مواهب الروح القدس دراسة في الكتاب المقدس والآباء والطقس

Page 1

‫ﺩﺭﺍﺳﺔ ﰲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﳌﻘﺪﺱ ﻭﺍﻵﺑﺎء ﻭﺍﻟﻄﻘﺲ‬

‫د‪ .‬ﺟﻮرج ﺣﺒﻴﺐ ﺑﺒﺎوي‬ ‫‪٢٠٠٨‬‬

‫‪w w w .c op t ol ogy .o rg‬‬


‫‪۲‬‬

‫ﻣﻮاﻫﺐ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‬

‫دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس واﻵﺑﺎء واﻟﻄﻘﺲ‬ ‫روح ﻗﺪس"؟‬ ‫ﻫﻞ ﻫﻨﺎك ﻓﺮق ﺑﻴﻦ "اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس"‪ ،‬و" ٌ‬

‫أﺛــﺎر ﻫــﺬا اﻟﺴ ـﺆال أﺣــﺪ ﻋﻠﻤــﺎء اﻟﻌﻬــﺪ اﳉﺪﻳــﺪ ﰲ ﻣﻄﻠــﻊ اﻟﻘــﺮن اﳌﺎﺿــﻲ) ‪ (١‬دون أن‬ ‫ﻳﻌﺎﳉﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ واﺿﺤﺔ‪ .‬وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺘﻪ أن اﻟﻨﺺ اﻟﻴﻮﻧﺎﱐ ﻟﻠﻌﻬﺪ اﳉﺪﻳﺪ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﺗﻌﺒﲑﻳﻦ‪:‬‬ ‫‪F0‬‬

‫‪ -‬اﻷول‪ το πνευµα το αγιον :‬أي "اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس"‪.‬‬

‫‪ -‬اﻟﺜﺎﱐ‪ πνευµα αγιον :‬أي "روح ﻗﺪس" ﺑﺪون أداة اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ أﻟـ‪ .‬وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﺣﻴﻨﻤﺎ‬

‫ﻳ ــﺮد اﻟﺘﻌﺒ ــﲑ اﻷول "اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس ‪ "το πνευµα το αγιον‬ﻳﻜ ــﻮن اﳌﻘﺼ ــﻮد ﺑ ــﻪ‬ ‫اﻷﻗﻨــﻮم اﻟﺜﺎﻟــﺚ ﻣــﻦ اﻟﺜــﺎﻟﻮث‪ .‬أ ﱠﻣــﺎ ﺣﻴﺜﻤــﺎ ورد ﺗﻌﺒــﲑ"روح ﻗــﺪس ‪،"πνευµα αγιον‬‬ ‫ﻳﻜﻮن اﳌﻘﺼﻮد ﺑﻪ ﻣﻮﻫﺒـﺔ أو ﻧﻌﻤـﺔ أو ﻋﻄﻴـﺔ ﻣـﻦ ﻋﻄﺎﻳـﺎ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس‪ ،‬وﻟـﻴﺲ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس‬ ‫ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬ ‫) ‪(٢‬‬ ‫وﰲ ﺳـ ــﻨﺔ ‪ ١٩٦٥‬ﻋـ ــﺎﰿ اﳌﻮﺿـ ــﻮع ﺑﻄﺮﻳﻘـ ــﺔ أﻛﻤـ ــﻞ اﻟﻌـ ــﺎﱂ اﳌﻌـ ــﺮوف ‪Turner‬‬ ‫وﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻣﺒﺴﻄﺔ اﻟﻌﺎﱂ ‪.(٣ ) Bullinger‬‬ ‫ِح اﻟﺴ ـ ـﺆال ﻣﻨـ ــﺬ ‪١٨٩٨‬م‪ ،‬أي ﻣﻨـ ــﺬ ﻧﺸـ ــﺮ اﻟﻌـ ــﺎﱂ‬ ‫وﻛ ــﺎن ﻣـ ــﻦ اﻟﻀـ ــﺮوري‪ ،‬وﻗـ ــﺪ ﻃُـ ـﺮ َ‬ ‫ﻋﺪد ﻻ ﺣﺼـﺮ ﻟـﻪ ﻣـﻦ ﻋﻠﻤـﺎء اﻟﻌﻬـﺪ‬ ‫اﳌﻌﺮوف ‪ Hort‬دراﺳﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﻌﻬﺪ اﳉﺪﻳﺪ أن ﻳﺘﺼﺪى ٌ‬ ‫‪F1‬‬

‫‪F2‬‬

‫)‪ (١‬راﺟﻊ‪:‬‬ ‫)‪ (٢‬راﺟﻊ‪:‬‬ ‫)‪ (٣‬راﺟﻊ‪:‬‬

‫‪F. A. Hort "The Fist Epistle of St. Peter" 1898 p 61.‬‬ ‫‪N. Turner "Grammatical Insights into the New Testament," 1965 pp 17 – 22.‬‬ ‫‪E. W. Bullinger "The Giver and his Gifts" 1905. pp 24- 41.‬‬


‫‪۳‬‬

‫اﳉﺪﻳــﺪ ﳌﻨﺎﻗﺸــﺔ اﳌﺸــﻜﻠﺔ‪ ،‬ﻻﺳــﻴﻤﺎ وأن اﻟﻨﺼــﻮص اﻟــﱵ ﺗﺘﺤــﺪث ﻋــﻦ "روح ﻗــﺪس" ﺑــﺪون أﻟ ـ‬ ‫اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﲤﺲ اﳊﻴﺎة اﳌﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﺼﻮرة ﻣﺒﺎﺷﺮة‪.‬‬ ‫وﻟﻌــﻞ أﻛﺜــﺮ ﻣــﻦ ﻋــﺎﰿ ﻫــﺬﻩ اﻟﻨﻘﻄــﺔ ﻣﺆﱢﻛــﺪاً أن اﻟﻌﻬــﺪ اﳉﺪﻳــﺪ ﻻ ﻳﻌــﺮف ﺑــﺎﳌﺮة اﻟﻔــﺮق‬ ‫ﺑ ـ ـ ـ ـ ــﲔ اﻟﺘﻌﺒـ ـ ـ ـ ـ ـﲑﻳﻦ ﰲ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴ ـ ـ ـ ـ ــﺔ ‪ το πνευµα το αγιον‬أي اﻟ ـ ـ ـ ـ ــﺮوح اﻟﻘ ـ ـ ـ ـ ــﺪس‪،‬‬

‫و‪ πνευµα αγιον‬أي روح ﻗـﺪس‪ ،‬ﻫـﻮ اﻟﻌـﺎﱂ ‪ (١ ) C. F. D. Moule‬ﻷن ﻛـﻼ‬ ‫اﻟﺘﻌﺒﲑﻳﻦ إﳕﺎ ﳜﺺ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ وﻟﻴﺲ روﺣﺎً ﻗﺪﺳﺎً‪.‬‬ ‫وﻗﺪ ﺑﲎ اﻟﻌﺎﱂ ‪ Moule‬دراﺳﺘﻪ ﻋﻠﻰ دراﺳـﺔ أﺧـﺮى أﻃـﻮل وأﴰـﻞ ﺻـﺪرت ﰲ ﻋـﺎم‬ ‫‪١٩٣٨‬م ﻟﻠﻌﺎﱂ اﻷﳌﺎﱐ اﳌﻌﺮوف ‪.(٢ ) Adler‬‬ ‫أ ﱠﻣﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﰲ ﻣﺼﺮ ﻓﻘﺪ ِﺻﻴﻐﺖ اﳌﺸﻜﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬ ‫ﺣﻴﻨﻤــﺎ ﺗُــﺬﻛﺮ ﻋﻄﻴــﺔ أو ﻣﻮﻫﺒــﺔ ﻣــﻦ ﻣﻮاﻫــﺐ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس‪ ،‬ﻓــﺈن اﻟﻌﻬــﺪ اﳉﺪﻳــﺪ ﻻ‬ ‫ﻳﺴــﺘﺨﺪم ﺗﻌﺒــﲑ "اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس"‪ ،‬ﺑــﻞ "روح ﻗــﺪس"‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘــﺎﱄ ﳓــﻦ ﻻ ﻧﺄﺧــﺬ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس‬ ‫ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬أو أﻗﻨﻮم اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﻮاﻫﺐ اﻟﺮوح ﻓﻘﻂ‪.‬‬ ‫وﻛﺄﻧﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻧﻌﻮد إﱃ ذات اﳌﺸﻜﻠﺔ اﻟﱵ ﻃُِﺮ َﺣﺖ ﰲ اﻟﻐـﺮب ﰲ ﺳـﻨﺔ ‪١٨٩٨‬م ﻣـﻊ‬ ‫ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺄﺧﺬ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﻮاﻫﺒﻪ‪.‬‬ ‫وﳌﺎ ﱂ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا اﳌﻮﺿـﻮع ﻗـﺪ ﻋُـﻮﰿ ﺑﻜﻔﺎﻳـﺔ ﻋﻨـﺪﻧﺎ ﰲ ﻣﺼـﺮ ﻛـﺎن ﻣـﻦ اﻟﻀـﺮوري أن‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻧﻄﺮﺣ ــﻪ ﺑﺸ ــﻜﻞ ﻋﻠﻤ ــﻲ ﻳﺄﺧ ــﺬ ﰲ اﻋﺘﺒ ــﺎرﻩ ﻣ ــﺎ ﻳ ــﺪور اﻵن ﰲ ﺑﻌ ــﺾ اﻷوﺳ ــﺎط اﻟﻜﻨﺴ ــﻴﺔ ﻣ ــﻦ‬ ‫ﺟﺪال ﺣﻮل ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻘﻄﺔ ﺑﺎﻟﺬات‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﺗﺄﰐ ﻫﺬﻩ اﻟﺪراﺳـﺔ ﻟﺘﺴـﺎﻋﺪ ﻋﻠـﻰ اﺳـﺘﻘﺮار اﻟـﺮأي‪،‬‬ ‫ﲟــﺎ ﻳﺘﻔــﻖ واﻟﺘﺴــﻠﻴﻢ اﻵﺑــﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻣــﻊ دراﺳــﺔ ﺧﺎﺻــﺔ ﻟﻨﺼــﻮص اﻟﻌﻬــﺪ اﳉﺪﻳــﺪ اﻟــﱵ ﻳــﺮد ﻓﻴﻬــﺎ ﻛــﻼ‬ ‫اﻟﺘﻌﺒﲑﻳﻦ‪ ،‬وﳝﻜﻨﻨﺎ ﺑﺪاﻳﺔً أن ﻧﻮﺟﻪ ﻧﻈﺮ اﻟﻘﺎرئ إﱃ اﳌﻼﺣﻈﺎت اﻵﺗﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪F3‬‬

‫‪F4‬‬

‫)‪ (١‬راﺟﻊ‪:‬‬ ‫)‪ (٢‬راﺟﻊ‪:‬‬

‫‪C. F. D. Moule "An Idiom Book of the New Testament," 1950 pp 11 ff.‬‬ ‫‪N. Adler "The Christian Gift of Pentecost" 1938.‬‬


‫‪٤‬‬

‫أ‪ -‬ﺣﻴﺜﻤﺎ ورد ﰲ اﻟـﻨﺺ اﻟﻌـﺮﰊ ﺗﻌﺒـﲑ "اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس"‪ ،‬ﻓـﺈن ذﻟـﻚ ﻳﻌـﲏ وﺟـﻮد أداة اﻟﺘﻌﺮﻳـﻒ‬ ‫أﻟـ ﰲ اﻷﺻﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎﱐ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ﺣﻴﺜﻤ ــﺎ ورد ﰲ اﻟ ــﻨﺺ اﻟﻌ ــﺮﰊ ﺗﻌﺒ ــﲑ "روح ﻗ ــﺪس"‪ ،‬ﻓ ــﺈن ذﻟ ــﻚ ﻳﻌ ــﲏ ﻋ ــﺪم وﺟ ــﻮد أداة‬ ‫اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ أﻟـ ﰲ اﻷﺻﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎﱐ‪.‬‬ ‫ج‪ -‬اﻋﺘﻤــﺪﻧﺎ ﻋﻠــﻰ اﻟﻄﺒﻌــﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴــﺔ ‪ -‬اﻟﻼﺗﻴﻨﻴــﺔ ﻟﻠﻌﻬــﺪ اﳉﺪﻳــﺪ اﻟــﱵ ﻧﺸــﺮﻫﺎ ﻣﻌﻬــﺪ اﻟﻜﺘــﺎب‬ ‫اﳌﻘ ــﺪس ﰲ روﻣ ــﺎ ﺳ ــﻨﺔ ‪ ١٩٦٤‬ﲢ ــﺖ اﺳ ــﻢ‪NOVUM TESTAMENTUM, :‬‬ ‫‪Greace et Latine.‬‬


‫‪٥‬‬

‫أوﻻً‬ ‫ﻛﻴﻒ اﺳﺘﺨﺪم اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻛﻼ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮﻳﻦ؟‬ ‫إن أول ﻣﺎ ﻧﻼﺣﻈﻪ ﻫﻮ أن اﻟﻌﻬﺪ اﳉﺪﻳﺪ ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﺘﻌﺒـﲑﻳﻦ ﻣﻌـﺎً دون أن ﳝﻴﱢـﺰ ﺑـﲔ‬ ‫"اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس"‪ ،‬و "روح ﻗﺪس"‪ .‬وﻟﻌﻞ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻫﻲ ﺧﲑ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﻘﻮل‪:‬‬

‫‪ -١‬وﻋﺪ ﻳﺴﻮع ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ ﻗﺒﻞ ﺻﻌﻮدﻩ‪.‬‬

‫* ﻟ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻴﺲ ﺑﻌ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺪ ﻫ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺬﻩ اﻷﻳ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎم ﺑﻜﺜ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﲑ ﺳ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻮف ﺗﺘﻌﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺪون ﺑ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺮوح ﻗ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺪس‬

‫‪) .εν πνευµατι αγιω‬أع ‪.(٥ :١‬‬

‫* ﺳـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺘﻨﺎ ﻟﻮن ﻗـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻮة ﻣـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﱴ ﺣـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﱠـﻞ اﻟـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺮوح اﻟﻘـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺪس‬

‫‪) επελθοντος του αγιου πνευµατος‬أع ‪.(٨ :١‬‬

‫* واﻣ ــﺘﻸ اﳉﻤﻴ ــﻊ ﻣ ــﻦ روح ﻗ ــﺪس ‪) πνευµατος αγιου‬أع ‪ ،(٤ :٢‬ﺑﻴﻨﻤ ــﺎ ﰲ‬ ‫ِ‬ ‫َﱐ أَﺳـ ُﻜﺐ ر ِ‬ ‫وﺣــﻲ‬ ‫ﻧــﺺ اﻟﻨــﱯ ﻳﻮﺋﻴــﻞ ‪ ٢٨ :٢‬ﻳﺆﻛــﺪ أﻧــﻪ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس‪َ " :‬وﻳَ ُﻜــﻮ ُن ﺑَـ ْﻌـ َـﺪ َذﻟـ َ‬ ‫ـﻚ أ ﱢ ْ ُ ُ‬ ‫َﻋﻠَﻰ ُﻛ ﱢﻞ ﺑَ َﺸـ ٍﺮ"‪ .‬ﻓﻜﻴـﻒ ﻳﺘﺤـﺪث اﻟـﺮب ﻋـﻦ "روح ﻗـﺪس" ﰲ أﻋﻤـﺎل ‪ ،٥ :١‬ﰒ ﰲ أﻋﻤـﺎل‬ ‫‪ ٨ :١‬ﻳﻜــﻮن اﳊــﺪﻳﺚ ﻋــﻦ "اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس"؟ ﻫــﻞ ﻛــﺎن ﻳﺘﺤــﺪث ﻋــﻦ ﺷــﻴﺌﲔ ﳐﺘﻠﻔــﲔ؟ ﺑﻜــﻞ‬ ‫ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻻ؛ ﻷن اﻟﺮوح اﻟﻮاﺣﺪ ﻫﻮ اﳌﻘﺼﻮد‪.‬‬

‫‪ -٢‬اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺨﻤﺴﻴﻦ‬

‫* "واﻣﺘَﻸَ ْ ِ‬ ‫وح ﻗُـ ُﺪس ‪) "πνευµατος αγιου‬أع ‪ ،٤ :٢‬ﻛـﺬﻟﻚ ﰲ‬ ‫ﻴﻊ ِﻣ َـﻦ ُر ٍ‬ ‫َْ‬ ‫اﳉَﻤ ُ‬

‫أع ‪ ٩ :١٣ ،١٧ :٩ ،٨ :٤‬و ‪ .(٥٢‬ﻫﻨ ـ ــﺎ ﰲ ﻳ ـ ــﻮم اﳋﻤﺴ ـ ــﲔ اﻣ ـ ــﺘﻸ اﻟﺘﻼﻣﻴ ـ ــﺬ ﻣ ـ ــﻦ روح‬ ‫ﻗﺪس‪ ،‬ﻣﻊ أ ﱠن اﻟﺬي ﺟﺎء ﻫﻮ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬


‫‪٦‬‬

‫وﻣــﺎذا ﻧﻘــﻮل ﻋــﻦ اﻟﻨﺼــﻮص اﻵﺗﻴــﺔ اﳋﺎﺻــﺔ ﲝﻠــﻮل اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻋﻠــﻰ أﻫــﻞ اﻟﺴــﺎﻣﺮة‬ ‫ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل ﺳﻔﺮ اﻷﻋﻤﺎل ﺑﻜﻞ وﺿﻮح‪:‬‬ ‫ِ ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫وح ﻗُ ُﺪس" )أع ‪.(١٧ :٨‬‬ ‫* "ﺣﻴﻨَﺌﺬ َو َ‬ ‫ي َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ ﻓَـ َﻘﺒِﻠُﻮا ُر َ‬ ‫ﺿ َﻌﺎ اﻷَﻳَﺎد َ‬ ‫س"‬ ‫ﺖ َﻋﻠَْﻴـ ِـﻪ ﻳـَ َـﺪ ﱠ‬ ‫* "أ َْﻋ ِﻄﻴَـ ِـﺎﱐ أَﻧَــﺎ أَﻳْﻀ ـﺎً َﻫ ـ َﺬا اﻟ ﱡﺴ ـ ْﻠﻄَﺎ َن َﺣـ ﱠـﱴ أَ ﱡ‬ ‫ي َﻣـ ْـﻦ َو َ‬ ‫ﺿـ ْـﻌ ُ‬ ‫ي ﻳَـ ْﻘﺒَـ ُـﻞ ُر َ‬ ‫وح ﻗُـ ُﺪ َ‬ ‫)أع ‪.(١٩ :٨‬‬ ‫وﻗــﺪ ﻧﻘــﻮل إن ﻫــﺬا ﻳﺘﻤﺸــﻰ ﲤﺎﻣ ـﺎً ﻣــﻊ اﺧﺘﺒــﺎر ﻳــﻮم اﳋﻤﺴــﲔ‪ ،‬ﺣـ ﱠـﻞ "روح ﻗــﺪس"‪،‬‬ ‫واﻣــﺘﻸ اﻟﺮﺳــﻞ ﻣ ـﻦ "روح ﻗــﺪس"‪ ،‬وﻛــﺬﻟﻚ أﻫــﻞ اﻟﺴــﺎﻣﺮة أﺧــﺬوا ﻣﺜــﻞ اﻟﺮﺳــﻞ "روح ﻗــﺪس"‪،‬‬ ‫ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻼﺣﻆ اﻟﻨﺼﻮص اﻵﺗﻴﺔ‪:‬‬ ‫ﻀ ـ ـ ـ ــﺘﻚ ﻣﻌ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـﻚ ﻇَﻨَـْﻨ ـ ـ ـ ــﺖ أَ ْن ﺗَـ ْﻘﺘَـ ـ ـ ـ ِـﲏ ﻋ ِﻄﻴﱠ ـ ـ ـ ـﺔَ◌ ِ‬ ‫اﷲ ﺑِـ ـ ـ ـ َـﺪ َر ِاﻫ َﻢ‬ ‫ـﻚ ﻟ ْﻠ َﻬ ـ ـ ـ ـﻼَ ِك ﻷَﻧﱠـ ـ ـ ـ َ‬ ‫* "ﻟ ـ ـ ـ ــﺘَ ُﻜ ْﻦ ﻓ ﱠ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪) "την δωρεαν του θεον‬أع ‪ ،(٢٠ :٨‬وإذا رﺟﻌﻨ ـ ــﺎ إﱃ ﺗﻌﺒ ـ ــﲑ ﻋﻄﻴ ـ ــﺔ اﷲ‪،‬‬ ‫ﳒﺪ أﻧﻪ ﺗﻌﺒﲑ ﻳُﺮاد ﺑﻪ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪.‬‬ ‫وح اﻟْ ُﻘـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُﺪ ِ‬ ‫س‬ ‫* "ﻓَـﺘَـ ْﻘﺒَـﻠُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـﻮا َﻋ ِﻄﻴﱠ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـﺔَ اﻟـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﱡﺮ ِ‬

‫‪) "την δωρεαν του αγιον πνευµατο‬أع ‪.(٣٨ :٢‬‬ ‫وح اﻟْ ُﻘ ـ ُﺪ ِ ِ‬ ‫ﺶ اﻟْ ُﻤ ْﺆِﻣﻨُــﻮ َن ‪ .....‬ﻷَ ﱠن َﻋ ِﻄﻴﱠ ـﺔَ اﻟ ـ ﱡﺮ ِ‬ ‫ﺖ َﻋﻠَــﻰ اﻷ َُﻣ ـ ِﻢ أَﻳْﻀ ـﺎً‬ ‫س ﻗَــﺪ اﻧْ َﺴ ـ َﻜﺒَ ْ‬ ‫* "ﻓَﺎﻧْـ َـﺪ َﻫ َ‬ ‫‪) "η δωρεα του αγιον πνευµατος‬أع ‪.(٤٥ :١٠‬‬ ‫ِ‬ ‫روح ٍ‬ ‫ﻒ ﺑﻌـﺪ ذﻟـﻚ ﺑﺄﻧـﻪ ﻋﻄﻴـﺔ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس‪،‬‬ ‫ﻗﺪس"‪ُ ،‬وﺻ َ‬ ‫ﻓﻤﺎ أُﺷﲑ إﻟﻴﻪ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ " ُ‬ ‫وإﻻﱠ ﻳﻜــﻮن أﻫــﻞ اﻟﺴــﺎﻣﺮة ﻗــﺪ أﺧــﺬوا ﻋﻄﻴــﺔ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤــﺎ أﺧــﺬ اﻟﺮﺳــﻞ "روح ﻗــﺪس"‬ ‫ﻓﻘﻂ!‬


‫‪۷‬‬

‫‪ -٣‬اﺧﺘﺒﺎر ﻛﺮﻧﻴﻠﻴﻮس‬

‫ِ ِ​ِ‬ ‫س‬ ‫س ﻳَـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺘَ َﻜﻠﱠ ُﻢ ﺑَـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺬﻩ اﻷ ُ​ُﻣـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻮِر َﺣـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﱠـﻞ اﻟــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﱡﺮ ُ‬ ‫وح اﻟْ ُﻘـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُﺪ ُ‬ ‫* "ﻓَـﺒَـْﻴـﻨَ َﻤـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ﺑُﻄْـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـﺮ ُ‬ ‫ِ ﱠِ‬ ‫ﻳﻦ َﻛــﺎﻧُﻮا ﻳَ ْﺴـ َـﻤﻌُﻮ َن اﻟْ َﻜﻠِ َﻤ ـﺔَ" )أع ‪:١٠‬‬ ‫‪َ το πνευµα το αγιον‬ﻋﻠَــﻰ َﲨﻴ ـ ِﻊ اﻟــﺬ َ‬ ‫‪.(٤٤‬‬ ‫س ‪َ το πνευµα το αγιου‬ﻋﻠَ ـ ْـﻴ ِﻬ ْﻢ‬ ‫* "ﻓَـﻠَ ﱠﻤ ــﺎ اﺑْـﺘَـ َـﺪأْ ُ‬ ‫ت أَﺗَ َﻜﻠﱠـ ُـﻢ َﺣ ـ ﱠـﻞ اﻟـ ـ ﱡﺮ ُ‬ ‫وح اﻟْ ُﻘـ ـ ُﺪ ُ‬ ‫َﻛ َﻤﺎ َﻋﻠَْﻴـﻨَﺎ أَﻳْﻀﺎً ِﰲ اﻟْﺒَ َﺪاءَ ِة" )أع ‪.(١٥ :١١‬‬ ‫واﻟﻌﺠﻴــﺐ أن اﻟﻘــﺪﻳﺲ ﺑﻄــﺮس ‪ -‬وﻫــﻮ ﻳﺸــﺮح اﺧﺘﺒــﺎر ﻛﺮﻧﻴﻠﻴــﻮس ‪ -‬ﻳﻀــﻴﻒ‪" :‬ﺣـ ﱠـﻞ‬ ‫ﺣﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ أﻳﻀﺎً ﰲ اﻟﺒﺪء"‪.‬‬ ‫اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﱠ‬ ‫* ﺳــﺒﻖ ﻟﻨــﺎ أن اﻗﺘﺒﺴــﻨﺎ ﻧــﺺ أﻋﻤــﺎل ‪ ٤٥ :١٠‬وﻫــﻮ ﺧــﺎص ﺑ ـ "ﻋﻄﻴــﺔ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس"‪ ،‬وﻫــﻮ‬ ‫ﻧﺺ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﻼ ﺷﻚ ﺑﻨﺺ أﻋﻤﺎل ‪.٤٤ :١٠‬‬ ‫ِ ﱠِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َﻛ َﻤـﺎ‬ ‫ﻳﻦ ﻗَﺒِﻠُـﻮا اﻟ ﱡﺮ َ‬ ‫ﻴﻊ أ َ‬ ‫* "أَﺗُـَﺮى ﻳَ ْﺴﺘَﻄ ُ‬ ‫وح اﻟْ ُﻘـ ُﺪ َ‬ ‫َﺣ ٌﺪ أَ ْن ﳝَْﻨَ َﻊ اﻟْ َﻤﺎءَ َﺣ ﱠﱴ ﻻَ ﻳَـ ْﻌﺘَﻤ َﺪ َﻫ ُﺆﻻَء اﻟﺬ َ‬ ‫َْﳓـ ـ ـ ـ ـ ُـﻦ أَﻳْﻀ ـ ـ ـ ـ ـﺎً؟" )أع ‪ ، (٤٧ :١٠‬وﻫﻨـ ـ ـ ـ ــﺎ ﻧﻠﻔـ ـ ـ ـ ــﺖ اﻟﻨﻈـ ـ ـ ـ ــﺮ إﱃ أن اﻻﺧﺘﺒـ ـ ـ ـ ــﺎر ﻫـ ـ ـ ـ ــﻮ ذاﺗـ ـ ـ ـ ــﻪ‬ ‫‪.το πνευµα το αγιον‬‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫* "اﻟﻠﱠ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪُ اﻟْ َﻌ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ِر ُ‬ ‫ـﻮب َﺷـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِﻬ َﺪ َﳍ ـُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـﻢ ُﻣ ْﻌﻄﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـﺎً َﳍ ـُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـﻢ اﻟـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﱡﺮ َ‬ ‫ف اﻟْ ُﻘﻠُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫وح اﻟْ ُﻘـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُﺪ َ‬ ‫‪َ το πνευµα το αγιον‬ﻛ َﻤﺎ ﻟَﻨَﺎ أَﻳْﻀﺎً" )أع ‪.(٨ :١٥‬‬ ‫* وﻫﻨــﺎك ﻧــﺺ أﻋﻤــﺎل ‪ ١٧ ،١٦ :١١‬وﻫــﻮ ﻧــﺺ ﻫــﺎم ﻳﺸ ـ ﱢﻜﻞ ﺧﻠﻔﻴــﺔ اﺧﺘﺒــﺎر ﻛﺮﻧﻴﻠﻴــﻮس‪،‬‬ ‫ـﺎل‪ :‬إِ ﱠن ﻳﻮﺣﻨﱠـﺎ ﻋ ﱠﻤـﺪ ِﲟ ٍ‬ ‫ـﺎء َوأَﱠﻣـﺎ‬ ‫ـﻒ ﻗَ َ‬ ‫ت َﻛـﻼَ َم اﻟـﱠﺮ ﱢ‬ ‫َُ َ َ َ‬ ‫ب َﻛْﻴ َ‬ ‫ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل اﻟﻘـﺪﻳﺲ ﺑﻄـﺮس‪" :‬ﻓَـﺘَـ َﺬ ﱠﻛ ْﺮ ُ‬ ‫وح ﻗُـ ُﺪ ٍ‬ ‫ـﺎﻫ ُﻢ اﻟْ َﻌ ِﻄﻴﱠـﺔَ َﻛ َﻤــﺎ ﻟَﻨَــﺎ أَﻳْﻀـﺎً ﺑِﺎﻟ ﱠﺴـ ِﻮﻳﱠِﺔ‬ ‫أَﻧْــﺘُ ْﻢ ﻓَ َﺴـﺘُـ َﻌ ﱠﻤ ُﺪو َن ﺑِـ ُـﺮ ِ‬ ‫س‪ .‬ﻓَـِﺈ ْن َﻛــﺎ َن اﷲُ ﻗَـ ْﺪ أ َْﻋﻄَـ ُ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ﻴﺢ ﻓَ َﻤ ْﻦ أَﻧَﺎ؟ أَﻗَ ِﺎدٌر أَ ْن أ َْﻣﻨَ َﻊ اﷲَ؟«‪.‬‬ ‫ﻮع اﻟْ َﻤ ِﺴ ِ‬ ‫ﲔ ﺑِﺎﻟﱠﺮ ﱢ‬ ‫ب ﻳَ ُﺴ َ‬ ‫ُﻣ ْﺆﻣﻨ َ‬


‫‪۸‬‬

‫‪ -٤‬ﻣﻌﻤﻮدﻳﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ‬

‫ِ‬ ‫س‬ ‫ﻳﻘــﻮل اﻟﻘــﺪﻳﺲ ﻟﻮﻗــﺎ ﰲ إﳒﻴﻠــﻪ ﻋــﻦ ﻣﻌﻤﻮدﻳــﺔ اﳌﺴــﻴﺢ‪َ " :‬وﻧَـ َـﺰَل َﻋﻠَْﻴــﻪ اﻟ ـ ﱡﺮ ُ‬ ‫وح اﻟْ ُﻘ ـ ُﺪ ُ‬ ‫‪) "το πνευµα το αγιον‬ﻟ ـ ــﻮ ‪ ،(٢٢ :٣‬ﺑﻴﻨﻤ ـ ــﺎ ﻋﻨ ـ ــﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤ ـ ــﺪث ﻋ ـ ــﻦ ﻧﻔـ ـ ــﺲ‬ ‫اﳌﻮﺿــﻮع‪ ،‬أي ﻣﻌﻤﻮدﻳــﺔ اﳌﺴــﻴﺢ ﰲ ﺳــﻔﺮ أﻋﻤــﺎل اﻟﺮﺳــﻞ‪ ،‬ﻳﻘــﻮل‪" :‬ﻳﺴــﻮع اﻟﱠـ ِـﺬي ِﻣــﻦ اﻟﻨ ِ‬ ‫ﱠﺎﺻـ َـﺮِة‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫وح ﻗُـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُﺪ ٍ‬ ‫س َوﻗُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﱠﻮٍة‬ ‫ـﺤﻪُ اﷲُ ﺑِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُﺮ ِ‬ ‫َﻛْﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـﻒ َﻣ َﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫‪ ،"πε πνευµατι αγιω και δυναµει‬ﻓﻬ ــﻞ ﻳﻌﻘ ــﻞ أن ﻳﻜ ــﻮن ﻳﺴ ــﻮع ﻗ ــﺪ‬ ‫ُﻣ ِﺴـ َـﺢ ﺑــﺎﻟﺮوح اﻟﻘــﺪس ﰲ اﻹﳒﻴــﻞ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤــﺎ ﳝﺴــﺢ ﺑــﺮوح ﻗــﺪس ﰲ ﺳــﻔﺮ اﻷﻋﻤــﺎل؟ أﻟــﻴﺲ اﻟــﺮوح‬ ‫روح ﻗُﺪس؟‬ ‫اﻟﻘﺪس ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻳﻮﺻﻒ ﺑﺄﻧﻪ ٌ‬ ‫ﻳﺴــﺘﺨﺪم اﻟﻘــﺪﻳﺲ ﻟﻮﻗــﺎ ﻓﻌــﻞ ﻳﻘﺒــﻞ ‪ λαµβανω‬ﲬــﺲ ﻣ ـﺮات‪ ،‬ﰲ أرﺑ ـ ٍﻊ ﻣﻨﻬــﺎ‬

‫ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻗﺒﻮل روح ﻗﺪس ‪ πνευµα αγιον‬ﰲ أﻋﻤـﺎل ‪ ،١٩ ،١٧ ،١٥ :٨‬ﰒ‬ ‫ﰲ أﻋﻤ ــﺎل ‪ .٢ :١٩‬وﻟﻜﻨ ــﻪ ﻳﺴ ــﺘﺨﺪم اﻟﻔﻌ ــﻞ ﻣ ــﺮًة واﺣ ــﺪ ًة ﻳﺘﺤ ــﺪث ﻓﻴﻬ ــﺎ ﻋ ــﻦ ﻗﺒ ــﻮل اﻷﻣ ــﻢ‬

‫اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس وذﻟﻚ ﰲ أﻋﻤﺎل ‪.٤٧ :١٠‬‬ ‫روح ﻗﺪس"؟ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻻ‪.‬‬ ‫ﻓﻬﻞ ﻫﻨﺎك ﻓﺮق ﺑﲔ "اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس"‪ ،‬و " ٌ‬ ‫وﻣﻦ اﻟﻄﺮﻳﻒ أن ﻧﻼﺣﻆ أن اﳌﺴﻴﺢ ُﺣﺒِ َـﻞ ﺑـﻪ ﺑـﺎﻟﺮوح اﻟﻘـﺪس‪ ،‬وﻣـﻊ ذﻟـﻚ ﻓﺤﺴـﺐ‬ ‫ﻧﺺ ﻟﻮﻗﺎ ‪" ٣٥ :١‬روح ﻗُ ُﺪ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫روح ٍ‬ ‫ﻗﺪس ﻋﻠﻰ اﻟﻌـﺬراء‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤـﺎ ﳛـﻞ‬ ‫ُ ُ‬ ‫س َﳛ ﱡﻞ َﻋﻠَْﻴﻚ"‪ ،‬ﻓﻬﻞ ﳛﻞ ُ‬ ‫اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻛﻤﺎ ﰲ أﻋﻤﺎل ‪٨ :١‬؟‬

‫‪ -٥‬ﻋﻤﻞ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻓﻲ اﻷﻧﺒﻴﺎء‬

‫ﻧﻘﻮل ﰲ ﻗﺎﻧﻮن اﻹﳝﺎن‪" :‬اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﻨـﺎﻃﻖ ﰲ اﻷﻧﺒﻴـﺎء"‪ ،‬وﻳﻘـﻮل اﻟﻘـﺪﻳﺲ ﻟﻮﻗـﺎ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ـﻮب اﻟﱠـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺬي َﺳ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺒَ َﻖ اﻟ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﱡﺮ ُ‬ ‫" َﻛ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ َن ﻳَـْﻨﺒَﻐـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻲ أَ ْن ﻳَ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺘ ﱠﻢ َﻫ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َﺬا اﻟْ َﻤﻜْﺘُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫وح اﻟْ ُﻘ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُﺪ ُ‬ ‫‪ το πενµα το αγιον‬ﻓَـ َﻘﺎﻟَــﻪُ ﺑَِﻔ ـ ِﻢ َد ُاوَد" )أع ‪ ،(١٦ :١‬وﺑﺎﻟﺘــﺎﱄ ﳓــﻦ ﻫﻨــﺎ أﻣــﺎم‬ ‫وح‬ ‫اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻧﻄﻖ ﺑﻔﻢ داود‪ .‬وﻟﻜﻦ اﻟﻘـﺪﻳﺲ ﻟﻮﻗـﺎ ﻳﻌـﻮد ﻓﻴﻘـﻮل‪" :‬اﻟْ َﻘﺎﺋِ ُـﻞ ﺑ ُـﺮ ِ‬


‫‪۹‬‬

‫ﻗُـ ٍ‬ ‫ـﺪس ‪ δια πνευµατος αγιον‬ﺑَِﻔـ ـ ِﻢ َد ُاوَد" )أع ‪ .(٢٥ :٤‬ﻓﻬ ــﻞ ﺗﻐ ـ ﱠـﲑ اﻟ ــﺮوح‬ ‫اﻟﻘﺪس وﻫﻮ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻔﻢ داود ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس إﱃ روح ﻗﺪس؟ اﳉﻮاب ﻫﻮ ﻻ ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ‪.‬‬ ‫ﻟﻘــﺪ ﻻﺣﻈﻨــﺎ أن اﻟــﺬي ﺣـ ﱠـﻞ ﻋﻠــﻰ اﳌﺴــﻴﺢ ﰲ اﳌﻌﻤﻮدﻳــﺔ ﺣﺴــﺐ ﻟﻮﻗــﺎ ‪ ٢٢ :٣‬ﻫــﻮ‬ ‫اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس‪ ،‬وﻟﻜــﻦ ﰲ ﻣــﱴ ‪" ١٦ :٣‬وإِ َذا اﻟ ﱠﺴــﻤﺎو ِ‬ ‫وح اﻟﻠﱠـ ِـﻪ‬ ‫ات ﻗَــﺪ اﻧْـ َﻔﺘَ َﺤـ ْ‬ ‫َ​َ ُ‬ ‫ـﺖ ﻟَــﻪُ ﻓَ ـ َـﺮأَى ُر َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وح‬ ‫‪ πνευµα θεου‬ﻧَــﺎ ِزﻻً"‪ .‬وﰲ ﻣ ــﺮﻗﺲ ‪َ " ١٠ :١‬رأَى اﻟ ﱠﺴ ـ َـﻤ َﺎوات ﻗَــﺪ اﻧْ َﺸ ـﻘ ْ‬ ‫ﱠﺖ َواﻟ ـﱡﺮ َ‬ ‫‪ِ το πνευµα‬ﻣﺜْـ َـﻞ َﲪَ َﺎﻣـ ٍـﺔ ﻧَــﺎ ِزﻻً َﻋﻠَْﻴـ ِـﻪ"‪ .‬ﻓﻤــﺎ ﻳُﺴـ ﱠﻤﻰ "روح اﷲ" ﺑــﺪون أداة اﻟﺘﻌﺮﻳــﻒ أﻟ ـ‬ ‫ﰲ ﻣﱴ‪ ،‬ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻳُﺴ ﱠﻤﻰ "اﻟﺮوح" ﻓﻘﻂ ﰲ ﻣﺮﻗﺲ ﻣﻊ اﺳﺘﺨﺪام أداة اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ أﻟـ‪.‬‬ ‫ﻟﻜــﻦ ﻛﻴــﻒ ﻧﻔ ﱢﺴــﺮ ﻫــﺬﻩ اﻟﻈــﺎﻫﺮة ﻻﺳــﻴﻤﺎ ﻋﻨــﺪﻣﺎ ﻳﺴــﺘﺨﺪم ﻧﻔــﺲ اﻟﻜﺎﺗــﺐ ﰲ ﻧﻔــﺲ‬ ‫اﻹﺻــﺤﺎح ﺗﻌﺒــﲑ "روح ﻗــﺪس"‪ ،‬ﰒ ﻳﻌــﻮد ﺑﻌــﺪﻫﺎ وﻳﺴــﺘﺨﺪم ﺗﻌﺒــﲑ "اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس"‪ ،‬أﻻ ﻳﺆﻛــﺪ‬ ‫ﻟﻨﺎ ذﻟﻚ أن اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺘﺒـﻮا ﱂ ﻳﻌـﲑوا أداة اﻟﺘﻌﺮﻳـﻒ أﻟ ـ أي اﻫﺘﻤـﺎم؟ وﻟـﺬﻟﻚ ﳝﻜﻨﻨـﺎ ﻫﻨـﺎ أن ﻧﻘـﺮر‬ ‫ﺑﻜﻞ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ أن اﻟﻼﻫﻮت ﻻ ﳜﻀﻊ ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻹﻋﺮاب‪.‬‬


‫‪۱۰‬‬

‫ﺛﺎﻧﻴﺎً‬ ‫ﻣﺎذا ﻳﻘﻮل اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ؟‬ ‫ِح اﻟﺴ ـﺆال ﻋــﻦ أداة اﻟﺘﻌﺮﻳــﻒ أﻟ ـ ﰲ زﻣــﻦ اﻟﻘــﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس‬ ‫ﺑــﺎﻟﻄﺒﻊ‪ ،‬ﺳــﺒﻖ أن ﻃُـﺮ َ‬ ‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻄـ ﱠﻮر اﳉـﺪل اﻷرﺛﻮذﻛﺴـﻲ ﻣـﻊ اﻷرﻳﻮﺳـﻴﺔ وﻃـﺎل ﻣﻮﺿـﻮع اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس‪ .‬ﻓﻤـﺎذا ﻳﻘـﻮل‬ ‫أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﻋﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻘﻄﺔ ﺑﺎﻟﺬات؟‬ ‫"ﻗﻮﻟﻮا ﻟﻨﺎ إذن‪ ،‬ﻫﻞ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻘﺮة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب اﳌﻘﺪس اﻹﳍـﻲ ﺗﺸـﲑ إﱃ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس‬ ‫ﺑﻜﻠﻤﺔ "روح" ﻓﻘﻂ ﺑﺪون إﺿﺎﻓﺔ ﻛﻠﻤـﺔ أو ﺣـﺮف إﻟﻴﻬـﺎ ﻣﺜـﻞ اﷲ أو اﻵب أو ﻳـﺎء اﳌـﺘﻜﻠﻢ أو‬ ‫اﳌﺴ ــﻴﺢ ﻧﻔﺴ ــﻪ أو اﻻﺑ ــﻦ أو ﻣ ــﲏ )أي ﻣ ــﻦ اﷲ(‪ ،‬أو أداة اﻟﺘﻌﺮﻳ ــﻒ أﻟـ ــ‪ ،‬ﻓ ــﻼ ﻳﻘ ــﺎل روح‪ ،‬ﺑ ــﻞ‬ ‫"اﻟــﺮوح"‪ ،‬أو اﻻﺻــﻄﻼح اﻟﻜﺎﻣــﻞ "اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس"‪ ،‬أو "روح اﳊــﻖ"‪ ،‬أي روح اﻻﺑــﻦ اﻟــﺬي‬ ‫ﻳﻘﻮل‪" :‬أﻧﺎ ﻫﻮ اﳊﻖ" )ﻳﻮ ‪... (٦ :١٤‬‬ ‫ﻀــﻒ أداة اﻟﺘﻌﺮﻳــﻒ أﻟ ـ أو إﺣــﺪى اﻹﺿــﺎﻓﺎت اﻟﺴــﺎﺑﻘﺔ‪،‬‬ ‫وﺑﺎﻹﳚــﺎز ﻧﻘــﻮل إﻧــﻪ إن ﱂ ﺗُ َ‬ ‫ﻓﺈن اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻻ ﺗﺸﲑ إﱃ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ .‬ﺧﺬ ﻣﺜﻼً ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﺑـﻮﻟﺲ إﱃ أﻫـﻞ ﻏﻼﻃﻴـﺔ "أرﻳـﺪ أن‬ ‫أﺗﻌﻠﻢ ﻣﻨﻜﻢ ﻫﺬا ﻓﻘﻂ أﺑﺄﻋﻤﺎل اﻟﻨﺎﻣﻮس أﺧﺬﰎ اﻟﺮوح أم ﲞﱪ اﻹﳝﺎن" )ﻏﻼ ‪ .(٢ :٣‬ﻓﻤـﺎذا‬ ‫ﻗﺒﻠ ـﻮا إﻻﱠ اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس اﻟ ــﺬي ﻳُﻌﻄ ــﻰ ﻟﻠ ــﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨ ــﻮن وﻳﻮﻟ ــﺪون ﺛﺎﻧﻴـ ـﺔً ﺑﻐﺴ ــﻞ اﳌ ــﻴﻼد اﻟﺜ ــﺎﱐ‬ ‫)ﺗﻴﻄﺲ ‪.(٥ :٣‬‬ ‫وﻋﻨــﺪﻣﺎ ﻛﺘــﺐ إﱃ أﻫــﻞ ﺗﺴــﺎﻟﻮﻧﻴﻜﻲ "ﻻ ﺗﻄﻔﺌ ـﻮا اﻟــﺮوح" ﻛــﺎن ﻳﺘﺤــﺪث إﱃ اﻟــﺬﻳﻦ‬ ‫ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻣﻦ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﺒﻠﻮﻩ ﻟﺌﻼ ﺑﺴﺒﺐ اﻹﳘﺎل ﻳﻄﻔﺌﻮا ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺮوح اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ اﺷﺘﻌﻞ ﰲ‬ ‫داﺧﻠﻬــﻢ‪ .‬وﻋﻨــﺪﻣﺎ اﺳــﺘﺨﺪم اﻹﳒﻴﻠﻴــﻮن ﰲ اﻷﻧﺎﺟﻴــﻞ اﺻــﻄﻼﺣﺎت ﺑﺸـﺮﻳﺔ ﻋــﻦ اﳌﺨﻠﱢــﺺ ﻣــﻦ‬ ‫أﺟـﻞ اﳉﺴـﺪ اﻟـﺬي اﲣـﺬﻩ‪ ،‬ﻗـﺎﻟﻮا‪" :‬أ ﱠﻣـﺎ ﻳﺴـﻮع ﻓﺮﺟـﻊ ﻣـﻦ اﻷردن ﳑﺘﻠﺌـﺎً ﺑـﺎﻟﺮوح" )ﻟــﻮ ‪،(١ :٤‬‬ ‫"ﰒ أُﺻﻌِ َﺪ ﻳﺴﻮع إﱃ اﻟﱪﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺮوح" )ﻣﺖ ‪ ،(١ :٤‬ﻓﺈ�ﺎ ﻫﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻜﻠﻤـﺔ‪ ،‬وذات اﳌﻌـﲎ‬


‫‪۱۱‬‬

‫اﻟــﺬي ﺳــﺒﻖ ﻟﻮﻗــﺎ وذﻛــﺮﻩ "وﳌــﺎ اﻋﺘﻤــﺪ اﻟﺸــﻌﺐ اﻋﺘﻤــﺪ ﻳﺴــﻮع أﻳﻀ ـﺎً وﻛــﺎن ﻳﺼــﻠﻲ اﻧﻔﺘﺤــﺖ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻟﺴــﻤﺎء وﻧــﺰل ﻋﻠﻴــﻪ اﻟــﺮوح اﻟـــﺪس ﻬﺑﻴﺌــﺔ ﺟﺴــﻤﻴﺔ ﻣﺜــﻞ ﲪﺎﻣــﺔ" )ﻟــﻮ ‪ .(٢٢ - ٢١ :٣‬ﻫــﺬﻩ‬ ‫ﺗﻮﺿﺢ ﺟﻠﻴﺎً أن اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻫﻮ اﳌﻘﺼﻮد ﺑﻜﻠﻤﺔ "اﻟﺮوح"‪ ،‬وﻫﻜﺬا أﻳﻀﺎً ﺣﻴﻨﻤـﺎ اﻗـﱰن اﺳـﻢ‬ ‫اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﺑﺎﻟﺒﺸــﺮ – ﺣــﱴ وإن ذُﻛِـ َـﺮ ﺑــﺪون أﻳــﺔ إﺿــﺎﻓﺔ ﻷﲰــﻪ – ﻓــﻼ ﺷــﻚ ﰲ أن اﻟــﺮوح‬ ‫اﻟﻘﺪس ﻫﻮ اﳌﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﺬات ﻻﺳﻴﻤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻀﺎف إﻟﻴﻪ أداة اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ" ) ‪.(١‬‬ ‫وﻫﻜــﺬا ﻳﺘﻀــﺢ ﻟﻨــﺎ أن اﻟﻘــﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس وﻫــﻮ ﻳﺸــﻌﺮ ﺑﺄﳘﻴــﺔ ﻣــﺎ ﺳــﻴﻘﺎل ﻋــﻦ أداة‬ ‫اﻟﺘﻌﺮﻳــﻒ أﻟ ـ ﻳﻘــﻮل ﺣﻴﺜﻤــﺎ ذُﻛِـ َـﺮ اﻟــﺮوح ﺑــﺄداة اﻟﺘﻌﺮﻳــﻒ‪ ،‬ﻓــﺈن اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻫــﻮ اﳌﻘﺼــﻮد ﺑــﻪ‪،‬‬ ‫وﻟﻜﻦ "ﺣﻴﻨﻤﺎ اﻗﱰن اﺳﻢ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﺑﺎﻟﺒﺸﺮ – ﺣﱴ وإن ذُﻛَِﺮ ﺑﺪون أﻳـﺔ إﺿـﺎﻓﺔ ﻻﲰـﻪ –‬ ‫ﻓ ــﻼ ﺷ ــﻚ ﰲ أن اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس ﻫ ــﻮ اﳌﻘﺼ ــﻮد ﺑﺎﻟ ــﺬات ﻻﺳ ــﻴﻤﺎ ﻋﻨ ــﺪﻣﺎ ﺗﻀ ــﺎف إﻟﻴ ــﻪ أداة‬ ‫اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ"‪.‬‬ ‫ﻓﻤــﻦ اﳌﺆﻛــﺪ أن ﻫــﺬا اﻟﺮﺟــﻞ اﻟــﺬي ﺣﺼــﺮ ﻋــﺪد اﳌ ـﺮات اﻟــﱵ ورد ﻓﻴﻬــﺎ ذﻛــﺮ اﻟــﺮوح‬ ‫اﻟﻘــﺪس ﰲ اﻟﻌﻬــﺪﻳﻦ ﻗﺒــﻞ أن ﻳﻜﺘــﺐ رﺳــﺎﺋﻠﻪ‪ ،‬ﻛــﺎن ﻗــﺪ ﺷــﻌﺮ ﺑﺎﳌﺸــﻜﻠﺔ‪ ،‬وﻟﻜﻨﻬــﺎ ﱂ ﺗﺰﻋﺠــﻪ‬ ‫ﺑــﺎﳌﺮة؛ ﻷن اﳌﻌــﲎ واﺿــﺢ وﻣﻌــﺮوف أﻧــﻪ ﻻ ﻳﻮﺟــﺪ روح ﻗــﺪس ﳐﺘﻠــﻒ أو ﻏﺮﻳــﺐ ﻋــﻦ اﻟــﺮوح‬ ‫ﺗﻐﲑ اﳌﻌﲎ ﺑﺎﳌﺮة‪.‬‬ ‫اﻟﻘﺪس‪ ،‬وأن أداة اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ أﻟـ ﻻ ﱢ‬ ‫‪F5‬‬

‫ﻫﻞ ﻫﻨﺎك ﻓﺮق ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮاﻫﺐ واﻷﻗﻨﻮم؟‬

‫ﰲ اﳊﻘﻴﻘﺔ ﱂ ﻳُﻄﺮح ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﺑﺎﳌﺮة ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻜﻨﺴﻲ‪ ،‬وﻻ ﺗﻌﺮف ﻛﺘـﺐ اﻵﺑـﺎء‬ ‫ﺑﺄﺳــﺮﻫﺎ ﻧﺼ ـﺎً واﺣــﺪاً ﻳﻘــﻮل إﻧﻨــﺎ ﻻ ﻧﺸــﱰك ﰲ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻧﻔﺴــﻪ‪ ،‬ﺑــﻞ ﻧﺸــﱰك ﰲ ﻣﻮاﻫﺒــﻪ‬ ‫ﻓﻘﻂ‪ .‬وإذا ﻛﻨﺎ ﻗﺪ أﺛﺒﺘﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻬـﺪ اﳉﺪﻳـﺪ أن اﻟـﺬي ﻧﺄﺧـﺬﻩ ﻫـﻮ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس ﻧﻔﺴـﻪ‪ ،‬ﻓﻬـﻞ‬

‫)‪ (١‬راﺟﻊ رﺳﺎﺋﻞ اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﻋﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس – ﺗﺮﲨﺔ اﻟﻘﻤﺺ ﻣﺮﻗﺲ داود ص ‪ ١٣ – ١١‬ﻣﻊ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﻃﻔﻴﻒ‬ ‫ﰲ اﻟﻨﺺ اﻟﻌﺮﰊ ﺑﻌﺪ ﻣﺮاﺟﻌﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﺻﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎﱐ‪ .‬وﳝﻜﻦ ﻣﺮاﺟﻌﺔ ذات اﻟﻨﺺ ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻧﺼﻮص آﺑﺎﺋﻴﺔ رﻗﻢ ‪ ٩٥‬اﻟﱵ‬ ‫ﻳﺼﺪرﻫﺎ ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻵﺑﺎء ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة – ﻃﺒﻌﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ‪ ،٢٠٠٥ ،‬ص ‪.٣٤ – ٣٣‬‬


‫‪۱۲‬‬

‫ﻫﻨــﺎك ﻓﺮﺻــﺔ ﻷن ﻳﻄــﺮح اﻟﻌﻬــﺪ اﳉﺪﻳــﺪ ﺑﺸــﻜﻞ أو آﺧــﺮ أﻧﻨــﺎ ﻧﺄﺧــﺬ ﻣﻮاﻫــﺐ اﻟــﺮوح ﻓﻘــﻂ دون‬ ‫اﻟﺮوح ﻧﻔﺴﻪ؟‬ ‫ﺳﻮف ﻧﺮى اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﺑﻜﻞ وﺿﻮح‪.‬‬ ‫أوﻻً‪ :‬ﺣﻴﺜﻤﺎ ذُﻛﺮت ﻣﻮاﻫﺐ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس ﻓﺈ�ـﺎ ﻻ ﺗـﺬﻛﺮ إﻻﱠ ﻛﻨﺘﻴﺠـﺔ ﳊﻠـﻮل اﻟـﺮوح‬

‫اﻟﻘﺪس‪:‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫وح‬ ‫اﳉَ ِﻤﻴـ ُـﻊ ِﻣـ َـﻦ اﻟـﱡﺮ ِ‬ ‫* " َو ْاﻣــﺘَﻸَ ْ‬ ‫وح اﻟْ ُﻘـ ُـﺪ ِس َواﺑْـﺘَـ َـﺪأُوا ﻳَـﺘَ َﻜﻠﱠ ُﻤــﻮ َن ﺑِﺄَﻟْﺴــﻨَﺔ أ ْ‬ ‫ُﺧـ َـﺮى َﻛ َﻤــﺎ أ َْﻋﻄَـ ُ‬ ‫ـﺎﻫ ُﻢ اﻟـﱡﺮ ُ‬ ‫أَ ْن ﻳَـْﻨ ِﻄ ُﻘﻮا" )أع ‪.(٤ :٢‬‬ ‫* "ﻓَﺎﻧْ َﺪﻫﺶ اﻟْﻤ ْﺆِﻣﻨُﻮ َن اﻟﱠ ِﺬﻳﻦ ِﻣﻦ أَﻫ ِﻞ ِْ ِ‬ ‫س ﻷَ ﱠن َﻋ ِﻄﻴﱠـﺔَ ) َﻣ ْﻮِﻫﺒَـﺔَ(‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫اﳋﺘَـﺎن ُﻛ ﱡـﻞ َﻣ ْـﻦ َﺟـﺎءَ َﻣ َـﻊ ﺑُﻄْ ُـﺮ َ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠﻬـ ْـﻢ َﻛــﺎﻧُﻮا ﻳَ ْﺴـ َـﻤﻌُﻮﻧَـ ُﻬ ْﻢ ﻳَـﺘَ َﻜﻠﱠ ُﻤــﻮ َن ﺑِﺄَﻟْ ِﺴــﻨَ ٍﺔ‬ ‫اﻟـﱡﺮ ِ‬ ‫وح اﻟْ ُﻘـ ُـﺪ ِس ﻗَــﺪ اﻧْ َﺴـ َﻜﺒَ ْ‬ ‫ﺖ َﻋﻠَــﻰ اﻷ َُﻣـ ِﻢ أَﻳْﻀـﺎً‪ .‬ﻷَﻧـ ُ‬ ‫َوﻳـُ َﻌﻈﱢ ُﻤﻮ َن اﷲَ" )أع ‪.(٤٦ - ٤٥ :١٠‬‬ ‫* "وﻟَ ﱠﻤ ــﺎ وﺿ ــﻊ ﺑ ـﻮﻟُﺲ ﻳ َﺪﻳ ـ ِـﻪ ﻋﻠَــﻴ ِﻬﻢ ﺣ ـ ﱠـﻞ اﻟ ـﱡﺮوح اﻟْ ُﻘ ـ ُـﺪس ﻋﻠَــﻴ ِﻬﻢ ﻓَﻄَِﻔ ُﻘ ـﻮا ﻳـﺘ َﻜﻠﱠﻤ ــﻮ َن ﺑِﻠُﻐَـ ٍ‬ ‫ـﺎت‬ ‫َ َ​َ​َُ َُْ َْ ْ َ‬ ‫ُ َْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ​َ ُ‬ ‫َوﻳَـﺘَـﻨَﺒﱠﺄُو َن" )أع ‪.(٦ :١٩‬‬ ‫ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﺣﺎﻟﺔ واﺣﺪة ﰲ ﺳﻔﺮ اﻷﻋﻤـﺎل ﻧـﺎل ﻓﻴﻬـﺎ إﻧﺴـﺎن واﺣـﺪ ﻣﻮﻫﺒـﺔ ﻗﺒـﻞ أن‬ ‫ﳛﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ ،‬أو ﻗﺒﻞ أن ﳝﺘﻸ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪.‬‬ ‫ﺛﺎﻧﻴﺎً‪ :‬ﻓﺈذا اﲡﻬﻨﺎ إﱃ أﻃﻮل ﻧـﺺ ﻋـﻦ اﳌﻮاﻫـﺐ اﻟﺮوﺣﻴـﺔ ﰲ ﻛﻮرﻧﺜـﻮس اﻷوﱃ ‪– ١٢‬‬ ‫‪ ،١٤‬ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻻ ﳒﺪ إﺷﺎرة واﺣﺪة إﱃ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺗُﻌﻄﻰ ﺑﺪون اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬وﻟﻜﻨﻨـﺎ ﺳـﻮف‬ ‫ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺪراﺳﺔ ﻛﻮرﻧﺜﻮس اﻷوﱃ ‪.١٣ – ٣ :١٢‬‬ ‫ِ‬ ‫وح ِ‬ ‫َﺣ ـ ٌﺪ ﻳَـ ْﻘـ ِـﺪ ُر أَ ْن‬ ‫َﺣ ـ ٌﺪ َوُﻫـ َـﻮ ﻳَــﺘَ َﻜﻠﱠ ُﻢ ﺑِـ ُـﺮ ِ‬ ‫اﷲ ﻳَـ ُﻘـ ُ‬ ‫ﺲأَ‬ ‫ﺲأَ‬ ‫ـﻮل‪» :‬ﻳَ ُﺴــﻮعُ أَﻧَﺎﺛ َ‬ ‫ﻴﻤــﺎ«‪َ .‬وﻟَـ ْـﻴ َ‬ ‫* ‪" -٣‬ﻟَـ ْـﻴ َ‬ ‫وح اﻟْ ُﻘ ُﺪ ِس"‪ .‬ﻫﻞ ﺗﻮﺟﺪ ﻫﻨﺎ إﺷﺎرة ﻟﻠﻤﻮاﻫـﺐ أم ﻟﻠـﺮوح اﻟﻘـﺪس‬ ‫ب« إِﻻﱠ ﺑِﺎﻟﱡﺮ ِ‬ ‫ﻳَـ ُﻘ َ‬ ‫ﻮل‪» :‬ﻳَ ُﺴﻮعُ َر ﱞ‬ ‫ﻧﻔﺴﻪ؟‬


‫‪۱۳‬‬

‫* ‪" -٤‬ﻓَﺄَﻧْـﻮاع ﻣﻮ ِاﻫﺐ ﻣﻮﺟﻮدةٌ وﻟَ ِﻜ ﱠﻦ اﻟﱡﺮوح و ِ‬ ‫اﺣ ٌﺪ"‪ .‬ﻓﺎﳌﻮاﻫﺐ ﻣﺘﻌﺪدة‪ ،‬وﻟﻜﻦ اﻟﺮوح اﻟﺬي‬ ‫َ​َ‬ ‫َ ُ َ​َ َ َْ ُ َ َ‬ ‫ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ واﺣﺪ‪ ،‬وﺑﺬﻟﻚ ﻻ ﺗﺘﻌﺪد ﺳﻜﲎ اﻟﺮوح‪ ،‬ﺑﻞ ﻫـﻮ روح واﺣـﺪ ﻳﺴـﻜﻦ ﰲ اﻟﻜـﻞ‪ ،‬وﻟﻜـﻦ‬ ‫ﻳﻌﻄﻲ ﻣﻊ ﺳﻜﻨﺎﻩ ﻣﻮاﻫﺐ ﳐﺘﻠﻔﺔ‪ .‬دﻗﻖ ﰲ اﻟﻘﺮاءة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بوِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اﺣ ـ ٌﺪ‪ .‬وأَﻧْ ــﻮاعُ أ َْﻋﻤـ ٍ‬ ‫ـﺎل َﻣ ْﻮ ُﺟـ َ‬ ‫* ‪َ " ٦ – ٥‬وأَﻧْـ َـﻮاعُ ﺧـ َـﺪٍم َﻣ ْﻮ ُﺟـ َ‬ ‫ـﻮدةٌ َوﻟَﻜ ـ ﱠﻦ اﷲَ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ـﻮدةٌ َوﻟَﻜ ـ ﱠﻦ اﻟ ـﱠﺮ ﱠ َ‬ ‫وِ‬ ‫اﺣ ٌﺪ اﻟﱠ ِﺬي ﻳَـ ْﻌ َﻤ ُﻞ اﻟْ ُﻜ ﱠﻞ ِﰲ اﻟْ ُﻜ ﱢﻞ"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وح ﻟ ْﻠ َﻤْﻨـ َﻔ َﻌ ـﺔ"‪ .‬وﻫﻨــﺎ ﻧﻼﺣــﻆ أن اﻟــﺬي ﻳﻈﻬــﺮ‬ ‫ـﺎر اﻟ ـﱡﺮ ِ‬ ‫* ‪َ " -٧‬وﻟَﻜﻨﱠــﻪُ ﻟ ُﻜـ ﱢـﻞ َواﺣــﺪ ﻳـُ ْﻌﻄَــﻰ إﻇْ َﻬـ ُ‬ ‫ﻟﻴﺲ اﳌﻮﻫﺒﺔ‪ ،‬وإﳕﺎ اﻟﺮوح‪ ،‬وﻫﺬا ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪﻩ اﻟﺮﺳﻮل ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺒﺎﺷﺮًة‪.‬‬ ‫* ‪" ٩ - ٨‬ﻓَِﺈﻧﱠــﻪ ﻟِﻮ ِ‬ ‫وح َﻛ ـﻼَ ُم ِﺣﻜْﻤ ـ ٍـﺔ‪ .‬وﻵ َﺧ ــﺮ َﻛ ـﻼَ ُم ِﻋ ْﻠ ـ ٍﻢ ِﲝَﺴ ـ ِ‬ ‫وح‬ ‫ـﺐ اﻟ ـﱡﺮ ِ‬ ‫اﺣ ـ ٍـﺪ ﻳـُ ْﻌﻄَــﻰ ﺑِــﺎﻟﱡﺮ ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫وح اﻟْﻮ ِ‬ ‫اﺣ ِﺪ‪ .‬وﻵﺧﺮ إِﳝَﺎ ٌن ﺑِﺎﻟﱡﺮ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اﺣ ِﺪ‪ .‬وﻵ َﺧـﺮ ﻣﻮ ِاﻫ ِ ٍ ِ‬ ‫اﺣ ِـﺪ"‪ .‬واﻟﺘﺸـﺪﻳﺪ ﻫﻨـﺎ‬ ‫وح اﻟْ َﻮ َ َ َ َ ُ‬ ‫ـﺐ ﺷـ َﻔﺎء ﺑـﺎﻟﱡﺮ ِ َ‬ ‫اﻟْ َﻮ َ َ َ‬ ‫ﻋﻠــﻰ ﻛﻠﻤــﺔ اﻟــﺮوح اﻟﻮاﺣــﺪ ﺗﺄﻛﻴــﺪاً ﻋﻠــﻰ وﺣﺪاﻧﻴــﺔ اﻟــﺬي ﻳﻌﻤــﻞ ﻛــﻞ ﻫــﺬﻩ اﻟﻌﻄﺎﻳــﺎ اﳌﺨﺘﻠﻔــﺔ‬ ‫واﳌﺘﻨﻮﻋﺔ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ﻵﺧـ َـﺮ‬ ‫ﻵﺧـ َـﺮ أَﻧْـ َـﻮاعُ أَﻟْﺴــﻨَﺔ َو َ‬ ‫ﻵﺧـَـﺮ ﲤَْﻴِﻴـ ُـﺰ اﻷ َْرَو ِاح َو َ‬ ‫ﻵﺧـ َـﺮ ﻧـُﺒُ ـ ﱠﻮةٌ َو َ‬ ‫ﻵﺧـَـﺮ َﻋ َﻤـ ُـﻞ ﻗُـ ﱠﻮات َو َ‬ ‫* ‪َ " -١٠‬و َ‬ ‫ﺗَـ ْﺮ َﲨَﺔُ أَﻟْ ِﺴﻨَ ٍﺔ"‪ .‬ﻛﻞ ﻫﺬﻩ اﳌﻮاﻫﺐ اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ‪،‬‬ ‫اﺣ ـ ُـﺪ ﺑِﻌﻴﻨِـ ِـﻪ ﻗَ ِﺎﲰ ـﺎً ﻟِ ُﻜ ـ ﱢـﻞ و ِ‬ ‫* ‪" -١١‬وﻟَ ِﻜ ـ ﱠﻦ ﻫ ـ ِـﺬ ِﻩ ُﻛﻠﱠﻬ ــﺎ ﻳـﻌﻤﻠُﻬ ــﺎ اﻟ ـﱡﺮوح اﻟْﻮ ِ‬ ‫اﺣ ـ ٍـﺪ ِﲟُْﻔ ـ َـﺮِد ِﻩ َﻛ َﻤ ــﺎ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ﻳَ َﺸﺎءُ"‪.‬‬ ‫ﳌﺎذا ﻳﺸﺪد اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻠﻰ ُﺳﻜﲎ وﻗﺒﻮل اﻟﺮوح اﻟﻮاﺣﺪ؟‬ ‫ﻛﻤﺎ ﻫﻮ واﺿﺢ ﻣﻦ ﺳﻴﺎق اﻟﻜﻼم ﻻﺳﻴﻤﺎ ﰲ اﻟﻌﺪد ‪ ١٢‬ﻣﻦ ﺗﺸﺒﻴﻪ وﺣﺪة اﳌﺆﻣﻨﲔ‬ ‫ﺑﻮﺣﺪة اﳉﺴﺪ‪ .‬ﻓﺎﳌﺴﻴﺢ ﻣﺜﻞ اﳉﺴـﺪ‪ ،‬وﻟﻜـﻦ رﻏـﻢ ﺗﻌـﺪد اﻷﻋﻀـﺎء‪ ،‬ﻛـﻞ ﻋﻀـﻮ ﻫـﻮ ﺟـﺰء ﻣـﻦ‬ ‫اﳉﺴــﺪ اﻟﻮاﺣــﺪ ﻻ ﲣﺘﻠــﻒ ﻃﺒﻴﻌــﺔ أي ﻋﻀــﻮ ﻋــﻦ اﻟﻌﻀــﻮ اﻵﺧــﺮ‪ .‬اﻻﺧــﺘﻼف ﻫــﻮ ﰲ اﻟﻮﻇﻴﻔــﺔ‬ ‫ﻓﻘﻂ‪ ،‬وذﻟﻚ ﻛﺎﻵﰐ‪:‬‬ ‫اﺣ ٌﺪ وﻟَﻪ أَﻋﻀﺎء َﻛﺜِﲑةٌ وُﻛﻞ أَﻋ ِ‬ ‫اﳉﺴ ِﺪ اﻟْﻮ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اﺣ ِـﺪ‬ ‫* ‪" ١٣ -١٢‬ﻷَﻧﱠﻪُ َﻛ َﻤﺎ أَ ﱠن ْ‬ ‫اﳉَ َﺴ َﺪ ُﻫ َﻮ َو َ ُ ْ َ ٌ َ َ ﱡ ْ َ‬ ‫ﻀﺎء َْ َ َ‬ ‫وح و ِ‬ ‫اﺣـ ٌﺪ َﻛـ َﺬﻟِ َ ِ‬ ‫إِ َذا َﻛﺎﻧَــﺖ َﻛﺜِــﲑةً ِﻫــﻲ ﺟﺴـ ٌﺪ و ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اﺣـ ٍـﺪ أَﻳْﻀـﺎً‬ ‫ﻚ اﻟْ َﻤﺴـ ُ‬ ‫ـﻴﺢ أَﻳْﻀـﺎً‪ .‬ﻷَﻧـﱠﻨَــﺎ َﲨ َﻴﻌﻨَــﺎ ﺑـ ُـﺮ ٍ َ‬ ‫ْ َ َ َ​َ َ‬


‫‪۱٤‬‬

‫ٍ ِ‬ ‫اﺣ ـ ٍـﺪ ﻳـﻬ ــﻮداً ُﻛﻨﱠــﺎ أَم ﻳﻮﻧَــﺎﻧِﻴﱢﲔ ﻋﺒِﻴ ــﺪاً أَم أَﺣ ــﺮاراً‪ .‬و َِ‬ ‫ﲨﻴﻌُﻨَــﺎ ُﺳ ـ ِـﻘﻴﻨَﺎ ُروﺣ ـﺎً‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫ْاﻋﺘَ َﻤ ـ ْﺪﻧَﺎ إِ َﱃ َﺟ َﺴ ــﺪ َو َ ُ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫وِ‬ ‫اﺣﺪاً"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ﻓﻬﻞ ﻣﻴﱠﺰ اﻟﺮﺳﻮل ﺑﲔ اﳌﻮاﻫﺐ واﻷﻗﻨﻮم؟‬ ‫أﻻ ﻳﺴــﻜﻦ أﻗﻨــﻮم اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﰲ اﻟﻜــﻞ؟ ﻫــﺬﻩ ﻫــﻲ ُﺳ ـﻜﲎ اﻟــﺮوح اﻟﻮاﺣــﺪ‪ ،‬وإن‬ ‫ﻛﺎﻧﺖ اﳌﻮاﻫﺐ ﻣﺘﻌﺪدة‪.‬‬


‫‪۱٥‬‬

‫ﺛﺎﻟﺜﺎً‬ ‫ﻣﺎذا ﻛﺎن وﻋﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻨﺎ؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫* "وأَﻧَــﺎ أَﻃْﻠُــﺐ ِﻣــﻦ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وح‬ ‫آﺧـ َـﺮ ﻟﻴَ ْﻤ ُﻜـ َ‬ ‫اﻵب ﻓَـﻴُـ ْﻌﻄــﻴ ُﻜ ْﻢ ُﻣ َﻌﱢﺰﻳ ـﺎً َ‬ ‫ـﺚ َﻣ َﻌ ُﻜـ ْـﻢ إ َﱃ اﻷَﺑَــﺪ‪ُ .‬ر ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ﻴﻊ اﻟْ َﻌ ــﺎ َﱂُ أَ ْن ﻳَـ ْﻘﺒَـﻠَــﻪُ ﻷَﻧﱠــﻪُ ﻻَ ﻳَ ـ َـﺮاﻩُ َوﻻَ ﻳَـ ْﻌ ِﺮﻓُــﻪُ َوأَﱠﻣ ــﺎ أَﻧْ ــﺘُ ْﻢ ﻓَـﺘَـ ْﻌ ِﺮﻓُﻮﻧَــﻪُ ﻷَﻧﱠــﻪُ‬ ‫اﳊَ ـ ﱢﻖ اﻟﱠــﺬي ﻻَ ﻳَ ْﺴ ــﺘَﻄ ُ‬ ‫ﺚ َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ َوﻳَ ُﻜـﻮ ُن ﻓِـﻴ ُﻜ ْﻢ" )ﻳـﻮ ‪ .(١٧ - ١٦ :١٤‬ﱂ ﻳﻜـﻦ وﻋـﺪ اﳌﺴـﻴﺢ ﻟﻨـﺎ ﺑﺎﳌﻮاﻫـﺐ‪،‬‬ ‫َﻣﺎﻛِ ٌ‬ ‫وإﳕﺎ ﺑﺬات اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪.‬‬ ‫* "وأَﱠﻣــﺎ اﻟْﻤﻌ ـﱢﺰي اﻟ ـﱡﺮوح اﻟْ ُﻘـ ُـﺪس اﻟﱠـ ِـﺬي ﺳﻴـﺮِﺳ ـﻠُﻪ اﻵب ﺑِـ ِْ‬ ‫ـﺎﲰﻲ ﻓَـ ُﻬـ َـﻮ ﻳـُ َﻌﻠﱢ ُﻤ ُﻜـ ْـﻢ ُﻛـ ﱠـﻞ‬ ‫َُ‬ ‫َُْ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َﺷ ْﻲ ٍء َوﻳُ َﺬ ﱢﻛ ُﺮُﻛ ْﻢ ﺑِ ُﻜ ﱢﻞ َﻣﺎ ﻗُـ ْﻠﺘُﻪُ ﻟَ ُﻜ ْﻢ" )ﻳﻮ ‪ .(٢٦ :١٤‬ﻟﻘﺪ ﺟـﺎء اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس ﻧﻔﺴـﻪ ﻟﻴﺴـﻜﻦ‬ ‫ﻓﻴﻨﺎ‪ ،‬وﳌﺎ ﺳﻜﻦ ﻓﻴﻨﺎ أﺻﺒﺢ اﻟﺮوح اﻟﺴﺎﻛﻦ ﻓﻴﻨﺎ ﻳﻌﻠﱢﻤﻨﺎ داﺧﻠﻴﺎً وﻳﺬ ﱢﻛﺮﻧﺎ داﺧﻠﻴﺎً‪.‬‬ ‫ﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠ‬ ‫اﳊَـ ﱢﻖ اﻟﱠــﺬي ﻣـ ْـﻦ‬ ‫وح ْ‬ ‫* " َوَﻣـ َـﱴ َﺟــﺎءَ اﻟْ ُﻤ َﻌ ـﱢﺰي اﻟــﺬي َﺳﺄ ُْرﺳ ـﻠُﻪُ أَﻧَــﺎ إﻟَـ ْـﻴ ُﻜ ْﻢ ﻣـ َـﻦ اﻵب ُر ُ‬ ‫ِﻋْﻨـ ِـﺪ ِ‬ ‫اﻵب ﻳَـْﻨﺒَﺜِـ ُـﻖ ﻓَـ ُﻬ ـ َـﻮ ﻳَ ْﺸ ـ َﻬ ُﺪ ِﱄ" )ﻳ ــﻮ ‪ .(٢٦ :١٥‬اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس اﻟــﺬي ﻳﻨﺒﺜ ــﻖ ﻣ ــﻦ ﻋﻨ ــﺪ‬ ‫ﺣﻞ؟‬ ‫ﺣﻞ أﻗﻨﻮم اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ ،‬أم ﻏﲑﻩ ﻫﻮ اﻟﺬي ﱠ‬ ‫اﻵب ﻫﻮ أﻗﻨﻮم اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ .‬ﻓﻬﻞ ﱠ‬ ‫ﺖ اﻟْ َﻌﺎ َﱂَ َﻋﻠَـﻰ َﺧ ِﻄﻴﱠ ٍـﺔ َو َﻋﻠَـﻰ ﺑِـﱟﺮ َو َﻋﻠَـﻰ َدﻳْـﻨُﻮﻧَ ٍـﺔ‪َ ....‬وأَﱠﻣـﺎ َﻣ َـﱴ‬ ‫* " َوَﻣ َﱴ َﺟﺎءَ َذ َاك ﻳـُﺒَ ﱢﻜ ُ‬ ‫اﳊ ـ ﱢﻖ ﻓَـﻬــﻮ ﻳـﺮِﺷ ـ ُﺪ ُﻛﻢ إِ َﱃ َِ‬ ‫اﳊَـ ﱢﻖ" )ﻳــﻮ ‪ .(١٣ ،٨ :١٦‬ﻓــﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻌــﺮف‬ ‫ﲨﻴ ـ ِﻊ ْ‬ ‫وح َْ ُ َ ُْ ْ‬ ‫َﺟــﺎءَ َذ َاك ُر ُ‬ ‫اﳊــﻖ‪ ،‬وﻻ ﻧﺴــﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻌﺮﻓــﻪ إﻻﱠ ﻣــﻦ روح اﳊــﻖ ﻫــﻮ ﻧﻔﺴــﻪ‪ ،‬أي أﻗﻨﻮﻣــﻪ ﻫــﻮ ‪ ،‬أي ﺷﺨﺼــﻪ‬ ‫اﻟــﺬي ﻳﺮﺷــﺪ إﱃ ﲨﻴــﻊ اﳊــﻖ‪ ،‬ذﻟــﻚ أن ﻗﻴــﺎدة اﻟﻨﻔــﻮس ﻻ ﺗــﺘﻢ ﻋــﻦ ﻃﺮﻳــﻖ اﳌﻮاﻫــﺐ‪ ،‬ﺑــﻞ ﻋــﻦ‬ ‫ﻃﺮﻳﻖ ﺷﺨﺺ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ‪ .‬وﻣﻊ أن ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺮب واﺿﺤﺔ‪ ،‬وﻫﻲ ﺗﺸﻬﺪ ﻋﻦ ﺣﻠﻮل‬ ‫اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻧﻔﺴــﻪ ﻛــﺄﻗﻨﻮم ﻓﻴﻨــﺎ‪ ،‬إﻻﱠ أﻧــﻪ ﻳﻠﺰﻣﻨــﺎ أن ﻧﺴــﺄل ﺳ ـﺆاﻻً أﺳﺎﺳــﻴﺎً‪ :‬ﻫــﻞ ﻛــﺎن ﳎــﻲء‬ ‫ﺚ َﻣ َﻌ ُﻜ ْـﻢ إِ َﱃ اﻷَﺑَ ِـﺪ"‪ ،‬ﻓﻬـﻮ ﻣﻌﻨـﺎ‬ ‫وﺳﻜﻨﺎﻩ ﻓﻴﻨﺎ ﻣﺆﻗﺘﺎً؟ اﻟﺮب ﻳﺴﻮع ﻳﻘﻮل‪" :‬ﳝَْ ُﻜ َ‬ ‫اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ُ‬ ‫ﺣﱴ ﺑﻌﺪ اﳋﺮوج ﻣﻦ اﳉﺴﺪ‪ ،‬ﺑﻞ وﻣﻌﻨﺎ ﰲ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎوات‪.‬‬


‫‪۱٦‬‬

‫ﻓ ــﺈذا ﻛ ــﺎن اﻟﺮﺳ ــﻮل ﺑ ـﻮﻟﺲ ﻳﻘ ــﻮل إن‪ :‬اﻟﻨﺒ ـﻮات ﺳ ــﺘﺒﻄﻞ واﻷﻟﺴ ــﻨﺔ ﻓﺴ ــﺘﻨﺘﻬﻲ واﻟﻌﻠ ــﻢ‬ ‫ﻓﺴــﻴﺒﻄﻞ‪ ،‬وإذا ﻛﺎﻧــﺖ اﻟﻨﺒــﻮة وﻫــﻲ أﻋﻈــﻢ ﻋﻄﺎﻳــﺎ وﻣﻮاﻫــﺐ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ‪" -‬ﻷَ ﱠن َﻣـ ْـﻦ ﻳَـﺘَـﻨَﺒﱠـﺄُ‬ ‫أ َْﻋﻈَ ُﻢ ِﳑ ْﱠﻦ ﻳَـﺘَ َﻜﻠﱠ ُﻢ ﺑِﺄَﻟْ ِﺴﻨَ ٍﺔ" )‪١‬ﻛﻮر ‪ - (٥ :١٤‬ﺳﺘﺰول‪ ،‬وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﳌﻮاﻫﺐ ﻛﻠﻬـﺎ إﱃ زوال‬ ‫وﻻ ﻗﻴﻤﺔ ﳍﺎ ﺑﺎﳌﺮة ﰲ اﳌﻠﻜﻮت‪ ،‬وإذا ﻛﻨﺎ ﻗﺪ أﺧﺬﻧﺎ اﳌﻮاﻫﺐ ﻓﻘﻂ‪ ،‬أﻓﻼ ﻳﺼﺒﺢ اﳌﺴﻴﺢ ﻛﺎذﺑـﺎً‬ ‫ﺚ َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ إِ َﱃ اﻷَﺑَ ِﺪ"؟‬ ‫إذ ﻗﺎل إﻧﻪ "ﳝَْ ُﻜ َ‬ ‫إذا ﻛﻨﺎ ﻗﺪ أﺧﺬﻧﺎ اﳌﻮاﻫﺐ ﻓﻘﻂ دون اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧﺴﺮﻧﺎ ﻛﻞ ﺷـﻲء‪،‬‬ ‫وﻫﺬا ﻫـﻮ ﻣـﺎ ﻳﺆﻛـﺪﻩ اﻟـﺮب ﻳﺴـﻮع ﻧﻔﺴـﻪ ﰲ ﺣﺪﻳﺜـﻪ ﻋـﻦ اﳍـﺎﻟﻜﲔ اﻟـﺬﻳﻦ ﲤﺘﻌـﻮا ﲟﻮاﻫـﺐ اﻟـﺮوح‬ ‫ِ‬ ‫ب أَﻟَــﻴﺲ ﺑِ ِْ‬ ‫ـﻚ ﺗَـﻨَﺒﱠﺄْﻧَــﺎ‬ ‫ـﻚ اﻟْﻴَ ـ ْـﻮِم‪ :‬ﻳَــﺎ َر ﱡ‬ ‫ﺎﲰ ـ َ‬ ‫اﻟﻘ ــﺪس ﻓﻘ ــﻂ " َﻛﺜِــﲑُو َن َﺳ ـﻴَـ ُﻘﻮﻟُﻮ َن ِﱄ ِﰲ َذﻟ ـ َ‬ ‫ب ﻳَــﺎ َر ﱡ ْ َ‬ ‫ِ ٍِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ﺎﻃﲔ وﺑِ ِْ‬ ‫وﺑِ ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ُﺻﱢﺮ ُح َﳍُ ْﻢ‪ :‬إِ ﱢﱐ َﱂْ أ َْﻋ ِﺮﻓْ ُﻜ ْﻢ‬ ‫ﺎﲰ َ‬ ‫ﺎﲰ َ‬ ‫ﻚأْ‬ ‫ﺻﻨَـ ْﻌﻨَﺎ ﻗُـ ﱠﻮات َﻛﺜ َﲑًة؟‪ .‬ﻓَﺤﻴﻨَﺌﺬ أ َ‬ ‫ﻚ َ‬ ‫َﺧَﺮ ْﺟﻨَﺎ َﺷﻴَ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ﻂ! ا ْذﻫﺒـﻮا ﻋ ﱢـﲏ ﻳـﺎ ﻓَ ِ‬ ‫ـﺎﻋﻠِﻲ ا ِﻹ ِْﰒ!" )ﻣـﺖ ‪ .(٢٣ - ٢٢ :٧‬ﻓﻬـﻞ ﻧﻄﻠـﺐ اﳌﻮاﻫـﺐ ﻓﻘـﻂ‪ ،‬أم‬ ‫ﻗَ ﱡ َ ُ َ َ‬ ‫وﺳﻜﲎ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ؟‬ ‫ﻗﻴﺎدة ُ‬

‫ﺷﻬﺎدة اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ‬

‫ﺳــﻨﻜﺘﻔﻲ ﻓﻘــﻂ ﺑﺸــﻬﺎدة ﻛـ ٍـﻞ ﻣــﻦ اﻟﻘــﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس اﻟﺮﺳــﻮﱄ‪ ،‬واﻟﻘــﺪﻳﺲ ﻛ ـﲑﻟﺲ‬ ‫اﻟﻜﺒﲑ ﻧﻈﺮاً ﻟﻀﻴﻖ اﻟﺎل‪.‬‬ ‫ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس‪:‬‬ ‫"وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻋﻄﺎﻩ ﻟﻠﺘﻼﻣﻴﺬ‪ ،‬ﻗﺎل ﳍﻢ‪" :‬اﻗﺒﻠﻮا اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس" )ﻳﻮ ‪ ،(٢٢ :٢٠‬ﻛﺬﻟﻚ‬ ‫ﻋﻠﱠﻤﻬــﻢ ﻗــﺎﺋﻼً‪" :‬وأﻣــﺎ اﳌﻌــﺰي اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس اﻟــﺬي ﺳﲑﺳــﻠﻪ اﻵب ﺑــﺎﲰﻲ ﻓﻬــﻮ ﻳﻌﻠﻤﻜــﻢ ﻛــﻞ‬ ‫ﺷــﻲء" )ﻳــﻮ ‪ ،(٢٦ :١٤‬وﺑﻌــﺪ ﻗﻠﻴــﻞ‪ ،‬ﻗــﺎل ﻋــﻦ ﻧﻔــﺲ اﳌﻮﺿــﻮع‪" :‬وﻣــﱴ ﺟــﺎء اﳌﻌــﺰي اﻟــﺬي‬ ‫أرﺳــﻠﻪ أﻧــﺎ إﻟــﻴﻜﻢ ﻣــﻦ اﻵب‪ ،‬روح اﳊــﻖ اﻟــﺬي ﻣــﻦ ﻋﻨــﺪ اﻵب ﻳﻨﺒﺜــﻖ‪ ،‬ﻓﻬــﻮ ﻳﺸــﻬﺪ ﱄ" )ﻳــﻮ‬ ‫‪ ،(٢٦ :١٥‬وﻗﺎل أﻳﻀﺎً‪" :‬ﻟﺴﺘﻢ أﻧـﺘﻢ اﳌﺘﻜﻠﻤـﲔ ﺑـﻞ روح أﺑـﻴﻜﻢ اﻟـﺬي ﻳـﺘﻜﻠﻢ ﻓـﻴﻜﻢ" )ﻣـﺖ‬ ‫‪ ،(٢٢ :١٠‬وﺑﻌــﺪ ﻗﻠﻴــﻞ ﻗــﺎل‪" :‬وﻟﻜــﻦ إن ﻛﻨــﺖ أﻧــﺎ ﺑــﺮوح اﷲ أُﺧــﺮج اﻟﺸــﻴﺎﻃﲔ ﻓﻘ ـﺪ أﻗﺒــﻞ‬


‫‪۱۷‬‬

‫ﻋﻠ ــﻴﻜﻢ ﻣﻠﻜ ــﻮت اﷲ" )ﻟ ــﻮ ‪ .(٢٠ :١١‬وﻟﻜ ــﻲ ﻳﻜ ﱢﻤـ ـﻞ ﻓﻴ ــﻪ ﻛ ــﻞ ﻣﻌﺮﻓﺘﻨ ــﺎ ﻋ ــﻦ اﷲ )أي ﻛ ــﻞ‬ ‫اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻋﻦ اﷲ( وﻳﻀﻊ ﻃﻘـﺲ اﻻﻧﻀـﻤﺎم إﱃ اﻟﻜﻨﻴﺴـﺔ اﻟـﺬي ﺑـﻪ أﲢـﺪﻧﺎ ﺑﺸﺨﺼـﻪ‪ ،‬وﺑـﺎﻵب‪،‬‬ ‫أوﺻــﻰ ﺗﻼﻣﻴــﺬﻩ ﻗــﺎﺋﻼً‪" :‬اذﻫﺒـﻮا وﺗﻠﻤــﺬوا ﲨﻴــﻊ اﻷﻣــﻢ وﻋﻤــﺪوﻫﻢ ﺑﺎﺳــﻢ اﻵب واﻻﺑــﻦ واﻟــﺮوح‬ ‫اﻟﻘﺪس" )ﻣﺖ ‪.(١ )(١٩ :٢٨‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻋﻦ ﺗﻌﺒﲑ "اﻟﺬي ﺑﻪ أﲢﺪﻧﺎ ﺑﺸﺨﺼـﻪ"؟ ﻫـﻞ ﺷـﺨﺺ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس ﻏـﲑ أﻗﻨـﻮم‬ ‫اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس؟ ﻻ ﺑﻜــﻞ ﺗﺄﻛﻴــﺪ‪ .‬وﺣــﱴ ﻻ ﻳﻈــﻦ أﺣــﺪ أﻧﻨــﺎ ﻧﺼــﻄﺎد ﻛﻠﻤـﺔً ﺷــﺎرد ًة ﰲ ﻛﺘﺎﺑــﺎت‬ ‫اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﻋﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﻠﺰﻣﻨﺎ أن ﻧﺪ ﱢﻋﻢ اﳌﻌﲎ اﻟﺬي ذﻛﺮﻩ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس‪.‬‬ ‫ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس‪:‬‬ ‫"واﻟــﺮوح ﻳــﺪﻋﻰ ﻣﺴــﺤﺔ‪ ،‬وﻫــﻮ اﳋــﺘﻢ؛ ﻷن ﻳﻮﺣﻨــﺎ ﻳﻜﺘــﺐ‪" :‬أﻣــﺎ أﻧــﺘﻢ ﻓﺎﳌﺴــﺤﺔ اﻟــﱵ‬ ‫أﺧــﺬﲤﻮﻫﺎ ﻣﻨــﻪ ﺛﺎﺑﺘــﺔ ﻓــﻴﻜﻢ وﻻ ﺣﺎﺟــﺔ ﺑﻜــﻢ إﱃ أن ﻳﻌﻠﻤﻜــﻢ أﺣــﺪ ﺑــﻞ ﻛﻤــﺎ ﺗﻌﻠﻤﻜــﻢ ﻫــﺬﻩ‬ ‫اﳌﺴﺤﺔ ﻋﻴﻨﻬﺎ )روﺣﻪ اﻟﻘﺪس( ﻋﻦ ﻛـﻞ ﺷـﻲء" )‪١‬ﻳـﻮ ‪ .....(٢٧ :٢‬وﻳﻘـﻮل ﺑـﻮﻟﺲ‪" :‬اﻟـﺬي‬ ‫ﻓﻴ ــﻪ أﻳﻀـ ـﺎً أﻧ ــﺘﻢ إذ آﻣﻨ ــﺘﻢ ﺧﺘﻤ ــﺘﻢ ﻟﻴ ــﻮم اﻟﻔ ــﺪاء" )أف ‪ .(١٣ :١‬واﳌﺨﻠﻮﻗ ــﺎت ﺧﺘﻤـ ـﺖ ﺑ ــﻪ‬ ‫وﻣﺴﺤﺖ ﺑـﻪ وﺗﻌﻠﻤـﺖ ﻣﻨـﻪ ﻛـﻞ ﺷـﻲء‪ .‬وإذا ﻛـﺎن اﻟـﺮوح ﻫـﻮ اﳌﺴـﺤﺔ واﳋـﺘﻢ اﻟـﺬي ﺑـﻪ ﳝﺴـﺢ‬ ‫اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻛﻞ اﻷﺷﻴﺎء وﳜﺘﻤﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄي ﺷﺒﻪ أو ﻋﻼﻗﺔ ﳝﻜﻦ أن ﺗﻜـﻮن ﺑـﲔ اﳌﺴـﺤﺔ واﳋـﺘﻢ وﺑـﲔ‬ ‫وﲣﺘﻢ؟‪ .....‬ﻓﺎﳋﺘﻢ ﻻ ﳝﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﺿـﻤﻦ اﳌﺨﻠﻮﻗـﺎت اﻟـﱵ ُﲣـﺘَﻢ‪،‬‬ ‫اﳌﺨﻠﻮﻗﺎت اﻟﱵ ُﲤﺴﺢ ُ‬ ‫واﳌﺴـﺤﺔ ﻻ ﳝﻜــﻦ أن ﺗﻜــﻮن ﺿـﻤﻦ اﳌﺨﻠﻮﻗــﺎت اﻟـﱵ ُﲤﺴــﺢ‪ ،‬وﻟﻜﻨــﻪ )اﳋــﺘﻢ واﳌﺴــﺤﺔ( ﻳﻨﺘﻤــﻲ‬ ‫وﳜ ـﺘﻢ‪ ....،‬وﻫﻜــﺬا إذ ُﳔ ـﺘﻢ ﻧﺼــﲑ ﲝــﻖ – ﻛﻤــﺎ ﻳﻘــﻮل ﺑﻄــﺮس ‪-‬‬ ‫إﱃ اﻟﻜﻠﻤــﺔ اﻟــﺬي ﳝَﺴــﺢ َ‬ ‫"ﺷﺮﻛﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﳍﻴﺔ" )‪٢‬ﺑﻂ ‪.(٢ ) "(٤ :١‬‬ ‫وﻫﻜــﺬا ﻳــﺪاﻓﻊ أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس ﻋــﻦ إﻟﻮﻫﻴــﺔ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﺑﺎﲣــﺎذ ﻋﻤﻠــﻪ ﻓﻴﻨــﺎ ﰲ اﳌﺴــﺤﺔ‬ ‫واﳋــﺘﻢ دﻟــﻴﻼً ﻋﻠــﻰ اﻹﻟﻮﻫﻴــﺔ؛ ﻷن اﻟــﺬي ﻳﻌﻤــﻞ ﻓﻴﻨــﺎ ﻫــﻮ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻧﻔﺴــﻪ اﻟــﺬي ﺑﺴــﺒﺐ‬ ‫‪F6‬‬

‫‪F7‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ص ‪ ١٧‬ﰲ ﺗﺮﲨﺔ اﻟﻘﻤﺺ ﻣﺮﻗﺲ داود‪ ،‬وص ‪ ٣٧ – ٣٦‬ﰲ ﺗﺮﲨﺔ ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻵﺑﺎء‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ص ‪ ٦٢ – ٦١‬ﰲ ﺗﺮﲨﺔ اﻟﻘﻤﺺ ﻣﺮﻗﺲ داود‪ ،‬وص ‪ ٧٢‬ﰲ ﺗﺮﲨﺔ ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻵﺑﺎء‪.‬‬


‫‪۱۸‬‬

‫ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻴﻨﺎ ﻧﺼﺒﺢ ﺷﺮﻛﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﳍﻴﺔ‪ ،‬وﻫﻲ ﺷﺮﻛﺔ ﻣﺴﺘﺤﻴﻠﺔ إﻻﱠ إذا ﻛﺎن اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻫﻮ‬ ‫ﻣﻦ ذات ﺟﻮﻫﺮ اﻵب‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﱪﻫﺎن اﻟﺬي ﻳﻜﻤﻞ ﺑﻪ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﺷﺮﺣﻪ‪.‬‬ ‫"وﻫﻜــﺬا ﻓﻜــﻞ اﳋﻠﻴﻘــﺔ ﺗﺸــﱰك ﰲ اﻟﻜﻠﻤــﺔ ﺑــﺎﻟﺮوح اﻟﻘــﺪس‪ .‬وﻓﻀـﻼً ﻋــﻦ ﻫــﺬا‪ ،‬ﻓﺈﻧﻨــﺎ‬ ‫ﺑــﺎﻟﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻧﺸــﱰك ﻛﻠﻨــﺎ ﰲ اﷲ؛ ﻷﻧــﻪ ﻳﻘــﻮل‪" :‬أﻣــﺎ ﺗﻌﻠﻤــﻮن أﻧﻜــﻢ ﻫﻴﻜــﻞ اﷲ وروح اﷲ‬ ‫ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻴﻜﻢ؟" )‪١‬ﻛﻮ ‪.(١٧ ،١٦ :٣‬‬ ‫ﻓﻠــﻮ ﻛــﺎن اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﳐﻠﻮﻗـﺎً‪ ،‬ﳌــﺎ ﻛﺎﻧـﺖ ﻟﻨــﺎ ﺷــﺮﻛﺔ ﻣــﻊ اﷲ ﻓﻴــﻪ‪ .‬وﻟــﻮ ﻛﻨــﺎ ﺣﻘـﺎً ﻗــﺪ‬ ‫اﲢـﺪﻧﺎ ﲟﺨﻠــﻮق ﻷﺻــﺒﺤﻨﺎ ﻏﺮﺑــﺎء ﻋــﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ اﻹﳍﻴـﺔ ﻷﻧﻨــﺎ ﱂ ﻧﺸــﱰك ﻓﻴﻬــﺎ‪ .‬أ ﱠﻣـﺎ اﻵن ﻓﻠﻜﻮﻧﻨــﺎ‬ ‫ﻧــﺪﻋﻰ ﺷــﺮﻛﺎء اﳌﺴــﻴﺢ وﺷــﺮﻛﺎء اﷲ‪ ،‬ﻓﻬــﺬا ﻷن اﳌﺴــﺤﺔ واﳋــﺘﻢ اﻟــﺬي ﻓﻴﻨــﺎ‪ ،‬ﻟــﻴﺲ ﻣــﻦ ﻃﺒﻴﻌــﺔ‬ ‫اﻷﺷﻴﺎء اﳌﺨﻠﻮﻗﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻻﺑﻦ‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺪﻧﺎ ﺑﺎﻵب ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺮوح اﻟﺬي ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻫـﺬا‬ ‫ﻣﺎ ﻋﻠﱠﻤﻨﺎ إﻳﺎﻩ ﻳﻮﺣﻨﺎ ‪ -‬ﻛﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﺳﺎﺑﻘﺎً ‪ -‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﻗﺎﺋﻼً‪" :‬ﺑﺬا ﻧﻌﺮف أﻧﻨﺎ ﻧﺜﺒـﺖ ﰲ اﷲ‬ ‫وﻫــﻮ ﻓﻴﻨ ـﺎ اﻧــﻪ ﻗــﺪ أﻋﻄﺎﻧــﺎ ﻣــﻦ روﺣــﻪ" )‪١‬ﻳــﻮ ‪ .(١٣ :٤‬وﻟﻜــﻦ إن ﻛﻨــﺎ ﺑﺎﻻﺷ ـﱰاك ﰲ اﻟــﺮوح‬ ‫ﻧﺼـﺒﺢ "ﺷــﺮﻛﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ اﻹﳍﻴــﺔ" )‪٢‬ﺑــﻂ ‪ ،(٤ :١‬ﻓﺈﻧــﻪ ﻳﻜــﻮن ﻣــﻦ اﳉﻨــﻮن أن ﻧﻘــﻮل إن اﻟــﺮوح‬ ‫اﻟﻘــﺪس ﻟــﻪ ﻃﺒﻴﻌــﺔ ﳐﻠﻮﻗـﺔ ﻻ ﻃﺒﻴﻌــﺔ اﷲ‪ .‬ﻷن اﻟــﺬﻳﻦ ﻓــﻴﻬﻢ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﺗﺼــﺒﺢ ﳍــﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ‬ ‫اﻹﳍﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻷﺳـﺎس‪ .‬وإن ﻛـﺎن اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس ﳚﻌـﻞ اﻟﺒﺸـﺮ ﺷـﺮﻛﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌـﺔ اﻹﳍﻴـﺔ‪ ،‬ﻓـﻼ‬ ‫ﺷﻚ ﰲ أن ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ﻫﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ إﳍﻴﺔ") ‪.(١‬‬ ‫ﻫﻜــﺬا ﻳــﱪﻫﻦ أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس ﻋﻠــﻰ إﻟﻮﻫﻴــﺔ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻣــﻦ واﻗــﻊ اﻟﻨﻌﻤــﺔ اﻟــﱵ ﻣﻨﺤــﺖ‬ ‫ﻟﻨــﺎ‪ ،‬وﻫــﻲ ﺷــﺮﻛﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ اﻹﳍﻴــﺔ‪ .‬وﳌــﺎ ﻛﺎﻧــﺖ ﻫــﺬﻩ اﻟﺸــﺮﻛﺔ ﻗﺎﺋﻤــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺣﻠــﻮل اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻔﺴــﻪ‪ ،‬واﻟــﱵ ﻬﺑــﺎ ﻧﺼــﻞ إﱃ اﻻﺑــﻦ واﻵب‪ ،‬ﻓﻤــﻦ اﳌﺆﻛــﺪ أن اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻫــﻮ اﷲ‪ ،‬وﻫــﺬا ﻣــﺎ‬ ‫ﻳﻌﻮد وﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮةً ﺛﺎﻧﻴﺔً‪ ،‬ﻓﻴﻘﻮل‪:‬‬ ‫‪F8‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ص ‪ ٦٣ – ٦٢‬ﰲ ﺗﺮﲨﺔ اﻟﻘﻤﺺ ﻣﺮﻗﺲ داود‪ ،‬وص ‪.٧٤ – ٧٣‬‬


‫‪۱۹‬‬

‫"ﻛﻤ ــﺎ ﻳﻘ ــﻮل اﻟﻜﺘ ــﺎب إن اﻟ ــﺬﻳﻦ اﺳ ــﺘُﻨﲑوا ﻣ ــﺮًة وذاﻗـ ـﻮا اﳌﻮﻫﺒ ــﺔ اﻟﺴ ــﻤﺎوﻳﺔ‪ ،‬وﺻ ــﺎروا‬ ‫ﺷﺮﻛﺎء اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس وذاﻗﻮا ﻛﻠﻤﺔ اﷲ اﻟﺼﺎﳊﺔ )ﻋﺐ ‪ ،(٥ - ٤ :٦‬ﻓﺎﳌﻼﺋﻜﺔ وﺳﺎﺋﺮ اﳋﻠﻴﻘﺔ‬ ‫ﺗﺸﱰك ﰲ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ") ‪.(١‬‬ ‫ﻓــﺈذا ﻗــﺎل أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس "اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻧﻔﺴــﻪ‪ ،‬أي ﻫــﻮ ذاﺗــﻪ"‪ ،‬ﻓﻬــﻞ ﳝﻜــﻦ أن ﻳﻜــﻮن‬ ‫ﻟﻜﻠﻤـﺔ ذاﺗــﻪ أو ﻧﻔﺴــﻪ أي ﻣﻌـﲎ آﺧــﺮ ﻏــﲑ أﻗﻨـﻮم اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس؟ وﻛﻴـﻒ ﻧُﻮﺻــﻒ ﺑﺄﻧﻨــﺎ ﺷــﺮﻛﺎء‬ ‫اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس دون أن ﳓﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ؟ ﻛﻴﻒ ﻧﻨﺎل ﻣﻮاﻫﺐ اﻟﺮوح ﻓﻘـﻂ‪ ،‬ﰒ‬ ‫ﻮﺻــﻒ ﺑﺄﻧﻨــﺎ ﺷــﺮﻛﺎء اﻟــﺮوح‪ ،‬وﻫــﻮ ﺗﻌﺒــﲑ ﻋﻠــﻰ اﻟــﺮﻏﻢ ﻣــﻦ ﻧﺪرﺗــﻪ ﰲ اﻟﻌﻬــﺪ اﳉﺪﻳــﺪ‪ ،‬إﻻﱠ أﻧــﻪ ﻻ‬ ‫ﻧُ َ‬ ‫ﻳﻮﺟ ــﺪ ﺗﻌﺒ ــﲑ آﺧ ــﺮ ﻳﻘ ــﻮل إﻧﻨ ــﺎ ﺷ ــﺮﻛﺎء ﻣﻮاﻫ ــﺐ اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس‪ .‬وﻋ ــﻦ ﻫ ــﺬﻩ اﻟﺸ ــﺮﻛﺔ ﻳﻘ ــﻮل‬ ‫أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﻣﺮًة أﺧﺮى‪:‬‬ ‫"ﻓﺎﳌﻮاﻫــﺐ اﻟــﱵ ﻳﻘ ﱢﺴـﻤﻬﺎ اﻟــﺮوح ﻟﻜــﻞ واﺣــﺪ ﲤـُﻨﺢ ﻣــﻦ اﻵب ﺑﺎﻟﻜﻠﻤــﺔ‪ .‬ﻷن ﻛــﻞ ﻣــﺎ‬ ‫ﻫﻮ ﻟﻶب ﻫـﻮ ﻟﻼﺑـﻦ أﻳﻀـﺎً‪ .‬إذن ﻓﺘﻠـﻚ اﻷﺷـﻴﺎء اﻟـﱵ ُﲤـﻨﺢ ﻣـﻦ اﻻﺑـﻦ ﰲ اﻟـﺮوح ﻫـﻲ ﻣﻮاﻫـﺐ‬ ‫اﻵب‪ .‬وﻋﻨ ــﺪﻣﺎ ﻳﻜ ــﻮن اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس ﻓﻴﻨ ــﺎ‪ ،‬ﻳﻜ ــﻮن ﻓﻴﻨ ــﺎ أﻳﻀـ ـﺎً اﻟﻜﻠﻤ ــﺔ اﻟ ــﺬي ﳝـ ـﻨﺢ اﻟ ــﺮوح‬ ‫اﻟﻘﺪس‪ ،‬واﻵب اﻟﺬي ﻫﻮ ﰲ اﻟﻜﻠﻤﺔ‪ .‬وﻫﺬا ﻳﺘﻔﻖ ﻣـﻊ ﻣـﺎ ﻗﻴـﻞ‪" :‬إﻟﻴـﻪ ﻧـﺄﰐ أﻧـﺎ واﻵب وﻋﻨـﺪﻩ‬ ‫ﻧﺼﻨﻊ ﻣﻨﺰﻻً" )ﻳﻮ ‪ .(٢٣ :١٤‬ﻷﻧﻪ ﺣﻴﺚ ﻳﻜـﻮن اﻟﻨـﻮر ﻓﻬﻨـﺎك اﻟﺸـﻌﺎع أﻳﻀـﺎً‪ ،‬وﺣﻴـﺚ ﻳﻜـﻮن‬ ‫اﻟﺸﻌﺎع ﻓﻬﻨﺎك أﻳﻀﺎً ﻓﺎﻋﻠﻴﺘﻪ وﻧﻌﻤﺘﻪ اﳋﺎﻟﻘﺔ) ‪.(٢‬‬ ‫وﻫــﺬا ﻫــﻮ ﻣــﺎ ﻋﻠــﻢ ﺑــﻪ اﻟﺮﺳــﻮل أﻳﻀـﺎً ﺣﻴﻨﻤــﺎ ﻛﺘــﺐ إﱃ اﻟﻜــﻮرﻧﺜﻴﲔ ﰲ اﻟﺮﺳــﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴــﺔ‬ ‫ﻗﺎﺋﻼً‪" :‬ﻧﻌﻤﺔ رﺑﻨﺎ ﻳﺴﻮع اﳌﺴـﻴﺢ وﳏﺒـﺔ اﷲ وﺷـﺮﻛﺔ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس ﻣـﻊ ﲨـﻴﻌﻜﻢ" )‪٢‬ﻛـﻮ ‪:١٣‬‬ ‫‪ .(١٣‬ﻷن ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻌﻤﺔ واﳌﻮﻫﺒﺔ اﻟﱵ ُﲤـﻨﺢ‪ ،‬إﳕـﺎ ُﲤـﻨﺢ ﰲ اﻟﺜـﺎﻟﻮث ﻣـﻦ اﻵب ﺑـﺎﻻﺑﻦ ﰲ اﻟـﺮوح‬ ‫اﻟﻘ ــﺪس‪ ،‬وﻛﻤ ــﺎ أن اﻟﻨﻌﻤ ــﺔ اﳌﻌﻄ ــﺎة ﻫ ــﻲ ﻣ ــﻦ اﻵب ﺑ ــﺎﻻﺑﻦ‪ ،‬ﻫﻜ ــﺬا ﻻ ﳝﻜﻨﻨ ــﺎ أن ﻧﺸ ــﱰك ﰲ‬ ‫‪F9‬‬

‫‪F10‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ص ‪ ٦٩‬ﰲ ﺗﺮﲨﺔ اﻟﻘﻤﺺ ﻣﺮﻗﺲ داود‪ ،‬وص ‪ ٧٩‬ﰲ ﺗﺮﲨﺔ ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻵﺑﺎء‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬اﻟﻨﻌﻤﺔ اﳋﺎﻟﻘﺔ ﺗﻌﺒﲑ ﻫﺎم ﺟﺪاً‪ ،‬ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻣﻦ اﷲ‪.‬‬


‫‪۲۰‬‬

‫اﻟﻌﻄﻴــﺔ إﻻﱠ ﰲ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس‪ .‬ﻷﻧﻨــﺎ ﻋﻨــﺪﻣﺎ ﻧﺸــﱰك ﻓﻴــﻪ ﺗﻜــﻮن ﻟﻨــﺎ ﳏﺒــﺔ اﻵب وﻧﻌﻤــﺔ وﺷــﺮﻛﺔ‬ ‫اﻟﺮوح ﻧﻔﺴﻪ") ‪.(١‬‬ ‫ﻫــﻞ ﻫﻨــﺎك أوﺿــﺢ ﻣــﻦ ﻫــﺬا اﻟﻜــﻼم؟ اﻟﻨﻌﻤــﺔ واﳌﻮﻫﺒــﺔ ﻫــﻲ ﺷــﺮﻛﺘﻨﺎ ﳓــﻦ ﰲ اﻟــﺮوح‬ ‫اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬ ‫‪F1‬‬

‫ﻋﻤﻞ أﻗﻨﻮم اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻓﻲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ ﺳﺮاﺑﻴﻮن‬ ‫أوﻻً‪ :‬وﺣﺪة ﺟﻮﻫﺮ وﺣﻴﺎة اﻟﺜﺎﻟﻮث ﻻ ﺗﻘﺒﻞ اﻻﻧﻘﺴﺎم‬ ‫"أ ﱠﻣﺎ ‪ ...‬اﻟﺬﻳﻦ ﳍﻢ ﻧﻔﺲ ﻓﻜﺮ أرﻳﻮس‪ ،‬ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺪرﻛﻮا‪ ،‬وﻻ أن ﻳﺆﻣﻨـﻮا أن‬ ‫اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻟﻘﺪوس ﻏﲑ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﻘﺴﻴﻢ؛ ﻷن اﳊﻜﻤﺔ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﻋﻘﻮﳍﻢ ﻏﲑ اﳌﺴﺘﻨﲑة" ) ‪.(٢‬‬ ‫ﻫﺬﻩ اﻟﻮﺣﺪة‪ ،‬ﻳﺆﻛﺪ اﳌﻌﻠﻢ اﻟﻜﻨﺴﻲ اﻟﻌﻈﻴﻢ أ�ﺎ‪:‬‬ ‫"ﺗﻘﻠﻴــﺪ اﻟﻜﻨﻴﺴــﺔ اﳉﺎﻣﻌــﺔ وﺗﻌﻠﻴﻤﻬــﺎ وإﳝﺎ�ــﺎ اﻟــﺬي ﻫــﻮ ﻣــﻦ اﻟﺒﺪاﻳــﺔ‪ ،‬واﻟــﺬي أﻋﻄــﺎﻩ‬ ‫اﻟﺮب وﻛﺮز ﺑـﻪ اﻟﺮﺳـﻞ وﺣﻔﻈـﻪ اﻵﺑـﺎء‪ ،‬وﻋﻠـﻰ ﻫـﺬا اﻷﺳـﺎس ﺗﺄﺳﺴـﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴـﺔ‪ ،‬وﻣـﻦ ﻳﺴـﻘﻂ‬ ‫ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻣﺴﻴﺤﻴﺎً‪ ،‬وﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳُﺪﻋﻰ ﻣﺴﻴﺤﻴﺎً ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬ﻳﻮﺟــﺪ ﺛــﺎﻟﻮث ﻗــﺪوس وﻛﺎﻣــﻞ )ﰲ ﺟــﻮﻫﺮﻩ(‪ ،‬ﻧﻌــﱰف ﺑﻼﻫﻮﺗــﻪ ﰲ اﻵب واﻻﺑــﻦ‬ ‫واﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس‪ ،‬وﻟــﻴﺲ ﻓﻴــﻪ ﺷــﻲءٌ ﻏﺮﻳــﺐ‪ ،‬أو ﳝﺘــﺰج ﺑــﻪ ﻣــﻦ اﳋــﺎرج‪ ،‬وﻻ ﻳﺘﻜــﻮن ﻣــﻦ ﺧــﺎﻟﻖ‬ ‫وﳐﻠ ــﻮق‪ ،‬وﻟﻜ ــﻦ )اﻟﺜ ــﺎﻟﻮث( ﻳﺒ ــﲏ اﻟﻜ ــﻞ وﳜﻠ ــﻖ اﻟﻜ ــﻞ‪ ،‬وﻫ ــﻮ ﻣﺴ ــﺎ ٍو وﻏ ــﲑ ﻣﻨﻘﺴ ــﻢ ﺣﺴ ــﺐ‬ ‫اﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ وﻋﻤﻠــﻪ واﺣــﺪ‪ .‬ﻓــﺎﻵب ﺑﺎﻟﻜﻠﻤــﺔ ﰲ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻳﻌﻤــﻞ ﻛــﻞ اﻷﺷــﻴﺎء‪ ،‬وﻫﻜــﺬا )أي‬ ‫ﺑﺬا اﻹﳝﺎن( ﳓﻔﻆ ﳓﻦ وﺣﺪة اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻟﻘﺪوس ﻛﺎﻣﻠﺔ" ) ‪.(٣‬‬ ‫‪F12‬‬

‫‪F13‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ص ‪ ٧٧ – ٧٦‬ﰲ ﺗﺮﲨﺔ اﻟﻘﻤﺺ ﻣﺮﻗﺲ داود‪ ،‬وص ‪ ٨٦‬ﰲ ﻧﺮﲨﺔ ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻵﺑﺎء‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس اﻟﺮﺳﻮﱄ‪ ،‬اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻋﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس إﱃ اﻷﺳﻘﻒ ﺳﺮاﺑﻴﻮن‪ ،‬اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻧﺼﻮص آﺑﺎﺋﻴﺔ‬ ‫رﻗﻢ ‪ ،٩٥‬إﺻﺪار اﳌﺮﻛﺰ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻲ ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻵﺑﺎﺋﻴﺔ‪ :‬اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ‪ ،١٧ :١‬ص ‪ .٥٩‬ﻣﻊ ﻣﻼﺣﻈﺔ أن اﻟﻨﺺ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻫﻮ‬ ‫ﻨﺺ اﻟﻴﻮﻧﺎﱐ ﺠﻤﻟﻤﻮﻋﺔ اﻵﺑﺎء اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﲔ ﻣﻊ اﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﰲ ﺗﺮﲨﺔ ‪ C.R.B.Shapland‬ﻃﺒﻌﺔ ‪ ،١٩٥١‬وﻫﻲ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﱵ‬ ‫ﺳﺘﻌﺎن ﻬﺑﺎ أﺳﺘﺎذﻧﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﻮرﻳﺲ ﺗﺎوﺿﺮوس‪ ،‬واﻟﺪﻛﺘﻮر ﻧﺼﺤﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺸﻬﻴﺪ ﰲ ﺗﺮﲨﺔ ﻫﺬﻩ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ‪.‬‬ ‫)‪ (٣‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.٨١ – ٨٠‬‬


‫‪۲۱‬‬

‫ﻓﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻫﺬا اﻹﺻﺮار؟‬ ‫واﳉ ـﻮاب ﺳ ــﺒﻖ أن ﻗِﻴ ــﻞ ﻗﺒ ــﻞ ذﻟ ــﻚ ﰲ اﻟﻔﻘ ــﺮة ‪ ١٤‬ﻣ ــﻦ اﻟﺮﺳ ــﺎﻟﺔ اﻷوﱃ‪ ،‬ﻣﺆﻛ ــﺪاً أن‬ ‫اﻹﳝﺎن اﻟﺮﺳﻮﱄ ﻫﻮ‪:‬‬ ‫" اﻟﺜــﺎﻟﻮث اﻟﻘ ــﺪوس اﳌﺒ ــﺎرك ﻏ ــﲑ ﻣﻨﻘﺴ ــﻢ‪ ،‬وﻫ ــﻮ واﺣ ــﺪ ﰲ ذاﺗ ــﻪ ‪One in‬‬ ‫‪.(١ ) " Himself‬‬ ‫وﻋﻨﺪﻣﺎ ﳓﻔﻆ ﳓﻦ اﻟﺒﺸﺮ وﺣﺪة اﻟﺜﺎﻟﻮث‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻮاﺿﺢ واﳊﻘﻴﻘﻲ ﻫﻮ‪:‬‬ ‫" ﻋﻨــﺪﻣﺎ ﻧــﺬﻛﺮ اﻵب‪ ،‬ﻓﺎﻟﻜﻠﻤــﺔ ُﻣﺘَﻀ ـ ﱠﻤﻦ‪ ،‬واﻟــﺮوح أﻳﻀ ـﺎً؛ ﻷﻧــﻪ ﰲ اﻻﺑــﻦ‪ .‬وﻋﻨــﺪﻣﺎ‬ ‫ﻧـ ــﺬﻛﺮ اﻻﺑـ ــﻦ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻨـ ــﺎ ﻧـ ــﺬﻛﺮ اﻵب؛ ﻷن اﻵب ﰲ اﻻﺑـ ــﻦ‪ ،‬وﻻ ﻳﺼـ ــﺒﺢ اﻟـ ــﺮوح ﺑـ ــﺬﻟﻚ ﺧـ ــﺎرج‬ ‫اﻟﻜﻠﻤﺔ" ) ‪.(٢‬‬ ‫وﻫﺬا ﻳﻌﲏ ﺣﺴﺐ اﳌﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ‪:‬‬ ‫"ﻷن اﻟﻨﻌﻤــﺔ اﻟــﱵ ﻣــﻦ اﻵب ﻫــﻲ واﺣــﺪة‪ ،‬وﻫــﻲ ﺗــﺘﻢ ﺑــﺎﻻﺑﻦ ﰲ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس؛ ﻷن‬ ‫اﻷﻟﻮﻫﺔ واﺣﺪة‪ ،‬وإﻟﻪٌ واﺣ ٌﺪ ﻫﻮ اﻟﺬي "ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻞ وﺑﺎﻟﻜﻞ وﰲ اﻟﻜﻞ" )أف ‪.(٣ ) "(٦ :٤‬‬ ‫وﻳﻌــﻮد اﻟﻘــﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس إﱃ ﻧﻔــﺲ اﻟﺘﻌﻠــﻴﻢ اﻟﺮﺳــﻮﱄ ﰲ اﻟﻔﻘــﺮة ‪ ٣٠‬ﻋﻨــﺪﻣﺎ ﻳﺸــﺮح‬ ‫اﻟﱪﻛــﺔ اﻟﺮﺳ ـﻮﻟﻴﺔ اﻟــﱵ ﺗﻘــﺎل ﰲ اﻟﻘﺪاﺳــﺎت‪ ،‬وﰲ اﻟﺼــﻠﻮات اﻷرﺛﻮذﻛﺴــﻴﺔ‪ ،‬وﻫــﻲ‪" :‬ﻧﻌﻤــﺔ رﺑﻨــﺎ‬ ‫ﻳﺴــﻮع اﳌﺴــﻴﺢ‪ ،‬وﳏﺒــﺔ اﷲ‪ ،‬وﺷــﺮﻛﺔ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻣــﻊ ﲨــﻴﻌﻜﻢ" )‪ ٢‬ﻛــﻮر ‪ .(١٣ :١٣‬وﻫﻨــﺎ‬ ‫ﻳﻘﻮل‪:‬‬ ‫"ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻌﻤﺔ واﳍﺒﺔ ﺗﻌﻄﻰ ﰲ اﻟﺜﺎﻟﻮث‬ ‫ﻣﻦ اﻵب‬ ‫ﺑﺎﻻﺑﻦ‬ ‫ﰲ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪،‬‬ ‫‪F14‬‬

‫‪F15‬‬

‫‪F16‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ‪ ،١٤ :١‬ص ‪ .٥٣‬وراﺟﻊ اﻟﱰﲨﺔ اﻹﳒﻠﻴﺰﻳﺔ ص ‪.٩٣‬‬ ‫)‪ (٢‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،١٤ :١‬ص ‪.٥٣‬‬ ‫)‪ (٣‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،١٤ :١‬ص ‪.٥٤‬‬


‫‪۲۲‬‬

‫وﻛﻤﺎ أن اﻟﻨﻌﻤﺔ اﳌﻌﻄﺎة ﻫﻲ ﻣﻦ اﻵب ﺑﺎﻻﺑﻦ‪،‬‬ ‫ﻫﻜﺬا‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﺷـﺮﻛﺔ ﰲ اﻟﻌﻄﻴـﺔ إﻻﱠ ﺑـﺎﻟﺮوح اﻟﻘـﺪس؛ ﻷﻧﻨـﺎ ﺣﻴﻨﻤـﺎ ﻧﺸـﱰك‬ ‫ﻓﻴﻪ ﺗﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﳏﺒﺔ اﻵب وﻧﻌﻤﺔ وﺷﺮﻛﺔ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﻪ" ) ‪.(١‬‬ ‫ﻫﺬا ﳚﻌﻠﻨـﺎ ﻧﻘـﻒ ﺑـﺬات ﺻـﻼﺑﺔ اﻟﻘـﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳـﻴﻮس اﻟـﺬي رﻓـﺾ ﺗﻘﺴـﻴﻢ اﻟﺜـﺎﻟﻮث‪،‬‬ ‫ﻫــﻮ اﻟﺘﻘﺴــﻴﻢ اﻟﻮاﻓــﺪ ﻣــﻦ اﻟﻮﺛﻨﻴــﺔ‪ ،‬واﻟــﺬي ﺟﻌﻠﺘــﻪ اﻷرﻳﻮﺳــﻴﺔ ﺗﻌﻠﻴﻤــﺎً ﺧﺎﺻــﺎً ﻬﺑــﺎ‪ .‬وﻫﻨــﺎ ﻧﻘــﻮل‬ ‫ﻟﻜــﻞ اﻟــﺬﻳﻦ ﻳﻘ ﱢﺴــﻤﻮن اﻟﺜــﺎﻟﻮث إﱃ ﻋـ ٍ‬ ‫ـﺐ‪ ،‬واﺑـ ٍﻦ ﻣﻐﻀـ ٍ‬ ‫ـﺪل‪ ،‬ورﲪـ ٍـﺔ – إﱃ إﻟـ ٍـﻪ ﻏﺎﺿـ ٍ‬ ‫ـﻮب ﻋﻠﻴــﻪ‪،‬‬ ‫أ� ــﻢ ﻋ ــﺎدوا إﱃ اﻟﻮﺛﻨﻴ ــﺔ ﲢ ــﺖ ﺳ ــﺘﺎر ﻋﻘﻴ ــﺪة اﻟﻜﻔ ــﺎرة واﻟﻔـ ـﺪاء‪ .‬وأ ﱠﻣ ــﺎ اﻟ ــﺬﻳﻦ أﺧ ــﺬوا ﺑﺮﻃﻘ ــﺔ‬ ‫"أﻧﻮﻣﻴــﻮس" اﻟــﱵ ﺗﻔﺼــﻞ ﺑــﲔ اﳉــﻮﻫﺮ واﻷﻗﻨــﻮم واﻟﻘــﻮة اﻟﻔﺎﻋﻠــﺔ ‪ energy‬ﻓﻴﻘــﻮل ﳍــﻢ ﻣﻌﻠﻤﻨــﺎ‬ ‫اﻟﻌﻈﻴﻢ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس‪:‬‬ ‫"ﻓﻌﻞ )ﻋﻤﻞ( اﻟﺜﺎﻟﻮث واﺣﺪ‪،‬‬ ‫ﻓﺎﻟﺮﺳﻮل ﻻ ﻳﻘﺼﺪ أن ﻣﺎ ﻳُﻌﻄﻰ‪ ،‬ﻳُﻌﻄﻰ ﻣﻦ ﻛﻞ )أﻗﻨﻮم( ﻋﻠﻰ ﺣﺪة )ﻛﺄن اﻷﻗـﺎﻧﻴﻢ‬ ‫ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ وﳎﱠﺰأة(‪،‬‬ ‫وﻟﻜﻦ‪ ،‬ﻣﺎ ﻳُﻌﻄﻰ‪ ،‬إﳕﺎ ﻫﻮ ﻳُﻌﻄﻰ ﰲ اﻟﺜﺎﻟﻮث‪ ،‬واﻟﻜﻞ ﻣﻦ اﷲ اﻟﻮاﺣﺪ" ) ‪.(٢‬‬ ‫وﻳــﺄﰐ ﲢــﺬﻳﺮ اﻟﻘــﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس ﺑــﺄن ﺗﻘﺴــﻴﻢ اﻟﺜــﺎﻟﻮث ﰲ ﻋﻘــﻮل اﳍﺮاﻃﻘــﺔ ﻳﻔﺼــﻠﻬﻢ‬ ‫ﻋﻦ اﳊﻴﺎة اﻹﳍﻴﺔ ) ‪.(٣‬‬ ‫وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﺮح اﻟﱪﻛﺔ اﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ ﰲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪ ،‬ﻳﻘﻮل‪:‬‬ ‫"ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺸﱰك ﰲ اﻟﺮوح‪ ،‬ﺗﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ‪،‬‬ ‫وﰲ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﳏﺒﺔ اﻵب‪،‬‬ ‫وﻛﻤﺎ أن ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺜﺎﻟﻮث واﺣﺪة‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﺜﺎﻟﻮث ﻏﲑ ﻣﻨﻘﺴﻢ" ) ‪.(٤‬‬ ‫‪F17‬‬

‫‪F18‬‬

‫‪F19‬‬

‫‪F20‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،٣٠ :١‬ص ‪.٨٦‬‬ ‫)‪ (٢‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،٣١ :١‬ص ‪.٨٧ – ٨٦‬‬ ‫)‪ (٣‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،٣٣ :١‬ص ‪.٩٢‬‬ ‫)‪ (٤‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،٦ :٣‬ص ‪.١١٦‬‬


‫‪۲۳‬‬

‫وﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻼﺣﻆ ﻋﺒﺎرة اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﻋﻦ اﻹﳝﺎن ﺑﺎﻟﺜﺎﻟﻮث‪:‬‬ ‫ﺻﻠﻬﺎ ﰲ اﻟﺜﺎﻟﻮث" ) ‪.(١‬‬ ‫"ﻫﺬا ﻫﻮ إﳝﺎن اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﳉﺎﻣﻌﺔ؛ ﻷن اﻟﺮب أﺳﺴﻬﺎ وأ ﱠ‬ ‫‪F21‬‬

‫ﺛﺎﻧﻴﺎً‪:‬ﺑﺸﺎرة اﻟﻤﻼك ﻟﻮاﻟﺪة اﻹﻟﻪ‬ ‫وﻫﻨﺎ ﻧﱰك اﻟﺸﺮح ﻟﻠﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس‪:‬‬ ‫"ﺣﻴﻨﻤﺎ أُرﺳﻞ اﳌﻼك ﺟﱪاﺋﻴﻞ ﻟﻴﻌﻠﻦ ﺣﻠﻮل اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺎل‪" :‬اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﳛﻞ‬ ‫ﻋﻠﻴــﻚ" )ﻟــﻮ ‪ ،(٣٥ :١‬ﻋﺎﳌ ـﺎً أن اﻟــﺮوح ﻛــﺎن ﰲ اﻟﻜﻠﻤــﺔ‪ ،‬وأﺿــﺎف )اﳌــﻼك( ﻣﺒﺎﺷــﺮًة "وﻗــﻮة‬ ‫اﻟﻌﻠﻲ ﺗﻈﻠﱢﻠُ ِ‬ ‫ﻚ" )ﻟﻮ ‪(٣٥ :١‬؛ ﻷن اﳌﺴﻴﺢ ﻫﻮ "ﻗﻮة اﷲ وﺣﻜﻤﺔ اﷲ" )‪ ١‬ﻛﻮر ‪.(١٤ :١‬‬ ‫وﻣﺎذا ﻳﻌﲏ ﻫﺬا؟‬ ‫"وإذا ﻛ ــﺎن اﻟ ــﺮوح ﰲ اﻟﻜﻠﻤ ــﺔ‪ ،‬ﻓﻤ ــﻦ اﻟﻮاﺿ ــﺢ أﻳﻀـ ـﺎً أن اﻟ ــﺮوح ﻛ ــﺎن ﰲ اﷲ أﻳﻀـ ـﺎً‬ ‫ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ" ) ‪.(٢‬‬ ‫وﻛﺄن اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﻛﺎن ﻳﺮى ﺑﺮوح اﻟﻨﺒﻮة اﳍﺠﻮم ﻋﻠﻰ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس ﺑﻮاﺳـﻄﺔ‬ ‫ﺑﻌﺾ اﻹﻛﻠﲑوس‪ ،‬ﻓﻜﺘﺐ ﻳﻘﻮل‪:‬‬ ‫"وﺑﺎﳌﺜﻞ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﲑ اﻟﺮوح ﻓﻴﻨﺎ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻳﺄﰐ اﻻﺑﻦ واﻵب وﻳﺼﻨﻌﻮن ﻣﻨﺰﻻً ﻓﻴﻨﺎ؛‬ ‫ﻷن اﻟﺜﺎﻟﻮث ﻏﲑ ﻣﻨﻘﺴﻢ؛ ﻷن أﻟﻮﻫﺘﻪ واﺣﺪة‪،‬‬ ‫وﻳﻮﺟﺪ إﻟﻪ واﺣﺪ "ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻞ وﺑﺎﻟﻜﻞ وﰲ اﻟﻜﻞ" )أف ‪.(٣ ) "(٦ :٤‬‬ ‫‪F2‬‬

‫‪F23‬‬

‫ﺛﺎﻟﺜﺎً‪:‬ﺳﺮ اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳﺔ‬ ‫ﻳﺆﻛـﺪ اﻟﻘـﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس اﻹﻟﻮﻫـﺔ اﻟﻮاﺣــﺪة ﻟﻠﺜـﺎﻟﻮث؛ ﻷن ﻫـﺬا ﻫــﻮ أﺳـﺎس اﻧﻀــﻤﺎم‬ ‫اﳌﺴﻴﺤﻲ إﱃ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺟﺴﺪ اﳌﺴﻴﺢ‪:‬‬ ‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،٦ :٣‬ص ‪.١١٧ – ١١٦‬‬ ‫)‪ (٢‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،٦ :٣‬ص ‪.١١٦‬‬ ‫)‪ (٣‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،٦ :٣‬ص ‪.١١٦‬‬


‫‪۲٤‬‬

‫"أﻟﻮﻫـﺔ واﺣــﺪة ﰲ اﻟﺜــﺎﻟﻮث )أي( ﰲ اﻵب‪ ،‬وﰲ اﻻﺑــﻦ‪ ،‬وﰲ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻧﻔﺴــﻪ‪،‬‬ ‫وﰲ اﻟﺜﺎﻟﻮث ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻌﻤﻮدﻳﺔ واﺣﺪة وإﳝﺎن واﺣﺪ" ) ‪.(١‬‬ ‫ﻫﺬا اﻹﳝﺎن ﺑﺎﻟﺜﺎﻟﻮث اﻟﻮاﺣﺪ ﻫﻮ رﺟﺎء ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻨﺎل ﺳﺮ اﳌﻌﻤﻮدﻳﺔ‪ .‬وﻟـﺬﻟﻚ ﻳﺴـﺄل‬ ‫أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻻ ﺑُـﺪ أن ﻳﺴـﻤﻌﻪ ذﻟـﻚ اﳉﻴـﻞ اﻟـﺬي رأى وﲰـﻊ اﳊـﺮب ﻋﻠـﻰ اﻟـﺮوح‬ ‫اﻟﻘﺪس‪:‬‬ ‫روح آﺧ ــﺮ أﺧ ــﺬﻩ ﻫ ــﺆﻻء ﻏ ــﲑ اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس اﻟ ــﺬي ﻳُﻌﻄ ــﻰ ﻟﻠ ــﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨ ــﻮن‬ ‫أي ٍ‬ ‫" ُ‬ ‫وﻳُﻮﻟﺪون ﺛﺎﻧﻴﺔً ﺑﻐﺴﻞ اﳌﻴﻼد اﻟﺜﺎﱐ؟" ) ‪.(٢‬‬ ‫ﻷﻧﻨﺎ "ﻧﺘﺠﺪد ﺑﺮوح اﷲ" ) ‪.(٣‬‬ ‫ﻷن اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس "ﻫ ــﻮ اﻟ ــﺬي ﻓﻴ ــﻪ ﺑﻮاﺳ ــﻄﺔ اﻟﻜﻠﻤ ــﺔ ﻳﻜ ﱢﻤـ ـﻞ اﻵب ﻛ ــﻞ اﻷﺷ ــﻴﺎء‬ ‫وﳚﺪدﻫﺎ" ) ‪.(٤‬‬ ‫وﳚﺐ أن ﻧﻀﻴﻒ ﻫﻨﺎ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻹﳝﺎﻧﻴﺔ اﳋﺎﺻـﺔ ﺑﻌﻤـﻞ اﻟﺜـﺎﻟﻮث ﰲ اﻟﺘﻘـﺪﻳﺲ؛ ﻷ�ـﺎ‬ ‫ﲤــﺲ ﻗــﺪس أﻗــﺪاس اﳊﻴــﺎة اﻟﻜﻨﺴــﻴﺔ‪ ،‬وﻫــﻲ اﻷﺳـﺮار ﻻ ﺳــﻴﻤﺎ اﻹﻓﺨﺎرﺳــﺘﻴﺎ‪ ،‬إذ ﻳﻘــﻮل ﻣﻌﻠﻤﻨــﺎ‬ ‫اﻟﻜﺒﲑ إن اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ‪ -‬ﺑﺪون اﻟﻮﻗﻮع ﰲ ﺧﻄﺮ اﻻﺑﺘﻌـﺎد ﻋـﻦ اﻷرﺛﻮذﻛﺴـﻴﺔ‪ ،‬وإن اﻟﺘﻔﻜـﲑ اﻟﺴـﻠﻴﻢ‬ ‫اﻟﻘﺎﻧﻮﱐ اﳋﺎص ﺑﺎﻹﳝﺎن ﻫﻮ‪:‬‬ ‫"ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻘﺪاﺳﺔ واﺣﺪة ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻵب ﺑﺎﻻﺑﻦ ﰲ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس" ) ‪.(٥‬‬ ‫وﻣﻌﻠَﻨــﺔ ﰲ‬ ‫ﻫــﺬﻩ اﻟﻘﺪاﺳــﺔ ﺗﺼــﻞ إﻟﻴﻨــﺎ ﻣــﻦ ﻣﺼــﺪر واﺣــﺪ ﻫــﻮ اﻟﺜــﺎﻟﻮث‪ ،‬وﻫــﻲ آﺗﻴــﺔ ُ‬ ‫اﻻﺑﻦ‪ ،‬وﺗُﻌﻄﻰ ﺑﺎﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﻳﺆﻛﺪ اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺒﺎﺷﺮةً‪:‬‬ ‫ﺮﺳــﻞ‬ ‫"ﻷﻧــﻪ ﻛﻤــﺎ أن اﻻﺑــﻦ ﻫــﻮ اﻻﺑــﻦ اﻟﻮﺣﻴــﺪ‪ ،‬ﻫﻜــﺬا أﻳﻀ ـﺎً اﻟــﺮوح اﻟــﺬي ﻳُﻌﻄــﻰ وﻳُ َ‬ ‫ﺑﺎﻻﺑﻦ" ) ‪.(١‬‬ ‫‪F24‬‬

‫‪F25‬‬

‫‪F26‬‬

‫‪F27‬‬

‫‪F28‬‬

‫‪F29‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٣ :٤‬ص ‪.١٢٣ – ١٢٢‬‬ ‫)‪ (٢‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٤ :١‬ص ‪.٣٣‬‬ ‫)‪ (٣‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٩ :١‬ص ‪.٤٤‬‬ ‫)‪ (٤‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٩ :١‬ص ‪.٤٤‬‬ ‫)‪ (٥‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٢٠ :١‬ص ‪.٦٦‬‬


‫‪۲٥‬‬

‫ووﺣـ ــﺪة ﺟـ ــﻮﻫﺮ اﻟﺜـ ــﺎﻟﻮث ‪ ousia‬ﻫـ ــﻲ ﻣﺼـ ــﺪر اﻟﻘـ ــﻮة اﻟﻔﺎﻋﻠـ ــﺔ ‪ dynamis‬أو‬ ‫اﻟﻘ ــﺪرة اﻟﻔﺎﻋﻠ ــﺔ ‪ energia‬ﻷن ﻋ ــﺪم اﻧﻘﺴ ــﺎم ﺟ ــﻮﻫﺮ اﻟﺜ ــﺎﻟﻮث‪ ،‬ووﺣ ــﺪة ﻋﻤ ــﻞ اﻟﺜ ــﺎﻟﻮث‬ ‫اﻟﻮاﺣــﺪ ﻫــﻮ اﻟــﺬي ﳚﻌــﻞ اﻟﻘــﻮة اﻟﻔﺎﻋﻠــﺔ أو اﻟﻘــﺪرة اﻟﻔﺎﻋﻠــﺔ ﻫــﻲ ﻋﻤـ ٌـﻞ واﺣــﺪ اﻟــﱵ ﲢﻴــﻲ اﻟﻜــﻞ‬ ‫وﺗﻘﺪس اﻟﻜﻞ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﻳﺆﻛﺪ ﻧﻔﺲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺮﺳﻮﱄ ﰲ اﻟﻔﻘﺮة ‪ ٣١‬ﻛﺎﻵﰐ‪:‬‬ ‫"ﻓﻌــﻞ اﻟﺜــﺎﻟﻮث ﻫــﻮ واﺣــﺪ ‪ ...‬ﻷﻧــﻪ ﻻ ﻳﻮﺟــﺪ ﺷــﻲء ﱂ ُﳜﻠــﻖ وﻳُﻌﻄــﻰ اﻟﻘــﺪرة ﻋﻠــﻰ‬ ‫اﻟﺒﻘ ــﺎء ﺑﺎﻟﻘ ــﺪرة اﻟﻔﺎﻋﻠ ــﺔ إﻻﱠ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤ ــﺔ وﰲ اﻟ ــﺮوح‪ ،‬وﻫﻜ ــﺬا ﻳﺮﺗ ــﻞ ﰲ اﳌـ ـﺰاﻣﲑ‪" :‬ﺑﻜﻠﻤ ــﺔ اﻟ ــﺮب‬ ‫ﺻﻨﻌﺖ اﻟﺴﻤﻮات وﺑﺮوح ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﺟﻨﻮدﻫﺎ" )ﻣﺰ ‪.(٢ ) "(٦ :٣٢‬‬ ‫ُ‬ ‫وﺳ ــﻮف ﻳ ــﺪرك اﻟﻘ ــﺎرئ أن اﻻﺑ ــﻦ اﻟﻮﺣﻴ ــﺪ ﱂ ﻳﺮﺳ ــﻞ ﻣﻮاﻫ ــﺐ ﻟﻜ ــﻲ ﻳﺸ ــﺘﺖ وﺣ ــﺪة‬ ‫اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ أرﺳﻞ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس‪ .‬وﻛﻠﻤـﺎت اﻟﻘـﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳـﻴﻮس ﻗﺎﻃﻌـﺔ ﻣﺜـﻞ ﺳـﻴﻒ اﻟﺘﻌﻠـﻴﻢ‬ ‫اﻟﺮﺳﻮﱄ‪:‬‬ ‫"اﻻﺑﻦ ﻳﺮﺳﻞ اﻟﺮوح‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻮل‪" :‬إن ذﻫﺒﺖ أُرﺳﻞ اﳌﻌـﱢﺰي" )ﻳـﻮ ‪ .(٧ :١٦‬واﻻﺑـﻦ‬ ‫ﳝﺠــﺪ اﻵب ﻗــﺎﺋﻼً‪" :‬أﻳﻬــﺎ اﻵب أﻧــﺎ ﳎﱠــﺪﺗﻚ" )ﻳــﻮ ‪ ،(٤ :١٧‬ﺑﻴﻨﻤــﺎ اﻟــﺮوح ﳝ ﱢﺠــﺪ اﻻﺑــﻦ؛ ﻷﻧــﻪ‬ ‫ﻳﻘﻮل‪" :‬ذﻟﻚ ﳝﺠﺪﱐ" )ﻳﻮ ‪.(٣ ) "(١٤ :١٦‬‬ ‫وﺣﺘﻤﺎً إن ﻛﺎن اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﳝ ﱢﺠﺪ اﻻﺑﻦ‪ ،‬ﻓﻬﺬا ﻟﻴﺲ ﳎﺪاً ﺑﺸﺮﻳﺎً – ﺣﺴﺐ ادﻋﺎء‬ ‫اﻷﻧﺒﺎ ﺷﻨﻮدة اﻟﺜﺎﻟﺚ) ‪ - (٤‬ﺑﻞ ﻫﻮ ﳎﺪ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻟﻮاﺣﺪ ﻏﲑ اﳌﻨﻘﺴﻢ‪.‬‬ ‫وﻣﻦ ﰒﱠ ﳜﺘﻢ اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﻫﺬﻩ اﻟﻔﻘﺮة ﺑﻘﻮﻟﻪ‪:‬‬ ‫"ﻓﺈن اﻟﺮوح ﻳﺄﺧـﺬ ﻣـﻦ اﻻﺑـﻦ ﻷﻧـﻪ ﻳﻘـﻮل‪" :‬ﻷﻧـﻪ ﻳﺄﺧـﺬ ﳑـﺎ ﱄ وﻳﻌﻄـﻴﻜﻢ" )ﻳـﻮ ‪:١٦‬‬ ‫‪ ١٤‬ﺣﺴﺐ اﻷﺻﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎﱐ(" ) ‪.(٥‬‬ ‫‪F30‬‬

‫‪F31‬‬

‫‪F32‬‬

‫‪F3‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٢٠ :١‬ص ‪.٦٧ – ٦٦‬‬ ‫)‪ (٢‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٣١ :١‬ص ‪.٨٧ – ٨٦‬‬ ‫)‪ (٣‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٢٠ :١‬ص ‪.٦٧‬‬ ‫)‪ (٤‬راﺟﻊ ﻗﺪاﺳﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﺷﻨﻮدة اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺗﺄﻟﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن‪ ،‬اﻟﻜﺘﺎب اﻷول‪.‬‬ ‫)‪ (٥‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٢٠ :١‬ص ‪.٦٧‬‬


‫‪۲٦‬‬ ‫) ‪(١‬‬

‫راﺑﻌﺎً‪ :‬ﻣﻌﻤﻮدﻳﺔ اﻟﺮب ﻳﺴﻮع ﻓﻲ ﻧﻬﺮ اﻷردن‬ ‫ﱂ ﻳﺄﺧ ــﺬ اﻟ ــﺮب ﻳﺴ ــﻮع ﻣﻮﻫﺒ ــﺔ أو ﻣﻮاﻫ ــﺐ اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس؛ ﻷن اﻟﺘﻌﻠ ــﻴﻢ اﻟﺮﺳ ــﻮﱄ‬ ‫واﺿﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ " ُﻣ ِﺴ َﺢ" ﻳﺴﻮع‪ ،‬وﺻﺎر ﺑﺎﳌﺴﺤﺔ "اﳌﺴﻴﺢ"‪ ،‬ﻣﺴﺤﻪ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ ،‬وﻛﻨﱠﺎ ﳓـﻦ –‬ ‫وﻣ ِﺴــﺤﻨﺎ ﻓﻴــﻪ‪ ،‬ﺑــﻞ ﻛﻨﱠــﺎ ﳓــﻦ اﻟــﺬﻳﻦ ﰲ‬ ‫ﻛﻤــﺎ ﻳﻘــﻮل اﻟﻘــﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳــﻴﻮس – اﻟــﺬﻳﻦ اﻏﺘﺴــﻠﻨﺎ ﻓﻴــﻪ ُ‬ ‫اﳌﺴﻴﺢ ﺗﻘﺪﱠﺳﻨﺎ ﻓﻴﻪ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ﻛﺈﻧﺴﺎن ﻳﻘﺎل ﻋﻨﻪ إﻧﻪ ُﳝﺴﺢ ﺑﺎﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﺣﱴ ﻳﺒـﲏ أو " َﻳﺆ ﱢﺳـﺲ" ﻓﻴﻨـﺎ ﳓـﻦ‬ ‫"ﻷﻧﻪ‬ ‫اﻟﺴﻜﲎ ﻛﻌﻼﻗﺔ ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ" ) ‪.(٢‬‬ ‫اﻟﺒﺸﺮ ُﺳﻜﲎ اﻟﺮوح‪ ،‬وﳚﻌﻞ ﻫﺬﻩ ُ‬ ‫وﺑﻜﻠﻤﺎت ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻳﻘﻮل أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﻋﻦ اﻟﺮب ﻧﻔﺴﻪ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ـﺮت إﻧﺴــﺎﻧﺎً أﺗﻘـﺪﱠس ﻓﻴــﻪ ﻟﻜــﻲ ﻳﺘﻘـﺪﱠس‬ ‫"أﻧــﺎ ﻧﻔﺴــﻲ أُﻋﻄــﻲ ذاﰐ اﻟــﺮوح‪ ،‬أﻧــﺎ اﻟــﺬي ﺻـ ُ‬ ‫ﰲ" ) ‪.(٣‬‬ ‫اﳉﻤﻴﻊ ﱠ‬ ‫ﰒ‬ ‫"إن ﻧـﺰول اﻟــﺮوح ﻋﻠﻴـﻪ ﰲ اﻷردن‪ ،‬إﳕــﺎ ﻛـﺎن ﻧــﺰوﻻً ﻋﻠﻴﻨـﺎ ﳓــﻦ ﺑﺴـﺒﺐ اﲣــﺎذﻩ )ﻟﺒﺴــﻪ(‬ ‫ﺟﺴﺪﻧﺎ ‪ ...‬ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻘﺪﻳﺴﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ" ) ‪.(٤‬‬ ‫ﰒ‬ ‫"ﻟﻜــﻲ ﻧﺸــﱰك ﰲ ﻣﺴــﺤﺘﻪ‪ ،‬وﻟﻜــﻲ ﻳﻘــﺎل ﻋﻨﱠــﺎ‪" :‬أﻟﺴــﺘﻢ ﺗﻌﻠﻤــﻮن أﻧﻜــﻢ ﻫﻴﻜــﻞ اﷲ‪،‬‬ ‫وروح اﷲ ﻳﺴــﻜﻦ ﻓــﻴﻜﻢ )‪١‬ﻛــﻮر ‪ .(١٦ :٣‬ﻓﺤﻴﻨﻤــﺎ اﻏﺘﺴــﻞ اﻟــﺮب ﰲ اﻷردن ﻛﺈﻧﺴــﺎن‪ ،‬ﻛﻨﱠــﺎ‬ ‫ﳓﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﻐﺘﺴﻞ ﻓﻴﻪ وﺑﻮاﺳﻄﺘﻪ" ) ‪.(٥‬‬ ‫ﰒ‬ ‫‪F34‬‬

‫‪F35‬‬

‫‪F36‬‬

‫‪F37‬‬

‫‪F38‬‬

‫)‪ (١‬راﺟﻊ دراﺳﺘﻨﺎ‪ :‬ﳌﺎذا اﻋﺘﻤﺪ ﻳﺴﻮع؟ ﻣﻨﺸﻮرة ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻘﺒﻄﻴﺔ واﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺿﺪ اﻷرﻳﻮﺳﻴﲔ ‪ – ٤٦ :١‬ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻧﺼﻮص آﺑﺎﺋﻴﺔ رﻗﻢ ‪ – ٦٤‬اﳌﺮﻛﺰ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻲ ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻵﺑﺎﺋﻴﺔ ‪ -‬اﻟﻄﺒﻌﺔ‬ ‫اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ص ‪.١١٥‬‬ ‫)‪ (٣‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٤٦ :١‬ص ‪.١١٥‬‬ ‫)‪ (٤‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٤٧ :١‬ص ‪.١١٥‬‬ ‫)‪ (٥‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٤٧ :١‬ص ‪.١١٦ – ١١٥‬‬


‫‪۲۷‬‬

‫"وﺣﻴﻨﻤﺎ اﻗﺘﺒﻞ اﻟﺮوح‪ ،‬ﻛﻨﱠﺎ ﳓﻦ اﻟـﺬﻳﻦ ﺻـﺮﻧﺎ ﻣﻘﺘﺒﻠـﲔ ﻟﻠـﺮوح ﺑﻮاﺳـﻄﺘﻪ ‪ ...‬إذن ِ‬ ‫ﻓﻤـﻦ‬ ‫ذﻟــﻚ )أي ﲟﻌﻤﻮدﻳــﺔ اﻟــﺮب وﻣﺴــﺤﺘﻪ( ﺑــﺪأﻧﺎ ﳓــﻦ ﻧﻨــﺎل اﳌﺴــﺤﺔ واﳋــﺘﻢ‪ ،‬ﻛﻤــﺎ ﻳﻘــﻮل ﻳﻮﺣﻨــﺎ‪:‬‬ ‫"أﻧــﺘﻢ ﻟﻜــﻢ ﻣﺴــﺤﺔ ﻣــﻦ اﻟﻘــﺪوس" )‪١‬ﻳــﻮ ‪ ،(٢٠ :٢‬واﻟﺮﺳــﻮل ﻳﻘــﻮل‪" :‬أﻧــﺘﻢ ُﺧﺘﻤــﺘﻢ ﺑــﺮوح‬ ‫اﳌﻮﻋﺪ اﻟﻘﺪوس" )أف ‪.(١ ) "(١٣ :١‬‬ ‫وﻫﻨــﺎ ﻧﺸــﲑ إﱃ أن اﳌﺴــﺤﺔ‪ ،‬وﺑﺸــﻜﻞ ﺧــﺎص‪ ،‬اﳋــﺘﻢ‪ ،‬ﻫــﻮ اﻻﺳــﻢ اﻟﻄﻘﺴــﻲ اﻟﻘــﺪﱘ‬ ‫ﺟ ــﺪاً ﳌﺴ ــﺤﺔ اﳌ ــﲑون‪ ،‬وذﻟ ــﻚ ﻛﻤ ــﺎ ﺷ ــﺮﺣﻨﺎ ﰲ دراﺳ ــﺘﻨﺎ ﻋ ــﻦ اﳌﻌﻤﻮدﻳ ــﺔ ﰲ اﻟﻘ ــﺮون اﳋﻤﺴ ــﺔ‬ ‫اﻷوﱃ) ‪.(٢‬‬ ‫‪F39‬‬

‫‪F40‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ٤٧ :١‬ص ‪.١١٦‬‬ ‫)‪ (٢‬ﳝﻜﻦ ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻫﺬﻩ اﻟﺪراﺳﺔ ﻣﻨﺸﻮرة ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻘﺒﻄﻴﺔ واﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ‪.coptology.com :‬‬


‫‪۲۸‬‬

‫راﺑﻌﺎً‬ ‫اﻟﺮب ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻗَﺒِ َﻞ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻷﺟﻠﻨﺎ‬ ‫ﻻ ﺷﻚ أن ﻣﻌﻤﻮدﻳﺔ اﻟﺮب ﻳﺴﻮع ﻫﻲ ﻋﻴﺪ "اﻟﻈﻬﻮر اﻹﳍﻲ" ﻟﻠﺜـﺎﻟﻮث‪ ،‬وﻟﻜـﻦ ﻫـﺬا‬ ‫"اﻟﻈﻬــﻮر"‪ ،‬ﻟــﻴﺲ ﳎــﺮد "اﺳــﺘﻌﺮاض" ﻟﻠﺜــﺎﻟﻮث؛ ﻷن رﻛﻨ ـﺎً ﻣــﻦ أرﻛــﺎن ﻫــﺬا اﻟﻈﻬــﻮر ﻟــﻴﺲ ﳎــﺮد‬ ‫ﻧ ــﺰول اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس‪ ،‬ﺑ ــﻞ "اﺳ ــﺘﻘﺮار" اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس ﻋﻠ ــﻰ اﳌﺴ ــﻴﺢ ﺣﺴ ــﺐ ﻋﺒ ــﺎرة اﻹﳒﻴ ــﻞ‪:‬‬ ‫"وﺷﻬﺪ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﻗﺎﺋﻼً إﱐ ﻗﺪ رأﻳﺖ اﻟﺮوح ﻧﺎزﻻً ﻣﺜﻞ ﲪﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء واﺳﺘﻘﺮ ﻋﻠﻴـﻪ ‪ ...‬ﺗـﺮى‬ ‫اﻟــﺮوح ﻧــﺎزﻻً وﻣﺴــﺘﻘﺮاً ﻋﻠﻴــﻪ" )ﻳــﻮ ‪ .(٣٣ - ٣٢ :١‬واﺳــﺘﻘﺮار اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﻋﻠــﻰ ﻳﺴــﻮع –‬ ‫ـﺲ ﻋﻠـﻰ ﺣﻘﻴﻘﻴـﺔ ﺛﺒـﺎت اﻟﻠﻮﻏـﻮس اﳌﺘﺠﺴـﺪ وﻋـﺪم‬ ‫ﺣﺴﺐ ﺷـﺮح اﻟﻘـﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳـﻴﻮس – ﻣﺆﺳ ٌ‬ ‫ﺗﻐﲑﻩ‪.‬‬ ‫ﱡ‬ ‫ﻳﻘﻮل أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس‪:‬‬ ‫"ﻷﻧــﻪ ﲟــﺎ أن ﻃﺒﻴﻌــﺔ اﳌﺨﻠﻮﻗــﺎت ﻣﺘﻐـ ﱢـﲑة‪ ،‬ﻓــﺎﻟﺒﻌﺾ ﺗﻌ ـ ﱡﺪوا اﻟﻮﺻــﻴﺔ‪ ،‬واﻟــﺒﻌﺾ اﻵﺧــﺮ‬ ‫ﲤﺮدوا ‪ ...‬ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﺿﺮورﻳﺎً أن ﻳﺄﰐ واﺣـ ٌﺪ ﻏـﲑ ﻣﺘﻐ ﱢـﲑ ﻟﻜـﻲ ﳛﺼـﻞ اﻟﺒﺸـﺮ ﻋﻠـﻰ ﻋـﺪم ﺗﻐ ﱡـﲑ‬ ‫ﺑﺮ اﻟﻠﻮﻏﻮس ﻛﺼﻮرة وﻣﺜﺎل ﳌـﺎ ﺳـﺘﻜﻮن ﻋﻠﻴـﻪ ﺛﺒـﺎت اﻟﻔﻀـﻴﻠﺔ ‪ ...‬ﻷﻧـﻪ ﲟـﺎ أن اﻹﻧﺴـﺎن اﻷول‬ ‫آدم )‪١‬ﻛــﻮر ‪ ،(٤٥ :١٥‬ﺗﻌ ـﱠﺮض ﻟﻠﺘﻐﻴــﲑ‪ ،‬وﺑﺴــﺒﺐ اﳋﻄﻴــﺔ دﺧــﻞ اﳌــﻮت إﱃ اﻟﻌــﺎﱂ )رو ‪:٥‬‬ ‫‪ ،(١٢‬ﻟــﺬﻟﻚ اﻟﺴــﺒﺐ ﻋﻴﻨــﻪ ﺟــﺎء آدم اﻟﺜــﺎﱐ ﻏــﲑ اﳌﺘﻐـ ﱢـﲑ ‪ ...‬أ ﱠﻣ ـﺎ اﻟــﺮب ﻓﻠﻜﻮﻧــﻪ ﻏــﲑ ﻣﺘﻐـ ﱢـﲑ‬ ‫وﺛﺎﺑــﺖ‪ ،‬ﺗﺼــﲑ اﳊﻴ ـﺔُ ﻋــﺎﺟﺰة ﰲ ﺣﻴﻠﻬــﺎ ﺿــﺪ اﳉﻤﻴــﻊ؛ ﻷﻧــﻪ ﻋﻨــﺪﻣﺎ ﺳــﻘﻂ آدم ﰲ اﻟﻌﺼــﻴﺎن‬ ‫"اﺟﺘﺎزت اﳋﻄﻴﺔ إﱃ ﲨﻴـﻊ اﻟﻨـﺎس" )رو ‪ ،(١٢ :٥‬وﻟﻜـﻦ ﺣﻴﻨﻤـﺎ ﺻـﺎر اﻟـﺮب إﻧﺴـﺎﻧﺎً‪ ،‬ﺣﻄﱠـﻢ‬ ‫اﳊﻴﺔ‪ ،‬وﻧﻘﻞ ﻗﻮﺗﻪ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ إﱃ ﲨﻴﻊ اﻟﻨﺎس" ) ‪.(١‬‬ ‫‪F41‬‬

‫)‪ (١‬ﺿﺪ اﻷرﻳﻮﺳﻴﲔ ‪ ٥١ :١‬ص ‪.١٢٣ – ١٢٢‬‬


‫‪۲۹‬‬

‫إذن ﻓﻘ ــﺪ ﻓَـ َﻘ ـ َﺪ آدم ُﺳ ــﻜﲎ اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس ﺑﺴ ــﺒﺐ اﻟﺴ ــﻘﻮط‪ ،‬وﻫ ــﻲ أﺣ ــﺪ ﺟﻮاﻧ ــﺐ‬ ‫ﺗﻌﻠــﻴﻢ ﻛﻨﻴﺴــﺔ اﻹﺳــﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟــﺬي ُد ﱢو َن ﰲ ﻛــﻞ ﻛﺘﺎﺑــﺎت آﺑــﺎء اﻹﺳــﻜﻨﺪرﻳﺔ‪ ،‬وﺳــﻮف ﻧﻜﺘﻔــﻲ‬ ‫ﺑﺎﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس واﻟﻘﺪﻳﺲ ﻛﲑﻟﺲ اﻟﻜﺒﲑ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ﺃﻭﻻ‪ :‬ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﺛﻨﺎﺳﻴﻮﺱ‪:‬‬ ‫‪" -١‬إن اﻟﺒﺸﺮ ﻧﺎﻟﻮا اﻟﺮوح ﺣﺴﺐ اﻟﺸـﺮﻛﺔ ‪ ...‬وﺑﻜـﻦ ﲟـﺎ أ�ـﻢ ﻟﻴﺴـﻮا أﺑﻨـﺎء ﲝﺴـﺐ‬ ‫اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈ�ﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻐﲑون ﻳُﻨﺰع ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺮوح وﻳﺘﱪأ ﻣﻨﻬﻢ" ) ‪.(١‬‬ ‫‪" -٢‬ﻟﻘﺪ ﺻﺎر ﻳﺴﻮع ﳑﺴﻮﺣﺎً ﺑﺎﻟﺮوح اﻟﻘﺪس؛ ﻟﻜﻲ ﻳﻘ ﱢﺪس اﳉﻤﻴﻊ ﺑﺎﻟﺮوح") ‪.(٢‬‬ ‫‪" -٣‬ﻓﻘﺪ ﺟﺎء ﻟﻜﻲ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ" ) ‪.(٣‬‬ ‫ً‬ ‫ﺛﺎﻧﻴﺎ‪ :‬ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﻛﲑﻟﺲ‪:‬‬ ‫ﺣﺴﺐ ﺷﻬﺎدة إﳒﻴﻞ ﻳﻮﺣﻨﺎ‪ ،‬اﺳﺘﻘﺮ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻋﻠـﻰ ﻳﺴـﻮع؛ ﻷن ﻳﺴـﻮع ﺳـﻮف‬ ‫ﻳُﻌ ﱠﻤﺪ ﺑﺎﻟﺮوح اﻟﻘﺪس )ﻳﻮ ‪ .(٣٣ - ٣٢ :١‬وﻗﺪ ﺧﺼﺺ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﻛﲑﻟﺲ ﻓﺼﻼً ﻛـﺎﻣﻼً ﻋـﻦ‬ ‫ﻣﻌﻤﻮدﻳﺔ اﻟﺮب ﻳﺴﻮع ﰲ ﺷﺮح إﳒﻴﻞ ﻳﻮﺣﻨﺎ) ‪ ،(٤‬ووﺿـﻊ ﻟـﻪ اﻟﻌﻨـﻮان اﻟﺘـﺎﱄ‪" :‬اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس ﰲ‬ ‫اﻻﺑﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺸﺮﻛﺔ ﻣﻦ اﳋﺎرج‪ ،‬ﺑﻞ ﺑﺎﻟﺸﺮﻛﺔ ﺣﺴﺐ اﳉﻮﻫﺮ وﺣﺴﺐ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ"‪.‬‬ ‫وﺗﻌﺒﲑ "اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻣـﻦ اﳋـﺎرج" ﺗﻌﺒـﲑ ﻫـﺎم ﻳﺆﻛـﺪ ﺑـﻪ اﻵﺑـﺎء أن ﺷـﺮﻛﺘﻨﺎ ﰲ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس‬ ‫ﻫﻲ ﺷﺮﻛﺔ ﺧﺎرﺟﻴﺔ‪ ،‬وذﻟﻚ ﻟﻸﺳﺒﺎب اﻵﺗﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪ -١‬ﻻﺧﺘﻼف ﺟـﻮﻫﺮ وﻃﺒﻴﻌـﺔ اﻹﻧﺴـﺎن ﻋـﻦ ﻃﺒﻴﻌـﺔ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس‪ ،‬وﻫـﺬا ﻳﻌـﲏ أ�ـﺎ‬ ‫ﻟﻴﺴﺖ ﺷـﺮﻛﺔ ﺣﺴـﺐ اﳉـﻮﻫﺮ اﻟﻮاﺣـﺪ؛ ﻷﻧـﻪ ﻻ ﻳﻮﺟـﺪ ﺟـﻮﻫﺮ واﺣـﺪ ﳚﻤـﻊ اﷲ واﻹﻧﺴـﺎن‪ ،‬ﺑـﻞ‬ ‫ﻳﻮﺟﺪ ﺟﻮﻫﺮ واﺣﺪ ﻟﻠﺒﺸﺮ‪ ،‬وﺟﻮﻫﺮ واﺣﺪ ﻟﻠﺜﺎﻟﻮث‪.‬‬ ‫‪F42‬‬

‫‪F43‬‬

‫‪F4‬‬

‫‪F45‬‬

‫)‪ (١‬ﺿﺪ اﻷرﻳﻮﺳﻴﲔ ‪ ٣٧ :١‬ص ‪.١٠١‬‬ ‫)‪ (٢‬ﺿﺪ اﻷرﻳﻮﺳﻴﲔ ‪ - ١٤ :٢‬ﻃﺒﻌﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻣﻨﻘﺤﺔ‪ ،‬ص‪.٣٤‬‬ ‫)‪ (٣‬ﺿﺪ اﻷرﻳﻮﺳﻴﲔ ‪ ١٨ :٢‬ص ‪.٤٠‬‬ ‫)‪ (٤‬راﺟﻊ اﻟﱰﲨﺔ اﳊﺪﻳﺜﺔ إﱃ اﻹﳒﻠﻴﺰﻳﺔ اﻟﱵ ﻧﺸﺮت ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ "ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ" – اﳉﺰء اﻷول‪ ،‬ﲢﻘﻴﻖ ‪Peter‬‬ ‫‪Farrington‬‬


‫‪۳۰‬‬

‫‪ -٢‬اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻣﻦ اﳋﺎرج ﺗﻌﲏ أن ُﺳﻜﲎ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ ،‬أو اﻟﺜـﺎﻟﻮث ﻓﻴﻨـﺎ ﻫـﻲ ُﺳـﻜﲎ‬ ‫اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﱵ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﳍﺎ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ وﺟﻮﻫﺮ اﻹﻧﺴﺎن‪ .‬ﻫﺬا ﲤﻴﻴﺰ ﺿﺮوري؛ ﻷن اﺧـﺘﻼف اﻟﻄﺒﻴﻌـﺔ‬ ‫ﻫــﻮ ﺳــﺒﺐ ﻋﻤــﻞ اﻟﻨﻌﻤــﺔ ووﺟﻮدﻫــﺎ؛ ﻷن وﺣــﺪة اﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ ﻻ ﲢﺘــﺎج إﱃ ﻧﻌﻤــﺔ‪ ،‬ﺑــﻞ ﻣــﺎ ﻫــﻮ ﰲ‬ ‫اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺧـﺎص ﺑﻌﻤـﻞ وﺻـﻔﺎت ﻫـﺬﻩ اﻟﻄﺒﻴﻌـﺔ‪ ،‬وﻟـﺬﻟﻚ اﻟﻨﻌﻤـﺔ ﻋﻄﻴـﺔ ﻟـﻴﺲ ﳍـﺎ ﻋﻼﻗـﺔ ﺑﻄﺒﻴﻌـﺔ‬ ‫اﻹﻧﺴﺎن) ‪.(١‬‬ ‫ﻟﻘـﺪ ﻛﺘـﺐ اﻟﻘـﺪﻳﺲ ﻛـﲑﻟﺲ ﻫـﺬا اﻟﻔﺼــﻞ ﺑﺎﻟـﺬات ﺿـﺪ أرﻳـﻮس وﻧﺴـﻄﻮر‪ ،‬وﻣـﻦ ﻫــﺬا‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ ﻧﻘﺪم ﻫﺬﻩ اﳌﻘﺎﻃﻊ‪:‬‬ ‫‪F46‬‬

‫اﻟﻤﻘﻄﻊ اﻷول‪ :‬وﻫﻮ ﺧﺎص ﺑﺈﺧﻼء اﻻﺑﻦ ﻟﺬاﺗﻪ‬

‫"ﲟ ــﺎ أن ﻛﻠﻤ ــﺔ اﷲ ﺗ ــﺄﻧﺲ‪ ،‬ﻓﻘ ــﺪ ﺗﻘـ ـﺪﱠس أﻳﻀـ ـﺎً ﺑﺎﻗﺘﺒ ــﺎل اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس‪ ،‬ﻟﻜ ــﻦ ﻗﺒ ــﻞ‬ ‫ﲡﺴــﺪﻩ ﻛــﺎن ﰲ ﺻــﻮرة وﻣﺴــﺎواة اﻵب )ﻓﻠﻴــﱯ ‪ ... (٦ :٢‬ﻣــﺎ أﻋﻈــﻢ ﻫــﺬا اﻟﻌﻤــﻞ اﻟﻌﺠﻴــﺐ؛‬ ‫ﻷن اﻻﺑﻦ اﳌﺴﺎوي ﷲ اﻵب واﻟﺬي ﻟﻪ ذات ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻵب‪ ،‬وﻣـﻦ أﺟـﻞ ﳏﺒﺘـﻪ ﱂ ﳜـﺘﻠﺲ ﻫـﺬﻩ‬ ‫اﳌﺴﺎواة‪ ،‬ﺑﻞ ﻧﺰل إﱃ ﺣﻘﺎرﺗﻨﺎ وأﺧﺬ ﺻﻮرة اﻟﻌﺒﺪ وأﺧﻠﻰ ذاﺗﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﺘﺄﻧﺲ ‪."...‬‬

‫اﻟﻤﻘﻄﻊ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬وﻫﻮ ﺧﺎص ﺑﺨﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺻﻮرة اﷲ‬

‫"ﻳﻘــﻮل اﻟﻜﺘــﺎب اﻷول ﻣــﻦ ﻛﺘــﺐ ﻣﻮﺳــﻰ اﳋﻤﺴــﺔ – وﻫــﻮ أﻛﺜــﺮ ﺑــﲏ اﻟﺒﺸــﺮ اﻟــﺬﻳﻦ‬ ‫ﻋﺮﻓ ـﻮا اﷲ – إن اﷲ "ﺧﻠــﻖ اﻹﻧﺴــﺎن ﻋﻠــﻰ ﺻــﻮرﺗﻪ" )ﺗــﻚ ‪ ،(٢٦ :١‬وﻟﻜــﻦ ﺑﻮاﺳــﻄﺔ اﻟــﺮوح‬ ‫ُﺧ ــﺘِ َﻢ ‪ Sealed‬ﺑﺎﻟﺼ ــﻮرة اﻹﳍﻴ ــﺔ‪ .‬وﻗ ــﺪ ﻋﻠﱠﻤﻨ ــﺎ ﻣﻮﺳ ــﻰ ﻧﻔﺴ ــﻪ ﺑﻘﻮﻟ ــﻪ إن اﷲ "ﻧﻔ ــﺦ ﰲ أﻧﻔ ــﻪ‬ ‫ﻧﺴــﻤﺔ اﳊﻴــﺎة"‪ ،‬وﻋﻠــﻰ اﻟﻔــﻮر ﺑــﺪأ اﻟــﺮوح ﰲ وﻗــﺖ واﺣــﺪ أن ﻳﻌﻄــﻲ ﻣﻌـﺎً اﳊﻴــﺎة ﻟﻜﻴــﺎن )آدم(‪،‬‬ ‫وﺑﻌﻤﻞ إﳍﻲ ﻳﻄﺒﻊ ﺻﻮرﺗﻪ ﻋﻠﻴﻪ )آدم(") ‪.(٢‬‬ ‫‪F47‬‬

‫)‪(١‬ﱂ ﻳﺬﻛﺮ أﺣ ٌﺪ ﻗﺒﻞ اﻷﻧﺒﺎ ﺷﻨﻮدة أن اﻟﺸﺮﻛﺔ ﰲ اﻟﻼﻫﻮت ﺗﻌﲏ أن ﻳُﺼﺒﺢ اﻹﻧﺴﺎن إﳍﺎً ﻣﻮﺟﻮداً ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ‪ ...‬إﱁ‬ ‫ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﻼﻫﻮت‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ص ‪.١٣٦ – ١٣٥‬‬


‫‪۳۱‬‬

‫وﻫﻨـ ــﺎ ﳚـ ــﺐ أن ﻧﺴـ ــﺄل‪ :‬ﻣـ ــﺎ ﻫـ ــﻲ ﻋﻼﻗـ ــﺔ ﺧﻠـ ــﻖ اﻹﻧﺴـ ــﺎن اﻷول ﲟﻌﻤﻮدﻳـ ــﺔ اﻟـ ــﺮب؟‬ ‫واﳉﻮاب ﻫﻮ ﻟﻠﻘﺪﻳﺲ ﻛﲑﻟﺲ‪:‬‬ ‫"ﻛﺎن اﻹﻧﺴﺎن اﻷول ﰲ اﻟﻔـﺮدوس – ﻛﻤـﺎ ﻫـﻮ ﻣﻜﺘـﻮب – ﺣﺎﻓﻈـﺎً اﻟﻌﻄﻴـﺔ وﺳـﺎﻣﻴﺎً‬ ‫ﺑﺎﻟﺼﻮرة اﻹﳍﻴﺔ اﻟﱵ ُﺧﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﺑﻮاﺳـﻄﺔ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس اﻟـﺬي ﺣ ﱠـﻞ ﻓﻴـﻪ‪ .‬وﻟﻜـﻦ ﻋﻨـﺪﻣﺎ ﻓﺴـﺪ‬ ‫ﺑﻐﻮاﻳﺔ اﻟﺸـﻴﻄﺎن وﺑـﺪأ ﳛﺘﻘـﺮ ﺧﺎﻟﻘـﻪ وﻳﺘﻌـﺪى اﻟﻨـﺎﻣﻮس اﻟـﺬي أُﻋﻄـﻰ إﻟﻴـﻪ‪ ،‬وأﺣـﺰن اﷲ اﶈﺴـﻦ‬ ‫إﻟﻴﻪ‪ ،‬أﺧﺬ اﷲ اﻟﻨﻌﻤﺔَ ﻣﻨﻪ‪ ،‬واﻟﺬي ُﺧﻠِ َﻖ ﻟﻴﻜﻮن ﺣﻴﺎً َِﲰ َﻊ ﻷول ﻣﺮة "ﺗـﺮاب أﻧـﺖ وإﱃ اﻟـﱰاب‬ ‫ﺗﻌﻮد"‪ .‬وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﻐ ﱠـﲑ ﻣﺜـﺎل اﷲ اﻟـﺬي ﺗﻠـﻮث ﺑﺎﳋﻄﻴـﺔ‪ ،‬وﺑـﺪأ اﳌﺜـﺎل ﻳﻀـﻤﺤﻞ‪ ،‬وﱂ ﻳﻌُـﺪ اﳋـﺘﻢ‬ ‫ﻣﻨﲑاً‪ ،‬ﺑﻞ اﻇﻠﱠ َـﻢ ﺑﺴـﺒﺐ اﻟﺘﻌـﺪي‪ .‬وﻋﻨـﺪﻣﺎ ازداد ﺟـﻨﺲ اﻟﺒﺸـﺮ ﰲ اﻟﺘﻌـﺪي ووﺻـﻠﻮا إﱃ أﻗﺼـﻰ‬ ‫درﺟ ــﺎت اﻻﳓﻄ ــﺎط‪ ،‬وﺳ ــﺎدت ﻋﻠ ــﻴﻬﻢ ﲨﻴﻌ ـﺎً اﳋﻄﻴ ــﺔ) ‪ (١‬وﺑﺼ ــﻮرة ﺗﺎﻣ ــﺔ‪ُ ،‬ﺟ ـﱢﺮدت ﻧﻔ ــﺲ ﻛ ــﻞ‬ ‫إﻧﺴ ــﺎن‪ ،‬وﻓﻘ ــﺪت ﺑ ــﺬﻟﻚ ﻃﺒﻴﻌ ــﺔ ﻛ ــﻞ إﻧﺴ ــﺎن اﻟﻨﻌﻤ ــﺔ اﻟﻘﺪﳝ ــﺔ‪ ،‬ﻓ ــﺎرق اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس اﻟﻜ ــﻞ‪،‬‬ ‫وﺳﻘﻄﺖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ إﱃ أﺣﻂ درﺟﺎت اﻟﻐﺒﺎء ‪."...‬‬ ‫"وﻟﻜــﻦ ﺻــﺎﻧﻊ اﻟﻜــﻞ‪ ،‬ﺑﻌــﺪ زﻣــﺎن اﺣﺘﻤــﺎل ﻃﻮﻳــﻞ َﺣـ ِﺰ َن ﻋﻠــﻰ اﻟﻌــﺎﱂ اﻟﻔﺎﺳــﺪ‪ ،‬وﻷﻧــﻪ‬ ‫ﺻـﺎﱀ‪ ،‬وﻛـﺮ ٍاع ﺻـﺎﱀٍ‪ ،‬أﺳــﺮع ﻟﻜـﻲ ﳚﻤــﻊ اﻟﻘﻄﻴـﻊ اﻟﻀــﺎل اﻟـﺬي ﻋﻠــﻰ اﻷرض‪ ،‬وﻗـﺮر أن ﻳﺒــﺪل‬ ‫‪ trans - element‬اﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ اﻹﻧﺴــﺎﻧﻴﺔ وﳚــﺪدﻫﺎ وﻳﺮدﻫــﺎ إﱃ اﻟﺼــﻮرة ﺑــﺎﻟﺮوح؛ ﻷﻧــﻪ ﱂ‬ ‫ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎك وﺳﻴﻠﺔ أﺧﺮى ﳑﻜﻨﺔ ﻹﻋﺎدة اﳋﺘﻢ اﻹﳍﻲ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ ‪.(٢ ) "...‬‬ ‫‪F48‬‬

‫‪F49‬‬

‫اﻟﻤﻘﻄﻊ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻛﻴﻒ أُﻋﻴﺪت إﻟﻴﻨﺎ اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻐﻠﻮﺑﺔ؟‬

‫"ﻛﻴــﻒ ﻳﻐــﺮس ﻓﻴﻨــﺎ اﻟﻨﻌﻤــﺔ ﻏــﲑ اﳌﻐﻠﻮﺑــﺔ؟ أو ﻛﻴــﻒ ﻳﺘﺠ ـ ﱠﺬر )ﻣــﻦ اﳉــﺬر( اﻟــﺮوح ﰲ‬ ‫اﻹﻧﺴـ ــﺎن؟ وﺑـ ــﺄي وﺳـ ــﻴﻠﺔ أُﻋﻴـ ــﺪ ﲡﺪﻳـ ــﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌـ ــﺔ إﱃ ﺣﺎﻟﺘﻬـ ــﺎ اﻷوﱃ؟ ﻫـ ــﺬﻩ أﺳـ ــﺌﻠﺔ ﺗﺴـ ــﺘﺤﻖ‬ ‫اﻹﺟﺎﺑﺔ"‬ ‫)‪ (١‬راﺟﻊ ﲡﺴﺪ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻟﻠﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس‪ ،‬اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬راﺟﻊ اﻟﱰﲨﺔ اﳊﺪﻳﺜﺔ ﻹﳒﻴﻞ ﻳﻮﺣﻨﺎ إﱃ اﻹﳒﻠﻴﺰﻳﺔ اﻟﱵ ﻧﺸﺮت ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ "ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ" – اﳉﺰء اﻷول‪،‬‬ ‫ص ‪.١٣٦‬‬


‫‪۳۲‬‬

‫أ‪ -‬اﻹﻧﺴــﺎن اﻷول ﺗـﺮاﰊ؛ ﻷﻧــﻪ ُﺧﻠِـ َـﻖ ﻣــﻦ ﺗـﺮاب‪ ،‬وأُﻋﻄــﻲ ﻟــﻪ اﻟﻘــﺪرة ﻋﻠــﻰ أن ﳜﺘــﺎر‬ ‫اﳋﲑ أو اﻟﺸﺮ‪ ،‬وﺑﺎﻻﺧﺘﻴﺎر ﻳﺼﺒﺢ ﺳﻴﺪ أﻳﻬﻤﺎ )اﳋﲑ أو اﻟﺸﺮ(‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ﻟﻜﻨﻪ أ ُِﺳَﺮ ﲟﻜ ٍﺮ ﻣﺮﻳﺮ‪ ،‬وﻣﺎل إﱃ اﻟﻌﺼﻴﺎن‪ ،‬وﺳﻘﻂ ﰲ اﻷرض‪ ،‬اﻷم اﻟـﱵ ﻧﺸـﺄ‬ ‫ﻣﻨﻬﺎ وﺳﺎد ﻋﻠﻴﻪ اﻵن اﻟﻔﺴﺎد واﳌﻮت‪.‬‬ ‫ﺟـ‪ -‬ووﱠرث إﱃ اﳉﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮي ﻛﻠﻪ ﺣﻜﻢ اﳌﻮت‪.‬‬ ‫د‪ -‬وﳕــﺎ اﻟﻔﺴــﺎد‪ ،‬واﻧﺘﺸــﺮ ﻓﻴﻨــﺎ‪ ،‬واﳓــﺪر اﻹدراك إﱃ ﻣــﺎ ﻫــﻮ أﺳ ـﻮأ‪ ،‬وﻣﻠــﻚ اﳌــﻮت‪،‬‬ ‫وﺑﺸــﻜﻞ ﺗــﺎم ﺻــﺎرت اﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ اﻹﻧﺴــﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎرﻳــﺔ ﻣــﻦ اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس اﻟــﺬي ﺳــﻜﻦ ﻓﻴــﻪ )ﻋﻨــﺪ‬ ‫ﺧﻠﻘﻪ(‪.‬‬ ‫ﻫـ‪" -‬ﱂ ﳛﻔﻆ اﻹﻧﺴﺎن اﻷول اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﱵ أﻋﻄﺎﻫﺎ اﷲ ﻟﻪ" ) ‪.(١‬‬ ‫‪F50‬‬

‫اﻟﻤﻘﻄﻊ اﻟﺮاﺑﻊ‪ :‬ﺗﺪﺑﻴﺮ اﻟﺨﻼص‬

‫أ‪" -‬دﺑﱠﺮ اﷲ اﻵب أن ﻳﺮﺳﻞ إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء آدم اﻟﺜـﺎﱐ‪ ،‬ﻓﺄرﺳـﻞ إﻟﻴﻨـﺎ اﺑﻨـﻪ اﻟﻮﺣﻴـﺪ‬ ‫اﻟﺘﻐﲑ أو اﻟﺘﺤﻮل‪ ،‬ﺑﻞ ﻻ ﻳﻌﺮف اﳋﻄﻴﺔ ﻣﻄﻠﻘﺎً"‪.‬‬ ‫ﰲ ﺷﻜﻠﻨﺎ‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﺮف ﱡ‬ ‫ب‪" -‬وﻛﻤ ــﺎ ﺑﺴ ــﺒﺐ ﻣﻌﺼ ــﻴﺔ اﻷول‪ ،‬ﺻ ــﺎر )آدم اﻟﺜ ــﺎﱐ( ﺧﺎﺿ ــﻌﺎً ﻟﻠﺤﻜ ــﻢ اﻹﳍ ــﻲ‬ ‫ﻟﻜﻲ ﺑﻄﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﱐ ﻧﻨﺠﻮ ﻣﻦ اﻟﻠﻌﻨﺔ وﺗﺒﺎد ﺷﺮورﻫﺎ"‪.‬‬ ‫ﺟـ‪" -‬وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء ﻛﻠﻤﺔ اﷲ وﺗﺄﻧﱠﺲ‪ ،‬اﻗﺘﺒﻞ اﻟﺮوح ﻣـﻦ اﻵب ﻛﻮاﺣ ٍـﺪ ﻣﻨﱠـﺎ ﳓـﻦ‬ ‫اﻟﺒﺸﺮ ‪ -‬وﱂ ﻳﻘﺘﺒﻞ اﻟﺮوح ﻟﺬاﺗﻪ ﻛﻤﻦ ﻫﻮ ﳏﺘﺎج ﻷﻧﻪ ُﻣﻌﻄﻲ اﻟﺮوح – وﻟﻜﻦ ﲟﺎ أﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﺬي‬ ‫ﻻ ﻳﻌﺮف ﺧﻄﻴـﺔ‪ ،‬ﻗﺒﻠـﻪ )أي اﻟـﺮوح( ﻛﺈﻧﺴـﺎن ﳛﻔـﻆ اﻟـﺮوح ﻟﻄﺒﻴﻌﺘﻨـﺎ وﻳﻌﻴـﺪ ﻏـﺮس ‪in root‬‬ ‫ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻴﻨﺎ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﱵ ﻓﺎرﻓﺘﻨـﺎ‪ .‬ﻟـﺬﻟﻚ اﻟﺴـﺒﺐ – ﻛﻤـﺎ أﻋﺘﻘـﺪ – ﻗـﺎل اﳌﻌﻤـﺪان اﻟﻘـﺪﻳﺲ‬ ‫ﻣﺘﻨﺒﺌﺎً "رأﻳـﺖ اﻟـﺮوح ﻧـﺎزﻻً ﻣـﻦ اﻟﺴـﻤﺎء واﺳـﺘﻘﺮ ﻋﻠﻴـﻪ"؛ ﻷن اﻟـﺮوح ﻫـﺮب ﻣﻨﱠـﺎ ﺑﺴـﺒﺐ اﳋﻄﻴـﺔ‪،‬‬ ‫وﻟﻜـﻦ ﳌــﺎ ﺟــﺎء اﻟــﺬي ﻻ ﻳﻌــﺮف ﺧﻄﻴـﺔً‪ ،‬وﺻــﺎر ﺑﺸـﺮاً وﻛﻮاﺣـ ٍـﺪ ﻣﺜﻠﻨــﺎ‪ ،‬ﺟــﺎء اﻟــﺮوح ﻟﻜــﻲ ﻳﺘﻌـ ﱠﻮد‬ ‫ﱠ‬ ‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ص ‪.١٣٧ – ١٣٦‬‬


‫‪۳۳‬‬

‫‪ accustomed‬أن ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻴﻨﺎ ﳓﻦ ﻷﻧﻪ ﻻ ﺗﻮﺟـﺪ ﻣﻨﺎﺳـﺒﺔ أو ﺳـﺒﺐ ﻷﺟﻠـﻪ ﻳﻔﺎرﻗـﻪ )أي‬ ‫ﻳﺴﻮع( اﻟﺮوح" ) ‪.(١‬‬ ‫‪F51‬‬

‫اﻟﻤﻘﻄﻊ اﻟﺨﺎﻣﺲ‪ :‬ﻧﺤﻦ ﻧﺄﺧﺬ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ‬

‫"ﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ أﺣﺪى ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺴﻘﻮط‪ ،‬ﻣﻔﺎرﻗﺔ أو ﻫﺮوب اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌـﺔ‬ ‫اﻹﻧﺴــﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬وﻫــﻮ اﻟﺴــﺒﺐ اﻟﻜــﺎﻣﻦ وراء ﺻ ـﺮاخ داوود "روﺣــﻚ اﻟﻘــﺪوس ﻻ ﺗﻨﺰﻋــﻪ ﻣــﲏ" )ﻣــﺰ‬ ‫‪ ،(٥١‬وﻟﻜ ــﻦ ﰲ اﻟﺘ ــﺪﺑﲑ ﺟ ــﺎء اﻟ ــﺮوح ﻟﻴﻤﺴ ــﺢ ﻳﺴ ــﻮع وﻳﻌﻠﻨ ــﻪ ﻣﺴ ــﻴﺤﺎً ﺑﺸ ــﻜﻞ ﺧ ــﺎص‪ ،‬أي‬ ‫اﳌﺨﻠﱢﺺ اﻟﺬي ﺳﻮف ﻳﻌﻴﺪ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ" ) ‪.(٢‬‬ ‫وﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﻄﻊ ﻳﻀﻊ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﻛﲑﻟﺲ اﻷﺳﺎس اﻟﻼﻫـﻮﰐ ﻟﺸـﺮﻛﺘﻨﺎ ﰲ اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس‬ ‫ﻫﻜﺬا‪:‬‬ ‫أ‪" -‬ﻟﺬﻟﻚ ﰲ ذاﺗﻪ ﻗَﺒِ َﻞ اﻟﺮوح اﻟﻘـﺪس ﻷﺟﻠﻨـﺎ ﻟﻜـﻲ ﳚـﺪد ﻟﻄﺒﻴﻌﺘﻨـﺎ اﻟﺼـﻼح اﻟﻘـﺪﱘ‬ ‫)اﻟــﺬي ﻓﻘــﺪﻧﺎﻩ(؛ ﻷﻧــﻪ ﻗﻴــﻞ‪" :‬اﻟــﺬي ﻷﺟﻠﻨــﺎ اﻓﺘﻘــﺮ وﻫــﻮ اﻟﻐــﲏ" )‪٢‬ﻛــﻮر ‪ .(٩ :٨‬ﻓﻬــﻮ ﻏــﲏ؛‬ ‫ﻷﻧﻪ – ﻛﺈﻟﻪ – ﻻ ﻳﻌﻮزﻩ ﺷﻲء ﺻﺎﱀ‪ .‬وﳌﺎ ﺗﺄﻧﱠﺲ ﻛﺎن ﻳﻔﺘﻘﺮ إﱃ ﻛﻞ ﺷﻲء ‪ ...‬وﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻫﻮ‬ ‫ﱠ‬ ‫اﳊﻴﺎة ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪ ،‬وﻣﺎت ﺑﺎﳉﺴﺪ ﻷﺟﻠﻨﺎ ﻟﻜﻲ ﻳﺪوس اﳌـﻮت ﻷﺟﻠﻨـﺎ وﻳﻘـﻴﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌـﺔ ﻛﻠﻬـﺎ ﻣﻌـﻪ‬ ‫– ﻷن ﻛــﻞ اﻟﺒﺸــﺮ ﻛــﺎﻧﻮا ﻓﻴــﻪ ﻋﻨــﺪﻣﺎ ﺻــﺎر إﻧﺴــﺎﻧﺎً – ﻫﻜــﺬا أﻳﻀ ـﺎً ﻳﻘﺒــﻞ اﻟــﺮوح ﻷﺟﻠﻨــﺎ ﻟﻜــﻲ‬ ‫ﻳﻘــﺪس ﻃﺒﻴﻌﺘﻨــﺎ ﻛﻠﻬــﺎ‪ .‬ﻟﻘــﺪ ﺟــﺎء ﻻ ﻟﻜــﻲ ﻳﻨــﺎل ﻫــﻮ ذاﺗــﻪ ﻓﺎﺋــﺪة‪ ،‬ﺑــﻞ ﻟﻜــﻲ ﻳﺼــﺒﺢ ﻟﻨــﺎ ﲨﻴﻌ ـﺎً‬ ‫"اﻟﺒﺎب"‪ ،‬و"اﻟﺒﺪء"‪ ،‬و"اﻟﻄﺮﻳﻖ" إﱃ ﻛﻞ اﳋﲑات اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ"‪.‬‬ ‫‪F52‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ص ‪.١٣٧‬‬ ‫)‪ (٢‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ .‬وﻫﻨﺎ ﳚﺐ أن ﻧﻘﻮل ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﻨﺎدي ﺑﻌﺪم ُﺳﻜﲎ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻓﻴﻨﺎ ‪ -‬ﺗﻠﻚ اﶈﺎوﻟﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ اﻟﱵ‬ ‫ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻔﺼﻞ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻷﻗﻨﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ و"اﻟﺮب اﶈﻴﻲ" ﻋﻦ اﳌﻮاﻫﺐ ‪ -‬إن ﺧﻄﺄ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ – ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ وأﺷﺮﻧﺎ‬ ‫أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة – ﳚﻌﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎرﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻼﻫﻮت‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻣﻌﻠﻤﻨﺎ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس ﻟﻸرﻳﻮﺳﻴﲔ اﻟﺬﻳﻦ أﻧﻜﺮوا إﻟﻮﻫﻴﺔ‬ ‫اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪.‬‬


‫‪۳٤‬‬

‫ب‪" -‬وإذا ﱂ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﺴﺮة )أو إرادة( ﻷن ﻳﻘﺒﻞ ﻛﺈﻧﺴﺎن أو أن ﻳﺘﺄﱂ ﻛﻮاﺣ ٍـﺪ ﻣـﻦ‬ ‫اﻟﺒﺸــﺮ‪ ،‬ﻓﻜﻴــﻒ ﳝﻜــﻦ أن ﻳﻘــﺎل إﻧــﻪ "أﺧﻠــﻰ ذاﺗــﻪ"؟ أو ﻛﻴــﻒ ﳝﻜــﻦ ﻟـ ـ "ﺻــﻮرة اﻟﻌﺒــﺪ" إذا ﱂ‬ ‫ﺗﻜﻦ ﳍﺬا اﻟﻌﺒﺪ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت؟" ) ‪.(١‬‬ ‫‪F53‬‬

‫)‪ (١‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ص ‪.١٣٨ – ١٣٧‬‬


‫‪۳٥‬‬

‫ﺧﺎﻣﺴﺎً‬ ‫ﺷﻬﺎدة اﻟﻄﻘﻮس اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ‬ ‫ﻔــﻲ ﰲ ﻫــﺬا اﺠﻤﻟــﺎل أن ﻧﻘﺘــﺒﺲ ﻧــﺺ ﺻــﻼة اﺳــﺘﺪﻋﺎء اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس ﰲ اﻟﻘــﺪاس‬ ‫اﻟﻜﲑﻟﺴﻲ‪ ،‬وﻫﻮ أﺣﺪ اﻟﻘﺪاﺳﺎت اﳌﺼﺮﻳﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل اﻟﻜﺎﻫﻦ‪:‬‬ ‫"وأرﺳﻞ إﱃ أﺳﻔﻞ ﻣﻦ ﻋُﻠ ﱢﻮ َك اﳌﻘﺪس‪ ،‬وﻣﻦ ﻣﺴﻜﻨﻚ اﳌﺴﺘﻌﺪ‪ ،‬وﻣﻦ ﺣﻀـﻨﻚ ﻏـﲑ‬ ‫اﶈﺼ ــﻮر‪ ،‬وﻣ ــﻦ ﻛﺮﺳ ــﻲ ﳑﻠﻜ ــﺔ ﳎ ــﺪك اﻟﺒﺎرﻛﻠﻴ ــﺖ روﺣ ــﻚ اﻟﻘ ــﺪوس اﻟﻜ ــﺎﺋﻦ ﺑ ــﺎﻷﻗﻨﻮم‪ .‬ﻏ ــﲑ‬ ‫اﳌﺴ ــﺘﺤﻴﻞ وﻻ ﻣﺘﻐ ـ ﱢـﲑ اﻟ ــﺮب اﶈﻴ ــﻲ‪ .‬اﻟﻨ ــﺎﻃﻖ ﰲ اﻟﻨ ــﺎﻣﻮس واﻷﻧﺒﻴ ــﺎء واﻟﺮﺳ ــﻞ‪ .‬اﳊ ــﺎل ﰲ ﻛ ــﻞ‬ ‫ﻣﻜــﺎن‪ ،‬اﳌــﺎﻟﺊ ﻛــﻞ ﻣﻜــﺎن وﻻ ﳛﻮﻳــﻪ ﻣﻜــﺎن‪ .‬اﻟﻔﺎﻋــﻞ ﺑﺴــﻠﻄﺔ ﲟﺴ ـﺮﺗﻚ اﻟﻄﱡﻬـ َـﺮ ﻋﻠــﻰ اﻟــﺬﻳﻦ‬ ‫أﺣــﺒﻬﻢ وﻟــﻴﺲ ﻛﺎﳋــﺎدم‪ .‬اﻟﺒﺴــﻴﻂ ﰲ ﻃﺒﻴﻌﺘــﻪ اﻟﻜﺜــﲑ اﻷﻧ ـﻮاع ﰲ ﻓﻌﻠــﻪ‪ .‬ﻳﻨﺒــﻮع اﻟــﻨﻌﻢ اﻹﳍﻴــﺔ‪،‬‬ ‫اﳌﺴﺎوي ﻟﻚ اﳌﻨﺒﺜﻖ ﻣﻨﻚ"‪.‬‬ ‫ﻫ ــﻞ ﺗﺆﻛ ــﺪ ﻛ ــﻞ ﻫ ــﺬﻩ اﻟﻌﺒ ــﺎرات اﻟﻮاﺿ ــﺤﺔ أن اﻟ ــﺬي ﺳ ــﻴﺄﰐ ﻫ ــﻮ ذات أﻗﻨ ــﻮم اﻟ ــﺮوح‬ ‫اﻟﻘــﺪس؟ أﻋﺘﻘــﺪ أ�ــﺎ واﺿــﺤﺔ ﺟــﺪاً ﻻﺳــﻴﻤﺎ ﻣــﺎ ﻳﻘﻮﻟــﻪ اﻟﻜــﺎﻫﻦ ﺑﻌــﺪ ذﻟــﻚ ﻣﺒﺎﺷــﺮًة‪" :‬ﺷ ـﺮﻳﻚ‬ ‫ﻛﺮﺳﻲ ﳑﻠﻜﺔ ﳎﺪك"‪ .‬ﻛﻞ ﻫﺬا "ﻋﻠﻴﻨﺎ ﳓﻦ ﻋﺒﻴﺪك وﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺮاﺑﲔ اﻟﱵ ﻟﻚ"‪.‬‬ ‫ﺑﻌــﺪ ﻛــﻞ ﻣــﺎ ﺗﻘــﺪم‪ ،‬ﻫــﻞ ﳝﻜــﻦ أن ﻳﻜــﻮن ﻫﻨــﺎك ﺷــﻚ ﰲ أﻧﻨــﺎ ﻧﻨــﺎل اﻟــﺮوح اﻟﻘــﺪس‬ ‫ﻧﻔﺴ ــﻪ‪ .‬وﻫ ــﻞ ﳝﻜ ــﻦ أن ﻳﻜ ــﻮن ﻫﻨ ــﺎك ﺷ ــﻚ ﰲ أن ﻛﻠﻤ ــﺔ "ﻧﻔ ــﺲ" اﻟ ــﺮوح اﻟﻘ ــﺪس – اﻟ ــﱵ‬ ‫اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﺲ أﺛﻨﺎﺳﻴﻮس) ‪ - (١‬ﻫﻲ ذات ﻛﻠﻤﺔ "أﻗﻨـﻮم" اﻟـﺮوح اﻟﻘـﺪس ﻛﻤـﺎ ﺟـﺎءت ﰲ‬ ‫ﺻﻠﻮات اﻟﻘﺪاس اﻹﳍﻲ؟‬ ‫‪F54‬‬

‫)‪ (١‬راﺟﻊ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺳﺎﺑﻘﺎً ﰲ ﻫﺬﻩ اﻟﺪراﺳﺔ ص ‪.١٩‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.