جملة جامعة ت�صدر عن دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
الـمدير
توفيق عمروين رئي�س التحرير
عز الدين رم�ضاين �أع�ضاء التحرير: عمر احلاج م�سعود عثمان عي�سي جنيب جلواح
الت�صميم والإخراج الفني: دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
عنوان املجلة:
دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
حي باحة ( ،)03رقم ( )28الليدو ـ املحمدية ـ اجلزائر
الهاتف والفاك�س:
)021( 51 94 63 التوزيع (جوال))0661( 62 53 08 :
الربيد الإلكرتوين:
darelfadhila@maktoob.com
املوقع على ال�شبكة العنكبوتية: www.rayatalislah.com
ج���اء يف « َّ الطبق���ات الكبري» البن �سعد عن ابن ع َّبا�س � Çأ َّنه قال ل�سعيد بن جب�ي�ر ::حدِّ ث؛ فقال� :أُحدِّ ُث و�أنتَ ها هُ ن���ا؟! قال� :أَ َو لي�س من ِنعمة اهلل َ عليك �أن تتح َّدث و�أنا �شاهدٌ ،ف�إن �أ�صبتَ فذاك ،و�إن �أخط�أتَ ع َّلمتُك. فمِ ���ن نعمة اهلل على َطلبة العلم وال ُّدع���اة �إىل اهلل �أن يكونَ بني ظهرانيهم ال ُعلماء أ�صاب� :أ�صبت و�أح�سنتَ ، ال َّر َّبان ُّيون ا َّلذين ي�ش َهدون على من دو َنهم يف ال ِعلم ،ليقال ملن � َ وملن �أخط�أ� :أخط�أتَ و ُيع َّلم وير ُّد ل َّلتي هي �أقوم ،فالعلماء ُح َّرا�س الدِّين وح َف َظة َّ ال�شريعة، ري وال م�ستن�ص ٌح. جلي�س وال متع ِّل ٌم وال م�ست�ش ٌ وهم القوم ا َّلذين ال ي�ش َقى بهم ٌ وعم�ل�ا بهذا املنهج القومي ك َّنا نحر�ص دائ ًما على �إطال ِع بع�ض �أهل ال ِعلم ال ُّنبالء على ِّ عدد جديدٍ من جم َّلتنا ،ل َنظفر منهم ُمب�شاركة بر�أي �أو ن�صح �أو توجيه �أو مقال، كل ٍ ���ي Íـ ،وكم َ�سعدنا ملَّا جت���اوب معنا هذه امل َّرة ف رَ َ ـ«الب َك��� ُة َم��� َع �أَ َكا ِبر ُك ْم» ـ كما قال ال َّنب ُّ �شيخ���ان جليالن م���ن �أر�ض احلجاز� ،أحدهم���ا �شيخنا َّ ال�شيخ ربيع بن ه���ادي َ املدخلي ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ا َّلذي �أر�سل �إلينا مقالاً مل ي�سبق له و�أن ُن�شر ،وثانيهما �شيخنا َّ ال�شيخ عبد املح�سن بن حمد الع َّباد ال َبدر ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ا َّلذي � َ أر�سل �إلينا كلم ًة يفرح �أمثالنا �ضي ُقد ًُما فيما نحن فيه ـ فجزاه اهلل ع َّنا ك َّل خري و َف�ضل ـ ،وقد مبثلها ،ويح ِّفزنا على املُ ِّ ر�أي َنا �أن ُن�شرك ق َّراءنا الكرام يف ِّ للجميع، االطالع عليها؛ ملا يف ذلك من الفائدة ال ُعظمى َ ف�إليكموها: ح�ضرة الأخ املك َّرم رئي�س حترير جم َّلة الإ�صالح يف اجلزائر. ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته. َّ وبع���د ،تلقَّيت ر�سالتك���م امل�ؤ َّرخ���ة1431/4/5 :هـ ،املرفق بها ن�سخ���ة من العدد التَّا�سع ع�شر من جم َّلة الإ�صالح ،و�إنيِّ لأ�شكركم والقائمني على املج َّلة على اهتمامكم وعنايتك���م بال َّدعوة �إىل اهلل ون�شر املقاالت اجل ِّي���دة املفيدة ،و�أ�س�أل اهلل ـ ع َّز وج َّل ـ �أن وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته. يتولىَّ اجلميع بتوفيقهَّ ، 1431/4/16هـ ـ عبد املح�سن بن حمد العباد البدر كما ال يفوتني �أن �أذ ِّكر ب�شيخ فا�ضل نبيل ك َّنا نتوا�صل معه باملدينة ال َّنبو َّية ،وكان حري�ص���ا على متابعة �أع���داد جم َّلتنا ،وهو َّ ال�شيخ الدُّكتور يو�س���ف ال َّدخيل ا َّلذي وافته ً املن َّية بعد �صدور العدد التَّا�سع ع�شر ،فرحمه اهلل رحم ًة وا�سعة. مدير املجلة
في هذا العدد االفتتاحية :قوم ال ي�شقى بهم جلي�سهم/مدير املجلة1........ الطليعة :بني الأمانة واخليانة/التحرير 4......................
يف رحاب القر�آن :ك�شف الوجه ال�صبيح يف فوائد ق�صة الذبيح /د .عبد املجيد جمعة6..................... من م�شكاة ال�سنة :بيان نكارة ق�صة �سجود معاذ للنبي Í /د .ربيع بن هادي املدخلي 10............ التوحيداخلال�ص :الأ�سباب املعينة على تقوية الإميان بالقدر �/أمني ال�سعدي 12........................ بح���وث ودرا�س���ات :ن�صو�ص عقدية لل�شي���خ عبد احلميد اب���ن بادي����س يف الإمي���ان ب���اهلل ،ومنهجه يف تقرير �أ�سماء اهلل و�صفاته �/أ.د .حممد علي فركو�س 16....................... م�سائل منهجية� :أ�سباب الوقاية من الفنت /عبا�س ولد عمر 23........................ �سرية وتاريخ� :صفة النبي Íيف التوراة /ح�سن �أيت علجت 29.......................... تزكية و�آداب :اخل�شوع ( /)2عبد املالك رم�ضاين 35......... فتاوى �شرعية� :أ .د .حممد علي فركو�س 40..................
التحرير
بني األمانة واخليانة
�أ.د .حممد علي فركو�س نصوص عقدية البن باديس ومنهجه يف تقرير أمساء اهلل وصفاته
ا�ستطالع وحوار :مدر�سة دار احلديث بتلم�سان /عز الدين رم�ضاين 45.................... �أخبار الرتاث :جديد املخطوطات املطبوعة/عمار متالت51...... اللغة والأدب :ق�صيدة /عبد املالك بن مربوك54............
ق�ضايا تربوية :الأطفال يف بيت النبوة ()5 /فريد عزوق 56............................... �ألف���اظ ومفاهي���م يف املي���زان :جرمي���ة الر�ش���وة يف ال�شريعة الإ�سالمية /عبد اهلل بوزنون 60.......................... الفوائد والنوادر :التحرير 63................................. بريد القراء :التحرير64.......................................
�سعر املجلة 150دج
د .ربيع بن هادي املدخلي
بي��ان ضعف ون��كارة قصة س��جود معاذ للنيب Í
العدد السابق
عمار متالت
جديد املخطوطات الـمطبوعة
د.عبد املجيد جمعة
كش��ف الوج��ه الصبي��ح يف فوائ��د قصة الذبيح
قواعد النشر في المجلة � أن تك���ون املو�ضوع���ات مطابق���ة خلط���ة املجل���ة ،وموافقة ملنهجها. � أن يكون املقال مت�س ًما بالأ�صالة واالعتدال. � أن يح��� َّرر املق���ال ب�أ�سلوب يحقق الغر����ض ،ولغة بعيدة عن التكلف والتعقيد. الدقة يف التوثيق والتخريج مع االخت�صار. � أن تك���ون الكتابة على الكمبيوت���ر� ،أو ٍّ بخط وا�ضح مقروء؛ وعلى وجه واحد من الورقة. � أال يزيد املقال على خم�س �صفحات.
عز الدين رم�ضاين
مدرسة دار احلديث بتلمسان كما �أرادها َّ ال�شيخ الب�شري الإبراهيمي
� أن يذكر �صاحب املقال ا�سمه الكامل وعنوانه ورقم هاتفه، ودرجته العلمية �إن وجدت. املقاالت �أو البحوث التي ال تن�شر ال تر ُّد لأ�صحابها.
الطليعة
التحرير ال�صفات ا َّلتي امتاز بها �أهل احلقِّ �إنّ �صفة الأمانة من �أعظم ِّ عن �أهل الباطل ،ذلك لأنَّ املتَّ�صف بها يحتاج �إىل جتريد التَّوحيد رب العاملني ،و�إفرا ِد اال ِّتباع لنب ِّينا حم َّم ٍد الأمني .Í هلل ِّ قال اهلل ﴿ :yﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ
ﯲ﴾ [\{] .والأمانة املعرو�ضة ه���ي �أمانة التَّكاليف، م���ن امتثال الأوامر ،واجتناب ال َّنواهي ،مع ما يتبعها من ثواب وعق���اب ،وهي باملعن���ى الوا�سع ك ُّل ما يحمل���ه الإن�سان ويتح َّمله ً وفع�ل�ا ،وهذا يع ُّم جمي���ع الأمانات م���ن �أمر دينه ودني���اه قو ًال احل�س َّية واملعنو َّية. ف����إذا قام العبد مب���ا حت َّمله و�أ َّداه هلل ح�س���ب طاقته وو�سعه، ونه�ض بالأمان���ة املنوطة بعنقه ،و�أ َّداها عل���ى وجهها ،كان َّ حمل ممن خلق تف�ضي ًال� ،إذ حمل تك���رمي ر ِّبه له ،وتف�ضيله على كث�ي�ر َّ ال�سماوات ـ م���ع جهل���ه وظلم���ه ـ م���ا �أ�شفقت وخافت م���ن حمل���ه َّ والأر�ض واجلبال. و�أ َّول م���ا ت�شم���ل كلم���ة الأمانة� ،أداء ح���قِّ اهلل yيف �إفراده بالعب���ادة ،وع���دم الإ�شراك بهَّ ،ثم �أداء الفرائ����ض ا َّلتي فر�ضها ً عل���ى العب���اد ،وغريه���ا م���ن التَّكالي���ف َّ كام�ل�ا ال�شرعي���ة� ،أدا ًء بي وخال�صا له yغ َري ٍ ً م�شوب برياءٍ وال �سمعة ،مواف ًقا ل�س َّنة ال َّن ِّ امل�صطفى .Í ونب ُّينا Íقد ُعرف ـ يف اجلاهل َّية ـ بني نا�سه و�أهله وع�شريته وقومه بالأمني كما هو معلوم من �سريته العطرة ،فكانوا ي�أمتنونه عل���ى الأموال وغريها ،ل�صدقه ووفائ���ه ،Íوال َّنا�س مييلون �إىل الأم�ي�ن مي ًال طبيع ًّيا فطر ًّي���ا ،ملا جبلت علي���ه ال ُّنفو�س من الوثوق بالأمناء ،واالرتياح لهم ،وهذا عا ٌّم يف الب�شر ك ِّلهم. هلل َ Íقا ُل���وا :ا ْب َعثْ َم َع َنا وملَّ���ا قدم �أَ ْه ُل ا ْل َي َم ِن َع َل���ى َر ُ�س ِول ا ِ 4
َر ُج ً ال�س َّن َة َوا ِلإ ْ�س َال َمَ .ق َالَ :ف�أَ َخ َ ���ذ ِب َي ِد َ�أ ِبي ُع َب ْيدَ َة َف َق َال: �ل�ا ُي َع ِّل ْم َنا ُّ « َه َذا �أَمِ ُ ني هَذِ ِه الأُ َّمةِ» [م�سلم (.])2419 فال َّنا�س م�ؤم ُنهم وكاف ُره���م يت�ش َّوفون �إىل الأمني يف التَّعامل، وذل���ك ملا للأمني من الأثر َّ الط ِّيب �إذا تعامل مع ال َّنا�س �أو دعاهم َّقدير �إىل اله���دى ودي���ن احلقِّ ،وملا ل���ه من الهيب ِة واالح�ت�رام والت ِ عنده���م ،كي���ف َال ،وق���د ا�ست َق َّر يف �أذه���ان العق�ل�اء �أنَّ الأم َني ال ُيخ َّون ،و�أنَّ اخلائن ال ي�ؤمتن. وال�س ََّن َة ،ويدعو �إليهما ،عليه �أن ا�س ال َ فا َّلذي يع ِّل ُم ال َّن َ إ�س�ل�ام ُّ وال�صدع ب���ه� ،أمي ًنا يف دينه يك���ون قو ًّيا بعلمه وثبات���ه على احل ِّق َّ وعقيدت���ه ومنهج���ه ،و�أن تك���ون دعوت���ه �إىل اهلل yعل���ى هدى وب�ص�ي�رة ،قد �سلم���ت نف�سه من عالئق ال ُّدني���ا ،وحظوظ ال َّنف�س، ودواعي الهوى. ذل���ك لأنَّ العلم���اء ورث���ة الأنبي���اء ،والأنبياء وال ُّر�س���ل عليهم وال�س�ل�ام هم �أمن���اء اهلل على دينه و�شرع���ه ،فوجب �أن َّ ال�ص�ل�اة َّ يك���ون ال ُّدعاة �إىل اهلل yهم الأمناء من بعدهم على هذا ِّ احلظ الوافر واملرياث العظيم. ال�سامية يف وله���ذا كان خل���قُ الأمان���ة �أح���دَ �أركان الأخ�ل�اق َّ الإ�س�ل�ام ا َّلت���ي عليها املرتك���زِ ،ومن �أع���زِّ ما يحر����ص املر ُء على اال ِّت�ص���اف بهَّ ،ثم ال ي�ض��� ُّره ـ بعد ذلك ـ ما فاته م���ن ال ُّدنيا ،قال ِيك َف َ يك مَا َفا َت َ ال َعلَ َ نب ُّين���ا �« :Íأَ ْر َب ٌع �إذا ُك���نَّ ف َ ���ك مِ ن الدُّ ْن َيا: حِ ْف���ظ �أَمَا َن���ةٍَ ،و ِ�صدْق َحدِ ي���ثٍ َ ،و ُح ْ�سن َخلِي َقةٍَ ،وعِ َّف���ة يف ُط ْع َمةٍ» [�أحمد (.])177/2 والأمان���ة من الإميان ،كما ق���ال َ « :Íال �إِميَا َن لمِ َ���نْ َال َ�أمَا َن َة َل��� ُه َو َال ِدي َ ���ن لمِ َنْ َال َع ْه َد َلهُ» [�أحمد ( ،)38321وال ميكن �أن تكون رجال �أمناء دون الأمان���ة بغري تقوى هلل ،yولهذا م���ن رام �صن َع ٍ تعويل على التَّقوى ،وت�أ�سي�س عليها ،فقد رام حما ًال من َّ الطلب ،ويف ٍ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
الطليعة
القر�آن الإ�شارة �إىل هذا ،ففي باب املعامالت املال َّية قال اهلل :y ﴿ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ﴾ [^ ]283 :فالتَّقوى هي ���ث مبمتلكاتهم ،وت�ضيي ِع املانعة م���ن بخ�س حقوق الآخرين ،والعب ِ الأمان���ات وال َّته���اون �أوالتَّفري���ط يف حفظها و�أدائه���ا ،لأنَّ امل�ؤمن أحر����ص ال َّنا�س على �أم���وال غريه ،ائتما ًن���ا ً وحفظا و�أدا ًء، ���ي � ُ ال َّتق َّ وكذلك َّ ال�ش�أنُ يف �أعرا����ض امل�سلمني ،فقد جاء يف القر�آن الكرمي ال�سالم: م���ا يد ُّل عليها �أي�ضا ،قال yعلى ل�س���ان مرمي عليها َّ ﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ﴾ [\.]o َّقي ال ينتهك �أعرا�ض امل�سلمني وامل�سلمات ،ف�ض ًال فالـم�ؤمن الت ُّ ع���ن حرمات اجلريان واجل���ارات ،قال َ « :Íال َي ْ�س َت ِقي��� ُم �إِمي ُ َان َع ْبدٍ َح َّتى َي ْ�س َتقِي َم َق ْل ُب ُه َو َال َي ْ�س َتقِي ُم َق ْل ُب ُه َح َّتى َي ْ�س َتقِي َم ل َِ�سا ُن ُه َو َال َيد ُْخ ُل َر ُج ٌل جْ َ ال َّن َة َال َي�أْم َُن َجا ُر ُه َب َوا ِئ َقهُ» [�أحمد (.])13048 َّقي ال ِّ كافر م�ؤمتن �أو معاهَ د، م�سلم� ،أو ِ وامل�ؤمن الت ُّ يلطخ يدَه بدم ٍ إ�سالم دمه �إ َّال بح ِّقه ـ قال َ « :Íوالمْ ُ�ؤْمِ ُن َمنْ �آ َم َن ُه ـ ممن َ ع�صم ال ُ ال َّنا� ُ���س َعلَى ِدمَا ِئ ِه ْم َو�أَ ْم َوا ِلهِ��� ْم» وقال َ « :Íمنْ َق َت َل ُم َعا َهدًا فيِ َغيرْ ِ ُك ْن ِه ِه َح َّر َم ُ اهلل َعلَ ْي ِه ا َ جل َّن َة» [�أبو داود (.])2760 ه���ذا ح���ال امل�ؤم���ن ح ًّق���ا ،ال يخ���اف ال َّنا� ُ���س من���ه غيلة وال بي Íخم�س ًة من �أهل خداع���ا وال خيانة وال �ش��� ًّرا ،وقد ذكر ال َّن ُّ ال َّن���ار منهم «َ ...وا َ خلائ ُِن ا َّل���ذِ ي َال َي ْخ َفى َل ُه َط َم��� ٌع َو�إِ ْن َد َّق �إِ َّال َخا َن��� ُه َو َر ُج ٌ���ل َال ُي ْ�ص ِب��� ُح َو اَل يمُ ْ�سِ ي �إِ َّال َوهُ ��� َو ُي َخا ِدع َُك َعنْ �أَهْ ل َِك َومَال َِك[ »...م�سلم (.])2865 وا َّل���ذي �صارت الأمانة �صف ًة مالزمة له ،تراه ي�ؤدِّيها ولو ل َّلذي خانه ،ال يقابله باملثل لقبح اخليانة ،فهي من �صفات املنافقني ،وهي خديعة يف موطن ائتمان ،ال تليق بحال �أهل الإميان ،قال �« :Íأَ ِّد الأَمَا َن َة �إِلىَ َمنْ ا ْئ َت َم َن َك َو َال َت ُخنْ َمنْ َخا َن َك» [�أبو داود (.])3535 واملواثيق كما عرفت بنو ونق�ض العهو ِد ِ ومل تُعرف �أ َّم ٌة باخليانة ِ أخ�ص �أو�صافهم، �إ�سرائيل ،فينبغي التَّنزُّه عن م�شابهة اليهود يف � ِّ مم���ن يرف���ع ِّ ال�شع���ارت ال َّرباق���ة ويتباكى عل���ى فل�سطني خا�ص���ة َّ َّ احلبيب���ة يف خمتلف اخلرجات الإعالم َّي���ة ،واملنا�سبات ال َّدور َّية؛ لأنَّ دف���ا َع اهلل yعن امل�ؤمنني� ،إنمَّ���ا يكون للقائمني بحقِّ اهلل َّثم بحقوق العب���اد ،املحافظني على الأمان���ات ،امل�ؤدِّين لها ،واملوفني بالعقود والعهود ،فه�ؤالء هم املن�صورون املو َّفقون يف دعوتهم� ،أ َّما
ا َّلذي���ن خانوا اهلل ور�سو َله ،ب�ت�رك ما �أوجبه اهلل عليهم ،و ِف ْعل ما نهاه���م عنه ،فه�ؤالء ال ين�صرهم اهلل وال يهديهم �سبي ًال ،قال اهلل ﴿ :yﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [\ ،]dوقال ﴿ :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾ [ \ ،]rو ق���ال: ﴿ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ﴾ [\.]h ول ُيعل���م �أنَّ خيان���ة الوجيه لي�س���ت كخيانة الو�ضي���ع ،وخيان َة امل�س����ؤول الكب�ي�ر لي�ست كخيانة العامل ال�صغ�ي�ر ،وخيانة العامل لي�س���ت كخيانة اجلاهل ،وظه���و ُر ِّ كل هذا يف الأ َّم���ة �أمارة ف�ساد ال�ساع���ة ودن ِّوها ،قال نب ُّينا وانقالب للموازي���ن ،ينبئ عن قرب َّ ا�س َ�س َن َو ٌات َخدَّاع ٌ َات ُي َ�صد َُّق فِيهَا ا ْل َكاذ ُِب «�س َي ْ�أتِي َعلَى ال َّن ِ َ :Í ���ن فِيهَ���ا الخْ َ ائ ُ ال�ص���اد ُِق َو ُي�ؤْتمَ َ ُ ِ���ن َو ُي َخ��� َّو ُن فِيهَ���ا َو ُي َك��� َّذ ُب فِيهَ���ا َّ الأَمِ ُ �ي�ن َو َي ْنطِ ُق فِيهَ���ا ال ُّر َو ْي ِب َ�ض ُة ،قِي َلَ :ومَ���ا ال ُّر َو ْي ِب َ�ض ُة؟ َقا َل: ال َّر ُج��� ُل ال َّتافِ��� ُه َي َت َك َّل ُم يف �أَ ْم��� ِر ال َعا َّمةِ» [�أحمد ( ،)291/ 2وابن ماجه (.])4042 ال�سا َع َة»َ ،ق َال َك ْي َف وق���ال �« :Íإِ َذا ُ�ض ِّي َعتِ ا َلأمَا َن ُة َفا ْن َتظِ ��� ِر َّ ���ول اللهَّ ِ َق َ ِ�إ َ�ض َاع ُت َه���ا َي���ا َر ُ�س َ ���ال « ِ�إ َذا �أُ ْ�سنِ��� َد الأَ ْم��� ُر ِ�إلىَ َغ�ْيلرِْ �أَهْ ِلهِ، ال�ساعَ��� َة»[ .البخ���اري (� )6496أيُ :ف ِّو�ض احلكم املتع ِّلق َفا ْن َتظِ ��� ِر َّ بالدِّ ي���ن �إىل م���ن لي�س ل���ه ب�أه���ل ،ف�س ِّود و�ش��� ِّرف م���ن ال ي�ستح ُّق ال�سيادة َّ وال�شرف. َّ ومن لطائف تبويب���ات الإمام البخاري :يف «�صحيحه» �أن جعل هذا احلديث يف كتاب العلم� ،إ�شار ًة منه �إىل �أنَّ �إ�سناد الأمر �إىل غري �أهله � مَّإنا يكون عند غلبة اجلهل ،ورفع العلم. وللأمانة �صور كثرية ،كما للخيانة مثل ذلك ،و�إمنا هذا تنويه ب�ش�أنها ،وتذكري ب�أمره���ا ،ل ُيعلم �أنَّ اال�ستخالف الواعد للم�ؤمنني حماب ال�ص���ادق ب���اهلل ،yو�إيثارِهم َّ م���ا هو �إ َّال ثم���رة لإميانهم َّ اهلل ور�سول���ه Íعلى ما تهوى �أنف�سهم ،وما هو �إ َّال ثمرة لعملهم بي املبني على العلم ال َّنافع َّ َّ ال�صحيح ،واملوافق لهدي ال َّن ِّ ال�صال���ح ِّ ال�سلف ال َّرجيح� ،إذ لي�س اال�ستخالف مق�صودًا لذاته، ،Íوقول َّ ب���ل هو و�سيلة لقيام امل�ؤمنني ب�أعظ���م الأمانات وهي :ح ُّق اهلل y على العبيد يف �إفراده بالعبادة والتَّوحيد. واهلل الهادي �إىل َّ الطريق ال َّر�شيد.
5
في رحاب القرآن
كشف الوجه َّ الصبيح يف
فوائد قصة الذبيح د /عبد املجيد جمعة �أ�ستاذ حما�ضر بجامعة الأمري عبد القادر ـ ق�سنطينة
� ّإن اهلل تع���اىل ذك���ر ق�ص����ص �أنبيائ���ه ور�سل���ه ،لن�أخذ منها العربة والعظ���ة ،ون�ستخل�ص منها ال ِّذك���رى واملوعظة ،فقال �سبحان���ه:
﴿ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾
[\ ،]hو�إ َّن
ق�صة �إبراهي���م مع ابن���ه �إ�سماعيل م���ن �أبرز ه���ذه الق�ص����صَّ ، ال�س�ل�ام. عليهم���ا َّ ال�سالم دع���ا قومه �إىل توحيد اهلل وذل���ك �أنَّ �إبراهيم عليه َّ تع���اىل وترك عبادة الأ�صن���ام ،فل َّما مل يت�ستجيبوا ل���ه� ،أراد �أن ���ام ال تنفع وال يقي َ احلج َة ،ويبينِّ َ ل ُه���م �أنَّ هذه الأ�صن َ ���م عليه���م ُّ ت�ض��� ُّر ،بل هي عاجزة عن نفع نف�سها ودفع َّ ال�ضر ِر عنها ،فكيف تنفع من يعبدها؟! فجعلها حطاما. احلج َة ه ُّموا ب�إحراقه بال َّنار ،ف�أجناه اهلل فل َّما �أقام عليهم ُّ تع���اىل منها ،و�أظهره عليهم ،فل َّما ن�صره اهلل تعاىل على قومه، و�أ ِي�س م���ن �إميا ِنهم ،تركه���م وهاجر ِمن َب�ْي نِْ �أظهرهم ،ف�س�أل ر َّب���ه �أن َي َه َبه ولدً ا �صا ً حلاً ، عو�ضا عن قومه ،وي�ؤن�سه يف غربته، فا�ستجاب ُ اهلل دعا َءه ويعي ُن���ه على طاعة ر ِّبه وال َّدعو ِة �إىل دي ِنه. َ َف َر َز َق ُه ولدً ا �صا ً حلا ،ف�أح َّبه وق َّرت عي ُنه ،وتع َّلق قل ُبه بهَّ ،ثم �أمره الق�صة ،وذلك اهلل تعاىل َبذ ِ بحه بيده ،وهنا تتج َّلى احلكم ُة من َّ هلل تعاىل ،ولهذا كان �أنَّ �أَ ْ�ص َل الت ِ َّوحيد بل ل ّبه وروحه هو حم ّب ُة ا ِ ُ أحب هلل احلب يف اهلل ر�أ� َ���س الإميان ُّ والبغ�ض يف اهلل ،وكان من � َّ 6
ا�ستك َم َل الإمي���انَ ,و� ُ و� َ أ�صل أبغ����ض هلل ،و�أعطى هلل ومن���ع هلل ِ فقد ْ املح َّبة التِّي �أم��� َر ُ اهلل بها وخ َلق خل َقه لأَ ْج ِل َها� ،إذ العباد ُة مت ََ�ض ِّم َن ٌة لغاي ِة ا ُ ���ب غاية ُ هلل يج���ب �أنْ تكونَ خال�ص ًة ِ الذ ِّل ,فهذه املح َّب ُة ِ حل ِّ زاحم. يزاح ُمها ُم ِ وحدَ ه ،ال ت�شو ُبها �شائ َب ٌة ،وال ِ إبراهيم يف حم َّب ِته ل���ه �سبحانه ،و�إيثارِها فاب َت َل���ى اهلل تع���اىل � َ وتقد ِميه���ا عل���ى حم َّب ِة اب ِن��� ِه ،ف�أمره َبذ ْب ِح���ه يف حم َّبة اهلل تعاىل، ِ حتَّ���ى يكونَ ُ ���ب �إليه من اب ِن���ه ،ويبل َغ كم َ ���ال املح َّب ِة ومرتب َة اهلل �أح َّ ح�ص َل ْ ا ُ عظيم. املط ُل ُ خل ّلة ،فل َّما َ وب َفدا ُه اهلل ِبذ ْب ٍح ٍ قال الإمام ابن القيم :يف «جالء الأفهام» (�ص:)274 «ولـم���ا ا َّتخ���ذه ر ُّب���ه خلي ًال؛ وا َ خل ّل���ة هي كم���ال املح َّبة ،وهي مرتب���ة ال تَق َب ُل امل�شارك َة واملزاحم َة ،وكان ق���د �س�أل ر َّبه �أن ي َه َب َ ل���ه ولدً ا �صا ً �سماعيل ،ف�أخذ هذا الول ُد �شعب ًة من حلا ،فوهَ ب له �إِ ُ اخلليل على قل���ب خلي ِله �أن يكونَ فيه م���كا ٌن لغ ِريه، ق ْلب���ه ،فغ���ار فامتح َن���ه َبذ ْب ِحه ليظه َر �س ُّر ا َ تقدميه حم ّب َة خلي ِله على خل ّل���ة يف ِ َ ولده ،فل َّم���ا ا�ست�سلم لأم���ر ر ّبه ،وعزم عل���ى فعله ،وظهر حم َّب��� ِة ِ �سلطان ا َ خل َّلة يف الإقدام على ذبح الولد �إيثا ًرا ملح َّبة خليله على حم ّبته ،ن�سخ اهلل ذلك عنه ،وفداه ِّ بالذبح العظيم؛ لأنَّ امل�صلحة يف َّ الذب���ح كان���ت نا�شئ ًة من الع���زم وتوطني ال َّنف����س على ما �أمر به ،فل َّم���ا ح�صلت هذه امل�صلحة ،عاد َّ الذب���ح مف�سدة ،ف ُن�سخ يف ح ِّق���ه ،ف�ص���ارت َّ الذبائح والقرابني من الهداي���ا َّ وال�ضحايا ُ�س َّنة يف اتّباعه �إىل يوم القيامة».
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
فقد ت�ض َّمنت هذه الآيات درر الفوائد وغرر الفرائد ،فاقتن�صت هذه َّ ال�شوارد ،من ت�ضاعيف كتب الأماجد ،لبلوغ مرام املقا�صد، فجمع���ت �أن���واع املوائد ،ـ فوائد عقد َّية� ،أ�صول َّية ،فقه َّية ،علم َّية ،تربو َّية ـ ب�صريح العبارة� ،أو بداللة الإ�شارة ـ وهي من �ألطف ال ّدالالت ـ، مع االعرتاف بالتَّق�صري ،واهلل امل�ستعان ،وعليه التّكالن. الفائ���دة الأوىل :فيه وجوب الهجرة م���ن دار ِّ ال�شرك والكفر �إىل دار التَّوحيد والإميان ،ومن دار املع�صية �إىل دار َّ الطاعة. فق���د هاج���ر �إبراهي���م من بل���د قوم���ه �إىل حي���ث يتم َّكن من عبادة ر ِّب���ه ,وقال كما يف �آ ي���ة �أخرى ﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [ ،]26 :yويلح���ق به���ذا الهجرة م���ن دار البدعة �إىل دار ال�سن���ة ،ق���ال ابن القا�سم� :سمع���ت مالكا يقول :ال يح��� ُّل لأحد �أن ُّ ال�سلف(.)1 يقيم ببلد ُ�س َّب فيها َّ الفائ���دة ال َّثاني���ة :وفيه دليل عل���ى م�شروع َّية الهجرة والفرار من املكان ا َّلذي يكرث فيه الأعداء ،ويخ�شى فيها الإذاية يف الدِّ ين ال�سالم ملَّا �أح� َّ���س العداوة �أو الب���دن ،وذل���ك �أنَّ �إبراهي���م علي���ه َّ ال�شديدة من قومه حيث �أ�ضرموا ال َّنار و�أل َق ْوه فيها ،فل َّما َّ َّ جناه اهلل ال�سالم: تعاىل منها هاج���ر ،وقد قال تعاىل عن نب ِّيه مو�سى عليه َّ ﴿ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﴾ [ ،]21 :vوق���ال �أي�ض���ا ﴿ :ﰈ ﰉ ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ﴾ [\ ،]xوله���ذا بي Íبالهجرة من م َّكة ملَّا ا�شت َّدت �إذاية امل�شركني له. �أمر ال َّن ُّ املهاجر ينبغي �أن تكونَ هجرته هلل، الفائدة ال َّثالثة :وفيه �أنَّ ِ ويكونَ عم ُله له وحده ،لقوله تعاىل﴿ :ﯩﯪﯫﯬ﴾ [،]99 :¢ (�« )1أحكام القر�آن» البن العربي (.)484/1
في رحاب القرآن
قال اهلل تعاىل: ﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [ \. ]¢
نا الأَ ْع َم ُ ���ال ِبِال ِّن َياتِ َو�إِ مَّ َ وي�شه���د لهذا قوله �« :Íإِ مَّ َ نا ِل ُك ِّل ْامرِئٍ هلل َو َر ُ�سو ِل ِه َفه ِْج َر ُت ُه للِهَّ ِ َو َر ُ�سو ِل ِه مَا َن َوى َف َمنْ َكا َنتْ هِ ْج َر ُت ُه �إىلا ِ َو َم���نْ َكا َنتْ هِ ْج َر ُت ُه �إِلىَ ُد ْن َيا ُي ِ�صي ُبهَ���ا �أَ ْو ْام َر�أَ ٍة َي ْنك ُِحهَا َفه ِْج َر ُت ُه َاج َر �إِ َل ْيهِ» متفق عليه. �إِلىَ مَا ه َ الفائ���دة الرابعة :يف قوله تعاىل﴿ :ﯬﯭ﴾ []99 :¢ �إ�شارة �إىل �أق�سام التَّوحيد ال َّثالثة :فقوله﴿ :ﯬ﴾ ،ت�ض َّمن توحيد وال�صفات ،حيث �أق َّر بربوب َّية اهلل تعاىل الربوبية وتوحيد الأ�سماء ِّ علي���ه ،م�ستعم�ل�ا ا�سما من �أ�سمائ���ه تعاىل ،وهو «ال��� َّر ُّب»؛ وقوله: ﴿ ﯭ﴾ ت�ض َّم���ن توحي���د الإله َّي���ة ،حيث دع���ا َ اهلل تعاىل �أن يهد َيه ،وال ُّدعاء هو العبادة. الفائ���دة اخلام�سة :وفيه �س�ؤال اهلل تعاىل ب�أ�سمائه بح�سب ما يقت�ضي���ه املق���ام ،ولهذا مل يقل �إبراهي���م� :إنيِّ ذاهب �إىل اهلل ،بل ق���ال﴿ :ﯫ ﯬ﴾ ،ومل يقل :اللهم هب يل ،بل قال﴿ :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ﴾؛ لأ َّن���ه يف مو�ضع يفتقر في���ه �إىل ال ُّربوب َّية� ،إذ ال َّر ُّب ه���و القائم على هدايت���ه ،املد ِّبر لأم���ره ،ولهذا ال يق���ول ال َّداعي: هم اغفريل وارحمني يا عزيز يا هم ارزقني يا قاب����ض ،وال :ال َّل َّ ال َّل َّ جب���ار ،بل يقول :اللهم ارزقني يا رزاق ،واللهم اغفريل وارحمني يا غفور يا رحيم ونحو ذلك.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
7
في رحاب القرآن 8
الفائ���دة ال�ساد�س���ة :وفيه الت���و ُّدد �إىل اهلل تعاىل واالفتقار �إلي���ه و�إظه���ار احتياج���ه �إلي���ه ،و�س�ؤال���ه الهداي���ة والتوفي���ق، فحاجت���ه �إىل ذل���ك فوق حاجته �إىل طعام���ه و�شرابه بل الهواء ح�صول ِّ َ وال�سالمة ال���ذي يتنفَّ�س���ه؛ لأنَّ ذل���ك يت�ض َّمن كل خ�ي�ر َّ كل �ش��� ٍّر ،ولهذا �أمرنا تع���اىل �أن ن�س�أَله �إ َّياه���ا يف ِّ م���ن ِّ كل ركعة من �صالتن���ا عند قراءة الفاحتة﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾ [\[]. الفائ���دة ال�سابع���ة :وفيه �إخال�ص ال ُّدعاء هلل تعاىل ،لقوله: ﴿ﯯ ﯰ ﯱ﴾. ال�صالح، الفائ���دة الثامن���ة :وفي���ه ا�ستحباب طلب الول���د َّ لأنَّ نعم���ة الول���د تك���ون يف �صالحه ،ف����إنَّ �ص�ل�اح ا لأبناء ُق َّر ُة ع ٍني للآباء. الفائ���دة التا�سع���ة :وفي���ه تف�ضي���ل الذك���ور عل���ى البن���ات، لقول���ه﴿ :ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾َّ ،ثم قال﴿ :ﯵ ﯶ ﯷ﴾، وه���ذه الب�شارة تد ُّل على �أ َّن���ه َّ ذكر ،وقد قال تعاىل: بابن ٍ مب�شر ٍ ﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [_.]36 : الفائ���دة العا�ش���رة :وفيه احلثُّ على ال��� َّزواج ،لأ َّنه الو�سيلة الوحي���دة يف جل���ب الأوالد. الفائ���دة احلادي���ة ع�ش���ر :وفي���ه احل���ثُّ عل���ى م�صاحب���ة ال�صاحل�ي�ن واال�ستعان���ة بهم يف �أمور الدِّ ين وال ُّدنيا وهو �أف�ضل َّ م���ن االعت���زال ،لقول���ه﴿ :ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾. الفائدة ال َّثانية ع�شر :وفيه �إجابة اهلل تعاىل لدعاء �إبراهيم حي���ثق���العقي���ب�س�ؤال���هالول���د﴿:ﯵﯶﯷ﴾. الفائ���دة الثالث���ة ع�ش���ر :وفي���ه ا�ستحباب ب�شارة م���ن ولد له مولود و�إعالمه مبا ي�س ُّره. الفائ���دة الرابع���ة ع�ش���ر :وفي���ه �أنَّ الأوالد نعم���ة م���ن اهلل تعاىل ،وق���د و�صفهم �سبحان���ه بالب�شرى ،فقال﴿ :ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [.]69 :g َ إ�سماعيل ،º الفائ���دة اخلام�س���ة ع�ش���ر :وفيه منقب���ة ل حي���ث و�صف���ه اهلل تع���اىل ب�أ ّن���ه حليم ،كم���ا َ و�صف بذل���ك �أباه �إبراهي���م ºحي���ث ق���ال ﴿ :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [\.]e
الفائ���دة ال�ساد�س���ة ع�ش���ر :وفي���ه من �أعالم نب��� َّوة �إبراهيم ،ºحي���ث ُب ِّ�شر بالولد وو�صف ب�أ َّنه غ�ل�ام حليم ،فت�ض َّمنت ال�صغري ال ه���ذه الب�ش���ارة بقاءه حتى يكرب وي�ص�ي�ر حلي ًما؛ لأنَّ َّ يو�ص���فباحلل���م. ال�سابع���ة ع�شر :وفيه �أ َّنه ينبغ���ي على املرء �أن ِّ يوطئ الفائ���دة َّ بني ي���دي امل�سائ���ل َّ ال�شديدة ،ما يك���ون م�ؤذنا بها حتَّ���ى ي�ست�أن�س به���ا ،لقوله تعاىل﴿ :ﯶﯷ﴾َّ ، فوط����أ �سبحانه بني يدي الأمر الغ�ل�ام �أ ّنه حليم� ،إ�شارة �إىل ح�صول البالء� ،أي بذبحه ،فو�صف َ �أ ّنه �سيبتلى فيحلم. الفائ���دة ال َّثامن���ة ع�ش���ر :وفيه ج���واز ت�سمية املخل���وق ببع�ض �أ�سم���اء اخلالق ،لقوله﴿ :ﯵ ﯶ ﯷ﴾ ،وقوله﴿ :ﭩ ﭪﭫ﴾ ،وم���ن �أ�سمائ���ه �سبحانه «احللي���م» و«العظيم» ،قال تع���اىل﴿ :ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [^ ،]263 :وق���ال �سبحان���ه﴿ :ﯻ ﯼﯽﯾ﴾ [\^]؛ ومثله� :أنّ اهلل ع َّز وج َّل �س َّمى نف�سه العلي���م كم���ا يف قول���ه ﴿ :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾ [\،]b وو�ص���ف بع�ض عب���اده علي ًما كما يف قول���ه تعاىل﴿ :ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [\ ،]±وو�صف نف�س���ه ب�أ َّنه ر�ؤوف رحيم ،قال: ﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [\ ،]lوو�ص���ف نب َّينا Í بذلك فقال﴿ :ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾
[\ ،]eونح���و ذلك كث�ي�ر ،ومعلوم �أنَّ اال�س���م يف حقِّ اخلالق يق�ص���د به �إط�ل�اق الو�صف� ،أ َّم���ا يف حقِّ املخلوق فه���و على �سبيل التَّقيي���د وما ينا�سب و�صف���ه ،فاال�شرتاك يف الأ�سم���اء ال ي�ستلزم التَّ�شبيه ،فلي�س امل�س َّمى كامل�س َّم���ى ،فلي�س احلليم كاحلليم ،ولي�س العظيم كالعظيم ،ولي�س العليم كالعليم وهكذا يف �سائر الأ�سماء، غ�ي�ره ،ومنها ماال واحلا�ص���ل �أنَّ من �أ�سمائ���ه تعاىل ما ي�س َّمى به ُ ي�س َّم���ى به غ�ي�ره كا�س���م «اهلل» و«ال َّرحمن» و«اخلال���ق» و«ال َّرازق» ونحو ذلك. الفائ���دة ال َّتا�سع���ة ع�ش���ر :وفيه ف�ضل احلل���م؛ لأنَّ اهلل تعاىل �أثنى على �إ�سماعيل ،حيث و�صفه به ،وجعل ذلك ب�شارة لإبراهيم ال�سالم. عليهما َّ الفائ���دة الع�ش���رون :فيه بالغة الإيجاز ،لقوله﴿ :ﯹ ﯺ ﯻ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
في رحاب القرآن
ﯼ﴾ لأنَّ الكالم فيه حذف ،تقديره :فوهبنا له الغالم ،فن�ش�أ تعاىل فقال �سبحانه﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾. حتَّى بلغ مبلغ ا َّلذي ي�سعى فيه مع �أبيه يف �أمور دنياه. الفائدة ال َّتا�سعة والع�شرون :وفيه داللة على �أنَّ الأمر للفور، الفائ���دة الواحدة الع�شرون :في���ه ا�ستحباب م�صاحبة الولد وله���ذا ب���ادر �إبراهيم و�إ�سماعيل �إىل امتث���ال �أمر اهلل تعاىل ،فلم ال�سعي والعمل. للوالد يف َّ يق�صرا يف البدار ،ومل يرتاخيا يف االمتثال. ِّ الفائ���دة ال َّثانية والع�ش���رون :وفيه من �أدب �إبراهيم مع ابنه الفائ���دة ال َّثالث���ون :وفي���ه �أنَّ الأمر بالأمر َّ بال�ش���يء �أم ٌر به، �إ�سماعيل ،حيث خاطبه بالبن��� َّوة �إ�ضافة �إىل نف�سه ﴿ ﯾ﴾ على وذل���ك �أنّ اهلل تع���اىل �أم���ر �إبراهيم بذب���ح ابنه ،و�أم���ره �أن ي�أم َر �سبي���ل ّ التعطف َّ وال�شفقة واحلنان ُّ والرتح���م؛ وفيه �أدب �إ�سماعيل اب َن���ه َّ ���اب ب�أمرين� :أمر لإبراهيم بالطاعة واالمتثال ،فتع َّّلق اخلط ُ م���ع �أبي���ه �إبراهيم ،حيث ن���اداه بو�ص���ف الأب َّوة �إ�ضاف���ة الأب �إىل بالتَّنفيذ ،و�أمر لإ�سماعيل َّ بالطاعة ،ويد ُّل عليه قوله تعاىل ﴿ :ﭑ ي���اء املتك ِّل���م املع َّو����ض عنها التَّ���اء ﴿ﰊ﴾ ،على �سبي���ل التَّوقري ﭒ﴾� ،أي ا�ست�سلما وانقادا؛ �إبراهيم امتثل � ْأم َر اهلل ،و�إ�سماعيل والترَّ قي���ق .ويت�ض ّم���ن ه���ذا احلثَّ عل���ى ت����أ ُّدب الأباء م���ع الأبناء طاع���ة اهلل و�أبيه ،و�أما قول �إبراهيم﴿ :ﰅﰆﰇﰈ﴾ ،ف� مَّإنا مبناداتهم بالبن َّوة ،وت�أ ّدب الأبناء مع الآباء مبناداتهم بالأبوة. ال�صرب والعزم على طاعة اهلل تعاىل، �شاوره ليخت َرب ما عنده من َّ الفائ���دة ال َّثالثة والع�شرون :وفيه جواز من���اداة القريب على ولي�أن�س َّ بالذبح وينقاد للأمر به ،واهلل �أعلم. �سبي���ل الت ُّ َّلط���ف والتَّوق�ي�ر ،لقو ل���ه﴿ :ﯽ ﯾ﴾ ،وقو ل���ه: الفائ���دة الواح���دة ال َّثالث���ون :وفي���ه عظ���م مق���ام �إ�سماعيل ﴿ﰊ﴾ . ال�سالم ملَّ���ا �شاوره يف ال�س�ل�ام ،وذل���ك �أنَّ �إبراهي���م علي���ه َّ الفائ���دة الرابعة والع�ش���رون :وفيه دليل على � ر�ؤيا الأنبياء علي���ه َّ أنّ َّ وال�صرب على الأم���ر ليخت�ب�ر ما عنده من العزم على طاع���ة اهللَّ ، َ وح���ي مع�صوم ،قال عبيد بن عم�ي�ر« :ر�ؤيا الأنبياء وحي» ثم قر�أ: �أم���ره ،وتهيئته لتنفيذ ما �أمر به ،بادر �إىل الإذعان واالمتثال دون ﴿ﯿﰀﰁﰂﰃﰄ﴾» رواه البخ���اري ( ,)138وق���د كان ا�ضطراب وال تر ُّدد ،قائال﴿ :ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ال�صادقة يف ال َّنوم فكان ال يرى �أول م���ا بدئ به ر�سول Íال ُّر�ؤيا َّ ﰓ ﰔ﴾. ال�صبح. ر�ؤيا �إ َّال جاءت مثل فلق ُّ الفائ���دة ال َّثانية وال َّثالث���ون :وفيه تعليق الأمور مب�شيئة اهلل، �صحة التَّكليف الفائدة اخلام�سة والع�شرون :وفيه دليل على َّ ِّ امل�شاق ،وتقدميها يف كل قول. بامل�شاق ،وال َّ ِّ ِّ �شك �أنّ الأمر بذبح ِف ْل َذ ِة الك ِب ِد من �أ�شدِّ �أنواع لك َّنه يف و�سع الإن�سان. الفائدة ال َّثالثة وال َّثالثون :وفيه �إثبات امل�شيئة هلل تعاىل. ال�ساد�سة والع�شرون :وفيه ا�ستحباب م�شورة الأبناء الفائ���دة َّ الفائ���دة ال َّرابع���ة وال َّثالثون :وفيه احل���ثُّ على اللُّجوء �إىل من ذوي ال َّر�أي يف الأمور امله َّمة وال َّنوازل املدله َّمة. ال�صعب���ة و�س�ؤا ِل���ه ال َّثباتَ اهلل تع���اىل واال�ستعان��� ِة ب���ه يف الأمور َّ الفائدة َّ ال�ص ِرب. ال�سابعة والع�شرون :وفيه دليل على �أنَّ ل�صيغة الأمر و�إفرا َغ َّ مع���اين �أخرى غري الوجوب ،منها :امل�ش���ورة لقوله تعاىل ﴿ :ﰅ الفائ���دة اخلام�س���ة وال َّثالث���ون :وفيه من توا�ض���ع �إ�سماعيل ﰆ ﰇ ﴾� ،إ�ش���ارة �إىل م�شاورت���ه يف هذا الأم���ر ،وهو قوله: ،ºحي���ث ق���ال﴿ :ﰏﰐﰑﰒﰓﰔ﴾ ،ومل يقل: ﴿ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾. �صاب ًرا ،وقد �صدق فيما وعد ،ولهذا قال اهلل تعاىل يف �آية �أخرى: الفائ���دة ال َّثامن���ة والع�شرون :وفيه داللة على �أنَّ �صيغة الأمر ﴿ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾. للوج���وب ،لقوله ﴿ :ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ﴾ وه���و �أمر ،وقول �إبراهيم ﴿ :ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ ،و�إن كان���ت �صيغته �صيغ���ة اخلرب ،ف�إنَّ يتبع... معناها الأمر �ض���رورة؛ ولهذا �أقبال على الفعل ،وانقادا لأمر اهلل
9
في رحاب السنة
ف ونكارة قصة
بيان ضع
ذ " للنيب Í سجود معا ف�ضيلة ال�شيخ الدكتور ربيع بن هادي املدخلي رئي�س ق�سم ال�سنة باجلامعة الإ�سالمية باملدينة النبوية �سابقا
ع���ن عبد اهلل بن �أب���ي �أوفى قال: ق���دم مع���اذ اليمن ـ �أو ق���الَّ : ال�شام ــ، فر�أى ال َّن�ص���ارى ت�سجد لبطارقتها و�أ�ساقفتهاَ ،ف َر َّو�أ يف نف�سه �أ َّن ر�سول اهلل ُّ � Í أحق �أن ُي َع َّظم. فل َّم���ا ق���دم ق���ال :ي���ا ر�س���ول اهلل! ر�أي���ت ال َّن�صارى ت�سج���د لبطارقتها و�أ�ساقفته���ا ف���ر َّو� ُأت يف نف�س���ي �أ َّن���ك أحق �أن ُت َّ � ُّ عظم. فق���الَ « :ل��� ْو ُك ْن���تُ �آمِ ��� ًرا َ�أ َح���دًا �أَ ْن َي ْ�س ُج َد لأَ َحدٍ لأَ َم ْر ُت امل َ ْر�أَ َة �أَ ْن َت ْ�س ُج َد ِل َز ْوجِ هَا». 10
ي�صح �إ�سناده ���ي ،Íمل َّ حدي���ث معاذ Çيف �سجوده لل َّنب ِّ وال ي�ص ُّح معناه.
�أ َّم���ا م���ن جه���ة معن���اه؛ ف�إ َّنه مل يثبت �أ َّنه ذه���ب �إىل َّ ال�شام يف ���ي ،Íو�إنمَّ���ا ال َّثابت ذهابه �إىل َّ ���ام يف عهد عمر ال�ش ِّ حي���اة ال َّنب ِّ ابن اخلطاب Çومات َّ بالطاعون هناك ،ويف احلديث« :حني بي رجوعه من اليمن» وهو مل يذهب �إىل اليمن �إ َّال يف �آخر حياة ال َّن ِّ ���ي Íوهو باليمن ،حي���ث مل يعد �إ َّال يف خالفة ،Íوم���ات ال َّنب ُّ �أبي بكر .Ç ال�صحابة وفقهائهم الكبار بعيد جدًّا �أن يكون َّثم هو من كبار َّ بهذه ال َّدرجة من اجلهل. ومن جهة املنت ففيه اختالف �سي�أتي بيانه.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
في رحاب السنة
و�أ َّما من جهة الإ�سناد؛ ففيه نكارة ،ومداره على القا�سم ابن انظر« :العلل» البنه ( ،)253/2وكذلك �أع َّله ال َّدار قطني يف «علله» ال�شيباين؛ �ض َّعفه يحيى بن �سعيد َّ عوف َّ القطان و�شعبة ،كما �أ�شار ( 37/6ـ .)38 �إىل ذل���ك َّ القط���ان ،وقال �أبو حامت« :م�ضط���رب احلديث ،وحملُّه و�أع َّل حديث �أبي ظبيان باالختالف يف �إ�سناده َّثم باالنقطاع؛ بي لأنَّ �أب���ا ظبي���ان مل ي�سم���ع من مع���اذ ،انظر: عن���دي ِّ ال�صدق» ،وقال ال َّن�سائ���ي�« :ضعيف» ،حديث معاذ Çيف �سجوده لل َّن ِّ وذكره ابن ح َّب���ان يف «ال ِّثقات» ،وقال َّ ي�صح معناه« .العلل» ( 93/6ـ .)04 الذهبي ،Íمل ي�ص َّح �إ�سناده وال ُّ و�أ َّما التَّ�صريح ب�أنَّ ً يف «الكا�ش���ف»« :خمتل���ف يف حال���ه» ،وق���ال بي ،Í معاذا �سجد لل َّن ِّ احلافظ�« :صدوق يغرب». فرواه ابن ماجة حديث ( ،)1853وابن ح َّبان يف «�صحيحه» حديث ���ي ( )292/7م���ن طرق عن ح َّم���اد بن زيد عن انظ���ر ترجمت���ه يف «تهذي���ب التَّهذي���ب» ( 326/8ـ ،)4171( )327والبيهق ُّ للذهبي ( )376/3القا�س���م َّ و«الكام���ل» البن ع���دي ( ،)37/6و«املي���زان» َّ ال�شيباين عن عبد اهلل ب���ن �أبي �أوفى به ،وفيه �سجد معاذ بي Íاحلديث ،فمدار هذه ُّ الطرق على القا�سم َّ و«الكا�شف» َّ للذهبي و«التَّقريب» للحافظ ابن حجر . ال�شيباين. لل َّن ِّ وق���د روى هذا احلديث �أحمد ( )381/4من طريق �إ�سماعيل وذك���ر ال َّدار قطن���ي يف «علله» ( 37/6ـ )39ل���ه طر ًقا �أخرى منها ما �سبق. اب���ن عل َّية ع���ن �أ ُّيوب ع���ن القا�س���م بن عوف ال�شيباين عن عبد اهلل بن �أبي �أوفى قال :قدم ف�إ َّن���ه مل يثبت �أ َّنه ذهب �إىل َّ َّ ال�شا ِّم يف ومنها عنه عن زيد بن �أرقم عن معاذ. بي ،Íو� مَّإنا ال َّ َّ ذهابه ابت ث ن ال حياة ِّ معاذ اليم���ن �أو قال َّ ومنها عنه عن عبد ال َّرحمن بن �أبي ليلى عن ال�شام ،ف���ر�أى ال َّن�صارى �إىل َّ ال�ش���ام يف عهد عمر بن اخلطاب َ �أبيه عن معاذ. ت�سجد لبطارقته���ا و�أ�ساقفتها ،ف َر َّو�أ يف نف�سه Çوم���ات َّ بالطاع���ون هن���اك. �أنَّ ر�س���ول اهلل � Íأح ُّق �أن ُي َع َّظم ،فل َّما قدم ومنها عن عبد ال َّرحمن بن �أبي ليلى عن �أبيه قال :ي���ا ر�سول اهلل! ر�أيت ال َّن�صارى ت�سجد لبطارقتها و�أ�ساقفتها عن ُ�صهيب عن معاذ. فر َّو�أتُ يف نف�سي �أ َّنك �أح ُّق �أن ت َّ ُعظم فقالَ « :ل ْو ُكنْتُ �آمِ ًرا �أَ َحدًا �أَ ْن َّثم قال« :واال�ضطراب فيه من القا�سم بن عوف». َي ْ�س ُج َد لأَ َحدٍ لأَ َم ْر ُت امل َ ْر�أَ َة �أَ ْن َت ْ�س ُج َد ِل َز ْوجِ هَا». فهذا حال هذا احلديث املن�سوب �إىل معاذ فيه عدَّة علل: ورواه �أحم���د عن وكيع عن الأعم�ش ع���ن �أبي ظبيان عن معاذ اب���ن جبل �أنه مل���ا رجع من اليمن قال :يا ر�س���ول اهلل! ر�أيت رجا ًال الأوىل� :ضعف القا�سم بن عوف َّ ال�شيباين. باليم���ن ي�سج���د بع�ضهم لبع�ض �أف�ل�ا ن�سجد لك؟ قال َ « :ل��� ْو ُكنْتُ ال َّثانية :ا�ضطرابه يف الأ�سانيد. الثالثة :االختالف يف املنت. �آمِ ��� ًرا َب َ�ش��� ًرا َي ْ�س ُج��� ُد ِل َب َ�ش��� ٍر َلأمَ��� ْر ُت املَ��� ْر�أَ َة �أَ ْن ون��ح��ن ن�ستبعد وق����وع م��ث��ل هذا الرابع���ة :االنقطاع يف �إ�سناد �أبي ظبيان بينه َت ْ�س ُج َد ِل َز ْوجِ هَا». ����ي الفقيه م�����ن ه������ذا ال����� َّ����ص����ح����اب ِّ وبني معاذ. ورواه م���ن طري���ق ابن من�ي�ر� ،سمعت �أبا اجل��ل��ي��ل م���ع���اذ ب���ن ج��ب��ل .Ç اخلام�س���ة :االخت�ل�اف عليه ،ونح���ن ن�ستبعد ظبي���ان يح���دِّ ث عن رج���ل م���ن الأن�صار عن حابيالفقيهاجلليلمعاذبنجبل.Ç وقوعمثلهذامنهذا َّ ال�ص ِّ معاذ مبعناه«[ .امل�سند» (.])277/4 �شرعي ف�ض ًال عن عقيدة. وما كان كذلك ال يبنى عليه حكم ٌّ فاحلدي���ث م���ن طري���ق القا�س���م و�أبي ظبي���ان لي����س فيه �أنَّ مع ً ال�سج���ود لل َّر�سول َّثم ���ي Íو� مَّإنا فيه عر�ض ُّ ���اذا �سجد لل َّنب ِّ ر َّد ال َّر�سول ذلك. �أ َّما حديثَ « :ل ْو ُك ْن���تُ �آمِ ًرا �أَ َحدًا َ�أ ْن َي ْ�س ُج َد َلأ َحدٍ � »..إلخ ،فهو ه���ذا م�ضمون ه���ذا احلديث من هذي���ن الوجه�ي�ن ،ومع ذلك حدي���ث ثابت ـ �إن �شاء اهلل ـ مبجم���وع طرقه عن �أبي هريرة و�أن�س فاحلدي���ث من طري���ق القا�سم ق���د �أع َّل���ه �أبو ح���امت باال�ضطراب ،وعائ�شة .راجع «الإرواء» للعالمة الألباين ( 54/7ـ .)55
11
التوحيد الخالص
األسباب املعينة عىل تقوية اإليامن بالقدر �أمني ال�سعدي
مرحلة الدكتوراه باجلامعة الإ�سالمية باملدينة النبوية
�إ َّن �أعظم ما على امل�سلم معرفته هو :توحيد اهلل ،yوفهم عقيدته ا َّلتي يدين اهلل بها؛ وال �سبيل ملعرفة ذلك �إ َّال بكتاب اهلل ،yوما ثبت يف �س َّنة ر�سول اهلل .Í ومن ذلك معرفة الأ�سباب املعينة على ال�س َّتة وهو :الإميان تقوية �أحد �أركان الإميان ِّ بالقدر خريه و�شره؛ ملا ملعرفة هذه الأ�سباب من دور يف زيادة الإميان والقرب من ال َّرحمن ـ ج َّل جالله ـ ،فحريٌّ بامل�سلم �أن يتف َّقد نف�سه ،وينظ َر �إىل منزلة هذا ال ُّركن العظيم عنده؛ لي�سعى يف تقويته وتثبيته.
مما ال َّ �شك فيه �أنَّ الإميان بالقدر من �أ�صول العقيدة الإ�سالم َّية َّ ا َّلت���ي يجب عل���ى امل�سلم الإميان به���ا ،وملا للإميان بذل���ك من �آثار ال�صالح ،ومعرفة وا�ضحة على الفرد واملجتمع؛ كال َّدعوة �إىل العمل َّ العبد قدر نف�سه ،و�أ َّنه �ضعيف فقري �إىل ر ِّبه ،yفال حول له وال ق َّوة �إ َّال باهلل ،وك���ذا الق�ضاء على الأمرا����ض ِّ املتف�شية يف املجتمعات ملن حقَّ���ق هذا ال ُّركن العظيم ،وهو كذلك م���ن �أ�سباب ا�ستقامة امل�سلم بال�صدع بال َّدعوة �إىل اهلل تعاىل، خا�صت���ه ومعاملته مع الآخرين َّ يف َّ وهتك �سرت الكفَّار واملنافقني ،وبيان �ضالل �أهل الأهواء وغري ذلك، ك ُّل ذلك وامل�سلم واثق بر ِّبه yمعتمد عليه يف ن�صره وتوفيقه(.)1 وباب القدر من الأبواب الكبرية ا َّلتي �ض َّل فيها �أقوام عن �سواء ال�سبيل؛ لأ�سباب كثرية يعرفها من َّ اطلع على كتب العقائد والفرق. َّ وم���ن تلك���م الأخطاء يف هذا الباب ما ذك���ره �شيخ الإ�سالم ابن تيمي���ة :حي���ث قال« :وكذلك م���ن غلط فرتك ال ُّدع���اء� ،أو ترك اخلا�صة ،ناظ ًرا �إىل اال�ستعان���ة والتَّو ُّكل ,ظا ًّنا �أنَّ ذلك من مقامات َّ الق���در ،فك ُّل ه�ؤالء جاهلون �ضا ُّل���ون ،وي�شهد لهذا ما رواه م�سلم يف بي � Íأ َّنه قال« :املُ�ؤْمِ ُن ال َقوِيُّ َخيرْ ٌ مِ َن املُ�ؤْمِ ِن «�صحيحه» عن ال َّن ِّ ال�ض ِعي���فِ ويف ٍّ َّ هلل َو َال ِ�ص َعلَى مَ���ا َي ْن َف ُع َكَ ،و ْا�س َتعِنْ بِا ِ كل َخ�ْي�ررْ ا ِْحر ْ ���ك َ�ش ْي ٌء َف َ َت ْعجِ ���زَ ،و�إِ ْن �أَ َ�صا َب َ ال َت ُق ْلَ :ل ْو �أَنيِّ َف َع ْلتُ َكا َن َك َذا و َك َذا لمَ ْ هلل َومَا َ�شا َء َف َع َل؛ َف�إِ َّن َل ْو َت ْف َت ُح َع َم َل ُي ِ�ص ْبنِي َك َذاَ ،و َلكِنْ ُق ْلَ :ق َد ُر ا ِ َّ ال�ش ْي َطانِ »(.)2 ف�أَ َم��� َره باحلر����ص على ما ينفع���ه ،واال�ستعانة ب���اهلل ،ونهاه عن العج���ز ا َّلذي هو اال ِّتكال عل���ى القدرَّ ،ثم �أم���ره �إذا �أ�صابه �شيء �أ َّال يي�أ����س على ما فاته ،بل ينظر �إىل القدر ,وي�س ِّلم الأمر هلل؛ ف�إ َّنه هنا ال يقدر على غري ذل���ك ،كما قال بع�ض العقالء :الأمور �أمران� :أمر ( )1انظر «و�سطية �أهل ال�سنة يف القدر» للدُّكتور عواد بن عبد اهلل املعتق ( 42ـ .)45 (�« )2صحيح م�سلم» (.)2664
12
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
التوحيد الخالص
ال�سم���وات والأر�ض بخم�سني �ألف في���ه حيلة ،و�أم���ر ال حيلة فيه ،فما فيه حيل���ة ال يعجز عنه ،وما ال قد كت���ب املقادير قبل �أن يخلق َّ �سنة ،وكان عر�شه على املاء كما ثبت ذلك يف «�صحيح م�سلم» من حيلة فيه ال يجزع منه»(.)3 أهم َّية معرفة ه���ذا ال ُّركن من �أركان حـديث عبد اهلل بن عمرو .)6(È فانظر �أ ُّيه���ا امل�سلم �إىل � ِّ الإمي���ان؛ و�أنَّ اجلهل مب�سائله �أ ّدى ب�أق���وام �إىل َّ والآيات يف هذا املعن���ى كثرية منها :قوله تعاىل ﴿ :ﮯ ﮰ ﮱ ال�ضالل ـ والعياذ هلل ـ ،ترك قوم الأ�سباب َّ ال�شرع َّية ا َّلتي �أمر اهلل بها ،وز َّين لهم ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ب���ا ِ َّ خا�صة ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [\¸] ،وق���ال﴿ :ﭞ ﭟ ال�شيط���ان �أنَّ ال َّنظ���ر �إىل الق���در يف هذا احلال ه���و مقام َّ ال َّنا����س ،فال �سبيل لل َّنجاة بعد توفي���ق اهلل ـ ج َّل وعال ـ �إ َّال مبعرفة ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ وال�س َّنة على �أيدي العلماء ال َّرا�سخني ،كما يقول ابن الق ّيم ﭰ﴾ [\¿]. الكتاب ُّ يق���ول َّ ال�شي���خ عب���د ال َّرحمن ب���ن �سع���دي :يف تف�سري �آية :يف نون َّيته(:)4 ال�سابق ذكرها« :هذا �شامل لعموم امل�صائب ا َّلتي ت�صيب ـان احلديد َّ واجلهـل داء ق ــاتل و�شـف ــا�ؤه �أمران يف الترَّ كيب متَّفقـ ـ ِ ـ�ص من القر�آن �أو من �س َّن ٍة وطـبي ُـب ذاك العامل ال َّر َّبان اخللق ،من خري و�ش ٍّر ،فكلُّها قد ُكتب يف ال َّلوح املحفوظ� ،صغريها ن ٌّ جل وع�ل�ا ـ ،وعقل معانيه ،وكذا فقه حديث وكبريه���ا ،وهذا �أم���ر عظيم ال حتيط به العق���ول ،بل تذهل عنده فتد ُّب���ر كتاب اهلل ـ َّ ُ ر�س���ول اهلل Íمن الأ�سباب املعينة على تقوية �إميان العبد وتعلُّقه �أفئ���دة �أويل الألب���اب ،ولك َّنه عل���ى اهلل ي�سري ،و�أخ�ب�ر اهلل عباده جل جالله ـ ،كما ق���ال �سبحانه وتعاىل﴿ :ﭲ بذل���ك لأج���ل �أن تتق َّرر ه���ذه القاع���دة عندهم ،ويبن���وا عليها ما بفاط���ره ومالك���ه ـ َّ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ﴾ [\� .]£أ�صابه���م من اخلري َّ وال�ش��� ِّر ،فال ي�أ�سوا ويحزن���وا على ما فاتهم، مما طمحت له �أنف�سهم وت�ش َّوفوا �إليه ،لعلمهم �أنَّ ذلك مكتوب يف َّ ال َّل���وح املحفوظ ،ال ب َّد من نفوذه ووقوعه ،فال �سبيل �إىل دفعه ،وال بطر و�أ�ش���ر ،لعلمهم �أ َّنهم ما �أدركوه فرح ٍ يفرح���وا مبا �آتاهم اهلل َ بحولهم وق َّوتهم ،و�إنمَّ���ا �أدركوه بف�ضل اهلل وم ِّنه ،في�شتغلوا ب�شكر م���ن �أوىل ال ِّنعم ودفع ال ِّنقم ،وله���ذا قال﴿ :ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ﴾� ،أي :متك�ِّبرِرِّ ٍّ فظ غليظ ،معج���ب بنف�سه ،فخور بنعم اهلل ،ين�سبه���ا �إىل نف�سه ،وتطغيه وتلهيه كم���ا قال تبارك وتعاىل: ﴿ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ﴾
[.)7(»]49 :¤ ف����إذا فعل العب���د الأ�سباب متو ِّكال على ر ِّب���ه ـ َّ جل جالله ـ؛ َّثم يت�ضج���ر �أو يت� َّأ�سف؛ لأنَّ ذلك باب مل يق���ع م���ا �أراده و�سعى له فال َّ م���ن �أبواب َّ ال�شيطان يفتحها على العبد ليحزنه ،وميلأ قلبه ندما وح�س���رة ،و� َمََّإنا عليه ال ِّر�ض���ا بق�ضاء اهلل وق���دره ،و ِل َي ُق ْل ما �أمره هلل َومَ���ا َ�ش���ا َء َف َع��� َل»()5؛ لأنَّ اهلل ـ ج َّل وعال ـ ب���ه نب ُّي���ه َ « :Íق َد ُر ا ِ (« )3جمموع الفتاوى» ( 284/8ـ .)285 (« )4الكافية ال�شافية يف االنت�صار للفرقة الناجية» امل�شهورة بنونية ابن القيم (.)189 ( )5جزء من حديث يف «�صحيح م�سلم» تقدم تخريجه.
ومنه���ا :معرفة امل�سلم حال احلي���اة ال ُّدنيا ،و�أ َّنها ال قرار لها، و�أنَّ م�آلها �إىل الفناء؛ فال يتع َّلق قلبه �إ َّال بر ِّبه ـ �سبحانه ـ �سائال �إ َّياه �أن يرزقه احلياة الباقية؛ كما قال تعاىل﴿ :ﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ﴾ [\.]b
(�« )6صحيح م�سلم» (.)2653 (« )7تي�سري الكرمي الرحمن يف تف�سري كالم املنان» ( )842ط/م�ؤ�س�سة الر�سالة.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
13
التوحيد الخالص
ومنه���ا :اليقني ب� َّّأن الفرج م���ع الكرب؛ و�أنَّ العاقبة للم�ؤمنني، دائم���ا لتقوي���ة يقين���ه بر ِّبه تع���اىل ،يقول اب���ن القي���م « ::ف�إنَّ يق���ول اهلل ـ ج َّ ���ل وع�ل�ا ـ﴿ :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ ُّ ال�صدر ،وا�سع البط���ان ،مت�سع القلب ،واجلبان ال�شج���اع من�شرح َّ [\ ]Ýفف���ي هذه الآية الكرمي���ة« :ب�شارة عظيم���ة� ،أ َّنه ك َّلما �أ�ضي���ق ال َّنا�س �ص���د ًرا ،و�أح�صرهم قل ًبا ،ال فرح���ة له وال �سرور، وج���د ع�سر و�صعوبة ،ف�إنَّ الي�سر يقارن���ه وي�صاحبه ،حتَّى لو دخل وال ل َّ ���ذة له وال نعيم �إ َّال من جن�س ما للحيوان البهيمي ،و�أ َّما �سرور ولذتها ،ونعيمها ،وابتهاجه���ا ،فمح َّرم على ِّ �ضب لدخل علي���ه الي�سر ،ف�أخرجه كما قال تعاىل :ال��� ُّروح َّ الع�س��� ُر جح َر ٍّ جبان ،كما كل ٍ ﴿ﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒ﴾ [\ ...]Àوتعريف «الع�سر» هو حم َّرم على ِّ غافل بخيل وعلى ُك ِّل ُم ِعر�ض عن اهلل �سبحانهٍ ، كل ٍ القلب يف الآيت�ي�ن ،يد ُّل على �أ َّنه واحد ،وتنكري «الي�سر» يد ُّل على تكراره ،عن ِذكرهٍ ، جاهل به وب�أ�سمائه تعاىل و�صفاته ،و ِدينه ،متع ِّلق ِ وال�سرور ،ي�صري فلن يغل���ب ع�سر ي�سري���ن ،ويف تعريفه بالألف ك�� َّل��م��ا وج����د ع�����س��ر و���ص��ع��وب��ة ،ف�����إ َّن بغ�ي�ره ,و�إنَّ هذا ال َّنعي���م ُّ ريا�ض���ا وج َّن���ة ،وذل���ك ِّ ال�ضي���قُ وال�ل�ام ،ال َّدالة على اال�ستغ���راق والعموم يد ُّل الي�سر يقارنه وي�صاحبه ،ح َّتى لو يف الق�ب�ر ً ���ب يف القرب عذا ًبا و�سج ًنا, �ضب لدخل عليه واحل�صر ،ينقل ُ ال�صعوبة ما بلغ دخل الع�س ُر جح َر ٍّ على �أنَّ ك َّل ع�سر ـ و�إن بلغ من ُّ الي�سر ،ف���أخ��رج��ه كما ق��ال تعاىل :فح���ال العب���د يف الق�ب�ر كح���ال القل���ب يف ـ ف�إ َّنه يف �آخره التَّي�سري مالزم له»(. )8 ﴿ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ ال�صدر ،نعي ًما وعذا ًب���ا و�سج ًنا وانطال ًقا، وال عرب َة بان�ش���راح �صدر هذا لعار�ض ،وال ِ�ض ت ُ ومنه���ا :ا�شتغال امل�سلم مبا ينفع���ه يف دنياه و�أخراه واحلر�ص ب�ضي���ق �صد ِر ه���ذا لعار�ض ،ف�إنَّ العوار َ ���زول بزوال �أ�سبابها، ال�صفة ا َّلتي قام���ت بالقلب تُوج���ب ان�شراحه عل���ى ذلك مع ا�ستعانته مبواله ـ َّ جل يف عاله ـ ،فقد �أمر اهلل تعاىل و�إنمَّ���ا املع��� َّو ُل عل���ى ِّ اال�س ِت َعا َن ُة وحب�سه ،فهي امليزان واهلل امل�ستعان»(.)11 ب ِ ـ«احل ْر����ص عل���ى امل َنا ِف ِعَ ،و َ�أم َر َم��� َع َذ ِل َك ِبال َّت َو ُّك ِل َوهُ ��� َو ْ فم���ن و ِّف���ق للأخ�ل�اق الفا�ضل���ة؛ َّ وال�سماح���ة، كال�شجاع���ةَّ , ِباللهَّ ِ َ ،ف َمنْ ا ْك َت َف���ى ِب�أَ َح ِد ِه َما َف َق ْد َع َ�صى �أَ َحدَ الأَ ْم َر ْي ِنَ ،و َن َهى َعن «وخ�صو�صا وال�ص�ب�ر ونحوها فقد �أوتي خريا كثريا؛ ف����إنَّ العباد ً َّ ال َع ْج ِز ا َّل ِذي هُ َو ِ�ض ُّد ا ْل َك ْي ِ�س»(.)9 يف �أوق���ات املحن والفنت َّ ال�شدي���دة؛ ف�إ َّنهم يحتاج���ون �إىل �صالح نفو�سهم ،ودفع ال ُّذنوب عن نفو�سهم عند املقت�ضي للفتنة عندهم، ومنه���ا :كرثة ذكر اهلل تعاىل ،والتَّ�ض ُّرع واالفتقار يف ال ُّدعاء ،ويحتاجون � ً أي�ضا �إىل �أمر غريهم ونهيه بح�سب قدرتهم ،وك ٌّل من في�س����أل امل�سل���م ر َّب���ه �أن يج ِّنبه ال�س���وء ،و�أن يحفظه م���ن ُّ ال�صعوبة ما فيه ،و�إن كان ي�س ًريا على من ال�شرور هذين الأمرين فيه من ُّ ي�سره اهلل عليه»(.)12 والآث���ام ،ف�إن �أ�صابه �شيء فعلي���ه �أن ير�ضى مبا ق َّدره ر ُّبه وق�ضاهَّ ، ���ي Íفق���د «كان Íيتع َّوذ م���ن �سوء ف����إنَّ ه���ذا هو هدي ال َّنب ِّ الق�ض���اء ،وم���ن درك َّ ال�شق���اء ،وم���ن �شماتة الأعداء ،وم���ن َجهْدِ ومنها :التَّو ُّكل على اهلل :يقول اهلل تعاىل ﴿ :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ البالء»(.)10 ﮫ ﮬ﴾ [.]À: 3 ومعنى ح�سبه� :أي كافيه ،وح�سبك بكفاية اهلل لعبده؛ يقول ومنه���ا :تقوي���ة ُخل���ق َّ ال�شجاعة لدى امل�ؤم���ن؛ فيظهر ذلك يف َّ ال�شي���خ عبد ال َّرحمن بن �سعدي « ::متى اعتمد القـلب على ُّ مت�سك���ه بدينه ،فال ي�ضعف فيميل م���ع الأهواء ،بل عليه �أن ي�سعى اللـ���ه ،وتو َّكـل عليه ،ولـم ي�ست�سلـم للأوهام ،وال َم َلكتْه اخليـاالت
(« )8تي�سري الكرمي الرحمن يف تف�سري كالم املنان» (.)929 (« )9الفتاوى الكربى» البن تيمية (.)108/1 (�« )10صحيح البخاري» ( )6616و«�صحيح م�سلم» (.)2707
14
(« )11زاد املعاد يف هدي خري العباد» البن القيم (.)26/2 (« )12جمموع الفتاوى» (.)165/28
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
ومنه���ا� :أن يتذ َّك���ر امل�سلم ق�ص�ص املر�سل�ي�ن و�أتباعهم؛ ف�إذا �أ�صابته م�صيبة ـ ال ق َّدر اهلل ـ فقد �أ�صيب مبثلها وال�صاحلون ،ف�إنَّ مطالعة �سريهم و�أحواله���م العظيمة من �أ�سباب م���ن هو خ�ي�ر منه :وهم الأنبياء واملر�سل���ون َّ تقوي���ة الإميان ،وم�صداق ذلك م���ا ذكره اهلل يف كتابه الكرمي خماط ًب���ا نب َّيه ﴿ :Íﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ﴾ [\.]g
التوحيد الخالص
ال�س ِّيئ���ة ،ووث���ق باهلل وطم���ع يف ف�ضله ،اندفعت عن���ه بـذلك الهموم والغمـ���وم ،وزالـت عنـه كثيـر مـ���ن الأ�سـقام البدن َّية َّ وال�سرور ما ال ميكن التَّعبري عنه... والقلب َّية ،وح�صل للقلب من ال ُق َّوة واالن�شراح ُّ قوي القلب ال ت�ؤ ِّثر في���ه الأوهام ،وال تزعجه احلوادث؛ لعلمه �أنَّ ذلك من �ضعف ال َّنف�س ،ومن فاملتـ���و ِّكل عـلى اهلل ُّ اخلور واخلوف الذي ال حقيقة له ،ويعلم مع ذلك �أنَّ اهلل قد تكفَّل ملن تو َّكل عليه بالكفاية التَّا َّمة؛ فيثق باهلل ويطمئنُّ فرحا ،وخوفه �أم ًنا»(.)13 لوعده ،فيزول ه ُّمه وقلقه ،ويتب َّدل ع�سره ي�س ًرا ،وترحه ً
ي�س���ر اهلل و�أعان ،ومن ت�أ َّمل ظهر ل���ه الكثري من الأ�سباب ه���ذا م���ا �أردتُّ كتابته يف هذا املقام مبا َّ تي�سر مراع���اة لالخت�صار ,و�إ َّال اجلليل���ة يف تقوي���ة الإميان بق���در اهلل ـ جل جالله ـ ،و�إنمَّ���ا ذكرت ما َّ ف����إنَّ الإميان بالقدر �ش�أنه عظيم ،وحتقيقه �سب���ب ل�سعادة العبد يف ال ُّدنيا والآخرة ،يقول �إبراهيم احلربي « ::من مل ي�ؤمن بالقدر مل يتهنَّ بعي�شه»( ،)14ف�إن �أ�صبتُ فذلك من ف�ضل اهلل وم َّنته، و�إن �أخط����أت فم ِّني ومن َّ ال�شيطان ،و�أ�ستغفر اهلل من ذلك ،واهلل �أعلم ،و�صلى اهلل و�سلم على نب ِّينا حم َّمد وعلى �آله و�صحبه .
(« )13الو�سائل املفيدة للحياة ال�سعيدة» البن �سعدي (�ص.)26 (« )14قطر الويل على حديث الو ِّ يل» َّ لل�شوكاين (.)369
يقول �إبراهيم احلربي :: «من مل ي�ؤمن بالقدر مل يتهنَّ بعي�شه»
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
15
بحوث ودراسات
نصوص عقدية
َّ لل�شيخ عبد احلميد بن بادي�س ـ رحمه اهلل ـ [ت 1359ﻫ]
يف الإميان باهلل ،ومنهجه يف تقرير �أ�سماء اهلل و�صفاته
()1
�شرح وتعليق: �أ.د .حممد علي فركو�س
�إنَّ الإمي���ان ب���اهلل تعاىل ومعرف َة �أ�سمائه احل�سنى و�صفاته ال ُعليا هو الأ�سا�س ا َّلذي ت ُبن���ى عليه احلياة ال ُّروح َّية ،وحتيى به احلياة َّ الط ِّيبة ،ويبعث باملرء على طلب معايل الأمور و�أ�شرافها ،وين�أى به عن حم ِّقرات الأعمال و�سفا�سفها. وق���د ا�ستقى َّ ال�شيخ عبد احلميد بن بادي�س :مناب��� َع ا�ستدالله من امل�صدر القر�آين ،واتَّخذ و�سيلته للك�شف عن حقيقة املعرفة باهلل تعاىل ،وا َّلتي يرجع م�سلكها �إىل جهتني: الأوىل :خماطب���ة العق���ل و�إيقاظه ،وا�ستعمال وظيفت���ه يف ال َّت�أ ُّمل وال َّنظر والتَّفكري؛ ليدرك به �سنن الك���ون وحقائق الأ�شياء وعلل الوجود ،ليتع َّرف العبد من خالل عقله املت� ِّأمل وتفكريه املع َّمق مظاهر وحدان َّيته وعظمته ،و�أد َّلة ربوب َّيته وقد�س َّيته ،وا�ستحقاقه الإخال�ص املطلق يف دينه وعبود َّيته. وال�صفات ا َّلتي تع َّرف اهلل به���ا �إىل خلقه ،وا َّلتي حت ِّرك فيهم الوجدان وتفت���ح �أمامهم جما ًال وا�س ًعا، وال َّثاني���ة :و�سيل���ة الأ�سم���اء ِّ للتَّع ُّرف على �صفات اجلمال واجلالل ،وعلى �شمول علمه ونفوذ قدرته وتف ُّرده باخللق والإبداع ،وا�ستحقاقه الألوه َّية املطلقة والعبود َّية اخلال�صة. ويتج َّلى من خالل َن َف�س َّ ال�صحيحة ال�شيخ ابن بادي�س :وعنايته بهذه اجلوانب العقد َّية لتعريف جمتمعه بعقيدتهم الإ�سالم َّية َّ وال�س َّنة ،وا َّلتي عليها �أهل بالده َ�س َل ًفا قبل عدول بع�ض اخللف عن نه���ج الفطرة �إىل مدار�س عقد َّية خمتلفة ،انت�شرت ال َّثابت���ة بالكت���اب ُّ ال�سيا�س َّية واحلروب عرب تاريخ اجلزائر ،مزَّقت َّ وو�سعت اله َّوة بني الأُ َّمة الواحدة، عل���ى �إث���ر اخلالفات ِّ وال�صراعات ِّ ال�شمل والتَّالحمَّ ، كم���ا ظه���ر َن َف�س َّ ال�شي���خ ابن بادي�س :من جهة �أخرى يف �إعداد الع َّدة الإميان َّية ملواجهة ال َّت َّي���ارات الإحلاد َّية ا َّلتي كانت يف ع�صره �أو ممن ت�أ َّثروا ب�شبههم َّ ال�ضا َّلة املتواردة على وحدان َّية اهلل ووجوه كماله. َّ وق���د ر�أيت من املفيد �أن �أتناول عقي���دة الإميان باهلل ومنهج َّ وال�صفات من ال�شيخ عبد احلميد بن بادي�س :يف تقرير الأ�سماء ِّ خ�ل�ال كتابه «العقائ���د الإ�سالم َّية من الآي���ات القر�آن َّية والأحاديث ال َّنبو َّي���ة» ،ف�أتع َّر�ض لهذا اجلانب العق���دي َّ بال�شرح والتَّعليق على إمتاما للفائدة العلم َّية وتعمي ًما للخري. بع�ض امل�سائل ا َّلتي تدعو احلاجة فيها �إىل البيان؛ � ً
ن�ص امل�ص ِّنف :مقدَّم ٍّ ال�شرح والتَّعليق ،ال َّلذين رمزت لهما بحريف�[ :ش .ت] بعد ِّ بخط غليظ متم ِّيز عن َّ كل عبارة حتتاج �إىل بيان و�إي�ضاح �أو تعليق. ( )1تنبيهُّ :
16
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
خلامِ ُ�س َوال َّث َ ال ُثو َن:هُ َوامل َ ْو ُجو ُدا َ «ا َ حل ُّق ِل َذا ِتهِ ،ا َّلذِي َال َي ْق َب ُل ُو ُجو ُد ُه ال َع َد َم». [����ش.ت] :وامل���راد ب���ـ «املوج���ود احلقّ لذات���ه» هو :واج���ب الوج���ود بنف�سه� ،أي: املوج���ود ا َّلذي مل ي�سبق وج���ودَه عد ٌم ،ال خارج ،وال لع َّل ٍة خارجة. من ٍ �سبب ٍ وعبارة «واجب الوجود لذاته» �أحدثها الفال�سفة واملتك ِّلم���ون ،وهي ال تُعرف يف كالم َّ ال�سلف ،لكن ال�ش���ارع ،وال يف كالم َّ املعن���ى ثاب���تٌ يف كالم َّ ال�ش���ارع ،وجمم ٌع علي���ه ،وه���و قول���ه تع���اىل﴿ :ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [¸ ،]3 :وقول���ه �« :Íأَنْتَ الأَ َّو ُل َفلَ ْي� َ���س َق ْبلَ َ ���ك َ�ش ْيءٌَ ،و َ�أ ْن���تَ الآخِ ُر َفلَ ْي َ�س َب ْعد ََك َ�ش ْ���يءٌ»( ،)2وملزيد بيان هذه نف�صل وجهها على ال َّنحو التَّايل: العبارة ِّ �أنَّ املوجود: ـ �إ َّما �أن يج���ب وجوده لذاته ،وهو اهلل ـ� سبحان���ه وتع���اىل ـ فه���و املوج���ود الأ َّول الأز ُّ الغني ع َّما �سواه. يل اخلال ُّق ُّ ـ و�إ َّم���ا �أن ميتن���ع وج���وده لذات���ه ،وهو املح���ال املمتن���ع الوج���ود ،كاجلم���ع ب�ي�ن كال�س���واد والبيا����ض يف حم ٍّ ِّ ���ل ال�ض َّدي���ن َّ واح ٍ���د� ،أو ب�ي�ن ال َّنقي�ضني كك���ون َّ ال�شيء واحد. معدوما موجودًا يف � ٍآن ٍ ً ـ و�إ َّم���ا �أن يك���ون لذاته جائ���ز الوجود والعدم ،و ُي�س َّمى :ممك ًنا ،كالعامل و�سائر (�)2أخرجهم�سلم()2713منحديث�أبيهريرة.Ç
و�إذا اتَّفق الواجب واملمكن يف م�س َّمى الوجود والعلم والق���درة ،فهذا امل�شرتك ���ي يوج���د يف الأذه���ان ال يف ُمطل���ق كل ٌّ خمت�ص ال الأعيان ،واملوجود يف الأعيان ٌّ ا�شرتاك فيه ،ويف تقرير هذا املعنى يقول ن�ص���ه« :و�أ َّما املعنى اب���ن تيم َّية :م���ا ُّ الكلي الع���ا ُّم امل�شرتك فيه ,ف���ذاك ـ كما ُّ ذكرنا ـ ال يوج���د كل ًّيا �إ َّال يف ِّ الذهن ،و�إذا كان املتَّ�صف���ان به بينهما نو ٌع من موافقة وم�شاركة وم�شابهة من هذا الوجه فذاك ال حمذور في���ه ،ف�إ َّنه ما يلزم ذلك القدر امل�شرتك من وجوب وج���واز وامتناع ف�إنَّ اهلل ُمتَّ�ص���ف به ،فاملوج���ود من حيث هو ���ي ،مهما قيل: موج���ود �أو العلي���م �أو احل ُّ �إ َّن���ه يلزمه من وج���وب وامتن���اع وجواز؛ فاهلل مو�صوف به ،بخالف وجود املخلوق وحيات���ه وعلم���ه ،ف����إنَّ اهلل ال يو�صف مبا يخت����ص ب���ه املخل���وق من وج���وب وجواز ُّ
بحوث ودراسات
يقول َّ ال�شيخ عبد احلميد بن بادي�س :يف الإمي���ان باهلل ـ �سبحانه وتعاىل ـ ن�صه: ما ُّ
�أجزائه ،وغري الواجب بنف�سه وهو املمكن اجلائ���ز ال يك���ون �إ َّال بالواج���ب بنف�س���ه، فاملخل���وق ال يكون �إ َّال بخال���ق ،والفقري ال يك���ون �إ َّال بغن���ي عنهَّ ، فال�ش���يء ـ �إذن ـ �إن ���ب م�ؤ ِّث���ر فيه افتق���ر يف وج���وده �إىل �سب ٍ خارج عن ذات���ه فهو املمكن اجلائز ،و�إن مل يفتقر فهو الواجب وهو موجود لذاته، �أي :دائم البقاء ما دامت ذاته موجودة، بخالف م���ا ع َّلة وج���وده �أمر خ���ارج عن ذاته؛ ف�إ َّنه يزول بزوال ع َّلته. يخت�ص ال�ساب���ق � مَّإنا ُّ وه���ذا التَّق�سيم َّ بالواج���ب والـممك���ن؛ لأنَّ الـممتن���ع ال وجود له.
وا�ستحال���ة ،كم���ا �أنَّ املخل���وق ال يو�ص���ف يخت����ص به ال َّر ُّب م���ن وجوب وجواز مبا ُّ وا�ستحالة»(.)3 وقال ابن �أبي العزِّ احلنفي « ::فلو متاث�ل�ا لل���زم �أن يك���ون ك ٌّل منهما واجب الق���دم لي����س بواج���ب الق���دم ،موج���ودًا بنف�س���ه غري موجود بنف�س���ه ،خال ًقا لي�س بخالق ،غن ًّي���ا غري غني ،فيل���زم اجتماع ِّ ال�ض َّدين على تقدي���ر متاثلهما ،فعلم �أنَّ نتف ب�صري���ح العقل ،كما هو متاثلهم���ا ُم ٍ منتف بن�صو�ص َّ ال�شرع»(.)4 ٍ قل���ت :ومن ه���ذه ال ُّن�صو����ص ال َّنافية للتَّمثي���ل والتَّ�شبي���ه قوله تع���اىل﴿ :ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [\§] ،وقول���ه تع���اىل﴿ :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [\ ،]ïوقول���ه تع���اىل: ﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [\^]، وقوله تع���اىل﴿ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [\ ،]oو�سي�أت���ي ذل���ك م���ن كالم امل�ص ِّنف. مي ا َّلذِي َال بدَا َي َة ِل ُو ُجو ِدهِ». « َف ُه َو ال َقدِ ُ [�ش.ت] :يالحظ �أنَّ امل�ص ِّنف مل يورد لف���ظ «القدمي» على �أ َّنه ا�س���م ِمنْ �أ�سماء اهلل تعاىل ،و�إنمَّ���ا ذكره من باب اخلرب، مبعنى �أ َّنه متقدِّ م على ِّ كل ما �سواه ،وباب ال�صفات التَّوقيف َّية الإخبار �أو�سع من باب ِّ ـ كم���ا �أفاد ذل���ك ابن الق ِّي���م :ـ حيث ق���ال�« :إنَّ ما يدخل يف ب���اب الإخبار عنه مما يدخ���ل يف باب �أ�سمائه تع���اىل �أو�سع َّ ال�س َّنة النبوية» (.)31/8 (« )3منهاج ُّ (�« )4شرح العقيدة َّ الطحاوية» (.)103
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
17
بحوث ودراسات 18
و�صفاته َّ كال�شيء واملوجود والقائم بنف�سه؛ �ب�ر به عنه وال يدخ���ل يف �أ�سمائه ف�إ َّنه ُيخْ ُ احل�سنى و�صفاته العلى»(.)5 قل���ت :ويجوز الإخب���ار بهذه الألفاظ عن���ه وال تدخ���ل يف �أ�سمائ���ه احل�سن���ى و�صفاته العلى ،ولك���ن ي�شرتط يف ال َّلفظ �أن ال يكون معن���اه �س ِّي ًئا ،ومن �أمثلة ذلك لف���ظ« :ال َّ ���ذات» ،ولف���ظ «بائ���ن» فه���ذه معان �صحيحة د َّلت عليها الألفاظ حتمل ٍ ال ُّن�صو�ص ،وهذا ال َّنوع من الألفاظ يجيز ال�س َّن���ة ا�ستعمالها كقولهم�« :إنَّ اهلل �أهل ُّ ا�ست���وى عل���ى العر�ش بذات���ه»� ،أو قولهم: «�إنَّ اهلل ع���ال عل���ى خلقه بائ���ن منهم»، فلفظ���ة «بذات���ه» مراد به���ا �أنَّ اهلل م�ست ٍو على العر�ش حقيق��� ًة ،و�أنَّ اال�ستواء �صفة له ،ولفظ���ة «بائن» يراد به���ا �إثبات العل ِّو حقيقة ،وال َّر ّد على َز ْعم من قال� :إنَّ اهلل يف ِّ كل مكان بذاته. و�أ َّم���ا من جه���ة التَّ�سمي���ة فـ«القدمي» ن�ص من َّ �صحته، مل ي���رد به ٌّ ال�ش���رع على َّ لذل���ك ال ينبغ���ي ع��� ُّده يف �أ�سم���اء اهلل احل�سن���ى لع���دم ثبوت���ه من جه���ة ال َّنقل، ويغن���ي عنه ا�سمه �سبحان���ه« :الأ َّول» كما تق َّدم من الآية واحلديث. قال ابن �أبي الع���زِّ « ::وقد �أدخل املتك ِّلمون يف �أ�سماء اهلل تعاىل «القدمي»، ولي����س ه���و من الأ�سم���اء احل�سن���ى ،ف�إنَّ «الق���دمي» يف لغ���ة الع���رب ا َّلتي ن���زل بها القر�آن ه���و :املتقدِّ م على غ�ي�ره ،ف ُيقال: مي للعتيق ،وهذا حديث للجديد، ه���ذا قد ٌ ومل ي�ستعمل���وا هذا اال�س���م �إ َّال يف املتقدِّ م عل���ى غريه ،ال فيم���ا مل ي�سبقه عدم ،كما
[�ش.ت] :ففيما ذكره امل�ص ِّنف يف هذا اجلانب من عقي���دة الإميان باهلل تقرير ِال ْ�س َم ِي اهلل تعاىل:
(« )5بدائع الفوائد» (.)161
(�« )6شرح العقيدة الطحاوية» ( 114ـ .)115
﴿ﯯﯰﯱﯲ
ق���ال تع���اىل: ﯳ﴾ [\¡] ،و«العرج���ون الق���دمي»: ا َّل���ذي يبق���ى �إىل ح�ي�ن وج���ود العرجون ال َّث���اين ،ف�إذا ُوجد اجلدي���د ،قيل للأ َّول: قدمي ,...و�أ َّما �إدخال «القدمي» يف �أ�سماء اهلل تع���اىل فهو م�شه���ور عند �أك�ث�ر �أهل ال�سلف الكالم ،وق���د �أنكر ذلك كثري من َّ واخللف ،منهم :ابن حزم. وال ريب �أ َّنه �إذا كان م�ستعم ًال يف نف�س التَّق ُّدم ,ف�إنَّ ما تق َّدم على احلوادث ُك ِّلها فهو �أح��� ُّق بالتَّق ُّدم من غريه ،لكن �أ�سماء اهلل تع���اىل ه���ي الأ�سماء احل�سن���ى ا َّلتي تد ُّل على خ�صو�ص ما يمُ دح به ،والتَّق ُّدم يخت�ص بالتَّق ُّدم على ـ يف اللُّغ���ة ـ مطلق ال ُّ احل���وادث ك ِّله���ا ،فال يكون م���ن الأ�سماء احل�سن���ى ،وج���اء َّ ال�شرع با�سم���ه «الأ َّول» وه���و �أح�س���ن من «الق���دمي»؛ لأ َّن���ه ُي�شعر ب�أنَّ ما بعده �آي���ل �إليه ،وتابع له ،بخالف «القدمي» واهلل تعاىل له الأ�سماء احل�سنى ال احل�سنة»(.)6 قل���ت :وامل�ص ِّن���ف :ق���د احت���اط يف عبارت���ه فق َّي���دَ [الق���دمي] ب�أ َّن���ه [ا َّلذي ال بداي���ة لوج���وده] ،فل���و �أطلقها من غري �صحيحا �إ َّال تقييد مل يكن معناه���ا احل ُّق ٍ ً بالزِّ يادة املذكورة. « َوهُ َو ال َباقِي ا َّلذِي َال ِنهَا َي َة ِل ُو ُجو ِدهِ».
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
ـ «الأ َّول» �أي :ا َّل���ذي لي�س قبله �شيء، ال��� َّدا ُّل على �أ َّن���ه املبت ُ ���دئ بالإح�سان من غ�ي�ر و�سيل ٍة م���ن العب���د� ،إذ ك ُّل ما �سواه ح ٌ ���ي ف�ضل ���ادث يجب عل���ى العبد �أن َي ِع َ اهلل عليه ،ويلح���ظ نعمه ا َّلتي ال تحُ �صى �س���واء دين َّية كان���ت �أو دنيو َّي���ة؛ لأنَّ من اهلل الإع���داد ومن���ه الإم���داد ،وف�ضل���ه �ساب���ق عل���ى الو�سائ���ل؛ ولأنَّ اهلل تعاىل ال�سبب وامل�س َّبب. خالق َّ ـ «ا لآخ���ر» �أي :ا َّل���ذي لي����س بع���ده �ش���يء ،ال��� َّدا ُّل عل���ى �أ َّن���ه ه���و الغا ي���ة ا َّلذي تق�صده جمي���ع املخلوقات بال ُّذ ِّل واحلاج���ة واالفتق���ار ،وتف���زع �إلي���ه بت�ألهه���ا ورغبته���ا ورهبته���ا ،وت�صم���د �إلي���ه يف جمي���ع مطالبه���ا ،فيجب على العبد �أن ال يث���ق بالأ�سباب التي تنعدم ال حمالة ،ويبقى ال َّدائم الباقي بعدها ال نهاية لوجوده. واال�سمان َي ُد َّالن على تف ُّرد اهلل تعاىل بالكم���ال املطل���ق والإحاط���ة املطلقة من حيث ال َّزم���ان فه���و «الأ َّول والآخر» ،كما يد ُّل ا�سما َّ «الظاهر والباطن» على تف ُّرده به من حيث املكان. ِل َق ْولِ��� ِه َت َع���الىَ
﴿ :ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ﴾ [\.]j
[����ش.ت] :واال�ستفهام يف الآية للتَّقريع والتَّوبي���خ والإنكارَّ ، والظاهر �أنَّ امل�ص ِّنف :ا�ست َّ ���دل بالآي���ة على معن���ى الوجود احل���قِّ لذات���ه ـ وه���و �أح���د مع���اين الآية ـ ويك���ون معناه���ا� :أيف وج���ود اهلل �ش ٌّ ���ك؟! ال�سليم���ة �شاه���دة ذل���ك لأنَّ الفط���رة َّ
ومعل���و ٌم �أنَّ وجود ال��� َّر ِّب تعاىل �أظه ُر
﴿ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ
ﯸ ﯹ﴾ [\¨] ،ال��� َّد ّال عل���ى توحي���د الإله َّية ب�إف���راد اهلل بجميع �أنواع ال�سالكني» (.)59/1 (« )7مدارج َّ ( )8انظر« :تف�سري ابن كثري» ( ،)524/2و«تف�سري ال�شوكاين» (.)97/3 ( )9يف «تف�سريه» (.)346/9
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾
[\.]£
َو ِل َق ْو ِل ِه َت َع���الىَ
﴿ :ﭣﭤﭥﭦ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
بحوث ودراسات
بوج���وده وجمبول ٌة على الإق���رار به ،غري �أ َّن���ه ق���د يق�ت�رن بالفطرة بع����ض حاالت وال�ش ِّ اال�ضطراب َّ ���ك ،الأمر ا َّلذي يحتاج �إىل نظ���ر يف ال َّدلي���ل املو�صل �إىل وجوده، ومن ُمه َّمة ال ُّر�س���ل �إر�شادهم �إىل طريق ال�سم���وات والأر�ض معرفت���ه ب�أ َّنه فاط���ر َّ ا َّلذي خلقهم���ا و�أن�ش�أهما وابتدعهما من العدم ،فهي �شواهد دا َّل ٌة على عدم َّ ال�ش ِّك يف وجوده �سبحانه ووحدان َّيته. ق���ال اب���ن الق ِّي���م « ::فالعارف���ون �أرب���اب الب�صائ���ر ي�ستد ُّل���ون ب���اهلل على �أفعال���ه و�صنع���ه� ،إذا ا�ست َّ ���دل ال َّنا����س ب�صنع���ه و�أفعال���ه علي���ه ،وال ري���ب �أ َّنهما طريق���ان �صحيح���ان ،ك ٌّل منهم���ا ح���قٌّ، والقر�آن ُم�شتمِ ٌل عليهما. بال�صنعة فكثري ،و�أ َّما ف�أ َّما اال�ستدالل ّ بال�صانع فله �ش�أن ،وهو ا َّلذي اال�ست���دالل َّ �أ�ش���ارت �إلي���ه ال ُّر�س���ل بقوله���م لأُممَ ِ هم: ﴿ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [\� ،]jأي: �أي�ش ُّ ���ك يف اهلل حتَّى يطل���ب �إقامة ال َّدليل عل���ى وج���وده؟ و� ُّأي دلي���ل �أ�ص��� ُّح و�أظهر م���ن ه���ذا املدل���ول؟ فكيف ي�ست���د ُّل على الأظه���ر بالأخفى؟ َّثم ن َّبه���وا على ال َّدليل بقوله���م ﴿ :ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [\.]j تقي الدِّ ين ابن و�سمعت �شيخ الإ�سالم َّ تيمي���ة ـ ق َّد����س ُ روحه ـ يق���ول« :كيف اهلل َ ُيطل���ب ال َّدليل على َمن ه���و دلي ٌل على ُك ِّل �شيءٍ ؟ وكان كث ًريا ما يتم َّثل بهذا البيت: َو َل ْي َ�س َي ِ�ص ُّح يف الأَ ْذهَانِ َ�ش ْي ٌء �إِ َذا ْاح َتا َج ال َّنهَا ُر �إِلىَ َدلِيلِ
للعقول وال ِفطر من وجود ال َّنهار ،ومن مل ير ذلك يف عقله وفطرته فلي َّتهِ ْم ُه َما»(.)7 ه���ذا؛ والآي���ة حتتم���ل معن���ى الإله َّية وتوحي���د العب���ادة ،ويك���ون معناه���ا� :أيف �إله َّيته وتف ُّرده بوج���وب العبادة له ٌّ �شك!! وهو املخ�ت�رع جلميع املوج���ودات واملبدع �سابق ،ف����إنَّ �شواهد له���ا على غري مث ٍ ���ال ٍ احل���دوث واخلل���ق والتَّ�سخ�ي�ر ظاه��� ٌر عليهم���ا ،والإله َّي���ة م�ش���ا ٌر �إليه���ا بلف���ظ اجلالل���ة يف الآي���ة ،وعلي���ه ف�ل�ا ي�ستح ُّق َ �شريك له ،ذلك العب���اد َة �إ َّال هو وح���ده ال بال�صانع، لأنَّ غال���ب الأمم كانت ُم ِق��� َّرة َّ غ�ي�ره من الأولياء ولك���ن كانت تعبد معه َ والو�سائط(.)8 وللآية معن���ى ثالث ذك���ره القرطبي :بقول���ه« :ويحتم���ل وج ًه���ا ثال ًث���ا: �أيف ق���درة اهلل �ش ٌّ ���ك؟ لأ َّنه���م متَّفق���ون عليه���ا وخمتلف���ون فيم���ا عداه���ا ،ي���د ُّل علي���ه قول���ه﴿ :ﯘ ﯙ ﯚ﴾ خالقه���ا وخمرتعه���ا ومن�شئها وموجدها بع���د العدم ،لين ِّبه عل���ى قدرته فال جتوز العبادة �إ َّال له»(.)9 قل���ت :واملعن���ى الأ َّول ا َّل���ذي ذك���ره امل�ص ِّن���ف �أقرب يف املجادلة و�أو�ضح عند املحاجج���ة؛ لأنَّ كث ًريا م���ا يرد يف القر�آن اال�ست���دالل بتوحيد ال ُّربوب َّي���ة ا َّلتي جبلت علي���ه فط���ر العق�ل�اء ،كقول���ه تع���اىل:
العب���ادات ،والإخال����ص ل���ه فيه���ا عل���ى وجه م���ا �شرع���ه اهلل على �أل�سن���ة ر�سله، و ُمعظ���م الآي���ات القر�آن َّية يف ه���ذا ال َّنوع م���ن التَّوحيد ،وه���و حم ُّل دع���و ِة ال ُّر�سل، ومو�ض��� ُع معركتهم م���ع �أُممهم﴿ :ﭵ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﯚﯛ﴾ [\َ ،]iو ِل َق ْولِ��� ِه َت َعالىَ ﴿ :ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﰖﰗ﴾ [\َ ،]pو ِل َق ْو ِل ِه َت َعالىَ : ﴿ﯜﯝﯞﯟ﴾ [\[]. [����ش.ت] :ق���ال اب���ن الق ِّي���م :: «ت�ض َّمن���ت الفاحتة �إثب���ات اخلالق تعاىل وال��� َّر َّد على من جح���ده ب�إثب���ات ربوب َّيته تع���اىل للعامل�ي�ن ،وت�أ َّمل حال الع���امل ُك ِّله علو ِّي���ه و�سفل ِّي���ه بجمي���ع �أجزائ���ه جت���ده �شاه���دً ا ب�إثبات �صانع���ه وفاطره ومليكه، ف�إنكار �صانعه وجحده يف العقول والفطر
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
19
بحوث ودراسات
َمب ْن ِزل���ة �إن���كار العل���م وجح���ده ،ال ف���رق بينهما ،ب���ل داللة اخلالق عل���ى املخلوق، وال�صانع على �أحوال والف َّعال على الفعلَّ ، امل�صن���وع عند العق���ول الزَّك َّي���ة امل�شرقة ال�صحيح���ة �أظهر من العلو َّي���ة ،والفطر َّ العك�س»(.)10
﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
﴿ :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﭶ﴾ [| ﴿ ،]4 :ﯬ ﯭ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
﴿ﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
َو َق ْولِ��� ِه َت َعالىَ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﴾
ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨ
[\َ ،]²و َق ْو ِل ِه َت َعالىَ
﴿ :ﯴﯵ
ﯽ ﯾ﴾ [\¸].
[����ش.ت] :ومعن���ى الآية� :أَ ُخل���ق ه�ؤالء امل�شرك���ون من غري خال���ق وال موجد� ،أم هم ا َّلذين خلقوا �أنف�سهم؟ و�إذا كان ك َال الأمري���ن باط ًال وم�ستحي ًال فتعينَّ �أنَّ اهلل تع���اىل هو ا َّل���ذي خلقهم ،وه���و امل�ستح ُّق �شريك للعبادة وحده املتف ِّرد بها من غ ِري ٍ له وال نظ ٍري ،وال ُت ْب َت َغى العبادة وال ت�صلح �إ َّال له �سبحانه.
(« )10مدارج ال�سالكني» (.)59/1
20
ال�ساد ُِ�س َوال�� َّث َ �لا ُث��و َنَ :وهُ �� َو امل َ ْو ُجو ُد َّ ا َّل��ذِ ي َ�س َب َق ُو ُج��و ُد ُه ُك َّل ُو ُج��ودٍَ ،ف َكا َن َت��� َع���الىَ َو ْح����� َد ُه َو َال � َ���ش ْ���ي َء مَ��� َع���هُُ ،ث َّم َخلَ َق مَا َ�شا َء مِ نْ خَ ْ م ُلو َقا ِتهِِ ،ل َق ْو ِل ِه َت���� َع����الىَ ﴿ :ﯴ ﯵ﴾ [¸،]3 : [\،]u
[ ﴿ ،]59 :uﮠ ﮡ ﮢ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮰ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱ ﭑﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [\¦]. [����ش.ت] :تق��� َّدم م���ن كالم امل�ص ِّنف: «هو املوجود احل��� ُّق لذاته ..القدمي ا َّلذي ال بداية لوجوده» ،ف�أراد امل�ص ِّنف �أن ُيبينِّ �أنَّ ُك َّل م���ا �سوى اهلل �سبحانه فهو حمدَ ث خمل���و ٌق ،كائن بعد �أن مل يك���ن ،ووجوده ال يك���ون �إ َّال مبوج���ده اخلال���ق ا َّل���ذي مل ي�سبق���ه العدم ،و�سبق وج���ودُه ُك َّل وجود، ف���كان ُ اهلل تع���اىل بجميع �صفات���ه العلى وح���ده وال �شيء قب َله وال مع���هُ ،ث َّم �أحدث املخلوق���ات بقدرته وعلم���ه و�أوجدها من
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
الع���دم ،ذل���ك لأنَّ �صفات���ه ـ �سبحان���ه ـ لي�س���ت �شي ًئا غري املو�ص���وف يف اخلارج، و�أ َّم���ا �أفعاله ـ �سبحانه ـ فهي قدمي ُة ال َّنوع حادث���ة الآح���اد ،فه���و املو�ص���وف بكون���ه خال ًق���ا قب���ل �أن ي�ص���در من���ه اخللق بال بداي���ة ،واملو�صوف بكون���ه متك ِّل ًما قبل �أن ي�صدر منه ال���كالم ،و� مَّإنا خل ُقه وكالمه ُمتجدِّ دان ،ف�أ َّول َّية �صفاته �سبحانه ب�أول َّية ذاته قدمي ُة ال َّنوع ،ومالزمة له يف املا�ضي وامل�ستقب���ل ،فهو ب�صفاته �أب���دي ال نهاية ل���ه ،ويد ُّل علي���ه قوله Íلأه���ل اليمن: « َكا َن ُ اهلل َولمَ ْ َي ُك���نْ َ�ش ْ���ي ٌء َق ْبلَ���هُ»(،)11 وقول���ه�« :أَ ْن���تَ الأَ َّو ُل َفلَ ْي َ�س َق ْبلَ َ ���ك َ�ش ْيءٌ، َو�أَنْتَ الآخِ ُر َفلَ ْي َ�س َب ْعد ََك َ�ش ْيءٌ»(.)12 ه���ذا؛ وم���ن �سي���اق كالم امل�ص ِّن���ف ف����إنَّ �إثب���ات ربوب َّي���ة اهلل تع���اىل املح�ضة جلميع املخلوق���ات تقت�ضي مباينته لعامل املخلوق���ات بال َّ ���ذات ،واخلل���ق مباين���ون ل���ه ،كما يقت�ضي عل ّوه عل���ى خلقه ومت ُّيزه وانف�صال���ه عنهم وعدم اختالطه بهم �أو حلوله فيهم وهو قول �سلف الأ َّمة و�أئ َّمتها، ق���ال ابن الق ِّيم « ::فم���ن مل يثبت ر ًّبا مباي ًنا للعامل فما �أثبت ر ًّبا»(.)13 ويرتتَّب على ه���ذا املعتقد �إبطال قول طوائ���ف ِّ املعطلة من اجلهمي���ة واملعتزلة وم���ن وافقه���م م���ن مت� ِّأخ���ري الأ�شاعرة واملاتريدي���ة ا َّلذي���ن ينك���رون املباين���ة باجله���ة ،فبع�ضهم ينف���ي املباينة ويثبت املحايث���ة ،فيقول���ون� :إ َّن���ه بذات���ه يف ِّ كل مكان ،وبع�ضهم ينفي املباينة واملحايثة، (� )11أخرجه البخ���اري ( )7418من حديث عمران اب���نح�ص�ي�ن.Ç ( )12تقدَّم تخريجه قري ًبا. ال�سالكني» (.)61/1 (« )13مدارج َّ
﴿ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ﴾
[\.]m
«ال�سا ِب ُع َوال َّث َ ال ُثو َن: َّ َ���ن ج َميِ��� ِع ِ���ي ِب َذاتِ��� ِه ع ِ َفهُ��� َو ال َغن ُّ ���ي امل ُ ْف َتقِ��� َر ُة ُك ُّلهَ���ا ـ امل َ ْو ُج���ودَاتِ َ ،وهِ َ ا ْب ِتدَا ًء َو َد ْو ًما ـ �إِ َل ْيهِ». (« )14جام���ع الأ�صول والأولي���اء» للكم�شخاتلي (،)296 وانظر« :ف�صو�ص احلكم» البن عربي،90 ،83( : ،)92ق���ال ابن تيمية :يف «جمم���وع الفتاوى» (« :)82/2وله���ذا ي�صلون �إىل مق���ام ال يعتقدون فيه �إيج���اب الواجبات وحترمي املح َّرم���ات ،و� مَّإنا ي���رون الإيج���اب والتَّحرمي للمحجوب�ي�ن عندهم، ا َّلذي���ن مل ي�شه���دوا �أ َّن���ه ه���و حقيقة الك���ون ،ف َمن العابد؟ ومن املعبود؟ ومن الآمر؟ ومن امل�أمور؟».
(« )15طريق الهجرتني» (.)10
بحوث ودرسات
ويقول���ون :ال مباين وال حمايث ،وال داخل العامل وال خارجه ،وال فوقه وال حتته ،وال ع���ن ميينه وال ع���ن ي�س���اره ،وال خلفه وال �أمام���ه ،وال فيه وال بائن عنه ،وال َّ �شك �أنَّ العقول ال تت�ص َّوره حتَّى ُت�صدِّ َق به. كما يرتتَّ���ب على هذا املعتق���د �إبطال زعم االحتاد َّية من �أهل الإحلاد والتَّعطيل، القائلني بوحدة الوجود ،ا َّلذين يعتقدون �أ َّنه لي�س يف الوجود :قدمي خالق ،وحادث خملوق ،و� مَّإنا وجود العامل هو عني وجود اهلل ،وهو حقيقة وج���ود هذا العامل ،فال تباي���ن بني اخلالق واملخل���وق ،فال َّر ُّب هو نف����س العب���د وحقيقته ،واملال���ك هو عني اململ���وك ،وال َّراح���م ه���و ع�ي�ن املرحوم، والعابد ه���و نف�س املعبود ،فالك ُّل من ع ٍني واح���د ٍة ،بل هو العني الواح���دة ،قال ابن عربي احلامتي: الـ َعـ ْب ـ ُد َر ٌّبَ ،والـ َّر ُّب عَـ ْبـ ٌد يَا َل ْيتَ �شِ ْعرِي،م َِنامل ُ َك َّل ُف؟ �إِ ْن ُق ْلتَ َ :ع ْبدٌَ ،ف َذ َ اك َم ِّيتٌ َ َّ ُ ()14 �أَ ْو ُق ْلتَ َ :ر ٌّب� ،أَ َّنى ُيكلف؟
[�ش.ت] :فاهلل �سبحانه وحدَ ه ا َّلذي له وجه ال يعرتيه ال ِغنى التَّام املطلق من ُك ِّل ٍ ْ����ص وال يلحق���ه عيب لكمال���ه �سبحانه َنق ٌ وكم���ال �صفات���ه ،وغناه من ل���وازم ذاته، أمر �أوجب �إذ �أنَّ غناه ثابتٌ ل���ه لذاته ال ل ٍ غناه. واخللق فقري حمت���ا ٌج �إىل ر ِّبه َّ بالذات ال لع َّلة �أوجبت تلك احلاجة ،و ُك ُّل ما يذكر من ِع َّل���ة احلاجة �سواء كان���ت «الإمكان» كما هو عند الفال�سفة �أو «احلدوث» كما هو عند املتك ِّلمني ف�إنَّ الإمكان واحلدوث واالحتي���اج � مَّإنا ه���ي �أد َّلة عل���ى احلاجة واالفتق���ار ال عل���ل له���ا وال �أ�سب���اب ،قال ابن الق ِّي���م « ::وفقر الع���امل �إىل اهلل ذاتي ال يع َّلل فهو فقري بذاته �سبحانه �أم ٌر ٌّ الغني بذاتهَّ ،ثم ي�ستد ُّل ب�إمكانه �إىل ر ِّبه ِّ وحدوثه وغري ذلك م���ن الأد َّلة على هذا الفقر»(.)15 ومن كم���ال غناه وملكه وع���دم نفاده �أنَّ اهلل تع���اىل مل ي َّتخ���ذ �صاحب ًة وال ولدً ا وال �شري��� ًكا يف املل���ك وال ول ًّيا م���ن ال ُّذ ِّل، وخزائن���ه �سبحان���ه ال تنف���د وال تنق����ص بالعطاء ،ول���و �أعطى الأَ َّول�ي�ن والآخرين اجلنِّ والإن����س ما �س�أل���وه جمتمعني م���ن ِ واحد ك ّله���م يف م���كان واحد ،ومت َّن���ى ك ُّل ٍ منه���م �أق�صى ما يتم َّن���اه ،و�س�أل غاية ما يريده ،وا�ستج���اب اهلل للجميع ،ف�أعطى ك ًّال منهم ما �أراد و�س�أل وما بلغت �أمانيه ما نق�ص ذلك من مل���ك اهلل �شي ًئا ،فعن بي Í �أب���ي ذ ٍّر الغف���اري Çعن ال َّن ِّ فيما يرويه عن ر ِّبه عز وجل �أ َّنه قالَ « :يا
عِ َب���ادِي ُك ُّل ُك��� ْم َجائِ��� ٌع �إِ َّال َم���نْ َ�أ ْط َع ْم ُت���هُ، ا�س َت ْط ِع ُم���ونيِ �أُ ْط ِع ْم ُك��� ْمَ ،ي���ا عِ َب���ادِي َف ْ ُك ُّل ُك ْم عَا ٍر ِ�إ َّال َم���نْ َك َ�س ْو ُت ُه َف ْ ا�س َت ْك ُ�سونيِ �أَ ْك ُ�س ُك ْمَ ..يا عِ َبادِي َل ْو َ�أ َّن َ�أ َّو َل ُك ْم َو�آخِ َر ُك ْم َو�إِ ْن َ�س ُك��� ْم َوجِ َّن ُك ْم َقامُوا يف َ�صعِيدٍ َواحِ دٍ َف َ�س َ�أ ُل���وين َف�أَ ْع َط ْيتُ ُك َّل ِ�إ ْن َ�سانٍ م َْ�س َ�أ َل َت ُه ����ص َذل َ م���ا عِ ْن���دِ ي �إِ َّال َك َم���ا مَ���ا َن َق َ ِ���ك مِ َّ ����ص امل ِْخ َي ُ ���ط �إِ َذا �أُدْخِ ��� َل ال َب ْح َر»(،)16 َي ْن ُق ُ وهذا التَّعبري يف اجلمل���ة الأخرية يراد ب���ه «التقريب �إىل الأفهام مبا �شاهدوه، ف�إنَّ البح���ر من �أعظم املرئ َّي���ات عيا ًنا و�أكربها ،والإبرة من �أ�صغر املوجودات، مع �أ َّنه���ا �صقيلة ال يتع َّلق به���ا ماء»(،)17 �إذا انغم�ست يف البحر ،فكانت احلقيقة �أ َّن���ه ال ينق����ص من مل���ك اهلل تعاىل � ّأي �ش���يء ،ويد ُّل علي���ه قول���ه « :Íيمَ ِ ُ ني هلل َم�ل��أَى َال َيغ ُ ِي�ضهَ���ا َن َف َق��� ٌة�َ ،س َّح���ا ُء ا ِ ال َّل ْي َل َوال َّنهَا َر� ،أَ َر�أَ ْي ُت ْم مَا �أَ ْن َف َق ُم ْذ َخلَ َق ال�س َم���وَاتِ َوا َلأ ْر َ �ضَ ،ف ِ�إ َّن��� ُه لمَ ْ َيغ ْ ِ�ض مَا َّ يف يمَ ِي ِنهِ»(.)18 وم���ن كمال غن���اه �أنَّ ملك���ه �سبحانه عل���ى غاية الكمال ال يزيد بطاعة جميع املخلوق�ي�ن ولو كانوا عل���ى �أكمل �صفات ال�ب�ر وال َّتق���وى وال ينق����ص مبع�صيتهم ِّ ول���و كان جمي���ع اخللق ع�ص���اة قلوبهم عل���ى �أفجر رجل منه���م؛ لأنَّ اهلل تعاىل الغني املطلق يف ذاته و�صفاته و�أفعاله: ُّ َ َ َق���ا َل َت َع���الىَ َ :ي���ا عِ َب���ادِيَ :ل��� ْو �أ َّن �أ َّو َل ُك ْم (� )16أخرج���ه م�سل���م ( )2577من حدي���ث �أبي ذر الغفاري .Ç (�« )17شرح م�سلم» للنووي (.)133/16 (� )18أخرجه البخ���اري ( ،)7419وم�سلم ()993 من حديث �أبي هريرة .Ç
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
21
بحوث ودراسات
َو�آخِ َر ُك��� ْم َو ِ�إ ْن َ�س ُك��� ْم َوجِ َّن ُك��� ْم َكا ُن���وا َعلَ���ى �أَ ْت َق���ى َق ْلبِ َر ُجلٍ َواحِ دٍ مِ ْن ُك ْم مَا َزا َد َذل َِك يف ُم ْلكِ���ي َ�ش ْي ًئ���اَ ،يا عِ َب���ادِي َل��� ْو �أَ َّن �أَ َّو َل ُك ْم َو�آخِ َر ُك��� ْم َو ِ�إ ْن َ�س ُك��� ْم َوجِ َّن ُك��� ْم َكا ُن���وا َعلَ���ى �ص �أَ ْف َج��� ِر َق ْل���بِ َر ُجلٍ َواحِ دٍ مِ ْن ُك��� ْم مَا َن َق َ َذل َِك مِ نْ ُم ْلكِي َ�ش ْي ًئا»(.)19 ومن كم���ال غن���اه وف�ضله وج���وده �أنَّ ال َّنا����س ك َّلهم عيال عن���د اهلل ،وهو وحده ���ي ،وه���م مفتق���رون �إلي���ه يف جل���ب الغن ُّ م�صاحله���م ،ودف���ع م�ضا ِّره���م يف �أم���ور دينه���م ودنياه���م ،فه���و ا َّل���ذي ي�أمرهم بدعائ���ه ويعده���م ب�إجاب���ة دعائه���م، ويجزيه���م م���ن ف�ضل���ه ،وي�سعفه���م م���ن رحمت���ه ،وي�ؤتيهم ما �س�أل���وه وطمعوا فيه وم���ا مل ي�س�أل���وا عن���ه ،فج���وده �سبحان���ه على خلقه غ�ي�ر منقطع ،ونعمه متوا�صلة بال َّليل وال َّنهار ،وخريه على اخللق مدرار ومتوا�ص���ل ،وه���و مغن���ي �أه���ل اجل َّنة من ال َّنعي���م وال َّل َّ ���ذات املتوا�صالت واخلريات املتتابع���ات ،وه���و املغن���ي جلمي���ع خلق���ه غ ًن���ى عا ًّم���ا ،واملغني خلوا����ص خلقه مبا �أفا����ض على قلوبهم من املعارف ال َّر َّبان َّية واحلقائق الإميانية. ه���ذا؛ واهلل �سبحان���ه �إذ ي�أم���ر عباده وينهاه���م ال لينتفع بطاعته���م وال ليدفع ّ ال�ض��� َّر مبع�صيته���م ،ب���ل ال َّنف���ع يف ذلك الغني بذاته الغنى املطلق، ك ِّل���ه لهم ،فهو ُّ وخلقه مفتقر �إليه الفق���ر َّ الذاتي ،لذلك وج���ب �أن ت َّتج���ه �إلي���ه القل���وب والعق���ول والأب�صار والأ�سماع باخل�ضوع والعبود َّية احلقَّ���ة ،فمنه ي�ستم ُّد الع���ون وبه التَّوفيق ( )19تق���دم تخريج���ه م���ن حدي���ث �أب���ي ذر الغف���اري .Ç
22
حتقي ًق���ا لقول���ه تع���اىل﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ﴾ [\[]. ِل َق ْولِ��� ِه َت َع���الىَ :
﴿ﮥﮦﮧ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﮰ﴾ [\فاطر]. [����ش .ت] :ق���ال اب���ن الق ِّي���م :: «واملق�صود �أ َّنه �سبحانه �أخرب عن حقيقة العباد وذواتهم ب�أ َّنها فقرية �إليه �سبحانه كما �أخرب ع���ن ذاته املق َّد�س���ة ،وحقيقته غني حميد. �أ َّنه ٌّ فالفق���ر املطل���ق م���ن ِّ كل وج���ه ثابتٌ لذواته���م وحقائقه���م م���ن حي���ث ه���ي، والغن���ى املطلق من ِّ كل وج ٍ���ه ثابتٌ لذاته تعاىل ،وحقيقته من حيث هي ،في�ستحيل فق�ي�را ،وي�ستحيل �أن �أن يكون العب���د �إ َّال ً الرب �سبحان���ه �إ َّال غن ًّي���ا ،كما �أ َّنه يك���ون ُّ ي�ستحي���ل �أن يكون العبد �إ َّال عب���دً ا ال َّر ُّب �إ َّال ر ًّبا»(.)20 ﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾
[\،]a
﴿ﯚ ﯛ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾
[\﴿ ،]fﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾
[\.]b
(« )20طريق الهجرتني» (.)9
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
[�ش .ت] :وقد جاءت �آيات �أخرى يف غ�ير موا�ضع ا�ست�شهاد امل�ص ِّنف تربز ه��ذا املعنى م��ن غنى اهلل تعاىل وفقر ع��ب��اده وحاجتهم �إل��ي��ه ،كقوله تعاىل: ﴿ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯸﯹﯺ ﴾
وقوله تعاىل:
[ ¬،]38 :
﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﮇ﴾
[ \ ،]jو ق��و ل��ه تعاىل:
ﮭ﴾
[ \¿] ،و ق��و ل��ه تعاىل:
﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
﴿ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾
[\ ،]±وق���د ه���� َّدد اهلل تعاىل املق ِّلبني لهذه احلقيقة املعلومة من الدِّ ين َّ بال�ضرورة ا َّلذين �أعظموا الفرية على اهلل بقولهم� :إنَّ اهلل فقري ونحن �أغنياء، فقال تعاىل ﴿ :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦ
ﭧ ﭨ﴾ [\_].
عبا�س ولد عمر �إمام خطيب ـ اجلزائر
���ي � Íأ َّمت���ه مبا يك���ون بعده من �إنَّ �إخب���ار ال َّنب ِّ ���م الأ َّم���ة لوقوعه���ا ،وتنتظر الف�ت�ن ،مل يك���ن لت�ست�سل َ نزولها؛ ولكن املق�ص���ود منه التَّحذير من مالب�ستها، والتَّخويف من التَّع ُّر����ض لها ،واحلثُّ على جمانبتها، والتَّحري�ض على مدافعتها. ع���ن املقداد بن الأ�سود قال :امي اهلل ،لقد �سمعت ال�س ِعي��� َد لمَ َنْ ُج ِّن َب الف نَ َ ِت، ر�س���ول اهلل Íيقول�ِ « :إ َّن َّ ال�سعِي َد لمَ َ���نْ ُج ِّن َب ال�س ِعي��� َد لمَ َ���نْ ُج ِّن َ ���ب ال ِف�َتَنَ َ �ِ ،إ َّن َّ �إِ َّن َّ الف نَ َ ِتَ ،ولمَ َ ِن ا ْب ُتل َِي َف َ�صبرَ َ َف َواهًا»(.)1 قول���ه « :Íفواهً ���ا» كلمة له���ا ا�ستعماالت ،منها الإعج���اب َّ بال�ش���يء واال�ستطاب���ة ل���ه ،ك�أ َّنه ق���ال :ما �أح�س���ن و�أطي���ب َ�ص�ْبمرْ َ َمنْ َ�ص�َبارَ ؛ فامل�ؤم���ن مطالب بال�سع���ي ملجانب���ة الفنت ،لكن �إذا نزل���ت وكانت حت ًما َّ مق َّد ًرا ،فما علي���ه �إ َّال �أن يجاهد وي�صرب حتَّى يرفعها اهلل �سبحانه. وقد ج���اءت ن�صو�ص الوحي دا َّل���ة على جملة من الأ�سباب ،تقي ـ ب�إذن اهلل ـ من � َ أخذ بها من تلك الفنت �إذا نزلت؛ فمنها: ( )1رواه �أبو داود (« ،)4263ال�صحيحة» (.)975
مسائل منهجية
أسباب الوقاية من الفنت
دعاء اهلل ،واال�ستعاذة به ،وال َّت�ض ُّرع له ،وانك�سار القلب بني يديه، رب�ؤ من احلول والق َّوة �إ َّال به: و�إظهار االفتقار �إليه ،وال َّت ُّ ويك���ون ذل���ك ب�س����ؤال اهلل �سبحان���ه تثبيت القل���ب قبل ن���زول الفنت، واخلال����ص منه���ا وال َّنجاة من �ش ِّره���ا �إذا وقعت ع���ن � ِّأم �سلمة قالت :كان �أك�ث�ر دعائ���ه َ « :Íي���ا ُم َق ِّل َب ال ُق ُل���وبِ ! َث ِّب���تْ َق ْل ِب���ي َعلَى دِين َ ِ���ك» .قالت: فقل���ت :يا ر�س���ول اهلل! ما �أكرث دع���اءك :يا مق ِّلب القل���وب ث ِّبت قلبي على دين���ك؟! قالَ « :ي���ا ُ�أ َّم َ�سلَ َم َة! �إِ َّن ُه َل ْي َ�س �آدَمِ ٌّ���ي �إِ َّال َو َق ْل ُب ُه َب�ْيصنْ َ �أُ ْ�ص ُب َعينْ ِ مِ نْ �أَ َ�صاب ِع اهللَِ ،ف َمنْ َ�شا َء �أَ َقا َمَ ،و َمنْ َ�شا َء �أَ َزا َغ»(.)1 ِت مَا َظ َه َر هلل مِ َن الف نَ ِ بي Íقالَ « :ت َع َّو ُذوا با ِ وعن زيد بن ثابت �أنَّ ال َّن َّ مِ ْنهَا َومَا َب َط َن» ،قالوا :نعوذ باهلل من الفنت ما ظهر منها وما بطن(.)2 ويف حديث اخت�صام امللأ الأعلىَ « :و�إِ َذا �أَ َرد َْت ب ِع َباد َِك ِف ْت َن ًة َفا ْق ْ ب�ضنِي �إِ َل ْي َك َغيرْ َ َم ْف ُتونٍ »(.)3
العمل بطاعة اهلل ،والإقبال على عبادته ،ومالزمة تقواه: فقد ثب���ت عن �أبي هريرة �أن النبي Íقالَ « :ب���ا ِد ُروا بالأَ ْع َمالِ ِف َت ًنا َكق َِط ِع ال َّل ْيلِ الـ ُم ْظل ِِم»()4؛ واملق�صود من احلديث اغتنام الأوقات ،وامل�سابقة ال�صال���ح واخلريات ،قب���ل نزول الفنت ا َّلتي ت�ص���رف عن ذلك؛ �إىل العم���ل َّ «ال�صحيحة» (.)2091 ( )1رواه �أحمد ( ،)26679والترِّ مذي (َّ ،)3522 ( )2رواه م�سلم (.)2867 ( )3رواه �أحمد ( ،)3484والترِّ مذي ( )3233عن ابن ع َّبا�س�« ،صحيح الترَّ غيب» (.)408 ( )4رواه م�سلم (.)118
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
23
مسائل منهجية
وق���د رغب كذل���ك Íيف االنقط���اع �إىل العب���ادة زم���ن الفتنة فق���ال« :ال ِع َب���ا َد ُة يف الهَ��� ْر ِج َكه ِْج��� َر ٍة �إِ يَ َّ ل»()5؛ ويف رواي ٍة للإمام �أحم���د (« :)20311ال ِع َب���ا َد ُة يف ال ِف ْت َن��� ِة َكاله ِْج��� َر ِة �إِ يَ َّ ل»؛ واله���رج :القت���ل بتف�سري بي )6(Íوه���و من الفتنة كما جاء يف ال َّن ِّ ال ِّرواية ال َّثانية. واحلدي���ث ق���د َّ دل عل���ى الترَّ غيب يف العبادة زمن الفتن���ة ،وعلى ف�ضل العبادة بي Í وم�ضاعف���ة �أجرها فيه���ا؛ لأنَّ ال َّن َّ جعلها كالهجرة �إليه ،و�سبب ذلك �أنَّ ال َّنا�س يف زمن الفتنة ي�شتغلون بها ،ويغفلون عن العبادة ،فال ينتبه لها �إ َّال القليل. ويف حديث الو ِّ يل ،قال اهلل تعاىل: « َم���نْ عَ���ادَى يِل َو ِل ًّي���ا َف َق��� ْد �آ َذ ْن ُت��� ُه با َ ل َع ْب���دِ ي َ حل��� ْربِ َ ,ومَا َت َق��� َّر َب ِ�إ يَ َّ ب�ش ْي ٍء ���ب �إِ يَ َّ ما ا ْفترَ َ ْ�ضتُ َعلَ ْيهَِ ,ومَا َي َز ُال ل مِ َّ �أَ َح َّ َع ْب���دِ ي َي َت َق َّر ُب ِ�إ يَ َّ ل بال َّن َوافِلِ َح َّتى �أُحِ َّبهُ, َف����إِ َذا �أَ ْح َب ْب ُت��� ُه ُك ْن���تُ َ�س ْم َع��� ُه ا َّل���ذِ ي َي ْ�س َم ُع ب���هَِ ،و َب َ�ص َر ُه ا َّلذِ ي ُي ْب ِ�ص ُر ب���هَِ ،و َي َد ُه ا َّلتِي َي ْبطِ ُ ����ش بهَ���اَ ،ور ِْجلَ��� ُه ا َّلتِ���ي يمَ ْ�شِ ���ي بهَا, َو�إِ ْن َ�س�أَ َلنِ���ي لأُ ْعطِ َي َّن���هَُ ،و َلئ ِ ِ���ن ْا�س َت َعا َذنيِ لأُعِ ي َذ َّنهَُ ،ومَا َت َر َّدد ُْت َعنْ َ�ش ْي ٍء �أَ َنا َفاعِ ُل ُه َت��� َر ُّددِي َع���نْ َن ْف ِ�س امل ُْ�ؤمِ ِ���نَ ,ي ْك��� َر ُه امل َ ْو َت، َو�أَ َنا �أَ ْك َر ُه م ََ�سا َء َتهُ»(.)8()7 فقول���ه �سبحانهُ « :ك ْن���تُ َ�س ْم َع���هُ» �إىل قول���ه« :يمَ ْ�شِ ���ي بهَ���ا» ،معن���اه كم���ا ذك���ر العلم���اء� :أنْ يو ِّفق���ه اهلل وي�سدِّ ده ،فيكون ( )5رواه م�سلم ( )2948عن معقل بن ي�سار. ( )6رواه البخاري ( )6037وم�سلم (.)157 ( )7رواه البخاري (.)6502 ( )8ينظر ملزيد الفائدة حول ن�سبة الرتدد �إىل اهلل �سبحانه «جمموع الفتاوى» (129/18ـ)135 ف�إنه نفي�س.
24
حماب عمله كلُّه يف طاعة اهلل ،و�سعيه يف ِّ م���واله ،وال ي�ستعمل �أع�ضاءه وجوارحه �إ َّال فيما في���ه ر�ضاه؛ فالزم���ه �أنَّ َم ِن اجتهد يف تكميل الواجبات ،وزاد عليها بالإكثار من امل�ستح َّبات ،ال �سيما قبل حلول الفنت املدله َّمات ،ف�إ َّن���ه �سيجد ثمرة تق ُّربه �إىل ر ِّب���ه ،بتثبيت���ه وع�صمته م���ن تلك الفنت؛ لأنَّ اهلل وعد ـ ووعده ح ٌّق ـ بحفظ �أوليائه وتثبيتهم ،وع�صمتهم وت�سديدهم. بي Í ونظري هذا ما جاء يف و�ص َّية ال َّن ِّ البن ع َّبا�س« :ا ِْح َف ِظ َ اهلل َي ْح َف ْظ َك»(.)9 وق���ال �سبحان���ه﴿ :ﭼ ﭽ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [\،]d فوع���د ـ �سبحان���ه ـ م���ن عمل بتق���واه ب�أن يجعل له فرقا ًنا ،وه���و ال ُهدى والب�صرية ا َّلتي يف ِّرق بها امل�ؤمن بني احلقِّ والباطل، واله���دى َّ وال�س َّن���ة والبدع���ة، وال�ض�ل�الُّ ، ودعاة ال ُّر�شد ودعاة الفتنة.
وال�س َّن���ة، االعت�ص���ام بالكت���اب ُّ م�س���ك مبا وال َّت���ز ُّود م���ن علومهم���ا ،وال َّت ُّ عليه العلماء ،ولزوم َغرزهم: ع���ن اب���ن ع َّبا����س � Èأنَّ ر�س���ول ( )9رواه الترِّ مذي ( )2516وهو �صحيح.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
اهلل Íق���ال�« :إِنيِّ َق ْد َت َر ْك���تُ فِي ُك ْم مَا اب �إِنِ ْاع َت َ�ص ْم ُت��� ْم ب ِه َفلَنْ َت ِ�ض ُّلوا �أَ َبدًاِ :ك َت َ هلل َو ُ�س َّن َة َنب ِّي ِه .)10(»Í ا ِ ويف حدي���ث حذيف���ة « :Çكان ال َّنا�س ي�س�ألون ر�سول اهلل Íعن اخلري، وكنت �أ�س�أله عن َّ ال�ش ِّر خمافة �أن يدركني»، جاء يف رواية �أبي داود ،قالَ « :يا ُح َذ ْي َف َة! ���اب اهللَِ ،وا َّتب��� ْع مَ���ا ِفي���هِ» (ثالث َت َع َّل��� ْم ِك َت َ بي Í مرار) ،فما زال حذيفة ي�س�أل وال َّن ُّ يردِّد له هذه الو�ص َّية ثال ًثا(.)11
ومِ ������������نْ �أن������ف������ع م������ا َي�����ق�����ي مِ َ ������ن ال��ف�تن ك��ذل��ك ال��ع��ل��م َّ ال�شرعي وال�س َّنة، امل�ستنبط م��ن ال��ك��ت��اب ُّ املن�ضبط ب���أ���ص��ول �سلف الأ َّم���ة ِومنْ �أنف���ع ما َيقي ِم���نَ الفنت كذلك العل���م َّ ال�شرع���ي امل�ستنب���ط م���ن الكتاب وال�س َّن���ة ،املن�ضبط ب�أ�ص���ول �سلف الأ َّمة؛ ُّ لأ َّن���ه كم���ا ق���ال اب���ن �سريي���ن�ِ « :إ َّن هَ��� َذا ال ِع ْل��� َم ِدي ٌ���ن َفا ْن ُظ��� ُروا َع َّم���نْ َت ْ�أ ُخ��� ُذو َن دِي َن ُك��� ْم»( ،)12فبالعلم يهت���دي امل�سلم �إىل ال�صراط امل�ستقيم ،وبالعلم يعرف احلقَّ ِّ ال�س َّنة م���ن الباط���ل ،وبالعل���م مييز ب�ي�ن ُّ والبدعة ،وبالعلم يدرك الفتنة. ولمَ َّا كان العلم من �أنفع �أ�سباب الوقاية من الفنت ،كان �أهل���ه ـ وهم العلماء ـ �أ َّول م���ن َّ يتفط���ن لها قب���ل نزوله���ا ،كما قال احل�سن الب�ص���ري�« :إنَّ ه���ذه الفتنة �إذا �أقبل���ت عرفه���ا ك ُّل ع���امل ،و�إذا �أدب���رت ( )10رواه احلاكم (�« ،)318صحيح الترَّ غيب» (.)40 ( )11رواه �أبو داود ( ،)4246وهو ح�سن. ال�صحيح. ( )12رواه م�سلم يف مقدِّ مة َّ
و�شب ِ�ض َرا ُم َها حتَّى�إذاا�شتعلت َّ ـيل و َّلت عجوزا غيـ َر ِ ذات ح ِل ِ �شمطا َء ُي ْن َك ُر َل ْو ُن َها وتغيرَّ َ ْت مـكـروه ًة لل َّـ�ش ِّـم والـتَّـقبـي ِـل ف�إذا علم هذا كان الواجب على �أهل الإميان �أن ي�سريوا خلف علمائهم يف زمن الفتن���ة ،حتَّ���ى ال يجرفهم َ�س ْي ُله���ا ،ال �أن يتق َّدموهم ،كما يق���ع �أحيا ًنا كثرية؛ جتد العلماء مغ َّيبني ،وا َّل���ذي يتك َّلم ويت�ص َّدر، ويق���ود ِّ وينظ���ر ،ه���م حدث���اء الأ�سن���ان، و�سفه���اء الأحالم؛ ال يراع���ون م�صلحة، وال ينظرون �إىل عاقبة؛ دافعهم احلما�س والعاطف���ة ،وقائده���م ال َّته��� ُّور والعجلة، ف َي ْج ُنونَ على �أنف�سهم ،ويج ُّرون الويالت �إىل �أ َّمتهم. يدل عل���ى هذا ق���ول ر ِّبن���ا �سبحانه: ﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾
[`.]83 :
( )13رواه ابن �سعد يف َّ «الطبقات» (.)166/7
ح ـ ـمـ���ل الـ ـ َّنـفـ����س عـ ـ ـ ـلـ���ى ال َّـ�صبـر، وحتديثها باالحت�ساب: ق���ال اهلل تع���اىل﴿ :ﯪ ﯫ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾
[\_]،
مسائل منهجية
عرفها ك ُّل جاهل»(.)13 قال الإمام البخ���اري يف «�صحيحه»: وق���ال اب���ن عيينة عن خلف ب���ن حو�شب: كانوا ي�ستح ُّب���ون �أن يتم َّثلوا بهذه الأبيات عند الفنت ،قال امر�ؤ القي�س: احلرب �أ َّول ما تكـون فتية ـول ت�سعى بزينتها لك ِّـل جه ِ
الءَِ ,و�إِ َّن َ جل َزا ِء َم َع عِ َظ ِ���م ال َب َ عِ َظ��� َم ا َ اهلل ���ب َق ْو ًما ا ْب َت َ الهُ ْمَ ,ف َمنْ َر ِ�ض َي َفلَ ُه ِ�إ َذا �أَ َح َّ ال�س َخ ُط»(.)15 ال ِّر َ�ضاَ ,و َمنْ َ�سخِ َط َفلَ ُه َّ وعن ُع ْت َب َة ِبن غ���زوان �أنَّ ر�سول اهلل ال�صبرْ ِ, Íق���ال�« :إِ َّن مِ نْ َو َرا ِئ ُك ْم �أَ َّي���ا َم َّ ِل ْل ُم َت َم ِّ�س���كِ فِيهِنَّ َي ْو َمئِذٍ مبَ���ا �أَ ْن ُت ْم َعلَ ْي ِه �أَ ْج��� ُر َخ ْم�سِ َ نبي اهلل! ني مِ ْن ُك��� ْم» ،قالوا :يا َّ �أو منهم? قالَ « :ب ْل مِ ْن ُك ْم»(.)16
وقال ج��� َّل ذك���ره﴿ :ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ
ﰗ ﰘ ﰙ﴾ [\.]¤ وعن �أب���ي �سعيد اخل���دري �أنَّ ر�سول اهلل Íقالَ « :منْ َي َت َ�صبرَّ ْ ُي َ�صبرِّ ْ ُه ُ اهلل، َومَ���ا �أُ ْعطِ َي َ�أ َح ٌد ع ََطا ًء َخيرْ ً ا َو�أَ ْو َ�س َع مِ َن ال�صبرْ ِ»(.)14 َّ
فنب ُّين���ا ـ �صل���وات اهلل و�سالمه علي���ه ـ �إنمَّ���ا �أك�ث�ر م���ن ذك���ر الفتن���ة ،و�أفا����ض يف و�صفه���ا؛ ح َّت���ى ي�ستع��� َّد له���ا امل�ؤم���ن، ويقاومها ويدافعها ما ا�ستطاع فنب ُّين���ا ـ �صل���وات اهلل و�سالمه عليه ـ � مَّإنا �أك�ث�ر من ذكر الفتن���ة ،و�أفا�ض يف و�صفها؛ حتَّى ي�ستع َّد لها امل�ؤمن ،ويقاومها بحثِّ ويدافعها م���ا ا�ستطاع ،ويكون ذلك َ ال�ص�ب�ر ،وتذكريها مبا �أع َّد ال َّنف�س على َّ لها م���ن عظيم الأج���ر ،ال �سيما �إذا قوي داع���ي الفتنة ،وكرث الهالك���ون فيها؛ عن بي Íق���ال�« :إِ َّن �أن����س بن مال���ك �أنَّ ال َّن َّ ( )14رواه البخاري ( ،)1469وم�سلم (.)1053
� إن���كار الف�ت�ن بالقل���ب ،وع���دم ال ُّرك���ون �إليه���ا ،وت���رك ا َ خل ْو����ض فيه���ا، والإق�ل�ال من احلركة ،وال َّتح ِّلي بالأناة وال ُّت�ؤدة: قال �شي���خ الإ�سالم ابن تيمية لتلميذه اب���ن الق ِّي���م « :ال جتعل قلب���ك للإيرادات ُّ ال�سفنجة ،فيت�ش َّربها فال وال�شبهات مث���ل ّ ين�ض���ح �إ َّال به���ا ،ولكن اجعل���ه كالزُّجاجة املُ ْ�ص َمتَ���ة ،مت��� ُّر ُّ ال�شبه���ات بظاهرها وال ت�ستق��� ُّر فيها ،فرياها ب�صفائ���ه ،ويدفعها ب�صالبته ،و�إ َّال ف�إذا �أَ ْ�ش َر ْب َت قل َبك َّ كل �شبهة ( )15رواه الترِّ مذي ( ،)2396وابن ماجه (،)4031 «ال�صحيحة» (.)146 َّ ( )16رواه َّ الطرباين يف «الكبري» ( ،)289واملروزي «ال�صحيحة» (.)494 «ال�س َّنة»َّ ، يف ُّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
25
مسائل منهجية
مت ُّر عليها� ،صار مق ًّرا ُّ لل�شبهات»(.)17 وي�شهد لهذه الو�ص َّية ال َّنافعة ،ما جاء ال�سابق ا َّلذي يف رواي ٍة حلدي���ث حذيف���ة َّ ذكر في���ه الفتنة ا َّلتي متوج كموج البحر، ففيها �أنَّ ر�س���ول اهلل Íقالُ « :ت ْع َر ُ �ض ال ِف�َت�نَُ َعلَ���ى ال ُق ُل���وبِ َكا َ �ي�ر ،عُ���ودًا حل ِ�ص ِ عُ���ودًاَ ،ف�أَيُّ َق ْل���بٍ �أُ ْ�ش ِر َبهَا ُن ِك َتتْ فِي ِه ُن ْك َت ٌة َ�س ْودَاءَُ ،و َ�أيُّ َق ْلبٍ �أَ ْن َك َرهَا ُن ِك َتتْ فِي ِه ُن ْك َت ٌة ري َعلَى َق ْل َب�ْي�ننِْ َ :علَى َب ْي َ�ض���اءَُ ،ح َّت���ى َت ِ�ص َ ال�ص َف���اَ ،ف َ �أَ ْب َي َ �ل�ا َت ُ�ض��� ُّر ُه ِف ْت َن ٌة ����ض مِ ْث���لِ َّ ال�س َم��� َو ُات َوا َلأ ْر ُ ����ضَ ،وال َآخ��� ُر مَ���ا دَامَ���تِ َّ م ِّخ ًياَ ،ال َي ْعر ُِف �أَ ْ�س��� َو ُد ُم ْر َبادًّا َكال ُك���و ِز جُ َ َم ْع ُرو ًف���اَ ،و َال ُي ْنكِ��� ُر ُم ْن َك��� ًرا�ِ ،إ َّال مَا �أُ ْ�شر َِب مِ نْ َه َواهُ»(.)18 بي Í ففي ه���ذا احلديث� :ش َّبه ال َّن ُّ عر����ض الفنت عل���ى القل���وب واحدة بعد �أخ���رى ،بعر�ض ق�ضب���ان احل�صري على نا�سج���ه واحدً ا بعد واح���دَ « ،ف����أَيُّ َق ْلبٍ �أُ ْ�ش ِر َبهَ���ا» �أيَ :ر ِ�ض َي به���ا واطم�أنَّ �إليها، نقط���ت فيه نقط���ة �س���وداء ،وتركت فيه �أث��� ًراَ « ،و�أَيُّ َق ْل���بٍ َ�أ ْن َك َرهَ���ا» �أي :ر َّده���ا ورف�ضه���ا ،نقط���ت في���ه نقط���ة بي�ضاء، حتَّ���ى ي�صري قل ًب���ا �أبي�ض م�صق���و ًال مثل ال�صف���ا ،وه���و َ احل َجر الأمل����س ا َّلذي ال َّ يعلق به �شيء. و�أ َّم���ا القل���ب الآخ���ر في�صب���ح �أ�سود ال�سواد ُمر َبادًّا م���ن ال ُّربدة ،وهو لو ٌن بني َّ وال ُغ�ب�رةَ « ،كال ُك���وزِ» �إن���اء مع���روف ،وهو «م ِّخ ًي���ا» �أي الك���وب ا َّل���ذي ل���ه ع���روة ،جُ َ ً منكو�س���ا� ،ش َّبه القل���ب املفتون مائ�ل�ا �أو ً انكب؛ ان�صب ما فيه ومل يعلق بالإناء �إذا َّ (« )17مفتاح ال�سعادة» (.)443/1 ( )18رواه م�سلم (.)144
26
به �ش���يء ،كذل���ك القلب املفت���ون ،ظلمة الفنت تخرج ن���ور الإ�سالم منه ،فال يعلق خ�ي�ر وال حكم���ة ،وال يع���رف معرو ًفا، به ٌ وال ُينك���ر منك ًرا� ،إ َّال ما وافق الهوى ا َّلذي خ�ضع ل�سلطانه(.)19 وعن �أبي هريرة قال :قال ر�سول اهلل «�س َت ُك ُ ون ِف�َت�نٌَ ،ال َقاعِ ��� ُد فِيهَا Íق���الَ : َخيرْ ٌ مِ َن ال َقائ ِِمَ ،وال َقا ِئ ُم فِيهَا َخيرْ ٌ مِ َن ال�ساعِ ي؛ املَا�شِ ���يَ ،واملَا�شِ ي فِيهَا َخيرْ ٌ مِ َن َّ َم���نْ َت َ�ش��� َّر َف َلهَ���ا َت ْ�س َت ْ�ش ِر ْف���هَُ ،و َمنْ َو َج َد َم ْل َج�أً �أَ ْو َم َعا ًذا َف ْل َي ُع ْذ بهِ»(.)20 َّ دل ه���ذا احلديث عل���ى �أنَّ �إ�ض�ل�ال الفتن���ة للإن�سان يكون بقدر موقفه منها، وم�شاركت���ه فيها ،فك َّلما تع َّر�ض لها �أكرث، كان���ت هلكت���ه فيه���ا �أعظ���م ،لذل���ك من ا�ستط���اع �أن يغيب عنه���ا فليفعل ،فذلك له �أ�سلم.
مما ين َّب���ه عليه يف هذا املقام؛ و َّ �أ َّن���ه ال يج���ب عل���ى امل�سل���م �أن يك���ون ل���ه حك���م �أو موق���ف من ك ِّل �أم��� ٍر يح ُ ���دث؛ لأ َّن �ش����أن الف�ت�ن ـ ال �سيم���ا يف زم���ن ا�شتدادها ـ اخلفاء وااللتبا�س؛ لذلك عليه �أن يت�أ َّنى ويرت َّيث، ويتو َّق���ف ويتث َّب���ت ،فذل���ك خ�ي�ر ل���ه و�أح�س���ن ت� ً أوي�ل�ا ٌ ومم���ا ين َّبه عليه يف ه���ذا املقام؛ �أ َّنه َّ ال يج���ب عل���ى امل�سل���م �أن يك���ون له حكم �أو موقف م���ن ِّ أمر يح ُ ���دث؛ لأنَّ �ش�أن كل � ٍ
( )19انظر «�شرح ال َّنووي على م�سلم» و«ال ِّنهاية يف غريب احلديث والأثر». ( )20رواه البخاري ( ،)3601وم�سلم ()2886 وال َّلفظ له.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
الف�ت�ن ـ ال �سيم���ا يف زم���ن ا�شتداده���ا ـ اخلفاء وااللتبا����س؛ لذلك عليه �أن يت�أ َّنى ري له ويرت َّي���ث ،ويتو َّقف ويتث َّبت ،فذلك خ ٌ و�أح�سن ت�أوي ًال. بي فعن �أن�س بن مالك � Çأنَّ ال َّن َّ Íقال« :ال َّت�أَنيِّ مِ َن اهللَِ ،وال َع َجلَ ُة مِ َن َّ ال�ش ْي َطانِ »(.)21 وكما قال اب���ن م�سعود �« :Çإ َّنها �ستكون �أمور م�شتبهات! فعليكم بال ُّت�ؤدة؛ ري من �أن ف�إ َّنك �أن تكون تاب ًعا يف اخلري خ ٌ تكون ر� ًأ�سا يف َّ ال�ش ِّر»(.)22
االعت���زال يف الفتن���ة ،والف���رار م���ن مواطنه���ا ،والإقب���ال عل���ى ال َّنف����س وحما�سبتها ،وترك �أمر العا َّمة: فعن �أبي �سعي���د قال :قال ر�سول اهلل « :Íيُو�شِ ُ ���ك �أَ ْن َي ُكو َن َخيرْ َ مَالِ امل ُ ْ�سل ِِم َغ َن��� ٌم ،يتبع بهَا َ�ش َع َ ���ف اجلِ َب���الِ َ ،و َم َوا ِق َع ِت»(.)23 ال َق ْطرَِ ،ي ِف ُّر بدِ ي ِن ِه مِ َن الف نَ ِ ب َّوب البخاري لهذا احلديث يف كتاب الإميان من «�صحيح���ه» بقوله« :باب من الدِّ ين الفرار من الفنت». ( )21رواه البيهقي ( ،)20767و�أبو يعلى (،)4256 «ال�صحيحة» (.)1795 َّ ( )22رواه ابن �أبي �شيبة ( ،)37177والبيهقي يف ُّ «ال�شعب» (.)10371 ( )23رواه البخاري (.)19
وع���ن عمران ب���ن ح�صني ق���ال :قال ر�س���ول اهلل َ « :Íم���نْ َ�سمِ ��� َع بالد ََّّج���الِ هلل �إِ َّن ال َّر ُج َل َل َي�أْتِي ِه َوهُ َو َف ْل َي ْن�أَ َع ْنهُ؛ َف َوا ِ ما ُي ْب َع ُث ب ِه َي ْح�سِ ُب �أَ َّن ُه ُم ْ�ؤمِ ٌنَ ،ف َي َّت ِب ُع ُه مِ َّ مِ َن ُّ ال�ش ُبهَاتِ »(.)26 د َّلت هذه الأحادي���ث على �أنَّ �سالمة امل�ؤم���ن يف زم���ن الفتنة ،وجنات���ه منها؛ تك���ون باالعت���زال فيه���ا ،ول���زوم البيت، والإقبال على ال َّنف�س.
كم���ا َّ دل حدي���ث عمران ب���ن ح�صني على وجوب االبتع���اد عن مواطن الفتنة، وجمانب���ة موا�ضع ُّ ال�شبه���ة ،و�أن ال يز ِّكي امل�ؤم���ن نف�س���ه ،ويعج���ب ب�إميان���ه؛ لأ َّن���ه قد ي���وكل �إليه���ا ،فيهلك مع م���ن �أهلكته الفتنة. ومم���ا يدخل حتت ذل���ك :م�صاحبة َّ �أهل الأهواء ،وال َّنظر يف كتبهم ،وح�ضور جمال�سه���م ،ف�إ َّنه���ا من �أك�ب�ر الفنت ا َّلتي تُف�سد على امل�ؤمن دينه. ذك���ر َّ ���ي يف ترجم���ة الإم���ام الذهب ُّ �سفي���ان ال َّثوري قوله« :منْ �أ�صغى ب�سمعه �إىل �صاح���ب بدعة وهو يعل���م ،خرج من ع�صمة اهلل ،ووكل �إىل نف�سه».
واملق�صود من االعتزال ولزوم البيت: مفارقة َّ ال�ش ِّر و�أهل���ه ،فال مينع ذلك من �شهود اجلمع���ة واجلماع���ة ،والقيام مبا وجب من احلق���وق ،ومنا�صحة الإخوان، واالجتماع معهم عل���ى اخلري ،والتَّوا�صي وال�صرب. باحلقِّ َّ ( )24رواه �أحمد ( ،)19662و�أبو داود (،)4262 �صحيح. (« )25ال ِّنهاية يف غريب احلديث والأثر». ( )26رواه �أحمد ( ،)19875و�أبو داود (،)4319 «�صحيح اجلامع» (.)6301
وال�سمع ل���زوم جماعة امل�سلم�ي�نَّ ، َّ والطاعة يف املعروف لإمامهم: مما تت�أ َّك���د الو�ص َّية به يف فنت وه���ذا َّ
فم َّم���ا ورد فيه« :فقلت :هل بعد ذلك اخلري م���ن �ش ٍّر؟ ق���الَ :ن َع��� ْمُ ،دعَ���ا ٌة َعلَى �أَ ْب���وَابِ َج َه َّن َمَ ،منْ �أَ َجا َبهُ��� ْم ِ�إ َل ْيهَا َق َذ ُفو ُه فِيهَا». فقلت :ي���ا ر�س���ول اهلل! �صفه���م لنا، قالَ « :ن َع ْمَ ،ق ْو ٌم مِ ���نْ جِ ْل َد ِت َناَ ،و َي َت َك َّل ُمو َن ب�أَ ْل�سِ َن ِت َن���ا» ،قلت :يا ر�سول اهلل! فما ترى �إن �أدركن���ي ذلك؟ ق���الَ « :ت ْل��� َز ُم َج َما َع َة امل ُ ْ�سلِمِ َ ني َو�إِمَا َم ُه ْم». فقل���ت :ف�إن مل تكن له���م جماعة وال �إمام؟ ق���الَ « :ف ْاع َت���ز ِْل ِت ْل َ ���ك الفِ��� َر َق ُك َّلهَ���ا، َو َل��� ْو �أَ ْن َت َع َّ ����ض َعلَ���ى �أَ ْ�صلِ َ�ش َج��� َرةٍَ ،ح َّتى ُي ْد ِر َك َك امل َ ْو ُت َو�أَنْتَ َعلَى َذل َِك»(.)27 قال ابن حجر :: «و[املراد] بال ُّدعاة على �أبواب جه َّنم، م���ن ق���ام يف طل���ب املل���ك من اخل���وارج وغريه���م ،و�إىل ذل���ك الإ�ش���ارة بقول���ه: «ا ْل َز ْم َج َما َع َة امل ُ ْ�سلِمِ َ ني َو�إِمَا َم ُه ْم» ،يعني ولو جار»(.)28
مسائل منهجية
وع���ن �أب���ي مو�سى ق���ال :ق���ال ر�سول اهلل �« :Íإِ َّن َب�ْي�ننْ َ �أَ ْيدِ ي ُك��� ْم ِف َت ًن���ا َكق َِط ِع ال َّل ْي���لِ امل ُ ْظ ِل ِ���مُ ،ي ْ�ص ِب��� ُح ال َّر ُج��� ُل فِيهَ���ا ُم�ؤْمِ ًن���ا وَيمُ ْ�سِ ���ي َكا َف��� ًرا ،وَيمُ ْ�سِ ���ي ُم�ؤْمِ ًنا َو ُي ْ�ص ِب��� ُح َكافِ��� ًرا ،ال َقاعِ ��� ُد فِيهَا َخ�ْي�رْ ٌ مِ َن ال َقائ ِِ���مَ ،وال َقائِ��� ُم فِيهَا َخيرْ ٌ مِ َ ���ن املَا�شِ ي، ال�ساعِ ي» ،قالوا: َواملَا�شِ ي فِيهَا َخ�ْي�ررْ ٌ مِ َن َّ فم���ا ت�أمرن���ا؟! ق���الُ « :كو ُن���وا �أَ ْح َ ال� َ���س ُب ُيو ِت ُك ْم»(.)24 قوله�« :أَ ْح َ «ج ْم���ع ِح ْل�س ،وهو ال�س»َ : الك َ�س���اء ا َّل���ذي َي ِل���ي َظ ْه���ر البع�ي�ر حتت ِ ال َقتَب»( ،)25واملعنى :ا ْلزَ مُوهَ ا.
واملق�ص���ود من االعت���زال ولزوم البيت :مفارقة َّ ال�ش ِّر و�أهله ،فال مين���ع ذلك م���ن �شه���ود اجلمعة واجلماعة ،والقيام مبا وجب من احلق���وق ،ومنا�صح���ة الإخوان، واالجتم���اع معه���م عل���ى اخلري، وال�ص�ب�ر. وال َّتوا�ص���ي باحل��� ِّق َّ
اخل���روج على احل��� َّكام ،ومنازع���ة الأمر �أهله ،ا َّلتي يحدثها دع���اة ال َّثورات ،ومن ي�سل���ك م�سل���ك التَّغي�ي�ر باالنقالب���ات، وه���م يف ذلك خلطى اخل���وراج مقتفون، وملذهبهم معتق���دون ،و�إن خدعوا ال َّنا�س رب�ؤ من ر�أيهم امل�أفون. بال َّت ُّ يد ُّل على هذه الو�ص َّية حديث حذيفة: «كان ال َّنا�س ي�س�ألون ر�سول اهلل Íعن اخلري وكنت �أ�س�أل���ه عن َّ ال�ش ِّر خمافة �أن يدركني».
( )27رواه البخاري ( ،)7084 ،3606وم�سلم (.)1847 (« )28فتح الباري» (.)46/13
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
27
مسائل منهجية
و�أ َّما جماعة امل�سلمني؛ فاملق�صود بها كما قال الإمام َّ الطربي: «وال�ص���واب �أنَّ امل���راد م���ن اخل�ب�ر ،لزوم اجلماع���ة ا َّلذي���ن يف طاعة من َّ اجتمعوا على ت�أمريه ،فمن نكث بيعته خرج عن اجلماعة»(.)29 بال�سمع وخلط���ورة ه���ذا الأمر ،قد ج���اءت ال ُّن�صو����ص م�ستفي�ض���ة ت�أم���ر َّ َّ والطاعة يف املعروف لأولياء الأمور و�إن جاروا ،وتزجر عن منازعة الأمر �أهله، ونزع اليد من َّ الطاعة و�إن حادوا(.)30 وح�سبن���ا �أن نذكر من ذلك و�ص َّية نب ِّينا ،Íكما يف حديث العربا�ض ابن �سارية :Ç ال�س ْم ِع َو َّ الطا َعةَِ ،و ِ�إ ْن َع ْب ٌد َح َب�شِ ٌّي.)31( »... «�أُ ِ و�صي ُك ْم ب َت ْق َوى اهللَِ ،و َّ و�أ َّم���ا �إن مل يكن لل َّنا�س �إما ٌم جتتمع عليه الكلمة ،فتنازعوا يف الأمر قددًا، و�ش َي ًع���ا ،فالواجب عند ذلك اعت���زال جميع املختلفني ،وعدم وتف َّرق���وا �أحزا ًبا ِ التَّح ُّيز �إىل �أيِّ فئة من املتنازعني ،كما َّ دل عليه متام احلديث(.)32
ي�سر اهلل جمعه من �أ�سباب الوقاية من الفنت ،ن�س�أله ـ �سبحانه ـ �أن هذا ما َّ يع�صمنا من �ش ِّرها ،وي�س ِّلمنا من َ�ض َررِها. و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على نب ِّينا حم َّمد وعلى �آله و�صحبه ومن �سار على نهجهم �إىل يوم الدِّ ين.
( )29نقل كالمه هذا وا َّلذي ي�أتي بعده ابن حجر يف «فتح الباري» (.)47/13 املهم من �أخبار الباب. ( )30يراجع كتاب الإمارة من «�صحيح الإمام م�سلم» فقد �أودع فيه َّ ( )31رواه �أحمد ( ،)17145 ،17144و�أبو داود ( ،)4607والترِّ مذي ( ،)2676وابن ماجه (،)42 «�صحيح اجلامع» (.)2549 ( )32وانظر كالم الطربي يف فتح الباري (.)463/2
28
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
���ام البخ���اري :يف روى الإم ُ «�صحيحه» (َ )2125عنْ َع َطا ِء ْب ِن َي َ�سا ٍر َق َال: ا�ص َلقِيتُ َع ْبدَ اللهَّ ِ ْب���نَ َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ ُ ،Èق ْلتُ � :أَخْ رِ ْبنيِ َع���نْ ِ�ص َف ِة َر ُ�س ِول ���ال� :أَ َج ْ اللهَّ ِ Íفيِ التَّ��� ْو َرا ِة؟ َق َ ���ل؛ َواللهَّ ِ ِ�إ َّن ُه لمَ َ ْو ُ�ص ٌ ���وف فيِ ال َّت ْو َرا ِة ِب َب ْع ِ�ض ِ�ص َف ِت ِه فيِ ا ْل ُق ْر� ِآن: « َي���ا �أَ ُّيهَا ال َّن ِب ُّ���ي �إِ َّنا �أَ ْر َ�س ْل َن َ ���اك َ�شاهِ دًا َو ُم َب ِّ�ش��� ًرا َو َنذِ ي��� ًرا َوحِ ��� ْر ًزا ِللأُ ِّم ِّي َ ني� ،أَنْتَ ول�َ ،س َّم ْي ُت َ ���ك امل َت َو ِّك َلَ ،ل ْي َ�س َع ْب���دِ ي َو َر ُ�س يِ ِب َف ٍّ ِيظ َو َال َ�س َّخابٍ فيِ الأَ ْ�س َواقِ ، ���ظ َو َال َغل ٍ ال�س ِّي َئ َة؛ َو َلكِنْ َي ْع ُفو ِال�س ِّي َئ��� ِة َّ َو َال َي ْد َف ُع ب َّ َو َي ْغفِ��� ُرَ ،و َلنْ َي ْق ِب َ�ض��� ُه اللهَّ ُ َح َّتى ُيقِي َم ِب ِه المْ ِ َّل��� َة ا ْل َع ْو َج���اءَ؛ ِب����أَ ْن َي ُقو ُل���واَ :ال �إِ َل��� َه �إِ َّال اللهَّ َُ ،و َي ْف َت��� ُح ِبهَا �أَ ْع ُي ًنا ُع ْم ًياَ ،و�آ َذا ًنا ُ�ص ًّما، َو ُق ُلو ًبا ُغ ْل ًفا». ���د ِا ْ�ش َت َم َل ه���ذا الأ َث ُر عل���ى َو ْ�ص ِف َل َق ِ ���ي حم َّم ٍ���د Íيف التَّ��� ْو َرا ِة ،و َو ْ�ص ِف النب ِّ دع َو ِت��� ِه ال َق ِو َمي��� ِة ،و�أخْ ال ِق���ه املُ ْ�س َت ِقي َم ِة، ْ َ و�ش ِري َع ِته ال َع ِظي َم ِة. ���ل ـ �أ ْي ً�ض���ا ـ َق ِري ًب���ا وج���ا َء يف الإِنجْ ِ ي ِ م���ن هذا ،كما يف حدي���ث عائ�شة á َ ���وب يف �أنَّ ر�س���ول اهلل Íق���الَ « :م ْك ُت ٌ ���ظ وال َغل ٌ ني���لِ :ال َف ٌّ اب الإِ جْ ِ ِيظ و َال َ�س َّخ ٌ بال�س ِّي َئ��� ِة مِ ْثلَهَا؛ بِالأَ ْ�س��� َواقِ ،وال َي ْج���زِي َّ َب ْل َي ْع ُفو و َي ْ�ص َف ُح»(.)1 ( )1ح�سن :رواه احلاكم وابن ع�ساكر ،انظر: «ال�صحيحة» (.)2458
سيرة وتاريخ
ح�سن �أيت علجت
صفة النيب Íيف التوراة و�سى � ،ºأَ َح ِد الأ ْن ِب َيا ِء والتَّ���ورا ُة ه���ي ِ الكت ُ َاب الذي �أ ْنزَ َل ُه اهلل y õعلى َن ِب ِّي اهلل ُم َ ال ِع َظ ِام ْمنْ �أُوليِ ال َعزْ ِم من ال ُّر ُ�سل. ْ�صو ُد بالتَّوراة � َأع َّم ِمنْ ذلك؛ � ْإذ قال �شيخُ الإ�سالم ا ْبنُ تيمية : و�أَ ْح َيا ًنا َي ُكونُ املق ُ و�سى ،وما َب ْعدَ ُه ِمنْ ُن ُب َّو ِة يف «ال ُّن ُب َّوات» (�ص« :)289و ُي َرا ُد بال َّت ْو َرا ِة ِ الكت ُ َاب ا َّل ِذي َجا َء ِب ِه ُم َ و�سى؛ َق ْد ُي َ�س َّمى هذا ُكلُّ ُه تَ��� ْو َرا ًة؛ َف ِ�إنَّ التَّو َرا َة ُت َف َّ�س ُر َّ بال�ش ِري َع ِة، الأَ ْن ِب َي���ا ِء املُ َّت ِب ِع َني ِل ِكت ِ َاب ُم َ َف ُك ُّل َمنْ دَانَ ِب َ�ش ِري َع ِة ال َّت ْو َرا ِة ِق َيل ِل ُن ُب َّو ِت ِه� :إ َّنها ِمنَ ال َّت ْو َرا ِة». َاب � ْأهدَ ى ِم ْن ُه ِومنَ ِومنْ َخ َ�صا ِئ ِ�ص ال َّت ْو َرا ِة �أ َّن َها ِ الكت ُ ال�س َماء ِكت ٌ َاب الذي لمَ ْ ُي َنز َّْل ِمنَ َّ ال ُق��� ْر�آن؛ له���ذا ق���ال ُ اهلل ﴿ :yﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [\. ]x ِم���نْ � ْأج ِل ذلك؛ ف����إنَّ َ اهلل تعاىل َك ِث ًريا ما َيق ِْرنُ بينْ َ التَّ���و َراة وال ُقر�آن ،وذلك يف ِم ْث ِل قو ِل ِه �سبحانه﴿ :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [\ ،]bوق ْو ِل��� ِه ِ yح َكا َي ًة ع���ن ُم�ؤ ِْم ِني الجْ ِ نِّ : ﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷﭸ﴾ [\»]َ ،و َق ْو ِل��� ِه ﴿ :yﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ﴾ [\»](.)1 ال�صحيح» (« :)116/1وال ُق���ر�آنُ �أَ ْ�ص ٌل َكال َّت ْو َرا ِة، ق���ال ا ْبنُ تيمية :يف «اجل���واب َّ ���م ِم ْنها؛ وله���ذا ُع َلما ُء ال َّن�صارى َيق ِْر ُنون َبينْ َ مو�سى وحم َّم ٍد َ ،Íك َما قال و�إنْ كانَ � ْأع َظ َ ( )1انظر« :جمموع فتاوى ابن تيمية» (.)202/16
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
29
سيرة وتاريخ
���ي َم ِل ُك ال َّن َ�صارى ملَّا َ�سمِ َع ال ُق���ر�آنَ �ِ « :إنَّ هَ َذا َوا َّل ِذي النجا�ش ُّ و�سىَ ،ل َيخْ ُر ُج ِمنْ ِم ْ�ش��� َكا ٍة َو ِاحدَ ٍة»( ،)2وكذلك َق َال َج���ا َء ِب ِه ُم َ و َر َق��� ُة ْب���نُ َن ْو َفل ـ وه���و ِمنْ �أَ ْح َب���ا ِر َن َ�صا َرى ال َع��� َر ِب ـ ملَّا َ�سمِ َع ���ي ،Íفق���ال ل���ه� :إ َّن���ه ي�أ ِتي َ و�س()3الذي َك َ ���ك ال َّنا ُم ُ الم النب ِّ و�سى ،ي���ا َل ْي َت ِني ِفي َه���ا َج َذ ًعا ِح َني ُيخْ ِر ُج َ ���ك َق ْو ُم َك، َي�أْ ِت���ي ُم َ مرِجِ َّي هُ ْم ؟!» َق َ ���ي �« :Íأَ َو خُ ْ ���الَ :ن َع ْم؛ لمَ ْ َي�أْ ِت فق���ال النب ُّ َر ُج��� ٌل َق ُّط بمِ ِ ْث ِل َما ِج ْئ َت ِب ِه؛ ِ�إ َّال ُع���و ِد َيَ ،و ِ�إنْ ُي ْد ِر ْك ِني َي ْو ُم َك؛ �أَ ْن ُ�ص ْر َك َن ْ�ص ًرا ُم�ؤَ َّز ًرا( »)4اهـ. الكتَا َبان ال َّل َذان و�س َب ُب ا ْقترِ ِ َان التَّو َرا ِة بال ُقر�آن هو �أ َّن ُه َما ِ َ الل َ اخْ ت ََّ�صا ِب َتف ِْ�ص ِيل ال ْأح َك ِامِ ،وذ ْك ِر َ واحل َر ِام. احل ِ بي ،Í و َق ْ ���د َجا َء يف هذه التَّ���و َرا ِة ِذ ْك ُر ال ِب َ�ش���ا َر ِة بال َّن ِّ َك َما َق���ال اهلل ﴿ :yﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾
و�أَ َّو ُل ه���ذه الأ ْو َ�صاف ا َمل ْذ ُكو َر ِة يف ه���ذا الأَ َث ِر هيَ « :يا �أَ ُّيهَا ال َّن ِب ُّي �إِ َّنا �أَ ْر َ�س ْل َن َ اك َ�شاهِ دًا َو ُم َب ِّ�ش ًرا َو َنذِ ي ًرا».
ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
الو�ص ُف َو َر َد يف َم ْو ِ�ض َعينْ ِمنَ القر�آن الكرمي: وهذا ْ �أ َّو ُل ُهم���ا :يف قول���ه تع���اىل﴿ :ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [\{]. وال َّث���اين :يف قول���ه تع���اىل﴿ :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
[ َ ،]157 :cب ْ ���اب َنب ِّينا Í ���ل ُذ ِك��� َر ِفي َها حتَّى � ْأ�ص َح ُ عليه���م من اهلل ال ِّر�ضوان ،فق���د قال �سبحانه﴿ :ﭑ ﭒ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [®.]29 : وج���ا َء يف هذا ا َ ال�ص ِحيح ـ �أ ْي�ض���ا ـ ِذ ْك ُر َط َر ٍف ِمنْ َ خل رَ ِب َّ النبي Íال��� َوا ِر َد ِة يف ال َّت ْو َراة ،وهو من رواية َع ْب ِد �أ ْو َ�ص���اف ِّ اهلل ب���ن عمرو بن العا����ص Èا ِلإ َم ِام َ احل�ْب�ررِْ ،ال َعا ِب ِد، هلل َ Íوا ْب ِن َ�ص ِاح ِب ِهِ ،وم���نَ الأُ ُمور التي ���ب َر ُ�س��� ْو ِل ا ِ َ�ص ِاح ِ َو َرد َْت يف َت ْر َج َم ِت���ه ممِ َّ ا له َت َعلُّ ٌق ِب ِروا َي ِته لهذا الأ َث ِر ،ما َذ َك َر ُه ���ام َّ «�سيرَ ِ �أَ ْع َال ِم ال ُّن َبالءِ» (ِ )81/3منْ الذهبي :يف ِ الإم ُ َ���ابَ ،و�أَ ْد َمنَ ال َّن َظ َر فيِ ُك ُت ِبهِ مَ ،و ْاع َت َنى �أَ َّن ُه َر َوى َعنْ �أَ ْه ِل ِ الكت ِ ِب َذ ِل َك.
(� )2أ َث ٌر َ�صحِ ُيح الإ�سناد :رواه �أحمد ( )1740عن �أُ ِّم �سلمة ،áانظر: تخريج �أحاديث «فقه ال�سرية» (�ص . )115 ني « .ºنهاية». ال�س ِّر ،وهو ِج رْ ِبي ُل الأم ُ (ْ � )3أي�َ :صاحِ ُب ِّ ( )4رواه البخاري ( ،)4وم�سلم ( )160عن عائ�شة áبلف ٍْظ ُمقَار ٍِب.
30
ﯟﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧﯨﯩ﴾ [\®]. «وهذه ال ْأ�ش َيا ُء ا َّل ِتي َو َ�ص َف ُ ْ�صود ر�سو َله حم َّمدً ا Íهي املق ُ اهلل بها ُ َ�ص بها: من رِ�سا َل ِته ،و ُز ْب َدتُها و�أُ ُ�صو ُلها ا َّل ِتي اخْ ت َّ الو�ص ُف الأ َّو ُل :ك ْو ُنه ﴿ﯝ﴾ ،وهذه ال�شهادة َتت ََ�ض َّمنُ ثال َث َة �أُ ُمورٍ: ْ ُ ال�ش َه���ا َد ُة لأ َِّمته Íمبا َف َع ُلوه ِمنْ َخيرْ ٍ َ �أ َّو ًالَّ : و�ش ٍّر ،كما قال تعاىل: ﴿ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ﴾ [^،]143: وق���ال﴿ :ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ﴾ [\`]؛ فهو �َ Íش ِاه ٌد َع ْد ٌل م ْق ُبو ٌل. ثاني���اَّ : ال�ش َها َد ُة على ا َمل َق���ا َال ِت وا َمل َ�سا ِئ ِل َح ِّقها و َب ِاط ِله���اَ ،ف َما �شهِ دَ له ال َّر ُ�س ُ ���ت يف �س َّنته؛ فهو َحقٌّ ،وما ِ�س َواه ���ول ِ Íم���نَ الأَ ْف َع ِال والأ ْق َوال بمِ َ ا َث َب َ «ال�صحيحني» َعنْ َعا ِئ َ�ش َة َ áقا َل ْتَ :ق َال فهو َب ِاط ٌل َم ْردُودٌ ،كما جاء يف َّ هلل َ « :Íمنْ �أَ ْحد ََث فيِ �أَ ْم ِر َنا َه َذا مَا َل ْي َ�س مِ ْن ُه َف ُه َو َردٌّ». َر ُ�س ُول ا ِ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
بت�ص ُّرف ( )5عن «تف�سري ال�سعدي» (�ص 614و�ص 736ـ ط :م�ؤ�س�سة الر�سالة) َ وزيادات ي�سرية.
سيرة وتاريخ
ثالثاَّ : ال�شها َد ُة هلل ـ َج َّل وعال ـ بال َو ْحدَ ان َّي ِة ،وا ِال ْن ِف َرا ِد بال َك َمال ﭱ ﭲﭳ﴾ [\½]. وج ٍه. ِمنْ ُك ِّل ْ وي ومعنى َك ْو ِنه ِح ْ�ص ًناْ � ،أي :حا ِف ًظا ل ُهم ِمنْ ُك ِّل ُ�سوءٍ و�ش ٍّر ُد ْن َي ٍّ ���ف ال َّثاين وال َّثال���ثَ :ك ْون ُه ِّ Í ال َو ْ�ص ُ مب�ش ًرا ونذي ًرا ،وي َو ِّ�ض ُح و�أُخْ َر ِو ٍّيِ ،وم ْ�ص ُ داق ذلك ق ْو ُله ﴿ :yﮬﮭﮮﮯ هذا َق ْو ُله تعاىل﴿ :ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [\.]o ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [\.]e ي�س َت ْل ِز ُم ِذ ْك َر املُ َب َّ�ش ِر وهذا ْ وهك���ذا الأنبي���اء ـ عليه���م واملُ ْن َ ���ذرِ ،وما ُي َب َّ�ش ُر ِب ِه و ُي ْن َذ ُر، ال�سالم ـَ ،ومنْ َ�سا َر على َن ْه ِجهِ م وج َب َة لذلك. وال ْأع َم َال املُ ِ من ال ُّدعاة �إىل اهلل y؛ ف�إ َّنهم ���م امل�ؤمن���ون فاملُ َب َّ�ش��� ُر هُ ُ َ يتحا�ش ْون َت ْع َ ري�ض �أ ْت َب ِاعهِ م لأيِّ املُ َّت ُق���ون ،الذي���ن َج َم ُع���وا بني َم ْك���رو ٍه ،و ُي َج ِّنبو َن ُهم ُك َّل َبالءٍ ما ���ح، ا�ست ََطاع���وا �إىل ذل���ك َ�س ِب ً الإمي���ان وال َع َم ِ ���ل َّ ال�صا ِل ِ ي�ل�ا، ْ وت ْر ِك املعا�صي؛ لهم ال ُب ْ�ش َرى نهج ِخ َال ًفا ِل َب ْع ِ ����ض َمنْ َخا َل َف َم َ يف َ احل َي���ا ِة ال ُّد ْن َيا ِب��� ُك ِّل َث َو ٍاب الأَ ْن ِب َيا ِء يف ال َّد ْع َو ِة �إىل اهلل ،y ���ب عل���ى ���ي ُر ِّت َ ُد ْن َي��� ِو ٍّي و ِدي ِن ٍّ و َت َن َّك َب جا َّد َت ُهم؛ َف�إ َّنه ال َي ْر َع ِوي الإميان وال َّت ْق َوى ،ويف الأُخْ َرى ����ض َب َلدً ا َك ِام ً �أَنْ ُي َع ِّر َ �ل�ا لل َّدمار بال َّن ِعيم املُ ِقيم. وا َ احلفاظ ���ل ِ خل��� َراب ِم���نْ � ْأج ِ َ وذلك ُكلُّه َي ْ�س َت ْل ِز ُم ِذ ْك َر َتف ِْ�ص ِيل ا َمل ْذ ُكور ِمنْ َت َف ِ ا�ص ِيل الأ ْع َم ِال ،على َ�شخْ ِ�ص ِه ،و َي َو ُّد َل ْو َي ْفت َِدي ِب ْ�أ َت َب ِاع ِه ِمن ُك ِّل َبالءٍ َي ْن ِز ُل ِب ِه! وخ َ�ص ِال ال َّت ْق َوى ،و�أ ْن َوا ِع ال َّث َواب. ِ الظاملُ���ونْ � ،أه ُل ُّ ���ذ ُر ه���م املُ ْج ِر ُمون َّ ���م َ والمْ ُ ْن َ واجل ْه ِل؛ لهم الظ ْل ِ ال َّن َ ���ذا َر ُة يف ال ُّدنيا م���ن ال ُع ُقوبات ال ُّدنيوية والدِّ ين َّي���ة املُترَ َ ِّت َبة على بي ْ Í املذ ُكو َر ِة يف ال َّت ْو َرا ِة ك ْو ُنه ع ْبدً ا َر ُ�سو ًال، ومن �أ ْو َ�ص ِ اف ال َّن ِّ اب َّ اجل ْه ِل ُّ َ والظ ْل ِم ،ويف الأُخْ َرى بال ِع َقاب ال َو ِب ِيل ،وال َع َذ ِ الط ِ ويل .وذلك يف َق ْو ِله�« :أَنْتَ َع ْبدِ ي َو َر ُ�سول». وه���ذه ا ُ وال�س َّنة جل ْم َل ُة تف ِْ�صي ُلها ،ما َجا َء ِب ِه ِ Íم���ن ِ الكت ِ َاب ُّ ْ امل�ش َتمِ ِل على ذلك»(.)5 ا�ص ٌة وه���ذه ال ُع ُبود َّي ُة ا َمل ْذ ُكو َر ُة هن���ا ،هي ُع ُبود َّي��� ٌة اخْ ِت َيار َّي ٌة َخ َّ ب�أ ْن ِب َيا ِئ���ه و�أ ْو ِل َيا ِئ��� ِه ـ �سبحانه ـ ،وهي َت ْقت َِ�ض���ي الت َّْ�ش ِر َ يف وال َّت ْك ِر َمي، ِوم���نَ َّ ال�ش َما ِئ ِل ال َّنبو َّية ال َوا ِر َد ِة يف التَّ���وراة :ك ْو ُنه :Íر ًزا ال�ش ِام َل��� ُة لجِ َ مِ ي ِع ا َ «حِ ْ وب�إِ َزا ِئه���ا ال ُع ُبو ِد َّي ُة ال َعا َّم��� ُة ا ِال ْ�ض ِط َرا ِر َّي ُة َّ خل ْل ِق، ِللأُ ِّم ِّي َ �ي�ن»؛ � ْأيِ :ح ْ�ص ًن���ا للأُ َّم ِّي�ي�ن ،وهم الذي���ن ال كتاب لهم من ()6 و َت ْقت َِ�ضي ال َه ْي َم َن َة وال َق ْه َر . العرب وغريهم. وق���د َذ َك َر اهللَ y õن ِب َّي��� ُه حم َّمدً ا Íـ وهو �أ ْك َر ُم ا َ خل ْل ِق عليه، و� َأح ُّبهم �إ َل ْي ِه ـ بال ُع ُبود َّية يف � ْأ�ش َر ِف َم َق َاما ِته و�أ ْف َ�ض ِل � ْأح َوا ِله؛ وذلك َ ُ ُ ���ام الت ََّحدِّ ي ب����أنْ َي�أْتُوا بمِ ِ ْث ِل ه���ذا ال ُق ْر� ِآن، ���ام ال ُّد َعاءَِ ،وم َق ِ ِوم���نْ ه���ذا ق ْول���ه تع���اىل﴿ :ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ يف َم َق ِ يحاءِ: ﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰ َوم َق ِام ال ْإ�س َراءَِ ،وم َق ِام �إ ْنزَ ِال ال ُقر�آنَ ،وم َق ِام الإِ َ ( )6انظر لبيان ذلك «فتاوى ابن تيمية» ( 43/1ـ ،)44و«القول املفيد» لل�شيخ ابن عثيمني ( 33/1ـ ط :ابن اجلوزي).
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
31
سيرة وتاريخ
﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ففي َم َق ِام ال ُّد َعا ِء قال �سبحانه: ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [\.]Ç ام الت ََّح���دِّ ي قال ﴿ :yﯢﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ويف َم َق ِ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﯵﯶ﴾ [\^]. ويف مق���ام ال ْإ�س َرا ِء قال �سبحانه﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ِع ْندَ هَ ا ِ�إ َل ًها ،و َر ًّبا ت ُْط َل ُب منه َ احل َوا ِئ ُج. الثاني���ةُ :م َف ِّر َط��� ٌة ُم َق ِّ�ص��� َر ٌة ،لمَ ْ َت ْع ِر ْف َم ْن ِز َل��� َة ال َّن ِب ِّي Íوال ���د َر ُه وال ُح ُقو َقه؛ َف َل ْم ت ْر َف ْع ب َه ْد ِي ِه ر�أْ ً�ساَ ،ب ْل ن َب َذ ْت ما جا َء ِب ِه ورا َء َق ْ املحدَ َث ِة ،وا َّت َب َع ِت الأهوا َء املُ ِ�ض َّل َة. َظ ْه ِرهَ اْ ، واع َت َمدَ ْت على الآراء ْ ف َو ْ�ص ُف��� ُه بال ُع ُبود َّية َر ٌّد على ال ُغ�ل�ا ِة ،و َو ْ�ص ُف ُه بال ِّر َ�سا َل ِة ر ٌّد على ا ُ جلفا ِة.
ﭕﭖﭗﭘ ﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟ
ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [\.]m النبي Íا َمل ْذ ُكو َر ِة يف التَّورا ِة ك ْو ُنه ُم َت َو ِّك ًال على ِومنْ �أ ْو َ�ص ِ اف ِّ ويف مق���ام �إ ْن���زَ ال الق���ر�آن ق���ال ﴿ :yﯔ ﯕ ﯖ ﯗ الو�ص ُ وع َل ًم���ا عليه؛ ِل ِ�ش َّدة ا�س ًما لهَ ، اهلل تع���اىل ،بل َ�ص���ا َر هذا ْ ���ف ْ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [\ ،]uوق���ال �أ ْي ً�ض���ا: ُ ْ النبي Íلهذه ال ِع َبادَة ال َع ِظي َمة ،كما جاء يف ل و به، ���ه ن َا ق ا ِ ترِ زوم ِّ ِ ﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﴾ «�س َّم ْي ُت َك امل َت َو ِّك َل». هذا الأ َثرَ : [\.]n يح���ا ِء ق���ال �سبحا ن���ه﴿ :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ���ام ا لإِ َ ويف َم َق ِ ﮀ ﮁ ﴾ [ \.)7( ]³ والتَّ���و ُّك ُل ُل َغ��� ًة ه���و ال َّتف ُ ْوي�ض وا ِال ْع ِت َم���ادُ� ،أ َّما َ�ش ْر ًع���ا فقد قال ُ وق���د ُخيرِّ َ نب ُّين���ا Íبينْ �أنْ َي ُكونَ َع ْبدً ا َر ُ�س���وال� ،أو َن ِب َّيا َم ِل ًكا؛ واحل َك ِم» ( 356/2ـ ط: «جام ِع ال ُع ُلوم ِ احلافظ ابنُ َر َج ٍب :يف ِ ر�سو ًال ،كما جاء ذلك يف ِ هلل فاخْ تَا َر �أنْ يكونَ َع ْبدً ا ُ حديث �أَ ِبي هُ َر ْي َر َة دار اخل�ي�ر)« :وحقيق ُة التو ُّك ِل هو�ِ :ص ْ ���د ُق ْاع ِت َما ِد ال َق ْل ِب ع َلى ا ِ ���الَ :ج َل َ�س ِج رْ ِبي ُ َ Çق َ ال�س َماءِ y ،يف ِا ْ�س ِت ْج�ل�اب ا َمل َنا ِف ِع ،و َد ْف ِع ا َمل َ�ضا ِّر ِم���نْ �أُ ُمور ال ُّد ْن َيا والآخرة ���ل �إِلىَ ال َّن ِب ِّي َ ،Íف َن َظ��� َر ِ�إلىَ َّ َف����إِ َذا َم َل ٌك َي ْن ِز ُلَ ،ف َق َال َل ُه ِج رْ ِبي ُ ���ان ِب�أَ َّنه ال ُي ْع ِطي وال ���ل� :إِنَّ هَ َذا َم َل ٌك َما َنزَ َل ُم ْن ُذ ُخ ِلقَ ُك ِّل َه���ا وو ِّكلت الأمور كلُّه���ا �إليه ،وتحَ ْ ِقيقُ الإ َمي ِ َق ْب َ ال�س َاع ِة! َف َل َّما َنزَ َلَ ،ق َالَ :يا محُ َ َّمدُ� ،أَ ْر َ�س َل ِني �إِ َل ْي َك َر ُّب َك؛ �أَ َم َل ًكا يمَ ْ َن ُع وال َي ُ�ض ُّر وال َي ْن َف ُع ِ�س َوا ُه»اهـ. ���ل َّ �أَ ْج َع ُل َ و َق ِد ْام َت َث َل َر ُ�س ُ ���ك� ،أَ ْم َع ْبدً ا َر ُ�سو ًال؟ َق َال َل ُه ِج رْ ِب ُيلَ :ت َو َ ا�ض ْع ِل َر ِّب َك َيا محُ َ َّمدُ، ول اهلل ْ � Íأم َر ر ِّب ِه yبالتَّو ُّكل عليه؛ � ْإذ �أَ َم َر ُه َق َالَ « :ب ْل َع ْبدًا َر ُ�سو ًال»(.)8 ا�ض َع ِع َّد ٍة من ال ُقر�آن الكرمي ،وذلك يف ِم ْث ِل ق ْو ِله :y بذلك يف َم َو ِ ���ام البخ���اري يف ﴿ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [\_]، ويف ه���ذا ج���اء احلدي���ثُ ال���ذي رواه الإم ُ ���ن َع َّبا� ٍ���س � ،Èأ َّنه َ�سمِ ��� َع ُع َم َر وق ْو ِل���ه تع���اىل﴿ :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ «�صحيح���ه» (َ )3445ع���نْ ا ْب ِ [ ،]58 :uوقو ِل���ه ﴿ :yﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ���ي َ Íي ُق ُ َ Çي ُق ُ ولَ « :ال ُت ْط ُرونيِ ���ول َع َلى المْ ِ ْن رَ ِب�َ :سمِ ْعتُ ال َّن ِب َّ ن���ا �أَ َنا َع ْب ُدهُ؛ َف ُقو ُلواَ :ع ْب ُد ﭨ﴾ [\ ،]wوقو ِل���ه ﴿ :yﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ َك َم���ا �أَ ْط َرتِ ال َّن َ�صا َرى ا ْب َن َم ْريمَ ََ ،ف ِ�إ مَّ َ ﭴ ﭵ﴾ [\{]. اللهَّ ِ َو َر ُ�سو ُلهُ». ويف قول���ه�« :أَنْتَ َع ْبدِ ي َو َر ُ�سول» ر ٌّد على َطا ِئ َف َتينْ ُم ْن َح ِر َف َتينْ ال�س ِبيل: َعنْ َ�س َوا ِء َّ ومن َّ ال�شمائل ال َّن َبو َّية ْ املذ ُكورة يف هذا الأث َِر َك ْو ُنه َ « :Íل ْي َ�س فج َع َل ْت ُه الأوىلُ :مف ِْر َط��� ٌة َغا ِل َي��� ٌة ،ر َف َعتْ��� ُه َ Íف��� ْو َق َم ْن ِز َل ِت��� ِهَ ، ِيظ». ِب َف ٍّظ َو َال َغل ٍ َف ْو َق َمر َت َب��� ِة ال ُع ُبود َّيةَ ،ب ْل يف َم ْر َت َب ِة ال ُّر ُبوبية والأُ ُلوه َّية ،حتَّى َ�صا َر ( )7انظ���ر« :فت���اوى ا ب���ن تيمية» ( ،)152 /10و«ا جل���واب الكايف» ال ب���ن القيم (�ص .)132 (� )8صحيح :رواه �أحمد ،وابن حبان ،انظر« :ال�صحيحة» (.)1002
32
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
عام َلته مع احلقِّ ـ تبارك وتع���اىل ـ ب َت َو ُّك ِله ���ن ُم َ َف َب ْع���دَ ِذ ْك ِر ُح ْ�س ِ
�ل�ا ِق ال ُق��� ْر�آن؛ � ْإذ قال ُ ���ي Íيف ه���ذا ُمت ََخ ِّل��� ٌق ب�أخْ َ اهلل وال َّنب ُّ خماط ًبا َن ِب َّي��� ُه ﴿ :Íﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ِ y ﮘﮙ﴾ [ ،]s\ وق���ال ﴿ :yﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ﴾ [ ،]¦\ وق���ال ﴿ :yﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ
سيرة وتاريخ
معام َل ِته م���ع ا َ خل ْل ِق ،و َكم ِ ���ن َ علي���ه ،جا َء ِذ ْك��� ُر ُح ْ�س ِ ���ال �أخْ ال ِقه يف ﯨ ﯩ ﯪﯫ﴾ [ \ ،]aو ق���ال �سبحا ن���ه: وخ ْل َطتِهِ م. ِع ْ�ش َرتِهِ م ِ ﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [_.]159 : وال َف َظ َ اظ��� ُة وال ِغ ْلظ��� ُة ُم َت َقا ِر َبتَ���ان يف امل ْع َنى ،وهُ َم���ا ِ�ض ُّد ال ِّلني النبي Íكما قال ﴿ :yﭙ ﭚ ﭛ وال ِّر ْف ِ ���ق ال َّل َذ ْين كانا ُخ ُلقَ ِّ ُث َّم ج���اء يف َو ْ�ص ِفه Íيف التَّ���وراةَ « :و َلنْ َي ْق ِب َ�ض��� ُه اللهَّ ُ َح َّتى ﭜﭝ ﭟ ﭞﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ﴾ [_ُ .]159 :يقِي َم ِب ِه المْ ِ َّل َة ا ْل َع ْو َجاءَ». ا�ش َر ِة ال َّنا����س ،واال ْن ِب ُ وه���ذا ال ِّل ُني َي ْن ُج ُم عن���ه ُح ْ�س���نُ ُم َع َ �ساط النبي Í؛ ففي وج ِ �إ َل ْيهِ ���م والت َب ُّ�س ُ ���م يف ُ وههِ م ،وهكذا كان ُخ ُل���قُ ِّ ُ y َ قيم به النبي الكر َمي Íحتَّى ُي َ �أي :ل���نْ يمُ ِ ي َـت اهلل ه���ذا َّ «ال�صحيح�ْي�نْ » َع���نْ َج ِر ِير ْبن عبد اهلل ال َب َج ِّلي َق َ ���ال«َ :ما َح َج َب ِني َّ َّ ُ ال َّن ِبي ُ Íم ْن ُذ �أَ�س َلمتُ َ ،و َال َر�آ �إ َّال َت َب�س َم فيِ َو ْجهِ ي»؛ ولهذا َتر َج َم ا ِمللة ال َع ْو َجاء ،وف ِّ�س َر ْت بتف�س َري ْين: ْ ْ ْ نيِ ِ َّ ُّ ا�ض���ي ِع َيا�ض :يف «م�ش���ارق الأ ْن َوار» الأول :م���ا َذ َك��� َر ُه ال َق ِ البخاري يف «الأدب املفرد» (�ص )95لهذا الأ َث ِر ا َّلذي فيه إمام ُّ ال ُ َ َّ َّ َ َ اهيم ـ ِمل���ة ال ْإ�سال ِم ـ ال ِتي ا�س» )104/2( .حي���ث قال« :يعني ِمل���ة �إ ْب َر َ «باب اال ْن ِب َ�س ِ ِ�ص َف��� ُة ال َّن ِب ِّي Íيف التَّ��� ْو َرا ِة بقولهُ : ���اط �إىل ال َّن ِ َ ُ َ َ َ َ غيرَّ َ ْت َها اجلاهل َّية َعنْ ِا ْ�س ِتق َام ِت َها ،و�أمال ْت َها َب ْعدَ ق َو ِام َها»اهـ. َو َو ْج ُه ذلك �أنَّ َ إبراهيم َ ،ºم�أْ ُخوذ ٌة احل ِني ِف َّي َة ا َّلتي هي ِم َّل ُة � َ ا�س ِت َق َام ِة َج��� َوار ِِح الن ِب ِّي ِ Íم���نَ َ و َب ْع���دَ �أنْ َو َر َد يف ه���ذا الأ َث ِر ِذ ْك ُر ْ احل َن ِف وه���و ا َمل ْي ُل؛ لأ َّنها َما َل ْت عن جمي��� ِع ُط ُر ِق َّ ال�ضالل �إىل الط ِر ِيق الذي َر ِ�ض َي ُه ُ ا�س ِت َق َام ِة ِل َ�سا ِنه َّ ال�شريف ،وذلك ِب َو ْ�ص ِفهَ « :و َال َّ املُ َبا َر َك��� ِةَ ،جا َء ِذ ْك ُر ْ اهلل َ ،yف ِق َيل َل َها« :ا ِمل َّل ُة ال َع ْو َجا ُء»؛ لأنَّ فيها َ�س َّخابٍ فيِ الأَ ْ�س َواقِ ». اجا عن طريق ِّ ال�ش ْر ِك �إىل طريق التوحيد ،وعن � ْأه ِل َم ْي ًال ْ واع ِو َج ً ِّ ال�ش ْر ِك �إىل � ْأه ِل التَّوحيد(.)9 الث���اين :م���ا ذ َك َر ُه ا ْب���نُ بط���ال يف «�شرح �صحي���ح البخاري» ���ب ـ و ُي ُ باخل َ�ص ِام ال�ص ْو ِت ِ وال�س َخ ُ ال�ص َخ ُب ـ هو َر ْف ُع َّ قال �أي�ضاَّ : َّ وه َي ِم َّل ُة ال ُكف ِْر؛ (َ ،)254 /6ح ْيثُ قال« :المْ ِ َّل ُة ا ْل َع ْو َجا ُء :املُ ْع َو َّج ُةِ ، واق ِّ وخ َّ�ص ِت ال ْأ�س ُ ���ال َمنْ ال ِح ْل َم له َو َال َو َق���ا َرُ ، بالذ ْك ِر ِلكَثرْ َ ِة ما َك َح ِ ُ َ َ ُ َ َ َ َ ���ام اهلل ِبن ِب ِّي ِه ِع َو َج الكف ِْر َحتَّى ظ َه َر ِدي���نُ الإِ ْ�سال ِمَ ،و َو َ�ض َح ْت ف�أق َ البخاري إمام ُّ ال�ص َخ ِب وال َّل َغ ِط؛ وله���ذا َت ْر َج َم ال ُ َي ْج ِري فيه���ا ِمنَ َّ �أَ ْع َال ُمهُ» اهـ. ِل َه َ ���ب فيِ ال�س َخ ِ ���ذا الأ َث ِ���ر يف «�صحيح���ه» بق ْول���هَ « :ب ُ ���اب َك َر ِاه َي��� ِة َّ «ال�ص َو ِاع ِق ال�صدَ ِد ق���ال ال ُ إمام ابنُ الق ِّي���م :يف َّ ويف ه���ذا َّ وق». ال�س ِ ُّ ���ال ال َّنا� ِ���س َق ْب َ ا�ص ًف���ا َح َ ���ل ال ِب ْع َث��� ِة: املُ ْر َ�س َل��� ِة» ( 148 /1ـ َ )149و ِ «و َكا َن ِت الأُممَ ُ ـ �إِ ْذ َذ َ اك ـ ما َبينْ َ ُم ْ�ش ِر ٍك ِبال َّر ْح َمن؛ َعا ِب ٍد ِللأَ ْو َثان، ِوم���نَ الأخْ َ لل�ص ْل َب ِان �أ ْو َعا ِب ٍد َّ �ل�ا ِق ال َّن َبو َّي ِة ْ لل�ش ْم ِ�س وال َق َم ِر وال ُّن ُج ِوم، وعا ِب ٍد لل ِّن َري ِانَ ، املذ ُكو َر ِة يف هذا الأث��� َِر ك ْو ُنه َ « :Íال َ وعا ِب ٍد ُّ هلل َ احل ِّي ال َق ُّي���وم� ،أ ْو تَا ِئ ٍه يف َب ْيدَ ا ِء َ�ض َال َل ِت��� ِه َحيرْ َ انَ ،ق ِد ال�س ِّي َئ َة؛ َو َلكِنْ َي ْع ُفو َو َي ْغ ِف ُر». َكا ِف ٍ���ر ب���ا ِ ِال�س ِّي َئ ِة َّ َي ْد َف ُع ب َّ ِا ْ�س َت ْه َوا ُه َّ ال�ش ْي َطانَ ،و َ�س َّد َع َل ْي ِه َط ِريقَ الهُدَ ى والإِ َميان» اهـ. ُث َّم جاء يف هذا الأَ َث ِرِ « :ب�أَ ْن َي ُقو ُلواَ :ال ِ�إ َل َه ِ�إ َّال اللهَّ ُ». يط َم ْ�س ُم ٍوع ملعايل ال�شيخ �صالح بن عبد العزيز �آل ( )9هذا الكالم ُم ْ�س َتفَا ٌد مِ نْ َ�ش ِر ٍ ُ َاب « َف ْ�ضل الإ�سالم». ال�شيخ ،فيه َ�ش ْر ُح كِ ت ِ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
33
سيرة وتاريخ
وهذه ال َك ِل َم ُة الط ِّي َب ُة ـ َك ِل َم ُة ال َّت ْو ِح ِيد ـ هي ا َّل ِتي َب َعثَ ُ اهلل yبها َر ُ�سو َل��� ُه محُ َ َّمدً ا ،Íوه���ي � ْأ�ص ُل ِد ِين ال ْإ�سالم الذي �أ ْنزَ َل ُ اهلل ِب ِه ِ ُكت َبهُ ،و�أ ْر َ�س َل ِب ِه ُر ُ�س َلهُ. ���ي Íدع َو َتهُ؛ ف َعنْ َط���ارِقٍ المْ ُ َحا ِر ِب ِّي Ç وبه���ا ا ْب َتدَ َ�أ النب ُّ َق َالَ :ر�أَ ْيتُ َر ُ�س َ وق ِذي المْ َ َجازَِ ،و َع َل ْي ِه ُح َّل ٌة َح ْم َرا ُء، ول اهلل Íيف ُ�س ِ َوهُ ��� َو َي ُق ُ ول« :ي���ا �أَ ُيهَّا ال َّنا� ُ���سُ ،قو ُل���واَ :ال ِ�إ َل��� َه �إِ َّال اللهَّ ُ؛ ُت ْفل ُِحوا»... احلديث(.)10 قام ْت بي Íو�أُ َّ�س َها الذي َ فتبينَّ َ من هذا �أنَّ حقي َق َة د َْع َو ِة ال َّن ِّ علي���ه هو َتق ِْري ُر التَّوحي���د ،وتحَ ْ ِقيقُ َم ْع َنى «ال �إ َل��� َه �إ َّال ُ اهلل» ،وذلك ومنْ َو َرا ِئ ِه �أُ َّم َت ُه بق ْو ِله﴿ :ﰊ ﰋ ْام ِت َثا ًال ل ْأم ِر اهلل َ yن ِب َّي ُه ِ ،Í ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ﴾ [ ﯜ.]19 : النبي Íيف التَّ��� ْو َراة ب�أ َّنه: ُث َّ ���م جا َء َب ْع���دَ ذلك َو ْ�ص ُف د َْع��� َو ِة ِّ « َي ْف َت ُح ِبهَا �أَ ْع ُي ًنا ُع ْم ًياَ ،و�آ َذا ًنا ُ�ص ًّماَ ،و ُق ُلو ًبا ُغ ْل ًفا». ق���ال املُ َّ �ل�ا َع ِلي الق���اري يف «مرقاة املفاتي���ح» (:)420 /16 «« َو ُق ُلو ًب���ا ُغ ْل ًف���ا» ِب َ�ض ِّم �أَ َّو ِل ِهَ :ج ْم ُع � ْأغ َل ُ ���ف ،وهو ا َّل ِذي ال َي ْف َه ُمَ ،ك�أَنَّ َق ْل َب ُه يف ِغ َال ٍف. َ ���وم وا َمل َعار ِِف ،قال و�إنمَّ���ا َذ َك َر هذه الأ ْع َ�ض���ا َء؛ لأ َّن َها �آ َالتٌ ِل ْل ُع ُل ِ تعاىل يف َحقِّ ال ُكفَّارِ﴿ :ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [^ ،]7 :وق���ال ﴿ :ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ [^ ،]171 :و َل َع َّل���ه لمَ ْ َي ْذ ُك ِر ال ِّل َ�س���انَ يف َم ْع ِر ِ�ض هذا ال َب َيان؛ لأ َّنه َت ْر ُج َمانُ َ اجل َنان ،والإِ َنا ُء َيترَ ََّ�ش ُح بمِ َ ا ِفي ِه ِمنَ الأَ ْع َيان» اهـ. ويف ه���ذه اجلمل���ة ـ كما ق���ال الإمام اب���ن القي���م ـ يف ِ«هدَ ا َية َ ���ب ال ِع ْل ِم والهُدَ ى احل َي���ا َرى» (�ص �« :)76إِ َ�ش���ا َر ٌة �إىل َت ْكمِ ِيل َم َرا ِت ِ َ وب والأَ ْب َ�صا ِر والأَ ْ�س َم���ا ِعَ ،ف َبا َي ُنوا ِب َذ ِل َك احل ِ ���ل بِدَ ْع َو ِت ِه يف ال ُق ُل ِ ا�ص ِ ���وب ال َي ْع ِق ُلونَ ِب َهاَ ،ف�إِنَّ ال�ص ِّ ���م ال ُب ْك ِم ال ُع ْم ِي ا َّل ِذينَ َل ُه ْم ُق ُل ٌ �أَ ْح��� َو َال ُّ الهُدَ ى َي ِ�ص ُ وه َي ُم ْغ َل َق ٌة َعنْ اب ال َّث َال َث ِةِ ، ���ل �إىل ال َع ْب ِد ِمنْ هَ ِذ ِه ا َلأ ْب َو ِ َ���ح اهلل بمِ ُ َح َّم ٍد Í ُك ِّل � َأح ٍ���د ،ال ُت ْفت ُ َ���ح �إ َّال عل���ى �أ ْي ِدي ال ُّر ُ�سل ،ف َفت َ ال�ص َّم َف َ�سمِ َع ْت َع ِن اهلل، ال ْأع�ُي�ننُ َ ال ُع ْم َي َف�أَ ْب َ�ص َر ْت ِب���اهلل ،وال َآذانَ ُّ ���وب ال ُغ ْل َ ���ن اهلل؛ فا ْن َقاد َْت ِل َط َاع ِت��� ِه َع ْق ًال و َق ْو ًال وال ُق ُل َ ���ف َف َع ِق َل ْت َع ِ
و�س َل َك ْت ُ�س ُب َل َم ْر َ�ضا ِت ِه ُذ ُل ًال»اهـ. َ وع َم ًالَ ، ِوم���نْ َف َرا ِئ ِد ال َف َوا ِئد ،ما َذ َك��� َر ُه َ�ش ْيخُ الإ�سالم ا ْبنُ تيمية : وال�س َح َر ِة ،و َت�أْث�ِيِرِ ِ ُك ِّل ِمنْ هَ �ؤُال ِء م���ن ال ُف ُروق بني الأ ْن ِب َي���ا ِء ‡ َّ وب والأَ ْب َ�صا ِر والأَ ْ�س َما ِع ،فقال يف «النب َّوات» (�ص وهَ �ؤُال ِء على ال ُق ُل ِ «فال�س ِاح��� ُر ُيف ِْ�س��� ُد ا ِلإ ْد َر َ اك ،حتَّ���ى َي ْ�س َم��� َع الإ ْن َ�سانُ 289ـ َّ :)290 َّ ال�ش ْي َء ،و َي َرا ُه ،و َيت ََ�ص َّو َر ُه ِخ َال َف ما هو عليه ،والأ ْن ِب َيا ُء ُي َ�ص ِّح ُحون وع ْق َلهُ ،وا َّلذي���ن َخا َل ُفوهُ ْم ﴿ﭶ ﭷ ﭸ َ�س ْم��� َع الإ ْن ِ �سان و َب َ�ص��� َر ُه َ فال�س َح��� َر ُة َي ِزي���دُون ال َّنا� َ���س َع ًمى ﭹﭺﭻﭼ﴾ [\^]؛ َّ و�ص َم َم ُه ْم و َب َك َم ُهم». و�ص َم ًما و َب َك ًما ،والأَ ْن ِب َيا ُء َي ْر َف ُعونَ َع َماهُ ْم َ َ ْ�ص���و ُد هُ َنا �أنَّ الأ ْن ِب َيا َء َي ْفت َُحون ال ْأعينُ َ �إىل �أَنْ َق َال « ::واملق ُ ال�س ْم َع ال�ص َّم ،وال ُق ُل َ ال ُع ْم َي ،والآذان ُّ وال�س َح َر ُة ُيف ِْ�سدُون َّ وب ال ُغ ْل َفَّ ، وال َب َ�ص َر وال َعق َْل حتَّى ُي َخ َّي َل للإ ْن َ�س ِان ال ْأ�ش َيا ُء ِب ِخ َال ِف ما هي َع َل ْي ِه؛ �ص��� ِة مو�سى﴿ :ﯢ ﯣ َف َي َت َغ�َّي�رَّ َ ِح ُّ�س��� ُه َ وع ْق ُل���هُ ،قال يف ِق َّ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ﴾ [\]c؛ وهَ َذا ا�س َق ْد َح َ�ص َل ِفيها َت َغ�ُّي ؛رُّ ٌ ؛ و ِل َه َذا قال تعاىل: َي ْقت َِ�ض���ي �أَنَّ � ْأعينُ َ ال َّن ِ ﴿ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
���د َع ِل ُم���وا ﯬ ﯭ ﯮﯯﯰ ﯱﯲ﴾ [\]k؛ َف َق ْ وج ُب ا َمل َر َ�ض وال َقت َْل» اهـ. ا�سَ ،ك َما ُي ِ �أنَّ ِّ ال�س ْح َر يغيرِّ ُ ال ْإح َ�س َ و� ِآخ ُر د َْع َوا َنا �أَ ِن َ احل ْم ُد هلل َر ِّب ال َعالمَ ِني.
(� )10صحيح :رواه ابن حبان ،انظر�« :صحيح موارد الظم�آن» (.)1401
34
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
اجلـزء الـثـاين
11أقسام الخشوع 11
اخل�شوع خ�شوع���ان :خ�شوع ظاهري، وخ�شوع باطني. فقد ر َوى ابن ن�ص���ر يف «تعظيم قدر علي﴿ :ﭕﭖ ال�صالة» ( )188/1عن ٍّ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [\،]s َ قال« :اخل�شو ُع خ�شو ُع القلب و�أن ال يلتفت ميي ًنا وال �شما ًال». وق���د ج���اء التَّنوي���ه بهما فيم���ا رواه م�سلم (َ )234ع���نْ ُع ْق َب َة ِبن َع ِام ٍر َق َال: ���ل َف َجا َء ْت َن ْو َب ِتي « َكا َن ْ ���ت َع َل ْي َنا ر َِعا َي ُة الإِ ِب ِ َف َر َّو ْح ُت َها ب َع ِ�ش ٍّيَ ،ف�أَ ْد َر ْكتُ َر ُ�س َ هلل Í ول ا ِ َقا ِئ ًم���ا ُي َحدِّ ُث ال َّنا� َ���سَ َ ،ف�أ ْد َر ْكتُ ِمنْ َق ْو ِل ِه «مَا مِ نْ م ُْ�سل ٍِم َي َت َو َّ�ض ُ����أ َف ُي ْح�سِ ُن ُو ُ�ضو َء ُه ُث َّم َي ُق���و ُم َف ُي َ�ص ِّلي َر ْك َع َتينْ ِ ُم ْق ِب ٌل َعلَ ْي ِه َما ب َق ْل ِب ِه َو َو ْج ِه ِه �إِ َّال َو َج َبتْ َل ُه ا َ جل َّن ُة»َ ،ق َال: َف ُق ْلتُ َ :ما �أَ ْج َو َد هَ ِذ ِه.»... والإقبال عليهما بالقلب هو اخل�شوع، كم���ا ج���اء مب َّين���ا يف «�صحي���ح م�سل���م» (� )228أنَّ ر�سول اهلل Íقال« :مَا مِ ِن ْام���رِئٍ م ُْ�س ِل ٍ���م تحَ ْ ُ�ض��� ُر ُه َ�ص َ �ل�ا ٌة َم ْك ُتو َب��� ٌة
عبد املالك رم�ضاين املدينة النبوية
َف ُي ْح�سِ ُ ���ن ُو ُ�ضو َءهَا َو ُخ ُ�شو َعهَ���ا َو ُر ُكو َعهَا �إِ َّال َكا َن���تْ َك َّفا َر ًة لمِ َ���ا َق ْبلَهَا مِ َن ُّ الذ ُنوبِ مَا ري ًة َو َذل َِك الدَّهْ َر ُك َّلهُ». لمَ ْ ُي�ؤْتِ َك ِب َ ���ووي« :وقد جمع Íبهاتني قال ال َّن ُّ ال َّلفظت�ي�ن �أنواع اخل�ض���وع واخل�شوع؛ لأنَّ اخل�ضوع يف الأع�ضاء ،واخل�شوع بالقلب، على ما قاله جماعة من العلماء»(.)1 ويف معناه قوله َ :Í «خ ْم ُ�س َ�صلَ َواتٍ ا ْفترَ َ َ�ض ُه���نَّ ُ اهلل َت َع���الىَ َم���نْ �أَ ْح َ�س َ ���ن ُو ُ�ضوءَهُ ���نَّ َو َ�ص َّ الهُ ���نَّ ِل َو ْق ِتهِ���نَّ َو�أَ مَ َّ ت هلل ُر ُكو َع ُه���نَّ َو ُخ ُ�شو َع ُه���نَّ َكا َن َل��� ُه َعلَ���ى ا ِ َعهْ��� ٌد �أَ ْن َي ْغفِ��� َر َل ُه َو َم���نْ لمَ ْ َي ْف َع ْل َفلَ ْي َ�س هلل َعهْ��� ٌد ِ�إ ْن َ�ش���ا َء َغ َف َر َل��� ُه َو ِ�إ ْن َل��� ُه َعلَ���ى ا ِ َ�شا َء َع َّذ َبهُ»(.)2
فاخل�ش���وع َّ ال�ص�ل�اة الظاه���ري يف َّ يتم َّثل يف: ترك احلركة والكالم: ولذلك ي�ضاف اخل�شوع �إىل الأ�صوات كما ق���ال ﴿ :yﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [\.]p (�« )1شرح م�سلم» (.)121/3 ( )2رواه �أبو داود ( )425وهو �صحيح.
تزكية وآداب
الخشوع
روى البخ���اري ( )1199وم�سل���م هلل بن م�سع���ود َق َال: (َ )538ع���ن َع ْب ِد ا ِ هلل َ Íوهُ َو يف ���ول ا ِ ���م َع َلى َر ُ�س ِ ُك َّن���ا ُن َ�س ِّل ُ ال�ص َ �ل�ا ِةَ ،ف�َي�رَ ُ ُّد َع َل ْي َناَ ،ف َل َّم���ا َر َج ْع َنا ِمنْ َّ ���م َي ُر َّد ِع ْن ِ ���ي َ�س َّل ْم َن���ا َع َل ْي��� ِه َف َل ْ ���د ال َّن َج ِا�ش ِّ َع َل ْي َن���اَ ،ف ُق ْل َناَ :ي���ا َر ُ�س َ هلل! ُك َّن���ا ُن َ�س ِّل ُم ول ا ِ ال�ص َال ِة َفترَ ُ ُّد َع َل ْي َناَ ،ف َق َال�ِ « :إ َّن َع َل ْي َك يف َّ ال�ص َ ال ِة ُ�ش ْغ ً ال». يف َّ
ولذلك كان من اخل�شوع ُّ غ�ض الب�صر عن ال َّنظر ميي ًنا و�شما ًال كم���ا ُي�ض���اف �إىل الأب�ص���ار؛ ق���ال اهلل ﴿ :yﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [´ ،]7 :ولذل���ك كان م���ن اخل�ش���وع ُّ غ�ض الب�صر ع���ن ال َّنظر ميي ًنا و�شما ًال؛ فق���د « َكا َن � Íإِ َذا َ�ص َّلى َط�أْ َط�أَ َر�أْ َ�س��� ُه َو َرمَ���ى ِب َب َ�ص��� ِر ِه َن ْح��� َو الأَ ْر ِ�ض»(،)3 و�ص���ح ـ � ً أي�ض���ا ـ من روايت���ه «�أ َّن���ه Íلمَ َّا َّ دخ���ل الكعب���ة م���ا خ َّل���ف ب�ص��� ُره مو�ض��� َع �سجوده ح َّتى خرج منها»(.)4 ( )3رواه احلاكم ( )393/2وهو �صحيح. (« )4امل�ستدرك» للحاكم ( )479/1و�صححه.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
35
تزكية وآداب
وم���ن اخل�ش���وع ت���رك التَّل ُّف���ت يف «اخ ِت َ ال�صالة؛ فقد ق���ال عنه ْ :Í ال ٌ�س َّ ���ان مِ ���نْ َ�ص َ َي ْخ َتل ُِ�س��� ُه َّ ال�ش ْي َط ُ �ل�ا ِة ال َع ْبدِ » رواه البخاري (.)751 ونق َ ���ل اب���نُ حج���ر يف «فت���ح الباري» ( )235/2ع���ن ِّ «�س ِّم َي الطيب���ي قو َل���هُ : ���ح ِت ْل َ ���ك ال َف ْع َل��� ِة ِاخْ ِت َال ً�س���ا ت َْ�ص ِوي��� ًرا ِل ُق ْب ِ ���ي ُي ْق ِب ُ ���ل َع َل ْي��� ِه بالـ ُمخْ َت ِل� ِ���س؛ َلأنَّ الـ ُم َ�ص ِّل َ ال��� َّر ُّب ُ�س ْب َحا َن��� ُه َو َت َع���الىَ َ ،و َّ ال�ش ْي َط���انُ ُم ْرت َِ�ص ٌد َل ُه َي ْنت َِظ ُر َف َوات َذ ِل َك َع َل ْي ِهَ ،ف ِ�إ َذا ���ت ِا ْغ َت َن َم َّ ال�ش ْي َط���انُ ال ُف ْر َ�ص َة َف َ�س َل َب ُه ِا ْل َت َف َ ِت ْل َك َ احلا َلة». وم���ن اخل�ش���وع ت���رك احلركة يف ال�صالة �أو تدعو ال�ص�ل�اة �إ َّال ع َّما ُي�صلح َّ َّ احلاج��� ُة �أو َّ ال�ض���رور ُة �إلي���ه ،فق���د روى م�سلم (َ )580عنْ َع ِّلي ِبن َع ْب ِد ال َّر ْح َم ِن هلل بنُ ُع َم َر الـ ُم َعاوِيِّ �أَ َّن ُه َق َالَ :ر�آنيِ َع ْب ُد ا ِ ال�ص َ َو�أَ َن���ا �أَ ْع َبثُ َ �ل�ا ِةَ ،ف َل َّما باحل َ�صى يف َّ ا ْن َ�ص��� َر َف َن َهانيِ َف َق َ ا�ص َن��� ْع َك َما َكانَ ���الْ : َر ُ�س ُ هلل َ Íي ْ�ص َن��� ُعَ ،ف ُق ْل���تُ َ :و َك ْي َف ���ول ا ِ َكانَ َر ُ�س ُ هلل َ Íي ْ�ص َن��� ُع؟! َق َالَ :كانَ ���ول ا ِ ال�ص َال ِة َو َ�ض��� َع َك َّف ُه ال ُي ْم َنى �إِ َذا َج َل� َ���س يف َّ َع َل���ى َف ِخ ِذ ِه ال ُي ْم َنى َو َق َب َ ����ض �أَ َ�صا ِب َع ُه ُك َّل َها َو�أَ َ�ش���ا َر ب ِ�إ ْ�ص َب ِع ِه ا َّلتي َت ِل���ى ا ِلإ ْب َه َام َو َو َ�ض َع ���ذ ِه ال ُي ْ�س َرى» ،بل َكفَّ��� ُه ال ُي ْ�س َرى َع َل���ى َف ِخ ِ حتَّ���ى � ِإن احتاج �إىل ت�سوي���ة الأر�ض ا َّلتي ال�ص�ل�اة؛ ف�إ َّنه ال ي�سج���د عليها وه���و يف َّ ()5 «ال�صحيحني» يزيد على واح���دة ،ففي َّ �أَنَّ َر ُ�س َ هلل َ Íق َال يف ال َّر ُج ِل ُي َ�س ِّوي ���ول ا ِ َاب َح ْيثُ َي ْ�س ُج ُد َق َال�« :إِ ْن ُكنْتَ َفاعِ ً ال الترُّ َ َفوَاحِ َد ًة». ( )5البخاري ( ,)1207وم�سلم (.)546
36
ق َ و�أق ُّل ما حت�صل به طم�أنينة الأع�ضاء ���ال ال َّن���ووي يف «�ش���رح م�سل���م» (« :)37/5وا َّتف���ق العلم���اء على كراهة �أن ي�سكن ج�سم امل�ص ِّل���ي عند ِّ كل انتقال امل�سح؛ لأ َّنه ين���ايف التَّوا�ضع ،ولأ َّنه ي�شغل من ح���ال �إىل حال؛ كم���ا روى ابن ماجه ال�ساعدي امل�ص ِّلي». ( )863ع���ن ع َّبا�س بن �سه���ل َّ روى اب���ن ن�ص���ر يف «تعظي���م ق���در ق���ال« :اجتم���ع �أب���و حمي���د و�أب���و �أ�سي���د ال�ساع���دي و�سه���ل بن �سع���د وحم َّمد ابن ال�صالة» ( )138عن جماهد﴿ :ﭖ َّ َّ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [\^] ،ق���ال :فم���ن م�سلم���ة؛ فذكروا �ص�ل�اة ر�سول اهلل Í القنوت ال ُّركود واخل�ش���وع ُّ وغ�ض الب�صر فق���ال �أبو حمي���د� :أن���ا �أعلمك���م ب�صالة وخف�ض اجلناح م���ن رهبة اهلل ،yكان ر�س���ول اهلل � ،Íإنَّ ر�س���ول اهلل Í كب �إذا ق���ام �أحدهم ي�ص ِّلي يه���اب ال َّرحمن قام فك�َّب�رَّ ورفع يديه ،ث َّ ���م رفع حني رَّ �أن ي�ش��� َّد ب�ص���ره �إىل �ش���يء �أو يلتف���ت �أو لل ُّركوعَّ ،ثم قام ،فرفع يديه وا�ستوى حتَّى يقلب احل�صى �أو يعب���ث ب�شيء �أو يحدِّ ث رجع ك ُّل عظم �إىل مو�ضعه». ق���ال ه�شام بن ع���روة :ق���ال يل ابن نف�سه من �ش����أن ال ُّدني���ا �إ َّال نا�س ًيا ما دام يف �صالته» ،مع َ ذلك َّ بي Íيف املنكدر« :لو ر�أيت ابن الزُّبري وهو ي�ص ِّلي رغب ال َّن ُّ لقلت غ�ص���ن �شجرة إعظاما ت ِ َرك ا َمل�س���ح � ً ال�ص�ل�ا ِة ،و�أق ُّ ُ ����ل م��ا حت�صل ب��ه طم�أنينة ي�صفقه���ا ال ِّري���ح �إنَّ حلرم��� ِة َّ َ الأع�ضاء �أن ي�سكن ج�سم امل�ص ِّ ي ل فق َ املنجنيق ليق���ع ههنا ���ال« :لأَ ْن يمُ �سِ ���ك ِّ حال إىل � حال من انتقال ل ك عند وههنا ما يبايل»(.)7 َ���ن �أَ َح ُد ُك���م َي��� َد ُه ع ِ ا َ وق���ال جماه���د« :كان عب���داهلل ابن �ي�ر ل���ه مِ ���ن مِ ئ ِة حل َ�ص���ى يف َّ ال�ص�ل�ا ِة َخ ٌ نا َق ٍة ُك ُّلها ُ�سو ُد ا َ ال�صالة ك�أ َّنه عو ٌد وكان حلدَق ،ف� ْإن َغلَ َب �أَ َح َد ُك ُم الزُّبري �إذا قام يف َّ َّ ال�ش ُ ال�صالة»(.)8 يطان َف ْل َي ْم َ�س ْح م َْ�س َح ًة واحِ َد ًة»(.)6 يقال :ذاك من اخل�شوع يف َّ ومن اخل�ش���وع :طم�أنين���ة �أع�ضاء «ال�س�ي�ر» ( )404/5ع���ن �أَب���ي ويف ِّ ����ص َق َالَ « :قا َل ْت ب ْنتٌ لجِ َ ا ِر َم ْن ُ�صو ِر امل�ص ِّل���ي يف �صالت���ه ،فق���د روى م�سل���م الأَ ْح َو ِ ���ن �أَ ِب���ي َطا ِل ٍ ���ي ب ِ ���ن املُ ْع َتمِ ِرَ :يا �أَ َب��� ُة! �أَ ْي���نَ ا َ (َ )771ع���نْ َع ِل ِّ خل َ�ش َب ُة ا َّلتي ���ب َعنْ اب ِ َ ���ول ا ِ َر ُ�س ِ طح َم ْن ُ�ص���و ٍر َقا ِئ َم ًة؟ َق َالَ :يا هلل � Íأ َّن ُه ِ�إ َذا َر َك َع َق َال« :ال َّل ُه َّم َكا َن ْ ���ت يف َ�س ِ َل َك َر َك ْعتُ َو َ بك �آ َمنْتُ َو َل َك �أَ ْ�سلَ ْمتُ َ ،خ َ�ش َع ُب َن َّي ُة! َذ َ وم ال َّل ْي َل». اك َم ْن ُ�صو ٌرَ ،كانَ َي ُق ُ َل َ ���ك َ�س ْمعِ���ي َو َب َ�ص���رِي َو خُ ِّ م���ي َوع َْظمِ ���ي ا����شَ « :ر�أَ ْيت وق���ال �أَ ُب���و َب ْك ٍ���ر ب���نُ َع َّي ٍ َوع ََ�ص ِبي». ال�ص َال ِةَ ،ع َقدَ لحِ ْ َيتَه َم ْن ُ�صو ًرا �إِ َذا َق َام يف َّ ق���ال اب���ن تيمي���ة كم���ا يف «املجم���وع» يف َ�ص ْد ِر ِه». (« :)555/22فو�صف نف�سه باخل�شوع يف حال ال ُّركوع؛ لأنَّ ال َّراكع �ساكن متوا�ضع». و�صح َحه الألبا ُّ ين يف ( )6رواه �أحمد (َّ )384 ،328/3 ال�صحيحة» (.)3062 ِّ «ال�سل�سلة َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
(« )7الزُّهد» لأحمد بن حنبل (�ص)187 (« )8ال�سنن الكربي» للبيهقي ()280/2
ال�صالة ال �أحدِّ ث نف�سي بغري واخل�شوع الباطني :يتم َّثل يف: �إذا كنت يف َّ م���ا �أنا فيه؛ و�إذا �سمع���ت من ر�سول Í ا�ستح�ض���ار امل�ص ِّل���ي قلب���ه يف �أثن���اء ريب �أ َّنه احلقُّ ،و�إذا �صالت���ه؛ ليتد َّبر م���ا يقر�أ ويق���ول ،وهذا حدي ًثا ال يقع يف قلبي ٌ كنت يف جن���ازة مل �أحدِّ ث نف�سي بغري ما ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ يزي��� ُد الق���ر�آنَ زين��� ًة يف �آذان �سامعي���ه ﰤ﴾ [\ ]bويبكي حتَّى ُي�صبح». تقول ،ويقال لها. وح�سنَ تف ُّك ٍر. و ُيعطي قار َئه خ�شي ًة ُ وه���ذان ال َّنوع���ان م���ن اخل�ش���وع وكان م�سلم���ة ب���ن ب�ش���ار ي�ص ِّل���ي يف فعن جابر قال :قال ر�سول اهلل :Í امل�سج���د ،فانه���دم متالزمان ،ولذل َ ال�س ُ لف َيج َمعون ا�س «�إِ َّن مِ نْ �أَ ْح َ�س ِن ال َّن ِ ���ك كانَ َّ َ�ص ْو ًتا بال ُق ْر�آنِ ا َّلذِ ي وك�����ا ُن�����وا ي������� َرون �أ َّن ال ُق�صو َر طائف���ة من���ه وق���ام بني �ص َالح َّ والباطن كما َيج َمعون اهر الظ ِ ِ ْ ُ ع���������ن تحَ�������ق�������ي�������قِ ا ُ خل�������������ش������وع ال َّنا����س ،وه���و يف بني ال ِعل���م والعمل ،ر َوى اب���ن �سمعون يف �إِ َذا َ�سمِ ْع ُت ُمو ُه َيق َر�أ الباطن َ ال َّ��ظ��اه��ريِّ َدل��ي�� ُل َف�سا ِد ِ «�أمالي���ه» (� )345أنَّ �أحم���د ب���ن حنب���ل ال�صالة مل ي�شعر. َح�����سِ �� ْب�� ُت�� ُم��و ُه َي ْخ�شى َّ َ ً رج�ل�ا مثل وكيع يف العلم وكان عب���د اهلل ب���ن الزُّب�ي�ر Çقال« :ما ر�أيت اهلل»(.)9 وع���ن عب���د اهلل ب���ن ّ ي�سجد ،ف�أت���ى املنجنيق ف�أخذ طائفة من واحلف���ظ واحلل���م والأب���واب م���ع خ�شوع ال�ش ِّخ�ي�ر ق���ال: وورع». ال�صالة ال يرفع ر�أ�سه. «ر�أيت ر�سول اهلل Íي�ص ِّلي ويف �صدره ثوبه وهو يف َّ قيق وقالوا لعامر بن عبد القي�س� :أحتدِّ ث �أزيز ك�أزيز ال َّر َحى من البكاء .)10(»Í وكا ُنوا ي َرون �أنَّ ال ُق�صو َر عن تحَ ِ الظاهريِّ د ُ خل�شوع َّ ال�صالة؟ فقال� :أو �شيء ا ُ ومم���ا يد ُّل عل���ى ا ُ الباطن؛ َليل َف�سا ِد خل�شوع يف �أثنا ِء َّ ِ نف�سك ب�شيء يف َّ ���ات والت ُ أحب �إ َّ ال�صالة �أحدِّ ث به نف�سي؟ روى عبد الرزاق ( )3309وابن �أبي �شيبة َّفاعل ال ِق���راء ِة تت ُّب���ع َمع���اين الآي ِ � ُّ يل م���ن َّ ال�صالة« :)190/2( ،ر�أى �سعيد بن امل�س ِّيب رج ًال م َعه���ا؛ فع���ن حذيف���ة ق���ال�« :ص َّليت مع قالوا� :إ َّن���ا لنحدِّ ث �أنف�سن���ا يف َّ ال�صالة! فقال :لو ال َّنب ِّ���ي Íذات ليل���ة فافتت���ح البق���رة فقال � :أباجل َّنة واحلور ونحو ذلك؟ فقالوا :وهو يعبث بلحيته يف َّ ال! ولكن ب�أهلينا و�أموالنا ،فقال :لأن تختلف خ�شع قلب هذا خل�شعت جوارحه» ،لذلك فقلت يرك���ع عند املائة ،ث َّم م�ضى فقلت ك��ان��وا ي��خ��اف��ون من أحب ي�ص ِّل���ي بها يف ركعة ،فم�ضى فقلت يركع ���ي � ّ الأ�سن���ة فـ َّ ً �إ َّ يل ،و�أمث���ال ه���ذا ر�أى �سعيد بن امل�س ِّيب رجال وهو ت�����ص�� ُّن��ع اخل�����ش��وع به���ا ،ث َّم افتتح ال ِّن�ساء فقر�أها ،ث َّم افتتح لو فقال: الة! ال�ص يف بلحيته يعبث َّ ً ال َّ��ظ��اه��ري والقلب متعدِّ د». مرت�س�ل�ا؛ �إذا �آل عم���ران فقر�أه���ا ،يقر�أ خ�شع قلب هذا خل�شعت جوارحه وق���ال رجل من م��� َّر ب�آي���ة فيه���ا ت�سبي���ح �س َّب���ح ،و�إذا م��� َّر بعيد احل�ضور؛ لأنَّ قي�س ُيك َّن���ى �أبا عبد اهلل :بتن���ا ذات ليلة املُخالف َة بي َنهما نو ُع نِفاقٍ ،روى �أحمد يف ب�س����ؤال �س����أل ،و�إذا م��� َّر بتع ُّوذ تع��� َّوذ»... عند احل�سن فقام م���ن ال َّليل ف�ص َّلى فلم «الزُّهد» (�ص )142عن �أب��ي ال َّدرداء، احلديث(.)11 يزل يردِّد هذه الآية حتَّى َّ ال�سحر﴿ :ﭬ قال« :ا�ستعيذوا باهلل من خ�شوع ال ِّنفاق، جائب الح َع ُ ويف �سري ِة �سل ِفنا َّ ال�ص ِ حاالت ا ُ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ﴾ [النحل ،]18 :قيل له :وما خ�شوع ال ِّنفاق؟ قال� :أن ُيرى خل�شوع ،منه ما ذك َر يف «جمموع ِ والقلب لي�س بخا�شع». فل َّم���ا �أ�صبح قلنا :ي���ا �أبا �سعي���د! مل تكد اجل�سد خا�ش ًعا الفت���اوى» (« :)605/22ق���ال �سع���د بن ُ جت���اوز هذه الآية �سائر ال َّلي���ل ،قال� :أرى ال�سالكني» مع���اذ :Çيف ثالث خ�صال ،لو كنت ونقل ابن الق ِّيم يف «مدارج َّ فيه���ا معت ًربا ،ما �أرفع طر ًف���ا وال �أر ُّده �إ َّال (« :)521/1ق���ال الف�ضي���ل بن عيا�ض: يف �سائر �أحوايل �أكون فيهنَّ كنت �أنا �أنا؛ وقد وق���ع على نعمة وم���ا ال ُيعلم من نعم كان يك���ره �أن ي���رى ال َّرجل م���ن اخل�شوع و�صح َحه الألباين. ( )9ر َواه ابن ماجه (َّ )1339 اهلل �أكرث»(.)12 و�صح َحه الألبا ُّ ين. ( )10رواه �أبو داود (َّ )904 مما يف قلبه» ،وفيه« :ور�أى بع�ضهم �أكرث َّ (�« )11صحيح م�سلم» (.)772
تزكية وآداب
وكان هارون بن رباب الأ�سيدي يقوم َّهجد فربمَّ���ا ر َّدد هذه الآية من ال َّلي���ل للت ُّ حتَّى ُي�صبح﴿ :ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ
(« )12التِّذكار» للقرطبي (�ص.)125
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
37
تزكية وآداب
ً رج�ل�ا خا�شع املنكبني والب���دن ،فقال :يا فالن! اخل�شوع ههن���ا و�أ�شار �إىل �صدره، ال ههنا و�أ�شار �إىل منكبيه».
11أسباب الخشوع 11
ق���ال اب���ن تيمي���ة يف «املجم���وع» (« :)605/22وا َّل���ذي ي ِع�ي�ن عل���ى ذلك �شيئان :ق َّوة املقت�ضي ،و�ضعف َّ ال�شاغل. �أ َّما الأ َّول :فاجتهاد العبد يف �أن يعقل ما يقوله ويفعله ،ويتد َّبر القراءة ِّ والذكر مناج هلل تعاىل، وال ُّدعاء ،وي�ستح�ضر �أ َّنه ٍ ك�أ َّن���ه يراه ،ف����إنَّ امل�ص ِّل���ي �إذا كان قائ ًما ف� مَّإنا يناجي ر َّبه ،والإح�سان �أن تعبد اهلل ك�أ َّن���ك تراه ،ف�إن مل تكن تراه ف�إ َّنه يراك، ال�صالة كان ث َّ ���م ك َّلما ذاق العبد ح�ل�اوة َّ اجنذاب���ه �إليها �أوكد ،وهذا يكون بح�سب ق َّوة الإميان». فق���وة املقت�ض���ي يف الإتي���ان ب�أ�شياء؛ منها: تد ُّب���ر الق���ر�آن وتت ُّب���ع مع���اين الأذكار: ﴿ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇ
فو�ص َفه���م بال ِعلم ﮈ ﮉ ﴾ [\َ ،]m ���م با ُ مما يد ُّل على خل�شوع �آخ��� ًرا؛ َّ �أ َّو ًال ث َّ �شوعهم كانَ َنتيج ًة لعِلمِ هم َمبعاين �أنَّ ُخ َ الكتاب ال َكرمي. قال حممود �شاكر يف مقدِّ مة «تف�سري َّ الطربي» (« :)10/1قال الطربي�« :إنيِّ 38
ممن قر�أ القر�آنَ ومل يعلم ت�أوي َله لأعجب َّ َ كيف َيلت ُّذ ب ِقراء ِته؟!». لقول ِ ذك��� ُر امل���وتِ عند ك ِّل �ص�ل�اةٍ؛ ِ �سول اهلل « :Íا ْذ ُك ِر امل َ ْو َت يف َ�ص َ الت َِك؛ َر ِ َف����إِ َّن ال َّر ُج��� َل �إِ َذا َذ َك��� َر املَ��� ْو َت يف َ�ص َ التِ��� ِه ال َتهَُ ،و َ�ص ِّل َ�ص َ ���ن َ�ص َ لحَ َ ���رِيٌّ �أَ ْن ُي ْح�سِ َ ال َة َر ُج���لٍ َال َي ُظنُّ �أَ َّن ُه ُي َ�ص ِّل���ي َ�ص َ ال ًة َغيرْ َ هَا، َو ِ�إ َّي َ اك َو ُك َّل �أَ ْمرٍ ُي ْع َت َذ ُر مِ ْنهُ»(.)13 ال ّتفل عن الي�سار مع ال َّتع ُّوذ باهلل من َّ ال�شيطانِ : ي�أت���ي َّ ال�شيط���انُ الإن�س���انَ ل َي�صر َفه ع���ن �صال ِته حتَّى �إ َّنه ربمَّ ا َ حال بي َنه وب َني ِقراء ِته ف َال َيق���د ُر امل�ص ِّلي على ال ِقراء ِة، ولع َّله �أ�ش ُّد �شيءٍ عل���ى ُخ�شوع ا َملرءِ ،ف� َإذا أح�س َ بذلك َف ْليتع��� َّوذ باهلل من َّ ال�شيطان � َّ الرجيم و ْل َيتفل عن َي�سارِه. ودَلي ُل���ه م���ا رواه م�سل���م (:)2203 بي �أنَّ عثم���ان ب���ن �أب���ي العا�ص �أت���ى ال َّن َّ Íفقال :يا ر�س���ول اهلل! �إنَّ َّ ال�شيطان ق���د ح���ال بيني وب�ي�ن �صالت���ي وقراءتي ���ي؟! فقال ر�س���ول اهلل :Í يلب�سه���ا عل َّ ���انُ ،ي َق ُ « َذ َ اك َ�ش ْي َط ٌ ���ال َل��� ُه خِ ْن��� َز ٌبَ ،ف����إِ َذا هلل مِ ْن��� ُه َوا ْت ُف ْل َعلَى �أَ ْح َ�س ْ�س َت��� ُه َف َت َع��� َّو ْذ با ِ َي َ�س���ار َِك َث َ ال ًث���اَ ،ف َق���ا َلَ :ف َف َع ْل���تُ َذل َ ِ���ك َف�أَ ْذ َه َب��� ُه ُ اهلل َع ِّن���ي». ���ووي يف «�ش���رح م�سل���م» ق���ال ال َّن ُّ (« :)190/14ومعن���ى يلب�سه���ا �أي يخلطه���ا و ُي�ش ِّككني فيه���ا ،وهو بفتح �أ َّوله وك�سر ثالث���ه ،ومعنى «حال بيني وبينها»؛ ح�س َنه َّ ال�صحيحة» ال�شيخُ الألباين يف ِّ «ال�سل�سلة َّ (َّ )13 (َ ،)408/3 وقال� :أخرجه ال َّديلمي يف «م�سند الفردو�س» ( 51/ 1/ 1ـ خمت�صره).
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
�أي نك���دين فيه���ا ومنعني َّلذته���ا والفراغ للخ�شوع فيها». وق َ ���ال م َّال عل���ي الق���اري يف «مرقاة املفاتي���ح»�« :أي مينعن���ي م���ن ال ُّدخول يف ال�صالة �أو من ُّ ال�شروع يف القراءة». َّ
�ضعف َّ و�أ َّما ُ ال�شاغل : فبتج ُّن���ب ِّ كل ما من �ش�أ ِن���ه �أن َي َ �شغل ���ب ع���ن التَّف ُّك���ر فيم���ا ه���و في���ه من ال َقل َ ���ال على اهلل؛ روى �أب���و داود و�أحمد الإقب ِ ( )16637ب�سن���د �صحيح قال َ « :Íال َي ْن َبغِ���ي �أَ ْن َي ُك���و َن يف ال َب ْي���تِ َ�ش ْ���ي ٌء ُي ْ�ش ِغ ُل يوم َ امل ُ َ�ص ِّلي» ،قا َل���ه َر ُ دخل �سول اهلل َ Í ال َكعب��� َة ف���ر�أَى َق���رنيَ كب����ش فيه���ا ف� َأم َر ٍ بتغطي ِتهما حتَّى َال َي�شغ َال املُ�ص ِّلي. ق���ال َّ ال�ش���وكاين يف «ني���ل الأوط���ار» (َ :)173/2 «واحلديثُ يد ُّل على كراهة مم���ا ي�ستقبله تزيني املحاري���ب وغريها َّ مما امل�ص ِّلي بنق�ش �أو ت�صوير �أو غريهما َّ يلهي». وروى البخ���اري ( )373وم�سل���م ���ي Í ( )556ومال���ك (� )220أنَّ ال َّنب َّ يف خمي�صة لها �أعالم فنظر �إىل �أعالمها نظ���ر ًة فل َّم���ا ان�ص���رف ق���ال« :ا ْذ َه ُب���وا َ بخمِ َ ي�صتِي هَ���ذِ ِه ِ�إلىَ َ�أبِي َجه ٍْم َوا ْئ ُتونيِ ب�أَ ْن ِب َجا ِن َّي��� ِة �أَبِ���ي َجه ٍْم َف ِ�إ َّنهَ���ا �أَ ْل َه ْتنِي �آ ِن ًفا َعنْ َ�ص َ التِ���ي» (ويف روايةَ « :ف ِ�إنيِّ َن َظ ْر ُت ال�ص َ ال ِة َف َكا َد َي ْف ِت ُنني». ِ�إلىَ َعلَمِ هَا يف َّ قال اب���ن َّ َ بطال يف «�ش���رح البخاري» ( �« :)36/2مَّإنا ر َّد ر�سول اهلل اخلمي�صة �إىل �أب���ي جهم؛ لأ َّنها كان���ت �سبب غفلته و�شغله عن ذكر اهلل».
ح�س َنه َّ ال�صحيحة» ال�شيخُ الألباين يف ِّ «ال�سل�سلة َّ (َّ )14 (َ ،)408/3 وقال� :أخرجه ال َّديلمي يف «م�سند الفردو�س» ( 51/ 1/ 1ـ خمت�صره).
تزكية وآداب
وروى البخ���اري ( )374ع���ن �أن����س: كان قرام لعائ�شة �سرتت به جانب بيتها، بي �« :Íأَمِ يطِ ي َع َّن���ا ِق َرامَكِ فق���ال ال َّن ُّ هَ��� َذا؛ َف�إِ َّن ُه َال َت��� َز ُال َت َ�صاوِي ُر ُه َت ْعر ُ ِ�ض يف َ�ص َ التِي». قال ابن َّ َ بط���ال ـ � ً أي�ضا ـ (:)180/9 «فيه من الفقه� :أ َّنه ينبغي التزام اخل�شوع وتفريغ البال هلل تع���اىل ،وترك التَّع ُّر�ض ِّ لكل م���ا ي�شغل امل�ص ِّلي ع���ن اخل�شوع� ،أال ت���رى �أنَّ ر�سول اهلل ن َّبه عل���ى هذا املعنى بقول���هَ « :ف�إِ َّن ُه َال َت��� َز ُال َت َ�صاوِيره َت ْعر ُ ِ�ض يِل يف َ�ص َ التِي». ُ �ضعي�ش ِّو�شالفكر: ترك َّ ال�صال ِةيف َو ٍ بي ـ ك�ش َّدة احل ِّر؛ فقد كانَ ِمن �س َّنة ال َّن ِّ بال�صال ِة يف �ش َّدة احل ِّر. Íالإبرا ُد َّ بح ْ�ض���ر ِة َّ الطعام وعند ـ وكال�ص�ل�ا ِة َ َّ ُمدافع ِة الأخبثني ال َب���ول �أو الغائط :روى م�سلم ( )560عن َعا ِئ َ�ش َة َ áقا َل ِت: ���ول اهلل َ Íي ُق ُ �إِنيِّ َ�سمِ ْع���تُ َر ُ�س َ ���ولَ « :ال بح ْ�ض َر ِة َّ َ�ص َ الط َعا ِم َو َال َوهُ َو ُيدَا ِف ُع ُه �ل�ا َة َ الأَ ْخ َب َث���انِ » ،ق َ ���ي يف «املفهم» ���ال القرطب ُّ (« :)96/5ال ت�شوي�ش �أعظم من ت�شوي�ش اجلائع يف ح�ضرة َّ الطعام ،و�إىل االبتداء َّ ال�صالة ذه���ب َّ افعي بالطع���ام عل���ى َّ ال�ش ُّ وابن حبيب من �أ�صحابنا وال َّثوري و�أحمد و�إ�سحاق و�أه���ل َّ الظاهر ،و ُروي ذلك عن عمر وابن عمر و�أبي ال َّدرداء». ـ وكجه���ر بع����ض امل�ص ِّل�ي�ن بال ِقراء ِة على بع�ض: ���ي �أَنَّ َر ُ�س َ هلل Í ���ول ا ِ َع���ن ال َب َي ِ ا�ض ِّ ا�س َوهُ ْم ُي َ�صلُّونَ َو َق ْد َع َل ْت َخ َر َج َع َل���ى ال َّن ِ �أَ ْ�ص َوا ُت ُه ْم بال ِق��� َرا َء ِة َف َق َال�« :إِ َّن الـ ُم َ�ص ِّل َي
ُي َناجِ ���ي َر َّب��� ُه َف ْل َي ْن ُظ ْر مبَ���ا ُي َناجِ ي ِه ب ِه َوال َي ْج َه ْر َب ُ ع�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض بال ُقر�آنِ »(.)14 ال�ب�ر يف «اال�ستذكار» ق���ال ابن عب���د ِّ يحب ِّ لكل (« :)435/1ويف معن���اه �أ َّنه ال ُّ ٍّ م�صل يق�ضي فر�ضه و�إىل جنبه من يعمل مثل عمله �أن يفرط يف اجلهر؛ لئ َّال يخلط يحب ذل���ك ملتن ِّفل �إىل جنب علي���ه كما ال ُّ متن ِّفل مثله ،و�إذا كان هذا هكذا؛ فحرام عل���ى ال َّنا�س �أن يتح َّدث���وا يف امل�سجد مبا ي�شغ���ل امل�ص ِّلي عن �صالت���ه ويخلط عليه قراءت���ه ،وواجب الزم عل���ى ِّ كل من يطاع �أن ينه���ى عن ذلك؛ لأنَّ ذلك �إذا مل يجز للم�ص ِّل���ي التَّايل للق���ر�آن؛ ف�أين احلديث ب�أحاديث ال َّنا�س من ذلك»ِ ،ومث ُله ـ � ً أي�ضا ـ يف ِقراء ِة ا َمل�أموم َخ َ لف الإمام.
ال�ص�ل�اة خل���ف املتحدِّ ثني :عن ابن ـ َّ بي Íق���الَ « :ال ُت َ�ص ُّلوا ع َّبا����س� :أنَّ ال َّن َّ َخ ْل َف ال َّنائ ِِم َو َال امل ُ َت َحدِّثِ »(.)15 ���ال َّ ق َ ال�س�ن�ن» ���ي يف «مع���امل ُّ اخلطاب ُّ ال�ص�ل�اة �إىل (« :)186/1و�أ َّم���ا َّ املتحدِّ ثني فق���د كرهها َّ افعي و�أحمد، ال�ش ُّ وذلك من �أجل �أنَّ كالمهم ي�شغل امل�ص ِّلي ع���ن �صالت���ه ،وكان اب���ن عم���ر ال ي�ص ِّلي خلف رجل يتك َّل���م �إ َّال يوم اجلمعة»َ ، وقال ابن رجب يف «فت���ح الباري» (:)692/2 «وع َّلل �أحمد الكراهة ب�أنَّ املتحدِّ ث ي�شغل امل�ص ِّلي �إليه» ،وبه ع َّل َ العيني يف هي ���ل ال َّن َ ُّ «�شرح �سنن �أبي داود» (.)254/3
و�صح َحه الألبا ُّ ين يف «�أ�صل ( )15رواه مالك (َّ )264 بي .)370/1( »Í �صفة �صالة ال َّن ِّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
39
فتاوى شرعية
�أ .د .حممد علي فركو�س �أ�ستاذ بكلية العلوم الإ�سالمية بجامعة اجلزائر
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [\^] ،وقو ُل���ه تع���اىل:
يف حكم الخدمات الـمصرفية مقابل االقرتاض
﴿ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ
ﯳﯴﯵ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽ
ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [\_] ،وقو ُل���ه تعاىل: ﴿ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ال�سـ�ؤال: ُّ يعت�ب�ر م���ا يدفعه من ِ����ض م���ن بن���ك �أن ه���ل يج���وز ملقرت ٍ َ َ وتكاليف ت�ستلزم ن�سب���ة �ضئيلة مقاب َل القر�ض جم��� َّر َد ر�سو ٍم هذه املعامل ُة وجودَها؟
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [\^]. قات بي Íباجتن���اب ال ِّربا وع َّده �أح���د املو ِب ِ وق���د �أم���ر ال َّن ُّ ال�سب���ع( )2ا َّلت���ي ُت ْه ِل ُك �صاح َبه���ا يف ال ُّدنيا والآخ���رة ،كما « َل َعنَ َّ ر�س���ول اهلل ِ � Íآك َل ال ِّر َب���ا َو ُم ِوك َل��� ُه َو َكا ِت َب��� ُه َو َ�ش ِاهدَ ْي ِهَ ،و َق َال: هُ ْم َ�س َواءٌ»(.)3
اجلـواب:
وال ف���ر َق فـ���ي ال َّتح���رمي فـ���ي �شريع���ة الإ�س�ل�ام فـ���ي ال�س����ؤال ين���درج يف �ص���ورة «�أَ ْن ِظ��� ْرنيِ �أَ ِز ْد َك» ،وهي حج ِ���م ال ِّزي���ادة الـم�شروط���ة فـ���ي عقد القر����ض مِ نْ م�ضم���ونُ ُّ ْ �إح���دى �صورت َْي ربا ال ُّديون ا َّلتي اتَّفق العلماء على حترميها ،وهي حيث كرث ُتها وق َّل ُتها
معدود ٌة من الكبائر.
ووي �« ::أجمع امل�سلمون عل���ى حترمي ال ِّربا ،وعلى ق���ال ال َّن ُّ �أ َّن���ه م���ن الكبائ���ر ،وقي���ل� :إ َّن���ه كان حم َّر ًم���ا يف جمي���ع َّ ال�شرائع، ومم���ن حكاه املاوردي»( ،)1وم�ستن��� ُد الإجماع �آياتٌ كثري ٌة نهى ُ اهلل َّ تع���اىل فيها امل�ؤمنَ عن �أكل ال ِّربا و�أَ َم��� َر ُه بالتَّقوى ،وه َّدد ا َّلذين ال ي�ستجيبون لنهي���ه باملحاربة والوعيد ،منها :قو ُله تعاىل ﴿ :ﮥ
هذا؛ وال َ حج ِم الزِّ يادة فرق يف التَّحرمي يف �شريعة الإ�سالم يف ْ امل�شروط���ة يف عقد القر�ض ِمنْ حي���ث كرثتُها وق َّلتُها ،وال َ فرق بني ال�صفة ،وي�ستوي ال َّنا�س يف التَّحرمي �سواء الزِّ ي���ادة يف القدر �أو يف ِّ مي ك ّل ٌّي اتحَّ���دت ديان ُته���م وديا ُره���م �أو اختلف���ت ،فهو ـ �إذنْ ـ حت���ر ٌ �شام ٌل ِّ لكل �أنواعه.
(« )1املجموع» للنووي.)391/9( :
(� )2أخرجه البخاري ( ،)2766وم�سلم ( ،)89من حديث �أبي هريرة .Ç (� )3أخرجه م�سلم ( ،)1598من حديث جابر بن عبد اهلل .È
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔ
40
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
قال ابن قدامة :: خالف ،قال ����ض َ�ش َر َط فيه �أن يزيدَ ه فهو حرا ٌم بغري ٍ «وك ُّل ق ْر ٍ اب���ن املنذر�« :أجم ُعوا عل���ى �أنَّ املُ ْ�س ِل َف �إذا َ�ش َر َط عل���ى املُ ْ�ست َْ�س ِل ِف زياد ًة �أو هد َّي ًة ف�أَ ْ�س َل َف على ذلك� :أنَّ َ�أخْ َذ الزِّ ياد ِة على ذلك ر ًبا»، ���ود �أ َّنهم َن َه ْوا وابن م�سع ٍ وق���د ُر ِو َي ع���ن �أُ َب ِّي بن ٍ ���ن ع َّب ٍ ا�س ِ كعب واب ِ قر�ض ج َّر منفع��� ًة ،ولأ َّنه عق ُد �إرفاقٍ وقرب��� ٍة؛ ف�إذا َ�ش َر َط فيه ع���ن ٍ الزِّ ي���اد َة �أخرجه عن مو�ضوعه ،وال َ فرق ب�ي�ن الزِّ يادة يف القدر �أو ال�صفة»(.)4 يف ِّ وقال ال َّنووي :: «ي�ست���وي يف حت���رمي ال ِّرب���ا ال َّرج ُ واملكاتب ���ل وامل���ر�أ ُة والعب��� ُد ُ �ضعف ما تق َّدم مع َّل ًال بالتَّفريق يف ُّ وال يخفى ُ ال�شبهتني وف�سا ُد بالإجماع ،وال َ فرق يف حترميه بني دار الإ�سالم ودار احلرب ،فما �صو�ص َّ ال�شرع َّي ِة والإجما َع املنعقِدَ على عموم ال ُّن ِ اعتباره؛ ملقابلته َ تفريق كما �سبق بيا ُنه. كان حرا ًما يف دار الإ�سالم كان حرا ًما يف دار احلرب� ،سواء جرى حترميه من غري ٍ أمان �أم بغريه، م�سلم وحر ِب ٍّي� ،سواء دخلها امل�سلم ب� ٍ ولأنَّ َّ بني م�سل َمينْ ِ �أو ٍ ا�س بالباطل مهما ال�شر َع اعتربه ظل ًما ِمنْ � ِ أكل � ِ أموال ال َّن ِ هذا مذهبنا ،وبه قال ٌ مالك و�أحم ُد و�أبو َ يو�سف واجلمهو ُر»(.)5 اختلفت �صفتُه ومقدا ُره. ���وم قول���ه تع���اىل﴿ :ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ وي���د ُّل علي���ه عم ُ واملعلوم �أنَّ الدِّ َعا َي َة اليهود َّي َة ا َّلتي �أ�ض َّلت بها ال َّن�صارى ا َّلذين ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [^ ،]279 :وقو ُل���ه ُ تع���اىل ـ يف �ش�أن اليهود ـ﴿ :ﮰ ﮱ كان���وا يح ِّرم���ون ال ِّربا م���ن �شبهتني
وت�سمي��� ُة الفائ���د ِة ال ّربو َّي���ة ال َّناجم���ة ع���ن االقرتا����ض با�س���م ر�س���و ٍم مفرو�ض��� ٍة �أو تكالي َ ���ف بنك َّي��� ٍة �أو خدم���اتٍ م�صرف َّي��� ٍة مقاب َل االقرتا����ض ف�ل�ا تغ�ِّيرِرِّ م���ن �أ�ص���ل املعامل���ة ال ّربو َّي���ة م���ن �ش���يء؛ لأن الع�ب�ر َة باحلقيق���ة ألفاظ وال َّت�سميةُِّ ، إقرا�ض وامل�س َّمى ال بال ِ فكل � ٍ نظ�ي�ر فائ���د ٍة ُي َع���دُّ معامل��� ًة ربو َّي��� ًة حم َّرم��� ًة َ
فتاوى شرعية
ف����إذا ورد َِت الزِّ ياد ُة عل���ى القرو�ض اال�ستهالك َّي��� ِة امل�أخوذ ِة ِمنْ امل�ستقر ِ�ض حلاج ِته املعي�ش َّي ِة �أو مل�آر ِب���ه َّ ال�شخ�ص َّي ِة فهي من ���ل ِق َب ِ ِ ال ِّربا املح َّرم. فلي�ست ـ القرو����ض الإنتاج َّي��� ِة و�أ َّم���ا الزِّ ي���اد ُة امل�شرت ََط��� ُة على ْ ِ عدل مباح ٌة ،مع ِّل ِل َني عندهم ـ من ال ِّربا املح َّرم ،و� مَّإنا هي فائد ُة ٍ ذلك ب�أنَّ امل�س َتق ِْر َ�ض املُ ْن ِت َج ي�ستخدم � َ أموال املُق ِْر ِ�ض يف م�شاري ِعه والعدل ا�ستفاد ُة إن�صاف العمران َّي��� ِة والتِّجار َّي ِة والإمنائ َّي ِة ،فمِ نَ ال ِ ِ مما عمل به امل�ستق ِْر ُ�ض ،ولي�س من ال ِّربا املح َّرم. املُق ِْر ِ�ض َّ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘ
تلقَّفهما ُ بع����ض بني جلدتن���ا ووقعوا ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ فيهما وهما: [\`] ،ولقو ِله Íفيما يرويه الأوىل :التَّفري���قُ ب�ي�ن ال ِّرب���ا عن ر ِّب���هَ « :ي���ا عِ َب���ادِي! �إِنيِّ َح َّر ْمتُ والفائ���د ِة ،فال ِّربا املح��� َّر ُم ـ عندهم ُّ الظ ْل��� َم َعلَ���ى َن ْف�سِ ���ي َو َج َع ْل ُت��� ُه َب ْي َن ُك ْم ـ هو م���ا كانت الزِّ ي���اد ُة فاح�ش ًة على ()6 ُ محُ َ َّر ًما َف َ وا�شرتاط �ل�ا َت َظالمَ ُ���وا» ، ال َّر�أ�سمال املقرتَ�ض. ���ت ُين���ايف مو�ضو َع الزِّ ي���اد ِة مهما ق َّل ْ و�أ َّماالفائد ُةاجلائز ُة؛فهيالزِّياد ُة املعتد َل��� ُة ا َّلتي َج َر ْت ت�سمي ُته���ا يف عرف البنوك مبع��� َّد ِل الفائد ِة �أو عق ِْد القر�ض ا َّلذي هو ال ُ إرفاق والقربة. ِ ال ِّن�سبة املئو َّية �أو �سعر الفائدة. ���ق �أج���ازوا الفائ���د َة ال ّربو َّية و�أناط���وا التَّحر َمي وبه���ذا التَّفري ِ املعتد َل ِة واعتربوها فائد ًة جائز ًة. بالكرثة دون الق َّل ِة ِ هذا؛ وت�سمي ُة الفائد ِة ال ّربو َّي���ة ال َّناجمة عن االقرتا�ض با�سم خدمات م�صرف َّي��� ٍة َ َ مقابل تكاليف بنك َّي��� ٍة �أو ر�س���وم مفرو�ض��� ٍة �أو القرو����ض الإنتاج َّي��� ِة واال�ستهالك َّي ِة، ال َّثاني���ة :التَّفري���قُ بني ٍ ِ ٍ االقرتا����ض ف�ل�ا تغيرِّ م���ن �أ�ص���ل املعامل���ة ال ّربو َّية يف �ش���يء؛ لأن (« )4املغني» البن قدامة.)354/4( : (« )5املجموع» للنووي.)391/9( :
( )6جزء من حديث� :أخرجه م�سلم ( ،)2577و�أحمد ( ،)85 /8من حديث �أبي ذر .Ç
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
41
فتاوى شرعية
إقرا�ض الع�ب�ر َة باحلقيقة وامل�س َّم���ى ال بال ِ ألفاظ والتَّ�سمي ِة ،ف���ك ُّل � ٍ نظ َري فائ���د ٍة ُي َع ُّد معامل ًة ربو َّي ًة حم َّرم ًة ،ال ي���زول � ُإثم حتر ِميه �إ َّال
مفهوم السرت من حجاب املرأة املسلمة
م�ستجمِ َع ُة َّ ���ط ،ف�إنَّ ال َإثم ال�ضواب ِ �إذا اقرتن���ت بها �ضرور ٌة م ِل َّح��� ٌة ْ َ ٌ مرتوك لدينه يف تقديرها. امل�ضط ِّر فقط ،وهو يرتفع ِمنْ جا ِن ِب املعاملة مع البن���وك بالقرو�ض ال ّربو َّية ال يجوز و�إذا كان حك ُ ���م َ ���ات ال َّداخل َّي ِة ���ال كال�سفتج ِ ِ ً �شرع���ا؛ ف����إنَّ ِمنْ �أعم ِ البنوك الأخ���رى ّ و�ص���رف مبال��� ِغ ِّ ���كات ونح��� ِو ذل���ك من ���ات االعتم���ا ِد ال�شي ِ ِ وخطاب ِ ���ات املق َّدم ِةَّ ، وخا�ص ًة للمحتاج ـ ،ب�شرط اخلدم ِ فالظاه ُر جوا ُزه���ا ـ َّ معتد ٍل ال بال ِّن�سبة املئو َّية؛ لئ َّال تزيدَ عن ب�سعر ِ ِ حتديد قيم ِة اخلدم ِة ٍ خدمات �أ َّو ًال. القيمة املطا ِب َق ِة حلقيقة ما يقدِّمه امل�صرف من ٍ مبعام�ل�ات البن���وك ال ّربو َّية عن طريق و�أن ال ير�ض���ى ـ ثان ًي���ا ـ ِ �أن���واع الإقرا�ض نظ َري فائد ٍة م�شرتَط ٍة �صراح��� ًة �أو مق َّنع ٍة بالبيع �أو اال�ستثمارِ ،تفاد ًيا لال�شرتاك يف الإثم واملع�صية؛ لقوله :Í « ِ�إ َذا عُمِ لَتِ ا َ خلطِ ي َئ ُة يف الأَ ْر ِ�ض َكا َن َمنْ َ�ش ِه َدهَا َف َك ِر َههَا ـ وقال اب َع ْنهَا َف َر ِ�ض َيهَا َكا َن ���اب َع ْنهَاَ ،و َمنْ َغ َ م��� ّر ًة�َ :أ ْن َك َرهَا ـ َكا َن َك َمنْ َغ َ َك َمنْ َ�ش ِه َدهَا»(.)7
وح�سنه (� )7أخرجه �أبو داود ( )515 /4من حديث العر�س بن عمرية الكندي ّ ،Ç الألباين يف «�صحيح اجلامع» (.)689
ال�سـ�ؤال: ُّ يق���ول بع�ض م���ن ت�ص���دَّر لإر�ش���اد ال َّنا�س يف ه���ذه الأ َّيام: �إ َّن مفه���وم احلجاب راج ٌع �إىل ال ُعرف ،واملق�صود منه حتقيق ال�س�ت�ر ،وعلى ه���ذا؛ ف�إ َّن اجللب���اب �أو ال َّثوب ا َّل���ذي ي�ستوعب ِّ جمي��� َع البدن لي�س منوذج احلج���اب الواجب يف هذا ال َّزمان، ال�صحابة ،ول�سنا ُم ْل َزمني با ِّتباع �أعرافهم، و� مَّإنا َف َر�ضه عُرف َّ مما فل���و َل ِب َ�س���تِ املر�أة َت ُّنو َر ًة وقمي�ص���ا �أو ف�ستا ًنا �أو غري ذلك َّ ً ُي َعدُّ �سات ًرا؛ ف�إ َّنها تكون مرتدي ًة للحجاب ا َّلذي �أوجبه اهلل. فما مدى ِ�ص َّحة هذا الكالم؟ اجلـواب: ق���د اعتمد �صاحب ه���ذه املقالة يف ت�أ�سي����س مفهوم احلجاب ال�صحابة .í ال�سرت املطلق ور َبطه بعرف َّ على َّ وهذه ال َّنظرة ال َّت�أ�سي�س َّية ال تنته�ض لال�ستدالل من جهتني: الأوىل� :أنَّ املفه���وم َّ لل�س�ت�ر َّ املتوخى من وراء فر�ض رعي َّ ال�ش َّ ال�س�ت�ر املق َّيد بجمل ٍة من ُّ ال�ش���روط ال َّالزمة له احلج���اب � مَّإنا هو َّ ���ي على لبا�س م�ستوح���ا ًة م���ن ن�صو�ص الكت���اب ُّ وال�س َّنة حتى ت ُْ�ض ِف َ ال�صف َة َّ ال�شرع َّية املطلوب َة. املر�أة امل�سلمة ِّ فم���ن ُّ ال�ش���روط َّ ال�شرع َّي���ة ا َّلتي ينبغ���ي مراعاتُها يف لبا�س املر�أة ما ي�أتي: با�س جمي َع ما هو عورة من بدنها فت�س ُ رته ـ �أن َ ي�ستوعب ال ِّل ُ عن الأجانب. ولذل���ك ُ�س ِّم���ي حجا ًب���ا؛ لأ َّن���ه يحج���ب �شخ�ص���ه �أو عينه عن الأجانب(.)8 و�أ َّما حمارمها فال تك�شف املر�أة لهم �سوى موا�ض ِع الزِّ ينة. (« )8التعريفات الفقهية» للربكتي.)76( :
42
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﯕ﴾ [\{]. وتفري ًع���ا عليه ف�إنَّ املقدار َّ رعي لطول ث���وب املر�أة ُي َراعى ال�ش َّ فيه ح���االنُ : ���اب وهو يزيد على الكعب�ي�ن بقدر ِ�ش ٍرب، حال ا�ستحب ٍ ُ وحال جوازٍ بقدر ذراع(.)9 ويد ُّل عليه حديث � ِّأم �سلمة � áأ َّنها قالت لر�سول اهلل Íحني ذكر الإزار« :فاملر�أ ُة يا ر�سول اهلل؟!» ،قالُ « :ت ْرخِ ي �شِ برْ ً ا» ،فقالت �أ ُّم �سلمة�« :إذن ينك�شف عنها؟!» ،قالَ « :فذِ َرا ًعا َال تزِي ُد َعلَ ْيهِ»(.)10 ف�ضفا�ض���ا ًّ لئ�ل�ا َي ِ�ص َ ً ���ف �شي ًئ���ا ـ �أن يك���و َن ال ِّلبا� ُ���س وا�س ًع���ا من بدنها. ذل���ك لأنَّ ال ِّلبا����س َّ ال�سرت املطلوب ال�ض ِّي���قَ ِّ املحج َم ال يح ِّق���ق َّ �شرع���ا ،فهو ُيح���دِّ د تفا�صيل اجل�سم و ُي�ب�رزه لل َّناظرين ،وقد ورد ً ���ي َّ ���ي ع���ن ال ِّلبا�س َّ ال�ض ِّي���ق يف حديث �أ�سام��� َة بن زيد ال�شرع ُّ ال َّنه ُّ مما ،Çق���ال« :ك�س���اين ر�سول اهلل ُ Íقبطي���ة كثيف ًة كانت َّ �أَ ْهدَ ى له ِدحي ُة الكلب���ي ،فك�سوتها امر�أتي ،فقال ر�سول اهلل :Í «مَ���ا َل َ َ ر�س���ول اهلل! ك�سوتُها ���ك َال َت ْل َب� ُ���س ال ُق ْبطِ َّي��� َة؟» فقل���ت« :ي���ا ال َل��� ًة(َ ،)11ف�إِنيِّ َ�أ َخ ُ امر�أت���ي» ،فقالُ « :م ْرهَا َف ْل َت ْج َع ْ���ل تحَ ْ َتهَا غِ َ اف �أَ ْن َت ِ�ص َف َح ْج َم عِ َظامِ هَا»( ،)12واملعلوم �أنَّ ال َّثوب ولو كان كثي ًفا فال (« )9فتح الباري البن حجر.)259/10( : (� )10أخرجه �أبو داود ( ،)4117والن�سائي ( ،)5339وابن ماجه ( ،)3580و�أحمد ( ،)293 /6من حديث �أم �سلمة ،áواحلديث �صححه الألباين يف «ال�سل�سلة ال�صحيحة».)227 /1( : ( )11الغاللة� :شعار يلب�س حتت ال َّثوب وحتت الدِّ رع � ً أي�ضا«[ .خمتار ال�صحاح» للرازي: (.])479 (� )12أخرجه �أحمد ( ،)205/5والبيهقي يف «ال�سنن الكربى» ،)234 /2( :من حديث �أ�سامة بن زيد .Çقال الهيثمي يف «جممع الزوائد» (« :)240 /5فيه عبد وح�سنه اهلل بن حممد بن عقيل وحديثه ح�سن وفيه �ضعف وبقية رجاله ثقات»ّ ، الألباين يف «جلباب املر�أة امل�سلمة» (.)131
فتاوى شرعية
واال�ستيعاب ي�ش َمل: ُ ـ اخلم���ا َر ا َّلذي ِّ و�صد َرها وع ُن َق َه���ا و�أُ ُذنيها ْ تغطي ب���ه ر� َأ�سها ُ ���د ًال و�إرخا ًء َو َل ًّيا؛ لقوله تعاىل﴿ :ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ َ�س ْ [.]t: 31 ���اب �أو ال��� ِّردا َء �أو ا ِمل ْلحف َة وهو املُ�ل�اءة ا َّلتي ت�شتمل بها ـ اجللب َ قمي�صها ِّ املر�أة فتل َب ُ�سها َ لتغط َي بها جمي َع رعها �أو ِ فوق ِخمارِها و ِد ِ م���ا هو عور ٌة من بدنها م���ن ر�أ�سها �إىل قدميها ،وي���د ُّل عليه قوله تعاىل﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
متنع كثافتُه من و�صف حجم اجل�سد �أو �أع�ضائه ما دام َ�ض ِّي ًقا. ���اف َّ ي�ص َ ���ف ل���و َن غ�ي�ر �ش َّف ٍ لئ�ل�ا ِ ـ �أن يك���و َن ال ِّلبا����س كثي ًف���ا َ َب َ�شر ِة الـمر�أة. مرفوعا: ���ي عنه يف حديث �أبي هري���رة Ç ً فق���د ورد ال َّنه ُّ «�ص ْن َف���انِ مِ ���نْ َ�أهْ ���لِ ال َّن���ا ِر لمَ ْ َ�أ َرهُ َم���اَ :ق ْو ٌم َم َعهُ��� ْم �سِ َي ٌ ِ ���اط َك َ�أ ْذ َنابِ مي َ ���ات عَا ِر َي ٌ ال َب َق��� ِر َي ْ�ض ِر ُب���و َن ِبهَ���ا ال َّنا� َ���سَ ،ون َِ�سا ٌء َكا�سِ َي ٌ ال ٌت ���ات مُ ِ مَائ َ و�س ُه���نَّ َك�أَ ْ�س ِن َم ِة ال ُب ْختِ املَا ِئلَ���ةَِ ،ال َيد ُْخ ْل َن ا َ جل َّن َة َو َال ِ�ل�ا ٌت ُر�ؤُ ُ ري ِة َك َذا َو َك َذا»(.)13 ِيحهَا َل ُي َ ِيحهَا َو�إِ َّن ر َ يَجِ ْد َن ر َ وج ُد مِ نْ مَ�سِ َ فف���ي احلديث دالل���ة ظاهر ٌة على حترمي ُل ْب� ِ���س ال َّثوب ال َّرقيق ا َّلذي َي ِ�ش ُّف و َي ِ�ص ُف لونَ بدن املر�أة. ق���ال ابن عبد ال ِّرب �« ::أراد (ال ِّن�س���ا َء) ال َّلواتي َي ْل َب ْ�سنَ من ال ِّثي���اب َّ ي�ص ُ ال�شيء اخلفي َ ���ف وال ي�سرت ،فه���نَّ كا�سياتٌ ���ف ا َّلذي ِ باال�سم عارياتٌ يف احلقيقة»(.)14 وق���ال ابن تيمية « ::وق���د ُف ِّ�س َر قول���هَ « :كا�سِ َي ٌ ���ات عَا ِر َي ٌات» تكت�س َي ما ال ي�سرتها ،فهي كا�سية وه���ي يف احلقيقة عارية، ب����أن ِ مث َ وب ���وب ال َّرقيقَ ا َّل���ذي ِ ي�ص ُف َب َ�ش َر َته���ا� ،أو ال َّث َ ���ل َمنْ تكت�سي ال َّث َ ال�ض ِّيقَ ا َّلذي يب���دي تقاطي َع َخ ْل ِقها َ َّ و�ساعدها ونحو مثل َع ِجيزَ ِتها ِ ذل���ك ،و� مَّإنا ك�سوة املر�أة ما ي�سرته���ا فال يبدي ج�سمها وال حجم �أع�ضائها لكونه كثي ًفا وا�س ًعا»(.)15 ـ و�أن ال يك���و َن لبا� ُ���س امل���ر�أة لبا� َ���س �شه���رة �س���واء بال َّنفي�س �أو اخل�سي�س. لقول���ه َ « :Íم���نْ َل ِب َ�س َث ْو َب ُ�شهْ��� َر ٍة َ�أ ْل َب َ�س ُه ُ اهلل َي��� ْو َم ال ِق َيا َم ِة َث ْو ًبا مِ ْثلَهُُ ،ث َّم َتلَه َُّب فِي ِه ال َّنا ُر»(.)16 ق���ال ابن تيمية « ::و ُت ْك َر ُه ُّ ال�شهر ُة من ال ِّثياب ،وهو املرت ِّف ُع ال�س َ اخل���ارج عن العادة واملتخ ِّف ُ لف ����ض اخلارج عن العادة ،ف����إنَّ َّ كان���وا يكره���ون ُّ ال�شهرت�ي�ن :املرت ِّف��� َع واملتخ ِّف َ ����ض ،ويف احلديث: « َم���نْ َل ِب� َ���س َث ْو َب ُ�ش ْه َر ٍة َ�أ ْل َب َ�س ُه ُ اهلل َث��� ْو َب َم َذ َّلةٍ»( ،)17وخيا ُر الأمور �أو�ساطها»(.)18 (� )13أخرجه م�سلم ( ،)2128و�أحمد ( ،)355 /2من حديث �أبي هريرة .Ç (« )14التَّمهيد» البن عبد الرب.)204/13( : (« )15جمموع الفتاوى» البن تيمية.)146/22( : (� )16أخرجه �أبو داود ( ،)4029من حديث ابن عمر .È (� )17أخرجه �أبو داود ( ،)4030وابن ماجه ( ،)3606و�أحمد ( ،)92/2واحلديث ح�سنه الألباين يف «جلباب املر�أة امل�سلمة».)213( : َّ (« )18جمموع الفتاوى» البن تيمية.)138/22( :
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
43
فتاوى شرعية
ـ وم���ن ه���ذا القبي���ل ـ � ً لبا�س امل���ر�أة زين ًة َت ْلفِتُ أي�ضا ـ �أ َّال يكو َن ُ الأنظا َر جَ ْ وتل ُِب االنتباهَ. ألوان الفاحت ِة �أو ال َّرباقة ال َّالمع ِة، �س���واء يف هيئة لبا�سها �أو ال ِ والو�شي ا َّلتي عليه ،تفاد ًيا �أن قو�ش �أو امل���ا َّد ِة امل�صنو ِع منها� ،أو ال ُّن ِ ِ جات بزين ٍة. تكونَ من املت ِّرب ِ مم���ا ُي ْل َحقُ بالزِّ ينة اعلم �أنَّ عندي َّ ق���ال الألو�سي « : :ث َّ ���م ْ ات ال ِّن�ساء يف زماننا فوق املنهي ع���ن �إبدائها ما يل َب�سه �أك ُرث ُمترْ َ َف ِ ِّ ثيابهنَّ ويت�س�َّترَرَّ ن به �إذا خرجن من بيوته���نَّ ،وهو غطاء من�سوج ألوان ،وفيه من ال ُّنقو�ش َّ الذهب َّية �أو ِّ الف�ض َّية ما من حرير ذي ع َّد ِة � ٍ َي ْب َه��� ُر العيونَ ،و�أرى �أنَّ متك َني �أزواجهنَّ ونح ِوهم لهنَّ من اخلروج بذل���ك َوم ْ�شيِهنَّ به بني الأجانب من ِق َّلة الغرية ،وقد ع َّمت البلوى بذلك»(.)19 ـ �أن ال يكون ال ِّلبا�س �شبيهًا بلبا�س ال َّرجل. ���ن َر ُ�س ُ فقد « َل َع َ هلل Íامل ُ َت َ�ش ِّب ِه َ ني مِ َن ال ِّر َج���الِ بِال ِّن َ�سا ِء ���ول ا ِ عن َر ُ�س ُ َوامل ُ َت َ�ش ِّبهَ���اتِ مِ َن ال ِّن َ�سا ِء بِال ِّر َجالِ »( ،)20كما « َل َ هلل Í ول ا ِ ال َّر ُج َل َي ْل َب ُ�س ِل ْب َ�س َة امل َ ْر�أَ ِة َوامل َ ْر�أَ َة َت ْل َب ُ�س ِل ْب َ�س َة ال َّر ُجلِ »( ،)21و« َل َع َن َر ُ�س ُ هلل Íال َّر ُجلَ َة مِ َن ال ِّن َ�ساءِ»(.)22 ول ا ِ املنهي عنه بني ال ِّرجال وال ِّن�ساء التَّ�ش ُّب ُه يف واملق�صو ُد بالتَّ�ش ُّبه ِّ وامل�شي ،وهو حرا ٌم للقا�صد املختار قو ًال ���كالم ِ ال ِّلبا�س والزِّ ين ِة وال ِ واحدً ا. جال ق���ال اب���ن حج���ر « ::وت�ش ُّب��� ُه ال ِّن�س���ا ِء بال ِّرج���ال وال ِّر ِ قا�صد خمتا ٍر حرا ٌم ا ِّتفا ًقا»(.)23 بال ِّن�ساء ِمنْ ٍ ـ �أن ال يك���و َن ال ِّلبا� ُ���س �شبيهً���ا بلبا����س �أه���ل الكف���ر و�أزيا ِئه���م وعاداتِهم. لقوله َ « :Íمنْ َت َ�ش َّب َه ِب َق ْو ٍم َف ُه َو مِ ْن ُه ْم»(.)24 (« )19روح املعاين» للألو�سي.)146/18( : (� )20أخرجه البخاري ( ،)5885من حديث ابن عبا�س .È (� )21أخرجه �أبو داود ( ،)4098و�أحمد ،)325/2( :من حديث �أبي هريرة ،Ç واحلديث �صححه الألباين يف «�صحيح اجلامع».)5095( : �صححه الألباين (� )22أخرجه �أبو داود ( ،)4099من حديث عائ�شة ،áواحلديث ّ يف «�صحيح اجلامع».)5096( : (« )23فتح الباري» البن حجر.)336 /9( : (� )24أخرجه �أبو داود ( ،)4033و�أحمد ( ،)50/2من حديث ابن عمر ،È ح�سنه الألباين يف «الإرواء».)109 /5( : واحلديث َّ
44
و�ضوابطه �أُ ِخ َذ من �شروط لبا�س امل���ر�أة وال يخف���ى �أنَّ جمل َة ِ ِ ال�سرت املطلوب ن�صو����ص �شرع َّية �صحيح��� ٍة ُتف ِْ�ص ُح عن حقيق���ة َّ ال�س�ت�ر من غري مالحظ ٍة لهذه ُّ �شرعا ،و� ُ ال�شروط ً إطالق مفهوم َّ خط�أٌ َبينِّ ٌ ظاه ُر الف�ساد.
ال َّثاني���ة� :أنَّ رب َ ���اب ب ُعرف ���ط �صاح���ب املقالة مفهوم احلج ِ َ ال�صحابة íيحتاج �إىل تف�صيل: َّ ال�صحابة با�س ـ َّ مم���ا اعتاده َّ ف����إنْ كان مق�ص���وده �أنَّ هذا ال ِّل َ íيف �ألب�سته���م و�أزيائهم وعادتهم ـ ال يوجد يف نفيه وال يف �إثباته دلي ٌل �شرعي كما هو �ش�أنُ العرف يف اال�صطالح ،فال َّ �شك يف بطالن هذا القول. �صو�ص َّ وعمل ال�شرع َّي ِة والإجما ِع ِ ير ُّده ما تق َّدم بيانه من ال ُّن ِ ال�صحابة .í َّ ���رت �أ ُّم �سلم َة � áأ َّن���ه« :ملَّا نزلت ﴿ﮤ ﮥ فقد ذك ْ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [{ ،]59 :خ���رج ن�ساء الأن�ص���ار ك�أنَّ على ر�ؤو�سهنَّ الغربانَ من الأك�سية»(.)25 وقالت عائ�شة :á ���رات ا لأُ َو َل ،لـ َّم���ا �أنزل اهلل: «يرح���م اهلل ن�س���اء الـمهاج ِ ﴿ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [الن���ور�َ ،]31 :ش َق ْقنَ ُمروطهنَّ فاختم ْرنَ بها»(.)26 وه���ذا وغ ُريه يد ُّل على �أ َّنهم كانوا يف عوائدَ جاري ٍة فانقلبوا ـ ا�ستجاب ًة لنداء َّ ال�شرع ـ �إىل عوائدَ �شرع َّي ٍة. �أ َّم���ا �إنْ كان مق�صوده م���ن �أنَّ مفهوم احلجاب َف َر َ�ضه ُ عرف ال�صحاب���ة íم���ن منطل���ق عوائدَ �شرع َّي��� ٍة �أق َّره���ا ال َّدليل َّ َّ باع���ه يف و�صفه ال�صحي���ح فه���ذا ح���قٌّ ،لكنْ يج���ب ا ِّت ُ ���ي َّ ال�شرع ُّ و�شرطه.
(� )25أخرجه �أبو داود ( ،)4101من حديث �أ ّم �سلمة ، áواحلديث �صححه الألباين يف «غاية املرام».)282( : (� )26أخرجه البخاري ( ،)4758من حديث عائ�شة .á
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
استطالع وحوار
مدرسة (دار احلديث) بتلمسان ع ّز الدين رم�ضاين رئي�س التَّحرير
بتاريخ ( )1431/03/29املوافق لـ (2010/03/14م) قام وفد من طاقم حترير جم َّلة «الإ�صالح» برحلة �إىل �أق�صى غرب علمي منحوت يف ذاكرة َّ ال�شعب اجلزائريِّ امل�سلم عمو ًما ,ويف �سج ِّل تاريخ «جمع َّية اجلزائر؛ ق�صد معاينة معلم تاريخي ،و�صرح ٍّ ٍّ خ�صو�صا. العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني» ً إ�سالمي العربي ال �إ َّنها مدر�سة «دار احلديث» الكائنة و�سط مدينة «تلم�سان» عا�صمة «ال ِّزيان ِّيني» ,املتم ِّيزة بطرازها املعماريِّ ِّ ِّ الفريد من نوعه يف تاريخ اجلزائر احلديث ,وامل�س َّماة على دار احلديث الأ�شرف َّية( )1ا َّلتي � َّأ�س�سها امللك الأ�شرف (ت635 :هـ) من وال�شام يف دم�شق َّ ملوك الدَّولة الأ ُّيوب َّية مب�صر َّ ال�شام �سنة (628هـ). ال�صالح� ،صاحب «املقدِّمة يف علوم تلك املدر�سة ال َّتاريخ َّية ا َّلتي تخ َّرج فيها �أئ َّمة يف العلم وفحول يف الأدب؛ كاحلافط ابن ََّ احلديث» ,وهو �أ َّول من وليها ومن د َّر�س احلديث فيها ,واحلافظينْ امل ِّزي وال َّنوويِّ وغريهم. وهذه املدر�سة بتلم�سان يرجع الف�ضل يف فكرة ت�أ�سي�سها �إىل �أمري البيان َّ ال�شيخ حم َّمد الب�شري الإبراهيمي ,:وقد �شارك بنف�سه يف تخطيطها وقام بت�شييدها ,ح َّتى �إ َّنه كان ي�شرف على الع َّمال بنف�سه( ,)2و�أ�سهم �أهايل تلم�سان رجا ًال ون�سا ًء ب�أموالهم العلمي من بدايته ح َّتى نهايته. ال�صرح و�سواعدهم يف بناء هذا َّ ِّ وقد �أرجع َّ رت ًفا: ال�شيخ الب�شري الف�ضل �إىل «جمع َّية العلماء» ,فقال مع ِ «الف�ضل يف �إن�شاء هذه املدر�سة العظيمة ال يرجع لأحد غري «جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني»ُّ , فكل ف�ضل لهذا العاجز هو قطرة من بحر ف�ضل «جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني»»(.)3 ( )1راجع «الدَّار�س يف تاريخ املدار�س» لعبد القادر ال ّنعيمي (�ص .)15 ال�سنة ال َّثالثة. ( )2انظر «الب�صائر» (َّ )21/3 (ّ )3 «ال�شهاب» ( 352/13وما بعدها).
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
45
استطالع وحوار
وصف البناية: َّ ال�سنة متت �أ�شغال البناء باملدر�سة يف زمن قيا�سي مل يجاوز َّ ٍّ وال ِّن�صف ,ب�سبب العمل املتوا�صل ال َّد�ؤوب ليل نهار ,والإمدادات ال�سخ َّية. املال َّية واملا ِّد َّية املتد ِّفقة من �أيادي �أهل تلم�سان َّ واخت�ي�ر له���ا موق��� ٌع ا�سرتاتيج���ي و�س���ط املدين���ة؛ لتكون يف مواجه���ة ال َّثانو َّي���ة الفرن�س َّي���ة امل�س َّم���اة «دو�س�ل�ان» «»doslane و�أعلى منها. والبناية مك َّونة من ثالثة طوابق ،حتتوي على قاعة م َّت�سعة ال�صلوات ,وفوقها قاعة لإلقاء املحا�ضرات ,وفوقها معدَّة لإقامة َّ بن���اء يحتوي على �أربعة �أق�س���ام ,تزاول فيها درو�س العلم ،وبهذا َّ الطابق �صحن وو�سط فيه بع�ض املرافق(.)4 أ�صلي الأ�صيل اخلط���اب ا َّلذي �ألقاه رئي�س ( )4انظ���ر يف و�صف ه���ذه البناية بطرازها ال ِّ اجلمع َّي���ة الدِّ ين َّي���ة للمدر�س���ة مبنا�سب���ة افتت���اح ا لـمدر�سة يف جم َّل���ة ِّ «ال�شهاب» ( /8م.)363/13
مشاهد من حفل التدشني: وج���ه َّ ال�شيخ الب�شري دعوة عا َّمة حل�ضور هذا احلفل �إىل وجهاء َّ و�أعيان القطر اجلزائريِّ عرب جريدة «الب�صائر» ,وقال فيها: ممن مل ت�صله ال َّدعوة �أو مل نعرف عنوانه �أن يعترب هذه «ونرجو َّ خا�صة»(.)5 ال َّدعوة املن�شورة يف «الب�صائر» دعوة َّ وع�ِّي�نِّ ي���وم االثن�ي�ن ( 22رج���ب 1356ه���ـ املواف���ق ل���ـ: 1937/9/27م) ليك���ون يوم افتتاح «دار احلديث» بتلم�سان ,وكان بهيجا م�شهودًا ،ح�ض���ره ما يزيد على ع�شرين �أل ًفا من ً يوم���ا حاف ًال ً �أبناء تلم�سان ومن غريها. إداري لـ«جمع َّية العلماء وكان يف طليع���ة الوافدي���ن :املجل����س ال ُّ امل�سلم�ي�ن اجلزائر ِّي�ي�ن» ,يتق َّدمه���م رئي����س اجلمع َّي���ة َّ ال�شي���خ عبد احلميد ابن بادي�س ومرافقوه و�أعوانه ،منهم َّ َّب�سي ال�شيخ العربي الت ِّ َّ وال�شيخ مبارك امليلي والأ�ستاذ الف�ضيل الورتالين و�آخرون. ال�سنة ال َّثانية. (« )5الب�صائر» (َّ )246/2
46
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
«تلم�سان» احتفت بالعلم جا ًرا ومــا كـالـعـلـم للـب ـلـدان جـ ـ ــار ـاجا ي ِـحـ ُّق بـه لأهـلـيـهــا ال ـف َـخـ ـ ــار لقد لب�ست من الإ�صالح تـ ً لـقـد ُبعـث «الب�ش ُري» لها ب�شـ ًريا مبـجـد كـالـ ِّرك ــاز بـهـا ُيـثـ ـ ـ ــار ويف «دار احل ــديث» لـه �صـوا ٌن بديــع الـ�صـنـع مـ�ص ــقو ٌل ُمنار به عـر�ض «الب�شري» فنون علم و�آداب لـيـجـلـوهــا ال�ص ـغ ـ ـ ـ ــار فيا «دار احلديث» ِعمِ ي نهـا ًرا وعـمــرك ك ـلُّـه �أبـ ــدً ا نـهـ ـ ـ ـ ـ ــار
استطالع وحوار
ال�شيخ اب���ن بادي�س بع���د �أن �س َّلمه َّ وق���د تولىَّ االفتت���اح َّ ال�شيخ الب�شري مفتاح املدر�سة قائ ًال له: «�أخ���ي الأ�ستاذ ال َّرئي�س! لو علم���ت يف القطر اجلزائريِّ ،بل يف إ�سالمي رج ًال يف مثل حالتكم ،له يد على العلم مثل يدكم, العامل ال ِّ وف�ضل على ال َّنا�شئة مثل ف�ضلكم لآثرته دونكم بفتح هذه املدر�سة, ولك ِّني مل �أجد ,فبا�سم تلم�سان وبا�سم اجلمع َّية الدِّين َّية باخل�صو�ص؛ �أناولكم املفتاح ,فهل لهذه املدر�سة �أن تت�ش َّرف بذلك»(.)6 وكانت َّ لل�شيخ ابن بادي����س كلمة �ألقاها على احلا�ضرين بهذه املنا�سب���ة ،ح َّيا فيها �أهل تلم�سان و�شكرهم على ما بذلوه من مهج ال�صرح فقال لهم: و�أموال يف ت�شييد هذا َّ «يا �أبناء تلم�سان! يا �أبناء اجلزائر! �إنَّ العروبة من عهد « ُت َّبع» �إىل الي���وم حت ِّييك���م ,و�إنَّ الإ�سالم من ي���وم حم َّمد � Íإىل اليوم يح ِّييك���م ,و� َّّإن �أجيال اجلزائر من اليوم �إىل يوم القيامة ت�شكركم وتذكر �صنيعكم اجلميل ,يا �أبناء تلم�سان! كانت عندكم �أمانة من تاريخنا املجيد ف�أ َّديتموهاَ ,ف ِن ْع َم الأمناء �أنتم ,فجزاكم اهلل خري وال�سالم عليكم ورحمة اهلل»(.)7 جزاء الأمناءَّ ، و�أبرز ما م َّيز هذا اليوم ا َّلذي �س َّماه َّ ال�شيخ الب�شري بـ« :العر�س ���ي» �إلق���اء َّ ال�شيخ ابن بادي�س لأ َّول در����س يف هذه املدر�سة يف العلم ِّ مو�ضوع احلدي���ث ا َّلذي �ش ِّيدت البناية لأجل���ه ,ولتكون ا�س ًما على م�س ًّم���ى ,فا�سته َّل َّ بي Íاملرويِّ يف ال�شيخ در�سه ب�شرح حديث ال َّن ِّ «ال�صحيحني» وهو قوله َ « :Íم َث ُل مَا َب َع َثنِي ُ اهلل ب ِه مِ َن ال ُهدَى َّ در�سا مات ًعا ب�شهادة من ح�ضر ,حتَّى َوال ِع ْل ِ���م» احلديث ,وق���د كان ً قال وا�صف احلفل ومرافق ابن بادي�س «م�صطفى بن حلُّو�ش»: «�إنَّ ه���ذا ال َّدر����س كانت �ألفاظه على ق���در معانيه ,ومعانيه ال ت�ستغن���ي عن قليل من �ألفاظه ,وكان �آية يف متانة الأ�سلوب وح�سن البي���ان ,ف�إذا كانت خ�سارة الق َّراء فيه ال تع َّو�ض ـ لأ َّنه فات عليهم ت�سجيل���ه �أو كتابت���ه ـ فل�س���ت امل�س����ؤول؛ فلق���د ـ واهلل ـ حاولت نقله فخانني اجلهل بفنِّ االختزال»(.)8 َّثم تتابع العلماء يف �أم�سية ذلك اليوم على �إلقاء ال ُّدرو�س ,ف�أمتع احلا�ضرين الأ�ستاذان مبارك امليلي َّ َّب�سي. وال�شيخ العربي الت ِّ
ن���ا الأَ ْع َم ُ �ش���رح الأ َّول حديث�« :إِ مَّ َ وف�سر ال َّثاين ���ال بِال ِّن َّي���اتِ »َّ ، قوله تعاىل﴿ :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ الآية [_.)9(]188 : وخت���م احلفل ب�إلقاء �أم�ي�ر �شعراء اجلزائر حم َّم���د العيد �آل خليف���ة لق�صيدة كلُّها عيون وغرر ,عر�ض فيه���ا من ما�ضي الأ َّمة وحا�ضرها ً عر�ضا �شعر ًّيا بلي ًغا ،ملك القلوب و�سحر العواطف. وجاء فيها قوله(:)10
���م ا�ستم َّر احلفل يف يوم���ه ال َّثاين بتناوب رج���االت اجلمع َّية ث َّ من علم���اء و�شعراء وخطباء يف �إلقاء ما عندهم من روائع البيان وف�صي���ح ِّ ال�شعر ومتني ال َّن�ث�ر واخلطب� ،أمتعوا به���ا احلا�ضرين، وغ َّ ���ذوا �ألبابه���م ،كالف�ضي���ل الورت�ل�اين وحم َّمد العي���د وفرحات ال َّد َّراجي وم�صطفى بن حلُّو�ش وغريهم. (ِّ )9 «ال�شهاب» (/8م.)354/13 (�« )10آثار حم َّمد الب�شري الإبراهيمي» (.)309/1
(ِّ )6 «ال�شهاب» (/8م.)351/13 (ِّ )7 «ال�شهاب» (/8م.)352/13 (ِّ )8 «ال�شهاب» (/8م.)354/13
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
47
استطالع وحوار
مدرسة «دار الحديث» كما أرادها الشيخ اإلبراهيمي: ق َّررت «جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني» تعيني علماء كب���ار يف عوا�ص���م املقاطعات الك�ب�رى يف القط���ر اجلزائريِّ ؛ ليك���ون ك ُّل واح���د منه���م م�شر ًف���ا عل���ى احلرك���ة الإ�صالح َّية والعلم َّية يف املقاطعة ك ِّلها. فاخت�ي�ر َّ ال�شي���خ ابن بادي����س ليكون يف مدين���ة ق�سنطينة, وال�شيخ َّ العقبي باجلزائر العا�صمةَّ , َّ وال�شيخ الإبراهيمي الط ِّيب ُّ مبقاطعة وه���ران وعا�صمتها العلم َّية القدمية تلم�سان ،فانتقل �إليها مبع َّية �أهله و�أقام بها ,و�أحيا بها ر�سوم العلم ,و�أن�ش�أ فيها العلمي الكبري كما مدر�س���ة «دار احلديث» لتكون نواة مل�شروعه ِّ العلمي(.)11 كانت ت�ص ِّوره له اخلواطر ,يعيد به جمد تلم�سان َّ لل�صغ���ار ,وتولىَّ وق���د اخت���ار نخبة م���ن املع ِّلمني الأك َف���اء ِّ بنف�س���ه تعليم َّ الطلب���ة الكبار من الوافدين و�أه���ل البلد ,وكان عدد َّ الطلبة يقارب الألفني مو َّزعني على الأق�سام وامل�سجد من �صباحا �إىل العا�شرة لي ًال. ال�ساد�سة ً َّ وكان َّ إبراهيمي يلقي ع�شرة درو�س يف اليوم ,يبد�أ ال�شيخ ال ُّ ال�صبح ,ويختمه���ا بدر�س يف التَّف�سري بدر����س يف احلديث بعد ُّ بني املغ���رب والع�شاء ,وبعد الع�شاء ين�صرف �إىل �أحد ال َّنوادي إ�سالمي ,بد�أه���ا من احلقبة فيلق���ي حما�ض���رة يف التَّاري���خ ال ِّ املوالية لظهور الإ�سالم من الع�صر اجلاهلي �إىل مبد�أ اخلالفة الع َّبا�س َّية يف ب�ضع مئات من املحا�ضرات(.)12 ويف ه���ذه املدر�س���ة خت���م «�صحي���ح م�سل���م» دراي���ة ,و�أ َّمت ال�سلف َّي���ة وب�أ�سلوبه ال ِّن�ص���ف من تف�سري الق���ر�آن على طريقته َّ املعروف(.)13 ���ي املك َّث���ف ا َّلذي قام ب���ه الع َّالمة �إنَّ ه���ذا ال َّن�ش���اط العلم َّ إبراهيمي هو ـ قبل ِّ وال�س َّنة ال كل �شيء ـ دعوة �إىل الكتاب الكرمي ُّ ُّ ت�سجل مباء َّ الذهب لـ«جمع َّية املط َّهرة ,وهو من الأعم���ال ا َّلتي َّ العلم���اء» على الوط���ن اجلزائريِّ بعد �أن ق�ض���ت عليها خرافة (« )11عيون الب�صائر» (.)283/5( ,)36/1 ( )12من كالم َّ إبراهيمي من «عيون الب�صائر» (.)283/5 ال�شيخ ال ِّ ال�سنة ال َّثالثة (.)21/3 (« )13الب�صائر» َّ
48
ُّ الطرق َّي���ة ,و�ضع���ف املنت�سبني للعلم ع���ن �إدراك حقائقهما(,)14 و�إحيا ًء لدرو�س العلم بعد امنحاء ر�سومه و�أفول جنومه ,وعودة �إىل �أ�صوله ال َّنيرِّ ة ومناهجه الوا�ضحة ا َّلتي �أبقت للأ َّمة �إ�سالمها وعقيدتها وهو َّيتها ،و�إعدادًا جليل يزيل عن الأ َّمة خوانق الغ َّمة, دي َّ ال�شمائل غري َّ �صخاب وال ويبعث يف �شريانها روح اله َّمة ,حم َّم َّ الطاهرين َّ ع َّياب ,وال مغتاب وال �س َّباب ,متق ِّل ًبا يف َّ والطاهرات, مي�س���ه زيغ العقيدة ,وال يغ�شى قلبه �سحب اخلرافات� ,صحيح ال ُّ العق���د يف الدِّ ي���ن ,متني اال ِّت�صال باهلل ,ممل���وء القلب باخلوف منه ,خاوي اجلوانح من اخلوف من املخلوق(.)15
دار الحديث بني األمس واليوم: م��� َّرت دار احلدي���ث مبراحل عوي�صة طيل���ة وجودها ,بد ًء الفرن�سي بعد ثالثة �أ�شهر من ب�أمر غلقها �أ�صدره الوايل العا ُّم ُّ فتحه���ا ,وقد حت َّدى َّ ال�سلطات الفرن�س َّية ورف�ض ال�شيخ الب�شري ُّ التَّوقيع على حم�ضر الأمر بغلق املدر�سة ,وكان جزا�ؤه �إثر ذلك �أن ق���دِّ م �إىل املحاكمة وق�ضي عليه بغرام���ة مال َّية( ,)16وانتها ًء بغل���ق �أبوابها يف وجوه َّ الطلبة �إ َّبان ال َّث���ورة التَّحرير َّية من عام � 1956إىل 1962م ,واتَّخذها الع�سكر الفرن�ساوي وقتئذ ثكنة ل���ه وكانت فر�صته يف اال�ستيالء على �أر�شيف املدر�سة حيث مل يبقَ منه الآن �أث ٌر ُيذكر.
( )14جريدة «الب�صائر» (.)180/3 إبراهيمي يف ت�ص ُّوره ل�شباب هذه الأ َّمة. ( .)15عبارات لل ِّ َّ إبراهيمي يف تلم�سان» جم َّلة «ال َّثقافة» ل ا يخ «ال�ش بعنوان: اهلل �سعد ُّكتور (.)16مقال للد ّ عدد (.)93/101
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
استطالع وحوار
وعرفت «دار احلديث» تو�سعة �أ�ضيفت �إىل البناية القدمية بعد ع�شر �سنوات من بنائها عام (1947م) ,ومعامل هذه التَّو�سعة بادية اليوم لزائريها. وبع���د اال�ستق�ل�ال مل تع���د املدر�سة �إىل ن�شاطه���ا املعهود كما كانت علي���ه زمنَ َّ ال�شيخ الب�ش�ي�ر ,وظ َّلت على تلك احل���ال من ال ُّركود أ�صلي, أ�صلي يف عهد مولود قا�سم :وزير الأوقاف والتَّعليم ال ِّ واجلم���ود ,حتَّ���ى انتع�شت من جديد ـ ن�سب ًّيا ـ بت�أ�سي�س معاهد التَّعليم ال ِّ خا�ص ب�أبناء لك���ن �سرع���ان ما �ألغي نظ���ام ذلك التَّعليم وا�ستب���دل بالتَّعليم ِّ العام املعروف الآن ,وم���ن املعلوم �أنَّ للمدر�سة عق���دَ ملك َّية ّ ن�ص على ذلك َّ إبراهيمي يف كلمته عند افتتاح املدر�سة: ال�شيخ ال تلم�سان( )17ولي�ست وق ًفا عا ًّماُ ,بنيت مبال الأ َّمة و�ستبقى للأ َّمة ،كما َّ ُّ «�إنَّ �أك�ب�ر دعام���ة تقوم عليها ال َّنه�ضة اجلزائر َّي���ة احلديثة ,هي املدار�س احل َّرة مبال الأ َّمة ،وقد قام���ت تلم�سان بق�سطها من هذا الواجب»(.)18 تخ�ص�ص���ت يف التَّعليم التَّح�ضرييِّ ت�ض ُّم نحو (� )300إىل ( )400تلميذ ,ي� ِّؤطرهم ع�شرة ()10 وه���ي الآن يف الوقت احلا�ضر قد َّ من املع ِّلمات ومدير قائم عليها( ,)19يدفع التَّالميذ مبل ًغا �سنو ًّيا يت ُّم دفعه على �شكل رواتب للمع ِّلمات. ال�صلوات اخلم�س و�صالة اجلمع���ة ,وبها مكتبة متوا�ضعة ي�ؤ ُّمها بع����ض ال َّدار�سني للمطالعة ومراجعة وباملدر�س���ة م�سج���د تقام فيه َّ ال�شارع العام ،كانت مكت ًبا َّ ال ُّدرو�س ,وفيها حجرة مط َّلة على َّ لل�شيخ الب�شري يزاول فيها �أ�شغاله العلم َّية والإدار َّية. ويف امل��� َّدة الأخ�ي�رة ا�ستف���ادت املدر�سة م���ن دعم ما ٍّ وال�سقوط وع�سى �أن ُيتب���ع ذلك مبا يحيي يل لإعادة ترمي���م ما هو �آيل لل���زَّوال ُّ ال�ساطع وجمدها َّ ال�ضائع ب�إحياء درو�س العلم والوعظ والإر�شاد ،وتربية ال َّنا�شئة وفق ر�سالتها التي من �أجلها �أُن�شئت ،فت�ستعيد ا�سمها َّ الأ�صول والآداب الإ�سالم َّية ،و�أملنا يف اهلل ـ جل وعال ـ كبري �أن تتحقَّق �أمنية َّ ال�شيخ الب�شري و�إخوانه من جمعية العلماء و�سائر املح ِّبني لهم واملعتنني بجهودهم وما خ َّلفوه من املوروث العلمي والأدبي والتَّاريخي ،فرحم اهلل َّ ال�شيخ الب�شري ورفع درجته يف عل ِّيني. ( )17عقد امللك َّية موجود الآن وحمفوظ ب�إدارة املدر�سة يقع يف � 100صفحة وقد �أخذنا �صورة من �صفحاته الأوىل. ال�سنة ال َّثانية (.)246/2 (« )18الب�صائر» َّ ورحب بنا ,و�أمدَّنا مبعلومات عن هذه املدر�سة ,فله جزيل ُّ ال�شكر والعرفان. ( )19وهو ا َّلذي ا�ستقبلنا يف مكتبه َّ ُّ وال�شكر مو�صول �إىل بع�ض الأفا�ضل من �شباب تلم�سان.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
49
أخبار التراث
جديد املخطوطات املطبوعة عمار متالت باحث مبركز املل���ك في�صل للبحوث والدرا�س���ات الإ�سالمي���ة بالريا����ض
ال�ساح���ة ال َّثقاف َّي���ة لق���د عرف���ت َّ ال�سن�ي�ن الأخ�ي�رة ،نه�ض��� ًة والعلم َّي���ة يف ِّ ملمو�س��� ًة يف جمال ال َّن�ش���ر وال َّت�أليف ،يف خمتلف العلوم َّ ال�شرع َّية واملعارف َّية. وه���ذا ـ وال � َّ مم���ا ُيثل���ج �ص���دو َر ش���ك ـ َّ َّ ط�ل�اب العلم ،ويروي غلي َل �أهل البحث وال َّتحقيق منهم. ُ جمال حتقيق املخطوطات وقد نال ال�سبق من ذلك. ون�شرِها َ ق�صب َّ وه���ذا ي ُّ ���دل على اهتم���ام بال��� ٍغ بهذا َّ ال�ش�أن ،كي���ف ال؟! وهو من �آكد واجبات الأ َّم���ة نح���و علمائه���ا الأ�س�ل�اف ،ا َّلذين خ َّلف���وا لها ثرو ًة علم َّي��� ًة هائل ًة ،و�إن كان ما ُط ِب���ع و ُن�شر من خمطوطات علمائنا ال ِّ مم���ا ه���و حبي�س يغط���ي �أق��� َّل القلي���ل َّ اخلزائن واملكتبات. ن�س����أل اهلل �أن يع�ي�ن علم���ا َء الأ َّم���ة وط َّ ال َبها على �إنقاذه و�إخراجه لت�ستفيد منه الأجيال. وق���د عم ُ ���دت يف مق���ايل ه���ذا ،يف ه���ذه املج َّل���ة الغ��� َّراء� ،إىل ذك���ر �شيء من ال�سنت�ي�ن املخطوط���ات ا َّلت���ي ُطبع���ت يف َّ الأخريت�ي�ن ،ع�س���ى �أن ينتف َع ب���ه ط َّ ال ُب العلم والدَّار�سون. 50
�أ َّو ًال ـ يف تف�سري القر�آن الكرمي وعلومه: « التَّف�سري الب�سيط» ،لأبي احل�سن علي ابن �أحمد الواحدي (ت 468هـ). وهو من �أو�سع تفا�سري الواح���دي ال َّثالثة« :الب�سيط»« ،الو�سيط»« ،الوجيز» ،وقد ُطبع من قب���ل «الو�سيط» و«الوجيز» ،وهذا «الب�سيط» ُيطبع الآن لي�ضيف حتفة رائعة �إىل املكتبة التَّف�سري َّية. والكت���اب ُطبع يف خم�س وع�شرين جم َّلدً ا مبطبعة جامعة الإمام حم َّمد بن ُ�سعود الإ�سالم َّية بال ِّريا�ض �سنة (1430هـ ـ 2009م) ،و�أ�صله ع َّدة ر�سائل علم َّية باجلامعة املذكورة. « رم���وز الكنوز يف تف�سري الكتاب العزيز» ،لعبدال���رزاق بن رزق اهلل الر�سعني (ت 661هـ). طب���ع يف ت�سع���ة جم َّل���دات على نفقة حم ِّقق���ه َّ ال�شيخ عبد امللك ب���ن عبد اهلل ابن دهي�ش �سنة (1429هـ ـ 2008م). « تف�سري القر�آن الكرمي» ،لعبيد اهلل ابن �أحمد بن عبيد اهلل القر�شي الإ�شبيلي املعروف بـ«ابن �أبي الربيع» (ت 688هـ). ُطبع مبطبعة جامعة الإمام حم َّمد بن ُ�سعود الإ�سالم َّية بال ِّريا�ض �سنة (1430هـ ـ 2009م) ،بتحقيق ال ُّدكتورة �صاحلة را�شد �آل غنيم ،و�أ�صله ر�سالتها يف ال ُّدكتوراة. واملطب���وع اجلزء الأ َّول ِمن الكتاب فقط �إىل �أثن���اء �سورة البقرة ،وهو ا َّلذي بقي منه يف خزانة ال ِّرباط باملغرب.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
« الوق���ف واالبت���داء» ،لأحمد ب���ن حم َّمد اب���ن �أو�س املقرئ (كان ح ًّيا �سنة 341هـ). ال�س�ن�ن والإجم���اع واالخت�ل�اف» ،ملح َّم���د بن « الأو�س���ط يف ُّ ُ طب���ع بجامع���ة قارينو�س ببنغازي �سن���ة (2008هـ) ،بتحقيق �إبراهي���م ب���ن املن���ذر ال َّني�ساب���وري (ت 319هـ) ،وهو م���ن �أو�سع م�صطفى عبد الفتَّاح العريبي. ال�س َّنة. الكتب يف فقه ُّ « الربه���ان يف �إعج���از الق���ر�آن»� ،أو« :بدي���ع الق���ر�آن»، ً كام�ل�ا يف خم�سة ع�ش���ر جم َّل���دً ا ،بدار الف�ل�اح للبحث ُطب���ع لعبدالعظي���م بن عبد الواحد بن ظاف���ر البغدادي املعروف بـ«ابن العلمي �سنة (1430هـ ـ 2009م) ،بتحقيق جمموعة من الباحثني �أبي الأ�صبع» (ت 654هـ). ومراجعة �أحمد بن �سليمان بن �أ ُّيوب. ُطب���ع بال��� َّدار العرب َّي���ة للمو�سوعات ببريوت �سن���ة (1430هـ ـ �« ش���رح الإملام ب�أحاديث الأحكام» ،ملح َّمد ابن علي بن وهب 2010م) ،بتحقيق ٍّ كل من� :أحمد مطلوب ،وخديجة احلديثي. الق�شريي املعروف بـ«ابن دقيق العيد» (ت 702هـ). ثانيا ـ يف احلديث ال�شريف وعلومه:
أخبار التراث
« مف���ردة يعقوب بن �إ�سحاق احل�ضرم���ي» ،للح�سن بن علي حم َّمد ال َب�سيلي املالكي (ت 830هـ). ُطبع ق�س ٌم منه يف ثالثة �أجزاء بوزارة الأوقاف بال َّدار البي�ضاء بن �إبراهيم الأهوازي (ت 446هـ). ُطبع ب ُد َبي� ،ضمن ن�شاطات جائزة دبي ال ّدولية للقر�آن الكرمي �سنة (1429هـ ـ 2008م) ،بتحقيق حم َّمد َّ الطرباين. �سنة (1430هـ ـ 2009م) ،بتحقيق ع َّمار �أمني حم َّمد الددو. ال�سبع» ،لإ�سماعي���ل ابن خلف ابن « العن���وان يف الق���راءات َّ ال�سرق�سطي (ت455هـ). « الفوائ���د ال َّالئحة من معاين الفاحتة» ،ملح َّمد بن �إبراهيم �سعيد ّ بن �سعد اهلل ،املعروف بابن جماعة (ت 733هـ). ُطب���ع مبكتبة الإم���ام البخ���اري بالقاه���رة �سن���ة (1429هـ ـ ُطب���ع بدار َّ الظاهر لل َّن�شر والتَّوزي���ع بالكويت �سنة (1430هـ ـ 2008م) ،بتحقيق خالد ح�سن �أبي اجلود. 2009م) ،بتحقيق حايف ال َّنبهان.
ً كام�ل�ا يف خم�سة جم َّلدات ب���دار ال َّن���وادر بدم�شق �سنة ُطب���ع « تنبي���ه الأنام على ما يف كتاب اهلل من املواعظ والأحكام»، لأبي الع َّبا�س �أحمد ابن حم َّمد ال ّرهوين (ت؟؟؟). (1430ه���ـ ـ 2009م) ،بتحقي���ق حم َّم���د خلوف العب���د اهلل ،وقد وال�ش����ؤون الإ�سالم َّية بال ِّرب���اط �سنة اعتمد فيه على ثالث ن�سخ ِّ ُطب���ع ب���وزارة الأوق���اف ُّ خط َّية. (1430هـ ـ 2009م) ،بتحقيق احل�سن بوق�سيمي. وللتَّنبيه ف�إنَّ الكتاب طب���ع قبل �سنوات يف جم َّلدين ،لكن تلك َّ الطبعة غري كاملة ،حيث �إ َّنها ال مت ِّثل غري �سد�س الكتاب. « حتف���ة الإخوان يف ا ُ خل ْلف بني َّ ال�شاطب َّية والعنوان» ،ملح َّمد ال�صحيح» بن حم َّمد بن اجلزري (ت 833هـ). « م�صابي���ح اجلامع» ،وه���و �شرح على «اجلام���ع َّ ُطبع بدار كنوز �إ�شبيليا بال ِّريا�ض �سنة (1430هـ ـ 2009م) ،للإمام البخاري ،ت�أليف :بدر الدِّ ين حم َّمد بن �أبي بكر ال ّدماميني املالكي (ت 827هـ). بتحقيق �أحمد بن حمود الرويثي. ُطب���ع يف ع�شرة جم َّلدات بدار ال َّنوادر بدم�شق �سنة (1431هـ « من���ح الفريدة احلم�ص َّية يف �شرح الق�صيدة احل�صر َّية يف ق���راءة الإمام نافع» ،ملح َّمد ابن عب���د ال َّرحمن الإ�شبيلي املعروف ـ 2010م) ،بتحقيق نور الدِّ ين طالب مع جماعة. بـ«ابن عظيمة» (ت 543هـ). « الأح���كام الكب�ي�ر» ،للحافظ �إ�سماعيل اب���ن عمر بن كثري ُطبع بوزارة الأوقاف ُّ وال�ش�ؤون الإ�سالم َّية بال َّدار البي�ضاء �سنة الدِّ م�شقي (ت 774هـ). (2008هـ) ،بتحقيق توفيق العبقري. ُطب���ع املج َّلد ال َّثال���ث منه يف ثالثة جم َّل���دات بدار ال َّنوادر « نك���ت وتنبيه���ات يف تف�س�ي�ر الق���ر�آن املجي���د» ،لأحمد بن بدم�ش���ق �سن���ة ( 1431ه���ـ ـ 2010م) ،بتحقي���ق ن���ور الدِّ ي���ن ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
51
أخبار التراث
ُطبع مبرك���ز الدِّ را�سات والأبح���اث و�إحياء ال�ُّت�اررُّ اث بال ِّرباط طالب مع جماعة. وللتَّنبي���ه ف�إنَّ الكتاب مل يبق منه غري هذه ال ُّن�سخة من املج َّلد �سنة (1430هـ ـ 2009م) ،بتحقيق حم َّمد م�ساعد. ال َّثالث ،وهي حمفوظة باملكتبة الوطن َّية بتون�س. « القواعد الفقهية» ،لأحمد بن احل�سن بن عبد اهلل احلنبلي « ريا�ض الأفهام يف �شرح عمدة الأحكام» ،لعمر بن علي ابن �سامل الفاكهاين املالكي (ت 734هـ). ُطبع يف خم�سة جم َّلدات بدار ال َّنوادر بدم�شق �سنة (1431هـ ـ 2010م) ،بتحقيق نور الدِّ ين طالب وجماعة. « ن���وادر الأ�صول يف معرف���ة �أخبار ال َّر�سول ،»Íملح َّمد بن علي بن احل�سن املعروف بـ«احلكيم الترِّ مذي» (ت 320هـ). ً كام�ل�ا يف �سبعة جم َّل���دات ب���دار ال َّن���وادر بدم�شق �سنة ُطب���ع (1431هـ ـ 2010م) ،بتحقيق توفيق حممود تكلة. الطبعة عن َّ وق���د امتازت هذه َّ الطبع���ة ا َّلتي �صدرت قد ًميا يف أهمها �إثبات �أ�ساني���د احلكيم الترِّ مذي جم َّلدي���ن بع َّدة �أمور ِم���نْ � ِّ ا َّلتي اختفت يف َّ الطبعة القدمية. ثالثا ـ يف الفقه و�أ�صوله:
املعروف بـ«ابن قا�ضي» اجلبل (ت771هـ). طبع اجلزء الأ َّول منه ب���دار ال َّنوادر بدم�شق �سنة (1431هـ ـ 2010م) ،بتحقيق د� .صفوت عبدالهادي. ���ب اللُّباب يف بيان ما ت�ض َّمنته �أبواب الكتاب من الأركان « ل ُّ ُّ وال�ش���روط واملوان���ع والأ�سب���اب» ،ملح َّمد ب���ن عبد اهلل ب���ن را�شد القف�ص���ي (ت736هـ) ،وهو �ش���رح على خمت�ص���ر ابن احلاجب الفرعي املعروف بـ«جامع الأ َّمهات». ُطبع يف جم َّلدين ،بدار البحوث للدِّ را�سات الإ�سالم َّية و�إحياء ال�ُّت�رُّ اث بدبي �سنة (1428ه���ـ ـ 2007م) ،بتحقي���ق الأ�ستاذين: حم َّمد املدنيني وحلبيب بن طاهر. ذهب يف �ضبط م�سائل ا َملذهَ ب» ،البن را�شد القف�صي. « املُ ِ ُطب���ع يف جم َّلدين ،ب���دار ابن حزم ببريوت �سن���ة (1429هـ ـ 2008م) ،بتحقيق :ال ُّدكتور حم َّمد بن الهادي �أبو الأجفان.
�« شرح حتفة احل َّكام يف نكت العقود والأحكام» البن عا�صم، « ال ُّدرر ال َّلوامع يف �شرح جمع اجلوامع» ،لأحمد بن �إ�سماعيل لولده حم َّمد بن حم َّمد (ت بعد 857هـ). الكوراين (ت 893هـ). ُطبع يف جم َّلدين على نفقة حم ِّققه ال ُّدكتور عبد الكرمي �شهيون ُطبع يف خم�سة جم َّلدات ،مبطابع اجلامعة الإ�سالم َّية باملدينة �سنة (1431هـ ـ 2010م) ،معتمدً ا على �أربع ن�سخ ِّ خط َّية. ال َّنبو َّي���ة �سنة (1429ه���ـ ـ 2008م) ،بتحقيق :ال ُّدكتور �سعيد ابن « عي���ون املذاهب» ،ملح َّمد بن حم َّمد ب���ن �أحمد الكاكي (ت غالب املجيدي ،و�أ�صله ر�سالته يف ال ُّدكتوراه. 749هـ). « امله َّم���ات يف �شرح ال َّرو�ضة وال َّرافع���ي» ،لعبد ال َّرحيم ابن ُطبع بديوان الوقف ُّ ِّ ال�سني ببغداد �سنة (1429هـ ـ 2008م) ،احل�سن الإ�سنوي (ت 772هـ). بتحقيق حممود بندر العي�ساوي. ُطب���ع يف ع�ش���رة جم َّل���دات ،ب���دار اب���ن ح���زم بب�ي�روت �سنة « االنت�صار لأهل املدينة» ،ملح َّمد بن عمر القرطبي املعروف (1430هـ ـ 2009م) ،بتحقيق� :أبو الف�ضل ال ّدمياطي. بـ«ابن َّ الفخار» (ت 419هـ). عبدالوهاب ابن علي البغدادي �« شرح ال ِّر�سال���ة» ،للقا�ضي َّ ُطبع مبركز الدِّ را�سات والأبحاث و�إحياء الترُّ اث بال ِّرباط �سنة (ت422هـ) ،وهو من �أقدم �شروحها.
(1430هـ ـ 2009م) ،بتحقيق حم َّمد التّم�سم�ساين الإدري�سي. ُطب���ع اجلزء ال َّث���اين منه ع���ن ال ُّن�سخ���ة الأزهر َّي���ة الوحيدة، « منتخ���ب الأحكام» ،ملح َّمد بن عبد اهلل بن عي�سى املعروف بدار ابن حزم بب�ي�روت �سنة (1428هـ ـ 2007م) ،يف جم َّلدين، بـ«ابن �أبي زمنني» (ت 399هـ). بتحقيق� :أبو الف�ضل ال ّدمياطي. 52
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
راب ًعا ـ يف التاريخ والرتاجم:
« الإكلي���ل والتَّاج يف تذييل كفاية املحتاج» ،ملح َّمد بن َّ الط ِّيب َّ �« ش���رح ح���دود الأ َب���دي يف عل���م النح���و» ،لعل���ي ب���ن �أحمد ال�سالم القادري (ت 1187هـ). ابن عبد َّ َّ ُطب���ع باجلمعي���ة املغربي���ة لل َّت�ألي���ف والترَّ جمة بالرب���اط �سنة ال َّر ْ�سموكي النحوي (ت 1049هـ). ِّ َّ َّ ُطبع مبكتبة القراءة للجميع بال َّدار البي�ضاء �سنة (1430هـ ـ 2009م ،بتحقيق مارية دادي. 2009م) ،بتحقيق الب�شري التّهايل. « الإملام ببع�ض من لقيته من علماء الإ�سالم» ،لعبد الواحد « كت���اب ِّ اخلط» ،لعب���د ال َّرحمن بن �إ�سح���اق الزّجاجي (ت ال�سجلما�سي (ت 1003هـ). بن �أحمد ّ ُطب���ع بالرباط �سن���ة (2008م) ،على نفق���ة حم ِّققته نفي�سة 337هـ). ِّ ُطبع بدار �صادر ببريوت �سنة (1430هـ ـ 2009م) ،بتحقيق َّ الذهبي ،عن ن�سخته الكتان َّية الوحيدة. ال ُّدكتور تركي بن �سهو العتيبي. « البنان امل�ش�ي�ر �إىل علماء وف�ضالء �آل �أبي كثري» ،للقا�ضي حم َّمد بن حم َّمد باكثري الكندي (ت 1355هـ). ُطب���ع مبكتب���ة َّ ال�شافع���ي با َمل��� ْكال باليم���ن �سن���ة (1429ه���ـ ـ 2008م) ،بتحقيق املح ِّقق البارع عبد اهلل حم َّمد احلب�شي.
أخبار التراث
2009م) ،بتحقيق ال ُّدكتور هادي عبد اهلل ناجي ،و�أ�صله ر�سالته يف ال ُّدكتوراه بكل َّية الآداب بجامعة بغداد.
خام�سا ـ يف علوم اللغة العربية والأدب: ً « العم���دة يف حما�سن ِّ ال�شع���ر و�آدابه» ،للح�سن ابن علي ابن َر�شيق القريواين (ت 463هـ). ُطب���ع طبعة جدي���دة حم َّقق���ة ،يف ثالث���ة جم َّل���دات ،باملجمع التُّون�س���ي للعلوم والفنون �سن���ة 2009م ،بتحقي���ق :توفيق ال ّنيفر وخمتار العبيدي. �« ش���رح �أبي���ات �سيبوي���ه» ،ليو�سف بن احل�س���ن بن عبد اهلل ال�سيرْ ايف (ت 385هـ). َّ ُطبع يف جم َّلدي���ن بدار الع�صماء بدم�ش���ق �سنة (1431هـ ـ 2010م) ،بتحقي���ق ال ُّدكت���ور حم َّمد علي �سلط���اين ،معتمدً ا على ن�سخة فريدة ترك َّية. وللتَّنبي���ه؛ ف�إنَّ الكتاب ُطب���ع �ساب ًقا مب�صر ،لك���ن طبعته تلك كانت ناق�صة ،وقد ن َّبه على ذلك املح ِّقق. « املنهاج يف �شرح جمل الزّجاجي» ،ليحيى بن حمزة العلوي (ت 769هـ). ُطب���ع يف جم َّلدين مبكتب���ة ال ُّر�شد بال ِّريا����ض �سنة (1430هـ ـ ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
53
عبد املالك بن مربوك ـ ـ تيزي وزو
اللغة واألدب قِ�����ف�����وا َح������ ُّي������وا ُط������ل������و َل ال َّ���ظ���اعِ ���ن���ي���ن���ا و�آث���������������������اراً ح������� َك�������تْ يِ َ ل ِذ ْك����������ري����������اتٍ ُ�����وج�����وا وب������ ْع������ َد حتِ������ َّي������ ِة ال ْأط�������ل������الِ ع ُ �إىل دار ال���ف�������ض���ي���ل���ة ح����� ْي ُ �����ث ت���������أْوي هُ ��������� َو الإ� ْ���������ص����ل����ا ُح عُ�������ن ٌ �������وان َت�������س��� َّم���تْ �إىل ال������رح������م������ن ت������دع������و ب������ا ِّت������ب������ا ٍع ع����ل����ى م����ن����ه����اج خ���ي��ر ال����� َّن�����ا������س ِدي����� ًن�����ا ��������ج�������� َّل�������� ِة �أ ْدخ�����ل����� ْت�����ن�����ا مَ������وا�������ض������ي������ ُع امل َ َ م����ب����اح ُ ����ث يف ال����ع����ق����ي����دة ُ ذات �����ش�����أنٍ �أ�������س������ا� ُ������س ال������� ِّدي�������ن ت������ ْوح������ي������ ٌد ن���ق ٌّ���ي و�إ َّن ال������� ِّ������ش������ ْر َك ُخ������� ْ������س ٌ ������ران م ٌ ���ب�ي�ن م����وا�����ض����ي���� ُع ال������� َّ������ص���ل��ا ِة ب����ه����ا �أق����������� َّرتْ َف������ـ َ ������ط������ ْو ًرا ع������نْ م�����س��ائ��ـ��ل��ه��ا َ وط���������� ْوراً ويف َرمَ�������� َ�������ض�������ا َن �إ� ْ���������ص����ل����ا ٌح �أط������ َّل������تْ ���������ج��������� ٍة � ْأح�����������ك�����������ا ُم َح�������� ٍّج ويف ذي حِ َّ ـيب و�أح������ـْ������ك������ا ُم ال�������� َّزك��������ا ِة ل����ه����ا ن�ص ـ ٌ آداب وفِ������ ْق������ـ������ ٌه ������ن � ٌ ويف ال������ع������ي������ َد ْي ِ ف�������������إ َّن ال�����ع�����ي����� َد ج�������ائ�������ز ُة ْام����ـ����ت����ح����انٍ ُك��������ن��������و ُز ُت�������راث�������ـِ�������ن�������ا ف����ي����ه����ا َ جت������ َّل������تْ ق���������ض����اي����ا �أ َّم�������������ة الإ����������س����ل����ام ن������ا َل������تْ وت������ ْرب������ي������ ُة ال������ ِّ�����ص�����غ�����ار ل�����ك����� ِّل َط���������� ْو ٍر و� ْأح���������ك���������ا ُم ال����� ِّن�����������س�����ا ِء ف����� ُه�����نَّ �أ ْي ً�ضا
54
و َم�����������نْ ك������ان������وا هُ ������ن������ال َ ِ������ك قاطِ نينا َ������اج������تْ ع��� ْن���ده���ا ال����� َّ����ش���� ْو َق ال َّدفـينا �أه َ قا�صدينا ع���ل���ى �أ ْر� ِ������������ض اجل������زائ������ ِر ِ وح���������� ُّي����������وا ال���ق���ائ���ـ���م���ي���ن���ا جم����� َّل����� ُت�����ن�����ا َ ب���������� ِه و َل��������������� ُه َدعَ�������� ْت�������� َن��������ا � ْأج����� َم�����ع�����ي�����ن�����ا ����ح����دِ ث����ي����ن����ا و َت��������ْب�������رْ َ �أُ مِ ��������نْ � َ�����ض��ل��ال امل ُ ْ � َ�����ص�����ح�����ا َب����� ِة � ْأح��������م��������دٍ وال���� َّت����اب���� ِع����ـ����ي����ن����ا ِري َ ������ا�������ض ال����� َّ����ص����احل َ ��ي�ن امل ُ ْ�صلِحينا ُت������ َب������ـ���ِّي��نِّ ُ ل������ل������ورى ال������ َّن������ه������ َج املـبينا ب�����ـ�����ه ب������ع َ ������ث الإل����������������� ُه املُ���� ْر�����س����ل����ـ����ي����ن����ا لأ َّن ال�������ن�������ا َر م���������������أْوى املُ����� ْ����ش����رك����ي����ن����ا عُ�������ي�������و َن ال������ َّراك������ع َ ���ي��ن ال���� َّ���س���اج���دي���ن���ا ت������ـُ������ب���ِّي��نِّ ُ ف����� ْ����ض����ل����ه����ا ل���ل���خ���ا� ِ���ش���ع���ـ���ي���ن���ا ب�����ت�����وج�����ي�����ـ�����ه�����اتِ�����ه�����ا ل����ل����� َّ����ص����ائ����م����ي����ن����ا ت�������ـُ�������ب���ِّي���نُِّ فِ�������� ْق��������هَ�������� ُه ل����ل���� َّن����ـ����ا� ِ����س����ك����ي����ن����ا ُت������ َو� ِّ������ض������ ُح � ْأم��������� َره���������ا ل ْل ُمنفِـقـينا و َت�������هْ������� ِن�������ـ������� َئ������� ٌة ل������� ُك������� ِّل ال����ف����ائ����زي����ـ����ن����ا ت ُ ���������ص ال�����ع�����ا ِب�����دي َ �����ن امل ُ ْخل�صينا ����خ ُّ �أ َز ْل����������������������تِ ُغ��������ب��������ا َره��������ا ل����ل����ب����احِ ����ث����ي����ن����ا جَ���� َّل����ـ����ت����ـ����ن����ا م���ـَ���ك���ي���ن���ا ن���������ص����ي���� ًب����ا يف م َل�������� َع�������� َّل َ اهلل ُي������ ْ�����ص�����ل����� ُح ن���ا� ِ���ش���ئ���ـ���ي���ن���ا ������ش�����ق�����ائ ُ ِ�����ق ل�������ل������� ِّرج�������الِ امل�ؤمنـينا
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
ف����ـ����ت����اوى ����ش��� ْي���خِ ���ن���ا ف����� ْرك�����و� ِ�����س فيها ورم�����������ض�����اين وعَ����� ْو������س�����ات و ع���ب���د ْال ْ َ�أ َب���� ْن���� ُت����ـ���� ْم يف ال��ت�راج����ـ ِ����م ع���ـ���ـ���نْ رج�����الٍ
مِ َ ال�صادقينا ������ن ال��� ُع���ـ���ل��� َم���ا ال������دُّ ع������ا ِة َّ
وفِ������� ْق������� ُه ال������ ِّ�����س��ي��ر ِة ال��������غ�������� َّرا ِء َت�������� ْروي
ح������ َي������ا َة املُ���� ْ���ص���ـ���ط���ف���ى وال���� َّ���س���الِ���ف���ي���ن���ا
������ي �أ ْر����������س��������� َل ال������ َّرح������م ُ ������ن ي����ـ���� ْدع����و َن������ب ٍّ
رح��������ـ��������م�������� ًة ل����ل����ع����امل����ي����ن����ا �إ َل�������ـ�������ـ������� ْي�������ـ������� ِه ْ
ومَ������ ْي ُ �سى ������دان ال����� َّرق�����ائِ�����قِ ل��� ْي���� َ���س ُي ْن َ
�����ح�����تْ ط�����ري ُ ال�سالِكينا ب������ ِه و� َ�����ض َ �����ق َّ
����ح����تِ � ْأخ������ط������ا ًء تـ َف َّ�شـتْ وق������د � َ����ص َّ ����ح ْ
وك����������ان ال������ َّن������ا� ُ������س ع���� ْن����ه����ا غ���افِ���ل���ي���ن���ا
ك����م����ا داف�������� ْع��������تِ ع��������نْ مِ ������ ْن������ه������ا ِج ح ٍّ ����ق ج������زى اهلل الأُلىَ ب�����ذل�����وا ُج������هُ������ودًا
َك������� َ������س������ ْرتِ ِب�������� ِه � ِ�����س�����ه�����ا َم َّ الطاعـنينا
������ي������را ق����������� ْد ظ��������ه��������رتْ جم����� َّل�����ت�����ن�����ا �أخ ً ج������������زاكِ ُ اهلل ي������ا �إ� ْ���������ص����ل����ا ُح خ����ْي���ررْ ً ا �أ ْب�������������ق�������������اكِ الإل�������������������� ُه ل������ن������ا دل�����ـ ً �����ي��ل��ا
جم�������ي�������دِ و�أ ْزه���������������������ر م��������ع �آخ������ري������ن������ا
اللغة واألدب
و� ْأح���������ك���������ا ُم ال�����ب�����ي�����و ِع لأهْ �������������لِ � ُ�����س�����وقٍ
تحُ�������� ِّل�������� ُل � َ�����ص����� ْف�����ـ����� َق����� َة املُ����ت����ع����ام����ل����ي����ن����ا �أُ� ُ������ص ُ ������ول ال���ف���ـ��� ْق��� ِه تمَ ْ ���ـ��� َن ُ���ح���ـ���ن���ا ال َيقينا
ول���� ْي����� َ����س َي�������ض���ـ���ي��� ُع � ْأج���������� ُر العامِ لينا ِب���� َت����� ْ����ص����م����ـ����ي ٍ����م ي������ ُ�����س����� ُّر ال���� َّن����اظ����ري����ن����ا ف���������إ َّن��������كِ ق�������� ْد ن������ َف������ ْع������تِ املُ���� ْ���س���ل���م���ي���ن���ا و ِن����ْب���رْ ا� ً��������س��������ا ي������ ُب ُّ ������ث ال�������� ُّن��������و َر ِفيـنا و�أ ْر� ِ������ش������ ْدن������ا ال������ ِّ�����ص َ �����راط امل ُ ْ�سـ َتبينا
������م ف����������ي����������ا َر َّب����������ا ُه �أ ْك��������ر ِْم��������ـ��������ن��������ا ِب������عِ������ ْل ٍ �������ح������� ِر ْز عُ�����ل�����و َم ال����� ِّدي�����ن ح ًّقا َف����� َم�����نْ ُي ْ
ف�����ذل�����ك � ْأح���������������ر َز ال�����ك�����ن����� َز ال َّثمـينا
َو َو ِّح���ـ���ـ���ـ���ـ��� ْد �أ َّم���ـ���ـ���ـ��� َة الإ� ْ���س���ـ���ـ�ل�ا ِم َد ْو ًم ـ ــا
ع����ل����ى مِ ������ ْن������ه������ا ِج َخ�����ْي�����رِْ املُ���� ْر�����س����ل����ي����ن����ا
َ��ي��ن هُ ����ـ����دًى َمعـ ٌ ���وح���ي���ـ�ْي�نْ ع ُ ني ف��ف��ي ال ْ
ب����ه����ا ال����� َّرح�����م�����ن ي�����ه�����دي امل َّتقـيـنا
و َن���ـ���ـ���ـ��� ِّج ب���ـ�ل�ا َدن���ـ���ـ���ـ���ا مِ ���ـ���ـ���نْ ُك���ـ���ـ��� ِّل َ�شـ ـ ٍّر
لِ���� ُت����� ْ����ص���� ِب���� َح �أ ْر� ُ������ض������ن������ا َب�������لَ�������دًا �أمِ ����ي����ن����ا
ع��ل��ى َخ��ـ��ـ��ـ�� ْي��ـ�� ِر الأن����ـ����ـ����ا ِم � َ���ص���ـ���ـ�ل�ا ُة ر ِّبــي
��ي�ر م�������ا َح��� ِي���ـ���ي���ن���ا و َت�����ـ������ ْ�����س�����ل�����ي����� ٌم ك����ـ����ث����ـ ٌ
�����ح�����رٍ واف�����������رٍ َح�������َّب������رَّ ْ ُت � ِ���ش���ـ��� ْع���ري ب�����ـِ����� َب ْ ويف واح�������اتِ������� ُك������� ْم ق�������د َّْم�������تُ � ِ����ش���� ْع����ري
ِب����������� َر ِّب ال���� َّن����ا�����س َد ْو ًم������������ا م ُْ�سـ َتعينا لمِ َ�����������نْ ك���ـ���ت���ـ���ب���وا َل������� ُك������� ْم وال���ق���ارئ���ـ���ي���ن���ا
�����ص��ـ�� َم��ا بق ْويل َب���������� َد�أْ ُت ق�����ص��ي��دت��ي ال�� َع ْ
« ِق���ـ��� ُف���وا َح���� ُّي����وا ُط���� ُل����و َل َّ الظاعِ ـنينا»
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
55
قضايا تربوية
األطفال في بيت النبوة فــريــد عــزوق
ابن َع َّبا�س � Èأَ َّن ُه َق َال: َع ِن ِ ُك ْن ُت َر ِد َ يف ال َّن ِب ِّي َ ،Íف َق َال: « َيا ُغ�ل�ا ُم! �أَ ْو َيا ُغلَ ِّي ُم! �أَ َال ُ�أ َع ِّل ُم َك َك ِل َماتٍ َي ْن َف ُع َك اللهَّ ُ به َِّن؟ َف ُق ْل ُت َب َلى. ���ظ اللهَّ َ َي ْح َف ْظ َ َف َق َ ���ك، «اح َف ِ ���الْ : ت��� ْد ُه َ�أ َما َم َ ���كَ ،ت َع��� َّر ْف ْاح َف ِ ���ظ اللهَّ َ جَ ِ �إِ َل ْي��� ِه يف ال َّر َخ���ا ِء َي ْع ِر ْف َ ���ك يف ِّ ال�ش��� َّدةِ، ا�س����أَ ْل َ اهللَ ،و ِ�إ َذا ْا�س َت َعنْتَ َو�إِ َذا َ�س�أَ ْل���تَ َف ْ ا�س َت ِع���نْ ِب���اهللَِ ،ق��� ْد َج َّ مبا ���ف ال َقلَ��� ُم َ َف ْ هُ ��� َو َكائ ٌِنَ ،فلَ ْو �أَ َّن ا َ خل ْل َق ُك َّل ُه ْم َجمِ ي ًعا �أَ َرادُوا �أَ ْن َي ْن َف ُع َ ���وك َ ب�ش ْ���ي ٍء لمَ ْ َي ْك ُت ْب��� ُه ُ اهلل َعلَ ْي َ ���ك لمَ ْ َي ْق���دِ ُروا َعلَ ْي���هَِ ،و�إِ ْن �أَ َرادُوا �أَ ْن َي ُ�ض��� ُّر َ وك َ ب�ش ْ���ي ٍء لمَ ْ َي ْك ُت ْب��� ُه ُ اهلل َعلَ ْي َك لمَ ْ َي ْقدِ ُروا َعلَ ْيهَِ ،و ْاعلَ ْم �أَ َّن ريا، يف َّ ال�ص�ْب�رِْ َعلَى َما َت ْك َر ُه َخيرْ ً ا َك ِث ً ال�ص�ْب،رِْ َ ،و�أَ َّن ال َف��� َر َج َو�أَ َّن ال َّن ْ�ص��� َر َم��� َع َّ َم َع ال َك ْربِ َ ،و�أَ َّن َم َع ال ُع ْ�س ِر ُي ْ�س ًرا» . ()1
(� )1أحمد« :امل�سند» ( ،)2803وقال حم ِّققه« :حديث �صحيح».
56
���ك ُ ���ك َك ِل َم���اتٍ َي ْن َف ُع َ قو ُل���ه َ « :Íي���ا ُغ�ل�ا ُم(� !)2أَ ْو َي���ا ُغلَ ِّي��� ُم! �أَ َال ُ�أ َع ِّل ُم َ اهلل بهِنَّ ؟». في���ه بيان للم�س�ؤول َّية ا َّلتي �أُنيطت بالآب���اء واملر ِّبني يف العناية بفئة َّ ال�شباب، بي Íعل���ى ما ُك ِّلف به من َّ وبخا�ص���ة ا َّلذي���ن مل يبلغوا احلل���م( ،)3ذلك �أنَّ ال َّن َّ واج���ب التَّبليغ و�أداء الأمانة ورعاية �ش�ؤون ال َّرع َّي���ة؛ مل مينعه من االلتفات �إىل ال�صغار ،وتخ�صي�ص وقت لتعليمه وتوجيهه. �أحد الفتيان ِّ ف�أي���ن �أولئك الآباء ا َّلذين يهملون تربية �أبنائه���م وتعليمهم �أمر دينهم وما ينفعهم يف حياتهم؟! بدعوى ان�شغالهم و�ضيق وقتهم! و�صدق اب���ن الق ِّيم :حني قال« :فمن �أهمل تعليم ولده وما ينفعه وتركه ُ�س���دى؛ فقد �أ�ساء �إليه غاية الإ�ساءة ،و�أك�ث�ر الأوالد � مَّإنا جاء ف�سادهم من ِقبل الآب���اء ،و�إهمالهم لهم ،وت���رك تعليمهم فرائ����ض الدِّ ين و�سنن���ه ،ف�أ�ضاعوهم �صغ���ا ًرا فلم ينتفع���وا ب�أنف�سهم ،ومل ينفع���وا �آباءهم كبا ًرا ،كم���ا عاتب بع�ضهم ولده على العقوق فقال :يا �أبت! �إ َّنك عققتني �صغ ًريا فعققتك كب ًريا ،و�أ�ضعتني وليدً ا ف�أ�ضعتك ً �شيخا»(.)4 ���ي َّ Í ال�شاب بتوجيه���ات عقد َّية وم�سائ���ل من �أ�صول يف تخ�صي����ص ال َّنب ِّ �شرعا وتربية، الدِّ ي���ن دلي ٌل على �أنَّ البداءة بالترَّ بية الإميان َّي���ة لهذه الفئة الز ٌم ً حيث تتم َّيز مرحلة َّ ال�شباب واملراهقة بروح االندفاع والفت َّوة واال�ستجابة لداعي الهوى واالنطالق من ِّ كل رقيب و َق ْيد ،فمن مل ين�ش�أ على الإميان َّ والطاعة ووازع التَّقوى؛ جرفته َّ ال�شهوات وا�ستجاب لل َّنزوات. ال�صغري ,و«يا ُغليم» ت�صغري له. ( )2الغالم هنا املراد به :الولد َّ حجة الوداع. (� )3أدرك ابن ع َّبا�س ا البلوغ يف َّ ( )4ابن الق ِّيم« :حتفة املودود» (�ص.)229
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
وقال البلوي املالكي :يف و�ص َّيته البنه عبد ال َّرحيم: ر�ضـيـت باهلل ر ًّبـ ـ ـ ـ ــا �إذا ع ـقــلت ف ـقـل قـد وال ـن ـبـ ِّـي ال ـم ـنـ ـبـ ـ ــا وديـن الإ�ســالم ديـ ًنـا وقــل نـ ـب ـيـ ـًّا م ـح ـ ًّب ــا مـحـ ـ َّمــد ُق ــل ر�س ــو ًال ()9 تزد ْد من اهلل قر ًبا ث َّـم ا�س ـت ـقـم واتَّـبـع ــه
قضايا تربوية
ويف احلديث�ِ « :إ َّن َ اهلل َل َي ْع َج ُب مِ ن َّ اب َل ْي َ�ستْ َل ُه َ�ص ْب َو ٌة»(،)5 ال�ش ِّ ومعن���ى ال �صب���وة له كما قال املناوي�« :أي مي���ل �إىل الهوى حل�سن ال�ش ِّر يف حال َّ اعتي���اده للخري وق َّوة عزميته يف البعد ع���ن َّ ال�شباب ا َّلذي هو مظ َّنة ل�ضدِّ ذلك»(.)6 فاحليوي���ة املمتلئة َّ والطاقة الكامنة ال ميك���ن التَّح ُّكم فيها �إ َّال بت�سخريها يف ما ُير�ضي اهلل تعاىل. ����ب اهلل تعاىل واخل����وف منه يف قلبه و�إنمَّ����ا يك����ون ذلك برت�سيخ ح ِّ �أثناء تن�شئته ورعايته حتَّى ينمو من ًّوا متواز ًنا معتد ًال ي ْك َل�ؤُه اهلل بحفظه و�إح�سانه. ال�سبعة ا َّلذين يظلُّه���م اهلل يف ظ ِّله يوم ال ظ َّل �إ َّال ق���ال Íيف َّ ظلهَ « :و َ�ش ٌّاب َن َ�ش َ�أ يف عِ َبا َد ِة اهللِ»(.)7 وله���ذا ذهب العلماء �إىل وجوب االهتم���ام املب ِّكر برتبية ِّ الطفل ال�صحيحة ا َّلتي تغر����س يف ِّ الطفل القي���م الإميان َّية، عل���ى العقي���دة َّ وتدفعه نحو اخلري ،وتبعده عن ِّ كل ما ال ُير�ضي اهلل تعاىل. ق���ال ابن �أبي زيد القريواين املالك���ي :يف مقدِّ مة ر�سالته: «فكذلك ينبغي �أن يعلموا ما فر�ض اهلل على العباد من قول وعمل قب���ل بلوغه���م لي�أت���ي عليهم البل���وغ ،وقد مت َّكن ذلك م���ن قلوبهم و�سكنت �إليه �أنف�سهم ،و�أن�ست مبا يعملون به من ذلك جوارحهم، وق���د فر�ض اهلل تع���اىل على القل���ب عم ًال من االعتق���ادات وعلى الظاهرة عم ًال من َّ اجلوارح َّ الطاعات»(.)8
وقال ابن الق ِّيم :: «ف����إذا كان وقت نطقه���م؛ فليلقَّنوا ال �إله �إ َّال اهلل حم َّمد ر�سول اهلل ،وليكن �أ َّول ما يقرع م�سامعهم؛ معرفة اهلل �سبحانه وتوحيده، و�أ َّنه �سبحانه فوق عر�شه ،ينظر �إليهم وي�سمع كالمهم ،وهو معهم �أينما كانوا»(.)10 وق���د ا�ستند العلم���اء يف تقريرهم لهذا الأ�ص���ل �إىل ن�صو�ص مما ال يدع جم���ا ًال َّ لل�ش ِّك �شرع َّي���ة كث�ي�رة ـ ومنها حدي���ث الباب ـ َّ ال�سليم���ة وتُوجبها ،ومن �أنَّ الب���داءة بالعقي���دة تقت�ضيها التَّن�شئة َّ ال ُّن�صو����ص الأخرى ال َّدا َّل���ة على ذلك؛ قول���ه تعاىل﴿ :ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟﯠ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ
ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [\^].
فتوجيه �إبراهيم ºبنيه �إىل عبادة اهلل وتوحيده ،ومتابعة يعق���وب � ºإبراهيم ºيف م�سلكه الترَّ بوي مع �أوالده دليل عل���ى �أنَّ رعاي���ة الأوالد يف التَّن�شئ���ة الأ�سر َّية ترتك���ز على العقيدة ا َّلتي فطر اهلل ال َّنا�س عليها. ق���ال الألو�سي « ::توا�صي الأنبياء با�ستم�ساك الدِّ ين احلقِّ اجلام���ع جلمي���ع �أحكام الأ�صول والف���روع ليتوارث���وا امل َّلة القومية َّ وال�شرع امل�ستقيم ن�س ًال بعد ن�سل»(.)11 ومن���ه قول���ه تع���اىل﴿ :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [\}] ،فب���د�أ و�ص َّيت���ه بالتَّحذير من ِّ ال�شرك ،ون�صح���ه بالأ�سا�س العقدي ا َّلذي به ت�صلح �أحوال الإن�سان وت�ص ُّح �أعماله.
(� )5أخرجه �أحمد يف «امل�سند» ( )600/28برقم ( ،)17371وقال حم ِّققه« :ح�سن لغريه» ،واحلارث يف «م�سنده» «بغية الباحث عن زوائد م�سند احلارث» (،)986/2 وفيه ابن لهيعة ،قال البو�صريي�« :إحتاف اخلرية املهرة» ( :)451/7وهو �ضعيف، ح�سن �إ�سناده الهيثمي يف «جممع الزَّوائد» ( ،)270/10و�أورد الألباين لكن َّ و�صحح �إ�سناده، طري ًقا له عند الروياين فيه عبد اهلل بن وهب عن ابن لهيعةَّ ، ال�صحيحة» (.)824/6 ينظرِّ : «ال�سل�سلة َّ ال�صغري» (.)529/1 ( )6املناوي« :التَّي�سري ب�شرح اجلامع َّ ( )7البخاري يف «�صحيحه» ( ،)1423وم�سلم يف «�صحيحه» (.)1031 ( )8ابن �أبي زيد القريواين« :مقدِّ مة ابن �أبي زيد القريواين» (�ص.)55 ( )9البلوي :كتاب �ألف باء (.)3/1
قال ابن عا�شور « ::ابتد�أ لقمان موعظة ابنه بطلب �إقالعه عن ِّ ال�شرك ب���اهلل؛ لأنَّ ال َّنف�س املع َّر�ضة للتَّزكية والكمال يجب �أن يق��� َّدم لها قبل ذلك تخليته���ا عن مبادئ الف�س���اد َّ وال�ضالل ،ف�إنَّ �إ�صالح االعتقاد �أ�صل �إ�صالح العمل»(.)12 ال�صبي���ان �إىل البدء بب�سم اهلل ال�س َّن���ة ما ورد من �إر�شاد ِّ ويف ُّ ( )10ابن الق ِّيم« :حتفة املودود» (�ص.)231 ( )11الألو�سي« :روح املعاين» (.)389/1 ( )12ابن عا�شور« :التَّحرير والتَّنوير» (.)155/21
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
57
قضايا تربوية
ق���ال ابن حجر « ::و�إنمَّ���ا �أنكر عليها ما ذكر من الإطراء، تخت�ص ب���اهلل تعاىل ،كما حي���ث �أطلق علم الغيب ل���ه ،وهو �صفة ُّ ق���ال �سبحان���ه﴿ :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [النمل ،]65 :وقوله لنب ِّيه ﴿ :Íﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾
بي Íيخرب به من الغيوب [الأعراف ،]188 :و�سائر ما كان ال َّن ُّ ب�إع�ل�ام اهلل تعاىل �إ َّي���اه ،ال �أ َّنه ي�ستق ُّل بعلم ذلك ،كما قال تعاىل: ﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
تع���اىل يف الأكل( ،)13ويف ذل���ك تعوي���د له���م على ربطه���م بر ِّبهم ـ بي Íاجلارية: �سبحانه وتع���اىل ـ منذ ِّ ال�صغر ،وكذا �س����ؤال ال َّن ِّ «�أي���ن اهلل()14؟ ففي���ه بي���ان �أنَّ ِّ الطف���ل مطال���ب مبعرف���ة معبوده ب�أ�سمائ���ه و�صفات���ه و�أفعاله ،وما ورد عن���ه Íمن دعوته الغالم اليه���ودي �إىل الإ�س�ل�ام وتركه كفر الآباء( )15دلي���ل على االهتمام باملعتقد والبداءة به. ق���ال اب���ن حج���ر « ::ويف احلدي���ث عر�ض الإ�س�ل�ام على �صحته منه ما عر�ض���ه عليه ،ويف قوله�« :أَ ْن َق َذ ُه بي ���ي ،ولوال َّ َّ ال�صب ِّ ()16 �صح �إ�سالمه» . مِ َن ال َّنارِ» داللة على �أ َّنه َّ ()17 وورد كذل���ك منعه اجلارية م���ن الغل ِّو يف مدح���ه و�إطرائه خمت�ص ب���اهلل تعاىل، حي���ث ن�سبت �إلي���ه معرفة الغيب وه���و �أمر ٌّ ف�صح���ح لها كالمها ،وق���ال لها �« :Íأَ َّما هَ��� َذا َف َ �ل�ا َت ُقو ُلوهُ ،مَا َّ َي ْعلَ ُم مَا يف َغدٍ �إ َّال ُ اهلل»(.)18 ( )13بينت ذلك يف احللقة الأوىل من الأطفال يف بيت ال ُّنب َّوة. (� )14أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (.)537 ( )15كما يف «�صحيح البخاري» ( )1290عن �أن�س Çقال :كان غالم يهودي يخدم بي Íيعوده فقعد عند ر�أ�سه فقال له�« :أَ ْ�س ِل ْم» ،فنظر بي Íفمر�ض ف�أتاه ال َّن ُّ ال َّن َّ بي Íوهو �إىل �أبيه وهو عنده فقال له�« :أطع �أبا القا�سم ،»Íف�أ�سلم ،فخرج ال َّن ُّ يقول« :ا َ هلل ا َّلذِ ي �أَ ْن َق َذ ُه مِ نَ ال َّنارِ». حل ْم ُد ِ ( )16ابن حجر« :فتح الباري» (.)221/3 بي ،Íفدخل ( )17كما يف البخاري ( )4852عن ال ُّرب ِّيع بنت مع ّوذ قالت :جاء ال َّن ُّ علي ،فجل�س على فرا�شي كمجل�سك م ِّني ،فجعلت جويريات لنا ي�ضربن حني ُبنِي َّ نبي يعلم ما بالد ُِّّف ،ويندبن من ُقتِل من �أبائي يوم بدر� ،إذ قالت �إحداهنَّ :وفينا ٌّ ول با َّلذِ ي ُك ْنتِ َت ُقو ِلنيَ» ،وروي ب�ألفاظ خمتلفة يف غد ،فقال « :Íدَعِ ي َه َذا َو ُق يِ يف «�سنن �أبي داود» و«الرتمذي» و«ابن ماجه». و�صححه الألباين يف «�صحيح �سنن ابن ماجه» «ال�سنن» (َّ ،)1897 ( )18ابن ماجهُّ : (.)1539
58
ﰁ﴾ [\.)19(»]Ç ال�س َّنة يف تقرير ه���ذا الأ�صل العقدي الترَّ بوي؛ مل يختل���ف �أهل ُّ لأ َّن���ه ه���و ا َّلذي يتما�ش���ى مع الفط���رة وطبيعة الإن�س���ان ،قال :Í « ُك ُّل َم ْو ُل���و ٍد ُيو َل��� ُد َعلَى الف ِْط��� َرةَِ ،ف�أَ َب��� َوا ُه ُي َه ِّودَانِ��� ِه َ�أ ْو ُي َن ِّ�ص َرا ِن ِه �أَ ْو يمُ َِّج َ�سا ِنهِ ،)20(»...ومل يقل ي�سلمانه؛ لأ َّنها الفطرة ا َّلتي ُخلق عليها. ولـ َّم���ا انحرف ال َّنا�س عن فطرهم ا َّلتي ُجبلوا عليها؛ بعث اهلل ال ُّر�سل ليعيدوا ال َّنا�س �إىل ميثاق الفطرة. قال �شيخ الإ�سالم « ::وال ُّر�سل ـ �صلوات اهلل عليهم ـ ُبعثوا بتقرير الفطرة وتكميلها ال بتغيري الفطرة وحتويلها»(.)21 وهذا يد ُّل على �أهم َّي���ة التَّن�شئة الإميان َّية ،حيث تُبقي الفطرة �سليم���ة ،وتُر�سخ فيها الدِّ ين القومي اعتقادًا وعم ًال ،كما يد ُّل على ال�س َّنة واجلماعة لطبيعتها. موافقة منهج �أهل ُّ ال�س َّن���ة واجلماعة فال ت�ستطيع �أن �أ َّم���ا املناهج املخالفة لأهل ُّ حت ِّقق تن�شئة �إميان َّية طبيع َّية وفطر َّية ل�سببني: الأ َّول� :إقرارهم ب�أنَّ �أ�صولهم ا َّلتي بنوا عليها م�سائل االعتقاد عقل َّية جدل َّية �أو ذوق َّية باطن َّية وهذا ال يتنا�سب مع طبيعة التَّن�شئة وال يراعي متط َّلبات مرحلة ُّ الطفولة(.)22 منهجا لل َّر ِّد على الفال�سفة كما فعل املعتزلة، ال َّثاين� :أوجدوا ً منهج���ا لل َّر ِّد على ِّ وال�صفات َّي���ة من الأ�شاع���رة واملاتريد َّية ح َّرروا ً مما ي�ؤ ِّكد �أنَّ طبيعة مناهج ه�ؤالء املعتزلة واجلهم َّية واملتك ِّلم�ي�نَّ ، ال ترتكز على التَّن�شئة ،بل عل���ى الكالم واجلدل؛ لأ َّنهم م�شغولون ( )19ابن حجر« :الفتح» (.)203/9 (� )20أخرجه البخاري يف «�صحيحه» ( )1385وم�سلم يف «�صحيحه» (.)2658 ( )21ابن تيمية« :درء تعار�ض العقل وال َّنقل» (.)342/5 َّو�سع ينظر :حممد �أحمد ( )22الأهواين« :الترَّ بية يف الإ�سالم» (�ص 88ـ ،)91وملزيد من الت ُّ لوح« :جناية ال َّت�أويل الفا�سد على العقيدة الإ�سالم َّية» (�ص 30ـ .)38
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
َّو�سع ينظر ر�سالتي« :الو�صايا الترَّ بو َّية» (�ص )270وما بعدها. ( )23ملزيد الت ُّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
قضايا تربوية
بال��� َّر ِّد على خمالفيه���م ا َّلذين انحرفوا ع���ن �سبيلهم ،لذلك فهم ال يحتاج���ون لرتبي���ة ِّ الطفل عل���ى مناهجهم القائم���ة على نق�ض املذه���ب الآخر ،ما دامت مباحثهم يف العقل َّي���ات املج َّردة ،و� مَّإنا يخاطب���ون العق���ول ا َّلت���ي مل تتق َّي���د ب�أ�صولهم من �أج���ل �إقناعهم ب�سالمة معتقدهم(.)23 قول���ه �« :Íأَال �أُ َع ِّل ُم َ ���ك َك ِل َم���اتٍ » ،فيه رب���ط م�سائل االعتقاد وال�س َّنة �أمان بالوح���ي ،وفي���ه �أنَّ العقيدة ا َّلتي ت�ستند �إىل الكت���اب ُّ بي Íقال لهَ « :ي ْن َف ُع َك ُ اهلل بهِنَّ ». ل�صاحبها من الزَّيغ؛ لأنَّ ال َّن َّ مما يب�ِّينِنِّ �أنَّ منهج الترَّ بية وال َّنفع يك���ون يف ال ُّدنيا والآخرةَّ ، ال�س َّنة يقوم عل���ى اال ِّتب���اع ال االبتداع ،حيث الإميان َّي���ة عن���د �أه���ل ُّ ُير َّبى ال َّنا�شئة على االرتباط بال ُّن�صو�ص َّ ال�شرع َّية ،والتَّعلُّق ب�سرية تربوي ناجح وف َّعال؛ ال�سلف ومنهجهم يف اال�ستدالل ،وهذا م�سلك ٌّ َّ لأ َّنه يح ِّرر ال َّنا�شئة من �سلطة التَّقليد لآراء ال ِّرجال ا َّلتي ال تن�سجم املبني على م���ع متط َّلبات الفطرة من جهة ،وال تو�صل���ه �إىل احلقِّ ِّ اليق�ي�ن والثب���ات م���ن جه���ة �أخ���رى؛ � ْإذ العق���ول يعرتيه���ا اخلط�أ وال َّنق�ص لع���دم ع�صمتها وكمالها ،ف�إذا ما اطم�أنَّ َّ اب �إىل �أنَّ ال�ش ُّ هذه التَّوجيهات والإر�شادات من الوحي مبنطوقه ومفهومه ازداد ب�صحة عقيدته ،وكان �سلوكه منطل ًقا من عون اهلل وتوفيقه ُو ُثو ًقا َّ ويقني بوعده �سبحانه. يف قول���ه Íالبن ع َّبا����س َ « :Çق ْد َج َّ ���ف ال َقلَ��� ُم بمِ َا هُ َو خل ْل َق ُك َّل ُه ْم َجمِ ي ًع���ا �أَ َرادُوا �أَ ْن َي ْن َف ُع َ ِ���نَ ،فلَ��� ْو �أَ َّن ا َ ���وك ب َِ�ش ْي ٍء لمَ ْ َكائ ٌ َي ْك ُت ْب��� ُه ُ اهلل َعلَ ْي َك لمَ ْ َي ْقدِ ُروا َعلَ ْي���هَِ ،و�إِ ْن �أَ َرادُوا �أَ ْن َي ُ�ض ُّر َ وك ب َِ�ش ْي ٍء لمَ ْ َي ْك ُت ْب ُه ُ اهلل َعلَ ْي َك لمَ ْ َي ْقدِ ُروا َعلَ ْيهِ» دلي ٌل على �أنَّ مرحلة َّ ال�شباب حتتاج �إىل معرفة بالق�ضاء والقدر والإميان به ،واملر ُّبون ير ِّكزون يف ه���ذه املرحلة على تقوي���ة �إرادة َّ ���اب ،وتر�سيخ قيم املبادرة ال�ش ِّ في���ه ،ورفع روح التَّحدِّ ي عن���ده ،وال َّرغبة يف التَّف ُّوق على غريه ،وال �ش َّ ���ك �أنَّ جناعة حتقيق ذلك ال يك���ون �إ َّال بتنمية روح االعتماد على اهلل تعاىل والوثوق بق�ضائه وقدره ،والتَّعلُّق به ـ� سبحانه وتعاىل ـ. ومما ي�ؤ ِّيد هذه احلقيقة �أنَّ َّ اب قد يتع َّر�ض يف هذه املرحلة َّ ال�ش َّ ال�سلبية ا َّلتي قد تفق���ده ثقته بنف�سه؛ من مثل �إىل بع����ض املواقف َّ �شع���وره بال ُّدون َّية �أمام غ�ي�ره� ،أو �إح�سا�س���ه مبحدود َّيته يف جمال ما مقارنة ب�أ�صحاب���ه� ،أو ُت َع ِّر�ضه لل َّنقد ال َّالذع من زمالئه ب�سبب
لل�سخرية والهزء من م�ستواه االجتماعي واالقت�صاديِّ �،أو تع ُّر�ضه ُّ ِّ �أقران���ه لعاهة يف ج�سمه �أو �ضع���ف يف نطقه ،فيتو َّلد عنده ر ُّد فعل ���ي ينتج عنه اكتئاب �أو �إحباط �أو انطواء �أو عدوان �أو مت ُّرد �أو �سلب ٍّ غري ذلك؛ لأ َّنه َف َقد املُ ِعني ا َّلذي ُي َق ِّوي فيه ثقته يف نف�سه وما وهبه تعجب لمِ َا اهلل تع���اىل له من ِن َع���م َف َّ�ضله بها على غريه ،ولذل���ك ال ْ ت�سمع���ه وت�شاهده م���ن انحرافات فكر َّية �أو �سلوك َّي���ة لدى َّ باب ال�ش ِ يف �سنٍّ مب ِّكرة ،ت�ؤدِّي ببع�ضهم �إىل االنتحار �أو الإدمان �أو الهجرة �إىل املجهول. تر�سخ في���ه الإميان بالقدر ،و َو ِثق بحكمة اهلل �أ َّم���ا �إذا كان قد َّ تع���اىل؛ ف�إ َّنه ال ي�أب���ه كث ًريا لمِ َ���ا يواجهه من مواق���ف ،و�سيجتازها ب����إرادة �صلب���ة تدفعها عقي���دة ُم� َّؤ�س�س��� ٌة على ال ِّر�ض���ا باهلل تعاىل ال�صبرْ َِ ،و َ�أ َّن ال َف َر َج وال�صرب على �أقداره؛ � ْإذ �أيقن «�أَ َّن ال َّن ْ�ص َر َم َع َّ َّ َم َع ال َك ْربِ َ ،و�أَ َّن َم َع ال ُع ْ�س ِر ُي ْ�س ًرا». ���ظ َ اهلل َي ْح َف ْظ َ ���ك، «اح َف ِ يف قول���ه Íالب���ن ع َّبا����س ْ :Ç ْاح َف ِظ َ ت ْد ُه �أَمَام ََكَ ،ت َع َّر ْف �إِ َل ْي ِه يف ال َّر َخا ِء َي ْع ِر ْف َك يف ِّ ال�ش َّدةِ» اهلل جَ ِ تربي���ة َّ اب على ا ِّتخاذ الأ�سب���اب والعمل بها بعد االعتماد على لل�ش ِّ اهلل تع���اىل ،وعدم التَّهاون فيها؛ وتعليم ل���ه �أنَّ اجلزاء من جن�س اخلا�ص َّ ���اب وواليته له مرتَّب على حفظ العم���ل؛ فحفظ اهلل لل�ش ِّ ّ ���اب لأوامر اهلل تعاىل وح���دوده ،وا�ستجابة اهلل لدعاء َّ َّ اب ال�ش ِّ ال�ش ِّ وانف���راج �أزمت���ه يف َّ ال�ض��� َّراء يكون بتحقيق���ه ال َّتق���وى يف ال َّرخاء والي�سر ،ومن تر َّبى على هذا املعتقد ن�ش�أ م�ستقي ًما متواز ًنا معتد ًال بخ�ل�اف غ�ي�ره ،و�ش َّتَان ب�ي�ن الفئت�ي�ن﴿ :ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [.]Â: 22 بي Íالكلم���ات ال َّنافعات اجلامعات: امل���كان ا َّلذي ع َّلمه ال َّن ُّ « ُك ْن���تُ َرد َ ِيف ال َّن ِب ِّ���ي ،»Íوالأ�سلوب امل�ش ِّوق ا َّلذي عر�ض به ذلك القول احلكيم ،حيث ا�ستعمل �أ�سلوب التَّ�شويق بقوله�« :أَ َال ُ�أ َع ِّل ُم َك َك ِل َماتٍ َي ْن َف ُع َك ُ اهلل بهِنَّ ؟ ،»...و�أ�سلوب ال َّتحننُّ والتَّنبيه بقوله« :يا ُغلَي���م!» َّ دل على �أن العقيدة وم�سائل الإمي���ان ال ُت ْع َر ُ�ض ب�أ�ساليب متن ِّوعة لل َّنا�شئ���ة ،وال ُيح�صر تلقينها يف املدار�س فح�سب ،بل هي تربي���ة �إميان َّية تر�س���خ يف الأطف���ال با�ستغالل املواق���ف املتعدِّ دة، وجذابة ت�سرتع���ي اهتمام َّ وبا�ستخ���دام �أ�سالي���ب متن ِّوعة َّ ال�شباب وت�ستحوذ على م�شاعرهم وتفكريهم.
59
عبد اهلل بوزنون
طالب يف مرحلة املاج�ستري يف علوم ال�شريعة ـ الدويرة
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
جرمية الرشوة فـي ال�شريعة الإ�سالمية لق���د ج���اءت َّ ال�شريع���ة الإ�سالم َّي���ة ب�أحكامه���ا وحدوده���ا وقوانينها ال َّر َّبانية حلفظ م�صالح ال َّنا�س من َّ ال�ضياع ،و�أموالهم ال�سلب وال َّتل���ف ،كما �أ َّنها ح َّملت القائ���م على حقوق ال َّرع َّية م���ن َّ الأمان���ة ا َّلتي ا�سرتع���اه اهلل للقيام بها على �أ ِّمت وج���ه ،و�إي�صال احلقِّ �إىل ذويه من غري نق�ص �أو بخ�س ،ولهذا ح َّرم َّ ال�شارع �أكل �أم���وال ال َّنا�س بالباطل� ،سواء كان ذلك بطريق ال ِّربا �أو الغ�صب بي َ « :Íال يَحِ ُّل م ُ َال ْام ِرئٍ �أو ال ّر�ش���وة �أو غريها ،كما ق���ال ال َّن ُّ م ُْ�س ِل ٍ���م�إِ َّال َع���نْ طِ ي���بِ َن ْف� ٍ���س»(.)1 مم���ا �ش��� َّدد َّ ال�ش���رع يف حترمي���ه ،ولع���ن فاعل���ه هو ذنب و�إنَّ َّ ال ّر�شوة؛ كونها تنق�ض عرى املجتمع ،فتف�سد �أخالق �أهله ،وت�ض ِّيع َ م�صاحلهم ،ويطمع فيهم عد ُّوهم. طم الوادي على ال َق ِريِّ بانت�شار هذه الآفة امل�شينة؛ ر�أيت وملَّ���ا َّ لزام���ا �أن �أذ ِّك���ر نف�سي و�إخ���واين بخطورة ه���ذه املعاملة ،وذلك ً وال�س َّن���ة ،م�سرت�شدً ا ب�أق���وال علماء ببي���ان حترميها من الكت���اب ُّ الأ َّمة ،ف�إليك �أخي القارئ بيان ذلك: تعريف الرّشوة: لغ��� ًة :ال َِ ُّر ْ�ش َو ُة ،مث َّلث ُة ال��� َّراء :ا ُ جل ْع ُل ،جمع ُر ً�ش���ا ور ًِ�شا .و َر�شا ُه وا�سترَ َْ�شىَ :ط َل َبها ،ورا�شا ُه :حابا ُه � ْأعط���ا ُه �إ َّياها ،وا ْرت ََ�شى �أَ َخ َذهاْ ، و�صا َن َعه ،و َت َر َّ�شاه :ال َي َن ُه(.)2 و�صحح���ه الألب���ا ُّ ين يف «الإرواء» (� )1أخرج���ه الدَّارقطن���ي يف «�سنن���ه» (َّ ،)2863 (.)1459 (« )2القامو�س املحيط» (�ص )1184بت�صرف.
60
وق���ال ابن الأثري« :ال ّر�شوة :الو�صل���ة �إىل احلاجة بامل�صانعة، يتو�صل به �إىل املاء»(.)3 و�أ�صله من ال ّر�شاء ا َّلذي َّ ا�صطالحا :فهي ما ُي َ باطل. و�أ َّما عطى لإبطال حقٍّ � ،أو لإحقاق ٍ ً أخ�ص من التَّعريف اللُّغويِّ ،حيث ق ّيد مبا �أعطي لإحقاق وهو � ُّ الباطل� ،أو �إبطال ِ ّ احلق(.)4 مال دفع ليبتاع به من ذي ق���ال ابن العربي« :ال ّر�ش���وة هي ك ُّل ٍ ج���اه عو ًنا على م���ا ال يج���وز ،واملرت�شي هو قاب�ض���ه ،وال َّرا�شي هو دافعه ،وال َّرائ�ش هو ا َّلذي يو�سط بينهما»(.)5 ال�صلة بال ّر�شوة: ومن الألفاظ ذات ِّ �أ ـ امل�صانع���ة� :أن ت�صنع لغريك �شي ًئا لي�صنع لك �آخر مقابله، كناي��� ًة ع���ن ال ّر�شوة ،ويف املث���ل« :من �صانع بامل���ال مل يحت�شم من طلب احلاجة». ال�سني ـ وهو ال�سحت ـ ِّ ال�سحت ـ بفتح ِّ ب�ضم ِّ ب ـ ُّ ال�سني� :أ�صله من َّ وال�سحت :احلرام ا َّل���ذي ال يح ُّل ك�سبه؛ الإه�ل�اك واال�ستئ�ص���الّ ، و�سميت ال ّر�شوة �سحتًا. لأ َّنه ي�سحت الربكة �أي :يذهبهاِّ ، ال�سح���ت �أع ُّم من وق���د �سار بع����ض الفقهاء على ذل���ك؛ لكن ّ حرام ال يح ُّل ك�سبه.)6(. ال ّر�شوة؛ لأنَّ ُّ ال�سحت ك ُّل ٍ
(« )3النهاية يف غريب احلديث والأثر» (�ص.)359 (« )4املو�سوعة الفقهية» (.)219/22 (« )5عار�ضة الأحوذي» (« ،)80/6الفتح» (.)271/5 (« )6املو�سوعة الفقهية» ( 219/22ـ . )220
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [\^]. املف�سرين �أنَّ معنى هذه الآية« :ال ت�صانعوا وقد جاء عن بع�ض ِّ ب�أموالك���م احل َّكام وتر�شوهم ليق�ضوا لكم على �أكرث منها ،...قال يرتجح؛ لأنَّ احل َّكام مظ َّنة ال ّر�شاء �إ َّال َمنْ ابن عط َّية :وهذا القول َّ ع�صم وهو الأقل» .اهـ ،من «تف�سري القرطبي» (.)340/2 وهن���ا فائدة يج���در التَّنبيه �إليها :وه���و �أنَّ اهلل ملَّا ذكر حترمي خ�صها ِّ بالذكر بعده؛ �أكل �أم���وال ال َّنا�س بالباطل ـ وال ّر�شوة من���ه ـ ّ لأ َّنها «�شديدة َّ ال�شناعة ،جامعة ملح َّرمات كثرية ،ولل َّداللة على �أنَّ معطي ال ّر�شوة �آث ٌم مع �أ َّنه مل ي�أكل ما ًال ،بل �آ َك َل غريه»(.)7 ومم���ا يد ُّل عل���ى حترميه���ا� :أنَّ اهلل ع َّز وج ّل و�ص���ف اليهود ـ َّ ب�أ َّنه���م﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [املائ���دة،]42 : مم���ا ا�ستوجب لليه���ود ال َّ ���ذ َّم ،وعدم تطهري وهات���ان اخل�صلتان َّ قلوبه���م ،وع���دم اال�ستجابة لهم؛ لأنَّ هذا الو�ص���ف ذكر بعد ذكر احلكم ،وه���و قوله تع���اىل﴿ :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ
ﰀ﴾ [\ ،]aفك�أ َّنهم نالوه ب�سبب و�صفهم. ق���ال ابن كثري مب ِّي ًنا هذا املعنى�« :أي :ومن كانت هذه �صفته؛ كيف يط ِّهر اهلل قلبه؟! و�أ َّنى ي�ستجيب له»(.)8 ال�صحابة í وال�سح���ت يف هذه الآية ـ كما ورد عن بع�ض َّ ّ ـ هو ال ّر�شوة. «ال�سحت :ال َّر�شا». قال ابن م�سعود ُّ :Ç ال�سحت :ال ّر�شا وقال عم���ر بن اخلطاب « :Çبابان م���ن ّ ومهر الزانية». وعن ابن م�سعود ـ � ً أي�ضا ـ �أ َّنه �سئل عن ال�سحت فقال« :ال َّرجل يطلب احلاجة لل َّرجل فيق�ضيها فيهدي �إليه فيقبلها»(.)9 وهنا ـ �أي عند هذه الآية ـ وقفتان: ( )7قاله َّ الطاهر بن عا�شور ،انظر« :التحرير والتنوير» (.)190/2 (« )8تف�سري ابن كثري» (.)226/5 ( )9روى هذه الأقوال َّ الطربي يف «تف�سريه» (.)155/6
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
وال�س َّنة و�أ َّما الأد َّلة على حترمي ال ّر�شوة؛ فقد ورد يف الكتاب ُّ و�إجماع الأ َّمة على حترميها. فم���ن التَّنزيل قول���ه تع���اىل﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
الأوىل :يف ت�سمي���ة ال ّر�ش���وة �سحتً���ا �س ٌّر لطيف وه���و� :أ َّنها �أي الر�شوة متنع �صاحبها من ال�شبع وتدفعه �إىل اجل�شع. ال�سحت) ك َلب اجل���وع ،يقال :رجل ق���ال الف َّراء�« :أ�صل���ه (�أي ّ م�سح���وت املعدة �أي �أك���ول ،ف���ك�أنَّ بامل�سرت�ش���ي و�آكل احلرام من ال�ش���ره �إىل ما ُي َ َّ ���وت املعِدَ ة من ال َّنهم» .اهـ عطى مثل ا َّلذي بامل�سح ِ من تف�سري القرطبي» (.)183/6 و�أ َّم���ا ال َّثانية :فهي �أنَّ ال ّر�شوة حم َّرمة عند جميع �أهل الكتاب لفعل حم��� َّرم عندهم و�إ َّال ذم اهلل اليهود ٍ كم���ا يف هذه الآي���ة حيث َّ فال لوم عليهم فيما مل يح ِّرم عليهم. ال�سحت حم َّرم عليهم يف كتابهم قال ابن عبد ال ِّرب« :ولوال �أن ّ فال�سحت حم َّرم عند جميع �أهل م���ا عيرَّ هم اهلل يف القر�آن ب�أكله؛ ُّ الكتاب»(.)10 «ال�سفر َّ ومم���ا ي�ست�أن�س به يف هذا الباب ما جاء يف التَّوراة يف ِّ ال َّث���اين» منها« :ال تقبلن ال ّر�شوة ف�إنَّ ال ّر�شوة تعمي �أب�صار احل َّكام يف الق�ضاء»(.)11 ال�س َّنة فقد ورد ال َّلعن والوعيد على ل�سان ر�سول اهلل و�أ َّم���ا من ُّ ذم مقرتفها؛ الآخذ واملعطي لها. Íيف ِّ فق���د �أخرج الترِّ مذي يف «�سننه» ع���ن عبد اهلل بن عمرو قال: «لعن ر�سول اهلل Íال َّرا�شي واملرت�شي»(.)12 فق���د �أخرب ر�س���ول اهلل � Íأنَّ ال َّرا�شي واملرت�ش���ي قد نالهما ال َّلع���ن ،وه���و «البعد من مظ���انِّ ال َّرحم���ة ومواطنها ن���ازل وواقع عليهما»(.)13 فانظ���ر ـ يا رعاك اهلل ـ هذا الوعي���د ا َّلذي يقرع الآذان ،ويه ُّز القلوب ،فما بالك ت�شرتي �سخط ال َّر ِّب ب َع َر ٍ�ض من ال ُّدنيا.
( )10انظر« :التَّمهيد» (.)323/12 ( )11ذكره املناوي يف «في�ض القدير» (.)268/5 ()12رواه �أبو داود ( )3580والرتمذي ( )1337وقال« :هذا حديث ح�سن �صحيح» وابن ماجه ( ،)2313وقال الألباين�« :صحيح» ،انظر «الإرواء» (.)2620 تنبيه :و�أ َّما احلديث ا َّلذي انت�شر على �أل�سنة العوام« :لعن اهلل ال َّرا�شي واملرت�شي، «ال�سل�سلة َّ ال�ضعيفة» (:)1235 وال َّرائ�ش ا َّلذي مي�شي بينهما» ،فقال الألباين يف ِّ «منكر». ( )13قاله املناوي يف «في�ض القدير» (.)267/5
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
61
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
ومم���ا ورد يف حترمي �أخ���ذ َّ ممن املوظف الهدية َّ َّ لي�س بينه وبني املهدي عادة التَّهادي من قبل؛ حديث ال�ساعدي �أ َّنه ر�س���ول اهلل Íمن طريق �أبي حميد َّ قالَ « :هدَا َيا ال ُع َّمالِ غ ُل ٌ ول»(.)14 َ���ن ْا�س َت ْع َم ْل َن���ا ُه وقول���ه Íيف حدي���ث �آخ���ر« :م ِ َعلَ���ى َع َم���لٍ َف َر َز ْق َن���ا ُه ِر ْز ًق���ا َف َما َ�أ َخ��� َذ َب ْع َد َذل َ ِ���ك َف ُه َو غ ُل ٌ ول»(.)15 فهذان احلديثان يفيدان �أنَّ ما �أخذه العامل من مال عن طريق الهد َّية؛ فهو غلول ،ال يح ُّق له �أخذه. ال�شوكاين مق��� ِّر ًرا لهذا املعن���ىَّ : ق���ال َّ «والظاهر �أنَّ الهدايا ا َّلت���ي تهدى للق�ضاة ونحوهم هي نوع من الر�ش���وة؛ لأنَّ املهدي �إذا مل يكن معتادًا للإهداء �إىل القا�ض���ي قب���ل واليته ،ال يهدي �إلي���ه �إ َّال لغر�ض ،وهو َّو�صل لهد َّيته له �إىل �إ َّم���ا التَّق ِّوي به على باطله� ،أو الت ُّ ح ِّقه ،والك ُّل حرام كما تق َّدم»(.)16 ممن لهم ال�سل���ف يتو َّق���ون الهداي���ا َّ وله���ذا كان َّ عليه���م والي���ة؛ لأجل حرمته���ا ،وينفرون عنه���ا �أ�ش ّد م���ا يكون ،فهذا الإمام الع���ادل عمر ابن عبد العزيز َّاح���ا ،فقال :لو كان عندنا �شيء من تفاح؛ ف�إ َّنه ط ِّيب ال ِّريح ،ط ِّيب ّ َّاحا، ا�شته���ى ً الطعم ،فقام رجل من �أهل بيته ف�أهدى �إليه تف ً يوم���ا تف ً ال�سالم ،وقل له :هد َّيتك قد فل َّم���ا ج���اء ب���ه ال َّر�سول؛ قال عمر بن عبد العزيز :ما �أطي���ب ريحه وطعمه ،يا غالم! �أرجعه و�أقرئ فال ًن���ا َّ عمك ورجل من �أهل بيتك ،وقد بلغك �أنَّ ر�سول اهلل Í حتب ،قال عمرو بن مهاجر :فقلت :يا �أمري امل�ؤمنني! ابن ِّ وقعت عندنا بحيث ُّ بي Íهد َّية ،وهي لنا اليوم ر�شوة»(.)17 كان ي�أكل الهد َّية وال ي�أكل َّ ال�صدقة! فقال� :إنَّ الهد َّية كانت لل َّن ِّ ال�سابقة ،و�أ َّنها و� ً أخ�ي�را؛ وبع���د هذا البيان املقت�ضب عن جرمية ال ّر�شوة ،و�أ َّنها حم َّرمة بن�صو�ص الكت���اب ُّ وال�س َّنة ،بل ويف ال�شرائع َّ جملب���ة للع���ن ولإث���م الك�سب احلرام؛ فعليك ـ �أخ���ي امل�سلم ـ بعدما تبينَّ ل���ك �شناعتها ،وظهر لك قبحها؛ �أن ت�ستع�ي�ن باهلل على ق�ضاء ال�سبل املباحة لنيلها ،كما �أ َّنه عليك �أن ت�ست�شعر الأمانة و�أنت يف من�صبك ،فال تد ِّن�س نف�سك بال ّر�شوة وتخلع عنك حوائجك ،وتق�صد ُّ الأمانة؛ لأنَّ الأمانة وال ّر�شوة ال يجتمعان يف ٍّ حمل واحد ،كما قال َّ ال�شاعر: تقحمت لـتـدخـل فـيـه والأم ــانـة فـيـه �إذا ر�شوة من باب بيت َّ تنحى عن جوار �سفيه َ�سعت هر ًبـا مـنـها وو َّلــت ك ـ�أ َّنـها حليم َّ تي�سر يل جمعه وترتيبه� ،أ�س�أله ـ َّ هم وبحمدك� ،أ�شهد �أن ال �إله جل وع�ل�ا ـ �أن يجعله ً خال�صا لوجهه الكرمي ،و�سبحانك ال َّل َّ ه���ذا م���ا َّ �إ َّال �أنت� ،أ�ستغفرك و�أتوب �إليك. (� )14أخرجه �أحمد ( ،)23601وقال الألباين �أ َّنه حديث �صحيح ،انظر« :الإرواء» (.)246/8 (� )15أخرجه �أبو داود ( ،)2943وقال الألباين�« :صحيح» ،انظر�« :صحيح اجلامع» (.)6023 وال�سرقة من الغنيمة قبل الق�سمة ,يقال :غ َّل يف املغنم يغ ُّل ُغلوال فهو غا ٌّل ,وكل من خان يف �شيء خفية فقد غ َّل. قال ابن الأثري عن معنى الغلول« :وهو اخليانة يف املغنم َّ و�سميت غلو ًال؛ لأنَّ الأيدي فيها مغلولة؛ �أي ممنوعة جمعول فيها ُغ ّل ,وهو احلديدة ا َّلتي جتمع يد الأ�سري �إىل عنقه»«[ .النهاية يف غريب احلديث والأثر» (�ص.])676 ِّ (« )16نيل الأوطار» (.)628/ 8 (« )17التمهيد» (.)125/10
62
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
واحـة اإلصـالح �إعداد� :أ�سرة التحرير مناسبة لطيفة درر من كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية أحكام باملعاين ا َّلتي � أح ُّق ال َّنا�س باحلقِّ َمن ع َّلق ال َ ع َّل َقها بها َّ ال�شارعُ. [«جمموع الفتاوى» (])331 /22
كم���ا �أنَّ ُنور ال َعني ال َيرى �إلاَّ مع ُظهور ُنو ٍر ُق َّد َامه، فكذل َ ���ك ُنور ال َعق���ل ال َيهت���دي �إلاَّ �إذا ط َل َعت عليه �شم�س ال ِّر�سالة. ُ [«جمموع الفتاوى» (])6 /1
أعظم �أنواع ال َعذابَّ ، ولذة ال َّنظر عذاب ِ ُ احلجاب � ُ �إىل وجهِ ه �أعلى ال َّل َّذات. [«جمموع الفتاوى» (])27 /1
وي كانت وجت��� ُد ال إ�س�ل�ام والإميانَ ك َّلما َظ َه���ر و َق َ َ ال�س َّن���ة و�أه ُلها �أظ َه َر و�أق���وى ،و�إنْ ظ َهر �شي ٌء من ُّ بح ْ�سب ذلك. ال ُكفر وال ِّنفاق ظ َهرت البد ُع َ [«جمموع الفتاوى» (])20 /4
فما ال يكونُ باهلل ال يكونُ ،وما ال يكونُ هلل ال ين َف ُع يدوم. وال ُ [«جمموع الفتاوى» (])329 /8
وال�س َّن���ة �أب َعد كانَ �إىل ك ُّل َم���ن كانَ ع���ن التَّوحيد ُّ ِّ ال�شرك واالب ِتداع واالفرتا ِء �أق َرب. [«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (�ص])391
ك ُّل ِذي م َقا َلة َفلاَ ب َّد �أَن تكونَ يف م َقال ِته ُ�ش ْب َه ٌة منَ هت. راجت وا�ش َت َب ْ احلقِّ ،ول ْولاَ ذ ِلك َلـمـَا َ
ق���ال احلاف���ظ ابن حجر :يف �شرحه حلديث بي � Íأَ َّن ُه َم َّر ِب َق رْ َب ْي ِن ُي َع َّذ َب ِان، ابن َع َّب ٍ ا�س Èعن ال َّن ِّ فقال�« :إِ َّن ُه َما َل ُي َع َّذ َبانِ وما ُي َع َّذ َبانِ يف َك ِبريٍ؛ �أَ َّما �أَ َحدُهُ َما َف��� َكا َن اَل َي ْ�س َت�ِت�ررِ ُ م���ن ال َب��� ْولِ َ ،و�أَ َّم���ا ال َآخ��� ُر َف��� َكا َن يمَ ْ�شِ ي بِال َّنمِ ي َمةِ». «�أبدى ُ للجمع بني هاتني اخل�صلتَني منا�سب ًة، بع�ضهم َ البزخ مقدِّ م ُة ال ِآخ���رة ،و�أ َّو ُل ما ُيق�ضى فيه يوم ���ي �أنَّ رَ وه َ ال�ص�ل�اةِ ،ومن ح ُق���وق ال ِعباد القيام��� ِة م���ن ح ُق���وق اهلل َّ احل���دَ ث وا َ ال�ص�ل�اة التَّط ُّهر ِمن َ خلبث؛ الدِّ م���اء؛ ُ ومفتاح َّ وال�سعي ب َني ال َّنا�س بال َّنميمة ب َن ْ�شر ِومفتاح الدِّ م���اء ال ِغيبة َّ ال ِفنت ا َّلتي ُي�س َفك ب�س َب ِبها الدِّ ما ُء». [«فتح الباري» (])472/10
عذر اإلخوان
قال �أبو قالبة ا ُ جلرمي :: �إذا بل َغك ع���ن �أخيك �شي ٌء تكرهُ ���ه فال َتمِ �س له ال ُعذ َر نف�سك :لع َّل ل ِأخي ُجهدَ ك ،ف�إنْ مل تجَ د ل���ه ُعذ ًرا ،ف ُقل يف ِ ُعذ ًرا ال �أع َل ُمه. [«احللية» (])285/2
[«جامع ال َّر�سائل وامل�سائل» (])401 /2
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
63
ردود قصرية: ال�شكر مو�صول �إىل كل من الأحبة التالية �أ�سما�ؤهم على توا�صلهم: بلقا�سم حفيف���ة من منطقة حمادي ببومردا����س ،و�سليمان م�شري من اجللف���ة ،و�أمني طالبي من احلرا�ش ،ومو�سى حفيفة من منطقة جمدل بامل�سيلة ،ويحيى فا�ضل من مدينة العطاف بوالية عني الدفلى. الأخ زروق���ي بن عل���ي ـ �س َّدده اهلل ـ نعلم���ه �أنَّ اقرتاحه م�أخوذ بعني االعتبار وبارك اهلل فيه. الأخ عب���د اهلل املغ�ي�ري م���ن واد �س���وف �أر�س���ل عن طري���ق الربيد الإلك�ت�روين ترجم���ة لل�شيخ عبد املجي���د ح َّبة لك َّنه���ا منقو�صة ،فلو َّ يتف�ضل ب�إع���ادة �إر�سالها تا َّم���ة ،ومقرون ًة مبعلوم���ات حول �صاحب املقال كما هو م�شروط يف قواعد ال َّن�شر. ن�شكر الأخ عبد الغني قادري ـ وفقه اهلل ـ من العا�صمة ،على غريته على عقيدة التَّوحيد ت� ُّأ�سفه على مظاهر ِّ ال�شرك عند القبور والأ�ضرحة، ونعلمه �أنَّ طلبه مل نغفل عنه يوما ما ،وجزاه اهلل خريا. كم���ا ي�شكر الأخ يو�سف بلقا�ضي ـ حفظه اهلل ـ على �شكره وعرفانه، وجزاه اهلل خريا على ما خطته يده. كم���ا نوج���ه ال�شك���ر اجلميل للأخ حل�س���ن لطر�ش ـ وفق���ه اهلل ـ من منطق���ة عني �أزال بوالية �سطيف ،عل���ى مرا�سلته وكلماته اجلميلة، وبارك اهلل فيه على اقرتاحه. ون�شك���ر كث�ي�را الأخ املك��� َّرم توفيق مريي ـ ب���ارك اهلل فيه ـ من عني بو�سي���ف باملدية عل���ى كلمت���ه ال َّرقيقة ا َّلت���ي �س َّماه���اُّ : ال�شكر لأهل ُّ ال�شكر ،فجزاه اهلل عنا ك َّل خري. ون�شك���ر الأخ���ت الفا�ضلة فاطمة والب�شري ـ و َّفقه���ا اهلل ـ من مدينة تيارت على عباراتها اللطيفة وكلماتها الرقيقة ون�س�أل اهلل لنا ولها التوفيق وال�سداد.
64
ال�سنة الرابعة ـ العدد الع�شرون :جمادى الأوىل/جمادى الآخرة 1431هـ املوافق لـ ماي /جوان 2010م
نتق���دم بال�شك���ر املوف���ور ل�ل��أخ عب���د العزي���ز ملل���وم ـ وفق���ه اهلل ـ عل���ى �أبياته التي �أثن���ى فيها على املجل���ة ويحثُّ فيها على اقتنائه���ا واال�ستفادة منها، ومطلعها: �ش ـعـ ٌر �أنـ ــظ ُمه مبهـارة يف جملة تهدي كمنارة يحوي و�صفا فيه وقائع �أك ـت ـ ُبــه حـ ـ ًّثا لـ ُمط ــا ِلع
ـ كم���ا ن�شك���ر الأخ الكرمي توفيق ب���ن عي�سى من دائ���رة تاجنانت بوالية ميلة عل���ى حماولته ال�شعرية ال َّثانية جاءت يف ( )15بيتا حتت عنوان :ر�سالة على مفت اجلرائد ،ومطلعها: َ�سب ال � َ �شم�س وال للدِّ ين تنت ُ أنت ٌ تكت�سب وال ل�شيءٍ من الأخالق ُ وال لعرف ومـعـروف عـرفـتـهـما تلتهب بـل �إ َّنك الـنـار للأعراف ُ أنت الـمد ِّل ُـ�س والإعـالم غايتُك � َ والعلم عندك ما َ الكتب ُ زاغت به ُ �إىل �آخر الأبيات ،فبارك اهلل فيه و�س َّدد قلمه.