مجلة الاصلاح الجزائرية- العدد الثالث والعشرون

Page 1

‫جملة جامعة‬ ‫ت�صدر عن دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫الفتور‬ ‫مدير الـمجلة‬

‫الـمدير‬

‫توفيق عمروين‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫عز الدين رم�ضاين‬ ‫�أع�ضاء التحرير‪:‬‬ ‫عمر احلاج م�سعود‬ ‫عثمان عي�سي‬ ‫جنيب جلواح‬

‫الت�صميم والإخراج الفني‪:‬‬ ‫دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬ ‫الطباعة‪:‬‬ ‫مطبعة الديوان‬

‫عنوان الـمجلة‪:‬‬

‫دار الف�ضيلة للن�شر والتوزيع‬

‫حي باحة (‪ ،)03‬رقم (‪ )28‬الليدو ـ‬ ‫املحمدية ـ اجلزائر‬

‫الهاتف والفاك�س‪:‬‬

‫‪)021( 51 94 63‬‬ ‫التوزيع (جوال)‪)0661( 62 53 08 :‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪:‬‬

‫‪darelfadhila@maktoob.com‬‬

‫الـموقع على ال�شبكة العنكبوتية‪:‬‬ ‫‪www.rayatalislah.com‬‬

‫من املع ِّوقات ا َّلتي تقعد بالعبد عن ُبلوغ م�آربه حَوتقيق �آماله داء ال ُفتور‪ ،‬وهو‬ ‫الزما للعلم َّ‬ ‫ال�شرعي‪،‬‬ ‫والعيب �أن‬ ‫ري‪،‬‬ ‫ي�صيب من كانَ على اال�ستقامة‪ ،‬و ُم ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫دا ٌء خط ٌ‬ ‫امل�صاب مع ِّل ًما ال َّنا�س اخلري َّثم تركه وا�ست�سلم لل ُفتور‪.‬‬ ‫وي�شت ُّد العيب �إن كان‬ ‫ُ‬ ‫ال�سكون بعد احل َّدة وال ِّلني بعد ِّ‬ ‫ال�ش َّدة َّ‬ ‫وال�ضعف بعد الق َّوة‪ ،‬وهو‬ ‫وال ُفتور هو ُّ‬ ‫رَّ‬ ‫التاخي بعد اجلدِّ ‪ ،‬والك�سل بعد ال َّن�شاط‪ ،‬وامليل �إىل ال َّراحة واالنقطاع عن‬ ‫العمل بعد اال�ستمرار عليه‪.‬‬ ‫ي�سلم من نوبات ال ُفتور تُ�صيبه بني ال َفينة والأخرى‪ ،‬لكن ينبغي‬ ‫والعبد ال ُ‬ ‫الت ُّ‬ ‫َّفطن لأمرين‪� :‬أ َّولهما‪� :‬أن ال جت َّره الفَرتة بعيدً ا رُ‬ ‫فتدي به يف مهاوي ال َّردى‬ ‫وخمالفة َّ‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬والأمر ال َّثاين‪� :‬أن ال يركن �إليها فتطول م َّدتُها �إذ ُيخ�شى‬ ‫ال�سالكني»‬ ‫�أن ُيختم له ب�سوء ـ والعياذ باهلل ـ‪ ،‬قال ابنُ الق ِّيم ‪ :‬يف «مدارج َّ‬ ‫لل�سالكني �أم ٌر الز ٌم الب َّد منه‪ ،‬ف َمن كانت فرتتُه �إىل‬ ‫(‪« :)122/3‬فتخلُّل الفَرتات َّ‬ ‫فر�ض‪ ،‬ومل تُدخله يف حم َّرم‪ُ ،‬رجي له �أن ي ُعو َد‬ ‫ُمقارب ٍة و َت�سديدٍ ‪ ،‬ومل تُخرجه من ٍ‬ ‫مما كان؛ قال ُع َمر بن َّ‬ ‫اخلطاب ر�ضي اهلل عنه و�أر�ضاه‪�« :‬إنَّ لهذه ال ُقلوب‬ ‫خ ًريا َّ‬ ‫�إقبالاً و�إدبا ًرا‪ ،‬ف�إذا �أ ْق َبلت ُ‬ ‫فخذوها بال َّنوافل‪ ،‬و�إن �أد َبرت ف�أَ ْل ِز ُموها ال َفرائ�ض»»‪.‬‬ ‫تو�سع يف املباحات‬ ‫ف�إذا فرت العبد عن ال َّنوافل؛ فال َيدع الفرائ�ض‪ ،‬و�إذا َّ‬ ‫ُ‬ ‫ن�شاطه يف اخلري‪ ،‬فلي�س �إىل حدِّ‬ ‫فال يجر�ؤ على املح َّرمات‪ ،‬و�إذا خ َفتَ‬ ‫رَّ‬ ‫التك وال ُعزوف وتَغيري الوجهة‪ ،‬حتَّى ال ينطفئ الأمل يف عود ِته �إىل ما كان‬ ‫بي ‪�« :Í‬إِ َّن ِل ُك ِّل َع َملٍ �شِ َّر ًة‪َ ،‬و ِل ُك ِّل‬ ‫عليه من اخلري �أو �أح�سن منه‪ ،‬قال ال َّن ُّ‬ ‫ت ُت ُه �إِ ىَل ُ�س َّنتِي َف َق ْد �أَ ْفلَ َح‪َ ،‬و َمنْ َكا َنتْ َف رْ َ‬ ‫ت ٌة‪َ ،‬ف َمنْ َكا َنتْ َف رْ َ‬ ‫�شِ َّر ٍة َف رْ َ‬ ‫ت ُت ُه �إِ ىَل‬ ‫ي َذل َِك َف َق ْد َهلَ َك»‪.‬‬ ‫َغ رْ ِ‬ ‫والفتور لي�س تو ُّق ًفا فح�سب‪ ،‬بل هو ت� ُّأخر؛ لأنَّ العبد يف هذه احلياة �إ َّما‬ ‫متقدِّ ٌم و�إ َّما مت� ِّأخ ٌر‪ ،‬ولي�س بينهما �شي ٌء ا�س ُمه التَّو ُّقف‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯶ‬ ‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ «ومل يذكر‬ ‫واق ًفا‪� ،‬إذ ال منزل ب َني اجل َّنة وال َّنار‪ ،‬وال طريقَ‬ ‫ل�سالك �إىل غري ال َّدارين البتَّة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال�صاحلة‪ ،‬فهو مت� ِّأخ ٌر �إىل تلك بالأعمال‬ ‫ف َمن مل يتق َّدم �إىل هذه بالأعمال َّ‬ ‫ال�سالكني» (‪.)267/1‬‬ ‫ال�س ِّيئة»‪ ،‬قاله ابن الق ِّيم يف «مدارج َّ‬ ‫َّ‬ ‫و ُي�ستعان على التَّخلُّ�ص من �آفة ال ُفتور بال َّلج�أ �إىل اهلل تعاىل ِّ‬ ‫واالطراح‬ ‫ببابه‪ ،‬وكرثة �س�ؤاله‪ ،‬واهلل الهادي‪.‬‬


‫في هذا العدد‬ ‫االفتتاحية‪ :‬الفتور‪ /‬مدير املجلة ‪1............................‬‬ ‫الطليعة‪ :‬االعتناء بالدين ‪/‬التحرير‪4...........................‬‬

‫يف رحاب القر�آن‪ :‬البيان يف �أخطاء اال�ست�شهاد ب�آي القر�آن (‪)6‬‬ ‫‪/‬عز الدين رم�ضاين‪6........................‬‬

‫التحرير‬

‫االعتناء بالدين‬

‫من م�شكاة ال�سنة‪ :‬حديث‪ :‬ال تطروين‪/ ...‬عثمان عي�سي ‪10......‬‬

‫التوحيد اخلال�ص‪ :‬فهوم خاطئة يف مواالة الكفار‬ ‫‪/‬عبد املالك رم�ضاين‪15....................‬‬

‫بحوث ودرا�سات‪ :‬الأمر باملعروف والنهي عن املنكر‬ ‫‪/‬د‪.‬ر�ضا بو�شامة ‪19..........................‬‬ ‫م�سائل منهجية‪ :‬لكل قوم وارث‬ ‫‪/‬التحرير ‪29.................................‬‬ ‫�سرية وتاريخ‪ :‬روائح امل�سك من فوائد ق�صة الإفك‬ ‫‪�/‬سليم جموبي ‪32...............................‬‬ ‫تزكية و�آداب‪ :‬التقوى‪ :‬حقيقتها‪ ،‬و�أهميتها وثمراتها‬ ‫‪/‬عبد الغني عو�سات‪36.........................‬‬

‫عثمان عي�سي‬

‫حديث‪ :‬ال تطروني‪...‬‬

‫فتاوى �شرعية‪� :‬أ‪ .‬د‪ .‬حممد علي فركو�س ‪40..................‬‬

‫�سري الأعالم‪ :‬نابغة الأغواط ال�شيخ �أبو بكر احلاج عي�سى‬ ‫‪�/‬سمري �سمراد ‪44..............................‬‬ ‫اللغة والأدب‪ :‬واثكل لغتاه!!‬ ‫‪�/‬صدام زميت‪51................................‬‬

‫ق�ضايا تربوية‪ :‬قرة العينني يف تربية البنات والبنني (‪)3‬‬ ‫‪/‬جنيب جلواح ‪54...............................‬‬ ‫�ألفاظ ومفاهيم يف امليزان‪ :‬النربا�س يف ت�صحيح كالم النا�س‬ ‫‪/‬عمر احلاج م�سعود ‪........................‬‬

‫‪59‬‬

‫الفوائد والنوادر‪ :‬التحرير ‪63.................................‬‬ ‫بريد القراء‪ :‬التحرير‪64.......................................‬‬ ‫�سعر املجلة ‪ 150‬دج‬

‫�سليم جموبي‬

‫روائح املسك من فوائد قصة اإلفك‬


‫العدد السابق‬

‫�صدام زميت‬

‫واثكل لغتاه‬

‫�سمري �سمراد‬

‫نابغ��ة األغ��واط الش��يخ أب��و بك��ر‬ ‫احلاج عيسى‬

‫قواعد النشر في المجلة‬ ‫‪� ‬أن تك���ون املو�ض���وعات مطابق���ة خلط���ة املجل���ة‪ ،‬وموافقة‬ ‫ملنهجها‪.‬‬ ‫‪� ‬أن يكون املقال مت�س ًما بالأ�صالة واالعتدال‪.‬‬ ‫‪� ‬أن يح��� َّرر املقال ب�أ�س���لوب يحقق الغر����ض‪ ،‬ولغة بعيدة عن‬ ‫التكلف والتعقيد‪.‬‬ ‫‪ ‬الدقة يف التوثيق والتخريج مع االخت�صار‪.‬‬ ‫‪� ‬أن تك���ون الكتابة على الكمبيوتر‪� ،‬أو ٍّ‬ ‫بخط وا�ض���ح مقروء؛‬ ‫وعلى وجه واحد من الورقة‪.‬‬ ‫‪� ‬أال يزيد املقال على خم�س �صفحات‪.‬‬

‫عبد الغني عو�سات‬

‫التق��وى‪ :‬حقيقته��ا‪ ،‬وأهميته��ا‬ ‫ومثراتها‬

‫‪� ‬أن يذكر �صاحب املقال ا�سمه الكامل وعنوانه ورقم هاتفه‪،‬‬ ‫ودرجته العلمية �إن وجدت‪.‬‬ ‫‪ ‬املقاالت �أو البحوث التي ال تن�شر ال تر ُّد لأ�صحابها‪.‬‬


‫الطليعة‬ ‫‪4‬‬

‫ال َّتحرير‬ ‫لقد طغت علينا �سيول املدن َّية اجلارفة الكاذبة‪ ،‬ومظاهر‬ ‫احل�ضارة الزَّائفة اخلادعة؛ ف�أن�سَ تنا كث ًريا من حقائق ديننا‬ ‫ال�سمحة‪ ،‬واقتَلعت‬ ‫احلنيف‪ ،‬و�ألهتنا طوي ًال عن مه َّمات �شريعتنا َّ‬ ‫واحرتامه والغري َة عليه‪ ،‬والدِّ فاع‬ ‫حب الدِّ ين‬ ‫َ‬ ‫من قلوب كث ٍري م َّنا َّ‬ ‫عنه َّ‬ ‫والذ َب عن حيا�ضه‪ ،‬و�صرفت �أب�صارنا ع َّما بني �أيدينا من‬ ‫كتاب اهلل و�س َّنة ر�سوله ‪ ،Í‬فت�سمع وت��ق��ر�أ يوم ًّيا يف و�سائل‬ ‫الإعالم املختلفة معاجل ًة لق�ضايا كثري ٍة وم�سائل خمتلفة تعرت�ض‬ ‫حياة امل�سلمني اليوم‪ ،‬فيتوارد ِّ‬ ‫املتدخلون ويتتابع املناق�شون ويتك َّل ُم‬ ‫واملخت�صون وال تكا ُد ت�س َمع �أحدً ا‬ ‫الأ�ساتذة وال َّدكاترة واملث َّق ُفون‬ ‫ُّ‬ ‫ن�ص من الوحي املنزَّل‬ ‫يجمل َ‬ ‫كالمه ويز ِّين منط َقه ب�إيراد ٍّ‬ ‫منهم ِّ‬ ‫ا َّلذي تت�ش َّرف به هذه الأ َّمة‪.‬‬ ‫ومثال ذلك �أ َّنهم يف ِّ‬ ‫يوما �أو �أ َّي ًاما للحديث‬ ‫كل عام ين�صبون ً‬ ‫ال�ساعات‬ ‫عن مر�ض فقدان املناعة (الإيدز �أو ِّ‬ ‫ال�سيدا)‪ ،‬فتُنفق َّ‬ ‫َّ‬ ‫الطويلة والأوقات الكثرية يف ال ِّنقا�ش والكالم‪ ،‬فيلفتُ انتباهك‬ ‫�أن ال �أحد منهم يجري على ل�سانه مثل قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﮊ‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [\‪ ،]m‬ك�أ َّنهم‬ ‫يتحا�شون حتَّى ذكر لفظ الزِّ نى‪ ،‬وي�ستبدلونه بقولهم‪ :‬عالق ٌة‬ ‫جن�سي ونحوها من العبارات املو َّلدة املرتجمة‬ ‫جن�س َّية �أو ا ِّت�صال‬ ‫ٌّ‬ ‫عن اللُّغة الأجنب َّية‪ ،‬مع �أنَّ يف ت�سمية الأ�شياء كما وردت يف ال ُقر�آن‬ ‫َ‬ ‫واملخاطب‪ ،‬وفيها تنبي ٌه للغافل‪،‬‬ ‫وال�س َّنة �آثا ًرا ط ِّيبة على املتك ِّلم‬ ‫ُّ‬ ‫ري لل َّنا�سي‪.‬‬ ‫وتذك ٌ‬ ‫ث َّ��م ق��د يتع َّدى �آخ���رون فين�صحون ال�� َّن��ا���س ب��احل��ذر و�أخذ‬ ‫احليطة وا ِّتخاذ الأ�سباب ا َّلتي جت ِّنبهم انتقال (الفريو�س) عند‬ ‫اال ِّت�صال اجلن�سي‪ ،‬وال يع ِّرجون يف كالمهم ـ ولو �إ�شار ًة ـ على �أنَّ‬ ‫هذه العالقة حم َّرمة وممنوع ٌة يف َّ‬ ‫ال�شرع والدِّ ين‪ ،‬وهذا ي�ؤول �إىل‬ ‫االنحالل اخللقي‪ ،‬وا�ستباحة ما ح َّرم اهلل َ‬ ‫ري منَ‬ ‫بطريقة فيها كث ٌ‬ ‫املكر وال َّدهاء‪ ،‬وتهوينٌ من �ش� ِأن كبري ٍة هي من � َ‬ ‫أعظم الكبائر ا َّلتي‬

‫ف������إذا �أردن������ا �إع������داد �أج��ي��ال��ن��ا ل��ل��ح��ي��اة الفا�ضلة‪،‬‬ ‫ف�ل�اب��� َّد م���ن ت��وج��ي��ه ال��ع��ن��اي��ة ب��ال�� ِّدي��ن وتر�سيخ‬ ‫ه��ي�� َب��تِ��ه يف ق���ل���وب ال�� َّن��ا���ش��ئ��ة يف ج��م��ي��ع مراحل‬ ‫حياتهم ب���د ًءا بالـمراحل الأوىل م��ن ُّ‬ ‫الطفولة‬ ‫���س���ن ال���ـ���م���راه���ق���ة‪� ،‬إىل م���رح���ل���ة َّ‬ ‫ث����� َّم � ِّ‬ ‫ال�شباب‬ ‫تعود َّ‬ ‫بال�ضرر على الأ َّمة �أف��رادًا وجماعات‪ ،‬فكان الأوىل به�ؤالء‬ ‫�صحة �أ َّمتهم ـ �إن كانوا ح ًّقا نا�صحني‬ ‫ال َّنا�صحني امل�شفقني على َّ‬ ‫َ‬ ‫خماط ِبيهم لي�سوا �سوى‬ ‫�شدهم‪ ،‬و�أن ُيدركوا �أنَّ‬ ‫ـ �أن يعودوا �إىل ُر ِ‬ ‫أفراد م�سلمني‪ ،‬ي�ؤ ِّثر فيهم �سما ُع �أوامر َّ‬ ‫مما‬ ‫� ٍ‬ ‫ال�شارع ونواهيه �أكرث َّ‬ ‫ي�ؤ ِّثر فيهم كالم طبيب حاذق �أو �أ�ستاذ عارف �أو �أيِّ �أحد من‬ ‫ال َّنا�س؛ �إ َّننا م�سلمون وال رادع لنا مثل الدِّ ين‪ ،‬فبالدِّ ين تُ�ضبط‬ ‫الأنف�س‪ ،‬وبالدِّ ين ُيقمع الهوى‪ ،‬وبالدِّ ين ت َّ‬ ‫ُهذب الغرائز‪.‬‬ ‫ف�إذا �أردنا �إعداد �أجيالنا للحياة الفا�ضلة‪ ،‬فالب َّد من توجيه‬ ‫العناية بالدِّ ين وتر�سيخ هي َب ِته يف قلوب ال َّنا�شئة يف جميع مراحل‬ ‫حياتهم بد ًءا باملراحل الأوىل من ُّ‬ ‫الطفولة َّثم �سنِّ املراهقة‪� ،‬إىل‬ ‫مرحلة َّ‬ ‫ال�شباب‪ ،‬وهكذا حتَّى يتز َّودوا بق�سط وا ِف��ر من �أحكام‬ ‫وعقائده و�آدا ِب��ه‪ ،‬ليكونَ ح�ص ًنا مني ًعا يف وجه ُّ‬ ‫ال�شبهات‬ ‫الدِّ ين‬ ‫ِ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫الطليعة‬

‫وال�شهوات‪ ،‬و�صخر ًة قو َّي ًة َّ‬ ‫َّ‬ ‫تتحطم عندها هجمات االنحراف‪،‬‬ ‫ال�سقوط يف �أوحال الفواح�ش وال َّرذائل‪ ،‬فال َّنا�شئ �إذا‬ ‫ووقاي ًة من ُّ‬ ‫�شب على اجلهل بحقائق الدِّ ين �سهل عليه التَّجايف عنه‪ ،‬وال ُبعد‬ ‫َّ‬ ‫عن �شرائعه و�آدابه و�أحكامه‪ ،‬حتَّى �صرنا ن�سمع مبن يتخ َّلى عنه‬ ‫�إىل دين �آخر‪ ،‬وال حول وال ق َّوة �إلاَّ باهلل‪.‬‬ ‫مما ينبغي �أن ُيعلم �أ َّنه ال ميكن �أن َن ْن َعم با�ستقامة �أحوالنا‬ ‫و�إنَّ َّ‬ ‫رب العاملني على‬ ‫ال�صحيح املنزَّل من عند ِّ‬ ‫�إ َّال �إذا لزمنا الدِّ ين َّ‬ ‫حتريف وال تبديل‪ ،‬فمِ ن �أعظم القبائح‬ ‫نب ِّيه الأمني ‪ Í‬من غري‬ ‫ٍ‬ ‫لي�س منه حتت �أيِّ م�س ًّمى من‬ ‫اجلناية على الدِّ ين ب�أن ُنلحق به ما َ‬ ‫امل�س َّميات‪ ،‬فامل�ستلبون والتَّغريب ُّيون مي ِّيعون �أحكام الدِّ ين ِّ‬ ‫ويعطلون‬ ‫كث ًريا من ن�صو�صه حتَّى ال يبقى منه �سوى مظاهر ي�سرية ال تكاد‬ ‫مت ِّيز بها بني م�سلم وكافر بدعوى امل�صلحة والتَّجديد ومواكبة‬ ‫الع�صر‪ ،‬ويرفعون �شعار التَّفتُّح وطرح اجلمود على ال ُّن�صو�ص‬ ‫�إىل حدِّ ترك الواجبات و�إتيان املنه َّيات‪ ،‬وهذا مرو ٌق من الدِّ ين‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وان�صراف عن �أُ ُ�س�سه و�إبطا ٌل لأحكامه‪.‬‬ ‫كما �أنَّ �أ�صحاب ُّ‬ ‫ال�صوف َّية ي�سطون على عقيدة التَّوحيد‬ ‫الطرق ُّ‬ ‫ويعتدون على مقام الأل��وه�� َّي��ة‪ِّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فيعظمون‬ ‫م�شايخهم �إىل حدِّ‬ ‫ال�صاحلني بال ُّدعاء‬ ‫القدا�سة‪َّ ،‬‬ ‫ويتوجهون �إىل ال ِقباب و�أ�ضرحة َّ‬ ‫ب�صلب الدِّ ين وخد�ش يف عقيدة‬ ‫والتَّو�سل‪ ،‬ويف هذا‬ ‫م�سا�س �صري ٌح ُ‬ ‫ٌ‬ ‫مما يو ِّرث عندهم ا�ستهان ًة بباقي الأحكام َّ‬ ‫وال�شرائع‪.‬‬ ‫التَّوحيد‪َّ ،‬‬ ‫�إنَّ الدِّ ين �إذا �أُ ِخ��ذ بغري َّ‬ ‫ال�سلف‬ ‫الطريقة ا َّلتي �أَخَ���ذه بها َّ‬ ‫ال�صالح ـ ر�ضوان اهلل عليهم ـ فثمرة ذلك اعوجا ٌج يف الفكر‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫وال�سلوك؛ لأنَّ الغاية املرج َّوة‬ ‫والعقائد‪،‬‬ ‫وانحراف يف العبادات ُّ‬ ‫من ل��زوم الدِّ ين هي نيل ر�ضى اهلل تعاىل‪ ،‬و�إنَّ ر�ضى اهلل قد‬ ‫ال�سلف كونهم فاقوا غريهم يف العلم والعمل بالدِّ ين‬ ‫حتقَّق له�ؤالء َّ‬ ‫بي‬ ‫ا َّلذي �أنزله اهلل �سبحانه‪ ،‬و�شهد لهم الوحي بذلك‪ ،‬قال ال َّن ُّ‬ ‫‪َ :Í‬‬ ‫ين َي ُلو َنهُم ُث َّم ا َّلذِ َ‬ ‫ا�س َقرنيِ ُث َّم ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي ُلو َنهُم»؛‬ ‫ري ال َّن ِ‬ ‫«خ ُ‬ ‫ف َمن كان م� ِّؤمال خ ًريا وراج ًيا ر�ضى ال َّر ِّب ـ ع َّز وج َّل ـ فما عليه‬ ‫�إ َّال �أن يتح َّرى ويلزم الدِّ ين ا َّلذي ا�ستقام عليه هَ�ؤالء الأماجد‪،‬‬ ‫وعم احلبور‪ ،‬ل َيب ُل َغ ما بلغوه‬ ‫وب َّلغوا �أنوا َر هدايته حتَّى �شاع ال ُّنور َّ‬ ‫والكرامة وال ِّرفعة‪ ،‬وهلل د ُّر �إمام دار الهجرة حني قال‪:‬‬ ‫من العزَّة‬ ‫َ‬ ‫«ال ُي�ص ِل ُح � ِآخ َر هذه الأ َّمة �إ َّال ما �أ�ص َل َح �أ َّو َلها»‪.‬‬

‫وعليه؛ ف�إنَّ الأ�صوات ال َّن�شاز يف �أ َّمتنا ا َّلتي تدعو �إىل �إعادة‬ ‫�صياغة الدِّ ين‪ ،‬با�سم التَّي�سري على ال َّنا�س ورفع احلرج‪ ،‬ومواف َقة‬ ‫مذهب‬ ‫أحكاما لي�سَ ت على‬ ‫ِ‬ ‫روح الع�صر‪ ،‬فيل ِّفقون �أقوا ًال وير ِّك ُبون � ً‬ ‫ال�سابقني‪ ،‬بل تت ُّب ٌع لل ُّرخ�ص والزَّلل‪ ،‬و�أخ ٌذ‬ ‫� ٍ‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫أحد من علماء َّ‬ ‫وال�ش ِّاذ‪ ،‬فهم بذلك ُيلحقون بالدِّ ين ما حلقَ َّ‬ ‫بال َّنادر َّ‬ ‫بال�شرائع‬ ‫املن�سوخة من التَّحريف والتَّبديل والتَّغيري‪ ،‬وذلك بت�أويل ال ُّن�صو�ص‬ ‫ال�صريحة يَ ِّ‬ ‫ول �أعناقها مبا يوافقُ الأهوا َء وميا�شي الأذواق‪ ،‬ويف‬ ‫َّ‬ ‫ذلك نخ ٌر ملقا�صد الإ�سالم ومناق�ض ٌة لأحكام الدِّ ين‪ ،‬و�إنَّ �صني َعهم‬ ‫هذا ٌ‬ ‫�صنف من ُ�صنوف كيد الأعداء �ش َعروا �أو مل ي�ش ُعروا‪ ،‬وهلل يف‬ ‫خل ِقه �ش�ؤون‪.‬‬ ‫�إنَّ مظاهر البدع واملحدثات من و�سائل �إ�ضعاف الدِّ ين يف‬ ‫نفو�س ال َّنا�س‪ ،‬ومن �أ�شدِّ العقبات ا َّلتي تقف يف وجه ال َّراغبني‬ ‫ال�سو َّية وال ِفطر‬ ‫يف ِ‬ ‫لزومه واال�ستقام ِة عليه‪ ،‬ذلك لأنَّ العقول َّ‬ ‫ال�سليمة تنفر من تلك املظاهر امل�ش ِّوهة جلمال هذه َّ‬ ‫ال�شريعة‬ ‫َّ‬ ‫إ�صالحا فال �أف�ضل من مت ُّثل كلمة‬ ‫الحا و� ً‬ ‫الغ َّراء‪ ،‬ف�إنْ �أردنا �صَ ً‬ ‫الإمام مالك ‪ :‬ال َّرائعة‪« :‬فما مل ي ُكن يومئذ دي ًنا‪ ،‬ال يكون اليوم‬ ‫بي‬ ‫دي ًنا»‪ ،‬وبه يكون ك ُّل حكم �أو طريقة �أو عبادة مل يكن عليها ال َّن ُّ‬ ‫‪ Í‬و�أ�صحابه ومعهم القرون امل�شهود لها باخلري َّية ومل يتَّخذوها‬ ‫واب جع ُلها اليوم من الدِّ ين‪ ،‬بل هو خالف‬ ‫ال�ص ِ‬ ‫دي ًنا‪ ،‬فمِ ن غري َّ‬ ‫ال�صراط امل�ستقيم ا َّل��ذي �أُمرنا بلزومه واال�ستقامة عليه؛ قال‬ ‫ِّ‬ ‫الع َّالمة ابن بادي�س ‪ :‬يف «تف�سريه» (‪« :)269/1‬وما ذلك‬ ‫ال�صراط امل�ستقيم �إ َّال ال ُقر�آن العظيم‪ ،‬والهدي ال َّنبوي الكرمي‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ال�صالح‪ ،‬وذلك هو دين الإ�سالم»‪.‬‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫و�سلوك َّ‬ ‫رب �سواه‪.‬‬ ‫ال�سبيل و�أقوم دين‪ ،‬وال َّ‬ ‫واهلل الهادي �إىل �سواء َّ‬ ‫�إ َّن الأ����ص���وات ال�� َّن�����ش��از يف �أ َّم��ت��ن��ا ا َّل��ت��ي ت��دع��و �إىل �إعادة‬ ‫���ص��ي��اغ��ة ال��� ِّدي���ن‪ ،‬ب��ا���س��م ال�� َّت��ي�����س�ير ع��ل��ى ال�� َّن��ا���س ورفع‬ ‫احل������رج‪ ،‬وم���واف��� َق���ة روح ال��ع�����ص��ر‪ ،‬ف��ي��ل�� ِّف��ق��ون �أق������وا ًال‬ ‫لي�ست على مذهبِ �أح��دٍ من علماء‬ ‫وير ِّك ُبون �أحكا ًما َ‬ ‫ال�سابقني‪ ،‬ب��ل تت ُّب ٌع لل ُّرخ�ص وال�� َّزل��ل‪ ،‬و�أخ ٌذ‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫َّ‬ ‫بال َّنادر َّ‬ ‫وال�شا ِّذ‪ ،‬فهم بذلك ُيلحقون بالدِّين ما حل َق‬ ‫َّ‬ ‫بال�شرائع املن�سوخة من ال َّتحريف وال َّتبديل وال َّتغيري‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪5‬‬


‫في رحاب القرآن‬

‫﴿ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾‬

‫ال ـب ـي ـ ـ ــان‬ ‫فـي‬ ‫أخطـ ــاء االستشهـ ــاد‬ ‫بآي القـرآن‬ ‫عز الدِّين رم�ضاين‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫م���ن الآي�����ات ا َّل���ت���ي َي��ك�ثر اال����س���ت���دالل ب��ه��ا يف‬ ‫جم��ال ال�� َّت��ح��رمي وال��ـ��م��ن��ع‪ ,‬وح�����ص��ول َّ‬ ‫ال�ضرر‬ ‫�أو وق��وع��ه؛ ق��ول��ه ت��ع��اىل‪ ﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﮨ﴾ [^‪.]195 :‬‬ ‫والآي���ة الكرمية و�إن كانت تتناول ك�� َّل م��ا فيه‬ ‫كتفريط‬ ‫ح�سي �أو معنويٍّ ؛‬ ‫ٍ‬ ‫هالك الإن�سان من ٍّ‬ ‫تعري�ض ال َّنف�س‬ ‫يف واج��ب‪� ,‬أو فعلٍ لـمح َّرم‪� ,‬أو‬ ‫ِ‬ ‫للمخاطر؛ ف���إ َّن اال�ستدالل بها على التقاع�س‬ ‫عن العمل لن�صرة دين اهلل خط�أ ظاهر‪.‬‬ ‫ويظهر ذلك يف ا�ست�شهادات وكتابات من تبنى‬ ‫منهج التي�سيري املعا�صر‪.‬‬ ‫وال َّر ُّد عليهم يكمن فيما يلي‪:‬‬

‫ال�ساد�س ـ‬ ‫ـ اجلزء َّ‬ ‫�أ َّو ًال‪� :‬أنَّ �سبب نزول الآية فيه الإف�صاح عن معنى التَّهلكة‬ ‫يف الآية‪ ،‬و�أ َّنه الإقامة يف الأموال و�إ�صالحها وترك اجلهاد‪ ,‬فعن‬ ‫�أ�سلم �أبي عمران قال‪ :‬غزونا من املدينة نريد الق�سطنطين َّية‬ ‫وعلى اجلماعة عبد ال َّرحمن بن خالد بن الوليد‪ ,‬وال ُّروم مل�صقو‬ ‫ظهورهم بحائط املدينة‪ ,‬فحمل رج ٌل على العد ِّو؛ فقال ال َّنا�س‪:‬‬ ‫مه مه! ال �إله �إ َّال اهلل! يلقي بيديه �إىل التَّهلكة؛ فقال �أبو �أ ُّيوب‪:‬‬ ‫«�إنمَّ��ا نزلت هذه الآية فينا مع�شر الأن�صار لـ َّما ن�صر اهلل نب َّيه‬ ‫هلم نقيم يف �أموالنا ون�صلحها‪ ،‬ف�أنزل اهلل‬ ‫و�أظهر الإ�سالم؛ قلنا‪َّ :‬‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [^‪]195 :‬؛‬ ‫نقيم يف �أموالنا ون�صلحها وندع‬ ‫فالإلقاء بالأيدي �إىل التَّهلكة �أن َ‬ ‫اجلهاد‪.)1(»...‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ويف «�صحيح البخاري» عن حذيفة بن اليمان ‪ Ç‬قال‪:‬‬ ‫«نزلت يف ال َّنفقة»‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫((( �أبو داود (‪ ,)2512‬رِّ‬ ‫والتمذي (‪ ,)2972‬و�إ�سناده �صحيح‪.‬‬ ‫((( برقم (‪.)4516‬‬

‫‪6‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫املف�سرين(‪ )6‬من التَّابعني ومن بعدهم‬ ‫ثال ًثا‪� :‬أنَّ جمهور ِّ‬ ‫�����س��روا ال�� َّت��ه��ل��ك��ة ب���أ َّن��ه��ا ت���رك ال�� َّن��ف��ق��ة يف �سبيل اهلل ومنه‬ ‫ف َّ‬ ‫اجل��ه��اد‪ ,‬وه��و ق��ول �سعيد ب��ن ج��ب�ير (ت ‪95‬هـ)‪ ,‬وجماهد‬ ‫(ت ‪104‬هـ)‪ ,‬وعكرمة (ت ‪105‬هـ)‪َّ ,‬‬ ‫وال�ض َّحاك (ت ‪105‬هـ)‪,‬‬ ‫واحل�سن الب�صري (ت ‪110‬هـ)‪ ,‬وعطاء (ت ‪114‬هـ)‪ ,‬وقتادة‬ ‫وال�سدِّ ي (ت ‪128‬هـ)‪ ,‬والأعم�ش (ت ‪148‬هـ)‪,‬‬ ‫(ت ‪117‬هـ)‪ُّ ,‬‬ ‫ومقاتل بن ح َّيان (ت ‪150‬هـ)‪ ,‬ومقاتل بن �سليمان (ت ‪150‬هـ)‪,‬‬ ‫وغريهم كثري(‪.)7‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫راب ًعا‪� :‬أنَّ �أبا �أ ُّيوب الأن�صاري ‪ Ç‬ر َّد ب�أبلغ بيان على َمنْ‬ ‫هم التَّهلك َة مبعناها اللُّغوي‪ ،‬وعلى عموم ال َّلفظ و�شموله‪.‬‬ ‫َف َ‬ ‫ويظهر من هذا الأثر ـ وقد تق َّدم ـ �أنَّ �أبا �أ ُّيوب اعتمد يف ت�أويله‬ ‫قوي يف فهم معنى الآي��ة‪ ,‬ويق ِّوي‬ ‫على �سبب ال ُّنزول‪ ،‬وهو �سبب ٌّ‬ ‫ما ذكره من معنى �سباق الآية‪ ,‬وهو الأمر بالإنفاق يف �سبيل اهلل‬ ‫و�سي�أتي الكالم على ذلك‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫في رحاب القرآن‬

‫ف�سر التَّهلكة يف الآي��ة ب�أ َّنها‬ ‫ث��ان�� ًي��ا‪� :‬أنَّ بع�ض َّ‬ ‫ال�صحابة َّ‬ ‫الإم�ساك عن ال َّنفقة‪ ,‬فعن ابن ع َّبا�س ‪« :È‬لي�س التَّهلكة‬ ‫�أن يقتل ال َّرجل يف �سبيل اهلل‪ ,‬ولكن الإم�ساك عن ال َّنفقة يف‬ ‫�سبيل اهلل»(‪.)3‬‬ ‫وع��ن ح��ذي��ف��ة ‪ Ç‬ق���ال‪« :‬ه��و ت��رك ال�� َّن��ف��ق��ة يف �سبيل‬ ‫اهلل»(‪.)4‬‬ ‫وعن الرباء بن عازب ‪� Ç‬أ َّنه قيل له‪ :‬ال َّرجل يحمل على‬ ‫ممن �ألقى بيده �إىل التَّهلكة؟ قال‪« :‬ال؛ لأنَّ اهلل ـ ع َّز‬ ‫امل�شركني �أهو َّ‬ ‫وج َّل ـ بعث ر�سول اهلل ‪ Í‬فقال‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬ ‫ﯓ﴾ [`‪ � ،]84 :‬مَّإنا ذاك يف ال َّنفقة»(‪.)5‬‬

‫َ‬ ‫�صفوف العد ِّو �إذا كان فيه‬ ‫خام�سا‪� :‬أنَّ اقتحام ال َّرجل‬ ‫ً‬ ‫�إظها ٌر َّ‬ ‫��اب للعد ِّو وتقوي ٌة وجترئ ٌة للم�سلمني‬ ‫لل�شجاعة و�إره ٌ‬ ‫عليهم ونحو ذلك من املقا�صد احل�سنة ال يع ُّد �إلقا ًء باليد‬ ‫�إىل التَّهلكة‪ ,‬ولي�س مبذموم و�إن ُق ِتل‪ ,‬واملذموم يف ذلك �أن‬ ‫يكون عن ته ُّو ٍر �أو �سب ًبا يف وهن امل�سلمني(‪ ،)8‬فعن مدرك ابن‬ ‫عوف �أنَّ ال َّنا�س ذكروا عند عمر بع�ضَ َمنْ ُق ِتل يف �سبيل اهلل‪،‬‬ ‫وقالوا‪ُ :‬ق ِتل فالن وفالن و�آخرون ال نعرفهم؛ فقال عمر‪ :‬لكنَّ‬ ‫اهلل يعرفهم؛ فقالوا‪ :‬ورج�� ٌل �شرى نف�سه؛ فقال م��درك ابن‬ ‫ع��وف‪ :‬ذاك واهلل خايل يا �أم�ير امل�ؤمنني! يزعم ال َّنا�س �أ َّنه‬ ‫�ألقى بيديه �إىل التَّهلكة؛ فقال عمر‪« :‬كذب �أولئك‪ ،‬ولك َّنه من‬ ‫ا َّلذين ا�شرتوا الآخرة بال ُّدنيا»(‪.)9‬‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم يف «جامع امل�سائل» (‪« :)324‬ف�إن قيل‪ :‬قد‬ ‫قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [^‪ ]195 :‬و�إذا قاتل‬ ‫ال َّرجل يف مو�ضع َف َغ َل َب على ظ ِّنه �أ َّن��ه ُيقتل فقد �ألقى بيده �إىل‬ ‫التَّهلكة‪.‬‬ ‫قيل‪ :‬ت�أويل الآي��ة على هذا ٌ‬ ‫ال�صحابة‬ ‫غلط‪ ,‬ولهذا ما زال َّ‬ ‫والأئ َّمة ينكرون على من يت�أ َّول الآية على ذلك‪.»...‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ال�سيوطي يف «ال ُّد ِّر املنثور» �إىل‬ ‫((( رواه ابن جرير يف «تف�سريه» (‪ ,)314/3‬وعزاه ُّ‬ ‫الفريابي وابن املنذر (‪.)322/2‬‬ ‫ال�سيوطي يف «الدُّر» (‪� )321/2‬إىل‬ ‫((( رواه ابن جرير يف «تف�سريه» (‪ ,)313/3‬وعزاه ُّ‬ ‫وكيع وابن عيينة و�سعيد بن من�صور وعبد بن حميد وابن املنذر وابن �أبي حامت‪.‬‬ ‫((( رواه �أحمد (‪ ,)18477‬واحلاكم يف «امل�ستدرك» (‪.)275/2‬‬ ‫((( انظر‪« :‬تف�سري ابن جرير» (‪ ,)312/3‬و«تف�سري ابن �أبي حامت» (‪.)331/1‬‬ ‫املف�سرين ا َّلذين مل ينقلوا �إ َّال هذا املعنى ـ ترك ال َّنفقة ـ ومنهم‪ :‬البخاري وابن‬ ‫((( �أي من ِّ‬ ‫�أبي زمنني والعليمي و�صاحبا «اجلاللني» ور�شيد ر�ضا و�آخرون‪.‬‬

‫((( انظر «فتح الباري» البن حجر (‪.)233/8‬‬ ‫و«ال�سنن الكربى» للبيهقي (‪ ,)7707‬وعزاه‬ ‫((( «م�ص َّنف» ابن �أبي �شيبة (‪ُّ ,)33780‬‬ ‫و�صحح �إ�سناده‪.‬‬ ‫ابن حجر يف «الفتح» (‪ )233/8‬البن جرير وابن املنذر َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪7‬‬


‫في رحاب القرآن‬

‫�ساد�سا‪� :‬أنَّ �سياق الآية جاء يف ا لأمر بالإنفاق يف �سبيل ي���ؤول بهم �إىل الهالك يف غري طاعة اهلل تعاىل‪ ,‬ف���إنَّ اجلهاد‬ ‫ً‬ ‫مف�ض �إىل الهالك‪ ,‬وهو القتل ومل ينه عنه‪ ,‬بل‬ ‫اهلل‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾‪« ،‬و�إدخ���ال ال��ك�لام يف معاين ما يف �سبيل اهلل ٍ‬ ‫قبله وما بعده �أوىل من اخل��روج به عنهما �إ َّال بدليل يجب هو �أم ٌر مطلوب موعو ٌد عليه باجل َّنة‪ ,‬وهو من �أف�ضل الأعمال‬ ‫املتق َّرب بها �إىل اهلل تعاىل»‪.‬‬ ‫التَّ�سليم به» (‪.)10‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫وال َّدليل ا َّلذي ي�صرف له الكالم عن �سياقه والحقه �إ َّما �أن‬ ‫إجماعا من �أهل‬ ‫يكون خ ًربا‬ ‫ال�سند‪ ,‬و�إ َّما �أن يكون � ً‬ ‫ً‬ ‫�صحيحا متَّ�صل َّ‬ ‫ثام ًنا‪� :‬أنَّ من اختار العموم يف الآية كابن جرير ‪ :‬مل ُيغ ِفل‬ ‫ال َّت�أويل على تف�سري الآية(‪ ,)11‬ولي�س عندنا �شيء من ذلك يخرج القول ب�أنَّ �أ َّول املعاين دخو ًال يف معنى الآية و�أوالها هو الإم�ساك‬ ‫املعنى عن �سياقه‪.‬‬ ‫عن ال َّنفقة يف �سبيل اهلل تعاىل‪ ,‬قال كما يف «تف�سريه» (‪:)325/3‬‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم يف «جامع امل�سائل» (‪ )326‬بعد �أن �ساق‬ ‫الآي��ات ا َّلتي فيها الأمر باجلهاد والإنفاق يف �سبيل اهلل‪« :‬فهذه‬ ‫الآيات كلُّها يف الأمر باجلهاد يف �سبيل اهلل و�إنفاق املال يف �سبيل‬ ‫اهلل‪ ,‬فال تنا�سب ما ي�ضا ُّد ذلك من ال َّنهي ع َّما يكمل به اجلهاد‬ ‫و�إن كان فيه تعري�ض ال َّنف�س َّ‬ ‫لل�شهادة‪� ,‬إذ املوت الب َّد منه‪� »...‬إىل‬ ‫�أن قال‪« :‬و� ً‬ ‫أي�ضا ف�إ َّنه يف �أ َّول الآية قال‪﴿ :‬ﮠﮡﮢ ﮣ﴾‪ ,‬ويف‬ ‫�آخرها‪﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [\^]‪َّ ،‬‬ ‫فدل ذلك‬ ‫على ما رواه �أبو �أ ُّيوب من �أنَّ �إم�ساك املال والبخل عن �إنفاقه يف‬ ‫�سبيل اهلل واال�شتغال به هو التَّهلكة»‪.‬‬

‫«غري �أنَّ الأمر و�إن كان كذلك ـ �أي يحمل على العموم ـ ف�إنَّ الأغلب‬ ‫من ت�أويل الآي��ة‪ :‬و�أنفقوا �أ ُّيها امل�ؤمنون يف �سبيل اهلل وال ترتكوا‬ ‫ال َّنفقة فيها فتهلكوا با�ستحقاقكم برتككم ذلك عذابي»‪ ,‬وهو ما‬ ‫ذهب �إليه ابن حجر يف «الفتح» (‪ )233/8‬حيث قال بعد �أن ذكر‬ ‫بع�ض الأقوال يف تف�سري التَّهلكة‪« :‬والأ َّول �أظهر ـ وهو ترك ال َّنفقة‬ ‫ـ لت�صدير الآية بذكر ال َّنفقة فهو املعتمد يف نزولها‪ ,‬و�أ َّما ق�صرها‬ ‫عليه ففيه نظر؛ لأنَّ العربة بعموم ال َّلفظ»‪.‬‬

‫‪  ‬‬

‫املف�سرين ا َّلذين اختاروا‬ ‫�ساب ًعا‪� :‬أنَّ بع�ض املح ِّققني من ِّ‬ ‫ال�صورة‪ ,‬وه��ي �صورة اقتحام‬ ‫العموم يف الآي��ة ا�ستثنوا ه��ذه ُّ‬ ‫الع�ساكر طل ًبا َّ‬ ‫لل�شهادة و�إرها ًبا للعد ِّو وما �إىل ذلك من املقا�صد‬ ‫ال�صحيحة‪ ,‬منهم‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ـ القا�ضي �أبو بكر بن العربي يف تع ُّقبه ابن جرير حني اختار‬ ‫العموم يف الآية‪ ,‬قال كما يف «�أحكام القر�آن» (‪« :)166/1‬وقد‬ ‫�أ�صاب �إ َّال يف اقتحام الع�ساكر؛ ف�إنَّ العلماء اختلفوا يف ذلك»‪َّ ،‬ثم‬ ‫«وال�صحيح عندي جوازه»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫رجح جواز االقتحام فقال‪َّ :‬‬ ‫ـ و�أبو ح َّيان الأندل�سي �صاحب «البحر املحيط»‪ ,‬فقد قال‬ ‫بعد �أن ذكر ت�سعة �أق��وال يف تف�سري التَّهلكة (‪« :)79/2‬وهذه‬ ‫والظاهر �أ َّنهم نهوا عن ِّ‬ ‫الأقوال كلُّها حتتمل هذه الآية‪َّ ,‬‬ ‫كل ما‬ ‫(‪ ((1‬انظر‪« :‬قواعد رَّ‬ ‫املف�سرين» حل�سني احلربي (‪.)11/1‬‬ ‫التجيح عند ِّ‬ ‫(‪ ((1‬انظر‪« :‬تف�سري ابن جرير» (‪.)268/7‬‬

‫‪8‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪  ‬‬


‫املف�سرين ملعنى‬ ‫�إنَّ ال َّناظر يف تفا�سري �أهل العلم ونقوالت ِّ‬ ‫و�صح ًة على ح�سب ما اع ُتمِ د عليه‬ ‫الآية يجد �أ َّنها تتفاوت درج ًة َّ‬ ‫من �أد َّلة وقواعد يف رَّ‬ ‫التجيح‪.‬‬ ‫فمن جعل معتمده �سبب ال ُّنزول ك�أبي �أ ُّي��وب الأن�صاري‬ ‫‪Ç‬؛ �ص َّرح ب���أنَّ التَّهلكة ترك اجلهاد‪ ,‬وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ قوله‬ ‫ح ٌّق و�صواب‪.‬‬ ‫ومن جعل معتمده �سياق الآي��ة كحذيفة بن اليمان ‪Ç‬‬ ‫واجلمهور؛ بينَّ ب�أنَّ التَّهلكة ترك ال َّنفقة يف �سبيل اهلل‪ ,‬وهذا � ً‬ ‫أي�ضا‬ ‫ح ٌّق و�صواب‪.‬‬ ‫وال تعار�ض بني القولني ـ �إن �شاء اهلل ـ؛ ف�إنَّ املعنى ا َّلذي ذكره‬ ‫�أب��و �أ ُّي��وب ‪ Ç‬داخ�� ٌل يف املعنى ا َّل��ذي قال به حذيفة ‪Ç‬‬ ‫«ف�إ َّنه �إنمَّ��ا ذكر اجلهاد يف تف�سريه من باب التَّف�سري بال َّالزم‪,‬‬ ‫ف�إن ترك ال َّنفقة يف �سبيل اهلل تعاىل يرتتَّب عليه ترك اجلهاد‬ ‫بال َّنف�س‪ ,‬فمن �ضنَّ مباله �ضنَّ بنف�سه من باب �أوىل‪ ,‬وال ي�ص ُّح‬ ‫التَّف�سري بال َّالزم �إ َّال مع الإقرار باملعنى الأ�صلي‪ ,...‬ولع َّل اختيار‬ ‫�أبي �أ ُّيوب ‪ Ç‬ملعنى اجلهاد من هذه املعاين ملنا�سبته للمقام‬ ‫واحلال؛ ف�إنَّ ترك اجلهاد وعدم اال�ستعداد واخللود �إىل ال ُّدنيا‬ ‫وال ِّر�ضا بالإقامة فيها �إلقاء باليد �إىل التَّهلكة من جهة القعود‬ ‫ومتكني الأعداء من امل�سلمني؛ فيهلكوا احلرث وال َّن�سل»(‪.)12‬‬ ‫ويبقى �أن ِّ‬ ‫�صحة املعنى امل��ذك��ور عن �أب��ي �أ ُّيوب‬ ‫نو�ضح �أنَّ َّ‬ ‫ال�صواب فيهما‪ ,‬فقد‬ ‫وحذيفة ‪ È‬وغريهما ال يعني انح�صار َّ‬ ‫ال�صحابة والتَّابعني تف�سري التَّهلكة ب�أ َّنها القنوط‬ ‫ورد عن ٍ‬ ‫عدد من َّ‬ ‫والإقامة على ال ُّذنوب‪ ,‬فقد قيل للرباء بن عازب ‪� :Ç‬أر�أيت‬ ‫قول اهلل‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ �أه��و ال َّرجل يتق َّدم فيقاتل‬

‫في رحاب القرآن‬

‫‪� ‬إفادة الب َّد منها‪:‬‬

‫حتَّى يقتل؟ قال‪« :‬ال‪ ,‬ولك َّنه ال َّرجل يعمل باملعا�صي َّثم يلقي بيده‬ ‫وال يتوب»(‪.)13‬‬ ‫وج���اء ع��ن ال�� ُّن��ع��م��ان ب��ن ب�شري ‪ Ç‬ق���ال‪« :‬ك���ان ال َّرجل‬ ‫يذنب َّ‬ ‫الذنب فيقول‪ :‬ال ُيغفر يل‪ ,‬ف�أنزل اهلل‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﮨ﴾»(‪.)14‬‬ ‫وقيل غري ذلك‪.‬‬ ‫واملق�صود التَّحذير من اال�ست�شهاد بالآية على التَّقاع�س عن‬ ‫العمل لن�صرة دين اهلل كالأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪,‬‬ ‫واجلهاد يف �سبيل اهلل(‪ )15‬وفعل َّ‬ ‫الطاعات ا َّلتي ال ُّ‬ ‫تنفك عن‬ ‫وال�صوم خمافة ح�صول �ضر ٍر غري متيقَّن‪� ,‬أو‬ ‫امل�شقَّة‬ ‫ِّ‬ ‫كاحلج َّ‬ ‫م�شقَّة وهم َّية‪.‬‬ ‫و َّفقنا اهلل لتد ُّبر كتابه وفهم مقا�صده والعمل ب�أحكامه‪,‬‬ ‫�آمني‪.‬‬ ‫‪  ‬‬

‫(‪ ((1‬رواه ابن جرير (‪ ,)320/3‬وابن �أبي حامت يف «تف�سريه» (‪ ,)332/1‬وقال ابن‬ ‫حجر يف «الفتح»‪�« :‬إ�سناده �صحيح عن ابن جرير وابن املنذر»‪.‬‬ ‫(‪َّ ((1‬‬ ‫الطرباين يف «الأو�سط» (‪.)5672‬‬ ‫(‪ ((1‬ومن عجيب الأخبار �أنَّ امل�ست�شرق الفرن�سي ليون رو�ش قام برحل ٍة �إىل م�صر‬ ‫��اج م�سلم من �أج��ل احل�صول على‬ ‫واحلجاز �سنة (‪ )1842‬متن ِّك ًرا يف زيِّ ح ٍّ‬ ‫ن�ص فتوى جاء بها من اجلزائر جتعل اجلهاد �ض َّد‬ ‫موافقة من العلماء على ٍِّّ‬ ‫الفرن�س ِّيني من باب �إلقاء ال َّنف�س �إىل التَّهلكة‪ ,‬لكنَّ علماء الأزهر مل يوافقوه على‬ ‫تلك الفتوى‪ ,‬انظر‪« :‬تاريخ اجلزائر» مل�سعود اجلزائري (‪.)284‬‬

‫والـمق�صود ال�� َّت��ح��ذي��ر م��ن اال�ست�شهاد بالآية‬ ‫ع���ل���ى ال��� َّت���ق���اع�������س ع����ن ال���ع���م���ل ل���ن�������ص���رة دين‬ ‫اهلل ك����الأم����ر ب���امل���ع���روف وال��� َّن���ه���ي ع���ن املنكر‪,‬‬ ‫واجلهاد يف �سبيل اهلل وفعل َّ‬ ‫الطاعات ا َّلتي ال‬ ‫ت��ن��ف ُّ��ك ع��ن الـم�ش َّقة ك��احل�� ِّج وال��� َّ��ص��وم خمافة‬ ‫ح�صول ���ض��ر ٍر غ�ير متي َّقن‪� ,‬أو م�ش َّقة وهم َّية‬

‫ال�سلف يف التَّف�سري» لنايف الزَّهراين (‪.)228‬‬ ‫(‪ ((1‬انظر‪« :‬ا�ستدراكات َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪9‬‬


‫من مشكاة السنة‬

‫حديث «ال تطروني‪»...‬‬ ‫عـثـمـان عـيـ�سـي‬ ‫ا�س ‪� È‬سَ ِم َع ُع َم َر ‪َ Ç‬ي ُق ُ‬ ‫ول َع َلى ا ِمل ْنبرَ ِ ‪� :‬سَ ِم ْع ُت‬ ‫ابن َع َّب ٍ‬ ‫عن ِ‬ ‫ال َّن ِب َّي ‪َ Ì‬ي ُق ُ‬ ‫ول‪َ « :‬ال ُت ْط ُرونيِ َك َما �أَ ْط َرتِ ال َّن َ�صا َرى ا ْب َن َمرْيمَ َ ‪،‬‬ ‫َف�إِ مَّ َ‬ ‫نا �أَ َنا َع ْب ُدهُ‪َ ،‬ف ُقو ُلوا‪َ :‬ع ْب ُد اللهَّ ِ َو َر ُ�سو ُل ُه»‪.‬‬ ‫�أخرجه البخاري يف كتاب �أحاديث الأنبياء‪ :‬باب قول اهلل‪:‬‬ ‫﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [‪،]16 :o‬‬ ‫برقم (‪.)3445‬‬ ‫و�أخرجه مط َّو ًال يف كتاب احلدود‪ :‬باب رجم احلبلى من الزِّ نا‬ ‫�إذا �أح�صنت‪ ،‬برقم‪.)6830( :‬‬ ‫و�أخرجه احلميدي يف «م�سنده» (‪ ،)27‬و�أحمد يف «م�سنده»‬ ‫(‪ ،)331 ،154 ،164‬والدَّارمي يف «�سننه» (‪ ،)2784‬وابن ح َّبان‬ ‫يف «�صحيحه» (‪ ،)6239‬و�أبو يعلى يف «م�سنده» (‪ ،)153‬والبزَّار‬ ‫يف «م�سنده» (‪َّ )194‬‬ ‫والطيال�سي يف «م�سنده» (‪ )24‬وعبد ال َّر َّزاق‬ ‫يف «م�صنفه» (‪.)9758‬‬ ‫‪ ‬يد ُّل هذا احلديث على �أ�صل كبري من �أ�صول الدِّ ين ال َّدا َّلة‬ ‫على و�سط َّية دين الإ�سالم بني �سائر امللل َّ‬ ‫وال�شرائع‪ ،‬وهذه الو�سط َّية‬ ‫�سمة امتاز بها دي ُننا احلنيف‪ ،‬وخا�ص َّي ٌة من �أعظم خ�صائ�صه‬ ‫و�أبرزها‪ ،‬و�أه ُله املنت�سبون �إليه بحقٍّ ‪ُ � ،‬‬ ‫أهل و�سط‪ ،‬عدول‪ ،‬ال هُ ْم‬ ‫ب�أهل غل ٍّو فيه‪ ،‬وال هُ ْم ب�أهل تق�صري وجفاء‪« ،‬فكما �أنَّ اجلايف عن‬ ‫الأمر م�ض ِّيع له‪ ،‬فالغايل فيه م�ض ِّيع له‪ ،‬هذا بتق�صريه عن احلدِّ ‪،‬‬ ‫وهذا بتجاوزه احل َّد»(‪.)1‬‬ ‫‪ ‬قوله ‪« :Í‬ال ُت ْط ُرون»‪ :‬اختلفت عبارات �أهل اللُّغة ـ يف‬ ‫معنى الإطراء‪ ،‬فمنها ما يد ُّل على ال َّثناء فقط‪ ،‬ومنها ما يد ُّل على‬ ‫املبالغة‪ ،‬ومنها ما يد ُّل على جماوزة احلدِّ فيه‪ ،‬و�إىل هذا الأخري‬ ‫ال�سالكني» (‪.)496/2‬‬ ‫((( «مدارج َّ‬

‫‪10‬‬

‫نحا الأكرثون(‪.)2‬‬ ‫� ًإذا فـ«الإطراء» هو‪:‬‬ ‫«مجُ����ا َو َز ُة ا َ‬ ‫حل�� ِّد يف املَ��� ْد ِح وال�� َك��ذِ ُب فيه‪ ،‬وال�� ِّزي��اد ُة يف ال َّثناء‬ ‫والغل ُّو فيه»‪.‬‬ ‫‪ ‬قوله‪« :‬ال َّن�صارى»‪ :‬وهم �أهل م َّلة من امللل الكتاب َّية‪ ،‬هكذا‬ ‫وال�س َّنة‪� ،‬أ َّما ت�سميتهم بـ«امل�سيح ِّيني» َف َغلَ ٌط‪،‬‬ ‫ا�سمهم يف الكتاب ُّ‬ ‫ن َّبه عليه علما�ؤنا املح ِّققون؛ لأنَّ امل�سيحي ال ُيقال �إ َّال ملن �آمن‬ ‫بعي�سى بن مرمي ‪ º‬عبدً ا هلل ور�سو ًال له‪ ،‬واتَّبعه و�ص َّدقه فيما‬ ‫بنبي ي�أتي من بعده ا�سمه �أحمد‪،‬‬ ‫�أخرب به‪ ،‬ومن ذلك تب�شريه ٍّ‬ ‫كما قال اهلل ع َّز وجل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ﴾‬

‫[¼‪.]6 :‬‬ ‫�أ َّما ا َّلذين مل يتَّبعوه فلي�سوا مب�سيح ِّيني‪ ،‬و� مَّإنا هم «ن�صارى»‬ ‫كما �س َّماهم اهلل ع َّز وج َّل‪ ،‬وعي�سى بن مرمي ‪َ Í‬ب ِري ٌء منهم(‪.)3‬‬ ‫‪ ‬قوله‪« :‬اب َ��ن م��رمي»‪« :‬فن�سبه �إىل � ِّأم��ه لينفي ن�سبته �إىل‬ ‫غريها‪ ،‬فال ُين�سب �إىل اهلل تعاىل �أ َّن��ه ابنه وال �إىل � ٍأب من‬ ‫الب�شر‪ ،‬كما زعمت ال َّن�صارى الغالية فيه‪ ،‬وال كما زعمت اليهود‬ ‫الكافرة به»(‪.)4‬‬ ‫ويف هذا َفائِدَ ت َِان‪:‬‬ ‫((( انظر‪« :‬تاج العرو�س» (‪.)488/38‬‬ ‫((( انظر‪« :‬فتاوى َّ‬ ‫‪/‬ال�س�ؤال‬ ‫ال�شيخ ابن باز» (‪« ،)387/5‬لقاءات الباب املفتوح» (‪ُّ 43‬‬ ‫رقم ‪�« ،)8‬إعانة امل�ستفيد» (‪« ،)271/1‬معجم املناهي ال َّلفظ َّية» (‪.)93‬‬ ‫((( «الرد على البكري» ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (‪.)460/2‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﴾‬

‫[\`]‪.‬‬ ‫قال احلافظ ابن كثري يف «تف�سريه» (‪« :)477/2‬ينهى تعاىل‬ ‫�أهل الكتاب عن الغل ِّو والإطراء‪ ،‬وهذا كثري يف ال َّن�صارى‪ ،‬ف�إ َّنهم‬ ‫جتاوزوا ح َّد التَّ�صديق بعي�سى‪ ،‬حتَّى رفعوه فوق املنزلة ا َّلتي �أعطاه‬ ‫اهلل �إ َّياها‪ ،‬فنقلوه من ح ِّيز ال ُّنب َّوة �إىل �أن اتَّخذوه �إل ًها من دون‬ ‫اهلل يعبدونه كما يعبدونه‪ ...،‬ولهذا قال‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ﴾؛ �أي‪ � :‬مَّإنا‬ ‫هو عبد من عباد اهلل َ‬ ‫وخ ْلق من خلقه‪ ،‬قال له‪ :‬كنْ فكان‪ ،‬ور�سو ٌل‬ ‫من ر�سله‪ ،‬وكلمته �ألقاها �إىل مرمي‪� ،‬أي‪َ :‬خل َقه بالكلمة ا َّلتي �أر�سل‬ ‫بها جربيل ‪� º‬إىل مرمي‪ ،‬فنفخ فيها من روحه ب�إذن ر ِّبه ع َّز‬ ‫َّ‬ ‫وجل‪ ،‬فكان عي�سى ب�إذن اهلل ع َّز وج َّل‪ ...،‬ولهذا قيل لعي�سى‪� :‬إ َّنه‬ ‫كلمة اهلل وروح منه؛ لأ َّنه مل يكن له � ٌأب َت َو َّلد منه‪ ،‬و� مَّإنا هو نا�شئ‬ ‫عن الكلمة ا َّلتي قال له بها‪« :‬كن» فكان‪ ،‬وال ُّروح ا َّلتي �أُر�سل بها‬ ‫جربيل‪ »...‬اهـ‪.‬‬

‫من مشكاة السنة‬

‫«�إحداهما‪َ :‬ب َيا ٌن �أ َّن ُه َم ْو ُلودٌ‪َ ،‬واللهَّ ُ لمَ ْ ُيو َل ْد‪.‬‬ ‫َوال َّثا ِن َي ُة‪ِ :‬ن ْ�س َب ُت ُه �إىل َم ْريمَ​َ ؛ ب�أَ َّن ُه ا ْب ُن َها َل ْي َ�س هُ َو ابنَ اللهَّ ِ »(‪.)5‬‬ ‫نبي اهلل عي�سى‬ ‫بينَّ احلديث �أنَّ ال َّن�صارى هم ا َّلذين �أطروا َّ‬ ‫ابن مرمي‪ ،‬وهذا من غل ِّوهم فيه ويف دينهم‪َ « ،‬و ُغ ُل ُّو ال َّن�صَ ا َرى‬ ‫هلل َو َق ْو ُل‬ ‫يف ِعي�سَ ى َق ْو ُل َب ْع ِ�ضهِ ْم هُ َو اللهَّ ُ ‪َ ،‬و َق ْو ُل َب ْع ِ�ضهِ ْم هُ َو ا ْبنُ ا ِ‬ ‫َب ْع ِ�ضهِ ْم هُ َو َثا ِلثُ ثال َث ٍة»(‪ ،)6‬و«هذه الأقوال جميعها قول طوائف‬ ‫ال َّن�صارى امل�شهورة‪ :‬امللك َّية(‪ )7‬واليعقوب َّية وال َّن�سطور َّية؛ ف�إنَّ‬ ‫هذه َّ‬ ‫الطوائف ك َّلها تقول بالأقانيم(‪ )8‬ال َّثالثة‪ :‬الأب واالبن وروح‬ ‫القد�س‪ ،‬فتقول‪� :‬إنَّ َ‬ ‫اهلل ثالثُ ثالثة‪ ،‬وتقول عن امل�سيح �إ َّنه اهلل‪،‬‬ ‫وتقول �إ َّنه ابن اهلل‪ ،‬وهم متَّفقون على حِّاتاد ال َّالهوت وال َّنا�سوت(‪،)9‬‬ ‫و�أنَّ املتَّحد هو الكلمة‪ ،‬وهم متَّفقون على عقيدة �إميانهم(‪ )10‬ا َّلتي‬ ‫واحد �آب �ضابط ِّ‬ ‫الكل‪ ،‬خالق‬ ‫تت�ض َّمن ذلك وهو قولهم‪ :‬ن�ؤمن ب�إله ٍ‬ ‫��رب واحد ي�سوع‬ ‫ال�سماوات والأر���ض‪ ،‬ك ّل ما يرى وما ال يرى وب ٍّ‬ ‫َّ‬ ‫امل�سيح ابن اهلل الوحيد املولود من الآب قبل ِّ‬ ‫كل ال ُّدهور‪ ،‬نور من‬ ‫نور �إله حقّ من �إله حقٍّ ‪ ،‬مولود غري خملوق»(‪.)11‬‬ ‫وقال احلافظ ابن كثري (‪« :)479/2‬وك ُّل هذه الفرق ُت ْث ِبتُ‬ ‫الأقانيم ال َّثالثة يف امل�سيح‪ ،‬ويختلفون يف كيف َّية ذلك‪ ،‬ويف ال َّالهوت‬ ‫امتزجا �أو َّ‬ ‫حل‬ ‫وال َّنا�سوت على زعمهم! هل حَّاتدَ ا‪� ،‬أو ما حَّاتدَ ا‪ ،‬بل‬ ‫َ‬ ‫فيه؟ على ثالث مقاالت‪ ،‬وك ٌّل منهم يك ِّفر الفرقة الأخرى‪ ،‬ونحن‬ ‫نك ِّفر ال َّثالثة» اهـ‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫((( «جمموع الفتاوى» (‪.)449/2‬‬ ‫((( «جمموع الفتاوى» (‪ 274/17‬ـ ‪ .)275‬والتثليث �أ�ص ٌل يف عقيدة الن�صارى ك ّلهم‪،‬‬ ‫ولك ّنهم خمتلفون يف كيفيته‪.‬‬ ‫((( ويقال لها �أي�ضا ( ا َمل ْل َكا ِن َّية )‪.‬‬ ‫((( الأقانيم‪ :‬جمع كلمة «�أقنوم»‪ ،‬وقد اختلف الن�صارى يف معناها كثريا‪ ،‬وا�ضطربوا‬ ‫يف تف�سريها فـ«تارة يقولون �أ�شخا�ص‪ ،‬وتارة خوا�ص‪ ،‬وتارة �صفات‪ ،‬وتارة جواهر‪،‬‬ ‫وتارة يجعلون الأقنوم ا�سما للذات وال�صفة معا‪ ،‬وهذا تف�سري ُح َّذاقهم‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫«اجلواب ال�صحيح» (‪.)200/3‬‬ ‫((( الالهوت‪ :‬اجلانب الإلهي من طبيعة عي�سى ‪ º‬عند الن�صارى‪.‬‬ ‫والنا�سوت‪ :‬اجلانب الإن�ساين من عي�سى ‪ º‬عندهم‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬وهو ما ُيع َرف بـ«قانون الإميان» عند الن�صارى‪ ،‬ويعترب من ال ي�ؤمن به عندهم‬ ‫لي�س م�سيحيا!‬ ‫ال�صحيح ملن بدَّل دين امل�سيح» (‪.)12/2‬‬ ‫(‪« ((1‬اجلواب َّ‬ ‫وهذا الذي نقله �شيخ الإ�سالم ال يخرج عن �صيغة القانون املرتجمة �إىل العربية‬ ‫واملعتمدة يف كنائ�س الن�صارى اليوم‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪11‬‬


‫ق��ال قَ��تَ��ادة‪ :‬يف قوله ت��ع��اىل‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬

‫من مشكاة السنة‬

‫ﭩ ﭪ﴾ «هو قوله‪ُ :‬كنْ َف َكان»(‪.)12‬‬ ‫وق��ال �شا ُّذ ب��نُ يحيى‪« :‬لي�س الكلمة �صارت عي�سى‪ ،‬ولكن‬ ‫بالكلم ِة �صا َر عي�سى»(‪.)13‬‬ ‫فعي�سى ‪ º‬خملوق من روح خملوقة و�أ�ضيفت الروح �إىل‬ ‫اهلل على وجه التَّ�شريف‪ ،‬كما �أ�ضيفت ال َّناقة والبيت �إىل اهلل‪ ،‬فهي‬ ‫من خلق اهلل تعاىل‪ ،‬ومن عنده‪ ،‬ولي�ست من للتَّبعي�ض كما تقوله‬ ‫ال َّن�صارى ـ عليهم لعائن اهلل املتتابعة ـ بل هي البتداء الغاية‪.‬‬ ‫وعي�سى ‪ º‬بريء من هذا ا َّلذي ا َّدعوه فيه ويف � ِّأمه‪ ،‬فقد‬ ‫وا�ضحا ال َّ‬ ‫�شك فيه وال‬ ‫�صريحا‬ ‫جاء يف القر�آن الكرمي ذلك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ريب‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬

‫هلل َو َر ُ�سو ُلهُ»‪� :‬أي‪� :‬صفوين بذلك كما‬ ‫‪ ‬قوله‪َ « :‬ف ُقو ُلوا‪َ :‬ع ْب ُد ا ِ‬ ‫َو�صَ فني ر ِّبي‪.‬‬

‫ال�سالكني» (‪:)440/3‬‬ ‫ق��ال الإم ُ‬ ‫���ام اب��نُ الق ِّيم يف «م��دارج َّ‬ ‫«و�أ َّما �س ِّيد ولد �آدم ـ �صلوات اهلل و�سالمه عليه ـ ف�إ َّنه كمل مرتبة‬ ‫العبود َّية فا�ستحقَّ التَّقدمي على �سائر اخلالئق فكان �صاحب‬ ‫الو�سيلة َّ‬ ‫وال�شفاعة ا َّلتي يت� َّأخر عنها جميع ال ُّر�سل ويقول هو‪:‬‬ ‫�أنا لها‪ ،‬ولهذا ذكره اهلل ـ‪� ‬سبحانه وتعاىل ـ بالعبودية يف �أعلى‬ ‫مقاماته و�أ�شرف �أحواله‪ ...‬ولهذا يقول امل�سيح حني ُيرغب �إليه‬ ‫يف َّ‬ ‫م َّمدٍ ‪َ ،‬ع ْب ٌد ُغ ِف َر َل ُه مَا َت َق َّد َم مِ نْ َذ ْن ِب ِه‬ ‫ال�شفاعة‪« :‬ا ْذ َه ُبوا �إِىل حُ َ‬ ‫َومَ��ا َت���أَ َّخ�� َر»(‪ )14‬فا�ستحقَّ تلك ال ُّرتبة العليا بتكميل عبود َّيته هلل‬ ‫وبكمال مغفرة اهلل له» اهـ‪.‬‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ‬ ‫وقال ابنُ �أبي العزِّ احلنفي يف «�شرحه على العقيدة َّ‬ ‫الطحاوية»‬ ‫وق يف حَ ْ‬ ‫هلل َت َعالىَ ‪،‬‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ (‪َ « :)149/1‬و ْاع َل ْم �أَنَّ َك َم َال ا َملخْ ُل ِ‬ ‫ت ِق ِيق ُع ُبو ِد َّي ِت ِه ِ‬ ‫ﯭ﴾ [\‪.]a‬‬ ‫َو ُك َّل َما ا ْزدَا َد ال َع ْب ُد حَ ْ‬ ‫ت ِقي ًقا ِلل ُع ُبو ِد َّي ِة ا ْزدَا َد َك َما ُل ُه َو َع َل ْت َد َر َج ُت ُه‬ ‫وقال‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ َو َمنْ َت َو َّه َم �أَ َّن امل َ ْخ ُلو َق َي ْخ ُر ُج ع َِن ال ُع ُبو ِد َّي ِة ب َو ْج ٍه مِ َن ال ُو ُجوهِ‪،‬‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ َو�أَ َّن ا ُ‬ ‫خل ُرو َج َع ْنهَا �أَ ْك َم ُل‪َ ،‬ف ُه َو مِ نْ �أَ ْجهَلِ الخْ َ ْلقِ َو�أَ َ�ض ِّل ِه ْم‪ »...‬اهـ‪.‬‬ ‫ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ‬ ‫ُبطل الغل َّو‪« ،‬ور�سوله»‪ :‬تُبط ُل اجلفا َء‪ ،‬فال ُي َغالىَ‬ ‫فـ«عبد اهلل» ت ِ‬ ‫ﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗ‬ ‫بي ‪ Í‬ف ُيع َبد من دون اهلل‪� ،‬أو يعطى من خ�صائ�ص ال ُّربوب َّية‬ ‫يف ال َّن ِّ‬ ‫ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫�أو الألوه َّية‪ ،‬وال ُيج َفى ف ُي َك َّذب وال يمُ تَثل �أم�� ُره وال ُت َّت َبع �سنته‪،‬‬ ‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [\‪.]a‬‬ ‫ُ‬ ‫�صراط اهلل امل�ستقيم‪ ،‬ودي ُنه‬ ‫واحل ُّق و�سط بني الغل ِّو واجلفاء‪ ،‬وهو‬ ‫‪ ‬قوله‪�« :‬أنا عبده»‪ :‬هذا و�صف مالزم له غري زائل عنه ‪Í‬؛‬ ‫العزيز احلميد‪.‬‬ ‫هلل‬ ‫القومي‪ ،‬طريقُ ال َّنجاة الوحيد املو�صل �إىل ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫لأنَّ منزلة العبود َّية هي �أ�سا�س َّ‬ ‫ال�شرف لل ُّر�سل وامل�ؤمنني؛ ولهذا‬ ‫َّ‬ ‫«ال�صحيحني»‪ ،‬فقد رواه البخاري‬ ‫يف‬ ‫أ�صله‬ ‫�‬ ‫كان‬ ‫إن‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫فظ‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫بهذا‬ ‫وجدته‬ ‫ما‬ ‫(‪((1‬‬ ‫َّ‬ ‫يذكر اهلل تعاىل نب َّيه بو�صف العبود َّية يف �أعلى املقامات‪ ،‬فقال‬ ‫(‪ )4712‬وم�سلم (‪.)194‬‬ ‫�سبحانه وتعاىل يف مقام الإ�سراء‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫ﭕﭖﭗﭘ ﭙ ﭚﭛﭜ ﭝﭞ‬

‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ﴾ [\‪ ،]m‬وقال يف‬ ‫مقام التَّحدِّ ي‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﴾ [^‪:‬‬ ‫‪ ،]23‬وقال تعاىل يف مقام ال َّدعوة‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [\‪ ،]Ç‬وقال �سبحانه وتعاىل يف مقام‬ ‫الإن���ذار‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﯝ﴾ [\‪.]u‬‬ ‫(‪� ((1‬أثر �صحيح‪� ،‬أخرجه عبد ال َّر َّزاق يف «تف�سريه» (‪.)658‬‬ ‫(‪� ((1‬أثر �صحيح‪� ،‬أخرجه ابن �أبي حامت يف «تف�سريه» (‪.)6310‬‬

‫‪12‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫�إ�شكال وجوابه‪:‬‬ ‫ف�إن قال قائل‪:‬‬ ‫م��ا علمنا �أ َّن �أح���دًا ا َّدع��ى يف ر���س��ولِ اهلل ‪ Í‬م��ا ادُّعِ َ���ي يف‬ ‫مر�ضي يف الإ�سالم‪ ،‬و�شريع ِة نب ِّينا‬ ‫‪� ‬إنَّ الغل َّو يف الدِّ ين غ ُري‬ ‫ٍّ‬ ‫حم َّمد ‪ Í‬خ ِري الأنام‪ ،‬وقد نهى عنه ُ‬ ‫عي�سى ‪º‬؟!‬ ‫اهلل ور�سو ُله ‪ ،Í‬ومع وجود‬ ‫ال�شريعة‪ِّ ،‬‬ ‫ال ُّن�صو�ص الكثرية واملتن ِّوعة يف خمتلف �أبواب َّ‬ ‫املحذرة‬ ‫فاجلواب من ثالثة �أوجه‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫واملنفرة من الغل ِّو ب�شتى �أ�شكاله ـ �سواء يف االعتقادات‪� ،‬أو يف‬ ‫للذرائع ا َّلتي ت�ؤدِّي �إىل ِّ‬ ‫الأ َّول‪� :‬أنَّ هذا فيه «�س ّد َّ‬ ‫ال�شرك باهلل‪،‬‬ ‫(‪)22‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الأعمال ـ‪ ،‬فقد �آل �إليه ـ مع الأ�سف ال�شديد ـ طوائف من �أ َّم ِة‬ ‫فال َّر�سول ‪ Í‬ما من خري �إ َّال َّ‬ ‫دل الأ َّمة عليه‪ ،‬وما من �ش ٍّر �إ َّال َّ‬ ‫حذرها‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بي ‪ Í‬على م ِّر ال ُّدهور والع�صور‪ ،‬وهو باقٍ �إىل يوم النا�س‬ ‫فال�شرك لمَ َّا الن ِّ‬ ‫ال�شيء �أخطر كانت العناية به �أعظم‪ِّ ،‬‬ ‫منه‪ ،‬وك َّلما كان َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫يعلم ذلك كل َمن اطلع على ما �أحدث يف الأ َّمة من عقائد‪،‬‬ ‫هذا‪ُ ،‬‬ ‫كان �أعظم ال ُّذنوب و�أظلم ُّ‬ ‫الظلم على الإطالق‪ ،‬وهو َّ‬ ‫الذنب ا َّلذي‬ ‫رب العاملني‪.‬‬ ‫وطرائق ومناهج خمالفة للدِّ ين‪ ،‬وجمانبة ل�شريعة ِّ‬ ‫ال يغفره اهلل وا َّلذي ح َّرم اهلل على �صاحبه اجل َّنة وم�أواه ال َّنار‪،‬‬ ‫و�س�أم ِّثل بطائفتني �ضا َّل َتينْ وهما‪ :‬ال َّراف�ضة واملت�ص ِّوفة من‬ ‫لمَ َّ��ا كان بهذه اخلطورة ح َّ��ذر منه ‪ Í‬غاية التَّحذير ومنع من‬ ‫�أ�صحاب ُّ‬ ‫زاحف مريب‪،‬‬ ‫ن�شاط رهيب‪َ ،‬ومدٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫الطرق‪ ،‬لمِ ا َلهما من ٍ‬ ‫�أيِّ و�سيلة ت�ؤدِّي �إليه‪ ،‬كما منع من �إطرائه يف هذا احلديث لئ َّال‬ ‫أييد من قوى الكفر من اليهود وال َّن�صارى عجيب!‬ ‫ومدد‬ ‫ودعم وت� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف�ضي ذلك �إىل �أعظم حمذور‪ ،‬وكما لعن ‪ Í‬اليهود وال َّن�صارى‬ ‫ـ يزعم ال َّراف�ضة «�أنَّ �أئ َّمتهم يعلمون الغيب‪ ،‬و�أ َّنهم يحيون‬ ‫يف ا ِّتخاذهم قبور �أنبيائهم م�ساجد وهو يف �ش َّدة املر�ض ا َّلذي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫املوتى‪ ،‬و�أنهم ق��ادرون على �إب��راء الأكمه والأبر�ص‪ ،‬و�أنَّ كل ما‬ ‫مات فيه‪ ،‬ك ُّل ذلك حماية منه ‪ Í‬جلناب التَّوحيد و�سدًّا ُّ‬ ‫للطرق‬ ‫جاء من �صفاته تعاىل ف�إنَّ املراد بها �أئ َّمتهم‪ ،‬كوجه اهلل‪ ،‬ويده‪،‬‬ ‫ا َّلتي تنتهي �إىل ِّ‬ ‫ال�شرك»(‪.)15‬‬ ‫ول�سانه‪ ،‬وبابه‪ ،‬و�أ َّنهم الأ�سماء احل�سنى‪ ،‬كما زعموا �أنَّ �أئ َّمتهم‬ ‫ال�صحابة من بالغ يف تعظيمه‪ ،‬فنهاهم ال َّنبي‬ ‫ال َّثاين‪� :‬أنَّ من َّ‬ ‫ُّ �أف�ضل من الأنبياء‪ ،‬كما عبدوهم من دون اهلل تعاىل‪ ،‬وجعلوا‬ ‫‪ Í‬ع َّما ع�ساه يبلغ بهم العباد َة با�ستهواء َّ‬ ‫ال�شيطان وا�ستجرائه‪.‬‬ ‫مزارات و�أعيادًا‪ ،‬و�صيرَّ وها �أوثا ًنا»(‪.)23‬‬ ‫�أ�ضرحتهم‬ ‫ٍ‬ ‫بي ‪َ :Í‬يا �سَ يِّدَ َنا‪َ ،‬وا ْبنَ‬ ‫فعن �أَ َن ٍ�س ‪� Ç‬أَنَّ َر ُج ًال َق َال ِلل َّن ِّ‬ ‫(‪ ((1‬حديث �صحيح‪� .‬أخرجه �أحمد (‪ ،)13529‬انظر‪« :‬ال�صحيحة» (‪.)1097‬‬ ‫�سَ ِّي ِد َنا‪َ ،‬و َيا خَيرَْ َنا‪َ ،‬وا ْبنَ خَيرْ ِ َنا‪َ ،‬ف َق َال ال َّن ِب ُّي ‪َ « :Í‬يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫ا�س! (‪ ((1‬امل�سند (‪ )13596‬و�إ�سنادُها �صحيح‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬حديث �صحيح لغريه‪� .‬أخرجه �أحمد (‪ ،)1839‬وابن ماجه (‪ .)2117‬انظر‪:‬‬ ‫ُقو ُلوا ب َق ْو ِل ُك ْم َو َال َي�سْ َت ْه ِو َي َّن ُك ُم(‪َّ )16‬‬ ‫م َّم ُد ُ‬ ‫بن َع ْبدِ‬ ‫ال�ش ْي َط ُان‪� ،‬أَ َنا حُ َ‬ ‫«ال�صحيحة» (‪.)138‬‬ ‫ال�صحيحني» البن اجلوزي (‪.)65/1‬‬ ‫اهللِ‪َ ،‬و َر� ُ��س ُ‬ ‫��ب �أَ ْن َت ْر َف ُعونيِ َف�� ْو َق مَا َر َف َعنِي (‪ ((2‬انظر‪« :‬ك�شف امل�شكل من حديث َّ‬ ‫��ول اهللِ‪َ ،‬وا ِ‬ ‫هلل مَا �أُحِ ُّ‬ ‫(‪ ((1‬جمموع كتب ور�سائل َّ‬ ‫ال�شيخ الع َّالمة عبد املح�سن الع َّباد البدر ـ حفظه اهلل ـ‬ ‫(‪ 215/2‬ـ ‪.)216‬‬ ‫(‪� ((1‬أي‪ :‬يذهب بعقولكم وهواكم‪.‬‬

‫من مشكاة السنة‬

‫اهلل»(‪ ،)17‬ويف لفظ(‪َ « :)18‬ف ْو َق َم ْن ِز َلتِي ا َّلتِي �أَ ْن َز َلنِي ُ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل»‪.‬‬ ‫َ��ال ِلل َّن ِب ِّي ‪َ :Í‬ما َ�شا َء ُ‬ ‫ا�س‪� ،‬أَنَّ َر ُج ً‬ ‫�لا ق َ‬ ‫اهلل‬ ‫َ��ن ا ْب ِ��ن َع َّب ٍ‬ ‫وع ِ‬ ‫بي ‪�« :Í‬أَ َج َع ْل َتنِي َو َ‬ ‫اهلل عَ��د ً‬ ‫ْال! َب ْل مَا َ�شا َء‬ ‫َو ِ�ش ْئ َت! َف َق َال َل ُه ال َّن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل َو ْح َدهُ»(‪.)19‬‬ ‫املنهي عنه قد‬ ‫ال َّثالث‪�« :‬أ َّنه لي�س من �شرط ال َّنهي �أن يكون‬ ‫ّ‬ ‫أمر يجوز �أن يقع»(‪.)20‬‬ ‫ُف ِعل‪ ،‬و� مَّإنا هو منع من � ٍ‬ ‫«وهذا يقت�ضي �أنَّ َمنْ رفع امر�أً فوق حدِّ ه وجتاوز مقداره مبا‬ ‫أحد لكان �أوىل اخللق‬ ‫لي�س فيه‬ ‫فمعتد �آثم؛ لأنَّ ذلك لو جاز يف � ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بذلك ر�سول اهلل ‪ »Í‬اهـ(‪.)21‬‬

‫(‪« ((2‬تف�سري القرطبي» (‪.)247/5‬‬ ‫(‪ ((2‬انظر‪« :‬اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم» (‪.)288/1‬‬ ‫(‪� ((2‬شرح يو�سف بن حممد ال�سعيد لـ«امل�سائل التي خالف فيها ر�سول اهلل ‪َ � Í‬‬ ‫أهل‬ ‫اجلاهلية» (‪.)251/1‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪13‬‬


‫من مشكاة السنة‬

‫ال�صوف َّية �أنَّ اهلل خلق الكون ِمن ن��و ِر نب ِّينا‬ ‫ـ يزعم غ�لا ُة ُّ‬ ‫حم َّمد ‪.)24(Í‬‬ ‫ـ �أنَّ الكون خلق من ا�سمه ‪ Í‬وح�ضوره وقربه من ر ِّبه(‪.)25‬‬ ‫ـ زعمهم �أنَّ بنور نب ِّينا حم َّمد ‪ Í‬جت��ري الأن��ه��ار وتثمر‬ ‫ال َّنباتات وتظهر �أ�سرار الأر�ض(‪!)26‬‬ ‫ـ زعمهم �أنَّ ال َّر�سول ‪ Í‬لي�س من الب�شر‪ ،‬بل هو بال ُّروح‬ ‫القد�سي والقالب ال َّنبوي(‪!)27‬‬ ‫حي خم َّلد‪ ،‬قد رََّ‬ ‫ت�ست‬ ‫ـ زعمهم �أنَّ ال َّر�سول ‪ Í‬مل ميت‪ ،‬ولك َّنه ٌّ‬ ‫ع َّمن ال يفقه عن اهلل(‪!)28‬‬ ‫ـ زعمهم �أنَّ ال َّر�سول ‪ Í‬يعلم الغيب(‪.)29‬‬ ‫وقد نقل �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ :‬يف معر�ض ردِّه على‬ ‫ال َّن�صارى يف كتابه ِّ‬ ‫ال�صحيح ملن بدَّل دين امل�سيح»‬ ‫الفذ «اجلواب َّ‬ ‫ال�صوف َّية املنت�سبني �إىل الإ�سالم وغريهم قول‬ ‫م�ضاها َة قول غالة ُّ‬ ‫بي‬ ‫بي ‪�« :Í‬إنَّ ذات ال َّن ِّ‬ ‫ال َّن�صارى يف عي�سى ‪� ،º‬إذ قالوا يف ال َّن ِّ‬ ‫رب العاملني‬ ‫كانت موجودة قبل خلق �آدم‪ ،‬ويقولون �إ َّنه ُخلق ِمنْ نور ِّ‬ ‫ووجد قبل خلق �آدم و�أنَّ الأ�شياء خلقت منه حتَّى قد يقولون يف‬ ‫حم َّمد ‪ Í‬من جن�س قول ال َّن�صارى يف امل�سيح حتَّى قد يجعلون‬ ‫مدد العامل منه ويروون يف ذلك �أحاديث وك ُّلها كذب»(‪.)30‬‬ ‫ـ غل ّو ُّ‬ ‫بي ‪ ،Í‬و�إطرا�ؤهم له فوق احلدِّ امل�شروع‪،‬‬ ‫ال�ض َّالل يف ال َّن ِّ‬ ‫ف�أبوا �إ َّال خمالفة �أمره وارتكاب نهيه‪ ،‬وناق�ضوه �أعظم املناق�ضة‬ ‫فغلوا فيه وبالغوا يف �إطرائه وا َّدع ْوا فيه ما ا َّدعت ال َّن�صارى يف‬ ‫عي�سى �أو قري ًبا منه‪ ،‬ف�س�ألوه مغفرة ُّ‬ ‫الذنوب وتفريج الكروب‬ ‫خمت�ص ب��اهلل وح��ده ال‬ ‫مم��ا هو‬ ‫ٌّ‬ ‫و�شفاء الأم��را���ض ونحو ذل��ك َّ‬ ‫�شريك له‪ُّ ،‬‬ ‫وكل ذلك من الغل ِّو يف الدِّين‪.‬‬ ‫ن�ص عليها العلماء‪،‬‬ ‫و�صور الغلو يف الدِّ ين كثرية متن ِّوعة‪َّ ،‬‬ ‫رب العاملني‪،‬‬ ‫ن�صحا للأ َّمة‪ ،‬وحتذي ًرا منها‪ ،‬وذ ًّبا عن دين ِّ‬ ‫وب َّينوها ً‬ ‫(‪ ((2‬كالمهم هذا ثابت عنهم يف م�صادرهم ومراجعهم‪ ،‬انظر‪« :‬االبريز من كالم عبد‬ ‫العزيز الد ّباغ» (�ص‪ 224 :‬ـ ‪.)225‬‬ ‫(‪« ((2‬االبريز» (�ص‪ 224 :‬ـ ‪.)225‬‬ ‫(‪« ((2‬االبريز» (�ص‪.)222 :‬‬ ‫(‪ ((2‬قاله �أبو املواهب ال�شاذيل كما يف «الطبقات الكربى لل�شعراين» (�ص‪.)588 :‬‬ ‫(‪ ((2‬قاله ـ �أي�ضا ـ �أبو املواهب ال�شاذيل كما يف «الطبقات الكربى لل�شعراين» (�ص‪:‬‬ ‫‪ ،)591‬وانظر‪« :‬جواهر املعاين وبلوغ الأماين يف في�ض التيجاين» (‪.)118/1‬‬ ‫(‪« ((2‬االبريز» (�ص‪ 246 :‬ـ ‪ .)249‬وانظر رد العلماء على البو�صريي يف بيته امل�شهور‪:‬‬ ‫ومن علومك علم اللوح والقلم!‬ ‫(‪« ((3‬اجلواب ال�صحيح» (‪.)384/3‬‬

‫‪14‬‬

‫ال�س َّنة امل�سندة وغريها‪ ،‬زاخرة بالتَّحذير من الغل ِّو‬ ‫وم�ؤ َّلفاتُ �أئ َّمة ُّ‬ ‫ـ و�أهله ـ مبختلف �أنواعه و�صوره و�أ�شكاله القدمية واحلديثة‪.‬‬ ‫‪ ‬مدح ال َّر�سول ‪ Í‬منه ما هو حممود ومنه ما هو مذموم‪:‬‬ ‫«فاملحمود‪ :‬هو �أن يو�صف ِّ‬ ‫بكل كمال يليق بالإن�سان‪ ...،‬واملدح‬ ‫املذموم‪ :‬هو ا َّلذي يتجاوز فيه احل ُّد ويقع به املادح يف املحذور‬ ‫ا َّلذي ال ير�ضاه اهلل وال ر�سوله ‪ ،Í‬وذلك‪� :‬أن يو�صف ‪ Í‬مبا‬ ‫ال يجوز �أن يو�صف به �إ َّال اهلل ـ تبارك وتعاىل ـ �أو �أن ي�صرف له‬ ‫‪ Í‬ما ال ي�ستح ُّقه �إ َّال الباري ج َّل وعال‪.)31(»...‬‬ ‫‪ ‬فوائد احلديث وما ي�ستنبط منه‪:‬‬ ‫ـ �إظهار �س َّنة ر�سول اهلل ‪ Í‬ون�شرها‪.‬‬ ‫ـ كمال ن�صح وبالغ ال َّر�سول ‪ Í‬لأ َّمته‪.‬‬ ‫الذرائع ا َّلتي ت�ؤدِّي �إىل ِّ‬ ‫ـ �س ُّد َّ‬ ‫ال�شرك‪.‬‬ ‫ـ بيان ما وقع فيه ال َّن�صارى من الغل ِّو يف عي�سى ‪.º‬‬ ‫ـ حتذير الأ َّمة من الوقوع فيما وقعت فيه ال َّن�صارى‪.‬‬ ‫ـ اجلمع بني الأمر وال َّنهي‪ ،‬و�أنَّ على املفتي �إذا �أر�شد �إىل املنع‬ ‫من حمذور �أن َّ‬ ‫يدل على م�أمور به هو خري‪.‬‬ ‫ـ و�صفه ‪ Í‬ب�أ َّنه عبد اهلل ور�سوله امتثا ًال لأمره ‪.Í‬‬ ‫ـ الإ�شارة يف اجلمع بني و�صفه بكونه عبد اهلل وو�صفه بكونه‬ ‫ر�سوله �إىل دفع الإفراط والتَّفريط‪ ،‬والغلو واجلفاء‪.‬‬ ‫ـ بيان �أ َّنه ‪ Í‬ال يخرج عن �أن يكون عبدً ا هلل تعاىل حيث قال‪:‬‬ ‫«� مَّإنا �أنا عبده»‪.‬‬ ‫و�ص َّلى اهلل على نب ِّينا حم َّمد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني �إىل‬ ‫يوم الدِّ ين‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫(‪ ((3‬جمموع كتب ور�سائل َّ‬ ‫ال�شيخ عبد املح�سن الع َّباد البدر (‪ 216/2‬ـ ‪)217‬‬ ‫بت�ص ّرف‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫مَو�ضو ُع مُواال ِة الك َّفار هو �أح ُد‬ ‫الـ َمباحثِ العِظام ا َّل��ت��ي نَ‬ ‫افتت‬ ‫ب��ه��ا َج��م��اع ُ‬ ‫��ات ال�� َّت��ك��ف�ير ال َيو َم‪،‬‬ ‫�إذ ي���� َرو َن �أ َّن مَ���ن ىَ‬ ‫وال الك َّفا َر‬ ‫ب�����أيِّ َن����وع م��ن �أَن�����واع الـمواال ِة‬ ‫َّ‬ ‫الظاهر ِة �أو الباطن ِة َيكف ُر كف ًرا‬ ‫خرجه من م َّلة الإ�سالم‪ ،‬ح َّتى‬ ‫ُي ُ‬ ‫ذلك الع َ‬ ‫ربمَّ ا َجعلوا من َ‬ ‫القاتِ‬ ‫ال�� ِّدب��ل��وم��ا���س�� َّي��ة ب�ين ب��ل��دٍ مُ�سلم‬ ‫و�آخ َر كافرٍ‪� ،‬أو ج َعلوه يف �صور ِة‬ ‫َت����ب����ادلٍ ث���ق���ا ٍّيف ب��ي�� َن��ه��م��ا‪� ،‬أو يف‬ ‫ال َّتفاو�ض مع ال َيهو ِد يف الق�ض َّية‬ ‫ال ِفلَ�سطين َّيةِ‪� ،‬أو يف ا�ستِقدام‬ ‫عَ�����س��اك��ر ك���اف���ر ٍة ل�����ص�� ِّد عُ�����دوانِ‬ ‫مُعتدٍ �شر�س‪� ،‬أو يف ا ِّتخا َذ َجواز‬ ‫���س��ف��رٍ ل��ك�� ِّل دَول���� ٍة مُ�����س��ل��م�� ٍة على‬ ‫حِ دة؛ لأ َّنه عندَهم د ٌ‬ ‫َليل على �أ َّن‬ ‫الو َال َء �أ�صب َح عُن�صر ًّيا َال دِين ًّيا‪،‬‬ ‫فط للدُّ َول الكافر ِة‬ ‫�أو يف بيع ال َّن ِ‬ ‫ب�� ُرخ�����ص؛ لأ َّن����ه ع��ن�� َده��م د ٌ‬ ‫َليل‬ ‫ع��ل��ى ع����دَم االك���ِت��رِ اثِ ب��َث�رَ واتِ‬ ‫هتمون‬ ‫الـ ُم�سلمِ ني ول��و كانوا َي ُّ‬ ‫باقت�صا ِد �إخوانِهم املُ�سلمِ ني لـما‬ ‫ري َ‬ ‫�أَ َ‬ ‫ذلك‬ ‫رخ�صوا الأ�سعا َر‪� ،‬إىل غ ِ‬ ‫م��ن الأم��ث��ل�� ِة ال�� َك��ث�ير ِة يف هَذا‬ ‫مما َال ُيف ِّرقون فيه ب َ‬ ‫ني‬ ‫الباب‪َّ ،‬‬ ‫مُواالة ظاهر ٍة ُّ‬ ‫تدل على ال َّت�أثيم‬ ‫�أو عدمِ ه‪ ،‬ومُ���واال ٍة باطن ٍة ُّ‬ ‫تدل‬ ‫على ال َّتكفريِ‪.‬‬

‫فهوم خاطئة‬ ‫في مواالة الكفار‬

‫التوحيد الخالص‬

‫عبد املالك رم�ضاين‬

‫وقد �أم َر اهلل مبواال ِة املُ�سلمِ ني َ‬ ‫فقال‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬

‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [‪.]55 :a‬‬ ‫ون َهى عن ُمواال ِة الكفَّا ِر َ‬ ‫فقال‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [‪ ،]51 :a‬وقال‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ‬ ‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ‬

‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ‬

‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [\«]‪ ،‬ونهى عن َ‬ ‫ذلك‬ ‫خوان فقال‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ولو مع الآباء وا ِلإ ِ‬ ‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [\‪،]e‬‬ ‫وع َّل َل َ‬ ‫ذلك بقو ِله‪:‬‬ ‫﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [\‪.]a‬‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪15‬‬


‫التوحيد الخالص‬ ‫‪16‬‬

‫لقد ات َ‬ ‫رميات وغ ِريها‬ ‫آيات ال َك ِ‬ ‫َّخذ َجماعاتُ التَّكف ِري ِمن هَ ذه ال ِ‬ ‫َف�صيل بزَ عم مواال ِة الكفَّار‪ ،‬وممِ َّ ا‬ ‫تُك�أ ًة لتَكف ِري املُ�سلمِ ني من غ ِري ت ٍ‬ ‫خ�صوا �إنزا َلها على‬ ‫يد ُّل على عدَ م �إن�صا ِفهم يف الأحكام �أ َّنهم ُّ‬ ‫�ثر املُبتلني بهذا الفكر مع �أنَّ لفظها عا ٌّم‬ ‫احل َّكام ف َق ْط عند �أك ِ‬ ‫و�أقوال ُعلما ِء التَّف�سري ت�أبى عليهم َ‬ ‫ذلك ك َّله‪ ،‬والتَّطبيقات ال َّنبو َّية‬ ‫امل�سلك ال َوعر!‬ ‫تَن�أَى بهم عن هذا‬ ‫ِ‬ ‫�أ َّما التَّفا�س ُري؛ فمِ نها ُ‬ ‫قول ابن اجلوزي ‪« ::‬قوله تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [‪ ]51 :a‬فيه قوالن‪:‬‬ ‫�أحدهما‪ :‬من يتولهم يف الدِّ ين؛ ف�إ َّنه منهم يف الكفر‪.‬‬ ‫وال َّثاين‪ :‬من يتو َّلهم يف العهد؛ ف�إ َّنه منهم يف خمالفة الأمر»‬ ‫[«زاد امل�سري» (‪.])378/2‬‬ ‫ال�سعود ‪ :‬يف تف�سري الآي ِة‪« :‬فيه زج ٌر �شديد للم�ؤمنني‬ ‫وقول �أبي ُّ‬ ‫عن �إظهار �صورة امل��واالة لهم و�إن مل تكن م��واال ًة يف احلقيقة»‬ ‫ال�سليم �إىل مزايا الكتاب الكرمي» (‪.])48/3‬‬ ‫[«�إر�شاد العقل َّ‬ ‫ال�شيخ حم َّمد الأَم�ين َّ‬ ‫وقول َّ‬ ‫ال�شنقيطي ‪« ::‬ذكر يف هذه‬ ‫الآية الكرمية �أنَّ من تولىَّ اليهود وال َّن�صارى من امل�سلمني؛ ف�إ َّنه‬ ‫يكون منهم بتو ِّليه �إياهم‪.‬‬ ‫وبينَّ يف مو�ضع �آخر �أنَّ تو ِّليهم موجب ل�سخط اهلل واخللود يف‬ ‫عذابه‪ ،‬و�أنَّ متو ِّليهم لو كان م�ؤم ًنا ما تو َّالهم‪ ،‬وهو قوله تعاىل‪:‬‬

‫وال���� َّ���ض���اب ُ‬ ‫���ط يف ذل����ك �أ َّن مَ����ن ت ىَّ‬ ‫�����ول ال���ك��� َّف���ا َر لدينهم‬ ‫ف���ه���و ك�����اف����� ٌر؛ لأ َّن ذل�����ك ت ٍّ‬ ‫����اف‬ ‫�������ول ب����اط����ن ٌّ����ي‪ ،‬وه�����و ك ٍ‬ ‫ل��ل ُ��ح��ك��م ع��لَ��ي��ه ب��ال�� ُك��ف��ر ول����و مل ي��ت��و َّل��ه��م ظ����اه���� ًرا‪...‬‬ ‫احتياجا �إىل بع�ض ما يف �أيديهم من الدُّ نيا‬ ‫ومَن تو َّالهم‬ ‫ً‬ ‫مما لهم من ق َّوةٍ‪� ،‬أو حم َّي ًة لهم بدافع العن�صر َّية‬ ‫�أو خو ًفا َّ‬ ‫مث ً‬ ‫ري فال‪...‬‬ ‫ال فهو دائ ٌر بني ال َّت�أثيم والإِعذار‪� ،‬أ َّما ال َّتكف ُ‬

‫االختيار‪ ،‬و�أ َّما عند اخلوف والتَّق َّية فريخ�ص يف مواالتهم‪ ،‬بقدر‬ ‫املداراة ا َّلتي يكتفي بها �ش َّرهم‪ ،‬وي�شرتط يف ذلك �سالمة الباطن‬ ‫من تلك املواالة‪.‬‬ ‫ومن ي�أتي الأمور على ا�ضطرار‬ ‫فـلـي�س كـمـثل �آتـيـهـا اخـتـيـارا‬ ‫ويفهم من ظواهر هذه الآيات �أنَّ من توىل الكفَّار عمدً ا اختيا ًرا‪,‬‬ ‫رغبة فيهم �أ َّنه كافر مثلهم» [«�أ�ضواء البيان» (‪.])111/2‬‬ ‫وق��ول اب��ن كثري ‪« ::‬وق��ول��ه‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾‬ ‫[_‪� ,]28 :‬أي‪� :‬إ َّال من خاف يف بع�ض البلدان �أو الأوقات‬ ‫من �ش ِّرهم‪ ،‬فله �أن يتَّقيهم بظاهره ال بباطنه ون َّيته‪ ،‬كما حكاه‬ ‫البخاري عن �أبي ال�� َّدرداء �أ َّن��ه قال‪� :‬إ َّن��ا لن ْك�ش ُر يف وجوه �أقوام‬ ‫وقلوبنا تلعنهم» [«تف�سري القر�آن العظيم» (‪.])30/2‬‬ ‫﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫وال�ض ُ‬ ‫ابط يف ذلك �أنَّ َمن تولىَّ‬ ‫كتب التَّف�سري‪َّ ،‬‬ ‫وغري ذلك من ِ‬ ‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ الكفَّا َر لدينهم فهو كاف ٌر؛ لأنَّ ذلك ٍّ‬ ‫للحكم‬ ‫تول‬ ‫باطني‪ ،‬وهو ٍ‬ ‫كاف ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ع َليه بال ُكفر ولو مل يتو َّلهم ظاه ًرا؛ ف�إنَّ املُنافقني كا ُنوا يف َّ‬ ‫الظاهر‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [\‪.]a‬‬ ‫ال�س ِّر مع الكفَّار يتم َّنون انت�صارهم‬ ‫يتو َّلون امل�سلمني لك َّنهم يف ِّ‬ ‫ونهى يف ِ‬ ‫��اح��ون �إىل معا�شرتهم �أك�ث�رَ من‬ ‫مو�ضع �آخر عن تَو ِّليهم مب ِّي ًنا �سبب التَّنفري منه‪ ,‬وهو و ُي��ح�� ُّب��ون ُظ��ه��ور دينهم وي��رت ُ‬ ‫لن�صرهم مل‬ ‫قوله‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ار ِتياحهم �إىل ُمعا�شرة امل�سلمني و�إذا وجدوا ُفر�ص ًة‬ ‫ِ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [\«]‪.‬‬ ‫ق�صروا‪ ،‬كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ُي ِّ‬ ‫وبينَّ يف مو�ضع �آخر �أنَّ َّ‬ ‫حمل ذلك فيما �إذا مل تكن املواالة ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫ب�سبب خوف وتق َّية‪ ،‬و�إن كانت ب�سبب ذلك ف�صاحبها معذور‪ ،‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾‬ ‫احتياجا �إىل بع�ض ما يف �أيديهم من‬ ‫وهو قوله تعاىل ‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ [\‪َ ,]º‬ومن تو َّالهم‬ ‫ً‬ ‫مما لهم من ق َّو ٍة‪� ،‬أو حم َّي ًة لهم بدافع العن�صر َّية‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ ال ُّدنيا �أو خو ًفا َّ‬ ‫[_‪ ،]28 :‬فهذه الآية الكرمية فيها بيان ِّ‬ ‫لكل الآيات القا�ضية مث ًال فهو دائ ٌر بني ال َّت�أثيم والإِعذار‪� ،‬أ َّما التَّكف ُري فال كما م َّر يف‬ ‫ال�س َّنة‪.‬‬ ‫مبنع م��واالة الكفَّار مطل ًقا و�إي�ضاح؛ لأنَّ حم َّ��ل ذل��ك يف حالة تف�سري الآي ِة وما �سي�أتي الآن من �شواهد يف ُّ‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫جت�س�س على‬ ‫يف هذه َّ‬ ‫الق�صة يظهر جل ًّيا �أنَّ حاط ًبا ‪َّ Ç‬‬ ‫امل�سلمني للم�شركني‪ ،‬ومع ذلك فلم يك ِّفره ر�سول اهلل ‪ ،Í‬ولو‬ ‫كان ما فعله كف ًرا ً‬ ‫حم�ضا ما �أخرب ر�سول اهلل ‪ Í‬ب�أ َّنه من املغفور‬ ‫لهم؛ لأنَّ اهلل يقول‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [`‪.]48 :‬‬ ‫ففي كتاب «الأ ّم» َّ‬ ‫لل�شافعي (‪« :)263/4‬امل�سلم يد ُّل امل�شركني‬ ‫على ع��ورة امل�سلمني‪ ،‬قيل َّ‬ ‫لل�شافعي‪� :‬أر�أي���ت امل�سلم يكتب �إىل‬ ‫امل�شركني من �أه��ل احل��رب ب���أنَّ امل�سلمني ي��ري��دون غزوهم �أو‬ ‫دمه ويكون يف ذلك داللة على‬ ‫بالعورة من عوراتهم هل يح ُّل ذلك َ‬ ‫مماالة امل�شركني؟ قال َّ‬ ‫ال�شافعي ‪ ::‬ال يح ُّل دم من ثبتت له‬ ‫حرمة الإ�سالم �إ َّال �أن يقتل �أو يزين بعد �إح�صان �أو يكفر كف ًرا ب ِّي ًنا‬ ‫بعد �إميان َّثم يثبت على الكفر‪ ،‬ولي�س الدِّ اللة على عورة م�سلم‬ ‫وال ت�أييد كافر ب�أن يحذر �أنَّ امل�سلمني يريدون منه غ َّرة ليحذرها‬

‫التوحيد الخالص‬

‫طالب ‪ Ç‬قال‪ :‬بعثنى ر�سول اهلل ‪� Í‬أنا‬ ‫علي بن �أبي ٍ‬ ‫عن ِّ‬ ‫والزُّب َري واملقدا َد فقال‪« :‬ا ْن َط ِل ُقوا َح َّتى َت�أْ ُتوا َر ْو َ�ض َة َخا ٍخ َف�إِ َّن ِبهَا‬ ‫اب َف ُخ ُذوا مِ ْنهَا»؛ قال‪ :‬فانطلقنا تَعادى ِبنا خي ُلنا‬ ‫َظعِي َن ًة َم َعهَا ِك َت ٌ‬ ‫حتَّى �أتينا ال َّرو�ضة ف�إذا نحن ِب َّ‬ ‫الظعينة قلنا لها‪� :‬أخرجي الكتاب؟‬ ‫ُخر ِجنَّ الكتاب �أو ل ُنلقِينَ َّ ال ِّثياب؛‬ ‫قالت‪ :‬ما معي ٌ‬ ‫كتاب؛ فقلنا‪ :‬لت ِ‬ ‫قا�صها؛ ف�أتينا به ر�سول اهلل ‪ Í‬ف�إذا فيه‪:‬‬ ‫قال‪ :‬ف�أخرجته من ِع ِ‬ ‫ا�س مب َّكة من امل�شركني‪ ،‬يخربهم‬ ‫ِمن حاطب بن �أبي بلتعة �إىل َن ٍ‬ ‫ببع�ض �أمر ر�سول اهلل ‪Í‬؛ فقال ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬يا َحاطِ ُب مَا‬ ‫علي‪� ،‬إنيِّ كنتُ امر�أً ُمل�ص ًقا‬ ‫َه َذا؟!»؛ قال‪ :‬يا ر�سول اهلل! ال تعجل َّ‬ ‫ري�ش ـ يقول‪ :‬كنتُ حلي ًفا ومل �أك��ن من �أنف�سها ـ وك��ان َمن‬ ‫يف ُق ٍ‬ ‫معك من املهاجرين َمن لهم قراباتٌ يحمون �أهليهم و�أموالهم‪،‬‬ ‫ف�أحببتُ �إذ فاتني ذلك من ال َّن�سب فيهم �أن �أتَّخذ عندهم يدً ا‬ ‫يحمون قرابتي‪ ،‬ومل �أفعله ارتدادًا عن ديني وال ً‬ ‫ر�ضا بالكفر بعد‬ ‫الإ�سالم؛ فقال ر�سول اهلل ‪�« :Í‬أَمَا �إِ َّن ُه َق ْد َ�ص َد َق ُك ْم»‪.‬‬ ‫أ�ضرب عنق هذا املنا ِف ِق؛‬ ‫فقال عمر‪ :‬يا ر�سول اهلل! دعني � ْ‬ ‫ِيك َل َع َّل َ‬ ‫فقال‪�« :‬إِ َّن ُه َق ْد َ�ش ِه َد َب�� ْد ًرا َومَا ُي ْدر َ‬ ‫اهلل َّ‬ ‫اطلَ َع َعلَى َمنْ‬ ‫َ�ش ِه َد َب�� ْد ًرا َق��ا َل ْاع َم ُلوا مَا �شِ ْئ ُت ْم َف َق ْد َغ َف ْر ُت َل ُك ْم» ف�أنزل اهلل‬ ‫ال�سورة‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ُّ‬ ‫ﭚ ﭛ﴾ �إىل قوله‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [«‪»]1 :‬‬ ‫متَّفق عليه‪.‬‬

‫�أو يتق َّدم يف نكاية امل�سلمني بكفر بينِّ ‪ ،‬فقلت َّ‬ ‫لل�شافعي‪� :‬أقلت‬ ‫قيا�سا؟ قال‪ :‬قلته مبا ال ي�سع م�سل ًما علمه عندي‬ ‫هذا خ ًربا �أم ً‬ ‫بال�س َّنة املن�صو�صة بعد اال�ستدالل بالكتاب‪ ،‬فقيل‬ ‫�أن يخالفه ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لل�شافعي‪ْ :‬‬ ‫حاطب و�ساقها‪،‬‬ ‫بق�صة‬ ‫ال�س َّنة فيه»‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فا�ستدل َّ‬ ‫فاذ ُكر ُّ‬ ‫َّثم قال ‪« ::‬يف هذا احلديث مع ما و�صفنا لك طرح احلكم‬ ‫با�ستعمال ُّ‬ ‫الظنون؛ لأ َّنه ملَّا كان الكتاب يحتمل �أن يكون ما قال‬ ‫حاطب كما قال من �أ َّنه مل يفعله �شا ًّكا يف الإ�سالم و�أ َّن��ه فعله‬ ‫ليمنع �أهله‪.‬‬ ‫ويحتمل �أن يكون ز َّل�� ًة ال رغب ًة عن الإ�سالم واحتمل املعنى‬ ‫الأقبح كان القول قو َله فيما احتمل فعله‪ ,‬وحكم ر�سول اهلل ‪Í‬‬ ‫فيه ب�أن مل يقتله ومل ي�ستعمل عليه الأغلب‪ ,‬وال �أحد �أتى يف مثل‬ ‫هذا �أعظم يف َّ‬ ‫الظاهر من هذا؛ لأنَّ �أمر ر�سول اهلل ‪ Í‬مباينٌ يف‬ ‫عظمته جلميع الآدم ِّيني بعده‪ ,‬ف�إذا كان من خابر امل�شركني ب�أمر‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬ور�سول اهلل ‪ Í‬يريد غ َّرتهم ف�ص َّدقه‪ ,‬ما عاب‬ ‫مما يقع يف ال ُّنفو�س‪ ,‬فيكون لذلك مقبو ًال كان َمن‬ ‫عليه الأغلب َّ‬ ‫بعدَ ه يف �أق ّل من حاله و�أوىل �أن يقبل منه مثل ما ُق ِب َل منه»‪.‬‬ ‫وقال �أبو بكر بن العربي ‪« ::‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ‬ ‫ﭛ﴾ [«‪ ]1 :‬يعني يف َّ‬ ‫حاطب كان‬ ‫الظاهر؛ لأنَّ قلب‬ ‫ٍ‬ ‫بي ‪ Í‬قال لهم‪�« :‬أَ َّم��ا َ�صاحِ ُب ُك ْم‬ ‫�سلي ًما ِبالتَّوحيد بدليل �أنَّ ال َّن َّ‬ ‫ن�ص يف �سالمة ف�ؤاده وخلو�ص اعتقاده»‪َّ ،‬ثم‬ ‫َف َق ْد َ�ص َد َق»‪ ،‬وهذا ٌّ‬ ‫قال‪«َ :‬من كرث تطلُّعه على عورات امل�سلمني‪ ،‬وين ِّبه عليهم‪ ،‬ويع ِّرف‬ ‫لغر�ض‬ ‫عد َّوهم ب�أخبارهم مل يكن بذلك كاف ًرا �إذا كان فع ُله‬ ‫ٍ‬ ‫حاطب بنُ �أبي بلتعة‬ ‫دنيوي‪ ،‬واعتقاده على ذلك �سليم‪ ،‬كما فعل‬ ‫ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫حني ق�صد بذلك ا ِّت َ‬ ‫خاذ اليد ومل ينو ال ِّر َّدة عن الدِّ ين» [«�أحكام‬ ‫القر�آن» (‪.])1783/4‬‬ ‫جت�س�س‬ ‫يف هذه َّ‬ ‫الق�صة يظهر جل ًّيا �أ َّن حاط ًبا ‪َّ Ç‬‬ ‫ع��ل��ى امل�����س��ل��م�ين ل��ل��م�����ش��رك�ين‪ ،‬وم����ع ذل����ك ف��ل��م يك ِّفره‬ ‫ً‬ ‫حم�ضا‬ ‫ر����س���ول اهلل ‪ ،Í‬ول����و ك����ان م���ا ف��ع��ل��ه ك���ف��� ًرا‬ ‫م����ا �أخ���ب��ر ر�����س����ول اهلل ‪ Í‬ب�����أ َّن����ه م����ن امل���غ���ف���ور لهم‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪17‬‬


‫التوحيد الخالص‬ ‫‪18‬‬

‫فهذا رج ٌل ُ�شهدَ عليه مبوا َّدته املنافقني لكنَّ ال َّر�سول ‪ Í‬مل‬ ‫أبي ابن‬ ‫ويف حديث الإفك تك َّلم ر�أ�س املنافقني عبد اهلل بن � ّ‬ ‫�سلول يف عر�ض ر�سول اهلل ‪ Í‬فقال ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬منْ يك ِّفره‪ ،‬وهو دا ٌّل على �ضرورة االحتياط يف احلكم على من ظاه ُر‬ ‫َي��عْ��ذِ ُرنيِ مِ نْ َر ُج��لٍ َبلَ َغنِى َ�أ َذا ُه يف �أَهْ لِي َف�� َواهلل مَا َع ِل ْمتُ َعلَى فع ِله يد ُّل على يِّ‬ ‫تول الكفَّا ِر واملنافقني‪.‬‬ ‫يا َو َق ْد َذ َك ُروا َر ُج ً‬ ‫يا َومَا‬ ‫ال مَا َع ِل ْمتُ َعلَ ْي ِه �إِ َّال َخ رْ ً‬ ‫�أَهْ لِي �إِ َّال َخ رْ ً‬ ‫وق��د ذك��ر اب��نُ تيمية ‪ :‬ه��ذه ال��� َّ��ش��واه��دَ احلديث َّية ك َّلها‬ ‫َكا َن َي ْد ُخ ُل َعلَى �أَهْ لِي �إِ َّال َمعِي»‪ ،‬فقام �سعد بن ٍ‬ ‫معاذ فقال‪ :‬يا وا�ستنبط منها ما نحن ب�صدده‪ ،‬فقال‪�« :‬شعب الإميان قد تتالزم‬ ‫ر�سول اهلل! �أنا واللهَّ �أع��ذرك منه‪� ،‬إن كان من الأو���س �ضربنا‬ ‫عند الق َّوة وال تتالزم عند َّ‬ ‫ال�ضعف ف���إذا قوي ما يف القلب من‬ ‫عنقه‪ ،‬و�إن كان من �إخواننا من اخل��زرج �أمرتنا ففعلنا فيه‬ ‫التَّ�صديق واملعرفة واملح َّبة للهَّ ور�سوله �أوج��ب بغ�ضَ �أع��داء‬ ‫�أمرك؛ فقام �سعد بن عبادة ـ وهو �س ِّيد اخلزرج ـ وكان قبل ذلك‬ ‫اللهَّ ؛ كما ق��ال تعاىل‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬ ‫رج ًال �صا ً‬ ‫كذبت َل َعم ُر اهلل‪ ،‬ال‬ ‫حلا ولكن احتملته احلم َّية فقال‪َ :‬‬ ‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [‪ ،]81 :a‬وق��ال‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬ ‫كذبت‬ ‫تقتله وال تقدر على ذلك؛ فقام �أ�سيد بن ح�ضري فقال‪َ :‬‬ ‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬ ‫َل َعم ُر اللهَّ ‪ ،‬واللهَّ لنق ُت َل َّنه‪ ،‬ف�إ َّنك مناف ٌق جتادل عن املنافقني‪»...‬‬ ‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬ ‫رواه البخاري وم�سلم‪.‬‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [‪,]22 :¹‬‬ ‫ممن �شهد بد ًرا‬ ‫وعن عتبان بن مالك الأن�صاري ‪Ç‬ـ وكان َّ‬ ‫وق��د حت�صل لل َّرجل م��وا َّدت��ه��م لرحم �أو حاجة فتكون ذن ًبا‬ ‫مع ر�سول اهلل ‪ Í‬ـ يقول‪ :‬كنتُ �أ�ص ِّلي لقومي ببني �سامل‪ ،‬وكان‬ ‫ينق�ص به �إميا ُن ُه وال يكون به كاف ًرا كما ح�صل من حاطب بن �أبي‬ ‫علي اجتيازه‬ ‫يحول بيني وبينهم ٍ‬ ‫واد �إذا جاءت الأمطار‪ ,‬في�ش ُّق َّ‬ ‫بي ‪ Í‬و�أنزل اللهَّ‬ ‫بلتعة لـ َّما كاتب امل�شركني ببع�ض �أخبار ال َّن ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِق َب َل م�سجدهم‪ ،‬فجئت‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬فقلتُ له‪� :‬إنيِّ �أنكرتُ‬ ‫فيه ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫���وادي ا َّل��ذي بيني وب�ين قومي ي�سيل �إذا جاءت‬ ‫ب�صري‪ ،‬و�إنَّ ال َ‬ ‫ﭛ﴾ [«‪ ,]1 :‬وكما ح�صل ل�سعد بن عبادة ملَّا انت�صر‬ ‫علي اجتيازه‪ ،‬فوددت �أ َّنك ت�أتي َف ُت�صَ ِّلي من بيتي‬ ‫الأمطار في�ش ُّق َّ‬ ‫معاذ‪ :‬كذبت واللهَّ‪,‬‬ ‫ق�صة الإف��ك‪ ,‬فقال ل�سعد بن ٍ‬ ‫البن �أب��ي يف َّ‬ ‫علي‬ ‫مكا ًنا �أت َِّخذه م�ص ًّلى؛ فقال ر�سول اهلل ‪َ :Í‬‬ ‫«�س�أَ ْف َع ُل »؛ فغدا َّ‬ ‫ال تقتله وال تقدر على قتله؛ قالت عائ�شة‪ :‬وكان قبل ذلك رجال‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬و�أبو بكر ‪ Ç‬بعد ما ا�شت َّد ال َّنهار فا�ست�أذن‬ ‫َ �صا ً‬ ‫حلا ولكن احتملته احلم َّية‪.‬‬ ‫ر�سول اهلل ‪ Í‬ف�أذنت له فلم يجل�س حتَّى قال «�أَي َ‬ ‫ِ��ب �أ ْن‬ ‫ْ���ن حُت ُّ‬ ‫ولهذه ُّ‬ ‫ال�شبهة �س َّمى عم ُر حاط ًبا مناف ًقا فقال‪ :‬دعني يا ر�سول‬ ‫أحب �أن �أ�ص ِّلي‬ ‫�أُ َ�ص ِّل َي مِ نْ َب ْيت َِك»؛ ف�أ�شرتُ له �إىل املكان ا َّلذي � ُّ‬ ‫فيه؛ فقام ر�سول اهلل ‪ Í‬فكبرَّ و�صففْنا وراءه ف�ص َّلى ركعتني اهلل �أ�ضرب عنق هذا املنافق فقال‪�« :‬إِ َّن ُه َ�ش ِه َد َب ْد ًرا» فكان عمر‬ ‫لل�شبهة ا َّلتي فعلها‪ ,‬وكذلك ُ‬ ‫َّثم �س َّلم و�س َّلمنا حني �س َّلم فحب�سته على َخ ِز ٍير ُي ْ�ص َن ُع له ف�سمع مت�أ ِّو ًال يف ت�سميته مناف ًقا ُّ‬ ‫قول �أ�سيد‬ ‫� ُ‬ ‫أهل ال َّدار ر�سول اهلل ‪ Í‬يف بيتي فثاب رجا ٌل منهم حتَّى كَثرَُ ابن ح�ضري ل�سعد بن عبادة‪ :‬كذبت لعمر اللهَّ لنقت َل َّنهُ؛ � مَّإنا �أنت‬ ‫ال ِّرجال يف البيت؛ فقال رجل منهم‪ :‬ما فعل مالك ال �أراه؟ فقال منافق جتادل عن املنافقني؛ هو من هذا الباب‪ ,‬وكذلك ُ‬ ‫قول من‬ ‫ال�صحابة عن مالك بن الدخ�شم‪ :‬منافق و�إن كان قال‬ ‫يحب اهلل ور�سوله؛ فقال ر�سول اهلل قال من َّ‬ ‫رجل منهم‪ :‬ذاك مناف ٌق ال ُّ‬ ‫اك �أَ َال َت�� َرا ُه َق��ا َل َال ِ�إ َل�� َه �إِ َّال ُ‬ ‫‪َ « :Í‬ال َت ُق ْل َذ َ‬ ‫اهلل َي ْب َتغِي ِب َذل َِك ذلك ملا ر�أى فيه من نوع معا�شر ٍة وم��و َّد ٍة للمنافقني» «جمموع‬ ‫َو ْج َه اهللِ»؛ فقال‪ :‬اهلل ور�سوله � ْأع َل ُم‪� ,‬أ َّما نحن فواهلل ال نرى و َّده الفتاوى» (‪.)522/7‬‬ ‫وال حديثه �إ َّال �إىل املنافقني؛ قال ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬ف�إِ َّن َ‬ ‫اهلل َق ْد‬ ‫آيات ال ُقر� ِآن يف م�س�ألة‬ ‫هذه وقائ ُع تعت ُرب تف�س ًريا َملا �أُجمِ ل من � ِ‬ ‫َح َّر َم َعلَى ال َّنا ِر َمنْ َقا َل َال �إِ َل َه �إِ َّال ُ‬ ‫اهلل َي ْب َتغِي ِب َذل َِك َو ْج َه اهللِ» مواالة الكفَّار‪ ،‬لو � َ‬ ‫أخذ بها املت�س ِّرعون يف التَّكفري بها َملا وق ُعوا يف‬ ‫أخرجه البخاري وم�سلم‪.‬‬ ‫� َ‬ ‫حرمات غ ِريهم‪.‬‬ ‫العدوان على‬ ‫ِ‬ ‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫د‪.‬ر�ضـا بـو�شـ ــامـة‬

‫�أ�ستاذ احلديث بجامعة ق�سنطينة‬

‫بي ‪ Í‬قال‪َ « :‬م َث ُل ال َقائ ِ​ِم َعلَى ُحدُو ِد اهلل َوال َوا ِق ِع فِيهَا َك َم َثلِ َقو ٍم اِ�س َت َه ُموا َعلَى َ�سفِي َن ٍة‬ ‫عن ال ُّنعمان بن ب�شري ‪ È‬عن ال َّن ِّ‬ ‫ع�ضهُم َ�أ ْع َ‬ ‫الهَا َو َب ُ‬ ‫اب َب ُ‬ ‫ع�ضهُم �أَ�س َفلَهَا‪َ ،‬ف َكا َن ا َّل َ‬ ‫ذِين يف َ�أ�س َف ِلهَا �إِ َذا ِا�سْ َت َقوا مِ َن املَا ِء َم ُّروا َعلَى مَن َف ْو َقهُم؛ َف َقا ُلوا‪َ :‬لو �أَ َّنا َخ َر ْق َنا‬ ‫َف�أَ َ�ص َ‬ ‫يف َن ِ�صيب َنا َخ ْرقاً َولمَ ُن�ؤ ِذ مَن َفو َق َنا؛ َف�إِن َي ُ‬ ‫ن ْوا َو جَ َ‬ ‫رت ُكوهُ ْم َومَا �أَ َرادُوا َهلَ ُكوا َجمِ ي ًعا‪َ ،‬و ِ�إن �أَ َخ ُذوا َعلَى �أَيدِي ِه ْم جَ َ‬ ‫ن ْوا َجمِ ي ًعا»(‪.)1‬‬ ‫‪  ‬‬

‫بحوث ودراسات‬

‫األمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر‬

‫و�س َعلَى ُّ‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪�« :‬إِ َّيا ُك ْم َوا ُ‬ ‫الط ُر َقاتِ !» فقالوا‪ :‬ما لنا ُبدٌّ! � مَّإنا هي جمال�سنا‬ ‫جل ُل َ‬ ‫وعن �أبي �سعيد اخلدري ‪ Ç‬عن ال َّن ِّ‬ ‫نتح َّدث فيها؛ قال‪َ « :‬ف�إِ َذا �أَ َب ْي ُت ْم �إِ َّال امل َ َجال َِ�س َف�أَ ْع ُطوا َّ‬ ‫الطرِي َق َح َّقهَا»؛ قالوا‪ :‬وما ح ُّق َّ‬ ‫الطريق؟ قال‪َ « :‬غ ُّ�ض ال َب َ�ص ِر َو َك ُّف الأَ َذى َو َر ُّد‬ ‫ال�س َ‬ ‫هي ع َِن املُن َكرِ»(‪.)2‬‬ ‫ال ِم َو�أَم ٌر بِاملَع ُر ِ‬ ‫َّ‬ ‫وف َو َن ٌ‬ ‫‪  ‬‬

‫ي ُه ِب َيدِ هِ‪َ ،‬ف ِ�إن لمَْ َي�سْ َتطِ ْع‬ ‫وعن �أبي �سعيد اخلدري ‪ Ç‬قال‪� :‬سمعت ر�سول اهلل ‪ Í‬يقول‪َ « :‬منْ َر َ�أى مِ ْن ُك ْم ُم ْن َك ًرا َفل ُي َغ رِّْ‬ ‫َفبل َِ�سا ِنهِ‪َ ،‬ف ِ�إن لمَْ َي�سْ َتطِ ْع َف ِب َقل ِبهِ‪َ ،‬و َذل َِك َ�أ�ض َع ُف ا ِلإميَانِ »(‪.)3‬‬ ‫‪  ‬‬

‫وف َو َل َت ْن َه ُو َّن ع َِن امل ُ ْن َك ِر �أَ ْو َل ُيو�شِ َكنَّ ُ‬ ‫اهلل �أَ ْن‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪َ « :‬وا َّلذِي َنف�سِ ي ِب َيدِ هِ! َل َت�أْ ُم ُر َّن بِامل َ ْع ُر ِ‬ ‫وعن حذيفة بن اليمان ‪ È‬عن ال َّن ِّ‬ ‫َي ْب َع َث َعلَ ْي ُك ْم عِ َقا ًبا مِ ْن ُه ُث َّم َت ْدعُو َن ُه َف َ‬ ‫ال ُي�س َت َج ُاب َل ُك ْم»(‪.)4‬‬ ‫‪  ‬‬

‫بي ‪ Í‬دخل عليها َف ِز ًعا يقول‪َ « :‬ال �إِ َل َه �إِ َّال ُ‬ ‫اهلل‪َ ،‬و ْي ٌل لِل َع َربِ مِ نْ َ�ش ٍّر ِاقْترَ َ َب! ُف ِت َح ال َي ْو َم‬ ‫وعن زينب بنت َجح�ش ‪� á‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫وح َّل َق ِب ِ�إ�صْ َب ِع ِه الإِ ْبهَا ِم َوا َّلتِي َتلِيهَا‪ ،‬قالت زينب ابنة جح�ش‪ :‬فقلت‪ :‬يا ر�سول اهلل! �أنهلك وفينا‬ ‫مِ نْ َر ْد ِم َي�أْ ُجو َج َو َم ْ�أ ُجو َج مِ ث ُل هَذِ هِ؛ َ‬ ‫ال�صاحلون؟! قال‪َ « :‬ن َع ْم! �إِ َذا كَثرُ َ ا َ‬ ‫خل َبثُ »(‪.)5‬‬ ‫َّ‬ ‫‪  ‬‬

‫بي ‪ Í‬قال‪« :‬الد ُ‬ ‫هلل َو ِل ِك َتا ِب ِه َو ِل َر ُ�سو ِل ِه َولأَ ِئ َّم ِة‬ ‫يح ُة» قلنا‪ :‬ملن؟ قال‪ِ « :‬‬ ‫ِّين ال َّن ِ�ص َ‬ ‫وعن متيم بن �أو�س الدَّاريِّ ‪� :Ç‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫املُ�سْ لِمِ َ‬ ‫ني َوعَا َّم ِت ِه ْم»(‪.)6‬‬ ‫ال�صالة و�إيتاء الزَّكاة وال ُّن�صح ِّ‬ ‫لكل م�سلم»(‪.)7‬‬ ‫وعن جرير بن عبد اهلل البجلي ‪ Ç‬قال‪« :‬بايعتُ ر�سول اهلل ‪ Í‬على �إقام َّ‬ ‫((( �أخرجه البخاري يف «�صحيحه» (‪ ،)2493‬و�أحمد يف «م�سنده» (‪.)18361‬‬ ‫((( �أخرجه البخاري يف «�صحيحه» (‪ ،)2465‬وم�سلم يف «�صحيحه» (‪ ،)2121‬و�أحمد يف «امل�سند» (‪.)11309‬‬ ‫((( �أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (‪ ،)49‬و�أحمد يف «امل�سند» (‪.)11073‬‬ ‫((( �أخرجه رِّ‬ ‫التمذي يف «جامعه» (‪ ،)2169‬وقال‪« :‬هذا حديث ح�سن»‪.‬‬ ‫((( �أخرجه البخاري يف «�صحيحه» (‪ ،)3346‬وم�سلم يف «�صحيحه» (‪.)2880‬‬ ‫((( �أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (‪ ،)55‬و�أحمد يف «امل�سند» (‪.)16942‬‬ ‫((( �أخرجه البخاري يف «�صحيحه» (‪ ،)57‬وم�سلم يف «�صحيحه» (‪ ،)56‬و�أحمد يف «امل�سند» (‪.)19163‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪19‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫أمر خطري وعظيم من‬ ‫هذه الأحاديث املتقدِّ مة تد ُّل على � ٍ‬ ‫ماهيَّة املعروف واملنكر‬ ‫�أمور الدِّ ين احلنيف‪ ،‬وهو الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪،‬‬ ‫ا َّل��ذي ج��اء ذك�� ُره يف ال��ق��ر�آن الكرمي يف موا�ضع ع�� َّدة‪ ،‬بل هو‬ ‫املعروف م�أخوذ من ما َّدة «عرف»‪.‬‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وعليه قامت ر�ساالتهم‪ ،‬فما من‬ ‫وظيفة الأنبياء عليهم َّ‬ ‫قال ابن فار�س‪« :‬العني وال َّراء والفاء �أ�صالن �صحيحان‪ ،‬يد ُّل‬ ‫نبي �إ َّال دعا قومه‪ ،‬و�أمرهم بخري ما يعلمه لهم‪ ،‬ونهاهم عن‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫�ش ِّر ما يعلمه لهم‪ ،‬وقد و�صف اهلل تعاىل نب َّينا حم َّمدً ا ‪ Í‬ب�أ َّنه �أحدُهما على تتا ُبع ال�شيء متَّ�صال بع�ضه ببع�ض‪ ،‬والآخ��ر على‬ ‫ال�سكون ُّ‬ ‫والطمَ�أنينة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر فقال‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫و�سمي بذلك لتتا ُبع َّ‬ ‫ال�شعر‬ ‫ف��الأ َّول ال ُع ْرف‪ُ :‬ع�� ْرف ال َف َر�س‪ِّ ,‬‬ ‫ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬ ‫عليه‪...‬‬ ‫ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ‬ ‫املعرفة وال ِعرفان‪ ,‬تقول‪َ :‬ع َرف فال ٌن فال ًنا‬ ‫والأ�صل الآخر‪ِ :‬‬ ‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬ ‫ِعرفا ًنا َوم ِعرفة‪ ,‬وهذا �أمر معروف‪ ,‬وهذا يد ُّل على ما قلناه من‬ ‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬ ‫توح�شَ منه و َن َبا ع ْنه‪...‬‬ ‫ُ�سكونه �إليه؛ لأنَّ َمن �أنكر �شي ًئا َّ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [\‪ ،]c‬وو�صف‬ ‫و�سمي بذلك؛ لأنَّ ال ُّنفو�س ت�س ُكن �إليه‪,‬‬ ‫وال ُع ْرف‪ :‬املعروف‪ِّ ،‬‬ ‫�أ َّمته بذلك � ً‬ ‫أي�ضا فقال‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ قال ال َّنابغة‪:‬‬ ‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [‪ ،]71 :e‬وقال‪:‬‬ ‫�أ َب ــى الل ـ ُه �إِ َّال ع ــد َلــه ووفـ ــا َءه‬ ‫﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف وال ال ُع ْرف �ضائ ُع»(‪.)8‬‬ ‫فال ال ُّن ْك ُر‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [_‪.]110 :‬‬ ‫�شرعا‪ :‬فـ«هو ا�سم جامع ِّ‬ ‫لكل ما ُع��رف من‬ ‫و�أ َّم��ا املعروف ً‬ ‫فالأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر هو جماع الدِّ ين‪ ،‬وهو طاعة اهلل والتَّق ُّرب �إليه والإح�سان �إىل ال َّنا�س‪ِّ ،‬‬ ‫وكل ما ندب �إليه‬ ‫ا َّلذي �أر�سل اهلل به ر�سله‪ ،‬و�أنزل به كت َبه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫املح�سنات واملق ِّبحات»(‪.)9‬‬ ‫ال�شرع �أو نهى عنه من ِّ‬ ‫�أو ُيقال‪ :‬هو ما ُعرف يف َّ‬ ‫‪  ‬‬ ‫ال�شرع �أ َّنه لي�س مبع�صية‪.‬‬ ‫فيدخل فيه االعتقاد بوحدانية اهلل والإميان به وبر�سله وكتبه‬ ‫ويف ه��ذا املبحث نتناول بع�ض الق�ضايا املتع ِّلقة بالأمر‬ ‫باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪ ،‬ونبينِّ من خالل الأحاديث الواردة واليوم الآخر والقدر‪.‬‬ ‫والعبادات َّ‬ ‫واحلج واجلهاد‬ ‫وال�صيام‬ ‫ِّ‬ ‫ال�صالة ِّ‬ ‫الظاهرة من َّ‬ ‫بع�ض جوانب ومعامل هذا الأمر العظيم‪:‬‬ ‫وغريها‪.‬‬ ‫‪ ‬ماه َّية املعروف واملنكر‪.‬‬ ‫وال�صدق وغري ذلك‪.‬‬ ‫والأخالق الفا�ضلة كالعدل ِّ‬ ‫‪ ‬حكم الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫كحب اهلل ور�سوله وخ�شية اهلل‪ ،‬والتَّو ُّكل‬ ‫والأعمال الباطنة ِّ‬ ‫‪� ‬شروط الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫عليه وغري ذلك‪.‬‬ ‫‪� ‬آداب الآمر باملعروف وال َّناهي عن املنكر‪.‬‬ ‫واملنكر‪ :‬لغة �ض ُّد املعروف‪.‬‬ ‫‪ ‬ثمار الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫قال ابن فار�س‪« :‬ال ُّنون والكاف وال َّراء �أ�ص ٌل �صحيح يد ُّل على‬ ‫خالف املعرفة ا َّلتي َي�س ُكن �إليها ال َقلب‪ ,‬و َن ِك َر َّ‬ ‫ال�شي َء و�أن َكره‪ :‬مل‬ ‫‪ ‬عواقب ترك الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫‪ ‬الفوائد امل�ستنبطة من �أحاديث الأمر باملعروف وال َّنهي َي ْق َب ْله قل ُبه ومل يع ِرت ْف به ل�سا ُنه‪ ,‬قال‪:‬‬ ‫عن املنكر‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫((( «معجم مقايي�س اللُّغة» (‪.)281/4‬‬ ‫((( «ال ِّنهاية يف غريب احلديث والأثر» (‪.)216/3‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬

‫م��ن خ�لال الأح��ادي��ث ال����واردة يف ال��ب��اب يتبينَّ �أنَّ الأم��ر‬ ‫ب��امل��ع��روف وال�� َّن��ه��ي ع��ن املنكر م��ن ال��ف��رو���ض وال��واج��ب��ات ا َّلتي‬ ‫�أوجبها اهلل على هذه الأ َّم��ة املرحومة؛ وذلك �أنَّ قيام الدِّ ين ال‬ ‫يكون �إ َّال بقيام الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪« ،‬وهو فائدة‬ ‫ال ِّر�سالة وخالفة ال ُّنب َّوة»‪ ،‬وج��اءت ن�صو�ص �صريحة يف وجوب‬ ‫الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪ ،‬من كتاب اهلل ع�� َّز َّ‬ ‫وجل‪،‬‬ ‫كقوله ت��ع��اىل‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [\_]‪،‬‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬

‫بحوث ودراسات‬

‫و�أنك َر ْت ِني وما كانَ ا َّل ِذي َن ِك َر ْت‬ ‫احلوادث �إ َّال َّ‬ ‫وال�ص َلعا»(‪.)10‬‬ ‫ِمنَ‬ ‫ِ‬ ‫ال�ش َ‬ ‫يب َّ‬ ‫و�شرعا‪« :‬هو �ض ُّد املعروف‪ ،‬وك�� ُّل ما ق َّبحه َّ‬ ‫ال�شرع وح َّرمه‬ ‫ً‬ ‫وكرهه فهو منكر»(‪.)11‬‬ ‫�أو ُيقال‪ :‬هو ما ُعرف يف َّ‬ ‫ال�شرع �أ َّنه مع�صية‪.‬‬ ‫فيدخل فيه ِّ‬ ‫ال�شرك باهلل وهو �أ�صل ور�أ���س املنكر‪ ،‬والكفر‬ ‫بال ُّر�سل والكتب وغري ذلك‪.‬‬ ‫وكذلك ترك َّ‬ ‫وال�صيام‪.‬‬ ‫كال�صالة والزَّكاة ِّ‬ ‫الطاعات والعبادات َّ‬ ‫وال�سرقة و�شرب‬ ‫وفعل ما ينايف الأخ�لاق الفا�ضلة كالكذب َّ‬ ‫اخلمر وغري ذلك من الفواح�ش والآثام‪.‬‬ ‫ال�سلف يف تف�سري قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮄ‬ ‫لذلك جاءت �آثار عن َّ‬

‫حكم األمر باملعروف َّ‬ ‫والنهي عن املنكر‬

‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [\‪]r‬‬ ‫َ‬ ‫�أنَّ �أ ْم�� َره��م باملعروف �أ َّنهم دع��وا �إىل اهلل وح��ده ال �شريك له‪ ،‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [\‪،]e‬‬ ‫ونهيهم عن املنكر �أ َّنهم نهوا عن عبادة َّ‬ ‫ال�شيطان والأوثان(‪)12‬؛ لأنَّ‬ ‫ثم قال تعاىل‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫َّ‬ ‫�أ�صل الدِّ ين هو الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪ ،‬ور�أ�س املعروف ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫هو التَّوحيد ور�أ�س املنكر هو ِّ‬ ‫ال�شرك‪.‬‬ ‫ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬ ‫فيقال‪:‬‬ ‫ﮫ ﮬ﴾ [\‪.]e‬‬ ‫�إنَّ الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪ :‬هو دعوة الغري �إىل‬ ‫قال القرطبي ‪« ::‬جعل تعاىل الأمر باملعروف وال َّنهي عن‬ ‫�إقامة دين اهلل وفعل ِّ‬ ‫كل ما ُير�ضي اهلل‪ ،‬ونهيهم وحتذيرهم من املنكر فر ًقا بني امل�ؤمنني واملنافقني‪َّ ،‬‬ ‫أخ�ص �أو�صاف‬ ‫فدل على �أنَّ � َّ‬ ‫ِّ‬ ‫كل ما نهى عنه اهلل‪.‬‬ ‫امل�ؤمن الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪ ،‬ور� ُأ�سها ال ُّدعاء �إىل‬ ‫الإ�سالم والقتال عليه»(‪.)13‬‬ ‫بل �أخ�بر �سبحانه �أنَّ �سبب ه�لاك الأمم ون��زول لعنة اهلل‬ ‫هي عن املنكر كما‬ ‫عليهم هو ب�سبب تركهم الأم َر باملعروف وال َّن َ‬ ‫�إ َّن الأم���ر بالـمعروف وال�� َّن��ه��ي ع��ن الـمنكر‪ :‬ه��و دعوة‬ ‫�سي�أتي بيانه يف الآثار املرت ِّتبة على ترك هذا الواجب‪.‬‬ ‫ال��غ�ير �إىل �إق��ام��ة دي��ن اهلل وف��ع��ل ك�� ِّل م��ا ُي��ر���ض��ي اهلل‪،‬‬ ‫لذلك نقل الإجما َع غ ُري واح ٍ��د على وجوب الأم��ر باملعروف‬ ‫ونهيهم وحتذيرهم من ك ِّل ما نهى عنه اهلل‪.‬‬ ‫وال َّنهي عن املنكر(‪.)14‬‬ ‫كفائي �إذا قام‬ ‫واختلف العلماء يف مرتبة هذا الواجب �أهو‬ ‫ٌّ‬ ‫به البع�ض �سقط عن الباقني؟ �أم �أ َّنه يتعينَّ على ِّ‬ ‫كل م�سلم القيام‬ ‫بهذا الأمر الوارد يف كتاب اهلل وعلى ل�سان ر�سول اهلل ‪Í‬؟‬ ‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬

‫(‪« ((1‬معجم مقايي�س اللُّغة» (‪.)476/5‬‬ ‫(‪« ((1‬ال ِّنهاية يف غريب احلديث والأثر» البن الأثري (‪.)115/5‬‬ ‫لل�سيوطي (‪.)518/10‬‬ ‫(‪« ((1‬ال ُّد ُّر املنثور» ُّ‬

‫(‪« ((1‬اجلامع لأحكام القر�آن» (‪.)73/5‬‬ ‫(‪« ((1‬التَّمهيد» البن عبد ال ِّرب (‪�« ،)281/23‬شرح ال َّنووي على �صحيح م�سلم»‬ ‫(‪.)22/2‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪21‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫‪ ‬فذهب بع�ض العلماء �إىل �أنَّ ا لأمر باملعروف وال َّنهي‬ ‫عن الـمنكر من الواجبات الكفائ َّية‪ ،‬وا�ستد ُّلوا بقول اهلل‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [ \_]‪.‬‬ ‫�أخ��رج َّ‬ ‫الطربي وغ�يره عن َّ‬ ‫خا�صة‬ ‫ال�ض َّحاك �أ َّن��ه ق��ال‪« :‬هم َّ‬ ‫خا�صة ال ُّرواة»(‪.)15‬‬ ‫�‬ ‫ِ‬ ‫أ�صحاب ر�سول اهلل‪ ،‬وهم َّ‬ ‫قال َّ‬ ‫الطربي ‪« ::‬يعني بذلك ج َّل ثنا�ؤه‪﴿ :‬ﮖ ﮗ﴾‬ ‫�أ ُّي��ه��ا امل�ؤمنون ﴿ﮘ﴾ يقول‪ :‬جماع ٌة ﴿ﮙ﴾ ال َّنا�س ﴿ﮚ‬ ‫ﮛ﴾ يعني �إىل الإ�سالم و�شرائعه ا َّلتي �شرعها اهلل لعباده»(‪.)16‬‬ ‫ق��ال اب��ن عط َّية الأندل�سي ‪« ::‬فعلى ه��ذا ال��ق��ول ِ«من»‬ ‫للتَّبعي�ض‪ ،‬و�أم��ر اهلل الأ َّم��ة ب���أن يكون منها علماء يفعلون هذه‬ ‫الأفاعيل على وجوهها‪ ،‬ويحفظون قوانينها على الكمال‪ ،‬ويكون‬ ‫�سائر الأ َّمة متَّبعني لأولئك؛ �إذ هذه الأفعال ال تكون �إ َّال بعلم وا�سع‪،‬‬ ‫وقد علم تعاىل �أنَّ الك َّل ال يكون عاملًا»(‪.)17‬‬ ‫القرطبي يف «تف�سريه»(‪.)18‬‬ ‫ورجح هذا القول‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫واجب‬ ‫‪ ‬القول ال َّثاين‪� :‬إنَّ الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ٌ‬ ‫عيني على ِّ‬ ‫أحد من �أفراد الأ َّمة‪ ،‬وا�ستد ُّلوا بالأحاديث الواردة‬ ‫كل � ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫يف ذلك‪ ،‬ومنها‪« :‬مَن َر�أى مِ ن ُكم ُم ْن َك ًرا َفل ُي َغ رِّي ُه ِب َيدِ ِه َف���إِن لمَْ‬ ‫َي�سْ َتطِ ْع َف ِبل َِ�سا ِن ِه َف�إِن لمَ َي�سْ َتطِ ْع َف ِب َقل ِب ِه َو َذل َِك �أَ�ض َع ُف الإِميَانِ »‪.‬‬ ‫و�أ َّم��ا ا�ستدالل الفريق الأول بالآية على �أنَّ «من» للتَّبعي�ض‬ ‫فر َّده �أ�صحاب هذا القول ب�أنَّ «من» هنا لي�ست للتَّبعي�ض و� مَّإنا‬ ‫هي لبيان اجلن�س‪.‬‬ ‫قال البغوي ‪﴿« ::‬ﮖ ﮗ ﮘ﴾ �أي‪ :‬كونوا �أ َّم ًة ِ«من»‬ ‫�صلة لي�ست للتَّبعي�ض‪ ،‬كقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫ﯬ﴾ [\‪ ،]r‬مل ُي��رد اجتناب بع�ض الأوث���ان بل �أراد‬ ‫فاجتنبوا الأوثان»(‪.)19‬‬ ‫وقال ابن عط َّية الأندل�سي ‪« ::‬وذهب الز ََّّجاج وغري واحد‬ ‫و«من»‬ ‫املف�سرين‪� ،‬إىل �أنَّ املعنى‪ :‬ولتكونوا كلُّكم �أ َّم ًة يدعون‪ِ ،‬‬ ‫من ِّ‬ ‫لبيان اجلن�س‪ ،‬قال‪ :‬ومثله من كتاب اهلل‪﴿ :‬ﯩ ﯪ‬ ‫لل�سيوطي (‪.)718/3‬‬ ‫(‪« ((1‬جامع البيان» (‪« ،)662/5‬ال ُّد ُّر املنثور» ُّ‬ ‫(‪« ((1‬جامع البيان» (‪.)660/5‬‬ ‫(‪« ((1‬املح َّرر الوجيز» (‪.)310/3‬‬ ‫(‪« ((1‬اجلامع لأحكام القر�آن» (‪ 252/5‬ـ ‪.)253‬‬ ‫(‪ ((1‬تف�سري البغوي «معامل التَّنزيل» (‪.)84/4‬‬

‫‪22‬‬

‫ﯫ ﯬ﴾ [\‪ ،]r‬ومثله من ِّ‬ ‫ال�شعر قول القائل‪:‬‬ ‫�أَ ُخو َر َغا ِئ َـب ُي ْع ِطيـهـا َوي ْـ�س�أَ ُلـهـا‬ ‫ي�أبى ُّ‬ ‫الظالم َة ِم ْن ُه ال ُّنو َفل ال ُّز َف ُر»(‪.)20‬‬ ‫‪ ‬والقول ال َّراجح ـ واهلل �أعلم ـ �أنَّ الأمر باملعروف وال َّنهي عن‬ ‫املنكر من فرو�ض الأعيان‪ ،‬لكن ك ُّل �أحد بح�سبه‪ ،‬وال يجب على‬ ‫منكر �أو �أمر ِّ‬ ‫الإن�سان تغي ُري ِّ‬ ‫بكل معروف‪ � ،‬مَّإنا يجب عليه �أن‬ ‫كل ٍ‬ ‫ي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر ا َّلذي ي�ستطيعه‪.‬‬ ‫قال ابن كثري ‪« ::‬واملق�صود من هذه الآية �أن تكون ف ْر َقة‬ ‫ال�ش�أن‪ ،‬و�إن كان ذلك واج ًبا على ِّ‬ ‫من هذه الأ َّمة مت�صدِّ ي ًة لهذا َّ‬ ‫كل‬ ‫فرد من الأ َّمة بح�سَ ِبه»(‪.)21‬‬ ‫وقال ابن عطية الأندل�سي ‪« ::‬وهذه الآية على هذا ال َّت�أويل‬ ‫� مَّإنا هي عندي مبنزلة قولك‪ :‬ليكن منك رج ٌل �صالح‪ ،‬ففيها املعنى‬ ‫ي�سميه ال َّنحو ُّيون‪ :‬التَّجريد‪ ،‬وانظر �أنَّ املعنى ا َّلذي هو ابتداء‬ ‫ا َّلذي ِّ‬ ‫الغاية يدخلها‪ ،‬وكذلك يدخل قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯫ ﯬ﴾ ذاتها‪،‬‬ ‫وال جتده يدخل قول َّ‬ ‫ال�شاعر‪« :‬منه ال ُّنوفل الزُّفر»‪ ،‬وال جتده يدخل‬ ‫يف ِ«م��ن» ا َّلتي هي �صريح بيان اجلن�س‪ ،‬كقولك ثوب من خزٍّ ‪،‬‬ ‫وخامت من َّ‬ ‫ف�ضة‪ ،‬بل هذه يعار�ضها معنى التَّبعي�ض‪ ،‬ومعنى الآية‬ ‫على هذا ال َّت�أويل‪� :‬أمر الأ َّمة ب�أن يكونوا يدعون جميع العامل �إىل‬ ‫اخلري‪ ،‬الكفَّار �إىل الإ�سالم‪ ،‬والع�صاة �إىل َّ‬ ‫الطاعة‪ ،‬ويكون ك ُّل‬ ‫واحد من هذه الأمور على منزلته من العلم والقدرة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ق��ال �أه��ل العلم‪ :‬وفر�ض اهلل بهذه الآي���ة‪ ،‬الأم��ر باملعروف‬ ‫وال َّنهي عن املنكر‪ ،‬وهو من فرو�ض الكفاية �إذا قام به قائم �سقط‬ ‫عن الغري»(‪.)22‬‬ ‫وقال ابن تيمية ‪« ::‬وكذلك الأمر باملعروف وال َّنهي عن‬ ‫املنكر ال يجب على ِّ‬ ‫أحد بعينه‪ ،‬بل هو على الكفاية كما د ََّل عليه‬ ‫كل � ٍ‬ ‫القر�آن‪ ،‬وملَّا كان اجلهاد من متام ذلك كان اجلهاد � ً‬ ‫أي�ضا كذلك‪،‬‬ ‫ف�إذا مل َي ُقم به َمن يقوم بواجبه �أَ ِثم ك ُّل قادر بح�سب قدرته؛ �إذ‬ ‫هو واجب على ِّ‬ ‫بي ‪« :Í‬مَن‬ ‫كل �إن�سان بح�سب قدرته؛ كما قال ال َّن ُّ‬ ‫َر�أَى مِ ن ُكم ُم ْن َك ًرا َفل ُي َغ رِّي ُه ِب َيدِ ِه َف�إِن لمَْ َي�سْ َتطِ ْع َف ِبل َِ�سا ِن ِه َف ِ�إن لمَ‬ ‫َي�سْ َتطِ ْع َف ِب َقل ِب ِه َو َذل َِك �أَ�ض َع ُف الإِميَانِ »»(‪.)23‬‬ ‫(‪« ((2‬املح َّرر الوجيز» (‪.)310/3‬‬ ‫(‪« ((2‬تف�سري القر�آن العظيم» (‪.)138/3‬‬ ‫(‪« ((2‬املح َّرر الوجيز» (‪.)310/3‬‬ ‫(‪« ((2‬جمموع الفتاوى» (‪.)126/28‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫(‪« ((2‬املح َّرر الوجيز» (‪.)311/3‬‬

‫بحوث ودراسات‬

‫وبرهان‪ ،‬هو وك ُّل من اتَّبعه‪ ،‬يدعو �إىل ما دعا �إليه ر�سول اهلل ‪Í‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫وعقلي»(‪.)25‬‬ ‫�شرعي‬ ‫وبرهان؛‬ ‫شروط األمر باملعروف والنهي عن املنكر على ب�صري ٍة ويق ٍني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫وباحللم يو َّفق الآمر لن�شر دعوة اهلل‪.‬‬ ‫وبال�صرب ينال ر�ضى اهلل‪.‬‬ ‫ال َّ‬ ‫َّ‬ ‫�شك �أنَّ مثل هذا الواجب ا َّل��ذي جاء بيانه يف كتاب اهلل‬ ‫تعاىل و�س َّنة ر�سوله ‪ ،Í‬ووردت الآيات والأحاديث يف التَّحذير‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪« ::‬فالب َّد من العلم باملعروف‬ ‫واملنهي‪،‬‬ ‫من تركه وعدم القيام به‪ ،‬له �شروط ينبغي توافرها يف الآمر واملنكر والتَّمييز بينهما‪ ،‬وال ب َّد من العلم بحال امل�أمور‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬وهو‬ ‫ال�صالح �أن ي�أتي بالأمر وال َّنهي ِّ‬ ‫الناهي‪ ،‬وجاء يف �أحاديث الباب بيان بع�ض �شروط هذه الطاعة‪ ،‬ومن َّ‬ ‫فمن ذلك‪:‬‬ ‫�أقرب ُّ‬ ‫الطرق �إىل ح�صول املق�صود‪.‬‬ ‫‪ ‬ال َّتكليف‪ :‬وهو مناط وجوب الأعمال َّ‬ ‫والطاعات‪ ،‬ف�شرط‬ ‫بي ‪« :Í‬مَا َكا َن ال ِّر ُ‬ ‫فق‬ ‫والب َّد يف ذلك من ال ِّرفق كما قال ال َّن ُّ‬ ‫الآمر �أن يكون مك َّلفا‪� ،‬أي م�سل ًما عاق ًال بال ًغا‪.‬‬ ‫فيِ َ�شي ٍء �إِ َّال َزا َن ُه َو َال َكا َن ال ُع ُ‬ ‫نف فيِ َ�شي ٍء �إِ َّال َ�شا َنهُ»‪ ،‬وقال‪�« :‬إِ َّن اهلل‬ ‫‪ ‬القدرة على ال َّتغيري‪ :‬وهذه القدرة متفاوتة من �شخ�ص َرف ٌ‬ ‫ِيق يُحِ ُّب ال ِّرف َق فيِ الأَ ْم ِر ُك ِّل ِه َويُعطِ ي َعلَي ِه مَا َال يُعطِ ي َعلَى‬ ‫لآخر‪ ،‬يب ِّينها قوله ‪« :Í‬مَن َر�أَى مِ ن ُكم ُم ْن َك ًرا َفل ُي َغ رِّي ُه ِب َيدِ هِ‪ ،‬ال ُعنفِ »‪.‬‬ ‫والب َّد � ً‬ ‫َف�إِن لمَْ َي�سْ َتطِ ْع َف ِبل َِ�سا ِنهِ‪َ ،‬ف�إِن لمَ َي�سْ َتطِ ْع َف ِب َقل ِبهِ‪َ ،‬و َذل َِك �أَ�ض َع ُف‬ ‫أي�ضا �أن يكون حلي ًما �صبو ًرا على الأذى؛ ف�إ َّنه الب َّد �أن‬ ‫الإِميَانِ »‪.‬‬ ‫مما‬ ‫يح�صل له �أذى؛ ف�إن مل يحلم و َي�صرب كان ما ُيف�سد �أك�ثرَ َّ‬ ‫ق��ال اب��ن عطية الأندل�سي ‪« ::‬وال َّنا�س يف تغيري املنكر ُي�صلح‪ ،‬كما ق��ال لقمان البنه‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫والأمر باملعروف على مراتب‪ ،‬ففر�ض العلماء فيه تنبيه احل َّكام ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [\}]‪،‬‬ ‫والوالة‪ ،‬وحملهم على جا َّدة العلم‪ ،‬وفر�ض الوالة تغيريه بق َّوتهم ولهذا �أمر اهلل ال ُّر�سل ـ وهم �أئ َّمة الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن‬ ‫بال�صرب؛ كقوله خلامت ال ُّر�سل؛ بل ذلك مقرون بتبليغ‬ ‫و�سلطانهم‪ ،‬ولهم ه��ي‪ :‬اليد‪ ،‬وفر�ض �سائر ال َّنا�س رفعه �إىل املنكر ـ َّ‬ ‫احل َّكام والوالة بعد ال َّنهي عنه قو ًال‪ ،‬وهذا يف املنكر ا َّلذي له دوام‪ ،‬ال ِّر�سالة‪ ،‬ف�إ َّنه �أ َّول ما �أُر�سل �أنزلت عليه �سورة‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ﴾‬ ‫كال�سلب والزِّ نا ونحوه‪ ،‬بعد �أن �أنزلت عليه �سورة‪﴿ :‬ﭻ﴾ ا َّلتي بها ُن ِّبئ‪ ،‬فقال ‪﴿ :‬ﮬ‬ ‫و�أ َّما �إن ر�أى �أحد نازل ًة بديه ًة من املنكر‪َّ ،‬‬ ‫فيغيرِّ ها بنف�سه بح�سب احلال والقدرة»(‪.)24‬‬ ‫ﮭﮮ ﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕ ﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛ‬ ‫‪ ‬العلم واحل��ل��م وال���َّ��ص�بر‪ :‬وه��ذه ال َّثالثة ال ب�� َّد �أن ترافق ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [\‪ ،]É‬فافتتح �آيات‬ ‫بال�صرب‪،‬‬ ‫الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر يف ِّ‬ ‫كل الأحوال‪ ،‬فبالعلم ُيعرف الإر�سال �إىل اخللق بالأمر بال ِّنذارة وختمها بالأمر َّ‬ ‫ونهي عن املنكر‪ ،‬ف ُعلم �أ َّنه يجب بعد‬ ‫ُ‬ ‫ونف�س الإنذار �أم ٌر باملعروف ٌ‬ ‫املعروف ومي َّيز عن املنكر‪ ،‬بل �أمر اهلل تعاىل نب َّيه �أن يخرب ال َّنا�س‬ ‫ال�صرب‪...‬‬ ‫ب�أنَّ �سبيله يف الأمر وال َّنهي بالعلم والب�صرية فقال‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ذلك َّ‬ ‫وال�صرب‪.‬‬ ‫فالب َّد من هذه ال َّثالثة‪ :‬العلم وال ِّرفق َّ‬ ‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ‬ ‫ﮒ ﮓ﴾ [\‪.]h‬‬ ‫وال�صرب بعده‪ ،‬و�إن كان‬ ‫ُ‬ ‫العلم قبل الأمر وال َّنهي‪ ،‬وال ِّرفق معه‪َّ ،‬‬ ‫قال ابن كثري ‪« ::‬يقول اهلل تعاىل لعبده ور�سوله ‪� Í‬إىل ك ٌّل من ال َّثالثة م�ست�صح ًبا يف هذه الأح��وال؛ وهذا كما جاء يف‬ ‫مرفوعا؛ ذكره القا�ضي �أبو يعلى يف‬ ‫ال�سلف ورووه‬ ‫ً‬ ‫ال َّثقلني الإن�س واجلنِّ ‪� ،‬آم ًرا له �أن يخرب ال َّنا�س‪� :‬أنَّ هذه �سبيله‪� ،‬أي الأثر عن بع�ض َّ‬ ‫طريقه وم�سلكه و�س َّنته‪ ،‬وهي ال َّدعوة �إىل �شهادة �أن ال �إله �إ َّال اهلل «املعتمد»‪« :‬ال ي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر �إ َّال من كان فقي ًها‬ ‫وحده ال �شريك له‪ ،‬يدعو �إىل اهلل بها على َب ِ�صري ٍة من ذلك ويق ٍني فيما ي�أمر به‪ ،‬فقي ًها فيما ينهى عنه‪ ,‬رفي ًقا فيما ي�أمر به‪ ،‬رفي ًقا‬ ‫(‪« ((2‬تف�سري القر�آن العظيم» (‪.)91/8‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪23‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫فيما ينهى عنه‪ ،‬حلي ًما فيما ي�أمر به‪ ،‬حلي ًما فيما ينهى عنه‪.‬‬ ‫ول ُيعلم �أنَّ ا�شرتاط هذه اخل�صال يف الأمر باملعروف وال َّنهي‬ ‫مما يوجب �صعوبته على كثري من ال ُّنفو�س؛ ف َيظنُّ �أ َّنه‬ ‫عن املنكر َّ‬ ‫مما ي�ض ُّره الأمر‬ ‫مما ي�ض ُّره �أكرث َّ‬ ‫بذلك ي�سقط عنه ف َيدَ ُعه؛ وذلك َّ‬ ‫بدون هذه اخل�صال �أو �أق ُّل(‪.)26‬‬ ‫وق��ال ال�� َّن��ووي ‪�« ::‬إنمَّ��ا ي�أم ُر وينهى من ك��ان عا ِلـ ًما مبا‬ ‫ي�أمر به وينهى عنه‪ ،‬وذلك يختلف باختالف َّ‬ ‫ال�شيء‪ ،‬ف�إن كان‬ ‫من الواجبات َّ‬ ‫وال�صيام‬ ‫كال�صالة ِّ‬ ‫الظاهرة واملح َّرمات امل�شهورة َّ‬ ‫والزِّ نا واخلمر ونحوها‪ ،‬فك ُّل امل�سلمني علما ُء بها‪ ،‬و�إن كان من‬ ‫للعوام َمدخل‬ ‫دقائق الأفعال والأقوال َّ‬ ‫ومما يتع َّلق باالجتهاد مل يكن ِّ‬ ‫فيه‪ ،‬وال لهم �إنكاره‪ ،‬بل ذلك للعلماء‪َّ ،‬ثم العلماء � مَّإنا ينكرون ما‬ ‫�أُجمع عليه‪� ،‬أما املخت َلف فيه فال �إنكار فيه؛ لأنَّ على �أحد املذهبني‬ ‫ك ُّل جمتهد ُم�صيب‪ ،‬وهذا هو املختار عند كثريين من املح ِّققني �أو‬ ‫�أكرثهم‪ ،‬وعلى املذهب الآخر امل�صيب واحد واملخطئ غري متعينِّ‬ ‫لنا‪ ،‬والإث��م مرفو ٌع عنه‪ ،‬لكن �إن ندَ َبه على جهة ال َّن�صيحة �إىل‬ ‫اخلروج من اخلالف فهو ح�سنٌ حمبوب مندوب �إىل فعله برفق‪،‬‬ ‫ف�إنَّ العلماء متَّفقون على احلثِّ على اخلروج من اخلالف‪� ،‬إذا مل‬ ‫يلزم منه �إخال ٌل ب�س َّنة �أو وقوع يف خالف �آخر»(‪.)27‬‬ ‫املنهي عنه منك ٌر �أعظم منه‪:‬‬ ‫‪� ‬أن ال يرت َّتب على املنكر ِّ‬ ‫ال�شرط من �أعظم ُّ‬ ‫وهذا َّ‬ ‫ال�شروط ا َّلتي ينبغي مراعاته عند‬ ‫الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر؛ لأنَّ الغر�ض من ذلك هو �إيجاد‬ ‫اخلري وتكثريه‪ ،‬و�إزالة َّ‬ ‫ال�ش ِّر وتقليله‪ ،‬ف�إذا �أ َّدى تغيري املنكر �إىل‬ ‫منكر �أ�ش َّد منه فال ُينكر‪.‬‬ ‫ق��ال �شيخ الإ���س�لام اب��ن تيمية ‪« ::‬م��ع��ل��و ٌم �أنَّ الأم��ر‬ ‫باملعروف وال َّنهي عن املنكر و�إمتامه باجلهاد هو من �أعظم‬ ‫املعروف ا َّل��ذي �أُم��رن��ا ب��ه‪ ,‬ولهذا قيل‪ :‬ليكن �أم��رك باملعروف‬ ‫ونهيك عن املنكر غ َري منكر‪.‬‬ ‫و�إذا كان هو من �أعظم الواجبات وامل�ستح َّبات‪ ،‬فالواجبات‬ ‫وامل�ستح َّبات الب َّد �أن تكون امل�صلحة فيها راجح ًة على املف�سدة؛ �إذ‬ ‫يحب الف�ساد؛ بل ك ُّل ما‬ ‫بهذا ُبعثت ال ُّر�سل ونزَ لت الكتب‪ ،‬واهلل ال ُّ‬ ‫�أمر اهلل به فهو �صالح‪.‬‬ ‫(‪« ((2‬جمموع الفتاوى» (‪« ،)136/28‬اال�ستقامة» (‪ 230/2‬ـ ‪.)233‬‬ ‫(‪�« ((2‬شرح �صحيح م�سلم» (‪.)23/2‬‬

‫‪24‬‬

‫ال�صالح وامل�صلحني‪ ،‬وا َّلذين �آمنوا وعملوا‬ ‫وقد �أثنى اهلل على َّ‬ ‫ال�صاحلات‪َ ،‬‬ ‫وذ َّم الف�ساد واملف�سدين يف غري مو�ضع‪ ،‬فحيث‬ ‫َّ‬ ‫مما �أم َر‬ ‫أعظم من م�صلحته مل تكن َّ‬ ‫كانت مف�سد ُة الأمر وال َّنهي � َ‬ ‫اهلل به‪ ،‬و�إن كان قد تُرك واجب و ُفعل حم َّرم؛ �إذ امل�ؤمن عليه‬ ‫�أن يتَّقي اهلل يف عباده‪ ،‬ولي�س عليه هُ داهم‪ ،‬وهذا من معنى‬ ‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭫﭬﭭﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭶﭷ﴾ [‪ ،]105 :a‬واالهتداء �إنمَّ��ا ي ِت ُّم ب���أداء الواجب‪،‬‬ ‫ف�إذا قام امل�سلم مبا يجب عليه من الأمر باملعروف وال َّنهي عن‬ ‫ُ‬ ‫�ضالل ُّ‬ ‫ال�ض َّالل‪،‬‬ ‫املنكر كما قام بغريه من الواجبات مل ي�ض َّره‬ ‫وذلك يكون تار ًة بالقلب‪ ،‬وتار ًة بال ِّل�سان‪ ،‬وتار ًة باليد‪.‬‬ ‫ف�أ َّما القلب فيجب ِّ‬ ‫بكل حال؛ �إذ ال �ض َرر يف فعله‪ ،‬ومن مل يفعله‬ ‫بي ‪َ « :Í‬و َذل َِك �أَد َن��ى ـ �أو ـ �أَ�ض َع ُف‬ ‫فلي�س هو مب�ؤمن كما قال ال َّن ُّ‬ ‫ي�س َو َرا َء َذل َِك مِ َن الإِميَانِ َح َّب ُة َخردَلٍ »(‪.)28‬‬ ‫الإِميَانِ »‪ ،‬وقال‪َ « :‬ل َ‬ ‫وقال � ً‬ ‫أي�ضا‪« :‬جماع ذلك داخل يف القاعدة العا َّمة‪ :‬فيما �إذا‬ ‫وال�س ِّيئات �أو تزاحمت؛‬ ‫تعار�ضت امل�صالح واملفا�سد‪ ،‬واحل�سنات َّ‬ ‫ف�إ َّنه يجب ترجيح ال�� َّراج��ح منها فيما �إذا ازدحمت امل�صالح‬ ‫واملفا�سد‪ ،‬وتعار�ضت امل�صالح واملفا�سد‪.‬‬ ‫مت�ضم ًنا لتح�صيل م�صلحة ودفع‬ ‫ف�إنَّ الأم َر وال َّنهي و�إن كان‬ ‫ِّ‬ ‫مف�سدة‪ ،‬ف ُينظر يف املعار�ض له‪ ،‬ف�إن كان ا َّلذي يفوت من امل�صالح‬ ‫�أو يح�صل من املفا�سد �أك َرث مل يكن م�أمو ًرا به؛ بل يكون حم َّر ًما‬ ‫�إذا كانت مف�سدته �أك�ث�رَ م��ن م�صلحته‪ ,‬لكن اعتبار مقادير‬ ‫امل�صالح واملفا�سد هو مبيزان َّ‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬فمتى قدر الإن�سانُ على‬ ‫ا ِّتباع ال ُّن�صو�ص مل يعدل عنها‪ ،‬و�إ َّال اجتهد ر�أيه ملعرفة الأ�شباه‬ ‫وال َّنظائر‪ ،‬وق َّل �أن تُع ِو َز ال ُّن�صو�ص من يكون خب ًريا بها وبداللتها‬ ‫على الأحكام‪.‬‬ ‫خ�ص �أو َّ‬ ‫وعلى هذا �إذا كان َّ‬ ‫الطائفة جامعني بني معروف‬ ‫ال�ش ُ‬ ‫ومنكر بحيث ال يف ِّرقون بينهما؛ بل �إ َّما �أن يفعلوهما جمي ًعا‪� ,‬أو‬ ‫يرتكوهما جمي ًعا‪ :‬مل يجز �أن ي�ؤمروا مبعروف وال �أن ينهوا عن‬ ‫منكر؛ بل ينظر‪ :‬ف�إن كان املعروف �أكرث �أُمر به؛ و�إن ا�ستلزم ما هو‬ ‫دونه من املنكر‪ .‬ومل ُينه عن منكر ي�ستلزم تفويت معروف �أعظم‬ ‫وال�سعي‬ ‫منه؛ بل يكون ال َّنهي ٍ‬ ‫حينئذ من باب َّ‬ ‫ال�صدِّ عن �سبيل اهلل َّ‬ ‫(‪« ((2‬جمموع الفتاوى» (‪« ،)126/28‬اال�ستقامة» (‪.)211/2‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫يف زوال طاعته وطاعة ر�سوله وزوال فعل احل�سنات‪.‬‬ ‫و�إن كان املنكر �أغلب ُنهي عنه؛ و�إن ا�ستلزم فوات ما هو دونه‬ ‫من املعروف؛ ويكون الأمر بذلك املعروف امل�ستلزم للمنكر الزَّائد‬ ‫عليه �أم ًرا مبنكر و�سع ًيا يف مع�صية اهلل ور�سوله‪.‬‬ ‫و�إن تكاف�أ املعروف واملنكر املتالزمان مل ي�ؤمر بهما ومل ينه‬ ‫عنهما‪.‬‬ ‫فتار ًة ي�صلح الأمر‪ ,‬وتارة ي�صلح ال َّنهي‪ ,‬وتار ًة ال ي�صلح ال �أمر‬ ‫وال نهي حيث كان املعروف واملنكر متالزمني‪ ,‬وذلك يف الأمور‬ ‫املع َّينة الواقعة‪.‬‬ ‫و�أ َّما من جهة ال َّنوع ف ُي�ؤمر باملعروف مطل ًقا وينهى عن املنكر‬ ‫مطل ًقا‪ ،‬ويف الفاعل الواحد َّ‬ ‫والطائفة الواحدة ُي�ؤمر مبعروفها‬ ‫وينهى عن منكرها‪ ،‬و ُيحمد حممودها‪ ،‬و ُي َذ ُّم مذمومها بحيث ال‬ ‫يت�ض َّمن الأمر مبعروف فوات معروف �أكرب منه �أو ح�صول منكر‬ ‫فوقه‪ ،‬وال يت�ض َّمن ال َّنهي عن املنكر ح�صول ما هو �أنكر منه �أو‬ ‫فوات معروف �أرجح منه‪.‬‬ ‫و�إذا ا�شتبه الأم��ر ا�ستبان امل�ؤمن حتَّى يتبينَّ له احل��قُّ؛ فال‬ ‫يقدم على َّ‬ ‫الطاعة �إال بعلم ون َّية و�إذا تركها كان عا�ص ًيا‪ ،‬فرتك‬ ‫الأم��ر الواجب مع�صية‪ ,‬وفعل ما نهي عنه من الأم��ر مع�صية‪.‬‬ ‫وهذا باب وا�سع‪.)29(»...‬‬ ‫َّثم ذكر �أمثلة من �س َّنته ‪ Í‬حيث ترك تغيري بع�ض املنكر‬ ‫ال�ستلزام وجود منكر �أعظم منه‪.‬‬ ‫بي ‪� Í‬شرع لأ َّمته �إيجاب‬ ‫وق��ال اب��ن الق ِّيم ‪�« ::‬إنَّ ال َّن َّ‬ ‫املعروف ما يح ُّبه ُ‬ ‫اهلل ور�سو ُله‪،‬‬ ‫�إنكار املنكر ليح�صل ب�إنكاره من‬ ‫ِ‬ ‫ف�إذا كان �إنكار املنكر ي�ستلزم ما هو �أنكر منه و�أبغ�ض �إىل اهلل‬ ‫ور�سوله ف�إ َّنه ال ي�سوغ �إنكاره‪ ،‬و�إن كان اهلل ُ‬ ‫يبغ�ضه وميقتُ �أه َله‪،‬‬ ‫أ�سا�س‬ ‫وهذا كالإنكار على امللوك والوالة باخلروج عليهم؛ ف�إ َّنه � ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ال�صحاب ُة َ‬ ‫ر�سول اهلل‬ ‫كل �ش ٍّر وفتنة �إىل �آخر ال َّدهر‪ ،‬وقد ا�ست�أذن َّ‬ ‫ال�صال َة عن وقتها وقالوا‪:‬‬ ‫‪ Í‬يف قتال الأمراء ا َّلذين ُي� ِّؤخرون َّ‬ ‫ال�ص َ‬ ‫ال َة»‪ ،‬وقال‪« :‬مَن َر�أَى‬ ‫�أفال نقاتلهم‪ ،‬فقال‪َ «:‬ال مَا �أَ َق��امُ��وا َّ‬ ‫ري ِه مَا َيك َرهُ ُه َفل َي�صْبرِْ َو َال َي ْن ِز َعنَّ َيدًا مِ ن َطا َعةٍ»‪َ ،‬ومن‬ ‫مِ ن �أَمِ ِ‬ ‫وال�صغار ر�آها من‬ ‫ت�أ َّمل ما جرى على الإ�سالم من الفنت الكبار ِّ‬

‫الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر من َّ‬ ‫الطاعات العظيمة ا َّلتي‬ ‫يقوم بها امل�سلم‪ ،‬وليكون لهذه َّ‬ ‫الطاعة �أثرها الإيجابي يف املجتمع‬ ‫الب َّد للقائم بها �أن يتح َّلى ب�آداب و�أخالق تكون احلافز للم�أمور‬ ‫واملُنهى �أن ي�أمتر وينتهي‪ ،‬وجملة هذه الآداب كثرية وبع�ضها تق َّدم‬ ‫كال�صرب واحللم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫يف ال�شروط َّ‬ ‫‪ ‬الإخال�ص‪ :‬وهو ال ُّركن الأعظم ِّ‬ ‫لكل عمل ُيتق َّرب به �إىل‬ ‫خال�صا لوجه اهلل تعاىل‬ ‫العلي الأك��رم‪ ،‬فك ُّل عمل الب َّد �أن يكون ً‬ ‫ِّ‬ ‫حلب ال َّثناء وال ِّرياء فيه‪ ،‬لقوله‬ ‫لل�سمعة وال ِّ‬ ‫ال دخل للع�صب َّية وال ُّ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ‬ ‫ن��ا الأَع َم ُال بِال ِّن َّياتِ و�إِ مَّ َ‬ ‫ﰝ﴾ [\‪ ،]n‬وقوله ‪�« :Í‬إِ مَّ َ‬ ‫نا‬

‫(‪« ((2‬جمموع الفتاوى» (‪ 129/28‬ـ ‪« ،)130‬اال�ستقامة» (‪.)218/2‬‬

‫(‪�« ((3‬إعالم املو ِّقعني» (‪ 338/4‬ـ ‪.)339‬‬

‫ف�إنكار املنكر �أربع درجات‪:‬‬ ‫ـ الأوىل‪� :‬أن يزول ويخلفه �ض ُّده‪.‬‬ ‫ـ ال َّثانية‪� :‬أن َيق َّل و�إن مل ُيزل بجملته‪.‬‬ ‫ـ ال َّثالثة‪� :‬أن يخلفه ما هو مث ُله‪.‬‬ ‫ـ ال َّرابعة‪� :‬أن يخلفه ما هو �ش ٌّر منه‪.‬‬

‫بحوث ودراسات‬

‫ال�صرب على منكر‪ ،‬فطلب �إزالته فتو َّلد‬ ‫�إ�ضاعة هذا الأ�صل وعدم َّ‬ ‫منه ما هو �أكرب منه؛ فقد كان ر�سول اهلل ‪ Í‬يرى مب َّكة �أك َرب‬ ‫املنكرات وال ي�ستطيع تغي َريها‪ ،‬بل ملَّا فتح اهلل م َّكة و�صارت دار‬ ‫�إ�سالم عزَ م على تغيري البيت وردِّه على قواعد �إبراهيم‪ ،‬وم َن َعه‬ ‫من ذلك ـ مع قدرته عليه ـ خ�شي ُة وقوع ما هو �أعظم منه‪ :‬من عدم‬ ‫احتمال قري�ش لذلك ل ُقرب عهدهم بالإ�سالم‪ ،‬وكونهم حدي ِثي‬ ‫فر‪ ،‬ولهذا مل ي�أذن يف الإنكار على الأمراء باليد ملا يرتتَّب‬ ‫ٍ‬ ‫عهد ب ُك ٍ‬ ‫عليه من وقوع ما هو �أعظم منه كما وجد �سواء‪.‬‬

‫اجتهاد‬ ‫فال َّدرجتان الأول��ي��ان م�شروعتان وال َّثالثة مو�ضع‬ ‫ٍ‬ ‫وال َّرابعة حم َّرمة‪.)30(»...‬‬ ‫و�شروط الأم��ر باملعروف وال َّنهي عن املنكر كثري ٌة يجمعها‬ ‫العلم وتقدير امل�صالح واملفا�سد‪.‬‬

‫آداب اآلمر باملعروف َّ‬ ‫والناهي عن املنكر‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪25‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫ِل ُك ِّل امرِئٍ مَا َن َوى»(‪ ،)31‬وقوله � ً‬ ‫أي�ضا يف احلديث القد�سي‪َ « :‬قا َل‬ ‫ُ‬ ‫اهلل َت�� َب��ا َر َك و َت�� َع ىَ‬ ‫ال�ش َر َكا ِء ع َِ��ن ِّ‬ ‫��ال‪� :‬أَ َن��ا �أَغ َنى ُّ‬ ‫ال�شركِ َم��نْ عَمِ َل‬ ‫َع َم ً‬ ‫ال �أَ�شْ َر َك فِي ِه َمعِي َغ رْيِي َت َر ْك ُت ُه َو�شِ ر َكهُ»(‪ ،)32‬وغري ذلك من‬ ‫الآيات القر�آن َّية والأحاديث ال َّنبو َّية‪.‬‬ ‫بال�صرب على تبليغ‬ ‫‪َّ ‬‬ ‫ال�صرب‪ :‬وقد �أمر اهلل تعاىل �أنبياءه َّ‬ ‫ما �أم��روا ب��ه‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬

‫ال�صالة فرماه ال َّنا�س‬ ‫ال�سلمي ا َّلذي �ش َّمت العاط�س وهو يف َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ب�أب�صارهم‪ ،‬قال‪« :‬فل َّما �ص َّلى ر�سول ‪ Í‬ـ فب�أبي هو و� ِّأمي ـ ما‬ ‫ر�أيت مع ِّل ًما قبله وال بعده �أح�سنَ تعلي ًما منه؛ فواهلل ما َك َه َرين‬ ‫ال�ص َ‬ ‫ال َة َال َي�صْ ُل ُح فِيهَا‬ ‫وال �ضربني وال �شتمني‪ ،‬قال‪�« :‬إِ َّن هَذِ ِه َّ‬ ‫َ�شي ٌء مِ ��نْ َك َ‬ ‫ا�س �إِ مَّ َ‬ ‫ري َو ِق َرا َء ُة‬ ‫�لا ِم ال َّن ِ‬ ‫ن��ا هُ �� َو ال َّت�س ِبي ُح َوال َّتك ِب ُ‬ ‫ال ُقر�آنِ »(‪.)36‬‬

‫ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ‬

‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬

‫ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬ ‫لكن من اخلط�أ �أن تُفهم احلكمة وال ِّرفق امل�أمور بهما على‬ ‫ال�صحيح‪ ،‬وذلك باعتبار �أنَّ َّ‬ ‫كل �ش َّدة يف الدِّ ين‬ ‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ﴾ [\»]‪ ،‬وق��ال غري مفهومها َّ‬ ‫�سبحانه‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ لي�ست من احلكمة‪ ،‬بل حيثما �أفادت ِّ‬ ‫ال�ش َّدة وكانت امل�صلحة فيها‬ ‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ فهي مطلوبة‪ ،‬وقد �أباح اهلل القتال �إذا بغت �إحدى َّ‬ ‫الطائفتني ومل‬ ‫[\‪ ،]b‬وقال لقمان البنه وهو يعظه‪﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ميكن �إيقاف بغيها �إ َّال بالقتال‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ‬

‫ﯵ ﯶ﴾ [\}]‪ ،‬فعلى الآمرين باملعروف وال َّناهني عن‬ ‫املنكر �أن ي�صربوا على ما ي�صابون به يف ذات اهلل كما ي�صرب‬ ‫فال�صرب‬ ‫املجاهدون على ما ي�صابون به يف �أنف�سهم و�أموالهم‪َّ ،‬‬ ‫على الأذى يف ال ِعر�ض �أوىل و�أوىل‪ ,‬وذل��ك لأنَّ م�صلحة الأمر‬ ‫وال َّنهي ال تت ُّم �إ َّال بذلك‪.‬‬ ‫‪ ‬احللم وال ِّرفق‪ :‬وتق َّدم �أنَّ احللم وال ِّرفق من الأمور املطلوبة‬ ‫يف الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪ ،‬ولوال احللم وال ِّرفق بال َّنا�س‬ ‫ملا ائتمر �أحد ب�أمر وطاعة‪ ،‬وملا انتهى عن منكر ومع�صية‪ ،‬وتق َّدم‬ ‫بي ‪�« :Í‬إِ َّن ال ِّرف َق َال َي ُك ُ‬ ‫ون فيِ َ�شي ٍء �إِ َّال َزا َن ُه َو َال ُين َز ُع مِ ن‬ ‫قول ال َّن ِّ‬ ‫َ�شي ٍء �إِ َّال َ�شا َنهُ»(‪ ،)33‬وقال‪َ « :‬منْ ُي ْح َر ِم ال ِّر ْف َق ُي ْح َر ِم ا َ‬ ‫ي»(‪.)34‬‬ ‫خل رْ َ‬ ‫والأ�صل يف ال َّدعوة �أن تكون ُّ‬ ‫بالطرق احلكيمة‪ ،‬و�أمثلة ذلك‬ ‫ال�س َّنة كثري‪ ،‬كحديث بول الأعرابي يف امل�سجد حيث اقرتف‬ ‫يف ُّ‬ ‫بي ‪ Í‬ومل يزجره‪ ،‬بل ع َّلمه �آداب‬ ‫�أم ًرا عظي ًما؛ فلم يع ِّنفه ال َّن ُّ‬ ‫بي ‪� Í‬إِ يَ َّ‬ ‫ل ِب�أَبِي هُ َو َو�أُمِّي‬ ‫امل�سجد‪ ،‬فقال الأعرابي‪َ « :‬ف َقا َم ال َّن ُّ‬ ‫َفلَ ْم َي ُ�س َّب‪َ ،‬ولمَْ ُي�ؤَ ِّن ْب‪ ،‬ومل ي�ضرب»(‪ ،)35‬وزاد �أن تركه يكمل بوله‬ ‫ومل يقطعه عليه‪.‬‬ ‫وجاء مثله � ً‬ ‫أي�ضا يف حديث �آخر وهو حديث معاوية بن احلكم‬ ‫(‪� ((3‬أخرجه البخاري يف «�صحيحه» (‪ ،)1‬وم�سلم يف «�صحيحه» (‪.)1907‬‬ ‫(‪� ((3‬أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (‪.)2985‬‬ ‫(‪� ((3‬أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (‪.)2594‬‬ ‫(‪� ((3‬أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (‪.)2592‬‬ ‫«ال�صحيحني» بغري هذا ال َّلفظ‪.‬‬ ‫(‪� ((3‬أخرجه �أحمد يف «امل�سند» (‪ ،)10533‬وهو يف َّ‬

‫‪26‬‬

‫ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ‬

‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [\¯]‪.‬‬ ‫نبي اهلل مو�سى �أمره اهلل تعاىل �أن يلني مع عد ِّوه وهو‬ ‫وهذا ُّ‬ ‫فرعون‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾‬ ‫[\‪ ،]p‬وا�شت َّد مع �أخيه هارون فقال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬

‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬

‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [‪.]150 :c‬‬ ‫ال�صحابة‪ ،‬فل َّما �أطال معاذ بن جبل‬ ‫بي ‪ Í‬ع َّنف بع�ض َّ‬ ‫وال َّن ُّ‬ ‫ال�صالة بقومه قال له‪َ « :‬ف َّت ٌان َف َّت ٌان َف َّت ٌان!»(‪ ،)37‬وملا َقتَل‬ ‫‪َّ Ç‬‬ ‫ح ُّبه وابن ح ِّبه �أ�سام ُة بنُ زيد ‪ Ç‬م�شر ًكا نطق بكلمة التَّوحيد‬ ‫قال له‪َ « :‬يا �أُ َ�سا َم ُة! �أَ َق َت ْل َت ُه َب ْع َد مَا َق��ا َل‪َ :‬ال �إِ َل�� َه �إِ َّال اهلل!» قال‬ ‫�أ�سامة‪ :‬فما زال ُيك ِّررها حتَّى مت َّنيت �أنيِّ مل �أكن �أ�سلمت قبل ذلك‬ ‫اليوم»(‪� ،)38‬إىل غري ذلك من ال ُّن�صو�ص ا َّلتي فيها ِّ‬ ‫ال�ش َّدة وكانت‬ ‫امل�صلحة يف ذلك‪ ،‬والأ�صل هو ال ِّرفق يف ال َّدعوة ومعاملة ال َّنا�س‬ ‫بال ِّلني وال�� ِّرف��ق‪ ،‬لكن �إن دعت احلاجة �إىل ا�ستعمال اخل�شونة‬ ‫ِّ‬ ‫خا�صة مع ر�ؤو�س �أهل البدع ا َّلذين‬ ‫وال�ش َّدة فلي�ستعملها ال َّداعية َّ‬ ‫يظهرون بدعهم ويدعون �إليها‪.‬‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪« ::‬امل�ؤمن للم�ؤمن كاليدين‬ ‫(‪� ((3‬أخرجه م�سلم يف «�صحيحه» (‪.)537‬‬ ‫(‪� ((3‬أخرجه البخاري يف «�صحيحه» (‪ ،)701‬وم�سلم يف «�صحيحه» (‪.)465‬‬ ‫(‪� ((3‬أخرجه البخاري يف «�صحيحه» (‪ ،)4269‬وم�سلم يف «�صحيحه» (‪.)96‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫�شك �أنَّ ك َّل طاعة هلل ع َّز َّ‬ ‫ال َّ‬ ‫وجل ت�ؤتي ثمارها و�أكلها يف ال ُّدنيا‬ ‫والآخ��رة‪ ،‬وقيام العبد بهذا الواجب مع حت ُّمل م�شا ِّقه و�صعابه‬ ‫ي�ؤجر عليه‪ ،‬فيكون الأجر على قدر امل�شقَّة‪ ،‬ومن ثمار ذلك‪:‬‬ ‫‪ ‬الفالح وال َّنجاة يف الدُّ نيا والآخرة‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮖ‬

‫عواقب ترك األمر باملعروف َّ‬ ‫والنهي عن املنكر‬

‫بحوث ودراسات‬

‫تغ�سل �إح��داه��م��ا الأخ����رى‪ ،‬وق��د ال ينقلع الو�سخ �إ َّال بنوع من وال َّنهي عن املنكر والإميان باهلل»(‪.)40‬‬ ‫‪ ‬حماية الأر�ض من انت�شار الف�ساد َّ‬ ‫اخل�شونة‪ ،‬لكن ذلك يوجب من ال َّنظافة وال ُّنعومة ما نحمد معه‬ ‫وال�ش ِّر فيها‪ :‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ذلك التَّخ�شني»(‪.)39‬‬ ‫﴿ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫�إىل غري ذلك من الآداب العا َّمة والأخ�لاق الفا�ضلة ا َّلتي ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [\^]‪.‬‬ ‫ينبغي �أن يراعيها الآمرون باملعروف وال َّناهون عن املنكر‪.‬‬ ‫قال م ِّكي بن �أبي طالب ‪�« ::‬أي بدفع �أهل َّ‬ ‫الطاعة عن �أهل‬ ‫املع�صية‪ ،‬وبال ِّرب عن الفاجر»(‪� ،)41‬إىل غري ذلك من ال ِّثمار اليانعة‬ ‫مثار األمر باملعروف َّ‬ ‫احلجة على املعاندين‬ ‫من �إقامة �شعائر الدِّ ين و�إظهاره‪ ،‬و�إقامة َّ‬ ‫والنهي عن املنكر‬ ‫امل�ص ِّرين على الآثام واملعا�صي والكفر‪.‬‬

‫جاء بيان العواقب الوخيمة يف ترك ال َّنا�س للأمر باملعروف‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ وال َّنهي عن املنكر‪ ،‬فعواقب التَّق�صري فيه كثرية‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬ ‫ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [\_]‪.‬‬ ‫‪ ‬ال َّلعن َّ‬ ‫والطرد من رحمة اهلل ع َّز وج َّل‪:‬‬ ‫فع َّلق الفالح على الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪ ،‬والفالح‬ ‫فرتك الأمر باملعروف عاقبته َّ‬ ‫الطرد وال َّلعن‪ ،‬كما قال اهلل‬ ‫هنا ي�شمل فالح ال ُّدنيا وفالح الآخرة بالو�صول �إىل البغية املن�شودة‬ ‫ع�� َّز وج��� َّل‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫من دخول اجلنان ور�ؤية الكرمي امل َّنان‪.‬‬ ‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬ ‫ال�سفينة‬ ‫وكذلك ورد يف حديث الباب يف القوم ا َّلذين ركبوا َّ‬ ‫ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ‬ ‫وكانوا �أ�سفلها‪ ،‬ف�إن يخرقوا خر ًقا ويرتكهم من فوقهم وال ينهونهم‬ ‫ﮆ ﮇ﴾ [\‪.]a‬‬ ‫يهلكوا‪ ،‬و�إن �أخذوا على �أيديهم جنوا هم و�أجنوا غريهم‪ ،‬وهكذا‬ ‫‪ ‬الهالك ونزول الغ�ضب والعقاب الإلهي‪:‬‬ ‫الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر ُينجي العبد الآمر وامل�أمور من‬ ‫كما تق َّدم يف حديث حذيفة‪َ « :‬وا َّل���ذِ ي َنف�سِ ي ِب َيدِ ِه َل َت ْ�أ ُم ُر َّن‬ ‫عقاب اهلل وعذابه‪.‬‬ ‫وف َو َل َت ْن َه ُو َّن ع َِن امل ُ ْن َك ِر �أَ ْو َل ُيو�شِ َكنَّ ُ‬ ‫اهلل �أَ ْن َيب َع َث َعلَي ُك ْم‬ ‫بِاملَع ُر ِ‬ ‫وق��ال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ال�صاحلون؟ قال‪:‬‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ عِ َقا ًبا مِ ْنهُ»‪ ،‬وحديث � ِّأم �سلمة‪�« :‬أنهلك وفينا َّ‬ ‫َن َع ْم �إِ َذا كَثرُ َ ا َ‬ ‫خل َب ُث»‪.‬‬ ‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬

‫ال�صدِّ يق �أ َّنه قال‪�« :‬أ ُّيها ال َّنا�س �إ َّنكم تقرءون‬ ‫وعن �أبي بكر ِّ‬ ‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [\‪.]c‬‬ ‫‪ ‬ثبوت خريية ه��ذه الأم���ة‪ :‬با ِّت�صافها بالأمر باملعروف هذه الآي��ة‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وال َّنهي عن املنكر ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭶﭷ﴾ [‪ ،]105:a‬و�إنيِّ �سمعت ر�سول اهلل ‪ Í‬يقول‪�« :‬إِنَّ‬ ‫ا�س �إِ َذا َر َ�أوا َّ‬ ‫الظالمِ َ َفلَم َي�أْ ُخ ُذوا َعلَى َي َد ْي ِه �أَ ْو َ�ش َك �أَ ْن َي ُع َّم ُه ُم‬ ‫ال َّن َ‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [_‪.]110 :‬‬ ‫ْ (‪)42‬‬ ‫َ‬ ‫قال ابن عطية‪« :‬وهذه اخلري َّية ا َّلتي فر�ضها اهلل لهذه الأ َّمة اهلل ِب ِعقابٍ مِ نهُ» ‪.‬‬ ‫ال�شروط من الأمر باملعروف (‪« ((4‬املح َّرر الوجيز» (‪.)318/3‬‬ ‫� مَّإنا ي�أخذ بحظه منها َمن عمل هذه ُّ‬ ‫(‪« ((4‬الهداية يف بلوغ النهاية» (‪.)871/1‬‬ ‫(‪« ((3‬جمموع الفتاوى» (‪.)53/28‬‬

‫(‪ ((4‬رواه رِّ‬ ‫التمذي يف «جامعه» (‪.)2168‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪27‬‬


‫بحوث ودراسات‬

‫‪ ‬عدم ا�ستجابة الدُّ عاء‪:‬‬ ‫كما جاء يف حديث حذيفة املتقدِّ م‪َ « :‬وا َّل����ذِ ي َنف�سِ ي ِب َيدِ ِه‬ ‫وف َو َل َت ْن َه ُو َّن ع َِن امل ُ ْن َك ِر �أَ ْو َل ُيو�شِ َكنَّ ُ‬ ‫اهلل �أَ ْن َيب َع َث‬ ‫َل َت�أْ ُم ُر َّن بِاملَع ُر ِ‬ ‫َعلَي ُك ْم عِ َقا ًبا مِ ْن ُه ُث َّم َت ْدعُو َن ُه َف َ‬ ‫اب َل ُك ْم»‪.‬‬ ‫ال ُي�س َت َج ُ‬ ‫فمن �أ���س��ب��اب ر ِّد ال�� ُّدع��اء ع��دم تغيري املنكر وت���رك الأمر‬ ‫باملعروف‪ ،‬فبالتَّايل يزداد َّ‬ ‫ال�ش ُّر وينت�شر‪.‬‬ ‫�إىل غري ذلك من العواقب واملفا�سد املرت ِّتبة على ترك هذا‬ ‫الواجب اجلليل‪.‬‬ ‫قال الإمام ابن القيم ‪::‬‬ ‫«ومن ت�أ َّمل �أحوال ال ُّر�سل مع �أممهم وجدهم كانوا قائمني‬ ‫بالإنكار عليهم �أ�ش َّد القيام‪ ,‬حتَّى لقوا اهلل تعاىل‪ ,‬و�أو�صوا من �آمن‬ ‫بي ‪� Í‬أنَّ املتخ ِّل�ص من‬ ‫بهم بالإنكار على من خالفهم‪ ,‬و�أخرب ال َّن ُّ‬ ‫مقامات الإنكار ال َّثالثة لي�س معه من الإميان ح َّبة خردل وبالغ‬ ‫يف الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر �أ�ش َّد املبالغة حتَّى قال‪�« :‬إِ َّن‬ ‫ا�س �إِ َذا َت َر ُكو ُه �أَو�شْ َك �أن َي ُع َّم ُه ُم اهلل ِب ِع َقابٍ مِ نْ عِ ْندِ هِ»‪ ،‬و�أخرب‬ ‫ال َّن َ‬ ‫�أنَّ تركه مينع �إجابة دعاء الأخيار‪ ,‬ويوجب َّ‬ ‫ت�سلط الأ�شرار‪ ,‬و�أخرب‬ ‫�أنَّ تركه يوقع املخالفة بني القلوب والوجوه‪ ,‬و ُيح ُّل لعنة اهلل كما‬ ‫لعن اهلل بني �إ�سرائيل على تركه»(‪.)43‬‬ ‫ال�سالكني» (‪.)123/3‬‬ ‫(‪« ((4‬مدارج َّ‬

‫الفوائد املستنبطة من أحاديث األمر‬ ‫باملعروف َّ‬ ‫والنهي عن املنكر‬ ‫من الفوائد امل�ستنبطة من خالل درا�سة بع�ض الأحاديث‬ ‫الواردة يف الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‪:‬‬ ‫‪� ‬أنَّ �إقامة الدِّ ين ال تكون �إ َّال بالأمر باملعروف وال َّنهي عن‬ ‫املنكر‪ ،‬ور�أ���س املعروف توحيد اخلالق ج َّل وعال‪ ،‬ور�أ���س املنكر‬ ‫ِّ‬ ‫ال�شرك به �سبحانه‪.‬‬ ‫‪� ‬أنَّ الأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر من الواجبات املجمع‬ ‫على وجوبها‪ ،‬واختلف العلماء يف مرتبة وجوبها على العني �أم‬ ‫الكفاية �إن قام به بع�ض �سقط عن الباقني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫�شروطا �أعظمها‬ ‫‪� ‬أنَّ للأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر‬ ‫العلم والقدرة على التَّغيري‪،‬و�أن ال يرتتَّب منكر �أعظم منه‪.‬‬ ‫‪� ‬إنكار املنكر �أرب��ع درج��ات‪ ،‬اثنتان م�شروعتان‪ ،‬وواحدة‬ ‫اجتهاد‪.‬‬ ‫حم َّرمة‪ ،‬و�أخرى حم ُّل‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬للأمر باملعروف وال َّنهي عن املنكر �آداب و�أخ�لاق تعني‬ ‫وال�صرب وحت ُّمل‬ ‫القائم به على قبول دعوته كالإخال�ص هلل‪َّ ،‬‬ ‫الأذى‪ ،‬واحللم وال ِّرفق باملدع ِّوين‪.‬‬ ‫‪ ‬قد تكون ِّ‬ ‫ال�ش َّدة والغلظة يف موا�ضع ومواقف �أجدى و�أرجح‬ ‫من ال ِّرفق‪.‬‬ ‫واهلل �أعلى و�أعلم‪ ،‬و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على نب ِّينا حم َّم ٍد وعلى‬ ‫�آله و�صحبه‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪28‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫التحرير‬

‫مسائل منهجية‬

‫لكل قوم وارث‬

‫ال�سيا�س َّية»‪،‬‬ ‫ال�سلطة ِّ‬ ‫ال�سلف َّية بدعة مق َّد�سة �أوجدتها ُّ‬ ‫وبهتا ًنا «�أنَّ َّ‬ ‫ال�صحوة الإ�سالم َّية كما يبدو �سلف َّية فقد‬ ‫و�أ َّنه «�إذا كانت خامتة َّ‬ ‫ال�سقيم‪،‬‬ ‫خابت وخ�سرت وانتك�ست!»‪ ،‬كما جعل ـ يف ظ ِّنه اخلاطئ َّ‬ ‫الفقهي هيمن ًة على الإ�سالم حتَّى‬ ‫وفكره املري�ض العقيم ـ للتَّ�ص ُّور‬ ‫ِّ‬ ‫غدَ ا منظوم ًة ت�شريع َّي ًة نا�شفة! على حدِّ تعبري هذا املتن ِّكر‪.‬‬ ‫ك ُّل هذا يف �أ�سلوب �أدب ٍّ��ي يت�ش َّدق به‪ ،‬ولغ ٍة معقَّدة ينتحلها‬ ‫لتمرير �سموم ميكن ت�أويلها �إذا رُ‬ ‫اعت�ض عليه‪ ،‬والتَّباكي ب�أنَّ‬ ‫ال َّراف�ض لأف��ك��اره املنكو�سة ال يرقى لفهم خطابه‪ ،‬ف�ض ًال عن‬ ‫االقتناع والعمل ب��ه! َ‬ ‫ال�صوف َّي َة‬ ‫فهم‬ ‫وكيف ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك�لام رج ٍ��ل يعترب ُّ‬ ‫وجود َّي َة الإ�سالم! و�أنَّ لبع�ض الع َّباد من الأولياء عالقة حميم َّية‬ ‫ا�ستثنائ َّية مع اهلل! واملت�ص ِّوف احل ُّق يف نظره هو ا َّل��ذي‪« :‬يقيم‬ ‫حياته على �أ�سا�س منابذة اجلماعة واخلليفة والفقيه!»‪ ،‬و�أنَّ‬ ‫اجلماعة احتكرت اهلل على ح�ساب الفرد! ـ تعاىل اهلل عن ذلك‬ ‫عل ًّوا كب ًريا ـ جملة من الألفاظ حملت معاين اخلزي واخلذالن‪،‬‬ ‫أدبي‪ ،‬عهدنا نظائره من �أقوام �سابقني ت�شابهت قلوبهم‬ ‫يف قالب � ٍّ‬ ‫فتطابقت �أل�سنتهم‪.‬‬ ‫بال�سلف ِّيني �صارت «مُو�ض َة» هذا القرن؛‬ ‫�إنَّ ظاهرة ال َّتطيرُّ َّ‬ ‫ال�صحف �أو جم َّلة من املج َّالت‪ ،‬من‬ ‫�إذ ال تكاد تخلو �صحيفة من ُّ‬ ‫وال�س ِّب َّ‬ ‫وال�شتم والتَّنقي�ص من علماء‬ ‫خمتلف �أنواع ال َّلمز والهمز َّ‬ ‫الأ َّمة‪ ،‬و�أئ َّمتها ـ �أئ َّمة الهدى ـ!‬ ‫فيا �سبحان اهلل! َف ِل َع َمى ب�صائر ه�ؤالء «اعتربوا م�صادر اخلري‬ ‫والهداية م�صادر َّ‬ ‫لل�ش ِّر والغواية‪ ،‬كما تطيرَّ �أ�سالفهم بالأنبياء‬ ‫و�أتباعهم»(‪ ،)1‬قال اهلل تبارك وتعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫�إ َّننا يف زمن خفق فيه �صوتُ �أه��ل احل��قِّ �إ َّال قلي ًال‪ ،‬وتعالت‬ ‫�صاخب ًة �أ���ص��وات �أ���ص��ح��اب الباطل م��ن �أه���ل الأه����واء والبدع‬ ‫َّ‬ ‫ال�سليطة والأقالم احلاقدة عم َلها يف‬ ‫وال�ضالالت‪ ،‬فعملت الأل�سنة َّ‬ ‫أهل‬ ‫ال�س َّنة واجلماعة‪ِ � ،‬‬ ‫أهل احلقِّ ‪ِ � ،‬‬ ‫الأ َّمة‪ ،‬فقدحت يف منهج � ِ‬ ‫أهل ُّ‬ ‫احلديث والأثر‪ ،‬وطعنت يف القرون ال َّثالثة الأوىل َّ‬ ‫املف�ضلة‪ ،‬ويف‬ ‫َّهجم‬ ‫دعوتهم املباركة‪ ،‬وخا�ضت فيها باالنتقا�ص واالزدراء والت ُّ‬ ‫َّ‬ ‫والطعن والتَّنفري والتَّ�ضليل والتَّلبي�س‪ ،‬يف حملة م�سعورة‪ ،‬وحرب‬ ‫�شعواء مل ي�سبق لها مثيل‪ ،‬يف خمتلف و�سائل الإع�لام املقروءة‬ ‫وامل�سموعة وامل��رئ�� َّي��ة‪ ،‬يف ال��وق��ت ا َّل���ذي ُي�����شَ��ا ُد فيه بال َّراف�ضة‬ ‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ َ‬ ‫(ال�صف ِو َّية) وبالطرق َّية وامل��زارات ال�شرك َّية والأعياد البدع َّية‪ ،‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [\‪ ،]c‬وق��ال َّ‬ ‫جل‬ ‫ممن خرج من �ضئ�ضئ املعتزلة‬ ‫حر ًبا يتوىل ت�سعريها العقالنيون َّ‬ ‫وعال‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫وممن ينت�سب زو ًرا �إىل ال َّدعوة‬ ‫الأ َّولني‪ ،‬ومن مدر�سة امل�ست�شرقني‪َّ ،‬‬ ‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ‬ ‫الإ�سالم َّية من الكتَّاب والأدباء واملف ِّكرين!‬ ‫ﰃ ﰄ﴾ [\`]‪ ،‬وغري ذلك من الآيات ال َّدا َّلة على مثل‬ ‫ومن ه�ؤالء ٌ‬ ‫كاتب ـ هداه اهلل ـ مل يكتب بعدل‪ ،‬وال كما �أمره هذا املرياث َّ‬ ‫الذميم‪.‬‬ ‫ال�صحف عندنا بكالم‬ ‫اهلل �أن يكتب‪ ،‬نطق من قريب يف بع�ض ُّ‬ ‫�إنَّ اهلل ـ ج َّل وعال ـ قد حفظ هذا الدِّ ين احلنيف‪ ،‬وجعل كتابه‬ ‫خطري عظيم‪ُ ،‬ينبئ ع َّما يف نف�سه من �سوء ق�صده وخيانته لعموم‬ ‫ُم َه ْيمِ ًنا على غريه من الكتب‪ ،‬وح َّمله رجا ًال عدو ًال؛ فحملوه ووعوه‬ ‫امل�ؤمنني‪ ،‬حيثُ طعن اجلاين يف القرون ال َّثالثة الأوىل‪ ،‬وا َّدعى زو ًرا‬ ‫َّ‬ ‫((( «البيان لأخطاء بع�ض الكتَّاب» (‪ )21/2‬لل�شيخ �صالح الفوزان‪ ،‬حفظه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪29‬‬


‫مسائل منهجية‬

‫وب َّلغوه كما �سمعوه‪ ،‬وعلى ر�أ�س ه�ؤالء �صحابة ر�سول اهلل ‪ Í‬ر�ضي اهلل عنهم جمي ًعا‪،‬‬ ‫َّثم من تبعهم ب�إح�سان‪.‬‬

‫ال�سلف‬ ‫ال�سلف ِّيني بفهم َّ‬ ‫�إ َّن تق ُّيد َّ‬ ‫ال��� َّ��ص��ال��ح �أه���ل ال���ق���رون ال َّثالثة‬ ‫الأوىل لي�س مبن ًّيا على اعتقاد‬ ‫منهم ب��ق��دا���س��ة ه���ذه ال��ق��رون يف‬ ‫نف�سها‪� ،‬أو بع�صمة �أفرادها‪ ،‬وال ـ‬ ‫كما َّ‬ ‫ظن الكاتب ـ ملحاولة الأ َّولني‬ ‫�إ���ض��ف��اء ال��ق��دا���س��ة ع��ل��ى تراثهم‬ ‫م���ن خ��ل�ال م���ا ت���رك���وه ل��ن��ا من‬ ‫�آث���ار‪َّ ،‬‬ ‫ك�ل�ا‪ ،‬و�إنمَّ���ا ي��رج��ع ال َّتق ُّيد‬ ‫ال�صالح وا ِّتبا ُعهم‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫بفهم َّ‬ ‫ال�سلفيني ٍّ‬ ‫بحق‪� ،‬إىل‬ ‫عند جميع َّ‬ ‫تقدي�سهم لن�صو�ص الوحيني‬ ‫م��ن ال��ك��ت��اب وال ُّ�����س�� َّن��ة‪ ،‬ال َّناطقة‬ ‫ب�صدق وع���دل ب��وج��وب االلتزام‬ ‫ال�صحابة‬ ‫ب��ف��ه��م الأ َّول���ي���ن م���ن َّ‬ ‫وال�� َّت��اب��ع�ين وت��اب��ع��ي��ه��م ب�إح�سان‬

‫ال�صالح �أهل القرون ال َّثالثة الأوىل لي�س مبن ًّيا على‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫ال�سلف ِّيني بفهم َّ‬ ‫�إنَّ تق ُّيد َّ‬ ‫اعتقاد منهم بقدا�سة هذه القرون يف نف�سها‪� ،‬أو بع�صمة �أفرادها‪ ،‬وال ـ كما ظنَّ الكاتب ـ‬ ‫ملحاولة الأ َّولني �إ�ضفاء القدا�سة على تراثهم من خالل ما تركوه لنا من �آثار‪ ،‬ك َّال‪ ،‬و� مَّإنا‬ ‫ال�سلفيني بحقٍّ ‪� ،‬إىل تقدي�سهم‬ ‫ال�صالح وا ِّت ُ‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫باعهم عند جميع َّ‬ ‫يرجع التَّق ُّيد بفهم َّ‬ ‫وال�س َّنة‪ ،‬ال َّناطقة ب�صدق وعدل بوجوب االلتزام بفهم‬ ‫لن�صو�ص الوحيني من الكتاب ُّ‬ ‫ال�صحابة والتَّابعني وتابعيهم ب�إح�سان‪ ،‬ومن هذه ال ُّن�صو�ص‪:‬‬ ‫الأ َّولني من َّ‬ ‫‪ ‬قول اهلل َّ‬ ‫جل وعال‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬

‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [\‪.]e‬‬ ‫ال�سابقني الأ َّول�ي�ن من‬ ‫«�ص َّرح تعاىل يف ه��ذه الآي��ة الكرمية ب���أنَّ ا َّلذين اتَّبعوا َّ‬ ‫املهاجرين والأن�صار ب�إح�سان‪� ،‬أ َّنهم داخلون معهم يف ر�ضوان اهلل تعاىل‪ ،‬والوعد‬ ‫باخللود يف اجل َّنات والفوز العظيم‪ ...،‬وهو ٌ‬ ‫دليل قر�آين �صريح يف �أ َّن َمنْ ي�س ُّبهم‬ ‫ويبغ�ضهم؛ �أ َّنه ٌّ‬ ‫�ضال خمالف هلل ج َّل وعال‪ ،‬حيث �أبغ�ض َمنْ ر�ضي اهلل عنه؛ وال‬ ‫َّ‬ ‫�شك �أ َّن بغ�ض َمنْ ر�ضي اهلل عنه م�ضادة له ج َّل وعال‪ ،‬ومت ُّرد وطغيان»(‪.)2‬‬ ‫ال�س َل ُف امل�ؤم ُنونَ‬ ‫‪ ‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [}‪َ « ،]15 :‬و َّ‬ ‫ُم ِني ُبونَ �أَ ْي َف َي ِج ُب ا ِّت َبا ُع �سَ ِبيلِهِ م»(‪.)3‬‬ ‫وال�س َّنة �إ َّال �إذا اتَّبع �سبيلهم‬ ‫‪� ‬إ َّن��ه ال ميكن لأحد ـ مهما كان ـ �أن يفهم الدِّ ين ُّ‬ ‫ورجع �إىل فهمهم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [\`]‪ ،‬فم�شا َّقة‬ ‫و�صلي ال�� َّن��ار‪ ،‬لكنَّ الآي��ة زادت‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫ال َّر�سول وحدها موجبة للعقاب‬ ‫ِ‬ ‫ﭺ﴾‪ ،‬وهذا دليل على وجوب ا ِّتباع �سبيلهم‪ ،‬وعلى �أنَّ تركه موجب ل�صلي ال َّنار‪،‬‬ ‫ال�سلف �إ َّال َمنْ كان يف قلبه مر�ض وبدعة؛ �إذ «�أنَّ ِ�ش َعا َر �أَ ْه ِل‬ ‫فال ي�ستنكف عن ا ِّتباع َّ‬ ‫ال�س َل ِف»(‪.)4‬‬ ‫البدَ ِع‪ :‬هُ َو َت ْر ُك ا ْن ِت َح ِال ا ِّت َبا ِع َّ‬ ‫‪ ‬وقد �أمرنا اهلل ع َّز َّ‬ ‫وجل �أن نكون معهم فقال‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [\‪ ،]e‬ق��ال اب��ن عمر ‪« :È‬م��ع حممد ‪Í‬‬ ‫ال�صحابة و�أهل‬ ‫و�أ�صحابه»(‪ ،)5‬وهل يعقل �أن يكون هناك �صادقون �أعظم و�أف�ضل من َّ‬ ‫القرون ال َّثالثة امل�شهود لهم باخلري َّية!؟‬ ‫((( «�أ�ضواء البيان» (‪.)148/2‬‬ ‫((( «جمموع الفتاوى» (‪.)500/20‬‬ ‫((( «جمموع الفتاوى» (‪.)155/4‬‬ ‫((( رواه ابن �أبي حامت يف «تف�سريه» رقم (‪.)10097‬‬

‫‪30‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫قال الإم��ام امل�صلح ابن بادي�س ‪« ::‬الإ�سالم � مَّإنا هو يف‬ ‫كتاب اهلل و�س َّنة ر�سوله ‪ Í‬وما كان عليه �سل ُفها من �أهل القرون‬ ‫ال�صادق امل�صدوق»(‪.)7‬‬ ‫ال َّثالثة امل�شهود لهم باخلري َّية على ل�سان َّ‬ ‫�إنَّ القرون ال َّثالثة الأوىل هي خري جمتمع عرفته الب�شر َّية يف‬ ‫ال�صالح واال�ستقامة والعدل والإح�سان‪� ،‬شهد بذلك املن�صفون‬ ‫َّ‬ ‫م��ن امل�سلمني وغ�يره��م‪ ،‬و�أث��ب��ت ذل��ك ال�� َّت��اري��خ ا َّل���ذي مل يتل َّوث‬ ‫بلوثة راف�ض َّية‪� ،‬أو نزعة اعتزال َّية‪� ،‬أو ثورة خارج َّية‪� ،‬أو �سف�سطة‬ ‫عقالن َّية‪� ،‬أو �شطحات �صوف َّية!‬ ‫�إ َّنه ال ي�صلح حال امل�سلمني وال تقوم لهم قائمة وال جتتمع لهم‬ ‫كلمة �إ َّال بال ُّرجوع �إىل هذا الدِّ ين‪ ،‬وفْقَ َف ْه ِم القرون امل�شهود لها‬ ‫ال�صحابة ‪ ،í‬قال ر�سول اهلل ‪:Í‬‬ ‫باخلري َّية‪،‬‬ ‫وبخا�صة قرن َّ‬ ‫َّ‬ ‫يى ْاخ ِت َ‬ ‫ريا‪َ ،‬ف َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫« َف�إِ َّن ُه َمنْ َي ِع�شْ مِ ْن ُك ْم َب ْعدِ ي َف َ�س رَ َ‬ ‫ال ًفا َك ِث ً‬ ‫ب�س َّنتِي َو ُ�س َّن ِة ا ُ‬ ‫خللَ َفا ِء ال َّرا�شِ دِ َ‬ ‫ين املَهْدِ ِّي َ‬ ‫ني‪ ،‬تمَ َ َّ�س ُكوا بهَا‪َ ،‬وع َُّ�ضوا‬ ‫ُ‬ ‫َعلَ ْيهَا بال َّنوَاجِ ذِ ‪.)8(» ...‬‬ ‫قال الإمام مالك ‪ :‬يف كلمته امل�شهورة‪« :‬ال ي�صلح �آخر هذه‬ ‫الأ َّمة �إ َّال ما �أ�صلح �أولها»‪.‬‬ ‫يتم�سك مبا كان عليه‬ ‫وبعد هذا ك ِّله‪ ،‬كيف ُين َك ُر على مَ��نْ َّ‬ ‫ال�سلف وعلى ر�أ�سهم �أهل القرون َّ‬ ‫بحبل‬ ‫متم�سك ٍ‬ ‫املف�ضلة‪ ،‬مع �أ َّنه ِّ‬ ‫َّ‬ ‫متني و�آ ٍو �إىل ركن �شديد!‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪« ::‬ال ع ْي َب على َمنْ �أَ ْظ َه َر‬ ‫انت�سب �إليه واعتَزَ ى �إليه‪ ،‬بل َي ِج ُب َق ُب ُ‬ ‫ول ذلك منه‬ ‫ال�س َل ِف َو َ‬ ‫َ‬ ‫مذهب َّ‬ ‫ال�س َل ِف َال َي ُكونُ �إ َّال َح ًّقا»(‪.)9‬‬ ‫باال ِّت َف ِاق؛ ف�إنَّ‬ ‫َ‬ ‫مذهب َّ‬ ‫و�صدق عمر بن عبد العزيز ‪ :‬حيث قال‪َ « :‬فا ْر�ضَ‬ ‫لنف�سك‬ ‫ِ‬

‫رب العاملني‪.‬‬ ‫و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل ِّ‬

‫(‪ ((1‬رواه ابن َّ‬ ‫و�ضاح يف «البدع وال َّنهي عنها» (‪ 30‬ـ ‪.)31‬‬

‫مسائل منهجية‬

‫بي ‪َ Í‬قال‪َ :‬‬ ‫ي‬ ‫وعنْ َع ْب ِد ا ِ‬ ‫«خ رْ ُ‬ ‫‪َ ‬‬ ‫هلل بن م�سعود ‪َ Ç‬ع ِن ال َّن ِّ‬ ‫ين َي ُلو َن ُه ْم ُث�� َّم ا َّلذِ َ‬ ‫ا�س َق��رْنيِ ث َّم ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي ُلو َن ُه ْم ُث�� َّم يَجِ ي ُء‬ ‫ال َّن ِ‬ ‫�أَ ْق َوا ٌم َت�سْ ِب ُق َ�شهَا َد ُة �أَ َحدِ هِ ْم يمَ ِي َن ُه وَيمَ ِي ُن ُه َ�شهَا َد َتهُ»(‪.)6‬‬ ‫فهذه تزكية من ر�سول اهلل ‪ Í‬لأهل هذه القرون ال َّثالثة‪،‬‬ ‫وهي دليل على ف�ضلهم وعل ِّو درجتهم‪ ،‬وبرها ٌن على علمهم و�صالح‬ ‫وحج ٌة على �أ َّنهم �أح ُّق �أن ُيتَّبعوا و ُيقتدى بهم‪.‬‬ ‫قلوبهم و�أعمالهم‪َّ ،‬‬

‫ال�سابقون و�إ َّنهم َعنْ ِع ْل ٍم‬ ‫ما َر ِ�ض َي به القوم لأنف�سهم‪ ،‬ف�إ َّنهم َّ‬ ‫افذ ك ُّفوا»(‪.)10‬‬ ‫َو َق ُفوا‪،‬‬ ‫وبب�صر َن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ن�س�أل اهلل ـ َّ‬ ‫ال�سالم َة والعافي َة؛ ف�إ َّنه مل ُي�ؤتَ �أح ٌد‬ ‫جل وعال ـ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫قط بعدَ اليقني � َ‬ ‫أف�ضل منهما‪ ،‬كما ن�س�أله تعاىل الهداية والتَّوفيق‬ ‫يخت�ص اهلل تعاىل بها‬ ‫يحب وير�ضى‪ ،‬ف�إنَّ الهداي َة هب ٌة ر َّبان َّي ٌة‬ ‫لمِ ا ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َمن ي�شاء من عباده‪ ،‬ف�ض ًال منه ونعم ًة‪ ،‬وهو العليم احلكيم‪ ،‬ذو‬ ‫الف�ضل العظيم‪.‬‬

‫((( رواه البخاري (‪ )2652‬وم�سلم (‪.)2533‬‬ ‫((( «الآثار» (‪.)73/5‬‬ ‫((( حديث �صحيح رواه �أحمد (‪ ،)17145‬وعنه �أبو داود (‪.)4607‬‬ ‫((( «جمموع الفتاوى» (‪.)149/4‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪31‬‬


‫سيرة وتاريخ‬

‫�سليم جموبي‬

‫طالب يف مرحلة الدكتوراه‬

‫تك َّلم بع�ض الأجن��ا���س احلاقدين من �أه��ل الإفك‬ ‫امل��ع��ا���ص��ري��ن ـ وي���دع���ى‪« :‬ي��ا���س��ر احل��ب��ي��ب» ـ يف عر�ض‬ ‫ال َّ��ط��اه��رة العفيفة‪ ,‬ا َ‬ ‫حل�����ص��ان ال���� َّرزان‪ ,‬ال�صدِّيقة بنت‬ ‫ال�صدِّيق عائ�ش َة �أ ِّم امل�ؤمنني ‪ á‬وعن �أبيها‪ ،‬وهذا‬ ‫ِّ‬ ‫املتك ِّلم مل ي�ض َّر �إ َّال نف�سه‪ ،‬ول��ن ي�ض َّر �أ َّم امل�ؤمنني �أُ ًّفا‬ ‫مما ُرميت‬ ‫وال ُت ًّفا)‪ ،(1‬كيف وقد ب َّر�أها اهلل ـ عز وجل ـ َّ‬ ‫به‪ ،‬و�أن��زل يف �ش�أنها قر�آ ًنا يتلى �إىل يوم الدِّين‪ ،‬ولك َّنه‬ ‫احلق ُد الدَّفني والبغ�ض َّ‬ ‫املبطن واملعلن من ال َّرواف�ض‬ ‫الأ َّفاكني ل�صحابة ر�سول اهلل ‪﴿ ،Ì‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫ﮑﮒﮓﮔﮕ﴾ [_‪ ]118 :‬وكيف‬ ‫يكون هذا الأ َّفاك الأثيم يا�س ًرا حبي ًبا وهو يتع َّر�ض لعر�ض‬ ‫ر�سول اهلل ‪ ،Ì‬فواهلل وباهلل وتاهلل! �إ َّنه لعا�سر بغي�ض من‬ ‫ويحب �أه��ل بيته‪،‬‬ ‫يحب ر�سول اهلل ‪،Ì‬‬ ‫ُّ‬ ‫�سني �صادق ُّ‬ ‫ك ِّل ٍّ‬ ‫ويحب �أ َّمهات امل�ؤمنني و�صحابته الكرام ‪.í‬‬ ‫ُّ‬ ‫ورحم اهلل �أبا الأ�سود الدُّ �ؤيل‪ ،‬لو مل يخرتع ال َّنقط‬ ‫على احلروف)‪ (2‬ملا ُقرئ ا�سم هذا ال َّلعني �إ َّال هكذا «نا�شز‬ ‫ُّ‬ ‫ي�ستحق‪.‬‬ ‫اخلبيث»‪ ،‬عليه من اهلل ما‬ ‫‪  ‬‬

‫((( الأف‪ :‬ال َو�سَ خُ ا َّلذي َح ْو َل ُّ‬ ‫الظ ُف ِر والتُّفُّ ا َّلذي فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬الأُ ُّف و�سَ خ الأُذن‬ ‫والتُّفُّ و�سَ خ الأَظفار‪ ،‬وقيل‪ :‬الأُ ُّف والأَ َفف ال ِق َّلة والتُّفُّ من�سوق على �أُ ّف‪،‬‬ ‫ومعناه كمعناه‪«[ .‬ل�سان العرب» (مادَّة‪� :‬أفف)]‪.‬‬ ‫((( وقيل‪� :‬أ َّول من و�ضع ذلك ن�صر بن عا�صم ال َّليثي‪ ،‬و�أ َّول من �شكل امل�صحف‬ ‫�أبو الأ�سود‪َّ ،‬ثم ع َّدل ذلك اخلليل بن �أحمد الفراهيدي؛ ف�صار ال َّنقط‬ ‫َّ‬ ‫وال�شكل على ما هو عليه بني �أيدينا اليوم‪.‬‬

‫روائ��ح الـمسك‬ ‫م����ن ف���وائ���د‬ ‫ق��ص��ة اإلف���ك‬ ‫ق�صة الإف��ك فوائد عظيمة وع�بر ج�سيمة‪� ،‬أو�صلها‬ ‫�إنَّ يف َّ‬ ‫ال�سبعني‪ ،‬وجاوز بها �آخرون املائة)‪ ،(1‬و�س�أذكر منها‬ ‫بع�ضهم �إىل َّ‬ ‫ب�إذن اهلل ما ينا�سب املقام‪.‬‬ ‫مما رماها به � ُ‬ ‫أهل الإفك‪،‬‬ ‫‪ ‬براءة � ِّأم امل�ؤمنني عائ�ش َة ‪َّ á‬‬ ‫ب�شهادة اهلل ‪ y‬لها‪ ،‬وت�سميته ما قيل فيها �إفكا‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [‪ ]11 :t‬وب��ه��ت��ا ًن��ا عظي ًما‪ ﴿ :‬ﮰ ﮱ‬ ‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬

‫ﯟ﴾ [‪ ،]16 :t‬وب�شهادة ر�سول اهلل ‪ Í‬يف قوله‪�« :‬أَ ْب�شِ ري‬ ‫َيا عَائ َِ�ش ُة! �أَ َّما اهلل َف َق ْد َب َّر�أَكِ »‪.‬‬ ‫‪ ‬من رمى � َّأم امل�ؤمنني بالفاح�شة بعد نزول هذه الآيات فهو‬ ‫كاف ٌر مرت ٌّد ب�إجماع امل�سلمني)‪(2‬؛ لأ َّنه ِّ‬ ‫مكذ ٌب هلل ور�سوله ‪.Í‬‬ ‫‪ ‬يف قول عائ�ش َة يف احلديث‪« :‬وك��ان ا َّل��ذي تولىَّ كربه عبد‬ ‫اهلل بن �أبي بن �سلول» تف�سري لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [‪.]11 :t‬‬ ‫وال َّ‬ ‫�شك �أن نا�شز اخلبيث هو ا َّلذي تولىَّ ك َرب ذلك يف هذه‬ ‫الأ َّيام‪ ،‬فله ن�صيب من هذه الآية ـ ب�إذن اهلل ـ‪ ،‬ومن قوله تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬

‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [‪� ،]23 :t‬إن مل يتداركه اهلل بالتَّوبة‬ ‫من نحلته ومذهبه‪.‬‬ ‫((( انظر مث ًال يف فوائد هذا احلديث‪« :‬فتح الباري» (‪ ،)479/8‬و«�شرح ال َّنووي على‬ ‫م�سلم» (‪.)113/17‬‬ ‫((( نق���ل الإجماع ابن كثري يف «تف�س�ي�ره»‪ ،‬وابن القي���م يف «زاد الـمعاد»‪ ،‬وال َّنووي يف‬ ‫«�شرح م�سلم»‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫‪ ‬يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ يعني‬ ‫امل�ؤمنني ويف مق َّدمتهم � ُآل �أب��ي بكر‪ ،‬واخل�ير م�ستم ٌّر �إىل يوم‬ ‫ال َّنا�س هذا‪ ،‬ومنه ظهور ف�ضل عائ�شة وا�شتها ُره وانت�شاره بني‬ ‫ال َّنا�س‪ ،‬وجتديد املح َّبة لها‪ ،‬وال��دِّ ف��ا ُع عنها وعن عر�ض ر�سول‬ ‫اهلل ‪ ،Ì‬يظهر ذل��ك م��ن خ�لال م��ا ُك��ت��ب و ُ�أل��ق��ي م��ن ق�صائد‬ ‫ومقاالت وحما�ضرات وندوات على َّ‬ ‫ال�شبكة‪ ،‬ويف القنوات‪ ،‬ومن‬ ‫افت�ضاح َّ‬ ‫الطاعن فيها واملتن ِّق�ص لها‪ ،‬هو ومن هو‬ ‫اخلري كذلك‬ ‫ُ‬ ‫خ�صو�صا بعد‬ ‫��دم اغ�ترار ال َّنا�س بهم‪،‬‬ ‫على مذهبه ونحلته‪ ،‬وع ُ‬ ‫ً‬ ‫ن�صرهم املزعوم على اليهود‪ ،‬فلي�س الفرح بهزمية اليهود ب�أوىل‬ ‫من الفرح بهزميتهم‪ ،‬بل كالهما يفرح به‪ ،‬ال�سيما وهما وجهان‬ ‫لعملة واحدة‪ ،‬ولي�س ر� ُأ�س م َّلتهم عبد اهلل بن �سب�أ �إ َّال يهود ًّيا �أظهر‬ ‫بخاف‬ ‫ال�س ِّر والعلن ٍ‬ ‫الإ�سالم ليكيد �أه َله‪ ،‬وما التَّعاون بينهم يف ِّ‬ ‫على من يفقه الواقع ويقر�أ التَّاريخ‪ ،‬وما �سقوط بغداد يف القدمي‬ ‫الظاملني َّ‬ ‫واحلديث ع َّنا ببعيد‪ ،‬فال َّلهم ا�ضرب َّ‬ ‫بالظاملني و�أخرجنا‬ ‫من بينهم �ساملني‪.‬‬ ‫‪ ‬بيان عفَّة عائ�شة وحيائها حني ر�أت �صفوان بن َّ‬ ‫املعطل‬ ‫‪ Ç‬قالت‪« :‬فخ َّمرت وجهي بجلبابي»‬ ‫‪ ‬بيان عفَّة �صفوان ‪ Ç‬وحيائه‪ ،‬فلم يزد حني ر�آها على‬ ‫�أن ا�سرتجع؛ قالت عائ�شة‪« :‬وواهلل ما ك َّلمني كلم ًة وال �سمعتُ منه‬ ‫كلم ًة غ َري ا�سرتجاعه»‪.‬‬ ‫ممن ميازح وي�ضاحك من يعرف ومن ال يعرف من‬ ‫ف�أين هذا َّ‬ ‫احتج بحجج دين َّية!‬ ‫ال ِّن�ساء‪ ،‬وربمَّ ا َّ‬ ‫‪ ‬يف قولها ل ِّأم م�سطح‪�« :‬أت�س ِّبني رج ًال قد �شهد بد ًرا» ف�ضيلة‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫لأهل بدر ومنهم م�سطح بن �أثاثة ‪ ،Ç‬وقد قال ال َّن ُّ‬

‫فلتخر�س الأق�ل�ام ال�� َّداع��ي��ة �إىل ال�� َّت��ق��ارب م��ع ال َّرواف�ض‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫بح َّجة �أنَّ ذلك ُيثري‬ ‫ال�س َّنة‪ُ ،‬‬ ‫واملخذلة ملن يدافع عن بي�ضة �أهل ُّ‬ ‫الفنت َّ‬ ‫الطائف َّية‪.‬‬ ‫ال�صحابة والقرابة هم �أ�صحاب الفنت‬ ‫‪ ‬املنتحلون ِّ‬ ‫ل�سب َّ‬ ‫ومثريوها‪ ،‬وب�سببهم ح��دث التَّف ُّرق بني امل�سلمني‪ ،‬ودليله من‬ ‫احلديث ما حدث بني الأو�س واخلزرج بح�ضرة ر�سول اهلل ‪Í‬‬ ‫ب�سبب الكالم يف � ِّأم امل�ؤمنني حتَّى ه َّد�أهم و�س َّكتهم‪.‬‬

‫((( جمع عمامة‪.‬‬

‫((( متَّفق عليه‪.‬‬

‫سيرة وتاريخ‬

‫‪ ‬يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭕ ﭖ﴾ �أي‪ :‬جماعة منكم ينت�سبون‬ ‫�إليكم‪ ،‬وه�ؤالء منهم من ُيظهر الإ�سالم ويبطن الكفر‪ ،‬ومنهم من‬ ‫هو م�ؤمنٌ ح ًّقا لك َّنه اغ َّرت بكالم املنافقني فوقع فيما وقع فيه‪ ،‬وفيه‬ ‫حتذير للم�سلمني من �أنا�س من بني جلدتنا ويتك َّلمون ب�أل�سنتنا‪،‬‬ ‫يزعمون االنت�ساب للإ�سالم‪ ،‬ويلب�سون القم�ص وال ِعمام)‪،(3‬‬ ‫والإ�سالم منهم بريء براءة عائ�شة من الإف��ك‪ ،‬وهذا البغي�ض‬ ‫منهم بال ٍّ‬ ‫�شك‪ ،‬هو و�أمثاله‪.‬‬

‫لعمر ابن َّ‬ ‫اخلطاب‪« :‬ومَا ُي ْدر َ‬ ‫ِيك َل َع َّل اهلل َّ‬ ‫اطلَ َع َعلَى �أَه��لِ َبد ٍر‬ ‫َف َقا َل‪ْ :‬اع َم ُلوا مَا �شِ ْئ ُت ْم َف ْق ْد َغ َف ْر ُت َل ُك ْم»)‪.(4‬‬ ‫وال�صالح والعفَّة َّ‬ ‫والطهارة ال ينبغي �أن‬ ‫‪ ‬من ُعرف بالتَّقوى َّ‬ ‫ُي َ�شان مبج َّرد َّ‬ ‫ال�شائعات‪ .‬ودليله من احلديث‪ ،‬قول �أ�سامة ‪:Ç‬‬ ‫«يا ر�سول اهلل هم �أهلك وال نعلم �إ َّال خ ًريا»‪ ،‬وكذا ما ذك َرته بريرة‬ ‫عن عائ�شة‪.‬‬ ‫‪ ‬البحثُ عن حال من اتُّهم ب�شيء‪ ،‬و�س� ُؤال من يعرفه حتى‬ ‫بي ‪ Í‬بريرة عن‬ ‫يتبينَّ �أم��� ُره‪ ،‬ودليله من احلديث �س�ؤال ال َّن ِّ‬ ‫وخ�صه ُ‬ ‫بع�ضهم مبن كان �أم ُره َيعنيك‪ ،‬و�إ َّال فال‪.‬‬ ‫عائ�شة‪َّ ,‬‬ ‫خا�صة �إذا كان من‬ ‫‪ ‬م�شروعية ِّ‬ ‫ذب امل�سلم عن عر�ض �أخيه َّ‬ ‫�أهل الف�ضل‪ ،‬ومنه قول عائ�شة ل ِّأم م�سطح‪� :‬أت�س ِّبني رج ًال قد �شهد‬ ‫ريا‪َ ،‬و َل َق ْد‬ ‫بد ًرا‪ ,‬وقوله ‪َ « :Í‬ف َواهلل مَا َعلِمتُ َعلَى �أَهْ لِي �إِ َّال َخ ً‬ ‫َذ َك ُروا َر ُج ً‬ ‫ريا»‪.‬‬ ‫ال مَا َعلِمتُ َعلَي ِه �إِ َّال َخ ً‬ ‫وال�صالح �أو يتَّهمهم‪ ،‬ولو‬ ‫‪ ‬كراهة من يطعن يف �أهل الف�ضل َّ‬ ‫كان من الأقربني‪ ،‬ودليله من احلديث �إنكار عائ�شة ‪ á‬دعاء‬ ‫� ِّأم م�سطح على ولدها‪.‬‬ ‫‪َّ ‬‬ ‫وعر�ض زوجاته لي�س من‬ ‫بي ‪Í‬‬ ‫ِ‬ ‫الطعن يف عر�ض ال َّن ِّ‬ ‫الأم��ور اله ِّينة ا َّلتي ُي�سكت عليها و ُيلتم�س فيها العذ ُر للمخالف‬ ‫﴿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [\‪ ،]t‬بل هو من‬ ‫الأمور العظيمة ا َّلتي تُ�ضرب دونها الأعناق‪ ،‬ودليله من احلديث‬ ‫قول �سعد بن معاذ ـ وكان �س ِّيد الأو�س ـ‪ :‬يا ر�سول اهلل! �إن كان يف‬ ‫الأو�س �ضربنا عنقه‪ ،‬و�إن كان من �إخواننا اخلزرج �أمرتنا ففعلنا‬ ‫�أمرك‪.‬‬ ‫وهذا ال َّنا�شز اخلبيث حقي ٌق ب�أن تُ�ضرب عن ُقه‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪33‬‬


‫سيرة وتاريخ‬ ‫‪34‬‬

‫ال�صحابة والقرابة من �صفات املنافقني‪ ،‬والدِّ فا ُع ع َّمن‬ ‫‪ُّ ‬‬ ‫�سب َّ‬ ‫والتما�س العذر له واملجادل ُة عنه من �صفات املنافقني‬ ‫ي�س ُّبهم‬ ‫ُ‬ ‫كذلك‪ ،‬ودليله من احلديث‪ ،‬قول �أ�سيد بن ح�ضري ‪ Ç‬ل�سعد‬ ‫«كذبت ل َعمر اهلل لنقتل َّنه‪ ،‬ف�إ َّنك منافق جتادل‬ ‫ابن عبادة ‪:Ç‬‬ ‫َ‬ ‫عن املنافقني»‪.‬‬ ‫ال�صحابة و�سادتهم‪ ،‬وهو‬ ‫و�سعد بن عبادة ‪ Ç‬من كبار َّ‬ ‫البخاري �أ َّنه �شهِ د بد ًرا‬ ‫�س ِّيد اخلزرج‪ ،‬و�شهِ د بيعة العقبة‪ ،‬و�أثبت‬ ‫ُّ‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا‪ ،‬وحا�شاه �أن يكون من املنافقني‪ ،‬ولكن كما قالت عائ�شة‪:‬‬ ‫«وكان رج ًال �صا ً‬ ‫حلا‪ ،‬ولكن اجتهلته احلم َّية»‪� ,‬أي‪� :‬أغ�ضبته‪.‬‬ ‫ال�صالح �إذا‬ ‫‪ ‬ويف قول عائ�شة ‪ á‬دلي ٌل على �أنَّ ال َّرجل َّ‬ ‫ال�صالح‪،‬‬ ‫ح�صل منه ز َّلة �أو هفوة؛ مل ُيخرجه ذلك عن ِ‬ ‫و�صف َّ‬ ‫و ُيعتذر له يف ذلك مع بيان خط ِئه‪.‬‬ ‫‪ ‬احلم َّي ُة للع�صبة �أو القرابة �أو القوم �أو الوطن توقع فيما ال‬ ‫حُتمد عقباه‪ ،‬ودليله من احلديث‪ :‬فثار احل َّيان الأو�س واخلزرج‬ ‫حتَّى ه ُّموا �أن يقتتلوا‪.‬‬ ‫‪ ‬ذ ُّم الغ�ضب؛ ف�إ َّنه ُيخرج احلليم املتَّقي �إىل ما ال يليق به‪،‬‬ ‫ال�س ْعدين و�أُ�سيد بن ح�ضري‬ ‫ودليله من احلديث ما ح�صل بني َّ‬ ‫والأو�س واخلزرج‪.‬‬ ‫يتع�صب للباطل ويدافع‬ ‫‪ ‬جواز الإغالظ يف القول على من َّ‬ ‫عن املبطلني‪ ،‬ودليله من احلديث ما ح�صل بني �أُ�سيد و�سعد بن‬ ‫بي ‪ Í‬لذلك‪.‬‬ ‫عبادة ‪ È‬وعدم �إنكار ال َّن ِّ‬ ‫الغيب على الإط�ل�اق‪ ،‬بل ال َيعلم‬ ‫بي ‪ Í‬ال َيعلم َ‬ ‫‪� ‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫منه �إ َّال ما �أطلعه اهلل عليه‪ ،‬ودليله من احلديث قوله لعائ�شة‬ ‫‪�« :á‬أَ َّم��ا َبع ُد َيا عَائ َِ�ش ُة‪َ ،‬ف���إِ َّن�� ُه َق�� ْد َبلَ َغنِي َع ْنكِ َك�� َذا َو َك َذا‪،‬‬ ‫َف�إِ ْن ُكنتِ َبرِي َئ ًة َف َ�سيُبرَ ِّ ُئكِ اهلل َو�إِن ُكنتِ �أَملَمتِ ِب َذ ْنبٍ َفا�سْ َت ْغ ِفرِي‬ ‫اهلل َو ُتوبِي �إِ َل ْيهِ»‪ ,‬فلو كان يعلم الغيب لأخرب ال َّنا�س برباءتها‪.‬‬ ‫‪ ‬من وق��ع يف مع�صية مهما ُ‬ ‫عظمت ف���إ َّن��ه يتوب �إىل اهلل‬ ‫وي�ستغفره‪ ،‬واهلل ‪َ y‬يقبل ال�� َّت��وب��ة ع��ن ع��ب��اده‪ ,‬ودل��ي��ل��ه من‬ ‫بي ‪ Í‬لعائ�شة ‪َ « :á‬و�إِن ُكنتِ �أَملَمتِ ِب َذ ْنبٍ‬ ‫احلديث قول ال َّن ِّ‬ ‫َفا�سْ َت ْغ ِف ِري اهلل َو ُتوبِي �إِ َل ْي ِه َف���إِ َّن ال َع ْب َد ِ�إ َذا ِاعْ�َتفرَ َ َف ِب َذ ْنبٍ ُث َّم‬ ‫اب اهلل َعلَ ْيهِ»‪.‬‬ ‫اب؛ َت َ‬ ‫َت َ‬ ‫بجرح �أو ُط ِعن يف عر�ضه بغري حقٍّ ‪ ،‬وكان بري ًئا‬ ‫‪ ‬من تُك ِّلم فيه ٍ‬

‫ف�صرب وف َّو�ض �أمره �إىل اهلل؛ ف�إنَّ اهلل ُيظهر ف�ضله وبراءته عند‬ ‫ال َّنا�س عاج ًال �أو �آج ًال‪ ،‬ودليله يف احلديث قول عائ�شة ‪:á‬‬ ‫«و�إنيِّ واهلل ما �أجد يل ولكم مث ً‬ ‫ال �إ َّال كما قال �أبو يو�سف‪﴿ :‬ﮊ‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [‪ ،»]18 :h‬ف�أنزل اهلل‬ ‫براءتها يف �آيات تتلى �إىل يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ ‬ف�ضيلة �أخ��رى لعائ�شة وهي توا�ضعها اجل ّ��م‪ ،‬واحتقارها‬ ‫لنف�سها يف جنب اهلل ‪ ،y‬على ال ُّرغم من عل ِّو كعبها يف الإ�سالم‬ ‫حينئذ �أعلم‬ ‫ورفع ِة مكانتها‪ ،‬ودليله من احلديث قولها‪« :‬و�أنا واهلل ٍ‬ ‫�أنيِّ بريئ ٌة و�أنَّ اهلل مربئي برباءتي ولكن واهلل ما كنت �أظنُّ �أن‬ ‫وحي يتلى و َل�شَ�أنيِ كان �أحق َر يف نف�سي من �أن‬ ‫ينزل يف �ش�أين ٌ‬ ‫يتك َّلم اهلل ‪َّ y‬يف ب�أمر يتلى»‪.‬‬ ‫‪� ‬أنَّ الواجب على امل�ؤمنني �إح�سان َّ‬ ‫الظنِّ ب�إخوانهم ال �سيما‬ ‫ال�صالح منهم‪ ،‬ودليله قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫�أهل َّ‬ ‫ﭸ ﭹ﴾ [‪.]12 :t‬‬ ‫��ال �شخ�ص ما؛‬ ‫‪ ‬من مل يعلم بتفا�صيل حادثة مع َّينة �أو ح ِ‬ ‫كف ل�سانه و� ُ‬ ‫فالواجب عليه ُّ‬ ‫إم�ساك نف�سه عن اخلو�ض فيما مل‬ ‫يتبينَّ منه‪ ،‬و�أن ال ي�شارك يف انت�شار َّ‬ ‫ال�شائعات‪ ،‬حتَّى ال يكون له‬ ‫ن�صيب من �إثم عواقبها‪ ,‬ودليله قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ‬ ‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠ‬

‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮ‬ ‫ﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ‬ ‫ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ‬

‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ﴾‬

‫[\‪.]t‬‬ ‫الكف عن الكالم واخلو�ض يف َّ‬ ‫‪ُّ ‬‬ ‫ال�شائعات ويف �أعرا�ض‬ ‫ينجي �صاح َبه‪,‬‬ ‫علم �أو ب ِّينة من الورع املحمود ا َّلذي ِّ‬ ‫ال َّنا�س بغري ٍ‬ ‫بنت جح�ش ‪ :á‬يا ر�سول اهلل‬ ‫ودليله من احلديث‪ ،‬قول زينب ِ‬ ‫�أحمي �سمعي وب�صري‪ ،‬واهلل ما علمت �إ َّال خ ًريا؛ قالت عائ�شة‪:‬‬ ‫«‪...‬فع�صمها اهلل بالورع»‪.‬‬ ‫ال�صدِّ يق ‪ Ç‬وق�� َّو ُة �إميانه ويقي ِنه‪،‬‬ ‫‪ ‬ف�ضيلة �أب��ي بكر ِّ‬ ‫ووقو ُفه عند حدود اهلل ع َّز َّ‬ ‫وجل‪ ،‬ودليله من احلديث قوله ـ ملَّا‬ ‫أحب �أن يغفر اهلل يل‪ ,‬فرجع �إىل م�سطح‬ ‫نزلت الآية ـ‪ :‬واهلل �إنيِّ ل ُّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫سيرة وتاريخ‬

‫ال َّنفقة ا َّلتي كان ينفق عليه وقال‪« :‬ال �أنزعها منه �أبدً ا»‪.‬‬ ‫ف�سبحان اهلل العظيم!! ت�ص َّور لو �أنَّ رج ًال فق ًريا تُنفق عليه‬ ‫طلب منه‪� ،‬إح�سا ًنا منك �إليه‪،‬ال تريد منه جزا ًء وال �شكو ًرا‪،‬‬ ‫بغري ٍ‬ ‫َّثم يتك َّلم يف عر�ض ابنتك ويتَّهمها ب�شيءٍ عظيم‪ ،‬و�أيِّ �شيء؟‬ ‫بفاح�شة الزِّ نى! َّثم يقال لك‪ :‬ا�ستمِ َّر يف ال َّنفقة عليه‪� ،‬أكان �أحدُنا‬ ‫يفعل ذلك؟! ولك َّنه الإميان ا َّلذي وقر يف قلب هذا ال َّرجل حتَّى‬ ‫�سمي �صدِّ ي ًقا‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫فت ًّبا لقوم اتَّخذوا �س َّبه دي ًنا يتد َّينون به‪ ،‬و�شعا ًرا يتم َّيزون‬ ‫رجل «نطقت بف�ضله الآيات والأخبار‪,‬‬ ‫به‪ ،‬كيف يكون ذلك يف ٍ‬ ‫واجتمع على بيعته املهاجرون والأن�����ص��ار‪ ,‬فيا ُمبغ�ضيه يف‬ ‫ال�صغار؛‬ ‫قلوبكم من ِذكره نار‪ ,‬ك َّلما تُليت ف�ضائله عال عليهم َّ‬ ‫�أ ُت��رى مل ي�سمع ال َّرواف�ض الكفَّار ﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬ ‫ﯔ﴾ [ ‪.]40 :e‬‬ ‫املحجة فما‬ ‫دُعي �إىل الإ�سالم فما تلعثم وال �أبى‪ ,‬و�سار على َّ‬ ‫زل وال كبا‪ ,‬و�صرب يف م َّدته من مدى العدى على وقع َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�شبا)‪,(5‬‬ ‫و�أكرث يف الإنفاق فما ق َّلل حتَّى تخ َّلل بالعبا)‪ ،(6‬تاهلل لقد زاد على‬ ‫ال�سبك يف ِّ‬ ‫كل دينار دينار ﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾‬ ‫َّ‬ ‫[‪.]40 :e‬‬ ‫بي ‪ Í‬يف �شبا ِبه؟ من ذا ا َّلذي �سبق �إىل‬ ‫من كان قرين ال َّن ِّ‬ ‫الإميان من �أ�صحا ِبه؟ من ا َّلذي �أفتى بح�ضرته �سري ًعا يف جوا ِبه؟‬ ‫من �أ َّول من �ص َّلى معه؟ ومن �آخر من �ص َّلى ِبه؟ من ا َّلذي �ضاجعه‬ ‫فاعرفوا حقَّ اجلار‪.‬‬ ‫بعد املوت يف ترا ِبه؟ ِ‬

‫خوف احل��وادث‪ ,‬فقال ال َّر�سول ما ظ ُّنك باثنني واهلل ال َّثالث‪،‬‬ ‫ال�سكينة فارتفع ُ‬ ‫خوف احلادث‪ ،‬فزال القلق وطاب َعي�ش‬ ‫فنزلت َّ‬ ‫الـماكث‪ ,‬فقام م� ِّؤذن ال َّن�صر ينادي على ر�ؤو�س منائر الأم�صار‪:‬‬ ‫﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [‪.]40 :e‬‬ ‫وبغ�ضه يد ُّل على خبث َّ‬ ‫ح ُّبه واهلل ر� ُأ�س احلنيف َّية‪ُ ,‬‬ ‫الطو َّية‪،‬‬ ‫واحلج ُة على ذلك قو َّية‪ ،‬لوال‬ ‫ال�صحابة والقرابة‪,‬‬ ‫َّ‬ ‫فهو خري َّ‬ ‫�صح ُة �إمامته م��ا ق ِبل اب��ن احلنف َّية؛ مه ًال م��ه ً‬ ‫�لا‪ ،‬ف���إنَّ دم‬ ‫َّ‬ ‫ال َّرواف�ض قد فار‪.‬‬ ‫واهلل ما �أحببناه لهوانا‪ ,‬وال نعتقد يف غ�يره ه��وان��ا‪ ,‬ولكن‬ ‫«ر�ض َيك ر�سول اهلل لديننا‪� ,‬أفال‬ ‫علي ‪ Ç‬وكفانا‪ِ :‬‬ ‫�أخذنا بقول ٍّ‬ ‫نر�ضاك لدُنيانا»‪ ،‬تاهلل لقد �أخذتَ من ال َّرواف�ض بال َّثار‪.‬‬ ‫ال�صدِّ يق علينا‪ ,‬فنحن نق�ضي مبدائحه‬ ‫تاهلل! لقد وجب ح ُّق ِّ‬ ‫ال�سنى)‪ (8‬عينا‪ ,‬فمن كان راف�ض ًّيا فال يعد‬ ‫ونق ُّر مبا نق ُّر به من َّ‬ ‫�إلينا‪ ،‬و ْليقل‪ :‬يل �أعذار»)‪.(9‬‬ ‫‪‬‬

‫ال�صحابة‬ ‫وبعدُ‪ ،‬فينبغي التَّنبيه على �أنَّ‬ ‫َ‬ ‫الواجب ذك ُر جميع َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ال�صحبة‬ ‫باخلري‬ ‫والكف ع َّما �شجر بينهم‪ ،‬ف�إنَّ لهم من �شرف ُّ‬ ‫ون�شر الدِّ ين وجبال‬ ‫وال ُّن�صرة و�شهود املغازي‬ ‫ِ‬ ‫و�صدق الإمي��ان ِ‬ ‫احل�سنات م��ا يَ��ذه ُ��ب ب��ح�� ُره ب��ال�� َّزب��د ج��ف��ا ًء‪ ،‬ر���ض��ي اهلل عنهم‬ ‫مما‬ ‫�أجمعني‪ ،‬وما تق َّدم ِذك��ره من ا�ستنباط الفوائد والأحكام َّ‬ ‫وقع بينهم؛ ال يوجب َ‬ ‫تنزيل هذه الأحكام عليهم وال التَّن ُّق�ص من‬ ‫َّ‬ ‫بفهم وا�ستيقاظ‪ ,‬و�أب��ان من ِّ‬ ‫واحلط من �أعيانهم؛ و� مَّإنا املراد ال ِعربة والعظة‪ ،‬وما‬ ‫ن�ص الكتاب �أقدارهم‪،‬‬ ‫نه�ض يوم ال�� ِّر َّدة ٍ‬ ‫معنى َّ‬ ‫دق عن حديد الأحلاظ‪,‬‬ ‫ُّ‬ ‫فاملحب يفرح بف�ضائله واملُبغ�ض زال هذا الأمر �صني َع العلماء املتقدِّ مني واملت� ِّأخرين‪ ،‬وما نحن �إ َّال‬ ‫يغتاظ‪ ،‬ح�سر ُة ال َّر ِّ‬ ‫نغرف‪.‬‬ ‫نعرف‪ ،‬ومن بحرهم ِ‬ ‫اف�ضي �أن يف َّر من جمل�س ِذك��ره‪ ,‬ولكن �أين من ِعلمهم ِ‬ ‫الفرار؟‬ ‫تي�سر يل جم ُعه‪ ،‬و�س ُهل علي �إخراجه‪ ،‬ويف احلديث‬ ‫هذا ما َّ‬ ‫كم وقى ال َّر َ‬ ‫أخ�ص به يف حياته‬ ‫�سول ‪ Í‬باملال وال َّنف�س‪ ,‬وكان � َّ‬ ‫ف��وائ��د و ُد َرر‪ ،‬تذكر يف منا�سبات �أُخَ���ر‪ ،‬و�أ���س���أل اهلل يل ولكم‬ ‫وهو �ضجيعه يف ال َّرم�س)‪ ،(7‬ف�ضائله جل َّية وهي خل َّية عن ال َّلب�س؛‬ ‫ي�صرف عن امل�سلمني‬ ‫الإخ�لا���ص يف ال َّنوافل والفرائ�ض‪ ،‬و�أن ِ‬ ‫يا عج ًبا! من ِّ‬ ‫يغطي عني �ضو ِء َّ‬ ‫ال�شم�س يف ن�صف ال َّنهار‪.‬‬ ‫ال�صحابة و�آل البيت الأطهار‪،‬‬ ‫كيدَ ال َّرواف�ض‪ ،‬و�أن يرزقنا َّ‬ ‫حب َّ‬ ‫ال�صدِّ يق من‬ ‫لقد دخ�لا غ��ا ًرا ال َي�سكنه الب��ث‪ ,‬فا�ستوح�ش ِّ‬ ‫ويدخ َلنا اجل َّنة ويج َرينا من ال َّنار‪.‬‬ ‫((( َّ‬ ‫ال�سيف وحدُّه‪«[ .‬ل�سان العرب» (مادَّة‪� :‬شبا)]‪.‬‬ ‫ال�شبا‪ :‬جمع �شباة‪ :‬طرف َّ‬ ‫((( العبا‪� :‬أ�صلها العباء‪� ،‬أي الك�ساء‪ ،‬واملراد حتَّى �أتاه املوت فجعل يف الكفن‪.‬‬ ‫((( ال ِّرم�س‪ :‬القرب‪.‬‬

‫ال�سنى‪� :‬ضوء ال َّنار والربق‪.‬‬ ‫((( َّ‬ ‫((( من «الفوائد» البن القيم (‪ 84‬ـ ‪.)85‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪35‬‬


‫تزكية وآداب‬

‫التقوى‬

‫حقيقتها‪ ،‬وأهميتها وثمراتها‬ ‫عبد الغني عـو�سـات‬ ‫تقوى اهلل �أن يجعل العبد بينه وبني ما يخافه ويحذره وقاي ًة تقيه منه‪ ,‬وال يت�أ َّتى‬ ‫له ذلك �إ َّال بفعل الأوامر واجتناب ال َّنواهي‪ ,‬وحقيقة ذلك ك ِّله يف العمل بطاعة اهلل‬ ‫�إميا ًنا واحت�سا ًبا‪� ,‬أم ًرا ونه ًيا‪ ,‬فيفعل ما �أمر اهلل به �إميا ًنا ب�أمره وت�صدي ًقا بوعده‪,‬‬ ‫ويرتك ما نهى اهلل عنه �إميا ًنا بال َّنهي وخو ًفا من وعيده‬ ‫كل �شيءٍ وجماع ِّ‬ ‫�إنَّ التَّقوى ر�أ���س ِّ‬ ‫كل‬ ‫خ ٍري‪ ,‬وهي غاية الدِّ ين وو�ص َّية اهلل تعاىل‬ ‫لل َّنا�س �أجمعني؛ الأ َّولني منهم والآخرين‪,‬‬ ‫ق��ال اهلل ت��ع��اىل‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬

‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾‬

‫[`‪.]131 :‬‬ ‫وه��ي �أعظم و�ص َّي ٍة للعباد وخ�ير زاد‬ ‫بي ‪ Í‬لأ َّمته‪,‬‬ ‫ليوم املعاد‪ ,‬وهي و�ص َّية ال َّن ِّ‬ ‫ال�س ْم ِع‬ ‫و�صي ُك ْم ب َت ْق َوى ا ِ‬ ‫قال ‪�« :Í‬أُ ِ‬ ‫هلل َو َّ‬ ‫َوال َّ‬ ‫���ط���اعَ���ةِ‪ )1(»...‬فقد ك��ان ‪ Í‬كث ًريا ما‬ ‫يو�صي بها يف خطبه ومواعظه‪.‬‬ ‫وكان �إذا بعث �أم ًريا على �سر َّية �أو�صاه‬ ‫خا�صة نف�سه بتقوى اهلل ومبن معه من‬ ‫يف َّ‬ ‫امل�سلمني خ ًريا(‪.)2‬‬ ‫ال�صالح يتوا�صون بها‬ ‫ال�سلف َّ‬ ‫ومل يزل َّ‬ ‫وال�صاحلني‪,‬‬ ‫كاخللفاء ال َّرا�شدين والأمراء َّ‬ ‫مت�سكهم بها متي ًنا‪ ،‬وتوا�صيهم بها‬ ‫فكان ُّ‬ ‫ال�سلمي‪ ,‬رواه‬ ‫((( جزء من حديث العربا�ض بن �سارية ُّ‬ ‫�أبو داود (‪ ,)4607‬رِّ‬ ‫والتمذي (‪ ،)2676‬وقال‪:‬‬ ‫«حديث ح�سن �صحيح»‪.‬‬ ‫((( �أخرجه م�سلم (‪ )1731‬من حديث بريدة ‪.Ç‬‬

‫‪36‬‬

‫مبي ًنا‪ ,‬وا�ست�صحابهم �إ َّياها معي ًنا‪ ,‬وكانوا‬ ‫يجعلونها ن�صب �أعينهم‪ ,‬وميزان �أقوالهم‬ ‫و�أفعالهم يف ِّ‬ ‫كل جمال�سهم ومواقفهم‪.‬‬ ‫ال�سلف �إىل � ٍأخ له‪� :‬أو�صيك‬ ‫«كتب رج ٌل من َّ‬ ‫بتقوى اهلل؛ ف�إ َّنها �أكرم ما �أ�سررت‪ ،‬و�أزين‬ ‫ما �أظهرت‪ ،‬و�أف�ضل ما ا َّدخرت‪� ,‬أعاننا اهلل‬ ‫و�إ َّياك عليها‪ ,‬و�أوجب لنا ولك ثوابها»(‪.)3‬‬ ‫لذلك كانت و�ص َّيته ‪ Í‬ملعاذ بن جبل‬ ‫‪Ç‬بتقوى اهلل وجعلها م�ستغرق ًة ِّ‬ ‫لكل‬ ‫�أحواله وم�ستح�ضرة يف ِّ‬ ‫كل �ش�ؤونه فقال له‬ ‫‪ِ « :Í‬ا َّتقِ َ‬ ‫اهلل َح ْي ُث َما ُكنْتَ » �أي‪ :‬اتَّقه يف‬ ‫خلوتك وجلوتك‪ ,‬يف من�شطك ومكرهك‪,‬‬ ‫وح ِّلك وترحالك‪ ,‬ويف ر�ضاك وغ�ضبك‪,‬‬ ‫و�ش َّدتك ورخائك‪ ,‬فهي دليل احل��ذر من‬ ‫ال�ش ِّر‪ ,‬و�سبيل َّ‬ ‫َّ‬ ‫الظفر باخلري‪.‬‬ ‫ذك��ر احل��اف��ظ اب��ن رج��ب ‪ :‬نقو ًال‬ ‫كثرية يف كتابه «جامع العلوم واحلكم»‬ ‫ال�سلف بالتَّقوى ورعايتَهم لها‬ ‫تُظهر عناي َة َّ‬ ‫وروايتَهم فيها ودرايتَهم بها‪.‬‬

‫‪ ‬حقيقتها ‪‬‬ ‫ومم���ا روي وذك���ر عنهم يف تعريف‬ ‫َّ‬ ‫وخوا�صها وبيان �أ�صلها‬ ‫حقيقة التَّقوى‬ ‫ِّ‬ ‫وحدِّ ها ـ وهي كثرية ـ(‪:)4‬‬ ‫قول عمر بن عبد العزيز ‪« ::‬لي�س‬ ‫تقوى اهلل ب�صيام ال َّنهار وال بقيام الليل‬ ‫والتَّخليط فيما بني ذلك‪ ,‬ولكن تقوى اهلل‬ ‫ُ‬ ‫ترك ما ح َّرم اهلل‪ ،‬و�أداء ما افرت�ض اهلل»‪.‬‬ ‫وعلى ه��ذا تكون تقوى اهلل �أن يجعل‬ ‫العبد بينه وبني ما يخافه ويحذره وقاي ًة‬ ‫تقيه م��ن��ه‪ ,‬وال ي��ت���أ َّت��ى ل��ه ذل��ك �إ َّال بفعل‬

‫((( راجع «جامع العلوم واحلكم» البن رجب (‪.)158‬‬

‫((( انظر «جامع العلوم واحلكم» (‪ 168‬ـ ‪.)171‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫ومما قيل كذلك يف حقيقة التَّقوى‪ ,‬ما‬ ‫َّ‬ ‫قاله طلق بن حبيب ‪ :‬ـ ملَّا كانت فتنة‬ ‫ابن الأ�شعث ـ‪�« :‬إذا وقعت الفتنة فادفعوها‬ ‫بالتَّقوى؛ قالوا‪ :‬وما التَّقوى؟ قال‪� :‬أن تعمل‬ ‫بطاعة اهلل على نو ٍر من اهلل ترجو ثواب‬ ‫اهلل و�أن ترتك مع�صية اهلل على نو ٍر من‬ ‫اهلل تخاف عقاب اهلل»(‪.)7‬‬ ‫((( «ال ِّر�سالة التَّبوك َّية» البن الق ِّيم (‪.)43‬‬ ‫((( انظر «جامع العلوم واحلكم» البن رجب (‪.)170‬‬ ‫((( �أخر ج���ه اب���ن املب���ارك يف «ال ُّز ه���د» ( ‪,)1054‬‬ ‫وه َّن���اد بن ال�س���ري يف «ال ُّز ه���د» ( ‪ ,)522‬وابن‬ ‫�أبي �ش���يبة يف «امل�ص َّنف» ( ‪ ,)32 /11‬و�أبو نعيم‬ ‫يف «احللي���ة» ( ‪.)64 /3‬‬

‫قال ابن الق ِّيم‪« :‬وهذا من �أح�سن ما‬ ‫قيل يف حدِّ التَّقوى»(‪.)8‬‬ ‫وقال احلافظ َّ‬ ‫الذهبي مع ِّل ًقا على قول‬ ‫طلق يف التَّقوى‪�« :‬أبدع و�أوجز‪ ,‬فال تقوى �إ َّال‬ ‫ٍ‬ ‫بعمل‪ ،‬وال عمل �إ َّال برت ٍّو من العلم واال ِّتباع‪ ,‬وال‬ ‫ينفع ذلك �إ َّال بالإخال�ص هلل‪ ,‬ال ليقال فالن‬ ‫ت ٌ‬ ‫��ارك للمعا�صي بنور الفقه‪� ,‬إذ املعا�صي‬ ‫يفتقر اجتنابها �إىل معرفتها‪ ,‬ويكون رَّ‬ ‫التك‬ ‫خو ًفا من اهلل‪ ,‬ال ليمدح برتكها؛ فمن داوم‬ ‫على هذه الو�ص َّية فقد فاز»(‪.)9‬‬ ‫عمل‬ ‫وقال ابن الق ِّيم كذلك‪« :‬ف�إنَّ ك َّل ٍ‬ ‫الب�� َّد له من مبد�إ وغاية فال يكون العمل‬ ‫ط��اع�� ًة وق��رب�� ًة ح�� َّت��ى ي��ك��ون م�����ص��دره عن‬ ‫الإمي��ان‪ ,‬فيكون الباعث عليه هو الإميان‬ ‫املح�ض ال ال��ع��ادة وال ال��ه��وى‪ ،‬وال طلب‬ ‫املحمدة واجل��اه وغ�ير ذل��ك‪ ,‬بل الب�� َّد �أن‬ ‫ثواب‬ ‫يكون مبد�ؤه حم�ضَ الإميان وغايتُه َ‬ ‫اهلل وابتغاء مر�ضاته وهو االحت�ساب»(‪.)10‬‬ ‫وم���ن خ�ل�ال ه���ذا ال�� َّت��ع��ري��ف والبيان‬ ‫حلقيقة ال�� َّت��ق��وى تظهر عظمة �ش�أنها يف‬ ‫حياة الإن�سان وعل ُّو منزلتها عند الواحد‬ ‫ال َّد َّيان‪ ،‬و�أ َّنها امليزان لتفا�ضل ال َّنا�س كما‬ ‫ن�ص القر�آن‪ ,‬ولذلك كان مق ُّرها يف الإن�سان‬ ‫َّ‬ ‫القلب‪ ,‬ا َّلذي هو �أعظم ع�ض ٍو يف الإن�سان‪,‬‬ ‫وا َّل��ذي عليه م��دار �صالح �سائر الأع�ضاء‬ ‫والأرك����ان حيث ب�صالحه ي�صلح اجل�سد‬ ‫كلُّه‪ ,‬وبف�ساده يف�سد اجل�سد كلُّه كما جاء‬ ‫من قوله ‪�« :Í‬أَ َال َو�إِ َّن ِيف ا َ‬ ‫جل َ�سدِ مُ�ض َغ ًة‬ ‫�إِ َذا َ�صلَ َحتْ َ�صلَ َح ا َ‬ ‫جل َ�س ُد ُك ُّل ُه َو�إِ َذا َف َ�س َدتْ‬ ‫َف َ�س َد ا َ‬ ‫لب»(‪.)11‬‬ ‫جل َ�س ُد ُك ُّل ُه �أَ َال َوهِ َي ال َق ُ‬

‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [\®]‪ ,‬قال‬ ‫ابن الق ِّيم‪« :‬وكلمة التَّقوى هي الكلمة ا َّلتي‬ ‫يتَّقى اهلل بها‪ ,‬و�أعلى �أنواع هذه الكلمة هي‬ ‫قول‪« :‬ال �إله �إ َّال اهلل»‪َّ ,‬ثم ك ُّل كلم ٍة ُيتَّقى اهلل‬ ‫بها بعدها فهي من كلمة التَّقوى»(‪.)14‬‬

‫((( «ال ِّر�سالة التَّبوك َّية» (‪.)45‬‬ ‫((( «�سري �أعالم ال ُّنبالء» (‪.)601/4‬‬ ‫(‪« ((1‬ال ِّر�سالة التَّبوك َّية» (‪.)45‬‬ ‫(‪�« ((1‬صحيح البخاري» (‪ )52‬و«�صحيح م�سلم» (‪.)1599‬‬

‫(‪� ((1‬أخرجه م�سلم (‪.)2564‬‬ ‫(‪�« ((1‬صحيح م�سلم» (‪.)2564‬‬ ‫(‪ ((1‬انظر‪َّ :‬‬ ‫«ال�ضوء املنري على التَّف�سري» (‪،)403/5‬‬ ‫«�شفاء العليل» (�ص‪.)60‬‬

‫تزكية وآداب‬

‫الأوام��ر واجتناب ال َّنواهي‪ ,‬وحقيقة ذلك‬ ‫ك ِّله يف العمل بطاعة اهلل �إميا ًنا واحت�سا ًبا‪,‬‬ ‫�أم�� ًرا ونه ًيا‪ ,‬فيفعل ما �أمر اهلل به �إميا ًنا‬ ‫ب�أمره وت�صدي ًقا بوعده‪ ,‬ويرتك ما نهى اهلل‬ ‫عنه �إميا ًنا بال َّنهي وخو ًفا من وعيده»(‪.)5‬‬ ‫وقال احل�سن الب�صري ‪« ::‬املتَّقون‬ ‫اتَّقوا ما ح َّرم اهلل عليهم و�أ َّدوا ما افرت�ض‬ ‫اهلل عليهم»(‪.)6‬‬

‫و�أ�شار ‪َ Í‬لـ َّما حت َّدث عن التَّقوى �إىل‬ ‫�صدره ثالث م َّرات(‪ ,)12‬وي�ؤ ِّيد ذلك وي�ؤ ِّكده‬ ‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [\‪.]r‬‬ ‫وق���ال ‪�« :Í‬إِ َّن اهلل َال َي��ن ُْ��ظ�� ُر ِ�إ ىَل‬ ‫� ُ���ص��� َو ِر ُك��� ْم َو�أَمْ��� َوالِ��� ُك��� ْم َو َل���كِ���نْ َي��ن ُ��ظ�� ُر �إِ ىَل‬ ‫ُق ُلوب ُك ْم َو�أَع َما ِل ُك ْم»(‪.)13‬‬ ‫و�إذا كان حم ُّل التَّقوى القلب ف�إ َّنه ال‬ ‫َّ‬ ‫يطلع على حقيقتها �إ َّال اهلل تعاىل ا َّلذي هو‬ ‫ع َّ‬ ‫�لام الغيوب‪ ,‬قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﯝ ﯞ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [\‪.]³‬‬ ‫و�إنَّ التَّقوى من �أعظم املطالب و�أكرم‬ ‫املكا�سب‪ ,‬و�صاحبها يف �أعلى املراتب‪ ,‬وهي‬ ‫أهم َّية عظمى يف حياة العبد امل�ؤمن‪.‬‬ ‫ذات � ِّ‬ ‫‪ ‬أهميتها ‪‬‬ ‫أهميتها وي�ؤ ِّيد القول‬ ‫و�إنَّ َّ‬ ‫مما يد ُّل على � ِّ‬ ‫بعظم قدرها وعموم �أثرها ما يلي‪:‬‬ ‫‪ ‬ك��ون��ه��ا ـ ال�� َّت��ق��وى ـ ُو���س��م��ت بكلمة‬ ‫و�سميت بها‪ :‬قال‬ ‫التَّوحيد والإخ�لا���ص ِّ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬ ‫ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ‬ ‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪37‬‬


‫تزكية وآداب‬ ‫وق����ال جم��اه��د ب��ن ج�ب�ر‪�« :‬إنَّ كلمة‬ ‫التَّقوى الإخال�ص»(‪.)15‬‬ ‫‪ ‬وه��ي كذلك ميزان التَّفا�ضل بني‬ ‫ال َّنا�س وع��ن��وان �أه��ل الإك���رام والإع���زاز‪,‬‬ ‫ق���ال ت��ع��اىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬ ‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ‬

‫ﮋ﴾ [\¯]‪ ,‬وما يف هذه الآية يد ُّلك‬ ‫على �أنَّ التَّقوى هي املراعى عند اهلل وعند‬ ‫ر�سوله ‪ Í‬دون احل�سب وال َّن�سب‪.‬‬ ‫‪ ‬هي ميزان الأعمال وميزة ح�سنها‬ ‫وبرهان قبولها وعنوانها و�شعار �أهلها‪,‬‬ ‫ق���ال ت���ع���اىل‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ﮞ﴾ [\‪ ,]a‬قال ابن الق ِّيم ‪::‬‬ ‫«و�أح�سن ما قيل يف تف�سري الآية‪� :‬أ َّنه � مَّإنا‬ ‫يتق َّبل اهلل عمل من اتَّقاه يف هذا العمل‪,‬‬ ‫وتقواه فيه �أن يكون لوجهه على موافقة‬ ‫�أمره‪ ,‬وهذا � مَّإنا يح�صل بالعلم‪ ,‬و�إذا كان‬ ‫هذا منزلة العلم وموقعه ُع ِلم �أ َّنه �أ�شرف‬ ‫(‪« ((1‬تف�س�ي�ر القرطب���ي» ( ‪ ,)691 /16‬وقال علي بن‬ ‫�أب���ي طلحة عن اب���ن ع َّبا�س ‪ :È‬قوله تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﮢ ﮣ ﮤ﴾ بق���ول �ش���هادة �أن ال‬ ‫�إله �إلأَّ اهلل وهي ر�أ�س ِّ‬ ‫كل تقوى‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫وكانت و�ص َّي ًة عظيمة َّ‬ ‫أهم َّية ملا‬ ‫�شيءٍ و�أجلُّه و�أف�ضله»(‪.)16‬‬ ‫ال�ش�أن وال ِّ‬ ‫‪ ‬وه���ي و���ص�� َّي��ة الأنبياء �أو�صى اهلل تعاىل بها ك َّل الرب َّية‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬ ‫لأقوامهم‪ ,‬فكانت حمتوى ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ب���ي���ان���ه���م وم��ق��ت�����ض��ى ﮧﮨﮩﮪ﴾ [`‪.]131 :‬‬ ‫أهميته���ا وعظمتها‬ ‫نبي‬ ‫‪ ‬وتتج َّل���ى كذلك � ِّ‬ ‫خطابهم‪ ,‬فما من ٍّ‬ ‫�أر�سله اهلل �إ َّال �أو�صى لـ َّم���ا �أم���ر اهلل تع���اىل خلق���ه بعبادت���ه‬ ‫ق����وم����ه ب���ت���ق���وى اهلل لتحقيقه���ا‪ ,‬فال َّتق���وى ثم���ر ٌة للعب���ادة‪,‬‬ ‫ومم���ا جاء يف‬ ‫تعاىل‪ ,‬و�أ َّكد يف الو�ص َّية والعب���اد ُة و�س���يل ٌة لل َّتق���وى‪َّ ,‬‬ ‫ذل���ك من البيان م���ا ورد ذكره يف القر�آن‬ ‫أهم َّية‪.‬‬ ‫ملا لها من ال ِّ‬ ‫ف��ب��ه��ا �أو����ص���ى ن����و ٌح ‪ º‬م���ن قول���ه تع���اىل‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ق��ومَ��ه‪ ,‬ق��ال ت��ع��اىل‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [\‪ ,]v‬وعليها ﮦ ﮧ﴾ [\^]‪ ,‬وقول���ه تع���اىل يف‬ ‫ال�ص���يام و�أ َّنه من �أكرب �أ�س���باب التَّقوى‬ ‫قامت ودام��ت و�ص َّي ُة غ�يره من الأنبياء �آية ِّ‬ ‫وامل��ر���س��ل�ين‪ ,‬ق��ال ت��ع��اىل عنهم‪﴿ :‬ﮥ ﮦ حيث قال تع���اىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [\‪ ,]v‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫وق���ال ت��ع��اىل‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [\^]‪.‬‬ ‫وك��ذا �أو���ص��ى اهلل تعاىل بالتزام �أمره‬ ‫ﭸ ﭹ﴾ [\‪ ,]v‬وق��ال تعاىل‪:‬‬ ‫وال�سري يف طريقه وعدم‬ ‫﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ وع��دم مع�صيته َّ‬ ‫[\‪ ,]v‬وهكذا ا�ستم َّرت الو�ص َّية بها احليدة عنه‪ ,‬وبذلك يح ِّقق العبد التَّقوى‪,‬‬ ‫بي وه���ي مقت�ضى ت��ل��ك ال��و���ص�� َّي��ة ح��ي��ث قال‬ ‫ـ من قبل الأنبياء ـ جميعهم‪ ,‬وزادها ال َّن ُّ‬ ‫حم َّم ٌد ‪ Í‬بيا ًنا لعظيم �ش�أنها وت�أكيدً ا تعاىل‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬ ‫أهميتها‪.‬‬ ‫على � ِّ‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾‬ ‫أهم َّية‬ ‫‪َّ ‬‬ ‫ومم���ا ي���د ُّل ك��ذل��ك ع��ل��ى � ِّ‬ ‫التَّقوى �أمر اهلل لعباده عام ًة بالتَّح ِّلي بها [\‪.]b‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ ‬ثمارها ‪‬‬ ‫خا�صة حيث �أمرهم‬ ‫و�أ َّكد ذلك للم�ؤمنني َّ‬ ‫ومما جاء يف ذلك من‬ ‫�إنَّ اهلل تعاىل �أكرم �أهل التَّقوى ف�أ�سبغ‬ ‫بتقواه حقَّ تقاته‪َّ ,‬‬ ‫الأد َّل����ة ق��ول��ه ت��ع��اىل‪﴿ :‬ﯔ ﯕﯖ عليهم ثما ًرا وف�ضائل كثرية وعظيم ًة ب�سبب‬ ‫ﯗ﴾ [\‪ ,]s‬وق��ول��ه ت��ع��اىل‪﴿ :‬ﮘ التَّقوى‪ ,‬وجعل فوائدها ومنافعها كثري ًة‬ ‫ﮙﮚ﴾ [\‪ ,]¤‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭤ وعميم ًة يف حياتهم ال ُّدنيا‪ ,‬وكذا يف الآخرة‪.‬‬ ‫وهذه ال ِّثمار كثرية ال حت�صى وغزيرة‬ ‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬ ‫ال ت�ستق�صى‪ ,‬فهي �أك�ثر من �أن حت�صر‬ ‫ﭯﭰ﴾ [\_]‪.‬‬ ‫و�أ�شهر من �أن تذكر‪ ,‬فنذكر منها ما ح�ضر‬ ‫ال�سعادة» (‪.)82/1‬‬ ‫(‪« ((1‬مفتاح دار َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ‬ ‫ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬

‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫ﭙﭚﭛ ﭜﭝﭞ‬

‫[\¸]‪ ,‬وقال‬

‫ﭟﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥ‬

‫التَّقوى �سب ًبا لك َِّل ع�سر» راجع َّ‬ ‫«ال�ضوء املنري على‬ ‫التَّف�سري» (‪.)625/5‬‬ ‫(‪ ((1‬البن الفاكهاين ر�سالة لطيفة جمع فيها بع�ض‬ ‫املف�سرين يف هذه الآية‪ ,‬وو�سمها بـ ‪«:‬الغاية‬ ‫�أقوال ِّ‬ ‫الق�صوى يف الكالم على �آية التَّقوى»‪.‬‬

‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ‬

‫ﯠ ﯡ ﯢ﴾‬

‫(‪)17‬‬

‫تعاىل‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭦ ﭧ﴾ [\‪.]f‬‬ ‫فك ُّل من كان تق ًّيا كان هلل ول ًّيا‪ ,‬ومن‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [‪.]29 :d‬‬ ‫‪� ‬أنَّ اهلل تعاىل يجعل للمتَّقي من كان عن التَّقوى متخ ِّل ًيا مل يكن هلل ول ًّيا‬ ‫ك ِّ���ل ه ٍّ���م ف��� َر ًج���ا‪ ,‬وم���ن ك ِّ���ل ���ض��ي ٍ��ق �سع ًة ول��و ك��ان بال َّدعوى متح ِّل ًيا‪ ,‬ق��ال تعاىل‪:‬‬ ‫��رج��ا‪ ,‬وم��ن ك ِّ��ل ب�لاءٍ عاقبة‪ ,‬ومنها ﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫وخم ً‬ ‫أي�ضا حت�صيل ال ِّرزق له‪ ,‬وتي�سري الأمور ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾‬ ‫� ً‬ ‫عليه‪ ,‬ق��ال تعاىل‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ [\‪.]d‬‬ ‫(‪)18‬‬ ‫‪ ‬بالتَّقوى ي��ن��ال العبد حم�� َّب��ة اهلل‪,‬‬ ‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾‬ ‫[\‪ ,]À‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ويكون اهلل معه‪ ,‬ق��ال �سبحانه‪﴿ :‬ﮣ ﮤ‬ ‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [\‪ ,]À‬ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [\‪ ,]e‬وق���ال‬ ‫خمرجا تعاىل‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫قال ال َّربيع بن خثيم‪« :‬يجعل له‬ ‫ً‬ ‫من ِّ‬ ‫ﮟ﴾ [\^]‪.‬‬ ‫كل ما �ضاق على ال َّنا�س»‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬قال ابن الق ِّيم ‪ :‬يف تف�سري هذه الآية‪�« :‬ضمن‬ ‫‪ ‬جن��اة العبد من ال َّنار بعد الورود‬ ‫اهلل تعاىل لهم بالتَّقوى ثالثة �أمور‪:‬‬ ‫َّقي عليها‬ ‫�أحدها‪� :‬أعطاهم ن�صيبني من رحمته؛ ن�صي ًبا عليها يوم القيامة بحيث يرد الت ُّ‬ ‫يف الدُّنيا‪ ,‬ون�صي ًبا يف الآخرة‪,‬‬ ‫ن�صيبني‪.‬وقد ي�ضاعف لهم ورودًا ينجو به من عذابها‪ ,‬بينما َّ‬ ‫الظاملون‬ ‫ن�صيب الآخرة في�صري‬ ‫ال َّثاين‪� :‬أعطاهم نو ًرا مي�شون به يف ُّ‬ ‫الظلمات‪.‬‬ ‫يردونها ورودًا ي�صريون جث ًّيا فيها ب�سبب‬ ‫ال َّثالث‪ :‬مغفرة ذنوبهم‪ ,‬وهذه غاية التَّي�سري‪ ,‬فقد‬ ‫ُّ‬ ‫الظلم‪ ,‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫جعل اهلل تعاىل التَّقوى �سب ًبا ِّ‬ ‫لكل ي�سر‪ ,‬وترك‬

‫تزكية وآداب‬

‫الذكر ال احل�صر‪ ,‬تذكر ًة ِّ‬ ‫على �سبيل ِّ‬ ‫لكل‬ ‫م َّدكر ومعترب‪ ,‬ونذكر من ثمرات التَّقوى‬ ‫ما يلي‪:‬‬ ‫‪� ‬أنَّ �صاحبها ي��و ِّف��ق��ه اهلل تعاىل‬ ‫ل��ت��ح�����ص��ي��ل ال��ع��ل��م ال��� َّن���اف���ع‪ ,‬وي��ج��ع��ل له‬ ‫ب�سببها نو ًرا يهتدي به يف ظلمات اجلهل‬ ‫َّ‬ ‫وال�ضالل‪ ،‬ويرزقه ب�صري ًة وفرقا ًنا مي ِّيز‬ ‫به بني احل��قِّ والباطل‪ ,‬واخل�ير َّ‬ ‫وال�ش ِّر‪,‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫�سبب كونه من ورثة ج َّنة‬ ‫‪ ‬تكفري ���س�� ِّي��ئ��ات امل�� َّت��ق��ي‪ ,‬وتعظيم‬ ‫‪� ‬أ َّنها تكون َ‬ ‫�أج���وره‪ ,‬وم�ضاعفة ح�سناته ول��و مع ي�سر ال َّنعيم‪ ,‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬ ‫عمله‪ ,‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾ [\‪.]o‬‬ ‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [\‪.]À‬‬ ‫‪ ‬ح�صول العاقبة احل�سنة َّ‬ ‫والط ِّيبة‬ ‫قال ابن كثري‪�« :‬أي يذهب عنه املحذور‪,‬‬ ‫لهم يف ال ُّدنيا والآخ��رة‪ ﴿ :‬ﯴ ﯵ‬ ‫َّ‬ ‫ويجزل له الثواب على العمل الي�سري‪ .»...‬ﯶ﴾ [\‪.]x‬‬ ‫‪ ‬نيل والية اهلل تعاىل ا َّلتي ال تنال �إ َّال‬ ‫و�إنَّ ث��م��ار ال�� َّت��ق��وى ك��ث�يرة وغ��زي��رة‪,‬‬ ‫بطاعته وخ�شيته �سبحانه‪ ,‬وحت�صل له بها ومتن ِّوعة متعدِّ ية‪ ,‬ال ميكن ذكرها وح�صرها‬ ‫الب�شرى يف ال ُّدنيا والآخ��رة‪ ,‬قال تعاىل‪ :‬يف هذا املقال‪.‬‬ ‫و� مَّإنا ذكرنا بع�ضها على �سبيل املثال‬ ‫حتَّى يح�سن بها االمتثال في�سعد �صاحبها‬ ‫يف احل��ال وامل���آل‪َ ,‬‬ ‫واهلل ن�س�أل �أن يرزقنا‬ ‫التَّقوى يف ِّ‬ ‫كل الأحوال‪.‬‬

‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾‬

‫[\‪.]o‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪39‬‬


‫فتاوى شرعية‬

‫�أ‪ .‬د‪ .‬حممد علي فركو�س‬ ‫�أ�ستاذ بكلية العلوم الإ�سالمية بجامعة اجلزائر‬

‫يف حكم �صالة اجلنازة‬ ‫يف �أوقات الكراهة‬ ‫ال�سـ�ؤال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫عامر ‪� Ç‬أ َّنه قال‪َ « :‬ث َ‬ ‫ال ُث َ�ساعَاتٍ‬ ‫جاء يف ِ‬ ‫حديث عقب َة ِبن ٍ‬ ‫َكا َن َر ُ�س ُ‬ ‫هلل ‪َ Í‬ي ْنهَا َنا �أَ ْن ُن َ�ص ِّل َي فِيهِنَّ �أَ ْو �أَ ْن َنقْبرُ َ فِيهِنَّ‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ني َت ْط ُل ُع َّ‬ ‫ال�ش ْم ُ�س َبا ِز َغ ًة َح َّتى َت ْر َت ِف َع‪َ ،‬وحِ َ‬ ‫َم ْو َتا َنا‪ :‬حِ َ‬ ‫ني َي ُقو ُم‬ ‫َقا ِئ ُم َّ‬ ‫�ين َت َ�ض َّي ُف َّ‬ ‫ري ِة َح َّتى تمَ ِي َل َّ‬ ‫ال�ش ْم ُ�س‪َ ،‬وحِ َ‬ ‫ال�ش ْم ُ�س‬ ‫الظ ِه َ‬ ‫ِل ْل ُغ ُروبِ َح َّتى َت ْغ ُر َب»(‪.)1‬‬ ‫أوقات؟‬ ‫فهل ت�ص ُّح �صال ُة اجلناز ِة يف هذه ال ِ‬ ‫اجلـواب‪:‬‬ ‫الم على َمنْ �أر�سله‬ ‫احلم ُد هلل ِّ‬ ‫وال�س ُ‬ ‫رب العاملني‪َّ ،‬‬ ‫وال�صال ُة َّ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل رحم ًة للعاملني‪ ،‬وعلى �آله و�صَ ْح ِب ِه و�إخوا ِنه �إىل يوم الدِّ ين‪،‬‬ ‫�أ َّما بعد‪:‬‬ ‫وغ�ي�ره ِمنَ‬ ‫�����ص�لا ِة يف ه��ذا احل��دي ِ��ث ِ‬ ‫ُ‬ ‫فعموم ال�� َّن��ه ِ��ي ع ِ��ن ال َّ‬ ‫أوقات الكراه ِة حممو ٌل على‬ ‫ال ِ‬ ‫ال�صال ِة يف � ِ‬ ‫أحاديث ال َّناهي ِة ِ‬ ‫عن َّ‬ ‫أ�سباب‬ ‫ال�صلواتُ ذواتُ ال ِ‬ ‫�صال ِة التَّط ُّو ِع ا َّلتي ال �سبب لها‪� ،‬أ َّما َّ‬ ‫الفجر و�س َّن ِة‬ ‫الفجر بعد‬ ‫فل ك�س َّن ِة‬ ‫كق�ضا ِء‬ ‫الفرائ�ض �أو ِ‬ ‫فوائت ال َّن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫الك�سوف وركعت َِي‬ ‫امل�سجد و�صال ِة‬ ‫الع�صر‪ ،‬وكذا حت َّي ِة‬ ‫هر بعد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الظ ِ‬ ‫َّ‬ ‫عموم‬ ‫واف وغ ِريها ِمن ِ‬ ‫الط ِ‬ ‫ذوات ال ِ‬ ‫أ�سباب‪ ،‬ف�إ َّنها ُخ َّ�ص ْت ِمن ِ‬ ‫((( �أخرجه م�سلم (‪.)831‬‬

‫‪40‬‬

‫ال�صال ِة لأد َّل ٍة د َّل ْت عليها‪ُ ،‬‬ ‫مثل قو ِله ‪َ « :Í‬منْ َن�سِ َي‬ ‫هي ِ‬ ‫عن َّ‬ ‫ال َّن ِ‬ ‫َ�ص َ‬ ‫ال ًة �أَ ْو َنا َم َع ْنهَا َف َك َّفا َر ُتهَا �أَ ْن ُي َ�ص ِّليهَا ِ�إ َذا َذ َك َرهَا»(‪َ ،)2‬و َق ْو ِله ‪:Í‬‬ ‫«�إِ َذا د َ​َخ�� َل �أَ َح�� ُد ُك�� ُم املَ�سْ جِ َد َف َ‬ ‫ال َي ْجل ِْ�س َح َّتى َي ْر َك َع َر ْك َع َتينْ ِ»(‪،)3‬‬ ‫اف َال تمَْ َن ُعوا �أَ َحدًا َط َ‬ ‫وقو ِله ‪َ « :Í‬يا َبنِي َع ْبدِ َم َن ٍ‬ ‫اف ِب َه َذا ال َب ْيتِ‬ ‫َو َ�ص َّلى �أَ َّية َ�سا َع ٍة َ�شا َء مِ نْ َل ْيلٍ َ�أ ْو َنهَارٍ»(‪ ،)4‬ونح ِوها ِمنَ الأد َّل ِة‪.‬‬ ‫أ�سباب‪ ،‬والإجما ُع منعق ٌد‬ ‫و�صال ُة اجلناز ِة معدود ٌة ِمن ِ‬ ‫ذوات ال ِ‬ ‫على جوا ِز �أدا ِئها يف ِّ‬ ‫والع�صر‪.‬‬ ‫ال�ص ِبح‬ ‫كل ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫أوقات مبا يف ذلك بعد ُّ‬ ‫قال ابنُ قدام َة ‪« ::‬قال ابنُ املنذرِ‪� :‬إجما ُع امل�سلمني يف‬ ‫ال�صال ُة عليها‬ ‫ال�صال ِة على اجلناز ِة بعد‬ ‫ِ‬ ‫الع�صر ُّ‬ ‫وال�ص ِبح‪ ،‬و�أ َّما َّ‬ ‫َّ‬ ‫عامر فال يجوز»(‪.)5‬‬ ‫أوقات ال َّثالث ِة ا َّلتي يف ِ‬ ‫يف ال ِ‬ ‫حديث عقب َة ِبن ٍ‬ ‫قلتُ ‪ :‬و� مَّإنا الكراه ُة فيما �إذا كان يتح َّرى ـ عمدً ا ـ �صالتَها‬ ‫بخالف ما �إذا ح�صل اتَّفا ًقا؛ فال كراه َة يف‬ ‫أوقات ال َّثالث ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يف ال ِ‬ ‫بيان‬ ‫أوقات(‪ ،)6‬قال ابنُ تيم َّي َة ‪ :‬يف َم ْع ِر ِ�ض ِ‬ ‫عموم ال ِ‬ ‫�أدا ِئها يف ِ‬ ‫عامر ‪�« :Ç‬صال ُة اجلناز ِة ال ُت ْك َر ُه يف هذا‬ ‫ِ‬ ‫حديث عقب َة ِبن ٍ‬ ‫أوقات‬ ‫ِ‬ ‫فن �إىل هذه ال ِ‬ ‫الوقت بالإجما ِع‪ ،‬و� مَّإنا معناه تع ُّم ُد ت�أخ ِري ال َّد ِ‬ ‫الع�صر �إىل ا�صفرا ِر َّ‬ ‫م�س بال‬ ‫كما ُي ْك َر ُه تع ُّم ُد ت�أخ ِري �صال ِة‬ ‫ال�ش ِ‬ ‫ِ‬ ‫أوقات بال تع ُّم ٍد فال ُي ْك َر ُه»(‪،)7‬‬ ‫عذرٍ‪ ،‬ف�أ َّما �إذا وقع الدَّفنُ يف هذه ال ِ‬ ‫هلل تعاىل‪.‬‬ ‫والعلم عند ا ِ‬ ‫ُ‬ ‫أن�س بن مالك ‪.Ç‬‬ ‫((( �أخرجه البخاري (‪ ،)597‬وم�سلم (‪ )684‬وال َّلفظ له‪ ،‬من حديث � ِ‬ ‫((( �أخرجه البخاري (‪ ،)1167‬وم�سلم (‪ ،)714‬من حديث �أبي قتادة الأن�صاري ‪.Ç‬‬ ‫((( �أخرجه رِّ‬ ‫التمذي (‪ ،)868‬وال َّن�سائي (‪ ،)585‬من حديث جبري بن مطعم ‪،Ç‬‬ ‫�صححه الألبا ُّ‬ ‫ين يف «الإرواء» (‪.)481‬‬ ‫واحلديث َّ‬ ‫((( «املغني» البن قدامة (‪.)110/2‬‬ ‫((( «املجموع» لل َّنووي (‪.)213/5‬‬ ‫للبعلي (‪.)82‬‬ ‫((( «االختيارات الفقه َّية من فتاوى ابن تيم َّية» ِّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ب�صرف ال ُّنقو ِد حيث‬ ‫بائن‬ ‫ِ‬ ‫هل يجوز �أن �أتعام َل مع ِ‬ ‫بع�ض ال َّز ِ‬ ‫وجد عندي �سوى (‪750‬دج) يف‬ ‫ُيعطونني (‪1000‬دج) وال ُي َ‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬فيقول يل ال َّز ُ‬ ‫بون‪« :‬هاتِ ما عندك مِ ن مالٍ ‪،‬‬ ‫ني»‪.‬‬ ‫والباقي �أعود �إليه قري ًبا �أو بعد ح ٍ‬ ‫فهل جتوز مث ُل هذه املعاملةِ؟‬ ‫اجلواب‪:‬‬ ‫بع�ض ال ُعمل ِة وت� ُ‬ ‫االفرتاق ولو‬ ‫البع�ض ال َآخ ِر بعد‬ ‫أجيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا�ستالم ِ‬ ‫ُ‬ ‫العقد‪،‬‬ ‫�شرعا ـ النتفا ِء التَّقا ُب ِ�ض يف‬ ‫جمل�س ِ‬ ‫بزمن ي�س ٍري ال يجوز ـ ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وهو ٌ‬ ‫رف‪ ،‬وال ُ‬ ‫إخ�لال به ُي�صيرِّ العقدَ ربو ًّيا‬ ‫ال�ص ِ‬ ‫�شرط يف عمل َّي ِة َّ‬ ‫بن�ص قو ِله ‪َ « :Í‬و َال َت ِبي ُعوا مِ ْنهَا َغا ِئ ًبا‬ ‫ِمنْ ِر َبا البيو ِع املح َّر ِم ِّ‬ ‫ِب َناجِ زٍ»(‪ ،)8‬وقو ِله ‪...« :Í‬مِ ْث ً‬ ‫ب�س َواءٍ‪َ ،‬ي��دًا ب َيدٍ ‪،‬‬ ‫ال ِ‬ ‫مب ْثلٍ ‪�َ ،‬س َوا ًء َ‬ ‫َف����إِ َذا ْاخ َتلَ َفتْ هَ��ذِ ِه ا َلأ���صْ�� َن ُ‬ ‫��اف َف ِبي ُعوا َك ْي َف �شِ ْئ ُت ْم ِ�إ َذا َك��ا َن َيدًا‬ ‫ِب َيدٍ »(‪ ،)9‬ولقو ِله ‪« :Í‬ال َّذه َُب بال َّذهَبِ ِر ًب��ا �إِ َّال هَ��ا َء َوهَ���اءَ»(‪،)10‬‬ ‫واحد‬ ‫ي�ستلم ك ُّل ٍ‬ ‫لذلك ال يجوز للمت�صا ِرفَينْ �أن يتف َّرقا �إ َّال بعد �أن َ‬ ‫هلل تعاىل‪.‬‬ ‫رف كام ًال‪،‬‬ ‫والعلم عند ا ِ‬ ‫ال�ص ِ‬ ‫ُ‬ ‫منهما مبل َغ َّ‬ ‫((( �أخرجه البخاري (‪ ،)2177‬وم�سلم (‪ ،)1584‬من حديث �أبي �سعيد اخلدري ‪.Ç‬‬ ‫ال�صامت ‪.Ç‬‬ ‫((( �أخرجه م�سلم (‪ ،)1587‬من حديث عبادة بن َّ‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2134‬من حديث عمر بن َّ‬ ‫اخلطاب ‪ ،Ç‬و�أخرجه م�سلم‬ ‫(‪ )1586‬بلفظ‪« :‬ال َور ُِق بِال َّذهَبِ ِربًا �إِ َّال هَا َء َوهَاءَ»‪.‬‬

‫ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ب�س ِّم ال َّنحل ِة عل ًما �أ َّن العال َج بها ي�ؤدِّي �إىل‬ ‫هل يجوز ال َّتداوي ُ‬ ‫هي ال َّنبويُّ عن قتلِ ال َّنحلِ؟‬ ‫قتلِها‪ ،‬وقد ورد ال َّن ُ‬ ‫وجزاك ُم ُ‬ ‫ريا‪.‬‬ ‫اهلل خ ً‬ ‫اجلواب‪:‬‬ ‫وب�سم ال َّنحل ِة‬ ‫عموما‪ِّ ،‬‬ ‫بال�س ِّم ً‬ ‫ُ‬ ‫حكم التَّداوي ُّ‬ ‫املقام يقت�ضي بيانَ ِ‬ ‫هي عن قت ِلها‪.‬‬ ‫خ�صو�صا ِ‬ ‫ً‬ ‫ملكان ال َّن ِ‬ ‫عموما له فعال َّيتُه‬ ‫ف�إذا � ِ‬ ‫بال�س ِّم ً‬ ‫أثبتت التَّجار ُِب �أنَّ التَّدا ِوي ُّ‬ ‫وغلبت‬ ‫وكانت احلاج ُة �إليه ُم ِل َّح ًة‪،‬‬ ‫املر�ض‪،‬‬ ‫عالج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجناعتُه يف ِ‬ ‫��وال‬ ‫��ص��ح �أق ِ‬ ‫ال�سالم ُة ِم��ن �أث ِ‬ ‫َ���ره‪ ،‬ف���إ َّن��ه يجوز ال�� َّت��داوي به على �أ� ِّ‬ ‫َّ‬ ‫��ون َّ‬ ‫ال�ش َّرين‪ ،‬وهو‬ ‫العلماءِ؛ عم ًال ب�أعلى امل�صلحتني‪ ،‬ودف ًعا لأه ِ‬ ‫مذهب جمهو ِر العلما ِء(‪.)11‬‬ ‫ُ‬ ‫و�س ُّم ال َّنحل ِة ـ و�إن مل يكن ُم ِ�ض ًّرا �أو قات ًال يف جمل ِته ـ �إ َّال �أنَّ‬ ‫ُ‬ ‫حل‪،‬‬ ‫أحوال ـ قد َي ُ�ض ُّر بمَِ ن لهم ح�سا�س َّي ٌة لل َّن ِ‬ ‫بع�ض ال ِ‬ ‫العالج به ـ يف ِ‬ ‫َ‬ ‫القلب َّ‬ ‫وال�شراي ِني‪ ،‬ومر�ضى الق�صو ِر ال ُك َل ِويِّ وت�ش ُّم ِع‬ ‫وكذا مر�ضى ِ‬ ‫الك ِب ِد‪ ،‬وقد َي ُ�ض ُّر ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ �إذا ما زِيدَ عن حدِّ ه املعينَّ ِ ‪.‬‬ ‫الهالك‬ ‫عموما �إن كان ي�ؤدِّي �إىل‬ ‫ِ‬ ‫بال�س ِّم ً‬ ‫ُ‬ ‫واملعلوم �أنَّ التَّدا ِو َي ُّ‬ ‫كل ًّيا �أو غال ًبا؛ ف�إ َّنه يمُ ْ َنع منه لقو ِله تعاىل‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [\`]‪ ،‬وقو ِله تعاىل‪﴿ :‬ﮤ ﮥ‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [^‪ ،]195 :‬وقو ِله ‪َ « :Í‬و َم���نْ حَ َ‬ ‫ت َّ�سى ُ�س ًّما‬ ‫َف َق َت َل َن ْف َ�س ُه َف ُ�س ُّم ُه يف يَدِ ِه َي َت َح َّ�سا ُه يف َنا ِر َج َه َّن َم َخا ِلدًا مخُ َ َّلدًا‬ ‫فِيهَا �أَ َبدًا»(‪.)12‬‬ ‫ا�س‬ ‫قتل ال َّنحل ِة يف‬ ‫ِ‬ ‫هي عن ِ‬ ‫ابن ع َّب ٍ‬ ‫حديث ِ‬ ‫هذا؛ وقد ورد ال َّن ُ‬ ‫‪ È‬قال‪َ « :‬ن َهى َر ُ�س ُ‬ ‫اب‪:‬‬ ‫ول ا ِ‬ ‫هلل ‪َ Í‬عنْ َقت ِْل �أَ ْرب ٍَ��ع ِمنَ ال َّد َو ِّ‬ ‫ال�ص َر ِد»(‪ ،)13‬وذلك لمَِا يف قت ِلها ِمنْ‬ ‫ال َّن ْم َل ِة َوال َّن ْح َل ِة َوال ُه ْدهُ ِد َو ُّ‬

‫فتاوى شرعية‬

‫يف حكم‬ ‫ت�أجيل التقاب�ض يف �صرف العمالت‬

‫يف ال َّتداوي ب�س ِّم ال َّنحلة‬

‫لل�شافعي (‪« ،)115/3‬املجموع» لل َّنووي (‪َّ ،)37/9‬‬ ‫(‪ ((1‬انظر‪« :‬الأم» َّ‬ ‫«ك�شاف القناع»‬ ‫للبهوتي (‪�« ،)76/2‬شرح الزُّرقاين على خمت�صر خليل» (‪« ،)27/3‬حا�شية‬ ‫ال َّرو�ض املربع» لل َّنجدي (‪.)8/3‬‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5779‬وم�سلم (‪ ،)109‬من حديث �أبي هريرة ‪.Ç‬‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه �أحمد (‪ ،)3066‬و�أبو داود (‪ ،)5267‬من حديث ابن عبا�س ‪,È‬‬ ‫و�صح َحه الألباين يف «الإرواء» (‪.)2490‬‬ ‫َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪41‬‬


‫فتاوى شرعية‬

‫كالع�سل َّ‬ ‫وال�شم ِع ونح ِوهما‪ ،‬وقت ُلها بغ ِري‬ ‫وحرمان خ ٍري‬ ‫مال‬ ‫ِ‬ ‫�إ�ضاع ِة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بعموم قو ِله تعاىل‪﴿ :‬ﮁ‬ ‫وج ِه حقٍّ يندرج يف الإف�سا ِد ا َمل ْنهِ ِّي عنه ِ‬ ‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬

‫ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [\^]‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وال يخفى �أنَّ ما نهى َّ‬ ‫م�شروط مبا �إذا مل َي ْ�ص ُد ْر‬ ‫ال�شر ُع عن قت ِله‬ ‫منه �أذىً �أو �ضر ٌر‪ ،‬ف�إنْ ح�صل منه اعتدا ٌء �أو �أذىً َّ‬ ‫حل قت ُله؛ لأنَّ‬ ‫َّ‬ ‫وواجب دف ُعه �أو �إزالتُه؛ لقو ِله ‪َ « :Í‬ال َ�ض َر َر‬ ‫�شرعا‬ ‫ال�ضر َر َم ْن ِف ٌّي ً‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫هلل ‪Í‬‬ ‫َو َال ِ�ض َرا َر»(‪،)14‬‬ ‫وحلديث �أبي هرير َة ‪� Ç‬أنَّ‬ ‫ِ‬ ‫ر�سول ا ِ‬ ‫قال‪َ « :‬ن َز َل َن ِب ٌّي مِ َن الأَ ْن ِب َيا ِء تحَْتَ َ�ش َج َر ٍة َفلَ َد َغ ْت ُه مَْ‬ ‫نلَ ٌة‪َ ،‬ف�أَ َم َر‬ ‫ب َِجهَا ِز ِه َف�أُ ْخ ِر َج مِ نْ حَْ‬ ‫ت ِتهَا ُث َّم �أَ َم َر ِب َب ْي ِتهَا َف�أُ ْح ِر َق بِال َّنارِ‪َ ،‬ف�أَ ْو َحى‬ ‫ُ‬ ‫اهلل ِ�إ َل��يْ��هِ‪َ :‬ف َه َّ‬ ‫ال مَْ‬ ‫نلَ ًة َواحِ ���� َد ًة»(‪ ،)15‬و�إنمَّ��ا عاتبه على كو ِنه �أخذ‬

‫الربي َء بغ ِري الربيءِ‪ ،‬وغ ُري الربي ِء ا َّلذي ال يندفع �أذاه و�ضر ُره‬ ‫هي ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ ما لو ترتَّب على‬ ‫�إ َّال‬ ‫ِ‬ ‫بالقتل يجوز قت ُله‪ ،‬ويخرج ِمنَ ال َّن ِ‬ ‫حل دون تع ُّم ٍد؛ فهو ُ‬ ‫فر ِز‬ ‫الع�سل حتقُّقُ ِ‬ ‫بع�ض ال َّن ِ‬ ‫ِ‬ ‫موت ِ‬ ‫قتل خط�إٍ‬ ‫الق�صد �إليه‪.‬‬ ‫لعدم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويندرج ـ � ً‬ ‫هي ما �إذا ثبت �أنَّ‬ ‫أي�ضا ـ ِ�ض ْمنَ هذه امل�ستث َن ِ‬ ‫يات ِمنَ ال َّن ِ‬ ‫ف�س‬ ‫ب�س ِّم ال َّنحل ِة هو الو�سيل ُة ال َّناجع ُة الوحيد ُة ِ‬ ‫حلفظ ال َّن ِ‬ ‫التَّدا ِو َي ُ‬ ‫العالج به �إىل �أ َّي ِة َم�ضَ َّر ٍة‬ ‫البدن‪ ،‬ومل ُي�ؤَ ِّد‬ ‫بع�ض �أع�ضا ِء ِ‬ ‫�أو ِ‬ ‫حفظ ِ‬ ‫ُ‬ ‫خمت�ص �أو مرا ِق ٍب ط ِّب ٍّي؛ ف�إنَّ َّ‬ ‫ال�شريع َة‬ ‫إ�شراف‬ ‫�أو ته ُل َك ٍة محُ ت َم َل ٍة ب� ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ب�س ِّم ال َّنحل ِة ول ِو انتهى‬ ‫بقواعدها العا َّم ِة تق�ضي بجوا ِز‬ ‫ِ‬ ‫العالج ُ‬ ‫ِ‬ ‫لل�ضرور ِة العالج َّي ِة �أ َّو ًال‪ ،‬وعم ًال ب� َأخ ِّف َّ‬ ‫الأم ُر �إىل مو ِتها َّ‬ ‫ال�ضررين‬

‫يف حكم‬ ‫البيع ب�شرط الإعفاء من َّ‬ ‫ال�ضمان‬ ‫ال�سـ�ؤال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫�أملك حم ًّ‬ ‫ال�س َّياراتِ ‪ ،‬منها قط ٌع كهربائ َّي ٌة‪،‬‬ ‫ال لبي ِع قط ِع غيا ِر َّ‬ ‫وهذه يف غالبِ الأحوالِ ن�شرتيها مِ نْ �أ�صحابِ اجلمل ِة بدونِ‬ ‫ح�سا�سةٍ‪ ،‬حيث �إ َّنها‬ ‫�ضمانٍ ؛ وذل��ك لأ َّن ه��ذه القط َع ج��دُّ َّ‬ ‫خا�ص ًة‬ ‫عن العملِ ملج َّر ِد خط�إٍ �صغ ٍ‬ ‫تتو َّقف ِ‬ ‫ري يف تركي ِبها‪َّ ،‬‬ ‫ميكانيكي لي�س له خرب ٌة ج ِّيد ٌة‪ ،‬كذلك تتو َّقف �إذا‬ ‫�إذا ر َّكبها‬ ‫ٌّ‬ ‫وقع ٌ‬ ‫خلل يف غيا ٍر � َآخ َر له �صل ٌة به‪ ،‬فهل يجوز بي ُعها بدونِ‬ ‫�ضمانٍ ؟ عل ًما �أ َّن ال َّزبو َن ي�شرتيها م�ضط ًّرا ومكرهًا على‬ ‫مثلِ هذا البي ِع‪ ،‬وجزاكم ُ‬ ‫ريا‪.‬‬ ‫اهلل خ ً‬

‫وال�سالم ِة �أك َم ُل و� َ‬ ‫أعظ ُم‬ ‫و� ْأه َو ِن املف�سدتني‪ ،‬ولأنَّ م�صلح َة العافي ِة َّ‬ ‫اجلواب‪:‬‬ ‫اجتناب مف�سد ِة املح َّر ِم‪ ،‬ونظ ُري هذه امل�س�أل ِة � ُ‬ ‫إنقاذ حيا ِة‬ ‫ِم ِ��ن‬ ‫ِ‬ ‫العيب‬ ‫�إذا ا�شرتط البائ ُع على امل�شرتي �إعفا َءه ِمنْ‬ ‫ِ‬ ‫�ضمان ِ‬ ‫املوت �إذا َل ِز َم � ُ‬ ‫نفخ ال ُّر ِوح فيه ـ‬ ‫احلامل ِمنَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إ�سقاط جني ِنها ولو بعد ِ‬ ‫عيوب يف املبي ِع‪،‬‬ ‫وبراءتَه ِمن م�س�ؤول َّي ِته ع َّما ميكن �أن يظه َر ِمنْ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أرج ِح ال ِ‬ ‫أقوال و�أ�صَ ِّحها ـ‪ ،‬عل ًما �أنَّ هذه ال َ‬ ‫على � َ‬ ‫أحكام يجب �ضبطها وبنا ًء على �سالم ِة املبي ِع َّ‬ ‫الظاهر ِة َق ِب َل امل�شرتي بهذا َّ‬ ‫رط‪َّ ،‬ثم‬ ‫ال�ش ِ‬ ‫بقواعد احلاج ِة َّ‬ ‫والعلم عند اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫وال�ضرور ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫انتقال امللك َّي ِة �إىل‬ ‫رب �ساب ٌق للبي ِع قبل‬ ‫ِ‬ ‫عيب قد ٌ‬ ‫ظهر فيه ٌ‬ ‫مي معت ٌ‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2340‬و�أحمد (‪)2865‬؛ من حديث ابن ع َّبا�س ‪ .È‬امل�شرتي �أو عند انتقا ِلها كحدٍّ �أق�صى‪ ،‬ف�إنْ كان البائ ُع �س ِّي َئ ال ِّن َّي ِة‬ ‫�صححه الألباين يف «الإرواء» (‪.)408/3‬‬ ‫واحلديث َّ‬ ‫بالعيب و ُيخفيه فال ي�ص ُّح ُ‬ ‫عيب َع ِل َمه‪،‬‬ ‫البخاري (‪ ،)3319‬وم�سلم (‪ ،)2241‬من حديث �أبي هريرة ‪ .Ç‬يعلم‬ ‫�شرط ال�براء ِة ِمنْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه‬ ‫‪42‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫فتاوى شرعية‬

‫ويبقى َّ‬ ‫ال�ضمانُ على عهد ِة البائ ِع يف ر ِّد قيم ِة املبي ِع؛ لأ َّنه مد ِّل ٌ�س‬ ‫يدخل حتت َّ‬ ‫هي الوارد يف قو ِله ‪« :Í‬املُ�سْ ِل ُم �أَ ُخو املُ�سْ ل ِ​ِم‬ ‫الذ ِّم وال َّن ِ‬ ‫َو َال يَحِ ُّل لمِ ُ�سْ ل ٍِم َب��ا َع مِ ��نْ َ�أخِ ي ِه َب ْي ًعا فِي ِه َع ْي ٌب �إِ َّال َب َّي َن ُه َلهُ»(‪،)16‬‬ ‫ويف قو ِله ‪َ « :Í‬منْ َغ َّ�ش َفلَ ْي َ�س مِ َّنا»(‪ ،)17‬وعليه فال ي�سقط عنه‬ ‫َّ‬ ‫ال�ضمانُ �إ َّال �إذا �أعفاه امل�شرتي منه‪ ،‬وبهذا قال اجلمهو ُر‪ ،‬وهو‬ ‫مالك َّ‬ ‫أحناف‬ ‫مذهب ٍ‬ ‫افعي ورواي ٌة عن �أحمدَ (‪ ،)18‬خال ًفا لل ِ‬ ‫ُ‬ ‫وال�ش ِّ‬ ‫ب�شرط الرباء ِة ِمنْ ِّ‬ ‫عيب مطل ًقا‬ ‫ف�إ َّنه ي�ص ُّح البي ُع ـ عندهم ـ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بالعيب �أو جاه ًال به(‪.)19‬‬ ‫�سواء كان البائ ُع عالمِ ًا‬ ‫ِ‬ ‫بالعيب في�ص ُّح عند‬ ‫�أ َّما �إذا كان البائ ُع َح�سَ نَ ال ِّن َّي ِة‪� ،‬أي ال يعلم‬ ‫ِ‬ ‫مالك ويف رواية عن �أحمدَ ‪ ،‬وهو ُ‬ ‫قول َّ‬ ‫خا�ص ًة‪،‬‬ ‫افعي يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫احليوان َّ‬ ‫ال�ش ِّ‬ ‫لعدم ارتكا ِبه ال َّ��ذ َّم‪ ،‬ومت ُّهد عذرِه يف ذلك‪ ،‬وبهذا ق�ضى عثمانُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ِ Ç‬لـ َما روى ٌ‬ ‫هلل بنَ ُع َم َر َبا َع ُغ َال ًما َل ُه‬ ‫«ع ْبدَ ا ِ‬ ‫مالك وغ ُريه �أنَّ َ‬ ‫هلل ِبن‬ ‫ب َث َم مِانِا َئ ِة ِد ْرهَ ٍم‪َ ،‬و َب َاع ُه بالبرَ​َ ا َء ِة‪َ ،‬ف َق َال ا َّل ِذي ا ْبت َ​َاع ُه ِل َع ْب ِد ا ِ‬ ‫ُع َم َر‪« :‬بال ُغ َال ِم دَا ٌء لمَ ْ ُت�سَ ِّم ِه يِل»‪ ،‬فَاخْ َت�صَ َما �إِلىَ ُع ْث َمانَ ِبن َع َّفانَ ‪،‬‬ ‫رب‬ ‫هلل تعاىل‪ ،‬و�آخ��� ُر دع��وان��ا � ِأن احلم ُد ِ‬ ‫والعلم عند ا ِ‬ ‫هلل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫هلل‪ :‬العاملني‪ ،‬و�صَ َّلى ُ‬ ‫َف َق َال ال َّر ُج ُل‪َ « :‬ب َاع ِني َع ْبدً ا َو ِب ِه دَا ٌء لمَ ْ ُي�سَ ِّم ِه»‪َ ،‬و َق َال َع ْب ُد ا ِ‬ ‫اهلل على نب ِّينا حم َّم ٍد وعلى �آله و�صحبه و�إخوا ِنه‬ ‫« ِب ْع ُت ُه ِبا ْلبرَ​َ ا َء ِة»‪َ ،‬ف َق�ضَ ى ُع ْث َمانُ بنُ َع َّفانَ َع َلى َع ْب ِد ا ِ‬ ‫هلل ِبن ُع َم َر �إىل يوم الدِّ ين‪ ،‬و�سَ َّلم ت�سلي ًما‪.‬‬ ‫هلل �أَنْ‬ ‫�أَنْ َي ْح ِل َف َل ُه َل َق ْد َب َاع ُه ال َع ْبدَ َو َما ب ِه دَا ٌء َي ْع َل ُمهُ‪ ،‬ف َ​َ�أ َبى َع ْب ُد ا ِ‬ ‫هلل َب ْعدَ َذ ِل َك ب�أَ ْل ٍف‬ ‫َي ْح ِل َف َوا ْرتجَ​َ َع ال َع ْبدَ ‪َ ،‬ف�صَ َّح ِع ْندَ ُه َف َب َاع ُه َعب ُد ا ِ‬ ‫َو َخ ْم ِ�سمِ ا َئ ِة ِد ْرهَ ٍم»(‪.)20‬‬ ‫العيب‬ ‫حيح املختا ُر �أ َّنه ال ترب�أ ذ َّم ُة البائ ِع ِمنْ‬ ‫ِ‬ ‫�ضمان ِ‬ ‫وال�ص ُ‬ ‫َّ‬ ‫يعلم؛‬ ‫مطل ًقا و�أنَّ �ش ْر َطه يقع الغ ًيا(‪� ،)21‬سواء َع ِل َم به البائ ُع �أو مل ْ‬ ‫ْ‬ ‫ب�شرط‬ ‫ي�سقط‬ ‫العقد ف َل ْم‬ ‫�شرعا‬ ‫مبطلق ِ‬ ‫ِ‬ ‫لأنَّ خيا َر ِ‬ ‫العيب ثبت ً‬ ‫ِ‬ ‫�شرط ال�براء ِة ِمنْ ِّ‬ ‫عيب خط ًرا وغر ًرا‪،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫إ�سقاط‪ ،‬ولأنَّ يف ِ‬ ‫ال ِ‬ ‫�صح نه ُيه ‪ Í‬عن الغر ِر(‪ ،)22‬وعليه‬ ‫وهما منتفيان ً‬ ‫�شرعا‪ ،‬وقد َّ‬ ‫ُ‬ ‫فال ي�ص ُّح ُ‬ ‫و�شرطه ال ُيف ِْ�س ُد البي َع‪،‬‬ ‫العيوب‪،‬‬ ‫�شرط ال�براء ِة ِمنَ‬ ‫ِ‬

‫إم�ساك وال�� َّردِّ‪� ،‬أ َّم��ا ق�ضا ُء‬ ‫ويبقى للم�شرتي ح ُّق اخليا ِر بني ال ِ‬ ‫فقد خالفه ابنُ ُع َم َر ‪ُ ،È‬‬ ‫حابي‬ ‫عثمانَ ‪ْ Ç‬‬ ‫وقول َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬ ‫وخا�ص ًة �إذا عار�ضتْه �س َّن ٌة ثابت ٌة تنهى‬ ‫املخا َل ِف ال يبقى ُح َّج ًة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫عن املخاطر ِة والغررِ‪.‬‬ ‫املعلوم‬ ‫اخلفي �أو غ ِري‬ ‫العيب‬ ‫وتقري ُر هذا‬ ‫اجلواب � مَّإنا هو يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫العيب َّ‬ ‫انتقال امللك َّي ِة فال يخ�ضع‬ ‫الظاه ُر و ْق َت‬ ‫ِ‬ ‫ِمنَ امل�شرتي‪� ،‬أ َّما ُ‬ ‫ل�ضمان البائ ِع �إذا مل َي ْع رَ ِت ْ�ض عليه امل�شرتي و ْق َت �شرا ِئه له‪ِ ،‬ومنْ‬ ‫ِ‬ ‫بالعيب و َر ِ�ض َيه‪ ،‬واتَّفق مع البائ ِع‬ ‫باب �أَ ْولىَ �إذا كان امل�شرتي يعلم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إ�سقاط َّ‬ ‫العيب عند امل�شرتي‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫ال�ض ِ‬ ‫على � ِ‬ ‫مان عليه‪� ،‬أو وقع ُ‬ ‫ال�ص َو ِر ـ ُيعفى ِمنْ م�س�ؤول َّي ِة ر ِّد قيم ِة املبي ِع‪.‬‬ ‫البائ َع ـ يف هذه ُّ‬ ‫َ‬ ‫العيب املعتبرَ ِ هو ما تنق�ص ب�سب ِبه قيم ُة‬ ‫عل ًما �أنَّ‬ ‫�ضابط ِ‬ ‫عرف الت َُّّجا ِر‬ ‫تنق�ص به عي ُنه‪ ،‬ويرجع تقدي ُره �إىل ِ‬ ‫املبي ِع عاد ًة �أو ُ‬ ‫املعتبرَ ين‪.‬‬

‫(‪� ((1‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2246‬واحلاكم (‪ ،)10/2‬من حديث عقبة بن عامر‬ ‫�صححه الألباين يف «الإرواء» (‪.)1321‬‬ ‫‪ ،Ç‬واحلديث َّ‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه رِّ‬ ‫التمذي (‪ ،)1315‬من حديث �أبي هريرة ‪ ،Ç‬و�أخرجه م�سلم‬ ‫(‪ )102‬بلفظ‪«َ :‬منْ َغ َّ�ش َف َل ْي َ�س مِ ِّني»‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬انظر‪« :‬املغني» البن قدامة (‪« ،)197/4‬حا�شية الدُّ�سوقي» (‪« ،)123/4‬القوانني‬ ‫الفقه َّية» البن ُجزَ ي (‪« ،)256‬مغني املحتاج» ّ‬ ‫لل�شربيني (‪�« ،)53/2‬شرح‬ ‫الزَّرك�شي على خمت�صر اخلرقي» (‪.)597 /3‬‬ ‫ال�صنائع» للكا�ساين (‪.)256/5‬‬ ‫(‪ ((1‬انظر‪« :‬بدائع َّ‬ ‫«ال�سنن الكربى» (‪ ،)328/5‬والأثر‬ ‫(‪� ((2‬أخرجه مالك (‪ ،)613/2‬والبيهقي يف ُّ‬ ‫�صححه الألباين يف «الإرواء» (‪.)263/8‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ ((2‬انظر‪« :‬املغني» البن قدامة (‪.)197/4‬‬ ‫(‪� ((2‬أخرجه م�سلم (‪ ،)1513‬و�أحمد (‪ )937‬من حديث �أبي هريرة ‪.Ç‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪43‬‬


‫سير األعالم‬

‫ُ‬ ‫نـابغـة األغــواط‪...‬‬

‫َّ‬ ‫العالمة الشيخ أبو بكر احلاج عيسى‬ ‫�سمري �سمراد‬ ‫* امسه ونسبه ومولده‪:‬‬ ‫هو �أبو بكر بن بلقا�سم احلاج عي�سى‪ ،‬ولد �سنة (‪1331‬هـ ـ‬ ‫‪1912‬م)‪ ،‬ببلدة «كوينني» من بلدات «وادي �سوف»‪ ،‬بحكم وجود‬ ‫ال�شيخ بلقا�سم من �أعوان حماكم الق�ضاء َّ‬ ‫والده َّ‬ ‫ال�شرعي بوادي‬ ‫�سوف‪ ,‬هذا على رواية‪ :‬الأ�ستاذ احل�سن ف�ضالء ‪ ،:‬والأ�ستاذ‬ ‫مربوك زيد اخلري‪� ،‬أ َّما الأ�ستاذان‪� :‬أحمد بن �أبي زيد‪ ،‬و�أحمد‬ ‫ح َّماين ـ رحمهما اهلل ـ فذكرا �أنَّ مكان امليالد هو «الأغواط»(‪.)1‬‬ ‫مل يلبث َّ‬ ‫ال�شيخ بلقا�سم �أن ع��ا َد �إىل الأغ���واط بعد انتهاء‬ ‫م�أمور َّيته‪ ،‬وهكذا ن�ش�أ �أب��و بكر بهذه الواحة اجلميلة‪ ,‬الواقعة‬ ‫و�س َّكا ُنها من القبائل‬ ‫بجنوب جبال «عمور»‪ ،‬وعلى «وادي ْم ِزي»‪ُ ،‬‬ ‫ال�صميمة‪.‬‬ ‫العرب َّية َّ‬ ‫* ُّ‬ ‫لية‪:‬‬ ‫تعل ُم ُه ودراس ُت ُه َّ‬ ‫األو َّ‬ ‫َّاب على العادة اجلارية‪ ،‬فتع َّلم‬ ‫دخل �أبو بكر يف طفول ِته الكت َ‬ ‫القراءة والكتابة والقر�آن على َّ‬ ‫ال�شيخ ابن عزُّوز‪ ،‬كما حفظ بع�ض‬ ‫املتون العلم َّية وعيو ًنا من ق�صائد ِّ‬ ‫ال�شعر العربي‪ ،‬وتفتَّقت مواه ُب ُه‬ ‫و�شغف باملطالعة وحت�صيل امل��ع��ارف وتو�سيع امل���دارك‪ ،‬فك َّون‬ ‫لنف�س ِه �شي ًئا ف�شي ًئا ح�صيل ًة مه َّمة‪ ،‬كانت مبثابة الأ�سا�س ا َّلذي‬ ‫ِ‬ ‫ب�سهم‬ ‫انبنت عليه حيا ُت ُه العلم َّية فيما بعدُ‪ ،‬وك َّلل ذلك ب�أن �ضَ َر َب ٍ‬ ‫يف اللُّغة الفرن�س َّية حيثُ �أدخله �أهله «املدر�سة الفرن�س َّية»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫رعاية املصلحني‪:‬‬ ‫وحتت‬ ‫* يف مدرسة اإلصالح‬ ‫ِ‬ ‫بطلب من �أهلها ال ُ‬ ‫أ�ستاذ‬ ‫يف �سنة (‪1922‬م) ح َّل بالأغواط ٍ‬ ‫املُ�ص ِل ُح الأديب الكبري َّ‬ ‫َّاهري‪ ،‬ومكث مد ِّر ً�سا‬ ‫ال�سعيد الز ّ‬ ‫ال�شيخ َّ‬ ‫مبدر�س ٍة عرب َّي ٍة � َّأ�س�سها �أعيانُ الأغواط واملتط ِّلعون �إىل نه�ضتها‬ ‫((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة‪ ،‬و�أحمد ح َّماين‪�« :‬أبو بكر احلاج عي�سى الأغواطي»‪،‬‬ ‫احلجة ‪1407‬هـ‪ 28/‬يونيو ‪1987‬م‪.)4( ،‬‬ ‫جريدة «ال َّن�صر»‪ 15 ،‬ذو َّ‬

‫‪44‬‬

‫بنه�ضة �أبنائها‪ ،‬نح ًوا من �سنتني ـ من �أ َّول �سنة (‪1922‬م) �إىل‬ ‫�آخر �سنة (‪1923‬م)‪ ،‬ترك فيها �أث ًرا ح�س ًنا يف التَّالميذ‪ ،‬و�أَ َخ َذهُ م‬ ‫برتبي ٍة ح َّي ٍة ُمثمِ َرة‪ ،‬وه َّي�أَ اجل َّو احل�سن يف املدر�سة َّ‬ ‫لل�شيخ الع َّالمة‬ ‫مبارك امليلي ا َّلذي َخ َل َف ُه فيها‪ ،‬و�أع َّد له التَّالميذ فوجدهم َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫مبارك كما ُيريد(‪.)2‬‬ ‫و���ش��رع ال��ع َّ‬ ‫�لام��ة م��ب��ارك يف و�ضع �أ�س�س ال َّنه�ضة العلم َّية‬ ‫الدِّ ين َّية بالأغواط‪ ،‬ومتتني �أركانها‪ ،‬مبا كان ُيلقيه من ال ُّدرو�س‬ ‫وال َّن�صائح واخلطب يف «املدر�سة العرب َّية احل َّرة»‪ ،‬ويف امل�ساجد‪,‬‬ ‫ويف اجتماعاته بالأهايل والأع��ي��ان‪« ،‬وك��ان َّ‬ ‫ال�شيخ �أب��و بكر من‬ ‫ال ِّآمني لهذه ال ُّدرو�س‪ ،‬وهو يف زهرة �شبابه‪ ،‬و َب ْد ِء ن�ضجه و�إدراكه‪،‬‬ ‫وتخ�ص�ص‬ ‫وقد �أعر�ض عن متابعة الدِّ را�سة باملدار�س الفرن�س َّية‬ ‫َّ‬ ‫للعرب َّية مع معرفته بالفرن�س َّية»(‪.)3‬‬ ‫الثانويَّة َّ‬ ‫* الدِّراسة َّ‬ ‫والط ُ‬ ‫ريق إىل العاملَِّية‪:‬‬ ‫درو�س �أ�ستاذه امليلي و�أبدى رغبته َّ‬ ‫الطموحة‬ ‫«الزم �أبو بكر َ‬ ‫فاهتم به َّ‬ ‫ال�شيخ مبارك‬ ‫وا�ستعداده العظيم �إىل العلم والتَّل ِّقي‪,‬‬ ‫َّ‬ ‫خا�صة»(‪ ،)4‬فكان �أبو بكر من �أ�صفيائه‬ ‫وق َّر َب ُه �إليه و�أحاطه بعناية َّ‬ ‫و�أق��رب تالمذته؛ �أخ��ذ عنه الفقه وال َّنحو والبالغة والتَّوحيد‪،‬‬ ‫اخلا�صة �أو العا َّمة‪ ،‬رغم‬ ‫يغيب عن در� ٍ��س من درو�سه‬ ‫«وك��ان ال ُ‬ ‫َّ‬ ‫كثافة الربنامج و َت َك ُّد ِ�س املعارف‪ ,‬فهو ي�شرح «�صحيح البخاري»‬ ‫و«قطر ال َّندى» و«منت الآج ُّروم َّية»‪ ،‬و ُيع ِّرج على «ر�سالة ابن �أبي‬ ‫درو�س يف الأدب و�أخرى يف التَّف�سري‪ ،‬فك َّون‬ ‫زيد القريواين»‪ ،‬مع ٍ‬ ‫أ�سي�سا �أكادمي ًّيا‬ ‫جي ًال رياد ًّيا عالمِ ًا‪ ،‬وكان التَّكوين متي ًنا م� َّؤ�س ً�سا ت� ً‬ ‫دقي ًقا‪ ,‬و�أه�� ُّم ما َر َّ�سا ُه َّ‬ ‫ال�شيخ مبارك يف طلبته‪ :‬ال َّ��ذوق ال َّرفيع‪،‬‬ ‫((( حم َّمد دبوز «نه�ضة اجلزائر احلديثة» (‪ 255/3‬ـ ‪ 257‬و‪ 262‬ـ ‪.)270‬‬ ‫ال�سابق‪.‬‬ ‫((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين امل�صدر َّ‬ ‫((( احل�سن ف�ضالء‪« :‬من �أعالم الإ�صالح يف اجلزائر» (‪ 113/2‬ـ ‪.)117‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫و�صل �أب��و بكر �إىل تون�س �سنة (‪1932‬م) برفق ِة �إخوانه‬ ‫وزمالئه‪ ،‬وتلقَّى العلوم يف اجلامعة الزَّيتون َّية على ج َّل ٍة منهم‪:‬‬ ‫وال�شيخ بلح�سن ال َّن َّجار‪َّ ،‬‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز جعيط‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫وال�شيخ‬ ‫وال�شيخ الهادي العالئي‪َّ ،‬‬ ‫ال�سالم التُّون�سي‪َّ ،‬‬ ‫وال�شيخ حم َّمد‬ ‫عبد َّ‬ ‫وال�شيخ َّ‬ ‫وال�شيخ الب�شري ال َّنيفر‪َّ ،‬‬ ‫الزَّغواين‪َّ ،‬‬ ‫الطاهر بن عا�شور‪،‬‬ ‫وغري ه�ؤالء‪.‬‬ ‫مل يكتف �أبو بكر بدرو�س اجلامع‪ ،‬بل كان يح�ضر َّ‬ ‫بالعطارين‬ ‫حما�ضرات الأ�ستاذ العربي الك َّبادي‪ ،‬وباخللدون َّية حما�ضرات‬ ‫الأ�ستاذ عثمان الك َّعاك‪ ،‬وك��ان ُيطال ُع لنف�سه نفائ�س املكتبة‬ ‫العبدل َّية‪ ،‬مثل‪ :‬كتاب املح�صول للفخر ال َّرازي‪ ،‬وقد قر�أه قراء َة‬ ‫وحت�صيل‪.‬‬ ‫در�س‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وحرص ٌ‬ ‫* َّ‬ ‫بالغ‪:‬‬ ‫همة عظيمة‬ ‫ٌ‬ ‫الشيخ أبو بكر‪َّ ...‬‬ ‫ق�ضى َّ‬ ‫خم�س �سنني؛ �إىل‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر يف الزَّيتونة نح ًوا من ِ‬ ‫ربيع �سنة (‪1937‬م)(‪ ،)7‬كانت كلُّها يف اجلدِّ واالجتهاد واحلر�ص‬ ‫مرامهُ‪،‬‬ ‫على التَّح�صيل ا َّلذي �أث َم َر علي ِه‪ ،‬حيثُ َب َّز �أقرا َنهُ‪ ،‬وبل َغ َ‬ ‫ِّ‬ ‫فنب َغ ً‬ ‫مب�صاف العلماء الكبار يف القطر اجلزائري ـ‬ ‫نبوغا �أحلق ُه‬ ‫((( مربوك زيد اخلري‪َّ :‬‬ ‫«ال�شيخ �أبو بكر احلاج عي�سى ومنهجه رَّ‬ ‫التبوي ال َّر�شيد» (احللقة‬ ‫ال�سل�سلة ال َّرابعة‪ ،‬العدد(‪�( ،)77‬ص‪.)12:‬‬ ‫ال َّثانية) «الب�صائر»‪ِّ ،‬‬ ‫((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد حماين‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫سير األعالم‬

‫ال�شرع َّية واللُّغو َّية بالقطوف الأدب َّية َّ‬ ‫وتطعيم ال َّثقافة َّ‬ ‫والطرائف‬ ‫الإب��داع�� َّي��ة ا َّل��ت��ي َّ‬ ‫متخ�ضت عنها ق��رائ��ح العباقرة م��ن �أدب��اء‬ ‫الع�صور ال َّزاهرة»(‪.)5‬‬ ‫غر�س َّ‬ ‫ال�شيخ مبارك يف الأغواط‪ ،‬ور�أى �أنَّ ا�ستعداد‬ ‫وملَّا منا ُ‬ ‫تالمذته ا َّلذين ك َّونهم و�أع َّدهم‪ ،‬ال ُير ِّوي ِه �إ َّال الدِّ را�سة اجلامع َّية‬ ‫تالميذ ِه‪َّ :‬‬ ‫بال�سفر‬ ‫العالية‪� ،‬أ�شار على �أنب ِغ‬ ‫ِ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر و�إخوانه َّ‬ ‫�إىل تون�س‪ ,‬واالنخراط يف طلبة «جامع الزَّيتونة» املعمور �آنذاك‪،‬‬ ‫وه��ك��ذا َّمي�� ُم��وا �شطر اجلامعة الزَّيتون َّية ل ُي�شاركوا �شيخهم‬ ‫و�أ�ستاذهم يف الأخذ عن كبار ْ‬ ‫امل�ش َي َخ ِة هناك‪.‬‬ ‫ال�شيوخ‪� :‬أحمد َّ‬ ‫و�ض َّمت تلكم البعثة الأغواط َّية‪ ،‬ك ًّال من ُّ‬ ‫�شطة‪،‬‬ ‫و�أحمد بن �أب��ي زيد ق�صيبة‪ ،‬وحم َّمد دهينة‪ ،‬وحم َّمد َّ‬ ‫الط ِّيب‪،‬‬ ‫وحم َّمد احلدبي(‪.)6‬‬ ‫أروقة جامع َّ‬ ‫ُروس ال ِك َبار‪:‬‬ ‫* يف‬ ‫ِ‬ ‫الزيتونة ود ِ‬

‫أ�ستاذ �أ�ستاذه ابن بادي�س‪ ،‬وال َ‬ ‫أ�ستاذ ُه امليلي و� َ‬ ‫�أعني‪َ � :‬‬ ‫أ�ستاذ العربي‬ ‫التَّب�سي ـ‪ ،‬وقد مل�س هذه احلقيقة الأ�ستاذ �أحمد ح َّماين امليلي‪،‬‬ ‫وكان �شاهدً ا على ال ُّنبوغ اجلزائري يف �شخ�ص َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر؛‬ ‫ف�إنه ملَّا دخل الزَّيتونة ـ يف البدايات ـ‪ ،‬كان َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر ـ يف‬ ‫ال ِّنهايات ـ‪ ،‬قال‪« :‬وقد تخ َّر َج منها بتح�صيلٍ ق َّلما ح�صل عليه‬ ‫�أح ٌد من املد ِّر�سني»(‪ ،)8‬وقال‪�« :‬أنهى درا�سته‪ ...‬بتح�صيلٍ وافرٍ‬ ‫يدر�س حتَّى‬ ‫وعلم غزيرٍ»(‪ ،)9‬وقال‪« :‬كان‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫عظيم اجلدِّ واالجتهاد ُ‬ ‫الكتب غري املق َّررة يف الربنامج الزَّيتوين ب�إيحاءٍ من �أ�ستاذه‬ ‫مبارك امليلي‪.‬‬ ‫أهم َّية كتاب «املح�صول» للإمام فخر الدِّ ين‬ ‫ومن ُه علمنا � ِّ‬ ‫خا�ص ًة‪ ,‬و�أحيا ًنا كان ُيل ِّق ُننا بع�ض‬ ‫ال�� َّرازي‪ ،‬فقد در�سَ ُه درا�س ًة َّ‬ ‫ال ُّدرو�س يف �سنة ‪ 1936‬و‪1937‬م‪ ,‬و ُك َّنا يف �سنِّ الأهل َّية»(‪.)10‬‬ ‫* العود ُة إىل األغواط‪ُّ ...‬‬ ‫والشروع يف العمل‪:‬‬ ‫تعليم َّ‬ ‫الطلب ِة ا َّلذين‬ ‫«مبج َّرد و�صوله �إىل الأغ��واط �شرع يف ِ‬ ‫جتمهروا عليه يف جامع َّ‬ ‫ال�شيخ عبد القادر اجلياليل ـ الكائن‬ ‫ب�شارع عبد احلميد بن بادي�س حال ًّيا ـ»(‪ ،)11‬وكان معه يف التَّدري�س‬ ‫ال�شيخ �أحمد َّ‬ ‫بهذا امل�سجد رفي ُق ُه َّ‬ ‫�شطة‪.‬‬ ‫* يف قسنطينة معاو ًنا لرائد َّ‬ ‫النهضة ابن باديس‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َب َل َغ ُن ُبو ُغ َّ‬ ‫وو�صل نب�أُ عالِـمِ َّي ِت ِه �إىل الإمام ابن‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر‬ ‫بادي�س رائد ال َّنه�ضة العلم َّية والدِّ ين َّية يف الوطن اجلزائري‪،‬‬ ‫ف�أر�سَ َل �إليه و َدع��ا ُه ليكون بجانبه يف ق�سنطينة‪ُ :‬ي ُ‬ ‫�شارك يف‬ ‫درو�س َّ‬ ‫درو�سا عليه �أجلُّها در�س التَّف�سري‬ ‫�إلقاء ٍ‬ ‫للطلبة وليتلقَّى ً‬ ‫واحل��دي��ث‪ ,‬والأم���ايل لأب��ي علي ال��ق��ايل‪ ,‬ودرو����س يف «مقدِّ مة‬ ‫ابن خلدون»‪ ،‬و ُن ِ��د َب لإلقاء درو� ٍ��س مبدر�سة رَّ‬ ‫التبية والتَّعليم‬ ‫[بق�سنطينة] ا َّلتي كانت يف َب ْد ِء نه�ضتها»(‪.)12‬‬ ‫وتواضع ٌ‬ ‫* َّ‬ ‫بالغ‪:‬‬ ‫َب َج ٌّم‬ ‫الشيخ أبو بكر‪ ...‬أَد ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫نرت ُ​ُك الق َّراء الكرام مع �أ َّول كلم ٍة َّ‬ ‫لل�شيخ �أبي بكر مبدر�سة‬ ‫رَّ‬ ‫أدب رفي ٌع‪ ،‬وعبارة رائقة‪:‬‬ ‫التبية والتَّعليم بق�سنطينة‪ ،‬وفيها � ٌ‬ ‫((( �أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫((( �أحمد حماين‪« :‬املجاهد َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر الأغواطي يف ذ َّمة اهلل [�إن �شاء اهلل]‪ ،‬جريدة‬ ‫َّ‬ ‫«ال�شعب» ‪ 24‬ذو القعدة ‪1407‬هـ‪ 20/‬جويلية ‪1987‬م‪.)10( ،‬‬ ‫ال�سابق‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬امل�صدر َّ‬ ‫(‪ ((1‬احل�سن ف�ضالء‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫(‪� ((1‬أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪45‬‬


‫سير األعالم‬ ‫‪46‬‬

‫بي‬ ‫«ب�سم اهلل ال َّرحمن ال َّرحيم‪َّ ،‬‬ ‫وال�صالة َّ‬ ‫وال�سالم على ال َّن ِّ‬ ‫ال�سالم عليكم �أ ُّيها الإخوة‪ ،‬يج ُم ُل بي‪ ،‬وقد حللتُ َّ‬ ‫حمل‬ ‫الكرمي‪َّ ،‬‬ ‫�أ�ستاذنا بادي�س يف حمادثته ا َّلتي اعتاد ـ حفظه اهلل ـ �أن ُي�سمعكم‬ ‫�إ َّياها َّ‬ ‫كل يوم �أحد‪� ،‬أن �أعتذر �إليكم �أن َح َر ْم ُت ُكم الت َ​َّذ ُّوق �إىل نفا�سة‬ ‫معانيه وغوايل حكمه ومواعظه‪.‬‬ ‫هذه ال َّليلة ا َّلتي ت�ستبطئون حلولها‪ ،‬وتو ُّدون ِّ‬ ‫بكل قلوبكم �أن‬ ‫ت�ش َّد جنومها ِّ‬ ‫بكل مغار الفتل حتَّى ال تفلت منكم فيفوتكم ك ُّل‬ ‫خري يف اال�ستماع �إىل داعية اخلري واحلقِّ املخل�ص‪ ،‬فت�ست�ضيء‬ ‫نفو�سكم بف�ضل �شعاع �إمي��ان��ه املقتنع ال�� َّن��اف��ذ �إىل الأعماق‪,‬‬ ‫وتتز َّودون من �إخال�صه ما يطرد عنكم و�سوا�س َّ‬ ‫ال�شيطان ووحي‬ ‫البيئة الوبيئة َّ‬ ‫كل الأ�سبوع‪َّ ،‬ثم �أعتذر �إليكم �أ َّنكم ال ت�سمعون م ِّني‬ ‫متجوا حديثي ومتلُّوه!‬ ‫جديدً ا �إن مل ُّ‬ ‫وخو ًفا من �أن تنتظروا هذا احلديث فيغلبني ال ِع ُّي فال ت�سمعوه‪،‬‬ ‫�آثرت �أن يكون هذا احلديث مكتو ًبا‪ْ � ،‬إذ مل �أتع َّود حديث اجلماعات‬ ‫ِّ‬ ‫ولكل امرئٍ من دهره ما تع َّودَا! على �أنَّ تبعة هذا احلرمان ال يَدَ‬ ‫يل فيها‪ ,‬و� مَّإنا �أم ٌر من باعث احلركة ِّ‬ ‫ومغذيها ارت�أى �أن يحرمكم‬ ‫وي�صلني‪ ،‬وما ع�سى �أن يكون مقدار حرمان ليل ٍة يف تكوين رجل!‬ ‫علي يف هذا امليدان‬ ‫ر�أى تقاع�سي يف هذا امل�ضمار وغلبة احلياء َّ‬ ‫فرماين بكم ورماكم بي كذلك‪ ,‬فال غنب وال حيف‪.‬‬ ‫يوجهني �إىل ه��ذه ال َّناحية من نواحي الإ�صالح‬ ‫�أراد �أن ِّ‬ ‫وم�سمع حتَّى ي�سايرين يف نزع هذا‬ ‫منظر منه‬ ‫االجتماعي على‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الوهم املت� ِّأ�صل م ِّني‪ ,‬ولهذا التَّوجيه فوائده ونتائجه‪ ،‬وال َغ ْر َو فمث ُل ُه‬ ‫زعيم ومن حكيم‪.‬‬ ‫َمنْ خَبرَ​َ �أدواء الأ َّمة و�أدويتها‪ ،‬فل َّله هو من ٍ‬ ‫وبعد‪ :‬ف�إنَّ كلمتي هذه �إليكم لي�ست خطا ًبا وال حما�ضرة‪ ،‬و� مَّإنا‬ ‫إخوان جمعتني و�إ َّياهم خدمة العرب َّية‬ ‫هي حديث مكتوب‬ ‫فح�سب ل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ون�شر الإ�سالم وت�أييد جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني يف‬ ‫عملها االجتماعي‪.‬‬ ‫وال يكون هذا احلديث يف تف�سري �آية �أو �شرح حديث‪ ،‬ف�إنيِّ‬ ‫ف�سر وي�شرح‪،‬‬ ‫�أخجل من نف�سي �أن ت�سمع الأذن ا َّلتي �سمعت بادي�س ُي ِّ‬ ‫تف�سريي �أنا لآية �أو �شرحي حلديث‪ ،‬وال �أكتمكم �أنيِّ ح�ضرت درو�س‬ ‫التَّف�سري واحلديث لأكابر العلماء بجامع الزَّيتونة‪ ،‬فما وجدت من‬ ‫وال�س َّنة َّ‬ ‫وال�شريعة الإ�سالم َّية‪.‬‬ ‫ي�ضاهي بادي�س يف فهم �س ِّر القر�آن ُّ‬

‫بيت عربي‪ »...‬الخ(‪.)13‬‬ ‫و� مَّإنا يكون هذا احلديث يف �إن�شاد ٍ‬ ‫للجمعية يف عاصمة اجلزائر‪:‬‬ ‫مهمة إداريَّة‬ ‫َّ‬ ‫* َّ‬ ‫بعد �سن ٍة درا���س�� َّي�� ٍة ق�ضاها َّ‬ ‫ال�شيخ �أب��و بكر يف ق�سنطينة‬ ‫ومبدر�سة رَّ‬ ‫التبية والتَّعليم‪َ ،‬ع َّي َن ُه املجل�س الإداري جلمع َّية العلماء‬ ‫رئي�سا لـ«املكتب العمايل» بالعا�صمة لتنظيم وت�أ�سي�س ُ�ش َعب‬ ‫ً‬ ‫اجلمع َّية يف عمالة اجلزائر(‪.)14‬‬ ‫* مشارك ُت ُه يف احتفال ختم َّ‬ ‫التفسري البن باديس‪:‬‬ ‫ختم ابن بادي�س لتف�سري‬ ‫�أُ َ‬ ‫قيم بق�سنطين َة حف ٌل كب ٌري ملنا�سبة ِ‬ ‫خم�س وع�شرين �سنة من ال��دَّر���س‪ ،‬وكان‬ ‫كتاب اهلل تعاىل بعد ٍ‬ ‫كلمات يف التَّعريف بامل�شاركني يف احلفل؛ من‬ ‫الإبراهيم ُّي قد كتب ٍ‬ ‫�شعراء ُ‬ ‫تالميذ‬ ‫خطب متك ِّل ًما با�سم‬ ‫وخطباء‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬ ‫املرتج ُم قد َ‬ ‫َ‬ ‫الإمام ابن بادي�س‪.‬‬

‫إبراهيمي يف التَّعريف ِب ِه‪« :‬الأ�ستاذ �أبو بكر الأغواطي‪:‬‬ ‫قال ال‬ ‫ُّ‬ ‫�شاب �أخذ عن الأ�ستاذ امليلي ث َّم ن َز َح ب�إ�شار ِت ِه �إىل تون�س يف بعث ٍة‬ ‫ٌّ‬ ‫�إىل جامع ال َّزيتونة‪ ,‬وهو الآن [�أي‪� :‬سنة (‪1938‬م)] ي�شغ ُل مرك ًزا‬ ‫عمل ًّيا من مراكز جمع َّية العلماء ال يقو ُم به �إ َّال املح َّن ُكون»(‪.)15‬‬

‫اإلصالحية باألغواط‪:‬‬ ‫* اضطها ُد الدَّعوة‬ ‫َّ‬ ‫وكغريها من املدار�س العرب َّية احل َّرة ا َّلتي � َّأ�س�سها ُ‬ ‫رجال جمع َّية‬ ‫العلماء و�أن�صا ُرها يف قرى ومدن الوطن اجلزائري‪ ,‬تع َّر�ضت‬ ‫مدر�سة الأغواط للإغالق ولقي مع ِّل ُموها اال�ضطهاد والتَّ�شريد‪،‬‬ ‫و ُمنع دعا ُة الإ�صالح واملنتمون �إىل اجلمع َّية من مزاولة �أيِّ ن�شاط‬ ‫ُ‬ ‫اخل��ن��اق‪ ،‬وه��و ما ع��رف بقانون ‪ 08‬مار�س ‪1938‬‬ ‫و�ش َّد عليهم ِ‬ ‫تع�سفات احلكم‬ ‫امل�ش�ؤوم‪َ ،‬كت َ​َب �‬ ‫أغواطي �سنة (‪1938‬م) يذ ُك ُر ُّ‬ ‫ٌّ‬ ‫الع�سكري‪ ،‬قال‪« :‬ف�أوعزوا �إىل َمنْ � َ‬ ‫أوقف �سَيرَْ املدر�سة وه َّددُوا‬ ‫ّ‬ ‫من يح�ضر االجتماع العام جلمع َّية العلماء و�أهملوا طلبات ُر َخ�ص‬ ‫إ�سالمي»(‪ ،)16‬كما �سَ َّن ْت الإدار ُة الفرن�س َّية قوانني‬ ‫التَّعليم الدِّ يني ال‬ ‫ِّ‬ ‫تع�سف َّية للتَّ�ضييق على ن��وادي الإ�صالح‪ ،‬فكتب َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫�سهم م َُ�سدَّد للق�ضاء على‬ ‫«من املكتب املركزي للجمع َّية‪� :‬آخ ُر ٍ‬ ‫(‪« ((1‬دعائم العزِّ ‪:‬يف جمع َّية رَّ‬ ‫ال�سل�سلة الأوىل‪،‬‬ ‫التبية والتَّعليم بق�سنطينة»‪« ،‬الب�صائر»‪ِّ ،‬‬ ‫العدد (‪� 6 ،)90‬ش َّوال ‪1356‬هـ‪10/‬دي�سمرب ‪1937‬م‪.)4( ،‬‬ ‫(‪ ((1‬احل�سن ف�ضالء‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫(‪ِّ ((1‬‬ ‫«ال�شهاب» ج‪ ,4‬م‪ ،)246( 4‬وخطبة َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر يف (‪ 249‬ـ ‪.)246‬‬ ‫ال�سل�سلة الأوىل‪ ،‬العدد (‪3( ،)117‬و‪.)6‬‬ ‫(‪« ((1‬الب�صائر» ِّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫�صاد َ​َف وجو ُد َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر بالعا�صمة يف مركز اجلمع َّية‬ ‫رئي�سا ملكتبها العمايل‪ ،‬انعقاد «م���ؤمت��ر ال ُّ‬ ‫��ط��رق�� َّي��ة» ـ ي��وم ‪15‬‬ ‫ً‬ ‫�أفريل ‪1938‬م‪ ،‬والأ َّي��ام ا َّلتي َت ِلي ِه ـ‪ ،‬وقد كان ب�إيعازٍ من الإدارة‬ ‫اال�ستعمار َّية امل��اك��رة‪ ،‬ويف الوقت ا َّل��ذي �أظهر فيه امل�صلحون‬ ‫ال�سيا�س َّية ل�ل��إدارة يف معاملتها ل�ل�أ َّم��ة اجلزائر َّية‬ ‫املعار�ضة ِّ‬ ‫وا�ضطهادها يف ح ِّر َّيتها الدِّ ين َّية وتعليم العرب َّية يف مدار�سها‬ ‫احل َّرة ا َّلتي � َّأ�س�ستها الأ َّم ُة مبالها وبجهد �أبنائها‪ ،‬يف الوقت ا َّلذي‬ ‫ُع ْر ِق َل فيه التَّعليم العربي الإ�سالمي ِب�سَ نِّ قوانني جائرة‪ ،‬ح َّركت‬ ‫الإدار ُة «الآل َة» ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫املتدخلني يف‬ ‫الطرق َّية ملجابهة العلماء امل�ش ِّو�شني‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر «م�ؤمتر ُّ‬ ‫ال�سيا�سة بزعمها!‪ ...‬ح�ضر َّ‬ ‫الطرقية»‬ ‫ِّ‬ ‫بل «زردتهم الكربى»‪ ،‬وا�ستمع �إىل مطالبهم يف نهاية «الزَّردة»‪،‬‬ ‫بح ْك ِم معرف ِة َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر‬ ‫وما كتبت عنها ال�صحف الفرن�س َّية ُ‬ ‫بال ِّل�سان الفرن�سي‪َ ،‬ن َق َل ُك َّل ذلك يف جريدة اجلمع َّية‪« :‬الب�صائر»‬ ‫وعيان‪ ،‬ومل تخرج خطابات امل�ؤمتر عن نقطتني‪:‬‬ ‫عن م�شاهد ٍة ِ‬ ‫ال�سيا�سة ونهي الأتباع والأ َّمة عن الت ُّ‬ ‫َّدخل‬ ‫‪1‬ـ حتر ُمي الكالم يف ِّ‬ ‫يف �سيا�سة فرن�سا‪:‬‬ ‫�����س�� ِّي��د حم�� َّم��د ب��ن املوهوب‬ ‫ي��ق��ول �أب���و ب��ك��ر‪« :‬وخ��ط��ب ال َّ‬ ‫ال�سيا�سة‪ ،‬ف�س�أل ُت ُه‬ ‫الق�سنطيني‪ ...‬وختم خطا َب ُه بالتَّنفري عن ِّ‬ ‫بال�سيا�سة وهل مطالبتُنا فرن�سا بحقوقنا‬ ‫من الغد ع َّما يق�ص ُد ِّ‬ ‫حت�ش ُر يف هذه ال َّلفظة‪ ،‬فقال‪ :‬ال‪ ،‬و�إنمَّ��ا ق�صدتُ �إىل �سيا�سة‬ ‫االن��ت��خ��اب املُ��ف�� ِّرق��ة»‪ُ ،‬ي��ري�� ُد َّ‬ ‫ال�شيخ �أب��و بكر م��ن ه��ذا �أنَّ ِمنَ‬ ‫امل�شاركني يف امل�ؤمتر َمنْ ال يدرون ما يقولون‪ ،‬ويف م�صلح ِة من‬ ‫َّثم يوا�صل حاك ًيا كالم عبد احلي‪« :‬يقول ابن ق ِّيم اجلوز َّية‬ ‫يتك َّلمون‪ ،‬و�أ َّن ُهم ُح ِّر ُكوا فتح َّر ُكوا‪.‬‬ ‫«ثم �أن�شد نجَ ْ ُ��ل عبد احلي الكتَّاين وهُ َو َمنْ هُ َو!‪� :‬أعجبتني من كالم �أهل التَّ�ص ُّوف كلمتان‪:‬‬ ‫ويقول َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر‪َّ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫كال�سيف �إن مل تقطعه قطعك‪.‬‬ ‫الوقت‬ ‫ـ‬ ‫َّ‬ ‫ال�س ِّيد ُ�سكريج قا�ضي م َّراك�ش‪ ،‬من �أبياتها‪.... :‬دعوا‬ ‫ق�صيد َة َّ‬ ‫ـ �إن مل ت�ستعمل نف�سك يف احلقِّ ا�ستعملتها يف الباطل»‪.‬‬ ‫ال�سيا�سة �إن رمتم جناحكم!‪»...‬الخ‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وي�ستنتج م��ن ه��ذا م��دح اب��ن ال��ق�� ِّي��م لأه���ل التَّ�ص ُّوف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫و�سكريج هذا‪ ،‬هو �أح ُد الهائمني يف التِّيجان َّية! وهو ا َّلذي �صار‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فهل ه��ذا م��د ٌح �أ ْم ذ ٌّم؟ و�إ َّال فكيف ال َي�سْ َت ْح�سِ ُن م��ن مئات‬ ‫ال�سل�س���ة الأوىل‪ ،‬الع���دد (‪� 14 ،)108‬ص���فر ‪1357‬ه���ـ‪� 15/‬أفري���ل‬ ‫(‪« ((1‬الب�ص���ائر»‪ِّ ،‬‬ ‫‪1938‬م‪.)3( ،‬‬

‫سير األعالم‬

‫ال َّنه�ضة اجلزائر َّية‪ ،)17(»...‬ن َّبه فيه على خطر هذا القانون ودعا‬ ‫�إىل االحتجاج عليه و�إىل االجتماع ال�ستنكا ِر ِه‪.‬‬ ‫الشيخ أبو بكر‪ ...‬وأوها ُم ُّ‬ ‫* َّ‬ ‫قية‪:‬‬ ‫الط ُر َّ‬

‫ُيغيثُ ُّ‬ ‫الطرق ِّيني يف َح ْربِهِ م مع امل�ص ِلحني‪ ،‬وهو ا َّلذي قال يف �إحدى‬ ‫زياراته للجزائر‪� :‬إنَّ املعاك�سة حلكومة فرن�سا وعدم الإذعان لها‬ ‫لي�س �سبي ًال للإ�صالح!(‪.)18‬‬ ‫بالطرق ومتجي ُد ُّ‬ ‫‪2‬ـ الإ�شادة ُّ‬ ‫وح ْ�شر ما ُيح�سَ ُب دلي ًال‬ ‫الطرق َّية َ‬ ‫ال�صاحلني!‬ ‫وال�سلف َّ‬ ‫على �صلتها الوثيقة بالدِّ ين! َّ‬ ‫قال َّ‬ ‫ا�س �سي عثماين عب ُد املجيد‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر‪« :‬وح َّد َث ال َّن َ‬ ‫من زاوية «طولقة» يف معنى َّ‬ ‫َ‬ ‫وغالط يف هذا ما‬ ‫الطريقة وتاريخها‬ ‫�شاء �أن ُيغالط»‪ ،‬هذا ُح ْك ُم َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر وموق ُف ُه من ا�ستدالالت‬ ‫القوم‪ ،‬ومع ذلك ففي كالم ه�ؤالء �شي ٌء من احلقِّ لو كانوا َي ِق ُفون‬ ‫ع��ن��دَ ُه‪ ،‬وه��و ا َّل��ذي ُ‬ ‫القوم ال ي�سمعون‪،‬‬ ‫يقول به امل�ص ِلحون لكنَّ‬ ‫َ‬ ‫ويقولون ما ال يفعلون‪ ،‬قال َّ‬ ‫«ومما ق َّيد ُت ُه من كالمه‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر‪َّ :‬‬ ‫امل�ستح�سن‪« :‬ال نعت ُرب �شيخ َّ‬ ‫الطريقة �إ َّال �إذا �أقام َّ‬ ‫ال�شريعة وعلم‬ ‫الدِّ ين والعرب َّية»‪« ،‬نحرتم فرن�سا �إذا احرتمت ديننا»‪« ،‬واجبات‬ ‫�أ�صحاب الزَّوايا تعم ُريها بالدِّ ين والعرب َّية»»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫«ثم جاء دور �شيخ َّ‬ ‫الطريقة الكتَّان َّية �سي عبد‬ ‫َّثم‬ ‫يوا�صل قائ ًال‪َّ :‬‬ ‫احلي الكتَّاين ف�ألقى خطب ًة مكتوب ًة‪ ...‬تع َّر�ض لتاريخ التَّ�ص ُّوف‬ ‫ومعناه‪ ،‬وممِ َّ ا ا�ش ُتقَّت هذه ال َّلفظة‪ ،‬فلم ي�أتِ بجديد ومل ينه�ض‬ ‫«ال�س َّنة‬ ‫بدليل‪ ،‬ودعا �إىل املحظور‪ ،‬فانظر �إىل ٍ‬ ‫بع�ض من خطابه‪ُّ :‬‬ ‫بي‬ ‫ال�صفَّة»‪� ،‬أفهل هذا ُ‬ ‫ترك العمل‪ ،‬اقتدا ًء ب�أهل ُّ‬ ‫روح الدِّ ين‪ ،‬وال َّن ُّ‬ ‫‪ Í‬يقول‪« :‬لأَ ْن َيح َتطِ َب �أَ َح ُد ُكم‪ »...‬الخ احلديث»‪.‬‬ ‫َو ِد ْد َنا �أنَّ َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر �أفا�ض يف نق�ض ا�ستدالل عبد احلي‪،‬‬ ‫لكن يبدُو �أنَّ َّ‬ ‫الط ْو َر ا َّلذي كانت تمَ ُ ُّر به اجلزائر‪ ،‬واخلطر ا َّلذي‬ ‫كان ُي ْح ِد ُق باجلزائر ِّيني يف دينهم و ُلغتهم َ‬ ‫حال دون ذلك ومل‬ ‫ُي�سعفهم للإفا�ضة يف الكتابات الدِّ ين َّية العلم َّية‪� ،‬إِ َذنْ لأَ ْل َق ُموا‬ ‫ُّ‬ ‫الطرق ِّي َني �أحجا ًرا‪ ،‬ولرتكوهم َم ْب ُهو ِت َني حيارى!‬

‫ال�سل�سة الأوىل‪ ،‬العدد (‪.)5( ،)147‬‬ ‫(‪« ((1‬الب�صائر»‪ِّ ،‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪47‬‬


‫سير األعالم‬

‫م�ؤ َّلفاتهم �إ َّال كلمتني!»‪.‬‬ ‫رحم ُ‬ ‫اهلل َّ‬ ‫أوجز عبارة‪،‬‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر لقد نق�ض ا�ستدال َل ُه ب� ِ‬ ‫َ‬ ‫فحم وا ُ‬ ‫حل َّجة‬ ‫فماذا ل ْو تف َّر َغ لل َّر ِّد عليه‪� ،‬إذنْ لأتى‬ ‫باجلواب املُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫الظاهرة‪.‬‬ ‫ق�صة اخل�ضر من‬ ‫در���س��ا يف َّ‬ ‫ث َّ��م ي��ق��ول‪« :‬وم���ن ال��غ��د �أل��ق��ى ً‬ ‫«البخاري» فذكر الأق��وال املتناق�ضة وو َّف��ق بينها �أ َّم��ا �أن ي� َ‬ ‫أخذ‬ ‫العربة �أو ينفذ �إىل ما يق�صد‪ ...‬و�أ َّما �أن ي�سقي َد ْر�سَ ُه من ماء‬ ‫ال�سالم �شرب منها فبقي‬ ‫احلياة ا َّلذي زعموا �أنَّ اخل�ضر عليه َّ‬ ‫ال َف َ‬ ‫ح ًّيا‪َ ...‬ف َ‬ ‫ال»‪.‬‬ ‫َّثم �أ�شا َر يف خامتة اجلزء الأ َّول من هذه املقالة �إىل خطاب‬ ‫ال�شيخ عبد العزيز بن الها�شمي �شيخ َّ‬ ‫َّ‬ ‫الطريقة القادرية‪ ،‬وقد‬ ‫ن�ص ُه(‪ ،)19‬وافتتح اجلزء ال َّثاين بقوله‪« :‬لقد‬ ‫َن َ�ش َرت «الب�صائ ُر» َّ‬ ‫ال�شيخ حممد �صالح ُي�سمع ُّ‬ ‫تركنا َّ‬ ‫الطرق ِّيني كلم َة احل ِّق ا َّلتي‬ ‫ك�شفت عن �أغرا�ضهم ف�أثارتهم وب َّينت ا َّلذي ب َّي ُتوا ف� ْأخن َق ْتهُم‪،‬‬ ‫َو َودُّوا �أن ُي�س ِك ُتوهُ‪.)20(»...‬‬ ‫* العود ُة ً‬ ‫ثانية إىل األغواط‪:‬‬ ‫�أذن باعثُ ال َّنه�ضة‪ :‬الإمام ابن بادي�س َّ‬ ‫لل�شيخ �أبو بكر «ب�أن‬ ‫الزب‪،‬‬ ‫يرجع �إىل بالده الأغ��واط؛ لأنَّ وج��وده بها �أ�صبح �ضرب َة ٍ‬ ‫فهو من �أبناء البلد وال ي�سهل �إخراجه منها كما �سهل �إخراج‬ ‫�أ�ستاذه مبارك امليلي فبادر باالمتثال وانت�صب مله َّمته فيها‪،‬‬ ‫و�شرع يف �إحياء عهد �أ�ستاذه مبارك ف�س َّد الفراغ العظيم ا َّلذي‬ ‫تركه»هـ(‪.)21‬‬ ‫ان�صب‬ ‫وقد م َّر هذا الوقتُ ع�صي ًبا على دعوة الإ�صالح وبال ًء‬ ‫َّ‬ ‫على امل�صلحني‪ ،‬فلم َتهُنْ لهم عزمية ومل ت�ض ُعف لهم ق َّوة‪.‬‬ ‫الثانية‪َ ...‬و َفا ٌء وتحَ َ ٍّد‪:‬‬ ‫* يف احلرب‬ ‫العاملية َّ‬ ‫َّ‬ ‫خ َّيم ج ُّو احلرب العاملية ال َّثان َّية على الوطن اجلزائري ُ‬ ‫بظلمِ ِه‬ ‫ال�سجون واملعتقالت‪ ،‬و ُنفي‬ ‫ِ‬ ‫وظالمه‪ ،‬و�سيق العلماء الأحرار �إىل ُّ‬ ‫الإبراهيمي �إىل �صحراء «�آفلو»‪ ،‬و ُفر�ضت الإقامة اجلرب َّي ُة على‬ ‫ال�صالتُ بني رجال‬ ‫ابن بادي�س �إىل �أن واف��اه �أج ُلهُ‪ ،‬وانقطعت ِّ‬ ‫(‪ ((1‬انظر العدد (‪ ) 21‬من هذه املج َّلة املبا َركة‪.‬‬ ‫(‪« ((2‬م�ؤمتر ُّ‬ ‫ال�سل�سة الأوىل‪ ،‬العدد (‪،)111‬‬ ‫الطرق َّية»‪ ،‬اجلزء (‪ )1‬يف «الب�صائر»‪ِّ ،‬‬ ‫(‪ ،)6‬واجلزء (‪ )2‬يف العدد (‪ 6( ،)114‬ـ ‪.)7‬‬ ‫(‪� ((2‬أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫و�ش َّل ُ‬ ‫اجلمع َّية‪ُ ،‬‬ ‫حمدود‪ ،‬وظ َّل الإبراهيمي‬ ‫ن�شاطها �إ َّال يف نطاق‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫رجال‬ ‫نح ً�سا عليه لوال �أنَّ‬ ‫يف منفا ُه وحيدً ا غري ًبا يف �أ َّيام ع َّدها ْ‬ ‫و�شي َبها كذلك‪ ،‬قطعوا تلك‬ ‫الأغواط و�شباب ال َّنه�ضة الإ�صالح َّية ِ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر َّ‬ ‫ال َوحدة و َب َّددُوا ذلك اجل َّو املُظ ِلم‪ ،‬فكان َّ‬ ‫وال�شيخ‬ ‫�أحمد ق�صيبة وغ ُريهما من �أه��ل العلم والف�ضل َّ‬ ‫وال�شجاعة‬ ‫َّ‬ ‫وال�شهامة ي��زورون��ه وي���أت��ون��ه يف �آف��ل��و على م�ساف ٍة بعيد ٍة من‬ ‫ال�سلطات‬ ‫الأغواط‪ ،‬فابتهج بهم ُ‬ ‫و�س َّر مل�ؤان�س ِتهم‪� ،‬إىل �أن ق َّررت ُّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر من �أجل َ‬ ‫و�سجن َّ‬ ‫ذلك مع‬ ‫الع�سكر َّية من َعهم زيارت ِه‪ُ ،‬‬ ‫و�سجن َّ‬ ‫�أخيه َّ‬ ‫ال�شيخ �أحمد ق�صيبة(‪.)22‬‬ ‫ال�شيخ حم َّمد بن بلقا�سم‪ُ ,‬‬ ‫جلمعية العلماء يف عاصمة اجلزائر‪:‬‬ ‫مهام إدارية‬ ‫* ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫كان رئي�س جمع َّية العلماء َّ‬ ‫ال�شيخ الإبراهيمي قد وعد الأ�ستاذ‪:‬‬ ‫�أحمد ق�صيبة‪َّ ،‬‬ ‫وال�شيخ �أبو بكر‪� ،‬أن ال يرتكهما بالأغواط‪ ،‬و�أن‬ ‫ين ُق َلهما مع ُه �إىل اجلزائر حلاج ِة جمع َّي ِة الأُ َّمة �إليهما هناك(‪،)23‬‬ ‫وملَّا �أُط ِلق �سراح ال َّرئي�س وا�ست�أنفت اجلمع َّية ن�شاطها وعادت �إىل‬ ‫اجتماعاتها � َّأ�س َ�س الإبراهيمي مركزَ اجلمع َّية ب َق�صَ َب ِة اجلزائر‪،‬‬ ‫وانت ُِخ َب َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر ع�ض ًوا يف الهيئة العليا جلمع َّية العلماء‬ ‫وانتخبته ه��ذه الهيئة �سنة (‪1946‬م) �أم��ي�� ًن��ا ع��ا ًّم��ا لها خليف ًة‬ ‫َّ‬ ‫لل�شيخ العربي التَّب�سي ا َّلذي انتخب نائ ًبا لل َّرئي�س الإبراهيمي‪،‬‬ ‫وعينِّ مدي ًرا ملدر�سة «الإر�شاد» بالبليدة �سنة (‪1950‬م)‪ ،‬فقام‬ ‫ُ‬ ‫بامله َّمتني مل َّد ٍة ق�صري ٍة �إىل �أن َخ َل َف ُه يف الأمانة العا َّمة الأ�ستاذ‬ ‫توفيق امل��دين �سنة (‪1951‬م)(‪ ،)24‬وع��اد �إىل الأغ��واط والتحق‬ ‫ب�إخوانه امل�صلحني «ا َّلذين نه�ضوا نه�ض ًة مبارك ًة‪ ،‬وك َّونوا مدر�س ًة‬ ‫ع�صر َّي ًة ُع�� َّدت من �أح�سن مدار�س القطر‪ ،‬و�أم�� َّدت معهد عبد‬ ‫احلميد بن بادي�س بق�سنطينة ب�أنبغ َّ‬ ‫الطلبة»(‪ ،)25‬و َّمت تد�شي ُنها‬ ‫ال�شيخ �أحمد َّ‬ ‫يف �سنة (‪1948‬م) حتت �إدارة َّ‬ ‫�شطة‪ ،‬ا َّلذي اغتاله‬ ‫العدوان الفرن�سي �أثناء ثورة التَّحرير ‪ ،:‬كان خاللها َّ‬ ‫ال�شيخ‬ ‫�أبو بكر � ً‬ ‫أ�ستاذا بهذه املدر�سة وم�س�ؤو ًال عا ًّما عن �سري احلركة‬ ‫(‪� ((2‬أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين‪ ,‬م�صدر �سابق‪ ،‬ومقال َّ‬ ‫ال�شيخ حم َّمد‬ ‫الب�شري الإبراهيمي يف منفاه مبدينة �آفلو بقلم‪� :‬أحمد ق�صيبة (‪ 283‬ـ ‪ُ ،)285‬ن�شر‬ ‫مبج َّلة «ال َّثقافة»‪ ،‬العدد (‪.)87‬‬ ‫(‪ ((2‬احل�سن ف�ضالء‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫(‪� ((2‬أحمد بن �أبي زيد ق�ص���يبة و�أحمد ح َّماين‪ ,‬م�ص���در �س���ابق‪ ،‬واحل�س���ن ف�ض�ل�اء‪,‬‬ ‫م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫(‪� ((2‬أحمد بن �أبي زيد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫م�ص���در�س���ابق‪.‬‬ ‫امل�ص َّورة عن الأ�صل‪� ،‬أمدَّين ب�صور ٍة منها �أخونا َّ‬ ‫ال�شيخ يا�سني طيبي‬ ‫(‪ ((2‬عن ال ُّن�سخة َ‬ ‫الأغواطي ـ حفظه اهلل ـ‪ ،‬وهو عن ن�سخ ِة الأ�ستاذ الفا�ضل‪ :‬بن عمر ق�صيبة ـ حفظه‬ ‫اهلل ـ؛ �أخي الأ�ستاذ �أحمد ق�صيبة ‪.‬‬

‫سير األعالم‬

‫واملتو�سط بدائرة الأغ��واط فقام مبه َّمته خري قيام‪ ،‬وك َّون‬ ‫الإ�صالح َّية بالأغواط(‪.)26‬‬ ‫ِّ‬ ‫ووجههم‪� ،‬إىل �أن �أحيل على التَّقاعد يف‬ ‫* شهاد ٌة من َّ‬ ‫املع ِّلمني و�أر�شدهم َّ‬ ‫الشيخ األكرب اإلبراهيمي‪:‬‬ ‫لل�شيخ �أبو بكر تزكي ًة‪ُ ،‬مع ِّر ًفا مبنزل ِته �سنة ( ‪1982‬م)‪.‬‬ ‫ال�شيخ الإبراهيمي َّ‬ ‫كتب َّ‬ ‫التبية َّ‬ ‫* ُحُّب ُه للعمل يف ميدان رَّ‬ ‫والتعليم‪:‬‬ ‫ن�صها‪:‬‬ ‫العلم َّية وكفاء ِته العمل َّية‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫إمكان َّ‬ ‫«ي�شه ُد املم�ضي �أ�سفلَ ُه حم َّمد الب�شري الإبراهيمي رئي�س‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر �أن َي َت َب َّو�أَ �أعلى املنا�صب عن‬ ‫لقد كان ب� ِ‬ ‫جمع َّية العلماء امل�سلمني اجلزائر ِّيني �أ َّن ولدنا َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر ج��دار ٍة وا�ستحقاقٍ ‪ ،‬لك َّنه ‪ :‬ل ُب ْع ِد ِه عن ال َّر�سم َّيات وكراهت ِه‬ ‫بن بلقا�سم احلاج عي�سى كان قد تع َّلم على املرحوم َّ‬ ‫ال�شيخ مبارك لال�ش ِتهار �آث َر �أن َ‬ ‫يعمل يف هُ ��دُو ِء املخ ِل�صني‪ ،‬ومل ي�ش�أ �أن يقط َع‬ ‫امليلي بالأغواط‪َّ ،‬‬ ‫التبية والتَّعليم ا َّل��ذي اب��ت��د�أَ ُه يف عهد ُّ‬ ‫وال�شيخ عبد احلميد بن بادي�س بق�سنطينة ن�ضاله يف حقل رَّ‬ ‫الظلم‬ ‫ث َّم انتقل �إىل تون�س فوا�ص َل تع ُّل َم ُه بال َّزيتونة خم�س �سنوات �إىل واال�ستعمار‪ ،‬وها هو مي�ضي في ِه يف عهد احل ِّر َّي ِة وال ُّنور؛ وقد �أ َّل َف‬ ‫�أن تخ َّر َج بق َّوة العامل َّية‪ ،‬ث َّم التحق بحركة جمع َّية العلماء وعمل �سنة (‪1966‬م) ثالثة �أجزاءٍ لتالميذ املرحلة االبتدائ َّية بعنوان‬ ‫َ‬ ‫بح ْقلَ ْي ال َّتعليم املدر�سي والوعظ والإر�شاد‪ ،‬وكان ً‬ ‫ناجحا مو َّف ًقا «القواعد الوا�ضحة» يف اللُّغة العرب َّية‪ ،‬يف �إعرابها و�أ�ساليب‬ ‫ُم ْنت ًِجا َّ‬ ‫مما �أ َّهلَ ُه �إىل �إدارة املدار�س‪ ،‬ث َّم ع�ضو َّية جلنة ال َّتعليم بيانها(‪ ،)28‬ل ُي�ضيف بذلك َل ِب َن ًة يف بنا ِء �صَ ْر ِح املنظومة العلم َّية‬ ‫ا�س �س ُلو ًكا وا�ستقام ًة‪,‬‬ ‫أح�سن ال َّن ِ‬ ‫وال َّتفتي�ش اجلهوي‪ ،‬وكان من � ِ‬ ‫رَّ‬ ‫التبو َّية يف اجلزائر امل�ستق َّلة(‪.)29‬‬ ‫وقد كتبتُ ل ُه هذه َّ‬ ‫ال�شهادة لي�ستظ ِه َر بها عند احلاجة‪.‬‬ ‫قال �أحمد ق�صيبة و�أحمد ح َّماين‪« :‬مل يتطاول َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر‬ ‫رئي�س جمع َّية العلماء اجلزائر ِّيني»(‪.)27‬‬ ‫رفيع يف دولته‪ ،‬بل التزم رَّ‬ ‫التبي َة‬ ‫لينال ما ي�ستح ُّق من‬ ‫ٍ‬ ‫من�صب ٍ‬ ‫* أثناء ثورة َّ‬ ‫التحرير املُ َظ َّف َرة‪:‬‬ ‫والتَّعليم والوعظ والإر���ش��اد‪ ،‬وقد قنع مبن�صب مفتِّ�ش التَّعليم‬ ‫ال�شيخني‪� :‬أحمد َّ‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر وعلى َّ‬ ‫�أُلقي القب�ض على َّ‬ ‫واملتو�سط ور�ضي �أن يبقى يف ميدان رَّ‬ ‫التبية ا َّلذي ق�ضى‬ ‫�شطة‪ ،‬االبتدائي‬ ‫ِّ‬ ‫واحل�سني زاهية يوم ‪� 15‬أوت �سنة (‪1958‬م)‪ ،‬ولقوا � ً‬ ‫أنواعا من فيه َّ‬ ‫أعظم من ُه منزل ًة لنا َل ُه َ‬ ‫جل ْم ِع ِه بني‬ ‫كل حياته‪ ،‬ولو تط َّلع �إىل � َ‬ ‫كال�شيخ �أحمد َّ‬ ‫التَّعذيب والإهانة‪ ،‬ومنهم من �أُ ْع ِ��د َم َّ‬ ‫يقوم‬ ‫�شطة ‪ ،:‬ال َّث َقا َفتَينْ ِ وملا ميتا ُز ب ِه من كفاء ٍة وذكاءٍ و�أَلمْ ِع َّية‪ ،‬وقد ا�ستم َّر ُ‬ ‫ُ‬ ‫و�أُبعِدَ َّ‬ ‫امل�ساجد»‪.‬‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر �إىل معتقل بني م�سو�س بالعا�صمة‪ ،‬وما �أط ِلق ب�أعمال الوعظ والإر�شاد يف‬ ‫ِ‬ ‫�سراح ُه �إ َّال يف �أوائل �سنة (‪1960‬م)‪ ،‬ليدخل يف عزل ٍة ا�ضطرار َّية‬ ‫ُ‬ ‫دروس ُه املسجديَّة‪:‬‬ ‫* ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ويقب َع يف �إقام ٍة جرب َّية يف منز ِل ِه‪� ،‬إىل �أن �أ ِذنَ اهلل تعاىل لهذه‬ ‫َّ‬ ‫�شرع َّ‬ ‫«املوط�أ» للإمام مالك ب�أحد‬ ‫ال�شيخ �أبو بكر يف �شرح‬ ‫الأ َّمة �أن ترى ال ُّنور‪ ،‬وتتح َّر َر من ِّ‬ ‫ذل العبود َّية‪ ،‬ويخ ُر َج اال�ستعما ُر!‬ ‫م�ساجد الأغواط‪« :‬ب�أ�سلوب رائع َّ‬ ‫جذاب‪ ،‬وتدليل حم ِّقق مد ِّقق‪،‬‬ ‫ذلي ًال مقهو ًرا خائ ًبا حم�سو ًرا‪.‬‬ ‫ولك َّنه مل يجاوز بابي َّ‬ ‫وال�صالة حتَّى انقطع عن تلك‬ ‫الطهارة َّ‬ ‫* أعما ُل ُه بعد االستقالل‪:‬‬ ‫و�سرعان‬ ‫ال ُّدرو�س مبا حلقه من رهق‪ ،‬وما طر�أ عليه من مر�ض‪ُ ،‬‬ ‫ُع�ِّي�نِّ مفت ًِّ�شا للُّغة العرب َّية باملناطق َّ‬ ‫فلزم بي َت ُه و َر َكنَ‬ ‫ال�صحراو َّية الأغواط‪ ،‬ما تالحقت عليه العلل بعد خروجه �إىل التَّقاعد‪َ ،‬‬ ‫غرداية‪ ،‬متليلي‪ ،‬املنيعة‪َّ ،‬ثم ُنقل �إىل ُت ُقرت يف �سنة (‪1965‬م)‪� ،‬إىل املطالعة وامل��ذاكَ�� َرة و�أ�صبح منز ُل ُه ناد ًيا للزَّائرين‪ ،‬وقبل ًة‬ ‫بالع�شي‬ ‫فما لبث �أن عاد �إىل منطقته الأوىل مفت ًِّ�شا للتَّعليم االبتدائي للم�ستفتني‪ ،‬يرت َّد ُد عليه ال ُّث َّل ُة من �أحبابه و�أقرانه يزورونه‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ي�ستقبل‬ ‫(‪� ((2‬أحمد بن �أبي زيد ق�ص���يبة و�أحمد ح َّماين‪ ,‬م�ص���در �س���ابق‪ ،‬واحل�س���ن ف�ض�ل�اء‪ ,‬والإبكار‪ ،‬ورغم �أ َّنه كان َي ْكت ُ​ُم �أَ َّن َت ُه ويبتلع �آالمه‪ ،‬فقد كان‬ ‫(‪ ((2‬احل�سن ف�ضالء‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫(‪ ((2‬مربوك زيد اخلري‪َّ :‬‬ ‫«ال�شيخ �أبو بكر احلاج عي�سى ومنهجه رَّ‬ ‫التبوي ال َّر�شيد»‬ ‫ال�سل�سلة ال َّرابعة‪ ،‬العدد (‪.)12( ،)78‬‬ ‫(احللقة ال َّثالثة)‪« /‬الب�صائر»‪ِّ ،‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪49‬‬


‫سير األعالم‬

‫واخلا�ص بب�شا�ش ٍة وطالقة محَُ َّيا‪ ،‬و ُيفي�ض من علمه وفهمه‪ ،‬حتَّى قعد به املر�ض»‪ ،‬وقال‪« :‬وملَّا �سمع �أنيِّ ت�صدَّرتُ التَّدري�س‬ ‫العام‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ومن حكمته و�أدبه ما ي�أن�س به املجال�س ويطمئنُّ له امل�ؤان�س»(‪ .)30‬بامل�ساجد زارين يف البيت و�أ�سدى �إ َّ‬ ‫علي فقال يل‪:‬‬ ‫يل ن�صائح و� َّألح َّ‬ ‫النا�س املطال َب َة بالدَّليل»‪ ،‬وقال عن م�ؤلفاته‪:‬‬ ‫ال ب َّد من‬ ‫تعليم ِ‬ ‫ِ‬ ‫العلمية‪:‬‬ ‫* من فوائ ِد ِه ومآ ِث ِر ِه‬ ‫َّ‬ ‫يقول عنه �أحمد ح َّماين ـ زميله يف العلم والعمل ـ‪« :‬ا َّلذين «له هوام�ش على تف�سري حما�سن ال َّت�أويل للقا�سمي‪ ،‬ذكر يل هذا‬ ‫ي��ع��رف��ون ال��� َّ��ش��ي��خ �أب���و ب��ك��ر ي��ع��رف��ون ف��ي��ه ال��� َّذك���اء احل����ا َّد ا َّلذي عندما ت�ضاربت ال ُ‬ ‫أقوال و�شاع لدى ال َّنا�س �أ َّن ُه كتب تف�س ًريا للقر�آن‬ ‫يرفعه �إىل الأملع َّية‪ ...‬ويعرفون فيه متان َة ال َّتح�صيل‪ ،‬والعلم الكرمي ف�س�أل ُت ُه عن ذلك فقال يل‪« :‬كتبتُ هوام�ش على تف�سري‬ ‫ال��غ��زي��ر»(‪ ،)31‬ون�ترُك الق َّراء الكرام مع الأ�ستاذ د‪.‬التَّواتي بن القا�سمي املو�سوم مبحا�سن ال َّت�أويل‪.)32(»...‬‬ ‫* َم َر ُض ُه و َوفا ُته‪:‬‬ ‫يقول بعد �أن و�صَ َف ُه ب�سعة ِّ‬ ‫ال�شيخ؛ ُ‬ ‫التَّواتي ُيحدِّ ُث َنا عن َّ‬ ‫االطالع‬

‫تع َّر�ضَ يف �آخر حياته ملر�ض ع�ضال ا�ستع�صى على الأط َّباء‬ ‫ا َّلتي ال ح َّد لها‪:‬‬ ‫عاما‪ ،‬يف‬ ‫ال�س ِّر يف مكتبه وطلب م ِّني �أن‬ ‫«اتَّفقنا على ال ِّلقاء‬ ‫فالزم الفرا�شَ م َّدة �سن ٍة َّثم لقي ر َّب ُه عن �سنِّ ‪ً 72‬‬ ‫ُ‬ ‫عالج ُه َ‬ ‫العلمي يف ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ال �أُخرب �أحدً ا و�س�ألني‪ :‬كيف �أقر�أ؟ ف�أخربته اخلرب‪ ،‬فقال يل‪� :‬إنَّ يوم الأحد ‪ 02‬ذي القعدة ‪1407‬هـ‪ 26/‬جوان ‪1987‬م ‪.:‬‬ ‫نتيجة القراءة ثالثة‪:‬‬ ‫ـ �شي ٌء فهمته ال حتتاج من ي�شرحه لك‪.‬‬ ‫ـ �شي ٌء فهمته ومل تفهمه �أي فهمته ن�صف الفهم‪.‬‬ ‫ـ �شي ٌء ا�ستغلق َ‬ ‫عليك وا�ستع�صى‪.‬‬

‫(‪ ((3‬د‪ /‬التَّواتي بن التَّواتي‪« :‬ا َّلتعريف ب�أعالم من مدينة الأغواط»‪ ,‬جم َّلة «الواحات‬ ‫للبحوث والدِّ را�سات»‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬دي�سمرب ‪2006‬م‪ 33( ،‬ـ ‪.)40‬‬

‫ال�شيء ا َّلذي فهمته فطلب م ِّني �أن � ِّ‬ ‫أخل�صه‪ ،‬و�أ َّما َّ‬ ‫�أ َّما َّ‬ ‫ال�شيء‬ ‫ا َّلذي فهمت بع�ضه فطلب م ِّني �أن �أقيد له ما مل �أفهمه‪� ،‬أ َّما ما‬ ‫ا�ستغلق وا�ستع�صى فهو حمل َّ‬ ‫كتاب‬ ‫ال�شرح والإي�ضاح‪ ،‬وكان �أ َّول ٍ‬ ‫ق َّر َر ُه يل «بدائع الفوائد» البن ق ِّيم اجلوز َّية‪ ،‬بد�أنا به امل�شوا َر َّثم‬ ‫ال�سالكني»‪ ،‬فـ«االعت�صام»‪ ،‬فـ«املوافقات» َّ‬ ‫اطبي‪...‬‬ ‫«م��دارج َّ‬ ‫لل�ش ّ‬ ‫(‪ ((3‬مربوك زيد اخلري‪َّ :‬‬ ‫«ال�شيخ �أبو بكر احلاج عي�سى ومنهجه رَّ‬ ‫التبوي ال َّر�شيد»‬ ‫ال�سل�سلة ال َّرابعة‪ ،‬العدد (‪.)12( ،)78‬‬ ‫«الب�صائر»‪،‬‬ ‫(احللقة ال َّثالثة)‪/‬‬ ‫ِّ‬ ‫(‪� ((3‬أحمد ح َّماين‪ ,‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫والية برج بوعريرج‬

‫بل�سان‬ ‫احلمد هلل ا َّلذي �أنزل الفرقان ٍ‬ ‫عربي مبني‪َّ ،‬‬ ‫وف�ضله �سبحانه على كتب‬ ‫ٍّ‬ ‫املتقدِّ مني و ُز ُبر الأ َّولني‪ ،‬وجعله لل َّنا�س هدى‬ ‫وف�صله للعاملني‪ ،‬وجعل البيانَ يف‬ ‫ورحم ًة َّ‬ ‫لغته فقال تعاىل‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [\‪ ،]¤‬فعجزت‬ ‫عن م ْث ِله �أل�سن ُة ال ُبلغا ِء الـ ُم َف َّو ِهني‪ ،‬وحا َر ْت‬ ‫يف ُم ْعجز ِته ُع ُقول ا ُ‬ ‫حل َك َماء املف ِّكرين‪.‬‬ ‫م ِا�س ًنا‬ ‫�إِنَّ الـَّذي مَلأَ اللُّ ِ‬ ‫غات حَ َ‬ ‫َ‬ ‫و�س َّر ُه يف َّ‬ ‫ال�ضا ِد‬ ‫َج َعل‬ ‫اجلمال ِ‬ ‫و�صَ َّلى اهلل و�س َّلم على �أف�صح من نطق‬ ‫ِّ‬ ‫بال�ضا ِد يف الأ َّول�ين وال ِآخ��ري��ن‪ ،‬ا�صطفاه‬ ‫�سبحانه من خري قبيلة يف العرب ل ُي ْظهِ َره‬ ‫على الدِّ ين ك ِّله ولو َك ِره امل�شركون‪ ،‬وعلى‬ ‫�آل��ه و�صحبه وم��ن ا َّت��بَ�� َع هُ ��دَ اهُ ��م �إىل يوم‬ ‫الدِّ ين‪� ،‬أ َّما بعد‪:‬‬ ‫����ان �ش�أ ٌن‬ ‫ف��ق��د ك���ان ل��ل��ع��رب�� َّي��ة يف زم ٍ‬ ‫مرفوع‪ ،‬وكان لها بيتٌ معمور يق�صده من‬

‫رام البيانَ و���س�� َّره‪ ،‬وط��ل َ​َ��ب البدي َع ود َّره‪،‬‬ ‫حتَّى �إ َّن ُه ليجتمع ُ‬ ‫قبائل ال َع َر ِب فيه لي َع ِّلق‬ ‫ُ‬ ‫ويخط َب‬ ‫َ��اخ�� ًرا‪،‬‬ ‫ال��� َّ��ش��اع�� ُر ق�صيدته ُم��ف ِ‬ ‫عربي مبني‪ ،‬ومل‬ ‫امل ِْ�ص َق ُع خطبته بل�سان‬ ‫ٍّ‬ ‫يلبث �أنْ بد�أ �ش�أنها ين ُق�ص ويت�ضَ ْع�ضَ ع ملَّا‬ ‫اختلط العرب بال َع َجم‪ ،‬وتكا َل َب على الأ َّمة‬ ‫العرب َّية باقي الأمم‪� ،‬إىل �أن �آل �إىل ما هو‬ ‫عليه اليوم‪ ،‬رغم �أنَّ العلماء من �سلف الأ َّمة‬ ‫العرب َّية حاولوا تدوين كالم العرب‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل قواعد وقوان َني حلفظ مبادئ‬ ‫ً‬ ‫ا�ستنباطا من كالم‬ ‫ال�سامية‪،‬‬ ‫هذه اللُّغة َّ‬ ‫اهلل ع�� َّز وج��� َّل‪ ،‬وا�ستقرا ًء لكالم العرب‬ ‫يحوم بهذه اللُّغة‬ ‫الأ َّولني‪ ،‬وال يزال املر�ض ُ‬ ‫�إىل يومنا‪ ،‬فال ُع ْج َمة َيتَل َّق ُفها ك ُّل ل�سان‪،‬‬ ‫دب يف لغة البيان‪ ،‬واهلل امل�ستعان‬ ‫والف�ساد َّ‬ ‫وعليه التُّكالن‪.‬‬ ‫قد ُق��دِّ ر لنا �أن نكون يف زمان ال يرى‬ ‫العربي فخ ًرا وال ع َّز ًة لنف�سه‬ ‫فيه امل�سلم‬ ‫ُّ‬

‫اللغة واألدب‬

‫�صدام ز ِّميت‬

‫�أك��ب�ر م��ن تقليد ال��غ��رب�� ِّي�ين‪ ،‬وال ُّنطق‬ ‫بل�سانهم‪ ،‬واقتفاء �أثرهم‪ ،‬ف َه َج َر املخدو ُع‬ ‫و�سج َّيته‪ ،‬وباع دينه‬ ‫وج َفا ل�سا َنه ِ‬ ‫عرب َّيتَه‪َ ،‬‬ ‫ون�س َي �أ�صله و�أنكر ن�س َبه‪ ،‬فما �أ�ش َّدها‬ ‫ِ‬ ‫م��ن م�صيبة‪ ،‬وم��ا �أك�بره��ا م��ن و�صمة‬ ‫��رب منه‬ ‫ع���ار يف جبينه‪ ،‬وق���د ب��ل��غ ال��غ ُ‬ ‫َم ْب َل َغهم‪ ،‬و�أخذوا بلبابه وق�شوره‪ ،‬و�أر�سلوا‬ ‫جيو�شهم فجا�سوا خالل عقيدته‪ ،‬وعاثوا‬ ‫يف �أخالقه ف�سادًا‪ ،‬وت�َّبرَرَّ ُ وا ما َع َل ْوا من‬ ‫موطن �أ���س��راره تتب ًريا‪ ،‬فكانت َّ‬ ‫الطا َّمة‬ ‫ِ‬ ‫عندها ـ ن�س�أل اهلل العافية ـ‪.‬‬ ‫ك�لام اجل��زائ��ريِّ كلُّه غ َري‬ ‫أ�صبح‬ ‫ُ‬ ‫و� َ‬ ‫من�صرف‪ ،‬وع َّل ُة امتناع �صر ِفه يف ذلك‬ ‫ال ُع ْجم ُة القبيحة‪ ،‬ويا لها من ف�ضيح ٍة‬ ‫وداه��ي��ة جموحة‪ ،‬بل قد ينتهي‬ ‫�شني َع ٍة ِ‬ ‫الأم��ر َّ‬ ‫العربي‬ ‫العربي الأ�صل‪،‬‬ ‫اب‬ ‫بال�ش ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ال َّلهجة‪� ،‬إىل نبذ دينه وتدني�س عقيدته‪،‬‬ ‫وت�سليم �إ�سالمه لأعدائه‪ ،‬مع �أنَّ الإ�سالم‬ ‫ق��د حَ�� ِف َ��ظ ل��ه ُل��غَ��تَ��ه‪ ،‬و���ص��ان ل��ه عر�ضَ ُه‬ ‫َ‬ ‫و�ش َر َفه‪ ،‬ورفع له �أ�صله ون�سبه‪ ،‬كما انتهى‬ ‫ال ْأم�� ُر ب�أولئك َّ‬ ‫الطحا�سنة(‪ )1‬اجلاحدين‬ ‫لنعمة الإ����س�ل�ام وال���ق���ر�آن‪ ،‬الكافرين‬ ‫بمِ ِ َّنتِهِ ما على َّ‬ ‫الطبع وال ِّل�سان‪ ،‬ال َّداعني‬ ‫لتفتُّح احل�ضارات وهم قد غ َّلقوا �أبوابها‪،‬‬ ‫لتوا�ص ِلها وه��م ق��د َّ‬ ‫قط ُعوا‬ ‫ال��زَّاع��م�ين‬ ‫ُ‬ ‫�أ�سبابها‪ ،‬امل�� َّد ِع�ينَ لإ�صالحها وه��م قد‬ ‫�أف�سَ دُوا َج َنا َب َها‪.‬‬ ‫فهذه �آفاتٌ كما ترى �أحاطت بلغتنا‬ ‫وع َّودَت ال ِّل�سانَ‬ ‫ف�أكثرَ​َ ْت عليها ال َّد ِخيل‪َ ،‬‬ ‫((( ن�سب ًة �إىل طه ح�سني ال��دَّاع��ي �إىل جتديد اللُّغة‬ ‫و�إدخ���ال الدَّخيل عليها‪ ،‬وه��و ال َّناقد ا َّل��ذي �أراد‬ ‫نقد القر�آن الكرمي‪ ،‬وهيهات له ذلك! انظر كتاب‪:‬‬ ‫«طه ح�سني يف ميزان العلماء والأدب���اء»‪ ،‬وكتاب‬ ‫«حتت راية القر�آن»‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪51‬‬


‫اللغة واألدب‬ ‫‪52‬‬

‫العربي ا ُ‬ ‫خل ُمول‪ ،‬ف�صار ال َّل ْحن يف الإعراب‬ ‫َّ‬ ‫دَ�أْ َب الأدي���ب‪ ،‬و�صار اخل ْل ُط يف الألفاظ‬ ‫ِه ِّج َري اخلطيب‪ ،‬و�أ ِي ْ�س َنا من البليغ �أن يبلغ‬ ‫م�أربه‪ ،‬حتَّى انهار �صرح البلدان ال َّناطقة‬ ‫َّ‬ ‫بال�ضاد‪ ،‬و�أ�صبح ال ُي�سمع للف�صحى �صَ دً ى‪،‬‬ ‫ومن �أ�سباب ذلك ما َعمِ ل على ن�شره ُ‬ ‫بع�ض‬ ‫العام َّية يف‬ ‫املت�شدِّ قني العاجزين‪ ،‬برتويج ِّ‬ ‫أقرب‬ ‫مقاالتهم‪ ،‬زع ًما منهم �أ َّنها لهجاتٌ � ُ‬ ‫�إىل فهم اجلمهور‪ ،‬ومل يعملوا على رفع‬ ‫م�ستوى هذا اجلمهور بل �أنزلوا م�ستواهم‬ ‫وتنازلوا عن لغتهم‪ ،‬وا�ستبدلوا ا َّلذي هو‬ ‫�أدن��ى ب��ا َّل��ذي هو خ�ير‪ ،‬ومل يعلموا �أنَّ يف‬ ‫�صالح دينهم و�أخالقهم‪ ،‬يقول �شيخ‬ ‫لغتهم‬ ‫َ‬ ‫الإ�سالم ابن تيمية ‪« ::‬اعلم �أنَّ اعتياد‬ ‫اللُّغة ي�ؤ ِّثر يف العقل وا ُ‬ ‫خل ُلق والدِّ ِين ت�أث ًريا‬ ‫قو ًّيا ب ِّي ًنا‪ ،‬وي�ؤ ِّثر � ً‬ ‫أي�ضا يف م�شابهة �صدر هذه‬ ‫ال�صحابة والتَّابعني‪ ،‬وم�شاب َهتُهم‬ ‫الأ َّمة من َّ‬ ‫تزيد َ‬ ‫العقل والدِّ ينَ وا ُ‬ ‫خل ُلق»(‪.)2‬‬ ‫لقد �صار َّ‬ ‫العربي ـ وال حول وال‬ ‫اب‬ ‫ال�ش ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ق َّوة �إ َّال باهلل ـ ال َي ْع ِر ُف‬ ‫���اب �أن يكو َن‬ ‫الفاعل من املفعول‪ ،‬ال ن��ط��ل��ب م���ن ال���� َّ���ش ِّ‬ ‫املا�ض َي من امل�ضارع‪ ،‬وال‬ ‫وال ِ‬ ‫َ‬ ‫اال�سم من اخللي َل ب َ��ن �أحمد‪ ،‬وال نريد له �أن‬ ‫َ‬ ‫الفعل‪َ ،‬ف ْ�ض ًال عن �أنْ‬ ‫يعرف البنا َء من يعتكف على ُك�� ُت��بِ ال َّنحو ِّيني ح َّتى‬ ‫سري‬ ‫الإعراب‪� ،‬أو �أن يعرف احلروف ومعا ِن َي َها‪ ،‬ي�صْ ِب َح �سيبويه‪ِ ،‬‬ ‫ولكن اهتما ٌم ي� ٌ‬ ‫فهم كتاب اهلل‪� ،‬أو ُ‬ ‫فكيف باهلل ميكنه ُ‬ ‫فهم واع���ت���زا ٌز ك��ب�ير ب��ه��ذه ال�� ُّل��غ��ة يكفي‬ ‫ُ�س َّنة ر�سول اهلل ‪ ،Í‬وقال �شيخ الإ�سالم‬ ‫نف�س اللُّغ ِة من الدِّ ين‪ ،‬ومعر َفتُها‬ ‫‪�« ::‬إنَّ َ‬ ‫و�إذا ك َّنا قد عرفنا م ْك َمنَ ال َّداء‪ ،‬وخمْ بَ�أ‬ ‫ف ْر ٌ�ض واج ٌ��ب‪ ،‬ف���إنَّ َف ْه َم الكتاب ُّ‬ ‫وال�س َّنة املر�ض‪ ،‬وعرفنا بع�ض �أ�سباب انحطاط‬ ‫ف ْر ٌ�ض‪ ،‬وال ُيفْهم �إ َّال بفهم اللُّغة العرب َّية‪ ،‬هذه الأ َّمة العرب َّية ـ ل َق ًبا يف الواقع ـ‪ ،‬فكيف‬ ‫(‪)3‬‬ ‫وما ال ي ِت ُّم‬ ‫الواجب �إ َّال به فهو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ال�سبيل ـ بعد‬ ‫واج ٌب» ‪ .‬ال��ع�لاج ي��ا ت���رى؟ وم��ا ه��و َّ‬ ‫ال�صراط امل�ستقيم خمالفة �أ�صحاب اجلحيم» توفيق اهلل تعاىل ـ �إىل ِّ‬ ‫ال�شفاء؟ ومن �أين‬ ‫((( «اقت�ضاء ِّ‬ ‫)‪.‬‬ ‫‪469‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪1‬‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫تيمية‬ ‫ابن‬ ‫إ�سالم‬ ‫ل�شيخ ا‬ ‫«اقت�ضاءل ال�����ص��راط امل�ستقيم خمالفة �أ�صحاب نبد�أ الإ�صالح لين�ش�أ لنا جي ٌل لغ ُة َ�ش َبا ِب ِه‬ ‫(((‬ ‫ِّ‬ ‫اجلحيم» ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ .)469/1( :‬ال ُف ْ�ص َحى؟‬ ‫وال يقف احلال عند هذا احلدِّ بل ربمَّ ا‬ ‫عرف بع�ضهم هذا وتع َّمد َن ْ�ص َب الفاعل‬ ‫ور ْف��� َع املفعول‪ ،‬وا َّدع���ى يف ذل��ك احل ِّر َّي َة‬ ‫��ري بها‬ ‫يف ال��ك�لام‪ ،‬وي��ا لها من ح�� ِّر َّي�� ٍة ح ٌّ‬ ‫�أن تُ���زَ ال؛ لأ َّنها ح ِّر َّية عانت منها لغ ُت َنا‬ ‫الويالت‪ ،‬ويا ثكل ُل َغتَاه!!‬ ‫و�إذا َ‬ ‫نظ ْرتَ �إىل الأو�ساط املثقَّفة من‬ ‫َّ‬ ‫املتخ�ص ِّ�صني يف الأدب‬ ‫ال�شباب بل من‬ ‫ِّ‬ ‫العربي ومن هم يف املرحلة ال ِّنهائ َّية من‬ ‫الدِّ را�سات اجلامع َّية ر�أي َ��ت �ضيا َع الأد َِب‬ ‫ً‬ ‫لفظا ومعنى‪ ،‬ووجدت من ال يح�سن تعب ًريا‪،‬‬ ‫وال ي��وج��ز ت��ط��وي ً‬ ‫تخ�ص�ص‬ ‫�لا‪ ،‬وال ُي��ت�� ِق��نُ ُّ‬ ‫جماله َبله من هم يف َميادينَ �أخرى‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ال نطلب من َّ‬ ‫اخلليل‬ ‫اب �أن يكونَ‬ ‫ال�ش ِّ‬ ‫ب��نَ �أح��م��د‪ ،‬وال نريد له �أن يعتكف على‬ ‫ي�ص ِب َح �سيبويه‪،‬‬ ‫ُك�� ُت ِ��ب ال َّنحو ِّيني حتَّى ْ‬ ‫ري واعتزا ٌز كبري بهذه‬ ‫ِ‬ ‫ولكن اهتما ٌم ي�س ٌ‬ ‫اللُّغة يكفي‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫يف ال��ب��داي��ة قَ���مِ ���نٌ ب��ن��ا �أن نعلم �أنَّ‬ ‫ري من العالج‪ ،‬ولو �سعى رجال‬ ‫الوقاية خ ٌ‬ ‫حب لغتهم‬ ‫القوم �إىل تن�شئة �أبنائهم على َِّ‬ ‫والتَّكلُّم بها لكان لنا جي ٌل يتك َّلم الف�صحى‬ ‫�سليق ًة ال يتع َّداها �إىل غريها من اللُّغات �أو‬ ‫ثت ع َّل ٌة برجال القوم‬ ‫ال َّلهجات‪ ،‬ولكن حدَ ْ‬ ‫عالجها‪ ،‬ف�إذا �صَ َل َحت العَينْ ُ �صلحت‬ ‫َو َج َب ُ‬ ‫�سواقيها‪ ،‬وال ُب�� َّد من �إ���ص�لاح العني قبل‬ ‫ُّ‬ ‫ال�ش ُروع يف ه��ذا امل�شروع‪ ،‬فنقول وباهلل‬ ‫ن�ستعني‪:‬‬ ‫�أ َّو ًال‪ :‬على رج��ال الأ َّم��ة ال�� ُّرج��و ُع �إىل‬ ‫َّم�س ُك بعقيدتهم ووقاي ُة �أهلهم‪،‬‬ ‫دينهم‪ ،‬والت ُّ‬ ‫والرباء ُة من الغ ْر ِب و�أه ِل ِه وعاداته َ‬ ‫وط ْبعه‪،‬‬ ‫ث َّ���م عليهم ب�ت�رك ل��غ��ة ال��ع��ج��م ونبذها‪،‬‬ ‫ب��ل وتهمي�شها كَ�� ْي�لاَ ين�ش�أ نا�شئ اجليل‬ ‫ال�صاعد وقل ُبه ُم َع َّل ٌق بالعجمة‪ ،‬يح ُّبها‬ ‫َّ‬ ‫ويعت ُّز بها‪ ،‬فمن اخلطوب املدله َّمة �أن ترى‬ ‫لدولة عرب َّية تعلي ًما بغري لغتها‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬علينا العود ُة �إىل لغتنا ودرا�ستُها‪،‬‬ ‫االهتمام بها والعناية بتطبيقها والتَّكلُّ ُم‬ ‫َّثم‬ ‫ُ‬ ‫ي�س َم ُح لنا بحفظ‬ ‫بها يف حياتنا تكلُّ ًما ْ‬ ‫مبادئها وتر�سيخ قواعدها ومبانيها‪ ،‬وهذا‬ ‫ـ واهلل! ـ ال يكون �إ َّال �إذا بد�أ ك ُّل �شخ�ص مع‬ ‫نف�سه‪ ﴿ ،‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ﯖ ﴾ [‪.]11 :i‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬على الهيئات التَّعليم َّية رَّ‬ ‫التكي ُز‬ ‫َ‬ ‫فتعمل‬ ‫على هذا اجلانب �أكرث من غريه‪،‬‬ ‫على تعليم العرب َّية وعلومها وقواعدها‬ ‫تعلي ًما يج َع ُل املتع ِّل َم قاد ًرا على فهم الكالم‬ ‫العربي‪ ،‬وممار�سة التَّكلُّم باللُّغة العرب َّية‬ ‫ممار�س ًة �صحيحة‪ ،‬ويف ه��ذا ع�� ٌّز للبال ِد‬ ‫والعباد‪ ،‬يقول الب�شري الإبراهيمي ‪:‬‬


‫اللغة واألدب‬

‫يف �إحدى مقاالته «�إىل م�ؤمتر التَّعريب»‪:‬‬ ‫«وي���ج���ب ح��م��ل ال���تَّ�ل�ام���ذة ع��ل��ى التَّكلُّم‬ ‫بالعرب َّية الف�صحى ما داموا يف املدر�سة‪،‬‬ ‫ال�سهلة‪َّ ،‬ثم‬ ‫وت��دري��ج��ه��م على الكلمات َّ‬ ‫اجلمل الف�صيحة‪َّ ،‬ثم رَّ‬ ‫التاكيب اجلارية‬ ‫على ال��ق��وان�ين ال��ع��رب�� َّي��ة‪ ،‬ف�لا ُي��ج��اوزون‬ ‫مرحلة التَّعليم االبتدائي �إ َّال وه��م عرب‬ ‫�صغار‪ ،‬ومن احلكمة يف هذه املرحلة �أ َّال‬ ‫ينطق املع ِّلمون �أمامهم بكلمة �أعجم َّية‬ ‫حتَّى ال تخد�ش ملكا ِتهم‪ ،‬ف�إنَّ كلم ًة واحد ًة‬ ‫قد تف�سد َّ‬ ‫كل عمل»‪.‬‬ ‫املهم جدًّا �أن يَِّ‬ ‫نول الأدب‬ ‫راب ًعا‪ :‬من ِّ‬ ‫َ‬ ‫ونحافظ عليه وعلى حامليه‬ ‫عناية فائقة‪،‬‬ ‫مم���ا ق��د ي�����ش��وب��ه م��ن ال َّلحن‬ ‫ون��خ�� ِّل�����ص��ه َّ‬ ‫وال�� َّدخ��ي��ل م��ن عجمة الأع��اج��م‪ ،‬فاللُّغة‬ ‫العرب َّية تعترب حاملة لواء ثقافة العرب‪،‬‬ ‫وجامعة روابطهم وم�برزة �شخ�ص َّياتهم‪،‬‬

‫وخدمتنا للغتنا تعني على خدمة ديننا وال‬ ‫َّ‬ ‫�شك‪ ،‬فعلينا �أن ِّ‬ ‫نغذي مكتباتنا بكتب اللُّغة‬ ‫وعلومها و�أن ن�ستغ َّل َّ‬ ‫كل و�سيل ٍة تُ�سهم يف‬ ‫ن�شر هذه اللُّغة وت�سهيلها للعاملني‪.‬‬ ‫هذا وينبغي عليك ـ يا طالب العلم ـ‬ ‫يخ�صك �أكرث‬ ‫�أن ال تهمل عرب َّيتك‪ ،‬و�ش�أ ُنها ُّ‬ ‫من غريك‪ ،‬فاحر�ص على طلب هذه الآلة‬ ‫َّ‬ ‫ال�ضرور َّية‪ ،‬واجتهد للح�صول عليها‪ ،‬وهي‬ ‫حت�صي َلها‪،‬‬ ‫�سهلة على من �س َّهل اهلل عليه ِ‬ ‫طالب العلم ـ و َقل َمك‬ ‫َّثم َر ِّو�ض ل�سا َنك ـ �أيا َ‬ ‫عليها‪ ،‬حتَّى �إذا �أتقنتها؛ فاحمد اهلل تعاىل‬ ‫�أَنْ �أله َم َك لغة ال��ق��ر�آن‪ ،‬وع َّلمك معجزة‬ ‫البيان‪ ،‬قال الإمام َّ‬ ‫ال�شافعي ‪« ::‬فعلى‬ ‫ِّ‬ ‫م�سلم �أن يتع َّلم من ل�سان ال َع َرب ما‬ ‫كل ٍ‬ ‫َب َل َغ ُه جَ�� ْه�� ُد ُه»(‪)4‬؛ حتَّى ي���ؤد َِّي فرائ�ضه حقَّ‬ ‫الأداء‪ ،‬وناهيك يف معرفة ف�ضل هذه اللُّغة‬

‫�أنَّ القر�آن �أُنزل بها عرب ًّيا غ َري ذي ِع َوج‪،‬‬ ‫و�أ َّنه جاء ُم َ�ش ِّر ًفا لها‪ ،‬فهو حاميها وراف ُع‬ ‫�ش�أنها‪ ،‬كما يكفيك �أ َّنك ال جتد عالمِ ًا ر َّبان ًّيا‬ ‫مف�س ًرا لكتاب اهلل ال‬ ‫وال فقي ًها �شرع ًّيا �أو ِّ‬ ‫يجيدها‪.‬‬ ‫و�ص َّلى اهلل على نب ِّينا حم َّمد وعلى �آله‬ ‫و�صحبه و�س َّل َم ت�سلي ًما كث ًريا‪.‬‬

‫‪‬‬

‫((( «ال ِّر�سالة» للإمام َّ‬ ‫ال�شافعي ـ حتقيق �أحمد حم َّمد‬ ‫�شاكر (‪ )132‬باخت�صار يف �آخره‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪53‬‬


‫قضايا تربوية‬

‫ُقرَّة عني األبوين‬ ‫يف رعاية و تربية البنات والبنني (‪)3‬‬

‫جنيب جلواح‬

‫ال�سل�سلة‬ ‫ه���ذا ه��و اجل���زء ال�� َّث��ال��ث والأخ��ي�ر مِ ���ن ه���ذه ِّ‬ ‫ح�سا�سـ ٍة ج��دًّا‪ ،‬وهي تربية‬ ‫الترَّ بو َّية‪ ،‬واملتع ِّلق بق�ض َّية َّ‬ ‫ال ِّ��ط��ف��ل ت��رب��ي�� ًة �إ���س�لام�� َّي��ة‪ ،‬واحل��اج��ة م��ا� َّ��س��ة �إىل مثل‬ ‫ه���ذه امل��وا���ض��ي��ع‪ ،‬خ��ا�َّ��ص��ة يف زم��ان��ن��ا ه���ذا‪ ،‬ال �سيما مع‬ ‫الف�سـاد الأخ�لاق��ي ا َّل���ذي ف�شا يف جمتمعاتنا وانت�شر‬ ‫ان��ت�����ش��ا ًرا ره��ي�� ًب��ا‪ ،‬وم���ا زاد يف ال ِّ��ط�ين ب�� َّل��ة‪ ،‬ه��و �إهمال‬ ‫ب��ع�����ض الأول���ي���اء لأب��ن��ائ��ه��ـ��م‪ ،‬وت��ف��ري��ط��ه��م يف �أداء هذا‬ ‫نتوجه �إليهم بهذه‬ ‫ال��واج��ب؛ ل��ذا ك��ان علينا لزا ًما �أن َّ‬ ‫يح ُة» ـ ع�سى اهلل � ْأن ينفعهم‬ ‫ال َّتذكرة ـ «وال�� ِّدي ُ��ن ال َّن ِ�ص َ‬ ‫بها‪ ،‬وجت��د قلو ًبا واع��ي�� ًة‪� ,‬إ َّن��ه و ُّ‬ ‫يل ذل��ك وال��ق��ادر عليه‪.‬‬ ‫مما يتعينَّ على‬ ‫و�إكما ًال لـ ِما تو َّقفنا عنده يف اجلزء ال َّثاين‪َّ ،‬‬ ‫الآباء �أن َيعلموه و ُيع ِّلموه �أبناءَهم؛ �أقول ـ وباهلل �أ�ستعني ـ‪:‬‬

‫‪54‬‬

‫اإلسالمية‬ ‫* تعليم الولد األخالق الفاضلة واآلداب‬ ‫َّ‬ ‫والسنن َّ‬ ‫النبويَّة‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫يل �أم��ر ِّ‬ ‫ينبغي ل��و ِّ‬ ‫الطفل �أن ُيع ِّلم �صغريه الأدب‪ ،‬ويح ِّليه‬ ‫بف�ضائل الأخ�لاق‪ ،‬فهي زينة الفتى؛ فعن �أبي مو�سى الأ�شعريِّ‬ ‫‪ Ç‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪�« :Í‬أَيمُّ َا َر ُجلٍ َكا َنتْ عِ ْن َد ُه َولِي َد ٌة‬ ‫َف َع َّل َمهَا َف�أَ ْح َ�س َن َت ْعلِي َمهَا َو َ�أ َّد َب�� َه��ا َف�أَ ْح َ�س َن َت�أْدِي َبهَا ُث�� َّم �أَ ْع َت َقهَا‬ ‫َو َت َز َّو َجهَا َفلَ ُه �أَ ْج َرانِ ‪ »...‬احلديث(‪.)1‬‬ ‫ف�إذا كان هذا ال َّثواب ـ وهو ُم�ضاعفة الأجر ـ ملن ع َّلم �أَ َمتَه‬ ‫و�أ َّدبها‪ ،‬فال يبعد �أنْ يكون ملع ِّلم ولده وم�ؤدِّبه مث ُله‪ ،‬فيرُ جى له‬ ‫م�ضاعفة الأجر ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ واهلل وا�سع الف�ضل‪.‬‬ ‫علي بن �أبي طالب ‪ Ç‬ـ يف تف�سري قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯞ‬ ‫قال ُّ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [‪ ]6 :Á‬ـ‪« :‬ع ِّلموهـم و�أدِّبوهم»(‪.)2‬‬ ‫ال�صغري الأخ�لاق‪ ،‬و�أم��ره بالف�ضائل‪ِ ،‬من حقِّ الولد‬ ‫وتعليم َّ‬ ‫على �أبيه؛ فعن ابن املبارك قال‪ :‬كان �سفيان ال َّثوري يقول‪« :‬ح ُّق‬ ‫الولد على الوالد �أن ُيح�سن ا�س َمه‪ ،‬و�أن ُيز ِّوجه �إذا بلغ‪ ،‬و�أن ُيح�سن‬ ‫�أدبه»(‪.)3‬‬ ‫وم��ن ذل��ك �أن ير ِّبيه على اح�ت�رام الكبار ـ ِ�س ًّنا �أو عل ًما ـ‬ ‫ويو ِّقرهم‪ ،‬ويعرف لهم حقَّهم‪ ،‬و ُينزلهم منازلهم؛ فعن �أن�س ابن‬ ‫بي ‪ Í‬ف�أبط�أ القوم عنه �أن‬ ‫ٍ‬ ‫مالك ‪ Ç‬قال‪ :‬جاء �شيخ يريد ال َّن َّ‬ ‫ري َنا‬ ‫بي ‪َ « :Í‬ل ْي َ�س مِ َّنا َمنْ لمَْ َي ْر َحـم َ�ص ِغ َ‬ ‫ِّ‬ ‫يو�سعوا له‪ ،‬فقال ال َّن ُّ‬ ‫ري َنا»(‪.)5‬‬ ‫ري َنا»(‪ ,)4‬ويف رواية‪« :‬و َيعرِف َح َّق َك ِب ِ‬ ‫َو ُي َو ِّقر َك ِب َ‬ ‫((( �أخرجه البخاري (‪.)5083‬‬ ‫((( رواه ابن جرير َّ‬ ‫الطربي يف «تف�سريه» (‪ )165/28‬وعبد ال َّر َّزاق يف «امل�ص َّنف»‬ ‫(‪.)4741‬‬ ‫وال�صلة» (‪ )155‬وقال حم ِّققه‪« :‬رجال �إ�سناده ثقات»‪.‬‬ ‫((( رواه املروزيّ يف «ال ِّرب ِّ‬ ‫التمذي (‪ )1919‬وهو يف «�صحيح ُ�سنن رِّ‬ ‫((( �أخرجه رِّ‬ ‫التمذي» للألباين (‪.)1565‬‬ ‫((( �أخرجه �أبو داود (‪ )4943‬من حديث عبد اهلل بن عمرو ‪ È‬وهو يف «�صحيح‬ ‫ُ�سنن �أبي داود» للألباين (‪.)4134‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫وح�سن �أخالقه‪ .‬و�إذا نهاه‬ ‫ِومن ذلك ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ‪� :‬أن يع ِّودوهم �أ َّال يتك َّلموا قبل الكبار لقوله حتَّى يحافظ على �سالمة فطرته‪ُ ،‬‬ ‫عن ت�ص ُّرف‪� ،‬أو منعه ِمن منكر‪ ،‬فعليه �أنْ ُيتبع ذلك ِببيان الع َّلة‬ ‫ب ـ �أو قال ـ ِل َي ْب َد�إ الأَكْبرَ ُ »(‪.)7‬‬ ‫‪َ « :Í‬كبرِّْ ال ُك رْ َ‬ ‫وال�سبب‪ ،‬وهذا �أدعى لال�ستجابة‪ ،‬فين�ش�أ ِّ‬ ‫يل ِّ‬ ‫وعلى و ِّ‬ ‫الطفل على ال ِعلم‪ُ ،‬مبتعدً ا‬ ‫ال�س َّنة يف الأمور ك ِّلها‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫َّ‬ ‫الطفل �أن ُيع ِّلمه ُّ‬ ‫�شاب عليه»‪.‬‬ ‫و«من َ�ش َّب على �شيء َ‬ ‫�آداب النوم واال�ستيقاظ و�آداب اللُّب�س‪ ،‬و�آداب اخلالء‪ ،‬و�آداب عن احلرام ُمنذ ِّ‬ ‫ال�صغر‪َ ،‬‬

‫قضايا تربوية‬

‫ومن الآداب ا َّلتي ينبغي للآباء تلقينها �صغارهم‪� :‬أن يبد�أوا �أنْ ُيعينه على ال ِّرب والتَّقوى‪ ،‬وال ُيعينه على الإثم وال ُعدوان‪ ،‬وذلك‬ ‫��دم��رة؛ لأ َّنها‬ ‫الكبا َر بالتَّح َّية وي�سبقوهم �إليها‪ ،‬وهو من باب التَّوا�ضع لهم؛ لأنَّ بتطهري البيت ِم��ن �أج��ه��زة الف�ساد واالن��ح�لال امل ِّ‬ ‫وال�صغري م�أمور بتوقري الكبري واحرتامه؛ فعن و�سائل تخريب‪َ ،‬ومعا ِول هدم‪.‬‬ ‫حقَّ الكبري �أعظم‪َّ ،‬‬ ‫أخالقي‪ ،‬بحمايته‬ ‫وعليه �أن ُيج ِّنب ولده �أ�سباب االنحراف ال‬ ‫ري َعلَى‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪ُ « :‬ي�س ِّل ُم َّ‬ ‫ال�ص ِغ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫�أبي هريرة ‪ Ç‬عن ال َّن ِّ‬ ‫ِمن ُمطالعة ال ِق�ص�ص الغرام َّية‪ ،‬وال َّنظر يف املج َّالت اخلليعة‪،‬‬ ‫ري والـ َما ُّر َعلَى ال َقاعِ دِ وال َقلِي ُل َعلَى ال َك ِثريِ»(‪.)6‬‬ ‫ال َك ِب ِ‬

‫َومن �أراد العربة‪ ،‬فليت�أ َّمل يف �سرية ر�سول اهلل ‪ Í‬يف هذا‬ ‫ال�سفر‪ ،‬و�آداب ال�ضيافة والزيارة‪ ،‬و�آداب املجال�س‪ ،‬و�آداب ال ّذكر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال�صغار ويد ِّربهم على فعل َّ‬ ‫الطاعات‪،‬‬ ‫وال�سالم‪ ،‬و�آداب اال�ستئذان‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮬ الباب‪ ،‬فقد كان ُير ِّو�ض ِّ‬ ‫و�آداب التّحية ّ‬ ‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘ‬

‫ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬

‫واجتناب املح َّرمات‪ ،‬منذ نعومة �أظفارهم؛ فعن �أب��ي هريرة‬ ‫ال�صدقة‬ ‫علي ‪ È‬متر ًة ِمن متر َّ‬ ‫‪ Ç‬قال‪� :‬أخـذ احل�سن بن ٍّ‬

‫بي ‪ِ « :Í‬كخْ ِكخْ »(‪ )9‬ـ ليطرحها ـ َّثم قال‪:‬‬ ‫ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ﴾ [‪ ]58 :t‬و�آداب َّ‬ ‫الطعام فجعلها يف فيه ‪ ،‬فقال ال َّن ُّ‬ ‫ال�ص َد َق َة؟!»(‪ ,)10‬ويف رواية قال‪� :‬إنَّ ر�سول‬ ‫وال�شراب‪ ،‬فيجل�سه معه على املائـدة‪ ،‬و ُيراقب حركا ِت ِه وت�ص ُّرفاته‪�« ،‬أَمَا َ�ش َع ْر َت َ�أ َّنا َال َن ْ�أ ُك ُل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال�صدقة‪ ،‬ف�أمر فيه ب� ْأمر فحمل احل�سن �أو‬ ‫ف�إنْ الحظ خمالفة �شرع َّي ًة‪� ،‬أو �سو َء ت�ص ُّر ٍف ن َّبهه �إليه‪ ،‬ون�صحه ‪� Í‬أُتي بتمر من متر َّ‬ ‫خللق اجلميل‪ ،‬احل�سني على عاتقه فجعل لعا ُبه ي�سيل عليه فنظر �إليه ف�إذا هو‬ ‫التبي ِة احل�سنة وا ُ‬ ‫بلطف ول ٍني‪ ،‬ح َتّى ين�ش�أَ على رَّ‬ ‫ٍ‬ ‫وال�صغار ف�ض ًال عن يلوك مترة فح َّرك خ َّده وقال‪�« :‬أَ ْل ِقهَا َيا ُب َن َّي! �أَ ْل ِقهَا َيا ُب َن َّي! �أَمَا‬ ‫وهذا ا َّلذي كان عليه نب ُّينا ‪ Í‬مع الغلمان ِّ‬ ‫الكبار؛ فعن �أبي حف�ص عمر بن �أبي �سلمة ـ ربيب ر�سول اهلل ‪�َ Í‬ش َع َ‬ ‫ال�ص َد َق َة؟!»(‪.)11‬‬ ‫رت �أَ َّن �آ َل حُ َ‬ ‫م َّمدٍ َال َي�أْ ُك ُلو َن َّ‬

‫ال�صغري‬ ‫ويف هذا احلديث فائدة تربو َّية‪ ،‬وهي �أنَّ امل�ؤدِّب ُيل ِّقن َّ‬ ‫ـ قال‪ُ « :‬كنتُ ُغ َال ًما ِيف ِح ْج ِر َر ُ�س ِول اهلل ‪ Í‬وكانت يدي تطي�ش‬ ‫�لا ُم! َ�س ِّم اهلل َو ُك ْل و ُيع ِّلمه بالقول‪ ،‬و ُيتبع ذلك ببيان �سبب ال َّنهي‪ ،‬ودافع ال َّت�أديب‪،‬‬ ‫ال�ص ْح َفة فقال يل ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬يا ُغ َ‬ ‫يف َّ‬ ‫حتَّى ُيع ِّرفه خط�أه فيجتنبه‪ ،‬ف�إنْ �أتى ذلك بال َّثمرة املرج َّوة‪ ،‬و�إ َّال‬ ‫ِب َيمِ ين َِك َو ُك ْل ممِ َّ ا َيل َ‬ ‫ِيك»؛ فما زالت تلك طِ ْعمتي بعدُ»(‪.)8‬‬ ‫انتقل �إىل منعه ِمن املحظور بالفعل؛ يظهر ذلك يف اجلمع بني‬ ‫* أمر ِّ‬ ‫الطفل باملعروف ونهيه عن املنكر‪:‬‬ ‫ال�سابق حيث �إنَّ ال َّر�سول ‪ Í‬يكون ك َّلم احل�سن ـ‬ ‫الطفل �أنْ ُينكر عليه متى ارتكب حمظو ًرا‪ ،‬ويج ِّنبه روايتي احلديث َّ‬ ‫يل ِّ‬ ‫على و ِّ‬ ‫احلرام‪ ،‬ويحميه من املنكر‪ ،‬و ُيبعده عنه كالكبري‪ ،‬كما �أنَّ عليه �أ َّو ًال ـ بقوله‪ِ « :‬كخْ ِكخْ » فل َّما متادى يف ذلك‪ ،‬نزعها من فيه(‪.)12‬‬ ‫((( �أخرجه البخاري (‪.)6231‬‬ ‫((( �أخرجه البخاري (‪ )6898‬وم�سلم (‪ )1669‬وال َّلفظ له عن رافع بن خديج و �سهل‬ ‫ق�صة‪.‬‬ ‫ابن �أبي حثمة ‪ ,È‬وفيه َّ‬ ‫و�أخرجه البخاري ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ يف «الأدب املفرد» (‪ :)359‬باب‪ :‬يبد�أ الكبري بالكالم‬ ‫ال�صغري‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وال�سواك قبل َّ‬ ‫((( �أخرجه البخاري (‪ )5061‬وم�سلم (‪.)2022‬‬

‫((( بفتح الكاف وت�سكني اخلاء‪ ،‬ويجوز ك�سرها مع التَّنوين‪ ،‬وهي كلمة ُيزجر بها‬ ‫احلجاج»‬ ‫ِّ‬ ‫ال�صبيان عن امل�ستقذرات ‪ .‬انظر‪« :‬املنهاج �شرح �صحيح م�سلـم بن َّ‬ ‫لل َّنووي (‪.)175/7‬‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه البخاري (‪ )1491‬وم�سلم (‪.)1069‬‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه �أحمد يف «امل�سند» (‪.)9267‬‬ ‫(‪ ((1‬انظر‪« :‬مرعاة املفاتيح �شرح م�شكاة امل�صابيح» للمباركفوي (‪.)214/6‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪55‬‬


‫قضايا تربوية‬

‫وي�ؤخذ منه ـ � ً‬ ‫«ال�صغري ال ُيق ُّره ول ُّيه على التقاط ما‬ ‫أي�ضا ـ‪� :‬أنَّ َّ‬ ‫�شرعا‪ ،‬و�إنْ كان‬ ‫ال يجوز �أكله‪� ،‬أو على �أكل ما ال يجوز له يف حكمـه ً‬ ‫�صغ ًريا لي�س عليه تكليف؛ لأنَّ ول َّيه م�س�ؤول عنه»(‪.)13‬‬ ‫ق��ال اب��ن حجر‪« :‬ويف احل��دي��ث‪... :‬ج���واز �إدخ���ال الأطفال‬ ‫مما ي�ض ُّرهم‪ ،‬ومن‬ ‫امل�ساجد‪ ،‬وت�أديبهم مبا ينفعهم‪ ،‬ومنعهم َّ‬ ‫تناول املح َّرمات ـ و�إنْ كانوا غري مك َّلفني ـ ليتد َّربوا بذلك‪.‬‬ ‫وا�ستنبط بع�ضهم منه‪ :‬م ْنع و ِّ‬ ‫ال�صغرية ـ �إذا اعت ّدت ـ ِمـن‬ ‫يل َّ‬ ‫الزِّ ينة‪ ،‬وفيه الإعالم ب�سبب ال َّنهي‪ ،‬وخماطبة من ال مي ِّيز لق�صد‬ ‫�إ�سماع َمن مي ِّيز؛ لأنَّ احل�سن �إذ ذاك كان طف ًال»(‪.)14‬‬ ‫ومن هذا الباب ـ � ً‬ ‫ال�صغار ِمن اخلروج ِمن البيت‬ ‫أي�ضا ـ م ْنع ِّ‬ ‫عند غروب َّ‬ ‫ال�شم�س‪ ،‬خ�شية �إ�صابتهم ب�أذى؛ لأ َّنها �ساعة تنت�شر‬ ‫فيها َّ‬ ‫ال�شياطني؛ فعن جابـر بن عبد اهلل ‪ È‬قال ر�سـول اهلل‬ ‫نح ال َّل ْيل ـ �أو �أم�سيتم ـ ف ُك ُّفوا �صبيانكم‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫‪�« :Í‬إِ َذا َكانَ ُج ُ‬ ‫َّ‬ ‫ال�ش َي ِاط َني َت ْنت َِ�ش ُر ِحي َن ِئ ٍذ‪ ،‬فَ�إِ َذا َذهَ َب �سَ َاع ٌة ِمنَ ال َّل ْي ِل َف َخلُّوهُ ْم‪»...‬‬ ‫احلديث(‪ )15‬ويف رواية‪َ « :‬وا ْك ِف ُتوا ِ�ص ْب َيا َن ُكم عِ ن َد الع َِ�شا ِء َف�إِ َّن لِلجِ ِّن‬ ‫اِنت َِ�شا ًرا َو َخ ْط َف ًة»(‪.)16‬‬ ‫ِومن واجب الو ِّ‬ ‫يل �أن يب ِّغ�ض لأبنائه مزامري َّ‬ ‫ال�شيطان‪ ،‬كما‬ ‫�أنَّ عليه �أنْ يتلف َّ‬ ‫طرب ُوج��دت عندهم‪ ،‬وال ي�سمح لهم‬ ‫كل �آل�� ِة ٍ‬ ‫با�ستعمالها‪ ،‬وال ت�أخذه يف ذلك ر�أف ٌة بهم؛ فعن �أ�شعث بن عبد‬ ‫ال َّرحمن بن زبيد ق��ال‪« :‬ر�أي��تُ ج��دِّ ي ور�أى جاري ًة معها ز َّمارة‬ ‫ِم��ن ق�صب‪ ،‬ف�أخذها و�شقَّها‪ ،‬ور�أى جارية معها ٌّ‬ ‫دف‪ ،‬ف�أخذه‬ ‫فك�سره»(‪.)17‬‬ ‫��وي عمر بن عبد اهلل قال‪« :‬كتب عمر‬ ‫وعن �أبي حف�ص الأم ّ‬ ‫ابن عبد العزيز �إىل م���ؤدِّب ول��ده ـ �سهل م��واله ـ‪... :‬و ْليكن �أ َّو َل‬ ‫بغ�ض املالهي ا َّلتي بد�ؤها ِمن َّ‬ ‫ما يعتقدون ِمن �أدبك‪ُ :‬‬ ‫ال�شيطان‬ ‫وعاقبتها �سخط ال َّرحمن‪ ،‬ف�إ َّنه بلغني عـن ال ِّثقات ِمن حملـة العلم‬ ‫�أنَّ ُح�ضور املعـازف وا�ستماع الأغـاين وال َّلهج بهما ُينبت ال ِّنفاق يف‬ ‫�شب املا ُء »(‪.)18‬‬ ‫القلب كما ُينبت ال ُع َ‬ ‫(‪� ((1‬أفاده َّ‬ ‫ال�شيخ عطية �سامل ‪ :‬يف «�شرح بلوغ املرام» (درو�س �صوت َّية مف َّرغة)‪.‬‬ ‫(‪« ((1‬فتح الباري» (‪.)355/3‬‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه البخاري (‪ )3304‬وم�سلم (‪.)2012‬‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه البخاري (‪.)3316‬‬ ‫(‪ ((1‬رواه �أبو ُنعيم الأ�صبهاين يف «حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء» (‪.)32/5‬‬ ‫«ذم املالهي» (‪.)51‬‬ ‫(‪ ((1‬رواه ابن �أبي الدُّنيا يف ِّ‬

‫‪56‬‬

‫وال يفوتني �أن �أُذ ِّك��ر املر ِّبني‪� ،‬سواء كانوا �آب��اء �أو غريهم‪،‬‬ ‫بال�صبيان يف تعليمهم و�إر�شادهـم‪,‬‬ ‫باللُّطف وال�� َّر�أف��ة وال ِّرفق ِّ‬ ‫وعدم ت�ضخيم �أخطائهم‪ ،‬وهو ما كان عليه �س ِّيد الب�شر ‪ Í‬مع‬ ‫وجههم‪.‬‬ ‫ال َّنا�س‪ِ ,‬ب�شهادة َمن َن�صحهم و َّ‬ ‫وهذه َّ‬ ‫ال�صغري تُك�سب حم َّبته ملر ِّبيه‬ ‫ال�شفقة وال ِّرفق يف تعليم َّ‬ ‫يحب ُمطيع»‬ ‫حب ملن ُّ‬ ‫و ُو َّده‪ ،‬وبالتَّايل َقبول �إر�شاده و ُن�صحه‪ْ � ،‬إذ «املُ ُّ‬ ‫بخالف التَّعنيف ال َّدائم‪ ،‬وال ِغلظة امل�ستم َّرة‪ ،‬ف�إ َّنها تُ�س ِّبب نفو ًرا‬ ‫وكراهية‪ ،‬وبالتَّايل عدم قبول ال ُّن�صح‪ ،‬وترك االمتثال له‪.‬‬

‫الصغري ومظهره‪ ،‬وتعويد البنت‬ ‫* مراقبة لباس ّ‬ ‫ست واحلشمة‪ ،‬ومنعها من َّ‬ ‫الت رُّ‬ ‫على َّ‬ ‫ربج‪:‬‬ ‫الت ُّ‬ ‫ينبغي للوالد �أنْ ينهى ك َّل جن�س ـ من �أبنائه ـ عن التَّ�ش ُّبه‬ ‫باجلن�س الآخ��ر‪ ،‬فال ي�سمح للإناث بارتداء لبا�س ال ُّذكـور‪ ،‬وال‬ ‫ي�أذن لل ُّذكور ب�أن َيظهروا يف زيِّ الإناث؛ فعن �أبي هريرة ‪Ç‬‬ ‫قال‪َ « :‬ل َع َن َر� ُ��س ُ‬ ‫ِب�س َة املَ���ر َْ�أ ِة َواملَ���ر َ�أ َة‬ ‫��ول اهلل ‪ Í‬ال�� َّر ُج�� َل َي ْل َب ُ�س ل َ‬ ‫ِب�س َة ال َّر ُجلِ »(‪.)19‬‬ ‫َت ْل َب ُ�س ل َ‬ ‫كما �أنَّ عليه �أن ال ي�سمح لل ُّذكور ـ ِمن �أبنائه ـ ِب ُلب�س احلرير‬ ‫َّ‬ ‫والذهب‪ ،‬و�إن مل يكونوا مك َّلفني؛ فعن �سعد بن �إبراهيم عن �أبيه‬ ‫قال‪« :‬دخل عبد ال َّرحمن بن عوف ‪ Ç‬ومعه ابنٌ له على عمر‬ ‫(‪.)20‬‬ ‫حرير ف�شقَّ القمي�ص»‬ ‫قمي�ص ٍ‬ ‫‪ Ç‬عليه ُ‬ ‫وعن جابر بن عبد اهلل ‪ È‬قال‪« :‬ك َّنا ننزعه عن ال ِغلمان‪،‬‬ ‫ونرتكه على اجلواري»(‪ )21‬ـ يعني‪ :‬احلرير ـ‪.‬‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه �أبو داود (‪ )4098‬وهو يف «�صحيح ُ�سنن �أبي داود» للألباين (‪.)3454‬‬ ‫(‪ ((2‬رواه ابن �أبي �شيبة يف «امل�ص َّنف» (‪.)24657‬‬ ‫(‪ ((2‬رواه �أبو داود (‪ )4059‬وهو يف «�صحيح ُ�سنن �أبي داود» للألباين (‪.)3424‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫وق��ال اب��ن الق ِّيم‪« :‬ويج ِّنبه ُلب�س احلرير؛ ف�إ َّنه ُمف�سد له‪،‬‬ ‫بي و�إن مل يكن ُمك َّل ًفا‪ ،‬فول ُّيه ُمك َّلف‬ ‫وخم ِّنث لطبيعته‪َّ ...,‬‬ ‫وال�ص ُّ‬ ‫ال يح ُّل له متكينه ِمن املح َّرم‪ ،‬ف�إ َّنه يعتاده‪ ،‬و َيع�سر ِفطامه عنه‪،‬‬ ‫وهذا �أ�ص ُّح قويل العلماء‪.‬‬ ‫حراما عليه ب�أ َّنه غري ُمك َّلف‪ ،‬فلم يحرم‬ ‫واحتج َمن مل ي َره ً‬ ‫َّ‬ ‫بي و�إن‬ ‫ُلب�سه للحرير كال َّدا َّبة‪ ،‬وهذا ِمن �أف�سد القيا�س‪ ،‬ف�إنَّ َّ‬ ‫ال�ص ّ‬ ‫ال�صالة‬ ‫مل يكن ُمك َّل ًفا‪ ،‬ف�إ َّنه ُم�ستع ٌّد للتَّكليف‪ ،‬ولهذا ال مي َّكن ِمن َّ‬ ‫وجن�سا‪ ،‬وال ِمن ُ�شرب اخلمر‪،‬‬ ‫بغري و�ضوء‪ ،‬وال ِمن َّ‬ ‫ال�صالة ُعريا ًنا ً‬ ‫والقمـار وال ِّلواط»(‪.)25‬‬ ‫يل �أمر ِّ‬ ‫وعلى و ِّ‬ ‫الطفل �أن ُيراقب هيئته ومظهره‪ ،‬فال ي�أذن له‬ ‫والف�ساق يف ز ِّيهم ولبا�سهم؛ قال ال ُآج ِّري ‪::‬‬ ‫بالتَّ�ش َّبه بالكفَّار َّ‬ ‫الف�ساق‪ ،‬وعن ُ�صحبة‬ ‫«يجب على الآباء �أن َينهوا �أوالدهم عن زيِّ َّ‬ ‫الف�ساق»(‪.)26‬‬ ‫َّ‬ ‫وال َي�سمح له بحلق بع�ض �شعر ر�أ�سه دون بع�ض‪ ،‬وهو ما ُي�س َّمى‬ ‫بي ‪ Í‬ر�أى �صب ًّيا قد ُحلق‬ ‫بالقَزَ ع؛ فعن ابن عمر ‪� :È‬أنَّ ال َّن َّ‬ ‫بع�ض �شعره وتُرك ُ‬ ‫ُ‬ ‫بع�ضه فنهاهم عن ذلك وقال‪« :‬ا ِْحل ُقو ُه ُك َّل ُه َ�أ ِو‬ ‫(‪« ((2‬املد َّونة الكربى» (‪.)462/1‬‬ ‫(‪« ((2‬اال�ستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار» (‪.)303/8‬‬ ‫(‪ ((2‬انظر‪« :‬االختيار لتعليل املختار» لعبد اهلل بن حممود املو�صلي (‪« ،)170/4‬جممع‬ ‫الأنهر يف �شرح ُملتقى الأبحر» لِ�شيخي زاده (‪ 198/4‬ـ ‪.)199‬‬ ‫(‪ ((2‬حُ«تفة املولود ب�أحكام املولود» (‪.)242‬‬ ‫(‪« ((2‬ذ ُّم ال ِّلواط» (‪.)24‬‬

‫قضايا تربوية‬

‫قال الإمام مالك ‪�« ::‬أكره ُلب�س احلرير َّ‬ ‫لل�صبيان‬ ‫والذهب ِّ‬ ‫ال ُّذكور‪ ،‬كما �أكرهه لل ِّرجال»(‪.)22‬‬ ‫وقال ابن عبد ال ِّرب‪« :‬و�أ َّما التَّختُّم َّ‬ ‫بالذهب فال �أعلم �أحدً ا ِمن‬ ‫ال�صبيان؛‬ ‫�أئ َّمة الفتوى �أجاز ذلك لل ِّرجال‪ ،‬وكلُّهم يكرهونـه لذكور ِّ‬ ‫لأنَّ الآباء ُمتع َّبدون فيهم»(‪.)23‬‬ ‫بي‬ ‫وجاء يف ُمتون ُكتب مذهب �أبي حنيفة‪« :‬و ُيكره �إلبا�س َّ‬ ‫ال�ص ِّ‬ ‫ذه ًبا �أو حري ًرا»‪ :‬لئ َّال يعتاده‪ ،‬والإثم على املُل ِب�س‪ ،‬كاخلمر ف�إنَّ‬ ‫ال�صبي حرام ُ‬ ‫ك�شربها‪ ،‬وكذا امليتة وال َّدم؛ �أال ترى �أ َّنه ُي�ؤمر‬ ‫�سَ قْيه َّ‬ ‫وال�صالة و ُينهى عن �شرب اخلمـر‪ ,‬ليعتاد ِفعل اخلري‪،‬‬ ‫بال�صوم َّ‬ ‫َّ‬ ‫وي�ألف ت�� ْرك املح َّرمات‪ ،‬فكذلك ه��ذا‪ ،‬والإث��م على َمن �ألب�سه‪،‬‬ ‫لإ�ضافة الفعل �إليه»(‪.)24‬‬

‫ا ْت ُر ُكو ُه ُك َّلهُ»(‪.)27‬‬ ‫وال يجوز له �أن ُيلب�س ابنته الق�صري من ال ّثياب‪ ،‬حتَّى ال‬ ‫تتع َّود عليه‪ ،‬وعليه �أن ينهاها عن التَّع ِّري والت ُّ‬ ‫َّك�شف؛ لأنَّ هذه‬ ‫ال�صغري‪ ،‬وجت ُّره �إىل ال َّرذيلة‪ ،‬بل‬ ‫التَّ�ص ُّرفات تُ�س ِّبب ف�ساد طباع َّ‬ ‫عليه �أن ير ِّبيها على االحت�شام والعفاف‪ ،‬و ُيع ِّودها على احلياء‬ ‫متحجبة‪� ،‬ساتر ًة‬ ‫والأخ�لاق الفا�ضلة‪ ،‬وي�أمرها ب�أن ال تخرج �إ َّال‬ ‫ِّ‬ ‫عورتَها‪َ ،‬خ�شية الفتنة‪ ،‬وحتَّى ال تكون �سب ًبا يف انت�شار الف�ساد(‪.)28‬‬

‫* ال ُقدوة احلسنة‪:‬‬ ‫من امل�سائل امله َّمة يف تن�شئة ِّ‬ ‫الطفل‪ :‬رَّ‬ ‫التبية بال ُقدوة؛ لذا‬ ‫ينبغي للوالدين �أن يكونا ُ�صورة مثال َّية لأوالدهما‪ ،‬يف ِّ‬ ‫كل ما هو‬ ‫ح�سن وخري‪ ،‬وعليهما �أن يعمال ِّ‬ ‫بكل ما ي�صدر منهما من توجيه‬ ‫و�إر�شاد‪ ،‬حتَّى ال يكون قولهما خمال ًفا لفعلهمـا؛ فال قيم َة رَّ‬ ‫للتبية‪،‬‬ ‫وال �أثر لل َّن�صيحة‪� ،‬إ َّال بتحقيق ال ُقدوة احل�سنة‪ْ � ,‬إذ ت�أثريها يف‬ ‫نف�س ِّ‬ ‫الطفل كبري؛ لأ َّنه ين�ش�أ على مـا ع َّوده عليه والداه ومر ُّبوه‪.‬‬ ‫قال َّ‬ ‫ال�شاعر‪:‬‬ ‫ـيان مـ َّنـا على مـا كـان عـ َّود ُه �أب ــوه‬ ‫ويـن�شـ�أُ نـا�شـ ُـئ الـ ِف ـت ِ‬ ‫بحجى ولكــن ُيـ ـعـ ِّوده الـ َّتــد ُّيـنَ �أق ــربــوه‬ ‫ومـا دانَ الفتى‬ ‫ً‬ ‫(‪� ((2‬أخرجه �أبو داود (‪ ,)4195‬وال َّن�سائي (‪ ,)5048‬وهو يف «ال�صحيحة» (‪)1123‬‬ ‫للألباين‪.‬‬ ‫قال ابن الق ِّيم يف «حتفة املودود ب�أحكام املولود» (‪« :)100‬والقزع �أربعة �أنواع‪:‬‬ ‫ـ �أحدها‪� :‬أن يحلق من ر�أ�سه موا�ضع‪ ،‬من ها هنا‪ ،‬وها هنا‪ ،‬م�أخوذ من تقزُّع‬ ‫ال�سحاب‪ ،‬وهو ُّ‬ ‫تقطعه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ـ ال ّثاين‪� :‬أن يحلق و�سطه‪ ،‬ويرتك جوانبه‪ ،‬كما يفعله �شمام�سة ال َّن�صارى‪.‬‬ ‫ـ ال ّثالث‪� :‬أن يحلق جوانبه‪ ،‬ويرتك و�سطه‪ ،‬كما يفعله كثري من الأوبا�ش وال�سفل‪.‬‬ ‫ـ ال ّرابع‪� :‬أن يحلق مقدَّمه‪ ،‬ويرتك م�ؤخَّ ره‪.‬‬ ‫وهذا كلُّه من القزع‪ ،‬واهلل �أعلم»‪.‬‬ ‫(‪ ((2‬انظر‪ :‬الفتوى رقم (‪ )4246‬من «فتاوى ال َّلجنة الدَّائمة للبحوث العلم َّية والإفتاء»‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪57‬‬


‫قضايا تربوية‬

‫ال�صغار �آباءهم‪ ،‬حتَّى �إ َّنهم يطبعون فيهم‬ ‫فكث ًريا ما ُيق ِّلد ِّ‬ ‫�أح�سن الآث��ار‪ ،‬ويغر�سون فيهم �أف�ضل اخل�صال‪ ،‬عن طريق مـا‬ ‫ي�شاهدون ويالحظون؛ فهذا عبد اهلل بن ع َّبا�س ‪ È‬يروي عن‬ ‫نف�سه ـ وهو غالم ـ حادث ًة ر�سخت يف ذهنه وطبعته على اخلري‬ ‫ال�صالة‪ ،‬ملِا كان يراه ِمن �صالة ر�سول اهلل ‪ Í‬فيقـول‪:‬‬ ‫و�أداء َّ‬ ‫بي ‪ Í‬فل َّما كان يف بع�ض‬ ‫ُّ‬ ‫«بت عند خالتي ميمونة ليلة‪ ،‬فنام ال َّن ُّ‬ ‫ال َّليل قام ر�سول اهلل ‪َّ Í‬‬ ‫فتو�ض�أ من �شنٍّ ُمع َّلق ُو�ضو ًء خفي ًفا‬ ‫مما َّ‬ ‫َّ‬ ‫تو�ض�أ َّثم جئتُ فقمتُ‬ ‫َّثم قام ي�ص ِّلي فقمتُ‬ ‫فتو�ض�أتُ نح ًوا َّ‬ ‫عن ي�ساره فح َّولني فجعلني عن ميينه َّثم �ص َّلى ما �شاء اهلل ‪»...‬‬ ‫احلديث(‪.)29‬‬ ‫وقال �أبو �سعيد الأ�شج‪ :‬ح َّدثنا �إبراهيم بن وكيع قال‪« :‬كان‬ ‫�أب��ي ي�ص ِّلي فال يبقى يف دارن��ا �أح��د �إ َّال �ص َّلى حتَّى جارية لنا‬ ‫�سوداء»(‪.)30‬‬ ‫وقال ّ‬ ‫ال�صمد ـ ُم���ؤدِّب �أوالد هارون‬ ‫ال�شافعي ‪ :‬لأبي عبد َّ‬ ‫ال َّر�شيد ـ‪« :‬ليكن �أ َّول ما تبد�أ به من �إ�صالح �أوالد �أمري امل�ؤمنني‬ ‫�إ�صالح نف�سك‪ ،‬ف�إنَّ �أعينهم معقودة بعينك‪ ,‬فاحل�سَ ن عندهم ما‬ ‫ت�ستح�سنه‪ ,‬والقبيح عندهم مـا تركته»(‪.)31‬‬ ‫ومن الأخطاء َّ‬ ‫املنكرات‪،‬ك�سب‬ ‫ال�شائعة‪ :‬اقرتاف الآثام و فعل‬ ‫ّ‬ ‫و�سب ال ّدين‪ ،‬والتّل ّفظ بالكالم الفاح�ش البذيء‪ ،‬وم�شاهدة‬ ‫اهلل ّ‬ ‫ال�ساقطة‪ ،‬و�أم��ام م��ر�أى وم�سمع‬ ‫الأف�لام ومتابعة امل�سل�سالت ّ‬ ‫و�سيء العبارات‪ ،‬من خالل‬ ‫الأوالد‪ ،‬وتربيتهم على �أرذل الأخالق ِّ‬ ‫مما يجعل من الوالدين ُقدوة �س ِّيئة لأبنائهم‪،‬‬ ‫ترديد الآباء لها‪َّ ،‬‬ ‫(‪ ((2‬رواه البخاري (‪.)859‬‬ ‫(‪ ((3‬انظر‪�« :‬سري �أعالم ال ُّنبالء» َّ‬ ‫للذهبي (‪.)156/17‬‬ ‫(‪ ((3‬رواه �أبو نعيم يف «احللية» (‪ ,)147/9‬واخلطيب البغدادي يف «تاريخ بغداد»‬ ‫(‪.)187/3‬‬

‫‪58‬‬

‫�سواء علموا ذلك �أم جهلوه؛ فعن عبد اهلل بن عامر ‪ Ç‬قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ور�سول اهلل ‪ Í‬قاعد يف بيتنا‪ ،‬فقالت‪ :‬ها‬ ‫يوما‬ ‫«دعتني � ِّأم��ي ً‬ ‫َ‬ ‫تعال �أعطيك؛ فقال لها ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬ومَا �أَ َردتِ �أَن ُت ْعطِ ِيه؟»‬ ‫قالت‪� :‬أعطيه مت ًرا؛ فقال لها ر�سـول اهلل ‪�« :Í‬أَمَا �إِ َّن��كِ َلو لمَ‬ ‫ُتعطِ ي ِه َ�شي ًئا ُك ِت َبتْ َعلَ ْيكِ َك ْذ َب ٌة»(‪.)32‬‬ ‫ال�صغار ُيعترب كذ ًبا‪ ،‬و�أ َّنه‬ ‫«وه��ذا يد ُّل على �أنَّ الكذب على ِّ‬ ‫ال ُيقال �إنَّ هذا الأمر �سهل‪ ،‬و�إنَّ الكذب � مَّإنا ي�ض ُّر �إذا كان على‬ ‫ال�صدق‪ ،‬و�أ َّال ُيع َّودوا‬ ‫ال�صغار على ِّ‬ ‫الكبار‪ ،‬بل املطلوب �أن ُيع َّود ِّ‬ ‫على الكذب»(‪.)33‬‬ ‫وعليه ينبغي �أن نعلم �أنَّ ه�ؤالء الأوالد �أمانة يف �أعناقنا‪ ،‬و�أنَّ‬ ‫عا�ص هلل تعاىل‪ ،‬يحمل ِوزر مع�صيته‬ ‫املف ِّرط يف هذه الأمانة �آث ٌم ٍ‬ ‫�أمام ر ِّبه يوم القيامة‪.‬‬ ‫ولنعلم ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ �أنَّ «من اتَّقى اهلل يف �أوالده ا َّت َقوا اهلل فيه‪ ،‬ومن‬ ‫�ض َّيع حـقَّ �أوالده �ض َّيعوا حقَّه �إذا احتاج �إليهم»(‪ )34‬و«اجلزاء ِمن‬ ‫جن�س العمل»‪.‬‬ ‫ن�س�أل اهلل تعاىل �أن يرزقنا ذ ِّر َّي ًة ط ِّيب ًة‪ ،‬و ُيعيننا على تربيتها‬ ‫تربية �صاحلة‪ ،‬و�ص َّلى اهلل و�س َّلم على نب ِّينا حم َّمد وعلى �آلـه‬ ‫رب العاملني‪.‬‬ ‫و�صحبه‪ ،‬و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل ِّ‬

‫(‪� ((3‬أخرجه �أبو داود (‪ ,)4991‬وهو يف «ال�صحيحة» (‪ )748‬للألباين‪.‬‬ ‫(‪ ((3‬قاله َّ‬ ‫ال�شيخ عبد املح�سن الع َّباد يف «�شرح ُ�سنن �أبي داود»‪.‬‬ ‫(‪ ((3‬قاله َّ‬ ‫ال�صاحلني» (‪.)200/2‬‬ ‫ال�شيخ ابن عثيمني ‪ :‬يف «�شرح ريا�ض َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫ِّ‬ ‫النرباس‬ ‫يف تصحيح كالم َّ‬ ‫الناس‬ ‫�أُقدِّم لإخواين ـ ق َّراء جم َّلة الإ�صالح الغ َّراء ـ َ‬ ‫�ضمن �سل�سلة‬ ‫بع�ض العبارات َّ‬ ‫«ال ِّنربا�س» َ‬ ‫ال�شائعة‪ ،‬مع ال َّتوجيه وال َّت�صحيح‪ ،‬واهلل من‬ ‫ال�سبيل‪.‬‬ ‫وراء الق�صد وهو يهدي َّ‬

‫ُك ْل ما َي َع ْج َب ْك‪ْ ،‬‬ ‫وال َب ْس ما َي ْع َج ْب َّ‬ ‫الناس‬ ‫ُيق�صد بهذه العبارة موافق ُة عرف �أهل البلد يف لبا�سهم وز ِّيهم‪،‬‬ ‫خا�ص‪ٍّ ،‬‬ ‫ولكل‬ ‫وعدم اخلروج على عادتهم‪ ،‬بخالف الأكل ف�إ َّنه �أمر ٌّ‬ ‫رغبتُه واختيا ُره‬ ‫ـ ُك ْل مَا َي َع ْج َب ْك‪ :‬هذا الكالم �صحيح وال �إ�شكال فيه‪ ،‬فيجوز‬ ‫للإن�سان �أن يختار ما �شاء من امل�أكوالت وامل�شروبات على �أن تكون‬ ‫من احلالل الط ِّيب ا َّلذي ال �ضرر فيه وال �إ�سراف‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫ﮱ﴾‬

‫[\‪ ،]a‬وق��ال‪:‬‬

‫﴿ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [\‪,]c‬‬ ‫ي‬ ‫وقال ر�سول اهلل ‪ُ « :Í‬ك ُلوا وا�شْ َر ُبوا َو َت َ�ص َّد ُقوا وا ْل َب ُ�سوا فيِ َغ رْ ِ‬ ‫مخَ ِ يلَ ٍة َو َال َ�س َر ٍف»(‪.)1‬‬ ‫ا�س‪ :‬هذا الكالم فيه تف�صيل‪ :‬ف�إن كان‬ ‫ـ َوا ْل َب ْ�س مَا َي ْع َج ْب ال َّن ْ‬ ‫املق�صو ُد منه مراعا َة عادات �أهل البلد‪ ،‬وموافق َة �أعرافهم ا َّلتي‬

‫((( رواه �أحم���د ( ‪ ,)6708‬وال َّن�س���ائي ( ‪ ,)2559‬وه���و ح�س���ن‪ ،‬انظ���ر «�ص���حيح‬ ‫اجلام���ع» ( ‪.)4505‬‬

‫ال تخالف َّ‬ ‫ال�شرع فهذا �أمر مطلوب‪ ،‬اجتنا ًبا للمخالفة وابتعادًا‬ ‫عن ُّ‬ ‫ال�شهرة‪.‬‬ ‫و�س َّنة نب ِّينا حم َّم ٍد ‪« Í‬تقت�ضي �أن يل َب�س ال َّرجل و َيط َعم‬ ‫ي�سره اهلل ببلده من َّ‬ ‫الطعام وال ِّلبا�س‪ ،‬وه��ذا يتن َّوع بتن ُّوع‬ ‫َّ‬ ‫مما َّ‬ ‫الأم�����ص��ار»(‪ ،)2‬وم��ن القواعد الفقه َّية يف ه��ذا ال��ب��اب «العادة‬ ‫حم َّكمة»‪.‬‬ ‫�سئل الإمام مالك ‪ :‬عن ا َّلذي يعتم بالعمامة‪ ،‬وال يجعلها‬ ‫من حتت حلقه‪ ،‬ف�أنكرها وقال‪« :‬ذلك من عمل القبط‪ ،‬ولي�ست‬ ‫من عمل ال َّنا�س‪� ،‬إ َّال �أن تكون عمام ًة ق�صري ًة ال تبلغ»(‪ ،)3‬فيالحظ‬ ‫�أنَّ الإمام مال ًكا ‪� :‬أنكر هذه الكيف َّية يف ُلب�س العمامة لكونها‬ ‫خما ِلف ًة لعمل ال َّنا�س وعادتهم‪ ،‬قال ابن َّ‬ ‫بطال‪« :‬فا َّلذي ينبغي‬ ‫��ان ب��زيِّ �أهله ما مل يكن �إث�� ًم��ا؛ لأنَّ‬ ‫لل َّرجل �أن يتز َّيا يف ك ِّ��ل زم ٍ‬ ‫�ضرب من ُّ‬ ‫ال�شهرة»(‪ ،)4‬ور�أَى الإمام �أحمد‬ ‫خمالفة ال َّنا�س يف ز ِّيهم ٌ‬ ‫‪ :‬رج ًال َال ِب ً�سا ُب ْردًا مخَُ َّط ًطا ً‬ ‫بيا�ضا و�سوادًا‪ ،‬فقال‪�« :‬ضَ ْع هذا‪،‬‬ ‫بحرام‪ ،‬ولو كنت مب َّك َة �أو‬ ‫ا�س َ �أ ْهل َب َل ِدك‪ ،‬وقال‪َ :‬ل ْي َ�س هو‬ ‫وا ْل َب ْ�س ِل َب َ‬ ‫ٍ‬ ‫املدي َن ِة مل �أَ ِع ْب عليك»؛ لأ َّنه لبا�سهم هناك(‪ ،)5‬ف�أمره مبوافقة �أهل‬ ‫ِ‬

‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫عمر احلاج م�سعود‬

‫((( قاله �شيخُ الإ�سالم ابن تيمية‪« ،‬جمموع الفتاوى» (‪.)311/22‬‬ ‫((( انظر «عقد اجلواهر ال َّثمينة» البن �شا�س (‪.)1291/3‬‬ ‫((( «�شرح البخاري» (‪.)123/9‬‬ ‫لل�سفَّاريني (‪.)126/2‬‬ ‫((( «غذاء الألباب» َّ‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪59‬‬


‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫ال�سخْ ِت َيا ّ‬ ‫ين م َّر ًة نعلني على َح ْذ ِو‬ ‫بلده يف لبا�سهم‪ ،‬وا�صطنع �أيوب َّ‬ ‫بي ‪ ،Í‬فل ِب�سهما �أ َّي ًاما َّثم خلعهما وقال‪« :‬مل �أر ال َّنا�س‬ ‫نعلي ال َّن ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ال�صالح وهد ُيهم‪.‬‬ ‫َيل َب�سونهما»(‪ ،)6‬هذا هو فقه �سلفنا َّ‬ ‫و�أ َّما �إن كان املق�صو ُد موافق َة ال َّنا�س فيما اعتادوه من �ألب�سة‬ ‫ولو كانت خما ِلف ًة َّ‬ ‫أحكاما‬ ‫لل�شرع فالعبارة خاطئة‪� ،‬إذ �أنَّ ل ِّلبا�س � ً‬ ‫ً‬ ‫و�شروطا �شرع َّية ينبغي مراعاتها‪ ،‬والعادة � مَّإنا ُيرجع �إليها «فيما‬ ‫�شرعا»(‪.)7‬‬ ‫ال �ضبط له ً‬ ‫من هذه ُّ‬ ‫لبا�س‬ ‫ال�شروط �أن يكون �سات ًرا للعورة‪ ،‬و�أن ال ي�شبه َ‬ ‫لبا�س ال َّرجل‬ ‫لبا�س ال َّرجل‪ ،‬وال ُ‬ ‫الكفَّار‪ ،‬و�أن ال ي�شبه ُ‬ ‫لبا�س املر�أة َ‬ ‫لبا�س املر�أة‪� ،‬إىل غري ذلك من ُّ‬ ‫ال�شروط املعروفة‪ ،‬غري �أنَّ كث ًريا‬ ‫َ‬ ‫من ال َّنا�س ال يراعونها‪ ،‬وال يبالون مبخالفتها‪ ،‬مع تن ُّوع �أهوائهم‬ ‫احل َقب‬ ‫وتباين م�شاربهم يف ه��ذا ال��ب��اب‪ ،‬فقد ل ِب�سوا يف ه��ذه ِ‬ ‫الأخ�يرة ـ رج��ا ًال ون�سا ًء ـ �ألب�س ًة تُ�ضا ُّد َ‬ ‫العقل والفطر َة وتنايف‬ ‫ال�س ْم َحة‪ ،‬فل ِب ُ�سوا ما‬ ‫احليا َء ِ‬ ‫واحل ْ�شم َة ف�ض ًال عن �شريعة الإ�سالم َّ‬ ‫لل�سو�أة‪،‬‬ ‫هو ٌّ‬ ‫خا�ص بالكفَّار‪ ،‬ول ِب�سوا الق�صري وال�ض ِّيق والكا�شف َّ‬ ‫وق َّلدوا اليهود وال َّن�صارى واملفتونني‪ ،‬من حيث ي�شعرون �أو من‬ ‫حيث ال ي�شعرون‪ ،‬وينكرون على من وافق �شرع اهلل وخالفهم يف‬ ‫ا�س وما يف�شو بينهم‪.‬‬ ‫ذلك بدعوى �أ َّنه ال يل َب ُ�س ما ُي ِ‬ ‫عج ُب ال َّن َ‬ ‫�إنَّ ف�ش َّو َّ‬ ‫ال�شيء واعتيا َد ال َّنا�س له لي�س دلي ًال على جوازه‪،‬‬ ‫فقد يكون عر ًفا فا�سدً ا ملخالفته �شر َع اهلل عز وجل‪ ،‬مثل كثري‬ ‫من ُح ُج ِب ال ِّن�ساء الع�صر َّية ال َّال ِ�صقة َّ‬ ‫وال�ض ِّيقة‪ ،‬املُ َح ِّجمة للعورة‬ ‫لل�صدر وال َع ِجيزة‪ ،‬وا َّلتي ال تزداد بها ال ِّن�ساء �إ َّال فتن ًة‬ ‫واملُ َ�ش ِّخ�صة َّ‬ ‫وب حتت الكعبني‪ ،‬فقد‬ ‫وف�سادًا و�إف�سادًا‪ ،‬ومثل �إ�سبال ال َّرجل ال َّث َ‬ ‫بي ‪« :Í‬مَا‬ ‫اعتاده ال َّنا�س و�أَ ِل ُفوه ـ وهو ٌّ‬ ‫خا�ص بال ِّن�ساء ـ‪ ،‬قال ال َّن ُّ‬ ‫ني مِ َن الإِ َزا ِر َففِي ال َّنارِ»(‪.)8‬‬ ‫�أَ�س َف َل مِ َن ال َكع َب ِ‬ ‫قال �أبو بكر ُّ‬ ‫الط ْر ُطو�شي املالكي ‪« ::‬و�إ�سبال ال َّثوب حتت‬ ‫الكعبني �شائع يف بالد الإ�سالم‪ ،‬وهو حرام ال يجوز»(‪.)9‬‬ ‫فينبغي للعاقل �أن يحذ َر ك َّل ذلك ويجتن َبه‪ ،‬ويل َب�س ما يوافق‬ ‫َّ‬ ‫ال�شر َع وال يخرج عن العرف املعترب‪.‬‬ ‫((( انظر‪« :‬تف�سري ابن كثري» (‪.)343/6‬‬ ‫((( «املنثور يف القواعد» للزَّرك�شي (‪.)356/2‬‬ ‫((( رواه البخاري (‪.)5787‬‬ ‫((( «احلوادث والبدع» (‪.)73‬‬

‫‪60‬‬

‫ِكي َش ْاب َع ْل ُق ُلو ْح َج ْاب‬ ‫«�شاب» �أي كَبرِ وا�شتعل ر� ُأ�سه َ�ش ْي ًبا‪ ،‬واملق�صود باحلجاب‬ ‫ْ‬ ‫وال�صبيان‪،‬‬ ‫التَّميمة �أو احلرز يتع َّوذ به‪� ،‬أو يع َّلق على املر�ضى ِّ‬ ‫رجا َء دفع ُّ‬ ‫ال�ض ِّر �أو جلب ال َّنفع‪.‬‬ ‫ت�ضرب هذه العبارة مث ًال ِّ‬ ‫لكل من طلب �شي ًئا �أو فعله يف وقت‬ ‫ما و�أهمله قبل ذلك‪ ،‬مثل الإح�سان �إىل الوالدين‪ ،‬فهو واجب على‬ ‫الأوالد يف جميع الأوقات‪ ،‬لكن قد ُيرتكان و ُيهجران حتَّى ُي ْقعِدَ هما‬ ‫ُ‬ ‫الكبرَ ُ ‪ ،‬فحينئذ ُيهرول �إليهما الأوالد‪ ،‬فهذا‬ ‫املر�ض �أو العج ُز �أو ِ‬ ‫مطلوب ونافع‪ ،‬لك َّنه قبل ذلك يكون �أَ ْط َل َب و�أنف َع‪ ،‬كما ت�ضرب مث ًال‬ ‫َّ‬ ‫ال�سنِّ ا َّلذي يريد �أن يتع َّلم عل ًما �أو �صناع ًة �أو ريا�ض ًة �أو‬ ‫للطاعن يف ِّ‬ ‫ال�ص َغر َّ‬ ‫وال�شباب‪.‬‬ ‫� َّأي �شيء �آخر‪ ،‬وقد كان ال َّالئق به �أن يطلبه يف ِّ‬ ‫ُ‬ ‫فتذكر هذه العبارة له�ؤالء تنبي ًها على �أنَّ الوقت قد فات‪،‬‬ ‫و�أنَّ االنتفاع وال َّنفع ال يقعان موقعهما‪ ،‬فكما �أنَّ ا ُ‬ ‫حل ُجب ال تنفع‬ ‫الكبرَ وفوات الأوان‪ ،‬والكبري ال حاجة له فيها؛ لأ َّنه ال ُي َعا َين‬ ‫بعد ِ‬ ‫ـ مث ًال ـ َ‬ ‫ال�صغري‪ ،‬فكذلك ال ينفع التَّعلُّم والعمل بعد فوات‬ ‫مثل َّ‬ ‫الوقت‪ ،‬و� مَّإنا ينفعان يف الوقت ال َّالئق بهما‪.‬‬ ‫والعبارة فيها تذكري ب�أنَّ العمل والعلم وفعل اخلري �أمو ٌر‬ ‫ينبغي �أن تكون يف �أوقاتها املطلوبة‪ ،‬وهذا حقٌّ‪ ،‬فينبغي للعبد �أن‬ ‫يحر�ص على ما ينفعه من �أمور دينه ودنياه‪ ،‬قال ر�سول اهلل ‪:Í‬‬ ‫هلل َو َال َت ْعجِ ْز»(‪ ،)10‬وعن �أ ِبي‬ ‫«ا ِْح ِر�صْ َعلَى مَا َي ْن َف ُع َك َوا�سْ َتعِنْ بِا ِ‬ ‫بي ‪ Í‬قال‪َ « :‬ال ُت َ�ؤ ِّخ ْر َع َم َل‬ ‫�إ�سحاق عن رجل من �أ�صحاب ال َّن ِّ‬ ‫ال َي ْو ِم ِل َغدٍ َف�إِ َّن َك َال َت ْدرِي مَا يف َغ ٍد»(‪.)11‬‬ ‫لكن قد يراد بها ويفهم منها الت ُ‬ ‫َّثبيط عن التَّعلُّم واال�ستفادة‬ ‫وفعل اخلري وال ُّرجوع �إىل ال ُّر�شد وال�صواب‪ ،‬و�أنَّ ذلك ال ينفع بعد‬ ‫وقته املطلوب‪ ،‬وهذا باطل‪.‬‬ ‫فالكبري َّ‬ ‫ال�سنِّ قد يتع َّلم وي�ستفيد‪ ،‬وقد طلب‬ ‫الطاعن يف ِّ‬ ‫الكبرَ ‪.‬‬ ‫العلم يف ِ‬ ‫جماع ٌة من العلماء َ‬ ‫قال الإمام البخاري ‪ :‬يف كتاب العلم من «�صحيحه»‪:‬‬ ‫(‪ ((1‬رواه م�سلم (‪.)2664‬‬ ‫(‪ ((1‬رواه ابن �أبي �شيبة (‪.)36396‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‬

‫[\`]‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫﴿ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ‬

‫ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ﴾ [\‪.]n‬‬

‫(‪ ((1‬و�صله الدَّارمي (‪ ,)256‬وابن �أبي �شيبة (‪ )26640‬و�إ�سناده �صحيح‪.‬‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه اخلطيب البغدادي يف «الفقيه واملتفقه» (‪.)822‬‬ ‫«ال�صحيحة» (‪ .)492‬‬ ‫(‪ ((1‬رواه �أحمد (‪ )17422‬وهو �صحيح‪ ،‬انظر‪َّ :‬‬

‫حية ْ‬ ‫وش ِو َيه َل ْل ِو َ‬ ‫ْش ِو َيه لل ّْر ِو َ‬ ‫حية‬ ‫�شويه‪ :‬قلي ًال‪ ،‬ال ّرويحة‪ :‬ت�صغري ال�� ُّروح‪ ،‬ال ّلويحة‪ :‬اجل�سد‪،‬‬ ‫واملق�صود بهذه العبارة‪ :‬اجعل �ساع ًة و�شي ًئا لل ُّروح‪� ،‬أي‪ِّ :‬‬ ‫للذكر‬ ‫والعبادة والآخرة‪ ،‬و�ساع ًة و�شي ًئا للج�سد‪� ،‬أي‪ :‬لل َّراحة واال�ستمتاع‬ ‫واال�ستجمام‪ ،‬وربمَّ ا يقولون‪�« :‬شوية لر ِّبي و�شوية لقلبي»‪� ،‬أو «�ساعة‬ ‫لر ِّبي و�ساعة لقلبي»‪.‬‬ ‫ويف هذه العبارة جانبان‪ :‬ح ٌّق وباطل‪.‬‬ ‫فاجلانب ا َّلذي هو حقٌّ‪� :‬أن يكون املق�صو ُد َ​َ‬ ‫جعل �ساع ٍة رَّ‬ ‫للتويح‬ ‫عن ال َّنف�س باملباحات والط ِّيبات ا َّلتي �أح َّلها اهلل تعاىل‪ ،‬مثل ال َّلهو‬ ‫املباح واال�ستجمام واملداعبة وامل�صارعة‪ ،‬واالنب�ساط �إىل الأهل‬ ‫والأوالد‪...‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬ ‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬

‫ﭻﭼﭽﭾﭿ﴾ [\‪ ,]c‬وعن َح ْن َظ َل َة الأُ�سَ ِّي ِدي‬ ‫‪ Ç‬ق��ال‪ :‬لقيني �أب��و بكر فقال‪ :‬كيف �أن��ت يا حنظلة؟ قال‪:‬‬ ‫ُقلتُ ‪ :‬نافق حنظل ُة؛ قال‪� :‬سبحان اللهَّ ما تقول؟!‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬نكون‬ ‫عند ر�سول اللهَّ ‪ Í‬يذ ِّكرنا ِبال َّنار واجل َّنة حتَّى ك�أ َّنا رَ�أيُ َع ٍني‬ ‫ف�إذا خرجنا من عند ر�سول اللهَّ ‪ Í‬عاف�سنا الأزواج والأوالد‬ ‫َّ‬ ‫بكر‪ :‬فواهلل �إ َّنا ل َنل َقى ِم َثل هذا‪،‬‬ ‫وال�ضيعات فن�سينا كث ًريا؛ قال �أبو ٍ‬ ‫بكر حتَّى دخلنا على ر�سول اهلل ‪ Í‬قلت‪َ :‬نافق‬ ‫فانطلقتُ �أنا و�أبو ٍ‬ ‫ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬ومَا َذ َ‬ ‫ر�سول اهلل! فقال ُ‬ ‫حنظل ُة يا َ‬ ‫اك؟» قلتُ ‪:‬‬ ‫يا َ‬ ‫ر�سول اهلل! نكون ِعندك ت َُذ ِّك ُرنا ِبال َّنار واجل َّنة حتَّى ك�أ َّنا رَ�أيُ‬ ‫َع ٍني ف�إذا خرجنا من عندك عاف�سنا الأزواج والأوالد َّ‬ ‫يعات‬ ‫وال�ض ِ‬ ‫ن�سينا كث ًريا؛ َفقال ر�سول اهلل ‪َ « :Í‬وا َّلذِ ي َنف�سِ ي ِب َيدِ ِه �إِن َلو‬ ‫َتدُومُو َن َعلَى مَا َت ُكو ُنو َن عِ ندِ ي َويف ال ِّذك ِر َل َ�صا َف َحت ُك ُم امل َ َ‬ ‫ال ِئ َك ُة‬ ‫َعلَى ُف ُر�شِ ُكم َوفيِ ُط ُر ِق ُكم َو َلكِن َيا َح َ‬ ‫نظلَ ُة َ�سا َع ًة َو َ�سا َع ًة» َث َال َث‬ ‫مَ��� َّر ٍات(‪ ،)15‬يعني �ساع ًة للعلم والعبادة وال ِّ��ذك��ر‪ ،‬و�ساع ًة لطلب‬ ‫ال ِّرزق وراحة ال َّنف�س وتن�شيطها بالو�سائل املباحة وم�ؤان�سة الأهل‬ ‫وال�ضيف والإخوان و�إعطاء ِّ‬ ‫والولد َّ‬ ‫كل ذي حقٍّ حقَّه؛ لأ َّنه ال ميكن‬

‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫«باب ْ‬ ‫واحل ْك َم ِة»‬ ‫اط فيِ ال ِع ْل ِم ِ‬ ‫االغ ِت َب ِ‬ ‫ُ‬ ‫وقال عمر‪« :‬تفقَّهوا قبل �أن ت�سَ َّودوا»(‪ ،)12‬قال �أبو عبد اهلل ـ‬ ‫بي ‪ Í‬يف‬ ‫�أي‪ :‬البخاري ـ‪ :‬وبعد �أن تُ�س َّودوا‪ ،‬وقد تع َّلم �أ�صحاب ال َّن ِّ‬ ‫كرب �س ِّنهم»‪.‬‬ ‫ونرى اليوم ـ بف�ضل اهلل ـ بع�ض الأ َّمهات الكبريات يتع َّلمن‬ ‫يف امل�ساجد‪ ،‬ويحفظن �أجزا ًء من القر�آن الكرمي وجمل ًة من‬ ‫فلم العجز‬ ‫الأحاديث والأذكار ال َّنبو َّية‪ ،‬ويتع َّلمن الكتابة والقراءة‪َ ،‬‬ ‫والي�أ�س والتَّثبيط؟‬ ‫ال�ص َغر � ُ‬ ‫أف�ضل و�أثبتُ كما جاء عن‬ ‫نعم؛ �أخذ العلم يف ِّ‬ ‫ال�صغر كال َّنق�ش يف‬ ‫احل�سن الب�صري ‪� :‬أ َّنه قال‪« :‬التَّعلُّم يف ِّ‬ ‫احلجر»(‪.)13‬‬ ‫وقد يكون الإن�سان عا�ص ًيا لوالديه م�سر ًفا على نف�سه‪َّ ،‬ثم مينُّ‬ ‫اهلل عليه بالتَّوبة فيتوب‪ ،‬وي�ستدرك ما فات قبل املمات‪ ،‬و﴿ﭾ‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [\½]‪.‬‬ ‫حتى يفوته‬ ‫وقد يكون املرء عاجزًا ك�سو ًال عن طلب ما ينفعه َّ‬ ‫ري‪َّ ،‬ثم ي�ستيقظ ب�أَ َخ َر ٍة بتوفيق اهلل تعاىل‪ ،‬وقد ي�صل �إىل‬ ‫ري كث ٌ‬ ‫خ ٌ‬ ‫ما مل ي�صل �إليه من �سبقه‪.‬‬ ‫و ُيفهم من العبارة �أنَّ التَّميمة تنفع يف حينها‪ ،‬حَ ْ‬ ‫وت ُجب ـ �أي‬ ‫وال�سحر كما هو اعتقاد طائف ٍة من‬ ‫ت�سرت ومتنع ـ من املر�ض والعني ِّ‬ ‫بي ‪:Í‬‬ ‫ال َّنا�س‪ ،‬ولهذا �س َّموها حجا ًبا‪ ،‬وهذا اعتقاد باطل‪ ،‬قال ال َّن ُّ‬ ‫وال�سالم‬ ‫«مَن َع َّل َق تمَ ِي َم ًة َف َقد �أَ�ش َر َك»(‪ ،)14‬فجعل عليه َّ‬ ‫ال�صالة َّ‬ ‫ال�شرك‪ ،‬وهذا ِّ‬ ‫تعليق التَّميمة ـ وهي احلجاب ـ من ِّ‬ ‫ال�شرك قد يكون‬ ‫�أكرب �إذا اع ُت ِقد �أ َّنها نافعة بذاتها‪ ،‬و�أ َّما �إذا ُج ِعلت �سب ًبا فقط مع‬ ‫ال�ضار‪ ،‬ف�إ َّنها تكون من ِّ‬ ‫اعتقاد �أنَّ اهلل هو ال َّنافع َّ‬ ‫ال�شرك الأ�صغر؛‬ ‫�شرعا وال قدَ ًرا‪.‬‬ ‫لأنَّ اهلل مل يجعلها �سب ًبا ال ً‬ ‫وحد يجتنب ِّ‬ ‫أعظم‬ ‫ال�شرك كب َريه و�صغ َريه؛ لأ َّنه � ُ‬ ‫�إنَّ العاقل املُ ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫رب الإثم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬ ‫الظلم و�أك ُ‬

‫(‪ ((1‬رواه م�سلم (‪.)2750‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪61‬‬


‫ألفاظ ومفاهيم في الميزان‬

‫للإن�سان �أن يكون دائما يف حال ٍة واحد ٍة من ال َّن�شاط واله َّمة يف‬ ‫العبادة وطلب العلم‪.‬‬ ‫وعن عبد اهلل بن َعمرو بن العا�ص ‪ È‬قال‪ :‬قال يل ر�سول‬ ‫اهلل ‪« :Í‬يا عب َد اهلل! �أمل �أُخبرَ �أَ َّن َك َت ُ�صو ُم ال َّنهَا َر َو َت ُقو ُم ال َّل ْي َل»‬ ‫ر�سول اهلل؛ قال‪َ « :‬ف َ‬ ‫فقلتُ ‪ :‬بلى يا َ‬ ‫ال َتف َعل‪�ُ ،‬صم َو�أَفطِ ر َو ُقم َو مَن‪،‬‬ ‫يك َح ًّقا‪َ ،‬و�إِ َّن ِل َعين َِك َعلَ َ‬ ‫َف�إِ َّن لجِ َ َ�سدِ َك َعلَ َ‬ ‫يك َح ًّقا‪َ ،‬و�إِ َّن ِل َزوجِ َك‬ ‫يك َح ًّقا‪َ ،‬و�إِ َّن ِل َزور َِك َعلَ َ‬ ‫َعلَ َ‬ ‫يك َح ًّقا»(‪.)16‬‬ ‫وه��ديُ ر�سول اهلل ‪ Í‬يف هذا الباب خ ُري الهدي و�أح�س ُنه‬ ‫و�أف�ض ُله‪ ،‬فقد �سابق بني اخليل‪ ،‬و�سابق عائ�شة ‪ á‬ف�سبقها‪،‬‬ ‫و�صارع ُركانة ‪ Ç‬ف�صرعه‪ ،‬و�أمر بتعلُّم ال ِّرماية‪ ،‬وكان ميازح‬ ‫�أهله و�أ�صحابه ‪ í‬غري �أ َّن��ه ‪ Í‬ال يقول �إ َّال ح ًّقا‪ ،‬و�أَذن‬ ‫وحل�سان بن ثابت ‪ Ç‬يف قول‬ ‫للحب�شة يف ال َّلعب ِ‬ ‫باحلراب‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ال�شعر يف م�سجده‪.‬‬ ‫ويوم ل ِع ِب احلب�شة قال ر�سول اهلل ‪ِ « :Í‬ل َتعلَ َم َيهُو ُد �أَ َّن فيِ‬ ‫محةٍ»(‪.)17‬‬ ‫�سح ًة �إِنيِّ �أُر�سِ لتُ ب َِحنِي ِف َّي ٍة َ�س َ‬ ‫دِي ِن َنا ُف َ‬ ‫قال ابن جماعة ‪ :‬عن املتَع ِّلم‪:‬‬ ‫«وال ب�أ�س �أن يريح نف�سه وقلبه وذهنه وب�صره �إذا َك َّل �شي ٌء‬ ‫من ذلك �أو �ضعف بتنزُّه وتف ُّرج يف امل�ستنزهات بحيث يعود �إىل‬ ‫حاله وال ي�ضيع عليه زمانه‪ ،‬وال ب�أ�س مبعاناة امل�شي وريا�ضة البدن‬ ‫به‪ ،‬فقد قيل‪� :‬إ َّنه ُي ْن ِع�ش احلرارة و ُيذيب ف�ضول الأخالط و ُي ْن ِ�شط‬ ‫البدن‪ ...‬وكان بع�ض �أكابر العلماء يجمع �أ�صحابه يف بع�ض �أماكن‬ ‫دين‬ ‫ال�س َنة ويتمازحون مبا ال �ضرر عليهم يف ٍ‬ ‫التَّنزُّه يف بع�ض �أ َّيام َّ‬ ‫عر�ض»(‪.)18‬‬ ‫وال ٍ‬ ‫ً‬ ‫بال�ضوابط َّ‬ ‫من�ضبطا َّ‬ ‫ال�شرع َّية‪،‬‬ ‫فك ُّل ما �سبق ال ب�أ�س به ما دام‬ ‫ت�صبح حيا ُة امل�سلم‬ ‫لكن ينبغي �أن ال ي�صري عاد ًة و�سَ ِج َّي ًة‪ ،‬لئ َّال‬ ‫َ‬ ‫كلُّها لع ًبا وله ًوا‪.‬‬ ‫واجلانب ال َّثاين ا َّلذي هو باطل‪� :‬أن يكون املق�صو ُد من‬ ‫َ‬ ‫واالنغما�س‬ ‫انتهاك احلرمات‬ ‫العبارة ـ وهو ما يريده قوم ـ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يف َّ‬ ‫واال�سرت�سال �إىل َّ‬ ‫امللذات‪ ،‬دون قيد �أو �ضابط‪،‬‬ ‫ال�شهوات‬ ‫(‪ ((1‬رواه البخاري (‪ ,)1975‬وم�سلم (‪.)1159‬‬ ‫«ال�صحيحة» (‪« :)443/4‬وهذا‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه �أحمد (‪ ،)24855‬وقال الألباين ‪ :‬يف َّ‬ ‫�إ�سناد ج ِّيد»‪.‬‬ ‫ال�سامع واملتك ِّلم» (‪ 180‬ـ ‪.)181‬‬ ‫(‪« ((1‬تذكرة َّ‬

‫‪62‬‬

‫على حدِّ قول القائل‪:‬‬ ‫ـانب ال �أ�ضـ ِّي ُعه ول َّلهو م ِّني وا َ‬ ‫جانب‬ ‫خل َ‬ ‫العة ُ‬ ‫وهلل م ِّني ج ٌ‬ ‫فلهذا يف�شو يف والئمهم وحفالتهم واجتماعاتهم و�أ�سفارهم‬ ‫َّ�ب�ر ُج وال��� ُع���ريُ واالخ��ت�لاط وامل��ع��ازف واملجون‪،‬‬ ‫ون��زه��ات��ه��م ال���ت ُّ‬ ‫ال�ساعات يف �شبكات وم��واق��ع الف�ساد وال َّنظر �إىل‬ ‫وي��ه��درون َّ‬ ‫الأف�لام وامل�سل�سالت‪ ،‬وي�ض ِّيعون الأعمار يف املغالبات اجلالبة‬ ‫ال�صالة‪َّ ،‬ثم �إذا‬ ‫ال�صا َّدة عن ذكر اهلل وعن َّ‬ ‫للعداوة والبغ�ضاء َّ‬ ‫ن�صحهم نا�ص ٌح ووعظهم واع��ظ‪ ،‬قالوا‪� :‬أنت مت�شدِّ د ومتَزَ ِّمت‬ ‫ِّ‬ ‫ومتنطع‪ ،‬والدِّ ينُ ُي�سر‪ ،‬و�ساع ًة و�ساع ًة‪ ،‬ما نريد �إ َّال رَّ‬ ‫ويح عن‬ ‫الت َ‬ ‫وال�س�آمة عنها‪ ،‬و�إعطا َءها ن�صي ًبا من ال َّراحة‬ ‫�أنف�سنا‪ ،‬و�إزال َة امللل َّ‬ ‫واالنب�ساط‪.‬‬ ‫ف���إذا كان هذا هو املق�صود بقولهم‪� :‬شوية لقلبي �أو �ساعة‬ ‫ال�ساعة َّ‬ ‫حظ َّ‬ ‫ال�شيطان ملا فيها من ع�صيان‬ ‫لقلبي‪ ،‬كانت تلك َّ‬ ‫لل َّرحمن‪ ،‬وتعدٍّ حلدوده وانتهاك حلرماته‪.‬‬ ‫�إ َّنه ينبغي �أن تكون حيا ُة العبد كلُّها هلل عز وجل‪ ،‬و�ساعاتُه‬ ‫كلُّها مل��واله‪ ،‬ق��ال تبارك وت��ع��اىل‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬ ‫ﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ‬ ‫ﯦ﴾‬

‫[\‪ ،]b‬وق��ال‪:‬‬

‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬

‫ﭠ ﭡ﴾ [\‪.]æ‬‬ ‫و�إذا ا�ستعان باملباحات على مر�ضاة ر ِّبه‪ ،‬واحت�سب �أج َرها‬ ‫ُ‬ ‫اجلليل ُ‬ ‫معاذ‬ ‫حابي‬ ‫عليه‪ ،‬كان له ذلك �إن �شاء اهلل‪ ،‬قال َّ‬ ‫ال�ص ُّ‬ ‫َ�سب َقومتي»(‪،)19‬‬ ‫أحت�سب َنومتي كما �أحت ُ‬ ‫ابنُ جبل ‪...« :Ç‬ف� ُ‬ ‫و«املباحات ي�ؤجر عليها بال ِّن َّية �إذا �صارت و�سائل للمقا�صد‬ ‫الواجبة �أو املندوبة �أو تكمي ًال ل�شيءٍ منهما»(‪.)20‬‬ ‫رب �سواه‪ ,‬واحلمد هلل‬ ‫واهلل الـمو ِّفق‪ ,‬ال �إل��ه �إ َّال هو وال َّ‬ ‫رب العالـمني‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪‬‬ ‫(‪� ((1‬أخرجه البخاري (‪ )4341‬و (‪.)4342‬‬ ‫(‪ ((2‬قاله ابن حجر يف «الفتح (‪.)275/12‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


‫واحـة اإلصـالح‬ ‫�إعداد‪� :‬أ�سرة التحرير‬

‫الحزن واإلشفاق‬

‫فهم السلف للقرآن‬

‫قال �إبراهيم التَّيمي‪:‬‬ ‫«ينبغي ملن مل يحزن �أن يخاف �أن يكون من �أهل ال َّنار؛‬ ‫لأنَّ �أه��ل اجل�� َّن��ة ق��ال��وا‪ ﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾‬ ‫[ﮯ‪.]34 :‬‬ ‫وينبغي ملن مل ي�شفق �أن يخاف �أن ال يكون من �أهل اجل َّنة؛‬ ‫لأ َّنهم قالوا‪﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [\‪»]²‬‬

‫«ال��ق��ر�آن ال ي�أتي مبعجزاته‪ ,‬وال ي�ؤتي �آث��اره يف �إ�صالح‬ ‫ال�سلف‪ ,‬وتو َّلته‬ ‫ال ُّنفو�س �إ َّال �إذا تو َّلته بالفهم عقو ٌل كعقول َّ‬ ‫نفو�س �سامية‪ ,‬وهمم بعيدة كنفو�سهم‬ ‫بالتَّطبيق العملي‬ ‫ٌ‬ ‫ال�صورة اجلا َّفة من‬ ‫وهممهم‪� ,‬أ َّما انت�شاره بني امل�سلمني بهذه ُّ‬ ‫ال�سطحي‪،‬‬ ‫ال�سخيف من الفهم َّ‬ ‫احلفظ املج َّرد‪ ،‬وبهذا ال َّنمط َّ‬ ‫وبهذا الأ�سلوب التَّقليدي من التَّف�سري ال َّلفظي ـ ف�إ َّنه ال يفيدهم‬ ‫�شي ًئا وال يفيد بهم �شي ًئا!»‪.‬‬

‫[«حلية الأولياء» (‪])215/4‬‬

‫[«�آثار الب�شري الإبراهيمي» (‪])249/2‬‬

‫أثر القرآن‬

‫المو َّفق‬ ‫«ينبغي للمو َّفق �أن ال ينظر �إىل زينة ال ُّدنيا نظرة املعجب‬ ‫مما ُم ِنع منه من‬ ‫املفتون‪ ,‬و�أن يقنع برزق ر ِّبه‪ ,‬و�أن يتع َّو�ض َّ‬ ‫ال ُّدنيا بزاد التَّقوى ا َّلذي هو عبادة اهلل وال َّلهج بذكره»‪.‬‬ ‫لل�سعدي (�ص‪])211‬‬ ‫[«فتح ال َّرحيم امللك الع َّالم» َّ‬

‫حلا باجلب َّلة َّ‬ ‫ال�صدر الأ َّول من �سلفنا �صا ً‬ ‫والطبع‪,‬‬ ‫«ما كان َّ‬ ‫ال�صحابة ـ كانوا يف جاهل َّية جهالء‬ ‫فال َّرعيل الأ َّول منهم ـ وهم َّ‬ ‫كبق َّية العرب‪ ,‬و� مَّإنا �أ�صلحهم القر�آن ملَّا ا�ستم�سكوا بعروته‪,‬‬ ‫واهتدوا بهديه‪ ,‬ووقفوا عند حدوده‪ ,‬وح َّكموه يف �أنف�سهم‪...‬‬ ‫فبذلك �أ�صبحوا �صاحلني م�صلحني‪� ,‬ساد ًة يف غري جربية‪,‬‬ ‫قاد ًة يف غري عنف»‪.‬‬ ‫[«�آثار الب�شري الإبراهيمي» (‪])227/4‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬

‫‪63‬‬


‫ردود قصرية‪:‬‬ ‫‪ ‬ن�شكر كثريا الأخ املكرم يو�سف �صغور ـ وفقه اهلل ـ على منظومته ال ُّنونية اجلميلة يف �سرد ف�ضائل‬ ‫ِّ‬ ‫ال�ص ِّيب» للإمام ابن الق ِّيم ‪ ،:‬وهي بعنوان «�إر�شاد الفكر لف�ضائل‬ ‫الذكر‪ ،‬امل�أخوذة من كتاب «الوابل َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الذكر»‪ ،‬وقد فاقت الثمانني بيتًا‪ ،‬وا�ستهلها بقوله‪:‬‬ ‫ال�ش ـ ـ ــان الـم�ستح ــقّ ِّ‬ ‫احلـمـد هلل العظـيـم َّ‬ ‫الذكر كـ ّل �أوان‬ ‫ِّ‬ ‫والذكر مـنها �أعظم الإميان‬ ‫خـلـق اخلـلـق للـعب ــادة ك ـل ــهم‬ ‫ال�صالة على ال َّر�سول العابد خري الورى ذك ًرا بال نكران‬ ‫َّثم َّ‬ ‫‪ ‬وممن را�سلنا ـ � ً‬ ‫أي�ضا ـ الأخ العزيز فريد بو ب�شري ـ حفظه اهلل ـ من قرية تاركيت من بلدية �آيت‬ ‫يحيى مو�سى مبدينة تيزي وزو‪ ،‬فبارك اهلل يف عمله‪ ،‬وو َّفقه ملزيد من اخلري وال َّنفع‪.‬‬ ‫ال�سبع ّ‬ ‫ال�صالح �أن�صر ـ‬ ‫الطباق» للأخ املك َّرم حم َّمد َّ‬ ‫‪ ‬كما و�صلتنا ق�صيدة هائية بعنوان «يا رامي َّ‬ ‫�إمام �أ�ستاذ َّ‬ ‫بال�شرق اجلزائري يدافع بها عن � ِّأم امل�ؤمنني عائ�شة ‪ á‬يقول يف مطلعها‪:‬‬ ‫�أين القراط�س واملداد وري�شتي �أين اخلواطـر من ف�ؤادي نـب ُعها‬ ‫�أين القوايف ال َّثــائرات حت َّررت فتلألأ مـ ـث ــل اجلــواهر ر�سـ ُمها‬ ‫ت�أبى ان�سيا ًقا �إن تردها �س ــهلة ت�أبى القيــاد �إذا هممت بجرها‬ ‫ـاعا �إن تهنها �آمرا ت�أبى اخل�ضوع �إن �أردت هوانـها‬ ‫ت�أبى ان�صيـ ـ ً‬ ‫�إىل �أن يقول‪:‬‬ ‫وفدً ى ل ِّأم الـم�ؤمـنني فما ا َّلذي يبـقـى عزيزً ا �أو ي�صــان دونـه ــا‬ ‫ال املال يبقي لنا احليــاة هـنـية وال البنـون �إذا ر�ضـيـنــا �س ـ َّب ـهـا‬ ‫وقد جاءت يف �سبع و�سبعني بيتًا‪ ،‬وهي جميلة رائقة‪ ،‬بارك اهلل يف �صاحبها و�أجزل له املثوبة‪.‬‬ ‫‪ ‬كما بعث �إلينا الأخ الكرمي عبد الكرمي بن ميداين ـ حفظه اهلل ـ من منطقة الرقيبة مبدينة‬ ‫الوادي مبقال حتت عنوان «الوالء والرباء» فجزاه اهلل �أح�سن اجلزاء على كتابته‪ ،‬واهلل املوفق‪.‬‬ ‫أي�ضا ـ الأخ الفا�ضل م�صطفى بن ّ‬ ‫وممن ي�شكر كث ًريا ـ � ً‬ ‫ال�شيخ ـ و َّفقه اهلل ـ من مدينة برج بوعريرج‬ ‫‪َّ ‬‬ ‫ال�صالة »‬ ‫فتح ِّ‬ ‫على نظمه املبارك املو�سوم بـ « ُ‬ ‫رب البرَ ِ َّيات بنظم �شروط و�أركان َّ‬ ‫‪ ‬ون�شكر الأخ َّ‬ ‫الطالب ال َّثانوي نذير بوزيدي ـ و َّفقه اهلل ـ من مدينة خن�شلة على حماولته ِّ‬ ‫ال�شعرية‪،‬‬ ‫وهي عبارة عن �أبيات يف ذكر بع�ض حقائق وخمازي ال َّراف�ضة‪ ،‬فن�س�أل اهلل له التَّوفيق يف ِّ‬ ‫كل �أموره‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫ال�سنة الرابعة ـ العدد الثالث والع�شرون‪ :‬ذو القعدة‪/‬ذو احلجة ‪1431‬هـ املوافق لـ نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬م‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.