جملة جامعة ت�صدر عن دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
الفتور مدير الـمجلة
الـمدير
توفيق عمروين رئي�س التحرير
عز الدين رم�ضاين �أع�ضاء التحرير: عمر احلاج م�سعود عثمان عي�سي جنيب جلواح
الت�صميم والإخراج الفني: دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع الطباعة: مطبعة الديوان
عنوان الـمجلة:
دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع
حي باحة ( ،)03رقم ( )28الليدو ـ املحمدية ـ اجلزائر
الهاتف والفاك�س:
)021( 51 94 63 التوزيع (جوال))0661( 62 53 08 :
الربيد الإلكرتوين:
darelfadhila@maktoob.com
الـموقع على ال�شبكة العنكبوتية: www.rayatalislah.com
من املع ِّوقات ا َّلتي تقعد بالعبد عن ُبلوغ م�آربه حَوتقيق �آماله داء ال ُفتور ،وهو الزما للعلم َّ ال�شرعي، والعيب �أن ري، ي�صيب من كانَ على اال�ستقامة ،و ُم ً ُ َ دا ٌء خط ٌ امل�صاب مع ِّل ًما ال َّنا�س اخلري َّثم تركه وا�ست�سلم لل ُفتور. وي�شت ُّد العيب �إن كان ُ ال�سكون بعد احل َّدة وال ِّلني بعد ِّ ال�ش َّدة َّ وال�ضعف بعد الق َّوة ،وهو وال ُفتور هو ُّ رَّ التاخي بعد اجلدِّ ،والك�سل بعد ال َّن�شاط ،وامليل �إىل ال َّراحة واالنقطاع عن العمل بعد اال�ستمرار عليه. ي�سلم من نوبات ال ُفتور تُ�صيبه بني ال َفينة والأخرى ،لكن ينبغي والعبد ال ُ الت ُّ َّفطن لأمرين� :أ َّولهما� :أن ال جت َّره الفَرتة بعيدً ا رُ فتدي به يف مهاوي ال َّردى وخمالفة َّ ال�شريعة ،والأمر ال َّثاين� :أن ال يركن �إليها فتطول م َّدتُها �إذ ُيخ�شى ال�سالكني» �أن ُيختم له ب�سوء ـ والعياذ باهلل ـ ،قال ابنُ الق ِّيم :يف «مدارج َّ لل�سالكني �أم ٌر الز ٌم الب َّد منه ،ف َمن كانت فرتتُه �إىل (« :)122/3فتخلُّل الفَرتات َّ فر�ض ،ومل تُدخله يف حم َّرمُ ،رجي له �أن ي ُعو َد ُمقارب ٍة و َت�سديدٍ ،ومل تُخرجه من ٍ مما كان؛ قال ُع َمر بن َّ اخلطاب ر�ضي اهلل عنه و�أر�ضاه�« :إنَّ لهذه ال ُقلوب خ ًريا َّ �إقبالاً و�إدبا ًرا ،ف�إذا �أ ْق َبلت ُ فخذوها بال َّنوافل ،و�إن �أد َبرت ف�أَ ْل ِز ُموها ال َفرائ�ض»». تو�سع يف املباحات ف�إذا فرت العبد عن ال َّنوافل؛ فال َيدع الفرائ�ض ،و�إذا َّ ُ ن�شاطه يف اخلري ،فلي�س �إىل حدِّ فال يجر�ؤ على املح َّرمات ،و�إذا خ َفتَ رَّ التك وال ُعزوف وتَغيري الوجهة ،حتَّى ال ينطفئ الأمل يف عود ِته �إىل ما كان بي �« :Íإِ َّن ِل ُك ِّل َع َملٍ �شِ َّر ًةَ ،و ِل ُك ِّل عليه من اخلري �أو �أح�سن منه ،قال ال َّن ُّ ت ُت ُه �إِ ىَل ُ�س َّنتِي َف َق ْد �أَ ْفلَ َحَ ،و َمنْ َكا َنتْ َف رْ َ ت ٌةَ ،ف َمنْ َكا َنتْ َف رْ َ �شِ َّر ٍة َف رْ َ ت ُت ُه �إِ ىَل ي َذل َِك َف َق ْد َهلَ َك». َغ رْ ِ والفتور لي�س تو ُّق ًفا فح�سب ،بل هو ت� ُّأخر؛ لأنَّ العبد يف هذه احلياة �إ َّما متقدِّ ٌم و�إ َّما مت� ِّأخ ٌر ،ولي�س بينهما �شي ٌء ا�س ُمه التَّو ُّقف ،قال تعاىل﴿ :ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ «ومل يذكر واق ًفا� ،إذ ال منزل ب َني اجل َّنة وال َّنار ،وال طريقَ ل�سالك �إىل غري ال َّدارين البتَّة، ٍ ال�صاحلة ،فهو مت� ِّأخ ٌر �إىل تلك بالأعمال ف َمن مل يتق َّدم �إىل هذه بالأعمال َّ ال�سالكني» (.)267/1 ال�س ِّيئة» ،قاله ابن الق ِّيم يف «مدارج َّ َّ و ُي�ستعان على التَّخلُّ�ص من �آفة ال ُفتور بال َّلج�أ �إىل اهلل تعاىل ِّ واالطراح ببابه ،وكرثة �س�ؤاله ،واهلل الهادي.
في هذا العدد االفتتاحية :الفتور /مدير املجلة 1............................ الطليعة :االعتناء بالدين /التحرير4...........................
يف رحاب القر�آن :البيان يف �أخطاء اال�ست�شهاد ب�آي القر�آن ()6 /عز الدين رم�ضاين6........................
التحرير
االعتناء بالدين
من م�شكاة ال�سنة :حديث :ال تطروين/ ...عثمان عي�سي 10......
التوحيد اخلال�ص :فهوم خاطئة يف مواالة الكفار /عبد املالك رم�ضاين15....................
بحوث ودرا�سات :الأمر باملعروف والنهي عن املنكر /د.ر�ضا بو�شامة 19.......................... م�سائل منهجية :لكل قوم وارث /التحرير 29................................. �سرية وتاريخ :روائح امل�سك من فوائد ق�صة الإفك �/سليم جموبي 32............................... تزكية و�آداب :التقوى :حقيقتها ،و�أهميتها وثمراتها /عبد الغني عو�سات36.........................
عثمان عي�سي
حديث :ال تطروني...
فتاوى �شرعية� :أ .د .حممد علي فركو�س 40..................
�سري الأعالم :نابغة الأغواط ال�شيخ �أبو بكر احلاج عي�سى �/سمري �سمراد 44.............................. اللغة والأدب :واثكل لغتاه!! �/صدام زميت51................................
ق�ضايا تربوية :قرة العينني يف تربية البنات والبنني ()3 /جنيب جلواح 54............................... �ألفاظ ومفاهيم يف امليزان :النربا�س يف ت�صحيح كالم النا�س /عمر احلاج م�سعود ........................
59
الفوائد والنوادر :التحرير 63................................. بريد القراء :التحرير64....................................... �سعر املجلة 150دج
�سليم جموبي
روائح املسك من فوائد قصة اإلفك
العدد السابق
�صدام زميت
واثكل لغتاه
�سمري �سمراد
نابغ��ة األغ��واط الش��يخ أب��و بك��ر احلاج عيسى
قواعد النشر في المجلة � أن تك���ون املو�ض���وعات مطابق���ة خلط���ة املجل���ة ،وموافقة ملنهجها. � أن يكون املقال مت�س ًما بالأ�صالة واالعتدال. � أن يح��� َّرر املقال ب�أ�س���لوب يحقق الغر����ض ،ولغة بعيدة عن التكلف والتعقيد. الدقة يف التوثيق والتخريج مع االخت�صار. � أن تك���ون الكتابة على الكمبيوتر� ،أو ٍّ بخط وا�ض���ح مقروء؛ وعلى وجه واحد من الورقة. � أال يزيد املقال على خم�س �صفحات.
عبد الغني عو�سات
التق��وى :حقيقته��ا ،وأهميته��ا ومثراتها
� أن يذكر �صاحب املقال ا�سمه الكامل وعنوانه ورقم هاتفه، ودرجته العلمية �إن وجدت. املقاالت �أو البحوث التي ال تن�شر ال تر ُّد لأ�صحابها.
الطليعة 4
ال َّتحرير لقد طغت علينا �سيول املدن َّية اجلارفة الكاذبة ،ومظاهر احل�ضارة الزَّائفة اخلادعة؛ ف�أن�سَ تنا كث ًريا من حقائق ديننا ال�سمحة ،واقتَلعت احلنيف ،و�ألهتنا طوي ًال عن مه َّمات �شريعتنا َّ واحرتامه والغري َة عليه ،والدِّ فاع حب الدِّ ين َ من قلوب كث ٍري م َّنا َّ عنه َّ والذ َب عن حيا�ضه ،و�صرفت �أب�صارنا ع َّما بني �أيدينا من كتاب اهلل و�س َّنة ر�سوله ،Íفت�سمع وت��ق��ر�أ يوم ًّيا يف و�سائل الإعالم املختلفة معاجل ًة لق�ضايا كثري ٍة وم�سائل خمتلفة تعرت�ض حياة امل�سلمني اليوم ،فيتوارد ِّ املتدخلون ويتتابع املناق�شون ويتك َّل ُم واملخت�صون وال تكا ُد ت�س َمع �أحدً ا الأ�ساتذة وال َّدكاترة واملث َّق ُفون ُّ ن�ص من الوحي املنزَّل يجمل َ كالمه ويز ِّين منط َقه ب�إيراد ٍّ منهم ِّ ا َّلذي تت�ش َّرف به هذه الأ َّمة. ومثال ذلك �أ َّنهم يف ِّ يوما �أو �أ َّي ًاما للحديث كل عام ين�صبون ً ال�ساعات عن مر�ض فقدان املناعة (الإيدز �أو ِّ ال�سيدا) ،فتُنفق َّ َّ الطويلة والأوقات الكثرية يف ال ِّنقا�ش والكالم ،فيلفتُ انتباهك �أن ال �أحد منهم يجري على ل�سانه مثل قول اهلل تعاىل﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [\ ،]mك�أ َّنهم يتحا�شون حتَّى ذكر لفظ الزِّ نى ،وي�ستبدلونه بقولهم :عالق ٌة جن�سي ونحوها من العبارات املو َّلدة املرتجمة جن�س َّية �أو ا ِّت�صال ٌّ عن اللُّغة الأجنب َّية ،مع �أنَّ يف ت�سمية الأ�شياء كما وردت يف ال ُقر�آن َ واملخاطب ،وفيها تنبي ٌه للغافل، وال�س َّنة �آثا ًرا ط ِّيبة على املتك ِّلم ُّ ري لل َّنا�سي. وتذك ٌ ث َّ��م ق��د يتع َّدى �آخ���رون فين�صحون ال�� َّن��ا���س ب��احل��ذر و�أخذ احليطة وا ِّتخاذ الأ�سباب ا َّلتي جت ِّنبهم انتقال (الفريو�س) عند اال ِّت�صال اجلن�سي ،وال يع ِّرجون يف كالمهم ـ ولو �إ�شار ًة ـ على �أنَّ هذه العالقة حم َّرمة وممنوع ٌة يف َّ ال�شرع والدِّ ين ،وهذا ي�ؤول �إىل االنحالل اخللقي ،وا�ستباحة ما ح َّرم اهلل َ ري منَ بطريقة فيها كث ٌ املكر وال َّدهاء ،وتهوينٌ من �ش� ِأن كبري ٍة هي من � َ أعظم الكبائر ا َّلتي
ف������إذا �أردن������ا �إع������داد �أج��ي��ال��ن��ا ل��ل��ح��ي��اة الفا�ضلة، ف�ل�اب��� َّد م���ن ت��وج��ي��ه ال��ع��ن��اي��ة ب��ال�� ِّدي��ن وتر�سيخ ه��ي�� َب��تِ��ه يف ق���ل���وب ال�� َّن��ا���ش��ئ��ة يف ج��م��ي��ع مراحل حياتهم ب���د ًءا بالـمراحل الأوىل م��ن ُّ الطفولة ���س���ن ال���ـ���م���راه���ق���ة� ،إىل م���رح���ل���ة َّ ث����� َّم � ِّ ال�شباب تعود َّ بال�ضرر على الأ َّمة �أف��رادًا وجماعات ،فكان الأوىل به�ؤالء �صحة �أ َّمتهم ـ �إن كانوا ح ًّقا نا�صحني ال َّنا�صحني امل�شفقني على َّ َ خماط ِبيهم لي�سوا �سوى �شدهم ،و�أن ُيدركوا �أنَّ ـ �أن يعودوا �إىل ُر ِ أفراد م�سلمني ،ي�ؤ ِّثر فيهم �سما ُع �أوامر َّ مما � ٍ ال�شارع ونواهيه �أكرث َّ ي�ؤ ِّثر فيهم كالم طبيب حاذق �أو �أ�ستاذ عارف �أو �أيِّ �أحد من ال َّنا�س؛ �إ َّننا م�سلمون وال رادع لنا مثل الدِّ ين ،فبالدِّ ين تُ�ضبط الأنف�س ،وبالدِّ ين ُيقمع الهوى ،وبالدِّ ين ت َّ ُهذب الغرائز. ف�إذا �أردنا �إعداد �أجيالنا للحياة الفا�ضلة ،فالب َّد من توجيه العناية بالدِّ ين وتر�سيخ هي َب ِته يف قلوب ال َّنا�شئة يف جميع مراحل حياتهم بد ًءا باملراحل الأوىل من ُّ الطفولة َّثم �سنِّ املراهقة� ،إىل مرحلة َّ ال�شباب ،وهكذا حتَّى يتز َّودوا بق�سط وا ِف��ر من �أحكام وعقائده و�آدا ِب��ه ،ليكونَ ح�ص ًنا مني ًعا يف وجه ُّ ال�شبهات الدِّ ين ِ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
الطليعة
وال�شهوات ،و�صخر ًة قو َّي ًة َّ َّ تتحطم عندها هجمات االنحراف، ال�سقوط يف �أوحال الفواح�ش وال َّرذائل ،فال َّنا�شئ �إذا ووقاي ًة من ُّ �شب على اجلهل بحقائق الدِّ ين �سهل عليه التَّجايف عنه ،وال ُبعد َّ عن �شرائعه و�آدابه و�أحكامه ،حتَّى �صرنا ن�سمع مبن يتخ َّلى عنه �إىل دين �آخر ،وال حول وال ق َّوة �إلاَّ باهلل. مما ينبغي �أن ُيعلم �أ َّنه ال ميكن �أن َن ْن َعم با�ستقامة �أحوالنا و�إنَّ َّ رب العاملني على ال�صحيح املنزَّل من عند ِّ �إ َّال �إذا لزمنا الدِّ ين َّ حتريف وال تبديل ،فمِ ن �أعظم القبائح نب ِّيه الأمني Íمن غري ٍ لي�س منه حتت �أيِّ م�س ًّمى من اجلناية على الدِّ ين ب�أن ُنلحق به ما َ امل�س َّميات ،فامل�ستلبون والتَّغريب ُّيون مي ِّيعون �أحكام الدِّ ين ِّ ويعطلون كث ًريا من ن�صو�صه حتَّى ال يبقى منه �سوى مظاهر ي�سرية ال تكاد مت ِّيز بها بني م�سلم وكافر بدعوى امل�صلحة والتَّجديد ومواكبة الع�صر ،ويرفعون �شعار التَّفتُّح وطرح اجلمود على ال ُّن�صو�ص �إىل حدِّ ترك الواجبات و�إتيان املنه َّيات ،وهذا مرو ٌق من الدِّ ين، ٌ وان�صراف عن �أُ ُ�س�سه و�إبطا ٌل لأحكامه. كما �أنَّ �أ�صحاب ُّ ال�صوف َّية ي�سطون على عقيدة التَّوحيد الطرق ُّ ويعتدون على مقام الأل��وه�� َّي��ةِّ ، َ فيعظمون م�شايخهم �إىل حدِّ ال�صاحلني بال ُّدعاء القدا�سةَّ ، ويتوجهون �إىل ال ِقباب و�أ�ضرحة َّ ب�صلب الدِّ ين وخد�ش يف عقيدة والتَّو�سل ،ويف هذا م�سا�س �صري ٌح ُ ٌ مما يو ِّرث عندهم ا�ستهان ًة بباقي الأحكام َّ وال�شرائع. التَّوحيدَّ ، �إنَّ الدِّ ين �إذا �أُ ِخ��ذ بغري َّ ال�سلف الطريقة ا َّلتي �أَخَ���ذه بها َّ ال�صالح ـ ر�ضوان اهلل عليهم ـ فثمرة ذلك اعوجا ٌج يف الفكر َّ ٌ وال�سلوك؛ لأنَّ الغاية املرج َّوة والعقائد، وانحراف يف العبادات ُّ من ل��زوم الدِّ ين هي نيل ر�ضى اهلل تعاىل ،و�إنَّ ر�ضى اهلل قد ال�سلف كونهم فاقوا غريهم يف العلم والعمل بالدِّ ين حتقَّق له�ؤالء َّ بي ا َّلذي �أنزله اهلل �سبحانه ،و�شهد لهم الوحي بذلك ،قال ال َّن ُّ َ :Í ين َي ُلو َنهُم ُث َّم ا َّلذِ َ ا�س َقرنيِ ُث َّم ا َّلذِ َ ين َي ُلو َنهُم»؛ ري ال َّن ِ «خ ُ ف َمن كان م� ِّؤمال خ ًريا وراج ًيا ر�ضى ال َّر ِّب ـ ع َّز وج َّل ـ فما عليه �إ َّال �أن يتح َّرى ويلزم الدِّ ين ا َّلذي ا�ستقام عليه هَ�ؤالء الأماجد، وعم احلبور ،ل َيب ُل َغ ما بلغوه وب َّلغوا �أنوا َر هدايته حتَّى �شاع ال ُّنور َّ والكرامة وال ِّرفعة ،وهلل د ُّر �إمام دار الهجرة حني قال: من العزَّة َ «ال ُي�ص ِل ُح � ِآخ َر هذه الأ َّمة �إ َّال ما �أ�ص َل َح �أ َّو َلها».
وعليه؛ ف�إنَّ الأ�صوات ال َّن�شاز يف �أ َّمتنا ا َّلتي تدعو �إىل �إعادة �صياغة الدِّ ين ،با�سم التَّي�سري على ال َّنا�س ورفع احلرج ،ومواف َقة مذهب أحكاما لي�سَ ت على ِ روح الع�صر ،فيل ِّفقون �أقوا ًال وير ِّك ُبون � ً ال�سابقني ،بل تت ُّب ٌع لل ُّرخ�ص والزَّلل ،و�أخ ٌذ � ٍ ال�سلف َّ أحد من علماء َّ وال�ش ِّاذ ،فهم بذلك ُيلحقون بالدِّ ين ما حلقَ َّ بال َّنادر َّ بال�شرائع املن�سوخة من التَّحريف والتَّبديل والتَّغيري ،وذلك بت�أويل ال ُّن�صو�ص ال�صريحة يَ ِّ ول �أعناقها مبا يوافقُ الأهوا َء وميا�شي الأذواق ،ويف َّ ذلك نخ ٌر ملقا�صد الإ�سالم ومناق�ض ٌة لأحكام الدِّ ين ،و�إنَّ �صني َعهم هذا ٌ �صنف من ُ�صنوف كيد الأعداء �ش َعروا �أو مل ي�ش ُعروا ،وهلل يف خل ِقه �ش�ؤون. �إنَّ مظاهر البدع واملحدثات من و�سائل �إ�ضعاف الدِّ ين يف نفو�س ال َّنا�س ،ومن �أ�شدِّ العقبات ا َّلتي تقف يف وجه ال َّراغبني ال�سو َّية وال ِفطر يف ِ لزومه واال�ستقام ِة عليه ،ذلك لأنَّ العقول َّ ال�سليمة تنفر من تلك املظاهر امل�ش ِّوهة جلمال هذه َّ ال�شريعة َّ إ�صالحا فال �أف�ضل من مت ُّثل كلمة الحا و� ً الغ َّراء ،ف�إنْ �أردنا �صَ ً الإمام مالك :ال َّرائعة« :فما مل ي ُكن يومئذ دي ًنا ،ال يكون اليوم بي دي ًنا» ،وبه يكون ك ُّل حكم �أو طريقة �أو عبادة مل يكن عليها ال َّن ُّ Íو�أ�صحابه ومعهم القرون امل�شهود لها باخلري َّية ومل يتَّخذوها واب جع ُلها اليوم من الدِّ ين ،بل هو خالف ال�ص ِ دي ًنا ،فمِ ن غري َّ ال�صراط امل�ستقيم ا َّل��ذي �أُمرنا بلزومه واال�ستقامة عليه؛ قال ِّ الع َّالمة ابن بادي�س :يف «تف�سريه» (« :)269/1وما ذلك ال�صراط امل�ستقيم �إ َّال ال ُقر�آن العظيم ،والهدي ال َّنبوي الكرمي، ِّ ال�صالح ،وذلك هو دين الإ�سالم». ال�سلف َّ و�سلوك َّ رب �سواه. ال�سبيل و�أقوم دين ،وال َّ واهلل الهادي �إىل �سواء َّ �إ َّن الأ����ص���وات ال�� َّن�����ش��از يف �أ َّم��ت��ن��ا ا َّل��ت��ي ت��دع��و �إىل �إعادة ���ص��ي��اغ��ة ال��� ِّدي���ن ،ب��ا���س��م ال�� َّت��ي�����س�ير ع��ل��ى ال�� َّن��ا���س ورفع احل������رج ،وم���واف��� َق���ة روح ال��ع�����ص��ر ،ف��ي��ل�� ِّف��ق��ون �أق������وا ًال لي�ست على مذهبِ �أح��دٍ من علماء وير ِّك ُبون �أحكا ًما َ ال�سابقني ،ب��ل تت ُّب ٌع لل ُّرخ�ص وال�� َّزل��ل ،و�أخ ٌذ ال�سلف َّ َّ بال َّنادر َّ وال�شا ِّذ ،فهم بذلك ُيلحقون بالدِّين ما حل َق َّ بال�شرائع املن�سوخة من ال َّتحريف وال َّتبديل وال َّتغيري
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
5
في رحاب القرآن
﴿ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾
ال ـب ـي ـ ـ ــان فـي أخطـ ــاء االستشهـ ــاد بآي القـرآن عز الدِّين رم�ضاين رئي�س التحرير
م���ن الآي�����ات ا َّل���ت���ي َي��ك�ثر اال����س���ت���دالل ب��ه��ا يف جم��ال ال�� َّت��ح��رمي وال��ـ��م��ن��ع ,وح�����ص��ول َّ ال�ضرر �أو وق��وع��ه؛ ق��ول��ه ت��ع��اىل ﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [^.]195 : والآي���ة الكرمية و�إن كانت تتناول ك�� َّل م��ا فيه كتفريط ح�سي �أو معنويٍّ ؛ ٍ هالك الإن�سان من ٍّ تعري�ض ال َّنف�س يف واج��ب� ,أو فعلٍ لـمح َّرم� ,أو ِ للمخاطر؛ ف���إ َّن اال�ستدالل بها على التقاع�س عن العمل لن�صرة دين اهلل خط�أ ظاهر. ويظهر ذلك يف ا�ست�شهادات وكتابات من تبنى منهج التي�سيري املعا�صر. وال َّر ُّد عليهم يكمن فيما يلي:
ال�ساد�س ـ ـ اجلزء َّ �أ َّو ًال� :أنَّ �سبب نزول الآية فيه الإف�صاح عن معنى التَّهلكة يف الآية ،و�أ َّنه الإقامة يف الأموال و�إ�صالحها وترك اجلهاد ,فعن �أ�سلم �أبي عمران قال :غزونا من املدينة نريد الق�سطنطين َّية وعلى اجلماعة عبد ال َّرحمن بن خالد بن الوليد ,وال ُّروم مل�صقو ظهورهم بحائط املدينة ,فحمل رج ٌل على العد ِّو؛ فقال ال َّنا�س: مه مه! ال �إله �إ َّال اهلل! يلقي بيديه �إىل التَّهلكة؛ فقال �أبو �أ ُّيوب: «�إنمَّ��ا نزلت هذه الآية فينا مع�شر الأن�صار لـ َّما ن�صر اهلل نب َّيه هلم نقيم يف �أموالنا ون�صلحها ،ف�أنزل اهلل و�أظهر الإ�سالم؛ قلناَّ : تعاىل﴿ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [^]195 :؛ نقيم يف �أموالنا ون�صلحها وندع فالإلقاء بالأيدي �إىل التَّهلكة �أن َ اجلهاد.)1(»... ()2 ويف «�صحيح البخاري» عن حذيفة بن اليمان Çقال: «نزلت يف ال َّنفقة».
((( �أبو داود ( ,)2512رِّ والتمذي ( ,)2972و�إ�سناده �صحيح. ((( برقم (.)4516
6
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
املف�سرين( )6من التَّابعني ومن بعدهم ثال ًثا� :أنَّ جمهور ِّ �����س��روا ال�� َّت��ه��ل��ك��ة ب���أ َّن��ه��ا ت���رك ال�� َّن��ف��ق��ة يف �سبيل اهلل ومنه ف َّ اجل��ه��اد ,وه��و ق��ول �سعيد ب��ن ج��ب�ير (ت 95هـ) ,وجماهد (ت 104هـ) ,وعكرمة (ت 105هـ)َّ , وال�ض َّحاك (ت 105هـ), واحل�سن الب�صري (ت 110هـ) ,وعطاء (ت 114هـ) ,وقتادة وال�سدِّ ي (ت 128هـ) ,والأعم�ش (ت 148هـ), (ت 117هـ)ُّ , ومقاتل بن ح َّيان (ت 150هـ) ,ومقاتل بن �سليمان (ت 150هـ), وغريهم كثري(.)7
راب ًعا� :أنَّ �أبا �أ ُّيوب الأن�صاري Çر َّد ب�أبلغ بيان على َمنْ هم التَّهلك َة مبعناها اللُّغوي ،وعلى عموم ال َّلفظ و�شموله. َف َ ويظهر من هذا الأثر ـ وقد تق َّدم ـ �أنَّ �أبا �أ ُّيوب اعتمد يف ت�أويله قوي يف فهم معنى الآي��ة ,ويق ِّوي على �سبب ال ُّنزول ،وهو �سبب ٌّ ما ذكره من معنى �سباق الآية ,وهو الأمر بالإنفاق يف �سبيل اهلل و�سي�أتي الكالم على ذلك.
في رحاب القرآن
ف�سر التَّهلكة يف الآي��ة ب�أ َّنها ث��ان�� ًي��ا� :أنَّ بع�ض َّ ال�صحابة َّ الإم�ساك عن ال َّنفقة ,فعن ابن ع َّبا�س « :Èلي�س التَّهلكة �أن يقتل ال َّرجل يف �سبيل اهلل ,ولكن الإم�ساك عن ال َّنفقة يف �سبيل اهلل»(.)3 وع��ن ح��ذي��ف��ة Çق���ال« :ه��و ت��رك ال�� َّن��ف��ق��ة يف �سبيل اهلل»(.)4 وعن الرباء بن عازب � Çأ َّنه قيل له :ال َّرجل يحمل على ممن �ألقى بيده �إىل التَّهلكة؟ قال« :ال؛ لأنَّ اهلل ـ ع َّز امل�شركني �أهو َّ وج َّل ـ بعث ر�سول اهلل Íفقال﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [` � ،]84 :مَّإنا ذاك يف ال َّنفقة»(.)5
َ �صفوف العد ِّو �إذا كان فيه خام�سا� :أنَّ اقتحام ال َّرجل ً �إظها ٌر َّ ��اب للعد ِّو وتقوي ٌة وجترئ ٌة للم�سلمني لل�شجاعة و�إره ٌ عليهم ونحو ذلك من املقا�صد احل�سنة ال يع ُّد �إلقا ًء باليد �إىل التَّهلكة ,ولي�س مبذموم و�إن ُق ِتل ,واملذموم يف ذلك �أن يكون عن ته ُّو ٍر �أو �سب ًبا يف وهن امل�سلمني( ،)8فعن مدرك ابن عوف �أنَّ ال َّنا�س ذكروا عند عمر بع�ضَ َمنْ ُق ِتل يف �سبيل اهلل، وقالواُ :ق ِتل فالن وفالن و�آخرون ال نعرفهم؛ فقال عمر :لكنَّ اهلل يعرفهم؛ فقالوا :ورج�� ٌل �شرى نف�سه؛ فقال م��درك ابن ع��وف :ذاك واهلل خايل يا �أم�ير امل�ؤمنني! يزعم ال َّنا�س �أ َّنه �ألقى بيديه �إىل التَّهلكة؛ فقال عمر« :كذب �أولئك ،ولك َّنه من ا َّلذين ا�شرتوا الآخرة بال ُّدنيا»(.)9 قال �شيخ الإ�سالم يف «جامع امل�سائل» (« :)324ف�إن قيل :قد قال اهلل تعاىل ﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [^ ]195 :و�إذا قاتل ال َّرجل يف مو�ضع َف َغ َل َب على ظ ِّنه �أ َّن��ه ُيقتل فقد �ألقى بيده �إىل التَّهلكة. قيل :ت�أويل الآي��ة على هذا ٌ ال�صحابة غلط ,ولهذا ما زال َّ والأئ َّمة ينكرون على من يت�أ َّول الآية على ذلك.»...
ال�سيوطي يف «ال ُّد ِّر املنثور» �إىل ((( رواه ابن جرير يف «تف�سريه» ( ,)314/3وعزاه ُّ الفريابي وابن املنذر (.)322/2 ال�سيوطي يف «الدُّر» (� )321/2إىل ((( رواه ابن جرير يف «تف�سريه» ( ,)313/3وعزاه ُّ وكيع وابن عيينة و�سعيد بن من�صور وعبد بن حميد وابن املنذر وابن �أبي حامت. ((( رواه �أحمد ( ,)18477واحلاكم يف «امل�ستدرك» (.)275/2 ((( انظر« :تف�سري ابن جرير» ( ,)312/3و«تف�سري ابن �أبي حامت» (.)331/1 املف�سرين ا َّلذين مل ينقلوا �إ َّال هذا املعنى ـ ترك ال َّنفقة ـ ومنهم :البخاري وابن ((( �أي من ِّ �أبي زمنني والعليمي و�صاحبا «اجلاللني» ور�شيد ر�ضا و�آخرون.
((( انظر «فتح الباري» البن حجر (.)233/8 و«ال�سنن الكربى» للبيهقي ( ,)7707وعزاه ((( «م�ص َّنف» ابن �أبي �شيبة (ُّ ,)33780 و�صحح �إ�سناده. ابن حجر يف «الفتح» ( )233/8البن جرير وابن املنذر َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
7
في رحاب القرآن
�ساد�سا� :أنَّ �سياق الآية جاء يف ا لأمر بالإنفاق يف �سبيل ي���ؤول بهم �إىل الهالك يف غري طاعة اهلل تعاىل ,ف���إنَّ اجلهاد ً مف�ض �إىل الهالك ,وهو القتل ومل ينه عنه ,بل اهلل﴿ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾« ،و�إدخ���ال ال��ك�لام يف معاين ما يف �سبيل اهلل ٍ قبله وما بعده �أوىل من اخل��روج به عنهما �إ َّال بدليل يجب هو �أم ٌر مطلوب موعو ٌد عليه باجل َّنة ,وهو من �أف�ضل الأعمال املتق َّرب بها �إىل اهلل تعاىل». التَّ�سليم به» (.)10 وال َّدليل ا َّلذي ي�صرف له الكالم عن �سياقه والحقه �إ َّما �أن إجماعا من �أهل يكون خ ًربا ال�سند ,و�إ َّما �أن يكون � ً ً �صحيحا متَّ�صل َّ ثام ًنا� :أنَّ من اختار العموم يف الآية كابن جرير :مل ُيغ ِفل ال َّت�أويل على تف�سري الآية( ,)11ولي�س عندنا �شيء من ذلك يخرج القول ب�أنَّ �أ َّول املعاين دخو ًال يف معنى الآية و�أوالها هو الإم�ساك املعنى عن �سياقه. عن ال َّنفقة يف �سبيل اهلل تعاىل ,قال كما يف «تف�سريه» (:)325/3 قال �شيخ الإ�سالم يف «جامع امل�سائل» ( )326بعد �أن �ساق الآي��ات ا َّلتي فيها الأمر باجلهاد والإنفاق يف �سبيل اهلل« :فهذه الآيات كلُّها يف الأمر باجلهاد يف �سبيل اهلل و�إنفاق املال يف �سبيل اهلل ,فال تنا�سب ما ي�ضا ُّد ذلك من ال َّنهي ع َّما يكمل به اجلهاد و�إن كان فيه تعري�ض ال َّنف�س َّ لل�شهادة� ,إذ املوت الب َّد منه� »...إىل �أن قال« :و� ً أي�ضا ف�إ َّنه يف �أ َّول الآية قال﴿ :ﮠﮡﮢ ﮣ﴾ ,ويف �آخرها﴿ :ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [\^]َّ ، فدل ذلك على ما رواه �أبو �أ ُّيوب من �أنَّ �إم�ساك املال والبخل عن �إنفاقه يف �سبيل اهلل واال�شتغال به هو التَّهلكة».
«غري �أنَّ الأمر و�إن كان كذلك ـ �أي يحمل على العموم ـ ف�إنَّ الأغلب من ت�أويل الآي��ة :و�أنفقوا �أ ُّيها امل�ؤمنون يف �سبيل اهلل وال ترتكوا ال َّنفقة فيها فتهلكوا با�ستحقاقكم برتككم ذلك عذابي» ,وهو ما ذهب �إليه ابن حجر يف «الفتح» ( )233/8حيث قال بعد �أن ذكر بع�ض الأقوال يف تف�سري التَّهلكة« :والأ َّول �أظهر ـ وهو ترك ال َّنفقة ـ لت�صدير الآية بذكر ال َّنفقة فهو املعتمد يف نزولها ,و�أ َّما ق�صرها عليه ففيه نظر؛ لأنَّ العربة بعموم ال َّلفظ».
املف�سرين ا َّلذين اختاروا �ساب ًعا� :أنَّ بع�ض املح ِّققني من ِّ ال�صورة ,وه��ي �صورة اقتحام العموم يف الآي��ة ا�ستثنوا ه��ذه ُّ الع�ساكر طل ًبا َّ لل�شهادة و�إرها ًبا للعد ِّو وما �إىل ذلك من املقا�صد ال�صحيحة ,منهم: َّ ـ القا�ضي �أبو بكر بن العربي يف تع ُّقبه ابن جرير حني اختار العموم يف الآية ,قال كما يف «�أحكام القر�آن» (« :)166/1وقد �أ�صاب �إ َّال يف اقتحام الع�ساكر؛ ف�إنَّ العلماء اختلفوا يف ذلك»َّ ،ثم «وال�صحيح عندي جوازه». َّ رجح جواز االقتحام فقالَّ : ـ و�أبو ح َّيان الأندل�سي �صاحب «البحر املحيط» ,فقد قال بعد �أن ذكر ت�سعة �أق��وال يف تف�سري التَّهلكة (« :)79/2وهذه والظاهر �أ َّنهم نهوا عن ِّ الأقوال كلُّها حتتمل هذه الآيةَّ , كل ما ( ((1انظر« :قواعد رَّ املف�سرين» حل�سني احلربي (.)11/1 التجيح عند ِّ ( ((1انظر« :تف�سري ابن جرير» (.)268/7
8
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
املف�سرين ملعنى �إنَّ ال َّناظر يف تفا�سري �أهل العلم ونقوالت ِّ و�صح ًة على ح�سب ما اع ُتمِ د عليه الآية يجد �أ َّنها تتفاوت درج ًة َّ من �أد َّلة وقواعد يف رَّ التجيح. فمن جعل معتمده �سبب ال ُّنزول ك�أبي �أ ُّي��وب الأن�صاري Ç؛ �ص َّرح ب���أنَّ التَّهلكة ترك اجلهاد ,وال َّ �شك �أنَّ قوله ح ٌّق و�صواب. ومن جعل معتمده �سياق الآي��ة كحذيفة بن اليمان Ç واجلمهور؛ بينَّ ب�أنَّ التَّهلكة ترك ال َّنفقة يف �سبيل اهلل ,وهذا � ً أي�ضا ح ٌّق و�صواب. وال تعار�ض بني القولني ـ �إن �شاء اهلل ـ؛ ف�إنَّ املعنى ا َّلذي ذكره �أب��و �أ ُّي��وب Çداخ�� ٌل يف املعنى ا َّل��ذي قال به حذيفة Ç «ف�إ َّنه �إنمَّ��ا ذكر اجلهاد يف تف�سريه من باب التَّف�سري بال َّالزم, ف�إن ترك ال َّنفقة يف �سبيل اهلل تعاىل يرتتَّب عليه ترك اجلهاد بال َّنف�س ,فمن �ضنَّ مباله �ضنَّ بنف�سه من باب �أوىل ,وال ي�ص ُّح التَّف�سري بال َّالزم �إ َّال مع الإقرار باملعنى الأ�صلي ,...ولع َّل اختيار �أبي �أ ُّيوب Çملعنى اجلهاد من هذه املعاين ملنا�سبته للمقام واحلال؛ ف�إنَّ ترك اجلهاد وعدم اال�ستعداد واخللود �إىل ال ُّدنيا وال ِّر�ضا بالإقامة فيها �إلقاء باليد �إىل التَّهلكة من جهة القعود ومتكني الأعداء من امل�سلمني؛ فيهلكوا احلرث وال َّن�سل»(.)12 ويبقى �أن ِّ �صحة املعنى امل��ذك��ور عن �أب��ي �أ ُّيوب نو�ضح �أنَّ َّ ال�صواب فيهما ,فقد وحذيفة Èوغريهما ال يعني انح�صار َّ ال�صحابة والتَّابعني تف�سري التَّهلكة ب�أ َّنها القنوط ورد عن ٍ عدد من َّ والإقامة على ال ُّذنوب ,فقد قيل للرباء بن عازب � :Çأر�أيت قول اهلل﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ �أه��و ال َّرجل يتق َّدم فيقاتل
في رحاب القرآن
� إفادة الب َّد منها:
حتَّى يقتل؟ قال« :ال ,ولك َّنه ال َّرجل يعمل باملعا�صي َّثم يلقي بيده وال يتوب»(.)13 وج���اء ع��ن ال�� ُّن��ع��م��ان ب��ن ب�شري Çق���ال« :ك���ان ال َّرجل يذنب َّ الذنب فيقول :ال ُيغفر يل ,ف�أنزل اهلل﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾»(.)14 وقيل غري ذلك. واملق�صود التَّحذير من اال�ست�شهاد بالآية على التَّقاع�س عن العمل لن�صرة دين اهلل كالأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر, واجلهاد يف �سبيل اهلل( )15وفعل َّ الطاعات ا َّلتي ال ُّ تنفك عن وال�صوم خمافة ح�صول �ضر ٍر غري متيقَّن� ,أو امل�شقَّة ِّ كاحلج َّ م�شقَّة وهم َّية. و َّفقنا اهلل لتد ُّبر كتابه وفهم مقا�صده والعمل ب�أحكامه, �آمني.
( ((1رواه ابن جرير ( ,)320/3وابن �أبي حامت يف «تف�سريه» ( ,)332/1وقال ابن حجر يف «الفتح»�« :إ�سناده �صحيح عن ابن جرير وابن املنذر». (َّ ((1 الطرباين يف «الأو�سط» (.)5672 ( ((1ومن عجيب الأخبار �أنَّ امل�ست�شرق الفرن�سي ليون رو�ش قام برحل ٍة �إىل م�صر ��اج م�سلم من �أج��ل احل�صول على واحلجاز �سنة ( )1842متن ِّك ًرا يف زيِّ ح ٍّ ن�ص فتوى جاء بها من اجلزائر جتعل اجلهاد �ض َّد موافقة من العلماء على ٍِّّ الفرن�س ِّيني من باب �إلقاء ال َّنف�س �إىل التَّهلكة ,لكنَّ علماء الأزهر مل يوافقوه على تلك الفتوى ,انظر« :تاريخ اجلزائر» مل�سعود اجلزائري (.)284
والـمق�صود ال�� َّت��ح��ذي��ر م��ن اال�ست�شهاد بالآية ع���ل���ى ال��� َّت���ق���اع�������س ع����ن ال���ع���م���ل ل���ن�������ص���رة دين اهلل ك����الأم����ر ب���امل���ع���روف وال��� َّن���ه���ي ع���ن املنكر, واجلهاد يف �سبيل اهلل وفعل َّ الطاعات ا َّلتي ال ت��ن��ف ُّ��ك ع��ن الـم�ش َّقة ك��احل�� ِّج وال��� َّ��ص��وم خمافة ح�صول ���ض��ر ٍر غ�ير متي َّقن� ,أو م�ش َّقة وهم َّية
ال�سلف يف التَّف�سري» لنايف الزَّهراين (.)228 ( ((1انظر« :ا�ستدراكات َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
9
من مشكاة السنة
حديث «ال تطروني»... عـثـمـان عـيـ�سـي ا�س � Èسَ ِم َع ُع َم َر َ Çي ُق ُ ول َع َلى ا ِمل ْنبرَ ِ � :سَ ِم ْع ُت ابن َع َّب ٍ عن ِ ال َّن ِب َّي َ Ìي ُق ُ ولَ « :ال ُت ْط ُرونيِ َك َما �أَ ْط َرتِ ال َّن َ�صا َرى ا ْب َن َمرْيمَ َ ، َف�إِ مَّ َ نا �أَ َنا َع ْب ُدهَُ ،ف ُقو ُلواَ :ع ْب ُد اللهَّ ِ َو َر ُ�سو ُل ُه». �أخرجه البخاري يف كتاب �أحاديث الأنبياء :باب قول اهلل: ﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [،]16 :o برقم (.)3445 و�أخرجه مط َّو ًال يف كتاب احلدود :باب رجم احلبلى من الزِّ نا �إذا �أح�صنت ،برقم.)6830( : و�أخرجه احلميدي يف «م�سنده» ( ،)27و�أحمد يف «م�سنده» ( ،)331 ،154 ،164والدَّارمي يف «�سننه» ( ،)2784وابن ح َّبان يف «�صحيحه» ( ،)6239و�أبو يعلى يف «م�سنده» ( ،)153والبزَّار يف «م�سنده» (َّ )194 والطيال�سي يف «م�سنده» ( )24وعبد ال َّر َّزاق يف «م�صنفه» (.)9758 يد ُّل هذا احلديث على �أ�صل كبري من �أ�صول الدِّ ين ال َّدا َّلة على و�سط َّية دين الإ�سالم بني �سائر امللل َّ وال�شرائع ،وهذه الو�سط َّية �سمة امتاز بها دي ُننا احلنيف ،وخا�ص َّي ٌة من �أعظم خ�صائ�صه و�أبرزها ،و�أه ُله املنت�سبون �إليه بحقٍّ ُ � ، أهل و�سط ،عدول ،ال هُ ْم ب�أهل غل ٍّو فيه ،وال هُ ْم ب�أهل تق�صري وجفاء« ،فكما �أنَّ اجلايف عن الأمر م�ض ِّيع له ،فالغايل فيه م�ض ِّيع له ،هذا بتق�صريه عن احلدِّ ، وهذا بتجاوزه احل َّد»(.)1 قوله « :Íال ُت ْط ُرون» :اختلفت عبارات �أهل اللُّغة ـ يف معنى الإطراء ،فمنها ما يد ُّل على ال َّثناء فقط ،ومنها ما يد ُّل على املبالغة ،ومنها ما يد ُّل على جماوزة احلدِّ فيه ،و�إىل هذا الأخري ال�سالكني» (.)496/2 ((( «مدارج َّ
10
نحا الأكرثون(.)2 � ًإذا فـ«الإطراء» هو: «مجُ����ا َو َز ُة ا َ حل�� ِّد يف املَ��� ْد ِح وال�� َك��ذِ ُب فيه ،وال�� ِّزي��اد ُة يف ال َّثناء والغل ُّو فيه». قوله« :ال َّن�صارى» :وهم �أهل م َّلة من امللل الكتاب َّية ،هكذا وال�س َّنة� ،أ َّما ت�سميتهم بـ«امل�سيح ِّيني» َف َغلَ ٌط، ا�سمهم يف الكتاب ُّ ن َّبه عليه علما�ؤنا املح ِّققون؛ لأنَّ امل�سيحي ال ُيقال �إ َّال ملن �آمن بعي�سى بن مرمي ºعبدً ا هلل ور�سو ًال له ،واتَّبعه و�ص َّدقه فيما بنبي ي�أتي من بعده ا�سمه �أحمد، �أخرب به ،ومن ذلك تب�شريه ٍّ كما قال اهلل ع َّز وجل ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ﴾
[¼.]6 : �أ َّما ا َّلذين مل يتَّبعوه فلي�سوا مب�سيح ِّيني ،و� مَّإنا هم «ن�صارى» كما �س َّماهم اهلل ع َّز وج َّل ،وعي�سى بن مرمي َ Íب ِري ٌء منهم(.)3 قوله« :اب َ��ن م��رمي»« :فن�سبه �إىل � ِّأم��ه لينفي ن�سبته �إىل غريها ،فال ُين�سب �إىل اهلل تعاىل �أ َّن��ه ابنه وال �إىل � ٍأب من الب�شر ،كما زعمت ال َّن�صارى الغالية فيه ،وال كما زعمت اليهود الكافرة به»(.)4 ويف هذا َفائِدَ ت َِان: ((( انظر« :تاج العرو�س» (.)488/38 ((( انظر« :فتاوى َّ /ال�س�ؤال ال�شيخ ابن باز» (« ،)387/5لقاءات الباب املفتوح» (ُّ 43 رقم �« ،)8إعانة امل�ستفيد» (« ،)271/1معجم املناهي ال َّلفظ َّية» (.)93 ((( «الرد على البكري» ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (.)460/2
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﴾
[\`]. قال احلافظ ابن كثري يف «تف�سريه» (« :)477/2ينهى تعاىل �أهل الكتاب عن الغل ِّو والإطراء ،وهذا كثري يف ال َّن�صارى ،ف�إ َّنهم جتاوزوا ح َّد التَّ�صديق بعي�سى ،حتَّى رفعوه فوق املنزلة ا َّلتي �أعطاه اهلل �إ َّياها ،فنقلوه من ح ِّيز ال ُّنب َّوة �إىل �أن اتَّخذوه �إل ًها من دون اهلل يعبدونه كما يعبدونه ...،ولهذا قال﴿ :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ﴾؛ �أي � :مَّإنا هو عبد من عباد اهلل َ وخ ْلق من خلقه ،قال له :كنْ فكان ،ور�سو ٌل من ر�سله ،وكلمته �ألقاها �إىل مرمي� ،أيَ :خل َقه بالكلمة ا َّلتي �أر�سل بها جربيل � ºإىل مرمي ،فنفخ فيها من روحه ب�إذن ر ِّبه ع َّز َّ وجل ،فكان عي�سى ب�إذن اهلل ع َّز وج َّل ...،ولهذا قيل لعي�سى� :إ َّنه كلمة اهلل وروح منه؛ لأ َّنه مل يكن له � ٌأب َت َو َّلد منه ،و� مَّإنا هو نا�شئ عن الكلمة ا َّلتي قال له بها« :كن» فكان ،وال ُّروح ا َّلتي �أُر�سل بها جربيل »...اهـ.
من مشكاة السنة
«�إحداهماَ :ب َيا ٌن �أ َّن ُه َم ْو ُلودٌَ ،واللهَّ ُ لمَ ْ ُيو َل ْد. َوال َّثا ِن َي ُةِ :ن ْ�س َب ُت ُه �إىل َم ْريمََ ؛ ب�أَ َّن ُه ا ْب ُن َها َل ْي َ�س هُ َو ابنَ اللهَّ ِ »(.)5 نبي اهلل عي�سى بينَّ احلديث �أنَّ ال َّن�صارى هم ا َّلذين �أطروا َّ ابن مرمي ،وهذا من غل ِّوهم فيه ويف دينهمَ « ،و ُغ ُل ُّو ال َّن�صَ ا َرى هلل َو َق ْو ُل يف ِعي�سَ ى َق ْو ُل َب ْع ِ�ضهِ ْم هُ َو اللهَّ ُ َ ،و َق ْو ُل َب ْع ِ�ضهِ ْم هُ َو ا ْبنُ ا ِ َب ْع ِ�ضهِ ْم هُ َو َثا ِلثُ ثال َث ٍة»( ،)6و«هذه الأقوال جميعها قول طوائف ال َّن�صارى امل�شهورة :امللك َّية( )7واليعقوب َّية وال َّن�سطور َّية؛ ف�إنَّ هذه َّ الطوائف ك َّلها تقول بالأقانيم( )8ال َّثالثة :الأب واالبن وروح القد�س ،فتقول� :إنَّ َ اهلل ثالثُ ثالثة ،وتقول عن امل�سيح �إ َّنه اهلل، وتقول �إ َّنه ابن اهلل ،وهم متَّفقون على حِّاتاد ال َّالهوت وال َّنا�سوت(،)9 و�أنَّ املتَّحد هو الكلمة ،وهم متَّفقون على عقيدة �إميانهم( )10ا َّلتي واحد �آب �ضابط ِّ الكل ،خالق تت�ض َّمن ذلك وهو قولهم :ن�ؤمن ب�إله ٍ ��رب واحد ي�سوع ال�سماوات والأر���ض ،ك ّل ما يرى وما ال يرى وب ٍّ َّ امل�سيح ابن اهلل الوحيد املولود من الآب قبل ِّ كل ال ُّدهور ،نور من نور �إله حقّ من �إله حقٍّ ،مولود غري خملوق»(.)11 وقال احلافظ ابن كثري (« :)479/2وك ُّل هذه الفرق ُت ْث ِبتُ الأقانيم ال َّثالثة يف امل�سيح ،ويختلفون يف كيف َّية ذلك ،ويف ال َّالهوت امتزجا �أو َّ حل وال َّنا�سوت على زعمهم! هل حَّاتدَ ا� ،أو ما حَّاتدَ ا ،بل َ فيه؟ على ثالث مقاالت ،وك ٌّل منهم يك ِّفر الفرقة الأخرى ،ونحن نك ِّفر ال َّثالثة» اهـ. قال تعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ((( «جمموع الفتاوى» (.)449/2 ((( «جمموع الفتاوى» ( 274/17ـ .)275والتثليث �أ�ص ٌل يف عقيدة الن�صارى ك ّلهم، ولك ّنهم خمتلفون يف كيفيته. ((( ويقال لها �أي�ضا ( ا َمل ْل َكا ِن َّية ). ((( الأقانيم :جمع كلمة «�أقنوم» ،وقد اختلف الن�صارى يف معناها كثريا ،وا�ضطربوا يف تف�سريها فـ«تارة يقولون �أ�شخا�ص ،وتارة خوا�ص ،وتارة �صفات ،وتارة جواهر، وتارة يجعلون الأقنوم ا�سما للذات وال�صفة معا ،وهذا تف�سري ُح َّذاقهم ،انظر: «اجلواب ال�صحيح» (.)200/3 ((( الالهوت :اجلانب الإلهي من طبيعة عي�سى ºعند الن�صارى. والنا�سوت :اجلانب الإن�ساين من عي�سى ºعندهم. ( ((1وهو ما ُيع َرف بـ«قانون الإميان» عند الن�صارى ،ويعترب من ال ي�ؤمن به عندهم لي�س م�سيحيا! ال�صحيح ملن بدَّل دين امل�سيح» (.)12/2 (« ((1اجلواب َّ وهذا الذي نقله �شيخ الإ�سالم ال يخرج عن �صيغة القانون املرتجمة �إىل العربية واملعتمدة يف كنائ�س الن�صارى اليوم.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
11
ق��ال قَ��تَ��ادة :يف قوله ت��ع��اىل﴿ :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
من مشكاة السنة
ﭩ ﭪ﴾ «هو قولهُ :كنْ َف َكان»(.)12 وق��ال �شا ُّذ ب��نُ يحيى« :لي�س الكلمة �صارت عي�سى ،ولكن بالكلم ِة �صا َر عي�سى»(.)13 فعي�سى ºخملوق من روح خملوقة و�أ�ضيفت الروح �إىل اهلل على وجه التَّ�شريف ،كما �أ�ضيفت ال َّناقة والبيت �إىل اهلل ،فهي من خلق اهلل تعاىل ،ومن عنده ،ولي�ست من للتَّبعي�ض كما تقوله ال َّن�صارى ـ عليهم لعائن اهلل املتتابعة ـ بل هي البتداء الغاية. وعي�سى ºبريء من هذا ا َّلذي ا َّدعوه فيه ويف � ِّأمه ،فقد وا�ضحا ال َّ �شك فيه وال �صريحا جاء يف القر�آن الكرمي ذلك ً ً ريب ،قال تعاىل ﴿ :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
هلل َو َر ُ�سو ُلهُ»� :أي� :صفوين بذلك كما قولهَ « :ف ُقو ُلواَ :ع ْب ُد ا ِ َو�صَ فني ر ِّبي.
ال�سالكني» (:)440/3 ق��ال الإم ُ ���ام اب��نُ الق ِّيم يف «م��دارج َّ «و�أ َّما �س ِّيد ولد �آدم ـ �صلوات اهلل و�سالمه عليه ـ ف�إ َّنه كمل مرتبة العبود َّية فا�ستحقَّ التَّقدمي على �سائر اخلالئق فكان �صاحب الو�سيلة َّ وال�شفاعة ا َّلتي يت� َّأخر عنها جميع ال ُّر�سل ويقول هو: �أنا لها ،ولهذا ذكره اهلل ـ� سبحانه وتعاىل ـ بالعبودية يف �أعلى مقاماته و�أ�شرف �أحواله ...ولهذا يقول امل�سيح حني ُيرغب �إليه يف َّ م َّمدٍ َ ،ع ْب ٌد ُغ ِف َر َل ُه مَا َت َق َّد َم مِ نْ َذ ْن ِب ِه ال�شفاعة« :ا ْذ َه ُبوا �إِىل حُ َ َومَ��ا َت���أَ َّخ�� َر»( )14فا�ستحقَّ تلك ال ُّرتبة العليا بتكميل عبود َّيته هلل وبكمال مغفرة اهلل له» اهـ. ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ وقال ابنُ �أبي العزِّ احلنفي يف «�شرحه على العقيدة َّ الطحاوية» وق يف حَ ْ هلل َت َعالىَ ، ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ (َ « :)149/1و ْاع َل ْم �أَنَّ َك َم َال ا َملخْ ُل ِ ت ِق ِيق ُع ُبو ِد َّي ِت ِه ِ ﯭ﴾ [\.]a َو ُك َّل َما ا ْزدَا َد ال َع ْب ُد حَ ْ ت ِقي ًقا ِلل ُع ُبو ِد َّي ِة ا ْزدَا َد َك َما ُل ُه َو َع َل ْت َد َر َج ُت ُه وقال﴿ :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ َو َمنْ َت َو َّه َم �أَ َّن امل َ ْخ ُلو َق َي ْخ ُر ُج ع َِن ال ُع ُبو ِد َّي ِة ب َو ْج ٍه مِ َن ال ُو ُجوهِ، ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ َو�أَ َّن ا ُ خل ُرو َج َع ْنهَا �أَ ْك َم ُلَ ،ف ُه َو مِ نْ �أَ ْجهَلِ الخْ َ ْلقِ َو�أَ َ�ض ِّل ِه ْم »...اهـ. ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ُبطل الغل َّو« ،ور�سوله» :تُبط ُل اجلفا َء ،فال ُي َغالىَ فـ«عبد اهلل» ت ِ ﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗ بي Íف ُيع َبد من دون اهلل� ،أو يعطى من خ�صائ�ص ال ُّربوب َّية يف ال َّن ِّ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ �أو الألوه َّية ،وال ُيج َفى ف ُي َك َّذب وال يمُ تَثل �أم�� ُره وال ُت َّت َبع �سنته، ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [\.]a ُ �صراط اهلل امل�ستقيم ،ودي ُنه واحل ُّق و�سط بني الغل ِّو واجلفاء ،وهو قوله�« :أنا عبده» :هذا و�صف مالزم له غري زائل عنه Í؛ العزيز احلميد. هلل القومي ،طريقُ ال َّنجاة الوحيد املو�صل �إىل ا ِ ِ لأنَّ منزلة العبود َّية هي �أ�سا�س َّ ال�شرف لل ُّر�سل وامل�ؤمنني؛ ولهذا َّ «ال�صحيحني» ،فقد رواه البخاري يف أ�صله � كان إن � و فظ، ل ال بهذا وجدته ما (((1 َّ يذكر اهلل تعاىل نب َّيه بو�صف العبود َّية يف �أعلى املقامات ،فقال ( )4712وم�سلم (.)194 �سبحانه وتعاىل يف مقام الإ�سراء ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖﭗﭘ ﭙ ﭚﭛﭜ ﭝﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ﴾ [\ ،]mوقال يف مقام التَّحدِّ ي﴿ :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﴾ [^: ،]23وقال تعاىل يف مقام ال َّدعوة﴿ :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [\ ،]Çوقال �سبحانه وتعاىل يف مقام الإن���ذار﴿ :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [\.]u (� ((1أثر �صحيح� ،أخرجه عبد ال َّر َّزاق يف «تف�سريه» (.)658 (� ((1أثر �صحيح� ،أخرجه ابن �أبي حامت يف «تف�سريه» (.)6310
12
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
�إ�شكال وجوابه: ف�إن قال قائل: م��ا علمنا �أ َّن �أح���دًا ا َّدع��ى يف ر���س��ولِ اهلل Íم��ا ادُّعِ َ���ي يف مر�ضي يف الإ�سالم ،و�شريع ِة نب ِّينا � إنَّ الغل َّو يف الدِّ ين غ ُري ٍّ حم َّمد Íخ ِري الأنام ،وقد نهى عنه ُ عي�سى º؟! اهلل ور�سو ُله ،Íومع وجود ال�شريعةِّ ، ال ُّن�صو�ص الكثرية واملتن ِّوعة يف خمتلف �أبواب َّ املحذرة فاجلواب من ثالثة �أوجه: ِّ واملنفرة من الغل ِّو ب�شتى �أ�شكاله ـ �سواء يف االعتقادات� ،أو يف للذرائع ا َّلتي ت�ؤدِّي �إىل ِّ الأ َّول� :أنَّ هذا فيه «�س ّد َّ ال�شرك باهلل، ()22 َ َّ ُ الأعمال ـ ،فقد �آل �إليه ـ مع الأ�سف ال�شديد ـ طوائف من �أ َّم ِة فال َّر�سول Íما من خري �إ َّال َّ دل الأ َّمة عليه ،وما من �ش ٍّر �إ َّال َّ حذرها َّ َّ بي Íعلى م ِّر ال ُّدهور والع�صور ،وهو باقٍ �إىل يوم النا�س فال�شرك لمَ َّا الن ِّ ال�شيء �أخطر كانت العناية به �أعظمِّ ، منه ،وك َّلما كان َّ ُ َّ ُّ يعلم ذلك كل َمن اطلع على ما �أحدث يف الأ َّمة من عقائد، هذاُ ، كان �أعظم ال ُّذنوب و�أظلم ُّ الظلم على الإطالق ،وهو َّ الذنب ا َّلذي رب العاملني. وطرائق ومناهج خمالفة للدِّ ين ،وجمانبة ل�شريعة ِّ ال يغفره اهلل وا َّلذي ح َّرم اهلل على �صاحبه اجل َّنة وم�أواه ال َّنار، و�س�أم ِّثل بطائفتني �ضا َّل َتينْ وهما :ال َّراف�ضة واملت�ص ِّوفة من لمَ َّ��ا كان بهذه اخلطورة ح َّ��ذر منه Íغاية التَّحذير ومنع من �أ�صحاب ُّ زاحف مريب، ن�شاط رهيبَ ،ومدٍّ ٍ الطرق ،لمِ ا َلهما من ٍ �أيِّ و�سيلة ت�ؤدِّي �إليه ،كما منع من �إطرائه يف هذا احلديث لئ َّال أييد من قوى الكفر من اليهود وال َّن�صارى عجيب! ومدد ودعم وت� ٍ ٍ ٍ يف�ضي ذلك �إىل �أعظم حمذور ،وكما لعن Íاليهود وال َّن�صارى ـ يزعم ال َّراف�ضة «�أنَّ �أئ َّمتهم يعلمون الغيب ،و�أ َّنهم يحيون يف ا ِّتخاذهم قبور �أنبيائهم م�ساجد وهو يف �ش َّدة املر�ض ا َّلذي َّ َّ املوتى ،و�أنهم ق��ادرون على �إب��راء الأكمه والأبر�ص ،و�أنَّ كل ما مات فيه ،ك ُّل ذلك حماية منه Íجلناب التَّوحيد و�سدًّا ُّ للطرق جاء من �صفاته تعاىل ف�إنَّ املراد بها �أئ َّمتهم ،كوجه اهلل ،ويده، ا َّلتي تنتهي �إىل ِّ ال�شرك»(.)15 ول�سانه ،وبابه ،و�أ َّنهم الأ�سماء احل�سنى ،كما زعموا �أنَّ �أئ َّمتهم ال�صحابة من بالغ يف تعظيمه ،فنهاهم ال َّنبي ال َّثاين� :أنَّ من َّ ُّ �أف�ضل من الأنبياء ،كما عبدوهم من دون اهلل تعاىل ،وجعلوا Íع َّما ع�ساه يبلغ بهم العباد َة با�ستهواء َّ ال�شيطان وا�ستجرائه. مزارات و�أعيادًا ،و�صيرَّ وها �أوثا ًنا»(.)23 �أ�ضرحتهم ٍ بي َ :Íيا �سَ يِّدَ َناَ ،وا ْبنَ فعن �أَ َن ٍ�س � Çأَنَّ َر ُج ًال َق َال ِلل َّن ِّ ( ((1حديث �صحيح� .أخرجه �أحمد ( ،)13529انظر« :ال�صحيحة» (.)1097 �سَ ِّي ِد َناَ ،و َيا خَيرَْ َناَ ،وا ْبنَ خَيرْ ِ َناَ ،ف َق َال ال َّن ِب ُّي َ « :Íيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ ا�س! ( ((1امل�سند ( )13596و�إ�سنادُها �صحيح. ( ((1حديث �صحيح لغريه� .أخرجه �أحمد ( ،)1839وابن ماجه ( .)2117انظر: ُقو ُلوا ب َق ْو ِل ُك ْم َو َال َي�سْ َت ْه ِو َي َّن ُك ُم(َّ )16 م َّم ُد ُ بن َع ْبدِ ال�ش ْي َط ُان� ،أَ َنا حُ َ «ال�صحيحة» (.)138 ال�صحيحني» البن اجلوزي (.)65/1 اهللَِ ،و َر� ُ��س ُ ��ب �أَ ْن َت ْر َف ُعونيِ َف�� ْو َق مَا َر َف َعنِي ( ((2انظر« :ك�شف امل�شكل من حديث َّ ��ول اهللَِ ،وا ِ هلل مَا �أُحِ ُّ ( ((1جمموع كتب ور�سائل َّ ال�شيخ الع َّالمة عبد املح�سن الع َّباد البدر ـ حفظه اهلل ـ ( 215/2ـ .)216 (� ((1أي :يذهب بعقولكم وهواكم.
من مشكاة السنة
اهلل»( ،)17ويف لفظ(َ « :)18ف ْو َق َم ْن ِز َلتِي ا َّلتِي �أَ ْن َز َلنِي ُ ُ اهلل». َ��ال ِلل َّن ِب ِّي َ :Íما َ�شا َء ُ ا�س� ،أَنَّ َر ُج ً �لا ق َ اهلل َ��ن ا ْب ِ��ن َع َّب ٍ وع ِ بي �« :Íأَ َج َع ْل َتنِي َو َ اهلل عَ��د ً ْال! َب ْل مَا َ�شا َء َو ِ�ش ْئ َت! َف َق َال َل ُه ال َّن ُّ ُ اهلل َو ْح َدهُ»(.)19 املنهي عنه قد ال َّثالث�« :أ َّنه لي�س من �شرط ال َّنهي �أن يكون ّ أمر يجوز �أن يقع»(.)20 ُف ِعل ،و� مَّإنا هو منع من � ٍ «وهذا يقت�ضي �أنَّ َمنْ رفع امر�أً فوق حدِّ ه وجتاوز مقداره مبا أحد لكان �أوىل اخللق لي�س فيه فمعتد �آثم؛ لأنَّ ذلك لو جاز يف � ٍ ٍ بذلك ر�سول اهلل »Íاهـ(.)21
(« ((2تف�سري القرطبي» (.)247/5 ( ((2انظر« :اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (.)288/1 (� ((2شرح يو�سف بن حممد ال�سعيد لـ«امل�سائل التي خالف فيها ر�سول اهلل َ � Í أهل اجلاهلية» (.)251/1
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
13
من مشكاة السنة
ال�صوف َّية �أنَّ اهلل خلق الكون ِمن ن��و ِر نب ِّينا ـ يزعم غ�لا ُة ُّ حم َّمد .)24(Í ـ �أنَّ الكون خلق من ا�سمه Íوح�ضوره وقربه من ر ِّبه(.)25 ـ زعمهم �أنَّ بنور نب ِّينا حم َّمد Íجت��ري الأن��ه��ار وتثمر ال َّنباتات وتظهر �أ�سرار الأر�ض(!)26 ـ زعمهم �أنَّ ال َّر�سول Íلي�س من الب�شر ،بل هو بال ُّروح القد�سي والقالب ال َّنبوي(!)27 حي خم َّلد ،قد رََّ ت�ست ـ زعمهم �أنَّ ال َّر�سول Íمل ميت ،ولك َّنه ٌّ ع َّمن ال يفقه عن اهلل(!)28 ـ زعمهم �أنَّ ال َّر�سول Íيعلم الغيب(.)29 وقد نقل �شيخ الإ�سالم ابن تيمية :يف معر�ض ردِّه على ال َّن�صارى يف كتابه ِّ ال�صحيح ملن بدَّل دين امل�سيح» الفذ «اجلواب َّ ال�صوف َّية املنت�سبني �إىل الإ�سالم وغريهم قول م�ضاها َة قول غالة ُّ بي بي �« :Íإنَّ ذات ال َّن ِّ ال َّن�صارى يف عي�سى � ،ºإذ قالوا يف ال َّن ِّ رب العاملني كانت موجودة قبل خلق �آدم ،ويقولون �إ َّنه ُخلق ِمنْ نور ِّ ووجد قبل خلق �آدم و�أنَّ الأ�شياء خلقت منه حتَّى قد يقولون يف حم َّمد Íمن جن�س قول ال َّن�صارى يف امل�سيح حتَّى قد يجعلون مدد العامل منه ويروون يف ذلك �أحاديث وك ُّلها كذب»(.)30 ـ غل ّو ُّ بي ،Íو�إطرا�ؤهم له فوق احلدِّ امل�شروع، ال�ض َّالل يف ال َّن ِّ ف�أبوا �إ َّال خمالفة �أمره وارتكاب نهيه ،وناق�ضوه �أعظم املناق�ضة فغلوا فيه وبالغوا يف �إطرائه وا َّدع ْوا فيه ما ا َّدعت ال َّن�صارى يف عي�سى �أو قري ًبا منه ،ف�س�ألوه مغفرة ُّ الذنوب وتفريج الكروب خمت�ص ب��اهلل وح��ده ال مم��ا هو ٌّ و�شفاء الأم��را���ض ونحو ذل��ك َّ �شريك لهُّ ، وكل ذلك من الغل ِّو يف الدِّين. ن�ص عليها العلماء، و�صور الغلو يف الدِّ ين كثرية متن ِّوعةَّ ، رب العاملني، ن�صحا للأ َّمة ،وحتذي ًرا منها ،وذ ًّبا عن دين ِّ وب َّينوها ً ( ((2كالمهم هذا ثابت عنهم يف م�صادرهم ومراجعهم ،انظر« :االبريز من كالم عبد العزيز الد ّباغ» (�ص 224 :ـ .)225 (« ((2االبريز» (�ص 224 :ـ .)225 (« ((2االبريز» (�ص.)222 : ( ((2قاله �أبو املواهب ال�شاذيل كما يف «الطبقات الكربى لل�شعراين» (�ص.)588 : ( ((2قاله ـ �أي�ضا ـ �أبو املواهب ال�شاذيل كما يف «الطبقات الكربى لل�شعراين» (�ص: ،)591وانظر« :جواهر املعاين وبلوغ الأماين يف في�ض التيجاين» (.)118/1 (« ((2االبريز» (�ص 246 :ـ .)249وانظر رد العلماء على البو�صريي يف بيته امل�شهور: ومن علومك علم اللوح والقلم! (« ((3اجلواب ال�صحيح» (.)384/3
14
ال�س َّنة امل�سندة وغريها ،زاخرة بالتَّحذير من الغل ِّو وم�ؤ َّلفاتُ �أئ َّمة ُّ ـ و�أهله ـ مبختلف �أنواعه و�صوره و�أ�شكاله القدمية واحلديثة. مدح ال َّر�سول Íمنه ما هو حممود ومنه ما هو مذموم: «فاملحمود :هو �أن يو�صف ِّ بكل كمال يليق بالإن�سان ...،واملدح املذموم :هو ا َّلذي يتجاوز فيه احل ُّد ويقع به املادح يف املحذور ا َّلذي ال ير�ضاه اهلل وال ر�سوله ،Íوذلك� :أن يو�صف Íمبا ال يجوز �أن يو�صف به �إ َّال اهلل ـ تبارك وتعاىل ـ �أو �أن ي�صرف له Íما ال ي�ستح ُّقه �إ َّال الباري ج َّل وعال.)31(»... فوائد احلديث وما ي�ستنبط منه: ـ �إظهار �س َّنة ر�سول اهلل Íون�شرها. ـ كمال ن�صح وبالغ ال َّر�سول Íلأ َّمته. الذرائع ا َّلتي ت�ؤدِّي �إىل ِّ ـ �س ُّد َّ ال�شرك. ـ بيان ما وقع فيه ال َّن�صارى من الغل ِّو يف عي�سى .º ـ حتذير الأ َّمة من الوقوع فيما وقعت فيه ال َّن�صارى. ـ اجلمع بني الأمر وال َّنهي ،و�أنَّ على املفتي �إذا �أر�شد �إىل املنع من حمذور �أن َّ يدل على م�أمور به هو خري. ـ و�صفه Íب�أ َّنه عبد اهلل ور�سوله امتثا ًال لأمره .Í ـ الإ�شارة يف اجلمع بني و�صفه بكونه عبد اهلل وو�صفه بكونه ر�سوله �إىل دفع الإفراط والتَّفريط ،والغلو واجلفاء. ـ بيان �أ َّنه Íال يخرج عن �أن يكون عبدً ا هلل تعاىل حيث قال: «� مَّإنا �أنا عبده». و�ص َّلى اهلل على نب ِّينا حم َّمد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني �إىل يوم الدِّ ين. ( ((3جمموع كتب ور�سائل َّ ال�شيخ عبد املح�سن الع َّباد البدر ( 216/2ـ )217 بت�ص ّرف.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
مَو�ضو ُع مُواال ِة الك َّفار هو �أح ُد الـ َمباحثِ العِظام ا َّل��ت��ي نَ افتت ب��ه��ا َج��م��اع ُ ��ات ال�� َّت��ك��ف�ير ال َيو َم، �إذ ي���� َرو َن �أ َّن مَ���ن ىَ وال الك َّفا َر ب�����أيِّ َن����وع م��ن �أَن�����واع الـمواال ِة َّ الظاهر ِة �أو الباطن ِة َيكف ُر كف ًرا خرجه من م َّلة الإ�سالم ،ح َّتى ُي ُ ذلك الع َ ربمَّ ا َجعلوا من َ القاتِ ال�� ِّدب��ل��وم��ا���س�� َّي��ة ب�ين ب��ل��دٍ مُ�سلم و�آخ َر كافرٍ� ،أو ج َعلوه يف �صور ِة َت����ب����ادلٍ ث���ق���ا ٍّيف ب��ي�� َن��ه��م��ا� ،أو يف ال َّتفاو�ض مع ال َيهو ِد يف الق�ض َّية ال ِفلَ�سطين َّيةِ� ،أو يف ا�ستِقدام عَ�����س��اك��ر ك���اف���ر ٍة ل�����ص�� ِّد عُ�����دوانِ مُعتدٍ �شر�س� ،أو يف ا ِّتخا َذ َجواز ���س��ف��رٍ ل��ك�� ِّل دَول���� ٍة مُ�����س��ل��م�� ٍة على حِ دة؛ لأ َّنه عندَهم د ٌ َليل على �أ َّن الو َال َء �أ�صب َح عُن�صر ًّيا َال دِين ًّيا، فط للدُّ َول الكافر ِة �أو يف بيع ال َّن ِ ب�� ُرخ�����ص؛ لأ َّن����ه ع��ن�� َده��م د ٌ َليل ع��ل��ى ع����دَم االك���ِت��رِ اثِ ب��َث�رَ واتِ هتمون الـ ُم�سلمِ ني ول��و كانوا َي ُّ باقت�صا ِد �إخوانِهم املُ�سلمِ ني لـما ري َ �أَ َ ذلك رخ�صوا الأ�سعا َر� ،إىل غ ِ م��ن الأم��ث��ل�� ِة ال�� َك��ث�ير ِة يف هَذا مما َال ُيف ِّرقون فيه ب َ ني البابَّ ، مُواالة ظاهر ٍة ُّ تدل على ال َّت�أثيم �أو عدمِ ه ،ومُ���واال ٍة باطن ٍة ُّ تدل على ال َّتكفريِ.
فهوم خاطئة في مواالة الكفار
التوحيد الخالص
عبد املالك رم�ضاين
وقد �أم َر اهلل مبواال ِة املُ�سلمِ ني َ فقال﴿ :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [.]55 :a ون َهى عن ُمواال ِة الكفَّا ِر َ فقال﴿ :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [ ،]51 :aوقال ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [\«] ،ونهى عن َ ذلك خوان فقال﴿ :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ولو مع الآباء وا ِلإ ِ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [\،]e وع َّل َل َ ذلك بقو ِله: ﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [\.]a ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
15
التوحيد الخالص 16
لقد ات َ رميات وغ ِريها آيات ال َك ِ َّخذ َجماعاتُ التَّكف ِري ِمن هَ ذه ال ِ َف�صيل بزَ عم مواال ِة الكفَّار ،وممِ َّ ا تُك�أ ًة لتَكف ِري املُ�سلمِ ني من غ ِري ت ٍ خ�صوا �إنزا َلها على يد ُّل على عدَ م �إن�صا ِفهم يف الأحكام �أ َّنهم ُّ �ثر املُبتلني بهذا الفكر مع �أنَّ لفظها عا ٌّم احل َّكام ف َق ْط عند �أك ِ و�أقوال ُعلما ِء التَّف�سري ت�أبى عليهم َ ذلك ك َّله ،والتَّطبيقات ال َّنبو َّية امل�سلك ال َوعر! تَن�أَى بهم عن هذا ِ �أ َّما التَّفا�س ُري؛ فمِ نها ُ قول ابن اجلوزي « ::قوله تعاىل: ﴿ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [ ]51 :aفيه قوالن: �أحدهما :من يتولهم يف الدِّ ين؛ ف�إ َّنه منهم يف الكفر. وال َّثاين :من يتو َّلهم يف العهد؛ ف�إ َّنه منهم يف خمالفة الأمر» [«زاد امل�سري» (.])378/2 ال�سعود :يف تف�سري الآي ِة« :فيه زج ٌر �شديد للم�ؤمنني وقول �أبي ُّ عن �إظهار �صورة امل��واالة لهم و�إن مل تكن م��واال ًة يف احلقيقة» ال�سليم �إىل مزايا الكتاب الكرمي» (.])48/3 [«�إر�شاد العقل َّ ال�شيخ حم َّمد الأَم�ين َّ وقول َّ ال�شنقيطي « ::ذكر يف هذه الآية الكرمية �أنَّ من تولىَّ اليهود وال َّن�صارى من امل�سلمني؛ ف�إ َّنه يكون منهم بتو ِّليه �إياهم. وبينَّ يف مو�ضع �آخر �أنَّ تو ِّليهم موجب ل�سخط اهلل واخللود يف عذابه ،و�أنَّ متو ِّليهم لو كان م�ؤم ًنا ما تو َّالهم ،وهو قوله تعاىل:
وال���� َّ���ض���اب ُ ���ط يف ذل����ك �أ َّن مَ����ن ت ىَّ �����ول ال���ك��� َّف���ا َر لدينهم ف���ه���و ك�����اف����� ٌر؛ لأ َّن ذل�����ك ت ٍّ ����اف �������ول ب����اط����ن ٌّ����ي ،وه�����و ك ٍ ل��ل ُ��ح��ك��م ع��لَ��ي��ه ب��ال�� ُك��ف��ر ول����و مل ي��ت��و َّل��ه��م ظ����اه���� ًرا... احتياجا �إىل بع�ض ما يف �أيديهم من الدُّ نيا ومَن تو َّالهم ً مما لهم من ق َّوةٍ� ،أو حم َّي ًة لهم بدافع العن�صر َّية �أو خو ًفا َّ مث ً ري فال... ال فهو دائ ٌر بني ال َّت�أثيم والإِعذار� ،أ َّما ال َّتكف ُ
االختيار ،و�أ َّما عند اخلوف والتَّق َّية فريخ�ص يف مواالتهم ،بقدر املداراة ا َّلتي يكتفي بها �ش َّرهم ،وي�شرتط يف ذلك �سالمة الباطن من تلك املواالة. ومن ي�أتي الأمور على ا�ضطرار فـلـي�س كـمـثل �آتـيـهـا اخـتـيـارا ويفهم من ظواهر هذه الآيات �أنَّ من توىل الكفَّار عمدً ا اختيا ًرا, رغبة فيهم �أ َّنه كافر مثلهم» [«�أ�ضواء البيان» (.])111/2 وق��ول اب��ن كثري « ::وق��ول��ه﴿ :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [_� ,]28 :أي� :إ َّال من خاف يف بع�ض البلدان �أو الأوقات من �ش ِّرهم ،فله �أن يتَّقيهم بظاهره ال بباطنه ون َّيته ،كما حكاه البخاري عن �أبي ال�� َّدرداء �أ َّن��ه قال� :إ َّن��ا لن ْك�ش ُر يف وجوه �أقوام وقلوبنا تلعنهم» [«تف�سري القر�آن العظيم» (.])30/2 ﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ وال�ض ُ ابط يف ذلك �أنَّ َمن تولىَّ كتب التَّف�سريَّ ، وغري ذلك من ِ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ الكفَّا َر لدينهم فهو كاف ٌر؛ لأنَّ ذلك ٍّ للحكم تول باطني ،وهو ٍ كاف ُ ٌّ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ع َليه بال ُكفر ولو مل يتو َّلهم ظاه ًرا؛ ف�إنَّ املُنافقني كا ُنوا يف َّ الظاهر ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [\.]a ال�س ِّر مع الكفَّار يتم َّنون انت�صارهم يتو َّلون امل�سلمني لك َّنهم يف ِّ ونهى يف ِ ��اح��ون �إىل معا�شرتهم �أك�ث�رَ من مو�ضع �آخر عن تَو ِّليهم مب ِّي ًنا �سبب التَّنفري منه ,وهو و ُي��ح�� ُّب��ون ُظ��ه��ور دينهم وي��رت ُ لن�صرهم مل قوله﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ار ِتياحهم �إىل ُمعا�شرة امل�سلمني و�إذا وجدوا ُفر�ص ًة ِ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [\«]. ق�صروا ،كما قال تعاىل ﴿ :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ُي ِّ وبينَّ يف مو�ضع �آخر �أنَّ َّ حمل ذلك فيما �إذا مل تكن املواالة ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ب�سبب خوف وتق َّية ،و�إن كانت ب�سبب ذلك ف�صاحبها معذور ،ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ احتياجا �إىل بع�ض ما يف �أيديهم من وهو قوله تعاىل ﴿ :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ [\َ ,]ºومن تو َّالهم ً مما لهم من ق َّو ٍة� ،أو حم َّي ًة لهم بدافع العن�صر َّية ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ ال ُّدنيا �أو خو ًفا َّ [_ ،]28 :فهذه الآية الكرمية فيها بيان ِّ لكل الآيات القا�ضية مث ًال فهو دائ ٌر بني ال َّت�أثيم والإِعذار� ،أ َّما التَّكف ُري فال كما م َّر يف ال�س َّنة. مبنع م��واالة الكفَّار مطل ًقا و�إي�ضاح؛ لأنَّ حم َّ��ل ذل��ك يف حالة تف�سري الآي ِة وما �سي�أتي الآن من �شواهد يف ُّ ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
جت�س�س على يف هذه َّ الق�صة يظهر جل ًّيا �أنَّ حاط ًبا َّ Ç امل�سلمني للم�شركني ،ومع ذلك فلم يك ِّفره ر�سول اهلل ،Íولو كان ما فعله كف ًرا ً حم�ضا ما �أخرب ر�سول اهلل Íب�أ َّنه من املغفور لهم؛ لأنَّ اهلل يقول﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [`.]48 : ففي كتاب «الأ ّم» َّ لل�شافعي (« :)263/4امل�سلم يد ُّل امل�شركني على ع��ورة امل�سلمني ،قيل َّ لل�شافعي� :أر�أي���ت امل�سلم يكتب �إىل امل�شركني من �أه��ل احل��رب ب���أنَّ امل�سلمني ي��ري��دون غزوهم �أو دمه ويكون يف ذلك داللة على بالعورة من عوراتهم هل يح ُّل ذلك َ مماالة امل�شركني؟ قال َّ ال�شافعي ::ال يح ُّل دم من ثبتت له حرمة الإ�سالم �إ َّال �أن يقتل �أو يزين بعد �إح�صان �أو يكفر كف ًرا ب ِّي ًنا بعد �إميان َّثم يثبت على الكفر ،ولي�س الدِّ اللة على عورة م�سلم وال ت�أييد كافر ب�أن يحذر �أنَّ امل�سلمني يريدون منه غ َّرة ليحذرها
التوحيد الخالص
طالب Çقال :بعثنى ر�سول اهلل � Íأنا علي بن �أبي ٍ عن ِّ والزُّب َري واملقدا َد فقال« :ا ْن َط ِل ُقوا َح َّتى َت�أْ ُتوا َر ْو َ�ض َة َخا ٍخ َف�إِ َّن ِبهَا اب َف ُخ ُذوا مِ ْنهَا»؛ قال :فانطلقنا تَعادى ِبنا خي ُلنا َظعِي َن ًة َم َعهَا ِك َت ٌ حتَّى �أتينا ال َّرو�ضة ف�إذا نحن ِب َّ الظعينة قلنا لها� :أخرجي الكتاب؟ ُخر ِجنَّ الكتاب �أو ل ُنلقِينَ َّ ال ِّثياب؛ قالت :ما معي ٌ كتاب؛ فقلنا :لت ِ قا�صها؛ ف�أتينا به ر�سول اهلل Íف�إذا فيه: قال :ف�أخرجته من ِع ِ ا�س مب َّكة من امل�شركني ،يخربهم ِمن حاطب بن �أبي بلتعة �إىل َن ٍ ببع�ض �أمر ر�سول اهلل Í؛ فقال ر�سول اهلل َ « :Íيا َحاطِ ُب مَا علي� ،إنيِّ كنتُ امر�أً ُمل�ص ًقا َه َذا؟!»؛ قال :يا ر�سول اهلل! ال تعجل َّ ري�ش ـ يقول :كنتُ حلي ًفا ومل �أك��ن من �أنف�سها ـ وك��ان َمن يف ُق ٍ معك من املهاجرين َمن لهم قراباتٌ يحمون �أهليهم و�أموالهم، ف�أحببتُ �إذ فاتني ذلك من ال َّن�سب فيهم �أن �أتَّخذ عندهم يدً ا يحمون قرابتي ،ومل �أفعله ارتدادًا عن ديني وال ً ر�ضا بالكفر بعد الإ�سالم؛ فقال ر�سول اهلل �« :Íأَمَا �إِ َّن ُه َق ْد َ�ص َد َق ُك ْم». أ�ضرب عنق هذا املنا ِف ِق؛ فقال عمر :يا ر�سول اهلل! دعني � ْ ِيك َل َع َّل َ فقال�« :إِ َّن ُه َق ْد َ�ش ِه َد َب�� ْد ًرا َومَا ُي ْدر َ اهلل َّ اطلَ َع َعلَى َمنْ َ�ش ِه َد َب�� ْد ًرا َق��ا َل ْاع َم ُلوا مَا �شِ ْئ ُت ْم َف َق ْد َغ َف ْر ُت َل ُك ْم» ف�أنزل اهلل ال�سورة﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ُّ ﭚ ﭛ﴾ �إىل قوله﴿ :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [«»]1 : متَّفق عليه.
�أو يتق َّدم يف نكاية امل�سلمني بكفر بينِّ ،فقلت َّ لل�شافعي� :أقلت قيا�سا؟ قال :قلته مبا ال ي�سع م�سل ًما علمه عندي هذا خ ًربا �أم ً بال�س َّنة املن�صو�صة بعد اال�ستدالل بالكتاب ،فقيل �أن يخالفه ُّ َّ َّ لل�شافعيْ : حاطب و�ساقها، بق�صة ال�س َّنة فيه»، ٍ فا�ستدل َّ فاذ ُكر ُّ َّثم قال « ::يف هذا احلديث مع ما و�صفنا لك طرح احلكم با�ستعمال ُّ الظنون؛ لأ َّنه ملَّا كان الكتاب يحتمل �أن يكون ما قال حاطب كما قال من �أ َّنه مل يفعله �شا ًّكا يف الإ�سالم و�أ َّن��ه فعله ليمنع �أهله. ويحتمل �أن يكون ز َّل�� ًة ال رغب ًة عن الإ�سالم واحتمل املعنى الأقبح كان القول قو َله فيما احتمل فعله ,وحكم ر�سول اهلل Í فيه ب�أن مل يقتله ومل ي�ستعمل عليه الأغلب ,وال �أحد �أتى يف مثل هذا �أعظم يف َّ الظاهر من هذا؛ لأنَّ �أمر ر�سول اهلل Íمباينٌ يف عظمته جلميع الآدم ِّيني بعده ,ف�إذا كان من خابر امل�شركني ب�أمر ر�سول اهلل Íور�سول اهلل Íيريد غ َّرتهم ف�ص َّدقه ,ما عاب مما يقع يف ال ُّنفو�س ,فيكون لذلك مقبو ًال كان َمن عليه الأغلب َّ بعدَ ه يف �أق ّل من حاله و�أوىل �أن يقبل منه مثل ما ُق ِب َل منه». وقال �أبو بكر بن العربي « ::قوله تعاىل ﴿ :ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [« ]1 :يعني يف َّ حاطب كان الظاهر؛ لأنَّ قلب ٍ بي Íقال لهم�« :أَ َّم��ا َ�صاحِ ُب ُك ْم �سلي ًما ِبالتَّوحيد بدليل �أنَّ ال َّن َّ ن�ص يف �سالمة ف�ؤاده وخلو�ص اعتقاده»َّ ،ثم َف َق ْد َ�ص َد َق» ،وهذا ٌّ قال«َ :من كرث تطلُّعه على عورات امل�سلمني ،وين ِّبه عليهم ،ويع ِّرف لغر�ض عد َّوهم ب�أخبارهم مل يكن بذلك كاف ًرا �إذا كان فع ُله ٍ حاطب بنُ �أبي بلتعة دنيوي ،واعتقاده على ذلك �سليم ،كما فعل ٍّ ُ حني ق�صد بذلك ا ِّت َ خاذ اليد ومل ينو ال ِّر َّدة عن الدِّ ين» [«�أحكام القر�آن» (.])1783/4 جت�س�س يف هذه َّ الق�صة يظهر جل ًّيا �أ َّن حاط ًبا َّ Ç ع��ل��ى امل�����س��ل��م�ين ل��ل��م�����ش��رك�ين ،وم����ع ذل����ك ف��ل��م يك ِّفره ً حم�ضا ر����س���ول اهلل ،Íول����و ك����ان م���ا ف��ع��ل��ه ك���ف��� ًرا م����ا �أخ���ب��ر ر�����س����ول اهلل Íب�����أ َّن����ه م����ن امل���غ���ف���ور لهم
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
17
التوحيد الخالص 18
فهذا رج ٌل ُ�شهدَ عليه مبوا َّدته املنافقني لكنَّ ال َّر�سول Íمل أبي ابن ويف حديث الإفك تك َّلم ر�أ�س املنافقني عبد اهلل بن � ّ �سلول يف عر�ض ر�سول اهلل Íفقال ر�سول اهلل َ « :Íمنْ يك ِّفره ،وهو دا ٌّل على �ضرورة االحتياط يف احلكم على من ظاه ُر َي��عْ��ذِ ُرنيِ مِ نْ َر ُج��لٍ َبلَ َغنِى َ�أ َذا ُه يف �أَهْ لِي َف�� َواهلل مَا َع ِل ْمتُ َعلَى فع ِله يد ُّل على يِّ تول الكفَّا ِر واملنافقني. يا َو َق ْد َذ َك ُروا َر ُج ً يا َومَا ال مَا َع ِل ْمتُ َعلَ ْي ِه �إِ َّال َخ رْ ً �أَهْ لِي �إِ َّال َخ رْ ً وق��د ذك��ر اب��نُ تيمية :ه��ذه ال��� َّ��ش��واه��دَ احلديث َّية ك َّلها َكا َن َي ْد ُخ ُل َعلَى �أَهْ لِي �إِ َّال َمعِي» ،فقام �سعد بن ٍ معاذ فقال :يا وا�ستنبط منها ما نحن ب�صدده ،فقال�« :شعب الإميان قد تتالزم ر�سول اهلل! �أنا واللهَّ �أع��ذرك منه� ،إن كان من الأو���س �ضربنا عند الق َّوة وال تتالزم عند َّ ال�ضعف ف���إذا قوي ما يف القلب من عنقه ،و�إن كان من �إخواننا من اخل��زرج �أمرتنا ففعلنا فيه التَّ�صديق واملعرفة واملح َّبة للهَّ ور�سوله �أوج��ب بغ�ضَ �أع��داء �أمرك؛ فقام �سعد بن عبادة ـ وهو �س ِّيد اخلزرج ـ وكان قبل ذلك اللهَّ ؛ كما ق��ال تعاىل﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ رج ًال �صا ً كذبت َل َعم ُر اهلل ،ال حلا ولكن احتملته احلم َّية فقالَ : ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [ ،]81 :aوق��ال﴿ :ﭑ ﭒ كذبت تقتله وال تقدر على ذلك؛ فقام �أ�سيد بن ح�ضري فقالَ : ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ َل َعم ُر اللهَّ ،واللهَّ لنق ُت َل َّنه ،ف�إ َّنك مناف ٌق جتادل عن املنافقني»... ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ رواه البخاري وم�سلم. ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [,]22 :¹ ممن �شهد بد ًرا وعن عتبان بن مالك الأن�صاري Çـ وكان َّ وق��د حت�صل لل َّرجل م��وا َّدت��ه��م لرحم �أو حاجة فتكون ذن ًبا مع ر�سول اهلل Íـ يقول :كنتُ �أ�ص ِّلي لقومي ببني �سامل ،وكان ينق�ص به �إميا ُن ُه وال يكون به كاف ًرا كما ح�صل من حاطب بن �أبي علي اجتيازه يحول بيني وبينهم ٍ واد �إذا جاءت الأمطار ,في�ش ُّق َّ بي Íو�أنزل اللهَّ بلتعة لـ َّما كاتب امل�شركني ببع�ض �أخبار ال َّن ِّ َ ِق َب َل م�سجدهم ،فجئت ر�سول اهلل Íفقلتُ له� :إنيِّ �أنكرتُ فيه ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ���وادي ا َّل��ذي بيني وب�ين قومي ي�سيل �إذا جاءت ب�صري ،و�إنَّ ال َ ﭛ﴾ [« ,]1 :وكما ح�صل ل�سعد بن عبادة ملَّا انت�صر علي اجتيازه ،فوددت �أ َّنك ت�أتي َف ُت�صَ ِّلي من بيتي الأمطار في�ش ُّق َّ معاذ :كذبت واللهَّ, ق�صة الإف��ك ,فقال ل�سعد بن ٍ البن �أب��ي يف َّ علي مكا ًنا �أت َِّخذه م�ص ًّلى؛ فقال ر�سول اهلل َ :Í «�س�أَ ْف َع ُل »؛ فغدا َّ ال تقتله وال تقدر على قتله؛ قالت عائ�شة :وكان قبل ذلك رجال ر�سول اهلل Íو�أبو بكر Çبعد ما ا�شت َّد ال َّنهار فا�ست�أذن َ �صا ً حلا ولكن احتملته احلم َّية. ر�سول اهلل Íف�أذنت له فلم يجل�س حتَّى قال «�أَي َ ِ��ب �أ ْن ْ���ن حُت ُّ ولهذه ُّ ال�شبهة �س َّمى عم ُر حاط ًبا مناف ًقا فقال :دعني يا ر�سول أحب �أن �أ�ص ِّلي �أُ َ�ص ِّل َي مِ نْ َب ْيت َِك»؛ ف�أ�شرتُ له �إىل املكان ا َّلذي � ُّ فيه؛ فقام ر�سول اهلل Íفكبرَّ و�صففْنا وراءه ف�ص َّلى ركعتني اهلل �أ�ضرب عنق هذا املنافق فقال�« :إِ َّن ُه َ�ش ِه َد َب ْد ًرا» فكان عمر لل�شبهة ا َّلتي فعلها ,وكذلك ُ َّثم �س َّلم و�س َّلمنا حني �س َّلم فحب�سته على َخ ِز ٍير ُي ْ�ص َن ُع له ف�سمع مت�أ ِّو ًال يف ت�سميته مناف ًقا ُّ قول �أ�سيد � ُ أهل ال َّدار ر�سول اهلل Íيف بيتي فثاب رجا ٌل منهم حتَّى كَثرَُ ابن ح�ضري ل�سعد بن عبادة :كذبت لعمر اللهَّ لنقت َل َّنهُ؛ � مَّإنا �أنت ال ِّرجال يف البيت؛ فقال رجل منهم :ما فعل مالك ال �أراه؟ فقال منافق جتادل عن املنافقني؛ هو من هذا الباب ,وكذلك ُ قول من ال�صحابة عن مالك بن الدخ�شم :منافق و�إن كان قال يحب اهلل ور�سوله؛ فقال ر�سول اهلل قال من َّ رجل منهم :ذاك مناف ٌق ال ُّ اك �أَ َال َت�� َرا ُه َق��ا َل َال ِ�إ َل�� َه �إِ َّال ُ َ « :Íال َت ُق ْل َذ َ اهلل َي ْب َتغِي ِب َذل َِك ذلك ملا ر�أى فيه من نوع معا�شر ٍة وم��و َّد ٍة للمنافقني» «جمموع َو ْج َه اهللِ»؛ فقال :اهلل ور�سوله � ْأع َل ُم� ,أ َّما نحن فواهلل ال نرى و َّده الفتاوى» (.)522/7 وال حديثه �إ َّال �إىل املنافقني؛ قال ر�سول اهلل َ « :Íف�إِ َّن َ اهلل َق ْد آيات ال ُقر� ِآن يف م�س�ألة هذه وقائ ُع تعت ُرب تف�س ًريا َملا �أُجمِ ل من � ِ َح َّر َم َعلَى ال َّنا ِر َمنْ َقا َل َال �إِ َل َه �إِ َّال ُ اهلل َي ْب َتغِي ِب َذل َِك َو ْج َه اهللِ» مواالة الكفَّار ،لو � َ أخذ بها املت�س ِّرعون يف التَّكفري بها َملا وق ُعوا يف أخرجه البخاري وم�سلم. � َ حرمات غ ِريهم. العدوان على ِ ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
د.ر�ضـا بـو�شـ ــامـة
�أ�ستاذ احلديث بجامعة ق�سنطينة
بي Íقالَ « :م َث ُل ال َقائ ِِم َعلَى ُحدُو ِد اهلل َوال َوا ِق ِع فِيهَا َك َم َثلِ َقو ٍم اِ�س َت َه ُموا َعلَى َ�سفِي َن ٍة عن ال ُّنعمان بن ب�شري Èعن ال َّن ِّ ع�ضهُم َ�أ ْع َ الهَا َو َب ُ اب َب ُ ع�ضهُم �أَ�س َفلَهَاَ ،ف َكا َن ا َّل َ ذِين يف َ�أ�س َف ِلهَا �إِ َذا ِا�سْ َت َقوا مِ َن املَا ِء َم ُّروا َعلَى مَن َف ْو َقهُم؛ َف َقا ُلواَ :لو �أَ َّنا َخ َر ْق َنا َف�أَ َ�ص َ يف َن ِ�صيب َنا َخ ْرقاً َولمَ ُن�ؤ ِذ مَن َفو َق َنا؛ َف�إِن َي ُ ن ْوا َو جَ َ رت ُكوهُ ْم َومَا �أَ َرادُوا َهلَ ُكوا َجمِ ي ًعاَ ،و ِ�إن �أَ َخ ُذوا َعلَى �أَيدِي ِه ْم جَ َ ن ْوا َجمِ ي ًعا»(.)1
بحوث ودراسات
األمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر
و�س َعلَى ُّ بي Íقال�« :إِ َّيا ُك ْم َوا ُ الط ُر َقاتِ !» فقالوا :ما لنا ُبدٌّ! � مَّإنا هي جمال�سنا جل ُل َ وعن �أبي �سعيد اخلدري Çعن ال َّن ِّ نتح َّدث فيها؛ قالَ « :ف�إِ َذا �أَ َب ْي ُت ْم �إِ َّال امل َ َجال َِ�س َف�أَ ْع ُطوا َّ الطرِي َق َح َّقهَا»؛ قالوا :وما ح ُّق َّ الطريق؟ قالَ « :غ ُّ�ض ال َب َ�ص ِر َو َك ُّف الأَ َذى َو َر ُّد ال�س َ هي ع َِن املُن َكرِ»(.)2 ال ِم َو�أَم ٌر بِاملَع ُر ِ َّ وف َو َن ٌ
ي ُه ِب َيدِ هَِ ،ف ِ�إن لمَْ َي�سْ َتطِ ْع وعن �أبي �سعيد اخلدري Çقال� :سمعت ر�سول اهلل Íيقولَ « :منْ َر َ�أى مِ ْن ُك ْم ُم ْن َك ًرا َفل ُي َغ رِّْ َفبل َِ�سا ِنهَِ ،ف ِ�إن لمَْ َي�سْ َتطِ ْع َف ِب َقل ِبهَِ ،و َذل َِك َ�أ�ض َع ُف ا ِلإميَانِ »(.)3
وف َو َل َت ْن َه ُو َّن ع َِن امل ُ ْن َك ِر �أَ ْو َل ُيو�شِ َكنَّ ُ اهلل �أَ ْن بي Íقالَ « :وا َّلذِي َنف�سِ ي ِب َيدِ هِ! َل َت�أْ ُم ُر َّن بِامل َ ْع ُر ِ وعن حذيفة بن اليمان Èعن ال َّن ِّ َي ْب َع َث َعلَ ْي ُك ْم عِ َقا ًبا مِ ْن ُه ُث َّم َت ْدعُو َن ُه َف َ ال ُي�س َت َج ُاب َل ُك ْم»(.)4
بي Íدخل عليها َف ِز ًعا يقولَ « :ال �إِ َل َه �إِ َّال ُ اهللَ ،و ْي ٌل لِل َع َربِ مِ نْ َ�ش ٍّر ِاقْترَ َ َب! ُف ِت َح ال َي ْو َم وعن زينب بنت َجح�ش � áأنَّ ال َّن َّ وح َّل َق ِب ِ�إ�صْ َب ِع ِه الإِ ْبهَا ِم َوا َّلتِي َتلِيهَا ،قالت زينب ابنة جح�ش :فقلت :يا ر�سول اهلل! �أنهلك وفينا مِ نْ َر ْد ِم َي�أْ ُجو َج َو َم ْ�أ ُجو َج مِ ث ُل هَذِ هِ؛ َ ال�صاحلون؟! قالَ « :ن َع ْم! �إِ َذا كَثرُ َ ا َ خل َبثُ »(.)5 َّ
بي Íقال« :الد ُ هلل َو ِل ِك َتا ِب ِه َو ِل َر ُ�سو ِل ِه َولأَ ِئ َّم ِة يح ُة» قلنا :ملن؟ قالِ « : ِّين ال َّن ِ�ص َ وعن متيم بن �أو�س الدَّاريِّ � :Çأنَّ ال َّن َّ املُ�سْ لِمِ َ ني َوعَا َّم ِت ِه ْم»(.)6 ال�صالة و�إيتاء الزَّكاة وال ُّن�صح ِّ لكل م�سلم»(.)7 وعن جرير بن عبد اهلل البجلي Çقال« :بايعتُ ر�سول اهلل Íعلى �إقام َّ ((( �أخرجه البخاري يف «�صحيحه» ( ،)2493و�أحمد يف «م�سنده» (.)18361 ((( �أخرجه البخاري يف «�صحيحه» ( ،)2465وم�سلم يف «�صحيحه» ( ،)2121و�أحمد يف «امل�سند» (.)11309 ((( �أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» ( ،)49و�أحمد يف «امل�سند» (.)11073 ((( �أخرجه رِّ التمذي يف «جامعه» ( ،)2169وقال« :هذا حديث ح�سن». ((( �أخرجه البخاري يف «�صحيحه» ( ،)3346وم�سلم يف «�صحيحه» (.)2880 ((( �أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» ( ،)55و�أحمد يف «امل�سند» (.)16942 ((( �أخرجه البخاري يف «�صحيحه» ( ،)57وم�سلم يف «�صحيحه» ( ،)56و�أحمد يف «امل�سند» (.)19163
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
19
بحوث ودراسات
أمر خطري وعظيم من هذه الأحاديث املتقدِّ مة تد ُّل على � ٍ ماهيَّة املعروف واملنكر �أمور الدِّ ين احلنيف ،وهو الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر، ا َّل��ذي ج��اء ذك�� ُره يف ال��ق��ر�آن الكرمي يف موا�ضع ع�� َّدة ،بل هو املعروف م�أخوذ من ما َّدة «عرف». ال�سالم ،وعليه قامت ر�ساالتهم ،فما من وظيفة الأنبياء عليهم َّ قال ابن فار�س« :العني وال َّراء والفاء �أ�صالن �صحيحان ،يد ُّل نبي �إ َّال دعا قومه ،و�أمرهم بخري ما يعلمه لهم ،ونهاهم عن ٍّ ً َّ ُ �ش ِّر ما يعلمه لهم ،وقد و�صف اهلل تعاىل نب َّينا حم َّمدً ا Íب�أ َّنه �أحدُهما على تتا ُبع ال�شيء متَّ�صال بع�ضه ببع�ض ،والآخ��ر على ال�سكون ُّ والطمَ�أنينة. ُّ ي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر فقال﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ و�سمي بذلك لتتا ُبع َّ ال�شعر ف��الأ َّول ال ُع ْرفُ :ع�� ْرف ال َف َر�سِّ , ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ عليه... ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ املعرفة وال ِعرفان ,تقولَ :ع َرف فال ٌن فال ًنا والأ�صل الآخرِ : ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ِعرفا ًنا َوم ِعرفة ,وهذا �أمر معروف ,وهذا يد ُّل على ما قلناه من ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ توح�شَ منه و َن َبا ع ْنه... ُ�سكونه �إليه؛ لأنَّ َمن �أنكر �شي ًئا َّ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [\ ،]cوو�صف و�سمي بذلك؛ لأنَّ ال ُّنفو�س ت�س ُكن �إليه, وال ُع ْرف :املعروفِّ ، �أ َّمته بذلك � ً أي�ضا فقال﴿ :ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ قال ال َّنابغة: ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [ ،]71 :eوقال: �أ َب ــى الل ـ ُه �إِ َّال ع ــد َلــه ووفـ ــا َءه ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ٌ معروف وال ال ُع ْرف �ضائ ُع»(.)8 فال ال ُّن ْك ُر ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [_.]110 : �شرعا :فـ«هو ا�سم جامع ِّ لكل ما ُع��رف من و�أ َّم��ا املعروف ً فالأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر هو جماع الدِّ ين ،وهو طاعة اهلل والتَّق ُّرب �إليه والإح�سان �إىل ال َّنا�سِّ ، وكل ما ندب �إليه ا َّلذي �أر�سل اهلل به ر�سله ،و�أنزل به كت َبه. َّ املح�سنات واملق ِّبحات»(.)9 ال�شرع �أو نهى عنه من ِّ �أو ُيقال :هو ما ُعرف يف َّ ال�شرع �أ َّنه لي�س مبع�صية. فيدخل فيه االعتقاد بوحدانية اهلل والإميان به وبر�سله وكتبه ويف ه��ذا املبحث نتناول بع�ض الق�ضايا املتع ِّلقة بالأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ،ونبينِّ من خالل الأحاديث الواردة واليوم الآخر والقدر. والعبادات َّ واحلج واجلهاد وال�صيام ِّ ال�صالة ِّ الظاهرة من َّ بع�ض جوانب ومعامل هذا الأمر العظيم: وغريها. ماه َّية املعروف واملنكر. وال�صدق وغري ذلك. والأخالق الفا�ضلة كالعدل ِّ حكم الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر. كحب اهلل ور�سوله وخ�شية اهلل ،والتَّو ُّكل والأعمال الباطنة ِّ � شروط الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر. عليه وغري ذلك. � آداب الآمر باملعروف وال َّناهي عن املنكر. واملنكر :لغة �ض ُّد املعروف. ثمار الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر. قال ابن فار�س« :ال ُّنون والكاف وال َّراء �أ�ص ٌل �صحيح يد ُّل على خالف املعرفة ا َّلتي َي�س ُكن �إليها ال َقلب ,و َن ِك َر َّ ال�شي َء و�أن َكره :مل عواقب ترك الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر. الفوائد امل�ستنبطة من �أحاديث الأمر باملعروف وال َّنهي َي ْق َب ْله قل ُبه ومل يع ِرت ْف به ل�سا ُنه ,قال: عن املنكر.
20
((( «معجم مقايي�س اللُّغة» (.)281/4 ((( «ال ِّنهاية يف غريب احلديث والأثر» (.)216/3
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
م��ن خ�لال الأح��ادي��ث ال����واردة يف ال��ب��اب يتبينَّ �أنَّ الأم��ر ب��امل��ع��روف وال�� َّن��ه��ي ع��ن املنكر م��ن ال��ف��رو���ض وال��واج��ب��ات ا َّلتي �أوجبها اهلل على هذه الأ َّم��ة املرحومة؛ وذلك �أنَّ قيام الدِّ ين ال يكون �إ َّال بقيام الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر« ،وهو فائدة ال ِّر�سالة وخالفة ال ُّنب َّوة» ،وج��اءت ن�صو�ص �صريحة يف وجوب الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ،من كتاب اهلل ع�� َّز َّ وجل، كقوله ت��ع��اىل﴿ :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [\_]، وقال تعاىل﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
بحوث ودراسات
و�أنك َر ْت ِني وما كانَ ا َّل ِذي َن ِك َر ْت احلوادث �إ َّال َّ وال�ص َلعا»(.)10 ِمنَ ِ ال�ش َ يب َّ و�شرعا« :هو �ض ُّد املعروف ،وك�� ُّل ما ق َّبحه َّ ال�شرع وح َّرمه ً وكرهه فهو منكر»(.)11 �أو ُيقال :هو ما ُعرف يف َّ ال�شرع �أ َّنه مع�صية. فيدخل فيه ِّ ال�شرك باهلل وهو �أ�صل ور�أ���س املنكر ،والكفر بال ُّر�سل والكتب وغري ذلك. وكذلك ترك َّ وال�صيام. كال�صالة والزَّكاة ِّ الطاعات والعبادات َّ وال�سرقة و�شرب وفعل ما ينايف الأخ�لاق الفا�ضلة كالكذب َّ اخلمر وغري ذلك من الفواح�ش والآثام. ال�سلف يف تف�سري قوله تعاىل﴿ :ﮄ لذلك جاءت �آثار عن َّ
حكم األمر باملعروف َّ والنهي عن املنكر
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [\]r َ �أنَّ �أ ْم�� َره��م باملعروف �أ َّنهم دع��وا �إىل اهلل وح��ده ال �شريك له ،ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [\،]e ونهيهم عن املنكر �أ َّنهم نهوا عن عبادة َّ ال�شيطان والأوثان()12؛ لأنَّ ثم قال تعاىل﴿ :ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ َّ �أ�صل الدِّ ين هو الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ،ور�أ�س املعروف ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ هو التَّوحيد ور�أ�س املنكر هو ِّ ال�شرك. ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ فيقال: ﮫ ﮬ﴾ [\.]e �إنَّ الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن املنكر :هو دعوة الغري �إىل قال القرطبي « ::جعل تعاىل الأمر باملعروف وال َّنهي عن �إقامة دين اهلل وفعل ِّ كل ما ُير�ضي اهلل ،ونهيهم وحتذيرهم من املنكر فر ًقا بني امل�ؤمنني واملنافقنيَّ ، أخ�ص �أو�صاف فدل على �أنَّ � َّ ِّ كل ما نهى عنه اهلل. امل�ؤمن الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ،ور� ُأ�سها ال ُّدعاء �إىل الإ�سالم والقتال عليه»(.)13 بل �أخ�بر �سبحانه �أنَّ �سبب ه�لاك الأمم ون��زول لعنة اهلل هي عن املنكر كما عليهم هو ب�سبب تركهم الأم َر باملعروف وال َّن َ �إ َّن الأم���ر بالـمعروف وال�� َّن��ه��ي ع��ن الـمنكر :ه��و دعوة �سي�أتي بيانه يف الآثار املرت ِّتبة على ترك هذا الواجب. ال��غ�ير �إىل �إق��ام��ة دي��ن اهلل وف��ع��ل ك�� ِّل م��ا ُي��ر���ض��ي اهلل، لذلك نقل الإجما َع غ ُري واح ٍ��د على وجوب الأم��ر باملعروف ونهيهم وحتذيرهم من ك ِّل ما نهى عنه اهلل. وال َّنهي عن املنكر(.)14 كفائي �إذا قام واختلف العلماء يف مرتبة هذا الواجب �أهو ٌّ به البع�ض �سقط عن الباقني؟ �أم �أ َّنه يتعينَّ على ِّ كل م�سلم القيام بهذا الأمر الوارد يف كتاب اهلل وعلى ل�سان ر�سول اهلل Í؟ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
(« ((1معجم مقايي�س اللُّغة» (.)476/5 (« ((1ال ِّنهاية يف غريب احلديث والأثر» البن الأثري (.)115/5 لل�سيوطي (.)518/10 (« ((1ال ُّد ُّر املنثور» ُّ
(« ((1اجلامع لأحكام القر�آن» (.)73/5 (« ((1التَّمهيد» البن عبد ال ِّرب (�« ،)281/23شرح ال َّنووي على �صحيح م�سلم» (.)22/2
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
21
بحوث ودراسات
فذهب بع�ض العلماء �إىل �أنَّ ا لأمر باملعروف وال َّنهي عن الـمنكر من الواجبات الكفائ َّية ،وا�ستد ُّلوا بقول اهلل تعاىل﴿ :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [ \_]. �أخ��رج َّ الطربي وغ�يره عن َّ خا�صة ال�ض َّحاك �أ َّن��ه ق��ال« :هم َّ خا�صة ال ُّرواة»(.)15 � ِ أ�صحاب ر�سول اهلل ،وهم َّ قال َّ الطربي « ::يعني بذلك ج َّل ثنا�ؤه﴿ :ﮖ ﮗ﴾ �أ ُّي��ه��ا امل�ؤمنون ﴿ﮘ﴾ يقول :جماع ٌة ﴿ﮙ﴾ ال َّنا�س ﴿ﮚ ﮛ﴾ يعني �إىل الإ�سالم و�شرائعه ا َّلتي �شرعها اهلل لعباده»(.)16 ق��ال اب��ن عط َّية الأندل�سي « ::فعلى ه��ذا ال��ق��ول ِ«من» للتَّبعي�ض ،و�أم��ر اهلل الأ َّم��ة ب���أن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفاعيل على وجوهها ،ويحفظون قوانينها على الكمال ،ويكون �سائر الأ َّمة متَّبعني لأولئك؛ �إذ هذه الأفعال ال تكون �إ َّال بعلم وا�سع، وقد علم تعاىل �أنَّ الك َّل ال يكون عاملًا»(.)17 القرطبي يف «تف�سريه»(.)18 ورجح هذا القول َّ ُّ واجب القول ال َّثاين� :إنَّ الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ٌ عيني على ِّ أحد من �أفراد الأ َّمة ،وا�ستد ُّلوا بالأحاديث الواردة كل � ٍ ٌّ َ يف ذلك ،ومنها« :مَن َر�أى مِ ن ُكم ُم ْن َك ًرا َفل ُي َغ رِّي ُه ِب َيدِ ِه َف���إِن لمَْ َي�سْ َتطِ ْع َف ِبل َِ�سا ِن ِه َف�إِن لمَ َي�سْ َتطِ ْع َف ِب َقل ِب ِه َو َذل َِك �أَ�ض َع ُف الإِميَانِ ». و�أ َّم��ا ا�ستدالل الفريق الأول بالآية على �أنَّ «من» للتَّبعي�ض فر َّده �أ�صحاب هذا القول ب�أنَّ «من» هنا لي�ست للتَّبعي�ض و� مَّإنا هي لبيان اجلن�س. قال البغوي ﴿« ::ﮖ ﮗ ﮘ﴾ �أي :كونوا �أ َّم ًة ِ«من» �صلة لي�ست للتَّبعي�ض ،كقوله تعاىل﴿ :ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [\ ،]rمل ُي��رد اجتناب بع�ض الأوث���ان بل �أراد فاجتنبوا الأوثان»(.)19 وقال ابن عط َّية الأندل�سي « ::وذهب الز ََّّجاج وغري واحد و«من» املف�سرين� ،إىل �أنَّ املعنى :ولتكونوا كلُّكم �أ َّم ًة يدعونِ ، من ِّ لبيان اجلن�س ،قال :ومثله من كتاب اهلل﴿ :ﯩ ﯪ لل�سيوطي (.)718/3 (« ((1جامع البيان» (« ،)662/5ال ُّد ُّر املنثور» ُّ (« ((1جامع البيان» (.)660/5 (« ((1املح َّرر الوجيز» (.)310/3 (« ((1اجلامع لأحكام القر�آن» ( 252/5ـ .)253 ( ((1تف�سري البغوي «معامل التَّنزيل» (.)84/4
22
ﯫ ﯬ﴾ [\ ،]rومثله من ِّ ال�شعر قول القائل: �أَ ُخو َر َغا ِئ َـب ُي ْع ِطيـهـا َوي ْـ�س�أَ ُلـهـا ي�أبى ُّ الظالم َة ِم ْن ُه ال ُّنو َفل ال ُّز َف ُر»(.)20 والقول ال َّراجح ـ واهلل �أعلم ـ �أنَّ الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر من فرو�ض الأعيان ،لكن ك ُّل �أحد بح�سبه ،وال يجب على منكر �أو �أمر ِّ الإن�سان تغي ُري ِّ بكل معروف � ،مَّإنا يجب عليه �أن كل ٍ ي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر ا َّلذي ي�ستطيعه. قال ابن كثري « ::واملق�صود من هذه الآية �أن تكون ف ْر َقة ال�ش�أن ،و�إن كان ذلك واج ًبا على ِّ من هذه الأ َّمة مت�صدِّ ي ًة لهذا َّ كل فرد من الأ َّمة بح�سَ ِبه»(.)21 وقال ابن عطية الأندل�سي « ::وهذه الآية على هذا ال َّت�أويل � مَّإنا هي عندي مبنزلة قولك :ليكن منك رج ٌل �صالح ،ففيها املعنى ي�سميه ال َّنحو ُّيون :التَّجريد ،وانظر �أنَّ املعنى ا َّلذي هو ابتداء ا َّلذي ِّ الغاية يدخلها ،وكذلك يدخل قوله تعاىل﴿ :ﯫ ﯬ﴾ ذاتها، وال جتده يدخل قول َّ ال�شاعر« :منه ال ُّنوفل الزُّفر» ،وال جتده يدخل يف ِ«م��ن» ا َّلتي هي �صريح بيان اجلن�س ،كقولك ثوب من خزٍّ ، وخامت من َّ ف�ضة ،بل هذه يعار�ضها معنى التَّبعي�ض ،ومعنى الآية على هذا ال َّت�أويل� :أمر الأ َّمة ب�أن يكونوا يدعون جميع العامل �إىل اخلري ،الكفَّار �إىل الإ�سالم ،والع�صاة �إىل َّ الطاعة ،ويكون ك ُّل واحد من هذه الأمور على منزلته من العلم والقدرة. ٍ ق��ال �أه��ل العلم :وفر�ض اهلل بهذه الآي���ة ،الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ،وهو من فرو�ض الكفاية �إذا قام به قائم �سقط عن الغري»(.)22 وقال ابن تيمية « ::وكذلك الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ال يجب على ِّ أحد بعينه ،بل هو على الكفاية كما د ََّل عليه كل � ٍ القر�آن ،وملَّا كان اجلهاد من متام ذلك كان اجلهاد � ً أي�ضا كذلك، ف�إذا مل َي ُقم به َمن يقوم بواجبه �أَ ِثم ك ُّل قادر بح�سب قدرته؛ �إذ هو واجب على ِّ بي « :Íمَن كل �إن�سان بح�سب قدرته؛ كما قال ال َّن ُّ َر�أَى مِ ن ُكم ُم ْن َك ًرا َفل ُي َغ رِّي ُه ِب َيدِ ِه َف�إِن لمَْ َي�سْ َتطِ ْع َف ِبل َِ�سا ِن ِه َف ِ�إن لمَ َي�سْ َتطِ ْع َف ِب َقل ِب ِه َو َذل َِك �أَ�ض َع ُف الإِميَانِ »»(.)23 (« ((2املح َّرر الوجيز» (.)310/3 (« ((2تف�سري القر�آن العظيم» (.)138/3 (« ((2املح َّرر الوجيز» (.)310/3 (« ((2جمموع الفتاوى» (.)126/28
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
(« ((2املح َّرر الوجيز» (.)311/3
بحوث ودراسات
وبرهان ،هو وك ُّل من اتَّبعه ،يدعو �إىل ما دعا �إليه ر�سول اهلل Í ٍ َّ وعقلي»(.)25 �شرعي وبرهان؛ شروط األمر باملعروف والنهي عن املنكر على ب�صري ٍة ويق ٍني ٍ ٍّ ٍّ وباحللم يو َّفق الآمر لن�شر دعوة اهلل. وبال�صرب ينال ر�ضى اهلل. ال َّ َّ �شك �أنَّ مثل هذا الواجب ا َّل��ذي جاء بيانه يف كتاب اهلل تعاىل و�س َّنة ر�سوله ،Íووردت الآيات والأحاديث يف التَّحذير قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية « ::فالب َّد من العلم باملعروف واملنهي، من تركه وعدم القيام به ،له �شروط ينبغي توافرها يف الآمر واملنكر والتَّمييز بينهما ،وال ب َّد من العلم بحال امل�أمور ِّ َّ َّ بال�صراط امل�ستقيم ،وهو ال�صالح �أن ي�أتي بالأمر وال َّنهي ِّ الناهي ،وجاء يف �أحاديث الباب بيان بع�ض �شروط هذه الطاعة ،ومن َّ فمن ذلك: �أقرب ُّ الطرق �إىل ح�صول املق�صود. ال َّتكليف :وهو مناط وجوب الأعمال َّ والطاعات ،ف�شرط بي « :Íمَا َكا َن ال ِّر ُ فق والب َّد يف ذلك من ال ِّرفق كما قال ال َّن ُّ الآمر �أن يكون مك َّلفا� ،أي م�سل ًما عاق ًال بال ًغا. فيِ َ�شي ٍء �إِ َّال َزا َن ُه َو َال َكا َن ال ُع ُ نف فيِ َ�شي ٍء �إِ َّال َ�شا َنهُ» ،وقال�« :إِ َّن اهلل القدرة على ال َّتغيري :وهذه القدرة متفاوتة من �شخ�ص َرف ٌ ِيق يُحِ ُّب ال ِّرف َق فيِ الأَ ْم ِر ُك ِّل ِه َويُعطِ ي َعلَي ِه مَا َال يُعطِ ي َعلَى لآخر ،يب ِّينها قوله « :Íمَن َر�أَى مِ ن ُكم ُم ْن َك ًرا َفل ُي َغ رِّي ُه ِب َيدِ هِ ،ال ُعنفِ ». والب َّد � ً َف�إِن لمَْ َي�سْ َتطِ ْع َف ِبل َِ�سا ِنهَِ ،ف�إِن لمَ َي�سْ َتطِ ْع َف ِب َقل ِبهَِ ،و َذل َِك �أَ�ض َع ُف أي�ضا �أن يكون حلي ًما �صبو ًرا على الأذى؛ ف�إ َّنه الب َّد �أن الإِميَانِ ». مما يح�صل له �أذى؛ ف�إن مل يحلم و َي�صرب كان ما ُيف�سد �أك�ثرَ َّ ق��ال اب��ن عطية الأندل�سي « ::وال َّنا�س يف تغيري املنكر ُي�صلح ،كما ق��ال لقمان البنه﴿ :ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ والأمر باملعروف على مراتب ،ففر�ض العلماء فيه تنبيه احل َّكام ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [\}]، والوالة ،وحملهم على جا َّدة العلم ،وفر�ض الوالة تغيريه بق َّوتهم ولهذا �أمر اهلل ال ُّر�سل ـ وهم �أئ َّمة الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن بال�صرب؛ كقوله خلامت ال ُّر�سل؛ بل ذلك مقرون بتبليغ و�سلطانهم ،ولهم ه��ي :اليد ،وفر�ض �سائر ال َّنا�س رفعه �إىل املنكر ـ َّ احل َّكام والوالة بعد ال َّنهي عنه قو ًال ،وهذا يف املنكر ا َّلذي له دوام ،ال ِّر�سالة ،ف�إ َّنه �أ َّول ما �أُر�سل �أنزلت عليه �سورة﴿ :ﮬ ﮭ ﮮ﴾ كال�سلب والزِّ نا ونحوه ،بعد �أن �أنزلت عليه �سورة﴿ :ﭻ﴾ ا َّلتي بها ُن ِّبئ ،فقال ﴿ :ﮬ و�أ َّما �إن ر�أى �أحد نازل ًة بديه ًة من املنكرَّ ، فيغيرِّ ها بنف�سه بح�سب احلال والقدرة»(.)24 ﮭﮮ ﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕ ﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛ العلم واحل��ل��م وال���َّ��ص�بر :وه��ذه ال َّثالثة ال ب�� َّد �أن ترافق ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [\ ،]Éفافتتح �آيات بال�صرب، الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر يف ِّ كل الأحوال ،فبالعلم ُيعرف الإر�سال �إىل اخللق بالأمر بال ِّنذارة وختمها بالأمر َّ ونهي عن املنكر ،ف ُعلم �أ َّنه يجب بعد ُ ونف�س الإنذار �أم ٌر باملعروف ٌ املعروف ومي َّيز عن املنكر ،بل �أمر اهلل تعاىل نب َّيه �أن يخرب ال َّنا�س ال�صرب... ب�أنَّ �سبيله يف الأمر وال َّنهي بالعلم والب�صرية فقال﴿ :ﮀ ﮁ ذلك َّ وال�صرب. فالب َّد من هذه ال َّثالثة :العلم وال ِّرفق َّ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒ ﮓ﴾ [\.]h وال�صرب بعده ،و�إن كان ُ العلم قبل الأمر وال َّنهي ،وال ِّرفق معهَّ ، قال ابن كثري « ::يقول اهلل تعاىل لعبده ور�سوله � Íإىل ك ٌّل من ال َّثالثة م�ست�صح ًبا يف هذه الأح��وال؛ وهذا كما جاء يف مرفوعا؛ ذكره القا�ضي �أبو يعلى يف ال�سلف ورووه ً ال َّثقلني الإن�س واجلنِّ � ،آم ًرا له �أن يخرب ال َّنا�س� :أنَّ هذه �سبيله� ،أي الأثر عن بع�ض َّ طريقه وم�سلكه و�س َّنته ،وهي ال َّدعوة �إىل �شهادة �أن ال �إله �إ َّال اهلل «املعتمد»« :ال ي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر �إ َّال من كان فقي ًها وحده ال �شريك له ،يدعو �إىل اهلل بها على َب ِ�صري ٍة من ذلك ويق ٍني فيما ي�أمر به ،فقي ًها فيما ينهى عنه ,رفي ًقا فيما ي�أمر به ،رفي ًقا (« ((2تف�سري القر�آن العظيم» (.)91/8
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
23
بحوث ودراسات
فيما ينهى عنه ،حلي ًما فيما ي�أمر به ،حلي ًما فيما ينهى عنه. ول ُيعلم �أنَّ ا�شرتاط هذه اخل�صال يف الأمر باملعروف وال َّنهي مما يوجب �صعوبته على كثري من ال ُّنفو�س؛ ف َيظنُّ �أ َّنه عن املنكر َّ مما ي�ض ُّره الأمر مما ي�ض ُّره �أكرث َّ بذلك ي�سقط عنه ف َيدَ ُعه؛ وذلك َّ بدون هذه اخل�صال �أو �أق ُّل(.)26 وق��ال ال�� َّن��ووي �« ::إنمَّ��ا ي�أم ُر وينهى من ك��ان عا ِلـ ًما مبا ي�أمر به وينهى عنه ،وذلك يختلف باختالف َّ ال�شيء ،ف�إن كان من الواجبات َّ وال�صيام كال�صالة ِّ الظاهرة واملح َّرمات امل�شهورة َّ والزِّ نا واخلمر ونحوها ،فك ُّل امل�سلمني علما ُء بها ،و�إن كان من للعوام َمدخل دقائق الأفعال والأقوال َّ ومما يتع َّلق باالجتهاد مل يكن ِّ فيه ،وال لهم �إنكاره ،بل ذلك للعلماءَّ ،ثم العلماء � مَّإنا ينكرون ما �أُجمع عليه� ،أما املخت َلف فيه فال �إنكار فيه؛ لأنَّ على �أحد املذهبني ك ُّل جمتهد ُم�صيب ،وهذا هو املختار عند كثريين من املح ِّققني �أو �أكرثهم ،وعلى املذهب الآخر امل�صيب واحد واملخطئ غري متعينِّ لنا ،والإث��م مرفو ٌع عنه ،لكن �إن ندَ َبه على جهة ال َّن�صيحة �إىل اخلروج من اخلالف فهو ح�سنٌ حمبوب مندوب �إىل فعله برفق، ف�إنَّ العلماء متَّفقون على احلثِّ على اخلروج من اخلالف� ،إذا مل يلزم منه �إخال ٌل ب�س َّنة �أو وقوع يف خالف �آخر»(.)27 املنهي عنه منك ٌر �أعظم منه: � أن ال يرت َّتب على املنكر ِّ ال�شرط من �أعظم ُّ وهذا َّ ال�شروط ا َّلتي ينبغي مراعاته عند الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر؛ لأنَّ الغر�ض من ذلك هو �إيجاد اخلري وتكثريه ،و�إزالة َّ ال�ش ِّر وتقليله ،ف�إذا �أ َّدى تغيري املنكر �إىل منكر �أ�ش َّد منه فال ُينكر. ق��ال �شيخ الإ���س�لام اب��ن تيمية « ::م��ع��ل��و ٌم �أنَّ الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن املنكر و�إمتامه باجلهاد هو من �أعظم املعروف ا َّل��ذي �أُم��رن��ا ب��ه ,ولهذا قيل :ليكن �أم��رك باملعروف ونهيك عن املنكر غ َري منكر. و�إذا كان هو من �أعظم الواجبات وامل�ستح َّبات ،فالواجبات وامل�ستح َّبات الب َّد �أن تكون امل�صلحة فيها راجح ًة على املف�سدة؛ �إذ يحب الف�ساد؛ بل ك ُّل ما بهذا ُبعثت ال ُّر�سل ونزَ لت الكتب ،واهلل ال ُّ �أمر اهلل به فهو �صالح. (« ((2جمموع الفتاوى» (« ،)136/28اال�ستقامة» ( 230/2ـ .)233 (�« ((2شرح �صحيح م�سلم» (.)23/2
24
ال�صالح وامل�صلحني ،وا َّلذين �آمنوا وعملوا وقد �أثنى اهلل على َّ ال�صاحلاتَ ، وذ َّم الف�ساد واملف�سدين يف غري مو�ضع ،فحيث َّ مما �أم َر أعظم من م�صلحته مل تكن َّ كانت مف�سد ُة الأمر وال َّنهي � َ اهلل به ،و�إن كان قد تُرك واجب و ُفعل حم َّرم؛ �إذ امل�ؤمن عليه �أن يتَّقي اهلل يف عباده ،ولي�س عليه هُ داهم ،وهذا من معنى قوله تعاىل﴿ :ﭫﭬﭭﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ﴾ [ ،]105 :aواالهتداء �إنمَّ��ا ي ِت ُّم ب���أداء الواجب، ف�إذا قام امل�سلم مبا يجب عليه من الأمر باملعروف وال َّنهي عن ُ �ضالل ُّ ال�ض َّالل، املنكر كما قام بغريه من الواجبات مل ي�ض َّره وذلك يكون تار ًة بالقلب ،وتار ًة بال ِّل�سان ،وتار ًة باليد. ف�أ َّما القلب فيجب ِّ بكل حال؛ �إذ ال �ض َرر يف فعله ،ومن مل يفعله بي َ « :Íو َذل َِك �أَد َن��ى ـ �أو ـ �أَ�ض َع ُف فلي�س هو مب�ؤمن كما قال ال َّن ُّ ي�س َو َرا َء َذل َِك مِ َن الإِميَانِ َح َّب ُة َخردَلٍ »(.)28 الإِميَانِ » ،وقالَ « :ل َ وقال � ً أي�ضا« :جماع ذلك داخل يف القاعدة العا َّمة :فيما �إذا وال�س ِّيئات �أو تزاحمت؛ تعار�ضت امل�صالح واملفا�سد ،واحل�سنات َّ ف�إ َّنه يجب ترجيح ال�� َّراج��ح منها فيما �إذا ازدحمت امل�صالح واملفا�سد ،وتعار�ضت امل�صالح واملفا�سد. مت�ضم ًنا لتح�صيل م�صلحة ودفع ف�إنَّ الأم َر وال َّنهي و�إن كان ِّ مف�سدة ،ف ُينظر يف املعار�ض له ،ف�إن كان ا َّلذي يفوت من امل�صالح �أو يح�صل من املفا�سد �أك َرث مل يكن م�أمو ًرا به؛ بل يكون حم َّر ًما �إذا كانت مف�سدته �أك�ث�رَ م��ن م�صلحته ,لكن اعتبار مقادير امل�صالح واملفا�سد هو مبيزان َّ ال�شريعة ،فمتى قدر الإن�سانُ على ا ِّتباع ال ُّن�صو�ص مل يعدل عنها ،و�إ َّال اجتهد ر�أيه ملعرفة الأ�شباه وال َّنظائر ،وق َّل �أن تُع ِو َز ال ُّن�صو�ص من يكون خب ًريا بها وبداللتها على الأحكام. خ�ص �أو َّ وعلى هذا �إذا كان َّ الطائفة جامعني بني معروف ال�ش ُ ومنكر بحيث ال يف ِّرقون بينهما؛ بل �إ َّما �أن يفعلوهما جمي ًعا� ,أو يرتكوهما جمي ًعا :مل يجز �أن ي�ؤمروا مبعروف وال �أن ينهوا عن منكر؛ بل ينظر :ف�إن كان املعروف �أكرث �أُمر به؛ و�إن ا�ستلزم ما هو دونه من املنكر .ومل ُينه عن منكر ي�ستلزم تفويت معروف �أعظم وال�سعي منه؛ بل يكون ال َّنهي ٍ حينئذ من باب َّ ال�صدِّ عن �سبيل اهلل َّ (« ((2جمموع الفتاوى» (« ،)126/28اال�ستقامة» (.)211/2
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
يف زوال طاعته وطاعة ر�سوله وزوال فعل احل�سنات. و�إن كان املنكر �أغلب ُنهي عنه؛ و�إن ا�ستلزم فوات ما هو دونه من املعروف؛ ويكون الأمر بذلك املعروف امل�ستلزم للمنكر الزَّائد عليه �أم ًرا مبنكر و�سع ًيا يف مع�صية اهلل ور�سوله. و�إن تكاف�أ املعروف واملنكر املتالزمان مل ي�ؤمر بهما ومل ينه عنهما. فتار ًة ي�صلح الأمر ,وتارة ي�صلح ال َّنهي ,وتار ًة ال ي�صلح ال �أمر وال نهي حيث كان املعروف واملنكر متالزمني ,وذلك يف الأمور املع َّينة الواقعة. و�أ َّما من جهة ال َّنوع ف ُي�ؤمر باملعروف مطل ًقا وينهى عن املنكر مطل ًقا ،ويف الفاعل الواحد َّ والطائفة الواحدة ُي�ؤمر مبعروفها وينهى عن منكرها ،و ُيحمد حممودها ،و ُي َذ ُّم مذمومها بحيث ال يت�ض َّمن الأمر مبعروف فوات معروف �أكرب منه �أو ح�صول منكر فوقه ،وال يت�ض َّمن ال َّنهي عن املنكر ح�صول ما هو �أنكر منه �أو فوات معروف �أرجح منه. و�إذا ا�شتبه الأم��ر ا�ستبان امل�ؤمن حتَّى يتبينَّ له احل��قُّ؛ فال يقدم على َّ الطاعة �إال بعلم ون َّية و�إذا تركها كان عا�ص ًيا ،فرتك الأم��ر الواجب مع�صية ,وفعل ما نهي عنه من الأم��ر مع�صية. وهذا باب وا�سع.)29(»... َّثم ذكر �أمثلة من �س َّنته Íحيث ترك تغيري بع�ض املنكر ال�ستلزام وجود منكر �أعظم منه. بي � Íشرع لأ َّمته �إيجاب وق��ال اب��ن الق ِّيم �« ::إنَّ ال َّن َّ املعروف ما يح ُّبه ُ اهلل ور�سو ُله، �إنكار املنكر ليح�صل ب�إنكاره من ِ ف�إذا كان �إنكار املنكر ي�ستلزم ما هو �أنكر منه و�أبغ�ض �إىل اهلل ور�سوله ف�إ َّنه ال ي�سوغ �إنكاره ،و�إن كان اهلل ُ يبغ�ضه وميقتُ �أه َله، أ�سا�س وهذا كالإنكار على امللوك والوالة باخلروج عليهم؛ ف�إ َّنه � ُ ِّ ال�صحاب ُة َ ر�سول اهلل كل �ش ٍّر وفتنة �إىل �آخر ال َّدهر ،وقد ا�ست�أذن َّ ال�صال َة عن وقتها وقالوا: Íيف قتال الأمراء ا َّلذين ُي� ِّؤخرون َّ ال�ص َ ال َة» ،وقال« :مَن َر�أَى �أفال نقاتلهم ،فقالَ «:ال مَا �أَ َق��امُ��وا َّ ري ِه مَا َيك َرهُ ُه َفل َي�صْبرِْ َو َال َي ْن ِز َعنَّ َيدًا مِ ن َطا َعةٍ»َ ،ومن مِ ن �أَمِ ِ وال�صغار ر�آها من ت�أ َّمل ما جرى على الإ�سالم من الفنت الكبار ِّ
الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر من َّ الطاعات العظيمة ا َّلتي يقوم بها امل�سلم ،وليكون لهذه َّ الطاعة �أثرها الإيجابي يف املجتمع الب َّد للقائم بها �أن يتح َّلى ب�آداب و�أخالق تكون احلافز للم�أمور واملُنهى �أن ي�أمتر وينتهي ،وجملة هذه الآداب كثرية وبع�ضها تق َّدم كال�صرب واحللم ،ومن ذلك: يف ال�شروط َّ الإخال�ص :وهو ال ُّركن الأعظم ِّ لكل عمل ُيتق َّرب به �إىل خال�صا لوجه اهلل تعاىل العلي الأك��رم ،فك ُّل عمل الب َّد �أن يكون ً ِّ حلب ال َّثناء وال ِّرياء فيه ،لقوله لل�سمعة وال ِّ ال دخل للع�صب َّية وال ُّ تعاىل﴿ :ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ن��ا الأَع َم ُال بِال ِّن َّياتِ و�إِ مَّ َ ﰝ﴾ [\ ،]nوقوله �« :Íإِ مَّ َ نا
(« ((2جمموع الفتاوى» ( 129/28ـ « ،)130اال�ستقامة» (.)218/2
(�« ((3إعالم املو ِّقعني» ( 338/4ـ .)339
ف�إنكار املنكر �أربع درجات: ـ الأوىل� :أن يزول ويخلفه �ض ُّده. ـ ال َّثانية� :أن َيق َّل و�إن مل ُيزل بجملته. ـ ال َّثالثة� :أن يخلفه ما هو مث ُله. ـ ال َّرابعة� :أن يخلفه ما هو �ش ٌّر منه.
بحوث ودراسات
ال�صرب على منكر ،فطلب �إزالته فتو َّلد �إ�ضاعة هذا الأ�صل وعدم َّ منه ما هو �أكرب منه؛ فقد كان ر�سول اهلل Íيرى مب َّكة �أك َرب املنكرات وال ي�ستطيع تغي َريها ،بل ملَّا فتح اهلل م َّكة و�صارت دار �إ�سالم عزَ م على تغيري البيت وردِّه على قواعد �إبراهيم ،وم َن َعه من ذلك ـ مع قدرته عليه ـ خ�شي ُة وقوع ما هو �أعظم منه :من عدم احتمال قري�ش لذلك ل ُقرب عهدهم بالإ�سالم ،وكونهم حدي ِثي فر ،ولهذا مل ي�أذن يف الإنكار على الأمراء باليد ملا يرتتَّب ٍ عهد ب ُك ٍ عليه من وقوع ما هو �أعظم منه كما وجد �سواء.
اجتهاد فال َّدرجتان الأول��ي��ان م�شروعتان وال َّثالثة مو�ضع ٍ وال َّرابعة حم َّرمة.)30(»... و�شروط الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن املنكر كثري ٌة يجمعها العلم وتقدير امل�صالح واملفا�سد.
آداب اآلمر باملعروف َّ والناهي عن املنكر
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
25
بحوث ودراسات
ِل ُك ِّل امرِئٍ مَا َن َوى»( ،)31وقوله � ً أي�ضا يف احلديث القد�سيَ « :قا َل ُ اهلل َت�� َب��ا َر َك و َت�� َع ىَ ال�ش َر َكا ِء ع َِ��ن ِّ ��ال� :أَ َن��ا �أَغ َنى ُّ ال�شركِ َم��نْ عَمِ َل َع َم ً ال �أَ�شْ َر َك فِي ِه َمعِي َغ رْيِي َت َر ْك ُت ُه َو�شِ ر َكهُ»( ،)32وغري ذلك من الآيات القر�آن َّية والأحاديث ال َّنبو َّية. بال�صرب على تبليغ َّ ال�صرب :وقد �أمر اهلل تعاىل �أنبياءه َّ ما �أم��روا ب��ه ،فقال تعاىل﴿ :ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ال�صالة فرماه ال َّنا�س ال�سلمي ا َّلذي �ش َّمت العاط�س وهو يف َّ ُّ ب�أب�صارهم ،قال« :فل َّما �ص َّلى ر�سول Íـ فب�أبي هو و� ِّأمي ـ ما ر�أيت مع ِّل ًما قبله وال بعده �أح�سنَ تعلي ًما منه؛ فواهلل ما َك َه َرين ال�ص َ ال َة َال َي�صْ ُل ُح فِيهَا وال �ضربني وال �شتمني ،قال�« :إِ َّن هَذِ ِه َّ َ�شي ٌء مِ ��نْ َك َ ا�س �إِ مَّ َ ري َو ِق َرا َء ُة �لا ِم ال َّن ِ ن��ا هُ �� َو ال َّت�س ِبي ُح َوال َّتك ِب ُ ال ُقر�آنِ »(.)36
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ لكن من اخلط�أ �أن تُفهم احلكمة وال ِّرفق امل�أمور بهما على ال�صحيح ،وذلك باعتبار �أنَّ َّ كل �ش َّدة يف الدِّ ين ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ﴾ [\»] ،وق��ال غري مفهومها َّ �سبحانه﴿ :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ لي�ست من احلكمة ،بل حيثما �أفادت ِّ ال�ش َّدة وكانت امل�صلحة فيها ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ فهي مطلوبة ،وقد �أباح اهلل القتال �إذا بغت �إحدى َّ الطائفتني ومل [\ ،]bوقال لقمان البنه وهو يعظه﴿ :ﯤ ﯥ ﯦ ميكن �إيقاف بغيها �إ َّال بالقتال ،فقال تعاىل﴿ :ﮙ ﮚ ﮛ
ﯵ ﯶ﴾ [\}] ،فعلى الآمرين باملعروف وال َّناهني عن املنكر �أن ي�صربوا على ما ي�صابون به يف ذات اهلل كما ي�صرب فال�صرب املجاهدون على ما ي�صابون به يف �أنف�سهم و�أموالهمَّ ، على الأذى يف ال ِعر�ض �أوىل و�أوىل ,وذل��ك لأنَّ م�صلحة الأمر وال َّنهي ال تت ُّم �إ َّال بذلك. احللم وال ِّرفق :وتق َّدم �أنَّ احللم وال ِّرفق من الأمور املطلوبة يف الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ،ولوال احللم وال ِّرفق بال َّنا�س ملا ائتمر �أحد ب�أمر وطاعة ،وملا انتهى عن منكر ومع�صية ،وتق َّدم بي �« :Íإِ َّن ال ِّرف َق َال َي ُك ُ ون فيِ َ�شي ٍء �إِ َّال َزا َن ُه َو َال ُين َز ُع مِ ن قول ال َّن ِّ َ�شي ٍء �إِ َّال َ�شا َنهُ»( ،)33وقالَ « :منْ ُي ْح َر ِم ال ِّر ْف َق ُي ْح َر ِم ا َ ي»(.)34 خل رْ َ والأ�صل يف ال َّدعوة �أن تكون ُّ بالطرق احلكيمة ،و�أمثلة ذلك ال�س َّنة كثري ،كحديث بول الأعرابي يف امل�سجد حيث اقرتف يف ُّ بي Íومل يزجره ،بل ع َّلمه �آداب �أم ًرا عظي ًما؛ فلم يع ِّنفه ال َّن ُّ بي � Íإِ يَ َّ ل ِب�أَبِي هُ َو َو�أُمِّي امل�سجد ،فقال الأعرابيَ « :ف َقا َم ال َّن ُّ َفلَ ْم َي ُ�س َّبَ ،ولمَْ ُي�ؤَ ِّن ْب ،ومل ي�ضرب»( ،)35وزاد �أن تركه يكمل بوله ومل يقطعه عليه. وجاء مثله � ً أي�ضا يف حديث �آخر وهو حديث معاوية بن احلكم (� ((3أخرجه البخاري يف «�صحيحه» ( ،)1وم�سلم يف «�صحيحه» (.)1907 (� ((3أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (.)2985 (� ((3أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (.)2594 (� ((3أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (.)2592 «ال�صحيحني» بغري هذا ال َّلفظ. (� ((3أخرجه �أحمد يف «امل�سند» ( ،)10533وهو يف َّ
26
ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [\¯]. نبي اهلل مو�سى �أمره اهلل تعاىل �أن يلني مع عد ِّوه وهو وهذا ُّ فرعون ،فقال تعاىل﴿ :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [\ ،]pوا�شت َّد مع �أخيه هارون فقال تعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [.]150 :c ال�صحابة ،فل َّما �أطال معاذ بن جبل بي Íع َّنف بع�ض َّ وال َّن ُّ ال�صالة بقومه قال لهَ « :ف َّت ٌان َف َّت ٌان َف َّت ٌان!»( ،)37وملا َقتَل َّ Ç ح ُّبه وابن ح ِّبه �أ�سام ُة بنُ زيد Çم�شر ًكا نطق بكلمة التَّوحيد قال لهَ « :يا �أُ َ�سا َم ُة! �أَ َق َت ْل َت ُه َب ْع َد مَا َق��ا َلَ :ال �إِ َل�� َه �إِ َّال اهلل!» قال �أ�سامة :فما زال ُيك ِّررها حتَّى مت َّنيت �أنيِّ مل �أكن �أ�سلمت قبل ذلك اليوم»(� ،)38إىل غري ذلك من ال ُّن�صو�ص ا َّلتي فيها ِّ ال�ش َّدة وكانت امل�صلحة يف ذلك ،والأ�صل هو ال ِّرفق يف ال َّدعوة ومعاملة ال َّنا�س بال ِّلني وال�� ِّرف��ق ،لكن �إن دعت احلاجة �إىل ا�ستعمال اخل�شونة ِّ خا�صة مع ر�ؤو�س �أهل البدع ا َّلذين وال�ش َّدة فلي�ستعملها ال َّداعية َّ يظهرون بدعهم ويدعون �إليها. قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية « ::امل�ؤمن للم�ؤمن كاليدين (� ((3أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (.)537 (� ((3أخرجه البخاري يف «�صحيحه» ( ،)701وم�سلم يف «�صحيحه» (.)465 (� ((3أخرجه البخاري يف «�صحيحه» ( ،)4269وم�سلم يف «�صحيحه» (.)96
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
�شك �أنَّ ك َّل طاعة هلل ع َّز َّ ال َّ وجل ت�ؤتي ثمارها و�أكلها يف ال ُّدنيا والآخ��رة ،وقيام العبد بهذا الواجب مع حت ُّمل م�شا ِّقه و�صعابه ي�ؤجر عليه ،فيكون الأجر على قدر امل�شقَّة ،ومن ثمار ذلك: الفالح وال َّنجاة يف الدُّ نيا والآخرة :قال تعاىل﴿ :ﮖ
عواقب ترك األمر باملعروف َّ والنهي عن املنكر
بحوث ودراسات
تغ�سل �إح��داه��م��ا الأخ����رى ،وق��د ال ينقلع الو�سخ �إ َّال بنوع من وال َّنهي عن املنكر والإميان باهلل»(.)40 حماية الأر�ض من انت�شار الف�ساد َّ اخل�شونة ،لكن ذلك يوجب من ال َّنظافة وال ُّنعومة ما نحمد معه وال�ش ِّر فيها :قال تعاىل: ذلك التَّخ�شني»(.)39 ﴿ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ �إىل غري ذلك من الآداب العا َّمة والأخ�لاق الفا�ضلة ا َّلتي ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [\^]. ينبغي �أن يراعيها الآمرون باملعروف وال َّناهون عن املنكر. قال م ِّكي بن �أبي طالب �« ::أي بدفع �أهل َّ الطاعة عن �أهل املع�صية ،وبال ِّرب عن الفاجر»(� ،)41إىل غري ذلك من ال ِّثمار اليانعة مثار األمر باملعروف َّ احلجة على املعاندين من �إقامة �شعائر الدِّ ين و�إظهاره ،و�إقامة َّ والنهي عن املنكر امل�ص ِّرين على الآثام واملعا�صي والكفر.
جاء بيان العواقب الوخيمة يف ترك ال َّنا�س للأمر باملعروف ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ وال َّنهي عن املنكر ،فعواقب التَّق�صري فيه كثرية ،فمن ذلك: ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [\_]. ال َّلعن َّ والطرد من رحمة اهلل ع َّز وج َّل: فع َّلق الفالح على الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ،والفالح فرتك الأمر باملعروف عاقبته َّ الطرد وال َّلعن ،كما قال اهلل هنا ي�شمل فالح ال ُّدنيا وفالح الآخرة بالو�صول �إىل البغية املن�شودة ع�� َّز وج��� َّل﴿ :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ من دخول اجلنان ور�ؤية الكرمي امل َّنان. ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ال�سفينة وكذلك ورد يف حديث الباب يف القوم ا َّلذين ركبوا َّ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ وكانوا �أ�سفلها ،ف�إن يخرقوا خر ًقا ويرتكهم من فوقهم وال ينهونهم ﮆ ﮇ﴾ [\.]a يهلكوا ،و�إن �أخذوا على �أيديهم جنوا هم و�أجنوا غريهم ،وهكذا الهالك ونزول الغ�ضب والعقاب الإلهي: الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ُينجي العبد الآمر وامل�أمور من كما تق َّدم يف حديث حذيفةَ « :وا َّل���ذِ ي َنف�سِ ي ِب َيدِ ِه َل َت ْ�أ ُم ُر َّن عقاب اهلل وعذابه. وف َو َل َت ْن َه ُو َّن ع َِن امل ُ ْن َك ِر �أَ ْو َل ُيو�شِ َكنَّ ُ اهلل �أَ ْن َيب َع َث َعلَي ُك ْم بِاملَع ُر ِ وق��ال تعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ال�صاحلون؟ قال: ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ عِ َقا ًبا مِ ْنهُ» ،وحديث � ِّأم �سلمة�« :أنهلك وفينا َّ َن َع ْم �إِ َذا كَثرُ َ ا َ خل َب ُث». ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ
ال�صدِّ يق �أ َّنه قال�« :أ ُّيها ال َّنا�س �إ َّنكم تقرءون وعن �أبي بكر ِّ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [\.]c ثبوت خريية ه��ذه الأم���ة :با ِّت�صافها بالأمر باملعروف هذه الآي��ة﴿ :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ َّ َّ وال َّنهي عن املنكر ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭶﭷ﴾ [ ،]105:aو�إنيِّ �سمعت ر�سول اهلل Íيقول�« :إِنَّ ا�س �إِ َذا َر َ�أوا َّ الظالمِ َ َفلَم َي�أْ ُخ ُذوا َعلَى َي َد ْي ِه �أَ ْو َ�ش َك �أَ ْن َي ُع َّم ُه ُم ال َّن َ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [_.]110 : ْ ()42 َ قال ابن عطية« :وهذه اخلري َّية ا َّلتي فر�ضها اهلل لهذه الأ َّمة اهلل ِب ِعقابٍ مِ نهُ» . ال�شروط من الأمر باملعروف (« ((4املح َّرر الوجيز» (.)318/3 � مَّإنا ي�أخذ بحظه منها َمن عمل هذه ُّ (« ((4الهداية يف بلوغ النهاية» (.)871/1 (« ((3جمموع الفتاوى» (.)53/28
( ((4رواه رِّ التمذي يف «جامعه» (.)2168
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
27
بحوث ودراسات
عدم ا�ستجابة الدُّ عاء: كما جاء يف حديث حذيفة املتقدِّ مَ « :وا َّل����ذِ ي َنف�سِ ي ِب َيدِ ِه وف َو َل َت ْن َه ُو َّن ع َِن امل ُ ْن َك ِر �أَ ْو َل ُيو�شِ َكنَّ ُ اهلل �أَ ْن َيب َع َث َل َت�أْ ُم ُر َّن بِاملَع ُر ِ َعلَي ُك ْم عِ َقا ًبا مِ ْن ُه ُث َّم َت ْدعُو َن ُه َف َ اب َل ُك ْم». ال ُي�س َت َج ُ فمن �أ���س��ب��اب ر ِّد ال�� ُّدع��اء ع��دم تغيري املنكر وت���رك الأمر باملعروف ،فبالتَّايل يزداد َّ ال�ش ُّر وينت�شر. �إىل غري ذلك من العواقب واملفا�سد املرت ِّتبة على ترك هذا الواجب اجلليل. قال الإمام ابن القيم :: «ومن ت�أ َّمل �أحوال ال ُّر�سل مع �أممهم وجدهم كانوا قائمني بالإنكار عليهم �أ�ش َّد القيام ,حتَّى لقوا اهلل تعاىل ,و�أو�صوا من �آمن بي � Íأنَّ املتخ ِّل�ص من بهم بالإنكار على من خالفهم ,و�أخرب ال َّن ُّ مقامات الإنكار ال َّثالثة لي�س معه من الإميان ح َّبة خردل وبالغ يف الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر �أ�ش َّد املبالغة حتَّى قال�« :إِ َّن ا�س �إِ َذا َت َر ُكو ُه �أَو�شْ َك �أن َي ُع َّم ُه ُم اهلل ِب ِع َقابٍ مِ نْ عِ ْندِ هِ» ،و�أخرب ال َّن َ �أنَّ تركه مينع �إجابة دعاء الأخيار ,ويوجب َّ ت�سلط الأ�شرار ,و�أخرب �أنَّ تركه يوقع املخالفة بني القلوب والوجوه ,و ُيح ُّل لعنة اهلل كما لعن اهلل بني �إ�سرائيل على تركه»(.)43 ال�سالكني» (.)123/3 (« ((4مدارج َّ
الفوائد املستنبطة من أحاديث األمر باملعروف َّ والنهي عن املنكر من الفوائد امل�ستنبطة من خالل درا�سة بع�ض الأحاديث الواردة يف الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر: � أنَّ �إقامة الدِّ ين ال تكون �إ َّال بالأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ،ور�أ���س املعروف توحيد اخلالق ج َّل وعال ،ور�أ���س املنكر ِّ ال�شرك به �سبحانه. � أنَّ الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر من الواجبات املجمع على وجوبها ،واختلف العلماء يف مرتبة وجوبها على العني �أم الكفاية �إن قام به بع�ض �سقط عن الباقني. ً �شروطا �أعظمها � أنَّ للأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر العلم والقدرة على التَّغيري،و�أن ال يرتتَّب منكر �أعظم منه. � إنكار املنكر �أرب��ع درج��ات ،اثنتان م�شروعتان ،وواحدة اجتهاد. حم َّرمة ،و�أخرى حم ُّل ٍ للأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر �آداب و�أخ�لاق تعني وال�صرب وحت ُّمل القائم به على قبول دعوته كالإخال�ص هللَّ ، الأذى ،واحللم وال ِّرفق باملدع ِّوين. قد تكون ِّ ال�ش َّدة والغلظة يف موا�ضع ومواقف �أجدى و�أرجح من ال ِّرفق. واهلل �أعلى و�أعلم ،و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على نب ِّينا حم َّم ٍد وعلى �آله و�صحبه.
28
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
التحرير
مسائل منهجية
لكل قوم وارث
ال�سيا�س َّية»، ال�سلطة ِّ ال�سلف َّية بدعة مق َّد�سة �أوجدتها ُّ وبهتا ًنا «�أنَّ َّ ال�صحوة الإ�سالم َّية كما يبدو �سلف َّية فقد و�أ َّنه «�إذا كانت خامتة َّ ال�سقيم، خابت وخ�سرت وانتك�ست!» ،كما جعل ـ يف ظ ِّنه اخلاطئ َّ الفقهي هيمن ًة على الإ�سالم حتَّى وفكره املري�ض العقيم ـ للتَّ�ص ُّور ِّ غدَ ا منظوم ًة ت�شريع َّي ًة نا�شفة! على حدِّ تعبري هذا املتن ِّكر. ك ُّل هذا يف �أ�سلوب �أدب ٍّ��ي يت�ش َّدق به ،ولغ ٍة معقَّدة ينتحلها لتمرير �سموم ميكن ت�أويلها �إذا رُ اعت�ض عليه ،والتَّباكي ب�أنَّ ال َّراف�ض لأف��ك��اره املنكو�سة ال يرقى لفهم خطابه ،ف�ض ًال عن االقتناع والعمل ب��ه! َ ال�صوف َّي َة فهم وكيف ُي ُ ُ ك�لام رج ٍ��ل يعترب ُّ وجود َّي َة الإ�سالم! و�أنَّ لبع�ض الع َّباد من الأولياء عالقة حميم َّية ا�ستثنائ َّية مع اهلل! واملت�ص ِّوف احل ُّق يف نظره هو ا َّل��ذي« :يقيم حياته على �أ�سا�س منابذة اجلماعة واخلليفة والفقيه!» ،و�أنَّ اجلماعة احتكرت اهلل على ح�ساب الفرد! ـ تعاىل اهلل عن ذلك عل ًّوا كب ًريا ـ جملة من الألفاظ حملت معاين اخلزي واخلذالن، أدبي ،عهدنا نظائره من �أقوام �سابقني ت�شابهت قلوبهم يف قالب � ٍّ فتطابقت �أل�سنتهم. بال�سلف ِّيني �صارت «مُو�ض َة» هذا القرن؛ �إنَّ ظاهرة ال َّتطيرُّ َّ ال�صحف �أو جم َّلة من املج َّالت ،من �إذ ال تكاد تخلو �صحيفة من ُّ وال�س ِّب َّ وال�شتم والتَّنقي�ص من علماء خمتلف �أنواع ال َّلمز والهمز َّ الأ َّمة ،و�أئ َّمتها ـ �أئ َّمة الهدى ـ! فيا �سبحان اهلل! َف ِل َع َمى ب�صائر ه�ؤالء «اعتربوا م�صادر اخلري والهداية م�صادر َّ لل�ش ِّر والغواية ،كما تطيرَّ �أ�سالفهم بالأنبياء و�أتباعهم»( ،)1قال اهلل تبارك وتعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
�إ َّننا يف زمن خفق فيه �صوتُ �أه��ل احل��قِّ �إ َّال قلي ًال ،وتعالت �صاخب ًة �أ���ص��وات �أ���ص��ح��اب الباطل م��ن �أه���ل الأه����واء والبدع َّ ال�سليطة والأقالم احلاقدة عم َلها يف وال�ضالالت ،فعملت الأل�سنة َّ أهل ال�س َّنة واجلماعةِ � ، أهل احلقِّ ِ � ، الأ َّمة ،فقدحت يف منهج � ِ أهل ُّ احلديث والأثر ،وطعنت يف القرون ال َّثالثة الأوىل َّ املف�ضلة ،ويف َّهجم دعوتهم املباركة ،وخا�ضت فيها باالنتقا�ص واالزدراء والت ُّ َّ والطعن والتَّنفري والتَّ�ضليل والتَّلبي�س ،يف حملة م�سعورة ،وحرب �شعواء مل ي�سبق لها مثيل ،يف خمتلف و�سائل الإع�لام املقروءة وامل�سموعة وامل��رئ�� َّي��ة ،يف ال��وق��ت ا َّل���ذي ُي�����شَ��ا ُد فيه بال َّراف�ضة ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ُّ ِّ َّ َ (ال�صف ِو َّية) وبالطرق َّية وامل��زارات ال�شرك َّية والأعياد البدع َّية ،ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [\ ،]cوق��ال َّ جل ممن خرج من �ضئ�ضئ املعتزلة حر ًبا يتوىل ت�سعريها العقالنيون َّ وعال﴿ :ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ وممن ينت�سب زو ًرا �إىل ال َّدعوة الأ َّولني ،ومن مدر�سة امل�ست�شرقنيَّ ، ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ الإ�سالم َّية من الكتَّاب والأدباء واملف ِّكرين! ﰃ ﰄ﴾ [\`] ،وغري ذلك من الآيات ال َّدا َّلة على مثل ومن ه�ؤالء ٌ كاتب ـ هداه اهلل ـ مل يكتب بعدل ،وال كما �أمره هذا املرياث َّ الذميم. ال�صحف عندنا بكالم اهلل �أن يكتب ،نطق من قريب يف بع�ض ُّ �إنَّ اهلل ـ ج َّل وعال ـ قد حفظ هذا الدِّ ين احلنيف ،وجعل كتابه خطري عظيمُ ،ينبئ ع َّما يف نف�سه من �سوء ق�صده وخيانته لعموم ُم َه ْيمِ ًنا على غريه من الكتب ،وح َّمله رجا ًال عدو ًال؛ فحملوه ووعوه امل�ؤمنني ،حيثُ طعن اجلاين يف القرون ال َّثالثة الأوىل ،وا َّدعى زو ًرا َّ ((( «البيان لأخطاء بع�ض الكتَّاب» ( )21/2لل�شيخ �صالح الفوزان ،حفظه اهلل تعاىل.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
29
مسائل منهجية
وب َّلغوه كما �سمعوه ،وعلى ر�أ�س ه�ؤالء �صحابة ر�سول اهلل Íر�ضي اهلل عنهم جمي ًعا، َّثم من تبعهم ب�إح�سان.
ال�سلف ال�سلف ِّيني بفهم َّ �إ َّن تق ُّيد َّ ال��� َّ��ص��ال��ح �أه���ل ال���ق���رون ال َّثالثة الأوىل لي�س مبن ًّيا على اعتقاد منهم ب��ق��دا���س��ة ه���ذه ال��ق��رون يف نف�سها� ،أو بع�صمة �أفرادها ،وال ـ كما َّ ظن الكاتب ـ ملحاولة الأ َّولني �إ���ض��ف��اء ال��ق��دا���س��ة ع��ل��ى تراثهم م���ن خ��ل�ال م���ا ت���رك���وه ل��ن��ا من �آث���ارَّ ، ك�ل�ا ،و�إنمَّ���ا ي��رج��ع ال َّتق ُّيد ال�صالح وا ِّتبا ُعهم ال�سلف َّ بفهم َّ ال�سلفيني ٍّ بحق� ،إىل عند جميع َّ تقدي�سهم لن�صو�ص الوحيني م��ن ال��ك��ت��اب وال ُّ�����س�� َّن��ة ،ال َّناطقة ب�صدق وع���دل ب��وج��وب االلتزام ال�صحابة ب��ف��ه��م الأ َّول���ي���ن م���ن َّ وال�� َّت��اب��ع�ين وت��اب��ع��ي��ه��م ب�إح�سان
ال�صالح �أهل القرون ال َّثالثة الأوىل لي�س مبن ًّيا على ال�سلف َّ ال�سلف ِّيني بفهم َّ �إنَّ تق ُّيد َّ اعتقاد منهم بقدا�سة هذه القرون يف نف�سها� ،أو بع�صمة �أفرادها ،وال ـ كما ظنَّ الكاتب ـ ملحاولة الأ َّولني �إ�ضفاء القدا�سة على تراثهم من خالل ما تركوه لنا من �آثار ،ك َّال ،و� مَّإنا ال�سلفيني بحقٍّ � ،إىل تقدي�سهم ال�صالح وا ِّت ُ ال�سلف َّ باعهم عند جميع َّ يرجع التَّق ُّيد بفهم َّ وال�س َّنة ،ال َّناطقة ب�صدق وعدل بوجوب االلتزام بفهم لن�صو�ص الوحيني من الكتاب ُّ ال�صحابة والتَّابعني وتابعيهم ب�إح�سان ،ومن هذه ال ُّن�صو�ص: الأ َّولني من َّ قول اهلل َّ جل وعال﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [\.]e ال�سابقني الأ َّول�ي�ن من «�ص َّرح تعاىل يف ه��ذه الآي��ة الكرمية ب���أنَّ ا َّلذين اتَّبعوا َّ املهاجرين والأن�صار ب�إح�سان� ،أ َّنهم داخلون معهم يف ر�ضوان اهلل تعاىل ،والوعد باخللود يف اجل َّنات والفوز العظيم ...،وهو ٌ دليل قر�آين �صريح يف �أ َّن َمنْ ي�س ُّبهم ويبغ�ضهم؛ �أ َّنه ٌّ �ضال خمالف هلل ج َّل وعال ،حيث �أبغ�ض َمنْ ر�ضي اهلل عنه؛ وال َّ �شك �أ َّن بغ�ض َمنْ ر�ضي اهلل عنه م�ضادة له ج َّل وعال ،ومت ُّرد وطغيان»(.)2 ال�س َل ُف امل�ؤم ُنونَ وقوله تعاىل﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [}َ « ،]15 :و َّ ُم ِني ُبونَ �أَ ْي َف َي ِج ُب ا ِّت َبا ُع �سَ ِبيلِهِ م»(.)3 وال�س َّنة �إ َّال �إذا اتَّبع �سبيلهم � إ َّن��ه ال ميكن لأحد ـ مهما كان ـ �أن يفهم الدِّ ين ُّ ورجع �إىل فهمهم ،قال تعاىل﴿ :ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [\`] ،فم�شا َّقة و�صلي ال�� َّن��ار ،لكنَّ الآي��ة زادت﴿ :ﭷ ﭸ ﭹ ال َّر�سول وحدها موجبة للعقاب ِ ﭺ﴾ ،وهذا دليل على وجوب ا ِّتباع �سبيلهم ،وعلى �أنَّ تركه موجب ل�صلي ال َّنار، ال�سلف �إ َّال َمنْ كان يف قلبه مر�ض وبدعة؛ �إذ «�أنَّ ِ�ش َعا َر �أَ ْه ِل فال ي�ستنكف عن ا ِّتباع َّ ال�س َل ِف»(.)4 البدَ ِع :هُ َو َت ْر ُك ا ْن ِت َح ِال ا ِّت َبا ِع َّ وقد �أمرنا اهلل ع َّز َّ وجل �أن نكون معهم فقال﴿ :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [\ ،]eق��ال اب��ن عمر « :Èم��ع حممد Í ال�صحابة و�أهل و�أ�صحابه»( ،)5وهل يعقل �أن يكون هناك �صادقون �أعظم و�أف�ضل من َّ القرون ال َّثالثة امل�شهود لهم باخلري َّية!؟ ((( «�أ�ضواء البيان» (.)148/2 ((( «جمموع الفتاوى» (.)500/20 ((( «جمموع الفتاوى» (.)155/4 ((( رواه ابن �أبي حامت يف «تف�سريه» رقم (.)10097
30
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
قال الإم��ام امل�صلح ابن بادي�س « ::الإ�سالم � مَّإنا هو يف كتاب اهلل و�س َّنة ر�سوله Íوما كان عليه �سل ُفها من �أهل القرون ال�صادق امل�صدوق»(.)7 ال َّثالثة امل�شهود لهم باخلري َّية على ل�سان َّ �إنَّ القرون ال َّثالثة الأوىل هي خري جمتمع عرفته الب�شر َّية يف ال�صالح واال�ستقامة والعدل والإح�سان� ،شهد بذلك املن�صفون َّ م��ن امل�سلمني وغ�يره��م ،و�أث��ب��ت ذل��ك ال�� َّت��اري��خ ا َّل���ذي مل يتل َّوث بلوثة راف�ض َّية� ،أو نزعة اعتزال َّية� ،أو ثورة خارج َّية� ،أو �سف�سطة عقالن َّية� ،أو �شطحات �صوف َّية! �إ َّنه ال ي�صلح حال امل�سلمني وال تقوم لهم قائمة وال جتتمع لهم كلمة �إ َّال بال ُّرجوع �إىل هذا الدِّ ين ،وفْقَ َف ْه ِم القرون امل�شهود لها ال�صحابة ،íقال ر�سول اهلل :Í باخلري َّية، وبخا�صة قرن َّ َّ يى ْاخ ِت َ رياَ ،ف َعلَ ْي ُك ْم « َف�إِ َّن ُه َمنْ َي ِع�شْ مِ ْن ُك ْم َب ْعدِ ي َف َ�س رَ َ ال ًفا َك ِث ً ب�س َّنتِي َو ُ�س َّن ِة ا ُ خللَ َفا ِء ال َّرا�شِ دِ َ ين املَهْدِ ِّي َ ني ،تمَ َ َّ�س ُكوا بهَاَ ،وع َُّ�ضوا ُ َعلَ ْيهَا بال َّنوَاجِ ذِ .)8(» ... قال الإمام مالك :يف كلمته امل�شهورة« :ال ي�صلح �آخر هذه الأ َّمة �إ َّال ما �أ�صلح �أولها». يتم�سك مبا كان عليه وبعد هذا ك ِّله ،كيف ُين َك ُر على مَ��نْ َّ ال�سلف وعلى ر�أ�سهم �أهل القرون َّ بحبل متم�سك ٍ املف�ضلة ،مع �أ َّنه ِّ َّ متني و�آ ٍو �إىل ركن �شديد! قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية « ::ال ع ْي َب على َمنْ �أَ ْظ َه َر انت�سب �إليه واعتَزَ ى �إليه ،بل َي ِج ُب َق ُب ُ ول ذلك منه ال�س َل ِف َو َ َ مذهب َّ ال�س َل ِف َال َي ُكونُ �إ َّال َح ًّقا»(.)9 باال ِّت َف ِاق؛ ف�إنَّ َ مذهب َّ و�صدق عمر بن عبد العزيز :حيث قالَ « :فا ْر�ضَ لنف�سك ِ
رب العاملني. و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل ِّ
( ((1رواه ابن َّ و�ضاح يف «البدع وال َّنهي عنها» ( 30ـ .)31
مسائل منهجية
بي َ Íقالَ : ي وعنْ َع ْب ِد ا ِ «خ رْ ُ َ هلل بن م�سعود َ Çع ِن ال َّن ِّ ين َي ُلو َن ُه ْم ُث�� َّم ا َّلذِ َ ا�س َق��رْنيِ ث َّم ا َّلذِ َ ين َي ُلو َن ُه ْم ُث�� َّم يَجِ ي ُء ال َّن ِ �أَ ْق َوا ٌم َت�سْ ِب ُق َ�شهَا َد ُة �أَ َحدِ هِ ْم يمَ ِي َن ُه وَيمَ ِي ُن ُه َ�شهَا َد َتهُ»(.)6 فهذه تزكية من ر�سول اهلل Íلأهل هذه القرون ال َّثالثة، وهي دليل على ف�ضلهم وعل ِّو درجتهم ،وبرها ٌن على علمهم و�صالح وحج ٌة على �أ َّنهم �أح ُّق �أن ُيتَّبعوا و ُيقتدى بهم. قلوبهم و�أعمالهمَّ ،
ال�سابقون و�إ َّنهم َعنْ ِع ْل ٍم ما َر ِ�ض َي به القوم لأنف�سهم ،ف�إ َّنهم َّ افذ ك ُّفوا»(.)10 َو َق ُفوا، وبب�صر َن ٍ ٍ ن�س�أل اهلل ـ َّ ال�سالم َة والعافي َة؛ ف�إ َّنه مل ُي�ؤتَ �أح ٌد جل وعال ـ َّ ُّ قط بعدَ اليقني � َ أف�ضل منهما ،كما ن�س�أله تعاىل الهداية والتَّوفيق يخت�ص اهلل تعاىل بها يحب وير�ضى ،ف�إنَّ الهداي َة هب ٌة ر َّبان َّي ٌة لمِ ا ُّ ُّ َمن ي�شاء من عباده ،ف�ض ًال منه ونعم ًة ،وهو العليم احلكيم ،ذو الف�ضل العظيم.
((( رواه البخاري ( )2652وم�سلم (.)2533 ((( «الآثار» (.)73/5 ((( حديث �صحيح رواه �أحمد ( ،)17145وعنه �أبو داود (.)4607 ((( «جمموع الفتاوى» (.)149/4
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
31
سيرة وتاريخ
�سليم جموبي
طالب يف مرحلة الدكتوراه
تك َّلم بع�ض الأجن��ا���س احلاقدين من �أه��ل الإفك امل��ع��ا���ص��ري��ن ـ وي���دع���ى« :ي��ا���س��ر احل��ب��ي��ب» ـ يف عر�ض ال َّ��ط��اه��رة العفيفة ,ا َ حل�����ص��ان ال���� َّرزان ,ال�صدِّيقة بنت ال�صدِّيق عائ�ش َة �أ ِّم امل�ؤمنني áوعن �أبيها ،وهذا ِّ املتك ِّلم مل ي�ض َّر �إ َّال نف�سه ،ول��ن ي�ض َّر �أ َّم امل�ؤمنني �أُ ًّفا مما ُرميت وال ُت ًّفا) ،(1كيف وقد ب َّر�أها اهلل ـ عز وجل ـ َّ به ،و�أن��زل يف �ش�أنها قر�آ ًنا يتلى �إىل يوم الدِّين ،ولك َّنه احلق ُد الدَّفني والبغ�ض َّ املبطن واملعلن من ال َّرواف�ض الأ َّفاكني ل�صحابة ر�سول اهلل ﴿ ،Ìﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒﮓﮔﮕ﴾ [_ ]118 :وكيف يكون هذا الأ َّفاك الأثيم يا�س ًرا حبي ًبا وهو يتع َّر�ض لعر�ض ر�سول اهلل ،Ìفواهلل وباهلل وتاهلل! �إ َّنه لعا�سر بغي�ض من ويحب �أه��ل بيته، يحب ر�سول اهلل ،Ì ُّ �سني �صادق ُّ ك ِّل ٍّ ويحب �أ َّمهات امل�ؤمنني و�صحابته الكرام .í ُّ ورحم اهلل �أبا الأ�سود الدُّ �ؤيل ،لو مل يخرتع ال َّنقط على احلروف) (2ملا ُقرئ ا�سم هذا ال َّلعني �إ َّال هكذا «نا�شز ُّ ي�ستحق. اخلبيث» ،عليه من اهلل ما
((( الأف :ال َو�سَ خُ ا َّلذي َح ْو َل ُّ الظ ُف ِر والتُّفُّ ا َّلذي فيه ،وقيل :الأُ ُّف و�سَ خ الأُذن والتُّفُّ و�سَ خ الأَظفار ،وقيل :الأُ ُّف والأَ َفف ال ِق َّلة والتُّفُّ من�سوق على �أُ ّف، ومعناه كمعناه«[ .ل�سان العرب» (مادَّة� :أفف)]. ((( وقيل� :أ َّول من و�ضع ذلك ن�صر بن عا�صم ال َّليثي ،و�أ َّول من �شكل امل�صحف �أبو الأ�سودَّ ،ثم ع َّدل ذلك اخلليل بن �أحمد الفراهيدي؛ ف�صار ال َّنقط َّ وال�شكل على ما هو عليه بني �أيدينا اليوم.
روائ��ح الـمسك م����ن ف���وائ���د ق��ص��ة اإلف���ك ق�صة الإف��ك فوائد عظيمة وع�بر ج�سيمة� ،أو�صلها �إنَّ يف َّ ال�سبعني ،وجاوز بها �آخرون املائة) ،(1و�س�أذكر منها بع�ضهم �إىل َّ ب�إذن اهلل ما ينا�سب املقام. مما رماها به � ُ أهل الإفك، براءة � ِّأم امل�ؤمنني عائ�ش َة َّ á ب�شهادة اهلل yلها ،وت�سميته ما قيل فيها �إفكا ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [ ]11 :tوب��ه��ت��ا ًن��ا عظي ًما ﴿ :ﮰ ﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﯟ﴾ [ ،]16 :tوب�شهادة ر�سول اهلل Íيف قوله�« :أَ ْب�شِ ري َيا عَائ َِ�ش ُة! �أَ َّما اهلل َف َق ْد َب َّر�أَكِ ». من رمى � َّأم امل�ؤمنني بالفاح�شة بعد نزول هذه الآيات فهو كاف ٌر مرت ٌّد ب�إجماع امل�سلمني)(2؛ لأ َّنه ِّ مكذ ٌب هلل ور�سوله .Í يف قول عائ�ش َة يف احلديث« :وك��ان ا َّل��ذي تولىَّ كربه عبد اهلل بن �أبي بن �سلول» تف�سري لقوله تعاىل﴿ :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [.]11 :t وال َّ �شك �أن نا�شز اخلبيث هو ا َّلذي تولىَّ ك َرب ذلك يف هذه الأ َّيام ،فله ن�صيب من هذه الآية ـ ب�إذن اهلل ـ ،ومن قوله تعاىل: ﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [� ،]23 :tإن مل يتداركه اهلل بالتَّوبة من نحلته ومذهبه. ((( انظر مث ًال يف فوائد هذا احلديث« :فتح الباري» ( ،)479/8و«�شرح ال َّنووي على م�سلم» (.)113/17 ((( نق���ل الإجماع ابن كثري يف «تف�س�ي�ره» ،وابن القي���م يف «زاد الـمعاد» ،وال َّنووي يف «�شرح م�سلم».
32
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
يف قوله تعاىل ﴿ :ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ يعني امل�ؤمنني ويف مق َّدمتهم � ُآل �أب��ي بكر ،واخل�ير م�ستم ٌّر �إىل يوم ال َّنا�س هذا ،ومنه ظهور ف�ضل عائ�شة وا�شتها ُره وانت�شاره بني ال َّنا�س ،وجتديد املح َّبة لها ،وال��دِّ ف��ا ُع عنها وعن عر�ض ر�سول اهلل ،Ìيظهر ذل��ك م��ن خ�لال م��ا ُك��ت��ب و ُ�أل��ق��ي م��ن ق�صائد ومقاالت وحما�ضرات وندوات على َّ ال�شبكة ،ويف القنوات ،ومن افت�ضاح َّ الطاعن فيها واملتن ِّق�ص لها ،هو ومن هو اخلري كذلك ُ خ�صو�صا بعد ��دم اغ�ترار ال َّنا�س بهم، على مذهبه ونحلته ،وع ُ ً ن�صرهم املزعوم على اليهود ،فلي�س الفرح بهزمية اليهود ب�أوىل من الفرح بهزميتهم ،بل كالهما يفرح به ،ال�سيما وهما وجهان لعملة واحدة ،ولي�س ر� ُأ�س م َّلتهم عبد اهلل بن �سب�أ �إ َّال يهود ًّيا �أظهر بخاف ال�س ِّر والعلن ٍ الإ�سالم ليكيد �أه َله ،وما التَّعاون بينهم يف ِّ على من يفقه الواقع ويقر�أ التَّاريخ ،وما �سقوط بغداد يف القدمي الظاملني َّ واحلديث ع َّنا ببعيد ،فال َّلهم ا�ضرب َّ بالظاملني و�أخرجنا من بينهم �ساملني. بيان عفَّة عائ�شة وحيائها حني ر�أت �صفوان بن َّ املعطل Çقالت« :فخ َّمرت وجهي بجلبابي» بيان عفَّة �صفوان Çوحيائه ،فلم يزد حني ر�آها على �أن ا�سرتجع؛ قالت عائ�شة« :وواهلل ما ك َّلمني كلم ًة وال �سمعتُ منه كلم ًة غ َري ا�سرتجاعه». ممن ميازح وي�ضاحك من يعرف ومن ال يعرف من ف�أين هذا َّ احتج بحجج دين َّية! ال ِّن�ساء ،وربمَّ ا َّ يف قولها ل ِّأم م�سطح�« :أت�س ِّبني رج ًال قد �شهد بد ًرا» ف�ضيلة بي Í لأهل بدر ومنهم م�سطح بن �أثاثة ،Çوقد قال ال َّن ُّ
فلتخر�س الأق�ل�ام ال�� َّداع��ي��ة �إىل ال�� َّت��ق��ارب م��ع ال َّرواف�ض، ِّ بح َّجة �أنَّ ذلك ُيثري ال�س َّنةُ ، واملخذلة ملن يدافع عن بي�ضة �أهل ُّ الفنت َّ الطائف َّية. ال�صحابة والقرابة هم �أ�صحاب الفنت املنتحلون ِّ ل�سب َّ ومثريوها ،وب�سببهم ح��دث التَّف ُّرق بني امل�سلمني ،ودليله من احلديث ما حدث بني الأو�س واخلزرج بح�ضرة ر�سول اهلل Í ب�سبب الكالم يف � ِّأم امل�ؤمنني حتَّى ه َّد�أهم و�س َّكتهم.
((( جمع عمامة.
((( متَّفق عليه.
سيرة وتاريخ
يف قوله تعاىل﴿ :ﭕ ﭖ﴾ �أي :جماعة منكم ينت�سبون �إليكم ،وه�ؤالء منهم من ُيظهر الإ�سالم ويبطن الكفر ،ومنهم من هو م�ؤمنٌ ح ًّقا لك َّنه اغ َّرت بكالم املنافقني فوقع فيما وقع فيه ،وفيه حتذير للم�سلمني من �أنا�س من بني جلدتنا ويتك َّلمون ب�أل�سنتنا، يزعمون االنت�ساب للإ�سالم ،ويلب�سون القم�ص وال ِعمام)،(3 والإ�سالم منهم بريء براءة عائ�شة من الإف��ك ،وهذا البغي�ض منهم بال ٍّ �شك ،هو و�أمثاله.
لعمر ابن َّ اخلطاب« :ومَا ُي ْدر َ ِيك َل َع َّل اهلل َّ اطلَ َع َعلَى �أَه��لِ َبد ٍر َف َقا َلْ :اع َم ُلوا مَا �شِ ْئ ُت ْم َف ْق ْد َغ َف ْر ُت َل ُك ْم»).(4 وال�صالح والعفَّة َّ والطهارة ال ينبغي �أن من ُعرف بالتَّقوى َّ ُي َ�شان مبج َّرد َّ ال�شائعات .ودليله من احلديث ،قول �أ�سامة :Ç «يا ر�سول اهلل هم �أهلك وال نعلم �إ َّال خ ًريا» ،وكذا ما ذك َرته بريرة عن عائ�شة. البحثُ عن حال من اتُّهم ب�شيء ،و�س� ُؤال من يعرفه حتى بي Íبريرة عن يتبينَّ �أم��� ُره ،ودليله من احلديث �س�ؤال ال َّن ِّ وخ�صه ُ بع�ضهم مبن كان �أم ُره َيعنيك ،و�إ َّال فال. عائ�شةَّ , خا�صة �إذا كان من م�شروعية ِّ ذب امل�سلم عن عر�ض �أخيه َّ �أهل الف�ضل ،ومنه قول عائ�شة ل ِّأم م�سطح� :أت�س ِّبني رج ًال قد �شهد رياَ ،و َل َق ْد بد ًرا ,وقوله َ « :Íف َواهلل مَا َعلِمتُ َعلَى �أَهْ لِي �إِ َّال َخ ً َذ َك ُروا َر ُج ً ريا». ال مَا َعلِمتُ َعلَي ِه �إِ َّال َخ ً وال�صالح �أو يتَّهمهم ،ولو كراهة من يطعن يف �أهل الف�ضل َّ كان من الأقربني ،ودليله من احلديث �إنكار عائ�شة áدعاء � ِّأم م�سطح على ولدها. َّ وعر�ض زوجاته لي�س من بي Í ِ الطعن يف عر�ض ال َّن ِّ الأم��ور اله ِّينة ا َّلتي ُي�سكت عليها و ُيلتم�س فيها العذ ُر للمخالف ﴿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [\ ،]tبل هو من الأمور العظيمة ا َّلتي تُ�ضرب دونها الأعناق ،ودليله من احلديث قول �سعد بن معاذ ـ وكان �س ِّيد الأو�س ـ :يا ر�سول اهلل! �إن كان يف الأو�س �ضربنا عنقه ،و�إن كان من �إخواننا اخلزرج �أمرتنا ففعلنا �أمرك. وهذا ال َّنا�شز اخلبيث حقي ٌق ب�أن تُ�ضرب عن ُقه.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
33
سيرة وتاريخ 34
ال�صحابة والقرابة من �صفات املنافقني ،والدِّ فا ُع ع َّمن ُّ �سب َّ والتما�س العذر له واملجادل ُة عنه من �صفات املنافقني ي�س ُّبهم ُ كذلك ،ودليله من احلديث ،قول �أ�سيد بن ح�ضري Çل�سعد «كذبت ل َعمر اهلل لنقتل َّنه ،ف�إ َّنك منافق جتادل ابن عبادة :Ç َ عن املنافقني». ال�صحابة و�سادتهم ،وهو و�سعد بن عبادة Çمن كبار َّ البخاري �أ َّنه �شهِ د بد ًرا �س ِّيد اخلزرج ،و�شهِ د بيعة العقبة ،و�أثبت ُّ � ً أي�ضا ،وحا�شاه �أن يكون من املنافقني ،ولكن كما قالت عائ�شة: «وكان رج ًال �صا ً حلا ،ولكن اجتهلته احلم َّية»� ,أي� :أغ�ضبته. ال�صالح �إذا ويف قول عائ�شة áدلي ٌل على �أنَّ ال َّرجل َّ ال�صالح، ح�صل منه ز َّلة �أو هفوة؛ مل ُيخرجه ذلك عن ِ و�صف َّ و ُيعتذر له يف ذلك مع بيان خط ِئه. احلم َّي ُة للع�صبة �أو القرابة �أو القوم �أو الوطن توقع فيما ال حُتمد عقباه ،ودليله من احلديث :فثار احل َّيان الأو�س واخلزرج حتَّى ه ُّموا �أن يقتتلوا. ذ ُّم الغ�ضب؛ ف�إ َّنه ُيخرج احلليم املتَّقي �إىل ما ال يليق به، ال�س ْعدين و�أُ�سيد بن ح�ضري ودليله من احلديث ما ح�صل بني َّ والأو�س واخلزرج. يتع�صب للباطل ويدافع جواز الإغالظ يف القول على من َّ عن املبطلني ،ودليله من احلديث ما ح�صل بني �أُ�سيد و�سعد بن بي Íلذلك. عبادة Èوعدم �إنكار ال َّن ِّ الغيب على الإط�ل�اق ،بل ال َيعلم بي Íال َيعلم َ � أنَّ ال َّن َّ منه �إ َّال ما �أطلعه اهلل عليه ،ودليله من احلديث قوله لعائ�شة �« :áأَ َّم��ا َبع ُد َيا عَائ َِ�ش ُةَ ،ف���إِ َّن�� ُه َق�� ْد َبلَ َغنِي َع ْنكِ َك�� َذا َو َك َذا، َف�إِ ْن ُكنتِ َبرِي َئ ًة َف َ�سيُبرَ ِّ ُئكِ اهلل َو�إِن ُكنتِ �أَملَمتِ ِب َذ ْنبٍ َفا�سْ َت ْغ ِفرِي اهلل َو ُتوبِي �إِ َل ْيهِ» ,فلو كان يعلم الغيب لأخرب ال َّنا�س برباءتها. من وق��ع يف مع�صية مهما ُ عظمت ف���إ َّن��ه يتوب �إىل اهلل وي�ستغفره ،واهلل َ yيقبل ال�� َّت��وب��ة ع��ن ع��ب��اده ,ودل��ي��ل��ه من بي Íلعائ�شة َ « :áو�إِن ُكنتِ �أَملَمتِ ِب َذ ْنبٍ احلديث قول ال َّن ِّ َفا�سْ َت ْغ ِف ِري اهلل َو ُتوبِي �إِ َل ْي ِه َف���إِ َّن ال َع ْب َد ِ�إ َذا ِاعْ�َتفرَ َ َف ِب َذ ْنبٍ ُث َّم اب اهلل َعلَ ْيهِ». اب؛ َت َ َت َ بجرح �أو ُط ِعن يف عر�ضه بغري حقٍّ ،وكان بري ًئا من تُك ِّلم فيه ٍ
ف�صرب وف َّو�ض �أمره �إىل اهلل؛ ف�إنَّ اهلل ُيظهر ف�ضله وبراءته عند ال َّنا�س عاج ًال �أو �آج ًال ،ودليله يف احلديث قول عائ�شة :á «و�إنيِّ واهلل ما �أجد يل ولكم مث ً ال �إ َّال كما قال �أبو يو�سف﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [ ،»]18 :hف�أنزل اهلل براءتها يف �آيات تتلى �إىل يوم القيامة. ف�ضيلة �أخ��رى لعائ�شة وهي توا�ضعها اجل ّ��م ،واحتقارها لنف�سها يف جنب اهلل ،yعلى ال ُّرغم من عل ِّو كعبها يف الإ�سالم حينئذ �أعلم ورفع ِة مكانتها ،ودليله من احلديث قولها« :و�أنا واهلل ٍ �أنيِّ بريئ ٌة و�أنَّ اهلل مربئي برباءتي ولكن واهلل ما كنت �أظنُّ �أن وحي يتلى و َل�شَ�أنيِ كان �أحق َر يف نف�سي من �أن ينزل يف �ش�أين ٌ يتك َّلم اهلل َّ yيف ب�أمر يتلى». � أنَّ الواجب على امل�ؤمنني �إح�سان َّ الظنِّ ب�إخوانهم ال �سيما ال�صالح منهم ،ودليله قوله تعاىل﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ �أهل َّ ﭸ ﭹ﴾ [.]12 :t ��ال �شخ�ص ما؛ من مل يعلم بتفا�صيل حادثة مع َّينة �أو ح ِ كف ل�سانه و� ُ فالواجب عليه ُّ إم�ساك نف�سه عن اخلو�ض فيما مل يتبينَّ منه ،و�أن ال ي�شارك يف انت�شار َّ ال�شائعات ،حتَّى ال يكون له ن�صيب من �إثم عواقبها ,ودليله قوله تعاىل ﴿ :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ
ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ﴾
[\.]t الكف عن الكالم واخلو�ض يف َّ ُّ ال�شائعات ويف �أعرا�ض ينجي �صاح َبه, علم �أو ب ِّينة من الورع املحمود ا َّلذي ِّ ال َّنا�س بغري ٍ بنت جح�ش :áيا ر�سول اهلل ودليله من احلديث ،قول زينب ِ �أحمي �سمعي وب�صري ،واهلل ما علمت �إ َّال خ ًريا؛ قالت عائ�شة: «...فع�صمها اهلل بالورع». ال�صدِّ يق Çوق�� َّو ُة �إميانه ويقي ِنه، ف�ضيلة �أب��ي بكر ِّ ووقو ُفه عند حدود اهلل ع َّز َّ وجل ،ودليله من احلديث قوله ـ ملَّا أحب �أن يغفر اهلل يل ,فرجع �إىل م�سطح نزلت الآية ـ :واهلل �إنيِّ ل ُّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
سيرة وتاريخ
ال َّنفقة ا َّلتي كان ينفق عليه وقال« :ال �أنزعها منه �أبدً ا». ف�سبحان اهلل العظيم!! ت�ص َّور لو �أنَّ رج ًال فق ًريا تُنفق عليه طلب منه� ،إح�سا ًنا منك �إليه،ال تريد منه جزا ًء وال �شكو ًرا، بغري ٍ َّثم يتك َّلم يف عر�ض ابنتك ويتَّهمها ب�شيءٍ عظيم ،و�أيِّ �شيء؟ بفاح�شة الزِّ نى! َّثم يقال لك :ا�ستمِ َّر يف ال َّنفقة عليه� ،أكان �أحدُنا يفعل ذلك؟! ولك َّنه الإميان ا َّلذي وقر يف قلب هذا ال َّرجل حتَّى �سمي �صدِّ ي ًقا. ِّ فت ًّبا لقوم اتَّخذوا �س َّبه دي ًنا يتد َّينون به ،و�شعا ًرا يتم َّيزون رجل «نطقت بف�ضله الآيات والأخبار, به ،كيف يكون ذلك يف ٍ واجتمع على بيعته املهاجرون والأن�����ص��ار ,فيا ُمبغ�ضيه يف ال�صغار؛ قلوبكم من ِذكره نار ,ك َّلما تُليت ف�ضائله عال عليهم َّ �أ ُت��رى مل ي�سمع ال َّرواف�ض الكفَّار ﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [ .]40 :e املحجة فما دُعي �إىل الإ�سالم فما تلعثم وال �أبى ,و�سار على َّ زل وال كبا ,و�صرب يف م َّدته من مدى العدى على وقع َّ َّ ال�شبا),(5 و�أكرث يف الإنفاق فما ق َّلل حتَّى تخ َّلل بالعبا) ،(6تاهلل لقد زاد على ال�سبك يف ِّ كل دينار دينار ﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ َّ [.]40 :e بي Íيف �شبا ِبه؟ من ذا ا َّلذي �سبق �إىل من كان قرين ال َّن ِّ الإميان من �أ�صحا ِبه؟ من ا َّلذي �أفتى بح�ضرته �سري ًعا يف جوا ِبه؟ من �أ َّول من �ص َّلى معه؟ ومن �آخر من �ص َّلى ِبه؟ من ا َّلذي �ضاجعه فاعرفوا حقَّ اجلار. بعد املوت يف ترا ِبه؟ ِ
خوف احل��وادث ,فقال ال َّر�سول ما ظ ُّنك باثنني واهلل ال َّثالث، ال�سكينة فارتفع ُ خوف احلادث ،فزال القلق وطاب َعي�ش فنزلت َّ الـماكث ,فقام م� ِّؤذن ال َّن�صر ينادي على ر�ؤو�س منائر الأم�صار: ﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [.]40 :e وبغ�ضه يد ُّل على خبث َّ ح ُّبه واهلل ر� ُأ�س احلنيف َّيةُ , الطو َّية، واحلج ُة على ذلك قو َّية ،لوال ال�صحابة والقرابة, َّ فهو خري َّ �صح ُة �إمامته م��ا ق ِبل اب��ن احلنف َّية؛ مه ًال م��ه ً �لا ،ف���إنَّ دم َّ ال َّرواف�ض قد فار. واهلل ما �أحببناه لهوانا ,وال نعتقد يف غ�يره ه��وان��ا ,ولكن «ر�ض َيك ر�سول اهلل لديننا� ,أفال علي Çوكفاناِ : �أخذنا بقول ٍّ نر�ضاك لدُنيانا» ،تاهلل لقد �أخذتَ من ال َّرواف�ض بال َّثار. ال�صدِّ يق علينا ,فنحن نق�ضي مبدائحه تاهلل! لقد وجب ح ُّق ِّ ال�سنى) (8عينا ,فمن كان راف�ض ًّيا فال يعد ونق ُّر مبا نق ُّر به من َّ �إلينا ،و ْليقل :يل �أعذار»).(9
ال�صحابة وبعدُ ،فينبغي التَّنبيه على �أنَّ َ الواجب ذك ُر جميع َّ ُّ ال�صحبة باخلري والكف ع َّما �شجر بينهم ،ف�إنَّ لهم من �شرف ُّ ون�شر الدِّ ين وجبال وال ُّن�صرة و�شهود املغازي ِ و�صدق الإمي��ان ِ احل�سنات م��ا يَ��ذه ُ��ب ب��ح�� ُره ب��ال�� َّزب��د ج��ف��ا ًء ،ر���ض��ي اهلل عنهم مما �أجمعني ،وما تق َّدم ِذك��ره من ا�ستنباط الفوائد والأحكام َّ وقع بينهم؛ ال يوجب َ تنزيل هذه الأحكام عليهم وال التَّن ُّق�ص من َّ بفهم وا�ستيقاظ ,و�أب��ان من ِّ واحلط من �أعيانهم؛ و� مَّإنا املراد ال ِعربة والعظة ،وما ن�ص الكتاب �أقدارهم، نه�ض يوم ال�� ِّر َّدة ٍ معنى َّ دق عن حديد الأحلاظ, ُّ فاملحب يفرح بف�ضائله واملُبغ�ض زال هذا الأمر �صني َع العلماء املتقدِّ مني واملت� ِّأخرين ،وما نحن �إ َّال يغتاظ ،ح�سر ُة ال َّر ِّ نغرف. نعرف ،ومن بحرهم ِ اف�ضي �أن يف َّر من جمل�س ِذك��ره ,ولكن �أين من ِعلمهم ِ الفرار؟ تي�سر يل جم ُعه ،و�س ُهل علي �إخراجه ،ويف احلديث هذا ما َّ كم وقى ال َّر َ أخ�ص به يف حياته �سول Íباملال وال َّنف�س ,وكان � َّ ف��وائ��د و ُد َرر ،تذكر يف منا�سبات �أُخَ���ر ،و�أ���س���أل اهلل يل ولكم وهو �ضجيعه يف ال َّرم�س) ،(7ف�ضائله جل َّية وهي خل َّية عن ال َّلب�س؛ ي�صرف عن امل�سلمني الإخ�لا���ص يف ال َّنوافل والفرائ�ض ،و�أن ِ يا عج ًبا! من ِّ يغطي عني �ضو ِء َّ ال�شم�س يف ن�صف ال َّنهار. ال�صحابة و�آل البيت الأطهار، كيدَ ال َّرواف�ض ،و�أن يرزقنا َّ حب َّ ال�صدِّ يق من لقد دخ�لا غ��ا ًرا ال َي�سكنه الب��ث ,فا�ستوح�ش ِّ ويدخ َلنا اجل َّنة ويج َرينا من ال َّنار. ((( َّ ال�سيف وحدُّه«[ .ل�سان العرب» (مادَّة� :شبا)]. ال�شبا :جمع �شباة :طرف َّ ((( العبا� :أ�صلها العباء� ،أي الك�ساء ،واملراد حتَّى �أتاه املوت فجعل يف الكفن. ((( ال ِّرم�س :القرب.
ال�سنى� :ضوء ال َّنار والربق. ((( َّ ((( من «الفوائد» البن القيم ( 84ـ .)85
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
35
تزكية وآداب
التقوى
حقيقتها ،وأهميتها وثمراتها عبد الغني عـو�سـات تقوى اهلل �أن يجعل العبد بينه وبني ما يخافه ويحذره وقاي ًة تقيه منه ,وال يت�أ َّتى له ذلك �إ َّال بفعل الأوامر واجتناب ال َّنواهي ,وحقيقة ذلك ك ِّله يف العمل بطاعة اهلل �إميا ًنا واحت�سا ًبا� ,أم ًرا ونه ًيا ,فيفعل ما �أمر اهلل به �إميا ًنا ب�أمره وت�صدي ًقا بوعده, ويرتك ما نهى اهلل عنه �إميا ًنا بال َّنهي وخو ًفا من وعيده كل �شيءٍ وجماع ِّ �إنَّ التَّقوى ر�أ���س ِّ كل خ ٍري ,وهي غاية الدِّ ين وو�ص َّية اهلل تعاىل لل َّنا�س �أجمعني؛ الأ َّولني منهم والآخرين, ق��ال اهلل ت��ع��اىل﴿ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾
[`.]131 : وه��ي �أعظم و�ص َّي ٍة للعباد وخ�ير زاد بي Íلأ َّمته, ليوم املعاد ,وهي و�ص َّية ال َّن ِّ ال�س ْم ِع و�صي ُك ْم ب َت ْق َوى ا ِ قال �« :Íأُ ِ هلل َو َّ َوال َّ ���ط���اعَ���ةِ )1(»...فقد ك��ان Íكث ًريا ما يو�صي بها يف خطبه ومواعظه. وكان �إذا بعث �أم ًريا على �سر َّية �أو�صاه خا�صة نف�سه بتقوى اهلل ومبن معه من يف َّ امل�سلمني خ ًريا(.)2 ال�صالح يتوا�صون بها ال�سلف َّ ومل يزل َّ وال�صاحلني, كاخللفاء ال َّرا�شدين والأمراء َّ مت�سكهم بها متي ًنا ،وتوا�صيهم بها فكان ُّ ال�سلمي ,رواه ((( جزء من حديث العربا�ض بن �سارية ُّ �أبو داود ( ,)4607رِّ والتمذي ( ،)2676وقال: «حديث ح�سن �صحيح». ((( �أخرجه م�سلم ( )1731من حديث بريدة .Ç
36
مبي ًنا ,وا�ست�صحابهم �إ َّياها معي ًنا ,وكانوا يجعلونها ن�صب �أعينهم ,وميزان �أقوالهم و�أفعالهم يف ِّ كل جمال�سهم ومواقفهم. ال�سلف �إىل � ٍأخ له� :أو�صيك «كتب رج ٌل من َّ بتقوى اهلل؛ ف�إ َّنها �أكرم ما �أ�سررت ،و�أزين ما �أظهرت ،و�أف�ضل ما ا َّدخرت� ,أعاننا اهلل و�إ َّياك عليها ,و�أوجب لنا ولك ثوابها»(.)3 لذلك كانت و�ص َّيته Íملعاذ بن جبل Çبتقوى اهلل وجعلها م�ستغرق ًة ِّ لكل �أحواله وم�ستح�ضرة يف ِّ كل �ش�ؤونه فقال له ِ « :Íا َّتقِ َ اهلل َح ْي ُث َما ُكنْتَ » �أي :اتَّقه يف خلوتك وجلوتك ,يف من�شطك ومكرهك, وح ِّلك وترحالك ,ويف ر�ضاك وغ�ضبك, و�ش َّدتك ورخائك ,فهي دليل احل��ذر من ال�ش ِّر ,و�سبيل َّ َّ الظفر باخلري. ذك��ر احل��اف��ظ اب��ن رج��ب :نقو ًال كثرية يف كتابه «جامع العلوم واحلكم» ال�سلف بالتَّقوى ورعايتَهم لها تُظهر عناي َة َّ وروايتَهم فيها ودرايتَهم بها.
حقيقتها ومم���ا روي وذك���ر عنهم يف تعريف َّ وخوا�صها وبيان �أ�صلها حقيقة التَّقوى ِّ وحدِّ ها ـ وهي كثرية ـ(:)4 قول عمر بن عبد العزيز « ::لي�س تقوى اهلل ب�صيام ال َّنهار وال بقيام الليل والتَّخليط فيما بني ذلك ,ولكن تقوى اهلل ُ ترك ما ح َّرم اهلل ،و�أداء ما افرت�ض اهلل». وعلى ه��ذا تكون تقوى اهلل �أن يجعل العبد بينه وبني ما يخافه ويحذره وقاي ًة تقيه م��ن��ه ,وال ي��ت���أ َّت��ى ل��ه ذل��ك �إ َّال بفعل
((( راجع «جامع العلوم واحلكم» البن رجب (.)158
((( انظر «جامع العلوم واحلكم» ( 168ـ .)171
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
ومما قيل كذلك يف حقيقة التَّقوى ,ما َّ قاله طلق بن حبيب :ـ ملَّا كانت فتنة ابن الأ�شعث ـ�« :إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتَّقوى؛ قالوا :وما التَّقوى؟ قال� :أن تعمل بطاعة اهلل على نو ٍر من اهلل ترجو ثواب اهلل و�أن ترتك مع�صية اهلل على نو ٍر من اهلل تخاف عقاب اهلل»(.)7 ((( «ال ِّر�سالة التَّبوك َّية» البن الق ِّيم (.)43 ((( انظر «جامع العلوم واحلكم» البن رجب (.)170 ((( �أخر ج���ه اب���ن املب���ارك يف «ال ُّز ه���د» ( ,)1054 وه َّن���اد بن ال�س���ري يف «ال ُّز ه���د» ( ,)522وابن �أبي �ش���يبة يف «امل�ص َّنف» ( ,)32 /11و�أبو نعيم يف «احللي���ة» ( .)64 /3
قال ابن الق ِّيم« :وهذا من �أح�سن ما قيل يف حدِّ التَّقوى»(.)8 وقال احلافظ َّ الذهبي مع ِّل ًقا على قول طلق يف التَّقوى�« :أبدع و�أوجز ,فال تقوى �إ َّال ٍ بعمل ،وال عمل �إ َّال برت ٍّو من العلم واال ِّتباع ,وال ينفع ذلك �إ َّال بالإخال�ص هلل ,ال ليقال فالن ت ٌ ��ارك للمعا�صي بنور الفقه� ,إذ املعا�صي يفتقر اجتنابها �إىل معرفتها ,ويكون رَّ التك خو ًفا من اهلل ,ال ليمدح برتكها؛ فمن داوم على هذه الو�ص َّية فقد فاز»(.)9 عمل وقال ابن الق ِّيم كذلك« :ف�إنَّ ك َّل ٍ الب�� َّد له من مبد�إ وغاية فال يكون العمل ط��اع�� ًة وق��رب�� ًة ح�� َّت��ى ي��ك��ون م�����ص��دره عن الإمي��ان ,فيكون الباعث عليه هو الإميان املح�ض ال ال��ع��ادة وال ال��ه��وى ،وال طلب املحمدة واجل��اه وغ�ير ذل��ك ,بل الب�� َّد �أن ثواب يكون مبد�ؤه حم�ضَ الإميان وغايتُه َ اهلل وابتغاء مر�ضاته وهو االحت�ساب»(.)10 وم���ن خ�ل�ال ه���ذا ال�� َّت��ع��ري��ف والبيان حلقيقة ال�� َّت��ق��وى تظهر عظمة �ش�أنها يف حياة الإن�سان وعل ُّو منزلتها عند الواحد ال َّد َّيان ،و�أ َّنها امليزان لتفا�ضل ال َّنا�س كما ن�ص القر�آن ,ولذلك كان مق ُّرها يف الإن�سان َّ القلب ,ا َّلذي هو �أعظم ع�ض ٍو يف الإن�سان, وا َّل��ذي عليه م��دار �صالح �سائر الأع�ضاء والأرك����ان حيث ب�صالحه ي�صلح اجل�سد كلُّه ,وبف�ساده يف�سد اجل�سد كلُّه كما جاء من قوله �« :Íأَ َال َو�إِ َّن ِيف ا َ جل َ�سدِ مُ�ض َغ ًة �إِ َذا َ�صلَ َحتْ َ�صلَ َح ا َ جل َ�س ُد ُك ُّل ُه َو�إِ َذا َف َ�س َدتْ َف َ�س َد ا َ لب»(.)11 جل َ�س ُد ُك ُّل ُه �أَ َال َوهِ َي ال َق ُ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [\®] ,قال ابن الق ِّيم« :وكلمة التَّقوى هي الكلمة ا َّلتي يتَّقى اهلل بها ,و�أعلى �أنواع هذه الكلمة هي قول« :ال �إله �إ َّال اهلل»َّ ,ثم ك ُّل كلم ٍة ُيتَّقى اهلل بها بعدها فهي من كلمة التَّقوى»(.)14
((( «ال ِّر�سالة التَّبوك َّية» (.)45 ((( «�سري �أعالم ال ُّنبالء» (.)601/4 (« ((1ال ِّر�سالة التَّبوك َّية» (.)45 (�« ((1صحيح البخاري» ( )52و«�صحيح م�سلم» (.)1599
(� ((1أخرجه م�سلم (.)2564 (�« ((1صحيح م�سلم» (.)2564 ( ((1انظرَّ : «ال�ضوء املنري على التَّف�سري» (،)403/5 «�شفاء العليل» (�ص.)60
تزكية وآداب
الأوام��ر واجتناب ال َّنواهي ,وحقيقة ذلك ك ِّله يف العمل بطاعة اهلل �إميا ًنا واحت�سا ًبا, �أم�� ًرا ونه ًيا ,فيفعل ما �أمر اهلل به �إميا ًنا ب�أمره وت�صدي ًقا بوعده ,ويرتك ما نهى اهلل عنه �إميا ًنا بال َّنهي وخو ًفا من وعيده»(.)5 وقال احل�سن الب�صري « ::املتَّقون اتَّقوا ما ح َّرم اهلل عليهم و�أ َّدوا ما افرت�ض اهلل عليهم»(.)6
و�أ�شار َ Íلـ َّما حت َّدث عن التَّقوى �إىل �صدره ثالث م َّرات( ,)12وي�ؤ ِّيد ذلك وي�ؤ ِّكده قوله تعاىل﴿ :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [\.]r وق���ال �« :Íإِ َّن اهلل َال َي��ن ُْ��ظ�� ُر ِ�إ ىَل � ُ���ص��� َو ِر ُك��� ْم َو�أَمْ��� َوالِ��� ُك��� ْم َو َل���كِ���نْ َي��ن ُ��ظ�� ُر �إِ ىَل ُق ُلوب ُك ْم َو�أَع َما ِل ُك ْم»(.)13 و�إذا كان حم ُّل التَّقوى القلب ف�إ َّنه ال َّ يطلع على حقيقتها �إ َّال اهلل تعاىل ا َّلذي هو ع َّ �لام الغيوب ,قال اهلل تعاىل﴿ :ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [\.]³ و�إنَّ التَّقوى من �أعظم املطالب و�أكرم املكا�سب ,و�صاحبها يف �أعلى املراتب ,وهي أهم َّية عظمى يف حياة العبد امل�ؤمن. ذات � ِّ أهميتها أهميتها وي�ؤ ِّيد القول و�إنَّ َّ مما يد ُّل على � ِّ بعظم قدرها وعموم �أثرها ما يلي: ك��ون��ه��ا ـ ال�� َّت��ق��وى ـ ُو���س��م��ت بكلمة و�سميت بها :قال التَّوحيد والإخ�لا���ص ِّ تعاىل﴿ :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
37
تزكية وآداب وق����ال جم��اه��د ب��ن ج�ب�ر�« :إنَّ كلمة التَّقوى الإخال�ص»(.)15 وه��ي كذلك ميزان التَّفا�ضل بني ال َّنا�س وع��ن��وان �أه��ل الإك���رام والإع���زاز, ق���ال ت��ع��اىل﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﮋ﴾ [\¯] ,وما يف هذه الآية يد ُّلك على �أنَّ التَّقوى هي املراعى عند اهلل وعند ر�سوله Íدون احل�سب وال َّن�سب. هي ميزان الأعمال وميزة ح�سنها وبرهان قبولها وعنوانها و�شعار �أهلها, ق���ال ت���ع���اىل﴿ :ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [\ ,]aقال ابن الق ِّيم :: «و�أح�سن ما قيل يف تف�سري الآية� :أ َّنه � مَّإنا يتق َّبل اهلل عمل من اتَّقاه يف هذا العمل, وتقواه فيه �أن يكون لوجهه على موافقة �أمره ,وهذا � مَّإنا يح�صل بالعلم ,و�إذا كان هذا منزلة العلم وموقعه ُع ِلم �أ َّنه �أ�شرف (« ((1تف�س�ي�ر القرطب���ي» ( ,)691 /16وقال علي بن �أب���ي طلحة عن اب���ن ع َّبا�س :Èقوله تعاىل: ﴿ﮢ ﮣ ﮤ﴾ بق���ول �ش���هادة �أن ال �إله �إلأَّ اهلل وهي ر�أ�س ِّ كل تقوى.
38
وكانت و�ص َّي ًة عظيمة َّ أهم َّية ملا �شيءٍ و�أجلُّه و�أف�ضله»(.)16 ال�ش�أن وال ِّ وه���ي و���ص�� َّي��ة الأنبياء �أو�صى اهلل تعاىل بها ك َّل الرب َّية ،فقال تعاىل: لأقوامهم ,فكانت حمتوى ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ب���ي���ان���ه���م وم��ق��ت�����ض��ى ﮧﮨﮩﮪ﴾ [`.]131 : أهميته���ا وعظمتها نبي وتتج َّل���ى كذلك � ِّ خطابهم ,فما من ٍّ �أر�سله اهلل �إ َّال �أو�صى لـ َّم���ا �أم���ر اهلل تع���اىل خلق���ه بعبادت���ه ق����وم����ه ب���ت���ق���وى اهلل لتحقيقه���ا ,فال َّتق���وى ثم���ر ٌة للعب���ادة, ومم���ا جاء يف تعاىل ,و�أ َّكد يف الو�ص َّية والعب���اد ُة و�س���يل ٌة لل َّتق���وىَّ , ذل���ك من البيان م���ا ورد ذكره يف القر�آن أهم َّية. ملا لها من ال ِّ ف��ب��ه��ا �أو����ص���ى ن����و ٌح ºم���ن قول���ه تع���اىل﴿ :ﮜ ﮝ ﮞ ق��ومَ��ه ,ق��ال ت��ع��اىل﴿ :ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [\ ,]vوعليها ﮦ ﮧ﴾ [\^] ,وقول���ه تع���اىل يف ال�ص���يام و�أ َّنه من �أكرب �أ�س���باب التَّقوى قامت ودام��ت و�ص َّي ُة غ�يره من الأنبياء �آية ِّ وامل��ر���س��ل�ين ,ق��ال ت��ع��اىل عنهم﴿ :ﮥ ﮦ حيث قال تع���اىل﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [\ ,]vﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ وق���ال ت��ع��اىل﴿ :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [\^]. وك��ذا �أو���ص��ى اهلل تعاىل بالتزام �أمره ﭸ ﭹ﴾ [\ ,]vوق��ال تعاىل: وال�سري يف طريقه وعدم ﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ وع��دم مع�صيته َّ [\ ,]vوهكذا ا�ستم َّرت الو�ص َّية بها احليدة عنه ,وبذلك يح ِّقق العبد التَّقوى, بي وه���ي مقت�ضى ت��ل��ك ال��و���ص�� َّي��ة ح��ي��ث قال ـ من قبل الأنبياء ـ جميعهم ,وزادها ال َّن ُّ حم َّم ٌد Íبيا ًنا لعظيم �ش�أنها وت�أكيدً ا تعاىل﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ أهميتها. على � ِّ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ أهم َّية َّ ومم���ا ي���د ُّل ك��ذل��ك ع��ل��ى � ِّ التَّقوى �أمر اهلل لعباده عام ًة بالتَّح ِّلي بها [\.]b َّ ثمارها خا�صة حيث �أمرهم و�أ َّكد ذلك للم�ؤمنني َّ ومما جاء يف ذلك من �إنَّ اهلل تعاىل �أكرم �أهل التَّقوى ف�أ�سبغ بتقواه حقَّ تقاتهَّ , الأد َّل����ة ق��ول��ه ت��ع��اىل﴿ :ﯔ ﯕﯖ عليهم ثما ًرا وف�ضائل كثرية وعظيم ًة ب�سبب ﯗ﴾ [\ ,]sوق��ول��ه ت��ع��اىل﴿ :ﮘ التَّقوى ,وجعل فوائدها ومنافعها كثري ًة ﮙﮚ﴾ [\ ,]¤وقال تعاىل﴿ :ﭤ وعميم ًة يف حياتهم ال ُّدنيا ,وكذا يف الآخرة. وهذه ال ِّثمار كثرية ال حت�صى وغزيرة ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ال ت�ستق�صى ,فهي �أك�ثر من �أن حت�صر ﭯﭰ﴾ [\_]. و�أ�شهر من �أن تذكر ,فنذكر منها ما ح�ضر ال�سعادة» (.)82/1 (« ((1مفتاح دار َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙﭚﭛ ﭜﭝﭞ
[\¸] ,وقال
ﭟﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥ
التَّقوى �سب ًبا لك َِّل ع�سر» راجع َّ «ال�ضوء املنري على التَّف�سري» (.)625/5 ( ((1البن الفاكهاين ر�سالة لطيفة جمع فيها بع�ض املف�سرين يف هذه الآية ,وو�سمها بـ «:الغاية �أقوال ِّ الق�صوى يف الكالم على �آية التَّقوى».
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ
ﯠ ﯡ ﯢ﴾
()17
تعاىل﴿ :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭦ ﭧ﴾ [\.]f فك ُّل من كان تق ًّيا كان هلل ول ًّيا ,ومن ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [.]29 :d � أنَّ اهلل تعاىل يجعل للمتَّقي من كان عن التَّقوى متخ ِّل ًيا مل يكن هلل ول ًّيا ك ِّ���ل ه ٍّ���م ف��� َر ًج���ا ,وم���ن ك ِّ���ل ���ض��ي ٍ��ق �سع ًة ول��و ك��ان بال َّدعوى متح ِّل ًيا ,ق��ال تعاىل: ��رج��ا ,وم��ن ك ِّ��ل ب�لاءٍ عاقبة ,ومنها ﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ وخم ً أي�ضا حت�صيل ال ِّرزق له ,وتي�سري الأمور ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ � ً عليه ,ق��ال تعاىل﴿ :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ [\.]d ()18 بالتَّقوى ي��ن��ال العبد حم�� َّب��ة اهلل, ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [\ ,]Àوقال تعاىل﴿ :ﯱ ﯲ ﯳ ويكون اهلل معه ,ق��ال �سبحانه﴿ :ﮣ ﮤ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [\ ,]Àﮥ ﮦ ﮧ﴾ [\ ,]eوق���ال خمرجا تعاىل﴿ :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ قال ال َّربيع بن خثيم« :يجعل له ً من ِّ ﮟ﴾ [\^]. كل ما �ضاق على ال َّنا�س». ( ((1قال ابن الق ِّيم :يف تف�سري هذه الآية�« :ضمن جن��اة العبد من ال َّنار بعد الورود اهلل تعاىل لهم بالتَّقوى ثالثة �أمور: َّقي عليها �أحدها� :أعطاهم ن�صيبني من رحمته؛ ن�صي ًبا عليها يوم القيامة بحيث يرد الت ُّ يف الدُّنيا ,ون�صي ًبا يف الآخرة, ن�صيبني.وقد ي�ضاعف لهم ورودًا ينجو به من عذابها ,بينما َّ الظاملون ن�صيب الآخرة في�صري ال َّثاين� :أعطاهم نو ًرا مي�شون به يف ُّ الظلمات. يردونها ورودًا ي�صريون جث ًّيا فيها ب�سبب ال َّثالث :مغفرة ذنوبهم ,وهذه غاية التَّي�سري ,فقد ُّ الظلم ,قال تعاىل﴿ :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ جعل اهلل تعاىل التَّقوى �سب ًبا ِّ لكل ي�سر ,وترك
تزكية وآداب
الذكر ال احل�صر ,تذكر ًة ِّ على �سبيل ِّ لكل م َّدكر ومعترب ,ونذكر من ثمرات التَّقوى ما يلي: � أنَّ �صاحبها ي��و ِّف��ق��ه اهلل تعاىل ل��ت��ح�����ص��ي��ل ال��ع��ل��م ال��� َّن���اف���ع ,وي��ج��ع��ل له ب�سببها نو ًرا يهتدي به يف ظلمات اجلهل َّ وال�ضالل ،ويرزقه ب�صري ًة وفرقا ًنا مي ِّيز به بني احل��قِّ والباطل ,واخل�ير َّ وال�ش ِّر, قال اهلل تعاىل﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
�سبب كونه من ورثة ج َّنة تكفري ���س�� ِّي��ئ��ات امل�� َّت��ق��ي ,وتعظيم � أ َّنها تكون َ �أج���وره ,وم�ضاعفة ح�سناته ول��و مع ي�سر ال َّنعيم ,قال تعاىل ﴿ :ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ عمله ,قال تعاىل ﴿ :ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾ [\.]o ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [\.]À ح�صول العاقبة احل�سنة َّ والط ِّيبة قال ابن كثري�« :أي يذهب عنه املحذور, لهم يف ال ُّدنيا والآخ��رة ﴿ :ﯴ ﯵ َّ ويجزل له الثواب على العمل الي�سري .»...ﯶ﴾ [\.]x نيل والية اهلل تعاىل ا َّلتي ال تنال �إ َّال و�إنَّ ث��م��ار ال�� َّت��ق��وى ك��ث�يرة وغ��زي��رة, بطاعته وخ�شيته �سبحانه ,وحت�صل له بها ومتن ِّوعة متعدِّ ية ,ال ميكن ذكرها وح�صرها الب�شرى يف ال ُّدنيا والآخ��رة ,قال تعاىل :يف هذا املقال. و� مَّإنا ذكرنا بع�ضها على �سبيل املثال حتَّى يح�سن بها االمتثال في�سعد �صاحبها يف احل��ال وامل���آلَ , واهلل ن�س�أل �أن يرزقنا التَّقوى يف ِّ كل الأحوال.
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾
[\.]o
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
39
فتاوى شرعية
�أ .د .حممد علي فركو�س �أ�ستاذ بكلية العلوم الإ�سالمية بجامعة اجلزائر
يف حكم �صالة اجلنازة يف �أوقات الكراهة ال�سـ�ؤال: ُّ عامر � Çأ َّنه قالَ « :ث َ ال ُث َ�ساعَاتٍ جاء يف ِ حديث عقب َة ِبن ٍ َكا َن َر ُ�س ُ هلل َ Íي ْنهَا َنا �أَ ْن ُن َ�ص ِّل َي فِيهِنَّ �أَ ْو �أَ ْن َنقْبرُ َ فِيهِنَّ ول ا ِ ني َت ْط ُل ُع َّ ال�ش ْم ُ�س َبا ِز َغ ًة َح َّتى َت ْر َت ِف َعَ ،وحِ َ َم ْو َتا َنا :حِ َ ني َي ُقو ُم َقا ِئ ُم َّ �ين َت َ�ض َّي ُف َّ ري ِة َح َّتى تمَ ِي َل َّ ال�ش ْم ُ�سَ ،وحِ َ ال�ش ْم ُ�س الظ ِه َ ِل ْل ُغ ُروبِ َح َّتى َت ْغ ُر َب»(.)1 أوقات؟ فهل ت�ص ُّح �صال ُة اجلناز ِة يف هذه ال ِ اجلـواب: الم على َمنْ �أر�سله احلم ُد هلل ِّ وال�س ُ رب العاملنيَّ ، وال�صال ُة َّ ُ اهلل رحم ًة للعاملني ،وعلى �آله و�صَ ْح ِب ِه و�إخوا ِنه �إىل يوم الدِّ ين، �أ َّما بعد: وغ�ي�ره ِمنَ �����ص�لا ِة يف ه��ذا احل��دي ِ��ث ِ ُ فعموم ال�� َّن��ه ِ��ي ع ِ��ن ال َّ أوقات الكراه ِة حممو ٌل على ال ِ ال�صال ِة يف � ِ أحاديث ال َّناهي ِة ِ عن َّ أ�سباب ال�صلواتُ ذواتُ ال ِ �صال ِة التَّط ُّو ِع ا َّلتي ال �سبب لها� ،أ َّما َّ الفجر و�س َّن ِة الفجر بعد فل ك�س َّن ِة كق�ضا ِء الفرائ�ض �أو ِ فوائت ال َّن ِ ِ ِ ِ ُّ الك�سوف وركعت َِي امل�سجد و�صال ِة الع�صر ،وكذا حت َّي ِة هر بعد ِ ِ ِ الظ ِ َّ عموم واف وغ ِريها ِمن ِ الط ِ ذوات ال ِ أ�سباب ،ف�إ َّنها ُخ َّ�ص ْت ِمن ِ ((( �أخرجه م�سلم (.)831
40
ال�صال ِة لأد َّل ٍة د َّل ْت عليهاُ ، مثل قو ِله َ « :Íمنْ َن�سِ َي هي ِ عن َّ ال َّن ِ َ�ص َ ال ًة �أَ ْو َنا َم َع ْنهَا َف َك َّفا َر ُتهَا �أَ ْن ُي َ�ص ِّليهَا ِ�إ َذا َذ َك َرهَا»(َ ،)2و َق ْو ِله :Í «�إِ َذا د ََخ�� َل �أَ َح�� ُد ُك�� ُم املَ�سْ جِ َد َف َ ال َي ْجل ِْ�س َح َّتى َي ْر َك َع َر ْك َع َتينْ ِ»(،)3 اف َال تمَْ َن ُعوا �أَ َحدًا َط َ وقو ِله َ « :Íيا َبنِي َع ْبدِ َم َن ٍ اف ِب َه َذا ال َب ْيتِ َو َ�ص َّلى �أَ َّية َ�سا َع ٍة َ�شا َء مِ نْ َل ْيلٍ َ�أ ْو َنهَارٍ»( ،)4ونح ِوها ِمنَ الأد َّل ِة. أ�سباب ،والإجما ُع منعق ٌد و�صال ُة اجلناز ِة معدود ٌة ِمن ِ ذوات ال ِ على جوا ِز �أدا ِئها يف ِّ والع�صر. ال�ص ِبح كل ال ِ ِ أوقات مبا يف ذلك بعد ُّ قال ابنُ قدام َة « ::قال ابنُ املنذرِ� :إجما ُع امل�سلمني يف ال�صال ُة عليها ال�صال ِة على اجلناز ِة بعد ِ الع�صر ُّ وال�ص ِبح ،و�أ َّما َّ َّ عامر فال يجوز»(.)5 أوقات ال َّثالث ِة ا َّلتي يف ِ يف ال ِ حديث عقب َة ِبن ٍ قلتُ :و� مَّإنا الكراه ُة فيما �إذا كان يتح َّرى ـ عمدً ا ـ �صالتَها بخالف ما �إذا ح�صل اتَّفا ًقا؛ فال كراه َة يف أوقات ال َّثالث ِة، ِ يف ال ِ بيان أوقات( ،)6قال ابنُ تيم َّي َة :يف َم ْع ِر ِ�ض ِ عموم ال ِ �أدا ِئها يف ِ عامر �« :Çصال ُة اجلناز ِة ال ُت ْك َر ُه يف هذا ِ حديث عقب َة ِبن ٍ أوقات ِ فن �إىل هذه ال ِ الوقت بالإجما ِع ،و� مَّإنا معناه تع ُّم ُد ت�أخ ِري ال َّد ِ الع�صر �إىل ا�صفرا ِر َّ م�س بال كما ُي ْك َر ُه تع ُّم ُد ت�أخ ِري �صال ِة ال�ش ِ ِ أوقات بال تع ُّم ٍد فال ُي ْك َر ُه»(،)7 عذرٍ ،ف�أ َّما �إذا وقع الدَّفنُ يف هذه ال ِ هلل تعاىل. والعلم عند ا ِ ُ أن�س بن مالك .Ç ((( �أخرجه البخاري ( ،)597وم�سلم ( )684وال َّلفظ له ،من حديث � ِ ((( �أخرجه البخاري ( ،)1167وم�سلم ( ،)714من حديث �أبي قتادة الأن�صاري .Ç ((( �أخرجه رِّ التمذي ( ،)868وال َّن�سائي ( ،)585من حديث جبري بن مطعم ،Ç �صححه الألبا ُّ ين يف «الإرواء» (.)481 واحلديث َّ ((( «املغني» البن قدامة (.)110/2 ((( «املجموع» لل َّنووي (.)213/5 للبعلي (.)82 ((( «االختيارات الفقه َّية من فتاوى ابن تيم َّية» ِّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
ال�س�ؤال: ُّ ب�صرف ال ُّنقو ِد حيث بائن ِ هل يجوز �أن �أتعام َل مع ِ بع�ض ال َّز ِ وجد عندي �سوى (750دج) يف ُيعطونني (1000دج) وال ُي َ ذلك الوقت ،فيقول يل ال َّز ُ بون« :هاتِ ما عندك مِ ن مالٍ ، ني». والباقي �أعود �إليه قري ًبا �أو بعد ح ٍ فهل جتوز مث ُل هذه املعاملةِ؟ اجلواب: بع�ض ال ُعمل ِة وت� ُ االفرتاق ولو البع�ض ال َآخ ِر بعد أجيل ِ ِ ا�ستالم ِ ُ العقد، �شرعا ـ النتفا ِء التَّقا ُب ِ�ض يف جمل�س ِ بزمن ي�س ٍري ال يجوز ـ ً ِ ٍ وهو ٌ رف ،وال ُ إخ�لال به ُي�صيرِّ العقدَ ربو ًّيا ال�ص ِ �شرط يف عمل َّي ِة َّ بن�ص قو ِله َ « :Íو َال َت ِبي ُعوا مِ ْنهَا َغا ِئ ًبا ِمنْ ِر َبا البيو ِع املح َّر ِم ِّ ِب َناجِ زٍ»( ،)8وقو ِله ...« :Íمِ ْث ً ب�س َواءٍَ ،ي��دًا ب َيدٍ ، ال ِ مب ْثلٍ �َ ،س َوا ًء َ َف����إِ َذا ْاخ َتلَ َفتْ هَ��ذِ ِه ا َلأ���صْ�� َن ُ ��اف َف ِبي ُعوا َك ْي َف �شِ ْئ ُت ْم ِ�إ َذا َك��ا َن َيدًا ِب َيدٍ »( ،)9ولقو ِله « :Íال َّذه َُب بال َّذهَبِ ِر ًب��ا �إِ َّال هَ��ا َء َوهَ���اءَ»(،)10 واحد ي�ستلم ك ُّل ٍ لذلك ال يجوز للمت�صا ِرفَينْ �أن يتف َّرقا �إ َّال بعد �أن َ هلل تعاىل. رف كام ًال، والعلم عند ا ِ ال�ص ِ ُ منهما مبل َغ َّ ((( �أخرجه البخاري ( ،)2177وم�سلم ( ،)1584من حديث �أبي �سعيد اخلدري .Ç ال�صامت .Ç ((( �أخرجه م�سلم ( ،)1587من حديث عبادة بن َّ (� ((1أخرجه البخاري ( ،)2134من حديث عمر بن َّ اخلطاب ،Çو�أخرجه م�سلم ( )1586بلفظ« :ال َور ُِق بِال َّذهَبِ ِربًا �إِ َّال هَا َء َوهَاءَ».
ال�س�ؤال: ُّ ب�س ِّم ال َّنحل ِة عل ًما �أ َّن العال َج بها ي�ؤدِّي �إىل هل يجوز ال َّتداوي ُ هي ال َّنبويُّ عن قتلِ ال َّنحلِ؟ قتلِها ،وقد ورد ال َّن ُ وجزاك ُم ُ ريا. اهلل خ ً اجلواب: وب�سم ال َّنحل ِة عموماِّ ، بال�س ِّم ً ُ حكم التَّداوي ُّ املقام يقت�ضي بيانَ ِ هي عن قت ِلها. خ�صو�صا ِ ً ملكان ال َّن ِ عموما له فعال َّيتُه ف�إذا � ِ بال�س ِّم ً أثبتت التَّجار ُِب �أنَّ التَّدا ِوي ُّ وغلبت وكانت احلاج ُة �إليه ُم ِل َّح ًة، املر�ض، عالج ِ ِ ِ وجناعتُه يف ِ ��وال ��ص��ح �أق ِ ال�سالم ُة ِم��ن �أث ِ َ���ره ،ف���إ َّن��ه يجوز ال�� َّت��داوي به على �أ� ِّ َّ ��ون َّ ال�ش َّرين ،وهو العلماءِ؛ عم ًال ب�أعلى امل�صلحتني ،ودف ًعا لأه ِ مذهب جمهو ِر العلما ِء(.)11 ُ و�س ُّم ال َّنحل ِة ـ و�إن مل يكن ُم ِ�ض ًّرا �أو قات ًال يف جمل ِته ـ �إ َّال �أنَّ ُ حل، أحوال ـ قد َي ُ�ض ُّر بمَِ ن لهم ح�سا�س َّي ٌة لل َّن ِ بع�ض ال ِ العالج به ـ يف ِ َ القلب َّ وال�شراي ِني ،ومر�ضى الق�صو ِر ال ُك َل ِويِّ وت�ش ُّم ِع وكذا مر�ضى ِ الك ِب ِد ،وقد َي ُ�ض ُّر ـ � ً أي�ضا ـ �إذا ما زِيدَ عن حدِّ ه املعينَّ ِ . الهالك عموما �إن كان ي�ؤدِّي �إىل ِ بال�س ِّم ً ُ واملعلوم �أنَّ التَّدا ِو َي ُّ كل ًّيا �أو غال ًبا؛ ف�إ َّنه يمُ ْ َنع منه لقو ِله تعاىل﴿ :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [\`] ،وقو ِله تعاىل﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [^ ،]195 :وقو ِله َ « :Íو َم���نْ حَ َ ت َّ�سى ُ�س ًّما َف َق َت َل َن ْف َ�س ُه َف ُ�س ُّم ُه يف يَدِ ِه َي َت َح َّ�سا ُه يف َنا ِر َج َه َّن َم َخا ِلدًا مخُ َ َّلدًا فِيهَا �أَ َبدًا»(.)12 ا�س قتل ال َّنحل ِة يف ِ هي عن ِ ابن ع َّب ٍ حديث ِ هذا؛ وقد ورد ال َّن ُ Èقالَ « :ن َهى َر ُ�س ُ اب: ول ا ِ هلل َ Íعنْ َقت ِْل �أَ ْرب ٍَ��ع ِمنَ ال َّد َو ِّ ال�ص َر ِد»( ،)13وذلك لمَِا يف قت ِلها ِمنْ ال َّن ْم َل ِة َوال َّن ْح َل ِة َوال ُه ْدهُ ِد َو ُّ
فتاوى شرعية
يف حكم ت�أجيل التقاب�ض يف �صرف العمالت
يف ال َّتداوي ب�س ِّم ال َّنحلة
لل�شافعي (« ،)115/3املجموع» لل َّنووي (َّ ،)37/9 ( ((1انظر« :الأم» َّ «ك�شاف القناع» للبهوتي (�« ،)76/2شرح الزُّرقاين على خمت�صر خليل» (« ،)27/3حا�شية ال َّرو�ض املربع» لل َّنجدي (.)8/3 (� ((1أخرجه البخاري ( ،)5779وم�سلم ( ،)109من حديث �أبي هريرة .Ç (� ((1أخرجه �أحمد ( ،)3066و�أبو داود ( ،)5267من حديث ابن عبا�س ,È و�صح َحه الألباين يف «الإرواء» (.)2490 َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
41
فتاوى شرعية
كالع�سل َّ وال�شم ِع ونح ِوهما ،وقت ُلها بغ ِري وحرمان خ ٍري مال ِ �إ�ضاع ِة ٍ ِ بعموم قو ِله تعاىل﴿ :ﮁ وج ِه حقٍّ يندرج يف الإف�سا ِد ا َمل ْنهِ ِّي عنه ِ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [\^]. ٌ وال يخفى �أنَّ ما نهى َّ م�شروط مبا �إذا مل َي ْ�ص ُد ْر ال�شر ُع عن قت ِله منه �أذىً �أو �ضر ٌر ،ف�إنْ ح�صل منه اعتدا ٌء �أو �أذىً َّ حل قت ُله؛ لأنَّ َّ وواجب دف ُعه �أو �إزالتُه؛ لقو ِله َ « :Íال َ�ض َر َر �شرعا ال�ضر َر َم ْن ِف ٌّي ً ٌ َ هلل Í َو َال ِ�ض َرا َر»(،)14 وحلديث �أبي هرير َة � Çأنَّ ِ ر�سول ا ِ قالَ « :ن َز َل َن ِب ٌّي مِ َن الأَ ْن ِب َيا ِء تحَْتَ َ�ش َج َر ٍة َفلَ َد َغ ْت ُه مَْ نلَ ٌةَ ،ف�أَ َم َر ب َِجهَا ِز ِه َف�أُ ْخ ِر َج مِ نْ حَْ ت ِتهَا ُث َّم �أَ َم َر ِب َب ْي ِتهَا َف�أُ ْح ِر َق بِال َّنارَِ ،ف�أَ ْو َحى ُ اهلل ِ�إ َل��يْ��هَِ :ف َه َّ ال مَْ نلَ ًة َواحِ ���� َد ًة»( ،)15و�إنمَّ��ا عاتبه على كو ِنه �أخذ
الربي َء بغ ِري الربيءِ ،وغ ُري الربي ِء ا َّلذي ال يندفع �أذاه و�ضر ُره هي ـ � ً أي�ضا ـ ما لو ترتَّب على �إ َّال ِ بالقتل يجوز قت ُله ،ويخرج ِمنَ ال َّن ِ حل دون تع ُّم ٍد؛ فهو ُ فر ِز الع�سل حتقُّقُ ِ بع�ض ال َّن ِ ِ موت ِ قتل خط�إٍ الق�صد �إليه. لعدم ِ ِ ويندرج ـ � ً هي ما �إذا ثبت �أنَّ أي�ضا ـ ِ�ض ْمنَ هذه امل�ستث َن ِ يات ِمنَ ال َّن ِ ف�س ب�س ِّم ال َّنحل ِة هو الو�سيل ُة ال َّناجع ُة الوحيد ُة ِ حلفظ ال َّن ِ التَّدا ِو َي ُ العالج به �إىل �أ َّي ِة َم�ضَ َّر ٍة البدن ،ومل ُي�ؤَ ِّد بع�ض �أع�ضا ِء ِ �أو ِ حفظ ِ ُ خمت�ص �أو مرا ِق ٍب ط ِّب ٍّي؛ ف�إنَّ َّ ال�شريع َة إ�شراف �أو ته ُل َك ٍة محُ ت َم َل ٍة ب� ِ ٍّ ب�س ِّم ال َّنحل ِة ول ِو انتهى بقواعدها العا َّم ِة تق�ضي بجوا ِز ِ العالج ُ ِ لل�ضرور ِة العالج َّي ِة �أ َّو ًال ،وعم ًال ب� َأخ ِّف َّ الأم ُر �إىل مو ِتها َّ ال�ضررين
يف حكم البيع ب�شرط الإعفاء من َّ ال�ضمان ال�سـ�ؤال: ُّ �أملك حم ًّ ال�س َّياراتِ ،منها قط ٌع كهربائ َّي ٌة، ال لبي ِع قط ِع غيا ِر َّ وهذه يف غالبِ الأحوالِ ن�شرتيها مِ نْ �أ�صحابِ اجلمل ِة بدونِ ح�سا�سةٍ ،حيث �إ َّنها �ضمانٍ ؛ وذل��ك لأ َّن ه��ذه القط َع ج��دُّ َّ خا�ص ًة عن العملِ ملج َّر ِد خط�إٍ �صغ ٍ تتو َّقف ِ ري يف تركي ِبهاَّ ، ميكانيكي لي�س له خرب ٌة ج ِّيد ٌة ،كذلك تتو َّقف �إذا �إذا ر َّكبها ٌّ وقع ٌ خلل يف غيا ٍر � َآخ َر له �صل ٌة به ،فهل يجوز بي ُعها بدونِ �ضمانٍ ؟ عل ًما �أ َّن ال َّزبو َن ي�شرتيها م�ضط ًّرا ومكرهًا على مثلِ هذا البي ِع ،وجزاكم ُ ريا. اهلل خ ً
وال�سالم ِة �أك َم ُل و� َ أعظ ُم و� ْأه َو ِن املف�سدتني ،ولأنَّ م�صلح َة العافي ِة َّ اجلواب: اجتناب مف�سد ِة املح َّر ِم ،ونظ ُري هذه امل�س�أل ِة � ُ إنقاذ حيا ِة ِم ِ��ن ِ العيب �إذا ا�شرتط البائ ُع على امل�شرتي �إعفا َءه ِمنْ ِ �ضمان ِ املوت �إذا َل ِز َم � ُ نفخ ال ُّر ِوح فيه ـ احلامل ِمنَ ِ ِ إ�سقاط جني ِنها ولو بعد ِ عيوب يف املبي ِع، وبراءتَه ِمن م�س�ؤول َّي ِته ع َّما ميكن �أن يظه َر ِمنْ ٍ ُ أرج ِح ال ِ أقوال و�أ�صَ ِّحها ـ ،عل ًما �أنَّ هذه ال َ على � َ أحكام يجب �ضبطها وبنا ًء على �سالم ِة املبي ِع َّ الظاهر ِة َق ِب َل امل�شرتي بهذا َّ رطَّ ،ثم ال�ش ِ بقواعد احلاج ِة َّ والعلم عند اهلل تعاىل. وال�ضرور ِة، ِ ُ انتقال امللك َّي ِة �إىل رب �ساب ٌق للبي ِع قبل ِ عيب قد ٌ ظهر فيه ٌ مي معت ٌ (� ((1أخرجه ابن ماجه ( ،)2340و�أحمد ()2865؛ من حديث ابن ع َّبا�س .Èامل�شرتي �أو عند انتقا ِلها كحدٍّ �أق�صى ،ف�إنْ كان البائ ُع �س ِّي َئ ال ِّن َّي ِة �صححه الألباين يف «الإرواء» (.)408/3 واحلديث َّ بالعيب و ُيخفيه فال ي�ص ُّح ُ عيب َع ِل َمه، البخاري ( ،)3319وم�سلم ( ،)2241من حديث �أبي هريرة .Çيعلم �شرط ال�براء ِة ِمنْ ٍ ِ (� ((1أخرجه 42
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
فتاوى شرعية
ويبقى َّ ال�ضمانُ على عهد ِة البائ ِع يف ر ِّد قيم ِة املبي ِع؛ لأ َّنه مد ِّل ٌ�س يدخل حتت َّ هي الوارد يف قو ِله « :Íاملُ�سْ ِل ُم �أَ ُخو املُ�سْ ل ِِم الذ ِّم وال َّن ِ َو َال يَحِ ُّل لمِ ُ�سْ ل ٍِم َب��ا َع مِ ��نْ َ�أخِ ي ِه َب ْي ًعا فِي ِه َع ْي ٌب �إِ َّال َب َّي َن ُه َلهُ»(،)16 ويف قو ِله َ « :Íمنْ َغ َّ�ش َفلَ ْي َ�س مِ َّنا»( ،)17وعليه فال ي�سقط عنه َّ ال�ضمانُ �إ َّال �إذا �أعفاه امل�شرتي منه ،وبهذا قال اجلمهو ُر ،وهو مالك َّ أحناف مذهب ٍ افعي ورواي ٌة عن �أحمدَ ( ،)18خال ًفا لل ِ ُ وال�ش ِّ ب�شرط الرباء ِة ِمنْ ِّ عيب مطل ًقا ف�إ َّنه ي�ص ُّح البي ُع ـ عندهم ـ كل ٍ ِ بالعيب �أو جاه ًال به(.)19 �سواء كان البائ ُع عالمِ ًا ِ بالعيب في�ص ُّح عند �أ َّما �إذا كان البائ ُع َح�سَ نَ ال ِّن َّي ِة� ،أي ال يعلم ِ مالك ويف رواية عن �أحمدَ ،وهو ُ قول َّ خا�ص ًة، افعي يف ٍ ِ احليوان َّ ال�ش ِّ لعدم ارتكا ِبه ال َّ��ذ َّم ،ومت ُّهد عذرِه يف ذلك ،وبهذا ق�ضى عثمانُ ِ َ ِ Çلـ َما روى ٌ هلل بنَ ُع َم َر َبا َع ُغ َال ًما َل ُه «ع ْبدَ ا ِ مالك وغ ُريه �أنَّ َ هلل ِبن ب َث َم مِانِا َئ ِة ِد ْرهَ ٍمَ ،و َب َاع ُه بالبرََ ا َء ِةَ ،ف َق َال ا َّل ِذي ا ْبت ََاع ُه ِل َع ْب ِد ا ِ ُع َم َر« :بال ُغ َال ِم دَا ٌء لمَ ْ ُت�سَ ِّم ِه يِل» ،فَاخْ َت�صَ َما �إِلىَ ُع ْث َمانَ ِبن َع َّفانَ ، رب هلل تعاىل ،و�آخ��� ُر دع��وان��ا � ِأن احلم ُد ِ والعلم عند ا ِ هلل ِّ ُ هلل :العاملني ،و�صَ َّلى ُ َف َق َال ال َّر ُج ُلَ « :ب َاع ِني َع ْبدً ا َو ِب ِه دَا ٌء لمَ ْ ُي�سَ ِّم ِه»َ ،و َق َال َع ْب ُد ا ِ اهلل على نب ِّينا حم َّم ٍد وعلى �آله و�صحبه و�إخوا ِنه « ِب ْع ُت ُه ِبا ْلبرََ ا َء ِة»َ ،ف َق�ضَ ى ُع ْث َمانُ بنُ َع َّفانَ َع َلى َع ْب ِد ا ِ هلل ِبن ُع َم َر �إىل يوم الدِّ ين ،و�سَ َّلم ت�سلي ًما. هلل �أَنْ �أَنْ َي ْح ِل َف َل ُه َل َق ْد َب َاع ُه ال َع ْبدَ َو َما ب ِه دَا ٌء َي ْع َل ُمهُ ،ف ََ�أ َبى َع ْب ُد ا ِ هلل َب ْعدَ َذ ِل َك ب�أَ ْل ٍف َي ْح ِل َف َوا ْرتجََ َع ال َع ْبدَ َ ،ف�صَ َّح ِع ْندَ ُه َف َب َاع ُه َعب ُد ا ِ َو َخ ْم ِ�سمِ ا َئ ِة ِد ْرهَ ٍم»(.)20 العيب حيح املختا ُر �أ َّنه ال ترب�أ ذ َّم ُة البائ ِع ِمنْ ِ �ضمان ِ وال�ص ُ َّ يعلم؛ مطل ًقا و�أنَّ �ش ْر َطه يقع الغ ًيا(� ،)21سواء َع ِل َم به البائ ُع �أو مل ْ ْ ب�شرط ي�سقط العقد ف َل ْم �شرعا مبطلق ِ ِ لأنَّ خيا َر ِ العيب ثبت ً ِ �شرط ال�براء ِة ِمنْ ِّ عيب خط ًرا وغر ًرا، كل ٍ إ�سقاط ،ولأنَّ يف ِ ال ِ �صح نه ُيه Íعن الغر ِر( ،)22وعليه وهما منتفيان ً �شرعا ،وقد َّ ُ فال ي�ص ُّح ُ و�شرطه ال ُيف ِْ�س ُد البي َع، العيوب، �شرط ال�براء ِة ِمنَ ِ
إم�ساك وال�� َّردِّ� ،أ َّم��ا ق�ضا ُء ويبقى للم�شرتي ح ُّق اخليا ِر بني ال ِ فقد خالفه ابنُ ُع َم َر ُ ،È حابي عثمانَ ْ Ç وقول َّ ال�ص ِّ وخا�ص ًة �إذا عار�ضتْه �س َّن ٌة ثابت ٌة تنهى املخا َل ِف ال يبقى ُح َّج ًة، َّ عن املخاطر ِة والغررِ. املعلوم اخلفي �أو غ ِري العيب وتقري ُر هذا اجلواب � مَّإنا هو يف ِ ِ ِّ ِ العيب َّ انتقال امللك َّي ِة فال يخ�ضع الظاه ُر و ْق َت ِ ِمنَ امل�شرتي� ،أ َّما ُ ل�ضمان البائ ِع �إذا مل َي ْع رَ ِت ْ�ض عليه امل�شرتي و ْق َت �شرا ِئه لهِ ،ومنْ ِ بالعيب و َر ِ�ض َيه ،واتَّفق مع البائ ِع باب �أَ ْولىَ �إذا كان امل�شرتي يعلم ٍ ِ إ�سقاط َّ العيب عند امل�شرتي ،ف�إنَّ ال�ض ِ على � ِ مان عليه� ،أو وقع ُ ال�ص َو ِر ـ ُيعفى ِمنْ م�س�ؤول َّي ِة ر ِّد قيم ِة املبي ِع. البائ َع ـ يف هذه ُّ َ العيب املعتبرَ ِ هو ما تنق�ص ب�سب ِبه قيم ُة عل ًما �أنَّ �ضابط ِ عرف الت َُّّجا ِر تنق�ص به عي ُنه ،ويرجع تقدي ُره �إىل ِ املبي ِع عاد ًة �أو ُ املعتبرَ ين.
(� ((1أخرجه ابن ماجه ( ،)2246واحلاكم ( ،)10/2من حديث عقبة بن عامر �صححه الألباين يف «الإرواء» (.)1321 ،Çواحلديث َّ (� ((1أخرجه رِّ التمذي ( ،)1315من حديث �أبي هريرة ،Çو�أخرجه م�سلم ( )102بلفظ«َ :منْ َغ َّ�ش َف َل ْي َ�س مِ ِّني». ( ((1انظر« :املغني» البن قدامة (« ،)197/4حا�شية الدُّ�سوقي» (« ،)123/4القوانني الفقه َّية» البن ُجزَ ي (« ،)256مغني املحتاج» ّ لل�شربيني (�« ،)53/2شرح الزَّرك�شي على خمت�صر اخلرقي» (.)597 /3 ال�صنائع» للكا�ساين (.)256/5 ( ((1انظر« :بدائع َّ «ال�سنن الكربى» ( ،)328/5والأثر (� ((2أخرجه مالك ( ،)613/2والبيهقي يف ُّ �صححه الألباين يف «الإرواء» (.)263/8 َّ ( ((2انظر« :املغني» البن قدامة (.)197/4 (� ((2أخرجه م�سلم ( ،)1513و�أحمد ( )937من حديث �أبي هريرة .Ç
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
43
سير األعالم
ُ نـابغـة األغــواط...
َّ العالمة الشيخ أبو بكر احلاج عيسى �سمري �سمراد * امسه ونسبه ومولده: هو �أبو بكر بن بلقا�سم احلاج عي�سى ،ولد �سنة (1331هـ ـ 1912م) ،ببلدة «كوينني» من بلدات «وادي �سوف» ،بحكم وجود ال�شيخ بلقا�سم من �أعوان حماكم الق�ضاء َّ والده َّ ال�شرعي بوادي �سوف ,هذا على رواية :الأ�ستاذ احل�سن ف�ضالء ،:والأ�ستاذ مربوك زيد اخلري� ،أ َّما الأ�ستاذان� :أحمد بن �أبي زيد ،و�أحمد ح َّماين ـ رحمهما اهلل ـ فذكرا �أنَّ مكان امليالد هو «الأغواط»(.)1 مل يلبث َّ ال�شيخ بلقا�سم �أن ع��ا َد �إىل الأغ���واط بعد انتهاء م�أمور َّيته ،وهكذا ن�ش�أ �أب��و بكر بهذه الواحة اجلميلة ,الواقعة و�س َّكا ُنها من القبائل بجنوب جبال «عمور» ،وعلى «وادي ْم ِزي»ُ ، ال�صميمة. العرب َّية َّ * ُّ لية: تعل ُم ُه ودراس ُت ُه َّ األو َّ َّاب على العادة اجلارية ،فتع َّلم دخل �أبو بكر يف طفول ِته الكت َ القراءة والكتابة والقر�آن على َّ ال�شيخ ابن عزُّوز ،كما حفظ بع�ض املتون العلم َّية وعيو ًنا من ق�صائد ِّ ال�شعر العربي ،وتفتَّقت مواه ُب ُه و�شغف باملطالعة وحت�صيل امل��ع��ارف وتو�سيع امل���دارك ،فك َّون لنف�س ِه �شي ًئا ف�شي ًئا ح�صيل ًة مه َّمة ،كانت مبثابة الأ�سا�س ا َّلذي ِ ب�سهم انبنت عليه حيا ُت ُه العلم َّية فيما بعدُ ،وك َّلل ذلك ب�أن �ضَ َر َب ٍ يف اللُّغة الفرن�س َّية حيثُ �أدخله �أهله «املدر�سة الفرن�س َّية». َ رعاية املصلحني: وحتت * يف مدرسة اإلصالح ِ بطلب من �أهلها ال ُ أ�ستاذ يف �سنة (1922م) ح َّل بالأغواط ٍ املُ�ص ِل ُح الأديب الكبري َّ َّاهري ،ومكث مد ِّر ً�سا ال�سعيد الز ّ ال�شيخ َّ مبدر�س ٍة عرب َّي ٍة � َّأ�س�سها �أعيانُ الأغواط واملتط ِّلعون �إىل نه�ضتها ((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة ،و�أحمد ح َّماين�« :أبو بكر احلاج عي�سى الأغواطي»، احلجة 1407هـ 28/يونيو 1987م.)4( ، جريدة «ال َّن�صر» 15 ،ذو َّ
44
بنه�ضة �أبنائها ،نح ًوا من �سنتني ـ من �أ َّول �سنة (1922م) �إىل �آخر �سنة (1923م) ،ترك فيها �أث ًرا ح�س ًنا يف التَّالميذ ،و�أَ َخ َذهُ م برتبي ٍة ح َّي ٍة ُمثمِ َرة ،وه َّي�أَ اجل َّو احل�سن يف املدر�سة َّ لل�شيخ الع َّالمة مبارك امليلي ا َّلذي َخ َل َف ُه فيها ،و�أع َّد له التَّالميذ فوجدهم َّ ال�شيخ مبارك كما ُيريد(.)2 و���ش��رع ال��ع َّ �لام��ة م��ب��ارك يف و�ضع �أ�س�س ال َّنه�ضة العلم َّية الدِّ ين َّية بالأغواط ،ومتتني �أركانها ،مبا كان ُيلقيه من ال ُّدرو�س وال َّن�صائح واخلطب يف «املدر�سة العرب َّية احل َّرة» ،ويف امل�ساجد, ويف اجتماعاته بالأهايل والأع��ي��ان« ،وك��ان َّ ال�شيخ �أب��و بكر من ال ِّآمني لهذه ال ُّدرو�س ،وهو يف زهرة �شبابه ،و َب ْد ِء ن�ضجه و�إدراكه، وتخ�ص�ص وقد �أعر�ض عن متابعة الدِّ را�سة باملدار�س الفرن�س َّية َّ للعرب َّية مع معرفته بالفرن�س َّية»(.)3 الثانويَّة َّ * الدِّراسة َّ والط ُ ريق إىل العاملَِّية: درو�س �أ�ستاذه امليلي و�أبدى رغبته َّ الطموحة «الزم �أبو بكر َ فاهتم به َّ ال�شيخ مبارك وا�ستعداده العظيم �إىل العلم والتَّل ِّقي, َّ خا�صة»( ،)4فكان �أبو بكر من �أ�صفيائه وق َّر َب ُه �إليه و�أحاطه بعناية َّ و�أق��رب تالمذته؛ �أخ��ذ عنه الفقه وال َّنحو والبالغة والتَّوحيد، اخلا�صة �أو العا َّمة ،رغم يغيب عن در� ٍ��س من درو�سه «وك��ان ال ُ َّ كثافة الربنامج و َت َك ُّد ِ�س املعارف ,فهو ي�شرح «�صحيح البخاري» و«قطر ال َّندى» و«منت الآج ُّروم َّية» ،و ُيع ِّرج على «ر�سالة ابن �أبي درو�س يف الأدب و�أخرى يف التَّف�سري ،فك َّون زيد القريواين» ،مع ٍ أ�سي�سا �أكادمي ًّيا جي ًال رياد ًّيا عالمِ ًا ،وكان التَّكوين متي ًنا م� َّؤ�س ً�سا ت� ً دقي ًقا ,و�أه�� ُّم ما َر َّ�سا ُه َّ ال�شيخ مبارك يف طلبته :ال َّ��ذوق ال َّرفيع، ((( حم َّمد دبوز «نه�ضة اجلزائر احلديثة» ( 255/3ـ 257و 262ـ .)270 ال�سابق. ((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين امل�صدر َّ ((( احل�سن ف�ضالء« :من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» ( 113/2ـ .)117
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
و�صل �أب��و بكر �إىل تون�س �سنة (1932م) برفق ِة �إخوانه وزمالئه ،وتلقَّى العلوم يف اجلامعة الزَّيتون َّية على ج َّل ٍة منهم: وال�شيخ بلح�سن ال َّن َّجارَّ ، ال�شيخ عبد العزيز جعيطَّ ، َّ وال�شيخ وال�شيخ الهادي العالئيَّ ، ال�سالم التُّون�سيَّ ، وال�شيخ حم َّمد عبد َّ وال�شيخ َّ وال�شيخ الب�شري ال َّنيفرَّ ، الزَّغواينَّ ، الطاهر بن عا�شور، وغري ه�ؤالء. مل يكتف �أبو بكر بدرو�س اجلامع ،بل كان يح�ضر َّ بالعطارين حما�ضرات الأ�ستاذ العربي الك َّبادي ،وباخللدون َّية حما�ضرات الأ�ستاذ عثمان الك َّعاك ،وك��ان ُيطال ُع لنف�سه نفائ�س املكتبة العبدل َّية ،مثل :كتاب املح�صول للفخر ال َّرازي ،وقد قر�أه قراء َة وحت�صيل. در�س ٍ ٍ وحرص ٌ * َّ بالغ: همة عظيمة ٌ الشيخ أبو بكرَّ ... ق�ضى َّ خم�س �سنني؛ �إىل ال�شيخ �أبو بكر يف الزَّيتونة نح ًوا من ِ ربيع �سنة (1937م)( ،)7كانت كلُّها يف اجلدِّ واالجتهاد واحلر�ص مرامهُ، على التَّح�صيل ا َّلذي �أث َم َر علي ِه ،حيثُ َب َّز �أقرا َنهُ ،وبل َغ َ ِّ فنب َغ ً مب�صاف العلماء الكبار يف القطر اجلزائري ـ نبوغا �أحلق ُه ((( مربوك زيد اخلريَّ : «ال�شيخ �أبو بكر احلاج عي�سى ومنهجه رَّ التبوي ال َّر�شيد» (احللقة ال�سل�سلة ال َّرابعة ،العدد(�( ،)77ص.)12: ال َّثانية) «الب�صائر»ِّ ، ((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين ,م�صدر �سابق. ((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد حماين ,م�صدر �سابق.
سير األعالم
ال�شرع َّية واللُّغو َّية بالقطوف الأدب َّية َّ وتطعيم ال َّثقافة َّ والطرائف الإب��داع�� َّي��ة ا َّل��ت��ي َّ متخ�ضت عنها ق��رائ��ح العباقرة م��ن �أدب��اء الع�صور ال َّزاهرة»(.)5 غر�س َّ ال�شيخ مبارك يف الأغواط ،ور�أى �أنَّ ا�ستعداد وملَّا منا ُ تالمذته ا َّلذين ك َّونهم و�أع َّدهم ،ال ُير ِّوي ِه �إ َّال الدِّ را�سة اجلامع َّية تالميذ ِهَّ : بال�سفر العالية� ،أ�شار على �أنب ِغ ِ ال�شيخ �أبو بكر و�إخوانه َّ �إىل تون�س ,واالنخراط يف طلبة «جامع الزَّيتونة» املعمور �آنذاك، وه��ك��ذا َّمي�� ُم��وا �شطر اجلامعة الزَّيتون َّية ل ُي�شاركوا �شيخهم و�أ�ستاذهم يف الأخذ عن كبار ْ امل�ش َي َخ ِة هناك. ال�شيوخ� :أحمد َّ و�ض َّمت تلكم البعثة الأغواط َّية ،ك ًّال من ُّ �شطة، و�أحمد بن �أب��ي زيد ق�صيبة ،وحم َّمد دهينة ،وحم َّمد َّ الط ِّيب، وحم َّمد احلدبي(.)6 أروقة جامع َّ ُروس ال ِك َبار: * يف ِ الزيتونة ود ِ
أ�ستاذ �أ�ستاذه ابن بادي�س ،وال َ أ�ستاذ ُه امليلي و� َ �أعنيَ � : أ�ستاذ العربي التَّب�سي ـ ،وقد مل�س هذه احلقيقة الأ�ستاذ �أحمد ح َّماين امليلي، وكان �شاهدً ا على ال ُّنبوغ اجلزائري يف �شخ�ص َّ ال�شيخ �أبو بكر؛ ف�إنه ملَّا دخل الزَّيتونة ـ يف البدايات ـ ،كان َّ ال�شيخ �أبو بكر ـ يف ال ِّنهايات ـ ،قال« :وقد تخ َّر َج منها بتح�صيلٍ ق َّلما ح�صل عليه �أح ٌد من املد ِّر�سني»( ،)8وقال�« :أنهى درا�سته ...بتح�صيلٍ وافرٍ يدر�س حتَّى وعلم غزيرٍ»( ،)9وقال« :كان َ ٍ عظيم اجلدِّ واالجتهاد ُ الكتب غري املق َّررة يف الربنامج الزَّيتوين ب�إيحاءٍ من �أ�ستاذه مبارك امليلي. أهم َّية كتاب «املح�صول» للإمام فخر الدِّ ين ومن ُه علمنا � ِّ خا�ص ًة ,و�أحيا ًنا كان ُيل ِّق ُننا بع�ض ال�� َّرازي ،فقد در�سَ ُه درا�س ًة َّ ال ُّدرو�س يف �سنة 1936و1937م ,و ُك َّنا يف �سنِّ الأهل َّية»(.)10 * العود ُة إىل األغواطُّ ... والشروع يف العمل: تعليم َّ الطلب ِة ا َّلذين «مبج َّرد و�صوله �إىل الأغ��واط �شرع يف ِ جتمهروا عليه يف جامع َّ ال�شيخ عبد القادر اجلياليل ـ الكائن ب�شارع عبد احلميد بن بادي�س حال ًّيا ـ»( ،)11وكان معه يف التَّدري�س ال�شيخ �أحمد َّ بهذا امل�سجد رفي ُق ُه َّ �شطة. * يف قسنطينة معاو ًنا لرائد َّ النهضة ابن باديس: َ َب َل َغ ُن ُبو ُغ َّ وو�صل نب�أُ عالِـمِ َّي ِت ِه �إىل الإمام ابن ال�شيخ �أبو بكر بادي�س رائد ال َّنه�ضة العلم َّية والدِّ ين َّية يف الوطن اجلزائري، ف�أر�سَ َل �إليه و َدع��ا ُه ليكون بجانبه يف ق�سنطينةُ :ي ُ �شارك يف درو�س َّ درو�سا عليه �أجلُّها در�س التَّف�سري �إلقاء ٍ للطلبة وليتلقَّى ً واحل��دي��ث ,والأم���ايل لأب��ي علي ال��ق��ايل ,ودرو����س يف «مقدِّ مة ابن خلدون» ،و ُن ِ��د َب لإلقاء درو� ٍ��س مبدر�سة رَّ التبية والتَّعليم [بق�سنطينة] ا َّلتي كانت يف َب ْد ِء نه�ضتها»(.)12 وتواضع ٌ * َّ بالغ: َب َج ٌّم الشيخ أبو بكر ...أَد ٌ ٌ نرت ُُك الق َّراء الكرام مع �أ َّول كلم ٍة َّ لل�شيخ �أبي بكر مبدر�سة رَّ أدب رفي ٌع ،وعبارة رائقة: التبية والتَّعليم بق�سنطينة ،وفيها � ٌ ((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين ,م�صدر �سابق. ((( �أحمد حماين« :املجاهد َّ ال�شيخ �أبو بكر الأغواطي يف ذ َّمة اهلل [�إن �شاء اهلل] ،جريدة َّ «ال�شعب» 24ذو القعدة 1407هـ 20/جويلية 1987م.)10( ، ال�سابق. ( ((1امل�صدر َّ ( ((1احل�سن ف�ضالء ,م�صدر �سابق. (� ((1أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين ,م�صدر �سابق.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
45
سير األعالم 46
بي «ب�سم اهلل ال َّرحمن ال َّرحيمَّ ، وال�صالة َّ وال�سالم على ال َّن ِّ ال�سالم عليكم �أ ُّيها الإخوة ،يج ُم ُل بي ،وقد حللتُ َّ حمل الكرميَّ ، �أ�ستاذنا بادي�س يف حمادثته ا َّلتي اعتاد ـ حفظه اهلل ـ �أن ُي�سمعكم �إ َّياها َّ كل يوم �أحد� ،أن �أعتذر �إليكم �أن َح َر ْم ُت ُكم الت ََّذ ُّوق �إىل نفا�سة معانيه وغوايل حكمه ومواعظه. هذه ال َّليلة ا َّلتي ت�ستبطئون حلولها ،وتو ُّدون ِّ بكل قلوبكم �أن ت�ش َّد جنومها ِّ بكل مغار الفتل حتَّى ال تفلت منكم فيفوتكم ك ُّل خري يف اال�ستماع �إىل داعية اخلري واحلقِّ املخل�ص ،فت�ست�ضيء نفو�سكم بف�ضل �شعاع �إمي��ان��ه املقتنع ال�� َّن��اف��ذ �إىل الأعماق, وتتز َّودون من �إخال�صه ما يطرد عنكم و�سوا�س َّ ال�شيطان ووحي البيئة الوبيئة َّ كل الأ�سبوعَّ ،ثم �أعتذر �إليكم �أ َّنكم ال ت�سمعون م ِّني متجوا حديثي ومتلُّوه! جديدً ا �إن مل ُّ وخو ًفا من �أن تنتظروا هذا احلديث فيغلبني ال ِع ُّي فال ت�سمعوه، �آثرت �أن يكون هذا احلديث مكتو ًباْ � ،إذ مل �أتع َّود حديث اجلماعات ِّ ولكل امرئٍ من دهره ما تع َّودَا! على �أنَّ تبعة هذا احلرمان ال يَدَ يل فيها ,و� مَّإنا �أم ٌر من باعث احلركة ِّ ومغذيها ارت�أى �أن يحرمكم وي�صلني ،وما ع�سى �أن يكون مقدار حرمان ليل ٍة يف تكوين رجل! علي يف هذا امليدان ر�أى تقاع�سي يف هذا امل�ضمار وغلبة احلياء َّ فرماين بكم ورماكم بي كذلك ,فال غنب وال حيف. يوجهني �إىل ه��ذه ال َّناحية من نواحي الإ�صالح �أراد �أن ِّ وم�سمع حتَّى ي�سايرين يف نزع هذا منظر منه االجتماعي على ٍ ٍ الوهم املت� ِّأ�صل م ِّني ,ولهذا التَّوجيه فوائده ونتائجه ،وال َغ ْر َو فمث ُل ُه زعيم ومن حكيم. َمنْ خَبرََ �أدواء الأ َّمة و�أدويتها ،فل َّله هو من ٍ وبعد :ف�إنَّ كلمتي هذه �إليكم لي�ست خطا ًبا وال حما�ضرة ،و� مَّإنا إخوان جمعتني و�إ َّياهم خدمة العرب َّية هي حديث مكتوب فح�سب ل ٍ ُ ون�شر الإ�سالم وت�أييد جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني يف عملها االجتماعي. وال يكون هذا احلديث يف تف�سري �آية �أو �شرح حديث ،ف�إنيِّ ف�سر وي�شرح، �أخجل من نف�سي �أن ت�سمع الأذن ا َّلتي �سمعت بادي�س ُي ِّ تف�سريي �أنا لآية �أو �شرحي حلديث ،وال �أكتمكم �أنيِّ ح�ضرت درو�س التَّف�سري واحلديث لأكابر العلماء بجامع الزَّيتونة ،فما وجدت من وال�س َّنة َّ وال�شريعة الإ�سالم َّية. ي�ضاهي بادي�س يف فهم �س ِّر القر�آن ُّ
بيت عربي »...الخ(.)13 و� مَّإنا يكون هذا احلديث يف �إن�شاد ٍ للجمعية يف عاصمة اجلزائر: مهمة إداريَّة َّ * َّ بعد �سن ٍة درا���س�� َّي�� ٍة ق�ضاها َّ ال�شيخ �أب��و بكر يف ق�سنطينة ومبدر�سة رَّ التبية والتَّعليمَ ،ع َّي َن ُه املجل�س الإداري جلمع َّية العلماء رئي�سا لـ«املكتب العمايل» بالعا�صمة لتنظيم وت�أ�سي�س ُ�ش َعب ً اجلمع َّية يف عمالة اجلزائر(.)14 * مشارك ُت ُه يف احتفال ختم َّ التفسري البن باديس: ختم ابن بادي�س لتف�سري �أُ َ قيم بق�سنطين َة حف ٌل كب ٌري ملنا�سبة ِ خم�س وع�شرين �سنة من ال��دَّر���س ،وكان كتاب اهلل تعاىل بعد ٍ كلمات يف التَّعريف بامل�شاركني يف احلفل؛ من الإبراهيم ُّي قد كتب ٍ �شعراء ُ تالميذ خطب متك ِّل ًما با�سم وخطباء ،وكان ِ املرتج ُم قد َ َ الإمام ابن بادي�س.
إبراهيمي يف التَّعريف ِب ِه« :الأ�ستاذ �أبو بكر الأغواطي: قال ال ُّ �شاب �أخذ عن الأ�ستاذ امليلي ث َّم ن َز َح ب�إ�شار ِت ِه �إىل تون�س يف بعث ٍة ٌّ �إىل جامع ال َّزيتونة ,وهو الآن [�أي� :سنة (1938م)] ي�شغ ُل مرك ًزا عمل ًّيا من مراكز جمع َّية العلماء ال يقو ُم به �إ َّال املح َّن ُكون»(.)15
اإلصالحية باألغواط: * اضطها ُد الدَّعوة َّ وكغريها من املدار�س العرب َّية احل َّرة ا َّلتي � َّأ�س�سها ُ رجال جمع َّية العلماء و�أن�صا ُرها يف قرى ومدن الوطن اجلزائري ,تع َّر�ضت مدر�سة الأغواط للإغالق ولقي مع ِّل ُموها اال�ضطهاد والتَّ�شريد، و ُمنع دعا ُة الإ�صالح واملنتمون �إىل اجلمع َّية من مزاولة �أيِّ ن�شاط ُ اخل��ن��اق ،وه��و ما ع��رف بقانون 08مار�س 1938 و�ش َّد عليهم ِ تع�سفات احلكم امل�ش�ؤومَ ،كت ََب � أغواطي �سنة (1938م) يذ ُك ُر ُّ ٌّ الع�سكري ،قال« :ف�أوعزوا �إىل َمنْ � َ أوقف �سَيرَْ املدر�سة وه َّددُوا ّ من يح�ضر االجتماع العام جلمع َّية العلماء و�أهملوا طلبات ُر َخ�ص إ�سالمي»( ،)16كما �سَ َّن ْت الإدار ُة الفرن�س َّية قوانني التَّعليم الدِّ يني ال ِّ تع�سف َّية للتَّ�ضييق على ن��وادي الإ�صالح ،فكتب َّ ال�شيخ �أبو بكر: ُّ �سهم م َُ�سدَّد للق�ضاء على «من املكتب املركزي للجمع َّية� :آخ ُر ٍ (« ((1دعائم العزِّ :يف جمع َّية رَّ ال�سل�سلة الأوىل، التبية والتَّعليم بق�سنطينة»« ،الب�صائر»ِّ ، العدد (� 6 ،)90ش َّوال 1356هـ10/دي�سمرب 1937م.)4( ، ( ((1احل�سن ف�ضالء ,م�صدر �سابق. (ِّ ((1 «ال�شهاب» ج ,4م ،)246( 4وخطبة َّ ال�شيخ �أبو بكر يف ( 249ـ .)246 ال�سل�سلة الأوىل ،العدد (3( ،)117و.)6 (« ((1الب�صائر» ِّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
�صاد ََف وجو ُد َّ ال�شيخ �أبو بكر بالعا�صمة يف مركز اجلمع َّية رئي�سا ملكتبها العمايل ،انعقاد «م���ؤمت��ر ال ُّ ��ط��رق�� َّي��ة» ـ ي��وم 15 ً �أفريل 1938م ،والأ َّي��ام ا َّلتي َت ِلي ِه ـ ،وقد كان ب�إيعازٍ من الإدارة اال�ستعمار َّية امل��اك��رة ،ويف الوقت ا َّل��ذي �أظهر فيه امل�صلحون ال�سيا�س َّية ل�ل��إدارة يف معاملتها ل�ل�أ َّم��ة اجلزائر َّية املعار�ضة ِّ وا�ضطهادها يف ح ِّر َّيتها الدِّ ين َّية وتعليم العرب َّية يف مدار�سها احل َّرة ا َّلتي � َّأ�س�ستها الأ َّم ُة مبالها وبجهد �أبنائها ،يف الوقت ا َّلذي ُع ْر ِق َل فيه التَّعليم العربي الإ�سالمي ِب�سَ نِّ قوانني جائرة ،ح َّركت الإدار ُة «الآل َة» ُّ ِّ املتدخلني يف الطرق َّية ملجابهة العلماء امل�ش ِّو�شني ال�شيخ �أبو بكر «م�ؤمتر ُّ ال�سيا�سة بزعمها! ...ح�ضر َّ الطرقية» ِّ بل «زردتهم الكربى» ،وا�ستمع �إىل مطالبهم يف نهاية «الزَّردة»، بح ْك ِم معرف ِة َّ ال�شيخ �أبو بكر وما كتبت عنها ال�صحف الفرن�س َّية ُ بال ِّل�سان الفرن�سيَ ،ن َق َل ُك َّل ذلك يف جريدة اجلمع َّية« :الب�صائر» وعيان ،ومل تخرج خطابات امل�ؤمتر عن نقطتني: عن م�شاهد ٍة ِ ال�سيا�سة ونهي الأتباع والأ َّمة عن الت ُّ َّدخل 1ـ حتر ُمي الكالم يف ِّ يف �سيا�سة فرن�سا: �����س�� ِّي��د حم�� َّم��د ب��ن املوهوب ي��ق��ول �أب���و ب��ك��ر« :وخ��ط��ب ال َّ ال�سيا�سة ،ف�س�أل ُت ُه الق�سنطيني ...وختم خطا َب ُه بالتَّنفري عن ِّ بال�سيا�سة وهل مطالبتُنا فرن�سا بحقوقنا من الغد ع َّما يق�ص ُد ِّ حت�ش ُر يف هذه ال َّلفظة ،فقال :ال ،و�إنمَّ��ا ق�صدتُ �إىل �سيا�سة االن��ت��خ��اب املُ��ف�� ِّرق��ة»ُ ،ي��ري�� ُد َّ ال�شيخ �أب��و بكر م��ن ه��ذا �أنَّ ِمنَ امل�شاركني يف امل�ؤمتر َمنْ ال يدرون ما يقولون ،ويف م�صلح ِة من َّثم يوا�صل حاك ًيا كالم عبد احلي« :يقول ابن ق ِّيم اجلوز َّية يتك َّلمون ،و�أ َّن ُهم ُح ِّر ُكوا فتح َّر ُكوا. «ثم �أن�شد نجَ ْ ُ��ل عبد احلي الكتَّاين وهُ َو َمنْ هُ َو!� :أعجبتني من كالم �أهل التَّ�ص ُّوف كلمتان: ويقول َّ ال�شيخ �أبو بكرَّ : ِّ كال�سيف �إن مل تقطعه قطعك. الوقت ـ َّ ال�س ِّيد ُ�سكريج قا�ضي م َّراك�ش ،من �أبياتها.... :دعوا ق�صيد َة َّ ـ �إن مل ت�ستعمل نف�سك يف احلقِّ ا�ستعملتها يف الباطل». ال�سيا�سة �إن رمتم جناحكم!»...الخ. ِّ وي�ستنتج م��ن ه��ذا م��دح اب��ن ال��ق�� ِّي��م لأه���ل التَّ�ص ُّوف، ُ و�سكريج هذا ،هو �أح ُد الهائمني يف التِّيجان َّية! وهو ا َّلذي �صار ُ َ فهل ه��ذا م��د ٌح �أ ْم ذ ٌّم؟ و�إ َّال فكيف ال َي�سْ َت ْح�سِ ُن م��ن مئات ال�سل�س���ة الأوىل ،الع���دد (� 14 ،)108ص���فر 1357ه���ـ� 15/أفري���ل (« ((1الب�ص���ائر»ِّ ، 1938م.)3( ،
سير األعالم
ال َّنه�ضة اجلزائر َّية ،)17(»...ن َّبه فيه على خطر هذا القانون ودعا �إىل االحتجاج عليه و�إىل االجتماع ال�ستنكا ِر ِه. الشيخ أبو بكر ...وأوها ُم ُّ * َّ قية: الط ُر َّ
ُيغيثُ ُّ الطرق ِّيني يف َح ْربِهِ م مع امل�ص ِلحني ،وهو ا َّلذي قال يف �إحدى زياراته للجزائر� :إنَّ املعاك�سة حلكومة فرن�سا وعدم الإذعان لها لي�س �سبي ًال للإ�صالح!(.)18 بالطرق ومتجي ُد ُّ 2ـ الإ�شادة ُّ وح ْ�شر ما ُيح�سَ ُب دلي ًال الطرق َّية َ ال�صاحلني! وال�سلف َّ على �صلتها الوثيقة بالدِّ ين! َّ قال َّ ا�س �سي عثماين عب ُد املجيد ال�شيخ �أبو بكر« :وح َّد َث ال َّن َ من زاوية «طولقة» يف معنى َّ َ وغالط يف هذا ما الطريقة وتاريخها �شاء �أن ُيغالط» ،هذا ُح ْك ُم َّ ال�شيخ �أبو بكر وموق ُف ُه من ا�ستدالالت القوم ،ومع ذلك ففي كالم ه�ؤالء �شي ٌء من احلقِّ لو كانوا َي ِق ُفون ع��ن��دَ ُه ،وه��و ا َّل��ذي ُ القوم ال ي�سمعون، يقول به امل�ص ِلحون لكنَّ َ ويقولون ما ال يفعلون ،قال َّ «ومما ق َّيد ُت ُه من كالمه ال�شيخ �أبو بكرَّ : امل�ستح�سن« :ال نعت ُرب �شيخ َّ الطريقة �إ َّال �إذا �أقام َّ ال�شريعة وعلم الدِّ ين والعرب َّية»« ،نحرتم فرن�سا �إذا احرتمت ديننا»« ،واجبات �أ�صحاب الزَّوايا تعم ُريها بالدِّ ين والعرب َّية»». ُ «ثم جاء دور �شيخ َّ الطريقة الكتَّان َّية �سي عبد َّثم يوا�صل قائ ًالَّ : احلي الكتَّاين ف�ألقى خطب ًة مكتوب ًة ...تع َّر�ض لتاريخ التَّ�ص ُّوف ومعناه ،وممِ َّ ا ا�ش ُتقَّت هذه ال َّلفظة ،فلم ي�أتِ بجديد ومل ينه�ض «ال�س َّنة بدليل ،ودعا �إىل املحظور ،فانظر �إىل ٍ بع�ض من خطابهُّ : بي ال�صفَّة»� ،أفهل هذا ُ ترك العمل ،اقتدا ًء ب�أهل ُّ روح الدِّ ين ،وال َّن ُّ Íيقول« :لأَ ْن َيح َتطِ َب �أَ َح ُد ُكم »...الخ احلديث». َو ِد ْد َنا �أنَّ َّ ال�شيخ �أبو بكر �أفا�ض يف نق�ض ا�ستدالل عبد احلي، لكن يبدُو �أنَّ َّ الط ْو َر ا َّلذي كانت تمَ ُ ُّر به اجلزائر ،واخلطر ا َّلذي كان ُي ْح ِد ُق باجلزائر ِّيني يف دينهم و ُلغتهم َ حال دون ذلك ومل ُي�سعفهم للإفا�ضة يف الكتابات الدِّ ين َّية العلم َّية� ،إِ َذنْ لأَ ْل َق ُموا ُّ الطرق ِّي َني �أحجا ًرا ،ولرتكوهم َم ْب ُهو ِت َني حيارى!
ال�سل�سة الأوىل ،العدد (.)5( ،)147 (« ((1الب�صائر»ِّ ،
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
47
سير األعالم
م�ؤ َّلفاتهم �إ َّال كلمتني!». رحم ُ اهلل َّ أوجز عبارة، ال�شيخ �أبو بكر لقد نق�ض ا�ستدال َل ُه ب� ِ َ فحم وا ُ حل َّجة فماذا ل ْو تف َّر َغ لل َّر ِّد عليه� ،إذنْ لأتى باجلواب املُ ِ ِ َّ الظاهرة. ق�صة اخل�ضر من در���س��ا يف َّ ث َّ��م ي��ق��ول« :وم���ن ال��غ��د �أل��ق��ى ً «البخاري» فذكر الأق��وال املتناق�ضة وو َّف��ق بينها �أ َّم��ا �أن ي� َ أخذ العربة �أو ينفذ �إىل ما يق�صد ...و�أ َّما �أن ي�سقي َد ْر�سَ ُه من ماء ال�سالم �شرب منها فبقي احلياة ا َّلذي زعموا �أنَّ اخل�ضر عليه َّ ال َف َ ح ًّياَ ...ف َ ال». َّثم �أ�شا َر يف خامتة اجلزء الأ َّول من هذه املقالة �إىل خطاب ال�شيخ عبد العزيز بن الها�شمي �شيخ َّ َّ الطريقة القادرية ،وقد ن�ص ُه( ،)19وافتتح اجلزء ال َّثاين بقوله« :لقد َن َ�ش َرت «الب�صائ ُر» َّ ال�شيخ حممد �صالح ُي�سمع ُّ تركنا َّ الطرق ِّيني كلم َة احل ِّق ا َّلتي ك�شفت عن �أغرا�ضهم ف�أثارتهم وب َّينت ا َّلذي ب َّي ُتوا ف� ْأخن َق ْتهُم، َو َودُّوا �أن ُي�س ِك ُتوهُ.)20(»... * العود ُة ً ثانية إىل األغواط: �أذن باعثُ ال َّنه�ضة :الإمام ابن بادي�س َّ لل�شيخ �أبو بكر «ب�أن الزب، يرجع �إىل بالده الأغ��واط؛ لأنَّ وج��وده بها �أ�صبح �ضرب َة ٍ فهو من �أبناء البلد وال ي�سهل �إخراجه منها كما �سهل �إخراج �أ�ستاذه مبارك امليلي فبادر باالمتثال وانت�صب مله َّمته فيها، و�شرع يف �إحياء عهد �أ�ستاذه مبارك ف�س َّد الفراغ العظيم ا َّلذي تركه»هـ(.)21 ان�صب وقد م َّر هذا الوقتُ ع�صي ًبا على دعوة الإ�صالح وبال ًء َّ على امل�صلحني ،فلم َتهُنْ لهم عزمية ومل ت�ض ُعف لهم ق َّوة. الثانيةَ ...و َفا ٌء وتحَ َ ٍّد: * يف احلرب العاملية َّ َّ خ َّيم ج ُّو احلرب العاملية ال َّثان َّية على الوطن اجلزائري ُ بظلمِ ِه ال�سجون واملعتقالت ،و ُنفي ِ وظالمه ،و�سيق العلماء الأحرار �إىل ُّ الإبراهيمي �إىل �صحراء «�آفلو» ،و ُفر�ضت الإقامة اجلرب َّي ُة على ال�صالتُ بني رجال ابن بادي�س �إىل �أن واف��اه �أج ُلهُ ،وانقطعت ِّ ( ((1انظر العدد ( ) 21من هذه املج َّلة املبا َركة. (« ((2م�ؤمتر ُّ ال�سل�سة الأوىل ،العدد (،)111 الطرق َّية» ،اجلزء ( )1يف «الب�صائر»ِّ ، ( ،)6واجلزء ( )2يف العدد ( 6( ،)114ـ .)7 (� ((2أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين ,م�صدر �سابق.
48
و�ش َّل ُ اجلمع َّيةُ ، حمدود ،وظ َّل الإبراهيمي ن�شاطها �إ َّال يف نطاق ٍ َ رجال نح ً�سا عليه لوال �أنَّ يف منفا ُه وحيدً ا غري ًبا يف �أ َّيام ع َّدها ْ و�شي َبها كذلك ،قطعوا تلك الأغواط و�شباب ال َّنه�ضة الإ�صالح َّية ِ ال�شيخ �أبو بكر َّ ال َوحدة و َب َّددُوا ذلك اجل َّو املُظ ِلم ،فكان َّ وال�شيخ �أحمد ق�صيبة وغ ُريهما من �أه��ل العلم والف�ضل َّ وال�شجاعة َّ وال�شهامة ي��زورون��ه وي���أت��ون��ه يف �آف��ل��و على م�ساف ٍة بعيد ٍة من ال�سلطات الأغواط ،فابتهج بهم ُ و�س َّر مل�ؤان�س ِتهم� ،إىل �أن ق َّررت ُّ ال�شيخ �أبو بكر من �أجل َ و�سجن َّ ذلك مع الع�سكر َّية من َعهم زيارت ِهُ ، و�سجن َّ �أخيه َّ ال�شيخ �أحمد ق�صيبة(.)22 ال�شيخ حم َّمد بن بلقا�سمُ , جلمعية العلماء يف عاصمة اجلزائر: مهام إدارية * ٌّ َّ كان رئي�س جمع َّية العلماء َّ ال�شيخ الإبراهيمي قد وعد الأ�ستاذ: �أحمد ق�صيبةَّ ، وال�شيخ �أبو بكر� ،أن ال يرتكهما بالأغواط ،و�أن ين ُق َلهما مع ُه �إىل اجلزائر حلاج ِة جمع َّي ِة الأُ َّمة �إليهما هناك(،)23 وملَّا �أُط ِلق �سراح ال َّرئي�س وا�ست�أنفت اجلمع َّية ن�شاطها وعادت �إىل اجتماعاتها � َّأ�س َ�س الإبراهيمي مركزَ اجلمع َّية ب َق�صَ َب ِة اجلزائر، وانت ُِخ َب َّ ال�شيخ �أبو بكر ع�ض ًوا يف الهيئة العليا جلمع َّية العلماء وانتخبته ه��ذه الهيئة �سنة (1946م) �أم��ي�� ًن��ا ع��ا ًّم��ا لها خليف ًة َّ لل�شيخ العربي التَّب�سي ا َّلذي انتخب نائ ًبا لل َّرئي�س الإبراهيمي، وعينِّ مدي ًرا ملدر�سة «الإر�شاد» بالبليدة �سنة (1950م) ،فقام ُ بامله َّمتني مل َّد ٍة ق�صري ٍة �إىل �أن َخ َل َف ُه يف الأمانة العا َّمة الأ�ستاذ توفيق امل��دين �سنة (1951م)( ،)24وع��اد �إىل الأغ��واط والتحق ب�إخوانه امل�صلحني «ا َّلذين نه�ضوا نه�ض ًة مبارك ًة ،وك َّونوا مدر�س ًة ع�صر َّي ًة ُع�� َّدت من �أح�سن مدار�س القطر ،و�أم�� َّدت معهد عبد احلميد بن بادي�س بق�سنطينة ب�أنبغ َّ الطلبة»( ،)25و َّمت تد�شي ُنها ال�شيخ �أحمد َّ يف �سنة (1948م) حتت �إدارة َّ �شطة ،ا َّلذي اغتاله العدوان الفرن�سي �أثناء ثورة التَّحرير ،:كان خاللها َّ ال�شيخ �أبو بكر � ً أ�ستاذا بهذه املدر�سة وم�س�ؤو ًال عا ًّما عن �سري احلركة (� ((2أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين ,م�صدر �سابق ،ومقال َّ ال�شيخ حم َّمد الب�شري الإبراهيمي يف منفاه مبدينة �آفلو بقلم� :أحمد ق�صيبة ( 283ـ ُ ،)285ن�شر مبج َّلة «ال َّثقافة» ،العدد (.)87 ( ((2احل�سن ف�ضالء ,م�صدر �سابق. (� ((2أحمد بن �أبي زيد ق�ص���يبة و�أحمد ح َّماين ,م�ص���در �س���ابق ،واحل�س���ن ف�ض�ل�اء, م�صدر �سابق. (� ((2أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين ,م�صدر �سابق.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
م�ص���در�س���ابق. امل�ص َّورة عن الأ�صل� ،أمدَّين ب�صور ٍة منها �أخونا َّ ال�شيخ يا�سني طيبي ( ((2عن ال ُّن�سخة َ الأغواطي ـ حفظه اهلل ـ ،وهو عن ن�سخ ِة الأ�ستاذ الفا�ضل :بن عمر ق�صيبة ـ حفظه اهلل ـ؛ �أخي الأ�ستاذ �أحمد ق�صيبة .
سير األعالم
واملتو�سط بدائرة الأغ��واط فقام مبه َّمته خري قيام ،وك َّون الإ�صالح َّية بالأغواط(.)26 ِّ ووجههم� ،إىل �أن �أحيل على التَّقاعد يف * شهاد ٌة من َّ املع ِّلمني و�أر�شدهم َّ الشيخ األكرب اإلبراهيمي: لل�شيخ �أبو بكر تزكي ًةُ ،مع ِّر ًفا مبنزل ِته �سنة ( 1982م). ال�شيخ الإبراهيمي َّ كتب َّ التبية َّ * ُحُّب ُه للعمل يف ميدان رَّ والتعليم: ن�صها: العلم َّية وكفاء ِته العمل َّية ،وهذا ُّ إمكان َّ «ي�شه ُد املم�ضي �أ�سفلَ ُه حم َّمد الب�شري الإبراهيمي رئي�س ال�شيخ �أبو بكر �أن َي َت َب َّو�أَ �أعلى املنا�صب عن لقد كان ب� ِ جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني �أ َّن ولدنا َّ ال�شيخ �أبو بكر ج��دار ٍة وا�ستحقاقٍ ،لك َّنه :ل ُب ْع ِد ِه عن ال َّر�سم َّيات وكراهت ِه بن بلقا�سم احلاج عي�سى كان قد تع َّلم على املرحوم َّ ال�شيخ مبارك لال�ش ِتهار �آث َر �أن َ يعمل يف هُ ��دُو ِء املخ ِل�صني ،ومل ي�ش�أ �أن يقط َع امليلي بالأغواطَّ ، التبية والتَّعليم ا َّل��ذي اب��ت��د�أَ ُه يف عهد ُّ وال�شيخ عبد احلميد بن بادي�س بق�سنطينة ن�ضاله يف حقل رَّ الظلم ث َّم انتقل �إىل تون�س فوا�ص َل تع ُّل َم ُه بال َّزيتونة خم�س �سنوات �إىل واال�ستعمار ،وها هو مي�ضي في ِه يف عهد احل ِّر َّي ِة وال ُّنور؛ وقد �أ َّل َف �أن تخ َّر َج بق َّوة العامل َّية ،ث َّم التحق بحركة جمع َّية العلماء وعمل �سنة (1966م) ثالثة �أجزاءٍ لتالميذ املرحلة االبتدائ َّية بعنوان َ بح ْقلَ ْي ال َّتعليم املدر�سي والوعظ والإر�شاد ،وكان ً ناجحا مو َّف ًقا «القواعد الوا�ضحة» يف اللُّغة العرب َّية ،يف �إعرابها و�أ�ساليب ُم ْنت ًِجا َّ مما �أ َّهلَ ُه �إىل �إدارة املدار�س ،ث َّم ع�ضو َّية جلنة ال َّتعليم بيانها( ،)28ل ُي�ضيف بذلك َل ِب َن ًة يف بنا ِء �صَ ْر ِح املنظومة العلم َّية ا�س �س ُلو ًكا وا�ستقام ًة, أح�سن ال َّن ِ وال َّتفتي�ش اجلهوي ،وكان من � ِ رَّ التبو َّية يف اجلزائر امل�ستق َّلة(.)29 وقد كتبتُ ل ُه هذه َّ ال�شهادة لي�ستظ ِه َر بها عند احلاجة. قال �أحمد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين« :مل يتطاول َّ ال�شيخ �أبو بكر رئي�س جمع َّية العلماء اجلزائر ِّيني»(.)27 رفيع يف دولته ،بل التزم رَّ التبي َة لينال ما ي�ستح ُّق من ٍ من�صب ٍ * أثناء ثورة َّ التحرير املُ َظ َّف َرة: والتَّعليم والوعظ والإر���ش��اد ،وقد قنع مبن�صب مفتِّ�ش التَّعليم ال�شيخني� :أحمد َّ ال�شيخ �أبو بكر وعلى َّ �أُلقي القب�ض على َّ واملتو�سط ور�ضي �أن يبقى يف ميدان رَّ التبية ا َّلذي ق�ضى �شطة ،االبتدائي ِّ واحل�سني زاهية يوم � 15أوت �سنة (1958م) ،ولقوا � ً أنواعا من فيه َّ أعظم من ُه منزل ًة لنا َل ُه َ جل ْم ِع ِه بني كل حياته ،ولو تط َّلع �إىل � َ كال�شيخ �أحمد َّ التَّعذيب والإهانة ،ومنهم من �أُ ْع ِ��د َم َّ يقوم �شطة ،:ال َّث َقا َفتَينْ ِ وملا ميتا ُز ب ِه من كفاء ٍة وذكاءٍ و�أَلمْ ِع َّية ،وقد ا�ستم َّر ُ ُ و�أُبعِدَ َّ امل�ساجد». ال�شيخ �أبو بكر �إىل معتقل بني م�سو�س بالعا�صمة ،وما �أط ِلق ب�أعمال الوعظ والإر�شاد يف ِ �سراح ُه �إ َّال يف �أوائل �سنة (1960م) ،ليدخل يف عزل ٍة ا�ضطرار َّية ُ دروس ُه املسجديَّة: * ُ ُ َ ويقب َع يف �إقام ٍة جرب َّية يف منز ِل ِه� ،إىل �أن �أ ِذنَ اهلل تعاىل لهذه َّ �شرع َّ «املوط�أ» للإمام مالك ب�أحد ال�شيخ �أبو بكر يف �شرح الأ َّمة �أن ترى ال ُّنور ،وتتح َّر َر من ِّ ذل العبود َّية ،ويخ ُر َج اال�ستعما ُر! م�ساجد الأغواط« :ب�أ�سلوب رائع َّ جذاب ،وتدليل حم ِّقق مد ِّقق، ذلي ًال مقهو ًرا خائ ًبا حم�سو ًرا. ولك َّنه مل يجاوز بابي َّ وال�صالة حتَّى انقطع عن تلك الطهارة َّ * أعما ُل ُه بعد االستقالل: و�سرعان ال ُّدرو�س مبا حلقه من رهق ،وما طر�أ عليه من مر�ضُ ، ُع�ِّي�نِّ مفت ًِّ�شا للُّغة العرب َّية باملناطق َّ فلزم بي َت ُه و َر َكنَ ال�صحراو َّية الأغواط ،ما تالحقت عليه العلل بعد خروجه �إىل التَّقاعدَ ، غرداية ،متليلي ،املنيعةَّ ،ثم ُنقل �إىل ُت ُقرت يف �سنة (1965م)� ،إىل املطالعة وامل��ذاكَ�� َرة و�أ�صبح منز ُل ُه ناد ًيا للزَّائرين ،وقبل ًة بالع�شي فما لبث �أن عاد �إىل منطقته الأوىل مفت ًِّ�شا للتَّعليم االبتدائي للم�ستفتني ،يرت َّد ُد عليه ال ُّث َّل ُة من �أحبابه و�أقرانه يزورونه ِّ ُ ي�ستقبل (� ((2أحمد بن �أبي زيد ق�ص���يبة و�أحمد ح َّماين ,م�ص���در �س���ابق ،واحل�س���ن ف�ض�ل�اء ,والإبكار ،ورغم �أ َّنه كان َي ْكت ُُم �أَ َّن َت ُه ويبتلع �آالمه ،فقد كان ( ((2احل�سن ف�ضالء ,م�صدر �سابق. ( ((2مربوك زيد اخلريَّ : «ال�شيخ �أبو بكر احلاج عي�سى ومنهجه رَّ التبوي ال َّر�شيد» ال�سل�سلة ال َّرابعة ،العدد (.)12( ،)78 (احللقة ال َّثالثة)« /الب�صائر»ِّ ،
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
49
سير األعالم
واخلا�ص بب�شا�ش ٍة وطالقة محَُ َّيا ،و ُيفي�ض من علمه وفهمه ،حتَّى قعد به املر�ض» ،وقال« :وملَّا �سمع �أنيِّ ت�صدَّرتُ التَّدري�س العام َّ َّ ومن حكمته و�أدبه ما ي�أن�س به املجال�س ويطمئنُّ له امل�ؤان�س»( .)30بامل�ساجد زارين يف البيت و�أ�سدى �إ َّ علي فقال يل: يل ن�صائح و� َّألح َّ النا�س املطال َب َة بالدَّليل» ،وقال عن م�ؤلفاته: ال ب َّد من تعليم ِ ِ العلمية: * من فوائ ِد ِه ومآ ِث ِر ِه َّ يقول عنه �أحمد ح َّماين ـ زميله يف العلم والعمل ـ« :ا َّلذين «له هوام�ش على تف�سري حما�سن ال َّت�أويل للقا�سمي ،ذكر يل هذا ي��ع��رف��ون ال��� َّ��ش��ي��خ �أب���و ب��ك��ر ي��ع��رف��ون ف��ي��ه ال��� َّذك���اء احل����ا َّد ا َّلذي عندما ت�ضاربت ال ُ أقوال و�شاع لدى ال َّنا�س �أ َّن ُه كتب تف�س ًريا للقر�آن يرفعه �إىل الأملع َّية ...ويعرفون فيه متان َة ال َّتح�صيل ،والعلم الكرمي ف�س�أل ُت ُه عن ذلك فقال يل« :كتبتُ هوام�ش على تف�سري ال��غ��زي��ر»( ،)31ون�ترُك الق َّراء الكرام مع الأ�ستاذ د.التَّواتي بن القا�سمي املو�سوم مبحا�سن ال َّت�أويل.)32(»... * َم َر ُض ُه و َوفا ُته: يقول بعد �أن و�صَ َف ُه ب�سعة ِّ ال�شيخ؛ ُ التَّواتي ُيحدِّ ُث َنا عن َّ االطالع
تع َّر�ضَ يف �آخر حياته ملر�ض ع�ضال ا�ستع�صى على الأط َّباء ا َّلتي ال ح َّد لها: عاما ،يف ال�س ِّر يف مكتبه وطلب م ِّني �أن «اتَّفقنا على ال ِّلقاء فالزم الفرا�شَ م َّدة �سن ٍة َّثم لقي ر َّب ُه عن �سنِّ ً 72 ُ عالج ُه َ العلمي يف ِّ ّ ال �أُخرب �أحدً ا و�س�ألني :كيف �أقر�أ؟ ف�أخربته اخلرب ،فقال يل� :إنَّ يوم الأحد 02ذي القعدة 1407هـ 26/جوان 1987م .: نتيجة القراءة ثالثة: ـ �شي ٌء فهمته ال حتتاج من ي�شرحه لك. ـ �شي ٌء فهمته ومل تفهمه �أي فهمته ن�صف الفهم. ـ �شي ٌء ا�ستغلق َ عليك وا�ستع�صى.
( ((3د /التَّواتي بن التَّواتي« :ا َّلتعريف ب�أعالم من مدينة الأغواط» ,جم َّلة «الواحات للبحوث والدِّ را�سات» ،العدد ( ،)1دي�سمرب 2006م 33( ،ـ .)40
ال�شيء ا َّلذي فهمته فطلب م ِّني �أن � ِّ أخل�صه ،و�أ َّما َّ �أ َّما َّ ال�شيء ا َّلذي فهمت بع�ضه فطلب م ِّني �أن �أقيد له ما مل �أفهمه� ،أ َّما ما ا�ستغلق وا�ستع�صى فهو حمل َّ كتاب ال�شرح والإي�ضاح ،وكان �أ َّول ٍ ق َّر َر ُه يل «بدائع الفوائد» البن ق ِّيم اجلوز َّية ،بد�أنا به امل�شوا َر َّثم ال�سالكني» ،فـ«االعت�صام» ،فـ«املوافقات» َّ اطبي... «م��دارج َّ لل�ش ّ ( ((3مربوك زيد اخلريَّ : «ال�شيخ �أبو بكر احلاج عي�سى ومنهجه رَّ التبوي ال َّر�شيد» ال�سل�سلة ال َّرابعة ،العدد (.)12( ،)78 «الب�صائر»، (احللقة ال َّثالثة)/ ِّ (� ((3أحمد ح َّماين ,م�صدر �سابق.
50
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
والية برج بوعريرج
بل�سان احلمد هلل ا َّلذي �أنزل الفرقان ٍ عربي مبنيَّ ، وف�ضله �سبحانه على كتب ٍّ املتقدِّ مني و ُز ُبر الأ َّولني ،وجعله لل َّنا�س هدى وف�صله للعاملني ،وجعل البيانَ يف ورحم ًة َّ لغته فقال تعاىل﴿ :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [\ ،]¤فعجزت عن م ْث ِله �أل�سن ُة ال ُبلغا ِء الـ ُم َف َّو ِهني ،وحا َر ْت يف ُم ْعجز ِته ُع ُقول ا ُ حل َك َماء املف ِّكرين. م ِا�س ًنا �إِنَّ الـَّذي مَلأَ اللُّ ِ غات حَ َ َ و�س َّر ُه يف َّ ال�ضا ِد َج َعل اجلمال ِ و�صَ َّلى اهلل و�س َّلم على �أف�صح من نطق ِّ بال�ضا ِد يف الأ َّول�ين وال ِآخ��ري��ن ،ا�صطفاه �سبحانه من خري قبيلة يف العرب ل ُي ْظهِ َره على الدِّ ين ك ِّله ولو َك ِره امل�شركون ،وعلى �آل��ه و�صحبه وم��ن ا َّت��بَ�� َع هُ ��دَ اهُ ��م �إىل يوم الدِّ ين� ،أ َّما بعد: ����ان �ش�أ ٌن ف��ق��د ك���ان ل��ل��ع��رب�� َّي��ة يف زم ٍ مرفوع ،وكان لها بيتٌ معمور يق�صده من
رام البيانَ و���س�� َّره ،وط��ل ََ��ب البدي َع ود َّره، حتَّى �إ َّن ُه ليجتمع ُ قبائل ال َع َر ِب فيه لي َع ِّلق ُ ويخط َب َ��اخ�� ًرا، ال��� َّ��ش��اع�� ُر ق�صيدته ُم��ف ِ عربي مبني ،ومل امل ِْ�ص َق ُع خطبته بل�سان ٍّ يلبث �أنْ بد�أ �ش�أنها ين ُق�ص ويت�ضَ ْع�ضَ ع ملَّا اختلط العرب بال َع َجم ،وتكا َل َب على الأ َّمة العرب َّية باقي الأمم� ،إىل �أن �آل �إىل ما هو عليه اليوم ،رغم �أنَّ العلماء من �سلف الأ َّمة العرب َّية حاولوا تدوين كالم العرب ،وذلك من خالل قواعد وقوان َني حلفظ مبادئ ً ا�ستنباطا من كالم ال�سامية، هذه اللُّغة َّ اهلل ع�� َّز وج��� َّل ،وا�ستقرا ًء لكالم العرب يحوم بهذه اللُّغة الأ َّولني ،وال يزال املر�ض ُ �إىل يومنا ،فال ُع ْج َمة َيتَل َّق ُفها ك ُّل ل�سان، دب يف لغة البيان ،واهلل امل�ستعان والف�ساد َّ وعليه التُّكالن. قد ُق��دِّ ر لنا �أن نكون يف زمان ال يرى العربي فخ ًرا وال ع َّز ًة لنف�سه فيه امل�سلم ُّ
اللغة واألدب
�صدام ز ِّميت
�أك��ب�ر م��ن تقليد ال��غ��رب�� ِّي�ين ،وال ُّنطق بل�سانهم ،واقتفاء �أثرهم ،ف َه َج َر املخدو ُع و�سج َّيته ،وباع دينه وج َفا ل�سا َنه ِ عرب َّيتَهَ ، ون�س َي �أ�صله و�أنكر ن�س َبه ،فما �أ�ش َّدها ِ م��ن م�صيبة ،وم��ا �أك�بره��ا م��ن و�صمة ��رب منه ع���ار يف جبينه ،وق���د ب��ل��غ ال��غ ُ َم ْب َل َغهم ،و�أخذوا بلبابه وق�شوره ،و�أر�سلوا جيو�شهم فجا�سوا خالل عقيدته ،وعاثوا يف �أخالقه ف�سادًا ،وت�َّبرَرَّ ُ وا ما َع َل ْوا من موطن �أ���س��راره تتب ًريا ،فكانت َّ الطا َّمة ِ عندها ـ ن�س�أل اهلل العافية ـ. ك�لام اجل��زائ��ريِّ كلُّه غ َري أ�صبح ُ و� َ من�صرف ،وع َّل ُة امتناع �صر ِفه يف ذلك ال ُع ْجم ُة القبيحة ،ويا لها من ف�ضيح ٍة وداه��ي��ة جموحة ،بل قد ينتهي �شني َع ٍة ِ الأم��ر َّ العربي العربي الأ�صل، اب بال�ش ِّ ِّ ِّ ال َّلهجة� ،إىل نبذ دينه وتدني�س عقيدته، وت�سليم �إ�سالمه لأعدائه ،مع �أنَّ الإ�سالم ق��د حَ�� ِف َ��ظ ل��ه ُل��غَ��تَ��ه ،و���ص��ان ل��ه عر�ضَ ُه َ و�ش َر َفه ،ورفع له �أ�صله ون�سبه ،كما انتهى ال ْأم�� ُر ب�أولئك َّ الطحا�سنة( )1اجلاحدين لنعمة الإ����س�ل�ام وال���ق���ر�آن ،الكافرين بمِ ِ َّنتِهِ ما على َّ الطبع وال ِّل�سان ،ال َّداعني لتفتُّح احل�ضارات وهم قد غ َّلقوا �أبوابها، لتوا�ص ِلها وه��م ق��د َّ قط ُعوا ال��زَّاع��م�ين ُ �أ�سبابها ،امل�� َّد ِع�ينَ لإ�صالحها وه��م قد �أف�سَ دُوا َج َنا َب َها. فهذه �آفاتٌ كما ترى �أحاطت بلغتنا وع َّودَت ال ِّل�سانَ ف�أكثرََ ْت عليها ال َّد ِخيلَ ، ((( ن�سب ًة �إىل طه ح�سني ال��دَّاع��ي �إىل جتديد اللُّغة و�إدخ���ال الدَّخيل عليها ،وه��و ال َّناقد ا َّل��ذي �أراد نقد القر�آن الكرمي ،وهيهات له ذلك! انظر كتاب: «طه ح�سني يف ميزان العلماء والأدب���اء» ،وكتاب «حتت راية القر�آن».
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
51
اللغة واألدب 52
العربي ا ُ خل ُمول ،ف�صار ال َّل ْحن يف الإعراب َّ دَ�أْ َب الأدي���ب ،و�صار اخل ْل ُط يف الألفاظ ِه ِّج َري اخلطيب ،و�أ ِي ْ�س َنا من البليغ �أن يبلغ م�أربه ،حتَّى انهار �صرح البلدان ال َّناطقة َّ بال�ضاد ،و�أ�صبح ال ُي�سمع للف�صحى �صَ دً ى، ومن �أ�سباب ذلك ما َعمِ ل على ن�شره ُ بع�ض العام َّية يف املت�شدِّ قني العاجزين ،برتويج ِّ أقرب مقاالتهم ،زع ًما منهم �أ َّنها لهجاتٌ � ُ �إىل فهم اجلمهور ،ومل يعملوا على رفع م�ستوى هذا اجلمهور بل �أنزلوا م�ستواهم وتنازلوا عن لغتهم ،وا�ستبدلوا ا َّلذي هو �أدن��ى ب��ا َّل��ذي هو خ�ير ،ومل يعلموا �أنَّ يف �صالح دينهم و�أخالقهم ،يقول �شيخ لغتهم َ الإ�سالم ابن تيمية « ::اعلم �أنَّ اعتياد اللُّغة ي�ؤ ِّثر يف العقل وا ُ خل ُلق والدِّ ِين ت�أث ًريا قو ًّيا ب ِّي ًنا ،وي�ؤ ِّثر � ً أي�ضا يف م�شابهة �صدر هذه ال�صحابة والتَّابعني ،وم�شاب َهتُهم الأ َّمة من َّ تزيد َ العقل والدِّ ينَ وا ُ خل ُلق»(.)2 لقد �صار َّ العربي ـ وال حول وال اب ال�ش ُّ ُّ َ ق َّوة �إ َّال باهلل ـ ال َي ْع ِر ُف ���اب �أن يكو َن الفاعل من املفعول ،ال ن��ط��ل��ب م���ن ال���� َّ���ش ِّ املا�ض َي من امل�ضارع ،وال وال ِ َ اال�سم من اخللي َل ب َ��ن �أحمد ،وال نريد له �أن َ الفعلَ ،ف ْ�ض ًال عن �أنْ يعرف البنا َء من يعتكف على ُك�� ُت��بِ ال َّنحو ِّيني ح َّتى سري الإعراب� ،أو �أن يعرف احلروف ومعا ِن َي َها ،ي�صْ ِب َح �سيبويهِ ، ولكن اهتما ٌم ي� ٌ فهم كتاب اهلل� ،أو ُ فكيف باهلل ميكنه ُ فهم واع���ت���زا ٌز ك��ب�ير ب��ه��ذه ال�� ُّل��غ��ة يكفي ُ�س َّنة ر�سول اهلل ،Íوقال �شيخ الإ�سالم نف�س اللُّغ ِة من الدِّ ين ،ومعر َفتُها �« ::إنَّ َ و�إذا ك َّنا قد عرفنا م ْك َمنَ ال َّداء ،وخمْ بَ�أ ف ْر ٌ�ض واج ٌ��ب ،ف���إنَّ َف ْه َم الكتاب ُّ وال�س َّنة املر�ض ،وعرفنا بع�ض �أ�سباب انحطاط ف ْر ٌ�ض ،وال ُيفْهم �إ َّال بفهم اللُّغة العرب َّية ،هذه الأ َّمة العرب َّية ـ ل َق ًبا يف الواقع ـ ،فكيف ()3 وما ال ي ِت ُّم الواجب �إ َّال به فهو ِ ُ ال�سبيل ـ بعد واج ٌب» .ال��ع�لاج ي��ا ت���رى؟ وم��ا ه��و َّ ال�صراط امل�ستقيم خمالفة �أ�صحاب اجلحيم» توفيق اهلل تعاىل ـ �إىل ِّ ال�شفاء؟ ومن �أين ((( «اقت�ضاء ِّ ). 469 / 1 ( : تيمية ابن إ�سالم ل�شيخ ا «اقت�ضاءل ال�����ص��راط امل�ستقيم خمالفة �أ�صحاب نبد�أ الإ�صالح لين�ش�أ لنا جي ٌل لغ ُة َ�ش َبا ِب ِه ((( ِّ اجلحيم» ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية .)469/1( :ال ُف ْ�ص َحى؟ وال يقف احلال عند هذا احلدِّ بل ربمَّ ا عرف بع�ضهم هذا وتع َّمد َن ْ�ص َب الفاعل ور ْف��� َع املفعول ،وا َّدع���ى يف ذل��ك احل ِّر َّي َة ��ري بها يف ال��ك�لام ،وي��ا لها من ح�� ِّر َّي�� ٍة ح ٌّ �أن تُ���زَ ال؛ لأ َّنها ح ِّر َّية عانت منها لغ ُت َنا الويالت ،ويا ثكل ُل َغتَاه!! و�إذا َ نظ ْرتَ �إىل الأو�ساط املثقَّفة من َّ املتخ�ص ِّ�صني يف الأدب ال�شباب بل من ِّ العربي ومن هم يف املرحلة ال ِّنهائ َّية من الدِّ را�سات اجلامع َّية ر�أي َ��ت �ضيا َع الأد َِب ً لفظا ومعنى ،ووجدت من ال يح�سن تعب ًريا، وال ي��وج��ز ت��ط��وي ً تخ�ص�ص �لا ،وال ُي��ت�� ِق��نُ ُّ جماله َبله من هم يف َميادينَ �أخرى. َ ال نطلب من َّ اخلليل اب �أن يكونَ ال�ش ِّ ب��نَ �أح��م��د ،وال نريد له �أن يعتكف على ي�ص ِب َح �سيبويه، ُك�� ُت ِ��ب ال َّنحو ِّيني حتَّى ْ ري واعتزا ٌز كبري بهذه ِ ولكن اهتما ٌم ي�س ٌ اللُّغة يكفي.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
يف ال��ب��داي��ة قَ���مِ ���نٌ ب��ن��ا �أن نعلم �أنَّ ري من العالج ،ولو �سعى رجال الوقاية خ ٌ حب لغتهم القوم �إىل تن�شئة �أبنائهم على َِّ والتَّكلُّم بها لكان لنا جي ٌل يتك َّلم الف�صحى �سليق ًة ال يتع َّداها �إىل غريها من اللُّغات �أو ثت ع َّل ٌة برجال القوم ال َّلهجات ،ولكن حدَ ْ عالجها ،ف�إذا �صَ َل َحت العَينْ ُ �صلحت َو َج َب ُ �سواقيها ،وال ُب�� َّد من �إ���ص�لاح العني قبل ُّ ال�ش ُروع يف ه��ذا امل�شروع ،فنقول وباهلل ن�ستعني: �أ َّو ًال :على رج��ال الأ َّم��ة ال�� ُّرج��و ُع �إىل َّم�س ُك بعقيدتهم ووقاي ُة �أهلهم، دينهم ،والت ُّ والرباء ُة من الغ ْر ِب و�أه ِل ِه وعاداته َ وط ْبعه، ث َّ���م عليهم ب�ت�رك ل��غ��ة ال��ع��ج��م ونبذها، ب��ل وتهمي�شها كَ�� ْي�لاَ ين�ش�أ نا�شئ اجليل ال�صاعد وقل ُبه ُم َع َّل ٌق بالعجمة ،يح ُّبها َّ ويعت ُّز بها ،فمن اخلطوب املدله َّمة �أن ترى لدولة عرب َّية تعلي ًما بغري لغتها. ثان ًيا :علينا العود ُة �إىل لغتنا ودرا�ستُها، االهتمام بها والعناية بتطبيقها والتَّكلُّ ُم َّثم ُ ي�س َم ُح لنا بحفظ بها يف حياتنا تكلُّ ًما ْ مبادئها وتر�سيخ قواعدها ومبانيها ،وهذا ـ واهلل! ـ ال يكون �إ َّال �إذا بد�أ ك ُّل �شخ�ص مع نف�سه ﴿ ،ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾ [.]11 :i ثال ًثا :على الهيئات التَّعليم َّية رَّ التكي ُز َ فتعمل على هذا اجلانب �أكرث من غريه، على تعليم العرب َّية وعلومها وقواعدها تعلي ًما يج َع ُل املتع ِّل َم قاد ًرا على فهم الكالم العربي ،وممار�سة التَّكلُّم باللُّغة العرب َّية ممار�س ًة �صحيحة ،ويف ه��ذا ع�� ٌّز للبال ِد والعباد ،يقول الب�شري الإبراهيمي :
اللغة واألدب
يف �إحدى مقاالته «�إىل م�ؤمتر التَّعريب»: «وي���ج���ب ح��م��ل ال���تَّ�ل�ام���ذة ع��ل��ى التَّكلُّم بالعرب َّية الف�صحى ما داموا يف املدر�سة، ال�سهلةَّ ،ثم وت��دري��ج��ه��م على الكلمات َّ اجلمل الف�صيحةَّ ،ثم رَّ التاكيب اجلارية على ال��ق��وان�ين ال��ع��رب�� َّي��ة ،ف�لا ُي��ج��اوزون مرحلة التَّعليم االبتدائي �إ َّال وه��م عرب �صغار ،ومن احلكمة يف هذه املرحلة �أ َّال ينطق املع ِّلمون �أمامهم بكلمة �أعجم َّية حتَّى ال تخد�ش ملكا ِتهم ،ف�إنَّ كلم ًة واحد ًة قد تف�سد َّ كل عمل». املهم جدًّا �أن يَِّ نول الأدب راب ًعا :من ِّ َ ونحافظ عليه وعلى حامليه عناية فائقة، مم���ا ق��د ي�����ش��وب��ه م��ن ال َّلحن ون��خ�� ِّل�����ص��ه َّ وال�� َّدخ��ي��ل م��ن عجمة الأع��اج��م ،فاللُّغة العرب َّية تعترب حاملة لواء ثقافة العرب، وجامعة روابطهم وم�برزة �شخ�ص َّياتهم،
وخدمتنا للغتنا تعني على خدمة ديننا وال َّ �شك ،فعلينا �أن ِّ نغذي مكتباتنا بكتب اللُّغة وعلومها و�أن ن�ستغ َّل َّ كل و�سيل ٍة تُ�سهم يف ن�شر هذه اللُّغة وت�سهيلها للعاملني. هذا وينبغي عليك ـ يا طالب العلم ـ يخ�صك �أكرث �أن ال تهمل عرب َّيتك ،و�ش�أ ُنها ُّ من غريك ،فاحر�ص على طلب هذه الآلة َّ ال�ضرور َّية ،واجتهد للح�صول عليها ،وهي حت�صي َلها، �سهلة على من �س َّهل اهلل عليه ِ طالب العلم ـ و َقل َمك َّثم َر ِّو�ض ل�سا َنك ـ �أيا َ عليها ،حتَّى �إذا �أتقنتها؛ فاحمد اهلل تعاىل �أَنْ �أله َم َك لغة ال��ق��ر�آن ،وع َّلمك معجزة البيان ،قال الإمام َّ ال�شافعي « ::فعلى ِّ م�سلم �أن يتع َّلم من ل�سان ال َع َرب ما كل ٍ َب َل َغ ُه جَ�� ْه�� ُد ُه»()4؛ حتَّى ي���ؤد َِّي فرائ�ضه حقَّ الأداء ،وناهيك يف معرفة ف�ضل هذه اللُّغة
�أنَّ القر�آن �أُنزل بها عرب ًّيا غ َري ذي ِع َوج، و�أ َّنه جاء ُم َ�ش ِّر ًفا لها ،فهو حاميها وراف ُع �ش�أنها ،كما يكفيك �أ َّنك ال جتد عالمِ ًا ر َّبان ًّيا مف�س ًرا لكتاب اهلل ال وال فقي ًها �شرع ًّيا �أو ِّ يجيدها. و�ص َّلى اهلل على نب ِّينا حم َّمد وعلى �آله و�صحبه و�س َّل َم ت�سلي ًما كث ًريا.
((( «ال ِّر�سالة» للإمام َّ ال�شافعي ـ حتقيق �أحمد حم َّمد �شاكر ( )132باخت�صار يف �آخره.
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
53
قضايا تربوية
ُقرَّة عني األبوين يف رعاية و تربية البنات والبنني ()3
جنيب جلواح
ال�سل�سلة ه���ذا ه��و اجل���زء ال�� َّث��ال��ث والأخ��ي�ر مِ ���ن ه���ذه ِّ ح�سا�سـ ٍة ج��دًّا ،وهي تربية الترَّ بو َّية ،واملتع ِّلق بق�ض َّية َّ ال ِّ��ط��ف��ل ت��رب��ي�� ًة �إ���س�لام�� َّي��ة ،واحل��اج��ة م��ا� َّ��س��ة �إىل مثل ه���ذه امل��وا���ض��ي��ع ،خ��ا�َّ��ص��ة يف زم��ان��ن��ا ه���ذا ،ال �سيما مع الف�سـاد الأخ�لاق��ي ا َّل���ذي ف�شا يف جمتمعاتنا وانت�شر ان��ت�����ش��ا ًرا ره��ي�� ًب��ا ،وم���ا زاد يف ال ِّ��ط�ين ب�� َّل��ة ،ه��و �إهمال ب��ع�����ض الأول���ي���اء لأب��ن��ائ��ه��ـ��م ،وت��ف��ري��ط��ه��م يف �أداء هذا نتوجه �إليهم بهذه ال��واج��ب؛ ل��ذا ك��ان علينا لزا ًما �أن َّ يح ُة» ـ ع�سى اهلل � ْأن ينفعهم ال َّتذكرة ـ «وال�� ِّدي ُ��ن ال َّن ِ�ص َ بها ،وجت��د قلو ًبا واع��ي�� ًة� ,إ َّن��ه و ُّ يل ذل��ك وال��ق��ادر عليه. مما يتعينَّ على و�إكما ًال لـ ِما تو َّقفنا عنده يف اجلزء ال َّثاينَّ ، الآباء �أن َيعلموه و ُيع ِّلموه �أبناءَهم؛ �أقول ـ وباهلل �أ�ستعني ـ:
54
اإلسالمية * تعليم الولد األخالق الفاضلة واآلداب َّ والسنن َّ النبويَّة: ُّ يل �أم��ر ِّ ينبغي ل��و ِّ الطفل �أن ُيع ِّلم �صغريه الأدب ،ويح ِّليه بف�ضائل الأخ�لاق ،فهي زينة الفتى؛ فعن �أبي مو�سى الأ�شعريِّ Çقال :قال ر�سول اهلل �« :Íأَيمُّ َا َر ُجلٍ َكا َنتْ عِ ْن َد ُه َولِي َد ٌة َف َع َّل َمهَا َف�أَ ْح َ�س َن َت ْعلِي َمهَا َو َ�أ َّد َب�� َه��ا َف�أَ ْح َ�س َن َت�أْدِي َبهَا ُث�� َّم �أَ ْع َت َقهَا َو َت َز َّو َجهَا َفلَ ُه �أَ ْج َرانِ »...احلديث(.)1 ف�إذا كان هذا ال َّثواب ـ وهو ُم�ضاعفة الأجر ـ ملن ع َّلم �أَ َمتَه و�أ َّدبها ،فال يبعد �أنْ يكون ملع ِّلم ولده وم�ؤدِّبه مث ُله ،فيرُ جى له م�ضاعفة الأجر ـ � ً أي�ضا ـ واهلل وا�سع الف�ضل. علي بن �أبي طالب Çـ يف تف�سري قوله تعاىل﴿ :ﯞ قال ُّ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [ ]6 :Áـ« :ع ِّلموهـم و�أدِّبوهم»(.)2 ال�صغري الأخ�لاق ،و�أم��ره بالف�ضائلِ ،من حقِّ الولد وتعليم َّ على �أبيه؛ فعن ابن املبارك قال :كان �سفيان ال َّثوري يقول« :ح ُّق الولد على الوالد �أن ُيح�سن ا�س َمه ،و�أن ُيز ِّوجه �إذا بلغ ،و�أن ُيح�سن �أدبه»(.)3 وم��ن ذل��ك �أن ير ِّبيه على اح�ت�رام الكبار ـ ِ�س ًّنا �أو عل ًما ـ ويو ِّقرهم ،ويعرف لهم حقَّهم ،و ُينزلهم منازلهم؛ فعن �أن�س ابن بي Íف�أبط�أ القوم عنه �أن ٍ مالك Çقال :جاء �شيخ يريد ال َّن َّ ري َنا بي َ « :Íل ْي َ�س مِ َّنا َمنْ لمَْ َي ْر َحـم َ�ص ِغ َ ِّ يو�سعوا له ،فقال ال َّن ُّ ري َنا»(.)5 ري َنا»( ,)4ويف رواية« :و َيعرِف َح َّق َك ِب ِ َو ُي َو ِّقر َك ِب َ ((( �أخرجه البخاري (.)5083 ((( رواه ابن جرير َّ الطربي يف «تف�سريه» ( )165/28وعبد ال َّر َّزاق يف «امل�ص َّنف» (.)4741 وال�صلة» ( )155وقال حم ِّققه« :رجال �إ�سناده ثقات». ((( رواه املروزيّ يف «ال ِّرب ِّ التمذي ( )1919وهو يف «�صحيح ُ�سنن رِّ ((( �أخرجه رِّ التمذي» للألباين (.)1565 ((( �أخرجه �أبو داود ( )4943من حديث عبد اهلل بن عمرو Èوهو يف «�صحيح ُ�سنن �أبي داود» للألباين (.)4134
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
وح�سن �أخالقه .و�إذا نهاه ِومن ذلك ـ � ً أي�ضا ـ� :أن يع ِّودوهم �أ َّال يتك َّلموا قبل الكبار لقوله حتَّى يحافظ على �سالمة فطرتهُ ، عن ت�ص ُّرف� ،أو منعه ِمن منكر ،فعليه �أنْ ُيتبع ذلك ِببيان الع َّلة ب ـ �أو قال ـ ِل َي ْب َد�إ الأَكْبرَ ُ »(.)7 َ « :Íكبرِّْ ال ُك رْ َ وال�سبب ،وهذا �أدعى لال�ستجابة ،فين�ش�أ ِّ يل ِّ وعلى و ِّ الطفل على ال ِعلمُ ،مبتعدً ا ال�س َّنة يف الأمور ك ِّلها ،مبا يف ذلك َّ الطفل �أن ُيع ِّلمه ُّ �شاب عليه». و«من َ�ش َّب على �شيء َ �آداب النوم واال�ستيقاظ و�آداب اللُّب�س ،و�آداب اخلالء ،و�آداب عن احلرام ُمنذ ِّ ال�صغرَ ،
قضايا تربوية
ومن الآداب ا َّلتي ينبغي للآباء تلقينها �صغارهم� :أن يبد�أوا �أنْ ُيعينه على ال ِّرب والتَّقوى ،وال ُيعينه على الإثم وال ُعدوان ،وذلك ��دم��رة؛ لأ َّنها الكبا َر بالتَّح َّية وي�سبقوهم �إليها ،وهو من باب التَّوا�ضع لهم؛ لأنَّ بتطهري البيت ِم��ن �أج��ه��زة الف�ساد واالن��ح�لال امل ِّ وال�صغري م�أمور بتوقري الكبري واحرتامه؛ فعن و�سائل تخريبَ ،ومعا ِول هدم. حقَّ الكبري �أعظمَّ ، أخالقي ،بحمايته وعليه �أن ُيج ِّنب ولده �أ�سباب االنحراف ال ري َعلَى بي Íقالُ « :ي�س ِّل ُم َّ ال�ص ِغ ُ ِّ �أبي هريرة Çعن ال َّن ِّ ِمن ُمطالعة ال ِق�ص�ص الغرام َّية ،وال َّنظر يف املج َّالت اخلليعة، ري والـ َما ُّر َعلَى ال َقاعِ دِ وال َقلِي ُل َعلَى ال َك ِثريِ»(.)6 ال َك ِب ِ
َومن �أراد العربة ،فليت�أ َّمل يف �سرية ر�سول اهلل Íيف هذا ال�سفر ،و�آداب ال�ضيافة والزيارة ،و�آداب املجال�س ،و�آداب ال ّذكر، ّ ال�صغار ويد ِّربهم على فعل َّ الطاعات، وال�سالم ،و�آداب اال�ستئذان ،قال تعاىل﴿ :ﮬ الباب ،فقد كان ُير ِّو�ض ِّ و�آداب التّحية ّ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘ
ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
واجتناب املح َّرمات ،منذ نعومة �أظفارهم؛ فعن �أب��ي هريرة ال�صدقة علي Èمتر ًة ِمن متر َّ Çقال� :أخـذ احل�سن بن ٍّ
بي ِ « :Íكخْ ِكخْ »( )9ـ ليطرحها ـ َّثم قال: ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ﴾ [ ]58 :tو�آداب َّ الطعام فجعلها يف فيه ،فقال ال َّن ُّ ال�ص َد َق َة؟!»( ,)10ويف رواية قال� :إنَّ ر�سول وال�شراب ،فيجل�سه معه على املائـدة ،و ُيراقب حركا ِت ِه وت�ص ُّرفاته�« ،أَمَا َ�ش َع ْر َت َ�أ َّنا َال َن ْ�أ ُك ُل َّ َّ ال�صدقة ،ف�أمر فيه ب� ْأمر فحمل احل�سن �أو ف�إنْ الحظ خمالفة �شرع َّي ًة� ،أو �سو َء ت�ص ُّر ٍف ن َّبهه �إليه ،ون�صحه � Íأُتي بتمر من متر َّ خللق اجلميل ،احل�سني على عاتقه فجعل لعا ُبه ي�سيل عليه فنظر �إليه ف�إذا هو التبي ِة احل�سنة وا ُ بلطف ول ٍني ،ح َتّى ين�ش�أَ على رَّ ٍ وال�صغار ف�ض ًال عن يلوك مترة فح َّرك خ َّده وقال�« :أَ ْل ِقهَا َيا ُب َن َّي! �أَ ْل ِقهَا َيا ُب َن َّي! �أَمَا وهذا ا َّلذي كان عليه نب ُّينا Íمع الغلمان ِّ الكبار؛ فعن �أبي حف�ص عمر بن �أبي �سلمة ـ ربيب ر�سول اهلل �َ Íش َع َ ال�ص َد َق َة؟!»(.)11 رت �أَ َّن �آ َل حُ َ م َّمدٍ َال َي�أْ ُك ُلو َن َّ
ال�صغري ويف هذا احلديث فائدة تربو َّية ،وهي �أنَّ امل�ؤدِّب ُيل ِّقن َّ ـ قالُ « :كنتُ ُغ َال ًما ِيف ِح ْج ِر َر ُ�س ِول اهلل Íوكانت يدي تطي�ش �لا ُم! َ�س ِّم اهلل َو ُك ْل و ُيع ِّلمه بالقول ،و ُيتبع ذلك ببيان �سبب ال َّنهي ،ودافع ال َّت�أديب، ال�ص ْح َفة فقال يل ر�سول اهلل َ « :Íيا ُغ َ يف َّ حتَّى ُيع ِّرفه خط�أه فيجتنبه ،ف�إنْ �أتى ذلك بال َّثمرة املرج َّوة ،و�إ َّال ِب َيمِ ين َِك َو ُك ْل ممِ َّ ا َيل َ ِيك»؛ فما زالت تلك طِ ْعمتي بعدُ»(.)8 انتقل �إىل منعه ِمن املحظور بالفعل؛ يظهر ذلك يف اجلمع بني * أمر ِّ الطفل باملعروف ونهيه عن املنكر: ال�سابق حيث �إنَّ ال َّر�سول Íيكون ك َّلم احل�سن ـ الطفل �أنْ ُينكر عليه متى ارتكب حمظو ًرا ،ويج ِّنبه روايتي احلديث َّ يل ِّ على و ِّ احلرام ،ويحميه من املنكر ،و ُيبعده عنه كالكبري ،كما �أنَّ عليه �أ َّو ًال ـ بقولهِ « :كخْ ِكخْ » فل َّما متادى يف ذلك ،نزعها من فيه(.)12 ((( �أخرجه البخاري (.)6231 ((( �أخرجه البخاري ( )6898وم�سلم ( )1669وال َّلفظ له عن رافع بن خديج و �سهل ق�صة. ابن �أبي حثمة ,Èوفيه َّ و�أخرجه البخاري ـ � ً أي�ضا ـ يف «الأدب املفرد» ( :)359باب :يبد�أ الكبري بالكالم ال�صغري. ِّ وال�سواك قبل َّ ((( �أخرجه البخاري ( )5061وم�سلم (.)2022
((( بفتح الكاف وت�سكني اخلاء ،ويجوز ك�سرها مع التَّنوين ،وهي كلمة ُيزجر بها احلجاج» ِّ ال�صبيان عن امل�ستقذرات .انظر« :املنهاج �شرح �صحيح م�سلـم بن َّ لل َّنووي (.)175/7 (� ((1أخرجه البخاري ( )1491وم�سلم (.)1069 (� ((1أخرجه �أحمد يف «امل�سند» (.)9267 ( ((1انظر« :مرعاة املفاتيح �شرح م�شكاة امل�صابيح» للمباركفوي (.)214/6
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
55
قضايا تربوية
وي�ؤخذ منه ـ � ً «ال�صغري ال ُيق ُّره ول ُّيه على التقاط ما أي�ضا ـ� :أنَّ َّ �شرعا ،و�إنْ كان ال يجوز �أكله� ،أو على �أكل ما ال يجوز له يف حكمـه ً �صغ ًريا لي�س عليه تكليف؛ لأنَّ ول َّيه م�س�ؤول عنه»(.)13 ق��ال اب��ن حجر« :ويف احل��دي��ث... :ج���واز �إدخ���ال الأطفال مما ي�ض ُّرهم ،ومن امل�ساجد ،وت�أديبهم مبا ينفعهم ،ومنعهم َّ تناول املح َّرمات ـ و�إنْ كانوا غري مك َّلفني ـ ليتد َّربوا بذلك. وا�ستنبط بع�ضهم منه :م ْنع و ِّ ال�صغرية ـ �إذا اعت ّدت ـ ِمـن يل َّ الزِّ ينة ،وفيه الإعالم ب�سبب ال َّنهي ،وخماطبة من ال مي ِّيز لق�صد �إ�سماع َمن مي ِّيز؛ لأنَّ احل�سن �إذ ذاك كان طف ًال»(.)14 ومن هذا الباب ـ � ً ال�صغار ِمن اخلروج ِمن البيت أي�ضا ـ م ْنع ِّ عند غروب َّ ال�شم�س ،خ�شية �إ�صابتهم ب�أذى؛ لأ َّنها �ساعة تنت�شر فيها َّ ال�شياطني؛ فعن جابـر بن عبد اهلل Èقال ر�سـول اهلل نح ال َّل ْيل ـ �أو �أم�سيتم ـ ف ُك ُّفوا �صبيانكم ،ف�إنَّ �« :Íإِ َذا َكانَ ُج ُ َّ ال�ش َي ِاط َني َت ْنت َِ�ش ُر ِحي َن ِئ ٍذ ،فَ�إِ َذا َذهَ َب �سَ َاع ٌة ِمنَ ال َّل ْي ِل َف َخلُّوهُ ْم»... احلديث( )15ويف روايةَ « :وا ْك ِف ُتوا ِ�ص ْب َيا َن ُكم عِ ن َد الع َِ�شا ِء َف�إِ َّن لِلجِ ِّن اِنت َِ�شا ًرا َو َخ ْط َف ًة»(.)16 ِومن واجب الو ِّ يل �أن يب ِّغ�ض لأبنائه مزامري َّ ال�شيطان ،كما �أنَّ عليه �أنْ يتلف َّ طرب ُوج��دت عندهم ،وال ي�سمح لهم كل �آل�� ِة ٍ با�ستعمالها ،وال ت�أخذه يف ذلك ر�أف ٌة بهم؛ فعن �أ�شعث بن عبد ال َّرحمن بن زبيد ق��ال« :ر�أي��تُ ج��دِّ ي ور�أى جاري ًة معها ز َّمارة ِم��ن ق�صب ،ف�أخذها و�شقَّها ،ور�أى جارية معها ٌّ دف ،ف�أخذه فك�سره»(.)17 ��وي عمر بن عبد اهلل قال« :كتب عمر وعن �أبي حف�ص الأم ّ ابن عبد العزيز �إىل م���ؤدِّب ول��ده ـ �سهل م��واله ـ... :و ْليكن �أ َّو َل بغ�ض املالهي ا َّلتي بد�ؤها ِمن َّ ما يعتقدون ِمن �أدبكُ : ال�شيطان وعاقبتها �سخط ال َّرحمن ،ف�إ َّنه بلغني عـن ال ِّثقات ِمن حملـة العلم �أنَّ ُح�ضور املعـازف وا�ستماع الأغـاين وال َّلهج بهما ُينبت ال ِّنفاق يف �شب املا ُء »(.)18 القلب كما ُينبت ال ُع َ (� ((1أفاده َّ ال�شيخ عطية �سامل :يف «�شرح بلوغ املرام» (درو�س �صوت َّية مف َّرغة). (« ((1فتح الباري» (.)355/3 (� ((1أخرجه البخاري ( )3304وم�سلم (.)2012 (� ((1أخرجه البخاري (.)3316 ( ((1رواه �أبو ُنعيم الأ�صبهاين يف «حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء» (.)32/5 «ذم املالهي» (.)51 ( ((1رواه ابن �أبي الدُّنيا يف ِّ
56
وال يفوتني �أن �أُذ ِّك��ر املر ِّبني� ،سواء كانوا �آب��اء �أو غريهم، بال�صبيان يف تعليمهم و�إر�شادهـم, باللُّطف وال�� َّر�أف��ة وال ِّرفق ِّ وعدم ت�ضخيم �أخطائهم ،وهو ما كان عليه �س ِّيد الب�شر Íمع وجههم. ال َّنا�سِ ,ب�شهادة َمن َن�صحهم و َّ وهذه َّ ال�صغري تُك�سب حم َّبته ملر ِّبيه ال�شفقة وال ِّرفق يف تعليم َّ يحب ُمطيع» حب ملن ُّ و ُو َّده ،وبالتَّايل َقبول �إر�شاده و ُن�صحهْ � ،إذ «املُ ُّ بخالف التَّعنيف ال َّدائم ،وال ِغلظة امل�ستم َّرة ،ف�إ َّنها تُ�س ِّبب نفو ًرا وكراهية ،وبالتَّايل عدم قبول ال ُّن�صح ،وترك االمتثال له.
الصغري ومظهره ،وتعويد البنت * مراقبة لباس ّ ست واحلشمة ،ومنعها من َّ الت رُّ على َّ ربج: الت ُّ ينبغي للوالد �أنْ ينهى ك َّل جن�س ـ من �أبنائه ـ عن التَّ�ش ُّبه باجلن�س الآخ��ر ،فال ي�سمح للإناث بارتداء لبا�س ال ُّذكـور ،وال ي�أذن لل ُّذكور ب�أن َيظهروا يف زيِّ الإناث؛ فعن �أبي هريرة Ç قالَ « :ل َع َن َر� ُ��س ُ ِب�س َة املَ���ر َْ�أ ِة َواملَ���ر َ�أ َة ��ول اهلل Íال�� َّر ُج�� َل َي ْل َب ُ�س ل َ ِب�س َة ال َّر ُجلِ »(.)19 َت ْل َب ُ�س ل َ كما �أنَّ عليه �أن ال ي�سمح لل ُّذكور ـ ِمن �أبنائه ـ ِب ُلب�س احلرير َّ والذهب ،و�إن مل يكونوا مك َّلفني؛ فعن �سعد بن �إبراهيم عن �أبيه قال« :دخل عبد ال َّرحمن بن عوف Çومعه ابنٌ له على عمر (.)20 حرير ف�شقَّ القمي�ص» قمي�ص ٍ Çعليه ُ وعن جابر بن عبد اهلل Èقال« :ك َّنا ننزعه عن ال ِغلمان، ونرتكه على اجلواري»( )21ـ يعني :احلرير ـ. (� ((1أخرجه �أبو داود ( )4098وهو يف «�صحيح ُ�سنن �أبي داود» للألباين (.)3454 ( ((2رواه ابن �أبي �شيبة يف «امل�ص َّنف» (.)24657 ( ((2رواه �أبو داود ( )4059وهو يف «�صحيح ُ�سنن �أبي داود» للألباين (.)3424
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
وق��ال اب��ن الق ِّيم« :ويج ِّنبه ُلب�س احلرير؛ ف�إ َّنه ُمف�سد له، بي و�إن مل يكن ُمك َّل ًفا ،فول ُّيه ُمك َّلف وخم ِّنث لطبيعتهَّ ..., وال�ص ُّ ال يح ُّل له متكينه ِمن املح َّرم ،ف�إ َّنه يعتاده ،و َيع�سر ِفطامه عنه، وهذا �أ�ص ُّح قويل العلماء. حراما عليه ب�أ َّنه غري ُمك َّلف ،فلم يحرم واحتج َمن مل ي َره ً َّ بي و�إن ُلب�سه للحرير كال َّدا َّبة ،وهذا ِمن �أف�سد القيا�س ،ف�إنَّ َّ ال�ص ّ ال�صالة مل يكن ُمك َّل ًفا ،ف�إ َّنه ُم�ستع ٌّد للتَّكليف ،ولهذا ال مي َّكن ِمن َّ وجن�سا ،وال ِمن ُ�شرب اخلمر، بغري و�ضوء ،وال ِمن َّ ال�صالة ُعريا ًنا ً والقمـار وال ِّلواط»(.)25 يل �أمر ِّ وعلى و ِّ الطفل �أن ُيراقب هيئته ومظهره ،فال ي�أذن له والف�ساق يف ز ِّيهم ولبا�سهم؛ قال ال ُآج ِّري :: بالتَّ�ش َّبه بالكفَّار َّ الف�ساق ،وعن ُ�صحبة «يجب على الآباء �أن َينهوا �أوالدهم عن زيِّ َّ الف�ساق»(.)26 َّ وال َي�سمح له بحلق بع�ض �شعر ر�أ�سه دون بع�ض ،وهو ما ُي�س َّمى بي Íر�أى �صب ًّيا قد ُحلق بالقَزَ ع؛ فعن ابن عمر � :Èأنَّ ال َّن َّ بع�ض �شعره وتُرك ُ ُ بع�ضه فنهاهم عن ذلك وقال« :ا ِْحل ُقو ُه ُك َّل ُه َ�أ ِو (« ((2املد َّونة الكربى» (.)462/1 (« ((2اال�ستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار» (.)303/8 ( ((2انظر« :االختيار لتعليل املختار» لعبد اهلل بن حممود املو�صلي (« ،)170/4جممع الأنهر يف �شرح ُملتقى الأبحر» لِ�شيخي زاده ( 198/4ـ .)199 ( ((2حُ«تفة املولود ب�أحكام املولود» (.)242 (« ((2ذ ُّم ال ِّلواط» (.)24
قضايا تربوية
قال الإمام مالك �« ::أكره ُلب�س احلرير َّ لل�صبيان والذهب ِّ ال ُّذكور ،كما �أكرهه لل ِّرجال»(.)22 وقال ابن عبد ال ِّرب« :و�أ َّما التَّختُّم َّ بالذهب فال �أعلم �أحدً ا ِمن ال�صبيان؛ �أئ َّمة الفتوى �أجاز ذلك لل ِّرجال ،وكلُّهم يكرهونـه لذكور ِّ لأنَّ الآباء ُمتع َّبدون فيهم»(.)23 بي وجاء يف ُمتون ُكتب مذهب �أبي حنيفة« :و ُيكره �إلبا�س َّ ال�ص ِّ ذه ًبا �أو حري ًرا» :لئ َّال يعتاده ،والإثم على املُل ِب�س ،كاخلمر ف�إنَّ ال�صبي حرام ُ ك�شربها ،وكذا امليتة وال َّدم؛ �أال ترى �أ َّنه ُي�ؤمر �سَ قْيه َّ وال�صالة و ُينهى عن �شرب اخلمـر ,ليعتاد ِفعل اخلري، بال�صوم َّ َّ وي�ألف ت�� ْرك املح َّرمات ،فكذلك ه��ذا ،والإث��م على َمن �ألب�سه، لإ�ضافة الفعل �إليه»(.)24
ا ْت ُر ُكو ُه ُك َّلهُ»(.)27 وال يجوز له �أن ُيلب�س ابنته الق�صري من ال ّثياب ،حتَّى ال تتع َّود عليه ،وعليه �أن ينهاها عن التَّع ِّري والت ُّ َّك�شف؛ لأنَّ هذه ال�صغري ،وجت ُّره �إىل ال َّرذيلة ،بل التَّ�ص ُّرفات تُ�س ِّبب ف�ساد طباع َّ عليه �أن ير ِّبيها على االحت�شام والعفاف ،و ُيع ِّودها على احلياء متحجبة� ،ساتر ًة والأخ�لاق الفا�ضلة ،وي�أمرها ب�أن ال تخرج �إ َّال ِّ عورتَهاَ ،خ�شية الفتنة ،وحتَّى ال تكون �سب ًبا يف انت�شار الف�ساد(.)28
* ال ُقدوة احلسنة: من امل�سائل امله َّمة يف تن�شئة ِّ الطفل :رَّ التبية بال ُقدوة؛ لذا ينبغي للوالدين �أن يكونا ُ�صورة مثال َّية لأوالدهما ،يف ِّ كل ما هو ح�سن وخري ،وعليهما �أن يعمال ِّ بكل ما ي�صدر منهما من توجيه و�إر�شاد ،حتَّى ال يكون قولهما خمال ًفا لفعلهمـا؛ فال قيم َة رَّ للتبية، وال �أثر لل َّن�صيحة� ،إ َّال بتحقيق ال ُقدوة احل�سنةْ � ,إذ ت�أثريها يف نف�س ِّ الطفل كبري؛ لأ َّنه ين�ش�أ على مـا ع َّوده عليه والداه ومر ُّبوه. قال َّ ال�شاعر: ـيان مـ َّنـا على مـا كـان عـ َّود ُه �أب ــوه ويـن�شـ�أُ نـا�شـ ُـئ الـ ِف ـت ِ بحجى ولكــن ُيـ ـعـ ِّوده الـ َّتــد ُّيـنَ �أق ــربــوه ومـا دانَ الفتى ً (� ((2أخرجه �أبو داود ( ,)4195وال َّن�سائي ( ,)5048وهو يف «ال�صحيحة» ()1123 للألباين. قال ابن الق ِّيم يف «حتفة املودود ب�أحكام املولود» (« :)100والقزع �أربعة �أنواع: ـ �أحدها� :أن يحلق من ر�أ�سه موا�ضع ،من ها هنا ،وها هنا ،م�أخوذ من تقزُّع ال�سحاب ،وهو ُّ تقطعه. َّ ـ ال ّثاين� :أن يحلق و�سطه ،ويرتك جوانبه ،كما يفعله �شمام�سة ال َّن�صارى. ـ ال ّثالث� :أن يحلق جوانبه ،ويرتك و�سطه ،كما يفعله كثري من الأوبا�ش وال�سفل. ـ ال ّرابع� :أن يحلق مقدَّمه ،ويرتك م�ؤخَّ ره. وهذا كلُّه من القزع ،واهلل �أعلم». ( ((2انظر :الفتوى رقم ( )4246من «فتاوى ال َّلجنة الدَّائمة للبحوث العلم َّية والإفتاء».
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
57
قضايا تربوية
ال�صغار �آباءهم ،حتَّى �إ َّنهم يطبعون فيهم فكث ًريا ما ُيق ِّلد ِّ �أح�سن الآث��ار ،ويغر�سون فيهم �أف�ضل اخل�صال ،عن طريق مـا ي�شاهدون ويالحظون؛ فهذا عبد اهلل بن ع َّبا�س Èيروي عن نف�سه ـ وهو غالم ـ حادث ًة ر�سخت يف ذهنه وطبعته على اخلري ال�صالة ،ملِا كان يراه ِمن �صالة ر�سول اهلل Íفيقـول: و�أداء َّ بي Íفل َّما كان يف بع�ض ُّ «بت عند خالتي ميمونة ليلة ،فنام ال َّن ُّ ال َّليل قام ر�سول اهلل َّ Í فتو�ض�أ من �شنٍّ ُمع َّلق ُو�ضو ًء خفي ًفا مما َّ َّ تو�ض�أ َّثم جئتُ فقمتُ َّثم قام ي�ص ِّلي فقمتُ فتو�ض�أتُ نح ًوا َّ عن ي�ساره فح َّولني فجعلني عن ميينه َّثم �ص َّلى ما �شاء اهلل »... احلديث(.)29 وقال �أبو �سعيد الأ�شج :ح َّدثنا �إبراهيم بن وكيع قال« :كان �أب��ي ي�ص ِّلي فال يبقى يف دارن��ا �أح��د �إ َّال �ص َّلى حتَّى جارية لنا �سوداء»(.)30 وقال ّ ال�صمد ـ ُم���ؤدِّب �أوالد هارون ال�شافعي :لأبي عبد َّ ال َّر�شيد ـ« :ليكن �أ َّول ما تبد�أ به من �إ�صالح �أوالد �أمري امل�ؤمنني �إ�صالح نف�سك ،ف�إنَّ �أعينهم معقودة بعينك ,فاحل�سَ ن عندهم ما ت�ستح�سنه ,والقبيح عندهم مـا تركته»(.)31 ومن الأخطاء َّ املنكرات،ك�سب ال�شائعة :اقرتاف الآثام و فعل ّ و�سب ال ّدين ،والتّل ّفظ بالكالم الفاح�ش البذيء ،وم�شاهدة اهلل ّ ال�ساقطة ،و�أم��ام م��ر�أى وم�سمع الأف�لام ومتابعة امل�سل�سالت ّ و�سيء العبارات ،من خالل الأوالد ،وتربيتهم على �أرذل الأخالق ِّ مما يجعل من الوالدين ُقدوة �س ِّيئة لأبنائهم، ترديد الآباء لهاَّ ، ( ((2رواه البخاري (.)859 ( ((3انظر�« :سري �أعالم ال ُّنبالء» َّ للذهبي (.)156/17 ( ((3رواه �أبو نعيم يف «احللية» ( ,)147/9واخلطيب البغدادي يف «تاريخ بغداد» (.)187/3
58
�سواء علموا ذلك �أم جهلوه؛ فعن عبد اهلل بن عامر Çقال: ُ ور�سول اهلل Íقاعد يف بيتنا ،فقالت :ها يوما «دعتني � ِّأم��ي ً َ تعال �أعطيك؛ فقال لها ر�سول اهلل َ « :Íومَا �أَ َردتِ �أَن ُت ْعطِ ِيه؟» قالت� :أعطيه مت ًرا؛ فقال لها ر�سـول اهلل �« :Íأَمَا �إِ َّن��كِ َلو لمَ ُتعطِ ي ِه َ�شي ًئا ُك ِت َبتْ َعلَ ْيكِ َك ْذ َب ٌة»(.)32 ال�صغار ُيعترب كذ ًبا ،و�أ َّنه «وه��ذا يد ُّل على �أنَّ الكذب على ِّ ال ُيقال �إنَّ هذا الأمر �سهل ،و�إنَّ الكذب � مَّإنا ي�ض ُّر �إذا كان على ال�صدق ،و�أ َّال ُيع َّودوا ال�صغار على ِّ الكبار ،بل املطلوب �أن ُيع َّود ِّ على الكذب»(.)33 وعليه ينبغي �أن نعلم �أنَّ ه�ؤالء الأوالد �أمانة يف �أعناقنا ،و�أنَّ عا�ص هلل تعاىل ،يحمل ِوزر مع�صيته املف ِّرط يف هذه الأمانة �آث ٌم ٍ �أمام ر ِّبه يوم القيامة. ولنعلم ـ � ً أي�ضا ـ �أنَّ «من اتَّقى اهلل يف �أوالده ا َّت َقوا اهلل فيه ،ومن �ض َّيع حـقَّ �أوالده �ض َّيعوا حقَّه �إذا احتاج �إليهم»( )34و«اجلزاء ِمن جن�س العمل». ن�س�أل اهلل تعاىل �أن يرزقنا ذ ِّر َّي ًة ط ِّيب ًة ،و ُيعيننا على تربيتها تربية �صاحلة ،و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على نب ِّينا حم َّمد وعلى �آلـه رب العاملني. و�صحبه ،و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل ِّ
(� ((3أخرجه �أبو داود ( ,)4991وهو يف «ال�صحيحة» ( )748للألباين. ( ((3قاله َّ ال�شيخ عبد املح�سن الع َّباد يف «�شرح ُ�سنن �أبي داود». ( ((3قاله َّ ال�صاحلني» (.)200/2 ال�شيخ ابن عثيمني :يف «�شرح ريا�ض َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
ِّ النرباس يف تصحيح كالم َّ الناس �أُقدِّم لإخواين ـ ق َّراء جم َّلة الإ�صالح الغ َّراء ـ َ �ضمن �سل�سلة بع�ض العبارات َّ «ال ِّنربا�س» َ ال�شائعة ،مع ال َّتوجيه وال َّت�صحيح ،واهلل من ال�سبيل. وراء الق�صد وهو يهدي َّ
ُك ْل ما َي َع ْج َب ْكْ ، وال َب ْس ما َي ْع َج ْب َّ الناس ُيق�صد بهذه العبارة موافق ُة عرف �أهل البلد يف لبا�سهم وز ِّيهم، خا�صٍّ ، ولكل وعدم اخلروج على عادتهم ،بخالف الأكل ف�إ َّنه �أمر ٌّ رغبتُه واختيا ُره ـ ُك ْل مَا َي َع ْج َب ْك :هذا الكالم �صحيح وال �إ�شكال فيه ،فيجوز للإن�سان �أن يختار ما �شاء من امل�أكوالت وامل�شروبات على �أن تكون من احلالل الط ِّيب ا َّلذي ال �ضرر فيه وال �إ�سراف ،قال اهلل تعاىل: ﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ﴾
[\ ،]aوق��ال:
﴿ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [\,]c ي وقال ر�سول اهلل ُ « :Íك ُلوا وا�شْ َر ُبوا َو َت َ�ص َّد ُقوا وا ْل َب ُ�سوا فيِ َغ رْ ِ مخَ ِ يلَ ٍة َو َال َ�س َر ٍف»(.)1 ا�س :هذا الكالم فيه تف�صيل :ف�إن كان ـ َوا ْل َب ْ�س مَا َي ْع َج ْب ال َّن ْ املق�صو ُد منه مراعا َة عادات �أهل البلد ،وموافق َة �أعرافهم ا َّلتي
((( رواه �أحم���د ( ,)6708وال َّن�س���ائي ( ,)2559وه���و ح�س���ن ،انظ���ر «�ص���حيح اجلام���ع» ( .)4505
ال تخالف َّ ال�شرع فهذا �أمر مطلوب ،اجتنا ًبا للمخالفة وابتعادًا عن ُّ ال�شهرة. و�س َّنة نب ِّينا حم َّم ٍد « Íتقت�ضي �أن يل َب�س ال َّرجل و َيط َعم ي�سره اهلل ببلده من َّ الطعام وال ِّلبا�س ،وه��ذا يتن َّوع بتن ُّوع َّ مما َّ الأم�����ص��ار»( ،)2وم��ن القواعد الفقه َّية يف ه��ذا ال��ب��اب «العادة حم َّكمة». �سئل الإمام مالك :عن ا َّلذي يعتم بالعمامة ،وال يجعلها من حتت حلقه ،ف�أنكرها وقال« :ذلك من عمل القبط ،ولي�ست من عمل ال َّنا�س� ،إ َّال �أن تكون عمام ًة ق�صري ًة ال تبلغ»( ،)3فيالحظ �أنَّ الإمام مال ًكا � :أنكر هذه الكيف َّية يف ُلب�س العمامة لكونها خما ِلف ًة لعمل ال َّنا�س وعادتهم ،قال ابن َّ بطال« :فا َّلذي ينبغي ��ان ب��زيِّ �أهله ما مل يكن �إث�� ًم��ا؛ لأنَّ لل َّرجل �أن يتز َّيا يف ك ِّ��ل زم ٍ �ضرب من ُّ ال�شهرة»( ،)4ور�أَى الإمام �أحمد خمالفة ال َّنا�س يف ز ِّيهم ٌ :رج ًال َال ِب ً�سا ُب ْردًا مخَُ َّط ًطا ً بيا�ضا و�سوادًا ،فقال�« :ضَ ْع هذا، بحرام ،ولو كنت مب َّك َة �أو ا�س َ �أ ْهل َب َل ِدك ،وقالَ :ل ْي َ�س هو وا ْل َب ْ�س ِل َب َ ٍ املدي َن ِة مل �أَ ِع ْب عليك»؛ لأ َّنه لبا�سهم هناك( ،)5ف�أمره مبوافقة �أهل ِ
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
عمر احلاج م�سعود
((( قاله �شيخُ الإ�سالم ابن تيمية« ،جمموع الفتاوى» (.)311/22 ((( انظر «عقد اجلواهر ال َّثمينة» البن �شا�س (.)1291/3 ((( «�شرح البخاري» (.)123/9 لل�سفَّاريني (.)126/2 ((( «غذاء الألباب» َّ
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
59
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
ال�سخْ ِت َيا ّ ين م َّر ًة نعلني على َح ْذ ِو بلده يف لبا�سهم ،وا�صطنع �أيوب َّ بي ،Íفل ِب�سهما �أ َّي ًاما َّثم خلعهما وقال« :مل �أر ال َّنا�س نعلي ال َّن ِّ ْ ال�صالح وهد ُيهم. َيل َب�سونهما»( ،)6هذا هو فقه �سلفنا َّ و�أ َّما �إن كان املق�صو ُد موافق َة ال َّنا�س فيما اعتادوه من �ألب�سة ولو كانت خما ِلف ًة َّ أحكاما لل�شرع فالعبارة خاطئة� ،إذ �أنَّ ل ِّلبا�س � ً ً و�شروطا �شرع َّية ينبغي مراعاتها ،والعادة � مَّإنا ُيرجع �إليها «فيما �شرعا»(.)7 ال �ضبط له ً من هذه ُّ لبا�س ال�شروط �أن يكون �سات ًرا للعورة ،و�أن ال ي�شبه َ لبا�س ال َّرجل لبا�س ال َّرجل ،وال ُ الكفَّار ،و�أن ال ي�شبه ُ لبا�س املر�أة َ لبا�س املر�أة� ،إىل غري ذلك من ُّ ال�شروط املعروفة ،غري �أنَّ كث ًريا َ من ال َّنا�س ال يراعونها ،وال يبالون مبخالفتها ،مع تن ُّوع �أهوائهم احل َقب وتباين م�شاربهم يف ه��ذا ال��ب��اب ،فقد ل ِب�سوا يف ه��ذه ِ الأخ�يرة ـ رج��ا ًال ون�سا ًء ـ �ألب�س ًة تُ�ضا ُّد َ العقل والفطر َة وتنايف ال�س ْم َحة ،فل ِب ُ�سوا ما احليا َء ِ واحل ْ�شم َة ف�ض ًال عن �شريعة الإ�سالم َّ لل�سو�أة، هو ٌّ خا�ص بالكفَّار ،ول ِب�سوا الق�صري وال�ض ِّيق والكا�شف َّ وق َّلدوا اليهود وال َّن�صارى واملفتونني ،من حيث ي�شعرون �أو من حيث ال ي�شعرون ،وينكرون على من وافق �شرع اهلل وخالفهم يف ا�س وما يف�شو بينهم. ذلك بدعوى �أ َّنه ال يل َب ُ�س ما ُي ِ عج ُب ال َّن َ �إنَّ ف�ش َّو َّ ال�شيء واعتيا َد ال َّنا�س له لي�س دلي ًال على جوازه، فقد يكون عر ًفا فا�سدً ا ملخالفته �شر َع اهلل عز وجل ،مثل كثري من ُح ُج ِب ال ِّن�ساء الع�صر َّية ال َّال ِ�صقة َّ وال�ض ِّيقة ،املُ َح ِّجمة للعورة لل�صدر وال َع ِجيزة ،وا َّلتي ال تزداد بها ال ِّن�ساء �إ َّال فتن ًة واملُ َ�ش ِّخ�صة َّ وب حتت الكعبني ،فقد وف�سادًا و�إف�سادًا ،ومثل �إ�سبال ال َّرجل ال َّث َ بي « :Íمَا اعتاده ال َّنا�س و�أَ ِل ُفوه ـ وهو ٌّ خا�ص بال ِّن�ساء ـ ،قال ال َّن ُّ ني مِ َن الإِ َزا ِر َففِي ال َّنارِ»(.)8 �أَ�س َف َل مِ َن ال َكع َب ِ قال �أبو بكر ُّ الط ْر ُطو�شي املالكي « ::و�إ�سبال ال َّثوب حتت الكعبني �شائع يف بالد الإ�سالم ،وهو حرام ال يجوز»(.)9 فينبغي للعاقل �أن يحذ َر ك َّل ذلك ويجتن َبه ،ويل َب�س ما يوافق َّ ال�شر َع وال يخرج عن العرف املعترب. ((( انظر« :تف�سري ابن كثري» (.)343/6 ((( «املنثور يف القواعد» للزَّرك�شي (.)356/2 ((( رواه البخاري (.)5787 ((( «احلوادث والبدع» (.)73
60
ِكي َش ْاب َع ْل ُق ُلو ْح َج ْاب «�شاب» �أي كَبرِ وا�شتعل ر� ُأ�سه َ�ش ْي ًبا ،واملق�صود باحلجاب ْ وال�صبيان، التَّميمة �أو احلرز يتع َّوذ به� ،أو يع َّلق على املر�ضى ِّ رجا َء دفع ُّ ال�ض ِّر �أو جلب ال َّنفع. ت�ضرب هذه العبارة مث ًال ِّ لكل من طلب �شي ًئا �أو فعله يف وقت ما و�أهمله قبل ذلك ،مثل الإح�سان �إىل الوالدين ،فهو واجب على الأوالد يف جميع الأوقات ،لكن قد ُيرتكان و ُيهجران حتَّى ُي ْقعِدَ هما ُ الكبرَ ُ ،فحينئذ ُيهرول �إليهما الأوالد ،فهذا املر�ض �أو العج ُز �أو ِ مطلوب ونافع ،لك َّنه قبل ذلك يكون �أَ ْط َل َب و�أنف َع ،كما ت�ضرب مث ًال َّ ال�سنِّ ا َّلذي يريد �أن يتع َّلم عل ًما �أو �صناع ًة �أو ريا�ض ًة �أو للطاعن يف ِّ ال�ص َغر َّ وال�شباب. � َّأي �شيء �آخر ،وقد كان ال َّالئق به �أن يطلبه يف ِّ ُ فتذكر هذه العبارة له�ؤالء تنبي ًها على �أنَّ الوقت قد فات، و�أنَّ االنتفاع وال َّنفع ال يقعان موقعهما ،فكما �أنَّ ا ُ حل ُجب ال تنفع الكبرَ وفوات الأوان ،والكبري ال حاجة له فيها؛ لأ َّنه ال ُي َعا َين بعد ِ ـ مث ًال ـ َ ال�صغري ،فكذلك ال ينفع التَّعلُّم والعمل بعد فوات مثل َّ الوقت ،و� مَّإنا ينفعان يف الوقت ال َّالئق بهما. والعبارة فيها تذكري ب�أنَّ العمل والعلم وفعل اخلري �أمو ٌر ينبغي �أن تكون يف �أوقاتها املطلوبة ،وهذا حقٌّ ،فينبغي للعبد �أن يحر�ص على ما ينفعه من �أمور دينه ودنياه ،قال ر�سول اهلل :Í هلل َو َال َت ْعجِ ْز»( ،)10وعن �أ ِبي «ا ِْح ِر�صْ َعلَى مَا َي ْن َف ُع َك َوا�سْ َتعِنْ بِا ِ بي Íقالَ « :ال ُت َ�ؤ ِّخ ْر َع َم َل �إ�سحاق عن رجل من �أ�صحاب ال َّن ِّ ال َي ْو ِم ِل َغدٍ َف�إِ َّن َك َال َت ْدرِي مَا يف َغ ٍد»(.)11 لكن قد يراد بها ويفهم منها الت ُ َّثبيط عن التَّعلُّم واال�ستفادة وفعل اخلري وال ُّرجوع �إىل ال ُّر�شد وال�صواب ،و�أنَّ ذلك ال ينفع بعد وقته املطلوب ،وهذا باطل. فالكبري َّ ال�سنِّ قد يتع َّلم وي�ستفيد ،وقد طلب الطاعن يف ِّ الكبرَ . العلم يف ِ جماع ٌة من العلماء َ قال الإمام البخاري :يف كتاب العلم من «�صحيحه»: ( ((1رواه م�سلم (.)2664 ( ((1رواه ابن �أبي �شيبة (.)36396
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾
[\`] ،وقال:
﴿ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ
ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ﴾ [\.]n
( ((1و�صله الدَّارمي ( ,)256وابن �أبي �شيبة ( )26640و�إ�سناده �صحيح. (� ((1أخرجه اخلطيب البغدادي يف «الفقيه واملتفقه» (.)822 «ال�صحيحة» ( .)492 ( ((1رواه �أحمد ( )17422وهو �صحيح ،انظرَّ :
حية ْ وش ِو َيه َل ْل ِو َ ْش ِو َيه لل ّْر ِو َ حية �شويه :قلي ًال ،ال ّرويحة :ت�صغري ال�� ُّروح ،ال ّلويحة :اجل�سد، واملق�صود بهذه العبارة :اجعل �ساع ًة و�شي ًئا لل ُّروح� ،أيِّ : للذكر والعبادة والآخرة ،و�ساع ًة و�شي ًئا للج�سد� ،أي :لل َّراحة واال�ستمتاع واال�ستجمام ،وربمَّ ا يقولون�« :شوية لر ِّبي و�شوية لقلبي»� ،أو «�ساعة لر ِّبي و�ساعة لقلبي». ويف هذه العبارة جانبان :ح ٌّق وباطل. فاجلانب ا َّلذي هو حقٌّ� :أن يكون املق�صو ُد ََ جعل �ساع ٍة رَّ للتويح عن ال َّنف�س باملباحات والط ِّيبات ا َّلتي �أح َّلها اهلل تعاىل ،مثل ال َّلهو املباح واال�ستجمام واملداعبة وامل�صارعة ،واالنب�ساط �إىل الأهل والأوالد... قال اهلل تعاىل﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﭻﭼﭽﭾﭿ﴾ [\ ,]cوعن َح ْن َظ َل َة الأُ�سَ ِّي ِدي Çق��ال :لقيني �أب��و بكر فقال :كيف �أن��ت يا حنظلة؟ قال: ُقلتُ :نافق حنظل ُة؛ قال� :سبحان اللهَّ ما تقول؟! ،قال :قلت :نكون عند ر�سول اللهَّ Íيذ ِّكرنا ِبال َّنار واجل َّنة حتَّى ك�أ َّنا رَ�أيُ َع ٍني ف�إذا خرجنا من عند ر�سول اللهَّ Íعاف�سنا الأزواج والأوالد َّ بكر :فواهلل �إ َّنا ل َنل َقى ِم َثل هذا، وال�ضيعات فن�سينا كث ًريا؛ قال �أبو ٍ بكر حتَّى دخلنا على ر�سول اهلل Íقلتَ :نافق فانطلقتُ �أنا و�أبو ٍ ر�سول اهلل َ « :Íومَا َذ َ ر�سول اهلل! فقال ُ حنظل ُة يا َ اك؟» قلتُ : يا َ ر�سول اهلل! نكون ِعندك ت َُذ ِّك ُرنا ِبال َّنار واجل َّنة حتَّى ك�أ َّنا رَ�أيُ َع ٍني ف�إذا خرجنا من عندك عاف�سنا الأزواج والأوالد َّ يعات وال�ض ِ ن�سينا كث ًريا؛ َفقال ر�سول اهلل َ « :Íوا َّلذِ ي َنف�سِ ي ِب َيدِ ِه �إِن َلو َتدُومُو َن َعلَى مَا َت ُكو ُنو َن عِ ندِ ي َويف ال ِّذك ِر َل َ�صا َف َحت ُك ُم امل َ َ ال ِئ َك ُة َعلَى ُف ُر�شِ ُكم َوفيِ ُط ُر ِق ُكم َو َلكِن َيا َح َ نظلَ ُة َ�سا َع ًة َو َ�سا َع ًة» َث َال َث مَ��� َّر ٍات( ،)15يعني �ساع ًة للعلم والعبادة وال ِّ��ذك��ر ،و�ساع ًة لطلب ال ِّرزق وراحة ال َّنف�س وتن�شيطها بالو�سائل املباحة وم�ؤان�سة الأهل وال�ضيف والإخوان و�إعطاء ِّ والولد َّ كل ذي حقٍّ حقَّه؛ لأ َّنه ال ميكن
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
«باب ْ واحل ْك َم ِة» اط فيِ ال ِع ْل ِم ِ االغ ِت َب ِ ُ وقال عمر« :تفقَّهوا قبل �أن ت�سَ َّودوا»( ،)12قال �أبو عبد اهلل ـ بي Íيف �أي :البخاري ـ :وبعد �أن تُ�س َّودوا ،وقد تع َّلم �أ�صحاب ال َّن ِّ كرب �س ِّنهم». ونرى اليوم ـ بف�ضل اهلل ـ بع�ض الأ َّمهات الكبريات يتع َّلمن يف امل�ساجد ،ويحفظن �أجزا ًء من القر�آن الكرمي وجمل ًة من فلم العجز الأحاديث والأذكار ال َّنبو َّية ،ويتع َّلمن الكتابة والقراءةَ ، والي�أ�س والتَّثبيط؟ ال�ص َغر � ُ أف�ضل و�أثبتُ كما جاء عن نعم؛ �أخذ العلم يف ِّ ال�صغر كال َّنق�ش يف احل�سن الب�صري � :أ َّنه قال« :التَّعلُّم يف ِّ احلجر»(.)13 وقد يكون الإن�سان عا�ص ًيا لوالديه م�سر ًفا على نف�سهَّ ،ثم مينُّ اهلل عليه بالتَّوبة فيتوب ،وي�ستدرك ما فات قبل املمات ،و﴿ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [\½]. حتى يفوته وقد يكون املرء عاجزًا ك�سو ًال عن طلب ما ينفعه َّ ريَّ ،ثم ي�ستيقظ ب�أَ َخ َر ٍة بتوفيق اهلل تعاىل ،وقد ي�صل �إىل ري كث ٌ خ ٌ ما مل ي�صل �إليه من �سبقه. و ُيفهم من العبارة �أنَّ التَّميمة تنفع يف حينها ،حَ ْ وت ُجب ـ �أي وال�سحر كما هو اعتقاد طائف ٍة من ت�سرت ومتنع ـ من املر�ض والعني ِّ بي :Í ال َّنا�س ،ولهذا �س َّموها حجا ًبا ،وهذا اعتقاد باطل ،قال ال َّن ُّ وال�سالم «مَن َع َّل َق تمَ ِي َم ًة َف َقد �أَ�ش َر َك»( ،)14فجعل عليه َّ ال�صالة َّ ال�شرك ،وهذا ِّ تعليق التَّميمة ـ وهي احلجاب ـ من ِّ ال�شرك قد يكون �أكرب �إذا اع ُت ِقد �أ َّنها نافعة بذاتها ،و�أ َّما �إذا ُج ِعلت �سب ًبا فقط مع ال�ضار ،ف�إ َّنها تكون من ِّ اعتقاد �أنَّ اهلل هو ال َّنافع َّ ال�شرك الأ�صغر؛ �شرعا وال قدَ ًرا. لأنَّ اهلل مل يجعلها �سب ًبا ال ً وحد يجتنب ِّ أعظم ال�شرك كب َريه و�صغ َريه؛ لأ َّنه � ُ �إنَّ العاقل املُ ِّ ُّ رب الإثم ،قال تعاىل﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ الظلم و�أك ُ
( ((1رواه م�سلم (.)2750
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
61
ألفاظ ومفاهيم في الميزان
للإن�سان �أن يكون دائما يف حال ٍة واحد ٍة من ال َّن�شاط واله َّمة يف العبادة وطلب العلم. وعن عبد اهلل بن َعمرو بن العا�ص Èقال :قال يل ر�سول اهلل « :Íيا عب َد اهلل! �أمل �أُخبرَ �أَ َّن َك َت ُ�صو ُم ال َّنهَا َر َو َت ُقو ُم ال َّل ْي َل» ر�سول اهلل؛ قالَ « :ف َ فقلتُ :بلى يا َ ال َتف َعل�ُ ،صم َو�أَفطِ ر َو ُقم َو مَن، يك َح ًّقاَ ،و�إِ َّن ِل َعين َِك َعلَ َ َف�إِ َّن لجِ َ َ�سدِ َك َعلَ َ يك َح ًّقاَ ،و�إِ َّن ِل َزوجِ َك يك َح ًّقاَ ،و�إِ َّن ِل َزور َِك َعلَ َ َعلَ َ يك َح ًّقا»(.)16 وه��ديُ ر�سول اهلل Íيف هذا الباب خ ُري الهدي و�أح�س ُنه و�أف�ض ُله ،فقد �سابق بني اخليل ،و�سابق عائ�شة áف�سبقها، و�صارع ُركانة Çف�صرعه ،و�أمر بتعلُّم ال ِّرماية ،وكان ميازح �أهله و�أ�صحابه íغري �أ َّن��ه Íال يقول �إ َّال ح ًّقا ،و�أَذن وحل�سان بن ثابت Çيف قول للحب�شة يف ال َّلعب ِ باحلرابَّ ، ِّ ال�شعر يف م�سجده. ويوم ل ِع ِب احلب�شة قال ر�سول اهلل ِ « :Íل َتعلَ َم َيهُو ُد �أَ َّن فيِ محةٍ»(.)17 �سح ًة �إِنيِّ �أُر�سِ لتُ ب َِحنِي ِف َّي ٍة َ�س َ دِي ِن َنا ُف َ قال ابن جماعة :عن املتَع ِّلم: «وال ب�أ�س �أن يريح نف�سه وقلبه وذهنه وب�صره �إذا َك َّل �شي ٌء من ذلك �أو �ضعف بتنزُّه وتف ُّرج يف امل�ستنزهات بحيث يعود �إىل حاله وال ي�ضيع عليه زمانه ،وال ب�أ�س مبعاناة امل�شي وريا�ضة البدن به ،فقد قيل� :إ َّنه ُي ْن ِع�ش احلرارة و ُيذيب ف�ضول الأخالط و ُي ْن ِ�شط البدن ...وكان بع�ض �أكابر العلماء يجمع �أ�صحابه يف بع�ض �أماكن دين ال�س َنة ويتمازحون مبا ال �ضرر عليهم يف ٍ التَّنزُّه يف بع�ض �أ َّيام َّ عر�ض»(.)18 وال ٍ ً بال�ضوابط َّ من�ضبطا َّ ال�شرع َّية، فك ُّل ما �سبق ال ب�أ�س به ما دام ت�صبح حيا ُة امل�سلم لكن ينبغي �أن ال ي�صري عاد ًة و�سَ ِج َّي ًة ،لئ َّال َ كلُّها لع ًبا وله ًوا. واجلانب ال َّثاين ا َّلذي هو باطل� :أن يكون املق�صو ُد من َ واالنغما�س انتهاك احلرمات العبارة ـ وهو ما يريده قوم ـ َ َ يف َّ واال�سرت�سال �إىل َّ امللذات ،دون قيد �أو �ضابط، ال�شهوات ( ((1رواه البخاري ( ,)1975وم�سلم (.)1159 «ال�صحيحة» (« :)443/4وهذا (� ((1أخرجه �أحمد ( ،)24855وقال الألباين :يف َّ �إ�سناد ج ِّيد». ال�سامع واملتك ِّلم» ( 180ـ .)181 (« ((1تذكرة َّ
62
على حدِّ قول القائل: ـانب ال �أ�ضـ ِّي ُعه ول َّلهو م ِّني وا َ جانب خل َ العة ُ وهلل م ِّني ج ٌ فلهذا يف�شو يف والئمهم وحفالتهم واجتماعاتهم و�أ�سفارهم َّ�ب�ر ُج وال��� ُع���ريُ واالخ��ت�لاط وامل��ع��ازف واملجون، ون��زه��ات��ه��م ال���ت ُّ ال�ساعات يف �شبكات وم��واق��ع الف�ساد وال َّنظر �إىل وي��ه��درون َّ الأف�لام وامل�سل�سالت ،وي�ض ِّيعون الأعمار يف املغالبات اجلالبة ال�صالةَّ ،ثم �إذا ال�صا َّدة عن ذكر اهلل وعن َّ للعداوة والبغ�ضاء َّ ن�صحهم نا�ص ٌح ووعظهم واع��ظ ،قالوا� :أنت مت�شدِّ د ومتَزَ ِّمت ِّ ومتنطع ،والدِّ ينُ ُي�سر ،و�ساع ًة و�ساع ًة ،ما نريد �إ َّال رَّ ويح عن الت َ وال�س�آمة عنها ،و�إعطا َءها ن�صي ًبا من ال َّراحة �أنف�سنا ،و�إزال َة امللل َّ واالنب�ساط. ف���إذا كان هذا هو املق�صود بقولهم� :شوية لقلبي �أو �ساعة ال�ساعة َّ حظ َّ ال�شيطان ملا فيها من ع�صيان لقلبي ،كانت تلك َّ لل َّرحمن ،وتعدٍّ حلدوده وانتهاك حلرماته. �إ َّنه ينبغي �أن تكون حيا ُة العبد كلُّها هلل عز وجل ،و�ساعاتُه كلُّها مل��واله ،ق��ال تبارك وت��ع��اىل﴿ :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯦ﴾
[\ ،]bوق��ال:
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ
ﭠ ﭡ﴾ [\.]æ و�إذا ا�ستعان باملباحات على مر�ضاة ر ِّبه ،واحت�سب �أج َرها ُ اجلليل ُ معاذ حابي عليه ،كان له ذلك �إن �شاء اهلل ،قال َّ ال�ص ُّ َ�سب َقومتي»(،)19 أحت�سب َنومتي كما �أحت ُ ابنُ جبل ...« :Çف� ُ و«املباحات ي�ؤجر عليها بال ِّن َّية �إذا �صارت و�سائل للمقا�صد الواجبة �أو املندوبة �أو تكمي ًال ل�شيءٍ منهما»(.)20 رب �سواه ,واحلمد هلل واهلل الـمو ِّفق ,ال �إل��ه �إ َّال هو وال َّ رب العالـمني. ِّ (� ((1أخرجه البخاري ( )4341و (.)4342 ( ((2قاله ابن حجر يف «الفتح (.)275/12
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
واحـة اإلصـالح �إعداد� :أ�سرة التحرير
الحزن واإلشفاق
فهم السلف للقرآن
قال �إبراهيم التَّيمي: «ينبغي ملن مل يحزن �أن يخاف �أن يكون من �أهل ال َّنار؛ لأنَّ �أه��ل اجل�� َّن��ة ق��ال��وا ﴿ :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [ﮯ.]34 : وينبغي ملن مل ي�شفق �أن يخاف �أن ال يكون من �أهل اجل َّنة؛ لأ َّنهم قالوا﴿ :ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [\»]²
«ال��ق��ر�آن ال ي�أتي مبعجزاته ,وال ي�ؤتي �آث��اره يف �إ�صالح ال�سلف ,وتو َّلته ال ُّنفو�س �إ َّال �إذا تو َّلته بالفهم عقو ٌل كعقول َّ نفو�س �سامية ,وهمم بعيدة كنفو�سهم بالتَّطبيق العملي ٌ ال�صورة اجلا َّفة من وهممهم� ,أ َّما انت�شاره بني امل�سلمني بهذه ُّ ال�سطحي، ال�سخيف من الفهم َّ احلفظ املج َّرد ،وبهذا ال َّنمط َّ وبهذا الأ�سلوب التَّقليدي من التَّف�سري ال َّلفظي ـ ف�إ َّنه ال يفيدهم �شي ًئا وال يفيد بهم �شي ًئا!».
[«حلية الأولياء» (])215/4
[«�آثار الب�شري الإبراهيمي» (])249/2
أثر القرآن
المو َّفق «ينبغي للمو َّفق �أن ال ينظر �إىل زينة ال ُّدنيا نظرة املعجب مما ُم ِنع منه من املفتون ,و�أن يقنع برزق ر ِّبه ,و�أن يتع َّو�ض َّ ال ُّدنيا بزاد التَّقوى ا َّلذي هو عبادة اهلل وال َّلهج بذكره». لل�سعدي (�ص])211 [«فتح ال َّرحيم امللك الع َّالم» َّ
حلا باجلب َّلة َّ ال�صدر الأ َّول من �سلفنا �صا ً والطبع, «ما كان َّ ال�صحابة ـ كانوا يف جاهل َّية جهالء فال َّرعيل الأ َّول منهم ـ وهم َّ كبق َّية العرب ,و� مَّإنا �أ�صلحهم القر�آن ملَّا ا�ستم�سكوا بعروته, واهتدوا بهديه ,ووقفوا عند حدوده ,وح َّكموه يف �أنف�سهم... فبذلك �أ�صبحوا �صاحلني م�صلحني� ,ساد ًة يف غري جربية, قاد ًة يف غري عنف». [«�آثار الب�شري الإبراهيمي» (])227/4
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م
63
ردود قصرية: ن�شكر كثريا الأخ املكرم يو�سف �صغور ـ وفقه اهلل ـ على منظومته ال ُّنونية اجلميلة يف �سرد ف�ضائل ِّ ال�ص ِّيب» للإمام ابن الق ِّيم ،:وهي بعنوان «�إر�شاد الفكر لف�ضائل الذكر ،امل�أخوذة من كتاب «الوابل َّ ِّ الذكر» ،وقد فاقت الثمانني بيتًا ،وا�ستهلها بقوله: ال�ش ـ ـ ــان الـم�ستح ــقّ ِّ احلـمـد هلل العظـيـم َّ الذكر كـ ّل �أوان ِّ والذكر مـنها �أعظم الإميان خـلـق اخلـلـق للـعب ــادة ك ـل ــهم ال�صالة على ال َّر�سول العابد خري الورى ذك ًرا بال نكران َّثم َّ وممن را�سلنا ـ � ً أي�ضا ـ الأخ العزيز فريد بو ب�شري ـ حفظه اهلل ـ من قرية تاركيت من بلدية �آيت يحيى مو�سى مبدينة تيزي وزو ،فبارك اهلل يف عمله ،وو َّفقه ملزيد من اخلري وال َّنفع. ال�سبع ّ ال�صالح �أن�صر ـ الطباق» للأخ املك َّرم حم َّمد َّ كما و�صلتنا ق�صيدة هائية بعنوان «يا رامي َّ �إمام �أ�ستاذ َّ بال�شرق اجلزائري يدافع بها عن � ِّأم امل�ؤمنني عائ�شة áيقول يف مطلعها: �أين القراط�س واملداد وري�شتي �أين اخلواطـر من ف�ؤادي نـب ُعها �أين القوايف ال َّثــائرات حت َّررت فتلألأ مـ ـث ــل اجلــواهر ر�سـ ُمها ت�أبى ان�سيا ًقا �إن تردها �س ــهلة ت�أبى القيــاد �إذا هممت بجرها ـاعا �إن تهنها �آمرا ت�أبى اخل�ضوع �إن �أردت هوانـها ت�أبى ان�صيـ ـ ً �إىل �أن يقول: وفدً ى ل ِّأم الـم�ؤمـنني فما ا َّلذي يبـقـى عزيزً ا �أو ي�صــان دونـه ــا ال املال يبقي لنا احليــاة هـنـية وال البنـون �إذا ر�ضـيـنــا �س ـ َّب ـهـا وقد جاءت يف �سبع و�سبعني بيتًا ،وهي جميلة رائقة ،بارك اهلل يف �صاحبها و�أجزل له املثوبة. كما بعث �إلينا الأخ الكرمي عبد الكرمي بن ميداين ـ حفظه اهلل ـ من منطقة الرقيبة مبدينة الوادي مبقال حتت عنوان «الوالء والرباء» فجزاه اهلل �أح�سن اجلزاء على كتابته ،واهلل املوفق. أي�ضا ـ الأخ الفا�ضل م�صطفى بن ّ وممن ي�شكر كث ًريا ـ � ً ال�شيخ ـ و َّفقه اهلل ـ من مدينة برج بوعريرج َّ ال�صالة » فتح ِّ على نظمه املبارك املو�سوم بـ « ُ رب البرَ ِ َّيات بنظم �شروط و�أركان َّ ون�شكر الأخ َّ الطالب ال َّثانوي نذير بوزيدي ـ و َّفقه اهلل ـ من مدينة خن�شلة على حماولته ِّ ال�شعرية، وهي عبارة عن �أبيات يف ذكر بع�ض حقائق وخمازي ال َّراف�ضة ،فن�س�أل اهلل له التَّوفيق يف ِّ كل �أموره.
64
ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون :ذو القعدة/ذو احلجة 1431هـ املوافق لـ نوفمرب/دي�سمرب 2010م