‪﴿ :‬ﯻ‬ ‫ﯼﯽﯾ﴾ [\^]؛ ومثله‪� :‬أنّ اهلل ع َّز وج َّل �س َّمى نف�سه‬ ‫العلي���م كم���ا يف قول���ه‪ ﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾ [\‪،]b‬‬ ‫وو�ص���ف بع�ض عب���اده علي ًما كما يف قول���ه تعاىل‪﴿ :‬ﰀ ﰁ‬ ‫ﰂ ﰃ﴾ [\‪ ،]±‬وو�صف نف�س���ه ب�أ َّنه ر�ؤوف رحيم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [\‪ ،]l‬وو�ص���ف نب َّينا ‪Í‬‬ ‫بذلك فقال‪﴿ :‬ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ‬ ‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾‬

‫[\‪ ،]e‬ونح���و ذلك كث�ي�ر‪ ،‬ومعلوم �أنَّ اال�س���م يف حقِّ اخلالق‬ ‫يق�ص���د به �إط�ل�اق الو�صف‪� ،‬أ َّم���ا يف حقِّ املخلوق فه���و على �سبيل‬ ‫التَّقيي���د وما ينا�سب و�صف���ه‪ ،‬فاال�شرتاك يف الأ�سم���اء ال ي�ستلزم‬ ‫التَّ�شبيه‪ ،‬فلي�س امل�س َّمى كامل�س َّم���ى‪ ،‬فلي�س احلليم كاحلليم‪ ،‬ولي�س‬ ‫العظيم كالعظيم‪ ،‬ولي�س العليم كالعليم وهكذا يف �سائر الأ�سماء‪،‬‬ ‫غ�ي�ره‪ ،‬ومنها ماال‬ ‫واحلا�ص���ل �أنَّ من �أ�سمائ���ه تعاىل ما ي�س َّمى به ُ‬ ‫ي�س َّم���ى به غ�ي�ره كا�س���م «اهلل» و«ال َّرحمن» و«اخلال���ق» و«ال َّرازق»‬ ‫ونحو ذلك‪.‬‬ ‫الفائ���دة ال َّتا�سع���ة ع�ش���ر‪ :‬وفيه ف�ضل احلل���م؛ لأنَّ اهلل تعاىل‬ ‫�أثنى على �إ�سماعيل‪ ،‬حيث و�صفه به‪ ،‬وجعل ذلك ب�شارة لإبراهيم‬ ‫ال�سالم‪.‬‬ ‫عليهما َّ‬ ‫الفائ���دة الع�ش���رون‪ :‬فيه بالغة الإيجاز‪ ،‬لقوله‪﴿ :‬ﯹ ﯺ ﯻ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫في رحاب القرآن‬

‫ﯼ﴾ لأنَّ الكالم فيه حذف‪ ،‬تقديره‪ :‬فوهبنا له الغالم ‪ ،‬فن�ش�أ تعاىل فقال �سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾‪.‬‬ ‫حتَّى بلغ مبلغ ا َّلذي ي�سعى فيه مع �أبيه يف �أمور دنياه‪.‬‬ ‫الفائدة ال َّتا�سعة والع�شرون‪ :‬وفيه داللة على �أنَّ الأمر للفور‪،‬‬ ‫الفائ���دة الواحدة الع�شرون‪ :‬في���ه ا�ستحباب م�صاحبة الولد وله���ذا ب���ادر �إبراهيم و�إ�سماعيل �إىل امتث���ال �أمر اهلل تعاىل‪ ،‬فلم‬ ‫ال�سعي والعمل‪.‬‬ ‫للوالد يف َّ‬ ‫يق�صرا يف البدار‪ ،‬ومل يرتاخيا يف االمتثال‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الفائ���دة ال َّثانية والع�ش���رون‪ :‬وفيه من �أدب �إبراهيم مع ابنه‬ ‫الفائ���دة ال َّثالث���ون‪ :‬وفي���ه �أنَّ الأمر بالأمر َّ‬ ‫بال�ش���يء �أم ٌر به‪،‬‬ ‫�إ�سماعيل‪ ،‬حيث خاطبه بالبن��� َّوة �إ�ضافة �إىل نف�سه ﴿ ﯾ﴾ على‬ ‫وذل���ك �أنّ اهلل تع���اىل �أم���ر �إبراهيم بذب���ح ابنه‪ ،‬و�أم���ره �أن ي�أم َر‬ ‫�سبي���ل ّ‬ ‫التعطف َّ‬ ‫وال�شفقة واحلنان‬ ‫ُّ‬ ‫والرتح���م؛ وفيه �أدب �إ�سماعيل اب َن���ه َّ‬ ‫���اب ب�أمرين‪� :‬أمر لإبراهيم‬ ‫بالطاعة واالمتثال‪ ،‬فتع َّ​ّلق اخلط ُ‬ ‫م���ع �أبي���ه �إبراهيم‪ ،‬حيث ن���اداه بو�ص���ف الأب َّوة �إ�ضاف���ة الأب �إىل‬ ‫بالتَّنفيذ‪ ،‬و�أمر لإ�سماعيل َّ‬ ‫بالطاعة‪ ،‬ويد ُّل عليه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ‬ ‫ي���اء املتك ِّل���م املع َّو����ض عنها التَّ���اء ﴿ﰊ﴾‪ ،‬على �سبي���ل التَّوقري‬ ‫ﭒ﴾‪� ،‬أي ا�ست�سلما وانقادا؛ �إبراهيم امتثل � ْأم َر اهلل‪ ،‬و�إ�سماعيل‬ ‫والترَّ قي���ق‪ .‬ويت�ض ّم���ن ه���ذا احلثَّ عل���ى ت����أ ُّدب الأباء م���ع الأبناء‬ ‫طاع���ة اهلل و�أبيه‪ ،‬و�أما قول �إبراهيم‪﴿ :‬ﰅﰆﰇﰈ﴾‪ ،‬ف� مَّإنا‬ ‫مبناداتهم بالبن َّوة‪ ،‬وت�أ ّدب الأبناء مع الآباء مبناداتهم بالأبوة‪.‬‬ ‫ال�صرب والعزم على طاعة اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫�شاوره ليخت َرب ما عنده من َّ‬ ‫الفائ���دة ال َّثالثة والع�شرون‪ :‬وفيه جواز من���اداة القريب على‬ ‫ولي�أن�س َّ‬ ‫بالذبح وينقاد للأمر به‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫�سبي���ل الت ُّ‬ ‫َّلط���ف والتَّوق�ي�ر‪ ،‬لقو ل���ه‪﴿ :‬ﯽ ﯾ﴾ ‪ ،‬وقو ل���ه‪:‬‬ ‫الفائ���دة الواح���دة ال َّثالث���ون‪ :‬وفي���ه عظ���م مق���ام �إ�سماعيل‬ ‫﴿ﰊ﴾ ‪.‬‬ ‫ال�سالم ملَّ���ا �شاوره يف‬ ‫ال�س�ل�ام‪ ،‬وذل���ك �أنَّ �إبراهي���م علي���ه َّ‬ ‫الفائ���دة الرابعة والع�ش���رون‪ :‬وفيه دليل على � ر�ؤيا الأنبياء علي���ه َّ‬ ‫أنّ‬ ‫َّ‬ ‫وال�صرب على‬ ‫الأم���ر‬ ‫ليخت�ب�ر ما عنده من العزم على طاع���ة اهلل‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وح���ي مع�صوم‪ ،‬قال عبيد بن عم�ي�ر‪« :‬ر�ؤيا الأنبياء وحي» ثم قر�أ‪:‬‬ ‫�أم���ره‪ ،‬وتهيئته لتنفيذ ما �أمر به‪ ،‬بادر �إىل الإذعان واالمتثال دون‬ ‫﴿ﯿﰀﰁﰂﰃﰄ﴾» رواه البخ���اري (‪ ,)138‬وق���د كان‬ ‫ا�ضطراب وال تر ُّدد‪ ،‬قائال‪﴿ :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ‬ ‫ال�صادقة يف ال َّنوم فكان ال يرى‬ ‫�أول م���ا بدئ به ر�سول ‪ Í‬ال ُّر�ؤيا َّ‬ ‫ﰓ ﰔ﴾‪.‬‬ ‫ال�صبح‪.‬‬ ‫ر�ؤيا �إ َّال جاءت مثل فلق ُّ‬ ‫الفائ���دة ال َّثانية وال َّثالث���ون‪ :‬وفيه تعليق الأمور مب�شيئة اهلل‪،‬‬ ‫�صحة التَّكليف‬ ‫الفائدة اخلام�سة والع�شرون‪ :‬وفيه دليل على َّ‬ ‫ِّ‬ ‫امل�شاق‪ ،‬وتقدميها يف كل قول‪.‬‬ ‫بامل�شاق‪ ،‬وال َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫�شك �أنّ الأمر بذبح ِف ْل َذ ِة الك ِب ِد من �أ�شدِّ �أنواع‬ ‫لك َّنه يف و�سع الإن�سان‪.‬‬ ‫الفائدة ال َّثالثة وال َّثالثون‪ :‬وفيه �إثبات امل�شيئة هلل تعاىل‪.‬‬ ‫ال�ساد�سة والع�شرون‪ :‬وفيه ا�ستحباب م�شورة الأبناء‬ ‫الفائ���دة َّ‬ ‫الفائ���دة ال َّرابع���ة وال َّثالثون‪ :‬وفيه احل���ثُّ على اللُّجوء �إىل‬ ‫من ذوي ال َّر�أي يف الأمور امله َّمة وال َّنوازل املدله َّمة‪.‬‬ ‫ال�صعب���ة و�س�ؤا ِل���ه ال َّثباتَ‬ ‫اهلل تع���اىل واال�ستعان��� ِة ب���ه يف الأمور َّ‬ ‫الفائدة َّ‬ ‫ال�ص ِرب‪.‬‬ ‫ال�سابعة والع�شرون‪ :‬وفيه دليل على �أنَّ ل�صيغة الأمر و�إفرا َغ َّ‬ ‫مع���اين �أخرى غري الوجوب‪ ،‬منها‪ :‬امل�ش���ورة لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﰅ‬ ‫الفائ���دة اخلام�س���ة وال َّثالث���ون‪ :‬وفيه من توا�ض���ع �إ�سماعيل‬ ‫ﰆ ﰇ ﴾‪� ،‬إ�ش���ارة �إىل م�شاورت���ه يف هذا الأم���ر‪ ،‬وهو قوله‪:‬‬ ‫‪ ،º‬حي���ث ق���ال‪﴿ :‬ﰏﰐﰑﰒﰓﰔ﴾‪ ،‬ومل يقل‪:‬‬ ‫﴿ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾‪.‬‬ ‫�صاب ًرا‪ ،‬وقد �صدق فيما وعد‪ ،‬ولهذا قال اهلل تعاىل يف �آية �أخرى‪:‬‬ ‫الفائ���دة ال َّثامن���ة والع�شرون‪ :‬وفيه داللة على �أنَّ �صيغة الأمر‬ ‫﴿ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾‪.‬‬ ‫للوج���وب‪ ،‬لقوله‪ ﴿ :‬ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ﴾ وه���و �أمر‪ ،‬وقول �إبراهيم‪ ﴿ :‬ﯿ‬ ‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾‪ ،‬و�إن كان���ت �صيغته �صيغ���ة اخلرب‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫يتبع‪...‬‬ ‫معناها الأمر �ض���رورة؛ ولهذا �أقبال على الفعل‪ ،‬وانقادا لأمر اهلل‬

‫‪9‬‬


‫في رحاب السنة‬

‫ف ونكارة قصة‬

‫بيان ضع‬

‫ذ " للنيب ‪Í‬‬ ‫سجود معا‬ ‫ف�ضيلة ال�شيخ الدكتور ربيع بن هادي املدخلي‬ ‫‪ ‬رئي�س ق�سم ال�سنة باجلامعة الإ�سالمية باملدينة النبوية �سابقا‬

‫ع���ن عبد اهلل بن �أب���ي �أوفى قال‪:‬‬ ‫ق���دم مع���اذ اليمن ـ �أو ق���ال‪َّ :‬‬ ‫ال�شام ــ‪،‬‬ ‫فر�أى ال َّن�ص���ارى ت�سجد لبطارقتها‬ ‫و�أ�ساقفتها‪َ ،‬ف َر َّو�أ يف نف�سه �أ َّن ر�سول‬ ‫اهلل ‪ُّ � Í‬‬ ‫أحق �أن ُي َع َّظم‪.‬‬ ‫فل َّم���ا ق���دم ق���ال‪ :‬ي���ا ر�س���ول اهلل!‬ ‫ر�أي���ت ال َّن�صارى ت�سج���د لبطارقتها‬ ‫و�أ�ساقفته���ا ف���ر َّو� ُأت يف نف�س���ي �أ َّن���ك‬ ‫أحق �أن ُت َّ‬ ‫� ُّ‬ ‫عظم‪.‬‬ ‫فق���ال‪َ « :‬ل��� ْو ُك ْن���تُ �آمِ ��� ًرا َ�أ َح���دًا �أَ ْن‬ ‫َي ْ�س ُج َد لأَ َحدٍ لأَ َم ْر ُت امل َ ْر�أَ َة �أَ ْن َت ْ�س ُج َد‬ ‫ِل َز ْوجِ هَا»‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫ي�صح �إ�سناده‬ ‫���ي ‪،Í‬مل َّ‬ ‫حدي���ث معاذ ‪ Ç‬يف �سجوده لل َّنب ِّ‬ ‫وال ي�ص ُّح معناه‪.‬‬

‫‪  ‬‬ ‫�أ َّم���ا م���ن جه���ة معن���اه؛ ف�إ َّنه مل يثبت �أ َّنه ذه���ب �إىل َّ‬ ‫ال�شام يف‬ ‫���ي ‪ ،Í‬و�إنمَّ���ا ال َّثابت ذهابه �إىل َّ‬ ‫���ام يف عهد عمر‬ ‫ال�ش ِّ‬ ‫حي���اة ال َّنب ِّ‬ ‫ابن اخلطاب ‪ Ç‬ومات َّ‬ ‫بالطاعون هناك‪ ،‬ويف احلديث‪« :‬حني‬ ‫بي‬ ‫رجوعه من اليمن» وهو مل يذهب �إىل اليمن �إ َّال يف �آخر حياة ال َّن ِّ‬ ‫���ي ‪ Í‬وهو باليمن‪ ،‬حي���ث مل يعد �إ َّال يف خالفة‬ ‫‪ ،Í‬وم���ات ال َّنب ُّ‬ ‫�أبي بكر ‪.Ç‬‬ ‫ال�صحابة وفقهائهم الكبار بعيد جدًّا �أن يكون‬ ‫َّثم هو من كبار َّ‬ ‫بهذه ال َّدرجة من اجلهل‪.‬‬ ‫ومن جهة املنت ففيه اختالف �سي�أتي بيانه‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪  ‬‬


‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫في رحاب السنة‬

‫و�أ َّما من جهة الإ�سناد؛ ففيه نكارة‪ ،‬ومداره على القا�سم ابن انظر‪« :‬العلل» البنه (‪ ،)253/2‬وكذلك �أع َّله ال َّدار قطني يف «علله»‬ ‫ال�شيباين؛ �ض َّعفه يحيى بن �سعيد َّ‬ ‫عوف َّ‬ ‫القطان و�شعبة‪ ،‬كما �أ�شار (‪ 37/6‬ـ ‪.)38‬‬ ‫�إىل ذل���ك َّ‬ ‫القط���ان‪ ،‬وقال �أبو حامت‪« :‬م�ضط���رب احلديث‪ ،‬وحملُّه‬ ‫و�أع َّل حديث �أبي ظبيان باالختالف يف �إ�سناده َّثم باالنقطاع؛‬ ‫بي لأنَّ �أب���ا ظبي���ان مل ي�سم���ع من مع���اذ‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫عن���دي ِّ‬ ‫ال�صدق»‪ ،‬وقال ال َّن�سائ���ي‪�« :‬ضعيف»‪ ،‬حديث معاذ ‪ Ç‬يف �سجوده لل َّن ِّ‬ ‫وذكره ابن ح َّب���ان يف «ال ِّثقات»‪ ،‬وقال َّ‬ ‫ي�صح معناه‪« .‬العلل» (‪ 93/6‬ـ ‪.)04‬‬ ‫الذهبي ‪ ،Í‬مل ي�ص َّح �إ�سناده وال ُّ‬ ‫و�أ َّما التَّ�صريح ب�أنَّ ً‬ ‫يف «الكا�ش���ف»‪« :‬خمتل���ف يف حال���ه»‪ ،‬وق���ال‬ ‫بي ‪،Í‬‬ ‫معاذا �سجد لل َّن ِّ‬ ‫احلافظ‪�« :‬صدوق يغرب»‪.‬‬ ‫فرواه ابن ماجة حديث (‪ ،)1853‬وابن ح َّبان يف «�صحيحه» حديث‬ ‫���ي (‪ )292/7‬م���ن طرق عن ح َّم���اد بن زيد عن‬ ‫انظ���ر ترجمت���ه يف «تهذي���ب التَّهذي���ب» (‪ 326/8‬ـ ‪ ،)4171( )327‬والبيهق ُّ‬ ‫للذهبي (‪ )376/3‬القا�س���م َّ‬ ‫و«الكام���ل» البن ع���دي (‪ ،)37/6‬و«املي���زان» َّ‬ ‫ال�شيباين عن عبد اهلل ب���ن �أبي �أوفى به‪ ،‬وفيه �سجد معاذ‬ ‫بي ‪ Í‬احلديث‪ ،‬فمدار هذه ُّ‬ ‫الطرق على القا�سم َّ‬ ‫و«الكا�شف» َّ‬ ‫للذهبي و«التَّقريب» للحافظ ابن حجر ‪.‬‬ ‫ال�شيباين‪.‬‬ ‫لل َّن ِّ‬ ‫وق���د روى هذا احلديث �أحمد (‪ )381/4‬من طريق �إ�سماعيل‬ ‫وذك���ر ال َّدار قطن���ي يف «علله» (‪ 37/6‬ـ ‪ )39‬ل���ه طر ًقا �أخرى‬ ‫منها ما �سبق‪.‬‬ ‫اب���ن عل َّية ع���ن �أ ُّيوب ع���ن القا�س���م بن عوف‬ ‫ال�شيباين عن عبد اهلل بن �أبي �أوفى قال‪ :‬قدم ف�إ َّن���ه مل يثبت �أ َّنه ذهب �إىل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�شا ِّم يف ومنها عنه عن زيد بن �أرقم عن معاذ‪.‬‬ ‫بي ‪ ،Í‬و� مَّإنا ال َّ‬ ‫َّ‬ ‫ذهابه‬ ‫ابت‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫حياة‬ ‫ِّ‬ ‫معاذ اليم���ن �أو قال َّ‬ ‫ومنها عنه عن عبد ال َّرحمن بن �أبي ليلى عن‬ ‫ال�شام‪ ،‬ف���ر�أى ال َّن�صارى‬ ‫�إىل َّ‬ ‫ال�ش���ام يف عهد عمر بن اخلطاب‬ ‫َ‬ ‫�أبيه عن معاذ‪.‬‬ ‫ت�سجد لبطارقته���ا و�أ�ساقفتها‪ ،‬ف َر َّو�أ يف نف�سه ‪ Ç‬وم���ات َّ‬ ‫بالطاع���ون هن���اك‪.‬‬ ‫�أنَّ ر�س���ول اهلل ‪� Í‬أح ُّق �أن ُي َع َّظم‪ ،‬فل َّما قدم‬ ‫ومنها عن عبد ال َّرحمن بن �أبي ليلى عن �أبيه‬ ‫قال‪ :‬ي���ا ر�سول اهلل! ر�أيت ال َّن�صارى ت�سجد لبطارقتها و�أ�ساقفتها عن ُ�صهيب عن معاذ‪.‬‬ ‫فر َّو�أتُ يف نف�سي �أ َّنك �أح ُّق �أن ت َّ‬ ‫ُعظم فقال‪َ « :‬ل ْو ُكنْتُ �آمِ ًرا �أَ َحدًا �أَ ْن‬ ‫َّثم قال‪« :‬واال�ضطراب فيه من القا�سم بن عوف»‪.‬‬ ‫َي ْ�س ُج َد لأَ َحدٍ لأَ َم ْر ُت امل َ ْر�أَ َة �أَ ْن َت ْ�س ُج َد ِل َز ْوجِ هَا»‪.‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫فهذا حال هذا احلديث املن�سوب �إىل معاذ فيه عدَّة علل‪:‬‬ ‫ورواه �أحم���د عن وكيع عن الأعم�ش ع���ن �أبي ظبيان عن معاذ‬ ‫اب���ن جبل �أنه مل���ا رجع من اليمن قال‪ :‬يا ر�س���ول اهلل! ر�أيت رجا ًال الأوىل‪� :‬ضعف القا�سم بن عوف َّ‬ ‫ال�شيباين‪.‬‬ ‫باليم���ن ي�سج���د بع�ضهم لبع�ض �أف�ل�ا ن�سجد لك؟ قال ‪َ « :‬ل��� ْو ُكنْتُ ال َّثانية‪ :‬ا�ضطرابه يف الأ�سانيد‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬االختالف يف املنت‪.‬‬ ‫�آمِ ��� ًرا َب َ�ش��� ًرا َي ْ�س ُج��� ُد ِل َب َ�ش��� ٍر َلأمَ��� ْر ُت املَ��� ْر�أَ َة �أَ ْن‬ ‫ون��ح��ن ن�ستبعد وق����وع م��ث��ل هذا‬ ‫الرابع���ة‪ :‬االنقطاع يف �إ�سناد �أبي ظبيان بينه‬ ‫َت ْ�س ُج َد ِل َز ْوجِ هَا»‪.‬‬ ‫����ي الفقيه‬ ‫م�����ن ه������ذا ال����� َّ����ص����ح����اب ِّ‬ ‫وبني معاذ‪.‬‬ ‫ورواه م���ن طري���ق ابن من�ي�ر‪� ،‬سمعت �أبا‬ ‫اجل��ل��ي��ل م���ع���اذ ب���ن ج��ب��ل ‪.Ç‬‬ ‫اخلام�س���ة‪ :‬االخت�ل�اف عليه‪ ،‬ونح���ن ن�ستبعد‬ ‫ظبي���ان يح���دِّ ث عن رج���ل م���ن الأن�صار عن‬ ‫حابيالفقيهاجلليلمعاذبنجبل‪.Ç‬‬ ‫وقوعمثلهذامنهذا َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬ ‫معاذ مبعناه‪«[ .‬امل�سند» (‪.])277/4‬‬ ‫�شرعي ف�ض ًال عن عقيدة‪.‬‬ ‫وما كان كذلك ال يبنى عليه حكم‬ ‫ٌّ‬ ‫فاحلدي���ث م���ن طري���ق القا�س���م و�أبي ظبي���ان لي����س فيه �أنَّ‬ ‫مع ً‬ ‫ال�سج���ود لل َّر�سول َّثم‬ ‫‪  ‬‬ ‫���ي ‪ Í‬و� مَّإنا فيه عر�ض ُّ‬ ‫���اذا �سجد لل َّنب ِّ‬ ‫ر َّد ال َّر�سول ذلك‪.‬‬ ‫�أ َّما حديث‪َ « :‬ل ْو ُك ْن���تُ �آمِ ًرا �أَ َحدًا َ�أ ْن َي ْ�س ُج َد َلأ َحدٍ ‪� »..‬إلخ‪ ،‬فهو‬ ‫ه���ذا م�ضمون ه���ذا احلديث من هذي���ن الوجه�ي�ن‪ ،‬ومع ذلك حدي���ث ثابت ـ �إن �شاء اهلل ـ مبجم���وع طرقه عن �أبي هريرة و�أن�س‬ ‫فاحلدي���ث من طري���ق القا�سم ق���د �أع َّل���ه �أبو ح���امت باال�ضطراب‪ ،‬وعائ�شة‪ .‬راجع «الإرواء» للعالمة الألباين (‪ 54/7‬ـ ‪.)55‬‬

‫‪11‬‬


‫التوحيد الخالص‬

‫األسباب املعينة عىل تقوية اإليامن بالقدر‬ ‫�أمني ال�سعدي‬

‫مرحلة الدكتوراه باجلامعة الإ�سالمية باملدينة النبوية‬

‫�إ َّن �أعظم ما على امل�سلم معرفته هو‪ :‬توحيد‬ ‫اهلل ‪ ،y‬وفهم عقيدته ا َّلتي يدين اهلل بها؛ وال‬ ‫�سبيل ملعرفة ذلك �إ َّال بكتاب اهلل ‪ ،y‬وما ثبت يف‬ ‫�س َّنة ر�سول اهلل ‪.Í‬‬ ‫ومن ذلك معرفة الأ�سباب املعينة على‬ ‫ال�س َّتة وهو‪ :‬الإميان‬ ‫تقوية �أحد �أركان الإميان ِّ‬ ‫بالقدر خريه و�شره؛ ملا ملعرفة هذه الأ�سباب من‬ ‫دور يف زيادة الإميان والقرب من ال َّرحمن ـ ج َّل‬ ‫جالله ـ‪ ،‬فحريٌّ بامل�سلم �أن يتف َّقد نف�سه‪ ،‬وينظ َر‬ ‫�إىل منزلة هذا ال ُّركن العظيم عنده؛ لي�سعى يف‬ ‫تقويته وتثبيته‪.‬‬

‫مما ال َّ‬ ‫�شك فيه �أنَّ الإميان بالقدر من �أ�صول العقيدة الإ�سالم َّية‬ ‫َّ‬ ‫ا َّلت���ي يجب عل���ى امل�سلم الإميان به���ا‪ ،‬وملا للإميان بذل���ك من �آثار‬ ‫ال�صالح‪ ،‬ومعرفة‬ ‫وا�ضحة على الفرد واملجتمع؛ كال َّدعوة �إىل العمل َّ‬ ‫العبد قدر نف�سه‪ ،‬و�أ َّنه �ضعيف فقري �إىل ر ِّبه ‪ ،y‬فال حول له وال ق َّوة‬ ‫�إ َّال باهلل‪ ،‬وك���ذا الق�ضاء على الأمرا����ض ِّ‬ ‫املتف�شية يف املجتمعات ملن‬ ‫حقَّ���ق هذا ال ُّركن العظيم‪ ،‬وهو كذلك م���ن �أ�سباب ا�ستقامة امل�سلم‬ ‫بال�صدع بال َّدعوة �إىل اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫خا�صت���ه ومعاملته مع الآخرين َّ‬ ‫يف َّ‬ ‫وهتك �سرت الكفَّار واملنافقني‪ ،‬وبيان �ضالل �أهل الأهواء وغري ذلك‪،‬‬ ‫ك ُّل ذلك وامل�سلم واثق بر ِّبه ‪ y‬معتمد عليه يف ن�صره وتوفيقه(‪.)1‬‬ ‫وباب القدر من الأبواب الكبرية ا َّلتي �ض َّل فيها �أقوام عن �سواء‬ ‫ال�سبيل؛ لأ�سباب كثرية يعرفها من َّ‬ ‫اطلع على كتب العقائد والفرق‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وم���ن تلك���م الأخطاء يف هذا الباب ما ذك���ره �شيخ الإ�سالم ابن‬ ‫تيمي���ة ‪ :‬حي���ث قال‪« :‬وكذلك م���ن غلط فرتك ال ُّدع���اء‪� ،‬أو ترك‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬ناظ ًرا �إىل‬ ‫اال�ستعان���ة والتَّو ُّكل‪ ,‬ظا ًّنا �أنَّ ذلك من مقامات‬ ‫َّ‬ ‫الق���در‪ ،‬فك ُّل ه�ؤالء جاهلون �ضا ُّل���ون‪ ،‬وي�شهد لهذا ما رواه م�سلم يف‬ ‫بي ‪� Í‬أ َّنه قال‪« :‬املُ�ؤْمِ ُن ال َقوِيُّ َخيرْ ٌ مِ َن املُ�ؤْمِ ِن‬ ‫«�صحيحه» عن ال َّن ِّ‬ ‫ال�ض ِعي���فِ ويف ٍّ‬ ‫َّ‬ ‫هلل َو َال‬ ‫ِ�ص َعلَى مَ���ا َي ْن َف ُع َك‪َ ،‬و ْا�س َتعِنْ بِا ِ‬ ‫كل َخ�ْي�ررْ ا ِْحر ْ‬ ‫���ك َ�ش ْي ٌء َف َ‬ ‫َت ْعجِ ���ز‪َ ،‬و�إِ ْن �أَ َ�صا َب َ‬ ‫ال َت ُق ْل‪َ :‬ل ْو �أَنيِّ َف َع ْلتُ َكا َن َك َذا و َك َذا لمَ ْ‬ ‫هلل َومَا َ�شا َء َف َع َل؛ َف�إِ َّن َل ْو َت ْف َت ُح َع َم َل‬ ‫ُي ِ�ص ْبنِي َك َذا‪َ ،‬و َلكِنْ ُق ْل‪َ :‬ق َد ُر ا ِ‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش ْي َطانِ »(‪.)2‬‬ ‫ف�أَ َم��� َره باحلر����ص على ما ينفع���ه‪ ،‬واال�ستعانة ب���اهلل‪ ،‬ونهاه عن‬ ‫العج���ز ا َّلذي هو اال ِّتكال عل���ى القدر‪َّ ،‬ثم �أم���ره �إذا �أ�صابه �شيء �أ َّال‬ ‫يي�أ����س على ما فاته‪ ،‬بل ينظر �إىل القدر‪ ,‬وي�س ِّلم الأمر هلل؛ ف�إ َّنه هنا‬ ‫ال يقدر على غري ذل���ك‪ ،‬كما قال بع�ض العقالء‪ :‬الأمور �أمران‪� :‬أمر‬ ‫(‪ )1‬انظر «و�سطية �أهل ال�سنة يف القدر» للدُّكتور عواد بن عبد اهلل املعتق (‪ 42‬ـ ‪.)45‬‬ ‫(‪�« )2‬صحيح م�سلم» (‪.)2664‬‬

‫‪12‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫التوحيد الخالص‬

‫ال�سم���وات والأر�ض بخم�سني �ألف‬ ‫في���ه حيلة‪ ،‬و�أم���ر ال حيلة فيه‪ ،‬فما فيه حيل���ة ال يعجز عنه‪ ،‬وما ال قد كت���ب املقادير قبل �أن يخلق َّ‬ ‫�سنة‪ ،‬وكان عر�شه على املاء كما ثبت ذلك يف «�صحيح م�سلم» من‬ ‫حيلة فيه ال يجزع منه»(‪.)3‬‬ ‫أهم َّية معرفة ه���ذا ال ُّركن من �أركان حـديث عبد اهلل بن عمرو ‪.)6(È‬‬ ‫فانظر �أ ُّيه���ا امل�سلم �إىل � ِّ‬ ‫الإمي���ان؛ و�أنَّ اجلهل مب�سائله �أ ّدى ب�أق���وام �إىل َّ‬ ‫والآيات يف هذا املعن���ى كثرية منها‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ‬ ‫ال�ضالل ـ والعياذ‬ ‫هلل ـ‪ ،‬ترك قوم الأ�سباب َّ‬ ‫ال�شرع َّية ا َّلتي �أمر اهلل بها‪ ،‬وز َّين لهم ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ب���ا ِ‬ ‫َّ‬ ‫خا�صة ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [\¸]‪ ،‬وق���ال‪﴿ :‬ﭞ ﭟ‬ ‫ال�شيط���ان �أنَّ ال َّنظ���ر �إىل الق���در يف هذا احلال ه���و مقام َّ‬ ‫ال َّنا����س‪ ،‬فال �سبيل لل َّنجاة بعد توفي���ق اهلل ـ ج َّل وعال ـ �إ َّال مبعرفة ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫وال�س َّنة على �أيدي العلماء ال َّرا�سخني‪ ،‬كما يقول ابن الق ّيم ﭰ﴾ [\¿]‪.‬‬ ‫الكتاب ُّ‬ ‫يق���ول َّ‬ ‫ال�شي���خ عب���د ال َّرحمن ب���ن �سع���دي ‪ :‬يف تف�سري �آية‬ ‫‪ :‬يف نون َّيته(‪:)4‬‬ ‫ال�سابق ذكرها‪« :‬هذا �شامل لعموم امل�صائب ا َّلتي ت�صيب‬ ‫ـان احلديد َّ‬ ‫واجلهـل داء ق ــاتل و�شـف ــا�ؤه �أمران يف الترَّ كيب متَّفقـ ـ ِ‬ ‫ـ�ص من القر�آن �أو من �س َّن ٍة وطـبي ُـب ذاك العامل ال َّر َّبان اخللق‪ ،‬من خري و�ش ٍّر‪ ،‬فكلُّها قد ُكتب يف ال َّلوح املحفوظ‪� ،‬صغريها‬ ‫ن ٌّ‬ ‫جل وع�ل�ا ـ‪ ،‬وعقل معانيه‪ ،‬وكذا فقه حديث وكبريه���ا‪ ،‬وهذا �أم���ر عظيم ال حتيط به العق���ول‪ ،‬بل تذهل عنده‬ ‫فتد ُّب���ر كتاب اهلل ـ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ر�س���ول اهلل ‪ Í‬من الأ�سباب املعينة على تقوية �إميان العبد وتعلُّقه �أفئ���دة �أويل الألب���اب‪ ،‬ولك َّنه عل���ى اهلل ي�سري‪ ،‬و�أخ�ب�ر اهلل عباده‬ ‫جل جالله ـ‪ ،‬كما ق���ال �سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬ﭲ بذل���ك لأج���ل �أن تتق َّرر ه���ذه القاع���دة عندهم‪ ،‬ويبن���وا عليها ما‬ ‫بفاط���ره ومالك���ه ـ َّ‬ ‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ﴾ [\‪� .]£‬أ�صابه���م من اخلري َّ‬ ‫وال�ش��� ِّر‪ ،‬فال ي�أ�سوا ويحزن���وا على ما فاتهم‪،‬‬ ‫مما طمحت له �أنف�سهم وت�ش َّوفوا �إليه‪ ،‬لعلمهم �أنَّ ذلك مكتوب يف‬ ‫َّ‬ ‫ال َّل���وح املحفوظ‪ ،‬ال ب َّد من نفوذه ووقوعه‪ ،‬فال �سبيل �إىل دفعه‪ ،‬وال‬ ‫بطر و�أ�ش���ر‪ ،‬لعلمهم �أ َّنهم ما �أدركوه‬ ‫فرح ٍ‬ ‫يفرح���وا مبا �آتاهم اهلل َ‬ ‫بحولهم وق َّوتهم‪ ،‬و�إنمَّ���ا �أدركوه بف�ضل اهلل وم ِّنه‪ ،‬في�شتغلوا ب�شكر‬ ‫م���ن �أوىل ال ِّنعم ودفع ال ِّنقم‪ ،‬وله���ذا قال‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬ ‫ﯶﯷ﴾‪� ،‬أي‪ :‬متك�ِّبرِرِّ ٍّ‬ ‫فظ غليظ‪ ،‬معج���ب بنف�سه‪ ،‬فخور بنعم‬ ‫اهلل‪ ،‬ين�سبه���ا �إىل نف�سه‪ ،‬وتطغيه وتلهيه كم���ا قال تبارك وتعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ﴾‬

‫[‪.)7(»]49 :¤‬‬ ‫ف����إذا فعل العب���د الأ�سباب متو ِّكال على ر ِّب���ه ـ َّ‬ ‫جل جالله ـ؛ َّثم‬ ‫يت�ضج���ر �أو يت� َّأ�سف؛ لأنَّ ذلك باب‬ ‫مل يق���ع م���ا �أراده و�سعى له فال َّ‬ ‫م���ن �أبواب َّ‬ ‫ال�شيطان يفتحها على العبد ليحزنه‪ ،‬وميلأ قلبه ندما‬ ‫وح�س���رة‪ ،‬و� َمَ​َّإنا عليه ال ِّر�ض���ا بق�ضاء اهلل وق���دره‪ ،‬و ِل َي ُق ْل ما �أمره‬ ‫هلل َومَ���ا َ�ش���ا َء َف َع��� َل»(‪)5‬؛ لأنَّ اهلل ـ ج َّل وعال ـ‬ ‫ب���ه نب ُّي���ه ‪َ « :Í‬ق َد ُر ا ِ‬ ‫(‪« )3‬جمموع الفتاوى» (‪ 284/8‬ـ ‪.)285‬‬ ‫(‪« )4‬الكافية ال�شافية يف االنت�صار للفرقة الناجية» امل�شهورة بنونية ابن القيم (‪.)189‬‬ ‫(‪ )5‬جزء من حديث يف «�صحيح م�سلم» تقدم تخريجه‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ومنه���ا‪ :‬معرفة امل�سلم حال احلي���اة ال ُّدنيا‪ ،‬و�أ َّنها ال قرار لها‪،‬‬ ‫و�أنَّ م�آلها �إىل الفناء؛ فال يتع َّلق قلبه �إ َّال بر ِّبه ـ �سبحانه ـ �سائال �إ َّياه‬ ‫�أن يرزقه احلياة الباقية؛ كما قال تعاىل‪﴿ :‬ﮡﮢﮣﮤﮥ‬ ‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ﴾ [\‪.]b‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫(‪�« )6‬صحيح م�سلم» (‪.)2653‬‬ ‫(‪« )7‬تي�سري الكرمي الرحمن يف تف�سري كالم املنان» (‪ )842‬ط‪/‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪13‬‬


‫التوحيد الخالص‬

‫ومنه���ا‪ :‬اليقني ب� َّ​ّأن الفرج م���ع الكرب؛ و�أنَّ العاقبة للم�ؤمنني‪،‬‬ ‫دائم���ا لتقوي���ة يقين���ه بر ِّبه تع���اىل‪ ،‬يقول اب���ن القي���م ‪« ::‬ف�إنَّ‬ ‫يق���ول اهلل ـ ج َّ‬ ‫���ل وع�ل�ا ـ‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‬ ‫ُّ‬ ‫ال�صدر‪ ،‬وا�سع البط���ان‪ ،‬مت�سع القلب‪ ،‬واجلبان‬ ‫ال�شج���اع من�شرح َّ‬ ‫[\‪ ]Ý‬فف���ي هذه الآية الكرمي���ة‪« :‬ب�شارة عظيم���ة‪� ،‬أ َّنه ك َّلما �أ�ضي���ق ال َّنا�س �ص���د ًرا‪ ،‬و�أح�صرهم قل ًبا‪ ،‬ال فرح���ة له وال �سرور‪،‬‬ ‫وج���د ع�سر و�صعوبة‪ ،‬ف�إنَّ الي�سر يقارن���ه وي�صاحبه‪ ،‬حتَّى لو دخل وال ل َّ‬ ‫���ذة له وال نعيم �إ َّال من جن�س ما للحيوان البهيمي‪ ،‬و�أ َّما �سرور‬ ‫ولذتها‪ ،‬ونعيمها‪ ،‬وابتهاجه���ا‪ ،‬فمح َّرم على ِّ‬ ‫�ضب لدخل علي���ه الي�سر‪ ،‬ف�أخرجه كما قال تعاىل‪ :‬ال��� ُّروح َّ‬ ‫الع�س��� ُر جح َر ٍّ‬ ‫جبان‪ ،‬كما‬ ‫كل ٍ‬ ‫﴿ﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒ﴾ [\‪ ...]À‬وتعريف «الع�سر» هو حم َّرم على ِّ‬ ‫غافل‬ ‫بخيل وعلى ُك ِّل ُم ِعر�ض عن اهلل �سبحانه‪ٍ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫القلب‬ ‫يف الآيت�ي�ن‪ ،‬يد ُّل على �أ َّنه واحد‪ ،‬وتنكري «الي�سر» يد ُّل على تكراره‪ ،‬عن ِذكره‪ٍ ،‬‬ ‫جاهل به وب�أ�سمائه تعاىل و�صفاته‪ ،‬و ِدينه‪ ،‬متع ِّلق ِ‬ ‫وال�سرور‪ ،‬ي�صري‬ ‫فلن يغل���ب ع�سر ي�سري���ن‪ ،‬ويف تعريفه بالألف ك�� َّل��م��ا وج����د ع�����س��ر و���ص��ع��وب��ة‪ ،‬ف�����إ َّن بغ�ي�ره‪ ,‬و�إنَّ هذا ال َّنعي���م ُّ‬ ‫ريا�ض���ا وج َّن���ة‪ ،‬وذل���ك ِّ‬ ‫ال�ضي���قُ‬ ‫وال�ل�ام‪ ،‬ال َّدالة على اال�ستغ���راق والعموم يد ُّل الي�سر يقارنه وي�صاحبه‪ ،‬ح َّتى لو يف الق�ب�ر ً‬ ‫���ب يف القرب عذا ًبا و�سج ًنا‪,‬‬ ‫�ضب لدخل عليه واحل�صر‪ ،‬ينقل ُ‬ ‫ال�صعوبة ما بلغ دخل الع�س ُر جح َر ٍّ‬ ‫على �أنَّ ك َّل ع�سر ـ و�إن بلغ من ُّ‬ ‫الي�سر‪ ،‬ف���أخ��رج��ه كما ق��ال تعاىل‪ :‬فح���ال العب���د يف الق�ب�ر كح���ال القل���ب يف‬ ‫ـ ف�إ َّنه يف �آخره التَّي�سري مالزم له»(‪. )8‬‬ ‫﴿ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ ال�صدر‪ ،‬نعي ًما وعذا ًب���ا و�سج ًنا وانطال ًقا‪،‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫وال عرب َة بان�ش���راح �صدر هذا لعار�ض‪ ،‬وال‬ ‫ِ�ض ت ُ‬ ‫ومنه���ا‪ :‬ا�شتغال امل�سلم مبا ينفع���ه يف دنياه و�أخراه واحلر�ص ب�ضي���ق �صد ِر ه���ذا لعار�ض‪ ،‬ف�إنَّ العوار َ‬ ‫���زول بزوال �أ�سبابها‪،‬‬ ‫ال�صفة ا َّلتي قام���ت بالقلب تُوج���ب ان�شراحه‬ ‫عل���ى ذلك مع ا�ستعانته مبواله ـ َّ‬ ‫جل يف عاله ـ‪ ،‬فقد �أمر اهلل تعاىل و�إنمَّ���ا املع��� َّو ُل عل���ى ِّ‬ ‫اال�س ِت َعا َن ُة وحب�سه‪ ،‬فهي امليزان واهلل امل�ستعان»(‪.)11‬‬ ‫ب ِ‬ ‫ـ«احل ْر����ص عل���ى امل َنا ِف ِع‪َ ،‬و َ�أم َر َم��� َع َذ ِل َك ِبال َّت َو ُّك ِل َوهُ ��� َو ْ‬ ‫فم���ن و ِّف���ق للأخ�ل�اق الفا�ضل���ة؛ َّ‬ ‫وال�سماح���ة‪،‬‬ ‫كال�شجاع���ة‪َّ ,‬‬ ‫ِباللهَّ ِ ‪َ ،‬ف َمنْ ا ْك َت َف���ى ِب�أَ َح ِد ِه َما َف َق ْد َع َ�صى �أَ َحدَ الأَ ْم َر ْي ِن‪َ ،‬و َن َهى َعن‬ ‫«وخ�صو�صا‬ ‫وال�ص�ب�ر ونحوها فقد �أوتي خريا كثريا؛ ف����إنَّ العباد‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ال َع ْج ِز ا َّل ِذي هُ َو ِ�ض ُّد ا ْل َك ْي ِ�س»(‪.)9‬‬ ‫يف �أوق���ات املحن والفنت َّ‬ ‫ال�شدي���دة؛ ف�إ َّنهم يحتاج���ون �إىل �صالح‬ ‫‪  ‬‬ ‫نفو�سهم‪ ،‬ودفع ال ُّذنوب عن نفو�سهم عند املقت�ضي للفتنة عندهم‪،‬‬ ‫ومنه���ا‪ :‬كرثة ذكر اهلل تعاىل‪ ،‬والتَّ�ض ُّرع واالفتقار يف ال ُّدعاء‪ ،‬ويحتاجون � ً‬ ‫أي�ضا �إىل �أمر غريهم ونهيه بح�سب قدرتهم‪ ،‬وك ٌّل من‬ ‫في�س����أل امل�سل���م ر َّب���ه �أن يج ِّنبه ال�س���وء‪ ،‬و�أن يحفظه م���ن ُّ‬ ‫ال�صعوبة ما فيه‪ ،‬و�إن كان ي�س ًريا على من‬ ‫ال�شرور هذين الأمرين فيه من ُّ‬ ‫ي�سره اهلل عليه»(‪.)12‬‬ ‫والآث���ام‪ ،‬ف�إن �أ�صابه �شيء فعلي���ه �أن ير�ضى مبا ق َّدره ر ُّبه وق�ضاه‪َّ ،‬‬ ‫���ي ‪ Í‬فق���د «كان ‪ Í‬يتع َّوذ م���ن �سوء‬ ‫‪  ‬‬ ‫ف����إنَّ ه���ذا هو هدي ال َّنب ِّ‬ ‫الق�ض���اء‪ ،‬وم���ن درك َّ‬ ‫ال�شق���اء‪ ،‬وم���ن �شماتة الأعداء‪ ،‬وم���ن َجهْدِ‬ ‫ومنها‪ :‬التَّو ُّكل على اهلل‪ :‬يقول اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬ ‫البالء»(‪.)10‬‬ ‫ﮫ ﮬ﴾ [‪.]À: 3‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫ومعنى ح�سبه‪� :‬أي كافيه‪ ،‬وح�سبك بكفاية اهلل لعبده؛ يقول‬ ‫ومنه���ا‪ :‬تقوي���ة ُخل���ق َّ‬ ‫ال�شجاعة لدى امل�ؤم���ن؛ فيظهر ذلك يف‬ ‫َّ‬ ‫ال�شي���خ عبد ال َّرحمن بن �سعدي ‪« ::‬متى اعتمد القـلب على‬ ‫ُّ‬ ‫مت�سك���ه بدينه‪ ،‬فال ي�ضعف فيميل م���ع الأهواء‪ ،‬بل عليه �أن ي�سعى اللـ���ه‪ ،‬وتو َّكـل عليه‪ ،‬ولـم ي�ست�سلـم للأوهام‪ ،‬وال َم َلكتْه اخليـاالت‬

‫(‪« )8‬تي�سري الكرمي الرحمن يف تف�سري كالم املنان» (‪.)929‬‬ ‫(‪« )9‬الفتاوى الكربى» البن تيمية (‪.)108/1‬‬ ‫(‪�« )10‬صحيح البخاري» (‪ )6616‬و«�صحيح م�سلم» (‪.)2707‬‬

‫‪14‬‬

‫(‪« )11‬زاد املعاد يف هدي خري العباد» البن القيم (‪.)26/2‬‬ ‫(‪« )12‬جمموع الفتاوى» (‪.)165/28‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ومنه���ا‪� :‬أن يتذ َّك���ر امل�سلم ق�ص�ص املر�سل�ي�ن و�أتباعهم؛ ف�إذا �أ�صابته م�صيبة ـ ال ق َّدر اهلل ـ فقد �أ�صيب مبثلها‬ ‫وال�صاحلون‪ ،‬ف�إنَّ مطالعة �سريهم و�أحواله���م العظيمة من �أ�سباب‬ ‫م���ن هو خ�ي�ر منه‪ :‬وهم الأنبياء واملر�سل���ون َّ‬ ‫تقوي���ة الإميان‪ ،‬وم�صداق ذلك م���ا ذكره اهلل يف كتابه الكرمي خماط ًب���ا نب َّيه ‪﴿ :Í‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ﴾ [\‪.]g‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫التوحيد الخالص‬

‫ال�س ِّيئ���ة‪ ،‬ووث���ق باهلل وطم���ع يف ف�ضله‪ ،‬اندفعت عن���ه بـذلك الهموم والغمـ���وم‪ ،‬وزالـت عنـه كثيـر مـ���ن الأ�سـقام البدن َّية‬ ‫َّ‬ ‫وال�سرور ما ال ميكن التَّعبري عنه‪...‬‬ ‫والقلب َّية‪ ،‬وح�صل للقلب من ال ُق َّوة واالن�شراح ُّ‬ ‫قوي القلب ال ت�ؤ ِّثر في���ه الأوهام‪ ،‬وال تزعجه احلوادث؛ لعلمه �أنَّ ذلك من �ضعف ال َّنف�س‪ ،‬ومن‬ ‫فاملتـ���و ِّكل عـلى اهلل ُّ‬ ‫اخلور واخلوف الذي ال حقيقة له‪ ،‬ويعلم مع ذلك �أنَّ اهلل قد تكفَّل ملن تو َّكل عليه بالكفاية التَّا َّمة؛ فيثق باهلل ويطمئنُّ‬ ‫فرحا‪ ،‬وخوفه �أم ًنا»(‪.)13‬‬ ‫لوعده‪ ،‬فيزول ه ُّمه وقلقه‪ ،‬ويتب َّدل ع�سره ي�س ًرا‪ ،‬وترحه ً‬

‫‪‬‬

‫ي�س���ر اهلل و�أعان‪ ،‬ومن ت�أ َّمل ظهر ل���ه الكثري من الأ�سباب‬ ‫ه���ذا م���ا �أردتُّ كتابته يف هذا املقام مبا َّ‬ ‫تي�سر مراع���اة لالخت�صار‪ ,‬و�إ َّال‬ ‫اجلليل���ة يف تقوي���ة الإميان بق���در اهلل ـ جل جالله ـ‪ ،‬و�إنمَّ���ا ذكرت ما َّ‬ ‫ف����إنَّ الإميان بالقدر �ش�أنه عظيم‪ ،‬وحتقيقه �سب���ب ل�سعادة العبد يف ال ُّدنيا والآخرة‪ ،‬يقول �إبراهيم‬ ‫احلربي ‪« ::‬من مل ي�ؤمن بالقدر مل يتهنَّ بعي�شه»(‪ ،)14‬ف�إن �أ�صبتُ فذلك من ف�ضل اهلل وم َّنته‪،‬‬ ‫و�إن �أخط����أت فم ِّني ومن َّ‬ ‫ال�شيطان‪ ،‬و�أ�ستغفر اهلل من ذلك‪ ،‬واهلل �أعلم‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم على‬ ‫نب ِّينا حم َّمد وعلى �آله و�صحبه ‪.‬‬

‫(‪« )13‬الو�سائل املفيدة للحياة ال�سعيدة» البن �سعدي (�ص‪.)26‬‬ ‫(‪« )14‬قطر الويل على حديث الو ِّ‬ ‫يل» َّ‬ ‫لل�شوكاين (‪.)369‬‬

‫يقول �إبراهيم احلربي ‪::‬‬ ‫«من مل ي�ؤمن بالقدر مل يتهنَّ بعي�شه»‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪15‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫نصوص عقدية‬

‫َّ‬ ‫لل�شيخ عبد احلميد بن بادي�س ـ رحمه اهلل ـ [ت ‪1359‬ﻫ]‬

‫يف الإميان باهلل‪ ،‬ومنهجه يف تقرير �أ�سماء اهلل و�صفاته‬

‫(‪)1‬‬

‫�شرح وتعليق‪:‬‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد علي فركو�س‬

‫�إنَّ الإمي���ان ب���اهلل تعاىل ومعرف َة �أ�سمائه احل�سنى و�صفاته ال ُعليا هو الأ�سا�س ا َّلذي ت ُبن���ى عليه احلياة ال ُّروح َّية‪ ،‬وحتيى به احلياة‬ ‫َّ‬ ‫الط ِّيبة‪ ،‬ويبعث باملرء على طلب معايل الأمور و�أ�شرافها‪ ،‬وين�أى به عن حم ِّقرات الأعمال و�سفا�سفها‪.‬‬ ‫وق���د ا�ستقى َّ‬ ‫ال�شيخ عبد احلميد بن بادي�س ‪ :‬مناب��� َع ا�ستدالله من امل�صدر القر�آين‪ ،‬واتَّخذ و�سيلته للك�شف عن حقيقة املعرفة‬ ‫باهلل تعاىل‪ ،‬وا َّلتي يرجع م�سلكها �إىل جهتني‪:‬‬ ‫الأوىل‪ :‬خماطب���ة العق���ل و�إيقاظه‪ ،‬وا�ستعمال وظيفت���ه يف ال َّت�أ ُّمل وال َّنظر والتَّفكري؛ ليدرك به �سنن الك���ون وحقائق الأ�شياء وعلل‬ ‫الوجود‪ ،‬ليتع َّرف العبد من خالل عقله املت� ِّأمل وتفكريه املع َّمق مظاهر وحدان َّيته وعظمته‪ ،‬و�أد َّلة ربوب َّيته وقد�س َّيته‪ ،‬وا�ستحقاقه الإخال�ص‬ ‫املطلق يف دينه وعبود َّيته‪.‬‬ ‫وال�صفات ا َّلتي تع َّرف اهلل به���ا �إىل خلقه‪ ،‬وا َّلتي حت ِّرك فيهم الوجدان وتفت���ح �أمامهم جما ًال وا�س ًعا‪،‬‬ ‫وال َّثاني���ة‪ :‬و�سيل���ة الأ�سم���اء ِّ‬ ‫للتَّع ُّرف على �صفات اجلمال واجلالل‪ ،‬وعلى �شمول علمه ونفوذ قدرته وتف ُّرده باخللق والإبداع‪ ،‬وا�ستحقاقه الألوه َّية املطلقة والعبود َّية‬ ‫اخلال�صة‪.‬‬ ‫ويتج َّلى من خالل َن َف�س َّ‬ ‫ال�صحيحة‬ ‫ال�شيخ ابن بادي�س ‪ :‬وعنايته بهذه اجلوانب العقد َّية لتعريف جمتمعه بعقيدتهم الإ�سالم َّية َّ‬ ‫وال�س َّنة‪ ،‬وا َّلتي عليها �أهل بالده َ�س َل ًفا قبل عدول بع�ض اخللف عن نه���ج الفطرة �إىل مدار�س عقد َّية خمتلفة‪ ،‬انت�شرت‬ ‫ال َّثابت���ة بالكت���اب ُّ‬ ‫ال�سيا�س َّية واحلروب عرب تاريخ اجلزائر‪ ،‬مزَّقت َّ‬ ‫وو�سعت اله َّوة بني الأُ َّمة الواحدة‪،‬‬ ‫عل���ى �إث���ر اخلالفات ِّ‬ ‫وال�صراعات ِّ‬ ‫ال�شمل والتَّالحم‪َّ ،‬‬ ‫كم���ا ظه���ر َن َف�س َّ‬ ‫ال�شي���خ ابن بادي�س ‪ :‬من جهة �أخرى يف �إعداد الع َّدة الإميان َّية ملواجهة ال َّت َّي���ارات الإحلاد َّية ا َّلتي كانت يف ع�صره �أو‬ ‫ممن ت�أ َّثروا ب�شبههم َّ‬ ‫ال�ضا َّلة املتواردة على وحدان َّية اهلل ووجوه كماله‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وق���د ر�أيت من املفيد �أن �أتناول عقي���دة الإميان باهلل ومنهج َّ‬ ‫وال�صفات من‬ ‫ال�شيخ عبد احلميد بن بادي�س ‪ :‬يف تقرير الأ�سماء ِّ‬ ‫خ�ل�ال كتابه «العقائ���د الإ�سالم َّية من الآي���ات القر�آن َّية والأحاديث ال َّنبو َّي���ة»‪ ،‬ف�أتع َّر�ض لهذا اجلانب العق���دي َّ‬ ‫بال�شرح والتَّعليق على‬ ‫إمتاما للفائدة العلم َّية وتعمي ًما للخري‪.‬‬ ‫بع�ض امل�سائل ا َّلتي تدعو احلاجة فيها �إىل البيان؛ � ً‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ن�ص امل�ص ِّنف ‪ :‬مقدَّم ٍّ‬ ‫ال�شرح والتَّعليق‪ ،‬ال َّلذين رمزت لهما بحريف‪�[ :‬ش‪ .‬ت] بعد ِّ‬ ‫بخط غليظ متم ِّيز عن َّ‬ ‫كل عبارة حتتاج �إىل بيان و�إي�ضاح �أو تعليق‪.‬‬ ‫(‪ )1‬تنبيه‪ُّ :‬‬

‫‪16‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫خلامِ ُ�س َوال َّث َ‬ ‫ال ُثو َن‪:‬هُ َوامل َ ْو ُجو ُدا َ‬ ‫«ا َ‬ ‫حل ُّق‬ ‫ِل َذا ِتهِ‪ ،‬ا َّلذِي َال َي ْق َب ُل ُو ُجو ُد ُه ال َع َد َم»‪.‬‬ ‫[����ش‪.‬ت]‪ :‬وامل���راد ب���ـ «املوج���ود احلقّ‬ ‫لذات���ه» هو‪ :‬واج���ب الوج���ود بنف�سه‪� ،‬أي‪:‬‬ ‫املوج���ود ا َّلذي مل ي�سبق وج���ودَه عد ٌم‪ ،‬ال‬ ‫خارج‪ ،‬وال لع َّل ٍة خارجة‪.‬‬ ‫من ٍ‬ ‫�سبب ٍ‬ ‫وعبارة «واجب الوجود لذاته» �أحدثها‬ ‫الفال�سفة واملتك ِّلم���ون‪ ،‬وهي ال تُعرف يف‬ ‫كالم َّ‬ ‫ال�سلف‪ ،‬لكن‬ ‫ال�ش���ارع‪ ،‬وال يف كالم َّ‬ ‫املعن���ى ثاب���تٌ يف كالم َّ‬ ‫ال�ش���ارع‪ ،‬وجمم ٌع‬ ‫علي���ه‪ ،‬وه���و قول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﯴ ﯵ‬ ‫ﯶ﴾ [¸‪ ،]3 :‬وقول���ه ‪�« :Í‬أَنْتَ‬ ‫الأَ َّو ُل َفلَ ْي� َ���س َق ْبلَ َ‬ ‫���ك َ�ش ْيءٌ‪َ ،‬و َ�أ ْن���تَ الآخِ ُر‬ ‫َفلَ ْي َ�س َب ْعد َ​َك َ�ش ْ���يءٌ»(‪ ،)2‬وملزيد بيان هذه‬ ‫نف�صل وجهها على ال َّنحو التَّايل‪:‬‬ ‫العبارة ِّ‬ ‫�أنَّ املوجود‪:‬‬ ‫ـ �إ َّما �أن يج���ب وجوده لذاته‪ ،‬وهو اهلل‬ ‫ـ‪� ‬سبحان���ه وتع���اىل ـ فه���و املوج���ود الأ َّول‬ ‫الأز ُّ‬ ‫الغني ع َّما �سواه‪.‬‬ ‫يل اخلال ُّق ُّ‬ ‫ـ و�إ َّم���ا �أن ميتن���ع وج���وده لذات���ه‪ ،‬وهو‬ ‫املح���ال املمتن���ع الوج���ود‪ ،‬كاجلم���ع ب�ي�ن‬ ‫كال�س���واد والبيا����ض يف حم ٍّ‬ ‫ِّ‬ ‫���ل‬ ‫ال�ض َّدي���ن َّ‬ ‫واح ٍ���د‪� ،‬أو ب�ي�ن ال َّنقي�ضني كك���ون َّ‬ ‫ال�شيء‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫معدوما موجودًا يف � ٍآن ٍ‬ ‫ً‬ ‫ـ و�إ َّم���ا �أن يك���ون لذاته جائ���ز الوجود‬ ‫والعدم‪ ،‬و ُي�س َّمى‪ :‬ممك ًنا‪ ،‬كالعامل و�سائر‬ ‫(‪�)2‬أخرجهم�سلم(‪)2713‬منحديث�أبيهريرة‪.Ç‬‬

‫و�إذا اتَّفق الواجب واملمكن يف م�س َّمى‬ ‫الوجود والعلم والق���درة‪ ،‬فهذا امل�شرتك‬ ‫���ي يوج���د يف الأذه���ان ال يف‬ ‫ُمطل���ق كل ٌّ‬ ‫خمت�ص ال‬ ‫الأعيان‪ ،‬واملوجود يف الأعيان‬ ‫ٌّ‬ ‫ا�شرتاك فيه‪ ،‬ويف تقرير هذا املعنى يقول‬ ‫ن�ص���ه‪« :‬و�أ َّما املعنى‬ ‫اب���ن تيم َّية ‪ :‬م���ا ُّ‬ ‫الكلي الع���ا ُّم امل�شرتك فيه‪ ,‬ف���ذاك ـ كما‬ ‫ُّ‬ ‫ذكرنا ـ ال يوج���د كل ًّيا �إ َّال يف ِّ‬ ‫الذهن‪ ،‬و�إذا‬ ‫كان املتَّ�صف���ان به بينهما نو ٌع من موافقة‬ ‫وم�شاركة وم�شابهة من هذا الوجه فذاك‬ ‫ال حمذور في���ه‪ ،‬ف�إ َّنه ما يلزم ذلك القدر‬ ‫امل�شرتك من وجوب وج���واز وامتناع ف�إنَّ‬ ‫اهلل ُمتَّ�ص���ف به‪ ،‬فاملوج���ود من حيث هو‬ ‫���ي‪ ،‬مهما قيل‪:‬‬ ‫موج���ود �أو العلي���م �أو احل ُّ‬ ‫�إ َّن���ه يلزمه من وج���وب وامتن���اع وجواز؛‬ ‫فاهلل مو�صوف به‪ ،‬بخالف وجود املخلوق‬ ‫وحيات���ه وعلم���ه‪ ،‬ف����إنَّ اهلل ال يو�صف مبا‬ ‫يخت����ص ب���ه املخل���وق من وج���وب وجواز‬ ‫ُّ‬

‫بحوث ودراسات‬

‫يقول َّ‬ ‫ال�شيخ عبد احلميد بن بادي�س‬ ‫‪ :‬يف الإمي���ان باهلل ـ �سبحانه وتعاىل ـ‬ ‫ن�صه‪:‬‬ ‫ما ُّ‬

‫�أجزائه‪ ،‬وغري الواجب بنف�سه وهو املمكن‬ ‫اجلائ���ز ال يك���ون �إ َّال بالواج���ب بنف�س���ه‪،‬‬ ‫فاملخل���وق ال يكون �إ َّال بخال���ق‪ ،‬والفقري ال‬ ‫يك���ون �إ َّال بغن���ي عنه‪َّ ،‬‬ ‫فال�ش���يء ـ �إذن ـ �إن‬ ‫���ب م�ؤ ِّث���ر فيه‬ ‫افتق���ر يف وج���وده �إىل �سب ٍ‬ ‫خارج عن ذات���ه فهو املمكن اجلائز‪ ،‬و�إن‬ ‫مل يفتقر فهو الواجب وهو موجود لذاته‪،‬‬ ‫�أي‪ :‬دائم البقاء ما دامت ذاته موجودة‪،‬‬ ‫بخالف م���ا ع َّلة وج���وده �أمر خ���ارج عن‬ ‫ذاته؛ ف�إ َّنه يزول بزوال ع َّلته‪.‬‬ ‫يخت�ص‬ ‫ال�ساب���ق � مَّإنا‬ ‫ُّ‬ ‫وه���ذا التَّق�سيم َّ‬ ‫بالواج���ب والـممك���ن؛ لأنَّ الـممتن���ع ال‬ ‫وجود له‪.‬‬

‫وا�ستحال���ة‪ ،‬كم���ا �أنَّ املخل���وق ال يو�ص���ف‬ ‫يخت����ص به ال َّر ُّب م���ن وجوب وجواز‬ ‫مبا‬ ‫ُّ‬ ‫وا�ستحالة»(‪.)3‬‬ ‫وقال ابن �أبي العزِّ احلنفي ‪« ::‬فلو‬ ‫متاث�ل�ا لل���زم �أن يك���ون ك ٌّل منهما واجب‬ ‫الق���دم لي����س بواج���ب الق���دم‪ ،‬موج���ودًا‬ ‫بنف�س���ه غري موجود بنف�س���ه‪ ،‬خال ًقا لي�س‬ ‫بخالق‪ ،‬غن ًّي���ا غري غني‪ ،‬فيل���زم اجتماع‬ ‫ِّ‬ ‫ال�ض َّدين على تقدي���ر متاثلهما‪ ،‬فعلم �أنَّ‬ ‫نتف ب�صري���ح العقل‪ ،‬كما هو‬ ‫متاثلهم���ا ُم ٍ‬ ‫منتف بن�صو�ص َّ‬ ‫ال�شرع»(‪.)4‬‬ ‫ٍ‬ ‫قل���ت‪ :‬ومن ه���ذه ال ُّن�صو����ص ال َّنافية‬ ‫للتَّمثي���ل والتَّ�شبي���ه قوله تع���اىل‪﴿ :‬ﭡ‬ ‫ﭢ ﭣ﴾ [\§]‪ ،‬وقول���ه‬ ‫تع���اىل‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭣ﴾ [\‪ ،]ï‬وقول���ه تع���اىل‪:‬‬ ‫﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [\^]‪،‬‬ ‫وقوله تع���اىل‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾‬ ‫[\‪ ،]o‬و�سي�أت���ي ذل���ك م���ن كالم‬ ‫امل�ص ِّنف‪.‬‬ ‫مي ا َّلذِي َال بدَا َي َة ِل ُو ُجو ِدهِ»‪.‬‬ ‫« َف ُه َو ال َقدِ ُ‬ ‫[�ش‪.‬ت]‪ :‬يالحظ �أنَّ امل�ص ِّنف مل يورد‬ ‫لف���ظ «القدمي» على �أ َّنه ا�س���م ِمنْ �أ�سماء‬ ‫اهلل تعاىل‪ ،‬و�إنمَّ���ا ذكره من باب اخلرب‪،‬‬ ‫مبعنى �أ َّنه متقدِّ م على ِّ‬ ‫كل ما �سواه‪ ،‬وباب‬ ‫ال�صفات التَّوقيف َّية‬ ‫الإخبار �أو�سع من باب ِّ‬ ‫ـ كم���ا �أفاد ذل���ك ابن الق ِّي���م ‪ :‬ـ حيث‬ ‫ق���ال‪�« :‬إنَّ ما يدخل يف ب���اب الإخبار عنه‬ ‫مما يدخ���ل يف باب �أ�سمائه‬ ‫تع���اىل �أو�سع َّ‬ ‫ال�س َّنة النبوية» (‪.)31/8‬‬ ‫(‪« )3‬منهاج ُّ‬ ‫(‪�« )4‬شرح العقيدة َّ‬ ‫الطحاوية» (‪.)103‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪17‬‬


‫بحوث ودراسات‬ ‫‪18‬‬

‫و�صفاته َّ‬ ‫كال�شيء واملوجود والقائم بنف�سه؛‬ ‫�ب�ر به عنه وال يدخ���ل يف �أ�سمائه‬ ‫ف�إ َّنه ُيخْ ُ‬ ‫احل�سنى و�صفاته العلى»(‪.)5‬‬ ‫قل���ت‪ :‬ويجوز الإخب���ار بهذه الألفاظ‬ ‫عن���ه وال تدخ���ل يف �أ�سمائ���ه احل�سن���ى‬ ‫و�صفاته العلى‪ ،‬ولك���ن ي�شرتط يف ال َّلفظ‬ ‫�أن ال يكون معن���اه �س ِّي ًئا‪ ،‬ومن �أمثلة ذلك‬ ‫لف���ظ‪« :‬ال َّ‬ ‫���ذات»‪ ،‬ولف���ظ «بائ���ن» فه���ذه‬ ‫معان �صحيحة د َّلت عليها‬ ‫الألفاظ حتمل ٍ‬ ‫ال ُّن�صو�ص‪ ،‬وهذا ال َّنوع من الألفاظ يجيز‬ ‫ال�س َّن���ة ا�ستعمالها كقولهم‪�« :‬إنَّ اهلل‬ ‫�أهل ُّ‬ ‫ا�ست���وى عل���ى العر�ش بذات���ه»‪� ،‬أو قولهم‪:‬‬ ‫«�إنَّ اهلل ع���ال عل���ى خلقه بائ���ن منهم»‪،‬‬ ‫فلفظ���ة «بذات���ه» مراد به���ا �أنَّ اهلل م�ست ٍو‬ ‫على العر�ش حقيق��� ًة‪ ،‬و�أنَّ اال�ستواء �صفة‬ ‫له‪ ،‬ولفظ���ة «بائن» يراد به���ا �إثبات العل ِّو‬ ‫حقيقة‪ ،‬وال َّر ّد على َز ْعم من قال‪� :‬إنَّ اهلل‬ ‫يف ِّ‬ ‫كل مكان بذاته‪.‬‬ ‫و�أ َّم���ا من جه���ة التَّ�سمي���ة فـ«القدمي»‬ ‫ن�ص من َّ‬ ‫�صحته‪،‬‬ ‫مل ي���رد به ٌّ‬ ‫ال�ش���رع على َّ‬ ‫لذل���ك ال ينبغ���ي ع��� ُّده يف �أ�سم���اء اهلل‬ ‫احل�سن���ى لع���دم ثبوت���ه من جه���ة ال َّنقل‪،‬‬ ‫ويغن���ي عنه ا�سمه �سبحان���ه‪« :‬الأ َّول» كما‬ ‫تق َّدم من الآية واحلديث‪.‬‬ ‫قال ابن �أبي الع���زِّ ‪« ::‬وقد �أدخل‬ ‫املتك ِّلمون يف �أ�سماء اهلل تعاىل «القدمي»‪،‬‬ ‫ولي����س ه���و من الأ�سم���اء احل�سن���ى‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫«الق���دمي» يف لغ���ة الع���رب ا َّلتي ن���زل بها‬ ‫القر�آن ه���و‪ :‬املتقدِّ م على غ�ي�ره‪ ،‬ف ُيقال‪:‬‬ ‫مي للعتيق‪ ،‬وهذا حديث للجديد‪،‬‬ ‫ه���ذا قد ٌ‬ ‫ومل ي�ستعمل���وا هذا اال�س���م �إ َّال يف املتقدِّ م‬ ‫عل���ى غريه‪ ،‬ال فيم���ا مل ي�سبقه عدم‪ ،‬كما‬

‫[�ش‪.‬ت]‪ :‬ففيما ذكره امل�ص ِّنف يف هذا‬ ‫اجلانب من عقي���دة الإميان باهلل تقرير‬ ‫ِال ْ�س َم ِي اهلل تعاىل‪:‬‬

‫(‪« )5‬بدائع الفوائد» (‪.)161‬‬

‫(‪�« )6‬شرح العقيدة الطحاوية» (‪ 114‬ـ ‪.)115‬‬

‫﴿ﯯﯰﯱﯲ‬

‫ق���ال تع���اىل‪:‬‬ ‫ﯳ﴾ [\¡]‪ ،‬و«العرج���ون الق���دمي»‪:‬‬ ‫ا َّل���ذي يبق���ى �إىل ح�ي�ن وج���ود العرجون‬ ‫ال َّث���اين‪ ،‬ف�إذا ُوجد اجلدي���د‪ ،‬قيل للأ َّول‪:‬‬ ‫قدمي‪ ,...‬و�أ َّما �إدخال «القدمي» يف �أ�سماء‬ ‫اهلل تع���اىل فهو م�شه���ور عند �أك�ث�ر �أهل‬ ‫ال�سلف‬ ‫الكالم‪ ،‬وق���د �أنكر ذلك كثري من َّ‬ ‫واخللف‪ ،‬منهم‪ :‬ابن حزم‪.‬‬ ‫وال ريب �أ َّنه �إذا كان م�ستعم ًال يف نف�س‬ ‫التَّق ُّدم‪ ,‬ف�إنَّ ما تق َّدم على احلوادث ُك ِّلها‬ ‫فهو �أح��� ُّق بالتَّق ُّدم من غريه‪ ،‬لكن �أ�سماء‬ ‫اهلل تع���اىل ه���ي الأ�سماء احل�سن���ى ا َّلتي‬ ‫تد ُّل على خ�صو�ص ما يمُ دح به‪ ،‬والتَّق ُّدم‬ ‫يخت�ص بالتَّق ُّدم على‬ ‫ـ يف اللُّغ���ة ـ مطلق ال‬ ‫ُّ‬ ‫احل���وادث ك ِّله���ا‪ ،‬فال يكون م���ن الأ�سماء‬ ‫احل�سن���ى‪ ،‬وج���اء َّ‬ ‫ال�شرع با�سم���ه «الأ َّول»‬ ‫وه���و �أح�س���ن من «الق���دمي»؛ لأ َّن���ه ُي�شعر‬ ‫ب�أنَّ ما بعده �آي���ل �إليه‪ ،‬وتابع له‪ ،‬بخالف‬ ‫«القدمي» واهلل تعاىل له الأ�سماء احل�سنى‬ ‫ال احل�سنة»(‪.)6‬‬ ‫قل���ت‪ :‬وامل�ص ِّن���ف ‪ :‬ق���د احت���اط‬ ‫يف عبارت���ه فق َّي���دَ [الق���دمي] ب�أ َّن���ه [ا َّلذي‬ ‫ال بداي���ة لوج���وده]‪ ،‬فل���و �أطلقها من غري‬ ‫�صحيحا �إ َّال‬ ‫تقييد مل يكن معناه���ا احل ُّق‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫بالزِّ يادة املذكورة‪.‬‬ ‫« َوهُ َو ال َباقِي ا َّلذِي َال ِنهَا َي َة ِل ُو ُجو ِدهِ»‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫ـ «الأ َّول» �أي‪ :‬ا َّل���ذي لي�س قبله �شيء‪،‬‬ ‫ال��� َّدا ُّل على �أ َّن���ه املبت ُ‬ ‫���دئ بالإح�سان من‬ ‫غ�ي�ر و�سيل ٍة م���ن العب���د‪� ،‬إذ ك ُّل ما �سواه‬ ‫ح ٌ‬ ‫���ي ف�ضل‬ ‫���ادث يجب عل���ى العبد �أن َي ِع َ‬ ‫اهلل عليه‪ ،‬ويلح���ظ نعمه ا َّلتي ال تحُ �صى‬ ‫�س���واء دين َّية كان���ت �أو دنيو َّي���ة؛ لأنَّ من‬ ‫اهلل الإع���داد ومن���ه الإم���داد‪ ،‬وف�ضل���ه‬ ‫�ساب���ق عل���ى الو�سائ���ل؛ ولأنَّ اهلل تعاىل‬ ‫ال�سبب وامل�س َّبب‪.‬‬ ‫خالق َّ‬ ‫ـ «ا لآخ���ر» �أي‪ :‬ا َّل���ذي لي����س بع���ده‬ ‫�ش���يء‪ ،‬ال��� َّدا ُّل عل���ى �أ َّن���ه ه���و الغا ي���ة‬ ‫ا َّلذي تق�صده جمي���ع املخلوقات بال ُّذ ِّل‬ ‫واحلاج���ة واالفتق���ار‪ ،‬وتف���زع �إلي���ه‬ ‫بت�ألهه���ا ورغبته���ا ورهبته���ا‪ ،‬وت�صم���د‬ ‫�إلي���ه يف جمي���ع مطالبه���ا‪ ،‬فيجب على‬ ‫العبد �أن ال يث���ق بالأ�سباب التي تنعدم‬ ‫ال حمالة‪ ،‬ويبقى ال َّدائم الباقي بعدها‬ ‫ال نهاية لوجوده‪.‬‬ ‫واال�سمان َي ُد َّالن على تف ُّرد اهلل تعاىل‬ ‫بالكم���ال املطل���ق والإحاط���ة املطلقة من‬ ‫حيث ال َّزم���ان فه���و «الأ َّول والآخر»‪ ،‬كما‬ ‫يد ُّل ا�سما َّ‬ ‫«الظاهر والباطن» على تف ُّرده‬ ‫به من حيث املكان‪.‬‬ ‫ِل َق ْولِ��� ِه َت َع���الىَ‬

‫‪﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬

‫ﯙ ﯚ﴾ [\‪.]j‬‬

‫[����ش‪.‬ت]‪ :‬واال�ستفهام يف الآية للتَّقريع‬ ‫والتَّوبي���خ والإنكار‪َّ ،‬‬ ‫والظاهر �أنَّ امل�ص ِّنف‬ ‫‪ :‬ا�ست َّ‬ ‫���دل بالآي���ة على معن���ى الوجود‬ ‫احل���قِّ لذات���ه ـ وه���و �أح���د مع���اين الآية ـ‬ ‫ويك���ون معناه���ا‪� :‬أيف وج���ود اهلل �ش ٌّ‬ ‫���ك؟!‬ ‫ال�سليم���ة �شاه���دة‬ ‫ذل���ك لأنَّ الفط���رة َّ‬


‫ومعل���و ٌم �أنَّ وجود ال��� َّر ِّب تعاىل �أظه ُر‬

‫﴿ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫ﯸ ﯹ﴾ [\¨]‪ ،‬ال��� َّد ّال عل���ى‬ ‫توحي���د الإله َّية ب�إف���راد اهلل بجميع �أنواع‬ ‫ال�سالكني» (‪.)59/1‬‬ ‫(‪« )7‬مدارج َّ‬ ‫(‪ )8‬انظر‪« :‬تف�سري ابن كثري» (‪ ،)524/2‬و«تف�سري‬ ‫ال�شوكاين» (‪.)97/3‬‬ ‫(‪ )9‬يف «تف�سريه» (‪.)346/9‬‬

‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾‬

‫[\‪.]£‬‬

‫َو ِل َق ْو ِل ِه َت َع���الىَ‬

‫‪﴿ :‬ﭣﭤﭥﭦ‬

‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬

‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ‬

‫بحوث ودراسات‬

‫بوج���وده وجمبول ٌة على الإق���رار به‪ ،‬غري‬ ‫�أ َّن���ه ق���د يق�ت�رن بالفطرة بع����ض حاالت‬ ‫وال�ش ِّ‬ ‫اال�ضطراب َّ‬ ‫���ك‪ ،‬الأمر ا َّلذي يحتاج‬ ‫�إىل نظ���ر يف ال َّدلي���ل املو�صل �إىل وجوده‪،‬‬ ‫ومن ُمه َّمة ال ُّر�س���ل �إر�شادهم �إىل طريق‬ ‫ال�سم���وات والأر�ض‬ ‫معرفت���ه ب�أ َّنه فاط���ر َّ‬ ‫ا َّلذي خلقهم���ا و�أن�ش�أهما وابتدعهما من‬ ‫العدم‪ ،‬فهي �شواهد دا َّل ٌة على عدم َّ‬ ‫ال�ش ِّك‬ ‫يف وجوده �سبحانه ووحدان َّيته‪.‬‬ ‫ق���ال اب���ن الق ِّي���م ‪« ::‬فالعارف���ون‬ ‫�أرب���اب الب�صائ���ر ي�ستد ُّل���ون ب���اهلل على‬ ‫�أفعال���ه و�صنع���ه‪� ،‬إذا ا�ست َّ‬ ‫���دل ال َّنا����س‬ ‫ب�صنع���ه و�أفعال���ه علي���ه‪ ،‬وال ري���ب �أ َّنهما‬ ‫طريق���ان �صحيح���ان‪ ،‬ك ٌّل منهم���ا ح���قٌّ‪،‬‬ ‫والقر�آن ُم�شتمِ ٌل عليهما‪.‬‬ ‫بال�صنعة فكثري‪ ،‬و�أ َّما‬ ‫ف�أ َّما اال�ستدالل ّ‬ ‫بال�صانع فله �ش�أن‪ ،‬وهو ا َّلذي‬ ‫اال�ست���دالل َّ‬ ‫�أ�ش���ارت �إلي���ه ال ُّر�س���ل بقوله���م لأُممَ ِ هم‪:‬‬ ‫﴿ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [\‪� ،]j‬أي‪:‬‬ ‫�أي�ش ُّ‬ ‫���ك يف اهلل حتَّى يطل���ب �إقامة ال َّدليل‬ ‫عل���ى وج���وده؟ و� ُّأي دلي���ل �أ�ص��� ُّح و�أظهر‬ ‫م���ن ه���ذا املدل���ول؟ فكيف ي�ست���د ُّل على‬ ‫الأظه���ر بالأخفى؟ َّثم ن َّبه���وا على ال َّدليل‬ ‫بقوله���م‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ﴾‬ ‫[\‪.]j‬‬ ‫تقي الدِّ ين ابن‬ ‫و�سمعت �شيخ الإ�سالم َّ‬ ‫تيمي���ة ـ ق َّد����س ُ‬ ‫روحه ـ يق���ول‪« :‬كيف‬ ‫اهلل َ‬ ‫ُيطل���ب ال َّدليل على َمن ه���و دلي ٌل على ُك ِّل‬ ‫�شيءٍ ؟ وكان كث ًريا ما يتم َّثل بهذا البيت‪:‬‬ ‫َو َل ْي َ�س َي ِ�ص ُّح يف الأَ ْذهَانِ َ�ش ْي ٌء‬ ‫�إِ َذا ْاح َتا َج ال َّنهَا ُر �إِلىَ َدلِيلِ‬

‫للعقول وال ِفطر من وجود ال َّنهار‪ ،‬ومن مل‬ ‫ير ذلك يف عقله وفطرته فلي َّتهِ ْم ُه َما»(‪.)7‬‬ ‫ه���ذا؛ والآي���ة حتتم���ل معن���ى الإله َّية‬ ‫وتوحي���د العب���ادة‪ ،‬ويك���ون معناه���ا‪� :‬أيف‬ ‫�إله َّيته وتف ُّرده بوج���وب العبادة له ٌّ‬ ‫�شك!!‬ ‫وهو املخ�ت�رع جلميع املوج���ودات واملبدع‬ ‫�سابق‪ ،‬ف����إنَّ �شواهد‬ ‫له���ا على غري مث ٍ‬ ‫���ال ٍ‬ ‫احل���دوث واخلل���ق والتَّ�سخ�ي�ر ظاه��� ٌر‬ ‫عليهم���ا‪ ،‬والإله َّي���ة م�ش���ا ٌر �إليه���ا بلف���ظ‬ ‫اجلالل���ة يف الآي���ة‪ ،‬وعلي���ه ف�ل�ا ي�ستح ُّق‬ ‫َ‬ ‫�شريك له‪ ،‬ذلك‬ ‫العب���اد َة �إ َّال هو وح���ده ال‬ ‫بال�صانع‪،‬‬ ‫لأنَّ غال���ب الأمم كانت ُم ِق��� َّرة َّ‬ ‫غ�ي�ره من الأولياء‬ ‫ولك���ن كانت تعبد معه َ‬ ‫والو�سائط(‪.)8‬‬ ‫وللآية معن���ى ثالث ذك���ره القرطبي‬ ‫‪ :‬بقول���ه‪« :‬ويحتم���ل وج ًه���ا ثال ًث���ا‪:‬‬ ‫�أيف ق���درة اهلل �ش ٌّ‬ ‫���ك؟ لأ َّنه���م متَّفق���ون‬ ‫عليه���ا وخمتلف���ون فيم���ا عداه���ا‪ ،‬ي���د ُّل‬ ‫علي���ه قول���ه‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ﴾‬ ‫خالقه���ا وخمرتعه���ا ومن�شئها وموجدها‬ ‫بع���د العدم‪ ،‬لين ِّبه عل���ى قدرته فال جتوز‬ ‫العبادة �إ َّال له»(‪.)9‬‬ ‫قل���ت‪ :‬واملعن���ى الأ َّول ا َّل���ذي ذك���ره‬ ‫امل�ص ِّن���ف �أقرب يف املجادلة و�أو�ضح عند‬ ‫املحاجج���ة؛ لأنَّ كث ًريا م���ا يرد يف القر�آن‬ ‫اال�ست���دالل بتوحيد ال ُّربوب َّي���ة ا َّلتي جبلت‬ ‫علي���ه فط���ر العق�ل�اء‪ ،‬كقول���ه تع���اىل‪:‬‬

‫العب���ادات‪ ،‬والإخال����ص ل���ه فيه���ا عل���ى‬ ‫وجه م���ا �شرع���ه اهلل على �أل�سن���ة ر�سله‪،‬‬ ‫و ُمعظ���م الآي���ات القر�آن َّية يف ه���ذا ال َّنوع‬ ‫م���ن التَّوحيد‪ ،‬وه���و حم ُّل دع���و ِة ال ُّر�سل‪،‬‬ ‫ومو�ض��� ُع معركتهم م���ع �أُممهم‪﴿ :‬ﭵ‬

‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬ ‫ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬ ‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬ ‫ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ‬ ‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬ ‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬ ‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ‬ ‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬

‫ﯚﯛ﴾ [\‪َ ،]i‬و ِل َق ْولِ��� ِه‬ ‫َت َعالىَ ‪﴿ :‬ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ‬ ‫ﰖﰗ﴾ [\‪َ ،]p‬و ِل َق ْو ِل ِه َت َعالىَ ‪:‬‬ ‫﴿ﯜﯝﯞﯟ﴾ [\[]‪.‬‬ ‫[����ش‪.‬ت]‪ :‬ق���ال اب���ن الق ِّي���م ‪::‬‬ ‫«ت�ض َّمن���ت الفاحتة �إثب���ات اخلالق تعاىل‬ ‫وال��� َّر َّد على من جح���ده ب�إثب���ات ربوب َّيته‬ ‫تع���اىل للعامل�ي�ن‪ ،‬وت�أ َّمل حال الع���امل ُك ِّله‬ ‫علو ِّي���ه و�سفل ِّي���ه بجمي���ع �أجزائ���ه جت���ده‬ ‫�شاه���دً ا ب�إثبات �صانع���ه وفاطره ومليكه‪،‬‬ ‫ف�إنكار �صانعه وجحده يف العقول والفطر‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪19‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫َمب ْن ِزل���ة �إن���كار العل���م وجح���ده‪ ،‬ال ف���رق‬ ‫بينهما‪ ،‬ب���ل داللة اخلالق عل���ى املخلوق‪،‬‬ ‫وال�صانع على �أحوال‬ ‫والف َّعال على الفعل‪َّ ،‬‬ ‫امل�صن���وع عند العق���ول الزَّك َّي���ة امل�شرقة‬ ‫ال�صحيح���ة �أظهر من‬ ‫العلو َّي���ة‪ ،‬والفطر َّ‬ ‫العك�س»(‪.)10‬‬

‫﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬

‫‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫ﭶ﴾ [|‪ ﴿ ،]4 :‬ﯬ ﯭ‬

‫ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬

‫﴿ﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬

‫َو َق ْولِ��� ِه َت َعالىَ‬

‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ‬

‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾‬

‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾‬

‫ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﴾‬

‫ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ‬

‫ﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬

‫[\‪َ ،]²‬و َق ْو ِل ِه َت َعالىَ‬

‫‪﴿ :‬ﯴﯵ‬

‫ﯽ ﯾ﴾ [\¸]‪.‬‬

‫[����ش‪.‬ت]‪ :‬ومعن���ى الآية‪� :‬أَ ُخل���ق ه�ؤالء‬ ‫امل�شرك���ون من غري خال���ق وال موجد‪� ،‬أم‬ ‫هم ا َّلذين خلقوا �أنف�سهم؟ و�إذا كان ك َال‬ ‫الأمري���ن باط ًال وم�ستحي ًال فتعينَّ �أنَّ اهلل‬ ‫تع���اىل هو ا َّل���ذي خلقهم‪ ،‬وه���و امل�ستح ُّق‬ ‫�شريك‬ ‫للعبادة وحده املتف ِّرد بها من غ ِري ٍ‬ ‫له وال نظ ٍري‪ ،‬وال ُت ْب َت َغى العبادة وال ت�صلح‬ ‫�إ َّال له �سبحانه‪.‬‬

‫(‪« )10‬مدارج ال�سالكني» (‪.)59/1‬‬

‫‪20‬‬

‫ال�ساد ُِ�س َوال�� َّث َ‬ ‫�لا ُث��و َن‪َ :‬وهُ �� َو امل َ ْو ُجو ُد‬ ‫َّ‬ ‫ا َّل��ذِ ي َ�س َب َق ُو ُج��و ُد ُه ُك َّل ُو ُج��ودٍ‪َ ،‬ف َكا َن‬ ‫َت��� َع���الىَ َو ْح����� َد ُه َو َال � َ���ش ْ���ي َء مَ��� َع���هُ‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫َخلَ َق مَا َ�شا َء مِ نْ خَ ْ‬ ‫م ُلو َقا ِتهِ‪ِ ،‬ل َق ْو ِل ِه‬ ‫َت���� َع����الىَ ‪﴿ :‬ﯴ ﯵ﴾ [¸‪،]3 :‬‬ ‫[\‪،]u‬‬

‫[‪ ﴿ ،]59 :u‬ﮠ ﮡ ﮢ‬

‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮰ‬ ‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬ ‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬ ‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ‬ ‫ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬ ‫ﯰﯱ ﭑﭒﭓ‬ ‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ‬ ‫ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [\¦]‪.‬‬ ‫[����ش‪.‬ت]‪ :‬تق��� َّدم م���ن كالم امل�ص ِّنف‪:‬‬ ‫«هو املوجود احل��� ُّق لذاته‪ ..‬القدمي ا َّلذي‬ ‫ال بداية لوجوده»‪ ،‬ف�أراد امل�ص ِّنف �أن ُيبينِّ‬ ‫�أنَّ ُك َّل م���ا �سوى اهلل �سبحانه فهو حمدَ ث‬ ‫خمل���و ٌق‪ ،‬كائن بعد �أن مل يك���ن‪ ،‬ووجوده‬ ‫ال يك���ون �إ َّال مبوج���ده اخلال���ق ا َّل���ذي مل‬ ‫ي�سبق���ه العدم‪ ،‬و�سبق وج���ودُه ُك َّل وجود‪،‬‬ ‫ف���كان ُ‬ ‫اهلل تع���اىل بجميع �صفات���ه العلى‬ ‫وح���ده وال �شيء قب َله وال مع���ه‪ُ ،‬ث َّم �أحدث‬ ‫املخلوق���ات بقدرته وعلم���ه و�أوجدها من‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫الع���دم‪ ،‬ذل���ك لأنَّ �صفات���ه ـ �سبحان���ه ـ‬ ‫لي�س���ت �شي ًئا غري املو�ص���وف يف اخلارج‪،‬‬ ‫و�أ َّم���ا �أفعاله ـ �سبحانه ـ فهي قدمي ُة ال َّنوع‬ ‫حادث���ة الآح���اد‪ ،‬فه���و املو�ص���وف بكون���ه‬ ‫خال ًق���ا قب���ل �أن ي�ص���در من���ه اخللق بال‬ ‫بداي���ة‪ ،‬واملو�صوف بكون���ه متك ِّل ًما قبل �أن‬ ‫ي�صدر منه ال���كالم‪ ،‬و� مَّإنا خل ُقه وكالمه‬ ‫ُمتجدِّ دان‪ ،‬ف�أ َّول َّية �صفاته �سبحانه ب�أول َّية‬ ‫ذاته قدمي ُة ال َّنوع‪ ،‬ومالزمة له يف املا�ضي‬ ‫وامل�ستقب���ل‪ ،‬فهو ب�صفاته �أب���دي ال نهاية‬ ‫ل���ه‪ ،‬ويد ُّل علي���ه قوله ‪ Í‬لأه���ل اليمن‪:‬‬ ‫« َكا َن ُ‬ ‫اهلل َولمَ ْ َي ُك���نْ َ�ش ْ���ي ٌء َق ْبلَ���هُ»(‪،)11‬‬ ‫وقول���ه‪�« :‬أَ ْن���تَ الأَ َّو ُل َفلَ ْي َ�س َق ْبلَ َ‬ ‫���ك َ�ش ْيءٌ‪،‬‬ ‫َو�أَنْتَ الآخِ ُر َفلَ ْي َ�س َب ْعد َ​َك َ�ش ْيءٌ»(‪.)12‬‬ ‫ه���ذا؛ وم���ن �سي���اق كالم امل�ص ِّن���ف‬ ‫ف����إنَّ �إثب���ات ربوب َّي���ة اهلل تع���اىل املح�ضة‬ ‫جلميع املخلوق���ات تقت�ضي مباينته لعامل‬ ‫املخلوق���ات بال َّ‬ ‫���ذات‪ ،‬واخلل���ق مباين���ون‬ ‫ل���ه‪ ،‬كما يقت�ضي عل ّوه عل���ى خلقه ومت ُّيزه‬ ‫وانف�صال���ه عنهم وعدم اختالطه بهم �أو‬ ‫حلوله فيهم وهو قول �سلف الأ َّمة و�أئ َّمتها‪،‬‬ ‫ق���ال ابن الق ِّيم ‪« ::‬فم���ن مل يثبت ر ًّبا‬ ‫مباي ًنا للعامل فما �أثبت ر ًّبا»(‪.)13‬‬ ‫ويرتتَّب على ه���ذا املعتقد �إبطال قول‬ ‫طوائ���ف ِّ‬ ‫املعطلة من اجلهمي���ة واملعتزلة‬ ‫وم���ن وافقه���م م���ن مت� ِّأخ���ري الأ�شاعرة‬ ‫واملاتريدي���ة ا َّلذي���ن ينك���رون املباين���ة‬ ‫باجله���ة‪ ،‬فبع�ضهم ينف���ي املباينة ويثبت‬ ‫املحايث���ة‪ ،‬فيقول���ون‪� :‬إ َّن���ه بذات���ه يف ِّ‬ ‫كل‬ ‫مكان‪ ،‬وبع�ضهم ينفي املباينة واملحايثة‪،‬‬ ‫(‪� )11‬أخرجه البخ���اري (‪ )7418‬من حديث عمران‬ ‫اب���نح�ص�ي�ن‪.Ç‬‬ ‫(‪ )12‬تقدَّم تخريجه قري ًبا‪.‬‬ ‫ال�سالكني» (‪.)61/1‬‬ ‫(‪« )13‬مدارج َّ‬


‫﴿ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ﴾‬

‫[\‪.]m‬‬

‫«ال�سا ِب ُع َوال َّث َ‬ ‫ال ُثو َن‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َ���ن ج َميِ��� ِع‬ ‫ِ���ي ِب َذاتِ��� ِه ع ِ‬ ‫َفهُ��� َو ال َغن ُّ‬ ‫���ي امل ُ ْف َتقِ��� َر ُة ُك ُّلهَ���ا ـ‬ ‫امل َ ْو ُج���ودَاتِ ‪َ ،‬وهِ َ‬ ‫ا ْب ِتدَا ًء َو َد ْو ًما ـ �إِ َل ْيهِ»‪.‬‬ ‫(‪« )14‬جام���ع الأ�صول والأولي���اء» للكم�شخاتلي (‪،)296‬‬ ‫وانظر‪« :‬ف�صو�ص احلكم» البن عربي‪،90 ،83( :‬‬ ‫‪ ،)92‬ق���ال ابن تيمية ‪ :‬يف «جمم���وع الفتاوى»‬ ‫(‪« :)82/2‬وله���ذا ي�صلون �إىل مق���ام ال يعتقدون‬ ‫فيه �إيج���اب الواجبات وحترمي املح َّرم���ات‪ ،‬و� مَّإنا‬ ‫ي���رون الإيج���اب والتَّحرمي للمحجوب�ي�ن عندهم‪،‬‬ ‫ا َّلذي���ن مل ي�شه���دوا �أ َّن���ه ه���و حقيقة الك���ون‪ ،‬ف َمن‬ ‫العابد؟ ومن املعبود؟ ومن الآمر؟ ومن امل�أمور؟»‪.‬‬

‫(‪« )15‬طريق الهجرتني» (‪.)10‬‬

‫بحوث ودرسات‬

‫ويقول���ون‪ :‬ال مباين وال حمايث‪ ،‬وال داخل‬ ‫العامل وال خارجه‪ ،‬وال فوقه وال حتته‪ ،‬وال‬ ‫ع���ن ميينه وال ع���ن ي�س���اره‪ ،‬وال خلفه وال‬ ‫�أمام���ه‪ ،‬وال فيه وال بائن عنه‪ ،‬وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ‬ ‫العقول ال تت�ص َّوره حتَّى ُت�صدِّ َق به‪.‬‬ ‫كما يرتتَّ���ب على هذا املعتق���د �إبطال‬ ‫زعم االحتاد َّية من �أهل الإحلاد والتَّعطيل‪،‬‬ ‫القائلني بوحدة الوجود‪ ،‬ا َّلذين يعتقدون‬ ‫�أ َّنه لي�س يف الوجود‪ :‬قدمي خالق‪ ،‬وحادث‬ ‫خملوق‪ ،‬و� مَّإنا وجود العامل هو عني وجود‬ ‫اهلل‪ ،‬وهو حقيقة وج���ود هذا العامل‪ ،‬فال‬ ‫تباي���ن بني اخلالق واملخل���وق‪ ،‬فال َّر ُّب هو‬ ‫نف����س العب���د وحقيقته‪ ،‬واملال���ك هو عني‬ ‫اململ���وك‪ ،‬وال َّراح���م ه���و ع�ي�ن املرحوم‪،‬‬ ‫والعابد ه���و نف�س املعبود‪ ،‬فالك ُّل من ع ٍني‬ ‫واح���د ٍة‪ ،‬بل هو العني الواح���دة‪ ،‬قال ابن‬ ‫عربي احلامتي‪:‬‬ ‫الـ َعـ ْب ـ ُد َر ٌّب‪َ ،‬والـ َّر ُّب عَـ ْبـ ٌد‬ ‫يَا َل ْيتَ �شِ ْعرِي‪،‬م َِنامل ُ َك َّل ُف؟‬ ‫�إِ ْن ُق ْلتَ ‪َ :‬ع ْبدٌ‪َ ،‬ف َذ َ‬ ‫اك َم ِّيتٌ‬ ‫َ َّ ُ (‪)14‬‬ ‫�أَ ْو ُق ْلتَ ‪َ :‬ر ٌّب‪� ،‬أَ َّنى ُيكلف؟‬

‫[�ش‪.‬ت]‪ :‬فاهلل �سبحانه وحدَ ه ا َّلذي له‬ ‫وجه ال يعرتيه‬ ‫ال ِغنى التَّام املطلق من ُك ِّل ٍ‬ ‫ْ����ص وال يلحق���ه عيب لكمال���ه �سبحانه‬ ‫َنق ٌ‬ ‫وكم���ال �صفات���ه‪ ،‬وغناه من ل���وازم ذاته‪،‬‬ ‫أمر �أوجب‬ ‫�إذ �أنَّ غناه ثابتٌ ل���ه لذاته ال ل ٍ‬ ‫غناه‪.‬‬ ‫واخللق فقري حمت���ا ٌج �إىل ر ِّبه َّ‬ ‫بالذات‬ ‫ال لع َّلة �أوجبت تلك احلاجة‪ ،‬و ُك ُّل ما يذكر‬ ‫من ِع َّل���ة احلاجة �سواء كان���ت «الإمكان»‬ ‫كما هو عند الفال�سفة �أو «احلدوث» كما‬ ‫هو عند املتك ِّلمني ف�إنَّ الإمكان واحلدوث‬ ‫واالحتي���اج � مَّإنا ه���ي �أد َّلة عل���ى احلاجة‬ ‫واالفتق���ار ال عل���ل له���ا وال �أ�سب���اب‪ ،‬قال‬ ‫ابن الق ِّي���م ‪« ::‬وفقر الع���امل �إىل اهلل‬ ‫ذاتي ال يع َّلل فهو فقري بذاته‬ ‫�سبحانه �أم ٌر ٌّ‬ ‫الغني بذاته‪َّ ،‬ثم ي�ستد ُّل ب�إمكانه‬ ‫�إىل ر ِّبه ِّ‬ ‫وحدوثه وغري ذلك م���ن الأد َّلة على هذا‬ ‫الفقر»(‪.)15‬‬ ‫ومن كم���ال غناه وملكه وع���دم نفاده‬ ‫�أنَّ اهلل تع���اىل مل ي َّتخ���ذ �صاحب ًة وال ولدً ا‬ ‫وال �شري��� ًكا يف املل���ك وال ول ًّيا م���ن ال ُّذ ِّل‪،‬‬ ‫وخزائن���ه �سبحان���ه ال تنف���د وال تنق����ص‬ ‫بالعطاء‪ ،‬ول���و �أعطى الأَ َّول�ي�ن والآخرين‬ ‫اجلنِّ والإن����س ما �س�أل���وه جمتمعني‬ ‫م���ن ِ‬ ‫واحد‬ ‫ك ّله���م يف م���كان واحد‪ ،‬ومت َّن���ى ك ُّل ٍ‬ ‫منه���م �أق�صى ما يتم َّن���اه‪ ،‬و�س�أل غاية ما‬ ‫يريده‪ ،‬وا�ستج���اب اهلل للجميع‪ ،‬ف�أعطى‬ ‫ك ًّال منهم ما �أراد و�س�أل وما بلغت �أمانيه‬ ‫ما نق�ص ذلك من مل���ك اهلل �شي ًئا‪ ،‬فعن‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫�أب���ي ذ ٍّر الغف���اري ‪ Ç‬عن ال َّن ِّ‬ ‫فيما يرويه عن ر ِّبه عز وجل �أ َّنه قال‪َ « :‬يا‬

‫عِ َب���ادِي ُك ُّل ُك��� ْم َجائِ��� ٌع �إِ َّال َم���نْ َ�أ ْط َع ْم ُت���هُ‪،‬‬ ‫ا�س َت ْط ِع ُم���ونيِ �أُ ْط ِع ْم ُك��� ْم‪َ ،‬ي���ا عِ َب���ادِي‬ ‫َف ْ‬ ‫ُك ُّل ُك ْم عَا ٍر ِ�إ َّال َم���نْ َك َ�س ْو ُت ُه َف ْ‬ ‫ا�س َت ْك ُ�سونيِ‬ ‫�أَ ْك ُ�س ُك ْم‪َ ..‬يا عِ َبادِي َل ْو َ�أ َّن َ�أ َّو َل ُك ْم َو�آخِ َر ُك ْم‬ ‫َو�إِ ْن َ�س ُك��� ْم َوجِ َّن ُك ْم َقامُوا يف َ�صعِيدٍ َواحِ دٍ‬ ‫َف َ�س َ�أ ُل���وين َف�أَ ْع َط ْيتُ ُك َّل ِ�إ ْن َ�سانٍ م َْ�س َ�أ َل َت ُه‬ ‫����ص َذل َ‬ ‫م���ا عِ ْن���دِ ي �إِ َّال َك َم���ا‬ ‫مَ���ا َن َق َ‬ ‫ِ���ك مِ َّ‬ ‫����ص امل ِْخ َي ُ‬ ‫���ط �إِ َذا �أُدْخِ ��� َل ال َب ْح َر»(‪،)16‬‬ ‫َي ْن ُق ُ‬ ‫وهذا التَّعبري يف اجلمل���ة الأخرية يراد‬ ‫ب���ه «التقريب �إىل الأفهام مبا �شاهدوه‪،‬‬ ‫ف�إنَّ البح���ر من �أعظم املرئ َّي���ات عيا ًنا‬ ‫و�أكربها‪ ،‬والإبرة من �أ�صغر املوجودات‪،‬‬ ‫مع �أ َّنه���ا �صقيلة ال يتع َّلق به���ا ماء»(‪،)17‬‬ ‫�إذا انغم�ست يف البحر‪ ،‬فكانت احلقيقة‬ ‫�أ َّن���ه ال ينق����ص من مل���ك اهلل تعاىل � ّأي‬ ‫�ش���يء‪ ،‬ويد ُّل علي���ه قول���ه ‪« :Í‬يمَ ِ ُ‬ ‫ني‬ ‫هلل َم�ل��أَى َال َيغ ُ‬ ‫ِي�ضهَ���ا َن َف َق��� ٌة‪�َ ،‬س َّح���ا ُء‬ ‫ا ِ‬ ‫ال َّل ْي َل َوال َّنهَا َر‪� ،‬أَ َر�أَ ْي ُت ْم مَا �أَ ْن َف َق ُم ْذ َخلَ َق‬ ‫ال�س َم���وَاتِ َوا َلأ ْر َ‬ ‫�ض‪َ ،‬ف ِ�إ َّن��� ُه لمَ ْ َيغ ْ‬ ‫ِ�ض مَا‬ ‫َّ‬ ‫يف يمَ ِي ِنهِ»(‪.)18‬‬ ‫وم���ن كمال غن���اه �أنَّ ملك���ه �سبحانه‬ ‫عل���ى غاية الكمال ال يزيد بطاعة جميع‬ ‫املخلوق�ي�ن ولو كانوا عل���ى �أكمل �صفات‬ ‫ال�ب�ر وال َّتق���وى وال ينق����ص مبع�صيتهم‬ ‫ِّ‬ ‫ول���و كان جمي���ع اخللق ع�ص���اة قلوبهم‬ ‫عل���ى �أفجر رجل منه���م؛ لأنَّ اهلل تعاىل‬ ‫الغني املطلق يف ذاته و�صفاته و�أفعاله‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َق���ا َل َت َع���الىَ ‪َ :‬ي���ا عِ َب���ادِي‪َ :‬ل��� ْو �أ َّن �أ َّو َل ُك ْم‬ ‫(‪� )16‬أخرج���ه م�سل���م (‪ )2577‬من حدي���ث �أبي ذر‬ ‫الغفاري ‪.Ç‬‬ ‫(‪�« )17‬شرح م�سلم» للنووي (‪.)133/16‬‬ ‫(‪� )18‬أخرجه البخ���اري (‪ ،)7419‬وم�سلم (‪)993‬‬ ‫من حديث �أبي هريرة ‪.Ç‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪21‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫َو�آخِ َر ُك��� ْم َو ِ�إ ْن َ�س ُك��� ْم َوجِ َّن ُك��� ْم َكا ُن���وا َعلَ���ى‬ ‫�أَ ْت َق���ى َق ْلبِ َر ُجلٍ َواحِ دٍ مِ ْن ُك ْم مَا َزا َد َذل َِك‬ ‫يف ُم ْلكِ���ي َ�ش ْي ًئ���ا‪َ ،‬يا عِ َب���ادِي َل��� ْو �أَ َّن �أَ َّو َل ُك ْم‬ ‫َو�آخِ َر ُك��� ْم َو ِ�إ ْن َ�س ُك��� ْم َوجِ َّن ُك��� ْم َكا ُن���وا َعلَ���ى‬ ‫�ص‬ ‫�أَ ْف َج��� ِر َق ْل���بِ َر ُجلٍ َواحِ دٍ مِ ْن ُك��� ْم مَا َن َق َ‬ ‫َذل َِك مِ نْ ُم ْلكِي َ�ش ْي ًئا»(‪.)19‬‬ ‫ومن كم���ال غن���اه وف�ضله وج���وده �أنَّ‬ ‫ال َّنا����س ك َّلهم عيال عن���د اهلل‪ ،‬وهو وحده‬ ‫���ي‪ ،‬وه���م مفتق���رون �إلي���ه يف جل���ب‬ ‫الغن ُّ‬ ‫م�صاحله���م‪ ،‬ودف���ع م�ضا ِّره���م يف �أم���ور‬ ‫دينه���م ودنياه���م‪ ،‬فه���و ا َّل���ذي ي�أمرهم‬ ‫بدعائ���ه ويعده���م ب�إجاب���ة دعائه���م‪،‬‬ ‫ويجزيه���م م���ن ف�ضل���ه‪ ،‬وي�سعفه���م م���ن‬ ‫رحمت���ه‪ ،‬وي�ؤتيهم ما �س�أل���وه وطمعوا فيه‬ ‫وم���ا مل ي�س�أل���وا عن���ه‪ ،‬فج���وده �سبحان���ه‬ ‫على خلقه غ�ي�ر منقطع‪ ،‬ونعمه متوا�صلة‬ ‫بال َّليل وال َّنهار‪ ،‬وخريه على اخللق مدرار‬ ‫ومتوا�ص���ل‪ ،‬وه���و مغن���ي �أه���ل اجل َّنة من‬ ‫ال َّنعي���م وال َّل َّ‬ ‫���ذات املتوا�صالت واخلريات‬ ‫املتتابع���ات‪ ،‬وه���و املغن���ي جلمي���ع خلق���ه‬ ‫غ ًن���ى عا ًّم���ا‪ ،‬واملغني خلوا����ص خلقه مبا‬ ‫�أفا����ض على قلوبهم من املعارف ال َّر َّبان َّية‬ ‫واحلقائق الإميانية‪.‬‬ ‫ه���ذا؛ واهلل �سبحان���ه �إذ ي�أم���ر عباده‬ ‫وينهاه���م ال لينتفع بطاعته���م وال ليدفع‬ ‫ّ‬ ‫ال�ض��� َّر مبع�صيته���م‪ ،‬ب���ل ال َّنف���ع يف ذلك‬ ‫الغني بذاته الغنى املطلق‪،‬‬ ‫ك ِّل���ه لهم‪ ،‬فهو ُّ‬ ‫وخلقه مفتقر �إليه الفق���ر َّ‬ ‫الذاتي‪ ،‬لذلك‬ ‫وج���ب �أن ت َّتج���ه �إلي���ه القل���وب والعق���ول‬ ‫والأب�صار والأ�سماع باخل�ضوع والعبود َّية‬ ‫احلقَّ���ة‪ ،‬فمنه ي�ستم ُّد الع���ون وبه التَّوفيق‬ ‫(‪ )19‬تق���دم تخريج���ه م���ن حدي���ث �أب���ي ذر الغف���اري‬ ‫‪.Ç‬‬

‫‪22‬‬

‫حتقي ًق���ا لقول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ﭥ ﭦ﴾ [\[]‪.‬‬ ‫ِل َق ْولِ��� ِه َت َع���الىَ ‪:‬‬

‫﴿ﮥﮦﮧ‬

‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ‬

‫ﮰ﴾ [\فاطر]‪.‬‬ ‫[����ش‪ .‬ت]‪ :‬ق���ال اب���ن الق ِّي���م ‪::‬‬ ‫«واملق�صود �أ َّنه �سبحانه �أخرب عن حقيقة‬ ‫العباد وذواتهم ب�أ َّنها فقرية �إليه �سبحانه‬ ‫كما �أخرب ع���ن ذاته املق َّد�س���ة‪ ،‬وحقيقته‬ ‫غني حميد‪.‬‬ ‫�أ َّنه ٌّ‬ ‫فالفق���ر املطل���ق م���ن ِّ‬ ‫كل وج���ه ثابتٌ‬ ‫لذواته���م وحقائقه���م م���ن حي���ث ه���ي‪،‬‬ ‫والغن���ى املطلق من ِّ‬ ‫كل وج ٍ���ه ثابتٌ لذاته‬ ‫تعاىل‪ ،‬وحقيقته من حيث هي‪ ،‬في�ستحيل‬ ‫فق�ي�را‪ ،‬وي�ستحيل �أن‬ ‫�أن يكون العب���د �إ َّال ً‬ ‫الرب �سبحان���ه �إ َّال غن ًّي���ا‪ ،‬كما �أ َّنه‬ ‫يك���ون ُّ‬ ‫ي�ستحي���ل �أن يكون العبد �إ َّال عب���دً ا ال َّر ُّب‬ ‫�إ َّال ر ًّبا»(‪.)20‬‬ ‫﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫ﯕ﴾‬

‫[\‪،]a‬‬

‫﴿ﯚ ﯛ‬

‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ‬

‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬ ‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬

‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾‬

‫[\‪﴿ ،]f‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬

‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾‬

‫[\‪.]b‬‬

‫(‪« )20‬طريق الهجرتني» (‪.)9‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫[�ش‪ .‬ت]‪ :‬وقد جاءت �آيات �أخرى يف‬ ‫غ�ير موا�ضع ا�ست�شهاد امل�ص ِّنف تربز‬ ‫ه��ذا املعنى م��ن غنى اهلل تعاىل وفقر‬ ‫ع��ب��اده وحاجتهم �إل��ي��ه‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ‬ ‫ﯸﯹﯺ ﴾‬

‫وقوله تعاىل‪:‬‬

‫[ ¬‪،]38 :‬‬

‫﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬

‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬

‫ﮇ﴾‬

‫[ \‪ ،]j‬و ق��و ل��ه تعاىل‪:‬‬

‫ﮭ﴾‬

‫[ \¿]‪ ،‬و ق��و ل��ه تعاىل‪:‬‬

‫﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬

‫﴿ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬

‫ﭹ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬

‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾‬

‫[\‪ ،]±‬وق���د ه���� َّدد اهلل تعاىل‬ ‫املق ِّلبني لهذه احلقيقة املعلومة من الدِّ ين‬ ‫َّ‬ ‫بال�ضرورة ا َّلذين �أعظموا الفرية على‬ ‫اهلل بقولهم‪� :‬إنَّ اهلل فقري ونحن �أغنياء‪،‬‬ ‫فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬

‫ﭧ ﭨ﴾ [\_]‪.‬‬


‫عبا�س ولد عمر‬ ‫�إمام خطيب ـ اجلزائر‬

‫���ي ‪� Í‬أ َّمت���ه مبا يك���ون بعده من‬ ‫�إنَّ �إخب���ار ال َّنب ِّ‬ ‫���م الأ َّم���ة لوقوعه���ا‪ ،‬وتنتظر‬ ‫الف�ت�ن‪ ،‬مل يك���ن لت�ست�سل َ‬ ‫نزولها؛ ولكن املق�ص���ود منه التَّحذير من مالب�ستها‪،‬‬ ‫والتَّخويف من التَّع ُّر����ض لها‪ ،‬واحلثُّ على جمانبتها‪،‬‬ ‫والتَّحري�ض على مدافعتها‪.‬‬ ‫ع���ن املقداد بن الأ�سود قال‪ :‬امي اهلل‪ ،‬لقد �سمعت‬ ‫ال�س ِعي��� َد لمَ َنْ ُج ِّن َب الف نَ َ‬ ‫ِت‪،‬‬ ‫ر�س���ول اهلل ‪ Í‬يقول‪�ِ « :‬إ َّن َّ‬ ‫ال�سعِي َد لمَ َ���نْ ُج ِّن َب‬ ‫ال�س ِعي��� َد لمَ َ���نْ ُج ِّن َ‬ ‫���ب ال ِف�َتَنَ َ ‪�ِ ،‬إ َّن َّ‬ ‫�إِ َّن َّ‬ ‫الف نَ َ‬ ‫ِت‪َ ،‬ولمَ َ ِن ا ْب ُتل َِي َف َ�صبرَ َ َف َواهًا»(‪.)1‬‬ ‫قول���ه ‪« :Í‬فواهً ���ا» كلمة له���ا ا�ستعماالت‪ ،‬منها‬ ‫الإعج���اب َّ‬ ‫بال�ش���يء واال�ستطاب���ة ل���ه‪ ،‬ك�أ َّنه ق���ال‪ :‬ما‬ ‫�أح�س���ن و�أطي���ب َ�ص�ْبمرْ َ َمنْ َ�ص�َبارَ ؛ فامل�ؤم���ن مطالب‬ ‫بال�سع���ي ملجانب���ة الفنت‪ ،‬لكن �إذا نزل���ت وكانت حت ًما‬ ‫َّ‬ ‫مق َّد ًرا‪ ،‬فما علي���ه �إ َّال �أن يجاهد وي�صرب حتَّى يرفعها‬ ‫اهلل �سبحانه‪.‬‬ ‫وقد ج���اءت ن�صو�ص الوحي دا َّل���ة على جملة من‬ ‫الأ�سباب‪ ،‬تقي ـ ب�إذن اهلل ـ من � َ‬ ‫أخذ بها من تلك الفنت‬ ‫�إذا نزلت؛ فمنها‪:‬‬ ‫(‪ )1‬رواه �أبو داود (‪« ،)4263‬ال�صحيحة» (‪.)975‬‬

‫مسائل منهجية‬

‫أسباب الوقاية من الفنت‬

‫‪ ‬دعاء اهلل‪ ،‬واال�ستعاذة به‪ ،‬وال َّت�ض ُّرع له‪ ،‬وانك�سار القلب بني يديه‪،‬‬ ‫رب�ؤ من احلول والق َّوة �إ َّال به‪:‬‬ ‫و�إظهار االفتقار �إليه‪ ،‬وال َّت ُّ‬ ‫ويك���ون ذل���ك ب�س����ؤال اهلل �سبحان���ه تثبيت القل���ب قبل ن���زول الفنت‪،‬‬ ‫واخلال����ص منه���ا وال َّنجاة من �ش ِّره���ا �إذا وقعت ع���ن � ِّأم �سلمة قالت‪ :‬كان‬ ‫�أك�ث�ر دعائ���ه ‪َ « :Í‬ي���ا ُم َق ِّل َب ال ُق ُل���وبِ ! َث ِّب���تْ َق ْل ِب���ي َعلَى دِين َ‬ ‫ِ���ك»‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫فقل���ت‪ :‬يا ر�س���ول اهلل! ما �أكرث دع���اءك‪ :‬يا مق ِّلب القل���وب ث ِّبت قلبي على‬ ‫دين���ك؟! قال‪َ « :‬ي���ا ُ�أ َّم َ�سلَ َم َة! �إِ َّن ُه َل ْي َ�س �آدَمِ ٌّ���ي �إِ َّال َو َق ْل ُب ُه َب�ْيصنْ َ �أُ ْ�ص ُب َعينْ ِ مِ نْ‬ ‫�أَ َ�صاب ِع اهللِ‪َ ،‬ف َمنْ َ�شا َء �أَ َقا َم‪َ ،‬و َمنْ َ�شا َء �أَ َزا َغ»(‪.)1‬‬ ‫ِت مَا َظ َه َر‬ ‫هلل مِ َن الف نَ ِ‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪َ « :‬ت َع َّو ُذوا با ِ‬ ‫وعن زيد بن ثابت �أنَّ ال َّن َّ‬ ‫مِ ْنهَا َومَا َب َط َن»‪ ،‬قالوا‪ :‬نعوذ باهلل من الفنت ما ظهر منها وما بطن(‪.)2‬‬ ‫ويف حديث اخت�صام امللأ الأعلى‪َ « :‬و�إِ َذا �أَ َرد َْت ب ِع َباد َِك ِف ْت َن ًة َفا ْق ْ‬ ‫ب�ضنِي‬ ‫�إِ َل ْي َك َغيرْ َ َم ْف ُتونٍ »(‪.)3‬‬ ‫‪  ‬‬

‫‪ ‬العمل بطاعة اهلل‪ ،‬والإقبال على عبادته‪ ،‬ومالزمة تقواه‪:‬‬ ‫فقد ثب���ت عن �أبي هريرة �أن النبي ‪ Í‬قال‪َ « :‬ب���ا ِد ُروا بالأَ ْع َمالِ ِف َت ًنا‬ ‫َكق َِط ِع ال َّل ْيلِ الـ ُم ْظل ِ​ِم»(‪)4‬؛ واملق�صود من احلديث اغتنام الأوقات‪ ،‬وامل�سابقة‬ ‫ال�صال���ح واخلريات‪ ،‬قب���ل نزول الفنت ا َّلتي ت�ص���رف عن ذلك؛‬ ‫�إىل العم���ل َّ‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)2091‬‬ ‫(‪ )1‬رواه �أحمد (‪ ،)26679‬والترِّ مذي (‪َّ ،)3522‬‬ ‫(‪ )2‬رواه م�سلم (‪.)2867‬‬ ‫(‪ )3‬رواه �أحمد (‪ ،)3484‬والترِّ مذي (‪ )3233‬عن ابن ع َّبا�س‪�« ،‬صحيح الترَّ غيب» (‪.)408‬‬ ‫(‪ )4‬رواه م�سلم (‪.)118‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪23‬‬


‫مسائل منهجية‬

‫وق���د رغب كذل���ك ‪ Í‬يف االنقط���اع �إىل‬ ‫العب���ادة زم���ن الفتنة فق���ال‪« :‬ال ِع َب���ا َد ُة يف‬ ‫الهَ��� ْر ِج َكه ِْج��� َر ٍة �إِ يَ َّ‬ ‫ل»(‪)5‬؛ ويف رواي ٍة للإمام‬ ‫�أحم���د (‪« :)20311‬ال ِع َب���ا َد ُة يف ال ِف ْت َن��� ِة‬ ‫َكاله ِْج��� َر ِة �إِ يَ َّ‬ ‫ل»؛ واله���رج‪ :‬القت���ل بتف�سري‬ ‫بي ‪ )6(Í‬وه���و من الفتنة كما جاء يف‬ ‫ال َّن ِّ‬ ‫ال ِّرواية ال َّثانية‪.‬‬ ‫واحلدي���ث ق���د َّ‬ ‫دل عل���ى الترَّ غيب يف‬ ‫العبادة زمن الفتن���ة‪ ،‬وعلى ف�ضل العبادة‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫وم�ضاعف���ة �أجرها فيه���ا؛ لأنَّ ال َّن َّ‬ ‫جعلها كالهجرة �إليه‪ ،‬و�سبب ذلك �أنَّ ال َّنا�س‬ ‫يف زمن الفتنة ي�شتغلون بها‪ ،‬ويغفلون عن‬ ‫العبادة‪ ،‬فال ينتبه لها �إ َّال القليل‪.‬‬ ‫ويف حديث الو ِّ‬ ‫يل‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫« َم���نْ عَ���ادَى يِل َو ِل ًّي���ا َف َق��� ْد �آ َذ ْن ُت��� ُه‬ ‫با َ‬ ‫ل َع ْب���دِ ي َ‬ ‫حل��� ْربِ ‪َ ,‬ومَا َت َق��� َّر َب ِ�إ يَ َّ‬ ‫ب�ش ْي ٍء‬ ‫���ب �إِ يَ َّ‬ ‫ما ا ْفترَ َ ْ�ضتُ َعلَ ْيهِ‪َ ,‬ومَا َي َز ُال‬ ‫ل مِ َّ‬ ‫�أَ َح َّ‬ ‫َع ْب���دِ ي َي َت َق َّر ُب ِ�إ يَ َّ‬ ‫ل بال َّن َوافِلِ َح َّتى �أُحِ َّبهُ‪,‬‬ ‫َف����إِ َذا �أَ ْح َب ْب ُت��� ُه ُك ْن���تُ َ�س ْم َع��� ُه ا َّل���ذِ ي َي ْ�س َم ُع‬ ‫ب���هِ‪َ ،‬و َب َ�ص َر ُه ا َّلذِ ي ُي ْب ِ�ص ُر ب���هِ‪َ ،‬و َي َد ُه ا َّلتِي‬ ‫َي ْبطِ ُ‬ ‫����ش بهَ���ا‪َ ،‬ور ِْجلَ��� ُه ا َّلتِ���ي يمَ ْ�شِ ���ي بهَا‪,‬‬ ‫َو�إِ ْن َ�س�أَ َلنِ���ي لأُ ْعطِ َي َّن���هُ‪َ ،‬و َلئ ِ‬ ‫ِ���ن ْا�س َت َعا َذنيِ‬ ‫لأُعِ ي َذ َّنهُ‪َ ،‬ومَا َت َر َّدد ُْت َعنْ َ�ش ْي ٍء �أَ َنا َفاعِ ُل ُه‬ ‫َت��� َر ُّددِي َع���نْ َن ْف ِ�س امل ُْ�ؤمِ ِ���ن‪َ ,‬ي ْك��� َر ُه امل َ ْو َت‪،‬‬ ‫َو�أَ َنا �أَ ْك َر ُه م َ​َ�سا َء َتهُ»(‪.)8()7‬‬ ‫فقول���ه �سبحانه‪ُ « :‬ك ْن���تُ َ�س ْم َع���هُ» �إىل‬ ‫قول���ه‪« :‬يمَ ْ�شِ ���ي بهَ���ا»‪ ،‬معن���اه كم���ا ذك���ر‬ ‫العلم���اء‪� :‬أنْ يو ِّفق���ه اهلل وي�سدِّ ده‪ ،‬فيكون‬ ‫(‪ )5‬رواه م�سلم (‪ )2948‬عن معقل بن ي�سار‪.‬‬ ‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪ )6037‬وم�سلم (‪.)157‬‬ ‫(‪ )7‬رواه البخاري (‪.)6502‬‬ ‫(‪ )8‬ينظر ملزيد الفائدة حول ن�سبة الرتدد �إىل اهلل‬ ‫�سبحانه «جمموع الفتاوى» (‪129/18‬ـ‪)135‬‬ ‫ف�إنه نفي�س‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫حماب‬ ‫عمله كلُّه يف طاعة اهلل‪ ،‬و�سعيه يف ِّ‬ ‫م���واله‪ ،‬وال ي�ستعمل �أع�ضاءه وجوارحه �إ َّال‬ ‫فيما في���ه ر�ضاه؛ فالزم���ه �أنَّ َم ِن اجتهد‬ ‫يف تكميل الواجبات‪ ،‬وزاد عليها بالإكثار‬ ‫من امل�ستح َّبات‪ ،‬ال �سيما قبل حلول الفنت‬ ‫املدله َّمات‪ ،‬ف�إ َّن���ه �سيجد ثمرة تق ُّربه �إىل‬ ‫ر ِّب���ه‪ ،‬بتثبيت���ه وع�صمته م���ن تلك الفنت؛‬ ‫لأنَّ اهلل وعد ـ ووعده ح ٌّق ـ بحفظ �أوليائه‬ ‫وتثبيتهم‪ ،‬وع�صمتهم وت�سديدهم‪.‬‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫ونظري هذا ما جاء يف و�ص َّية ال َّن ِّ‬ ‫البن ع َّبا�س‪« :‬ا ِْح َف ِظ َ‬ ‫اهلل َي ْح َف ْظ َك»(‪.)9‬‬ ‫وق���ال �سبحان���ه‪﴿ :‬ﭼ ﭽ‬ ‫ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬

‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ‬

‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [\‪،]d‬‬ ‫فوع���د ـ �سبحان���ه ـ م���ن عمل بتق���واه ب�أن‬ ‫يجعل له فرقا ًنا‪ ،‬وه���و ال ُهدى والب�صرية‬ ‫ا َّلتي يف ِّرق بها امل�ؤمن بني احلقِّ والباطل‪،‬‬ ‫واله���دى َّ‬ ‫وال�س َّن���ة والبدع���ة‪،‬‬ ‫وال�ض�ل�ال‪ُّ ،‬‬ ‫ودعاة ال ُّر�شد ودعاة الفتنة‪.‬‬ ‫‪  ‬‬

‫وال�س َّن���ة‪،‬‬ ‫‪ ‬االعت�ص���ام بالكت���اب‬ ‫ُّ‬ ‫م�س���ك مبا‬ ‫وال َّت���ز ُّود م���ن علومهم���ا‪ ،‬وال َّت ُّ‬ ‫عليه العلماء‪ ،‬ولزوم َغرزهم‪:‬‬ ‫ع���ن اب���ن ع َّبا����س ‪� È‬أنَّ ر�س���ول‬ ‫(‪ )9‬رواه الترِّ مذي (‪ )2516‬وهو �صحيح‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫اهلل ‪ Í‬ق���ال‪�« :‬إِنيِّ َق ْد َت َر ْك���تُ فِي ُك ْم مَا‬ ‫اب‬ ‫�إِنِ ْاع َت َ�ص ْم ُت��� ْم ب ِه َفلَنْ َت ِ�ض ُّلوا �أَ َبدًا‪ِ :‬ك َت َ‬ ‫هلل َو ُ�س َّن َة َنب ِّي ِه ‪.)10(»Í‬‬ ‫ا ِ‬ ‫ويف حدي���ث حذيف���ة ‪« :Ç‬كان‬ ‫ال َّنا�س ي�س�ألون ر�سول اهلل ‪ Í‬عن اخلري‪،‬‬ ‫وكنت �أ�س�أله عن َّ‬ ‫ال�ش ِّر خمافة �أن يدركني»‪،‬‬ ‫جاء يف رواية �أبي داود‪ ،‬قال‪َ « :‬يا ُح َذ ْي َف َة!‬ ‫���اب اهللِ‪َ ،‬وا َّتب��� ْع مَ���ا ِفي���هِ» (ثالث‬ ‫َت َع َّل��� ْم ِك َت َ‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫مرار)‪ ،‬فما زال حذيفة ي�س�أل وال َّن ُّ‬ ‫يردِّد له هذه الو�ص َّية ثال ًثا(‪.)11‬‬

‫ومِ ������������نْ �أن������ف������ع م������ا َي�����ق�����ي مِ َ‬ ‫������ن‬ ‫ال��ف�تن ك��ذل��ك ال��ع��ل��م َّ‬ ‫ال�شرعي‬ ‫وال�س َّنة‪،‬‬ ‫امل�ستنبط م��ن ال��ك��ت��اب ُّ‬ ‫املن�ضبط ب���أ���ص��ول �سلف الأ َّم���ة‬ ‫ِومنْ �أنف���ع ما َيقي ِم���نَ الفنت كذلك‬ ‫العل���م َّ‬ ‫ال�شرع���ي امل�ستنب���ط م���ن الكتاب‬ ‫وال�س َّن���ة‪ ،‬املن�ضبط ب�أ�ص���ول �سلف الأ َّمة؛‬ ‫ُّ‬ ‫لأ َّن���ه كم���ا ق���ال اب���ن �سريي���ن‪�ِ « :‬إ َّن هَ��� َذا‬ ‫ال ِع ْل��� َم ِدي ٌ���ن َفا ْن ُظ��� ُروا َع َّم���نْ َت ْ�أ ُخ��� ُذو َن‬ ‫دِي َن ُك��� ْم»(‪ ،)12‬فبالعلم يهت���دي امل�سلم �إىل‬ ‫ال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬وبالعلم يعرف احلقَّ‬ ‫ِّ‬ ‫ال�س َّنة‬ ‫م���ن الباط���ل‪ ،‬وبالعل���م مييز ب�ي�ن ُّ‬ ‫والبدعة‪ ،‬وبالعلم يدرك الفتنة‪.‬‬ ‫ولمَ َّا كان العلم من �أنفع �أ�سباب الوقاية‬ ‫من الفنت‪ ،‬كان �أهل���ه ـ وهم العلماء ـ �أ َّول‬ ‫م���ن َّ‬ ‫يتفط���ن لها قب���ل نزوله���ا‪ ،‬كما قال‬ ‫احل�سن الب�ص���ري‪�« :‬إنَّ ه���ذه الفتنة �إذا‬ ‫�أقبل���ت عرفه���ا ك ُّل ع���امل‪ ،‬و�إذا �أدب���رت‬ ‫(‪ )10‬رواه احلاكم (‪�« ،)318‬صحيح الترَّ غيب» (‪.)40‬‬ ‫(‪ )11‬رواه �أبو داود (‪ ،)4246‬وهو ح�سن‪.‬‬ ‫ال�صحيح‪.‬‬ ‫(‪ )12‬رواه م�سلم يف مقدِّ مة َّ‬


‫و�شب ِ�ض َرا ُم َها‬ ‫حتَّى�إذاا�شتعلت َّ‬ ‫ـيل‬ ‫و َّلت عجوزا غيـ َر ِ‬ ‫ذات ح ِل ِ‬ ‫�شمطا َء ُي ْن َك ُر َل ْو ُن َها وتغيرَّ َ ْت‬ ‫مـكـروه ًة لل َّـ�ش ِّـم والـتَّـقبـي ِـل‬ ‫ف�إذا علم هذا كان الواجب على �أهل‬ ‫الإميان �أن ي�سريوا خلف علمائهم يف زمن‬ ‫الفتن���ة‪ ،‬حتَّ���ى ال يجرفهم َ�س ْي ُله���ا‪ ،‬ال �أن‬ ‫يتق َّدموهم‪ ،‬كما يق���ع �أحيا ًنا كثرية؛ جتد‬ ‫العلماء مغ َّيبني‪ ،‬وا َّل���ذي يتك َّلم ويت�ص َّدر‪،‬‬ ‫ويق���ود ِّ‬ ‫وينظ���ر‪ ،‬ه���م حدث���اء الأ�سن���ان‪،‬‬ ‫و�سفه���اء الأحالم؛ ال يراع���ون م�صلحة‪،‬‬ ‫وال ينظرون �إىل عاقبة؛ دافعهم احلما�س‬ ‫والعاطف���ة‪ ،‬وقائده���م ال َّته��� ُّور والعجلة‪،‬‬ ‫ف َي ْج ُنونَ على �أنف�سهم‪ ،‬ويج ُّرون الويالت‬ ‫�إىل �أ َّمتهم‪.‬‬ ‫يدل عل���ى هذا ق���ول ر ِّبن���ا �سبحانه‪:‬‬ ‫﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾‬

‫[`‪.]83 :‬‬

‫‪  ‬‬

‫(‪ )13‬رواه ابن �سعد يف َّ‬ ‫«الطبقات» (‪.)166/7‬‬

‫‪ ‬ح ـ ـمـ���ل الـ ـ َّنـفـ����س عـ ـ ـ ـلـ���ى ال َّـ�صبـر‪،‬‬ ‫وحتديثها باالحت�ساب‪:‬‬ ‫ق���ال اهلل تع���اىل‪﴿ :‬ﯪ ﯫ‬

‫‪  ‬‬

‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱ‬ ‫ﯲ ﯳ ﯴ﴾‬

‫[\_]‪،‬‬

‫مسائل منهجية‬

‫عرفها ك ُّل جاهل»(‪.)13‬‬ ‫قال الإمام البخ���اري يف «�صحيحه»‪:‬‬ ‫وق���ال اب���ن عيينة عن خلف ب���ن حو�شب‪:‬‬ ‫كانوا ي�ستح ُّب���ون �أن يتم َّثلوا بهذه الأبيات‬ ‫عند الفنت‪ ،‬قال امر�ؤ القي�س‪:‬‬ ‫احلرب �أ َّول ما تكـون فتية‬ ‫ـول‬ ‫ت�سعى بزينتها لك ِّـل جه ِ‬

‫الءِ‪َ ,‬و�إِ َّن َ‬ ‫جل َزا ِء َم َع عِ َظ ِ���م ال َب َ‬ ‫عِ َظ��� َم ا َ‬ ‫اهلل‬ ‫���ب َق ْو ًما ا ْب َت َ‬ ‫الهُ ْم‪َ ,‬ف َمنْ َر ِ�ض َي َفلَ ُه‬ ‫ِ�إ َذا �أَ َح َّ‬ ‫ال�س َخ ُط»(‪.)15‬‬ ‫ال ِّر َ�ضا‪َ ,‬و َمنْ َ�سخِ َط َفلَ ُه َّ‬ ‫وعن ُع ْت َب َة ِبن غ���زوان �أنَّ ر�سول اهلل‬ ‫ال�صبرْ ِ‪,‬‬ ‫‪ Í‬ق���ال‪�« :‬إِ َّن مِ نْ َو َرا ِئ ُك ْم �أَ َّي���ا َم َّ‬ ‫ِل ْل ُم َت َم ِّ�س���كِ فِيهِنَّ َي ْو َمئِذٍ مبَ���ا �أَ ْن ُت ْم َعلَ ْي ِه‬ ‫�أَ ْج��� ُر َخ ْم�سِ َ‬ ‫نبي اهلل!‬ ‫ني مِ ْن ُك��� ْم»‪ ،‬قالوا‪ :‬يا َّ‬ ‫�أو منهم? قال‪َ « :‬ب ْل مِ ْن ُك ْم»(‪.)16‬‬

‫وقال ج��� َّل ذك���ره‪﴿ :‬ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ‬

‫ﰗ ﰘ ﰙ﴾ [\‪.]¤‬‬ ‫وعن �أب���ي �سعيد اخل���دري �أنَّ ر�سول‬ ‫اهلل ‪ Í‬قال‪َ « :‬منْ َي َت َ�صبرَّ ْ ُي َ�صبرِّ ْ ُه ُ‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫َومَ���ا �أُ ْعطِ َي َ�أ َح ٌد ع َ​َطا ًء َخيرْ ً ا َو�أَ ْو َ�س َع مِ َن‬ ‫ال�صبرْ ِ»(‪.)14‬‬ ‫َّ‬

‫فنب ُّين���ا ـ �صل���وات اهلل و�سالمه‬ ‫علي���ه ـ �إنمَّ���ا �أك�ث�ر م���ن ذك���ر‬ ‫الفتن���ة‪ ،‬و�أفا����ض يف و�صفه���ا؛‬ ‫ح َّت���ى ي�ستع��� َّد له���ا امل�ؤم���ن‪،‬‬ ‫ويقاومها ويدافعها ما ا�ستطاع‬ ‫فنب ُّين���ا ـ �صل���وات اهلل و�سالمه عليه‬ ‫ـ � مَّإنا �أك�ث�ر من ذكر الفتن���ة‪ ،‬و�أفا�ض يف‬ ‫و�صفها؛ حتَّى ي�ستع َّد لها امل�ؤمن‪ ،‬ويقاومها‬ ‫بحثِّ‬ ‫ويدافعها م���ا ا�ستطاع‪ ،‬ويكون ذلك َ‬ ‫ال�ص�ب�ر‪ ،‬وتذكريها مبا �أع َّد‬ ‫ال َّنف�س على َّ‬ ‫لها م���ن عظيم الأج���ر‪ ،‬ال �سيما �إذا قوي‬ ‫داع���ي الفتنة‪ ،‬وكرث الهالك���ون فيها؛ عن‬ ‫بي ‪ Í‬ق���ال‪�« :‬إِ َّن‬ ‫�أن����س بن مال���ك �أنَّ ال َّن َّ‬ ‫(‪ )14‬رواه البخاري (‪ ،)1469‬وم�سلم (‪.)1053‬‬

‫‪� ‬إن���كار الف�ت�ن بالقل���ب‪ ،‬وع���دم‬ ‫ال ُّرك���ون �إليه���ا‪ ،‬وت���رك ا َ‬ ‫خل ْو����ض فيه���ا‪،‬‬ ‫والإق�ل�ال من احلركة‪ ،‬وال َّتح ِّلي بالأناة‬ ‫وال ُّت�ؤدة‪:‬‬ ‫قال �شي���خ الإ�سالم ابن تيمية لتلميذه‬ ‫اب���ن الق ِّي���م ‪« :‬ال جتعل قلب���ك للإيرادات‬ ‫ُّ‬ ‫ال�سفنجة‪ ،‬فيت�ش َّربها فال‬ ‫وال�شبهات مث���ل ّ‬ ‫ين�ض���ح �إ َّال به���ا‪ ،‬ولكن اجعل���ه كالزُّجاجة‬ ‫املُ ْ�ص َمتَ���ة‪ ،‬مت��� ُّر ُّ‬ ‫ال�شبه���ات بظاهرها وال‬ ‫ت�ستق��� ُّر فيها‪ ،‬فرياها ب�صفائ���ه‪ ،‬ويدفعها‬ ‫ب�صالبته‪ ،‬و�إ َّال ف�إذا �أَ ْ�ش َر ْب َت قل َبك َّ‬ ‫كل �شبهة‬ ‫(‪ )15‬رواه الترِّ مذي (‪ ،)2396‬وابن ماجه (‪،)4031‬‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)146‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )16‬رواه َّ‬ ‫الطرباين يف «الكبري» (‪ ،)289‬واملروزي‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)494‬‬ ‫«ال�س َّنة»‪َّ ،‬‬ ‫يف ُّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪25‬‬


‫مسائل منهجية‬

‫مت ُّر عليها‪� ،‬صار مق ًّرا ُّ‬ ‫لل�شبهات»(‪.)17‬‬ ‫وي�شهد لهذه الو�ص َّية ال َّنافعة‪ ،‬ما جاء‬ ‫ال�سابق ا َّلذي‬ ‫يف رواي ٍة حلدي���ث حذيف���ة َّ‬ ‫ذكر في���ه الفتنة ا َّلتي متوج كموج البحر‪،‬‬ ‫ففيها �أنَّ ر�س���ول اهلل ‪ Í‬قال‪ُ « :‬ت ْع َر ُ‬ ‫�ض‬ ‫ال ِف�َت�نَُ َعلَ���ى ال ُق ُل���وبِ َكا َ‬ ‫�ي�ر‪ ،‬عُ���ودًا‬ ‫حل ِ�ص ِ‬ ‫عُ���ودًا‪َ ،‬ف�أَيُّ َق ْل���بٍ �أُ ْ�ش ِر َبهَا ُن ِك َتتْ فِي ِه ُن ْك َت ٌة‬ ‫َ�س ْودَاءُ‪َ ،‬و َ�أيُّ َق ْلبٍ �أَ ْن َك َرهَا ُن ِك َتتْ فِي ِه ُن ْك َت ٌة‬ ‫ري َعلَى َق ْل َب�ْي�ننِْ ‪َ :‬علَى‬ ‫َب ْي َ�ض���اءُ‪َ ،‬ح َّت���ى َت ِ�ص َ‬ ‫ال�ص َف���ا‪َ ،‬ف َ‬ ‫�أَ ْب َي َ‬ ‫�ل�ا َت ُ�ض��� ُّر ُه ِف ْت َن ٌة‬ ‫����ض مِ ْث���لِ َّ‬ ‫ال�س َم��� َو ُات َوا َلأ ْر ُ‬ ‫����ض‪َ ،‬وال َآخ��� ُر‬ ‫مَ���ا دَامَ���تِ َّ‬ ‫م ِّخ ًيا‪َ ،‬ال َي ْعر ُِف‬ ‫�أَ ْ�س��� َو ُد ُم ْر َبادًّا َكال ُك���و ِز جُ َ‬ ‫َم ْع ُرو ًف���ا‪َ ،‬و َال ُي ْنكِ��� ُر ُم ْن َك��� ًرا‪�ِ ،‬إ َّال مَا �أُ ْ�شر َِب‬ ‫مِ نْ َه َواهُ»(‪.)18‬‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫ففي ه���ذا احلديث‪� :‬ش َّبه ال َّن ُّ‬ ‫عر����ض الفنت عل���ى القل���وب واحدة بعد‬ ‫�أخ���رى‪ ،‬بعر�ض ق�ضب���ان احل�صري على‬ ‫نا�سج���ه واحدً ا بعد واح���د‪َ « ،‬ف����أَيُّ َق ْلبٍ‬ ‫�أُ ْ�ش ِر َبهَ���ا» �أي‪َ :‬ر ِ�ض َي به���ا واطم�أنَّ �إليها‪،‬‬ ‫نقط���ت فيه نقط���ة �س���وداء‪ ،‬وتركت فيه‬ ‫�أث��� ًرا‪َ « ،‬و�أَيُّ َق ْل���بٍ َ�أ ْن َك َرهَ���ا» �أي‪ :‬ر َّده���ا‬ ‫ورف�ضه���ا‪ ،‬نقط���ت في���ه نقط���ة بي�ضاء‪،‬‬ ‫حتَّ���ى ي�صري قل ًب���ا �أبي�ض م�صق���و ًال مثل‬ ‫ال�صف���ا‪ ،‬وه���و َ‬ ‫احل َجر الأمل����س ا َّلذي ال‬ ‫َّ‬ ‫يعلق به �شيء‪.‬‬ ‫و�أ َّم���ا القل���ب الآخ���ر في�صب���ح �أ�سود‬ ‫ال�سواد‬ ‫ُمر َبادًّا م���ن ال ُّربدة‪ ،‬وهو لو ٌن بني َّ‬ ‫وال ُغ�ب�رة‪َ « ،‬كال ُك���وزِ» �إن���اء مع���روف‪ ،‬وهو‬ ‫«م ِّخ ًي���ا» �أي‬ ‫الك���وب ا َّل���ذي ل���ه ع���روة‪ ،‬جُ َ‬ ‫ً‬ ‫منكو�س���ا‪� ،‬ش َّبه القل���ب املفتون‬ ‫مائ�ل�ا �أو‬ ‫ً‬ ‫انكب؛ ان�صب ما فيه ومل يعلق‬ ‫بالإناء �إذا َّ‬ ‫(‪« )17‬مفتاح ال�سعادة» (‪.)443/1‬‬ ‫(‪ )18‬رواه م�سلم (‪.)144‬‬

‫‪26‬‬

‫به �ش���يء‪ ،‬كذل���ك القلب املفت���ون‪ ،‬ظلمة‬ ‫الفنت تخرج ن���ور الإ�سالم منه‪ ،‬فال يعلق‬ ‫خ�ي�ر وال حكم���ة‪ ،‬وال يع���رف معرو ًفا‪،‬‬ ‫به ٌ‬ ‫وال ُينك���ر منك ًرا‪� ،‬إ َّال ما وافق الهوى ا َّلذي‬ ‫خ�ضع ل�سلطانه(‪.)19‬‬ ‫وعن �أبي هريرة قال‪ :‬قال ر�سول اهلل‬ ‫«�س َت ُك ُ‬ ‫ون ِف�َت�نٌَ ‪ ،‬ال َقاعِ ��� ُد فِيهَا‬ ‫‪ Í‬ق���ال‪َ :‬‬ ‫َخيرْ ٌ مِ َن ال َقائ ِ​ِم‪َ ،‬وال َقا ِئ ُم فِيهَا َخيرْ ٌ مِ َن‬ ‫ال�ساعِ ي؛‬ ‫املَا�شِ ���ي‪َ ،‬واملَا�شِ ي فِيهَا َخيرْ ٌ مِ َن َّ‬ ‫َم���نْ َت َ�ش��� َّر َف َلهَ���ا َت ْ�س َت ْ�ش ِر ْف���هُ‪َ ،‬و َمنْ َو َج َد‬ ‫َم ْل َج�أً �أَ ْو َم َعا ًذا َف ْل َي ُع ْذ بهِ»(‪.)20‬‬ ‫َّ‬ ‫دل ه���ذا احلديث‪ ‬عل���ى �أنَّ �إ�ض�ل�ال‬ ‫الفتن���ة للإن�سان يكون بقدر موقفه منها‪،‬‬ ‫وم�شاركت���ه فيها‪ ،‬فك َّلما تع َّر�ض لها �أكرث‪،‬‬ ‫كان���ت هلكت���ه فيه���ا �أعظ���م‪ ،‬لذل���ك من‬ ‫ا�ستط���اع �أن يغيب عنه���ا فليفعل‪ ،‬فذلك‬ ‫له �أ�سلم‪.‬‬

‫مما ين َّب���ه عليه يف هذا املقام؛‬ ‫و َّ‬ ‫�أ َّن���ه ال يج���ب عل���ى امل�سل���م �أن‬ ‫يك���ون ل���ه حك���م �أو موق���ف من‬ ‫ك ِّل �أم��� ٍر يح ُ‬ ‫���دث؛ لأ َّن �ش����أن‬ ‫الف�ت�ن ـ ال �سيم���ا يف زم���ن‬ ‫ا�شتدادها ـ اخلفاء وااللتبا�س؛‬ ‫لذلك عليه �أن يت�أ َّنى ويرت َّيث‪،‬‬ ‫ويتو َّق���ف ويتث َّب���ت‪ ،‬فذل���ك‬ ‫خ�ي�ر ل���ه و�أح�س���ن ت� ً‬ ‫أوي�ل�ا‬ ‫ٌ‬ ‫ومم���ا ين َّبه عليه يف ه���ذا املقام؛ �أ َّنه‬ ‫َّ‬ ‫ال يج���ب عل���ى امل�سل���م �أن يك���ون له حكم‬ ‫�أو موقف م���ن ِّ‬ ‫أمر يح ُ‬ ‫���دث؛ لأنَّ �ش�أن‬ ‫كل � ٍ‬

‫(‪ )19‬انظر «�شرح ال َّنووي على م�سلم» و«ال ِّنهاية يف‬ ‫غريب احلديث والأثر»‪.‬‬ ‫(‪ )20‬رواه البخاري (‪ ،)3601‬وم�سلم (‪)2886‬‬ ‫وال َّلفظ له‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫الف�ت�ن ـ ال �سيم���ا يف زم���ن ا�شتداده���ا ـ‬ ‫اخلفاء وااللتبا����س؛ لذلك عليه �أن يت�أ َّنى‬ ‫ري له‬ ‫ويرت َّي���ث‪ ،‬ويتو َّقف ويتث َّبت‪ ،‬فذلك خ ٌ‬ ‫و�أح�سن ت�أوي ًال‪.‬‬ ‫بي‬ ‫فعن �أن�س بن مالك ‪� Ç‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫‪ Í‬قال‪« :‬ال َّت�أَنيِّ مِ َن اهللِ‪َ ،‬وال َع َجلَ ُة مِ َن‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش ْي َطانِ »(‪.)21‬‬ ‫وكما قال اب���ن م�سعود ‪�« :Ç‬إ َّنها‬ ‫�ستكون �أمور م�شتبهات! فعليكم بال ُّت�ؤدة؛‬ ‫ري من �أن‬ ‫ف�إ َّنك �أن تكون تاب ًعا يف اخلري خ ٌ‬ ‫تكون ر� ًأ�سا يف َّ‬ ‫ال�ش ِّر»(‪.)22‬‬ ‫‪  ‬‬

‫‪ ‬االعت���زال يف الفتن���ة‪ ،‬والف���رار‬ ‫م���ن مواطنه���ا‪ ،‬والإقب���ال عل���ى ال َّنف����س‬ ‫وحما�سبتها‪ ،‬وترك �أمر العا َّمة‪:‬‬ ‫فعن �أبي �سعي���د قال‪ :‬قال ر�سول اهلل‬ ‫‪« :Í‬يُو�شِ ُ‬ ‫���ك �أَ ْن َي ُكو َن َخيرْ َ مَالِ امل ُ ْ�سل ِ​ِم‬ ‫َغ َن��� ٌم‪ ،‬يتبع بهَا َ�ش َع َ‬ ‫���ف اجلِ َب���الِ ‪َ ،‬و َم َوا ِق َع‬ ‫ِت»(‪.)23‬‬ ‫ال َق ْطرِ‪َ ،‬ي ِف ُّر بدِ ي ِن ِه مِ َن الف نَ ِ‬ ‫ب َّوب البخاري لهذا احلديث يف كتاب‬ ‫الإميان من «�صحيح���ه» بقوله‪« :‬باب من‬ ‫الدِّ ين الفرار من الفنت»‪.‬‬ ‫(‪ )21‬رواه البيهقي (‪ ،)20767‬و�أبو يعلى (‪،)4256‬‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)1795‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )22‬رواه ابن �أبي �شيبة (‪ ،)37177‬والبيهقي يف‬ ‫ُّ‬ ‫«ال�شعب» (‪.)10371‬‬ ‫(‪ )23‬رواه البخاري (‪.)19‬‬


‫وع���ن عمران ب���ن ح�صني ق���ال‪ :‬قال‬ ‫ر�س���ول اهلل ‪َ « :Í‬م���نْ َ�سمِ ��� َع بالد ََّّج���الِ‬ ‫هلل �إِ َّن ال َّر ُج َل َل َي�أْتِي ِه َوهُ َو‬ ‫َف ْل َي ْن�أَ َع ْنهُ؛ َف َوا ِ‬ ‫ما ُي ْب َع ُث ب ِه‬ ‫َي ْح�سِ ُب �أَ َّن ُه ُم ْ�ؤمِ ٌن‪َ ،‬ف َي َّت ِب ُع ُه مِ َّ‬ ‫مِ َن ُّ‬ ‫ال�ش ُبهَاتِ »(‪.)26‬‬ ‫د َّلت هذه الأحادي���ث على �أنَّ �سالمة‬ ‫امل�ؤم���ن يف زم���ن الفتنة‪ ،‬وجنات���ه منها؛‬ ‫تك���ون باالعت���زال فيه���ا‪ ،‬ول���زوم البيت‪،‬‬ ‫والإقبال على ال َّنف�س‪.‬‬

‫كم���ا َّ‬ ‫دل حدي���ث عمران ب���ن ح�صني‬ ‫على وجوب االبتع���اد عن مواطن الفتنة‪،‬‬ ‫وجمانب���ة موا�ضع ُّ‬ ‫ال�شبه���ة‪ ،‬و�أن ال يز ِّكي‬ ‫امل�ؤم���ن نف�س���ه‪ ،‬ويعج���ب ب�إميان���ه؛ لأ َّن���ه‬ ‫قد ي���وكل �إليه���ا‪ ،‬فيهلك مع م���ن �أهلكته‬ ‫الفتنة‪.‬‬ ‫ومم���ا يدخل حتت ذل���ك‪ :‬م�صاحبة‬ ‫َّ‬ ‫�أهل الأهواء‪ ،‬وال َّنظر يف كتبهم‪ ،‬وح�ضور‬ ‫جمال�سه���م‪ ،‬ف�إ َّنه���ا من �أك�ب�ر الفنت ا َّلتي‬ ‫تُف�سد على امل�ؤمن دينه‪.‬‬ ‫ذك���ر َّ‬ ‫���ي يف ترجم���ة الإم���ام‬ ‫الذهب ُّ‬ ‫�سفي���ان ال َّثوري قوله‪« :‬منْ �أ�صغى ب�سمعه‬ ‫�إىل �صاح���ب بدعة وهو يعل���م‪ ،‬خرج من‬ ‫ع�صمة اهلل‪ ،‬ووكل �إىل نف�سه»‪.‬‬ ‫‪  ‬‬

‫واملق�صود من االعتزال ولزوم البيت‪:‬‬ ‫مفارقة َّ‬ ‫ال�ش ِّر و�أهل���ه‪ ،‬فال مينع ذلك من‬ ‫�شهود اجلمع���ة واجلماع���ة‪ ،‬والقيام مبا‬ ‫وجب من احلق���وق‪ ،‬ومنا�صحة الإخوان‪،‬‬ ‫واالجتماع معهم عل���ى اخلري‪ ،‬والتَّوا�صي‬ ‫وال�صرب‪.‬‬ ‫باحلقِّ َّ‬ ‫(‪ )24‬رواه �أحمد (‪ ،)19662‬و�أبو داود (‪،)4262‬‬ ‫�صحيح‪.‬‬ ‫(‪« )25‬ال ِّنهاية يف غريب احلديث والأثر»‪.‬‬ ‫(‪ )26‬رواه �أحمد (‪ ،)19875‬و�أبو داود (‪،)4319‬‬ ‫«�صحيح اجلامع» (‪.)6301‬‬

‫وال�سمع‬ ‫‪ ‬ل���زوم جماعة امل�سلم�ي�ن‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫والطاعة يف املعروف لإمامهم‪:‬‬ ‫مما تت�أ َّك���د الو�ص َّية به يف فنت‬ ‫وه���ذا َّ‬

‫فم َّم���ا ورد فيه‪« :‬فقلت‪ :‬هل بعد ذلك‬ ‫اخلري م���ن �ش ٍّر؟ ق���ال‪َ :‬ن َع��� ْم‪ُ ،‬دعَ���ا ٌة َعلَى‬ ‫�أَ ْب���وَابِ َج َه َّن َم‪َ ،‬منْ �أَ َجا َبهُ��� ْم ِ�إ َل ْيهَا َق َذ ُفو ُه‬ ‫فِيهَا»‪.‬‬ ‫فقلت‪ :‬ي���ا ر�س���ول اهلل! �صفه���م لنا‪،‬‬ ‫قال‪َ « :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق ْو ٌم مِ ���نْ جِ ْل َد ِت َنا‪َ ،‬و َي َت َك َّل ُمو َن‬ ‫ب�أَ ْل�سِ َن ِت َن���ا»‪ ،‬قلت‪ :‬يا ر�سول اهلل! فما ترى‬ ‫�إن �أدركن���ي ذلك؟ ق���ال‪َ « :‬ت ْل��� َز ُم َج َما َع َة‬ ‫امل ُ ْ�سلِمِ َ‬ ‫ني َو�إِمَا َم ُه ْم»‪.‬‬ ‫فقل���ت‪ :‬ف�إن مل تكن له���م جماعة وال‬ ‫�إمام؟‬ ‫ق���ال‪َ « :‬ف ْاع َت���ز ِْل ِت ْل َ‬ ‫���ك الفِ��� َر َق ُك َّلهَ���ا‪،‬‬ ‫َو َل��� ْو �أَ ْن َت َع َّ‬ ‫����ض َعلَ���ى �أَ ْ�صلِ َ�ش َج��� َرةٍ‪َ ،‬ح َّتى‬ ‫ُي ْد ِر َك َك امل َ ْو ُت َو�أَنْتَ َعلَى َذل َِك»(‪.)27‬‬ ‫قال ابن حجر ‪::‬‬ ‫«و[املراد] بال ُّدعاة على �أبواب جه َّنم‪،‬‬ ‫م���ن ق���ام يف طل���ب املل���ك من اخل���وارج‬ ‫وغريه���م‪ ،‬و�إىل ذل���ك الإ�ش���ارة بقول���ه‪:‬‬ ‫«ا ْل َز ْم َج َما َع َة امل ُ ْ�سلِمِ َ‬ ‫ني َو�إِمَا َم ُه ْم»‪ ،‬يعني‬ ‫ولو جار»(‪.)28‬‬

‫مسائل منهجية‬

‫وع���ن �أب���ي مو�سى ق���ال‪ :‬ق���ال ر�سول‬ ‫اهلل ‪�« :Í‬إِ َّن َب�ْي�ننْ َ �أَ ْيدِ ي ُك��� ْم ِف َت ًن���ا َكق َِط ِع‬ ‫ال َّل ْي���لِ امل ُ ْظ ِل ِ���م‪ُ ،‬ي ْ�ص ِب��� ُح ال َّر ُج��� ُل فِيهَ���ا‬ ‫ُم�ؤْمِ ًن���ا وَيمُ ْ�سِ ���ي َكا َف��� ًرا‪ ،‬وَيمُ ْ�سِ ���ي ُم�ؤْمِ ًنا‬ ‫َو ُي ْ�ص ِب��� ُح َكافِ��� ًرا‪ ،‬ال َقاعِ ��� ُد فِيهَا َخ�ْي�رْ ٌ مِ َن‬ ‫ال َقائ ِ​ِ���م‪َ ،‬وال َقائِ��� ُم فِيهَا َخيرْ ٌ مِ َ‬ ‫���ن املَا�شِ ي‪،‬‬ ‫ال�ساعِ ي»‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫َواملَا�شِ ي فِيهَا َخ�ْي�ررْ ٌ مِ َن َّ‬ ‫فم���ا ت�أمرن���ا؟! ق���ال‪ُ « :‬كو ُن���وا �أَ ْح َ‬ ‫ال� َ���س‬ ‫ُب ُيو ِت ُك ْم»(‪.)24‬‬ ‫قوله‪�« :‬أَ ْح َ‬ ‫«ج ْم���ع ِح ْل�س‪ ،‬وهو‬ ‫ال�س»‪َ :‬‬ ‫الك َ�س���اء ا َّل���ذي َي ِل���ي َظ ْه���ر البع�ي�ر حتت‬ ‫ِ‬ ‫ال َقتَب»(‪ ،)25‬واملعنى‪ :‬ا ْلزَ مُوهَ ا‪.‬‬

‫واملق�ص���ود من االعت���زال ولزوم‬ ‫البيت‪ :‬مفارقة َّ‬ ‫ال�ش ِّر و�أهله‪ ،‬فال‬ ‫مين���ع ذلك م���ن �شه���ود اجلمعة‬ ‫واجلماعة‪ ،‬والقيام مبا وجب من‬ ‫احلق���وق‪ ،‬ومنا�صح���ة الإخوان‪،‬‬ ‫واالجتم���اع معه���م عل���ى اخلري‪،‬‬ ‫وال�ص�ب�ر‪.‬‬ ‫وال َّتوا�ص���ي باحل��� ِّق‬ ‫َّ‬

‫اخل���روج على احل��� َّكام‪ ،‬ومنازع���ة الأمر‬ ‫�أهله‪ ،‬ا َّلتي يحدثها دع���اة ال َّثورات‪ ،‬ومن‬ ‫ي�سل���ك م�سل���ك التَّغي�ي�ر باالنقالب���ات‪،‬‬ ‫وه���م يف ذلك خلطى اخل���وراج مقتفون‪،‬‬ ‫وملذهبهم معتق���دون‪ ،‬و�إن خدعوا ال َّنا�س‬ ‫رب�ؤ من ر�أيهم امل�أفون‪.‬‬ ‫بال َّت ُّ‬ ‫يد ُّل على هذه الو�ص َّية حديث حذيفة‪:‬‬ ‫«كان ال َّنا�س ي�س�ألون ر�سول اهلل ‪ Í‬عن‬ ‫اخلري وكنت �أ�س�أل���ه عن َّ‬ ‫ال�ش ِّر خمافة �أن‬ ‫يدركني»‪.‬‬

‫(‪ )27‬رواه البخاري (‪ ،)7084 ،3606‬وم�سلم‬ ‫(‪.)1847‬‬ ‫(‪« )28‬فتح الباري» (‪.)46/13‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪27‬‬


‫مسائل منهجية‬

‫و�أ َّما جماعة امل�سلمني؛ فاملق�صود بها كما قال الإمام َّ‬ ‫الطربي‪:‬‬ ‫«وال�ص���واب �أنَّ امل���راد م���ن اخل�ب�ر‪ ،‬لزوم اجلماع���ة ا َّلذي���ن يف طاعة من‬ ‫َّ‬ ‫اجتمعوا على ت�أمريه‪ ،‬فمن نكث بيعته خرج عن اجلماعة»(‪.)29‬‬ ‫بال�سمع‬ ‫وخلط���ورة ه���ذا الأمر‪ ،‬قد ج���اءت ال ُّن�صو����ص م�ستفي�ض���ة ت�أم���ر َّ‬ ‫َّ‬ ‫والطاعة يف املعروف لأولياء الأمور و�إن جاروا‪ ،‬وتزجر عن منازعة الأمر �أهله‪،‬‬ ‫ونزع اليد من َّ‬ ‫الطاعة و�إن حادوا(‪.)30‬‬ ‫وح�سبن���ا �أن نذكر من ذلك و�ص َّية نب ِّينا ‪ ،Í‬كما يف حديث العربا�ض ابن‬ ‫�سارية ‪:Ç‬‬ ‫ال�س ْم ِع َو َّ‬ ‫الطا َعةِ‪َ ،‬و ِ�إ ْن َع ْب ٌد َح َب�شِ ٌّي‪.)31( »...‬‬ ‫«�أُ ِ‬ ‫و�صي ُك ْم ب َت ْق َوى اهللِ‪َ ،‬و َّ‬ ‫و�أ َّم���ا �إن مل يكن لل َّنا�س �إما ٌم جتتمع عليه الكلمة‪ ،‬فتنازعوا يف الأمر قددًا‪،‬‬ ‫و�ش َي ًع���ا‪ ،‬فالواجب عند ذلك اعت���زال جميع املختلفني‪ ،‬وعدم‬ ‫وتف َّرق���وا �أحزا ًبا ِ‬ ‫التَّح ُّيز �إىل �أيِّ فئة من املتنازعني‪ ،‬كما َّ‬ ‫دل عليه متام احلديث(‪.)32‬‬ ‫‪  ‬‬

‫ي�سر اهلل جمعه من �أ�سباب الوقاية من الفنت‪ ،‬ن�س�أله ـ �سبحانه ـ �أن‬ ‫هذا ما َّ‬ ‫يع�صمنا من �ش ِّرها‪ ،‬وي�س ِّلمنا من َ�ض َررِها‪.‬‬ ‫و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على نب ِّينا حم َّمد وعلى �آله و�صحبه ومن �سار على نهجهم‬ ‫�إىل يوم الدِّ ين‪.‬‬

‫‪  ‬‬

‫(‪ )29‬نقل كالمه هذا وا َّلذي ي�أتي بعده ابن حجر يف «فتح الباري» (‪.)47/13‬‬ ‫املهم من �أخبار الباب‪.‬‬ ‫(‪ )30‬يراجع كتاب الإمارة من «�صحيح الإمام م�سلم» فقد �أودع فيه َّ‬ ‫(‪ )31‬رواه �أحمد (‪ ،)17145 ،17144‬و�أبو داود (‪ ،)4607‬والترِّ مذي (‪ ،)2676‬وابن ماجه (‪،)42‬‬ ‫«�صحيح اجلامع» (‪.)2549‬‬ ‫(‪ )32‬وانظر كالم الطربي يف فتح الباري (‪.)463/2‬‬

‫‪28‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫���ام البخ���اري ‪ :‬يف‬ ‫روى الإم ُ‬ ‫«�صحيحه» (‪َ )2125‬عنْ َع َطا ِء ْب ِن َي َ�سا ٍر‬ ‫َق َال‪:‬‬ ‫ا�ص‬ ‫َلقِيتُ َع ْبدَ اللهَّ ِ ْب���نَ َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ‬ ‫‪ُ ،È‬ق ْلتُ ‪� :‬أَخْ رِ ْبنيِ َع���نْ ِ�ص َف ِة َر ُ�س ِول‬ ‫���ال‪� :‬أَ َج ْ‬ ‫اللهَّ ِ ‪ Í‬فيِ التَّ��� ْو َرا ِة؟ َق َ‬ ‫���ل؛ َواللهَّ ِ‬ ‫ِ�إ َّن ُه لمَ َ ْو ُ�ص ٌ‬ ‫���وف فيِ ال َّت ْو َرا ِة ِب َب ْع ِ�ض ِ�ص َف ِت ِه فيِ‬ ‫ا ْل ُق ْر� ِآن‪:‬‬ ‫« َي���ا �أَ ُّيهَا ال َّن ِب ُّ���ي �إِ َّنا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫���اك َ�شاهِ دًا‬ ‫َو ُم َب ِّ�ش��� ًرا َو َنذِ ي��� ًرا َوحِ ��� ْر ًزا ِللأُ ِّم ِّي َ‬ ‫ني‪� ،‬أَنْتَ‬ ‫ول‪�َ ،‬س َّم ْي ُت َ‬ ‫���ك امل َت َو ِّك َل‪َ ،‬ل ْي َ�س‬ ‫َع ْب���دِ ي َو َر ُ�س يِ‬ ‫ِب َف ٍّ‬ ‫ِيظ َو َال َ�س َّخابٍ فيِ الأَ ْ�س َواقِ ‪،‬‬ ‫���ظ َو َال َغل ٍ‬ ‫ال�س ِّي َئ َة؛ َو َلكِنْ َي ْع ُفو‬ ‫ِال�س ِّي َئ��� ِة َّ‬ ‫َو َال َي ْد َف ُع ب َّ‬ ‫َو َي ْغفِ��� ُر‪َ ،‬و َلنْ َي ْق ِب َ�ض��� ُه اللهَّ ُ َح َّتى ُيقِي َم ِب ِه‬ ‫المْ ِ َّل��� َة ا ْل َع ْو َج���اءَ؛ ِب����أَ ْن َي ُقو ُل���وا‪َ :‬ال �إِ َل��� َه �إِ َّال‬ ‫اللهَّ ُ‪َ ،‬و َي ْف َت��� ُح ِبهَا �أَ ْع ُي ًنا ُع ْم ًيا‪َ ،‬و�آ َذا ًنا ُ�ص ًّما‪،‬‬ ‫َو ُق ُلو ًبا ُغ ْل ًفا»‪.‬‬ ‫���د ِا ْ�ش َت َم َل ه���ذا الأ َث ُر عل���ى َو ْ�ص ِف‬ ‫َل َق ِ‬ ‫���ي حم َّم ٍ���د ‪ Í‬يف التَّ��� ْو َرا ِة‪ ،‬و َو ْ�ص ِف‬ ‫النب ِّ‬ ‫دع َو ِت��� ِه ال َق ِو َمي��� ِة‪ ،‬و�أخْ ال ِق���ه املُ ْ�س َت ِقي َم ِة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫و�ش ِري َع ِته ال َع ِظي َم ِة‪.‬‬ ‫���ل ـ �أ ْي ً�ض���ا ـ َق ِري ًب���ا‬ ‫وج���ا َء يف الإِنجْ ِ ي ِ‬ ‫م���ن هذا‪ ،‬كما يف حدي���ث عائ�شة ‪á‬‬ ‫َ‬ ‫���وب يف‬ ‫�أنَّ‬ ‫ر�س���ول اهلل ‪ Í‬ق���ال‪َ « :‬م ْك ُت ٌ‬ ‫���ظ وال َغل ٌ‬ ‫ني���لِ ‪ :‬ال َف ٌّ‬ ‫اب‬ ‫الإِ جْ ِ‬ ‫ِيظ و َال َ�س َّخ ٌ‬ ‫بال�س ِّي َئ��� ِة مِ ْثلَهَا؛‬ ‫بِالأَ ْ�س��� َواقِ ‪ ،‬وال َي ْج���زِي َّ‬ ‫َب ْل َي ْع ُفو و َي ْ�ص َف ُح»(‪.)1‬‬ ‫(‪ )1‬ح�سن‪ :‬رواه احلاكم وابن ع�ساكر‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)2458‬‬

‫سيرة وتاريخ‬

‫ح�سن �أيت علجت‬

‫صفة النيب ‪ Í‬يف التوراة‬ ‫و�سى ‪� ،º‬أَ َح ِد الأ ْن ِب َيا ِء‬ ‫والتَّ���ورا ُة ه���ي ِ‬ ‫الكت ُ‬ ‫َاب الذي �أ ْنزَ َل ُه اهلل‪ y õ‬على َن ِب ِّي اهلل ُم َ‬ ‫ال ِع َظ ِام ْمنْ �أُوليِ ال َعزْ ِم من ال ُّر ُ�سل‪.‬‬ ‫ْ�صو ُد بالتَّوراة � َأع َّم ِمنْ ذلك؛ � ْإذ قال �شيخُ الإ�سالم ا ْبنُ تيمية ‪:‬‬ ‫و�أَ ْح َيا ًنا َي ُكونُ املق ُ‬ ‫و�سى‪ ،‬وما َب ْعدَ ُه ِمنْ ُن ُب َّو ِة‬ ‫يف «ال ُّن ُب َّوات» (�ص‪« :)289‬و ُي َرا ُد بال َّت ْو َرا ِة ِ‬ ‫الكت ُ‬ ‫َاب ا َّل ِذي َجا َء ِب ِه ُم َ‬ ‫و�سى؛ َق ْد ُي َ�س َّمى هذا ُكلُّ ُه تَ��� ْو َرا ًة؛ َف ِ�إنَّ التَّو َرا َة ُت َف َّ�س ُر َّ‬ ‫بال�ش ِري َع ِة‪،‬‬ ‫الأَ ْن ِب َي���ا ِء املُ َّت ِب ِع َني ِل ِكت ِ‬ ‫َاب ُم َ‬ ‫َف ُك ُّل َمنْ دَانَ ِب َ�ش ِري َع ِة ال َّت ْو َرا ِة ِق َيل ِل ُن ُب َّو ِت ِه‪� :‬إ َّنها ِمنَ ال َّت ْو َرا ِة»‪.‬‬ ‫َاب � ْأهدَ ى ِم ْن ُه ِومنَ‬ ‫ِومنْ َخ َ�صا ِئ ِ�ص ال َّت ْو َرا ِة �أ َّن َها ِ‬ ‫الكت ُ‬ ‫ال�س َماء ِكت ٌ‬ ‫َاب الذي لمَ ْ ُي َنز َّْل ِمنَ َّ‬ ‫ال ُق��� ْر�آن؛ له���ذا ق���ال ُ‬ ‫اهلل ‪﴿ :y‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬

‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [\‪. ]x‬‬ ‫ِم���نْ � ْأج ِل ذلك؛ ف����إنَّ َ‬ ‫اهلل تعاىل َك ِث ًريا ما َيق ِْرنُ بينْ َ التَّ���و َراة وال ُقر�آن‪ ،‬وذلك يف ِم ْث ِل‬ ‫قو ِل ِه �سبحانه‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬

‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [\‪ ،]b‬وق ْو ِل��� ِه ‪ِ y‬ح َكا َي ًة ع���ن ُم�ؤ ِْم ِني الجْ ِ نِّ ‪:‬‬ ‫﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬

‫ﭶ ﭷﭸ﴾ [\»]‪َ ،‬و َق ْو ِل��� ِه ‪﴿ :y‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ‬

‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ﴾ [\»](‪.)1‬‬ ‫ال�صحيح» (‪« :)116/1‬وال ُق���ر�آنُ �أَ ْ�ص ٌل َكال َّت ْو َرا ِة‪،‬‬ ‫ق���ال ا ْبنُ تيمية ‪ :‬يف «اجل���واب َّ‬ ‫���م ِم ْنها؛ وله���ذا ُع َلما ُء ال َّن�صارى َيق ِْر ُنون َبينْ َ مو�سى وحم َّم ٍد ‪َ ،Í‬ك َما قال‬ ‫و�إنْ كانَ � ْأع َظ َ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪« :‬جمموع فتاوى ابن تيمية» (‪.)202/16‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪29‬‬


‫سيرة وتاريخ‬

‫���ي َم ِل ُك ال َّن َ�صارى ملَّا َ�سمِ َع ال ُق���ر�آنَ ‪�ِ « :‬إنَّ هَ َذا َوا َّل ِذي‬ ‫النجا�ش ُّ‬ ‫و�سى‪َ ،‬ل َيخْ ُر ُج ِمنْ ِم ْ�ش��� َكا ٍة َو ِاحدَ ٍة»(‪ ،)2‬وكذلك َق َال‬ ‫َج���ا َء ِب ِه ُم َ‬ ‫و َر َق��� ُة ْب���نُ َن ْو َفل ـ وه���و ِمنْ �أَ ْح َب���ا ِر َن َ�صا َرى ال َع��� َر ِب ـ ملَّا َ�سمِ َع‬ ‫���ي ‪ ،Í‬فق���ال ل���ه‪� :‬إ َّن���ه ي�أ ِتي َ‬ ‫و�س(‪)3‬الذي‬ ‫َك َ‬ ‫���ك ال َّنا ُم ُ‬ ‫الم النب ِّ‬ ‫و�سى‪ ،‬ي���ا َل ْي َت ِني ِفي َه���ا َج َذ ًعا ِح َني ُيخْ ِر ُج َ‬ ‫���ك َق ْو ُم َك‪،‬‬ ‫َي�أْ ِت���ي ُم َ‬ ‫مرِجِ َّي هُ ْم ؟!» َق َ‬ ‫���ي ‪�« :Í‬أَ َو خُ ْ‬ ‫���ال‪َ :‬ن َع ْم؛ لمَ ْ َي�أْ ِت‬ ‫فق���ال النب ُّ‬ ‫َر ُج��� ٌل َق ُّط بمِ ِ ْث ِل َما ِج ْئ َت ِب ِه؛ ِ�إ َّال ُع���و ِد َي‪َ ،‬و ِ�إنْ ُي ْد ِر ْك ِني َي ْو ُم َك؛‬ ‫�أَ ْن ُ�ص ْر َك َن ْ�ص ًرا ُم�ؤَ َّز ًرا(‪ »)4‬اهـ‪.‬‬ ‫الكتَا َبان ال َّل َذان‬ ‫و�س َب ُب ا ْقترِ ِ‬ ‫َان التَّو َرا ِة بال ُقر�آن هو �أ َّن ُه َما ِ‬ ‫َ‬ ‫الل َ‬ ‫اخْ ت ََّ�صا ِب َتف ِْ�ص ِيل ال ْأح َك ِام‪ِ ،‬وذ ْك ِر َ‬ ‫واحل َر ِام‪.‬‬ ‫احل ِ‬ ‫بي ‪،Í‬‬ ‫و َق ْ‬ ‫���د َجا َء يف هذه التَّ���و َرا ِة ِذ ْك ُر ال ِب َ�ش���ا َر ِة بال َّن ِّ‬ ‫َك َما َق���ال اهلل ‪﴿ :y‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬

‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾‬

‫و�أَ َّو ُل ه���ذه الأ ْو َ�صاف ا َمل ْذ ُكو َر ِة يف ه���ذا الأَ َث ِر هي‪َ « :‬يا �أَ ُّيهَا ال َّن ِب ُّي �إِ َّنا‬ ‫�أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك َ�شاهِ دًا َو ُم َب ِّ�ش ًرا َو َنذِ ي ًرا»‪.‬‬

‫ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬

‫الو�ص ُف َو َر َد يف َم ْو ِ�ض َعينْ ِمنَ القر�آن الكرمي‪:‬‬ ‫وهذا ْ‬ ‫�أ َّو ُل ُهم���ا‪ :‬يف قول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [\{]‪.‬‬ ‫وال َّث���اين‪ :‬يف قول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫[ ‪َ ،]157 :c‬ب ْ‬ ‫���اب َنب ِّينا ‪Í‬‬ ‫���ل ُذ ِك��� َر ِفي َها حتَّى � ْأ�ص َح ُ‬ ‫عليه���م من اهلل ال ِّر�ضوان‪ ،‬فق���د قال �سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ‬

‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [®‪.]29 :‬‬ ‫وج���ا َء يف هذا ا َ‬ ‫ال�ص ِحيح ـ �أ ْي�ض���ا ـ ِذ ْك ُر َط َر ٍف ِمنْ‬ ‫َ‬ ‫خل رَ ِب َّ‬ ‫النبي ‪ Í‬ال��� َوا ِر َد ِة يف ال َّت ْو َراة‪ ،‬وهو من رواية َع ْب ِد‬ ‫�أ ْو َ�ص���اف ِّ‬ ‫اهلل ب���ن عمرو بن العا����ص ‪ È‬ا ِلإ َم ِام َ‬ ‫احل�ْب�ررِْ ‪ ،‬ال َعا ِب ِد‪،‬‬ ‫هلل ‪َ Í‬وا ْب ِن َ�ص ِاح ِب ِه‪ِ ،‬وم���نَ الأُ ُمور التي‬ ‫���ب َر ُ�س��� ْو ِل ا ِ‬ ‫َ�ص ِاح ِ‬ ‫َو َرد َْت يف َت ْر َج َم ِت���ه ممِ َّ ا له َت َعلُّ ٌق ِب ِروا َي ِته لهذا الأ َث ِر‪ ،‬ما َذ َك َر ُه‬ ‫���ام َّ‬ ‫«�سيرَ ِ �أَ ْع َال ِم ال ُّن َبالءِ» (‪ِ )81/3‬منْ‬ ‫الذهبي ‪ :‬يف ِ‬ ‫الإم ُ‬ ‫َ���اب‪َ ،‬و�أَ ْد َمنَ ال َّن َظ َر فيِ ُك ُت ِبهِ م‪َ ،‬و ْاع َت َنى‬ ‫�أَ َّن ُه َر َوى َعنْ �أَ ْه ِل ِ‬ ‫الكت ِ‬ ‫ِب َذ ِل َك‪.‬‬

‫(‪� )2‬أ َث ٌر َ�صحِ ُيح الإ�سناد‪ :‬رواه �أحمد (‪ )1740‬عن �أُ ِّم �سلمة ‪ ،á‬انظر‪:‬‬ ‫تخريج �أحاديث «فقه ال�سرية» (�ص ‪. )115‬‬ ‫ني ‪« .º‬نهاية»‪.‬‬ ‫ال�س ِّر‪ ،‬وهو ِج رْ ِبي ُل الأم ُ‬ ‫(‪ْ � )3‬أي‪�َ :‬صاحِ ُب ِّ‬ ‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)4‬وم�سلم (‪ )160‬عن عائ�شة ‪ á‬بلف ٍْظ ُمقَار ٍِب‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫ﯟﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬

‫ﯧﯨﯩ﴾ [\®]‪.‬‬ ‫«وهذه ال ْأ�ش َيا ُء ا َّل ِتي َو َ�ص َف ُ‬ ‫ْ�صود‬ ‫ر�سو َله حم َّمدً ا ‪ Í‬هي املق ُ‬ ‫اهلل بها ُ‬ ‫َ�ص بها‪:‬‬ ‫من رِ�سا َل ِته‪ ،‬و ُز ْب َدتُها و�أُ ُ�صو ُلها ا َّل ِتي اخْ ت َّ‬ ‫الو�ص ُف الأ َّو ُل‪ :‬ك ْو ُنه ﴿ﯝ﴾‪ ،‬وهذه ال�شهادة َتت َ​َ�ض َّمنُ ثال َث َة �أُ ُمورٍ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ال�ش َه���ا َد ُة لأ َِّمته ‪ Í‬مبا َف َع ُلوه ِمنْ َخيرْ ٍ َ‬ ‫�أ َّو ًال‪َّ :‬‬ ‫و�ش ٍّر‪ ،‬كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ﴾ [^‪،]143:‬‬ ‫وق���ال‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫ﮒﮓ﴾ [\`]؛ فهو ‪�َ Í‬ش ِاه ٌد َع ْد ٌل م ْق ُبو ٌل‪.‬‬ ‫ثاني���ا‪َّ :‬‬ ‫ال�ش َها َد ُة على ا َمل َق���ا َال ِت وا َمل َ�سا ِئ ِل َح ِّقها و َب ِاط ِله���ا‪َ ،‬ف َما �شهِ دَ له‬ ‫ال َّر ُ�س ُ‬ ‫���ت يف �س َّنته؛ فهو َحقٌّ‪ ،‬وما ِ�س َواه‬ ‫���ول ‪ِ Í‬م���نَ الأَ ْف َع ِال والأ ْق َوال بمِ َ ا َث َب َ‬ ‫«ال�صحيحني» َعنْ َعا ِئ َ�ش َة ‪َ á‬قا َل ْت‪َ :‬ق َال‬ ‫فهو َب ِاط ٌل َم ْردُودٌ‪ ،‬كما جاء يف َّ‬ ‫هلل ‪َ « :Í‬منْ �أَ ْحد َ​َث فيِ �أَ ْم ِر َنا َه َذا مَا َل ْي َ�س مِ ْن ُه َف ُه َو َردٌّ»‪.‬‬ ‫َر ُ�س ُول ا ِ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫بت�ص ُّرف‬ ‫(‪ )5‬عن «تف�سري ال�سعدي» (�ص ‪ 614‬و�ص ‪736‬ـ ط‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة) َ‬ ‫وزيادات ي�سرية‪.‬‬

‫سيرة وتاريخ‬

‫ثالثا‪َّ :‬‬ ‫ال�شها َد ُة هلل ـ َج َّل وعال ـ بال َو ْحدَ ان َّي ِة‪ ،‬وا ِال ْن ِف َرا ِد بال َك َمال ﭱ ﭲﭳ﴾ [\½]‪.‬‬ ‫وج ٍه‪.‬‬ ‫ِمنْ ُك ِّل ْ‬ ‫وي‬ ‫ومعنى َك ْو ِنه ِح ْ�ص ًنا‪ْ � ،‬أي‪ :‬حا ِف ًظا ل ُهم ِمنْ ُك ِّل ُ�سوءٍ و�ش ٍّر ُد ْن َي ٍّ‬ ‫���ف ال َّثاين وال َّثال���ث‪َ :‬ك ْون ُه ‪ِّ Í‬‬ ‫ال َو ْ�ص ُ‬ ‫مب�ش ًرا ونذي ًرا‪ ،‬وي َو ِّ�ض ُح و�أُخْ َر ِو ٍّي‪ِ ،‬وم ْ�ص ُ‬ ‫داق ذلك ق ْو ُله ‪﴿ :y‬ﮬﮭﮮﮯ‬ ‫هذا َق ْو ُله تعاىل‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [\‪.]o‬‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [\‪.]e‬‬ ‫ي�س َت ْل ِز ُم ِذ ْك َر املُ َب َّ�ش ِر‬ ‫وهذا ْ‬ ‫وهك���ذا الأنبي���اء ـ عليه���م‬ ‫واملُ ْن َ‬ ‫���ذرِ‪ ،‬وما ُي َب َّ�ش ُر ِب ِه و ُي ْن َذ ُر‪،‬‬ ‫ال�سالم ـ‪َ ،‬ومنْ َ�سا َر على َن ْه ِجهِ م‬ ‫وج َب َة لذلك‪.‬‬ ‫وال ْأع َم َال املُ ِ‬ ‫من ال ُّدعاة �إىل اهلل ‪y‬؛ ف�إ َّنهم‬ ‫���م امل�ؤمن���ون‬ ‫فاملُ َب َّ�ش��� ُر هُ ُ‬ ‫َ‬ ‫يتحا�ش ْون َت ْع َ‬ ‫ري�ض �أ ْت َب ِاعهِ م لأيِّ‬ ‫املُ َّت ُق���ون‪ ،‬الذي���ن َج َم ُع���وا بني‬ ‫َم ْك���رو ٍه‪ ،‬و ُي َج ِّنبو َن ُهم ُك َّل َبالءٍ ما‬ ‫���ح‪،‬‬ ‫ا�ست َ​َطاع���وا �إىل ذل���ك َ�س ِب ً‬ ‫الإمي���ان وال َع َم ِ‬ ‫���ل َّ‬ ‫ال�صا ِل ِ‬ ‫ي�ل�ا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫وت ْر ِك املعا�صي؛ لهم ال ُب ْ�ش َرى‬ ‫نهج‬ ‫ِخ َال ًفا ِل َب ْع ِ‬ ‫����ض َمنْ َخا َل َف َم َ‬ ‫يف َ‬ ‫احل َي���ا ِة ال ُّد ْن َيا ِب��� ُك ِّل َث َو ٍاب‬ ‫الأَ ْن ِب َيا ِء يف ال َّد ْع َو ِة �إىل اهلل ‪،y‬‬ ‫���ب عل���ى‬ ‫���ي ُر ِّت َ‬ ‫ُد ْن َي��� ِو ٍّي و ِدي ِن ٍّ‬ ‫و َت َن َّك َب جا َّد َت ُهم؛ َف�إ َّنه ال َي ْر َع ِوي‬ ‫الإميان وال َّت ْق َوى‪ ،‬ويف الأُخْ َرى‬ ‫����ض َب َلدً ا َك ِام ً‬ ‫�أَنْ ُي َع ِّر َ‬ ‫�ل�ا لل َّدمار‬ ‫بال َّن ِعيم املُ ِقيم‪.‬‬ ‫وا َ‬ ‫احلفاظ‬ ‫���ل ِ‬ ‫خل��� َراب ِم���نْ � ْأج ِ‬ ‫َ‬ ‫وذلك ُكلُّه َي ْ�س َت ْل ِز ُم ِذ ْك َر َتف ِْ�ص ِيل ا َمل ْذ ُكور ِمنْ َت َف ِ‬ ‫ا�ص ِيل الأ ْع َم ِال‪ ،‬على َ�شخْ ِ�ص ِه‪ ،‬و َي َو ُّد َل ْو َي ْفت َِدي ِب ْ�أ َت َب ِاع ِه ِمن ُك ِّل َبالءٍ َي ْن ِز ُل ِب ِه!‬ ‫وخ َ�ص ِال ال َّت ْق َوى‪ ،‬و�أ ْن َوا ِع ال َّث َواب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الظاملُ���ون‪ْ � ،‬أه ُل ُّ‬ ‫���ذ ُر ه���م املُ ْج ِر ُمون َّ‬ ‫���م َ‬ ‫والمْ ُ ْن َ‬ ‫واجل ْه ِل؛ لهم‬ ‫الظ ْل ِ‬ ‫ال َّن َ‬ ‫���ذا َر ُة يف ال ُّدنيا م���ن ال ُع ُقوبات ال ُّدنيوية والدِّ ين َّي���ة املُترَ َ ِّت َبة على‬ ‫بي ‪ْ Í‬‬ ‫املذ ُكو َر ِة يف ال َّت ْو َرا ِة ك ْو ُنه ع ْبدً ا َر ُ�سو ًال‪،‬‬ ‫ومن �أ ْو َ�ص ِ‬ ‫اف ال َّن ِّ‬ ‫اب َّ‬ ‫اجل ْه ِل ُّ‬ ‫َ‬ ‫والظ ْل ِم‪ ،‬ويف الأُخْ َرى بال ِع َقاب ال َو ِب ِيل‪ ،‬وال َع َذ ِ‬ ‫الط ِ‬ ‫ويل‪ .‬وذلك يف َق ْو ِله‪�« :‬أَنْتَ َع ْبدِ ي َو َر ُ�سول»‪.‬‬ ‫وه���ذه ا ُ‬ ‫وال�س َّنة‬ ‫جل ْم َل ُة تف ِْ�صي ُلها‪ ،‬ما َجا َء ِب ِه ‪ِ Í‬م���ن ِ‬ ‫الكت ِ‬ ‫َاب ُّ‬ ‫ْ‬ ‫امل�ش َتمِ ِل على ذلك»(‪.)5‬‬ ‫ا�ص ٌة‬ ‫وه���ذه ال ُع ُبود َّي ُة ا َمل ْذ ُكو َر ُة هن���ا‪ ،‬هي ُع ُبود َّي��� ٌة اخْ ِت َيار َّي ٌة َخ َّ‬ ‫ب�أ ْن ِب َيا ِئ���ه و�أ ْو ِل َيا ِئ��� ِه ـ �سبحانه ـ‪ ،‬وهي َت ْقت َِ�ض���ي الت َّْ�ش ِر َ‬ ‫يف وال َّت ْك ِر َمي‪،‬‬ ‫ِوم���نَ َّ‬ ‫ال�ش َما ِئ ِل ال َّنبو َّية ال َوا ِر َد ِة يف التَّ���وراة‪ :‬ك ْو ُنه ‪ :Í‬ر ًزا‬ ‫ال�ش ِام َل��� ُة لجِ َ مِ ي ِع ا َ‬ ‫«حِ ْ وب�إِ َزا ِئه���ا ال ُع ُبو ِد َّي ُة ال َعا َّم��� ُة ا ِال ْ�ض ِط َرا ِر َّي ُة َّ‬ ‫خل ْل ِق‪،‬‬ ‫ِللأُ ِّم ِّي َ‬ ‫�ي�ن»؛ � ْأي‪ِ :‬ح ْ�ص ًن���ا للأُ َّم ِّي�ي�ن‪ ،‬وهم الذي���ن ال كتاب لهم من‬ ‫(‪)6‬‬ ‫و َت ْقت َِ�ضي ال َه ْي َم َن َة وال َق ْه َر ‪.‬‬ ‫العرب وغريهم‪.‬‬ ‫وق���د َذ َك َر اهلل‪َ y õ‬ن ِب َّي��� ُه حم َّمدً ا ‪ Í‬ـ وهو �أ ْك َر ُم ا َ‬ ‫خل ْل ِق عليه‪،‬‬ ‫و� َأح ُّبهم �إ َل ْي ِه ـ بال ُع ُبود َّية يف � ْأ�ش َر ِف َم َق َاما ِته و�أ ْف َ�ض ِل � ْأح َوا ِله؛ وذلك‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫���ام الت َ​َّحدِّ ي ب����أنْ َي�أْتُوا بمِ ِ ْث ِل ه���ذا ال ُق ْر� ِآن‪،‬‬ ‫���ام ال ُّد َعاءِ‪َ ،‬وم َق ِ‬ ‫ِوم���نْ ه���ذا ق ْول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ يف َم َق ِ‬ ‫يحاءِ‪:‬‬ ‫ﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰ َوم َق ِام ال ْإ�س َراءِ‪َ ،‬وم َق ِام �إ ْنزَ ِال ال ُقر�آن‪َ ،‬وم َق ِام الإِ َ‬ ‫(‪ )6‬انظر لبيان ذلك «فتاوى ابن تيمية» (‪ 43/1‬ـ ‪ ،)44‬و«القول املفيد» لل�شيخ ابن‬ ‫عثيمني (‪ 33/1‬ـ ط‪ :‬ابن اجلوزي)‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪31‬‬


‫سيرة وتاريخ‬

‫﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬

‫ففي َم َق ِام ال ُّد َعا ِء قال �سبحانه‪:‬‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [\‪.]Ç‬‬ ‫ام الت َ​َّح���دِّ ي قال ‪﴿ :y‬ﯢﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫ويف َم َق ِ‬ ‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ‬

‫ﯵﯶ﴾ [\^]‪.‬‬ ‫ويف مق���ام ال ْإ�س َرا ِء قال �سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫ِع ْندَ هَ ا ِ�إ َل ًها‪ ،‬و َر ًّبا ت ُْط َل ُب منه َ‬ ‫احل َوا ِئ ُج‪.‬‬ ‫الثاني���ة‪ُ :‬م َف ِّر َط��� ٌة ُم َق ِّ�ص��� َر ٌة‪ ،‬لمَ ْ َت ْع ِر ْف َم ْن ِز َل��� َة ال َّن ِب ِّي ‪ Í‬وال‬ ‫���د َر ُه وال ُح ُقو َقه؛ َف َل ْم ت ْر َف ْع ب َه ْد ِي ِه ر�أْ ً�سا‪َ ،‬ب ْل ن َب َذ ْت ما جا َء ِب ِه ورا َء‬ ‫َق ْ‬ ‫املحدَ َث ِة‪ ،‬وا َّت َب َع ِت الأهوا َء املُ ِ�ض َّل َة‪.‬‬ ‫َظ ْه ِرهَ ا‪ْ ،‬‬ ‫واع َت َمدَ ْت على الآراء ْ‬ ‫ف َو ْ�ص ُف��� ُه بال ُع ُبود َّية َر ٌّد على ال ُغ�ل�ا ِة‪ ،‬و َو ْ�ص ُف ُه بال ِّر َ�سا َل ِة ر ٌّد على‬ ‫ا ُ‬ ‫جلفا ِة‪.‬‬

‫ﭕﭖﭗﭘ ﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬

‫ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [\‪.]m‬‬ ‫النبي ‪ Í‬ا َمل ْذ ُكو َر ِة يف التَّورا ِة ك ْو ُنه ُم َت َو ِّك ًال على‬ ‫ِومنْ �أ ْو َ�ص ِ‬ ‫اف ِّ‬ ‫ويف مق���ام �إ ْن���زَ ال الق���ر�آن ق���ال ‪﴿ :y‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬ ‫الو�ص ُ‬ ‫وع َل ًم���ا عليه؛ ِل ِ�ش َّدة‬ ‫ا�س ًما له‪َ ،‬‬ ‫اهلل تع���اىل‪ ،‬بل َ�ص���ا َر هذا ْ‬ ‫���ف ْ‬ ‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [\‪ ،]u‬وق���ال �أ ْي ً�ض���ا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫النبي ‪ Í‬لهذه ال ِع َبادَة ال َع ِظي َمة‪ ،‬كما جاء يف‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫به‪،‬‬ ‫���ه‬ ‫ن‬ ‫َا‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ترِ‬ ‫زوم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﴾‬ ‫«�س َّم ْي ُت َك امل َت َو ِّك َل»‪.‬‬ ‫هذا الأ َثر‪َ :‬‬ ‫[\‪.]n‬‬ ‫يح���ا ِء ق���ال �سبحا ن���ه‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫���ام ا لإِ َ‬ ‫ويف َم َق ِ‬ ‫ﮀ ﮁ ﴾ [ \‪.)7( ]³‬‬ ‫والتَّ���و ُّك ُل ُل َغ��� ًة ه���و ال َّتف ُ‬ ‫ْوي�ض وا ِال ْع ِت َم���ادُ‪� ،‬أ َّما َ�ش ْر ًع���ا فقد قال‬ ‫ُ‬ ‫وق���د ُخيرِّ َ نب ُّين���ا ‪ Í‬بينْ �أنْ َي ُكونَ َع ْبدً ا َر ُ�س���وال‪� ،‬أو َن ِب َّيا َم ِل ًكا؛‬ ‫واحل َك ِم» (‪ 356/2‬ـ ط‪:‬‬ ‫«جام ِع ال ُع ُلوم ِ‬ ‫احلافظ ابنُ َر َج ٍب ‪ :‬يف ِ‬ ‫ر�سو ًال‪ ،‬كما جاء ذلك يف ِ‬ ‫هلل‬ ‫فاخْ تَا َر �أنْ يكونَ َع ْبدً ا ُ‬ ‫حديث �أَ ِبي هُ َر ْي َر َة دار اخل�ي�ر)‪« :‬وحقيق ُة التو ُّك ِل هو‪�ِ :‬ص ْ‬ ‫���د ُق ْاع ِت َما ِد ال َق ْل ِب ع َلى ا ِ‬ ‫���ال‪َ :‬ج َل َ�س ِج رْ ِبي ُ‬ ‫‪َ Ç‬ق َ‬ ‫ال�س َماءِ‪ y ،‬يف ِا ْ�س ِت ْج�ل�اب ا َمل َنا ِف ِع‪ ،‬و َد ْف ِع ا َمل َ�ضا ِّر ِم���نْ �أُ ُمور ال ُّد ْن َيا والآخرة‬ ‫���ل �إِلىَ ال َّن ِب ِّي ‪َ ،Í‬ف َن َظ��� َر ِ�إلىَ َّ‬ ‫َف����إِ َذا َم َل ٌك َي ْن ِز ُل‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ِج رْ ِبي ُ‬ ‫���ان ِب�أَ َّنه ال ُي ْع ِطي وال‬ ‫���ل‪� :‬إِنَّ هَ َذا َم َل ٌك َما َنزَ َل ُم ْن ُذ ُخ ِلقَ ُك ِّل َه���ا وو ِّكلت الأمور كلُّه���ا �إليه‪ ،‬وتحَ ْ ِقيقُ الإ َمي ِ‬ ‫َق ْب َ‬ ‫ال�س َاع ِة! َف َل َّما َنزَ َل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬يا محُ َ َّمدُ‪� ،‬أَ ْر َ�س َل ِني �إِ َل ْي َك َر ُّب َك؛ �أَ َم َل ًكا يمَ ْ َن ُع وال َي ُ�ض ُّر وال َي ْن َف ُع ِ�س َوا ُه»اهـ‪.‬‬ ‫���ل َّ‬ ‫�أَ ْج َع ُل َ‬ ‫و َق ِد ْام َت َث َل َر ُ�س ُ‬ ‫���ك‪� ،‬أَ ْم َع ْبدً ا َر ُ�سو ًال؟ َق َال َل ُه ِج رْ ِب ُيل‪َ :‬ت َو َ‬ ‫ا�ض ْع ِل َر ِّب َك َيا محُ َ َّمدُ‪،‬‬ ‫ول اهلل ‪ْ � Í‬أم َر ر ِّب ِه ‪ y‬بالتَّو ُّكل عليه؛ � ْإذ �أَ َم َر ُه‬ ‫َق َال‪َ « :‬ب ْل َع ْبدًا َر ُ�سو ًال»(‪.)8‬‬ ‫ا�ض َع ِع َّد ٍة من ال ُقر�آن الكرمي‪ ،‬وذلك يف ِم ْث ِل ق ْو ِله ‪:y‬‬ ‫بذلك يف َم َو ِ‬ ‫���ام البخ���اري يف ﴿ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [\_]‪،‬‬ ‫ويف ه���ذا ج���اء احلدي���ثُ ال���ذي رواه الإم ُ‬ ‫���ن َع َّبا� ٍ���س ‪� ،È‬أ َّنه َ�سمِ ��� َع ُع َم َر وق ْو ِل���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾‬ ‫«�صحيح���ه» (‪َ )3445‬ع���نْ ا ْب ِ‬ ‫[‪ ،]58 :u‬وقو ِل���ه ‪﴿ :y‬ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫���ي ‪َ Í‬ي ُق ُ‬ ‫‪َ Ç‬ي ُق ُ‬ ‫ول‪َ « :‬ال ُت ْط ُرونيِ‬ ‫���ول َع َلى المْ ِ ْن رَ ِب‪�َ :‬سمِ ْعتُ ال َّن ِب َّ‬ ‫ن���ا �أَ َنا َع ْب ُدهُ؛ َف ُقو ُلوا‪َ :‬ع ْب ُد ﭨ﴾ [\‪ ،]w‬وقو ِل���ه ‪﴿ :y‬ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫َك َم���ا �أَ ْط َرتِ ال َّن َ�صا َرى ا ْب َن َم ْريمَ َ‪َ ،‬ف ِ�إ مَّ َ‬ ‫ﭴ ﭵ﴾ [\{]‪.‬‬ ‫اللهَّ ِ َو َر ُ�سو ُلهُ»‪.‬‬ ‫ويف قول���ه‪�« :‬أَنْتَ َع ْبدِ ي َو َر ُ�سول» ر ٌّد على َطا ِئ َف َتينْ ُم ْن َح ِر َف َتينْ‬ ‫ال�س ِبيل‪:‬‬ ‫َعنْ َ�س َوا ِء َّ‬ ‫ومن َّ‬ ‫ال�شمائل ال َّن َبو َّية ْ‬ ‫املذ ُكورة يف هذا الأث َِر َك ْو ُنه ‪َ « :Í‬ل ْي َ�س‬ ‫فج َع َل ْت ُه‬ ‫الأوىل‪ُ :‬مف ِْر َط��� ٌة َغا ِل َي��� ٌة‪ ،‬ر َف َعتْ��� ُه ‪َ Í‬ف��� ْو َق َم ْن ِز َل ِت��� ِه‪َ ،‬‬ ‫ِيظ»‪.‬‬ ‫ِب َف ٍّظ َو َال َغل ٍ‬ ‫َف ْو َق َمر َت َب��� ِة ال ُع ُبود َّية‪َ ،‬ب ْل يف َم ْر َت َب ِة ال ُّر ُبوبية والأُ ُلوه َّية‪ ،‬حتَّى َ�صا َر‬ ‫( ‪ )7‬انظ���ر‪« :‬فت���اوى ا ب���ن تيمية» ( ‪ ،)152 /10‬و«ا جل���واب الكايف» ال ب���ن القيم‬ ‫(�ص ‪.)132‬‬ ‫(‪� )8‬صحيح‪ :‬رواه �أحمد‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬انظر‪« :‬ال�صحيحة» (‪.)1002‬‬

‫‪32‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫عام َلته مع احلقِّ ـ تبارك وتع���اىل ـ ب َت َو ُّك ِله‬ ‫���ن ُم َ‬ ‫َف َب ْع���دَ ِذ ْك ِر ُح ْ�س ِ‬


‫�ل�ا ِق ال ُق��� ْر�آن؛ � ْإذ قال ُ‬ ‫���ي ‪ Í‬يف ه���ذا ُمت َ​َخ ِّل��� ٌق ب�أخْ َ‬ ‫اهلل‬ ‫وال َّنب ُّ‬ ‫خماط ًبا َن ِب َّي��� ُه ‪﴿ :Í‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫‪ِ y‬‬ ‫ﮘﮙ﴾ [‪ ،]s\ ‬وق���ال ‪﴿ :y‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬

‫ﮛ ﮜ﴾ [‪ ،]¦\ ‬وق���ال ‪﴿ :y‬ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ‬

‫سيرة وتاريخ‬

‫معام َل ِته م���ع ا َ‬ ‫خل ْل ِق‪ ،‬و َكم ِ‬ ‫���ن َ‬ ‫علي���ه‪ ،‬جا َء ِذ ْك��� ُر ُح ْ�س ِ‬ ‫���ال �أخْ ال ِقه يف ﯨ ﯩ ﯪﯫ﴾ [ \ ‪ ،]a‬و ق���ال �سبحا ن���ه‪:‬‬ ‫وخ ْل َطتِهِ م‪.‬‬ ‫ِع ْ�ش َرتِهِ م ِ‬ ‫﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [_‪.]159 :‬‬ ‫وال َف َظ َ‬ ‫اظ��� ُة وال ِغ ْلظ��� ُة ُم َت َقا ِر َبتَ���ان يف امل ْع َنى‪ ،‬وهُ َم���ا ِ�ض ُّد ال ِّلني‬ ‫النبي ‪ Í‬كما قال ‪﴿ :y‬ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫وال ِّر ْف ِ‬ ‫���ق ال َّل َذ ْين كانا ُخ ُلقَ ِّ‬ ‫ُث َّم ج���اء يف َو ْ�ص ِفه ‪ Í‬يف التَّ���وراة‪َ « :‬و َلنْ َي ْق ِب َ�ض��� ُه اللهَّ ُ َح َّتى‬ ‫ﭜﭝ ﭟ‬ ‫ﭞﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ﴾ [_‪ُ .]159 :‬يقِي َم ِب ِه المْ ِ َّل َة ا ْل َع ْو َجاءَ»‪.‬‬ ‫ا�ش َر ِة ال َّنا����س‪ ،‬واال ْن ِب ُ‬ ‫وه���ذا ال ِّل ُني َي ْن ُج ُم عن���ه ُح ْ�س���نُ ُم َع َ‬ ‫�ساط‬ ‫النبي ‪Í‬؛ ففي‬ ‫وج ِ‬ ‫�إ َل ْيهِ ���م والت َب ُّ�س ُ‬ ‫���م يف ُ‬ ‫وههِ م‪ ،‬وهكذا كان ُخ ُل���قُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫‪y‬‬ ‫َ‬ ‫قيم به‬ ‫النبي الكر َمي ‪ Í‬حتَّى ُي َ‬ ‫�أي‪ :‬ل���نْ يمُ ِ ي َـت اهلل ه���ذا َّ‬ ‫«ال�صحيح�ْي�نْ » َع���نْ َج ِر ِير ْبن عبد اهلل ال َب َج ِّلي َق َ‬ ‫���ال‪«َ :‬ما َح َج َب ِني‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ال َّن ِبي ‪ُ Í‬م ْن ُذ �أَ�س َلمتُ ‪َ ،‬و َال َر�آ �إ َّال َت َب�س َم فيِ َو ْجهِ ي»؛ ولهذا َتر َج َم ا ِمللة ال َع ْو َجاء‪ ،‬وف ِّ�س َر ْت بتف�س َري ْين‪:‬‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫نيِ ِ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ا�ض���ي ِع َيا�ض ‪ :‬يف «م�ش���ارق الأ ْن َوار»‬ ‫الأول‪ :‬م���ا َذ َك��� َر ُه ال َق ِ‬ ‫البخاري يف «الأدب املفرد» (�ص ‪ )95‬لهذا الأ َث ِر ا َّلذي فيه‬ ‫إمام‬ ‫ُّ‬ ‫ال ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اهيم ـ ِمل���ة ال ْإ�سال ِم ـ ال ِتي‬ ‫ا�س»‪ )104/2( .‬حي���ث قال‪« :‬يعني ِمل���ة �إ ْب َر َ‬ ‫«باب اال ْن ِب َ�س ِ‬ ‫ِ�ص َف��� ُة ال َّن ِب ِّي ‪ Í‬يف التَّ��� ْو َرا ِة بقوله‪ُ :‬‬ ‫���اط �إىل ال َّن ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫غيرَّ َ ْت َها اجلاهل َّية َعنْ ِا ْ�س ِتق َام ِت َها‪ ،‬و�أمال ْت َها َب ْعدَ ق َو ِام َها»اهـ‪.‬‬ ‫َو َو ْج ُه ذلك �أنَّ َ‬ ‫إبراهيم ‪َ ،º‬م�أْ ُخوذ ٌة‬ ‫احل ِني ِف َّي َة ا َّلتي هي ِم َّل ُة �‬ ‫َ‬ ‫ا�س ِت َق َام ِة َج��� َوار ِ​ِح الن ِب ِّي ‪ِ Í‬م���نَ َ‬ ‫و َب ْع���دَ �أنْ َو َر َد يف ه���ذا الأ َث ِر ِذ ْك ُر ْ‬ ‫احل َن ِف وه���و ا َمل ْي ُل؛ لأ َّنها َما َل ْت عن جمي��� ِع ُط ُر ِق َّ‬ ‫ال�ضالل �إىل‬ ‫الط ِر ِيق الذي َر ِ�ض َي ُه ُ‬ ‫ا�س ِت َق َام ِة ِل َ�سا ِنه َّ‬ ‫ال�شريف‪ ،‬وذلك ِب َو ْ�ص ِفه‪َ « :‬و َال‬ ‫َّ‬ ‫املُ َبا َر َك��� ِة‪َ ،‬جا َء ِذ ْك ُر ْ‬ ‫اهلل ‪َ ،y‬ف ِق َيل َل َها‪« :‬ا ِمل َّل ُة ال َع ْو َجا ُء»؛ لأنَّ فيها‬ ‫َ�س َّخابٍ فيِ الأَ ْ�س َواقِ »‪.‬‬ ‫اجا عن طريق ِّ‬ ‫ال�ش ْر ِك �إىل طريق التوحيد‪ ،‬وعن � ْأه ِل‬ ‫َم ْي ًال ْ‬ ‫واع ِو َج ً‬ ‫ِّ‬ ‫ال�ش ْر ِك �إىل � ْأه ِل التَّوحيد(‪.)9‬‬ ‫الث���اين‪ :‬م���ا ذ َك َر ُه ا ْب���نُ بط���ال يف «�شرح �صحي���ح البخاري»‬ ‫���ب ـ و ُي ُ‬ ‫باخل َ�ص ِام‬ ‫ال�ص ْو ِت ِ‬ ‫وال�س َخ ُ‬ ‫ال�ص َخ ُب ـ هو َر ْف ُع َّ‬ ‫قال �أي�ضا‪َّ :‬‬ ‫َّ‬ ‫وه َي ِم َّل ُة ال ُكف ِْر؛‬ ‫(‪َ ،)254 /6‬ح ْيثُ قال‪« :‬المْ ِ َّل ُة ا ْل َع ْو َجا ُء‪ :‬املُ ْع َو َّج ُة‪ِ ،‬‬ ‫واق ِّ‬ ‫وخ َّ�ص ِت ال ْأ�س ُ‬ ‫���ال َمنْ ال ِح ْل َم له َو َال َو َق���ا َر‪ُ ،‬‬ ‫بالذ ْك ِر ِلكَثرْ َ ِة ما‬ ‫َك َح ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫���ام اهلل ِبن ِب ِّي ِه ِع َو َج الكف ِْر َحتَّى ظ َه َر ِدي���نُ الإِ ْ�سال ِم‪َ ،‬و َو َ�ض َح ْت‬ ‫ف�أق َ‬ ‫البخاري‬ ‫إمام‬ ‫ُّ‬ ‫ال�ص َخ ِب وال َّل َغ ِط؛ وله���ذا َت ْر َج َم ال ُ‬ ‫َي ْج ِري فيه���ا ِمنَ َّ‬ ‫�أَ ْع َال ُمهُ» اهـ‪.‬‬ ‫ِل َه َ‬ ‫���ب فيِ‬ ‫ال�س َخ ِ‬ ‫���ذا الأ َث ِ���ر يف «�صحيح���ه» بق ْول���ه‪َ « :‬ب ُ‬ ‫���اب َك َر ِاه َي��� ِة َّ‬ ‫«ال�ص َو ِاع ِق‬ ‫ال�صدَ ِد ق���ال ال ُ‬ ‫إمام ابنُ الق ِّي���م ‪ :‬يف َّ‬ ‫ويف ه���ذا َّ‬ ‫وق»‪.‬‬ ‫ال�س ِ‬ ‫ُّ‬ ‫���ال ال َّنا� ِ���س َق ْب َ‬ ‫ا�ص ًف���ا َح َ‬ ‫���ل ال ِب ْع َث��� ِة‪:‬‬ ‫املُ ْر َ�س َل��� ِة» (‪ 148 /1‬ـ ‪َ )149‬و ِ‬ ‫«و َكا َن ِت الأُممَ ُ ـ �إِ ْذ َذ َ‬ ‫اك ـ ما َبينْ َ ُم ْ�ش ِر ٍك ِبال َّر ْح َمن؛ َعا ِب ٍد ِللأَ ْو َثان‪،‬‬ ‫ِوم���نَ الأخْ َ‬ ‫لل�ص ْل َب ِان �أ ْو َعا ِب ٍد َّ‬ ‫�ل�ا ِق ال َّن َبو َّي ِة ْ‬ ‫لل�ش ْم ِ�س وال َق َم ِر وال ُّن ُج ِوم‪،‬‬ ‫وعا ِب ٍد لل ِّن َري ِان‪َ ،‬‬ ‫املذ ُكو َر ِة يف هذا الأث��� َِر ك ْو ُنه ‪َ « :Í‬ال َ‬ ‫وعا ِب ٍد ُّ‬ ‫هلل َ‬ ‫احل ِّي ال َق ُّي���وم‪� ،‬أ ْو تَا ِئ ٍه يف َب ْيدَ ا ِء َ�ض َال َل ِت��� ِه َحيرْ َ ان‪َ ،‬ق ِد‬ ‫ال�س ِّي َئ َة؛ َو َلكِنْ َي ْع ُفو َو َي ْغ ِف ُر»‪.‬‬ ‫َكا ِف ٍ���ر ب���ا ِ‬ ‫ِال�س ِّي َئ ِة َّ‬ ‫َي ْد َف ُع ب َّ‬ ‫ِا ْ�س َت ْه َوا ُه َّ‬ ‫ال�ش ْي َطان‪َ ،‬و َ�س َّد َع َل ْي ِه َط ِريقَ الهُدَ ى والإِ َميان» اهـ‪.‬‬ ‫ُث َّم جاء يف هذا الأَ َث ِر‪ِ « :‬ب�أَ ْن َي ُقو ُلوا‪َ :‬ال ِ�إ َل َه ِ�إ َّال اللهَّ ُ»‪.‬‬ ‫يط َم ْ�س ُم ٍوع ملعايل ال�شيخ �صالح بن عبد العزيز �آل‬ ‫(‪ )9‬هذا‬ ‫الكالم ُم ْ�س َتفَا ٌد مِ نْ َ�ش ِر ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َاب « َف ْ�ضل الإ�سالم»‪.‬‬ ‫ال�شيخ‪ ،‬فيه َ�ش ْر ُح كِ ت ِ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪33‬‬


‫سيرة وتاريخ‬

‫وهذه ال َك ِل َم ُة الط ِّي َب ُة ـ َك ِل َم ُة ال َّت ْو ِح ِيد ـ هي ا َّل ِتي َب َعثَ ُ‬ ‫اهلل ‪ y‬بها‬ ‫َر ُ�سو َل��� ُه محُ َ َّمدً ا ‪ ،Í‬وه���ي � ْأ�ص ُل ِد ِين ال ْإ�سالم الذي �أ ْنزَ َل ُ‬ ‫اهلل ِب ِه‬ ‫ِ‬ ‫ُكت َبهُ‪ ،‬و�أ ْر َ�س َل ِب ِه ُر ُ�س َلهُ‪.‬‬ ‫���ي ‪ Í‬دع َو َتهُ؛ ف َعنْ َط���ارِقٍ المْ ُ َحا ِر ِب ِّي ‪Ç‬‬ ‫وبه���ا ا ْب َتدَ َ�أ النب ُّ‬ ‫َق َال‪َ :‬ر�أَ ْيتُ َر ُ�س َ‬ ‫وق ِذي المْ َ َجازِ‪َ ،‬و َع َل ْي ِه ُح َّل ٌة َح ْم َرا ُء‪،‬‬ ‫ول اهلل ‪ Í‬يف ُ�س ِ‬ ‫َوهُ ��� َو َي ُق ُ‬ ‫ول‪« :‬ي���ا �أَ ُيهَّا ال َّنا� ُ���س‪ُ ،‬قو ُل���وا‪َ :‬ال ِ�إ َل��� َه �إِ َّال اللهَّ ُ؛ ُت ْفل ُِحوا‪»...‬‬ ‫احلديث(‪.)10‬‬ ‫قام ْت‬ ‫بي ‪ Í‬و�أُ َّ�س َها الذي َ‬ ‫فتبينَّ َ من هذا �أنَّ حقي َق َة د َْع َو ِة ال َّن ِّ‬ ‫علي���ه هو َتق ِْري ُر التَّوحي���د‪ ،‬وتحَ ْ ِقيقُ َم ْع َنى «ال �إ َل��� َه �إ َّال ُ‬ ‫اهلل»‪ ،‬وذلك‬ ‫ومنْ َو َرا ِئ ِه �أُ َّم َت ُه بق ْو ِله‪﴿ :‬ﰊ ﰋ‬ ‫ْام ِت َثا ًال ل ْأم ِر اهلل ‪َ y‬ن ِب َّي ُه ‪ِ ،Í‬‬ ‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ﴾ [ ﯜ‪.]19 :‬‬ ‫النبي ‪ Í‬يف التَّ��� ْو َراة ب�أ َّنه‪:‬‬ ‫ُث َّ‬ ‫���م جا َء َب ْع���دَ ذلك َو ْ�ص ُف د َْع��� َو ِة ِّ‬ ‫« َي ْف َت ُح ِبهَا �أَ ْع ُي ًنا ُع ْم ًيا‪َ ،‬و�آ َذا ًنا ُ�ص ًّما‪َ ،‬و ُق ُلو ًبا ُغ ْل ًفا»‪.‬‬ ‫ق���ال املُ َّ‬ ‫�ل�ا َع ِلي الق���اري يف «مرقاة املفاتي���ح» (‪:)420 /16‬‬ ‫«« َو ُق ُلو ًب���ا ُغ ْل ًف���ا» ِب َ�ض ِّم �أَ َّو ِل ِه‪َ :‬ج ْم ُع � ْأغ َل ُ‬ ‫���ف‪ ،‬وهو ا َّل ِذي ال َي ْف َه ُم‪َ ،‬ك�أَنَّ‬ ‫َق ْل َب ُه يف ِغ َال ٍف‪.‬‬ ‫َ‬ ‫���وم وا َمل َعار ِ​ِف‪ ،‬قال‬ ‫و�إنمَّ���ا َذ َك َر هذه الأ ْع َ�ض���ا َء؛ لأ َّن َها �آ َالتٌ ِل ْل ُع ُل ِ‬ ‫تعاىل يف َحقِّ ال ُكفَّارِ‪﴿ :‬ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭦ﴾ [^‪ ،]7 :‬وق���ال‪ ﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾‬ ‫[^‪ ،]171 :‬و َل َع َّل���ه لمَ ْ َي ْذ ُك ِر ال ِّل َ�س���انَ يف َم ْع ِر ِ�ض هذا ال َب َيان؛ لأ َّنه‬ ‫َت ْر ُج َمانُ َ‬ ‫اجل َنان‪ ،‬والإِ َنا ُء َيترَ ََّ�ش ُح بمِ َ ا ِفي ِه ِمنَ الأَ ْع َيان» اهـ‪.‬‬ ‫ويف ه���ذه اجلمل���ة ـ كما ق���ال الإمام اب���ن القي���م ـ يف ِ«هدَ ا َية‬ ‫َ‬ ‫���ب ال ِع ْل ِم والهُدَ ى‬ ‫احل َي���ا َرى» (�ص ‪�« :)76‬إِ َ�ش���ا َر ٌة �إىل َت ْكمِ ِيل َم َرا ِت ِ‬ ‫َ‬ ‫وب والأَ ْب َ�صا ِر والأَ ْ�س َم���ا ِع‪َ ،‬ف َبا َي ُنوا ِب َذ ِل َك‬ ‫احل ِ‬ ‫���ل بِدَ ْع َو ِت ِه يف ال ُق ُل ِ‬ ‫ا�ص ِ‬ ‫���وب ال َي ْع ِق ُلونَ ِب َها‪َ ،‬ف�إِنَّ‬ ‫ال�ص ِّ‬ ‫���م ال ُب ْك ِم ال ُع ْم ِي ا َّل ِذينَ َل ُه ْم ُق ُل ٌ‬ ‫�أَ ْح��� َو َال ُّ‬ ‫الهُدَ ى َي ِ�ص ُ‬ ‫وه َي ُم ْغ َل َق ٌة َعنْ‬ ‫اب ال َّث َال َث ِة‪ِ ،‬‬ ‫���ل �إىل ال َع ْب ِد ِمنْ هَ ِذ ِه ا َلأ ْب َو ِ‬ ‫َ���ح اهلل بمِ ُ َح َّم ٍد ‪Í‬‬ ‫ُك ِّل � َأح ٍ���د‪ ،‬ال ُت ْفت ُ‬ ‫َ���ح �إ َّال عل���ى �أ ْي ِدي ال ُّر ُ�سل‪ ،‬ف َفت َ‬ ‫ال�ص َّم َف َ�سمِ َع ْت َع ِن اهلل‪،‬‬ ‫ال ْأع�ُي�ننُ َ ال ُع ْم َي َف�أَ ْب َ�ص َر ْت ِب���اهلل‪ ،‬وال َآذانَ ُّ‬ ‫���وب ال ُغ ْل َ‬ ‫���ن اهلل؛ فا ْن َقاد َْت ِل َط َاع ِت��� ِه َع ْق ًال و َق ْو ًال‬ ‫وال ُق ُل َ‬ ‫���ف َف َع ِق َل ْت َع ِ‬

‫و�س َل َك ْت ُ�س ُب َل َم ْر َ�ضا ِت ِه ُذ ُل ًال»اهـ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وع َم ًال‪َ ،‬‬ ‫ِوم���نْ َف َرا ِئ ِد ال َف َوا ِئد‪ ،‬ما َذ َك��� َر ُه َ�ش ْيخُ الإ�سالم ا ْبنُ تيمية ‪:‬‬ ‫وال�س َح َر ِة‪ ،‬و َت�أْث�ِيِرِ ِ ُك ِّل ِمنْ هَ �ؤُال ِء‬ ‫م���ن ال ُف ُروق بني الأ ْن ِب َي���ا ِء ‡ َّ‬ ‫وب والأَ ْب َ�صا ِر والأَ ْ�س َما ِع‪ ،‬فقال يف «النب َّوات» (�ص‬ ‫وهَ �ؤُال ِء على ال ُق ُل ِ‬ ‫«فال�س ِاح��� ُر ُيف ِْ�س��� ُد ا ِلإ ْد َر َ‬ ‫اك‪ ،‬حتَّ���ى َي ْ�س َم��� َع الإ ْن َ�سانُ‬ ‫‪ 289‬ـ ‪َّ :)290‬‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش ْي َء‪ ،‬و َي َرا ُه‪ ،‬و َيت َ​َ�ص َّو َر ُه ِخ َال َف ما هو عليه‪ ،‬والأ ْن ِب َيا ُء ُي َ�ص ِّح ُحون‬ ‫وع ْق َلهُ‪ ،‬وا َّلذي���ن َخا َل ُفوهُ ْم ﴿ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫َ�س ْم��� َع الإ ْن ِ‬ ‫�سان و َب َ�ص��� َر ُه َ‬ ‫فال�س َح��� َر ُة َي ِزي���دُون ال َّنا� َ���س َع ًمى‬ ‫ﭹﭺﭻﭼ﴾ [\^]؛ َّ‬ ‫و�ص َم َم ُه ْم و َب َك َم ُهم»‪.‬‬ ‫و�ص َم ًما و َب َك ًما‪ ،‬والأَ ْن ِب َيا ُء َي ْر َف ُعونَ َع َماهُ ْم َ‬ ‫َ‬ ‫ْ�ص���و ُد هُ َنا �أنَّ الأ ْن ِب َيا َء َي ْفت َُحون ال ْأعينُ َ‬ ‫�إىل �أَنْ َق َال ‪« ::‬واملق ُ‬ ‫ال�س ْم َع‬ ‫ال�ص َّم‪ ،‬وال ُق ُل َ‬ ‫ال ُع ْم َي‪ ،‬والآذان ُّ‬ ‫وال�س َح َر ُة ُيف ِْ�سدُون َّ‬ ‫وب ال ُغ ْل َف‪َّ ،‬‬ ‫وال َب َ�ص َر وال َعق َْل حتَّى ُي َخ َّي َل للإ ْن َ�س ِان ال ْأ�ش َيا ُء ِب ِخ َال ِف ما هي َع َل ْي ِه؛‬ ‫�ص��� ِة مو�سى‪﴿ :‬ﯢ ﯣ‬ ‫َف َي َت َغ�َّي�رَّ َ ِح ُّ�س��� ُه َ‬ ‫وع ْق ُل���هُ‪ ،‬قال يف ِق َّ‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ﴾ [\‪]c‬؛ وهَ َذا‬ ‫ا�س َق ْد َح َ�ص َل ِفيها َت َغ�ُّي ؛رُّ ٌ ؛ و ِل َه َذا قال تعاىل‪:‬‬ ‫َي ْقت َِ�ض���ي �أَنَّ � ْأعينُ َ ال َّن ِ‬ ‫﴿ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬

‫���د َع ِل ُم���وا‬ ‫ﯬ ﯭ ﯮﯯﯰ ﯱﯲ﴾ [\‪]k‬؛ َف َق ْ‬ ‫وج ُب ا َمل َر َ�ض وال َقت َْل» اهـ‪.‬‬ ‫ا�س‪َ ،‬ك َما ُي ِ‬ ‫�أنَّ ِّ‬ ‫ال�س ْح َر يغيرِّ ُ ال ْإح َ�س َ‬ ‫و� ِآخ ُر د َْع َوا َنا �أَ ِن َ‬ ‫احل ْم ُد هلل َر ِّب ال َعالمَ ِني‪.‬‬

‫(‪� )10‬صحيح‪ :‬رواه ابن حبان‪ ،‬انظر‪�« :‬صحيح موارد الظم�آن» (‪.)1401‬‬

‫‪34‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫اجلـزء الـثـاين‬

‫‪ 11‬أقسام الخشوع ‪11‬‬

‫اخل�شوع خ�شوع���ان‪ :‬خ�شوع ظاهري‪،‬‬ ‫وخ�شوع باطني‪.‬‬ ‫فقد ر َوى ابن ن�ص���ر يف «تعظيم قدر‬ ‫علي‪﴿ :‬ﭕﭖ‬ ‫ال�صالة» (‪ )188/1‬عن ٍّ‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [\‪،]s‬‬ ‫َ‬ ‫قال‪« :‬اخل�شو ُع خ�شو ُع القلب و�أن ال يلتفت‬ ‫ميي ًنا وال �شما ًال»‪.‬‬ ‫وق���د ج���اء التَّنوي���ه بهما فيم���ا رواه‬ ‫م�سلم (‪َ )234‬ع���نْ ُع ْق َب َة ِبن َع ِام ٍر َق َال‪:‬‬ ‫���ل َف َجا َء ْت َن ْو َب ِتي‬ ‫« َكا َن ْ‬ ‫���ت َع َل ْي َنا ر َِعا َي ُة الإِ ِب ِ‬ ‫َف َر َّو ْح ُت َها ب َع ِ�ش ٍّي‪َ ،‬ف�أَ ْد َر ْكتُ َر ُ�س َ‬ ‫هلل ‪Í‬‬ ‫ول ا ِ‬ ‫َقا ِئ ًم���ا ُي َحدِّ ُث ال َّنا� َ���س‪َ َ ،‬ف�أ ْد َر ْكتُ ِمنْ َق ْو ِل ِه‬ ‫«مَا مِ نْ م ُْ�سل ٍِم َي َت َو َّ�ض ُ����أ َف ُي ْح�سِ ُن ُو ُ�ضو َء ُه‬ ‫ُث َّم َي ُق���و ُم َف ُي َ�ص ِّلي َر ْك َع َتينْ ِ ُم ْق ِب ٌل َعلَ ْي ِه َما‬ ‫ب َق ْل ِب ِه َو َو ْج ِه ِه �إِ َّال َو َج َبتْ َل ُه ا َ‬ ‫جل َّن ُة»‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫َف ُق ْلتُ ‪َ :‬ما �أَ ْج َو َد هَ ِذ ِه‪.»...‬‬ ‫والإقبال عليهما بالقلب هو اخل�شوع‪،‬‬ ‫كم���ا ج���اء مب َّين���ا يف «�صحي���ح م�سل���م»‬ ‫(‪� )228‬أنَّ ر�سول اهلل ‪ Í‬قال‪« :‬مَا مِ ِن‬ ‫ْام���رِئٍ م ُْ�س ِل ٍ���م تحَ ْ ُ�ض��� ُر ُه َ�ص َ‬ ‫�ل�ا ٌة َم ْك ُتو َب��� ٌة‬

‫عبد املالك رم�ضاين‬ ‫املدينة النبوية‬

‫َف ُي ْح�سِ ُ‬ ‫���ن ُو ُ�ضو َءهَا َو ُخ ُ�شو َعهَ���ا َو ُر ُكو َعهَا‬ ‫�إِ َّال َكا َن���تْ َك َّفا َر ًة لمِ َ���ا َق ْبلَهَا مِ َن ُّ‬ ‫الذ ُنوبِ مَا‬ ‫ري ًة َو َذل َِك الدَّهْ َر ُك َّلهُ»‪.‬‬ ‫لمَ ْ ُي�ؤْتِ َك ِب َ‬ ‫���ووي‪« :‬وقد جمع ‪ Í‬بهاتني‬ ‫قال ال َّن ُّ‬ ‫ال َّلفظت�ي�ن �أنواع اخل�ض���وع واخل�شوع؛ لأنَّ‬ ‫اخل�ضوع يف الأع�ضاء‪ ،‬واخل�شوع بالقلب‪،‬‬ ‫على ما قاله جماعة من العلماء»(‪.)1‬‬ ‫ويف معناه قوله ‪َ :Í‬‬ ‫«خ ْم ُ�س َ�صلَ َواتٍ‬ ‫ا ْفترَ َ َ�ض ُه���نَّ ُ‬ ‫اهلل َت َع���الىَ َم���نْ �أَ ْح َ�س َ‬ ‫���ن‬ ‫ُو ُ�ضوءَهُ ���نَّ َو َ�ص َّ‬ ‫الهُ ���نَّ ِل َو ْق ِتهِ���نَّ َو�أَ مَ َّ‬ ‫ت‬ ‫هلل‬ ‫ُر ُكو َع ُه���نَّ َو ُخ ُ�شو َع ُه���نَّ َكا َن َل��� ُه َعلَ���ى ا ِ‬ ‫َعهْ��� ٌد �أَ ْن َي ْغفِ��� َر َل ُه َو َم���نْ لمَ ْ َي ْف َع ْل َفلَ ْي َ�س‬ ‫هلل َعهْ��� ٌد ِ�إ ْن َ�ش���ا َء َغ َف َر َل��� ُه َو ِ�إ ْن‬ ‫َل��� ُه َعلَ���ى ا ِ‬ ‫َ�شا َء َع َّذ َبهُ»(‪.)2‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫فاخل�ش���وع َّ‬ ‫ال�ص�ل�اة‬ ‫الظاه���ري يف َّ‬ ‫يتم َّثل يف‪:‬‬ ‫‪ ‬ترك احلركة والكالم‪:‬‬ ‫ولذلك ي�ضاف اخل�شوع �إىل الأ�صوات‬ ‫كما ق���ال ‪﴿ :y‬ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [\‪.]p‬‬ ‫(‪�« )1‬شرح م�سلم» (‪.)121/3‬‬ ‫(‪ )2‬رواه �أبو داود (‪ )425‬وهو �صحيح‪.‬‬

‫تزكية وآداب‬

‫الخشوع‬

‫روى البخ���اري (‪ )1199‬وم�سل���م‬ ‫هلل بن م�سع���ود َق َال‪:‬‬ ‫(‪َ )538‬ع���ن َع ْب ِد ا ِ‬ ‫هلل ‪َ Í‬وهُ َو يف‬ ‫���ول ا ِ‬ ‫���م َع َلى َر ُ�س ِ‬ ‫ُك َّن���ا ُن َ�س ِّل ُ‬ ‫ال�ص َ‬ ‫�ل�ا ِة‪َ ،‬ف�َي�رَ ُ ُّد َع َل ْي َنا‪َ ،‬ف َل َّم���ا َر َج ْع َنا ِمنْ‬ ‫َّ‬ ‫���م َي ُر َّد‬ ‫ِع ْن ِ‬ ‫���ي َ�س َّل ْم َن���ا َع َل ْي��� ِه َف َل ْ‬ ‫���د ال َّن َج ِا�ش ِّ‬ ‫َع َل ْي َن���ا‪َ ،‬ف ُق ْل َنا‪َ :‬ي���ا َر ُ�س َ‬ ‫هلل! ُك َّن���ا ُن َ�س ِّل ُم‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ال�ص َال ِة َفترَ ُ ُّد َع َل ْي َنا‪َ ،‬ف َق َال‪�ِ « :‬إ َّن‬ ‫َع َل ْي َك يف َّ‬ ‫ال�ص َ‬ ‫ال ِة ُ�ش ْغ ً‬ ‫ال»‪.‬‬ ‫يف َّ‬

‫ولذلك كان من اخل�شوع ُّ‬ ‫غ�ض‬ ‫الب�صر عن ال َّنظر ميي ًنا و�شما ًال‬ ‫كم���ا ُي�ض���اف �إىل الأب�ص���ار؛ ق���ال‬ ‫اهلل ‪﴿ :y‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫ﭕ﴾ [´‪ ،]7 :‬ولذل���ك كان م���ن‬ ‫اخل�ش���وع ُّ‬ ‫غ�ض الب�صر ع���ن ال َّنظر ميي ًنا‬ ‫و�شما ًال؛ فق���د « َكا َن ‪� Í‬إِ َذا َ�ص َّلى َط�أْ َط�أَ‬ ‫َر�أْ َ�س��� ُه َو َرمَ���ى ِب َب َ�ص��� ِر ِه َن ْح��� َو الأَ ْر ِ�ض»(‪،)3‬‬ ‫و�ص���ح ـ � ً‬ ‫أي�ض���ا ـ من روايت���ه «�أ َّن���ه ‪ Í‬لمَ َّا‬ ‫َّ‬ ‫دخ���ل الكعب���ة م���ا خ َّل���ف ب�ص��� ُره مو�ض��� َع‬ ‫�سجوده ح َّتى خرج منها»(‪.)4‬‬ ‫(‪ )3‬رواه احلاكم (‪ )393/2‬وهو �صحيح‪.‬‬ ‫(‪« )4‬امل�ستدرك» للحاكم (‪ )479/1‬و�صححه‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪35‬‬


‫تزكية وآداب‬

‫‪ ‬وم���ن اخل�ش���وع ت���رك التَّل ُّف���ت يف‬ ‫«اخ ِت َ‬ ‫ال�صالة؛ فقد ق���ال عنه ‪ْ :Í‬‬ ‫ال ٌ�س‬ ‫َّ‬ ‫���ان مِ ���نْ َ�ص َ‬ ‫َي ْخ َتل ُِ�س��� ُه َّ‬ ‫ال�ش ْي َط ُ‬ ‫�ل�ا ِة ال َع ْبدِ »‬ ‫رواه البخاري (‪.)751‬‬ ‫ونق َ‬ ‫���ل اب���نُ حج���ر يف «فت���ح الباري»‬ ‫(‪ )235/2‬ع���ن ِّ‬ ‫«�س ِّم َي‬ ‫الطيب���ي قو َل���ه‪ُ :‬‬ ‫���ح ِت ْل َ‬ ‫���ك ال َف ْع َل��� ِة‬ ‫ِاخْ ِت َال ً�س���ا ت َْ�ص ِوي��� ًرا ِل ُق ْب ِ‬ ‫���ي ُي ْق ِب ُ‬ ‫���ل َع َل ْي��� ِه‬ ‫بالـ ُمخْ َت ِل� ِ���س؛ َلأنَّ الـ ُم َ�ص ِّل َ‬ ‫ال��� َّر ُّب ُ�س ْب َحا َن��� ُه َو َت َع���الىَ ‪َ ،‬و َّ‬ ‫ال�ش ْي َط���انُ‬ ‫ُم ْرت َِ�ص ٌد َل ُه َي ْنت َِظ ُر َف َوات َذ ِل َك َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف ِ�إ َذا‬ ‫���ت ِا ْغ َت َن َم َّ‬ ‫ال�ش ْي َط���انُ ال ُف ْر َ�ص َة َف َ�س َل َب ُه‬ ‫ِا ْل َت َف َ‬ ‫ِت ْل َك َ‬ ‫احلا َلة»‪.‬‬ ‫‪ ‬وم���ن اخل�ش���وع ت���رك احلركة يف‬ ‫ال�صالة �أو تدعو‬ ‫ال�ص�ل�اة �إ َّال ع َّما ُي�صلح َّ‬ ‫َّ‬ ‫احلاج��� ُة �أو َّ‬ ‫ال�ض���رور ُة �إلي���ه‪ ،‬فق���د روى‬ ‫م�سلم (‪َ )580‬عنْ َع ِّلي ِبن َع ْب ِد ال َّر ْح َم ِن‬ ‫هلل بنُ ُع َم َر‬ ‫الـ ُم َعاوِيِّ �أَ َّن ُه َق َال‪َ :‬ر�آنيِ َع ْب ُد ا ِ‬ ‫ال�ص َ‬ ‫َو�أَ َن���ا �أَ ْع َبثُ َ‬ ‫�ل�ا ِة‪َ ،‬ف َل َّما‬ ‫باحل َ�صى يف َّ‬ ‫ا ْن َ�ص��� َر َف َن َهانيِ َف َق َ‬ ‫ا�ص َن��� ْع َك َما َكانَ‬ ‫���ال‪ْ :‬‬ ‫َر ُ�س ُ‬ ‫هلل ‪َ Í‬ي ْ�ص َن��� ُع‪َ ،‬ف ُق ْل���تُ ‪َ :‬و َك ْي َف‬ ‫���ول ا ِ‬ ‫َكانَ َر ُ�س ُ‬ ‫هلل ‪َ Í‬ي ْ�ص َن��� ُع؟! َق َال‪َ :‬كانَ‬ ‫���ول ا ِ‬ ‫ال�ص َال ِة َو َ�ض��� َع َك َّف ُه ال ُي ْم َنى‬ ‫�إِ َذا َج َل� َ���س يف َّ‬ ‫َع َل���ى َف ِخ ِذ ِه ال ُي ْم َنى َو َق َب َ‬ ‫����ض �أَ َ�صا ِب َع ُه ُك َّل َها‬ ‫َو�أَ َ�ش���ا َر ب ِ�إ ْ�ص َب ِع ِه ا َّلتي َت ِل���ى ا ِلإ ْب َه َام َو َو َ�ض َع‬ ‫���ذ ِه ال ُي ْ�س َرى»‪ ،‬بل‬ ‫َكفَّ��� ُه ال ُي ْ�س َرى َع َل���ى َف ِخ ِ‬ ‫حتَّ���ى � ِإن احتاج �إىل ت�سوي���ة الأر�ض ا َّلتي‬ ‫ال�ص�ل�اة؛ ف�إ َّنه ال‬ ‫ي�سج���د عليها وه���و يف َّ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫«ال�صحيحني»‬ ‫يزيد على واح���دة‪ ،‬ففي َّ‬ ‫�أَنَّ َر ُ�س َ‬ ‫هلل ‪َ Í‬ق َال يف ال َّر ُج ِل ُي َ�س ِّوي‬ ‫���ول ا ِ‬ ‫َاب َح ْيثُ َي ْ�س ُج ُد َق َال‪�« :‬إِ ْن ُكنْتَ َفاعِ ً‬ ‫ال‬ ‫الترُّ َ‬ ‫َفوَاحِ َد ًة»‪.‬‬ ‫(‪ )5‬البخاري (‪ ,)1207‬وم�سلم (‪.)546‬‬

‫‪36‬‬

‫ق َ‬ ‫و�أق ُّل ما حت�صل به طم�أنينة الأع�ضاء‬ ‫���ال ال َّن���ووي يف «�ش���رح م�سل���م»‬ ‫(‪« :)37/5‬وا َّتف���ق العلم���اء على كراهة �أن ي�سكن ج�سم امل�ص ِّل���ي عند ِّ‬ ‫كل انتقال‬ ‫امل�سح؛ لأ َّنه ين���ايف التَّوا�ضع‪ ،‬ولأ َّنه ي�شغل من ح���ال �إىل حال؛ كم���ا روى ابن ماجه‬ ‫ال�ساعدي‬ ‫امل�ص ِّلي»‪.‬‬ ‫(‪ )863‬ع���ن ع َّبا�س بن �سه���ل َّ‬ ‫روى اب���ن ن�ص���ر يف «تعظي���م ق���در ق���ال‪« :‬اجتم���ع �أب���و حمي���د و�أب���و �أ�سي���د‬ ‫ال�ساع���دي و�سه���ل بن �سع���د وحم َّمد ابن‬ ‫ال�صالة» (‪ )138‬عن جماهد‪﴿ :‬ﭖ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [\^]‪ ،‬ق���ال‪ :‬فم���ن م�سلم���ة؛ فذكروا �ص�ل�اة ر�سول اهلل ‪Í‬‬ ‫القنوت ال ُّركود واخل�ش���وع ُّ‬ ‫وغ�ض الب�صر فق���ال �أبو حمي���د‪� :‬أن���ا �أعلمك���م ب�صالة‬ ‫وخف�ض اجلناح م���ن رهبة اهلل ‪ ،y‬كان ر�س���ول اهلل ‪� ،Í‬إنَّ ر�س���ول اهلل ‪Í‬‬ ‫كب‬ ‫�إذا ق���ام �أحدهم ي�ص ِّلي يه���اب ال َّرحمن قام فك�َّب�رَّ ورفع يديه‪ ،‬ث َّ‬ ‫���م رفع حني رَّ‬ ‫�أن ي�ش��� َّد ب�ص���ره �إىل �ش���يء �أو يلتف���ت �أو لل ُّركوع‪َّ ،‬ثم قام‪ ،‬فرفع يديه وا�ستوى حتَّى‬ ‫يقلب احل�صى �أو يعب���ث ب�شيء �أو يحدِّ ث رجع ك ُّل عظم �إىل مو�ضعه»‪.‬‬ ‫ق���ال ه�شام بن ع���روة‪ :‬ق���ال يل ابن‬ ‫نف�سه من �ش����أن ال ُّدني���ا �إ َّال نا�س ًيا ما دام‬ ‫يف �صالته»‪ ،‬مع َ‬ ‫ذلك َّ‬ ‫بي ‪ Í‬يف املنكدر‪« :‬لو ر�أيت ابن الزُّبري وهو ي�ص ِّلي‬ ‫رغب ال َّن ُّ‬ ‫لقلت غ�ص���ن �شجرة‬ ‫إعظاما‬ ‫ت ِ‬ ‫َرك ا َمل�س���ح � ً‬ ‫ال�ص�ل�ا ِة‪ ،‬و�أق ُّ‬ ‫ُ‬ ‫����ل م��ا حت�صل ب��ه طم�أنينة ي�صفقه���ا ال ِّري���ح �إنَّ‬ ‫حلرم��� ِة َّ‬ ‫َ الأع�ضاء �أن ي�سكن ج�سم امل�ص ِّ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫فق َ‬ ‫املنجنيق ليق���ع ههنا‬ ‫���ال‪« :‬لأَ ْن يمُ �سِ ���ك‬ ‫ِّ‬ ‫حال‬ ‫إىل‬ ‫�‬ ‫حال‬ ‫من‬ ‫انتقال‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫عند‬ ‫وههنا ما يبايل»(‪.)7‬‬ ‫َ���ن‬ ‫�أَ َح ُد ُك���م َي��� َد ُه ع ِ‬ ‫ا َ‬ ‫وق���ال جماه���د‪« :‬كان عب���داهلل ابن‬ ‫�ي�ر ل���ه مِ ���ن مِ ئ ِة‬ ‫حل َ�ص���ى يف َّ‬ ‫ال�ص�ل�ا ِة َخ ٌ‬ ‫نا َق ٍة ُك ُّلها ُ�سو ُد ا َ‬ ‫ال�صالة ك�أ َّنه عو ٌد وكان‬ ‫حلدَق‪ ،‬ف� ْإن َغلَ َب �أَ َح َد ُك ُم الزُّبري �إذا قام يف َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش ُ‬ ‫ال�صالة»(‪.)8‬‬ ‫يطان َف ْل َي ْم َ�س ْح م َْ�س َح ًة واحِ َد ًة»(‪.)6‬‬ ‫يقال‪ :‬ذاك من اخل�شوع يف َّ‬ ‫‪ ‬ومن اخل�ش���وع‪ :‬طم�أنين���ة �أع�ضاء‬ ‫«ال�س�ي�ر» (‪ )404/5‬ع���ن �أَب���ي‬ ‫ويف ِّ‬ ‫����ص َق َال‪َ « :‬قا َل ْت ب ْنتٌ لجِ َ ا ِر َم ْن ُ�صو ِر‬ ‫امل�ص ِّل���ي يف �صالت���ه‪ ،‬فق���د روى م�سل���م الأَ ْح َو ِ‬ ‫���ن �أَ ِب���ي َطا ِل ٍ‬ ‫���ي ب ِ‬ ‫���ن املُ ْع َتمِ ِر‪َ :‬يا �أَ َب��� ُة! �أَ ْي���نَ ا َ‬ ‫(‪َ )771‬ع���نْ َع ِل ِّ‬ ‫خل َ�ش َب ُة ا َّلتي‬ ‫���ب َعنْ اب ِ‬ ‫َ‬ ‫���ول ا ِ‬ ‫َر ُ�س ِ‬ ‫طح َم ْن ُ�ص���و ٍر َقا ِئ َم ًة؟ َق َال‪َ :‬يا‬ ‫هلل ‪� Í‬أ َّن ُه ِ�إ َذا َر َك َع َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َكا َن ْ‬ ‫���ت يف َ�س ِ‬ ‫َل َك َر َك ْعتُ َو َ‬ ‫بك �آ َمنْتُ َو َل َك �أَ ْ�سلَ ْمتُ ‪َ ،‬خ َ�ش َع ُب َن َّي ُة! َذ َ‬ ‫وم ال َّل ْي َل»‪.‬‬ ‫اك َم ْن ُ�صو ٌر‪َ ،‬كانَ َي ُق ُ‬ ‫َل َ‬ ‫���ك َ�س ْمعِ���ي َو َب َ�ص���رِي َو خُ ِّ‬ ‫م���ي َوع َْظمِ ���ي‬ ‫ا����ش‪َ « :‬ر�أَ ْيت‬ ‫وق���ال �أَ ُب���و َب ْك ٍ���ر ب���نُ َع َّي ٍ‬ ‫َوع َ​َ�ص ِبي»‪.‬‬ ‫ال�ص َال ِة‪َ ،‬ع َقدَ لحِ ْ َيتَه‬ ‫َم ْن ُ�صو ًرا �إِ َذا َق َام يف َّ‬ ‫ق���ال اب���ن تيمي���ة كم���ا يف «املجم���وع» يف َ�ص ْد ِر ِه»‪.‬‬ ‫(‪« :)555/22‬فو�صف نف�سه باخل�شوع يف‬ ‫‪  ‬‬ ‫حال ال ُّركوع؛ لأنَّ ال َّراكع �ساكن متوا�ضع»‪.‬‬ ‫و�صح َحه الألبا ُّ‬ ‫ين يف‬ ‫(‪ )6‬رواه �أحمد (‪َّ )384 ،328/3‬‬ ‫ال�صحيحة» (‪.)3062‬‬ ‫ِّ‬ ‫«ال�سل�سلة َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫(‪« )7‬الزُّهد» لأحمد بن حنبل (�ص‪)187‬‬ ‫(‪« )8‬ال�سنن الكربي» للبيهقي (‪)280/2‬‬


‫ال�صالة ال �أحدِّ ث نف�سي بغري‬ ‫واخل�شوع الباطني‪ :‬يتم َّثل يف‪:‬‬ ‫�إذا كنت يف َّ‬ ‫م���ا �أنا فيه؛ و�إذا �سمع���ت من ر�سول ‪Í‬‬ ‫ا�ستح�ض���ار امل�ص ِّل���ي قلب���ه يف �أثن���اء‬ ‫ريب �أ َّنه احلقُّ‪ ،‬و�إذا‬ ‫�صالت���ه؛ ليتد َّبر م���ا يقر�أ ويق���ول‪ ،‬وهذا‬ ‫حدي ًثا ال يقع يف قلبي ٌ‬ ‫كنت يف جن���ازة مل �أحدِّ ث نف�سي بغري ما ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ‬ ‫يزي��� ُد الق���ر�آنَ زين��� ًة يف �آذان �سامعي���ه‬ ‫ﰤ﴾ [\‪ ]b‬ويبكي حتَّى ُي�صبح»‪.‬‬ ‫تقول‪ ،‬ويقال لها‪.‬‬ ‫وح�سنَ تف ُّك ٍر‪.‬‬ ‫و ُيعطي قار َئه خ�شي ًة ُ‬ ‫‪ ‬وه���ذان ال َّنوع���ان م���ن اخل�ش���وع‬ ‫وكان م�سلم���ة ب���ن ب�ش���ار ي�ص ِّل���ي يف‬ ‫فعن جابر قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪:Í‬‬ ‫امل�سج���د‪ ،‬فانه���دم متالزمان‪ ،‬ولذل َ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫لف َيج َمعون‬ ‫ا�س‬ ‫«�إِ َّن مِ نْ �أَ ْح َ�س ِن ال َّن ِ‬ ‫���ك كانَ َّ‬ ‫َ�ص ْو ًتا بال ُق ْر�آنِ ا َّلذِ ي وك�����ا ُن�����وا ي������� َرون �أ َّن ال ُق�صو َر طائف���ة من���ه وق���ام بني �ص َالح َّ‬ ‫والباطن كما َيج َمعون‬ ‫اهر‬ ‫الظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ُ ع���������ن تحَ�������ق�������ي�������قِ ا ُ‬ ‫خل�������������ش������وع‬ ‫ال َّنا����س‪ ،‬وه���و يف بني ال ِعل���م والعمل‪ ،‬ر َوى اب���ن �سمعون يف‬ ‫�إِ َذا َ�سمِ ْع ُت ُمو ُه َيق َر�أ‬ ‫الباطن‬ ‫َ ال َّ��ظ��اه��ريِّ َدل��ي�� ُل َف�سا ِد‬ ‫ِ‬ ‫«�أمالي���ه» (‪� )345‬أنَّ �أحم���د ب���ن حنب���ل‬ ‫ال�صالة مل ي�شعر‪.‬‬ ‫َح�����سِ �� ْب�� ُت�� ُم��و ُه َي ْخ�شى‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫رج�ل�ا مثل وكيع يف العلم‬ ‫وكان عب���د اهلل ب���ن الزُّب�ي�ر ‪ Ç‬قال‪« :‬ما ر�أيت‬ ‫اهلل»(‪.)9‬‬ ‫وع���ن عب���د اهلل ب���ن ّ‬ ‫ي�سجد‪ ،‬ف�أت���ى املنجنيق ف�أخذ طائفة من واحلف���ظ واحلل���م والأب���واب م���ع خ�شوع‬ ‫ال�ش ِّخ�ي�ر ق���ال‪:‬‬ ‫وورع»‪.‬‬ ‫ال�صالة ال يرفع ر�أ�سه‪.‬‬ ‫«ر�أيت ر�سول اهلل ‪ Í‬ي�ص ِّلي ويف �صدره‬ ‫ثوبه وهو يف َّ‬ ‫قيق‬ ‫وقالوا لعامر بن عبد القي�س‪� :‬أحتدِّ ث‬ ‫�أزيز ك�أزيز ال َّر َحى من البكاء ‪.)10(»Í‬‬ ‫وكا ُنوا ي َرون �أنَّ ال ُق�صو َر عن تحَ ِ‬ ‫الظاهريِّ د ُ‬ ‫خل�شوع َّ‬ ‫ال�صالة؟ فقال‪� :‬أو �شيء ا ُ‬ ‫ومم���ا يد ُّل عل���ى ا ُ‬ ‫الباطن؛‬ ‫َليل َف�سا ِد‬ ‫خل�شوع يف �أثنا ِء‬ ‫‪َّ ‬‬ ‫ِ‬ ‫نف�سك ب�شيء يف َّ‬ ‫���ات والت ُ‬ ‫أحب �إ َّ‬ ‫ال�صالة �أحدِّ ث به نف�سي؟ روى عبد الرزاق (‪ )3309‬وابن �أبي �شيبة‬ ‫َّفاعل‬ ‫ال ِق���راء ِة تت ُّب���ع َمع���اين الآي ِ‬ ‫� ُّ‬ ‫يل م���ن َّ‬ ‫ال�صالة‪« :)190/2( ،‬ر�أى �سعيد بن امل�س ِّيب رج ًال‬ ‫م َعه���ا؛ فع���ن حذيف���ة ق���ال‪�« :‬ص َّليت مع‬ ‫قالوا‪� :‬إ َّن���ا لنحدِّ ث �أنف�سن���ا يف َّ‬ ‫ال�صالة! فقال‪ :‬لو‬ ‫ال َّنب ِّ���ي ‪ Í‬ذات ليل���ة فافتت���ح البق���رة‬ ‫فقال ‪� :‬أباجل َّنة واحلور ونحو ذلك؟ فقالوا‪ :‬وهو يعبث بلحيته يف َّ‬ ‫ال! ولكن ب�أهلينا و�أموالنا‪ ،‬فقال‪ :‬لأن تختلف خ�شع قلب هذا خل�شعت جوارحه»‪ ،‬لذلك‬ ‫فقلت يرك���ع عند املائة‪ ،‬ث َّم م�ضى فقلت‬ ‫ك��ان��وا ي��خ��اف��ون من‬ ‫أحب‬ ‫ي�ص ِّل���ي بها يف ركعة‪ ،‬فم�ضى فقلت يركع‬ ‫���ي � ّ‬ ‫الأ�سن���ة فـ َّ‬ ‫ً‬ ‫�إ َّ‬ ‫يل‪ ،‬و�أمث���ال ه���ذا ر�أى �سعيد بن امل�س ِّيب رجال وهو ت�����ص�� ُّن��ع اخل�����ش��وع‬ ‫به���ا‪ ،‬ث َّم افتتح ال ِّن�ساء فقر�أها‪ ،‬ث َّم افتتح‬ ‫لو‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫الة!‬ ‫ال�ص‬ ‫يف‬ ‫بلحيته‬ ‫يعبث‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ال َّ��ظ��اه��ري والقلب‬ ‫متعدِّ د»‪.‬‬ ‫مرت�س�ل�ا؛ �إذا‬ ‫�آل عم���ران فقر�أه���ا‪ ،‬يقر�أ‬ ‫خ�شع قلب هذا خل�شعت جوارحه‬ ‫وق���ال رجل من‬ ‫م��� َّر ب�آي���ة فيه���ا ت�سبي���ح �س َّب���ح‪ ،‬و�إذا م��� َّر‬ ‫بعيد احل�ضور؛ لأنَّ‬ ‫قي�س ُيك َّن���ى �أبا عبد اهلل‪ :‬بتن���ا ذات ليلة املُخالف َة بي َنهما نو ُع نِفاقٍ ‪ ،‬روى �أحمد يف‬ ‫ب�س����ؤال �س����أل‪ ،‬و�إذا م��� َّر بتع ُّوذ تع��� َّوذ‪»...‬‬ ‫عند احل�سن فقام م���ن ال َّليل ف�ص َّلى فلم «الزُّهد» (�ص‪ )142‬عن �أب��ي ال َّدرداء‪،‬‬ ‫احلديث(‪.)11‬‬ ‫يزل يردِّد هذه الآية حتَّى َّ‬ ‫ال�سحر‪﴿ :‬ﭬ قال‪« :‬ا�ستعيذوا باهلل من خ�شوع ال ِّنفاق‪،‬‬ ‫جائب‬ ‫الح َع ُ‬ ‫‪ ‬ويف �سري ِة �سل ِفنا َّ‬ ‫ال�ص ِ‬ ‫حاالت ا ُ‬ ‫ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ﴾ [النحل‪ ،]18 :‬قيل له‪ :‬وما خ�شوع ال ِّنفاق؟ قال‪� :‬أن ُيرى‬ ‫خل�شوع‪ ،‬منه ما ذك َر يف «جمموع‬ ‫ِ‬ ‫والقلب لي�س بخا�شع»‪.‬‬ ‫فل َّم���ا �أ�صبح قلنا‪ :‬ي���ا �أبا �سعي���د! مل تكد اجل�سد خا�ش ًعا‬ ‫الفت���اوى» (‪« :)605/22‬ق���ال �سع���د بن‬ ‫ُ‬ ‫جت���اوز هذه الآية �سائر ال َّلي���ل‪ ،‬قال‪� :‬أرى‬ ‫ال�سالكني»‬ ‫مع���اذ ‪ :Ç‬يف ثالث خ�صال‪ ،‬لو كنت‬ ‫ونقل ابن الق ِّيم يف «مدارج َّ‬ ‫فيه���ا معت ًربا‪ ،‬ما �أرفع طر ًف���ا وال �أر ُّده �إ َّال (‪« :)521/1‬ق���ال الف�ضي���ل بن عيا�ض‪:‬‬ ‫يف �سائر �أحوايل �أكون فيهنَّ كنت �أنا �أنا؛‬ ‫وقد وق���ع على نعمة وم���ا ال ُيعلم من نعم كان يك���ره �أن ي���رى ال َّرجل م���ن اخل�شوع‬ ‫و�صح َحه الألباين‪.‬‬ ‫(‪ )9‬ر َواه ابن ماجه (‪َّ )1339‬‬ ‫اهلل �أكرث»(‪.)12‬‬ ‫و�صح َحه الألبا ُّ‬ ‫ين‪.‬‬ ‫(‪ )10‬رواه �أبو داود (‪َّ )904‬‬ ‫مما يف قلبه»‪ ،‬وفيه‪« :‬ور�أى بع�ضهم‬ ‫�أكرث َّ‬ ‫(‪�« )11‬صحيح م�سلم» (‪.)772‬‬

‫تزكية وآداب‬

‫وكان هارون بن رباب الأ�سيدي يقوم‬ ‫َّهجد فربمَّ���ا ر َّدد هذه الآية‬ ‫من ال َّلي���ل للت ُّ‬ ‫حتَّى ُي�صبح‪﴿ :‬ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ‬

‫(‪« )12‬التِّذكار» للقرطبي (�ص‪.)125‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪37‬‬


‫تزكية وآداب‬

‫ً‬ ‫رج�ل�ا خا�شع املنكبني والب���دن‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫فالن! اخل�شوع ههن���ا و�أ�شار �إىل �صدره‪،‬‬ ‫ال ههنا و�أ�شار �إىل منكبيه»‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪ 11‬أسباب الخشوع ‪11‬‬

‫ق���ال اب���ن تيمي���ة يف «املجم���وع»‬ ‫(‪« :)605/22‬وا َّل���ذي ي ِع�ي�ن عل���ى ذلك‬ ‫�شيئان‪ :‬ق َّوة املقت�ضي‪ ،‬و�ضعف َّ‬ ‫ال�شاغل‪.‬‬ ‫�أ َّما الأ َّول‪ :‬فاجتهاد العبد يف �أن يعقل‬ ‫ما يقوله ويفعله‪ ،‬ويتد َّبر القراءة ِّ‬ ‫والذكر‬ ‫مناج هلل تعاىل‪،‬‬ ‫وال ُّدعاء‪ ،‬وي�ستح�ضر �أ َّنه ٍ‬ ‫ك�أ َّن���ه يراه‪ ،‬ف����إنَّ امل�ص ِّل���ي �إذا كان قائ ًما‬ ‫ف� مَّإنا يناجي ر َّبه‪ ،‬والإح�سان �أن تعبد اهلل‬ ‫ك�أ َّن���ك تراه‪ ،‬ف�إن مل تكن تراه ف�إ َّنه يراك‪،‬‬ ‫ال�صالة كان‬ ‫ث َّ‬ ‫���م ك َّلما ذاق العبد ح�ل�اوة َّ‬ ‫اجنذاب���ه �إليها �أوكد‪ ،‬وهذا يكون بح�سب‬ ‫ق َّوة الإميان»‪.‬‬ ‫فق���وة املقت�ض���ي يف الإتي���ان ب�أ�شياء؛‬ ‫منها‪:‬‬ ‫‪ ‬تد ُّب���ر الق���ر�آن وتت ُّب���ع مع���اين‬ ‫الأذكار‪:‬‬ ‫﴿ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬

‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬ ‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬ ‫ﮃﮄﮅﮆﮇ‬

‫فو�ص َفه���م بال ِعلم‬ ‫ﮈ ﮉ ﴾ [\‪َ ،]m‬‬ ‫���م با ُ‬ ‫مما يد ُّل على‬ ‫خل�شوع �آخ��� ًرا؛ َّ‬ ‫�أ َّو ًال ث َّ‬ ‫�شوعهم كانَ َنتيج ًة لعِلمِ هم َمبعاين‬ ‫�أنَّ ُخ َ‬ ‫الكتاب ال َكرمي‪.‬‬ ‫قال حممود �شاكر يف مقدِّ مة «تف�سري‬ ‫َّ‬ ‫الطربي» (‪« :)10/1‬قال الطربي‪�« :‬إنيِّ‬ ‫‪38‬‬

‫ممن قر�أ القر�آنَ ومل يعلم ت�أوي َله‬ ‫لأعجب َّ‬ ‫َ‬ ‫كيف َيلت ُّذ ب ِقراء ِته؟!»‪.‬‬ ‫لقول‬ ‫‪ِ ‬ذك��� ُر امل���وتِ عند ك ِّل �ص�ل�اةٍ؛ ِ‬ ‫�سول اهلل ‪« :Í‬ا ْذ ُك ِر امل َ ْو َت يف َ�ص َ‬ ‫الت َِك؛‬ ‫َر ِ‬ ‫َف����إِ َّن ال َّر ُج��� َل �إِ َذا َذ َك��� َر املَ��� ْو َت يف َ�ص َ‬ ‫التِ��� ِه‬ ‫ال َتهُ‪َ ،‬و َ�ص ِّل َ�ص َ‬ ‫���ن َ�ص َ‬ ‫لحَ َ ���رِيٌّ �أَ ْن ُي ْح�سِ َ‬ ‫ال َة‬ ‫َر ُج���لٍ َال َي ُظنُّ �أَ َّن ُه ُي َ�ص ِّل���ي َ�ص َ‬ ‫ال ًة َغيرْ َ هَا‪،‬‬ ‫َو ِ�إ َّي َ‬ ‫اك َو ُك َّل �أَ ْمرٍ ُي ْع َت َذ ُر مِ ْنهُ»(‪.)13‬‬ ‫‪ ‬ال ّتفل عن الي�سار مع ال َّتع ُّوذ باهلل‬ ‫من َّ‬ ‫ال�شيطانِ ‪:‬‬ ‫ي�أت���ي َّ‬ ‫ال�شيط���انُ الإن�س���انَ ل َي�صر َفه‬ ‫ع���ن �صال ِته حتَّى �إ َّنه ربمَّ ا َ‬ ‫حال بي َنه وب َني‬ ‫ِقراء ِته ف َال َيق���د ُر امل�ص ِّلي على ال ِقراء ِة‪،‬‬ ‫ولع َّله �أ�ش ُّد �شيءٍ عل���ى ُخ�شوع ا َملرءِ‪ ،‬ف� َإذا‬ ‫أح�س َ‬ ‫بذلك َف ْليتع��� َّوذ باهلل من َّ‬ ‫ال�شيطان‬ ‫� َّ‬ ‫الرجيم و ْل َيتفل عن َي�سارِه‪.‬‬ ‫ودَلي ُل���ه م���ا رواه م�سل���م (‪:)2203‬‬ ‫بي‬ ‫�أنَّ عثم���ان ب���ن �أب���ي العا�ص �أت���ى ال َّن َّ‬ ‫‪ Í‬فقال‪ :‬يا ر�س���ول اهلل! �إنَّ َّ‬ ‫ال�شيطان‬ ‫ق���د ح���ال بيني وب�ي�ن �صالت���ي وقراءتي‬ ‫���ي؟! فقال ر�س���ول اهلل ‪:Í‬‬ ‫يلب�سه���ا عل َّ‬ ‫���ان‪ُ ،‬ي َق ُ‬ ‫« َذ َ‬ ‫اك َ�ش ْي َط ٌ‬ ‫���ال َل��� ُه خِ ْن��� َز ٌب‪َ ،‬ف����إِ َذا‬ ‫هلل مِ ْن��� ُه َوا ْت ُف ْل َعلَى‬ ‫�أَ ْح َ�س ْ�س َت��� ُه َف َت َع��� َّو ْذ با ِ‬ ‫َي َ�س���ار َِك َث َ‬ ‫ال ًث���ا‪َ ،‬ف َق���ا َل‪َ :‬ف َف َع ْل���تُ َذل َ‬ ‫ِ���ك‬ ‫َف�أَ ْذ َه َب��� ُه ُ‬ ‫اهلل َع ِّن���ي»‪.‬‬ ‫���ووي يف «�ش���رح م�سل���م»‬ ‫ق���ال ال َّن ُّ‬ ‫(‪« :)190/14‬ومعن���ى يلب�سه���ا �أي‬ ‫يخلطه���ا و ُي�ش ِّككني فيه���ا‪ ،‬وهو بفتح �أ َّوله‬ ‫وك�سر ثالث���ه‪ ،‬ومعنى «حال بيني وبينها»؛‬ ‫ح�س َنه َّ‬ ‫ال�صحيحة»‬ ‫ال�شيخُ الألباين يف ِّ‬ ‫«ال�سل�سلة َّ‬ ‫(‪َّ )13‬‬ ‫(‪َ ،)408/3‬‬ ‫وقال‪� :‬أخرجه ال َّديلمي يف «م�سند‬ ‫الفردو�س» (‪ 51/ 1/ 1‬ـ خمت�صره)‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫�أي نك���دين فيه���ا ومنعني َّلذته���ا والفراغ‬ ‫للخ�شوع فيها»‪.‬‬ ‫وق َ‬ ‫���ال م َّال عل���ي الق���اري يف «مرقاة‬ ‫املفاتي���ح»‪�« :‬أي مينعن���ي م���ن ال ُّدخول يف‬ ‫ال�صالة �أو من ُّ‬ ‫ال�شروع يف القراءة»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪  ‬‬

‫�ضعف َّ‬ ‫و�أ َّما ُ‬ ‫ال�شاغل ‪:‬‬ ‫فبتج ُّن���ب ِّ‬ ‫كل ما من �ش�أ ِن���ه �أن َي َ‬ ‫�شغل‬ ‫���ب ع���ن التَّف ُّك���ر فيم���ا ه���و في���ه من‬ ‫ال َقل َ‬ ‫���ال على اهلل؛ روى �أب���و داود و�أحمد‬ ‫الإقب ِ‬ ‫(‪ )16637‬ب�سن���د �صحيح قال ‪َ « :Í‬ال‬ ‫َي ْن َبغِ���ي �أَ ْن َي ُك���و َن يف ال َب ْي���تِ َ�ش ْ���ي ٌء ُي ْ�ش ِغ ُل‬ ‫يوم َ‬ ‫امل ُ َ�ص ِّلي»‪ ،‬قا َل���ه َر ُ‬ ‫دخل‬ ‫�سول اهلل ‪َ Í‬‬ ‫ال َكعب��� َة ف���ر�أَى َق���رنيَ‬ ‫كب����ش فيه���ا ف� َأم َر‬ ‫ٍ‬ ‫بتغطي ِتهما حتَّى َال َي�شغ َال املُ�ص ِّلي‪.‬‬ ‫ق���ال َّ‬ ‫ال�ش���وكاين يف «ني���ل الأوط���ار»‬ ‫(‪َ :)173/2‬‬ ‫«واحلديثُ يد ُّل على كراهة‬ ‫مم���ا ي�ستقبله‬ ‫تزيني املحاري���ب وغريها َّ‬ ‫مما‬ ‫امل�ص ِّلي بنق�ش �أو ت�صوير �أو غريهما َّ‬ ‫يلهي»‪.‬‬ ‫وروى البخ���اري (‪ )373‬وم�سل���م‬ ‫���ي ‪Í‬‬ ‫(‪ )556‬ومال���ك (‪� )220‬أنَّ ال َّنب َّ‬ ‫يف خمي�صة لها �أعالم فنظر �إىل �أعالمها‬ ‫نظ���ر ًة فل َّم���ا ان�ص���رف ق���ال‪« :‬ا ْذ َه ُب���وا‬ ‫َ‬ ‫بخمِ َ‬ ‫ي�صتِي هَ���ذِ ِه ِ�إلىَ َ�أبِي َجه ٍْم َوا ْئ ُتونيِ‬ ‫ب�أَ ْن ِب َجا ِن َّي��� ِة �أَبِ���ي َجه ٍْم َف ِ�إ َّنهَ���ا �أَ ْل َه ْتنِي �آ ِن ًفا‬ ‫َعنْ َ�ص َ‬ ‫التِ���ي» (ويف رواية‪َ « :‬ف ِ�إنيِّ َن َظ ْر ُت‬ ‫ال�ص َ‬ ‫ال ِة َف َكا َد َي ْف ِت ُنني»‪.‬‬ ‫ِ�إلىَ َعلَمِ هَا يف َّ‬ ‫قال اب���ن َّ‬ ‫َ‬ ‫بطال يف «�ش���رح البخاري»‬ ‫(‪ �« :)36/2‬مَّإنا ر َّد ر�سول اهلل اخلمي�صة‬ ‫�إىل �أب���ي جهم؛ لأ َّنها كان���ت �سبب غفلته‬ ‫و�شغله عن ذكر اهلل»‪.‬‬


‫ح�س َنه َّ‬ ‫ال�صحيحة»‬ ‫ال�شيخُ الألباين يف ِّ‬ ‫«ال�سل�سلة َّ‬ ‫(‪َّ )14‬‬ ‫(‪َ ،)408/3‬‬ ‫وقال‪� :‬أخرجه ال َّديلمي يف «م�سند‬ ‫الفردو�س» (‪ 51/ 1/ 1‬ـ خمت�صره)‪.‬‬

‫تزكية وآداب‬

‫وروى البخ���اري (‪ )374‬ع���ن �أن����س‪:‬‬ ‫كان قرام لعائ�شة �سرتت به جانب بيتها‪،‬‬ ‫بي ‪�« :Í‬أَمِ يطِ ي َع َّن���ا ِق َرامَكِ‬ ‫فق���ال ال َّن ُّ‬ ‫هَ��� َذا؛ َف�إِ َّن ُه َال َت��� َز ُال َت َ�صاوِي ُر ُه َت ْعر ُ‬ ‫ِ�ض يف‬ ‫َ�ص َ‬ ‫التِي»‪.‬‬ ‫قال ابن َّ‬ ‫َ‬ ‫بط���ال ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ (‪:)180/9‬‬ ‫«فيه من الفقه‪� :‬أ َّنه ينبغي التزام اخل�شوع‬ ‫وتفريغ البال هلل تع���اىل‪ ،‬وترك التَّع ُّر�ض‬ ‫ِّ‬ ‫لكل م���ا ي�شغل امل�ص ِّلي ع���ن اخل�شوع‪� ،‬أال‬ ‫ت���رى �أنَّ ر�سول اهلل ن َّبه عل���ى هذا املعنى‬ ‫بقول���ه‪َ « :‬ف�إِ َّن ُه َال َت��� َز ُال َت َ�صاوِيره َت ْعر ُ‬ ‫ِ�ض‬ ‫يِل يف َ�ص َ‬ ‫التِي»‪.‬‬ ‫‪ُ ‬‬ ‫�ضعي�ش ِّو�شالفكر‪:‬‬ ‫ترك َّ‬ ‫ال�صال ِةيف َو ٍ‬ ‫بي‬ ‫ـ ك�ش َّدة احل ِّر؛ فقد كانَ ِمن �س َّنة ال َّن ِّ‬ ‫بال�صال ِة يف �ش َّدة احل ِّر‪.‬‬ ‫‪ Í‬الإبرا ُد َّ‬ ‫بح ْ�ض���ر ِة َّ‬ ‫الطعام وعند‬ ‫ـ‬ ‫وكال�ص�ل�ا ِة َ‬ ‫َّ‬ ‫ُمدافع ِة الأخبثني ال َب���ول �أو الغائط‪ :‬روى‬ ‫م�سلم (‪ )560‬عن َعا ِئ َ�ش َة ‪َ á‬قا َل ِت‪:‬‬ ‫���ول اهلل ‪َ Í‬ي ُق ُ‬ ‫�إِنيِّ َ�سمِ ْع���تُ َر ُ�س َ‬ ‫���ول‪َ « :‬ال‬ ‫بح ْ�ض َر ِة َّ‬ ‫َ�ص َ‬ ‫الط َعا ِم َو َال َوهُ َو ُيدَا ِف ُع ُه‬ ‫�ل�ا َة َ‬ ‫الأَ ْخ َب َث���انِ »‪ ،‬ق َ‬ ‫���ي يف «املفهم»‬ ‫���ال القرطب ُّ‬ ‫(‪« :)96/5‬ال ت�شوي�ش �أعظم من ت�شوي�ش‬ ‫اجلائع يف ح�ضرة َّ‬ ‫الطعام‪ ،‬و�إىل االبتداء‬ ‫َّ‬ ‫ال�صالة ذه���ب َّ‬ ‫افعي‬ ‫بالطع���ام عل���ى َّ‬ ‫ال�ش ُّ‬ ‫وابن حبيب من �أ�صحابنا وال َّثوري و�أحمد‬ ‫و�إ�سحاق و�أه���ل َّ‬ ‫الظاهر‪ ،‬و ُروي ذلك عن‬ ‫عمر وابن عمر و�أبي ال َّدرداء»‪.‬‬ ‫ـ وكجه���ر بع����ض امل�ص ِّل�ي�ن بال ِقراء ِة‬ ‫على بع�ض‪:‬‬ ‫���ي �أَنَّ َر ُ�س َ‬ ‫هلل ‪Í‬‬ ‫���ول ا ِ‬ ‫َع���ن ال َب َي ِ‬ ‫ا�ض ِّ‬ ‫ا�س َوهُ ْم ُي َ�صلُّونَ َو َق ْد َع َل ْت‬ ‫َخ َر َج َع َل���ى ال َّن ِ‬ ‫�أَ ْ�ص َوا ُت ُه ْم بال ِق��� َرا َء ِة َف َق َال‪�« :‬إِ َّن الـ ُم َ�ص ِّل َي‬

‫ُي َناجِ ���ي َر َّب��� ُه َف ْل َي ْن ُظ ْر مبَ���ا ُي َناجِ ي ِه ب ِه َوال‬ ‫َي ْج َه ْر َب ُ‬ ‫ع�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض بال ُقر�آنِ »(‪.)14‬‬ ‫ال�ب�ر يف «اال�ستذكار»‬ ‫ق���ال ابن عب���د ِّ‬ ‫يحب ِّ‬ ‫لكل‬ ‫(‪« :)435/1‬ويف معن���اه �أ َّنه ال ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫م�صل يق�ضي فر�ضه و�إىل جنبه من يعمل‬ ‫مثل عمله �أن يفرط يف اجلهر؛ لئ َّال يخلط‬ ‫يحب ذل���ك ملتن ِّفل �إىل جنب‬ ‫علي���ه كما ال ُّ‬ ‫متن ِّفل مثله‪ ،‬و�إذا كان هذا هكذا؛ فحرام‬ ‫عل���ى ال َّنا�س �أن يتح َّدث���وا يف امل�سجد مبا‬ ‫ي�شغ���ل امل�ص ِّلي عن �صالت���ه ويخلط عليه‬ ‫قراءت���ه‪ ،‬وواجب الزم عل���ى ِّ‬ ‫كل من يطاع‬ ‫�أن ينه���ى عن ذلك؛ لأنَّ ذلك �إذا مل يجز‬ ‫للم�ص ِّل���ي التَّايل للق���ر�آن؛ ف�أين احلديث‬ ‫ب�أحاديث ال َّنا�س من ذلك»‪ِ ،‬ومث ُله ـ � ً‬ ‫أي�ضا‬ ‫ـ يف ِقراء ِة ا َمل�أموم َخ َ‬ ‫لف الإمام‪.‬‬

‫ال�ص�ل�اة خل���ف املتحدِّ ثني‪ :‬عن ابن‬ ‫ـ َّ‬ ‫بي ‪ Í‬ق���ال‪َ « :‬ال ُت َ�ص ُّلوا‬ ‫ع َّبا����س‪� :‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫َخ ْل َف ال َّنائ ِ​ِم َو َال امل ُ َت َحدِّثِ »(‪.)15‬‬ ‫���ال َّ‬ ‫ق َ‬ ‫ال�س�ن�ن»‬ ‫���ي يف «مع���امل ُّ‬ ‫اخلطاب ُّ‬ ‫ال�ص�ل�اة �إىل‬ ‫(‪« :)186/1‬و�أ َّم���ا‬ ‫َّ‬ ‫املتحدِّ ثني فق���د كرهها َّ‬ ‫افعي و�أحمد‪،‬‬ ‫ال�ش ُّ‬ ‫وذلك من �أجل �أنَّ كالمهم ي�شغل امل�ص ِّلي‬ ‫ع���ن �صالت���ه‪ ،‬وكان اب���ن عم���ر ال ي�ص ِّلي‬ ‫خلف رجل يتك َّل���م �إ َّال يوم اجلمعة»‪َ ،‬‬ ‫وقال‬ ‫ابن رجب يف «فت���ح الباري» (‪:)692/2‬‬ ‫«وع َّلل �أحمد الكراهة ب�أنَّ املتحدِّ ث ي�شغل‬ ‫امل�ص ِّلي �إليه»‪ ،‬وبه ع َّل َ‬ ‫العيني يف‬ ‫هي‬ ‫���ل ال َّن َ‬ ‫ُّ‬ ‫«�شرح �سنن �أبي داود» (‪.)254/3‬‬ ‫‪  ‬‬

‫و�صح َحه الألبا ُّ‬ ‫ين يف «�أ�صل‬ ‫(‪ )15‬رواه مالك (‪َّ )264‬‬ ‫بي ‪.)370/1( »Í‬‬ ‫�صفة �صالة ال َّن ِّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪39‬‬


‫فتاوى شرعية‬

‫�أ‪ .‬د‪ .‬حممد علي فركو�س‬ ‫�أ�ستاذ بكلية العلوم الإ�سالمية بجامعة اجلزائر‬

‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [\^]‪ ،‬وقو ُل���ه تع���اىل‪:‬‬

‫يف حكم الخدمات الـمصرفية‬ ‫مقابل االقرتاض‬

‫﴿ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ‬

‫ﯳﯴﯵ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽ‬

‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [\_]‪ ،‬وقو ُل���ه تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬

‫ال�سـ�ؤال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫يعت�ب�ر م���ا يدفعه من‬ ‫ِ����ض م���ن بن���ك �أن‬ ‫ه���ل يج���وز ملقرت ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وتكاليف ت�ستلزم‬ ‫ن�سب���ة �ضئيلة مقاب َل القر�ض جم��� َّر َد ر�سو ٍم‬ ‫هذه املعامل ُة وجودَها؟‬

‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [\^]‪.‬‬ ‫قات‬ ‫بي ‪ Í‬باجتن���اب ال ِّربا وع َّده �أح���د املو ِب ِ‬ ‫وق���د �أم���ر ال َّن ُّ‬ ‫ال�سب���ع(‪ )2‬ا َّلت���ي ُت ْه ِل ُك �صاح َبه���ا يف ال ُّدنيا والآخ���رة‪ ،‬كما « َل َعنَ‬ ‫َّ‬ ‫ر�س���ول اهلل ‪ِ � Í‬آك َل ال ِّر َب���ا َو ُم ِوك َل��� ُه َو َكا ِت َب��� ُه َو َ�ش ِاهدَ ْي ِه‪َ ،‬و َق َال‪:‬‬ ‫هُ ْم َ�س َواءٌ»(‪.)3‬‬ ‫‪‬‬

‫اجلـواب‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫وال ف���ر َق فـ���ي ال َّتح���رمي فـ���ي �شريع���ة الإ�س�ل�ام فـ���ي‬ ‫ال�س����ؤال ين���درج يف �ص���ورة «�أَ ْن ِظ��� ْرنيِ �أَ ِز ْد َك»‪ ،‬وهي‬ ‫حج ِ���م ال ِّزي���ادة الـم�شروط���ة فـ���ي عقد القر����ض مِ نْ‬ ‫م�ضم���ونُ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫�إح���دى �صورت َْي ربا ال ُّديون ا َّلتي اتَّفق العلماء على حترميها‪ ،‬وهي‬ ‫حيث كرث ُتها وق َّل ُتها‬

‫معدود ٌة من الكبائر‪.‬‬

‫ووي ‪�« ::‬أجمع امل�سلمون عل���ى حترمي ال ِّربا‪ ،‬وعلى‬ ‫ق���ال ال َّن ُّ‬ ‫�أ َّن���ه م���ن الكبائ���ر‪ ،‬وقي���ل‪� :‬إ َّن���ه كان حم َّر ًم���ا يف جمي���ع َّ‬ ‫ال�شرائع‪،‬‬ ‫ومم���ن حكاه املاوردي»(‪ ،)1‬وم�ستن��� ُد الإجماع �آياتٌ كثري ٌة نهى ُ‬ ‫اهلل‬ ‫َّ‬ ‫تع���اىل فيها امل�ؤمنَ عن �أكل ال ِّربا و�أَ َم��� َر ُه بالتَّقوى‪ ،‬وه َّدد ا َّلذين ال‬ ‫ي�ستجيبون لنهي���ه باملحاربة والوعيد‪ ،‬منها‪ :‬قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮥ‬

‫هذا؛ وال َ‬ ‫حج ِم الزِّ يادة‬ ‫فرق يف التَّحرمي يف �شريعة الإ�سالم يف ْ‬ ‫امل�شروط���ة يف عقد القر�ض ِمنْ حي���ث كرثتُها وق َّلتُها‪ ،‬وال َ‬ ‫فرق بني‬ ‫ال�صفة‪ ،‬وي�ستوي ال َّنا�س يف التَّحرمي �سواء‬ ‫الزِّ ي���ادة يف القدر �أو يف ِّ‬ ‫مي ك ّل ٌّي‬ ‫اتحَّ���دت ديان ُته���م وديا ُره���م �أو اختلف���ت‪ ،‬فهو ـ �إذنْ ـ حت���ر ٌ‬ ‫�شام ٌل ِّ‬ ‫لكل �أنواعه‪.‬‬

‫(‪« )1‬املجموع» للنووي‪.)391/9( :‬‬

‫(‪� )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2766‬وم�سلم (‪ ،)89‬من حديث �أبي هريرة ‪.Ç‬‬ ‫(‪� )3‬أخرجه م�سلم (‪ ،)1598‬من حديث جابر بن عبد اهلل ‪.È‬‬

‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔ‬

‫‪40‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫قال ابن قدامة ‪::‬‬ ‫خالف‪ ،‬قال‬ ‫����ض َ�ش َر َط فيه �أن يزيدَ ه فهو حرا ٌم بغري ٍ‬ ‫«وك ُّل ق ْر ٍ‬ ‫اب���ن املنذر‪�« :‬أجم ُعوا عل���ى �أنَّ املُ ْ�س ِل َف �إذا َ�ش َر َط عل���ى املُ ْ�ست َْ�س ِل ِف‬ ‫زياد ًة �أو هد َّي ًة ف�أَ ْ�س َل َف على ذلك‪� :‬أنَّ َ�أخْ َذ الزِّ ياد ِة على ذلك ر ًبا»‪،‬‬ ‫���ود �أ َّنهم َن َه ْوا‬ ‫وابن م�سع ٍ‬ ‫وق���د ُر ِو َي ع���ن �أُ َب ِّي بن ٍ‬ ‫���ن ع َّب ٍ‬ ‫ا�س ِ‬ ‫كعب واب ِ‬ ‫قر�ض ج َّر منفع��� ًة‪ ،‬ولأ َّنه عق ُد �إرفاقٍ وقرب��� ٍة؛ ف�إذا َ�ش َر َط فيه‬ ‫ع���ن ٍ‬ ‫الزِّ ي���اد َة �أخرجه عن مو�ضوعه‪ ،‬وال َ‬ ‫فرق ب�ي�ن الزِّ يادة يف القدر �أو‬ ‫ال�صفة»(‪.)4‬‬ ‫يف ِّ‬ ‫‪  ‬‬ ‫وقال ال َّنووي ‪::‬‬ ‫«ي�ست���وي يف حت���رمي ال ِّرب���ا ال َّرج ُ‬ ‫واملكاتب‬ ‫���ل وامل���ر�أ ُة والعب��� ُد‬ ‫ُ‬ ‫�ضعف ما تق َّدم مع َّل ًال بالتَّفريق يف ُّ‬ ‫وال يخفى ُ‬ ‫ال�شبهتني وف�سا ُد‬ ‫بالإجماع‪ ،‬وال َ‬ ‫فرق يف حترميه بني دار الإ�سالم ودار احلرب‪ ،‬فما‬ ‫�صو�ص َّ‬ ‫ال�شرع َّي ِة والإجما َع املنعقِدَ على‬ ‫عموم ال ُّن ِ‬ ‫اعتباره؛ ملقابلته َ‬ ‫تفريق كما �سبق بيا ُنه‪.‬‬ ‫كان حرا ًما يف دار الإ�سالم كان حرا ًما يف دار احلرب‪� ،‬سواء جرى حترميه من غري ٍ‬ ‫أمان �أم بغريه‪،‬‬ ‫م�سلم وحر ِب ٍّي‪� ،‬سواء دخلها امل�سلم ب� ٍ‬ ‫ولأنَّ َّ‬ ‫بني م�سل َمينْ ِ �أو ٍ‬ ‫ا�س بالباطل مهما‬ ‫ال�شر َع اعتربه ظل ًما ِمنْ � ِ‬ ‫أكل � ِ‬ ‫أموال ال َّن ِ‬ ‫هذا مذهبنا‪ ،‬وبه قال ٌ‬ ‫مالك و�أحم ُد و�أبو َ‬ ‫يو�سف واجلمهو ُر»(‪.)5‬‬ ‫اختلفت �صفتُه ومقدا ُره‪.‬‬ ‫���وم قول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬ ‫وي���د ُّل علي���ه عم ُ‬ ‫‪  ‬‬ ‫واملعلوم �أنَّ الدِّ َعا َي َة اليهود َّي َة ا َّلتي �أ�ض َّلت بها ال َّن�صارى ا َّلذين ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [^‪ ،]279 :‬وقو ُل���ه‬ ‫ُ‬ ‫تع���اىل ـ يف �ش�أن اليهود ـ‪﴿ :‬ﮰ ﮱ‬ ‫كان���وا يح ِّرم���ون ال ِّربا م���ن �شبهتني‬

‫وت�سمي��� ُة الفائ���د ِة ال ّربو َّي���ة ال َّناجم���ة ع���ن‬ ‫االقرتا����ض با�س���م ر�س���و ٍم مفرو�ض��� ٍة �أو‬ ‫تكالي َ‬ ‫���ف بنك َّي��� ٍة �أو خدم���اتٍ م�صرف َّي��� ٍة مقاب َل‬ ‫االقرتا����ض ف�ل�ا تغ�ِّيرِرِّ م���ن �أ�ص���ل املعامل���ة‬ ‫ال ّربو َّي���ة م���ن �ش���يء؛ لأن الع�ب�ر َة باحلقيق���ة‬ ‫ألفاظ وال َّت�سميةِ‪ُّ ،‬‬ ‫إقرا�ض‬ ‫وامل�س َّمى ال بال ِ‬ ‫فكل � ٍ‬ ‫نظ�ي�ر فائ���د ٍة ُي َع���دُّ معامل��� ًة ربو َّي��� ًة حم َّرم��� ًة‬ ‫َ‬

‫فتاوى شرعية‬

‫ف����إذا ورد َِت الزِّ ياد ُة عل���ى القرو�ض اال�ستهالك َّي��� ِة امل�أخوذ ِة ِمنْ‬ ‫امل�ستقر ِ�ض حلاج ِته املعي�ش َّي ِة �أو مل�آر ِب���ه َّ‬ ‫ال�شخ�ص َّي ِة فهي من‬ ‫���ل‬ ‫ِق َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِّربا املح َّرم‪.‬‬ ‫فلي�ست ـ‬ ‫القرو����ض الإنتاج َّي��� ِة‬ ‫و�أ َّم���ا الزِّ ي���اد ُة امل�شرت َ​َط��� ُة على‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫عدل مباح ٌة‪ ،‬مع ِّل ِل َني‬ ‫عندهم ـ من ال ِّربا املح َّرم‪ ،‬و� مَّإنا هي فائد ُة ٍ‬ ‫ذلك ب�أنَّ امل�س َتق ِْر َ�ض املُ ْن ِت َج ي�ستخدم � َ‬ ‫أموال املُق ِْر ِ�ض يف م�شاري ِعه‬ ‫والعدل ا�ستفاد ُة‬ ‫إن�صاف‬ ‫العمران َّي��� ِة والتِّجار َّي ِة والإمنائ َّي ِة‪ ،‬فمِ نَ ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫مما عمل به امل�ستق ِْر ُ�ض‪ ،‬ولي�س من ال ِّربا املح َّرم‪.‬‬ ‫املُق ِْر ِ�ض َّ‬

‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬

‫تلقَّفهما ُ‬ ‫بع����ض بني جلدتن���ا ووقعوا‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾‬ ‫فيهما وهما‪:‬‬ ‫[\`]‪ ،‬ولقو ِله ‪ Í‬فيما يرويه‬ ‫الأوىل‪ :‬التَّفري���قُ ب�ي�ن ال ِّرب���ا‬ ‫عن ر ِّب���ه‪َ « :‬ي���ا عِ َب���ادِي! �إِنيِّ َح َّر ْمتُ‬ ‫والفائ���د ِة‪ ،‬فال ِّربا املح��� َّر ُم ـ عندهم‬ ‫ُّ‬ ‫الظ ْل��� َم َعلَ���ى َن ْف�سِ ���ي َو َج َع ْل ُت��� ُه َب ْي َن ُك ْم‬ ‫ـ هو م���ا كانت الزِّ ي���اد ُة فاح�ش ًة على‬ ‫(‪)6‬‬ ‫ُ‬ ‫محُ َ َّر ًما َف َ‬ ‫وا�شرتاط‬ ‫�ل�ا َت َظالمَ ُ���وا» ‪،‬‬ ‫ال َّر�أ�سمال املقرتَ�ض‪.‬‬ ‫���ت ُين���ايف مو�ضو َع‬ ‫الزِّ ي���اد ِة مهما ق َّل ْ‬ ‫و�أ َّماالفائد ُةاجلائز ُة؛فهيالزِّياد ُة‬ ‫املعتد َل��� ُة ا َّلتي َج َر ْت ت�سمي ُته���ا يف عرف البنوك مبع��� َّد ِل الفائد ِة �أو عق ِْد القر�ض ا َّلذي هو ال ُ‬ ‫إرفاق والقربة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال ِّن�سبة املئو َّية �أو �سعر الفائدة‪.‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫���ق �أج���ازوا الفائ���د َة ال ّربو َّية و�أناط���وا التَّحر َمي‬ ‫وبه���ذا التَّفري ِ‬ ‫املعتد َل ِة واعتربوها فائد ًة جائز ًة‪.‬‬ ‫بالكرثة دون الق َّل ِة ِ‬ ‫هذا؛ وت�سمي ُة الفائد ِة ال ّربو َّي���ة ال َّناجمة عن االقرتا�ض با�سم‬ ‫خدمات م�صرف َّي��� ٍة َ‬ ‫َ‬ ‫مقابل‬ ‫تكاليف بنك َّي��� ٍة �أو‬ ‫ر�س���وم مفرو�ض��� ٍة �أو‬ ‫القرو����ض الإنتاج َّي��� ِة واال�ستهالك َّي ِة‪،‬‬ ‫ال َّثاني���ة‪ :‬التَّفري���قُ بني‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫االقرتا����ض ف�ل�ا تغيرِّ م���ن �أ�ص���ل املعامل���ة ال ّربو َّية يف �ش���يء؛ لأن‬ ‫(‪« )4‬املغني» البن قدامة‪.)354/4( :‬‬ ‫(‪« )5‬املجموع» للنووي‪.)391/9( :‬‬

‫(‪ )6‬جزء من حديث‪� :‬أخرجه م�سلم (‪ ،)2577‬و�أحمد (‪ ،)85 /8‬من حديث �أبي ذر ‪.Ç‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪41‬‬


‫فتاوى شرعية‬

‫إقرا�ض‬ ‫الع�ب�ر َة باحلقيقة وامل�س َّم���ى ال بال ِ‬ ‫ألفاظ والتَّ�سمي ِة‪ ،‬ف���ك ُّل � ٍ‬ ‫نظ َري فائ���د ٍة ُي َع ُّد معامل ًة ربو َّي ًة حم َّرم ًة‪ ،‬ال ي���زول � ُإثم حتر ِميه �إ َّال‬

‫مفهوم السرت‬ ‫من حجاب املرأة املسلمة‬

‫م�ستجمِ َع ُة َّ‬ ‫���ط‪ ،‬ف�إنَّ ال َإثم‬ ‫ال�ضواب ِ‬ ‫�إذا اقرتن���ت بها �ضرور ٌة م ِل َّح��� ٌة ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫مرتوك لدينه يف تقديرها‪.‬‬ ‫امل�ضط ِّر فقط‪ ،‬وهو‬ ‫يرتفع ِمنْ جا ِن ِب‬ ‫املعاملة مع البن���وك بالقرو�ض ال ّربو َّية ال يجوز‬ ‫و�إذا كان حك ُ‬ ‫���م َ‬ ‫���ات ال َّداخل َّي ِة‬ ‫���ال‬ ‫كال�سفتج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫�شرع���ا؛ ف����إنَّ ِمنْ �أعم ِ‬ ‫البنوك الأخ���رى ّ‬ ‫و�ص���رف مبال��� ِغ ِّ‬ ‫���كات ونح��� ِو ذل���ك من‬ ‫���ات االعتم���ا ِد‬ ‫ال�شي ِ‬ ‫ِ‬ ‫وخطاب ِ‬ ‫���ات املق َّدم ِة‪َّ ،‬‬ ‫وخا�ص ًة للمحتاج ـ‪ ،‬ب�شرط‬ ‫اخلدم ِ‬ ‫فالظاه ُر جوا ُزه���ا ـ َّ‬ ‫معتد ٍل ال بال ِّن�سبة املئو َّية؛ لئ َّال تزيدَ عن‬ ‫ب�سعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتديد قيم ِة اخلدم ِة ٍ‬ ‫خدمات �أ َّو ًال‪.‬‬ ‫القيمة املطا ِب َق ِة حلقيقة ما يقدِّمه امل�صرف من‬ ‫ٍ‬ ‫مبعام�ل�ات البن���وك ال ّربو َّية عن طريق‬ ‫و�أن ال ير�ض���ى ـ ثان ًي���ا ـ‬ ‫ِ‬ ‫�أن���واع الإقرا�ض نظ َري فائد ٍة م�شرتَط ٍة �صراح��� ًة �أو مق َّنع ٍة بالبيع �أو‬ ‫اال�ستثمارِ‪ ،‬تفاد ًيا لال�شرتاك يف الإثم واملع�صية؛ لقوله ‪:Í‬‬ ‫« ِ�إ َذا عُمِ لَتِ ا َ‬ ‫خلطِ ي َئ ُة يف الأَ ْر ِ�ض َكا َن َمنْ َ�ش ِه َدهَا َف َك ِر َههَا ـ وقال‬ ‫اب َع ْنهَا َف َر ِ�ض َيهَا َكا َن‬ ‫���اب َع ْنهَا‪َ ،‬و َمنْ َغ َ‬ ‫م��� ّر ًة‪�َ :‬أ ْن َك َرهَا ـ َكا َن َك َمنْ َغ َ‬ ‫َك َمنْ َ�ش ِه َدهَا»(‪.)7‬‬

‫وح�سنه‬ ‫(‪� )7‬أخرجه �أبو داود (‪ )515 /4‬من حديث العر�س بن عمرية الكندي ‪ّ ،Ç‬‬ ‫الألباين يف «�صحيح اجلامع» (‪.)689‬‬

‫ال�سـ�ؤال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫يق���ول بع�ض م���ن ت�ص���دَّر لإر�ش���اد ال َّنا�س يف ه���ذه الأ َّيام‪:‬‬ ‫�إ َّن مفه���وم احلجاب راج ٌع �إىل ال ُعرف‪ ،‬واملق�صود منه حتقيق‬ ‫ال�س�ت�ر‪ ،‬وعلى ه���ذا؛ ف�إ َّن اجللب���اب �أو ال َّثوب ا َّل���ذي ي�ستوعب‬ ‫ِّ‬ ‫جمي��� َع البدن لي�س منوذج احلج���اب الواجب يف هذا ال َّزمان‪،‬‬ ‫ال�صحابة‪ ،‬ول�سنا ُم ْل َزمني با ِّتباع �أعرافهم‪،‬‬ ‫و� مَّإنا َف َر�ضه عُرف َّ‬ ‫مما‬ ‫فل���و َل ِب َ�س���تِ املر�أة َت ُّنو َر ًة‬ ‫وقمي�ص���ا �أو ف�ستا ًنا �أو غري ذلك َّ‬ ‫ً‬ ‫ُي َعدُّ �سات ًرا؛ ف�إ َّنها تكون مرتدي ًة للحجاب ا َّلذي �أوجبه اهلل‪.‬‬ ‫فما مدى ِ�ص َّحة هذا الكالم؟‬ ‫اجلـواب‪:‬‬ ‫ق���د اعتمد �صاحب ه���ذه املقالة يف ت�أ�سي����س مفهوم احلجاب‬ ‫ال�صحابة ‪.í‬‬ ‫ال�سرت املطلق ور َبطه بعرف َّ‬ ‫على َّ‬ ‫وهذه ال َّنظرة ال َّت�أ�سي�س َّية ال تنته�ض لال�ستدالل من جهتني‪:‬‬ ‫الأوىل‪� :‬أنَّ املفه���وم َّ‬ ‫لل�س�ت�ر َّ‬ ‫املتوخى من وراء فر�ض‬ ‫رعي َّ‬ ‫ال�ش َّ‬ ‫ال�س�ت�ر املق َّيد بجمل ٍة من ُّ‬ ‫ال�ش���روط ال َّالزمة له‬ ‫احلج���اب � مَّإنا هو َّ‬ ‫���ي على لبا�س‬ ‫م�ستوح���ا ًة م���ن ن�صو�ص الكت���اب ُّ‬ ‫وال�س َّنة حتى ت ُْ�ض ِف َ‬ ‫ال�صف َة َّ‬ ‫ال�شرع َّية املطلوب َة‪.‬‬ ‫املر�أة امل�سلمة ِّ‬ ‫‪ ‬فم���ن ُّ‬ ‫ال�ش���روط َّ‬ ‫ال�شرع َّي���ة ا َّلتي ينبغ���ي مراعاتُها يف لبا�س‬ ‫املر�أة ما ي�أتي‪:‬‬ ‫با�س جمي َع ما هو عورة من بدنها فت�س ُ‬ ‫رته‬ ‫ـ �أن‬ ‫َ‬ ‫ي�ستوعب ال ِّل ُ‬ ‫عن الأجانب‪.‬‬ ‫ولذل���ك ُ�س ِّم���ي حجا ًب���ا؛ لأ َّن���ه يحج���ب �شخ�ص���ه �أو عينه عن‬ ‫الأجانب(‪.)8‬‬ ‫و�أ َّما حمارمها فال تك�شف املر�أة لهم �سوى موا�ض ِع الزِّ ينة‪.‬‬ ‫(‪« )8‬التعريفات الفقهية» للربكتي‪.)76( :‬‬

‫‪42‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬

‫ﯕ﴾ [\{]‪.‬‬ ‫وتفري ًع���ا عليه ف�إنَّ املقدار َّ‬ ‫رعي لطول ث���وب املر�أة ُي َراعى‬ ‫ال�ش َّ‬ ‫فيه ح���االن‪ُ :‬‬ ‫���اب وهو يزيد على الكعب�ي�ن بقدر ِ�ش ٍرب‪،‬‬ ‫حال ا�ستحب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وحال جوازٍ بقدر ذراع(‪.)9‬‬ ‫ويد ُّل عليه حديث � ِّأم �سلمة ‪� á‬أ َّنها قالت لر�سول اهلل ‪ Í‬حني‬ ‫ذكر الإزار‪« :‬فاملر�أ ُة يا ر�سول اهلل؟!»‪ ،‬قال‪ُ « :‬ت ْرخِ ي �شِ برْ ً ا»‪ ،‬فقالت �أ ُّم‬ ‫�سلمة‪�« :‬إذن ينك�شف عنها؟!»‪ ،‬قال‪َ « :‬فذِ َرا ًعا َال تزِي ُد َعلَ ْيهِ»(‪.)10‬‬ ‫ف�ضفا�ض���ا ًّ‬ ‫لئ�ل�ا َي ِ�ص َ‬ ‫ً‬ ‫���ف �شي ًئ���ا‬ ‫ـ �أن يك���و َن ال ِّلبا� ُ���س وا�س ًع���ا‬ ‫من بدنها‪.‬‬ ‫ذل���ك لأنَّ ال ِّلبا����س َّ‬ ‫ال�سرت املطلوب‬ ‫ال�ض ِّي���قَ ِّ‬ ‫املحج َم ال يح ِّق���ق َّ‬ ‫�شرع���ا‪ ،‬فهو ُيح���دِّ د تفا�صيل اجل�سم و ُي�ب�رزه لل َّناظرين‪ ،‬وقد ورد‬ ‫ً‬ ‫���ي َّ‬ ‫���ي ع���ن ال ِّلبا�س َّ‬ ‫ال�ض ِّي���ق يف حديث �أ�سام��� َة بن زيد‬ ‫ال�شرع ُّ‬ ‫ال َّنه ُّ‬ ‫مما‬ ‫‪ ،Ç‬ق���ال‪« :‬ك�س���اين ر�سول اهلل ‪ُ Í‬قبطي���ة كثيف ًة كانت َّ‬ ‫�أَ ْهدَ ى له ِدحي ُة الكلب���ي‪ ،‬فك�سوتها امر�أتي‪ ،‬فقال ر�سول اهلل ‪:Í‬‬ ‫«مَ���ا َل َ‬ ‫َ‬ ‫ر�س���ول اهلل! ك�سوتُها‬ ‫���ك َال َت ْل َب� ُ���س ال ُق ْبطِ َّي��� َة؟» فقل���ت‪« :‬ي���ا‬ ‫ال َل��� ًة(‪َ ،)11‬ف�إِنيِّ َ�أ َخ ُ‬ ‫امر�أت���ي»‪ ،‬فقال‪ُ « :‬م ْرهَا َف ْل َت ْج َع ْ���ل تحَ ْ َتهَا غِ َ‬ ‫اف‬ ‫�أَ ْن َت ِ�ص َف َح ْج َم عِ َظامِ هَا»(‪ ،)12‬واملعلوم �أنَّ ال َّثوب ولو كان كثي ًفا فال‬ ‫(‪« )9‬فتح الباري البن حجر‪.)259/10( :‬‬ ‫(‪� )10‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)4117‬والن�سائي (‪ ،)5339‬وابن ماجه (‪ ،)3580‬و�أحمد‬ ‫(‪ ،)293 /6‬من حديث �أم �سلمة ‪ ،á‬واحلديث �صححه الألباين يف «ال�سل�سلة‬ ‫ال�صحيحة»‪.)227 /1( :‬‬ ‫(‪ )11‬الغاللة‪� :‬شعار يلب�س حتت ال َّثوب وحتت الدِّ رع � ً‬ ‫أي�ضا‪«[ .‬خمتار ال�صحاح» للرازي‪:‬‬ ‫(‪.])479‬‬ ‫(‪� )12‬أخرجه �أحمد (‪ ،)205/5‬والبيهقي يف «ال�سنن الكربى»‪ ،)234 /2( :‬من حديث‬ ‫�أ�سامة بن زيد ‪ .Ç‬قال الهيثمي يف «جممع الزوائد» (‪« :)240 /5‬فيه عبد‬ ‫وح�سنه‬ ‫اهلل بن حممد بن عقيل وحديثه ح�سن وفيه �ضعف وبقية رجاله ثقات»‪ّ ،‬‬ ‫الألباين يف «جلباب املر�أة امل�سلمة» (‪.)131‬‬

‫فتاوى شرعية‬

‫واال�ستيعاب ي�ش َمل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ـ اخلم���ا َر ا َّلذي ِّ‬ ‫و�صد َرها‬ ‫وع ُن َق َه���ا و�أُ ُذنيها ْ‬ ‫تغطي ب���ه ر� َأ�سها ُ‬ ‫���د ًال و�إرخا ًء َو َل ًّيا؛ لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾‬ ‫َ�س ْ‬ ‫[‪.]t: 31‬‬ ‫���اب �أو ال��� ِّردا َء �أو ا ِمل ْلحف َة وهو املُ�ل�اءة ا َّلتي ت�شتمل بها‬ ‫ـ اجللب َ‬ ‫قمي�صها ِّ‬ ‫املر�أة فتل َب ُ�سها َ‬ ‫لتغط َي بها جمي َع‬ ‫رعها �أو ِ‬ ‫فوق ِخمارِها و ِد ِ‬ ‫م���ا هو عور ٌة من بدنها م���ن ر�أ�سها �إىل قدميها‪ ،‬وي���د ُّل عليه قوله‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬

‫متنع كثافتُه من و�صف حجم اجل�سد �أو �أع�ضائه ما دام َ�ض ِّي ًقا‪.‬‬ ‫���اف َّ‬ ‫ي�ص َ‬ ‫���ف ل���و َن‬ ‫غ�ي�ر �ش َّف ٍ‬ ‫لئ�ل�ا ِ‬ ‫ـ �أن يك���و َن ال ِّلبا����س كثي ًف���ا َ‬ ‫َب َ�شر ِة الـمر�أة‪.‬‬ ‫مرفوعا‪:‬‬ ‫���ي عنه يف حديث �أبي هري���رة ‪Ç‬‬ ‫ً‬ ‫فق���د ورد ال َّنه ُّ‬ ‫«�ص ْن َف���انِ مِ ���نْ َ�أهْ ���لِ ال َّن���ا ِر لمَ ْ َ�أ َرهُ َم���ا‪َ :‬ق ْو ٌم َم َعهُ��� ْم �سِ َي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫���اط َك َ�أ ْذ َنابِ‬ ‫مي َ‬ ‫���ات عَا ِر َي ٌ‬ ‫ال َب َق��� ِر َي ْ�ض ِر ُب���و َن ِبهَ���ا ال َّنا� َ���س‪َ ،‬ون َِ�سا ٌء َكا�سِ َي ٌ‬ ‫ال ٌت‬ ‫���ات مُ ِ‬ ‫مَائ َ‬ ‫و�س ُه���نَّ َك�أَ ْ�س ِن َم ِة ال ُب ْختِ املَا ِئلَ���ةِ‪َ ،‬ال َيد ُْخ ْل َن ا َ‬ ‫جل َّن َة َو َال‬ ‫ِ�ل�ا ٌت ُر�ؤُ ُ‬ ‫ري ِة َك َذا َو َك َذا»(‪.)13‬‬ ‫ِيحهَا َل ُي َ‬ ‫ِيحهَا َو�إِ َّن ر َ‬ ‫يَجِ ْد َن ر َ‬ ‫وج ُد مِ نْ مَ�سِ َ‬ ‫فف���ي احلديث دالل���ة ظاهر ٌة على حترمي ُل ْب� ِ���س ال َّثوب ال َّرقيق‬ ‫ا َّلذي َي ِ�ش ُّف و َي ِ�ص ُف لونَ بدن املر�أة‪.‬‬ ‫ق���ال ابن عبد ال ِّرب ‪�« ::‬أراد (ال ِّن�س���ا َء) ال َّلواتي َي ْل َب ْ�سنَ من‬ ‫ال ِّثي���اب َّ‬ ‫ي�ص ُ‬ ‫ال�شيء اخلفي َ‬ ‫���ف وال ي�سرت‪ ،‬فه���نَّ كا�سياتٌ‬ ‫���ف ا َّلذي ِ‬ ‫باال�سم عارياتٌ يف احلقيقة»(‪.)14‬‬ ‫وق���ال ابن تيمية ‪« ::‬وق���د ُف ِّ�س َر قول���ه‪َ « :‬كا�سِ َي ٌ‬ ‫���ات عَا ِر َي ٌات»‬ ‫تكت�س َي ما ال ي�سرتها‪ ،‬فهي كا�سية وه���ي يف احلقيقة عارية‪،‬‬ ‫ب����أن ِ‬ ‫مث َ‬ ‫وب‬ ‫���وب ال َّرقيقَ ا َّل���ذي ِ‬ ‫ي�ص ُف َب َ�ش َر َته���ا‪� ،‬أو ال َّث َ‬ ‫���ل َمنْ تكت�سي ال َّث َ‬ ‫ال�ض ِّيقَ ا َّلذي يب���دي تقاطي َع َخ ْل ِقها َ‬ ‫َّ‬ ‫و�ساعدها ونحو‬ ‫مثل َع ِجيزَ ِتها‬ ‫ِ‬ ‫ذل���ك‪ ،‬و� مَّإنا ك�سوة املر�أة ما ي�سرته���ا فال يبدي ج�سمها وال حجم‬ ‫�أع�ضائها لكونه كثي ًفا وا�س ًعا»(‪.)15‬‬ ‫ـ و�أن ال يك���و َن لبا� ُ���س امل���ر�أة لبا� َ���س �شه���رة �س���واء بال َّنفي�س‬ ‫�أو اخل�سي�س‪.‬‬ ‫لقول���ه ‪َ « :Í‬م���نْ َل ِب َ�س َث ْو َب ُ�شهْ��� َر ٍة َ�أ ْل َب َ�س ُه ُ‬ ‫اهلل َي��� ْو َم ال ِق َيا َم ِة‬ ‫َث ْو ًبا مِ ْثلَهُ‪ُ ،‬ث َّم َتلَه َُّب فِي ِه ال َّنا ُر»(‪.)16‬‬ ‫ق���ال ابن تيمية ‪« ::‬و ُت ْك َر ُه ُّ‬ ‫ال�شهر ُة من ال ِّثياب‪ ،‬وهو املرت ِّف ُع‬ ‫ال�س َ‬ ‫اخل���ارج عن العادة واملتخ ِّف ُ‬ ‫لف‬ ‫����ض اخلارج عن العادة‪ ،‬ف����إنَّ َّ‬ ‫كان���وا يكره���ون ُّ‬ ‫ال�شهرت�ي�ن‪ :‬املرت ِّف��� َع واملتخ ِّف َ‬ ‫����ض‪ ،‬ويف احلديث‪:‬‬ ‫« َم���نْ َل ِب� َ���س َث ْو َب ُ�ش ْه َر ٍة َ�أ ْل َب َ�س ُه ُ‬ ‫اهلل َث��� ْو َب َم َذ َّلةٍ»(‪ ،)17‬وخيا ُر الأمور‬ ‫�أو�ساطها»(‪.)18‬‬ ‫(‪� )13‬أخرجه م�سلم (‪ ،)2128‬و�أحمد (‪ ،)355 /2‬من حديث �أبي هريرة ‪.Ç‬‬ ‫(‪« )14‬التَّمهيد» البن عبد الرب‪.)204/13( :‬‬ ‫(‪« )15‬جمموع الفتاوى» البن تيمية‪.)146/22( :‬‬ ‫(‪� )16‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)4029‬من حديث ابن عمر ‪.È‬‬ ‫(‪� )17‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)4030‬وابن ماجه (‪ ،)3606‬و�أحمد (‪ ،)92/2‬واحلديث‬ ‫ح�سنه الألباين يف «جلباب املر�أة امل�سلمة»‪.)213( :‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪« )18‬جمموع الفتاوى» البن تيمية‪.)138/22( :‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪43‬‬


‫فتاوى شرعية‬

‫ـ وم���ن ه���ذا القبي���ل ـ � ً‬ ‫لبا�س امل���ر�أة زين ًة َت ْلفِتُ‬ ‫أي�ضا ـ �أ َّال يكو َن ُ‬ ‫الأنظا َر جَ ْ‬ ‫وتل ُِب االنتباهَ‪.‬‬ ‫ألوان الفاحت ِة �أو ال َّرباقة ال َّالمع ِة‪،‬‬ ‫�س���واء يف هيئة لبا�سها �أو ال ِ‬ ‫والو�شي ا َّلتي عليه‪ ،‬تفاد ًيا �أن‬ ‫قو�ش‬ ‫�أو امل���ا َّد ِة امل�صنو ِع منها‪� ،‬أو ال ُّن ِ‬ ‫ِ‬ ‫جات بزين ٍة‪.‬‬ ‫تكونَ من املت ِّرب ِ‬ ‫مم���ا ُي ْل َحقُ بالزِّ ينة‬ ‫اعلم �أنَّ عندي َّ‬ ‫ق���ال الألو�سي ‪« : :‬ث َّ‬ ‫���م ْ‬ ‫ات ال ِّن�ساء يف زماننا فوق‬ ‫املنهي ع���ن �إبدائها ما يل َب�سه �أك ُرث ُمترْ َ َف ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ثيابهنَّ ويت�س�َّترَرَّ ن به �إذا خرجن من بيوته���نَّ ‪ ،‬وهو غطاء من�سوج‬ ‫ألوان‪ ،‬وفيه من ال ُّنقو�ش َّ‬ ‫الذهب َّية �أو ِّ‬ ‫الف�ض َّية ما‬ ‫من حرير ذي ع َّد ِة � ٍ‬ ‫َي ْب َه��� ُر العيونَ ‪ ،‬و�أرى �أنَّ متك َني �أزواجهنَّ ونح ِوهم لهنَّ من اخلروج‬ ‫بذل���ك َوم ْ�شيِهنَّ به بني الأجانب من ِق َّلة الغرية‪ ،‬وقد ع َّمت البلوى‬ ‫بذلك»(‪.)19‬‬ ‫ـ �أن ال يكون ال ِّلبا�س �شبيهًا بلبا�س ال َّرجل‪.‬‬ ‫���ن َر ُ�س ُ‬ ‫فقد « َل َع َ‬ ‫هلل ‪ Í‬امل ُ َت َ�ش ِّب ِه َ‬ ‫ني مِ َن ال ِّر َج���الِ بِال ِّن َ�سا ِء‬ ‫���ول ا ِ‬ ‫عن َر ُ�س ُ‬ ‫َوامل ُ َت َ�ش ِّبهَ���اتِ مِ َن ال ِّن َ�سا ِء بِال ِّر َجالِ »(‪ ،)20‬كما « َل َ‬ ‫هلل ‪Í‬‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ال َّر ُج َل َي ْل َب ُ�س ِل ْب َ�س َة امل َ ْر�أَ ِة َوامل َ ْر�أَ َة َت ْل َب ُ�س ِل ْب َ�س َة ال َّر ُجلِ »(‪ ،)21‬و« َل َع َن‬ ‫َر ُ�س ُ‬ ‫هلل ‪ Í‬ال َّر ُجلَ َة مِ َن ال ِّن َ�ساءِ»(‪.)22‬‬ ‫ول ا ِ‬ ‫املنهي عنه بني ال ِّرجال وال ِّن�ساء التَّ�ش ُّب ُه يف‬ ‫واملق�صو ُد بالتَّ�ش ُّبه ِّ‬ ‫وامل�شي‪ ،‬وهو حرا ٌم للقا�صد املختار قو ًال‬ ‫���كالم‬ ‫ِ‬ ‫ال ِّلبا�س والزِّ ين ِة وال ِ‬ ‫واحدً ا‪.‬‬ ‫جال‬ ‫ق���ال اب���ن حج���ر ‪« ::‬وت�ش ُّب��� ُه ال ِّن�س���ا ِء بال ِّرج���ال وال ِّر ِ‬ ‫قا�صد خمتا ٍر حرا ٌم ا ِّتفا ًقا»(‪.)23‬‬ ‫بال ِّن�ساء ِمنْ‬ ‫ٍ‬ ‫ـ �أن ال يك���و َن ال ِّلبا� ُ���س �شبيهً���ا بلبا����س �أه���ل الكف���ر و�أزيا ِئه���م‬ ‫وعاداتِهم‪.‬‬ ‫لقوله ‪َ « :Í‬منْ َت َ�ش َّب َه ِب َق ْو ٍم َف ُه َو مِ ْن ُه ْم»(‪.)24‬‬ ‫(‪« )19‬روح املعاين» للألو�سي‪.)146/18( :‬‬ ‫(‪� )20‬أخرجه البخاري (‪ ،)5885‬من حديث ابن عبا�س ‪.È‬‬ ‫(‪� )21‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)4098‬و�أحمد‪ ،)325/2( :‬من حديث �أبي هريرة ‪،Ç‬‬ ‫واحلديث �صححه الألباين يف «�صحيح اجلامع»‪.)5095( :‬‬ ‫�صححه الألباين‬ ‫(‪� )22‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)4099‬من حديث عائ�شة ‪ ،á‬واحلديث ّ‬ ‫يف «�صحيح اجلامع»‪.)5096( :‬‬ ‫(‪« )23‬فتح الباري» البن حجر‪.)336 /9( :‬‬ ‫(‪� )24‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)4033‬و�أحمد (‪ ،)50/2‬من حديث ابن عمر ‪،È‬‬ ‫ح�سنه الألباين يف «الإرواء»‪.)109 /5( :‬‬ ‫واحلديث َّ‬

‫‪44‬‬

‫و�ضوابطه �أُ ِخ َذ من‬ ‫�شروط لبا�س امل���ر�أة‬ ‫وال يخف���ى �أنَّ جمل َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال�سرت املطلوب‬ ‫ن�صو����ص �شرع َّية �صحيح��� ٍة ُتف ِْ�ص ُح عن حقيق���ة َّ‬ ‫ال�س�ت�ر من غري مالحظ ٍة لهذه ُّ‬ ‫�شرعا‪ ،‬و� ُ‬ ‫ال�شروط‬ ‫ً‬ ‫إطالق مفهوم َّ‬ ‫خط�أٌ َبينِّ ٌ ظاه ُر الف�ساد‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ال َّثاني���ة‪� :‬أنَّ رب َ‬ ‫���اب ب ُعرف‬ ‫���ط �صاح���ب املقالة‬ ‫مفهوم احلج ِ‬ ‫َ‬ ‫ال�صحابة ‪ í‬يحتاج �إىل تف�صيل‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ال�صحابة‬ ‫با�س ـ َّ‬ ‫مم���ا اعتاده َّ‬ ‫ف����إنْ كان مق�ص���وده �أنَّ هذا ال ِّل َ‬ ‫‪ í‬يف �ألب�سته���م و�أزيائهم وعادتهم ـ ال يوجد يف نفيه وال يف‬ ‫�إثباته دلي ٌل �شرعي كما هو �ش�أنُ العرف يف اال�صطالح‪ ،‬فال َّ‬ ‫�شك‬ ‫يف بطالن هذا القول‪.‬‬ ‫�صو�ص َّ‬ ‫وعمل‬ ‫ال�شرع َّي ِة والإجما ِع ِ‬ ‫ير ُّده ما تق َّدم بيانه من ال ُّن ِ‬ ‫ال�صحابة ‪.í‬‬ ‫َّ‬ ‫���رت �أ ُّم �سلم َة ‪� á‬أ َّن���ه‪« :‬ملَّا نزلت ﴿ﮤ ﮥ‬ ‫فقد ذك ْ‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [{‪ ،]59 :‬خ���رج ن�ساء الأن�ص���ار ك�أنَّ على‬ ‫ر�ؤو�سهنَّ الغربانَ من الأك�سية»(‪.)25‬‬ ‫وقالت عائ�شة ‪:á‬‬ ‫���رات ا لأُ َو َل‪ ،‬لـ َّم���ا �أنزل اهلل‪:‬‬ ‫«يرح���م اهلل ن�س���اء الـمهاج ِ‬ ‫﴿ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [الن���ور‪�َ ،]31 :‬ش َق ْقنَ ُمروطهنَّ‬ ‫فاختم ْرنَ بها»(‪.)26‬‬ ‫وه���ذا وغ ُريه يد ُّل على �أ َّنهم كانوا يف عوائدَ جاري ٍة فانقلبوا ـ‬ ‫ا�ستجاب ًة لنداء َّ‬ ‫ال�شرع ـ �إىل عوائدَ �شرع َّي ٍة‪.‬‬ ‫�أ َّم���ا �إنْ كان مق�صوده م���ن �أنَّ مفهوم احلجاب َف َر َ�ضه ُ‬ ‫عرف‬ ‫ال�صحاب���ة ‪ í‬م���ن منطل���ق عوائدَ �شرع َّي��� ٍة �أق َّره���ا ال َّدليل‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫باع���ه يف و�صفه‬ ‫ال�صحي���ح فه���ذا ح���قٌّ‪ ،‬لكنْ يج���ب ا ِّت ُ‬ ‫���ي َّ‬ ‫ال�شرع ُّ‬ ‫و�شرطه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫(‪� )25‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)4101‬من حديث �أ ّم �سلمة ‪ ، á‬واحلديث �صححه‬ ‫الألباين يف «غاية املرام»‪.)282( :‬‬ ‫(‪� )26‬أخرجه البخاري (‪ ،)4758‬من حديث عائ�شة ‪.á‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫استطالع وحوار‬

‫مدرسة (دار احلديث) بتلمسان‬ ‫ع ّز الدين رم�ضاين‬ ‫رئي�س التَّحرير‬

‫بتاريخ (‪ )1431/03/29‬املوافق لـ (‪2010/03/14‬م) قام وفد من طاقم حترير جم َّلة «الإ�صالح» برحلة �إىل �أق�صى غرب‬ ‫علمي منحوت يف ذاكرة َّ‬ ‫ال�شعب اجلزائريِّ امل�سلم عمو ًما‪ ,‬ويف �سج ِّل تاريخ «جمع َّية‬ ‫اجلزائر؛ ق�صد معاينة معلم‬ ‫تاريخي‪ ،‬و�صرح ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫خ�صو�صا‪.‬‬ ‫العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني»‬ ‫ً‬ ‫إ�سالمي‬ ‫العربي ال‬ ‫�إ َّنها مدر�سة «دار احلديث» الكائنة و�سط مدينة «تلم�سان» عا�صمة «ال ِّزيان ِّيني»‪ ,‬املتم ِّيزة بطرازها املعماريِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الفريد من نوعه يف تاريخ اجلزائر احلديث‪ ,‬وامل�س َّماة على دار احلديث الأ�شرف َّية(‪ )1‬ا َّلتي � َّأ�س�سها امللك الأ�شرف (ت‪635 :‬هـ) من‬ ‫وال�شام يف دم�شق َّ‬ ‫ملوك الدَّولة الأ ُّيوب َّية مب�صر َّ‬ ‫ال�شام �سنة (‪628‬هـ)‪.‬‬ ‫ال�صالح‪� ،‬صاحب «املقدِّمة يف علوم‬ ‫تلك املدر�سة ال َّتاريخ َّية ا َّلتي تخ َّرج فيها �أئ َّمة يف العلم وفحول يف الأدب؛ كاحلافط ابن ََّ‬ ‫احلديث»‪ ,‬وهو �أ َّول من وليها ومن د َّر�س احلديث فيها‪ ,‬واحلافظينْ امل ِّزي وال َّنوويِّ وغريهم‪.‬‬ ‫وهذه املدر�سة بتلم�سان يرجع الف�ضل يف فكرة ت�أ�سي�سها �إىل �أمري البيان َّ‬ ‫ال�شيخ حم َّمد الب�شري الإبراهيمي ‪ ,:‬وقد �شارك‬ ‫بنف�سه يف تخطيطها وقام بت�شييدها‪ ,‬ح َّتى �إ َّنه كان ي�شرف على الع َّمال بنف�سه(‪ ,)2‬و�أ�سهم �أهايل تلم�سان رجا ًال ون�سا ًء ب�أموالهم‬ ‫العلمي من بدايته ح َّتى نهايته‪.‬‬ ‫ال�صرح‬ ‫و�سواعدهم يف بناء هذا َّ‬ ‫ِّ‬ ‫وقد �أرجع َّ‬ ‫رت ًفا‪:‬‬ ‫ال�شيخ الب�شري الف�ضل �إىل «جمع َّية العلماء»‪ ,‬فقال مع ِ‬ ‫«الف�ضل يف �إن�شاء هذه املدر�سة العظيمة ال يرجع لأحد غري «جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني»‪ُّ ,‬‬ ‫فكل ف�ضل لهذا العاجز‬ ‫هو قطرة من بحر ف�ضل «جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني»»(‪.)3‬‬ ‫(‪ )1‬راجع «الدَّار�س يف تاريخ املدار�س» لعبد القادر ال ّنعيمي (�ص ‪.)15‬‬ ‫ال�سنة ال َّثالثة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬انظر «الب�صائر» (‪َّ )21/3‬‬ ‫(‪ّ )3‬‬ ‫«ال�شهاب» (‪ 352/13‬وما بعدها)‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪45‬‬


‫استطالع وحوار‬

‫وصف البناية‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ال�سنة‬ ‫متت �أ�شغال البناء باملدر�سة يف زمن‬ ‫قيا�سي مل يجاوز َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫وال ِّن�صف‪ ,‬ب�سبب العمل املتوا�صل ال َّد�ؤوب ليل نهار‪ ,‬والإمدادات‬ ‫ال�سخ َّية‪.‬‬ ‫املال َّية واملا ِّد َّية املتد ِّفقة من �أيادي �أهل تلم�سان َّ‬ ‫واخت�ي�ر له���ا موق��� ٌع ا�سرتاتيج���ي و�س���ط املدين���ة؛ لتكون يف‬ ‫مواجه���ة ال َّثانو َّي���ة الفرن�س َّي���ة امل�س َّم���اة «دو�س�ل�ان» «‪»doslane‬‬ ‫و�أعلى منها‪.‬‬ ‫والبناية مك َّونة من ثالثة طوابق‪ ،‬حتتوي على قاعة م َّت�سعة‬ ‫ال�صلوات‪ ,‬وفوقها قاعة لإلقاء املحا�ضرات‪ ,‬وفوقها‬ ‫معدَّة لإقامة َّ‬ ‫بن���اء يحتوي على �أربعة �أق�س���ام‪ ,‬تزاول فيها درو�س العلم‪ ،‬وبهذا‬ ‫َّ‬ ‫الطابق �صحن وو�سط فيه بع�ض املرافق(‪.)4‬‬ ‫أ�صلي الأ�صيل اخلط���اب ا َّلذي �ألقاه رئي�س‬ ‫(‪ )4‬انظ���ر يف و�صف ه���ذه البناية بطرازها ال ِّ‬ ‫اجلمع َّي���ة الدِّ ين َّي���ة للمدر�س���ة مبنا�سب���ة افتت���اح ا لـمدر�سة يف جم َّل���ة ِّ‬ ‫«ال�شهاب»‬ ‫( ‪/8‬م‪.)363/13‬‬

‫مشاهد من حفل التدشني‪:‬‬ ‫وج���ه َّ‬ ‫ال�شيخ الب�شري دعوة عا َّمة حل�ضور هذا احلفل �إىل وجهاء‬ ‫َّ‬ ‫و�أعيان القطر اجلزائريِّ عرب جريدة «الب�صائر»‪ ,‬وقال فيها‪:‬‬ ‫ممن مل ت�صله ال َّدعوة �أو مل نعرف عنوانه �أن يعترب هذه‬ ‫«ونرجو َّ‬ ‫خا�صة»(‪.)5‬‬ ‫ال َّدعوة املن�شورة يف «الب�صائر» دعوة َّ‬ ‫وع�ِّي�نِّ ي���وم االثن�ي�ن (‪ 22‬رج���ب ‪1356‬ه���ـ املواف���ق ل���ـ‪:‬‬ ‫‪1937/9/27‬م) ليك���ون يوم افتتاح «دار احلديث» بتلم�سان‪ ,‬وكان‬ ‫بهيجا م�شهودًا‪ ،‬ح�ض���ره ما يزيد على ع�شرين �أل ًفا من‬ ‫ً‬ ‫يوم���ا حاف ًال ً‬ ‫�أبناء تلم�سان ومن غريها‪.‬‬ ‫إداري لـ«جمع َّية العلماء‬ ‫وكان يف طليع���ة الوافدي���ن‪ :‬املجل����س ال ُّ‬ ‫امل�سلم�ي�ن اجلزائر ِّي�ي�ن»‪ ,‬يتق َّدمه���م رئي����س اجلمع َّي���ة َّ‬ ‫ال�شي���خ عبد‬ ‫احلميد ابن بادي�س ومرافقوه و�أعوانه‪ ،‬منهم َّ‬ ‫َّب�سي‬ ‫ال�شيخ العربي الت ِّ‬ ‫َّ‬ ‫وال�شيخ مبارك امليلي والأ�ستاذ الف�ضيل الورتالين و�آخرون‪.‬‬ ‫ال�سنة ال َّثانية‪.‬‬ ‫(‪« )5‬الب�صائر» (‪َّ )246/2‬‬

‫‪46‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫«تلم�سان» احتفت بالعلم جا ًرا ومــا كـالـعـلـم للـب ـلـدان جـ ـ ــار‬ ‫ـاجا ي ِـحـ ُّق بـه لأهـلـيـهــا ال ـف َـخـ ـ ــار‬ ‫لقد لب�ست من الإ�صالح تـ ً‬ ‫لـقـد ُبعـث «الب�ش ُري» لها ب�شـ ًريا مبـجـد كـالـ ِّرك ــاز بـهـا ُيـثـ ـ ـ ــار‬ ‫ويف «دار احل ــديث» لـه �صـوا ٌن بديــع الـ�صـنـع مـ�ص ــقو ٌل ُمنار‬ ‫به عـر�ض «الب�شري» فنون علم و�آداب لـيـجـلـوهــا ال�ص ـغ ـ ـ ـ ــار‬ ‫فيا «دار احلديث» ِعمِ ي نهـا ًرا وعـمــرك ك ـلُّـه �أبـ ــدً ا نـهـ ـ ـ ـ ـ ــار‬

‫استطالع وحوار‬

‫ال�شيخ اب���ن بادي�س بع���د �أن �س َّلمه َّ‬ ‫وق���د تولىَّ االفتت���اح َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫الب�شري مفتاح املدر�سة قائ ًال له‪:‬‬ ‫«�أخ���ي الأ�ستاذ ال َّرئي�س! لو علم���ت يف القطر اجلزائريِّ ‪ ،‬بل يف‬ ‫إ�سالمي رج ًال يف مثل حالتكم‪ ،‬له يد على العلم مثل يدكم‪,‬‬ ‫العامل ال‬ ‫ِّ‬ ‫وف�ضل على ال َّنا�شئة مثل ف�ضلكم لآثرته دونكم بفتح هذه املدر�سة‪,‬‬ ‫ولك ِّني مل �أجد‪ ,‬فبا�سم تلم�سان وبا�سم اجلمع َّية الدِّين َّية باخل�صو�ص؛‬ ‫�أناولكم املفتاح‪ ,‬فهل لهذه املدر�سة �أن تت�ش َّرف بذلك»(‪.)6‬‬ ‫وكانت َّ‬ ‫لل�شيخ ابن بادي����س كلمة �ألقاها على احلا�ضرين بهذه‬ ‫املنا�سب���ة‪ ،‬ح َّيا فيها �أهل تلم�سان و�شكرهم على ما بذلوه من مهج‬ ‫ال�صرح فقال لهم‪:‬‬ ‫و�أموال يف ت�شييد هذا َّ‬ ‫«يا �أبناء تلم�سان! يا �أبناء اجلزائر! �إنَّ العروبة من عهد « ُت َّبع»‬ ‫�إىل الي���وم حت ِّييك���م‪ ,‬و�إنَّ الإ�سالم من ي���وم حم َّمد ‪� Í‬إىل اليوم‬ ‫يح ِّييك���م‪ ,‬و� َّ​ّإن �أجيال اجلزائر من اليوم �إىل يوم القيامة ت�شكركم‬ ‫وتذكر �صنيعكم اجلميل‪ ,‬يا �أبناء تلم�سان! كانت عندكم �أمانة من‬ ‫تاريخنا املجيد ف�أ َّديتموها‪َ ,‬ف ِن ْع َم الأمناء �أنتم‪ ,‬فجزاكم اهلل خري‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل»(‪.)7‬‬ ‫جزاء الأمناء‪َّ ،‬‬ ‫و�أبرز ما م َّيز هذا اليوم ا َّلذي �س َّماه َّ‬ ‫ال�شيخ الب�شري بـ‪« :‬العر�س‬ ‫���ي» �إلق���اء َّ‬ ‫ال�شيخ ابن بادي�س لأ َّول در����س يف هذه املدر�سة يف‬ ‫العلم ِّ‬ ‫مو�ضوع احلدي���ث ا َّلذي �ش ِّيدت البناية لأجل���ه‪ ,‬ولتكون ا�س ًما على‬ ‫م�س ًّم���ى‪ ,‬فا�سته َّل َّ‬ ‫بي ‪ Í‬املرويِّ يف‬ ‫ال�شيخ در�سه ب�شرح حديث ال َّن ِّ‬ ‫«ال�صحيحني» وهو قوله ‪َ « :Í‬م َث ُل مَا َب َع َثنِي ُ‬ ‫اهلل ب ِه مِ َن ال ُهدَى‬ ‫َّ‬ ‫در�سا مات ًعا ب�شهادة من ح�ضر‪ ,‬حتَّى‬ ‫َوال ِع ْل ِ���م» احلديث‪ ,‬وق���د كان ً‬ ‫قال وا�صف احلفل ومرافق ابن بادي�س «م�صطفى بن حلُّو�ش»‪:‬‬ ‫«�إنَّ ه���ذا ال َّدر����س كانت �ألفاظه على ق���در معانيه‪ ,‬ومعانيه ال‬ ‫ت�ستغن���ي عن قليل من �ألفاظه‪ ,‬وكان �آية يف متانة الأ�سلوب وح�سن‬ ‫البي���ان‪ ,‬ف�إذا كانت خ�سارة الق َّراء فيه ال تع َّو�ض ـ لأ َّنه فات عليهم‬ ‫ت�سجيل���ه �أو كتابت���ه ـ فل�س���ت امل�س����ؤول؛ فلق���د ـ‪ ‬واهلل‪ ‬ـ حاولت نقله‬ ‫فخانني اجلهل بفنِّ االختزال»(‪.)8‬‬ ‫َّثم تتابع العلماء يف �أم�سية ذلك اليوم على �إلقاء ال ُّدرو�س‪ ,‬ف�أمتع‬ ‫احلا�ضرين الأ�ستاذان مبارك امليلي َّ‬ ‫َّب�سي‪.‬‬ ‫وال�شيخ العربي الت ِّ‬

‫ن���ا الأَ ْع َم ُ‬ ‫�ش���رح الأ َّول حديث‪�« :‬إِ مَّ َ‬ ‫وف�سر ال َّثاين‬ ‫���ال بِال ِّن َّي���اتِ »‪َّ ،‬‬ ‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫ﭲ ﭳ﴾ الآية [_‪.)9(]188 :‬‬ ‫وخت���م احلفل ب�إلقاء �أم�ي�ر �شعراء اجلزائر حم َّم���د العيد �آل‬ ‫خليف���ة لق�صيدة كلُّها عيون وغرر‪ ,‬عر�ض فيه���ا من ما�ضي الأ َّمة‬ ‫وحا�ضرها ً‬ ‫عر�ضا �شعر ًّيا بلي ًغا‪ ،‬ملك القلوب و�سحر العواطف‪.‬‬ ‫وجاء فيها قوله(‪:)10‬‬

‫���م ا�ستم َّر احلفل يف يوم���ه ال َّثاين بتناوب رج���االت اجلمع َّية‬ ‫ث َّ‬ ‫من علم���اء و�شعراء وخطباء يف �إلقاء ما عندهم من روائع البيان‬ ‫وف�صي���ح ِّ‬ ‫ال�شعر ومتني ال َّن�ث�ر واخلطب‪� ،‬أمتعوا به���ا احلا�ضرين‪،‬‬ ‫وغ َّ‬ ‫���ذوا �ألبابه���م‪ ،‬كالف�ضي���ل الورت�ل�اين وحم َّمد العي���د وفرحات‬ ‫ال َّد َّراجي وم�صطفى بن حلُّو�ش وغريهم‪.‬‬ ‫(‪ِّ )9‬‬ ‫«ال�شهاب» (‪/8‬م‪.)354/13‬‬ ‫(‪�« )10‬آثار حم َّمد الب�شري الإبراهيمي» (‪.)309/1‬‬

‫(‪ِّ )6‬‬ ‫«ال�شهاب» (‪/8‬م‪.)351/13‬‬ ‫(‪ِّ )7‬‬ ‫«ال�شهاب» (‪/8‬م‪.)352/13‬‬ ‫(‪ِّ )8‬‬ ‫«ال�شهاب» (‪/8‬م‪.)354/13‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪47‬‬


‫استطالع وحوار‬

‫مدرسة «دار الحديث»‬ ‫كما أرادها الشيخ اإلبراهيمي‪:‬‬ ‫ق َّررت «جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني» تعيني علماء‬ ‫كب���ار يف عوا�ص���م املقاطعات الك�ب�رى يف القط���ر اجلزائريِّ ؛‬ ‫ليك���ون ك ُّل واح���د منه���م م�شر ًف���ا عل���ى احلرك���ة الإ�صالح َّية‬ ‫والعلم َّية يف املقاطعة ك ِّلها‪.‬‬ ‫فاخت�ي�ر َّ‬ ‫ال�شي���خ ابن بادي����س ليكون يف مدين���ة ق�سنطينة‪,‬‬ ‫وال�شيخ َّ‬ ‫العقبي باجلزائر العا�صمة‪َّ ,‬‬ ‫َّ‬ ‫وال�شيخ الإبراهيمي‬ ‫الط ِّيب‬ ‫ُّ‬ ‫مبقاطعة وه���ران وعا�صمتها العلم َّية القدمية تلم�سان‪ ،‬فانتقل‬ ‫�إليها مبع َّية �أهله و�أقام بها‪ ,‬و�أحيا بها ر�سوم العلم‪ ,‬و�أن�ش�أ فيها‬ ‫العلمي الكبري كما‬ ‫مدر�س���ة «دار احلديث» لتكون نواة مل�شروعه‬ ‫ِّ‬ ‫العلمي(‪.)11‬‬ ‫كانت ت�ص ِّوره له اخلواطر‪ ,‬يعيد به جمد تلم�سان‬ ‫َّ‬ ‫لل�صغ���ار‪ ,‬وتولىَّ‬ ‫وق���د اخت���ار نخبة م���ن املع ِّلمني الأك َف���اء ِّ‬ ‫بنف�س���ه تعليم َّ‬ ‫الطلب���ة الكبار من الوافدين و�أه���ل البلد‪ ,‬وكان‬ ‫عدد َّ‬ ‫الطلبة يقارب الألفني مو َّزعني على الأق�سام وامل�سجد من‬ ‫�صباحا �إىل العا�شرة لي ًال‪.‬‬ ‫ال�ساد�سة ً‬ ‫َّ‬ ‫وكان َّ‬ ‫إبراهيمي يلقي ع�شرة درو�س يف اليوم‪ ,‬يبد�أ‬ ‫ال�شيخ ال‬ ‫ُّ‬ ‫ال�صبح‪ ,‬ويختمه���ا بدر�س يف التَّف�سري‬ ‫بدر����س يف احلديث بعد ُّ‬ ‫بني املغ���رب والع�شاء‪ ,‬وبعد الع�شاء ين�صرف �إىل �أحد ال َّنوادي‬ ‫إ�سالمي‪ ,‬بد�أه���ا من احلقبة‬ ‫فيلق���ي حما�ض���رة يف التَّاري���خ ال‬ ‫ِّ‬ ‫املوالية لظهور الإ�سالم من الع�صر اجلاهلي �إىل مبد�أ اخلالفة‬ ‫الع َّبا�س َّية يف ب�ضع مئات من املحا�ضرات(‪.)12‬‬ ‫ويف ه���ذه املدر�س���ة خت���م «�صحي���ح م�سل���م» دراي���ة‪ ,‬و�أ َّمت‬ ‫ال�سلف َّي���ة وب�أ�سلوبه‬ ‫ال ِّن�ص���ف من تف�سري الق���ر�آن على طريقته َّ‬ ‫املعروف(‪.)13‬‬ ‫���ي املك َّث���ف ا َّلذي قام ب���ه الع َّالمة‬ ‫�إنَّ ه���ذا ال َّن�ش���اط العلم َّ‬ ‫إبراهيمي هو ـ قبل ِّ‬ ‫وال�س َّنة‬ ‫ال‬ ‫كل �شيء ـ دعوة �إىل الكتاب الكرمي ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ت�سجل مباء َّ‬ ‫الذهب لـ«جمع َّية‬ ‫املط َّهرة‪ ,‬وهو من الأعم���ال ا َّلتي َّ‬ ‫العلم���اء» على الوط���ن اجلزائريِّ بعد �أن ق�ض���ت عليها خرافة‬ ‫(‪« )11‬عيون الب�صائر» (‪.)283/5( ,)36/1‬‬ ‫(‪ )12‬من كالم َّ‬ ‫إبراهيمي من «عيون الب�صائر» (‪.)283/5‬‬ ‫ال�شيخ ال‬ ‫ِّ‬ ‫ال�سنة ال َّثالثة (‪.)21/3‬‬ ‫(‪« )13‬الب�صائر» َّ‬

‫‪48‬‬

‫ُّ‬ ‫الطرق َّي���ة‪ ,‬و�ضع���ف املنت�سبني للعلم ع���ن �إدراك حقائقهما(‪,)14‬‬ ‫و�إحيا ًء لدرو�س العلم بعد امنحاء ر�سومه و�أفول جنومه‪ ,‬وعودة‬ ‫�إىل �أ�صوله ال َّنيرِّ ة ومناهجه الوا�ضحة ا َّلتي �أبقت للأ َّمة �إ�سالمها‬ ‫وعقيدتها وهو َّيتها‪ ،‬و�إعدادًا جليل يزيل عن الأ َّمة خوانق الغ َّمة‪,‬‬ ‫دي َّ‬ ‫ال�شمائل غري َّ‬ ‫�صخاب وال‬ ‫ويبعث يف �شريانها روح اله َّمة‪ ,‬حم َّم َّ‬ ‫الطاهرين َّ‬ ‫ع َّياب‪ ,‬وال مغتاب وال �س َّباب‪ ,‬متق ِّل ًبا يف َّ‬ ‫والطاهرات‪,‬‬ ‫مي�س���ه زيغ العقيدة‪ ,‬وال يغ�شى قلبه �سحب اخلرافات‪� ,‬صحيح‬ ‫ال ُّ‬ ‫العق���د يف الدِّ ي���ن‪ ,‬متني اال ِّت�صال باهلل‪ ,‬ممل���وء القلب باخلوف‬ ‫منه‪ ,‬خاوي اجلوانح من اخلوف من املخلوق(‪.)15‬‬

‫دار الحديث بني األمس واليوم‪:‬‬ ‫م��� َّرت دار احلدي���ث مبراحل عوي�صة طيل���ة وجودها‪ ,‬بد ًء‬ ‫الفرن�سي بعد ثالثة �أ�شهر من‬ ‫ب�أمر غلقها �أ�صدره الوايل العا ُّم‬ ‫ُّ‬ ‫فتحه���ا‪ ,‬وقد حت َّدى َّ‬ ‫ال�سلطات الفرن�س َّية ورف�ض‬ ‫ال�شيخ الب�شري ُّ‬ ‫التَّوقيع على حم�ضر الأمر بغلق املدر�سة‪ ,‬وكان جزا�ؤه �إثر ذلك‬ ‫�أن ق���دِّ م �إىل املحاكمة وق�ضي عليه بغرام���ة مال َّية(‪ ,)16‬وانتها ًء‬ ‫بغل���ق �أبوابها يف وجوه َّ‬ ‫الطلبة �إ َّبان ال َّث���ورة التَّحرير َّية من عام‬ ‫‪� 1956‬إىل ‪1962‬م‪ ,‬واتَّخذها الع�سكر الفرن�ساوي وقتئذ ثكنة‬ ‫ل���ه وكانت فر�صته يف اال�ستيالء على �أر�شيف املدر�سة حيث مل‬ ‫يبقَ منه الآن �أث ٌر ُيذكر‪.‬‬

‫(‪ )14‬جريدة «الب�صائر» (‪.)180/3‬‬ ‫إبراهيمي يف ت�ص ُّوره ل�شباب هذه الأ َّمة‪.‬‬ ‫(‪ .)15‬عبارات لل‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫إبراهيمي يف تلم�سان» جم َّلة «ال َّثقافة»‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يخ‬ ‫«ال�ش‬ ‫بعنوان‪:‬‬ ‫اهلل‬ ‫�سعد‬ ‫ُّكتور‬ ‫(‪.)16‬مقال للد‬ ‫ّ‬ ‫عدد (‪.)93/101‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫استطالع وحوار‬

‫وعرفت «دار احلديث» تو�سعة �أ�ضيفت �إىل البناية القدمية بعد ع�شر �سنوات من بنائها عام (‪1947‬م)‪ ,‬ومعامل هذه التَّو�سعة بادية‬ ‫اليوم لزائريها‪.‬‬ ‫وبع���د اال�ستق�ل�ال مل تع���د املدر�سة �إىل ن�شاطه���ا املعهود كما كانت علي���ه زمنَ َّ‬ ‫ال�شيخ الب�ش�ي�ر‪ ,‬وظ َّلت على تلك احل���ال من ال ُّركود‬ ‫أ�صلي‪,‬‬ ‫أ�صلي يف عهد مولود قا�سم ‪ :‬وزير الأوقاف والتَّعليم ال ِّ‬ ‫واجلم���ود‪ ,‬حتَّ���ى انتع�شت من جديد ـ ن�سب ًّيا ـ بت�أ�سي�س معاهد التَّعليم ال ِّ‬ ‫خا�ص ب�أبناء‬ ‫لك���ن �سرع���ان ما �ألغي نظ���ام ذلك التَّعليم وا�ستب���دل بالتَّعليم ِّ‬ ‫العام املعروف الآن‪ ,‬وم���ن املعلوم �أنَّ للمدر�سة عق���دَ ملك َّية ّ‬ ‫ن�ص على ذلك َّ‬ ‫إبراهيمي يف كلمته عند افتتاح املدر�سة‪:‬‬ ‫ال�شيخ ال‬ ‫تلم�سان(‪ )17‬ولي�ست وق ًفا عا ًّما‪ُ ,‬بنيت مبال الأ َّمة و�ستبقى للأ َّمة‪ ،‬كما َّ‬ ‫ُّ‬ ‫«�إنَّ �أك�ب�ر دعام���ة تقوم عليها ال َّنه�ضة اجلزائر َّي���ة احلديثة‪ ,‬هي املدار�س احل َّرة مبال الأ َّمة‪ ،‬وقد قام���ت تلم�سان بق�سطها من هذا‬ ‫الواجب»(‪.)18‬‬ ‫تخ�ص�ص���ت يف التَّعليم التَّح�ضرييِّ ت�ض ُّم نحو (‪� )300‬إىل (‪ )400‬تلميذ‪ ,‬ي� ِّؤطرهم ع�شرة (‪)10‬‬ ‫وه���ي الآن يف الوقت احلا�ضر قد َّ‬ ‫من املع ِّلمات ومدير قائم عليها(‪ ,)19‬يدفع التَّالميذ مبل ًغا �سنو ًّيا يت ُّم دفعه على �شكل رواتب للمع ِّلمات‪.‬‬ ‫ال�صلوات اخلم�س و�صالة اجلمع���ة‪ ,‬وبها مكتبة متوا�ضعة ي�ؤ ُّمها بع����ض ال َّدار�سني للمطالعة ومراجعة‬ ‫وباملدر�س���ة م�سج���د تقام فيه َّ‬ ‫ال�شارع العام‪ ،‬كانت مكت ًبا َّ‬ ‫ال ُّدرو�س‪ ,‬وفيها حجرة مط َّلة على َّ‬ ‫لل�شيخ الب�شري يزاول فيها �أ�شغاله العلم َّية والإدار َّية‪.‬‬ ‫ويف امل��� َّدة الأخ�ي�رة ا�ستف���ادت املدر�سة م���ن دعم ما ٍّ‬ ‫وال�سقوط وع�سى �أن ُيتب���ع ذلك مبا يحيي‬ ‫يل لإعادة ترمي���م ما هو �آيل لل���زَّوال ُّ‬ ‫ال�ساطع وجمدها َّ‬ ‫ال�ضائع ب�إحياء درو�س العلم والوعظ والإر�شاد‪ ،‬وتربية ال َّنا�شئة وفق‬ ‫ر�سالتها التي من �أجلها �أُن�شئت‪ ،‬فت�ستعيد ا�سمها َّ‬ ‫الأ�صول والآداب الإ�سالم َّية‪ ،‬و�أملنا يف اهلل ـ جل وعال ـ كبري �أن تتحقَّق �أمنية َّ‬ ‫ال�شيخ الب�شري و�إخوانه من جمعية العلماء و�سائر املح ِّبني‬ ‫لهم واملعتنني بجهودهم وما خ َّلفوه من املوروث العلمي والأدبي والتَّاريخي‪ ،‬فرحم اهلل َّ‬ ‫ال�شيخ الب�شري ورفع درجته يف عل ِّيني‪.‬‬ ‫(‪ )17‬عقد امللك َّية موجود الآن وحمفوظ ب�إدارة املدر�سة يقع يف ‪� 100‬صفحة وقد �أخذنا �صورة من �صفحاته الأوىل‪.‬‬ ‫ال�سنة ال َّثانية (‪.)246/2‬‬ ‫(‪« )18‬الب�صائر» َّ‬ ‫ورحب بنا‪ ,‬و�أمدَّنا مبعلومات عن هذه املدر�سة‪ ,‬فله جزيل ُّ‬ ‫ال�شكر والعرفان‪.‬‬ ‫(‪ )19‬وهو ا َّلذي ا�ستقبلنا يف مكتبه َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وال�شكر مو�صول �إىل بع�ض الأفا�ضل من �شباب تلم�سان‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪49‬‬


‫أخبار التراث‬

‫جديد املخطوطات املطبوعة‬ ‫عمار متالت‬ ‫باحث مبركز املل���ك في�صل للبحوث‬ ‫والدرا�س���ات الإ�سالمي���ة بالريا����ض‬

‫ال�ساح���ة ال َّثقاف َّي���ة‬ ‫لق���د عرف���ت َّ‬ ‫ال�سن�ي�ن الأخ�ي�رة‪ ،‬نه�ض��� ًة‬ ‫والعلم َّي���ة يف ِّ‬ ‫ملمو�س��� ًة يف جمال ال َّن�ش���ر وال َّت�أليف‪ ،‬يف‬ ‫خمتلف العلوم َّ‬ ‫ال�شرع َّية واملعارف َّية‪.‬‬ ‫وه���ذا ـ وال � َّ‬ ‫مم���ا ُيثل���ج �ص���دو َر‬ ‫ش���ك ـ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ط�ل�اب العلم‪ ،‬ويروي غلي َل �أهل البحث‬ ‫وال َّتحقيق منهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫جمال حتقيق املخطوطات‬ ‫وقد نال‬ ‫ال�سبق من ذلك‪.‬‬ ‫ون�شرِها َ‬ ‫ق�صب َّ‬ ‫وه���ذا ي ُّ‬ ‫���دل على اهتم���ام بال��� ٍغ بهذا‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش�أن‪ ،‬كي���ف ال؟! وهو من �آكد واجبات‬ ‫الأ َّم���ة نح���و علمائه���ا الأ�س�ل�اف‪ ،‬ا َّلذين‬ ‫خ َّلف���وا لها ثرو ًة علم َّي��� ًة هائل ًة‪ ،‬و�إن كان‬ ‫ما ُط ِب���ع و ُن�شر من خمطوطات علمائنا‬ ‫ال ِّ‬ ‫مم���ا ه���و حبي�س‬ ‫يغط���ي �أق��� َّل القلي���ل َّ‬ ‫اخلزائن واملكتبات‪.‬‬ ‫ن�س����أل اهلل �أن يع�ي�ن علم���ا َء الأ َّم���ة‬ ‫وط َّ‬ ‫ال َبها على �إنقاذه و�إخراجه لت�ستفيد‬ ‫منه الأجيال‪.‬‬ ‫وق���د عم ُ‬ ‫���دت يف مق���ايل ه���ذا‪ ،‬يف‬ ‫ه���ذه املج َّل���ة الغ��� َّراء‪� ،‬إىل ذك���ر �شيء من‬ ‫ال�سنت�ي�ن‬ ‫املخطوط���ات ا َّلت���ي ُطبع���ت يف َّ‬ ‫الأخريت�ي�ن‪ ،‬ع�س���ى �أن ينتف َع ب���ه ط َّ‬ ‫ال ُب‬ ‫العلم والدَّار�سون‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫�أ َّو ًال ـ يف تف�سري القر�آن الكرمي وعلومه‪:‬‬ ‫‪« ‬التَّف�سري الب�سيط»‪ ،‬لأبي احل�سن علي ابن �أحمد الواحدي (ت ‪468‬هـ)‪.‬‬ ‫وهو من �أو�سع تفا�سري الواح���دي ال َّثالثة‪« :‬الب�سيط»‪« ،‬الو�سيط»‪« ،‬الوجيز»‪ ،‬وقد‬ ‫ُطبع من قب���ل «الو�سيط» و«الوجيز»‪ ،‬وهذا «الب�سيط» ُيطبع الآن لي�ضيف حتفة رائعة‬ ‫�إىل املكتبة التَّف�سري َّية‪.‬‬ ‫والكت���اب ُطبع يف خم�س وع�شرين جم َّلدً ا مبطبعة جامعة الإمام حم َّمد بن ُ�سعود‬ ‫الإ�سالم َّية بال ِّريا�ض �سنة (‪1430‬هـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬و�أ�صله ع َّدة ر�سائل علم َّية باجلامعة‬ ‫املذكورة‪.‬‬ ‫‪« ‬رم���وز الكنوز يف تف�سري الكتاب العزيز»‪ ،‬لعبدال���رزاق بن رزق اهلل الر�سعني‬ ‫(ت ‪661‬هـ)‪.‬‬ ‫طب���ع يف ت�سع���ة جم َّل���دات على نفقة حم ِّقق���ه َّ‬ ‫ال�شيخ عبد امللك ب���ن عبد اهلل ابن‬ ‫دهي�ش �سنة (‪1429‬هـ ـ ‪2008‬م)‪.‬‬ ‫‪« ‬تف�سري القر�آن الكرمي»‪ ،‬لعبيد اهلل ابن �أحمد بن عبيد اهلل القر�شي الإ�شبيلي‬ ‫املعروف بـ«ابن �أبي الربيع» (ت ‪688‬هـ)‪.‬‬ ‫ُطبع مبطبعة جامعة الإمام حم َّمد بن ُ�سعود الإ�سالم َّية بال ِّريا�ض �سنة (‪1430‬هـ ـ‬ ‫‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق ال ُّدكتورة �صاحلة را�شد �آل غنيم‪ ،‬و�أ�صله ر�سالتها يف ال ُّدكتوراة‪.‬‬ ‫واملطب���وع اجلزء الأ َّول ِمن الكتاب فقط �إىل �أثن���اء �سورة البقرة‪ ،‬وهو ا َّلذي بقي‬ ‫منه يف خزانة ال ِّرباط باملغرب‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫‪« ‬الوق���ف واالبت���داء»‪ ،‬لأحمد ب���ن حم َّمد اب���ن �أو�س املقرئ‬ ‫(كان ح ًّيا �سنة ‪341‬هـ)‪.‬‬ ‫ال�س�ن�ن والإجم���اع واالخت�ل�اف»‪ ،‬ملح َّم���د بن‬ ‫‪« ‬الأو�س���ط يف ُّ‬ ‫ُ‬ ‫طب���ع بجامع���ة قارينو�س ببنغازي �سن���ة (‪2008‬هـ)‪ ،‬بتحقيق �إبراهي���م ب���ن املن���ذر ال َّني�ساب���وري (ت ‪319‬هـ)‪ ،‬وهو م���ن �أو�سع‬ ‫م�صطفى عبد الفتَّاح العريبي‪.‬‬ ‫ال�س َّنة‪.‬‬ ‫الكتب يف فقه ُّ‬ ‫‪« ‬الربه���ان يف �إعج���از الق���ر�آن»‪� ،‬أو‪« :‬بدي���ع الق���ر�آن»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كام�ل�ا يف خم�سة ع�ش���ر جم َّل���دً ا‪ ،‬بدار الف�ل�اح للبحث‬ ‫ُطب���ع‬ ‫لعبدالعظي���م بن عبد الواحد بن ظاف���ر البغدادي املعروف بـ«ابن العلمي �سنة (‪1430‬هـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق جمموعة من الباحثني‬ ‫�أبي الأ�صبع» (ت ‪654‬هـ)‪.‬‬ ‫ومراجعة �أحمد بن �سليمان بن �أ ُّيوب‪.‬‬ ‫ُطب���ع بال��� َّدار العرب َّي���ة للمو�سوعات ببريوت �سن���ة (‪1430‬هـ ـ‬ ‫‪�« ‬ش���رح الإملام ب�أحاديث الأحكام»‪ ،‬ملح َّمد ابن علي بن وهب‬ ‫‪2010‬م)‪ ،‬بتحقيق ٍّ‬ ‫كل من‪� :‬أحمد مطلوب‪ ،‬وخديجة احلديثي‪.‬‬ ‫الق�شريي املعروف بـ«ابن دقيق العيد» (ت ‪702‬هـ)‪.‬‬ ‫ثانيا ـ يف احلديث ال�شريف وعلومه‪:‬‬

‫أخبار التراث‬

‫‪« ‬مف���ردة يعقوب بن �إ�سحاق احل�ضرم���ي»‪ ،‬للح�سن بن علي حم َّمد ال َب�سيلي املالكي (ت ‪830‬هـ)‪.‬‬ ‫ُطبع ق�س ٌم منه يف ثالثة �أجزاء بوزارة الأوقاف بال َّدار البي�ضاء‬ ‫بن �إبراهيم الأهوازي (ت ‪446‬هـ)‪.‬‬ ‫ُطبع ب ُد َبي‪� ،‬ضمن ن�شاطات جائزة دبي ال ّدولية للقر�آن الكرمي �سنة (‪1429‬هـ ـ ‪2008‬م)‪ ،‬بتحقيق حم َّمد َّ‬ ‫الطرباين‪.‬‬ ‫�سنة (‪1430‬هـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق ع َّمار �أمني حم َّمد الددو‪.‬‬ ‫ال�سبع»‪ ،‬لإ�سماعي���ل ابن خلف ابن‬ ‫‪« ‬العن���وان يف الق���راءات َّ‬ ‫ال�سرق�سطي (ت‪455‬هـ)‪.‬‬ ‫‪« ‬الفوائ���د ال َّالئحة من معاين الفاحتة»‪ ،‬ملح َّمد بن �إبراهيم �سعيد ّ‬ ‫بن �سعد اهلل‪ ،‬املعروف بابن جماعة (ت ‪733‬هـ)‪.‬‬ ‫ُطب���ع مبكتبة الإم���ام البخ���اري بالقاه���رة �سن���ة (‪1429‬هـ ـ‬ ‫ُطب���ع بدار َّ‬ ‫الظاهر لل َّن�شر والتَّوزي���ع بالكويت �سنة (‪1430‬هـ ـ ‪2008‬م)‪ ،‬بتحقيق خالد ح�سن �أبي اجلود‪.‬‬ ‫‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق حايف ال َّنبهان‪.‬‬

‫ً‬ ‫كام�ل�ا يف خم�سة جم َّلدات ب���دار ال َّن���وادر بدم�شق �سنة‬ ‫ُطب���ع‬ ‫‪« ‬تنبي���ه الأنام على ما يف كتاب اهلل من املواعظ والأحكام»‪،‬‬ ‫لأبي الع َّبا�س �أحمد ابن حم َّمد ال ّرهوين (ت؟؟؟)‪.‬‬ ‫(‪1430‬ه���ـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬بتحقي���ق حم َّم���د خلوف العب���د اهلل‪ ،‬وقد‬ ‫وال�ش����ؤون الإ�سالم َّية بال ِّرب���اط �سنة اعتمد فيه على ثالث ن�سخ ِّ‬ ‫ُطب���ع ب���وزارة الأوق���اف ُّ‬ ‫خط َّية‪.‬‬ ‫(‪1430‬هـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق احل�سن بوق�سيمي‪.‬‬ ‫وللتَّنبيه ف�إنَّ الكتاب طب���ع قبل �سنوات يف جم َّلدين‪ ،‬لكن تلك‬ ‫َّ‬ ‫الطبعة غري كاملة‪ ،‬حيث �إ َّنها ال مت ِّثل غري �سد�س الكتاب‪.‬‬ ‫‪« ‬حتف���ة الإخوان يف ا ُ‬ ‫خل ْلف بني َّ‬ ‫ال�شاطب َّية والعنوان»‪ ،‬ملح َّمد‬ ‫ال�صحيح»‬ ‫بن حم َّمد بن اجلزري (ت ‪833‬هـ)‪.‬‬ ‫‪« ‬م�صابي���ح اجلامع»‪ ،‬وه���و �شرح على «اجلام���ع َّ‬ ‫ُطبع بدار كنوز �إ�شبيليا بال ِّريا�ض �سنة (‪1430‬هـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬للإمام البخاري‪ ،‬ت�أليف‪ :‬بدر الدِّ ين حم َّمد بن �أبي بكر ال ّدماميني‬ ‫املالكي (ت ‪827‬هـ)‪.‬‬ ‫بتحقيق �أحمد بن حمود الرويثي‪.‬‬ ‫ُطب���ع يف ع�شرة جم َّلدات بدار ال َّنوادر بدم�شق �سنة (‪1431‬هـ‬ ‫‪« ‬من���ح الفريدة احلم�ص َّية يف �شرح الق�صيدة احل�صر َّية يف‬ ‫ق���راءة الإمام نافع»‪ ،‬ملح َّمد ابن عب���د ال َّرحمن الإ�شبيلي املعروف ـ ‪2010‬م)‪ ،‬بتحقيق نور الدِّ ين طالب مع جماعة‪.‬‬ ‫بـ«ابن عظيمة» (ت ‪543‬هـ)‪.‬‬ ‫‪« ‬الأح���كام الكب�ي�ر»‪ ،‬للحافظ �إ�سماعيل اب���ن عمر بن كثري‬ ‫ُطبع بوزارة الأوقاف ُّ‬ ‫وال�ش�ؤون الإ�سالم َّية بال َّدار البي�ضاء �سنة الدِّ م�شقي (ت ‪774‬هـ)‪.‬‬ ‫(‪2008‬هـ)‪ ،‬بتحقيق توفيق العبقري‪.‬‬ ‫ُطب���ع املج َّلد ال َّثال���ث منه يف ثالثة جم َّل���دات بدار ال َّنوادر‬ ‫‪« ‬نك���ت وتنبيه���ات يف تف�س�ي�ر الق���ر�آن املجي���د»‪ ،‬لأحمد بن بدم�ش���ق �سن���ة ( ‪1431‬ه���ـ ـ ‪2010‬م)‪ ،‬بتحقي���ق ن���ور الدِّ ي���ن‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪51‬‬


‫أخبار التراث‬

‫ُطبع مبرك���ز الدِّ را�سات والأبح���اث و�إحياء ال�ُّت�اررُّ اث بال ِّرباط‬ ‫طالب مع جماعة‪.‬‬ ‫وللتَّنبي���ه ف�إنَّ الكتاب مل يبق منه غري هذه ال ُّن�سخة من املج َّلد �سنة (‪1430‬هـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق حم َّمد م�ساعد‪.‬‬ ‫ال َّثالث‪ ،‬وهي حمفوظة باملكتبة الوطن َّية بتون�س‪.‬‬ ‫‪« ‬القواعد الفقهية»‪ ،‬لأحمد بن احل�سن بن عبد اهلل احلنبلي‬ ‫‪« ‬ريا�ض الأفهام يف �شرح عمدة الأحكام»‪ ،‬لعمر بن علي ابن‬ ‫�سامل الفاكهاين املالكي (ت ‪734‬هـ)‪.‬‬ ‫ُطبع يف خم�سة جم َّلدات بدار ال َّنوادر بدم�شق �سنة (‪1431‬هـ‬ ‫ـ ‪2010‬م)‪ ،‬بتحقيق نور الدِّ ين طالب وجماعة‪.‬‬ ‫‪« ‬ن���وادر الأ�صول يف معرف���ة �أخبار ال َّر�سول ‪ ،»Í‬ملح َّمد بن‬ ‫علي بن احل�سن املعروف بـ«احلكيم الترِّ مذي» (ت ‪320‬هـ)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كام�ل�ا يف �سبعة جم َّل���دات ب���دار ال َّن���وادر بدم�شق �سنة‬ ‫ُطب���ع‬ ‫(‪1431‬هـ ـ ‪2010‬م)‪ ،‬بتحقيق توفيق حممود تكلة‪.‬‬ ‫الطبعة عن َّ‬ ‫وق���د امتازت هذه َّ‬ ‫الطبع���ة ا َّلتي �صدرت قد ًميا يف‬ ‫أهمها �إثبات �أ�ساني���د احلكيم الترِّ مذي‬ ‫جم َّلدي���ن بع َّدة �أمور ِم���نْ � ِّ‬ ‫ا َّلتي اختفت يف َّ‬ ‫الطبعة القدمية‪.‬‬ ‫ثالثا ـ يف الفقه و�أ�صوله‪:‬‬

‫املعروف بـ«ابن قا�ضي» اجلبل (ت‪771‬هـ)‪.‬‬ ‫طبع اجلزء الأ َّول منه ب���دار ال َّنوادر بدم�شق �سنة (‪1431‬هـ ـ‬ ‫‪2010‬م)‪ ،‬بتحقيق د‪� .‬صفوت عبدالهادي‪.‬‬ ‫���ب اللُّباب يف بيان ما ت�ض َّمنته �أبواب الكتاب من الأركان‬ ‫‪« ‬ل ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫وال�ش���روط واملوان���ع والأ�سب���اب»‪ ،‬ملح َّمد ب���ن عبد اهلل ب���ن را�شد‬ ‫القف�ص���ي (ت‪736‬هـ)‪ ،‬وهو �ش���رح على خمت�ص���ر ابن احلاجب‬ ‫الفرعي املعروف بـ«جامع الأ َّمهات»‪.‬‬ ‫ُطبع يف جم َّلدين‪ ،‬بدار البحوث للدِّ را�سات الإ�سالم َّية و�إحياء‬ ‫ال�ُّت�رُّ اث بدبي �سنة (‪1428‬ه���ـ ـ ‪2007‬م)‪ ،‬بتحقي���ق الأ�ستاذين‪:‬‬ ‫حم َّمد املدنيني وحلبيب بن طاهر‪.‬‬ ‫ذهب يف �ضبط م�سائل ا َملذهَ ب»‪ ،‬البن را�شد القف�صي‪.‬‬ ‫‪« ‬املُ ِ‬ ‫ُطب���ع يف جم َّلدين‪ ،‬ب���دار ابن حزم ببريوت �سن���ة (‪1429‬هـ ـ‬ ‫‪2008‬م)‪ ،‬بتحقيق‪ :‬ال ُّدكتور حم َّمد بن الهادي �أبو الأجفان‪.‬‬

‫‪�« ‬شرح حتفة احل َّكام يف نكت العقود والأحكام» البن عا�صم‪،‬‬ ‫‪« ‬ال ُّدرر ال َّلوامع يف �شرح جمع اجلوامع»‪ ،‬لأحمد بن �إ�سماعيل‬ ‫لولده حم َّمد بن حم َّمد (ت بعد ‪857‬هـ)‪.‬‬ ‫الكوراين (ت ‪893‬هـ)‪.‬‬ ‫ُطبع يف جم َّلدين على نفقة حم ِّققه ال ُّدكتور عبد الكرمي �شهيون‬ ‫ُطبع يف خم�سة جم َّلدات‪ ،‬مبطابع اجلامعة الإ�سالم َّية باملدينة‬ ‫�سنة (‪1431‬هـ ـ ‪2010‬م)‪ ،‬معتمدً ا على �أربع ن�سخ ِّ‬ ‫خط َّية‪.‬‬ ‫ال َّنبو َّي���ة �سنة (‪1429‬ه���ـ ـ ‪2008‬م)‪ ،‬بتحقيق‪ :‬ال ُّدكتور �سعيد ابن‬ ‫‪« ‬عي���ون املذاهب»‪ ،‬ملح َّمد بن حم َّمد ب���ن �أحمد الكاكي (ت غالب املجيدي‪ ،‬و�أ�صله ر�سالته يف ال ُّدكتوراه‪.‬‬ ‫‪749‬هـ)‪.‬‬ ‫‪« ‬امله َّم���ات يف �شرح ال َّرو�ضة وال َّرافع���ي»‪ ،‬لعبد ال َّرحيم ابن‬ ‫ُطبع بديوان الوقف ُّ ِّ‬ ‫ال�سني ببغداد �سنة (‪1429‬هـ ـ ‪2008‬م)‪ ،‬احل�سن الإ�سنوي (ت ‪772‬هـ)‪.‬‬ ‫بتحقيق حممود بندر العي�ساوي‪.‬‬ ‫ُطب���ع يف ع�ش���رة جم َّل���دات‪ ،‬ب���دار اب���ن ح���زم بب�ي�روت �سنة‬ ‫‪« ‬االنت�صار لأهل املدينة»‪ ،‬ملح َّمد بن عمر القرطبي املعروف (‪1430‬هـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق‪� :‬أبو الف�ضل ال ّدمياطي‪.‬‬ ‫بـ«ابن َّ‬ ‫الفخار» (ت ‪419‬هـ)‪.‬‬ ‫عبدالوهاب ابن علي البغدادي‬ ‫‪�« ‬شرح ال ِّر�سال���ة»‪ ،‬للقا�ضي‬ ‫َّ‬ ‫ُطبع مبركز الدِّ را�سات والأبحاث و�إحياء الترُّ اث بال ِّرباط �سنة (ت‪422‬هـ)‪ ،‬وهو من �أقدم �شروحها‪.‬‬

‫(‪1430‬هـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق حم َّمد التّم�سم�ساين الإدري�سي‪.‬‬ ‫ُطب���ع اجلزء ال َّث���اين منه ع���ن ال ُّن�سخ���ة الأزهر َّي���ة الوحيدة‪،‬‬ ‫‪« ‬منتخ���ب الأحكام»‪ ،‬ملح َّمد بن عبد اهلل بن عي�سى املعروف بدار ابن حزم بب�ي�روت �سنة (‪1428‬هـ ـ ‪2007‬م)‪ ،‬يف جم َّلدين‪،‬‬ ‫بـ«ابن �أبي زمنني» (ت ‪399‬هـ)‪.‬‬ ‫بتحقيق‪� :‬أبو الف�ضل ال ّدمياطي‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫راب ًعا ـ يف التاريخ والرتاجم‪:‬‬

‫‪« ‬الإكلي���ل والتَّاج يف تذييل كفاية املحتاج»‪ ،‬ملح َّمد بن َّ‬ ‫الط ِّيب‬ ‫َّ‬ ‫‪�« ‬ش���رح ح���دود الأ َب���دي يف عل���م النح���و»‪ ،‬لعل���ي ب���ن �أحمد‬ ‫ال�سالم القادري (ت ‪1187‬هـ)‪.‬‬ ‫ابن عبد َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُطب���ع باجلمعي���ة املغربي���ة لل َّت�ألي���ف والترَّ جمة بالرب���اط �سنة ال َّر ْ�سموكي النحوي (ت ‪1049‬هـ)‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُطبع مبكتبة القراءة للجميع بال َّدار البي�ضاء �سنة (‪1430‬هـ ـ‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬بتحقيق مارية دادي‪.‬‬ ‫‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق الب�شري التّهايل‪.‬‬ ‫‪« ‬الإملام ببع�ض من لقيته من علماء الإ�سالم»‪ ،‬لعبد الواحد‬ ‫‪« ‬كت���اب ِّ‬ ‫اخلط»‪ ،‬لعب���د ال َّرحمن بن �إ�سح���اق الزّجاجي (ت‬ ‫ال�سجلما�سي (ت ‪1003‬هـ)‪.‬‬ ‫بن �أحمد ّ‬ ‫ُطب���ع بالرباط �سن���ة (‪2008‬م)‪ ،‬على نفق���ة حم ِّققته نفي�سة ‪337‬هـ)‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُطبع بدار �صادر ببريوت �سنة (‪1430‬هـ ـ ‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق‬ ‫َّ‬ ‫الذهبي‪ ،‬عن ن�سخته الكتان َّية الوحيدة‪.‬‬ ‫ال ُّدكتور تركي بن �سهو العتيبي‪.‬‬ ‫‪« ‬البنان امل�ش�ي�ر �إىل علماء وف�ضالء �آل �أبي كثري»‪ ،‬للقا�ضي‬ ‫حم َّمد بن حم َّمد باكثري الكندي (ت ‪1355‬هـ)‪.‬‬ ‫ُطب���ع مبكتب���ة َّ‬ ‫ال�شافع���ي با َمل��� ْكال باليم���ن �سن���ة (‪1429‬ه���ـ ـ‬ ‫‪2008‬م)‪ ،‬بتحقيق املح ِّقق البارع عبد اهلل حم َّمد احلب�شي‪.‬‬

‫أخبار التراث‬

‫‪2009‬م)‪ ،‬بتحقيق ال ُّدكتور هادي عبد اهلل ناجي‪ ،‬و�أ�صله ر�سالته‬ ‫يف ال ُّدكتوراه بكل َّية الآداب بجامعة بغداد‪.‬‬

‫خام�سا ـ يف علوم اللغة العربية والأدب‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪« ‬العم���دة يف حما�سن ِّ‬ ‫ال�شع���ر و�آدابه»‪ ،‬للح�سن ابن علي ابن‬ ‫َر�شيق القريواين (ت ‪463‬هـ)‪.‬‬ ‫ُطب���ع طبعة جدي���دة حم َّقق���ة‪ ،‬يف ثالث���ة جم َّل���دات‪ ،‬باملجمع‬ ‫التُّون�س���ي للعلوم والفنون �سن���ة ‪2009‬م‪ ،‬بتحقي���ق‪ :‬توفيق ال ّنيفر‬ ‫وخمتار العبيدي‪.‬‬ ‫‪�« ‬ش���رح �أبي���ات �سيبوي���ه»‪ ،‬ليو�سف بن احل�س���ن بن عبد اهلل‬ ‫ال�سيرْ ايف (ت ‪385‬هـ)‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ُطبع يف جم َّلدي���ن بدار الع�صماء بدم�ش���ق �سنة (‪1431‬هـ ـ‬ ‫‪2010‬م)‪ ،‬بتحقي���ق ال ُّدكت���ور حم َّمد علي �سلط���اين‪ ،‬معتمدً ا على‬ ‫ن�سخة فريدة ترك َّية‪.‬‬ ‫وللتَّنبي���ه؛ ف�إنَّ الكتاب ُطب���ع �ساب ًقا مب�صر‪ ،‬لك���ن طبعته تلك‬ ‫كانت ناق�صة‪ ،‬وقد ن َّبه على ذلك املح ِّقق‪.‬‬ ‫‪« ‬املنهاج يف �شرح جمل الزّجاجي»‪ ،‬ليحيى بن حمزة العلوي‬ ‫(ت ‪769‬هـ)‪.‬‬ ‫ُطب���ع يف جم َّلدين مبكتب���ة ال ُّر�شد بال ِّريا����ض �سنة (‪1430‬هـ ـ‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪53‬‬


‫عبد املالك بن مربوك ـ ـ تيزي وزو‬

‫اللغة واألدب‬ ‫قِ�����ف�����وا َح������ ُّي������وا ُط������ل������و َل ال َّ���ظ���اعِ ���ن���ي���ن���ا‬ ‫و�آث���������������������اراً ح������� َك�������تْ يِ َ‬ ‫ل ِذ ْك����������ري����������اتٍ‬ ‫ُ�����وج�����وا‬ ‫وب������ ْع������ َد حتِ������ َّي������ ِة ال ْأط�������ل������الِ ع ُ‬ ‫�إىل دار ال���ف�������ض���ي���ل���ة ح����� ْي ُ‬ ‫�����ث ت���������أْوي‬ ‫هُ ��������� َو الإ� ْ���������ص����ل����ا ُح عُ�������ن ٌ‬ ‫�������وان َت�������س��� َّم���تْ‬ ‫�إىل ال������رح������م������ن ت������دع������و ب������ا ِّت������ب������ا ٍع‬ ‫ع����ل����ى م����ن����ه����اج خ���ي��ر ال����� َّن�����ا������س ِدي����� ًن�����ا‬ ‫��������ج�������� َّل�������� ِة �أ ْدخ�����ل����� ْت�����ن�����ا‬ ‫مَ������وا�������ض������ي������ ُع امل َ َ‬ ‫م����ب����اح ُ‬ ‫����ث يف ال����ع����ق����ي����دة ُ‬ ‫ذات �����ش�����أنٍ‬ ‫�أ�������س������ا� ُ������س ال������� ِّدي�������ن ت������ ْوح������ي������ ٌد ن���ق ٌّ���ي‬ ‫و�إ َّن ال������� ِّ������ش������ ْر َك ُخ������� ْ������س ٌ‬ ‫������ران م ٌ‬ ‫���ب�ي�ن‬ ‫م����وا�����ض����ي���� ُع ال������� َّ������ص���ل��ا ِة ب����ه����ا �أق����������� َّرتْ‬ ‫َف������ـ َ‬ ‫������ط������ ْو ًرا ع������نْ م�����س��ائ��ـ��ل��ه��ا َ‬ ‫وط���������� ْوراً‬ ‫ويف َرمَ�������� َ�������ض�������ا َن �إ� ْ���������ص����ل����ا ٌح �أط������ َّل������تْ‬ ‫���������ج��������� ٍة � ْأح�����������ك�����������ا ُم َح�������� ٍّج‬ ‫ويف ذي حِ َّ‬ ‫ـيب‬ ‫و�أح������ـْ������ك������ا ُم ال�������� َّزك��������ا ِة ل����ه����ا ن�ص ـ ٌ‬ ‫آداب وفِ������ ْق������ـ������ ٌه‬ ‫������ن � ٌ‬ ‫ويف ال������ع������ي������ َد ْي ِ‬ ‫ف�������������إ َّن ال�����ع�����ي����� َد ج�������ائ�������ز ُة ْام����ـ����ت����ح����انٍ‬ ‫ُك��������ن��������و ُز ُت�������راث�������ـِ�������ن�������ا ف����ي����ه����ا َ‬ ‫جت������ َّل������تْ‬ ‫ق���������ض����اي����ا �أ َّم�������������ة الإ����������س����ل����ام ن������ا َل������تْ‬ ‫وت������ ْرب������ي������ ُة ال������ ِّ�����ص�����غ�����ار ل�����ك����� ِّل َط���������� ْو ٍر‬ ‫و� ْأح���������ك���������ا ُم ال����� ِّن�����������س�����ا ِء ف����� ُه�����نَّ �أ ْي ً�ضا‬

‫‪54‬‬

‫و َم�����������نْ ك������ان������وا هُ ������ن������ال َ‬ ‫ِ������ك قاطِ نينا‬ ‫َ������اج������تْ ع��� ْن���ده���ا ال����� َّ����ش���� ْو َق ال َّدفـينا‬ ‫�أه َ‬ ‫قا�صدينا‬ ‫ع���ل���ى �أ ْر� ِ������������ض اجل������زائ������ ِر ِ‬ ‫وح���������� ُّي����������وا ال���ق���ائ���ـ���م���ي���ن���ا‬ ‫جم����� َّل����� ُت�����ن�����ا َ‬ ‫ب���������� ِه و َل��������������� ُه َدعَ�������� ْت�������� َن��������ا � ْأج����� َم�����ع�����ي�����ن�����ا‬ ‫����ح����دِ ث����ي����ن����ا‬ ‫و َت��������ْب�������رْ َ �أُ مِ ��������نْ � َ�����ض��ل��ال امل ُ ْ‬ ‫� َ�����ص�����ح�����ا َب����� ِة � ْأح��������م��������دٍ وال���� َّت����اب���� ِع����ـ����ي����ن����ا‬ ‫ِري َ‬ ‫������ا�������ض ال����� َّ����ص����احل َ‬ ‫��ي�ن امل ُ ْ�صلِحينا‬ ‫ُت������ َب������ـ���ِّي��نِّ ُ ل������ل������ورى ال������ َّن������ه������ َج املـبينا‬ ‫ب�����ـ�����ه ب������ع َ‬ ‫������ث الإل����������������� ُه املُ���� ْر�����س����ل����ـ����ي����ن����ا‬ ‫لأ َّن ال�������ن�������ا َر م���������������أْوى املُ����� ْ����ش����رك����ي����ن����ا‬ ‫عُ�������ي�������و َن ال������ َّراك������ع َ‬ ‫���ي��ن ال���� َّ���س���اج���دي���ن���ا‬ ‫ت������ـُ������ب���ِّي��نِّ ُ ف����� ْ����ض����ل����ه����ا ل���ل���خ���ا� ِ���ش���ع���ـ���ي���ن���ا‬ ‫ب�����ت�����وج�����ي�����ـ�����ه�����اتِ�����ه�����ا ل����ل����� َّ����ص����ائ����م����ي����ن����ا‬ ‫ت�������ـُ�������ب���ِّي���نُِّ فِ�������� ْق��������هَ�������� ُه ل����ل���� َّن����ـ����ا� ِ����س����ك����ي����ن����ا‬ ‫ُت������ َو� ِّ������ض������ ُح � ْأم��������� َره���������ا ل ْل ُمنفِـقـينا‬ ‫و َت�������هْ������� ِن�������ـ������� َئ������� ٌة ل������� ُك������� ِّل ال����ف����ائ����زي����ـ����ن����ا‬ ‫ت ُ‬ ‫���������ص ال�����ع�����ا ِب�����دي َ‬ ‫�����ن امل ُ ْخل�صينا‬ ‫����خ ُّ‬ ‫�أ َز ْل����������������������تِ ُغ��������ب��������ا َره��������ا ل����ل����ب����احِ ����ث����ي����ن����ا‬ ‫جَ���� َّل����ـ����ت����ـ����ن����ا م���ـَ���ك���ي���ن���ا‬ ‫ن���������ص����ي���� ًب����ا يف م‬ ‫َل�������� َع�������� َّل َ‬ ‫اهلل ُي������ ْ�����ص�����ل����� ُح ن���ا� ِ���ش���ئ���ـ���ي���ن���ا‬ ‫������ش�����ق�����ائ ُ‬ ‫ِ�����ق ل�������ل������� ِّرج�������الِ امل�ؤمنـينا‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫ف����ـ����ت����اوى ����ش��� ْي���خِ ���ن���ا ف����� ْرك�����و� ِ�����س فيها‬ ‫ورم�����������ض�����اين وعَ����� ْو������س�����ات و ع���ب���د ْال‬ ‫ْ‬ ‫َ�أ َب���� ْن���� ُت����ـ���� ْم يف ال��ت�راج����ـ ِ����م ع���ـ���ـ���نْ رج�����الٍ‬

‫مِ َ‬ ‫ال�صادقينا‬ ‫������ن ال��� ُع���ـ���ل��� َم���ا ال������دُّ ع������ا ِة َّ‬

‫وفِ������� ْق������� ُه ال������ ِّ�����س��ي��ر ِة ال��������غ�������� َّرا ِء َت�������� ْروي‬

‫ح������ َي������ا َة املُ���� ْ���ص���ـ���ط���ف���ى وال���� َّ���س���الِ���ف���ي���ن���ا‬

‫������ي �أ ْر����������س��������� َل ال������ َّرح������م ُ‬ ‫������ن ي����ـ���� ْدع����و‬ ‫َن������ب ٍّ‬

‫رح��������ـ��������م�������� ًة ل����ل����ع����امل����ي����ن����ا‬ ‫�إ َل�������ـ�������ـ������� ْي�������ـ������� ِه ْ‬

‫ومَ������ ْي ُ‬ ‫�سى‬ ‫������دان ال����� َّرق�����ائِ�����قِ ل��� ْي���� َ���س ُي ْن َ‬

‫�����ح�����تْ ط�����ري ُ‬ ‫ال�سالِكينا‬ ‫ب������ ِه و� َ�����ض َ‬ ‫�����ق َّ‬

‫����ح����تِ � ْأخ������ط������ا ًء تـ َف َّ�شـتْ‬ ‫وق������د � َ����ص َّ‬ ‫����ح ْ‬

‫وك����������ان ال������ َّن������ا� ُ������س ع���� ْن����ه����ا غ���افِ���ل���ي���ن���ا‬

‫ك����م����ا داف�������� ْع��������تِ ع��������نْ مِ ������ ْن������ه������ا ِج ح ٍّ‬ ‫����ق‬ ‫ج������زى اهلل الأُلىَ ب�����ذل�����وا ُج������هُ������ودًا‬

‫َك������� َ������س������ ْرتِ ِب�������� ِه � ِ�����س�����ه�����ا َم َّ‬ ‫الطاعـنينا‬

‫������ي������را‬ ‫ق����������� ْد ظ��������ه��������رتْ جم����� َّل�����ت�����ن�����ا �أخ ً‬ ‫ج������������زاكِ ُ‬ ‫اهلل ي������ا �إ� ْ���������ص����ل����ا ُح خ����ْي���ررْ ً ا‬ ‫�أ ْب�������������ق�������������اكِ الإل�������������������� ُه ل������ن������ا دل�����ـ ً‬ ‫�����ي��ل��ا‬

‫جم�������ي�������دِ و�أ ْزه���������������������ر م��������ع �آخ������ري������ن������ا‬

‫اللغة واألدب‬

‫و� ْأح���������ك���������ا ُم ال�����ب�����ي�����و ِع لأهْ �������������لِ � ُ�����س�����وقٍ‬

‫تحُ�������� ِّل�������� ُل � َ�����ص����� ْف�����ـ����� َق����� َة املُ����ت����ع����ام����ل����ي����ن����ا‬ ‫�أُ� ُ������ص ُ‬ ‫������ول ال���ف���ـ��� ْق��� ِه تمَ ْ ���ـ��� َن ُ���ح���ـ���ن���ا ال َيقينا‬

‫ول���� ْي����� َ����س َي�������ض���ـ���ي��� ُع � ْأج���������� ُر العامِ لينا‬ ‫ِب���� َت����� ْ����ص����م����ـ����ي ٍ����م ي������ ُ�����س����� ُّر ال���� َّن����اظ����ري����ن����ا‬ ‫ف���������إ َّن��������كِ ق�������� ْد ن������ َف������ ْع������تِ املُ���� ْ���س���ل���م���ي���ن���ا‬ ‫و ِن����ْب���رْ ا� ً��������س��������ا ي������ ُب ُّ‬ ‫������ث ال�������� ُّن��������و َر ِفيـنا‬ ‫و�أ ْر� ِ������ش������ ْدن������ا ال������ ِّ�����ص َ‬ ‫�����راط امل ُ ْ�سـ َتبينا‬

‫������م‬ ‫ف����������ي����������ا َر َّب����������ا ُه �أ ْك��������ر ِْم��������ـ��������ن��������ا ِب������عِ������ ْل ٍ‬ ‫�������ح������� ِر ْز عُ�����ل�����و َم ال����� ِّدي�����ن ح ًّقا‬ ‫َف����� َم�����نْ ُي ْ‬

‫ف�����ذل�����ك � ْأح���������������ر َز ال�����ك�����ن����� َز ال َّثمـينا‬

‫َو َو ِّح���ـ���ـ���ـ���ـ��� ْد �أ َّم���ـ���ـ���ـ��� َة الإ� ْ���س���ـ���ـ�ل�ا ِم َد ْو ًم ـ ــا‬

‫ع����ل����ى مِ ������ ْن������ه������ا ِج َخ�����ْي�����رِْ املُ���� ْر�����س����ل����ي����ن����ا‬

‫َ��ي��ن هُ ����ـ����دًى َمعـ ٌ‬ ‫���وح���ي���ـ�ْي�نْ ع ُ‬ ‫ني‬ ‫ف��ف��ي ال ْ‬

‫ب����ه����ا ال����� َّرح�����م�����ن ي�����ه�����دي امل َّتقـيـنا‬

‫و َن���ـ���ـ���ـ��� ِّج ب���ـ�ل�ا َدن���ـ���ـ���ـ���ا مِ ���ـ���ـ���نْ ُك���ـ���ـ��� ِّل َ�شـ ـ ٍّر‬

‫لِ���� ُت����� ْ����ص���� ِب���� َح �أ ْر� ُ������ض������ن������ا َب�������لَ�������دًا �أمِ ����ي����ن����ا‬

‫ع��ل��ى َخ��ـ��ـ��ـ�� ْي��ـ�� ِر الأن����ـ����ـ����ا ِم � َ���ص���ـ���ـ�ل�ا ُة ر ِّبــي‬

‫��ي�ر م�������ا َح��� ِي���ـ���ي���ن���ا‬ ‫و َت�����ـ������ ْ�����س�����ل�����ي����� ٌم ك����ـ����ث����ـ ٌ‬

‫�����ح�����رٍ واف�����������رٍ َح�������َّب������رَّ ْ ُت � ِ���ش���ـ��� ْع���ري‬ ‫ب�����ـِ����� َب ْ‬ ‫ويف واح�������اتِ������� ُك������� ْم ق�������د َّْم�������تُ � ِ����ش���� ْع����ري‬

‫ِب����������� َر ِّب ال���� َّن����ا�����س َد ْو ًم������������ا م ُْ�سـ َتعينا‬ ‫لمِ َ�����������نْ ك���ـ���ت���ـ���ب���وا َل������� ُك������� ْم وال���ق���ارئ���ـ���ي���ن���ا‬

‫�����ص��ـ�� َم��ا بق ْويل‬ ‫َب���������� َد�أْ ُت ق�����ص��ي��دت��ي ال�� َع ْ‬

‫« ِق���ـ��� ُف���وا َح���� ُّي����وا ُط���� ُل����و َل َّ‬ ‫الظاعِ ـنينا»‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪55‬‬


‫قضايا تربوية‬

‫األطفال في بيت النبوة‬ ‫فــريــد عــزوق‬

‫ابن َع َّبا�س ‪� È‬أَ َّن ُه َق َال‪:‬‬ ‫َع ِن ِ‬ ‫ُك ْن ُت َر ِد َ‬ ‫يف ال َّن ِب ِّي ‪َ ،Í‬ف َق َال‪:‬‬ ‫« َيا ُغ�ل�ا ُم! �أَ ْو َيا ُغلَ ِّي ُم! �أَ َال ُ�أ َع ِّل ُم َك‬ ‫َك ِل َماتٍ َي ْن َف ُع َك اللهَّ ُ به َِّن؟‬ ‫َف ُق ْل ُت َب َلى‪.‬‬ ‫���ظ اللهَّ َ َي ْح َف ْظ َ‬ ‫َف َق َ‬ ‫���ك‪،‬‬ ‫«اح َف ِ‬ ‫���ال‪ْ :‬‬ ‫ت��� ْد ُه َ�أ َما َم َ‬ ‫���ك‪َ ،‬ت َع��� َّر ْف‬ ‫ْاح َف ِ‬ ‫���ظ اللهَّ َ جَ ِ‬ ‫�إِ َل ْي��� ِه يف ال َّر َخ���ا ِء َي ْع ِر ْف َ‬ ‫���ك يف ِّ‬ ‫ال�ش��� َّدةِ‪،‬‬ ‫ا�س����أَ ْل َ‬ ‫اهلل‪َ ،‬و ِ�إ َذا ْا�س َت َعنْتَ‬ ‫َو�إِ َذا َ�س�أَ ْل���تَ َف ْ‬ ‫ا�س َت ِع���نْ ِب���اهللِ‪َ ،‬ق��� ْد َج َّ‬ ‫مبا‬ ‫���ف ال َقلَ��� ُم َ‬ ‫َف ْ‬ ‫هُ ��� َو َكائ ٌِن‪َ ،‬فلَ ْو �أَ َّن ا َ‬ ‫خل ْل َق ُك َّل ُه ْم َجمِ ي ًعا‬ ‫�أَ َرادُوا �أَ ْن َي ْن َف ُع َ‬ ‫���وك َ‬ ‫ب�ش ْ���ي ٍء لمَ ْ َي ْك ُت ْب��� ُه‬ ‫ُ‬ ‫اهلل َعلَ ْي َ‬ ‫���ك لمَ ْ َي ْق���دِ ُروا َعلَ ْي���هِ‪َ ،‬و�إِ ْن‬ ‫�أَ َرادُوا �أَ ْن َي ُ�ض��� ُّر َ‬ ‫وك َ‬ ‫ب�ش ْ���ي ٍء لمَ ْ َي ْك ُت ْب��� ُه‬ ‫ُ‬ ‫اهلل َعلَ ْي َك لمَ ْ َي ْقدِ ُروا َعلَ ْيهِ‪َ ،‬و ْاعلَ ْم �أَ َّن‬ ‫ريا‪،‬‬ ‫يف َّ‬ ‫ال�ص�ْب�رِْ َعلَى َما َت ْك َر ُه َخيرْ ً ا َك ِث ً‬ ‫ال�ص�ْب‪،‬رِْ ‪َ ،‬و�أَ َّن ال َف��� َر َج‬ ‫َو�أَ َّن ال َّن ْ�ص��� َر َم��� َع َّ‬ ‫َم َع ال َك ْربِ ‪َ ،‬و�أَ َّن َم َع ال ُع ْ�س ِر ُي ْ�س ًرا» ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪� )1‬أحمد‪« :‬امل�سند» (‪ ،)2803‬وقال حم ِّققه‪« :‬حديث �صحيح»‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫���ك ُ‬ ‫���ك َك ِل َم���اتٍ َي ْن َف ُع َ‬ ‫قو ُل���ه ‪َ « :Í‬ي���ا ُغ�ل�ا ُم(‪� !)2‬أَ ْو َي���ا ُغلَ ِّي��� ُم! �أَ َال ُ�أ َع ِّل ُم َ‬ ‫اهلل‬ ‫بهِنَّ ؟»‪.‬‬ ‫في���ه بيان للم�س�ؤول َّية ا َّلتي �أُنيطت بالآب���اء واملر ِّبني يف العناية بفئة َّ‬ ‫ال�شباب‪،‬‬ ‫بي ‪ Í‬عل���ى ما ُك ِّلف به من‬ ‫َّ‬ ‫وبخا�ص���ة ا َّلذي���ن مل يبلغوا احلل���م(‪ ،)3‬ذلك �أنَّ ال َّن َّ‬ ‫واج���ب التَّبليغ و�أداء الأمانة ورعاية �ش�ؤون ال َّرع َّي���ة؛ مل مينعه من االلتفات �إىل‬ ‫ال�صغار‪ ،‬وتخ�صي�ص وقت لتعليمه وتوجيهه‪.‬‬ ‫�أحد الفتيان ِّ‬ ‫ف�أي���ن �أولئك الآباء ا َّلذين يهملون تربية �أبنائه���م وتعليمهم �أمر دينهم وما‬ ‫ينفعهم يف حياتهم؟! بدعوى ان�شغالهم و�ضيق وقتهم!‬ ‫و�صدق اب���ن الق ِّيم ‪ :‬حني قال‪« :‬فمن �أهمل تعليم ولده وما ينفعه وتركه‬ ‫ُ�س���دى؛ فقد �أ�ساء �إليه غاية الإ�ساءة‪ ،‬و�أك�ث�ر الأوالد � مَّإنا جاء ف�سادهم من ِقبل‬ ‫الآب���اء‪ ،‬و�إهمالهم لهم‪ ،‬وت���رك تعليمهم فرائ����ض الدِّ ين و�سنن���ه‪ ،‬ف�أ�ضاعوهم‬ ‫�صغ���ا ًرا فلم ينتفع���وا ب�أنف�سهم‪ ،‬ومل ينفع���وا �آباءهم كبا ًرا‪ ،‬كم���ا عاتب بع�ضهم‬ ‫ولده على العقوق فقال‪ :‬يا �أبت! �إ َّنك عققتني �صغ ًريا فعققتك كب ًريا‪ ،‬و�أ�ضعتني‬ ‫وليدً ا ف�أ�ضعتك ً‬ ‫�شيخا»(‪.)4‬‬ ‫���ي ‪َّ Í‬‬ ‫ال�شاب بتوجيه���ات عقد َّية وم�سائ���ل من �أ�صول‬ ‫يف تخ�صي����ص ال َّنب ِّ‬ ‫�شرعا وتربية‪،‬‬ ‫الدِّ ي���ن دلي ٌل على �أنَّ البداءة بالترَّ بية الإميان َّي���ة لهذه الفئة الز ٌم ً‬ ‫حيث تتم َّيز مرحلة َّ‬ ‫ال�شباب واملراهقة بروح االندفاع والفت َّوة واال�ستجابة لداعي‬ ‫الهوى واالنطالق من ِّ‬ ‫كل رقيب و َق ْيد‪ ،‬فمن مل ين�ش�أ على الإميان َّ‬ ‫والطاعة ووازع‬ ‫التَّقوى؛ جرفته َّ‬ ‫ال�شهوات وا�ستجاب لل َّنزوات‪.‬‬ ‫ال�صغري ‪ ,‬و«يا ُغليم» ت�صغري له‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الغالم هنا املراد به‪ :‬الولد َّ‬ ‫حجة الوداع‪.‬‬ ‫(‪� )3‬أدرك ابن ع َّبا�س ا البلوغ يف َّ‬ ‫(‪ )4‬ابن الق ِّيم‪« :‬حتفة املودود» (�ص‪.)229‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫وقال البلوي املالكي ‪ :‬يف و�ص َّيته البنه عبد ال َّرحيم‪:‬‬ ‫ر�ضـيـت باهلل ر ًّبـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫�إذا ع ـقــلت ف ـقـل قـد‬ ‫وال ـن ـبـ ِّـي ال ـم ـنـ ـبـ ـ ــا‬ ‫وديـن الإ�ســالم ديـ ًنـا‬ ‫وقــل نـ ـب ـيـ ـًّا م ـح ـ ًّب ــا‬ ‫مـحـ ـ َّمــد ُق ــل ر�س ــو ًال‬ ‫(‪)9‬‬ ‫تزد ْد من اهلل قر ًبا‬ ‫ث َّـم ا�س ـت ـقـم واتَّـبـع ــه‬

‫قضايا تربوية‬

‫ويف احلديث‪�ِ « :‬إ َّن َ‬ ‫اهلل َل َي ْع َج ُب مِ ن َّ‬ ‫اب َل ْي َ�ستْ َل ُه َ�ص ْب َو ٌة»(‪،)5‬‬ ‫ال�ش ِّ‬ ‫ومعن���ى ال �صب���وة له كما قال املناوي‪�« :‬أي مي���ل �إىل الهوى حل�سن‬ ‫ال�ش ِّر يف حال َّ‬ ‫اعتي���اده للخري وق َّوة عزميته يف البعد ع���ن َّ‬ ‫ال�شباب‬ ‫ا َّلذي هو مظ َّنة ل�ضدِّ ذلك»(‪.)6‬‬ ‫فاحليوي���ة املمتلئة َّ‬ ‫والطاقة الكامنة ال ميك���ن التَّح ُّكم فيها �إ َّال‬ ‫بت�سخريها يف ما ُير�ضي اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫����ب اهلل تعاىل واخل����وف منه يف قلبه‬ ‫و�إنمَّ����ا يك����ون ذلك برت�سيخ ح ِّ‬ ‫�أثناء تن�شئته ورعايته حتَّى ينمو من ًّوا متواز ًنا معتد ًال ي ْك َل�ؤُه اهلل بحفظه‬ ‫و�إح�سانه‪.‬‬ ‫ال�سبعة ا َّلذين يظلُّه���م اهلل يف ظ ِّله يوم ال ظ َّل �إ َّال‬ ‫ق���ال ‪ Í‬يف َّ‬ ‫ظله‪َ « :‬و َ�ش ٌّاب َن َ�ش َ�أ يف عِ َبا َد ِة اهللِ»(‪.)7‬‬ ‫وله���ذا ذهب العلماء �إىل وجوب االهتم���ام املب ِّكر برتبية ِّ‬ ‫الطفل‬ ‫ال�صحيحة ا َّلتي تغر����س يف ِّ‬ ‫الطفل القي���م الإميان َّية‪،‬‬ ‫عل���ى العقي���دة َّ‬ ‫وتدفعه نحو اخلري‪ ،‬وتبعده عن ِّ‬ ‫كل ما ال ُير�ضي اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ق���ال ابن �أبي زيد القريواين املالك���ي ‪ :‬يف مقدِّ مة ر�سالته‪:‬‬ ‫«فكذلك ينبغي �أن يعلموا ما فر�ض اهلل على العباد من قول وعمل‬ ‫قب���ل بلوغه���م لي�أت���ي عليهم البل���وغ‪ ،‬وقد مت َّكن ذلك م���ن قلوبهم‬ ‫و�سكنت �إليه �أنف�سهم‪ ،‬و�أن�ست مبا يعملون به من ذلك جوارحهم‪،‬‬ ‫وق���د فر�ض اهلل تع���اىل على القل���ب عم ًال من االعتق���ادات وعلى‬ ‫الظاهرة عم ًال من َّ‬ ‫اجلوارح َّ‬ ‫الطاعات»(‪.)8‬‬

‫وقال ابن الق ِّيم ‪::‬‬ ‫«ف����إذا كان وقت نطقه���م؛ فليلقَّنوا ال �إله �إ َّال اهلل حم َّمد ر�سول‬ ‫اهلل‪ ،‬وليكن �أ َّول ما يقرع م�سامعهم؛ معرفة اهلل �سبحانه وتوحيده‪،‬‬ ‫و�أ َّنه �سبحانه فوق عر�شه‪ ،‬ينظر �إليهم وي�سمع كالمهم‪ ،‬وهو معهم‬ ‫�أينما كانوا»(‪.)10‬‬ ‫وق���د ا�ستند العلم���اء يف تقريرهم لهذا الأ�ص���ل �إىل ن�صو�ص‬ ‫مما ال يدع جم���ا ًال َّ‬ ‫لل�ش ِّك‬ ‫�شرع َّي���ة كث�ي�رة ـ ومنها حدي���ث الباب ـ َّ‬ ‫ال�سليم���ة وتُوجبها‪ ،‬ومن‬ ‫�أنَّ الب���داءة بالعقي���دة تقت�ضيها التَّن�شئة َّ‬ ‫ال ُّن�صو����ص الأخرى ال َّدا َّل���ة على ذلك؛ قول���ه تعاىل‪﴿ :‬ﮦ ﮧ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬

‫ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟﯠ‬ ‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ‬

‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [\^]‪.‬‬

‫فتوجيه �إبراهيم ‪ º‬بنيه �إىل عبادة اهلل وتوحيده‪ ،‬ومتابعة‬ ‫يعق���وب ‪� º‬إبراهيم ‪ º‬يف م�سلكه الترَّ بوي مع �أوالده دليل‬ ‫عل���ى �أنَّ رعاي���ة الأوالد يف التَّن�شئ���ة الأ�سر َّية ترتك���ز على العقيدة‬ ‫ا َّلتي فطر اهلل ال َّنا�س عليها‪.‬‬ ‫ق���ال الألو�سي ‪« ::‬توا�صي الأنبياء با�ستم�ساك الدِّ ين احلقِّ‬ ‫اجلام���ع جلمي���ع �أحكام الأ�صول والف���روع ليتوارث���وا امل َّلة القومية‬ ‫َّ‬ ‫وال�شرع امل�ستقيم ن�س ًال بعد ن�سل»(‪.)11‬‬ ‫ومن���ه قول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [\}]‪ ،‬فب���د�أ‬ ‫و�ص َّيت���ه بالتَّحذير من ِّ‬ ‫ال�شرك‪ ،‬ون�صح���ه بالأ�سا�س العقدي ا َّلذي‬ ‫به ت�صلح �أحوال الإن�سان وت�ص ُّح �أعماله‪.‬‬

‫(‪� )5‬أخرجه �أحمد يف «امل�سند» (‪ )600/28‬برقم (‪ ،)17371‬وقال حم ِّققه‪« :‬ح�سن‬ ‫لغريه»‪ ،‬واحلارث يف «م�سنده» «بغية الباحث عن زوائد م�سند احلارث» (‪،)986/2‬‬ ‫وفيه ابن لهيعة‪ ،‬قال البو�صريي‪�« :‬إحتاف اخلرية املهرة» (‪ :)451/7‬وهو �ضعيف‪،‬‬ ‫ح�سن �إ�سناده الهيثمي يف «جممع الزَّوائد» (‪ ،)270/10‬و�أورد الألباين‬ ‫لكن َّ‬ ‫و�صحح �إ�سناده‪،‬‬ ‫طري ًقا له عند الروياين فيه عبد اهلل بن وهب عن ابن لهيعة‪َّ ،‬‬ ‫ال�صحيحة» (‪.)824/6‬‬ ‫ينظر‪ِّ :‬‬ ‫«ال�سل�سلة َّ‬ ‫ال�صغري» (‪.)529/1‬‬ ‫(‪ )6‬املناوي‪« :‬التَّي�سري ب�شرح اجلامع َّ‬ ‫(‪ )7‬البخاري يف «�صحيحه» (‪ ،)1423‬وم�سلم يف «�صحيحه» (‪.)1031‬‬ ‫(‪ )8‬ابن �أبي زيد القريواين‪« :‬مقدِّ مة ابن �أبي زيد القريواين» (�ص‪.)55‬‬ ‫(‪ )9‬البلوي‪ :‬كتاب �ألف باء (‪.)3/1‬‬

‫قال ابن عا�شور ‪« ::‬ابتد�أ لقمان موعظة ابنه بطلب �إقالعه‬ ‫عن ِّ‬ ‫ال�شرك ب���اهلل؛ لأنَّ ال َّنف�س املع َّر�ضة للتَّزكية والكمال يجب �أن‬ ‫يق��� َّدم لها قبل ذلك تخليته���ا عن مبادئ الف�س���اد َّ‬ ‫وال�ضالل‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫�إ�صالح االعتقاد �أ�صل �إ�صالح العمل»(‪.)12‬‬ ‫ال�صبي���ان �إىل البدء بب�سم اهلل‬ ‫ال�س َّن���ة ما ورد من �إر�شاد ِّ‬ ‫ويف ُّ‬ ‫(‪ )10‬ابن الق ِّيم‪« :‬حتفة املودود» (�ص‪.)231‬‬ ‫(‪ )11‬الألو�سي‪« :‬روح املعاين» (‪.)389/1‬‬ ‫(‪ )12‬ابن عا�شور‪« :‬التَّحرير والتَّنوير» (‪.)155/21‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪57‬‬


‫قضايا تربوية‬

‫ق���ال ابن حجر ‪« ::‬و�إنمَّ���ا �أنكر عليها ما ذكر من الإطراء‪،‬‬ ‫تخت�ص ب���اهلل تعاىل‪ ،‬كما‬ ‫حي���ث �أطلق علم الغيب ل���ه‪ ،‬وهو �صفة‬ ‫ُّ‬ ‫ق���ال �سبحان���ه‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾‬ ‫[النمل‪ ،]65 :‬وقوله لنب ِّيه ‪﴿ :Í‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾‬

‫بي ‪ Í‬يخرب به من الغيوب‬ ‫[الأعراف‪ ،]188 :‬و�سائر ما كان ال َّن ُّ‬ ‫ب�إع�ل�ام اهلل تعاىل �إ َّي���اه‪ ،‬ال �أ َّنه ي�ستق ُّل بعلم ذلك‪ ،‬كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬

‫تع���اىل يف الأكل(‪ ،)13‬ويف ذل���ك تعوي���د له���م على ربطه���م بر ِّبهم ـ‬ ‫بي ‪ Í‬اجلارية‪:‬‬ ‫�سبحانه وتع���اىل ـ منذ ِّ‬ ‫ال�صغر‪ ،‬وكذا �س����ؤال ال َّن ِّ‬ ‫«�أي���ن اهلل(‪)14‬؟ ففي���ه بي���ان �أنَّ ِّ‬ ‫الطف���ل مطال���ب مبعرف���ة معبوده‬ ‫ب�أ�سمائ���ه و�صفات���ه و�أفعاله‪ ،‬وما ورد عن���ه ‪ Í‬من دعوته الغالم‬ ‫اليه���ودي �إىل الإ�س�ل�ام وتركه كفر الآباء(‪ )15‬دلي���ل على االهتمام‬ ‫باملعتقد والبداءة به‪.‬‬ ‫ق���ال اب���ن حج���ر ‪« ::‬ويف احلدي���ث عر�ض الإ�س�ل�ام على‬ ‫�صحته منه ما عر�ض���ه عليه‪ ،‬ويف قوله‪�« :‬أَ ْن َق َذ ُه بي‬ ‫���ي‪ ،‬ولوال َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�صب ِّ‬ ‫(‪)16‬‬ ‫�صح �إ�سالمه» ‪.‬‬ ‫مِ َن ال َّنارِ» داللة على �أ َّنه َّ‬ ‫(‪)17‬‬ ‫وورد كذل���ك منعه اجلارية م���ن الغل ِّو يف مدح���ه و�إطرائه‬ ‫خمت�ص ب���اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫حي���ث ن�سبت �إلي���ه معرفة الغيب وه���و �أمر‬ ‫ٌّ‬ ‫ف�صح���ح لها كالمها‪ ،‬وق���ال لها ‪�« :Í‬أَ َّما هَ��� َذا َف َ‬ ‫�ل�ا َت ُقو ُلوهُ‪ ،‬مَا‬ ‫َّ‬ ‫َي ْعلَ ُم مَا يف َغدٍ �إ َّال ُ‬ ‫اهلل»(‪.)18‬‬ ‫(‪ )13‬بينت ذلك يف احللقة الأوىل من الأطفال يف بيت ال ُّنب َّوة‪.‬‬ ‫(‪� )14‬أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (‪.)537‬‬ ‫(‪ )15‬كما يف «�صحيح البخاري» (‪ )1290‬عن �أن�س ‪ Ç‬قال‪ :‬كان غالم يهودي يخدم‬ ‫بي ‪ Í‬يعوده فقعد عند ر�أ�سه فقال له‪�« :‬أَ ْ�س ِل ْم»‪ ،‬فنظر‬ ‫بي ‪ Í‬فمر�ض ف�أتاه ال َّن ُّ‬ ‫ال َّن َّ‬ ‫بي ‪ Í‬وهو‬ ‫�إىل �أبيه وهو عنده فقال له‪�« :‬أطع �أبا القا�سم ‪ ،»Í‬ف�أ�سلم‪ ،‬فخرج ال َّن ُّ‬ ‫يقول‪« :‬ا َ‬ ‫هلل ا َّلذِ ي �أَ ْن َق َذ ُه مِ نَ ال َّنارِ»‪.‬‬ ‫حل ْم ُد ِ‬ ‫(‪ )16‬ابن حجر‪« :‬فتح الباري» (‪.)221/3‬‬ ‫بي ‪ ،Í‬فدخل‬ ‫(‪ )17‬كما يف البخاري (‪ )4852‬عن ال ُّرب ِّيع بنت مع ّوذ قالت‪ :‬جاء ال َّن ُّ‬ ‫علي‪ ،‬فجل�س على فرا�شي كمجل�سك م ِّني‪ ،‬فجعلت جويريات لنا ي�ضربن‬ ‫حني ُبنِي َّ‬ ‫نبي يعلم ما‬ ‫بالد ُِّّف‪ ،‬ويندبن من ُقتِل من �أبائي يوم بدر‪� ،‬إذ قالت �إحداهنَّ ‪ :‬وفينا ٌّ‬ ‫ول با َّلذِ ي ُك ْنتِ َت ُقو ِلنيَ»‪ ،‬وروي ب�ألفاظ خمتلفة‬ ‫يف غد‪ ،‬فقال ‪« :Í‬دَعِ ي َه َذا َو ُق يِ‬ ‫يف «�سنن �أبي داود» و«الرتمذي» و«ابن ماجه»‪.‬‬ ‫و�صححه الألباين يف «�صحيح �سنن ابن ماجه»‬ ‫«ال�سنن» (‪َّ ،)1897‬‬ ‫(‪ )18‬ابن ماجه‪ُّ :‬‬ ‫(‪.)1539‬‬

‫‪58‬‬

‫ﰁ﴾ [\‪.)19(»]Ç‬‬ ‫ال�س َّنة يف تقرير ه���ذا الأ�صل العقدي الترَّ بوي؛‬ ‫مل يختل���ف �أهل ُّ‬ ‫لأ َّن���ه ه���و ا َّلذي يتما�ش���ى مع الفط���رة وطبيعة الإن�س���ان‪ ،‬قال ‪:Í‬‬ ‫« ُك ُّل َم ْو ُل���و ٍد ُيو َل��� ُد َعلَى الف ِْط��� َرةِ‪َ ،‬ف�أَ َب��� َوا ُه ُي َه ِّودَانِ��� ِه َ�أ ْو ُي َن ِّ�ص َرا ِن ِه �أَ ْو‬ ‫يمُ َِّج َ�سا ِنهِ‪ ،)20(»...‬ومل يقل ي�سلمانه؛ لأ َّنها الفطرة ا َّلتي ُخلق عليها‪.‬‬ ‫ولـ َّم���ا انحرف ال َّنا�س عن فطرهم ا َّلتي ُجبلوا عليها؛ بعث اهلل‬ ‫ال ُّر�سل ليعيدوا ال َّنا�س �إىل ميثاق الفطرة‪.‬‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم ‪« ::‬وال ُّر�سل ـ �صلوات اهلل عليهم ـ ُبعثوا‬ ‫بتقرير الفطرة وتكميلها ال بتغيري الفطرة وحتويلها»(‪.)21‬‬ ‫وهذا يد ُّل على �أهم َّي���ة التَّن�شئة الإميان َّية‪ ،‬حيث تُبقي الفطرة‬ ‫�سليم���ة‪ ،‬وتُر�سخ فيها الدِّ ين القومي اعتقادًا وعم ًال‪ ،‬كما يد ُّل على‬ ‫ال�س َّنة واجلماعة لطبيعتها‪.‬‬ ‫موافقة منهج �أهل ُّ‬ ‫ال�س َّن���ة واجلماعة فال ت�ستطيع �أن‬ ‫�أ َّم���ا املناهج املخالفة لأهل ُّ‬ ‫حت ِّقق تن�شئة �إميان َّية طبيع َّية وفطر َّية ل�سببني‪:‬‬ ‫الأ َّول‪� :‬إقرارهم ب�أنَّ �أ�صولهم ا َّلتي بنوا عليها م�سائل االعتقاد‬ ‫عقل َّية جدل َّية �أو ذوق َّية باطن َّية وهذا ال يتنا�سب مع طبيعة التَّن�شئة‬ ‫وال يراعي متط َّلبات مرحلة ُّ‬ ‫الطفولة(‪.)22‬‬ ‫منهجا لل َّر ِّد على الفال�سفة كما فعل املعتزلة‪،‬‬ ‫ال َّثاين‪� :‬أوجدوا ً‬ ‫منهج���ا لل َّر ِّد على‬ ‫ِّ‬ ‫وال�صفات َّي���ة من الأ�شاع���رة واملاتريد َّية ح َّرروا ً‬ ‫مما ي�ؤ ِّكد �أنَّ طبيعة مناهج ه�ؤالء‬ ‫املعتزلة واجلهم َّية واملتك ِّلم�ي�ن‪َّ ،‬‬ ‫ال ترتكز على التَّن�شئة‪ ،‬بل عل���ى الكالم واجلدل؛ لأ َّنهم م�شغولون‬ ‫(‪ )19‬ابن حجر‪« :‬الفتح» (‪.)203/9‬‬ ‫(‪� )20‬أخرجه البخاري يف «�صحيحه» (‪ )1385‬وم�سلم يف «�صحيحه» (‪.)2658‬‬ ‫(‪ )21‬ابن تيمية‪« :‬درء تعار�ض العقل وال َّنقل» (‪.)342/5‬‬ ‫َّو�سع ينظر‪ :‬حممد �أحمد‬ ‫(‪ )22‬الأهواين‪« :‬الترَّ بية يف الإ�سالم» (�ص‪ 88‬ـ ‪ ،)91‬وملزيد من الت ُّ‬ ‫لوح‪« :‬جناية ال َّت�أويل الفا�سد على العقيدة الإ�سالم َّية» (�ص‪ 30‬ـ ‪.)38‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫َّو�سع ينظر ر�سالتي‪« :‬الو�صايا الترَّ بو َّية» (�ص‪ )270‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ )23‬ملزيد الت ُّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫قضايا تربوية‬

‫بال��� َّر ِّد على خمالفيه���م ا َّلذين انحرفوا ع���ن �سبيلهم‪ ،‬لذلك فهم‬ ‫ال يحتاج���ون لرتبي���ة ِّ‬ ‫الطفل عل���ى مناهجهم القائم���ة على نق�ض‬ ‫املذه���ب الآخر‪ ،‬ما دامت مباحثهم يف العقل َّي���ات املج َّردة‪ ،‬و� مَّإنا‬ ‫يخاطب���ون العق���ول ا َّلت���ي مل تتق َّي���د ب�أ�صولهم من �أج���ل �إقناعهم‬ ‫ب�سالمة معتقدهم(‪.)23‬‬ ‫قول���ه ‪�« :Í‬أَال �أُ َع ِّل ُم َ‬ ‫���ك َك ِل َم���اتٍ »‪ ،‬فيه رب���ط م�سائل االعتقاد‬ ‫وال�س َّنة �أمان‬ ‫بالوح���ي‪ ،‬وفي���ه �أنَّ العقيدة ا َّلتي ت�ستند �إىل الكت���اب ُّ‬ ‫بي ‪ Í‬قال له‪َ « :‬ي ْن َف ُع َك ُ‬ ‫اهلل بهِنَّ »‪.‬‬ ‫ل�صاحبها من الزَّيغ؛ لأنَّ ال َّن َّ‬ ‫مما يب�ِّينِنِّ �أنَّ منهج الترَّ بية‬ ‫وال َّنفع يك���ون يف ال ُّدنيا والآخرة‪َّ ،‬‬ ‫ال�س َّنة يقوم عل���ى اال ِّتب���اع ال االبتداع‪ ،‬حيث‬ ‫الإميان َّي���ة عن���د �أه���ل ُّ‬ ‫ُير َّبى ال َّنا�شئة على االرتباط بال ُّن�صو�ص َّ‬ ‫ال�شرع َّية‪ ،‬والتَّعلُّق ب�سرية‬ ‫تربوي ناجح وف َّعال؛‬ ‫ال�سلف ومنهجهم يف اال�ستدالل‪ ،‬وهذا م�سلك ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫لأ َّنه يح ِّرر ال َّنا�شئة من �سلطة التَّقليد لآراء ال ِّرجال ا َّلتي ال تن�سجم‬ ‫املبني على‬ ‫م���ع متط َّلبات الفطرة من جهة‪ ،‬وال تو�صل���ه �إىل احلقِّ ِّ‬ ‫اليق�ي�ن والثب���ات م���ن جه���ة �أخ���رى؛ � ْإذ العق���ول يعرتيه���ا اخلط�أ‬ ‫وال َّنق�ص لع���دم ع�صمتها وكمالها‪ ،‬ف�إذا ما اطم�أنَّ َّ‬ ‫اب �إىل �أنَّ‬ ‫ال�ش ُّ‬ ‫هذه التَّوجيهات والإر�شادات من الوحي مبنطوقه ومفهومه ازداد‬ ‫ب�صحة عقيدته‪ ،‬وكان �سلوكه منطل ًقا من عون اهلل وتوفيقه‬ ‫ُو ُثو ًقا َّ‬ ‫ويقني بوعده �سبحانه‪.‬‬ ‫يف قول���ه ‪ Í‬البن ع َّبا����س ‪َ « :Ç‬ق ْد َج َّ‬ ‫���ف ال َقلَ��� ُم بمِ َا هُ َو‬ ‫خل ْل َق ُك َّل ُه ْم َجمِ ي ًع���ا �أَ َرادُوا �أَ ْن َي ْن َف ُع َ‬ ‫ِ���ن‪َ ،‬فلَ��� ْو �أَ َّن ا َ‬ ‫���وك ب َِ�ش ْي ٍء لمَ ْ‬ ‫َكائ ٌ‬ ‫َي ْك ُت ْب��� ُه ُ‬ ‫اهلل َعلَ ْي َك لمَ ْ َي ْقدِ ُروا َعلَ ْي���هِ‪َ ،‬و�إِ ْن �أَ َرادُوا �أَ ْن َي ُ�ض ُّر َ‬ ‫وك ب َِ�ش ْي ٍء‬ ‫لمَ ْ َي ْك ُت ْب ُه ُ‬ ‫اهلل َعلَ ْي َك لمَ ْ َي ْقدِ ُروا َعلَ ْيهِ» دلي ٌل على �أنَّ مرحلة َّ‬ ‫ال�شباب‬ ‫حتتاج �إىل معرفة بالق�ضاء والقدر والإميان به‪ ،‬واملر ُّبون ير ِّكزون‬ ‫يف ه���ذه املرحلة على تقوي���ة �إرادة َّ‬ ‫���اب‪ ،‬وتر�سيخ قيم املبادرة‬ ‫ال�ش ِّ‬ ‫في���ه‪ ،‬ورفع روح التَّحدِّ ي عن���ده‪ ،‬وال َّرغبة يف التَّف ُّوق على غريه‪ ،‬وال‬ ‫�ش َّ‬ ‫���ك �أنَّ جناعة حتقيق ذلك ال يك���ون �إ َّال بتنمية روح االعتماد على‬ ‫اهلل تعاىل والوثوق بق�ضائه وقدره‪ ،‬والتَّعلُّق به ـ‪� ‬سبحانه وتعاىل ـ‪.‬‬ ‫ومما ي�ؤ ِّيد هذه احلقيقة �أنَّ َّ‬ ‫اب قد يتع َّر�ض يف هذه املرحلة‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش َّ‬ ‫ال�سلبية ا َّلتي قد تفق���ده ثقته بنف�سه؛ من مثل‬ ‫�إىل بع����ض املواقف َّ‬ ‫�شع���وره بال ُّدون َّية �أمام غ�ي�ره‪� ،‬أو �إح�سا�س���ه مبحدود َّيته يف جمال‬ ‫ما مقارنة ب�أ�صحاب���ه‪� ،‬أو ُت َع ِّر�ضه لل َّنقد ال َّالذع من زمالئه ب�سبب‬

‫لل�سخرية والهزء من‬ ‫م�ستواه‬ ‫االجتماعي واالقت�صاديِّ ‪�،‬أو تع ُّر�ضه ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫�أقران���ه لعاهة يف ج�سمه �أو �ضع���ف يف نطقه‪ ،‬فيتو َّلد عنده ر ُّد فعل‬ ‫���ي ينتج عنه اكتئاب �أو �إحباط �أو انطواء �أو عدوان �أو مت ُّرد �أو‬ ‫�سلب ٍّ‬ ‫غري ذلك؛ لأ َّنه َف َقد املُ ِعني ا َّلذي ُي َق ِّوي فيه ثقته يف نف�سه وما وهبه‬ ‫تعجب لمِ َا‬ ‫اهلل تع���اىل له من ِن َع���م َف َّ�ضله بها على غريه‪ ،‬ولذل���ك ال ْ‬ ‫ت�سمع���ه وت�شاهده م���ن انحرافات فكر َّية �أو �سلوك َّي���ة لدى َّ‬ ‫باب‬ ‫ال�ش ِ‬ ‫يف �سنٍّ مب ِّكرة‪ ،‬ت�ؤدِّي ببع�ضهم �إىل االنتحار �أو الإدمان �أو الهجرة‬ ‫�إىل املجهول‪.‬‬ ‫تر�سخ في���ه الإميان بالقدر‪ ،‬و َو ِثق بحكمة اهلل‬ ‫�أ َّم���ا �إذا كان قد َّ‬ ‫تع���اىل؛ ف�إ َّنه ال ي�أب���ه كث ًريا لمِ َ���ا يواجهه من مواق���ف‪ ،‬و�سيجتازها‬ ‫ب����إرادة �صلب���ة تدفعها عقي���دة ُم� َّؤ�س�س��� ٌة على ال ِّر�ض���ا باهلل تعاىل‬ ‫ال�صبرْ ِ‪َ ،‬و َ�أ َّن ال َف َر َج‬ ‫وال�صرب على �أقداره؛ � ْإذ �أيقن «�أَ َّن ال َّن ْ�ص َر َم َع َّ‬ ‫َّ‬ ‫َم َع ال َك ْربِ ‪َ ،‬و�أَ َّن َم َع ال ُع ْ�س ِر ُي ْ�س ًرا»‪.‬‬ ‫���ظ َ‬ ‫اهلل َي ْح َف ْظ َ‬ ‫���ك‪،‬‬ ‫«اح َف ِ‬ ‫يف قول���ه ‪ Í‬الب���ن ع َّبا����س ‪ْ :Ç‬‬ ‫ْاح َف ِظ َ‬ ‫ت ْد ُه �أَمَام َ​َك‪َ ،‬ت َع َّر ْف �إِ َل ْي ِه يف ال َّر َخا ِء َي ْع ِر ْف َك يف ِّ‬ ‫ال�ش َّدةِ»‬ ‫اهلل جَ ِ‬ ‫تربي���ة َّ‬ ‫اب على ا ِّتخاذ الأ�سب���اب والعمل بها بعد االعتماد على‬ ‫لل�ش ِّ‬ ‫اهلل تع���اىل‪ ،‬وعدم التَّهاون فيها؛ وتعليم ل���ه �أنَّ اجلزاء من جن�س‬ ‫اخلا�ص َّ‬ ‫���اب وواليته له مرتَّب على حفظ‬ ‫العم���ل؛ فحفظ اهلل‬ ‫لل�ش ِّ‬ ‫ّ‬ ‫���اب لأوامر اهلل تعاىل وح���دوده‪ ،‬وا�ستجابة اهلل لدعاء َّ‬ ‫َّ‬ ‫اب‬ ‫ال�ش ِّ‬ ‫ال�ش ِّ‬ ‫وانف���راج �أزمت���ه يف َّ‬ ‫ال�ض��� َّراء يكون بتحقيق���ه ال َّتق���وى يف ال َّرخاء‬ ‫والي�سر‪ ،‬ومن تر َّبى على هذا املعتقد ن�ش�أ م�ستقي ًما متواز ًنا معتد ًال‬ ‫بخ�ل�اف غ�ي�ره‪ ،‬و�ش َّتَان ب�ي�ن الفئت�ي�ن‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [‪.]Â: 22‬‬ ‫بي ‪ Í‬الكلم���ات ال َّنافعات اجلامعات‪:‬‬ ‫امل���كان ا َّلذي ع َّلمه ال َّن ُّ‬ ‫« ُك ْن���تُ َرد َ‬ ‫ِيف ال َّن ِب ِّ���ي ‪ ،»Í‬والأ�سلوب امل�ش ِّوق ا َّلذي عر�ض به ذلك‬ ‫القول احلكيم‪ ،‬حيث ا�ستعمل �أ�سلوب التَّ�شويق بقوله‪�« :‬أَ َال ُ�أ َع ِّل ُم َك‬ ‫َك ِل َماتٍ َي ْن َف ُع َك ُ‬ ‫اهلل بهِنَّ ؟‪ ،»...‬و�أ�سلوب ال َّتحننُّ والتَّنبيه بقوله‪« :‬يا‬ ‫ُغلَي���م!» َّ‬ ‫دل على �أن العقيدة وم�سائل الإمي���ان ال ُت ْع َر ُ�ض ب�أ�ساليب‬ ‫متن ِّوعة لل َّنا�شئ���ة‪ ،‬وال ُيح�صر تلقينها يف املدار�س فح�سب‪ ،‬بل هي‬ ‫تربي���ة �إميان َّية تر�س���خ يف الأطف���ال با�ستغالل املواق���ف املتعدِّ دة‪،‬‬ ‫وجذابة ت�سرتع���ي اهتمام َّ‬ ‫وبا�ستخ���دام �أ�سالي���ب متن ِّوعة َّ‬ ‫ال�شباب‬ ‫وت�ستحوذ على م�شاعرهم وتفكريهم‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫عبد اهلل بوزنون‬

‫طالب يف مرحلة املاج�ستري يف علوم ال�شريعة ـ الدويرة‬

‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫جرمية الرشوة‬ ‫فـي ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫لق���د ج���اءت َّ‬ ‫ال�شريع���ة الإ�سالم َّي���ة ب�أحكامه���ا وحدوده���ا‬ ‫وقوانينها ال َّر َّبانية حلفظ م�صالح ال َّنا�س من َّ‬ ‫ال�ضياع‪ ،‬و�أموالهم‬ ‫ال�سلب وال َّتل���ف‪ ،‬كما �أ َّنها ح َّملت القائ���م على حقوق ال َّرع َّية‬ ‫م���ن َّ‬ ‫الأمان���ة ا َّلتي ا�سرتع���اه اهلل للقيام بها على �أ ِّمت وج���ه‪ ،‬و�إي�صال‬ ‫احلقِّ �إىل ذويه من غري نق�ص �أو بخ�س‪ ،‬ولهذا ح َّرم َّ‬ ‫ال�شارع �أكل‬ ‫�أم���وال ال َّنا�س بالباطل‪� ،‬سواء كان ذلك بطريق ال ِّربا �أو الغ�صب‬ ‫بي ‪َ « :Í‬ال يَحِ ُّل م ُ‬ ‫َال ْام ِرئٍ‬ ‫�أو ال ّر�ش���وة �أو غريها‪ ،‬كما ق���ال ال َّن ُّ‬ ‫م ُْ�س ِل ٍ���م�إِ َّال َع���نْ طِ ي���بِ َن ْف� ٍ���س»(‪.)1‬‬ ‫مم���ا �ش��� َّدد َّ‬ ‫ال�ش���رع يف حترمي���ه‪ ،‬ولع���ن فاعل���ه هو ذنب‬ ‫و�إنَّ َّ‬ ‫ال ّر�شوة؛ كونها تنق�ض عرى املجتمع‪ ،‬فتف�سد �أخالق �أهله‪ ،‬وت�ض ِّيع‬ ‫َ‬ ‫م�صاحلهم‪ ،‬ويطمع فيهم عد ُّوهم‪.‬‬ ‫طم الوادي على ال َق ِريِّ بانت�شار هذه الآفة امل�شينة؛ ر�أيت‬ ‫وملَّ���ا َّ‬ ‫لزام���ا �أن �أذ ِّك���ر نف�سي و�إخ���واين بخطورة ه���ذه املعاملة‪ ،‬وذلك‬ ‫ً‬ ‫وال�س َّن���ة‪ ،‬م�سرت�شدً ا ب�أق���وال علماء‬ ‫ببي���ان حترميها من الكت���اب ُّ‬ ‫الأ َّمة‪ ،‬ف�إليك �أخي القارئ بيان ذلك‪:‬‬ ‫‪ ‬تعريف الرّشوة‪:‬‬ ‫لغ��� ًة‪ :‬ال َِ ُّر ْ�ش َو ُة‪ ،‬مث َّلث ُة ال��� َّراء‪ :‬ا ُ‬ ‫جل ْع ُل‪ ،‬جمع ُر ً�ش���ا ور ًِ�شا‪ .‬و َر�شا ُه‬ ‫وا�سترَ َْ�شى‪َ :‬ط َل َبها‪ ،‬ورا�شا ُه‪ :‬حابا ُه‬ ‫� ْأعط���ا ُه �إ َّياها‪ ،‬وا ْرت َ​َ�شى �أَ َخ َذها‪ْ ،‬‬ ‫و�صا َن َعه‪ ،‬و َت َر َّ�شاه‪ :‬ال َي َن ُه(‪.)2‬‬ ‫و�صحح���ه الألب���ا ُّ‬ ‫ين يف «الإرواء»‬ ‫(‪� )1‬أخرج���ه الدَّارقطن���ي يف «�سنن���ه» (‪َّ ،)2863‬‬ ‫(‪.)1459‬‬ ‫(‪« )2‬القامو�س املحيط» (�ص‪ )1184‬بت�صرف‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫وق���ال ابن الأثري‪« :‬ال ّر�شوة‪ :‬الو�صل���ة �إىل احلاجة بامل�صانعة‪،‬‬ ‫يتو�صل به �إىل املاء»(‪.)3‬‬ ‫و�أ�صله من ال ّر�شاء ا َّلذي َّ‬ ‫ا�صطالحا‪ :‬فهي ما ُي َ‬ ‫باطل‪.‬‬ ‫و�أ َّما‬ ‫عطى لإبطال حقٍّ ‪� ،‬أو لإحقاق ٍ‬ ‫ً‬ ‫أخ�ص من التَّعريف اللُّغويِّ ‪ ،‬حيث ق ّيد مبا �أعطي لإحقاق‬ ‫وهو � ُّ‬ ‫الباطل‪� ،‬أو �إبطال ِ ّ‬ ‫احلق(‪.)4‬‬ ‫مال دفع ليبتاع به من ذي‬ ‫ق���ال ابن العربي‪« :‬ال ّر�ش���وة هي ك ُّل ٍ‬ ‫ج���اه عو ًنا على م���ا ال يج���وز‪ ،‬واملرت�شي هو قاب�ض���ه‪ ،‬وال َّرا�شي هو‬ ‫دافعه‪ ،‬وال َّرائ�ش هو ا َّلذي يو�سط بينهما»(‪.)5‬‬ ‫ال�صلة بال ّر�شوة‪:‬‬ ‫ومن الألفاظ ذات ِّ‬ ‫�أ ـ امل�صانع���ة‪� :‬أن ت�صنع لغريك �شي ًئا لي�صنع لك �آخر مقابله‪،‬‬ ‫كناي��� ًة ع���ن ال ّر�شوة‪ ،‬ويف املث���ل‪« :‬من �صانع بامل���ال مل يحت�شم من‬ ‫طلب احلاجة»‪.‬‬ ‫ال�سني ـ وهو‬ ‫ال�سحت ـ ِّ‬ ‫ال�سحت ـ بفتح ِّ‬ ‫ب�ضم ِّ‬ ‫ب ـ ُّ‬ ‫ال�سني‪� :‬أ�صله من َّ‬ ‫وال�سحت‪ :‬احلرام ا َّل���ذي ال يح ُّل ك�سبه؛‬ ‫الإه�ل�اك واال�ستئ�ص���ال‪ّ ،‬‬ ‫و�سميت ال ّر�شوة �سحتًا‪.‬‬ ‫لأ َّنه ي�سحت الربكة �أي‪ :‬يذهبها‪ِّ ،‬‬ ‫ال�سح���ت �أع ُّم من‬ ‫وق���د �سار بع����ض الفقهاء على ذل���ك؛ لكن ّ‬ ‫حرام ال يح ُّل ك�سبه‪.)6(.‬‬ ‫ال ّر�شوة؛ لأنَّ ُّ‬ ‫ال�سحت ك ُّل ٍ‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫(‪« )3‬النهاية يف غريب احلديث والأثر» (�ص‪.)359‬‬ ‫(‪« )4‬املو�سوعة الفقهية» (‪.)219/22‬‬ ‫(‪« )5‬عار�ضة الأحوذي» (‪« ،)80/6‬الفتح» (‪.)271/5‬‬ ‫(‪« )6‬املو�سوعة الفقهية» (‪ 219/22‬ـ ‪. )220‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬

‫ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [\^]‪.‬‬ ‫املف�سرين �أنَّ معنى هذه الآية‪« :‬ال ت�صانعوا‬ ‫وقد جاء عن بع�ض ِّ‬ ‫ب�أموالك���م احل َّكام وتر�شوهم ليق�ضوا لكم على �أكرث منها‪ ،...‬قال‬ ‫يرتجح؛ لأنَّ احل َّكام مظ َّنة ال ّر�شاء �إ َّال َمنْ‬ ‫ابن عط َّية‪ :‬وهذا القول َّ‬ ‫ع�صم وهو الأقل»‪ .‬اهـ‪ ،‬من «تف�سري القرطبي» (‪.)340/2‬‬ ‫وهن���ا فائدة يج���در التَّنبيه �إليها‪ :‬وه���و �أنَّ اهلل ملَّا ذكر حترمي‬ ‫خ�صها ِّ‬ ‫بالذكر بعده؛‬ ‫�أكل �أم���وال ال َّنا�س بالباطل ـ وال ّر�شوة من���ه ـ ّ‬ ‫لأ َّنها «�شديدة َّ‬ ‫ال�شناعة‪ ،‬جامعة ملح َّرمات كثرية‪ ،‬ولل َّداللة على �أنَّ‬ ‫معطي ال ّر�شوة �آث ٌم مع �أ َّنه مل ي�أكل ما ًال‪ ،‬بل �آ َك َل غريه»(‪.)7‬‬ ‫ومم���ا يد ُّل عل���ى حترميه���ا‪� :‬أنَّ اهلل ع َّز وج ّل و�ص���ف اليهود‬ ‫ـ َّ‬ ‫ب�أ َّنه���م‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [املائ���دة‪،]42 :‬‬ ‫مم���ا ا�ستوجب لليه���ود ال َّ‬ ‫���ذ َّم‪ ،‬وعدم تطهري‬ ‫وهات���ان اخل�صلتان َّ‬ ‫قلوبه���م‪ ،‬وع���دم اال�ستجابة لهم؛ لأنَّ هذا الو�ص���ف ذكر بعد ذكر‬ ‫احلكم‪ ،‬وه���و قوله تع���اىل‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬ ‫ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬

‫ﰀ﴾ [\‪ ،]a‬فك�أ َّنهم نالوه ب�سبب و�صفهم‪.‬‬ ‫ق���ال ابن كثري مب ِّي ًنا هذا املعنى‪�« :‬أي‪ :‬ومن كانت هذه �صفته؛‬ ‫كيف يط ِّهر اهلل قلبه؟! و�أ َّنى ي�ستجيب له»(‪.)8‬‬ ‫ال�صحابة ‪í‬‬ ‫وال�سح���ت يف هذه الآية ـ كما ورد عن بع�ض َّ‬ ‫ّ‬ ‫ـ هو ال ّر�شوة‪.‬‬ ‫«ال�سحت‪ :‬ال َّر�شا»‪.‬‬ ‫قال ابن م�سعود ‪ُّ :Ç‬‬ ‫ال�سحت‪ :‬ال ّر�شا‬ ‫وقال عم���ر بن اخلطاب ‪« :Ç‬بابان م���ن ّ‬ ‫ومهر الزانية»‪.‬‬ ‫وعن ابن م�سعود ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ �أ َّنه �سئل عن ال�سحت فقال‪« :‬ال َّرجل‬ ‫يطلب احلاجة لل َّرجل فيق�ضيها فيهدي �إليه فيقبلها»(‪.)9‬‬ ‫وهنا ـ �أي عند هذه الآية ـ وقفتان‪:‬‬ ‫(‪ )7‬قاله َّ‬ ‫الطاهر بن عا�شور‪ ،‬انظر‪« :‬التحرير والتنوير» (‪.)190/2‬‬ ‫(‪« )8‬تف�سري ابن كثري» (‪.)226/5‬‬ ‫(‪ )9‬روى هذه الأقوال َّ‬ ‫الطربي يف «تف�سريه» (‪.)155/6‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫وال�س َّنة‬ ‫و�أ َّما الأد َّلة على حترمي ال ّر�شوة؛ فقد ورد يف الكتاب ُّ‬ ‫و�إجماع الأ َّمة على حترميها‪.‬‬ ‫فم���ن التَّنزيل قول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬

‫الأوىل‪ :‬يف ت�سمي���ة ال ّر�ش���وة �سحتً���ا �س ٌّر لطيف وه���و‪� :‬أ َّنها �أي‬ ‫الر�شوة متنع �صاحبها من ال�شبع وتدفعه �إىل اجل�شع‪.‬‬ ‫ال�سحت) ك َلب اجل���وع‪ ،‬يقال‪ :‬رجل‬ ‫ق���ال الف َّراء‪�« :‬أ�صل���ه (�أي ّ‬ ‫م�سح���وت املعدة �أي �أك���ول‪ ،‬ف���ك�أنَّ بامل�سرت�ش���ي و�آكل احلرام من‬ ‫ال�ش���ره �إىل ما ُي َ‬ ‫َّ‬ ‫���وت املعِدَ ة من ال َّنهم»‪ .‬اهـ‬ ‫عطى مثل ا َّلذي بامل�سح ِ‬ ‫من تف�سري القرطبي» (‪.)183/6‬‬ ‫و�أ َّم���ا ال َّثانية‪ :‬فهي �أنَّ ال ّر�شوة حم َّرمة عند جميع �أهل الكتاب‬ ‫لفعل حم��� َّرم عندهم و�إ َّال‬ ‫ذم اهلل اليهود ٍ‬ ‫كم���ا يف هذه الآي���ة حيث َّ‬ ‫فال لوم عليهم فيما مل يح ِّرم عليهم‪.‬‬ ‫ال�سحت حم َّرم عليهم يف كتابهم‬ ‫قال ابن عبد ال ِّرب‪« :‬ولوال �أن ّ‬ ‫فال�سحت حم َّرم عند جميع �أهل‬ ‫م���ا عيرَّ هم اهلل يف القر�آن ب�أكله؛ ُّ‬ ‫الكتاب»(‪.)10‬‬ ‫«ال�سفر‬ ‫َّ‬ ‫ومم���ا ي�ست�أن�س به يف هذا الباب ما جاء يف التَّوراة يف ِّ‬ ‫ال َّث���اين» منها‪« :‬ال تقبلن ال ّر�شوة ف�إنَّ ال ّر�شوة تعمي �أب�صار احل َّكام‬ ‫يف الق�ضاء»(‪.)11‬‬ ‫ال�س َّنة فقد ورد ال َّلعن والوعيد على ل�سان ر�سول اهلل‬ ‫و�أ َّم���ا من ُّ‬ ‫ذم مقرتفها؛ الآخذ واملعطي لها‪.‬‬ ‫‪ Í‬يف ِّ‬ ‫فق���د �أخرج الترِّ مذي يف «�سننه» ع���ن عبد اهلل بن عمرو قال‪:‬‬ ‫«لعن ر�سول اهلل ‪ Í‬ال َّرا�شي واملرت�شي»(‪.)12‬‬ ‫فق���د �أخرب ر�س���ول اهلل ‪� Í‬أنَّ ال َّرا�شي واملرت�ش���ي قد نالهما‬ ‫ال َّلع���ن‪ ،‬وه���و «البعد من مظ���انِّ ال َّرحم���ة ومواطنها ن���ازل وواقع‬ ‫عليهما»(‪.)13‬‬ ‫فانظ���ر ـ يا رعاك اهلل ـ هذا الوعي���د ا َّلذي يقرع الآذان‪ ،‬ويه ُّز‬ ‫القلوب‪ ،‬فما بالك ت�شرتي �سخط ال َّر ِّب ب َع َر ٍ�ض من ال ُّدنيا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )10‬انظر‪« :‬التَّمهيد» (‪.)323/12‬‬ ‫(‪ )11‬ذكره املناوي يف «في�ض القدير» (‪.)268/5‬‬ ‫(‪)12‬رواه �أبو داود (‪ )3580‬والرتمذي (‪ )1337‬وقال‪« :‬هذا حديث ح�سن �صحيح»‬ ‫وابن ماجه (‪ ،)2313‬وقال الألباين‪�« :‬صحيح»‪ ،‬انظر «الإرواء» (‪.)2620‬‬ ‫تنبيه‪ :‬و�أ َّما احلديث ا َّلذي انت�شر على �أل�سنة العوام‪« :‬لعن اهلل ال َّرا�شي واملرت�شي‪،‬‬ ‫«ال�سل�سلة َّ‬ ‫ال�ضعيفة» (‪:)1235‬‬ ‫وال َّرائ�ش ا َّلذي مي�شي بينهما»‪ ،‬فقال الألباين يف ِّ‬ ‫«منكر»‪.‬‬ ‫(‪ )13‬قاله املناوي يف «في�ض القدير» (‪.)267/5‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪61‬‬


‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫ومم���ا ورد يف حترمي �أخ���ذ َّ‬ ‫ممن‬ ‫املوظف الهدية َّ‬ ‫َّ‬ ‫لي�س بينه وبني املهدي عادة التَّهادي من قبل؛ حديث‬ ‫ال�ساعدي �أ َّنه‬ ‫ر�س���ول اهلل ‪ Í‬من طريق �أبي حميد َّ‬ ‫قال‪َ « :‬هدَا َيا ال ُع َّمالِ غ ُل ٌ‬ ‫ول»(‪.)14‬‬ ‫َ���ن ْا�س َت ْع َم ْل َن���ا ُه‬ ‫وقول���ه ‪ Í‬يف حدي���ث �آخ���ر‪« :‬م ِ‬ ‫َعلَ���ى َع َم���لٍ َف َر َز ْق َن���ا ُه ِر ْز ًق���ا َف َما َ�أ َخ��� َذ َب ْع َد َذل َ‬ ‫ِ���ك َف ُه َو‬ ‫غ ُل ٌ‬ ‫ول»(‪.)15‬‬ ‫فهذان احلديثان يفيدان �أنَّ ما �أخذه العامل من‬ ‫مال عن طريق الهد َّية؛ فهو غلول‪ ،‬ال يح ُّق له �أخذه‪.‬‬ ‫ال�شوكاين مق��� ِّر ًرا لهذا املعن���ى‪َّ :‬‬ ‫ق���ال َّ‬ ‫«والظاهر‬ ‫�أنَّ الهدايا ا َّلت���ي تهدى للق�ضاة ونحوهم هي نوع من‬ ‫الر�ش���وة؛ لأنَّ املهدي �إذا مل يكن معتادًا للإهداء �إىل‬ ‫القا�ض���ي قب���ل واليته‪ ،‬ال يهدي �إلي���ه �إ َّال لغر�ض‪ ،‬وهو‬ ‫َّو�صل لهد َّيته له �إىل‬ ‫�إ َّم���ا التَّق ِّوي به على باطله‪� ،‬أو الت ُّ‬ ‫ح ِّقه‪ ،‬والك ُّل حرام كما تق َّدم»(‪.)16‬‬ ‫ممن لهم‬ ‫ال�سل���ف يتو َّق���ون الهداي���ا َّ‬ ‫وله���ذا كان َّ‬ ‫عليه���م والي���ة؛ لأجل حرمته���ا‪ ،‬وينفرون عنه���ا �أ�ش ّد‬ ‫م���ا يكون‪ ،‬فهذا الإمام الع���ادل عمر ابن عبد العزيز‬ ‫َّاح���ا‪ ،‬فقال‪ :‬لو كان عندنا �شيء من تفاح؛ ف�إ َّنه ط ِّيب ال ِّريح‪ ،‬ط ِّيب ّ‬ ‫َّاحا‪،‬‬ ‫ا�شته���ى ً‬ ‫الطعم‪ ،‬فقام رجل من �أهل بيته ف�أهدى �إليه تف ً‬ ‫يوم���ا تف ً‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وقل له‪ :‬هد َّيتك قد‬ ‫فل َّم���ا ج���اء ب���ه ال َّر�سول؛ قال عمر بن عبد العزيز‪ :‬ما �أطي���ب ريحه وطعمه‪ ،‬يا غالم! �أرجعه و�أقرئ فال ًن���ا َّ‬ ‫عمك ورجل من �أهل بيتك‪ ،‬وقد بلغك �أنَّ ر�سول اهلل ‪Í‬‬ ‫حتب‪ ،‬قال عمرو بن مهاجر‪ :‬فقلت‪ :‬يا �أمري امل�ؤمنني! ابن ِّ‬ ‫وقعت عندنا بحيث ُّ‬ ‫بي ‪ Í‬هد َّية‪ ،‬وهي لنا اليوم ر�شوة»(‪.)17‬‬ ‫كان ي�أكل الهد َّية وال ي�أكل َّ‬ ‫ال�صدقة! فقال‪� :‬إنَّ الهد َّية كانت لل َّن ِّ‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬و�أ َّنها‬ ‫و� ً‬ ‫أخ�ي�را؛ وبع���د هذا البيان املقت�ضب عن جرمية ال ّر�شوة‪ ،‬و�أ َّنها حم َّرمة بن�صو�ص الكت���اب ُّ‬ ‫وال�س َّنة‪ ،‬بل ويف ال�شرائع َّ‬ ‫جملب���ة للع���ن ولإث���م الك�سب احلرام؛ فعليك ـ �أخ���ي امل�سلم ـ بعدما تبينَّ ل���ك �شناعتها‪ ،‬وظهر لك قبحها؛ �أن ت�ستع�ي�ن باهلل على ق�ضاء‬ ‫ال�سبل املباحة لنيلها‪ ،‬كما �أ َّنه عليك �أن ت�ست�شعر الأمانة و�أنت يف من�صبك‪ ،‬فال تد ِّن�س نف�سك بال ّر�شوة وتخلع عنك‬ ‫حوائجك‪ ،‬وتق�صد ُّ‬ ‫الأمانة؛ لأنَّ الأمانة وال ّر�شوة ال يجتمعان يف ٍّ‬ ‫حمل واحد‪ ،‬كما قال َّ‬ ‫ال�شاعر‪:‬‬ ‫تقحمت لـتـدخـل فـيـه والأم ــانـة فـيـه‬ ‫�إذا ر�شوة من باب بيت َّ‬ ‫تنحى عن جوار �سفيه‬ ‫َ�سعت هر ًبـا مـنـها وو َّلــت ك ـ�أ َّنـها حليم َّ‬ ‫تي�سر يل جمعه وترتيبه‪� ،‬أ�س�أله ـ َّ‬ ‫هم وبحمدك‪� ،‬أ�شهد �أن ال �إله‬ ‫جل وع�ل�ا ـ �أن يجعله ً‬ ‫خال�صا لوجهه الكرمي‪ ،‬و�سبحانك ال َّل َّ‬ ‫ه���ذا م���ا َّ‬ ‫�إ َّال �أنت‪� ،‬أ�ستغفرك و�أتوب �إليك‪.‬‬ ‫(‪� )14‬أخرجه �أحمد (‪ ،)23601‬وقال الألباين �أ َّنه حديث �صحيح‪ ،‬انظر‪« :‬الإرواء» (‪.)246/8‬‬ ‫(‪� )15‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)2943‬وقال الألباين‪�« :‬صحيح»‪ ،‬انظر‪�« :‬صحيح اجلامع» (‪.)6023‬‬ ‫وال�سرقة من الغنيمة قبل الق�سمة‪ ,‬يقال‪ :‬غ َّل يف املغنم يغ ُّل ُغلوال فهو غا ٌّل‪ ,‬وكل من خان يف �شيء خفية فقد غ َّل‪.‬‬ ‫قال ابن الأثري عن معنى الغلول‪« :‬وهو اخليانة يف املغنم َّ‬ ‫و�سميت غلو ًال؛ لأنَّ الأيدي فيها مغلولة؛ �أي ممنوعة جمعول فيها ُغ ّل‪ ,‬وهو احلديدة ا َّلتي جتمع يد الأ�سري �إىل عنقه»‪«[ .‬النهاية يف غريب احلديث والأثر» (�ص‪.])676‬‬ ‫ِّ‬ ‫(‪« )16‬نيل الأوطار» (‪.)628/ 8‬‬ ‫(‪« )17‬التمهيد» (‪.)125/10‬‬

‫‪62‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬


‫واحـة اإلصـالح‬ ‫�إعداد‪� :‬أ�سرة التحرير‬ ‫مناسبة لطيفة‬ ‫درر من كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية‬ ‫أحكام باملعاين ا َّلتي‬ ‫‪� ‬أح ُّق ال َّنا�س باحلقِّ َمن ع َّلق ال َ‬ ‫ع َّل َقها بها َّ‬ ‫ال�شارعُ‪.‬‬ ‫[«جمموع الفتاوى» (‪])331 /22‬‬

‫‪ ‬كم���ا �أنَّ ُنور ال َعني ال َيرى �إلاَّ مع ُظهور ُنو ٍر ُق َّد َامه‪،‬‬ ‫فكذل َ‬ ‫���ك ُنور ال َعق���ل ال َيهت���دي �إلاَّ �إذا ط َل َعت عليه‬ ‫�شم�س ال ِّر�سالة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫[«جمموع الفتاوى» (‪])6 /1‬‬

‫أعظم �أنواع ال َعذاب‪َّ ،‬‬ ‫ولذة ال َّنظر‬ ‫‪‬‬ ‫عذاب ِ‬ ‫ُ‬ ‫احلجاب � ُ‬ ‫�إىل وجهِ ه �أعلى ال َّل َّذات‪.‬‬ ‫[«جمموع الفتاوى» (‪])27 /1‬‬

‫وي كانت‬ ‫‪ ‬وجت��� ُد ال‬ ‫إ�س�ل�ام والإميانَ ك َّلما َظ َه���ر و َق َ‬ ‫َ‬ ‫ال�س َّن���ة و�أه ُلها �أظ َه َر و�أق���وى‪ ،‬و�إنْ ظ َهر �شي ٌء من‬ ‫ُّ‬ ‫بح ْ�سب ذلك‪.‬‬ ‫ال ُكفر وال ِّنفاق ظ َهرت البد ُع َ‬ ‫[«جمموع الفتاوى» (‪])20 /4‬‬

‫‪ ‬فما ال يكونُ باهلل ال يكونُ ‪ ،‬وما ال يكونُ هلل ال ين َف ُع‬ ‫يدوم‪.‬‬ ‫وال ُ‬ ‫[«جمموع الفتاوى» (‪])329 /8‬‬

‫وال�س َّن���ة �أب َعد كانَ �إىل‬ ‫‪ ‬ك ُّل َم���ن كانَ ع���ن التَّوحيد ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ال�شرك واالب ِتداع واالفرتا ِء �أق َرب‪.‬‬ ‫[«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (�ص‪])391‬‬

‫‪ ‬ك ُّل ِذي م َقا َلة َفلاَ ب َّد �أَن تكونَ يف م َقال ِته ُ�ش ْب َه ٌة منَ‬ ‫هت‪.‬‬ ‫راجت وا�ش َت َب ْ‬ ‫احلقِّ ‪ ،‬ول ْولاَ ذ ِلك َلـمـَا َ‬

‫‪ ‬ق���ال احلاف���ظ ابن حجر ‪ :‬يف �شرحه حلديث‬ ‫بي ‪� Í‬أَ َّن ُه َم َّر ِب َق رْ َب ْي ِن ُي َع َّذ َب ِان‪،‬‬ ‫ابن َع َّب ٍ‬ ‫ا�س ‪ È‬عن ال َّن ِّ‬ ‫فقال‪�« :‬إِ َّن ُه َما َل ُي َع َّذ َبانِ وما ُي َع َّذ َبانِ يف َك ِبريٍ؛ �أَ َّما �أَ َحدُهُ َما‬ ‫َف��� َكا َن اَل َي ْ�س َت�ِت�ررِ ُ م���ن ال َب��� ْولِ ‪َ ،‬و�أَ َّم���ا ال َآخ��� ُر َف��� َكا َن يمَ ْ�شِ ي‬ ‫بِال َّنمِ ي َمةِ»‪.‬‬ ‫«�أبدى ُ‬ ‫للجمع بني هاتني اخل�صلتَني منا�سب ًة‪،‬‬ ‫بع�ضهم َ‬ ‫البزخ مقدِّ م ُة ال ِآخ���رة‪ ،‬و�أ َّو ُل ما ُيق�ضى فيه يوم‬ ‫���ي �أنَّ رَ‬ ‫وه َ‬ ‫ال�ص�ل�اة‪ِ ،‬ومن ح ُق���وق ال ِعباد‬ ‫القيام��� ِة م���ن ح ُق���وق اهلل َّ‬ ‫احل���دَ ث وا َ‬ ‫ال�ص�ل�اة التَّط ُّهر ِمن َ‬ ‫خلبث؛‬ ‫الدِّ م���اء؛‬ ‫ُ‬ ‫ومفتاح َّ‬ ‫وال�سعي ب َني ال َّنا�س بال َّنميمة ب َن ْ�شر‬ ‫ِومفتاح الدِّ م���اء ال ِغيبة َّ‬ ‫ال ِفنت ا َّلتي ُي�س َفك ب�س َب ِبها الدِّ ما ُء»‪.‬‬ ‫[«فتح الباري» (‪])472/10‬‬

‫عذر اإلخوان‬

‫‪ ‬قال �أبو قالبة ا ُ‬ ‫جلرمي ‪::‬‬ ‫�إذا بل َغك ع���ن �أخيك �شي ٌء تكرهُ ���ه فال َتمِ �س له ال ُعذ َر‬ ‫نف�سك‪ :‬لع َّل ل ِأخي‬ ‫ُجهدَ ك‪ ،‬ف�إنْ مل تجَ د ل���ه ُعذ ًرا‪ ،‬ف ُقل يف ِ‬ ‫ُعذ ًرا ال �أع َل ُمه‪.‬‬ ‫[«احللية» (‪])285/2‬‬

‫[«جامع ال َّر�سائل وامل�سائل» (‪])401 /2‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫‪63‬‬


‫ردود قصرية‪:‬‬ ‫‪ ‬ال�شكر مو�صول �إىل كل من الأحبة التالية �أ�سما�ؤهم على توا�صلهم‪:‬‬ ‫بلقا�سم حفيف���ة من منطقة حمادي ببومردا����س‪ ،‬و�سليمان م�شري‬ ‫من اجللف���ة‪ ،‬و�أمني طالبي من احلرا�ش‪ ،‬ومو�سى حفيفة من منطقة‬ ‫جمدل بامل�سيلة‪ ،‬ويحيى فا�ضل من مدينة العطاف بوالية عني الدفلى‪.‬‬ ‫‪ ‬الأخ زروق���ي بن عل���ي ـ �س َّدده اهلل ـ نعلم���ه �أنَّ اقرتاحه م�أخوذ بعني‬ ‫االعتبار وبارك اهلل فيه‪.‬‬ ‫‪ ‬الأخ عب���د اهلل املغ�ي�ري م���ن واد �س���وف �أر�س���ل عن طري���ق الربيد‬ ‫الإلك�ت�روين ترجم���ة لل�شيخ عبد املجي���د ح َّبة لك َّنه���ا منقو�صة‪ ،‬فلو‬ ‫َّ‬ ‫يتف�ضل ب�إع���ادة �إر�سالها تا َّم���ة‪ ،‬ومقرون ًة مبعلوم���ات حول �صاحب‬ ‫املقال كما هو م�شروط يف قواعد ال َّن�شر‪.‬‬ ‫‪ ‬ن�شكر الأخ عبد الغني قادري ـ وفقه اهلل ـ من العا�صمة‪ ،‬على غريته على‬ ‫عقيدة التَّوحيد ت� ُّأ�سفه على مظاهر ِّ‬ ‫ال�شرك عند القبور والأ�ضرحة‪،‬‬ ‫ونعلمه �أنَّ طلبه مل نغفل عنه يوما ما‪ ،‬وجزاه اهلل خريا‪.‬‬ ‫‪ ‬كم���ا ي�شكر الأخ يو�سف بلقا�ضي ـ حفظه اهلل ـ على �شكره وعرفانه‪،‬‬ ‫وجزاه اهلل خريا على ما خطته يده‪.‬‬ ‫‪ ‬كم���ا نوج���ه ال�شك���ر اجلميل للأخ حل�س���ن لطر�ش ـ وفق���ه اهلل ـ من‬ ‫منطق���ة عني �أزال بوالية �سطيف‪ ،‬عل���ى مرا�سلته وكلماته اجلميلة‪،‬‬ ‫وبارك اهلل فيه على اقرتاحه‪.‬‬ ‫‪ ‬ون�شك���ر كث�ي�را الأخ املك��� َّرم توفيق مريي ـ ب���ارك اهلل فيه ـ من عني‬ ‫بو�سي���ف باملدية عل���ى كلمت���ه ال َّرقيقة ا َّلت���ي �س َّماه���ا‪ُّ :‬‬ ‫ال�شكر لأهل‬ ‫ُّ‬ ‫ال�شكر‪ ،‬فجزاه اهلل عنا ك َّل خري‪.‬‬ ‫‪ ‬ون�شك���ر الأخ���ت الفا�ضلة فاطمة والب�شري ـ و َّفقه���ا اهلل ـ من مدينة‬ ‫تيارت على عباراتها اللطيفة وكلماتها الرقيقة ون�س�أل اهلل لنا ولها‬ ‫التوفيق وال�سداد‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪64‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون‪ :‬جمادى الأوىل‪/‬جمادى الآخرة ‪1431‬هـ املوافق لـ ماي ‪/‬جوان ‪2010‬م‬

‫نتق���دم بال�شك���ر املوف���ور ل�ل��أخ عب���د العزي���ز‬ ‫ملل���وم ـ وفق���ه اهلل ـ عل���ى �أبياته التي �أثن���ى فيها على‬ ‫املجل���ة ويحثُّ فيها على اقتنائه���ا واال�ستفادة منها‪،‬‬ ‫ومطلعها‪:‬‬ ‫�ش ـعـ ٌر �أنـ ــظ ُمه مبهـارة يف جملة تهدي كمنارة‬ ‫يحوي و�صفا فيه وقائع �أك ـت ـ ُبــه حـ ـ ًّثا لـ ُمط ــا ِلع‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ـ كم���ا ن�شك���ر الأخ الكرمي توفيق ب���ن عي�سى من‬ ‫دائ���رة تاجنانت بوالية ميلة عل���ى حماولته ال�شعرية‬ ‫ال َّثانية جاءت يف (‪ )15‬بيتا حتت عنوان‪ :‬ر�سالة على‬ ‫مفت اجلرائد‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬ ‫َ�سب‬ ‫ال � َ‬ ‫�شم�س وال للدِّ ين تنت ُ‬ ‫أنت ٌ‬ ‫تكت�سب‬ ‫وال ل�شيءٍ من الأخالق‬ ‫ُ‬ ‫وال لعرف ومـعـروف عـرفـتـهـما‬ ‫تلتهب‬ ‫بـل �إ َّنك الـنـار للأعراف ُ‬ ‫أنت الـمد ِّل ُـ�س والإعـالم غايتُك‬ ‫� َ‬ ‫والعلم عندك ما َ‬ ‫الكتب‬ ‫ُ‬ ‫زاغت به ُ‬ ‫�إىل �آخر الأبيات‪ ،‬فبارك اهلل فيه و�س َّدد قلمه‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.