August Phoenician Bird

Page 1

‫طائر الفينيق‬

‫‪August 2018‬‬

‫م‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫أ‬ ‫دبي‬

‫ة‬ ‫ث‬ ‫قا‬

‫ف َّي‬ ‫ة‬ ‫ف‬

‫كر ةي‬

‫فلس‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أصواتنا ليست ملكنا‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‬

‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ن‬ ‫وي�‬ ‫تعيدين تك ي‬ ‫الدليم‬ ‫د‪.‬رياض‬ ‫ي‬

‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫كيارا‪ :‬الشمعة العارية‬ ‫د‪ .‬أسماء غريب‬

‫العصيان‬

‫د‪.‬هويدا ش�يف‬

‫إشكالية النقد النص ي ن‬ ‫ب� النظرية والتطبيق‬ ‫ي‬ ‫عل قادرة‬ ‫د‪.‬غيثاء ي‬

‫فية‬


‫اكتفيت من غبار الحروب‬ ‫ندى م عادلة‬ ‫دالالت الخطاب الصوفي في ‪:‬‬ ‫ديوان د ‪ .‬أسماء الغريب (‪ 99‬قصيدة عنك ) الجزء االول‬ ‫رياض ابراهيم الدليمي‬ ‫كاتب واعالمي‬ ‫العراق‬ ‫رسالة تذروها الريح ( ‪) ١‬‬ ‫امال قاسم‬ ‫«ربّـما»‬ ‫د‪ .‬يسرى بيطار‬ ‫مرآتي‬ ‫مرام عطية‬ ‫النوستالجيا‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬ ‫فلسفة‬ ‫الخطاب االستشراقي الحديث في القراءات العربية‬ ‫عامر عبد زيد الوائلي‬ ‫الجزء الثالث‪/‬‬ ‫استاذ الفلسفة جامعة الكوفة‬


‫ا لمحتو يا ت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عيدين َت ْك ن‬ ‫وي�‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫الدليم‬ ‫افتتاحية العدد ‪ :‬د‪.‬رياض‬ ‫ي‬ ‫كيارا‪ :‬الشّمعةُ العارية *‬ ‫د‪ .‬أسماء غريب‬ ‫إشكالية النقد النصي بين النظرية والتطبيق‬ ‫د‪.‬غيثاء علي قادرة‬ ‫العصيان‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬ ‫أنا آسفة‬ ‫إكرام عيد‬ ‫ال أدري‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬


‫عنوان‬ ‫فوزية عبدالوي‬ ‫المالئكة تزف الشاعرة كزال ابراهيم الى السماء‬ ‫د‪ .‬رياض الدليمي‬ ‫أصواتنا ليست ملكنا‬

‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬حسن فرحات‬


‫العزف بكرسي قاسم سعودي‬ ‫اسماعيل ابراهيم عبد‬ ‫الحقوق والحريات يف اإلسالم ‪//‬‬

‫محمد طي‬ ‫أو تأسفين ؟‬ ‫مازن الطباع‬ ‫من ديوان (لمن يبكي التراب)‬ ‫قَبَ ُ‬ ‫س األ َ ْر َواحِ‬ ‫شعر‪ :‬أحمد عبد الرحمن جنيدو‬ ‫النص المسرحـــي‬ ‫آخــــر النــــاس‬ ‫إعــــداد‬ ‫الكاتبة المغربية‬ ‫فوزية بندادا‬ ‫قراءة بنيو ّية ( ألسنية – سيميولوج ّية)‬ ‫لقصيدة‬ ‫«صوت وسوط»‬ ‫لـمحمود درويش‬ ‫مهاد نظري‬ ‫د‪ .‬هدى املعدراين‬



‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫وي�‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫عيدين‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫الدليم‬ ‫د‪ .‬رياض‬ ‫ي‬

‫افتتاحية العدد‬

‫من رتق األرض‬ ‫شماال وجنوبا‬ ‫وأقطابا باردة‬

‫وأخرى مشتعلة‬ ‫ض‬ ‫يانعة‬ ‫وخ�ة‬ ‫وقش‬ ‫سهوب‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وجذور الحناء‬ ‫ِ‬ ‫وبقايا صدور اليمام‬ ‫ن‬ ‫تكوي�‬ ‫تعيدين‬ ‫ي‬ ‫بمزاج ث‬ ‫أن�‬ ‫ابتالها الفراق‬ ‫ونآها الربيع‬ ‫ين‬ ‫بالحن�‬ ‫بقلبها الموجوع‬ ‫ّ‬ ‫الندية بهريس نيسان‬ ‫بأناملها‬ ‫بأثر قبضتها عىل عجينة جسدي‬ ‫ثلثاهكالكامش‬

‫وآخر جندي مجهول الصفات‬ ‫ف‬ ‫سقط ي� حروب الجغرافيا‬ ‫وبشهادة التاري ــخ‬ ‫ُ‬ ‫تعرص عىل جلدي المنسوج بأناملها‬ ‫ومشيئتها‬


‫ين‬ ‫السن�‬ ‫ركام‬ ‫ألوان الفصول‬ ‫مآثر المغول‬ ‫قناطر دجلة الهاوية عىل أثداء الموج‬ ‫ف‬ ‫وقاحة الغبار ي� لحظات الخلق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أبدو رجال خارقا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫محررا لسبايا األيزيد‬ ‫مواسيا لبنات مريم‬

‫ف‬ ‫ثائرا عىل عرش مغتصب ي� األندلس‬ ‫اس�طة‬ ‫أ� الهاربة اىل ب‬ ‫وبردة ب ي‬ ‫ُ َ ّ ْ‬ ‫هكذا أريد يل ان أكون‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي� ليلة أعدت بوجع المخاض‬ ‫ُ ن‬ ‫م�‬ ‫أنا المسلوب ي‬ ‫ّ‬ ‫المكب ُل بالرموش‬ ‫والمسحون بالمزاج‬ ‫خاو من أناي‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ي� لحظة انفالق األكوان‬ ‫وصهيل أعوام عجاف‬ ‫ً‬ ‫ث‬ ‫تبع� ن ي� ألواحا ال تقرأ‬ ‫بج�وت امرأة‬ ‫واسطورة كتبت ب‬




‫كيارا‪ :‬الشّمعةُ العارية *‬ ‫د‪ .‬أسماء غريب‬ ‫سبْع‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫لكن حدث لي‬ ‫‪1979‬‬ ‫والتعري بامتياز‪ ،‬صحيح أنّني ل ْم أكُ ق ْد تجاوزتُ آنذاك سنواتِي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫كانت في حياتي سنة العُري ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫فذات‬ ‫تجردا من ك ّل شيءٍ ؛‬ ‫َ‬ ‫من الوقائع والمشاهد ما ال يصدّقهُ بشر‪ ،‬عرفتُ من خاللها معنى أن يكونَ اإلنسان عاريا و ُم ّ‬ ‫صباحٍ بينما كنتُ بصدد مغادرة المنزل قاصدة المدرسة‪ ،‬فتحتُ الباب وإذا بي أج ُد امرأة ُمسنّة جالسة عارية كما ولدتها‬ ‫ْ‬ ‫وكانت منهمكة في تمشيط شعرها بمشط طويل قديم رفيع األسنان‪ .‬ارتعبتُ في البداية من المنظر القاسي‬ ‫أمام العتبة‪،‬‬ ‫أ ّمها َ‬ ‫ُ‬ ‫على قلبي‪ ،‬إال ّ‬ ‫أن المرأة حاولت أن تهدّأ من روعي بكلمات قالتها بوجه بشوش وعينين ثاقبتين‪« :‬ال تخافِي يا ابنتي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ئ عظامي بأشعة الشمس المتوهجة ُهنا»‪.‬‬ ‫فإنّي ل ْم ِ‬ ‫ي أأمنَ من عتبة هذا البيت ك ْي أمشط فيها شعري‪ ،‬وأ ْدفِ َ‬ ‫أج ْد في هذا الح ّ‬ ‫الخوف واالرتباك‪« .‬ألنني ال أخاف من شيء‪ ،‬وال يراني أحد»‪ .‬أجابت‬ ‫ذهب عنّي‬ ‫«ولماذا أنت عارية؟» سألتُها وقد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بصوت خفيض‪ ،‬وهي تحاو ُل قت َل قملتي ِْن سقطت َا من المشط فوق منديل رأسها األبيض الذي كان ال يُغطي من جسدها‬ ‫إليك‪ ،‬وفيهم من‬ ‫األول من الفخذين‪« .‬أن ِ‬ ‫ت مخطئة يا سيدتي‪ ،‬كل الناس في الشارع ينظرون ِ‬ ‫سوى منطقة العورة والجزء ّ‬ ‫ْ‬ ‫يضحك من منظرك‪ ،‬أرجوك استري نفسك»‪ ،‬ثم نزعت معطفي ورميتُه فوق صدرها‪ ،‬لكنها رمتهُ فوق األرض‪ ،‬وقالت‬ ‫يتعرى مثلي؟»‪ .‬ابتسمتُ وقلتُ‬ ‫من جديد‪« :‬وهل أولئك ناس‪ ،‬هل هم من أبناء آدم؟ أنا ال أراهم‪ .‬هل فيهم من يستطيع أن‬ ‫ّ‬ ‫في خاطري‪[ :‬طبعا ال‪ ،‬وهل ُهم مجانين مثلك؟]‪ ،‬ث ُ ّم غادرتُ المكان قاصدة مدرستي وتركتُها وشأنها حينما فهمتُ أال‬ ‫ث َمعَ َها‪.‬‬ ‫جدوى من الحدي ِ‬ ‫َ‬ ‫مارة بأح ِد الشوارع‬ ‫ومرت األيا ُم سريعة‪،‬‬ ‫وحدث لي في ال ّ‬ ‫سن ِة نفسها ما ل ْم ي ُكن في ال ُحسبان‪ ،‬ذلك أنني حينما كنتُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫رأيتُ‬ ‫فيها النور قاصدة منزل جدّتي‪ ،‬إذا بفتاة عارية تماما تعبر الشارع من الجهة األخرى بسرعة‬ ‫الرئيسة للمدينة التي‬ ‫ْ‬ ‫البرق‪ ،‬وما ْ‬ ‫ْ‬ ‫ي بعصا طويلة كانت في يدها‪ ،‬وضربتنِي بها ضربة قوية على ظهري‪.‬‬ ‫إن أصبحت بقربي حتى هوت عل ّ‬ ‫ي من صوتٍ‪ ،‬ول ْم أد ِْر كيف انتزعتُ العصا من يدها وضربتُها كما ضربتي على ظهرها‪ ،‬دون أن‬ ‫صرختُ بكل ما ف ّ‬ ‫كانت تُش ُّع من عيني َها‪ .‬فقد كان جليا أنني أمام فتاة مجنونةٍ‪ ،‬وقبل أن أستيق َ‬ ‫ْ‬ ‫ظ من هول‬ ‫أخاف من موجة الهستيريا التي‬ ‫ْ‬ ‫المفاجأة سمعتُ الناس يصرخون في الشارع من حولي‪[ :‬انتبهي إنها مجنونة‪ ،‬لقد هربت من المستشفى]‪ ،‬ث ّم رأيتُ بعد‬ ‫ذلك جمعا من الممرضين يركضون خلفها محاولين اإلمساك بها لوضعها في السيارة ثم أخذها إلى المص ّحة العقلية التي‬ ‫ْ‬ ‫يٍ‪:‬‬ ‫كانت ال تبعد كثيرا عن الشارع الذي كنتُ فيه‪ .‬لكنّني قبل أن أبتع َد عنها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أذكر أنّ َها قالت لي ضاحكة بشكل َم ِ‬ ‫رض ّ‬ ‫ُّ‬ ‫عب في ال ّ‬ ‫وأضرب الناس‪ ،‬لكن ال أحد سبق له‬ ‫شارع‪،‬‬ ‫أهرب لهم من المصحة‪،‬‬ ‫عليك‪ ،‬أنا من حين آلخر‬ ‫«برافو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وأبث ُّ‬ ‫الر َ‬ ‫ت أيتها الصغيرة‪ .‬كم عمرك؟ هيّا قولي؟ وإلى أين أنت ذاهبة؟ آه عرفت‪،‬‬ ‫تجرأ قبل اليوم على ر ّد الضربة لي كما فعل ِ‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّتك‪ .‬ال تنسي أن تسلمي عليها وتقولي لها‪ :‬إنك ستصبحين كاتبة عظيمة‪ ،‬خبيرة بأهل العرفان والجنون‪ .‬آه نسيت‬ ‫إلى جد ِ‬ ‫ع الخوف والفوضى بين هؤالء الناس‬ ‫أن أقول لك‪ :‬أنا لستُ بمجنونة‪ ،‬لكن هوايتي أن أمثل دور المجنونة؟ أحبُّ زر َ‬ ‫ّ‬ ‫األشقياء القانعين بحياة الخمول‪ ،‬وحياة الحجب عن الملكوت‪ .‬تبّا لهم‪ ،‬ال يعرفون كيف يشغلون عقولهم وال كيف يحبّون‬ ‫بقلوبهم‪ .‬آآه لقد ضجرتُ من ُهم‪ ،‬وضجرتُ من كل هذه الدنيا البئيسة»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫قالت لي إنني‬ ‫علمت بأنّني ذاهبةٌ عند جدّتي‪ ،‬وال لماذا‬ ‫أعرف كيف ج ّمدتني كلماتُها في مكاني‪ ،‬وال أعرف من أين‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫سأصبح كاتبة! كنتُ في تلك اللحظة ْ‬ ‫ي آخر غير ذاك الذي كنتُ فيه حقيقةً‪ ،‬وكان ك ُّل‬ ‫كمن‬ ‫ُ‬ ‫ي ومكان ّ‬ ‫يعيش في بُعد زمن ّ‬ ‫والتعري‪ .‬وأصبحتُ منذ ذاك‬ ‫س ِّن‪ .‬وشعرتُ وكأنني أفهم لماذا العُري‬ ‫شيء يُح ّدثُني بلغ ٍة أفهمها جيدا وإن كنتُ صغيرة َ ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫التعري أمام المأل‪ ،‬ف ُهم في عرف العا ّمة مجانين يدعون إلى ال ّ‬ ‫شفقة‪ ،‬و ُهم في‬ ‫الناس الذين يستطيعون‬ ‫الحين ال أخشى‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب مطمئن سليم مشهدا آخر كانَ‬ ‫عرفي غير ذلك تماما‪ .‬حتّى أنني استطعتُ بع َد شهر من حادثة هذه الفتاة أن أتقبّل بقل ٍ‬ ‫الجو قائظا‬ ‫ي لجلب خبز البي ِ‬ ‫ت منهُ‪ ،‬كان ّ‬ ‫لرجل رأيتُه هو اآلخر عاريا حافيا كما خلقه هللا وأنا بصدد الذهاب إلى فُرن الح ّ‬ ‫المارة‪ ،‬وك ّل أبواب المنازل مغلقة‪،‬‬ ‫ساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال‪ ،‬وكان الزقاق المؤدي إلى الفرن خاليا منَ‬ ‫وكان ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫إال بيتا واحدا‪ ،‬كان يوج ُد في الدور األرضي‪ ،‬كانت له نافذة تط ُّل على الزقاق‪ ،‬وقد كانت ُمنخفضة جدّا لدرجة أنني رأيتُ‬ ‫يتعرى كامال في سريره‪ ،‬ويخر ُج مباشرة إلى الزقاق‪ .‬ل ْم ي ْنتبِه لوجودي‪ ،‬فقد كان مرفوعا ً و ُمغيّبا ً في‬ ‫منها الرجل وهو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫كنتُ‬ ‫بقيتُ‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫لذاك الذي‬ ‫الخاص‪ ،‬لكنني‬ ‫عالمه‬ ‫أنظر من بعي ٍد إلى أين هو ذاهب‪ ،‬حتى ابتلعه الزقاق الموازي َ‬ ‫ّ‬ ‫ي شيء مما رأيتُ كما هي عادتي في مثل هذه‬ ‫ي‪ ،‬ولم أح ّدِث والدتي بأ ّ‬ ‫عدتُ إلى البيت ولوحةُ الخبز الخشبيّة بين يد ّ‬ ‫المواقف التي ال يُصدّقها عقل وال تخ ُ‬ ‫ط ُر على بال بشر‪ ،‬فقد كنتُ منذ صغري أخشى عليها من ال َمشاهد الحساسة‪،‬‬ ‫وعلى قل ِبها المرهف من أشياء ال قدرة لها على تأويلها أو استنباط معانيها‪ ،‬ال سيما أنني كنتُ أعلم مدى خوفها الشديد‬


‫الملحدين‪ ،‬غالبا ما تقول ألسنتهم ما ال تبو ُح به قلوبهم‪ ،‬أشعارهم تقول هذا‪ ،‬كتاباتُهم الفلسفية العميقة‪ ،‬ولو أن الخالئقَ‬ ‫توقّ ْ‬ ‫فت ولو قليال لتسمع كالم القلوب‪ ،‬لما ت ّم تكفير أح ٍد أبدا‪ ،‬فال يوج ُد على وجه األرض كلها إنسان أو شيء كيفما كان‬ ‫ويعترف ب ِه‪ ،‬إال ّ‬ ‫ق تصاريف في تسيير شؤون كونه‪ ،‬فشا َء أن يظهر اسمه على‬ ‫هللا‬ ‫عه أو طبيعته إال‬ ‫نو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أن للخال ِ‬ ‫ويعرف َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ب عباد آخرين‪ّ ،‬‬ ‫وإل فما معنى قوله جل ْ‬ ‫س ِبّ ُح لَهُ‬ ‫عبادٍ‪ ،‬ويبقى خفيا في أ ْ‬ ‫صل ِ‬ ‫ت قدرته في اآلية ‪ 44‬من سورة اإلسراء‪« :‬ت ُ َ‬ ‫س ِبّ ُح ِب َح ْم ِد ِه َولَ ِك ْن َل ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْس ِبي َح ُه ْم ِإنَّهُ َكانَ َح ِلي ًما َ‬ ‫ورا»؟!‬ ‫ض َو َم ْن فِي ِه َّن َو ِإ ْن ِم ْن َ‬ ‫س َم َواتُ ال َّ‬ ‫ال َّ‬ ‫س ْب ُع َو ْال َ ْر ُ‬ ‫غفُ ً‬ ‫ش ْيءٍ ِإ َّل يُ َ‬ ‫ْ‬ ‫كانت من هذا النّوع منَ العباد‪ ،‬أعني أولئك الذين يسبّحون بجسدهم‪ ،‬ويحملون هللا في قلوبهم‪ ،‬ويكتبون عنه في‬ ‫كيارا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫تكون بين الناس‪ ،‬تقول عكس ما يضمره جسدُها وك ّل ما فيه من‬ ‫أشعارهم بأسماء مختلفة غير اسمه الصريح‪ ،‬لكنها حينما‬ ‫كيف عرفتُ ذلك؟ زيارة بسيطة على غير ميعاد إليها في بيتها‪ ،‬فقد سمعتُ أنها مريضة وذهبتُ لعيادتها‪ ،‬وحينما‬ ‫خاليا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫تعيش في بي ٍ‬ ‫تعيش في فيال مرفهة‪ ،‬وتكون عندها السيارة‬ ‫ت بسيط هي التي كان بإمكانها أن‬ ‫فتحت لي الباب‪ ،‬وجدتها‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الفاخرة والخدم والحشم‪ ،‬لكنها رضيت بالقليل‪ ،‬بحياة الزهد والتقشف‪ ،‬وحينما جلسنا معا في صالون الضيوف‪ ،‬رأيتُ فوق‬ ‫المائدة ما أ ّك َد لي ك ّل ما كنت قد ذهبتُ إليه من تحليالت عن شخصيتها العزيزة‪ :‬أربع قنينات فارغات من البيرا وأخرى‬ ‫نصف ممتلئة من الويسكي‪ ،‬وكأسا واحدة وحيدة تد ُّل على ّ‬ ‫شرب ك ّل تلك الكمية من الخمور هي وحدها وال أحد‬ ‫أن من‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي لكن دون جدوى‬ ‫ت كيارا حينما‬ ‫آخر غيرها‪ .‬ارتبك ِ‬ ‫ي تستقران على ما فوق المائدة‪ ،‬وحاولتُ أن ّ‬ ‫أحول عين ّ‬ ‫لمحت عين ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ذلك‪« :‬آسفة سيدتي‬ ‫فكيارا كانت على قدر عال من الذكاء وسرعة البديهة‬ ‫فبادرت تتحدث دون أن أدعوها مباشرة إلى َ‬ ‫معبدك الذي هو جسدك من تلويثه بالخمور‪ ،‬لكن ما العمل‬ ‫أسماء‪ ،‬أعل ُم أنك ال تشربين الخمرة‪ ،‬وأنك تسهرين على سالمة‬ ‫ِ‬ ‫يا سيدتي فأنا قد أدمنتُها‪ ،‬وما إن أج ُد نفسي وحيدة في البيت أشرب منها ما يكفيني‪ ،‬وخاصة إذا كنتُ متعبة‪ ،‬أو بي حالة‬ ‫معينة من اإلحباط والحزن الدفين‪ ،‬وأنا في هذه الفترة أشعر بأنني الخميرة التي منها ُخلق الحزن واالكتئاب!»‪ .‬صدمتني‬ ‫ّ‬ ‫التقزم‪ْ ،‬‬ ‫ي يجعلهُ‬ ‫يشعر أمام الناس المتألّمين والموجوعين‬ ‫كلماتها وأشعرتني بنوع منَ‬ ‫ُ‬ ‫أجل فأحيانا تدي ُّن اإلنسان التق ّ‬ ‫يشعر اإلنسان الصحيح السليم وسط المرضى‪ ،‬فماذا سيفع ُل لهم؟ أليس من األفضل‬ ‫بالحرج والدّونية أيضا‪ ،‬بالضّبط كما‬ ‫ُ‬ ‫أن يختفي من أمامهم حتى ال يشعروا بآالم متضاعفة أخرى! أنا أيضا ً لي آالمي وأوجاعي‪ ،‬لكنني حينما رأيتُ كيارا على‬ ‫ْ‬ ‫تبادرت إلى ذهني في تلك اللحظة صورة شخصين؛ واحد منهما فقير عاش حياته‬ ‫صورتها الحقة شمعةً عارية أمامي‬ ‫يمشي حافيا بين الناس وفي األسواق‪ ،‬والثاني مريض كسيح بدون قدمين‪ .‬هل يا ترى كنتُ أنا في تلك اللحظة ذاك الرجل‬ ‫شخص آخر بدون‬ ‫أعيش هكذا حافية القدمين دون أن أنتبه إلى أنه بجانبي يوجد‬ ‫ي أن‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫األول أعاتب إلهي لماذا قد َّر عل ّ‬ ‫قدمين يدعو هللا صباح مساء لو ّ‬ ‫ي بؤس‬ ‫يمن عليه بقدمين تُم ّكنَانِ ِه منَ التّجوا ِل في ملكوت هللا واكتشاف جمال الكون! أ ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ابتلينا ب ِه نحن بنو البشر؟ ما الذي يجعلنَا نحاكم الناس‪ ،‬ونصدر عليهم فتاوى مريضة ت ُ ْنتِ ُجها ُمخيّلة أكثر مرضا وعهرا‬ ‫ق األلم‪ ،‬لقد ذبحتني كيارا‪ ،‬وهي تحاو ُل ْ‬ ‫ت إلى المطبخ‪ ،‬لكنني قلتُ لها‪:‬‬ ‫أن تأخ َذ القنينا ِ‬ ‫من المرض والعهر ذاته؟ آآه يا لعُم ِ‬ ‫معك‪ ،‬منذُ‬ ‫«دعك من القنينات‪ ،‬وتعالي اجلسي بجانبي فق ْد جئتُ‬ ‫سة للحديث‬ ‫ألراك»‪« ،‬أعل ُم يا عزيزتي‪ ،‬لكنني بحاجة ما ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت مرفأ السالم يا‬ ‫لك أنت وحدك دونا عن غيرك‪ ،‬فأن ِ‬ ‫زمن وأنا أفكر في هذا األمر‪ ،‬أعني في التنفيس ع ّما بداخلي من آالم ِ‬ ‫أتعرى بدون حرج»‪.‬‬ ‫أسماء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأمامك وحدك أستطي ُع أن ّ‬ ‫الخالق حينما كنتُ صغيرة ً ب ُك ّل تلك ال َمشاهد العارية في طفولتي‪ ،‬المرأة ُ‬ ‫كلمات كيارا هذه جعلتني أفه ُم لماذا َّ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫من عل ّ‬ ‫تفر من المصحة العقلية لتبثّ‬ ‫ال ُمسنّة التي كانت تمشط شعرها عارية أمام عتبة البيت‪ ،‬الفتاة ُ المجنونة التي كانت كثيرا ما ّ‬ ‫الخوف في الناس‪ ،‬رج ُل النافذة العاري‪ ،‬ث َّم مجذوب المدار‪ .‬ك ّل هؤالء رأيتُهم اللحظةَ في كيارا‪ ،‬وما كان أمامي سوى‬ ‫ْ‬ ‫تتعرى حتى آخر ثوب كانَ يحجب عنها الصفاء والطمأنينة والسالم‪ .‬كانت كيارا‬ ‫وأترك صديقتي‬ ‫أن ألتزم بالصمت‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وهي تحدثني عن أوجاعها مسيحا جديدا مرفوعا فوق الصليب‪ ،‬وكنتُ أنا في تلك اللحظة مريم جديدة تُشبهُ ذلك العمل‬ ‫تنتحب وابنُها بين يديها بعد ْ‬ ‫أن ت ّم‬ ‫الذي نحته الفنان اإليطالي ميكيآلنجلو بوناروتي وأسماهُ بييتا (الشفقة)‪ ،‬للعذراء وهي‬ ‫ُ‬ ‫إنزاله عن الصليب‪ .‬أجل‪ ،‬كيارا في تلك اللحظة كانت ابنتي‪ ،‬وكنتُ أ َّمها‪ ،‬مسحتُ دمعَها‪ ،‬وأخذتُها إلى السرير كي تنام‬ ‫عدتُ إلى بيتي وفي قلبي صلواتٌ وشموع أشعلتُها ألجلها‪ ،‬داعية هللا أن يهبَها ويهبني السالم والطمأنينة‬ ‫قريرة‬ ‫العين‪ ،‬ث َّم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫كانت‬ ‫ت كيارا برجل يعشقها إلى الجنون‪ ،‬ونسيت اآلالم التي‬ ‫األبديين‪ ،‬وحمدا هلل أن تحققَ الدعاء والرجاء‪ ،‬فقد تزوج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫هناك حيث قضت نحبها‬ ‫وذهبت لتعيش في مدغشقر‬ ‫تعاني منها منذ ريعان الشباب بسبب قصة حبّ مستحيلة وفاشلة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وتركت خلفها ابنتين رائعتين وزوجا هو من أخلص خدّام المسيح في إحدى كنائس مدغشقر‬ ‫جراء تش ّمع الكبد الكحولي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أقل ل ُكم ّ‬ ‫ْ‬ ‫الجميلة‪ :‬أل ْم ْ‬ ‫تكتب سوى عنه‪ ،‬على الرغم مما كانت تدّعيه من إلحاد وما‬ ‫كانت تحبُّ المسيح‪ ،‬وال‬ ‫إن كيارا‬ ‫ُ‬ ‫سها لم تكن لتصدّقَ أنها في يوم من األيام كانت ستصبح من أش ّد المحبين ليسوع‪ ،‬ومن أكثر‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬حتّى أنّها هي نف ُ‬ ‫العارفات الالئي كتبنَ عنهُ أجم َل األشعار وأعمق القصائد!‬ ‫ ‬

‫•(من المجموعة القصصية (أنا رع)‪ ،‬دار الفرات للثقافة واإلعالم‪ ،‬العراق‪)2016 ،‬‬


‫ْ‬ ‫بدأت حقيقة في األواخر العشر من رمضان السنة‬ ‫صتي م َع َمشاهد هذه السنة ل ْم تنت ِه هنا‪ ،‬ولكنّها‬ ‫منَ المجانين‪ .‬لكن ق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سحور التي ستُعدُّها‬ ‫ذاتها‪:‬‬ ‫أذكر أنني كنت غاطة في نوم لذيذ بعد أداء صالة العشاء‪ ،‬وكنتُ أف ّك ُر بقلبي الطفل في مائدة ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫وكانت أمنيتي أن تض َع بين أطباقها الشهيّة سمكاً‪ ،‬فأنا كنتُ ول ْم ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫س َم َك جدّا ج ّداً‪ ،‬لك ِنّي‬ ‫ستكون‪،‬‬ ‫كيف‬ ‫والدتي‬ ‫أحبُّ ال ّ‬ ‫أزل ِ‬ ‫َ‬ ‫س َمكيّ ِة‪ ،‬إذا بي أسم ُع صوتا ً باكيا ً ْ‬ ‫ت يقولُ‪« :‬إلهي‪ ،‬وإله الناس أجمعين‪،‬‬ ‫من خارجِ البي ِ‬ ‫وبينما كنتُ غارقة في أحالمي ال ّ‬ ‫يح ِن الوقتُ بع ُد كي يتر ّجل هذا‬ ‫يا من يحار في فهمه العارفون‪ ،‬يا حبيب األطفا ِل وأباهم الحنون وأ ّم ُهم المعطاءة‪ ،‬أل ْم ِ‬ ‫تستكف بعدْ‪ ،‬فق ْد بلغ منّي‬ ‫أنت ل ْم‬ ‫ب؟ متى ستُخر ُجني من عين‬ ‫كنت َ‬ ‫إبرتك الضيقة هذه يا إلهي؟ إذا َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الفارس عن ال ّ‬ ‫صلي ِ‬ ‫ُ‬ ‫أن أبقى هكذا ُمدمنا ً عبدا ً‬ ‫أيرضيك ْ‬ ‫واعف عنّي وارحمني من خمرة العربدة وأه ِل َها‪،‬‬ ‫ّاث‪،‬‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫يا‬ ‫أغثني‬ ‫مداه‪،‬‬ ‫ع‬ ‫والوج‬ ‫األل ُم‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أيرضيك ْ‬ ‫ض األطفا ُل خلفي يضربونني بالحجر صباح مساء‪ ،‬آآآآ ٍه يا إلهي‪ ،‬الغوث‬ ‫ذليال لقنينة ال تساوي فلسا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أن ير ُك َ‬ ‫ت الكلمات صرخةٌ عظيمة جعلتنِي أقفز من سريري الصغير ألتو ّجه إلى نافذة غرفتي‬ ‫الغوث الغوث يا موالي‪ »...‬ث َّم تل ِ‬ ‫ب الصرخة في تلك الساعة المتأخرة من ليلة الواحد والعشرين من شهر الصيام‪ ،‬ويا لهول‬ ‫علّي أنظر إلى صاح ِ‬ ‫وأفت َحها‪َ ،‬‬ ‫ما رأيتُ ‪ :‬كان الرجل يقف عاريا إال من سروال قصير جدّا في وسط الدّوار المروري الذي كانَ يص ُل الشارع الرئيس‬ ‫أعرف كيف‬ ‫ي منظرهُ بقوة‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫بشوارع متفرقة أخرى‪ .‬وكانَ أشعث الشعر‪ ،‬طويل اللحية‪ ،‬ويبكي بحرق ٍة شديدة‪ .‬أثّر ف ّ‬ ‫الر ُجل العاري‪ ،‬تاركةً‬ ‫ي وإخوتي‪ ،‬وذهبتُ إلى ّ‬ ‫أنني خرجتُ ُمتس ّحبة على أطراف أصابعي حتى ال أوقظ أحدا من والد َّ‬ ‫باب البيت مواربا‪ ،‬وحينما وصلتُ إلى الدوار وكان قريبا جدّا من منزلنا‪ ،‬جلستُ عن َد قدم ْي ِه‪ ،‬أستمع إلى مناجاته الليلية‬ ‫ئ بأنّهُ رآني‪ّ ،‬‬ ‫ي ّ‬ ‫لكن ظنّي لم يكن‬ ‫الرج َل ل ْم ينت ِب ْه إلى وجودي‪ ،‬ألنهُ ل ْم تصد ُْر عنهُ أيّةُ حرك ٍة تُنب ُ‬ ‫بأن ّ‬ ‫مع هللا‪ .‬كانَ يُخيّ ُل إل ّ‬ ‫في محلّه‪ ،‬فالرجل وهو في عمق دعائه وصالته وض َع ي َدهُ فوقَ رأسي وأكم َل ُمسا َم َرتَهُ الطويلة التي مازلت لليوم أتذ ّك ُر‬ ‫وكيف ال أتذ ّكرها وقد خبرتُ بها معنى أن يفنى العاب ُد بين يدي ربّه إلى أن يصبح ال شيء يُذكر‪،‬‬ ‫كل كلمة وحرف فيها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ذاك كان شعوري في تلك الليلة الرمضانية العجيبة‪ :‬لقد أصبحتُ ال شيء‪ ،‬اختفيتُ‬ ‫ويلتحم مع الكون بأسرهِ‪ .‬نعم يا أحبّتي‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫واختفَ‬ ‫ت المدينة كلُّها‪ ،‬ولم تبقَ سوى كلمات الدعاء تترد ُد بين األرض والسماء‪ .‬كان هذا‬ ‫اختف‬ ‫بل‬ ‫ّوار‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫واختفى‬ ‫الرجل‬ ‫ى‬ ‫ِ‬ ‫ق لي أبدا أن خبرتُه‪ ،‬إال إنني حينما عدتُ إلى نفسي‪ ،‬وظهرتُ لها جسدا وروحا‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬ل ْم يسب ِ‬ ‫اإلحساس باالختفاء جديدا عل ّ‬ ‫ُّ‬ ‫عدتُ‬ ‫أدراجي إلى البيت‪،‬‬ ‫ل ْم أج ِد الرجل بجانبي‪ ،‬ظ ّل ُمختفيا‪ ،‬والتفت عبثا من حولي‪ ،‬لكن ال أثر لهُ‪ ،‬وما كان سوى أن‬ ‫واستلقيتُ من جديد فوق سريري‪ ،‬أنتظر أن َّ‬ ‫تدربني على‬ ‫تدق ساعةَ المنبّ ِه معلنةً حلول وق ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫سحور‪ ،‬فقد كانت والدتي ّ‬ ‫الصيام ُمنذ نعومة أظافري‪ ،‬وكنتُ أج ُد متعةً عظيمةً في ذلك‪ .‬ل ْم ْ‬ ‫أخبِ ْرهَا طبعا بأمر الرجل العاري‪ ،‬مخافة ّأل تصدقني‪،‬‬ ‫ال سيما وأنهُ كان قد اختفى‪ ،‬وخشيتُ أن تقول بأن األمر كله كان مجرد حلم من أحالمي العجيبة‪.‬‬ ‫المناجي لربّه حقّا في تلك الليلة؟ ربّما يكون الجواب نعم‪ّ .‬‬ ‫لكن الذي أعرفُه أنّه‬ ‫الرج ُل المدمن للكحول‪ ،‬العاب َد‬ ‫هل اختفى ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ت كيارا أستاذة‬ ‫حينما كبرتُ ‪،‬‬ ‫الر ُج ِل‪ ،‬وكان معظمهم من المدمنين للكحول‪ ،‬وكان ِ‬ ‫ظهرت في حياتي نماذج أخرى من هذا ّ‬ ‫الفلسفة التي عرفتها هنا في إيطاليا وصاحبة المبادرات والمحاضرات عن السالم والمحبة الكونية منهم‪ّ .‬‬ ‫لكن الفرق‬ ‫الوحي َد الذي كان بينَها وبين رجل المدار ُهو ّ‬ ‫أن هذا األخير حينما عرفتهُ في طفولتي كان يبدو عليه اإلدمان والوجع‬ ‫ْ‬ ‫ي الجميع‪.‬‬ ‫واأللم‪ ،‬أ ّما كيارا‪،‬‬ ‫فكانت تبدو إنسانة عادية للغاية‪ ،‬رزينة‪ ،‬هادئة و ُم ّ‬ ‫درسةً بارعة يشه ُد بالتزامها ّ‬ ‫وتفوقِها الفكر ّ‬ ‫هذا كان ما يبدو طبعا للنّاس‪ ،‬لكنني كنتُ أنظر إليها دائما بعين مختلفة‪ُ :‬‬ ‫لون عينيها كان فيه شيء يشي بالحزن العميق‬ ‫والفقد األليم‪ُ ،‬‬ ‫ي ما‪ ،‬حرمان قد يكون ذا طبيعة أسريّة‪،‬‬ ‫لون شفتيها‬ ‫َ‬ ‫كذلك كان فيه شيء يقول إنها تعاني من حرمان جسد ّ‬ ‫ق نفسي مكتوم‪ ،‬فلقد كان يبدو جليا ّ‬ ‫أن هذه األخيرة غير مقصوصة‬ ‫أو عشقيّة‪ ،‬شك ُل أظافرها كذلك كان يشير إلى قل ٍ‬ ‫بمقص األظافر‪ ،‬وإنّما مقضومة قضما ً باألسنان ْ‬ ‫وإن لم يسبق لي أبدا أن رأيتها وهي تقضم أظافرها أمام الغير أو حتّى‬ ‫عش لقلق جريح‪ .‬ك ّل هذه العالمات وغيرها كانت توحي بوجود شيء‬ ‫أمامي‪ .‬أ ّما‬ ‫شعرها فكان شاحبا رمادي اللون كأنه ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫تتعطر به دائما‪ ،‬ألنه‬ ‫سر غريب‪ ،‬زاد من غموضه رائحةُ العطر الذي كانت‬ ‫ما غير طبيعي في صديقتي‪ :‬جرح دفين‪ ،‬أو ّ‬ ‫ْ‬ ‫كانت تحاول أن تخفي شيئا ما بهذا العطر‪ ،‬وكنتُ‬ ‫أشعر كلما التقيتُ بها أنّها‬ ‫قريب إلى ح ّد ما من رائحة الشامبانيا‪ .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫شعرت بما كنت أحاول أن أفهمهُ عنها‪،‬‬ ‫تتحرج من ُمعانقتي‪ .‬كنتُ أعلم أنها مثلي على قدر عال من الحساسية‪ ،‬وأنّها ربّما‬ ‫ّ‬ ‫أطلقتُ‬ ‫أحببتُ‬ ‫نبض قلبه وفكره حتى‬ ‫يجس‬ ‫كي‬ ‫لقلبي‬ ‫العنان‬ ‫زميال‪،‬‬ ‫أو‬ ‫أختا‪،‬‬ ‫أو‬ ‫أخا‪،‬‬ ‫أو‬ ‫كان‬ ‫صديقا‬ ‫ما‪،‬‬ ‫شخصا‬ ‫ما‬ ‫إذا‬ ‫فأنا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أي بشكل ال أجعلهُ يشعر بمرهم المحبّة بين أصابعي‪ .‬ل ْم أكن‬ ‫إذا ما لمستُ جرحا ً حاولتُ تضميده وإن بطريقتي الخاصة‪ْ ،‬‬ ‫أبدا لحوحةً مع كيارا‪ ،‬لكني لفترة ما أدمنتُ قراءة أشعارها‪ ،‬فقد كانت شاعرة أيضا‪ ،‬والبدي ُع في ك ّل هذا أنني كنت أجدُها‬ ‫عاشقة للمسيح في كل سطر من سطور كتاباتها وإن لم تكن تذكر اسمه أبدا‪ ،‬الشيء الذي كان يدفعني إلى التساؤل دائما‪:‬‬ ‫أن تكون على هذا القدر من الصوفية والعرفانية‪ ،‬بل ْ‬ ‫ي دين تماما ْ‬ ‫أن‬ ‫كيف ألستاذة فلسفة شيوعية ملحدة‪ ،‬ال تعترف بأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫تكون قادرة على هذا النوع من العشق العجيب الذي يربط وعيها الباطن بالمسيح؟! أعل ُم أن األمر يتعلق بسؤال ُمحرج‬ ‫لمرات عديدة وم َع أكثر من شخص من المثقفين الملحدين‪ ،‬أجل يا أحبّتي‪ ،‬هؤالء‬ ‫ي‪ ،‬لكنني وجدتُني أصطدم به ّ‬ ‫تناقُ ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫ُ‬ ‫يمكن أن يراهُ إال ذوي البصيرة الذين يخترقون بقلوبهم‬ ‫الملحدون غالبا ً ما يحملون بدواخلهم إيمانا يه ّد الجبا َل‪ ،‬إيمانا ً ال‬ ‫والغريب في األمر أننِي كنتُ دائما ما أبتس ُم إذا ما صادفني ملحد‬ ‫الروح‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫األشكال الخارجية الزائفة وينفذونَ إلى عمق ّ‬ ‫ّ‬ ‫أصر هو بلسانه على إنكاره‪ :‬هؤالء الشريحة من‬ ‫ذو ثقافة عميقة يجادلني في هللا‪ ،‬ذلك أنني كنتُ أرى هللا في قلبه كلما‬ ‫ّ‬



‫إشكالية النقد النصي بين النظرية والتطبيق‬

‫د‪.‬غيثاء علي قادرة‬

‫على الرغم من الجهود الحثيثة المقدَّمة من مجموعة من النقاد والباحثين الذين طرقوا باب النص األدبي‬ ‫نقدا ً ‪ ،‬فإن عثرة رئيسة ماتزال تحول دون ولوجنا عالم النص ‪,‬وهي غياب الجانب التطبيقي ‪ .‬فما زالت‬ ‫المزاولة النقدية األدبية‪-‬عند بعضهم‪ -‬قاصرة ً دون استعراض الع ِيّنات النصية ‪ ،‬ومازالت معظم القراءات‬ ‫مستقلةً بالنظر دون تحليل البنى اإلبداعية التي تضمنها النص األدبي ‪ ,‬فقد مأل معظم النقاد صفحاتِهم‬ ‫بكالم ال موطئ له على أرض النص ‪ ,‬واقتصر معظمهم على التنظير واالستغراق في العروض النظرية‬ ‫الخالصة‪ ,‬وكأنهم يقرون –بقصد أو بغير قصد‪ -‬أن النص مايزال لغزا ً محيرا لمن يروم مواجهته ‪ ،‬ومن‬ ‫هنا غدت اإلشكالية في ّ‬ ‫ي أكثر وضوحاً‪ ,‬فقد أوقع ذلك‬ ‫تأزم النقدالنظري ‪,‬وابتعاده عن نبض الواقع الن ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫التفكك بين النظرية والتطبيق الممارسةَ النقديةَ األدبية في عزلة عن البحث ‪ ،‬ولمس باحثون هذا الخلل‬ ‫وعايشوه؛ إلى درجة صدوا فيها عن كل غاية بحثية‪ ,‬واقتنعوا بالشكل والكم فحسب‪.‬‬ ‫لم يسر النقد بجانبيه التنظيري و التطبيقي في مسلك واحد ‪ ،‬وال في مسلكين متوازيين‪ ،‬بل سلك كل منهما‬ ‫سبيالً غير سبيل اآلخر‪ ,‬ما أدى إلى اتساع الهوة بين الجانبين‪.‬‬ ‫أما سبيل الخالص من هذه اإلشكالية فتحتاج إلى مزيد من التفعيل التطبيقي ‪ ,‬فالتطبيق بمنزلة روح‬ ‫النظرية‪ ,‬وقلبها النابض بالحياة؛ لذا وجب على من يخوض في غمار النقد مراعاة منهجية التطبيق في‬ ‫إثر التنظير‪ ..‬كي ال نجد أنفسنا أمام كم هائل من األفكار التي قد تبدو مجدية بين طيات البحوث ‪ ,‬فإذا ما‬ ‫حاول بعضهم تطبيقها استعصت عليه‪.‬‬ ‫آن أن يلتفت معضم الباحثين إلى عدم االقتصار على النقول النظرية ‪ ،‬فينكفؤون عن ذلك إلى حال‬ ‫المزاولة النقدية األدبية ‪ ،‬ويؤكدون أحكامهم بشرح الكيفيات والسبل التي من شأنها أن ّ‬ ‫تنزل ك ّل فكر محله‬ ‫سواء ‪.‬‬ ‫من ممارسة اللّغة واألدب على ال ّ‬ ‫ي أو فني‬ ‫وآن لهذا التف ّك َك غير المنهجي بين النقد النظري واإلجراء التطبيقي أن ينتقل من عالم فكر ّ‬ ‫ي‪ ,‬ينطلق من بنية الخطاب األدبي إلى دالالته وأبعاده‪.‬‬ ‫فلسفي نظر ّ‬ ‫ي إلى إجراء تطبيق ّ‬ ‫القراءة النقدية الحقَّة عملية إعادة تشكيل للنص‪ ,‬عبر ترميم فجواته‪ ،‬وإظهار المضمر المكنون في خفايا‬ ‫نسيجه البنائي المتاح للمعاينة ؛ ومن هنا فإن العالقة بين النظرية والتطبيق عالقة النبتة بالماء‪ ,‬فدونه‬ ‫التعيش‪.‬‬ ‫إن الحقيقة التي ينبغي علي الجميع اإلحاطةُ بها هي أن العالقة بين التنظير والتطبيق عالقة تكاملية لمن‬ ‫أراد النجاح‪ ..‬فالتنظير ألفكار ال يمكن ترجمتها إلى واقع معيش اليعدو حبرا ً علي ورق وجسدا ً من دون‬ ‫حياة‪ ,‬كما أن الحراك الذي ال يقوم علي فكر راشد وسليم ال يعدو أن يكون خبط عشواء وجهدا ً بال طائل‪..‬‬ ‫غاب عن كثير من الدراسات التمييز بين الخطاب والنص على المستوى التطبيقي ‪,‬فقد اقتصرمعظمها‬ ‫على التمييز بينهما نظريا ً ‪,‬وهنا ال بد لنا من التمييز بينهما ؛ فالخطاب يتم من خالل مظهره التركيبي‬ ‫أو النحوي ‪,‬هو رسالة لغوية يبثها المبدع إلى المتلقي فيستقبلها ويفك رموزها فيتشكل النص‪ .‬هو فعل‬ ‫اإلنتاج اللفظي‪ ...‬أما النص فمخزون إشارات ذات بعد داللي‪ ,‬يتم خالله إنتاج المعنى من قبل المتلقي‪ ,‬هو‬ ‫مجموع البنى النسقية التي تتضمن الخطاب وتستوعبه‪ .‬إن (الخطاب) موضوع مجسد أمامنا كفعل‪ ،‬بينما‬ ‫النص موضوع مجرد ومفترض‪ ..‬وقراءة النص تعني تحليله من خالل مستوياته‪:‬الصوتية‪ ،‬والتركيبية‪،‬‬ ‫والداللية‪..‬‏‪ .‬وليست قضية قراءة النص الشعري قضية جديدة في النقد العربي‪ ،‬بل هي قضية قديمة‬ ‫تعود إلى بدايات النقد العربي‪ .‬ومعظمنا يذكر مقولة أبي تمام عندما سئل‪ :‬لم ال تقول ما يفهم؟ فقال‪ :‬لما ال‬


‫تفهمون ما أقول!‬ ‫إن «خير وسيلة للنظر في حركة النص األدبي ‪ ..‬هي االنطالق من مصدره اللغوي»‪.‬وبما أنه فعالية‬ ‫لغوية متمردة‪,‬منطلقة من المصدر اللغوي إلى عالم داللي جديد يخصها كان األولى التعرف على ذلك‬ ‫ضمن اإلجراء التطبيقي‪.‬‬ ‫مر الخطاب النقدي العربي الحديث بثالث مراحل أساسية‪ ،‬وقد تميزت كل مرحلة بتوجهاتها النقدية‬ ‫َّ‬ ‫والمنهجية الخاصة‪ ،‬كما أنجبت كل مرحلة نقادها ونصوصها ورؤيتها الخاصة للنص الشعري‪.‬‬ ‫فالحديث عن المنهج المعتمد لدراسة نص أدبي ينبغي أن يقترن بفعل إجرائي‪ ,‬يقوم على تحليل النص‬ ‫وصوالً إلى قراءة منهجية منتجة‪ .‬تدرك أبعاد طبقات النص‪ .‬يعمل فيه القارئ مبضعه ‪ ،‬فيشرحه‪ ،‬ليسبر‬ ‫كوامنه‪ ،‬ويكشف ألغازه‪ ،‬في سبيل تأسيس الحقيقة األدبية لهذا البناء‪ .‬فكل قراءة هي عملية تشريح للنص‪،‬‬ ‫وكل تشريح هو محاولة اكتشاف وجود جديد للنص‪.‬‬ ‫تلق داخل نظام من التفاعل‬ ‫هكذا يظهر النص (نتاجاً) لفعل‪ ,‬ولعملية إنتاج من جهة‪ ،‬وأساسا ً لعمليات ّ ٍ‬ ‫والتواصل ‪.‬‬ ‫إن من أهم األسس والمرتكزات في عملية خلق النص األدبي ‪ ,‬بجل تصانيفه األدبية المسرحية‬ ‫والقصصية والروائية والشعرية وغيرها‪ ..‬الفاعلة والمتفاعلة مع الذاكرة (الجمعية ‪ -‬الفردية) إحياؤه‬ ‫كمنتج أدبي بفعل استكناه مضمراته‪ ,‬وأبعاده بفعل تحليل إشاراته ‪.‬إحياء حيويا ً ناهضا ً تنتجه المعرفة‪,‬‬ ‫ومنه تنبثق وتتشكل مفاخر الشعوب ومعالمها‪.‬وصوالً لمراحل التغيير للنهوض بمستوى وعي الشعوب‪،‬‬ ‫لذا فإن المشاركة الفعالة بين النص كمنتج إبداعي‪ ،‬وبين القارئ بوصفه متداوالً استقرائيا ً للخطاب األدبي‬ ‫ضرورية لترتقي هذه المشاركة إلى مصاف والدة منجز جديد ‪ ,‬ومن هنا نرى بان القيمة الحقيقية لألدب‬ ‫بشكل عام وبجل أنواعه‪ ،‬تنطلق من منطقة عمل القارئ‪ ،‬وهو بمثابة الحقل اإلجرائي لوعي للكاتب‪،‬‬ ‫ولذات ماكتب‪ ،‬وهو المقياس الحقيقي لهذه المعادلة الحيّة التي علينا االلتفات إليها جميعا ً ‪ ،‬من اجل‬ ‫االرتقاء بالذائقة الجمالية الفردية‪ ،‬والجمعية‪.‬‬ ‫ينبغي إعطاء أهمية بالغة لـ مبدع للخطاب األدبي ‪ ،‬ولـ مستقبله بوصفه األداة المحللة الخطاب‪ ،‬وان هناك‬ ‫ثمة مناطق للتالقي الوعيي العالي‪ ،‬الذي سينتج تواشجا فكرياً‪ ،‬وتوائما ً ثقافياً‪ ،‬الستخالص نتائج فضلى‬ ‫من أجل الحصول على أرقى الفضائل الفكرية والوعيوية الراقية‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والفهم األمثل عبر منظومة‬ ‫القراءة‪ ،‬ونظرية التلقي ‪...‬‬ ‫يؤرق قارئه ‪,‬‬ ‫النص األدبي ليس روضة يتفيأ القارئ ظاللها‪ ،‬ناشدا ً الراحة‪ ,‬فحسب ‪ ,‬بل غدا أيضا ً حمالً ِ ّ‬ ‫فال يظفر بثماره إال بعد ألي‪ .‬فقارئ النص ليس مستهلكا ً فحسب‪ ,‬بل هو منتج ومشارك في صناعته النص‬ ‫بصورة أو بأخرى‪ .‬وذلك بفعل سعيه الدؤوب إلى ملء الفجوات أو الفراغات التي خلَّفها المبدع ‪.‬‬ ‫النقد التطبيقي ببساطة هو تناول العمل وشرحه شرحا ً فنيا ً وبأساليب وبعمق ليكون بالتالي دليالً للقارئ ‪.‬‬ ‫إن من المهم أن يعي المبدع أن هناك من هو في شراكة معه ضمن العملية اإلبداعية ‪ .‬القراءة عمل‬ ‫إبداعي‪ ،‬والبد أن يتحول القارئ إلى منتج للنص‪ ،‬يثريه دوما ً باجتالب دالالت ال تُحصى إليه‪ ،‬عن طريق‬ ‫تفسير إشاراته ورموزه التي هي في حالة غياب حتى يستدعيها القارئ‪ ،‬وأنه ال سبيل إلى إيجاد تفسير‬ ‫واحد للنص‪ ،‬وسيظل النص يقبل تفسيرات مختلفة ومتعددة بعدد مرات قراءته‪ .‬ومن هنا يتحول القارئ‬ ‫من مجرد مستهلك للنص إلى منتج له ‏‪ .‬وما أحوجنا في رحلة النهوض للجمع بين رشد النظرية الفكري‬ ‫وروعة التطبيق العملي‪ ,‬ما أحوجنا ألن نرى التكامل والتالحم والتنسيق بين عقل يُرشد ويد تشيد وعين‬ ‫ترقب بإيجابية‪.‬‬




‫العصيان‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬ ‫ويعصيني‬ ‫القلم ويتمرد‬ ‫يخسر دونك حروفي‬ ‫وعنك يتشرد‬ ‫كيف ال يكتب عنك‬ ‫ومنك‬ ‫وإليك‬ ‫ويصف عشقه‬ ‫ويتفرد‬ ‫الحرف منك خالي‬ ‫ليتك تتهجر‬ ‫ترحل‬ ‫تنأى عن بالي‬ ‫سأبتر ذراعي‬ ‫عن الكتابة‬ ‫سأتمرد‬ ‫وأهرب الى عالم الشعر‬ ‫المحال‬ ‫ألصرخ هناك‬ ‫بحرية‬ ‫من أنت أيها التمثال ؟‬ ‫الشوارع خلت‬


‫واألصوات علت‬ ‫ووحدي انا والحضيض‬ ‫نهيم في الشارع العريض‬ ‫أين الناس‬ ‫أين األطفال‬ ‫والباعة‬ ‫ترى كم مضى من الوقت‬ ‫وضاع‬ ‫وأنا في هذا الوهم‬ ‫أتخبط‬ ‫وأتردد‬ ‫قلمي يعصيني‬ ‫ويدي تتمرد‬ ‫تريد الكتابة‬ ‫والكتابة‬ ‫والكتابة‬ ‫الف الف مرة‬ ‫أحبك‬ ‫وأنا بشعوري حرة‬ ‫أكتب لذاتي‬ ‫كل مرة‬ ‫بعضا من‬ ‫تشيزوفرينيا_الحروف‬




‫أنا آسفة‬

‫إكرام عيد‬

‫«أنا آسفة يا أنت‬ ‫ألنى ظننت أنك أنا‬ ‫ألنى غرقت فى بحر الوهم‬ ‫و لم أستطع الوصول إلى إليك‬ ‫كما لن أتمكن من إرسال األيام‬ ‫التي استدنتها لكي أدفع أجر الحب‬ ‫التحزني يا نفسي‬ ‫إن وجدوا يأسى‬ ‫على منضدة الضعف‬ ‫فما عاد فى استطاعتى التبرج‬ ‫اال للموت‬ ‫أنا آسفة ألن الحب ح ّل‬ ‫وكان ال بد لي‬ ‫أن أسافر كغيري الي بعيد‬ ‫مع العلم أن أحالمي‬ ‫لم تكن كبيرة كاآلخرين‬ ‫كانت بحجم‪ .‬زهرة صغيرة‬ ‫وكلمة تمنحنى‬ ‫بضع لحظات من السعادة‬ ‫وثمن تصليح أحالمى‪.‬‬ ‫بالمناسبة لون أحالمى‬ ‫اآلن أسود بسبب كلماتك الملوثة‬


‫التى علقت فيها‬ ‫ومع ذلك هي أجمل أحالم‬ ‫حلمت بها يوما ً ما‪.‬‬ ‫أنا آسفة ألني‬ ‫بنيت لك بيتا ً فى قلبى‬ ‫كوخا ً خشبيا ً جميالً داخل عمرى‬ ‫لنعيش فيه‬ ‫بعيدا ً عن براميل الحقد المتفجرة‬ ‫بعيدا ً عن األرواح الملوثة بالكراهية‬ ‫بعيدا ً عن االنتماءات التعسفية‬ ‫وشائعات الجيران ‪.‬‬ ‫أنا آسفة يا‪........‬‬ ‫ألنني لن أستطع شراء حبك‬ ‫وعدتك أن أرحل وسأفعل‬ ‫فلترفه عن نفسك قبل التخرج‪.‬‬ ‫أنا آسفة فقد نفدت كلماتي‬ ‫ولم يعد سوي اسمك‬ ‫ورقم هاتفك سأحذفه من سجالتى‬ ‫وما الجدوى‬ ‫فأنا أحفظه عن ظهر قلب‬ ‫يا‪........‬‬ ‫لن أحادثك‬ ‫على هاتفك الحديث‬ ‫الذي يحوي «الفيس بوك والواتساب‬ ‫فما عاد لدى وقت ‪.‬‬




‫ال أدري‬ ‫د‪ .‬هويدا شريف‬

‫وال أدري ما جرى‬ ‫أيام تمر‬ ‫ويجري الدّمع رقراقا‬ ‫لفتني مشهد‬ ‫انسكب على القلب‬ ‫فاعتصر‬ ‫حزنا‬ ‫ممزوجا بالشهد مذاقا‬ ‫تع ّجب العقل‬ ‫من الخليط‬ ‫لم اليأس‬ ‫إن كان العسل‬ ‫يقطر ترياقا‬ ‫فقلت حبيبي داخل فؤادي‬ ‫والروح تشدو‬ ‫ّ‬ ‫موسيقى اللغة والورد باق‬ ‫والفكر مشغول بترجمة‬ ‫شيزوفرينيا حروفه‬



‫اكتفيت من غبار الحروب‬

‫ندى م عادلة‬

‫اكتفيت من قصائد الخليل وشيخوخة الشعر‬ ‫اكتفيت من عوالم المنفى ‪ ,‬اكتفيت من فساد الملوك‬ ‫اكتفيت من هذيان الطوائف وخيانتهم للرب‬ ‫اكتفيت من غبار الحرب ‪ ,‬اكتفيت من ضجيج الصمت‬ ‫لم اكتف منك ‪ ,‬عشت ومت دون اقتراب من تعطفك‬ ‫أو ربما من صفيحك‬ ‫أتكسر شظايا على وجع الكالم ‪ ,‬أذوب في أخاديد ضجيج الشفاه‬ ‫أنا الشاهد الحي على تعري كريات الدم ‪,‬‬ ‫على سفه لمسات الغريب في البحر والبر‬ ‫على أنين األرض‬ ‫العيد قادم بالبرد والحر‬

‫‪,‬‬

‫وأمرأة االنتظار من منقوع الصبر‬ ‫تهدهد مستنقعات المساء تحبل دون حب ‪,‬‬ ‫من المجاعة من مخلفات الحلم‬ ‫تقف على حرائق البلعاس وفيض سلمية بالحنظل والمر‬ ‫سأعرض عنك قليال ألمزق جميع الجذور والسالالت القومية‬ ‫سأرفض الوحدة والحرية ‪ ,...‬ال لألشتراكية في رسملة جيوبك‬ ‫عدني نقطتك بأخر الفصل مازال األمل يغريني‬ ‫الحقل يبتعد عني وعنك ‪...‬‬ ‫يلملم الحجارة يكتب تاريخ الفصول كبرهان‬ ‫األرض تحتاج لمصل منك ‪ ,‬لسحاب من كل المحيطات‬ ‫يرتمي على األرض يعانقها كطائر غريد حر‬ ‫سيتوقف عليك الزمن ان لم تعرف الفرضية والبرهان ‪,‬‬ ‫تشبه بموسى قليال ‪ ,‬عانق أخاك هارون انه أفصح لسانا منك‬ ‫لن تظفر بسر الموجة بربوبيتك قبل أن تالمس نبض القلب‬ ‫لن تأسرني بثورة بال نبض ‪ ,‬دون خوف دون وهن‬ ‫هل نسيت حين تهدم بيتي لجأت إلى عينيك‬


‫حين ارتجفت جفوني لجأت إلى حنان يديك‬ ‫حين داهمني الخوف هرولت إلى مكانك قرأتني بأدق التفاصيل‬ ‫على وقع الشعر في حرب الوجود‬ ‫ليس في الجبهات من هو أهم منك‬ ‫ليس في الصمت إال حضورك‬ ‫ليس في الوسادة إال رائحة صفائح الخبز والدم‬ ‫ليس في الكتاب‬

‫آية أجمل منك ليس في المجرة من هو أثمن منك‬

‫أقرؤك في كل صباح ومساء‬ ‫مرة كقيس ومرة كالزير ومرة كشهيد‬ ‫لم تعد األرض تجوع للشهوة حتى تحصد شهوة القمح‬ ‫والسماء ليست بحاجة للضوء يكفيها مخاض نجوم الصبح‬ ‫شاهدت نجوم الظهر بكل مساء وصبح‬ ‫باحتراق الرغيف ‪ ,‬بالورد بعيون المالحة والقبح‬ ‫بكل نبوءة نبي بكل جرح ‪,,,,,,‬‬




‫دالالت الخطاب الصوفي في ‪:‬‬ ‫ديوان د ‪ .‬أسماء الغريب (‪ 99‬قصيدة عنك ) الجزء االول‬ ‫رياض ابراهيم الدليمي‬ ‫كاتب واعالمي‬ ‫العراق‬ ‫يبدأ ديوان الشاعرة د‪ .‬أسماء غريب (( ‪ 9‬قصيدة عنك)) (‪ )1‬بإشكالية معقدة منذ العنونة ومنذ أول رمز فيه حيث ابتدأ برمز رقم صريح‬ ‫نص من بين‬ ‫وهو(‪ )99‬ونحن ندرك أن هذا الرقم قصدي من حيث مجيئه أوال في تراتبية العنونة واختياره كعنوان للديوان وهو باألساس ّ‬ ‫أي القصيدة التسع والتسعين من بين مائة وخمس وعشرين قصيدة احتواها الديوان‪ ،‬والالفت للنظر‬ ‫نصوص الديوان‪ ،‬ووقع تسلسله بـ (‪ْ )99‬‬ ‫أي(‪ 99‬قصيدة عنك) تضمنت تسعة أشطر أو فقرات‪ ،‬ويعد هذا الرقم الذي أصله (‪ )9‬ذات دالالت شكلية ومعنوية فكرية قصدية‬ ‫أن القصيدة‪ْ ،‬‬ ‫لم جاء الديوان والنص بهذه الصيغة دون سواها؟‬ ‫عنها‪:‬‬ ‫ويتساءل‬ ‫عندها‬ ‫يتوقف‬ ‫تتيح للقارئ أن‬ ‫َ‬ ‫والسؤال األهم الذي يتبادر للذهن لمن و ّجهت الشاعرة خطابها؟ حيث هناك مجهولية وعماء للمخاطب (بفتح الطاء) فمن هو ولماذا لم تفصح‬ ‫عنه؟ ولماذا خاطبته بحرف الجر (عن) دون سواه من حروف أو ضمائر للخطاب؟ ولماذا الخطاب كان مباشرا (ضمير متكلم مخاطب)‬ ‫وليس بضمير غائب؟ كل هذه األسئلة قد تتبادر في ذهن المتلقي ‪.‬‬ ‫لفلسفة األرقام عند العرب والمسلمين وأغلب الحضارات القديمة قيمة معرفية وروحية كبيرة وتصل لحد الخرافة‪ ،‬وما بين اليقين والخرافة‬ ‫والعقل تبدو اإلشكالية تتسع أكثر فأكثر‪ ،‬فعلوم الحساب والرياضيات والجبر تقوم فكرتها ومعادالتها على األرقام كرموز ترسم وليست كألفاظ‬ ‫تكتب‪ ،‬وقد اعتقد فيثاغورس وبعض فالسفة عصره أن لمفاهيم الرياضيات حوليات وتطبيقات أهم من مفاهيم العالم الحسي وذلك لسهولة‬ ‫ترتيبها والتحكم بها‪.‬‬ ‫أ ّما القديس أوغسطينوس (‪ 430-354‬م) فقد كتب «إن األرقام هي لغة الكون وهبها الخالق للبشر من أجل توكيد الحقيقة «‪ .‬ومثل‬ ‫فيثاغورس‪ ،‬اعتقد أن لكل شيء عالقة باألرقام وما على عقل اإلنسان إال البحث وفهم أسرار هذه العالقة أو توقع تجلياتها من المكرمة‬ ‫اإلالهية (‪ ،)2‬ويؤكد فيثاغورس على أن األرقام ذات عالقة ارتجاجية مع الكون أي الكون والرقم ذات عالقة جدلية‪ ،‬لقد اكتشف فيثاغورس‬ ‫الذي كان ضالعًا في المعرفة الصوفية البابلية والمصرية‪ ،‬أن ذبذبات أوتار اآللة الموسيقية تُنتج أصواتًا متناغمة عندما تكون أطوال األوتار‬ ‫أعدادًا صحيحة‪ .‬وقد عمم هذه النتائج على الكون بأكمله‪ ،‬وهكذا تطور اإليمان الفيثاغورسي بالسلطة المطلقة للرقم الذي يحكم الكون ويديره‪.‬‬ ‫(‪. )3‬‬ ‫الشاعرة تدرك سر الرقم (‪ )99‬وإعجازه من حيث الداللة الرقمية‪ ،‬ومن حيث دالالته العقائدية والروحية‪ ،‬ومن حيث و ْقعه على نفس وروح‬ ‫وفكر القارئ‪ ،‬وتمثالت الرقم يعني بطبيعة األحوال إلى صفات الذات اإللهية وجوهر الفيض اإللهي من قدرة وقوة وعلو وتعالي وسمو‪ ،‬فهو‬ ‫ي القيوم والجميل والرحيم‪ ،‬فهي تشير إلى صفاته وعظمته الذي د ّل هو عليها في كتاب معلوم حيث شكلت‬ ‫المصور والمدرك والخالق والح ّ‬ ‫يقينا للشاعرة‪ .‬وقد تداولت العديد من الدراسات العالمية التفرقة بين مفهوم الرقم والعدد‪ ،‬وما زال هناك خلط بين المفهومين ومتى يستخدمان‪.‬‬ ‫من المفاهيم الشائعة أن األرقام ال تعد أعدادا بينما تعد أشكاال بها رموز األعداد‪ ،‬حيث تقتصر األرقام إلى عشرة‪ ،‬والعدد من رقمين ‪.‬‬ ‫ويقول الدكتور عابد الحميدان‪ :‬إن الرقم قد يمثل أي شيء‪ ،‬ويعتبر جزءا من العدد‪ ،‬فإن الرقم يظل رقما بغض النظر عن أي شيء آخر‪ ،‬بينما‬ ‫يوجد الفرق لغويا‪.‬‬ ‫البعض يجد الفرق جوهريا واآلخر يراه كالفرق بين الكلمة والحرف‪ ،‬فاألرقام تعتبر انطالقا من «‪ ،»0،1،2،3،4،5،6،7،8،9‬رموزا أو‬ ‫أشكاال من الممكن أن تعبر عن رقم أو عدد وال يمكن الحكم عليها إال من خالل معرفة الهدف منها‪.‬‬ ‫بالتالي إن دلت على ترتيب فيمكن اعتبار تلك الرموز رقما‪ ،‬وإن دلت على معدود فهي عدد‪ ،‬ويشير الثقفي أن اإلشكالية تكمن في عدم معرفة‬ ‫مجتمعنا بالفرق بينهما)) (‪.)4‬‬ ‫ي القيوم‪ ،‬فمن نوره تشع القصيدة وهجها ومن‬ ‫من أسمائه وصفاته يتشكل نص (أسماء غريب)‪ ،‬منه وإليه وعنه ترسم عشقها الروحي للح ّ‬ ‫«و ِ ّ ِ‬ ‫ل األ َ ْس َماء ْال ُح ْسنَى‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫((قال‬ ‫الوله‬ ‫أسير‬ ‫حسن أسمائه وجمال صفاته تخلق‪ ،‬فهي تخاطبه شعريا بوج ٍد ولوعة محب ووهن عاشق‬ ‫َ‬ ‫سيُجْ زَ ْونَ َما كَانُواْ يَ ْع َملُونَ »‪)5( .‬‬ ‫فَا ْد ُ‬ ‫عوهُ بِ َها َو َذ ُرواْ الَّذِينَ ي ُْل ِحدُونَ فِي أسمائه َ‬ ‫سبِ ً‬ ‫ص َلتِكَ َو َل تُخَافِ ْ‬ ‫يل» (‪)6‬‬ ‫الرحْ َمنَ أَيًّا َما ت َ ْد ُ‬ ‫للا أ َ ِو ا ْد ُ‬ ‫وقال تعالى‪« :‬قُ ِل ا ْد ُ‬ ‫عوا َّ‬ ‫ت بِ َها َوا ْبت َغِ بَيْنَ َذلِكَ َ‬ ‫عوا فَلَهُ ْال َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى َو َل تَجْ َه ْر بِ َ‬ ‫عوا َّ َ‬ ‫ار ُ‬ ‫ت‬ ‫س َم َاوا ِ‬ ‫سبِّ ُح لَهُ َما فِي ال َّ‬ ‫«للاُ َل إِلَهَ إِ َّل ه َُو لَهُ ْال َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى» (‪« )7‬ه َُو َّ‬ ‫وقال تعالى ‪َّ :‬‬ ‫ص ّ ِو ُر لَهُ ْال َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى يُ َ‬ ‫ئ ْال ُم َ‬ ‫للاُ ْالخَا ِل ُق ْالبَ ِ‬ ‫ض َوه َُو ْالعَ ِز ُ‬ ‫يز ْال َح ِكي ُم»(‪.)8‬‬ ‫َو ْال َ ْر ِ‬ ‫وفي حديث نبوي شريف جاء فيه‪:‬‬


‫تتحدث الميثولوجيا عن تسعة أعداد‪ ،‬وتسعة كواكب ‪ .‬ويسمي الهنود الجسم اإلنساني «المدينة ذات التسعة أبواب» إشارة إلى الفتوحات التسع‬ ‫‪ .‬وتخبر الميثولوجيا عن معركة حصلت بين ماهيزا (‪ )Mahesa‬قائد الشياطين وبين اإللهة دورغا (‪ )Durga‬استمرت تسع ليال انتهت‬ ‫بانتصار اإللهة بعدما قدم لها شيفا (‪ )Civa‬مذراته الثالثية‪ ،‬وفيشنو (‪ )Vishnu‬أسطوانته‪ ،‬وأندرا (‪ )Indra‬عاصفته ‪ .‬وتتحدث البوذية عن‬ ‫تسع سماوات (‪.)14‬‬ ‫يبدو أن العالَم اهت ّم بهذا الرقم(‪ )9‬واتخذت اهتماماته أشكاال مختلفة من عبادات وشعائر وطقوس وعادات وعلوم ومعارف من خالل تفسيرهم‬ ‫للظواهر والفلك والخلق‪ ،‬وهذا ما نجده جليا من خالل النصوص القرآنية أو ما جاء بكتب التوراة واإلنجيل وكتب األديان األخرى وثقافاتهم‪.‬‬


‫«إِ َّن ِ َّ ِ‬ ‫صاهَا َد َخ َل ْال َجنَّةَ» (‪)9‬‬ ‫ل تِ ْسعَةً َوتِ ْسعِينَ ا ْس ًما‪ِ ،‬مائَةً إِال َو ِ‬ ‫احدًا َم ْن أَحْ َ‬ ‫من اآليات الكريمة التي وردت في سور عديدة وأحاديث نبوية شريفة تستقي الشاعرة عقيدتها وعشقها فكتبت ديوانها بنصوصه التي بلغت‬ ‫(مائة وخمس وعشرين) قصيدة شعرية نثرية‪ .‬فهي محاكاة ألسمائه الحسنى كما وردت في القرآن الكريم‪ ،‬وألن هللا واحد ال شريك له فكتبته‬ ‫بالرقم الرمز (‪ )99‬الذي ال يثنى فلم تكتبه عددا كتابة حيث تدرك الشاعرة أن للرقم (‪ )99‬قدسية عند أغلب األديان والشعوب ((هذا التماثل‬ ‫واالرتباط بالعدد ‪ .9‬العدد األولي التاسع في الكون هو العدد ‪( 23‬المساوي لعدد أزواج كروموسومات اإلنسان المكتشف في العام ‪)1955‬‬ ‫‪ .‬ولكي نتحقق بأن لهذا العدد أهمية عددية وارتباط علمي من هذا النوع أود أن أشير بأن كلمة «علق» هي الكلمة التاسعة في سورة العلق‬ ‫ونحن نعلم بأن العلقة تمثل مرحلة التصاق البويضة المخصبة (والتي تحوي ‪ 23‬زوج كروموسومات) بجدار الرحم‪.‬‬ ‫ق»( ‪. )10‬‬ ‫قال تعالى في سورة العلق « َخلَقَ اإلنسان ِمن َ‬ ‫علَ ٍ‬ ‫فالرقم(‪ )99‬يمكن القول عنه هما علقتان التصقتا فأنجبتا عشق الشاعرة للذات اإللهية‪ ،‬فهو عشق ولد منذ العماء منذ أول إخصاب كوني‬ ‫فولدت حواء من هذا االخصاب والبعث الروحي لحظة بث (هللا) روحه في روح (آدم) فولدت النقطة من الروح‪ ،‬وما إن تكونت العلقتان‬ ‫اجدِينَ ﴾) (‪)11‬‬ ‫س َّو ْيتُهُ َونَفَ ْختُ فِي ِه ِمن ُّر ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وحي فَقَعُواْ لَهُ َ‬ ‫وكبرتا أشقيا وهلعا هذان المولودان اللذان ولدا بمشقة وكبد كما في قوله تعالى‪﴿ :‬فَإِ َذا َ‬ ‫‪.‬‬ ‫تأمل الرقم (‪ )9‬في حياة اإلنسان‪ :‬عمر الجنين في بطن أمه تسعة شهور‪ ،‬متوسط درجة الحرارة في جسم اإلنسان(‪ )36‬درجة مئوية‪ ،‬و(‪)36‬‬ ‫من مضاعفات(‪ ،)9‬وأجهزة جسم اإلنسان (‪ ،)9‬ومنافذ جسم اإلنسان (‪.)9‬‬ ‫إن للعدد(‪ )9‬بعض أغرب الخصائص مثل‪:‬‬ ‫إنه العدد الوحيد في الحساب الذي‪ ،‬إذا ما ضرب بأي عدد آخر‪ ،‬تراه ينتج نفسه دوماً‪ ،‬مثال ذلك ‪ ،18 = 2 × 9(:‬و‪ 18‬تجمع بهذه الطريقة ‪8‬‬ ‫جرا بالنسبة إلى كل عدد يُضرب به‪.‬‬ ‫‪ 9 = 1 +‬مجددًا‪ ،‬وأيضا مثال ‪ 45 = 5 × 9‬و ‪ 45‬تُجمع بهذه الطريقة ‪ )9 = 5 + 4‬وهل ّم ًّ‬ ‫لسر الرقم وخصوصيته وإشارة منها إلى وحدانية هللا وكلية‬ ‫فلم يأت الرقم(‪ )99‬اعتباطا كلفظ رقمي وليس كتابيا في ديوان الشاعرة وذلك ّ‬ ‫وجوده‪ ،‬فهو مجرد بذاته وصفاته‪ ،‬ال تحتويه كلمة وحرف أو نسق‪ ،‬هو الواحد األحد قائم بوحدانية ‪.‬‬ ‫((وكل اسم من هذه األسماء تتكرر في القرآن عددا ً محددا ً من المرات‪ ،‬وهذا التكرار ألسماء هللا جاء متناسبا ً مع عدد أسماء هللا الحسنى أي‬ ‫العدد ‪ 99‬كما يلي‪:‬‬ ‫هللا‬ ‫‪2699‬‬

‫الرحمن‬ ‫‪57‬‬

‫الرحيم‬ ‫‪115‬‬

‫نصف هذه األعداد نجد أن العدد الذي يمثل مصفوف هذه التكرارات هو (‪ )115572699‬يتألف من تسع مراتب ويقبل القسمة على‬ ‫عندما‬ ‫ُّ‬ ‫(‪:)99‬‬ ‫‪1167401 × 99 = 115572699‬‬ ‫والعجيب أننا لو جمعنا هذه التكرارات جميعا ً لبقي النظام قائما ً ونتج معنا عدد من مضاعفات ‪:99‬‬ ‫‪2871 = 115 + 57 + 2699‬‬ ‫والعدد (‪ )2871‬من مضاعفات الرقم (‪ )99‬أيضاً‪:‬‬ ‫‪29 × 99 = 2871‬‬ ‫وهذا النظام العجيب والقائم على عدد أسماء هللا الحسنى وهو( ‪ )99‬كما في الحديث الشريف‪( :‬إن هلل تسعة وتسعين اسما ً من أحصاها دخل‬ ‫صالَتِكَ َوالَ تُخَافِ ْ‬ ‫ت بِ َها‬ ‫الرحْ َمـنَ أَيّا ً َّما ت َ ْد ُ‬ ‫للا أ َ ِو ا ْد ُ‬ ‫الجنة)‪ ،‬وجاء ليتسق مع قوله تعالى ‪( :‬قُ ِل ا ْد ُ‬ ‫عواْ َّ‬ ‫عواْ فَلَهُ األ َ ْس َماء ْال ُح ْسنَى َوالَ تَجْ َه ْر بِ َ‬ ‫عواْ ّ َ‬ ‫سبِيالً) [اإلسراء‪)12( )).]110 :‬‬ ‫َوا ْبت َغِ بَيْنَ َذلِكَ َ‬ ‫في الميثولوجيا التوتونية‪ ،‬جاء في ملحمة فولوسبا (‪ )Voluspa‬على لسان النبية الفولفا (‪« :)Lavolva‬أذكر المردة الذين ولدوا في فجر العالم‬ ‫‪ /‬أذكر الذين أعطوني الحياة ‪ /‬أعرف تسعة عوالم ‪ /‬تسع مساحات تغطيها شجرة العالم ‪ /‬هذه الشجرة المبنية بحكمة والتي تنغرس في قلب‬ ‫األرض ‪ /‬أعرف أنه توجد شجرة تسمى إيغدرازيل (‪ / )Yggdrasil‬رأس الشجرة يسبح في بخار المياه البيضاء ‪ /‬حيث تسقط حبات الندى في‬ ‫الوادي ‪ /‬إنه ينتصب أخضر أبدا ً فوق نبع أورد)) (‪. )13‬‬ ‫لهذا لم تقتصر الحضارة العربية واالسالمية على عظمة وسر الرقم(‪ )9‬فتجد أغلب الحضارات ّ‬ ‫تعظم هذا الرقم وتبحث في أسراره وغموضه‬ ‫‪.‬‬



‫دالالت الخطاب الصوفي في ‪:‬‬ ‫ديوان د ‪ .‬أسماء الغريب (‪ 99‬قصيدة عنك ) الجزء الثاني‬ ‫رياض ابراهيم الدليمي‬ ‫كاتب واعالمي‬ ‫العراق‬ ‫الدالالت اللغوية في عنونة الديوان(‪ 99‬قصيدة عنك)(‪)15‬‬ ‫لقد ورد حرف الجر (عن) مضافا إليه حرف (الكاف) ليدل على شخصية وجنسانية المخا َ‬ ‫طب‪ .‬والسؤال لماذا خاطبت الشاعرة معشوقها بضمير متكلّم‬ ‫مخاطب داللي للحضور وليس للغياب؟‬ ‫الخطاب المباشر بين الشاعرة والذات االلهية المخاطبة حين تقول الشاعرة في خطابها أي حسب تقدير الكالم (كتبتُ ‪ 99‬قصيدة عشق عنكَ ) وخاصة قد‬ ‫بدأتُ القصيدة بخطاب نداء مقدر( يا إلهي) رغم عدم وجود ياء النداء‪ ،‬ومن ثم استرسلت ندائها بدون حجب وبتجلي كامل حين تقول له ‪:‬‬ ‫((لماذا ‪ 99‬؟‬ ‫ت هذه البعوضة‬ ‫إنها عد ُد لسعا ِ‬ ‫وعد ُد أسماء هذا الفردوس‬ ‫وربّما القصائد التي كتبتُها عنكَ‬ ‫لحظةَ ُولدْتُ وساعةَ ْ‬ ‫رحلتُ‬ ‫ويوم قُمتُ ث َّم مشيتُ‬ ‫َ‬ ‫يا إلهي‪ )).‬قصيدة ‪ 99‬عنك ‪)16(...‬‬ ‫أي هي تري ُد القو َل‬ ‫لقد خاطبت ج ّل عاله بحرف الجر (عنك) وليس إليك أو لك فالبد من سبب وغاية وتصور لما لهذا الحرف من داللة شكلية ومعنويّة‪ْ ،‬‬ ‫والتأكيد على ّ‬ ‫الجر (عن) كما هو معروف يفيد المجاورة‪ ،‬وهي‬ ‫وتقربني منك‪ ،‬وحرف‬ ‫أن ما أكتبه من شعر هو عنك وعن صفاتك وأسمائك التي أعشقها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعني هنا؛ أكتب شعرا منك وعنك أي من صفاتك وألسمائك ولقدرتك وإني أخاطبك بكائنات خلقك الصغيرة(البعوضة)‪ .‬إن الشاعرة لم تحدد بماذا تكتب‬ ‫إليه هل هي نجوى أم تخضع‪ ،‬ابتهال‪ ،‬تذلل أم عشق؟‬ ‫لقد أتاحت الشاعرة للقارئ فرصة التأويل والتأمل ليشاركها في ملء الفراغ الذي تركته ليصل معها إلى فهم مشترك أو مختلف ليضيفه إلى النص‪،‬‬ ‫ولنصوص الديوان سعة قراءة وفهم وتفسير‪ ،‬أما التأويل‪ :‬فهو تحديد المعاني اللغوية في العمل األدبي من خالل التحليل‪ ،‬وإعادة صياغة المفردات‬ ‫والتراكيب؛ ومن خالل التعليق على النص‪ ،‬وهذا يركز على مقطوعات غامضة أو مجازية يتعذر فهمها؛ أي توضيح مرامي العمل الفني ككل‪ ،‬ومقاصده‬ ‫باستخدام وسيلة اللغة‪ ،‬بتركيزه على شرح خصائص العمل وسماته مثل النوع األدبي الذي ينتمي إليه وعناصره وبنيته وغرضه وتأثيراته‪ .‬ويعتقد أن‬ ‫النص يبني بكيفية مسبقة استجابات قرائه المفترضين ويحدد بكيفية قبلية سيرورات تلقيه الممكنة‪ ،‬ويثير كل واحد منها بفضل قدرات التأثير التي تحركها‬ ‫بنياته الداخلية؛ وتنتهي مهمة المرسل بنهاية رسالته ‪ /‬النص‪ ،‬ويطلب إليه بعد ذلك االختفاء أو الموت ؛ ألن بموته تكمن يقظة المتلقي وحياته)) (‪. )17‬‬ ‫يضيف القارئ كذلك من عندياته وثقافته وتجربته فهما آخر إليه قد يقترب منه أو يبتعد‪ ،‬لكن كل ذلك يؤدي إلى آفاق وجمالية النصوص وعمقها ومقاربتها‬ ‫من قبل القارئ‪ ،‬وخاصة أن تعدد المعاني وتعدد القراءات للنص يعبر عن متانة النص أوال وملكة الكاتب المعرفية وعمق تجربته الشعرية‪ .‬يقول علي‬ ‫صدد‪ (( :‬قد تكون‪ -‬أي القراءة ‪ -‬شرحا للنص أو تفسيرا له‪ ،‬وقد تتعدى التفسير والشرح لكي تكون تأويال‪ ،‬وصرفا لما يحتمله الكالم من‬ ‫حرب بهذا ال ّ‬ ‫المؤلف ومراده أو المعنى واحتماالته‪ ،‬لتكون تسريحا وتفكيكا للبنى واآلليات التي تسهم في‬ ‫المعاني والدالالت‪ ،‬ولكن قد تتعدى التفسير والتأويل‪ ،‬فتتجاوز َ‬ ‫تشكيل الخطاب وإنتاج المعنى)) (‪ ،)18‬أي أن المتلقي من حقه أن يتجاوز ما تدل عليه بنى النص ولغته ‪ -‬ال أن يلغيه ‪ -‬وآليات التأويل ومناهجه‪ ،‬ومقاصد‬ ‫المؤلف ومراده‪ ،‬وله أن يسرح في النص مفككا ومركبا ليخرج بدالالت تتجاوز آليات النص ولغته ومؤلفه‪ ،‬ويسمى كل هذا في عرف الحداثة قراءة !‬ ‫أي علي حرب‪(( :‬أما القراءة التي تقول ما يريد المؤلف قوله فال مبرر لها أصال‪ ،‬ألن األصل أولى منها ويغني عنها‪ ،‬إال إذا كانت القراءة‬ ‫وقال أيضا ْ‬ ‫تدعي أساسا أنها تقول ما لم يحسن المؤلف قوله‪ ،‬وفي هذه الحالة تغني القراءة عن النص وتصبح أولى منه وهكذا فثمة قراءة تلغي النص)) (‪. )19‬‬ ‫تشي االستفهامات من خالل مستهل النص أو الديوان لدى القارئ هي بمثابة فذلكة وحنكة من الكاتب في جذب وتشويق المتلقي ليشركه ويجبره أن يغوص‬ ‫في متاهات النص ودالالته ومعانيه‪ ،‬وخاصة اذا كثف جملة العنونة وأجزلها الشاعر‪ ،‬وهي تعد إثارة واستفزازا للمتلقي منذ أول وهلة‪ ،‬إذ يثير فيه الدهشة‬ ‫والفضول للمعرفة واالكتشاف‪ ،‬وقد أدرك كل من الجاحظ والجرجاني والقرطاجني وابن قتيبة البُ ْع َد المهم والمكانة الحقيقية للمتل ِقّي في الظاهرة األدبية‪،‬‬ ‫ومتلق بارع قادر هو اآلخر على‬ ‫فالنص األدبي يحتاج لكي يح ِقّـــق وجوده ويـــؤتي أُكلَه إلى ُمــــبدِع قادر على توظـــيف إمكانات اللغـــة والبالغــة‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ِّ‬ ‫القوة والضعف فيه‪ ،‬بهذه الرؤية للدور الذي ينبغي للمتل ِقّي أن يلعــبه في المعادلة األدبية تتحقَّق العالقة التكاملية بين الكاتب‬ ‫فــك شفراته وتحسُّس مواطن َّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بمستوى ودرج ِة العالق ِة بين طرفي المعادلة‪ ،‬وهما‪« :‬المنتج» و«المتلقي» (‪.)20‬‬ ‫ة‬ ‫مرهون‬ ‫األدبي‬ ‫التواصل‬ ‫عملية‬ ‫لتصبح‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ق‬ ‫والمتل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫قصدانية تغييب المخا َ‬ ‫طب‬


‫البعوضةُ توج ُد هُنا أيضا‬ ‫إنّها فوق شاش ِة حاسوبي األخضر‬ ‫أحاو ُل أن أزيح َها بيدي‬ ‫تفر م ِنّي‬ ‫لكنّها ّ‬ ‫ُّ‬ ‫وتحط فوقَ شاشتي‬ ‫ثم تَعُو ُد‬ ‫وعبثا أتظاه َُر بنسيان َها‬ ‫(‪)6‬‬ ‫إلهي‪،‬‬ ‫البعوضةُ تخت ِفي‬ ‫ع في كتابة حرفكَ شعرا أو نثرا ً‬ ‫ما ْ‬ ‫إن أشر ُ‬ ‫وال تعو ُد ّإل في اليوم التالي‬ ‫منتصف الليل طبعا‬ ‫عن َد‬ ‫ِ‬ ‫نومي‬ ‫وفي غرف ِة ِ‬ ‫بدون أدنى شكّ‬ ‫كيف ذلك‪ ،‬ولماذا؟‬ ‫هذا ما ال يعلمهُ أح ٌد سواكَ‬ ‫(‪)7‬‬ ‫إلهي‪،‬‬ ‫مرت اآلنَ ثالثةُ‬ ‫أشهر‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وتسعةُ أيّام‬ ‫والبعوضةُ لم تُخلف موعدها معي أبدا ً‬ ‫عادت إلى ُ‬ ‫ْ‬ ‫غرف ِتي‬ ‫لكنّها اليوم‬ ‫ْ‬ ‫كبير من البعوض‬ ‫عادت ومع َها سربٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قواميس اللغة العربيّة‬ ‫بعض‬ ‫أو النّا ُموس كما تسميه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫(‪)8‬‬ ‫إلهي‪،‬‬ ‫ب‬ ‫يا للمشه ِد المرع ِ‬ ‫كيف سأنجو من لدغاته ْم جميعا ً اآلن؟‬ ‫َ‬ ‫الغطاء الدافئ‬ ‫دخ ُل رأسي تحت‬ ‫ِ‬ ‫أأ ُ ِ‬ ‫أأتركُ له ُم البيتَ بأكمل ِه؟‬ ‫ال هذا وال ذاك يا إل ِهي‬ ‫يرقص‬ ‫اموس‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فسرب النّ ِ‬ ‫يرقص رقصة دائريةً عجيبة‬ ‫ُ‬ ‫وكأنّه يرس ُم‬


‫حري بنا أن نطرح استفهاما ِل َم بدأت الشاعرة نصها بكلمة (إلهي)؟ وأسقطت أداة النداء عنه (ياء) النداء‪ ،‬أعتقد أن هذا األمر يستدعي ويلزم أكثر من‬ ‫تأويل فإذا ما عدنا إلى شروحنا آنفا والتي قلنا فيها ّ‬ ‫إن خطاب الشاعرة لربّها كان خطابا مباشرا بـ (عنك) فهو خطاب حضوري دون واسطة‪ ،‬أي هنا هي‬ ‫المخاطب والمخا َ‬ ‫أي الشاعرة أو تعتقد أو كما تعيش لحظات التجلي والكشف والظهور‪ ،‬فسقطت ياء النداء‬ ‫لحظة تجلي وانصهار بين‬ ‫ِ‬ ‫طب كما تتمنى هي‪ْ ،‬‬ ‫وأية أداة للنداء ألن أدوات النداء تفيد البعد أحيانا أي خطاب الشخص آلخر غائب‪ ،‬فهنا اختزال منها لألمكنة واألزمنة في هذه اللحظة المتجلية ‪.‬‬ ‫يدلل مما تقدم أن الشاعرة تدرك السياق اللغوي والفقه وأصول الكالم والمنطق في نسج عشقها الصوفي بأسلوب شعري فيه من الحداثة مع الحفاظ على‬ ‫أبجديات ومسلّمات الخطاب الشعري الموجه للخالق البارئ‪ ،‬وحذر الشعراء من الشطح هو تالفيا للحرج والنقد‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن الديوان أبعد عن‬ ‫نفسة لومة الشطح واالجتهاد الشعري والمعرفي ‪.‬‬ ‫قصيدة (( ‪ 99‬قصيدة عنك)) (‪)21‬‬ ‫[(‪)1‬‬ ‫إل ِهي‪،‬‬ ‫من أيّة سماءٍ تأتي هذ ِه البعوضةُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫استئذان‬ ‫بدون‬ ‫كيف تدْخ ُل ِخدْري هك َذا‬ ‫بل‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫انتصف الليْل؟‬ ‫وتلسعُني بشدّة كلّ َما‬ ‫َ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫إلهي‪،‬‬ ‫اللسعةُ فوق يدِي اليُمنى‬ ‫ي بالنّار‬ ‫كأنّ َها ك ٌّ‬ ‫تؤل ُمني وال يهدأ حريقُها‬ ‫(‪)3‬‬ ‫إلهي‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫نفعت معَها‬ ‫ال المبيداتُ الحشريّة‬ ‫وال حتّى السّمو ُم الكهربائية‬ ‫فهي ال تموتُ أبدا ً‬ ‫وتأتي ك ّل ليل ٍة في موعدهَا‬ ‫ال تؤ ّخر وال تق ّد ُم دقيقة‬ ‫وكأنها ساعةٌ نوويّة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫إلهي‪،‬‬ ‫ي؟‬ ‫أأقو ُم‬ ‫ُ‬ ‫وأهجر فراشي ونومي الهن ّ‬ ‫وإلى أين؟‬ ‫إلى غرف ِة مكتبِي الورديّة؟‬ ‫غيرهَا‬ ‫طبعا‪ ،‬فليس لي ُ‬ ‫وهي وحدهَا تنتظرنِي‬ ‫َ‬ ‫ت بعوضتكَ بيدي‬ ‫كلما اشت ّد أل ُم لسعا ِ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫إلهي‪،‬‬


‫• ‬

‫‪ – 16‬نفس المصدر السابق كذا ‪.‬‬

‫• ‬

‫‪ - 17‬جريدة القدس العربي ‪ -‬نظرية التلقي والتأويل في النقد األدبي عند العرب – الناقد محمد يوب – ‪. 2015 -12 -21‬‬

‫• ‬

‫‪ -18‬د‪ .‬علي حرب ‪« -‬هكذا أقرأ ما بعد التفكيك» ‪ -‬الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ‪.‬‬

‫• ‬

‫‪ – 19‬د ‪ .‬علي حرب – نفس المصدر السابق كذا ‪.‬‬

‫• ‬

‫‪ – 20‬الناقد محمد يوب القدس العربي – نفس المصدر السابق كذا ‪.‬‬

‫• ‬

‫‪ -21‬قصيدة ‪ 99‬قصيدة عنك‪ ،‬من ديوان الشاعرة الذي يحمل نفس عنوان القصيدة ‪.‬‬


‫بالرقص‬ ‫أجل إنهُ يرس ُم ّ‬ ‫ماذا يرس ُم؟‬ ‫سماء غرفتِي رقما ً عجيبا ً‬ ‫يرس ُم في‬ ‫ِ‬ ‫كيف يا إلهي؟‬ ‫هكذا‪99 :‬‬ ‫(‪)9‬‬ ‫‪ 99‬يا إل ِهي‪،‬‬ ‫ال تسعةٌ وتسعون‬ ‫ض ُل علما ُء اللغة القو َل والكتابة‬ ‫كما ق ْد يف ّ‬ ‫لماذا ‪99‬؟‬ ‫ت هذه البعوضة‬ ‫إنها عد ُد لسعا ِ‬ ‫وعد ُد أسماء هذا الفردوس‬ ‫وربّما القصائد التي كتبتُها عنكَ‬ ‫لحظةَ ُولدْتُ وساعةَ ْ‬ ‫رحلتُ‬ ‫ويوم قُمتُ ث َّم مشيتُ‬ ‫َ‬ ‫يا إلهي‪].‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫الهوامش واالحاالت‬ ‫• ‬

‫‪ -1‬ديوان الشاعرة (‪ 99‬قصيدة عنك) د ‪ .‬أسماء غريب ‪ .‬مطبعة دار الفرات للثقافة واإلعالم ‪ .‬العراق – بابل – ‪ – 2016‬الطبعة الثانية‬

‫• ‬

‫‪. Historical Archive of the Bible Wheel Site -2‬‬

‫• ‬

‫‪ - 3‬مقال – ال توجد صدفة باألرقام ‪ -‬موقع شبكة آرم اإللكترونية ‪2014-5-24 -‬‬

‫• ‬

‫‪ - 4‬موقع شبكة مكة اإللكتروني‬

‫• ‬

‫‪ - 5‬القرآن الكريم – سورة األعراف – ‪180‬‬

‫• ‬

‫‪ - 6‬القرآن الكريم – سورة اإلسراء – ‪110‬‬

‫• ‬

‫‪ - 7‬القرآن الكريم – سورة طه – ‪8‬‬

‫• ‬

‫‪ - 8‬القرآن الكريم – سورة الحشر – ‪. 24‬‬

‫• ‬

‫‪ - 9‬حديث نبوي شريف ‪.‬‬

‫• ‬

‫‪ - 10‬موقع واحة اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم اإللكتروني ‪ -‬اسم الجاللة والرقم ‪ - 9‬بقلم وسيم مصري‪. 2009-7-11،‬‬

‫• ‬

‫‪ - 11‬القرآن الكريم ‪ -‬سورة ص آية رقم ‪. 72‬‬

‫• ‬

‫‪ - 12‬عبد الدائم الكحيل ‪ -‬موقع موسوعة اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم ‪.‬‬

‫• ‬

‫‪ - urd - 13‬نقال عن موسوعة ويكبيديا ‪.‬‬

‫• ‬

‫‪ - 14‬نفس المصدر السابق ‪.‬‬

‫• ‬

‫‪ – 15‬نفس المصدر السابق ‪ -‬ديوان الشاعرة أسماء غريب ‪.‬‬



‫رسالة تذروها الريح ( ‪) ١‬‬ ‫امال قاسم‬

‫تأر ُق ‪ ،‬ال ُمتَف ِت ّ ُق ‪ّ ،‬‬ ‫بأسوار قلعتي الَمنيع ِة ‪،‬‬ ‫الطال ُع في دجى روحي ‪ ..‬ال تعلَ ْق‬ ‫ور ‪ ،‬ال ُم ِ ّ‬ ‫أيُّهذا النّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الالهث ‪ ،‬الاله َج في الهزيع ‪..‬‬ ‫زفير صبابتي الحارقَ ‪،‬‬ ‫وحاذر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّّ‬ ‫معراةٍ كالخريف !‬ ‫بك ‪،‬‬ ‫فألنني‬ ‫أكتظ َ‬ ‫ُ‬ ‫وأذوب بذاكرةٍ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي في محرا ِبك ‪ ..‬إذ كانت عيناك‬ ‫وألن‬ ‫َ‬ ‫القدر ساقني ‪ -‬دونَما رغب ٍة منّي ‪ -‬إلى با ِبك ‪ ،‬ك ْي أصلّ َ‬ ‫َّ‬ ‫وألن‬ ‫عمرا فَ ْوقَ العمر ِ وتاري ًخا قَ ْب َل التاريخِ ألن أبني من ح ِبّ َك مدائني ‪،‬‬ ‫قِبلتي ‪ ،‬وألنّني أحتا ُج‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اغتسلت بما ِئك ‪ ..‬وألنّ َك ل ْم تختل ْسني ولَم تقت ِس ْمني ولم تأخ ْذ‬ ‫انفجرت في أنفا ِسك وما‬ ‫أنوثتي ما‬ ‫من عمري ما يكفيك ؛‬ ‫بحور َك الشعريةَ في نوت ٍة حريريّة ‪ ،‬وأق ِ ّ‬ ‫ش ُر ما َء َك قصيدة ً ‪ ،‬قصيدة ً‬ ‫ئ‬ ‫للريح ‪ ..‬وأخ ِبّ ُ‬ ‫سأ َهبُ َك ّ‬ ‫َ‬ ‫‪ ،‬لعلّ َك تسق ُ‬ ‫منك المغفرة َ في وردةٍ بيضا َء كالسالم ‪..‬‬ ‫ط في‬ ‫غناء جن ٍة عذرا َء ‪ ..‬ولعلّي أغتا ُل َ‬ ‫ِ‬ ‫ب الغمام على تخوم الثغر ‪!! ..‬‬ ‫ويخص ُ‬ ‫ِ‬ ‫الريح ( ‪)٢‬‬ ‫رسالة تذروها ِ ّ‬ ‫الروحِ المتبّ َل بالنون‪..‬‬ ‫يا بنَ ّ‬ ‫مجرتي تهتدي بأحبا ِل صوتِ َك‬ ‫الحار لع َّل‬ ‫ت هسي ِس َك‬ ‫ها قد فرشتُ طراوة َ خمائري لوشوشا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫إلى فضاءاتِك الّالهب ِة ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِك على مخارجِ حشاشتِ َك‬ ‫اللمنتهي ِة‬ ‫روعِ قصيد َ‬ ‫‪،‬وبت أتهالكُ شغفًا في ْ‬ ‫المتعرش ِة في تأنيث‬ ‫دم َك‬ ‫ق ِ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬كفراش ٍة تستب ُّد بها خطيئةُ ّ‬ ‫الريح ‪ ..‬تُلمل ُم عرا َء ألوانِها من عرو ِ‬ ‫واعتلت دمدمةَ‬ ‫حم َح َمةَ‬ ‫شهقة ‪ ،‬حين تأبّ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ط ْ‬ ‫تتلوى في‬ ‫إعصارك‪ ..‬أو‬ ‫أشعارك ‪..‬‬ ‫ت ْ‬ ‫كأفعى ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ف غ َجريّتُها رقصةَ « سكرةِ القمر «‪ ..‬ألنها انشغلَ ْ‬ ‫ث عن‬ ‫ب حنطتِ َك ل ْم‬ ‫ت في البح ِ‬ ‫تحتر ْ‬ ‫غياه ِ‬ ‫ِ‬ ‫أسوار عينيك ‪ -‬قبل الولوجِ فيهما ‪ -‬أثنا َء رحل ِة عودتِها منك ‪ ..‬أو‬ ‫خَلخا ِلها الذي ع ِلقَ في‬ ‫ِ‬ ‫عشبِك المتراخي فَ ْوقَ خافقي‪..‬‬ ‫ع منها أري ُجها في ُ‬ ‫كزهرةٍ غارق ٍة في مائِ َك ؛ ضا َ‬ ‫ً‬ ‫إنّي أدمنت ُ َك ‪ ..‬وأدمنتُ‬ ‫الدم ‪..‬‬ ‫صهيل في عينيك يله ُج بشبو ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫عا على برود ِتك ‪ ..‬وتوق ُ‬ ‫دهرا من‬ ‫فيك‬ ‫وأدمنتُ َ‬ ‫ي سبعين ذرا ً‬ ‫ظني ً‬ ‫َ‬ ‫استعار النّ ِ‬ ‫ار إذ تَنض ُج ف ّ‬ ‫جر َك ‪ ..‬وأدمنتُ كون َ​َك المتو ِ ّ‬ ‫جنون ّ‬ ‫المتغو َر في مسامي‪،‬‬ ‫غ َل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ق الجائع ِة ألموا ِه َك و ِش ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزناب ِ‬ ‫يتفو ُر في كبدي إل ًها من النور ‪!!.. ..‬‬ ‫ص ْلصا ِلي هَبوبًا ‪ّ ،‬‬ ‫فينف ُخ في َ‬



‫«ربّـما»‬ ‫د‪ .‬يسرى بيطار‬

‫«يا ربَّـما» ‪ ،‬قا َل الجميلُ‪ ،‬وأَزه َ​َر ْ‬ ‫ت‬ ‫ق نفسي وردة ُ‬ ‫األحـالم‬ ‫ِ‬ ‫في عمـ ِ‬ ‫ـراش‬ ‫«يا ُربَّـما»‪ ،‬وأنا أدو ُخ على فِ ٍ‬ ‫بــاآلالم‬ ‫ب‪ ،‬قــد ضــاقَ‬ ‫ُمـتْـعَــ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أنام‬ ‫«يا ربَّـما»‪ ،‬ما عدْتُ أقد ُِر أن َ‬ ‫َوفـوقَ طاقـ ِة ُمه َجـتي أوهامي‬ ‫بار ٌق‬ ‫طلَـ َع ال ّ‬ ‫صبا ُح َوفي عيوني ِ‬ ‫ـف‪ ،‬مث َل ّ‬ ‫األكمام‬ ‫هر في‬ ‫ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫لم يَ ْخ َ‬ ‫رور يَـلُـفُّها‪ ،‬لم يَعلَموا‬ ‫قالوا‪ :‬ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ْ‬ ‫«ربَّـما» قد تنتَـشي ب ُحطـامي‬ ‫أن ُ‬ ‫ْـك‬ ‫فلَـربَّـما كـانـت حيـاة ٌ في يـ َدي َ‬ ‫سقــو ُ‬ ‫ط الـدّامـي‬ ‫وربَّـمـا كـانَ ال ُّ‬ ‫إ ِنّـي ا ْكتفَـيْتُ بـ « ُربَّمـا «‪ ،‬فكأنّها‬ ‫باألنسـام‬ ‫حـراء‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫جـا َدت علـى ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ماء الحياةِ‪ ،‬كأنّما‬ ‫وشربْـتُ من ِ‬ ‫ّـام‬ ‫ـرت حيـاتـي بضعـةُ األي ِ‬ ‫اختَـ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ـر ْرتُ أن أشتـاقَ ِمن « يا ُربَّـمـا «‬ ‫قَ َّ‬ ‫الـرامي‬ ‫ــر ّ‬ ‫أن أ ُ ْغ ِـرقَ الدّنيـا ب ِس ْح ِ‬ ‫الكبار من األماني‪ ،‬فاكتـفَيْتُ‬ ‫قَـتَـ َل‬ ‫َ‬ ‫ـالم‪.‬‬ ‫بـغ َْـمــرةٍ تَحـلــو‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وبـعـض َك ِ‬ ‫( أكا ُد من المحبّ ِة أسقُط)‬



‫مرآتي‬ ‫مرام عطية‬ ‫ستخ ِب ُر َك‬ ‫مرآتي حين تعو ُد‬ ‫وقفت فراشاتي أمامها شاحبةً‬ ‫ْ‬ ‫ك ْم‬ ‫غيمتك الهطو َل !‬ ‫تسأ ُل‬ ‫َ‬ ‫ينتظر رمش َ​َك‬ ‫فستان لها‬ ‫وك ْم‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أحداقك خميلةً !‬ ‫َ‬ ‫ليصير برنوةِ‬ ‫َ‬ ‫تهتف‬ ‫واألساور‬ ‫وكم ْ من العقو ِد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ع عطورا !‬ ‫توقا ً ألنام ِل خزامى تتضو ُ‬ ‫ْ‬ ‫رصيف‬ ‫تغضنت جفونها على‬ ‫ستخبرك كم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫بلقاء الربيع !‬ ‫االنتظارتحل ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غياب النبي ِذ طويال !‬ ‫أحمر شفاهها‬ ‫وكم أضنى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هر !‬ ‫ستح ِ ّدث ُ َك كم أتعبتُها بال َّ‬ ‫س ِ‬ ‫وكم مرة ً‬ ‫ْ‬ ‫ذراعيك‬ ‫غفت أحالمي على‬ ‫َ‬ ‫ي ِ ال َّ‬ ‫ْ‬ ‫جن !‬ ‫واستيقظت على نا ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب قبضةٌ عاتيةٌ‬ ‫ياحبيبي للغيا ِ‬ ‫كيف ع ِنّي أثنيها ؟!‬ ‫َ‬ ‫الصبر‬ ‫تذيب فوال َذ‬ ‫بللور الروح‬ ‫تكسر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫اعتذار أو سؤا ٍل‬ ‫بال‬ ‫ٍ‬ ‫فتعا َل نجمةً أو غديرا‬ ‫و ال تكُ جرفا ً أمام سفينتي‬ ‫زمر ٍد أو خليجا ً كريما‬ ‫بل جزيرة َ ُّ‬



‫النوستالجيا‬

‫د‪ .‬هويدا شريف‬

‫ّ‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ـا� ‪،‬ســواء ألشــخاص أو أماكــن أو ذكريــات مليئــة بالمواقــف والتجارب‪.‬هــذه‬ ‫ه حالــة مــن الحنـ يـ� إىل المـ ي‬ ‫“النوســتالجيا “! ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ـا�ه ويرفضه‪،‬فــكل جيــل يعشــق أيامــا ّ‬ ‫الحالــة تجعــل اإلنســان يفقــد طعــم حـ ض‬ ‫معينــة مـ ّـرت رسابــا كالضبــاب األبيــض يتمنّــى‬ ‫ـرة أخــرى ويســميها الماضــي الجميــل أو أيّــام ّ‬ ‫الطيبيــن ‪ ،‬وهــذه تعتبــر عــدوى‬ ‫الرجــوع إليهــا والعيــش فــي حناياهــا مـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫للحاضــر إذ يغــرم بهــا ويتنفــس كل مــا فيهــا مــن مــن حــاوة وعســل ‪.‬‬ ‫ســعادة‬ ‫ومــن هنــا كانــت «النوســتالجيا» غالب ـا ً مــا تحفــز الماضــي وتنقيــه مــن اللحظــات الحزينــة ‪ ،‬وتتــرك لحيظــات ال ّ‬ ‫والحبــور تســرح وتمــرح متعلقــة فــي أذهاننــا وأمــام أعيننــا ‪ .‬لذلــك ال ب ـدّ‪ ،‬مــن اإلســتفادة مــن اللحظــات الســعيدة لتخـ ّ‬ ‫ـط‬ ‫بأصبعهــا علــى جبيــن هــذا المســتقبل ألنــه امتــداد لــه ومك ّمــل لمســيرته ‪ ،‬إذ لــك ّل زمــن مذاقــه الخــاص ‪ ،‬والماضــي يبقــى‬ ‫صافــي البعيــد عــن المصالــح ‪ ،‬واألهــم مــن ذلــك كلّــه يظ ـ ّل ســجالً حاف ـاً‬ ‫متميّــزا ً بال ـدّفء والبســاطة والــود والحــب ال ّ‬ ‫المتنوعــة ‪ ،‬يحمــل فــي طيّاتــه ك ّل ال ـدّروس والعبــر التــي اســتأثرت اهتمامــك وكانــت حصص ـا ً تعلّمــت منهــا‬ ‫بالتّجــارب‬ ‫ّ‬ ‫ـر والقلــق ‪.‬‬ ‫كيــف تســعى قدم ـا ً نحــو اليقظــة نحــو مســتقبل باهــر ملــيء بالعطــاء والفكــر لنبــذ ك ّل بــذور الشـ ّ‬ ‫ي ُخ ِ ّ‬ ‫طــي علــى جبينــك العصمــة ‪ .‬ففــي النهايــة‬ ‫فمــا أصعــب أن تكــون غريبـا ً فــي وطنــك ‪ ،‬ومــا أثقــل أن تشــعر بأنــك نبـ ٌّ‬ ‫‪،‬نحــن أبنــاء ادم ‪ ،‬الخطــاءون الذيــن يفتشــون عــن بــاب للخــاص لنهتــدي إليــه ‪.‬وال ب ـ ّد مــن أن نصــرف ج ـ ّل اهتماماتنــا‬ ‫إلــى العقــل وترويضــه وتنظيمــه ألن العواطــف ســبب ك ّل علّــة ويجــب أن نســتخدمها فقــط تجــاه مــن نحــب أن نق ـدّم لهــم‬ ‫ك ّل شــيء فــي ســبيل ك ّل شــيء ‪ ،‬ألننــا نجــد فيهــم الحيــاة والطمأنينــة ونغــوص فــي أعماقهــم لنغــرف دنيانــا ونصنــع ســلّما ً‬ ‫ســماء ‪ ،‬وماعــدا ذلــك محــض هــراء ‪ ،‬ويــؤدي إلــى فقــدان الـذّات ونصبــح أكثــر قابليّــة علــى عــدم تحقيــق‬ ‫يرقــى بنــا إلــى ال ّ‬ ‫النّجــاح المرغــوب ‪.‬‬ ‫يــا أصحــاب القلــوب البيضــاء ‪ ،‬دعــوا «النوســتالجيا» تعمــل عملهــا وتهجــع هجعتهــا ّ‬ ‫الطويلــة ‪ ،‬لتســيم فــي خاللهــا العمــر‬ ‫الرياحيــن ‪.‬فتغــدو نبيّـا ً فــي أفعالــك ومريميّـا ً فــي عواطفــك وحنانــك تصــارع الحيــاة‬ ‫الجميــل واللحظــات العبقــة بأريــج مــن ّ‬ ‫وأهازيجها‪.‬‬



‫فلسفة‬ ‫الخطاب االستشراقي الحديث في القراءات العربية‬ ‫عامر عبد زيد الوائلي‬ ‫الجزء الثالث‪/‬‬ ‫استاذ الفلسفة جامعة الكوفة‬ ‫المعرفة واقعة تحت تأثير أوهام الثقافة وإحكامها القبلية عن األخر‪ ،‬وحاجات السلطة لتبرير الهيمنة فقد هيمنت هذه‬ ‫الرؤية االداتية على الفكر األوروبي هو العقالنية والعلم والتقنية والمنظور الشمولي للعالم كان على اإلسالم أن يكون‬ ‫ضا كليًا له‪ .‬لكن الركون إلى النموذج السوي الكامل وهو النموذج األوروبي‪ ،‬والنموذج المشوه الناقص وهو النموذج‬ ‫نقي ً‬ ‫اإلسالمي؛ يدلل على أن المنظور األوروبي يعيّن ذاته مرجعًا وحيدًا للعالم ال أكثر‪ ،‬يخترع اإلسالم من تصوراته الذاتية‬ ‫قبل أن يتأمله بمقارنة موضوعية‪ .‬لهذا يستطيع» ماك دونال» أن ينسب إلى اإلسالم عدم القدرة على «تصور الحياة‬ ‫ككل‪ ،‬وميل للتأثر بفكرة واحدة وجهل بباقي األشياء»([‪)]1‬‬ ‫أوال الهدف السياسي‪:‬‬ ‫وقد كان الخطاب االستشراقي ذو صلة بالخطاب السياسي من اجل التعرف على األخر والسيطرة علية أي تعاضدت في‬ ‫الخطاب االستشراقي السلطة والمعرفة مما جعلت منه خطابا واسع االنتشار اذ في القارة األمريكية وحدها حوالي تسعة‬ ‫آالف مركز للبحوث والدراسات‪ ،‬منها حوالي خمسين مركزا ً مختصا ً بالعالم اإلسالمي‪ ،‬ووظيفة هذه المراكز تتبع ورصد‬ ‫كل ما يجري في العالم‪ ،‬ثم دراسته وتحليله مقارنا ً مع أصوله التاريخية ومنابعه العقائدية‪ ،‬ثم مناقشة ذلك مع صانعي‬ ‫القرار السياسي‪ ،‬ومن ثم تُبنى على أساس ذلك الخطط واالستراتيجيات‪ ،‬وتحدد وسائل التنفيذ لقد أصبح كل شيء خاضعا ً‬ ‫للدراسة والتحليل‪ ،‬ولعل المختبرات التي تخضع لها القضايا الفكرية والدراسات اإلنسانية أصبحت توازي تلك المختبرات‬ ‫التي تخضع لها العلوم التجريبية‪.‬؟‬ ‫إذ ثمة تالزم بين المعرفة والسلطة إذ كل ما يصدر عن الغربيين وألمريكيين من إنتاج فكري وإعالمي وتقارير سياسية‬ ‫واستخباراتية حول قضايا اإلسالم والمسلمين في العقيدة‪ ،‬وفي الشريعة‪ ،‬وفي االجتماع‪ ،‬وفي السياسة أو الفكر أو‬ ‫الفن‪،‬رغم الطابع ليس علمي بشكل كامل ؛ألنه يحوي شئ من االيدولوجيا التي ارتبطت بالنهج المعتمد في إشباع أهدافه‬ ‫القائمة على السيطرة التي جعلت من الثقافة والمتأثرين بها‪ :‬منهجا ورؤية قائمة على جعل متلقيها إتباع لها سواء كانوا‬ ‫غربيين أو من العرب المسيحيين الذين تم تلقينهم هذه الثقافة أو من المتأثرين بها من المسلمين فهم يعتمدون نفس األدوات‬ ‫ويتقمصون نفس القناعات‪ ،‬لهذا ظهرت المهام التي يرمي لها الهدف السياسي هي‪:‬‬ ‫‪ )1‬إضعاف روح اإلخاء بين المسلمين والعمل على فرقتهم إلحكام السيطرة عليهم‪.‬‬ ‫‪ )2‬العناية باللهجات العامية ودراسة العادات السائدة لتمزيق وحدة المجتمعات المسلمة‪.‬‬ ‫‪ )3‬كانوا يوجهون موظفيهم في هذه المستعمرات إلى تعلم لغات تلك البالد ودراسة آدابها ودينها ليعرفوا كيف يسوسونها‬ ‫ويحكمونها‪.‬‬


‫‪ )9‬وقد ترك الهدف اثر بارز في األخر المسلم من اعتماد المنهج المعتمد في المعالجة باإلضافة التحليلي التجريبي إلى‬ ‫الرؤية العدمية والمتمركزة حول المركزية األوربية في النظر الى العالم اإلسالمي بوصفه المختلف أو العدو مما يبرر‬ ‫الهيمنة علية‪)]3[(.‬‬ ‫وقد ترك هذا العامل اثر في ظهور تيار من المفكرين والعلماء والسياسيين وحتى الناس العاديين أو العامة الذين نادوا‪:‬‬ ‫ا‪ -‬ومن تأثير االستشراق في المجال العقدي االهتمام المبالغ فيه بالصوفية وبخاصة فتجدهم يجعلون البن عربي مكانة‬ ‫خاصة في النشاطات االستشراقية‪ ،‬ويجذبون أبناء المسلمين لمثل هذه االهتمامات‪.‬وهذا لها موجها تعود إلى محاولة‬ ‫االستشراق النظر إلى األخر من خالل الذات المسيحية التي وجدت في التصوف األقرب إليها إال أن هذا األمر ليس‬ ‫الوحيد بل أن االهتمام بالتصوف كان له مقاصد أخرى كالحوار والتثاقف كما لدى المستشرقة األلمانية‪ :‬انه ماري شيمل‬ ‫«في كثير من كتبها تطلعت المستشرقة األلمانية الراحلة إلى التصوف كجسر بين األديان والحضارات‪ ،‬ورأت أن‬ ‫التصوف ليس مجرد زهدا ً رومانسيا ً يقتصر على نفي الدنيا‪ ،‬بل إنه إحياء للقلوب وخلع للمعنى على ما ال معنى له‪ ،‬لننعم‬ ‫عن طريق التصوف بحرارة الوجد‪ ،‬ونتفهم اختالف اآلخر‪ ،‬وهو ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم ليحيا البشر على كافة‬ ‫أجناسهم وأديانهم وثقافاتهم بسالم سوياً‪)]4[(».‬‬ ‫ب‪ -‬كما أن من اهتمامات االستشراق بالفرق المقصية من الخطاب المركزي سابقا مثل‪ :‬واإلسماعيلية وغيرها من الفرق‬ ‫المهمشة‪.‬‬ ‫ج‪ -‬وقد حرص االستشراق والتنصير على إنشاء المدارس والجامعات الغربية في العالم اإلسالمي‪ ،‬فمن ذلك الكلية‬ ‫اإلنجيلية التي تحولت إلى الجامعة األمريكية التي لها فروع في كل من القاهرة وبيروت واسطنبول ودبي‪.‬ساهمة بالتأثير‬ ‫الحداثوي الغربي في المنطقة‪)]5[(.‬‬

‫ثالثا‪ -‬الهدف التجاري‪:‬‬ ‫لقد كانت المؤسسات والشركات الكبرى‪ ،‬والملوك كذلك‪ ،‬يدفعون المال الوفير للباحثين‪ ،‬من أجل معرفة البالد اإلسالمية‬ ‫وكتابة تقارير عنها‪ ،‬وقد كان ذلك جليا في عصر ما قبل االستعمار الغربي للعالم اإلسالمي في القرنين التاسع والعشرين‪.‬‬ ‫وكان لهذا تأثير‪ :‬إذ الغرب سعى إلى نشر الفكر االقتصادي الغربي االشتراكي والرأسمالي وذلك بمحاربة النظام‬ ‫االقتصادي اإلسالمي تشجيع الصناعة في البالد اإلسالمية دون االستعداد الكافي لها‪ ،‬وإهمال قطاع الزراعة فقد اقتنع‬ ‫العالم العربي بأن النهضة الحقيقية إنما تكون في الصناعة‪ ،‬ولذلك أهملت الزراعة إهماالً شبه كلي‪ ،‬مع أن نهضة الغرب‬ ‫الصناعية بدأت باالهتمام بالزراعة وما زال الغرب يسيطر على إنتاج الحبوب والمواد الغذائية األساسية في العالم‪.‬‬ ‫ممكن أن نرصد التجربه االمريكية في اول مسعى لها خارج اراضيها « ونظرا ً إلى هذا اإلخفاق في كسب ود حكام‬ ‫الجزائر وليبيا بخاصة‪ ،‬عمدت الحكومة األمريكية إلى تأسيس وإطالق قوة بحرية خاصة من ست سفن (لم يزل األسطول‬ ‫األمريكي في البحر المتوسط يسمى بـ «األسطول السادس» نسبة للسفن الست لحماية األنشطة البحرية األمريكية في هذه‬ ‫المناطق‪ .‬وقد حدثت مناوشات عسكرية قرب السواحل الليبية بين هذه السفن والمالحين المحليين‪ :‬وتعد هذه االحتكاكات‬ ‫أول حرب تخوضها الواليات المتحدة األمريكية في تاريخها خارج حدودها اإلقليمية عام ‪1801‬م‪ .‬وعلى الرغم من فشل‬ ‫هذا األسطول الصغير في تأمين السيطرة على الشريط الساحلي الليبي‪ ،‬بقيت هذه المغامرة العسكرية األولى راسخة في‬ ‫الذاكرة األمريكية‪ ،‬إذ يستذكرها جنود البحرية األمريكية صباح كل يوم وهم يرددون النشيد القومي الخاص بقواتهم‪.‬‬ ‫ولكن علينا هنا أن نتريث خشية سوء الفهم‪ ،‬ذلك أن هذه االحتكاكات المحدودة لم تكن قط من ذات النوع الذي جسدته‬ ‫المداخالت العسكرية األوروبية (الفرنسية والبريطانية والبرتغالية مثالً) في تلك الحقبة وما سبقها‪ .‬بينما كانت األساطيل‬ ‫األوروبية تسعى إلى بناء إمبراطوريات من خالل عملية الضم أو إلى ضمان طرق التجارة الرئيسية مع الشرق األقصى‬


‫‪ )4‬في كثير من األحيان كان المستشرقون ملحقين بأجهزة االستخبارات لسبر غور حالة المسلمين وتقديم النصائح لما‬ ‫ينبغي أن يفعلوه لمقاومة حركات البعث اإلسالمي‪.‬‬ ‫نظر الغربيون أن الديمقراطية الغربية هي أفضل نظام توصل إليه البشر حتى اآلن‪ ،‬ولذلك فهم يسعون إلى أن يسود هذا‬ ‫النظام العالم أجمع‪ ،‬ومن بين الدول التي يريدون لنظامهم أن يسودها في البالد اإلسالمية‪ ،‬وقد سعوا إلى هذا من خالل‬ ‫عدة سبل وأبرزها هو انتقاد النظام السياسي اإلسالمي رغم أن الدول اإلسالمية لم تطبق الشورى أو حاكميه األمة بل أنها‬ ‫دول استبدادية ساهمة في ضعف األمة المرتهنة إلى إرادة الحاكم المستبد الذي ساهم بسياسة االختراق الغربية أن تنجح‬ ‫في فرض الهيمنة الغربية على العالم اإلسالمي والعربي‪.‬‬

‫ثانيا – الهدف الديني‪:‬‬ ‫لقد كان االستشراق وليد االحتكاك بين الشرق اإلسالمي والغرب النصراني أيام الصليبيين‪ ،‬وعن طريق السفرات‬ ‫والرحالت ويالحظ دائما أن هناك تقاربا وتعاونا بين الثالوث المدمر‪ :‬التنصير واالستشراق واالستعمار‪ ،‬والمستعمرون‬ ‫يساندون المستشرقين والمنصرين ألنهم يستفيدون منهم كثيرا في خططهم االستعمارية‪ ،‬كان الدافع األساسي هو الجانب‬ ‫الالهوتي النصراني بغية تحطيم اإلسالم من داخله بالدس والكيد والتشويه‪ ،‬ولكن االستشراق بعد ذلك وفي اآلونة األخيرة‬ ‫بدأ يتحلل من هذا القيد نوعا ما ليتوجه توجها أقرب إلى الروح العلمية‪.‬كان هذا الهدف وراء نشأة االستشراق‪ ،‬وقد‬ ‫صاحبه خالل مراحله الطويلة‪ ،‬وهو يتمثل في‪:‬‬ ‫‪ )1‬التشكيك في صحة رسالة النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ )2‬التشكيك في صحة القرآن والطعن فيه‪.‬‬ ‫‪ )3‬التقليل من قيمة الفقه اإلسالمي واعتباره مستمدا من الفقه الروماني‪.‬‬ ‫‪ )4‬النيل من اللغة العربية واستبعاد قدرتها على مسايرة ركب التطور وتكريس دراسة اللهجات لتحل محل العربية‬ ‫الفصحى‪.‬‬ ‫‪ )5‬إرجاع اإلسالم إلى مصادر يهودية ونصرانية بدال من إرجاع التشابه بين اإلسالم وهاتين الديانتين إلى وحدة‬ ‫المصدر‪)]2[(.‬‬ ‫‪ )6‬العمل على تنصير المسلمين‪.‬‬ ‫‪ )7‬االعتماد على األحاديث الضعيفة واألخبار الموضوعة في سبيل تدعيم آرائهم وبناء نظرياتهم‪.‬‬ ‫‪ )8‬لقد كان الهدف االستراتيجي الديني من حملة التشويه ضد اإلسالم‪.‬‬


‫موقع الحضارية‪،‬األحد‪2007/08/19 :‬‬ ‫[‪ ]5‬انظر‪ :‬موسوعة األديان والمذاهب المعاصرة‪..‬‬ ‫[‪ ]6‬انظر التقديم في‪ :‬السيد عوض عثمان‪ ،‬العالقات الليبية – األمريكية‪1940 ،‬م – ‪1942‬م (القاهرة‪ :‬مركز الحضارة‬ ‫العربية‪1994 ،‬م)‪.4 :‬‬ ‫[‪ ]7‬انظر‪ :‬موسوعة األديان والمذاهب المعاصرة‪.‬‬


‫من خالل تأسيس قواعد حماية ثابتة في المضايق العربية‪ ،‬لم تكن أمريكا آنذاك تفكر بتأسيس إمبراطورية على الطريقة‬ ‫األوروبية‪ ،‬بقدر ما كانت ترنو إلى استكشاف الشرق العربي واستشراف آفاق تأسيس أواصر اقتصادية وتجارية مع أقاليم‬ ‫البحر المتوسط والمناطق المتاخمة له‪)]6[(« .‬‬ ‫رابعا‪ -‬الهدف العلمي الخالص‪:‬بعضهم اتجه إلى البحث والتمحيص لمعرفة الحقيقة خالصة‪ ،‬وقد وصل بعض هؤالء إلى‬ ‫اإلسالم ودخل فيه‪ ،‬نذكر منهم‪:‬‬ ‫‪ -1‬توماس أرنولد الذي أنصف المسلمين في كتابه الدعوة إلى اإلسالم‪.‬‬ ‫‪- 2‬المستشرق الفرنسي رينيه فقد أسلم وعاش في الجزائر وله كتاب أشعة خاصة بنور اإلسالم مات في فرنسا لكنه دفن‬ ‫في الجزائر‪.‬‬ ‫االستشراق األكاديمي‪ :‬أما االستشراق األكاديمي فهو المنهج األرصن واألهم‪ ,‬وكل األنماط السابقة والمناهج إنما ترجع‬ ‫في نشأتها إليه‪ ,‬فغالبا ً ما يتلقى المستشرق السياسي أو الديني وإلى حد ما األدبي عملية إعداد تمهيدية أساسية على‬ ‫أيدي نظيرهم األكاديمي إن أهم سمات النشاط األكاديمي االستشراقي االهتمام باللغة العربية أو أحد أهم السمات اللغات‬ ‫السامية‪ ,‬وتعمق مع حركة النقد للنصوص في العهد القديم خالل القرن التاسع عشر‪ ,‬وأن الكتاب المقدس وكأنه وثيقة‬ ‫تاريخية يجب أن تخضع للنقد والتحليل‪ .‬ولم يصبح للدراسات اإلنسانية حقل خاص به إال في مطلع القرن العشرين على‬ ‫أيدي المستشرق األلماني كارل هاينريش وبيكر والهولندي ستوك هور خروينة والنمساوي اكناس كولد زيهر‪)]7[(.‬‬

‫[‪ ]1‬هشام جعيط‪ :‬أوروبا واإلسالم‪ ،‬صدام الثقافة والحداثة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،1995 ،‬ص‪41‬‬ ‫[‪ ]2‬منذ أن قدم الحاخام األلماني أبراهام عمله الشهير «ماذا اخذ محمد عن اليهودية « في نهاية القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫والحديث ال يهدأ عن األثر المفرط لليهودية الحاخامية في اإلسالم‪ ،‬بل تطرف بعضهم فاعتبر أن اإلسالم لم يتمايز عن‬ ‫اليهودية إال بعد الحروب الصليبية‪ ،‬مثل الباحث السوفيتي موروزوف‪.‬‬ ‫ومن أشهر إتباع هذا التيار‪ :‬الباحث األلماني « ه‪ .‬شباير « صاحب الكتاب الشهير « الحكايات الكتابية في القران‬ ‫«والباحث األلماني أيضا» ي‪.‬هورفيتش»‪ ،‬وفي السبعينات ظهرت الباحثة األلمانية» باتريشيا كرونه» معتبر هذا الدين‬ ‫الذي كان « قوة بربرية حملت قيما يهودية»ولهذا التيار إمدادات في الثقافة العلمانية العربية مثل‪ :‬نبيل فياض……‪.‬‬ ‫[‪ ]3‬انظر‪ :‬موسوعة األديان والمذاهب المعاصرة‪.‬‬ ‫[‪ ]4‬آنه ماري شيمل وحوار الحضارات‪ ،‬هاينتس هالمز‪/‬عن كتابه (العرب) (‪،)Die Araber‬ترجمة‪ :‬ماهر حوني حبيب‪،‬‬



‫العزف بكرسي قاسم سعودي‬

‫اسماعيل ابراهيم عبد‬

‫تتفوق العبارة على تأويلها فأن الجمال يفوق المعنى ‪.‬‬ ‫حين ّ‬ ‫لنذهب الى القصائد الطقس‬ ‫يدي اليمنى‬ ‫[ يدي اليمنى تؤلمني كثيرا ً ‪ .‬ـ قصائد كرسي العازف ‪ ,‬ص‪]7‬‬ ‫هي عبارة طقوسية لها مايقابلها في تراث اآلباء واألهل ‪ ,‬األشقّاء خاصة ‪...‬‬ ‫لنجعلها اليسرى ‪ ...‬فماذا ستكون ؟‬ ‫سب ‪ ,‬بخل ‪ ,‬عسرة عمل !‬ ‫ستكون عسراء ‪ ,‬ثانوية ‪َ ,‬مذ َّمة نَ َ‬ ‫لكنما اليد اليمنى ‪ ,‬يد التسبيح ‪ ,‬يد العطاء ‪ ,‬يد اإلمساك‬ ‫‪ ,‬يد المصافحة في مراسيم األفراح واألحزان ‪..‬‬ ‫هي أداة اإلشارة ‪ ,‬البدء ‪ ,‬مسح الدموع ‪ ,‬التمويه على الخجل ‪.... ,‬‬ ‫إذا ً اليد اليمنى طقس وليس عضوا ً جسديا ً حركيا ً فقط ‪ .‬من كون اليد اليمنى‬ ‫إشارة طقوسية تبدأ اإلشكالية الشعرية ‪ ,‬ألن هذه اليد موجوعة ‪ ,‬بزعم الشاعر ‪,‬‬ ‫فهي جزء من طقس األلم ‪ ,‬وهي األساس في التأشير الى القلب ‪ ,‬دليل الحياة ‪..‬‬ ‫هنا ستجري فوائض إشارية الى جميع مخافي القصد ! كيف ؟‬ ‫لننظر ‪/‬‬ ‫[ ربما أطعمتُ مرارا ً دجاجات البيت ‪.‬‬ ‫ـ قصائد كرس العازف ‪ ,‬ص‪ ]7‬أيعقل أن يكون إطعام دجاجات‬ ‫البيت سببا ً لأللم ‪ ,‬إن لم يكن لصغار البنات ! ‪ ,‬المريضات أيضا ً ‪,‬‬ ‫َّ‬ ‫وهن بمثابة القلب ‪ ,‬الذي هو بمثابة واهب الروح ‪ ,‬بدفقه وحيويته ‪..‬‬ ‫إنهن ألم البيت كله ‪ .‬البيت ال يحوي سوى الصغيرات المريضات المتألمات !‬ ‫[ أو كنتُ في يوم ما عامل بناء ماهر ‪.‬‬ ‫ـ قصائد كرسي العازف ‪ ,‬ص‪]7‬‬ ‫إذا ً اإلطعام جاء بسبب العمل الماهر ‪ ,‬وهنا تتدخل آيدلوجيا الطقوس المهنية ‪ ,‬ومنها‬ ‫أن كان العامل ماهرا ً فسيكسب قوت يومه ‪ ,‬وإذا كان ماهرا ً سيدفع ذلك من جسده ‪,‬‬ ‫صغار!‬ ‫الصغار وال ُ‬ ‫وأول األعضاء المتأثرة هي اليد اليمنى ‪ ,‬ثم القلب ‪ ,‬ثم البيت‪ ,‬ثم ِ‬ ‫لكن الشاعر يحمل يده لفعل مضاف هو مساعدة الجار ‪.‬‬ ‫[ أو ساعدتُ جارنا العجوز على حمل باب حزين ‪.‬‬ ‫ـ قصائد كرسي العازف ‪ ,‬ص‪]7‬‬


‫جسد يتألم ألجل صغيرات أُط ِعمن اإلثم ‪..‬‬ ‫ألم من جرائر وذنوب خيانات القلب ‪ ,‬قتل األبرياء‬ ‫‪ ,‬قتل المحاربين ‪ ,‬زرع الحزن على األبواب ‪... ,‬‬ ‫جراء التهليل للطغاة ! تلك هي اليد الفاعلة ‪ ,‬يريد‬ ‫كل الجرائم أقل هوالً من ألم الفكر ّ‬ ‫لها الشاعر أن تنسى وأن تبيَّض بالندم واأللم والوجع الذي يغسل العار واألخطاء ‪..‬‬ ‫لكن المقابل ‪ ,‬المسكوت عنه هو ‪ :‬أن الشاعر ال يقتل ‪ ,‬وال يصفق ‪ ,‬وال يعتذر ‪..‬‬ ‫الشاعر يحذّر ‪ ,‬يؤثِر ‪ ,‬يوميء بيد السالم حتى‬ ‫لو كانت متعبة ! حتى لو كانت بقبضة ريح ! ‪..‬‬ ‫إنه يتحمل أوزارا ً ليست أوزاره ‪ ,‬وجنايات لم يرتكبها !‬ ‫بالدق على األلم ينشر الجمال الذي يفوق المعنى ‪..‬‬ ‫إذا ً هو الشاعر الناقوس الذي‬ ‫ِّ‬ ‫إنه يغني أليامنا بدال عنّا لعل حلم سيجيء ‪ ,‬حتى لو كان حلم شاعر متألم !‬ ‫الينابيع‬ ‫[ الينابيع‬ ‫هل تراها معي ؟‬ ‫إنها تقترب‬ ‫مثل زهرة حافية تتسلق دمعة البيت‬ ‫أي دمعة تلك التي تحمل بين عظامها أنهارنا المسروقة في الغرف الضيقة ‪ ..‬؟‬ ‫وأنت تضع رأسك الساخن بين‬ ‫هل ضاق قلبك أيضا ً ‪ ..‬؟‬ ‫َ‬ ‫أسنان التأريخ ويقظة األوبئة وألسنة الجدران ال تخف‬ ‫ففي دمعة البيت الكثير من الجثث الباسمة في دمعة البيت الكثير من الهواء‬ ‫الرحيم وفي دمعة البيت الكثير من البراري والطحين والقصب فال تخف‬ ‫الينابيع تقترب ‪.‬‬ ‫ـ قصائد كرسي العزف ‪ ,‬ص‪ , 16‬ص‪]17‬‬ ‫في شعرية الشعر والقص لقصيدة (الينابيع) تتمترس ـ كغطاء ـ قضايا عدة ‪ ,‬منها‬ ‫ما هو جمالي ومنها ما هو داللي ‪ ,‬ومنها ما هو ثقافي ‪ ,‬ومنها وما هو تواصلي ‪.‬‬ ‫أن شعرية القول في هذه القصيدة (الينابيع) ليست ذات حدود تأويلية‬ ‫وجمالية فقط ‪ ,‬إنما هي منفتحة على التعدد القرائي ‪ ,‬فقدت إحتوت على‬ ‫ـ بنية التكرار ‪:‬‬ ‫‪/‬‬ ‫تتكرر كلمة الينابيع بشكل مباشر ‪ ,‬كمحور مؤالف للنسيج الشعري ‪ ,‬مرة في‬ ‫العنوان ومرتين في المتن ‪ .‬ومؤشرة بشكل مضمر (غير مباشر) ثالث مرات ‪.‬‬ ‫وتتكرر كلمة دمعة ـ بشكل مباشر ـ أربع مرات ‪ ,‬دونما مؤشرات مضمرة ‪.‬‬


‫هو ليس جارا ً فقط بل عنده باب حزين ‪ ,‬ترى من أين‬ ‫جاء الحزن ‪ ,‬أألجل قلب الشاعر ‪ ,‬أم ألجل أمر آخر!‬ ‫[ أو كنتُ أضغط على الزناد كثيرا ً‬ ‫وقت رعب االمعارك ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ـ قصائد كرسي العزف ‪ ,‬ص‪]7‬‬ ‫فلكأنما الباب الحزين هو القلب المغلق على حزنه بسبب فقدان‬ ‫ّ‬ ‫األعزة في الحرب ‪ ,‬ولكأن الجار ‪ ,‬اليد اليمنى اآلثمة ‪ ,‬وتلك‬ ‫هي طقس جنائزي ـ المجرم يدور حول مكان الجريمة ـ ! ‪..‬‬ ‫بل ليس هذا فقط ‪.‬‬ ‫تعودتُ أن أكتب ألصدقائي رسائل ثقيلة ‪.‬‬ ‫[ أو أني ّ‬ ‫ـ قصائد كرسي العازف ‪ ,‬ص ‪]7‬‬ ‫هي ذي مرة جديدة تتعب اليد ‪ ,‬بإمتداد أصابعها ‪ ,‬وتقلص كتابتها ‪,‬‬ ‫وإقتصارها على رسائل األصدقاء ‪ .‬وألنهم غائبون فهم محبوبون‬ ‫وكانوا مثله ‪ .‬أو أن الشاعر مثلهم أيضا ً ‪ ,‬دون أن يعلم ‪ ,‬يكتبون رسائل‬ ‫ال جدوى منها ‪ ,‬رسائل تحمل ذات اإلثم ـ الضغط الكثير على الزناد ‪.‬‬ ‫الرسائل موجعة وثقيلة على إمتداد أعضاء الجسد ‪ ,‬على إمتداد الزمن !‪..‬‬ ‫تلك فرية ‪ ,‬أن يزج الشاعر نفسه وأصدقائه في إثم لم يكونوا فاعليه ‪..‬‬ ‫إذا ً هو جسده الذي صيّره ذاتا ً لبؤرة عرض آثام البشرية‬ ‫كلها ‪ ..‬لعله البوح واإلعتذار والتبرؤ ‪ .‬لننظر ‪/‬‬ ‫[ أو أني أسندتُ بها رأسي الكبير ‪.‬‬ ‫ـ قصائد كرسي العازف ‪ ,‬ص‪]7‬‬ ‫تلك جديدة أيضا ً ‪ ,‬بل جديّة موغلة في عدمية َجلد الذات ‪.‬‬ ‫إنها طقس األلم األكثر وجعا ً (الرأس = الفكر) ‪ ..‬قد نتفاجأ بفجيعة تجعل تلك‬ ‫المسوغات مسوغا ً واحدا ً ‪ ,‬ذلك هو التصفيق للطغاة ‪.‬‬ ‫[ كنتُ أُصفق كثيرا ً للطغاة والبرابرة والقتلة ‪.‬‬ ‫ـ قصائد كرسي العازف ‪ ,‬ص‪] 7‬‬ ‫هنا تلقي القصيدة بآخر قطرات األلم ‪ ,‬خارطة تو ّجه الى ألم في يد ‪ ,‬في جسد ‪..‬‬


‫ينبوع الحياة القدري ‪ ,‬المنصف ‪ ,‬الذي سينشر السالم والحرية والفن ‪.‬‬ ‫ـ مظهرية التنافس والتقاطع ‪:‬‬ ‫لنلجأ أوال الى التمثيل باآلتي ‪/‬‬ ‫[ في دمعة البيت الكثير من الهواء ‪.‬‬ ‫وفي دمعة البيت الكثير من البراري والطحين والقصب‬ ‫ـ قصائد كرسي العازف ‪ ,‬ص ‪]16‬‬ ‫التنافر هنا ال يشمل قوى المقطع كلها إنما يكتفي بعدم اإلنسجام ‪ ,‬فالدمعة ليس فيها‬ ‫هواء ‪ ,‬والهواء ليس بمقدوره أن يكون رحيما ً أو قاسيا ً ‪..‬‬ ‫هذا الالإنسجام هو تنافر مقصود ‪ ,‬يجمع األشياء بظرف متناسب يجعل السبك القولي‬ ‫َم ْعبَرا ً الى القدرية في المبغى شبه الحكائي لمدونة المقطع الشعري ‪.‬‬ ‫ما يفعله الشاعر ‪ ,‬أن يجمع بين البراري والطحين والقصب ‪ ,‬وليس‬ ‫ثمة تقارب سوى التوافق الكلمي لعناصر المظهر الجملي ‪ ,‬والذي‬ ‫يجعلها مقنعة هو شعرية الطبيعة للعموم تأويالت البيت ‪ ,‬فـ ‪ /‬البيت ‪/‬‬ ‫هو البلد ‪ ,‬عليه مسؤولية حماية البراري ‪ ,‬وتوفير الخبز ‪ ,‬وإنصاف األهل ‪,‬‬ ‫شعب القصب ‪ ,‬سكان جنوب البلد ‪ ..‬هنا كذلك قول مضمر ينمو تحت سطح‬ ‫المظهر التدويني ‪ ..‬إنه التقاطع الفاضح بين المظهر المو ّ‬ ‫شى بالتوافق ـ على‬ ‫الرغم من التنافر اللفظي ـ والعمق البؤري للتأسي في المقطع المتقدم ‪ .‬فـ ‪/‬‬ ‫ـ البيت بيت دموع ‪.‬‬ ‫ـ البيت بيت جثث ‪.‬‬ ‫ـ البيت بال هواء ‪.‬‬ ‫ـ البيت بهو مستباح ‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫البيت بيت للخوف األزلي ‪.‬‬ ‫ـ توزع الروي ‪:‬‬ ‫وفي فنيّة القول الشعري يتأكد اآلتي ‪/‬‬ ‫ـ وجود را ٍو متعدد األقنعة ‪ ,‬فالراوي األول هو الشاعر(الذات) ‪.‬‬ ‫لألنت المخاطب ‪.‬‬ ‫والراوي الثاني الشاعر (القناع)‬ ‫َ‬ ‫والراوي الثالث الشاعر الحقيقي ‪.‬‬ ‫جميعهم يوفرون بنية قصصية لداخل مدونة المروية الشعرية ‪ .‬ـ فحوى السكونية ‪:‬‬ ‫يحتوي نص الينابيع ‪ 6‬نقاط فاصلة ونقطة واحدة ُم ْن ِهيَة ‪ ,‬كما يحتوي على إثنتين من‬


‫التكراران فيهما غرض حكيم للشعرية ‪.‬‬ ‫ترى ما الحكمة من وجودهما التكراري ؟‬ ‫الوجه األول ‪ /‬التكرار ضمر نفسي عن بوح مؤجل يوصي به الشاعر ليكون‬ ‫بوصلة تعيين لحاالت يدل مظهرها على كثرتها ‪ ,‬فلن يقول ‪ ,‬أن الينابيع هي‬ ‫الدمعة ‪ ...‬ولن يقول ‪ ,‬أن الدمعة هي البيت ‪ .. ,‬ولم يقل ‪ ,‬أن البيت هو األرض‬ ‫كلها ‪ ..‬لقد إكتفى بالتأشير التكراري تعويضا ً عن مئات الحاالت التي يمكن‬ ‫أن تكرر المعنى بكونها حدثا ً على سطح البيئة (الطبيعة واألحياء والبشر) ‪.‬‬ ‫إما قيمة التكرار فنيا ً ففي كونه يقرر إتصال المعاني بفضائها لخلق كيان‬ ‫يقوض القول الى قدر حكائي يزيد في تعدد أسباب الجذب‬ ‫شبه قصصي ّ‬ ‫ـ آلية التشفير ‪:‬‬ ‫القرائي ‪.‬‬ ‫هي عالئق إتصالية تتضمن كيل من الرموز الخالقة لمباغي‬ ‫غير مباشر ‪.‬‬ ‫المعنى سواء كانت قوالً مباشرا ً أم قوالً َ‬ ‫وفي القصيدة تتجلى استعماالت داللية ‪ ,‬منها ‪:‬‬ ‫* الينابيع ‪ ..‬إنها تقترب ‪...‬‬ ‫* زهرة حافية تتسلق البيت ‪...‬‬ ‫* الجثث الباسمة ‪.‬‬ ‫* الينابيع تقترب ‪.‬‬ ‫فحوى تلك المؤشرات يقارب محتوى البرقيات (ال َم ِسجات)‬ ‫مقترنة بآلية تشفير تجعلها أسرارا ً ضاجة بالفضح والتوضيح ‪...‬‬ ‫فالينابيع ‪ :‬خيرات البالد ‪ ,‬صداقات الناس ‪,‬‬ ‫فنون الشعب ‪ ,‬منابع أفكار العلم واإلبداع ‪.‬‬ ‫الزهرة الحافية ‪ :‬هي زهرة عاديّة ّإل من عطرها ومظهرها ‪ .‬الزهرة‬ ‫مفتوحة األبصار نحو كل شيء بين األرض والسماء ‪ .‬هي الزهرة‬ ‫الخالقة لجمال النفس والنغم في ما بين األفكار ‪ .‬هي زهرة العطاء‬ ‫والدالل التي تتوافق وحميمية الدق في البيت (أسر ‪ ,‬بشر ‪ ,‬عالئق) ‪.‬‬ ‫مشوهة الوجه ‪ ,‬بارزة األسنان ‪ ,‬تقول للتأريخ ‪/‬‬ ‫الجثث الباسمة ‪ :‬هي جثث ّ‬ ‫وضللت الحقيقة ‪ ,‬وها نحن نك ّ‬ ‫شر‬ ‫أن أسنانك ليست بيضاء ألنك ظلمتنا‬ ‫َ‬ ‫بياضنا الساخر ببسمة شامتة ال تقدر على منعها ‪ .‬الجثث هي الموت الذي‬ ‫يصنع الحياة الجديدة في ينابيع اإلنسانية التي لن تجف مهما بولغ بالموت ‪.‬‬ ‫الينابيع تقترب ‪ :‬هي آلية صوغ تؤكد المعنى اإلفتتاحي كونها‬ ‫بموضع إنتهاء القول وإبتداء التأويل لما بعد القول ‪..‬‬ ‫الشيفرة الكلية للمقطع الكتابي ‪:‬‬ ‫هي محصلة القول بالرموز المكثفة للداللة بالمعنى اآلتي ‪ /‬من الدمار سيجري‬


‫موصالت حركة الفصل والوصل الحيوية ‪..‬‬ ‫أرى أن ذلك مبرر لتقليل العاطفية الشعرية التي تباشر فعلها النفسي على ذائقة‬ ‫القاريء ‪ ,‬من ثم تخلق جوا ً شعريا ً من موسيقى غير ملزمة ‪ ,‬ال في توقيعاتها وال في‬ ‫توقفاتها ‪ ,‬لتترك إسترخاء محسوبا ً بدقة مثلما التشبع التدريجي بخمرة جمال العشق‬ ‫الوجودي والتعبدي ‪...‬‬ ‫تجوالنا في قصيدتي (يدي اليمنى وقصيدة الينابيع) يوصلنا الى بعض شؤون فنية‬ ‫وثقافية في شعرية قاسم سعودي ‪ ..‬إنهما نموذجان لقصائد ـ كرسي العازف ـ‬ ‫نرى أنهما يمثالن الطبيعة الفكرية والشعورية لمنظومة إشتغاالت الشعر لديه ‪..‬‬ ‫يمكنني إيجاز خصائصها باآلتي ‪1 /‬ـ القصائد تتماها مع رؤى‬ ‫الشاعر األخالقية المعتدلة دون أن تنحاز لمفاهيم الفضيلة التقليدية ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن اإلشتغاالت الفنية تعطي للتأويل المنفتح مساحة جيدة لتخيل الحاالت اإلنسانية‬ ‫تكون المصدر المهم لينبوع العاطفة الشعورية للرؤى‪.‬‬ ‫القرينة بالحالة الشعرية والتي ّ‬ ‫‪ 3‬ـ اإلستعمال اللغوي الذي يتوسط البالغة بين لغة عموم الناس ولغة التدفق الجمالي‬ ‫كلل نجاح الشاعر في توسيع قاعدة القراءة بمستوييها اللذائذي والنقدي ‪4 .‬ـ المظاهر‬ ‫الكتابية للتدوين الشعري تحاول إيجاز الهموم البشرية بهموم الذات الكونية ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ اإليجاز في الفكرة واللفظة والروي يجيز للشاعر أن يقول شعره بالسرد دون أن‬ ‫يضحي بآليات الشعر ‪.‬‬




‫الحقوق والحريات يف اإلسالم ‪//‬‬

‫محمد طي‬

‫ينتظــم الــرع اإلســامي شــؤون اإلنســان يف هــذه الدنيــا ويف اآلخــرة‪ ،‬وهــذا الــرع إلهــي فــرغ اللــه تعــاىل مــن إنزالــه‪ ،‬فــا يســتطيع أحــد‬ ‫تعديلــه‪ ,‬وال يخضــع بالتــايل لألهــواء واملصالــح‪ ،‬وال تؤثــر يف تحديــده إمرباطوريــات املــال واالقتصــاد وال قــوى الضغــط‪ .‬ثــم هــو ال يحتمــل الثغـرات‪,‬‬ ‫التــي تدفــع اإلنســان إىل الترشيــع لســدها‪ ،‬ومــن هنــا‪ ,‬فــإن كل مــا يتعـ ّرض لـــه الترشيــع الوضعــي ينـ ّزه عنــه هــذا الــرع‪.‬‬ ‫ثــم إن الــرع إذا منــح اإلنســان حق ـاً فإنــه يلــزم الجميــع مبــن فيهــم الحاكــم‪ ،‬باحرتامــه‪ .‬ومــن هنــا‪ ,‬فــا ميكــن أن تكــون الحقــوق وهميــة‬ ‫بحيــث يُعــرف بهــا‪ ،‬لكــن يعجــز صاحبهــا عــن مامرســتها‪.‬‬ ‫فكيف نقل لنا الرسول عن الذات اإللهية حقوقنا‪ ،‬وما الحريات التي من َحناها؟‬ ‫أسارع هنا إىل القول‪ :‬إن إجابتنا لن تكون إال نسبية وعىل قدر إمكاناتنا‪ ،‬وال ميكن لنا أن نحيط مبا حبا الله اإلنسان من حقوق‪.‬‬ ‫أما األصل الذي يجب أن نعود إليه لدراسة هذه الحقوق فهو التوحيد‪.‬‬ ‫فالتوحيــد يعنــي نســف األلوهيــات امل ّدعــاة أو املامرســة واقعيـاً مــن قبــل الحــكام عــى النــاس‪ .‬فــا ســلطة ألحــد عــى أحــد مــن حيــث املبــدأ‪,‬‬ ‫وبالتــايل ال يســتطيع أحــد أن يفــرض التزامــات عــى النــاس كــا يشــاء‪:‬‬ ‫يزج الناس يف الحروب ل َيقتلوا أو يُقتلوا‬ ‫ال يف مجال الحق بالحياة‪ ,‬كأن يقتل من ال يوافقه الرأي‪ ,‬أو أن ّ‬ ‫وال يف مجال الحرية‪ ,‬كأن يستعبد الناس أو يز ّجهم يف أعامل السخرة لبناء الهياكل والقصور واملعابد‪.‬‬ ‫وال يف مجال املال‪ ,‬فال يستطيع أن ينتزع أمالك الناس عندما يحلو له‪.‬‬ ‫غــر أن اللــه تعــاىل مل يكتـ ِ‬ ‫ـف بهــذا املنــع ليــرك البرشيــة تعيــش الفــوىض‪ ,‬بــل ق ـ ّرر للنــاس الحكــم‪ ,‬كــا يقــول اإلمــام عــي (ع) يف جوابــه‬ ‫للخــوارج‪ « :‬ال ب ـ ّد للنــاس مــن أمــر»‪.‬‬ ‫إذا ً ال بــد مــن حكــم‪ ,‬لكــن عــى األســاس الــذي حـ ّدده اللــه تعــاىل‪ .‬واللــه تعــاىل أنــزل أحكامـاً معينــة‪ ,‬فــا نــزل بــه حكــم يُلتــزم بالحكــم‪ ,‬ومــا‬ ‫ُســكت عنــه فهــو مبــاح‪.‬‬ ‫ومن هذا األصل‪ ,‬التوحيد‪ ,‬والحكم مبا س ّنه الله تعاىل‪ ,‬ت ُستنتج حقوق اإلنسان يف مواجهة الحاكمني‪.‬‬ ‫وأول مــا قــى بــه اللــه تعــاىل يف هــذا املجــال تكرميــه اإلنســان وتفضيلــه عــى ســائر املخلوقــات‪} :‬ولقــد ك ّرمنــا بنــي آدم وحملناهــم يف الــر‬ ‫والبحــر ورزقناهــم مــن الطيبــات وفضّ لناهــم عــى كثــر ممــن خلقنــا تفضيــا{ (اإلرساء‪)70/‬‬ ‫رف‬ ‫والتكريــم والتفضيــل يعــود كالهــا إىل أن اللــه خلــق اإلنســان ليكــون خليفــة يف األرض‪} :‬إين جاعــل يف األرض خليفــة{ ( البقــرة ‪ ,)30/‬يتـ ّ‬ ‫رصفــه‪.‬‬ ‫بهــا ويســأل عــن ت ّ‬ ‫والتكريم والتفضيل معاً يشكالن األصل الثاين‪ .‬فالله تعاىل مل يخلق اإلنسان ويكلّفه ثم يرتكه لشأنه‪ ,‬بل هو منحه ميزة إيجابية‪.‬‬ ‫ويف ضــوء األصــل األســايس‪ ,‬التوحيــد واألصــل الثانــوي‪ ,‬التكريــم والتفضيــل‪ ,‬ســنحاول بإمكاناتنــا املحــدودة تنــاول هــذا األمــر‪ .‬لذلــك نرانــا‬ ‫مضط ّريــن إىل املوازنــة مــع مــا اكتشــفه الذهــن البــري‪ ،‬عــى قصــوره‪ ,‬يف مجــال حقــوق اإلنســان‪ ،‬لنــرز نقــاط االلتقــاء ونقــاط االفـراق‪ ،‬ولنجــري‬ ‫املوازنــة يف نقــاط االلتقــاء‪ ,‬ليظهــر لنــا الفــارق بــن مــا منحنــا اللــه تعــاىل ومــا انتزعــه اإلنســان مــن حكّامــه لنفســه‪.‬‬ ‫ونحــن ســنعالج األمــر يف ضــوء املخطــط نفســه الــذي اعت ِمــد لتبيــان الحقــوق والحريــات التــي تســامل عليهــا البــر‪ .‬فنبــدأ بالحــق يف الحيــاة‪،‬‬ ‫مــرورا ً باملســاواة‪ ،‬فحقــوق الشــخص اإلنســاين‪ ،‬فحرمــة الحيــاة الخاصــة‪ ،‬فالحريــات الفكريــة والسياســية‪ ,‬فالحريــات ذات الطابــع االجتامعــي‬ ‫واالقتصــادي‪.‬‬


‫ ‬

‫• الحق بالحياة ‪:‬‬

‫الحــق بالحيــاة حـ ّـق أصيــل‪ ,‬فاإلســام يضمنــه بطبيعــة الحــال وال يســمح بإزهــاق الــروح إال عقوبــة عــى الجرائــم شــديدة الخطــورة‪ .‬يقــول‬ ‫تعــاىل‪{ :‬مــن قتــل نفسـاً بغــر نفــس أو فســاد يف األرض فكأمنــا قتــل النــاس جميعـاً} (املائــدة‪)32/‬‬ ‫ـج) يف‬ ‫وقــد جعــل النبــي (ص) حرمــة املســلم كأقــدس الحرمــات إذ يقــول (ص) ‪ :‬إن دماءكــم وأموالكــم حـرام عليكــم كحرمــة يومكــم هــذا (يــوم الحـ ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫شــهركم هــذا (شــهر ذي الحجــة) يف بلدكــم هــذا (البلــد الحـرام)‪.‬‬ ‫وللداللــة عــى أهميــة هــذا الــدم يقــول (ص) ‪« :‬والــذي بعثنــي بالحـ ّـق لــو أن أهــل الســاء واألرض رشكــوا يف دم امــرئ مســلم ورضــوا بــه‪ ،‬ألك ّبهــم‬ ‫‪2‬‬ ‫اللــه عــى مناخرهــم يف النــار»‪.‬‬ ‫وإذا كان دم املســلم حرام ـاً‪ ،‬فــإن دم الذ ّمــي ح ـرام هــو اآلخــر‪ ،‬فاإلســام ال يف ـ ّرق‪ ,‬إذ يقــول رســول اللــه (ص)‪« :‬مــن قتــل رج ـاً مــن أهــل‬ ‫‪3‬‬ ‫الذمــة مل يجــد ريــح الجنــة»‪.‬‬ ‫عــى أن إزهــاق األرواح ميكــن أن يحصــل بالقتــل املبــارش أو يف الحــروب العدوانيــة‪ ،‬أي التــي ال يبيحهــا اللــه تعــاىل‪ .‬وهــذا مح ـ ّرم كالقتــل‬ ‫املبــارش‪.‬‬ ‫وإذا كان اإلســام يحــرم الحيــاة إىل هــذا الحــد‪ ,‬فــا بـ ّد لــه مــن أن يحميهــا‪ ,‬مــن هنــا كان الــردع‪ ,‬وهــو يتمثّــل بإنـزال العقوبــات املشـ ّددة‬ ‫عــى مــن يعتــدي عــى الحيــاة وصــوالً إىل اإلعــدام‪.‬‬ ‫وهنــا يطــرح فريــق مــن املفكّريــن املهتمــن بحقــوق اإلنســان مشــكلة عقوبــة اإلعــدام‪ ,‬عــى أســاس أنهــا‪ ,‬هــي األخــرى عمليــة قتــل‪ ,‬وملــا‬ ‫فيهــا مــن «الهمجيــة»‪ ,‬وعــى أســاس أن هــذه العقوبــة‪ ,‬إذا مــا تبـ ّـن مســتقبالً خطــأ يف الحكــم بهــا‪ ,‬فــا ميكــن الرتاجــع عنهــا‪.‬‬ ‫لكــن هــؤالء املفكّريــن ينظــرون إىل الشــخص املرتكــب‪ ,‬وال يعــرون االهتــام الــكايف للمجتمــع امله ـ ّدد مبثــل هــذا الشــخص‪ ,‬الــذي ميكــن‪,‬‬ ‫إمــا أن يكـ ّرر فعلتــه‪ ,‬أو‪ ,‬عــى األقــل‪ ,‬يشـ ّجع غــره‪ ,‬عندمــا يــرى أنــه‪ ,‬إذا تع ّمــد القتــل‪ ,‬فســيبقى عــى قيــد الحيــاة‪ ,‬حتــى لــو ســجن‪ ,‬إذ ميكــن أن‬ ‫يأ ّمــل بعفــو أو بغــره مــن الوســائل الســتعادة حريتــه‪.‬‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ ,‬البـ ّد مــن أن نتذكّــر دامئــا أن عقوبــة اإلعــدام‪ ,‬فرضهــا اللــه تعــاىل جـزا ًء عــى جرائــم فظيعــة‪ ,‬فمــن أدرى منــه تعــاىل مبصلحــة‬ ‫خلقــه‪ .‬فهــل صنــع اإلنســان نفســه أم أن اللــه ســبحانه خلقــه ومنحــه الحيــاة؟ فــإذا كان اللــه مانــح الحيــاة‪ ,‬فــا ميكــن أن يكــون اإلنســان أدرى‬ ‫بالهــدف والحكمــة مــن ورائهــا‪ ،‬بــل األدرى هــو الــذي وهبهــا‪ ،‬وهــو الــذي يســتطيع أن ينظّمهــا لتصــل إىل الغايــة املرجــوة‪ ،‬ويصبــح الخــاف حــول‬ ‫رضورة أو عــدم رضورة عقوبــة اإلعــدام‪ ,‬مســألة خــارج البحــث‪.‬‬

‫ ‬

‫•املساواة ‪:‬‬ ‫لقــد خلــق اللــه تعــاىل جميــع النــاس‪ ,‬وو ّجــه إليهــم خطاباتــه‪« :‬يــا أيهــا النــاس»‪ .‬ومل يســمح بــأي شــكل مــن أشــكال التمييــز بــن مــن‬ ‫هــم يف وضــع قانــوين واحــد‪ ,‬إذ يقــول تعــاىل‪ »:‬يــا أيّهــا النــاس إنــا خلقناكــم مــن ذكــر و أنثــى «(الحجـرات ‪.)13/‬‬

‫ولقــد كان اهتــام الرســول (ص) بهــذا األمــر عظيـاً‪ ،‬فهــو مل مي ّيــز بــن أي مــن أصحابــه وبــن بــال الحبــي‪ ,‬أو بينهــم وبــن غــره مــن أبنــاء األعـراق‬ ‫أو األلــوان املختلفــة‪ .‬كــا مــارس هــذا األمــر يف ســرته العمليــة‪ ,‬فهــو تشـبّث بــه‪ ,‬وأمــر بالتشـبّث بــه يف ســرته القوليــة‪ ،‬فهــو القائــل ‪” :‬ال فضــل‬ ‫لعــريب عــى أعجمــي وال ألبيــض عــى أســود ‪ ...‬إال بالتقــوى»‪ 4 .‬كــا منــع الرســول (ص) مــن التعــايل عــى ذوي األصــول العرقّيــة والســود‪ ،‬بــل أمــر‬ ‫بطاعتهــم عندمــا يعيّنــون قــادة أو أمـراء‪ ،‬وذلــك اســتجابة لقولــه تعاىل‪}:‬أطيعــوا اللــه وأطيعــوا الرســول وأويل األمــر منكــم{ «(النســاء‪ .) 95/‬وأوضــح‬ ‫الرسول(ص)‬

‫ ‪1‬‬ ‫‪ 2‬‬ ‫‪ 3‬‬ ‫‪ 4‬‬

‫بخاري‪ ,‬فتن‪8/‬‬ ‫الترمذي‪ ,‬ديات‪8/‬‬ ‫بخاري‪ ,‬الجزية والموادعة‪5/‬‬ ‫الجاحظ‪ ,‬البيان والتبيين‪,‬دار صعب‪,‬بيروت‪ ,‬دون تاريخ‪ ,‬س‪229‬‬



‫عــى أن عقوبــة الظــامل ليســت دنيويــة فقــط‪ ،‬بــل وأخرويــة أيض ـاً‪ ،‬إذ يقــول جـ ّـل مــن قائــل‪} :‬وإذا رأى الذيــن ظلمــوا العــذاب فــا يخّفــف‬ ‫عنهــم وال هــم ينظــرون{ (النحــل‪ 85/‬راجــع كذلــك البقــرة‪ 165/‬األعراف‪165/‬يونس‪52/‬الكهف‪29/‬و‪59‬الشــعراء ‪227/‬الروم‪57/‬الزمر‪47/‬الزخــرف‪.65/‬‬ ‫عــى أن اللــه يســتجيب دعــوة املظلــوم ألن املظلــوم ليــس بينــه وبــن اللــه حجــاب‪ 15.‬والظلــم ظلــات يــوم القيامــة‪ 16.‬كــا يعـ ّد اللــه مــن‬ ‫يظلــم أوليــاءه عــدوا ً لــه‪ ،‬إذ جــاء يف الحديــث القــديس‪« :‬مــن أهــان يل ولي ـاً فقــد أرصــد ملحاربتــي»‪ 17.‬كــا جــاء‪« :‬قــد نابــذين مــن ّ‬ ‫أذل عبــدي‬ ‫‪18‬‬ ‫املؤمــن»‪.‬‬

‫ ‬

‫•استقاللية القضاء‪:‬‬

‫يخاطــب اللــه تعــاىل داوود فيقول‪}:‬يــا داوود إنــا جعلنــاك خليفــة يف األرض فاحكــم بــن النــاس بالحــق وال تتبــع الهــوى{(ص‪.)26/‬‬ ‫والحكــم بالحــق يعنــي أالّ يتأثــر الحاكــم بــأي عامــل يف مامرســته واجبــه‪.‬‬ ‫كــا تتو ّجــه األحاديــث الرشيفــة إىل القضــاة لئ ـاّ مييّــزوا بــن النــاس‪ ،‬وبــأن يســاووا بالتــايل بــن الحاكــم واملحكــوم‪ .‬وقــد مــارس قضــاة‬ ‫عديــدون ومــن يف حكمهــم هــذا األمــر مــع الجميــع مبــن فيهــم الرســول (ص) نفســه وكذلــك خلفــاؤه‪ .‬وتتبـ ّدى االســتقاللية يف هــذه الحياديــة‬ ‫ر عليهــا الرســول (ص)‪ ،‬فقــد أوىص (ص) باالســتامع إىل الخصمــن‪ ،‬وهــذا يعنــي إتاحــة حــق الدفــاع لــكل منهــا عــى قــدم‬ ‫التــي كان ي ـ ّ‬ ‫ِ‬ ‫املســاواة‪ ،‬كــا يــويص (ص) القــايض بالقــول‪« :‬إذا جلــس بــن يديــك الخصــان‪ ،‬فــا تقــض حتــى تســمع مــن اآلخــر كــا ســمعت مــن األول‬ ‫‪ ،‬فانــه أحــرى أن يتبـ ّـن لــك القضــاء»(‪.)19‬‬ ‫وقــد تن ّبــه الرســول(ص) حتــى للتفاصيــل الصغــرة‪ ،‬كاملعاملــة عــى هامــش العمــل القضــايئ‪ ،‬فأمــر (ص) بــأن ال يســتقبل أي متقـ ٍ‬ ‫ـاض أو عــازم عــى‬ ‫(‪)20‬‬ ‫التقــايض دون خصمــه‪ ،‬إذ نهــى أن يضــاف (يســتضاف) الخصــم إال ومعــه خصمــه‪.‬‬

‫ ‬

‫•أصل الرباءة ( براءة املتهم حتى تثبت إدانته)‪:‬‬

‫إذا كان العــدل مق ّدس ـاً إىل هــذه الدرجــة‪ ،‬فــإن اإلنســان يجــب أال يؤاخــذ إالّ مبــا جــاء مــن عنــد اللــه إذ يقــول تعــاىل‪}:‬ال يكلّــف‬ ‫اللــه نفسـاّ إال مــا آتاها{(الطــاق‪ ،)7/‬فــا يؤخــذ بالظنــة‪ ،‬ل} أن الظــن ال يغنــي مــن الحــق شــيئا{( يونــس‪ .)36/‬فقــد قــال (ص)‪»:‬إياكــم‬ ‫والظـ ّن فــإن الظـ ّن أكــذب الحديث»‪21.‬والظـ ّن مســألة واســعة تتعـ ّدد فروعهــا وهــي تنطبــق عــى مــن تحــوم حولــه شــبهة مــا‪.‬‬ ‫عــى أنــه ال بــد هنــا مــن التمييــز بــن الظـ ّن‪ ،‬الــذي ال يبيــح العقوبــة‪ ,‬وبــن أمــر آخــر قــد يحملــه بعضهــم عــى أنــه ظـ ّن‪ ،‬وهــو أن‬ ‫تكــون هنــاك أدلّــة قاطعــة عــى أمــر يخفــي صاحبــه منــه بعــض العنــارص‪ ,‬فهــذا يقــن‪ .‬وهنــا يجيــز الرســول(ص) إكـراه املمتنــع عــى‬ ‫البــوح‪ .‬فقــد ســمح بإجبــار كنانــة بــن الربيــع عــى أن يـ ّ‬ ‫ـدل املســلمني عــى موضــع كنــز ع ـ ّد مــن غنامئهــم‪ ،‬بعــد أن كان ثابت ـاً لــدى‬ ‫‪22‬‬ ‫الرســول (ص) أنــه يخفــي ذلــك الكنــز‪.‬‬ ‫وهذا األمر ليس ممنوعاً اليوم ‪ ،‬بل هو يبيح أن يستخدم السجن اإلكراهي حتى يجرب املنكر عىل اإلقرار‪.‬‬ ‫ ‬

‫•الحريات الشخصية‬

‫الحق يف تكوين العائلة وحرمة الحياة الخاصة وحرية الحركة‪.‬‬ ‫وتشمل ّ‬ ‫ ‬

‫•حرية تكوين العائلة‪:‬‬ ‫يعلمنا الله تعاىل أن األبناء‪ ،‬إىل جانب املال‪ ،‬هم زينة الحياة الدنيا (الكهف‪)46/‬‬

‫‪1 5‬‬ ‫‪ 16‬‬ ‫‪ 17‬‬ ‫‪ 18‬‬ ‫‪ 19‬‬ ‫‪2 0‬‬ ‫‪ 21‬‬ ‫‪ 22‬‬

‫راجع ترمذي‪ ,‬جنة‪3/‬‬ ‫بخاري‪ ,‬مظالم‪8/‬‬ ‫الكافي‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ج‪ ,2‬ص‪351‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ,‬ص‪352‬‬ ‫سنن أيب داوود‪ ,‬األقضية‪6/‬‬ ‫الكليني‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ج‪ ,7‬ص‪413‬‬ ‫بخاري‪ ,‬وصايا‪8/‬‬ ‫راجع ابن هشام‪ ,‬السيرة النبوية‪,‬دار الجيل‪ ,‬ج ‪ ,3‬ص ‪217‬‬


‫هذا املعنى بقوله‪»:‬اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبيش كأ ّن رأسه زبيبة»‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كام روى أبو ذر(ر) عن الرسول(ص)‪ ،‬قال ‪»:‬إن خلييل أوصاين أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا ً مج ّدع األطراف»‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫كــا أمــر النبــي (ص) مبســاواة الرقيــق بصاحبــه» يف املــأكل وامللبــس‪ ,‬ففــي حجــة الــوداع أمــر الرســول (ص) النــاس قائـاً ‪« :‬أرقاءكــم‪ ،‬أرقاءكــم‪،‬‬ ‫‪7‬‬ ‫أطعموهــم مــا تأكلــون واكســوهم مــا تلبســون»‪.‬‬ ‫وعــى الجملــة فقــد قــى اإلســام‪ ،‬كــا أمــر الرســول(ص) بــأن يســاوي كل إنســان نفســه بالنــاس‪ ،‬فــا يعاملهــم إال كــا يعاملونــه متامـاً‪ ،‬عــى‬ ‫ـت أن يأتيــه النــاس إليــك فائتــه إليهــم‪ .‬ومــا كرهــت أن يأتيــه النــاس‬ ‫نحــو مــا كان يعلّــم أخــوه عيــى بــن مريــم (ع)‪ .‬فقــد قــال (ص)‪« :‬مــا أحببـ َ‬ ‫‪8‬‬ ‫إليــك فــا تأتــه إليهــم»‪.‬‬

‫ ‬

‫•العدل‪:‬‬

‫يشـ ّدد اللــه تعــاىل عــى العــدل‪ }:‬يــا أيهــا الذيــن آمنــوا كونــوا ق ّوامــن بالقسط{(النســاء‪}،)135/‬قل أمــر ريب بالقســط{(األعراف‪.)29/‬‬ ‫ويرتبــط مفهــوم العــدل مبفهــوم املســاواة‪ ،‬كــا يرتبــط مبفهــوم رشعيــة الجرائــم والعقوبــات‪ .‬فهــو يرتبــط مبفهــوم املســاواة لجهــة تطبيــق‬ ‫القانــون عــى الجميــع دون متييــز‪ ،‬وهــو يرتبــط مبفهــوم رشعيــة الجرائــم والعقوبــات‪ ،‬ألنــه يقــي بعــدم تجريــم إنســان إال بنــاء عــى‬ ‫الرشيعــة‪ ،‬وهــي هنــا الرشيعــة اإللهيــة‪ ،‬كــا يقــي بتحريــم إنـزال أي عقوبــة‪ ،‬مــا مل يكــن منصوصـاً عليهــا يف الرشيعة‪}:‬ومــن مل يحكــم‬ ‫مبــا أنــزل اللــه فأولئــك هــم الكافرون{(املائــدة‪} )44/‬هــم الظاملون{(املائــدة‪ } )45/‬هــم الفاســقون{(املائدة‪)47/‬‬ ‫ويقـ ّوم الرســول(ص)العدل فــرى أنــه أهـ ّم مبــا ال يقــاس مــن ســائر العبــادة‪ ،‬فهــو يقــول‪« :‬ســاعة إمــام عــادل أفضــل عبــاد ًة مــن عبــادة ســبعني‬ ‫‪9‬‬ ‫سنة»‪.‬‬ ‫رش عظيــم‪ ،‬حيــث يقــول‪« :‬مــن تـ ّ‬ ‫ـول عرافــة قــوم (املســؤلية عنهــم) أُ ِت بــه يــوم القيامــة ويــداه مغلولتــان إىل عنقــه‪،‬‬ ‫أمــا الظلــم فهــو باملقابــل ّ‬ ‫‪10‬‬ ‫فــإن قــام فيهــم بأمــر اللــه عـ ّز وجـ ّـل‪ ,‬أطلقــه اللــه ‪ ،‬وإن كان ظاملـاً ُهـوِي بــه يف نــار جه ّنــم وبئــس املصري»‪ .‬كــا يقــول(ص) ‪ »:‬مــن قلّــد رجـ ًـا‬ ‫‪11‬‬ ‫عمـاً عــى عصابــة وهــو يجــد يف تلــك العصابــة أرىض منــه‪ ,‬فقــد خــان اللــه ورســوله وخــان املؤمنــن»‪.‬‬ ‫عــى أن العــدل ال يقــوم فقــط عــى مســاواة بعــض النــاس بعضهــم اآلخــر‪ ،‬أو تطبيــق األحــكام اإللهيــة عليهــم جميعـاً فقــط‪ ،‬بــل هــو إىل ذلــك‪،‬‬ ‫يقتــي إنصــاف النــاس مــن أقــرب األقربــاء‪ ,‬حيــث يقــول تعــاىل ‪}:‬وإذا قلتــم فاعدلــوا ولــو كان ذا قرىب{(األنعــام‪ )152/‬كــا يقتــي إنصــاف النــاس‬ ‫مــن النفــس‪،‬إذ يقــول تعــاىل ‪}:‬يــا أيّهــا الذيــن آمنــوا كونــوا ق ّوامــن بالقســط شــهداء للــه ولــو عــى أنفسكم{(النســاء‪)135/‬‬ ‫كــا يقتــي إنصــاف النــاس مــن النفــس‪ ،‬فــا يكــون الحاكــم فــوق القانــون الســاري عــى الجميــع‪ ،‬قــال الرســول (ص)‪« :‬سـ ّيد األعــال إنصــاف‬ ‫‪12‬‬ ‫النــاس مــن نفســك وطــوىب ملــن أنصــف النــاس مــن نفســه»‪.‬‬ ‫وهكــذا يصبــح العــدل هاجــس النــاس جميعـاً‪ ،‬حاكمهــم ومحكومهــم‪ ،‬فــإذا تعـ ّرض فــرد للظلــم‪ ،‬فلــه أن يقاتــل لرفــع هــذا الظلــم‪ ،‬حــن يقــول‬ ‫(ص)‪»:‬مــا مــن مســلم يُظلــم مبظلمــة فيقاتــل ف ُيقتــل إال مــات شــهيدا ً»‪ 13،‬ووجــب عــى الجميــع أن يه ّبــوا لنرصتــه‪ ،‬فــا يــرك الضعيــف يواجــه‬ ‫مصــره مــع القــوي‪ ،‬حتــى لــو كان هــذا القــوي حاكـاً‪ ،‬فقــد قــال تعاىل‪}:‬ومــا لكــم ال تقاتلــون يف ســبيل اللــه واملســتضعفني مــن الرجــال و النســاء‬ ‫والولــدان الذيــن يقولــون ربنــا أخرجنــا مــن هــذه القريــة الظــامل أهلها{(النســاء ‪)75/‬‬ ‫كام ورد عن الرباء بن عازب أن رسول الله (ص)»أمرنا ‪ ...‬بنرصة املظلوم»‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫ ‪5‬‬ ‫‪ 6‬‬ ‫‪ 7‬‬ ‫‪ 8‬‬ ‫‪ 9‬‬ ‫‪ 10‬‬ ‫‪ 11‬‬ ‫‪ 12‬‬ ‫‪ 13‬‬ ‫‪ 14‬‬

‫ابن ماجة‪ ,‬جهاد‪39/‬‬ ‫مسند أحمد‪ 161/5 ,‬ومسلم إمارة‪35/,‬و ‪37‬‬ ‫الجاحظ‪ ,‬مذكور سابقا‬ ‫راجع النسائي‪ ,‬بيعة‪ 25/‬والكليني‪,‬أصول الكافي‪,‬دار األضواء‪ ,‬بيروت‪,‬ج‪ ,2‬ص‪146‬‬ ‫الكليني‪ ,‬مذكور سابقا‪,‬ج‪,7‬ص‪175‬‬ ‫وسائل الشيعة‪136/12 ,‬‬ ‫ابن تيمية‪,‬السياسة الشرعية‪ ,‬دار الجيل‪ ,‬بيروت‪,1993,‬ص ‪15‬‬ ‫الكليني‪,‬مذكور سابقا‪ ,‬ج‪ ,2‬ص‪145‬‬ ‫مسند أحمد ‪205 /2‬‬ ‫راجع بخاري‪ ,‬مظالم‪5/‬‬


‫عــرة املؤمــن تبــع اللــه عرثاتــه يــوم القيامــة وفضحــه يف جــوف بيتــه»‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫‪ .‬حريــة الحركــة (الذهــاب واإليــاب)‪ :‬إن الذهــاب واإليــاب مل يــرد مــا مينعهــا مــن حيــث املبــدأ‪ ,‬إذا ً هــا مباحــان‪ .‬ثــم إن اإلســام‬ ‫يحــثّ عــى الحركــة‪ ،‬فــا ميكــن أن يق ّيدهــا إال ألمــر خطــر‪ ،‬إذ يقــول تعــاىل‪} :‬هــو الــذي جعــل لكــم األرض ذلــوالّ فامشــوا يف مناكبهــا‬ ‫وكلــوا مــن رزقــه وإليــه النشــور{(امللك‪15/‬راجع كذلــك الحجر‪20/‬والجمعــة‪)10/‬‬ ‫وسرنى تفصيل ذلك يف فقرات الحقة‪.‬‬ ‫ ‬

‫•الـحـــق بـالـعــلـــم‬

‫يعظــم اللــه تعــاىل العلــاء وذلــك بقولــه ‪ }:‬إمنــا يخــى اللــه مــن عبــاده العلــاء{ (فاطــر‪ .)28/‬ويفضّ ــل الذيــن يعلمــون عــى الجاهلــن } «قــل هــل‬ ‫يســتوي الذيــن يعلمــون والذيــن ال يعلمون{(الزمر‪.)9/‬‬ ‫كــا يحــثّ الرســول(ص) عــى طلــب العلــم‪ ،‬فيقــول‪ »:‬فُضّ ــل املؤمــن العــامل عــى املؤمــن العابــد بســبعني درجــة‪ 30».‬ويــرى بعضهــم أن هــذا العلــم‬ ‫املطلــوب هــو العلــم الدينــي‪ .‬إال أن الســنة النبويــة تـ ّ‬ ‫ـدل عــى أن العلــم املطلــوب أوســع مــن ذلــك‪ ,‬فقــد قــال رســول الله(ص)‪»:‬طلــب العلــم فريضــة‬ ‫‪32‬‬ ‫عــى كل مســلم ومســلمة»‪31.‬غري أنــه(ص) يقــول أيض ـاً ‪»:‬أطلــب العلــم ولــو يف الصــن‪ ».‬والعلــوم املطلوبــة‪ ،‬حتــى «يف الصــن»‪ ،‬ليســت العلــوم‬ ‫الدينيــة‪ ,‬ألن العلــوم الدينيــة يف الحــوارض اإلســامية ومنهــا تنتــر يف البــاد‪ ,‬وليــس العكــس‪ ،‬بينــا العلــم الدنيــوي ميكــن أن يكــون يف أي مــكان يف‬ ‫العــامل‪.‬‬ ‫من هنا نفهم أن العلم بكل فروعه مطلوب‪ ،‬فال ب ّد من أن يكون التعليم‪ ،‬عىل األقل متاحاً‪ ،‬وإالّ كيف ميكن الحثّ عليه‪.‬‬ ‫يبقى هناك سؤال‪ ,‬وهو‪ :‬هل العلم جائز أم واجب عىل الدولة يف اإلسالم؟‬ ‫إن مسألة الجواز مؤكدة مبا رأينا‪ .‬أما مسألة الوجوب فيجب بحثها‪.‬‬ ‫فاليــوم هنــاك ح ـ ّد معــن مــن العلــم إلزامــي تجــر الدولــة أوليــاء األطفــال عــى متكينهــم مــن تحصيلــه‪ .‬وهــذا املســتوى متف ـ ّرع مــن األســاس‬ ‫وهــو توفــر العلــم‪ ،‬حســب اإلمكانــات‪ .‬ونحــن نــرى أن اإلســام ال ميانــع يف ذلــك لــرورة العلــم بالنســبة إىل املجتمــع وحاجاتــه‪ ،‬فــا بـ ّد مــن توفــر‬ ‫املرحلــة األساســية الرضوريــة للتعلّــم الالحــق‪.‬‬ ‫لكن يبقى السؤال‪ :‬هل هناك‪ ،‬فيام ييل املرحلة األساسية‪ ،‬علم من الرضوري تأمينه لتلزم الدولة بذلك؟‬ ‫لقــد كلّــف الرســول(ص) رجــاالً مــن املســلمني بــأن يتعلمــوا لــدى املجتمعــات األخــرى بعــض األمــور كــا حــاول اإلفــادة مــن متقنــي اللغــات‬ ‫األخــرى‪ .‬فقــد أرســل(ص) عــروة بــن مســعود وغيــان بــن ســلمة إىل جــرش‪ ,‬ليتعلمــوا صناعــة الدبّابــة واســتعامل املنجنيــق‪ 33,‬وهــي التقنيــات التــي‬ ‫كانــت رضوريــة لقيــام الدولــة والحفــاظ عليهــا يف الجــو الحــريب الــذي كان ســائدا ً‪ ،‬ومــن هنــا نســتطيع االســتنتاج أن عــى الدولــة أن توفّــر العلــوم‬ ‫الرضوريــة الســتمرار املجتمــع والدولــة اإلســامية وتط ّورهــا‪ .‬إذا ً مــن الواجــب توفــر كل أنــواع العلــوم الرضوريــة‪.‬‬ ‫وبهــذا تصبــح إلزاميــة التعليــم مســألة موظّفــة لخدمــة املجتمــع‪ ،‬ال لتخريــج أفــواج العاطلــن عــن العمــل يف جـ ّو الليرباليــة التعليميــة‪ ،‬التــي يــر ّوج‬ ‫لهــا اليــوم‪.‬‬

‫ ‬

‫ألن‬

‫•الحقـــوق السـياســيـة‬

‫مل مينــع اإلســام النــاس مــن املشــاركة يف األمــور السياســية‪ ،‬بــل هــو فــرض عليهــم هــذه املشــاركة‪ .‬ومل يجعلهــا حقوقـاً فقــط‪ ,‬بــل وواجبــات أيضـاً‪،‬‬

‫الكليني‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ج‪ ,2‬ص‪355‬‬ ‫‪ 29‬‬ ‫الغزالي‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ج‪ ,1‬ص‪14‬‬ ‫‪ 30‬‬ ‫ابن ماجة‪ ,‬مقدمة‪17 /‬‬ ‫‪ 31‬‬ ‫الغزالي‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ص‪16‬‬ ‫‪ 32‬‬ ‫راجع الطبري‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ج ‪ ,2‬ص‪ 353‬وابن هشام السيرة النبوية‪ ,‬ج‪ ,4‬ص‪ 90‬وابن األثير‪ ,‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪,‬‬ ‫‪ 33‬‬ ‫قم‪ ,1418,‬ج‪ ,2‬ص‪922‬‬


‫ـض عــى الــزواج‪ 23,‬وعــى‬ ‫كــا يحــثّ الرســول(ص) عــى الــزواج وتكويــن العائــات بالتناســل‪ ،‬فقــد حملــت الصحــاح العديــد مــن األحاديــث يف الحـ ّ‬ ‫اإلنجــاب‪ ,‬إذ يقــول(ص) ‪ »:‬تز ّوجــوا الــودود الولــود»‪ 24.‬عــى أن لإلنســان حريــة اختيــار رشيــك حياتــه‪ ،‬وهــذه لبســت حك ـرا ً عــى الرجــل‪ ،‬بــل هــي‬ ‫مضمونــة للفتــاة‪ ،‬إذ يشــرط قبولهــا‪ .‬إال أن اإلســام يراعــي الحيــاء‪ ,‬فقــد تســتحيي الفتــاة التــي ال عهــد لهــا بالــزواج مــن أن تعلــن قبولهــا‪ ،‬لذلــك يكتفــى‬ ‫‪25‬‬ ‫مبــا يـ ّ‬ ‫ـدل عليــه مــن األمــارات‪ ،‬إذ جــاء عــن رســول اللــه (ص) بخصــوص البكــر أن « إذنهــا صامتهــا»‪.‬‬ ‫أمــا يف مســائل الــزواج املبكــر‪ ,‬فــإن لألمــر أحكامـاً أخــرى‪ ،‬إذ يشــرط قبــول الــويل‪ .‬وهــذه مســألة تحتــاج إىل نقــاش مــن وجهــن‪ :‬وجــه جــواز الــزواج‬ ‫املبكــر‪ ،‬ثــم وجــه مــن بيــده مســالة القبــول والرفــض‪.‬‬ ‫ففي مسألة جواز الزواج املبكر نرى بعضهم يرفضه وال يجيزه اليوم‪ .‬ولكننا ر ّدا ً نرى رضورة تناول مسألتني‪:‬‬ ‫ ­أوالً‪ :‬يف أي سـ ّن يكــون الــزواج مبكـرا ً؟ إن الزيجــات اليــوم ال ميكــن أن تحصــل‪ ,‬ســواء بالنســبة إىل الشــاب أو إىل الفتــاة‪ ,‬قبــل البلــوغ‪.‬‬ ‫وســن البلــوغ كانــت مبدئيـاً ســن الرشــد‪ .‬وهــذا أمــر كان معروفـاً عنــد األمــم األخــرى أيضـاً‪ ،‬ويف سـ ّن الرشــد تصبــح موافقــة الطرفــن‬ ‫رضوريــة‪ .‬إال أنــه ميكــن القــول ‪ :‬إن سـ ّن البلــوغ ليســت بالــرورة ســن الرشــد‪ ،‬والدليــل أن القــرآن الكريــم مي ّيــز بــن البلــوغ والرشــد‪،‬‬ ‫َاح فَـ ِإ ْن آن َْسـتُم ِّم ْن ُهـ ْم‬ ‫ـى إِذَا بَلَ ُغــوا ْ ال ِّنـك َ‬ ‫حيــث يقــي بــأن يســتجىل الرشــد بعــد البلــوغ‪ ،‬وذلــك بقولــه تعــاىل‪َ { :‬وابْتَلُــوا ْ الْ َيتَا َمــى َحتَّـ َ‬ ‫ُرشْ ـ ًدا فَا ْدفَ ُعــوا ْ إِلَ ْي ِهـ ْم أَ ْم َوالَ ُه ْم}(النســاء‪ .)6/‬وهــذا مــا يثبــت أنــه ال يكفــي البلــوغ لحصــول الرشــد‪.‬‬ ‫ ­ثانياً‪ :‬وبناء عىل هذا‪ ،‬فهل يجوز الزواج بعد البلوغ مبارشة؟ وهو األمر الذي‪ ،‬ال يجيزه بعضهم‪.‬‬ ‫إننــا نقــول هنــا‪ :‬إن الحاجــة الجنســية تفــرض نفســها بعــد البلــوغ‪ ،‬فإمــا الصــر ســنوات حتــى يتـ ّم الرشــد‪ ،‬الــذي قــد ال يتــم قبــل سـ ّن الثامنــة‬ ‫رف بهــا‪.‬‬ ‫عــرة بســبب تع ّقــد الحيــاة اليــوم‪ .‬وهــي السـ ّن التــي أثبتــت التجربــة أنهــا هــي التــي يتم ّكــن فيهــا اإلنســان مــن مبــارشة حقوقــه والتـ ّ‬ ‫وإمــا اللجــوء إىل مامرســات غــر مســتحبة أو مح ّرمــة‪ ,‬ومنهــا الزنــا‪ ،‬وإمــا الــزواج‪ ،‬فــأي هــذه الحلــول أفضــل؟‬ ‫مــن هنــا ال يكــون الــزواج املبكــر أمـرا ً مســتهجناً‪ ،‬إال ألســباب ماليــة‪ .‬وهــي مــا يجــب إيجــاد الحلــول لــه‪ ،‬ألننــا مأمــورون بالــزواج املبكــر هــذا‪,‬‬ ‫انطالقـاً مــن رضورتــه‪.‬‬ ‫فإىل من يجب أن يعود القبول والرفض؟‬ ‫يف التجربــة اليوميــة‪ ،‬يتحـ ّرر الكثــرون ويندفعــون إىل عالقــات جنســية غــر رشعيــة‪ ،‬فهــل يُســألون‪ ،‬وهــم مــن وجهــة نظــر معينــة غــر راشــدين؟‬ ‫ـض النظــر عــن الحليّــة والحرمــة‪.‬‬ ‫وإذا مل يُســألوا‪ ،‬فمــن يتحمــل التبعــات؟ وهــي غالبـاً تبعــات خطــرة‪ ،‬بغـ ّ‬ ‫أفال يكون يف هذه الحال رضا الويل بزواج رشعي مح َّدد النتائج هو األفضل؟‬ ‫ ‬

‫•حرمة الحياة الخاصة‪:‬‬

‫الخاصــة بــأي شــكل‪ ،‬إذ يقــول اللــه تعــاىل‪ }:‬يــا أيّهــا الذيــن آمنــوا ال تدخلــوا بيوتـاّ‬ ‫ـض اإلســام عــى الحشــمة ومنــع الدخــول إىل حيــاة النــاس‬ ‫يحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫غــر بيوتكــم حتــى تستأنســوا وتســلموا عــى أهلهــا ذلكــم خــر لكــم لعلكــم تذكرون{(النور‪)27/‬كــا يقــول تعــاىل ‪ } :‬قــل للمؤمنــن يغضّ ــوا مــن‬ ‫أبصارهــم ويحفظــوا فروجهــم ذلــك أزىك لهــم إن اللــه خبــر مبــا يصنعــون* وقــل للمؤمنــات يغضضــن مــن أبصارهــن {(النــور‪30/‬و‪)31‬‬ ‫كــا أمرنــا الرســول(ص) بهــذا بقولــه‪»:‬ال يدخــل أحدكــم بيتـاً إال بــإذن»‪ 26،‬بــل» ال ينظــر يف قعــر بيــت قبــل أن يســتأذن»‪ 27.‬ألن للبيــوت أرسارهــا‬ ‫الخاصــة‪ .‬غــر أن األرسار ال تقتــر عــى مــا يجــري داخــل البيــوت‪ ،‬بــل قــد تكــون األرسار فيــا يريــد الشــخص إبالغــه إىل شـ ٍ‬ ‫ـخص آخــر‪ ،‬ومــن هنــا‬ ‫التجســس عــى املواطنــن بــكل أشــكاله‪}،‬‬ ‫كانــت حرمــة املراســات‪ ،‬فــا يجــوز انتهاكهــا‪ ،‬وهــذا فــرع‪ ،‬كــا أرسار البيــوت‪ ،‬مــن مبــدأ عــام يقــي بحرمــة‬ ‫ّ‬ ‫‪28‬‬ ‫تجسســوا ( الحج ـرات‪ ، )49/‬فنحــن مأمــور بعضنــا بالســر عــى بعــض‪ ,‬إذ يقول(ص)‪»:‬مــن يســر عــى مســلم ســره اللــه يف الدنيــا واآلخــرة»‪.‬‬ ‫وال ّ‬ ‫وهكــذا فــا تجــوز مالحقــة النــاس لكشــف مــا ال يريــدون إطــاع اآلخريــن عليــه ‪ ،‬فقــد قــال(ص)‪« :‬ال تتبعــوا عـرات املؤمنــن‪ ،‬فإنــه مــن تتبــع‬ ‫‪2 3‬‬ ‫‪ 24‬‬ ‫‪ 25‬‬ ‫‪ 26‬‬ ‫‪ 27‬‬ ‫‪ 28‬‬

‫أبو داوود‪ ,‬نكاح‪ 1/‬وابن ماجة‪ ,‬نكاح‪ 1/‬وأحمد‪163/5 ,‬‬ ‫أبو داوود نكاح‪ 3/‬والنسائي‪ ,‬نكاح‪ 11/‬وأحمد‪...158/3 ,‬‬ ‫بخاري‪ ,‬نكاح‪41/‬‬ ‫أحمد‪ 250/5 ,‬و‪261‬‬ ‫مسند أحمد‪ 261/5 ,‬و‪280‬‬ ‫مسلم‪ ,‬بر‪ 58/‬وبخاري‪ ,‬مظالم‪3/‬‬



‫تخصهم جميعاً‪ ،‬حيث يقول تعاىل‪} :‬وأمرهم شورى بينهم{(الشورى‪.)38/‬‬ ‫أمور املسلمني يجب أن تكون شورى بينهم‪ ،‬فهي ّ‬ ‫كام أن رسول الله (ص) يقول‪»:‬من أصبح ال يهت ّم بأمور املسلمني فليس مبسلم»‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫وهــذا مطلــوب مــن األم ـراء‪ ،‬بطبيعــة الحــال‪ ،‬كــا هــو مطلــوب مــن ســائر املســلمني حــن يقــول (ص)‪« :‬إذا كان أمراؤكــم خياركــم وأغنياؤكــم‬ ‫ســمحاءكم وأموركــم شــورى بينكــم‪ ،‬فظهــر األرض خــر لكــم مــن بطنهــا»‪ 35.‬عــى أن الشــورى تســتبطن النصيحــة‪ ،‬والنصيحــة هــي األخــرى واجــب يف‬ ‫(‪)36‬‬ ‫نظــر الرســول (ص) إذ ورد عنــه(ص) ‪»:‬مــن استشــاره أخــوه فلــم ميحضــه النصيحــة‪ ،‬ســلب اللــه لــه ل ّبــه»‪.‬‬ ‫ـص أىت مطلقـاً‪،‬‬ ‫والنصيحــة ال تقتــر عــى مســألة التعامــل بــن األفـراد كــا يخ ّيــل‪ ،‬بــل هــي تطــال أيضـاً العالقــات بــن الحــكام واملحكومــن‪ ،‬ألن النـ ّ‬ ‫بــل هــي واجبــة يف هــذا الصــدد أكــر‪ ،‬ألن أثرهــا عــام‪ ،‬بينــا هــو يف الحالــة األوىل محصــور‪ .‬وكــا أن النصيحــة واجبــة عــى املحكــوم تجــاه الحاكــم‪،‬‬ ‫فهــي واجبــة عــى الحاكــم تجــاه املواطنــن‪ ،‬ألنــه مــن الســاعني يف حاجاتهــم جميع ـاً‪ .‬وقــد ورد عــن رســول اللــه (ص)‪»:‬مــن ســعى يف حاجــة ألخيــه‬ ‫(‪)37‬‬ ‫فلــم ينصحــه‪ ،‬فقــد خــان اللــه ورســوله»‪.‬‬ ‫مقـاومـــة الـجـــور‬ ‫ملا كان ال سلطة ألحد عىل أحد إالّ ما فرضه الله تعاىل‪ ,‬فليس ألحد أن يتجاوز حقوق الناس‪ .‬وإىل هذا فقد حثّ الله تعاىل عىل التنبيه من‬ ‫هذا التجاوز ومقاومته عن طريق األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وميدح الله القامئني بهذا الواجب فيقول‪} :‬كنتم خري أمة أخرجت للناس تأمرون‬ ‫باملعروف وتنهون عن املنكر وتؤمنون بالله{(آل عمران‪،110/‬راجع كذلك التوبة‪)112/‬‬ ‫والحاكــم إذا متــادى ومل ينفــع معــه النصــح وجبــت مقاومتــه‪ .‬وأول املقاومــة التمـ ّرد عــى األوامــر يف معصيــة اللــه ورســوله‪ ،‬فقــد أمرنــا تعــاىل بعــدم‬ ‫الطاعــة يف املعصيــة‪ :‬وال تطــع مــن أغفلنــا قلبــه عــن ذكرنــا وات ّبــع هواه{(الكهــف ‪ )28/‬كــا يقــول تعــاىل‪ }:‬وال تطــع منهــم آمثاً أو كفــورا ً {(اإلنســان‪)24/‬‬ ‫كــا روى مســلم بســنده عــن رســول اللــه(ص) القول‪»:‬عــى املــرء املســلم الســمع والطاعــة فيــا أحــب أو كــره‪ ،‬إال أن يؤمــر مبعصيــة‪ ،‬فــإن أُمــر‬ ‫(‪)38‬‬ ‫مبعصيــة فــا ســمع وال طاعــة»‪.‬‬ ‫عــى أن األمــر قــد يتجــاوز التمـ ّرد وصــوالً إىل حمــل الســاح‪ ،‬فحــن تنفــع الكلمــة تصبــح واجبــة‪ ,‬وتفــوق أكــر الفرائــض إذ يقولـــ (ص)‪ »:‬ومــا جميع‬ ‫أعــال الــر والجهــاد يف ســبيل اللــه عنــد األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر‪ ,‬إال كنفثــة يف بحــر لجــي»‪ 39.‬فــإذا مل يرعـ ِو الظــامل وجبــت مقاتلتــه عنــد‬ ‫(‪)40‬‬ ‫املكنــة‪ ،‬لقولــه(ص)‪ »:‬مــن رأى منكــم منكـرا ً فليغـ ّـره بيــده‪ ،‬فــإن مل يســتطع فبلســانه‪ ،‬فــإن مل يســتطع فبقلبــه وهــو أضعــف اإلميــان»‪.‬‬ ‫نصــت يف يــوم مــن األيــام عــى الحــق بالثــورة ضـ ّد الحاكــم‪ .‬إال أنهــا مــا لبثــت أن تخلَــت‬ ‫ولقــد كانــت القوانــن الغربيــة (خصوصـاً الفرنســية) قــد ّ‬ ‫عــن ذلــك‪ ،‬عــى أســاس أالّ رضورة لهــا يف ظــل الحكــم الدميقراطــي والتنــاوب عــى الســلطة‪ .‬غــر أن األمــور ال تســر دامئـاً بهــذا االتجــاه‪ .‬فــا العمــل‬ ‫عندمــا تبتــى الشــعوب أو اإلنســانية بالحــكام املســتبدين‪ ,‬مــع مظاهــر الدميقراطيــة؟‬ ‫إنه ال يبقى إال الثورة عندما تتوافر إمكاناتها‪ ،‬وبهذا يكون الحل اإلسالمي هو الحل الحقيقي‪.‬‬ ‫أمــا إذا تركــت األمــة األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر فإنهــا ســترت ّدى‪ ،‬وهــذا مــا يعل ُمنــاه اللــه تعــاىل إذ يقــول حكايــة عــن قــوم تخلّــوا عــن‬ ‫األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر فيــا بينهــم‪} :‬كانــوا ال يتناهــون عــن منكــر فعلــوه لبئــس مــا كانــوا يفعلــون {(املائــدة‪.)79/‬‬ ‫كــا يفيــده قــول النبــي(ص)‪»:‬ال ت ـزال أمتــي بخــر مــا أمــروا باملعــروف ونهــوا عــن املنكــر وتعاونــوا عــى الــر‪ .‬فــإذا مل يفعلــوا نزعــت منهــم‬ ‫أصول الكايف ‪163/2‬‬ ‫‪ 34‬‬ ‫ترمذي‪ ,‬فتن‪78/‬‬ ‫‪ 35‬‬ ‫‪ 3 6‬مسند أحمد‪. 321/3 ,‬‬ ‫‪- 3 7‬الكليني‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ج‪362 ,2‬‬ ‫‪- 38‬بخاري‪ ,‬أحكام‪. 4/‬‬ ‫الغزالي‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ج‪,3‬ص‪7‬‬ ‫‪ 39‬‬ ‫‪- 4 0‬ترمذي‪ ,‬فنت‪. 11/‬‬


‫إذا مل يســا ِو اإلســام الذمــي باملســلم‪ ،‬بــل جعلــه يف وضــع يجــد مصلحتــه يف الخــاص منــه واعتنــاق اإلســام‪ ،‬فقــد فــرض عليــه الخـراج يف األرض‪،‬‬ ‫أو الجزيــة عــى الــرؤوس‪ ,‬إذا كان قــادرا ً عــى القتــال‪ ,‬اســتدالالً باآليــة الكرميــة‪ } :‬قاتلــوا الذيــن ال يؤمنــون باللــه وال باليــوم اآلخــر وال يح ّرمــون مــا‬ ‫حـ ّرم اللــه ورســوله وال يدينــون ديــن الحــق مــن الذيــن أوتــوا الكتــاب حتــى يعطــوا الجزيــة عــن يــد وهــم صاغــرون{ (التوبــة‪) 29/‬‬ ‫كــا أن اإلســام حـ ّرم عــى أهــل الذ ّمــة أن يتبــوءوا مناصــب الواليــة عــى املســلمني مــن إمــارة وقضــاء ومــا إليهــا‪ ,‬بدليــل اآليــة الكرميــة ‪}:‬ال‬ ‫يتّخــذ املؤمنــون الكافريــن أوليــاء مــن دون املؤمنــن{(آل عمـران ‪ ) 28/‬واآليــة }يــا أيّهــا الذيــن آمنــوا ال تتخــذوا اليهــود والنصــارى أوليــاء{ (ســورة‬ ‫املائــدة ‪ ،)51/‬ويف النــكاح مينــع اإلســام زواج املســلمة بكتــايب يف حــن يســمح بــزواج املســلم بكتابيــة‪.‬‬ ‫أ ّمــا يف مســائل القصــاص فليــس هنــاك إجــاع بــن املســلمني يف موضــوع نفــس املســلم ونفــس الكتــايب‪ ,‬إذ تــرى بعــض املذاهــب‪ ,‬كالحنفيــة مثـاً‪,‬‬ ‫أن هنــاك مســاواة بحيــث يقتــل املســلم بالكتــايب‪ ,‬فيــا تــرى مذاهــب أخــرى أنــه ال يقتــل املســلم إالّ إذا اعتــاد قتــل أهــل الذ ّمــة‪.‬‬ ‫أمــا اليــوم فقــد زالــت األســباب املوجبــة للتمييــز بــن أهــل الكتــاب وبــن املســلمني‪ ,‬كــا كانــت عليــه يف الدولــة اإلســامية‪ ،‬بزوالهــا مــن‬ ‫العــامل أجمــع مــن جهــة‪ ،‬وبغلبــة االنتــاء الوطنــي عامليـاً عــى االنتــاء الدينــي‪ ,‬مــن جهــة أخــرى‪ ،‬فــا نــرى اليــوم نظامـاً إســامياً يفرضهــا عــى‬ ‫أبنــاء األقليــات الدينيــة‪ ،‬كــا ال تفرضهــا أي أمــة عــى املســلمني‪.‬‬ ‫أمــا الوثنيــون فلــم يؤمــر الرســول بقتالهــم ملــا اشــت ّدت شــوكة اإلســام‪ ،‬إال دفاعـاً عــن النفــس‪ ،‬ثــم إبعــادا ً لهــم عــن املســجد الحـرام‪ ،‬ومل‬ ‫يقبــل منهــم عندهــا إال اإلســام أو القتــل وســبي الــذراري‪.‬‬ ‫غــر أن اإلســام املفــروض عليهــم هــو اإلســام الظاهــري‪ ،‬أمــا مــا يتعـ ّداه‪ ،‬فــا ميكــن ألحــد فرضــه‪ ،‬ألنــه يدخــل يف مجــال الضمــر الــذي ال‬ ‫ميكــن التفتيــش عنــه‪.‬‬


‫الــركات وس ـلِّط بعضهــم عــى بعــض ومل يكــن لهــم نــارص يف األرض وال يف الســاء»‪41.‬أو « س ـلّط عليكــم رشاركــم»‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫وقــد يحصــل التخــي عــن األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر مــن طريــق التــواكل‪ ،‬بحيــث يــرك أحدنــا األمــر لآلخريــن‪ ،‬حفاظـاً عــى نفســه أو‬ ‫مصلحتــه‪ ،‬وهنــا تبــدأ املصائــب‪ ،‬فقــد أنبأنــا اللــه تعــاىل ع ّمــن يتخلــون عــن هــذا الواجــب ويفعلــون عكســه بقولــه‪} :‬املنافقــون واملنافقــات بعضهــم‬ ‫مــن بعــض يأمــرون باملنكــر وينهــون عــن املعــروف ويقبضــون أيديهــم نســوا اللــه فنســيهم إن املنافقــن هــم الفاســقون{(التوبة‪)67/‬‬ ‫كــا أوضــح رســول اللــه (ص)املصــر بقولــه‪ « :‬لتأمــر ّن باملعــروف ولتنهـ ّن عــن املنكــر‪ ,‬أو ليسـلّط ّن اللــه عليكــم رشاركــم»‪ 43.‬ألن املتهـ ّرب‪ ،‬إذا نجــا‬ ‫‪44‬‬ ‫يف عاجــل أمــره لــن ينجــو يف آجلــه‪ ،‬ال سـ ّيام إذا تحـ ّول إىل التملــق لــريض الحاكمــن ‪»:‬مــن أرىض ســلطاناً جائـرا ً بســخط اللــه‪ ،‬خــرج مــن ديــن اللــه»‪.‬‬ ‫أمــا الســلطان نفســه‪ ،‬الــذي يــوزّع املنافــع عــى أســاس التملّــق‪ ،‬فهــو خائــن ملــا أئتمــن عليــه معنوي ـاً ومادي ـاً‪ ،‬فقــد تش ـ ّدد اإلســام فيــا يجــب‬ ‫للحــكام مــن مــال املســلمني حتــى ال يســتخدموه لـراء الذمــم‪ ,‬إذ نهــى اللــه تعــاىل عــن إيتــاء الحــكام الظاملــن املــال بقولــه‪ } :‬وال تأكلــوا أموالكــم‬ ‫بينكــم بالباطــل وتدلــوا بهــا إىل الحــكام لتأكلــوا فريقـاّ مــن أمــوال النــاس باإلثــم وأنتــم تعلمــون{ (البقــرة‪.)188/‬‬ ‫كــا قــال عــي(ع)‪ ،‬تعبـرا ً عــن رأي رســول اللــه(ص)‪»:‬ال يحـ ّـل للخليفــة مــن مــال اللــه إال قصعتــان‪ ،‬قصعــة يأكلهــا هــو وأهلــه‪ ،‬وقصعــة يضعهــا‬ ‫بــن يــدي النــاس»‪ 45.‬أمــا الباقــي فســبله واضحــة‪ ,‬وعــى الخليفــة ّأال يحيــد عنهــا قيــد شــعرة‪ ،‬بذلــك يقطــع الطريــق عــى الحيــف مــن جهــة‪ ,‬وعــى‬ ‫التملّــق مــن جهــة أخــرى‪.‬‬ ‫حرية إبداء الرأي واالجتامع والتجمع‬ ‫إذا كان مطلوبـاً مــن املســلم أن ينصــح للحاكــم وأن ميتنــع عــن طاعتــه جائـرا ً وصــوالً إىل الثــورة عليــه‪ ،‬فهــذا ميكــن أن يحصــل إفراديـاً كــا ميكــن أن‬ ‫يحصــل جامعيـاً‪ ،‬وإذ يحــثّ اللــه تعــاىل عــى التعــاون يف مجــال طاعــة اللــه وفعــل الخــر‪ ,‬فــإن أهــم أشــكال فعــل الخــر العمــل الســيايس عــن طريــق‬ ‫األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر‪ .‬وإذا كان مطلوبـاً دامئـاً أن متــارس األعــال عــى أكمــل مــا يكــون‪ ،‬فــإن العمــل الجامعــي هــو األكمــل‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫متــي هــذه الحريــات حريــات وواجبــات يف الوقــت نفســه‪.‬‬ ‫مــن هنــا كانــت أوامــر اللــه تعــاىل تو ّجــه إىل املســلمني كافــة‪ ،‬مــا يـ ّ‬ ‫ـدل عــى أهميــة العمــل الجامعــي ووجوبــه‪ ,‬ومــن هنــا نشــوء بعــض التنظيامت‬ ‫املعارضــة التــي عجــز أصحابهــا عــن التغيــر بالكلمــة‪ ,‬والتــي تسـ ّمى اليــوم مذاهــب‪ .‬وهــي كانــت تشــكيالت سياســية تســعى إىل الوصــول إىل الحكــم‬ ‫إلقامــة مــا تعتقــد أنــه ديــن اللــه‪ .‬وكان القيمــون عــى بعضهــا مــن كبــار الفقهــاء واألمئــة‪ ,‬كأمئــة أهــل البيــت(ع) وغريهــم‪.‬‬ ‫ ­الحرية الدينية‬ ‫ ­ إن إجبــار النــاس عــى اعتنــاق أي رأي أو التديــن بــأي ديــن أمــر مســتحيل‪ .‬وإذا مورســت الشـ ّدة يف هــذا املجــال‪ ،‬فقــد تــؤدي إىل‬ ‫مامرســة النفــاق ال أكــر‪ .‬مــن هنــا يقــول تعــاىل‪ }:‬ال إكـراه يف الدين{(البقــرة‪ ,)256/‬كــا يســأل تعــاىل قائـاّ‪ } :‬أفأنــت تكــره النــاس‬ ‫حتــى يكونــوا مؤمنــن{ (يونــس‪ ,)99/‬واللــه تعــاىل ال يأمــر بقتــال مــن ال يؤمــن ملجــرد عــدم إميانــه‪ .‬فيقــول تعاىل‪}:‬وقاتلــوا يف ســبيل‬ ‫اللــه الذيــن يقاتلونكــم وال تعتــدوا إن اللــه ال يحــب املعتديــن{ (البقــرة‪ .)190/‬أ ّمــا الذيــن مل يــؤذوا املؤمنــن‪ ,‬فــا مانــع عنــد اللــه مــن‬ ‫أن يعاملــوا بالحســنى‪ }:‬ال ينهاكــم اللــه عــن الذيــن مل يقاتلوكــم يف ال ّديــن ومل يخرجوكــم مــن دياركــم أن ت ّربوهــم وتقســطوا إليهــم‬ ‫إن اللــه يحــب املقســطني {(املمتحنــة‪ )7/‬فــا هــو موقــف الرســول(ص)؟‬ ‫هــذا الجانــب مــن املوضــوع نعتمــد يف معالجتــه عــى ســرته العمليــة‪ ,‬أكــر مــا نعتمــد عــى الســرة القوليــة‪ .‬فالرســول (ص) كان مكلّفـاً بدعــوة‬ ‫دينيــة‪ ،‬وكان يعمــل عــى نرشهــا بالحكمــة واملوعظــة الحســنة (النحــل‪ ،)125/‬لذلــك فهــو مل يقاتــل يف ســنوات الدعــوة األوىل يف مكــة‪ ،‬حتــى أخــرج‬ ‫واملســلمون مــن ديارهــم وأموالهــم‪ .‬ولّــا قــدم املدينــة مهاجـرا ً‪ ،‬وضــع الصحيفــة التــي ســمحت للجميــع بالتعايــش‪ ،‬مــن مســلمني ويهــود‪ ،‬إال أن‬ ‫اليهــود نابــذوه بالعــداء‪ ،‬كــا نابــذه املرشكــون مــن حــول املدينــة‪ ،‬فســمح لـــه بالقتــال‪{ :‬أُ ِذ َن لِل َِّذيـ َن يُقَاتَلُــو َن ِبأَنَّ ُهـ ْم ظُلِ ُمــوا ‪ ( } ...‬الحــج‪ .)39/‬إال‬ ‫كل قــوة‬ ‫أنــه‪ ،‬وبنتيجــة القتــال كان يســمح ألهــل الكتــاب بــأن يحتفظــوا بأديانهــم لكــن مقابــل جزيــة‪ .‬وفــرض الجزيــة كان معاملــة باملثــل‪ ،‬ألن ّ‬ ‫منتــرة كانــت تفــرض الجزيــة عــى القــوة املهزومــة‪ .‬إال أنــه كان للجزيــة مقابــل وهــو الحاميــة‪ ،‬فــإذا عجــز املســلمون عــن حاميــة أهــل الذمــة‪،‬‬ ‫‪46‬‬ ‫وهــم أهــل الكتــاب‪ ،‬فــا تتوجــب الجزيــة‪.‬‬ ‫‪4 1‬‬ ‫‪ 42‬‬ ‫‪ 43‬‬ ‫‪ 44‬‬ ‫‪ 45‬‬ ‫‪ 46‬‬

‫علامً أن االنتامء كان حينها قبلياً أو دينياً‪ .‬فال يعرف اإلنسان بوطنه أو قوميته بقدر ما يعرف بقبيلته‪.‬‬ ‫الوسائل‪394/11 ,‬‬ ‫الغزالي‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ص‪6‬‬ ‫الغزالي‪ ,‬احياء علوم الدين‪,‬دار الجيل‪,‬ص‪6‬‬ ‫الكليني‪ ,‬مذكور سابقا‪ ,‬ج‪ ,2‬ص‪373‬‬ ‫مسند أحمد‪78/1 ,‬‬ ‫الماوردي‪ ,‬األحكام السلطانية‪ ,‬مكتب النشر اإلسالمي‪ ,‬السعودية‪ ,1406,‬ص‪142‬‬



‫أو تأسفين ؟‬ ‫مازن الطباع‬

‫كموج من عطور غزت الوتين‬ ‫تأتين ثم تأسفين‬ ‫********‬ ‫ت مني دمي‬ ‫وتالل عبق غمر ِ‬ ‫أيا زهرة من ياسمين‬ ‫ما نفع عذر‬ ‫إن سبيت مني هواء الرئتين‬ ‫********‬ ‫يا قبلة الشعر‬ ‫رمشيك أين‪.‬؟‬ ‫أين السحر من‬ ‫ِ‬ ‫و مراكب حبنا أبت اللقاء‬ ‫واﻷفق حولنا تغنى مشرقا ً‬ ‫والدمع سال دم الوجد المبين‬ ‫********‬ ‫هام من كلف الفؤاد‬ ‫ت تدري ما المراد ؟‬ ‫او لس ِ‬ ‫اراك لرماد جمري تشعلين ؟‬ ‫ِ‬ ‫********‬ ‫إني أقمت على العناق‬ ‫لهفي يجول إلى الرواق‬ ‫علي إذا ذهب الرفاق‬ ‫بظالااام ليلي تشرقين‬


‫********‬ ‫تتبسمين آه تتبسمين‬ ‫جرح عصي على السؤال‬ ‫شوقي همى عبر المجال‬ ‫ت قلبي أم العضال‬ ‫أأن ِ‬ ‫عشقك تعبثين‬ ‫أم بترف‬ ‫ِ‬ ‫********‬ ‫تأبى أنفاسي الجواب‬ ‫لست حلما ً‬ ‫ﻻ •• لست سراب‬ ‫أراك من مهد الهوى‬ ‫ِ‬ ‫حتى إنكساري من جوى‬ ‫ودموع مقل تسكبين‬ ‫********‬ ‫يأتي خطابي كل يوم‬ ‫أنا ال أعاتب ‪ ..‬الألووم‬ ‫طباعك‬ ‫ليس التنهد من‬ ‫ِ‬ ‫جفاك‬ ‫أو بعض هزل من‬ ‫ِ‬ ‫نسغ الحياة في عروقي تسفحين‬ ‫********‬ ‫حكت رداء ودك ثوبا‬ ‫وهواي ألبستك فجرا ً‬ ‫تلوتك بقصيدي شعرا ً‬ ‫ِ‬ ‫بنغمي •• ها أنت‬ ‫تلعبين وبعدها تأسفين ‪.‬‬




‫من ديوان (لمن يبكي التراب)‬ ‫قَبَ ُ‬ ‫س األ َ ْر َواحِ‬ ‫شعر‪ :‬أحمد عبد الرحمن جنيدو‬

‫ســدِ‪.‬‬ ‫يَا أ َ ْن ِ‬ ‫ـس َاﻷ ْر َواحِ ِفي ال َّج َ‬ ‫ت يَا قَبَ َ‬ ‫يَا ُمـ ْه َجةً ملَـ َك ْ‬ ‫ـت قَ ْـل ِبي ِإلَى َاﻷبَـــــــدِ‪.‬‬ ‫ــو َدتَا َاﻷ ْمـ َ‬ ‫َاك أ ْنـ ُ‬ ‫ـار فِي َوت َ ٍـر‬ ‫عـ ْين ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬ ‫ط ِ‬ ‫ـاش يَـدِي‪.‬‬ ‫ـاصـ ْي ِل َو ْقتي َو ْ‬ ‫ار ِتعَ ِ‬ ‫َو ِفي تَفَ ِ‬ ‫ت أ َ َرى ال ُّد ْنيا ِب َل هَـ َدفٍ ‪،.‬‬ ‫ـضـ ْي ِ‬ ‫ِإ َذا َم ِ‬

‫ف غَـدِ‪.‬‬ ‫صـبِ ُح العُ ْم ُر َم ْنـ ِسـيّا ً ك ُخ ْـو ِ‬ ‫ويُـ ْ‬

‫ت ِفي تَـ ْكـ ِويْنَ َذا ِك َر ِتي‪،‬‬ ‫ـجـنُ ْـونَةٌ أ ْنـ ِ‬ ‫َم ْ‬ ‫سـةٌ فِي َد ِم ال ِ ّ‬ ‫ان وال َك ِبـدِ‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫َمـ ْغ ُ‬ ‫ـر ْو َ‬ ‫ــريَ ِ‬ ‫ُّــك‪َ ،‬‬ ‫ـح ِـمـلُـنِــــي‪،‬‬ ‫واﻷيَّــا ُم ت َ ْ‬ ‫ِإ ِنّـي أ ُ ِحـب ِ‬ ‫والرغَــدِ‪.‬‬ ‫علَى يَـ ِدي ِ‬ ‫ـــري ُْر النُّ ْـو ِر َّ‬ ‫َ‬ ‫ْـك َ‬ ‫س ِ‬ ‫َح ِ ّ‬ ‫ـظـي يَ ُ‬ ‫الو ْه ِم ُم ْرت َ ِحالً‪،‬‬ ‫ط َ‬ ‫وف ُحد ُْو َد َ‬ ‫اإليْـ َه ِام َّ‬ ‫والزبَــدِ‪.‬‬ ‫ويَـ ْســبَ ُح القَ ْل ُ‬ ‫ـب فِي ِ‬

‫صبْحِ ُم ْفـت َ ِـرشـا ً‬ ‫أ َ ْشــتَـ ُّم ِم ْن ِك نَـ ِسـي َْم ال ُّ‬

‫ض الـ َمـ َحـبَّـ ِة فِـي أ ْفـنَـانِ َها بَـلَــدي‪.‬‬ ‫أ َ ْر َ‬

‫ص َوراً‪،‬‬ ‫صـابِ ْي َح ال َم َدى ُ‬ ‫فَـتُـ ْشـ ِعـ ِلـيْنَ َمـ َ‬ ‫وتُـبْـ ِه ِـريْـنَ ُ‬ ‫ع الـ ِلـيْـ ِل بِـالـعَـ َددِ‪.‬‬ ‫شـــعَـا َ‬ ‫أَنَـا ال ُمـ َح ِـلّ ُ‬ ‫ـرنِي‪،‬‬ ‫ــالم تَـ ْنـ ُك ُ‬ ‫ـق فِي َاﻷ ْح ِ‬ ‫ص َددِ‪.‬‬ ‫سـةُ اللَ ْ‬ ‫ـن والت َّ ْ‬ ‫صيْعِ وال َّ‬ ‫ـر ِ‬ ‫َمـيَّـا َ‬ ‫ـح ِ‬

‫ت ُمـ َ‬ ‫ســـا ٍ‬ ‫ـرزَ ةً‪،‬‬ ‫ط َّ‬ ‫س ْ‬ ‫ــمتُ خَـ ِ ّدي ِْك َمـا َ‬ ‫َر َ‬

‫َحـ َدائِـقَ َّ‬ ‫ـان فِي خَـلَدي‪.‬‬ ‫الز ْه ِر ِ ّ‬ ‫والريْـ َح ِ‬ ‫ْف البُ ْع ُد يَ ْفت ُ ُكني‪،‬‬ ‫أ َ ْوغ َْـل ِ‬ ‫ت بال َه ْح ِر‪ِ ،‬سـي ُ‬


‫بر ِم ْن َجلَدِي‪.‬‬ ‫َر َح ْـلـ ِ‬ ‫ت ت َ ْـمـتَـ ِلـ ِكـيْنَ ال َّ‬ ‫ص َ‬ ‫ـب أ ُ ْمـ ِنـيَةً‪،‬‬ ‫ض ِـريْـحِ الـ ُح ّ ِ‬ ‫َر ِمـيْـتُ فُـوقَ َ‬ ‫عـا َد ْ‬ ‫ْـك تَـبُ ْـو ُح ال ُّجـر َح بالـ َكـ َمــدِ‪.‬‬ ‫ت ِإ ِلـي ِ‬ ‫َ‬ ‫ق أ َ ْفـئِـ َدتِي‪،‬‬ ‫ـاو َرتْـنِـي َ‬ ‫عـلَـى ت َ ْـم ِـزيْـ ِ‬ ‫فَـ َح َ‬

‫ُّ‬ ‫َـار الـ ُّ‬ ‫والـز ُهـدِ‪.‬‬ ‫ق‬ ‫ش ْ‬ ‫ـاوبَـتْـ ِنـي ِبـن ِ‬ ‫ـــو ِ‬ ‫و َج َ‬ ‫عـ َّل َّ‬ ‫ار ُد ِ ّ‬ ‫أُ َ‬ ‫سنِي‪،‬‬ ‫ْف يُؤنُ ُ‬ ‫ْـف‪َ ،‬‬ ‫ط ِ‬ ‫الطـي َ‬ ‫الطـي َ‬ ‫عـانِ ُق ِ ّ‬ ‫ســـــــنَـدي‪.‬‬ ‫أُ َ‬ ‫الظـ َّل فِي أَعْـقَـابِـ ِه َ‬

‫ســ َد ال ِعـ ْش ُ‬ ‫ـق َو ْجـهَ البُـوحِ ُم ْنت َ ِحالً‪،‬‬ ‫تَـو َّ‬

‫بالر َمــدِ‪.‬‬ ‫ْـرانُـنَـا َمـ ْســــ َحـةُ اﻵهَـا ِ‬ ‫ت َّ‬ ‫نِـي َ‬

‫الريْحِ َحا ِك َمةٌ‪،‬‬ ‫ص ْو ُل ِ ّ‬ ‫ص ْو ِري‪ ،‬فُ ُ‬ ‫أَبْـنِي قُ ُ‬

‫ـر ُمـ ْنـت َ ِقدِي‪.‬‬ ‫وأ َ ْنـ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ت تَـا ُج ال َه َـوى وال ِ ّ‬ ‫ـح ُ‬

‫قَـالَ ْ‬ ‫ص ْـو ٍ‬ ‫ـــو ٍر ِإنَّـنِـي قَـ َد ٌر‪،‬‬ ‫ـت‪ِ :‬بـ ُ‬ ‫ت فَـت ُ ْ‬

‫ـرتَـ ِعـدِي‪.‬‬ ‫وأ ْن َ‬ ‫ـت فِـي لُـ ْعـبَــ ِة َاﻷ ْقـ َد ِار ُم ْ‬ ‫َحـ َم ْـلتُ ُح ْ‬ ‫ـرهَـا‬ ‫ـزني‪ ،‬وأ َ ْش َـلئي أُبَـ ْعـثِ ُ‬

‫عـلى ُ‬ ‫ســ ُهدِ‪.‬‬ ‫طـقُ ْـو ٍس ِمـنَ َاﻷ ْو َجـاعِ والـ ُّ‬ ‫َ‬

‫سدِي‪،‬‬ ‫راك قَتْ ِلي‪ ،‬و ُك ْن ِ‬ ‫أ َ ْغ ِ‬ ‫ت ُّ‬ ‫الر َو َح في َج َ‬ ‫ْـضي وأ َ ْح َـلمي إلَـى َاﻷبَـدِ‪.‬‬ ‫ـاز ْلـ ِ‬ ‫ت نَـب ِ‬ ‫َم ِ‬




‫النص المسرحـــي‬ ‫آخــــر النــــاس‬ ‫إعــــداد‬ ‫الكاتبة المغربية‬ ‫فوزية بندادا‬ ‫عن نصوص شعرية‬ ‫للشاعر العراقي‬ ‫رياض الدليمي‬ ‫‪2014‬‬

‫المشهد األول‬ ‫مشــهد لبيئــة االهــوار ومشــهد للمشــحوف واالكــواخ والهــور والقصــب والبــردي والجامــوس والطيــور‬ ‫وصيــد االســماك والجفــاف وانحســار ميــاه االهــوار وأغنيــة ريفيــة تتمــازج مــع اجــواء بيئــة االهــوار‬ ‫((كوخ ينتصب وسط الخشبة يحفه قصب وماء وبعض األعشاب المائية‬ ‫باب الكوخ من الجهة اليسرى وبه نافذة صغيرة عبارة عن ثقب كبير في الوسط ‪.‬‬ ‫يطــل مــن الفتحــة رجــل فــي الســتينات مــن العمــر اســمر المالمــح وأشــعث الــرأس ولحيتــه طويلــة فــي‬ ‫غيــر انتظــام ‪ .‬الســماء يرتســم علــى وجههــا القمــر أو الهــال فــي إشــارة لليــل‬ ‫تسمع أهازيج من الخارج ))‬ ‫الرجــل ‪ ( :‬يصيــخ الســمع موليــا أذنيــه تجــاه الفتحــة ثــم يعــود ويطــل مــن جديــد محــاوال إخــراج عنقــه‬ ‫ينظــر يمينــا وشــماال ثــم يدخــل رأســه )‬ ‫الرجــل ‪ :‬هــل هــذه أصــوات أهازيــج أم ؟ مــرات عديــدة يتهيــأ لــي ذلــك تختلــط علــى فهــم األصــوات‬ ‫ال يســعفني التذكــر منــذ ســنين لــم اســمع أغنيــات حصــاد ولــم اعــد أتذكــر أجــراس الهواتــف وال ألــوان‬ ‫وشــكل الدعــوات ولــم اعــد أميــز دقــات الطبــول وعــزف الكمنجــات وال رنيــن الضحــكات ‪ .‬أســألكم هــل‬ ‫أنــا حــي أم ميــت لــم يــرزق ســكينة اللحــد وســكون الكينونــة مــن وراء هــذه الحيــاة ‪.‬‬


‫احتياجاتكــم بكثيــر مــن التفحــص والتمحيــص وقفــت علــى شــيء مهــم وهــو أنكــم ال تحلمــون ‪ ..‬أنــا يــا ســادة‬ ‫يــا كــرام ســأجعلكم تحلمــون مــن جديــد ‪ ..‬قــد تــرون فــي البدايــة كوابيــس مزعجــة لكــن ال بــاس ال تخافــوا‬ ‫فهــو مؤشــر جيــد علــى أنكــم ســتتخلصون مــن كل مــا يكبــس علــى أنفــاس أحالمكــم ‪ ،‬بعدهــا ســتصبح‬ ‫رؤياكــم بلــون الــورد ‪...‬‬ ‫يقاطعه صوت ‪ :‬أنا يا سيدي حلمت البارحة بدجال زار قريتنا ورجمه صغارها بالحجر ‪.‬‬ ‫النائــب ‪ :‬جميــل يوجــد مــن بينكــم مــن يحلــم ‪ ..‬أنــت ســتصبح مــن رجالــي المقربيــن تكــون احــد أعوانــي‬ ‫ال ُم ْخ ِلصيــن ( بســكون الخــاء والــام مكســورة )‬ ‫صــوت ثانــي ‪ :‬أمــا أنــا أيهــا المشــروع النيابــي فحلمــت البارحــة بــأن غرابــا ضخمــا اعتلــى قمــة بالقريــة‬ ‫وصــار يقلــد عــزف العندليــب وكان اللحــن غريبــا لــم تستســغه أذاننــا ‪.‬‬ ‫النائب ‪ :‬أرأيتم ؟ إنها بوادر اإلنفراج بدأ بعضكم يرى كوابيس وهذا ما وعدتكم به ‪.‬‬ ‫أصوات تتعالى وضجيج وتصفيقات وصوت الرجل يضحك ينزل الستارة ( خيال الظل )‬ ‫ت‬ ‫ـر� عــن آخــر دورة انتخابيــة في آخــر حــي ســكنته بآخــر مدينــة‬ ‫الرجــل ‪ :‬كان هــذا آخــر مشــهد علــق بذاكـ ي‬ ‫تركتهــا لآلخريــن ‪.‬‬

‫إظالم‬ ‫المشهد الثاني‬ ‫نســمع زقزقــة طيــور وضــوء نهــار فيظهــر الرجــل مــن بــاب الكــوخ فــي حــركات صباحيــة ‪ .‬يحمــل إنــاء‬ ‫وإبريقــا بــه مــاء يضعــه أرضــا ويشــرع فــي غســل وجهــه ويمــرر المــاء علــى رقبتــه وشــعره ‪.‬‬ ‫يدخــل الكــوخ ويخــرج مرتديــا عبــاءة الرعــاة وعلــى كتفــه كيــس مربــوط بقربــة مــاء وعصــا يختفــي وراء‬ ‫الكــوخ فتبيــن الشاشــة صــورة لرعــاة الجواميــس ‪ .‬ويشــرع الرجــل فــي قــراءة أبيــات شــعرية ‪ .‬تظهــر امــرأة‬ ‫شــابة تمــر مــن أمامــه مرتديــة خمــارا اســودا فتتلــكأ فــي مشــيتها بــدالل وهــي تغطــي وجههــا خجــا يحاورهــا‬ ‫بهذه األبيات ‪:‬‬ ‫صباحك دجلة ))‬ ‫وقبلةٌ خجلة‬ ‫صباح اكتظت سماءه با لفواخت‬ ‫صباحك خال من دخان الباصات‬ ‫وزعيق الدراجات‪ ‬‬ ‫بال حواجز‬ ‫وشارات مرور‬ ‫صباحك سوسنة برية ‪.‬‬ ‫لفي خصالتك تحت الحجاب‬ ‫ال توقظي النبض في الصباح‬


‫((يخفت الصوت قليال ثم نسمع صوت موكب جنازة ))‬ ‫الرجــل ‪ ( :‬يضحــك ) عجبــا أصبحــت لــدي قــدرة عجيبــة علــى النســيان كيــف نســيت أن ورائــي مقبــرة‬ ‫( تظهــر فــي الشاشــة المقابلــة للكــوخ وســط الخشــبة شاشــة الســينما ويظهــر عليهــا صــور لمقبــرة وأنــاس‬ ‫يشــيعون ميتــا يتكــرر دفــن الجثــة عــدة مــرات فــي إشــارة لكثــرة الجثــث او المقابــر الجماعيــة ‪ ..‬يســمع‬ ‫أزيــز ذبــاب يشيــر بيديــه كأنــه يزيلهــا مــن أمــام ناظريــه ‪).‬‬ ‫الرجــل ‪ ( :‬يغيــب نــرى دخــان ســجائر مــن فتحــة الكــوخ يتطايــر وعلــى الشاشــة يظهــر لنــا مشــهد‬ ‫حــرب وأطفــال ونســاء يعــدون فــي الشــوارع ودبابــات تعبــر الطريــق )‬ ‫((يطــل مــن النافــذة ممســكا جهــاز التحكــم عــن بعــد وفــي إشــارة مــن يــده تنطفــئ الشاشــة يخــرج مــن‬ ‫البــاب األمامــي لكوخــه ))‬ ‫الرجــل ‪ :‬ذاكــرة حمقــاء يســكنها الدخــان ونعيــق الغربــان وصــراخ األرامــل واألضــواء المبعثــرة‬ ‫علــى بيــاض مدجــن بفوهــات رعنــاء وطقــوس المجانيــن البليــدة‪ ..‬أنــا هنــا بمحــض إرادتــي ‪ ..‬هــذا المــكان‬ ‫الوحيــد الــذي انــآى فيــه عــن عالــم موبــوء بجنــون البشــر ‪ ..‬لســت جبانــا ولســت انهزاميــا ولــم اســلم مفاتيــح‬ ‫مدائنــي الســومرية أنــا حفيــد تمــوز ‪ ...‬ابتعــد بجيناتــي كــي ال يلوثهــا غبــار رقصــة مخبولــة تثيــره أرداف‬ ‫عاهــرات لــم يــرق لهــن صفــاء جنســي ونقــاوة دمــي القانــي ‪ .‬هــن يعشــقن الغــروب كــي يدســوا التــراب‬ ‫فــي عيــن الشــمس وأنــا هنــا أرعــى ضــوء النهــار اجــدل مــن أشــعته ضفائــر بطــول أســوار بابــل أهديهــا‬ ‫لعشــتار الجميلــة تنكــف بهــا خــدود مدائنــي البائســة وتزيــل عنهــا دخــان المكائــد ‪ .‬لســت حالمــا وال تبــدو‬ ‫لــي فــي األفــق القريــب مالمــح خــاص لكنــي أمنــي نفســي كــي أعيــش بســام ‪.‬‬ ‫يدخل الكوخ ثانية ))))‬ ‫الرجــل ‪ ( :‬صــوت الحشــرات المائيــة وبعــض الحشــرات كالصــرار يطفــئ الرجــل مصباحــا زيتيــا (‬ ‫فانــوسا ) كان يعلقــه علــى الحائــط ويظهــر مــن فوهــة النافــذة)‬ ‫يدخل كوخه ويطل من فتحة النافذة التي بالوسط حامال قصاصة جريدة قديمة ‪.‬‬ ‫الرجــل ‪ :‬كانــت هــذه آخــر جريــدة قرأتهــا قبــل اعتزالــي عالمهــم ‪ ..‬عالــم كل قواميســه ســرابيل مرقطــة‬ ‫بالوعــود الباهتــة ‪ ,‬ملونــة بالتســويفات ذات األبعــاد االفتراضيــة وأعنــاق أعياهــا التطلــع إلــى مخلــص قــد‬ ‫يأتــي فاســتوت ببصرهــا تتابــع المشــهد فــي استســام تــام ‪ ( ..‬يضحــك ) الزلــت أتذكــر وأنــا أفتــح ســتارة‬ ‫المســرح عــن آخــر مســرحية انتخابيــة وكان المســرح ضاجــا بالحضــور والــكل ينتظــر خطبــة ابــن البلــد‬ ‫اآلتــي مــن بــاد المهجــر لعلــه يحمــل قطعــة فجــر يفجرونهــا فــي وجــه العتمــة التــي تــواري أحالمهــم فــي‬ ‫عمــق التــراب ‪.‬‬ ‫(( يغيــب قليــا ويهيــئ أجــواء العــرض مــن النافــذة ‪..‬يســدل ســتارة بيضــاء ينطفــئ الضــوء مــن الخــارج‬ ‫ويســلط مــن الداخــل علــى بــؤرة الســتارة ‪ .‬يحمــل صــورة لشــخص يرتــدي بذلــة وربطــة عنــق وأمامــه‬ ‫ميكروفــون ويشــرع فــي تقليــد النائــب أثنــاء دعايتــه االنتخابيــة)) ‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬ ‫ـاد� الكـرام ‪ ..‬مــا جمعـن ي بكــم هــذا اليــوم إال الحــب فــي هللا ولوجــه‬ ‫ـيدا� سـ ي‬ ‫ا� سـ ي‬ ‫ـا� ‪ ..‬أعـز ي‬ ‫النائــب ‪ :‬أحبـ ي‬ ‫هللا فأنــا نــذرت نفســي لحمــل اثقالكــم نعــم انــا حمــال العطــب ومطفــئ الغضــب جئتكــم بالحليــب والرطــب‬ ‫وال ارجــو مــن كل هــذا اال الرضــى مــن الــرب ‪ ..‬ســادتي الكــرام بعــد أن تتبعــت أحوالكــم ورصــدت‬


‫بال حمم وانزياحات موسيقى‬ ‫ولهاث فجر على وسادة اإلنتظار ‪،‬‬ ‫منذ أول هبوط وعتمة سماء‬ ‫انتظرت دورة أخرى للشمس‬ ‫بال توقيتات وتواريخ ‪)) ..‬‬ ‫التاريــخ تنحــى عــن ســكة مرمــى النظــر ال ترصــده عينــاي ‪ ،‬تــزاور عــن صفحاتــه شــمس الحقيقــة ‪.‬‬ ‫الحقيقــة عــن أي حقيقــة أبحــث فيــك يــا وطنــي ؟ اشــتقت لجرائــد األمــس كنــت أتنفــس بيــن ســطورها ربــع‬ ‫حــد‬ ‫حقيقتــك وكنــت مطمئنــا وراضيــا ومســتكينا أيضــا ‪ ..‬أمــا اآلن بعــد أن امتــأ جوفــك‬ ‫التخمــة باألكاذيــب والزيــف وانصهــارات المعــادن الرخيصــة وعصــارة النفــوس اللئيمــة لــم تعــد تســتهويني‬ ‫أخبــارك ‪ ،‬هجرتــك طوعــا ألنــي مفــرط جــدا فــي حبــك ‪.‬‬ ‫علــى الشاشــة يظهــر لنــا منظــر انفجــارات لســيارات مفخخــة ودخــان كثيــف ثــم نــرى دخانــا ايضــا‬ ‫يتصاعــد مــن نافــذة الكــوخ الرجــل ينظــر الــى الشاشــة ثــم فجــأة يشــرع فــي الســعال والدخــان يتصاعــد‬ ‫مــن نافــذة الكــوخ يهــرع الــى داخــل الكــوخ يحمــل الــة التحكــم عــن بعــد وفــي اشــارة منــه ينطفــئ الشاشــة‬ ‫ويخبــو الدخــان الــذي بالداخــل ‪.‬‬ ‫الرجــل ‪ ( :‬يطــل مــن النافــذة ) كــدت احــرق كوخــي كمــا احترقــت كل الذكريــات بذاكرتــي كــدت افقــد‬ ‫مــاذي الوحيــد واآلمــن حصــل كل هــذا وانــا أرثيــك يــا وطــن ‪.‬‬

‫المشهد الثالث‬ ‫يظهــر لنــا الرجــل جالــس علــى نفــس الصخــرة بجانــب الكــوخ وهــو ينحــت مــن القصــب نايــات مرصوصــة‬ ‫بجانبــه ‪.‬‬ ‫الرجــل ‪ ( :‬يشــرع فــي العــزف علــى النــاي بلحــن شــجي تصاحبــه أغنيــة خاصــة بأهــل المنطقــة – اهــوار‬ ‫الجنــوب ) لــم اعــد اســتعذب أي لحــن آخــر غيــر لحنــك أيهــا النــاي الشــجي فألحانــك التــي تبكــي داخلــي‬ ‫هــي الوحيــدة التــي تعاملنــي بصــدق وتحكــي روايــات أيامــي الرتيبــة الوحــدة مــوت آخــر يشــبه الجنــون‬ ‫غيــر معلنــة اعتــراف بالعجــز ترفضــه‬ ‫‪ ..‬هــي حيــاة داخــل العــدم مــوت إكلينيكــي ‪ ،‬نهايــة‬ ‫بعــض األعضــاء النشــيطة ‪ .‬هنــا ( فــي إشــارة إلــى القلــب ) يعيــش األمــل وهنــا ( يشــد علــى رأســه‬ ‫) بيــت األمنيــات ‪ ..‬لكــن هــل يجــوز لــي االنتظــار ؟ انتظــار المخلــص ‪.‬يقــول لــي حدســي أنــه ســينزل‬ ‫بأرضــي أوال ألن روحــه العارجــة بالســماء لــم تحتمــل أنــات األطفــال وبــكاء اليتامــى وآهــات األرامــل‬ ‫وحــرارة الحرائــق التــي طبعــت جبيــن الســماء ‪ .‬المخلــص لــن يحتمــل مــا احتملنــاه فيــك يــا وطــن يقــول‬ ‫لــي خيالــي الــذي اختلــط بحدســي بأنــه ســيمد لنــا يــده الســمحة مــن بعيــد ســتنفجر مــن بيــن أصابعــه انهــار‬


‫تأملي الشحاذين من النافذة‬ ‫وصبية افترشت رصيف العمر‬ ‫ال تبالي‬ ‫كل العصور تزينها األرصفة‬ ‫ارفعي الرأس‬ ‫ال تأبهي بأعشاش العصافير‬ ‫في الحقائب‬ ‫وضجيج النسيان في الجيوب‬ ‫سعد صباحك ))‪.‬‬ ‫تنطفئ الشاشة ويظهر لنا الرجل داخال من خارج فضاء الكوخ بخطى متثاقلة في إشارة للتعب ‪.‬‬ ‫ ((هــا أنــا عــدت لوحدتــي ‪..‬لذكرياتــي المجعــدة هــي األخــرى غيــر قــادرة علــى بســط الخصــات‬‫وح ـ َدة قرونهــا ‪ .‬والحاضــر محاصــر فــي‬ ‫‪..‬حتــى المرايــا امتعضــت مــن مرارتهــا وســواد َ‬ ‫ش ـ ْعر نهارهــا ِ‬ ‫جــب اإلســتفهام يفشــل كل مــرة أن يســامر باقــي الذكريــات ‪ ..‬أدفــن الحاضــر بشــهوة الغــد وعتــو اللحظــة‬ ‫المشــتهاة ‪ ،‬كل شــيء ســحيق وبائــد ‪ ..‬صهيــل الفــراغ موجــع وشراســة الصمــت مخيفــة ‪ ..‬مــا مــن شــيء‬ ‫إال وأصبــح ذكــرى وحنيــن ســاذج بطعــم الخيبــة ))‪.‬‬ ‫يدخــل الكــوخ ‪ ..‬ويظهــر لنــا مــن فتحــة الكــوخ يبــدل مالبســه يتنــاول جهــاز المذيــاع ويشــرع فــي تشــغيله‬ ‫يبحــث مــن خــال الموجــات اإلذاعيــة وكل مــرة نســمع إذاعــة معينــة وبرامــج مختلفــة أيضــا تتداخــل‬ ‫أصــوات المذيعيــن واإلذاعــات والمواضيــع فــي شــبه فوضــى ســمعية ‪.‬‬ ‫يخــرج مــن الكــوخ وفــي يــده المذيــاع يســكته يجلــس علــى صخــرة قــرب الكــوخ ويضــع المذيــاع علــى‬ ‫ركبتــه ويشــرع فــي البحــث مــن جديــد ‪ ..‬يســتقر علــى صــوت أغنيــة فيــروز « ســنرجع يومــا إلــى حينــا‬ ‫« يســمع منهــا مقطعــا ثــم يطفــئ الجهــاز ‪.‬‬ ‫الرجل ‪ (( :‬هنا في هذه األرض السواد‬ ‫ذات السماء المدججة بالليالي الحزينة‬ ‫اكتب شقاء الحلم‬ ‫في ثنايا الجفون اليابسة ‪،‬‬ ‫وذبول صراخ الوهج‬


‫الرجــل إلــى كوخــه متثاقــل الخطــوات متعبــا يدخــل كوخــه يخــرج ثانيــة بعــد تبديــل ثيابــه ))‬ ‫الرجــل ‪ ( :‬يتأمــل الســماء ) منــذ هجــرت العمــل بالمســرح أصبحــت الســماء مســرحي اليومــي فضــاء‬ ‫شــفاف ال يخفــي عنــي شــيئا يبــدي وال يضمــر أتأملهــا واناجــي نجومهــا وقمرهــا وغيمهــا وكل تقلباتهــا ‪،‬‬ ‫أمــا مســرحهم هنــاك فهــو انعــكاس لحياتهــم الكئيبــة والمزيفــة ‪..‬‬ ‫فــي بداياتــي كنــت ممثــا بارعــا وكنــت اتقــن لعــب األدوار ‪..‬أمــا عندمــا أصبحنــا نعيــش فظاعــات الواقــع‬ ‫الــذي تجــاوزت نصوصــه كل تراجيديــات الكــون المكتوبــة علــى الــورق ‪ ،‬هجــرت المســرح واحتضنــت‬ ‫عشــقه بيــن ضلوعــي محتفظــا بذكــراه النقيــة ألنــه أصبــح عاجــزا عــن مجــاراة االخبــار العاجلــة وتاهــت‬ ‫نصوصــه كمــا تاهــت الحقيقــة والتاريــخ وكل فنــون التدويــن واإلمــاء ‪..‬‬ ‫ال زلــت اتذكــر آخــر دور لعبتــه قبــل أن أتنحــى عــن الخشــبة عــن عشــقي األبــدي ركحــي األثيــر الــذي‬ ‫طالمــا ســقيته بعرقــي وأنــا أتالشــى داخــل شــخصيات ال زلــت أذكرهــا جيــدا ‪.‬‬ ‫يدخــل الكــوخ مــن جديــد فيظهــر علــى الشاشــة مشــهد مــن مســرحية هاملــت والرجــل يقــوم بــدور األميــر‬ ‫زوج اوفيليــا ‪ ( .‬مقطــع مــن مســرحية هاملــت المشــهد األخيــر ويجمــع مــا بيــن انتحــار اوفيليــا ورثائهــا‬ ‫مــن طــرف هاملــت علــى قبرهــا ونزاعــه مــع اخيهــا ثــم مشــهد المبــارزة ومــوت الملــك والملكــة )‬ ‫المشهد صامت والرجل يتلو قصيدة اوفيليا ‪:‬‬ ‫يظهــر علــى الشاشــة ممثليــن احدهمــا الملــك ( هاملــت األب ) والثانــي اخــوه يكــون الملــك مســتلقيا علــى‬ ‫عشــب الحديقــة فيأتــي اخــوه متســلال ويضــع ســائال فــي أذنــه وينصــرف يلبــس الملــك ثيابــا بيضــاء فــي‬ ‫اشــارة للشــبح وبانــه فــارق الحيــاة فيطــوف بأرجــاء المــكان يظهــر هاملــت اإلبــن فيشــده ابــوه المقتــول مــن‬ ‫يــده ويظهــر لنــا مــن خلــف الســتارة ( خيــال الظــل ) يريــه كيفيــة موتــه مــن طــرف اخيــه ‪.‬‬ ‫اثناء المشهد يقوم الرجل بتلو األبيات التالية ‪:‬‬ ‫غيوم الصيف‪ ‬‬ ‫ع القرنفل أفاقتْ من‬ ‫زوابع‬ ‫(( دمو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫أسافين الخريف‬ ‫تد ُ‬ ‫وبعضا ً من نرجسي ِة الحكام‬ ‫هل نعي ُد ذاتَ المشه ِد القرف ؟‬ ‫ونشرب النبيذَ بنشو ِة الموتْ‬ ‫نتقات ُل‬ ‫ُ‬ ‫بسيفك المنقوعِ بس ِ ّم‬ ‫كفي‬ ‫ِ‬ ‫وتدمى َّ‬ ‫وربما بثارات العشير !‬ ‫يحضر هذا المساء ؟‬ ‫من‬ ‫ُ‬ ‫النحس؟‬ ‫الخونةُ أم أصدقا ُء‬ ‫ِ‬ ‫ت الخطايا ؟‬ ‫أم أمها ِ‬ ‫لك ‪:‬‬ ‫سيحضر الجمي َع‬ ‫أقو ُل ِ‬ ‫ُ‬ ‫يدس والس ُّم ؟!‬ ‫ِليُمثِلوا مشه َد مصرعي وكيف‬ ‫ُ‬ ‫سيتصبب عرقا ً ؟‬ ‫تظه ُر كم منا‬ ‫اإلضاءةُ َ‬ ‫ُ‬ ‫س ِ‬ ‫للحظة عودة الحدث‬


‫مــن عســل نرتشــفه كــي تشــفى ذاكرتنــا مــن أزيــز الطائــرات وصــوت القنابــل ورائحــة الشــواء اآلدميــة‬ ‫بــاألرض البــراح فتنمــو الســنابل وتهتــز األرض لمقدمــه وتربــو وتينــع مــن جديــد ‪.‬‬ ‫‪ .‬ســينزل‬ ‫تســمع فــي تلــك األثنــاء أصــوات مــن المقبــرة تشــيع جثمانــا علــى أنغــام ( ال الــه إال هللا محمــد حبيــب هللا‬ ‫) أو حســب تقاليــد أهــل المنطقــة ربمــا مــات المخلــص مــن يــدري ؟‬ ‫الرجــل ‪ :‬تبــا لهــذا المــوت الــذي يحيــط بنــا مــن كل جانــب ‪ ..‬أال يجــوز لــي أن أحلــم ولــو قليــا تبــا‬ ‫لصانعــي هــذا الفنــاء وهــذا العــدم المجلجــل فــي جســد الوطــن المنكســر ‪..‬هــو أيضــا يتوســل بالمنقــذ ‪..‬‬ ‫كــي يعيــد إليــه طهارتــه التــي دنســها الغــزاة ورعــاة البقــر ‪،‬آه نســيت لقــد تأخــرت عــن قطيعــي أنــا أيضــا‬ ‫يكــون قــد اشــتاق لرائحــة ســوس الهــور وخضــرة مائــه‪ .‬يجمــع ناياتــه فــي كيــس ويخــرج وهــو ممســك‬ ‫بنــاي ويعــزف مــن جديــد ‪.‬‬ ‫تظهــر علــى الشاشــة صــور لرعــاة الجواميــس عنــد الغــروب وعلــى انغــام النــاي ويشــرع الرجــل فــي‬ ‫قــراءة قصيــدة ‪:‬‬ ‫((عد يا ليل‬ ‫ألمتطي سكونك‬ ‫ألغنيك نوتة شجن‬ ‫وأطوار حزن‬ ‫وأهوار جفت‬ ‫اصفعني نسمة برد‬ ‫وحضن‬ ‫ال تشاكس لهفة الحرف‬ ‫دعه في سبات‬ ‫يتوسد لحظة حلم‬ ‫هنا أحط طائر ليل‬ ‫على غصن شجرة ناعسة‬ ‫تغفو‬ ‫كحروف تسلقت‬ ‫أبيات فستانك األخضر)) ‪.‬‬

‫إظــالم‬ ‫المشهد الرابع‬ ‫(( الفضــاء ليلــي إنــارة ليليــة تنعكــس بالنجــوم وهــال يتوســط الســماء ‪..‬صــوت حشــرات ليليــة ‪ .‬يدخــل‬


‫ب؟‬ ‫أَسيكون مشه ُد الس ِ ّم بدايةَ ال ُح ِ‬ ‫صر؟‬ ‫فر خيانا ِ‬ ‫أم نهايةَ ِ‬ ‫س ِّ‬ ‫ت القَ ِ‬ ‫وهل ستنسي ؟‬ ‫أُوفيليا‪......‬‬ ‫قصةُ‬ ‫العشق أنتِ‪ ‬‬ ‫ِ‬ ‫دوار ال ُم َمثِ َ‬ ‫راثن‬ ‫وأ َ ِ‬ ‫لين ال ُمل َطخةَ أ َ ْيديه ْم بِبَ ِ‬ ‫َ‬ ‫القصر العابثة بليالي‬ ‫شياطين‬ ‫الجنون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫عالماتك الفارق ِة‬ ‫وخربشا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫االستفهام‬ ‫آو عالما ِ‬ ‫ِ‬ ‫سأظ ُل احل ُم ))ُ‬ ‫ينتهي المشهد فيظهر الرجل من داخل الكوخ ))))‬ ‫الرجــل ‪ :‬الزال عنــدي حنيــن للمســرح لكــن هــل فعــا ســأتقن المشــاهد التــي تعنينــي ‪ ،‬نحــن دائمــا‬ ‫نتقمــص أدوارا ال تعنينــا بكثيــر مــن الصــدق والتصنــع أيضــا لكــن عندمــا نكــون ممثليــن ألنفســنا نكــون‬ ‫متعبيــن جــدا مــن تكــرار ماســاتنا نهــرب منهــا إلــى قفــار النســيان ‪ .‬ننــآى بذواتنــا المنهكــة عــن مســارح‬ ‫الجرائــم التــي تتربــص بــكل أنــواع الفرجــات فــا مجــال إال للمآتــم والفواجــع والمــوت دون فواصــل أو‬ ‫نقــط ‪.‬‬

‫المشهد األخير‬ ‫يزيــل نعلــه ويقعــد علــى صخــرة صغيــرة بجانــب الكــوخ يشــتم رائحــة نعلــه فيبــدو عليــه انتشــاء غريــب‬ ‫وكأنــه اشــتم رائحــة عبقــة زكيــة ‪.‬‬ ‫الرجــل ‪ :‬هــل تعــرف يــا حذائــي الــذي بعمــر شــبابي وكهولتــي أنــي ألفــتُ رائحتــك التــي اختلطــت‬ ‫برائحــة بقايــا جلــدي الميــت ســأوصي بــأن تدفــن معــي فــا يعقــل أن أتخلــى عــن هــذا التراكــم الضخــم‬ ‫مــن خاليــاي ‪ ،‬يــا مــن شــهد خطــاي وخطايــاي يــا صندوقــي األســود أخشــى مــا أخشــاه أن يســتنطقوك‬ ‫مــن بعــدي ‪ ،‬أن يمزقــوا جلــدك المنصهــر بجلــدي ‪ ،‬فتبــوح قســرا و قهــرا ال خيانــة يــا رفيــق خطــاي‬ ‫تبــوح بمــا اقترفنــاه فــي حــب الوطــن ‪ ،‬لــن اذكــر التفاصيــل ألنــي تركتهــا هنــاك حيــث الحلبــات المســتعارة‬ ‫لمصارعيــن محترفيــن اســتأجروا ســاحاتنا وأقامــوا عليهــا مواســم وأعــراس الــدم ورقصــوا علــى هياكلنــا‬ ‫رقصــة العناكــب المخمليــة ‪ ،‬زرعــوا الحرائــق وغيــروا جينــات النخــات وهَجــرت الملــكات أقفارهــا‬ ‫وهَمــت الدبابيــر بالخادمــات ‪ .‬زمــن وطــيء تركنــاه يــا صاحبــي هنــاك وراء النهــر ومــن خلــف الشــط‬ ‫تحجبــه الســفن الراســيات ‪ .‬مــن خلــف العتمــة يتــراءى لــي الوطــن كنعجــة تحتضــر بيــن أنيــاب ذئــب ‪،‬‬ ‫تشــحذ حدهــا مــن ضــوء القمــر ‪ .‬وأنــا هنــا عصاتــي ال تســعفني ألهــش بهــا عــن وطنــي هــي بالــكاد‬ ‫أتــوكأ عليهــا و أحمــل عليهــا وهــن أعضائــي ‪.‬‬ ‫((يدخــل الكــوخ ومــن الفجــوة التــي بالوســط نشــاهده وهــو يتخفــف مــن مالبســه يخــرج رأســه مــن الفجــوة‬ ‫وفــي يــده الــة التحكــم عــن بعــد فــي الشاشــة‬ ‫تظهــر لنــا علــى الشاشــة مشــهد ســتارة حمــراء منســدلة بشــكل يغطــي كل الخشــبة والجمهــور يدخــل‬ ‫بالتدريــج يجلســون فــي أماكنهــم المخصصــة لهــم)) ‪ .‬وعندمــا تكتــظ القاعــة بالجمهــور يســكت الجميــع‬


‫على ضوء شارات الروح الهائمة‬ ‫ترجو القصاص‬ ‫تتوق للخالص‬ ‫التاريخ عدو للحظة‬ ‫إدانة لجنون البشر‬ ‫لشهوة السلطة‬ ‫من منهم سيُنصب على كراسي ملوثة ‪ ‬‬ ‫بغايات لم تتوسل بموت الحقب‬ ‫بارتعاشات األكف وهي تشيع األشباح ))‬ ‫يظهــر لنــا هاملــت اإلبــن وهــو يبكــي اوفيليــا امــام قبرهــا وبوشــاية مــن الملــك ( عــم هاملــت ) يهاجــم ليرتــس اخ‬ ‫اوفيليــا هاملــت ويتشــاجران فــي تلك األثنــاء يتدخل الملك ويأمــر بان يتبارزا يجلــس هو والملكــة يتابعان اطوار‬ ‫المبــارزة تحمــل كاســا مــن عصيــر كان بالطاولــة يحــاول الملــك ثنيهــا ويتراجــع تشــربه فتســقط ميتــة يهمــس‬ ‫ليرتــس فــي اذن هاملــت بالســر فيهاجــم هاملــت عمــه ويقتلــه ‪.‬‬ ‫يتلو الرجل هذه األبيات ‪ :‬‬ ‫أُوفيليا))‬ ‫أبيك‬ ‫خطاياي في‬ ‫عبأي‬ ‫جرار ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫األمير‬ ‫ت زوجا ِ‬ ‫أو في خزانا ِ‬ ‫ِ‬ ‫كواليس المسرح‬ ‫وال تُش َِهدي أحدا ً من‬ ‫ِ‬ ‫خطاياي‬ ‫صحائف‬ ‫دَعي‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وطائري الشاه ُد الوحي ُد‬ ‫أذب سما ً‬ ‫وتأكدي لم ْ‬ ‫بتع عسالً‬ ‫ولم أ َ ْ‬ ‫فلستُ من هوا ِة‬ ‫السيوف المنقوع ِة بالقتل‪ ‬‬ ‫ِ‬ ‫أو الخيان ِة!!!‬ ‫أُوفيليا‪.....‬‬ ‫حاب‬ ‫ال شيء يحملهُ ال َ‬ ‫س ُ‬ ‫شوق‬ ‫ونحيب‬ ‫مطر‬ ‫إال قَطرا ِ‬ ‫َ‬ ‫ت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خارج المسرحِ احل ُم ‪ ...‬نحلم ‪ُ:‬‬ ‫سنشك ُل مسا َءنا بعيدا ً عن‬ ‫مضاجع القرنف ِل‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫القصور‬ ‫وخيانا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب ونبد ُد الشكَ‬ ‫واِستفهاما ِ‬ ‫ت النَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ٌ‬ ‫شيطان‪ ‬‬ ‫يحضر‬ ‫لن‬ ‫ُ‬ ‫ندم‬ ‫وال تنهداتَ ٍ‬ ‫عتب‬ ‫أو لحظا ِ‬ ‫ت ْ‬


‫يغادرون األلوانَ‬ ‫يجرون أذيا َل فمي‬ ‫يسحقون البيادر‪،‬‬ ‫سقف ننماخ ‪،‬‬ ‫يتقاتلون تحت‬ ‫ِ‬ ‫تهب رعشةَ شالها‬ ‫عشتار ُ‬ ‫ُ‬ ‫لمن يهزم أَناملي‬ ‫ويغرس غلَّه بخاصرتي‬ ‫ُ‬ ‫النار‬ ‫يُؤ َد شبقَ النخي ِل لفتيا ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ونوارس الناصرية‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫يفر مني المخلصون‬ ‫ُّ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫تهرب فتياتُ القص ِ‬ ‫الفجر‬ ‫تتناس ُل الشياطين عند عتبة‬ ‫ِ‬ ‫اللوثات‬ ‫أَستبي ُح‬ ‫َ‬ ‫بروحِ تموز‬

‫أَ ُ‬ ‫علن‬

‫ثورة َ المعدان‬ ‫الهور‬ ‫غضب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫بسالةَ الشطآن‬ ‫العوانس‬ ‫تمر َد‬ ‫َ‬ ‫ونوا َح عجائز الجنوب‬ ‫عصي الطلع ِة‬ ‫ل ُمخ ٍ‬ ‫َلص َ‬ ‫ينا ُم في حصون ثنايا عشتار‬ ‫وشراس ِة الشهوةِ‬ ‫يشهر سيفهُ بوج ِه ثورتي‬ ‫ُ‬ ‫بوج ِه عتم ِة اللحظ ِة‬ ‫آخر الناس‬ ‫وأَنأ أ ُ ُ‬ ‫غادر كوخي ِ‬

‫أُ ُ‬ ‫ب‬ ‫ت على‬ ‫دون الشهوا ِ‬ ‫َ‬ ‫نهايات القص ِ‬


‫تســمع ثــاث دقــات علــى الخشــبة فتفتــح الســتارة ( يفتحهــا الرجــل ) ‪ ..‬يظهــر لنــا ديكــور غريــب علــى‬ ‫الخشــبة عبــارة عــن كازينــو ليلــي بــه طاولتيــن باذختيــن وعشــاء فاخــر يســود هــدوء فــي البدايــة لتبــدأ‬ ‫حمــى الحــوار يهــدأ الجــو ويكفهــر بيــن الجالســين علــى طــاوالت العشــاء ينتهــي مشــهد المســرحية بمغــادرة‬ ‫الممثليــن الخشــبة يولــون ظهورهــم للجمهــور فتظهــر األقنعــة مــن وراء رؤوســهم ( أقنعــة مختلفــة و‬ ‫المشــهد صامــت إال مــن حــركات الممثليــن )‬ ‫والرجل يتلو قصيدة آخر الناس ‪:‬‬ ‫هو الذي يفتح ستارة المسرح))‬ ‫الطوابير‬ ‫تتكدس‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الغنائم‬ ‫يهبه ُم‬ ‫َ‬ ‫وكؤوس النشو ِة‬ ‫تراقب المشه َد‬ ‫وأَناي‬ ‫ُ‬ ‫تومئ له‬ ‫تناديه‬ ‫تصر ُخ‬ ‫ال يأبهُ لها ك ِّل مرةٍ‬ ‫تجر طالعها‬ ‫ُّ‬ ‫تتركني أ ُ‬ ‫راقب عن بع ٍد‬ ‫ُ‬ ‫شهوة َ الكأس‬ ‫نشوة َ الغنائم‬ ‫شماتة الوقت‬ ‫يهب الزيتونَ لمن يشاء‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يوظف الغلمانَ ليمشطوا ذيو َل الموجِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الجن‬ ‫يسابق األفقَ‬ ‫الرمان‬ ‫يغتصب سال َل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫يعصر نبي َذ الشفا ِه‬ ‫ُ‬ ‫َعر اللوع ِة بجذع أال ِه‬ ‫يش ُد ش َ‬ ‫تصر ُخ‬ ‫حناجر الم َخلِصينَ‬ ‫ُ‬ ‫يلملموا أَشيائهم‬ ‫نسوا العشا َء األَخير‬


‫فر الثوار ‪،‬‬ ‫وال أَنسى ِس َّ‬ ‫أَسر ُد حكايا اإلفالس‬ ‫ف القُ‬ ‫صص ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ال أ ُ َح ِر َ‬ ‫ت المشه ِد‬ ‫أُلم ُع عدسا ِ‬

‫هو‬ ‫كما يشتهي َ‬ ‫الصغر‬ ‫الطاعةُ وليمةٌ أَشتهيها منذ‬ ‫ِ‬ ‫تُفر ُح أُمي‬

‫َلص‬ ‫ال‬ ‫تغيض ُمخ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ؤنس عشتار))‪.‬‬ ‫وت ُ َ‬

‫انتهــــــــــــــــــــت‬




‫قراءة بنيو ّية ( ألسنية – سيميولوج ّية)‬ ‫لقصيدة‬ ‫«صوت وسوط»‬ ‫لـمحمود درويش‬ ‫مهاد نظري‬ ‫د‪ .‬هدى املعدراين‬ ‫نصـاً ونقــوم بتحليلــه؟ مــا العالقــة بــن الكتابــة اإلبداعيــة الخالصــة والكتابــة التحليليــة؟ هــل ميكــن ألحداهــا االســتغناء‬ ‫مــاذا يعنــي أن نقــرأ ّ‬ ‫عــن األخرى؟‬ ‫إذا كانت اإلجابة عن السؤال األخري بالنفي فام هو التحليل؟ وماذا يق ّدم للنص اإلبداعي؟‬ ‫القـراءة التحليليــة هــي إعــادة كتابــة للنــص اإلبداعــي‪ .‬هــي «غــر الــرح الــذي قصــاراه قـراءة النــص لغويـاً ونحويـاً ومضمونيـاً فحســب؛ إذ‬ ‫املحلــل ال يرضيــه ذلــك حتــى يقــرأه جامليـاً‪ ،‬وفنيـاً‪ ،‬وتاريخيـاً (ســياقياً)‪ ،‬ورمبــا بنيويـاً‪ ،‬وســيامئياً؛ ورمبــا اجتامعيـاً ونفســياً أيضـاً‪ ،‬مجتهــدا ً مــا اســتطاع‬ ‫ـر‬ ‫االجتهــاد يف االق ـراب مــن الكتابــة اإلبداعيــة التــي تحــاول فـ ّـك شــفرات لغتــه‪ ،‬ولتنتهــي إىل تفســر رمــوز عنــارصه األلســنية ومراميهــا الدالليــة َعـ ْ َ‬ ‫أنســا ِقها يف النــص‪ /‬املوضــوع»(‪.)1‬‬ ‫يبحــث املبــدع عــن األفــكار ويصوغهــا يف لغــة يســعى أن متتــاز بالفـرادة الدالليــة‪ .‬واملحلّــل هــو الــذي يتم ّعــن يف هــذه اللغــة فيفــك رموزهــا‬ ‫ويحـ ّـل ألغازهــا ويقــرأ شــيفراتها ويتبـ ّـن جامليتهــا وأدبيتهــا ويظهرهــا للمــأ‪ .‬فهــو يغــوص يف أعــاق النــص ليصــل إىل املعنــى ويســعى إىل تأويلــه يك ال‬ ‫يجعــل النــص أســر وجهــة نظــر تحليليــة واحــدة‪ .‬ينطلــق املحلــل مــن فكــرة مفادهــا إمكانيّــة انفتــاح النــص األديب عــى رشوحــات متعـ ّددة فيحــاول‬ ‫املحلــل إظهــار اإلبــداع والــدالالت يف النــص‪ .‬وكــا ســعى مبــدع النــص إىل تحميــل لغتــه أفــكارا ً مل تُط ـ َرق مــن ذي قبــل‪ ،‬يســعى املحلــل ألن يكــون‬ ‫مبدعـاً يف قراءتــه للنــص واكتشــاف أرساره وخبايــاه اإلبداعيّــة‪.‬‬ ‫إذا ً القاســم املشــرك بــن اإلبــداع والتحليــل هــو اللغــة «منهــا ينطلقــان وإليهــا ينتهيــان مــآالً»(‪ .)2‬يقـ ّدم املبــدع بنــات أفــكاره بوســاطة اللغــة‪،‬‬ ‫ويقــوم املحلــل برشحهــا وتفســرها وتبيــان مســتوياتها وعالقاتهــا‪.‬‬ ‫ومــن اللغــة داخــل األدب ومســتوياتها وعالقاتهــا ينطلــق هــذا البحــث «فاأللســنية تنطلــق مــن مفهــوم املســتويات معتــرة اللغــة ظاهــرة متع ـ ّددة‬ ‫الرتاكيــب‪ .‬فمــن مســتوى صــويت إيقاعــي‪ ،‬إىل مســتوى رصيف يتنــاول خصائــص املفــردات التــي تتألــف مــن األصــوات‪ ،‬إىل مســتوى الجمــل التــي تتألــف‬ ‫مــن املفــردات إىل مســتوى داليل يُعـ ّـر عــن املعــاين‪ ،‬إىل أمنــاط مــن البيــان تبتعــد عــن النمــط العــام يف اســتعامل اللغــة كوســيلة اجتامعيــة للتفاهــم بــن‬ ‫النــاس عــى الحاجــات غــر اللغويــة»(‪ ،)3‬ألن اللغــة «بنيــة يتــم إظهارهــا مــن خــال لحــظ وحداتهــا األساســية»(‪ .)4‬ولكــن ال تتموضــع هــذه الوحــدات يف‬ ‫النــص كــا هــي قــي نظامهــا اللغــوي ألنهــا تعيــش االنزيــاح داخــل النــص‪ .‬واالنزيــاح هــو خــرق للنظــام اللغــوي املعجمــي والــريف والنحــوي‪ .‬تكــون‬ ‫نتيجــة هــذا الخــرق الجــدة والجــال والفـرادة‪ ،‬وهــذا مــا مييّــز عمـاً أدبيـاً مــن آخــر‪ .‬لــذا ســتكون مقاربــة النــص «عــى ضــوء الســيامئية؛ ألننــا مــع‬ ‫النظــام الشــعري نجــد أنفســنا أمــام عمليــة خــروج شــاملة ومتكاملــة مــن النظــام اللغــوي الســويرسي إىل النظــام الســياميئ‪ .‬تضــع الشــعرية كالً مــن‬ ‫(‪)5‬‬ ‫املعجــم واملســتوى الــريف واملســتوى النحــوي عــى الحيــاد»‬ ‫يقــوم هــذا البحــث بقـراءة نــص محمــود درويــش «صــوت وســوط»(‪ )6‬قـراءة ألســنية بنيانيــة ســيامئية بغيــة البحــث عــن الجامليــة األدبيــة فيــه‪.‬‬ ‫العر�‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫ عبد الملك مرتاض‪ ،‬شعرية القصيدة قصيدة القراءة تحليل مركب لقصيدة أشجان يمانية‪ ،‬يب�وت‪ :‬دار المنتخب‬‫ ‪1‬‬ ‫بي‬ ‫‪ ،1994‬ص ‪.16‬‬ ‫ عبد الملك مرتاض ‪ ،‬شعرية القصيدة قصيدة القراءة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬‫ ‪2‬‬ ‫ ت‬‫م�ي بولس ‪ ،‬أبحاث ف� األلسنية العربية‪ ،‬لبنان‪ :‬فؤاد بيبان ش‬ ‫و�كاه‪ ،‬ط‪ ،1988 ،1‬ص ‪.77 ،76‬‬ ‫ ‪3‬‬ ‫ي‬ ‫ ميشال زكريا ‪ ،‬المدخل إىل علم اللغة الحديث‪ ،‬مؤسسة نعمة للطباعة‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص ‪.366‬‬‫ ‪4‬‬ ‫ين‬ ‫اللبناني�‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ص ‪.125‬‬ ‫عل زيتون ‪ ،‬النص الشعري المقاوم ف ي� لبنان البنية والداللة‪ ،‬يب�وت‪ :‬اتحاد الكتاب‬ ‫‬‫ ‪5‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫فلسط� قصيدة “صوت وسوط”‪ ،1966 ،‬يوان محمود درويش‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ط‪،1994 ،14‬‬ ‫ محمود درويش‪ ،‬عاشق من‬‫ ‪6‬‬ ‫ي‬


‫وتُــرز (الــواو) العاطفــة بــن االســمني تــازم الصــوت والســوط‪ .‬وهــذا يثــر القــارىء ويدفعــه إىل الســؤال إن كان هــذا الصــوت ســيبقى أو‬ ‫ســيخمد‪ .‬فتــأيت اإلجابــة يف نهايــة القصيــدة‪ .‬ســيتحول الصــوت إىل صــدى وهــو صــوت حــارض لصــوت غائــب‪ ،‬وهــو يرمــز إىل كل األصــوات املحمومــة‪.‬‬ ‫ومــع أن كثـرا ً مــن الشــعراء املعارصيــن ال يســتخدمون الصــدى يف كتاباتهــم الشــعرية إال باملعنــى التهجينــي التســميجي املنــرف‪ ،‬يف مألــوف‬ ‫العــادة‪ ،‬إىل نحــو اليــأس والخيبــة والضيــاع والفـراغ»(‪ )13‬إال أننــا نلمــح يف هــذه القصيــدة تناصـاً حيــث ت ُســتخدم العبــارة نفســها لتــؤدي داللــة مغايــرة‬ ‫فالصــدى يف «صــوت وســوط» هــو صــوت املقاومــة الرافــض للظلــم ولالحتــال الــذي ال ميكــن أن ينــال منــه ســوط العــدو‪ .‬فالصــوت معلــول لعلــة‬ ‫غائبــة هــي الصــوت وصاحــب الصــوت‪ .‬مــا دام الشــاعر موجــودا ً صوتــه موجــود وصــدى هــذا الصــوت موجــود حتــى بعــد غيــاب الشــاعر ولــه الغلبــة‬ ‫ألن الســوط ال يســتطيع أن يلحــق الصــدى الـ ّدال عــى وجــود الصــوت الــذي مل يخضعــه الســوط‪:‬‬ ‫ ‬ ‫«واركضوا خلف الصدى‬ ‫ما دام يهتف‪ :‬ال أهاب»‬ ‫الح ّيــز الفضــايئ الــذي يحتلّــه الصــدى يتّســع ال ميكــن أن يصلــه الســوط‪ .‬فيــرز ال تشــاكل فضــايئ بــن الكلمتــن‪ .‬وبنــاء عــى هــذا يحمــل‬ ‫الصــدى داللــة التصــدي واالنتشــار يف حــن يحمــل الســوط داللــة االنحبــاس‪ .‬إذن تأثــر الســوط محــي أمــا تأثــر الصــوت والصــدى فيع ـ ّم األرجــاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬حركة تشكل النص والنمط السائد‬ ‫يقســم الصــوت والســوط‪ ،‬بوصفهــا قوتــن مناوئــة إحداهــا لألخــرى‪ ،‬النــص قســمني رئيســن‪ :‬قسـاً يبـ ّـن األســباب التــي دفعــت الشــاعر إىل‬ ‫تب ّنــي الصــوت (‪ .)25-1‬وقسـاً يبـ ّـن جــروت الســوط (‪ .)42-26‬وهــذا يجعــل النــص قامئـاً عــى معركــة بــن الصــوت والســوط‪ .‬لــذا ال بـ ّد مــن حســم‬ ‫املعركــة لصالــح أحدهــا فيــرز قســم ثالــث يكــون مبثابــة إعــان غلبــة الصــوت (‪.)47-43‬‬ ‫يشــكل النــص وقفــة مــع الــذات‪ ،‬وتبــدو موازيــن القــوى متفلتــة مــن قبضــة الشــاعر فيتحــرر مــن ســلطة العقــل‪ ،‬ويعمــد إىل املناجــاة‬ ‫املط ّعمــة بالخيــال ليثبــت يف نهايــة القســم األول حقيقــة ذاتيــة‪ .‬يقــول‪:‬‬ ‫«حتى صليبي ليس يل‪،‬‬ ‫إين له‪،‬‬ ‫حتى العذاب!»‬ ‫ومــع ذلــك ال يبــدو األمــر موقفـاً انفعاليـاً طارئـاً يتّخــذه الشــاعر عــى عجــاىل مــن أمــره‪ .‬إمنــا هــو تقريــر واقــع يعيشــه‪ .‬يســوق الشــاعر مــن‬ ‫بدايــة القســم األول األســباب التــي تربهــن النتيجــة التــي توصــل إليهــا يف نهايتــه‪ .‬فيســود هــذا القســم الحــوار الفــردي مــع اعتــاد النمــط الربهــاين‪.‬‬ ‫يقــدم الشــاعر وصف ـاً ذاتي ـاً بأســلوب الــرط التقريــري أو التمنــي االنفعــايل الــذي ينطــوي عــى الفقــد فتعــادل «لــو كان يل»‪ ،‬الالزمــة التــي ك ّررهــا‬ ‫الشــاعر يف هــذا القســم مثــاين مـرات‪ ،‬إقـراره يف نهايــة هــذا القســم‪« :‬ليــس يل» لتتمثــل مشــكلة الشــاعر الكــرى يف غيــاب امللكيــة فتمــوت أمنياتــه يف‬ ‫مهدهــا ألنــه ال ميلــك‪ :‬ال ميلــك برجـاً وال أرشعــة وال ســاحاً وال فرسـاً وال حقـاً وال محراثـاً وال عــودا ً وال قدمـاً‪.‬‬ ‫لكن ملاذا يعيش الشاعر هذا الفقد؟‬ ‫كيــف ال وهــو مســجون معتقــل ال ميلــك شــيئاً حتــى ذلــك الصليــب الــذي يُجلَــد عليــه والــذي اختلــط دمــه بخشــبه ليــس لــه‪ .‬إمنــا الحــال‬ ‫معكوســة فالصليــب هــو الــذي ميلــك الشــاعر وســيبقى الشــاعر يعيــش عذابــات بــاده مك َّبـاً عــى ذاك الصليــب‪ .‬ال وجــود لــه إال عليــه ألنــه ملــك‬ ‫لذلــك الصليــب لذلــك العــذاب‪ .‬فالشــاعر تب ّنــى هــذا العــذاب ونــذر نفســه لــه‪ .‬إنــه قبــول بالعــذاب بوصفــه وجهـاً مــن وجــوه الصمــود واملقاومــة‪.‬‬ ‫ومــن الجديــر بالذكــر أن الشــاعر ك ـ ّرر الالزمــة «لــو كان يل»‪ .‬وهــذا مــا جعــل هــذا القســم يتش ـكّل مــن وحــدات متداخلــة جعلــت منــه‬ ‫موجــات شــعورية متالحقــة دافقــة تنطلــق مــن مــكان واحــد لتســتقر كل واحــدة منهــا يف مــدى يتجــاوز املــدى الــذي وصلتــه ســابقتها‪ .‬وميكــن تقســيم‬ ‫هــذه الوحــدات كاآليت‪:‬‬ ‫الحركة األوىل (‪ )3-1‬مت ّني السيطرة عىل السحاب‪.‬‬ ‫الحركة الثانية (‪ )6-4‬مت ّني السيطرة عىل املوج واإلعصار‪.‬‬ ‫الحركة الثالثة (‪ )9-7‬مت ّني غرس الراية فوق الشمس‪.‬‬ ‫الحركة الرابعة (‪ )12-10‬متني إطالق العنان لفرسه‪.‬‬ ‫‪ 13‬‬

‫الحركة الخامسة (‪ )15-13‬متني زرع األرض شعرا ً وح ّباً‪.‬‬ ‫‪ -‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬شعرية القصيدة قصيدة الشعرية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املنتخب العريب‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص ‪.245‬‬


‫مبســط لأللفــاظ الصعبــة التــي يحتويهــا النــص أو مــن خــال نــر األبيــات الشــعرية‪ .‬إمنــا ســنعمد إىل الغــوص‬ ‫لــن يتــم ذلــك مــن خــال رشح لغــوي ّ‬ ‫يف أغــوار هــذا النــص والعنايــة بجزئياتــه وتفكيكهــا وتحليلهــا ومــن ث ـ ّم إعــادة تركيبهــا الكتنــاه أرسار جامليــة النــص الكل ّيــة‪ .‬أل ّن تعاملنــا مــع النــص‬ ‫ســيكون بصفتــه بنــاء متكامـاً ت ُب َنــى داللتــة بتشــابك الجزئيــات وترابطهــا وتداخلهــا ليتكـ ّون منهــا عمــا كامـاً ال ميكــن فصــل أجزائــه املرتابــط بعضهــا‬ ‫ببعضهــا اآلخــر‪ .‬وقــد اقتضــت القـراءة أن تُ ثَّــل تحــت ســت زوايــا‪:‬‬ ‫ ‪-‬قراءة تشاكلية سيامئية للعنوان‪.‬‬ ‫ ‪-‬دراسة إيقاعية للنص‪.‬‬ ‫ ‪-‬دراسة حيادية النظام اللغوي‪.‬‬ ‫ ‪-‬دراسة العالقات يف النص‪.‬‬ ‫ ‪-‬قراءة الشيفرات الثقافية والرموز‪.‬‬ ‫ ‪-‬النص والعامل وااليديولوجيا‪.‬‬ ‫‪1-‬‬

‫‪1‬سيامئية العنوان‬

‫ ‪2-‬‬

‫أول ما يطالعنا يف العنوان «ص ْوت وس ْوط» أنه مشتمل عىل شبكة من العالقات األلسنية والسيامئية‪:‬‬ ‫‪ -1-1‬يلحــظ القــارىء تشــاكالً بــن جــزيئ هــذه الوحــدة مــن الناحيــة النحويــة واملورفولوجيــة والرصفيــة واللفظيــة واملجازيــة‪ .‬وتشــكل هاتــان الكلمتــان‬ ‫جناسـاً غــر تــام يُلتَبــس مــن الناحيــة الســمعية بالحنــاس التــام‪.‬‬ ‫يتجســد يف أ ّن كالهــا يحــدث ضجــة وأثـرا ً ســمعياً‪ .‬فالصــوت هــو «األثــر الســمعي الــذي تحدثــه متوجــات ناشــئة‬ ‫‪ -2-1‬ميكننــا أن نتل ّمــس تشــاكالً آخــر ّ‬ ‫(‪)8‬‬ ‫رب بهــا مــن جلــد»(‪ )9‬إذن للصــوت والســوط أثــر فيزيــايئ ومــن ثــم‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫«م‬ ‫ـوط‬ ‫ـ‬ ‫والس‬ ‫‪.‬‬ ‫ـاء»‬ ‫ـ‬ ‫الغن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫رضب‬ ‫عــن اهتـزاز جســم مــا»(‪ ،)7‬أو هــو «كل‬ ‫ُ َ‬ ‫أثــر نفــي‪.‬‬ ‫كل منهــا إىل اإلنســان‪ .‬إذا عددنــا الصــوت «صــوت اإلنســان وغــره»(‪ )10‬يكــون مصــدره اللســان الــذي هــو جــزء مــن‬ ‫‪ -3-1‬يــرز تشــاكل آخــر إذ ينتمــي ٌّ‬ ‫الجســم وهــو جــزء مــن الجســم البــري يف هــذا النــص‪ .‬وكذلــك الحــال بالنســبة إىل الســوط‪ .‬فــإذا تبن ّينــا ســبب تســميته‪« :‬وسـ ّمي الســوط ســوطاً‬ ‫ألنــه إذا ســيط بــه إنســان أو دابــة ُخلِــط الــدم باللحــم»(‪ .)11‬والــدم واللحــم ال يكونــان إال يف جســم والســوط يف هــذه القصيــدة ســيط بــه الجســم‬ ‫اإلنســاين‪.‬‬ ‫‪ -4-1‬ميكــن أن نلحــظ عالقــة علــة بينهــا فيكــون الصــوت ســبب الســوط أو العكــس‪ .‬فالصــوت تعبــر عــن دور للمتكلــم ووظيفــة تجعــل لــه دورا ً‬ ‫فاعـاً تخرجــه مــن دائــرة الخنــوع والضعــف والصمــت واالحبــاط والقبــول واالستســام والرضــوخ‪ .‬هــذا الصــوت املدافــع عــن األرض والحريــة املــيء‬ ‫بالقــوة والتفــاؤل الــذي يســتخدمه الفلســطيني أو الــذي يهتــف بــه الشــاعر يف هــذا النــص هــو نتيجــة للســوط الصهيــوين الظــامل القاتــل الغــادر‪.‬أو‬ ‫قــد يكــون الســوط نتيجــة للصــوت فيســتعمل الصهيــوين الســوط ضــد كل مــن يناوئــه برأيــه‪ .‬وهــذا مــا يُــرز ثقافتــن‪ :‬إحداهــا مناونــة لألخــرى‪ .‬ثقافــة‬ ‫والتمســك بالحــق والدفــاع عنــه ورشعــة الحقــوق اإلنســانية‪ .‬وثقافــة الســوط املبنيــة عــى القمــع واالضطهــاد والتعذيــب‬ ‫الصــوت التــي متثــل املقاومــة‬ ‫ّ‬ ‫والقتــل‪.‬‬ ‫وهكــذا يضعنــا هــذا العنــوان أمــام ثنائيــة متباينــة وهــي الصــوت ≠ الســوط فيختــزل العنــوان رصاع أمــة ضــد العــدو‪ .‬الصــوت وســيلة‬ ‫تعبــر يســتخدمها املظلــوم‪ ،‬والســوط وســيلة قمــع يســتخدمها الظــامل‪ .‬وميثــل العنــوان بعــدا ً رمزيـاً اســتعارياً يكشــف دالالت النــص فيخــرج الصــوت‬ ‫مــن هويتــه االصليــة (مــا يســمع) ليتلبّــس هويــة فنيــة ال تختــر تجربــة الشــاعر فحســب لكنهــا تختــر تجربــة األمــة وهــي تحــاول رفــع الصــوت‬ ‫يف وجــه الســوط الــذي ميثــل العــدو الصهيــوين‪ .‬أو قــد يتلبــس الصــوت هويــة الشــاعر القــادر عــى مقاومــة جــروت املحتــل والصــدح بأشــعار تبــثّ‬ ‫الحامســة يف نفــوس املقاومــن فيتســاوى الشــاعر واملقــاوم يف مواجهــة العــدو مــع اختــاف أســلحتهام وبخاصــة شــعر محمــود درويــش القائــل‪:‬‬ ‫«أطعمت للريح أبيايت وزخرفها ‬ ‫إن مل تكن كسيوف النار‪ ..‬قافيتي»‬

‫(‪)12‬‬

‫ص ‪.88 – 86‬‬ ‫ معجم اللغة العربية‪ ،‬املعجم الوجيز‪ ،‬ايران‪ :‬منشورات دار الثقافة‪ ،1999 ،‬ص ‪.373‬‬‫‪ 7‬‬ ‫ ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬باب ت‪ ،‬فصل ص‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ص ‪.58‬‬‫‪ 8‬‬ ‫ مجمع اللغة العربية‪ ،‬املعجم الوجيز‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.328‬‬‫‪ 9‬‬ ‫ ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬بات ت‪ ،‬فصل ص‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬‫‪ 10‬‬ ‫ املصدر نفسه‪ ،‬باب ط‪ ،‬فصل س‪ ،‬ص ‪.326‬‬‫‪ 11‬‬ ‫ محمود درويش ‪ ،‬ديوان محمود درويش‪ ،‬املجلّد األول‪ ،‬أوراق الزيتون (والء)‪ ،‬دار العوده ط‪ ،1994 ،14‬ص‪.9‬‬‫‪ 12‬‬


‫ويعنــي هــذا أن اإليقــاع األســاس يف النــص قائــم عــى النفــس الطويــل‪ .‬وهــذا يناســب موضــوع النــص «صــوت وســوط»‪ .‬فقــد اختــار الشــاعر‬ ‫النســق الــذي ميتــاز بالبــطء ألنــه ميثــل الواقــع الفلســطيني أو واقــع الشــاعر يف الســجن حيــث يُسـتَقوى فيــه منــاخ االستســام ألنــه واقــع قائــم عــى‬ ‫التعذيــب فيغــدو االستســام الطريــق األرسع واألســهل للتخلــص مــن العــذاب‪ .‬إال أن الشــاعر الــذي رفــع الصــوت عاليـاً واختــار الصمــود عنوانـاً لنضالــه‬ ‫والــذي عــرف كيــف يواجــه الســوط بالصــوت عكــس ذلــك يف إيقاعــه‪ .‬لقــد قــاوم الشــاعر االيقــاع الرسيــع الــذي يرافــق االستســام بالتبطــيء الــذي‬ ‫ح ّفــزه الصمــود‪ .‬وتبــدو مقاومــة الشــاعر لاليقــاع الرسيــع يف (متفاعلــن) القائــم عــى نســبة ‪ 3‬إىل ‪ 1‬لصالــح الرسعــة واضحــة وهادفــة مــن خــال‬ ‫اســتخدام الجــوازات كــا ســبق وذكرنــا وبخاصــة مســتفعلن ومســتفعالن‪.‬‬ ‫وقــد ورد النســق متفاعلــن مــع ثــاث جــوازات وهــذا التعــ ّدد يف عــدد األنســاق يــدل عــى عــدم تأقلــم الشــاعر مــع الوضــع القائــم‬ ‫ومقاومتــه ورفضــه إيّــاه‪ .‬فالشــاعر مســجون ولك ـ ّن روحــه التّ ّواقــة إىل الحريــة الرافضــة االستســام لقضبــان الســجن تنشــد التغيــر وإن كان مــداه‬ ‫بعيــدا ً ودربــه شــائكة‪ .‬ولــن يكــون هــذا التغيــر إال بالصمــود واملقاومــة وعــدم االستســام‪ .‬لــذا اســتخدم الشــاعر النســق الــذي يســهم يف تبطــيء رسعــة‬ ‫االنهيــار واالستســام‪ .‬وهــذا يطابــق الواقــع املرجــع فاالستســام‪ /‬االنهيــار ســهل رسيــع بينــا الصمــود بطــيء صعــب يحتــاج إىل قــوة اإلرادة ومــرور‬ ‫الوقــت حتــى يثبــت‪.‬‬ ‫وقــد مثّــل العنــوان «صــوت وســوط» داللــة إيقاعيــة فالصــوت الــذي ميثّــل الصمــود واملقاومــة والعبــور نحــو الحريــة ومناهضــة االحتــال‬ ‫متصــل بالبــطء‪ ،‬والســوط الــذي ميثّــل االســتعباد واالســتبداد والقهــر والظلــم متصــل بالرسعــة‪.‬‬ ‫وتــأيت دراســة املقاطــع لتدعــم مــا ســبق ولتح ـ ّدد بشــكل أكــر وضوح ـاً معــامل ال ـراع بــن الرسعــة والبــطء‪ ،‬االستســام والصمــود‪ .‬فعــدد‬ ‫املقاطــع الطويلــة يف النــص بأكملــه ‪ 217‬مقطعـاً‪ ،‬يُضــاف إليهــا التثقيــل النوعــي الــذي تحدثــه املقاطــع الزائــدة الطــول البالغــة ‪ 19‬مقطعـاً‪ .‬وهــذا مــا‬ ‫يجعلهــا حــواىل ضعــف ونصــف عــدد املقاطــع القصــرة ‪ 147‬مقطعـاً تقريبـاً‪ .‬وإذا اعتمدنــا النســبة املئويــة لعــدد املقاطــع تكــون كاآليت‪ :‬تبلــغ نســبة‬ ‫املقاطــع الطويلــة والزائــدة الطــول ‪ %62‬يف حــن تبلــغ نســبة املقاطــع القصــرة ‪ .%38‬ومــن يتت ّبــع االيقاعيــة املقطعيــة يف أقســام النــص يجــد أن هيمنــة‬ ‫املقاطــع الطويلــة التــي تعمــل عــى تبطــيء الرسعــة قامئــة يف جميــع أجـزاء النــص تقريبـاً‪.‬‬ ‫وهــذا نجــاح ملمــوس لصالــح مناخــي البــطء والصمــود والتصــدي داخــل النــص‪ .‬فــروز الصــوت وتحولــه إىل صــدى دائــم يهتــف «ال أهــاب»‬ ‫يرفــع نســبة املقاطــع الطويلــة مــن ‪ %51‬يف القســم الثــاين إىل ‪ %56‬يف القســم الثالــث‪ .‬وهــذا يؤكّــد متســك الشــاعر بالنــر أو بــروز مقاومــة مــن نــوع‬ ‫آخــر غــر قامئــة عــى الســاح أو بعــدم االستســام‪ .‬لــذا تســتمر الســيطرة لإليقــاع البطــيء وذلــك ألن الشــاعر يحــاول أن يقــاوم رسعــة االستســام‬ ‫املتمثلــة باعتــاد النســق متفاعلــن بتبطــيء طريقــه وإلغائــه مــن خــال الصمــود املتمثــل باعتــاد الجــواز مســتفعلن وســيطرة املقاطــع الطويلــة كــا‬ ‫بيّنــا يف مــا ســبق‪.‬‬ ‫‪ -2-3‬االيقاع النربي‪:‬‬ ‫يبلــغ عــدد النــر يف النــص ‪ .89‬عــدد النــر األحــادي ‪ ،23‬وعــدد النــر الثنــايئ ‪ 56‬والنــر الثــايث ‪ .10‬وتحويــل هــذه األرقــام إىل نســب مئويــة‬ ‫تكــون كاآليت‪ :‬نســبة النــر األحــادي ‪ ،%26‬والثنــايئ ‪ %63‬والثــايث ‪.%11‬‬ ‫ويشــر هــذا التوزيــع إىل دور تبطيئــي واضــح يقــوم بــه الن ـران الثنــايئ والثــايث‪ .‬ولعـ ّـل هــذا الحضــور التثقيــي للنــر عائــد إىل مقاومــة‬ ‫الشــاعر وصمــوده ورفضــه لالستســام واالنهيــار الرسيــع الــذي يدفــع العــدو الشــاعر تجاهــه وخصوصـاً أ ّن األخــر ال حــول لــه وال قــوة إال صوتــه‪ .‬وهــذا‬ ‫رع االستســام‪.‬‬ ‫الصمــود يســتدعي نفــس طويــل مــن الشــاعر يبطــىء الواقــع الــذي تتجـ ّـى فيــه اإلغـراءات التــي تـ ّ‬ ‫ـدن نســبة النــر اآلحــادي ويبقــى النـران الثنــايئ والثــايث مســيطرين ألن الصمــود‬ ‫ومــع إرصار الشــاعر عــى الصمــود يف القســم الثالــث تتـ ّ‬ ‫الــذي أعلنــه الشــاعر والــذي يتمثــل بالصــوت وصــداه رافقــه تثقيــل نــري يبطــىء مــن االنهيــار الرسيــع الــذي يرافــق االستســام فــا يأبــه الشــاعر‬ ‫ـيحل بــه‪:‬‬ ‫للعــذاب الــذي سـ ّ‬ ‫«فلتجلدوه إذا استطعتم»‬ ‫ويبلغ هذا العصيان ح ّده عندما يعلن تو ّحده مع العذاب الذي يع ّزز الصمود‪:‬‬ ‫«إين له‬ ‫حتى العذاب»‬ ‫الطويلــة ‪.‬‬

‫وهكــذا يالحــظ أن الــدور التبطيئــي التثقيــي الــذي يقــوم بــه النـران الثنــايئ والثــايث يؤيّــد الــدور التبطيئــي الــذي كانــت تقــوم بــه املقاطــع‬ ‫‪ -3-3‬االيقاع التنغيمي‪:‬‬ ‫تكرر النداء يف النص مرتني‪:‬‬ ‫«يا سيدايت‪ ..‬ساديت!‬ ‫يا شامخني عىل الحراب!»‬


‫الحركة السادسة (‪ )18-16‬متني تسلية الصحاب‪.‬‬ ‫الحركة السابعة (‪ )21-19‬متني مصارعة املوت‪.‬‬ ‫الحركة الثامنة (‪ )22‬متنيات مفتوحة ميتة يف مهدها‪.‬‬ ‫الحركة التاسعة (‪ )25-23‬اإلقرار بقبول العذاب‪.‬‬ ‫ولّــدت املناجــاة يف القســم األول التــي اختُ ِتمــت بصمــود الشــاعر حــوارا ً ثنائيـاً يف القســم الثــاين‪ .‬يصيــح اآلخــر‪ /‬الجــاد‪ /‬القــايض بالشــاعر‬ ‫متعجبـاً مــن عــدم استســامه عــى الرغــم مــن اإلحبــاط الــذي يغلّــف ســعيه فينــري الشــاعر ويصــف الوضــع الراهــن‪:‬‬ ‫« الساق تقطع‪ ..‬والرقاب‬ ‫والقلب يطفأ – لو أردتم –‬ ‫والسحاب‪..‬‬ ‫مييش عىل أقدامكم»‬ ‫وهــذا الوصــف ليــس وصفـاً ثابتـاً‪ .‬إمنــا هــو وصــف الحــدث الــذي يبغــي الشــاعر مــن خاللــه خلــق قــوة داخليــة تــؤدي إىل ن ّديــة عســكرية‬ ‫تســهم يف إيجــاد تــوازن قــوى‪ .‬إ ّن إجـرام العــدو وقتلــه وإرهابــه يخرجــه مــن دائــرة الفعــل ليتحـ ّول صــوت الشــاعر إىل دائــرة الفعــل‪« :‬لكــن صــويت‬ ‫صــاح يومـاً‪ :‬ال أهــاب»‬ ‫فيعجز العدو مع كل قوته أن يسيطر عليه‪ ،‬ويتحول العدو إىل دائرة االنفعال غري املجدي‪:‬‬ ‫ ‬ ‫«فلتجلدوه إذا استطعتم‬ ‫واركضوا خلف الصدى»‬ ‫ويُال َحــظ أن مــا يلفــت االنتبــاه يف هــذا النــص تــد ّرج العناويــن تصاعديـاً يف القســم األول ومــن ثـ ّم ارتباطهــا تسلســلياً بالعناويــن يف القســم‬ ‫الثــاين فتتشــكل حركــة رسديــة ضمنيــة متامســكة قامئــة عــى ســببية يعقدهــا تــوايل األحــداث‪ .‬إن التمنــي الــذي بــاء باإلخفــاق يف القســم األول مل يـ ِن‬ ‫الشــاعر عــن عزمــه بــل دفعــه إىل قبــول العــذاب يف ســبيل الوطــن ‪ .‬بتحــول هــذا اإلرصار عــى الصمــود يف القســم الثــاين إىل صــوت ثــم صــدى ميــأ‬ ‫البــاد كالهامــة ترفــرف فــوق الضحايــا تذكّــر القاتــل بــإرصار الضحيــة عــى األخــذ بالثــأر‪.‬‬ ‫وهــذا يعنــي أن الثنائيــة األساســية التــي تحكــم النــص هــي ثنائيــة (الصمــود‪ /‬االستســام)‪ .‬فالـراع األســايس عــى صعيــد البنيــة الدالليــة‬ ‫الكــرى للقصيــدة قائــم بــن الشــعب الفلســطيني املتمســك بالقضيــة الفلســطينية ممثـاً بالشــاعر الــذي ال ميلــك إال صوتــه يهتــف بوســاطته احتجاجــه‬ ‫ومقاومتــه والعــدو الصهيــوين املغتصــب لــأرض الــذي ميلــك كل مقومــات اإلرهــاب وإخضــاع اآلخــر‪:‬‬ ‫« والعني تُسمل‪ ،‬والهضاب‬ ‫تنهار لو صحتم بها»‬ ‫ولكــن اختتــام النــص بالصــوت يهتــف «ال أهــاب» داللــة واضحــة عــى إميــان الشــاعر بقــوة ذلــك الصــوت الــذي ســيتحول إىل صــدى ميــأ‬ ‫الفضــاء معلنـاً الصمــود الــذي ســيؤدي إىل االنبعــاث‪.‬‬ ‫‪3-‬‬

‫‪3‬دور االيقاع البنايئ‬

‫ ‪4-‬‬

‫يتوزّع اإليقاع عىل ثالثة مستويات‪ :‬املستوى املقطعي‪ ،‬واملستوى النربي واملستوى التنغيمي‪.‬‬ ‫‪ -1-3‬اإليقاع املقطعي‪:‬‬ ‫شــكل النســق (متفاعلــن ‪ ،)○⁄⁄○⁄⁄⁄‬تفعيلــة بحــر الكامــل خيــار الشــاعر لبنــاء إيقاعيــة نصــه‪ .‬ويبــدأ هــذا العمــق اإليقاعــي مبقطعــن‬ ‫قصرييــن لينتقــل إىل مقطــع طويــل فمقطــع قصــر فمقطــع طويــل‪ .‬وإذا جــاء املقطــع القصــر الرسيــع ليمثــل الســوط الــذي ميثــل االستســام واالنهيــار‬ ‫فــإ ّن إعتــاد الشــاعر النســق (مســتفعلن ‪ )○⁄⁄○⁄○⁄‬جــواز بحــر الكامــل بنســبة ‪ %57‬مــن األنســاق يف النــص و (مســتفعالن ‪ )○○⁄⁄○⁄○⁄‬بنســبة ‪%10‬‬ ‫يحســم الـراع مــن الناحيــة اإليقاعيــة ومبــا ميثلــه مــن الناحيــة املرجعيــة لصالــح البــطء ‪.‬‬


‫ورد التكـرار يف هــذا النــص‪ ،‬وتعـ ّددت وجوهــه بــن تكـرار الالزمــة يف القســم األول «لــو كان يل» وتكـرار الــروي «اب» يف عــدة كلــات‪ ،‬وتكرار‬ ‫الجمــل الرشطيــة‪ ،‬إضافــة إىل تكـرار كلمــة قامئــة يف ســياق العبارة‪.‬‬ ‫والتكـرار ال يســلط النظــر عــى الداللــة املعجميــة للكلمــة املكـ ّررة أو غــر املعجميــة بقــدر مــا يسـلّطه عــى مــا يحملــه التكـرار نفســه مــن‬ ‫داللــة‪« .‬فالتكـرار وســيلة يلجــأ إليهــا املتكلــم لغايــات متنوعــة إمــا للتعبــر عــن هــم وحاجــة متعلقــن بالكلمــة املكـ ّررة‪ ،‬وإمــا للتلـذّذ‪ ،‬أو التعظيــم‪،‬‬ ‫(‪)15‬‬ ‫أو مــا شــاكل ذلــك»‪.‬‬ ‫فام غاية التكرار يف النص الذي بني أيدينا وما دالالته؟‬ ‫أ ّدى تكـرار الالزمــة «لــو كان يل» مثــاين مـرات‪ ،‬وردت مــرة واحــدة «لــو كان عنــدي» إىل خلــق فضــاء داليل يـ ّ‬ ‫ـدل عــى رغبــة الشــاعر يف تحقيــق‬ ‫أمـ ٍر مــا‪ ،‬ولكــن مــا مينعــه يتمثــل بعــدم امللكيــة‪ .‬إذن يقـ ّدم هــذا التكـرار داللــة العجــز والفقد‪.‬‬ ‫تشــر عبــارة «لــو كان يل» اىل رغبــة غــر مرتبطــة بفعــل ولكــن تذييــل التمنــي واالش ـراط بإق ـرار الشــاعر أن يصــر الشــاعر جــزءا ً مــن‬ ‫الصليــب (رمــز العــذاب) وأن يتامهــى معــه‪:‬‬ ‫«حتى صليبي ليس يل‪،‬‬ ‫إين له‬ ‫حتى العذاب»‬ ‫ينقلــه مــن دائــرة الرغبــة إىل دائــرة الفعــل ويجعــل النــص الشــعري الــذي بــن أيدينــا مفتوحـاً فيقـ ّدم التكـرار أهميــة أو داللــة كــرى تســاوي‬ ‫داللــة النــص‪ .‬فــا الفقــد الــذي يعــاين منــه الشــاعر والــذي ســلط التكـرار «لــو كان يل» عليــه الضــوء؟‬ ‫يُال َحــظ أن مــا يذكــره الشــاعر مــن أمــور يفقدهــا ويتم ّنــى امتالكهــا مرتبــط باملــكان وبأشــيائه فهــو يفتقــد األرض والســاء والبحــر والـراب‬ ‫الهضــاب‪ .‬فالشــاعر عــى مــا يبــدو يفقــد املــكان الــذي يؤمــن لــه الراحــة والطأمنينــة لذلــك هــو يف حــال متــنٍ واشـراط صعــب املنــال والتحقــق‪ .‬فهــل‬ ‫تش ـكّل األشــياء التــي يفقدهــا الشــاعر ويتمنــى امتالكهــا كنايــة عــن الوطــن املفقــود؟ وبنــاء عــى هــذا تتش ـكّل يف القســم األول مــن النــص كلمــة‬ ‫«لــو كان يل»‪.‬‬ ‫مفتاحيــة غائبــة هــي الوطــن أبرزهــا إىل الوجــود الضمنــي تكـرار الالزمــة‬ ‫يدفــع تكـرار «لــو كان يل» يف القســم األول القــارىء إىل البحــث عــن داللــة تكـرار الجمــل الرشطيــة يف القســم الثــاين مــن النــص «لــو أردتــم‬ ‫– لــو صحتــم – إن جـ َّـف – إذا أردتــم – لــو شــئتم»‪ .‬يرتبــط التكـرار يف القســم األول بالعجــز يف حــن يحمــل التكـرار يف القســم الثــاين داللــة القــدرة‬ ‫الهائلــة التــي يتمتــع بهــا العــدو‪.‬‬ ‫هــذا التمـ ّزق بــن جاذب ّيتــن‪ :‬قــوة العــدو وضعــف الشــاعر وضعــف شــعبه يخلــق فضــاء دالليـاً ميثلــه التكـرار املتمثــل بـــ»ال أهــاب» ثــاث‬ ‫م ـرات‪ .‬ال تدفــع قــوة العــدو الشــاعر إىل الرضــوخ واالستســام إمنــا تجعلــه أكــر صمــودا ً وإرصارا ً عــى املقاومــة‪ :‬هــذا االرصار الــذي يبيّنــه تك ـرار «ال‬ ‫أهــاب» يحمــل داللــة اليقــن باالنتصــار وبعــودة الحــق إىل أصحابــه وبعــدم نســيان القضيــة‪.‬‬ ‫كــا يحمــل هــذا التكـرار الــذي انتهــى بــه النــص إضافــة إىل إرصار الشــاعر عــى املقاومــة تهديــد ووعيــد للعــدو فيحمــل الــرط الــذي ورد‬ ‫يف القســم الثالــث مــن النــص‪« :‬فلتجلــدوه إذا اســتطعتم» انتفــاء املقــدرة فالعــدو الــذي يهيمــن ويســيطر وتكــر مقدرتــه لتتعلــق باملســتحيل» والغراب‬ ‫لــو شــئتم يف الليــل شــاب» لــن يتمكــن مــن كــم فــم الشــاعر‪ .‬فالنــر هــو املــآل وإن مل يخـ ُـل األمــر مــن كــرة العــذاب‪ ،‬وتقديــم التضحيــات واستســهال‬ ‫املــوت والســعي إليــه وهــذا داللــة تكـرار «مشــيت»‪.‬‬ ‫وهكــذا يُالحــظ أن الــرط الــذي ورد يف النــص يحمــل معنــى التضــاد بــن أقســام النــص فالجمــل الرشطيــة يف القســمني األول واألخــر تحمــل‬ ‫معنــى عــدم القــدرة‪ .‬يف حــن تحمــل معنــى القــدرة يف القســم الثــاين‪.‬‬ ‫وال ينهــض التك ـرار والتضــاد وحدهــا بوظيفــة تحييــد النظــام املعجمــي الــذي تقيمــه لغــة مــن اللغــات‪ .‬شــارك يف هــذا النهــوض نظــام‬ ‫الـرادف حــن يــأيت الشــاعر بكلــات ال تـرادف بينهــا ليدخلهــا دائــرة الـرادف‪ .‬فالكلــات (حبســت – أطفــأت – أخــذت – ن ّومــت) نجدهــا قــد صــارت‬ ‫مرتادفــة‪ .‬ومــا كان لهــذا الـرادف أن يخــرج عــى ســلطة اللغــة لــو مل يتأســس عــى عمــق إحباطــي مكــن ســببه عــدم قــدرة الشــعب الفلســطيني يف‬ ‫مواجهــة العــدو الصهيــوين‪.‬‬ ‫مقابــل هــذا اإلحبــاط هنــاك ثقــة الشــاعر بنفســه التــي أ ّدت أيض ـاً إىل خــروج التضــاد عــى ســلطة اللغــة‪ .‬فالعبارتــان «تركــت عنانهــا»‬ ‫«ولجمــت حــوذي الريــاح» قــد خرجتــا عــن البعــد التناقــي الــذي كان قامئ ـاً يف حياتهــا اللغويــة لتصبحــا مرتادفتــن‪.‬‬ ‫تقل الحقول الداللية التي توضّ عت يف هذا النص من تقديم داللة سيامئية عن كل من التكرار والتضاد والرتادف‪.‬‬ ‫وال ّ‬ ‫تتجل يف هذا النص عدة حقول داللية‪ .‬منها‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫جف – النيل – يسكب – الفرات – رشاب)‪.‬‬ ‫املاء (الربق – السامء – البحر – أرشعة – املوج – اإلعصار – العباب – ّ‬ ‫‪ 15‬‬

‫‪ -‬عيل زيتون ‪ ،‬النص الشعري املقاوم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.236‬‬


‫وورد م ّرة مع االستفهام‪:‬‬ ‫«ماذا تبقّى أيها املحكوم؟»‬ ‫الذي تك ّرر ليتضمن معنى االنكار واالستهجان‪:‬‬ ‫«وتهتف‪ :‬ال أهاب؟!»‬ ‫وكذلك تكرر األمر‪:‬‬ ‫«فلتجلدوه إذا استطعتم‬ ‫واركضوا خلف الصدى»‬ ‫وبذلــك يكــون عــدد الجمــل االنشــائية يف النــص ســتة‪ .‬وقــد ورد يف النــص مثــاين جمــلٍ تبــدأ بـ»لــو كان يل»‪ .‬وهــي يف معظمهــا جمــل مركبــة‬ ‫طويلــة‪ .‬ميكننــا أن نعدهــا إنشــائية أو خربيــة يف آن‪ .‬إن عددناهــا إنشــائية تدخــل يف بــاب التمنــي‪ .‬وإن عددناهــا خربيــة تدخــل يف بــاب النفــي وتقريــر‬ ‫واقــع يعيشــه الشــاعر‪ .‬وإننــا منيــل إىل املوقــف الثــاين‪ .‬تتضمــن الجمــل الرشطيــة التــي تحمــل معنــى التمنــي ظاهريـاً معنــى ضمنيّـاً يبيّنــه الشــاعر‬ ‫يف قولــه‪:‬‬ ‫«حتى صليبي ليس يل» فتتض ّمن «لو كان يل» املكررة يف القسم األ ّول معنى «ليس»‪.‬‬ ‫إذن هي جمل خربية رشطية وكذلك الحال مع باقي جمل النص فكلها خربية‪.‬‬ ‫ويعنــي هــذا أن النغــم الــذي يرتبــط بصياغــة التجربــة هــو الــذي يطبــع تنغيمــة النــص بطابعــه؛ ألن حضــوره متفـ ّوق عــى حضــور النغــم‬ ‫الــذي يصحــب التعبــر عــن االنفعــال‪ .‬وإن كانــت وظيفــة الجمــل الخربيــة صياغــة التجربــة الوجدانيــة فــإن وظيفــة الجمــل اإلنشــائية التعبــر عــن‬ ‫االنفعــال الــذي ينتــاب الشــاعر‪ .‬يـ ّ‬ ‫ـدل الســؤال الــذي ابتــدأ بــه القســم الثــاين والــذي أوردناهــا يف بدايــة هــذا املقطــع عــى اســتهجان الســائل وانفعالــه‬ ‫وتعجبــه مــن صمــود الشــاعر ومتســكه مبوقفــه مــع كل العــذاب الــذي يعانيــه والضيــق الــذي يعيشــه‪.‬‬ ‫الذات‪.‬‬

‫كــا أ ّن النــداء الــذي ســبق وأثبتنــاه أيضـاً فإنّــه يعـ ّـر عــن العاطفــة الجياشــة التــي وجــدت متنفسـاً لهــا فانــرت لتقــص مــا يعتمــر يف داخــل‬

‫أمــا الجمــل األمريــة التــي وردت يف نهايــة النــص فتــأيت نتيجــة االنفعــال الــذي بلــغ ذروتــه عنــد الشــاعر فصــار يعيــش يف عــامل خــاص هــو‬ ‫سـيّده‪ .‬أو تــدل عــى عمــق األمل الــذي يعيشــه كأنــه يقــول‪ :‬أمل يكفكــم مــا فعلتــم‪ .‬مل يبــق إال صــويت فافعلــوا بــه مــا تشــاؤون لكنكــم لــن تســتطيعوا‬ ‫منعــه مــن التعبــر عــن حبــه لوطنــه ودفاعــه عنــه‪.‬‬ ‫ومــا يجــدر ذكــره غيــاب االســتفهام بالهمــزة أو هــل عــن النــص‪ ،‬فهــل يعنــي غيــاب النغــم الصاعــد عــن أي ســطر مــن ســطور القصيــدة‬ ‫ســيادة النغــم الهابــط مــع نهايــات الســطور؟ يتكــرر الضمــن اثنتــي عــرة مــرة‪ ،‬يعنــي أننــا‪ ،‬اثنتــي عــرة مــرة ســنكون خاضعــن لفعــل التجــاذب بــن‬ ‫التنغيــم الهابــط الــذي توحــي بــه النهايــات‪ ،‬والتنغيــم املســتوي الــذي يفرضــه التضمــن‪ .‬فــإذا أضفنــا إىل ذلــك التضمــن العكــي الــذي تكــرر ثــاث‬ ‫مـرات‪ ،‬والتدويــر اإليقاعــي الــذي تكــرر تســع عــرة مــرة أدركنــا أن الشــاعر مييــل بقصيدتــه هــذه لتكــون دائــرة مكتملــة‪ ،‬جملــة واحــدة‪« .‬ويُشـكّل‬ ‫هــذا األمــر املعلــم األســايس مــن معــامل حركــة الحداثــة وصــوالً إىل القصيــدة (الرؤيــا)‪ .‬ويبقــى أن القصيــدة الجملــة الواحــدة تؤمــن تنغيـاً مســتوياً‬ ‫(‪)14‬‬ ‫كل ســطر يطــال النــص بأكملــه فيتســاوق التنغيــم مــع الحقيقــة التــي تقــوم عليهــا القصيــدة الحديثــة»‬ ‫مشــوباً بالتوتــر مــع نهايــة ّ‬ ‫ولقــد ن ـ ّوع الشــاعر الــروي وأكــر منــه حتــى بلغــت الســطور املنتهيــة بــه تســعة وعرشيــن ســطرا ً‪ .‬تكــرر الــروي «اليــاء» ســت م ـرات‪.‬‬ ‫والــروي «امليــم» أربــع مـرات‪ .‬والبــاء الســاكنة املســبوقة بألــف املــد تســع عــرة مــرة‪ .‬وقــد تدخــل الــروي األخــر يف تحديــد بنيــة النســق املوجــود يف‬ ‫آخــر كل ســطر‪ .‬فهنــاك عــرون نســقاً عــى وزن مســتفعالن ومتفاعــان‪ .‬ويعـ ّـر هــذا النســق عــن الســكون الــذي تــؤول إليــه أي حركــة‪ .‬لذلــك ســيطر‬ ‫االيقــاع البطــيء عــى النــص تعبـرا ً عــن الصمــود الــذي انتهــى بــه القســم األول والقســم األخــر مــن النــص‪.‬‬ ‫وهكذا فإن موسيقية هذا النص موسيقية موظفة يف إنتاج الداللة التي أراد الشاعر إيصالها‪.‬‬ ‫‪ -4‬حيادية النظام اللغوي‬ ‫يتناول هذا املبحث حيادية النظام اللغوي من خالل املستويات املتعددة املعجمي والرصيف والنحوي‪.‬‬ ‫‪ -1-4‬حيادية النظام املعجمي‪:‬‬ ‫كل ســطوره انطالقـاً مــن العنــوان وانتهــاء بالخامتــة‪ .‬وإن كنــا قــد‬ ‫النــص موغــل يف الشــعرية لــذا تقــوى الحياديّــة فيــه وتتجــى مظاهرهــا يف ّ‬ ‫تط ّرقنــا إىل العنــوان يف مبحــث ســابق فاننــا ســنعمد يف هــذا املبحــث إىل دراســة حياديــة النظــام املعجمــي مــن خــال دراســة عــدة ظواهــر معجميــة‬ ‫كالتكـرار والـرادف والتضــاد‪ ،‬والحقــول الدالليــة وبيــان فرادتهــا وجاملياتهــا وأدبيتهــا‪.‬‬ ‫‪ 14‬‬

‫‪ -‬عيل زيتون ‪ ،‬النص الشعري املقاوم يف لبنان البنية والداللة‪ ،‬بريوت‪ :‬اتحاد الكتاب اللبنانيني‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ص ‪.170‬‬


‫يــرز يف النــص وجــود كثيــف للكلــات املعرفــة ســواء تلــك املعرفــة بــآل التعريــف أم باالضافــة‪ .‬ويبلــغ عــدد الكلــات املعرفــة خمس ـاً‬ ‫وأربعــن كلمــة مقابــل ســت عــرة كلمــة نكــرة‪ .‬أي إن الكلــات املعرفــة تبلــغ ضعفــي الكلــات النكــرة‪ .‬ويشــكل هــذا التعريــف عالمــة غــر لغويــة‬ ‫تشــر إىل أن العلــة واضحــة محــددة معروفــة وطــرق املعالجــة واملواجهــة معروفــة أيضـاً لــذا اتخــذ الشــاعر قـراره وأعلــن عنــه اختــار الصمــود وشــهر‬ ‫ســاحه‪:‬‬ ‫«لكن صويت صاح يوماً‬ ‫ال أهاب»‬ ‫وإن كان الطريق شائك تحفّه العذابات‪:‬‬ ‫«حتى صليبي ليس يل‬ ‫إين له‪،‬‬ ‫حتى العذاب»‬ ‫كــا تــدل هــذه الســيادة للكلــات املعرفــة عــى ســيطرة الحــدث اإلرهــايب الــذي يقــوم بــه العــدو وأثــره يف نفــس الشــاعر‪ .‬فمــع القتــل‬ ‫واالضطهــاد اليومــي‬ ‫«الساق تقطع‪ ..‬والرقاب‬ ‫والقلب يطفأ»‬ ‫ال ميلك الشاعر إال أن يسلّط صوته ويستخدم أشعاره يف وجه السيف املسلّط عىل الرقاب‪.‬‬ ‫ويُالحــظ أن األســاء املعرفــة بــأل أكــر أهميــة مــن األســاء النكــرة‪ .‬فاألســاء املعرفــة ثابتــة ذات وجــود دائــم‪ .‬بينــا األســاء النكــرة ذات‬ ‫وجــود عــريض تتغــر‪ .‬قــد تــأيت أو تذهــب وفاقـاً للظــروف‪ .‬وموازنــة بســيطة توضــح مــا نذكــر‪:‬‬ ‫ن ّكــر الشــاعر يف القســم األول األســاء اآلتيــة‪ :‬بــرج – أرشعــة – ســلم – حقــل – محـراث‪ ...‬مقابــل تعريــف األســاء اآلتيــة‪ :‬الــرق – الســحاب‬ ‫– البحــر – املــوج – اإلعصــار – العبــاب – الشــمس – األرض – الـراب – القلــب‪...‬‬ ‫ويبدو أن األسامء النكرة هي األشياء التي مت ّناها الشاعر‪:‬‬ ‫لو كان يل برج‬ ‫لو كان يل فرس‬ ‫لو كان يل حقل ومحراث‬ ‫لو كان يل عود ‪...‬‬ ‫كأن الشــاعر يريــد أن يقــول‪ :‬علينــا باملقاومــة والعمــل عــى نــزع االحتــال االرسائيــي مــن فلســطني ســواء توافــرت لنــا الظــروف أم ال‪ .‬فهــذه‬ ‫أمــور ميكننــا تغيريهــا ألنهــا غــر ثابتــة‪.‬‬ ‫أمــا الظاهــرة النحويــة األخــرى فهــي الخــر املقــدم املحــذوف الــذي تكــرر مــع تكـرار الالزمــة «لــو كان يل»‪ .‬ويُال َحــظ أن الخــر املحــذوف‬ ‫متعلّــق بشــبه الجملــة الــدال عــى امللكيــة‪ .‬ويف هــذا داللــة عــى أهميــة وجــود هــذا الخــر املقــدم املقــدر املحــذوف فيصــر هــذا الخــر املحــذوف‬ ‫املكــرر إشــارة قلــق تصــدر عــن صاحبهــا‪.‬‬ ‫ولكــن هــذا الخــر جــاء خـرا ً للفعــل املــايض الناقــص (كان) الناســخ الــذي يــرف انتباهنــا عــن الواقــع الحــايل ويأخذنــا إىل املــايض‪ /‬إىل مــا‬ ‫كان عليــه‪ .‬وقــد ُصـ ِّدر بـــ (لــو) التــي تلغــي هــذا الــذي كان‪ .‬فيقــدم اقـران (لــو) بـــ (كان) داللــة تشــر إىل غيــاب مــا كان ويجــب النظــر إىل مــا يكــون‬ ‫وتغيــب (كان) و(لــو) لتحـ ّـل محلهــا الجملــة الخربيــة املؤكّــدة‪:‬‬ ‫«إين له‬ ‫حتى العذاب»‬ ‫و(ما دام)‪:‬‬ ‫واركضوا خلف الصدى‬ ‫ما دام يهتف‪ :‬ال أهاب‬


‫الزرع (غرست – األرض – حقل – محراث – زرعت – الرتاب – غاب)‬ ‫العلو (برج – السحاب – سلّم – الشمس – رايتي – الهضاب – شامخني – الغراب)‬ ‫الجسد اإلنساين (صوت – كفّي – قدم – الساق – الرقاب – القلب – العني – دمي)‬ ‫الفرح (األشعار – عود – مل ّحنة – سلّيت – الصحاب)‬ ‫التعذيب (سوط – صليبي – العذاب – املحكوم – تُقطع – يُطفأ – تُسمل – فلتجلدوه)‪.‬‬ ‫الحريــة (صــوت – بــرج – بــرق – ســحاب – بحــر – أرشعــة – املــوج – اإلعصــار – الشــمس – رايتــي – عنانهــا – األشــعار – غــاب – ال أهــاب‬ ‫– الهضــاب – النيــل – الفـرات – صــاح – الصــدى – يهتــف)‪.‬‬ ‫ومــن يراقــب هــذه الحقــول يجــد أنهــا شــيفرات ثقافيــة ترتبــط جميعهــا بثقافــة الشــعب الفلســطيني القامئــة عــى املقاومــة وعــدم اإلذعــان‬ ‫والخضــوع واالستســام عــى الرغــم مــن التعذيــب والقتــل‪ .‬ميتــىء النــص إميانـاً بالحيــاة واالســتمرارية والبقــاء والجهــاد للحصــول عــى املـراد‪ :‬الحريــة‬ ‫والفــرح والســعادة عــى أرض الوطــن‪.‬‬ ‫‪ -2-4‬حيادية النظامني الرصيف والنحوي‪:‬‬ ‫يعنينا يف هذا النص من الضامئر بوصفها صيغة نحوية تلك التي تعود اىل الشاعر وتلك التي تعود إىل اآلخر ‪ /‬العدو‪.‬‬ ‫كل للضامئــر‬ ‫ورد ضمــر الشــاعر يف القســم األول خمسـاً وعرشيــن مــرة‪ .‬وقــد جــاء بصيغــة املتكلــم املفــرد املتصــل (اليــاء والتــاء) مــع غيــاب ّ‬ ‫التــي تعــود إىل اآلخــر‪.‬‬ ‫وورد يف القســم الثــاين ضمــر الشــاعر خمــس مـرات‪ :‬ثــاث مـرات بصيغةاملتكلــم املفــرد (اليــاء) ومــرة مســترتا ً (أهــاب) ومــرة جــاء ضمــر‬ ‫الشــاعر بصيغــة املخاطــب (تهتــف)‪.‬‬ ‫أمــا يف القســم الثالــث فقــد ورد ضمــر املتكلــم ‪ /‬الشــاعر مرتــن (صــويت – أهــاب)‪ .‬كــا بــرز ضمــر الغائــب الــذي يعــود إىل صــوت الشــاعر‬ ‫ثــاث مـرات (فلتجلــدوه – مــا دام – يهتــف)‪.‬‬ ‫ـص الضامئــر التــي تعــود اىل اآلخــر ‪ /‬العــدو فقــد وردت كلهــا بصيغــة املخاطــب الجمــع (تــم – كــم – واو الجامعــة) وتركــزت‬ ‫أمــا يف مــا يخـ ّ‬ ‫يف القســمني الثــاين والثالــث فتكــررت تســع مـرات‪.‬‬ ‫ويف املحصلــة تكــون عــدد الضامئــر التــي تعــود إىل الشــاعر خمســة وثالثــن ضمـرا ً‪ .‬وتلــك التــي تعــود إىل اآلخــر‪ /‬العــدو تســعة‪ .‬وإذا ح ّولنــا‬ ‫هــذه األعــداد إىل نســب مئويــة نجــد أن نســبة ضمــر الشــاعر ‪ %80‬مقابــل ‪ %20‬لضمــر اآلخــر‪ /‬العــدو‪ .‬فــا داللــة هــذا العــدد ومــا داللــة ســيطرة‬ ‫ضمــر الشــاعر املفــرد؟‬ ‫جــاء الضمــر املفــرد املتكلــم يف القســم األول ليحــدد موقــع صاحبــه جاعـاً مــن الــذات محــورا ً‪ .‬تلــك الــذات التــي متثــل ذات كل مواطــن‬ ‫فلســطيني وملكيتــه عــى األرض الفلســطينية أو قدراتــه يف مــا يتعلّــق بالقضيــة الفلســطينية‪ .‬ومــع تكـرار (يــاء امللكيــة أو يــاء املتكلــم) ثــاث عــرة‬ ‫مــرة إال أنهــا مل تــدل عــى امللكيــة ألنهــا جــاءت منســوخة بالفعــل (كان) ومرشوطــة بحــرف الــرط (لــو)‪.‬‬ ‫وبعــد إق ـرار الشــاعر بعــدم ملكيتــه يتقهقــر ضمــر املتكلــم يف القســم الثــاين ليــرز ضمــر املخاطــب الجمــع املوجــه إىل العــدو الصهيــوين‬ ‫الــذي ميلــك املقــدرة وخصوص ـاً أن هــذا الضمــر جــاء لصيق ـاً بأفعــال تنتمــي إىل هــذا الحقــل الــداليل (أردتــم – شــئتم)‪.‬‬ ‫ويبــدأ القســم األخــر بحــرف االســتدراك «لكــن» ليغـ ّـر املعادلــة يف مواجهــة العــدو فهنــاك قــوة تنبــع مــن داخــل الشــاعر‪ .‬عندهــا يعــود‬ ‫ضمــر املتكلــم املفــرد إىل الــروز ويتجــى هــذا الضمــر يف إعــان املقاومــة وإب ـراز مقوماتهــا‪:‬‬ ‫«لكن صويت صاح يوماً‪:‬‬ ‫ ‬

‫ال أهاب»‬

‫ذكرنــا ســابقاً أن ضمــر املتكلــم بصيغــة اإلف ـراد ورد خمســة وثالثــن مــرة‪ .‬وهــذا الــورود الكثيــف يف نــص عــدد ســطوره ســبعة وأربعــون‬ ‫ســطرا ً هــو عالمــة تشــر إىل شــعور الشــاعر بتفــرده عــن الجامعــة وابتعــاده عنهــم‪ .‬وال يحــدث مثــل هــذا النفــور إال يف األحــوال الحرجــة عندمــا يتبـ ّـن‬ ‫للفــرد إخفــاق الجامعــة وتخاذلهــم وعــدم م ّدهــم يــد العــون للمســاعدة أو يف حــال عجزهــم وعــدم مقدرتهــم‪ .‬وهــذا مــا دفــع الشــاعر اىل االعتــاد‬ ‫عــى نفســه وإن كان ال ميلــك إال صوتــه وصــداه‪ .‬عـ ّـل هــذا الصــوت املــيء بالشــجاعة وعــدم الخــوف «ال أهــاب» يوقــظ الشــعب العــريب فتنشــط‬ ‫مقاومــة تقتلــع الصهيــوين وتعيــد الوطــن ألصحابــه‪.‬‬ ‫ومــا يجــدر ذكــره أن هــذه الضامئــر توزعــت عــى الفاعليــه واإلضافــة توزع ـاً هــو اآلخــر ال ميكــن إال أن يكــون عالمــة دالــة‪ .‬ورد ضمــر‬ ‫الفاعليــة املتكلــم أربــع عــرة مــرة وضمــر االضافــة الــذي يــدل عــى امللكيــة ســت عــرة مــرة‪ .‬وهــذا يــدل عــى قــوة الفعــل عنــد الشــاعر وهــذا‬ ‫الحضــور الالفــت لضمــر املتكلــم يشــر إىل إق ـرار الشــاعر واقتناعــه بأنــه صاحــب قضيــة وعليــه أن يناضــل مــن أجلهــا‪ .‬وتــأيت (يــاء) املتكلــم لتعــزر‬ ‫امتــاك الشــاعر ذاتــه «صــويت» فهــو ميلــك الق ـرار الــذي ال يثنيــه عنــه أحــد‪.‬‬


‫مل تعد الرياح حرة يف حركتها ولكن سريتها حركة الشاعر كام يشاء ويشتهي‪.‬‬ ‫ويســتمر الشــاعر يف خروجــه عــى ســلطة اللغــة‪ .‬وكــا كان لإلســتعارة دور يف التغيــر الــذي يقلــب مظاهــر الطبيعــة رأس ـاً عــى عقــب‬ ‫يســتخدم الشــاعر االســتعارة بهــدف بنــاء األرض كــا يريــد‪:‬‬ ‫«زرعت القلب واألشعار يف بطن الرتاب»‬ ‫يكــون الــزرع عــادة عــى ســطح الـراب‪ .‬ومــا يُــزرع هــو النبــات والشــتول األزهــار واألشــجار التــي تثمــر لتعطــي‪ .‬اســتبدل الشــاعر عمليــة‬ ‫زرع األشــجار بــزرع القلــب واألشــعار‪ .‬وهــذا الــزرع ليــس عــى ســطح الرتبــة إمنــا يتغلغــل يف أعامقهــا فيصــر جــزءا ً منهــا ال تُن ِبــت إال إيــاه‪.‬‬ ‫وتنطــوي هــذه االســتعارة عــى كنايــة فالقلــب كنايــة عــى الشــجاعة والجــرأة واقتحــام األهــول‪ .‬هــذه الشــجاعة مصحوبــة باألشــعار التــي‬ ‫تبــث العزميــة يف نفــوس املحاربــن املناضلــن يف ســبيل األرض‪ .‬ورمبــا تكــون األشــعار كنايــة عــن املدرســة التــي تــزرع بالنفــوس حــب الـراب واالســتامتة‬ ‫مــن أجلهــا‪.‬‬ ‫يفيض النص استعارة وكناية تلو أخرى‪:‬‬ ‫«مألت الصمت أسئلة ملحنة»‬ ‫يتحــول الصمــت إىل مــكان لــه حيّــز ومســاحة وفضــاء ميــأه الشــاعر قطعـاً موســيقية مل ّحنــة الهــدف منهــا تســلية الصحــاب حتــى ال تفــر‬ ‫همتهــم أو يلحقهــم الضجــر مــن طــول االنتظــار فيتحولــوا عــن قضيتهــم‪ :‬تحريــر األرض‪.‬‬ ‫وهذه العبارة املجازية ترسم طريق النضال فهو طويل يحتاج إىل صرب وأنا ٍة وجلَد‪.‬‬ ‫يلجــأ الشــاعر إىل أســئلته املل ّحنــة التــي ال تكــون إال بامتــاك اإلرادة‪« :‬لــو كان يل قــدم» كنايــة عــن العزميــة واإلرادة التــي تدفــع الشــاعر إىل‬ ‫استســهال املــوت‪« :‬مشــيت‪ ...‬مشــيت حتــى املــوت» فيتحــول املــوت إىل مــكان أو إنســان يواجهــه الشــاعر وال يهابــه‪ .‬فاملــوت ال يــأيت إمنــا الشــاعر هــو‬ ‫مــن يقصــده ويف هــذا كنايــة عــن الجــرأة واقتحــام تســتدعي األحــوال‪.‬‬ ‫وما كان الشاعر ليخرج عىل النظام اللغوي لو مل تكن قوة العدو تستدعي ذلك‪:‬‬ ‫«السحاب مييش عىل أقدامكم»‬ ‫يبي اسناد امليش للسحاب وتعديتها إىل األقدام قوة العدو التي تنهار لها الهضاب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لكــن متســك الشــاعر بالصمــود يف وجــه العــدو يدفعــه م ـرارا ً وتك ـرارا ً إىل االســتعارة فيهــدد العــدو ويرتقــي بالصــوت والصــدى ليعاملــه‬ ‫معاملــة اإلنســان البطــل املغــوار الــذي ال يُق َهــر‪:‬‬ ‫«فلتجلدوه إذا استطعتم‬ ‫واركضوا خلف الصدى‬ ‫ما دام يهتف‪ :‬ال أهاب»‬ ‫يُال َحــظ أ ّن خــروج النــص عــى اللغــة كان خروجـاً جهاديـاً مقاومـاً‪ .‬وقــد عــرف الشــاعر كيــف يص ّفــي نصــه مــن شــوائب النرثيــة ألن النــص‬ ‫مبجملــه اســتعارات تتوالــد مــن بعضهــا إضافــة إىل اســتخدام الكنايــة واالســتفهام الــذي يســتهل بــه القســم الثــاين مــن النــص‪ .‬وقــد خــرج الشــاعر بهــذا‬ ‫االســتفهام عــن وظيفتــه األســاس ليقيــم لغتــه الشــعرية التــي عـ ّـرت بنجــاح عــن انفعالــه حيــال ثنائيــة الصمــود والخضــوع‪.‬‬ ‫‪ - 5‬العالقات يف النص‪:‬‬ ‫يقوم النص عىل عالقات متتاز بأنها عالقات تضاد تتط ّور لتصل إىل عالقة نفي وجود‪.‬‬ ‫تبــدأ هــذه العالقــات الثنائيــة مــع العنــوان الــذي يقــوم عــى ثنائيــة ضديــة بــن الصــوت والســوط‪ .‬ومنهــا تتف ـ ّرع باقــي العالقــات التــي‬ ‫تــدور يف فلــك هــذه الثنائيــة‪.‬‬ ‫مــا طبيعــة العالقــة بــن الصــوت والســوط؟ ســبق ورشحنــا داللــة الصــوت والســوط‪ ،‬ولــن نكــرر ذلــك يف هــذا املبحــث‪ .‬بيــد أننــا ســنذكّر بــأن‬ ‫الصــوت والســوط ميتــازان بعالقــة ضديــة بينهــا تتطــور هــذه العالقــة لتصــر عالقــة نفــي وجــود‪ .‬كيــف؟‬ ‫رفْ ـ ُع الصــوت شــعا ٌر تعبــري عــن رفــض الظلــم والســوط هــو مامرســة الظلــم‪ .‬قــد يكــون الصــوت ســبباً للســوط أو العكــس ولكنهــا ال ميكــن أن‬ ‫يســتمرا مع ـاً‪.‬‬ ‫رص الصوت عىل البقاء ليمنع عنه عنف السوط‪ .‬ويستمر السوط يف البقاء ل ُيخرِس الصوت ويلغيه‪.‬‬ ‫ي ّ‬


‫ـكل يف القســم األول‪ .‬وتركّــز األفعــال الحــارضة‬ ‫والداللــة نفســها تقدمهــا ســيطرة األفعــال املضارعــة يف القســم الثــاين والثالــث بعــد غيابهــا الـ ّ‬ ‫عــى املقاومــة مــن دون اشـراط أي مقومــات تســاعد فيذلــك‪ .‬فيغــدو الفعــل املضــارع «ال أهــاب» وصفـاً دامئـاً للشــاعر‪.‬‬ ‫ومــن الظواهــر النحويــة يف هــذا النــص ورود األفعــال املجهولــة (ت ُقطَــع – يُطفــأ – ت ُســمل – يُســكب) وفعــل املطاوعــة (تنهــار) والفعــل‬ ‫الناســخ (يصــر) لتســتحرض معهــا قــوة العــدو وأفعالــه الشــنيعة‪ ،‬كأ ّن قــدر الفلســطيني أن يعيــش العــذاب والظلــم والقهــر مــن هــذا العــدو الظــامل‪.‬‬ ‫ذلــك أن األفعــال املجهولــة تشــر إىل القدريــة‪.‬‬ ‫‪ -2-4‬املجاز وحيادية النظام اللغوي‪:‬‬ ‫النــص الشــعري «صــوت وســوط» عــى رصاع مــع الواقــع‪ .‬يحــاول الشــاعر االنعتــاق مــن ســلطة املتســلط يف الواقــع ليتكــون أمامنــا عــامل‬ ‫منـزاح عــن حقيقتــه املوضوعيــة منعتــق مــن ســلطة اللغــة‪ ،‬عــامل قوامــه املجــاز واالســتعارة والكنايــة‪ .‬ويُ َعـ ُّد هــذا املســتوى الرتكيبــي أكــر املســتويات‬ ‫مســاهمة يف إنتــاج الشــعرية‪.‬‬ ‫ـص قائــم عــى االســتعارة‪ ،‬وهــي مبجملهــا اســتعارة مركّبــة‪ .‬وكل اســتعارة تنتــج اســتعارة أخــرى‪.‬‬ ‫تكاشــفنا االســتعارة مــن بدايــة النــص‪ .‬فهــو نـ ّ‬ ‫فالقصيــدة سلســلة مــن االســتعارات املرتبــط بعضهــا ببعضهــا اآلخــر والتــي تشــكل باكتاملهــا لوحــة فنيــة فريــدة‪ .‬وقــد اســتنفدت االســتعارة وســائل‬ ‫عديــدة‪ :‬تعديــة – نعت ـاً – إضافــة – ظرف ـاً – إســنادا ً مح ّيــدة ســلطة اللغــة ونظامهــا عــن الفعــل يف إنتــاج العالمــات اللغويــة‪ .‬ويف بيــان ذلــك نــورد‬ ‫النــاذج اآلتيــة‪:‬‬ ‫ ‪«-‬حبســت الــرق يف جيبــي» اســتعارة مركّبــة قامئــة عــى التعديــة (املفعوليــة يف الشــق األول والجــار واملجــرور يف الشــق الثــاين‪ .‬إســناد‬ ‫الفعــل (حبــس) إىل الشــاعر وتعديتــه إىل (الــرق) ومــن ثــم إىل (جيبــي) جعــل الكلــات تخــرج عــن هويتهــا املوضوعيــة فالشــاعر‬ ‫ال يتحكــم بأحــوال العبــاد فحســب ولكــن باألحــوال الطبيعيــة أيض ـاً‪ .‬فتعديــة الفعــل (حبــس) إىل (الــرق) جعلــت الشــاعر يف موقــع‬ ‫الســلطة القــادر عــى تغيــر الطبيعــة‪ .‬لقــد ق ّزمــت (جيبــي) (الــرق) فــا عــاد ذلــك اللمعــان الحــر املحـ ّرر مــن كل قيــد‪ ،‬الــذي يــيء‬ ‫األرض والســاء مــن مرشقهــا إىل مغربهــا ولكنــه غــدا كتلــة صغــرة أســرة جيــب الشــاعر التــي تقبــض عليــه‪.‬‬ ‫ليــس هــذا فحســب‪ ،‬فالشــاعر الــذي خــرج عــى ســلطة اللغــة مــن بدايــة ســطوره الشــعرية منتجـاً صــورة شــعرية فريــدة تقــوم عــى حبــس‬ ‫الــرق يف جيبــه أتبعهــا باســتعارة أخــرى هــي نتيجــة لحبــس الــرق‪« :‬أطفــأت الســحاب»‪ .‬تعـ ّدى الفعــل (أطفــأ) إىل (الســحاب)‪ .‬مل يســتخدم الشــاعر‬ ‫عبــارة أمنــع الســحاب التــي تجعــل الســحاب تحــت أمرتــه ولكنــه اختــار الفعــل (أطفــأ) فجمــع مــا ال يُجمــع‪ .‬فــا عــاد الســحاب ســحاباً وال اإلطفــاء‬ ‫إطفاء‪.‬‬ ‫ويستمر الشاعر بعد أن حبس الربق وأطفأ السحاب إىل السيطرة عىل كل عنارص الطبيعة الغاضبة‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫«أخذت املوج واإلعصار يف كفّي‬ ‫ون ّومت العباب»‬ ‫فهل يبغي الشاعر الثبات «نومت العباب» أو يريد أن يتل ّبس املوج واإلعصار ويطلق ثورة التجديد والتغيري انطالقاً من الفرد؟‬ ‫إن خــروج الشــاعر عــن النظــام اللغــوي هــو نتيجــة لعالقــة رصاعيــة مــع محيطــه‪ .‬فمحمــود درويــش الشــاعر املقــاوم ال يجــد نفســه يف‬ ‫مواجهــة العــدو الصهيــوين فقــط إمنــا يف مواجهــة ســلطة اللغــة «إحــدى تجليــات الســلطة السياســية ‪ ...‬ســلطة اللغــة هــي ســلطة االســتقرار»(‪ .)16‬وهــو‬ ‫ال يريــد الثبــات واالســتقرار بــل يســعى إىل االنتفاضــة والتغيــر لذلــك يبحــث عــن مــكان لرايتــه فــا يســعفه الواقــع وال تســعفه اللغــة فيلجــأ إىل‬ ‫االســتعارة الظرفيــة‪:‬‬ ‫«لغرست فوق الشمس رايتي التي‬ ‫اهرتأت عىل األرض الخراب»‬ ‫جعــل الشــاعر الشــمس مكانـاً ميكــن الوصــول إليــه ال لتمـ ّد األرض بالضــوء واإلشــعاع إمنــا هــي مــكان موظّــف لتحقيــق طموحــات الشــاعر‪.‬‬ ‫تحولــت الشــمس إىل مــكانٍ مأهــول ميكــن االســتعاضة بهــا عــن األرض الخـراب‪.‬‬ ‫وأن تصــر الشــمس مكان ـاً لغــرس الرايــة يعنــي أن النــص يــزود الشــمس مبقومــات الحيــاة عــى ســطحها‪ .‬وهــذا يعنــي أن النــص جعــل‬ ‫االســتعارة تــرق اللغــة العاديــة ليعــود فيجعــل الكنايــة ترسقهــا مــن أجــل اإلشــارة إىل ثنائيــة الشــمس الراية‪/‬العظمــة ≠ األرض الخ ـراب‪ .‬وهاتــان‬ ‫العالمتــان (االســتعارة والكنايــة) تجتمعــان لتنتجــا عالمــة جديــدة تنـ ّم عــن ســوء ظـ ٍّن بالبــر الذيــن يســكنون األرض‪ .‬وهــذا مــا يدفعــه إىل البحــث‬ ‫عــن بديــل‪ .‬والبديــل بالنســبة إىل الشــاعر هــو الشــمس ذلــك الكوكــب الــذي ح ّولــه الشــاعر مــن كوكــب يســتحيل االق ـراب منــه إىل مــكان لرايــة‬ ‫الشــاعر ويف هــذا كنايــة عــن العظمــة وأهميــة امل ـرام‪.‬‬ ‫يكرر الشاعر استخدام االستعارة للخروج عىل النظام الطبيعي‬ ‫«ولجمت حوذي الرياح عىل الهضاب»‬ ‫‪ 16‬‬

‫‪ -‬زيتون‪ ،‬عىل‪ ،‬النص الشعري املقاوم يف لبنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.531‬‬


‫الســوط؟‬

‫تك ـ ّرر الصــوت يف النــص لكــن غــاب الســوط‪ .‬فــا هــي الرمــوز والشــيفرات الثقافيــة التــي اســتخدمها الشــاعر لتكــرس الصــوت وتلغــي‬

‫تع ـ ّددت الرمــوز والشــيفرات الثقافيــة يف هــذا النــص حتــى كاد النــص أن يكــون إعــادة بنــاء لشــيفرات ثقافيــة ورمــوز دينيــة وتاريخيــة‬ ‫وأخــرى شــديدة االتصــال باملنــاخ العــام الــذي أنتــج النــص الشــعري وبالتــايل هــي يف الغالــب مــن إنتــاج الشــاعر‪.‬‬ ‫يالحظ القارىء أنه ميكننا تقسيم الرموز التي وردت يف النص إىل دوائر‪:‬‬ ‫‪ -1‬دائــرة تتعلــق بالرمــوز التــي ترتبــط بالقــوة وإرادة التغيــر والثــورة‪ .‬وتتشـكّل مــن الرمــوز اآلتيــة‪ :‬الــرق – الســحاب – املــوج – اإلعصــار‬ ‫– البحــر‪ .‬وميكــن إضافــة الهضــاب مبــا ترمــز للصالبــة والجســارة‪ .‬وهنــاك كلــات كالــرج – أرشعــة – ســلم متثــل عالمــات رمزيــة مت ّكــن املــرء مــن‬ ‫تحقيــق غاياتــه‪.‬‬ ‫‪ -2‬دائــرة تتعلــق بالرمــوز ذات البعــد االنبعــايث‪ :‬متثّــل الشــمس بعــدا ً رمزيـاً للعنفــوان والكــر واألنفــة وطريــق الهدايــة والحريــة‪ .‬وتتعـ ّدى‬ ‫ذلــك يف النــص لتمثــل املــكان البديــل لــأرض وعليهــا يســود الخــر فتمثــل ثنائيــة ضديــة مــع األرض الخـراب لــذا ال ميكــن لرايــة الشــاعر التــي ترمــز‬ ‫للنــر واإلقــدام إال أن تغــرس فــوق الشــمس‪:‬‬ ‫لغرست فوق الشمس رايتي‬ ‫التي اهرتأت عىل األرض الخراب‬ ‫تتض ّمــن كلمــة (لغرســت) بعــدا ً رمزيـاً انبعاثيـاً ترفدهــا العبــارات اآلتيــة‪ :‬زرعــت – بطــن الـراب – حقــل – محـراث – القلــب – االشــعار‪.‬‬ ‫فالوطــن الفلســطيني النــازف الــذي يعــاين مــن ضعــف الفلســطيني إزاء قــوة املحتــل بحاجــة إىل غــرس قيــم جديــدة وزرع أفــكار جديــدة تعيــد‬ ‫تكوينــه وتبعــث فيــه مقومــات الصمــود‪ .‬وهــذا يــدل عــى أمــل الشــاعر يف النــر وإن كان بعيــد املــدى‪.‬‬ ‫هذا االنبعاث بحاجة إىل تضحية فيستحرض الشاعر رمزا ً مسيحياً‪:‬‬ ‫«حتى صليبي ليس يل‪ /‬إين له‪ /‬حتى العذاب»‬ ‫ميثــل الصليــب رمـزا ً للتضحيــة والعــذاب ودرب اآلالم يف ســبيل تحقيــق املـراد‪ .‬فكــا كان املســيح فــداء لقومــه يجــب أن يُسـخّر لهــذه األمــة‬ ‫شــباناً يكونــون فــداء للوطــن بهــدف تحريــر األرض التــي مــى عليهــا املســيح وســقاها بدمائــه‪ .‬كــا ميثــل الجلْــد (فلتجلــدوه) شــيفرة ثقافيــة تعــود‬ ‫إىل الثقافــة املســيحية التــي تؤمــن بالعــذاب ممـرا ً للنجــاة والفــاح‪ .‬وهــي شــيفرة تعـ ّـر عــن الظلــم والقمــع الــذي يعــاين منــه الشــعب الفلســطيني‬ ‫عــى يــد العــدو الصهيــوين املتل ّبــس بهــذه الصفــات فصــارت جــزءا ً مــن طبيعتــه‪.‬‬ ‫يتجســد هــذا الفــاح يف اإلرصار عــى الصمــود ويكــون باللجــوء إىل الرمــز التاريخــي الجاهــي العــريب فيمثــل الصــدى الهامــة التــي تخــرج مــن‬ ‫ّ‬ ‫رأس املقتــول مطالبــة بالثــأر‪ ،‬كأن الشــاعر يتو ّعــد العــدو بــأن صــدى صوتــه ســيبقى كالهامــة تحــوم فــوق رؤوس الفلســطينيني مذكــرة إياهــم بوجــوب‬ ‫تحريــر القــدس مــن مغتصبيهــا‪ .‬ولعــل الصــدى هــو صــوت الشــاعر الــذي يعـ ّـر فيــه عــن قضايــاه الوطنيــة الفلســطينية فيحمــل شــيفرة ثقافيــة عربيــة‬ ‫تبـ ّـن دور الشــاعر يف شــحذ الهمــم وبــث الحامســة يف نفــوس املقاتلــن‪.‬‬ ‫‪ -7‬النص والعامل والشاعر وااليديولوجيا‪:‬‬ ‫يحيــل النــص الــذي بــن أيدينــا إىل العــامل الواقعــي املتمثــل بالواقــع العــريب يف حقبــة مــن حقبــات تاريخــه‪ .‬فقــد شــهد ال ـراع العــريب‬ ‫الصهيــوين مراحــل انكســار وعجــز ويــأس مــن قبــل الشــعب الفلســطيني‪ .‬ذلــك العجــز الناتــج عــن تقهقــر الشــعب الفلســطيني أمــام قــوة الصهيــوين‬ ‫يرافقــه تخــاذل الشــعوب العربيــة يف مــد العــون لهــذا الشــعب‪ .‬هــذا التخــاذل الــذي تحـ ّول إىل صمــت كاد أن يكــون متآمـرا ً مــع العــدو ضــد القضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ .‬فــا يحكــم مناخــات هــذا النــص ومــا أنتجــه هــو اإلحبــاط الــذي كان يحيــط بالشــاعر يف املعتقــات االرسائيليــة‪ .‬فــاذا تب ّقــى لــه يف‬ ‫وجــه ســوط ال يرحــم وقــوة ال ميكــن ردعهــا‪ ،‬وهــو الشــاعر الــذي يحمــل ايديولوجيــة االســتامتة يف ســبيل الوطــن‪ ،‬تلــك التــي تقــوم عــى إميــان عميــق‬ ‫بالــذات وبوجودهــا وبحقهــا بالحيــاة وإن ت ُركــت منفــردة يف مواجهــة قدرهــا؟‬ ‫تك ّرر الضمري الذي يعود إىل الشاعر حواىل ٍ‬ ‫خمس وثالثني مرة ويعني ذلك حضورا ً قوياً للشاعر داخل النص‪.‬‬ ‫وهــذا الحضــور مل يكــن حضــورا ً واقعيـاً‪ .‬فالشــاعر‪ ،‬متوضّ عـاً يف النــص‪ ،‬خاضــع لالنفعــال وللنظــام الســياميئ‪ .‬لقــد صــار وجــودا ً غــر خاضــع‬ ‫ملنطــق العقــل‪( :‬حبســت الــرق – أطفــأت الســحاب – نومــت العبــاب) ليقابــل بــه الوجــود غــر الواقعــي للعــدو‪:‬‬ ‫«الهضاب تنهار لو صحتم بها‬ ‫والغراب لو شئتم يف الليل شاب»‪.‬‬ ‫وهــذا الشــاعر الــذي شـكّل موضــوع النــص صــار صــوت األمــة املدافــع عنهــا‪ .‬فهــو ذو موقــف وقــدرات تواجــه الســوط االرسائيــي وإمكانياته‬ ‫الجبــارة اله ّدامــة‪ .‬لقــد تحـ ّول صــوت الشــاعر إىل صــدى يعــى عــى العدو‪.‬‬


‫النص؟‬

‫إذا كانــت العالقــة األساســية يف هــذا النــص هــي هــذه الثنائيــة التــي تلغــي إحداهــا وجــود األخــرى‪ .‬فــا هــي الثنائيــات األخــرى يف هــذا‬ ‫تربز من السطور األوىل يف النص عالقة سبب وجود بني مكوناته‪ .‬نذكر عىل سبيل املثال‪:‬‬ ‫وجود الربج سبب حبس الربق‬ ‫وجود األرشعة سبب السيطرة عىل اإلعصار‬ ‫وجود السلم سبب الصعود إىل الشمس‬ ‫وجود الحقل سبب الزرع‬ ‫وجود العود سبب تسلية الصحاب‬ ‫وجود القدم سبب اقتحام املوت‬

‫ولكــن كل هــذه الثنائيــات غــر متوافــرة لــدى الشــاعر بســبب انتفــاء امللكيــة وبالتــايل انتفــاء املقــدرة‪ .‬إذا ً مــن ميلكهــا؟ ميلكهــا العــدو الــذي‬ ‫ميلــك املقــدرة‪:‬‬ ‫«الساق تقطع‪ ..‬والرقاب‬ ‫والقلب يطفأ»‬ ‫التحل بامللكية وامتالك القدرة من العدو‪:‬‬ ‫فتتشكل ثنائية ضدية هي غياب امللكية وغياب القدرة من الشاعر «لو كان يل» مقابل ّ‬ ‫«والسحاب مييش عىل أقدامكم‬ ‫والعني ت ُس َمل‪ ،‬والهضاب‬ ‫تنهار لو صحتم بها»‬ ‫هــذا العنــف والظلــم الــذي ُيــارس بحــق الشــاعر وشــعبه يــؤدي إىل ســوء ظـ ٍّن بــاألرض وأهلهــا فتقــوم ثنائيــة ضديــة بــن الشــمس الخــر‬ ‫والعــار واألرض الخـراب‪:‬‬ ‫«لغرست فوق الشمس رايتي التي‬ ‫اهرتأت عىل األرض الخراب»‬ ‫ولكــن غــرس الرايــة فــوق الشــمس محــال يف العــامل الواقعــي فــا يبقــى أمــام الشــاعر إال الصمــود أو االستســام فتــرر هــذه الثنائيــة الضديّــة‪.‬‬ ‫يتمثــل الصمود بالشــاعر‪:‬‬ ‫«إين له حتى العذاب‬ ‫ال أهاب‬ ‫فلتجلدوه إذا استطعتم‬ ‫واركضوا خلف الصدى‬ ‫ما دام يهتف‪ :‬ال أهاب»‬ ‫ودعوه اآلخر له لالستسالم‪:‬‬ ‫«ماذا تبقّى أيها املحكوم؟»‬ ‫‪ -6‬الرموز والشيفرات الثقافية‪:‬‬ ‫العنــوان رمــزي الداللــة‪ .‬يرمــز الصــوت إىل الحريــة والقــدرة عــى التعبــر عــن الــرأي والعــدل واملطالبــة بالحقــوق واإلجهــار بهــا والســعي إىل‬ ‫تحقيقهــا‪ .‬يف حــن ميثــل الســوط رمـزا ً للغــن والتســلط واالســتبداد والقمــع واغتصــاب الحقــوق‪.‬‬


‫املصادر واملراجع‬ ‫أوالً‪ :‬املصادر األساسية‬ ‫‪ -1‬درويش‪ ،‬محمود‪ ،‬ديوان محمود درويش‪ ،‬املجلّد األ ّول‪ ،‬بريوت‪ :‬دار عودة‪ ،‬ط‪.1994 ،14‬‬ ‫ثانياً‪ :‬املصادر واملراجع بالعربية‬ ‫‪ -1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬بريوت‪ :‬دار صادر‪.‬‬ ‫‪ -2‬بولس‪ ،‬مرتي (سليم)‪ ،‬أبحاث يف األلسنية العربية‪ ،‬لبنان‪ :‬فؤاد بيبان ورشكاه‪ ،‬ط‪.1988 ،1‬‬ ‫‪ -3‬زكريا‪ ،‬ميشال‪ ،‬املدخل إىل علم اللغة الحديث‪ ،‬مؤسسة نعمة للطباعة‪ ،‬ط‪.2002 ،1‬‬ ‫‪ -4‬زيتون‪ ،‬عيل‪ ،‬النص الشعري املقاوم يف لبنان البنية والداللة‪ ،‬بريوت‪ :‬اتحاد الكتاب اللبنانيني‪ ،‬ط‪.2001 ،1‬‬ ‫‪ -5‬مرتــاض‪ ،‬عبــد امللــك‪ ،‬شــعرية القصيــدة قصيــدة القـراءة تحليــل مركــب لقصيــدة أشــجان ميانيــة‪ ،‬بــروت‪ :‬املؤسســة الجامعيــة للدراســات والنــر‬ ‫والتوزيــع‪ ،‬ط‪.1994 ،1‬‬ ‫‪ -6‬معجم اللغة العربية‪ ،‬املعجم الوجيز‪ ،‬ايران‪ :‬منشورات دار الثقافة‪.1999،‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬املراجع املرتجمة‬ ‫‪ -1‬سوسري‪ ،‬فردينان (ده)‪ ،‬محارضات يف األلسنية العامة‪ ،‬ترجمة يوسف غازي ومجيد النرص‪ ،‬بريوت‪ :‬دار نعامن للثقافة‪.1984 ،‬‬


‫يعنــي أننــا يف هــذا النــص أمــام ثنــايئ مختلــف عــن ثنــايئ الواقــع‪ .‬والتعديــل الــذي نــال العــامل كان بفعــل ايديولوجيــا الشــاعر‪ .‬مــا أريــد‬ ‫الوصــول إليــه أن توضــع الشــاعر يف النــص قــد أعــاد تشــكيله مبــا يتناســب مــع العالقــات التــي أوجدهــا النــص لنفســه‪ .‬وهــي عالقــات فنيــة تنتمــي‬ ‫بدورهــا إىل رؤيــة الشــاعر إىل العــامل‪ .‬ومــن الجديــر بالذكــر أن الشــاعر يف توضعــه داخــل النــص مل يبــق محكومـاً ميتثــل أمــام املحاكــم الصهيونيــة ينتظــر‬ ‫اإلفـراج عنــه ويغريــه القــايض باالستســام‪:‬‬ ‫« ماذا تبقّى أيها املحكوم»‬ ‫لقــد تحـ ّول إىل قـ ٍ‬ ‫ـاض وتحولــت املحكمــة التــي وضعتــه خلــف القضبــان إىل جــانٍ يجــب أن تُعاقــب مــن جـ ّراء آثامهــا الجســام‪ .‬وإن مل يســتطع الشــعب‬ ‫الفلســطيني االقتصــاص منهــا ومــن أفعالهــا التــي ال تهــدد البــر فحســب إمنــا تنــال الطبيعــة نصيبـاً مــن غدرهــا فالشــاعر كفيــل بــأن يعلــو بصوتــه‬ ‫عــى ســوط هــذا العــدو فيغــدو صــوت الشــاعر أقــوى مــن الهضــاب والســحاب ألنّــه أىب إال الصمــود‪:‬‬ ‫«فلتجلدوه إذا استطعتم‬ ‫واركضوا خلف الصدى‬ ‫ما دام يهتف‪ :‬ال أهاب»‬ ‫خامتة‬ ‫إذا انطلقنــا مــن رأي سوســر بــأن موضــوع علــم اللغــة (الكلمــة) «إمــا صــوت‪ ،‬وإمــا تعبــر عــن فكــرة»(‪ .)17‬والصــوت «أدة الفكــر وال وجــود‬ ‫لــه لذاتــه»(‪ )18‬خلصنــا إىل أن صــوت محمــود درويــش يعـ ّـر عــن رفــض فكــرة الســوط االصهيــوين املســلط عــى رقــاب الفلســطينيني والعــرب‪.‬‬ ‫محمــود درويــش‪ ،‬بصفتــه إنســاناً قبــل صفتــه شــاعرا ً‪ ،‬وجــد نفســه يف بحــث دائــم عــن الوطــن املوجــود والغائــب‪ .‬موجــود يســكنه غــره‪،‬‬ ‫وغائــب ال يســتطيع الشــاعر امتالكــه‪ .‬فــكان االمتــاك هاجســه‪ .‬ومــع بقــاء الهاجــس حلـاً مل يــرض الشــاعر املقــاوم إال أن يعيــش الصمــود ويرفــض‬ ‫الواقــع ويخــرج عليــه وعــى لغتــه فــأىب صوتــه إال أن يقطــع الســوط وميثــل انزياحـاً عــى املســتويات كافــة‪.‬‬ ‫رشح املصطلحات التي وردت يف البحث‬ ‫ ‪-‬املستوى الصويت‪ :‬الحروف‪ ،‬رمزيتها‪ ،‬تكويناتها املوسيقية (نرب – تنغيم – إيقاع)‪.‬‬ ‫ ‪-‬املستوى الرصيف‪ :‬الوحدات الرصفية‪ ،‬وظيفتها يف التكوين اللغوي واألديب خاصة‪.‬‬ ‫ ‪-‬املستوى املعجمي‪ :‬إحصاء الكلامت ملعرفة الخصائص الحسية والتجريدية – الدراسة األسلوبية‪.‬‬ ‫ ‪-‬املستوى النحوي‪ :‬تأليف الجمل وتركيبها وطرق تكوينها وخصائصها الداللية والجاملية‪.‬‬ ‫ ‪-‬املستوى الداليل‪ :‬تحليل املعاين‪.‬‬ ‫ ‪-‬املستوى الرمزي‪ :‬الدال الجديد‪ /‬املدلول الجديد (اللغة داخل اللغة‪ /‬الحيد(‪.)19‬‬ ‫أما يف ما يخص االيقاع فهي ثالثة مستويات(‪:)20‬‬ ‫ ‪-‬ترتكــز االيقاعيــة املقطعيــة إىل اعتبــار الوحــدات األساســية املكونــة لإليقــاع ثــاث‪ :‬املقطــع القصــر املك ـ ّون مــن صــوت متحــرك‪ .‬املقطــع‬ ‫الطويــل املك ـ ّون مــن صــوت متحــرك يعقبــه ســاكن أو صــوت متحــرك يعقبــه ســاكن‪ .‬املقطــع الزائــد الطــول يتألــف مــن صــوت متحــرك‬ ‫يعقبــه ســاكنان‪ .‬وتُحـ َّدد رسعــة املقاطــع كــا يــأيت‪ :‬املقطــع القصــر أرسع املقاطــع ثــم املقطــع الطويــل ثــم املقطــع الزائــد الطــول وهــو‬ ‫أكــر املقاطــع بطـأً‪.‬‬ ‫ ‪-‬ترتكــز االيقاعيــة النربيــة إىل التبطــيء الــذي يحدثــه نــر أحــد أصــوات الكلمــة‪ .‬والنــر هــو إصــدار أحــد أصــوات الكلمــة عاليـاً مضغــوط‬ ‫الهــواء الــذي يخــرج معــه مــن الرئتــن يف أثنــاء التلفــظ بــه‪.‬‬ ‫ ‪-‬ترتكــز التنغيمــة إىل النغــم الــذي تتصــف بــه قراءتنــا لســطر شــعري‪ ،‬اســتواء‪ ،‬أو هبوطـاً‪ ،‬أو صعــودا ً‪ .‬يهبــط النغــم يف نهايــة الســطر إذا مل‬ ‫يحتـ ِو تضمينـاً ومل يبــدأ باســتفهام بـ(هــل) أو (الهمــزة)‪ .‬فــإذا احتــوى الســطر تضمينـاً اســتمر النغــم عــى اســتوائه حتــى نهايــة التضمــن‪.‬‬ ‫أمــا إذا خــا مــن التضمــن وابتــدأ باســتفهام بـــ هــل أو الهمــزة فــإن النغــم يتصاعــد مــع نهايــة الســطر‪ .‬والتضمــن هــو أن يــأيت فعــل يف‬ ‫ســطر مــن األســطر الشــعرية ويتأخــر فاعلــه أو مفعولــه إىل األســطر األخــرى‪ .‬أو أن يــأيت املبتــدأ يف ســطر وخــره يف ســطر آخــر‪ .‬والتضمــن‬ ‫العكــي يكــون يف الســطر الــذي يــي تكملــة للمعنــى الــذي أثــاره الســطر الــذي ســبق‪.‬‬ ‫ض‬ ‫محا�ات ي ف‬ ‫� األلسنية العامة‪ ،‬ترجمة يوسف غازي ومجيد النرص‪ ،‬لبنان‪ :‬دار النعمان للثقافة‪ ،1984 ،‬ص‬ ‫سوس�‬ ‫ فردينان ده‬‫ي‬

‫ ‬ ‫‪17‬‬ ‫‪.19‬‬ ‫ المصدر نفس‪ ،‬ص ‪.20‬‬‫ ‬ ‫‪18‬‬ ‫() راجع بهذا الصدد‪ :‬صالح فضل ‪ ،‬بالغة الخطاب وعلم النص‪ ،‬عالم المعرفة الكويتية‪ ،‬العدد ‪164‬ن ‪ ،1992‬ص ‪.319‬‬ ‫‪ 19‬‬ ‫‪ ) ) 20‬راجع بهذا الصدد‪ :‬علي زيتون‪ ،‬النص الشعري المقاومفي لبنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.139‬‬



‫بال عنوان‬ ‫فوزية عبدالوي‬

‫منذ أن توقفت شفتا أبي‬ ‫عن التغريد بالصالة واألغاني‬ ‫سقطت أهداب الحقول‬ ‫صارت الفراشات لونا واحدا‬ ‫وانغلقت مخارج الدروب‬ ‫لن أقرع بواباتك أيها البكاء‬ ‫ألني فقدت دموعي كلها‬ ‫على أعتاب قبر أشتهيه مزهرا‬ ‫يتبول عليه الهاربون من الصحو‬ ‫ال َ‬ ‫وال يبيع لشاهده الرخامي الفقهاء‬ ‫المرة‬ ‫آيات التأبين َ‬ ‫وأناشيد رثَة عن محكمة السماء‬ ‫أنا أرملة قرن الصواريخ والقمل‬ ‫أشهق كل مساء من سيل الشيب‬ ‫وزخَات التجاعيد على خ َد يحلم بالربيع‬ ‫تشدو حمرته الغائضة‬ ‫لمواكب األسمال والجوع‬ ‫لنساء متدلَيات كاألغصان البريَة‬ ‫عند مداخل شرارة النشوة‬ ‫حامالت صكوك عفتهنَ المغتصبة‬ ‫كأرائك عطنة تفرض نفسها على الرحيل‬ ‫لن أتقبل عزاءك يا أبي من القتلة‬


‫ولن أحمل كفني في درب الركوع‬ ‫لي ثأر سآخذه من ثكنات السبحات‬ ‫ومن شقوق مقابر الزيتون والكرم‬ ‫فأمواج القرى المهجورة‬ ‫واللحوم النازحة نحو العملة السهلة‬ ‫والتراب المعتقل لألعراس واألعياد‬ ‫لم يهادنوا مالءتي السوداء‬ ‫وأزرارها المفتوحة على البحر والثلج‬ ‫كن وطني يا وطني لحظة العبور‬ ‫ث ًم كن وطن الياقات النظيفة كقطن‬ ‫والسيارات التي تأكل الطرقات والبشر‬ ‫فال حلم لي غير قبر ناء‬ ‫تحضنه كأم ثكلى‬ ‫حدائق الياسمين واألرنج‬ ‫ويغني لصمته صعاليك الحضارة العمياء‪...‬‬




‫المالئكة تزف الشاعرة كزال ابراهيم الى السماء‬ ‫د‪ .‬رياض الدليمي‬ ‫الشاعرة الكردية كزال ابراهيم تنعيها الورود وكرات الثلج وشقائق النعمان انها بنت‬ ‫اعشاش العصافير ودمى الحروف ورهافة نسائم الربيع تودع روحها انيسة لطبيعة‬ ‫كردستان مكانا ابديا بجوار نيران كاوه الحداد والشيخ محمود الحفيد وعبدهللا كوران‬ ‫‪ ..‬انها شهيدة الكلمة والعفة والصمت على البلوى والمصائب وضيق الحال ‪ ..‬كانت‬ ‫تصنع الصبر خبزا ألوالدها ولم يشكوا ‪ ..‬بل كانوا يشربون عسل اناملها فصاموا‬ ‫دهورا وهم يشدون بطونهم لكي ال يسمعون امهم كزال ضجرهم وسقمهم من هذا‬ ‫الحال ‪..‬‬ ‫اقول لك ياكزال‬ ‫((أَأ َ‬ ‫األرض‬ ‫ضرب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫أم أَركضها ؟‬

‫ضفائرك‬ ‫ت تقصين‬ ‫وأن ِ‬ ‫ِ‬ ‫تحملينَ الزعفرانَ‬ ‫ْ‬ ‫والتوبة‬ ‫أُ‬ ‫ب ووج ِه‬ ‫طرطش الما َء على جن ِ‬ ‫ُ‬ ‫الرمان‬ ‫بسياط‬ ‫ع‬ ‫ألذ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تلك اللحظ ِة‬ ‫أصبر‬ ‫ُ‬ ‫وأقهقهُ‬ ‫واألنيس‬ ‫الوقت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫واألحالم لئال تهربْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫أن ِ‬ ‫تمنحينَ حياة ً لمن ال يرغب‬ ‫القصور‬ ‫تتخفين بين‬ ‫ِ‬ ‫باكيةً صبري‬


‫كانوا يقولون‪:‬‬ ‫حين تبكي المرأة‬ ‫تنتهي البسمات‪،‬‬ ‫وتيبس األرجاء‪،‬‬ ‫وللحظات تصمت الجبال‪...‬‬ ‫للشاعرة الراحلة الكثير من اإلصدارات األدبية بلغت ‪ 24‬ديوانا شعريا باللغة‬ ‫الكردية‪ ،‬منها (شذرات من العشق) و (يدي مآلى بالمطر) اضافة الى االعمال‬ ‫الكاملة‪.‬‬ ‫تُرجمت دواوينها الشعريّة إلى اللغات الفارسية‪ ،‬والالتينية‪ ،‬والعربية‪ ،‬وبعض‬ ‫والروسية‪ ،‬واالسبانية‪.‬‬ ‫قصائدها الى اللغة االنكليزية‪ ،‬واأللمانية‪ّ ،‬‬ ‫لها ديوان شعري مترجم إلى العربية بعنوان “عين للعشق حضن للمحبة”‬ ‫ولها ديوان شعري مترجم الي اللغة الفارسية‪.‬‬ ‫حصلت على العديد من الجوائز واالوسمة وشهادات الشكر والتقدير وقدمت‬ ‫العشرات من رساالت الماجستير والدكتوراه النقدية في جامعات اقليم كوردستان‪.‬‬ ‫وحصلت على المركز األول في الشعر عن ديوان «قصبة قلعةدزة» وتسلّمت‬ ‫الجائزة عن هذا المركز من وزير الثقافة العراقي‪.‬‬ ‫حصلت على المركز السادس في الشعر في دولة مصر‪.‬‬ ‫حلصت‪ ‬على ‪ 110‬جائزة و ّ‬ ‫شهادات تقديريّة في الكثير من الدّول العربيّة‪.‬‬ ‫األول‬ ‫في مجمل المسابقات األدبيّة الّتي شاركت فيها‪ ،‬حصلت ‪ّ 20‬‬ ‫مرة على المركز ّ‬ ‫مرة على المركز‬ ‫مرة على المركز الثالث و‪ّ 12‬‬ ‫مرة على المركز الثاني و ‪ّ 18‬‬ ‫و‪ّ 35‬‬ ‫الرابع‪.‬‬ ‫مختارات من قصائد كزال ابراهيم خدر‬


‫وبلواي‬ ‫ّ‬ ‫تجودينَ بالروحِ عني‬

‫ت‬ ‫فتخج ُل ك ّل الفضاءا ِ‬ ‫خلقك اللحظة‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫جدائلك‬ ‫فتمطر على‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫صحف األنبياء‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وعروش الطواغي ِ‬ ‫َ‬ ‫صبري‬ ‫تتوددينَ َ‬ ‫عمرك‬ ‫تد َّخرينَ‬ ‫ِ‬ ‫ضفائر‬ ‫َ‬ ‫وقمحا ً‬ ‫لمرحِ الينابيع‬

‫انسجي‬ ‫حروف الرواةِ‬ ‫َ‬ ‫أسرابا ً من بع ِد‬ ‫صبرك‬ ‫أطعميني جرعات‬ ‫ِ‬ ‫شهدا ً‬ ‫وجنات ُخل ٍد ))‬ ‫كزال ابراهيم ابنة ‪ 1‬مارس ‪ 1968‬تكتب للحب والورد والفرح القادم نسجت‬ ‫ألوالدها ومحبيها بيوت احالم وامان بغد اجمل ‪..‬‬ ‫رسمت الوان الجلنار على فم الصباح فكان شهيا للقبل ولذيذ النشوى لكل من يبحث‬ ‫عن الجمال واالمل ‪ ..‬لقد طرزت ايامها محبة لآلخر فكانت الهة جمال وحب‬ ‫وطمأنينة ‪ .‬فتوسدوا دواوينها وركبوا بساط احالمها فتجوا وعبروا كل دروب الكره‬ ‫والفتنة ومسالك القتل التي حالت دون تمزيق وطنها ‪ ..‬انها حمامة سالم وجسر‬ ‫تواصل بين ثقافات بلدها العراق لقد احبها العرب والتركمان وااليزيد بقدر حب‬ ‫الكرد لها فماتت ولم تمت اجنحتها وهي ترفرف في سماء العراق ‪ ..‬تفخر بنفسها‬ ‫ألنها امرأة فتقول ‪:‬‬


‫وانا أسمي هذا الوطن‬ ‫‪4‬‬ ‫في طفولتي‬ ‫كنت شديدة الكره للعاصفة‬ ‫في احد االيام‬ ‫جاءت عاصفة‬ ‫سرقت مني دميتي‬ ‫ولكني اآلن‬ ‫كلما هبت العواصف‬ ‫أشتهي فرحا ُ‬ ‫اقول ربما هبت من لدنك‬ ‫يترشح منها أريجك‬ ‫‪5‬‬ ‫يقال ان القمر ال يتقن الغناء‬ ‫هذه الليلة أنا والقمر‬ ‫غنينا حتى الصباح‬ ‫هو غنى للنجوم‬ ‫وانا غنيت لعينيك‬ ‫‪6‬‬ ‫هيا استمع الى لوني‬


‫ترجمة «لطيف هلمت‬ ‫شعر»كه زال ابراهيم خدر‬ ‫‪1‬‬ ‫حين وجدتك‬ ‫كنت تلة تحولت الى جبل‬ ‫كنت نبعا ً فأصبحت بحرا ُ‬ ‫كنت ليلة قاتمة‬ ‫فأصبحت صبحا منيرا ُ‬ ‫كنت طيرا ُ في قفص‬ ‫عدت الى أعالي أغصان األشجار‬ ‫ألنثر النغمات الحلوة واألغاني‬ ‫‪2‬‬ ‫كالنا‬ ‫أنا وأنت‬ ‫سجينان‬ ‫انت سجين التقاليد‬ ‫وانا سجينة الخوف‬ ‫‪3‬‬ ‫وطني‬ ‫شوارعه مفعمة برائحة الهلع‬ ‫وأياديه مثقلة برائحة الخيانة‬ ‫والسنته ملئية باألكاذيب‬


‫ألنك لم تتمكن من تعلم لغة االنهار‬ ‫كي تنقذك من االمواج‬ ‫وتوصلك الى جنبي‬ ‫انا المتهمة‬ ‫ألني من اجل تناول حفنة من السنابل‬ ‫ابعدت الطيور‬ ‫‪8‬‬ ‫ما بأيدينا‬ ‫فأحالمنا الماضية‬ ‫لن تسطيع الطيران‬ ‫والوصول الى أي بستان‬ ‫ودموع الطفولة‬ ‫تجهل العودة الى خاليا الضحك‬ ‫ماذا أفعل بأناملي الذابلة‬ ‫لم تستطع ان تكتب «»كن حبيبي‬ ‫وماذا افعل بشفاهي ولساني‬ ‫لم تجرأ احداهما ان تقول لك «‬ ‫كن عشيقي‬ ‫‪9‬‬ ‫عبر أرواح ليلة بيضاء‬ ‫وعبر قلوب نارية‬


‫أنا اتكلم معك بلوني‬ ‫تصفح اوراق الهوى‬ ‫ان سمعي ال يفقه االّ الحب‬ ‫انت تريد أن تغمرني بالسعادة‬ ‫بنظراتك األخيرة أمنياتي‬ ‫اذهب‬ ‫فأنا لن أحلم بك ابدا ُ‬ ‫لن احلم‬ ‫بمن يجهل جلّنار الحب‬ ‫‪7‬‬ ‫كالنا واقفان امام محكمة‬ ‫ألحاكم فيها‬ ‫أي منّا متهم‬ ‫في هذه المواجهة‬ ‫أنت كنت عابر سبيل‬ ‫تجهل الطرقات الجانبية‬ ‫تلك التي توصلك‬ ‫الى مركز القلب‬ ‫وانا كنت راعية‬ ‫لم استطع ان ابلل حنجرتك‬ ‫بقطرات من الحليب‬ ‫انت المتهم‬


‫ضفائر سيدة األنوار‬ ‫‪12‬‬ ‫أنا دمعة‬ ‫وأنت مئات الدموع المتناثرة‬ ‫هاتين العينين اريدهما للحب‬ ‫وليس لرؤية الكوابيس‬ ‫في الليالي المزعجة‬ ‫‪13‬‬ ‫في الحب ولدت‬ ‫ولكني أجهل تعريف الحب‬ ‫نعيش في واقع‬ ‫تساوت فيه الحياة والموت‬ ‫‪14‬‬ ‫ماذا نفعل يا عزيزي‬ ‫حين تذبل الورود‬ ‫لن تتالصق مرة ثانية‬ ‫مع األغصان‬ ‫وحين نكتب اآلالم‬ ‫لن تمحيها‬ ‫لذائذ مئات القبالت‬


‫وعبر تثاؤب ليلة هادئة‬ ‫خطوت‬ ‫فوصلت بستان قلبك‬ ‫وحلمت بحمامة براعم وردة شفاهك‬ ‫وتحولت الى مساء من مساءات المدينة‬ ‫فجذب انتباهي فنان‬ ‫فتحولت الى ظالل اشجار الطرقات‬ ‫‪10‬‬ ‫تشبه ظالم قمر قلبي القاتم‬ ‫وحين أرى‬ ‫شفتيك المغمورة بالخمر‬ ‫تمتلئ بالضحك والبسمات‬ ‫تتحول احاسيسي الى فراشة‬ ‫وحياتي تتحول الى يراعات تحوم‬ ‫حول اضواء تلك االقواس القزحية المشردة‬ ‫‪11‬‬ ‫بأناملي‬ ‫اكتب ضباب غمزات جراحاتي‬ ‫احول النجوم الى اشعاعات خالدة‬ ‫وامنح الخضرة األبدية لغاية‬ ‫وألملم‬



‫أصواتنا ليست ملكنا‬ ‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫تتغ�‬ ‫ثوابت‬ ‫أحد يتوهّ م أن‬ ‫“أصواتُنا ملكُ‬ ‫أرواحهم ‪ ،‬وحياتُنا وفا ٌء لذكريا ِتهم أبد الدهر ‪ ،‬فال َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الروح ي ّ‬ ‫ِ‬ ‫وتتبدل عند رفاه ّية الشعوب‪”.‬‬ ‫الزمن ّ‬ ‫مع ِ‬ ‫مرور ِ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫و�‬ ‫كب� ف ي� مجتمعاتنا‬ ‫ال� تجري ي� أغلب أصقاع بالد العالم وبتفاوت ي‬ ‫ّ‬ ‫العربية ي‬ ‫ي� ِّكل المناسبات االنتخابية ي‬ ‫ن‬ ‫اللبنا�‪ ،‬يدفع الشعب ِّ‬ ‫والمعنوي تل�جيح كافة‬ ‫المادي‬ ‫لك يحشد ّكل الدعم‬ ‫مجتمعنا‬ ‫بكل طاقته إ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫اليجابية ي‬ ‫ين‬ ‫والمتحالف� معه وعند االنتهاء منها ال يبقى له إال‬ ‫السياس أو ذلك أو لبعض مرشحيه‬ ‫الربح لهذا الفريق‬ ‫ي‬ ‫الطاقة السلبية لذلك تراه محبطاً طوال هذا الوقت ت‬ ‫ح� موعدها القادم ‪.‬‬ ‫ُّكل هذا ناتج عن خيبات أ‬ ‫المل ت‬ ‫ال� يحصدها هذا الشعب‬ ‫شع� ‪ .‬ألنّه يتوقع‬ ‫بعد ِّكل استحقاق ب ِّي‬ ‫ي‬ ‫انتخا� أو ب ِّي‬ ‫متقدم ‪ ،‬ف ي� مرك ّز يحسدون عليه بفضل هذا الناخب‬ ‫الكث� من نوابه أو مسؤوليه الذين أصبحوا ف ي� مركز‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الدستوري عىل أكمل وجه بغض النظر عن‬ ‫الكريم الذي يؤمن ويعتقد أن صوته كان فاعال ً وأنّه قام بواجبه‬ ‫ِّ‬ ‫االق�اع ودستوريته وعن وعي الناخب ومستواه ف‬ ‫طريقة ت‬ ‫الثقا�‬ ‫والفكري دون إغفال المنطلق العقيدي الذي‬ ‫ِّ‬ ‫ي ِّ‬ ‫يتحكّم ف� عملية اختيار ممثليه وإىل أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تحيط به‪ ،‬والخوف من القادم‬ ‫قليمية‬ ‫الوضاع‬ ‫المحلية إ‬ ‫ّ‬ ‫وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫والدولية ي‬ ‫ن‬ ‫الجسدي ‪ ،‬وإلغائه نهائياً من الوجود‬ ‫والعي� وتهديده‬ ‫النفس‬ ‫المجهول الذي قد يؤدي إىل زعزعة استقراره‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ي ِّ‬ ‫بيد ش‬ ‫بيد الخالق «‬ ‫الب� وليست ّ‬ ‫مص� الشعوب ّ‬ ‫كأن ي‬ ‫ّ‬ ‫مخ� وليس ُمس ي�اً منذ الوالدة ت‬ ‫ادي ‪،‬‬ ‫ح� لحده‪،‬‬ ‫نعم إ‬ ‫ولكن عوامل ي‬ ‫ّ‬ ‫ادي ومنها يغ� إر ِّ‬ ‫كث�ة منها إر ِّ‬ ‫َّ‬ ‫النسان ي ّ ُ‬ ‫وغ� المتنورة‬ ‫عالمية والقواعد‬ ‫كلياً بالمنظومة إ‬ ‫الشعبية المتنورة ي‬ ‫ٌ‬ ‫ال ّ‬ ‫تجعله يخضع لها ويصبح مرتبطاً ارتباطاً ّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ال‬ ‫السياس‬ ‫السياس أو‬ ‫ال� يملكها هذا الحزب‬ ‫ِّ‬ ‫الفردي دون أن يشعر أنّه أصبح ضمن هذه الهمروجة ي‬ ‫ي‬ ‫ي ِّ‬ ‫ي ِّ‬ ‫تملك رؤى واضحة للمستقبل القريب والبعيد لعامة هذا الشعب ومصلحة البلد ومواقفها السيادية فيما‬ ‫العر� ‪.‬‬ ‫يتع ّلق بأمن وسيادة الدولة وحدودها وارتباطها‬ ‫ِّ‬ ‫القومي مع محيطها ب ي ِّ‬ ‫وال�بية الذاتية والفكر الواعي واالنفتاح عىل آ‬ ‫ف‬ ‫إن أهمية الثقافة ت‬ ‫جيل يستطيع‬ ‫الخر ف ي� غاية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫االهمية ي� تكوين ٍ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫الكث� من‬ ‫ال� تصادفه ي� الحياة واالنتقال إىل مراحل أك� صعوبة ومتشعبة وفيها ي‬ ‫أن يتغ ّلب عىل الصعوبات ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تدمر المجتمعات وتسمح‬ ‫العلمي‬ ‫التحدي‬ ‫ّ‬ ‫والتكنولوجي من أجل الصمود واالنتصار عىل الذات الجاهلة ي‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ض‬ ‫لكل عنارص الفو� الخالقّة أن تجتاح ضمائرنا‪ ،‬وتصبح مقبولة من هذا المجتمع الذي يسعى إىل إشباع‬ ‫ومص� وطنه وأمته‪.‬‬ ‫الغذائية أوال من ّثم تخمة جيوبه بالمال والحقاً يفكّر بمستقبله ومستقبل أوالده‬ ‫غريزته‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّكل هذه العوامل تدخل ضمن المنطق ش‬ ‫الب� ّي ولكن الحياة لها عناويها وال تنتظر م ّنا تحقيق أمنياتنا وفيما‬ ‫ف‬ ‫إستقاللية النفس ‪:‬‬ ‫وأشد ُد عىل‬ ‫بعد نبحث ي� خيارات الحياة ‪ .‬لهذا أقول ّ‬ ‫ّ‬



‫“كونوا عناوين أنفسكم ف� الحياة‪ ،‬وال تكونوا عناوين آ‬ ‫الخرين ‪ ،‬فكلكم من نسل آدم ‪ ،‬وآدم من تراب «‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫الوجودي للخالق والمؤقت لمخلوقه‬ ‫اليمان ذا البعد‬ ‫خوف من ال ت ي� ‪ ،‬إذا أمتلكنا إ‬ ‫بجد دون ٍ‬ ‫علينا العمل ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والثنيات والقليات وال ثك�يات والديان‪،‬‬ ‫والبعد‬ ‫يتعدى الحدود والجغرافيا والقوميات إ‬ ‫الفلسفي الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫خال� إ ن‬ ‫عندها فقط نستطيع أن‬ ‫نسا� للتحرك بمنتهى‬ ‫نكون حيث يجب أن نكون وحيث يدعونا واجبنا ال ي ِّ‬ ‫وال ي ِّ‬ ‫أ‬ ‫والعالنية لنّه تحركٌ مرسوم المعالم والتوجهات وتحت عيون الرحمن ومضمون النتائج‬ ‫والشفافية‬ ‫الحرية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫وغ� المرئية‪ .‬علينا التوقف عن لوم القدار عند ّكل معضلة تصادفنا ‪.‬‬ ‫المر ّئية ي‬ ‫ن‬ ‫وليد القدر ‪ ،‬وال يفكّر بلوم من‬ ‫يؤسف� القول ‪ّ ”:‬‬ ‫أن شعباً ُ‬ ‫يلوم القدر إىل ما آلت إليه حاله ‪ ،‬وينىس أنّه ُ‬ ‫ي‬ ‫هم أوصياء عليه خارج والدة أفكاره»‬ ‫ال�يف عند ِّكل استحقاق انتخا� وما تؤول إليه أ‬ ‫ف� كث� من أ‬ ‫الحيان نلوم المواطن البسيط ش‬ ‫المور من نتائج‬ ‫ي ي‬ ‫ب ِّي‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫النتخابات‬ ‫الفردي‬ ‫عكسية عىل الصعيدين‬ ‫ال� ض ّللته قبل وعند وبعد إ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫والجماعي ‪ .‬ونتجاهل ك�ة الرايات ي‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫أن الراية الوحيدة‬ ‫لذلك أيها المواطن العزيز ال�يف إعلم أنه ك ّلما ّ‬ ‫تعددت رايات الهدى عند االنتخابات تأكد ّ‬ ‫الحق ‪ ،‬والحمد هللا ك ّلها رايات صادقة خارج االنتخابات ومضللة عندها ‪ ،‬فيا‬ ‫الصادقة والمنترصة هي راية ِّ‬ ‫ف‬ ‫خوف ‪ ،‬فالتكرار يوصل‬ ‫أيها المواطن ال تبخل بصوتك وتبقى مقيداً ي� بيتك ‪،‬‬ ‫وع� عن حقكك دون ٍ‬ ‫بل أخرج ب ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫التخل عن قناعاته الشخصية لنّها ملك له حفظتها ش�يعة السموات والرض»‬ ‫إ‬ ‫النسان إىل مبتغاه دون ّ ي‬ ‫ش‬ ‫االنتخابية أن ال يدفع ِّ‬ ‫ب� ٍء منها ‪ ،‬خوفاً من‬ ‫ن يّإ� أدعو الشعب ف ي� المناسبات‬ ‫اليجابية إ‬ ‫بكل طاقاته إ‬ ‫ّ‬ ‫والحتفاظ ي‬ ‫سيطرة الطاقات السلبية عليه بعد االنتخابات ‪ ،‬ت‬ ‫النخابات‬ ‫الحباط طوال تف�ة ما بعد إ‬ ‫ح� ال يسيطر عليه إ‬ ‫ت‬ ‫ح� موعدها القادم ‪ ،‬ي ن‬ ‫سن� ستلقي بضاللها عىل نفسية وحياة ومستقبله ومستقبل أجياله ومستقبل الوطن‬ ‫بالمفهوم‬ ‫يتعدى الحدود ألننا جز ٌء ال يتجزأ من منظومة واحدة تحافظ وتدعم استقرارالبالد‬ ‫القومي الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية والشقيقة والصديقة ّ‬ ‫الحر المستقل‪.‬‬ ‫والشعوب‬ ‫ّ‬ ‫وكل شعوب العالم ّ‬ ‫المل تلوح أ‬ ‫نإ� أرى بوادر أ‬ ‫ال� ضحت ف� ض‬ ‫بالفق كنتيجة حتمية للدماء الزكية ت‬ ‫الما� البعيد والقريب وال زالت‬ ‫يّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫جداد‪ ،‬أ‬ ‫حفظ أمانات الأ‬ ‫والنبياء والرسل ال�ت‬ ‫واستقاللية الشعوب وصون و‬ ‫تضحي من أجل سيادة الدول‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� خدمة ِّكل شعب مؤمن باهلل‬ ‫حملوها معهم منذ اختيار هللا لهم ‪ .‬مواثيق ومبادئ صالحة لكل الزمنة ي‬ ‫لك يكون مخ ّلص ش‬ ‫الب�يٌة من العبوديّة والظالم‬ ‫وبالعدل إ‬ ‫اللهي وبظهور ِّ‬ ‫الحق عىل ّ‬ ‫يدي من اختارته السماء ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫نحواالستقاللية والحريّة والعبوديّة الخالصة هلل الواحد الحد‪ .‬يإ� أرى المستقبل واعداً بدماء‬ ‫والس� بها‬ ‫ي‬ ‫أ ّ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫حرة الفكر‪:‬‬ ‫ال� تغذي الرض من أجل والدة نُخب ّ‬ ‫ال�فاء ي‬ ‫تطل أعناق العقول من عىل منابر أ‬ ‫إن ترسيع هذه ال ُنخب المستقبل ّية يكمن عندما ُّ‬ ‫الحرار عند امتالك‬ ‫“ ّ‬ ‫الرادة للجم عبيد الذات ‪.‬‬ ‫إ‬


Rest in Peace Dear.... The Poet -- Kazhal Ibrahim


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.