مجلة العلوم الإنسانية/ الفلسفة التربوية للإمام المهدي السوداني

Page 1

01 ‫العدد‬

‫ الجزائر‬- ‫مجلة العلوم اإلنسانية – المركز الجامعي تندوف‬

‫م‬1885-1843 ‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‬ ‫دراسة تحليلية تاريخية‬ ‫ عبد العظيم عثمان قمر الدين‬/ ‫د‬

‫ السودان‬- ‫بخت الرضا‬-‫المركز القومي للمناهج‬

:‫الملخص‬

‫ترمي هذه الدراسة الكشف عن فلسفة للتربية لالمام المهدي التي كانت العمود الفقري الذي بنى بها‬

‫ وقد اعتمدت‬.‫ اتبع الباحث المنهج التاريخي في استخ ارج فلسفته التربوية ومحلال للنصوص‬،‫دولته ومجتمعه‬ ‫الراسة علي ادبيات المهدية بصورة مجملة والوثائق التاريخية ممثلة في رسائله ومنشوراته وقد خلصلت الدراسة‬ ‫ فكرة المهدية وفلسفتها المتأثرة بالصوفية القائلة باإللهام والوحي‬:‫الى أن لالمام المهدي فلسفة للتربية تجلت في‬ ‫ ثم‬، ‫ ثم فلسفة الجهاد وأثرها التربوي في المجتمع‬.‫واالتصال بعالم الملكوت والحضرات النبوية اإلمام المهدي‬

‫ وأخي اًر فلسفة اإليواء وتوحيد المجتمع‬.‫فلسفة الزهد التي دعا إليها وطبقها عملياً في حياته ليهتدي بها اآلخرون‬ ‫ إال وهي‬، ‫ بغية إيجاد طريقة واحدة‬، ‫ وتوحيد للطرق الصوفية وإلغاء للمذاهب‬،‫ وما واكبها من إيواء للقادمين‬، ‫االهتمام والعناية باالراءالفلسفية للعديد من الرموز والشخصيات‬:‫ وتوصي الدراسة ب‬.‫ا لطريقة المهدية‬ ‫ التي كان لها االثر التاريخي والسياسي‬- ‫ على وجه الخصوص والعربية واالسالمية بصورة عامة‬-‫السودانية‬ ‫و االفادة من تلك التجارب واألخذ بما عندها من تجارب ايجابية وتبنيها واالستغناء عن‬.‫والفكري وغير ذلك‬ .‫سالب ما حملته تلك التجارب والسعي قدر المتستطاع الخضاعها لواقع اليوم‬ .‫ الامام المهدي – المنهج التاريخي‬- ‫ فلسفة للتربية‬:‫الكلمات المفتاحية‬

Abstract : This study aims to uncover the philosophy of education for Imam Mahdi, which was the backbone of the state and its society. The researcher followed the historical method in extracting his educational philosophy and analyzing the texts. The study has concluded that Imam al-Mahdi has a philosophy of education manifested in: the idea of Mahdia and its philosophy influenced by Sufism inspired by revelation and communication with the world of the kingdom and the prophetic civilizations Imam Mahdi. Then the philosophy of Jihad and its educational impact in society, then the philosophy of asceticism which he called and applied in practice in his life to guide others. And finally the philosophy of accommodation and the unification of society, and accompanied by accommodation for the coming, and unification of the Sufi methods and the abolition of doctrines, in order to find one way, but the Mahdia way. The study recommends that: The interest and care of the philosophical views of many symbols and personalities of Sudan - in particular, Arab and Islamic in general - which had a historical, political and intellectual impact and so on. To benefit from these experiences and the adoption of positive experiences and adoption and dispense with the negative of those experiences And seek as much as possible to subject them to the reality of today. Key Words : Philosophy of education - Imam Mahdi - Historical method

33

2017 ‫جوان‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫المقدمة ‪:‬‬

‫تتعرض األمة اإلسالمية اليوم إلى شكل جديد من أشكال االستعمار‪ ،‬يختلف في‬ ‫أسلوبه عن أساليب االستعمار التي استخدمها في القرنين الماضيين‪ .‬وما زال المخلصون من‬ ‫أبناء هذه األمة يبحثون عن طريق للخروج من هيمنة االستعمار الجديد قدر ما استطاعوا‪.‬‬ ‫والسودان أحد أقطار العالم اإلسالمي والعربي التي وقعت في الربع األول من القرن‬ ‫الماضي تحت سيطرة الحكم التركي المصري‪ ،‬والذي في واقع األمر لم يكن إال وجهاً غير‬ ‫مسفر عن دولة بريطانيا االستعمارية خاصة بعد منتصف ذلك القرن‪ .‬في تلك الفترة كانت‬ ‫اإلمبراطورية التركية العثمانية قد بلغت أوج ضعفها وهزالها وانحاللها‪ ،‬حتى غدت تعرف عند‬ ‫الكتَّاب األوربيين برجل أوربا المريض وإزاء ذلك الضعف المستمر‪ ،‬واالنهيار‬ ‫الساسة و ُ‬ ‫المتسارع‪ ،‬أخذت الدول األوربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا تحيك األحابيل لإليقاع بأجزاء‬ ‫الدولة التركية في براثنها ‪.‬ومصر التي تحكم السودان منذ عام ‪1821‬م باسم الحكم التركي‪،‬‬ ‫قد نالها ما نالها من تلك المطامع بدءاً باالمتيازات األجنبية المختلفة ثم األزمة المالية التي‬ ‫اضطرت الخديوي لبيع أسهم مصر في قناة السويس لبريطانيا‪ ،‬وآل األمر إلى تدخل بريطانيا‬ ‫في كل صغيرة وكبيرة في مصر‪ ،‬وانتهى األمر أخي اًر بالتدخل اإلنجليزي العسكري عام‬ ‫‪1882‬م واحتالل مصر‪ ،‬والقضاء على الثورة العرابية التي رفضت التدخل األجنبي في‬ ‫شؤون مصر‪.‬‬ ‫واإلمام المهدي كان أحد الثوار في العالمين العربي واإلسالمي الذين أدركوا بثاقب‬ ‫نظر المخاطر التي تحدق بالمسلمين‪ ،‬من فساد ومحو آلثار السنن‪ ،‬وظلم وعسف عاشه‬ ‫السودان آنذاك في ظل الحكم التركي المصري الذي غدا ألعوبة في يد إنجلت ار خديوية‬ ‫وحكامه‪ ،‬فكان ال مناص من انفجار ثورة تحارب الفساد‪.‬ولما كان اإلمام المهدي ربيب‬ ‫المدرسة الصوفية‪ ،‬وعاش في مجتمع غارق في التصوف‪ ،‬قاد ثورته انطالقاً من مفاهيمه‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪34‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫ومفاهيم المجتمع‪ .‬فكانت ثورته في عام ‪1881‬م التي حقق بها إقامة دولة قادها بنفسه‪ ،‬وهو‬ ‫بذلك يختلف عن غيره من التربويين المسلمين في أنه أقام دولة وحكمها عبر منهجه التربوي‪.‬‬ ‫استطاع اإلمام المهدي أن يجمع الناس حوله ويقودهم من انتصار إلى انتصار‬ ‫هازماً الجيوش التي قادها أكثر قادة أوربا حنكة وِدرب ًة (هكس وغردون)‪ .‬فلم تكن تلك‬ ‫االنتصارات محض صدفة‪ ،‬أو ضربة حظ‪ ،‬لكن اإلمام المهدي قد بنى اإلنسان أوالً بغرس‬ ‫بذور اإلصرار والعزيمة وغرس القيم الفاضلة‪ ،‬وإحياء السنة النبوية التي كان اإلنسان‬ ‫السوداني يؤمن بها لكنه كان عنها غافل‪ .‬بنى اإلمام المهدي اإلنسان السوداني من خالل‬ ‫التربية وبأدوات معينة‪ ،‬فغرس ما أراده في الوجدانات‪ ،‬فأخرج جيالً من المؤمنين بفكره‬ ‫التربوي‪ ،‬وما زال أثره ٍ‬ ‫باق حتى اليوم في السودان‪.‬‬ ‫نشأته وتاريخه ‪:‬‬ ‫ولد محمد أحمد المهدي بن عبد هللا في بيت من بيوت األشراف‪ ،‬الذين ينتسبون‬ ‫إلى البيت النبوي‪ ،‬في إحدى جزر دنقال وتسمى لبب في عام ‪1258‬هـ ‪1843 -‬م‪ .‬وقد‬ ‫اشتهرت هذه األسرة بالصالح والتقوى‪ .‬والمعروف عن هذه األسرة أنها تنتسب إلى بيت‬ ‫الرسول صلى هللا عليه وسلم قبل دعوة المهدية‪ ،‬وهذه واحدة من األشياء التي جعلت الناس‬ ‫يقبلون دعوته‪ ،‬باعتبار أن المهدي ال بد أن ينحدر من أسرة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫كان والده يعمل بحرفة نجارة المراكب‪ ،‬ولظروف اقتصادية اتجهت األسرة إلى وسط السودان‪،‬‬ ‫واستقر بها المقام في كرري شمال الخرطوم لممارسة المهنة‪ ،‬حيث تكثر األخشاب‪ .‬فتوفي‬ ‫األب وعاش محمد أحمد مع إخوته الذين امتهنوا حرفة والدهم‪ .‬اال أن محمد أحمد كان مياالً‬ ‫إلى العلم‪ 1.‬ولما بلغ سن الدراسة نال حظاً من مبادئ التعليم الديني الذي كان متاحاً في‬ ‫كرري والخالوي المجاورة للخرطوم‪ .‬واستقرت األسرة أخي اًر في أحد أحياء الخرطوم (حي‬ ‫سالمة الباشا)‪ .‬وكان مع دراسته يقوم بمساعدة إخوته في حرفتهم ما وجد إلى ذلك سبيالً‪.‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪35‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫وقد كانت سنواته في الخرطوم من أهم المراحل في حياته‪ ،‬فقد اتصل بالحكم التركي عن‬ ‫كثب واطلع على سوآءته ‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ولما طمع محمد أحمد في المزيد من العلم انتقل إلى الجزيرة لنيل العلوم‪ ،‬فدرس‬ ‫في مسجد ود عيسى في الجزيرة في قرية كترانج‪ ،‬ثم خرج منها‪ ،‬ميماً وجهه شطر أزهر‬ ‫مصر‪ .‬والتقى في بربر بالشيخ السماني ود فزع تلميذ محمد الضكير‪ .‬وقد نجح ود فزع في‬ ‫صرفه عن فكرة الذهاب إلى مصر‪ ،‬فعدل عن ذلك‪ ،‬وأقام ثالث سنوات في بربر عند الشيخ‬ ‫الضكير‪ .‬وقد أبدى محمد أحمد نوعاً من الزهد والتقوى‪ ،‬وأظهر تبرماً من عالقة رجال الدين‬ ‫بالحكومة‪ ،‬وقبولهم نفقات الحكومة على الشيوخ (الجرايات) ‪ 3،‬واتجه إلى النيل كما يروى‬ ‫طعم في السنارة‪ ،‬والباحث‪ .‬تشكك في هذه الراوية‪ ،‬على‬ ‫لصيد األسماك دون أن يضع ال ُ‬ ‫الرغم مما فيها من توكل اال أنها ال تخلو من غفلة وعدم كياسة وفطانة واتخاذ األسباب‪،‬‬ ‫والراجح أن اإلمام المهدي مؤمن كيس فطن ويعقل األشياء ثم يتوكل‪ ،‬وفي تلك الرواية ما‬ ‫يتنافى مع شخصيته المشبعة بالعلم‪ ،‬والتي نادت بالتوكل من أعمالها‪ ،‬توكل بعد تدبير‪.‬‬ ‫ويشير القدال إلى حادثة رفض الطعام عند شيخه الذي كان فيه جزء من هبات الحكومة‬ ‫للمشايخ – إلى أن ذلك يوضح العناد الذي اتسمت به شخصية اإلمام المهدي منذ فترة مبكرة‬ ‫‪ 4.‬ويفضل الباحث استخدام عبارة (روح الثورة على الباطل ورفضه) ألن العناد ربما يكون‬ ‫ضج الحق أيضاً‪.‬‬ ‫على أية حال إن أيامه في بربر وحسن سيرته‪ ،‬خلقتا له لمعاناً وبريقاً وسط زمالئه‬ ‫وشيخه‪ ،‬فاحترمه الجميع‪ ،‬ويظهر ذلك في اشتراك عدد كبير من زمالء الدراسة والشيخ نفسه‬ ‫مشاركة فاعلة في أحداث الثورة فيما بعد طوال مسارها‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫انضم محمد أحمد إلى الشيخ‬

‫محمد شريف نور الدائم شيخ الطريقة السمانية عام ‪1861‬م في (أُمرحى)‪ ،‬وظهر زهده‬ ‫المعهود واحترامه لشيخه وعلمه وورعه‪ ،‬فاحترمه شيخه ورقاه في السلك الصوفي‪ ،‬حتى‬ ‫أصبح مأذوناً له بإعطاء الناس الطريقة‪ .‬ثم عاد إلى الخرطوم وتزوج بابنة عمه‪ ،‬وفي عام‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪36‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫‪1871‬م رحل مع أسرته إلى الجزيرة أبا‪ .‬فبني هنالك مسجداً وخلوة للتدريس‪ ،‬واستقطب عدداً‬ ‫من الطالب‪ .‬وكان شيخه محمد شريف يزوره من وقت آلخر‪ .‬وتتلمذ عليه بعض من قبائل‬ ‫كنانة وودغيم وبني سليم‪ ،‬وكثير من بدو غرب السودان فكان يوالي حثهم على طلب العلم‪.‬‬ ‫فعلم أُلوفاً من األعراب القراءة والكتابة‪ 6.‬اال أن خالفاً شب بين‬ ‫وكان يتولى تعليمهم بنفسه‪ّ ،‬‬ ‫محمد أحمد وأستاذه محمد شريف عام ‪1878‬م‪ .‬ع از األستاذ سببه إسرار محمد أحمد له‬

‫بالمهدية فزجره ونهاه‪ .‬ويرى نعوم شقير أن السبب هو حفل ختان نجلي الشيخ وإقامة حفل‬ ‫راقص في تلك المناسبة‪ .7‬ويرفض أحفاد الشيخ هذه الرواية‪ ،‬إذ أن نجلي الشيخ اللذين تم‬ ‫ختانهما (الجالل وغالب) كان عمرهما عند تاريخ الخالف ما يقارب الثالثين عاماً‪ ،‬وليس‬ ‫من المعقول ختان رجلين في هذا العمر‪ .8‬انتقل محمد أحمد بعد خالفه مع شيخه محمد‬ ‫شريف إلى الشيخ القرشي ود الزين‪ .‬شيخ الفرع اآلخر من الطريقة السمانية في المسلمية‪،‬‬ ‫وأخذ عليه الطريقة‪ ،‬وعاد بعد ذلك إلى الجزيرة أبا وذاع صيته واشتهر‪ ،‬فكان المسافرون في‬ ‫النيل يفدون إليه بالمراكب والوابورات ويقدمون له الهدايا ويطلبون منه البركة‪ ،‬فيبارك لهم‬ ‫ويوزع الهدايا على الفقراء زهداً وعفافاً‪ .9‬وقد قام قبل إعالن دعوته بزيارة إلى كردفان ودنقال‬ ‫والنيل األزرق‪ ،‬لدراسة حال البالد والعباد‪ ،‬وكان هذا بمثابة اإلعداد المبكر للثورة المهدية‪،‬‬ ‫كما قام بزيارة ثانية إلى كردفان‪ ،‬وكانت زيارة عمل موفقة وناجحة‪ ،‬اتصل فيها برجال الدين‬ ‫وزعماء القبائل ثم عاد إلى الجزيرة أبا‪ ،‬وبدأ بإرسال الرسائل التي تبشر بمهديته‪ .‬ففي شعبان‬ ‫‪1298‬م يونيو ‪1881‬م أخطر أصحابه بأمر مهديته‪ ،‬ثم بدأ بإرسال الرسائل والنداءات إلى‬ ‫كافة الطوائف داعياً إياهم للتجميع في أبا‪ ،‬وجعل شهر رمضان موعداً لهم‪ .‬ويشير أبو سليم‬ ‫إلى اختيار هذا الميعاد بالذات لبدء الهجرة إليه‪ ،‬لحلول موسم األمطار الذي تصعب فيه‬ ‫مطاردة الحكومة له‪ .10‬ويرى الباحث أن شهر رمضان بالذات ألنه شهر ترتفع فيه درجات‬ ‫المؤمن الروحية‪ ،‬فيقبل على أمور الدين وفعل الطاعات بكل تجرد وصدق‪.‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪37‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫ثم كانت أحداث الجزيرة أبا‪ ،‬عندما أرسلت الحكومة أبا السعود للقبض عليه وسوقه‬ ‫الخرطوم‪ .‬فكان انتصاره على جيش الحكومة في الثاني من أغسطس ‪1881‬م ‪ ،‬وانتشر خبر‬ ‫هذا االنتصار في جميع أنحاء السودان‪ ،‬فعده الناس من األعاجيب السماوية والكرامات‬ ‫العظمى التي ُخص بها محمد أحمد‪ .11‬ثم هاجر إلى قدير في كردفان‪ .‬والحقته جيوش‬ ‫الحكومة واستطاع أن ينتصر عليها في ‪9‬سبتمبر ‪1881‬م‪ ،‬وقتل قائد الحملة راشد بك أيمن‪،‬‬

‫ينج إال القليل من أفراد الحملة‪ .12‬وفي ‪29‬مايو ‪1882‬م دارت الدائرة على حملة أخرى‬ ‫ولم ُ‬

‫يبق للعامة ريب‬ ‫للحكومة بقيادة الشاللي يوسف وسط تكبير وتهليل جنود اإلمام المهدي‪ .‬ولم َ‬ ‫في أن الرجل هو المهدي المنتظر‪ .13‬وبدأ اإلمام المهدي في تكوين نواة دولته على غرار‬

‫دولة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ .‬فعين الخلفاء األربعة‪ ،‬عبد هللا التعايشي (الخليفة أبو بكر‬ ‫الصديق)‪ ،‬على ود حلو (الخليفة عمر بن الخطاب)‪ ،‬محمد شريف (الخليفة على بن أبي‬ ‫يجب الدعوة‪.‬‬ ‫طالب)‪ ،‬وحل السنوسي في ليبيا مكان (الخليفة عثمان بن عفان)‪ ،‬لكنه لم ْ‬

‫وجعل بيت مال عين عليه أحمد سليمان‪ ،‬دخله من الزكاة والغنائم والغرامات‪ .‬ووّلى أحمد‬ ‫جبارة أحد علماء األزهر القضاء ولقبه بقاضي اإلسالم‪ ،‬وجعل دونه نواباً وقضاة‪.14‬‬ ‫وسار اإلمام المهدي بجنود يهدرون في مشيهم ناحية األبيض‪ ،‬وحاصرها حتى‬ ‫استسلمت‪ ،‬وأبدى جنوده ثباتاً وعدم مباالة بالموت منقطع النظير‪ ،‬فسلمت في يناير ‪1883‬م‪.‬‬ ‫وبتسليمها انعزلت دارفور عن الخرطوم‪ ،‬وصار الغرب كله وشيك االستسالم لإلمام‬ ‫المهدي‪.15‬‬ ‫ثارت الثورات في منطقة الجزيرة‪ ،‬فأرسلت الحكومة من مصر حملة كبيرة بقيادة‬ ‫هكس باشا‪ ،‬للقضاء على الثورة المهدية‪ ،‬فحقق هكس باشا انتصارات على الثوار في الجزيرة‬ ‫والنيل األبيض‪ .‬والقت الحملة متاعب جمة في سيرها نحو األبيض‪ ،‬والتقت أخي اًر باألنصار‬ ‫في شيكان ‪5‬نوفمبر ‪1883‬م وتم القضاء عليها تماماً‪ ،‬ثم أعقب ذلك استسالم دارفور وبحر‬ ‫الغزال‪ .‬واندلعت نيران الثورة في شرق السودان بقيادة عثمان دقنة الذي عينه اإلمام المهدي‬ ‫أمي اًر على الشرق‪ ،‬فأقلق مضجع الحكومة‪ ،‬وحقق انتصارات عظيمة عليها‪ ،‬وقطع الطريق‬ ‫جوان ‪2017‬‬

‫‪38‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫بين سواكن وبربر‪ .‬وخرج اإلمام المهدي يريد الخرطوم‪ ،‬فحاصرها حتى وقعت في يده في‬ ‫‪26‬يناير ‪1885‬م‪ ،‬وُقتل‬

‫الحكمدار البيريطاني (غردون)‪ .‬واستقر اإلمام المهدي في‬

‫أمدرمان‪ ،‬وجعلها عاصمة له‪ .‬وأُرسل الحمالت إلسقاط ما بقى من الحاميات التي ظلت‬ ‫خارج سلطان المهدية‪ .16‬ثم أرسل اإلمام المهدي الرسائل إلى خارج السودان لالنضمام إلى‬ ‫ركب المهدية‪ ،‬فراسل إمبراطور الحبشة وأهل مالي ومراكش وفاس وشنقيط وليبيا وسكتو‬ ‫والحجاز‬

‫‪17‬‬

‫داخل بيته‪.‬‬

‫ضحى ‪22‬يوليو ‪1885‬م فاضت روح اإلمام المهدي إلى بارئها‪ .‬ودفن‬ ‫‪.‬وفي ُ‬

‫‪18‬‬

‫فلسفة التربية عند المهدي‪ :‬الفلسفة العامة هي التي تبحث عن الحقيقة‪ ،‬والسعي لمعرفة‬ ‫الموجودات‪ ،‬وتتناول في بحثها ثالث مسائل أو مشكالت هي ‪ :‬مشكلة الوجود‪ ،‬ومشكلة‬ ‫عرف الفلسفة في مجال الحياة العامة بأنها وجهة النظر أو‬ ‫المعرفة‪ ،‬ومشكلة القيم‪ .‬وتُ ّ‬ ‫مجموعة المبادئ التي يؤمن بها شخص معين في حياته‪ ،‬ويسترشد بها في تصرفاته‪.19‬‬ ‫وبناء على ذلك فعندما يتحدث الباحث عن فلسفة اإلمام المهدي فإنما يعنى المبادئ الفكرية‬ ‫التي يسترشد ويهتدي بها في حياته‪ ،‬معب اًر عن وجود اإلنسان في الكون‪ ،‬وفائدة العلم‬ ‫والمعرفة في الحياة‪ ،‬وما القيم التي يجب أن يسير اإلنسان على هداها‪ .‬أما فلسفة التربية‬ ‫فهي تعنى النشاط الفكري المنظم الذي يتخذ من الفلسفة وسيلة لتنظيم العملية التربوية‪،‬‬ ‫وتنسيقها وانسجامها‪ ،‬ويوضح القيم واألهداف التي تريد وتهدف التربية إلى تحقيقها‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫بيد أن‬

‫العالقة بين الفلسفة وفلسفة التربية عالقة وثيقة ومتداخلة لدرجة يمكن القول معها بأنهما‬ ‫وجهان لعملة واحدة‪ .‬أحدهما يمثل فهم الحياة‪ ،‬واآلخر يمثل تنفيذ تلك الفلسفة في شؤون‬ ‫اإلنسان‪.21‬‬ ‫ويقصد بفلسفة التربية عند اإلمام المهدي انبثاق األفكار والرؤى المتشكلة في‬ ‫إدراكه‪ ،‬المستندة على الثقافة اإلسالمية التي تشربها لتغدو موضوع التنفيذ‪ .‬وعن طريق فلسفة‬ ‫التربية هذه وضع اإلمام األسس الثابتة لدولته وقادها‪ .‬والمعلوم أن الفلسفة اإلسالمية بل كل‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪39‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫الحياة في اإلسالم تنطلق من قوله تعالى ‪( :‬يأيها الذين امنوا أطيعوا هللا والرسول وأولى‬ ‫األمر منكم‪ .‬فان تنازعتم في شيء فردوه إلى هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر‪.‬‬ ‫خير وأحسن تأويال)‪ .22‬يتناول هذا المبحث فلسفة التربية عند اإلمام المهدي وفق‬ ‫ذلك ٌ‬ ‫المطالب اآلتية ‪ :‬فكرة المهدية‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والزهد‪ ،‬واإليواء‪ ،‬والهجرة‪،‬وتوحيد المذاهبوالطرق‬ ‫الصوفية‪ .‬واضعاً الباحث في اعتباره أن فلسفة اإلمام المهدي في التربية تؤمن بأن النفس‬ ‫البشرية قابلة للتشكل والتحور‪ ،‬وإذا ما كانت فلسفة التربية جادة فيما تتبناه من آراء ومفاهيم‪،‬‬ ‫فاإلنسان له القدرة على امتصاص العلم واألخالق حسب فلسفة (إنما العلم بالتعلم والحلم‬ ‫بالتحلم)‪.23‬‬ ‫أوالً ‪ :‬فلسفة المهدية ‪ :‬فكرة المهدي المنتظر تشترك فيها الديانات الثالث (اليهودية‪،‬‬ ‫المسيحية‪ ،‬واإلسالم)‪ .‬وهي فكرة ما يعرف بالمنقذ‪ ،‬وهذا المنقذ يحكم أرض هللا باإليمان بعد‬ ‫إبعاد أعدائه عنها‪ .‬ولكل واحدة من الديانات الثالث رأى مختلف عن األخرى في النظرة إلى‬ ‫المنقذ أو المهدي المنتظر ‪24.‬والكلمة (المهدي) لها وجود في اللغة العربية‪ ،‬وعندما جاء‬ ‫اإلسالم أسبغ عليها لوناً آخر وكساها ثوباً جديداً‪ ،‬وزادها انتشا اًر على األلسن بعد كمون‪،‬‬ ‫فنجدها في مرثية حسان بن ثابت للرسول صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ُحزناً على المهدي أصبح ثاوياً‬

‫يا خير من وطئ الحصى ال تبعد‬

‫بسنتي وسنة‬ ‫كما وصف الرسول صلى هللا عليه وسلم الخلفاء الراشدين بها‪( ،‬عليكم ُ‬ ‫الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى)‪ 25.‬كما أشارت بعض آيات القرآن الكريم لمعنى‬ ‫الكلمة‪(26‬إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)‪.27‬‬ ‫فالفكرة قد ظهرت في وقت مبكر من تاريخ اإلسالم‪ ،‬وهي تعتمد وتستند على تأويل‬ ‫لبعض األحاديث عن الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وتأويل لبعض اآليات‪ .‬فهي لم ترد عن‬ ‫الصحاح الستة (البخاري ومسلم وأبو داؤود وابن ماجه والترمذي والنسائي)بصورةمباشرة‪،‬‬ ‫وإنما وردت كتب أحاديث أخرى‪ ،‬ثم نمت فكرة المهدية مع مرور األيام والزمن‪ ،‬وغدت صورة‬ ‫من صور المعارضة االجتماعية والسياسية‪ ،‬ترتفع كلما اشتد الظلم وزاد‪ ،‬وهي في واقع األمر‬ ‫جوان ‪2017‬‬

‫‪40‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫تمثل شعا اًر يرفعه المغلوبون على أمرهم‪ ،‬والمطحونون سياسياً واجتماعياً‪ ،‬الباحثون عن‬ ‫وسيلة يقضون بها على أعدائهم وخصومهم‪ ،‬الباحثون عن الحياة الرغدة المنشودة‪ .‬وقد‬ ‫تناولت الفرق اإلسالمية هذه الفكرة‪ ،‬وغدت تشكل جزءاً من فهمها الديني‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫فالفكرة مشهورة‬

‫بين كافة أهل اإلسالم على اختالف طوائفهم‪ .‬فانه ال بد في آخر الزمان من ظهور رجل من‬ ‫أهل البيت النبوي يؤيد الدين‪ ،‬ويظهر العدل ويتبعه المسلمون‪ ،‬ويستولى على الممالك‪،‬‬ ‫ويسمى بالمهدي‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫بيد أن أول من تبنى هذه الفكرة من الفرق اإلسالمية هم الشيعة‪ ،‬فالفكرة‬

‫عندهم أن ابن اإلمام الحسن العسكري اختفى ليعود ويمال األرض عدالً بعدما ملئت جو اًر‬ ‫وظلماً‪ ،‬وينتظرون قدومه لهداية الناس‪ ،‬وقد وجدت الفكرة طريقها إلى المذاهب اإلسالمية‬ ‫األخرى‬

‫‪30‬‬

‫وقد صارت فكرة المهدي المنتظر عند الشيعة أمالً مرجواً‪ ،‬عندما ضاعت أموالهم‪،‬‬

‫وتبددت أحالمهم‪ ،‬بعد ضياع الخالفة منهم‪ .‬وآلت لبني أمية‪ .‬ثم دخلت الفكرة إلى أهل‬ ‫السنة‪،‬‬

‫‪31‬‬

‫‪،‬فعندما تناول الشيعة فكرة المهدي وحولوها لفكرة المهدي المنتظر‪ ،‬صارت‬

‫شخصية المهدي شخصية أسطورية هالمية خارقة للعادة‪ ،‬وفي مقدورها قلب الموازين عند‬ ‫الظهور‪ .‬وقد أطلق على زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب – في زمن هشام‬ ‫بن عبد الملك – لقب المهدي‪ ،‬فأثار السلطة السياسية فقامت باغتياله صلباً وقال في ذلك‬ ‫شاعرهم ‪:‬‬ ‫صلبناكم زيدا على جزع نخلة‬

‫يصلب‬ ‫ولم نر مهدياً على الجزع‬ ‫ُ‬

‫‪32‬‬

‫السني‪ ،‬إال أن السنة يختلفون عن الشيعة في‬ ‫وقد وجدت الفكرة طريقها إلى الفكر ُ‬ ‫النظر إلى اإلمام أو المهدي في أمور عدة‪ ،‬فهو شخص عادي يولد من أبوين معروفين‪ ،‬وال‬ ‫ق‬ ‫السنة‪،‬‬ ‫يدعى الخوار ‪ .‬والعصمة من الخطأ‪ ،‬ويجاهد بالسيف حتى تقوم دولته ويحي ُ‬ ‫ويحارب البدع‪ ،‬ويقيم الدين على نهج الرسول صلى هللا عليه وسلم‪33.‬ووصلت الفكرة إلى‬

‫الصوفية‪ ،‬واتخذت طابعاً آخر‪ ،‬وأعطاها محي الدين بن عربي شروطاً وصفات جعلت‬ ‫للمهدي خصائص ومميزات محددة‪ ،‬ومكان ظهور معين‪ ،‬وأدق التفاصيل عن شكله‪ ،‬وقد‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪41‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫أصبحت هذه الصفات متداولة عندهم‪ ،‬وحدد ظهور المهدي بزمان محدد‪ ،‬وهو عندما تمتلئ‬ ‫األرض بالظلم والفساد‪ ،‬وإن ظهوره سيمأل األرض عدالً ويقسم المال بالسوية بين الناس‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ويعز اإلسالم‪ ،‬ويضع الجزية‪.‬كل هذه‬ ‫ويحمى الضعيف‪ ،‬ويعين على مصائب الدهر‪،‬‬ ‫الصفات عن المهدي المنتظر قد تناقلها الصوفية‪ ،‬وغدت مسلمات راسخات في أذهانهم‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫ويرى ابن عربي أن المهدي قطب صوفي كبير‪ ،‬وتصور نظامه في حدود دولة‬ ‫مثالية‪ ،‬قوامها األولياء والصالحون‪ ،‬ويسمى المهدي بخاتم األولياء‪ ،‬وقد أخذ اإلمام المهدي‬ ‫الكثير من آراء ابن عربي‪ ،‬وسار على المنوال الذي اختطه‪ ،‬وقد أخذ المتصوفة في السودان‬ ‫هذه الفكرة من محي الدين بن عربي في كتابه عنقاء مغرب الذي عرض فيه للمهدية‬ ‫وتعاليمها ‪ ،‬وكتابة الفتوحات الملكية‪ .‬وكتابه فريدة العجائب وفريدة الغرائب‪ .‬وكتاب المعيار‬ ‫لمؤلفه الوانشرسى وكتاب الشمائل ونور األبصار‪ ،‬إضافة إلى مقدمة بن خلدون ومؤلفات‬ ‫أحمد بن إدريس‪ .35‬ويؤيد الباحث ما ذهب إليه أبو سليم من أن اإلمام المهدي قد ق أر قراءة‬ ‫مستفيضة ومتفحصة عن فكرة المهدية‪ ،‬ومن ثم تبنى هذه الفكرة‪ .‬فاإلمام المهدي صوفي في‬ ‫نشأته‪ ،‬وترقى حتى وصل درجة تسليك المريدين وإعطاء الطريق‪ .36‬لذا فإن فكرة المهدية‬ ‫المنقولة عن الفكر الصوفي هي األكثر رسوخاً في فكر اإلمام المهدي‪ .‬فقد وصلت الفكرة‬ ‫ابتداء بالحالج الذي يقال إنه ادعى المهدية في حياته‪،‬‬ ‫للصوفية منذ القرن الرابع الهجري‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقد أسبغ عليه تالميذه المهدية بعد مماته‪ ،‬ويرى ابن عربي أنها وصلت إلى الفكر الصوفي‬ ‫قبل الحالج مسترشداً بما ذكره أبو يزيد البسطامى عن المهدية في بعض أقواله‪.37‬‬ ‫وتؤمن فلسفة المهدية بالعودة إلى الكتاب والسنة‪ ،‬وإتباع سيرة المصطفى( صلى هللا‬ ‫عليه وسلم)‪ ،‬انطالقاً من مفهوم إنما أمرنا تبع وليس بدع‪ ،‬لذا شن اإلمام المهدي حرباً ال‬ ‫هوادة فيها على المنكرات‪ ،‬وما ليس له في الدين من أصل‪ .‬ويالحظ هنا األثر السلفي‬ ‫للحركة الوهابية في فلسفته‪ .‬وقد جمع هذا قوله ‪( :‬وحيث إنكم طلبتم العمل بكتاب هللا وسنة‬ ‫رسوله المصطفى ( صلى هللا عليه وسلم)‪ ،‬فاعملوا بالقرآن والحديث والنهج الصحيح فهذا‬ ‫الدين الذي نحن عليه‪ ،‬واقتدوا بأفعالنا وأقوالنا‪ ،‬ففي ذلك الوفاء بكل ما طلبتموه ( ‪.38‬‬ ‫جوان ‪2017‬‬

‫‪42‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫المالحظ هنا أن اإلمام المهدي أضاف إلى الكتاب والسنة أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫وُ‬ ‫المالحظ أيضاً أنه قد أعطى اجتهاده قوالً وفعالً درجة تأتي بعد الكتاب والسنة مباشرة‪.‬‬ ‫وُ‬ ‫فكثي اًر ما أفتى اإلمام بفتاوى من الحضرة النبوية بمعنى أن الحكم قد جاءه من الرسول صلى‬ ‫هللا عليه وسلم‪ .‬وربما ال تستقيم مسألة كهذه مع عقلية المسلم غير الصوفي‪ .‬أما بالنسبة‬ ‫للصوفية‪ ،‬فإنهم يؤمنون بها‪ ،‬وكثي اًر ما ذكر اإلمام المهدي أن سيد الوجود صلى هللا عليه‬ ‫وبناء على اإللهام النبوي في الحضرة‬ ‫وسلم أخبره بأمر ما في إحدى الحضرات النبوية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كثير من فكر اإلمام المهدي التربوي‪.‬‬ ‫تشكل ٌ‬ ‫ولعل هذا اإللهام أو اإليحاء قد ظهر مع ظهور التصوف في القرن الثاني للهجرة‪.‬‬ ‫فقد خرج المتصوفة من واقع الحياة وانقطعوا عن الملذات‪ ،‬وآثروا االنعزال مع الزهد والتقوى‪.‬‬ ‫وللصوفية طريق إلى المعرفة غير الطريق المعهود بالتعلم واالجتهاد وإنما يأتي عن طريق‬ ‫حجب‬ ‫اإللهام الذي يأتي من الذات اإللهية‪ ،‬أو يعرف بالعلم الّلدنى عند زوال ّ‬ ‫الران وانجالء ُ‬ ‫الغيب‪ .‬ويرى بعض المتصوفة المالئكة واألنبياء يقظة ومناماً‪ ،‬ومنهم من يقول بالرؤية يقظة‬ ‫ومنهم يقول بالرؤية المنامية فقط‪ .‬ومنهم من يقول برؤية الخضر‪ .‬وابن عربي يقول إنه‬ ‫اجتمع بالخضر وألبسه خرقة صوفية وأن الخضر لبس الجبة الصوفية من الرسول صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ . 39‬ويذكر أن الرسول صلى هللا عليه وسلم جاءه في مبشرة (رؤية) وأعطاه كتاب‬ ‫(فصوص الحكم) وأمره بإخراج هذا الكتاب للناس لينتفعوا به‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫وما جاء ذكره هنا ال يخرج عن مفهوم الصوفية فيما يعرف بالمشاهدات الروحية‬ ‫والمكاشفات النورانية‪ ،‬وما فيها من سوائ ٍح وغو ٍ‬ ‫اش‪ .‬تلك المشاهدات تكون شادة إلى تلك‬ ‫ِ‬ ‫الطرف عنها‪ ،‬فيغيب الصوفي عن‬ ‫العوالم الروحية‪ ،‬فال تنفك عنها لحظة‪ ،‬وال تستطيع غض‬ ‫انجذاب أو في حالة سكر‪ ،‬وحاالت السكر واالنجذاب تعقبها حاالت صحو تعني العودة إلى‬ ‫عالم الحياة‪41‬وهذا ما يشير إليه سعيد حوي بإيمان الصوفية بالكشف واإللهام واإليحاء‬ ‫والخاطر واإللهام الرباني والمقامات‪.42‬‬ ‫جوان ‪2017‬‬

‫‪43‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫ومن تلك المفاهيم تشكلت فلسفة اإلمام المهدي‪ ،‬سواء أكان ذلك اختزان وفهم‬ ‫وهضم الفلسفة الصوفية‪ ،‬أم أنها معايشة ومشاهدة روحية عاشها اإلمام في تلك العوالم بنفسه‬ ‫حسب مفهوم المتصوفة الذين تعج حياتهم بالكثير من تلك التجارب الروحية‪ .‬لذلك فهم‬ ‫يؤمنون بأن للدين ظواهر وبواطن‪ ،‬فال تصلح الظواهر إال بإصالح البواطن‪ .‬وهنالك من‬ ‫الظواهر ما ينبئ عن الحقائق الباطنة التي لم تظهر ألحد‪ ،‬وال يمكن ألحد أن يصل إلى كنه‬ ‫هذه البواطن ما لم يكن من اآلخذين عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪.43‬‬ ‫ومن هنا جاءت فكرة أخذ اإلمام المهدي عن الرسول صلى هللا عليه وسلم وكشفه‬ ‫للبواطن‪ ،‬ومن ذلك التنبوء بانهزام الترك في المعارك ‪ :‬ومنها إخبار الرسول صلى هللا عليه‬ ‫وسلم له وإعالمه كثي اًر من األمور التي في رحم الغيب‪ ،‬بل أن المهدية ذاتها جاءته في‬ ‫نصبه في المقامواخبره بانه المهدي المنتظر وامره‬ ‫حضرة نبوية وأن سيد الوجود قد ّ‬ ‫بالجلوسعلى كرسي الخالفة النبوية ‪44.‬وايده بالمالئكة والصالحين األحياء‬ ‫واالموات(‪....‬وخلفني رسوالهلل بلجلوس علي كرسيه م ار ار بحضرة الخلفاء واألقطاب‬ ‫والخضر)‪ 45‬ويشير هولت إلى قول اإلمام المهدي‪ .‬بأن الرسول صلى هللا عليه وسلم قال له‪:‬‬ ‫إنك خلقت من النور المنبعث من فؤادي‪ ،‬وهذا ترديد للفكرة الصوفية القائلة بأن هللا خلق‬ ‫فيضاً من النور قبل العوالم وأصبح ذلك النور مجسداً في آدم حتى ظهور الرسول صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬ومن ثم انتقل إلى ابن عمه علي كرم هللا وجهه ثم إلى أبناء علي‪ .‬والمعلوم أن‬ ‫المهدي حسني من جهة أبيه‪ .46‬لذا كانت تعاليم اإلمام المهدي لها طابع القداسة والتبجيل‬ ‫والتعظيم من قبل أنصاره‪ ،‬فكانوا يرون في االمتثال إلى ما أمر به واالمتناع عما دعا إلى‬ ‫تركه طاعة هلل وللرسول‪ .‬فلما دعاهم إلى الجهاد أجابوا‪ ،‬ولما دعاهم إلى ترك المنكرات أقلعوا‬ ‫وأحجموا‪ ،‬كيف ال ومن أطاعه فقد أطاع هللا ومن عصاه فقد عصا هللا‪.‬‬ ‫فاألثر الصوفي في فلسفة اإلمام المهدي واضح وجلي‪ ،‬إال أن فلسفته تختلف عن‬ ‫ّ‬ ‫الصوفية في مفهوم المصادمة السياسية‪ .‬فالمعلوم أن الصوفية دعوة تمنع العنف‪ ،‬وتميل في‬ ‫تربيتها للمريدين إلى السلم والموادعة وتتعامل مع السلطة السياسية دون عداء أو مصادمة‪،‬‬ ‫جوان ‪2017‬‬

‫‪44‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫مهما بلغت هذه السلطة السياسية من فساد‪ .‬ولعل مفهوم الصوفية يؤمن بأن إصالح الساسة‬ ‫إنما يأتي عبر إصالح الفرد تربوياً‪ ،‬ومن ثم إذا صلح الفرد وحسنت تربيته صلح المجتمع‪،‬‬ ‫فال شك أن الذين يصلون إلى الحكم سيكونون مربيين تربية تحيد بهم عن الزيغ والضالل‪.‬‬ ‫وفي اعتقاد الباحث أن هذا المفهوم مفهوم انسحابي ظل لصيقاً بالفكر الصوفي منذ نشأته‪،‬‬ ‫حيث ترك الحياة التي مألتها اآلثام‪ ،‬فهرب من عالم الفساد والغش والضالل والمجون باحثاً‬ ‫عن عالم الزهد واإليمان والتعبد‪ .‬دون صدام مع السلطة السياسية‪ ،‬ودون رفع السيف في‬ ‫وجهها ومحاربتها‪ .‬ولم يشهد التاريخ الصوفي صداماً مع السلطة الزمنية في تاريخ اإلسالم‬ ‫إال فيما ندر‪.‬‬ ‫رغم تأثر اإلمام المهدي بالفكر الصوفي‪ ،‬ورغم الوجود الفكري للمهدية في الفكر‬ ‫الصوفي‪ ،‬إال أن اإلمام لم يكن مهادناً ينسحب من الحياة التي غابت عنها السنن‪ ،‬ومحيت‬ ‫آثار النبؤة عن مجتمعها‪ ،‬ويكتفي بالتربية الروحية للحيران في الجزيرة أبا‪ .‬وربما تأثر اإلمام‬ ‫المهدي بحركة المهدي بن توم رت في المغرب الذي كانت مهديته تؤمن بالتغيير للمنكر‬ ‫بالقوة‪ .‬فجاء إعالنه للحرب على الخصوم السياسيين‪ .‬وكانت حركته انقالباً سياسياً ضد‬ ‫المرابطين وكانت ضد الخطر الصليبي الذي بدأ يتسلل إلى بالد المسلمين‪ .47‬وربما تأثر‬ ‫اإلمام المهدي بحركات الجهاد في غرب افريقيا‪ .‬ومهما يكن من أمر فإن المرء هنا أمام فكر‬ ‫صوفي في السودان جديد في نوعه‪ ،‬وفريد في أطروحاته‪ ،‬فكر صوفي لم يلتزم البقاء في‬ ‫المسيد والخلوة يدرس الحيران ويقوم بعمل التمائم والرقى‪ ،‬ويقبل (الجرايات) ويغض الطرف‬ ‫عن مفاسد السلطة السياسية بحجة طاعة أولى األمر‪ ،‬ويترك األمر للساسة يجرعون األمة‬ ‫كاسات العذاب والهوان‪ ،‬ويترعون حياتها بالمفاسد ويطعمونها غسلين الظلم‪ .‬لكنه أمام فكر‬ ‫صوفي مصادم مقاتل‪ ،‬ينشد التغيير‪ ،‬ويرفض الضالالت وال يرضى بالتمحور حول ذاته‪.‬‬ ‫وإنما يؤمن بالجهاد في إزاحة المفاسد‪ ،‬ويسعى لالنطالق باإلسالم إلى آفاق أرحب‪ ،‬فكر‬ ‫جهادي يتسم بالشمول وال يقتصر الجهاد في ميادين الحرب فحسب وإنما في كافة الجبهات‪.‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪45‬‬


‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫ثاني ًا ‪ :‬فلسفة الجهاد ‪:‬الجهاد لغة بذل الجهد‪ ،‬واصطالحاً يعنى تفريغ الطاقات لتحقيق‬ ‫األهداف وإبعاد العقبات التي تواجه الرسالة اإلسالمية في كافة الميادين الحياتية‪ ،‬الفكرية‬ ‫واالقتصادية والعسكرية وغيرها في أوقاتالسلم‪ .48‬قال تعالى ‪( :‬وجاهدوا في سبيل هللا حق‬ ‫جهاده هو اجتباكم ما جعل لكم في الدين من حرج)‪ .49‬والمعنى الحضاري للجهاد يعكس‬ ‫مفهوم األمن اإلسالمي الذي يتركز على إيصال الرسالة وتبليغها إلى اآلخرين‪ ،‬بهدف توفير‬ ‫األمن المادي والنفسي لبناء النوع اإلنساني وتطويره ورقيه‪ ،‬وفي المفهوم اإلسالمي إن بقاء‬ ‫اإلنسان وتقدمه يكمن في القيم اإلنسانية‪ ،‬فعندما تلوح المفاسد وينكشف الكفر في األرض‪،‬‬ ‫وتشيع الفتن وتكثر المظالم االجتماعية والسياسية‪ ،‬وتتقلب الحياة إلى فوضى وهمجية‬ ‫وتخلف‪ ،‬مما يجعل أشبه بحياة الغاب‪ ،‬هذا كان مطلب اإلسالم بذل النفس لمحاربة الكفر‬ ‫وما يحويه من مبادئ وقيم رخيصة‪ ،‬وما يتناه من مؤسسات ‪ ،‬فكان ال بد من تحرك المفهوم‬ ‫الجهادي في كافة األصعدة وجميع المحاور‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫ومن هنا جاءت فلسفة التربية الجهادية عند‬

‫اإلمام المهدي متسمة بالشمول‪ ،‬ففي مفهومه للجهاد ال يقتصر الجهاد على ميادين القتال‬ ‫وساحات المعارك فحسب‪ ،‬وإنما من كافة الجبهات‪( ،‬فالجهاد على أربعة ‪-1 :‬جهاد األولياء‪،‬‬ ‫بالقلب للتحلية باألخالق المرضية‪-2 ،‬وجهاد الزهاد بترك سواه‪-3 ،‬وجهاد العلماء بإظهار‬ ‫الحق‪-4 ،‬وجهاد الغزاة في سبيل هللا بقتل أعداء هللا)‬

‫‪51‬‬

‫‪.‬‬

‫والواقع إن المجتمع السوداني قبل المهدية كان مجتمعاً قبلياً محارباً ومقاتالً يمجد‬ ‫البطولة والفروسية‪ ،‬وقد وجهت الشجاعة والبطولة والفروسية في الدفاع عن الحمى والذود‬ ‫عن القبيلة‪ ،‬ولم يحدث أن قاتل السودانيون منذ دخول اإلسالم حتى قيام المهدية‪ .‬لم يحدث‬ ‫أن قاتلوا وفي وجدانهم تلك القيمة الجهادية بتلك الصورة التي أوجدتها المهدية‪ .‬حقيقة إن تلك‬ ‫القيمة موجودة في الثقافة اإلسالمية للمجتمع‪ ،‬ولكنها لم تتنزل إلى الواقع منذ زمن بعيد‪ ،‬ومن‬ ‫هنا كان إبرازها إلى أرض الواقع‪ ،‬وغرسها في صدور الرجال أمر بالغ الصعوبة تؤمن فلسفة‬ ‫اإلسالم في التربية بأن الطبيعة البشرية مرنة وقابلة للتشكيل حسب ما يريد المربى‪ ،‬قال‬ ‫ّ‬ ‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو‬ ‫جوان ‪2017‬‬

‫‪46‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫ينصرانه)‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫ويتضح من سيرة الرسول صلى هللا عليه وسلم التحول الهائل في مجتمع‬

‫الجزيرة العربية حيث تعدل سلوك الناس واكتسبوا عادات وقيم جديدة‪ ،‬وتخلصوا من تلك القيم‬ ‫القديمة‪ ،‬وذلك عن طريق التربية اإلسالمية التي قادها الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وقد‬ ‫كانت مهمة التطبيع أو التطويع االجتماعي للبالغين والراشدين – الذين تربوا ونشأوا على‬ ‫مفاهيم يستعصى التحول عنها بسهولة –أمر في غاية العسر‪ ،‬ما لم تكن التربية الموجهة‬ ‫قوية التأثير‪ ،‬ومن هنا كانت فلسفة اإلسالم في التربية تتسم بالعبقرية واإلعجاز‪.‬‬ ‫وفي اعتقاد الباحث أن فلسفة التربية عند اإلمام المهدي في مفهوم الجهاد قد‬ ‫نجحت في إخراج جيل من المجاهدين في غضون سنوات قالئل‪ُ ،‬ملئت بالتربية الروحية‪،‬‬ ‫فسرعان ما تحولت مفاهيم وأغراض القتال‪ ،‬ومثله وقيمه العليا من مفاهيم القبلية الضيقة‪،‬‬ ‫ومن مفاهيم السلب والنهب‪ ،‬إلى قيم الجهاد في سبيل إعالء كلمة الدين‪ .‬والسؤال الذي يطرح‬ ‫نفسه هل التربية أوالً ثم الجهاد والمواجهة؟ أم التربية من خالل مواجهة المعركة مع الباطل؟‬ ‫الواقع أن التربية النبوية لم تكن يوماً واحداً بعيدة عن الواقع والساحة‪ .‬فقد كانت‬ ‫تربية دائمة ومستمرة تتعامل مع الواقع وتواجهه‪ ،‬وتسعى لتغييره حتى يكون قول هللا تعالى ‪:‬‬ ‫(ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)‪ .53‬وبدأت التربية النبوية في مكة بغرس‬ ‫اإليمان‪ ،‬وتعليم المسلمين األوائل أسس الدين وهي مرحلة إعداد المسلمين لحمل الرسالة‬ ‫الكبرى فلما هاجر الرسول صلى هللا عليه وسلم كانت التربية النبوية متكاملة‪ ،‬تعلم القرآن‬ ‫وتعطى الحكم‪ ،‬وتصوغ التشريعات وتوضح العبادات وتربى الجيش وتقوده إلى المعارك‬ ‫وتغذيه بالتربية الجهادية جنباً إلى جنب مع التربية الروحية وتربية الحياة بصورة عامة‪.‬‬ ‫فكانت التربية الجهادية إذن إحدى حبات المنظومة التربوية الشاملة التي تتناولها التربية‬ ‫النبوية جميعاً في ٍ‬ ‫آن واحد‪.‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪47‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫ومن ذلك المنطلق تعاملت فلسفة التربية عند اإلمام المهدي مع الواقع معاملة‬ ‫شاملة‪ ،‬فالتربية الروحية والفكرية واكبتها تربية جهادية‪ ،‬فاإلمام المهدي لم يبدأ برفع السالح‬ ‫في وجهه السلطة وهو في الجزيرة أبا‪ ،‬وإن كان الباحث يرى أنه كان يتوقع ذلك‪ .‬فبدأ دعوته‬ ‫بتثبيت دعائم اإليمان‪ ،‬ومبادئ الدين أوالً في أبا بالموعظة والدرس‪ ،‬فلما بدأت الحكومة في‬ ‫صدامه كان ال بد من وسيلة لمجابهة القوة بالقوة‪ ،‬وهنا برزت التربية الجهادية كأداة لتحطيم‬ ‫يعول على‬ ‫القوة الطاغية‪ ،‬التي تحول بين الناس وبين شريعة هللا‪ ،‬فقد كان اإلمام المهدي ّ‬ ‫التربية الجهادية كثي اًر‪ ،‬وأعطاها حي اًز واسعاً في فلسفته التربوية‪ ،‬إال أنها أيضاً كانت ضمن‬ ‫المنظومة التربوية الشاملة للمهدية‪ .‬وقد تعاملت فلسفة اإلمام المهدي بثبات ومبدأ أمام‬ ‫الظروف‪ ،‬ولم يتنازل عن المبادئ‪ ،‬فقد كانت فلسفة الجهاد تدعو إلى مقاومة البدع والعمل‬ ‫خير إذا لم يبذل إلقامة الدين)‪.54‬‬ ‫على التعاون إلقامة الدين (فإن العمر ال يكون فيه ٌ‬ ‫وجاءت فلسفة التربية الجهادية ممزوجة بالفكر الصوفي في ُبغض الدنيا والزهد‬

‫فإن أحب اإلنسان الدنيا ال يحبها لذاتها‪ ،‬وإنما لتصفية اإلنسان وتأهله لقرب هللا ‪:‬‬ ‫فيها‪ْ ،‬‬ ‫وتنادى فلسفة اإلمام المهدي بالجهاد والقتال ويشير إلى المفهوم الشامل الواسع للجهاد الذي‬

‫غرضه (‪ ...‬االجتهاد في األعمال الصالحات)‪ .55‬ويربط اإلمام المهدي في فلسفته مسألة‬ ‫الحياة والموت التي ترتبط بالجهاد والقتال يربطها بالرقى في توحيد هللا وحسن الظن به‪،‬‬ ‫وحب االنتقال إليه بحب الجهاد‪ ،‬كما ترتبط فلسفة الجهاد باإليمان العميق لمن أحبه‪ ،‬وحب‬ ‫االنتقال إليه بحب الجهاد‪ ،‬وبالنفاق لمن تركه‪( .‬وانتم تعلمون أحبائي فضل الجهاد ومكانته‬ ‫وعّد من تركه من المنافقين)‪ .56‬كما أشارت فلسفة الجهاد المتأثرة بالفلسفة‬ ‫من اإليمان ُ‬ ‫يعرض المجاهد إلى نفحات الخالق (‪ ...‬فشمروا عن‬ ‫الصوفية إلى أن جهاد األعداء ّ‬

‫ساعدكم‪ ،‬وتعرضوا إلى نفحات ربكم وتأهبوا لجهاد األعداء يحمدكم)‪ .57‬كما تؤمن فلسفة‬ ‫التربية عند اإلمام المهدي بأن الجهاد أفضل العبادات جميعاً‪ ،‬وأنه ال يوازيه عمل‪...( ،‬‬ ‫فجميع أعمال البشر دونه‪ ،‬وللمجاهد شأن عظيم‪ ،‬وأكبر نعمة ينالها العبد رضا ربه وحبه له‪.‬‬ ‫قال تعالى‪( :‬إن هللا يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)‪.58‬‬ ‫جوان ‪2017‬‬

‫‪48‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫ثالثاً ‪ :‬فلسفة الهجرة ‪:‬الهجرة معناها االنتقال‪ ،‬وهي نوعان‪ ،‬انتقال حسي ونفسي ‪ ،‬واالنتقال‬ ‫الحسي معناه االنتقال من مجتمع الكفر والشرك والبدع إلى مجتمع اإليمان والتقوى‪ .‬أما‬

‫االنتقال النفسي فيعنى االنتقال بالفكر من فكر مجتمع غير المؤمنين بنظمه وعقائده وأخالقه‬ ‫وقيمه وممارساته وتقاليده وتنظيماته المختلفة إلى ثقافة اإليمان واإلسالم بمظاهره وتطبيقاته‬ ‫ومؤسساته‪ . 59‬فأشار سبحانه وتعالى إلى الهجرة الحسية والنفسية بقوله الكريم في اآليتين‪:‬‬ ‫مهاجر إلى ربي)‪.61‬‬ ‫ط وقال إني‬ ‫(فأصبر على ما يقولون وأهجرهم هج اًر جميالً)‪( ،60‬فآمن لو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫والهجرة معروفة في تاريخ الحركات الدينية‪ ،‬وهي الحد الفاصل بين عهدين‪ ،‬عهد مضى‬

‫وآخر قادم‪ . 62‬وهي في المهدية تعنى الخروج من الجاهلية إلى اإلسالم‪ ،‬ومن الظالم إلى‬ ‫النور‪ ،‬والخروج من مواطن الكفر (الترك) وتهيئة النفس للحياة الجديدة (المهدية)‪.‬‬ ‫تؤمن فلسفة اإلمام المهدي بالهجرة بمعنييها الحسي والمعنوي‪ .‬فقد حثت رسائله‬

‫ومنشوراته بالهجرة إليه أينما كان‪ ،‬من أبا إلى الخرطوم إلقامة الدين والسنن‪ .63‬فالهجرة تشكل‬ ‫ركيزة أساسية ودعامة هامة في فلسفة المهدية إلقامة الدين‪ .‬وقد طبق اإلمام المهدي الهجرة‬ ‫بنفسه عندما انتقل من أبا إلى قدير لعدة أسباب منها ‪:‬‬ ‫‪ -1‬البعد عن متناول يد الحكومة وعدم صالحية الجزيرة أبا للمواجهة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ليحقق ظهور المهدي في جبل ماسه ‪ ،‬فقال المهدي إن في قدير جبل اسمه‬ ‫ماسه ‪.‬‬

‫‪ -3‬وجود السند من زعماء المنطقة خالل جوالته التي سبقت المهدية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تحقيق مفهوم الهجرة بمعنييها الحسي والنفسي وتكوين مجتمع المهدية الجديد‬ ‫في األرض الجديدة بالمفاهيم الجديدة‪.‬‬

‫فقد أعطى الهجرة أهمية كبرى في فلسفته‪ ،‬وأضفى عليها صفة الوجوب فقال‪:‬‬ ‫(الهجرة واجبة بالكتاب والسنة)‪ .64‬وكانت أم اًر من الرسول صلى هللا عليه وسلم (‪ ...‬ولما‬ ‫ُجعلت خالفتى من هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم بالمهدية وأمرني بالهجرة إلى ماسه بجبل‬ ‫قدير وأمرني أن أكاتب جميع المكلفين)‪ .65‬ويستشهد في أمر الهجرة بالقرآن والحديث مبين ًا‬ ‫فضلها‪( :‬والذين هاجروا في سبيل هللا من بعد ما ظلموا لنبوأنهم في الدنيا حسنة)‪ .‬وقال‬ ‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من فر بدينه من أرض إلى أرض ولو شبر من األرض‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪49‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫استوجبت له الجنة)‪ .66‬والهجرة تزود الحياة بالجديد من األفكار واألشخاص‪ ،‬وتقيم عالقات‬ ‫جديدة تتطلب حياة مغايرة للماضية في قيمها لتترجم إلى نظم ومؤسسات وسياسات جديدة‪.‬‬

‫‪67‬‬

‫وبالفعل فقد زودت الهجرة اإلمام المهدي بالجديد من العناصر‪ ،‬فقد هاجر إليه في قدير‬ ‫الناس وكان من بينهم نفر من العلماء ورجال الدين وغيرهم من أصحاب الملكات‪ .‬وظلت‬ ‫الهجرات تتقاطر عليه في حركة دؤوبة فزودته بالرجال الذين جاءوا من شرق البالد وغربها‪.‬‬ ‫فوضع نواة دولته في قدير‪ ،‬فعين خلفاءه األربعة وأنشأ دا اًر للمال وأسندها إلى أحمد سليمان‪،‬‬ ‫وأسند القضاء إلى قاضي اإلسالم أحمد جبارة من علماء األزهر‪ .78‬وقد ظلت الهجرة ترفده‬ ‫بالكوادر المختلفة التي أفاد منها أيما إفادة في شؤون الدولة المختلفة‪ ،‬فقادوا الجيوش‪،‬‬ ‫وصاروا نواباً وعمالء له وأداروا معه الدولة وشاركوه في تنظيماتها المختلفة‪ .‬ولما للهجرة‬ ‫أهمية فقد حث اإلمام المهدي بالهجرة إليه انطالقاً من إيمانه العميق بأهمية وجود كم هائل‬ ‫من األتباع يسندونه ويشدون من أزره بالمجاهدة‪ ،‬اقتناعاً منه بما في الهجرة من أهمية في‬ ‫تربية األتباع لذا حث عليها‪ ...( .‬تعرف أن كل مقصودنا هداية الخلق وداللتهم إلى التمسك‬ ‫باهلل واالكتفاء به والمعلوم ان االنتصار في الدين موقوف إلى هذا وألهمية الدعاية إلي هللا‬ ‫والتربية حثا على الهجرة)‪ .69‬فهو يرى أن الدعاية (الدعوة) إلى هللا ال تتم إال بالتربية‪،‬‬ ‫والتربية ال تتم إال بالهجرة إليه لسماع مواعظه ومذكراته ودروسه‪ .‬ففي رسالته إلى الحسين‬ ‫(إنا ال نريد سوى هداية العباد وسلوكهم طريق الرشاد‪ ،‬فمن تروه متلجلجاً في‬ ‫الزهراء يقول ّ‬

‫دينه‪ ،‬أو متزعزعاً‪ ،‬وليس له استقامة ويخشى عليه من النفاق بقرينة جامعة‪ ،‬فأرسلوه إلينا مع‬ ‫مؤتمن لتربيته وتخلقه في المذاكرة)‪ .70‬ويلح اإلمام المهدي في الهجرة إليه لما لها من أهمية‪،‬‬ ‫فال عذر في ذلك ألحد (ولكل من بلغه أجوبتي ومراسالتي فال عذر له من التخلف عن‬ ‫الهجرة لتقويم الدين)‪ .71‬ويذكر أيضاً (‪ ...‬ففروا إلى هللا بهذه الهجرة حيث ال عذر لكم فما‬

‫وجد المتخلف غير الندم والتأسف فاستعدوا وأطيعوا وسارعوا إلى ما يصلح شأنكم من األمور‬ ‫الدنيوية واألخروية)‪ .72‬ويرى أن أهمية الهجرة إليه تكمن في أن المهاجرين إليه سيجدون‬ ‫التربية الروحية والتفقه في الدين‪ ...(( ،‬وما كان ينبغي ألمثالكم إال الهجرة إلينا واألخذ عنا‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪50‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫عمالً بقوله تعالى‪( :‬فلو ال نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا‬ ‫رجعوا))‪.73‬‬ ‫كما يرى أن إحياء الدين مقرون بالهجرة وهزيمة الكفار بالحشد والتجمهر‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى ما يناله المهاجرون من قيم مفيدة تمسح عنهم غبار الجهل‪ ،‬وتجلو صدأ النفوس‪ ،‬وفي‬ ‫ذلك يقول‪( :‬والقصد من الهجرة إحياء الدين وهزم الكافرين وتربية المسلمين وإخراجهم من‬ ‫الظلمة الدنيوية واإلنابة إلى رب البرية)‪ .74‬ولم يقتصر اإلمام في طلب الهجرة إليه على أهل‬ ‫السودان‪ ،‬فحسب إنما راسل السنوسي في ليبيا وحياة بن سعيد في نيجيريا وغيرهم طالباً‬ ‫الهجرة‪ ،‬إليه كما أنه راسل في الداخل غردون لذات الغرض (واعلم إنك إذا أتيتنا مسلماً نربيك‬ ‫ونريك من النور ما يطمئن به قلبك ويزول طمعك من الدنيا وما حولها)‪ .75‬وألهمية التربية‬ ‫في بناء األمة حيث ال تربية بدون ٍ‬ ‫مرب‪ .‬فقد حث اإلمام الناس للهجرة إليه‪ ،‬والوقوف على‬ ‫ما عند هذا المربى وسماع توجيهاته‪ ،‬وأخذ العهود والمواثيق منه‪ .‬والتربية في مفهومه‬ ‫حضور المريد إليه وتلقيه المواعظ‪ ،‬واإلرشاد والتوجيه التربوي‪ .‬والعيش كما يعيش أتباعه‪،‬‬ ‫ويقوم بجملة عباداتهم حتى تأخذ نفسه عليها‪ ،76‬بمعنى تلقى التربية عن طريق المعايشة‪.‬‬ ‫والمالحظ في أسلوب اإلمام المهدي ودعوته للهجرة لتلقى التربية يالحظ ثقته التامة في أن‬ ‫المريد إذا ما هاجر إليه وسمع مواعظه وإرشاداته‪ ،‬سرعان ما يتربى على نهج المهدية‪،‬‬ ‫وكأنما هو يملك عصاة سحرية يقلب بها المتلجلج والنصراني‪ ،‬والسوداني وغير السوداني–‬ ‫فيما بين أيام وشهور إلى مهدوى التربية‪.‬‬ ‫عرف اإلمام الغزالي الزهد بأنه عزوف عن الدنيا وثرواتها طوعاً مع‬ ‫رابعاً ‪ :‬فلسفة الزهد ‪ُ :‬ي ّ‬ ‫القدرة والرغبة في اآلخرة‪ ،‬فباعث الزهد عن الدنيا هو الرغبة في اآلخرة‪ ،‬وتكون رغبة في‬ ‫النجاة من النار وسائر اآلثام‪ ،‬ورغبة في ثواب هللا ونعيمه‪ ،‬والرغبة في هللا ولقائه والتمتع‬ ‫‪77‬‬ ‫ويع ّرف بأنه النظر إلى الدنيا بعيني الزوال لتصغر في العينين ‪،‬‬ ‫بالنظر إلى وجهه الكريم ‪ُ .‬‬

‫وعرفه‬ ‫واإلعراض عنها‪ .‬فالزهد في مفهوم الصوفية عزوف النفس عن الدنيا بال تكلف‪ّ .‬‬ ‫جوان ‪2017‬‬

‫‪51‬‬


‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫ويعرفه إبراهيم بن أدهم بأنه تفريغ القلب‬ ‫الجنيد بأنه استصغار الدنيا ومحو آثارها عن القلب‪ّ ،‬‬

‫من حب الدنيا وشهواتها‪ ،‬وامتالؤه بحب هللا ومعرفته‪ ،‬وعلى قدر تخليص القلب من تعلقاته‬ ‫بزخارف الدنيا ومشاكلها يزداد هلل تعالى حباً‪ ،‬وله توجهاً‪ ،‬ومراقبة ومعرفة‪ .‬لهذا أُعتبر الزهد‬ ‫وسيلة للوصول إلى هللا عند المتصوفة‪ ،‬وسر لنيل حبه ورضاه‪ ،‬وهو ليس غاية مقصودة‬ ‫لذاتها‪ .78‬فالفكر الصوفي عموماً يحرم اإلسراف والتبذير‪ ،‬ويدعو إلى هجر الدنيا وترك ما‬ ‫فيها من الطيبات‪ ،‬واالقتناع بأن كل مولود للموت‪ ،‬وكل بناء مآله إلى خراب‬

‫‪79‬‬

‫لذا نجد أن‬

‫معظم مشائخ الصوفية اعتادوا خشونة الطعام ويصل بعضهم إلى مرحلة الحرمان وصوم‬ ‫الدهر‪ ،‬وترويض النفس على ذلك‬

‫‪80‬‬

‫وإن أكلوا الطعام أكلوا في حدود الحاجة وما يقيم‬

‫األود‪.81‬‬ ‫من تلك المفاهيم للزهد جاءت فلسفة اإلمام المهدي التربوية‪ ،‬فالمؤمن الحق‬ ‫المتصف بصفات المؤمنين (ال ينظر إلى الدنيا بعين المحبة والشهوات ‪ ..‬وليتجنب الترفهات‬ ‫وفراوى الريف وتعدد الغلمان في الركوب‪ ،‬وتعدد الغلمان ليسعوا خلف دابته ويكتفي بالجبة‬ ‫المرقعة عن تعدد الملبوسات‪ ،‬ومن سارع إلى طاعة هللا ِب ُذ ّل شهواته ارتقى إلى دائرة‬

‫القدس)‪. 82‬وفي مفهومه أن الزهد يقرب إلى هللا تعالى‪ ،‬وأن الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫وأصحابه قد انتهجوا منهج الزهد‪ ،‬لذا كان إخالصهم في إحياء الدين‪( .‬فاختصروا في أكلكم‬ ‫وشربكم وكسوتكم‪ ،‬وعلوكم دار األبد بقرب الواحد األحد‪ ،‬وارضوا عن هللا في الدنيا بالفقر‬ ‫الضر والعسر‪ ،‬كما أحب ذلك نبيكم صلى هللا عليه وسلم وأصحابه رضوان هللا عليهم‬ ‫و ُ‬ ‫ليخلص قصدكم إلحياء الدين)‪ .83‬بل تؤمن فلسفة اإلمام المهدي في التربية بأن الزهد يعالج‬

‫أدواء القلوب مع بعض الوسائل األخرى جملها في قوله ‪:‬‬ ‫دواء قلبك خمسة عند شدته‬

‫فدم عليه يدنو الخير والظفر‬ ‫ْ‬

‫خالء بطن وقرآن تدبـره‬

‫كذا وقوفك باكياً ساعة السحر‬

‫كذا قيامك جنح الليل أوسطه‬

‫وأن تجالس أهل الخير والخبر‪.‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪84‬‬

‫‪52‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫ويربط أدواء القلوب وخرابها بحب الدنيا‪ .85‬كما يربط دخول اإليمان إلى القلب بالتجافى عن‬ ‫دار الغرور ‪ ،‬واإلنابة إلى دار الخلود واالستعداد للموت قبل نزول الفوت‪ .86‬وفلسفة الزهد‬ ‫في فكر اإلمام المهدي التربوي ما هي إال إتباع للرسول صلى هللا عليه وسلم (‪ . . .‬واقتفاء‬ ‫أثر المصطفى واختيار ما عند هللا بالجوع والفقر)‪ .87‬كما تنادى فلسفة التربية إلى أن‬ ‫االرتواء من قدس هللا وملكوته مربوط بالزهد وعدم االهتمام بإصالح الظاهر الذي هو مربوط‬ ‫بالمال الذي صيرورته إلى فناء‪ ،‬بل يرى أن حب المال والجاه كالماء الذي ينبت النفاق في‬ ‫القلب ‪ ،‬وذلك يقول (‪ . . .‬وليكن نظركم في خدمة ربكم ‪ ،‬فإن حب المال والجاه هو إصالح‬ ‫ظاهركم ٍ‬ ‫فان حب الجاه والمال ينبت النفاق كما ينبت الماء البقل‪ ،‬فتجردوا عن حب‬ ‫العاجلة)‪ .88‬وقد حشد اإلمام المهدي منشوراته وخطبه بكم هائل من األقوال في ترك الدنيا‪،‬‬ ‫والزهد فيها ‪ ،‬ووصفه للدنيا بأنها فانية ‪ ،‬وأنها ليست دار مقر ‪ ،‬وحث على الزهد فيها‪ .‬ولم‬ ‫يكن اإلمام المهدي فيلسوفاً منظ اًر وإنما كان مطبقاً لما أمر به ‪ ،‬ومتبعاً القول بالفعل ‪ ،‬فقد‬ ‫كان زاهداً في الطعام والملبس والركوب وكان عيشه في الزهد ‪.‬‬ ‫خامساً ‪ :‬فلسفة اإليواء ‪ :‬اإليواء بمعنى التوطين واإلقامة الدائمة‪ .‬قال تعالى ‪( :‬لهم جنات‬ ‫المأوى)‪ .89‬واإليواء بمعنى حسن االستقبال والتكريم‪ .‬قال تعالى ‪( :‬ولما دخلوا على يوسف‬ ‫آوى إليه أخاه)‪ .90‬واإليواء بمعنى الرعاية والعناية‪ .‬قال تعالى ‪( :‬ألم يجدك يتيماً فآوى)‪.91‬‬ ‫ولإليواء معنى آخر وهو االستقرار النفسي واالجتماعي قال تعالى ‪( :‬ترجى من تشاء منهن‬ ‫وتؤى إليك من تشاء)‪ . 92‬وقد طبق الرسول صلى هللا عليه وسلم فلسفة اإليواء بتوحيد‬ ‫المجتمع في المدينة المنورة ‪ ،‬وتمثل ذلك في االستقبال والترحيب من األنصار بالمهاجرين ثم‬ ‫المؤاخاة بينهم ‪ ،‬ثم تنظيم العالقات االجتماعية بين مختلف الجماعات التي عاشت في‬ ‫المدينة‪ .93‬ومن تلك المفاهيم والمعاني لإليواء وتوحيد المجتمع سعى اإلمام المهدي إلى جعل‬ ‫مجتمعه وحدة واحدة ‪ ،‬وحث على استقبال القادمين إليه وتهيئة المناخ المالئم لهم‪.‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪53‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫وتجلت أولى مظاهر توحيد المجتمع في البيعة ‪ ،‬فقد بايع جميع األنصار اإلمام‬ ‫المهدي ‪ ،‬وقد أوجدت البيعة رابطة قوية بينهم ‪ ،‬أدوها جميعاً في أزمان وأماكن مختلفة ‪ ،‬اال‬ ‫أنها كانت ذات مقصد واحد ‪ ،‬وبايعوا بهذه الصيغة ‪( :‬بايعنا هللا وبايعناك على أال نشرك‬ ‫باهلل شيئاً ‪ ،‬وال نسرق وال نزني وال نعصيك وال نفر من الجهاد‪ .‬وربما زادوا بايعناك على زهد‬ ‫‪94‬‬ ‫الدنيا واختيار اآلخرة) ‪ .‬وقد كانت البيعة عقداً ملزماً بين اإلمام المهدي واألنصار و عهداً‬

‫مقدساً ‪ ،‬والنكوص عنه يستوجب العقاب الرباني ‪ ،‬ومن أوفى بها فقد حاز الفوز ‪ ،‬فطاعة‬ ‫اإلمام المهدي طاعة هلل ‪ ،‬لذا فهو يقول ‪( :‬من تبعني فقد حاز السعادة الكبرى‪ .‬ومن خالفني‬ ‫سيذيقه هللا عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب اآلخرة أقوى)‪.95‬‬ ‫ومن مظاهر فلسفة اإليواء وتوحيد المجتمع استقبال اإلمام المهدي للقادمين إليه ‪،‬‬ ‫والترحيب بهم ‪ ،‬حتى وإن كانوا من المشركين ‪ ،‬وفي هذا يقول ‪( :‬فالذي نعلمكم به أن هللا‬ ‫سبحانه وتعالى قد أوصى نبيه صلى هللا عليه وسلم وأمته تبعاً له ‪ ...‬قال تعالى وإن أحد من‬ ‫المشركين استجارك فأجره ‪ ،‬حتى يسمع كالم هللا ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم ال يعلمون‪.‬‬ ‫فهذا في المشركين فأحرى بالمسلمين الذين أسلموا وانضموا إلى بالد المسلمين ‪ ،‬فتأليفهم‬ ‫لقبول الديانة أحرى ‪ ،‬وذلك شيء عظيم جداً عند رسول هللا)‪ .96‬وقد رحب بالقادمين إليه من‬ ‫األفراد ‪ ،‬حتى وإن خالفوه الرأي ووقفوا مواقف عدائية من دعوته كموقفه من استاذه محمد‬ ‫شريف واألمين الضرير‪ .‬كما رحب بالقبائل الداخلة في المهدية والتي ال تعرف إال النذر‬ ‫اليسير من اإلسالم كقبائل الدينكا والشلك‪ .‬يقول اإلمام المهدي (فمن جاءكم ضموه إليكم وآوه‬ ‫واحموا كحمايتكم ألنفسكم وأرفقوا بهم وبأوالدهم ونسائهم وأموالهم واستوصوا بالجميع خي اًر‬ ‫‪.97)...‬‬ ‫وخالصة ألمر أن فلسفة اإليواء قامت على الدعوة بالهجرة إليه وأخذ البيعة ‪،‬‬ ‫والعمل على إنهاء النزاعات القبلية وإيواء القبائل الداخلة في اإلسالم مثل الدينكا والشلك ‪،‬‬ ‫واستقبال التائبين والمعارضين ‪.‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪54‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫سادسا‪ :‬توحيد المذاهب والطرق الصوفية‪ :‬وقد قامت فلسفة التربية عنده على‬ ‫توحيد المذاهب بغية توحيد المجتمع ‪ ،‬فألغى كل المذاهب تمشياً مع مفهوم إن المهدي سيرفع‬ ‫المذاهب ‪ ،‬ويلغى الطرق ‪ ،‬ومن هنا أيضاً جاءت فلسفة إلغاء الطرق الصوفية بقوله (والذي‬ ‫ينقذكم من الهالك ويرثكم عظمة المكان عند هللا هو أن تتركوا معارفكم السابقة وتصغوا‬ ‫لدالالتي بأذن واعية‪ .‬وجب عليكم ذلك ولزمكم االنقياد إلي والخروج عما عندكم)‪ .98‬ولعله‬ ‫ّ‬ ‫قد وجب اختالف اآلراء الفقهية واختالف الطرق الصوفية فأراد أن يوحد المجتمع في فكرة‬ ‫واحدة وطريقة واحدة ‪ ،‬فحددت فلسفته معالم واضحة في الطريق والمذهب (إن طريقتنا ال إله‬ ‫إال هللا محمد رسول هللا ومذهبنا الكتاب والسنة ‪ ،‬وما جاء من عند هللا على رؤوسنا ‪ ،‬وما‬ ‫جاء من الصحابة إن شئنا عملنا به ‪ ،‬وإن لم نشأ تركناه)‪.99‬‬ ‫وفي رأى الباحث أن اإلمام المهدي كان جريئاً جداً فيما ذهب إليه من إلغاء‬

‫للطرق الصوفية التي كان لها في النفوس حباً موروثاً وعقيدة راسخة ‪ ،‬وكان جريئاً أبعد من‬ ‫ذلك في رفضه أو قبوله عمل الصحابة‪ .‬أما رفضه العمل بالمذاهب فكان ال يقل جرأة ‪ ،‬فكان‬

‫رأيه فيها واضحاً‪ .‬فهم رجال ونحن رجال‪ .‬فهي عنده كالحوض الذي شرب منه الناس طويالً‬ ‫فجاء البحر وغطى هذا الحوض فمن أين يشرب الناس؟ واإلجابة حتماً من بحر المهدية‬ ‫التي غطت الحوض ‪ .‬ورغم أنه رفع المذاهب وألغى الطرق الصوفية إال أنه كان مهذباً في‬

‫تعامله فلم يقلل من شأن العلماء ‪ ،‬ولم يسئ إلى الصوفية‪ 98 .‬فقد كان همه األكبر توحيد‬

‫المجتمع دون انتقاص من شأن أحد ‪ ،‬فقد سعت فلسفته ومنهجه إلى جعل الناس طريقة‬ ‫واحدة ‪ ،‬وهي (الطريقة المهدية) كما بدأ للباحث‪ .‬ولكن المتأمل يجد األثر الصوفي في‬

‫خطوات اإلمام المهدي فقد استخدم في دعوته أفكار الصوفية ‪ 100،‬وتزيا ِ‬ ‫بزيهم وله أوراد‬ ‫مثلهم وكان مثل الصوفية يؤمن بالحضرة النبوية ‪ ،‬وحضرة األقطاب ‪ ،‬إال أنه يختلف عنهم‬ ‫في استخدامه للقوة فيدعوته‪101 .‬‬ ‫الخاتمة والتوصيات ‪:‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪55‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫اإلمام المهدي كانت له فلسفة للتربية بنى بها دولته ومجتمعه ‪ ،‬وتمثلت هذه‬ ‫الفلسفة في فكرة المهدية وفلسفتها المتأثرة بالصوفية القائلة باإللهام والوحي واالتصال بعالم‬ ‫الملكوت والحضرات النبوية ‪ ،‬لذا كانت تعاليم اإلمام المهدي االجتهادية تأخذ طابع القداسة‬

‫والتعظيم‪ .‬ثم فلسفة الجهاد وأثرها التربوي في المجتمع ‪ ،‬ثم فلسفة الزهد التي دعا إليها‬

‫وطبقها عملياً في حياته ليهتدي بها اآلخرون‪ .‬و فلسفة اإليواء وتوحيد المجتمع ‪ ،‬وما وكبها‬ ‫من إيواء للقادمين ‪ ،‬وتوحيد للطرق وإلغاء للمذاهب ‪ ،‬بغية إيجاد طريقة واحدة ‪ ،‬إال وهي‬ ‫الطريقة المهدية‪.‬‬ ‫ولما لم تعد دراسة التاريخ مجرد سرد لألحداث واالستغراق في الماضي دون‬ ‫تفسير أو تأويل له‪ ،‬واستكناه العبر منه‪ ،‬والنظر إليه بموضوعية فإنه باإلمكان وضع فكر‬

‫اإلمام المهدي التربوي هادياً ألمة تنشد اإلسالم وإن اختلفت الرؤى والظروف‪ ،‬إال أن هنالك‬ ‫تشابه بين تحديات األمس واليوم‪ ،‬فإنه باإلمكان االستفادة من فكر اإلمام المهدي التربوي‬

‫وروح فلسفته في مواجهة التحديات التي تواجه األمة اليوم‪ ،‬والخالص من السيطرة األجنبية‬ ‫بكافة أشكالها وصورها‪ ،‬واالنطالق بالعزائم لتحقيق ما تريده األمة‪ .‬وذلك ال يتأتى إال ببناء‬ ‫اإلنسان الذي إذا حسنت تربيته كان بمقدوره قهر الصعاب‪ .‬وبناء اإلنسان ال يتم إال وفق‬

‫فلسفة تربوية تتناسب مع تراث وثقافة الفرد‪ ،‬وفق منهج ينزل تلك الفلسفة إلى أرض الواقع‪،‬‬ ‫منهج إسالمي متكامل‪ ،‬وهذا ما سعى اإلمام المهدي إليه‪.‬‬ ‫توصي الدراسة باآلتي‪:‬‬ ‫االهتمام والعناية باالراءالفلسفية للعديد من الرموز والشخصيات السودانية‪ -‬على‬‫وجه الخصوص والعربية واالسالمية بصورة عامة ‪ -‬التي كان لها االثر التاريخي والسياسي‬

‫والفكري وغير ذلك ‪.‬‬

‫ االفادة من تلك التجارب واالخذ بما عندها من تجارب ايجابية وتبنيها واالستغناء‬‫عن سالب ما حملته تلك التجارب والسعي قدر المتستطاع الخضاعها لواقع اليوم‪.‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪56‬‬


‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫الهوامش‪:‬‬ ‫‪ 1‬نعوم شقير ‪ :‬مرجع سابق ص ‪. 323 – 321‬‬ ‫‪ 2‬محمد سعيد القدال ‪ :‬مرجع سابق ص‪. 34‬‬ ‫‪‬‬

‫غير اسمه اإلمام المهدي إلى محمد خير‪ .‬أبو سليم الحركة الفكرية ص ‪. 13‬‬

‫‪ 3‬محمد إبراهيم أبو سليم ‪ :‬مرجع سابق ص ‪. 69‬‬ ‫‪4‬محمد سعيد القدال ‪ :‬مرجع سابق ص ‪. 7‬‬ ‫‪ 5‬ابو سليم ‪.‬السابق‪ :‬ص‪13‬‬

‫‪6‬‬

‫محمدبن عبد الحميد السراج ‪ :‬شقائق النعمان في حياة المهدي ووقائع السودان (القاهرة – دار إحياء الكتاب‬

‫العربي) ‪1947‬م ‪ :‬ص ‪. 27‬‬ ‫‪7‬نعوم شقير ‪ :‬مرجع سابق ص ‪. 326 – 323‬‬ ‫‪ 8‬جريدة ألوان ‪ 22‬مايو ‪1998‬م العدد ‪ – 619‬وجهة نظر‪ .‬عبد الحميد ضياء الدين العباسي‪.‬‬ ‫‪ 9‬نعوم شقير ‪ :‬مرجع سابق ص ‪. 326‬‬ ‫‪ 10‬أبو سليم ‪ :‬مرجع سابق ص ‪. 12‬‬ ‫‪ 11‬نعوم شقير ‪ :‬مرجعه سابق ص ‪. 338‬‬ ‫‪ 12‬نعوم شقير ص ‪. 341‬‬ ‫‪ 13‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 348‬‬ ‫‪ 14‬المرجع نفسه ص ‪. 350‬‬ ‫‪ 15‬أبو سليم ‪ :‬مرجع سابق ص ‪. 24‬‬ ‫‪ 16‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 29 – 26‬‬

‫‪17‬‬

‫محمد إبراهيم أبو سليم منشورات المهدي ‪ :‬تحقيق‪ .‬ط‪ .2/‬بيروت دار الجيل – ‪ 1979‬ص ‪. 8‬‬

‫‪18‬ننعوم شقير‪606:‬‬

‫‪ 19‬عمر التومى الشيبانى ‪ :‬فلسفة التربية اإلسالمية (الجماهيرية العربية الليبية – الدار العربية للكتاب –‬ ‫‪1988‬م) ص ‪.15 – 14‬‬ ‫‪ 20‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 17‬‬ ‫‪ 21‬على خليل مصطفى أبو العينين ‪ :‬فلسفة التربية في القرآن الكريم ط‪( 2/‬دار الطابع العربي ‪1975‬م ص‬ ‫‪. )61‬‬ ‫‪ 22‬سورة النساء ‪ :‬آية ‪22 . 259‬‬ ‫‪23‬محمد إبراهيم أبو سليم ‪:‬اآلثار الكاملة لإلمام المهدي‪.‬تحقيق‪ .‬المجلد السابع ص ‪. 174‬‬ ‫‪24TAG ELSIR AHMED : THE IDEA OF THE MAHADIA IN TEWEL VE SHISM‬‬ ‫‪NATIONAL DOCUMENTS HOUSE (CONFERENCES) PAGE1‬‬ ‫‪ 25‬سعد محمد حسن ‪ :‬المهدية منذ أقدم العصور حتى اليوم‪( .‬مصر – دار الكتاب العربي ‪1953‬م) ص‪49‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪57‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫‪ 26‬يوسف فضل ‪ :‬مسار الدعوة المهدية خارج السودان‪ .‬دار الوثائق القومية – مؤتمرات ‪ 83/95‬ص‪. 2‬‬ ‫‪ 27‬الرعد ‪ :‬آية ‪. 7‬‬ ‫‪ 28‬محمد إبراهيم أبو سليم ‪ :‬الحركة الفكرية في المهدية‪.‬بيروت‪.‬دار الجيل‪1970.‬ص ‪. 2‬‬

‫‪ 29‬ابن خلدون ‪ :‬مقدمة ابن خلدون (بيروت‪ .‬مؤسسة األعلى للمطبوعات ([بدون تاريخ) ص ‪. 311‬‬ ‫‪ 30‬محمد سعيد القدال ‪ :‬تاريخ السودان ص ‪. 112‬‬ ‫‪)31( AHMED IBRAHIM : THE MAHADIA AND THE OUTSIDE WORLD.‬‬ ‫)‪ANTIONAL MANUSCRIPTS HOUSE . PAGE2 (CONFERENCES‬‬ ‫‪ 32‬محمد بهاء الدين ‪ :‬مرجع سابق ص ‪. 22‬‬ ‫‪ 33‬محمد أحمد الحاج ‪ :‬المهدية وأثرها الديني في السودان‪ .‬اإلسالم في السودان‪ .‬مؤتمر جماعة الفكر والثقافة‬ ‫اإلسالمية (قاعة الصداقة) نوفمبر ‪1982‬م ص‪. 45‬‬ ‫‪ 34‬القدال ‪ :‬المهدي وجه لثائر سوداني ص‪21‬‬ ‫‪ 35‬أبو سليم ‪ :‬الحركة الفكرية ص‪. 302‬‬ ‫‪ 36‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد األول ص‪. 48‬‬ ‫‪ 37‬كامل مصطفى الشيشنى ‪ :‬العالقة بين التشيع والتصوف جزء ‪ 2‬ط‪ .2/‬بيروت دار األندلس ‪1882‬م‪.‬‬ ‫ص‪. 426‬‬ ‫‪38‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثالث ص‪. 320‬‬

‫‪ 39‬عبد الودود شلبي ‪ :‬األصول الفكرية لحركة المهدي السوداني ودعوته (القاهرة – دار المعارف بدون تاريخ)‬ ‫ص‪ 128‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪ 40‬فصوص الحكم ‪ :‬محي الدين بن عربي‪ .‬تحقيق أبو العالء عفيفي ط‪ – 2/‬بيروت – دار الكتاب العربي –‬ ‫‪1980‬م ص‪. 47‬‬ ‫‪ 41‬زكريا بشير إمام ‪ :‬لمحات من تاريخ الفلسفة اإلسالمية‪( .‬الخرطوم – الدار السودانية للكتب ط‪1998 1/‬م)‬ ‫ص‪. 317‬‬

‫‪ 42‬سعيد حوي ‪ :‬تربيتنا الروحية (بيروت – دار الكتب العربية ‪1979‬م) ص‪ 168‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪43‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثالث ص‪. 210 – 195‬‬ ‫‪ 44‬المرجع نفسه ص‪. 314‬‬ ‫‪45‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد األول ص‪. 314‬‬ ‫‪ 46‬ب – م هولت ‪ :‬دولة المهدية في السودان مرجع سابق ص‪192‬‬

‫‪ 47‬هاشم العلوي ‪ :‬حركة المهدي بن تومرت دار الوثائق القومية – مؤتمرات ‪ 819/59/1‬ص‪. 3-1‬‬

‫‪ 48‬ماجد عرسان الكيالني ‪ :‬أهداف التربية اإلسالمية في تربية الفرد وإخراج األمة وتنمية االخوة اإلسالمية‪.‬‬ ‫ط‪ ، 2/‬سلسلة المعرفة (الواليات المتحدة األمريكية ‪1997‬م) ص‪. 257‬‬ ‫‪49‬سورة الحج ‪ :‬اآلية ‪. 78‬‬ ‫‪ 50‬ماجد عرسان ‪ :‬مرجع سابق ص‪. 279 – 257‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪58‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫‪ 51‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد السابع ص‪. 166‬‬

‫‪ 52‬صحيح البخاري ‪ :‬ج‪ .2/‬موسوعة السنة‪ .‬تونس – دار سحنون – بدون تاريخ ‪.‬‬ ‫‪ 53‬األنفال ‪ :‬آية ‪. 8‬‬ ‫‪ 54‬منشورات المهدية ‪ :‬تحقيق أبو سليم ط‪( 2/‬بيروت دار الجيل ‪1979‬م) ص‪. 7‬‬ ‫‪ 55‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثاني ص‪. 6‬‬ ‫‪ 56‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثاني ص‪. 212‬‬ ‫‪ 57‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثاني ص‪. 24‬‬ ‫‪58‬المرجع نفسه ‪ :‬الصفحة نفسها ‪.‬‬ ‫‪ 59‬ماجد عرسان الكيالنى ‪ :‬مرجع سابق ص‪. 245‬‬ ‫‪60‬سورة المزمل ‪ :‬اآلية ‪. 10‬‬ ‫‪ 61‬سورة العنكبوت ‪ :‬اآلية ‪. 26‬‬ ‫‪62‬محجوب مالك ‪ :‬المقاومة الداخلية لحركة المهدية ‪ .1898 – 1885‬ط‪( 1/‬بيروت دار الجيل ‪)1987‬‬ ‫ص‪. 58‬‬ ‫‪63‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد األول‬ ‫‪ 64‬مرجع سابق ‪ :‬ص‪. 119‬‬ ‫‪ 65‬المرجع نفسه ‪ :‬المجلد األول ص‪. 101‬‬ ‫‪66‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد األول ص‪. 158‬‬ ‫‪ 67‬ماجد عرسان ‪ :‬مرجع سابق ص‪. 252‬‬ ‫‪68‬نعوم شقير ‪ :‬مرجع سابق ص‪96. 351‬‬ ‫‪69‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثالث ص‪. 206‬‬ ‫‪70‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الخامس ص‪. 43‬‬ ‫‪ 71‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد األول ص‪. 161‬‬ ‫‪ 72‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثالث ص‪. 311‬‬ ‫‪ 73‬المرجع نفسه ‪ :‬ص‪. 320‬‬ ‫‪ 74‬المرجع نفسه ‪ :‬ص‪. 14‬‬ ‫‪ 75‬المرجع نفسه ‪ :‬ص‪. 251‬‬ ‫‪ 76‬المرجع نفسه ‪ :‬ص‪. 251‬‬

‫‪77‬عب هللا حسن زروق ‪ :‬قضايا التصوف اإلسالمي‪ .‬ط‪( .1/‬الخرطوم دار الفكر ‪1992‬م) ص ‪. 16 – 15‬‬ ‫‪ 78‬الشيخ حازم أبو غزالة ‪ :‬أسئلة وأجوبة عن التصوف‪ .‬ط‪( 1/‬عمان – األردن ‪1991‬م) ص‪. 101‬‬ ‫‪79‬زكى مبارك ‪ :‬مرجع سابق ص‪. 196‬‬ ‫‪ 80‬المرجع نفسه ‪ :‬الصفحة نفسها ص‪. 639‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪59‬‬


‫د‪.‬عبد العظيم عثمان قمر الدين‬

‫الفلسفة التربوية لإلمام المهدي السوداني‪...‬‬

‫حوى ‪ :‬مرجع سابق ص‪. 270‬‬ ‫‪ 81‬سعيد ّ‬ ‫‪ 82‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد األول ص‪158‬‬ ‫‪ 83‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الرابع ص‪. 93‬‬ ‫‪ 84‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد السابع ص‪. 246‬‬ ‫‪85‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد السابع ص‪. 188‬‬ ‫‪86‬منشورات المهدية ‪ :‬ص‪. 304‬‬ ‫‪87‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد األول ص‪321‬‬ ‫‪88‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد األول ص‪. 296‬‬ ‫‪ 99‬السجدة ‪ :‬اآلية ‪. 19‬‬ ‫‪ 90‬يوسف ‪ :‬اآلية ‪. 69‬‬ ‫‪91‬الضحى ‪ :‬اآلية ‪. 6‬‬ ‫‪92‬األحزاب ‪ :‬اآلية ‪. 51‬‬ ‫‪93‬ماجد عرسان الكيالنى ‪ :‬مرجع سابق ‪279‬‬ ‫‪ 94‬بابكر بدري ‪ :‬مرجع سابق ص‪. 58‬‬

‫‪ 95‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثاني ص‪. 28‬‬ ‫‪ 96‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثاني ص‪)62‬‬ ‫‪ 97‬اآلثار الكاملة ‪ :‬المجلد الثاني ص‪62‬‬ ‫‪98‬منشورات المهدية ‪ :‬مرجع سابق ص‪. 48‬‬ ‫‪ 99‬يسألونك عن المهدية ‪ :‬الصادق المهدي (لبنان – مطبعة الغريب ‪1975‬م)‬ ‫‪ 100‬المرجع نفسه‪ :‬نفس الصفحة‬ ‫‪101‬الطاهر محمد على ‪ :‬األدب الصوفي في السودان‪ .‬ط‪/‬أولى (الدار السودانية ‪1970‬م) ص‪. 72‬‬

‫جوان ‪2017‬‬

‫‪60‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.