جملة جامعة ت�صدر عن دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
الـمدير
توفيق عمروين رئي�س التحرير
عز الدين رم�ضاين �أع�ضاء التحرير: عمر احلاج م�سعود عثمان عي�سي جنيب جلواح
الت�صميم والإخراج الفني: دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
عنوان املجلة:
دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
حي باحة ( ،)03رقم ( )28الليدو ـ املحمدية ـ اجلزائر
الهاتف والفاك�س:
)021( 51 94 63 التوزيع (جوال))0661( 62 53 08 :
الربيد الإلكرتوين:
darelfadhila@maktoob.com
املوقع على ال�شبكة العنكبوتية: www.rayatalislah.com
ُّ تعلم الصمت! �إنَّ ال ِّل�سان من �أعظم َ اجلوارح خط ًرا ،ومن �أكرث ما ُيدخل ال َّنار ،و�أ�شدِّ ها فت ًكا وال�س ِّب َّ والطعن بدين العبد ،وذلك لكرثة �آفاته ،وتن ُّوع �شروره من الكذب وال ِغيبة َّ والقول على اهلل بغري علم وغريها ،...ولهذا تواردت وال ُعجب و ُف�ضول الكالم ِ ال ُّن�صو�ص َّ إم�ساكه ِّ وكف �ش ِّره ،و�أ َّنه �أعظم ما يجب �أن بحفظه و� ِ ال�شرعية على الأمر ِ تُتقَّى �سقطاتُه ،فعن �سفيان ال َّثقفي Çقالَ « :يا َر ُ�س َ ول اهلل! �أَخْ رِ ْبنيِ ِب�أَ ْم ٍر يِف ا�س َت ِق ْم؛ َق َالَ :يا َر ُ�س َ ول الإِ ْ�س َال ِم َال �أَ ْ�س َ�أ ُل َع ْن ُه َ�أ َحدً ا َب ْعدَ َك؛ َق َالُ :ق ْلَ � :آم ْنتُ ِباهللُ ،ث َّم ْ اهلل! َف�أَ َّي َ�ش ْيءٍ �أَ َّت ِقي؟ َق َالَ :ف�أَ َ�شا َر ِب َي ِد ِه �إِ ىَل ِل َ�سا ِن ِه». ال�سكوت وقد �أكرث ال َّنا�س قد ًميا وحدي ًثا ال َّنظم وال َّت�أليف يف �أدب َّ ال�صمت وف�ضل ُّ ال�صمت ،ففي «مكارم وحفظ ال ِّل�سان ،وترك ُف�ضول ال َكالم ،واحلثِّ على تعلُّم َّ الأخالق» َ مت ال�ص َ للخرائطي ( )483عن �أبي ال َّدرداء Çكان يقول« :تع َّل ُموا َّ مت حك ٌم عظي ٌم ،و ُكن �إىل �أنْ تَ�س َم َع �أح َر َ�ص َ منك �إىل ال�ص َ كما تتع َّلمونَ ال َك َ الم؛ ف�إنَّ َّ �ضحا ًكا ِمن غري َع َجب ،وال َّ م�شاء �أن تتك َّلم ،وال تتك َّلم يف �شيء ال َيعنيك ،وال تكن ِم َ �إىل غري �أَ َر ٍب ـ �أي �إىل غري حاجة ـ». ونحنُ اليوم �أحوج �إىل امتثال هذه ال َّن�صيحة َّ الذهب َّية بعد �أن راجت بي َننا و�سائل اال ِّت�صال املتن ِّوعة ا َّلتي ت�سمح ملن َ�شاء ب َقول ما �شاء ،وت�أذنُ ِّ يكتب ما لكل �أحد �أن َ وموج ًها ،وبات ال َغ ْمر ناقدً ا �أراد ،بال رقيب وال ح�سيب ،حتَّى �أ�ضحى ال َّنكرة مع ِّل ًما ِّ ونا�صحا ،ناهيك عن الفتاوى َّ ال�شاذة والآراء ال َغريبة والتَّ�ص ُّورات الباطلة ،وال ِّنقا�ش ً ال َعقيم ،مع �سوء �أدب وتطاول وجت ُّر�ؤ ،وافتئات على �أهل العلم الكبار ،والإعجاب بال َّر�أي وح�سن َّ مما �أفرز الظنِّ بال َّنف�س واالغتار ،وعدم املباالة بالعواقب وامل�آالتَّ ، رِ ال�صغار! �ضالل ًة كبرية وهي حتقري ال ُعلماء الكبار ،وتعظيم الأدعياء ِّ َ فليحذر العب ُد �أن يكونَ مفتاحا لباب �ش ٍّر عظيم ب�سبب كلم ٍة ت�صدر منه ،ف�إنَّ ً َ تكتب خرجت منك ملكتك ،و�إن ح َب�ستها يف �صدرك ملكتَها ،و�إ َّياك �أن َ الكلم َة �إذا َ �شي ًئا ال ي�س ُّرك �أن تلقى به َ اهلل ع َّز وج َّل ،وتو َّقف عند ِّ كل كلمة �أو جملة تريد قولها �أو فال�سالمة كتا َبتَها ،ف�إن كان الأمر َّ مما يعنيك فتك َّلم فيه بخري ،و�إن كانَ غري ذلك َّ ترجحت م�صلح ُة الكالم، يف �سكو ِتك و�صم ِتك ،قال ابنُ الق ِّيم« :وال تتك َّلم � اَّإل �إذا َّ وعلمت �أنَّ فيه مزيدً ا حلالك ومنفع ًة لغريك»؛ واذكر َ بي «َ :Íمنْ َ�ص َم َت َ قول ال َّن ِّ نجَ َ ا».
مدير املجلة
في هذا العدد االفتتاحية :تعلم ال�صمت /مدير املجلة1..................... الطليعة :ال�سبيل �إىل حفظ النعم/التحرير 4.................
يف رحاب القر�آن :ك�شف الوجه ال�صبيح يف فوائد ق�صة الذبيح اجلزء الثاين /د .عبد املجيد جمعة6..........
من م�شكاة ال�سنة� :أكرث ما يدخل النا�س اجلنة �/سعدو عبد القادر9...................... التوحيد اخلال�ص :التوحيد مفزع اخللق يف ال�شدائد /عبد املجيد تايل12...................... بحوث ودرا�سات :ثقب الأذن لأجل الزينة ـ �أحكام و�ضوابط /ف�ؤاد عطا اهلل16............................ م�سائل منهجية :دور الأغنياء يف الدعوة �إىل اهلل ون�شر دينه /د .ر�ضا بو�شامة 22......................... تزكية و�آداب :تقومي النف�س وحما�سبتها ملعرفة ما لها وما عليها /حممد لوزاين 26............................. �سرية وتاريخ :من الرحالت املغربية �/أ�شرف جالل بن �أودينة29.................... فتاوى �شرعية� :أ .د .حممد علي فركو�س 35..................
التحرير
السبيل إىل حفظ النعم
د .ر�ضا بو�شامة
دور األغني��اء يف الدع��وة إىل اهلل ونشر دينه
�سري الأعالم :ال�شيخ عبد العزيز بن ال�شيخ الها�شمي �/سمري �سمراد 38.............................. �أخبار الرتاث� :أوالد املحدِّثني ال �أدباء املحدِّثني /د.جمال عزون45............................... اللغة والأدب :م�شارق الأنوار على مثل ال َّدفلى وال َّن َّوار /حممد بو�سالمة 47............................
ق�ضايا تربوية :قرة عني الأبوين يف رعاية وتربية البنات والبنني/جنيب جلواح 54.....................
�ألفاظ ومفاهيم يف امليزان :ال ينفق الباطل �إال ب�شوب من احلق /حممد رحيل58..... بريد القراء :التحرير61.......................................
الفوائد والنوادر :التحرير 62.................................
�سعر املجلة 150دج
حممد بو�سالمة
م���ش���ارق األن�������وار ع��ل��ى مثل الدَّفلى َّ والن َّوار
العدد السابق
عبد املجيد تايل
التوحيد مفزع اخللق يف الشدائد
�سمري �سمراد
الش��يخ عب��د العزي��ز ب��ن الش��يخ اهلامشي
قواعد النشر في المجلة � أن تك���ون املو�ضوع���ات مطابق���ة خلط���ة املجل���ة ،وموافقة ملنهجها. � أن يكون املقال مت�س ًما بالأ�صالة واالعتدال. � أن يح��� َّرر املق���ال ب�أ�سلوب يحقق الغر����ض ،ولغة بعيدة عن التكلف والتعقيد. الدقة يف التوثيق والتخريج مع االخت�صار. � أن تك���ون الكتابة على الكمبيوت���ر� ،أو ٍّ بخط وا�ضح مقروء؛ وعلى وجه واحد من الورقة. � أال يزيد املقال على خم�س �صفحات.
حممد لوزاين
تقويم النفس وحماس��بتها ملعرفة ما هلا وما عليها
� أن يذكر �صاحب املقال ا�سمه الكامل وعنوانه ورقم هاتفه، ودرجته العلمية �إن وجدت. املقاالت �أو البحوث التي ال تن�شر ال تر ُّد لأ�صحابها.
الطليعة
السبيل إىل
حفظ النعم
�إنَّ على ِّ كل من ر�ضي باهلل ر ًّبا ومبح َّمد Ìنب ًّيا ور�سو ًال، وبالإ�سالم دي ًنا� ،أن يحمد اهلل ويثني عليه اخلري ك ّله ،على هذه ال ِّنعمة العظيمة ا َّلتي هي �أعظم ال ِّنعم و�أجلُّها ،وما �أكرث نعم اهلل على عبيده ،ولكن �أكرث ال َّنا�س ال ي�شكرون. ال�صاحلة وال�صنيعة وامل َّنة وما �أُنعم وال ِّنعمة :اليد البي�ضاء َّ مما ال ميكن غريه �أن به عليك ،ونعمة اهلل َم ُّنه وما �أعطاه العبدَ َّ وال�ص َّحة واملال والعلم وما كال�سمع والب�صر والعقل ِّ يعطيه �إ َّياه َّ مما ال ميكن ع ُّده وح�صره والإحاطة به﴿ :ﭬ ﭭ �إىل ذلك َّ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [\،]l وجميع ال ِّنعم قليلها وكثريها ،ظاهرها وباطنها من اهلل وحده، ِّ املتف�ضل بها واملبتدي بها عبده ،قال تعاىل﴿ :ﯺ ﯻ ﯼ �إذ هو ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [\.]l و ِن َع ُم اهلل على نوعني :ظاهرة وباطنة� ،أو دين َّية ودنيو َّية، َّ فالظاهرة يتق َّلب فيها جمي ُع اخللق وي�شعر بها جلُّهم و�إن تباينوا يف االعرتاف بها و�شكرها� ،أو يف �إنكارها وجحدها ،والباطنة ينعم بها من ا�صطفاه اهلل وو َّفقه �إىل الهدى واخلري و�ألهمه ذكرها و�شكرها ،وقد �أ�شار اهلل �إىل هذين ال َّنوعني يف قوله﴿ :
التحرير
ِّ املتف�ضل بها على عباده ،قال تعاىل﴿ :ﮅ ﮆ ﮇ املنعم بها،
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [\}]. كما �أنَّ �سبب زوالها ونق�صها هو ترك �شكر ال ِّنعمة �أو جحودها ،قال تعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [.]53 :d ولذلك قيلُّ : ال�شكر قيد لل ِّنعم املوجودة ،و�صيد لل ِّنعم املفقودة ،وكانوا ي�س ُّمونه «احلافظ»؛ لأ َّنه يحفظ ال ِّنعم املوجودة، وي�س ُّمونه «اجلالب»؛ لأ َّنه يجلب ال ِّنعم املفقودة ،فال ِّنعمة �إذا ُ�شكرت ق َّرت ،و�إذا ُكفرت فرت. واهلل ـ َّ جل وعال ـ ُي َذ ِّكر عباده بنعمه عليهم ويدعوهم بها �إىل معرفته وحم َّبته وطاعته وت�صديق ر�سله والإميان بلقائه، و�سميت بذلك لأنَّ كما ت�ض َّمنته �سورة ال ِّنعم ـ وهي �سورة ال َّنحل ـ ِّ اهلل ذكر فيها �أ�صول ال ِّنعم وفروعها ،وعددها عليهم نعمة نعمة، و�أخرب �أ َّنه �أنعم بذلك عليهم لي�سلموا له ،فتكمل نعمه عليهم بالإ�سالم ،ا َّلذي هو ر�أ�س ال ِّنعم و�أجلُّها و�أوالها ِّ بالذكر ُّ وال�شكر. والعاقل �إذا ق َّلب ال َّنظر يف هذه ال ِّنعم وجدها حتيط بنا من ِّ كل جانب ،وت�سبغ علينا ظاه ًرا وباط ًنا ،ونتق َّلب فيها �صباح م�ساء، ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ وليل نهار ،ال تنقطع ع َّنا طرفة عني ،وال نحرم منها �أدنى �شيء، ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ غري �أ َّنه وللأ�سف َّ ال�شديد جند �صو ًرا خطرية يف مقابلة تلك ال ِّنعم ،تخالف ما �أوجبه اهلل علينا من احلمد ُّ وال�شكر واالعرتاف ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [\}]. ال�سبيل لبقاء ال ِّنعم ودوامها ومن ِّوها هو �شكر مب�سديها ومبديها ،فرنى من ال َّنا�س من ين�سب ال ِّنعمة لغري اهلل ومعلوم �أنَّ َّ
4
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
الطليعة
الكرمي امل َّنان ،ومنهم من يقابلها بال ُّذنوب والع�صيان ،ومنهم من يح�صل له ب�سببها الغرور والكرب والعدوان ،ومنهم من ال ي�ؤدِّي حقَّ اهلل فيها وما �إىل ذلك من �صور الكفر واجلحود وال ُّنكران. و�إنَّ من نعم اهلل ا َّلتي ت�ستح ُّق ُّ ال�شكر واحلمد نعمة التَّح ُّرر من قب�ضة املت�س ِّلط الكافر وامل�ستعمر الغادر ا َّلذي عاث يف �أر�ض امل�سلمني ـ ومنها �أر�ض اجلزائر ـ بالف�ساد والإف�ساد ،ون�شر عبادة ال�صليب والإحلاد ،وا�ستغل العباد وثروات البالد ،وارتكب �أ�شنع َّ اجلرائم من الإرهاب والتَّقتيل والتَّخريب والتَّنكيل يف حقِّ �شعبنا الأعزل. فبعد عقود من الزَّمن وحتت التَّ�سلُّط والقهر يف حماولة مل�سخ معامل َّ ال�شخ�ص َّية الإ�سالم َّية وزعزعة مق ِّومات الأ َّمة من الدِّ ين واللُّغة والتَّاريخ ،مل تفلح الإرادة الفرن�س َّية وال �إدارتها يف حتقيق مرادها والو�صول �إىل �أهدافها وهو �أن ي�صري هذا اجلزء من �أر�ض الإ�سالم جز ًءا من فرن�سا يدين بدينها ويتك َّلم بلغتها ويفخر بتاريخها. ولكن بف�ضل اهلل وعونه ق َّي�ض اهلل لهذا البلد رجا ًال ذ ُّبوا عن حيا�ض الأ َّمة ب�شجاعة وب�سالة مل يعرف لها نظري يف التَّاريخ املعا�صر ،و�أعلنوا اجلهاد املق َّد�س �ض َّد امل�ستعمر الكافر ،فكان املقاتل منهم ي�س َّمى املجاهد ،واملقتول ي�س َّمى َّ ال�شهيد ،و�شعار مما يد ُّل على ذلك االنتماء الأ�صيل املعركة عندهم« :اهلل �أكرب»َّ ، ا َّلذي �سرى يف عروق ال ُّنزهاء ُّ وال�شرفاء من �أبناء هذا البلد ـ �صانه اهلل من ِّ كل مكر ـ �إىل �أن حقَّقوا بف�ضل اهلل ذلك ال َّن�صر املجيد ،و�أعادوا للأ َّمة ما�ضيها التَّليد ،وح ّولت الكنائ�س �إىل م�ساجد ،ويومها فرح امل�ؤمنون بن�صر اهلل ين�صر من ي�شاء. �إنَّ هذه ال ِّنعمة ا َّلتي هي نعمة ال َّن�صر �أو اال�ستقالل �أو احلر َّية ـ وا َّلتي ال ته ُّمنا منها �أ�سما�ؤها ومبانيها بقدر ما ته ُّمنا م�س َّمياتها ومعانيها ـ ي�شرتك فيها اجلميع ،ويتغ َّنى بها الك ُّل، ويتباهى باحلديث عنها ك ُّل من �أتيح له الكالم يف منا�سبة ويف غري منا�سبة ،غري �أنَّ ا َّلذي يقدِّ ر هذه ال ِّنعمة حقَّ قدرها ال ينتظر حلول ِّ الذكريات وال وقفة املنا�سبات ،ليتك َّلم �أو يخطب �أو يرفع وكالما، احلب رخي�ص حني يكون زع ًما ً �شعا ًرا �أو ي َّدعي ح ًّبا؛ لأنَّ َّ إقداما. إخال�صا و� ً ولك َّنه غال وثمني حني يكون عم ًال وت�ضحية و� ً
�إنَّ ا َّلذي يقدر هذه ال ِّنعمة بحقٍّ يجب �أن يحافظ عليها ،و�أن طوعا �أو يحر�ص على بذل �أ�سباب بقائها ودوامها ،و�إ َّال �سلبت منه ً ال�صليب وغريهم من الكافرين و�إن كرهً ا ،ف�إنَّ �أعداء اهلل ع َّباد َّ رفعوا اليوم �أقدامهم من ِّ جل �أرا�ضي امل�سلمني �إ َّال �أ َّنهم �أنزلوا بامل�سلمني ا�ستعما ًرا من طراز �آخر ،وهو اال�ستعمار الفكري عن طريق جلب نظام التَّعليم الغربي ،واملدار�س الأجنب َّية العامل َّية ون�شر الإجنيل وال َّدعوة �إىل حوار الأديان وحماية الأقل َّيات و�إف�ساد املر�أة وما �إىل ذلك من َّ خمططاتهم اله َّدامة ،فمن حاربهم بالأم�س وفتح لهم اليوم عقله وقلبه لي�ستعمروه من جديد عقيدة وفك ًرا ومنهج حياة مل يقدِّ ر هذه ال ِّنعمة ومل يدع لها حرمتها ،و�إنَّ َ من ا�ستهان بدين الأ َّمة اليوم �أو ل�سانها �أو تاريخها مل يقدِّ ر هذه ال ِّنعمة؛ لأ َّنه يحاكي اال�ستعمار يف جرائمه ويخلفه يف مكره وكيده، و�إنَّ من زرع بذور الفتنة بني �أبناء الأ َّمة اليوم من خالل �إحياء ال َّنعرات اجلاهل َّية واملذاهب الإحلاد َّية اله َّدامة واملناهج َّ ال�ضا َّلة لأهل الأهواء ويروج لها با�سم حر َّية ال َّر�أي واملعتقد مل يقدِّ ر هذه ال ِّنعمة حقَّ قدرها؛ لأ َّنه يريد رفع الأمن وزعزعة اال�ستقرار، وجعل الأ َّمة تعي�ش يف متزُّق و�شتات ،وفنت و�شمات ،و�إنَّ من �سرق �أموال الأ َّمة واعتدى على �أمالكها نه ًبا وت�ضيي ًعا وتبذي ًرا وتهري ًبا مل يقدِّ ر نعمة اهلل وال تنفعه �سابقته ون�ضاله؛ لأنَّ اهلل لمَ َّا و�صف �أ�صحاب حم َّمد Ìالأحياء منهم وامل ِّيتني ،قال عنهم﴿ :ﭑ ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [\.]d ف�أثبت لهم و�صف ال ُّرجول َّية ب�أحد �أمرين� :إ َّما َّ بال�شهادة، و�إ َّما بال َّثبات ،فلتحفظ ال ِّنعم ولتلهج الأل�سن والقلوب واجلوارح ب�شكرها ،ولتحذر من �إغفالها وتنا�سيها ف�إ َّنه كما قيل: �إذا كنت يف نعمة فا ْر َعها ف�إنَّ الـمعا�صي تزيل ال ِّنعم وداوم عليها ب�شكر الإلـه فـ�إنَّ الإلـه �سـري ــع ال ـ ِّنـقــم جعلنا اهلل من َّ رب ال�شاكرين احلامدين ،القائمني بحقِّ ِن َع ِم ِّ العاملني ،و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على خري ال َّنب ِّيني و�س ِّيد املر�سلني ،نب ِّينا حم َّمد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني.
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
5
في رحاب القرآن
كشف الوجه َّ الصبيح يف
فوائد قصة الذبيح (الجزء الثاني)
د /عبد املجيد جمعة �أ�ستاذ حما�ضر بجامعة الأمري عبد القادر ـ ق�سنطينة
الفائدة ال َّثامنة وال َّثالثون: ال�سالم ،حيث �أثنى اهلل فيه ف�ضل �إبراهيم و�إ�سماعيل عليهما َّ عليهما با�ست�سالمهم���ا ومبادرتهما المتثال �أمر اهلل تعاىل؛ وهذا حقيقة الإ�سالم وهو االنقياد التَّا ُّم لأمر اهلل تعاىل. الفائدة ال َّتا�سعة وال َّثالثون: في���ه ا�ستحباب ا�ضطجاع الأ�ضحي���ة عند َّ الذبح ،و�أن َيذ َب َح امل�ضح���ي بي���ده ،لقول���ه تع���اىل﴿ :ﭓ ﭔ﴾ ،وي�شه���د له ما ِّ رواه �أن�س Çق���الَ : ي �ي�ن �أَملَ َح نْ ِ «�ض َّحى ال َّنب ُّ���ي ِ Íب َك ْب َ�ش ِ ويكب ف َذ َب َحهُما فر�أيت���ه َو ِ ا�ض ًعا َق َدمَه على �صفاحهما( )1ي�س ِّمي رِّ بيده» متَّفق عليه.
�سائر �أنبيائه فناداه���م ب�أ�سمائهم ،كقوله﴿ :ﭗ ﭘ ﭙﭚ
وفيه ف�ضل نب ِّينا Í؛ لأنَّ اهلل تعاىل مل يناده با�سمه «حم َّمد»، بل ن���اداه ب�صفة ال ِّر �سال���ة �أو ال ُّنب َّوة ،كقوله﴿ :ﭺ ﭻ﴾، ً وتبجي�ل�ا ،ومل يذك���ر ا�سم���ه �إ َّال يف ﴿ﭶ ﭷ﴾ تعظي ًم���ا ل���ه �صيغ���ة الإخبار ،كقوله تع���اىل ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ﴾ [®،]29 : ﴿ﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻ﴾ [_]144 :؛ �أ َّما
الفائدة اخلام�سة والأربعون: ُ���د َّل بالآية عل���ى �أنَّ من نذر ذبح ول���ده ،لزمه ذبح �شاة, وا�ست ِ وال�صحي���ح �أ َّنه مع�صية كم���ا فدى ب���ه �إبراهيم ابنه؛ وفي���ه نظرَّ ، يلزم���ه اال�ستغفار منه���ا ،قال الكيا اله َّرا�س���ي يف «�أحكام القر�آن» (« :)78/4وه���ذا �إغف���ال منه���م ,ف�إ َّنه �إن ثب���ت �أنَّ �إبراهيم كان م�أم���و ًرا بذبح الولد ,فقد ارتفع الأم���ر �إىل بدل جعل فداء ,فكان الأم���ر متق ِّر ًرا يف الأ�صلَّ ,ثم �أُزيل و ُن ِ�سخَ �إىل بدل ,وفيما نحن فيه
ﭛ ﭜ﴾ ،وكقول���ه: [^﴿ ،]35:ﮂﮃﮄ﴾ [﴿ ،]48:gﭒ﴾ [،]144:c ﴿ ﭦ﴾ [_. ]55 : الفائدة ال َّثانية والأربعون: في���ه ف�ض���ل طاع���ة اهلل وامتثال �أم���ره ،ف�إ َّنه �سب���ب يف �صرف امل�صائ���ب ،لقول���ه تع���اىل﴿ :ﭞﭟﭠﭡ﴾ �أي :هك���ذا ن�صرف ع َّمن �أطاعنا امل���كاره َّ وال�شدائد ،وجنعل لهم من �أمرهم وخمرجا ،كقول���ه تع���اىل ﴿ :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ فرج���ا ً ً ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [\.]À الفائدة ال َّثالثة والأربعون: الفائدة الأربعون: ُ���د َّل بالآي���ة عل���ى �أنَّ الأ�ضحي���ة بالغن���م �أف�ضل م���ن الإبل ا�ست ِ فيه داللة على �إثبات الإرادة واالختيار للعباد خال ًفا للجرب َّية، لقوله تع���اىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ ،ونظريه يف القر�آن ال يكاد والبقر. الفائدة ال َّرابعة والأربعون: يح�صى وال ي�ستق�صى ،ي�سند اهلل تعاىل الأفعال �إىل العباد ا َّلذين بال�سمينة ،لقوله تعاىل﴿ :ﭩ قاموا بها كقوله تعاىل ﴿ :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [.]15 :x وفيه ا�ستحباب الأ�ضحي���ة َّ ﭪ ﭫ ﴾ �أي �ضخم اجل َّثة �سمني. الفائدة احلادية والأربعون:
( )1قال ال َّنووي يف «�شرح م�سلم» (�« :)121/13أي �صفحة العنق وهى جانبه و�إنمَّ ا فعل هذا ليكون �أثبتَ له و�أمكنَ لئ َّال ت�ضطرب َّ الذبيحة بر�أ�سها فتمنعه من �إكمال َّ الذبح �أو ت�ؤذيه».
6
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
﴿ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾
ال �أم���ر بذب���ح الولد ,بل ه���و مع�صي ٌة قط ًعا ,فلم يك���ن للأمر تعلُّق بذبح الول���د بحال ,ف�إذا مل يتع َّلق به بحال ,فال يجوز �أن يجعل له فدا ًء وخل ًفا». الفائدة ال�ساد�سة والأربعون: في���ه داللة عل���ى �أنَّ الأنبياء �أ�ش��� ُّد ال َّنا�س ب�ل�ا ًء ،لقوله تعاىل: ﴿ﭣﭤﭥﭦﭧ﴾ ،وي�شه���د ل���ه قوله Íوق���د �سئلُّ � :أي ال َّنا�س �أ�ش ُّد بال ًء؟ :ق���ال« :الأَ ْن ِب َيا ُء ُث َّم الأَ ْم َث��� ُل َفالأَ ْم َث ُلَ ،ف ُي ْب َتلَى ال َّر ُج��� ُل َعلَى َح َ�س���بِ دِي ِنهَِ ،ف�إِ ْن َكا َن دِي ُن ُه ُ�ص ْل ًب���ا ا�شْ َت َّد َب َ ال ُ�ؤهَُ ،و�إِ ْن َكا َن يف دِي ِن ِه ِر َّق ٌة ا ْب ُتل َِي َعلَى َح َ�سبِ دِي ِنهَِ ،ف َما يَبرْ َ ُح ال َب َ ال ُء بِال َع ْبدِ َح َّتى َيترْ ُ َك ُه يمَْ�شِ ي َعلَى الأَ ْر ِ�ض مَا َعلَ ْي ِه َخطِ ي َئ ٌة»(.)2 ال�سابعة والأربعون: الفائدة َّ �صح���ة ال َّن�سخ قبل وفي���ه داللة على ما تق��� َّرر يف الأ�صول على َّ التَّم ُّكن من الفع���ل ،خال ًفا لطائفة من املعتزلة ،وال َّداللة من هذه الآيات ظاهرة ،لأنَّ اهلل تعاىل �أمر �إبراهيم بذبح ولدهَّ ،ثم ن�سخه عظيم. عنه قبل التَّم ُّكن من فعله ،و�صرفه �إىل الفداء ٍ بذبح ٍ الفائدة ال َّثامنة والأربعون: وفي���ه داللة على �إثبات احلكم���ة يف �أفعال اهلل تعاىل ،لقوله: ﴿ﭣ ﭤﭥﭦﭧ﴾ ،فابتلى اهلل نب َّيه يف حم َّبته له �سبحانه تتم خ َّلته ،فكان املق�صود االبتال َء وتقدميها على حم َّبته البنه حتَّى َّ نف�س الفعل؛ لأنَّ اهلل �سبحانه وتعاىل ال ي�أمر بفعل ال م�صلح َة وال ال َ منفع��� َة وال حكم َة فيه ،بل �أوامره �سبحانه ونواهيه وجميع �شرائعه وم�صالح ومناف َع. مبن َّي ٌة على ِح َك ٍم َ (� )2أخرجه رِّ التمذي ( )2398وابن ماجه ( )4023عن �سعد بن �أبي و َّقا�ص ،ب�إ�سناد «ال�صحيحة» (.)143 ج ِّيد ،وهو �صحيح ب�شواهده� .أنظر َّ
فاحلكم���ة هنا نا�شئة من نف�س الأم���ر ،وامل�صلحة حا�صل ٌة به، �أ َّم���ا الفعل فال م�صلح َة فيه �ألبتَّ���ة ،لذلك كان املق�صود من الأمر احلكمة منه وهي االبتالء دون الفعل. الفائدة ال َّثامنة والأربعون: ال�سالم ،حيث �أبقى وفي���ه ثناء اهلل تعاىل على �إبراهي���م عليه َّ علي���ه ل�سان �صدقٍ وثن���ا ًء ح�س ًنا يف العامل ،فال يذك���ر �إال بال َّثناء، وال�س�ل�ام علي���ه ،وو�صف���ه بث�ل�اث خ�ص���ال ،الإح�سان َّ وال�ص�ل�اة َّ والعبود َّي���ة والإميان ،فجمع مقامات الدِّ ي���ن ك ِّله ،لقوله﴿ :ﭭ
في رحاب القرآن
قال اهلل تعاىل: ﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﰕﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [ \. ]¢
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ
ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾. الفائدة ال َّتا�سعة والأربعون: وفي���ه داللة عل���ى �أنَّ َّ الذبيح ه���و �إ�سماعيل ولي�س ه���و � َ إ�سحاق كم���ا يزع���م اليه���ود وال َّن�ص���ارى ،وذل���ك �أنَّ اهلل تع���اىل مل���ا ذكر ق�صة الب�ش���ارة الأوىل بالغ�ل�ام احلليم من ابني �إبراهي���م ،وذكر َّ الأمر بذبحه ،فل َّم���ا ا�ستوفى ذلك ،عطف بذك���ر الب�شارة ال َّثانية باالب���ن ال َّثاين ،وقد �س َّم���اه �إ�سحاق فقال﴿ :ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ ،فب�َّي�نَّ �أ َّنهما ب�شارتان :ب�شار ٌة َّ بالذبيح وب�شار ٌة ثاني ٌة صربه على ب�إ�سحاق ،وه���ذه الب�شارة من اهلل تعاىل له �شك ًرا على � ِ م���ا �أُ ِم َر بهَّ ، فدل هذا عل���ى �أنَّ � َ إ�سحاق غري الغ�ل�ام احلليم ا َّلذي بحه؛ ومن املق َّرر يف الأ�صول �أنَّ ال َّت�أ�سي�س �أوىل من ال َّت�أكيد؛ �أُ ِم َر َبذ ِ ن�ص �صري ٌح ال ومعل���و ٌم يف اللُّغة �أنَّ العطف يقت�ضي املغايرة ,فهذا ٌّ يحتمل ال َّت�أويل. و�سئ���ل �أبو �سعيد ق���ال القرطبي يف «تف�س�ي�ره» (ُ :)100/15 ُّ ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
7
في رحاب القرآن 8
ال�ضرير عن َّ َّ الذبيح ف�أن�شد : �إنَّ ال َّـذبــيح هُ ـديــت �إ�سـماع ُ ـيل نـطـق الكتـاب بذاك والتَّـن ُ ـزيل �شـ ٌ ـ�ص الإل ـ ُه نـبـيـَّنـا ـرف بــه َخ َّ و�أتــى بــه الـ َّت ـفـ�سـيـر والتَّـ�أويـ ُـل �إن كـنــت �أ َّمـته فـال تـن ـكــر ل ــه خ�صه الت ُ َّف�ضيل �شـر ًفـا بـه قد َّ الفائدة اخلم�سون: ال�سالم ـ ،لقوله تعاىل: وفي���ه ثناء اهلل على �إ�سحاق ـ عليه َّ ﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾. الفائدة احلادية واخلم�سون: وفيه �إ�شارة �إىل �أنَّ ال َّن�سب ال ينفع �صاحبه ،و�إنمَّ ا ينفعه عم ُله، لقوله تع���اىل﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾� ،أي: حم�سن يف عمل���ه بالإميان ،والتَّوحيد ،وظامل لها بالكفر ِّ وال�شرك واملعا�ص���ي؛ فاليهود وال َّن�صارى ،و�إن كان���وا من ولد �إ�سحاق ،فقد �ص���اروا �إىل ما �ص���اروا �إليه من الكفر َّ وال�ض�ل�ال املبني؛ والعرب، و�إن كانوا من ولد �إ�سماعيل ،فقد �صاروا �إىل ِّ ال�شرك �إ َّال من �أنقذه بي َ « :Íومَن َب َّط�أَ ِب ِه َع َم ُله مَل ُي�سرِع اهلل بالإ�سالم ,وقد قال ال َّن ُّ ِب ِه َن َ�س ُبه» رواه م�سلم.
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
ال�س َّن���ة» ق���ال �شي���خ الإ�س�ل�ام اب���ن تيمي���ة كم���ا يف «منه���اج ُّ أحد يف القر�آن بن�سبه �أ�ص ًال (« :)151/8وله���ذا مل يثن اهلل على � ٍ نبي و�إنمَّ ا �أثنى على ال َّنا�س ب�إميانهم نبي وال على �أبي ٍّ ال عل���ى ولد ٍّ و�أعماله���م و�إذا ذك���ر �صن ًفا و�أثنى عليهم فلم���ا فيهم من الإميان والعم���ل ال ملج��� َّرد ال َّن�سب وملَّ���ا ذكر الأنبي���اء ذكره���م يف الأنعام وهم ثماني���ة ع�شر ق���ال ﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢﮣﮤﮥ﴾ [\ ,]bفبه���ذا ح�صل���ت �صراط الف�ضيل���ة باجتبائه �سبحان���ه وتعاىل وهدايته �إ َّياه���م �إىل ٍ م�ستقيم ال بنف�س القرابة». ٍ الفائدة ال َّثانية واخلم�سون: ال�صرب على البالء حممودة؛ وذلك �أنَّ �إبراهيم فيه �أنَّ عاقبة َّ ال�سالم مل���ا ابتاله اهلل تعاىل بذب���ح ابنه ،امتث���ل لأمر ر ِّبه، علي���ه َّ و�ص�ب�ر على بالئه ،فجزاه اهلل تعاىل �أن فداه بذبح عظيم ،وجعل ال�صاحلني. له ل�سان ٍ ذكر يف الآخرين ،ورزقه ً غالما �آخر من َّ ي�سر اهلل يل جمع���ه من بدائع الفوائد ،و�إ َّال لو طهرت ه���ذا ما َّ قلوبن���ا ملا �شبع���ت من كالم اهلل تعاىل ،وقد جع���ل اهلل كتابه ربي َع وذهاب الهموم. وجال َء الأحزان َ ال�صدور َ القلوب ونو َر ُّ
عبد القادر �سعدو وهران
عن �أبي هريرة Çقال: ُ�سئل ر�سول اهلل Íعن �أكرث ما ُي ُ دخل ال َّنا�س اجل ّنة؟ فقال: « َت ْق َوى اهلل َو ُح�سْ ُن ا ُ خل ُلقِ »(.)1
���د �آدم حم َّم ِد ابن ���م �س ِّيد ول ِ ه���ذا احلديث من جوام ِع ك ِل ِ عب���د اهلل ﴿ ,Íﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ب�ش�ي�را ونذي��� ًرا وداع ًيا �إليه ﭥ﴾ [\� ,]³أر�سل���ه ر ُّبن���ا ً و�سراجا من ًرياَّ ,ثم �صيرَّ طاعته ً فر�ضا ,وا ِّتباعه رحم ًة, ب�إذن���ه ً وحم َّبت���ه قرب ًة ,وتعزي��� َره دي ًنا ,وتوق َريه ه���دً ى ,وتعظي َمه عزًّا, وجعل ِّ وال�صغار على من خالف �أم َره. الذ َّلة َّ ويف ه���ذا املقال بيان �شيءٍ من كن���وز هذا احلديث ال َّنبويِّ العظيم. يب ،وح�سنه ( )1رواه الرتمذي يف «�سننه» ( )2134وقال :هَ َذا َحدِ يثٌ َ�صحِ ي ٌح َغ ِر ٌ الألباين ,انظر «�سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة» (.)977
«�سئل ُ ا�س ا َ جل َّنة؟» ر�سول اهلل Íعَن �أَ ْك رَ ِ ُ ث مَا ُيدْخِ ُل ال َّن َ كان ر�س���ول اهلل Íه���و مرج��� َع ال َّنا����س يف حيات���ه يف ِّ �صغ�ي�را كان �أو كب ًريا� ,إذ �أم��� ُر التَّ�شريع كل �أم ٍ���ر م���ن �أمورهم ً مرته���نٌ ب���ه ,ف���كان ُيع ِّل���م �أ�صحا َب���ه �ش����أنَ دي ِنه���م ,و�إذا ع���نَّ ل�صحابت���ه �س����ؤا ٌل �أو حدثت له���م واقع ٌة �سارع���وا �إليه فوجدوا اجلواب َّ ال�شايف والبيانَ الت ََّّام. َ ال�صحابة الكرام م���ن طلب العلم هو العمل, كان مق�ص���ود َّ وال�سمعة وال ِّرفعة مل يكن مرادُهم �أبدً ا ال ُّدنيا وجزا َءها من ال ِّرياء ُّ ُّ مما يف�س���د دينَ املرء ,بل والظه���ور واملن�ص���ب وال ِّريا�سة وغ ِريها َّ َ ���ب تعاملهم مع مع ِّلمه���م Íهو امتثال �أوام���ره واالهتداء كان ل ُّ بطريق ِت���ه يف �ش�ؤون احلياة ك ِّلها ,ف���كان من حر�صهم على تطبيق م���ا ي�سمعونه من يف ر�سول اهلل َّ Í الط ِّي���ب َّ ال�شريف �أ َّنهم �س�ألوه ع���ن �أف�ضل الأعمال؟ و�أح�س���ن الأقوال؟ و�أكرث م���ا يدخل اجل َّنة؟ و�أك�ث�ر ما يدخ���ل ال َّنار؟ وتكاد هذه الأ�سئلة تك���ون غائب ًة عن �أكرث �أهل زما ِننا ,واهلل امل�ستعان. وخلود نعيم ٍ �« إنَّ اهلل �سبحان���ه قد خلق اجل َّن���ة ف�أع َّدها دار ٍ لأوليائه امل�ؤمنني و�أكرمهم فيها بالنظر �إىل وجهه الكرمي»(.)1
من مشكاة السنة
أكثر ما يدخل الناس اجلنة
« َت ْق َوى اهلل» تق���وى اهلل هي و�ص َّية ال َّر ِّب ج َّ ���ل جالله للأ َّولني والآخرين, ق���ال اهلل �سبحان���ه﴿ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ بي الكرمي Íيف ﮧﮨﮩﮪ﴾ [` ,]131 :وو�ص َّية ال َّن ِّ
( )1انظر« :عقيدة ابن �أبي زيد القريواين املالكي» و«العقائد الإ�سالمية» للع َّالمة عبد احلميد بن بادي�س اجلزائري.
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
9
من مشكاة السنة
�أك�ب�ر حم َف ٍل �شهده امل�سلمون ,فعن �أبي �أمامة Çقال� :سمعت حجة ال���وداع فقال« :ا َّت ُق���وا اهلل َر َّب ُكم ر�س���ول اهلل Íيخطب يف َّ َو َ�ص ُّل���وا َخ ْم َ�س ُك���م و�صومُوا َ�ش ْه َر ُك���م و�أَدُّوا َز َكا َة �أم َوا ِل ُكم و�أَطِ ي ُعوا َذا �أَ ْم ِر ُك ْم َتد ُْخ ُلوا َج َّن َة َر ِّب ُك ْم»( ,)2وحقيقة تقوى اهلل �أن يجعل املر ُء بين���ه وبني م���ا يوجب عق���اب اهلل وعذابه �صيان ًة و�ست���ا ًرا بعبادته إخال�صا للآمر وطاعت���ه �إميا ًنا واحت�سا ًبا ,فيمت ِثل ما �أمره اهلل به � ً ورج���ا ًء لوعده ,ويرتك م���ا نهاه عنه �إميا ًنا ب���ه وخو ًفا من وعيده, فع���ن طلق بن حبي���ب :قال« :التَّقوى :عم��� ٌل بطاعة اهلل رجاء رحم��� ِة اهلل على نو ٍر من اهلل ،وال َّتق���وىُ : ترك مع�صي ِة اهلل خماف َة عقاب اهلل على نو ٍر من اهلل»(.)3 ِ تق���وى اهلل هي املق�صد م���ن ت�شريع الأحكام ,ذلك �أنَّ اهلل ـ بحكم يف كتابه �إ َّال ويذكر َع ِقبه التَّقوى ,ف َمن غال ًبا ـ ال ُيك ِّلف العباد ٍ ت�أ َّم���ل ـ مث ًال ـ ت�شريع الأركان اخلم�سة ع ِل���م و�ضوح ذلك و�صد َقه, فقد قال اهلل يف التَّوحي���د ﴿ :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [\^] ﴿ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [\]c ال�صالة وال���زَّكاة﴿ :ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ وق���ال يف َّ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [\^] ال�صي���ام﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ويف ِّ احلج: ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [\^] ,ويف ِّ ﴿ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [^.]203 :
العلي الكبري يف �ش�أن التَّقوى �آيتان ِ من �أبدع ما جاء يف كالم ِّ هما :قوله تعاىل﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﴾ [ ,]26 :cوقوله �سبحان���ه﴿ :ﭪﭫﭬﭭ﴾ [^ ,]197 :فذ َك���ر اهلل يف زاد ,فبال ِّلبا�س ُي���واري الإن�سان وخ�ي�ر ٍ خ�ي�ر ٍ لبا�س َ هات�ي�ن الآيتني َ ج�س���دَ ه وي�سرت عورتَه ويتز َّين به ,وخ�ي�ر ذلك التَّقوى ,فهو ي�ستم ُّر م���ع العبد يف ال ُّّدنيا والربزخ والآخرة ،وال يبلى وال يبيد ،وهو زينة الباطن وجمال َّ الظاهر ,وبالزَّاد ُي�ستغنى عن ال َّنا�س وتُقام البنية ال�سف���ر ويتحقَّق الق�ص���د ,وخري ذلك و ُيع���ان ال ُّرفق���اء ,وبه َي ِت��� ُّم َّ و�صححه الألباين. ( )2رواه «الرتمذي» ( )616وقال :حديث ح�سن �صحيحَّ , (« )3م�صنف» ابن �أبي �شيبة(.)250/8
10
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
التَّقوى ,فه���و زا ٌد �إىل اهلل وال َّدار الآخرة ,مو�ص��� ٌل �إىل � ِّ أجل رجاءٍ نعيم ,ف�إذا تق َّرر هذا ُع ِلم �أنَّ �أع َق َ ���ل ال َّنا�س و� َ أف�ض َلهم َمن و�أكم ِ ���ل ٍ ِلزم خ َري ال ِّل َبا�س والزَّاد ,فعن ميمون ِبن ِمهران � :أ َّنه �أتاه رج ٌل فق���ال له :ال يزال ال َّنا�س بخ ٍري ما كنت فيهم ,قال :ال يزال ال َّنا�س بخ ٍري ما ا َّت َقوا اهلل(.)4 «ح�سن ا ُ خللق» ُ ح�سن اخللق ُ قول اهلل تعاىل﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ حقيق ُة ِ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [\ ,]cبل « َل ْي َ�س يِف ا ْل ُق ْر�آن �آ َي ٌة الَخْ لاَ ق ِم ْن َها»( ,)5قال ابن العربي املالكي َ « ::ق َال �أَ ْج َم َع لمِ َ َكار ِِم ْ أ ال َي ُة ِمنْ ثَلاَ ِث َك ِل َم ٍاتَ ،ق ْد ت ََ�ض َّم َن ْت َق َو ِاعدَ َّ ال�ش ِري َع ِة ُع َل َما�ؤُ َنا :هَ ِذ ِه ْ آ اتَ ،حتَّ���ى لمَ ْ َي ْبقَ ِفي ِه َح َ�س َن��� ٌة � اَّإل �أَ ْو َ�ض َح ْت َهاَ ،و اَل المْ َ�أْ ُم���و َر ِات َوالمْ َ ْنهِ َّي ِ َف ِ�ضي َل��� ٌة �إ َّال َ�ش َر َح ْت َه���اَ ،وال �أُ ْك ُر َوم ٌة �إ َّال ا ْف َتت ََح ْت َه���اَ ،و َ�أ َخ َذ ْت ا ْل َك ِل َماتُ ال ْ�س�َل اَ ِم ال َّثلاَ َث َة»( ,)6و«ذل���ك �أنَّ ال َّنا�س �صنفان: الثَّ�َل�اَ ُث �أَ ْق َ�س َام ْ ِإ �صنف حم�سنٌ ,فـ﴿ﭵﭶ﴾ �أيْ : ٌ و�ص َفا لك من �أفعاله خذ ما عفا َ و�إح�سان���ه ,وت�س َّه ْل وال تطلب ما ي�ش��� ُّق عليه ،وال تك ِّلفْه فوق َجهده, و�إ َّما م�سي ٌء ,فـ﴿ﭷ ﭸ﴾ �أي� :أ ُمره باملعروف امل�ستح�سن من الأفعال ,ف����إن ا�ستع�صى عليك ومتادى عل���ى �ضالله ،وا�ستم َّر يف مبثل جهله ،فـ﴿ﭹﭺﭻ﴾� ،أي :فال متارِه وال تكا ِفئه ِ �أفعال���ه ,فلع َّل ذلك �أن ي��� ُر َّد كيدَ ه»( ,)7فف�ضا ِئ���ل الأخالق «ال تعدُو �أن تك���ون :عف ًوا عن اعت���داءٍ فتدخ���ل يف ﴿ﭵ ﭶ﴾� ،أو �إغ�ضا ًء ع َّم���ا ال يالئم فتدخ���ل يف ﴿ﭹ ﭺ ﭻ﴾� ،أو َ فعل خ ٍري �سام���ا بف�ضيل ٍة فتدخل يف ﴿ﭷﭸ﴾( ,)8لهذا ملَّا ُ�س ِئل عب ُد وا ِّت ً ح�سن اخلل���ق ,قال« :هو ب�سط اهلل اب���ن املب���ارك :عن و�صف ْ الوجه وبذل املع���روف ُّ وكف الأذى»( ,)9فكان���ت الطريق َة املثلى يف معا�شرة ا َ خللق. اعل���م ب���ارك اهلل في���ك �أنَّ اخلل���ق احل�س���ن لي����س لو ًنا من (« )4حلية الأولياء» (.)90/4 ال�صادِق ,:انظر« :فتح الباري» البن حجر(.)66 / 13 (ُ )5روِيَ ذلك َعنْ َج ْعفَر َّ (�« )6أحكام القر�آن» البن العربي(.)70 / 4 ( )7انظر« :تف�سري» ابن كثري ( )532/3و«تف�سري» البي�ضاوي (.)355 / 2 ( )8انظر« :التحرير والتنوير» (.)53 / 6 ( )9رواه الرتمذي يف «�سننه» (.)2005
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ
���وط ﮙﮚﮛ﴾ [\ ,]cوق���ال يف ح���قِّ نب ِّي���ه ل ٍ وال�س�ل�ام﴿ :ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ علي���ه َّ ال�ص�ل�اة َّ
ﯢﯣﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ﴾ [\ ,]wوق���ال يف ح���قِّ نب ِّيه وال�س�ل�ام ﴿ :ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ عي�س���ى عليه َّ ال�ص�ل�اة َّ ﮣﮤ﴾ [\ ,]oومن ذلك ما َّ و�ضحه جعف ُر بنُ �أبي طالب Çلل َّنجا�ش���ي يف حقِّ نب ِّينا حم َّم ٍد Íفقال ل���ه�« :أ ُّيها امل ِلك قوما � َ أهل جاهل َّي ٍة نعبد الأ�صنام ون�أكل امليتة ون�أتي الفواح�ش ك َّن���ا ً القوي م َّن���ا َّ ال�ضعيف ف ُك َّنا ونقط���ع الأرحام ون�س���يء اجلوار وي�أكل ُّ عل���ى ذلك حتَّ���ى بعث اهلل �إلينا ر�س���و ًال م َّنا نع���رف ن�سبه و�صدقه و�أمانت���ه وعفافه ,فدعانا �إىل اهلل لتوحي���ده ولنعبدَ ه ونخل َع ما ك َّنا ب�صدق نعبد نحن و�آبا�ؤنا م���ن دونه من احلجارة والأوثان و�أمرنا ِ وح�سن اجل���وار ِّ والكف عن ���ث و�أدا ِء الأمان��� ِة و�صل ِة ال َّرحم احلدي ِ ِ مال اليتيم املحارم والدِّ ماء ونهانا عن الفواح�ش وقول الزُّور و� ِ أكل ِ بال�صالة ِ وقذف املح�صن ِة و�أن نعبدَ اهلل ال ن�شرك به �شي ًئا و�أمرنا َّ تثبيت وال�صيام ,)10(»...بل ح�صر Íهدف ر�سالته يف ِ وال���زَّكاة ِّ الف�ضائل اخللق َّية فقال �« :مَّإنا بعثتُ لأ ِّ مت َم َ�صا ِل َح الأخالق»(.)11 ِ الإن�سانُ مد ٌّ ين بطبع���ه ال ب َّد له من االختالط ببني جن�سه، خا�صة �أهله كوالديه وزوجته و�أوالده و�إخوته ,فال ميكنه اال�ستغناء َّ فحر�ص العبد على ح�سن عنهم واال�ستقالل بنف�سه يف جميع �أموره, ُ
���ب الإ�سالم وحقيقتَ���ه �أال وهي ً وختام���ا مي ِّثل ه���ذا احلديثُ ل َّ اجلم���ع بني القيام بحقِّ اهلل ـ بتقواه ـ و القيام بحقِّ عباده ـ بح�سن مما جعل �شريع َة الإ�سالم بحقٍّ دي ًنا جمي ًال كام ًال �صا ً حلا اخللق ـَّ , م�ص ِل ًحا ِّ ومكان. زمان ٍ لكل ٍ ���م � ِآت نفو�سن���ا تقواه���ا وز ِّكها �أنت خري م���ن ز َّكاها �أنت فال َّله َّ هم وبحمدك �أ�شهد �أن ال �إله �إ َّال �أنت ول ُّيه���ا وموالها ,و�سبحانك ال َّل َّ �أ�ستغفرك و�أتوب �إليك.
(�« )10صحيح» ابن خزمية ( )2260و�صححه الألباين انظر« :فقه ال�سرية» ()119 ( )11رواه «�أحمد» ( )8952والبخاري يف «الأدب املفرد» ( )273و�صححه الألباين يف «ال�سل�سلة ال�صحيحة» (.)45
و�صححه الألباين ,انظر« :ال�سل�سلة ال�صحيحة» ( )12رواه «الرتمذي» ()3895 َّ (.)285 (« )13نيل الأوطار» (.)189/10
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
من مشكاة السنة
ال�َّت�رَّ ف ميكن اال�ستغن���اء عنه عند اخت�ل�اف البيئ���ة ،ولي�س ثو ًبا ���ف َّثم ينزعه متى ي�شاء ،بل �إ َّنها ثوابتُ وقي ٌم يرتديه الإن�سان ملوق ٍ ال تتغ�َّي�رَّ بتغيرُّ الزَّمان واملكان بل هي �ض���رور ٌة ال ينبغي انفكا ُكها ع���ن �أيِّ جمتم ٍ���ع و�إ َّال الهالك ,لهذا كان تقري��� ُر حما�سن الأخالق ق�ص م���ن ِ وال�س�ل�ام ,وقد َّ مقا�صد دعو ِة الأنبي���اء عليهم َّ ال�صالة َّ ال�صالة اهلل علين���ا �شي ًئا من ذلك فقال يف ح���قِّ نب ِّيه �شعيب عليه َّ وال�س�ل�ام ﴿ :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ َّ
اخلل���ق ي�س ِّهل عليه � َ امل�صاعب ويح ِّب ُبه املطالب ,وتل ُني له به إدراك ِ ُ �إىل �أهل���ه ويتم َّكن به ِمن معاملة ِّ أحد َمب���ا ينا�سب حا َله ويليقُ كل � ٍ ب���ه ,لذلك قال ر�س���ول اهلل َ :Í «خيرْ ُ ُك ْم َخيرْ ُ ك���م لأَِهْ ِلهِ,)12(»... اف ِب ِه هُ َو َمنْ َكانَ ا�س ُر ْت َب ًة يِف الخْ َ يرْ ِ َ ،و�أَ َح ُّق ُه ْم ِب اِال ِّت َ�ص ِ فـ«�أَ ْع َلى ال َّن ِ ال ِحقَّا ُء ِبا ْل ِب ْ�ش ِر َو ُح ْ�س ِن الخْ ُ ُل ِق ���م ْ َ أ ا�س ِ ألَ ْه ِل ِهَ ،ف ِ�إنَّ ْ أ َخ�ْي�رْ َ ال َّن ِ الَ ْه َل هُ ْ ���ان َو َج ْل ِب ال َّن ْف ِع َو َد ْف ِع ُّ ال�ض��� ِّرَ ،ف ِ�إ َذا َكانَ ال َّر ُج ُل َك َذ ِل َك َف ُه َو َو ْ ِإ ال ْح َ�س ِ ا����س َو ِ�إنْ َكانَ َع َلى ا ْل َع ْك ِ�س ِمنْ َذ ِل َك َف ُه َو يِف الجْ َ ا ِن ِب ْال َآخ ِر َخيرْ ُ ال َّن ِ ِمنْ َّ ا�س يِف هَ ِذ ِه ا ْل َو ْر َط ِةَ ،ف رَتَى ال َّر ُج َل � َإذا ال�ش ِّرَ ،و َك ِث ًريا َما َي َق ُع ال َّن ُ أ�شحهم َنف ًْ�سا َو�أَ َق َّل ُه ْم َخيرْ ً ا، ���ي �أَ ْه َل ُه َكانَ �أَ ْ�س َو�أَ ال َّن ِ ا�س �أَخْ َال ًق���ا َو� َّ َل ِق َ الَ َجا ِن ِب اَل َن ْت َع ِري َك ُت ُه َوا ْن َب َ�س َط ْت �أَخْ لاَ ُق ُه َو ِ�إ َذا َل ِق َي َغيرْ َ الأَ ْه ِل ِمنَ ْ أ وم َو َجاد َْت َنف ُْ�س ُه َوكَثرُ َ َخيرْ ُ ُهَ ،و اَل َ�ش َّك �أَنَّ َمنْ َكانَ َك َذ ِل َك َف ُه َو محَ ْ ُر ُ الط ِر ِيقَ ،ن ْ�س�أَ ُل َ ال َّت ْو ِف ِيق َزا ِئ ٌغ َعنْ َ�س َوا ِء َّ ال�س َال َم َة»(.)13 اهلل َّ
11
التوحيد الخالص
مفزع الخلق يف الشدائد عبد املجيد تايل لي�سان�س علوم �إ�سالمية ـ اجلزائر
أ�سا�سه دِي ِن ِه ْم»( ,)3فهو ال ُ أ�صل يف بني الإن�سان وهم مجَ ْ ُبو ُلونَ على ال ُّنزُو ِع �إنَّ من الق�ضايا امله َّم ِة يف الإ�سالم وا َّلتي هي �أُ ُّ�سه و� ُ ال�س ِبل وان�سدا ِد ُّ إخال�ص هلل ع َّز َّ قامت �إليه يف َّ رق ,على عاب, وجل وتوحيدُه يف القول والعمل ,فما ِ الط ِ ال�ش ِ وال�ص ِ ِ ال ُ دائد ِّ و�ضيق ُّ الكتب و�أر�س َل ِت ال ُّر ُ �سل ُ ال�سماواتُ وال ُ و�ش ِر َع ِت اختالف ِن َحلِهِ م و َت َع ُّد ِد مذاه ِبهم كما �شهدَ بذلك القر�آنُ الكرمي أر�ض وما �أُ ْن ِز َل ْت ُ َّ ال�شرائ ُع ,وما ُخ ِل َق ِت ا َ َّ خل ِلي َق ُة �إ َّال لأجل ذلك. وال�س َّن ُة املط َّهرة. ُّ قال تعاىل﴿ :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ قال ابن الق ِّيم « ::التَّوحي ُد َمفزَ ُع �أعدا ِئه و�أوليا ِئه ,ف�أ َّما و�شدائدها﴿ ,ﭣ ﭤ [ ,]56:±وقال ج َّل وعال﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ �أعدا�ؤُه ف ُي َن ِّجيهم من ُك َر ِب ال ُّدنيا ِ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ [.]25 :q ﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱ فالتَّوحيد «هو دينُ الإ�سالم ﭲ﴾ [ .]65 :yو�أ َّما فما ُد ِف َعتْ �شدائ ُد الدُّ نيا مبثل ال َّتوحيدِ العا ُّم ,ا َّلذي بعثَ اهلل به جمي َع فينجيهم به من ك ُرباتِ �أوليا�ؤه ِّ ال ُّر�سل ,كما قال تعاىل﴿ :ﭴ الدُّ نيا والآخر ِة و�شدائدِ ها, فنجاه ُ اهلل من تلك ُّ لمات( ,)4وفز َع �إليه الظ ِ يون�س َّ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﴾ ولذلك َف ِز َع �إليه ُ [.)1(»]36:l مما ُع ِّذ َب به امل�شركون يف ال ُّدنيا ,وما �أع َّد �أتبا ُع ال ُّر�سلَ ,ف ُن ُّجوا به َّ ُ القرون َّ وموروث الأ َّم ِة عن �سل قاطب ًة إدراك ِ وهو دعو ُة ال ُّر ِ املف�ضل ِة ,لهم يف الآخرة .وملَّا َف ِز َع �إليه فرعونُ عند معاين ِة الهالك ,و� ِ ا�س الغرق ,مل ينف ْعه()5؛ لأنَّ الإميانَ بل هو فطر ُة ا ِ هلل ا َّلتي فط َر ال َّن َ ثبت عنه « : Íما مِ نْ فال ُي ْلقِي يف ال ُك َربِ العظا ِم �إ َّال ال�شِّ ُ رك ,وال ُي ْنجِ ي منها �إ َّال عند املعاينة ال ُ يقبل ,هذه �س َّن ُة عليها كما َ هلل يف عباده ,فما ُد ِف َعتْ �شدائ ُد َم ْو ُلو ٍد �إ َّال ُيو َل ُد على الف ِْط َر ِة ال َّتوحيدُ ,فهو َم ْف َز ُع اخلليق ِة و َم ْل َج�ؤُها ,وحِ �صْ ُنها وغِ َيا ُثها ا ِ ف�أَ َب َوا ُه ُي َه ِّودَا ِن ِه �أو ُي َن�صِّ َرا ِن ِه �أو الدُّ نيا مبثل ال َّتوحيدِ ,ولذلك الكرب بالتَّوحيد( ,)6ودعو ُة ِذي ال ُّن ِون( )7ا َّلتي ما د ََعا بها مُي َِّج�سانِه ِ»( ,)2وقال َ Íذاتَ َي ْو ٍم يِف ُخ ْط َب ِت ِه «�أَال �إِ َّن َر ِّبي �أَ َم َرنيِ كان دعا ُء ِ ا�ض ْب ِن حِ َما ٍر المْ ُ َجا�شِ ع ِِّي .Ç ما َع َّل َمنِي َي ْومِ ي َه َذا» ,وفيه« :و�إِنيِّ َخلَقتُ ( )3رواه م�سلم ( )2865من حديث عِ َي ِ �أَ ْن �أُ َع ِّل َم ُك ْم مَا َج ِه ْل ُت ْم مِ َّ ( )4كما يف �سورة الأنبياء (الآية.)88-87: عِ َبادِي ُح َن َفا َء ُك َّل ُه ْم َو�إِ َّن ُه ْم �أَ َت ْت ُه ْم َّ اج َتا َل ْت ُه ْم َعنْ ( )5كما يف �سورة يون�س (الآية. )92-90 : ال�ش َياطِ ُ ني َف ْ ( )1جمموع الفتاوى (.)71/1
( )2رواه البخاري ( ,)1358وم�سلم ( )2658عن �أبي هريرة .Ç 12
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
( )6كما رواه البخاري ( ,)6346وم�سلم (.) 2730 التمذي ( ,)3505و�أحمد (َّ ,)1462 ( )7كما رواه رِّ والطرباين يف «الدُّعاء» (,)124 واحلاكم ( )505/1و( )583/2عن �سعد بن �أبي وقا�ص .Ç
ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﴾ [\.]f قال القرطبي :يف «جامعه» (« :)630/4ويف هذا دلي ٌل على �أنَّ اخللق ُج ِب ُلوا على ال ُّرجو ِع �إىل اهلل يف َّ ال�شدائد ،و�أنَّ ورجوعه أ�سباب ِ اب دعا�ؤُه ،و�إن كان كاف ًرا ،النقطا ِع ال ِ امل�ضط َّر ُي َج ُ أرباب» اهـ. �إىل ِ رب ال ِ الواحد ِّ َ ويج�سدُها تجَ ْ ِ�سيدً ا ح ًّيا يج ِّلي تلك احلال ا َّلتي هم عليهاِّ , فتح وا�ضحا ,ما روى م�صعب بنُ ٍ ُ �سعد عن �أبيه قال :لـ َّما كان ُ ً يوم ِ م َّك َة� ,أَ َّمنَ َر ُ�س ُ ا�س �إ َّال �أَر َب َع َة َن َف ٍر َو ْام َر�أَ َتينْ ِ ,وقال: ول اهلل Íال َّن َ «ا ْق ُت ُلوهُ م َو�إِ ْن َو َجدْتمُ ُ وهُ م ُم َت َع ِّل ِق َ ني ب�أَ�سْ َتا ِر ال َك ْعبةِ»ِ ,عكرم َة ا ْبنَ �أبي جهل وعبدَ اهلل ْبنَ َخ َط ٍل ِوم ْق َي َ�س بن ُ�ص َبا َبة وعبدَ اهلل ْبنَ َ�س ْع ٍد ال�س ْر ِح ...وفيه :و�أما عِ كرم ُة َف َرك َِب ال َبح َر ف�أَ َ�صا َب ْتهم ِ ابن �أبي َّ ال�سفينةِ�َ :أ ْخل ُِ�صوا َف�إِ َّن �آ ِل َه َتكم َال ُت ْغنِي َا�ص ٌف( ,)9فقال � ع ِ ُ أ�صحاب َّ هلل َلئِنْ مَْ ل ُي َن ِّجنِي مِ نْ ال َب ْح ِر َع ْن ُكم �شي ًئا َه ُه َنا ,فقال عكرمةَ :وا ِ ( )8فوائد الفوائد (.)45-44/ ٌ الهبوب� .أفاده يف القامو�س مادة( :ع �ص ف). عا�صف ,وهي �شديد ُة (� )9أي :ري ٌح ُ
التوحيد الخالص
مكروب �إ َّال َف َّر َج ُ إخال�ص َال ُي َن ِّجينِي فيِ البرَِّ َغيرْ ُ هُ ,ال َّل ُه َّم �إِ َّن َل َك َعلَ َّي َع ْهدًا اهلل كر َبه بالتَّوحيد ,فال ُي ْلقِي يف ال ُك َربِ العظا ِم �إِ َّال ال ُ ٌ �إ َّال ال�شِّ ُ ما �أَ َنا فِيه� ,أَ ْن �آت َِي حم َّمدا Íح َّتى �أَ َ�ض َع رك ,وال ُي ْنجِ ي منها �إ َّال ال َّتوحيدُ ,فهو َم ْف َز ُع اخلليق ِة �إِ ْن �أَنْتَ عَا َف ْي َتنِي مِ َّ ميا فجا َء َف�أَ�سْ لَ َم» احلديث(.)10 و َم ْل َج�ؤُها ,وحِ �صْ ُنها وغِ َيا ُثها .وباهلل التوفيق»( )8اهـ. يَدِ ي فيِ يَدِ ه َفلأَجِ َد َّنه َع ُف ًّوا كر ً إمام ال َّر َّبا ِّ ال�سمعاين « ::و�إنمَّ ا َخ َّ�ص البحر ين :وقفات: ولنا مع هذا ال َّن ِ فائدة :قال �أبو املظفر َّ قل عن هذا ال ِ بالذكر ,لأنَّ ال َي�أْ َ�س عند ُو ُقو ِع ِّ ِّ ال�ش َّد ِة فيه �أَ ْغ َل ُب» (.)11 الوقف ُة الأُولىَ ـ ال َّتوحي ُد مفز ُع الأعداءِ: كرب ال ُّدنيا و�شدائدها ,ف�إذا جاءتهم وهو لهم َم ْن َجا ٌة من ِ وال�ض ُ الوقف ُة ال َّثاني ُة :ال َّتوحِ ي ُد َم ْف َز ُع الأوليا ِء والأَ�صْ ِف َياء: ِّ والكرب والغ ُّم َّ نك ,لجَ َ �ؤُوا �إليه يدعو َنه وحدَ ه, ال�ش َّد ُة ُ وهو لهم َم ْن َجا ٌة ِمنْ ُك َر ِب ال ُّدنيا والآخرة َ و�شدَ ا ِئ ِدهَ ا. ويتو�سلون �إليه بالتَّوحيد ,ف َي ُ الغم والكرب ,كما ك�شف عنهم ذلك َّ َّ َ َ َ َ ُ آدم عليه �أ َّما ك َر ُب الدُّ نيا و�شدَائدها :فل َج�أ �إليه الأ ُب الكر ُمي � ُ قال تعاىل ﴿ :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ َ «فاع رَت ََف إبلي�س ال َّل ِع ُني ف�أ ْو َق َعه فيما �أوقعه فيهْ , ال�سالم ملَّا َكا َد ُه � ُ َّ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [\.]b وا�س َت َكانَ ,و َفزَ َع �إىل َمفْزَ ِع ا َ خل ِلي َق ِة وهو َ وتاب ,و َن ِد َم وت ََ�ض َّر َع ْ ِّ ق�صه ر ُّبنا ج َّل وعال لنا عنهم, يو�ض ُح هذا املق�صدَ و ُي َب ِّي ُنه ما َّ ُ التَّوحي ُد واال�ستغفا ُر ,ف�أز َ ِيل عنه ال َعت ُْب ُ وغ ِف َر َل ُه َّ الذ ْن ُب ,و ُق ِب َل مو�ضع من كتابه الكرمي. يف غري ما ٍ ()12 اب» قال َاب و ُف ِت َح له ِمنَ ال َّر ْح َم ِة والهِ دَ ا َية ُك َّل َب ٍ ففي �سورة يون�س﴿ :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ منه ا َملت ُ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ تعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭜ﴾ [.]23 :c ال�سالم َف َن َّجا ُه من ِّ ال�ش َّدة ا َّلتي بي اهلل ُيو ُن ُ�س عليه َّ وجل�أ �إليه َن ُّ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮔﮕﮖ وقع فيها ,قال تعاىل﴿ :ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮟﮠﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ
ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [\.]q ويف قوله تعاىل﴿ :ﮬ ﮭ ﮮ﴾ ِب َ�شا َر ٌة ِّ لكل و�ص ْد ِق توب ِته، ؤمن َي ْقت َِدي إخال�صه ِ ال�سالم يف � ِ م� ٍ َ بيون�س عليه َّ ودعا ِئه لر ِّبه . يون�س عليه �أي :ومثل هذا الإِنجْ َ ا ِء ا َّلذي َف َع ْل َنا ُه مع عبدنا َ ال�سالمُ ،ن ْن ِجى ِعبادَنا امل�ؤمن َني من ِّ غم َ ،م َتى َ�ص َد ُقوا يف كل ٍّ َّ �إميانهم ،و�أَ ْخلَ ُ�صوا يف دعائِهم . و َفزَ َع �إليه َن ِب ُّينا Íيف َن َواز َِل عديد ٍةَ , و�شدَ ائِدَ ك ِثري ٍة �أَلمَ َّ ْت به وب�أ�صحابه íيف حيا ِته ال َّدعوي ِة ,ومنها غزواته كبدر وحنني مالك ,قال :كان ر�سول اهلل � Íإذا َغزَ ا, أن�س ِبن ٍ والأحزاب فعن � ِ لفظ: قال« :ال َّل ُه َّم �أَنْتَ ع َُ�ضدِ ي َو َن ِ�صريِيَ ,وب َِك �أُ َقا ِت ُل»( .)13ويف ٍ
(�)10أخرجهالن�سائي(,)4067و�أبوداود(,)2683وهو�صحيح,انظر«ال�صحيحة»(.)1723 ال�سمعاين» (.)261/3 (« )11تف�سري َّ (�« )12إغاثة اللهفان» (.)203/2 ( )13رواه الن�سائي يف الكربى ( ,)8576و�أبو داود( ,)2632والرتمذي (,)3584 �صحيح انظر «�صحيح اجلامع» (.)4757
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
13
التحويد الخالص
ول َوب َِك �أَ ُ�ص ُ «ب َِك �أَ ُح ُ ول َوب َِك �أُ َقا ِت ُل». �أَ َّما ُك َر ُب الآخِ َرةِ :فقد قال ربنا َّ جل وعال لنب ِّيه ﴿ :Íﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ
ﰗ ﰘ ﰙ ﴾ [\¬]. قال �أبو العالية وابن عيينة ـ رحمهما اهلل تعاىل ـ معناه�« :إذا قيامها �إ َّال �إىل فاعلم �أ َّنه ال ملج�أَ وال مفز َع عند ِ ال�ساع ُة ْ جاءتْهم َّ اهلل»( ,)14على �أحد التَّف�سريات يف الآية ,واهلل تعاىل �أعلم. عن عبد اهلل بن م�سعود Çيف قوله تعاىل﴿ :ﮐ ﮑ ا�س ال َّنا َر ُك ُّل ُه ْم ﮒ ﮓﮔ﴾ قال :قال ر�سول اهلل َ « Íي ِر ُد( )15ال َّن ُ ُث َّم َي�صْ ُد ُرو َن َع ْنهَا ِب�أَ ْع َما ِل ِه ْم»(.)16 �شك فيه �أَنَّ ِمنْ � ِّ مما ال َّ أجل �أعما ِلهم ا َّلتي َي ْ�ص ُد ُرونَ ِب َها ِو َّ َع ْن َها ال َّت ْو ِحيدُ� ,إذ هو � ُ وامل�صح ُح لها. أعمال أ�صل ال ِ ِّ عبيد اهلل قال« :ر�أى عم ُر طلح َة ابنَ عن يحيى ِبن طلح َة ِبن ِ عبيد اهلل َث ِقي ًال ،فقال :ما لك يا �أبا فالن؟ َل َع َّل َك َ�سا َءت َْك ِ�إ ْم َر ُة ا ْب ِن ِ فالن؟ قال :ال ,ـ و�أثنى على �أبي بكر ـ ِ�إ َّال �أَنيِّ �سمعتُ َع ِّم َك يا �أبا ٍ من ر�سول اهلل Íحدي ًثا َما َم َن َع ِني �أَنْ �أَ ْ�س�أَ َل ُه عنه ِ�إ َّال ال ُق ْد َر ُة عليه َحتَّى َماتَ �َ ،سمِ ْعتُه يقول�ِ :إنيِّ لأَ ْع َل ُم َك ِل َم ًة َال َي ُقو ُل َها َع ْب ٌد عند َم ْو ِت ِه ِ�إ َّال �أَ ْ�ش َر َق َل َها َلوْ ُنهَُ ،و َنف ََّ�س ُ اهلل عنه ُك ْر َب َتهُ ،قال :فقال عم ُر: ِ�إنيِّ لأَ ْع َل ُم ما ِهي! قال :وما هي؟ قالَ :ت ْع َل ُم َك ِل َم ًة �أَ ْع َظ ُم ِمنْ َك ِل َم ٍة �صدقتِ ،ه َي املوت :ال �إله �إ َّال اهلل؟ قال طلحة: َ �أَ َم َر بها َع َّمه عند ِ هلل ِهي»(.)17 وا ِ
ا�س َت ْن َ�ص َر ْت به قال ابن الق ِّيم �« ::أخ َرب �سبحانه َع َّما ْ الأنبيا ُء و�أُممَ ُ هم على قومهم ِمنْ ْاع رِتَافِهِ م وتَوب ِتهم وا�ستغفارِهم أقدامهم و�أَنْ َي ْن ُ�ص َرهُ م على �أعدا ِئهم و�س َ�ؤا ِلهم َر َّبهم �أَنْ ُي َث ِّب َت � َ ُ فقال ﴿ :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶ ﯷﯸﯹ
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾
القوم �أَنَّ العد َّو ِ�إنمَّ َ ا يُدَ ُال عليهم ِب ُذ ُنو ِبهم, [\_] لمَ َّا َع ِل َم ُ و�أَنَّ َّ ال�شيطانَ ِ�إنمَّ َ ا َي ْ�ست َِز ُّل ُهم و َي ْه ِز ُم ُهم بها ,و�أَ َّن َها ِ نوعانَ :تق ِْ�صيرٌ يِف َحقٍّ �أَ ْو تجَ َ ا ُو ٌز لحِ َ دٍّ ,و�أَنَّ ال ُّن ْ�ص َر َة َم ُن َ وط ٌة َّ بالط َاع ِة ,قالوا َ :ر َّب َنا أمرناُ ,ث َّم َع ِل ُموا �أَنَّ ر َّبهم تبارك ْاغ ِف ْر َل َنا ُذ ُنو َب َنا ,و�إِ ْ�س َرا َف َنا يف � ِ يت أقدامهم و َي ْن ُ�ص ْرهُ م مل َيق ِْد ُروا هُ ْم على َت ْث ِب ِ وتعاىل �إِنْ لمَ ْ ُي َث ِّب ْت � َ ف�س�أَ ُلو ُه ما يعلمون �أ َّنه أقدام �أَ ْن ُف ِ�سهِ م و َن ْ�ص ِرها على �أعدا ِئهمَ , � ِ َ أقدامهم و َي ْن ُ�ص ْرهُ م مل َي ْث ُبتُوا ومل ِب َي ِد ِه دُو َن ُهم ,و�أ َّنه �إِنْ مل ُي َث ِّب ْت � َ َي ْنت َِ�ص ُرواَ ,ف َو َّف ْوا ا َمل َق َا ْمينِ َح َّق ُه َماَ :م َق َام املُ ْقت َِ�ضي ,وهو التوحي ُد ومقام ِ�إ َزا َل ِة ا َملا ِن ِع ِمنْ ال ُّن ْ�ص َر ِة ,وهو واال ْل ِت َجا ُء �إليه �سبحانه, َ نوب وال ُ إ�سراف» اهـ (.)18 ال ُّذ ُ كانت يف اجلها ِد يف �سبيل اهلل تعاىل فهي مِ نْ فالآياتُ و�إِنْ ْ َح ْي ُث ال َت َو ُّج ُه وال ُّل ُجو ُء �إِ َ وم هو ىل ا ِ هلل تعاىل �أَع َُّم ,وهَ َذا ال ُع ُم ُ ا َمل ْو ُر ُ وث َعنْ �أَ ْت َبا ِع ال ُّر ُ�س ِل عليهم وعلى َن ِب ِّي َنا �أَ ْز َكى َ�صلاَ ٍة وت َْ�س ِل ٍيم. ُي َو ِّ�ض ُح ُه قوله تعاىل﴿ :ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [\.]l
الوقف ُة ال َّثالث ُة ـ َك ْو ُن ُه َم ْف َز ُع �أَ ْت َبا ِع ال ُّر ُ�سلِ : ا�ض َي ٌة يف الأَ َّو ِل َني وهذه َف ْر ٌع عن �سابقتها ,وهي ُ�س َّن ٌة َم ِ وال ِآخ ِرينَ ,قال ج َّل وعال﴿ :ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ﴾ [.]90 :b واملق�صود ب�أتباع ال ُّر�سل هناُ :كلُّ ُم َّت ِب ٍع ل َِ�س ِبي ِلهِم فيِ امل ُ ْع َت َقدِ وال�س ُلوكِ وال َع َملِ . وال�شِّ ْر َع ِة ُّ ( )14انظر «تف�سري» البغوي (.)285/7 ( )15انظر للإفادة يف معنى (الورود) «فتح الباري» البن حجر الع�سقالين (-799/3 .)700 (� )16أخرجه الإمام �أحمد (� ,)4141صحيح انظر «�صحيح اجلامع» (.)8081 (� )17أخرجه الإمام �أحمد ( ،)1384وابن حبان ( )2بنحوه ،واحلاكم ()350،351/1 والزيادة له ،وقال «�صحيح على �شرطهما» ووافقه الذهبي وال�شيخ الألباين يف �أحكام اجلنائز ( 48ـ .)49
14
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
(« )18زاد املعاد يف هدي خري العباد» (.)226-225/3
ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ﴾ [\.]¥ قال َّ تعال ِذ ْك ُر ُه :فلم ُ «يقول ىَ ُ يك َي ْن َف ُع ُهم الطربي :: هلل عند معاين ِة عقا ِبه قد َنزَ َل، ت�صدي ُقهم يف ال ُّدنيا ِ بتوحيد ا ِ وعذا ِبه قد َح َّل ،لأَ َّن ُهم َ�ص َّد ُقوا ح َني َال ينف ُع التَّ�صديقُ ُم َ�صدِّ ًقا، تاب بعد حكم ا ِ ال�س ِ ِ�إ ْذ كان قد َم َ�ضى ُ ابق ِمنْ علمِ ه� ،أَنَّ َمنْ َ هلل يف َّ هلل على تكذي ِب ِه مل َت ْن َف ْعه توبتُه»(.)19 نزول العذاب ِمنَ ا ِ ِ ِ وذلك لأَنَّ �إميا َنهم يف ِت ْل َك َ احل ِال «�إميانُ �ضرور ٍة ،قد ِا ْ�ض ُط ُّروا �إليه ،و�إميانُ م�شاهد ٍة ،و�إِنمَّ ا الإميانُ ال َّنا ِف ُع ِّ الذي ُي ْن ِجي �صاح َبه، بالغيب ،وذلك َ هو الإميانُ االختيار ُِّيِّ ، قبل الذي يكونُ �إميا ًنا ِ العذاب»(.)20 قرائن ِ وجو ِد ِ ن امل�أثور ِة عن ال�س نَ ِ واحلقيق ُة �أَ َّن الإميا َن عند املعاينةِ ,مِ َن ُّ �أمثالِ ه�ؤال ِء َّ الظلَ َم ِة كما َح َكى ذلك عنهم َر ُّب َنا ج َّل وعال يف مي� ,أ َّما � ُ إميان والتَّقوى فهم على ما َو َ�ص َف ر ُّبنا أهل ال ِ كتاب ِه الكر ِ تعاىل﴿ :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [\_].
الوقف ُة اخلام�س ُة ـ الفز ُع �إىل ال َّتوحيد دَا ِف ٌع ل�شدائدِ الدُّ نيا و ُك َربِها: َّوحيدِ ,ل َذا كان دعا ُء فما ُد ِف َع ْت �شدائدُها وكر ُبها مبثل الت ِ مكروب �إ َّال َّوحيد ,ودعو ُة ِذي ال ُّن ِون ا َّل ِتي ما د ََعا بها الكرب بالت ِ ِ ٌ َف َّر َج ُ اهلل عنه بالتَّوحيد. ر�سول اهلل Íكان ُ َ يقول عند فعن ابن ع َّبا�س � :Èأَنَّ مما ي�أخذ بنف�سه فيغ ُّمه ويحزنه ـ« :ال ال َك ْر ِب ـ وهو ما يدهم املرء َّ اهلل العظي ُم احللي ُم ,ال �إل َه �إ َّال ُ �إل َه �إ َّال ُ العظيم ,ال العر�ش رب ِ اهلل ُّ ِ �إل َه �إ َّال ُ الكرمي»(.)21 العر�ش ورب ِ ورب ال ِ أر�ض ُّ ال�سماواتِ ُّ اهلل ُّ رب َّ ِ َ ر�سول اهلل Íقال: وعن �سعد بن �أبي وقا�ص � ,Çأَنَّ (« )19جامع البيان يف ت�أويل القر�آن» (.)424/21 (« )20تف�سري ال�سعدي» (.)1196/2 ( )21رواه البخاري ( ,) 6346وم�سلم (.) 2730
التوحيد الخالص
الوقف ُة ال َّرابع ُة ـ الف َز ُع �إىل ال َّتوحيدِ عند املعاين ِة َال ينف ُع: هلل يف عبا ِده �أَنَّ الإميانَ عند املُ َعا َي َن ِة َال ُي ْق َب ُل. لأَنَّ من ُ�س َّن ِة ا ِ قال تعاىل﴿ :ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
بطن احلوتِ َ ،ال �إِل َه �إ َّال �أَنْتَ ، «دعو ُة ذِي ال ُّنونِ � ،إذ َدعَا وهو فيِ ْ ِ بحا َن َك �إِنيِّ ُكنْتُ مِ َن َّ الظالمِ ِ َ ني َف�إِ َّنه مل َي ْد ُع بِها َر ُج ٌل ُم�سْ ِل ٌم فيِ ُ�س َ ا�ستجاب ُ �شي ٍء ُّ اهلل َلهُ»(.)22 قط �إ َّال َ هلل داع ًيا ؤمن ُي ِ�صي ُبه الكرب وال َغ ُّم ف َي ْب َتهِ ُل �إىل ا ِ ُ فـ«ما ِمنْ م� ٍ إخال�ص� ،إ َّال نجَ َّ ا ُه ُ الغم ،وال �سيما �إذا د ََعا بدعا ِء اهلل من ذلك ِّ ب� ٍ يون�س هذا»(.)23 َ ال�ساد�سة ـ ال�شِ ْر ُك َ�س َب ُب َه َ الكِ ال َعالمَ ,و املُو ِق ُع فيِ الوقفة َّ ال ُك َر ِب الع َِظا ِم: ال: �أ َّما كو ُنه ُ �سبب هالكِ ال َع مَ ِ ال وج َد ك َّل فقد قال ابن الق ِّيم « ::و َمنْ َت َد َّب َر �أحوا َل ال َع مَ ِ أر�ض ف�سب ُبه توحي ُد اهلل ,وعباد ُته ,وطاع ُة ر�سوله, �صال ٍح يف ال ِ ري وقحط, مل ,وفتنةٍ ,وبالءٍ, ٍ ِ وت�سليط عدوٍ ,وغ ِ وك َّل �شرٍ يف العا ِ هلل ور�سولِه, ري ا ِ ذلك ,ف�سب ُبه خمالف ُة ر�سولِه ,والدَّعو ُة �إىل غ ِ و َمنْ َت َد َّب َر هذا َّ مل من ُذ قا َم �إىل حق ال َت َد ُّبرِ ,و َت�أَ َّم َل �أحوا َل العا ِ يرث ُ اهلل ال َ الآنِ و�إىل �أَ ْن َ ري الوارث َ ني أر�ض و َمنْ عليها وهو خ ُ خا�ص ِة نف�سِ ه ,ويف ح ِّق غريِه عمو ًما وج َد هذا الأم َر كذلك يف َّ وخ�صو�صا ,وال قو َة ِ�إ َّال باهلل العلي العظيم» اهـ(.)24 ً ِ و�أ َّما كو ُنه املوق ُع يف ال ُك َربِ الع َِظا ِم :في َت َبينَّ ُ ب�ضدِّ ه ِّ , فال�ض ُّد يتبينَّ ُ ِّ بال�ضدِّ . أ�سا�س �سعاد ِة العبا ِد يف الأُو َ ىل وال ُع ْق َبى, ف�إذا كان التَّوحيد هو � ُ رك باهلل َّ ال�ش ُ و�سبب جنا ِتهم فيهما ,كان ِّ قي�ض جل وعال على ال َّن ِ ُ �سبب ِّ إطالق, وقعت بالإن�ساني ِة على ال ِ كل بل َّي ٍة و َر ِز َّي ِة ْ من ذلك ,فهو ُ دليل على ذلك ,و�شاه ُد وكتاب ر ِّب َنا ج َّل وعال و�س َّن ُة نب ِّي َنا � Íأك ُرب ٍ ُ اخللق �صور ٌة بياني ٌة لذلك. ِ احلال وواق ُع ِ َ هلل تعاىل ا َّلتي ي ِّي َز بني حقوقِ ا ِ فالواجب على ك ِّل �إن�سانٍ �أ ْن مُ َ خ�صائ�ص ربو ُب َّيتِه ،ا َّلتي ال يجو ُز �صر ُفها لغريه ،وبني هي من ِ حقوقِ خلقِهِ ،ل َي َ�ض َع ك َّل �شي ٍء يف مو�ض ِعهِ ،على �ضو ِء ما جا َء به ال�صحيح ِة(.)25 الن ِب ُّي Íيف هذا القر�آنِ وال�س َّن ِة َّ العظيم َّ ِ ِّ و�صل ال َّل ُه َّم و�س ِّلم وبارك على ن ِب ِّينا حم َّم ٍد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني. ( )22رواه الرتمذي ( ,)3505و�أحمد (.)1462 (�« )23أ�ضواء البيان» (.)163/3 (« )24بدائع الفوائد» (.)526-525/3 (�« )25أ�ضواء البيان» (.)162/5
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
15
بحوث ودراسات
ألج ِل ال ِّزينة... قب ا ُأل ُذ ِن ْ َث ُ
�أحـ َكـ ــا ٌم َ و�ضـ ـ َوا ِب ـ ُـط ف�ؤاد عطا اهلل ماج�ستري يف العلوم الإ�سالمية ـ وادي �سوف
اطن الإن�سانِ َ وظاه���رِهَ ،و َ�ش َر َع َ لتلك ال َغا َي��� ِة ال َّنبيل ِة من الأح َكا ِم مَا يح ِّق ُق بينهم���ا ال َّت َكام َل املحمود، اهت��� َّم الإ�س�ل�ا ُم ب�إ�ص�ل�ا ِح َب ِ وي ُحو ال َّت َ ناق�ض املذموم. مَ مطالب �شر ًعا باال�ستقام ِة على الهَد َي نْي، هدي باطن ،وامل�سل ُم ٌ هدي ظاهرٍ ،و�أقو ِم ٍ وم َّيز الإ�سال ُم امل�سلمني عن غريهم ب�أجملِ ٍ ببع�ض. دون تق�ص ٍ ري يف �أحدِ هِ ما ،ح َّتى ُيح ِّقق الإميا َن بالكتابِ ك ِّله ،ويتج َّنب م َُ�شابه َة ا َّلذين ي�ؤمنون ببع�ض الكتابِ ويك ُف ُرون ٍ باين �سبي َل املغ�ضوبِ عليهم َّ ومنهاجه ،و�أقوا ُله و�أفعا ُله ومظاه ُره ،ك ُّلها ح�سن ٌة ط ِّيب ٌةُ ،ت ُ وال�ضالني، ف�س َّن ُة ر�سولِ اهلل Íو�شِ ْرع ُته ُ ُ و ُت ُ واملجو�س وال َوثنِيِّني. خالف طري َق الك َّفا ِر وامل�ش ِركِني، ِ
ِّين و�أُ ُ�صول ِه متيي ُز احل ِّق و�أهلِه عن الباطلِ و�أهلِه ،وامل�سل ُم م�أمو ٌر مبخالفة الك َّفار يف جميع �أحوالِهم، أعظم مقا�صدِ الد ِ ومن � ِ وال�سلوكِ . يف العقائدِ والعباداتِ والعاداتِ والآدابِ ُّ و�إذا �أَ َجلتَ ِف ْك َرك يف الأحكا ِم َّ سني املظه ِر وجد َّتها كثري ًة ال تكاد حُت�صى ،منها على �سبيل املثال ال احل�صر: ال�شرع َّي ِة املتع ِّلق ِة بتح� ِ
م���ا يتع َّل ُ���ق ب����آدابِ َّ الطعا ِم َّ مي وال�ش���رابِ كالأكلِ باليمنيِ ،والأكلِ مِ َّ ما َي ِل���ي الآكلِ ،ومنها ما يتع َّل ُق ب�آداب ال ِّلبا� ِ���س وال ِّزينةِ ،كتحر ِ ���ف َّ ري ال ِّل َحى وح ِّ ال�شواربِ ،واخلتانِ ،و َتقلي ِ���م الأظا ِفرِ ،و�إزال ِة مي ال َّذهبِ واحلري ِر عل���ى ال ِّرجالِ ،ووجوبِ توف ِ �إ�س َب���الِ ال ِّثي���ابِ ،وحت���ر ِ بال�سوادِ ،وو�صلِ َّ هلل ج َّل َوعَال ،وحرم ِة تغيري َّ َّ م�ص، ري خلقِ ا ِ هي عن تغي ِ ال�شعرِ ،وال َّن ِ ال�شيبِ َّ هي عن ال َق َز ِع ،وال َّن ِ ال�شع ِر املُ�س َتق َذرِ ،وال َّن ِ و َو�شْ ِر الأ�سنانِ و َت ْفليجِ ها. ال�سال ِم ،وهيئ ِة ا ُ ني والإعطا ِء باليمنيِ. لو�س واال�ضطِ َجا ِع ،والأخذِ باليم ِ جل ِ ومنها ما يتع َّل ُق ب�آدابٍ �أخرى كطريق ِة �إلقا ِء َّ وغري ذلك من الأحكا ِم الكثري ِة املبن َّي ِة على حِ َك ٍم ر َّبان َّي ٍة عظِ يمةٍ ،وامل ُ َ نطوِي ِة على مقا�ص َد �شرع َّي ٍة جليلةٍ. بال�شكل َّ ومن الق�ضايا املتع ِّلقة َّ رط ،ق�صد التزين. الظاهري ا َّلتي َت َع َّلق بها حك ٌم �شرعي ثابتٌ :م�س�أل ُة ثقبِ الأُ ُذنِ من �أجلِ َتعليقِ ال ُق ِ ٌّ
َ ت�سليط �ضو ِء الدِّرا�س ِة الفقه َّي ِة املقارن ِة على هذه امل�س�ألة. بجهدِ املق ِّل ـ يف هذا املقال �أحاول ـ ولو ُ 16
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
بحوث ودراسات
ذلك تقليدً ا لل َغرب ِّيني من املم ِّثلني واملغ ِّنيني وال ِّريا�ض ِّيني! و�ضعف يف َّ ونق�ص ���ن، ال�ص ِب ِّي ال َّذ َكرِ: ٍ قب �أُ ُذنِ َّ �أ َّو ًال ـ َث ُ ال�شخ�ص َّي ِةٍ ، وهذا َي ِن ُّم عن ر َّق ٍة يف الدِّ ي ِ وميل يف الإمي ِ ���ان ،وت�أ ُّث ٍر باملوج ِ ن����س بالكافرينٍ ، ���ات التَّغريب َّي ِة ،و�أُ ٍ ���ي َّ الذ َكر( ،)1قال �إىل طباعهم. ا َّتفَ���قَ الفقه���ا ُء على كراه ِة َثق ِ ���ب ُ�أ ُذ ِن َّ ال�صب ِّ إمام �أحم ُد �«: :أَك َر ُه ذلك لل ُغالم� ،إنمَّ ا هو للبنات»(.)2 �أال فليق���ر�أوا ﴿ :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ال ُ و� ُ ���ظ الكراه ِة هُ َنا ُيرا ُد به ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ إطالق لف ِ التَّحر ُمي ،وهو �إطال ٌق َد�أَ َب عليه الأئ َّم ُة :م���ن ال ُّ���ط��� ُق���و� ِ���س ا ُ قب [\¾] ،وليتذ َّكروا َ خل����رافِ���� َّي����ة ال�������شِّ���ركِ��� َّي���ة َث ُ بي :Í قول ال َّن ِّ �������ض ،واالع���ت���ق���ا ُد ب�����أ َّن َ مال ٌ ���ك َّ ���ي و�أحم��� ُد وغ ُريه���م ـ �أُ ُذنِ ال��طِّ��ف��لِ املَ���ري ِ ذلك « َمنْ َت َ�ش َّب َه ِب َق ْو ٍم َفهُو مِ نهُم»(.)5 وال�شافع ُّ ����ب م���� َّ���س َّ ال َّتنبي���ه ال َّث���اين :م���ن ُّ الب عبار ِة َي���رف��� ُع املَ����� َر َ ال�شياطني! ������ض ،و ُي����ذهِ ُ و����س رحمه���م اهلل جمي ًعا ـ وه���و َغ ُ الط ُق ِ ���ب �أُ ُذ ِن ِّ املتقدِّ م�ي�ن(ُ ،)3يط ِل ُق���ون املك���رو َه عل���ى م��ع حت��ل��ي�� ِة الأُ ُذنِ امل��ث��ق��وب�� ِة ب��خ��ي ٍ��ط ف��ي��ه رقي ٌة ا ُ خلرا ِف َّي���ة ِّ فل ال�ش ِ الط ِ رك َّي���ة َثق ُ ري����ض ،واالعتق���ا ُد ب����أنَّ ذل َ وح َذر ًا م���ن ال ُو ُقوع حتت ���ك َيرف ُع ا َمل ِ املح��� َّرم َت َو ُّرعا َ م�س َّ بخيط فيه ال�شياطني! مع حتلي ِة الأُ ُذ ِن املثقوب ِة ٍ ���ي ال��� َوا ِر ِد يف قوله تع���اىل﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ا َمل َر َ�ض ،و ُي ِ ذه ُب َّ طائل��� ِة ال َّنه ِ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ رقي ٌة ،وقد يكون ك ُّل ذلك على يد �ساحر ،ومنهم من يمُ ِعنُ ٍ م�شعوذ �أو ٍ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ يف ا ُ خل َرافة ،و ُي ِوغ ُل يف ال َّد َجل؛ ف ُي َع ِّلق يف اخليط ح َّبة قمح!!. [\.]l وثقب الأذن �إذا ارتبط مبثل هذه االعتقادات الفا�سدة خرج عن ُ احل ِّل واحلرمة ،وطرق �أبواب االعتقاد ���م � :أنَّ الغفل َة عن كونه م�س�أل ًة فقه َّي ًة ت رََت َّدد بني ِ ويف هذا َّ ال�ص���دَ ِد بينَّ العلاَّ م ُة ابنُ الق ِّي ِ مواطن ِّ اال�صطالح ه���ذا بح�سب اعتقا ِد فاع ِله، أ�صغره و�أك ِربه، اخلا�ص �أَو َق��� َع يف الغلط كثري ًا من املت� ِّأخ ِرين من ُمتن ِّقال يف ال�ش ِ ِ ِّ رك بني � ِ ِ ِ وال�ش ُ ِّ �أتب���اع الأئ َّم���ة على �أئ َّمته���م ،حني َن َف���وا التَّحر َمي ع َّم���ا �أَط َلقَ عليه نب َعظي ٌمَ ،ف َح َذا ِر �أن يقع فيه �أحد. رك َ�ص ِغ ُري ُه و َك ِب ُري ُه َذ ٌ الأئ َّم ُة الكراه َة(.)4 ُ ُ ال�ص ِب َّي ِة الأن َثى: قب �أ ُذنِ َّ ثانيا ـ َث ُ ُ بي َّ الذ َك ِ���ر انعِدَ ُام املعنى ا َّلذي ثقب � ِ ودليل حت���ر ِمي ِ أذن َّ ال�ص ِّ اخ َت َل َ ال�صغرية ثقب ُ�أ ُذ ِن الأنث���ى ،وهو حاج ُة امل���ر�أة للتَّز ُّين ،ا َّلذي ���ح ُ لأج ِل��� ِه �أُبي َ كم ثق���ب �أذن َّ ���ف ال ُف َق َه���ا ُء ـ رحمهم اهلل ـ يف ُح ِ القرط على مذهبني: تعليق نق�صها. ِ ِل ِ ُي ِّ كمل َ ال�صب َّية وهُ نا تنبيهان: ثقب �أذنِ َّ م��ن امل��ظ��اه�� ِر املَ�� َر�ِ��ض�� َّي�� ِة املُ���ؤ���سِ ��ف�� ِة ا َّل��ت��ي انت�شرت املذهب الأ َّول ـ يجوز ُ بع�ض �شبابِ امل�سلمني اليو َم حَ َ ت ِّلي ُّ الذكو ِر بق�صد ال َّتز ُّين: ال َّتنبي���ه الأ َّول :م���ن املظاه ِ���ر بني ِ ا َمل َر ِ�ض َّي��� ِة املُ� ِؤ�سف��� ِة ا َّلت���ي انت�ش���رت بني ب�����أق ٍ ����راط ي�����ض��ع��ون��ه��ا ع��ل��ى �آذان����ه����م ،م��ن��ه��ا ما و�إليه ذهب جمهو ُر العلما ِء من احلنف َّية، ثقب الأذن ،ومنها ما ُيو�ض ُع دون ثقبٍ واملالك َّي���ة ،وه���و املعتم��� ُد عن���د بع����ض ���وم تحَ َ ِّل���ي َي�س َتوجِ ُب َ بع����ض �شب ِ ِ ���اب امل�سلم�ي�ن الي َ َّ حيح عند احلنابلة . ���راط ي�ضعونها على �آذانهم، ال ُّذكو ِر ب�أق ٍ وال�ص ُ ال�شافع َّي ِةَّ ، وا�ستد ُّلوا بالأد َّل ِة الآتي ِة: ثقب ،يفعلون ثقب الأذن ،ومنها ما ُيو�ض ُع دون ٍ منها م���ا َي�ست ِ َوج ُب َ ()6
(« )1البحر ال َّرائق �شرح كنز الدَّقائق» البن جنيم (« ،)554 /8نهاية املحتاج» لل َّرملي (« ،)34/8حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن الق ِّيم (�ص« ،)209املو�سوعة الفقهية الكويتية» (.)273/11 (« )2الآداب ال�شرعية» البن مفلح (.)338 /3 َّ «املهذب يف علم �أ�صول الفقه املقارن» ( )3انظر :م�س�ألة ما يطلق عليه املكروه يف: للدُّكتور عبد الكرمي ال َّنملة (.)285/1 (�« )4إعالم املو ِّقعني» البن ق ِّيم اجلوز َّية ( 39/1ـ دار اجليل).
و�صححه (�« )5أبو داود» ( ،)3512و«�أحمد» ( ،)3868كالهما عن ابن ع َّبا�س َّ ،È الع َّالمة الألباين يف «�إرواء الغليل» (.)2691 (« )6االختيار لتعليل املختار» للمو�صلي (« ،)178/4ال ّد ُّر املختار» البن عابدين (« ،)420/6البحر ال َّرائق» البن جنيم (« ،)554/8تبيني احلقائق» للزَّيلعي (�« ،)227/6شرح خمت�صر خليل» للخر�شي (« ،)148/4حتفة املحتاج» البن حجر الهيتمي (« ،)127/2حتفة احلبيب على �شرح اخلطيب» للبجريمي (،)508/2 «الإن�صاف» للمرداوي (َّ ،)98/1 «ك�شاف القناع» للبهوتي (.)81/1
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
17
بحوث ودراسات
ال�س َّن ُة ال َّتقرِي ِر َّي ُة: ُ قب وميك���ن تع ُّق ُب هذا ���ي Íترك �إنكا َر ال َّث ِ ِ اجلواب ب�أنَّ ال َّنب َّ .1وذلك �أنَّ ال َّنا�س كانوا يفعلونه يف اجلاهل َّية ويف زمن ال َّن ِّ بي املوج���و ِد قبل جمي ِء َّ قب ال�شر ِع ،كما مل يثبت عن���ه �أي�ضا �إنكا ُر ال َّث ِ النبي .Í ،Íومل ُي ِنك ْر عليهم ُّ ا َّلذي َح َ�ص َل َبعد مجَ ِ ي ِء َّ ا�س ابتدا ًء يف َز َم ِن ال�شر ِع ،ا َّل ِذي َيف َع ُل ُه ال َّن ُ العيد َرك َعتَني، بي �َ Íص َّلى َي َوم ِ ابن ع َّب ٍ فعن ِ ا�س � Èأنَّ ال َّن َّ اجلديد ،مثلما �أنك َر ���ب ِ َّ�شري��� ِع ،ول���و كان محُ َّرما َل َن َهى عن ال َّثق ِ الت ِ ََ ِّ َ َ ُ َ ِّ العادات اجلاهل َّي ِة ،فل َّما �سكت عنه مع وجود من يفع ُله، مل ُي َ�صل قبل ُهما ،وال َبعدَ هما ،ث َّم �أتَى الن َ�سا َء ـ ومعه بالل ـ ف أ� َم َرهُ نَّ جمل ًة من ِ بال�صدَ َق ِةَ ،ف َج َع َلت املر�أ ُة تُلقي ُق َ رط َها(.)7 َّ َّ دل ذلك على الإقرار. ويف رواية عند البخ���اريَ « :ف َج َع َل ال ِّن َ�سا ُء ُي ِ�ش���رنَ �إىل �آذانِهِ نَّ ُ احلافظ ابنُ َح َج ٍر ،وه���و �أ َّنه ال يلزم من ال َّث���اين :وبه �أج���اب وح ُلوقِهِ نَّ »(.)8 ُ ُ ُ ِّ ُ ُ رط و�ض ُعه يف ثقب الأذن ،بل يجوز �أن ُي�ش َّبك ال َّر� ُأ�س حتليه���نَّ بالق ِ النبي Íر�أى عندهنَّ ال ُق َ رط، ووجه ال َّداللة من احلديث �أنَّ َّ تحُ���اذي الأذنَ َ ، وتنزل عنها ،فيظهر القرط ب�سل�سل���ة لطيفة حتَّى َ وهو َح ْل َق ٌة ال تُل َب ُ�س �إ َّال يف الأُ ُذ ِن امل ْث ُقوب ِة ،ومل ُي ِنك ْر َع َليهِ نَّ ِفع َله ،ولو ك�أ َّنه مع َّلق يف الأذن(.)14 ري ال َب َي���انِ عَن َوقتِ ا َ اج ِة حل َ كان حم َّرم���ا ل َب َّي َن ُه )9(Í؛ لأنَّ « َت�أخِ َ َ ُّ والعرب كانت ن�سا�ؤهم ٌ، د بعي االحتمال هذا � ب به ق تع وميكن أنَّ ُ مُم َت َن ٌع»(.)10 َّ َتتَحل���ى بالق���رط يف الأذنُ ،ي�ؤَ ِّي��� ُد ذل���ك ما ج���اء يف بع�ض روايات يب عنه من وجهني: و�أُ ِج َ وح ُلوقِهِ نَّ و ُي ِ�شرنَ �إليها، احلدي���ث من �أ َّنهُنَّ ُكنَّ َيه ِوينَ �إىل �آذانِهِ نَّ ُ ���ي :من َّ ال�شافعية، الأ َّول :وب���ه �أجاب �شم�س الدِّ ين ال َّرمل ُّ ���ي ا َّلتي ُي ِردنَ �إ�ش���ار ًة ِمنهُ���نَّ ـ ر�ضي اهلل عنه���ن ـ �إىل مو�ض ِع احلل ِّ قب هن���ا ال يلزم منه ���ي Íعل���ى �إن���كا ِر ال َّث ِ وه���و �أنَّ �سك���وتَ ال َّنب ِّ الت ََّ�ص ُّد َق بها. ُ َ الر�سول للبيان عن وقته� ،إ َّال لو ُ�س ِئ َل ري ِ اجل��� َواز؛ لأَ َّن ُه لي�س في ِه ت�أخ ٌ بي Íفيه لعائ�ش َةُ « :كنتُ َلكِ 2ـ حدي���ث � ِّأم َز ْر ٍع ،وقد قال ال َّن ُّ أمام���ه� ،أو بل َغه ذلك، Íع���ن حكم التَّث ِقي ِ ���ب� ،أو ر�أى من يفع ُله � َ َ َ َ َ ال�شرع وان َق َ�ضى ,ك�أ ِبِ���ي ز ْر ٍع لأ ٍّم ز ْر ٍع» ،م���ع قولها يف و�صف زوجها �أبي زرع�« :أبو زرع فهذا هو وقتُ احلاجة ,و�أ َّما �أم ٌر َو َق َع َ قبل جمي ِء َّ ِ احللي حتَّى وم���ا �أبو زرع� ،أَ َن َ ���ي �أُ ُذنيَ َّ »(� )15أي ملأها من ِّ ا�س ِمن ُح ِل ٍّ ومل ُيع َل ْم هل ُف ِع َل بع ُد �أو ال ،فال حاج َة لبيا ِنه(.)11 ويج ُ ول(.)16 و�س فيها� ،أي :يتح َّرك ُ ا�ض الآ ِن ِف بقوله� :صار َي ُن ُ ُ ف�ص َح احلافظ ابنُ ٍ االعت ِ حجر :عن رِ و�أَ َ و�أجاب عنه املانعون مبثل جوابهم عن احلديث الأ َّول. «ويج���و ُز �أن ت ُكون �آذا ُنه���نَّ ُث ِق َبت قبل جمي ِء َّ ال�ش���ر ِعَ « ،ف ُيغ َت َف ُر فيِ ال َّد َوا ِم مَا ال ُيغ َت َف ًر فيِ االب ِتدَاء»(.)13(»)12 ���ن ع َّبا�س وا�ستد ُّل���وا م���ن �أق���وال َّ ال�صحاب���ة :مب���ا ُروي عن اب ِ ال�ساب ِع : بي َ Íت َر َك الإنكار هنا؛ لأنَّ هذا ال َّث َ ���ي ي َ ال�س َّن��� ِة يف َّ قب موجو ٌد � Èأ َّن���ه ق���الَ : «�س ْب َع���ة ِمنْ ُّ ���وم َّ يعني� :أنَّ ال ّن َّ ال�ص ِب ِّ من ُ خ�ت�ن ،ويمُ ُ ُي�س َّم���ى ،و ُي ُ قبل ،ومل ُيفعل �أمامه ابتدا ًء حتَّى َي ِج َب عليه البيانُ . ُثقب �أذ ُن���ه ،و ُيع ُّق عنه ، اط عن��� ُه الأذى ،وت ُ و ُيحلقُ ر� ُأ�سه ،و ُي َّلطخُ بدم عقي َق ِته ،و ُيت�ص َّد ُق بوزن �شعره يف ر�أ�سه (« )7البخاري» (« ،)5883م�سلم» (.)884 (« )8البخاري» (.)7325 (« )9البحر ال َّرائق» البن جنيم (« ،)554/8تبيني احلقائق» للزَّيلعي ( ،)227/6ذهب ًا �أو ف�ضة»(.)17 «حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن القيم (�ص.)209 بي، ثقب � ِ ووجه اال�ستدالل( )18وا�ض ٌح و�صري ٌح يف جوا ِز ِ أذن َّ ال�ص ِّ ( )10نق���ل جم��� ٌع م���ن الأ�صول ِّي�ي�ن الإجم���ا َع عل���ى �أ َّن���ه ال يج���وز ت�أخري البي���ان عن وقت احلاجة ،انظ���رَّ : «املهذب يف علم �أ�صول الفقه املق���ارن» للدُّكتور عبد الكرمي ال َّنملة (.)1264/3 (« )11نهاية املحتاج» لل َّرملي (.)34/8 ( )12راجع معنى هذه القاعدة وتطبيقاتها يف « :مو�سوعة القواعد الفقه َّية» ملح َّمد �صدقي البورنو ( 404/12ـ .)407 (« )13فتح الباري» (.)331/10
18
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
ال�سابق» (.)331/10 (« )14امل�صدر َّ (« )15البخاري» (« .)5189م�سلم» (.)2448 (« )16حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن القيم (�ص.)209 (� )17أخرج���ه َّ الط�ب�راين يف «املعجم الأو�س���ط» ( ,)562و�ض َّعفه الع َّالم���ة الألباين يف َّ «ال�ضعيفة» (.)5432 (« )18نهاية املحتاج» لل َّرملي (« ،)34/8فتح الباري» للحافظ ابن حجر (.)331/10
( )19اختلف الأ�صول ُّيون يف امل�س�ألة على مذهبني ،واحل ُّق ما ذهب �إليه اجلمهور مِ نْ �أنَّ بي ،Íوله حكم املرفوع. قول َّ ال�صحابي( :من ُّ ال�س َّنة كذا) ُيحم ُل على �س َّنة ال َّن ِّ انظرَّ : «املهذب يف علم �أ�صول الفقه املقارن» للدُّكتور عبد الكرمي ال َّنملة (.)759 ،758/2 (�« )20سل�سلة الأحاديث َّ ال�ضعيفة» للألباين (.)718/11 (« )21تبيني احلقائق» للزَّيلعي (.)227/6 ( « )22حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن الق ِّيم (�ص.)209
بحوث ودراسات
فال�صب َّية �أوىل� ,إذ « َق ُ كم ول َّ ال�ص َحاب ِِّي« :مِ َن ُّ َّ ال�س َّن ِة َك َذا »...فيِ ُح ِ املر ُفو ِع ِ�إلىَ ال َّن ِب ِّي .)19(»Í ويج���اب ب�أنَّ ه���ذا احلديث �ضعي ٌ ���ف ،و�إ�سن���اده وا ٍه ،وال يجوز ال�س َّنة مبث ِله ،ال �س َّيما ويف َمت ِن ِه ُجمل��� ٌة ُم�ستن َك َرة ،وهي �أنه �إثب���اتُ ُّ « ُي َّلط���خُ ر� ُأ�سه بدم عقيقته» ،ف�إنَّ ه���ذا التَّلطيخ كان يف اجلاهل َّية، بي � Íأن َي َ جعل م���كانَ ال َّد ِم خلو ًقا ـ فل َّم���ا جاء ال ُ إ�سالم �أم���ر ال َّن ُّ �أيِ :طي ًبا ـ (.)20 أذن ال�صب َّي���ة فيه منفعة ثقب � ِ ُّ واحتج���وا م���ن امل�صلحة :ب����أنَّ َ الزِّ ينة( ،)21قال الع َّالمة ابن الق ِّيم « ::الأنثى حمتاج ٌة للحلية، بي»(.)22 ُ فثقب الأذن م�صلح ٌة يف ح ِّقها ،بخالف َّ ال�ص ِّ
املذهب ال َّثاين ـ احلرمة: فال يج���وز ثقب الأذن للزِّ ين���ة ،و�إليه ذهب بع����ض َّ ال�شافعية، كالغ���زايل ،و�ص َّرح ب����أنَّ اال�ستئج���ا َر عليه غ ُري �صحي���ح ،والأجر ُة امل�أخوذ ُة عليه حرام ،بل ذهب ال�شربيني من َّ ال�شافعية �إىل وجوب الق�صا�ص على املُث ِقب ،و�إىل القول باملنع َم َال احلافظ ابنُ حجر، وم���ن احلنابلة قط���ع ابن اجل���وزي بتحر ِميه ،و�أحلق���ه ابن عقيل بحكم الو�شم ،وهو التَّحرمي(.)23 وا�ستد ُّلوا على ذلك مبا ي�أتي: يثبت فيه قالوا :تثقيب الأذن َج ْر ٌح مل تد ُع �إليه �ضرور ٌة� ،إ َّال �أن َ �شي ٌء من جهة َّ ال�شرع ،ومل يبلغنا ذلك(.)24 أذن د ََعت �إليه احلاج ُة ال َّ ال�ضرورة، ���ب ال ِ ويجاب عليه ب�أنَّ ثق َ وه���ي حاج���ة ال ِّن�ساء للزِّ ين���ة ،و«احلاجة ُتن��� َّز ُل منزل���ة َّ ال�ضرورة خا�ص ًة»(.)25 عا َّم ًة كانت �أو َّ كم���ا ال ُي َ�س َّل ُم قو ُل ُهم« :مل َيب ُلغْنا يف ذل���ك �شيء» ،وقد بلغنا �أنَّ بي � Íأق َّره ،ومل ُينكره. ال َّن َّ تعذيب بال فائدة(.)26 ال�صغري ِة وقالواَ :ث ُ ٌ قب �أُ ُذ ِن َّ تعذيب ي�سري ،و�أَلمَ ُه و�أذاه قليل ،وال �سيما �إذا ويجاب عليه ب�أ َّنه ٌ ال�صغر� ،صار بر�ؤُه �سري ًعا ،وال ُي�س َّلم قو ُلهم« :ال كان ذلك يف حال ِّ كمل لها(.)27 فائدة فيه»؛ لأنَّ املر�أ َة ُ حتتاجه للتج ُّمل ،ا َّلذي هو ُم ِّ آذان البنت على حرم ِة قط ِع � ِ أذن ِ ثقب � ِ قيا�س حرم ِة ِ القيا����سُ : الأنعام :وذل���ك يف �إخباره تعاىل عن �إبلي�س ـ ً عياذا باهلل منه ـ �أ َّنه ق���ال﴿ :ﯓﯔﯕﯖ﴾ [`،]119 : �أي :يقطعونها(.)28 أذن احليوان ووج���ه ال َّداللة م���ن الآية �أ َّنها تد ُّل على �أنَّ قط��� َع � ِ ال�شيطان ،ف�إنَّ َ و�ش َّقه���ا وثق َبها من �أم���ر َّ وثقب البتك ه���و القطعُ ، ومقي�س عل���ى قطع �أذن الأنعام، �أذن البن���ت قط ٌع لها ،فهو ُملح ٌق ٌ (�« )23إحياء علوم الدِّ ين» للغزايل (« ،)341/2مغني املحتاج» ّ لل�شربيني (،)394/1 «الإن�صاف» للمرداوي (« ،)98/1الفروع» البن مفلح (« ،)158/1فتح الباري» للحافظ ابن حجر (.)331/10 (�« )24إحياء علوم الدِّ ين» للغزايل (.)341/2 ( )25راجع معنى القاعدة و�صيغها وتطبيقاتها يف «مو�سوعة القواعد الفقه َّية» ملحمد �صدقي البورنو 67/3( :ـ .)69 (« )26مغني املحتاج» ّ لل�شربيني (.)394/1 (« )27فتاوى نور على الدَّرب» َّ لل�شيخ حم َّمد بن �صالح العثيمني :قر�ص �صادر عن م� َّؤ�س�سة ابن عثيمني اخلريية ـ 1427هـ. (« )28ل�سان العرب» ,مادَّة( :بتك).)395 /10( :
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
19
بحوث ودراسات
وكالهما حرام(.)29 و�أجاب الع َّالمة ابن الق ِّيم :عن هذا القيا�س بقوله« :هذا القيا�س ،ف�إنَّ ا َّل���ذي �أمرهم به َّ ال�شيط���انُ � ،أ َّنهم كانوا أف�سد م���ن � ِ ِ اد�س ذك ًرا، ال�س ُ �إذا ول���دت لهم ال َّناقة خم�سة �أ ْب ُط ٍن ،فكان البطنُ َّ َ�ش ُّق���وا �أذنَ ال َّناقة ،وح َّرموا ركو َبه���ا ،واالنتفا َع بها ،ومل تُطر ْد عن م���اء ،وال عن مرعى ،وقالوا :هذه َب ِحري ٌة ،ف�شرع لهم َّ ال�شيطان يف ال�صب َّية؛ ِل ُيو�ض َع ذلك �شريع ًة من عنده ،ف�أين هذا من َنخْ ِ�س �أذن َّ فيها احللية ،ا َّلتي �أباح اهلل لها �أن تتح َّلى بها»(.)30 ـ ميك���ن �أن ُي�ست َّ ري خللق اهلل ���دل لهم ب�أنَّ :ثق َ ���ب الأُ ُذن فيه تغي ٌ �سبحا َنه ،وهو حم َّر ٌم. مذموما على الإطالق، خلق اهلل لي�س جاب عنه ب����أنَّ تغي َري ِ ف ُي ُ ً ولك���ن منه ما هو ممدوح ،ومنه ما هو مذموم ،وممدوحه ما �أذن َّ ال�شر ُع فيه. قال حم َّم���د َّ الطاهر بنُ عا�شور « ::ولي����س من تغيري خلق اهلل التَّ�ص��� ُّرف يف املخلوق���ات مبا � ِأذنَ اهلل في���ه ،وال ما يدخل يف معن���ى ا ُ حل ْ�س ِن؛ ف����إنَّ اخلتان م���ن تغيري خلق اهلل ،ولك َّن���ه لفوائدَ �صح َّي��� ٍة ،وكذلك حلق َّ بع����ض الأ�ضرار ،وتقليم ال�شعر لفائد ِة دف ِع ِ الأظفار لفائدة تي�سري العمل بالأيدي ،وكذلك ثقب الآذان لل ِّن�ساء لو�ضع الأقراط والتَّز ُّين»(.)31
���ب اجلمهو ِر والق���ول املخت���ار ا َّل���ذي تُ�س ِن���دُه الأد َّل���ة هو مذه ُ أذن البن���ت لأجل التَّز ُّي���ن والتَّج ُّمل ،وذلك قب � ِ القائل�ي�ن بج���واز َث ِ اعتم���ادًا عل���ى ق َّوة الإق���رار ال َّنبويِّ لهذه الع���ادة القدمية ،كما يف ا�س ،وحديث � ِّأم زرع ،وهو ما اختاره َّ ال�شيخ حممد حديث اب���ن ع َّب ٍ ابن �صالح العثيمني :من املعا�صرين ،و�أفتت به ال َّلجنة ال َّدائمة للإفتاء(.)32 ويف املقاب���ل ف����إنَّ �أد َّل��� َة املانع�ي�ن �ضعيف��� ٌة ،ال تُ�سعفه���م للقول �سبب اخلالف والقول املختار: بالتَّحرمي: ن�ص قوليِ ٌّ �سب���ب اختالف العلم���اء يف هذه امل�س�ألة �أ َّنه مل يرد ٌّ قب تعذيب» ،مردود ب�أ َّنه ي�سري ،و ُبر�ؤُ ُه �سري ٌع، ٌ فقولهم�« :إنَّ ال َّث َ فعلي �صري ٌح و�صحي ٌح يف ِّ حمل ال ِّنزاع. �أو ٌّ ُ رُ َكب واملف�س���دة احلا�صل���ة مبنعه� ،أعظم من مف�سدة الجَ��� ْرح ،فتت ُ ���ي Íيف مو�ضع احلاجة �إىل البيان فم���ن اعترب �سكوت ال َّنب ِّ � ُّ أخف املف�سدتني ،درءا للكربى. أذن البنت لأجل التَّز ُّين حاج���ة ،وحرمانها من ���ب � ِ بيا ًن���ا ،و�أنَّ ثق َ أنعام ،فهو ثقب ال ِ أذن عل���ى حرم ِة بت ِ قيا����س ِ و�أ َّم���ا ُ ���ك �آذان ال ِ هذه امل�صلحة مف�سدة �أعظم من مف�سدة اجلرح والأمل ،ذهب �إىل بال�س َّنة التَّقرير َّية ال َّثابتة عن قيا����س مع الفارق ،كما �أ َّنه معار����ض ُّ اجلواز. بي ،Íـ واهلل �سبحانه �أعلم ـ. ال َّن ِّ وم���ن ر�أى �أنَّ �سكوته Íيف هذه احل���ال ال ُيع ُّد بيا ًنا؛ ب�سبب �شاه ْد مبا�شرة ال َّثقب ،حتَّى يكون �إقرا ًرا ،ور�أى �أنَّ ال ّثقب �أ َّن���ه مل ُي ِ مف�س���دة �أعظم م���ن مف�سدة حرمان املر�أة م���ن التَّزين يف الأذن، ���ل التَّز ُّي ِن ،فينبغي ���ب �أُ ِ ف����إذا تق َّر َر جواز ثق ِ ال�صغري ِة لأج ِ ذن َّ ذهب �إىل احلرمة. َ م�سائل ،هي: الإ�شار ُة هنا �إىل (« )29حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن الق ِّيم (�ص.)109 ال�سابق (�ص.)110 ( )30امل�صدر َّ (« )31التَّحرير والتَّنوير» (.)258/4
20
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
(« )32فتاوى نور على الدَّرب» َّ لل�شيخ حم َّمد بن �صالح العثيمني :قر�ص �صادر عن م� َّؤ�س�سة ابن عثيمني اخلري َّية ـ 1427هـ « ،فتاوى ال َّلجنة ال َّدائمة للإفتاء» :فتوى (.)140/17( ،)4084
(« )33حتفة املحتاج» البن حجر الهيتمي ( ،)127 /2وانظر« :حتفة احلبيب على �شرح اخلطيب» للبجريمي (.)508/2 (« )34حا�شية ابن عابدين» (.)420 /6 /ال�س�ؤال .)69 (« )35جمموع فتاوى ابن عثيمني» (ُّ 11 (« )36فتاوى ال َّلجنة الدَّائمة للإفتاء» (.)36/24
(« )37حتفة املودود» البن الق ِّيم (�ص.)190 (� )38أخرجه البيهقي يف «�شعب الإميان» 8277( :ـ ال ُّر�شد) ،وابن عبد احلكم يف «فتوح م�صر و�أخبارها» ( ،)14 /1وابن ع�ساكر يف« :تاريخ دم�شق» (،)186/69 وح�سن �إ�سناده حمقِّقُ «�شعب الإميان». َّ (« )39ق�ص�ص الأنبياء» البن كثري (�ص.)202
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
بحوث ودراسات
امل�س�أل���ة الأوىل :يف بع����ض املناط���ق تَث ُق ُب ال ِّن�س���ا ُء ال َ أنف مع كثقب ال�صورة م�شروعة ِ الأذن م���ن �أجل تعليق احللية ،فهل ه���ذه ُّ أذن� ،أم �أ َّنها تخالفها يف احلكم؟ ال ِ ال �ش َّ قب الأنف من �أجل تعليق احللية حم َّرم �إذا ترتَّب ���ك �أنَّ َث َ عليه �ضر ٌر يلحق بالفاع���ل� ،أو َ�ص َاح َبه ت�ش ُّب ٌه بالكافرات �أو ببع�ض ُّ قو�س الهندو�س َّية الوثن َّية ا َّلتي تقدِّ �س مثل هذه الزِّ ينة. الط ِ �أ َّم���ا �إذا خ�ل�ا م���ن تل���ك املحاذير ،فق���د اختل���ف الفقهاء يف حكمه: فذه���ب بع����ض َّ ال�شافع َّي���ة �إىل حترميه منه���م �أحمد بن حجر بحجة �أ َّنه ال زينة فيهُ ،يغتفر لأجلها ال َّثقب ،ولأ َّنه الهيتمي وغريهَّ ، � ً العام(.)33 أي�ضا خمالف للعرف ِّ أذن ���ب ال ِ قيا�سا على ثق ِ و�أج���ازه اب���ن عابدين م���ن احلنف َّي���ة ً مما َيتَزَ َّينُ به ال ِّن�ساء يف العادة(.)34 للقرط ،ب�شرط �أن يكون َّ �أ َّم���ا املُعا�صرون :فقد قال َّ ال�شيخ حم َّم���د بن �صالح العثيمني: «في���ه ُمثل���ة وت�شويه للخلقة فيم���ا نرى ،ولع َّل غ َرين���ا ال يرى ذلك، ف����إذا كانت امل���ر�أة يف بلد ُي َع ُّد حتلي ُة الأنف في���ه زين ًة وجت ُّم ًال فال بثقب الأنف لتعلي���ق احللية عليه»( ،)35و�أفتت ال َّلجنة ال َّدائمة ب�أ�س ِ للإفت���اء بج���وازه ،لأ َّنه للزِّ ين���ة ،ولي�س للإي���ذاء �أو تغيري خلق اهلل تعاىل(.)36 قب امل�س�ألة ال َّثانية :هل يجوز ثقب الأذن من الأعلى؟ وهل ال ّث ُ أ�سفل ال ُأذ ِن؟ خا�ص ب� ِ ُ املباح ٌّ َّ الظاهر �أنَّ �إباح َة ثقب الأذن لي�ست خم�صو�صة مبكان معينَّ ، و�إن كان الفقه���اء ي�ص ِّرحون ب����أنَّ ال َّثقب يف �شحم���ة الأذن ،جر ًيا تخ�صي�صا لهذا املو�ضع. ال�سائد ال ً منهم على العرف َّ وعلي���ه فثقب الأذن جائز يف �أيِّ مو�ضع� ،إذا ع َّده ال َّنا�س زين ًة، وا�ستق َّرت عادتُهم على فعله. امل�س�أل���ة ال َّثالث���ة :م���ن العوائ���د ا َّلتي ب���د�أت تروج ب�ي�ن ن�سا ِء واحد يف الأذن ،بل تتع َّداه �إىل ���ب ٍ جمتمعن���ا �أن ال تكتفي املر�أة ب ُثق ٍ ثقبني �أو �أكرث ،تُع ِّلق يف كل ثقب قرطا ،فهل هذا العمل م�شروع؟
�إذا خال هذا الفعل من َّ ال�ضرر والتَّ�ش ُّبه بالكافرات والإ�سراف والتَّبذي���ر ،فهو موك���ول �إىل �أع���راف ال َّنا�س وعادا ِتهم �إق���را ًرا �أو ���ب الأنف مع �أ َّن���ه ع�ض ٌو مغاي��� ٌر للأذن، �إن���كا ًرا؛ لأ َّن���ه �إذا جاز ثق ُ ثقب ث���ان يف الأذن �أوىل باجلواز ،واهلل �سبحانه وتعاىل ف�إح���داث ٍ �أعلم. َاج ُر �أ ُّم امل�س�أل���ة اخلام�س���ة� :أَ َّو ُل من ُثقبت �أُ ُذ ُنها من ال ِّن�ساء ه َ ال�سالم: �إ�سماعيل عليهما َّ ذكر �أبو هالل الع�سكري يف كتابه «الأوائل» وابن ق ِّيم اجلوزية يف «حتف���ة املودود ب�أحكام املولود» �أنَّ �أ َّول ام���ر�أ ٍة ُث ِقبت ُ�أ ُذ ُنها هي اجر �أ ُّم �إ�سماعي���ل( ،)37ا�ستد ً طالب علي ِبن �أبي ٍ هَ َ الال مبا روي عن ِّ اج ُر ل�سار َة ،فغ�ضب���ت عليها يوما ،فقالت �سار ُة: :Çكان���ت هَ َ جتدعها، واهلل لأُ َغ�ِّيرِرِّ َ نَّ منها ثالث َة �أع�ضاء ،فخ�ش���ي � إبراهيم �أن َ ُ ���رم �أذنيه���ا ،فقال لها � :أال �أد ُّلك على م���ا ت ِّربين به ميينك، �أو تخ َ تَخ ِف ِ�ضي َن َه���ا ـ تختنينه���ا ـ ،وتثقبني �أذنيها ،فكان���ت هاج ُر �أ َّول من ُخف�ض���ت ،و ُثقب���ت �أذناها فجعلت فيها قرط�ي�ن ،فقالت �سارة :ما �أرى هذا زادها �إ َّال ح�س ًنا(.)38 ُ احلافظ اب���ن كثري :قول واعتم���ادًا على ه���ذا الأثر نق���ل ال�سهيل���ي« :فكانت هاج��� ُر �أ َّو َل من اخ ُتتنِ من ال ِّن�س���اء ،و�أ َّو َل من ُّ ()39 ُث ِق َبت �أذ ُنها منهنَّ ،و�أ َّو َل من َط َّولت ذي َلها» .
21
مسائل منهجية
دور األغــنـــيــــاء يف الدعوة إىل اهلل ونـــشـــر ديـــنــه د .ر�ضا بو�شامة �أ�ستاذ احلديث بجامعة الأمري عبد القادر ـ ق�سنطينة
�إنَّ ال َّّدع���وة �إىل اهلل ع��� َّز َّ وجل �أج ُّل �أعمال اخل�ي�ر ا َّلتي �أر�شد أتباعه���م ،قال اهلل �إليه���ا ر ُّبن���ا يف كتابه ،وه���ي وظيفة ال ُّر�س���ل و� ِ تع���اىل﴿ :ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﯟ ﯠ﴾ [ ،]125 :lوق���ال تع���اىل﴿ :ﯦ ﯧ ﴾
[§ ،]15 :ق���ال ابن كثري يف تف�سري هذه الآية (�« :)195/7أي و�صينا ب���ه جميع املر�سلني فل َّل���ذي �أوحين���ا �إليك من الدِّ ي���ن ا َّلذي َّ قبلك �أ�صحاب َّ ال�شرائع الكبار املتَّبعة ك�أويل العزم وغريهم فادع ال َّنا����س �إليه» ،وقال تع���اىل ﴿ :ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [� ،]36 :iأي �إىل �سبيل���ه �أدعو أي�ض���ا ( ،)467/4والآيات يف احلثِّ ال َّنا����س ،كما قال ابن كث�ي�ر � ً على ال َّدعوة �إىل اهلل رَّ والتغيب يف ذلك وبيان ما �أع َّد اهلل لل ُّدعاة �إليه من ال َّثواب والأجر وال ِّرفعة يف ال ُّدنيا والآخرة كثري ٌة جدًّا. وال تقت�ص���ر ال َّدع���وة �إىل اهلل ببي���ان �سبي���ل اهلل بالتَّعلي���م والتَّدري����س واملوعظة ،بل الأمر �أكرب من ذلك ،فك ُّل من كان �سب ًبا يف �إي�صال اخلري وال َّنفع �إىل ال َّنا�س فهو من ال ُّدعاة �إىل اهلل� ،سواء كان ذلك بعلمه �أم مباله �أم بجاهه �أم ب�أيِّ طريق من طرق اخلري امل�شروع���ة ،وقد قال ال َّر�سول الكرمي علي���ه �صلوات اهلل و�سالمه: «مَ���ن د ََّل علَ���ى َخيرْ ٍ َفلَ ُه مِ ْث ُل � ْأج ِر َفاعِ ِلهِ»( ،)1وال َّدال على اخلري ال ( )1رواه م�سلم يف «�صحيحه» ()1893عن �أبي م�سعود الأن�صاري .Ç
22
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
يقت�صر على من ع َّل���م غريه دينَ اهلل وبينَّ له �أحكام َّ ال�شريعة ،بل يتع��� َّداه �إىل ِّ كل من َّ دل غريه على خري ،فمن ت�ص َّدق يف �سبيل اهلل فهو دا ٌّل على خري ،ومن �أر�شد غريه �إىل �شيءٍ من اخلري فهو دا ٌّل عليه ،روى م�سل���م يف «�صحيحه» ( )1017عن جرير بن عبد اهلل Çق���ال« :جاء نا�س م���ن الأعراب �إىل ر�سول اهلل Íعليهم ا�س ُّ ال�ص���وف ،فر�أى �سو َء حاله���م قد �أ�صابتهم حاج���ة ،فحثَّ ال َّن َ ال�صدقة ف�أبط���و�ؤا عنه ،حتَّى ُر�ؤي ذلك يف وجهه ,قالَّ :ثم �إنَّ على َّ ب�ص��� َّرة من َورِقَّ ،ثم جاء �آخرَّ ،ثم تتابعوا رج ًال من الأن�صار جاء ُّ ال�سرور يف وجهه فق���ال ر�سول اهلل « :Íمَن َ�سنَّ يف حتَّ���ى ُعرف ُّ الإِ َ �سْ�ل�ا ِم ُ�س َّن��� ًة َح َ�س َن ًة َف ُعمِ َل ِبهَا َب ْع َد ُه ُكت َِب َل ُه مِ ْث ُل �أَ ْج ِر َمنْ عَمِ َل ����ص مِ ���نْ �أُ ُجورِهِ م َ�ش ْ���يءٌ ،و َمنْ َ�سنَّ ِيف ا ِلإ َ �سْ�ل�ا ِم ُ�س َّن ًة ِبهَ���ا َو َال َي ْن ُق ُ �س ِّي َئ��� ًة َف ُعمِ ��� َل ِبهَ���ا َبعْ��� َد ُه ُكت َِب َعلَيْ��� ِه مِ ثْ��� ُل ِو ْز ِر َمنْ عَمِ ��� َل ِبهَاَ ،و َال �ص مِ نْ �أَ ْو َزارِهِ ْم َ�ش ْيءٌ». َي ْن ُق ُ فه���ذا ال َّرجل الأن�ص���اري � Çسنَّ �س َّنة ح�سن��� ًة ب�أن تق َّدم ب�ص َّر ٍة من ورِق غ�ي�ره ود َّله���م على طريق من طرق اخلري ،فج���اء ُ َ ـ وه���ي َّ الف�ضة ـ وو�ضعها بني ي���دي ر�سول اهلل Íفل َّما ر�آه ال َّنا�س ال�صدقة ،وجا�ؤوا مبا بي Íب�صنيعه تتابعوا يف َّ ور�أوا ا�ستب�شار ال َّن ِّ ال�صدقات ،فكاف�أه اهلل ع َّز وج َّ ���ل ب�أن كتَب له ي�س����ره لهم ر ُّبهم م����ن َّ َّ �أج��� َره و�أجر َمن تبع���ه يف �صدقته من غري �أن ينق�ص من �أجورهم ٌ �شيئ ،وهذا ف�ضل اهلل ي�ؤتيه من ي�شاء.
مسائل منهجية
وامل���ال نعمة ُينعم بها اهلل على عب���ده ،ا�سرتعاه عليه ،فينظر م���اذا يعمل فيما ا�سرتعاه ،و�سي�س�أله يوم القيامة عنه ،فلم يجعله واجبات بني يدي���ه ليت�ص َّرف فيه كما �شاء و�أراد ،ب���ل �أوجب عليه ٍ و�سبل وفر����ض عليه �صدق ٍ ���ات ،وح َّثه على �إنفاقه يف ط���رق اخل ِري ِ الف�ل�اح� ،إذ املال مال اهلل والعبد عب���ده ،فينبغي للعبد َّ الذليل �أن ِ ينظر فيم���ا ي�ضعه و�أين ينفقه ،روى رِّ التم���ذي ( )2417عن �أبي ب���رزة الأ�سلمي Çقال :قال ر�سول اهلل َ « :Íال َت ُز ُ ول َق َدمَا َعبْ���دٍ َي��� ْو َم ال ِق َيا َم ِة َح َّتى ُي�س�أَ َل َعنْ ُع ُم ِر ِه فِيم���ا �أَ ْف َناهَُ ،وعَن عِ ْلمِ ِه فِي َم���ا َف َع َلَ ،و َعنْ مَا ِل ِه مِ نْ �أ ْي َن ا ْك َت َ�س َب ُه َوفِي َم َ�أ ْن َف َقهَُ ،و َعنْ جِ �سْ مِ ِه فِي َما �أَ ْب َ الهُ». بي Íقال�« :إِ َّن الدُّ ن َيا ُح ْل َو ٌة وعن �أبي �سعيد اخلدري عن ال َّن ِّ َخ ِ�ض َرةَ ،و ِ�إ َّن اهلل ُم�سْ َت ْخ ِل ُف ُكم فِيهَا َف َي ْن ُظ ُر َك ْي َف َت ْع َم ُلو َن»(.)2 وع���ن �أبي �سعيد اخلدري مرفوع���اَ « :و ٌ ثي ِ َ ���ن �إ َّال من يل لل ُم ْك رِ ِ َ���ن مَيِينِه وعَن َق���ا َل بِاملَ���الِ هَك َذا و َهك��� َذا وهَك َذا و َهك��� َذا؛ �أَ ْر َبع :ع ِ �شِ َما ِل ِه ومِ ن ُقدَّامِ ه ومِ نْ َو َرائِه»(.)3 وامل�سل���م ال َّنا�ص���ح لنف�سه ي�ستعمل املال يف ح ِّق���ه« ،فنِع َم امل َ ُال ِ���ح» كم���ا ق���ال ر�س���ول اهلل Íفيما رواه ال�صالِ��� ُح لل َم��� ْر ِء َّ َّ ال�صال ِ البخاري يف «الأدب املفرد» (.)299 ���ي �أكرث �أج��� ًرا من امل�ؤم���ن الفق�ي�ر �إذا ا�ستعمل وامل�ؤم���ن الغن ُّ ما َل���ه فيما ير�ضي اهلل ع َّز وج��� َّل ،و�أنفقه يف �سبيله ،روى م�سلم يف بي «�صحيح���ه» ( )1006عن �أب���ي ذر�« :أنَّ نا�سا م���ن �أ�صحاب ال َّن ِّ Íقال���وا للنبي :Íيا ر�سول اهلل! ذه���ب �أهل ال ُّدثور بالأجور، ُي�صلُّ���ون كما ن�ص ِّلي ،وي�صومون كم���ا ن�صوم ،ويت�ص َّدقون بف�ضول ي�س َق ْد َج َع��� َل اهلل َل ُك ْم مَا َت َّ�ص َّد ُقو َن؟ ِ�إ َّن ِب ُك ِّل �أمواله���م .قال�« :أَ َو َل َ ري ٍة َ�ص َد َقة ،و ُك ِّل حَْ تمِ ي َد ٍة َ�ص َد َقةَ ،و ُك ِّل َت�سْ ِب َ يح ٍة َ�ص َد َقةَ ،و ُك ِّل َت ْك ِب َ هي عَن ُم ْن َكرٍ َ�ص َد َقة، َت ْهلِيلَ��� ٍة َ�ص َد َق���ة ،و�أَ ْم ٌر بِامل َ ْع ُر ِ وف َ�ص َد َقةَ ،و َن ٌ َو ِيف ُب�ض ِع �أَ َحدِ ُكم َ�ص َد َقة» ،قالوا :يا ر�سول اهلل �أي�أتي �أحدُنا �شهوتَه ويك���ون له فيها �أجر؟ قال�« :أَ َر�أَ ْي ُتم َلو َو َ�ض َعهَا ِيف َح َرا ٍم �أَ َكا َن َعلَ ْي ِه حل َ فِيهَا ِو ْز ٌر؟ َف َك َذل َِك �إِ َذا َو َ�ض َعهَا ِيف ا َ اللِ َكا َن َل ُه �أَ ْج ٌر» ،ويف رواية ع���ن �أبي هريرة « :Çفرجع فقراء املهاجرين �إىل ر�سول اهلل Íفقال���وا� :سم���ع �إخواننا �أه���ل الأموال مبا فعلن���ا ففعلوا مثله.
فقال ر�سول اهلل َ « :Íذل َِك َف ْ�ض ُل اهلل ُي�ؤْتِي ِه َمنْ َي َ�شاءُ»(.)4 ال�صحابة على التَّ�ص ُّدق وقد كان ر�سول اهلل Íيحثُّ �أغنياء َّ خا�صة يف �أوقات الع�س���رة ِّ وال�ضيق وحاجة امل�سلمني �إىل والإنف���اق َّ �أموال ليقوموا بتبليغ دين اهلل ويجاهدوا يف �سبيله ،روى رِّ التمذي يف «جامعه» ( )3703عن ُثمامة ِبن َحزْ ن ال ُق َ�شيرْ ي قال �« :شهدت ال َّدار حني �أ�شرف عليهم عثمان فقال :ائتوين ب�صاحبيكم ال َّلذ ْين علي ،قال :فجيء بهما فك�أ َّنهما جمالن �أو ك�أ َّنهما حماران، �أ َّلباكم َّ ق���ال :ف�أ�شرف عليهم عثمان فق���ال� :أن�شدكم باهلل والإ�سالم! هل تعمل���ون �أنَّ ر�س���ول اهلل Íقدم املدينة ولي�س به���ا ماء ُي َ �ستعذب غ�ي�ر بئر رومة ،فقال« :مَن َي�شْترَ ِي ِب ْئ َر ُرومَ���ة َف َي ْج َع َل َد ْل َو ُه مِ نْ �ي�ن ب َِخ�ْي�ررٍْ َل��� ُه مِ ْنهَ���ا ِيف ا َ ِد َال ِء املُ�سْ لِمِ َ جل َّن���ةِ» ،فا�شرتيتها من �صلب مايل ف�أنتم اليوم متنعوين �أن �أ�شرب منها حتَّى �أ�شرب ماء البحر، هم نعم ،ق���ال �أن�شدكم باهلل والإ�سالم! ه���ل تعلمون �أنَّ قال���وا :ال َّل َّ امل�سجد �ضاق ب�أهله فقال ر�سول اهلل َ « :Íمنْ َي�شْترَ ِي ُب ْق َع َة �آلِ ُفالن َف َيزِي َدهَا ِيف املَ�سْ جِ دِ ب َِخيرْ ٍ مِ ْنهَا ِيف ا َ جل َّنةِ؟» فا�شرتيتها من �صل���ب مايل ،ف�أنتم اليوم متنع���وين �أن �أ�ص ِّلي فيها ركعتني ،قالوا: ���م نعم ،قال� :أن�شدكم ب���اهلل والإ�سالم هل تعلمون �أنيِّ ج َّهزت ال َّله َّ َ هم نعمَّ ،ثم قال� :أن�شدكم باهلل جي�ش الع�سرة من مايل؟ قالوا :ال َّل َّ والإ�س�ل�ام! ه���ل تعلم���ون �أنَّ ر�س���ول اهلل Íكان عل���ى ثبري مكة ومع���ه �أبو بكر و عمر و�أنا ،فتح َّرك اجلبل حتَّى ت�ساقطت حجارته باحل�ضي����ض ،ق���ال :فرك�ض���ه برجله وق���ال« :ا�سْ ُك���نْ َث ِب�ي�ر َف ِ�إ مَّ َ نا َعلَ ْي َك َن ِب ٌّي َو ِ�صد ٌ لهم نعم ،قال :اهلل �أكرب ِّيق َو َ�شهِيدَانِ »؟ قالوا :ا ّل َّ ورب الكعبة �أنيِّ �شهيد ثالثا». �شهدوا يل ِّ ( )4رواه م�سلم (.)595
( )2رواه م�سلم (.)2742 ( )3رواه ابن ماجه (« ،)4129ال�صحيحة» (.)2412
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
23
مسائل منهجية 24
هك���ذا كان �صحاب���ة ر�س���ول اهلل Íيت�سابق���ون �إىل اخل�ي�ر والإنفاق يف �سبيل اهلل ،ملا �آتاهم اهلل تعاىل من مال وعلم وجاه. فال َّدعوة �إىل اهلل ال ميكن �أن تقوم فقط بالعالمِ ال ّر َّباين ا َّلذي ال�صحيح ،بل ال ب َّد من عم���ل الأغنياء ير ِّب���ي ال َّنا����س على الدِّ ي���ن َّ وقيامه���م بال َّدع���وة �إىل اهلل ب�أمواله���م وما �آتاه���م اهلل تعاىل من والغني مبال���ه ،فتتَّحد الق َّوت���ان وت�ص ُري ف�ضل���ه ،فالع���المِ بعلمِ ���ه، ُّ مبثابة اجلناحينْ ت�سمو بهما �إىل الكمال. روى ابن �أبي ال ُّدنيا يف كتابه «�إ�صالح املال» ( )58عن حممد ابن املنكدر �أ َّنه قالِ « :نعم العون على الدِّ ين :الغنى». وروى � ً أي�ض���ا ( )79ع���ن �سفي���ان ال َّثوري قال« :امل���ال يف هذا الزَّمان �سالح امل�ؤمن». فيج���ب عل���ى الأغنياء �أن يدرك���وا مت���ام الإدراك �أنَّ ه���ذا الدِّ ي���ن دينه���م، والأم���ر �أمره���م ،وه���م مطالبون بال َّدعوة �إىل اهلل وتبلي���غ دينه مب���ا �أوتوا من م���ال وج���اه ،يق���ول َّ ال�شيخ حم َّمد الب�شري الإبراهيمي � ...« ::إنمَّ���ا نل���وم قومنا على �أنف�سن���ا ونل���وم َ التَّفريط والإ�ضاعة وعلى �إهمال ال َّدعوة لدينهم والع ْر�ض جلماله وحما�سن���ه ،وعل���ى التَّخاذل يف وجه ه���ذه الق َّوة املت�أ ِّلب���ة املتكالبة عليه���م وعلى دينهم ،حتَّى �أ�صبح �سكو ُتن���ا و�إهمالنا عو ًنا لها على ه���دم ديننا وحمو ف�ضائلن���ا والق�ضاء على مق ِّوماتن���ا ،ف�أغنيا�ؤنا مم�سك���ون ع���ن الب���ذل يف �سبيل ال َّدع���وة �إىل دينه���م ،وك�أ َّن الأم َر ال يعنيه���م ،وك�أ َّن الدِّين لي����س دينهم ،وك�أ َّنهم ال يعلمون �أ َّن هذا ال َّتكال���ب �إن ا�ستم��� َّر ال ُيبقي لهم ً عر�ضا وال ما ًال وال متا ًعا ،وقد بلغ���ت الغفل���ة ببع�ضهم �أن ُيع�ي�ن اجلمع َّيات التَّب�شري َّي���ة امل�سيح َّية مباله ،وك�أ َّنه ُيق ِّلد عد َّوه �سالح ًا قتَّا ًال يقتل به دي َنه وقومه ،ومل يبق عليه من ف�ضائح اجلهل �إ َّال �أن يقول لعد ِّوه :اقتلني به. �إ َّننا ال نكون م�سلم�ي�ن ح ًّقا وال ن�ستطيع �أن ندفع هذه اجليو�ش
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
املغ�ي�رة علينا وعل���ى ديننا تارة با�س���م العلم وت���ارة با�سم اخلري والإح�س���ان و�أخرى با�سم ال َّرحمة بالإن�س���ان �إ َّال �إذا علمنا ما ُيراد بن���ا ،وفقهن���ا الغايات له���ذه الغ���ا َّرات ،وحت َّديناها بجمي���ع قوانا املعنوي���ة واملا ِّد َّية وح�شدها يف مي���دان واحد هو ميدان الدِّ فاع عن يتم لهذا َّ ال�ش����أن متام �إ َّال �إذا �أقمنا حياتن���ا ال ًُّروحية واملا ِّد َّية ،وال ُّ الدَّعوة �إىل اهلل و�إىل دينه الإ�سالم على �أ�سا�س قويٍّ من �أحجار العامل ال َّربا ِّ ين واخلطيب ا َّلذي يتكلم بقلبه ال بل�سانه والكاتب والغني امل�سته�ي�ن مباله يف اَّل���ذي يكت���ب بقلمه م���ا ميليه عقل���ه ِّ وجهنا هذه ال َّدعوة �إىل القريب قبل الغريب� ،إىل �سبيل دينهَّ ،ثم َّ امل�سل���م َّ أجنبي ،ف�إذا فعل���ت ال َّدعوة فع َلها يف نفو�س ال�ض ِّال قبل ال ِّ فتم�سكوا بكتابه وهدي امل�سلمني و�أرجعتهم �إىل ر ِّبهم فاتَّ�صلوا به َّ ومتج���دوا بتاريخ���ه نب ِّي���ه َّ و�أجماده وف�ضائله ول�سانه �سالح���ا ال ك َّن���ا ق َّلدناه���م ً يف��� ّل ،و�أ�سبغن���ا عليه���م ح�صان���ة روح َّي���ة ال ت�ؤ ِّث���ر عليه���ا ه���ذه الدِّ عاي���ات امل�ض َّل���ة ،وح�صان���ة �أخرى ما ِّد َّي���ة مالزم���ة له���ا ال تهزمه���ا اجلم���وع املج َّمعة ول���و كان ُ بع�ضه���ا لبع����ض ظه ًريا»[ .الآثار (.])286/4 ال�ب�ر واخلري ا َّلت���ي ميكن �أن ���ي �أن ي�س����أل م���ا هي وجوه ِّ وللغن ِّ ي�ش���ارك فيها لين���ال �أجر ال ُّدعاة وال َّدا ِّلني عل���ى اخلري ،ولع َّل هذا التَّ�س���ا�ؤل ه���و ـ يف الغالب ـ احلاجز بني ه����ؤالء وبني فعلهم للخري، وذلك جلهله���م مب�صلحة ال َّدعوة وحاجتها ،و ُبعدهم عن �ساحتها جعلهم يحجمون ويخافون �أن ينفقوا �أموالهم فيما ال نفع فيه يعود عل���ى ال َّدعوة وعليهم ،وال �ش َّ ���ي �أن يتح َّرى معرفة ���ك �أنَّ على الغن ِّ طرق اخلري لي�سلم له ماله من �أن ي�ضعه فيما ال ير�ضي اهلل تعاىل ال�سبل ،ويو�ضحوا ويعينه على ذلك �س�ؤاله �أهل العلم ليع ِّرفوه بتلك ُّ له املعامل ُّ والطرق. و�سبل الإنفاق كثري ٌة ج���دًّا ،ال ميكن ا�ستق�صا�ؤها ،لكن ك ُّل ما
مسائل منهجية
ال�صحيحة ويكون ل���ه �أثر يف تعريف يخ���دم ال َّدع���وة الإ�سالم َّي���ة َّ ال َّنا����س بدينهم ور ِّبه���م فهو من �أب���واب اخلري و�سبل���ه ،وال ب�أ�س ب�ضرب �أمثلة على تلك الوجوه ،فمن ذلك: ـ بناء املدار�س القر�آن َّية والعناية بها وت�شييدها واختيار املد ِّر�س ال َّنا�ص���ح الكفيل بتدري�س الق���ر�آن على الوج���ه املطلوب ودعمه، وذل���ك �أنَّ مثل تلك املدار�س تقوم عل���ى حتفيظ كالم اهلل تعاىل وتالوته ،وتعلُّ ِم �أحكام �شرع اهلل تعاىل و�س َّنة نب ِّيه ،فهذا �أدعى �أن يهت ََّم ويعتنى بها. ـ طباع����ة الكتب وال َّر�سائ����ل واملج َّالت الإ�صالح َّي����ة وتوزيعها على َّ الطلب���ة واملثقَّف�ي�ن و�سائ���ر �شرائ���ح املجتمع ،وهذا جم���ال وا�سع ورح���ب ،وجدير بالأغني���اء العناية به ،فكم ه���دى اهلل من ٍّ �ضال ال�صحي���ح و�أخرجه من ظلمات ِّ ال�شرك بق���راءة كتاب يف املعتقد َّ �إىل ن���ور الإمي���ان والتَّوحي���د ،وكم من عا�ص رج���ع �إىل اهلل وعاد بت�ص ُّفح���ه لر�سال���ة يف الأخالق والقيم ،وقد تناف����س املتناف�سون يف ه���ذا الباب �أميا تناف�س ،وذه���ب �أهل ال ُّدثور بالأجور� ،إذ ترى يف بع����ض املجتمع���ات الإ�سالم َّية �آالف الكت���ب �إن مل نقل ماليني باملج���ان ،مكتو ًب���ا عل���ى غالفها (طبع عل���ى نفقة ال ُّن�س���خ ت���و َّزع َّ بع����ض املح�سن�ي�ن) ،والقارئ له���ذه العبارة يح ُّق ل���ه �أن َ يغبطهم �ْي َ :ر ُج���لٍ �آ َت���ا ًُه اهلل مَ���ا ًال ويح�سدَ ه���م� ،إذ « َال َح َ�س��� َد �إِ َّال ِيف ا ْث َن َت نِْ ُ َف ُ�س ِّل َط َعلَى َهلَ َك ِت ِه ِيف ا َ حل ِّقَ ،و َر ُجلٍ �آ َتا ُه اهلل احلِ ْك َم َة َف ُه َو َي ْق ِ�ضي ِبهَا َو ُي َع ِّل ُمهَا( ،»)5كما قال .Í ���ي ال َّنا�صح لنف�سه يتم َّنى �أن ُي ْح َ�ش َر يف ُزمر ِة املح�سنني، فالغن ُّ الكتاب �أو ال َّدا ِّل�ي�ن على اخلري ،فك َّلما ق���ر�أ �إن�سا ٌن حر ًفا من ذاك ِ ال�سبب يف هدايته و�إن مل يكن كات َبه ال ِّر�سالة نال به الأجر ،وكان َّ وم�ؤ ِّل َفه.
فال َّداعية يختا ُر الأن�سب ملج َت َم ِعه وحاجة ال َّنا�س له من الكتب، والغني يدَ ِّعم تلك َ امل�شاريع الزَّكية وين ِفقُ عليها من ما ِله. ُّ ـ العناي���ة بال ُّنجب���اء م���ن احلفظة لكت���اب اهلل تع���اىل و�س َّنة ���م وتفري ُغهم لذلك ،حتَّى ر�سول���ه ،Íو�إعانتُهم على ِ طلب العل ِ ال ين�شغ َ خا�ص ًة من كان منهم منقط ًعا يف بهموم ال ُّدنياَّ ، ���ل با ُلهم ِ ال�شرعية ،بتوف ِري ِّ بع����ض املدار�س َّ كل م���ا يمُ َ ِّكنهم من طلب العلم واالجتهاد فيه ،ك ٌّل على ح�سب حاجته. �إىل غ�ي�ر ذلك من الوجوه الكثري ِة الكفيلة برفع هذا املجتمع �إىل منار العلم والإميان ،واهلل املو ِّفق ِّ أمان. لكل خري و� ٍ
( )5رواه البخاري ( ،)73وم�سلم (.)816
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
25
تزكية وآداب
تقويم النفس ومحاسبتها ملعرفة ما لها وما عليها حممد لوزاين �إ َّنها كثرية ومتعدِّ دة ،ولكن �أعظمها و�أ�سا�سها حما�سبة ال َّنف�س �إنَّ ال َّنا����س ي���وم القيامة فريق���ان؛ منهم م���ن ُيحا�سب ح�سا ًبا ي�س ًريا ،ومنهم من ُيحا�سب ح�سا ًبا ع�س ًريا. يف ال ُّدنيا. فم���ن ع�سر علي���ه احل�س���اب هَ َل َك وخ�س���ر ،ومن ُي ِّ�س���ر له فاز قال احل�سن الب�صري « ::امل�ؤمن ق َّوام على نف�سه ،يحا�سب و�سرر. نف�س���ه هلل ع���ز وجل ،و�إنمَّ ا خ َّ ���ف احل�ساب ي���وم القيامة على قوم فع���ن الفري���ق الأول يق���ول اهلل تع���اىل﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ حا�سبوا �أنف�سه���م يف ال ُّدنيا ،و�إنمَّ ا �شقَّ احل�ساب يوم القيامة على ُ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ �أقوام �أخذوا هذا الأمر من غري حما�سبة»(.)2 ﮝ﴾ [\ ،]Óويق���ول �سبحان���ه عن الفري���ق ال َّثاين﴿ :ﭺ �إنَّ حما�سب���ة ال َّنف�س من �أوكد الواجبات ،قال ابن الق ِّيم :: ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ «قد َّ دل على وج���وب حما�سبة ال َّنف�س قوله ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ وامل���ق�������ص���ود �أ َّن ����ص�ل�اح القلب تع���اىل﴿ :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ [\.]Ó مب��ح��ا���س��ب��ة ال��� َّن���ف�������س ،وف�ساده ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾ [ ،]18 :º وق���د بينَّ ال َّنب ُّ ���ي Íمعن���ى احل�ساب ب���إه��م��ال��ه��ا واال����س�ت�ر����س���ال معها يق���ول تعاىل :لينظ ْر �أحدكم م���ا ق َّدم ليوم الي�سري واحل�ساب الع�سري؛ فعن � ِّأم امل�ؤمنني ال�صاحلات القيام���ة م���ن الأعم���ال� :أم���ن َّ عائ�ش���ة áقال���ت� :س�أل���ت ر�سول اهلل ال�س ِّيئات ا َّلتي توبقه؟ ا َّلتي تنجيه� ،أم َّ Íع���ن احل�س���اب الي�سري؟ فقلت :ي���ا ر�سول اهلل! م���ا احل�ساب ال�ساعة حتَّى جعلها كغد. قال قتادة :ما زال ر ُّبكم يق ِّرب َّ الي�س�ي�ر؟ فقال :ال َّر ُج��� ُل ُت ْع َر ُ �ض َعلَ ْي ِه ُذ ُنو ُب ُه ُث َّم ي َت َج���ا َو ُز َل ُه َع ْنهَا واملق�ص���ود �أنَّ �ص�ل�اح القل���ب مبحا�سب���ة ال َّنف����س ،وف�س���اده َ ٌَ َ َ َ �إِ َّن ُه َمنْ ُنوق َ ِ�ش احلِ َ�س َ اب َهلَ َك َو َال ُي ِ�ص ُ يب َع ْبدًا �ش ْوكة ف َما ف ْوقهَا ب�إهمالها واال�سرت�سال معها»(.)3 ا�ص ُ اهلل ع َّز وج َّل بهَا مِ نْ َخ َطا َيا ُه(.)1 �إِ َّال َق َّ فيا عب���د اهلل! حا�سب نف�سك يف خلوت���ك ،وتف َّكر يف انقرا�ض فهل تعرف ـ �أ ُّيها امل�سلم! ـ ما هي الأ�سباب ا َّلتي جتعل ح�سابك م َّدت���ك ،واعمل يف زمان فراغك لوقت �شغل���ك ،وتد َّبر قبل الفعل يوم القيامة ي�س ًريا؟ م���ا ميل���ى يف �صحيفت���ك ،وانظر ه���ل نف�س���ك مع���ك �أو عليك يف جماهدتك. (� )1أخرجه �أحمد ( ،)25515وابن ح َّبان ( ،)372/16وابن خزمية (،)30/2 واحلاكم ( ،)249/4قال َّ ال�شيخ الألباين :يف «�ضعيف �أبي داود»�« :إ�سناده ح�سن».
26
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
( )2امل�صنف» البن �أبي �شيبة ( ،)36375و«الزهد» البن املبارك (.)307 (�« )3إغاثة اللهفان» (.)84/1
(« )4الزهد» البن املبارك (.)313 (« )5حما�سبة النف�س» البن �أبي الدنيا (�ص.)15
(� )6أخرجه البخاري ( )6502من حديث �أبي هريرة .Ç (« )7املوط�أ» ( ،)1800و«الزهد» لأحمد(.)597
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
تزكية وآداب
لق���د �سع���د من حا�سبه���ا ،وف���از ـ واهلل! ـ من جاهده���ا ،وقام با�ستيفاء احلقوق منها وطالبها ،وك َّلما ونت عاتبها ،وك َّلما تو َّقفت جذبها ،وك َّلما نظرت يف �آمال هواها غلبها. فات ْ َّخذ ـ �أ ُّيها امل�سلم! ـ وقتًا تخلو فيه بنف�سك ،تنظر يف �أ�صناف �أفعالها ،ظاهرها وباطنها ،وحتا�سبها ،ف�إنَّ هذا من ِ�ش َي ِم العقالء ال ُّنبهاء. ع���ن وهب بن من ِّبه ق���ال« :مكتوب يف حكمة �آل داود :ح ٌّق على العاق���ل �أن ال َيغف���ل ع���ن �أربع �ساع���ات� :ساعة يناج���ي فيها ر َّبه، و�ساع���ة يحا�سب فيها نف�سه ،و�ساعة يخل���و فيها مع �إخوانه ا َّلذين يخربون���ه بعيوب���ه وي�صدقونه ع���ن نف�سه ،و�ساعة يخل���و فيها بني ال�ساعة عو ًنا نف�س���ه وبني َّلذاتها فيم���ا يح ُّل ويجمل ،ف�إنَّ يف ه���ذه َّ إجماما للقلوب»(.)4 ال�ساعات ،و� ً على تلك َّ �إنَّ نف�سك قد تكون من جندك ،كما قد تكون من �أعدائك. ���ت من �ش ِّره���ا و�أدخلته���ا يف �ص ِّفك ،و�إن ف����إنْ حا�سبته���ا َ�س ِل ْم َ خ َّليتها و�أهملتها ا�ست�أ�س���دت و�س َّلت �سيف َبغْيها عليك فيو�شك �أن تقتلك �أو ترديك. ق���ال ميمون بن مهران« :ال يكون العبد تق ًّيا حتَّى يكون لنف�سه �أ�ش ّد حما�سبة من َّ ال�شريك ل�شريكه. ولهذا قي���ل :ال َّنف�س َّ كال�شريك اخل��� َّوان� ،إن مل حتا�سبه ذهب مبالك»(.)5 كيف يحا�سب َّ ال�شريك �شريكه؟ �إ َّن���ه ينظر يف ر�أ�س ماله؛ ف�إن وج���ده ز َكا ونمَ َ ا؛ فهذا يعني �أ َّنه نق�صا يف ر�أ�س ماله؛ قد ربح ،فيقت�سم ال ِّربح مع �شريكه ،و�إن وجد ً فهذا يعني �أ َّنه خ�سر؛ فيطالب �شريكه ب�ضمانه ويك ِّلفه بتداركه يف امل�ستقبل. فكذل���ك ينبغي �أن يك���ون امل�سلم مع نف�س���ه ،ي�س�ألها عن ر�أ�س مال���ه؛ ماذا فعلت في���ه؟ ور�أ�س مال العبد يف دين���ه (الفرائ�ض)، وربح���ه (النوافل والف�ضائل) ،وخ�سارت���ه (ت�ضييعه لذلك وتعديه حلدود اهلل) ،ومو�سم هذه التِّجارة ال َّليل وال َّنهار. فمحا�سب���ة العبد لنف�سه� :أن ينظر ما ُّ حظه من هذه التِّجارة؟ و�أي���ن موقعه منها؟ هل هو م���ن احلافظني حل���دود اهلل وامل�ؤدِّين
لفرائ�ضه؟ �أم �أ َّنه من امل�ض ِّيعني؟ في�شك���ر ر َّبه عل���ى توفيقه وي�س�أله ال َّثبات واملزي���د ،وليتب �إليه وي�ستغفره على التَّفريط والتَّق�صري. ال�سعادة يف ال ُّدنيا والآخرة، �إنَّ ال ِّربح يف هذه التِّجارة به تُنال َّ وه���ل هناك �سعادة �أعظم من ني���ل حم َّبة اهلل تعاىل؟! وهل هناك �سعادة �أعظم من �أن يكون العبد ول ًّيا هلل �سبحانه؟! �أال تعلم ـ يا عبد اهلل! ـ ب�أنَّ من �أ َّدى الفرائ�ض وتط َّوع بال َّنوافل؛ �أح َّبه اهلل تعاىل يقول اهلل تعاىل يف احلديث القد�سي: ما افْترَ َ ْ�ضتُ َعلَ ْيهِ، « َومَ���ا َت َق َّر َب ِ�إليَ َّ َع ْبدِ ي ب َِ�ش ْي ٍء َ�أ َح ّب �إِليَ َّ مِ َّ َومَ���ا َي َز ُال َع ْبدِ ي َي َت َق َّر ُب ِ�إليَ َّ بِال َّن َوافِ���لِ َح َّتى �أُحِ َّبهَُ ،ف�إِ َذا َ�أ ْح َب ْب ُتهُ؛ ُكنْ���تُ َ�س ْم َع ُه ا َّلذِ ي َي�سْ َم��� ُع ِبهَِ ،و َب َ�ص َر ُه ا َّلذِ ي ُي ْب ِ�ص ُر ِبهَِ ،و َي َد ُه ا َّلتِي َي ْبطِ ُ�ش ِبهَاَ ،ور ِْجلَ ُه ا َّلتِي يمَْ�شِ ي ِبهَاَ ،و�إِ ْن َ�س�أَ َلنِي لأُ ْع َط َي َّنهُ ،ولئ ِِن ا�سْ َت َع���ا َذنيِ ُلأعِ ي َذ َّن���هَُ ،ومَا َت َر َّدد ُْت َعنْ َ�ش ْ���ي ٍء �أَ َنا َفاعِ ُل ُه َت َر ُّددِي َعنْ م�سا َء َتهُ»(.)6 َن ْف ِ�س املُ�ؤْمِ ِنَ ،ي ْك َر ُه امل َ ْو َت َو�أَ َنا �أَ ْك َر ُه َ ال�صالح �ضربوا لنا �أروع الأمثلة يف حما�سبة ال َّنف�س �إنَّ �سلفنا َّ واحلليُ ،ز ِّينت مل���ن يريد �أن يقتدي ،و�أخبارهم يف ذل���ك كاللآلئ ِّ بها بطون الكتب. ولقد انتقيت منها ما ينا�سب املقام: ع���ن �أن�س ب���ن مالك Çق���ال� :سمعتُ عم���ر بن اخلطاب Çيوما وخرجت معه حتَّى دخل ً حائطا ،ف�سمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو يف جوف احلائط: «عمر بن اخلطاب �أم ُري امل�ؤمنني بخ ٍبخ ،واهلل لتتَّق َّني اهلل ـ ابن اخلطاب! ـ �أو ِّ ليعذب َّنك»(.)7 عن �سلم���ة بن من�صور ،عن موىل له���م كان ي�صحب الأحنف ابن قي����س قال :كنت �أ�صحب���ه فكان عا َّمة �صالت���ه ال ُّدعاء ،وكان ���م يقول :يا يج���يء امل�صب���اح في�ضع �أ�صبع���ه فيه ثم يقول :ح�س! ث َّ حني���ف! م���ا حملك على ما �صنع���ت يوم كذا؟! م���ا حملك على ما �صنعت يوم كذا؟! وعن زائدة بن قدامة قال :كان من�صور بن املعتمر �إذا ر�أيتَه؛ ���ت :رج ٌل قد �أ�صيب مب�صيب���ة ،ولقد قالت له �أ ُّمه :ما هذا ا َّلذي قل َ
27
تزكية وآداب
هم ل�ست �أعرف نف�سي ههنا. قال :فوقفَّ ،ثم قال :ال َّل َّ ال�سبيل الآخر ،فم���ر بقوم﴿ :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ث َّ ���م �أخذ يف َّ
ت�صن���ع بنف�س���ك؟! تبكي ال َّليل عا َّمته ،ال ت���كاد �أن ت�سكت ،لع َّلك يا نف�سا� ،أقتلت ً قتي�ل�ا! فيقول« :يا �أ َّم���اه! �أنا �أعلم مبا ���ي! �أ�صب���ت ً بن َّ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ �صنعت نف�سي»(.)8 وق���ال حم َّمد ب���ن املنكدر� :إنيِّ خلفت زياد ب���ن �أبي زياد موىل [\ ،]¢وم��� َّر بق���وم ..﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ اب���ن ع َّيا�ش وه���و يخا�صم نف�س���ه يف امل�سجد يق���ول« :اجل�سي �أين ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ تريدين؟ �أي���ن تذهبني؟ �أتخرجني �إىل �أح�س���ن من هذا امل�سجد؟ ﯕ ﯖ﴾ [\ ،]¤وم��� َّر بق���وم يقال لهم﴿ :ﰖ ﰗ انظري �إىل ما فيه؛ تريدين �أن تب�صري دار فالن ودار فالن ودار ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﰥ ﰦ ﰧ ﰨ ﰩ ﰪ ﰫ ﰬ ﰭ ﰮ ﰯ ﰰ ﰱ ﰲ ﰳ﴾ فالن؟»(.)9 وم���ن حما�سبة ال َّنف�س :عر����ض �أفعالها على كتاب اهلل تعاىل.]É\[ ، قال :فوقفَّ ،ثم قال :ال َّلهم �إنيِّ �أبر�أ �إليك من ه�ؤالء. ليعل���م العب���د �أه���و من ا َّلذي���ن �أح�سن���وا فلهم عن���د اهلل احل�سنى ق���ال :فما زال يق ِّلب الورق ويلتم�س حتَّ���ى وقع على هذه الآية: ال�س ِّيئات؟ وزيادة؟ �أم �أ َّنه من ا َّلذين ْاج رَت َُحوا َّ ﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ وقد ذكر اب���ن ن�صر امل���روزي يف كتابه ومن حما�سبة ال َّنف�س :عر�ض �أفعالها على ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ «خمت�ص���ر قي���ام اللي���ل» (����ص )23ع���ن كتاب اهلل تعاىل ،ليعلم العبد �أهو من ا َّلذين ق�ص ًة يف هذا املعنى ،فيها �أح�سنوا فلهم عند اهلل احل�سنى وزيادة؟ ﮘﮙ﴾ [\ ،]eفقال :اللهم ه�ؤالء. الأحنف بن قي�س َّ في���ا عبد اهلل! �إذا �أردت �أن تعرف قيمة ذك���رى وموعظة وعربة ملن كان ل���ه قلب �أو ال�س ِّيئات؟ �أم �أ َّن���ه م��ن ا َّل��ذي��ن اجْ�َتَرَ َ ُح���وا َّ ه���ذه احلي���اة ،و�إذا �أردت �أن تع���رف �أع��� َّز ال�سمع وهو �شهيد. �ألقى َّ حري ب�أن تطلبه وت�سعى يف حتقيقه وتبذل يوما،فعر�ضت له هذه الآية﴿ :ﯠ ﯡ و�أغلى م���ا فيها وما هو ٌّ جال�س���ا ً فعنه �أ َّنه كان ً ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾ [\ ،]qفانتبه ال َّنف����س وال َّنفي����س يف �سبيل ذل���ك؛ ت�ص َّور لو م ِّثل���ت لك نف�سك يف علي بامل�صحف ،لألتم�س ذكري اليوم حتَّى �أعلم مع من �أنا اجل َّنة ت�أكل ثمارها وت�شرب من �أنهارها وتعانق �أبكارهاَّ ،ثم م ِّثلت فقالَّ : ومن �أ�شبه ،فن�شر امل�صحف فم َّر بقوم﴿ :ﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ل���ك نف�سك يف ال َّنار ت�أكل من ز ُّقومها وت�شرب من حميمها وتعالج ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ �سال�سلها و�أغاللها؛ فلو �س�ألت نف�سك حينئذ وقلت لهاْ � :أي نف�سي! [\ ،]±وم���ر بق���وم﴿ :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ � ُّأي �شيء تريدين؟ ف�إ َّنه���ا تقول ل���ك ال حمال���ة� :أري���د �أن �أر َّد �إىل ال ُّدني���ا ف�أعمل ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [\|]، وم��� َّر بق���وم﴿ :ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ �صا ً حلا ،ف�أنت يف الأمنية فاعمل(.)10 [\ ،]uوم��� َّر بق���وم ...﴿ :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﭬ﴾ [\_] ،وم َّر بقوم ..﴿ :ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾
[\ ،]ºوم��� َّر بق���وم ...﴿ :ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [\§]. (�« )8شعب الإميان» (.)813 (�« )9شعب الإميان» (.)5298
28
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
( )10من كالم �إبراهيم التيمي ،انظر «�صفة ال�صفوة» ( 90/3ـ .)91
�أ�شرف جالل بن �أودينة
تزخر خزانة املذهب املالكي للمغاربة بكنوز من الفنون والعلوم ,ومن جواهر تلك الفنون �أدب ال ِّرحلة,ا َّلذي ُي َعدُّ امتدادًا لرحلة �أهل احلديث. وال َّناظر يف رحالتهم يجد �أ َّن �أرواحهم تطري ب�أجنحة َّ يدب ال�شوق �إىل ذلك املكان وتقطع عالئق الأهل والأوطان بل كان ُّ بني اجللد والعظام دبيب تلك امل�شاعر العظام من �شوق لبيت اهلل احلرام. وقد د ّونوا يف رحالتهم بنرث بديع فوائد فقه َّية و�أ�شعا ًرا عذبة مع لقا ٍء ب�أهل العلم كما �أخذوا �إجازات م�سندي ع�صرهم مع ما ز َّين رحالتِهم من غرائب ونوادر ُتطرب الأ�سماع. ٍّ م�ستقل مع اقتنا�ص ما فيها من فوائد والتقاط ما حوته من درر هذا وقد عزمت على جمع تلك ال َّرحالت يف ثبت وجواهر ,و�أذكر يف هذا املقام ً بع�ضا منها ف�أقول: ـ من �أ�شهر ال َّرحالت املغرب َّية على الإطالق رحلة ابن ُّ بطوطة. وهي ال ِّرحلة امل�س َّماة« :حتفة ال ُّن َّظار يف غرائب الأم�صار وعجائب الأ�سفار»( )1وقد ترجمت �إىل عدد من اللُّغات منها الربتغال َّية والفرن�س َّية والإجنليز َّية ،ومن العجب �أن لقَّبته جمع َّية «كمربدج» يف كتبها و�أطال�سها ب�أمري ال َّر َّحالني امل�سلمني. وابن ُّ بطوطة هو �شرف الدِّ ين �أبو عبد اهلل حم َّمد ابن عبد اهلل بن حم َّمد بن ابراهيم بن يو�سف اللواتي َّثم َّ الطنجي املتو َّفى �سنة (777هـ) ,د َّون فيها ما �شاهده يف رحلته من الأم�صار كبالد العراق وم�صر َّ وال�صني وال�شام واليمن والهند ِّ ال�سودان ويف الأندل�س� ,أمالها ب�أمر من و�أوا�سط �إفريق َّية يف بالد ُّ ال�سلطان �أبي عنان( )2ـ من ملوك بني مدين على َّ ال�شيخ حم َّمد ابن ُّ ( )1طبعت عدَّة م َّرات �أح�سنها طبعة الدُّكتور علي بن املنت�صر الكتَّاين بدار ال ِّر�سالة. علي بن عثمان بن يعقوب املريني� ،أبو عنان ( 729ـ ( )2املتو ِّكل على اهلل فار�س بن ِّ 759هـ) :من ملوك الدَّولة املرينية باملغرب ,ولد بفا�س اجلديدة ،ون�ش�أ حمبو ًبا يف قومه لف�ضله وعلمه ,ثار على �أبيه وبويع يف حياته عام ( 749هـ) ,احت َّل تلم�سان, وانتظم له املغرب الأو�سط ,وانتزع ق�سنطينة وتون�س من �أيدي احلف�ص ِّيني ,قتله �شجاعا وفقيهًا وكات ًبا بلي ًغا فار�سا ً وزيره احل�سن بن عمر الفودوي خن ًقا ,كان ً و�شاع ًرا ,له �آثار من مدار�س وزوايا« .الأعالم» (.)127/5
سيرة وتاريخ
من َّ الرحالت املغربية
ُجزَ ّي( )3الكلبي ـ و َلد �صاحب «القوانني الفقه َّية» ـ. وقال �صاحب «ال ُّدرر الكامنة»« :قر�أت ِّ بخط ابن مرزوق �أنَّ ال�سلطان �أبي �أبا عبد اهلل بن جزي َّمنق رحلته وح َّررها ب�أمر ُّ عنان وكان البلقينى رماه بالكذب ف َّرب�أه ابن مرزوق». قال ابن ُجزَ ي الكلبي يف املقدمة: «ونقلت معاين كالم َّ ال�شيخ �أبي عبداهلل ب�ألفاظ موفية للمقا�صد ا َّلتي ق�صدهاِّ ، مو�ضحة للمعاين ا َّلتي اعتمدها». ويقول يف �آخر الكتاب« :انتهى ما َّ خل�صته من تقييد َّ ال�شيخ �أبي عبداهلل حممد بن ُّ بطوطة». وابن ُّ قبوري ُ تفي�ض رحلتُه ب�أخبار املت�ص ِّوفني والأولياء بطوطة ٌّ وخوارقهم وكراماتهم مما متجه الأ�سماع وتنفر عنه ِّ الطباع. ويف رحلته هذه كذب على �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ,وذكر ( )3حم َّمد بن حم َّمد بن �أحمد بن ُجزَ يِّ الكلبي� ،أبو عبد اهلل ( 721ـ 757هـ)� :شاعر ال�سلطان َّية� ,أندل�سي من �أهل غرناطة ،ولد بها ،وا�ستكتبه �أبو من كتَّاب الدَّواوين ُّ احلجاج يو�سف بن الأحمر ال َّن�صريَّ ،ثم �ضربه بال�س َّياط من غري ذنب اقرتفه؛ َّ فانتقل �إىل املغرب و�أقام بفا�س عند ملكها املتو ِّكل على اهلل �أبي عنان املريني يِّ وتوف فيها .له كتاب يف [ تاريخ غرناطة ]« .الأعالم» (.)37/7
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
29
سيرة وتاريخ
�أ َّنه ح�ضر يوم اجلمعة وابن تيمية يعظ ال َّنا�س على منرب اجلامع ال�سماء ال ُّدنيا ونزل من درجة املنرب وهو يقول �إنَّ اهلل ينزل �إىل َّ كنزويل هذا� ...إىل �آخر االفرتاء. و�أكرب دليل على �أنَّ ابن ُّ بطوطة ـ غفر اهلل له ـ كذب على ابن تيمية كما قال حم ِّقق ال ِّرحلة ال ُّدكتور علي املنت�صر الكتَّاين: «هذا حم�ض افرتاء على َّ ال�شيخ ،:ف�إ َّنه كان قد �سجن بقلعة دم�شق قبل جميء ابن ُّ بطوطة �إليها ب�أكرث من �شهر ،فقد اتَّفق ال�ساد�س من امل�ؤ ِّرخون �أ َّنه اعتقل بقلعة دم�شق لآخر م َّرة يف اليوم َّ ال�سجن �إ َّال ميت ًا ،بينما ذكر �شعبان �سنة ( 726هـ) ومل يخرج من ِّ امل�ؤ ِّلف ـ ابن ُّ ال�صفحة ( )102من كتابه �أ َّنه و�صل بطوطة ـ يف َّ دم�شق يف التَّا�سع من رم�ضان» اهـ. وابن ُّ بطوطة مل ي�سمع من ابن تيمية ومل يجتمع به فكيف يوما لوعظ وال�سماع منه وابن تيمية ما �صعد املنرب ً ت�ص ُّح ر�ؤيته له َّ ال َّنا�س كما هو مق َّرر يف �سريته(.)4 والباعث على الكذب على �شيخ الإ�سالم �أنَّ ابن ُّ بطوطة قبوري يهوى املزارات �أ َّما موقف ابن تيمية من الزِّ يارة البدع َّية ٌّ فمعروف م�شهور .
( )4من �أوعى ال ُّردود العلم َّية على ما جاء من افرتاء يف تلك ال ِّرحلة ما َّ �سطره َّ ال�شيخ �أبو علي فركو�س حفظه اهلل ,انظر« :دعوى ن�سبة التَّ�شبيه والتَّج�سيم عبد املعزِّ حم َّمد ِّ البن تيمية وبراءته من ترويج املغر�ضني لها».
30
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
ومن �أعذب رحالت املغاربة :ال ِّرحلة امل�س َّماة« :تاج املفرق يف حتلية علماء امل�شرق»(.)5 وهي رحلة َّ ال�شيخ الع َّالمة خالد بن عي�سى ابن �أحمد بن �إبراهيم ابن �أحمد بن علي بن خالد البلوى املالكي (ت نحو 765هـ) ,وهي رحلة بديعة ال َّنرث ح�سنة الز ََِّّي عذب ُة ال َّريِّ مر�صعة بجواهر الأ�شعار. قال يف مقدِّ مته :هذا تقييد� ،أطلعه عون من اهلل وت�أييد، ق�صدت به �ضبط موارد ال ِّرحلة احلجاز َّية ،وذكر معاهد الوجهة امل�شرق َّية ،جعلها اهلل تعاىل يف ذاته وابتغاء مر�ضاته ،مب ِّنه وكرمه ،و�أملمت مع ذلك بذكر بع�ض ُّ ال�شيوخ من العلماء الف�ضالء ا َّلذين يطئون ذيول البالغة ،ويجرون ف�ضول الرباعة ،ولهم كالم يت�أ َّلق منه �شعاع َّ ال�شرق ،ويرتقرق عليه �صفاء العقل ،وينبثُّ فيه فرند احلكمة ،ويعر�ض على حلى البيان ،وينق�ش يف َف ِّ�ص الزَّمان ،ويحفظ على وجه ال َّدهر ،ويف�ضح عقائل ال ُّدر ،ويخجل نور َّ ال�شم�س والبدر ,و�أملعت بذكر نبذ من فوائدهم ،واختيار طرف من �أنا�شيدهم ،ومزجتها مبا جرت �إليه العبارة ،وح�سنت فيه الإ�شارة ،من قطع ِّ ال�شعر املنا�سبة قطع ال ُّنور ،املنتظمة من جواهر ال َّلفظ ،البعيدة الغور ،الغريبة احلفظ ،الآخذة من احل�سن ب�أوفر ِّ احلظ ،مقتديا يف ذلك ك ِّله بقول القائل: قالوا خذ العني من ِّ كل فقلت لهم يف العـني ف�ضـل ولـكن ناظر العني ح ــرفــان فـي �ألــف طـومـار مـ�سـودة وربـمـا مل تـجـد فـي الألـف حـرفـني وملا ب َّوبت ما �أ َّلفت ،ور�صعت ما جمعت ،و�شع�شعت ما و�ضعت، فجاء كما تراه ح�سن ال َّزيِّ ،عذب ال َّريِّ ،عايل القدر ،غايل ال ُّدر، م�سبوك احللية والتِّرب ،فيه للم�سمع مراد ،وللفكر معاد ،وللألباب م�سرح ومرتاد� ,سميته :بـ «تاج املفرق يف حتلية علماء امل�شرق», ودعوت اهلل تعاىل يف مواطن الإجابة� ،أن يو ِّفقني فيه للإجادة والإ�صابة ،و�أن ينفع به َّ كل من يلتم�س ال َّنفع به يف املطالعة �أو الكتابة ،وهو �سبحانه �سميع ال ُّدعاء ،جميب ال ِّنداء ،حم ِّقق ال َّرجاء ،وهو ح�سبي ونعم الوكيل». ال�سائح ,وقد �أثبت يف تقدميه للكتاب �أنَّ ابن ُّ بطوطة ربمَّ ا ( )5طبعت بتحقيق ح�سن َّ �سمع با�سم عامل من علماء البلد ا َّلتي زارها فيذكر ا�سمه يف رحلته ولو مل يتَّ�صل مما �سمعه وي�ضمنه رحلته وك�أ َّنه به اتِّ�صا ًال �شخ�ص ًّيا� ،أو يقابله حقيقة ،بل ي�ستفيد َّ قابله �أو �شاهده ،كما فعل يف تون�س حني ذكر عل ًما من �أعالمها وهو ابن الغماز.
(« )6فهر�س الفهار�س» ()472/833/2؛ كما �أفرد ترجمته بال َّت�أليف حفيده �أبو عبد اهلل حم ًَّمد بن حمزة بن �أبي �سامل يف كتابه« :الزَّهر البا�سم يف جملة من كالم �أبي �سامل». (� )7أبو عبد اهلل حم َّمد َّ ال�شهري بامل�سناوي ابن �أحمد بن حم َّمد امللقَّب بامل�سناوي ابن حم َّمد بن �أبي بكر الدَّالئي �صاحب ر�سالة «ن�صرة القب�ض وال َّر ُّد على من �أنكر م�شروعيته يف �صالتي ال َّنفل والفر�ض» ا َّلتي طبعت لكن مل حتقَّق .وكتابه «جهد ِّ املقل القا�صر يف ن�صرة َّ ال�شيخ عبد القادر» خمطوط مل يطبع بعد ويبدو من خالله �أنَّ م�ص ِّنفه مثبت ل�صفات الباري ع َّز وجلَّ.
سيرة وتاريخ
ومن �أ�شهر ال َّرحالت كذلك« :الرحلة العيا�شية �إىل الديار النورانية �أو ماء املوائد» لأبي �سامل عبد اهلل بن حم َّمد بن �أبي بكر الع َّيا�شي املغربي املتو َّفى �سنة ( 1090هـ)ـ. ا َّلذي ترجم له الكتَّاين( )6بقوله« :العيا�شي ن�سبة �إىل �آيت ال�صحراء من �أحواز عيا�ش قبيلة من الرببر تتاخم بالدهم َّ �سجلما�سة ويقال للواحد منهم بلغتهم فالن �أعيا�ش قاله َّ ال�شيخ امل�سناوي يف كتابه «جهد ِّ املقل القا�صر»(.)7 أي�ضا�« :أ َّلف رحلته َّ وقال � ً ال�شهرية يف جم َّلدين كبريين» اهـ. وهي مطبوعة بفا�س ,قال عنها َّ ال�شيخ امل�سناوي يف «جهد ِّ املقل القا�صر»« :ج َّمة الفوائد عذبة املوارد ,غزيرة ال َّنفع جليلة القدر ,جامعة يف امل�سائل العلم َّية املتن ِّوعة ما يفوت احل�صر, �سل�سة امل�ساق والعبارة ,مليحة التَّ�صريح والإ�شارة. طبعت ال ِّرحلة قد ًميا طبع ًة حجر َّية بفا�س ( 1316هـ), حجي ،م�صورة عن َّ َّ الطبعة والطبعة ال َّثانية بتحقيق حم َّمد ِّ الأوىلَّ , ال�سويدي لل َّن�شر والتَّوزيع �أبو ظبي والطبعة الث َّالثة يف دار ُّ
بتحقيق د� .سعيد الفا�ضلي و د� .سليمان القر�شي. ويوجد يف مكتبة البلدية يف مدينة الإ�سكندر َّية مب�صر ن�سخة خمطوطة حتت رقم (3437ج) يف جز�أينٍّ ، مغربي جميل، بخط ٍّ كما �أنَّ هناك ن�سخة ثانية يف مكتبة ا�ستانبول برقم (.)2415 أ�شعري العقيدة غار ٌق يف التَّ�ص ُّوف مالكي املذهب � ُّ ـ والع َّيا�شي ُّ ما ترك يف رحلته ق ًربا وال مزا ًرا �إ َّال دعا عنده ورجا بركة �صاحبه وذكر �شي ًئا من كراماته ,والغل ُّو يف القبور يف رحلته وا�ض ٌح ِّ لكل ناظر ومت�ص ِّفح. وهو حمدِّ ث وفقيه يفتي �أهل القرى ا َّلتي ينزل بها ويد ِّر�سهم فقد �شرح منظومة الإ�شبيلي يف امل�صطلح؛ كما يروي الأحاديث �صحة و�ضع ًفا ومع هذا هو �شاعر و�أديب ب�إ�سناده ويحكم عليها َّ و�صو ٌّ بي Í َّو�سل بال َّر�سول ُ يف بارع يف الت ُّ وج ُّل �شعره يف مديح ال َّن ِّ بل ك َّلما عاقه يف �سفره عائق يلج�أ �إىل اال�ستغاثة �إىل اهلل بنب ِّيه الكرمي وبالق�صائد املدح َّية لإزالة العوائق وك�شف الكربات بل ال�صعاب يف ال ِّرحلة يعود �إىل تلكم الق�صائد ـ يعتقد �أنَّ تذليل ِّ وهو مع ِّ كل هذا من �أ�صحاب املوالد والزَّارات وامل�شاهد ـ ويذكر �أ َّنه مدح ال َّر�سول Íيف املولد يف ق�صائد رتَّبها على حروف املعجم. وعقد ف�ص ًال يف رحلته وجمع ر�سالة �س َّماها «حترير كالم بي يف ال َّنوم» ,ح�شد فيها ال ُّن�صو�ص و�ساق القوم يف �أمر ال َّن ِّ بي يف ع�شرات الأقوال للأ َّمية يف امل�س�ألة كما َّ رجح فيها ر�ؤية ال َّن ِّ اليقظة على مذهب املت�ص ِّوفة وعمدته يف ذلك ر�سالة «الكواكب الزَّاهرة يف اجتماع الأولياء يقظة ب�سيد الأولني والآخرين يف لل�شيخ عبد القادر بن مغيزل َّ ال ُّدنيا والآخرة» َّ ال�شاذيل(.)8 وم�سار رحلته كان ابتدا ًء ب�سجلما�سة ما ًّرا مبدينتي تقرت وورقلة وقد �س َّماهما يف رحلته (�أوكرت و وارك َال)�إىل طرابل�س فالقاهرة �إىل رابغ فمكة واملدينة كما انتقل يف عودته �إىل القد�س واخلليل وغزَّة َّثم م َّر بب�سكرة �إىل �أن و�صل لبلده ظهر الأربعاء �سابع ع�شر �ش َّوال �سنة �أربع و�سبعني و�ألف. الذهبي يف «العرب» فقالَّ : ( )8ذكره الإمام َّ علي بن عبد اهلل بن «ال�شاذيل �أبو احل�سن ُّ عبد اجل َّبار املغربي ،الزَّاهد� ،شيخ َّ الطائفة َّ ال�شاذل َّية� ،سكن الإ�سكندرية وله عبارات يف التَّ�ص ُّوف توهم ،ويتك َّلف له يف االعتذار عنها ،وعنه �أخذ �أبو الع َّبا�س املر�سي ،يِّ وتوف َّ متوجهًا �إىل بيت اهلل احلرام يف �أوائل ال�شاذيل ب�صحراء عيذاب ِّ ذي القعدة 656هـ» ،عيذاب :على طريق ال�صعيد مب�صر.
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
31
سيرة وتاريخ
ويذكر يف هذه ال ِّرحلة زيارة الأتقياء ولقاء امل�شايخ الف�ضالء ممن اجتمع بهم من العلماء وحما�ضرة الأدباء الف�ضالء و فوائد َّ والأئ َّمة وما وقف عليه من كتب و�شروح يف مكتباتهم. خ�ص م�شيخته بفهر�سة �س َّماها« :اقتفاء الأثر» ذكر وقد َّ �شيوخه املغاربة وامل�شارقة وع َّرف بهم ومبا �أخذ عنهم. ويبلغ جمموع ُّ ممن �أخذ ال�شيوخ ا َّلذين لقيهم يف وجهته َّ عنهم من العلماء و�أ�صحاب َّ الطلب� ،أو ا َّلذين تبادل معهم الأخذ �أو �أفادوا منه ،ما يزيد على ت�سعني رج ًال. * �أخذه للقر�آن الكرمي: و�أ َّول من قر�أ عليه باملدينة غداة نزوله بهاَّ ، ال�شيخ املقرئ �أبو احل�سن علي الديبع اليمني قال :ف�س�ألته �أن �أقر�أ عليه ختمة من القر�آن العظيم بقراءة الإمام عبد اهلل بن كثري امل ِّكي ،ف�أذن معلوما بني من يقر�أ عليه و… كان يف ذلك ،وجعل يل وقتًا ً ال�سبع ،جميدً ا لها ،ح�سن التِّالوة ،ما �سمعت حم ِّق ًقا لقراءة َّ �أذين يف �أقطار الأر�ض ك ِّلها ـ على كرثة ما �سمعت ـ �أح�سن منه تالوته للقر�آن و�أطيب منه نغمة به ،و�أجود منه ترتي ًال له ،يعطي احلروف حقَّها يف خمارجها من غري �إفراط وال تفريط يف ت�ؤدة يرجع فيها ترجيع و�سكون ووقار ،بقراءة م�سرت�سلة متنا�سبة ،ال ِّ �أهل الأحلان… وال مي ُّد يف غري حمل املدِّ ،وال يرتكه يف حم ِّله ً تو�سط وتفخيم وترقيق وتغليط وت�شديد حمافظا على مراتبه من ُّ وغ َّنة و�إظهار و�إخفاء� ,إذا ر�أيته يقر�أ ر�أيت �أ َّنه يخ�شى اهلل. ومن العلماء ا َّلذين التقى بهم يف رحلته كما يذكر يف ترجمة َّ ال�شيخ حم َّمد بن عبد الكرمي الفكون الق�سنطيني( )10ما �أنتجه والده ال�شيخ من كتابة وت�أليف ,وكان َّ َّ احلاج ال�شيخ االبن حم َّمد� ،أم َري ركب ِّ اجلزائري ا َّلذي ينطلق من ق�سنطينة ،لقيه �أبو �سامل يف �أوىل �إمارة ال َّركب ,وكان �أبو �سامل قد �أدرك َّ ال�شيخ الوالد عبد الكرمي الفكون ()9
حج معه �سنة ( 1064هـ). (ت 1073هـ) والتقى به ملا َّ ( )9ن�شرت فهر�سة «اقتفاء الأثر» بتحقيق الأ�ستاذة نفي�سة َّ الذهبي ،و�صدرت �ضمن من�شورات ك ِّل َّية الآداب بال ِّرباط1996 ،م. ال�سلفية» لأبي القا�سم �سعد اهلل, (�« )10شيخ اال�سالم عبد الكرمي الفكون /داعية َّ ال َّنا�شر :دار الغرب الإ�سالمي ـ بريوت.
32
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
مما َّ اطلع عليه من كتب َّ ال�شيخ(:)11 فكان َّ ـ «�شرح على �أرجوزة املكودي يف التَّ�صريف» ،وهو �شرح ج ِّيد ،فاق فيه ـ ح�سب �أبي �سامل ـ �شرح �أبي عبد اهلل املرابط الدالئي(.)12 ـ«جزء يف حترمي ال ُّدخان»(.)13 ـ«كتاب يف حوادث فقراء الوقت». ـ«�شرح خمارج احلروف من َّ ال�شاطب َّية». ـ«�شرح المية اجلمل البن املجراد ال�سلوي». ـ �شرح �شواهد َّ ال�شريف على اجلرومية. كما َّ اطلع �أبو �سامل يف م َّكة � ً أي�ضا على كتب نادرة �أخرى ،منها «تاريخ الإ�سالم» َّ للذهبي يف ع�شرة �أجزاء كبار. * فوائد وغرائب : من ال َّنوادر ا َّلتي �ساقها �أ َّنه دخل مدينة ورقلة و�أقام بها حل�ضور �صالة اجلمعة ,و�ص َّلى بجامع املالكية ,خطب بها اخلطيب خطبة �أكرث فيها ال َّلحن واخلط�أ والتَّحريف مع �إدغام �أكرث ت�صح معه جمعة �إن كانت �صالته حروفها ,فكان يتخ َّوف �أن ال َّ كخطبته ا َّلتي دعا فيها للإمام املهدي َّثم لل�سلطان الأعظم ,فل َّما بي �س�أل اخلطيب عن املهدي �أهو املنتظر �أم غريه �أجاب ب�أ َّنه ال َّن ُّ فظهر �أ َّنه ال يفقه �شي ًئا ,قال ال ُّرحلة :فعلمت �أنَّ اخلطبة مكتوبة يف �صحيفة من �أ َّيام املهدي بن تومرت. ومن الغرائب(� )14أ َّنه ق�صد م�سجدً ا ل�صالة املغرب ُمتقنَ جم�ص�ص الأر�ض واحليطان ,على بابه �أماكن ,وبجانبه ال�صنعةَّ , َّ مائ�ضة مع َّدة للو�ضوء ومكان لق�ضاء احلاجة وت�سخني املاء ,قال: كب �أرب ًعا �أ َّول الأذان و�أرب ًعا �آخ ًرا ف�أعجبني غاية فل َّما دخل امل� ِّؤذن رَّ ف�أنكر ذلك يف نف�سه �إذ القوم مالكية يف ظ ِّنه فل َّما دخل ال َّنا�س لل�صالة ابتدروا زوايا امل�سجد يتي َّممون ,فقلت :عج ًبا ه�ؤالء كلُّهم َّ ( )11ما ذكر من م�ؤ َّلفات ال تزال خمطوطة وما طبع منها مل يذكره ال َّر َّحالة وهو كتاب «من�شور الهداية يف من ادعى العلم والوالية» ,تقدمي و حتقيق و تعليق :الدُّكتور �أبو القا�سم �سعد اهلل ,ن�شر :دار الغرب الإ�سالمي ـ بريوت. ال�سبعني لرواة الإقرا[كذا] عدَّة» :ذكر �أبو ومن م�ؤ َّلفاته «�سربال ال ِّردَّة يف من جعل َّ القا�سم �سعد اهلل يف مو�سوعته «تاريخ اجلزائر»� )25/2( :أنَّ الكتاب خمطوط غني بالآراء وال ُّنقول ،عالج فيه �أنواع القراءات بباري�س ،وهو ت�أليف يف القراءاتٌّ ، ورواتها. حجي ـ املطبعة الوطن َّية يا�سي» ملح َّمد ِّ ( )12انظر« :الزَّاوية الدالئية ودورها الدِّ يني ِّ وال�س ّ ال ِّرباط ـ؛ وله �شرح على ت�صريف الأفعال توجد منه ن�سخة بخزانة َّ ال�شيخ الب�شري حممودي بالغرب اجلزائري ,انظر فهر�سة رقم 48. ال�سنان يف نحور �أ�صحاب الدُّخان» َّ خل�صه الع َّيا�شي يف رحلته. ( )13وا�سمه« :حمدد ِّ ( )14انظر ( 116ـ )126من ال ِّرحلة.
ومن ال َّرحالت ا َّلتي تزخر بها خزانة املغاربة: «�أ�صفى املوارد يف تهذيب نظم ال ِّرحلة احلجازية َّ لل�شيخ ال�سو�سي ,طبعة املغرب. الوالد» ملح َّمد املختار ُّ «رحلة التجاين» ت�أليف �أبي حم َّمد عبداهلل بن حم َّمد ابن �أحمد التجانى التُّون�سي (ت 717هـ) ,طبع يف ال َّدار العرب َّية للكتاب ليبيا ـ تون�س (.)1981
سيرة وتاريخ
من ذوي الأعذار َّثم وقع يف نف�سي �أ َّنهم رواف�ضَّ ,ثم �س�أل بعد ذلك ف�إذا هم طائفة من الإبا�ض َّية من �أتباع عبد اهلل بن �أبا�ض يوافقون املعتزلة يف �أكرث عوائدهم ,كنفي الر�ؤية والقول بخلق ال�صحابة ,وهم كثريون يف هذه القرية, القر�آن ,ويبغ�ضون بع�ض َّ .و�أ�صل مادَّتهم من جبال �أبا�ض وهم كلُّهم رواف�ض( ,)15وه�ؤالء ن�ص على هذه ال َّرواف�ض ي�س ُّمون �أ�شياخهم بعم فالن ,فيقولون َّ عم ابراهيم. عم داود �أو ِّ امل�س�ألة ِّ وقال � ً أي�ضا :وجدنا يف بع�ض املزارع رج ًال يحرث ببقرة واحدة ,و�آخر يحرث بجمل ,والأعجب منهما �إن�سان يحرث ب�إن�سان �آخر مي�سك �أحدهما املحراث ويجر الآخر. رغم طبع هذه ال ِّرحلة ع َّدة طبعات فهي مل حتقَّق حتقي ًقا وتو�سل غري م�شروع علم ًّيا يك�شف ما فيها من غل ٍّو يف َّ ال�صاحلني ُّ لل�صفات وغريها من امل�سائل العقد َّية امله َّمة. وت� ٍ أويل ِّ
«نا�صر ال ِّدَين على القوم الكافرين» ـ خمطوط ـ وهو املخت�صر من كتاب «رحلة ِّ ال�شهاب». م�ؤ ِّلفه � :أحمد بن قا�سم بن �أحمد بن الفقيه قا�سم. دار الكتب امل�صر َّية القاهرة رقم ( ,)1634عدد الأوراق: 38ورقة. «رحلة العبدري» (ت بعد 688هـ) ,وهو الع َّالمة الأديب املحدِّ ث امل�سند ال َّناقد ال َّر َّحال �أبو عبد اهلل حم َّمد بن حم َّمد ابن حم َّمد بن علي بن �أحمد بن م�سعود العبدري املغربي املالكي. اجتماعه بابن دقيق العيد ,ومدحه البن يحكي يف رحلته َ َّ القطان الفا�سي قال الزِّ ركلي يف «الأعالم» ( :)31/7كتاب (رحلته ـ خ) ن�شر �شاربونو ) (Charbonneauمقتطفات منه يف املجلة الآ�سيوية ( 4من احللقة اخلام�سة) ومنه خمطوطة م�ص َّورة كاملة يف دار الكتب امل�صر َّية (رقم 2218تاريخ ،تيمور) وكان العبدري قد بد�أ بتقييدها يف تلم�سان ,ورحل من تلم�سان يف ربيع الأ َّول ( 689هـ), احلج ،وا�ستق َّر يف بلده ،حيث �أجنز َّثم عاد �إليها يف طريقه بعد ِّ ال ِّرحلة .اهـ «رحلة ابن جبري» :لأبي احل�سن حم َّمد بن �أحمد بن جبري الكناين الأندل�سي البلن�سي� ,س َّماها« :تذكرة بالأخبار عن ا ِّتفاقات الأ�سفار» ,ابتد�أ بتقييدها يوم اجلمعة يِّ املوف ثالثني ل�ش َّوال �سنة ( 578هـ). �سمع من �أبيه ب�شاطبة وعني بالأدب فبلغ الغاية فيه وتق َّدم يف �صناعة القري�ض والكتابة ,خرج من غرناطة يف رحلته الأوىل يوما ورحل �إىل �سنة 578هـ وو�صل �إىل اال�سكندرية بعد ثالثني ً َّ ال�شام والعراق واجلزيرة وغريها َّثم عاد �إىل الأندل�س �سنة ( 581هـ) ,وذكر يف هذه ال ِّرحلة ما �شاهده من الآثار ,وو�صف
ال�سلطان �صالح الدِّ ين الأ ُّيوبي وامل�سجد حال م�صر يف زمن ُّ «رحلة الوزير يف افتكاك الأ�سري» ت�أليف الوزير حم َّمد ابن وال�ساعة العجيبة ا َّلتي كانت فيه وانتقد الأق�صى واجلامع الأموي َّ الغ�ساين الأندل�سي الفا�سي املالكي (ت 1119هـ), عبد َّ الوهاب َّ كث ًريا من الأحوال. ال�سويدي ـ الإماراتَّ , الطبعة الأوىل ( )2002بتحقيق طبع يف دار ُّ وال َّثانية رحلها بعد فتح بيت املقد�س على يد �صالح الدِّ ين, نوري اجلراح. تبد�أ �سنة ( 585هـ) وتنتهي �سنة ( 587هـ). ( )15ال�صواب �أنهم ين�سبون �إىل اخلوارج [التحرير]. ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
33
سيرة وتاريخ
ؤن�سا للغرباء ,عا�ش ًقا لق�ضاء حوائج ال َّنا�س, وال َّثالثة من �سبتة �إىل م َّكة املك َّرمة وبيت املقد�س ,وكان املرتجم من �أهل املروءات ,م� ً كانت وفاته باال�سكندرية. طبعت رحلته با�سم« :رحلة ابن جبري» �أو «ال ِّرحلة �إىل امل�شرق» ,ومعها مقدِّ مة باللُّغة االنكليزية للم�ست�شرق ويليم ريط ليدن �سنة ال�سعادة م�صر �سنة (1326هـ ـ 1908م). (1852م)َّ ,ثم �سنة (1907م) على نفقة جلنة تذكار جيب ,ويف مطبعة َّ «ملء العيبة مبا جمع بطول الغيبة يف الوجهة الوجيهة �إىل احلرمني م َّكة و طيبة» املعروفة بـ« :رحلة ابن ر�شيد ال�سبتي» (ت721هـ). طبعة ال َّدار التُّون�سية لل َّن�شر 1402هـ ـ 1982م حتقيق :ال ُّدكتور حم َّمد احلبيب بن اخلوجة. لل�شيخ �أبي اجلمال حم َّمد َّ «ال ِّرحلة الإبريز َّية �إىل الدِّيار الإجنليز َّية» َّ الطاهر بن عبد ال َّرحمن الفا�سي. كتاب ممتع حكى فيه م�ؤ ِّلفه ما �شاهده يف رحلة �إىل الدِّ يار الإجنليز َّية قام بها عام ( 1276هـ) املوافق (1860م) ك�سفري لل َّدولة املغرب َّية العلو َّية ,وهو ي�صف العجائب والغرائب ا َّلتي �شاهدها هناك مبا فيها من عربة ملن اعترب. طبع يف جامعة حم َّمد اخلام�س �سنة ( 1387هـ ـ 1967م) بتحقيق الأ�ستاذ حم َّمد الفا�سي. رحالت علم َّي ٍة للمغاربة راج ًيا من اهلل التَّوفيق والعون لذكر ما حوته من فوائد ,واقتنا�ص ما هذا ما ت�س َّنى ذكره يف هذا املقام من ٍ فيها من �شوارد الفرائد ,يف مقام �آخر واحلمد هلل �أ َّو ًال و�آخ ًرا وظاه ًرا وباط ًنا و�ص َّلى اهلل على حم َّمد نب ِّينا وعلى �آله و�صحبه و�س َّلم.
34
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
�أ�ستاذ بكلية العلوم الإ�سالمية بجامعة اجلزائر
فتاوى شرعية
يف ضابط املسابقات وحكم الدورات الرياضية بني املساجد
�أ.د .حممد علي فركو�س
كالتح ُّزب���ات و�إثار ِة الفنت وتنمي ِة الأحق���اد والبغ�ضاء والتَّنافر� ،أو ال�سـ�ؤال: �ضابطا يف عموم كانت قائم ًة على احل ِّ و�ش ْبهِ ِه؛ ويف مثل هذه ���ظ وامل�صادفة كالنرَّ د ِ ً نرجو من �شيخنا الفا�ضل �أن يذكر لنا ً ُ امل�سابقات ويف�صِّ ل لنا يف هذه امل�س�ألة ا َّلتي َع َّمت بها البلوى ،امل�سابقات يحرم َب ْذل ال ِع َو ِ�ض عليها ا ِّتفاقا. �أ َّم���ا �إذا انتف���ت هذه الأو�ص���اف عنها ،ف�إن كان���ت مبن َّي ًة على ال�صيف� ،أال وهي :الدَّورات ال َّرِيا�ض َّية, خا�ص ًة يف ف�صل َّ َّ حت�صي���ل املقا�صد َّ ال�شرع َّية يف الغ���زو واالنتفاع بها يف اجلهاد يف وتفا�صيلها كما يلي: ومر�ضي هلل ���وب فيه ال�سباق عليه حمبوب ومرغ ٌ ٌ كل م�سجد يك ِّون �سبي���ل اهلل ف����إنَّ ِّ ٌُّ ُت َن َّظ ُم هذه الدَّورة بني امل�ساجد ،حيث ُّ �ستحب َب ْذ ُل ال ِع َو ِ�ض عليه ،و�إن كانت خالي ًة من املقا�صد حم�سن مببل ٍغ من املال بح�سبه ،تع���اىل ،و ُي ُّ خا�صا به ،و ُي�سهم ُّ كل ٍ فري ًقا ًّ ال�سابق���ة وال معن���ى لها �سوى بناء اجل�سم وتقويت���ه وتن�شيط ال َّدم َّ ث َّم جُتمع تلك الأموال ،وي�شرتى بها ر�سائل يف الفقه �أو ت َم ُع و ُت َو َّزع على الفقراء والع�ض�ل�ات باحل���ركات ق�صد التَّخلُّ����ص من الأمرا����ض العالقة يف ال َّتوحيد لعوا ِّم ال َّنا�س؛ �أو جُْ وامل�ساكني �أو ُت�صْ َر ُف يف بناء امل�ساجد وامل�ص َّل َيات و�سائر وجوه والأ�سق���ام املزمنة ،ف�إنَّ مثل ه���ذه امل�سابقات تندرج حتت قاعدة: اح ُة َوا َ جل َوا ُز» ،وهي «الأَ�صْ ُل فيِ الأَ�شْ َيا ِء َوالأَ ْع َيانِ امل ُ ْن َت َف ِع ِبهَا ا ِلإ َب َ رب واخلري. ال ِّ ال تنايف � َ أ�صول َّ ال�شريعة يف اجلملة الآمرة ب�إعداد ال ُق َّوة اجل�سد َّية ريا. �أفيدونا ،وجزاكم اهلل خ ً �شرعا. جائز غري عليها العو�ض بذل ولكن ة, ي اجل�سمان ً َّ ودلي ُ ����ض على مثل هذه امل�سابقات عدم م�شروع ِّي ِة َب ْذ ِل ال ِع َو ِ ���ل ِ اجلـواب: م���ا �أخرج���ه الأربعة و�أحم���د من حديث �أبي هري���رة Çقال: ق���ال ر�سول اهلل َ « :Íال َ�س َب��� َق �إِ َّال فيِ َن�صْ لٍ َ �أ ْو ُخ ٍّ ���ف َ�أ ْو َحافِرٍ »(،)1 �شرعي يظهر يف ب�ضابط �إنَّ عموم امل�سابق���ات ميكن �ضبطها ٍ ٍّ �أنَّ ُ :ك َّل م�سابق���ة تحُ رم �إذا ما ا�شتملت على حمرم ذاتي �أو و�صفي وه���ذا احلديث و�إن روي ب�إ�س���كان الباء يف قوله« :ال َ�سبْ���ق� »...إ َّال ٍ َّ ٍّ ٍّ والذكر� ،أو �أنَّ املحف���وظ من ال ِّرواي���ات بفتحها ،وهذا املراد من���ه العو�ض �أو كال�ص�ل�اة ِّ ���ي� ،أو َ�ص��� َّدت ع���ن ٍ ���ي َّ واجب �شرع ٍّ �أو َ�ش ْرط ٍّ ا�ستوعب���ت جمي َع الوق���ت بحيث ت�صرف عن واجب���ات احلياة� ،أو (� )1أخرجه �أبو داود ( ،)2574رِّ والتمذي ( ،)1700وال َّن�سائي ( ،)3585وابن ماجه ح�سنه الألباين ( ،)2878وابن ح َّبان ( ،)1638و�أحمد ( ،)474/2واحلديث َّ ترتَّ���ب عليها �ضر ٌر م�ؤ َّك���د �أو مف�سد ٌة متحقَّقة فرد َّي��� ًة �أو جماع َّي ًة، يف «الإرواء».)1506( : ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
35
فتاوى شرعية
ا ُ جل ْع���ل �أو ال ِّرهان ،ورواي���ة الإ�سكان ـ ولو ُ�س ِّل َم ـ لكانت حممول ًة على نف���ي الكمال والتَّمام� ،أي :ال َ�س ْب���ق �أكمل منفع ًة و�أ ُّمت م�صلح ًة �إ َّال يف ال َّثالثة ،وظاه���ر احلديث يد ُّل على م�شروع َّي���ة امل�سابقات وح�صر َب ْ ���ذ ِل ال ِعو�ض عل���ى املذكورات يف احلديث بكونه���ا ريا�ض ًة حممود ًة باعث��� ًة على حت�صيل املقا�ص���د َّ ال�سالفة البي���ان ،وما عدا ال�شرعية َّ ذلك فقد نفاه َّ ال�شرع �إ َّما مبفهوم احل�صر �أو بكون الأ�صل يف الأموال حكم املنع وال ُيخْ َر ُم احل�ص ُر الوارد ال َّتح���رمي ،وعليه فال ُيعدَل عن ِ �سائغ تتج َّلى فيه تلك دليل ٍ يف احلديث �إ َّال بوج���ود ٍ �صارف �أو ٍ قيا�س ٍ ي�صح بذل ا ُ املقا�صد َّ جلعل �أو ال ِعو�ض عليها. ال�شرعية حتَّى َّ
�صارف ن�ص ٍ َّ ومما يعدل ب���ه عن الأ�صل املق َّرر يف املنع لوجود ٍّ عبد يزيدَ على �شا ٍة ف�صرعه ���ي Íركان َة بنَ ِ عنه م�صارع ُة النب ِّ ���ي َّ Íثم عاد ف�صرعه ،ف�أ�سلم ور َّد عليه الغنم( ،)2واحلديث ال َّنب ُّ خم�ص ً�صا وح َّ�سنه الألباين( ،)3فيك���ون احلديث ِّ َج َّوده اب���ن الق ِّيم َ لعموم منع البذل بالعو�ض ُّ بال�شروط والقيود املذكورة �آن ًفا. و ُيلح���ق به كذلك امل�سابقات ال ِعلم َّي���ة يف حفظ القر�آن الكرمي واحلدي���ث ال َّنب���ويِّ َّ ال�شري���ف ودرايت���ه ،ومعرف���ة �أح���كام الفق���ه تنمي وال�سرية ال َّنبو َّية ,وغريها من العلوم ال َّنافعة� ,إذ ِّ ���ي ِّ الإ�سالم ِّ (� ) 2أخرجه �أبو داود ( ،)4078رِّ والتمذي ( ،)1784واحلاكم ( ،)452/3والبخاري علي يف «التَّاريخ الكبري» ( ،)221/82/1/1من حديث �أبي جعفر بن حم َّمد بن ِّ ابن ركانة عن �أبيه. (« )3الفرو�س َّية» البن الق ِّيم (�« ،)202إرواء الغليل» (.)329/5
36
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
وتو�س���ع دائرتها ,وتبعث يف ال َّنف����س ُح َّب التَّعلُّم الق���درات العلم َّية ِّ وت�شج���ع التَّناف����س على اخل�ي�ر وال َّنفع ،وي���د ُّل عليه ما واملعرف���ةِّ , �أخرج���ه رِّ ال�صدِّ يق Çرَاهَ ���نَ كفَّا َر التمذي م���ن �أنَّ �أبا بك���ر ِّ م َّك َة على غلبة ال ُّروم للفر�س ،وقد َب َذ َل ُك ٌّل منهما ُجع ًال للآخر(،)4 واحلادث���ة وقعت يف زمانه Íمن غري نك ٍريَّ ، فدل �إقرا ُره له على ال�ساد�سة من ال�سن���ة َّ ج���وازِه ،عل ًما ب����أنَّ ال ُّروم �إنمَّ���ا انت�صرت يف َّ الهج���رة �أو ما بعدها ومل يقم دليل ن�سخ���ه ،ومن جهة �أخرى ف�إنَّ الدِّ ي���ن قيامه با ُ حل َّج���ة واجلهاد ،ف�إذا ج���ازت املراهنة على �آالت اجلهاد فهي يف العلم �أوىل باجلواز ،وهو مذهب الأحناف( ،)5وبه قال ابن تيمية( )6وارت�ضاه ابن الق ِّيم( )7رحمهم اهلل تعاىل. وم���ن ب�ي�ن الأقي�سة ا َّلتي ميك���ن �إحلاقها بامل�ستثني���ات ال َّثالثة ال�سابق���ة املذك���ورة يف احلدي���ث يف ج���واز ب���ذل العو����ض عليها: َّ امل�سابق���ة على الأقدام م�ش ًيا وجر ًيا ،وق���د نقل ال َّنووي وابن الق ِّيم ج���واز امل�سابقة على الأقدام ب���دون عو�ض ،وم�ستن���د الإجماع �أنَّ النبي Íملَّا كان يف �سفر مع عائ�شة áف�سابقته على رجلها َّ ف�سبقت���ه ،فل َّما حملت ال َّلح���م �سابقته ف�سبقها فقال« :هَ���ذِ ِه ِب ِت ْل َك ال�س ْب َق���ةِ»( ،)8وروى م�سل���م �أنَّ �سلم َة بن الأكوع � Çسا َبقَ رج ًال َّ من الأن�صار بح�ضرة ال َّنبي Íيف يوم ذي َق َرد(.)9 �أ َّم���ا َب ْذ ُل ال ِعو����ض يف امل�سابقة على الأق���دام فحكمها اجلواز ال�صحي���ح مل���ا فيه م���ن ريا�ض��� ِة الب���دن ومتري ِنه عل���ى خفَّة عل���ى َّ مما هو مطلوب يف الغزو ،وي�ستعان به احلركة والإ�سراع وال َّن�شاط َّ يف حت�صي���ل املقا�صد َّ ال�شرعية وه���و ال يختلف عن اخليل يف قتال الفر�سان وهو داخل حتت قوله تعاىل ﴿ :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [ ،]60 :dقال الزُّهري :كانوا ي�ستبقون على اخليل وال ِّركاب وعلى �أقدامهم(.)10 و�إىل جتويز البذل ذهب الأحناف( )11وبع�ض َّ ال�شافع َّية( )12وهو (� )4أخرجه رِّ التمذي ( ،)3193من حديث ابن ع َّبا�س .È ( )5انظر« :حا�شية ابن العابدين» (« ،)403/6تبيني احلقائق» للزيلعي (.)228/6 (« )6االختيارات الفقه َّية» (.)160 (« )7الفرو�س َّية» البن الق ِّيم (.)97 (� )8أخرجه �أبو داود ( ،)2578و�أحمد ( ،)27031و�أبو نعيم يف «ريا�ضة الأبدان» و�صححه الألباين يف «الإرواء» (.)327/5 ( ،)2/39من حديث عائ�شة َّ ،á
(� )9أخرجه م�سلم (.)4779
(« )10امل�ص َّنف» ابن �أبي �شيبة (.)34242 ال�صنائع» للك�ساين (« ،)3878/8حا�شية ابن العابدين» (.)402/6 (« )11بدائع َّ (« )12املجموع �شرح َّ املهذب» ( 27/14ـ .)30
(« )13االختيارات» البن تيمية (.)160 (� )14أخرجه البخاري ( ،)2179وم�سلم ( )1596من حديث �أ�سامة بن زيد .È
فتاوى شرعية
من اختيارات ابن تيمية( )13رحمهم اهلل تعاىل. ال�س َبق ال يحمل على ال َّنفي وعلي���ه ف�إنَّ احلديث الوارد يف نفي َّ املطلق ،وال يكون التَّن�صي�ص على ال َّثالثـة يف احلديث ا�ستثنا ًء و�إن خ���رج خمرج اال�ستثناء ،و�إنمَّ ا املق�ص���ود به التَّوكيد على معنى �أنَّ ال�س َبق هذه املذك���ورات ال َّثالثة ل�شمول نفعها �أح���قَّ ما بذلتم عليه َّ ومت���ام م�صلحته���ا ،وهو ال ينف���ي جواز ما عداه يف ب���ذل العو�ض، ومثل���ه قول���ه َ « :Íال ِر َب���ا ِ�إ َّال فيِ ال َّن�سِ ي َئ���ةِ»(� ،)14أي :ال ِّربا الأغلظ والأ�ش ُّد يف ال َّن�سيئة وال ينفي ربا الف�ضل. هذا ،و�إذا تق َّرر عدم جواز بذل العو�ض يف امل�سابقات التي مل ي َّ �ص �أو مل تكن يف معن���ى ال َّن ِّ�ص كامل�سابقات بالكرة ���دل عليها ال َّن ُّ عموم���ا ف�إ َّنه مينع فيها بذل العو�ض ب����أن ي�أخذ �أحد منهما ب�سبب ً ف���وزه مبل ًغا مال ًّيا �أو عين ًّيا �أو ن�سب ًة يتم َّيز بها الفائز عن اخلا�سر، أجنبي خارج عن املت�سابقني �أو �سواء كان البذل من الإمام �أو من � ٍّ �أحد املت�سابقني �أو املت�سابقني جمي ًعا ببذل جزء من ذلك اجلعل. ً لل�ساب���ق على �سب ِقه، وه���ذا ُكلُّ���ه فيما �إذا كان امل���ال م�شروطا َّ وهو اجلعل الواقع ره ًنا على امل�سابقة� ،أ َّما �إذا كانت امل�سابقة غري مبال و�إنمَّ ا امل���راد منها خ�صو�ص امل�سابق���ة وا�ستعمالها مرهون���ة ٍ ربع ق�صد امل�ساعدة والتَّعاون طل ًبا طري ًقا جلمع املال على جهة ال َّت ُّ ال�صورة معدود من عقود االرتفاق لل َّثواب من اهلل تعاىل فهو بهذه ُّ ربع والهبة ال�سبق واجلعل ،ذل���ك لأنَّ ال َّت ُّ وه���ي خارجة عن عق���ود َّ ال�سبق ،فمن حيث الق�صد فن َّية يختل���ف من ع َّدة جوانب عن عقد َّ ال�سع���ي لتحقيق الك�س���ب املادِّي امل�ساب���ق �أو املراه���ن قائمة على َّ ال ُّدني���وي وحت�صي���ل ال َّتف��� ُّوق وانتزاعه بالغلبة بحي���ث يكون غال ًبا للمت�ب�رع �أو الواهب فغر�ض���ه م�ساعدة وخ�صم���ه مغلو ًب���ا ،خال ًفا ِّ ال َّنا�س ونفعهم و�إعانتهم على حتقيق حاجياتهم مع ق�صد ال َّثواب ربع غ�ي�ر مبن َّية على الأخ���روي ،وم���ن جهة �أخرى ف����إنَّ حقيقة ال َّت ُّ عم���ل يقوم به الغري� ،إذ لو كان كذلك خلرج عن حقيق ِة كو ِنه هب ًة وانقلب �إىل عقد معاو�ضة ،كما يظهر الفرق بينهما جل ًّيا من حيث ال�سبق وال ِّرهان واخلطر واجلعل التَّ�سمية واحلكم؛ ذلك لأنَّ ا�سم َّ وال�صدقة ٍّ ولكل منهما �أحكام مغايرة للأخرى ربع َّ غ�ي�ر الهبة وال َّت ُّ
وخمالفة لها. ال�س�ؤال ال يحكمها وبنا ًء على ما تق َّدم ف�إنَّ ُّ ال�صورة املذكورة يف ُّ ربع���ات با ِّتخاذ هذه ال�سب���ق و�إنمَّ���ا تندرج �ضم���ن عق���ود ال َّت ُّ عق���د َّ ت�ب�رع ونفع ال َّنا�س� ،إذ امل�سابق���ات ـ و ه���ي جائزة يف الأ�صل ـ و�سيلة ُّ ربع �إخراج الإن�سان ماله لغريه بق�صد الإعانة دون طلب حقيقة ال َّت ُّ ً داخ�ل�ا حتتها فالأ�صل العو����ض وهو من عقود االرتف���اق ،وما كان ال�سب���ق املتم ِّثل يف بذل مال على فيه ِ احل��� ُّل واجلواز ،بينما حقيقة َّ عم���ل �أو نفع على وجه العو�ض وهو �أقرب �إىل عقود املعاو�ضات من غريها فافرت َقا. وتقري���ر حكم اجل���واز ال ينبغي �أن يزاحمه م���ا يتنافى و�أحكام َّ ال�صالة ال�ش���رع َّ مما تق َّدم ذكره ف�ض ًال عن ك�شف العورات و�ضياع َّ والأوق���ات وح���دوث ال���كالم القبيح م���ن ال َّالعبني ،عل���ى �أن تكونَ ال��� َّدورة ال ِّريا�ض َّي���ة �سبي ًال ارتفاق ًّي���ا حم ِّق ًقا للغر����ض ا َّلذي �أقيمت روح التَّ�سامح ال َّدور ُة من �أجله ،كما ينبغي �أن ي�سو َد اجل َّو ال ِّريا�ضي ُ وال َّت�آل���ف وال َّت�آخ���ي امل�ستوحاة م���ن املُ ُثل الإ�سالم َّي���ة ال ُعل َيا بتطهري مما ُيع ِّكر َ�ص ْف َو ُه م���ن َّ ال َّنف����س َّ ال�ضغينة واحلقد والتَّنافر وال�ضمري َّ املتو ِّلد من مثل هذه املناف�سات بني الغالب واملغلوب. عدم الإكثار من ال َّدورات ال ِّريا�ض َّية باالعتبار وحا�صل ن�صيحتي ُ ال�سابق �إ َّال عند احلاجة ،لأ َّنها م�ضيعة للوقت ال َّنفي�س امل�سته َلك يف َّ غري ما ُخ ِلقَ املر ُء من �أجله ،كما جت ُّر مثل هذه املناف�سات الكرو َّية ـ بطريق �أو ب� َآخ َر ـ �إىل حم َّرم �أو مكروه �سبقت الإ�شارة �إىل بع�ضه يف ٍ �ضابط امل�سابقات �إ َّما حا ًال �أو م�آ ًال. َ ويحر�ص على ما ينفعه ي�شتغل مبعايل الأمور، وعل���ى امل�سلم �أن َ ���ت مباري���اتٌ كرو َّي ٌة ب�ي�ن امل�ساجد؛ يف دني���اه و�آخرت���ه ،و�إذا ح�صل ْ ���ري بال َّالعب �أن ي�ستب ِق َي كرة القدم يف قدم���هَ ، ويعمل على �أن فح ٌّ ال ترت ِق َي �إىل قلبه. رب العاملني، بال�صواب ،و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل ِّ واهلل �أعلم َّ ِّ و�ص���ل ال َّلهم على حم َّمد وعلى �آله و�صحبه ،والتَّابعني لهم ب�إح�سان و�س َّلم ت�سلي ًما. �إىل يوم الدِّ ينَ ،
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
37
سير األعالم
الشيخ عبد العزيز بن الشيخ الهاشمي ُ شيخ الطريقة القادرية يف شامل إفريقيا يُعلنُ : ني ٌّ (دعو ُة العلامء ال َّسلف ِّي َ حق)
�سمري �سمراد
�إمام خطيب ـ اجلزائر ال�شي���خ عبد العزيز ب���ن الها�شمي ،ه���و االبن ال َّثال���ث َّ َّ لل�شيخ الها�شمي ،وابنُ َّ الطريقة القادر َّية َّثم �شيخها فيما بعدُ. ال�شيخ الها�شمي؛ رئي�س َّ َّ الطريقة القادر َّية
38
احليل���ة بعي���د ال َّنظر ,ف�أدرك بثاق���ب ر�أيه �أنَّ ما علي���ه ُّ الطرقية ً طوي�ل�ا يف ع�صر العلم م���ن اجلهل واجلم���ود ال ميكن �أن ي�ستم َّر وال ُّنهو����ض ,و�أنَّ امل�ستقب���ل للعل���م ال حمال���ة ,ف ىَّ ���ول وجهه �شطر العل���م ,و َق َّدم �أبن���اءه جلامع ال َّزيتون���ة املعمور ,وحب����س �أمالكه ك َّله���ا على العلم ،وا�ش�ت�رط يف حب�سه �أن تعمر زواياه ب�أهل العلم م���ن �أئ َّمة ومد ِّر�س�ي�ن ومتع ِّلم�ي�ن ،وا�شرتط يف �أبنائ���ه �أن ال َّ حظ لأحدهم يف احلب�س �إ َّال �إذا ح�صل على �شهادة العالمِ ية «التَّطويع» من جام���ع ال َّزيتونة ،وجعل الإ�شراف على احلب�س لنظارة جامع الزَّيتون���ة.)4(»..
ال�شي���خ حم َّمد الها�شمي ب���ن �إبراهيم؛ رئي����س َّ �أب���وه َّ الطريقة القادر َّية امل�شهورة بال���وادي ،وكان َّ املرتجم ـ ال�شيخ �إبراهيم ـ ج ُّد َ ُّون�سي وا�ستق َّر بنفطة ق���د هاجر «�إىل اجلريد باجلنوب الغربي الت ِّ ِّ لين�شط �ضمن الزَّاوية القادر َّي���ة ...وقد �أجنب َ هناك ابنه حممد الها�شمي �سنة 1853ا َّلذي رجع �إىل �أر�ض الوطن �سنة 1892حيث � َّأ�س َ�س زاوية قادر َّي���ة بالب َّيا�ضة على غرار �أجداده ليوا�صل ن�شاطه الدِّ ين���ي والفكري هن���اك»( ،)1وتقول م�صاد ُر �أخ���رى� :إ َّن ُه نزح من تون�س �إىل اجلزائ���ر وا�ستق َّر بوادي �سوف يف نهاية القرن املا�ضي و� َّأ�س����س بالق���رب من الوادي �سن���ة 1887م زاوية بامل���كان امل�س َّمى «عمي�ش» ،وبهذا الأخ�ي�ر ُولد عبد العزيز �سنة 1898م( ،)2ـ وا َّلذي ِّ ذكره الأ�ستاذ احل�سن ف�ضالء � ،:أ َّنهُ :ولد يف «الب َّيا�ضة» ،بلدية وادي �سوف� ،سنة 1899م ـ (.)3 يقول ابن بادي�س يف مقالته: َّ «ال�شي���خ عب���د العزيز بن الها�شمي والإ�ص�ل�اح»« :كان َّ ال�شيخ الها�شم���ي �شي���خ َّ الطريقة القادري���ة :رج ًال قو ًّي���ا ذك ًّيا وا�سع
كانَ َّ ال�شي���خ عب���د العزي���ز قد «تع َّل���م القر�آن وحفظ���ه ،وتع َّلم مب���ادئ يف اللُّغ���ة والدِّ ي���ن يف زاويتهم حت���ت كنف وال���ده»(َّ ،)5ثم �سافر �إىل تون�س للدِّ را�سة يف جامع الزَّيتونة �سنة 1913م ،وح�صل على �شهادة التَّطوي���ع العالمِ ِ َّية يف �شهر يونيو �سنة 1923م(« ،)6عاد �إىل اجلزائ���ر وبعد عودته بـ[نحو] ثالثة �أ�شهر ت يِّ ���وف والده َّ ال�شيخ الها�شم���ي يف �15سبتمرب ،)7(»: ،1923ىَّ وتول م�شيخ َة القادر َّية االب���نُ الأكرب عبد ال��� َّر َّزاق ،ا َّلذي ما َل ِبثَ �أن ت��� ُو يِّف هو كذلك بعد
( )1مقال« :جهاد ال�شيخ عبد العزيز ال�شريف �ضد قوات اال�ستعمار الفرن�سي/ثورة الوادي لعام 1938م»ُ ،ن�شر يف موقع: (�« )2شخ�ص َّيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر /عبد العزيز بن الها�شمي والإ�صالح» �ص 46للدُّكتور �أحمد �صاري. (« )3من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» (139/3ـ )143للح�سن ف�ضالء.
(�« )4آثار الإمام ابن بادي�س» (.)397/5 (« )5من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» ( )139/3للح�سن ف�ضالء. (�« )6شخ�صيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر /عبد العزيز بن الها�شمي والإ�صالح» �ص 47للدُّكتور �أحمد �صاري. (« )7من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» ( )139/3للح�سن ف�ضالء.
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
ال�شيخ عبد العزيز بن َّ َّ ال�شيخ الها�شمي و�أخوه َّ ال�صالح ال�شيخ حم َّمد َّ
والإ�صالح» (�ص )47للدُّكتور �أحمد �صاري ،وعند احل�سن ف�ضالء� :أنَّ ال�شيخ عبد العزيز هو االبنُ الأكرب ،واملثبتُ �أعال ُه هو الأ�صوب ،واهلل �أعلم. ال�شيخ عبد العزيز َّ ( )9مقال« :جهاد َّ ال�شريف �ضد قوات اال�ستعمار الفرن�سي/ثورة الوادي لعام 1938م»ُ ،ن�شر يف موقعhttp://mokhtari.over-blog.org : (�« )10آثار الإمام ابن بادي�س» (.)397/5 (« )11الآثار» (159/5ـ.)160
سير األعالم
وقت ق�ص ٍري من وفاة والده()8؛ يِّ توف يف �شهر دي�سمرب 1923م( .)9الإدارة اجلدي���دة للجمع َّي���ة ،ف���كان َّ ال�شي���خ عبد العزي���ز ع�ض ًوا ٍ يق���ول ابن بادي����س...« :انتهى �أم���ر احلب����س �إىل َّ ال�شيخ عبد ا�ست�شار ًّيا فيها(.)12 العزي���ز بن َّ ال�شي���خ الها�شم���ي مبقت�ضى �شرط املحب����س بعد وفاة وف ُد العلماء يف «�سوف» و«ب�سكرة»، وتول م�شيخ���ة َّ �أخي���ه الأك�ب�ر ،ىَّ الطريقة القادر َّي���ة ،ودخل معه يف ومظاه ُر ُق َّو ِة «الإ�صالح» احلب����س �أخ���وه َّ ال�صال���ح لتح�صيله عل���ى �شهادة ال�شي���خ حم َّم���د َّ دع���ا َّ ال�شي���خ عب���د العزيز وف���دً ا من جمع َّي���ة العلم���اء لزيارة العالمِ َّي���ة ،فكان ال َّرجالن مبا لهما من العالمِ َّية بعيدين عن ِّ كل تلك الطرق الأخرى �أو �أُو ِق ُفوا فيها «�س���وف» وهم ُّ ال�شي���وخ :اب���ن بادي�س ،ومب���ارك امليل���ي ،والعربي املواقف العدائ َّية ا َّلتي وقفها �شيوخ ُّ َّب�سي ،وحم َّمد خري الدِّ ين. الت ِّ �ض َّد جمع َّية العلماء»(.)10 زا َر وف��� ُد اجلمع َّي���ة قرى «�س���وف» يف �ش���وال 1356ﻫ دي�سمرب دخول «الإ�صالح» �إىل «�سوف» و ُق َراهَا 1937م ,وعل���ى ِ�إ ْث ِ���ر ذل���ك حدثت به���ا حرك ٌة غ�ي�ر عادية ,وظهر ���ام اب���ن بادي����س..« :ملَّا ارتفع���ت دع���وة الإ�صالح الإ�ص�ل�اح فيه���ا �أقوى ما يكون ـ كما قال اب���ن بادي�س ـ؛ وذلك بعد يق���ول الإم ُ باجلزائ���ر كان يف طليعة رجالها نبهاء م���ن �أبناء �سوف املثقَّفني ,االنق�ل�اب اخلطري ا َّلذي وقع؛ فقد حت��� َّول َّ ال�شيخ عبد العزيز ابن وعلمائه���ا امل�ستنريي���ن ,فدَ َع���وا �إخوانه���م بـ«�س���وف» �إىل كت���اب الها�شمي من �شيخ َّ الطريقة القادر َّية �إىل عامل م�صلح؛ فجاهر يف ال�صالح من �أتباع���ه وقومه� ,أثناء اجتماع الوف���د يف «قمار»�« :إ َّن ُّ الطرق بدعة ال�سل���ف َّ اهلل و�س َّن���ة ر�س���ول اهلل Íوم���ا كان علي���ه َّ َّ ()13 وال�سنة» , م�سك بالكت���اب ُّ ال�صحاب���ة والتَّابع�ي�ن و�أتباع التَّابعني ,واخلل���ف ال َّنا�صح من �أئ َّمة ال �أ�ص���ل لها يف ال ِّدي���ن َف َح�سْ ُب ُك ُم ال َّت ُّ َّ وق���د تكلم قبله وف ُد العلماء ,ونق���ل َّ كل ذلك َّ ال�شيخ حمزة بوكو�شة امل�سلمني.)11(»... ـ الع�ض���و الإداري جلمع َّي���ة العلم���اء امل�سلم�ي�ن اجلزائر ِّي�ي�ن ـ يف: ان�ضمام َّ ال�شيخ عبد العزيز �إىل جمع َّية العلماء «�أحادي���ث جمع َّية العلماء وحوادثها :وفد جمع َّية العلماء امل�سلمني العام جلمع َّي���ة العلم���اء املنعقد يف يوم اجلزائر ِّيني بوادي �سوف ونواحيها»؛ قال: ال�سن���وي ِّ يف امل�ؤمت���ر َّ «عقدنا اجتماعنا بـ«قمار».... اجلمع���ة 19رجب � 24 /1356سبتمرب 1937م ،ويف اليوم ا َّلذي �ألق���ى َّ در�س���ا يف تف�سري قوله تعاىل﴿ :ﯯ يليه� ,أُعلنَ عن ان�ضم���ام َّ ال�شيخ ابن بادي�س ً ال�شيخ عبد العزيز �إىل اجلمع َّية ،حيثُ «عه���د الأ�ست���اذ ال َّرئي����س ـ اب���ن بادي����س ـ �إىل داعي���ة الإ�صالح ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [{,...]21 : ���م تك َّلم َّ الأ�ست���اذ َّ ال�شيخ خري ال ِّدَين كلمة يف االقتداء واال ْئ ِت َ�ساء وحثَّ ال�شيخ عبد العزي���ز بن َّ الط ِّي���ب العقبي بتق���دمي َّ ث َّ ال�شيخ ال�صالح ال�سلف َّ الها�شم���ي �إىل احلا�ضري���ن لإلقاء كلمات فق���ام الأ�ستاذ العقبي ال َّنا�س على مدار�سة �س�ي�رة ال َّر�سول Íو�سرية َّ وق���ال� :أ ُّيها الإخوان� ،إ َّنكم تعرفون قبل اليوم َّ ال�شيخ عبد العزيز ف�إ َّنهم خ ُري قدو ٍة ملن اقتدى, �شيخا من �شي���وخ ُّ ���م �ألقى َّ ً در�س���ا يف قوله « :Íمَن جندي الطرق �أ َّما اليوم فيجب �أن تعرفوه ب�أ َّنه ث َّ ٌّ ال�شي���خ العرب���ي ال َّتب�سِّ ي ً م���ن جنود الإ�صالح وع�ضو من �أع�ضاء جمع َّية العلماء يعمل على �أَحد ََث فيِ �أَ ْم ِر َنا َه َذا مَا َلي�س منه فهو ردٌّ»(,)14 وتبع���ه َّ ال�شيخ مبارك امليل���ي بدر�س يف قوله ُ « :Íق ْ���ل �آ َمنْتُ ن�ش���ر مبادئها وي�ص ُّد من يريد االعت���داء عليهاَّ ،»...ثم انتخبت وح َم��� َل فيه عل���ى ُّ الط���رق و�شبهاتها ح َّتى (�« )8شخ�ص َّيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر/عبد العزيز بن َّالها�شمي ب���اهلل ُث��� َّم ا�س َتقِ���م»(َ ,)15
(« )12ال�شهاب» م 13ج� 8شعبان1356ﻫ �أكتوبر 1937م �ص.346 (« )13الب�صائر» العدد (� /96ص 19 )3ذي القعدة 1356ﻫ ،موافق21 جانفي1938م. ( )14رواه «البخاري» ( ،)2697و«م�سلم» (.)1718 ( )15رواه «م�سلم» (.)38
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
39
سير األعالم
�أقنع احلا�ضرين ب�أن ال طرق َّية يف الإ�سالم. ال�شيخ ابن بادي�س :ال ت�أ�سفوا �أن فاتتكم ُّ ث َّم قال َّ الطرق ف�إ َّن لكم طريق��� ًة من �أجمل ُّ الطرق قال تع���اىل﴿ :ﭺﭻﭼﭽ يف�سر الآية تف�س ًريا محُ ْ َك ًما. ﭾ﴾ [َّ ,]153 :bثم �أخذ ِّ ال�شيخ عب���د العزيز وقال�« :إ َّن ُّ ث��� َّم قام َّ الطرق بدعة ال �أ�صل وال�س َّنة »...اهـ. م�سك بالكتاب ُّ لها يف الدِّين فح�سبكم ال َّت ُّ ���م انتقل هذا الوف ُد �إىل منطقة «الزِّ يب���ان»؛ وعا�صمتها بلدة ث َّ «ب�سك���رة» ,ويف �إحدى بلدانها� ,أعلن �شيخ َّ الطريقة القادر َّية ,م َّر ًة �أخرى يف جموع ال َّنا�س؛ �أن« :ال طرق َّية يف الإ�سالم» ,يقول َّ ال�شيخ �أحمد بن ال َّد َّراجي ـ املع ِّلم مبدر�سة ب�سكرة ـ يف مقالته« :وفد جمع َّية العلم���اء امل�سلم�ي�ن اجلزائر ِّيني بالزِّ يب���ان»« :يوم الأح���د � 9ش َّوال توج���ه وفد جمع َّية العلماء امل�سلم�ي�ن اجلزائر ِّيني �إىل بلدة طولقة َّ بعد عودته من رحلته �إىل وطن �سوف ....كان موعد اجتماع الأ َّمة الب�سكر َّية برجال اجلمع َّي���ة «بالبارك» ِّ حمل ال ِّريا�ضة وقد ح�ضر ه���ذا االجتم���اع ما يزيد على ثالث���ة �آالف ن�سمة ,وافتتح اجلل�سة ح�ض���رة الأ�ستاذ ال َّرئي�س َّ ال�شي���خ عبد احلميد بن بادي�س بخطاب ح���ا ٍّر �شديد ال َّلهجة َن��� َّو َه فيه مبجد العروبة والإ�س�ل�ام و�أ َّث َر ت�أث ًريا بلي ًغ���ا يف نفو�س احلا�ضرين ث َّم تك َّلم بعده َّ ال�شيخ عبد العزيز بن َّ ال�شي���خ الها�شمي بكلماتٍ بليغ ٍة م�ؤ ِّثر ٍة َّ حث فيها ال َّنا�س ودعاهم مما حواه كالمه وال�س َّنة والعمل بهم���ا و َّ م�س���ك بالكت���اب ُّ �إىل ال َّت ُّ العذب�« :أن ال طرق َّية يف الإ�سالم».)16(»....
���ي ،ومرك ٍ���ز مي ِّث���ل جمع َّي���ة العلم���اء يف �إىل معه���دٍ �إ�سالم ٍّ���ي علم ٍّ ال�صحراء(:)18 َّ ري ,يف الواد وفد العلماء ,وقع احتفا ٌل � «فبعد مغادرة ِ إ�صالحي كب ٌ ٌّ «�سوف» التِّ�سع ,وكث ًريا من الأعيان والوجهاء ـ «�سوف»�َ ،ض َّ ���م ُ�ش َع َب ُ ُ � َ أك�ث�ر من ع�شرة �آالف ن�سم���ة ـ ,مبنا�سبة افتت���اح الدُّرو�س العلم َّية بال َّزاوية القادر َّية ,وق َّرروا يف اجتماعهم هذا تكوينَ جامعة ُ ل�ش َعب «�س���وف» مركزها ال���واد ,وك َّون���وا �إدارتها ,وكان نائ���ب رئي�س هذه ُ اجلامعةَّ : ال�شيخ عبد القادر الياجوري»( ,)19يقول ابن بادي�س�« :شرع َّ ال�شي���خ عبد العزيز بعمارة زواي���اه بالعلم ,وعينَّ رجلني للتَّعليم من �أبن���اء �سوف املتخ ِّرجني من جامع الزَّيتونة املعمور هما َّ ال�شيخ علي بن �سعد َّ وال�شيخ عبد القادر الياجوري»(.)20 �شي ُخ َّ الطريقة القادر َّية يُ�سمِ ُع ر�ؤ�سا َء ُّ الطرق كلم َة احل ِّق
عقد ر�ؤ�ساء ُّ يوم الطرق والزَّوايا م�ؤمت َرهم يف عا�صمة اجلزائر َ � 15أفري���ل 1938م ،والأ َّي َام ا َّلت���ي تليه 16 :و 17و « ،18وقدم �إىل ال�شاب ال َّناه����ض َّ اجلزائ���ر يوم االثنني َّ 19 ال�صالح ال�شيخ حم َّمد َّ اب���ن َّ ال�شي���خ الها�شم���ي لي�شرتك يف ه���ذا امل�ؤمتر نياب��� ًة عن �أخيه ال�شيخ عبد العزيز رئي�س َّ َّ الطريقة القادر َّية ب�شمال �إفريقيا ا َّلذي ا�ستدع���ي للح�ضور ،ف�ألقى خطب��� ًة رائع ًة ،نَّ بي به���ا �أن ال طريقة ال�س َّن���ة وذكر ف�ضل علم���اء الإ�صالح على اجلزائر يف �إ َّال طريق���ة ُّ ِّ ن�ص بث الهداية الإ�سالم َّية احل َّقة»( ،)21وقد َن�شرت «الب�صائر»َّ ، َّ ال�شيخ عبد العزيز بن الها�شمي ال�صال���ح يف م�ؤمتر ُّ اخلط���اب ا َّلذي �ألقاه َّ الطرق َّية، ال�شيخ حم َّمد َّ َي ْع ُم ُر زواياه بالعلم وي�ستقد ُم لها العلماء مما جاء فيه: َّ يق���ول اب���ن بادي�س�...« :أخ���ذ ُي َك��� ِّر ُر االجتماع���ات يف نواحي ال ِّن َ�س ُب ُّ الط ُر ِق َّي ُة َّ الطائِف َّية َف َّر َقتْ امل�سلمني: «�س���وف» ب�أتباع زواياه يح ُّث ُه ْم على العلم ِّ ويرغ ُب ُه ْم يف التَّعلُّم و ُي َبينِّ ُ 1ـ جاهر ه���م باالنتق���اد على ك���ون اجتماعهم و ا تحِّ ادهم َّ خا�صا ب�أ�صحاب َّ الطرائق و�أرباب الزَّوايا له���م �أنَّ االنت�ساب �إىل ال�شيخ عبد القادر اجليالين ـ وهو من �أئ َّمة ـ جامعة اتحِّ اد الزَّوايا ـًّ ، العلم يف مذهب �أحمد بن حنبل ـ ال مينع من العلم والأخذ ب�أ�سباب دون غريهم من العلماء؛ فقال: العلم.)17(»... «حز َّن���ا كث ًريا لق�صور هذا االتحِّ اد ـ �إن حتقَّق ـ على طائفة من انقلب���ت ال َّزاوية القادر َّي���ة ر� ًأ�سا على عقب من زاوية طرق َّية (« )16الب�صائر» العدد (�/97ص 26 )3ذي القعدة 1356هـ ،موافق 28جانفي 1938م. (�« )17آثار ابن بادي�س» (397/5ـ.)398
40
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
(« )18من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» ( )140/3للح�سن ف�ضالء. (« )19الب�صائر» العدد (.)102 (« )20الآثار» (.)398/5 (« )21الب�صائر» العدد (� 28 )111صفر 1357ﻫ� 29 ،أفريل 1938م �ص.6
(« )22الب�صائر» العدد ( 6 )112ربيع الأول 1357ﻫ 6 ،ماي 1938م (�ص6ـ.)7 ( )23امل�صدر نف�سه.
سير األعالم
امل�سلمني دون طوائف ،ووددنا لو كان هذا العنوان عا ًّما يف مدلوله �شام ًال للم�سلمني ك ِّلهم»، ٌ ومعر�ض َن َّظ ْم َنا ُه فكان �أ َّول عيوبه «�إنَّ هذا االجتماع �سو ٌق �أقمناه ونقائ�صه ما يف ا�سمه من تخ�صي�ص ال ِّن�سبة وق�صور الإ�ضافة»�« ،أ ُّيها ولغر�ض من الإخوان :لو كان هذا االجتماع دنيو ًّيا ُعقد با�سم ال ُّدنيا ٍ �أغرا����ض ال ُّدنيا ـ لكان للتَّخ�صي�ص فيه معنى ،ولكان َّ للطائف َّية فيه عذر مقبول وغر�ض معقول؛ لأنَّ النا�س ف َّرقت بينهم �أ�سباب ال ُّدنيا وم�صاحلها واختلفت ب�سببها �آرا�ؤهم واخت�صا�صاتهم فيها ...ولكن ���ي يف معناه ومبناه وب�أ�سباب���ه ودواعيه ولي�س يف ه���ذا االجتماع دين ٌّ الدِّين ِحر َفة ينفرد �أهلها بر�أي وال جتارة ينفرد �أ�صحا ُبها بب�ضاعة, و� مَّإنا هو كتاب اهلل منه املبد�أ و�إليه امل�صري ,وعليه قامت �س َّنة نب ِّينا ال�صالح ر�ضوان اهلل عليهم وبهذه ،Íوعليه ا�ستقام هدي �سلفنا َّ احلجة علينا وبهذه ال َّثالثة يجتمع �شملنا وت َّتفق ال َّثالثة قامت َّ كلمتنا و�إىل هذه ال َّثالثة يجب �أن تكون دعو ُتنا جها ًرا بال �إ�سرار، وجم ًعا بال تف ُّرق ،فما �أحقَّ هذا االجتماع ب�أن تكون دعوته اجلفلى و�أن يكون با�سم الأ َّمة الإ�سالم َّية ك ِّلها لتجتم َع على الكلمة اجلامعة من كتاب ر ِّبها و�س َّنة نب ِّيها وما �أحقَّه �أن يزدانَ بح�ضور علماء الوطن اجلزائري ا َّلذين هم زينته ومفخره»(.)22 ر�ؤ�س���ا ُء ُّ الط��� ُرقِ ُي َف ِّر ُق���و َن جماع��� َة امل�سلمني ِب َنبْ��� ِز العلماء امل�صلحني: اجتماع���ا« :تثور فيه 2ـ وانتق���د عليه���م �أن يك���ون اجتماعهم ً احلق���ود وتنم���و ب�سبب���ه َّ ال�ضغائن م���ن طائفة م���ن امل�سلمني على �ش�ي�را �إىل م���ا كان يف ه���ذا االجتم���اع من طائف���ة �أخ���رى»(ُ ،)23م ً بالوهاب َّية. َّهجم عليهم ،و َن ْب ِزهم َّ التَّع ُّر�ض للعلماء امل�صلحني والت ُّ ِّين ُّ الط ُرق ِِّي وغِ ُّ�شهُم للم�سلمني: ُ ز َع َما ُء الد ِ اجتماع���ا حقيق ًّيا ،ت َ ُبذ ُل 3ـ دعاه���م �إىل �أن يكون اجتماعهم ً فيه ال َّن�صيحة ،وتُ�سم ُع احلقيقة ،فقال: «ال قيم���ة الجتماعنا ه���ذا �إ َّال �إذا كان ً معر�ضا للحقائق جت َّلى بكل �صراح���ة ،وملج�أً لكلمة احلقِّ تلقى فيه ب ِّ في���ه ِّ ���كل حر َّية ،و�إ َّنه ال مكاف�أة ملا �صرف���ه الإخوان احلا�ضرون من وقت ومال يف �سبيل ه���ذا االجتماع� ،إ َّال ما ي�سمعونه من حقائق ويتبادلونه من ن�صائح
إر�شادات ويقومون به جمي ًعا م���ن واجب التَّوا�صي باحلقِّ دين َّي���ة و� ٍ والتَّوا�ص���ي باملرحم���ة وال َّت�آم���ر باملع���روف والتَّناهي ع���ن املنكر، ف����إن مل يكن ه���ذا فلنعلم �أ َّننا غ�ش�شنا �أنف�سن���ا وغ�ش�شنا امل�سلمني و�أ�سخطنا اهلل ور�سوله و�صاحلي امل�ؤمنني»(.)24 االفرتاق ُّ ُ قي بال ٌء على الأ َّمة: الط ُر ُّ 4ـ جاهره���م ب�أنَّ م���ن �أعظم �أ�سباب ما �أ�صاب هذه الأ َّمة من الب�ل�اء« :تف ُّرق ال ِّن َ�سب بر�ؤ�سائها الدِّ ين ِّيني ،هذا البالء ا َّلذي طال علي���ه الأَ َم ُد حتى ا�ستع�صى على العالج ,فالواجب على ِّ كل من يف قلب���ه مثقال ذ َّرة من ال َّرحمة بهذه الأ َّمة �أو َّ ال�شفقة عليها �أن ُيعني على �إزالة �أ�سباب هذا البالء»(.)25 ديني: َ ه ْد ُم البدع ٌ واجب ٌّ 5ـ جاهرهم ب�أنَّ دعوة العلماء امل�صلحني حقٌّ ،فقال: ا�س بال َّدعوة �إىل هذا هم العلماء وقد كانت هذه «�إنَّ �أح���قَّ ال َّن ِ ال َّدعوة وكانت �صارخ��� ًة م�ستفزَّة فثقلت على ال ُّنفو�س وقوبلت من وال�صدِّ .وال بع�ضه���ا باال�شمئ���زاز والتَّنفري ,وم���ن بع�ضها بال��� َّر ِّد َّ نخف���ي احلقَّ �إذا قلنا �إنَّ هذا االجتم���اع �أث ٌر من �آثار تلك ال َّدعوة, لك���نَّ احلقَّ ا َّلذي يجب �أن يقال يف ه���ذا املقام هو �أنَّ تلك ال َّدعوة يف ذاته���ا ح ٌّق لأ َّنها تدعو �إىل كتاب اهلل وهو ح ٌّق و�إىل �س َّنة ر�سوله ال�سلف وهو حقٌّ ،و�إىل هدم البدع ا َّلتي الب�ست وهي ح ٌّق و�إىل هدي َّ الدِّ ين وهي موجودة ح ًّقا وكثرية ح ًّقا وكلُّها �ش ٌّر ح ًّقا وباطل ٌة ح ًّقا, والواجب على ِّ كل م�سلم هد ُمها ح ًّقا». ِّين على حقوق ال َّنف�س: � إيثا ُر حقوقِ الد ِ 6ـ دعاهم �إىل ترك حظوظ ال َّنف�س و�إيثارها على قبول احلقِّ ا َّلذي دعا �إليه العلماء ،فقال: «وم���ن احلقِّ ا َّلذي يج���ب �أن يقال يف هذا املق���ام �أنَّ َ ثقل تلك ال َّدع���وة على بع�ض ال ُّنفو�س لي�س من طبيعة تلك ال َّدعوة و�إنمَّ َ ا هو من طبيعة تلك ال ُّنفو�س والواجب علينا قبل ِّ كل �شيء �أن نف ِّر َق بني ما ه���و من حقوق الدِّ ين ،وبني ما هو ٌّ حظ من حظوظ ال َّنف�س و�أن نر ِّب���ي �أنف�سنا على �إيث���ار حقوق الدِّ ين على حظ���وظ ال َّنف�س ,و�أن نر ِّبيها على اال ِّت�ساع والإذعان وال ُّرجوع للحقِّ و�أن نر ِّبي �آذاننا على �سماع كلمة احلقِّ ،و�أل�سنتنا على ال ُّنطق بها». ( )24امل�صدر نف�سه. (« )25الب�صائر» العدد ( 13 )113ربيع الأول 1357ﻫ 13 ،ماي 1938م (�ص2ــ.)3
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
41
سير األعالم
الط ُرق َّية وغاياتها ،كفى بهم �شهداء على �أنف�سهم :فه���و ثاب���تٌ ب�إذن اهلل حمف ٌ ال َّزوايا ُّ ���وظ بحف���ظ اهلل ,و�إنيِّ فهمت وال زلتُ ن�ش���ر اب���نُ بادي����س للحقيق���ة وال َّتاري���خ ـ كما ق���ال ـ القانونَ �أفهم م���ن �أقوال القائمني به���ا و�أعمالهم ومراميه���م �أ َّنها لي�ست الأ�سا�س���ي جلمع َّية الزَّوايا ُّ الطرق َّية ،وذل���كَّ : موجهة لهدم ال َّزوايا و� مَّإنا هي ُم َو َّجهة لإ�صالحها. «ليطلع عليه الق َّراء َّ ويعرف���وا من���ه غاية ه�ؤالء ال َّنا����س وما �إلي ِه يعمل���ون»ُ ، عبد العزيز بن الها�شمي» اهـ(.)27 يقول كربا ُء الزَّواي���ا ع���ن غايتهم وغاي���ة جامعتهم« :غاية ه���ذه اجلمع َّية هي �أ َّو ًال املحافظ���ة على نفوذ الزَّوايا ُّ والطرق وعلى �شهرتها و�سمعتها ومكانته���ا» ،وع َّلقَ ابنُ بادي�س بقوله« :ال ُّنفوذ! ُّ وال�سمعة! وال�شهرة! ُّ وال�سي���ادة والكربياء ال�سلطان ِّ واملكان���ة! فه���ل �أَ ْب َق ْوا من مظاه���ر ُّ والعظم���ة واال�ستي�ل�اء �شي ًئ���ا؟ هذه هي غايته���م� :أن َي ْب َق��� ْوا �ساد ًة ا�س ُم ْ�س َت ْع َب ِدينَ لهم� .أين هي رَّ التبية؟ على ال َّنا�س ،و�أن ُي ْب ُق���وا ال َّن َ �أين هو التَّعليم؟ �أي���ن هو ن�شر الإ�سالم؟ �أين هي مقاومة املفا�سد ُّ وال�ش���رور؟ �أين هو الوع���ظ والإر�شاد؟ هذه كلُّه���ا �أمو ٌر ال ذكر لها عندهم؛ لأ َّنهم يخافون منها على �سلطانهم.)26(».... ال ُط ُر ِق َّي َة يف الإ�سالم: 7ـ و�أخ ًريا �صارحهم :ب�أن ال طرق َّية يف الإ�سالم؛ فقال: ���ن زاوية ٌ «�أ ُّيه���ا الإخوان� :أنا ُط ُر ِق ٌِّي ِو َرا َث ًة واب ُ عريق يف ن�سبة ال َّزاوي���ة ُّ والطرق َّي���ة �إىل ب�ضع���ة �أج���داد يف ال َّتاري���خ ،وعندي من العل���م م���ا �أُ َف ِّر ُق به بني احل ِّق والباطل عل���ى الأق ِّل ،ومن املعرفة العا َّم���ة م���ا �أُ َميِّ��� ُز به ب�ي�ن اخل�ي�ر َّ وال�ش ِّر وب�ي�ن املقب���ول واملردود و�إنيِّ �أدي���ن اهلل ا َّل���ذي �أُ�ؤمِ ُ ���ن بلقائ���ه ب����أن ال طرق َّي���ة يف الإ�سالم ال زاوية ُط ُرق َّية يف الإ�سالم: وال زاوي���ة يف الإ�س�ل�ام وال طائف َّي���ة يف الإ�س�ل�ام ،وب�أ َّنه �إن كان يف تق��� َّد َم �أنَّ َّ ال�شيخَ عب���د العزيز بن الها�شمي �ش���رع يف «عمارة ه���ذه ال َّزوايا وهذه ُّ الطرق خ ٌ ري ف�إ َّن �ش َّرها يذهب بخريها وب�أنَّ زواياه بالعلم ،وعينَّ رجلني للتَّعليم من �أبناء �سوف املتخ ِّرجني من َّ من �آثارها ال َّنف�س َّية ا َّلتي ال ينكرها �إال �أعمى الب�صرية �أ َّنها ف َّرقت جامع الزَّيتونة.»... جمهول و�إنمَّ ا �أتك َّلم عن غائب وال عن كلمة امل�سلمني ،ال �أتك َّلم عن ٍ ٍ و ِت ْب َيا ًنا للجمل���ة الأخرية من خطاب �شي���خ َّ الطريقة القادر َّية م�شاهدة وعيان و� رِّ ُ أعب عن وجدان ال تزال �آثاره يف نف�سي ا َّلتي بني ورئي�س زواياها يف �شمال �إفريقياُ � ، أقول: جنبي لوال �أن ع�صمني اهلل مبا وفقني �إليه من العلم». َّ ال�صحيح ،و ُت َر ِّب���ي على الكتاب الزَّواي���ا �إن كانت تع ِّل ُ ���م العلم َّ ني ٌّ ال�سلفي َ حق: دعو ُة العلماء َّ هي� ،أ َّما �إن كانت زوايا طرق َّية؛ وال�س َّنة ْ ُّ وهدي �سلف الأ َّمة ،ف ِن ِع َّما َ ُ َّ 8ـ َ َ���م �شي���خُ وخت َ ورئي�س الطريق���ة القادر َّية ب�شم���ال �إفريقيا ،تُعط���ي العهود ،وتُل ِّقنُ الأوراد البدع َّية ،ويكونُ املُري ُد فيها خا�ض ًعا َّ ل�شيخه���ا ـ اجلاهل ـ ،فهذا ا َّلذي هَ دَ َم��� ُه امل�صلحون ،وقال خطا َب ُه بثناءٍ على دعوة العلماء وتبي ٍني ملراميهم الن ِبيلة؛ فقال :مطي ًع���ا ِ «�إ َّنني �أدين اهلل � ً أي�ضا �أنَّ احلركة القائمة �إنمَّ ا هي �ض ُّد البدع فيه ابنُ بادي����س« :الأو�ضا ُع ُّ ال�سلَف, الطرقية بدع��� ٌة مل يعرفها َّ َ ال�شي���خ ،والتَّح ُّي���ز لأتب���اع َّ املحدث���ة يف الدِّ ين و�إ َّنها �إن �أت َْت ف�إنمَّ ا ت�أتي على الباطل �أ َّما احل ُّق ومبناه���ا ك ِّله���ا عل���ى الغل��� ِّو يف َّ ال�شيخ، (�« )26آثار الإمام ابن بادي�س»« ,الزوايا وغاياتها كفى بهم �شهداء على �أنف�سهم» (161/5ـ.)162
42
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
(« )27الب�صائر» العدد ( 13 )113ربيع الأول 1357ﻫ 13 ،ماي 1938م (�ص 2ـ.)3
رهب امل�صلحني يف «�سوف» َع�سْ َك ُر فرن�سا ُي ُ و َيعتق ُل َّ ال�شيخ عبد العزيز بن الها�شمي ال�سلط���ات الفرن�س َّية يف وادي وهل �أتاك نب����أُ ما �أقدمت عليه ُّ �س���وف � 18أفريل 1938م ,م���ن رَّ التويع الفظي���ع ,وحما�صرة ���ب على �أهل���ه العذاب, البل���د ,وتطويق���ه باجلن���ود واملدافعُ , و�ص َّ وذاق���وا ما ذاق���وا ,يف �أ َّي ٍام �س���وداء حالكة� ,سببها مكي���دة ُد ِّبرت لأهل �س���وف ,بعد نه�ضته���م العلم َّي���ة الدِّ ين َّية ,فتعاق���د الكائدون عل���ى قتل تل���ك احلي���اة الدِّ ين َّي���ة العلم َّي���ة يف تلك الدِّ ي���ار ,و�سيق ال�سجون ,والبحثُ , عدد وح ِك َم على ٍ وخ ِّل َي م���ن ُخ ِّليُ , ال َّنا����س �إىل ُّ وف�ي�ر منه���م بال َّنفي والأعم���ال َّ ال�شا َّق���ة ,يف حماول���ة «ال�ضطهاد (�« )28آثار الإمام ابن بادي�س» (.)155/5
سير األعالم
ال�شي���خ ،و�أوالد َّ وخدم���ة دار َّ ال�شيخ� ،إىل ما هناك من ا�ستغالل... وم���ن جتميد للعق���ول و�إماتة للهمم وقتل ُّ لل�شع���ور ،وغري ذلك من ُّ ال�شرور»(.)28 تنبي��� ٌهُ : بع����ض الإ�صالح ِّي�ي�ن الع�صر ِّي�ي�ن ُي�ؤْث��� ُر التَّعبري ـ عن ق�صد ـ :ب����أنَّ امل�صلحني ال زالوا يث ُن���ون على زوايا غ�ي�ر ٍ ٍ ق�ص���د �أو ِ العل���م والق���ر�آن ،و�إنمَّ ا كان���وا ُيحاربون زوايا َّ ال�شع���وذة واخلرافة والتَّدجيلَّ ، وال�شطح والبندير ,وق���د يبدُو كال ُمهم هذا لأ َّول وهل ٍة �صحيحا ،لك���ن �إذا ا�ستح�ضرنا دفاعهم عن ُّ ال�س ِّن َّية! ـ يف الط ُرق ُّ ً زعمه���م ـ� ،أدركنا �أ َّنهم ُيدخلون يف جملة ال َّثناء :الزَّوايا ُّ الطرق َّية، ���ت(!) ـ عنده���م ـ م���ن مظاهر التَّدجيل واالبت���زاز ...الخ، �إذا َخ َل ْ ويف تردي���د العلماء ورفعهم �شعا َر :ال طرق َّية يف الإ�سالم ،ر ٌّد على مزاعمهم وتفني ٌد الدِّعاءاتهم ،و� ُ واب والدَّقيق: ال�ص ُ ري َّ أقول :ال َّتعب ُ ال�شط���ح والبندي���رَّ ، �أنَّ امل�صلح�ي�ن كم���ا حارب���وا زوايا َّ وال�شعوذة واخلراف���ة ،حاربوا زواي���ا ُّ الطرق َّية ،و�أنك���روا �أو�ضاعها ال ِبدع َّية؛ م���ن ال ِّن�سبة َّ لل�شيخ ،و�إعطاء العه���د ،وتلقني ال ِور ِد ،واملواظبة على وترتيب ال َّثواب وتوقيت وظائفها املخرت ََعة؛ كتحديد الأذكار ب َعدَ ٍد ٍ ِ مندح��� ُه ونحم ُد ُه :زوايا العلم والقر�آن ،ا َّلتي عليها ...الخ ،فا َّلذي ُ ال�شي���خُ �إليها َّ ال تنتم���ي �إىل طريق���ة وال َي ْح ُ�ش ُر َّ الطلب��� َة ويت َِّخ ُذهُ م فر�ض عليهم اخل�ض���وع َّ ُمريدي���نَ ل���هَُ ،ي ُ والطاع��� َة واال�ست�سالم!! ـ ترغي ًبا وترهي ًبا ـ.
ُ�ش َع���ب جمع َّية العلم���اء والتَّ�ضييق عليهم و�إكراهه���م على التَّخلي ع���ن اجلمع َّية»( ,)29و�أُلقي القب�ض عل���ى «�أربعة من �أع�ضاء جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّي�ي�ن دون ُج ْرم معلوم ,ودون �أن يق َّدموا �إىل املحاكم���ة� ,أربعة من العلماء» ,وه���مَّ : ال�شيخ عبد العزيز ابن وال�شيخ عل���ي بن �سعد َّ الها�شم���يَّ , وال�شيخ عب���د القادر الياجوري وال�س ِّي���د عبد الكامل بن احلاج عب���د اهلل ,وقد طال �سجنهم ,ومل َّ يتو َّقف ابن بادي�س عن التَّذكري بق�ضيتهم. ق���ال �أحد كتَّ���اب «الب�صائ���ر»(« :)30ال �سبب يف الواق���ع ِّ لكل ما ح���دث ـ رغ���م ما �أ�شي���ع( )31ـ �س���وى �أنَّ طائفة امل�ستغل�ي�ن َر َاع َها ما �شاهدت���ه من ن�ش���اط حركة الإ�ص�ل�اح وازدهاره���ا وعلم���ت �أ َّنها َ�س َت ْج َت���ا ُح باطِ لَهَ���ا و ُت َّرهَا ِتهَا وتق�ض���ي على ما بقي لها عند الأ َّمة م���ن �سمع���ة ونف���وذ ,»..كم���ا كان دخ���ول َّ ال�شيخ عب���د العزيز ابن الها�شمي يف اجلمع َّية �« :أكرب �ضربة �أ�صابت امل�ضل َ ِّني اجلامدين يف تلك ال َّنواحي وال ُّربوع»(.)32 ر�ض اال�ستعمار هذا ال َّتحويل اجلذري املفاجئ لل َّزاوية مل ُي ِ الع�سكري َّ ال�شي���خَ عبد العزيز يف �ش�أن القادر َّي���ة ،فـ«دعا احلاكم ُّ التَّعلي���م ول���زوم طل���ب ال ُّرخ�ص���ة لذل���ك ور َّد َّ ال�شيخ ب����أنَّ الزَّوايا م���ن قدمي ال َّزم���ان تع ِّلم ب���دون رخ�صة ،وتك َّررت ال َّدع���وة ،وتك َّرر فان�ضم َّ ال�شيخ عبد العزيز �إىل حركة الأخذ وال َّر ُّد يف الأم���ر»(،)33 َّ االحتج���اج ـ ا َّلتي قاده���ا ودعا �إليها العلماء الأح���رار ـ على قانون 8مار����س 1938م امل�ش�ؤوم ،ا َّلذي كان الغر�ض منه عرقلة �سري احتجاج �شخ�صي ٍة مبقام املدار�س العرب َّية الإ�سالم َّية احل َّرة ،لكنْ ُ جمع من املتظاهرين �أمام دار احلاكم �شيخ القادر َّية ،وخروجه يف ٍ ال�سيا�سة اال�ستعمار َّية(،)34 الع�سكري ،وتعبئته �س َّكان ال���وادي �ض َّد ِّ دم َر هذه الق َّوة جعل اال�ستعمار ي�ص��� ِّو ُب مدافعه القو َّية املُرهبة ل ُي ِّ ���ح ِجماحه���ا ،نعم! دخ���ل َّ ال�شيخ عب���د العزي���ز �إىل الإ�صالح ويكب َ ال�سيطرة على مزه��� ًّوا بقيمته العلم َّية ،وجاهه العري�ض ،وق َّوته يف َّ (« )29الآثار» (.)394/5 (« )30الب�صائر» العدد (�( ,)164ص.)4: ( )31الذي �أُ�شي َع هو� :سجنُ ال�شيخ عبد العزيز يف جماعة من العلماءِ ،ب ُت ْه َم ِة الإعدا ِد والدعو ِة للثورة على فرن�سا. (« )32الب�صائر» العدد (�( )112ص.)3 (« )33من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» ( )140/3للح�سن ف�ضالء. (�« )34شخ�صيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر/عبد العزيز بن الها�شمي والإ�صالح» (�ص )54للدُّكتور �أحمد �صاري.
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
43
من حوله ،فخاف اال�ستعمار من عواقبه»( ،)35فكان ما كان.
سير األعالم
حمنته ُ�سج���ن َّ ال�شيخ عبد العزي���ز و�إخوانه العلماء الأحرار يف �سجن ق�سنطين���ة الع�سكري بال ُكدية ،وفيه �أ َّمل به املر�ض ،و�صار من ح ٍني لآخر ُي ُ ال�سج���ن �إىل امل�ست�شفى للعالج ،يقول ابن بادي�س: نقل من ِّ «�آ ٍه ل���و ر�أيتم َّ ال�شي���خ عبد العزيز الها�شمي ذل���ك البطل اجل�سيم ال�صوت اجلهري وال َّنظرات الو�سيم ،ربيب ال ِّنعم���ة وال َّرفاهية ،ذا َّ احل���ا َّدة امل�ش َّعة ،كيف �صار اليوم وقد �أنهكه املر�ض وبرح به ال َّنقل ال�سجن وامل�ست�شفى.»... بني ِّ ح�صل َّ ال�شيخ عب���د العزيز على حريته �سنة (1944م) ،لك َّنه ُم ِن��� َع هو و�إخوا ُنه من ال ُّرجوع �إىل الوادي واملناطق املجاورة له(،)36 ال�سجن بال وذك���ر احل�سن ف�ضالء� :أ َّنهم حت َّرروا بع���د عامني من ِّ حماكمة ،وو�ضعوا حتت الإقامة اجلرب َّية(،)37 مرتج َمنا �أك َرث من م َّر ٍة� ،إىل �أك َرث و َن َف ْ ال�سلطة اال�ستعمار َّية َ ���ت ُّ �صحته. من مكان ،و�أخ ًرياُ « :نفي �إىل تون�س ،حيث تدهورت َّ وفاته ت يِّ ���وف بتون����س ـ بع���د �أن طال ب���ه املر����ض ـ يف �أ َّول يوني���و �سنة 1965م»( ،)38قبل �أن يرى اجلزائر وقد ا�ستعادت ح ِّر َّيتَها ،فرحمه اهلل رحمة وا�سعة.
(« )35من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» ( )139/3للح�سن ف�ضالء. (�« )36شخ�صيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر/عبد العزيز بن الها�شمي والإ�صالح» (�ص45ـ )60للدُّكتور �أحمد �صاري. (« )37من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» ( )141/3للح�سن ف�ضالء. (« )38امل�صدر ال�سابق ».وا َّلذي ذكره الدُّكتور �صاري� :سنة (1962م) ،والأ َّو ُل هو أعلم. ال ُ أقرب ،واهلل � ُ
44
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
أخبار التراث
د/جمال عزون
رئي�س ق�سم املخطوطات مبركز �أبا بطني ـ الريا�ض يعترب �أبو بكر �أحمد بن مو�سى الأ�صبها ّ ين َّ ال�شهري بابن َم ْردُو َي ْه (323هـ ـ 410هـ) �أحد حفَّاظ احلديث املتقنني ،حتَّى قال فيه حفيدُه �أحمد بن حم َّمد: العجب من تث ُّبته و�إتقانه»(.)1 «ر�أيتُ من �أحوال جدِّ ي من الدِّ يانة يف ال ِّرواية ما ق�ضيتُ منه َ وقد ا�شتغل بالتَّ�صنيف ،ومن �أ�شهر م�ؤ َّلفاته« :التَّف�سري الكبري» و«التَّاريخ» و«الأمايل» ا َّلتي �أمالها يف ثالثمائة جمل�س. كتاب ٌ لطيف �س َّماه�« :أوالد املحدِّ ثني» ،يعترب الآن يف عداد ما ُفقد من تراث ابن مردويه ،ومل يبق َّ ومما مل ي�شتهر من ت�صانيفه ٌ نقول معدودة احتفظت لنا بها ُ بع�ض كتب رَّ التاجم. منه �سوى ٍ وميكن من خالل ما تبقَّى من هذه ال ُّن�صو�ص تكوين مالمح ي�سرية عن م�ضمون الكتاب ومنهج م�ؤ ِّلفه فيه. ُ واهتم يف �صياغة رَّ التجمة بذكر وحا�صل ذلك �أنَّ ابن مردويه جمع فيه �أ�سماء ال ُّرواة ا َّلذين اهت ُّموا برواية احلديث هم و�آبا�ؤهمَّ ، وي�سمي راو ًيا �أو راويني من �شيوخ املرتجم وتالميذه ،ويكون والدُه يف جملة من روى عنهم من �شيوخه، ا�سم املرتجم ون�سبه وكنيتهِّ ، فالن» ،وربمَّ ا ذكر توثيقه ،و�ص َّرح بت�أليف له ،ويختم ذلك بذكر وفاته ،ويحدِّ د �أحيا ًنا عمره ويذكر �أحيا ًنا �أخ املرتجم فيقول« :وهو �أخو ٍ لمَ َّا مات ،وال ُيخْ لي ابنُ مردُويه رَّ التجمة برواية حديث ب�إ�سناده �إليه. وال�صابوين وابن ال َّن َّجار ومغلطاي وابن حجر وابن نا�صر وقد ذكر هذا الكتاب بع�ض احلفَّاظ واملحدِّ ثني كابن ماكوال وابن نقطة َّ الدِّ ين ،وك ُّل نقوالتهم تثبت مبا ال جمال َّ �صحة ن�سبة كتاب «�أوالد املحدِّ ثني» للحافظ ابن مردويه. لل�ش ِّك فيه َّ قال ابنُ ماكوال ـ يف ترجمة حم َّمد بن حم َّمد بن ما�سن ـ« :روى عنه �أبو بكر �أحمد بن مو�سى بن مردويه احلافظ الأ�صبهاين يف (�« )1سري �أعالم ال ّنبالء» (.)309/17
رجب�شعبان1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م رجب�/شعبان والع�شرون: والع�شرون: احلادي احلادي العدد العدد الرابعة ـ الرابعة ـ ال�سنة ال�سنة
45
أخبار التراث
كتاب �أوالد املحدِّثني»(.)2 ب�شي بن عمرو بن ال َّربيع بن طارق م�صري يروي عن �أبيه ،ح َّدث عنه حم َّمد بن �أحمد بن را�شد ،نقلتُه من وقال ابن نقطةُ : «ح ّ ِّ خط م�ؤمتن( )3من كتاب «�أوالد املحدِّثني» البن مردويه»(.)4 «علي بن �أحمد بن ال ّر ّواد ح َّدث عن �أبي الع َّبا�س �إ�سحاق بن حم َّمد بن مروان الغزَّال الكو ّيف ،روى عنه �أبو بكر وقال ابن ال َّن َّجارّ : �أحمد بن مو�سى بن مردويه الأ�صبها ّ ال�سمرقندي� ،أبنا ين يف كتاب �أوالد املحدّثني»� ،أنب�أنا(� )5أبو القا�سم الأزجني عن �أبي حم َّمد بن َّ علي بن �أحمد بن ال ّر ّداد البغدادي ،ثنا �إ�سحاق بن حم َّمد بن مروان ،ثنا القا�ضي �أبو من�صور بن �سكرويه� ،أبنا �أبو بكر بن مردويه ،ثنا ّ بي Íلحُ ِ دَ له ولأبي بكر وعمر .)6(»È �أبي ،ثنا �إبراهيم بن بكر ،عن مقاتل ،عن نافع ،عن ابن عمر �أنَّ ال َّن َّ أ�سدي املد ّ ين ذكره ابنُ مردويه يف �أوالد املحدِّثني»(.)7 وقال مغلطاي« :حم َّمد بن عروة بن الزُّبري ابن الع َّوام ال ّ وقال ابن حجر ـ يف ترجمة �أبي بكر ابن ال َّن�ضر البغدادي ـ...« :وذكره ابن ح َّبان يف «ال ِّثقات» ،وقال �أبو بكر بن مردويه يف كتاب بغدادي ثق ٌة»(.)8 �أوالد املحدِّثني: ٌّ ت�صحف على �أحد �شيوخنا الأفا�ضل �إىل�« :أدباء املحدِّ ثني» ففي مقدِّ مة حتقيق �إذا ثبت هذا فيجدر التَّنبي ُه �إىل �أنَّ ا�سم الكتاب َّ كتاب «ثالثة جمال�س من �أمايل ابن مردويه» �أثناء �سرد املح ِّقق م�ؤ َّلفات ابن مردويه ما يلي�« :أدباء املحدِّ ثنيُ :ذكر ا�سم هذا الكتاب للطرباين ،انظر رقم ( )2115من كتاب «ال ُّدعاء» ّ يف هام�ش كتاب «ال ُّدعاء» ّ للطرباين ،ومل �أجد من ذكر هذا الكتاب ون�سبه �إىل �أبي بكر ابن مردويه»(.)9 وفيه �أمران: الأ َّول :ل�ستُ � ُّ أ�شك �إطال ًقا يف �أنَّ «�أدباء املح ّدثني» ت�صحيف �صوابه�« :أوالد املح ّدثني» بدليل التَّ�سمية املذكورة عند من �سبق ذك ُرهم من �أعالم ،ولقد وددتُ �أن �أنظر يف ال ُّن�سخة اخلط َّية من كتاب «ال ُّدعاء» َّ للطرباين للتَّح ُّقق من �سالمة قراءة املح ِّقق الفا�ضل يتي�سر يل الآن(.)10 للكلمة ،غري �أنَّ ذلك مل َّ ال َّثاين� :أنَّ الكتاب ذكره ون�سبه �إىل ابن مردويه ابنُ ماكوال وابن ال َّن َّجار وابن نقطة ومغلطاي وغريهم كما تق َّدم.
(« )2الإكمال» (.)153/7 ( )3وهذا يعني �أنَّ ابن نقطة ينقل من كتاب «�أوالد املحدِّ ثني» البن مردويه ِّ ال�ساجي املتو َّفى �سنة (507هـ). بخط احلافظ م�ؤمتن بن �أحمد ّ ( )4تكملة الإكمال ( )229/2البن نقطة ،وعنه ابن نا�صر الدِّ ين يف «تو�ضيح امل�شتبه» ( ،)69/3وانظر نقوال �أخرى عن الكتاب يف تكملة الإكمال � ً أي�ضا (،57/2 ،338 ،215/1 .)607 ،240 ،117 ،22/3 ،662 �ص منوذج لطريقة ابن مردويه يف �إيراد رواية عن املرتجم له يف كتابه هذا. ( )5يورد الآن ابنُ ال َّن َّجار �سندَ ه ا َّلذي يروي به كتاب �أوالد املحدِّ ثني البن مردويه ،وهذا ال َّن ُّ (« )6ذيل تاريخ» بغداد (.)182/3 (�« )7إكمال تهذيب الكمال» ( ،)276/10وث َّمة ن�صو�ص كثرية نقلها مغلطاي يدور معظمها حول وفيات املرتجمني ،انظر (،288 ،230 ،138 ،89/7 ،322 ،277/6 ،403/4 273 ،262/8ـ 170 ،22/9 ،317 ،316 ،274ـ .)323 ،111/12 ،108/11 ،385 ،378 ،374 ،315 ،289 ،276 ،135 ،84 ،37/10 ،383 ،380 ،363 ،171 (« )8تهذيب التَّهذيب» ( ،)43/12وانظر نقو ًال �أخرى عن الكتاب يف (.)498/9 ،138/7 ،399/6 ،72/5 (« )9ثالثة جمال�س من �أمايل ابن مردويه» ـ مقدِّ مة التَّحقيق (�ص .)30 ( )10اعتمد حم ِّقق «الدُّعاء» على ن�سخة ترك َّية لها �صورة يف جامعة � ِّأم القرى مب َّكة املك َّرمة ،وهي ن�سخة نفي�سة فيها هوام�ش ج ِّيدة اعتمد �أ�صحابها على م�صادر نادرة ومنها كتاب ابن مردويه�« :أوالد املحدِّ ثني» ،والهام�ش ا َّلذي فيه ذكر الكتاب هو يف الورقة ( 230ب) كما يف مقدِّ مة التَّحقيق ( )67/1و�س َّماه�« :أدب املحدِّ ثني» بالإفراد ،ويف هام�ش (،)1744/3 وال�صواب�« :أوالد املحدِّ ثني» كما تقدَّم. رقم (� )2115س َّماه «�أدباء املحدِّ ثني» باجلمعَّ ،
46
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
اجلزء األول :كتاب املباني حممد بو�سالمة اجلزائر
كلمات خمت�صرة لقد كان من د�أب ال ُبلغاء �أن ُير�سلوا يف ال َّنا�س ٍ حتوي يف معانيها ما يغني عن طويل الق�ص�ص وم�سرت�سل ا ُ خلطب جماما من املعاين يف قوالب قليلة َومديد الكالم ،فهم ي�ص ُّبون ً احلكم وال ِعرب ما حتمله الأ�سفار ،ف�إذا ا�ستفتح املباين ،جتمع من ِ مغاليقها م�ستفتح؛ انهمر عليه من تلك اجلمام �سي ٌل غزي ٌر. ال�سائرة ا َّلتي يحفظها ك ُّل �إن�سان ،وجتري تلك هي الأمثال َّ على ِّ واحلجة ملن طلب كل ل�سان ،فهي املوعظة ملن �أراد العظة، َّ وال�سلوان ِلذي املحنةِّ ، والذكرى لذي الغفلة ،وهي الربهانِّ ، الأدب ّ والطرافة وال ُّنبل َّ والظرافة. ولقد كان لنا من التَّالد املوروث عن �أ�سالفنا من هذا الكلم ري ال حتيط به الكتَّاب ،وال يحويه كتاب ،ولقد ال َّرفيع �شي ٌء كث ٌ التقط بع�ض �أدباء بلدنا من تلك ال ُّدرر فرائد �أنقذوها من متالف الزَّمان ،وكان �سعيهم م�شكو ًرا ،غري �أنَّ ما جمعوه هو قطرة من �أمطار ودينار من قنطار. ال�سالفني من �أهل بلدنا و�إنَّ َّ مما �أدرك ال َّنا�س من �أمثال َّ قول احلكيم« :ال يعجبك ن َّوار ال َّدفلى يف ا ْل َواد َع ْام َله ْظ َال ِي ْلَ ،وما َي َعجبك زِينْ َّ الط ْف َل ْه حتَّى ُ ت�شوف ال ْف َعا ِي ْل». وهي من ُرباع َّيات عبد ال َّرحمن املجدوب ،:وقد نازعنا فيها �أهل تون�س املحرو�سة ،وزعموا �أ َّنها تون�س َّية! واملقطوع به �أنَّ ال�صيغة من كالم املجدوب .: احلكمة بهذه ِّ وهي ثابتة يف ديوانه املنقول �إلينا منه نق ًال متوات ًرا ،و�صورتها ال�صنعة على هذا َّ ال�ضرب. يف الدِّ يوان على ما تقت�ضيه ّ
اللغة واألدب
الدفلى َّ مشارق األنوار على َم َثل َّ والن َّوار
ال يـعـج ـ ـبـك ن ـ َّوار ال ـ َّدف ـل ــه ف ــي الـواد عـ ــامـ ـلـة ظاليل وال يـ ـعـ ـجـبك زي ــن الـ َّـطفـله ح ـ َّتــى تـ ــ�ش ــوف الف ـعــايــل وقد قطع بن�سبة املثل �إىل املجدوب الع َّالمة امل�ؤ ِّرخ عبد القادر �شيخنا الفقيه حم َّمد �شارف، نور الدِّ ين اجلزائري ,وهو �شيخُ ِ مفتي الدِّ يار العا�صم َّية زمن �إمامته باجلامع الأعظم ،وهو من املح ِّققني. ري ،ولع ِّلي �أذكر منه �شي ًئا �آخر يف وكالم املجدوب يف املر�أة كث ٌ هذا الكتاب ينا�سب املقام. ولقد �سمعنا هذا املثل �صغا ًرا ،وفهمناه كبا ًرا ،وقد بدا يل �أن �أ�شرحه على منوال �شرحنا لقول احلكيم« :ال ّل�سان َ احل ُلو ْي َر َ�ضع الل َّبة». وهي طريقة ا�ستح�سنها �أهل العلم والأدب ،و�أح�سب �أنيِّ مل �أ�سبق �إليها. ال�سبيل �أن �أقدِّ م الكالم على وكان َّ مما اخرتته يف هذه َّ املباينَّ ،ثم �أرجع �إىل املعاين مراع ًيا لألفاظ ال ِّروايات َّ ال�شعب َّية، وما ينبني عليها من املعاين والتَّخريجات ال َّنحو َّية. واعلم �أنَّ اعتناءنا باللُّغة ال َّدارجة لي�س غاية ملقا�صدنا ،و�إنمَّ ا هو مو�صل للمقا�صد ،و�إنَّ يف ذلك لبيا ًنا ل�صل ِة كالمنا بكالم العرب يف الألفاظ والأ�ساليب ،ف�إذا �سعينا بعد هذا يف تهذيب ال�صحيحة ،وال َّ �شك �أنَّ تهذيب ال َّدارجة ك َّنا على ُق ٍ رب من العرب َّية َّ قي احل�ضاري. ال ِّل�سان من مظاهر ال ُّر ِّ ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
47
اللغة واألدب
املنظوم واملنثو ِر اجلاري على و�أ َّما ا�شتغالنا بالكالم البليغ من ِ رفيع ،و�إنَّ يف ت�ضييعه ال َّدارجة اجلزائر َّية ،ففيه حت�صي ٌل ل ٍ أدب ٍ ل�ضياعا للأدب اجلزائريِّ املمتزج بتاريخ و�أن�ساب �أهل هذا ً �شروحا على ق�صائد من الوطن ،ولقد و�ضع كبار علماء اجلزائر ً ِّ ال�شعر امللحون ،كما فعل «�أبو را�س املع�سكري» بق�صيدة َّ ال�شاعر
ولقد َّ عظمتُ �أبا الع َّبا�س مذ �أن قر�أتُ مقالتَه وعلمت �أ َّنه كنت تق ِّيده يا الفحل «�سعيد املندا�سي اجلزائري» :امل�شهورة بـ«العقيقة» من نبالء الأ َّمة ،وال �أدري ما فعل الزَّمان مبا َ ف�أتى بالعجب ،ويف مقدِّ مة َّ ال�شرح يقول يف �ش�أن الق�صيدة« :وهي �أبا الع َّبا�س!؟ ولقد طالت ذيول املقدِّ مة ،وهذا �أوان ُّ ال�شروع يف و�إن كانت من ِّ ال�شعر امللحون؛ فقد احتوت على غرائب من اللُّغة املق�صود. والبالغة واللُّحون حتَّى انقادت متائم الق�صائد �إىل �سحرها اعلم ـ ع َّلمك اهلل ـ �أنَّ الكالم على املثل يجري على وجهني و�صارت وا�سطة عقد نحرها» اهـ. �أحدهما يرجع �إىل املبنى ،والآخر �إىل املعنى ،و�إنيِّ كما ع َّرفتك وقد �شرحها ـ � ً أي�ضا ـ غري �أبي را�س من �أعالمنا. بطريقتي �آخذ يف الكالم على املباين وما يتع َّلق ب�ضبط الألفاظ �إنَّ الكالم على �صلة ال َّدارجة بال ُف�صحى لقمني ب�أن يفرد لغريب اللُّغة يف ال ِّل�سان م�شتمل على �أبواب ،ويب َّوب فيه بت�صنيف ٍ ٍ ِ ال َّدارجي ،و�أ�ساليب العرب يف كالم ال َّنا�س ،وللإمام «الب�شري الإبراهيمي» ت�أليف يف بع�ض ما ذكرناه ومل �أ َرهَّ ، كتاب والظنُّ �أ َّنه ٌ جليل ،ف�إنَّ هذا املو�ضوع ال تخدي يف فلواته �إ َّال �أمثال املراقيل الإبراهيم َّية.
وللأ�ستاذ الكبري �أبي الع َّبا�س �أحمد بن الها�شمي :عناية عظيمة باللُّغة ال َّدارجة ،ومن ذلك مقاله ال َّنفي�س ا َّلذي ن�شر يف عاما بعنوان« :بعد غربة اللُّغة جريدة «الب�صائر» منذ �سبعني ً العرب َّية �أ�صبحنا نخ�شى على اللُّغة ال َّدارجة» ،وفيه يقول ـ وبقوله �أقول ـ« :ك�أنيِّ بالقارئ وقد �أخذ منه العجب م�أخذه عندما يرى جريد ًة هي ل�سان حال علماء اجلزائر تنت�صر للغة عام َّية وتن�شر للدِّ عاية يف رَّ طرف من االهتمام التغيب فيها واحلثِّ على �صرف ٍ يف حت�صيلها! على ر�سلك �أ ُّيها الأخ� ..إىل �أن قال :لكن من نظر وحتقيق؛ انك�شف له يف احلال ما بني بحث يف امل�س�ألة نظر َة ٍ ٍ ال ُف�صحى والعام َّية من كمال ال ِّن�سبة وعموم اال ِّت�صال ،وال �إخالني جماز ًفا �إن قلت� :إنَّ اللُّغة العام َّية عرب َّية الأ�صل يف ن�سبة ربمَّ ا ال تق ُّل عن �سبعني يف املائة ،وفيه يقول :ومن جال يف الأقطار 48
الإ�سالم َّية وتت َّبع لهجات احلوا�ضر والبوادي؛ بهره ما يتخ َّلل تلك ال َّلهجات من املُفردات والأ�صول اللُّغو َّية؛ لذلك كان د�أبي تقييد ِّ كل ما يلتقطه �سمعي من م�ستملح العبارات وحما�سن الأمثال» انتهـى حم ُّل الغر�ض منه ،وهو مقال طويل.
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
على مقايي�س ال َّدارجة ،واملثل كما ترى عربي يف ال َّلفظ والأ�سلوب، وقد �ص َّدره احلكيم بحرف «ال» من قوله «ال يعجبك» ،وهي ت�أتي ملعان منها :ال َّنهي نحو :ال تفعل ،ومنه قوله تعاىل: يف كالم العرب ٍ ﴿ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾. ومنها ال َّنفي؛ نحو :ال �أفعل ،ومنه قوله تعاىل﴿ :ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾. ومن جميئها لل َّنفي يف كالمنا ال َّدارجي قول املثل اجلزائري: «ال دَار! َال ُد َّوار!». رب ال ِّ تعذبني ،ومنه قوله تعاىل﴿ :ﯫ ﯬ وت�أتي لل ُّدعاء نحو ِّ ﯭ ﯮ﴾. وعلى هذه املعاين ال َّثالثة جتري يف كالمنا كث ًريا ،وهي يف املثل َّ ال�شعبي لل َّنهي ،ويف رواية �شعب َّية «ما يعجبك» ،وهي على هذه ال ِّرواية ما ال َّنافية. وقد ا�ستعملت العرب «ما» لنفي الأ�سماء والأفعال ،غري �أنَّ دخولها على الأفعال �أكرث ،وكذلك َّ ال�ش�أن عندنا ،وت�أتي ا�س ًما مو�صو ًال كما يف قوله تعاىل﴿ :ﭰﭱﭲ﴾ ،وكذلك نقول على ق َّلة ،ومن ذلك قولناُ : «خود َما ْاع َطاك اهلل»� ،أي ا َّلذي �أعطاك اهلل تُقال له يف �سياق احلثِّ على القناعة وال ِّر�ضى باملقدور.
اللغة واألدب
ويف رواية �شعب َّية «ال ْي َغ َّر ْك» بد ًال من «ال َي َعجبك» ،وكالهما وقد اجتمعت «ما» ال َّنافية واملو�صولة يف قول الفقيه الأديب ي�ؤدِّي الغر�ض يف مقام التَّحذير والتَّنبيه ،وي�شهد لل ِّرواية الأوىل «بكر بن ح َّماد الزَّناتي اجلزائري» من ق�صيدة يعتذر فيها: قوله تعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ ،وي�شهد لل َّثانية �أبا حامت ما كان ما كان ِبغ َْ�ض ًة ول ـك ــن �أتـت بعد الأمــور �أم ـ ـ ــور قوله تعاىل﴿ :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ ،وعلى ال�شيء «ماكان كلتا ال ِّروايتني فاملثل جا ٍر على الأ�ساليب الف�صيحة. ومما جاء باجتماعهما قول العا َّمة يف تقليل َّ َّ َّثم �إ َّنه يحتمل �أن يكون احلكيم نطق ِّ بكل ال ِّروايات املذكورة ماكان». أوقات خمتلفةَّ ،ثم نقل عنه ك ُّل َرا ٍو ما وت�أتي «ما» يف كالم العرب مو�صو ًال حرف ًّيا ،ومنه قوله تعاىل يف احلرفني والفعلني يف � ٍ حكاية﴿ :ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾� ،أي �سمع. ويحتمل �أ َّنه نطق بلفظ واحدَّ ،ثم نقله عنه بع�ض ال ُّرواة بغفران ر ِّبي ،وجميئها على هذا الوجه يف ال َّدارجة م�سموع يف وجهت �أحاديث كثرية وردت على هذا ال َّنحو� ،إذ التاكيب ،وال يح�ضرين من ذلك �شيء �إ َّال نحو قولهم« :بال باملعنى ،وبهذا ِّ بع�ض رَّ ما يفهم» �أي :بال فهم ،و«بال ما يقول» �أي بال قول ،ومو�صول َّيتها كان كثري من الر َّواة يروون احلديث باملعنى ،ولهذا �أعر�ض كثري كل الأفعال عندنا ،وقد من ال ُّنحاة عن اال�ستدالل باحلديث يف م�سائل ال َّنحو ،وذلك لأ َّنه مطردة يف ِّ التكيب َّ احلرف َّية على هذا رَّ ب�صحة احلديث ،وقد التكيب زائد ٌة على نحو ما ال يجزم فيها بال َّلفظ ال َّنبوي ،و�إن جزم َّ أح�سب �أنَّ «ما» يف نحو هذا رَّ كنتُ � ُ يف كما ر�أيت ،وال يبعد انت�صر لهذا القول جماعة من الأكابر وعابوا على الإمام ابن تفعل العربَّ ،ثم بدا يل �أ َّنها مو�صول حر ٌّ �أن يظفر لزيادتها مبثال من ال َّدارجة ،وال يذهب بك الوهم �إىل مالك �إثباته للوجوه ال َّنحوية باحلديث ،ولقد فرحت بهذا القول �أنَّ معنى زيادتها ا�ستواء ذكرها وحذفها ،فالعرب ال تزيد لغري ده ًرا وكنت �أح�سبه التَّحقيقَّ ،ثم بدا يل �أ َّنه خالف التَّحقيق و�أنَّ احلقَّ مع ابن مالك ،وقد انت�صر له جماعة من املح ِّققني ،ولقد معنى ،والزِّ يادة هنا للتَّقوية. و�أ َّما و�صف ال ُّنحاة للحرف بالزِّ يادة؛ فمرادهم �أنَّ حذفه �أدركت نحاة �شنقيط وهم �أئ َّمة هذا َّ ال�ش�أن يف هذا الع�صر يثبتون ويرجحون الأقاويل ال َّنحوية باحلديث ،وهذا مطلب قمني كره الوجوه ِّ ال يخ ُّل بالغر�ض ،ال �أ َّنه لي�س يف ذكره معنى ،وعليه فقد ِ العلماء التَّعبري بالزِّ يادة يف �إعراب القر�آن الكرمي ملا يف ذلك ب�أن يفرد بكتاب. �أ َّما « ُن َّوار» فهو على زنة «ر َّمان» وهو ال َّنور �أي الزَّهر ،واحده عربي ن َّوارة ،وا�ستعمال «ن َّوار» يف اجلمع ،و«ن َّوارة» يف الإفراد ٌّ �صحيح جرت عليه ال َّدارجة اجلزائر َّية ،وهو من كالم العرب ممن ا�ستوطنوا املغرب الأو�سط ،و ُنقل �إلينا الهالل ِّيني ،وغريهم َّ كالمهم بال َّنقل املتواتر يرثه جيل عن جيل.
بال�صلة ،وال َّ �شك �أنَّ هذا �أمر ا�صطالحي فيعبون ِّ من الإيهام ،رِّ والأدب مطلوب. �أ َّما قوله« :يعجبك» فهو م�ضارع «�أعجب» ،وهو عندنا مبعناه عند العرب ،ونحن يف باب الأفعال جنري على َ�س نَن العرب، فن�أتي باملا�ضي وامل�ضارع ُم َ�ص َّد ًرا بحروف امل�ضارعة والأمر وامل�صدر ،ون�أتي باملفعل يف امل�صادر ُّ والظروف على ما ذكره �أهل و�إنَّ هذه اللُّغة يف الإفراد واجلمع قد �أهملها كثري من الكتَّاب التَّ�صريف. والبلغاء من اجلزائر ِّيني وغريهم مع ف�صاحتها ،وموافقتها لأوزان وقد يختلف بع�ض يف الق َّلة والكرثة باختالف نواحي ال ُقطر العرب وت�صاريفهم؛ �إذ قد ا�ستعملت العرب هذين الوزنني فيما اجلزائري ،ولب�سط هذا مو�ضع �آخر. تخرجه الأر�ض؛ فقالوا :تفَّاحة وتفَّاح ،ور َّمانة ور َّمان ،فما املانع ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
49
اللغة واألدب
�أن نقول :ن َّوارة ون َّوار ،وبهذا فقد �صار املثل املذكور من �شواهد هذه اللُّغة ال َّنادرة اال�ستعمال ي�ست�شهد به الأديب الأملعي؛ فيقوم يف ع�صرنا مقام ابن ُ�ش َم ْي ٍل والأ�صمعي: ف ـهـذه حـكـمـ ُت ــنا الـمـ�أثـ ـ ــور ْه قد �أعـر َب ْت عن لغة مهج ــور ْه قـد َذ َكــر ْتــها كـت ٌـب مــ�شــهور ْه فم ـك ـثــت م ـغ ــمورة مــ�ستور ْه َّثم َغدَ ت بني الورى من�صور ْه ()1 غـالبـ ًة «ودارت ال ـ َّنــاع ـ ـ ـ ــور ْه» وقد ا�ستعملها الف�صحاء من �أهل بلدنا يف الزمن القدمي، ومن ذلك قول ابن مرزوق اجلد التلم�ساين: انـ ـظـ ــر الـ ـن ــوار فــي �أغـ�ص ــان ــه يحكي النجوم �إذ تبدت يف احللك اجلزائري قد نقل لفظة «ن َّوار» عن َّثم �إنَّ بع�ض �أهل القطر ّ اجلن�س َّية �إىل العلم َّية ،فهو عندهم َع َل ٌم لرجل ،وه�ؤالء يجعلون «ن َّوارة» � ً ي�سميه ال ُّنحاة العلم املنقول، أي�ضا عل ًما لأنثى ،وهذا ما ِّ وهو ما ا�ستعمل يف غري العلم َّيةَّ ،ثم نقل �إليها ويقابله ما مل ي�ستعمل �إ َّال َع َل ًما وي�س ُّمونه العلم املرجتل ،وكالهما موجو ٌد يف ال َّدارجة و�إىل ال َّنوعني� ،أ�شار ابن مالك بقوله: وم ـنــه م ـن ـقــول ك ـفــ�ضــل و�أ�ســد وذو ارت ـجـ ـ ـ ــال كــ�س ـع ـ ـ ــاد و�أُ َد ْد وغالب الأعالم منقول عند العرب ،وكذلك َّ ال�ش�أن عندنا، ولفظة «ن َّوار» يف املثل مر َّكبة مع لفظ «ال َّدفلى» تركي ًبا �إ�ضاف ًّيا على معنى ال َّالم ،وهذا �أحد معاين الإ�ضافة ،ومثاله «كتاب زيد»، وت�أتي على معنى «من» كخامت ذهب� ،أي من ذهب ،وزاد بع�ض ال ُّنحاة معنى يف نحو «قيام ال َّليل» �أي يف ال َّليل ،وك ُّل هذه املعاين فا�شية يف كالمنا ال َّدارجي. معروف، نبات ٍ �أ َّما «ال َّدفلى» فهي كلمة عرب َّية تُطلق على ٍ ويقال :ال َّدفل ـ � ً أي�ضا ـ بغري �ألف ،وقد ذكرها �أهل اللُّغة وجرت يف ( )1هذه كلمة ت�ستعمل يف اللغة الدارجة مبعنى حتول الغالب �إىل مغلوب ،واملغلوب �إىل غالب.
50
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
كالم ُّ ال�شعراء ،ومنه قول َّ ال�شاعر: جئت �إىل ال َّدفلى حت ِّركها هيهات َ حركت فالتقط م�ستطع ًما عن ًبا َ و ُيقال لها يف ال ِّل�سان الأمازيغي «�إليلي» وهو َّ ال�شائع يف بالد زواوة ،و«ثاليلي» ،وبع�ضهم يقول�« :إنيني» و«�إيريري» ،وبق َّية الكالم على ال َّدفلى يف «كتاب املعاين» ،والكاف املذكورة يف املثل هي كاف اخلطاب ،واخلطاب هنا للمذ َّكر والتَّذكري مالزم لهذا رَّ التكيب ،ولو كان املخاطب به �أنثى؛ لأنَّ الأمثال تحُ كى �ألفاظها ت�صرف كما لو كان �أ�صل و�ضع املثل خلطاب �أنثى ،ف�إ َّنه من غري ٍ ُيخاطب به َّ الذكر كذلك ب�ضمري امل�ؤ َّنث ،كما يف قول العرب: عت ال َّلنب» ،ف�إ َّنه قيل �أ َّول َّ «ال�ص َ ق�ص ٍة يف �ض َّي ِ ال�ش�أن المر�أ ٍة يف َّ َّ معروف ٍة عند العرب ،فهو ُيقال بتاء ال َّت�أنيث ِّ لكل من �أ�ضاع �شي ًئا، َّثم طلبه بعد فواته ،ولو كان ذك ًرا ،وت�أويله �أنَّ هذا مقا ٌم يقال فيه: «ال�ص َ عت ال َّلنب» ،وق�س عليه الباب ك َّله. يف �ض َّي ِ َّ ولكاف اخلطاب مبحثٌ بالغي مو�ضعه «كتاب املعاين». ٌّ و�أ َّما قوله« :يف الواد»؛ فجا ٌر وجمرور متع ِّل ٌق بقوله« :عامله ظاليل» ،و«يف» هنا َّ للظرف َّية ،وهي �أ�شهر معانيها عند العرب، وكذلك َّ ال�ش�أن عندنا وت�أتي كث ًريا يف ال َّلغة مبعنى «على» ،ومنه قول عنرتة يف مع َّلقته: ب ـط ـ ٌل كـ ـ�أنَّ ث ـيــابــه يف َ�س ْر َح ٍة ال�سبت لي�س بتو� ِأم ُيحذي ِنعال ِّ �أي على �سرح ٍة وهذا �شائ ٌع يف ال َّدارجة ،ومنه قولهم« :فالن وال�سطح ،وت�أتي لبيان ال�سطح»� ،أي على اجلبل َّ يف اجلبل ويف َّ بي « :Íد ََخلَت ْام َر�أَ ٌة ال َّنا َر ِيف هِ َّرةٍ» �أي َّ ال�سبب ومنه قول ال َّن ِّ ب�سبب ه َّر ٍة ،ومن �أمثلتها يف ال َّدارجة قول ال َّنا�س« :فالن ربح فيها جائزة»� ،أي ربح ب�سببها ،و«فالن ادا فيها طريحة» �أي ب�سببها، َّ وال�ضمري للوقعة �أو الفعلة. وجملة «يف الواد عامله ظاليل» جملة حال َّية من «ال َّدفلى»، ٌ م�ضاف ن�صب على احلال ،و�صاحب احلال هنا فهي يف مو�ضع ٍ �إليه ،وقد ُعلم يف ال َّنحو امتناع جميء احلال من امل�ضاف �إليه
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
اللغة واألدب
�إ َّال يف موا�ضع. ال�صور اجلائزة، ف�إذا عرفت هذا؛ فاعلم �أنَّ احلال هنا من ُّ وهي هنا كون امل�ضاف جز ًءا من امل�ضاف �إليه ،ف�إنَّ «الن َّوار» بع�ض َّ ال�شجر ،قال يف «اخلال�صة»: وال جتز حا ًال من امل�ضاف له �إ َّال �إذا اقت�ضى امل�ضاف عمله �أو كان جز َء ما َل ُه �أُ ِ�ضيفا �أو مـث َـل جزئه ف ــال تحَ ِ يفــا ومنه قوله تعاىل﴿ :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯥ﴾ [ ،]47 :kف�إنَّ «�إخوا ًنا» حال من �ضمري «هم» ،وهو م�ضاف �إىل «�صدور» ،وامل�ضاف هنا ٌ بع�ض من امل�ضاف �إليه كما هو وا�ضح ،وما ذكرناه �إنمَّ ا يتخ َّرج على رواية «عامله ظاليل» بالتَّاء وهي الأ�شهر يف اال�ستعمال. و�أ َّما على رواية «عامل ظاليل» بغري تاء ،وهي رواية �صحيحة، فال يرد ما ذكرناه؛ لأنَّ «عامل ظاليل» ي�صري حينئذ حا ًال من «الن َّوار» ال من «ال َّدفلى» و«ن َّوار» م�ضاف ،وبحثنا كان يف امل�ضاف ُعرب اجلملة نعتًا «لل َّدفلى» ال حا ًال فتكون �إليه على �أ َّنه يجوز �أن ت َ حينئذ يف ِّ خف�ض لكون متبوعها جمرو ًرا. حمل ٍ ف�إن قلت :فكيف ي�ص ُّح هذا الوجه وقد ذكروا �أنَّ اجلمل بعد املعارف �أحوال وبعد ال َّنكرات �أو�صاف ،ولفظ «ال َّدفلى» هنا مع َّرفة؟ فجوابه هنا �أن يقال :هذه قاعدة �صحيحة غري �أنَّ هذا الزم متح�ض للتَّعريف �أو التَّنكري ،ف�إذا �أُ�شيبت املعرفة بتنك ٍري فيما َّ بتعريف احتمل الكالم حينئذ الوجهني ،ولذلك ج َّوز وال َّنكرة ٍ املع ِّربون الوجهني يف قول َّ ال�شاعر: ولقد �أ ُم ُّر على ال َّلئيم ي�س ُّبني فم�ضيتُ ث َّمت قلت :ال يعنيني فج َّوزوا يف جملة «ي�س ُّبني» احلال َّية والو�صف َّية؛ ف�إعرابها حا ًال؛ نظ ًرا للفظ «ال َّلئيم»؛ ف�إ َّنه معرف ٌة القرتانه ب�أل التَّعريف ،و�إعرابها يخت�ص بلئيم معينَّ ؛ لأنَّ «�أل» فيه نعتًا باعتبار املعنى ف�إ َّنه ال ُّ
ف�صح �أن تكون اجلملة للجن�س ،ف�شابه يف هذا املعنى ال َّنكراتَّ ، بعده نعتًا ،و�إىل ما �سبق بيانه �أ�شار الع َّالمة «املجرادي» يف منظومته امل�شهورة بـ«املجراد َّية» بقوله: معرف حم�ض ِ و�إن وقعت من بعد ِ ف�إعرابـها ح ــال لــما قبل قد خال منكر و�إن وقعت من بعد حم�ض ٍ ف�إع ــراب ـهـا نعتٌ لـما قــبل قد تال ـكر ويحتمل الـوجـهـيـن بعد مـنـ ـ ـ ٍ ومعرف ٍة لي�سا مبح�ض ِني فاقبال متح�ض لفظ «ال َّدفلى» يف املثل ف�إذا علمت هذا؛ الح لك عدم ُّ للتَّعريف ،بل لفظه معرف ٌة ومعناه نكر ٌة لعدم داللته على معينَّ ، وذلك لأنَّ «�أل» فيه للجن�س. و�أ َّما الواو من قوله« :وال يعجبك زين َّ الطفله»؛ فهي واو العطف ال َّدالة على اال�شرتاك يف احلكم ،وهذا �أ�شهر معانيها، ونحن نعطف بها على مقت�ضى لغة العرب ،ف ُن�شرك بها يف احلكم من غري ق�صد رَّ التتيب وال ُم�صاحب ٍة ،وقد ُنريد ذلك غري �أ َّنه لي�س بالزم ونحن يف هذا على مذهب املح ِّققني ،وقد �أ�شار �إليه ابن مالك يف «اخلال�صة» بقوله: واع ـطـف بوا ٍو �ســاب ًقا �أو الحـ ًقا يف احلكم �أو م�صاح ًبا مواف ًقا وبهذا اعرت�ض فقها�ؤنا املالك َّية على من �أوجب رَّ التتيب يف بع�ض الأحكام م�ستندً ا �إىل هذه الواو ،كما فعل من �أوجب رَّ التتيب يف الو�ضوء م�ستد ًّال ب�آية الو�ضوء ،وذلك لأنَّ الواو ملج َّرد اال�شرتاك وملُخالفنا �أجوبة على طريقة املناظرة ،مطلبها يف كتب اخلالف. واعلم �أنَّ الواو كث ًريا ما ي�ستعملها �أهل قطرنا يف امل�صاحبة ،فتكون حينئذ واو املع َّية ال العاطفة ،غري �أنَّ ذلك ال َيظهر له �أثر يف ال َّلفظ لف�ساد الإعراب يف اللُّغة ال َّدارجة ،فال يظهر ال َّن�صب كما يف َنحو قول َ واجلي�ش» بن�صب «اجلي�ش» ،ف ُيعتمد حينئذ على العرب« :جا َء الأم ُري �ضميم ٍة خارج َّية ،ومع هذا فقد تخفى القرينة ،ولهذا ف�إ َّنهم �إذا �أرادوا التَّن�صي�ص على املع َّية يف ال َّدارجة جا�ؤوا بلفظ «مع».
51
اللغة واألدب 52
ومما جتيء له الواو يف كالمنا :الق�سم ،وبع�ض �أهل َّ ال�شرق َّ عندنا ي�أتون بباء الق�سم يف بع�ض �أق�سامهم ،وك ُّل هذه املعاين ا َّلتي ذكرتها لك يف هذا احلرف جارية على ف�صيح اللُّغة. الطفله» �أي جمالهاِّ ، وقوله« :زين َّ طفل ،وهي و«الطفله» م�ؤ َّنث ٍ بك�سر َّ بفتح وهو ب�ضم ٍ الطاء ،و ُنطقها على قانون ال َّدارجة ٍّ م�شوب ٍ ال�شرق اجلزائري ي�ض ُّمون َّ م�ضطر ٌد يف نظائرها ،و�أهل َّ الطاء من لفظ َّ خال�صاَّ ، والظاهر �أ َّنه حلنٌ ويجوز �أن يكون «الطفله» �ض ًّما ً م�سموعا عن العرب القدماء. �شي ًئا ً ويف ِّ حال فهو حلن �أو لغة رديئة ،وكث ًريا ما �سمعت من كل ٍ �أهل بلدنا � ً تلحن فيه العا َّمة ،ف�إذا ألفاظا كنت �أظ ُّنها من قبيل ما َ فتَّ�شت عنها وجدتها لغ ًة �صحيحة. ومن ذلك �أ َّنهم يقولون« :ال ُف ْق ُر» َّ بال�ض ِّم وكنتُ �أح�سبه من حلن العا َّمة ،ف�إذا هو م�سمو ٌع عن العرب ،وال َّ �شك �أنَّ الفتح �أف�صح فلع َّل �ض ُّم لفظ ِّ ال�سماع غري �أ َّنه «الطفله» كهذا ِّ ال�ضم يف َّ �أهملته الكتب». وقوله« :ظاليل» جمع ظليلة ـ مبعنى ال َّرو�ضة الكثرية َّ ال�شجر ـ, وهو جمع جا ٍر على �أوزان العرب كما ترى ,فهم يقولون :ظليلة وظالئل ،كقولهم� :صحيفة و�صحائف ,وهو من �أوزانهم القيا�س َّية، ويجوز �أن يكون جمع ٍّ ظل على ال َّدارجة ،وكالهما يت ُّم به املق�صود على ما ي�أتي بيانه يف «كتاب املعاين». وقوله« :الفعايل» هو جمع فعل على تعبري ال َّدارجة ,و�إنَّ ما �س َّهل جميئه على هذا الوزن اقرتانه بلفظة «ظالئل» ,وقد يجوز يف َّ ال�شيء مقرت ًنا بغريه على وجه امل�شاكلة ما ال يجوز ال�سجع؛ ف�إنَّ لأوزانه فيه منفردًا ،ويكون ذلك من قبيل �ضرورة َّ ال�شعر ،وال َّ �ضرورة ك�ضرورة ِّ �شك �أنَّ هذا التَّنا�سب �أك�سب الكالم ـ«ال�سجع»، ح�س ًنا من جهة ال َّلفظ ،وهذا ما ِّ ي�سميه �أهل البيان :ب َّ وهو يف ال َّنرث مبنزلة القوايف يف ِّ ال�شعر ،و�إىل هذا املعنى �أ�شار «عبد ال َّرحمن الأخ�ضري اجلزائري» بقوله: فوا�صل يف ال َّن ِرث وال�سجع يف ٍ َّ مـ�شـبـهـ ٍة قــاف ـيــة يف ِّ ـعر ال�ش ـ ِ حم�سنات الكالم ،و�أ�صل احل�سن فيه وال�سجع يف البالغة من ِّ َّ ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
�أن يكون ال َّلفظ تاب ًعا للمعنى ،ف�إن انعك�ست الق�ض َّية ظهر التَّكلُّف والتَّنافر ،وما �أح�سنه يف املثل َّ ن�صو» ال�شعبي« :ت َّبع رخ�صو ترمي ُّ ولي�س ذلك ب�شرط ،و�إنمَّ ا هو على ما ي�سمح به احلال ،وهل �ض َّر ال�سجع حني قال« :لخَ ْ رَ ْب ْي ِجي ُبوه ال َّت َو ىَال» ،ولو رام احلكيم ترك َّ ال�سجع حممودًا متفا�ص ٌح ت�سجيعه ل َّربده ولذهب بطالوته ،فلي�س َّ يف ِّ طوعا ،وك�أ َّنه مل يو�ضع �إ َّال كل مو�ضع ،و�إنمَّ ا ُيحمد منه ما جاء ً بال�سجع؛ لذلك املو�ضع ،ولقد ك ِلف كثري من اخلطباء والكتَّاب َّ فح�شروا الألفاظ يف حم�شر الأ�سجاع ول�سان حالهم يقول: نحن يف الأ�سجاع ندعو اجلفلى ()2 ال�س ــاجــع ف ـي ـن ــا ينتقر ال تـرى َّ ف�ساقوا نوافرها �ش َّر م�ساق ،فت�أتي مكبكبة ملتوية الأعناق, اخلطيب الـ ُمعانى قد �أنهكتها املجا�شم وال ُقحم كما �أنهكت َ ُّ ي�صك مبنادل حني �شغلته الألفاظ عن املعاينَّ ,ثم بعد ذلك �سجعه امل�سامع ويح�سب �أ َّنه قد جاء ب�ضرب من البديع ,و�إنَّ هذا ليذ ِّكرين خطبة عيد �شهدتها قد ًميا التزم فيها خطيبها ما ال يلزم ،وتك َّلف ما مل ُيك َّلف ،وجاء ب�سجع على حرف ال َّراء �إىل خامتة اخلطبة! وقد ذهب به التَّكلُّف ك َّل مذهب؛ فاجتمعت الألفاظ على وح�شة بينها ,ك ُّل لفظ ينطح جاره وال يطيق جواره, فكانت عناية خطيبنا بحرف ال َّراء �أكرث من عنايته بوعظ ال َّنا�س ا�ست َْط َر ْدنا به ،وهذا عود �إىل يف ذلك اليوم امل�شهود ,وقد طال ما ْ ما ك َّنا فيه ،والعود �أحمد. ومنه �أنَّ حرف َّ الظاء من قوله« :ظاليل» قد اختلفت فيه ال�صحيح �أل�سنة �أهل البالد ,فمنهم من ينطقها ظا ًء على الوجه َّ وعليه جمهورهم ,غري �أنَّ من ينطق َّ الظاء �صحيحة عندنا ال مي ِّيز ال�ضاد ،فهو ينطق َّ بينها وبني َّ ال�ضاد ظا ًء ،فيقول يف نحو رم�ضان و«الظوء» َّ وال�ضوء« :رمظان» َّ بالظاء ،وذلك لع�سر حرف َّ َّ ال�ضاد عليهم ,وهم يقر�ؤن القر�آن الكرمي على هذا ال َّنحو فيلحنون, ال�صالة ,وهم وال َّلحن يف الفاحتة �أ�ش ُّد؛ لتعلُّقه بركن من �أركان َّ (� )2أ�صل هذا البيت يف قول �صاحبه: نحن يف امل�شتاة ندعوا اجلفلى ال ترى الآدب فينا ينتقر غري �أنيِّ ح َّولته �إىل ما ينا�سب املقام.
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
اللغة واألدب
الظا ِّلني» َّ يقولون« :وال َّ بالظاء من قوله تعاىل: ال�صالة بذلك خلف من ال [[ ,]7 :وبع�ض فقهائنا يبطل َّ مييز بينهما ،وهو �أحد الأقوال يف ال�صالة خلف ال َّالحن ,وذيول امل�س�ألة يف كتب الفروع وغريها. وال َّ �شك �أنَّ التَّمييز بينهما واجب على قدر الإمكان� ،إذ ال يت�أتَّى ذلك ِّ لكل �إن�سان ,وال ميكن يف هذا الع�صر �أن ينطق بحرف َّ ال�صحيح �إ َّال مب�شافهة �شيوخ الإقراء. ال�ضاد على الوجه َّ ولقد مكثت من عمري �سنني �أزعم �أ َّنني �أنطق َّ ال�ضاد على وجهها ،وت�ش َّدقت بذلك ده ًرا حتَّى لقيت م�شيخة الإقراء بدم�شق الفيحاء؛ فزالت حينئذ غمامة الإلبا�س ،وتبينَّ يل �أنَّ ذهبي ال�صريح ،و�أخذت َّ ال�ضاد على نحا�س ،واجنلت ال َّرغوة عن ال َّلنب َّ ال�صحيح يف جملة علم الأداء. الوجه َّ وبع�ض �أهل الوطن يقول يف�« :ضاليل» َّ بال�ضادِّ ،وه�ؤالء ينطقون َّ ال�صحيح �أو قري ًبا من ذلك ،غري �أنَّ ال�ضا َّد على الوجه َّ بالظاء ,فهم يقولون يف نحوُّ : ه�ؤالء ال يكادون ينطقون َّ «الظهر» و«الظفر» ِّ ّ و«ال�ضفر» ّ «ال�ضهر» ّ و«الظ ّل»ُّ : و«ال�ض ّل» َّ بال�ضاد ,وهكذا يف الكالم ك ِّله؛ وذلك لع�سر حرف َّ الظاء عليهم ,وعليه ل�سان �أهل مدينة اجلزائر املحرو�سة وما قاربها. وبع�ض �أهل البالد ينطق َّ ال�ضا َّد دا ًال ،وبع�ضهم مييل بها �إىل َّ الطاء ،وك ُّل هذا من ف�ساد ال ِّل�سان ,ولقد َب ِر َم بهذا بع�ض �شيوخ �شيوخنا فقال: ال�ضا ُّد حرف ع�سيـر ي�شبه َّ َّ الظــا َء ال ال َّدال ي�شبه يف نطق وال َّ الطا َء حلن ف�شـا منذ زمــان قد ات ـبــعت �أب ـنــا�ؤهـا فـ ـيـه �أج ــدادًا و�آب ـ ـ ــاء من غـري م�ستند �أ�صــال وغ ــايـ ـت ـه ــم �إل ُـف الـعوائـد فيه َخ ـ ْب َـط عـ�شـواء والـح ُّق �أبـلج ال يـخ ـفـى عـل ــى ف ـطـن �إن ا�ست�ضاء مبا يف الكتب قد جاء ـ�صــا ال مـ ــر َّد لــه ه ــذا هـو احل ـ ُّق نـ ًّ من �شـاء بـاحلـقِّ فـليـ�ؤمـن ومن �شـاء ﴿ﭲ ﭳ﴾
لكنَّ يف قوله ي�شبه َّ الظاء نظ ًرا؛ فهو يوهم �أ َّنه ي�شبهه يف وال�سمع ،وهذا غري �صحيح ،و�إن �ص َّرح به بع�ض الأفا�ضل, ال َّلفظ َّ ولع َّل �صاحب الأبيات يق�صد �أ َّنه ي�شبه َّ ال�صفات. الظاء يف �أكرث ِّ ومن �أهل البالد من ينطق َّ خال�صا ,وقد �سمعت ال�ضاد زا ًيا ً هذه َّ الظاء يف �إقليم توات يف بع�ض ق�صورها ,وكان من خرب ذلك �أنيِّ كنت يف بع�ض جمال�س امل�شيخة هنالك ،وكان حديثنا يف «حب الزُّهور يق�صم الزُّهور», التَّعامل و�أهله ،فقال رجل فقيهُّ : «حب ُّ الظهور يق�صم وهي العبارة امل�شهورة عند ال َّنا�س ،فيقولونُّ : ُّ الظهور». وكان ذلك �أ َّول العهد بهذه َّ الظاء التّوات َّيةَّ ,ثم �سمعتها كث ًريا يف نطق بع�ض الع�شائر ,و�أكرث �أهل توات ال جتري هذه الزَّاي يف �أل�سنتهم ,وكنت �أح�سب �أنَّ نطق َّ مما انفرد به �أهل الظاء زا ًيا َّ م�صر ومن واالهم ,وعلى هذه الوجوه يجري ال ُّنطق َّ بالظاء يف احلكمة َّ ال�شعب َّية على اختالف �أل�سنة �أهل بالدنا. وقوله« :حتَّى ت�شوف» جاء لبيان الغاية. واعلم �أنَّ «حتَّى» ت�أتي للغاية ،كما هنا ،ومنه قوله تعاىل: ﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ الآية [^.]187 : ال�صادقني» ,وعلى وت�أتي للتَّعليل نحوُ « :ا�صدق حتَّى تُكتب مع َّ العامي ,ومن العرب من ُيبدل احلاء من املعن َيينْ جتري يف كالمنا ِّ هذا احلرف ع ْي ًنا فيقول« :عتَّى». ولقد �سمعت رج ًال من �أهل البوادي عندنا مييل بها �إىل هذا البحة ،ومل ال ُّنطق ،وال �أدري �أهي لغة َق ْو ِمه �أو هو �شيء �صنعته َّ يطل مقامي بني القوم ال�ستقراء هذا الباب؛ ف�إنَّ اللُّغات ال تثبت مبثل هذا كما هو معلوم. وقوله« :ت�شوف» فهو فعل م�ضارع من ّ ال�شوف ،وهو التَّطلُّع وال َّنظر �إىل َّ ال�شيء. وكذلك ن�ستعمله يف كالمنا ال َّدارجي ،وك ُّل هذا يد ُّل على �أنَّ لغتنا هي لغة العرب ،و�أنَّ ما خالطها من كالم العجم �أو ما طر�أ خرجها عن ذلك. عليها من ف�ساد ال ُي ُ وهذا ختام لكتاب املباين ،ويليه «كتاب املعاين» ,واحلمد هلل وبه �أ�ستعني.
53
قضايا تربوية
قرة عني األبوين يف رعاية وتربية البن��ات والبنني جنيب جلواح
بعد الكالم املجمـل عن ترب َّية الأوالد ورعايتهم، وا َّلذي �سبق يف اجلزء الأ َّول مِ ن مقايل� ،أنتقل �إىل تف�صيل الكالم فيما نَّ يتعي علـى الوالدين �أن َيعلموه و ُيع ِّلموه �أبناءهم. ف� ُ أقول ـ و باهلل �أ�ستعني ـ:
54
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
أول ما يعلَّم الصبي العقيدة الصحيحة: ال�صافية اخلال�صة يف نفو�س على الآباء �أن يغر�سوا العقيدة َّ �أبنائهم ،ويل ِّقنوهم كلمة التَّوحيد ِمن �صغرهم ,وير ُّبوهم على مراقبة ال�سماء ،و�أ َّنه ي�سمع اهلل وخوفه يف ِّ ال�س ِّر والعالنية ،و ُي َع ِّلموهم �أ َّنه يف َّ كالمهم ،ويرى مكانهم ،و َيعلم �س َّرهم وجنواهم� ،إىل غري ذلك ِمن املي�سرة ،ا َّلتي تالئم �س َّنهم ،وتُنا�سب م�ستواهم ،حتّى �أمور العقيدة َّ يرت َّب ْوا على معرفة اهلل وتوحيده ،وحفظ حدوده ،فيلج�أون �إليه يف ال َّرخاء ِّ ال�س ّراء ّ وال�ض ّراء وي�ستعينون به. وال�ش َّدة ،ويدعونه يف ّ ال�صغار وتهيئتهم بلطيف العبارة، و ُي�ستح�سن ت�شويق ِّ أهم َّية ما ُيلقى �إليهم ،مع �إ�شعارهم ب�سهولة حفظه وتنبيههم �إىل � ِّ وفهمه ووعيه ،ويكون ذلك ب�أ�سلوب خمت�صر ،وكالم جامـع و ُموجز ووا�ضح؛ ليكون �أوقع يف ال َّنف�س. وهذا الذي ر َّكز عليه لقمان احلكيم يف موعظته البنه؛ � ْإذ بد�أها بنهيه عن ِّ ال�شرك ـ وهو ي�ستلزم الأمر بالتَّوحيد ـ ،فقال: ﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [\}]. عمه عبد وهو ما جت َّلى وظهر يف و�ص َّية ر�سول اهلل Íالبن ِّ اهلل بن ع َّبا�س ،وهو فتًىْ � ،إذ قال :Èكنتُ خلف ر�سول اهلل ال ُم! �إِنيِّ �أُ َع ِّل ُم َك َك ِل َماتٍ ْ :اح َف ِظ َ يوما ،فقالَ « :يا ُغ َ اهلل ً Í تاه ََك� ،إِ َذا َ�س�أَ ْلتَ َفا�سْ�أَلِ َ َي ْح َف ْظ َكْ ،اح َف ِظ َ ت ْد ُه جُ َ اهلل، اهلل جَ ِ اج َت َم َعتْ َعلَى َو�إِ َذا ا�سْ َت َعنْتَ َفا�سْ َتعِنْ باهللَِ ،و ْاعلَ ْم �أَ َّن الأُ َّم َة َل ِو ْ ب�ش ْي ٍء َق ْد َك َت َب ُه ُ ل َي ْن َف ُع َ �أَ ْن َي ْن َف ُع َ ـوك �إِ َّال َ وك َ ب�ش ْيءٍ ،مَْ اهلل َل َكَ ،و َل ْو ل َي ُ�ض ُّر َ اج َت َم ُعـوا َعلَى �أَ ْن َي ُ�ض ُّر َ وك ِ�إ َّال َ وك َ ب�ش ْيءٍ ،مَْ ب�ش ْي ٍء َق ْد َك َت َب ُه ْ ُ َ ُ ()1 اهلل َعلَ ْي َكُ ،ر ِف َعـتِ الأ ْق َ ال�ص ُحف» . ال ُمَ ،و َج َّفتِ ُّ قال ابن ق ِّيم اجلوز َّية « ::ف�إذا كان وقت نطقهم؛ فل ُيلقَّنوا «ال �إله �إ َّال اهلل ،حم َّمد ر�سول اهلل» ،و ْل َيكن �أ َّول ما يقرع م�سامعهم: معرفة اهلل ـ �سبحانه ـ وتوحيده ،و�أ َّنه ـ �سبحانه ـ فوق عر�شه ،ينظر �إليهم ،وي�سمع كالمهم ،وهو معهم �أينما كانوا»(.)2 ال�صغار توحيدَ اهلل قبل �أيِّ علم �آخر ،بل هو و ْل َيكن تعليم ِّ مق َّدم على تعلُّم كتاب اهلل تعاىل؛ فعن ُجندُب بن عبد اهلل Ç قال« :ك َّنا ِغلمانا حزا ِورة( )3مع ر�سول اهلل Íفيع ِّلمنا الإميان التمذي ( ،)2516وهو يف «�صحيح ُ�سنن رِّ ( )1رواه رِّ التمذي» للألباين (.)2043 (« )2حتفة املودود ب�أحكام املولود» (�ص.)231 «ال�صحاح» للجوهري ( )3جمع َحزْ ور �أو َحزَ َّور :وهو الغالم �إذا ا�شت َّد وقوي وخدم ،انظرِّ : (.)629/2
قضايا تربوية
قبل القر�آنَّ ،ثم يع ِّلمنا القر�آن ،فازددنا به �إميا ًنـا ،و�إ َّنكم ـ اليوم ـ تع َّلمون القر�آن قبل الإميان»(.)4 وهذا هو املنهج الذي �سار عليه �سلف هذه الأ َّمةْ � ،إذ كانوا ال�صغر. يهت ُّمون بعقائد �أبنائهم ،ويع ِّلمونهم توحيد اهلل منذ ِّ وكانوا ِّ يحذرونهم ِمن خمالطة �أهل البدع والأهواء؛ لمِ ا يف ال�س ِّيئة على عقائدهم ،قال ذلك من العواقب الوخيمة ،والآثار َّ �سعيد بن جبري « ::لأنْ ي�صحب ابني فا�س ًقا �شاط ًرا(� )5س ُّن ًّيا أحب �إ َّ يل ِمن �أن ي�صحب عابدً ا مبتدعا»(.)6 � ُّ ال�صالح� ،صاحب ال�س ِّن َّي ،واملر ِّبي َّ وكانوا يختارون لهم املع ِّلم ُّ اال ِّتباع وا ُ خللق احل�سن ،وكانوا ِّ يحذرون ِمن و�ضعه يف يد مع ِّلـم مبتدع. فكم ِمن انحراف يف ا ُ خللق ،وف�ساد يف االعتقـاد ،وقع فيه ْ بي ب�سبب مع ِّلمه؟! َّ ال�ص ُّ قال �أبو �إ�سحـاق ا ُ جل ْب َنيا ّ ين« :ال تُع ِّلموا �أوالدكم �إ َّال عند رجل بي على دين مع ِّلمه»(.)7 ح�سن الدِّ ينِ ، فدين َّ ال�ص ِّ
تعليم الطفل القرآن: حثَّ الإ�سالم على تعلُّم كتاب اهلل تعاىل وتعليمه؛ قال ر�سـول اهلل َ :Í «خيرْ ُ ُك ْم َمنْ َت َع َّل َم ال ُقرْ�آ َن َو َع َّل َمهُ»(.)8 فظي ـ تالو ًة ً واملعنوي ـ تف�س ًريا وحفظا ـ َّ وهذا ي�شمل التَّعليم ال َّل ّ و�شرحا ـ ،كما ي�شمل الوالد بتعليمه ولده. ً ف�إنْ عجز الوالد عن تعليم ولده القر�آن� ،أو ُ�شغل عن ذلك، ل�شح ،ق ُبح فعله. و َّكل َمن يقوم به ـ ولو ب�أجرة ـ ف�إنْ ت َرك ذلك ٍّ وقد رتَّب َّ ال�شرع على هذا التَّعليم ثوا ًبا و�أج ًرا ،ال�سيما تعليم الوالد ولده؛ فقال ر�سـول اهلل َ « :Íمنْ َق َر�أَ ال ُقرْ�آ َن َو َت َع َّل َم ُه اجا مِ نْ ُنورٍ�َ ،ضو ُْ�ؤ ُه مِ ْث ُل َ�ض ْو ِء وعَمِ َل ِبهِ� ،أُ ْل ِب َ�س َي ْو َم ال ِق َيا َم ِة َت ً َّ ال�ش ْم ِ�سَ ،و ُي ْك َ�سى َوا ِلدَا ُه ُح َّل َت نْيَِ ،ال َي ُقو ُم ب ِه َمـا الدُّ ْن َياَ ،ف َي ُقو َالنِ : ب ُك�سِ ينا؟! َف ُي َق ُال :ب�أَ ْخذِ َو َلدِ ُك َما ال ُقرْ�آ َن»(.)9 مِ َ ال�سلف ،فكان ِمن ذلك �أنْ َحفظه �صغارهم؛ وبهذا التَّعليم قام َّ «�سلوين فعن ابن �أبي ُم َل ْيكة قال�« :سمعتُ ابن ع َّبا�س Èيقـولَ : عن �سورة ال ِّن�ساء ،ف�إنيِّ قـر�أتُ القر�آن و�أنا �صغري»(.)10 �ست �أو ال�صغار َمن ي�ؤ ُّم الكبار ـ وهو ابن ّ بل كان ِمن �أولئك ِّ �سبع �سنني ـ حلفظه ،وهو عمرو بن �س ِلمـة .)11(Ç أمر الصبي بالصالة: يل ِّ على و ِّ بال�صالة ،و ُيع ِّوده عليها ،وهو ِمن الطفل �أنْ ي�أمره َّ حقِّ الولد على �أبيه؛ قال ـ َّ جل �ش�أنه ـ﴿ :ﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖ﴾ [.]132 :p
(� )4أخرجه ابن ماجة ( )61والبيهقي يف «الكربى» ( )5075ـ وال َّلفظ له ـ وهو يف «�صحيح ُ�سنن ابن ماجة» للألبا ّ ين (.)52 ( )5تُ�ستعمل كلمة «�شاطر» مبعنى :ال َّنبيه َّ ال�صحيح كي واملاهر ،وهو خط�أ ،ومعناها َّ والذ ُّ الف�صيح :هو ا َّلذي �أعيى �أهله وم�ؤدِّبه خب ًثا ،انظـر« :كتاب العني» للخليل بن �أحمد (.)234/6 ( )6رواه ابن َّ ال�صغرى» (�ص.)89 بطة يف «الإبانة ُّ ( )7انظر« :ترتيب املدارك وتقريب امل�سالك» للقا�ضي عيا�ض (.)450/1
وهذا هو �ش�أن املر�سلني مع �أهليهم؛ قال اهلل تعاىل ـ عن نب ِّيه �إ�سماعيل ºـ﴿ :ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [\ ،]oوحكى عن خليل ال ّرحمن �إبراهيم ºقوله﴿ :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [:j .]40 ال�صاحلني مع �أبنائهم ،فهذا ُلقمان احلكيم يخاطب وهو د�أب َّ ابنه ـ وهو يعظه ـ ﴿ :ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [}.]17 : (� )8أخرجه البخاري ( )5027مِ ن حديث عثمان بن عفَّان .Ç «ال�صحيحة» (.)2829 (� )9أخرجه احلاكم ( )2086عن بريدة ،Çوهو يف َّ ال�صحيحني» ( ،)3178وقال« :هذا حديث (� )10أخرجه احلاكم يف «امل�ستدرك على َّ �صحيح على �شرط َّ ال�شيخني ومل يخ ِّرجاه» ووافقه َّ الذهبي. ( )11انظر :احلديث ( )4302مِ ن «�صحيح البخاري».
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
55
قضايا تربوية
ال�صالة بي � Íأولياء �أمور ِّ ال�صغار �أن يع ّودوهم على ّ وقد �أمر ال َّن ُّ يف �سنّ مب ّكرة ،فهي �أعظم ُركن ِمن �أركان الإ�سالم بعد َّ ال�شهادتني؛ فعن عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جدِّه قال :قال ر�سول اهلل :Í « ُم ُروا �أَو َ بال�ص َ نيَ ،و ْ ال ِة َوهُ ْم �أَ ْب َنا ُء َ�س ْب ِع �سِ ِن َ ا�ض ِربُوهُ ْم َعلَ ْيهَا ْال َد ُك ْم َّ َوهُ ْم �أَ ْب َنا ُء َع�شْ رٍَ ،و َف ِّر ُقوا َب ْي َن ُه ْم يف امل َ َ�ضاجِ ِع»(.)12 قال ابن حجر « ::ف�إنَّ الأوالد لي�سوا مبك َّلفني ،فال يتَّجه عليهم الوجوب ،و�إنمَّ ا َّ توجه على �أوليائهم �أنْ ُيع ِّلموهم الطلب ُم ِّ ذلك ،فهو مطلوب ِمن الأوالد بهذه َّ الطريق»(.)13 بي Íـ يف هذا احلديث ـ على �أمرين مه َّمني، ولقد ن َّبه ال َّن ُّ يف ترب َّية الأوالد: ال�صالة يف الأوالد وهم �صغار؛ ليتع َّودوها �أ ّولهما :غر�س َّ كبا ًرا ،ويتم َّرنوا عليها ،وكون الغالم ُي�ضرب عليها قبل البلوغ: متعمدً ا بعد البلوغ. دليل على �إغالظ العقوبة عليه �إذا تركها ِّ ال ّثاين :غر�س الف�ضيلة والعفَّة فيهم؛ ليبتعدوا عن ال َّرذائل، ويجتنبوا الفواح�ش. ووي « ::قال َّ ال�شافع ُّي يف «املخت�صر»« :وعلى الآباء قال ال َّن ُّ والأ َّمهات �أن ُي�ؤدِّبوا �أوالدهم ،و ُيع ِّلموهم َّ وال�صالة، الطهـارة َّ وي�ضربوهم على ذلك �إذا ع ِقلوا». قال �أ�صحابنا :وي�أمره الو ُّ ال�صلوات يف اجلماعة يل بح�ضور َّ وبال�سواك ،و�سائر الوظائف الدِّين َّية ،و ُيع ِّرفه حترمي الزِّ نا وال ِّلواط ِّ واخلمر والكذب والغيبة و�شبهها»(.)14 يل ِّ كما �أنَّ على و ِّ الطفل �أن يتع َّهده وي�س�أل عنه :هل �أ َّدى م�ضي ُقد ًُما ،و�إنْ �صالته �أم �ض َّيعها؟ ف�إنْ كانت الأوىلَّ ، �شجعه ل َي َ كانت الأخرى ،ذ َّكره َّ وحذره وخ َّوفه؛ كي ال يتع َّود تركها ،وال يتهاون فيهـا؛ فعن ابـن ع َّبا�س Èقالِ « :ب ُّت عند خالتي َميمونة ،فجاء ر�سول اهلل Íبعدما �أم�سى فقال�« :أَ َ�ص َّلى ال ُغ َ ال ُم؟» ،قالوا :نعم، فا�ضطجع حتَّى �إذا م�ضى ِمن ال َّليل ما �شاء اهلل ،قـام َّ فتو�ض�أَّ ،ثم خم�سا� ،أ ْوتر بهنَّ ،مل ي�س ِّلم �إ َّال يف �آخرهن»(.)15 �ص َّلى �سب ًعا �أو ً بي Íـ بعد دخوله البيت ـ هو �أنْ �س�أل ف�أ َّول �شيء بد�أ به ال َّن ُّ �أهله قائ ًال�« :أَ َ�ص َّلى ال ُغ َ ال ُم؟» ،ويف ذلك بيان لمِ ا �أ�شرنا �إليه. (� )12أخرجه �أبو داود ( ،)495وهو يف «�صحيح ُ�سنن �أبي داود» للألبا ّ ين (.)466 (« )13فتح الباري» (.)348/9 (« )14املجموع �شرح َّ املهذب» (.)11/3 (� )15أخرجه �أبو داود ( ،)1356وهو يف «�صحيح ُ�سنن �أبي داود» للألبا ّ ين (.)1208
56
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
و�إذا ع ِلم و ُّ يل � ْأمر امل�سلمني بتهاون بع�ض الآباء يف �أداء هذا الواجب َّ رعي؛ عاقبهم على ذلك كي ال يعودوا �إىل مثله. ال�ش ِّ ال�صالة �ش ٌّر قال �شيخ الإ�سالم ابن تيم َّية ...« ::بل تارك َّ ال�سارق والزَّاين و�شارب اخلمر و�آكـل احل�شي�شة ،ويجب على ِمن َّ ِّ ال�صغار ا َّلذين مل بال�صالة ،حتَّى ِّ كل ُمطاع �أنْ ي�أمر َمن ُيطيعه َّ بال�ص َ ال ِة ل َِ�س ْب ٍعَ ،و ْ ا�ض ِربُوهُ ْم بي ُ « :Íم ُروهُ ْم َّ يبلغوا ،قال ال َّن ُّ َعلَ ْيهَا ِل َع�شْ رٍَ ،و َف ِّر ُقوا َب ْي َن ُه ْم يف امل َ َ�ضاجِ ِع». َومن كان عنده �صغري مملوك� ،أو يتيم �أ ْو َولد فلم ي�أمره ال�صغري ،و ُيعزَّر الكبري بال�صالة؛ ف�إ َّنه ُيعاقب الكبري �إذا مل ي�أمر َّ َّ على ذلك تعزي ًرا بلي ًغا؛ لأ َّنه ع�صـى اهلل ور�سوله»(.)16 بال�صالة، ال�سلف يحر�صون على � ْأمر �صغارهم َّ ولقد كان َّ ويعاقبونهم على التَّفريط فيها و�إ�ضاعتها ،وي�ؤدِّبونهم علـى التَّهاون فيها �أو ت�أخريها عن وقتها� ،أو تفويتها عن اجلماعة؛ فعن عبد العزيز بن مروان �أ َّنه بعث ابنه عمر بن عبد العزيز �إىل املدينة يت�أ َّدب بهـا ،فكتب �إىل �صالح بن َك ْي�سان يتعاهـده ،فكان ال�صالة ،فقال :ما حب�سك؟ ال�صلوات ،ف�أبط�أ ً يوما عن َّ يلزمـه َّ رجلتي ت�س ِّكن �شعري ،فقال :بلغ منك ح ُّبك ت�سكني قال :كانت ُم ِّ ال�صالة؟! �شعرك �أن ُت�ؤثره على َّ فكتب �إىل عبد العزيز يذكر ذلك ،فبعث �إليه عبد العزيز ر�سو ًال ،فلم ُيك ِّلمه حتَّى حلق �شعره»(.)17 بال�صالة فح�سب ،بل عليه �أن وال َيكتفي الوالد ب� ْأمر �صغريه َّ يبينِّ له �أحكامها وكيفيتها ،و ُيع ِّلمه كيف َّ يتو�ض�أ ،وكيف ُي�ص ِّلي كما كان ر�سول اهلل Íي�ص ِّلي ،ولع َّل �أح�سن طريقة للو�صول �إىل حتقيق هذا التّعليم؛ هـو �أنْ يقوم الوالد نف�سه في�ص ِّلي �أمام ولده، ال�صغري ـ قو ًال وفع ًال ـ. فيتع َّلمها َّ وعليه �أن يع ِّوده على �أدائها ب�شروطها و�أركانها وواجباتها؛ ال�صالة بي ممنو ٌع ِمن َّ قال ابن رجب احلنبلي...« :و�أ َّما �أنَّ َّ ال�ص َّ بدون َّ الطهارة ،فمتَّف ٌق عليه»(.)18 وللوالد �أنْ ُي�ؤدِّب ولده ،متى ر�أى منه � ً إعرا�ضا عن �صالته ،وله �أن ي�ضربه على تركها �ضرب ت�أديب ،ال �ضرب تعذيب ،هذا �إنْ كان يعقل ،و�إ َّال فال؛ قال ابن ُمفلح« :قال �إ�سماعيل بن �سعيد� :س�ألتُ �أحمد ع َّما يجوز فيه �ضرب الولد؟ قال :الولد ُي�ضرب على الأدب، (« )16جمموع الفتاوى» ( 50/22ـ .)51 ( )17رواه ابن ع�ساكر يف «تاريخ دم�شق» (.)136/45 (« )18فتح الباري» (.)299/5
(« )19الآداب َّ ال�شرع َّية» (.)477/1 ( )20رواه البخاري (.)143 ( )21رواه �أبو ُنعيم الأ�صبهاين يف «حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء» (،)147/9 واخلطيب البغدادي يف «تاريخ بغداد» (.)187/3 ال�سنن الكربى» (.)631 ( )22رواه البيهقي يف «املدخل �إىل ُّ
قضايا تربوية
ال�صالة؟ قال� :إذا بي على َّ قال :و�س�ألتُ �أحمد :هل ُي�ضرب َّ ال�ص ُّ بلغ ع�ش ًرا ،وقال حنبل� :إنَّ �أبا عبد اهلل قال :اليتيم ي�ؤ َّدب و ُي�ضرب �ضر ًبا خفي ًفا ،وقال الأثرم�ُ :سئل �أبو عبد اهلل عن �ضرب املع ِّلم قدر ذنوبهم ،ويتو َّقى بجهده َّ ال�ضرب ،و�إنْ ال�صبيان؟ فقال :على ْ ِّ كان �صغ ًريا ال يعقل ،فال ي�ضربه»(.)19 تعليم الطفل العلم الشرعي: ال�صحيحة ،ويع ِّلمه بعد �أن يغر�س الوالد يف ابنه العقيدة َّ القر�آن ،ينتقل �إىل تعليمه �أركان الإ�سالم ،وما ينفعه ِمن العلوم ال�صالح ،فيتع َّلم ِّ َّ الطفل �أحكام ال�شرع َّية ،ا َّلتي تقوده �إىل العمل َّ واحلج ونحوها. وال�صيام ِّ ال�صالة ِّ َّ وملَّا كان للعلم َّ ال�شرعي �أهم َّية كربى ،ومكانة رفيعة ،كاف�أ ر�سول اهلل َ Íمن خدمه ب�أنْ دعا اهلل له �أن يف ِّقهه يف الدِّ ين؛ بي Íدخل اخلالء، فعن عبد اهلل بن ع َّبا�س � :Èأنَّ ال َّن َّ خب ،فقال« :ال َّله َّم فو�ضعتُ له َو�ضو ًءا ،قالَ « :مـنْ َو َ�ض َع َه َذا؟» ف�أُ رِ ِّين»(.)20 ف ِّقهه يف الد ِ وعلى املع ِّلم �أن يتد َّرج مع ِّ الطفل يف تعليمـه ،وال ُيكرث عليه ميل َّ حتَّى ال َّ فيكل؛ قال َّ ال�صمد افعي :وهـو ُيو�صي �أبا عبد َّ ال�ش ُّ ـ م�ؤدِّب �أوالد هارون ال َّر�شيد ـ...« :وال تخرج َّنهم ِمن علم �إىل غريه ال�سمع َم�ض َّلة للفهم»(.)21 حتَّى ُيحكمـوه ،ف�إنَّ ازدحام الكالم يف َّ و�إذا �أح�سن امل�ؤدِّب تعليم ِّ الطفل �صغ ًريا ،حفظ العلم كب ًريا؛ فعن عبد اهلل بن ُعبيد بن ُعمري قال« :كان يف هذا املكان ـ َخ ْلف الكعبة ـ ح ْلقة ،فم َّر عمرو بن العا�ص Çيطوف ،فل َّما ق�ضى نحيتم ه�ؤالء الغلمان طوافه جاء �إىل احل ْلقـة ،فقال« :مايل �أراكم َّ عن جمل�سكـم؟! ال تفعلوا� ،أ ْو ِ�سعوا لهم ،و�أ ْدنوهم ،و�أ ْفهموهم احلديث ،ف�إ َّنهم اليوم �صغار قوم ،ويو�شكوا �أنْ يكونوا كبار �آخرين ،قد ك َّنا �صغار قـومَّ ،ثم �أ�صبحنا كبار �آخرين»(.)22 ال�سابق قال ابن ُمفلح ـ مع ِّل ًقا على كالم ابن العا�ص َّ Ç ـ« :وهذا �صحيح ال َّ ال�صغر �أثبت ،فينبغي �شك فيه ،والعلم يف ِّ االعتناء ب�صغار َّ الطلبة ،ال �سيما الأذكياء املتي ِّقظني احلري�صني على �أخذ العلم ،فال ينبغي �أنْ يجعل ـ على ذلك ـ �صغرهم� ،أو
فقرهم و�ضعفهم ،مان ًعا ِمن مراعاتهم ،واالعتناء بهم»(.)23 و�أ َّما �إذا �أهمل الوالد تعليم ولده ما يجب عليه معرفته ،فهو عا�ص؛ لتفريطه يف الواجب. ٍ قال ابن ق ِّيم اجلوز َّية « ::و�سمعتُ �شيخنا :يقول: أبوان �صب ًّيا عند بع�ض احل َّكام ،فخيرَّ ه بينهما ،فاختار تنازع � ِ �أباه ،فقالت له �أ ُّمه� :س ْله لأيِّ �شيء يختار �أباه؟ ف�س�أله ،فقالِّ � :أمي تبعثني َّ كل يوم لل ُكتَّاب ،والفقيه ي�ضربني ،و�أبي يرتكني ل َّلعب مع أنت �أح ُّق به. ال�صبيان ،فق�ضى به لل ِّأم ،قالِ � : ِّ بي ،و� ْأمره قال �شيخنا :و�إذا تَرك �أح ُد الأبوين تعليم َّ ال�ص ِّ عا�ص ،وال ِوالية له عليه ،بل ك ُّل َمن الذي �أوجبه اهلل عليه؛ فهو ٍ مل يقم بالواجب يف ِواليته فال ِوالية له ،بل �إ َّما �أنْ تُرفـع يدُه عن يقوم معه �ضم �إليه َمن ُ ال ِوالية ،و ُيقام َمن يفعل الواجب ،و�إ َّما �أن ُي َّ ()24 بالواجبِ � ،إذ املق�صو ُد طاع ُة اهلل ور�سولـه بح�سب ا ِلإمكان» . تمرين الصبي على الصيام ،وتعويده عليه: ال جتب َّ بي �إ َّال عند بلوغه، الطاعات والفرائ�ض على َّ ال�ص ِّ غري �أنَّ للوالدين �أج ًرا �إنْ د َّربا �صغرياهما على العبادات ،وم َّرناه كال�صيام ـ مث ًال ـ وذلك ليعتاده كب ًريا ،وي�سهل عليه �أدا�ؤه عليهاِّ ، �إذا ُك ِّلف به ولزمه. بال�صيام �إذا �أطاقوه، ال�سلف ي�أمرون �أوالدهم ِّ وقد كان َّ ويد ِّربونهم عليه منذ نعومة �أظفارهم ،ودور ال ِّأم يف ذلك عظيم، فلها �أن تُلهي �صغارها باللُّعب املباحة حتَّى مي�سكوا عن َّ الطعام وين�شغلوا بها �إىل غروب َّ ال�شم�س؛ فعن ال ُّرب ِّيع بنت ُمع ّوذ قالت: بي Íغداة عا�شوراء �إىل قرى الأن�صارَ « :منْ َ�أ�صْ َب َح �أر�سل ال َّن ُّ ُم ْفطِ ًرا َف ْل ُي ِت َّم َب ِق َّي َة َي ْومِ ِه َو َمنْ �أَ�صْ َب َح َ�صا ِئ ًما َف ْل َي ُ�ص ْم» ،قالت: فك َّنا َن�صومه بعد ،و ُن�ص ِّوم ِ�صبياننا ،وجنعل لهم اللُّعبة ِمن ال ِعهن( ،)25ف�إذا بكى �أحدهم على َّ الطعـام �أعطيناه ذاك ،حتَّى يكون عند الإفطار»(.)26 وعن ابن جريـج ومعمر عن ه�شام بن عـروة قال« :كان �أبي وال�صيام �إذا �أطاقوه»(.)27 بال�صـالة �إذا عقلوهاِّ ، ي�أمر ِّ ال�صبيان َّ يتبع (« )23الآداب َّ ال�شرع َّية» (.)244/1 (« )24زاد املعاد يف هدي خري العباد» (. )475/5 ال�صوف امل�صبوغ ،انظر« :املنهاج �شرح �صحيح م�سلم ال�صوف ـ ُمطل ًقا ـ ،وقيلُّ : ( )25هو ُّ احلجاج» لل ّنووي (.)14/8 ابن ّ (� )26أخرجه البخاريّ ( ،)1960وم�سلم (.)1136 (� )27أخرجه عبد ال َّر َّزاق يف «امل�ص َّنف» (.)7293
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
57
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
ال ينفق الباطل إال بشوب من الحق قال �شيخُ الإ�سالم ابنُ تيمية ::
حممد رحيل
«وال ينفق الباطل يف الوجود �إ َّال ب�شوبٍ
�إمام خطيب ـ مع�سكر
نفي�س ،قاله عن دليل التَّت ُّبع واال�ستقراء، هذا كال ٌم ٌ وه��و ا�ستقراء و�أيمُّ����ا ا�ستقراء م��ن مثل ه��ذا الإم���ام الهمام. معنى هذا� :أنَّ الباطل ال يروج ـ يف الغالب ـ �إ َّال �إذا كان م�شو ًبا بحقٍّ ،وذلك �أنَّ احلقَّ �إذا كان ح ًّقا ً حم�ضا مل نختلف فيه ،وكذلك الباطل �إذا كان باط ًال ً حم�ضا مل نختلف فيه ,وهذا َّ ال�شوب ا َّلذي عناه �شيخ الإ�سالم : هو عني َلب�س احلقِّ بالباطل ا َّلذي نهى اهلل عنه اليهودَ. �شوب احلقِّ بالباطل هو �صفة املغ�ضوب عليهم ,قال تعاىل﴿:ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾ [^ ,]42 :ق��ال اب��ن كثري « ::يقول تلبي�س تعاىل ناه ًيا لليهود ع َّما كانوا يتَع َّمدو َنه من ِ احلقِّ بالباطل و تمَ ويهِ ه به ،وكتما ِنهم احلقَّ و�إظهارِهم َ الباطل﴿ :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾ فنهاهم عن َّ ال�شي َئني م ًعا ،و�أمرهم ب�إظها ِر احل��قِّ والتَّ�صريح ب��ه ,ولهذا ق��ال َّ ال�ضحاك عن ابن ا�س﴿ :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ ال تخلطوا احلقَّ ع َّب ٍ وال�صدق بالكذب. بالباطلِّ ، وقال �أبو العالية﴿ :ﮒﮓﮔﮕ﴾ يقول: وال تخلطوا احلقَّ بالباطل ,و �أ ُّدوا ال َّن�صيحة لعباد اهلل من �أ َّمة حم َّمد .Í 1
(« )1جمموع الفتاوى» (.)190/35
58
من احل ِّق»(.)1
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
﴿ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾
[\ ]jفهذه ـ � ً العام ُّي فيها �إ َّال أي�ضا ـ ك�سابق ِتها ال ينظر ِّ ِّ العري�ض فت�أخذه باخلط املكتوب ور�سم الآية ِ ِ �إىل ت�ض ُّرع َّ ال�ص ِّ بي ِ بي العاط َف ُة في�ش ِرتي ُّ ال�صو َر َة و ُي َع ِّل ُقها ،وما درى امل�سكني �أنَّ ال َّن َّ Íقال�« :إِ َّن امل َ َ ال ِئ َك َة َال َتد ُْخ ُل َب ْي ًتا فِي ِه ُ�صو َر ٌة»( ،)4ومث ُلها �آية الكر�سي ا َّلتي ُك ِتبت ِّ جال�س للتَّ�ش ُّهد بخط ال ُّثلث على هيئة ٍ رجل ٍ ال�صور ُة رافع �س َّبابتَه ,فالآية ح ٌّق والهيئة املكتوبة عليها باطل� ،إذ ُّ ٍ مرفوعا ا�س ً «ال�صحيحني» من حديث ابن ع َّب ٍ منهي عنها ،ففي َّ ٌّ َ « َمنْ َ�ص َّو َر �ُ��ص��و َر ًة فيِ الدُّ ْن َيا ُك ِّل َف َي�� ْو َم ال ِق َيا َم ِة �أ ْن َي ْن ُف َخ فِيهَا ال ُّرو َح َو َل َْي َ�س ِب َناف ٍِخ»(.)5
1ـ «ا َ خل ْام َ�سة» ا َّلتي يع ِّلقها ال َّنا�س على �أبوابهم و�س َّياراتهم: هذه اخلام�سة ا َّلتي هي عبارة عن يد بها خم�سة �أ�صابع قد كتب عليها قول اهلل تعاىل ﴿ :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ العام ُّي [\ ]hفالآية ح ٌّق واخلام�سة باط ٌل ,ف�إذا ما جاء هذا ِّ علم عنده ور�أى هذه اخلام�سة وقد كتب عليها امل�سك ُني ا َّلذي ال َ ﴿ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ ،وقد �شاع �أ َّنها ت�ستعمل لدفع العني ،ظنَّ �أ َّنها حقٌّ ،في�شرتيها ويع ِّلقها واهلل امل�ستعان ,وما بي �« :Íإِ َّن د َرى امل�سك ُني �أ َّنها من ِ َّمائم ا َّلتي قال فيها ال َّن ُّ جن�س الت ِ �شوب للحقِّ بالباطل. ال ُّر َقى وال َّت َما ِئ َم َوال ِّت َو َل َة �شِ ْر ٌك»( ،)3وهذا ٌ
3ـ ال َّدعوة �إىل و حدة الأديان :لقد تق َّدم �أثر قتادة ا َّلذي قال فيه« :ال تخلطوا اليهود َّية وال َّن�صران َّية بالإ�سالم و�أنتم تعلمون �أنَّ دينَ اهلل الإ�سالم» ,وهذه ال َّدعوة يكفي يف �إبطالها قول اهلل تعاىل﴿ :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [\_] ،لكنَّ �أع���دا َء اهلل ز َّي��ن��وا هذه ألفاظ ب َّراقة مثل قولهم :الإخاء الدِّ يني ـ وحدة الأديان ـ ال َّدعوة ب� ٍ ال�صداقة الإ�سالم َّية التَّفاهم بني الأديان ـ نبذ الت ُّ َّع�صب املذهبي ـ َّ امل�سيحي ـ التَّعاي�ش بني الأديان... امل�سيح َّية ـ التَّ�ضامن الإ�سالمي ُّ فراج �أم ُرها على خفافي�ش ال ُّدجى كما يقال ،و تب َّنى ال َّدعو َة �إليها ُ بع�ض دعاة الع�صر حتت هذه الأ�سماء املزخرفة ,واحلمد هلل �أن �سخر اهلل َّ َّ جل وعال علما َء ت�ص َّدوا لهذه ال َّدعوة اخلبيثة ا َّلتي الفروق بني الإ�سالم والأديان املح َّرفة املن�سوخة، يراد منها �إلغا ُء ِ و�أح�سن ما وقفت عليه يف ال َّر ِّد على هذه ال َّدعوة اخلبيثة كتاب ال�شيخ بكر �أبو زيد « :الإبطال لنظر َّية اخللط بني الأديان» أحب �أن َ يقف على مراميها فل َي َّط ِلع على هذا الكتاب. فمن � َّ
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
ويروى عن �سعيد بن جبري و ال َّربيع بن �أن�س نحوه. وقال قتادة﴿ :ﮒﮓﮔﮕ﴾ وال تلب�سوا اليهود َّية وال َّن�صران َّية بالإ�سالم و�أنتم تعلمون �أنَّ دينَ اهلل الإ�سالم و�أنَّ اليهود َّية وال َّن�صران َّي َة بدع ٌة لي�ست من اهلل(.)2 �إنَّ لكالم �شيخ الإ�سالم �أمثل ًة كثري ًة �أحببت �أن �أن ِّب َه عليها حتَّى ال يغ َّرت بها من َ وقف عليها ،دونكها:
�صبي قد رفع يديه يدعو وقد ُك ِت َب �إىل جنبه هذه الآية: �صورة ِّ
4ـ ت�سمية العقيدة بعلم الكالم :وهذه � ً �شوب أي�ضا يراد منها ُ 2ـ ما يع ِّلقه ال َّنا�س اليوم على ا ُ ذوات ال�صور ِ جل��دران من ُّ َّ ال�سلف و�أنكروه على ذمه ذي ل ا الكالم بعلم حيحة ال�ص العقيدة َّ َّ ال�صورة ا َّلتي مت ِّثل الأرواح وقد كتب عليها �آيات قر�آنية ,كتلكم ُّ اخللف ،فعن �أب��ي يو�سف :ق��ال« :العلم بالكالم هو اجلهل ال�صفا ـ ت 1425هـ ـ 2004م. (« )2تف�سري ابن كثري» ( 10/1ـ ط .مكتبة َّ (� )3أخرجه �أبوداود ( )3883و ابن ماجه ( ,)3530وابن حبان (,)1412 «ال�صحيحة» (.)584/1 و�أحمد( ,)3615و�صححه الألباين يف َّ
( )4رواه البخاري ( ,)3226وم�سلم (.)2106 ( )5رواه البخاري ( )5963وم�سلم (.)2110
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
59
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
و�إذا �أنكرت عليهم يقولون :فالن ال يعمل �إ َّال ِّ الطيب ،ومرادهم تالح ِم الزَّوجني ونحوه ال من ال�ساحر يفعل ذلك من �أجل ُ �أنَّ هذا َّ وي�سميه �أجل افرتاقهما ،ويرو َنه �شي ًئا ً ال�سحر ِّ ممدوحا وهو عني ِّ بي عليه العلماء م�س�ألة َّ ال�صرف والعطف ،وهي حم ََّرمة لقول ال َّن ِّ �شوب وال�سالم�« :إِ َّن ال ُّر َقى َوال َّت َما ِئ َم َوال ِّت َو َل َة �شِ ْر ٌك» وجه ِ َّ ال�صالة َّ ال�سحر احلقِّ بالباطل يف هذه امل�س�ألة� ،أنَّ ال َّنا�س َ�س َّموا ع َمل هذا ِّ وال�سحر ال يكون ط ًي ًبا �أبدً ا ،بل هو كفر باهلل تعاىل. ط ِّي ًباِّ ،
واجلهل بالكالم هو العلم ،و�إذا �صار ال َّرجل ر� ًأ�سا يف الكالم قيل زنديق �أو ُر ِم َي بال َّزندَ َقة»(.)6 وعنه � ً أي�ضا« :من طلب العلم بالكالم تَزَ ْندَ ق». وق��ال َّ ال�شافعي « ::حكمي يف �أه��ل الكالم �أن ُي َْ�ض َر ُبوا باجلريد وال ِّنعال ،و ُي َ طاف بهم يف الع�شائر والقبائل ويقال :هذا جزا ُء من َ ال�س َّنة و�أقبل على الكالم»(� .)7إذن فه�ؤالء ترك َ الكتاب و ُّ ال�صحيحة حتَّى يت�س َّنى لهم مزجوا علم الكالم بعلم العقيدة َّ بدعهم ومقاال ِتهم الفا�سدة كال َّت�أويل ا َّلذي هو يف احلقيقة ترويج ِ ُ حتريف. ي�سر اهلل جمعه ،ن�س�أل اهلل تعاىل �أن ينف َع به كات َبه قال ال�شيخ �سليمان بن �سحمان« :وخلف من بعدهم خلف على هذا ما َّ خال�صا لوجهه الكرمي �إ َّنه و ُّ يل ذلك والقادر عبوا عن هذه املعاين الفل�سف َّية ٍ بعبارات �إ�سالم َّية ،وقار َئه ،و�أن يجع َله ً طريقتهم رَّ رب العاملني. يخاطبون بها من ال يعرف معاين هذه الأو�ضاع ،و يجعلون مراد عليه ،واحلمد هلل ِّ و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على نب ِّينا حم َّمد و�آله و�صحبه �أجمعني. اهلل ور�سو ِله Íمن الآيات والأحاديث على ما �أرادوا من معاين هذه الأو�ضاع ا َّلتي تخالف كتاب اهلل و �س َّن َة ر�سو ِله Íو�أقوال �سلف الأ َّمة و�أئ َّم ِتها.)8(»... وقال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية � ::إنَّ طائف ًة من �أهل الكالم ي�سمي ما و�ضعه «�أ�صول الدين» وهذا ا�سم عظيم وامل�س َّمى به فيه ِّ وال�س َّنة من ف�ساد الدِّ ين ما اهلل به عليم ،ف�إذا �أنكر �أهل احلقِّ ُّ ()9 ذلك ,قال املبطل :قد �أنكروا �أ�صول الدِّ ين... واملق�صود �أنَّ � َ أهل الكالم خلطوا احلقَّ بالباطل ف�س َّموا كت َبهم حتريف و ما تلبي�س و ٍ ا َّلتي �أ َّلفوها «ب�أ�صول الدين» مع ما فيها من ٍ القوالب ,واهلل امل�ستعان. ذاك �إ َّال لري ِّوجوا باطلهم يف تل ُكم ِ
�شوب احلقِّ 5ـ ت�سمية امل�س َّميات بغري �أ�سمائها :وه��ذا من ِ بالباطل ،ومن �صورِه الكثرية يف ع�صرنا قول بع�ضهم عن اخلمر: م�شروباتٌ روح َّية ,وعن ال ِّر�شوة :هد َّية ,ويقولون عن ال ِّت َولة ـ ا َّلتي ال�سحر يجعلونه بني امل��ر�أة وال�� َّرج��ل ,يزعمون �أ َّنه هي نوع من ِّ ال�سحرة يح ِّبب بع�ضهما �إىل بع�ض ـ ٌ طيب ،وتراهم يذهبون �إىل َّ
بطة ( ,)671و«�شرح َّ ( )6انظر« :الإبانة» البن َّ الطحاو َّية» (.)69 (�« )7شرح العقيدة َّ الطحاوية» (�ص )75البن �أبي العز ـ ط .املكتب الإ�سالمي ـ (ت 1416هـ ـ 1996م). «ال�صواعق املر�سلة على ُّ ال�شامية» (�صَّ )6 ال�شبه الدَّاح�ضة َّ لل�شيخ �سليمان ابن (َّ )8 ال�سالم بن برج�س ـ دار العا�صمة/الريا�ض ـ اململكة �سحمان ـ درا�سة و حتقيق عبد َّ ال�سعود َّية. العرب َّية ُّ (« )9جمموع الفتاوى» (.)56/4
60
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
ردود قصرية:
ن�شكر الأخ الفا�ضل تقي الدِّ ين �سحنون ـ حفظه اهلل ـ من عني وملان مبدينة �سطيف على تهنئته لنا وح�سن ظ ِّنه ب�إخوانه ،فجزاه اهلل خ ًريا.
كث�ي�را الأخ املك َّرم عبد الق���ادر كبري ـ �س َّدده اهلل ـ م���ن منطقة عني ال ّذهب ُي�شك���ر ً بوالي���ة تيارت عل���ى م�شاركته مبقال بعنوان «هد َّية يف �سط���ور ِّ لكل معاق حم�سور»، تي�سرت يذ ِّك���ر في���ه �إخوانه املعاق�ي�ن بنعم اهلل تع���اىل عليهم الكث�ي�رة ،فلع َّل���ه �إن َّ الأ�سباب م�ستقب ًال �أن نن�شره يف ركن م�شاركات الق َّراء ،واهلل املو ِّفق.
كم���ا نتق َّدم ُّ ���ب �أبي عبد اهلل م�سعود اجللفي ـ حفظه اهلل ـ بال�شكر اجلزيل للأخ املح ِّ عل���ى عنايته بعل���م احلديث وتخريجه ،وح�سن تت ُّبعه ،ونخ�ب�ره �أن تعقيبه قد و�صل �إىل املعني به ،واهلل ِمنْ وراء الق�صد.
�إىل الأخ احلبيب ا َّلذي رمز �إىل ا�سمه بـ (�أ.م) ـ و َّفقه اهلل ـ ،ن�شكر له حر�صه على ومما نقرتحه عليه هو اقتن���اء عدد من ن�سخ جم َّلتنا ن�ش���ر اخلري ونف���ع الآخرينَّ ، جما ًن���ا على من يجد كلفة يف �شرائها ،ون�س����أل اهلل الكرمي �أن يبارك له وتوزيعه���ا َّ يف ماله وعمله.
و�أ َّم���ا الأخ املاج���د فريد بوب�ش�ي�ر ـ حفظه اهلل ـ من بلدية �آي���ت يحيى مو�سى بوالية تيزي وزو؛ فن�شكره كث ًريا على جهده املبذول يف مقا َل ْيه� ،أحدهما بعنوان�« :ضوابط الأم���ر باملع���روف وال َّنهي عن املنك���ر» ،والآخر بعن���وان« :ت�سلية الفق�ي�ر ب�أحاديث الب�شري ال َّنذير» ،وال ميكن ن�شرهما لطولهما ،واهلل املو ِّفق.
ُّ وال�شكر اجلزيل مو�صول � ً أي�ضا �إىل الأخ الفا�ضل عبد ال َّر َّزاق عبد ال َّالوي من منطقة بوز ِّريع���ة بوالية اجلزائر على حر�صه عل���ى امل�ساهمة يف ن�شر الإ�صالح والف�ضيلة، و�إن احتجنا �إىل خدماته �سنتَّ�صل عليه ،بارك اهلل فيه وو َّفقه ِّ لكل خري. ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
61
واحـة اإلصـالح �إعداد� :أ�سرة التحرير الـمؤمن كالنـحلة * قال الإمام ابن الق ِّيم :: «كنْ يف ال ُّدنيا كال َّنحلة� ،إن �أ َكلت �أ َك َلت ط ِّي ًبا ،و�إنْ �أط َع َم ْت �أط َعمت ط ِّي ًبا ،و�إن �شيء مل تك�س ْره ومل ْ تخد�شه». �س َق َطت على ٍ [«الفوائد» (�ص])118
إحصاء العمل * قال َّ ال�شيخ ابن بادي�س :عند قوله تعاىل﴿ :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾: «على العاقل ـ وقد علم �أ َّنه حما�سب عن �أفعاله ،وعلى �آثار �أقوا ِله ـ �أن اليف َعل فع ًال ،وال يقول قو ًال ،حتَّى ينظر يف عواقبه ،فقد تكون تلك ال َعواقب �أ�ض َّر عليه من �أ�صل القول و�أ�صل ال ِفعل ،فقد يقول َ القول م َّر ًة ويفعل الفعل م َّر ًةَّ ،ثم يقتدي به فيه � ٌ آالف عديد ٌة يف �أزمنة متطاولة. «ال�سعيد َمن ماتت ح ًّقا �إنَّ هذا ل�شي ٌء تنخلع منه القلوب ،وترتع ُد منه ُ الفرائ�صَ ، ال�سلف َّ :í و�ص َدق القائل من َّ معه �س ِّيئا ُته»». [«تف�سري ابن بادي�س» (])306/2
قبول التذكري من ُك ِّل َ مذ ِّكر * قال َّ ال�شيخ ابن بادي�س :: كل قائل ،كذلك ُيقبل التَّذكري من ِّ «كما ُتقبل كلم ُة احلقِّ من ِّ كل مذ ِّكر ،ولو كان املذ َّكر ِمنْ ُك َّمل العباد واملذ ِّكر من �أو�ساطهم �أو �أدناهم ،ويف عباد ال َّرحمن املذ ُكورين يف ا�س ِتماعهم �إذا ُذ ِّكروا من �أيِّ مذ ِّك ٍر القدو ُة احل�سن ُة. قال اهلل تعاىل﴿ :ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾﴿ ،ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾﴿ ،ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾. فالتَّذكري ب�آيات القر�آن والأحاديث ال َّنبو َّية ،هذا هو التَّذكري امل�شروع املت ُبوع ،وال َّدواء ال َّناجع املج َّرب ،ولذلك جتد وال�سري عليه». ال�سلف ك َّلها مبن َّي ًة عليه راجع ًة �إليه ،وال ُّن�صح هلل ولر�سوله وللم�سلمني يف لزوم ذلك َّ مواعظ َّ [«تف�سري ابن بادي�س» (])163/2
62
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
درر من كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية :
صرب بغري َ�شكوى �إىل املخ ُلوق» وال�صرب اجلميلٌ � : وال�صفح اجلميل�َ :صف ٌح بال معاتبةَّ ، «الهجر اجلميل هو :هجر بال �أذىَّ ، [ «جمموع الفتاوى» (] )666/10
«لو ُفر�ض �أ َّنا عل ْمنا �أنَّ ال َّنا�س ال يرت ُكون املنكر ،وال رَ وبيان ال ِعلم» يعتفون ب�أ َّنه ُمنكر ،مل ي ُكن ذلك مان ًعا ِمن �إبالغ ال ِّر�سال ِة ِ [«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم » (�ص])45 :
أحب �أحد ًا لغري اهلل ،كانَ َ�ضر ُر �أ�صدقائه عليه � َ أعظم من َ�ضرر �أعدائه» َ«من � َّ [«جمموع الفتاوى» (])605/10
أبغ�ض ُ «ال َّنا�س �إذا تعاونوا على الإثم وال ُعدوان � َ بع�ضهم بع�ض ًا» [«جمموع الفتاوى» (])128/15
يخ�شونَ � اَّإل اهلل ،وع َّمار م�ساجد امل َقابر َ «ع َّمار م�ساجد اهلل ال َ ويرجون غ َري اهلل» يخ�شونَ غ َري اهللُ ، [«ال َّر ُّد على البكري» (])563/2
ُ والعمل به ،ف�إنْ مل ت ُكن هذه ه َّم ُة حافظه مل يكن من �أهل العلم والدِّ ين». فهم معانيه «واملطلوب منَ القر�آن هو ُ [«جمموع الفتاوى» (])55/23
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
63
قائمة بأسماء الفائزين يف مسابقة مجلة اإلصالح األوىل الإناث
الذكور الفائز
املنطقة
الفائزة
.1ح�سان عريف
ال�شلف
.1خديجة قندوزي
اجلزائر
� .2أحمد �سلطاين
اجللفة
.2فاطمة عثماين
اجللفة
.3ال�صالح مريابطني
�سطيف
� .3سامية �ساملة
البليدة
.4عبد الرحمن عامر
اجلزائر
� .4أمينة عر�ض اهلل
تيارت
.5حممد تاحي
عني الدفلى
.5خولة واطحي
تلم�سان
.6عبد العايل قريف
وادي �سوف
.6بدرة قاب
.7مو�سى جريبيع
اجللفة
.7مربوكة �سعادة
.8نور الدين داود
اجلزائر
.8جميلة نتاج
تيارت
.9حممد م�سلوب
تب�سة
.9الزهرة بن في�سة
غليزان
� .10سعد ق�صري
امل�سيلة
� .10أمال بخاخ
�سطيف
مالحظة :على الفائزين االت�صال ب�إدارة املج َّلة لت�س ُّلم جوائزهم.
64
املنطقة
ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون :رجب�/شعبان 1431هـ املوافق لـ جويلية�/أوت 2010م
ميلة وادي �سوف