مجلة الاصلاح الجزائرية- العدد الحادي والعشرون

Page 1

‫جملة جامعة‬ ‫ت�صدر عن دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫الـمدير‬

‫توفيق عمروين‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫عز الدين رم�ضاين‬ ‫�أع�ضاء التحرير‪:‬‬ ‫عمر احلاج م�سعود‬ ‫عثمان عي�سي‬ ‫جنيب جلواح‬

‫الت�صميم والإخراج الفني‪:‬‬ ‫دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫عنوان املجلة‪:‬‬

‫دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫حي باحة (‪ ،)03‬رقم (‪ )28‬الليدو ـ‬ ‫املحمدية ـ اجلزائر‬

‫الهاتف والفاك�س‪:‬‬

‫‪)021( 51 94 63‬‬ ‫التوزيع (جوال)‪)0661( 62 53 08 :‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪:‬‬

‫‪darelfadhila@maktoob.com‬‬

‫املوقع على ال�شبكة العنكبوتية‪:‬‬ ‫‪www.rayatalislah.com‬‬

‫ُّ‬ ‫تعلم الصمت!‬ ‫�إنَّ ال ِّل�سان من �أعظم َ‬ ‫اجلوارح خط ًرا‪ ،‬ومن �أكرث ما ُيدخل ال َّنار‪ ،‬و�أ�شدِّ ها فت ًكا‬ ‫وال�س ِّب َّ‬ ‫والطعن‬ ‫بدين العبد‪ ،‬وذلك لكرثة �آفاته‪ ،‬وتن ُّوع �شروره من الكذب وال ِغيبة َّ‬ ‫والقول على اهلل بغري علم وغريها‪ ،...‬ولهذا تواردت‬ ‫وال ُعجب و ُف�ضول الكالم‬ ‫ِ‬ ‫ال ُّن�صو�ص َّ‬ ‫إم�ساكه ِّ‬ ‫وكف �ش ِّره‪ ،‬و�أ َّنه �أعظم ما يجب �أن‬ ‫بحفظه و� ِ‬ ‫ال�شرعية على الأمر ِ‬ ‫تُتقَّى �سقطاتُه‪ ،‬فعن �سفيان ال َّثقفي ‪ Ç‬قال‪َ « :‬يا َر ُ�س َ‬ ‫ول اهلل! �أَخْ رِ ْبنيِ ِب�أَ ْم ٍر يِف‬ ‫ا�س َت ِق ْم؛ َق َال‪َ :‬يا َر ُ�س َ‬ ‫ول‬ ‫الإِ ْ�س َال ِم َال �أَ ْ�س َ�أ ُل َع ْن ُه َ�أ َحدً ا َب ْعدَ َك؛ َق َال‪ُ :‬ق ْل‪َ � :‬آم ْنتُ ِباهلل‪ُ ،‬ث َّم ْ‬ ‫اهلل! َف�أَ َّي َ�ش ْيءٍ �أَ َّت ِقي؟ َق َال‪َ :‬ف�أَ َ�شا َر ِب َي ِد ِه �إِ ىَل ِل َ�سا ِن ِه»‪.‬‬ ‫ال�سكوت‬ ‫وقد �أكرث ال َّنا�س قد ًميا وحدي ًثا ال َّنظم وال َّت�أليف يف �أدب َّ‬ ‫ال�صمت وف�ضل ُّ‬ ‫ال�صمت‪ ،‬ففي «مكارم‬ ‫وحفظ ال ِّل�سان‪ ،‬وترك ُف�ضول ال َكالم‪ ،‬واحلثِّ على تعلُّم َّ‬ ‫الأخالق» َ‬ ‫مت‬ ‫ال�ص َ‬ ‫للخرائطي (‪ )483‬عن �أبي ال َّدرداء ‪ Ç‬كان يقول‪« :‬تع َّل ُموا َّ‬ ‫مت حك ٌم عظي ٌم‪ ،‬و ُكن �إىل �أنْ تَ�س َم َع �أح َر َ�ص َ‬ ‫منك �إىل‬ ‫ال�ص َ‬ ‫كما تتع َّلمونَ ال َك َ‬ ‫الم؛ ف�إنَّ َّ‬ ‫�ضحا ًكا ِمن غري َع َجب‪ ،‬وال َّ‬ ‫م�شاء‬ ‫�أن تتك َّلم‪ ،‬وال تتك َّلم يف �شيء ال َيعنيك‪ ،‬وال تكن ِم َ‬ ‫�إىل غري �أَ َر ٍب ـ �أي �إىل غري حاجة ـ»‪.‬‬ ‫ونحنُ اليوم �أحوج �إىل امتثال هذه ال َّن�صيحة َّ‬ ‫الذهب َّية بعد �أن راجت بي َننا و�سائل‬ ‫اال ِّت�صال املتن ِّوعة ا َّلتي ت�سمح ملن َ�شاء ب َقول ما �شاء‪ ،‬وت�أذنُ ِّ‬ ‫يكتب ما‬ ‫لكل �أحد �أن َ‬ ‫وموج ًها‪ ،‬وبات ال َغ ْمر ناقدً ا‬ ‫�أراد‪ ،‬بال رقيب وال ح�سيب‪ ،‬حتَّى �أ�ضحى ال َّنكرة مع ِّل ًما ِّ‬ ‫ونا�صحا‪ ،‬ناهيك عن الفتاوى َّ‬ ‫ال�شاذة والآراء ال َغريبة والتَّ�ص ُّورات الباطلة‪ ،‬وال ِّنقا�ش‬ ‫ً‬ ‫ال َعقيم‪ ،‬مع �سوء �أدب وتطاول وجت ُّر�ؤ‪ ،‬وافتئات على �أهل العلم الكبار‪ ،‬والإعجاب‬ ‫بال َّر�أي وح�سن َّ‬ ‫مما �أفرز‬ ‫الظنِّ بال َّنف�س‬ ‫واالغتار‪ ،‬وعدم املباالة بالعواقب وامل�آالت‪َّ ،‬‬ ‫رِ‬ ‫ال�صغار!‬ ‫�ضالل ًة كبرية وهي حتقري ال ُعلماء الكبار‪ ،‬وتعظيم الأدعياء ِّ‬ ‫َ‬ ‫فليحذر العب ُد �أن يكونَ‬ ‫مفتاحا لباب �ش ٍّر عظيم ب�سبب كلم ٍة ت�صدر منه‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫تكتب‬ ‫خرجت منك‬ ‫ملكتك‪ ،‬و�إن ح َب�ستها يف �صدرك ملكتَها‪ ،‬و�إ َّياك �أن َ‬ ‫الكلم َة �إذا َ‬ ‫�شي ًئا ال ي�س ُّرك �أن تلقى به َ‬ ‫اهلل ع َّز وج َّل‪ ،‬وتو َّقف عند ِّ‬ ‫كل كلمة �أو جملة تريد قولها �أو‬ ‫فال�سالمة‬ ‫كتا َبتَها‪ ،‬ف�إن كان الأمر َّ‬ ‫مما يعنيك فتك َّلم فيه بخري‪ ،‬و�إن كانَ غري ذلك َّ‬ ‫ترجحت م�صلح ُة الكالم‪،‬‬ ‫يف �سكو ِتك و�صم ِتك‪ ،‬قال ابنُ الق ِّيم‪« :‬وال تتك َّلم � اَّإل �إذا َّ‬ ‫وعلمت �أنَّ فيه مزيدً ا حلالك ومنفع ًة لغريك»؛ واذكر َ‬ ‫بي ‪«َ :Í‬منْ َ�ص َم َت‬ ‫َ‬ ‫قول ال َّن ِّ‬ ‫نجَ َ ا»‪.‬‬

‫مدير املجلة‬


‫في هذا العدد‬ ‫االفتتاحية‪ :‬تعلم ال�صمت‪ /‬مدير املجلة‪1.....................‬‬ ‫الطليعة‪ :‬ال�سبيل �إىل حفظ النعم‪/‬التحرير ‪4.................‬‬

‫يف رحاب القر�آن‪ :‬ك�شف الوجه ال�صبيح يف فوائد ق�صة الذبيح‬ ‫اجلزء الثاين ‪/‬د‪ .‬عبد املجيد جمعة‪6..........‬‬

‫من م�شكاة ال�سنة‪� :‬أكرث ما يدخل النا�س اجلنة‬ ‫‪�/‬سعدو عبد القادر‪9......................‬‬ ‫التوحيد اخلال�ص‪ :‬التوحيد مفزع اخللق يف ال�شدائد‬ ‫‪/‬عبد املجيد تايل‪12......................‬‬ ‫بحوث ودرا�سات‪ :‬ثقب الأذن لأجل الزينة ـ �أحكام و�ضوابط‬ ‫‪/‬ف�ؤاد عطا اهلل‪16............................‬‬ ‫م�سائل منهجية‪ :‬دور الأغنياء يف الدعوة �إىل اهلل ون�شر دينه‬ ‫‪/‬د‪ .‬ر�ضا بو�شامة ‪22.........................‬‬ ‫تزكية و�آداب‪ :‬تقومي النف�س وحما�سبتها ملعرفة ما لها وما عليها‬ ‫‪ /‬حممد لوزاين ‪26.............................‬‬ ‫�سرية وتاريخ‪ :‬من الرحالت املغربية‬ ‫‪�/‬أ�شرف جالل بن �أودينة‪29....................‬‬ ‫فتاوى �شرعية‪� :‬أ‪ .‬د‪ .‬حممد علي فركو�س ‪35..................‬‬

‫التحرير‬

‫السبيل إىل حفظ النعم‬

‫د‪ .‬ر�ضا بو�شامة‬

‫دور األغني��اء يف الدع��وة إىل اهلل‬ ‫ونشر دينه‬

‫�سري الأعالم‪ :‬ال�شيخ عبد العزيز بن ال�شيخ الها�شمي‬ ‫‪�/‬سمري �سمراد ‪38..............................‬‬ ‫�أخبار الرتاث‪� :‬أوالد املحدِّثني ال �أدباء املحدِّثني‬ ‫‪/‬د‪.‬جمال عزون‪45...............................‬‬ ‫اللغة والأدب‪ :‬م�شارق الأنوار على مثل ال َّدفلى وال َّن َّوار‬ ‫‪/‬حممد بو�سالمة ‪47............................‬‬

‫ق�ضايا تربوية‪ :‬قرة عني الأبوين يف رعاية وتربية البنات‬ ‫والبنني‪/‬جنيب جلواح ‪54.....................‬‬

‫�ألفاظ ومفاهيم يف امليزان‪ :‬ال ينفق الباطل �إال ب�شوب‬ ‫من احلق ‪/‬حممد رحيل‪58.....‬‬ ‫بريد القراء‪ :‬التحرير‪61.......................................‬‬

‫الفوائد والنوادر‪ :‬التحرير ‪62.................................‬‬

‫�سعر املجلة ‪ 150‬دج‬

‫حممد بو�سالمة‬

‫م���ش���ارق األن�������وار ع��ل��ى مثل‬ ‫الدَّفلى َّ‬ ‫والن َّوار‬


‫العدد السابق‬

‫عبد املجيد تايل‬

‫التوحيد مفزع اخللق يف الشدائد‬

‫�سمري �سمراد‬

‫الش��يخ عب��د العزي��ز ب��ن الش��يخ‬ ‫اهلامشي‬

‫قواعد النشر في المجلة‬ ‫‪� ‬أن تك���ون املو�ضوع���ات مطابق���ة خلط���ة املجل���ة‪ ،‬وموافقة‬ ‫ملنهجها‪.‬‬ ‫‪� ‬أن يكون املقال مت�س ًما بالأ�صالة واالعتدال‪.‬‬ ‫‪� ‬أن يح��� َّرر املق���ال ب�أ�سلوب يحقق الغر����ض‪ ،‬ولغة بعيدة عن‬ ‫التكلف والتعقيد‪.‬‬ ‫‪ ‬الدقة يف التوثيق والتخريج مع االخت�صار‪.‬‬ ‫‪� ‬أن تك���ون الكتابة على الكمبيوت���ر‪� ،‬أو ٍّ‬ ‫بخط وا�ضح مقروء؛‬ ‫وعلى وجه واحد من الورقة‪.‬‬ ‫‪� ‬أال يزيد املقال على خم�س �صفحات‪.‬‬

‫حممد لوزاين‬

‫تقويم النفس وحماس��بتها ملعرفة‬ ‫ما هلا وما عليها‬

‫‪� ‬أن يذكر �صاحب املقال ا�سمه الكامل وعنوانه ورقم هاتفه‪،‬‬ ‫ودرجته العلمية �إن وجدت‪.‬‬ ‫‪ ‬املقاالت �أو البحوث التي ال تن�شر ال تر ُّد لأ�صحابها‪.‬‬


‫الطليعة‬

‫السبيل إىل‬

‫حفظ النعم‬ ‫‪‬‬

‫�إنَّ على ِّ‬ ‫كل من ر�ضي باهلل ر ًّبا ومبح َّمد ‪ Ì‬نب ًّيا ور�سو ًال‪،‬‬ ‫وبالإ�سالم دي ًنا‪� ،‬أن يحمد اهلل ويثني عليه اخلري ك ّله‪ ،‬على هذه‬ ‫ال ِّنعمة العظيمة ا َّلتي هي �أعظم ال ِّنعم و�أجلُّها‪ ،‬وما �أكرث نعم اهلل‬ ‫على عبيده‪ ،‬ولكن �أكرث ال َّنا�س ال ي�شكرون‪.‬‬ ‫ال�صاحلة وال�صنيعة وامل َّنة وما �أُنعم‬ ‫وال ِّنعمة‪ :‬اليد البي�ضاء َّ‬ ‫مما ال ميكن غريه �أن‬ ‫به عليك‪ ،‬ونعمة اهلل َم ُّنه وما �أعطاه العبدَ َّ‬ ‫وال�ص َّحة واملال والعلم وما‬ ‫كال�سمع والب�صر والعقل ِّ‬ ‫يعطيه �إ َّياه َّ‬ ‫مما ال ميكن ع ُّده وح�صره والإحاطة به‪﴿ :‬ﭬ ﭭ‬ ‫�إىل ذلك َّ‬ ‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [\‪،]l‬‬ ‫وجميع ال ِّنعم قليلها وكثريها‪ ،‬ظاهرها وباطنها من اهلل وحده‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫املتف�ضل بها واملبتدي بها عبده‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ‬ ‫�إذ هو‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [\‪.]l‬‬ ‫و ِن َع ُم اهلل على نوعني‪ :‬ظاهرة وباطنة‪� ،‬أو دين َّية ودنيو َّية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫فالظاهرة يتق َّلب فيها جمي ُع اخللق وي�شعر بها جلُّهم و�إن تباينوا‬ ‫يف االعرتاف بها و�شكرها‪� ،‬أو يف �إنكارها وجحدها‪ ،‬والباطنة‬ ‫ينعم بها من ا�صطفاه اهلل وو َّفقه �إىل الهدى واخلري و�ألهمه‬ ‫ذكرها و�شكرها‪ ،‬وقد �أ�شار اهلل �إىل هذين ال َّنوعني يف قوله‪﴿ :‬‬

‫التحرير‬

‫ِّ‬ ‫املتف�ضل بها على عباده‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫املنعم بها‪،‬‬

‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [\}]‪.‬‬ ‫كما �أنَّ �سبب زوالها ونق�صها هو ترك �شكر ال ِّنعمة �أو‬ ‫جحودها‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [‪.]53 :d‬‬ ‫ولذلك قيل‪ُّ :‬‬ ‫ال�شكر قيد لل ِّنعم املوجودة‪ ،‬و�صيد لل ِّنعم‬ ‫املفقودة‪ ،‬وكانوا ي�س ُّمونه «احلافظ»؛ لأ َّنه يحفظ ال ِّنعم املوجودة‪،‬‬ ‫وي�س ُّمونه «اجلالب»؛ لأ َّنه يجلب ال ِّنعم املفقودة‪ ،‬فال ِّنعمة �إذا‬ ‫ُ�شكرت ق َّرت‪ ،‬و�إذا ُكفرت فرت‪.‬‬ ‫واهلل ـ َّ‬ ‫جل وعال ـ ُي َذ ِّكر عباده بنعمه عليهم ويدعوهم بها‬ ‫�إىل معرفته وحم َّبته وطاعته وت�صديق ر�سله والإميان بلقائه‪،‬‬ ‫و�سميت بذلك لأنَّ‬ ‫كما ت�ض َّمنته �سورة ال ِّنعم ـ وهي �سورة ال َّنحل ـ ِّ‬ ‫اهلل ذكر فيها �أ�صول ال ِّنعم وفروعها‪ ،‬وعددها عليهم نعمة نعمة‪،‬‬ ‫و�أخرب �أ َّنه �أنعم بذلك عليهم لي�سلموا له‪ ،‬فتكمل نعمه عليهم‬ ‫بالإ�سالم‪ ،‬ا َّلذي هو ر�أ�س ال ِّنعم و�أجلُّها و�أوالها ِّ‬ ‫بالذكر ُّ‬ ‫وال�شكر‪.‬‬ ‫والعاقل �إذا ق َّلب ال َّنظر يف هذه ال ِّنعم وجدها حتيط بنا من‬ ‫ِّ‬ ‫كل جانب‪ ،‬وت�سبغ علينا ظاه ًرا وباط ًنا‪ ،‬ونتق َّلب فيها �صباح م�ساء‪،‬‬ ‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ وليل نهار‪ ،‬ال تنقطع ع َّنا طرفة عني‪ ،‬وال نحرم منها �أدنى �شيء‪،‬‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ غري �أ َّنه وللأ�سف َّ‬ ‫ال�شديد جند �صو ًرا خطرية يف مقابلة تلك‬ ‫ال ِّنعم‪ ،‬تخالف ما �أوجبه اهلل علينا من احلمد ُّ‬ ‫وال�شكر واالعرتاف‬ ‫ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [\}]‪.‬‬ ‫ال�سبيل لبقاء ال ِّنعم ودوامها ومن ِّوها هو �شكر مب�سديها ومبديها‪ ،‬فرنى من ال َّنا�س من ين�سب ال ِّنعمة لغري اهلل‬ ‫ومعلوم �أنَّ َّ‬

‫‪4‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬


‫الطليعة‬

‫الكرمي امل َّنان‪ ،‬ومنهم من يقابلها بال ُّذنوب والع�صيان‪ ،‬ومنهم من‬ ‫يح�صل له ب�سببها الغرور والكرب والعدوان‪ ،‬ومنهم من ال ي�ؤدِّي‬ ‫حقَّ اهلل فيها وما �إىل ذلك من �صور الكفر واجلحود وال ُّنكران‪.‬‬ ‫و�إنَّ من نعم اهلل ا َّلتي ت�ستح ُّق ُّ‬ ‫ال�شكر واحلمد نعمة التَّح ُّرر‬ ‫من قب�ضة املت�س ِّلط الكافر وامل�ستعمر الغادر ا َّلذي عاث يف �أر�ض‬ ‫امل�سلمني ـ‪ ‬ومنها �أر�ض اجلزائر ـ بالف�ساد والإف�ساد‪ ،‬ون�شر عبادة‬ ‫ال�صليب والإحلاد‪ ،‬وا�ستغل العباد وثروات البالد‪ ،‬وارتكب �أ�شنع‬ ‫َّ‬ ‫اجلرائم من الإرهاب والتَّقتيل والتَّخريب والتَّنكيل يف حقِّ �شعبنا‬ ‫الأعزل‪.‬‬ ‫فبعد عقود من الزَّمن وحتت التَّ�سلُّط والقهر يف حماولة‬ ‫مل�سخ معامل َّ‬ ‫ال�شخ�ص َّية الإ�سالم َّية وزعزعة مق ِّومات الأ َّمة من‬ ‫الدِّ ين واللُّغة والتَّاريخ‪ ،‬مل تفلح الإرادة الفرن�س َّية وال �إدارتها يف‬ ‫حتقيق مرادها والو�صول �إىل �أهدافها وهو �أن ي�صري هذا اجلزء‬ ‫من �أر�ض الإ�سالم جز ًءا من فرن�سا يدين بدينها ويتك َّلم بلغتها‬ ‫ويفخر بتاريخها‪.‬‬ ‫ولكن بف�ضل اهلل وعونه ق َّي�ض اهلل لهذا البلد رجا ًال ذ ُّبوا‬ ‫عن حيا�ض الأ َّمة ب�شجاعة وب�سالة مل يعرف لها نظري يف التَّاريخ‬ ‫املعا�صر‪ ،‬و�أعلنوا اجلهاد املق َّد�س �ض َّد امل�ستعمر الكافر‪ ،‬فكان‬ ‫املقاتل منهم ي�س َّمى املجاهد‪ ،‬واملقتول ي�س َّمى َّ‬ ‫ال�شهيد‪ ،‬و�شعار‬ ‫مما يد ُّل على ذلك االنتماء الأ�صيل‬ ‫املعركة عندهم‪« :‬اهلل �أكرب»‪َّ ،‬‬ ‫ا َّلذي �سرى يف عروق ال ُّنزهاء ُّ‬ ‫وال�شرفاء من �أبناء هذا البلد ـ‬ ‫�صانه اهلل من ِّ‬ ‫كل مكر ـ �إىل �أن حقَّقوا بف�ضل اهلل ذلك ال َّن�صر‬ ‫املجيد‪ ،‬و�أعادوا للأ َّمة ما�ضيها التَّليد‪ ،‬وح ّولت الكنائ�س �إىل‬ ‫م�ساجد‪ ،‬ويومها فرح امل�ؤمنون بن�صر اهلل ين�صر من ي�شاء‪.‬‬ ‫�إنَّ هذه ال ِّنعمة ا َّلتي هي نعمة ال َّن�صر �أو اال�ستقالل �أو‬ ‫احلر َّية ـ وا َّلتي ال ته ُّمنا منها �أ�سما�ؤها ومبانيها بقدر ما ته ُّمنا‬ ‫م�س َّمياتها ومعانيها ـ ي�شرتك فيها اجلميع‪ ،‬ويتغ َّنى بها الك ُّل‪،‬‬ ‫ويتباهى باحلديث عنها ك ُّل من �أتيح له الكالم يف منا�سبة ويف‬ ‫غري منا�سبة‪ ،‬غري �أنَّ ا َّلذي يقدِّ ر هذه ال ِّنعمة حقَّ قدرها ال ينتظر‬ ‫حلول ِّ‬ ‫الذكريات وال وقفة املنا�سبات‪ ،‬ليتك َّلم �أو يخطب �أو يرفع‬ ‫وكالما‪،‬‬ ‫احلب رخي�ص حني يكون زع ًما ً‬ ‫�شعا ًرا �أو ي َّدعي ح ًّبا؛ لأنَّ َّ‬ ‫إقداما‪.‬‬ ‫إخال�صا و� ً‬ ‫ولك َّنه غال وثمني حني يكون عم ًال وت�ضحية و� ً‬

‫�إنَّ ا َّلذي يقدر هذه ال ِّنعمة بحقٍّ يجب �أن يحافظ عليها‪ ،‬و�أن‬ ‫طوعا �أو‬ ‫يحر�ص على بذل �أ�سباب بقائها ودوامها‪ ،‬و�إ َّال �سلبت منه ً‬ ‫ال�صليب وغريهم من الكافرين و�إن‬ ‫كرهً ا‪ ،‬ف�إنَّ �أعداء اهلل ع َّباد َّ‬ ‫رفعوا اليوم �أقدامهم من ِّ‬ ‫جل �أرا�ضي امل�سلمني �إ َّال �أ َّنهم �أنزلوا‬ ‫بامل�سلمني ا�ستعما ًرا من طراز �آخر‪ ،‬وهو اال�ستعمار الفكري عن‬ ‫طريق جلب نظام التَّعليم الغربي‪ ،‬واملدار�س الأجنب َّية العامل َّية‬ ‫ون�شر الإجنيل وال َّدعوة �إىل حوار الأديان وحماية الأقل َّيات و�إف�ساد‬ ‫املر�أة وما �إىل ذلك من َّ‬ ‫خمططاتهم اله َّدامة‪ ،‬فمن حاربهم‬ ‫بالأم�س وفتح لهم اليوم عقله وقلبه لي�ستعمروه من جديد عقيدة‬ ‫وفك ًرا‬ ‫ومنهج حياة مل يقدِّ ر هذه ال ِّنعمة ومل يدع لها حرمتها‪ ،‬و�إنَّ‬ ‫َ‬ ‫من ا�ستهان بدين الأ َّمة اليوم �أو ل�سانها �أو تاريخها مل يقدِّ ر هذه‬ ‫ال ِّنعمة؛ لأ َّنه يحاكي اال�ستعمار يف جرائمه ويخلفه يف مكره وكيده‪،‬‬ ‫و�إنَّ من زرع بذور الفتنة بني �أبناء الأ َّمة اليوم من خالل �إحياء‬ ‫ال َّنعرات اجلاهل َّية واملذاهب الإحلاد َّية اله َّدامة واملناهج َّ‬ ‫ال�ضا َّلة‬ ‫لأهل الأهواء ويروج لها با�سم حر َّية ال َّر�أي واملعتقد مل يقدِّ ر هذه‬ ‫ال ِّنعمة حقَّ قدرها؛ لأ َّنه يريد رفع الأمن وزعزعة اال�ستقرار‪،‬‬ ‫وجعل الأ َّمة تعي�ش يف متزُّق و�شتات‪ ،‬وفنت و�شمات‪ ،‬و�إنَّ من �سرق‬ ‫�أموال الأ َّمة واعتدى على �أمالكها نه ًبا وت�ضيي ًعا وتبذي ًرا وتهري ًبا‬ ‫مل يقدِّ ر نعمة اهلل وال تنفعه �سابقته ون�ضاله؛ لأنَّ اهلل لمَ َّا و�صف‬ ‫�أ�صحاب حم َّمد ‪ Ì‬الأحياء منهم وامل ِّيتني‪ ،‬قال عنهم‪﴿ :‬ﭑ‬ ‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬

‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [\‪.]d‬‬ ‫ف�أثبت لهم و�صف ال ُّرجول َّية ب�أحد �أمرين‪� :‬إ َّما َّ‬ ‫بال�شهادة‪،‬‬ ‫و�إ َّما بال َّثبات‪ ،‬فلتحفظ ال ِّنعم ولتلهج الأل�سن والقلوب واجلوارح‬ ‫ب�شكرها‪ ،‬ولتحذر من �إغفالها وتنا�سيها ف�إ َّنه كما قيل‪:‬‬ ‫�إذا كنت يف نعمة فا ْر َعها‬ ‫ف�إنَّ الـمعا�صي تزيل ال ِّنعم‬ ‫وداوم عليها ب�شكر الإلـه‬ ‫فـ�إنَّ الإلـه �سـري ــع ال ـ ِّنـقــم‬ ‫جعلنا اهلل من َّ‬ ‫رب‬ ‫ال�شاكرين احلامدين‪ ،‬القائمني بحقِّ ِن َع ِم ِّ‬ ‫العاملني‪ ،‬و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على خري ال َّنب ِّيني و�س ِّيد املر�سلني‪ ،‬نب ِّينا‬ ‫حم َّمد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪5‬‬


‫في رحاب القرآن‬

‫كشف الوجه َّ‬ ‫الصبيح يف‬

‫فوائد قصة الذبيح‬ ‫(الجزء الثاني)‬

‫د‪ /‬عبد املجيد جمعة‬ ‫�أ�ستاذ حما�ضر بجامعة الأمري عبد القادر ـ ق�سنطينة‬

‫‪ ‬الفائدة ال َّثامنة وال َّثالثون‪:‬‬ ‫ال�سالم‪ ،‬حيث �أثنى اهلل‬ ‫فيه ف�ضل �إبراهيم و�إ�سماعيل عليهما َّ‬ ‫عليهما با�ست�سالمهم���ا ومبادرتهما المتثال �أمر اهلل تعاىل؛ وهذا‬ ‫حقيقة الإ�سالم وهو االنقياد التَّا ُّم لأمر اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫‪ ‬الفائدة ال َّتا�سعة وال َّثالثون‪:‬‬ ‫في���ه ا�ستحباب ا�ضطجاع الأ�ضحي���ة عند َّ‬ ‫الذبح‪ ،‬و�أن َيذ َب َح‬ ‫امل�ضح���ي بي���ده‪ ،‬لقول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﭓ ﭔ﴾‪ ،‬وي�شه���د له ما‬ ‫ِّ‬ ‫رواه �أن�س ‪ Ç‬ق���ال‪َ :‬‬ ‫ي‬ ‫�ي�ن �أَملَ َح نْ ِ‬ ‫«�ض َّحى ال َّنب ُّ���ي ‪ِ Í‬ب َك ْب َ�ش ِ‬ ‫ويكب ف َذ َب َحهُما‬ ‫فر�أيت���ه َو ِ‬ ‫ا�ض ًعا َق َدمَه على �صفاحهما(‪ )1‬ي�س ِّمي رِّ‬ ‫بيده» متَّفق عليه‪.‬‬

‫�سائر �أنبيائه فناداه���م ب�أ�سمائهم‪ ،‬كقوله‪﴿ :‬ﭗ ﭘ ﭙﭚ‬

‫وفيه ف�ضل نب ِّينا ‪Í‬؛ لأنَّ اهلل تعاىل مل يناده با�سمه «حم َّمد»‪،‬‬ ‫بل ن���اداه ب�صفة ال ِّر �سال���ة �أو ال ُّنب َّوة‪ ،‬كقوله‪﴿ :‬ﭺ ﭻ﴾‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتبجي�ل�ا‪ ،‬ومل يذك���ر ا�سم���ه �إ َّال يف‬ ‫﴿ﭶ ﭷ﴾ تعظي ًم���ا ل���ه‬ ‫�صيغ���ة الإخبار‪ ،‬كقوله تع���اىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ﴾ [®‪،]29 :‬‬ ‫﴿ﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻ﴾ [_‪]144 :‬؛ �أ َّما‬

‫‪ ‬الفائدة اخلام�سة والأربعون‪:‬‬ ‫ُ���د َّل بالآية عل���ى �أنَّ من نذر ذبح ول���ده‪ ،‬لزمه ذبح �شاة‪,‬‬ ‫وا�ست ِ‬ ‫وال�صحي���ح �أ َّنه مع�صية‬ ‫كم���ا فدى ب���ه �إبراهيم ابنه؛ وفي���ه نظر‪َّ ،‬‬ ‫يلزم���ه اال�ستغفار منه���ا‪ ،‬قال الكيا اله َّرا�س���ي يف «�أحكام القر�آن»‬ ‫(‪« :)78/4‬وه���ذا �إغف���ال منه���م‪ ,‬ف�إ َّنه �إن ثب���ت �أنَّ �إبراهيم كان‬ ‫م�أم���و ًرا بذبح الولد‪ ,‬فقد ارتفع الأم���ر �إىل بدل جعل فداء‪ ,‬فكان‬ ‫الأم���ر متق ِّر ًرا يف الأ�صل‪َّ ,‬ثم �أُزيل و ُن ِ�سخَ �إىل بدل‪ ,‬وفيما نحن فيه‬

‫ﭛ ﭜ﴾‪ ،‬وكقول���ه‪:‬‬ ‫[^‪﴿ ،]35:‬ﮂﮃﮄ﴾ [‪﴿ ،]48:g‬ﭒ﴾ [‪،]144:c‬‬ ‫﴿ ﭦ﴾ [_‪. ]55 :‬‬ ‫‪ ‬الفائدة ال َّثانية والأربعون‪:‬‬ ‫في���ه ف�ض���ل طاع���ة اهلل وامتثال �أم���ره‪ ،‬ف�إ َّنه �سب���ب يف �صرف‬ ‫امل�صائ���ب‪ ،‬لقول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﭞﭟﭠﭡ﴾ �أي‪ :‬هك���ذا‬ ‫ن�صرف ع َّمن �أطاعنا امل���كاره َّ‬ ‫وال�شدائد‪ ،‬وجنعل لهم من �أمرهم‬ ‫وخمرجا‪ ،‬كقول���ه تع���اىل‪ ﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫فرج���ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [\‪.]À‬‬ ‫‪ ‬الفائدة ال َّثالثة والأربعون‪:‬‬ ‫‪ ‬الفائدة الأربعون‪:‬‬ ‫ُ���د َّل بالآي���ة عل���ى �أنَّ الأ�ضحي���ة بالغن���م �أف�ضل م���ن الإبل‬ ‫ا�ست ِ‬ ‫فيه داللة على �إثبات الإرادة واالختيار للعباد خال ًفا للجرب َّية‪،‬‬ ‫لقوله تع���اىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾‪ ،‬ونظريه يف القر�آن ال يكاد والبقر‪.‬‬ ‫‪ ‬الفائدة ال َّرابعة والأربعون‪:‬‬ ‫يح�صى وال ي�ستق�صى‪ ،‬ي�سند اهلل تعاىل الأفعال �إىل العباد ا َّلذين‬ ‫بال�سمينة‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭩ‬ ‫قاموا بها كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [‪.]15 :x‬‬ ‫وفيه ا�ستحباب الأ�ضحي���ة َّ‬ ‫ﭪ ﭫ ﴾ �أي �ضخم اجل َّثة �سمني‪.‬‬ ‫‪ ‬الفائدة احلادية والأربعون‪:‬‬

‫(‪ )1‬قال ال َّنووي يف «�شرح م�سلم» (‪�« :)121/13‬أي �صفحة العنق وهى جانبه و�إنمَّ ا‬ ‫فعل هذا ليكون �أثبتَ له و�أمكنَ لئ َّال ت�ضطرب َّ‬ ‫الذبيحة بر�أ�سها فتمنعه من �إكمال‬ ‫َّ‬ ‫الذبح �أو ت�ؤذيه»‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫﴿ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾‬


‫ال �أم���ر بذب���ح الولد‪ ,‬بل ه���و مع�صي ٌة قط ًعا‪ ,‬فلم يك���ن للأمر تعلُّق‬ ‫بذبح الول���د بحال‪ ,‬ف�إذا مل يتع َّلق به بحال‪ ,‬فال يجوز �أن يجعل له‬ ‫فدا ًء وخل ًفا»‪.‬‬ ‫‪ ‬الفائدة ال�ساد�سة والأربعون‪:‬‬ ‫في���ه داللة عل���ى �أنَّ الأنبياء �أ�ش��� ُّد ال َّنا�س ب�ل�ا ًء‪ ،‬لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﭣﭤﭥﭦﭧ﴾‪ ،‬وي�شه���د ل���ه قوله ‪ Í‬وق���د �سئل‪ُّ � :‬أي‬ ‫ال َّنا�س �أ�ش ُّد بال ًء؟‪ :‬ق���ال‪« :‬الأَ ْن ِب َيا ُء ُث َّم الأَ ْم َث��� ُل َفالأَ ْم َث ُل‪َ ،‬ف ُي ْب َتلَى‬ ‫ال َّر ُج��� ُل َعلَى َح َ�س���بِ دِي ِنهِ‪َ ،‬ف�إِ ْن َكا َن دِي ُن ُه ُ�ص ْل ًب���ا ا�شْ َت َّد َب َ‬ ‫ال ُ�ؤهُ‪َ ،‬و�إِ ْن‬ ‫َكا َن يف دِي ِن ِه ِر َّق ٌة ا ْب ُتل َِي َعلَى َح َ�سبِ دِي ِنهِ‪َ ،‬ف َما يَبرْ َ ُح ال َب َ‬ ‫ال ُء بِال َع ْبدِ‬ ‫َح َّتى َيترْ ُ َك ُه يمَْ�شِ ي َعلَى الأَ ْر ِ�ض مَا َعلَ ْي ِه َخطِ ي َئ ٌة»(‪.)2‬‬ ‫ال�سابعة والأربعون‪:‬‬ ‫‪ ‬الفائدة َّ‬ ‫�صح���ة ال َّن�سخ قبل‬ ‫وفي���ه داللة على ما تق��� َّرر يف الأ�صول على َّ‬ ‫التَّم ُّكن من الفع���ل‪ ،‬خال ًفا لطائفة من املعتزلة‪ ،‬وال َّداللة من هذه‬ ‫الآيات ظاهرة‪ ،‬لأنَّ اهلل تعاىل �أمر �إبراهيم بذبح ولده‪َّ ،‬ثم ن�سخه‬ ‫عظيم‪.‬‬ ‫عنه قبل التَّم ُّكن من فعله‪ ،‬و�صرفه �إىل الفداء ٍ‬ ‫بذبح ٍ‬ ‫‪ ‬الفائدة ال َّثامنة والأربعون‪:‬‬ ‫وفي���ه داللة على �إثبات احلكم���ة يف �أفعال اهلل تعاىل‪ ،‬لقوله‪:‬‬ ‫﴿ﭣ ﭤﭥﭦﭧ﴾‪ ،‬فابتلى اهلل نب َّيه يف حم َّبته له �سبحانه‬ ‫تتم خ َّلته‪ ،‬فكان املق�صود االبتال َء‬ ‫وتقدميها على حم َّبته البنه حتَّى َّ‬ ‫نف�س الفعل؛ لأنَّ اهلل �سبحانه وتعاىل ال ي�أمر بفعل ال م�صلح َة وال‬ ‫ال َ‬ ‫منفع��� َة وال حكم َة فيه‪ ،‬بل �أوامره �سبحانه ونواهيه وجميع �شرائعه‬ ‫وم�صالح ومناف َع‪.‬‬ ‫مبن َّي ٌة على ِح َك ٍم‬ ‫َ‬ ‫(‪� )2‬أخرجه رِّ‬ ‫التمذي (‪ )2398‬وابن ماجه (‪ )4023‬عن �سعد بن �أبي و َّقا�ص‪ ،‬ب�إ�سناد‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)143‬‬ ‫ج ِّيد‪ ،‬وهو �صحيح ب�شواهده‪� .‬أنظر َّ‬

‫فاحلكم���ة هنا نا�شئة من نف�س الأم���ر‪ ،‬وامل�صلحة حا�صل ٌة به‪،‬‬ ‫�أ َّم���ا الفعل فال م�صلح َة فيه �ألبتَّ���ة‪ ،‬لذلك كان املق�صود من الأمر‬ ‫احلكمة منه وهي االبتالء دون الفعل‪.‬‬ ‫‪ ‬الفائدة ال َّثامنة والأربعون‪:‬‬ ‫ال�سالم‪ ،‬حيث �أبقى‬ ‫وفي���ه ثناء اهلل تعاىل على �إبراهي���م عليه َّ‬ ‫علي���ه ل�سان �صدقٍ وثن���ا ًء ح�س ًنا يف العامل‪ ،‬فال يذك���ر �إال بال َّثناء‪،‬‬ ‫وال�س�ل�ام علي���ه‪ ،‬وو�صف���ه بث�ل�اث خ�ص���ال‪ ،‬الإح�سان‬ ‫َّ‬ ‫وال�ص�ل�اة َّ‬ ‫والعبود َّي���ة والإميان‪ ،‬فجمع مقامات الدِّ ي���ن ك ِّله‪ ،‬لقوله‪﴿ :‬ﭭ‬

‫في رحاب القرآن‬

‫ قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬ ‫ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ‬ ‫ﰕﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ‬ ‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ‬ ‫ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [ \‪. ]¢‬‬

‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ‬

‫ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾‪.‬‬ ‫‪ ‬الفائدة ال َّتا�سعة والأربعون‪:‬‬ ‫وفي���ه داللة عل���ى �أنَّ َّ‬ ‫الذبيح ه���و �إ�سماعيل ولي�س ه���و � َ‬ ‫إ�سحاق‬ ‫كم���ا يزع���م اليه���ود وال َّن�ص���ارى‪ ،‬وذل���ك �أنَّ اهلل تع���اىل مل���ا ذكر‬ ‫ق�صة‬ ‫الب�ش���ارة الأوىل بالغ�ل�ام احلليم من ابني �إبراهي���م‪ ،‬وذكر َّ‬ ‫الأمر بذبحه‪ ،‬فل َّم���ا ا�ستوفى ذلك‪ ،‬عطف بذك���ر الب�شارة ال َّثانية‬ ‫باالب���ن ال َّثاين‪ ،‬وقد �س َّم���اه �إ�سحاق فقال‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ﮃ﴾‪ ،‬فب�َّي�نَّ �أ َّنهما ب�شارتان‪ :‬ب�شار ٌة َّ‬ ‫بالذبيح وب�شار ٌة ثاني ٌة‬ ‫صربه على‬ ‫ب�إ�سحاق‪ ،‬وه���ذه الب�شارة من اهلل تعاىل له �شك ًرا على � ِ‬ ‫م���ا �أُ ِم َر به‪َّ ،‬‬ ‫فدل هذا عل���ى �أنَّ � َ‬ ‫إ�سحاق غري الغ�ل�ام احلليم ا َّلذي‬ ‫بحه؛ ومن املق َّرر يف الأ�صول �أنَّ ال َّت�أ�سي�س �أوىل من ال َّت�أكيد؛‬ ‫�أُ ِم َر َبذ ِ‬ ‫ن�ص �صري ٌح ال‬ ‫ومعل���و ٌم يف اللُّغة �أنَّ العطف يقت�ضي املغايرة‪ ,‬فهذا ٌّ‬ ‫يحتمل ال َّت�أويل‪.‬‬ ‫و�سئ���ل �أبو �سعيد‬ ‫ق���ال‬ ‫القرطبي يف «تف�س�ي�ره» (‪ُ :)100/15‬‬ ‫ُّ‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪7‬‬


‫في رحاب القرآن‬ ‫‪8‬‬

‫ال�ضرير عن َّ‬ ‫َّ‬ ‫الذبيح ف�أن�شد ‪:‬‬ ‫�إنَّ ال َّـذبــيح هُ ـديــت �إ�سـماع ُ‬ ‫ـيل‬ ‫نـطـق الكتـاب بذاك والتَّـن ُ‬ ‫ـزيل‬ ‫�شـ ٌ‬ ‫ـ�ص الإل ـ ُه نـبـيـَّنـا‬ ‫ـرف بــه َخ َّ‬ ‫و�أتــى بــه الـ َّت ـفـ�سـيـر والتَّـ�أويـ ُـل‬ ‫�إن كـنــت �أ َّمـته فـال تـن ـكــر ل ــه‬ ‫خ�صه الت ُ‬ ‫َّف�ضيل‬ ‫�شـر ًفـا بـه قد َّ‬ ‫‪ ‬الفائدة اخلم�سون‪:‬‬ ‫ال�سالم ـ‪ ،‬لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫وفي���ه ثناء اهلل على �إ�سحاق ـ عليه َّ‬ ‫﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾‪.‬‬ ‫‪ ‬الفائدة احلادية واخلم�سون‪:‬‬ ‫وفيه �إ�شارة �إىل �أنَّ ال َّن�سب ال ينفع �صاحبه‪ ،‬و�إنمَّ ا ينفعه عم ُله‪،‬‬ ‫لقوله تع���اىل‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾‪� ،‬أي‪:‬‬ ‫حم�سن يف عمل���ه بالإميان‪ ،‬والتَّوحيد‪ ،‬وظامل لها بالكفر ِّ‬ ‫وال�شرك‬ ‫واملعا�ص���ي؛ فاليهود وال َّن�صارى‪ ،‬و�إن كان���وا من ولد �إ�سحاق‪ ،‬فقد‬ ‫�ص���اروا �إىل ما �ص���اروا �إليه من الكفر َّ‬ ‫وال�ض�ل�ال املبني؛ والعرب‪،‬‬ ‫و�إن كانوا من ولد �إ�سماعيل‪ ،‬فقد �صاروا �إىل ِّ‬ ‫ال�شرك �إ َّال من �أنقذه‬ ‫بي ‪َ « :Í‬ومَن َب َّط�أَ ِب ِه َع َم ُله مَل ُي�سرِع‬ ‫اهلل بالإ�سالم‪ ,‬وقد قال ال َّن ُّ‬ ‫ِب ِه َن َ�س ُبه» رواه م�سلم‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫ال�س َّن���ة»‬ ‫ق���ال �شي���خ الإ�س�ل�ام اب���ن تيمي���ة كم���ا يف «منه���اج ُّ‬ ‫أحد يف القر�آن بن�سبه �أ�ص ًال‬ ‫(‪« :)151/8‬وله���ذا مل يثن اهلل على � ٍ‬ ‫نبي و�إنمَّ ا �أثنى على ال َّنا�س ب�إميانهم‬ ‫نبي وال على �أبي ٍّ‬ ‫ال عل���ى ولد ٍّ‬ ‫و�أعماله���م و�إذا ذك���ر �صن ًفا و�أثنى عليهم فلم���ا فيهم من الإميان‬ ‫والعم���ل ال ملج��� َّرد ال َّن�سب وملَّ���ا ذكر الأنبي���اء ذكره���م يف الأنعام‬ ‫وهم ثماني���ة ع�شر ق���ال‪ ﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫ﮡﮢﮣﮤﮥ﴾ [\‪ ,]b‬فبه���ذا ح�صل���ت‬ ‫�صراط‬ ‫الف�ضيل���ة باجتبائه �سبحان���ه وتعاىل وهدايته �إ َّياه���م �إىل‬ ‫ٍ‬ ‫م�ستقيم ال بنف�س القرابة»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬الفائدة ال َّثانية واخلم�سون‪:‬‬ ‫ال�صرب على البالء حممودة؛ وذلك �أنَّ �إبراهيم‬ ‫فيه �أنَّ عاقبة َّ‬ ‫ال�سالم مل���ا ابتاله اهلل تعاىل بذب���ح ابنه‪ ،‬امتث���ل لأمر ر ِّبه‪،‬‬ ‫علي���ه َّ‬ ‫و�ص�ب�ر على بالئه‪ ،‬فجزاه اهلل تعاىل �أن فداه بذبح عظيم‪ ،‬وجعل‬ ‫ال�صاحلني‪.‬‬ ‫له ل�سان ٍ‬ ‫ذكر يف الآخرين‪ ،‬ورزقه ً‬ ‫غالما �آخر من َّ‬ ‫ي�سر اهلل يل جمع���ه من بدائع الفوائد‪ ،‬و�إ َّال لو طهرت‬ ‫ه���ذا ما َّ‬ ‫قلوبن���ا ملا �شبع���ت من كالم اهلل تعاىل‪ ،‬وقد جع���ل اهلل كتابه ربي َع‬ ‫وذهاب الهموم‪.‬‬ ‫وجال َء الأحزان‬ ‫َ‬ ‫ال�صدور َ‬ ‫القلوب ونو َر ُّ‬


‫عبد القادر �سعدو‬ ‫وهران‬

‫عن �أبي هريرة ‪ Ç‬قال‪:‬‬ ‫ُ�سئل ر�سول اهلل ‪ Í‬عن �أكرث ما ُي ُ‬ ‫دخل ال َّنا�س اجل ّنة؟ فقال‪:‬‬ ‫« َت ْق َوى اهلل َو ُح�سْ ُن ا ُ‬ ‫خل ُلقِ »(‪.)1‬‬

‫���د �آدم حم َّم ِد ابن‬ ‫���م �س ِّيد ول ِ‬ ‫ه���ذا احلديث من جوام ِع ك ِل ِ‬ ‫عب���د اهلل ‪﴿ ,Í‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫ب�ش�ي�را ونذي��� ًرا وداع ًيا �إليه‬ ‫ﭥ﴾ [\‪� ,]³‬أر�سل���ه ر ُّبن���ا ً‬ ‫و�سراجا من ًريا‪َّ ,‬ثم �صيرَّ طاعته ً‬ ‫فر�ضا‪ ,‬وا ِّتباعه رحم ًة‪,‬‬ ‫ب�إذن���ه‬ ‫ً‬ ‫وحم َّبت���ه قرب ًة‪ ,‬وتعزي��� َره دي ًنا‪ ,‬وتوق َريه ه���دً ى‪ ,‬وتعظي َمه عزًّا‪,‬‬ ‫وجعل ِّ‬ ‫وال�صغار على من خالف �أم َره‪.‬‬ ‫الذ َّلة َّ‬ ‫ويف ه���ذا املقال بيان �شيءٍ من كن���وز هذا احلديث ال َّنبويِّ‬ ‫العظيم‪.‬‬ ‫يب‪ ،‬وح�سنه‬ ‫(‪ )1‬رواه الرتمذي يف «�سننه» (‪ )2134‬وقال‪ :‬هَ َذا َحدِ يثٌ َ�صحِ ي ٌح َغ ِر ٌ‬ ‫الألباين‪ ,‬انظر «�سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة» (‪.)977‬‬

‫«�سئل ُ‬ ‫ا�س ا َ‬ ‫جل َّنة؟»‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬عَن �أَ ْك رَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ث مَا ُيدْخِ ُل ال َّن َ‬ ‫‪ ‬كان ر�س���ول اهلل ‪ Í‬ه���و مرج��� َع ال َّنا����س يف حيات���ه يف‬ ‫ِّ‬ ‫�صغ�ي�را كان �أو كب ًريا‪� ,‬إذ �أم��� ُر التَّ�شريع‬ ‫كل �أم ٍ���ر م���ن �أمورهم‬ ‫ً‬ ‫مرته���نٌ ب���ه‪ ,‬ف���كان ُيع ِّل���م �أ�صحا َب���ه �ش����أنَ دي ِنه���م‪ ,‬و�إذا ع���نَّ‬ ‫ل�صحابت���ه �س����ؤا ٌل �أو حدثت له���م واقع ٌة �سارع���وا �إليه فوجدوا‬ ‫اجلواب َّ‬ ‫ال�شايف والبيانَ الت ََّّام‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ال�صحابة الكرام م���ن طلب العلم هو العمل‪,‬‬ ‫‪ ‬كان مق�ص���ود َّ‬ ‫وال�سمعة وال ِّرفعة‬ ‫مل يكن مرادُهم �أبدً ا ال ُّدنيا وجزا َءها من ال ِّرياء ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫مما يف�س���د دينَ املرء‪ ,‬بل‬ ‫والظه���ور‬ ‫واملن�ص���ب وال ِّريا�سة وغ ِريها َّ‬ ‫َ‬ ‫���ب تعاملهم مع مع ِّلمه���م ‪ Í‬هو امتثال �أوام���ره واالهتداء‬ ‫كان ل ُّ‬ ‫بطريق ِت���ه يف �ش�ؤون احلياة ك ِّلها‪ ,‬ف���كان من حر�صهم على تطبيق‬ ‫م���ا ي�سمعونه من يف ر�سول اهلل ‪َّ Í‬‬ ‫الط ِّي���ب َّ‬ ‫ال�شريف �أ َّنهم �س�ألوه‬ ‫ع���ن �أف�ضل الأعمال؟ و�أح�س���ن الأقوال؟ و�أكرث م���ا يدخل اجل َّنة؟‬ ‫و�أك�ث�ر ما يدخ���ل ال َّنار؟ وتكاد هذه الأ�سئلة تك���ون غائب ًة عن �أكرث‬ ‫�أهل زما ِننا‪ ,‬واهلل امل�ستعان‪.‬‬ ‫وخلود‬ ‫نعيم ٍ‬ ‫‪�« ‬إنَّ اهلل �سبحان���ه قد خلق اجل َّن���ة ف�أع َّدها دار ٍ‬ ‫لأوليائه امل�ؤمنني و�أكرمهم فيها بالنظر �إىل وجهه الكرمي»(‪.)1‬‬

‫من مشكاة السنة‬

‫أكثر ما يدخل الناس اجلنة‬

‫« َت ْق َوى اهلل»‬ ‫‪ ‬تق���وى اهلل هي و�ص َّية ال َّر ِّب ج َّ‬ ‫���ل جالله للأ َّولني والآخرين‪,‬‬ ‫ق���ال اهلل �سبحان���ه‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫بي الكرمي ‪ Í‬يف‬ ‫ﮧﮨﮩﮪ﴾ [`‪ ,]131 :‬وو�ص َّية ال َّن ِّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪« :‬عقيدة ابن �أبي زيد القريواين املالكي» و«العقائد الإ�سالمية» للع َّالمة عبد‬ ‫احلميد بن بادي�س اجلزائري‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪9‬‬


‫من مشكاة السنة‬

‫�أك�ب�ر حم َف ٍل �شهده امل�سلمون‪ ,‬فعن �أبي �أمامة ‪ Ç‬قال‪� :‬سمعت‬ ‫حجة ال���وداع فقال‪« :‬ا َّت ُق���وا اهلل َر َّب ُكم‬ ‫ر�س���ول اهلل ‪ Í‬يخطب يف َّ‬ ‫َو َ�ص ُّل���وا َخ ْم َ�س ُك���م و�صومُوا َ�ش ْه َر ُك���م و�أَدُّوا َز َكا َة �أم َوا ِل ُكم و�أَطِ ي ُعوا‬ ‫َذا �أَ ْم ِر ُك ْم َتد ُْخ ُلوا َج َّن َة َر ِّب ُك ْم»(‪ ,)2‬وحقيقة تقوى اهلل �أن يجعل املر ُء‬ ‫بين���ه وبني م���ا يوجب عق���اب اهلل وعذابه �صيان ًة و�ست���ا ًرا بعبادته‬ ‫إخال�صا للآمر‬ ‫وطاعت���ه �إميا ًنا واحت�سا ًبا‪ ,‬فيمت ِثل ما �أمره اهلل به � ً‬ ‫ورج���ا ًء لوعده‪ ,‬ويرتك م���ا نهاه عنه �إميا ًنا ب���ه وخو ًفا من وعيده‪,‬‬ ‫فع���ن طلق بن حبي���ب ‪ :‬قال‪« :‬التَّقوى‪ :‬عم��� ٌل بطاعة اهلل رجاء‬ ‫رحم��� ِة اهلل على نو ٍر من اهلل‪ ،‬وال َّتق���وى‪ُ :‬‬ ‫ترك مع�صي ِة اهلل خماف َة‬ ‫عقاب اهلل على نو ٍر من اهلل»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬تق���وى اهلل هي املق�صد م���ن ت�شريع الأحكام‪ ,‬ذلك �أنَّ اهلل ـ‬ ‫بحكم يف كتابه �إ َّال ويذكر َع ِقبه التَّقوى‪ ,‬ف َمن‬ ‫غال ًبا ـ ال ُيك ِّلف العباد ٍ‬ ‫ت�أ َّم���ل ـ مث ًال ـ ت�شريع الأركان اخلم�سة ع ِل���م و�ضوح ذلك و�صد َقه‪,‬‬ ‫فقد قال اهلل يف التَّوحي���د‪ ﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬

‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [\^] ﴿ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [\‪]c‬‬ ‫ال�صالة وال���زَّكاة‪﴿ :‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫وق���ال يف َّ‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [\^]‬ ‫ال�صي���ام‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫ويف ِّ‬ ‫احلج‪:‬‬ ‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [\^]‪ ,‬ويف ِّ‬ ‫﴿ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬

‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [^‪.]203 :‬‬

‫العلي الكبري يف �ش�أن التَّقوى �آيتان‬ ‫‪ِ ‬من �أبدع ما جاء يف كالم ِّ‬ ‫هما‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﴾ [‪ ,]26 :c‬وقوله‬ ‫�سبحان���ه‪﴿ :‬ﭪﭫﭬﭭ﴾ [^‪ ,]197 :‬فذ َك���ر اهلل يف‬ ‫زاد‪ ,‬فبال ِّلبا�س ُي���واري الإن�سان‬ ‫وخ�ي�ر ٍ‬ ‫خ�ي�ر ٍ‬ ‫لبا�س َ‬ ‫هات�ي�ن الآيتني َ‬ ‫ج�س���دَ ه وي�سرت عورتَه ويتز َّين به‪ ,‬وخ�ي�ر ذلك التَّقوى‪ ,‬فهو ي�ستم ُّر‬ ‫م���ع العبد يف ال ُّّدنيا والربزخ والآخرة‪ ،‬وال يبلى وال يبيد‪ ،‬وهو زينة‬ ‫الباطن وجمال َّ‬ ‫الظاهر‪ ,‬وبالزَّاد ُي�ستغنى عن ال َّنا�س وتُقام البنية‬ ‫ال�سف���ر ويتحقَّق الق�ص���د‪ ,‬وخري ذلك‬ ‫و ُيع���ان ال ُّرفق���اء‪ ,‬وبه َي ِت��� ُّم َّ‬ ‫و�صححه الألباين‪.‬‬ ‫(‪ )2‬رواه «الرتمذي» (‪ )616‬وقال‪ :‬حديث ح�سن �صحيح‪َّ ,‬‬ ‫(‪« )3‬م�صنف» ابن �أبي �شيبة(‪.)250/8‬‬

‫‪10‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫التَّقوى‪ ,‬فه���و زا ٌد �إىل اهلل وال َّدار الآخرة‪ ,‬مو�ص��� ٌل �إىل � ِّ‬ ‫أجل رجاءٍ‬ ‫نعيم‪ ,‬ف�إذا تق َّرر هذا ُع ِلم �أنَّ �أع َق َ‬ ‫���ل ال َّنا�س و� َ‬ ‫أف�ض َلهم َمن‬ ‫و�أكم ِ‬ ‫���ل ٍ‬ ‫ِلزم خ َري ال ِّل َبا�س والزَّاد‪ ,‬فعن ميمون ِبن ِمهران ‪� :‬أ َّنه �أتاه رج ٌل‬ ‫فق���ال له‪ :‬ال يزال ال َّنا�س بخ ٍري ما كنت فيهم‪ ,‬قال‪ :‬ال يزال ال َّنا�س‬ ‫بخ ٍري ما ا َّت َقوا اهلل(‪.)4‬‬ ‫«ح�سن ا ُ‬ ‫خللق»‬ ‫ُ‬ ‫ح�سن اخللق ُ‬ ‫قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫‪ ‬حقيق ُة ِ‬

‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [\‪ ,]c‬بل « َل ْي َ�س يِف ا ْل ُق ْر�آن �آ َي ٌة‬ ‫الَخْ لاَ ق ِم ْن َها»(‪ ,)5‬قال ابن العربي املالكي ‪َ « ::‬ق َال‬ ‫�أَ ْج َم َع لمِ َ َكار ِ​ِم ْ أ‬ ‫ال َي ُة ِمنْ ثَلاَ ِث َك ِل َم ٍات‪َ ،‬ق ْد ت َ​َ�ض َّم َن ْت َق َو ِاعدَ َّ‬ ‫ال�ش ِري َع ِة‬ ‫ُع َل َما�ؤُ َنا‪ :‬هَ ِذ ِه ْ آ‬ ‫ات‪َ ،‬حتَّ���ى لمَ ْ َي ْبقَ ِفي ِه َح َ�س َن��� ٌة � اَّإل �أَ ْو َ�ض َح ْت َها‪َ ،‬و اَل‬ ‫المْ َ�أْ ُم���و َر ِات َوالمْ َ ْنهِ َّي ِ‬ ‫َف ِ�ضي َل��� ٌة �إ َّال َ�ش َر َح ْت َه���ا‪َ ،‬وال �أُ ْك ُر َوم ٌة �إ َّال ا ْف َتت َ​َح ْت َه���ا‪َ ،‬و َ�أ َخ َذ ْت ا ْل َك ِل َماتُ‬ ‫ال ْ�س�َل اَ ِم ال َّثلاَ َث َة»(‪ ,)6‬و«ذل���ك �أنَّ ال َّنا�س �صنفان‪:‬‬ ‫الثَّ�َل�اَ ُث �أَ ْق َ�س َام ْ ِإ‬ ‫�صنف حم�سنٌ ‪ ,‬فـ﴿ﭵﭶ﴾ �أي‪ْ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫و�ص َفا لك من �أفعاله‬ ‫خذ ما عفا َ‬ ‫و�إح�سان���ه‪ ,‬وت�س َّه ْل وال تطلب ما ي�ش��� ُّق عليه‪ ،‬وال تك ِّلفْه فوق َجهده‪,‬‬ ‫و�إ َّما م�سي ٌء‪ ,‬فـ﴿ﭷ ﭸ﴾ �أي‪� :‬أ ُمره باملعروف امل�ستح�سن من‬ ‫الأفعال‪ ,‬ف����إن ا�ستع�صى عليك ومتادى عل���ى �ضالله‪ ،‬وا�ستم َّر يف‬ ‫مبثل‬ ‫جهله‪ ،‬فـ﴿ﭹﭺﭻ﴾‪� ،‬أي‪ :‬فال متارِه وال تكا ِفئه ِ‬ ‫�أفعال���ه‪ ,‬فلع َّل ذلك �أن ي��� ُر َّد كيدَ ه»(‪ ,)7‬فف�ضا ِئ���ل الأخالق «ال تعدُو‬ ‫�أن تك���ون‪ :‬عف ًوا عن اعت���داءٍ فتدخ���ل يف ﴿ﭵ ﭶ﴾‪� ،‬أو �إغ�ضا ًء‬ ‫ع َّم���ا ال يالئم فتدخ���ل يف ﴿ﭹ ﭺ ﭻ﴾‪� ،‬أو َ‬ ‫فعل خ ٍري‬ ‫�سام���ا بف�ضيل ٍة فتدخل يف ﴿ﭷﭸ﴾(‪ ,)8‬لهذا ملَّا ُ�س ِئل عب ُد‬ ‫وا ِّت ً‬ ‫ح�سن اخلل���ق‪ ,‬قال‪« :‬هو ب�سط‬ ‫اهلل اب���ن املب���ارك ‪ :‬عن و�صف ْ‬ ‫الوجه وبذل املع���روف ُّ‬ ‫وكف الأذى»(‪ ,)9‬فكان���ت الطريق َة املثلى يف‬ ‫معا�شرة ا َ‬ ‫خللق‪.‬‬ ‫‪ ‬اعل���م ب���ارك اهلل في���ك �أنَّ اخلل���ق احل�س���ن لي����س لو ًنا من‬ ‫(‪« )4‬حلية الأولياء» (‪.)90/4‬‬ ‫ال�صادِق ‪ ,:‬انظر‪« :‬فتح الباري» البن حجر(‪.)66 / 13‬‬ ‫(‪ُ )5‬روِيَ ذلك َعنْ َج ْعفَر َّ‬ ‫(‪�« )6‬أحكام القر�آن» البن العربي(‪.)70 / 4‬‬ ‫(‪ )7‬انظر‪« :‬تف�سري» ابن كثري (‪ )532/3‬و«تف�سري» البي�ضاوي (‪.)355 / 2‬‬ ‫(‪ )8‬انظر‪« :‬التحرير والتنوير» (‪.)53 / 6‬‬ ‫(‪ )9‬رواه الرتمذي يف «�سننه» (‪.)2005‬‬


‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬

‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ‬ ‫ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬

‫���وط‬ ‫ﮙﮚﮛ﴾ [\‪ ,]c‬وق���ال يف ح���قِّ نب ِّي���ه ل ٍ‬ ‫وال�س�ل�ام‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫علي���ه َّ‬ ‫ال�ص�ل�اة َّ‬

‫ﯢﯣﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬

‫‪  ‬‬

‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ﴾ [\‪ ,]w‬وق���ال يف ح���قِّ نب ِّيه‬ ‫وال�س�ل�ام‪ ﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬ ‫عي�س���ى عليه َّ‬ ‫ال�ص�ل�اة َّ‬ ‫ﮣﮤ﴾ [\‪ ,]o‬ومن ذلك ما َّ‬ ‫و�ضحه جعف ُر بنُ �أبي طالب‬ ‫‪ Ç‬لل َّنجا�ش���ي يف حقِّ نب ِّينا حم َّم ٍد ‪ Í‬فقال ل���ه‪�« :‬أ ُّيها امل ِلك‬ ‫قوما � َ‬ ‫أهل جاهل َّي ٍة نعبد الأ�صنام ون�أكل امليتة ون�أتي الفواح�ش‬ ‫ك َّن���ا ً‬ ‫القوي م َّن���ا َّ‬ ‫ال�ضعيف ف ُك َّنا‬ ‫ونقط���ع الأرحام ون�س���يء اجلوار وي�أكل ُّ‬ ‫عل���ى ذلك حتَّ���ى بعث اهلل �إلينا ر�س���و ًال م َّنا نع���رف ن�سبه و�صدقه‬ ‫و�أمانت���ه وعفافه‪ ,‬فدعانا �إىل اهلل لتوحي���ده ولنعبدَ ه ونخل َع ما ك َّنا‬ ‫ب�صدق‬ ‫نعبد نحن و�آبا�ؤنا م���ن دونه من احلجارة والأوثان و�أمرنا‬ ‫ِ‬ ‫وح�سن اجل���وار ِّ‬ ‫والكف عن‬ ‫���ث و�أدا ِء الأمان��� ِة و�صل ِة ال َّرحم‬ ‫احلدي ِ‬ ‫ِ‬ ‫مال اليتيم‬ ‫املحارم والدِّ ماء ونهانا عن الفواح�ش وقول الزُّور و� ِ‬ ‫أكل ِ‬ ‫بال�صالة‬ ‫ِ‬ ‫وقذف املح�صن ِة و�أن نعبدَ اهلل ال ن�شرك به �شي ًئا و�أمرنا َّ‬ ‫تثبيت‬ ‫وال�صيام‪ ,)10(»...‬بل ح�صر ‪ Í‬هدف ر�سالته يف ِ‬ ‫وال���زَّكاة ِّ‬ ‫الف�ضائل اخللق َّية فقال‪ �« :‬مَّإنا بعثتُ لأ ِّ‬ ‫مت َم َ�صا ِل َح الأخالق»(‪.)11‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬الإن�سانُ مد ٌّ‬ ‫ين بطبع���ه ال ب َّد له من االختالط ببني جن�سه‪،‬‬ ‫خا�صة �أهله كوالديه وزوجته و�أوالده و�إخوته‪ ,‬فال ميكنه اال�ستغناء‬ ‫َّ‬ ‫فحر�ص العبد على ح�سن‬ ‫عنهم واال�ستقالل بنف�سه يف جميع �أموره‪,‬‬ ‫ُ‬

‫���ب الإ�سالم وحقيقتَ���ه �أال وهي‬ ‫ً‬ ‫وختام���ا مي ِّثل ه���ذا احلديثُ ل َّ‬ ‫اجلم���ع بني القيام بحقِّ اهلل ـ بتقواه ـ و القيام بحقِّ عباده ـ بح�سن‬ ‫مما جعل �شريع َة الإ�سالم بحقٍّ دي ًنا جمي ًال كام ًال �صا ً‬ ‫حلا‬ ‫اخللق ـ‪َّ ,‬‬ ‫م�ص ِل ًحا ِّ‬ ‫ومكان‪.‬‬ ‫زمان‬ ‫ٍ‬ ‫لكل ٍ‬ ‫���م � ِآت نفو�سن���ا تقواه���ا وز ِّكها �أنت خري م���ن ز َّكاها �أنت‬ ‫فال َّله َّ‬ ‫هم وبحمدك �أ�شهد �أن ال �إله �إ َّال �أنت‬ ‫ول ُّيه���ا وموالها‪ ,‬و�سبحانك ال َّل َّ‬ ‫�أ�ستغفرك و�أتوب �إليك‪.‬‬

‫(‪�« )10‬صحيح» ابن خزمية (‪ )2260‬و�صححه الألباين انظر‪« :‬فقه ال�سرية» (‪)119‬‬ ‫(‪ )11‬رواه «�أحمد» (‪ )8952‬والبخاري يف «الأدب املفرد» (‪ )273‬و�صححه الألباين يف‬ ‫«ال�سل�سلة ال�صحيحة» (‪.)45‬‬

‫و�صححه الألباين‪ ,‬انظر‪« :‬ال�سل�سلة ال�صحيحة»‬ ‫(‪ )12‬رواه «الرتمذي» (‪)3895‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪.)285‬‬ ‫(‪« )13‬نيل الأوطار» (‪.)189/10‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫من مشكاة السنة‬

‫ال�َّت�رَّ ف ميكن اال�ستغن���اء عنه عند اخت�ل�اف البيئ���ة‪ ،‬ولي�س ثو ًبا‬ ‫���ف َّثم ينزعه متى ي�شاء‪ ،‬بل �إ َّنها ثوابتُ وقي ٌم‬ ‫يرتديه الإن�سان ملوق ٍ‬ ‫ال تتغ�َّي�رَّ بتغيرُّ الزَّمان واملكان بل هي �ض���رور ٌة ال ينبغي انفكا ُكها‬ ‫ع���ن �أيِّ جمتم ٍ���ع و�إ َّال الهالك‪ ,‬لهذا كان تقري��� ُر حما�سن الأخالق‬ ‫ق�ص‬ ‫م���ن‬ ‫ِ‬ ‫وال�س�ل�ام‪ ,‬وقد َّ‬ ‫مقا�صد دعو ِة الأنبي���اء عليهم َّ‬ ‫ال�صالة َّ‬ ‫ال�صالة‬ ‫اهلل علين���ا �شي ًئا من ذلك فقال يف ح���قِّ نب ِّيه �شعيب عليه َّ‬ ‫وال�س�ل�ام‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫َّ‬

‫اخلل���ق ي�س ِّهل عليه � َ‬ ‫امل�صاعب ويح ِّب ُبه‬ ‫املطالب‪ ,‬وتل ُني له به‬ ‫إدراك‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫�إىل �أهل���ه ويتم َّكن به ِمن معاملة ِّ‬ ‫أحد َمب���ا ينا�سب حا َله ويليقُ‬ ‫كل � ٍ‬ ‫ب���ه‪ ,‬لذلك قال ر�س���ول اهلل ‪َ :Í‬‬ ‫«خيرْ ُ ُك ْم َخيرْ ُ ك���م لأَِهْ ِلهِ‪,)12(»...‬‬ ‫اف ِب ِه هُ َو َمنْ َكانَ‬ ‫ا�س ُر ْت َب ًة يِف الخْ َ يرْ ِ ‪َ ،‬و�أَ َح ُّق ُه ْم ِب اِال ِّت َ�ص ِ‬ ‫فـ«�أَ ْع َلى ال َّن ِ‬ ‫ال ِحقَّا ُء ِبا ْل ِب ْ�ش ِر َو ُح ْ�س ِن الخْ ُ ُل ِق‬ ‫���م ْ َ أ‬ ‫ا�س ِ ألَ ْه ِل ِه‪َ ،‬ف ِ�إنَّ ْ أ‬ ‫َخ�ْي�رْ َ ال َّن ِ‬ ‫الَ ْه َل هُ ْ‬ ‫���ان َو َج ْل ِب ال َّن ْف ِع َو َد ْف ِع ُّ‬ ‫ال�ض��� ِّر‪َ ،‬ف ِ�إ َذا َكانَ ال َّر ُج ُل َك َذ ِل َك َف ُه َو‬ ‫َو ْ ِإ‬ ‫ال ْح َ�س ِ‬ ‫ا����س َو ِ�إنْ َكانَ َع َلى ا ْل َع ْك ِ�س ِمنْ َذ ِل َك َف ُه َو يِف الجْ َ ا ِن ِب ْال َآخ ِر‬ ‫َخيرْ ُ ال َّن ِ‬ ‫ِمنْ َّ‬ ‫ا�س يِف هَ ِذ ِه ا ْل َو ْر َط ِة‪َ ،‬ف رَتَى ال َّر ُج َل � َإذا‬ ‫ال�ش ِّر‪َ ،‬و َك ِث ًريا َما َي َق ُع ال َّن ُ‬ ‫أ�شحهم َنف ًْ�سا َو�أَ َق َّل ُه ْم َخيرْ ً ا‪،‬‬ ‫���ي �أَ ْه َل ُه َكانَ �أَ ْ�س َو�أَ ال َّن ِ‬ ‫ا�س �أَخْ َال ًق���ا َو� َّ‬ ‫َل ِق َ‬ ‫الَ َجا ِن ِب اَل َن ْت َع ِري َك ُت ُه َوا ْن َب َ�س َط ْت �أَخْ لاَ ُق ُه‬ ‫َو ِ�إ َذا َل ِق َي َغيرْ َ الأَ ْه ِل ِمنَ ْ أ‬ ‫وم‬ ‫َو َجاد َْت َنف ُْ�س ُه َوكَثرُ َ َخيرْ ُ ُه‪َ ،‬و اَل َ�ش َّك �أَنَّ َمنْ َكانَ َك َذ ِل َك َف ُه َو محَ ْ ُر ُ‬ ‫الط ِر ِيق‪َ ،‬ن ْ�س�أَ ُل َ‬ ‫ال َّت ْو ِف ِيق َزا ِئ ٌغ َعنْ َ�س َوا ِء َّ‬ ‫ال�س َال َم َة»(‪.)13‬‬ ‫اهلل َّ‬

‫‪11‬‬


‫التوحيد الخالص‬

‫مفزع الخلق يف الشدائد‬ ‫عبد املجيد تايل‬ ‫لي�سان�س علوم �إ�سالمية ـ اجلزائر‬

‫أ�سا�سه دِي ِن ِه ْم»(‪ ,)3‬فهو ال ُ‬ ‫أ�صل يف بني الإن�سان وهم مجَ ْ ُبو ُلونَ على ال ُّنزُو ِع‬ ‫�إنَّ من الق�ضايا امله َّم ِة يف الإ�سالم وا َّلتي هي �أُ ُّ�سه و� ُ‬ ‫ال�س ِبل وان�سدا ِد ُّ‬ ‫إخال�ص هلل ع َّز َّ‬ ‫قامت �إليه يف َّ‬ ‫رق‪ ,‬على‬ ‫عاب‪,‬‬ ‫وجل وتوحيدُه يف القول والعمل‪ ,‬فما ِ‬ ‫الط ِ‬ ‫ال�ش ِ‬ ‫وال�ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ُ‬ ‫دائد ِّ‬ ‫و�ضيق ُّ‬ ‫الكتب و�أر�س َل ِت ال ُّر ُ‬ ‫�سل ُ‬ ‫ال�سماواتُ وال ُ‬ ‫و�ش ِر َع ِت اختالف ِن َحلِهِ م و َت َع ُّد ِد مذاه ِبهم كما �شهدَ بذلك القر�آنُ الكرمي‬ ‫أر�ض وما �أُ ْن ِز َل ْت ُ‬ ‫َّ‬ ‫ال�شرائ ُع‪ ,‬وما ُخ ِل َق ِت ا َ‬ ‫َّ‬ ‫خل ِلي َق ُة �إ َّال لأجل ذلك‪.‬‬ ‫وال�س َّن ُة املط َّهرة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« ::‬التَّوحي ُد َمفزَ ُع �أعدا ِئه و�أوليا ِئه‪ ,‬ف�أ َّما‬ ‫و�شدائدها‪﴿ ,‬ﭣ ﭤ‬ ‫[‪ ,]56:±‬وقال ج َّل وعال‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ �أعدا�ؤُه ف ُي َن ِّجيهم من ُك َر ِب ال ُّدنيا‬ ‫ِ‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ [‪.]25 :q‬‬ ‫ﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱ‬ ‫فالتَّوحيد «هو دينُ الإ�سالم‬ ‫ﭲ﴾ [‪ .]65 :y‬و�أ َّما‬ ‫فما ُد ِف َعتْ �شدائ ُد الدُّ نيا مبثل ال َّتوحيدِ‬ ‫العا ُّم‪ ,‬ا َّلذي بعثَ اهلل به جمي َع‬ ‫فينجيهم به من ك ُرباتِ‬ ‫�أوليا�ؤه ِّ‬ ‫ال ُّر�سل‪ ,‬كما قال تعاىل‪﴿ :‬ﭴ‬ ‫الدُّ نيا والآخر ِة و�شدائدِ ها‪,‬‬ ‫فنجاه ُ‬ ‫اهلل من تلك ُّ‬ ‫لمات(‪ ,)4‬وفز َع �إليه‬ ‫الظ ِ‬ ‫يون�س َّ‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﴾ ولذلك َف ِز َع �إليه ُ‬ ‫[‪.)1(»]36:l‬‬ ‫مما ُع ِّذ َب به امل�شركون يف ال ُّدنيا‪ ,‬وما �أع َّد‬ ‫�أتبا ُع ال ُّر�سل‪َ ,‬ف ُن ُّجوا به َّ‬ ‫ُ‬ ‫القرون َّ‬ ‫وموروث الأ َّم ِة عن‬ ‫�سل قاطب ًة‬ ‫إدراك‬ ‫ِ‬ ‫وهو دعو ُة ال ُّر ِ‬ ‫املف�ضل ِة‪ ,‬لهم يف الآخرة‪ .‬وملَّا َف ِز َع �إليه فرعونُ عند معاين ِة الهالك‪ ,‬و� ِ‬ ‫ا�س‬ ‫الغرق‪ ,‬مل ينف ْعه(‪)5‬؛ لأنَّ الإميانَ‬ ‫بل هو فطر ُة ا ِ‬ ‫هلل ا َّلتي فط َر ال َّن َ‬ ‫ثبت عنه ‪« : Í‬ما مِ نْ فال ُي ْلقِي يف ال ُك َربِ العظا ِم �إ َّال ال�شِّ ُ‬ ‫رك‪ ,‬وال ُي ْنجِ ي منها �إ َّال عند املعاينة ال ُ‬ ‫يقبل‪ ,‬هذه �س َّن ُة‬ ‫عليها كما َ‬ ‫هلل يف عباده‪ ,‬فما ُد ِف َعتْ �شدائ ُد‬ ‫َم ْو ُلو ٍد �إ َّال ُيو َل ُد على الف ِْط َر ِة ال َّتوحيدُ‪ ,‬فهو َم ْف َز ُع اخلليق ِة و َم ْل َج�ؤُها‪ ,‬وحِ �صْ ُنها وغِ َيا ُثها ا ِ‬ ‫ف�أَ َب َوا ُه ُي َه ِّودَا ِن ِه �أو ُي َن�صِّ َرا ِن ِه �أو‬ ‫الدُّ نيا مبثل ال َّتوحيدِ ‪ ,‬ولذلك‬ ‫الكرب بالتَّوحيد(‪ ,)6‬ودعو ُة ِذي ال ُّن ِون(‪ )7‬ا َّلتي ما د َ​َعا بها‬ ‫مُي َِّج�سانِه ِ»(‪ ,)2‬وقال ‪َ Í‬ذاتَ َي ْو ٍم يِف ُخ ْط َب ِت ِه «�أَال �إِ َّن َر ِّبي �أَ َم َرنيِ كان دعا ُء ِ‬ ‫ا�ض ْب ِن حِ َما ٍر المْ ُ َجا�شِ ع ِِّي ‪.Ç‬‬ ‫ما َع َّل َمنِي َي ْومِ ي َه َذا»‪ ,‬وفيه‪« :‬و�إِنيِّ َخلَقتُ (‪ )3‬رواه م�سلم (‪ )2865‬من حديث عِ َي ِ‬ ‫�أَ ْن �أُ َع ِّل َم ُك ْم مَا َج ِه ْل ُت ْم مِ َّ‬ ‫(‪ )4‬كما يف �سورة الأنبياء (الآية‪.)88-87:‬‬ ‫عِ َبادِي ُح َن َفا َء ُك َّل ُه ْم َو�إِ َّن ُه ْم �أَ َت ْت ُه ْم َّ‬ ‫اج َتا َل ْت ُه ْم َعنْ (‪ )5‬كما يف �سورة يون�س (الآية‪. )92-90 :‬‬ ‫ال�ش َياطِ ُ‬ ‫ني َف ْ‬ ‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى (‪.)71/1‬‬

‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ,)1358‬وم�سلم (‪ )2658‬عن �أبي هريرة ‪.Ç‬‬ ‫‪12‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫(‪ )6‬كما رواه البخاري (‪ ,)6346‬وم�سلم (‪.) 2730‬‬ ‫التمذي (‪ ,)3505‬و�أحمد (‪َّ ,)1462‬‬ ‫(‪ )7‬كما رواه رِّ‬ ‫والطرباين يف «الدُّعاء» (‪,)124‬‬ ‫واحلاكم (‪ )505/1‬و(‪ )583/2‬عن �سعد بن �أبي وقا�ص ‪.Ç‬‬


‫ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫ﮱ ﯓ ﴾ [\‪.]f‬‬ ‫قال القرطبي ‪ :‬يف «جامعه» (‪« :)630/4‬ويف هذا دلي ٌل‬ ‫على �أنَّ اخللق ُج ِب ُلوا على ال ُّرجو ِع �إىل اهلل يف َّ‬ ‫ال�شدائد‪ ،‬و�أنَّ‬ ‫ورجوعه‬ ‫أ�سباب‬ ‫ِ‬ ‫اب دعا�ؤُه‪ ،‬و�إن كان كاف ًرا‪ ،‬النقطا ِع ال ِ‬ ‫امل�ضط َّر ُي َج ُ‬ ‫أرباب» اهـ‪.‬‬ ‫�إىل‬ ‫ِ‬ ‫رب ال ِ‬ ‫الواحد ِّ‬ ‫َ‬ ‫ويج�سدُها تجَ ْ ِ�سيدً ا ح ًّيا‬ ‫يج ِّلي تلك‬ ‫احلال ا َّلتي هم عليها‪ِّ ,‬‬ ‫فتح‬ ‫وا�ضحا‪ ,‬ما روى‬ ‫م�صعب بنُ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫�سعد عن �أبيه قال‪ :‬لـ َّما كان ُ‬ ‫ً‬ ‫يوم ِ‬ ‫م َّك َة‪� ,‬أَ َّمنَ َر ُ�س ُ‬ ‫ا�س �إ َّال �أَر َب َع َة َن َف ٍر َو ْام َر�أَ َتينْ ِ ‪ ,‬وقال‪:‬‬ ‫ول اهلل ‪ Í‬ال َّن َ‬ ‫«ا ْق ُت ُلوهُ م َو�إِ ْن َو َجدْتمُ ُ وهُ م ُم َت َع ِّل ِق َ‬ ‫ني ب�أَ�سْ َتا ِر ال َك ْعبةِ»‪ِ ,‬عكرم َة ا ْبنَ‬ ‫�أبي جهل وعبدَ اهلل ْبنَ َخ َط ٍل ِوم ْق َي َ�س بن ُ�ص َبا َبة وعبدَ اهلل ْبنَ َ�س ْع ٍد‬ ‫ال�س ْر ِح‪ ...‬وفيه‪ :‬و�أما عِ كرم ُة َف َرك َِب ال َبح َر ف�أَ َ�صا َب ْتهم‬ ‫ِ‬ ‫ابن �أبي َّ‬ ‫ال�سفينةِ‪�َ :‬أ ْخل ُِ�صوا َف�إِ َّن �آ ِل َه َتكم َال ُت ْغنِي‬ ‫َا�ص ٌف(‪ ,)9‬فقال �‬ ‫ع ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ�صحاب َّ‬ ‫هلل َلئِنْ مَْ‬ ‫ل ُي َن ِّجنِي مِ نْ ال َب ْح ِر‬ ‫َع ْن ُكم �شي ًئا َه ُه َنا‪ ,‬فقال عكرمة‪َ :‬وا ِ‬ ‫(‪ )8‬فوائد الفوائد (‪.)45-44/‬‬ ‫ٌ‬ ‫الهبوب‪� .‬أفاده يف القامو�س مادة‪( :‬ع �ص ف)‪.‬‬ ‫عا�صف‪ ,‬وهي �شديد ُة‬ ‫(‪� )9‬أي‪ :‬ري ٌح‬ ‫ُ‬

‫التوحيد الخالص‬

‫مكروب �إ َّال َف َّر َج ُ‬ ‫إخال�ص َال ُي َن ِّجينِي فيِ البرَِّ َغيرْ ُ هُ‪ ,‬ال َّل ُه َّم �إِ َّن َل َك َعلَ َّي َع ْهدًا‬ ‫اهلل كر َبه بالتَّوحيد‪ ,‬فال ُي ْلقِي يف ال ُك َربِ العظا ِم �إِ َّال ال‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫�إ َّال ال�شِّ ُ‬ ‫ما �أَ َنا فِيه‪� ,‬أَ ْن �آت َِي حم َّمدا ‪ Í‬ح َّتى �أَ َ�ض َع‬ ‫رك‪ ,‬وال ُي ْنجِ ي منها �إ َّال ال َّتوحيدُ‪ ,‬فهو َم ْف َز ُع اخلليق ِة �إِ ْن �أَنْتَ عَا َف ْي َتنِي مِ َّ‬ ‫ميا فجا َء َف�أَ�سْ لَ َم» احلديث(‪.)10‬‬ ‫و َم ْل َج�ؤُها‪ ,‬وحِ �صْ ُنها وغِ َيا ُثها‪ .‬وباهلل التوفيق»(‪ )8‬اهـ‪.‬‬ ‫يَدِ ي فيِ يَدِ ه َفلأَجِ َد َّنه َع ُف ًّوا كر ً‬ ‫إمام ال َّر َّبا ِّ‬ ‫ال�سمعاين ‪« ::‬و�إنمَّ ا َخ َّ�ص البحر‬ ‫ين ‪ :‬وقفات‪:‬‬ ‫ولنا مع هذا ال َّن ِ‬ ‫فائدة‪ :‬قال �أبو املظفر َّ‬ ‫قل عن هذا ال ِ‬ ‫بالذكر‪ ,‬لأنَّ ال َي�أْ َ�س عند ُو ُقو ِع ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ال�ش َّد ِة فيه �أَ ْغ َل ُب» (‪.)11‬‬ ‫الوقف ُة الأُولىَ ـ ال َّتوحي ُد مفز ُع الأعداءِ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫كرب ال ُّدنيا و�شدائدها‪ ,‬ف�إذا جاءتهم‬ ‫وهو لهم َم ْن َجا ٌة من ِ‬ ‫وال�ض ُ‬ ‫الوقف ُة ال َّثاني ُة‪ :‬ال َّتوحِ ي ُد َم ْف َز ُع الأوليا ِء والأَ�صْ ِف َياء‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫والكرب والغ ُّم َّ‬ ‫نك‪ ,‬لجَ َ �ؤُوا �إليه يدعو َنه وحدَ ه‪,‬‬ ‫ال�ش َّد ُة‬ ‫ُ‬ ‫وهو لهم َم ْن َجا ٌة ِمنْ ُك َر ِب ال ُّدنيا والآخرة َ‬ ‫و�شدَ ا ِئ ِدهَ ا‪.‬‬ ‫ويتو�سلون �إليه بالتَّوحيد‪ ,‬ف َي ُ‬ ‫الغم والكرب‪ ,‬كما‬ ‫ك�شف عنهم ذلك َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫آدم عليه‬ ‫�أ َّما ك َر ُب الدُّ نيا و�شدَائدها‪ :‬فل َج�أ �إليه الأ ُب الكر ُمي � ُ‬ ‫قال تعاىل ‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫َ‬ ‫«فاع رَت َ​َف‬ ‫إبلي�س ال َّل ِع ُني ف�أ ْو َق َعه فيما �أوقعه فيه‪ْ ,‬‬ ‫ال�سالم ملَّا َكا َد ُه � ُ‬ ‫َّ‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [\‪.]b‬‬ ‫وا�س َت َكانَ ‪ ,‬و َفزَ َع �إىل َمفْزَ ِع ا َ‬ ‫خل ِلي َق ِة وهو‬ ‫َ‬ ‫وتاب‪ ,‬و َن ِد َم وت َ​َ�ض َّر َع ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ق�صه ر ُّبنا ج َّل وعال لنا عنهم‪,‬‬ ‫يو�ض ُح هذا املق�صدَ و ُي َب ِّي ُنه ما َّ‬ ‫ُ‬ ‫التَّوحي ُد واال�ستغفا ُر‪ ,‬ف�أز َ‬ ‫ِيل عنه ال َعت ُْب ُ‬ ‫وغ ِف َر َل ُه َّ‬ ‫الذ ْن ُب‪ ,‬و ُق ِب َل‬ ‫مو�ضع من كتابه الكرمي‪.‬‬ ‫يف غري ما‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)12‬‬ ‫اب» قال‬ ‫َاب و ُف ِت َح له ِمنَ ال َّر ْح َم ِة والهِ دَ ا َية ُك َّل َب ٍ‬ ‫ففي �سورة يون�س‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ منه ا َملت ُ‬ ‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭜ﴾ [‪.]23 :c‬‬ ‫ال�سالم َف َن َّجا ُه من ِّ‬ ‫ال�ش َّدة ا َّلتي‬ ‫بي اهلل ُيو ُن ُ�س عليه َّ‬ ‫وجل�أ �إليه َن ُّ‬ ‫ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮔﮕﮖ‬ ‫وقع فيها‪ ,‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬ ‫ﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮟﮠﮡ ﮢ‬

‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ‬

‫ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [\‪.]q‬‬ ‫ويف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ﴾ ِب َ�شا َر ٌة ِّ‬ ‫لكل‬ ‫و�ص ْد ِق توب ِته‪،‬‬ ‫ؤمن َي ْقت َِدي‬ ‫إخال�صه ِ‬ ‫ال�سالم يف � ِ‬ ‫م� ٍ‬ ‫َ‬ ‫بيون�س عليه َّ‬ ‫ودعا ِئه لر ِّبه ‪.‬‬ ‫يون�س عليه‬ ‫�أي ‪ :‬ومثل هذا الإِنجْ َ ا ِء ا َّلذي َف َع ْل َنا ُه مع عبدنا َ‬ ‫ال�سالم‪ُ ،‬ن ْن ِجى ِعبادَنا امل�ؤمن َني من ِّ‬ ‫غم ‪َ ،‬م َتى َ�ص َد ُقوا يف‬ ‫كل ٍّ‬ ‫َّ‬ ‫�إميانهم ‪ ،‬و�أَ ْخلَ ُ�صوا يف دعائِهم ‪.‬‬ ‫و َفزَ َع �إليه َن ِب ُّينا ‪ Í‬يف َن َواز َِل عديد ٍة‪َ ,‬‬ ‫و�شدَ ائِدَ ك ِثري ٍة �أَلمَ َّ ْت به‬ ‫وب�أ�صحابه ‪ í‬يف حيا ِته ال َّدعوي ِة‪ ,‬ومنها غزواته كبدر وحنني‬ ‫مالك‪ ,‬قال‪ :‬كان ر�سول اهلل ‪� Í‬إذا َغزَ ا‪,‬‬ ‫أن�س ِبن ٍ‬ ‫والأحزاب فعن � ِ‬ ‫لفظ‪:‬‬ ‫قال‪« :‬ال َّل ُه َّم �أَنْتَ ع َُ�ضدِ ي َو َن ِ�صريِي‪َ ,‬وب َِك �أُ َقا ِت ُل»(‪ .)13‬ويف ٍ‬

‫(‪�)10‬أخرجهالن�سائي(‪,)4067‬و�أبوداود(‪,)2683‬وهو�صحيح‪,‬انظر«ال�صحيحة»(‪.)1723‬‬ ‫ال�سمعاين» (‪.)261/3‬‬ ‫(‪« )11‬تف�سري َّ‬ ‫(‪�« )12‬إغاثة اللهفان» (‪.)203/2‬‬ ‫(‪ )13‬رواه الن�سائي يف الكربى (‪ ,)8576‬و�أبو داود(‪ ,)2632‬والرتمذي (‪,)3584‬‬ ‫�صحيح انظر «�صحيح اجلامع» (‪.)4757‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪13‬‬


‫التحويد الخالص‬

‫ول َوب َِك �أَ ُ�ص ُ‬ ‫«ب َِك �أَ ُح ُ‬ ‫ول َوب َِك �أُ َقا ِت ُل»‪.‬‬ ‫�أَ َّما ُك َر ُب الآخِ َرةِ‪ :‬فقد قال ربنا َّ‬ ‫جل وعال لنب ِّيه ‪﴿ :Í‬ﰊ‬ ‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ‬

‫ﰗ ﰘ ﰙ ﴾ [\¬]‪.‬‬ ‫قال �أبو العالية وابن عيينة ـ رحمهما اهلل تعاىل ـ معناه‪�« :‬إذا‬ ‫قيامها �إ َّال �إىل‬ ‫فاعلم �أ َّنه ال ملج�أَ وال مفز َع عند ِ‬ ‫ال�ساع ُة ْ‬ ‫جاءتْهم َّ‬ ‫اهلل»(‪ ,)14‬على �أحد التَّف�سريات يف الآية‪ ,‬واهلل تعاىل �أعلم‪.‬‬ ‫عن عبد اهلل بن م�سعود ‪ Ç‬يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮐ ﮑ‬ ‫ا�س ال َّنا َر ُك ُّل ُه ْم‬ ‫ﮒ ﮓﮔ﴾ قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪َ « Í‬ي ِر ُد(‪ )15‬ال َّن ُ‬ ‫ُث َّم َي�صْ ُد ُرو َن َع ْنهَا ِب�أَ ْع َما ِل ِه ْم»(‪.)16‬‬ ‫�شك فيه �أَنَّ ِمنْ � ِّ‬ ‫مما ال َّ‬ ‫أجل �أعما ِلهم ا َّلتي َي ْ�ص ُد ُرونَ ِب َها‬ ‫ِو َّ‬ ‫َع ْن َها ال َّت ْو ِحيدُ‪� ,‬إذ هو � ُ‬ ‫وامل�صح ُح لها‪.‬‬ ‫أعمال‬ ‫أ�صل ال ِ‬ ‫ِّ‬ ‫عبيد اهلل قال‪« :‬ر�أى عم ُر طلح َة ابنَ‬ ‫عن يحيى ِبن طلح َة ِبن ِ‬ ‫عبيد اهلل َث ِقي ًال‪ ،‬فقال‪ :‬ما لك يا �أبا فالن؟ َل َع َّل َك َ�سا َءت َْك ِ�إ ْم َر ُة ا ْب ِن‬ ‫ِ‬ ‫فالن؟ قال‪ :‬ال‪ ,‬ـ و�أثنى على �أبي بكر ـ ِ�إ َّال �أَنيِّ �سمعتُ‬ ‫َع ِّم َك يا �أبا ٍ‬ ‫من ر�سول اهلل ‪ Í‬حدي ًثا َما َم َن َع ِني �أَنْ �أَ ْ�س�أَ َل ُه عنه ِ�إ َّال ال ُق ْد َر ُة‬ ‫عليه َحتَّى َماتَ ‪�َ ،‬سمِ ْعتُه يقول‪�ِ :‬إنيِّ لأَ ْع َل ُم َك ِل َم ًة َال َي ُقو ُل َها َع ْب ٌد عند‬ ‫َم ْو ِت ِه ِ�إ َّال �أَ ْ�ش َر َق َل َها َلوْ ُنهُ‪َ ،‬و َنف َ​َّ�س ُ‬ ‫اهلل عنه ُك ْر َب َتهُ‪ ،‬قال‪ :‬فقال عم ُر‪:‬‬ ‫ِ�إنيِّ لأَ ْع َل ُم ما ِهي! قال‪ :‬وما هي؟ قال‪َ :‬ت ْع َل ُم َك ِل َم ًة �أَ ْع َظ ُم ِمنْ َك ِل َم ٍة‬ ‫�صدقت‪ِ ،‬ه َي‬ ‫املوت‪ :‬ال �إله �إ َّال اهلل؟ قال طلحة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫�أَ َم َر بها َع َّمه عند ِ‬ ‫هلل ِهي»(‪.)17‬‬ ‫وا ِ‬

‫ا�س َت ْن َ�ص َر ْت به‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪�« ::‬أخ َرب �سبحانه َع َّما ْ‬ ‫الأنبيا ُء و�أُممَ ُ هم على قومهم ِمنْ ْاع رِتَافِهِ م وتَوب ِتهم وا�ستغفارِهم‬ ‫أقدامهم و�أَنْ َي ْن ُ�ص َرهُ م على �أعدا ِئهم‬ ‫و�س َ�ؤا ِلهم َر َّبهم �أَنْ ُي َث ِّب َت � َ‬ ‫ُ‬ ‫فقال ‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬ ‫ﯰ ﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶ ﯷﯸﯹ‬

‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾‬

‫القوم �أَنَّ العد َّو ِ�إنمَّ َ ا يُدَ ُال عليهم ِب ُذ ُنو ِبهم‪,‬‬ ‫[\_] لمَ َّا َع ِل َم ُ‬ ‫و�أَنَّ َّ‬ ‫ال�شيطانَ ِ�إنمَّ َ ا َي ْ�ست َِز ُّل ُهم و َي ْه ِز ُم ُهم بها‪ ,‬و�أَ َّن َها ِ‬ ‫نوعان‪َ :‬تق ِْ�صيرٌ‬ ‫يِف َحقٍّ �أَ ْو تجَ َ ا ُو ٌز لحِ َ دٍّ ‪ ,‬و�أَنَّ ال ُّن ْ�ص َر َة َم ُن َ‬ ‫وط ٌة َّ‬ ‫بالط َاع ِة‪ ,‬قالوا ‪َ :‬ر َّب َنا‬ ‫أمرنا‪ُ ,‬ث َّم َع ِل ُموا �أَنَّ ر َّبهم تبارك‬ ‫ْاغ ِف ْر َل َنا ُذ ُنو َب َنا‪ ,‬و�إِ ْ�س َرا َف َنا يف � ِ‬ ‫يت‬ ‫أقدامهم و َي ْن ُ�ص ْرهُ م مل َيق ِْد ُروا هُ ْم على َت ْث ِب ِ‬ ‫وتعاىل �إِنْ لمَ ْ ُي َث ِّب ْت � َ‬ ‫ف�س�أَ ُلو ُه ما يعلمون �أ َّنه‬ ‫أقدام �أَ ْن ُف ِ�سهِ م و َن ْ�ص ِرها على �أعدا ِئهم‪َ ,‬‬ ‫� ِ‬ ‫َ‬ ‫أقدامهم و َي ْن ُ�ص ْرهُ م مل َي ْث ُبتُوا ومل‬ ‫ِب َي ِد ِه دُو َن ُهم‪ ,‬و�أ َّنه �إِنْ مل ُي َث ِّب ْت � َ‬ ‫َي ْنت َِ�ص ُروا‪َ ,‬ف َو َّف ْوا ا َمل َق َا ْمينِ َح َّق ُه َما‪َ :‬م َق َام املُ ْقت َِ�ضي‪ ,‬وهو التوحي ُد‬ ‫ومقام ِ�إ َزا َل ِة ا َملا ِن ِع ِمنْ ال ُّن ْ�ص َر ِة‪ ,‬وهو‬ ‫واال ْل ِت َجا ُء �إليه �سبحانه‪,‬‬ ‫َ‬ ‫نوب وال ُ‬ ‫إ�سراف» اهـ (‪.)18‬‬ ‫ال ُّذ ُ‬ ‫كانت يف اجلها ِد يف �سبيل اهلل تعاىل فهي مِ نْ‬ ‫فالآياتُ و�إِنْ ْ‬ ‫َح ْي ُث ال َت َو ُّج ُه وال ُّل ُجو ُء �إِ َ‬ ‫وم هو‬ ‫ىل ا ِ‬ ‫هلل تعاىل �أَع َُّم‪ ,‬وهَ َذا ال ُع ُم ُ‬ ‫ا َمل ْو ُر ُ‬ ‫وث َعنْ �أَ ْت َبا ِع ال ُّر ُ�س ِل عليهم وعلى َن ِب ِّي َنا �أَ ْز َكى َ�صلاَ ٍة وت َْ�س ِل ٍيم‪.‬‬ ‫ُي َو ِّ�ض ُح ُه قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬ ‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [\‪.]l‬‬

‫‪‬‬

‫الوقف ُة ال َّثالث ُة ـ َك ْو ُن ُه َم ْف َز ُع �أَ ْت َبا ِع ال ُّر ُ�سلِ ‪:‬‬ ‫ا�ض َي ٌة يف الأَ َّو ِل َني‬ ‫وهذه َف ْر ٌع عن �سابقتها‪ ,‬وهي ُ�س َّن ٌة َم ِ‬ ‫وال ِآخ ِرينَ ‪ ,‬قال ج َّل وعال‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ‬ ‫ﯲ﴾ [‪.]90 :b‬‬ ‫واملق�صود ب�أتباع ال ُّر�سل هنا‪ُ :‬كلُّ ُم َّت ِب ٍع ل َِ�س ِبي ِلهِم فيِ امل ُ ْع َت َقدِ‬ ‫وال�س ُلوكِ وال َع َملِ ‪.‬‬ ‫وال�شِّ ْر َع ِة ُّ‬ ‫(‪ )14‬انظر «تف�سري» البغوي (‪.)285/7‬‬ ‫(‪ )15‬انظر للإفادة يف معنى (الورود) «فتح الباري» البن حجر الع�سقالين (‪-799/3‬‬ ‫‪.)700‬‬ ‫(‪� )16‬أخرجه الإمام �أحمد (‪� ,)4141‬صحيح انظر «�صحيح اجلامع» (‪.)8081‬‬ ‫(‪� )17‬أخرجه الإمام �أحمد (‪ ،)1384‬وابن حبان (‪ )2‬بنحوه‪ ،‬واحلاكم (‪)350،351/1‬‬ ‫والزيادة له‪ ،‬وقال «�صحيح على �شرطهما» ووافقه الذهبي وال�شيخ الألباين يف‬ ‫�أحكام اجلنائز (‪ 48‬ـ ‪.)49‬‬

‫‪14‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫(‪« )18‬زاد املعاد يف هدي خري العباد» (‪.)226-225/3‬‬


‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ‬

‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ﴾ [\‪.]¥‬‬ ‫قال َّ‬ ‫تعال ِذ ْك ُر ُه‪ :‬فلم ُ‬ ‫«يقول ىَ‬ ‫ُ‬ ‫يك َي ْن َف ُع ُهم‬ ‫الطربي ‪::‬‬ ‫هلل عند معاين ِة عقا ِبه قد َنزَ َل‪،‬‬ ‫ت�صدي ُقهم يف ال ُّدنيا‬ ‫ِ‬ ‫بتوحيد ا ِ‬ ‫وعذا ِبه قد َح َّل‪ ،‬لأَ َّن ُهم َ�ص َّد ُقوا ح َني َال ينف ُع التَّ�صديقُ ُم َ�صدِّ ًقا‪،‬‬ ‫تاب بعد‬ ‫حكم ا ِ‬ ‫ال�س ِ‬ ‫ِ�إ ْذ كان قد َم َ�ضى ُ‬ ‫ابق ِمنْ علمِ ه‪� ،‬أَنَّ َمنْ َ‬ ‫هلل يف َّ‬ ‫هلل على تكذي ِب ِه مل َت ْن َف ْعه توبتُه»(‪.)19‬‬ ‫نزول‬ ‫العذاب ِمنَ ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وذلك لأَنَّ �إميا َنهم يف ِت ْل َك َ‬ ‫احل ِال «�إميانُ �ضرور ٍة‪ ،‬قد ِا ْ�ض ُط ُّروا‬ ‫�إليه‪ ،‬و�إميانُ م�شاهد ٍة‪ ،‬و�إِنمَّ ا الإميانُ ال َّنا ِف ُع ِّ‬ ‫الذي ُي ْن ِجي �صاح َبه‪،‬‬ ‫بالغيب‪ ،‬وذلك َ‬ ‫هو الإميانُ االختيار ُِّي‪ِّ ،‬‬ ‫قبل‬ ‫الذي يكونُ �إميا ًنا‬ ‫ِ‬ ‫العذاب»(‪.)20‬‬ ‫قرائن‬ ‫ِ‬ ‫وجو ِد ِ‬ ‫ن امل�أثور ِة عن‬ ‫ال�س نَ ِ‬ ‫واحلقيق ُة �أَ َّن الإميا َن عند املعاينةِ‪ ,‬مِ َن ُّ‬ ‫�أمثالِ ه�ؤال ِء َّ‬ ‫الظلَ َم ِة كما َح َكى ذلك عنهم َر ُّب َنا ج َّل وعال يف‬ ‫مي‪� ,‬أ َّما � ُ‬ ‫إميان والتَّقوى فهم على ما َو َ�ص َف ر ُّبنا‬ ‫أهل ال ِ‬ ‫كتاب ِه الكر ِ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀ‬

‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [\_]‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الوقف ُة اخلام�س ُة ـ الفز ُع �إىل ال َّتوحيد دَا ِف ٌع ل�شدائدِ الدُّ نيا‬ ‫و ُك َربِها‪:‬‬ ‫َّوحيد‪ِ ,‬ل َذا كان دعا ُء‬ ‫فما ُد ِف َع ْت �شدائدُها وكر ُبها مبثل الت ِ‬ ‫مكروب �إ َّال‬ ‫َّوحيد‪ ,‬ودعو ُة ِذي ال ُّن ِون ا َّل ِتي ما د َ​َعا بها‬ ‫الكرب بالت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َف َّر َج ُ‬ ‫اهلل عنه بالتَّوحيد‪.‬‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬كان ُ‬ ‫َ‬ ‫يقول عند‬ ‫فعن ابن ع َّبا�س ‪� :È‬أَنَّ‬ ‫مما ي�أخذ بنف�سه فيغ ُّمه ويحزنه ـ‪« :‬ال‬ ‫ال َك ْر ِب ـ وهو ما يدهم املرء َّ‬ ‫اهلل العظي ُم احللي ُم‪ ,‬ال �إل َه �إ َّال ُ‬ ‫�إل َه �إ َّال ُ‬ ‫العظيم‪ ,‬ال‬ ‫العر�ش‬ ‫رب‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫�إل َه �إ َّال ُ‬ ‫الكرمي»(‪.)21‬‬ ‫العر�ش‬ ‫ورب‬ ‫ِ‬ ‫ورب ال ِ‬ ‫أر�ض ُّ‬ ‫ال�سماواتِ ُّ‬ ‫اهلل ُّ‬ ‫رب َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬قال‪:‬‬ ‫وعن �سعد بن �أبي وقا�ص ‪� ,Ç‬أَنَّ‬ ‫(‪« )19‬جامع البيان يف ت�أويل القر�آن» (‪.)424/21‬‬ ‫(‪« )20‬تف�سري ال�سعدي» (‪.)1196/2‬‬ ‫(‪ )21‬رواه البخاري (‪ ,) 6346‬وم�سلم (‪.) 2730‬‬

‫التوحيد الخالص‬

‫الوقف ُة ال َّرابع ُة ـ الف َز ُع �إىل ال َّتوحيدِ عند املعاين ِة َال ينف ُع‪:‬‬ ‫هلل يف عبا ِده �أَنَّ الإميانَ عند املُ َعا َي َن ِة َال ُي ْق َب ُل‪.‬‬ ‫لأَنَّ من ُ�س َّن ِة ا ِ‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬

‫بطن احلوتِ ‪َ ،‬ال �إِل َه �إ َّال �أَنْتَ ‪،‬‬ ‫«دعو ُة ذِي ال ُّنونِ ‪� ،‬إذ َدعَا وهو فيِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫بحا َن َك �إِنيِّ ُكنْتُ مِ َن َّ‬ ‫الظالمِ ِ َ‬ ‫ني َف�إِ َّنه مل َي ْد ُع بِها َر ُج ٌل ُم�سْ ِل ٌم فيِ‬ ‫ُ�س َ‬ ‫ا�ستجاب ُ‬ ‫�شي ٍء ُّ‬ ‫اهلل َلهُ»(‪.)22‬‬ ‫قط �إ َّال‬ ‫َ‬ ‫هلل داع ًيا‬ ‫ؤمن ُي ِ�صي ُبه‬ ‫الكرب وال َغ ُّم ف َي ْب َتهِ ُل �إىل ا ِ‬ ‫ُ‬ ‫فـ«ما ِمنْ م� ٍ‬ ‫إخال�ص‪� ،‬إ َّال نجَ َّ ا ُه ُ‬ ‫الغم‪ ،‬وال �سيما �إذا د َ​َعا بدعا ِء‬ ‫اهلل من ذلك ِّ‬ ‫ب� ٍ‬ ‫يون�س هذا»(‪.)23‬‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫ال�ساد�سة ـ ال�شِ ْر ُك َ�س َب ُب َه َ‬ ‫الكِ ال َعالمَ‪ ,‬و املُو ِق ُع فيِ‬ ‫الوقفة َّ‬ ‫ال ُك َر ِب الع َِظا ِم‪:‬‬ ‫ال‪:‬‬ ‫�أ َّما كو ُنه ُ‬ ‫�سبب هالكِ ال َع مَ ِ‬ ‫ال وج َد ك َّل‬ ‫فقد قال ابن الق ِّيم ‪« ::‬و َمنْ َت َد َّب َر �أحوا َل ال َع مَ ِ‬ ‫أر�ض ف�سب ُبه توحي ُد اهلل‪ ,‬وعباد ُته‪ ,‬وطاع ُة ر�سوله‪,‬‬ ‫�صال ٍح يف ال ِ‬ ‫ري‬ ‫وقحط‪,‬‬ ‫مل‪ ,‬وفتنةٍ‪ ,‬وبالءٍ‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وت�سليط عدوٍ‪ ,‬وغ ِ‬ ‫وك َّل �شرٍ يف العا ِ‬ ‫هلل ور�سولِه‪,‬‬ ‫ري ا ِ‬ ‫ذلك‪ ,‬ف�سب ُبه خمالف ُة ر�سولِه‪ ,‬والدَّعو ُة �إىل غ ِ‬ ‫و َمنْ َت َد َّب َر هذا َّ‬ ‫مل من ُذ قا َم �إىل‬ ‫حق ال َت َد ُّبرِ‪ ,‬و َت�أَ َّم َل �أحوا َل العا ِ‬ ‫يرث ُ‬ ‫اهلل ال َ‬ ‫الآنِ و�إىل �أَ ْن َ‬ ‫ري الوارث َ‬ ‫ني‬ ‫أر�ض و َمنْ عليها وهو خ ُ‬ ‫خا�ص ِة نف�سِ ه‪ ,‬ويف ح ِّق غريِه عمو ًما‬ ‫وج َد هذا الأم َر كذلك يف َّ‬ ‫وخ�صو�صا‪ ,‬وال قو َة ِ�إ َّال باهلل العلي‬ ‫العظيم» اهـ(‪.)24‬‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫و�أ َّما كو ُنه املوق ُع يف ال ُك َربِ الع َِظا ِم‪ :‬في َت َبينَّ ُ ب�ضدِّ ه ‪ِّ ,‬‬ ‫فال�ض ُّد‬ ‫يتبينَّ ُ ِّ‬ ‫بال�ضدِّ ‪.‬‬ ‫أ�سا�س �سعاد ِة العبا ِد يف الأُو َ‬ ‫ىل وال ُع ْق َبى‪,‬‬ ‫ف�إذا كان التَّوحيد هو � ُ‬ ‫رك باهلل َّ‬ ‫ال�ش ُ‬ ‫و�سبب جنا ِتهم فيهما‪ ,‬كان ِّ‬ ‫قي�ض‬ ‫جل وعال على ال َّن ِ‬ ‫ُ‬ ‫�سبب ِّ‬ ‫إطالق‪,‬‬ ‫وقعت بالإن�ساني ِة على ال ِ‬ ‫كل بل َّي ٍة و َر ِز َّي ِة ْ‬ ‫من ذلك‪ ,‬فهو ُ‬ ‫دليل على ذلك‪ ,‬و�شاه ُد‬ ‫وكتاب ر ِّب َنا ج َّل وعال و�س َّن ُة نب ِّي َنا ‪� Í‬أك ُرب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫اخللق �صور ٌة بياني ٌة لذلك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫احلال وواق ُع ِ‬ ‫َ‬ ‫هلل تعاىل ا َّلتي‬ ‫ي ِّي َز بني حقوقِ ا ِ‬ ‫فالواجب على ك ِّل �إن�سانٍ �أ ْن مُ َ‬ ‫خ�صائ�ص ربو ُب َّيتِه‪ ،‬ا َّلتي ال يجو ُز �صر ُفها لغريه‪ ،‬وبني‬ ‫هي من‬ ‫ِ‬ ‫حقوقِ خلقِه‪ِ ،‬ل َي َ�ض َع ك َّل �شي ٍء يف مو�ض ِعهِ‪ ،‬على �ضو ِء ما جا َء به‬ ‫ال�صحيح ِة(‪.)25‬‬ ‫الن ِب ُّي ‪ Í‬يف هذا القر�آنِ‬ ‫وال�س َّن ِة َّ‬ ‫العظيم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫و�صل ال َّل ُه َّم و�س ِّلم وبارك على ن ِب ِّينا حم َّم ٍد وعلى �آله و�صحبه‬ ‫�أجمعني‪.‬‬ ‫(‪ )22‬رواه الرتمذي (‪ ,)3505‬و�أحمد (‪.)1462‬‬ ‫(‪�« )23‬أ�ضواء البيان» (‪.)163/3‬‬ ‫(‪« )24‬بدائع الفوائد» (‪.)526-525/3‬‬ ‫(‪�« )25‬أ�ضواء البيان» (‪.)162/5‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪15‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫ألج ِل ال ِّزينة‪...‬‬ ‫قب ا ُأل ُذ ِن ْ‬ ‫َث ُ‬

‫�أحـ َكـ ــا ٌم َ‬ ‫و�ضـ ـ َوا ِب ـ ُـط‬ ‫ف�ؤاد عطا اهلل‬ ‫ماج�ستري يف العلوم الإ�سالمية ـ وادي �سوف‬

‫اطن الإن�سانِ َ‬ ‫وظاه���رِه‪َ ،‬و َ�ش َر َع َ‬ ‫لتلك ال َغا َي��� ِة ال َّنبيل ِة من الأح َكا ِم مَا يح ِّق ُق بينهم���ا ال َّت َكام َل املحمود‪،‬‬ ‫اهت��� َّم الإ�س�ل�ا ُم ب�إ�ص�ل�ا ِح َب ِ‬ ‫وي ُحو ال َّت َ‬ ‫ناق�ض املذموم‪.‬‬ ‫مَ‬ ‫مطالب �شر ًعا باال�ستقام ِة على الهَد َي نْي‪،‬‬ ‫هدي باطن‪ ،‬وامل�سل ُم‬ ‫ٌ‬ ‫هدي ظاهرٍ‪ ،‬و�أقو ِم ٍ‬ ‫وم َّيز الإ�سال ُم امل�سلمني عن غريهم ب�أجملِ ٍ‬ ‫ببع�ض‪.‬‬ ‫دون تق�ص ٍ‬ ‫ري يف �أحدِ هِ ما‪ ،‬ح َّتى ُيح ِّقق الإميا َن بالكتابِ ك ِّله‪ ،‬ويتج َّنب م َُ�شابه َة ا َّلذين ي�ؤمنون ببع�ض الكتابِ ويك ُف ُرون ٍ‬ ‫باين �سبي َل املغ�ضوبِ عليهم َّ‬ ‫ومنهاجه‪ ،‬و�أقوا ُله و�أفعا ُله ومظاه ُره‪ ،‬ك ُّلها ح�سن ٌة ط ِّيب ٌة‪ُ ،‬ت ُ‬ ‫وال�ضالني‪،‬‬ ‫ف�س َّن ُة ر�سولِ اهلل ‪ Í‬و�شِ ْرع ُته‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫و ُت ُ‬ ‫واملجو�س وال َوثنِيِّني‪.‬‬ ‫خالف طري َق الك َّفا ِر وامل�ش ِركِني‪،‬‬ ‫ِ‬

‫ِّين و�أُ ُ�صول ِه متيي ُز احل ِّق و�أهلِه عن الباطلِ و�أهلِه‪ ،‬وامل�سل ُم م�أمو ٌر مبخالفة الك َّفار يف جميع �أحوالِهم‪،‬‬ ‫أعظم مقا�صدِ الد ِ‬ ‫ومن � ِ‬ ‫وال�سلوكِ ‪.‬‬ ‫يف العقائدِ والعباداتِ والعاداتِ والآدابِ ُّ‬ ‫و�إذا �أَ َجلتَ ِف ْك َرك يف الأحكا ِم َّ‬ ‫سني املظه ِر وجد َّتها كثري ًة ال تكاد حُت�صى‪ ،‬منها على �سبيل املثال ال احل�صر‪:‬‬ ‫ال�شرع َّي ِة املتع ِّلق ِة بتح� ِ‬

‫م���ا يتع َّل ُ���ق ب����آدابِ َّ‬ ‫الطعا ِم َّ‬ ‫مي‬ ‫وال�ش���رابِ كالأكلِ باليمنيِ‪ ،‬والأكلِ مِ َّ‬ ‫ما َي ِل���ي الآكلِ ‪ ،‬ومنها ما يتع َّل ُق ب�آداب ال ِّلبا� ِ���س وال ِّزينةِ‪ ،‬كتحر ِ‬ ‫���ف َّ‬ ‫ري ال ِّل َحى وح ِّ‬ ‫ال�شواربِ ‪ ،‬واخلتانِ ‪ ،‬و َتقلي ِ���م الأظا ِفرِ‪ ،‬و�إزال ِة‬ ‫مي ال َّذهبِ واحلري ِر عل���ى ال ِّرجالِ ‪ ،‬ووجوبِ توف ِ‬ ‫�إ�س َب���الِ ال ِّثي���ابِ ‪ ،‬وحت���ر ِ‬ ‫بال�سوادِ‪ ،‬وو�صلِ َّ‬ ‫هلل ج َّل َوعَال‪ ،‬وحرم ِة تغيري َّ‬ ‫َّ‬ ‫م�ص‪،‬‬ ‫ري خلقِ ا ِ‬ ‫هي عن تغي ِ‬ ‫ال�شعرِ‪ ،‬وال َّن ِ‬ ‫ال�شيبِ َّ‬ ‫هي عن ال َق َز ِع‪ ،‬وال َّن ِ‬ ‫ال�شع ِر املُ�س َتق َذرِ‪ ،‬وال َّن ِ‬ ‫و َو�شْ ِر الأ�سنانِ و َت ْفليجِ ها‪.‬‬ ‫ال�سال ِم‪ ،‬وهيئ ِة ا ُ‬ ‫ني والإعطا ِء باليمنيِ‪.‬‬ ‫لو�س واال�ضطِ َجا ِع‪ ،‬والأخذِ باليم ِ‬ ‫جل ِ‬ ‫ومنها ما يتع َّل ُق ب�آدابٍ �أخرى كطريق ِة �إلقا ِء َّ‬ ‫وغري ذلك من الأحكا ِم الكثري ِة املبن َّي ِة على حِ َك ٍم ر َّبان َّي ٍة عظِ يمةٍ‪ ،‬وامل ُ َ‬ ‫نطوِي ِة على مقا�ص َد �شرع َّي ٍة جليلةٍ‪.‬‬ ‫بال�شكل َّ‬ ‫ومن الق�ضايا املتع ِّلقة َّ‬ ‫رط‪ ،‬ق�صد التزين‪.‬‬ ‫الظاهري ا َّلتي َت َع َّلق بها حك ٌم‬ ‫�شرعي ثابتٌ ‪ :‬م�س�أل ُة ثقبِ الأُ ُذنِ من �أجلِ َتعليقِ ال ُق ِ‬ ‫ٌّ‬

‫َ‬ ‫ت�سليط �ضو ِء الدِّرا�س ِة الفقه َّي ِة املقارن ِة على هذه امل�س�ألة‪.‬‬ ‫بجهدِ املق ِّل ـ‬ ‫يف هذا املقال �أحاول ـ ولو ُ‬ ‫‪16‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬


‫بحوث ودراسات‬

‫ذلك تقليدً ا لل َغرب ِّيني من املم ِّثلني واملغ ِّنيني وال ِّريا�ض ِّيني!‬ ‫و�ضعف يف َّ‬ ‫ونق�ص‬ ‫���ن‪،‬‬ ‫ال�ص ِب ِّي ال َّذ َكرِ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫قب �أُ ُذنِ َّ‬ ‫�أ َّو ًال ـ َث ُ‬ ‫ال�شخ�ص َّي ِة‪ٍ ،‬‬ ‫وهذا َي ِن ُّم عن ر َّق ٍة يف الدِّ ي ِ‬ ‫وميل‬ ‫يف الإمي ِ‬ ‫���ان‪ ،‬وت�أ ُّث ٍر باملوج ِ‬ ‫ن����س بالكافرين‪ٍ ،‬‬ ‫���ات التَّغريب َّي ِة‪ ،‬و�أُ ٍ‬ ‫���ي َّ‬ ‫الذ َكر(‪ ،)1‬قال �إىل طباعهم‪.‬‬ ‫ا َّتفَ���قَ الفقه���ا ُء على كراه ِة َثق ِ‬ ‫���ب ُ�أ ُذ ِن َّ‬ ‫ال�صب ِّ‬ ‫إمام �أحم ُد ‪�«: :‬أَك َر ُه ذلك لل ُغالم‪� ،‬إنمَّ ا هو للبنات»(‪.)2‬‬ ‫�أال فليق���ر�أوا‪ ﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ال ُ‬ ‫و� ُ‬ ‫���ظ الكراه ِة هُ َنا ُيرا ُد به‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾‬ ‫إطالق لف ِ‬ ‫التَّحر ُمي‪ ،‬وهو �إطال ٌق َد�أَ َب عليه الأئ َّم ُة‪ :‬م���ن ال ُّ���ط��� ُق���و� ِ���س ا ُ‬ ‫قب [\¾]‪ ،‬وليتذ َّكروا َ‬ ‫خل����رافِ���� َّي����ة ال�������شِّ���ركِ��� َّي���ة َث ُ‬ ‫بي ‪:Í‬‬ ‫قول ال َّن ِّ‬ ‫�������ض‪ ،‬واالع���ت���ق���ا ُد ب�����أ َّن َ‬ ‫مال ٌ‬ ‫���ك َّ‬ ‫���ي و�أحم��� ُد وغ ُريه���م ـ �أُ ُذنِ ال��طِّ��ف��لِ املَ���ري ِ‬ ‫ذلك « َمنْ َت َ�ش َّب َه ِب َق ْو ٍم َفهُو مِ نهُم»(‪.)5‬‬ ‫وال�شافع ُّ‬ ‫����ب م���� َّ���س َّ‬ ‫ال َّتنبي���ه ال َّث���اين‪ :‬م���ن ُّ‬ ‫الب عبار ِة َي���رف��� ُع املَ����� َر َ‬ ‫ال�شياطني!‬ ‫������ض‪ ،‬و ُي����ذهِ ُ‬ ‫و����س‬ ‫رحمه���م اهلل جمي ًعا ـ وه���و َغ ُ‬ ‫الط ُق ِ‬ ‫���ب �أُ ُذ ِن ِّ‬ ‫املتقدِّ م�ي�ن(‪ُ ،)3‬يط ِل ُق���ون املك���رو َه عل���ى م��ع حت��ل��ي�� ِة الأُ ُذنِ امل��ث��ق��وب�� ِة ب��خ��ي ٍ��ط ف��ي��ه رقي ٌة ا ُ‬ ‫خلرا ِف َّي���ة ِّ‬ ‫فل‬ ‫ال�ش ِ‬ ‫الط ِ‬ ‫رك َّي���ة َثق ُ‬ ‫ري����ض‪ ،‬واالعتق���ا ُد ب����أنَّ ذل َ‬ ‫وح َذر ًا م���ن ال ُو ُقوع حتت‬ ‫���ك َيرف ُع‬ ‫ا َمل ِ‬ ‫املح��� َّرم َت َو ُّرعا َ‬ ‫م�س َّ‬ ‫بخيط فيه‬ ‫ال�شياطني! مع حتلي ِة الأُ ُذ ِن املثقوب ِة ٍ‬ ‫���ي ال��� َوا ِر ِد يف قوله تع���اىل‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ا َمل َر َ�ض‪ ،‬و ُي ِ‬ ‫ذه ُب َّ‬ ‫طائل��� ِة ال َّنه ِ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ رقي ٌة‪ ،‬وقد يكون ك ُّل ذلك على يد‬ ‫�ساحر‪ ،‬ومنهم من يمُ ِعنُ‬ ‫ٍ‬ ‫م�شعوذ �أو ٍ‬ ‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ يف ا ُ‬ ‫خل َرافة‪ ،‬و ُي ِوغ ُل يف ال َّد َجل؛ ف ُي َع ِّلق يف اخليط ح َّبة قمح!!‪.‬‬ ‫[\‪.]l‬‬ ‫وثقب الأذن �إذا ارتبط مبثل هذه االعتقادات الفا�سدة خرج عن‬ ‫ُ‬ ‫احل ِّل واحلرمة‪ ،‬وطرق �أبواب االعتقاد‬ ‫���م ‪� :‬أنَّ الغفل َة عن كونه م�س�أل ًة فقه َّي ًة ت رَ​َت َّدد بني ِ‬ ‫ويف هذا َّ‬ ‫ال�ص���دَ ِد بينَّ العلاَّ م ُة ابنُ الق ِّي ِ‬ ‫مواطن ِّ‬ ‫اال�صطالح‬ ‫ه���ذا‬ ‫بح�سب اعتقا ِد فاع ِله‪،‬‬ ‫أ�صغره و�أك ِربه‪،‬‬ ‫اخلا�ص �أَو َق��� َع يف الغلط كثري ًا من املت� ِّأخ ِرين من ُمتن ِّقال يف‬ ‫ال�ش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫رك بني � ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال�ش ُ‬ ‫ِّ‬ ‫�أتب���اع الأئ َّم���ة على �أئ َّمته���م‪ ،‬حني َن َف���وا التَّحر َمي ع َّم���ا �أَط َلقَ عليه‬ ‫نب َعظي ٌم‪َ ،‬ف َح َذا ِر �أن يقع فيه �أحد‪.‬‬ ‫رك َ�ص ِغ ُري ُه و َك ِب ُري ُه َذ ٌ‬ ‫الأئ َّم ُة الكراه َة(‪.)4‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال�ص ِب َّي ِة الأن َثى‪:‬‬ ‫قب �أ ُذنِ َّ‬ ‫ثانيا ـ َث ُ‬ ‫ُ‬ ‫بي َّ‬ ‫الذ َك ِ���ر انعِدَ ُام املعنى ا َّلذي‬ ‫ثقب � ِ‬ ‫ودليل حت���ر ِمي ِ‬ ‫أذن َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬ ‫اخ َت َل َ‬ ‫ال�صغرية‬ ‫ثقب ُ�أ ُذ ِن الأنث���ى‪ ،‬وهو حاج ُة امل���ر�أة للتَّز ُّين‪ ،‬ا َّلذي‬ ‫���ح ُ‬ ‫لأج ِل��� ِه �أُبي َ‬ ‫كم ثق���ب �أذن َّ‬ ‫���ف ال ُف َق َه���ا ُء ـ رحمهم اهلل ـ يف ُح ِ‬ ‫القرط على مذهبني‪:‬‬ ‫تعليق‬ ‫نق�صها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِل ِ‬ ‫ُي ِّ‬ ‫كمل َ‬ ‫ال�صب َّية‬ ‫وهُ نا تنبيهان‪:‬‬ ‫ثقب �أذنِ َّ‬ ‫م��ن امل��ظ��اه�� ِر املَ�� َر�ِ��ض�� َّي�� ِة املُ���ؤ���سِ ��ف�� ِة ا َّل��ت��ي انت�شرت املذهب الأ َّول ـ يجوز ُ‬ ‫بع�ض �شبابِ امل�سلمني اليو َم حَ َ‬ ‫ت ِّلي ُّ‬ ‫الذكو ِر بق�صد ال َّتز ُّين‪:‬‬ ‫ال َّتنبي���ه الأ َّول‪ :‬م���ن املظاه ِ���ر بني ِ‬ ‫ا َمل َر ِ�ض َّي��� ِة املُ� ِؤ�سف��� ِة ا َّلت���ي انت�ش���رت بني ب�����أق ٍ‬ ‫����راط ي�����ض��ع��ون��ه��ا ع��ل��ى �آذان����ه����م‪ ،‬م��ن��ه��ا ما و�إليه ذهب جمهو ُر العلما ِء من احلنف َّية‪،‬‬ ‫ثقب الأذن‪ ،‬ومنها ما ُيو�ض ُع دون ثقبٍ واملالك َّي���ة‪ ،‬وه���و املعتم��� ُد عن���د بع����ض‬ ‫���وم تحَ َ ِّل���ي َي�س َتوجِ ُب َ‬ ‫بع����ض �شب ِ‬ ‫ِ‬ ‫���اب امل�سلم�ي�ن الي َ‬ ‫َّ‬ ‫حيح عند احلنابلة ‪.‬‬ ‫���راط ي�ضعونها على �آذانهم‪،‬‬ ‫ال ُّذكو ِر ب�أق ٍ‬ ‫وال�ص ُ‬ ‫ال�شافع َّي ِة‪َّ ،‬‬ ‫وا�ستد ُّلوا بالأد َّل ِة الآتي ِة‪:‬‬ ‫ثقب‪ ،‬يفعلون‬ ‫ثقب الأذن‪ ،‬ومنها ما ُيو�ض ُع دون ٍ‬ ‫منها م���ا َي�ست ِ‬ ‫َوج ُب َ‬ ‫(‪)6‬‬

‫(‪« )1‬البحر ال َّرائق �شرح كنز الدَّقائق» البن جنيم (‪« ،)554 /8‬نهاية املحتاج» لل َّرملي‬ ‫(‪« ،)34/8‬حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن الق ِّيم (�ص‪« ،)209‬املو�سوعة‬ ‫الفقهية الكويتية» (‪.)273/11‬‬ ‫(‪« )2‬الآداب ال�شرعية» البن مفلح (‪.)338 /3‬‬ ‫َّ‬ ‫«املهذب يف علم �أ�صول الفقه املقارن»‬ ‫(‪ )3‬انظر‪ :‬م�س�ألة ما يطلق عليه املكروه يف‪:‬‬ ‫للدُّكتور عبد الكرمي ال َّنملة (‪.)285/1‬‬ ‫(‪�« )4‬إعالم املو ِّقعني» البن ق ِّيم اجلوز َّية (‪ 39/1‬ـ دار اجليل)‪.‬‬

‫و�صححه‬ ‫(‪�« )5‬أبو داود» (‪ ،)3512‬و«�أحمد» (‪ ،)3868‬كالهما عن ابن ع َّبا�س ‪َّ ،È‬‬ ‫الع َّالمة الألباين يف «�إرواء الغليل» (‪.)2691‬‬ ‫(‪« )6‬االختيار لتعليل املختار» للمو�صلي (‪« ،)178/4‬ال ّد ُّر املختار» البن عابدين‬ ‫(‪« ،)420/6‬البحر ال َّرائق» البن جنيم (‪« ،)554/8‬تبيني احلقائق» للزَّيلعي‬ ‫(‪�« ،)227/6‬شرح خمت�صر خليل» للخر�شي (‪« ،)148/4‬حتفة املحتاج» البن حجر‬ ‫الهيتمي (‪« ،)127/2‬حتفة احلبيب على �شرح اخلطيب» للبجريمي (‪،)508/2‬‬ ‫«الإن�صاف» للمرداوي (‪َّ ،)98/1‬‬ ‫«ك�شاف القناع» للبهوتي (‪.)81/1‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪17‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫ال�س َّن ُة ال َّتقرِي ِر َّي ُة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫قب‬ ‫وميك���ن تع ُّق ُب هذا‬ ‫���ي ‪ Í‬ترك �إنكا َر ال َّث ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلواب ب�أنَّ ال َّنب َّ‬ ‫‪ .1‬وذلك �أنَّ ال َّنا�س كانوا يفعلونه يف اجلاهل َّية ويف زمن ال َّن ِّ‬ ‫بي املوج���و ِد قبل جمي ِء َّ‬ ‫قب‬ ‫ال�شر ِع‪ ،‬كما مل يثبت عن���ه �أي�ضا �إنكا ُر ال َّث ِ‬ ‫النبي ‪.Í‬‬ ‫‪ ،Í‬ومل ُي ِنك ْر عليهم ُّ‬ ‫ا َّلذي َح َ�ص َل َبعد مجَ ِ ي ِء َّ‬ ‫ا�س ابتدا ًء يف َز َم ِن‬ ‫ال�شر ِع‪ ،‬ا َّل ِذي َيف َع ُل ُه ال َّن ُ‬ ‫العيد َرك َعتَني‪،‬‬ ‫بي ‪�َ Í‬ص َّلى َي َوم ِ‬ ‫ابن ع َّب ٍ‬ ‫فعن ِ‬ ‫ا�س ‪� È‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫اجلديد‪ ،‬مثلما �أنك َر‬ ‫���ب‬ ‫ِ‬ ‫َّ�شري��� ِع‪ ،‬ول���و كان محُ َّرما َل َن َهى عن ال َّثق ِ‬ ‫الت ِ‬ ‫َ​َ‬ ‫ِّ َ َ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫العادات اجلاهل َّي ِة‪ ،‬فل َّما �سكت عنه مع وجود من يفع ُله‪،‬‬ ‫مل ُي َ�صل قبل ُهما‪ ،‬وال َبعدَ هما‪ ،‬ث َّم �أتَى الن َ�سا َء ـ ومعه بالل ـ ف أ� َم َرهُ نَّ جمل ًة من‬ ‫ِ‬ ‫بال�صدَ َق ِة‪َ ،‬ف َج َع َلت املر�أ ُة تُلقي ُق َ‬ ‫رط َها(‪.)7‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫دل ذلك على الإقرار‪.‬‬ ‫ويف رواية عند البخ���اري‪َ « :‬ف َج َع َل ال ِّن َ�سا ُء ُي ِ�ش���رنَ �إىل �آذانِهِ نَّ‬ ‫ُ‬ ‫احلافظ ابنُ َح َج ٍر‪ ،‬وه���و �أ َّنه ال يلزم من‬ ‫ال َّث���اين‪ :‬وبه �أج���اب‬ ‫وح ُلوقِهِ نَّ »(‪.)8‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫رط و�ض ُعه يف ثقب الأذن‪ ،‬بل يجوز �أن ُي�ش َّبك ال َّر� ُأ�س‬ ‫حتليه���نَّ بالق ِ‬ ‫النبي ‪ Í‬ر�أى عندهنَّ ال ُق َ‬ ‫رط‪،‬‬ ‫ووجه ال َّداللة من احلديث �أنَّ َّ‬ ‫تحُ���اذي الأذنَ ‪َ ،‬‬ ‫وتنزل عنها‪ ،‬فيظهر القرط‬ ‫ب�سل�سل���ة لطيفة حتَّى‬ ‫َ‬ ‫وهو َح ْل َق ٌة ال تُل َب ُ�س �إ َّال يف الأُ ُذ ِن امل ْث ُقوب ِة‪ ،‬ومل ُي ِنك ْر َع َليهِ نَّ ِفع َله‪ ،‬ولو‬ ‫ك�أ َّنه مع َّلق يف الأذن(‪.)14‬‬ ‫ري ال َب َي���انِ عَن َوقتِ ا َ‬ ‫اج ِة‬ ‫حل َ‬ ‫كان حم َّرم���ا ل َب َّي َن ُه ‪)9(Í‬؛ لأنَّ « َت�أخِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫والعرب كانت ن�سا�ؤهم‬ ‫ٌ‪،‬‬ ‫د‬ ‫بعي‬ ‫االحتمال‬ ‫هذا‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫به‬ ‫ق‬ ‫تع‬ ‫وميكن‬ ‫أنَّ‬ ‫ُ‬ ‫مُم َت َن ٌع»(‪.)10‬‬ ‫َّ‬ ‫َتتَحل���ى بالق���رط يف الأذن‪ُ ،‬ي�ؤَ ِّي��� ُد ذل���ك ما ج���اء يف بع�ض روايات‬ ‫يب عنه من وجهني‪:‬‬ ‫و�أُ ِج َ‬ ‫وح ُلوقِهِ نَّ و ُي ِ�شرنَ �إليها‪،‬‬ ‫احلدي���ث من �أ َّنهُنَّ ُكنَّ َيه ِوينَ �إىل �آذانِهِ نَّ ُ‬ ‫���ي ‪ :‬من َّ‬ ‫ال�شافعية‪،‬‬ ‫الأ َّول‪ :‬وب���ه �أجاب �شم�س الدِّ ين ال َّرمل ُّ‬ ‫���ي ا َّلتي ُي ِردنَ‬ ‫�إ�ش���ار ًة ِمنهُ���نَّ ـ ر�ضي اهلل عنه���ن ـ �إىل مو�ض ِع احلل ِّ‬ ‫قب هن���ا ال يلزم منه‬ ‫���ي ‪ Í‬عل���ى �إن���كا ِر ال َّث ِ‬ ‫وه���و �أنَّ �سك���وتَ ال َّنب ِّ‬ ‫الت َ​َّ�ص ُّد َق بها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الر�سول‬ ‫للبيان عن وقته‪� ،‬إ َّال لو ُ�س ِئ َل‬ ‫ري ِ‬ ‫اجل��� َواز؛ لأَ َّن ُه لي�س في ِه ت�أخ ٌ‬ ‫بي ‪ Í‬فيه لعائ�ش َة‪ُ « :‬كنتُ َلكِ‬ ‫‪2‬ـ حدي���ث � ِّأم َز ْر ٍع‪ ،‬وقد قال ال َّن ُّ‬ ‫أمام���ه‪� ،‬أو بل َغه ذلك‪،‬‬ ‫‪ Í‬ع���ن حكم التَّث ِقي ِ‬ ‫���ب‪� ،‬أو ر�أى من يفع ُله � َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال�شرع وان َق َ�ضى‪ ,‬ك�أ ِبِ���ي ز ْر ٍع لأ ٍّم ز ْر ٍع»‪ ،‬م���ع قولها يف و�صف زوجها �أبي زرع‪�« :‬أبو زرع‬ ‫فهذا هو وقتُ احلاجة‪ ,‬و�أ َّما �أم ٌر َو َق َع َ‬ ‫قبل جمي ِء َّ ِ‬ ‫احللي حتَّى‬ ‫وم���ا �أبو زرع‪� ،‬أَ َن َ‬ ‫���ي �أُ ُذنيَ َّ »(‪� )15‬أي ملأها من ِّ‬ ‫ا�س ِمن ُح ِل ٍّ‬ ‫ومل ُيع َل ْم هل ُف ِع َل بع ُد �أو ال‪ ،‬فال حاج َة لبيا ِنه(‪.)11‬‬ ‫ويج ُ‬ ‫ول(‪.)16‬‬ ‫و�س فيها‪� ،‬أي‪ :‬يتح َّرك ُ‬ ‫ا�ض الآ ِن ِف بقوله‪� :‬صار َي ُن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف�ص َح‬ ‫احلافظ ابنُ ٍ‬ ‫االعت ِ‬ ‫حجر ‪ :‬عن رِ‬ ‫و�أَ َ‬ ‫و�أجاب عنه املانعون مبثل جوابهم عن احلديث الأ َّول‪.‬‬ ‫«ويج���و ُز �أن ت ُكون �آذا ُنه���نَّ ُث ِق َبت قبل جمي ِء َّ‬ ‫ال�ش���ر ِع‪َ « ،‬ف ُيغ َت َف ُر فيِ‬ ‫ال َّد َوا ِم مَا ال ُيغ َت َف ًر فيِ االب ِتدَاء»(‪.)13(»)12‬‬ ‫���ن ع َّبا�س‬ ‫وا�ستد ُّل���وا م���ن �أق���وال َّ‬ ‫ال�صحاب���ة‪ :‬مب���ا ُروي عن اب ِ‬ ‫ال�ساب ِع ‪:‬‬ ‫بي ‪َ Í‬ت َر َك الإنكار هنا؛ لأنَّ هذا ال َّث َ‬ ‫���ي ي َ‬ ‫ال�س َّن��� ِة يف َّ‬ ‫قب موجو ٌد ‪� È‬أ َّن���ه ق���ال‪َ :‬‬ ‫«�س ْب َع���ة ِمنْ ُّ‬ ‫���وم َّ‬ ‫يعني‪� :‬أنَّ ال ّن َّ‬ ‫ال�ص ِب ِّ‬ ‫من ُ‬ ‫خ�ت�ن‪ ،‬ويمُ ُ‬ ‫ُي�س َّم���ى‪ ،‬و ُي ُ‬ ‫قبل‪ ،‬ومل ُيفعل �أمامه ابتدا ًء حتَّى َي ِج َب عليه البيانُ ‪.‬‬ ‫ُثقب �أذ ُن���ه ‪ ،‬و ُيع ُّق عنه ‪،‬‬ ‫اط عن��� ُه الأذى ‪ ،‬وت ُ‬ ‫و ُيحلقُ ر� ُأ�سه ‪ ،‬و ُي َّلطخُ بدم عقي َق ِته‪ ،‬و ُيت�ص َّد ُق بوزن �شعره يف ر�أ�سه‬ ‫(‪« )7‬البخاري» (‪« ،)5883‬م�سلم» (‪.)884‬‬ ‫(‪« )8‬البخاري» (‪.)7325‬‬ ‫(‪« )9‬البحر ال َّرائق» البن جنيم (‪« ،)554/8‬تبيني احلقائق» للزَّيلعي (‪ ،)227/6‬ذهب ًا �أو ف�ضة»(‪.)17‬‬ ‫«حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن القيم (�ص‪.)209‬‬ ‫بي‪،‬‬ ‫ثقب � ِ‬ ‫ووجه اال�ستدالل(‪ )18‬وا�ض ٌح و�صري ٌح يف جوا ِز ِ‬ ‫أذن َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬ ‫(‪ )10‬نق���ل جم��� ٌع م���ن الأ�صول ِّي�ي�ن الإجم���ا َع عل���ى �أ َّن���ه ال يج���وز ت�أخري البي���ان عن وقت‬ ‫احلاجة‪ ،‬انظ���ر‪َّ :‬‬ ‫«املهذب يف علم �أ�صول الفقه املق���ارن» للدُّكتور عبد الكرمي ال َّنملة‬ ‫(‪.)1264/3‬‬ ‫(‪« )11‬نهاية املحتاج» لل َّرملي (‪.)34/8‬‬ ‫(‪ )12‬راجع معنى هذه القاعدة وتطبيقاتها يف ‪« :‬مو�سوعة القواعد الفقه َّية» ملح َّمد‬ ‫�صدقي البورنو (‪ 404/12‬ـ ‪.)407‬‬ ‫(‪« )13‬فتح الباري» (‪.)331/10‬‬

‫‪18‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫ال�سابق» (‪.)331/10‬‬ ‫(‪« )14‬امل�صدر َّ‬ ‫(‪« )15‬البخاري» (‪« .)5189‬م�سلم» (‪.)2448‬‬ ‫(‪« )16‬حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن القيم (�ص‪.)209‬‬ ‫(‪� )17‬أخرج���ه َّ‬ ‫الط�ب�راين يف «املعجم الأو�س���ط» (‪ ,)562‬و�ض َّعفه الع َّالم���ة الألباين يف‬ ‫َّ‬ ‫«ال�ضعيفة» (‪.)5432‬‬ ‫(‪« )18‬نهاية املحتاج» لل َّرملي (‪« ،)34/8‬فتح الباري» للحافظ ابن حجر (‪.)331/10‬‬


‫(‪ )19‬اختلف الأ�صول ُّيون يف امل�س�ألة على مذهبني‪ ،‬واحل ُّق ما ذهب �إليه اجلمهور مِ نْ �أنَّ‬ ‫بي ‪ ،Í‬وله حكم املرفوع‪.‬‬ ‫قول َّ‬ ‫ال�صحابي‪( :‬من ُّ‬ ‫ال�س َّنة كذا) ُيحم ُل على �س َّنة ال َّن ِّ‬ ‫انظر‪َّ :‬‬ ‫«املهذب يف علم �أ�صول الفقه املقارن» للدُّكتور عبد الكرمي ال َّنملة‬ ‫(‪.)759 ،758/2‬‬ ‫(‪�« )20‬سل�سلة الأحاديث َّ‬ ‫ال�ضعيفة» للألباين (‪.)718/11‬‬ ‫(‪« )21‬تبيني احلقائق» للزَّيلعي (‪.)227/6‬‬ ‫(‪ « )22‬حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن الق ِّيم (�ص‪.)209‬‬

‫بحوث ودراسات‬

‫فال�صب َّية �أوىل‪� ,‬إذ « َق ُ‬ ‫كم‬ ‫ول َّ‬ ‫ال�ص َحاب ِِّي‪« :‬مِ َن ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�س َّن ِة َك َذا‪ »...‬فيِ ُح ِ‬ ‫املر ُفو ِع ِ�إلىَ ال َّن ِب ِّي ‪.)19(»Í‬‬ ‫ويج���اب ب�أنَّ ه���ذا احلديث �ضعي ٌ‬ ‫���ف‪ ،‬و�إ�سن���اده وا ٍه‪ ،‬وال يجوز‬ ‫ال�س َّنة مبث ِله‪ ،‬ال �س َّيما ويف َمت ِن ِه ُجمل��� ٌة ُم�ستن َك َرة‪ ،‬وهي �أنه‬ ‫�إثب���اتُ ُّ‬ ‫« ُي َّلط���خُ ر� ُأ�سه بدم عقيقته»‪ ،‬ف�إنَّ ه���ذا التَّلطيخ كان يف اجلاهل َّية‪،‬‬ ‫بي ‪� Í‬أن َي َ‬ ‫جعل م���كانَ ال َّد ِم خلو ًقا ـ‬ ‫فل َّم���ا جاء ال ُ‬ ‫إ�سالم �أم���ر ال َّن ُّ‬ ‫�أي‪ِ :‬طي ًبا ـ (‪.)20‬‬ ‫أذن ال�صب َّي���ة فيه منفعة‬ ‫ثقب � ِ‬ ‫ُّ‬ ‫واحتج���وا م���ن امل�صلحة‪ :‬ب����أنَّ َ‬ ‫الزِّ ينة(‪ ،)21‬قال الع َّالمة ابن الق ِّيم ‪« ::‬الأنثى حمتاج ٌة للحلية‪،‬‬ ‫بي»(‪.)22‬‬ ‫ُ‬ ‫فثقب الأذن م�صلح ٌة يف ح ِّقها‪ ،‬بخالف َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬

‫املذهب ال َّثاين ـ احلرمة‪:‬‬ ‫فال يج���وز ثقب الأذن للزِّ ين���ة‪ ،‬و�إليه ذهب بع����ض َّ‬ ‫ال�شافعية‪،‬‬ ‫كالغ���زايل‪ ،‬و�ص َّرح ب����أنَّ اال�ستئج���ا َر عليه غ ُري �صحي���ح‪ ،‬والأجر ُة‬ ‫امل�أخوذ ُة عليه حرام‪ ،‬بل ذهب ال�شربيني من َّ‬ ‫ال�شافعية �إىل وجوب‬ ‫الق�صا�ص على املُث ِقب‪ ،‬و�إىل القول باملنع َم َال احلافظ ابنُ حجر‪،‬‬ ‫وم���ن احلنابلة قط���ع ابن اجل���وزي بتحر ِميه‪ ،‬و�أحلق���ه ابن عقيل‬ ‫بحكم الو�شم‪ ،‬وهو التَّحرمي(‪.)23‬‬ ‫وا�ستد ُّلوا على ذلك مبا ي�أتي‪:‬‬ ‫يثبت فيه‬ ‫قالوا‪ :‬تثقيب الأذن َج ْر ٌح مل تد ُع �إليه �ضرور ٌة‪� ،‬إ َّال �أن َ‬ ‫�شي ٌء من جهة َّ‬ ‫ال�شرع‪ ،‬ومل يبلغنا ذلك(‪.)24‬‬ ‫أذن د َ​َعت �إليه احلاج ُة ال َّ‬ ‫ال�ضرورة‪،‬‬ ‫���ب ال ِ‬ ‫ويجاب عليه ب�أنَّ ثق َ‬ ‫وه���ي حاج���ة ال ِّن�ساء للزِّ ين���ة‪ ،‬و«احلاجة ُتن��� َّز ُل منزل���ة َّ‬ ‫ال�ضرورة‬ ‫خا�ص ًة»(‪.)25‬‬ ‫عا َّم ًة كانت �أو َّ‬ ‫كم���ا ال ُي َ�س َّل ُم قو ُل ُهم‪« :‬مل َيب ُلغْنا يف ذل���ك �شيء»‪ ،‬وقد بلغنا �أنَّ‬ ‫بي ‪� Í‬أق َّره‪ ،‬ومل ُينكره‪.‬‬ ‫ال َّن َّ‬ ‫تعذيب بال فائدة(‪.)26‬‬ ‫ال�صغري ِة‬ ‫وقالوا‪َ :‬ث ُ‬ ‫ٌ‬ ‫قب �أُ ُذ ِن َّ‬ ‫تعذيب ي�سري‪ ،‬و�أَلمَ ُه و�أذاه قليل‪ ،‬وال �سيما �إذا‬ ‫ويجاب عليه ب�أ َّنه‬ ‫ٌ‬ ‫ال�صغر‪� ،‬صار بر�ؤُه �سري ًعا‪ ،‬وال ُي�س َّلم قو ُلهم‪« :‬ال‬ ‫كان ذلك يف حال ِّ‬ ‫كمل لها(‪.)27‬‬ ‫فائدة فيه»؛ لأنَّ املر�أ َة‬ ‫ُ‬ ‫حتتاجه للتج ُّمل‪ ،‬ا َّلذي هو ُم ِّ‬ ‫آذان‬ ‫البنت على حرم ِة قط ِع � ِ‬ ‫أذن ِ‬ ‫ثقب � ِ‬ ‫قيا�س حرم ِة ِ‬ ‫القيا����س‪ُ :‬‬ ‫الأنعام‪ :‬وذل���ك يف �إخباره تعاىل عن �إبلي�س ـ ً‬ ‫عياذا باهلل منه ـ �أ َّنه‬ ‫ق���ال‪﴿ :‬ﯓﯔﯕﯖ﴾ [`‪،]119 :‬‬ ‫�أي‪ :‬يقطعونها(‪.)28‬‬ ‫أذن احليوان‬ ‫ووج���ه ال َّداللة م���ن الآية �أ َّنها تد ُّل على �أنَّ قط��� َع � ِ‬ ‫ال�شيطان‪ ،‬ف�إنَّ َ‬ ‫و�ش َّقه���ا وثق َبها من �أم���ر َّ‬ ‫وثقب‬ ‫البتك ه���و القطع‪ُ ،‬‬ ‫ومقي�س عل���ى قطع �أذن الأنعام‪،‬‬ ‫�أذن البن���ت قط ٌع لها‪ ،‬فهو ُملح ٌق‬ ‫ٌ‬ ‫(‪�« )23‬إحياء علوم الدِّ ين» للغزايل (‪« ،)341/2‬مغني املحتاج» ّ‬ ‫لل�شربيني (‪،)394/1‬‬ ‫«الإن�صاف» للمرداوي (‪« ،)98/1‬الفروع» البن مفلح (‪« ،)158/1‬فتح الباري»‬ ‫للحافظ ابن حجر (‪.)331/10‬‬ ‫(‪�« )24‬إحياء علوم الدِّ ين» للغزايل (‪.)341/2‬‬ ‫(‪ )25‬راجع معنى القاعدة و�صيغها وتطبيقاتها يف «مو�سوعة القواعد الفقه َّية» ملحمد‬ ‫�صدقي البورنو‪ 67/3( :‬ـ ‪.)69‬‬ ‫(‪« )26‬مغني املحتاج» ّ‬ ‫لل�شربيني (‪.)394/1‬‬ ‫(‪« )27‬فتاوى نور على الدَّرب» َّ‬ ‫لل�شيخ حم َّمد بن �صالح العثيمني‪ :‬قر�ص �صادر عن‬ ‫م� َّؤ�س�سة ابن عثيمني اخلريية ـ ‪1427‬هـ‪.‬‬ ‫(‪« )28‬ل�سان العرب»‪ ,‬مادَّة‪( :‬بتك)‪.)395 /10( :‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪19‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫وكالهما حرام(‪.)29‬‬ ‫و�أجاب الع َّالمة ابن الق ِّيم ‪ :‬عن هذا القيا�س بقوله‪« :‬هذا‬ ‫القيا�س‪ ،‬ف�إنَّ ا َّل���ذي �أمرهم به َّ‬ ‫ال�شيط���انُ ‪� ،‬أ َّنهم كانوا‬ ‫أف�سد‬ ‫م���ن � ِ‬ ‫ِ‬ ‫اد�س ذك ًرا‪،‬‬ ‫ال�س ُ‬ ‫�إذا ول���دت لهم ال َّناقة خم�سة �أ ْب ُط ٍن‪ ،‬فكان البطنُ َّ‬ ‫َ�ش ُّق���وا �أذنَ ال َّناقة‪ ،‬وح َّرموا ركو َبه���ا‪ ،‬واالنتفا َع بها‪ ،‬ومل تُطر ْد عن‬ ‫م���اء‪ ،‬وال عن مرعى‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذه َب ِحري ٌة‪ ،‬ف�شرع لهم َّ‬ ‫ال�شيطان يف‬ ‫ال�صب َّية؛ ِل ُيو�ض َع‬ ‫ذلك �شريع ًة من عنده‪ ،‬ف�أين هذا من َنخْ ِ�س �أذن َّ‬ ‫فيها احللية‪ ،‬ا َّلتي �أباح اهلل لها �أن تتح َّلى بها»(‪.)30‬‬ ‫ـ ميك���ن �أن ُي�ست َّ‬ ‫ري خللق اهلل‬ ‫���دل لهم ب�أنَّ ‪ :‬ثق َ‬ ‫���ب الأُ ُذن فيه تغي ٌ‬ ‫�سبحا َنه‪ ،‬وهو حم َّر ٌم‪.‬‬ ‫مذموما على الإطالق‪،‬‬ ‫خلق اهلل لي�س‬ ‫جاب عنه ب����أنَّ تغي َري ِ‬ ‫ف ُي ُ‬ ‫ً‬ ‫ولك���ن منه ما هو ممدوح‪ ،‬ومنه ما هو مذموم‪ ،‬وممدوحه ما �أذن‬ ‫َّ‬ ‫ال�شر ُع فيه‪.‬‬ ‫قال حم َّم���د َّ‬ ‫الطاهر بنُ عا�شور ‪« ::‬ولي����س من تغيري خلق‬ ‫اهلل التَّ�ص��� ُّرف يف املخلوق���ات مبا � ِأذنَ اهلل في���ه‪ ،‬وال ما يدخل يف‬ ‫معن���ى ا ُ‬ ‫حل ْ�س ِن؛ ف����إنَّ اخلتان م���ن تغيري خلق اهلل‪ ،‬ولك َّن���ه لفوائدَ‬ ‫�صح َّي��� ٍة‪ ،‬وكذلك حلق َّ‬ ‫بع����ض الأ�ضرار‪ ،‬وتقليم‬ ‫ال�شعر لفائد ِة دف ِع ِ‬ ‫الأظفار لفائدة تي�سري العمل بالأيدي‪ ،‬وكذلك ثقب الآذان لل ِّن�ساء‬ ‫لو�ضع الأقراط والتَّز ُّين»(‪.)31‬‬

‫���ب اجلمهو ِر‬ ‫والق���ول املخت���ار ا َّل���ذي تُ�س ِن���دُه الأد َّل���ة هو مذه ُ‬ ‫أذن البن���ت لأجل التَّز ُّي���ن والتَّج ُّمل‪ ،‬وذلك‬ ‫قب � ِ‬ ‫القائل�ي�ن بج���واز َث ِ‬ ‫اعتم���ادًا عل���ى ق َّوة الإق���رار ال َّنبويِّ لهذه الع���ادة القدمية‪ ،‬كما يف‬ ‫ا�س‪ ،‬وحديث � ِّأم زرع‪ ،‬وهو ما اختاره َّ‬ ‫ال�شيخ حممد‬ ‫حديث اب���ن ع َّب ٍ‬ ‫ابن �صالح العثيمني ‪ :‬من املعا�صرين‪ ،‬و�أفتت به ال َّلجنة ال َّدائمة‬ ‫للإفتاء(‪.)32‬‬ ‫ويف املقاب���ل ف����إنَّ �أد َّل��� َة املانع�ي�ن �ضعيف��� ٌة‪ ،‬ال تُ�سعفه���م للقول‬ ‫�سبب اخلالف والقول املختار‪:‬‬ ‫بالتَّحرمي‪:‬‬ ‫ن�ص قوليِ ٌّ‬ ‫�سب���ب اختالف العلم���اء يف هذه امل�س�ألة �أ َّنه مل يرد ٌّ‬ ‫قب‬ ‫تعذيب»‪ ،‬مردود ب�أ َّنه ي�سري‪ ،‬و ُبر�ؤُ ُه �سري ٌع‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فقولهم‪�« :‬إنَّ ال َّث َ‬ ‫فعلي �صري ٌح و�صحي ٌح يف ِّ‬ ‫حمل ال ِّنزاع‪.‬‬ ‫�أو ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫رُ‬ ‫َكب‬ ‫واملف�س���دة احلا�صل���ة مبنعه‪� ،‬أعظم من مف�سدة الجَ��� ْرح‪ ،‬فتت ُ‬ ‫���ي ‪ Í‬يف مو�ضع احلاجة �إىل البيان‬ ‫فم���ن اعترب �سكوت ال َّنب ِّ‬ ‫� ُّ‬ ‫أخف املف�سدتني‪ ،‬درءا للكربى‪.‬‬ ‫أذن البنت لأجل التَّز ُّين حاج���ة‪ ،‬وحرمانها من‬ ‫���ب � ِ‬ ‫بيا ًن���ا‪ ،‬و�أنَّ ثق َ‬ ‫أنعام‪ ،‬فهو‬ ‫ثقب ال ِ‬ ‫أذن عل���ى حرم ِة بت ِ‬ ‫قيا����س ِ‬ ‫و�أ َّم���ا ُ‬ ‫���ك �آذان ال ِ‬ ‫هذه امل�صلحة مف�سدة �أعظم من مف�سدة اجلرح والأمل‪ ،‬ذهب �إىل‬ ‫بال�س َّنة التَّقرير َّية ال َّثابتة عن‬ ‫قيا����س مع الفارق‪ ،‬كما �أ َّنه معار����ض ُّ‬ ‫اجلواز‪.‬‬ ‫بي ‪ ،Í‬ـ واهلل �سبحانه �أعلم ـ‪.‬‬ ‫ال َّن ِّ‬ ‫وم���ن ر�أى �أنَّ �سكوته ‪ Í‬يف هذه احل���ال ال ُيع ُّد بيا ًنا؛ ب�سبب‬ ‫�شاه ْد مبا�شرة ال َّثقب‪ ،‬حتَّى يكون �إقرا ًرا‪ ،‬ور�أى �أنَّ ال ّثقب‬ ‫�أ َّن���ه مل ُي ِ‬ ‫‪  ‬‬ ‫مف�س���دة �أعظم م���ن مف�سدة حرمان املر�أة م���ن التَّزين يف الأذن‪،‬‬ ‫���ل التَّز ُّي ِن‪ ،‬فينبغي‬ ‫���ب �أُ ِ‬ ‫ف����إذا تق َّر َر جواز ثق ِ‬ ‫ال�صغري ِة لأج ِ‬ ‫ذن َّ‬ ‫ذهب �إىل احلرمة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫م�سائل‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫الإ�شار ُة هنا �إىل‬ ‫(‪« )29‬حتفة املودود ب�أحكام املولود» البن الق ِّيم (�ص‪.)109‬‬ ‫ال�سابق (�ص‪.)110‬‬ ‫(‪ )30‬امل�صدر َّ‬ ‫(‪« )31‬التَّحرير والتَّنوير» (‪.)258/4‬‬

‫‪20‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫(‪« )32‬فتاوى نور على الدَّرب» َّ‬ ‫لل�شيخ حم َّمد بن �صالح العثيمني‪ :‬قر�ص �صادر عن‬ ‫م� َّؤ�س�سة ابن عثيمني اخلري َّية ـ ‪1427‬هـ‪ « ،‬فتاوى ال َّلجنة ال َّدائمة للإفتاء»‪ :‬فتوى‬ ‫(‪.)140/17( ،)4084‬‬


‫(‪« )33‬حتفة املحتاج» البن حجر الهيتمي (‪ ،)127 /2‬وانظر‪« :‬حتفة احلبيب على �شرح‬ ‫اخلطيب» للبجريمي (‪.)508/2‬‬ ‫(‪« )34‬حا�شية ابن عابدين» (‪.)420 /6‬‬ ‫‪/‬ال�س�ؤال ‪.)69‬‬ ‫(‪« )35‬جمموع فتاوى ابن عثيمني» (‪ُّ 11‬‬ ‫(‪« )36‬فتاوى ال َّلجنة الدَّائمة للإفتاء» (‪.)36/24‬‬

‫(‪« )37‬حتفة املودود» البن الق ِّيم (�ص‪.)190‬‬ ‫(‪� )38‬أخرجه البيهقي يف «�شعب الإميان»‪ 8277( :‬ـ ال ُّر�شد)‪ ،‬وابن عبد احلكم يف «فتوح‬ ‫م�صر و�أخبارها» (‪ ،)14 /1‬وابن ع�ساكر يف‪« :‬تاريخ دم�شق» (‪،)186/69‬‬ ‫وح�سن �إ�سناده حمقِّقُ «�شعب الإميان»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪« )39‬ق�ص�ص الأنبياء» البن كثري (�ص‪.)202‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫بحوث ودراسات‬

‫امل�س�أل���ة الأوىل‪ :‬يف بع����ض املناط���ق تَث ُق ُب ال ِّن�س���ا ُء ال َ‬ ‫أنف مع‬ ‫كثقب‬ ‫ال�صورة م�شروعة ِ‬ ‫الأذن م���ن �أجل تعليق احللية‪ ،‬فهل ه���ذه ُّ‬ ‫أذن‪� ،‬أم �أ َّنها تخالفها يف احلكم؟‬ ‫ال ِ‬ ‫ال �ش َّ‬ ‫قب الأنف من �أجل تعليق احللية حم َّرم �إذا ترتَّب‬ ‫���ك �أنَّ َث َ‬ ‫عليه �ضر ٌر يلحق بالفاع���ل‪� ،‬أو َ�ص َاح َبه ت�ش ُّب ٌه بالكافرات �أو ببع�ض‬ ‫ُّ‬ ‫قو�س الهندو�س َّية الوثن َّية ا َّلتي تقدِّ �س مثل هذه الزِّ ينة‪.‬‬ ‫الط ِ‬ ‫�أ َّم���ا �إذا خ�ل�ا م���ن تل���ك املحاذير‪ ،‬فق���د اختل���ف الفقهاء يف‬ ‫حكمه‪:‬‬ ‫فذه���ب بع����ض َّ‬ ‫ال�شافع َّي���ة �إىل حترميه منه���م �أحمد بن حجر‬ ‫بحجة �أ َّنه ال زينة فيه‪ُ ،‬يغتفر لأجلها ال َّثقب‪ ،‬ولأ َّنه‬ ‫الهيتمي وغريه‪َّ ،‬‬ ‫� ً‬ ‫العام(‪.)33‬‬ ‫أي�ضا خمالف للعرف ِّ‬ ‫أذن‬ ‫���ب ال ِ‬ ‫قيا�سا على ثق ِ‬ ‫و�أج���ازه اب���ن عابدين م���ن احلنف َّي���ة ً‬ ‫مما َيتَزَ َّينُ به ال ِّن�ساء يف العادة(‪.)34‬‬ ‫للقرط‪ ،‬ب�شرط �أن يكون َّ‬ ‫�أ َّم���ا املُعا�صرون‪ :‬فقد قال َّ‬ ‫ال�شيخ حم َّم���د بن �صالح العثيمني‪:‬‬ ‫«في���ه ُمثل���ة وت�شويه للخلقة فيم���ا نرى‪ ،‬ولع َّل غ َرين���ا ال يرى ذلك‪،‬‬ ‫ف����إذا كانت امل���ر�أة يف بلد ُي َع ُّد حتلي ُة الأنف في���ه زين ًة وجت ُّم ًال فال‬ ‫بثقب الأنف لتعلي���ق احللية عليه»(‪ ،)35‬و�أفتت ال َّلجنة ال َّدائمة‬ ‫ب�أ�س ِ‬ ‫للإفت���اء بج���وازه‪ ،‬لأ َّنه للزِّ ين���ة‪ ،‬ولي�س للإي���ذاء �أو تغيري خلق اهلل‬ ‫تعاىل(‪.)36‬‬ ‫قب‬ ‫امل�س�ألة ال َّثانية‪ :‬هل يجوز ثقب الأذن من الأعلى؟ وهل ال ّث ُ‬ ‫أ�سفل ال ُأذ ِن؟‬ ‫خا�ص ب� ِ‬ ‫ُ‬ ‫املباح ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫الظاهر �أنَّ �إباح َة ثقب الأذن لي�ست خم�صو�صة مبكان معينَّ ‪،‬‬ ‫و�إن كان الفقه���اء ي�ص ِّرحون ب����أنَّ ال َّثقب يف �شحم���ة الأذن‪ ،‬جر ًيا‬ ‫تخ�صي�صا لهذا املو�ضع‪.‬‬ ‫ال�سائد ال‬ ‫ً‬ ‫منهم على العرف َّ‬ ‫وعلي���ه فثقب الأذن جائز يف �أيِّ مو�ضع‪� ،‬إذا ع َّده ال َّنا�س زين ًة‪،‬‬ ‫وا�ستق َّرت عادتُهم على فعله‪.‬‬ ‫امل�س�أل���ة ال َّثالث���ة‪ :‬م���ن العوائ���د ا َّلتي ب���د�أت تروج ب�ي�ن ن�سا ِء‬ ‫واحد يف الأذن‪ ،‬بل تتع َّداه �إىل‬ ‫���ب ٍ‬ ‫جمتمعن���ا �أن ال تكتفي املر�أة ب ُثق ٍ‬ ‫ثقبني �أو �أكرث‪ ،‬تُع ِّلق يف كل ثقب قرطا‪ ،‬فهل هذا العمل م�شروع؟‬

‫�إذا خال هذا الفعل من َّ‬ ‫ال�ضرر والتَّ�ش ُّبه بالكافرات والإ�سراف‬ ‫والتَّبذي���ر‪ ،‬فهو موك���ول �إىل �أع���راف ال َّنا�س وعادا ِتهم �إق���را ًرا �أو‬ ‫���ب الأنف مع �أ َّن���ه ع�ض ٌو مغاي��� ٌر للأذن‪،‬‬ ‫�إن���كا ًرا؛ لأ َّن���ه �إذا جاز ثق ُ‬ ‫ثقب ث���ان يف الأذن �أوىل باجلواز‪ ،‬واهلل �سبحانه وتعاىل‬ ‫ف�إح���داث ٍ‬ ‫�أعلم‪.‬‬ ‫َاج ُر �أ ُّم‬ ‫امل�س�أل���ة اخلام�س���ة‪� :‬أَ َّو ُل من ُثقبت �أُ ُذ ُنها من ال ِّن�ساء ه َ‬ ‫ال�سالم‪:‬‬ ‫�إ�سماعيل عليهما َّ‬ ‫ذكر �أبو هالل الع�سكري يف كتابه «الأوائل» وابن ق ِّيم اجلوزية‬ ‫يف «حتف���ة املودود ب�أحكام املولود» �أنَّ �أ َّول ام���ر�أ ٍة ُث ِقبت ُ�أ ُذ ُنها هي‬ ‫اجر �أ ُّم �إ�سماعي���ل(‪ ،)37‬ا�ستد ً‬ ‫طالب‬ ‫علي ِبن �أبي ٍ‬ ‫هَ َ‬ ‫الال مبا روي عن ِّ‬ ‫اج ُر ل�سار َة‪ ،‬فغ�ضب���ت عليها يوما‪ ،‬فقالت �سار ُة‪:‬‬ ‫‪ :Ç‬كان���ت هَ َ‬ ‫جتدعها‪،‬‬ ‫واهلل لأُ َغ�ِّيرِرِّ َ نَّ منها ثالث َة �أع�ضاء‪ ،‬فخ�ش���ي �‬ ‫إبراهيم �أن َ‬ ‫ُ‬ ‫���رم �أذنيه���ا‪ ،‬فقال لها ‪� :‬أال �أد ُّلك على م���ا ت ِّربين به ميينك‪،‬‬ ‫�أو تخ َ‬ ‫تَخ ِف ِ�ضي َن َه���ا ـ تختنينه���ا ـ‪ ،‬وتثقبني �أذنيها‪ ،‬فكان���ت هاج ُر �أ َّول من‬ ‫ُخف�ض���ت‪ ،‬و ُثقب���ت �أذناها فجعلت فيها قرط�ي�ن‪ ،‬فقالت �سارة‪ :‬ما‬ ‫�أرى هذا زادها �إ َّال ح�س ًنا(‪.)38‬‬ ‫ُ‬ ‫احلافظ اب���ن كثري ‪ :‬قول‬ ‫واعتم���ادًا على ه���ذا الأثر نق���ل‬ ‫ال�سهيل���ي‪« :‬فكانت هاج��� ُر �أ َّو َل من اخ ُتتنِ من ال ِّن�س���اء‪ ،‬و�أ َّو َل من‬ ‫ُّ‬ ‫(‪)39‬‬ ‫ُث ِق َبت �أذ ُنها منهنَّ ‪ ،‬و�أ َّو َل من َط َّولت ذي َلها» ‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫مسائل منهجية‬

‫دور األغــنـــيــــاء‬ ‫يف الدعوة إىل اهلل‬ ‫ونـــشـــر ديـــنــه‬ ‫د‪ .‬ر�ضا بو�شامة‬ ‫�أ�ستاذ احلديث بجامعة الأمري عبد القادر ـ ق�سنطينة‬

‫�إنَّ ال َّ​ّدع���وة �إىل اهلل ع��� َّز َّ‬ ‫وجل �أج ُّل �أعمال اخل�ي�ر ا َّلتي �أر�شد‬ ‫أتباعه���م‪ ،‬قال اهلل‬ ‫�إليه���ا ر ُّبن���ا يف كتابه‪ ،‬وه���ي وظيفة ال ُّر�س���ل و� ِ‬ ‫تع���اىل‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬ ‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬

‫ﯟ ﯠ﴾ [‪ ،]125 :l‬وق���ال تع���اىل‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﴾‬

‫[§‪ ،]15 :‬ق���ال ابن كثري يف تف�سري هذه الآية (‪�« :)195/7‬أي‬ ‫و�صينا ب���ه جميع املر�سلني‬ ‫فل َّل���ذي �أوحين���ا �إليك من الدِّ ي���ن ا َّلذي َّ‬ ‫قبلك �أ�صحاب َّ‬ ‫ال�شرائع الكبار املتَّبعة ك�أويل العزم وغريهم فادع‬ ‫ال َّنا����س �إليه»‪ ،‬وقال تع���اىل‪ ﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [‪� ،]36 :i‬أي �إىل �سبيل���ه �أدعو‬ ‫أي�ض���ا (‪ ،)467/4‬والآيات يف احلثِّ‬ ‫ال َّنا����س‪ ،‬كما قال ابن كث�ي�ر � ً‬ ‫على ال َّدعوة �إىل اهلل رَّ‬ ‫والتغيب يف ذلك وبيان ما �أع َّد اهلل لل ُّدعاة‬ ‫�إليه من ال َّثواب والأجر وال ِّرفعة يف ال ُّدنيا والآخرة كثري ٌة جدًّا‪.‬‬ ‫وال تقت�ص���ر ال َّدع���وة �إىل اهلل ببي���ان �سبي���ل اهلل بالتَّعلي���م‬ ‫والتَّدري����س واملوعظة‪ ،‬بل الأمر �أكرب من ذلك‪ ،‬فك ُّل من كان �سب ًبا‬ ‫يف �إي�صال اخلري وال َّنفع �إىل ال َّنا�س فهو من ال ُّدعاة �إىل اهلل‪� ،‬سواء‬ ‫كان ذلك بعلمه �أم مباله �أم بجاهه �أم ب�أيِّ طريق من طرق اخلري‬ ‫امل�شروع���ة‪ ،‬وقد قال ال َّر�سول الكرمي علي���ه �صلوات اهلل و�سالمه‪:‬‬ ‫«مَ���ن د ََّل علَ���ى َخيرْ ٍ َفلَ ُه مِ ْث ُل � ْأج ِر َفاعِ ِلهِ»(‪ ،)1‬وال َّدال على اخلري ال‬ ‫(‪ )1‬رواه م�سلم يف «�صحيحه» (‪)1893‬عن �أبي م�سعود الأن�صاري ‪.Ç‬‬

‫‪22‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫يقت�صر على من ع َّل���م غريه دينَ اهلل وبينَّ له �أحكام َّ‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬بل‬ ‫يتع��� َّداه �إىل ِّ‬ ‫كل من َّ‬ ‫دل غريه على خري‪ ،‬فمن ت�ص َّدق يف �سبيل اهلل‬ ‫فهو دا ٌّل على خري‪ ،‬ومن �أر�شد غريه �إىل �شيءٍ من اخلري فهو دا ٌّل‬ ‫عليه‪ ،‬روى م�سل���م يف «�صحيحه» (‪ )1017‬عن جرير بن عبد اهلل‬ ‫‪ Ç‬ق���ال‪« :‬جاء نا�س م���ن الأعراب �إىل ر�سول اهلل ‪ Í‬عليهم‬ ‫ا�س‬ ‫ُّ‬ ‫ال�ص���وف‪ ،‬فر�أى �سو َء حاله���م قد �أ�صابتهم حاج���ة‪ ،‬فحثَّ ال َّن َ‬ ‫ال�صدقة ف�أبط���و�ؤا عنه‪ ،‬حتَّى ُر�ؤي ذلك يف وجهه‪ ,‬قال‪َّ :‬ثم �إنَّ‬ ‫على َّ‬ ‫ب�ص��� َّرة من َورِق‪َّ ،‬ثم جاء �آخر‪َّ ،‬ثم تتابعوا‬ ‫رج ًال من الأن�صار جاء ُّ‬ ‫ال�سرور يف وجهه فق���ال ر�سول اهلل ‪« :Í‬مَن َ�سنَّ يف‬ ‫حتَّ���ى ُعرف ُّ‬ ‫الإِ َ‬ ‫�سْ�ل�ا ِم ُ�س َّن��� ًة َح َ�س َن ًة َف ُعمِ َل ِبهَا َب ْع َد ُه ُكت َِب َل ُه مِ ْث ُل �أَ ْج ِر َمنْ عَمِ َل‬ ‫����ص مِ ���نْ �أُ ُجورِهِ م َ�ش ْ���يءٌ‪ ،‬و َمنْ َ�سنَّ ِيف ا ِلإ َ‬ ‫�سْ�ل�ا ِم ُ�س َّن ًة‬ ‫ِبهَ���ا َو َال َي ْن ُق ُ‬ ‫�س ِّي َئ��� ًة َف ُعمِ ��� َل ِبهَ���ا َبعْ��� َد ُه ُكت َِب َعلَيْ��� ِه مِ ثْ��� ُل ِو ْز ِر َمنْ عَمِ ��� َل ِبهَا‪َ ،‬و َال‬ ‫�ص مِ نْ �أَ ْو َزارِهِ ْم َ�ش ْيءٌ»‪.‬‬ ‫َي ْن ُق ُ‬ ‫فه���ذا ال َّرجل الأن�ص���اري ‪� Ç‬سنَّ �س َّنة ح�سن��� ًة ب�أن تق َّدم‬ ‫ب�ص َّر ٍة من ورِق‬ ‫غ�ي�ره ود َّله���م على طريق من طرق اخلري‪ ،‬فج���اء ُ‬ ‫َ‬ ‫ـ وه���ي َّ‬ ‫الف�ضة ـ وو�ضعها بني ي���دي ر�سول اهلل ‪ Í‬فل َّما ر�آه ال َّنا�س‬ ‫ال�صدقة‪ ،‬وجا�ؤوا مبا‬ ‫بي ‪ Í‬ب�صنيعه تتابعوا يف َّ‬ ‫ور�أوا ا�ستب�شار ال َّن ِّ‬ ‫ال�صدقات‪ ،‬فكاف�أه اهلل ع َّز وج َّ‬ ‫���ل ب�أن كتَب له‬ ‫ي�س����ره لهم ر ُّبهم م����ن َّ‬ ‫َّ‬ ‫�أج��� َره و�أجر َمن تبع���ه يف �صدقته من غري �أن ينق�ص من �أجورهم‬ ‫ٌ‬ ‫�شيئ‪ ،‬وهذا ف�ضل اهلل ي�ؤتيه من ي�شاء‪.‬‬


‫مسائل منهجية‬

‫وامل���ال نعمة ُينعم بها اهلل على عب���ده‪ ،‬ا�سرتعاه عليه‪ ،‬فينظر‬ ‫م���اذا يعمل فيما ا�سرتعاه‪ ،‬و�سي�س�أله يوم القيامة عنه‪ ،‬فلم يجعله‬ ‫واجبات‬ ‫بني يدي���ه ليت�ص َّرف فيه كما �شاء و�أراد‪ ،‬ب���ل �أوجب عليه‬ ‫ٍ‬ ‫و�سبل‬ ‫وفر����ض عليه �صدق ٍ‬ ‫���ات‪ ،‬وح َّثه على �إنفاقه يف ط���رق اخل ِري ِ‬ ‫الف�ل�اح‪� ،‬إذ املال مال اهلل والعبد عب���ده‪ ،‬فينبغي للعبد َّ‬ ‫الذليل �أن‬ ‫ِ‬ ‫ينظر فيم���ا ي�ضعه و�أين ينفقه‪ ،‬روى رِّ‬ ‫التم���ذي (‪ )2417‬عن �أبي‬ ‫ب���رزة الأ�سلمي ‪ Ç‬قال ‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬ال َت ُز ُ‬ ‫ول َق َدمَا‬ ‫َعبْ���دٍ َي��� ْو َم ال ِق َيا َم ِة َح َّتى ُي�س�أَ َل َعنْ ُع ُم ِر ِه فِيم���ا �أَ ْف َناهُ‪َ ،‬وعَن عِ ْلمِ ِه‬ ‫فِي َم���ا َف َع َل‪َ ،‬و َعنْ مَا ِل ِه مِ نْ �أ ْي َن ا ْك َت َ�س َب ُه َوفِي َم َ�أ ْن َف َقهُ‪َ ،‬و َعنْ جِ �سْ مِ ِه‬ ‫فِي َما �أَ ْب َ‬ ‫الهُ»‪.‬‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪�« :‬إِ َّن الدُّ ن َيا ُح ْل َو ٌة‬ ‫وعن �أبي �سعيد اخلدري عن ال َّن ِّ‬ ‫َخ ِ�ض َرة‪َ ،‬و ِ�إ َّن اهلل ُم�سْ َت ْخ ِل ُف ُكم فِيهَا َف َي ْن ُظ ُر َك ْي َف َت ْع َم ُلو َن»(‪.)2‬‬ ‫وع���ن �أبي �سعيد اخلدري مرفوع���ا‪َ « :‬و ٌ‬ ‫ثي ِ َ‬ ‫���ن �إ َّال من‬ ‫يل لل ُم ْك رِ ِ‬ ‫َ���ن مَيِينِه وعَن‬ ‫َق���ا َل بِاملَ���الِ هَك َذا و َهك��� َذا وهَك َذا و َهك��� َذا؛ �أَ ْر َبع‪ :‬ع ِ‬ ‫�شِ َما ِل ِه ومِ ن ُقدَّامِ ه ومِ نْ َو َرائِه»(‪.)3‬‬ ‫وامل�سل���م ال َّنا�ص���ح لنف�سه ي�ستعمل املال يف ح ِّق���ه‪« ،‬فنِع َم امل َ ُال‬ ‫ِ���ح» كم���ا ق���ال ر�س���ول اهلل ‪ Í‬فيما رواه‬ ‫ال�صالِ��� ُح لل َم��� ْر ِء َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�صال ِ‬ ‫البخاري يف «الأدب املفرد» (‪.)299‬‬ ‫���ي �أكرث �أج��� ًرا من امل�ؤم���ن الفق�ي�ر �إذا ا�ستعمل‬ ‫وامل�ؤم���ن الغن ُّ‬ ‫ما َل���ه فيما ير�ضي اهلل ع َّز وج��� َّل‪ ،‬و�أنفقه يف �سبيله‪ ،‬روى م�سلم يف‬ ‫بي‬ ‫«�صحيح���ه» (‪ )1006‬عن �أب���ي ذر‪�« :‬أنَّ نا�سا م���ن �أ�صحاب ال َّن ِّ‬ ‫‪ Í‬قال���وا للنبي ‪ :Í‬يا ر�سول اهلل! ذه���ب �أهل ال ُّدثور بالأجور‪،‬‬ ‫ُي�صلُّ���ون كما ن�ص ِّلي‪ ،‬وي�صومون كم���ا ن�صوم‪ ،‬ويت�ص َّدقون بف�ضول‬ ‫ي�س َق ْد َج َع��� َل اهلل َل ُك ْم مَا َت َّ�ص َّد ُقو َن؟ ِ�إ َّن ِب ُك ِّل‬ ‫�أمواله���م‪ .‬قال‪�« :‬أَ َو َل َ‬ ‫ري ٍة َ�ص َد َقة‪ ،‬و ُك ِّل حَْ‬ ‫تمِ ي َد ٍة َ�ص َد َقة‪َ ،‬و ُك ِّل‬ ‫َت�سْ ِب َ‬ ‫يح ٍة َ�ص َد َقة‪َ ،‬و ُك ِّل َت ْك ِب َ‬ ‫هي عَن ُم ْن َكرٍ َ�ص َد َقة‪،‬‬ ‫َت ْهلِيلَ��� ٍة َ�ص َد َق���ة‪ ،‬و�أَ ْم ٌر بِامل َ ْع ُر ِ‬ ‫وف َ�ص َد َقة‪َ ،‬و َن ٌ‬ ‫َو ِيف ُب�ض ِع �أَ َحدِ ُكم َ�ص َد َقة»‪ ،‬قالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل �أي�أتي �أحدُنا �شهوتَه‬ ‫ويك���ون له فيها �أجر؟ قال‪�« :‬أَ َر�أَ ْي ُتم َلو َو َ�ض َعهَا ِيف َح َرا ٍم �أَ َكا َن َعلَ ْي ِه‬ ‫حل َ‬ ‫فِيهَا ِو ْز ٌر؟ َف َك َذل َِك �إِ َذا َو َ�ض َعهَا ِيف ا َ‬ ‫اللِ َكا َن َل ُه �أَ ْج ٌر»‪ ،‬ويف رواية‬ ‫ع���ن �أبي هريرة ‪« :Ç‬فرجع فقراء املهاجرين �إىل ر�سول اهلل‬ ‫‪ Í‬فقال���وا‪� :‬سم���ع �إخواننا �أه���ل الأموال مبا فعلن���ا ففعلوا مثله‪.‬‬

‫فقال ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬ذل َِك َف ْ�ض ُل اهلل ُي�ؤْتِي ِه َمنْ َي َ�شاءُ»(‪.)4‬‬ ‫ال�صحابة على التَّ�ص ُّدق‬ ‫وقد كان ر�سول اهلل ‪ Í‬يحثُّ �أغنياء َّ‬ ‫خا�صة يف �أوقات الع�س���رة ِّ‬ ‫وال�ضيق وحاجة امل�سلمني �إىل‬ ‫والإنف���اق َّ‬ ‫�أموال ليقوموا بتبليغ دين اهلل ويجاهدوا يف �سبيله‪ ،‬روى رِّ‬ ‫التمذي‬ ‫يف «جامعه» (‪ )3703‬عن ُثمامة ِبن َحزْ ن ال ُق َ�شيرْ ي قال ‪�« :‬شهدت‬ ‫ال َّدار حني �أ�شرف عليهم عثمان فقال‪ :‬ائتوين ب�صاحبيكم ال َّلذ ْين‬ ‫علي‪ ،‬قال‪ :‬فجيء بهما فك�أ َّنهما جمالن �أو ك�أ َّنهما حماران‪،‬‬ ‫�أ َّلباكم َّ‬ ‫ق���ال‪ :‬ف�أ�شرف عليهم عثمان فق���ال‪� :‬أن�شدكم باهلل والإ�سالم! هل‬ ‫تعمل���ون �أنَّ ر�س���ول اهلل ‪ Í‬قدم املدينة ولي�س به���ا ماء ُي َ‬ ‫�ستعذب‬ ‫غ�ي�ر بئر رومة‪ ،‬فقال‪« :‬مَن َي�شْترَ ِي ِب ْئ َر ُرومَ���ة َف َي ْج َع َل َد ْل َو ُه مِ نْ‬ ‫�ي�ن ب َِخ�ْي�ررٍْ َل��� ُه مِ ْنهَ���ا ِيف ا َ‬ ‫ِد َال ِء املُ�سْ لِمِ َ‬ ‫جل َّن���ةِ»‪ ،‬فا�شرتيتها من �صلب‬ ‫مايل ف�أنتم اليوم متنعوين �أن �أ�شرب منها حتَّى �أ�شرب ماء البحر‪،‬‬ ‫هم نعم‪ ،‬ق���ال �أن�شدكم باهلل والإ�سالم! ه���ل تعلمون �أنَّ‬ ‫قال���وا‪ :‬ال َّل َّ‬ ‫امل�سجد �ضاق ب�أهله فقال ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬منْ َي�شْترَ ِي ُب ْق َع َة �آلِ‬ ‫ُفالن َف َيزِي َدهَا ِيف املَ�سْ جِ دِ ب َِخيرْ ٍ مِ ْنهَا ِيف ا َ‬ ‫جل َّنةِ؟» فا�شرتيتها من‬ ‫�صل���ب مايل‪ ،‬ف�أنتم اليوم متنع���وين �أن �أ�ص ِّلي فيها ركعتني‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫���م نعم‪ ،‬قال‪� :‬أن�شدكم ب���اهلل والإ�سالم هل تعلمون �أنيِّ ج َّهزت‬ ‫ال َّله َّ‬ ‫َ‬ ‫هم نعم‪َّ ،‬ثم قال‪� :‬أن�شدكم باهلل‬ ‫جي�ش الع�سرة من مايل؟ قالوا‪ :‬ال َّل َّ‬ ‫والإ�س�ل�ام! ه���ل تعلم���ون �أنَّ ر�س���ول اهلل ‪ Í‬كان عل���ى ثبري مكة‬ ‫ومع���ه �أبو بكر و عمر و�أنا‪ ،‬فتح َّرك اجلبل حتَّى ت�ساقطت حجارته‬ ‫باحل�ضي����ض‪ ،‬ق���ال‪ :‬فرك�ض���ه برجله وق���ال‪« :‬ا�سْ ُك���نْ َث ِب�ي�ر َف ِ�إ مَّ َ‬ ‫نا‬ ‫َعلَ ْي َك َن ِب ٌّي َو ِ�صد ٌ‬ ‫لهم نعم‪ ،‬قال‪ :‬اهلل �أكرب‬ ‫ِّيق َو َ�شهِيدَانِ »؟ قالوا‪ :‬ا ّل َّ‬ ‫ورب الكعبة �أنيِّ �شهيد ثالثا»‪.‬‬ ‫�شهدوا يل ِّ‬ ‫(‪ )4‬رواه م�سلم (‪.)595‬‬

‫(‪ )2‬رواه م�سلم (‪.)2742‬‬ ‫(‪ )3‬رواه ابن ماجه (‪« ،)4129‬ال�صحيحة» (‪.)2412‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪23‬‬


‫مسائل منهجية‬ ‫‪24‬‬

‫هك���ذا كان �صحاب���ة ر�س���ول اهلل ‪ Í‬يت�سابق���ون �إىل اخل�ي�ر‬ ‫والإنفاق يف �سبيل اهلل‪ ،‬ملا �آتاهم اهلل تعاىل من مال وعلم وجاه‪.‬‬ ‫فال َّدعوة �إىل اهلل ال ميكن �أن تقوم فقط بالعالمِ ال ّر َّباين ا َّلذي‬ ‫ال�صحيح‪ ،‬بل ال ب َّد من عم���ل الأغنياء‬ ‫ير ِّب���ي ال َّنا����س على الدِّ ي���ن َّ‬ ‫وقيامه���م بال َّدع���وة �إىل اهلل ب�أمواله���م وما �آتاه���م اهلل تعاىل من‬ ‫والغني مبال���ه‪ ،‬فتتَّحد الق َّوت���ان وت�ص ُري‬ ‫ف�ضل���ه‪ ،‬فالع���المِ بعلمِ ���ه‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مبثابة اجلناحينْ ت�سمو بهما �إىل الكمال‪.‬‬ ‫روى ابن �أبي ال ُّدنيا يف كتابه «�إ�صالح املال» (‪ )58‬عن حممد‬ ‫ابن املنكدر �أ َّنه قال‪ِ « :‬نعم العون على الدِّ ين‪ :‬الغنى»‪.‬‬ ‫وروى � ً‬ ‫أي�ض���ا (‪ )79‬ع���ن �سفي���ان ال َّثوري قال‪« :‬امل���ال يف هذا‬ ‫الزَّمان �سالح امل�ؤمن»‪.‬‬ ‫فيج���ب عل���ى الأغنياء‬ ‫�أن يدرك���وا مت���ام الإدراك‬ ‫�أنَّ ه���ذا الدِّ ي���ن دينه���م‪،‬‬ ‫والأم���ر �أمره���م‪ ،‬وه���م‬ ‫مطالبون بال َّدعوة �إىل اهلل‬ ‫وتبلي���غ دينه مب���ا �أوتوا من‬ ‫م���ال وج���اه‪ ،‬يق���ول َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫حم َّمد الب�شري الإبراهيمي‬ ‫‪� ...« ::‬إنمَّ���ا نل���وم‬ ‫قومنا على‬ ‫�أنف�سن���ا ونل���وم َ‬ ‫التَّفريط والإ�ضاعة وعلى �إهمال ال َّدعوة لدينهم والع ْر�ض جلماله‬ ‫وحما�سن���ه‪ ،‬وعل���ى التَّخاذل يف وجه ه���ذه الق َّوة املت�أ ِّلب���ة املتكالبة‬ ‫عليه���م وعلى دينهم‪ ،‬حتَّى �أ�صبح �سكو ُتن���ا و�إهمالنا عو ًنا لها على‬ ‫ه���دم ديننا وحمو ف�ضائلن���ا والق�ضاء على مق ِّوماتن���ا‪ ،‬ف�أغنيا�ؤنا‬ ‫مم�سك���ون ع���ن الب���ذل يف �سبيل ال َّدع���وة �إىل دينه���م‪ ،‬وك�أ َّن الأم َر‬ ‫ال يعنيه���م‪ ،‬وك�أ َّن الدِّين لي����س دينهم‪ ،‬وك�أ َّنهم ال يعلمون �أ َّن هذا‬ ‫ال َّتكال���ب �إن ا�ستم��� َّر ال ُيبقي لهم ً‬ ‫عر�ضا وال ما ًال وال متا ًعا‪ ،‬وقد‬ ‫بلغ���ت الغفل���ة ببع�ضهم �أن ُيع�ي�ن اجلمع َّيات التَّب�شري َّي���ة امل�سيح َّية‬ ‫مباله‪ ،‬وك�أ َّنه ُيق ِّلد عد َّوه �سالح ًا قتَّا ًال يقتل به دي َنه وقومه‪ ،‬ومل يبق‬ ‫عليه من ف�ضائح اجلهل �إ َّال �أن يقول لعد ِّوه‪ :‬اقتلني به‪.‬‬ ‫�إ َّننا ال نكون م�سلم�ي�ن ح ًّقا وال ن�ستطيع �أن ندفع هذه اجليو�ش‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫املغ�ي�رة علينا وعل���ى ديننا تارة با�س���م العلم وت���ارة با�سم اخلري‬ ‫والإح�س���ان و�أخرى با�سم ال َّرحمة بالإن�س���ان �إ َّال �إذا علمنا ما ُيراد‬ ‫بن���ا‪ ،‬وفقهن���ا الغايات له���ذه الغ���ا َّرات‪ ،‬وحت َّديناها بجمي���ع قوانا‬ ‫املعنوي���ة واملا ِّد َّية وح�شدها يف مي���دان واحد هو ميدان الدِّ فاع عن‬ ‫يتم لهذا َّ‬ ‫ال�ش����أن متام �إ َّال �إذا �أقمنا‬ ‫حياتن���ا ال ًُّروحية واملا ِّد َّية‪ ،‬وال ُّ‬ ‫الدَّعوة �إىل اهلل و�إىل دينه الإ�سالم على �أ�سا�س قويٍّ من �أحجار‬ ‫العامل ال َّربا ِّ‬ ‫ين واخلطيب ا َّلذي يتكلم بقلبه ال بل�سانه والكاتب‬ ‫والغني امل�سته�ي�ن مباله يف‬ ‫اَّل���ذي يكت���ب بقلمه م���ا ميليه عقل���ه‬ ‫ِّ‬ ‫وجهنا هذه ال َّدعوة �إىل القريب قبل الغريب‪� ،‬إىل‬ ‫�سبيل دينه‪َّ ،‬ثم َّ‬ ‫امل�سل���م َّ‬ ‫أجنبي‪ ،‬ف�إذا فعل���ت ال َّدعوة فع َلها يف نفو�س‬ ‫ال�ض ِّال قبل ال ِّ‬ ‫فتم�سكوا بكتابه وهدي‬ ‫امل�سلمني و�أرجعتهم �إىل ر ِّبهم فاتَّ�صلوا به َّ‬ ‫ومتج���دوا بتاريخ���ه‬ ‫نب ِّي���ه َّ‬ ‫و�أجماده وف�ضائله ول�سانه‬ ‫�سالح���ا ال‬ ‫ك َّن���ا ق َّلدناه���م ً‬ ‫يف��� ّل‪ ،‬و�أ�سبغن���ا عليه���م‬ ‫ح�صان���ة روح َّي���ة ال ت�ؤ ِّث���ر‬ ‫عليه���ا ه���ذه الدِّ عاي���ات‬ ‫امل�ض َّل���ة‪ ،‬وح�صان���ة �أخرى‬ ‫ما ِّد َّي���ة مالزم���ة له���ا ال‬ ‫تهزمه���ا اجلم���وع املج َّمعة‬ ‫ول���و كان ُ‬ ‫بع�ضه���ا لبع����ض‬ ‫ظه ًريا»‪[ .‬الآثار (‪.])286/4‬‬ ‫ال�ب�ر واخلري ا َّلت���ي ميكن �أن‬ ‫���ي �أن ي�س����أل م���ا هي وجوه ِّ‬ ‫وللغن ِّ‬ ‫ي�ش���ارك فيها لين���ال �أجر ال ُّدعاة وال َّدا ِّلني عل���ى اخلري‪ ،‬ولع َّل هذا‬ ‫التَّ�س���ا�ؤل ه���و ـ يف الغالب ـ احلاجز بني ه����ؤالء وبني فعلهم للخري‪،‬‬ ‫وذلك جلهله���م مب�صلحة ال َّدعوة وحاجتها‪ ،‬و ُبعدهم عن �ساحتها‬ ‫جعلهم يحجمون ويخافون �أن ينفقوا �أموالهم فيما ال نفع فيه يعود‬ ‫عل���ى ال َّدعوة وعليهم‪ ،‬وال �ش َّ‬ ‫���ي �أن يتح َّرى معرفة‬ ‫���ك �أنَّ على الغن ِّ‬ ‫طرق اخلري لي�سلم له ماله من �أن ي�ضعه فيما ال ير�ضي اهلل تعاىل‬ ‫ال�سبل‪ ،‬ويو�ضحوا‬ ‫ويعينه على ذلك �س�ؤاله �أهل العلم ليع ِّرفوه بتلك ُّ‬ ‫له املعامل ُّ‬ ‫والطرق‪.‬‬ ‫و�سبل الإنفاق كثري ٌة ج���دًّا‪ ،‬ال ميكن ا�ستق�صا�ؤها‪ ،‬لكن ك ُّل ما‬


‫مسائل منهجية‬

‫ال�صحيحة ويكون ل���ه �أثر يف تعريف‬ ‫يخ���دم ال َّدع���وة الإ�سالم َّي���ة َّ‬ ‫ال َّنا����س بدينهم ور ِّبه���م فهو من �أب���واب اخلري و�سبل���ه‪ ،‬وال ب�أ�س‬ ‫ب�ضرب �أمثلة على تلك الوجوه‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬ ‫ـ بناء املدار�س القر�آن َّية والعناية بها وت�شييدها واختيار املد ِّر�س‬ ‫ال َّنا�ص���ح الكفيل بتدري�س الق���ر�آن على الوج���ه املطلوب ودعمه‪،‬‬ ‫وذل���ك �أنَّ مثل تلك املدار�س تقوم عل���ى حتفيظ كالم اهلل تعاىل‬ ‫وتالوته‪ ،‬وتعلُّ ِم �أحكام �شرع اهلل تعاىل و�س َّنة نب ِّيه‪ ،‬فهذا �أدعى �أن‬ ‫يهت ََّم ويعتنى بها‪.‬‬ ‫ـ طباع����ة الكتب وال َّر�سائ����ل واملج َّالت الإ�صالح َّي����ة وتوزيعها على‬ ‫َّ‬ ‫الطلب���ة واملثقَّف�ي�ن و�سائ���ر �شرائ���ح املجتمع‪ ،‬وهذا جم���ال وا�سع‬ ‫ورح���ب‪ ،‬وجدير بالأغني���اء العناية به‪ ،‬فكم ه���دى اهلل من ٍّ‬ ‫�ضال‬ ‫ال�صحي���ح و�أخرجه من ظلمات ِّ‬ ‫ال�شرك‬ ‫بق���راءة كتاب يف املعتقد َّ‬ ‫�إىل ن���ور الإمي���ان والتَّوحي���د‪ ،‬وكم من عا�ص رج���ع �إىل اهلل وعاد‬ ‫بت�ص ُّفح���ه لر�سال���ة يف الأخالق والقيم‪ ،‬وقد تناف����س املتناف�سون‬ ‫يف ه���ذا الباب �أميا تناف�س‪ ،‬وذه���ب �أهل ال ُّدثور بالأجور‪� ،‬إذ ترى‬ ‫يف بع����ض املجتمع���ات الإ�سالم َّية �آالف الكت���ب �إن مل نقل ماليني‬ ‫باملج���ان‪ ،‬مكتو ًب���ا عل���ى غالفها (طبع عل���ى نفقة‬ ‫ال ُّن�س���خ ت���و َّزع َّ‬ ‫بع����ض املح�سن�ي�ن)‪ ،‬والقارئ له���ذه العبارة يح ُّق ل���ه �أن َ‬ ‫يغبطهم‬ ‫�ْي ‪َ :‬ر ُج���لٍ �آ َت���ا ًُه اهلل مَ���ا ًال‬ ‫ويح�سدَ ه���م‪� ،‬إذ « َال َح َ�س��� َد �إِ َّال ِيف ا ْث َن َت نِْ‬ ‫ُ‬ ‫َف ُ�س ِّل َط َعلَى َهلَ َك ِت ِه ِيف ا َ‬ ‫حل ِّق‪َ ،‬و َر ُجلٍ �آ َتا ُه اهلل احلِ ْك َم َة َف ُه َو َي ْق ِ�ضي‬ ‫ِبهَا َو ُي َع ِّل ُمهَا(‪ ،»)5‬كما قال ‪.Í‬‬ ‫���ي ال َّنا�صح لنف�سه يتم َّنى �أن ُي ْح َ�ش َر يف ُزمر ِة املح�سنني‪،‬‬ ‫فالغن ُّ‬ ‫الكتاب �أو‬ ‫ال َّدا ِّل�ي�ن على اخلري‪ ،‬فك َّلما ق���ر�أ �إن�سا ٌن حر ًفا من ذاك‬ ‫ِ‬ ‫ال�سبب يف هدايته و�إن مل يكن كات َبه‬ ‫ال ِّر�سالة نال به الأجر‪ ،‬وكان َّ‬ ‫وم�ؤ ِّل َفه‪.‬‬

‫فال َّداعية يختا ُر الأن�سب ملج َت َم ِعه وحاجة ال َّنا�س له من الكتب‪،‬‬ ‫والغني يدَ ِّعم تلك َ‬ ‫امل�شاريع الزَّكية وين ِفقُ عليها من ما ِله‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـ العناي���ة بال ُّنجب���اء م���ن احلفظة لكت���اب اهلل تع���اىل و�س َّنة‬ ‫���م وتفري ُغهم لذلك‪ ،‬حتَّى‬ ‫ر�سول���ه ‪ ،Í‬و�إعانتُهم على ِ‬ ‫طلب العل ِ‬ ‫ال ين�شغ َ‬ ‫خا�ص ًة من كان منهم منقط ًعا يف‬ ‫بهموم ال ُّدنيا‪َّ ،‬‬ ‫���ل با ُلهم ِ‬ ‫ال�شرعية‪ ،‬بتوف ِري ِّ‬ ‫بع����ض املدار�س َّ‬ ‫كل م���ا يمُ َ ِّكنهم من طلب العلم‬ ‫واالجتهاد فيه‪ ،‬ك ٌّل على ح�سب حاجته‪.‬‬ ‫�إىل غ�ي�ر ذلك من الوجوه الكثري ِة الكفيلة برفع هذا املجتمع‬ ‫�إىل منار العلم والإميان‪ ،‬واهلل املو ِّفق ِّ‬ ‫أمان‪.‬‬ ‫لكل خري و� ٍ‬

‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ ،)73‬وم�سلم (‪.)816‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪25‬‬


‫تزكية وآداب‬

‫تقويم النفس ومحاسبتها‬ ‫ملعرفة ما لها وما عليها‬ ‫حممد لوزاين‬ ‫�إ َّنها كثرية ومتعدِّ دة‪ ،‬ولكن �أعظمها و�أ�سا�سها حما�سبة ال َّنف�س‬ ‫�إنَّ ال َّنا����س ي���وم القيامة فريق���ان؛ منهم م���ن ُيحا�سب ح�سا ًبا‬ ‫ي�س ًريا‪ ،‬ومنهم من ُيحا�سب ح�سا ًبا ع�س ًريا‪.‬‬ ‫يف ال ُّدنيا‪.‬‬ ‫فم���ن ع�سر علي���ه احل�س���اب هَ َل َك وخ�س���ر‪ ،‬ومن ُي ِّ�س���ر له فاز‬ ‫قال احل�سن الب�صري ‪« ::‬امل�ؤمن ق َّوام على نف�سه‪ ،‬يحا�سب‬ ‫و�سرر‪.‬‬ ‫نف�س���ه هلل ع���ز وجل‪ ،‬و�إنمَّ ا خ َّ‬ ‫���ف احل�ساب ي���وم القيامة على قوم‬ ‫فع���ن الفري���ق الأول يق���ول اهلل تع���اىل‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ حا�سبوا �أنف�سه���م يف ال ُّدنيا‪ ،‬و�إنمَّ ا �شقَّ‬ ‫احل�ساب يوم القيامة على‬ ‫ُ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ �أقوام �أخذوا هذا الأمر من غري حما�سبة»(‪.)2‬‬ ‫ﮝ﴾ [\‪ ،]Ó‬ويق���ول �سبحان���ه عن الفري���ق ال َّثاين‪﴿ :‬ﭺ‬ ‫�إنَّ حما�سب���ة ال َّنف�س من �أوكد الواجبات‪ ،‬قال ابن الق ِّيم ‪::‬‬ ‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬ ‫«قد َّ‬ ‫دل على وج���وب حما�سبة ال َّنف�س قوله‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ وامل���ق�������ص���ود �أ َّن ����ص�ل�اح القلب تع���اىل‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫[\‪.]Ó‬‬ ‫مب��ح��ا���س��ب��ة ال��� َّن���ف�������س‪ ،‬وف�ساده ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾ [ ‪،]18 :º‬‬ ‫وق���د بينَّ ال َّنب ُّ‬ ‫���ي ‪ Í‬معن���ى احل�ساب ب���إه��م��ال��ه��ا واال����س�ت�ر����س���ال معها يق���ول تعاىل‪ :‬لينظ ْر �أحدكم م���ا ق َّدم ليوم‬ ‫الي�سري واحل�ساب الع�سري؛ فعن � ِّأم امل�ؤمنني‬ ‫ال�صاحلات‬ ‫القيام���ة م���ن الأعم���ال‪� :‬أم���ن َّ‬ ‫عائ�ش���ة ‪ á‬قال���ت‪� :‬س�أل���ت ر�سول اهلل‬ ‫ال�س ِّيئات ا َّلتي توبقه؟‬ ‫ا َّلتي تنجيه‪� ،‬أم َّ‬ ‫‪ Í‬ع���ن احل�س���اب الي�سري؟ فقلت‪ :‬ي���ا ر�سول اهلل! م���ا احل�ساب‬ ‫ال�ساعة حتَّى جعلها كغد‪.‬‬ ‫قال قتادة‪ :‬ما زال ر ُّبكم يق ِّرب َّ‬ ‫الي�س�ي�ر؟ فقال‪ :‬ال َّر ُج��� ُل ُت ْع َر ُ‬ ‫�ض َعلَ ْي ِه ُذ ُنو ُب ُه ُث َّم ي َت َج���ا َو ُز َل ُه َع ْنهَا‬ ‫واملق�ص���ود �أنَّ �ص�ل�اح القل���ب مبحا�سب���ة ال َّنف����س‪ ،‬وف�س���اده‬ ‫َ ٌَ َ َ َ‬ ‫�إِ َّن ُه َمنْ ُنوق َ‬ ‫ِ�ش احلِ َ�س َ‬ ‫اب َهلَ َك َو َال ُي ِ�ص ُ‬ ‫يب َع ْبدًا �ش ْوكة ف َما ف ْوقهَا ب�إهمالها واال�سرت�سال معها»(‪.)3‬‬ ‫ا�ص ُ‬ ‫اهلل ع َّز وج َّل بهَا مِ نْ َخ َطا َيا ُه(‪.)1‬‬ ‫�إِ َّال َق َّ‬ ‫فيا عب���د اهلل! حا�سب نف�سك يف خلوت���ك‪ ،‬وتف َّكر يف انقرا�ض‬ ‫فهل تعرف ـ �أ ُّيها امل�سلم! ـ ما هي الأ�سباب ا َّلتي جتعل ح�سابك‬ ‫م َّدت���ك‪ ،‬واعمل يف زمان فراغك لوقت �شغل���ك‪ ،‬وتد َّبر قبل الفعل‬ ‫يوم القيامة ي�س ًريا؟‬ ‫م���ا ميل���ى يف �صحيفت���ك‪ ،‬وانظر ه���ل نف�س���ك مع���ك �أو عليك يف‬ ‫‪  ‬‬ ‫جماهدتك‪.‬‬ ‫(‪� )1‬أخرجه �أحمد (‪ ،)25515‬وابن ح َّبان (‪ ،)372/16‬وابن خزمية (‪،)30/2‬‬ ‫واحلاكم (‪ ،)249/4‬قال َّ‬ ‫ال�شيخ الألباين ‪ :‬يف «�ضعيف �أبي داود»‪�« :‬إ�سناده ح�سن»‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫(‪ )2‬امل�صنف» البن �أبي �شيبة (‪ ،)36375‬و«الزهد» البن املبارك (‪.)307‬‬ ‫(‪�« )3‬إغاثة اللهفان» (‪.)84/1‬‬


‫(‪« )4‬الزهد» البن املبارك (‪.)313‬‬ ‫(‪« )5‬حما�سبة النف�س» البن �أبي الدنيا (�ص‪.)15‬‬

‫(‪� )6‬أخرجه البخاري (‪ )6502‬من حديث �أبي هريرة ‪.Ç‬‬ ‫(‪« )7‬املوط�أ» (‪ ،)1800‬و«الزهد» لأحمد(‪.)597‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫تزكية وآداب‬

‫لق���د �سع���د من حا�سبه���ا‪ ،‬وف���از ـ واهلل! ـ من جاهده���ا‪ ،‬وقام‬ ‫با�ستيفاء احلقوق منها وطالبها‪ ،‬وك َّلما ونت عاتبها‪ ،‬وك َّلما تو َّقفت‬ ‫جذبها‪ ،‬وك َّلما نظرت يف �آمال هواها غلبها‪.‬‬ ‫فات ْ‬ ‫َّخذ ـ �أ ُّيها امل�سلم! ـ وقتًا تخلو فيه بنف�سك‪ ،‬تنظر يف �أ�صناف‬ ‫�أفعالها‪ ،‬ظاهرها وباطنها‪ ،‬وحتا�سبها‪ ،‬ف�إنَّ هذا من ِ�ش َي ِم العقالء‬ ‫ال ُّنبهاء‪.‬‬ ‫ع���ن وهب بن من ِّبه ق���ال‪« :‬مكتوب يف حكمة �آل داود‪ :‬ح ٌّق على‬ ‫العاق���ل �أن ال َيغف���ل ع���ن �أربع �ساع���ات‪� :‬ساعة يناج���ي فيها ر َّبه‪،‬‬ ‫و�ساع���ة يحا�سب فيها نف�سه‪ ،‬و�ساعة يخل���و فيها مع �إخوانه ا َّلذين‬ ‫يخربون���ه بعيوب���ه وي�صدقونه ع���ن نف�سه‪ ،‬و�ساعة يخل���و فيها بني‬ ‫ال�ساعة عو ًنا‬ ‫نف�س���ه وبني َّلذاتها فيم���ا يح ُّل ويجمل‪ ،‬ف�إنَّ يف ه���ذه َّ‬ ‫إجماما للقلوب»(‪.)4‬‬ ‫ال�ساعات‪ ،‬و� ً‬ ‫على تلك َّ‬ ‫�إنَّ نف�سك قد تكون من جندك‪ ،‬كما قد تكون من �أعدائك‪.‬‬ ‫���ت من �ش ِّره���ا و�أدخلته���ا يف �ص ِّفك‪ ،‬و�إن‬ ‫ف����إنْ حا�سبته���ا َ�س ِل ْم َ‬ ‫خ َّليتها و�أهملتها ا�ست�أ�س���دت و�س َّلت �سيف َبغْيها عليك فيو�شك �أن‬ ‫تقتلك �أو ترديك‪.‬‬ ‫ق���ال ميمون بن مهران‪« :‬ال يكون العبد تق ًّيا حتَّى يكون لنف�سه‬ ‫�أ�ش ّد حما�سبة من َّ‬ ‫ال�شريك ل�شريكه‪.‬‬ ‫ولهذا قي���ل‪ :‬ال َّنف�س َّ‬ ‫كال�شريك اخل��� َّوان‪� ،‬إن مل حتا�سبه ذهب‬ ‫مبالك»(‪.)5‬‬ ‫كيف يحا�سب َّ‬ ‫ال�شريك �شريكه؟‬ ‫�إ َّن���ه ينظر يف ر�أ�س ماله؛ ف�إن وج���ده ز َكا ونمَ َ ا؛ فهذا يعني �أ َّنه‬ ‫نق�صا يف ر�أ�س ماله؛‬ ‫قد ربح‪ ،‬فيقت�سم ال ِّربح مع �شريكه‪ ،‬و�إن وجد ً‬ ‫فهذا يعني �أ َّنه خ�سر؛ فيطالب �شريكه ب�ضمانه ويك ِّلفه بتداركه يف‬ ‫امل�ستقبل‪.‬‬ ‫فكذل���ك ينبغي �أن يك���ون امل�سلم مع نف�س���ه‪ ،‬ي�س�ألها عن ر�أ�س‬ ‫مال���ه؛ ماذا فعلت في���ه؟ ور�أ�س مال العبد يف دين���ه (الفرائ�ض)‪،‬‬ ‫وربح���ه (النوافل والف�ضائل)‪ ،‬وخ�سارت���ه (ت�ضييعه لذلك وتعديه‬ ‫حلدود اهلل)‪ ،‬ومو�سم هذه التِّجارة ال َّليل وال َّنهار‪.‬‬ ‫فمحا�سب���ة العبد لنف�سه‪� :‬أن ينظر ما ُّ‬ ‫حظه من هذه التِّجارة؟‬ ‫و�أي���ن موقعه منها؟ هل هو م���ن احلافظني حل���دود اهلل وامل�ؤدِّين‬

‫لفرائ�ضه؟ �أم �أ َّنه من امل�ض ِّيعني؟‬ ‫في�شك���ر ر َّبه عل���ى توفيقه وي�س�أله ال َّثبات واملزي���د‪ ،‬وليتب �إليه‬ ‫وي�ستغفره على التَّفريط والتَّق�صري‪.‬‬ ‫ال�سعادة يف ال ُّدنيا والآخرة‪،‬‬ ‫�إنَّ ال ِّربح يف هذه التِّجارة به تُنال َّ‬ ‫وه���ل هناك �سعادة �أعظم من ني���ل حم َّبة اهلل تعاىل؟! وهل هناك‬ ‫�سعادة �أعظم من �أن يكون العبد ول ًّيا هلل �سبحانه؟!‬ ‫�أال تعلم ـ يا عبد اهلل! ـ ب�أنَّ من �أ َّدى الفرائ�ض وتط َّوع بال َّنوافل؛‬ ‫�أح َّبه اهلل تعاىل‬ ‫يقول اهلل تعاىل يف احلديث القد�سي‪:‬‬ ‫ما افْترَ َ ْ�ضتُ َعلَ ْيهِ‪،‬‬ ‫« َومَ���ا َت َق َّر َب ِ�إليَ َّ َع ْبدِ ي ب َِ�ش ْي ٍء َ�أ َح ّب �إِليَ َّ مِ َّ‬ ‫َومَ���ا َي َز ُال َع ْبدِ ي َي َت َق َّر ُب ِ�إليَ َّ بِال َّن َوافِ���لِ َح َّتى �أُحِ َّبهُ‪َ ،‬ف�إِ َذا َ�أ ْح َب ْب ُتهُ؛‬ ‫ُكنْ���تُ َ�س ْم َع ُه ا َّلذِ ي َي�سْ َم��� ُع ِبهِ‪َ ،‬و َب َ�ص َر ُه ا َّلذِ ي ُي ْب ِ�ص ُر ِبهِ‪َ ،‬و َي َد ُه ا َّلتِي‬ ‫َي ْبطِ ُ�ش ِبهَا‪َ ،‬ور ِْجلَ ُه ا َّلتِي يمَْ�شِ ي ِبهَا‪َ ،‬و�إِ ْن َ�س�أَ َلنِي لأُ ْع َط َي َّنهُ‪ ،‬ولئ ِ​ِن‬ ‫ا�سْ َت َع���ا َذنيِ ُلأعِ ي َذ َّن���هُ‪َ ،‬ومَا َت َر َّدد ُْت َعنْ َ�ش ْ���ي ٍء �أَ َنا َفاعِ ُل ُه َت َر ُّددِي َعنْ‬ ‫م�سا َء َتهُ»(‪.)6‬‬ ‫َن ْف ِ�س املُ�ؤْمِ ِن‪َ ،‬ي ْك َر ُه امل َ ْو َت َو�أَ َنا �أَ ْك َر ُه َ‬ ‫ال�صالح �ضربوا لنا �أروع الأمثلة يف حما�سبة ال َّنف�س‬ ‫�إنَّ �سلفنا َّ‬ ‫واحللي‪ُ ،‬ز ِّينت‬ ‫مل���ن يريد �أن يقتدي‪ ،‬و�أخبارهم يف ذل���ك كاللآلئ‬ ‫ِّ‬ ‫بها بطون الكتب‪.‬‬ ‫ولقد انتقيت منها ما ينا�سب املقام‪:‬‬ ‫ع���ن �أن�س ب���ن مالك ‪ Ç‬ق���ال‪� :‬سمعتُ عم���ر بن اخلطاب‬ ‫‪ Ç‬يوما وخرجت معه حتَّى دخل ً‬ ‫حائطا‪ ،‬ف�سمعته يقول وبيني‬ ‫وبينه جدار وهو يف جوف احلائط‪:‬‬ ‫«عمر بن اخلطاب �أم ُري امل�ؤمنني بخ ٍبخ‪ ،‬واهلل لتتَّق َّني اهلل ـ ابن‬ ‫اخلطاب! ـ �أو ِّ‬ ‫ليعذب َّنك»(‪.)7‬‬ ‫عن �سلم���ة بن من�صور‪ ،‬عن موىل له���م كان ي�صحب الأحنف‬ ‫ابن قي����س قال‪ :‬كنت �أ�صحب���ه فكان عا َّمة �صالت���ه ال ُّدعاء‪ ،‬وكان‬ ‫���م يقول‪ :‬يا‬ ‫يج���يء امل�صب���اح في�ضع �أ�صبع���ه فيه ثم يقول‪ :‬ح�س! ث َّ‬ ‫حني���ف! م���ا حملك على ما �صنع���ت يوم كذا؟! م���ا حملك على ما‬ ‫�صنعت يوم كذا؟!‬ ‫وعن زائدة بن قدامة قال‪ :‬كان من�صور بن املعتمر �إذا ر�أيتَه؛‬ ‫���ت‪ :‬رج ٌل قد �أ�صيب مب�صيب���ة‪ ،‬ولقد قالت له �أ ُّمه‪ :‬ما هذا ا َّلذي‬ ‫قل َ‬

‫‪27‬‬


‫تزكية وآداب‬

‫هم ل�ست �أعرف نف�سي ههنا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فوقف‪َّ ،‬ثم قال‪ :‬ال َّل َّ‬ ‫ال�سبيل الآخر‪ ،‬فم���ر بقوم‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ث َّ‬ ‫���م �أخذ يف َّ‬

‫ت�صن���ع بنف�س���ك؟! تبكي ال َّليل عا َّمته‪ ،‬ال ت���كاد �أن ت�سكت‪ ،‬لع َّلك يا‬ ‫نف�سا‪� ،‬أقتلت ً‬ ‫قتي�ل�ا! فيقول‪« :‬يا �أ َّم���اه! �أنا �أعلم مبا‬ ‫���ي! �أ�صب���ت ً‬ ‫بن َّ‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾‬ ‫�صنعت نف�سي»(‪.)8‬‬ ‫وق���ال حم َّمد ب���ن املنكدر‪� :‬إنيِّ خلفت زياد ب���ن �أبي زياد موىل [\‪ ،]¢‬وم��� َّر بق���وم‪ ..﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫اب���ن ع َّيا�ش وه���و يخا�صم نف�س���ه يف امل�سجد يق���ول‪« :‬اجل�سي �أين ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫تريدين؟ �أي���ن تذهبني؟ �أتخرجني �إىل �أح�س���ن من هذا امل�سجد؟ ﯕ ﯖ﴾ [\‪ ،]¤‬وم��� َّر بق���وم يقال لهم‪﴿ :‬ﰖ ﰗ‬ ‫انظري �إىل ما فيه؛ تريدين �أن تب�صري دار فالن ودار فالن ودار ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﰥ ﰦ‬ ‫ﰧ ﰨ ﰩ ﰪ ﰫ ﰬ ﰭ ﰮ ﰯ ﰰ ﰱ ﰲ ﰳ﴾‬ ‫فالن؟»(‪.)9‬‬ ‫وم���ن حما�سبة ال َّنف�س‪ :‬عر����ض �أفعالها على كتاب اهلل تعاىل‪.]É\[ ،‬‬ ‫قال‪ :‬فوقف‪َّ ،‬ثم قال‪ :‬ال َّلهم �إنيِّ �أبر�أ �إليك من ه�ؤالء‪.‬‬ ‫ليعل���م العب���د �أه���و من ا َّلذي���ن �أح�سن���وا فلهم عن���د اهلل احل�سنى‬ ‫ق���ال‪ :‬فما زال يق ِّلب الورق ويلتم�س حتَّ���ى وقع على هذه الآية‪:‬‬ ‫ال�س ِّيئات؟‬ ‫وزيادة؟ �أم �أ َّنه من ا َّلذين ْاج رَت َُحوا َّ‬ ‫﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫وقد ذكر اب���ن ن�صر امل���روزي يف كتابه ومن حما�سبة ال َّنف�س‪ :‬عر�ض �أفعالها على‬ ‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬ ‫«خمت�ص���ر قي���ام اللي���ل» (����ص‪ )23‬ع���ن كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬ليعلم العبد �أهو من ا َّلذين‬ ‫ق�ص ًة يف هذا املعنى‪ ،‬فيها �أح�سنوا فلهم عند اهلل احل�سنى وزيادة؟ ﮘﮙ﴾ [\‪ ،]e‬فقال‪ :‬اللهم ه�ؤالء‪.‬‬ ‫الأحنف بن قي�س َّ‬ ‫في���ا عبد اهلل! �إذا �أردت �أن تعرف قيمة‬ ‫ذك���رى وموعظة وعربة ملن كان ل���ه قلب �أو‬ ‫ال�س ِّيئات؟‬ ‫�أم �أ َّن���ه م��ن ا َّل��ذي��ن اجْ�َتَرَ َ ُح���وا َّ‬ ‫ه���ذه احلي���اة‪ ،‬و�إذا �أردت �أن تع���رف �أع��� َّز‬ ‫ال�سمع وهو �شهيد‪.‬‬ ‫�ألقى َّ‬ ‫حري ب�أن تطلبه وت�سعى يف حتقيقه وتبذل‬ ‫يوما‪،‬فعر�ضت له هذه الآية‪﴿ :‬ﯠ ﯡ و�أغلى م���ا فيها وما هو ٌّ‬ ‫جال�س���ا ً‬ ‫فعنه �أ َّنه كان ً‬ ‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾ [\‪ ،]q‬فانتبه ال َّنف����س وال َّنفي����س يف �سبيل ذل���ك؛ ت�ص َّور لو م ِّثل���ت لك نف�سك يف‬ ‫علي بامل�صحف‪ ،‬لألتم�س ذكري اليوم حتَّى �أعلم مع من �أنا اجل َّنة ت�أكل ثمارها وت�شرب من �أنهارها وتعانق �أبكارها‪َّ ،‬ثم م ِّثلت‬ ‫فقال‪َّ :‬‬ ‫ومن �أ�شبه‪ ،‬فن�شر امل�صحف فم َّر بقوم‪﴿ :‬ﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ل���ك نف�سك يف ال َّنار ت�أكل من ز ُّقومها وت�شرب من حميمها وتعالج‬ ‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ �سال�سلها و�أغاللها؛ فلو �س�ألت نف�سك حينئذ وقلت لها‪ْ � :‬أي نف�سي!‬ ‫[\‪ ،]±‬وم���ر بق���وم‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ � ُّأي �شيء تريدين؟‬ ‫ف�إ َّنه���ا تقول ل���ك ال حمال���ة‪� :‬أري���د �أن �أر َّد �إىل ال ُّدني���ا ف�أعمل‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [\|]‪،‬‬ ‫وم��� َّر بق���وم‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ �صا ً‬ ‫حلا‪ ،‬ف�أنت يف الأمنية فاعمل(‪.)10‬‬ ‫[\‪ ،]u‬وم��� َّر بق���وم‪ ...﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬

‫ﭬ﴾ [\_]‪ ،‬وم َّر بقوم‪ ..﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬

‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾‬

‫[\‪ ،]º‬وم��� َّر بق���وم‪ ...﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬

‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [\§]‪.‬‬ ‫(‪�« )8‬شعب الإميان» (‪.)813‬‬ ‫(‪�« )9‬شعب الإميان» (‪.)5298‬‬

‫‪28‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫(‪ )10‬من كالم �إبراهيم التيمي‪ ،‬انظر «�صفة ال�صفوة» (‪ 90/3‬ـ ‪.)91‬‬


‫�أ�شرف جالل بن �أودينة‬

‫تزخر خزانة املذهب املالكي للمغاربة بكنوز من الفنون والعلوم‪ ,‬ومن جواهر تلك الفنون �أدب ال ِّرحلة‪,‬ا َّلذي ُي َعدُّ امتدادًا لرحلة‬ ‫�أهل احلديث‪.‬‬ ‫وال َّناظر يف رحالتهم يجد �أ َّن �أرواحهم تطري ب�أجنحة َّ‬ ‫يدب‬ ‫ال�شوق �إىل ذلك املكان وتقطع عالئق الأهل والأوطان بل كان ُّ‬ ‫بني اجللد والعظام دبيب تلك امل�شاعر العظام من �شوق لبيت اهلل احلرام‪.‬‬ ‫وقد د ّونوا يف رحالتهم بنرث بديع فوائد فقه َّية و�أ�شعا ًرا عذبة مع لقا ٍء ب�أهل العلم كما �أخذوا �إجازات م�سندي ع�صرهم‬ ‫مع ما ز َّين رحالتِهم من غرائب ونوادر ُتطرب الأ�سماع‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫م�ستقل مع اقتنا�ص ما فيها من فوائد والتقاط ما حوته من درر‬ ‫هذا وقد عزمت على جمع تلك ال َّرحالت يف ثبت‬ ‫وجواهر‪ ,‬و�أذكر يف هذا املقام ً‬ ‫بع�ضا منها ف�أقول‪:‬‬ ‫ـ من �أ�شهر ال َّرحالت املغرب َّية على الإطالق رحلة ابن ُّ‬ ‫بطوطة‪.‬‬ ‫وهي ال ِّرحلة امل�س َّماة‪« :‬حتفة ال ُّن َّظار يف غرائب الأم�صار‬ ‫وعجائب الأ�سفار»(‪ )1‬وقد ترجمت �إىل عدد من اللُّغات منها‬ ‫الربتغال َّية والفرن�س َّية والإجنليز َّية ‪،‬ومن العجب �أن لقَّبته جمع َّية‬ ‫«كمربدج» يف كتبها و�أطال�سها ب�أمري ال َّر َّحالني امل�سلمني‪.‬‬ ‫وابن ُّ‬ ‫بطوطة هو �شرف الدِّ ين �أبو عبد اهلل حم َّمد ابن‬ ‫عبد اهلل بن حم َّمد بن ابراهيم بن يو�سف اللواتي َّثم َّ‬ ‫الطنجي‬ ‫املتو َّفى �سنة (‪777‬هـ)‪ ,‬د َّون فيها ما �شاهده يف رحلته من‬ ‫الأم�صار كبالد العراق وم�صر َّ‬ ‫وال�صني‬ ‫وال�شام واليمن والهند ِّ‬ ‫ال�سودان ويف الأندل�س‪� ,‬أمالها ب�أمر من‬ ‫و�أوا�سط �إفريق َّية يف بالد ُّ‬ ‫ال�سلطان �أبي عنان(‪ )2‬ـ من ملوك بني مدين على َّ‬ ‫ال�شيخ حم َّمد ابن‬ ‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬طبعت عدَّة م َّرات �أح�سنها طبعة الدُّكتور علي بن املنت�صر الكتَّاين بدار ال ِّر�سالة‪.‬‬ ‫علي بن عثمان بن يعقوب املريني‪� ،‬أبو عنان (‪ 729‬ـ‬ ‫(‪ )2‬املتو ِّكل على اهلل فار�س بن ِّ‬ ‫‪ 759‬هـ)‪ :‬من ملوك الدَّولة املرينية باملغرب‪ ,‬ولد بفا�س اجلديدة‪ ،‬ون�ش�أ حمبو ًبا يف‬ ‫قومه لف�ضله وعلمه‪ ,‬ثار على �أبيه وبويع يف حياته عام (‪ 749‬هـ)‪ ,‬احت َّل تلم�سان‪,‬‬ ‫وانتظم له املغرب الأو�سط‪ ,‬وانتزع ق�سنطينة وتون�س من �أيدي احلف�ص ِّيني‪ ,‬قتله‬ ‫�شجاعا وفقيهًا وكات ًبا بلي ًغا‬ ‫فار�سا‬ ‫ً‬ ‫وزيره احل�سن بن عمر الفودوي خن ًقا‪ ,‬كان ً‬ ‫و�شاع ًرا‪ ,‬له �آثار من مدار�س وزوايا‪« .‬الأعالم» (‪.)127/5‬‬

‫سيرة وتاريخ‬

‫من َّ‬ ‫الرحالت املغربية‬

‫ُجزَ ّي(‪ )3‬الكلبي ـ و َلد �صاحب «القوانني الفقه َّية» ـ‪.‬‬ ‫وقال �صاحب «ال ُّدرر الكامنة»‪« :‬قر�أت ِّ‬ ‫بخط ابن مرزوق �أنَّ‬ ‫ال�سلطان �أبي‬ ‫�أبا عبد اهلل بن جزي َّمنق رحلته وح َّررها ب�أمر ُّ‬ ‫عنان وكان البلقينى رماه بالكذب ف َّرب�أه ابن مرزوق»‪.‬‬ ‫قال ابن ُجزَ ي الكلبي يف املقدمة‪:‬‬ ‫«ونقلت معاين كالم َّ‬ ‫ال�شيخ �أبي عبداهلل ب�ألفاظ موفية‬ ‫للمقا�صد ا َّلتي ق�صدها‪ِّ ،‬‬ ‫مو�ضحة للمعاين ا َّلتي اعتمدها»‪.‬‬ ‫ويقول يف �آخر الكتاب‪« :‬انتهى ما َّ‬ ‫خل�صته من تقييد َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫�أبي عبداهلل حممد بن ُّ‬ ‫بطوطة»‪.‬‬ ‫وابن ُّ‬ ‫قبوري ُ‬ ‫تفي�ض رحلتُه ب�أخبار املت�ص ِّوفني والأولياء‬ ‫بطوطة ٌّ‬ ‫وخوارقهم وكراماتهم مما متجه الأ�سماع وتنفر عنه ِّ‬ ‫الطباع‪.‬‬ ‫ويف رحلته هذه كذب على �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪ ,‬وذكر‬ ‫(‪ )3‬حم َّمد بن حم َّمد بن �أحمد بن ُجزَ يِّ الكلبي‪� ،‬أبو عبد اهلل (‪ 721‬ـ ‪ 757‬هـ)‪� :‬شاعر‬ ‫ال�سلطان َّية‪� ,‬أندل�سي من �أهل غرناطة‪ ،‬ولد بها‪ ،‬وا�ستكتبه �أبو‬ ‫من كتَّاب الدَّواوين ُّ‬ ‫احلجاج يو�سف بن الأحمر ال َّن�صري‪َّ ،‬ثم �ضربه بال�س َّياط من غري ذنب اقرتفه؛‬ ‫َّ‬ ‫فانتقل �إىل املغرب و�أقام بفا�س عند ملكها املتو ِّكل على اهلل �أبي عنان املريني يِّ‬ ‫وتوف‬ ‫فيها‪ .‬له كتاب يف [ تاريخ غرناطة ]‪« .‬الأعالم» (‪.)37/7‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪29‬‬


‫سيرة وتاريخ‬

‫�أ َّنه ح�ضر يوم اجلمعة وابن تيمية يعظ ال َّنا�س على منرب اجلامع‬ ‫ال�سماء ال ُّدنيا‬ ‫ونزل من درجة املنرب وهو يقول �إنَّ اهلل ينزل �إىل َّ‬ ‫كنزويل هذا‪� ...‬إىل �آخر االفرتاء‪.‬‬ ‫و�أكرب دليل على �أنَّ ابن ُّ‬ ‫بطوطة ـ غفر اهلل له ـ كذب على‬ ‫ابن تيمية كما قال حم ِّقق ال ِّرحلة ال ُّدكتور علي املنت�صر الكتَّاين‪:‬‬ ‫«هذا حم�ض افرتاء على َّ‬ ‫ال�شيخ ‪ ،:‬ف�إ َّنه كان قد �سجن بقلعة‬ ‫دم�شق قبل جميء ابن ُّ‬ ‫بطوطة �إليها ب�أكرث من �شهر‪ ،‬فقد اتَّفق‬ ‫ال�ساد�س من‬ ‫امل�ؤ ِّرخون �أ َّنه اعتقل بقلعة دم�شق لآخر م َّرة يف اليوم َّ‬ ‫ال�سجن �إ َّال ميت ًا‪ ،‬بينما ذكر‬ ‫�شعبان �سنة (‪ 726‬هـ) ومل يخرج من ِّ‬ ‫امل�ؤ ِّلف ـ ابن ُّ‬ ‫ال�صفحة (‪ )102‬من كتابه �أ َّنه و�صل‬ ‫بطوطة ـ يف َّ‬ ‫دم�شق يف التَّا�سع من رم�ضان» اهـ‪.‬‬ ‫وابن ُّ‬ ‫بطوطة مل ي�سمع من ابن تيمية ومل يجتمع به فكيف‬ ‫يوما لوعظ‬ ‫وال�سماع منه وابن تيمية ما �صعد املنرب ً‬ ‫ت�ص ُّح ر�ؤيته له َّ‬ ‫ال َّنا�س كما هو مق َّرر يف �سريته(‪.)4‬‬ ‫والباعث على الكذب على �شيخ الإ�سالم �أنَّ ابن ُّ‬ ‫بطوطة‬ ‫قبوري يهوى املزارات �أ َّما موقف ابن تيمية من الزِّ يارة البدع َّية‬ ‫ٌّ‬ ‫فمعروف م�شهور ‪.‬‬

‫(‪ )4‬من �أوعى ال ُّردود العلم َّية على ما جاء من افرتاء يف تلك ال ِّرحلة ما َّ‬ ‫�سطره َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو‬ ‫علي فركو�س حفظه اهلل‪ ,‬انظر‪« :‬دعوى ن�سبة التَّ�شبيه والتَّج�سيم‬ ‫عبد املعزِّ حم َّمد ِّ‬ ‫البن تيمية وبراءته من ترويج املغر�ضني لها»‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫ومن �أعذب رحالت املغاربة‪ :‬ال ِّرحلة امل�س َّماة‪« :‬تاج املفرق يف‬ ‫حتلية علماء امل�شرق»(‪.)5‬‬ ‫وهي رحلة َّ‬ ‫ال�شيخ الع َّالمة خالد بن عي�سى ابن �أحمد بن �إبراهيم‬ ‫ابن �أحمد بن علي بن خالد البلوى املالكي (ت نحو ‪ 765‬هـ)‪ ,‬وهي‬ ‫رحلة بديعة ال َّنرث ح�سنة الز َِّ​َّي عذب ُة ال َّريِّ مر�صعة بجواهر الأ�شعار‪.‬‬ ‫قال يف مقدِّ مته‪ :‬هذا تقييد‪� ،‬أطلعه عون من اهلل وت�أييد‪،‬‬ ‫ق�صدت به �ضبط موارد ال ِّرحلة احلجاز َّية‪ ،‬وذكر معاهد الوجهة‬ ‫امل�شرق َّية‪ ،‬جعلها اهلل تعاىل يف ذاته وابتغاء مر�ضاته‪ ،‬مب ِّنه‬ ‫وكرمه‪ ،‬و�أملمت مع ذلك بذكر بع�ض ُّ‬ ‫ال�شيوخ من العلماء الف�ضالء‬ ‫ا َّلذين يطئون ذيول البالغة‪ ،‬ويجرون ف�ضول الرباعة‪ ،‬ولهم كالم‬ ‫يت�أ َّلق منه �شعاع َّ‬ ‫ال�شرق‪ ،‬ويرتقرق عليه �صفاء العقل‪ ،‬وينبثُّ‬ ‫فيه فرند احلكمة‪ ،‬ويعر�ض على حلى البيان‪ ،‬وينق�ش يف َف ِّ�ص‬ ‫الزَّمان‪ ،‬ويحفظ على وجه ال َّدهر‪ ،‬ويف�ضح عقائل ال ُّدر‪ ،‬ويخجل‬ ‫نور َّ‬ ‫ال�شم�س والبدر‪ ,‬و�أملعت بذكر نبذ من فوائدهم‪ ،‬واختيار‬ ‫طرف من �أنا�شيدهم‪ ،‬ومزجتها مبا جرت �إليه العبارة‪ ،‬وح�سنت‬ ‫فيه الإ�شارة‪ ،‬من قطع ِّ‬ ‫ال�شعر املنا�سبة قطع ال ُّنور‪ ،‬املنتظمة‬ ‫من جواهر ال َّلفظ‪ ،‬البعيدة الغور‪ ،‬الغريبة احلفظ‪ ،‬الآخذة من‬ ‫احل�سن ب�أوفر ِّ‬ ‫احلظ‪ ،‬مقتديا يف ذلك ك ِّله بقول القائل‪:‬‬ ‫قالوا خذ العني من ِّ‬ ‫كل فقلت لهم‬ ‫يف العـني ف�ضـل ولـكن ناظر العني‬ ‫ح ــرفــان فـي �ألــف طـومـار مـ�سـودة‬ ‫وربـمـا مل تـجـد فـي الألـف حـرفـني‬ ‫وملا ب َّوبت ما �أ َّلفت‪ ،‬ور�صعت ما جمعت‪ ،‬و�شع�شعت ما و�ضعت‪،‬‬ ‫فجاء كما تراه ح�سن ال َّزيِّ ‪ ،‬عذب ال َّريِّ ‪ ،‬عايل القدر‪ ،‬غايل ال ُّدر‪،‬‬ ‫م�سبوك احللية والتِّرب‪ ،‬فيه للم�سمع مراد‪ ،‬وللفكر معاد‪ ،‬وللألباب‬ ‫م�سرح ومرتاد‪� ,‬سميته‪ :‬بـ «تاج املفرق يف حتلية علماء امل�شرق»‪,‬‬ ‫ودعوت اهلل تعاىل يف مواطن الإجابة‪� ،‬أن يو ِّفقني فيه للإجادة‬ ‫والإ�صابة‪ ،‬و�أن ينفع به َّ‬ ‫كل من يلتم�س ال َّنفع به يف املطالعة �أو‬ ‫الكتابة‪ ،‬وهو �سبحانه �سميع ال ُّدعاء‪ ،‬جميب ال ِّنداء‪ ،‬حم ِّقق‬ ‫ال َّرجاء‪ ،‬وهو ح�سبي ونعم الوكيل»‪.‬‬ ‫ال�سائح‪ ,‬وقد �أثبت يف تقدميه للكتاب �أنَّ ابن ُّ‬ ‫بطوطة ربمَّ ا‬ ‫(‪ )5‬طبعت بتحقيق ح�سن َّ‬ ‫�سمع با�سم عامل من علماء البلد ا َّلتي زارها فيذكر ا�سمه يف رحلته ولو مل يتَّ�صل‬ ‫مما �سمعه وي�ضمنه رحلته وك�أ َّنه‬ ‫به اتِّ�صا ًال �شخ�ص ًّيا‪� ،‬أو يقابله حقيقة‪ ،‬بل ي�ستفيد َّ‬ ‫قابله �أو �شاهده‪ ،‬كما فعل يف تون�س حني ذكر عل ًما من �أعالمها وهو ابن الغماز‪.‬‬


‫(‪« )6‬فهر�س الفهار�س» (‪)472/833/2‬؛ كما �أفرد ترجمته بال َّت�أليف حفيده �أبو عبد‬ ‫اهلل حم ًَّمد بن حمزة بن �أبي �سامل يف كتابه‪« :‬الزَّهر البا�سم يف جملة من كالم‬ ‫�أبي �سامل»‪.‬‬ ‫(‪� )7‬أبو عبد اهلل حم َّمد َّ‬ ‫ال�شهري بامل�سناوي ابن �أحمد بن حم َّمد امللقَّب بامل�سناوي ابن‬ ‫حم َّمد بن �أبي بكر الدَّالئي �صاحب ر�سالة «ن�صرة القب�ض وال َّر ُّد على من �أنكر‬ ‫م�شروعيته يف �صالتي ال َّنفل والفر�ض» ا َّلتي طبعت لكن مل حتقَّق‪ .‬وكتابه «جهد‬ ‫ِّ‬ ‫املقل القا�صر يف ن�صرة َّ‬ ‫ال�شيخ عبد القادر» خمطوط مل يطبع بعد ويبدو من خالله‬ ‫�أنَّ م�ص ِّنفه مثبت ل�صفات الباري ع َّز وجل‪َّ.‬‬

‫سيرة وتاريخ‬

‫ومن �أ�شهر ال َّرحالت كذلك‪« :‬الرحلة العيا�شية �إىل الديار‬ ‫النورانية �أو ماء املوائد» لأبي �سامل عبد اهلل بن حم َّمد بن �أبي‬ ‫بكر الع َّيا�شي املغربي املتو َّفى �سنة (‪ 1090‬هـ)ـ‪.‬‬ ‫ا َّلذي ترجم له الكتَّاين(‪ )6‬بقوله‪« :‬العيا�شي ن�سبة �إىل �آيت‬ ‫ال�صحراء من �أحواز‬ ‫عيا�ش قبيلة من الرببر تتاخم بالدهم َّ‬ ‫�سجلما�سة ويقال للواحد منهم بلغتهم فالن �أعيا�ش قاله َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫امل�سناوي يف كتابه «جهد ِّ‬ ‫املقل القا�صر»(‪.)7‬‬ ‫أي�ضا‪�« :‬أ َّلف رحلته َّ‬ ‫وقال � ً‬ ‫ال�شهرية يف جم َّلدين كبريين» اهـ‪.‬‬ ‫وهي مطبوعة بفا�س‪ ,‬قال عنها َّ‬ ‫ال�شيخ امل�سناوي يف «جهد‬ ‫ِّ‬ ‫املقل القا�صر»‪« :‬ج َّمة الفوائد عذبة املوارد‪ ,‬غزيرة ال َّنفع جليلة‬ ‫القدر‪ ,‬جامعة يف امل�سائل العلم َّية املتن ِّوعة ما يفوت احل�صر‪,‬‬ ‫�سل�سة امل�ساق والعبارة‪ ,‬مليحة التَّ�صريح والإ�شارة‪.‬‬ ‫طبعت ال ِّرحلة قد ًميا طبع ًة حجر َّية بفا�س (‪ 1316‬هـ)‪,‬‬ ‫حجي‪ ،‬م�صورة عن َّ‬ ‫َّ‬ ‫الطبعة‬ ‫والطبعة ال َّثانية بتحقيق حم َّمد ِّ‬ ‫الأوىل‪َّ ,‬‬ ‫ال�سويدي لل َّن�شر والتَّوزيع �أبو ظبي‬ ‫والطبعة الث َّالثة يف دار ُّ‬

‫بتحقيق د‪� .‬سعيد الفا�ضلي و د‪� .‬سليمان القر�شي‪.‬‬ ‫ويوجد يف مكتبة البلدية يف مدينة الإ�سكندر َّية مب�صر ن�سخة‬ ‫خمطوطة حتت رقم (‪3437‬ج) يف جز�أين‪ٍّ ،‬‬ ‫مغربي جميل‪،‬‬ ‫بخط‬ ‫ٍّ‬ ‫كما �أنَّ هناك ن�سخة ثانية يف مكتبة ا�ستانبول برقم (‪.)2415‬‬ ‫أ�شعري العقيدة غار ٌق يف التَّ�ص ُّوف‬ ‫مالكي املذهب � ُّ‬ ‫ـ والع َّيا�شي ُّ‬ ‫ما ترك يف رحلته ق ًربا وال مزا ًرا �إ َّال دعا عنده ورجا بركة �صاحبه‬ ‫وذكر �شي ًئا من كراماته‪ ,‬والغل ُّو يف القبور يف رحلته وا�ض ٌح ِّ‬ ‫لكل‬ ‫ناظر ومت�ص ِّفح‪.‬‬ ‫وهو حمدِّ ث وفقيه يفتي �أهل القرى ا َّلتي ينزل بها ويد ِّر�سهم‬ ‫فقد �شرح منظومة الإ�شبيلي يف امل�صطلح؛ كما يروي الأحاديث‬ ‫�صحة و�ضع ًفا ومع هذا هو �شاعر و�أديب‬ ‫ب�إ�سناده ويحكم عليها َّ‬ ‫و�صو ٌّ‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫َّو�سل بال َّر�سول ُ‬ ‫يف بارع يف الت ُّ‬ ‫وج ُّل �شعره يف مديح ال َّن ِّ‬ ‫بل ك َّلما عاقه يف �سفره عائق يلج�أ �إىل اال�ستغاثة �إىل اهلل بنب ِّيه‬ ‫الكرمي وبالق�صائد املدح َّية لإزالة العوائق وك�شف الكربات بل‬ ‫ال�صعاب يف ال ِّرحلة يعود �إىل تلكم الق�صائد ـ‬ ‫يعتقد �أنَّ تذليل ِّ‬ ‫وهو مع ِّ‬ ‫كل هذا من �أ�صحاب املوالد والزَّارات وامل�شاهد ـ ويذكر‬ ‫�أ َّنه مدح ال َّر�سول ‪ Í‬يف املولد يف ق�صائد رتَّبها على حروف‬ ‫املعجم‪.‬‬ ‫وعقد ف�ص ًال يف رحلته وجمع ر�سالة �س َّماها «حترير كالم‬ ‫بي يف ال َّنوم»‪ ,‬ح�شد فيها ال ُّن�صو�ص و�ساق‬ ‫القوم يف �أمر ال َّن ِّ‬ ‫بي يف‬ ‫ع�شرات الأقوال للأ َّمية يف امل�س�ألة كما َّ‬ ‫رجح فيها ر�ؤية ال َّن ِّ‬ ‫اليقظة على مذهب املت�ص ِّوفة وعمدته يف ذلك ر�سالة «الكواكب‬ ‫الزَّاهرة يف اجتماع الأولياء يقظة ب�سيد الأولني والآخرين يف‬ ‫لل�شيخ عبد القادر بن مغيزل َّ‬ ‫ال ُّدنيا والآخرة» َّ‬ ‫ال�شاذيل(‪.)8‬‬ ‫وم�سار رحلته كان ابتدا ًء ب�سجلما�سة ما ًّرا مبدينتي تقرت‬ ‫وورقلة وقد �س َّماهما يف رحلته (�أوكرت و وارك َال)�إىل طرابل�س‬ ‫فالقاهرة �إىل رابغ فمكة واملدينة كما انتقل يف عودته �إىل القد�س‬ ‫واخلليل وغزَّة َّثم م َّر بب�سكرة �إىل �أن و�صل لبلده ظهر الأربعاء‬ ‫�سابع ع�شر �ش َّوال �سنة �أربع و�سبعني و�ألف‪.‬‬ ‫الذهبي يف «العرب» فقال‪َّ :‬‬ ‫(‪ )8‬ذكره الإمام َّ‬ ‫علي بن عبد اهلل بن‬ ‫«ال�شاذيل �أبو احل�سن ُّ‬ ‫عبد اجل َّبار املغربي‪ ،‬الزَّاهد‪� ،‬شيخ َّ‬ ‫الطائفة َّ‬ ‫ال�شاذل َّية‪� ،‬سكن الإ�سكندرية وله‬ ‫عبارات يف التَّ�ص ُّوف توهم‪ ،‬ويتك َّلف له يف االعتذار عنها‪ ،‬وعنه �أخذ �أبو الع َّبا�س‬ ‫املر�سي‪ ،‬يِّ‬ ‫وتوف َّ‬ ‫متوجهًا �إىل بيت اهلل احلرام يف �أوائل‬ ‫ال�شاذيل ب�صحراء عيذاب ِّ‬ ‫ذي القعدة ‪656‬هـ»‪ ،‬عيذاب‪ :‬على طريق ال�صعيد مب�صر‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪31‬‬


‫سيرة وتاريخ‬

‫ويذكر يف هذه ال ِّرحلة زيارة الأتقياء ولقاء امل�شايخ الف�ضالء‬ ‫ممن اجتمع بهم من العلماء‬ ‫وحما�ضرة الأدباء الف�ضالء و فوائد َّ‬ ‫والأئ َّمة وما وقف عليه من كتب و�شروح يف مكتباتهم‪.‬‬ ‫خ�ص م�شيخته بفهر�سة �س َّماها‪« :‬اقتفاء الأثر» ذكر‬ ‫وقد َّ‬ ‫�شيوخه املغاربة وامل�شارقة وع َّرف بهم ومبا �أخذ عنهم‪.‬‬ ‫ويبلغ جمموع ُّ‬ ‫ممن �أخذ‬ ‫ال�شيوخ ا َّلذين لقيهم يف وجهته َّ‬ ‫عنهم من العلماء و�أ�صحاب َّ‬ ‫الطلب‪� ،‬أو ا َّلذين تبادل معهم الأخذ‬ ‫�أو �أفادوا منه‪ ،‬ما يزيد على ت�سعني رج ًال‪.‬‬ ‫* �أخذه للقر�آن الكرمي‪:‬‬ ‫و�أ َّول من قر�أ عليه باملدينة غداة نزوله بها‪َّ ،‬‬ ‫ال�شيخ املقرئ‬ ‫�أبو احل�سن علي الديبع اليمني قال‪ :‬ف�س�ألته �أن �أقر�أ عليه ختمة‬ ‫من القر�آن العظيم بقراءة الإمام عبد اهلل بن كثري امل ِّكي‪ ،‬ف�أذن‬ ‫معلوما بني من يقر�أ عليه و… كان‬ ‫يف ذلك‪ ،‬وجعل يل وقتًا‬ ‫ً‬ ‫ال�سبع‪ ،‬جميدً ا لها‪ ،‬ح�سن التِّالوة‪ ،‬ما �سمعت‬ ‫حم ِّق ًقا لقراءة َّ‬ ‫�أذين يف �أقطار الأر�ض ك ِّلها ـ على كرثة ما �سمعت ـ �أح�سن منه‬ ‫تالوته للقر�آن و�أطيب منه نغمة به‪ ،‬و�أجود منه ترتي ًال له‪ ،‬يعطي‬ ‫احلروف حقَّها يف خمارجها من غري �إفراط وال تفريط يف ت�ؤدة‬ ‫يرجع فيها ترجيع‬ ‫و�سكون ووقار‪ ،‬بقراءة م�سرت�سلة متنا�سبة‪ ،‬ال ِّ‬ ‫�أهل الأحلان… وال مي ُّد يف غري حمل املدِّ ‪ ،‬وال يرتكه يف حم ِّله‬ ‫ً‬ ‫تو�سط وتفخيم وترقيق وتغليط وت�شديد‬ ‫حمافظا على مراتبه من ُّ‬ ‫وغ َّنة و�إظهار و�إخفاء‪� ,‬إذا ر�أيته يقر�أ ر�أيت �أ َّنه يخ�شى اهلل‪.‬‬ ‫ومن العلماء ا َّلذين التقى بهم يف رحلته كما يذكر يف ترجمة‬ ‫َّ‬ ‫ال�شيخ حم َّمد بن عبد الكرمي الفكون الق�سنطيني(‪ )10‬ما �أنتجه والده‬ ‫ال�شيخ من كتابة وت�أليف‪ ,‬وكان َّ‬ ‫َّ‬ ‫احلاج‬ ‫ال�شيخ االبن حم َّمد‪� ،‬أم َري ركب ِّ‬ ‫اجلزائري ا َّلذي ينطلق من ق�سنطينة‪ ،‬لقيه �أبو �سامل يف �أوىل �إمارة‬ ‫ال َّركب‪ ,‬وكان �أبو �سامل قد �أدرك َّ‬ ‫ال�شيخ الوالد عبد الكرمي الفكون‬ ‫(‪)9‬‬

‫حج معه �سنة (‪ 1064‬هـ)‪.‬‬ ‫(ت ‪ 1073‬هـ) والتقى به ملا َّ‬ ‫(‪ )9‬ن�شرت فهر�سة «اقتفاء الأثر» بتحقيق الأ�ستاذة نفي�سة َّ‬ ‫الذهبي‪ ،‬و�صدرت �ضمن‬ ‫من�شورات ك ِّل َّية الآداب بال ِّرباط‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫ال�سلفية» لأبي القا�سم �سعد اهلل‪,‬‬ ‫(‪�« )10‬شيخ اال�سالم عبد الكرمي الفكون ‪ /‬داعية َّ‬ ‫ال َّنا�شر‪ :‬دار الغرب الإ�سالمي ـ بريوت‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫مما َّ‬ ‫اطلع عليه من كتب َّ‬ ‫ال�شيخ(‪:)11‬‬ ‫فكان َّ‬ ‫ـ «�شرح على �أرجوزة املكودي يف التَّ�صريف»‪ ،‬وهو �شرح ج ِّيد‪ ،‬فاق‬ ‫فيه ـ ح�سب �أبي �سامل ـ �شرح �أبي عبد اهلل املرابط الدالئي(‪.)12‬‬ ‫ـ«جزء يف حترمي ال ُّدخان»(‪.)13‬‬ ‫ـ«كتاب يف حوادث فقراء الوقت»‪.‬‬ ‫ـ«�شرح خمارج احلروف من َّ‬ ‫ال�شاطب َّية»‪.‬‬ ‫ـ«�شرح المية اجلمل البن املجراد ال�سلوي»‪.‬‬ ‫ـ �شرح �شواهد َّ‬ ‫ال�شريف على اجلرومية‪.‬‬ ‫كما َّ‬ ‫اطلع �أبو �سامل يف م َّكة � ً‬ ‫أي�ضا على كتب نادرة �أخرى‪ ،‬منها‬ ‫«تاريخ الإ�سالم» َّ‬ ‫للذهبي يف ع�شرة �أجزاء كبار‪.‬‬ ‫* فوائد وغرائب ‪:‬‬ ‫من ال َّنوادر ا َّلتي �ساقها �أ َّنه دخل مدينة ورقلة و�أقام بها‬ ‫حل�ضور �صالة اجلمعة‪ ,‬و�ص َّلى بجامع املالكية‪ ,‬خطب بها اخلطيب‬ ‫خطبة �أكرث فيها ال َّلحن واخلط�أ والتَّحريف مع �إدغام �أكرث‬ ‫ت�صح معه جمعة �إن كانت �صالته‬ ‫حروفها‪ ,‬فكان يتخ َّوف �أن ال َّ‬ ‫كخطبته ا َّلتي دعا فيها للإمام املهدي َّثم لل�سلطان الأعظم‪ ,‬فل َّما‬ ‫بي‬ ‫�س�أل اخلطيب عن املهدي �أهو املنتظر �أم غريه �أجاب ب�أ َّنه ال َّن ُّ‬ ‫فظهر �أ َّنه ال يفقه �شي ًئا‪ ,‬قال ال ُّرحلة‪ :‬فعلمت �أنَّ اخلطبة مكتوبة‬ ‫يف �صحيفة من �أ َّيام املهدي بن تومرت‪.‬‬ ‫ومن الغرائب(‪� )14‬أ َّنه ق�صد م�سجدً ا ل�صالة املغرب ُمتقنَ‬ ‫جم�ص�ص الأر�ض واحليطان‪ ,‬على بابه �أماكن‪ ,‬وبجانبه‬ ‫ال�صنعة‪َّ ,‬‬ ‫َّ‬ ‫مائ�ضة مع َّدة للو�ضوء ومكان لق�ضاء احلاجة وت�سخني املاء‪ ,‬قال‪:‬‬ ‫كب �أرب ًعا �أ َّول الأذان و�أرب ًعا �آخ ًرا‬ ‫ف�أعجبني غاية فل َّما دخل امل� ِّؤذن رَّ‬ ‫ف�أنكر ذلك يف نف�سه �إذ القوم مالكية يف ظ ِّنه فل َّما دخل ال َّنا�س‬ ‫لل�صالة ابتدروا زوايا امل�سجد يتي َّممون‪ ,‬فقلت‪ :‬عج ًبا ه�ؤالء كلُّهم‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )11‬ما ذكر من م�ؤ َّلفات ال تزال خمطوطة وما طبع منها مل يذكره ال َّر َّحالة وهو كتاب‬ ‫«من�شور الهداية يف من ادعى العلم والوالية»‪ ,‬تقدمي و حتقيق و تعليق‪ :‬الدُّكتور �أبو‬ ‫القا�سم �سعد اهلل‪ ,‬ن�شر‪ :‬دار الغرب الإ�سالمي ـ بريوت‪.‬‬ ‫ال�سبعني لرواة الإقرا[كذا] عدَّة»‪ :‬ذكر �أبو‬ ‫ومن م�ؤ َّلفاته «�سربال ال ِّردَّة يف من جعل َّ‬ ‫القا�سم �سعد اهلل يف مو�سوعته «تاريخ اجلزائر»‪� )25/2( :‬أنَّ الكتاب خمطوط‬ ‫غني بالآراء وال ُّنقول‪ ،‬عالج فيه �أنواع القراءات‬ ‫بباري�س‪ ،‬وهو ت�أليف يف القراءات‪ٌّ ،‬‬ ‫ورواتها‪.‬‬ ‫حجي ـ املطبعة الوطن َّية‬ ‫يا�سي» ملح َّمد ِّ‬ ‫(‪ )12‬انظر‪« :‬الزَّاوية الدالئية ودورها الدِّ يني ِّ‬ ‫وال�س ّ‬ ‫ال ِّرباط ـ؛ وله �شرح على ت�صريف الأفعال توجد منه ن�سخة بخزانة َّ‬ ‫ال�شيخ الب�شري‬ ‫حممودي بالغرب اجلزائري‪ ,‬انظر فهر�سة رقم ‪48.‬‬ ‫ال�سنان يف نحور �أ�صحاب الدُّخان» َّ‬ ‫خل�صه الع َّيا�شي يف رحلته‪.‬‬ ‫(‪ )13‬وا�سمه‪« :‬حمدد ِّ‬ ‫(‪ )14‬انظر (‪ 116‬ـ ‪ )126‬من ال ِّرحلة‪.‬‬


‫ومن ال َّرحالت ا َّلتي تزخر بها خزانة املغاربة‪:‬‬ ‫«�أ�صفى املوارد يف تهذيب نظم ال ِّرحلة احلجازية َّ‬ ‫لل�شيخ‬ ‫ال�سو�سي‪ ,‬طبعة املغرب‪.‬‬ ‫الوالد» ملح َّمد املختار ُّ‬ ‫«رحلة التجاين» ت�أليف �أبي حم َّمد عبداهلل بن حم َّمد ابن‬ ‫�أحمد التجانى التُّون�سي (ت ‪ 717‬هـ)‪ ,‬طبع يف ال َّدار العرب َّية‬ ‫للكتاب ليبيا ـ تون�س (‪.)1981‬‬

‫سيرة وتاريخ‬

‫من ذوي الأعذار َّثم وقع يف نف�سي �أ َّنهم رواف�ض‪َّ ,‬ثم �س�أل بعد‬ ‫ذلك ف�إذا هم طائفة من الإبا�ض َّية من �أتباع عبد اهلل بن �أبا�ض‬ ‫يوافقون املعتزلة يف �أكرث عوائدهم‪ ,‬كنفي الر�ؤية والقول بخلق‬ ‫ال�صحابة‪ ,‬وهم كثريون يف هذه القرية‪,‬‬ ‫القر�آن‪ ,‬ويبغ�ضون بع�ض َّ‬ ‫‪.‬و�أ�صل مادَّتهم من جبال �أبا�ض وهم كلُّهم رواف�ض(‪ ,)15‬وه�ؤالء‬ ‫ن�ص على هذه‬ ‫ال َّرواف�ض ي�س ُّمون �أ�شياخهم بعم فالن‪ ,‬فيقولون َّ‬ ‫عم ابراهيم‪.‬‬ ‫عم داود �أو ِّ‬ ‫امل�س�ألة ِّ‬ ‫وقال � ً‬ ‫أي�ضا‪ :‬وجدنا يف بع�ض املزارع رج ًال يحرث ببقرة‬ ‫واحدة‪ ,‬و�آخر يحرث بجمل‪ ,‬والأعجب منهما �إن�سان يحرث‬ ‫ب�إن�سان �آخر مي�سك �أحدهما املحراث ويجر الآخر‪.‬‬ ‫رغم طبع هذه ال ِّرحلة ع َّدة طبعات فهي مل حتقَّق حتقي ًقا‬ ‫وتو�سل غري م�شروع‬ ‫علم ًّيا يك�شف ما فيها من غل ٍّو يف َّ‬ ‫ال�صاحلني ُّ‬ ‫لل�صفات وغريها من امل�سائل العقد َّية امله َّمة‪.‬‬ ‫وت� ٍ‬ ‫أويل ِّ‬

‫«نا�صر ال ِّدَين على القوم الكافرين» ـ خمطوط ـ وهو‬ ‫املخت�صر من كتاب «رحلة ِّ‬ ‫ال�شهاب»‪.‬‬ ‫م�ؤ ِّلفه ‪� :‬أحمد بن قا�سم بن �أحمد بن الفقيه قا�سم‪.‬‬ ‫دار الكتب امل�صر َّية القاهرة رقم (‪ ,)1634‬عدد الأوراق‪:‬‬ ‫‪ 38‬ورقة‪.‬‬ ‫«رحلة العبدري» (ت بعد ‪ 688‬هـ)‪ ,‬وهو الع َّالمة الأديب‬ ‫املحدِّ ث امل�سند ال َّناقد ال َّر َّحال �أبو عبد اهلل حم َّمد بن حم َّمد ابن‬ ‫حم َّمد بن علي بن �أحمد بن م�سعود العبدري املغربي املالكي‪.‬‬ ‫اجتماعه بابن دقيق العيد‪ ,‬ومدحه البن‬ ‫يحكي يف رحلته‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫القطان الفا�سي‬ ‫قال الزِّ ركلي يف «الأعالم» (‪ :)31/7‬كتاب (رحلته ـ خ) ن�شر‬ ‫�شاربونو )‪ (Charbonneau‬مقتطفات منه يف املجلة الآ�سيوية‬ ‫(‪ 4‬من احللقة اخلام�سة) ومنه خمطوطة م�ص َّورة كاملة يف دار‬ ‫الكتب امل�صر َّية (رقم ‪ 2218‬تاريخ‪ ،‬تيمور) وكان العبدري قد بد�أ‬ ‫بتقييدها يف تلم�سان‪ ,‬ورحل من تلم�سان يف ربيع الأ َّول (‪ 689‬هـ)‪,‬‬ ‫احلج‪ ،‬وا�ستق َّر يف بلده‪ ،‬حيث �أجنز‬ ‫َّثم عاد �إليها يف طريقه بعد ِّ‬ ‫ال ِّرحلة‪ .‬اهـ‬ ‫«رحلة ابن جبري»‪ :‬لأبي احل�سن حم َّمد بن �أحمد بن جبري‬ ‫الكناين الأندل�سي البلن�سي‪� ,‬س َّماها‪« :‬تذكرة بالأخبار عن ا ِّتفاقات‬ ‫الأ�سفار»‪ ,‬ابتد�أ بتقييدها يوم اجلمعة يِّ‬ ‫املوف ثالثني ل�ش َّوال �سنة‬ ‫(‪ 578‬هـ)‪.‬‬ ‫�سمع من �أبيه ب�شاطبة وعني بالأدب فبلغ الغاية فيه وتق َّدم‬ ‫يف �صناعة القري�ض والكتابة‪ ,‬خرج من غرناطة يف رحلته الأوىل‬ ‫يوما ورحل �إىل‬ ‫�سنة ‪ 578‬هـ وو�صل �إىل اال�سكندرية بعد ثالثني ً‬ ‫َّ‬ ‫ال�شام والعراق واجلزيرة وغريها َّثم عاد �إىل الأندل�س �سنة‬ ‫(‪ 581‬هـ)‪ ,‬وذكر يف هذه ال ِّرحلة ما �شاهده من الآثار‪ ,‬وو�صف‬

‫ال�سلطان �صالح الدِّ ين الأ ُّيوبي وامل�سجد‬ ‫حال م�صر يف زمن ُّ‬ ‫«رحلة الوزير يف افتكاك الأ�سري» ت�أليف الوزير حم َّمد ابن‬ ‫وال�ساعة العجيبة ا َّلتي كانت فيه وانتقد‬ ‫الأق�صى واجلامع الأموي َّ‬ ‫الغ�ساين الأندل�سي الفا�سي املالكي (ت ‪ 1119‬هـ)‪,‬‬ ‫عبد َّ‬ ‫الوهاب َّ‬ ‫كث ًريا من الأحوال‪.‬‬ ‫ال�سويدي ـ الإمارات‪َّ ,‬‬ ‫الطبعة الأوىل (‪ )2002‬بتحقيق‬ ‫طبع يف دار ُّ‬ ‫وال َّثانية رحلها بعد فتح بيت املقد�س على يد �صالح الدِّ ين‪,‬‬ ‫نوري اجلراح‪.‬‬ ‫تبد�أ �سنة (‪ 585‬هـ) وتنتهي �سنة (‪ 587‬هـ)‪.‬‬ ‫(‪ )15‬ال�صواب �أنهم ين�سبون �إىل اخلوارج [التحرير]‪.‬‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪33‬‬


‫سيرة وتاريخ‬

‫ؤن�سا للغرباء‪ ,‬عا�ش ًقا لق�ضاء حوائج ال َّنا�س‪,‬‬ ‫وال َّثالثة من �سبتة �إىل م َّكة املك َّرمة وبيت املقد�س‪ ,‬وكان املرتجم من �أهل املروءات‪ ,‬م� ً‬ ‫كانت وفاته باال�سكندرية‪.‬‬ ‫طبعت رحلته با�سم‪« :‬رحلة ابن جبري» �أو «ال ِّرحلة �إىل امل�شرق»‪ ,‬ومعها مقدِّ مة باللُّغة االنكليزية للم�ست�شرق ويليم ريط ليدن �سنة‬ ‫ال�سعادة م�صر �سنة (‪1326‬هـ ـ ‪1908‬م)‪.‬‬ ‫(‪1852‬م)‪َّ ,‬ثم �سنة (‪1907‬م) على نفقة جلنة تذكار جيب‪ ,‬ويف مطبعة َّ‬ ‫«ملء العيبة مبا جمع بطول الغيبة يف الوجهة الوجيهة �إىل احلرمني م َّكة و طيبة» املعروفة بـ‪« :‬رحلة ابن ر�شيد ال�سبتي»‬ ‫(ت‪721‬هـ)‪.‬‬ ‫طبعة ال َّدار التُّون�سية لل َّن�شر ‪ 1402‬هـ ـ ‪1982‬م حتقيق‪ :‬ال ُّدكتور حم َّمد احلبيب بن اخلوجة‪.‬‬ ‫لل�شيخ �أبي اجلمال حم َّمد َّ‬ ‫«ال ِّرحلة الإبريز َّية �إىل الدِّيار الإجنليز َّية» َّ‬ ‫الطاهر بن عبد ال َّرحمن الفا�سي‪.‬‬ ‫كتاب ممتع حكى فيه م�ؤ ِّلفه ما �شاهده يف رحلة �إىل الدِّ يار الإجنليز َّية قام بها عام (‪ 1276‬هـ) املوافق (‪1860‬م) ك�سفري لل َّدولة‬ ‫املغرب َّية العلو َّية‪ ,‬وهو ي�صف العجائب والغرائب ا َّلتي �شاهدها هناك مبا فيها من عربة ملن اعترب‪.‬‬ ‫طبع يف جامعة حم َّمد اخلام�س �سنة (‪ 1387‬هـ ـ ‪1967‬م) بتحقيق الأ�ستاذ حم َّمد الفا�سي‪.‬‬ ‫رحالت علم َّي ٍة للمغاربة راج ًيا من اهلل التَّوفيق والعون لذكر ما حوته من فوائد‪ ,‬واقتنا�ص ما‬ ‫هذا ما ت�س َّنى ذكره يف هذا املقام من‬ ‫ٍ‬ ‫فيها من �شوارد الفرائد‪ ,‬يف مقام �آخر واحلمد هلل �أ َّو ًال و�آخ ًرا وظاه ًرا وباط ًنا و�ص َّلى اهلل على حم َّمد نب ِّينا وعلى �آله و�صحبه و�س َّلم‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬


‫�أ�ستاذ بكلية العلوم الإ�سالمية بجامعة اجلزائر‬

‫فتاوى شرعية‬

‫يف ضابط املسابقات وحكم‬ ‫الدورات الرياضية بني املساجد‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد علي فركو�س‬

‫كالتح ُّزب���ات و�إثار ِة الفنت وتنمي ِة الأحق���اد والبغ�ضاء والتَّنافر‪� ،‬أو‬ ‫ال�سـ�ؤال‪:‬‬ ‫�ضابطا يف عموم كانت قائم ًة على احل ِّ‬ ‫و�ش ْبهِ ِه؛ ويف مثل هذه‬ ‫���ظ وامل�صادفة كالنرَّ د ِ‬ ‫ً‬ ‫نرجو من �شيخنا الفا�ضل �أن يذكر لنا‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫امل�سابقات ويف�صِّ ل لنا يف هذه امل�س�ألة ا َّلتي َع َّمت بها البلوى‪ ،‬امل�سابقات يحرم َب ْذل ال ِع َو ِ�ض عليها ا ِّتفاقا‪.‬‬ ‫�أ َّم���ا �إذا انتف���ت هذه الأو�ص���اف عنها‪ ،‬ف�إن كان���ت مبن َّي ًة على‬ ‫ال�صيف‪� ،‬أال وهي‪ :‬الدَّورات ال َّرِيا�ض َّية‪,‬‬ ‫خا�ص ًة يف ف�صل َّ‬ ‫َّ‬ ‫حت�صي���ل املقا�صد َّ‬ ‫ال�شرع َّية يف الغ���زو واالنتفاع بها يف اجلهاد يف‬ ‫وتفا�صيلها كما يلي‪:‬‬ ‫ومر�ضي هلل‬ ‫���وب فيه‬ ‫ال�سباق عليه‬ ‫حمبوب ومرغ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫كل م�سجد يك ِّون �سبي���ل اهلل ف����إنَّ ِّ‬ ‫ٌُّ‬ ‫ُت َن َّظ ُم هذه الدَّورة بني امل�ساجد‪ ،‬حيث ُّ‬ ‫�ستحب َب ْذ ُل ال ِع َو ِ�ض عليه‪ ،‬و�إن كانت خالي ًة من املقا�صد‬ ‫حم�سن مببل ٍغ من املال بح�سبه‪ ،‬تع���اىل‪ ،‬و ُي ُّ‬ ‫خا�صا به‪ ،‬و ُي�سهم ُّ‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫فري ًقا ًّ‬ ‫ال�سابق���ة وال معن���ى لها �سوى بناء اجل�سم وتقويت���ه وتن�شيط ال َّدم‬ ‫َّ‬ ‫ث َّم جُتمع تلك الأموال‪ ،‬وي�شرتى بها ر�سائل يف الفقه �أو‬ ‫ت َم ُع و ُت َو َّزع على الفقراء والع�ض�ل�ات باحل���ركات ق�صد التَّخلُّ����ص من الأمرا����ض العالقة‬ ‫يف ال َّتوحيد لعوا ِّم ال َّنا�س؛ �أو جُْ‬ ‫وامل�ساكني �أو ُت�صْ َر ُف يف بناء امل�ساجد وامل�ص َّل َيات و�سائر وجوه والأ�سق���ام املزمنة‪ ،‬ف�إنَّ مثل ه���ذه امل�سابقات تندرج حتت قاعدة‪:‬‬ ‫اح ُة َوا َ‬ ‫جل َوا ُز»‪ ،‬وهي‬ ‫«الأَ�صْ ُل فيِ الأَ�شْ َيا ِء َوالأَ ْع َيانِ امل ُ ْن َت َف ِع ِبهَا ا ِلإ َب َ‬ ‫رب واخلري‪.‬‬ ‫ال ِّ‬ ‫ال تنايف � َ‬ ‫أ�صول َّ‬ ‫ال�شريعة يف اجلملة الآمرة ب�إعداد ال ُق َّوة اجل�سد َّية‬ ‫ريا‪.‬‬ ‫�أفيدونا‪ ،‬وجزاكم اهلل خ ً‬ ‫�شرعا‪.‬‬ ‫جائز‬ ‫غري‬ ‫عليها‬ ‫العو�ض‬ ‫بذل‬ ‫ولكن‬ ‫ة‪,‬‬ ‫ي‬ ‫اجل�سمان‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ودلي ُ‬ ‫����ض على مثل هذه امل�سابقات‬ ‫عدم م�شروع ِّي ِة َب ْذ ِل ال ِع َو ِ‬ ‫���ل ِ‬ ‫اجلـواب‪:‬‬ ‫م���ا �أخرج���ه الأربعة و�أحم���د من حديث �أبي هري���رة ‪ Ç‬قال‪:‬‬ ‫ق���ال ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬ال َ�س َب��� َق �إِ َّال فيِ َن�صْ لٍ َ �أ ْو ُخ ٍّ‬ ‫���ف َ�أ ْو َحافِرٍ »(‪،)1‬‬ ‫�شرعي يظهر يف‬ ‫ب�ضابط‬ ‫�إنَّ عموم امل�سابق���ات ميكن �ضبطها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫�أنَّ ‪ُ :‬ك َّل م�سابق���ة تحُ رم �إذا ما ا�شتملت على حمرم ذاتي �أو و�صفي وه���ذا احلديث و�إن روي ب�إ�س���كان الباء يف قوله‪« :‬ال َ�سبْ���ق‪� »...‬إ َّال‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫والذكر‪� ،‬أو �أنَّ املحف���وظ من ال ِّرواي���ات بفتحها‪ ،‬وهذا املراد من���ه العو�ض �أو‬ ‫كال�ص�ل�اة ِّ‬ ‫���ي‪� ،‬أو َ�ص��� َّدت ع���ن ٍ‬ ‫���ي َّ‬ ‫واجب �شرع ٍّ‬ ‫�أو َ�ش ْرط ٍّ‬ ‫ا�ستوعب���ت جمي َع الوق���ت بحيث ت�صرف عن واجب���ات احلياة‪� ،‬أو (‪� )1‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)2574‬رِّ‬ ‫والتمذي (‪ ،)1700‬وال َّن�سائي (‪ ،)3585‬وابن ماجه‬ ‫ح�سنه الألباين‬ ‫(‪ ،)2878‬وابن ح َّبان (‪ ،)1638‬و�أحمد (‪ ،)474/2‬واحلديث َّ‬ ‫ترتَّ���ب عليها �ضر ٌر م�ؤ َّك���د �أو مف�سد ٌة متحقَّقة فرد َّي��� ًة �أو جماع َّي ًة‪،‬‬ ‫يف «الإرواء»‪.)1506( :‬‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪35‬‬


‫فتاوى شرعية‬

‫ا ُ‬ ‫جل ْع���ل �أو ال ِّرهان‪ ،‬ورواي���ة الإ�سكان ـ ولو ُ�س ِّل َم ـ لكانت حممول ًة على‬ ‫نف���ي الكمال والتَّمام‪� ،‬أي‪ :‬ال َ�س ْب���ق �أكمل منفع ًة و�أ ُّمت م�صلح ًة �إ َّال يف‬ ‫ال َّثالثة‪ ،‬وظاه���ر احلديث يد ُّل على م�شروع َّي���ة امل�سابقات وح�صر‬ ‫َب ْ‬ ‫���ذ ِل ال ِعو�ض عل���ى املذكورات يف احلديث بكونه���ا ريا�ض ًة حممود ًة‬ ‫باعث��� ًة على حت�صيل املقا�ص���د َّ‬ ‫ال�سالفة البي���ان‪ ،‬وما عدا‬ ‫ال�شرعية َّ‬ ‫ذلك فقد نفاه َّ‬ ‫ال�شرع �إ َّما مبفهوم احل�صر �أو بكون الأ�صل يف الأموال‬ ‫حكم املنع وال ُيخْ َر ُم احل�ص ُر الوارد‬ ‫ال َّتح���رمي‪ ،‬وعليه فال ُيعدَل عن ِ‬ ‫�سائغ تتج َّلى فيه تلك‬ ‫دليل‬ ‫ٍ‬ ‫يف احلديث �إ َّال بوج���ود ٍ‬ ‫�صارف �أو ٍ‬ ‫قيا�س ٍ‬ ‫ي�صح بذل ا ُ‬ ‫املقا�صد َّ‬ ‫جلعل �أو ال ِعو�ض عليها‪.‬‬ ‫ال�شرعية حتَّى َّ‬

‫�صارف‬ ‫ن�ص‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ومما يعدل ب���ه عن الأ�صل املق َّرر يف املنع لوجود ٍّ‬ ‫عبد يزيدَ على �شا ٍة ف�صرعه‬ ‫���ي ‪ Í‬ركان َة بنَ ِ‬ ‫عنه م�صارع ُة النب ِّ‬ ‫���ي ‪َّ Í‬ثم عاد ف�صرعه‪ ،‬ف�أ�سلم ور َّد عليه الغنم(‪ ،)2‬واحلديث‬ ‫ال َّنب ُّ‬ ‫خم�ص ً�صا‬ ‫وح َّ�سنه الألباين(‪ ،)3‬فيك���ون احلديث ِّ‬ ‫َج َّوده اب���ن الق ِّيم َ‬ ‫لعموم منع البذل بالعو�ض ُّ‬ ‫بال�شروط والقيود املذكورة �آن ًفا‪.‬‬ ‫و ُيلح���ق به كذلك امل�سابقات ال ِعلم َّي���ة يف حفظ القر�آن الكرمي‬ ‫واحلدي���ث ال َّنب���ويِّ َّ‬ ‫ال�شري���ف ودرايت���ه‪ ،‬ومعرف���ة �أح���كام الفق���ه‬ ‫تنمي‬ ‫وال�سرية ال َّنبو َّية‪ ,‬وغريها من العلوم ال َّنافعة‪� ,‬إذ ِّ‬ ‫���ي ِّ‬ ‫الإ�سالم ِّ‬ ‫(‪� ) 2‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)4078‬رِّ‬ ‫والتمذي (‪ ،)1784‬واحلاكم (‪ ،)452/3‬والبخاري‬ ‫علي‬ ‫يف «التَّاريخ الكبري» (‪ ،)221/82/1/1‬من حديث �أبي جعفر بن حم َّمد بن ِّ‬ ‫ابن ركانة عن �أبيه‪.‬‬ ‫(‪« )3‬الفرو�س َّية» البن الق ِّيم (‪�« ،)202‬إرواء الغليل» (‪.)329/5‬‬

‫‪36‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫وتو�س���ع دائرتها‪ ,‬وتبعث يف ال َّنف����س ُح َّب التَّعلُّم‬ ‫الق���درات العلم َّية ِّ‬ ‫وت�شج���ع التَّناف����س على اخل�ي�ر وال َّنفع‪ ،‬وي���د ُّل عليه ما‬ ‫واملعرف���ة‪ِّ ,‬‬ ‫�أخرج���ه رِّ‬ ‫ال�صدِّ يق ‪ Ç‬رَاهَ ���نَ كفَّا َر‬ ‫التمذي م���ن �أنَّ �أبا بك���ر ِّ‬ ‫م َّك َة على غلبة ال ُّروم للفر�س‪ ،‬وقد َب َذ َل ُك ٌّل منهما ُجع ًال للآخر(‪،)4‬‬ ‫واحلادث���ة وقعت يف زمانه ‪ Í‬من غري نك ٍري‪َّ ،‬‬ ‫فدل �إقرا ُره له على‬ ‫ال�ساد�سة من‬ ‫ال�سن���ة َّ‬ ‫ج���وازِه‪ ،‬عل ًما ب����أنَّ ال ُّروم �إنمَّ���ا انت�صرت يف َّ‬ ‫الهج���رة �أو ما بعدها ومل يقم دليل ن�سخ���ه‪ ،‬ومن جهة �أخرى ف�إنَّ‬ ‫الدِّ ي���ن قيامه با ُ‬ ‫حل َّج���ة واجلهاد‪ ،‬ف�إذا ج���ازت املراهنة على �آالت‬ ‫اجلهاد فهي يف العلم �أوىل باجلواز‪ ،‬وهو مذهب الأحناف(‪ ،)5‬وبه‬ ‫قال ابن تيمية(‪ )6‬وارت�ضاه ابن الق ِّيم(‪ )7‬رحمهم اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫وم���ن ب�ي�ن الأقي�سة ا َّلتي ميك���ن �إحلاقها بامل�ستثني���ات ال َّثالثة‬ ‫ال�سابق���ة املذك���ورة يف احلدي���ث يف ج���واز ب���ذل العو����ض عليها‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫امل�سابق���ة على الأقدام م�ش ًيا وجر ًيا‪ ،‬وق���د نقل ال َّنووي وابن الق ِّيم‬ ‫ج���واز امل�سابقة على الأقدام ب���دون عو�ض‪ ،‬وم�ستن���د الإجماع �أنَّ‬ ‫النبي ‪ Í‬ملَّا كان يف �سفر مع عائ�شة ‪ á‬ف�سابقته على رجلها‬ ‫َّ‬ ‫ف�سبقت���ه‪ ،‬فل َّما حملت ال َّلح���م �سابقته ف�سبقها فقال‪« :‬هَ���ذِ ِه ِب ِت ْل َك‬ ‫ال�س ْب َق���ةِ»(‪ ،)8‬وروى م�سل���م �أنَّ �سلم َة بن الأكوع ‪� Ç‬سا َبقَ رج ًال‬ ‫َّ‬ ‫من الأن�صار بح�ضرة ال َّنبي ‪ Í‬يف يوم ذي َق َرد(‪.)9‬‬ ‫�أ َّم���ا َب ْذ ُل ال ِعو����ض يف امل�سابقة على الأق���دام فحكمها اجلواز‬ ‫ال�صحي���ح مل���ا فيه م���ن ريا�ض��� ِة الب���دن ومتري ِنه عل���ى خفَّة‬ ‫عل���ى َّ‬ ‫مما هو مطلوب يف الغزو‪ ،‬وي�ستعان به‬ ‫احلركة والإ�سراع وال َّن�شاط َّ‬ ‫يف حت�صي���ل املقا�صد َّ‬ ‫ال�شرعية وه���و ال يختلف عن اخليل يف قتال‬ ‫الفر�سان وهو داخل حتت قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﯜ ﯝ﴾ [‪ ،]60 :d‬قال الزُّهري‪ :‬كانوا ي�ستبقون على اخليل‬ ‫وال ِّركاب وعلى �أقدامهم(‪.)10‬‬ ‫و�إىل جتويز البذل ذهب الأحناف(‪ )11‬وبع�ض َّ‬ ‫ال�شافع َّية(‪ )12‬وهو‬ ‫(‪� )4‬أخرجه رِّ‬ ‫التمذي (‪ ،)3193‬من حديث ابن ع َّبا�س ‪.È‬‬ ‫(‪ )5‬انظر‪« :‬حا�شية ابن العابدين» (‪« ،)403/6‬تبيني احلقائق» للزيلعي (‪.)228/6‬‬ ‫(‪« )6‬االختيارات الفقه َّية» (‪.)160‬‬ ‫(‪« )7‬الفرو�س َّية» البن الق ِّيم (‪.)97‬‬ ‫(‪� )8‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)2578‬و�أحمد (‪ ،)27031‬و�أبو نعيم يف «ريا�ضة الأبدان»‬ ‫و�صححه الألباين يف «الإرواء» (‪.)327/5‬‬ ‫(‪ ،)2/39‬من حديث عائ�شة ‪َّ ،á‬‬

‫(‪� )9‬أخرجه م�سلم (‪.)4779‬‬

‫(‪« )10‬امل�ص َّنف» ابن �أبي �شيبة (‪.)34242‬‬ ‫ال�صنائع» للك�ساين (‪« ،)3878/8‬حا�شية ابن العابدين» (‪.)402/6‬‬ ‫(‪« )11‬بدائع َّ‬ ‫(‪« )12‬املجموع �شرح َّ‬ ‫املهذب» (‪ 27/14‬ـ ‪.)30‬‬


‫(‪« )13‬االختيارات» البن تيمية (‪.)160‬‬ ‫(‪� )14‬أخرجه البخاري (‪ ،)2179‬وم�سلم (‪ )1596‬من حديث �أ�سامة بن زيد ‪.È‬‬

‫فتاوى شرعية‬

‫من اختيارات ابن تيمية(‪ )13‬رحمهم اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ال�س َبق ال يحمل على ال َّنفي‬ ‫وعلي���ه ف�إنَّ احلديث الوارد يف نفي َّ‬ ‫املطلق‪ ،‬وال يكون التَّن�صي�ص على ال َّثالثـة يف احلديث ا�ستثنا ًء و�إن‬ ‫خ���رج خمرج اال�ستثناء‪ ،‬و�إنمَّ ا املق�ص���ود به التَّوكيد على معنى �أنَّ‬ ‫ال�س َبق هذه املذك���ورات ال َّثالثة ل�شمول نفعها‬ ‫�أح���قَّ ما بذلتم عليه َّ‬ ‫ومت���ام م�صلحته���ا‪ ،‬وهو ال ينف���ي جواز ما عداه يف ب���ذل العو�ض‪،‬‬ ‫ومثل���ه قول���ه ‪َ « :Í‬ال ِر َب���ا ِ�إ َّال فيِ ال َّن�سِ ي َئ���ةِ»(‪� ،)14‬أي‪ :‬ال ِّربا الأغلظ‬ ‫والأ�ش ُّد يف ال َّن�سيئة وال ينفي ربا الف�ضل‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬و�إذا تق َّرر عدم جواز بذل العو�ض يف امل�سابقات التي مل‬ ‫ي َّ‬ ‫�ص �أو مل تكن يف معن���ى ال َّن ِّ�ص كامل�سابقات بالكرة‬ ‫���دل عليها ال َّن ُّ‬ ‫عموم���ا ف�إ َّنه مينع فيها بذل العو�ض ب����أن ي�أخذ �أحد منهما ب�سبب‬ ‫ً‬ ‫ف���وزه مبل ًغا مال ًّيا �أو عين ًّيا �أو ن�سب ًة يتم َّيز بها الفائز عن اخلا�سر‪،‬‬ ‫أجنبي خارج عن املت�سابقني �أو‬ ‫�سواء كان البذل من الإمام �أو من � ٍّ‬ ‫�أحد املت�سابقني �أو املت�سابقني جمي ًعا ببذل جزء من ذلك اجلعل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لل�ساب���ق على �سب ِقه‪،‬‬ ‫وه���ذا ُكلُّ���ه فيما �إذا كان امل���ال‬ ‫م�شروطا َّ‬ ‫وهو اجلعل الواقع ره ًنا على امل�سابقة‪� ،‬أ َّما �إذا كانت امل�سابقة غري‬ ‫مبال و�إنمَّ ا امل���راد منها خ�صو�ص امل�سابق���ة وا�ستعمالها‬ ‫مرهون���ة ٍ‬ ‫ربع ق�صد امل�ساعدة والتَّعاون طل ًبا‬ ‫طري ًقا جلمع املال على جهة ال َّت ُّ‬ ‫ال�صورة معدود من عقود االرتفاق‬ ‫لل َّثواب من اهلل تعاىل فهو بهذه ُّ‬ ‫ربع والهبة‬ ‫ال�سبق واجلعل‪ ،‬ذل���ك لأنَّ ال َّت ُّ‬ ‫وه���ي خارجة عن عق���ود َّ‬ ‫ال�سبق‪ ،‬فمن حيث الق�صد فن َّية‬ ‫يختل���ف من ع َّدة جوانب عن عقد َّ‬ ‫ال�سع���ي لتحقيق الك�س���ب املادِّي‬ ‫امل�ساب���ق �أو املراه���ن قائمة على َّ‬ ‫ال ُّدني���وي وحت�صي���ل ال َّتف��� ُّوق وانتزاعه بالغلبة بحي���ث يكون غال ًبا‬ ‫للمت�ب�رع �أو الواهب فغر�ض���ه م�ساعدة‬ ‫وخ�صم���ه مغلو ًب���ا‪ ،‬خال ًفا‬ ‫ِّ‬ ‫ال َّنا�س ونفعهم و�إعانتهم على حتقيق حاجياتهم مع ق�صد ال َّثواب‬ ‫ربع غ�ي�ر مبن َّية على‬ ‫الأخ���روي‪ ،‬وم���ن جهة �أخرى ف����إنَّ حقيقة ال َّت ُّ‬ ‫عم���ل يقوم به الغري‪� ،‬إذ لو كان كذلك خلرج عن حقيق ِة كو ِنه هب ًة‬ ‫وانقلب �إىل عقد معاو�ضة‪ ،‬كما يظهر الفرق بينهما جل ًّيا من حيث‬ ‫ال�سبق وال ِّرهان واخلطر واجلعل‬ ‫التَّ�سمية واحلكم؛ ذلك لأنَّ ا�سم َّ‬ ‫وال�صدقة ٍّ‬ ‫ولكل منهما �أحكام مغايرة للأخرى‬ ‫ربع َّ‬ ‫غ�ي�ر الهبة وال َّت ُّ‬

‫وخمالفة لها‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال ال يحكمها‬ ‫وبنا ًء على ما تق َّدم ف�إنَّ ُّ‬ ‫ال�صورة املذكورة يف ُّ‬ ‫ربع���ات با ِّتخاذ هذه‬ ‫ال�سب���ق و�إنمَّ���ا تندرج �ضم���ن عق���ود ال َّت ُّ‬ ‫عق���د َّ‬ ‫ت�ب�رع ونفع ال َّنا�س‪� ،‬إذ‬ ‫امل�سابق���ات ـ و ه���ي جائزة يف الأ�صل ـ و�سيلة ُّ‬ ‫ربع �إخراج الإن�سان ماله لغريه بق�صد الإعانة دون طلب‬ ‫حقيقة ال َّت ُّ‬ ‫ً‬ ‫داخ�ل�ا حتتها فالأ�صل‬ ‫العو����ض وهو من عقود االرتف���اق‪ ،‬وما كان‬ ‫ال�سب���ق املتم ِّثل يف بذل مال على‬ ‫فيه ِ‬ ‫احل��� ُّل واجلواز‪ ،‬بينما حقيقة َّ‬ ‫عم���ل �أو نفع على وجه العو�ض وهو �أقرب �إىل عقود املعاو�ضات من‬ ‫غريها فافرت َقا‪.‬‬ ‫وتقري���ر حكم اجل���واز ال ينبغي �أن يزاحمه م���ا يتنافى و�أحكام‬ ‫َّ‬ ‫ال�صالة‬ ‫ال�ش���رع َّ‬ ‫مما تق َّدم ذكره ف�ض ًال عن ك�شف العورات و�ضياع َّ‬ ‫والأوق���ات وح���دوث ال���كالم القبيح م���ن ال َّالعبني‪ ،‬عل���ى �أن تكونَ‬ ‫ال��� َّدورة ال ِّريا�ض َّي���ة �سبي ًال ارتفاق ًّي���ا حم ِّق ًقا للغر����ض ا َّلذي �أقيمت‬ ‫روح التَّ�سامح‬ ‫ال َّدور ُة من �أجله‪ ،‬كما ينبغي �أن ي�سو َد اجل َّو ال ِّريا�ضي ُ‬ ‫وال َّت�آل���ف وال َّت�آخ���ي امل�ستوحاة م���ن املُ ُثل الإ�سالم َّي���ة ال ُعل َيا بتطهري‬ ‫مما ُيع ِّكر َ�ص ْف َو ُه م���ن َّ‬ ‫ال َّنف����س َّ‬ ‫ال�ضغينة واحلقد والتَّنافر‬ ‫وال�ضمري َّ‬ ‫املتو ِّلد من مثل هذه املناف�سات بني الغالب واملغلوب‪.‬‬ ‫عدم الإكثار من ال َّدورات ال ِّريا�ض َّية باالعتبار‬ ‫وحا�صل ن�صيحتي ُ‬ ‫ال�سابق �إ َّال عند احلاجة‪ ،‬لأ َّنها م�ضيعة للوقت ال َّنفي�س امل�سته َلك يف‬ ‫َّ‬ ‫غري ما ُخ ِلقَ املر ُء من �أجله‪ ،‬كما جت ُّر مثل هذه املناف�سات الكرو َّية ـ‬ ‫بطريق �أو ب� َآخ َر ـ �إىل حم َّرم �أو مكروه �سبقت الإ�شارة �إىل بع�ضه يف‬ ‫ٍ‬ ‫�ضابط امل�سابقات �إ َّما حا ًال �أو م�آ ًال‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ويحر�ص على ما ينفعه‬ ‫ي�شتغل مبعايل الأمور‪،‬‬ ‫وعل���ى امل�سلم �أن‬ ‫َ‬ ‫���ت مباري���اتٌ كرو َّي ٌة ب�ي�ن امل�ساجد؛‬ ‫يف دني���اه و�آخرت���ه‪ ،‬و�إذا ح�صل ْ‬ ‫���ري بال َّالعب �أن ي�ستب ِق َي كرة القدم يف قدم���ه‪َ ،‬‬ ‫ويعمل على �أن‬ ‫فح ٌّ‬ ‫ال ترت ِق َي �إىل قلبه‪.‬‬ ‫رب العاملني‪،‬‬ ‫بال�صواب‪ ،‬و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل ِّ‬ ‫واهلل �أعلم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫و�ص���ل ال َّلهم على حم َّمد وعلى �آله و�صحبه‪ ،‬والتَّابعني لهم ب�إح�سان‬ ‫و�س َّلم ت�سلي ًما‪.‬‬ ‫�إىل يوم الدِّ ين‪َ ،‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪37‬‬


‫سير األعالم‬

‫الشيخ عبد العزيز بن الشيخ الهاشمي‬ ‫ُ‬ ‫شيخ الطريقة القادرية يف شامل إفريقيا يُعلنُ ‪:‬‬ ‫ني ٌّ‬ ‫(دعو ُة العلامء ال َّسلف ِّي َ‬ ‫حق)‬

‫�سمري �سمراد‬

‫�إمام خطيب ـ اجلزائر‬ ‫ال�شي���خ عبد العزيز ب���ن الها�شمي‪ ،‬ه���و االبن ال َّثال���ث َّ‬ ‫َّ‬ ‫لل�شيخ‬ ‫الها�شمي‪ ،‬وابنُ َّ‬ ‫الطريقة القادر َّية َّثم �شيخها فيما بعدُ‪.‬‬ ‫ال�شيخ الها�شمي؛ رئي�س َّ‬ ‫َّ‬ ‫الطريقة القادر َّية‬

‫‪38‬‬

‫احليل���ة بعي���د ال َّنظر‪ ,‬ف�أدرك بثاق���ب ر�أيه �أنَّ ما علي���ه ُّ‬ ‫الطرقية‬ ‫ً‬ ‫طوي�ل�ا يف ع�صر العلم‬ ‫م���ن اجلهل واجلم���ود ال ميكن �أن ي�ستم َّر‬ ‫وال ُّنهو����ض‪ ,‬و�أنَّ امل�ستقب���ل للعل���م ال حمال���ة‪ ,‬ف ىَّ‬ ‫���ول وجهه �شطر‬ ‫العل���م‪ ,‬و َق َّدم �أبن���اءه جلامع ال َّزيتون���ة املعمور‪ ,‬وحب����س �أمالكه‬ ‫ك َّله���ا على العلم‪ ،‬وا�ش�ت�رط يف حب�سه �أن تعمر زواياه ب�أهل العلم‬ ‫م���ن �أئ َّمة ومد ِّر�س�ي�ن ومتع ِّلم�ي�ن‪ ،‬وا�شرتط يف �أبنائ���ه �أن ال َّ‬ ‫حظ‬ ‫لأحدهم يف احلب�س �إ َّال �إذا ح�صل على �شهادة العالمِ ية «التَّطويع»‬ ‫من جام���ع ال َّزيتونة‪ ،‬وجعل الإ�شراف على احلب�س لنظارة جامع‬ ‫الزَّيتون���ة‪.)4(»..‬‬

‫ال�شي���خ حم َّمد الها�شمي ب���ن �إبراهيم؛ رئي����س َّ‬ ‫�أب���وه َّ‬ ‫الطريقة‬ ‫القادر َّية امل�شهورة بال���وادي‪ ،‬وكان َّ‬ ‫املرتجم ـ‬ ‫ال�شيخ �إبراهيم ـ ج ُّد َ‬ ‫ُّون�سي وا�ستق َّر بنفطة‬ ‫ق���د هاجر «�إىل اجلريد باجلنوب‬ ‫الغربي الت ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫لين�شط �ضمن الزَّاوية القادر َّي���ة‪ ...‬وقد �أجنب َ‬ ‫هناك ابنه حممد‬ ‫الها�شمي �سنة ‪ 1853‬ا َّلذي رجع �إىل �أر�ض الوطن �سنة ‪ 1892‬حيث‬ ‫� َّأ�س َ�س زاوية قادر َّي���ة بالب َّيا�ضة على غرار �أجداده ليوا�صل ن�شاطه‬ ‫الدِّ ين���ي والفكري هن���اك»(‪ ،)1‬وتقول م�صاد ُر �أخ���رى‪� :‬إ َّن ُه نزح من‬ ‫تون�س �إىل اجلزائ���ر وا�ستق َّر بوادي �سوف يف نهاية القرن املا�ضي‬ ‫و� َّأ�س����س بالق���رب من الوادي �سن���ة ‪1887‬م زاوية بامل���كان امل�س َّمى‬ ‫«عمي�ش»‪ ،‬وبهذا الأخ�ي�ر ُولد عبد العزيز �سنة ‪1898‬م(‪ ،)2‬ـ وا َّلذي‬ ‫ِّ‬ ‫ذكره الأ�ستاذ احل�سن ف�ضالء ‪� ،:‬أ َّنهُ‪ :‬ولد يف «الب َّيا�ضة»‪ ،‬بلدية‬ ‫وادي �سوف‪� ،‬سنة ‪1899‬م ـ (‪.)3‬‬ ‫يقول ابن بادي�س يف مقالته‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫«ال�شي���خ عب���د العزيز بن الها�شمي والإ�ص�ل�اح»‪« :‬كان َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫الها�شم���ي �شي���خ َّ‬ ‫الطريقة القادري���ة ‪ :‬رج ًال قو ًّي���ا ذك ًّيا وا�سع‬

‫كانَ َّ‬ ‫ال�شي���خ عب���د العزي���ز قد «تع َّل���م القر�آن وحفظ���ه‪ ،‬وتع َّلم‬ ‫مب���ادئ يف اللُّغ���ة والدِّ ي���ن يف زاويتهم حت���ت كنف وال���ده»(‪َّ ،)5‬ثم‬ ‫�سافر �إىل تون�س للدِّ را�سة يف جامع الزَّيتونة �سنة ‪1913‬م‪ ،‬وح�صل‬ ‫على �شهادة التَّطوي���ع العالمِ ِ َّية يف �شهر يونيو �سنة ‪1923‬م(‪« ،)6‬عاد‬ ‫�إىل اجلزائ���ر وبعد عودته بـ[نحو] ثالثة �أ�شهر ت يِّ‬ ‫���وف والده َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫الها�شم���ي يف ‪�15‬سبتمرب‪ ،)7(»: ،1923‬ىَّ‬ ‫وتول م�شيخ َة القادر َّية‬ ‫االب���نُ الأكرب عبد ال��� َّر َّزاق‪ ،‬ا َّلذي ما َل ِبثَ �أن ت��� ُو يِّف هو كذلك بعد‬

‫(‪ )1‬مقال‪« :‬جهاد ال�شيخ عبد العزيز ال�شريف �ضد قوات اال�ستعمار الفرن�سي‪/‬ثورة‬ ‫الوادي لعام ‪1938‬م»‪ُ ،‬ن�شر يف موقع‪:‬‬ ‫(‪�« )2‬شخ�ص َّيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر‪ /‬عبد العزيز بن الها�شمي‬ ‫والإ�صالح» �ص ‪ 46‬للدُّكتور �أحمد �صاري‪.‬‬ ‫(‪« )3‬من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» (‪139/3‬ـ‪ )143‬للح�سن ف�ضالء‪.‬‬

‫(‪�« )4‬آثار الإمام ابن بادي�س» (‪.)397/5‬‬ ‫(‪« )5‬من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» (‪ )139/3‬للح�سن ف�ضالء‪.‬‬ ‫(‪�« )6‬شخ�صيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر‪ /‬عبد العزيز بن الها�شمي‬ ‫والإ�صالح» �ص‪ 47‬للدُّكتور �أحمد �صاري‪.‬‬ ‫(‪« )7‬من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» (‪ )139/3‬للح�سن ف�ضالء‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫ال�شيخ عبد العزيز بن َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�شيخ الها�شمي‬ ‫و�أخوه َّ‬ ‫ال�صالح‬ ‫ال�شيخ حم َّمد َّ‬


‫والإ�صالح» (�ص‪ )47‬للدُّكتور �أحمد �صاري‪ ،‬وعند احل�سن ف�ضالء‪� :‬أنَّ ال�شيخ عبد‬ ‫العزيز هو االبنُ الأكرب‪ ،‬واملثبتُ �أعال ُه هو الأ�صوب‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز َّ‬ ‫(‪ )9‬مقال‪« :‬جهاد َّ‬ ‫ال�شريف �ضد قوات اال�ستعمار الفرن�سي‪/‬ثورة‬ ‫الوادي لعام ‪1938‬م»‪ُ ،‬ن�شر يف موقع‪http://mokhtari.over-blog.org :‬‬ ‫(‪�« )10‬آثار الإمام ابن بادي�س» (‪.)397/5‬‬ ‫(‪« )11‬الآثار» (‪159/5‬ـ‪.)160‬‬

‫سير األعالم‬

‫وقت ق�ص ٍري من وفاة والده(‪)8‬؛ يِّ‬ ‫توف يف �شهر دي�سمرب ‪1923‬م(‪ .)9‬الإدارة اجلدي���دة للجمع َّي���ة‪ ،‬ف���كان َّ‬ ‫ال�شي���خ عبد العزي���ز ع�ض ًوا‬ ‫ٍ‬ ‫يق���ول ابن بادي����س‪...« :‬انتهى �أم���ر احلب����س �إىل َّ‬ ‫ال�شيخ عبد ا�ست�شار ًّيا فيها(‪.)12‬‬ ‫العزي���ز بن َّ‬ ‫ال�شي���خ الها�شم���ي مبقت�ضى �شرط املحب����س بعد وفاة‬ ‫وف ُد العلماء يف «�سوف» و«ب�سكرة»‪،‬‬ ‫وتول م�شيخ���ة َّ‬ ‫�أخي���ه الأك�ب�ر‪ ،‬ىَّ‬ ‫الطريقة القادر َّي���ة‪ ،‬ودخل معه يف‬ ‫ومظاه ُر ُق َّو ِة «الإ�صالح»‬ ‫احلب����س �أخ���وه َّ‬ ‫ال�صال���ح لتح�صيله عل���ى �شهادة‬ ‫ال�شي���خ حم َّم���د َّ‬ ‫دع���ا َّ‬ ‫ال�شي���خ عب���د العزيز وف���دً ا من جمع َّي���ة العلم���اء لزيارة‬ ‫العالمِ َّي���ة‪ ،‬فكان ال َّرجالن مبا لهما من العالمِ َّية بعيدين عن ِّ‬ ‫كل تلك‬ ‫الطرق الأخرى �أو �أُو ِق ُفوا فيها «�س���وف» وهم ُّ‬ ‫ال�شي���وخ‪ :‬اب���ن بادي�س‪ ،‬ومب���ارك امليل���ي‪ ،‬والعربي‬ ‫املواقف العدائ َّية ا َّلتي وقفها �شيوخ ُّ‬ ‫َّب�سي‪ ،‬وحم َّمد خري الدِّ ين‪.‬‬ ‫الت ِّ‬ ‫�ض َّد جمع َّية العلماء»(‪.)10‬‬ ‫زا َر وف��� ُد اجلمع َّي���ة قرى «�س���وف» يف �ش���وال ‪1356‬ﻫ دي�سمرب‬ ‫دخول «الإ�صالح» �إىل «�سوف» و ُق َراهَا‬ ‫‪1937‬م‪ ,‬وعل���ى ِ�إ ْث ِ���ر ذل���ك حدثت به���ا حرك ٌة غ�ي�ر عادية‪ ,‬وظهر‬ ‫���ام اب���ن بادي����س‪..« :‬ملَّا ارتفع���ت دع���وة الإ�صالح الإ�ص�ل�اح فيه���ا �أقوى ما يكون ـ كما قال اب���ن بادي�س ـ؛ وذلك بعد‬ ‫يق���ول الإم ُ‬ ‫باجلزائ���ر كان يف طليعة رجالها نبهاء م���ن �أبناء �سوف املثقَّفني‪ ,‬االنق�ل�اب اخلطري ا َّلذي وقع؛ فقد حت��� َّول َّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز ابن‬ ‫وعلمائه���ا امل�ستنريي���ن‪ ,‬فدَ َع���وا �إخوانه���م بـ«�س���وف» �إىل كت���اب الها�شمي من �شيخ َّ‬ ‫الطريقة القادر َّية �إىل عامل م�صلح؛ فجاهر يف‬ ‫ال�صالح من �أتباع���ه وقومه‪� ,‬أثناء اجتماع الوف���د يف «قمار»‪�« :‬إ َّن ُّ‬ ‫الطرق بدعة‬ ‫ال�سل���ف َّ‬ ‫اهلل و�س َّن���ة ر�س���ول اهلل ‪ Í‬وم���ا كان علي���ه َّ‬ ‫َّ (‪)13‬‬ ‫وال�سنة» ‪,‬‬ ‫م�سك بالكت���اب ُّ‬ ‫ال�صحاب���ة والتَّابع�ي�ن و�أتباع التَّابعني‪ ,‬واخلل���ف ال َّنا�صح من �أئ َّمة ال �أ�ص���ل لها يف ال ِّدي���ن َف َح�سْ ُب ُك ُم ال َّت ُّ‬ ‫َّ‬ ‫وق���د تكلم قبله وف ُد العلماء‪ ,‬ونق���ل َّ‬ ‫كل ذلك َّ‬ ‫ال�شيخ حمزة بوكو�شة‬ ‫امل�سلمني‪.)11(»...‬‬ ‫ـ الع�ض���و الإداري جلمع َّي���ة العلم���اء امل�سلم�ي�ن اجلزائر ِّي�ي�ن ـ يف‪:‬‬ ‫ان�ضمام َّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز �إىل جمع َّية العلماء‬ ‫«�أحادي���ث جمع َّية العلماء وحوادثها‪ :‬وفد جمع َّية العلماء امل�سلمني‬ ‫العام جلمع َّي���ة العلم���اء املنعقد يف يوم اجلزائر ِّيني بوادي �سوف ونواحيها»؛ قال‪:‬‬ ‫ال�سن���وي ِّ‬ ‫يف امل�ؤمت���ر َّ‬ ‫«عقدنا اجتماعنا بـ«قمار»‪....‬‬ ‫اجلمع���ة ‪ 19‬رجب ‪� 24 /1356‬سبتمرب ‪1937‬م‪ ،‬ويف اليوم ا َّلذي‬ ‫�ألق���ى َّ‬ ‫در�س���ا يف تف�سري قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯯ‬ ‫يليه‪� ,‬أُعلنَ عن ان�ضم���ام َّ‬ ‫ال�شيخ ابن بادي�س ً‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز �إىل اجلمع َّية‪ ،‬حيثُ‬ ‫«عه���د الأ�ست���اذ ال َّرئي����س ـ اب���ن بادي����س ـ �إىل داعي���ة الإ�صالح ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [{‪,...]21 :‬‬ ‫���م تك َّلم َّ‬ ‫الأ�ست���اذ َّ‬ ‫ال�شيخ خري ال ِّدَين كلمة يف االقتداء واال ْئ ِت َ�ساء وحثَّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزي���ز بن َّ‬ ‫الط ِّي���ب العقبي بتق���دمي َّ‬ ‫ث َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫ال�صالح‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫الها�شم���ي �إىل احلا�ضري���ن لإلقاء كلمات فق���ام الأ�ستاذ العقبي ال َّنا�س على مدار�سة �س�ي�رة ال َّر�سول ‪ Í‬و�سرية َّ‬ ‫وق���ال‪� :‬أ ُّيها الإخوان‪� ،‬إ َّنكم تعرفون قبل اليوم َّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز ف�إ َّنهم خ ُري قدو ٍة ملن اقتدى‪,‬‬ ‫�شيخا من �شي���وخ ُّ‬ ‫���م �ألقى َّ‬ ‫ً‬ ‫در�س���ا يف قوله ‪« :Í‬مَن‬ ‫جندي‬ ‫الطرق �أ َّما اليوم فيجب �أن تعرفوه ب�أ َّنه‬ ‫ث َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ال�شي���خ العرب���ي ال َّتب�سِّ ي ً‬ ‫م���ن جنود الإ�صالح وع�ضو من �أع�ضاء جمع َّية العلماء يعمل على �أَحد َ​َث فيِ �أَ ْم ِر َنا َه َذا مَا َلي�س منه فهو ردٌّ»(‪,)14‬‬ ‫وتبع���ه َّ‬ ‫ال�شيخ مبارك امليل���ي بدر�س يف قوله ‪ُ « :Í‬ق ْ���ل �آ َمنْتُ‬ ‫ن�ش���ر مبادئها وي�ص ُّد من يريد االعت���داء عليها‪َّ ،»...‬ثم انتخبت‬ ‫وح َم��� َل فيه عل���ى ُّ‬ ‫الط���رق و�شبهاتها ح َّتى‬ ‫(‪�« )8‬شخ�ص َّيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر‪/‬عبد العزيز بن َّالها�شمي ب���اهلل ُث��� َّم ا�س َتقِ���م»(‪َ ,)15‬‬

‫(‪« )12‬ال�شهاب» م‪ 13‬ج‪� 8‬شعبان‪1356‬ﻫ �أكتوبر ‪1937‬م �ص‪.346‬‬ ‫(‪« )13‬الب�صائر» العدد (‪� /96‬ص‪ 19 )3‬ذي القعدة ‪1356‬ﻫ‪ ،‬موافق‪21‬‬ ‫جانفي‪1938‬م‪.‬‬ ‫(‪ )14‬رواه «البخاري» (‪ ،)2697‬و«م�سلم» (‪.)1718‬‬ ‫(‪ )15‬رواه «م�سلم» (‪.)38‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪39‬‬


‫سير األعالم‬

‫�أقنع احلا�ضرين ب�أن ال طرق َّية يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫ال�شيخ ابن بادي�س‪ :‬ال ت�أ�سفوا �أن فاتتكم ُّ‬ ‫ث َّم قال َّ‬ ‫الطرق ف�إ َّن لكم‬ ‫طريق��� ًة من �أجمل ُّ‬ ‫الطرق قال تع���اىل‪﴿ :‬ﭺﭻﭼﭽ‬ ‫يف�سر الآية تف�س ًريا محُ ْ َك ًما‪.‬‬ ‫ﭾ﴾ [‪َّ ,]153 :b‬ثم �أخذ ِّ‬ ‫ال�شيخ عب���د العزيز وقال‪�« :‬إ َّن ُّ‬ ‫ث��� َّم قام َّ‬ ‫الطرق بدعة ال �أ�صل‬ ‫وال�س َّنة‪ »...‬اهـ‪.‬‬ ‫م�سك بالكتاب ُّ‬ ‫لها يف الدِّين فح�سبكم ال َّت ُّ‬ ‫���م انتقل هذا الوف ُد �إىل منطقة «الزِّ يب���ان»؛ وعا�صمتها بلدة‬ ‫ث َّ‬ ‫«ب�سك���رة»‪ ,‬ويف �إحدى بلدانها‪� ,‬أعلن �شيخ َّ‬ ‫الطريقة القادر َّية‪ ,‬م َّر ًة‬ ‫�أخرى يف جموع ال َّنا�س؛ �أن‪« :‬ال طرق َّية يف الإ�سالم»‪ ,‬يقول َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫�أحمد بن ال َّد َّراجي ـ املع ِّلم مبدر�سة ب�سكرة ـ يف مقالته‪« :‬وفد جمع َّية‬ ‫العلم���اء امل�سلم�ي�ن اجلزائر ِّيني بالزِّ يب���ان»‪« :‬يوم الأح���د ‪� 9‬ش َّوال‬ ‫توج���ه وفد جمع َّية العلماء امل�سلم�ي�ن اجلزائر ِّيني �إىل بلدة طولقة‬ ‫َّ‬ ‫بعد عودته من رحلته �إىل وطن �سوف‪ ....‬كان موعد اجتماع الأ َّمة‬ ‫الب�سكر َّية برجال اجلمع َّي���ة «بالبارك» ِّ‬ ‫حمل ال ِّريا�ضة وقد ح�ضر‬ ‫ه���ذا االجتم���اع ما يزيد على ثالث���ة �آالف ن�سمة‪ ,‬وافتتح اجلل�سة‬ ‫ح�ض���رة الأ�ستاذ ال َّرئي�س َّ‬ ‫ال�شي���خ عبد احلميد بن بادي�س بخطاب‬ ‫ح���ا ٍّر �شديد ال َّلهجة َن��� َّو َه فيه مبجد العروبة والإ�س�ل�ام و�أ َّث َر ت�أث ًريا‬ ‫بلي ًغ���ا يف نفو�س احلا�ضرين ث َّم تك َّلم بعده َّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز بن‬ ‫َّ‬ ‫ال�شي���خ الها�شمي بكلماتٍ بليغ ٍة م�ؤ ِّثر ٍة َّ‬ ‫حث فيها ال َّنا�س ودعاهم‬ ‫مما حواه كالمه‬ ‫وال�س َّنة والعمل بهم���ا و َّ‬ ‫م�س���ك بالكت���اب ُّ‬ ‫�إىل ال َّت ُّ‬ ‫العذب‪�« :‬أن ال طرق َّية يف الإ�سالم»‪.)16(»....‬‬

‫���ي‪ ،‬ومرك ٍ���ز مي ِّث���ل جمع َّي���ة العلم���اء يف‬ ‫�إىل معه���دٍ �إ�سالم ٍّ���ي علم ٍّ‬ ‫ال�صحراء(‪:)18‬‬ ‫َّ‬ ‫ري‪ ,‬يف الواد‬ ‫وفد العلماء‪ ,‬وقع احتفا ٌل �‬ ‫«فبعد مغادرة ِ‬ ‫إ�صالحي كب ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫«�سوف» التِّ�سع‪ ,‬وكث ًريا من الأعيان والوجهاء ـ‬ ‫«�سوف»‪�َ ،‬ض َّ‬ ‫���م ُ�ش َع َب ُ‬ ‫ُ‬ ‫� َ‬ ‫أك�ث�ر من ع�شرة �آالف ن�سم���ة ـ‪ ,‬مبنا�سبة افتت���اح الدُّرو�س العلم َّية‬ ‫بال َّزاوية القادر َّية‪ ,‬وق َّرروا يف اجتماعهم هذا تكوينَ جامعة ُ‬ ‫ل�ش َعب‬ ‫«�س���وف» مركزها ال���واد‪ ,‬وك َّون���وا �إدارتها‪ ,‬وكان نائ���ب رئي�س هذه‬ ‫ُ‬ ‫اجلامعة‪َّ :‬‬ ‫ال�شيخ عبد القادر الياجوري»(‪ ,)19‬يقول ابن بادي�س‪�« :‬شرع‬ ‫َّ‬ ‫ال�شي���خ عبد العزيز بعمارة زواي���اه بالعلم‪ ,‬وعينَّ رجلني للتَّعليم من‬ ‫�أبن���اء �سوف املتخ ِّرجني من جامع الزَّيتونة املعمور هما َّ‬ ‫ال�شيخ علي‬ ‫بن �سعد َّ‬ ‫وال�شيخ عبد القادر الياجوري»(‪.)20‬‬ ‫�شي ُخ َّ‬ ‫الطريقة القادر َّية‬ ‫يُ�سمِ ُع ر�ؤ�سا َء ُّ‬ ‫الطرق كلم َة احل ِّق‬

‫عقد ر�ؤ�ساء ُّ‬ ‫يوم‬ ‫الطرق والزَّوايا م�ؤمت َرهم يف عا�صمة اجلزائر َ‬ ‫‪� 15‬أفري���ل ‪1938‬م‪ ،‬والأ َّي َام ا َّلت���ي تليه‪ 16 :‬و ‪ 17‬و ‪« ،18‬وقدم �إىل‬ ‫ال�شاب ال َّناه����ض َّ‬ ‫اجلزائ���ر يوم االثنني ‪َّ 19‬‬ ‫ال�صالح‬ ‫ال�شيخ حم َّمد َّ‬ ‫اب���ن َّ‬ ‫ال�شي���خ الها�شم���ي لي�شرتك يف ه���ذا امل�ؤمتر نياب��� ًة عن �أخيه‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز رئي�س َّ‬ ‫َّ‬ ‫الطريقة القادر َّية ب�شمال �إفريقيا ا َّلذي‬ ‫ا�ستدع���ي للح�ضور‪ ،‬ف�ألقى خطب��� ًة رائع ًة‪ ،‬نَّ‬ ‫بي به���ا �أن ال طريقة‬ ‫ال�س َّن���ة وذكر ف�ضل علم���اء الإ�صالح على اجلزائر يف‬ ‫�إ َّال طريق���ة ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ن�ص‬ ‫بث الهداية الإ�سالم َّية احل َّقة»(‪ ،)21‬وقد َن�شرت «الب�صائر»‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز بن الها�شمي‬ ‫ال�صال���ح يف م�ؤمتر ُّ‬ ‫اخلط���اب ا َّلذي �ألقاه َّ‬ ‫الطرق َّية‪،‬‬ ‫ال�شيخ حم َّمد َّ‬ ‫َي ْع ُم ُر زواياه بالعلم وي�ستقد ُم لها العلماء‬ ‫مما جاء فيه‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫يق���ول اب���ن بادي�س‪�...« :‬أخ���ذ ُي َك��� ِّر ُر االجتماع���ات يف نواحي‬ ‫‪ ‬ال ِّن َ�س ُب ُّ‬ ‫الط ُر ِق َّي ُة َّ‬ ‫الطائِف َّية َف َّر َقتْ امل�سلمني‪:‬‬ ‫«�س���وف» ب�أتباع زواياه يح ُّث ُه ْم على العلم ِّ‬ ‫ويرغ ُب ُه ْم يف التَّعلُّم و ُي َبينِّ ُ‬ ‫‪ 1‬ـ جاهر ه���م باالنتق���اد على ك���ون اجتماعهم و ا تحِّ ادهم‬ ‫َّ‬ ‫خا�صا ب�أ�صحاب َّ‬ ‫الطرائق و�أرباب الزَّوايا‬ ‫له���م �أنَّ االنت�ساب �إىل ال�شيخ عبد القادر اجليالين ـ وهو من �أئ َّمة ـ جامعة اتحِّ اد الزَّوايا ـ‪ًّ ،‬‬ ‫العلم يف مذهب �أحمد بن حنبل ـ ال مينع من العلم والأخذ ب�أ�سباب دون غريهم من العلماء؛ فقال‪:‬‬ ‫العلم‪.)17(»...‬‬ ‫«حز َّن���ا كث ًريا لق�صور هذا االتحِّ اد ـ �إن حتقَّق ـ على طائفة من‬ ‫انقلب���ت ال َّزاوية القادر َّي���ة ر� ًأ�سا على عقب من زاوية طرق َّية‬ ‫(‪« )16‬الب�صائر» العدد (‪�/97‬ص‪ 26 )3‬ذي القعدة ‪1356‬هـ‪ ،‬موافق‪ 28‬جانفي‬ ‫‪1938‬م‪.‬‬ ‫(‪�« )17‬آثار ابن بادي�س» (‪397/5‬ـ‪.)398‬‬

‫‪40‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫(‪« )18‬من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» (‪ )140/3‬للح�سن ف�ضالء‪.‬‬ ‫(‪« )19‬الب�صائر» العدد (‪.)102‬‬ ‫(‪« )20‬الآثار» (‪.)398/5‬‬ ‫(‪« )21‬الب�صائر» العدد (‪� 28 )111‬صفر ‪1357‬ﻫ‪� 29 ،‬أفريل ‪1938‬م �ص‪.6‬‬


‫(‪« )22‬الب�صائر» العدد (‪ 6 )112‬ربيع الأول ‪1357‬ﻫ‪ 6 ،‬ماي ‪1938‬م (�ص‪6‬ـ‪.)7‬‬ ‫(‪ )23‬امل�صدر نف�سه‪.‬‬

‫سير األعالم‬

‫امل�سلمني دون طوائف‪ ،‬ووددنا لو كان هذا العنوان عا ًّما يف مدلوله‬ ‫�شام ًال للم�سلمني ك ِّلهم»‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومعر�ض َن َّظ ْم َنا ُه فكان �أ َّول عيوبه‬ ‫«�إنَّ هذا االجتماع �سو ٌق �أقمناه‬ ‫ونقائ�صه ما يف ا�سمه من تخ�صي�ص ال ِّن�سبة وق�صور الإ�ضافة»‪�« ،‬أ ُّيها‬ ‫ولغر�ض من‬ ‫الإخوان‪ :‬لو كان هذا االجتماع دنيو ًّيا ُعقد با�سم ال ُّدنيا‬ ‫ٍ‬ ‫�أغرا����ض ال ُّدنيا ـ لكان للتَّخ�صي�ص فيه معنى‪ ،‬ولكان َّ‬ ‫للطائف َّية فيه‬ ‫عذر مقبول وغر�ض معقول؛ لأنَّ النا�س ف َّرقت بينهم �أ�سباب ال ُّدنيا‬ ‫وم�صاحلها واختلفت ب�سببها �آرا�ؤهم واخت�صا�صاتهم فيها‪ ...‬ولكن‬ ‫���ي يف معناه ومبناه وب�أ�سباب���ه ودواعيه ولي�س يف‬ ‫ه���ذا االجتماع دين ٌّ‬ ‫الدِّين ِحر َفة ينفرد �أهلها بر�أي وال جتارة ينفرد �أ�صحا ُبها بب�ضاعة‪,‬‬ ‫و� مَّإنا هو كتاب اهلل منه املبد�أ و�إليه امل�صري‪ ,‬وعليه قامت �س َّنة نب ِّينا‬ ‫ال�صالح ر�ضوان اهلل عليهم وبهذه‬ ‫‪ ،Í‬وعليه ا�ستقام هدي �سلفنا َّ‬ ‫احلجة علينا وبهذه ال َّثالثة يجتمع �شملنا وت َّتفق‬ ‫ال َّثالثة قامت َّ‬ ‫كلمتنا و�إىل هذه ال َّثالثة يجب �أن تكون دعو ُتنا جها ًرا بال �إ�سرار‪،‬‬ ‫وجم ًعا بال تف ُّرق‪ ،‬فما �أحقَّ هذا االجتماع ب�أن تكون دعوته اجلفلى‬ ‫و�أن يكون با�سم الأ َّمة الإ�سالم َّية ك ِّلها لتجتم َع على الكلمة اجلامعة‬ ‫من كتاب ر ِّبها و�س َّنة نب ِّيها وما �أحقَّه �أن يزدانَ بح�ضور علماء الوطن‬ ‫اجلزائري ا َّلذين هم زينته ومفخره»(‪.)22‬‬ ‫‪ ‬ر�ؤ�س���ا ُء ُّ‬ ‫الط��� ُرقِ ُي َف ِّر ُق���و َن جماع��� َة امل�سلمني ِب َنبْ��� ِز العلماء‬ ‫امل�صلحني‪:‬‬ ‫اجتماع���ا‪« :‬تثور فيه‬ ‫‪ 2‬ـ وانتق���د عليه���م �أن يك���ون اجتماعهم‬ ‫ً‬ ‫احلق���ود وتنم���و ب�سبب���ه َّ‬ ‫ال�ضغائن م���ن طائفة م���ن امل�سلمني على‬ ‫�ش�ي�را �إىل م���ا كان يف ه���ذا االجتم���اع من‬ ‫طائف���ة �أخ���رى»(‪ُ ،)23‬م ً‬ ‫بالوهاب َّية‪.‬‬ ‫َّهجم عليهم‪ ،‬و َن ْب ِزهم َّ‬ ‫التَّع ُّر�ض للعلماء امل�صلحني والت ُّ‬ ‫ِّين ُّ‬ ‫الط ُرق ِِّي وغِ ُّ�شهُم للم�سلمني‪:‬‬ ‫‪ُ ‬ز َع َما ُء الد ِ‬ ‫اجتماع���ا حقيق ًّيا‪ ،‬ت َ‬ ‫ُبذ ُل‬ ‫‪ 3‬ـ دعاه���م �إىل �أن يكون اجتماعهم‬ ‫ً‬ ‫فيه ال َّن�صيحة‪ ،‬وتُ�سم ُع احلقيقة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«ال قيم���ة الجتماعنا ه���ذا �إ َّال �إذا كان ً‬ ‫معر�ضا للحقائق جت َّلى‬ ‫بكل �صراح���ة‪ ،‬وملج�أً لكلمة احلقِّ تلقى فيه ب ِّ‬ ‫في���ه ِّ‬ ‫���كل حر َّية‪ ،‬و�إ َّنه‬ ‫ال مكاف�أة ملا �صرف���ه الإخوان احلا�ضرون من وقت ومال يف �سبيل‬ ‫ه���ذا االجتماع‪� ،‬إ َّال ما ي�سمعونه من حقائق ويتبادلونه من ن�صائح‬

‫إر�شادات ويقومون به جمي ًعا م���ن واجب التَّوا�صي باحلقِّ‬ ‫دين َّي���ة و�‬ ‫ٍ‬ ‫والتَّوا�ص���ي باملرحم���ة وال َّت�آم���ر باملع���روف والتَّناهي ع���ن املنكر‪،‬‬ ‫ف����إن مل يكن ه���ذا فلنعلم �أ َّننا غ�ش�شنا �أنف�سن���ا وغ�ش�شنا امل�سلمني‬ ‫و�أ�سخطنا اهلل ور�سوله و�صاحلي امل�ؤمنني»(‪.)24‬‬ ‫االفرتاق ُّ‬ ‫ُ‬ ‫قي بال ٌء على الأ َّمة‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫الط ُر ُّ‬ ‫‪ 4‬ـ جاهره���م ب�أنَّ م���ن �أعظم �أ�سباب ما �أ�صاب هذه الأ َّمة من‬ ‫الب�ل�اء‪« :‬تف ُّرق ال ِّن َ�سب بر�ؤ�سائها الدِّ ين ِّيني‪ ،‬هذا البالء ا َّلذي طال‬ ‫علي���ه الأَ َم ُد حتى ا�ستع�صى على العالج‪ ,‬فالواجب على ِّ‬ ‫كل من يف‬ ‫قلب���ه مثقال ذ َّرة من ال َّرحمة بهذه الأ َّمة �أو َّ‬ ‫ال�شفقة عليها �أن ُيعني‬ ‫على �إزالة �أ�سباب هذا البالء»(‪.)25‬‬ ‫ديني‪:‬‬ ‫‪َ ‬ه ْد ُم البدع ٌ‬ ‫واجب ٌّ‬ ‫‪ 5‬ـ جاهرهم ب�أنَّ دعوة العلماء امل�صلحني حقٌّ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ا�س بال َّدعوة �إىل هذا هم العلماء وقد كانت هذه‬ ‫«�إنَّ �أح���قَّ ال َّن ِ‬ ‫ال َّدعوة وكانت �صارخ��� ًة م�ستفزَّة فثقلت على ال ُّنفو�س وقوبلت من‬ ‫وال�صدِّ ‪ .‬وال‬ ‫بع�ضه���ا باال�شمئ���زاز والتَّنفري‪ ,‬وم���ن بع�ضها بال��� َّر ِّد َّ‬ ‫نخف���ي احلقَّ �إذا قلنا �إنَّ هذا االجتم���اع �أث ٌر من �آثار تلك ال َّدعوة‪,‬‬ ‫لك���نَّ احلقَّ ا َّلذي يجب �أن يقال يف ه���ذا املقام هو �أنَّ تلك ال َّدعوة‬ ‫يف ذاته���ا ح ٌّق لأ َّنها تدعو �إىل كتاب اهلل وهو ح ٌّق و�إىل �س َّنة ر�سوله‬ ‫ال�سلف وهو حقٌّ‪ ،‬و�إىل هدم البدع ا َّلتي الب�ست‬ ‫وهي ح ٌّق و�إىل هدي َّ‬ ‫الدِّ ين وهي موجودة ح ًّقا وكثرية ح ًّقا وكلُّها �ش ٌّر ح ًّقا وباطل ٌة ح ًّقا‪,‬‬ ‫والواجب على ِّ‬ ‫كل م�سلم هد ُمها ح ًّقا»‪.‬‬ ‫ِّين على حقوق ال َّنف�س‪:‬‬ ‫‪� ‬إيثا ُر حقوقِ الد ِ‬ ‫‪ 6‬ـ دعاهم �إىل ترك حظوظ ال َّنف�س و�إيثارها على قبول احلقِّ‬ ‫ا َّلذي دعا �إليه العلماء‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«وم���ن احلقِّ ا َّلذي يج���ب �أن يقال يف هذا املق���ام �أنَّ َ‬ ‫ثقل تلك‬ ‫ال َّدع���وة على بع�ض ال ُّنفو�س لي�س من طبيعة تلك ال َّدعوة و�إنمَّ َ ا هو‬ ‫من طبيعة تلك ال ُّنفو�س والواجب علينا قبل ِّ‬ ‫كل �شيء �أن نف ِّر َق بني‬ ‫ما ه���و من حقوق الدِّ ين‪ ،‬وبني ما هو ٌّ‬ ‫حظ من حظوظ ال َّنف�س و�أن‬ ‫نر ِّب���ي �أنف�سنا على �إيث���ار حقوق الدِّ ين على حظ���وظ ال َّنف�س‪ ,‬و�أن‬ ‫نر ِّبيها على اال ِّت�ساع والإذعان وال ُّرجوع للحقِّ و�أن نر ِّبي �آذاننا على‬ ‫�سماع كلمة احلقِّ ‪ ،‬و�أل�سنتنا على ال ُّنطق بها»‪.‬‬ ‫(‪ )24‬امل�صدر نف�سه‪.‬‬ ‫(‪« )25‬الب�صائر» العدد (‪ 13 )113‬ربيع الأول ‪1357‬ﻫ‪ 13 ،‬ماي ‪1938‬م (�ص‪2‬ــ‪.)3‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪41‬‬


‫سير األعالم‬

‫الط ُرق َّية وغاياتها‪ ،‬كفى بهم �شهداء على �أنف�سهم‪ :‬فه���و ثاب���تٌ ب�إذن اهلل حمف ٌ‬ ‫‪ ‬ال َّزوايا ُّ‬ ‫���وظ بحف���ظ اهلل‪ ,‬و�إنيِّ فهمت وال زلتُ‬ ‫ن�ش���ر اب���نُ بادي����س للحقيق���ة وال َّتاري���خ ـ كما ق���ال ـ القانونَ �أفهم م���ن �أقوال القائمني به���ا و�أعمالهم ومراميه���م �أ َّنها لي�ست‬ ‫الأ�سا�س���ي جلمع َّية الزَّوايا ُّ‬ ‫الطرق َّية‪ ،‬وذل���ك‪َّ :‬‬ ‫موجهة لهدم ال َّزوايا و� مَّإنا هي ُم َو َّجهة لإ�صالحها‪.‬‬ ‫«ليطلع عليه الق َّراء‬ ‫َّ‬ ‫ويعرف���وا من���ه غاية ه�ؤالء ال َّنا����س وما �إلي ِه يعمل���ون»‪ُ ،‬‬ ‫عبد العزيز بن الها�شمي» اهـ(‪.)27‬‬ ‫يقول كربا ُء‬ ‫الزَّواي���ا ع���ن غايتهم وغاي���ة جامعتهم‪« :‬غاية ه���ذه اجلمع َّية هي‬ ‫�أ َّو ًال املحافظ���ة على نفوذ الزَّوايا ُّ‬ ‫والطرق وعلى �شهرتها و�سمعتها‬ ‫ومكانته���ا»‪ ،‬وع َّلقَ ابنُ بادي�س بقوله‪« :‬ال ُّنفوذ! ُّ‬ ‫وال�سمعة!‬ ‫وال�شهرة! ُّ‬ ‫وال�سي���ادة والكربياء‬ ‫ال�سلطان ِّ‬ ‫واملكان���ة! فه���ل �أَ ْب َق ْوا من مظاه���ر ُّ‬ ‫والعظم���ة واال�ستي�ل�اء �شي ًئ���ا؟ هذه هي غايته���م‪� :‬أن َي ْب َق��� ْوا �ساد ًة‬ ‫ا�س ُم ْ�س َت ْع َب ِدينَ لهم‪� .‬أين هي رَّ‬ ‫التبية؟‬ ‫على ال َّنا�س‪ ،‬و�أن ُي ْب ُق���وا ال َّن َ‬ ‫�أين هو التَّعليم؟ �أي���ن هو ن�شر الإ�سالم؟ �أين هي مقاومة املفا�سد‬ ‫ُّ‬ ‫وال�ش���رور؟ �أين هو الوع���ظ والإر�شاد؟ هذه كلُّه���ا �أمو ٌر ال ذكر لها‬ ‫عندهم؛ لأ َّنهم يخافون منها على �سلطانهم‪.)26(»....‬‬ ‫‪ ‬ال ُط ُر ِق َّي َة يف الإ�سالم‪:‬‬ ‫‪ 7‬ـ و�أخ ًريا �صارحهم‪ :‬ب�أن ال طرق َّية يف الإ�سالم؛ فقال‪:‬‬ ‫���ن زاوية ٌ‬ ‫«�أ ُّيه���ا الإخوان‪� :‬أنا ُط ُر ِق ٌِّي ِو َرا َث ًة واب ُ‬ ‫عريق يف ن�سبة‬ ‫ال َّزاوي���ة ُّ‬ ‫والطرق َّي���ة �إىل ب�ضع���ة �أج���داد يف ال َّتاري���خ‪ ،‬وعندي من‬ ‫العل���م م���ا �أُ َف ِّر ُق به بني احل ِّق والباطل عل���ى الأق ِّل‪ ،‬ومن املعرفة‬ ‫العا َّم���ة م���ا �أُ َميِّ��� ُز به ب�ي�ن اخل�ي�ر َّ‬ ‫وال�ش ِّر وب�ي�ن املقب���ول واملردود‬ ‫و�إنيِّ �أدي���ن اهلل ا َّل���ذي �أُ�ؤمِ ُ‬ ‫���ن بلقائ���ه ب����أن ال طرق َّي���ة يف الإ�سالم‬ ‫‪ ‬ال زاوية ُط ُرق َّية يف الإ�سالم‪:‬‬ ‫وال زاوي���ة يف الإ�س�ل�ام وال طائف َّي���ة يف الإ�س�ل�ام‪ ،‬وب�أ َّنه �إن كان يف‬ ‫تق��� َّد َم �أنَّ َّ‬ ‫ال�شيخَ عب���د العزيز بن الها�شمي �ش���رع يف «عمارة‬ ‫ه���ذه ال َّزوايا وهذه ُّ‬ ‫الطرق خ ٌ‬ ‫ري ف�إ َّن �ش َّرها يذهب بخريها وب�أنَّ زواياه بالعلم‪ ،‬وعينَّ رجلني للتَّعليم من �أبناء �سوف املتخ ِّرجني من‬ ‫َّ‬ ‫من �آثارها ال َّنف�س َّية ا َّلتي ال ينكرها �إال �أعمى الب�صرية �أ َّنها ف َّرقت جامع الزَّيتونة‪.»...‬‬ ‫جمهول و�إنمَّ ا �أتك َّلم عن‬ ‫غائب وال عن‬ ‫كلمة امل�سلمني‪ ،‬ال �أتك َّلم عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫و ِت ْب َيا ًنا للجمل���ة الأخرية من خطاب �شي���خ َّ‬ ‫الطريقة القادر َّية‬ ‫م�شاهدة وعيان و� رِّ ُ‬ ‫أعب عن وجدان ال تزال �آثاره يف نف�سي ا َّلتي بني ورئي�س زواياها يف �شمال �إفريقيا‪ُ � ،‬‬ ‫أقول‪:‬‬ ‫جنبي لوال �أن ع�صمني اهلل مبا وفقني �إليه من العلم»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ال�صحيح‪ ،‬و ُت َر ِّب���ي على الكتاب‬ ‫الزَّواي���ا �إن كانت تع ِّل ُ‬ ‫���م العلم َّ‬ ‫ني ٌّ‬ ‫ال�سلفي َ‬ ‫حق‪:‬‬ ‫‪ ‬دعو ُة العلماء َّ‬ ‫هي‪� ،‬أ َّما �إن كانت زوايا طرق َّية؛‬ ‫وال�س َّنة ْ‬ ‫ُّ‬ ‫وهدي �سلف الأ َّمة‪ ،‬ف ِن ِع َّما َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫‪8‬ـ َ‬ ‫َ���م �شي���خُ‬ ‫وخت َ‬ ‫ورئي�س الطريق���ة القادر َّية ب�شم���ال �إفريقيا‪ ،‬تُعط���ي العهود‪ ،‬وتُل ِّقنُ الأوراد البدع َّية‪ ،‬ويكونُ املُري ُد فيها خا�ض ًعا‬ ‫َّ‬ ‫ل�شيخه���ا ـ اجلاهل ـ‪ ،‬فهذا ا َّلذي هَ دَ َم��� ُه امل�صلحون‪ ،‬وقال‬ ‫خطا َب ُه بثناءٍ على دعوة العلماء وتبي ٍني ملراميهم الن ِبيلة؛ فقال‪ :‬مطي ًع���ا ِ‬ ‫«�إ َّنني �أدين اهلل � ً‬ ‫أي�ضا �أنَّ احلركة القائمة �إنمَّ ا هي �ض ُّد البدع فيه ابنُ بادي����س‪« :‬الأو�ضا ُع ُّ‬ ‫ال�سلَف‪,‬‬ ‫الطرقية بدع��� ٌة مل يعرفها َّ‬ ‫َ‬ ‫ال�شي���خ‪ ،‬والتَّح ُّي���ز لأتب���اع َّ‬ ‫املحدث���ة يف الدِّ ين و�إ َّنها �إن �أت َْت ف�إنمَّ ا ت�أتي على الباطل �أ َّما احل ُّق ومبناه���ا ك ِّله���ا عل���ى الغل��� ِّو يف َّ‬ ‫ال�شيخ‪،‬‬ ‫(‪�« )26‬آثار الإمام ابن بادي�س»‪« ,‬الزوايا وغاياتها كفى بهم �شهداء على �أنف�سهم»‬ ‫(‪161/5‬ـ‪.)162‬‬

‫‪42‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫(‪« )27‬الب�صائر» العدد (‪ 13 )113‬ربيع الأول ‪1357‬ﻫ‪ 13 ،‬ماي ‪1938‬م (�ص ‪2‬ـ‪.)3‬‬


‫رهب امل�صلحني يف «�سوف»‬ ‫َع�سْ َك ُر فرن�سا ُي ُ‬ ‫و َيعتق ُل َّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز بن الها�شمي‬ ‫ال�سلط���ات الفرن�س َّية يف وادي‬ ‫وهل �أتاك نب����أُ ما �أقدمت عليه ُّ‬ ‫�س���وف ‪� 18‬أفريل ‪1938‬م‪ ,‬م���ن رَّ‬ ‫التويع الفظي���ع‪ ,‬وحما�صرة‬ ‫���ب على �أهل���ه العذاب‪,‬‬ ‫البل���د‪ ,‬وتطويق���ه باجلن���ود واملدافع‪ُ ,‬‬ ‫و�ص َّ‬ ‫وذاق���وا ما ذاق���وا‪ ,‬يف �أ َّي ٍام �س���وداء حالكة‪� ,‬سببها مكي���دة ُد ِّبرت‬ ‫لأهل �س���وف‪ ,‬بعد نه�ضته���م العلم َّي���ة الدِّ ين َّية‪ ,‬فتعاق���د الكائدون‬ ‫عل���ى قتل تل���ك احلي���اة الدِّ ين َّي���ة العلم َّي���ة يف تلك الدِّ ي���ار‪ ,‬و�سيق‬ ‫ال�سجون‪ ,‬والبحث‪ُ ,‬‬ ‫عدد‬ ‫وح ِك َم على ٍ‬ ‫وخ ِّل َي م���ن ُخ ِّلي‪ُ ,‬‬ ‫ال َّنا����س �إىل ُّ‬ ‫وف�ي�ر منه���م بال َّنفي والأعم���ال َّ‬ ‫ال�شا َّق���ة‪ ,‬يف حماول���ة «ال�ضطهاد‬ ‫(‪�« )28‬آثار الإمام ابن بادي�س» (‪.)155/5‬‬

‫سير األعالم‬

‫ال�شي���خ‪ ،‬و�أوالد َّ‬ ‫وخدم���ة دار َّ‬ ‫ال�شيخ‪� ،‬إىل ما هناك من ا�ستغالل‪...‬‬ ‫وم���ن جتميد للعق���ول و�إماتة للهمم وقتل ُّ‬ ‫لل�شع���ور‪ ،‬وغري ذلك من‬ ‫ُّ‬ ‫ال�شرور»(‪.)28‬‬ ‫تنبي��� ٌه‪ُ :‬‬ ‫بع����ض الإ�صالح ِّي�ي�ن الع�صر ِّي�ي�ن ُي�ؤْث��� ُر التَّعبري ـ عن‬ ‫ق�صد ـ‪ :‬ب����أنَّ امل�صلحني ال زالوا يث ُن���ون على زوايا‬ ‫غ�ي�ر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ق�ص���د �أو ِ‬ ‫العل���م والق���ر�آن‪ ،‬و�إنمَّ ا كان���وا ُيحاربون زوايا َّ‬ ‫ال�شع���وذة واخلرافة‬ ‫والتَّدجيل‪َّ ،‬‬ ‫وال�شطح والبندير‪ ,‬وق���د يبدُو كال ُمهم هذا لأ َّول وهل ٍة‬ ‫�صحيحا‪ ،‬لك���ن �إذا ا�ستح�ضرنا دفاعهم عن ُّ‬ ‫ال�س ِّن َّية! ـ يف‬ ‫الط ُرق ُّ‬ ‫ً‬ ‫زعمه���م ـ‪� ،‬أدركنا �أ َّنهم ُيدخلون يف جملة ال َّثناء‪ :‬الزَّوايا ُّ‬ ‫الطرق َّية‪،‬‬ ‫���ت(!) ـ عنده���م ـ م���ن مظاهر التَّدجيل واالبت���زاز‪ ...‬الخ‪،‬‬ ‫�إذا َخ َل ْ‬ ‫ويف تردي���د العلماء ورفعهم �شعا َر‪ :‬ال طرق َّية يف الإ�سالم‪ ،‬ر ٌّد على‬ ‫مزاعمهم وتفني ٌد الدِّعاءاتهم‪ ،‬و� ُ‬ ‫واب والدَّقيق‪:‬‬ ‫ال�ص ُ‬ ‫ري َّ‬ ‫أقول‪ :‬ال َّتعب ُ‬ ‫ال�شط���ح والبندي���ر‪َّ ،‬‬ ‫�أنَّ امل�صلح�ي�ن كم���ا حارب���وا زوايا َّ‬ ‫وال�شعوذة‬ ‫واخلراف���ة‪ ،‬حاربوا زواي���ا ُّ‬ ‫الطرق َّية‪ ،‬و�أنك���روا �أو�ضاعها ال ِبدع َّية؛‬ ‫م���ن ال ِّن�سبة َّ‬ ‫لل�شيخ‪ ،‬و�إعطاء العه���د‪ ،‬وتلقني ال ِور ِد‪ ،‬واملواظبة على‬ ‫وترتيب ال َّثواب‬ ‫وتوقيت‬ ‫وظائفها املخرت َ​َعة؛ كتحديد الأذكار ب َعدَ ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مندح��� ُه ونحم ُد ُه‪ :‬زوايا العلم والقر�آن‪ ،‬ا َّلتي‬ ‫عليها‪ ...‬الخ‪ ،‬فا َّلذي ُ‬ ‫ال�شي���خُ �إليها َّ‬ ‫ال تنتم���ي �إىل طريق���ة وال َي ْح ُ�ش ُر َّ‬ ‫الطلب��� َة ويت َِّخ ُذهُ م‬ ‫فر�ض عليهم اخل�ض���وع َّ‬ ‫ُمريدي���نَ ل���هُ‪َ ،‬ي ُ‬ ‫والطاع��� َة واال�ست�سالم!! ـ‬ ‫ترغي ًبا وترهي ًبا ـ‪.‬‬

‫ُ�ش َع���ب جمع َّية العلم���اء والتَّ�ضييق عليهم و�إكراهه���م على التَّخلي‬ ‫ع���ن اجلمع َّية»(‪ ,)29‬و�أُلقي القب�ض عل���ى «�أربعة من �أع�ضاء جمع َّية‬ ‫العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّي�ي�ن دون ُج ْرم معلوم‪ ,‬ودون �أن يق َّدموا‬ ‫�إىل املحاكم���ة‪� ,‬أربعة من العلماء»‪ ,‬وه���م‪َّ :‬‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز ابن‬ ‫وال�شيخ عل���ي بن �سعد َّ‬ ‫الها�شم���ي‪َّ ,‬‬ ‫وال�شيخ عب���د القادر الياجوري‬ ‫وال�س ِّي���د عبد الكامل بن احلاج عب���د اهلل‪ ,‬وقد طال �سجنهم‪ ,‬ومل‬ ‫َّ‬ ‫يتو َّقف ابن بادي�س عن التَّذكري بق�ضيتهم‪.‬‬ ‫ق���ال �أحد كتَّ���اب «الب�صائ���ر»(‪« :)30‬ال �سبب يف الواق���ع ِّ‬ ‫لكل ما‬ ‫ح���دث ـ رغ���م ما �أ�شي���ع(‪ )31‬ـ �س���وى �أنَّ طائفة امل�ستغل�ي�ن َر َاع َها ما‬ ‫�شاهدت���ه من ن�ش���اط حركة الإ�ص�ل�اح وازدهاره���ا وعلم���ت �أ َّنها‬ ‫َ�س َت ْج َت���ا ُح باطِ لَهَ���ا و ُت َّرهَا ِتهَا وتق�ض���ي على ما بقي لها عند الأ َّمة‬ ‫م���ن �سمع���ة ونف���وذ‪ ,»..‬كم���ا كان دخ���ول َّ‬ ‫ال�شيخ عب���د العزيز ابن‬ ‫الها�شمي يف اجلمع َّية ‪�« :‬أكرب �ضربة �أ�صابت امل�ضل َ‬ ‫ِّني اجلامدين‬ ‫يف تلك ال َّنواحي وال ُّربوع»(‪.)32‬‬ ‫ر�ض اال�ستعمار هذا ال َّتحويل اجلذري املفاجئ لل َّزاوية‬ ‫مل ُي ِ‬ ‫الع�سكري َّ‬ ‫ال�شي���خَ عبد العزيز يف �ش�أن‬ ‫القادر َّي���ة‪ ،‬فـ«دعا احلاكم‬ ‫ُّ‬ ‫التَّعلي���م ول���زوم طل���ب ال ُّرخ�ص���ة لذل���ك ور َّد َّ‬ ‫ال�شيخ ب����أنَّ الزَّوايا‬ ‫م���ن قدمي ال َّزم���ان تع ِّلم ب���دون رخ�صة‪ ،‬وتك َّررت ال َّدع���وة‪ ،‬وتك َّرر‬ ‫فان�ضم َّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز �إىل حركة‬ ‫الأخذ وال َّر ُّد يف الأم���ر»(‪،)33‬‬ ‫َّ‬ ‫االحتج���اج ـ ا َّلتي قاده���ا ودعا �إليها العلماء الأح���رار ـ على قانون‬ ‫‪ 8‬مار����س ‪1938‬م امل�ش�ؤوم‪ ،‬ا َّلذي كان الغر�ض منه عرقلة �سري‬ ‫احتجاج �شخ�صي ٍة مبقام‬ ‫املدار�س العرب َّية الإ�سالم َّية احل َّرة‪ ،‬لكنْ‬ ‫ُ‬ ‫جمع من املتظاهرين �أمام دار احلاكم‬ ‫�شيخ القادر َّية‪ ،‬وخروجه يف ٍ‬ ‫ال�سيا�سة اال�ستعمار َّية(‪،)34‬‬ ‫الع�سكري‪ ،‬وتعبئته �س َّكان ال���وادي �ض َّد ِّ‬ ‫دم َر هذه الق َّوة‬ ‫جعل اال�ستعمار ي�ص��� ِّو ُب مدافعه القو َّية املُرهبة ل ُي ِّ‬ ‫���ح ِجماحه���ا‪ ،‬نعم! دخ���ل َّ‬ ‫ال�شيخ عب���د العزي���ز �إىل الإ�صالح‬ ‫ويكب َ‬ ‫ال�سيطرة على‬ ‫مزه��� ًّوا بقيمته العلم َّية‪ ،‬وجاهه العري�ض‪ ،‬وق َّوته يف َّ‬ ‫(‪« )29‬الآثار» (‪.)394/5‬‬ ‫(‪« )30‬الب�صائر» العدد (‪�( ,)164‬ص‪.)4:‬‬ ‫(‪ )31‬الذي �أُ�شي َع هو‪� :‬سجنُ ال�شيخ عبد العزيز يف جماعة من العلماء‪ِ ،‬ب ُت ْه َم ِة الإعدا ِد‬ ‫والدعو ِة للثورة على فرن�سا‪.‬‬ ‫(‪« )32‬الب�صائر» العدد (‪�( )112‬ص‪.)3‬‬ ‫(‪« )33‬من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» (‪ )140/3‬للح�سن ف�ضالء‪.‬‬ ‫(‪�« )34‬شخ�صيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر‪/‬عبد العزيز بن الها�شمي‬ ‫والإ�صالح» (�ص ‪ )54‬للدُّكتور �أحمد �صاري‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪43‬‬


‫من حوله‪ ،‬فخاف اال�ستعمار من عواقبه»(‪ ،)35‬فكان ما كان‪.‬‬

‫سير األعالم‬

‫حمنته‬ ‫ُ�سج���ن َّ‬ ‫ال�شيخ عبد العزي���ز و�إخوانه العلماء الأحرار يف �سجن‬ ‫ق�سنطين���ة الع�سكري بال ُكدية‪ ،‬وفيه �أ َّمل به املر�ض‪ ،‬و�صار من ح ٍني‬ ‫لآخر ُي ُ‬ ‫ال�سج���ن �إىل امل�ست�شفى للعالج‪ ،‬يقول ابن بادي�س‪:‬‬ ‫نقل من ِّ‬ ‫«�آ ٍه ل���و ر�أيتم َّ‬ ‫ال�شي���خ عبد العزيز الها�شمي ذل���ك البطل اجل�سيم‬ ‫ال�صوت اجلهري وال َّنظرات‬ ‫الو�سيم‪ ،‬ربيب ال ِّنعم���ة وال َّرفاهية‪ ،‬ذا َّ‬ ‫احل���ا َّدة امل�ش َّعة‪ ،‬كيف �صار اليوم وقد �أنهكه املر�ض وبرح به ال َّنقل‬ ‫ال�سجن وامل�ست�شفى‪.»...‬‬ ‫بني ِّ‬ ‫ح�صل َّ‬ ‫ال�شيخ عب���د العزيز على حريته �سنة (‪1944‬م)‪ ،‬لك َّنه‬ ‫ُم ِن��� َع هو و�إخوا ُنه من ال ُّرجوع �إىل الوادي واملناطق املجاورة له(‪،)36‬‬ ‫ال�سجن بال‬ ‫وذك���ر احل�سن ف�ضالء‪� :‬أ َّنهم حت َّرروا بع���د عامني من ِّ‬ ‫حماكمة‪ ،‬وو�ضعوا حتت الإقامة اجلرب َّية(‪،)37‬‬ ‫مرتج َمنا �أك َرث من م َّر ٍة‪� ،‬إىل �أك َرث‬ ‫و َن َف ْ‬ ‫ال�سلطة اال�ستعمار َّية َ‬ ‫���ت ُّ‬ ‫�صحته‪.‬‬ ‫من مكان‪ ،‬و�أخ ًريا‪ُ « :‬نفي �إىل تون�س‪ ،‬حيث تدهورت َّ‬ ‫وفاته‬ ‫ت يِّ‬ ‫���وف بتون����س ـ بع���د �أن طال ب���ه املر����ض ـ يف �أ َّول يوني���و �سنة‬ ‫‪1965‬م»(‪ ،)38‬قبل �أن يرى اجلزائر وقد ا�ستعادت ح ِّر َّيتَها‪ ،‬فرحمه‬ ‫اهلل رحمة وا�سعة‪.‬‬

‫(‪« )35‬من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» (‪ )139/3‬للح�سن ف�ضالء‪.‬‬ ‫(‪�« )36‬شخ�صيات وق�ضايا من تاريخ اجلزائر املعا�صر‪/‬عبد العزيز بن الها�شمي‬ ‫والإ�صالح» (�ص‪45‬ـ‪ )60‬للدُّكتور �أحمد �صاري‪.‬‬ ‫(‪« )37‬من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» (‪ )141/3‬للح�سن ف�ضالء‪.‬‬ ‫(‪« )38‬امل�صدر ال�سابق‪ ».‬وا َّلذي ذكره الدُّكتور �صاري‪� :‬سنة (‪1962‬م)‪ ،‬والأ َّو ُل هو‬ ‫أعلم‪.‬‬ ‫ال ُ‬ ‫أقرب‪ ،‬واهلل � ُ‬

‫‪44‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬


‫أخبار التراث‬

‫د‪/‬جمال عزون‬

‫رئي�س ق�سم املخطوطات مبركز �أبا بطني ـ الريا�ض‬ ‫يعترب �أبو بكر �أحمد بن مو�سى الأ�صبها ّ‬ ‫ين َّ‬ ‫ال�شهري بابن َم ْردُو َي ْه (‪323‬هـ ـ ‪410‬هـ) �أحد حفَّاظ احلديث املتقنني‪ ،‬حتَّى قال فيه‬ ‫حفيدُه �أحمد بن حم َّمد‪:‬‬ ‫العجب من تث ُّبته و�إتقانه»(‪.)1‬‬ ‫«ر�أيتُ من �أحوال جدِّ ي من الدِّ يانة يف ال ِّرواية ما ق�ضيتُ منه‬ ‫َ‬ ‫وقد ا�شتغل بالتَّ�صنيف‪ ،‬ومن �أ�شهر م�ؤ َّلفاته‪« :‬التَّف�سري الكبري» و«التَّاريخ» و«الأمايل» ا َّلتي �أمالها يف ثالثمائة جمل�س‪.‬‬ ‫كتاب ٌ‬ ‫لطيف �س َّماه‪�« :‬أوالد املحدِّ ثني»‪ ،‬يعترب الآن يف عداد ما ُفقد من تراث ابن مردويه‪ ،‬ومل يبق‬ ‫َّ‬ ‫ومما مل ي�شتهر من ت�صانيفه ٌ‬ ‫نقول معدودة احتفظت لنا بها ُ‬ ‫بع�ض كتب رَّ‬ ‫التاجم‪.‬‬ ‫منه �سوى ٍ‬ ‫وميكن من خالل ما تبقَّى من هذه ال ُّن�صو�ص تكوين مالمح ي�سرية عن م�ضمون الكتاب ومنهج م�ؤ ِّلفه فيه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫واهتم يف �صياغة رَّ‬ ‫التجمة بذكر‬ ‫وحا�صل ذلك �أنَّ ابن مردويه جمع فيه �أ�سماء ال ُّرواة ا َّلذين اهت ُّموا برواية احلديث هم و�آبا�ؤهم‪َّ ،‬‬ ‫وي�سمي راو ًيا �أو راويني من �شيوخ املرتجم وتالميذه‪ ،‬ويكون والدُه يف جملة من روى عنهم من �شيوخه‪،‬‬ ‫ا�سم املرتجم ون�سبه وكنيته‪ِّ ،‬‬ ‫فالن»‪ ،‬وربمَّ ا ذكر توثيقه‪ ،‬و�ص َّرح بت�أليف له‪ ،‬ويختم ذلك بذكر وفاته‪ ،‬ويحدِّ د �أحيا ًنا عمره‬ ‫ويذكر �أحيا ًنا �أخ املرتجم فيقول‪« :‬وهو �أخو ٍ‬ ‫لمَ َّا مات‪ ،‬وال ُيخْ لي ابنُ مردُويه رَّ‬ ‫التجمة برواية حديث ب�إ�سناده �إليه‪.‬‬ ‫وال�صابوين وابن ال َّن َّجار ومغلطاي وابن حجر وابن نا�صر‬ ‫وقد ذكر هذا الكتاب بع�ض احلفَّاظ واملحدِّ ثني كابن ماكوال وابن نقطة َّ‬ ‫الدِّ ين‪ ،‬وك ُّل نقوالتهم تثبت مبا ال جمال َّ‬ ‫�صحة ن�سبة كتاب «�أوالد املحدِّ ثني» للحافظ ابن مردويه‪.‬‬ ‫لل�ش ِّك فيه َّ‬ ‫قال ابنُ ماكوال ـ يف ترجمة حم َّمد بن حم َّمد بن ما�سن ـ‪« :‬روى عنه �أبو بكر �أحمد بن مو�سى بن مردويه احلافظ الأ�صبهاين يف‬ ‫(‪�« )1‬سري �أعالم ال ّنبالء» (‪.)309/17‬‬

‫رجب�شعبان‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬ ‫رجب‪�/‬شعبان‬ ‫والع�شرون‪:‬‬ ‫والع�شرون‪:‬‬ ‫احلادي‬ ‫احلادي‬ ‫العدد‬ ‫العدد‬ ‫الرابعة ـ‬ ‫الرابعة ـ‬ ‫ال�سنة‬ ‫ال�سنة‬

‫‪45‬‬


‫أخبار التراث‬

‫كتاب �أوالد املحدِّثني»(‪.)2‬‬ ‫ب�شي بن عمرو بن ال َّربيع بن طارق م�صري يروي عن �أبيه‪ ،‬ح َّدث عنه حم َّمد بن �أحمد بن را�شد‪ ،‬نقلتُه من‬ ‫وقال ابن نقطة‪ُ :‬‬ ‫«ح ّ‬ ‫ِّ‬ ‫خط م�ؤمتن(‪ )3‬من كتاب «�أوالد املحدِّثني» البن مردويه»(‪.)4‬‬ ‫«علي بن �أحمد بن ال ّر ّواد ح َّدث عن �أبي الع َّبا�س �إ�سحاق بن حم َّمد بن مروان الغزَّال الكو ّيف‪ ،‬روى عنه �أبو بكر‬ ‫وقال ابن ال َّن َّجار‪ّ :‬‬ ‫�أحمد بن مو�سى بن مردويه الأ�صبها ّ‬ ‫ال�سمرقندي‪� ،‬أبنا‬ ‫ين يف كتاب �أوالد املحدّثني»‪� ،‬أنب�أنا(‪� )5‬أبو القا�سم الأزجني عن �أبي حم َّمد بن َّ‬ ‫علي بن �أحمد بن ال ّر ّداد البغدادي‪ ،‬ثنا �إ�سحاق بن حم َّمد بن مروان‪ ،‬ثنا‬ ‫القا�ضي �أبو من�صور بن �سكرويه‪� ،‬أبنا �أبو بكر بن مردويه‪ ،‬ثنا ّ‬ ‫بي ‪ Í‬لحُ ِ دَ له ولأبي بكر وعمر ‪.)6(»È‬‬ ‫�أبي‪ ،‬ثنا �إبراهيم بن بكر‪ ،‬عن مقاتل‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر �أنَّ ال َّن َّ‬ ‫أ�سدي املد ّ‬ ‫ين ذكره ابنُ مردويه يف �أوالد املحدِّثني»(‪.)7‬‬ ‫وقال مغلطاي‪« :‬حم َّمد بن عروة بن الزُّبري ابن الع َّوام ال ّ‬ ‫وقال ابن حجر ـ يف ترجمة �أبي بكر ابن ال َّن�ضر البغدادي ـ‪...« :‬وذكره ابن ح َّبان يف «ال ِّثقات»‪ ،‬وقال �أبو بكر بن مردويه يف كتاب‬ ‫بغدادي ثق ٌة»(‪.)8‬‬ ‫�أوالد املحدِّثني‪:‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ت�صحف على �أحد �شيوخنا الأفا�ضل �إىل‪�« :‬أدباء املحدِّ ثني» ففي مقدِّ مة حتقيق‬ ‫�إذا ثبت هذا فيجدر التَّنبي ُه �إىل �أنَّ ا�سم الكتاب َّ‬ ‫كتاب «ثالثة جمال�س من �أمايل ابن مردويه» �أثناء �سرد املح ِّقق م�ؤ َّلفات ابن مردويه ما يلي‪�« :‬أدباء املحدِّ ثني‪ُ :‬ذكر ا�سم هذا الكتاب‬ ‫للطرباين‪ ،‬انظر رقم (‪ )2115‬من كتاب «ال ُّدعاء» ّ‬ ‫يف هام�ش كتاب «ال ُّدعاء» ّ‬ ‫للطرباين‪ ،‬ومل �أجد من ذكر هذا الكتاب ون�سبه �إىل �أبي‬ ‫بكر ابن مردويه»(‪.)9‬‬ ‫وفيه �أمران‪:‬‬ ‫الأ َّول‪ :‬ل�ستُ � ُّ‬ ‫أ�شك �إطال ًقا يف �أنَّ «�أدباء املح ّدثني» ت�صحيف �صوابه‪�« :‬أوالد املح ّدثني» بدليل التَّ�سمية املذكورة عند من �سبق‬ ‫ذك ُرهم من �أعالم‪ ،‬ولقد وددتُ �أن �أنظر يف ال ُّن�سخة اخلط َّية من كتاب «ال ُّدعاء» َّ‬ ‫للطرباين للتَّح ُّقق من �سالمة قراءة املح ِّقق الفا�ضل‬ ‫يتي�سر يل الآن(‪.)10‬‬ ‫للكلمة‪ ،‬غري �أنَّ ذلك مل َّ‬ ‫ال َّثاين‪� :‬أنَّ الكتاب ذكره ون�سبه �إىل ابن مردويه ابنُ ماكوال وابن ال َّن َّجار وابن نقطة ومغلطاي وغريهم كما تق َّدم‪.‬‬

‫(‪« )2‬الإكمال» (‪.)153/7‬‬ ‫(‪ )3‬وهذا يعني �أنَّ ابن نقطة ينقل من كتاب «�أوالد املحدِّ ثني» البن مردويه ِّ‬ ‫ال�ساجي املتو َّفى �سنة (‪507‬هـ)‪.‬‬ ‫بخط احلافظ م�ؤمتن بن �أحمد ّ‬ ‫(‪ )4‬تكملة الإكمال (‪ )229/2‬البن نقطة‪ ،‬وعنه ابن نا�صر الدِّ ين يف «تو�ضيح امل�شتبه» (‪ ،)69/3‬وانظر نقوال �أخرى عن الكتاب يف تكملة الإكمال � ً‬ ‫أي�ضا (‪،57/2 ،338 ،215/1‬‬ ‫‪.)607 ،240 ،117 ،22/3 ،662‬‬ ‫�ص منوذج لطريقة ابن مردويه يف �إيراد رواية عن املرتجم له يف كتابه هذا‪.‬‬ ‫(‪ )5‬يورد الآن ابنُ ال َّن َّجار �سندَ ه ا َّلذي يروي به كتاب �أوالد املحدِّ ثني البن مردويه‪ ،‬وهذا ال َّن ُّ‬ ‫(‪« )6‬ذيل تاريخ» بغداد (‪.)182/3‬‬ ‫(‪�« )7‬إكمال تهذيب الكمال» (‪ ،)276/10‬وث َّمة ن�صو�ص كثرية نقلها مغلطاي يدور معظمها حول وفيات املرتجمني‪ ،‬انظر (‪،288 ،230 ،138 ،89/7 ،322 ،277/6 ،403/4‬‬ ‫‪ 273 ،262/8‬ـ ‪ 170 ،22/9 ،317 ،316 ،274‬ـ ‪.)323 ،111/12 ،108/11 ،385 ،378 ،374 ،315 ،289 ،276 ،135 ،84 ،37/10 ،383 ،380 ،363 ،171‬‬ ‫(‪« )8‬تهذيب التَّهذيب» (‪ ،)43/12‬وانظر نقو ًال �أخرى عن الكتاب يف (‪.)498/9 ،138/7 ،399/6 ،72/5‬‬ ‫(‪« )9‬ثالثة جمال�س من �أمايل ابن مردويه» ـ مقدِّ مة التَّحقيق (�ص ‪.)30‬‬ ‫(‪ )10‬اعتمد حم ِّقق «الدُّعاء» على ن�سخة ترك َّية لها �صورة يف جامعة � ِّأم القرى مب َّكة املك َّرمة‪ ،‬وهي ن�سخة نفي�سة فيها هوام�ش ج ِّيدة اعتمد �أ�صحابها على م�صادر نادرة ومنها كتاب ابن‬ ‫مردويه‪�« :‬أوالد املحدِّ ثني»‪ ،‬والهام�ش ا َّلذي فيه ذكر الكتاب هو يف الورقة (‪ 230‬ب) كما يف مقدِّ مة التَّحقيق (‪ )67/1‬و�س َّماه‪�« :‬أدب املحدِّ ثني» بالإفراد‪ ،‬ويف هام�ش (‪،)1744/3‬‬ ‫وال�صواب‪�« :‬أوالد املحدِّ ثني» كما تقدَّم‪.‬‬ ‫رقم (‪� )2115‬س َّماه «�أدباء املحدِّ ثني» باجلمع‪َّ ،‬‬

‫‪46‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬


‫اجلزء األول‪ :‬كتاب املباني‬ ‫حممد بو�سالمة‬ ‫اجلزائر‬

‫كلمات خمت�صرة‬ ‫لقد كان من د�أب ال ُبلغاء �أن ُير�سلوا يف ال َّنا�س ٍ‬ ‫حتوي يف معانيها ما يغني عن طويل الق�ص�ص وم�سرت�سل ا ُ‬ ‫خلطب‬ ‫جماما من املعاين يف قوالب قليلة‬ ‫َومديد الكالم‪ ،‬فهم ي�ص ُّبون ً‬ ‫احلكم وال ِعرب ما حتمله الأ�سفار‪ ،‬ف�إذا ا�ستفتح‬ ‫املباين‪ ،‬جتمع من ِ‬ ‫مغاليقها م�ستفتح؛ انهمر عليه من تلك اجلمام �سي ٌل غزي ٌر‪.‬‬ ‫ال�سائرة ا َّلتي يحفظها ك ُّل �إن�سان‪ ،‬وجتري‬ ‫تلك هي الأمثال َّ‬ ‫على ِّ‬ ‫واحلجة ملن طلب‬ ‫كل ل�سان‪ ،‬فهي املوعظة ملن �أراد العظة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وال�سلوان ِلذي املحنة‪ِّ ،‬‬ ‫والذكرى لذي الغفلة‪ ،‬وهي‬ ‫الربهان‪ِّ ،‬‬ ‫الأدب ّ‬ ‫والطرافة وال ُّنبل َّ‬ ‫والظرافة‪.‬‬ ‫ولقد كان لنا من التَّالد املوروث عن �أ�سالفنا من هذا الكلم‬ ‫ري ال حتيط به الكتَّاب‪ ،‬وال يحويه كتاب‪ ،‬ولقد‬ ‫ال َّرفيع �شي ٌء كث ٌ‬ ‫التقط بع�ض �أدباء بلدنا من تلك ال ُّدرر فرائد �أنقذوها من متالف‬ ‫الزَّمان‪ ،‬وكان �سعيهم م�شكو ًرا‪ ،‬غري �أنَّ ما جمعوه هو قطرة من‬ ‫�أمطار ودينار من قنطار‪.‬‬ ‫ال�سالفني من �أهل بلدنا‬ ‫و�إنَّ َّ‬ ‫مما �أدرك ال َّنا�س من �أمثال َّ‬ ‫قول احلكيم‪« :‬ال يعجبك ن َّوار ال َّدفلى يف ا ْل َواد َع ْام َله ْظ َال ِي ْل‪َ ،‬وما‬ ‫َي َعجبك زِينْ َّ‬ ‫الط ْف َل ْه حتَّى ُ‬ ‫ت�شوف ال ْف َعا ِي ْل»‪.‬‬ ‫وهي من ُرباع َّيات عبد ال َّرحمن املجدوب ‪ ،:‬وقد نازعنا‬ ‫فيها �أهل تون�س املحرو�سة‪ ،‬وزعموا �أ َّنها تون�س َّية! واملقطوع به �أنَّ‬ ‫ال�صيغة من كالم املجدوب ‪.:‬‬ ‫احلكمة بهذه ِّ‬ ‫وهي ثابتة يف ديوانه املنقول �إلينا منه نق ًال متوات ًرا‪ ،‬و�صورتها‬ ‫ال�صنعة على هذا َّ‬ ‫ال�ضرب‪.‬‬ ‫يف الدِّ يوان على ما تقت�ضيه ّ‬

‫اللغة واألدب‬

‫الدفلى َّ‬ ‫مشارق األنوار على َم َثل َّ‬ ‫والن َّوار‬

‫ال يـعـج ـ ـبـك ن ـ َّوار ال ـ َّدف ـل ــه‬ ‫ف ــي الـواد عـ ــامـ ـلـة ظاليل‬ ‫وال يـ ـعـ ـجـبك زي ــن الـ َّـطفـله‬ ‫ح ـ َّتــى تـ ــ�ش ــوف الف ـعــايــل‬ ‫وقد قطع بن�سبة املثل �إىل املجدوب الع َّالمة امل�ؤ ِّرخ عبد القادر‬ ‫�شيخنا الفقيه حم َّمد �شارف‪،‬‬ ‫نور الدِّ ين اجلزائري‪ ,‬وهو �شيخُ ِ‬ ‫مفتي الدِّ يار العا�صم َّية زمن �إمامته باجلامع الأعظم‪ ،‬وهو من‬ ‫املح ِّققني‪.‬‬ ‫ري‪ ،‬ولع ِّلي �أذكر منه �شي ًئا �آخر يف‬ ‫وكالم املجدوب يف املر�أة كث ٌ‬ ‫هذا الكتاب ينا�سب املقام‪.‬‬ ‫ولقد �سمعنا هذا املثل �صغا ًرا‪ ،‬وفهمناه كبا ًرا‪ ،‬وقد بدا يل �أن‬ ‫�أ�شرحه على منوال �شرحنا لقول احلكيم‪« :‬ال ّل�سان َ‬ ‫احل ُلو ْي َر َ�ضع‬ ‫الل َّبة»‪.‬‬ ‫وهي طريقة ا�ستح�سنها �أهل العلم والأدب‪ ،‬و�أح�سب �أنيِّ مل‬ ‫�أ�سبق �إليها‪.‬‬ ‫ال�سبيل �أن �أقدِّ م الكالم على‬ ‫وكان َّ‬ ‫مما اخرتته يف هذه َّ‬ ‫املباين‪َّ ،‬ثم �أرجع �إىل املعاين مراع ًيا لألفاظ ال ِّروايات َّ‬ ‫ال�شعب َّية‪،‬‬ ‫وما ينبني عليها من املعاين والتَّخريجات ال َّنحو َّية‪.‬‬ ‫واعلم �أنَّ اعتناءنا باللُّغة ال َّدارجة لي�س غاية ملقا�صدنا‪ ،‬و�إنمَّ ا‬ ‫هو مو�صل للمقا�صد‪ ،‬و�إنَّ يف ذلك لبيا ًنا ل�صل ِة كالمنا بكالم‬ ‫العرب يف الألفاظ والأ�ساليب‪ ،‬ف�إذا �سعينا بعد هذا يف تهذيب‬ ‫ال�صحيحة‪ ،‬وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ تهذيب‬ ‫ال َّدارجة ك َّنا على ُق ٍ‬ ‫رب من العرب َّية َّ‬ ‫قي احل�ضاري‪.‬‬ ‫ال ِّل�سان من مظاهر ال ُّر ِّ‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪47‬‬


‫اللغة واألدب‬

‫املنظوم واملنثو ِر اجلاري على‬ ‫و�أ َّما ا�شتغالنا بالكالم البليغ من‬ ‫ِ‬ ‫رفيع‪ ،‬و�إنَّ يف ت�ضييعه‬ ‫ال َّدارجة اجلزائر َّية‪ ،‬ففيه حت�صي ٌل ل ٍ‬ ‫أدب ٍ‬ ‫ل�ضياعا للأدب اجلزائريِّ املمتزج بتاريخ و�أن�ساب �أهل هذا‬ ‫ً‬ ‫�شروحا على ق�صائد من‬ ‫الوطن‪ ،‬ولقد و�ضع كبار علماء اجلزائر‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ال�شعر امللحون‪ ،‬كما فعل «�أبو را�س املع�سكري» بق�صيدة َّ‬ ‫ال�شاعر‬

‫ولقد َّ‬ ‫عظمتُ �أبا الع َّبا�س مذ �أن قر�أتُ مقالتَه وعلمت �أ َّنه‬ ‫كنت تق ِّيده يا‬ ‫الفحل «�سعيد املندا�سي اجلزائري» ‪ :‬امل�شهورة بـ«العقيقة» من نبالء الأ َّمة‪ ،‬وال �أدري ما فعل الزَّمان مبا َ‬ ‫ف�أتى بالعجب‪ ،‬ويف مقدِّ مة َّ‬ ‫ال�شرح يقول يف �ش�أن الق�صيدة‪« :‬وهي �أبا الع َّبا�س!؟ ولقد طالت ذيول املقدِّ مة‪ ،‬وهذا �أوان ُّ‬ ‫ال�شروع يف‬ ‫و�إن كانت من ِّ‬ ‫ال�شعر امللحون؛ فقد احتوت على غرائب من اللُّغة املق�صود‪.‬‬ ‫والبالغة واللُّحون حتَّى انقادت متائم الق�صائد �إىل �سحرها‬ ‫اعلم ـ ع َّلمك اهلل ـ �أنَّ الكالم على املثل يجري على وجهني‬ ‫و�صارت وا�سطة عقد نحرها» اهـ‪.‬‬ ‫�أحدهما يرجع �إىل املبنى‪ ،‬والآخر �إىل املعنى‪ ،‬و�إنيِّ كما ع َّرفتك‬ ‫وقد �شرحها ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ غري �أبي را�س من �أعالمنا‪.‬‬ ‫بطريقتي �آخذ يف الكالم على املباين وما يتع َّلق ب�ضبط الألفاظ‬ ‫�إنَّ الكالم على �صلة ال َّدارجة بال ُف�صحى لقمني ب�أن يفرد‬ ‫لغريب اللُّغة يف ال ِّل�سان‬ ‫م�شتمل على �أبواب‪ ،‬ويب َّوب فيه‬ ‫بت�صنيف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّدارجي‪ ،‬و�أ�ساليب العرب يف كالم ال َّنا�س‪ ،‬وللإمام «الب�شري‬ ‫الإبراهيمي» ت�أليف يف بع�ض ما ذكرناه ومل �أ َره‪َّ ،‬‬ ‫كتاب‬ ‫والظنُّ �أ َّنه ٌ‬ ‫جليل‪ ،‬ف�إنَّ هذا املو�ضوع ال تخدي يف فلواته �إ َّال �أمثال املراقيل‬ ‫الإبراهيم َّية‪.‬‬

‫وللأ�ستاذ الكبري �أبي الع َّبا�س �أحمد بن الها�شمي ‪ :‬عناية‬ ‫عظيمة باللُّغة ال َّدارجة‪ ،‬ومن ذلك مقاله ال َّنفي�س ا َّلذي ن�شر يف‬ ‫عاما بعنوان‪« :‬بعد غربة اللُّغة‬ ‫جريدة «الب�صائر» منذ �سبعني ً‬ ‫العرب َّية �أ�صبحنا نخ�شى على اللُّغة ال َّدارجة»‪ ،‬وفيه يقول ـ وبقوله‬ ‫�أقول ـ‪« :‬ك�أنيِّ بالقارئ وقد �أخذ منه العجب م�أخذه عندما يرى‬ ‫جريد ًة هي ل�سان حال علماء اجلزائر تنت�صر للغة عام َّية وتن�شر‬ ‫للدِّ عاية يف رَّ‬ ‫طرف من االهتمام‬ ‫التغيب فيها واحلثِّ على �صرف ٍ‬ ‫يف حت�صيلها! على ر�سلك �أ ُّيها الأخ‪� ..‬إىل �أن قال‪ :‬لكن من نظر‬ ‫وحتقيق؛ انك�شف له يف احلال ما بني‬ ‫بحث‬ ‫يف امل�س�ألة نظر َة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ال ُف�صحى والعام َّية من كمال ال ِّن�سبة وعموم اال ِّت�صال‪ ،‬وال �إخالني‬ ‫جماز ًفا �إن قلت‪� :‬إنَّ اللُّغة العام َّية عرب َّية الأ�صل يف ن�سبة ربمَّ ا‬ ‫ال تق ُّل عن �سبعني يف املائة‪ ،‬وفيه يقول‪ :‬ومن جال يف الأقطار‬ ‫‪48‬‬

‫الإ�سالم َّية وتت َّبع لهجات احلوا�ضر والبوادي؛ بهره ما يتخ َّلل تلك‬ ‫ال َّلهجات من املُفردات والأ�صول اللُّغو َّية؛ لذلك كان د�أبي تقييد‬ ‫ِّ‬ ‫كل ما يلتقطه �سمعي من م�ستملح العبارات وحما�سن الأمثال»‬ ‫انتهـى حم ُّل الغر�ض منه‪ ،‬وهو مقال طويل‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫على مقايي�س ال َّدارجة‪ ،‬واملثل كما ترى عربي يف ال َّلفظ والأ�سلوب‪،‬‬ ‫وقد �ص َّدره احلكيم بحرف «ال» من قوله «ال يعجبك»‪ ،‬وهي ت�أتي‬ ‫ملعان منها‪ :‬ال َّنهي نحو‪ :‬ال تفعل‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪:‬‬ ‫يف كالم العرب ٍ‬ ‫﴿ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾‪.‬‬ ‫ومنها ال َّنفي؛ نحو‪ :‬ال �أفعل‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﭘ ﭙ﴾‪.‬‬ ‫ومن جميئها لل َّنفي يف كالمنا ال َّدارجي قول املثل اجلزائري‪:‬‬ ‫«ال دَار! َال ُد َّوار!»‪.‬‬ ‫رب ال ِّ‬ ‫تعذبني‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯫ ﯬ‬ ‫وت�أتي لل ُّدعاء نحو ِّ‬ ‫ﯭ ﯮ﴾‪.‬‬ ‫وعلى هذه املعاين ال َّثالثة جتري يف كالمنا كث ًريا‪ ،‬وهي يف‬ ‫املثل َّ‬ ‫ال�شعبي لل َّنهي‪ ،‬ويف رواية �شعب َّية «ما يعجبك»‪ ،‬وهي على‬ ‫هذه ال ِّرواية ما ال َّنافية‪.‬‬ ‫وقد ا�ستعملت العرب «ما» لنفي الأ�سماء والأفعال‪ ،‬غري �أنَّ‬ ‫دخولها على الأفعال �أكرث‪ ،‬وكذلك َّ‬ ‫ال�ش�أن عندنا‪ ،‬وت�أتي ا�س ًما‬ ‫مو�صو ًال كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭰﭱﭲ﴾‪ ،‬وكذلك نقول على‬ ‫ق َّلة‪ ،‬ومن ذلك قولنا‪ُ :‬‬ ‫«خود َما ْاع َطاك اهلل»‪� ،‬أي ا َّلذي �أعطاك اهلل‬ ‫تُقال له يف �سياق احلثِّ على القناعة وال ِّر�ضى باملقدور‪.‬‬


‫اللغة واألدب‬

‫ويف رواية �شعب َّية «ال ْي َغ َّر ْك» بد ًال من «ال َي َعجبك»‪ ،‬وكالهما‬ ‫وقد اجتمعت «ما» ال َّنافية واملو�صولة يف قول الفقيه الأديب‬ ‫ي�ؤدِّي الغر�ض يف مقام التَّحذير والتَّنبيه‪ ،‬وي�شهد لل ِّرواية الأوىل‬ ‫«بكر بن ح َّماد الزَّناتي اجلزائري» من ق�صيدة يعتذر فيها‪:‬‬ ‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾‪ ،‬وي�شهد لل َّثانية‬ ‫�أبا حامت ما كان ما كان ِبغ َْ�ض ًة‬ ‫ول ـك ــن �أتـت بعد الأمــور �أم ـ ـ ــور قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾‪ ،‬وعلى‬ ‫ال�شيء «ماكان كلتا ال ِّروايتني فاملثل جا ٍر على الأ�ساليب الف�صيحة‪.‬‬ ‫ومما جاء باجتماعهما قول العا َّمة يف تقليل َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّثم �إ َّنه يحتمل �أن يكون احلكيم نطق ِّ‬ ‫بكل ال ِّروايات املذكورة‬ ‫ماكان»‪.‬‬ ‫أوقات خمتلفة‪َّ ،‬ثم نقل عنه ك ُّل َرا ٍو ما‬ ‫وت�أتي «ما» يف كالم العرب مو�صو ًال حرف ًّيا‪ ،‬ومنه قوله تعاىل يف احلرفني والفعلني يف � ٍ‬ ‫حكاية‪﴿ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾‪� ،‬أي �سمع‪.‬‬ ‫ويحتمل �أ َّنه نطق بلفظ واحد‪َّ ،‬ثم نقله عنه بع�ض ال ُّرواة‬ ‫بغفران ر ِّبي‪ ،‬وجميئها على هذا الوجه يف ال َّدارجة م�سموع يف‬ ‫وجهت �أحاديث كثرية وردت على هذا ال َّنحو‪� ،‬إذ‬ ‫التاكيب‪ ،‬وال يح�ضرين من ذلك �شيء �إ َّال نحو قولهم‪« :‬بال باملعنى‪ ،‬وبهذا ِّ‬ ‫بع�ض رَّ‬ ‫ما يفهم» �أي‪ :‬بال فهم‪ ،‬و«بال ما يقول» �أي بال قول‪ ،‬ومو�صول َّيتها كان كثري من الر َّواة يروون احلديث باملعنى‪ ،‬ولهذا �أعر�ض كثري‬ ‫كل الأفعال عندنا‪ ،‬وقد من ال ُّنحاة عن اال�ستدالل باحلديث يف م�سائل ال َّنحو‪ ،‬وذلك لأ َّنه‬ ‫مطردة يف ِّ‬ ‫التكيب َّ‬ ‫احلرف َّية على هذا رَّ‬ ‫ب�صحة احلديث‪ ،‬وقد‬ ‫التكيب زائد ٌة على نحو ما ال يجزم فيها بال َّلفظ ال َّنبوي‪ ،‬و�إن جزم َّ‬ ‫أح�سب �أنَّ «ما» يف نحو هذا رَّ‬ ‫كنتُ � ُ‬ ‫يف كما ر�أيت‪ ،‬وال يبعد انت�صر لهذا القول جماعة من الأكابر وعابوا على الإمام ابن‬ ‫تفعل العرب‪َّ ،‬ثم بدا يل �أ َّنها مو�صول حر ٌّ‬ ‫�أن يظفر لزيادتها مبثال من ال َّدارجة‪ ،‬وال يذهب بك الوهم �إىل مالك �إثباته للوجوه ال َّنحوية باحلديث‪ ،‬ولقد فرحت بهذا القول‬ ‫�أنَّ معنى زيادتها ا�ستواء ذكرها وحذفها‪ ،‬فالعرب ال تزيد لغري ده ًرا وكنت �أح�سبه التَّحقيق‪َّ ،‬ثم بدا يل �أ َّنه خالف التَّحقيق و�أنَّ‬ ‫احلقَّ مع ابن مالك‪ ،‬وقد انت�صر له جماعة من املح ِّققني‪ ،‬ولقد‬ ‫معنى‪ ،‬والزِّ يادة هنا للتَّقوية‪.‬‬ ‫و�أ َّما و�صف ال ُّنحاة للحرف بالزِّ يادة؛ فمرادهم �أنَّ حذفه �أدركت نحاة �شنقيط وهم �أئ َّمة هذا َّ‬ ‫ال�ش�أن يف هذا الع�صر يثبتون‬ ‫ويرجحون الأقاويل ال َّنحوية باحلديث‪ ،‬وهذا مطلب قمني‬ ‫كره الوجوه ِّ‬ ‫ال يخ ُّل بالغر�ض‪ ،‬ال �أ َّنه لي�س يف ذكره معنى‪ ،‬وعليه فقد ِ‬ ‫العلماء التَّعبري بالزِّ يادة يف �إعراب القر�آن الكرمي ملا يف ذلك ب�أن يفرد بكتاب‪.‬‬ ‫�أ َّما « ُن َّوار» فهو على زنة «ر َّمان» وهو ال َّنور �أي الزَّهر‪ ،‬واحده‬ ‫عربي‬ ‫ن َّوارة‪ ،‬وا�ستعمال «ن َّوار» يف اجلمع‪ ،‬و«ن َّوارة» يف الإفراد‬ ‫ٌّ‬ ‫�صحيح جرت عليه ال َّدارجة اجلزائر َّية‪ ،‬وهو من كالم العرب‬ ‫ممن ا�ستوطنوا املغرب الأو�سط‪ ،‬و ُنقل �إلينا‬ ‫الهالل ِّيني‪ ،‬وغريهم َّ‬ ‫كالمهم بال َّنقل املتواتر يرثه جيل عن جيل‪.‬‬

‫بال�صلة‪ ،‬وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ هذا �أمر ا�صطالحي‬ ‫فيعبون ِّ‬ ‫من الإيهام‪ ،‬رِّ‬ ‫والأدب مطلوب‪.‬‬ ‫�أ َّما قوله‪« :‬يعجبك» فهو م�ضارع «�أعجب»‪ ،‬وهو عندنا مبعناه‬ ‫عند العرب‪ ،‬ونحن يف باب الأفعال جنري على َ�س نَن العرب‪،‬‬ ‫فن�أتي باملا�ضي وامل�ضارع ُم َ�ص َّد ًرا بحروف امل�ضارعة والأمر‬ ‫وامل�صدر‪ ،‬ون�أتي باملفعل يف امل�صادر ُّ‬ ‫والظروف على ما ذكره �أهل‬ ‫و�إنَّ هذه اللُّغة يف الإفراد واجلمع قد �أهملها كثري من الكتَّاب‬ ‫التَّ�صريف‪.‬‬ ‫والبلغاء من اجلزائر ِّيني وغريهم مع ف�صاحتها‪ ،‬وموافقتها لأوزان‬ ‫وقد يختلف بع�ض يف الق َّلة والكرثة باختالف نواحي ال ُقطر العرب وت�صاريفهم؛ �إذ قد ا�ستعملت العرب هذين الوزنني فيما‬ ‫اجلزائري‪ ،‬ولب�سط هذا مو�ضع �آخر‪.‬‬ ‫تخرجه الأر�ض؛ فقالوا‪ :‬تفَّاحة وتفَّاح‪ ،‬ور َّمانة ور َّمان‪ ،‬فما املانع‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪49‬‬


‫اللغة واألدب‬

‫�أن نقول‪ :‬ن َّوارة ون َّوار‪ ،‬وبهذا فقد �صار املثل املذكور من �شواهد‬ ‫هذه اللُّغة ال َّنادرة اال�ستعمال ي�ست�شهد به الأديب الأملعي؛ فيقوم‬ ‫يف ع�صرنا مقام ابن ُ�ش َم ْي ٍل والأ�صمعي‪:‬‬ ‫ف ـهـذه حـكـمـ ُت ــنا الـمـ�أثـ ـ ــور ْه‬ ‫قد �أعـر َب ْت عن لغة مهج ــور ْه‬ ‫قـد َذ َكــر ْتــها كـت ٌـب مــ�شــهور ْه‬ ‫فم ـك ـثــت م ـغ ــمورة مــ�ستور ْه‬ ‫َّثم َغدَ ت بني الورى من�صور ْه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫غـالبـ ًة «ودارت ال ـ َّنــاع ـ ـ ـ ــور ْه»‬ ‫وقد ا�ستعملها الف�صحاء من �أهل بلدنا يف الزمن القدمي‪،‬‬ ‫ومن ذلك قول ابن مرزوق اجلد التلم�ساين‪:‬‬ ‫انـ ـظـ ــر الـ ـن ــوار فــي �أغـ�ص ــان ــه‬ ‫يحكي النجوم �إذ تبدت يف احللك‬ ‫اجلزائري قد نقل لفظة «ن َّوار» عن‬ ‫َّثم �إنَّ بع�ض �أهل القطر‬ ‫ّ‬ ‫اجلن�س َّية �إىل العلم َّية‪ ،‬فهو عندهم َع َل ٌم لرجل‪ ،‬وه�ؤالء يجعلون‬ ‫«ن َّوارة» � ً‬ ‫ي�سميه ال ُّنحاة العلم املنقول‪،‬‬ ‫أي�ضا عل ًما لأنثى‪ ،‬وهذا ما ِّ‬ ‫وهو ما ا�ستعمل يف غري العلم َّية‪َّ ،‬ثم نقل �إليها ويقابله ما مل‬ ‫ي�ستعمل �إ َّال َع َل ًما وي�س ُّمونه العلم املرجتل‪ ،‬وكالهما موجو ٌد يف‬ ‫ال َّدارجة و�إىل ال َّنوعني‪� ،‬أ�شار ابن مالك بقوله‪:‬‬ ‫وم ـنــه م ـن ـقــول ك ـفــ�ضــل و�أ�ســد‬ ‫وذو ارت ـجـ ـ ـ ــال كــ�س ـع ـ ـ ــاد و�أُ َد ْد‬ ‫وغالب الأعالم منقول عند العرب‪ ،‬وكذلك َّ‬ ‫ال�ش�أن عندنا‪،‬‬ ‫ولفظة «ن َّوار» يف املثل مر َّكبة مع لفظ «ال َّدفلى» تركي ًبا �إ�ضاف ًّيا‬ ‫على معنى ال َّالم‪ ،‬وهذا �أحد معاين الإ�ضافة‪ ،‬ومثاله «كتاب زيد»‪،‬‬ ‫وت�أتي على معنى «من» كخامت ذهب‪� ،‬أي من ذهب‪ ،‬وزاد بع�ض‬ ‫ال ُّنحاة معنى يف نحو «قيام ال َّليل» �أي يف ال َّليل‪ ،‬وك ُّل هذه املعاين‬ ‫فا�شية يف كالمنا ال َّدارجي‪.‬‬ ‫معروف‪،‬‬ ‫نبات‬ ‫ٍ‬ ‫�أ َّما «ال َّدفلى» فهي كلمة عرب َّية تُطلق على ٍ‬ ‫ويقال‪ :‬ال َّدفل ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ بغري �ألف‪ ،‬وقد ذكرها �أهل اللُّغة وجرت يف‬ ‫(‪ )1‬هذه كلمة ت�ستعمل يف اللغة الدارجة مبعنى حتول الغالب �إىل مغلوب‪ ،‬واملغلوب �إىل‬ ‫غالب‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫كالم ُّ‬ ‫ال�شعراء‪ ،‬ومنه قول َّ‬ ‫ال�شاعر‪:‬‬ ‫جئت �إىل ال َّدفلى حت ِّركها‬ ‫هيهات َ‬ ‫حركت فالتقط‬ ‫م�ستطع ًما عن ًبا‬ ‫َ‬ ‫و ُيقال لها يف ال ِّل�سان الأمازيغي «�إليلي» وهو َّ‬ ‫ال�شائع يف بالد‬ ‫زواوة‪ ،‬و«ثاليلي»‪ ،‬وبع�ضهم يقول‪�« :‬إنيني» و«�إيريري»‪ ،‬وبق َّية‬ ‫الكالم على ال َّدفلى يف «كتاب املعاين»‪ ،‬والكاف املذكورة يف املثل‬ ‫هي كاف اخلطاب‪ ،‬واخلطاب هنا للمذ َّكر والتَّذكري مالزم لهذا‬ ‫رَّ‬ ‫التكيب‪ ،‬ولو كان املخاطب به �أنثى؛ لأنَّ الأمثال تحُ كى �ألفاظها‬ ‫ت�صرف كما لو كان �أ�صل و�ضع املثل خلطاب �أنثى‪ ،‬ف�إ َّنه‬ ‫من غري‬ ‫ٍ‬ ‫ُيخاطب به َّ‬ ‫الذكر كذلك ب�ضمري امل�ؤ َّنث‪ ،‬كما يف قول العرب‪:‬‬ ‫عت ال َّلنب»‪ ،‬ف�إ َّنه قيل �أ َّول َّ‬ ‫«ال�ص َ‬ ‫ق�ص ٍة‬ ‫يف �ض َّي ِ‬ ‫ال�ش�أن المر�أ ٍة يف َّ‬ ‫َّ‬ ‫معروف ٍة عند العرب‪ ،‬فهو ُيقال بتاء ال َّت�أنيث ِّ‬ ‫لكل من �أ�ضاع �شي ًئا‪،‬‬ ‫َّثم طلبه بعد فواته‪ ،‬ولو كان ذك ًرا‪ ،‬وت�أويله �أنَّ هذا مقا ٌم يقال فيه‪:‬‬ ‫«ال�ص َ‬ ‫عت ال َّلنب»‪ ،‬وق�س عليه الباب ك َّله‪.‬‬ ‫يف �ض َّي ِ‬ ‫َّ‬ ‫ولكاف اخلطاب مبحثٌ‬ ‫بالغي مو�ضعه «كتاب املعاين»‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫و�أ َّما قوله‪« :‬يف الواد»؛ فجا ٌر وجمرور متع ِّل ٌق بقوله‪« :‬عامله‬ ‫ظاليل»‪ ،‬و«يف» هنا َّ‬ ‫للظرف َّية‪ ،‬وهي �أ�شهر معانيها عند العرب‪،‬‬ ‫وكذلك َّ‬ ‫ال�ش�أن عندنا وت�أتي كث ًريا يف ال َّلغة مبعنى «على»‪ ،‬ومنه‬ ‫قول عنرتة يف مع َّلقته‪:‬‬ ‫ب ـط ـ ٌل كـ ـ�أنَّ ث ـيــابــه يف َ�س ْر َح ٍة‬ ‫ال�سبت لي�س بتو� ِأم‬ ‫ُيحذي ِنعال ِّ‬ ‫�أي على �سرح ٍة وهذا �شائ ٌع يف ال َّدارجة‪ ،‬ومنه قولهم‪« :‬فالن‬ ‫وال�سطح‪ ،‬وت�أتي لبيان‬ ‫ال�سطح»‪� ،‬أي على اجلبل َّ‬ ‫يف اجلبل ويف َّ‬ ‫بي ‪« :Í‬د َ​َخلَت ْام َر�أَ ٌة ال َّنا َر ِيف هِ َّرةٍ» �أي‬ ‫َّ‬ ‫ال�سبب ومنه قول ال َّن ِّ‬ ‫ب�سبب ه َّر ٍة‪ ،‬ومن �أمثلتها يف ال َّدارجة قول ال َّنا�س‪« :‬فالن ربح فيها‬ ‫جائزة»‪� ،‬أي ربح ب�سببها‪ ،‬و«فالن ادا فيها طريحة» �أي ب�سببها‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وال�ضمري للوقعة �أو الفعلة‪.‬‬ ‫وجملة «يف الواد عامله ظاليل» جملة حال َّية من «ال َّدفلى»‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫م�ضاف‬ ‫ن�صب على احلال‪ ،‬و�صاحب احلال هنا‬ ‫فهي يف مو�ضع ٍ‬ ‫�إليه‪ ،‬وقد ُعلم يف ال َّنحو امتناع جميء احلال من امل�ضاف �إليه‬


‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫اللغة واألدب‬

‫�إ َّال يف موا�ضع‪.‬‬ ‫ال�صور اجلائزة‪،‬‬ ‫ف�إذا عرفت هذا؛ فاعلم �أنَّ احلال هنا من ُّ‬ ‫وهي هنا كون امل�ضاف جز ًءا من امل�ضاف �إليه‪ ،‬ف�إنَّ «الن َّوار» بع�ض‬ ‫َّ‬ ‫ال�شجر‪ ،‬قال يف «اخلال�صة»‪:‬‬ ‫وال جتز حا ًال من امل�ضاف له‬ ‫�إ َّال �إذا اقت�ضى امل�ضاف عمله‬ ‫�أو كان جز َء ما َل ُه �أُ ِ�ضيفا‬ ‫�أو مـث َـل جزئه ف ــال تحَ ِ يفــا‬ ‫ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯥ﴾‬ ‫[‪ ،]47 :k‬ف�إنَّ «�إخوا ًنا» حال من �ضمري «هم»‪ ،‬وهو م�ضاف‬ ‫�إىل «�صدور»‪ ،‬وامل�ضاف هنا ٌ‬ ‫بع�ض من امل�ضاف �إليه كما هو‬ ‫وا�ضح‪ ،‬وما ذكرناه �إنمَّ ا يتخ َّرج على رواية «عامله ظاليل» بالتَّاء‬ ‫وهي الأ�شهر يف اال�ستعمال‪.‬‬ ‫و�أ َّما على رواية «عامل ظاليل» بغري تاء‪ ،‬وهي رواية �صحيحة‪،‬‬ ‫فال يرد ما ذكرناه؛ لأنَّ «عامل ظاليل» ي�صري حينئذ حا ًال من‬ ‫«الن َّوار» ال من «ال َّدفلى» و«ن َّوار» م�ضاف‪ ،‬وبحثنا كان يف امل�ضاف‬ ‫ُعرب اجلملة نعتًا «لل َّدفلى» ال حا ًال فتكون‬ ‫�إليه على �أ َّنه يجوز �أن ت َ‬ ‫حينئذ يف ِّ‬ ‫خف�ض لكون متبوعها جمرو ًرا‪.‬‬ ‫حمل ٍ‬ ‫ف�إن قلت‪ :‬فكيف ي�ص ُّح هذا الوجه وقد ذكروا �أنَّ اجلمل‬ ‫بعد املعارف �أحوال وبعد ال َّنكرات �أو�صاف‪ ،‬ولفظ «ال َّدفلى» هنا‬ ‫مع َّرفة؟‬ ‫فجوابه هنا �أن يقال‪ :‬هذه قاعدة �صحيحة غري �أنَّ هذا الزم‬ ‫متح�ض للتَّعريف �أو التَّنكري‪ ،‬ف�إذا �أُ�شيبت املعرفة بتنك ٍري‬ ‫فيما َّ‬ ‫بتعريف احتمل الكالم حينئذ الوجهني‪ ،‬ولذلك ج َّوز‬ ‫وال َّنكرة‬ ‫ٍ‬ ‫املع ِّربون الوجهني يف قول َّ‬ ‫ال�شاعر‪:‬‬ ‫ولقد �أ ُم ُّر على ال َّلئيم ي�س ُّبني‬ ‫فم�ضيتُ ث َّمت قلت‪ :‬ال يعنيني‬ ‫فج َّوزوا يف جملة «ي�س ُّبني» احلال َّية والو�صف َّية؛ ف�إعرابها حا ًال؛‬ ‫نظ ًرا للفظ «ال َّلئيم»؛ ف�إ َّنه معرف ٌة القرتانه ب�أل التَّعريف‪ ،‬و�إعرابها‬ ‫يخت�ص بلئيم معينَّ ؛ لأنَّ «�أل» فيه‬ ‫نعتًا باعتبار املعنى ف�إ َّنه ال‬ ‫ُّ‬

‫ف�صح �أن تكون اجلملة‬ ‫للجن�س‪ ،‬ف�شابه يف هذا املعنى ال َّنكرات‪َّ ،‬‬ ‫بعده نعتًا‪ ،‬و�إىل ما �سبق بيانه �أ�شار الع َّالمة «املجرادي» يف‬ ‫منظومته امل�شهورة بـ«املجراد َّية» بقوله‪:‬‬ ‫معرف‬ ‫حم�ض ِ‬ ‫و�إن وقعت من بعد ِ‬ ‫ف�إعرابـها ح ــال لــما قبل قد خال‬ ‫منكر‬ ‫و�إن وقعت من بعد حم�ض ٍ‬ ‫ف�إع ــراب ـهـا نعتٌ لـما قــبل قد تال‬ ‫ـكر‬ ‫ويحتمل الـوجـهـيـن بعد مـنـ ـ ـ ٍ‬ ‫ومعرف ٍة لي�سا مبح�ض ِني فاقبال‬ ‫متح�ض لفظ «ال َّدفلى» يف املثل‬ ‫ف�إذا علمت هذا؛ الح لك عدم ُّ‬ ‫للتَّعريف‪ ،‬بل لفظه معرف ٌة ومعناه نكر ٌة لعدم داللته على معينَّ ‪،‬‬ ‫وذلك لأنَّ «�أل» فيه للجن�س‪.‬‬ ‫و�أ َّما الواو من قوله‪« :‬وال يعجبك زين َّ‬ ‫الطفله»؛ فهي واو‬ ‫العطف ال َّدالة على اال�شرتاك يف احلكم‪ ،‬وهذا �أ�شهر معانيها‪،‬‬ ‫ونحن نعطف بها على مقت�ضى لغة العرب‪ ،‬ف ُن�شرك بها يف احلكم‬ ‫من غري ق�صد رَّ‬ ‫التتيب وال ُم�صاحب ٍة‪ ،‬وقد ُنريد ذلك غري �أ َّنه‬ ‫لي�س بالزم ونحن يف هذا على مذهب املح ِّققني‪ ،‬وقد �أ�شار �إليه‬ ‫ابن مالك يف «اخلال�صة» بقوله‪:‬‬ ‫واع ـطـف بوا ٍو �ســاب ًقا �أو الحـ ًقا‬ ‫يف احلكم �أو م�صاح ًبا مواف ًقا‬ ‫وبهذا اعرت�ض فقها�ؤنا املالك َّية على من �أوجب رَّ‬ ‫التتيب يف‬ ‫بع�ض الأحكام م�ستندً ا �إىل هذه الواو‪ ،‬كما فعل من �أوجب رَّ‬ ‫التتيب‬ ‫يف الو�ضوء م�ستد ًّال ب�آية الو�ضوء‪ ،‬وذلك لأنَّ الواو ملج َّرد اال�شرتاك‬ ‫وملُخالفنا �أجوبة على طريقة املناظرة‪ ،‬مطلبها يف كتب اخلالف‪.‬‬ ‫واعلم �أنَّ الواو كث ًريا ما ي�ستعملها �أهل قطرنا يف امل�صاحبة‪ ،‬فتكون‬ ‫حينئذ واو املع َّية ال العاطفة‪ ،‬غري �أنَّ ذلك ال َيظهر له �أثر يف ال َّلفظ‬ ‫لف�ساد الإعراب يف اللُّغة ال َّدارجة‪ ،‬فال يظهر ال َّن�صب كما يف َنحو قول‬ ‫َ‬ ‫واجلي�ش» بن�صب «اجلي�ش»‪ ،‬ف ُيعتمد حينئذ على‬ ‫العرب‪« :‬جا َء الأم ُري‬ ‫�ضميم ٍة خارج َّية‪ ،‬ومع هذا فقد تخفى القرينة‪ ،‬ولهذا ف�إ َّنهم �إذا �أرادوا‬ ‫التَّن�صي�ص على املع َّية يف ال َّدارجة جا�ؤوا بلفظ «مع»‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫اللغة واألدب‬ ‫‪52‬‬

‫ومما جتيء له الواو يف كالمنا‪ :‬الق�سم‪ ،‬وبع�ض �أهل َّ‬ ‫ال�شرق‬ ‫َّ‬ ‫عندنا ي�أتون بباء الق�سم يف بع�ض �أق�سامهم‪ ،‬وك ُّل هذه املعاين‬ ‫ا َّلتي ذكرتها لك يف هذا احلرف جارية على ف�صيح اللُّغة‪.‬‬ ‫الطفله» �أي جمالها‪ِّ ،‬‬ ‫وقوله‪« :‬زين َّ‬ ‫طفل‪ ،‬وهي‬ ‫و«الطفله» م�ؤ َّنث ٍ‬ ‫بك�سر َّ‬ ‫بفتح وهو‬ ‫ب�ضم‬ ‫ٍ‬ ‫الطاء‪ ،‬و ُنطقها على قانون ال َّدارجة ٍّ‬ ‫م�شوب ٍ‬ ‫ال�شرق اجلزائري ي�ض ُّمون َّ‬ ‫م�ضطر ٌد يف نظائرها‪ ،‬و�أهل َّ‬ ‫الطاء من‬ ‫لفظ َّ‬ ‫خال�صا‪َّ ،‬‬ ‫والظاهر �أ َّنه حلنٌ ويجوز �أن يكون‬ ‫«الطفله» �ض ًّما ً‬ ‫م�سموعا عن العرب القدماء‪.‬‬ ‫�شي ًئا‬ ‫ً‬ ‫ويف ِّ‬ ‫حال فهو حلن �أو لغة رديئة‪ ،‬وكث ًريا ما �سمعت من‬ ‫كل ٍ‬ ‫�أهل بلدنا � ً‬ ‫تلحن فيه العا َّمة‪ ،‬ف�إذا‬ ‫ألفاظا كنت �أظ ُّنها من قبيل ما َ‬ ‫فتَّ�شت عنها وجدتها لغ ًة �صحيحة‪.‬‬ ‫ومن ذلك �أ َّنهم يقولون‪« :‬ال ُف ْق ُر» َّ‬ ‫بال�ض ِّم وكنتُ �أح�سبه من‬ ‫حلن العا َّمة‪ ،‬ف�إذا هو م�سمو ٌع عن العرب‪ ،‬وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ الفتح‬ ‫�أف�صح فلع َّل �ض ُّم لفظ ِّ‬ ‫ال�سماع غري �أ َّنه‬ ‫«الطفله» كهذا ِّ‬ ‫ال�ضم يف َّ‬ ‫�أهملته الكتب»‪.‬‬ ‫وقوله‪« :‬ظاليل» جمع ظليلة ـ مبعنى ال َّرو�ضة الكثرية َّ‬ ‫ال�شجر ـ‪,‬‬ ‫وهو جمع جا ٍر على �أوزان العرب كما ترى‪ ,‬فهم يقولون‪ :‬ظليلة‬ ‫وظالئل‪ ،‬كقولهم‪� :‬صحيفة و�صحائف‪ ,‬وهو من �أوزانهم القيا�س َّية‪،‬‬ ‫ويجوز �أن يكون جمع ٍّ‬ ‫ظل على ال َّدارجة‪ ،‬وكالهما يت ُّم به املق�صود‬ ‫على ما ي�أتي بيانه يف «كتاب املعاين»‪.‬‬ ‫وقوله‪« :‬الفعايل» هو جمع فعل على تعبري ال َّدارجة‪ ,‬و�إنَّ‬ ‫ما �س َّهل جميئه على هذا الوزن اقرتانه بلفظة «ظالئل»‪ ,‬وقد‬ ‫يجوز يف َّ‬ ‫ال�شيء مقرت ًنا بغريه على وجه امل�شاكلة ما ال يجوز‬ ‫ال�سجع؛ ف�إنَّ لأوزانه‬ ‫فيه منفردًا‪ ،‬ويكون ذلك من قبيل �ضرورة َّ‬ ‫ال�شعر‪ ،‬وال َّ‬ ‫�ضرورة ك�ضرورة ِّ‬ ‫�شك �أنَّ هذا التَّنا�سب �أك�سب الكالم‬ ‫ـ«ال�سجع»‪،‬‬ ‫ح�س ًنا من جهة ال َّلفظ‪ ،‬وهذا ما ِّ‬ ‫ي�سميه �أهل البيان‪ :‬ب َّ‬ ‫وهو يف ال َّنرث مبنزلة القوايف يف ِّ‬ ‫ال�شعر‪ ،‬و�إىل هذا املعنى �أ�شار‬ ‫«عبد ال َّرحمن الأخ�ضري اجلزائري» بقوله‪:‬‬ ‫فوا�صل يف ال َّن ِرث‬ ‫وال�سجع يف‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫مـ�شـبـهـ ٍة قــاف ـيــة يف ِّ‬ ‫ـعر‬ ‫ال�ش ـ ِ‬ ‫حم�سنات الكالم‪ ،‬و�أ�صل احل�سن فيه‬ ‫وال�سجع يف البالغة من ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫�أن يكون ال َّلفظ تاب ًعا للمعنى‪ ،‬ف�إن انعك�ست الق�ض َّية ظهر التَّكلُّف‬ ‫والتَّنافر‪ ،‬وما �أح�سنه يف املثل َّ‬ ‫ن�صو»‬ ‫ال�شعبي‪« :‬ت َّبع رخ�صو ترمي ُّ‬ ‫ولي�س ذلك ب�شرط‪ ،‬و�إنمَّ ا هو على ما ي�سمح به احلال‪ ،‬وهل �ض َّر‬ ‫ال�سجع حني قال‪« :‬لخَ ْ رَ ْب ْي ِجي ُبوه ال َّت َو ىَال»‪ ،‬ولو رام‬ ‫احلكيم ترك َّ‬ ‫ال�سجع حممودًا‬ ‫متفا�ص ٌح ت�سجيعه ل َّربده ولذهب بطالوته‪ ،‬فلي�س َّ‬ ‫يف ِّ‬ ‫طوعا‪ ،‬وك�أ َّنه مل يو�ضع �إ َّال‬ ‫كل مو�ضع‪ ،‬و�إنمَّ ا ُيحمد منه ما جاء ً‬ ‫بال�سجع؛‬ ‫لذلك املو�ضع‪ ،‬ولقد ك ِلف كثري من اخلطباء والكتَّاب َّ‬ ‫فح�شروا الألفاظ يف حم�شر الأ�سجاع ول�سان حالهم يقول‪:‬‬ ‫نحن يف الأ�سجاع ندعو اجلفلى‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ال�س ــاجــع ف ـي ـن ــا ينتقر‬ ‫ال تـرى َّ‬ ‫ف�ساقوا نوافرها �ش َّر م�ساق‪ ،‬فت�أتي مكبكبة ملتوية الأعناق‪,‬‬ ‫اخلطيب الـ ُمعانى‬ ‫قد �أنهكتها املجا�شم وال ُقحم كما �أنهكت‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ي�صك مبنادل‬ ‫حني �شغلته الألفاظ عن املعاين‪َّ ,‬ثم بعد ذلك‬ ‫�سجعه امل�سامع ويح�سب �أ َّنه قد جاء ب�ضرب من البديع‪ ,‬و�إنَّ‬ ‫هذا ليذ ِّكرين خطبة عيد �شهدتها قد ًميا التزم فيها خطيبها‬ ‫ما ال يلزم‪ ،‬وتك َّلف ما مل ُيك َّلف‪ ،‬وجاء ب�سجع على حرف ال َّراء‬ ‫�إىل خامتة اخلطبة! وقد ذهب به التَّكلُّف ك َّل مذهب؛ فاجتمعت‬ ‫الألفاظ على وح�شة بينها‪ ,‬ك ُّل لفظ ينطح جاره وال يطيق جواره‪,‬‬ ‫فكانت عناية خطيبنا بحرف ال َّراء �أكرث من عنايته بوعظ ال َّنا�س‬ ‫ا�ست َْط َر ْدنا به‪ ،‬وهذا عود �إىل‬ ‫يف ذلك اليوم امل�شهود‪ ,‬وقد طال ما ْ‬ ‫ما ك َّنا فيه‪ ،‬والعود �أحمد‪.‬‬ ‫ومنه �أنَّ حرف َّ‬ ‫الظاء من قوله‪« :‬ظاليل» قد اختلفت فيه‬ ‫ال�صحيح‬ ‫�أل�سنة �أهل البالد‪ ,‬فمنهم من ينطقها ظا ًء على الوجه َّ‬ ‫وعليه جمهورهم‪ ,‬غري �أنَّ من ينطق َّ‬ ‫الظاء �صحيحة عندنا ال مي ِّيز‬ ‫ال�ضاد‪ ،‬فهو ينطق َّ‬ ‫بينها وبني َّ‬ ‫ال�ضاد ظا ًء‪ ،‬فيقول يف نحو رم�ضان‬ ‫و«الظوء» َّ‬ ‫وال�ضوء‪« :‬رمظان» َّ‬ ‫بالظاء‪ ،‬وذلك لع�سر حرف َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�ضاد‬ ‫عليهم‪ ,‬وهم يقر�ؤن القر�آن الكرمي على هذا ال َّنحو فيلحنون‪,‬‬ ‫ال�صالة‪ ,‬وهم‬ ‫وال َّلحن يف الفاحتة �أ�ش ُّد؛ لتعلُّقه بركن من �أركان َّ‬ ‫(‪� )2‬أ�صل هذا البيت يف قول �صاحبه‪:‬‬ ‫نحن يف امل�شتاة ندعوا اجلفلى ال ترى الآدب فينا ينتقر‬ ‫غري �أنيِّ ح َّولته �إىل ما ينا�سب املقام‪.‬‬


‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫اللغة واألدب‬

‫الظا ِّلني» َّ‬ ‫يقولون‪« :‬وال َّ‬ ‫بالظاء من قوله تعاىل‪:‬‬ ‫ال�صالة بذلك خلف من ال‬ ‫[[‪ ,]7 :‬وبع�ض فقهائنا يبطل َّ‬ ‫مييز بينهما‪ ،‬وهو �أحد الأقوال يف ال�صالة خلف ال َّالحن‪ ,‬وذيول‬ ‫امل�س�ألة يف كتب الفروع وغريها‪.‬‬ ‫وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ التَّمييز بينهما واجب على قدر الإمكان‪� ،‬إذ ال‬ ‫يت�أتَّى ذلك ِّ‬ ‫لكل �إن�سان‪ ,‬وال ميكن يف هذا الع�صر �أن ينطق بحرف‬ ‫َّ‬ ‫ال�صحيح �إ َّال مب�شافهة �شيوخ الإقراء‪.‬‬ ‫ال�ضاد على الوجه َّ‬ ‫ولقد مكثت من عمري �سنني �أزعم �أ َّنني �أنطق َّ‬ ‫ال�ضاد على‬ ‫وجهها‪ ،‬وت�ش َّدقت بذلك ده ًرا حتَّى لقيت م�شيخة الإقراء بدم�شق‬ ‫الفيحاء؛ فزالت حينئذ غمامة الإلبا�س‪ ،‬وتبينَّ يل �أنَّ ذهبي‬ ‫ال�صريح‪ ،‬و�أخذت َّ‬ ‫ال�ضاد على‬ ‫نحا�س‪ ،‬واجنلت ال َّرغوة عن ال َّلنب َّ‬ ‫ال�صحيح يف جملة علم الأداء‪.‬‬ ‫الوجه َّ‬ ‫وبع�ض �أهل الوطن يقول يف‪�« :‬ضاليل» َّ‬ ‫بال�ضادِّ‪ ،‬وه�ؤالء‬ ‫ينطقون َّ‬ ‫ال�صحيح �أو قري ًبا من ذلك‪ ،‬غري �أنَّ‬ ‫ال�ضا َّد على الوجه َّ‬ ‫بالظاء‪ ,‬فهم يقولون يف نحو‪ُّ :‬‬ ‫ه�ؤالء ال يكادون ينطقون َّ‬ ‫«الظهر»‬ ‫و«الظفر» ِّ‬ ‫ّ‬ ‫و«ال�ضفر» ّ‬ ‫«ال�ضهر» ّ‬ ‫و«الظ ّل»‪ُّ :‬‬ ‫و«ال�ض ّل» َّ‬ ‫بال�ضاد‪ ,‬وهكذا‬ ‫يف الكالم ك ِّله؛ وذلك لع�سر حرف َّ‬ ‫الظاء عليهم‪ ,‬وعليه ل�سان �أهل‬ ‫مدينة اجلزائر املحرو�سة وما قاربها‪.‬‬ ‫وبع�ض �أهل البالد ينطق َّ‬ ‫ال�ضا َّد دا ًال‪ ،‬وبع�ضهم مييل بها �إىل‬ ‫َّ‬ ‫الطاء‪ ،‬وك ُّل هذا من ف�ساد ال ِّل�سان‪ ,‬ولقد َب ِر َم بهذا بع�ض �شيوخ‬ ‫�شيوخنا فقال‪:‬‬ ‫ال�ضا ُّد حرف ع�سيـر ي�شبه َّ‬ ‫َّ‬ ‫الظــا َء‬ ‫ال ال َّدال ي�شبه يف نطق وال َّ‬ ‫الطا َء‬ ‫حلن ف�شـا منذ زمــان قد ات ـبــعت‬ ‫�أب ـنــا�ؤهـا فـ ـيـه �أج ــدادًا و�آب ـ ـ ــاء‬ ‫من غـري م�ستند �أ�صــال وغ ــايـ ـت ـه ــم‬ ‫�إل ُـف الـعوائـد فيه َخ ـ ْب َـط عـ�شـواء‬ ‫والـح ُّق �أبـلج ال يـخ ـفـى عـل ــى ف ـطـن‬ ‫�إن ا�ست�ضاء مبا يف الكتب قد جاء‬ ‫ـ�صــا ال مـ ــر َّد لــه‬ ‫ه ــذا هـو احل ـ ُّق نـ ًّ‬ ‫من �شـاء بـاحلـقِّ فـليـ�ؤمـن ومن �شـاء‬ ‫﴿ﭲ ﭳ﴾‬

‫لكنَّ يف قوله ي�شبه َّ‬ ‫الظاء نظ ًرا؛ فهو يوهم �أ َّنه ي�شبهه يف‬ ‫وال�سمع‪ ،‬وهذا غري �صحيح‪ ،‬و�إن �ص َّرح به بع�ض الأفا�ضل‪,‬‬ ‫ال َّلفظ َّ‬ ‫ولع َّل �صاحب الأبيات يق�صد �أ َّنه ي�شبه َّ‬ ‫ال�صفات‪.‬‬ ‫الظاء يف �أكرث ِّ‬ ‫ومن �أهل البالد من ينطق َّ‬ ‫خال�صا‪ ,‬وقد �سمعت‬ ‫ال�ضاد زا ًيا ً‬ ‫هذه َّ‬ ‫الظاء يف �إقليم توات يف بع�ض ق�صورها‪ ,‬وكان من خرب ذلك‬ ‫�أنيِّ كنت يف بع�ض جمال�س امل�شيخة هنالك‪ ،‬وكان حديثنا يف‬ ‫«حب الزُّهور يق�صم الزُّهور»‪,‬‬ ‫التَّعامل و�أهله‪ ،‬فقال رجل فقيه‪ُّ :‬‬ ‫«حب ُّ‬ ‫الظهور يق�صم‬ ‫وهي العبارة امل�شهورة عند ال َّنا�س‪ ،‬فيقولون‪ُّ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫الظهور»‪.‬‬ ‫وكان ذلك �أ َّول العهد بهذه َّ‬ ‫الظاء التّوات َّية‪َّ ,‬ثم �سمعتها كث ًريا‬ ‫يف نطق بع�ض الع�شائر‪ ,‬و�أكرث �أهل توات ال جتري هذه الزَّاي يف‬ ‫�أل�سنتهم‪ ,‬وكنت �أح�سب �أنَّ نطق َّ‬ ‫مما انفرد به �أهل‬ ‫الظاء زا ًيا َّ‬ ‫م�صر ومن واالهم‪ ,‬وعلى هذه الوجوه يجري ال ُّنطق َّ‬ ‫بالظاء يف‬ ‫احلكمة َّ‬ ‫ال�شعب َّية على اختالف �أل�سنة �أهل بالدنا‪.‬‬ ‫وقوله‪« :‬حتَّى ت�شوف» جاء لبيان الغاية‪.‬‬ ‫واعلم �أنَّ «حتَّى» ت�أتي للغاية‪ ،‬كما هنا‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ الآية [^‪.]187 :‬‬ ‫ال�صادقني»‪ ,‬وعلى‬ ‫وت�أتي للتَّعليل نحو‪ُ « :‬ا�صدق حتَّى تُكتب مع َّ‬ ‫العامي‪ ,‬ومن العرب من ُيبدل احلاء من‬ ‫املعن َيينْ جتري يف كالمنا ِّ‬ ‫هذا احلرف ع ْي ًنا فيقول‪« :‬عتَّى»‪.‬‬ ‫ولقد �سمعت رج ًال من �أهل البوادي عندنا مييل بها �إىل هذا‬ ‫البحة‪ ،‬ومل‬ ‫ال ُّنطق‪ ،‬وال �أدري �أهي لغة َق ْو ِمه �أو هو �شيء �صنعته َّ‬ ‫يطل مقامي بني القوم ال�ستقراء هذا الباب؛ ف�إنَّ اللُّغات ال تثبت‬ ‫مبثل هذا كما هو معلوم‪.‬‬ ‫وقوله‪« :‬ت�شوف» فهو فعل م�ضارع من ّ‬ ‫ال�شوف‪ ،‬وهو التَّطلُّع‬ ‫وال َّنظر �إىل َّ‬ ‫ال�شيء‪.‬‬ ‫وكذلك ن�ستعمله يف كالمنا ال َّدارجي‪ ،‬وك ُّل هذا يد ُّل على �أنَّ‬ ‫لغتنا هي لغة العرب‪ ،‬و�أنَّ ما خالطها من كالم العجم �أو ما طر�أ‬ ‫خرجها عن ذلك‪.‬‬ ‫عليها من ف�ساد ال ُي ُ‬ ‫وهذا ختام لكتاب املباين‪ ،‬ويليه «كتاب املعاين»‪ ,‬واحلمد هلل‬ ‫وبه �أ�ستعني‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫قضايا تربوية‬

‫قرة عني األبوين‬ ‫يف رعاية وتربية‬ ‫البن��ات والبنني‬ ‫جنيب جلواح‬

‫بعد الكالم املجمـل عن ترب َّية الأوالد ورعايتهم‪،‬‬ ‫وا َّلذي �سبق يف اجلزء الأ َّول مِ ن مقايل‪� ،‬أنتقل �إىل‬ ‫تف�صيل الكالم فيما نَّ‬ ‫يتعي علـى الوالدين �أن َيعلموه‬ ‫و ُيع ِّلموه �أبناءهم‪.‬‬ ‫ف� ُ‬ ‫أقول ـ و باهلل �أ�ستعني ـ‪:‬‬

‫‪54‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫أول ما يعلَّم الصبي العقيدة الصحيحة‪:‬‬ ‫ال�صافية اخلال�صة يف نفو�س‬ ‫على الآباء �أن يغر�سوا العقيدة َّ‬ ‫�أبنائهم‪ ،‬ويل ِّقنوهم كلمة التَّوحيد ِمن �صغرهم‪ ,‬وير ُّبوهم على مراقبة‬ ‫ال�سماء‪ ،‬و�أ َّنه ي�سمع‬ ‫اهلل وخوفه يف ِّ‬ ‫ال�س ِّر والعالنية‪ ،‬و ُي َع ِّلموهم �أ َّنه يف َّ‬ ‫كالمهم‪ ،‬ويرى مكانهم‪ ،‬و َيعلم �س َّرهم وجنواهم‪� ،‬إىل غري ذلك ِمن‬ ‫املي�سرة‪ ،‬ا َّلتي تالئم �س َّنهم‪ ،‬وتُنا�سب م�ستواهم‪ ،‬حتّى‬ ‫�أمور العقيدة َّ‬ ‫يرت َّب ْوا على معرفة اهلل وتوحيده‪ ،‬وحفظ حدوده‪ ،‬فيلج�أون �إليه يف‬ ‫ال َّرخاء ِّ‬ ‫ال�س ّراء ّ‬ ‫وال�ض ّراء وي�ستعينون به‪.‬‬ ‫وال�ش َّدة‪ ،‬ويدعونه يف ّ‬ ‫ال�صغار وتهيئتهم بلطيف العبارة‪،‬‬ ‫و ُي�ستح�سن ت�شويق ِّ‬ ‫أهم َّية ما ُيلقى �إليهم‪ ،‬مع �إ�شعارهم ب�سهولة حفظه‬ ‫وتنبيههم �إىل � ِّ‬ ‫وفهمه ووعيه‪ ،‬ويكون ذلك ب�أ�سلوب خمت�صر‪ ،‬وكالم جامـع و ُموجز‬ ‫ووا�ضح؛ ليكون �أوقع يف ال َّنف�س‪.‬‬ ‫وهذا الذي ر َّكز عليه لقمان احلكيم يف موعظته البنه؛ � ْإذ‬ ‫بد�أها بنهيه عن ِّ‬ ‫ال�شرك ـ وهو ي�ستلزم الأمر بالتَّوحيد ـ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [\}]‪.‬‬ ‫عمه عبد‬ ‫وهو ما جت َّلى وظهر يف و�ص َّية ر�سول اهلل ‪ Í‬البن ِّ‬ ‫اهلل بن ع َّبا�س‪ ،‬وهو فتًى‪ْ � ،‬إذ قال ‪ :È‬كنتُ خلف ر�سول اهلل‬ ‫ال ُم! �إِنيِّ �أُ َع ِّل ُم َك َك ِل َماتٍ ‪ْ :‬اح َف ِظ َ‬ ‫يوما‪ ،‬فقال‪َ « :‬يا ُغ َ‬ ‫اهلل‬ ‫‪ً Í‬‬ ‫تاه َ​َك‪� ،‬إِ َذا َ�س�أَ ْلتَ َفا�سْ�أَلِ َ‬ ‫َي ْح َف ْظ َك‪ْ ،‬اح َف ِظ َ‬ ‫ت ْد ُه جُ َ‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫اهلل جَ ِ‬ ‫اج َت َم َعتْ َعلَى‬ ‫َو�إِ َذا ا�سْ َت َعنْتَ َفا�سْ َتعِنْ باهللِ‪َ ،‬و ْاعلَ ْم �أَ َّن الأُ َّم َة َل ِو ْ‬ ‫ب�ش ْي ٍء َق ْد َك َت َب ُه ُ‬ ‫ل َي ْن َف ُع َ‬ ‫�أَ ْن َي ْن َف ُع َ‬ ‫ـوك �إِ َّال َ‬ ‫وك َ‬ ‫ب�ش ْيءٍ‪ ،‬مَْ‬ ‫اهلل َل َك‪َ ،‬و َل ْو‬ ‫ل َي ُ�ض ُّر َ‬ ‫اج َت َم ُعـوا َعلَى �أَ ْن َي ُ�ض ُّر َ‬ ‫وك ِ�إ َّال َ‬ ‫وك َ‬ ‫ب�ش ْيءٍ‪ ،‬مَْ‬ ‫ب�ش ْي ٍء َق ْد َك َت َب ُه‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ (‪)1‬‬ ‫اهلل َعلَ ْي َك‪ُ ،‬ر ِف َعـتِ الأ ْق َ‬ ‫ال�ص ُحف» ‪.‬‬ ‫ال ُم‪َ ،‬و َج َّفتِ ُّ‬ ‫قال ابن ق ِّيم اجلوز َّية ‪« ::‬ف�إذا كان وقت نطقهم؛ فل ُيلقَّنوا‬ ‫«ال �إله �إ َّال اهلل‪ ،‬حم َّمد ر�سول اهلل»‪ ،‬و ْل َيكن �أ َّول ما يقرع م�سامعهم‪:‬‬ ‫معرفة اهلل ـ �سبحانه ـ وتوحيده‪ ،‬و�أ َّنه ـ �سبحانه ـ فوق عر�شه‪ ،‬ينظر‬ ‫�إليهم‪ ،‬وي�سمع كالمهم‪ ،‬وهو معهم �أينما كانوا»(‪.)2‬‬ ‫ال�صغار توحيدَ اهلل قبل �أيِّ علم �آخر‪ ،‬بل هو‬ ‫و ْل َيكن تعليم ِّ‬ ‫مق َّدم على تعلُّم كتاب اهلل تعاىل؛ فعن ُجندُب بن عبد اهلل ‪Ç‬‬ ‫قال‪« :‬ك َّنا ِغلمانا حزا ِورة(‪ )3‬مع ر�سول اهلل ‪ Í‬فيع ِّلمنا الإميان‬ ‫التمذي (‪ ،)2516‬وهو يف «�صحيح ُ�سنن رِّ‬ ‫(‪ )1‬رواه رِّ‬ ‫التمذي» للألباين (‪.)2043‬‬ ‫(‪« )2‬حتفة املودود ب�أحكام املولود» (�ص‪.)231‬‬ ‫«ال�صحاح» للجوهري‬ ‫(‪ )3‬جمع َحزْ ور �أو َحزَ َّور‪ :‬وهو الغالم �إذا ا�شت َّد وقوي وخدم‪ ،‬انظر‪ِّ :‬‬ ‫(‪.)629/2‬‬


‫قضايا تربوية‬

‫قبل القر�آن‪َّ ،‬ثم يع ِّلمنا القر�آن‪ ،‬فازددنا به �إميا ًنـا‪ ،‬و�إ َّنكم ـ اليوم ـ‬ ‫تع َّلمون القر�آن قبل الإميان»(‪.)4‬‬ ‫وهذا هو املنهج الذي �سار عليه �سلف هذه الأ َّمة‪ْ � ،‬إذ كانوا‬ ‫ال�صغر‪.‬‬ ‫يهت ُّمون بعقائد �أبنائهم‪ ،‬ويع ِّلمونهم توحيد اهلل منذ ِّ‬ ‫وكانوا ِّ‬ ‫يحذرونهم ِمن خمالطة �أهل البدع والأهواء؛ لمِ ا يف‬ ‫ال�س ِّيئة على عقائدهم‪ ،‬قال‬ ‫ذلك من العواقب الوخيمة‪ ،‬والآثار َّ‬ ‫�سعيد بن جبري ‪« ::‬لأنْ ي�صحب ابني فا�س ًقا �شاط ًرا(‪� )5‬س ُّن ًّيا‬ ‫أحب �إ َّ‬ ‫يل ِمن �أن ي�صحب عابدً ا مبتدعا»(‪.)6‬‬ ‫� ُّ‬ ‫ال�صالح‪� ،‬صاحب‬ ‫ال�س ِّن َّي‪ ،‬واملر ِّبي َّ‬ ‫وكانوا يختارون لهم املع ِّلم ُّ‬ ‫اال ِّتباع وا ُ‬ ‫خللق احل�سن‪ ،‬وكانوا ِّ‬ ‫يحذرون ِمن و�ضعه يف يد مع ِّلـم‬ ‫مبتدع‪.‬‬ ‫فكم ِمن انحراف يف ا ُ‬ ‫خللق‪ ،‬وف�ساد يف االعتقـاد‪ ،‬وقع فيه‬ ‫ْ‬ ‫بي ب�سبب مع ِّلمه؟!‬ ‫َّ‬ ‫ال�ص ُّ‬ ‫قال �أبو �إ�سحـاق ا ُ‬ ‫جل ْب َنيا ّ‬ ‫ين‪« :‬ال تُع ِّلموا �أوالدكم �إ َّال عند رجل‬ ‫بي على دين مع ِّلمه»(‪.)7‬‬ ‫ح�سن الدِّ ين‪ِ ،‬‬ ‫فدين َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬

‫تعليم الطفل القرآن‪:‬‬ ‫حثَّ الإ�سالم على تعلُّم كتاب اهلل تعاىل وتعليمه؛ قال ر�سـول‬ ‫اهلل ‪َ :Í‬‬ ‫«خيرْ ُ ُك ْم َمنْ َت َع َّل َم ال ُقرْ�آ َن َو َع َّل َمهُ»(‪.)8‬‬ ‫فظي ـ تالو ًة ً‬ ‫واملعنوي ـ تف�س ًريا‬ ‫وحفظا ـ‬ ‫َّ‬ ‫وهذا ي�شمل التَّعليم ال َّل ّ‬ ‫و�شرحا ـ‪ ،‬كما ي�شمل الوالد بتعليمه ولده‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ف�إنْ عجز الوالد عن تعليم ولده القر�آن‪� ،‬أو ُ�شغل عن ذلك‪،‬‬ ‫ل�شح‪ ،‬ق ُبح فعله‪.‬‬ ‫و َّكل َمن يقوم به ـ ولو ب�أجرة ـ ف�إنْ ت َرك ذلك ٍّ‬ ‫وقد رتَّب َّ‬ ‫ال�شرع على هذا التَّعليم ثوا ًبا و�أج ًرا‪ ،‬ال�سيما تعليم‬ ‫الوالد ولده؛ فقال ر�سـول اهلل ‪َ « :Í‬منْ َق َر�أَ ال ُقرْ�آ َن َو َت َع َّل َم ُه‬ ‫اجا مِ نْ ُنورٍ‪�َ ،‬ضو ُْ�ؤ ُه مِ ْث ُل َ�ض ْو ِء‬ ‫وعَمِ َل ِبهِ‪� ،‬أُ ْل ِب َ�س َي ْو َم ال ِق َيا َم ِة َت ً‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش ْم ِ�س‪َ ،‬و ُي ْك َ�سى َوا ِلدَا ُه ُح َّل َت نْيِ‪َ ،‬ال َي ُقو ُم ب ِه َمـا الدُّ ْن َيا‪َ ،‬ف َي ُقو َالنِ ‪:‬‬ ‫ب ُك�سِ ينا؟! َف ُي َق ُال‪ :‬ب�أَ ْخذِ َو َلدِ ُك َما ال ُقرْ�آ َن»(‪.)9‬‬ ‫مِ َ‬ ‫ال�سلف‪ ،‬فكان ِمن ذلك �أنْ َحفظه �صغارهم؛‬ ‫وبهذا التَّعليم قام َّ‬ ‫«�سلوين‬ ‫فعن ابن �أبي ُم َل ْيكة قال‪�« :‬سمعتُ ابن ع َّبا�س ‪ È‬يقـول‪َ :‬‬ ‫عن �سورة ال ِّن�ساء‪ ،‬ف�إنيِّ قـر�أتُ القر�آن و�أنا �صغري»(‪.)10‬‬ ‫�ست �أو‬ ‫ال�صغار َمن ي�ؤ ُّم الكبار ـ وهو ابن ّ‬ ‫بل كان ِمن �أولئك ِّ‬ ‫�سبع �سنني ـ حلفظه‪ ،‬وهو عمرو بن �س ِلمـة ‪.)11(Ç‬‬ ‫أمر الصبي بالصالة‪:‬‬ ‫يل ِّ‬ ‫على و ِّ‬ ‫بال�صالة‪ ،‬و ُيع ِّوده عليها‪ ،‬وهو ِمن‬ ‫الطفل �أنْ ي�أمره َّ‬ ‫حقِّ الولد على �أبيه؛ قال ـ َّ‬ ‫جل �ش�أنه ـ‪﴿ :‬ﮰﮱﯓﯔ‬ ‫ﯕﯖ﴾ [‪.]132 :p‬‬

‫(‪� )4‬أخرجه ابن ماجة (‪ )61‬والبيهقي يف «الكربى» (‪ )5075‬ـ وال َّلفظ له ـ وهو يف‬ ‫«�صحيح ُ�سنن ابن ماجة» للألبا ّ‬ ‫ين (‪.)52‬‬ ‫(‪ )5‬تُ�ستعمل كلمة «�شاطر» مبعنى‪ :‬ال َّنبيه َّ‬ ‫ال�صحيح‬ ‫كي واملاهر‪ ،‬وهو خط�أ‪ ،‬ومعناها َّ‬ ‫والذ ُّ‬ ‫الف�صيح‪ :‬هو ا َّلذي �أعيى �أهله وم�ؤدِّبه خب ًثا‪ ،‬انظـر‪« :‬كتاب العني» للخليل بن �أحمد‬ ‫(‪.)234/6‬‬ ‫(‪ )6‬رواه ابن َّ‬ ‫ال�صغرى» (�ص‪.)89‬‬ ‫بطة يف «الإبانة ُّ‬ ‫(‪ )7‬انظر‪« :‬ترتيب املدارك وتقريب امل�سالك» للقا�ضي عيا�ض (‪.)450/1‬‬

‫وهذا هو �ش�أن املر�سلني مع �أهليهم؛ قال اهلل تعاىل ـ عن‬ ‫نب ِّيه �إ�سماعيل ‪ º‬ـ‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [\‪ ،]o‬وحكى عن خليل ال ّرحمن �إبراهيم‬ ‫‪ º‬قوله‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [‪:j‬‬ ‫‪.]40‬‬ ‫ال�صاحلني مع �أبنائهم‪ ،‬فهذا ُلقمان احلكيم يخاطب‬ ‫وهو د�أب َّ‬ ‫ابنه ـ وهو يعظه ـ ‪﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [}‪.]17 :‬‬ ‫(‪� )8‬أخرجه البخاري (‪ )5027‬مِ ن حديث عثمان بن عفَّان ‪.Ç‬‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)2829‬‬ ‫(‪� )9‬أخرجه احلاكم (‪ )2086‬عن بريدة ‪ ،Ç‬وهو يف َّ‬ ‫ال�صحيحني» (‪ ،)3178‬وقال‪« :‬هذا حديث‬ ‫(‪� )10‬أخرجه احلاكم يف «امل�ستدرك على َّ‬ ‫�صحيح على �شرط َّ‬ ‫ال�شيخني ومل يخ ِّرجاه» ووافقه َّ‬ ‫الذهبي‪.‬‬ ‫(‪ )11‬انظر‪ :‬احلديث (‪ )4302‬مِ ن «�صحيح البخاري»‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪55‬‬


‫قضايا تربوية‬

‫ال�صالة‬ ‫بي ‪� Í‬أولياء �أمور ِّ‬ ‫ال�صغار �أن يع ّودوهم على ّ‬ ‫وقد �أمر ال َّن ُّ‬ ‫يف �سنّ مب ّكرة‪ ،‬فهي �أعظم ُركن ِمن �أركان الإ�سالم بعد َّ‬ ‫ال�شهادتني؛‬ ‫فعن عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جدِّه قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪:Í‬‬ ‫« ُم ُروا �أَو َ‬ ‫بال�ص َ‬ ‫ني‪َ ،‬و ْ‬ ‫ال ِة َوهُ ْم �أَ ْب َنا ُء َ�س ْب ِع �سِ ِن َ‬ ‫ا�ض ِربُوهُ ْم َعلَ ْيهَا‬ ‫ْال َد ُك ْم َّ‬ ‫َوهُ ْم �أَ ْب َنا ُء َع�شْ رٍ‪َ ،‬و َف ِّر ُقوا َب ْي َن ُه ْم يف امل َ َ�ضاجِ ِع»(‪.)12‬‬ ‫قال ابن حجر ‪« ::‬ف�إنَّ الأوالد لي�سوا مبك َّلفني‪ ،‬فال يتَّجه‬ ‫عليهم الوجوب‪ ،‬و�إنمَّ ا َّ‬ ‫توجه على �أوليائهم �أنْ ُيع ِّلموهم‬ ‫الطلب ُم ِّ‬ ‫ذلك‪ ،‬فهو مطلوب ِمن الأوالد بهذه َّ‬ ‫الطريق»(‪.)13‬‬ ‫بي ‪ Í‬ـ يف هذا احلديث ـ على �أمرين مه َّمني‪،‬‬ ‫ولقد ن َّبه ال َّن ُّ‬ ‫يف ترب َّية الأوالد‪:‬‬ ‫ال�صالة يف الأوالد وهم �صغار؛ ليتع َّودوها‬ ‫�أ ّولهما‪ :‬غر�س َّ‬ ‫كبا ًرا‪ ،‬ويتم َّرنوا عليها‪ ،‬وكون الغالم ُي�ضرب عليها قبل البلوغ‪:‬‬ ‫متعمدً ا بعد البلوغ‪.‬‬ ‫دليل على �إغالظ العقوبة عليه �إذا تركها ِّ‬ ‫ال ّثاين‪ :‬غر�س الف�ضيلة والعفَّة فيهم؛ ليبتعدوا عن ال َّرذائل‪،‬‬ ‫ويجتنبوا الفواح�ش‪.‬‬ ‫ووي ‪« ::‬قال َّ‬ ‫ال�شافع ُّي يف «املخت�صر»‪« :‬وعلى الآباء‬ ‫قال ال َّن ُّ‬ ‫والأ َّمهات �أن ُي�ؤدِّبوا �أوالدهم‪ ،‬و ُيع ِّلموهم َّ‬ ‫وال�صالة‪،‬‬ ‫الطهـارة َّ‬ ‫وي�ضربوهم على ذلك �إذا ع ِقلوا»‪.‬‬ ‫قال �أ�صحابنا‪ :‬وي�أمره الو ُّ‬ ‫ال�صلوات يف اجلماعة‬ ‫يل بح�ضور َّ‬ ‫وبال�سواك‪ ،‬و�سائر الوظائف الدِّين َّية‪ ،‬و ُيع ِّرفه حترمي الزِّ نا وال ِّلواط‬ ‫ِّ‬ ‫واخلمر والكذب والغيبة و�شبهها»(‪.)14‬‬ ‫يل ِّ‬ ‫كما �أنَّ على و ِّ‬ ‫الطفل �أن يتع َّهده وي�س�أل عنه‪ :‬هل �أ َّدى‬ ‫م�ضي ُقد ًُما‪ ،‬و�إنْ‬ ‫�صالته �أم �ض َّيعها؟ ف�إنْ كانت الأوىل‪َّ ،‬‬ ‫�شجعه ل َي َ‬ ‫كانت الأخرى‪ ،‬ذ َّكره َّ‬ ‫وحذره وخ َّوفه؛ كي ال يتع َّود تركها‪ ،‬وال يتهاون‬ ‫فيهـا؛ فعن ابـن ع َّبا�س ‪ È‬قال‪ِ « :‬ب ُّت عند خالتي َميمونة‪ ،‬فجاء‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬بعدما �أم�سى فقال‪�« :‬أَ َ�ص َّلى ال ُغ َ‬ ‫ال ُم؟»‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫فا�ضطجع حتَّى �إذا م�ضى ِمن ال َّليل ما �شاء اهلل‪ ،‬قـام َّ‬ ‫فتو�ض�أ‪َّ ،‬ثم‬ ‫خم�سا‪� ،‬أ ْوتر بهنَّ ‪ ،‬مل ي�س ِّلم �إ َّال يف �آخرهن»(‪.)15‬‬ ‫�ص َّلى �سب ًعا �أو ً‬ ‫بي ‪ Í‬ـ بعد دخوله البيت ـ هو �أنْ �س�أل‬ ‫ف�أ َّول �شيء بد�أ به ال َّن ُّ‬ ‫�أهله قائ ًال‪�« :‬أَ َ�ص َّلى ال ُغ َ‬ ‫ال ُم؟»‪ ،‬ويف ذلك بيان لمِ ا �أ�شرنا �إليه‪.‬‬ ‫(‪� )12‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)495‬وهو يف «�صحيح ُ�سنن �أبي داود» للألبا ّ‬ ‫ين (‪.)466‬‬ ‫(‪« )13‬فتح الباري» (‪.)348/9‬‬ ‫(‪« )14‬املجموع �شرح َّ‬ ‫املهذب» (‪.)11/3‬‬ ‫(‪� )15‬أخرجه �أبو داود (‪ ،)1356‬وهو يف «�صحيح ُ�سنن �أبي داود» للألبا ّ‬ ‫ين (‪.)1208‬‬

‫‪56‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫و�إذا ع ِلم و ُّ‬ ‫يل � ْأمر امل�سلمني بتهاون بع�ض الآباء يف �أداء هذا‬ ‫الواجب َّ‬ ‫رعي؛ عاقبهم على ذلك كي ال يعودوا �إىل مثله‪.‬‬ ‫ال�ش ِّ‬ ‫ال�صالة �ش ٌّر‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيم َّية ‪...« ::‬بل تارك َّ‬ ‫ال�سارق والزَّاين و�شارب اخلمر و�آكـل احل�شي�شة‪ ،‬ويجب على‬ ‫ِمن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ال�صغار ا َّلذين مل‬ ‫بال�صالة‪ ،‬حتَّى ِّ‬ ‫كل ُمطاع �أنْ ي�أمر َمن ُيطيعه َّ‬ ‫بال�ص َ‬ ‫ال ِة ل َِ�س ْب ٍع‪َ ،‬و ْ‬ ‫ا�ض ِربُوهُ ْم‬ ‫بي ‪ُ « :Í‬م ُروهُ ْم َّ‬ ‫يبلغوا‪ ،‬قال ال َّن ُّ‬ ‫َعلَ ْيهَا ِل َع�شْ رٍ‪َ ،‬و َف ِّر ُقوا َب ْي َن ُه ْم يف امل َ َ�ضاجِ ِع»‪.‬‬ ‫َومن كان عنده �صغري مملوك‪� ،‬أو يتيم �أ ْو َولد فلم ي�أمره‬ ‫ال�صغري‪ ،‬و ُيعزَّر الكبري‬ ‫بال�صالة؛ ف�إ َّنه ُيعاقب الكبري �إذا مل ي�أمر َّ‬ ‫َّ‬ ‫على ذلك تعزي ًرا بلي ًغا؛ لأ َّنه ع�صـى اهلل ور�سوله»(‪.)16‬‬ ‫بال�صالة‪،‬‬ ‫ال�سلف يحر�صون على � ْأمر �صغارهم َّ‬ ‫ولقد كان َّ‬ ‫ويعاقبونهم على التَّفريط فيها و�إ�ضاعتها‪ ،‬وي�ؤدِّبونهم علـى‬ ‫التَّهاون فيها �أو ت�أخريها عن وقتها‪� ،‬أو تفويتها عن اجلماعة؛‬ ‫فعن عبد العزيز بن مروان �أ َّنه بعث ابنه عمر بن عبد العزيز �إىل‬ ‫املدينة يت�أ َّدب بهـا‪ ،‬فكتب �إىل �صالح بن َك ْي�سان يتعاهـده‪ ،‬فكان‬ ‫ال�صالة‪ ،‬فقال‪ :‬ما حب�سك؟‬ ‫ال�صلوات‪ ،‬ف�أبط�أ ً‬ ‫يوما عن َّ‬ ‫يلزمـه َّ‬ ‫رجلتي ت�س ِّكن �شعري‪ ،‬فقال‪ :‬بلغ منك ح ُّبك ت�سكني‬ ‫قال‪ :‬كانت ُم ِّ‬ ‫ال�صالة؟!‬ ‫�شعرك �أن ُت�ؤثره على َّ‬ ‫فكتب �إىل عبد العزيز يذكر ذلك‪ ،‬فبعث �إليه عبد العزيز‬ ‫ر�سو ًال‪ ،‬فلم ُيك ِّلمه حتَّى حلق �شعره»(‪.)17‬‬ ‫بال�صالة فح�سب‪ ،‬بل عليه �أن‬ ‫وال َيكتفي الوالد ب� ْأمر �صغريه َّ‬ ‫يبينِّ له �أحكامها وكيفيتها‪ ،‬و ُيع ِّلمه كيف َّ‬ ‫يتو�ض�أ‪ ،‬وكيف ُي�ص ِّلي كما‬ ‫كان ر�سول اهلل ‪ Í‬ي�ص ِّلي‪ ،‬ولع َّل �أح�سن طريقة للو�صول �إىل‬ ‫حتقيق هذا التّعليم؛ هـو �أنْ يقوم الوالد نف�سه في�ص ِّلي �أمام ولده‪،‬‬ ‫ال�صغري ـ قو ًال وفع ًال ـ‪.‬‬ ‫فيتع َّلمها َّ‬ ‫وعليه �أن يع ِّوده على �أدائها ب�شروطها و�أركانها وواجباتها؛‬ ‫ال�صالة‬ ‫بي ممنو ٌع ِمن َّ‬ ‫قال ابن رجب احلنبلي‪...« :‬و�أ َّما �أنَّ َّ‬ ‫ال�ص َّ‬ ‫بدون َّ‬ ‫الطهارة‪ ،‬فمتَّف ٌق عليه»(‪.)18‬‬ ‫وللوالد �أنْ ُي�ؤدِّب ولده‪ ،‬متى ر�أى منه � ً‬ ‫إعرا�ضا عن �صالته‪ ،‬وله‬ ‫�أن ي�ضربه على تركها �ضرب ت�أديب‪ ،‬ال �ضرب تعذيب‪ ،‬هذا �إنْ كان‬ ‫يعقل‪ ،‬و�إ َّال فال؛ قال ابن ُمفلح‪« :‬قال �إ�سماعيل بن �سعيد‪� :‬س�ألتُ‬ ‫�أحمد ع َّما يجوز فيه �ضرب الولد؟ قال‪ :‬الولد ُي�ضرب على الأدب‪،‬‬ ‫(‪« )16‬جمموع الفتاوى» (‪ 50/22‬ـ ‪.)51‬‬ ‫(‪ )17‬رواه ابن ع�ساكر يف «تاريخ دم�شق» (‪.)136/45‬‬ ‫(‪« )18‬فتح الباري» (‪.)299/5‬‬


‫(‪« )19‬الآداب َّ‬ ‫ال�شرع َّية» (‪.)477/1‬‬ ‫(‪ )20‬رواه البخاري (‪.)143‬‬ ‫(‪ )21‬رواه �أبو ُنعيم الأ�صبهاين يف «حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء» (‪،)147/9‬‬ ‫واخلطيب البغدادي يف «تاريخ بغداد» (‪.)187/3‬‬ ‫ال�سنن الكربى» (‪.)631‬‬ ‫(‪ )22‬رواه البيهقي يف «املدخل �إىل ُّ‬

‫قضايا تربوية‬

‫ال�صالة؟ قال‪� :‬إذا‬ ‫بي على َّ‬ ‫قال‪ :‬و�س�ألتُ �أحمد‪ :‬هل ُي�ضرب َّ‬ ‫ال�ص ُّ‬ ‫بلغ ع�ش ًرا‪ ،‬وقال حنبل‪� :‬إنَّ �أبا عبد اهلل قال‪ :‬اليتيم ي�ؤ َّدب و ُي�ضرب‬ ‫�ضر ًبا خفي ًفا‪ ،‬وقال الأثرم‪�ُ :‬سئل �أبو عبد اهلل عن �ضرب املع ِّلم‬ ‫قدر ذنوبهم‪ ،‬ويتو َّقى بجهده َّ‬ ‫ال�ضرب‪ ،‬و�إنْ‬ ‫ال�صبيان؟ فقال‪ :‬على ْ‬ ‫ِّ‬ ‫كان �صغ ًريا ال يعقل‪ ،‬فال ي�ضربه»(‪.)19‬‬ ‫تعليم الطفل العلم الشرعي‪:‬‬ ‫ال�صحيحة‪ ،‬ويع ِّلمه‬ ‫بعد �أن يغر�س الوالد يف ابنه العقيدة َّ‬ ‫القر�آن‪ ،‬ينتقل �إىل تعليمه �أركان الإ�سالم‪ ،‬وما ينفعه ِمن العلوم‬ ‫ال�صالح‪ ،‬فيتع َّلم ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الطفل �أحكام‬ ‫ال�شرع َّية‪ ،‬ا َّلتي تقوده �إىل العمل َّ‬ ‫واحلج ونحوها‪.‬‬ ‫وال�صيام‬ ‫ِّ‬ ‫ال�صالة ِّ‬ ‫َّ‬ ‫وملَّا كان للعلم َّ‬ ‫ال�شرعي �أهم َّية كربى‪ ،‬ومكانة رفيعة‪ ،‬كاف�أ‬ ‫ر�سول اهلل ‪َ Í‬من خدمه ب�أنْ دعا اهلل له �أن يف ِّقهه يف الدِّ ين؛‬ ‫بي ‪ Í‬دخل اخلالء‪،‬‬ ‫فعن عبد اهلل بن ع َّبا�س ‪� :È‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫خب‪ ،‬فقال‪« :‬ال َّله َّم‬ ‫فو�ضعتُ له َو�ضو ًءا‪ ،‬قال‪َ « :‬مـنْ َو َ�ض َع َه َذا؟» ف�أُ رِ‬ ‫ِّين»(‪.)20‬‬ ‫ف ِّقهه يف الد ِ‬ ‫وعلى املع ِّلم �أن يتد َّرج مع ِّ‬ ‫الطفل يف تعليمـه‪ ،‬وال ُيكرث عليه‬ ‫ميل َّ‬ ‫حتَّى ال َّ‬ ‫فيكل؛ قال َّ‬ ‫ال�صمد‬ ‫افعي ‪ :‬وهـو ُيو�صي �أبا عبد َّ‬ ‫ال�ش ُّ‬ ‫ـ‪ ‬م�ؤدِّب �أوالد هارون ال َّر�شيد ـ‪...« :‬وال تخرج َّنهم ِمن علم �إىل غريه‬ ‫ال�سمع َم�ض َّلة للفهم»(‪.)21‬‬ ‫حتَّى ُيحكمـوه‪ ،‬ف�إنَّ ازدحام الكالم يف َّ‬ ‫و�إذا �أح�سن امل�ؤدِّب تعليم ِّ‬ ‫الطفل �صغ ًريا‪ ،‬حفظ العلم كب ًريا؛‬ ‫فعن عبد اهلل بن ُعبيد بن ُعمري قال‪« :‬كان يف هذا املكان ـ َخ ْلف‬ ‫الكعبة ـ ح ْلقة‪ ،‬فم َّر عمرو بن العا�ص ‪ Ç‬يطوف‪ ،‬فل َّما ق�ضى‬ ‫نحيتم ه�ؤالء الغلمان‬ ‫طوافه جاء �إىل احل ْلقـة‪ ،‬فقال‪« :‬مايل �أراكم َّ‬ ‫عن جمل�سكـم؟! ال تفعلوا‪� ،‬أ ْو ِ�سعوا لهم‪ ،‬و�أ ْدنوهم‪ ،‬و�أ ْفهموهم‬ ‫احلديث‪ ،‬ف�إ َّنهم اليوم �صغار قوم‪ ،‬ويو�شكوا �أنْ يكونوا كبار‬ ‫�آخرين‪ ،‬قد ك َّنا �صغار قـوم‪َّ ،‬ثم �أ�صبحنا كبار �آخرين»(‪.)22‬‬ ‫ال�سابق‬ ‫قال ابن ُمفلح ـ مع ِّل ًقا على كالم ابن العا�ص ‪َّ Ç‬‬ ‫ـ‪« :‬وهذا �صحيح ال َّ‬ ‫ال�صغر �أثبت‪ ،‬فينبغي‬ ‫�شك فيه‪ ،‬والعلم يف ِّ‬ ‫االعتناء ب�صغار َّ‬ ‫الطلبة‪ ،‬ال �سيما الأذكياء املتي ِّقظني احلري�صني‬ ‫على �أخذ العلم‪ ،‬فال ينبغي �أنْ يجعل ـ‪ ‬على ذلك ـ �صغرهم‪� ،‬أو‬

‫فقرهم و�ضعفهم‪ ،‬مان ًعا ِمن مراعاتهم‪ ،‬واالعتناء بهم»(‪.)23‬‬ ‫و�أ َّما �إذا �أهمل الوالد تعليم ولده ما يجب عليه معرفته‪ ،‬فهو‬ ‫عا�ص؛ لتفريطه يف الواجب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال ابن ق ِّيم اجلوز َّية ‪« ::‬و�سمعتُ �شيخنا ‪ :‬يقول‪:‬‬ ‫أبوان �صب ًّيا عند بع�ض احل َّكام‪ ،‬فخيرَّ ه بينهما‪ ،‬فاختار‬ ‫تنازع � ِ‬ ‫�أباه‪ ،‬فقالت له �أ ُّمه‪� :‬س ْله لأيِّ �شيء يختار �أباه؟ ف�س�أله‪ ،‬فقال‪ِّ � :‬أمي‬ ‫تبعثني َّ‬ ‫كل يوم لل ُكتَّاب‪ ،‬والفقيه ي�ضربني‪ ،‬و�أبي يرتكني ل َّلعب مع‬ ‫أنت �أح ُّق به‪.‬‬ ‫ال�صبيان‪ ،‬فق�ضى به لل ِّأم‪ ،‬قال‪ِ � :‬‬ ‫ِّ‬ ‫بي‪ ،‬و� ْأمره‬ ‫قال �شيخنا‪ :‬و�إذا تَرك �أح ُد الأبوين تعليم َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬ ‫عا�ص‪ ،‬وال ِوالية له عليه‪ ،‬بل ك ُّل َمن‬ ‫الذي �أوجبه اهلل عليه؛ فهو ٍ‬ ‫مل يقم بالواجب يف ِواليته فال ِوالية له‪ ،‬بل �إ َّما �أنْ تُرفـع يدُه عن‬ ‫يقوم معه‬ ‫�ضم �إليه َمن ُ‬ ‫ال ِوالية‪ ،‬و ُيقام َمن يفعل الواجب‪ ،‬و�إ َّما �أن ُي َّ‬ ‫(‪)24‬‬ ‫بالواجب‪ِ � ،‬إذ املق�صو ُد طاع ُة اهلل ور�سولـه بح�سب ا ِلإمكان» ‪.‬‬ ‫تمرين الصبي على الصيام‪ ،‬وتعويده عليه‪:‬‬ ‫ال جتب َّ‬ ‫بي �إ َّال عند بلوغه‪،‬‬ ‫الطاعات والفرائ�ض على َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬ ‫غري �أنَّ للوالدين �أج ًرا �إنْ د َّربا �صغرياهما على العبادات‪ ،‬وم َّرناه‬ ‫كال�صيام ـ مث ًال ـ وذلك ليعتاده كب ًريا‪ ،‬وي�سهل عليه �أدا�ؤه‬ ‫عليها‪ِّ ،‬‬ ‫�إذا ُك ِّلف به ولزمه‪.‬‬ ‫بال�صيام �إذا �أطاقوه‪،‬‬ ‫ال�سلف ي�أمرون �أوالدهم ِّ‬ ‫وقد كان َّ‬ ‫ويد ِّربونهم عليه منذ نعومة �أظفارهم‪ ،‬ودور ال ِّأم يف ذلك عظيم‪،‬‬ ‫فلها �أن تُلهي �صغارها باللُّعب املباحة حتَّى مي�سكوا عن َّ‬ ‫الطعام‬ ‫وين�شغلوا بها �إىل غروب َّ‬ ‫ال�شم�س؛ فعن ال ُّرب ِّيع بنت ُمع ّوذ قالت‪:‬‬ ‫بي ‪ Í‬غداة عا�شوراء �إىل قرى الأن�صار‪َ « :‬منْ َ�أ�صْ َب َح‬ ‫�أر�سل ال َّن ُّ‬ ‫ُم ْفطِ ًرا َف ْل ُي ِت َّم َب ِق َّي َة َي ْومِ ِه َو َمنْ �أَ�صْ َب َح َ�صا ِئ ًما َف ْل َي ُ�ص ْم»‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫فك َّنا َن�صومه بعد‪ ،‬و ُن�ص ِّوم ِ�صبياننا‪ ،‬وجنعل لهم اللُّعبة ِمن‬ ‫ال ِعهن(‪ ،)25‬ف�إذا بكى �أحدهم على َّ‬ ‫الطعـام �أعطيناه ذاك‪ ،‬حتَّى‬ ‫يكون عند الإفطار»(‪.)26‬‬ ‫وعن ابن جريـج ومعمر عن ه�شام بن عـروة قال‪« :‬كان �أبي‬ ‫وال�صيام �إذا �أطاقوه»(‪.)27‬‬ ‫بال�صـالة �إذا عقلوها‪ِّ ،‬‬ ‫ي�أمر ِّ‬ ‫ال�صبيان َّ‬ ‫يتبع‬ ‫(‪« )23‬الآداب َّ‬ ‫ال�شرع َّية» (‪.)244/1‬‬ ‫(‪« )24‬زاد املعاد يف هدي خري العباد» (‪. )475/5‬‬ ‫ال�صوف امل�صبوغ‪ ،‬انظر‪« :‬املنهاج �شرح �صحيح م�سلم‬ ‫ال�صوف ـ ُمطل ًقا ـ‪ ،‬وقيل‪ُّ :‬‬ ‫(‪ )25‬هو ُّ‬ ‫احلجاج» لل ّنووي (‪.)14/8‬‬ ‫ابن ّ‬ ‫(‪� )26‬أخرجه البخاريّ (‪ ،)1960‬وم�سلم (‪.)1136‬‬ ‫(‪� )27‬أخرجه عبد ال َّر َّزاق يف «امل�ص َّنف» (‪.)7293‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪57‬‬


‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫ال ينفق الباطل إال بشوب من الحق‬ ‫قال �شيخُ الإ�سالم ابنُ تيمية ‪::‬‬

‫حممد رحيل‬

‫«وال ينفق الباطل يف الوجود �إ َّال ب�شوبٍ‬

‫�إمام خطيب ـ مع�سكر‬

‫نفي�س‪ ،‬قاله عن دليل التَّت ُّبع واال�ستقراء‪،‬‬ ‫هذا كال ٌم ٌ‬ ‫وه��و ا�ستقراء و�أيمُّ����ا ا�ستقراء م��ن مثل ه��ذا الإم���ام‬ ‫الهمام‪.‬‬ ‫معنى هذا‪� :‬أنَّ الباطل ال يروج ـ يف الغالب ـ �إ َّال �إذا‬ ‫كان م�شو ًبا بحقٍّ ‪ ،‬وذلك �أنَّ احلقَّ �إذا كان ح ًّقا ً‬ ‫حم�ضا‬ ‫مل نختلف فيه‪ ،‬وكذلك الباطل �إذا كان باط ًال ً‬ ‫حم�ضا مل‬ ‫نختلف فيه‪ ,‬وهذا َّ‬ ‫ال�شوب ا َّلذي عناه �شيخ الإ�سالم ‪:‬‬ ‫هو عني َلب�س احلقِّ بالباطل ا َّلذي نهى اهلل عنه اليهودَ‪.‬‬ ‫�شوب احلقِّ بالباطل هو �صفة املغ�ضوب عليهم‪ ,‬قال‬ ‫تعاىل‪﴿:‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﮙ ﮚ﴾ [^‪ ,]42 :‬ق��ال اب��ن كثري ‪« ::‬يقول‬ ‫تلبي�س‬ ‫تعاىل ناه ًيا لليهود ع َّما كانوا يتَع َّمدو َنه من‬ ‫ِ‬ ‫احلقِّ بالباطل و تمَ ويهِ ه به‪ ،‬وكتما ِنهم احلقَّ و�إظهارِهم‬ ‫َ‬ ‫الباطل‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﮙ ﮚ﴾ فنهاهم عن َّ‬ ‫ال�شي َئني م ًعا‪ ،‬و�أمرهم ب�إظها ِر‬ ‫احل��قِّ والتَّ�صريح ب��ه‪ ,‬ولهذا ق��ال َّ‬ ‫ال�ضحاك عن ابن‬ ‫ا�س‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ ال تخلطوا احلقَّ‬ ‫ع َّب ٍ‬ ‫وال�صدق بالكذب‪.‬‬ ‫بالباطل‪ِّ ،‬‬ ‫وقال �أبو العالية‪﴿ :‬ﮒﮓﮔﮕ﴾ يقول‪:‬‬ ‫وال تخلطوا احلقَّ بالباطل‪ ,‬و �أ ُّدوا ال َّن�صيحة لعباد اهلل من‬ ‫�أ َّمة حم َّمد ‪.Í‬‬ ‫‪1‬‬

‫(‪« )1‬جمموع الفتاوى» (‪.)190/35‬‬

‫‪58‬‬

‫من احل ِّق»(‪.)1‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬


‫﴿ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾‬

‫[\‪ ]j‬فهذه ـ � ً‬ ‫العام ُّي فيها �إ َّال‬ ‫أي�ضا ـ ك�سابق ِتها ال ينظر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫العري�ض فت�أخذه‬ ‫باخلط‬ ‫املكتوب‬ ‫ور�سم الآية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫�إىل ت�ض ُّرع َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬ ‫بي ِ‬ ‫بي‬ ‫العاط َف ُة في�ش ِرتي ُّ‬ ‫ال�صو َر َة و ُي َع ِّل ُقها‪ ،‬وما درى امل�سكني �أنَّ ال َّن َّ‬ ‫‪ Í‬قال‪�« :‬إِ َّن امل َ َ‬ ‫ال ِئ َك َة َال َتد ُْخ ُل َب ْي ًتا فِي ِه ُ�صو َر ٌة»(‪ ،)4‬ومث ُلها �آية‬ ‫الكر�سي ا َّلتي ُك ِتبت ِّ‬ ‫جال�س للتَّ�ش ُّهد‬ ‫بخط ال ُّثلث على هيئة ٍ‬ ‫رجل ٍ‬ ‫ال�صور ُة‬ ‫رافع �س َّبابتَه‪ ,‬فالآية ح ٌّق والهيئة املكتوبة عليها باطل‪� ،‬إذ ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫مرفوعا‬ ‫ا�س‬ ‫ً‬ ‫«ال�صحيحني» من حديث ابن ع َّب ٍ‬ ‫منهي عنها‪ ،‬ففي َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫« َمنْ َ�ص َّو َر �ُ��ص��و َر ًة فيِ الدُّ ْن َيا ُك ِّل َف َي�� ْو َم ال ِق َيا َم ِة �أ ْن َي ْن ُف َخ فِيهَا‬ ‫ال ُّرو َح َو َل َْي َ�س ِب َناف ٍِخ»(‪.)5‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬ـ «ا َ‬ ‫خل ْام َ�سة» ا َّلتي يع ِّلقها ال َّنا�س على �أبوابهم و�س َّياراتهم‪:‬‬ ‫هذه اخلام�سة ا َّلتي هي عبارة عن يد بها خم�سة �أ�صابع قد كتب‬ ‫عليها قول اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾‬ ‫العام ُّي‬ ‫[\‪ ]h‬فالآية ح ٌّق واخلام�سة باط ٌل‪ ,‬ف�إذا ما جاء هذا ِّ‬ ‫علم عنده ور�أى هذه اخلام�سة وقد كتب عليها‬ ‫امل�سك ُني ا َّلذي ال َ‬ ‫﴿ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾‪ ،‬وقد �شاع �أ َّنها ت�ستعمل‬ ‫لدفع العني‪ ،‬ظنَّ �أ َّنها حقٌّ‪ ،‬في�شرتيها ويع ِّلقها واهلل امل�ستعان‪ ,‬وما‬ ‫بي ‪�« :Í‬إِ َّن‬ ‫د َرى امل�سك ُني �أ َّنها من ِ‬ ‫َّمائم ا َّلتي قال فيها ال َّن ُّ‬ ‫جن�س الت ِ‬ ‫�شوب للحقِّ بالباطل‪.‬‬ ‫ال ُّر َقى وال َّت َما ِئ َم َوال ِّت َو َل َة �شِ ْر ٌك»(‪ ،)3‬وهذا ٌ‬ ‫‪‬‬

‫‪3‬ـ ال َّدعوة �إىل و حدة الأديان‪ :‬لقد تق َّدم �أثر قتادة ا َّلذي قال‬ ‫فيه‪« :‬ال تخلطوا اليهود َّية وال َّن�صران َّية بالإ�سالم و�أنتم تعلمون‬ ‫�أنَّ دينَ اهلل الإ�سالم»‪ ,‬وهذه ال َّدعوة يكفي يف �إبطالها قول اهلل‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [\_]‪ ،‬لكنَّ �أع���دا َء اهلل ز َّي��ن��وا هذه‬ ‫ألفاظ ب َّراقة مثل قولهم‪ :‬الإخاء الدِّ يني ـ وحدة الأديان ـ‬ ‫ال َّدعوة ب� ٍ‬ ‫ال�صداقة الإ�سالم َّية‬ ‫التَّفاهم بني الأديان ـ نبذ الت ُّ‬ ‫َّع�صب املذهبي ـ َّ‬ ‫امل�سيحي ـ التَّعاي�ش بني الأديان‪...‬‬ ‫امل�سيح َّية ـ التَّ�ضامن الإ�سالمي‬ ‫ُّ‬ ‫فراج �أم ُرها على خفافي�ش ال ُّدجى كما يقال‪ ،‬و تب َّنى ال َّدعو َة �إليها‬ ‫ُ‬ ‫بع�ض دعاة الع�صر حتت هذه الأ�سماء املزخرفة‪ ,‬واحلمد هلل �أن‬ ‫�سخر اهلل َّ‬ ‫َّ‬ ‫جل وعال علما َء ت�ص َّدوا لهذه ال َّدعوة اخلبيثة ا َّلتي‬ ‫الفروق بني الإ�سالم والأديان املح َّرفة املن�سوخة‪،‬‬ ‫يراد منها �إلغا ُء‬ ‫ِ‬ ‫و�أح�سن ما وقفت عليه يف ال َّر ِّد على هذه ال َّدعوة اخلبيثة كتاب‬ ‫ال�شيخ بكر �أبو زيد ‪« :‬الإبطال لنظر َّية اخللط بني الأديان»‬ ‫أحب �أن َ‬ ‫يقف على مراميها فل َي َّط ِلع على هذا الكتاب‪.‬‬ ‫فمن � َّ‬

‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫ويروى عن �سعيد بن جبري و ال َّربيع بن �أن�س نحوه‪.‬‬ ‫وقال قتادة‪﴿ :‬ﮒﮓﮔﮕ﴾ وال تلب�سوا اليهود َّية‬ ‫وال َّن�صران َّية بالإ�سالم و�أنتم تعلمون �أنَّ دينَ اهلل الإ�سالم و�أنَّ‬ ‫اليهود َّية وال َّن�صران َّي َة بدع ٌة لي�ست من اهلل(‪.)2‬‬ ‫�إنَّ لكالم �شيخ الإ�سالم �أمثل ًة كثري ًة �أحببت �أن �أن ِّب َه عليها‬ ‫حتَّى ال يغ َّرت بها من َ‬ ‫وقف عليها‪ ،‬دونكها‪:‬‬

‫�صبي قد رفع يديه يدعو وقد ُك ِت َب �إىل جنبه هذه الآية‪:‬‬ ‫�صورة ِّ‬

‫‪‬‬

‫‪4‬ـ ت�سمية العقيدة بعلم الكالم‪ :‬وهذه � ً‬ ‫�شوب‬ ‫أي�ضا يراد منها ُ‬ ‫‪2‬ـ ما يع ِّلقه ال َّنا�س اليوم على ا ُ‬ ‫ذوات‬ ‫ال�صور ِ‬ ‫جل��دران من ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�سلف و�أنكروه على‬ ‫ذمه‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫الكالم‬ ‫بعلم‬ ‫حيحة‬ ‫ال�ص‬ ‫العقيدة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�صورة ا َّلتي مت ِّثل‬ ‫الأرواح وقد كتب عليها �آيات قر�آنية‪ ,‬كتلكم ُّ‬ ‫اخللف‪ ،‬فعن �أب��ي يو�سف ‪ :‬ق��ال‪« :‬العلم بالكالم هو اجلهل‬ ‫ال�صفا ـ ت ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‪.‬‬ ‫(‪« )2‬تف�سري ابن كثري» (‪ 10/1‬ـ ط‪ .‬مكتبة َّ‬ ‫(‪� )3‬أخرجه �أبوداود (‪ )3883‬و ابن ماجه (‪ ,)3530‬وابن حبان (‪,)1412‬‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)584/1‬‬ ‫و�أحمد(‪ ,)3615‬و�صححه الألباين يف َّ‬

‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ,)3226‬وم�سلم (‪.)2106‬‬ ‫(‪ )5‬رواه البخاري (‪ )5963‬وم�سلم (‪.)2110‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪59‬‬


‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫و�إذا �أنكرت عليهم يقولون‪ :‬فالن ال يعمل �إ َّال ِّ‬ ‫الطيب‪ ،‬ومرادهم‬ ‫تالح ِم الزَّوجني ونحوه ال من‬ ‫ال�ساحر يفعل ذلك من �أجل ُ‬ ‫�أنَّ هذا َّ‬ ‫وي�سميه‬ ‫�أجل افرتاقهما‪ ،‬ويرو َنه �شي ًئا‬ ‫ً‬ ‫ال�سحر ِّ‬ ‫ممدوحا وهو عني ِّ‬ ‫بي عليه‬ ‫العلماء م�س�ألة َّ‬ ‫ال�صرف والعطف‪ ،‬وهي حم َ​َّرمة لقول ال َّن ِّ‬ ‫�شوب‬ ‫وال�سالم‪�« :‬إِ َّن ال ُّر َقى َوال َّت َما ِئ َم َوال ِّت َو َل َة �شِ ْر ٌك» وجه ِ‬ ‫َّ‬ ‫ال�صالة َّ‬ ‫ال�سحر‬ ‫احلقِّ بالباطل يف هذه امل�س�ألة‪� ،‬أنَّ ال َّنا�س َ�س َّموا ع َمل هذا ِّ‬ ‫وال�سحر ال يكون ط ًي ًبا �أبدً ا‪ ،‬بل هو كفر باهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ط ِّي ًبا‪ِّ ،‬‬

‫واجلهل بالكالم هو العلم‪ ،‬و�إذا �صار ال َّرجل ر� ًأ�سا يف الكالم قيل‬ ‫زنديق �أو ُر ِم َي بال َّزندَ َقة»(‪.)6‬‬ ‫وعنه � ً‬ ‫أي�ضا‪« :‬من طلب العلم بالكالم تَزَ ْندَ ق»‪.‬‬ ‫وق��ال َّ‬ ‫ال�شافعي ‪« ::‬حكمي يف �أه��ل الكالم �أن ُي َْ�ض َر ُبوا‬ ‫باجلريد وال ِّنعال‪ ،‬و ُي َ‬ ‫طاف بهم يف الع�شائر والقبائل ويقال‪ :‬هذا‬ ‫جزا ُء من َ‬ ‫ال�س َّنة و�أقبل على الكالم»(‪� .)7‬إذن فه�ؤالء‬ ‫ترك‬ ‫َ‬ ‫الكتاب و ُّ‬ ‫ال�صحيحة حتَّى يت�س َّنى لهم‬ ‫مزجوا علم الكالم بعلم العقيدة َّ‬ ‫بدعهم ومقاال ِتهم الفا�سدة كال َّت�أويل ا َّلذي هو يف احلقيقة‬ ‫ترويج ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬‬ ‫حتريف‪.‬‬ ‫ي�سر اهلل جمعه‪ ،‬ن�س�أل اهلل تعاىل �أن ينف َع به كات َبه‬ ‫قال ال�شيخ �سليمان بن �سحمان‪« :‬وخلف من بعدهم خلف على‬ ‫هذا ما َّ‬ ‫خال�صا لوجهه الكرمي �إ َّنه و ُّ‬ ‫يل ذلك والقادر‬ ‫عبوا عن هذه املعاين الفل�سف َّية‬ ‫ٍ‬ ‫بعبارات �إ�سالم َّية‪ ،‬وقار َئه‪ ،‬و�أن يجع َله ً‬ ‫طريقتهم رَّ‬ ‫رب العاملني‪.‬‬ ‫يخاطبون بها من ال يعرف معاين هذه الأو�ضاع‪ ،‬و يجعلون مراد عليه‪ ،‬واحلمد هلل ِّ‬ ‫و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على نب ِّينا حم َّمد و�آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬ ‫اهلل ور�سو ِله ‪ Í‬من الآيات والأحاديث على ما �أرادوا من معاين‬ ‫هذه الأو�ضاع ا َّلتي تخالف كتاب اهلل و �س َّن َة ر�سو ِله ‪ Í‬و�أقوال‬ ‫�سلف الأ َّمة و�أئ َّم ِتها‪.)8(»...‬‬ ‫وقال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪� ::‬إنَّ طائف ًة من �أهل الكالم‬ ‫ي�سمي ما و�ضعه «�أ�صول الدين» وهذا ا�سم عظيم وامل�س َّمى به فيه‬ ‫ِّ‬ ‫وال�س َّنة‬ ‫من ف�ساد الدِّ ين ما اهلل به عليم‪ ،‬ف�إذا �أنكر �أهل احلقِّ ُّ‬ ‫(‪)9‬‬ ‫ذلك‪ ,‬قال املبطل‪ :‬قد �أنكروا �أ�صول الدِّ ين‪...‬‬ ‫واملق�صود �أنَّ � َ‬ ‫أهل الكالم خلطوا احلقَّ بالباطل ف�س َّموا كت َبهم‬ ‫حتريف و ما‬ ‫تلبي�س و‬ ‫ٍ‬ ‫ا َّلتي �أ َّلفوها «ب�أ�صول الدين» مع ما فيها من ٍ‬ ‫القوالب‪ ,‬واهلل امل�ستعان‪.‬‬ ‫ذاك �إ َّال لري ِّوجوا باطلهم يف تل ُكم‬ ‫ِ‬ ‫‪‬‬

‫�شوب احلقِّ‬ ‫‪5‬ـ ت�سمية امل�س َّميات بغري �أ�سمائها‪ :‬وه��ذا من ِ‬ ‫بالباطل‪ ،‬ومن �صورِه الكثرية يف ع�صرنا قول بع�ضهم عن اخلمر‪:‬‬ ‫م�شروباتٌ روح َّية‪ ,‬وعن ال ِّر�شوة‪ :‬هد َّية‪ ,‬ويقولون عن ال ِّت َولة ـ ا َّلتي‬ ‫ال�سحر يجعلونه بني امل��ر�أة وال�� َّرج��ل‪ ,‬يزعمون �أ َّنه‬ ‫هي نوع من ِّ‬ ‫ال�سحرة‬ ‫يح ِّبب بع�ضهما �إىل بع�ض ـ ٌ‬ ‫طيب‪ ،‬وتراهم يذهبون �إىل َّ‬

‫بطة (‪ ,)671‬و«�شرح َّ‬ ‫(‪ )6‬انظر‪« :‬الإبانة» البن َّ‬ ‫الطحاو َّية» (‪.)69‬‬ ‫(‪�« )7‬شرح العقيدة َّ‬ ‫الطحاوية» (�ص‪ )75‬البن �أبي العز ـ ط‪ .‬املكتب الإ�سالمي ـ (ت‬ ‫‪1416‬هـ ـ ‪1996‬م)‪.‬‬ ‫«ال�صواعق املر�سلة على ُّ‬ ‫ال�شامية» (�ص‪َّ )6‬‬ ‫ال�شبه الدَّاح�ضة َّ‬ ‫لل�شيخ �سليمان ابن‬ ‫(‪َّ )8‬‬ ‫ال�سالم بن برج�س ـ دار العا�صمة‪/‬الريا�ض ـ اململكة‬ ‫�سحمان ـ درا�سة و حتقيق عبد َّ‬ ‫ال�سعود َّية‪.‬‬ ‫العرب َّية ُّ‬ ‫(‪« )9‬جمموع الفتاوى» (‪.)56/4‬‬

‫‪60‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬


‫ردود قصرية‪:‬‬

‫ن�شكر الأخ الفا�ضل تقي الدِّ ين �سحنون ـ حفظه اهلل ـ من عني وملان مبدينة �سطيف‬ ‫على تهنئته لنا وح�سن ظ ِّنه ب�إخوانه‪ ،‬فجزاه اهلل خ ًريا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫كث�ي�را الأخ املك َّرم عبد الق���ادر كبري ـ �س َّدده اهلل ـ م���ن منطقة عني ال ّذهب‬ ‫ُي�شك���ر ً‬ ‫بوالي���ة تيارت عل���ى م�شاركته مبقال بعنوان «هد َّية يف �سط���ور ِّ‬ ‫لكل معاق حم�سور»‪،‬‬ ‫تي�سرت‬ ‫يذ ِّك���ر في���ه �إخوانه املعاق�ي�ن بنعم اهلل تع���اىل عليهم الكث�ي�رة‪ ،‬فلع َّل���ه �إن َّ‬ ‫الأ�سباب م�ستقب ًال �أن نن�شره يف ركن م�شاركات الق َّراء‪ ،‬واهلل املو ِّفق‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫كم���ا نتق َّدم ُّ‬ ‫���ب �أبي عبد اهلل م�سعود اجللفي ـ حفظه اهلل ـ‬ ‫بال�شكر اجلزيل للأخ املح ِّ‬ ‫عل���ى عنايته بعل���م احلديث وتخريجه‪ ،‬وح�سن تت ُّبعه‪ ،‬ونخ�ب�ره �أن تعقيبه قد و�صل‬ ‫�إىل املعني به‪ ،‬واهلل ِمنْ وراء الق�صد‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫�إىل الأخ احلبيب ا َّلذي رمز �إىل ا�سمه بـ (�أ‪.‬م) ـ و َّفقه اهلل ـ‪ ،‬ن�شكر له حر�صه على‬ ‫ومما نقرتحه عليه هو اقتن���اء عدد من ن�سخ جم َّلتنا‬ ‫ن�ش���ر اخلري ونف���ع الآخرين‪َّ ،‬‬ ‫جما ًن���ا على من يجد كلفة يف �شرائها‪ ،‬ون�س����أل اهلل الكرمي �أن يبارك له‬ ‫وتوزيعه���ا َّ‬ ‫يف ماله وعمله‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫و�أ َّم���ا الأخ املاج���د فريد بوب�ش�ي�ر ـ حفظه اهلل ـ من بلدية �آي���ت يحيى مو�سى بوالية‬ ‫تيزي وزو؛ فن�شكره كث ًريا على جهده املبذول يف مقا َل ْيه‪� ،‬أحدهما بعنوان‪�« :‬ضوابط‬ ‫الأم���ر باملع���روف وال َّنهي عن املنك���ر»‪ ،‬والآخر بعن���وان‪« :‬ت�سلية الفق�ي�ر ب�أحاديث‬ ‫الب�شري ال َّنذير»‪ ،‬وال ميكن ن�شرهما لطولهما‪ ،‬واهلل املو ِّفق‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ُّ‬ ‫وال�شكر اجلزيل مو�صول � ً‬ ‫أي�ضا �إىل الأخ الفا�ضل عبد ال َّر َّزاق عبد ال َّالوي من منطقة‬ ‫بوز ِّريع���ة بوالية اجلزائر على حر�صه عل���ى امل�ساهمة يف ن�شر الإ�صالح والف�ضيلة‪،‬‬ ‫و�إن احتجنا �إىل خدماته �سنتَّ�صل عليه‪ ،‬بارك اهلل فيه وو َّفقه ِّ‬ ‫لكل خري‪.‬‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪61‬‬


‫واحـة اإلصـالح‬ ‫�إعداد‪� :‬أ�سرة التحرير‬ ‫الـمؤمن كالنـحلة‬ ‫* قال الإمام ابن الق ِّيم ‪::‬‬ ‫«كنْ يف ال ُّدنيا كال َّنحلة‪� ،‬إن �أ َكلت �أ َك َلت ط ِّي ًبا‪ ،‬و�إنْ �أط َع َم ْت �أط َعمت ط ِّي ًبا‪ ،‬و�إن‬ ‫�شيء مل تك�س ْره ومل ْ‬ ‫تخد�شه»‪.‬‬ ‫�س َق َطت على ٍ‬ ‫[«الفوائد» (�ص‪])118‬‬

‫إحصاء العمل‬ ‫* قال َّ‬ ‫ال�شيخ ابن بادي�س ‪ :‬عند قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾‪:‬‬ ‫«على العاقل ـ وقد علم �أ َّنه حما�سب عن �أفعاله‪ ،‬وعلى �آثار �أقوا ِله ـ �أن اليف َعل فع ًال‪ ،‬وال يقول قو ًال‪ ،‬حتَّى ينظر يف‬ ‫عواقبه‪ ،‬فقد تكون تلك ال َعواقب �أ�ض َّر عليه من �أ�صل القول و�أ�صل ال ِفعل‪ ،‬فقد يقول َ‬ ‫القول م َّر ًة ويفعل الفعل م َّر ًة‪َّ ،‬ثم‬ ‫يقتدي به فيه � ٌ‬ ‫آالف عديد ٌة يف �أزمنة متطاولة‪.‬‬ ‫«ال�سعيد َمن ماتت‬ ‫ح ًّقا �إنَّ هذا ل�شي ٌء تنخلع منه القلوب‪ ،‬وترتع ُد منه‬ ‫ُ‬ ‫الفرائ�ص‪َ ،‬‬ ‫ال�سلف ‪َّ :í‬‬ ‫و�ص َدق القائل من َّ‬ ‫معه �س ِّيئا ُته»»‪.‬‬ ‫[«تف�سري ابن بادي�س» (‪])306/2‬‬

‫قبول التذكري من ُك ِّل َ‬ ‫مذ ِّكر‬ ‫* قال َّ‬ ‫ال�شيخ ابن بادي�س ‪::‬‬ ‫كل قائل‪ ،‬كذلك ُيقبل التَّذكري من ِّ‬ ‫«كما ُتقبل كلم ُة احلقِّ من ِّ‬ ‫كل مذ ِّكر‪ ،‬ولو كان املذ َّكر ِمنْ ُك َّمل العباد واملذ ِّكر من‬ ‫�أو�ساطهم �أو �أدناهم‪ ،‬ويف عباد ال َّرحمن املذ ُكورين يف ا�س ِتماعهم �إذا ُذ ِّكروا من �أيِّ مذ ِّك ٍر القدو ُة احل�سن ُة‪.‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾‪﴿ ،‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾‪﴿ ،‬ﮠ ﮡ ﮢ‬ ‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾‪.‬‬ ‫فالتَّذكري ب�آيات القر�آن والأحاديث ال َّنبو َّية‪ ،‬هذا هو التَّذكري امل�شروع املت ُبوع‪ ،‬وال َّدواء ال َّناجع املج َّرب‪ ،‬ولذلك جتد‬ ‫وال�سري عليه»‪.‬‬ ‫ال�سلف ك َّلها مبن َّي ًة عليه راجع ًة �إليه‪ ،‬وال ُّن�صح هلل ولر�سوله وللم�سلمني يف لزوم ذلك َّ‬ ‫مواعظ َّ‬ ‫[«تف�سري ابن بادي�س» (‪])163/2‬‬

‫‪62‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬


‫درر من‬ ‫كالم شيخ اإلسالم‬ ‫ابن تيمية ‪:‬‬

‫صرب بغري َ�شكوى �إىل املخ ُلوق»‬ ‫وال�صرب اجلميل‪ٌ � :‬‬ ‫وال�صفح اجلميل‪�َ :‬صف ٌح بال معاتبة‪َّ ،‬‬ ‫«الهجر اجلميل هو‪ :‬هجر بال �أذى‪َّ ،‬‬ ‫[ «جمموع الفتاوى» (‪] )666/10‬‬

‫«لو ُفر�ض �أ َّنا عل ْمنا �أنَّ ال َّنا�س ال يرت ُكون املنكر‪ ،‬وال رَ‬ ‫وبيان ال ِعلم»‬ ‫يعتفون ب�أ َّنه ُمنكر‪ ،‬مل ي ُكن ذلك مان ًعا ِمن �إبالغ ال ِّر�سال ِة ِ‬ ‫[«اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم » (�ص‪])45 :‬‬

‫أحب �أحد ًا لغري اهلل‪ ،‬كانَ َ�ضر ُر �أ�صدقائه عليه � َ‬ ‫أعظم من َ�ضرر �أعدائه»‬ ‫َ«من � َّ‬ ‫[«جمموع الفتاوى» (‪])605/10‬‬

‫أبغ�ض ُ‬ ‫«ال َّنا�س �إذا تعاونوا على الإثم وال ُعدوان � َ‬ ‫بع�ضهم بع�ض ًا»‬ ‫[«جمموع الفتاوى» (‪])128/15‬‬

‫يخ�شونَ � اَّإل اهلل‪ ،‬وع َّمار م�ساجد امل َقابر َ‬ ‫«ع َّمار م�ساجد اهلل ال َ‬ ‫ويرجون غ َري اهلل»‬ ‫يخ�شونَ غ َري اهلل‪ُ ،‬‬ ‫[«ال َّر ُّد على البكري» (‪])563/2‬‬

‫ُ‬ ‫والعمل به‪ ،‬ف�إنْ مل ت ُكن هذه ه َّم ُة حافظه مل يكن من �أهل العلم والدِّ ين»‪.‬‬ ‫فهم معانيه‬ ‫«واملطلوب منَ القر�آن هو ُ‬ ‫[«جمموع الفتاوى» (‪])55/23‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫‪63‬‬


‫قائمة بأسماء الفائزين‬ ‫يف مسابقة مجلة اإلصالح األوىل‬ ‫الإناث‬

‫الذكور‬ ‫الفائز‬

‫املنطقة‬

‫الفائزة‬

‫‪ .1‬ح�سان عريف‬

‫ال�شلف‬

‫‪ .1‬خديجة قندوزي‬

‫اجلزائر‬

‫‪� .2‬أحمد �سلطاين‬

‫اجللفة‬

‫‪ .2‬فاطمة عثماين‬

‫اجللفة‬

‫‪ .3‬ال�صالح مريابطني‬

‫�سطيف‬

‫‪� .3‬سامية �ساملة‬

‫البليدة‬

‫‪ .4‬عبد الرحمن عامر‬

‫اجلزائر‬

‫‪� .4‬أمينة عر�ض اهلل‬

‫تيارت‬

‫‪ .5‬حممد تاحي‬

‫عني الدفلى‬

‫‪ .5‬خولة واطحي‬

‫تلم�سان‬

‫‪ .6‬عبد العايل قريف‬

‫وادي �سوف‬

‫‪ .6‬بدرة قاب‬

‫‪ .7‬مو�سى جريبيع‬

‫اجللفة‬

‫‪ .7‬مربوكة �سعادة‬

‫‪ .8‬نور الدين داود‬

‫اجلزائر‬

‫‪ .8‬جميلة نتاج‬

‫تيارت‬

‫‪ .9‬حممد م�سلوب‬

‫تب�سة‬

‫‪ .9‬الزهرة بن في�سة‬

‫غليزان‬

‫‪� .10‬سعد ق�صري‬

‫امل�سيلة‬

‫‪� .10‬أمال بخاخ‬

‫�سطيف‬

‫مالحظة‪ :‬على الفائزين االت�صال ب�إدارة املج َّلة لت�س ُّلم جوائزهم‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫املنطقة‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد احلادي والع�شرون‪ :‬رجب‪�/‬شعبان ‪1431‬هـ املوافق لـ جويلية‪�/‬أوت ‪2010‬م‬

‫ميلة‬ ‫وادي �سوف‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.