طائر الفينيق
August 2018
م ج ل ة أ دبي
ة ث قا
ف َّي ة ف
كر ةي
فلس
ُ ُ أصواتنا ليست ملكنا د.حسن فرحات
ُ َ َ ْ ن وي� تعيدين تك ي الدليم د.رياض ي
ُ ّ كيارا :الشمعة العارية د .أسماء غريب
العصيان
د.هويدا ش�يف
إشكالية النقد النص ي ن ب� النظرية والتطبيق ي عل قادرة د.غيثاء ي
فية
اكتفيت من غبار الحروب ندى م عادلة دالالت الخطاب الصوفي في : ديوان د .أسماء الغريب ( 99قصيدة عنك ) الجزء االول رياض ابراهيم الدليمي كاتب واعالمي العراق رسالة تذروها الريح ( ) ١ امال قاسم «ربّـما» د .يسرى بيطار مرآتي مرام عطية النوستالجيا د .هويدا شريف فلسفة الخطاب االستشراقي الحديث في القراءات العربية عامر عبد زيد الوائلي الجزء الثالث/ استاذ الفلسفة جامعة الكوفة
ا لمحتو يا ت ُ َ عيدين َت ْك ن وي� ت ي الدليم افتتاحية العدد :د.رياض ي كيارا :الشّمعةُ العارية * د .أسماء غريب إشكالية النقد النصي بين النظرية والتطبيق د.غيثاء علي قادرة العصيان د .هويدا شريف أنا آسفة إكرام عيد ال أدري د .هويدا شريف
عنوان فوزية عبدالوي المالئكة تزف الشاعرة كزال ابراهيم الى السماء د .رياض الدليمي أصواتنا ليست ملكنا
رئيس التحرير
د .حسن فرحات
العزف بكرسي قاسم سعودي اسماعيل ابراهيم عبد الحقوق والحريات يف اإلسالم //
محمد طي أو تأسفين ؟ مازن الطباع من ديوان (لمن يبكي التراب) قَبَ ُ س األ َ ْر َواحِ شعر :أحمد عبد الرحمن جنيدو النص المسرحـــي آخــــر النــــاس إعــــداد الكاتبة المغربية فوزية بندادا قراءة بنيو ّية ( ألسنية – سيميولوج ّية) لقصيدة «صوت وسوط» لـمحمود درويش مهاد نظري د .هدى املعدراين
َ ُ ْ َ ن وي� ك ت عيدين ت ي الدليم د .رياض ي
افتتاحية العدد
من رتق األرض شماال وجنوبا وأقطابا باردة
وأخرى مشتعلة ض يانعة وخ�ة وقش سهوب من ٍ ٍ ٍ ٍ وجذور الحناء ِ وبقايا صدور اليمام ن تكوي� تعيدين ي بمزاج ث أن� ابتالها الفراق ونآها الربيع ين بالحن� بقلبها الموجوع ّ الندية بهريس نيسان بأناملها بأثر قبضتها عىل عجينة جسدي ثلثاهكالكامش
وآخر جندي مجهول الصفات ف سقط ي� حروب الجغرافيا وبشهادة التاري ــخ ُ تعرص عىل جلدي المنسوج بأناملها ومشيئتها
ين السن� ركام ألوان الفصول مآثر المغول قناطر دجلة الهاوية عىل أثداء الموج ف وقاحة الغبار ي� لحظات الخلق ً ً أبدو رجال خارقا َ ً محررا لسبايا األيزيد مواسيا لبنات مريم
ف ثائرا عىل عرش مغتصب ي� األندلس اس�طة أ� الهاربة اىل ب وبردة ب ي ُ َ ّ ْ هكذا أريد يل ان أكون ْ ف ي� ليلة أعدت بوجع المخاض ُ ن م� أنا المسلوب ي ّ المكب ُل بالرموش والمسحون بالمزاج خاو من أناي ٍ ف ي� لحظة انفالق األكوان وصهيل أعوام عجاف ً ث تبع� ن ي� ألواحا ال تقرأ بج�وت امرأة واسطورة كتبت ب
كيارا :الشّمعةُ العارية * د .أسماء غريب سبْعْ ، ْ لكن حدث لي 1979 والتعري بامتياز ،صحيح أنّني ل ْم أكُ ق ْد تجاوزتُ آنذاك سنواتِي ال ّ ّ كانت في حياتي سنة العُري ِ ً ً ُ ْ فذات تجردا من ك ّل شيءٍ ؛ َ من الوقائع والمشاهد ما ال يصدّقهُ بشر ،عرفتُ من خاللها معنى أن يكونَ اإلنسان عاريا و ُم ّ صباحٍ بينما كنتُ بصدد مغادرة المنزل قاصدة المدرسة ،فتحتُ الباب وإذا بي أج ُد امرأة ُمسنّة جالسة عارية كما ولدتها ْ وكانت منهمكة في تمشيط شعرها بمشط طويل قديم رفيع األسنان .ارتعبتُ في البداية من المنظر القاسي أمام العتبة، أ ّمها َ ُ على قلبي ،إال ّ أن المرأة حاولت أن تهدّأ من روعي بكلمات قالتها بوجه بشوش وعينين ثاقبتين« :ال تخافِي يا ابنتي، ُ ئ عظامي بأشعة الشمس المتوهجة ُهنا». فإنّي ل ْم ِ ي أأمنَ من عتبة هذا البيت ك ْي أمشط فيها شعري ،وأ ْدفِ َ أج ْد في هذا الح ّ الخوف واالرتباك« .ألنني ال أخاف من شيء ،وال يراني أحد» .أجابت ذهب عنّي «ولماذا أنت عارية؟» سألتُها وقد ُ َ بصوت خفيض ،وهي تحاو ُل قت َل قملتي ِْن سقطت َا من المشط فوق منديل رأسها األبيض الذي كان ال يُغطي من جسدها إليك ،وفيهم من األول من الفخذين« .أن ِ ت مخطئة يا سيدتي ،كل الناس في الشارع ينظرون ِ سوى منطقة العورة والجزء ّ ْ يضحك من منظرك ،أرجوك استري نفسك» ،ثم نزعت معطفي ورميتُه فوق صدرها ،لكنها رمتهُ فوق األرض ،وقالت يتعرى مثلي؟» .ابتسمتُ وقلتُ من جديد« :وهل أولئك ناس ،هل هم من أبناء آدم؟ أنا ال أراهم .هل فيهم من يستطيع أن ّ في خاطري[ :طبعا ال ،وهل ُهم مجانين مثلك؟] ،ث ُ ّم غادرتُ المكان قاصدة مدرستي وتركتُها وشأنها حينما فهمتُ أال ث َمعَ َها. جدوى من الحدي ِ َ مارة بأح ِد الشوارع ومرت األيا ُم سريعة، وحدث لي في ال ّ سن ِة نفسها ما ل ْم ي ُكن في ال ُحسبان ،ذلك أنني حينما كنتُ ّ ّ رأيتُ فيها النور قاصدة منزل جدّتي ،إذا بفتاة عارية تماما تعبر الشارع من الجهة األخرى بسرعة الرئيسة للمدينة التي ْ البرق ،وما ْ ْ ي بعصا طويلة كانت في يدها ،وضربتنِي بها ضربة قوية على ظهري. إن أصبحت بقربي حتى هوت عل ّ ي من صوتٍ ،ول ْم أد ِْر كيف انتزعتُ العصا من يدها وضربتُها كما ضربتي على ظهرها ،دون أن صرختُ بكل ما ف ّ كانت تُش ُّع من عيني َها .فقد كان جليا أنني أمام فتاة مجنونةٍ ،وقبل أن أستيق َ ْ ظ من هول أخاف من موجة الهستيريا التي ْ المفاجأة سمعتُ الناس يصرخون في الشارع من حولي[ :انتبهي إنها مجنونة ،لقد هربت من المستشفى] ،ث ّم رأيتُ بعد ذلك جمعا من الممرضين يركضون خلفها محاولين اإلمساك بها لوضعها في السيارة ثم أخذها إلى المص ّحة العقلية التي ْ يٍ: كانت ال تبعد كثيرا عن الشارع الذي كنتُ فيه .لكنّني قبل أن أبتع َد عنها، ُ أذكر أنّ َها قالت لي ضاحكة بشكل َم ِ رض ّ ُّ عب في ال ّ وأضرب الناس ،لكن ال أحد سبق له شارع، أهرب لهم من المصحة، عليك ،أنا من حين آلخر «برافو ُ ُ ِ وأبث ُّ الر َ ت أيتها الصغيرة .كم عمرك؟ هيّا قولي؟ وإلى أين أنت ذاهبة؟ آه عرفت، تجرأ قبل اليوم على ر ّد الضربة لي كما فعل ِ أن ّ ّ ّتك .ال تنسي أن تسلمي عليها وتقولي لها :إنك ستصبحين كاتبة عظيمة ،خبيرة بأهل العرفان والجنون .آه نسيت إلى جد ِ ع الخوف والفوضى بين هؤالء الناس أن أقول لك :أنا لستُ بمجنونة ،لكن هوايتي أن أمثل دور المجنونة؟ أحبُّ زر َ ّ األشقياء القانعين بحياة الخمول ،وحياة الحجب عن الملكوت .تبّا لهم ،ال يعرفون كيف يشغلون عقولهم وال كيف يحبّون بقلوبهم .آآه لقد ضجرتُ من ُهم ،وضجرتُ من كل هذه الدنيا البئيسة». ْ ْ قالت لي إنني علمت بأنّني ذاهبةٌ عند جدّتي ،وال لماذا أعرف كيف ج ّمدتني كلماتُها في مكاني ،وال أعرف من أين ال ُ سأصبح كاتبة! كنتُ في تلك اللحظة ْ ي آخر غير ذاك الذي كنتُ فيه حقيقةً ،وكان ك ُّل كمن ُ ي ومكان ّ يعيش في بُعد زمن ّ والتعري .وأصبحتُ منذ ذاك س ِّن .وشعرتُ وكأنني أفهم لماذا العُري شيء يُح ّدثُني بلغ ٍة أفهمها جيدا وإن كنتُ صغيرة َ ال ّ ّ التعري أمام المأل ،ف ُهم في عرف العا ّمة مجانين يدعون إلى ال ّ شفقة ،و ُهم في الناس الذين يستطيعون الحين ال أخشى ّ َ ب مطمئن سليم مشهدا آخر كانَ عرفي غير ذلك تماما .حتّى أنني استطعتُ بع َد شهر من حادثة هذه الفتاة أن أتقبّل بقل ٍ الجو قائظا ي لجلب خبز البي ِ ت منهُ ،كان ّ لرجل رأيتُه هو اآلخر عاريا حافيا كما خلقه هللا وأنا بصدد الذهاب إلى فُرن الح ّ المارة ،وك ّل أبواب المنازل مغلقة، ساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال ،وكان الزقاق المؤدي إلى الفرن خاليا منَ وكان ِ ت ال ّ ّ إال بيتا واحدا ،كان يوج ُد في الدور األرضي ،كانت له نافذة تط ُّل على الزقاق ،وقد كانت ُمنخفضة جدّا لدرجة أنني رأيتُ يتعرى كامال في سريره ،ويخر ُج مباشرة إلى الزقاق .ل ْم ي ْنتبِه لوجودي ،فقد كان مرفوعا ً و ُمغيّبا ً في منها الرجل وهو ّ ّ ْ ُ كنتُ بقيتُ فيه. لذاك الذي الخاص ،لكنني عالمه أنظر من بعي ٍد إلى أين هو ذاهب ،حتى ابتلعه الزقاق الموازي َ ّ ي شيء مما رأيتُ كما هي عادتي في مثل هذه ي ،ولم أح ّدِث والدتي بأ ّ عدتُ إلى البيت ولوحةُ الخبز الخشبيّة بين يد ّ المواقف التي ال يُصدّقها عقل وال تخ ُ ط ُر على بال بشر ،فقد كنتُ منذ صغري أخشى عليها من ال َمشاهد الحساسة، وعلى قل ِبها المرهف من أشياء ال قدرة لها على تأويلها أو استنباط معانيها ،ال سيما أنني كنتُ أعلم مدى خوفها الشديد
الملحدين ،غالبا ما تقول ألسنتهم ما ال تبو ُح به قلوبهم ،أشعارهم تقول هذا ،كتاباتُهم الفلسفية العميقة ،ولو أن الخالئقَ توقّ ْ فت ولو قليال لتسمع كالم القلوب ،لما ت ّم تكفير أح ٍد أبدا ،فال يوج ُد على وجه األرض كلها إنسان أو شيء كيفما كان ويعترف ب ِه ،إال ّ ق تصاريف في تسيير شؤون كونه ،فشا َء أن يظهر اسمه على هللا عه أو طبيعته إال نو ُ ُ ُ أن للخال ِ ويعرف َ ّ ُ ب عباد آخرينّ ، وإل فما معنى قوله جل ْ س ِبّ ُح لَهُ عبادٍ ،ويبقى خفيا في أ ْ صل ِ ت قدرته في اآلية 44من سورة اإلسراء« :ت ُ َ س ِبّ ُح ِب َح ْم ِد ِه َولَ ِك ْن َل ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْس ِبي َح ُه ْم ِإنَّهُ َكانَ َح ِلي ًما َ ورا»؟! ض َو َم ْن فِي ِه َّن َو ِإ ْن ِم ْن َ س َم َواتُ ال َّ ال َّ س ْب ُع َو ْال َ ْر ُ غفُ ً ش ْيءٍ ِإ َّل يُ َ ْ كانت من هذا النّوع منَ العباد ،أعني أولئك الذين يسبّحون بجسدهم ،ويحملون هللا في قلوبهم ،ويكتبون عنه في كيارا ّ ُ تكون بين الناس ،تقول عكس ما يضمره جسدُها وك ّل ما فيه من أشعارهم بأسماء مختلفة غير اسمه الصريح ،لكنها حينما كيف عرفتُ ذلك؟ زيارة بسيطة على غير ميعاد إليها في بيتها ،فقد سمعتُ أنها مريضة وذهبتُ لعيادتها ،وحينما خاليا. َ ُ ْ تعيش في بي ٍ تعيش في فيال مرفهة ،وتكون عندها السيارة ت بسيط هي التي كان بإمكانها أن فتحت لي الباب ،وجدتها ُ َ ّ الفاخرة والخدم والحشم ،لكنها رضيت بالقليل ،بحياة الزهد والتقشف ،وحينما جلسنا معا في صالون الضيوف ،رأيتُ فوق المائدة ما أ ّك َد لي ك ّل ما كنت قد ذهبتُ إليه من تحليالت عن شخصيتها العزيزة :أربع قنينات فارغات من البيرا وأخرى نصف ممتلئة من الويسكي ،وكأسا واحدة وحيدة تد ُّل على ّ شرب ك ّل تلك الكمية من الخمور هي وحدها وال أحد أن من َ ْ ي لكن دون جدوى ت كيارا حينما آخر غيرها .ارتبك ِ ي تستقران على ما فوق المائدة ،وحاولتُ أن ّ أحول عين ّ لمحت عين ّ ُ ْ ذلك« :آسفة سيدتي فكيارا كانت على قدر عال من الذكاء وسرعة البديهة فبادرت تتحدث دون أن أدعوها مباشرة إلى َ معبدك الذي هو جسدك من تلويثه بالخمور ،لكن ما العمل أسماء ،أعل ُم أنك ال تشربين الخمرة ،وأنك تسهرين على سالمة ِ يا سيدتي فأنا قد أدمنتُها ،وما إن أج ُد نفسي وحيدة في البيت أشرب منها ما يكفيني ،وخاصة إذا كنتُ متعبة ،أو بي حالة معينة من اإلحباط والحزن الدفين ،وأنا في هذه الفترة أشعر بأنني الخميرة التي منها ُخلق الحزن واالكتئاب!» .صدمتني ّ التقزمْ ، ي يجعلهُ يشعر أمام الناس المتألّمين والموجوعين كلماتها وأشعرتني بنوع منَ ُ أجل فأحيانا تدي ُّن اإلنسان التق ّ يشعر اإلنسان الصحيح السليم وسط المرضى ،فماذا سيفع ُل لهم؟ أليس من األفضل بالحرج والدّونية أيضا ،بالضّبط كما ُ أن يختفي من أمامهم حتى ال يشعروا بآالم متضاعفة أخرى! أنا أيضا ً لي آالمي وأوجاعي ،لكنني حينما رأيتُ كيارا على ْ تبادرت إلى ذهني في تلك اللحظة صورة شخصين؛ واحد منهما فقير عاش حياته صورتها الحقة شمعةً عارية أمامي يمشي حافيا بين الناس وفي األسواق ،والثاني مريض كسيح بدون قدمين .هل يا ترى كنتُ أنا في تلك اللحظة ذاك الرجل شخص آخر بدون أعيش هكذا حافية القدمين دون أن أنتبه إلى أنه بجانبي يوجد ي أن ٌ َ األول أعاتب إلهي لماذا قد َّر عل ّ قدمين يدعو هللا صباح مساء لو ّ ي بؤس يمن عليه بقدمين تُم ّكنَانِ ِه منَ التّجوا ِل في ملكوت هللا واكتشاف جمال الكون! أ ُّ ٌ ابتلينا ب ِه نحن بنو البشر؟ ما الذي يجعلنَا نحاكم الناس ،ونصدر عليهم فتاوى مريضة ت ُ ْنتِ ُجها ُمخيّلة أكثر مرضا وعهرا ق األلم ،لقد ذبحتني كيارا ،وهي تحاو ُل ْ ت إلى المطبخ ،لكنني قلتُ لها: أن تأخ َذ القنينا ِ من المرض والعهر ذاته؟ آآه يا لعُم ِ معك ،منذُ «دعك من القنينات ،وتعالي اجلسي بجانبي فق ْد جئتُ سة للحديث ألراك»« ،أعل ُم يا عزيزتي ،لكنني بحاجة ما ّ ِ ِ ِ ت مرفأ السالم يا لك أنت وحدك دونا عن غيرك ،فأن ِ زمن وأنا أفكر في هذا األمر ،أعني في التنفيس ع ّما بداخلي من آالم ِ أتعرى بدون حرج». أسماء، ِ وأمامك وحدك أستطي ُع أن ّ الخالق حينما كنتُ صغيرة ً ب ُك ّل تلك ال َمشاهد العارية في طفولتي ،المرأة ُ كلمات كيارا هذه جعلتني أفه ُم لماذا َّ ُ ي من عل ّ تفر من المصحة العقلية لتبثّ ال ُمسنّة التي كانت تمشط شعرها عارية أمام عتبة البيت ،الفتاة ُ المجنونة التي كانت كثيرا ما ّ الخوف في الناس ،رج ُل النافذة العاري ،ث َّم مجذوب المدار .ك ّل هؤالء رأيتُهم اللحظةَ في كيارا ،وما كان أمامي سوى ْ تتعرى حتى آخر ثوب كانَ يحجب عنها الصفاء والطمأنينة والسالم .كانت كيارا وأترك صديقتي أن ألتزم بالصمت َ ّ ً وهي تحدثني عن أوجاعها مسيحا جديدا مرفوعا فوق الصليب ،وكنتُ أنا في تلك اللحظة مريم جديدة تُشبهُ ذلك العمل تنتحب وابنُها بين يديها بعد ْ أن ت ّم الذي نحته الفنان اإليطالي ميكيآلنجلو بوناروتي وأسماهُ بييتا (الشفقة) ،للعذراء وهي ُ إنزاله عن الصليب .أجل ،كيارا في تلك اللحظة كانت ابنتي ،وكنتُ أ َّمها ،مسحتُ دمعَها ،وأخذتُها إلى السرير كي تنام عدتُ إلى بيتي وفي قلبي صلواتٌ وشموع أشعلتُها ألجلها ،داعية هللا أن يهبَها ويهبني السالم والطمأنينة قريرة العين ،ث َّم ُ ِ ّ ْ كانت ت كيارا برجل يعشقها إلى الجنون ،ونسيت اآلالم التي األبديين ،وحمدا هلل أن تحققَ الدعاء والرجاء ،فقد تزوج ِ ِ ْ هناك حيث قضت نحبها وذهبت لتعيش في مدغشقر تعاني منها منذ ريعان الشباب بسبب قصة حبّ مستحيلة وفاشلة، َ ْ وتركت خلفها ابنتين رائعتين وزوجا هو من أخلص خدّام المسيح في إحدى كنائس مدغشقر جراء تش ّمع الكبد الكحولي، ّ أقل ل ُكم ّ ْ الجميلة :أل ْم ْ تكتب سوى عنه ،على الرغم مما كانت تدّعيه من إلحاد وما كانت تحبُّ المسيح ،وال إن كيارا ُ سها لم تكن لتصدّقَ أنها في يوم من األيام كانت ستصبح من أش ّد المحبين ليسوع ،ومن أكثر إلى ذلك ،حتّى أنّها هي نف ُ العارفات الالئي كتبنَ عنهُ أجم َل األشعار وأعمق القصائد!
•(من المجموعة القصصية (أنا رع) ،دار الفرات للثقافة واإلعالم ،العراق)2016 ،
ْ بدأت حقيقة في األواخر العشر من رمضان السنة صتي م َع َمشاهد هذه السنة ل ْم تنت ِه هنا ،ولكنّها منَ المجانين .لكن ق ّ ّ ّ سحور التي ستُعدُّها ذاتها: أذكر أنني كنت غاطة في نوم لذيذ بعد أداء صالة العشاء ،وكنتُ أف ّك ُر بقلبي الطفل في مائدة ال ّ ُ وكانت أمنيتي أن تض َع بين أطباقها الشهيّة سمكاً ،فأنا كنتُ ول ْم ْ ْ ُ س َم َك جدّا ج ّداً ،لك ِنّي ستكون، كيف والدتي أحبُّ ال ّ أزل ِ َ س َمكيّ ِة ،إذا بي أسم ُع صوتا ً باكيا ً ْ ت يقولُ« :إلهي ،وإله الناس أجمعين، من خارجِ البي ِ وبينما كنتُ غارقة في أحالمي ال ّ يح ِن الوقتُ بع ُد كي يتر ّجل هذا يا من يحار في فهمه العارفون ،يا حبيب األطفا ِل وأباهم الحنون وأ ّم ُهم المعطاءة ،أل ْم ِ تستكف بعدْ ،فق ْد بلغ منّي أنت ل ْم ب؟ متى ستُخر ُجني من عين كنت َ إبرتك الضيقة هذه يا إلهي؟ إذا َ َ ِ الفارس عن ال ّ صلي ِ ُ أن أبقى هكذا ُمدمنا ً عبدا ً أيرضيك ْ واعف عنّي وارحمني من خمرة العربدة وأه ِل َها، ّاث، ي غ يا أغثني مداه، ع والوج األل ُم َ ُ ُ أيرضيك ْ ض األطفا ُل خلفي يضربونني بالحجر صباح مساء ،آآآآ ٍه يا إلهي ،الغوث ذليال لقنينة ال تساوي فلسا، َ أن ير ُك َ ت الكلمات صرخةٌ عظيمة جعلتنِي أقفز من سريري الصغير ألتو ّجه إلى نافذة غرفتي الغوث الغوث يا موالي »...ث َّم تل ِ ب الصرخة في تلك الساعة المتأخرة من ليلة الواحد والعشرين من شهر الصيام ،ويا لهول علّي أنظر إلى صاح ِ وأفت َحهاَ ، ما رأيتُ :كان الرجل يقف عاريا إال من سروال قصير جدّا في وسط الدّوار المروري الذي كانَ يص ُل الشارع الرئيس أعرف كيف ي منظرهُ بقوة ،وال ُ بشوارع متفرقة أخرى .وكانَ أشعث الشعر ،طويل اللحية ،ويبكي بحرق ٍة شديدة .أثّر ف ّ الر ُجل العاري ،تاركةً ي وإخوتي ،وذهبتُ إلى ّ أنني خرجتُ ُمتس ّحبة على أطراف أصابعي حتى ال أوقظ أحدا من والد َّ باب البيت مواربا ،وحينما وصلتُ إلى الدوار وكان قريبا جدّا من منزلنا ،جلستُ عن َد قدم ْي ِه ،أستمع إلى مناجاته الليلية ئ بأنّهُ رآنيّ ، ي ّ لكن ظنّي لم يكن الرج َل ل ْم ينت ِب ْه إلى وجودي ،ألنهُ ل ْم تصد ُْر عنهُ أيّةُ حرك ٍة تُنب ُ بأن ّ مع هللا .كانَ يُخيّ ُل إل ّ في محلّه ،فالرجل وهو في عمق دعائه وصالته وض َع ي َدهُ فوقَ رأسي وأكم َل ُمسا َم َرتَهُ الطويلة التي مازلت لليوم أتذ ّك ُر وكيف ال أتذ ّكرها وقد خبرتُ بها معنى أن يفنى العاب ُد بين يدي ربّه إلى أن يصبح ال شيء يُذكر، كل كلمة وحرف فيها، َ ذاك كان شعوري في تلك الليلة الرمضانية العجيبة :لقد أصبحتُ ال شيء ،اختفيتُ ويلتحم مع الكون بأسرهِ .نعم يا أحبّتيَ ، َ واختفَ ت المدينة كلُّها ،ولم تبقَ سوى كلمات الدعاء تترد ُد بين األرض والسماء .كان هذا اختف بل ّوار د ال واختفى الرجل ى ِ ق لي أبدا أن خبرتُه ،إال إنني حينما عدتُ إلى نفسي ،وظهرتُ لها جسدا وروحا، ي ،ل ْم يسب ِ اإلحساس باالختفاء جديدا عل ّ ُّ عدتُ أدراجي إلى البيت، ل ْم أج ِد الرجل بجانبي ،ظ ّل ُمختفيا ،والتفت عبثا من حولي ،لكن ال أثر لهُ ،وما كان سوى أن واستلقيتُ من جديد فوق سريري ،أنتظر أن َّ تدربني على تدق ساعةَ المنبّ ِه معلنةً حلول وق ِ ت ال ّ سحور ،فقد كانت والدتي ّ الصيام ُمنذ نعومة أظافري ،وكنتُ أج ُد متعةً عظيمةً في ذلك .ل ْم ْ أخبِ ْرهَا طبعا بأمر الرجل العاري ،مخافة ّأل تصدقني، ال سيما وأنهُ كان قد اختفى ،وخشيتُ أن تقول بأن األمر كله كان مجرد حلم من أحالمي العجيبة. المناجي لربّه حقّا في تلك الليلة؟ ربّما يكون الجواب نعمّ . لكن الذي أعرفُه أنّه الرج ُل المدمن للكحول ،العاب َد هل اختفى ّ َ ْ ت كيارا أستاذة حينما كبرتُ ، الر ُج ِل ،وكان معظمهم من المدمنين للكحول ،وكان ِ ظهرت في حياتي نماذج أخرى من هذا ّ الفلسفة التي عرفتها هنا في إيطاليا وصاحبة المبادرات والمحاضرات عن السالم والمحبة الكونية منهمّ . لكن الفرق الوحي َد الذي كان بينَها وبين رجل المدار ُهو ّ أن هذا األخير حينما عرفتهُ في طفولتي كان يبدو عليه اإلدمان والوجع ْ ي الجميع. واأللم ،أ ّما كيارا، فكانت تبدو إنسانة عادية للغاية ،رزينة ،هادئة و ُم ّ درسةً بارعة يشه ُد بالتزامها ّ وتفوقِها الفكر ّ هذا كان ما يبدو طبعا للنّاس ،لكنني كنتُ أنظر إليها دائما بعين مختلفةُ : لون عينيها كان فيه شيء يشي بالحزن العميق والفقد األليمُ ، ي ما ،حرمان قد يكون ذا طبيعة أسريّة، لون شفتيها َ كذلك كان فيه شيء يقول إنها تعاني من حرمان جسد ّ ق نفسي مكتوم ،فلقد كان يبدو جليا ّ أن هذه األخيرة غير مقصوصة أو عشقيّة ،شك ُل أظافرها كذلك كان يشير إلى قل ٍ بمقص األظافر ،وإنّما مقضومة قضما ً باألسنان ْ وإن لم يسبق لي أبدا أن رأيتها وهي تقضم أظافرها أمام الغير أو حتّى عش لقلق جريح .ك ّل هذه العالمات وغيرها كانت توحي بوجود شيء أمامي .أ ّما شعرها فكان شاحبا رمادي اللون كأنه ّ ُ ّ تتعطر به دائما ،ألنه سر غريب ،زاد من غموضه رائحةُ العطر الذي كانت ما غير طبيعي في صديقتي :جرح دفين ،أو ّ ْ كانت تحاول أن تخفي شيئا ما بهذا العطر ،وكنتُ أشعر كلما التقيتُ بها أنّها قريب إلى ح ّد ما من رائحة الشامبانيا .لقد ُ ْ شعرت بما كنت أحاول أن أفهمهُ عنها، تتحرج من ُمعانقتي .كنتُ أعلم أنها مثلي على قدر عال من الحساسية ،وأنّها ربّما ّ أطلقتُ أحببتُ نبض قلبه وفكره حتى يجس كي لقلبي العنان زميال، أو أختا، أو أخا، أو كان صديقا ما، شخصا ما إذا فأنا ّ َ أي بشكل ال أجعلهُ يشعر بمرهم المحبّة بين أصابعي .ل ْم أكن إذا ما لمستُ جرحا ً حاولتُ تضميده وإن بطريقتي الخاصةْ ، أبدا لحوحةً مع كيارا ،لكني لفترة ما أدمنتُ قراءة أشعارها ،فقد كانت شاعرة أيضا ،والبدي ُع في ك ّل هذا أنني كنت أجدُها عاشقة للمسيح في كل سطر من سطور كتاباتها وإن لم تكن تذكر اسمه أبدا ،الشيء الذي كان يدفعني إلى التساؤل دائما: أن تكون على هذا القدر من الصوفية والعرفانية ،بل ْ ي دين تماما ْ أن كيف ألستاذة فلسفة شيوعية ملحدة ،ال تعترف بأ ّ ّ ُ ّ ُ تكون قادرة على هذا النوع من العشق العجيب الذي يربط وعيها الباطن بالمسيح؟! أعل ُم أن األمر يتعلق بسؤال ُمحرج لمرات عديدة وم َع أكثر من شخص من المثقفين الملحدين ،أجل يا أحبّتي ،هؤالء ي ،لكنني وجدتُني أصطدم به ّ تناقُ ِ ض ّ ُ يمكن أن يراهُ إال ذوي البصيرة الذين يخترقون بقلوبهم الملحدون غالبا ً ما يحملون بدواخلهم إيمانا يه ّد الجبا َل ،إيمانا ً ال والغريب في األمر أننِي كنتُ دائما ما أبتس ُم إذا ما صادفني ملحد الروح. ُ األشكال الخارجية الزائفة وينفذونَ إلى عمق ّ ّ أصر هو بلسانه على إنكاره :هؤالء الشريحة من ذو ثقافة عميقة يجادلني في هللا ،ذلك أنني كنتُ أرى هللا في قلبه كلما ّ
إشكالية النقد النصي بين النظرية والتطبيق
د.غيثاء علي قادرة
على الرغم من الجهود الحثيثة المقدَّمة من مجموعة من النقاد والباحثين الذين طرقوا باب النص األدبي نقدا ً ،فإن عثرة رئيسة ماتزال تحول دون ولوجنا عالم النص ,وهي غياب الجانب التطبيقي .فما زالت المزاولة النقدية األدبية-عند بعضهم -قاصرة ً دون استعراض الع ِيّنات النصية ،ومازالت معظم القراءات مستقلةً بالنظر دون تحليل البنى اإلبداعية التي تضمنها النص األدبي ,فقد مأل معظم النقاد صفحاتِهم بكالم ال موطئ له على أرض النص ,واقتصر معظمهم على التنظير واالستغراق في العروض النظرية الخالصة ,وكأنهم يقرون –بقصد أو بغير قصد -أن النص مايزال لغزا ً محيرا لمن يروم مواجهته ،ومن هنا غدت اإلشكالية في ّ ي أكثر وضوحاً ,فقد أوقع ذلك تأزم النقدالنظري ,وابتعاده عن نبض الواقع الن ّ ص ّ التفكك بين النظرية والتطبيق الممارسةَ النقديةَ األدبية في عزلة عن البحث ،ولمس باحثون هذا الخلل وعايشوه؛ إلى درجة صدوا فيها عن كل غاية بحثية ,واقتنعوا بالشكل والكم فحسب. لم يسر النقد بجانبيه التنظيري و التطبيقي في مسلك واحد ،وال في مسلكين متوازيين ،بل سلك كل منهما سبيالً غير سبيل اآلخر ,ما أدى إلى اتساع الهوة بين الجانبين. أما سبيل الخالص من هذه اإلشكالية فتحتاج إلى مزيد من التفعيل التطبيقي ,فالتطبيق بمنزلة روح النظرية ,وقلبها النابض بالحياة؛ لذا وجب على من يخوض في غمار النقد مراعاة منهجية التطبيق في إثر التنظير ..كي ال نجد أنفسنا أمام كم هائل من األفكار التي قد تبدو مجدية بين طيات البحوث ,فإذا ما حاول بعضهم تطبيقها استعصت عليه. آن أن يلتفت معضم الباحثين إلى عدم االقتصار على النقول النظرية ،فينكفؤون عن ذلك إلى حال المزاولة النقدية األدبية ،ويؤكدون أحكامهم بشرح الكيفيات والسبل التي من شأنها أن ّ تنزل ك ّل فكر محله سواء . من ممارسة اللّغة واألدب على ال ّ ي أو فني وآن لهذا التف ّك َك غير المنهجي بين النقد النظري واإلجراء التطبيقي أن ينتقل من عالم فكر ّ ي ,ينطلق من بنية الخطاب األدبي إلى دالالته وأبعاده. فلسفي نظر ّ ي إلى إجراء تطبيق ّ القراءة النقدية الحقَّة عملية إعادة تشكيل للنص ,عبر ترميم فجواته ،وإظهار المضمر المكنون في خفايا نسيجه البنائي المتاح للمعاينة ؛ ومن هنا فإن العالقة بين النظرية والتطبيق عالقة النبتة بالماء ,فدونه التعيش. إن الحقيقة التي ينبغي علي الجميع اإلحاطةُ بها هي أن العالقة بين التنظير والتطبيق عالقة تكاملية لمن أراد النجاح ..فالتنظير ألفكار ال يمكن ترجمتها إلى واقع معيش اليعدو حبرا ً علي ورق وجسدا ً من دون حياة ,كما أن الحراك الذي ال يقوم علي فكر راشد وسليم ال يعدو أن يكون خبط عشواء وجهدا ً بال طائل.. غاب عن كثير من الدراسات التمييز بين الخطاب والنص على المستوى التطبيقي ,فقد اقتصرمعظمها على التمييز بينهما نظريا ً ,وهنا ال بد لنا من التمييز بينهما ؛ فالخطاب يتم من خالل مظهره التركيبي أو النحوي ,هو رسالة لغوية يبثها المبدع إلى المتلقي فيستقبلها ويفك رموزها فيتشكل النص .هو فعل اإلنتاج اللفظي ...أما النص فمخزون إشارات ذات بعد داللي ,يتم خالله إنتاج المعنى من قبل المتلقي ,هو مجموع البنى النسقية التي تتضمن الخطاب وتستوعبه .إن (الخطاب) موضوع مجسد أمامنا كفعل ،بينما النص موضوع مجرد ومفترض ..وقراءة النص تعني تحليله من خالل مستوياته:الصوتية ،والتركيبية، والداللية.. .وليست قضية قراءة النص الشعري قضية جديدة في النقد العربي ،بل هي قضية قديمة تعود إلى بدايات النقد العربي .ومعظمنا يذكر مقولة أبي تمام عندما سئل :لم ال تقول ما يفهم؟ فقال :لما ال
تفهمون ما أقول! إن «خير وسيلة للنظر في حركة النص األدبي ..هي االنطالق من مصدره اللغوي».وبما أنه فعالية لغوية متمردة,منطلقة من المصدر اللغوي إلى عالم داللي جديد يخصها كان األولى التعرف على ذلك ضمن اإلجراء التطبيقي. مر الخطاب النقدي العربي الحديث بثالث مراحل أساسية ،وقد تميزت كل مرحلة بتوجهاتها النقدية َّ والمنهجية الخاصة ،كما أنجبت كل مرحلة نقادها ونصوصها ورؤيتها الخاصة للنص الشعري. فالحديث عن المنهج المعتمد لدراسة نص أدبي ينبغي أن يقترن بفعل إجرائي ,يقوم على تحليل النص وصوالً إلى قراءة منهجية منتجة .تدرك أبعاد طبقات النص .يعمل فيه القارئ مبضعه ،فيشرحه ،ليسبر كوامنه ،ويكشف ألغازه ،في سبيل تأسيس الحقيقة األدبية لهذا البناء .فكل قراءة هي عملية تشريح للنص، وكل تشريح هو محاولة اكتشاف وجود جديد للنص. تلق داخل نظام من التفاعل هكذا يظهر النص (نتاجاً) لفعل ,ولعملية إنتاج من جهة ،وأساسا ً لعمليات ّ ٍ والتواصل . إن من أهم األسس والمرتكزات في عملية خلق النص األدبي ,بجل تصانيفه األدبية المسرحية والقصصية والروائية والشعرية وغيرها ..الفاعلة والمتفاعلة مع الذاكرة (الجمعية -الفردية) إحياؤه كمنتج أدبي بفعل استكناه مضمراته ,وأبعاده بفعل تحليل إشاراته .إحياء حيويا ً ناهضا ً تنتجه المعرفة, ومنه تنبثق وتتشكل مفاخر الشعوب ومعالمها.وصوالً لمراحل التغيير للنهوض بمستوى وعي الشعوب، لذا فإن المشاركة الفعالة بين النص كمنتج إبداعي ،وبين القارئ بوصفه متداوالً استقرائيا ً للخطاب األدبي ضرورية لترتقي هذه المشاركة إلى مصاف والدة منجز جديد ,ومن هنا نرى بان القيمة الحقيقية لألدب بشكل عام وبجل أنواعه ،تنطلق من منطقة عمل القارئ ،وهو بمثابة الحقل اإلجرائي لوعي للكاتب، ولذات ماكتب ،وهو المقياس الحقيقي لهذه المعادلة الحيّة التي علينا االلتفات إليها جميعا ً ،من اجل االرتقاء بالذائقة الجمالية الفردية ،والجمعية. ينبغي إعطاء أهمية بالغة لـ مبدع للخطاب األدبي ،ولـ مستقبله بوصفه األداة المحللة الخطاب ،وان هناك ثمة مناطق للتالقي الوعيي العالي ،الذي سينتج تواشجا فكرياً ،وتوائما ً ثقافياً ،الستخالص نتائج فضلى من أجل الحصول على أرقى الفضائل الفكرية والوعيوية الراقية ،واإلدراك ،والفهم األمثل عبر منظومة القراءة ،ونظرية التلقي ... يؤرق قارئه , النص األدبي ليس روضة يتفيأ القارئ ظاللها ،ناشدا ً الراحة ,فحسب ,بل غدا أيضا ً حمالً ِ ّ فال يظفر بثماره إال بعد ألي .فقارئ النص ليس مستهلكا ً فحسب ,بل هو منتج ومشارك في صناعته النص بصورة أو بأخرى .وذلك بفعل سعيه الدؤوب إلى ملء الفجوات أو الفراغات التي خلَّفها المبدع . النقد التطبيقي ببساطة هو تناول العمل وشرحه شرحا ً فنيا ً وبأساليب وبعمق ليكون بالتالي دليالً للقارئ . إن من المهم أن يعي المبدع أن هناك من هو في شراكة معه ضمن العملية اإلبداعية .القراءة عمل إبداعي ،والبد أن يتحول القارئ إلى منتج للنص ،يثريه دوما ً باجتالب دالالت ال تُحصى إليه ،عن طريق تفسير إشاراته ورموزه التي هي في حالة غياب حتى يستدعيها القارئ ،وأنه ال سبيل إلى إيجاد تفسير واحد للنص ،وسيظل النص يقبل تفسيرات مختلفة ومتعددة بعدد مرات قراءته .ومن هنا يتحول القارئ من مجرد مستهلك للنص إلى منتج له .وما أحوجنا في رحلة النهوض للجمع بين رشد النظرية الفكري وروعة التطبيق العملي ,ما أحوجنا ألن نرى التكامل والتالحم والتنسيق بين عقل يُرشد ويد تشيد وعين ترقب بإيجابية.
العصيان د .هويدا شريف ويعصيني القلم ويتمرد يخسر دونك حروفي وعنك يتشرد كيف ال يكتب عنك ومنك وإليك ويصف عشقه ويتفرد الحرف منك خالي ليتك تتهجر ترحل تنأى عن بالي سأبتر ذراعي عن الكتابة سأتمرد وأهرب الى عالم الشعر المحال ألصرخ هناك بحرية من أنت أيها التمثال ؟ الشوارع خلت
واألصوات علت ووحدي انا والحضيض نهيم في الشارع العريض أين الناس أين األطفال والباعة ترى كم مضى من الوقت وضاع وأنا في هذا الوهم أتخبط وأتردد قلمي يعصيني ويدي تتمرد تريد الكتابة والكتابة والكتابة الف الف مرة أحبك وأنا بشعوري حرة أكتب لذاتي كل مرة بعضا من تشيزوفرينيا_الحروف
أنا آسفة
إكرام عيد
«أنا آسفة يا أنت ألنى ظننت أنك أنا ألنى غرقت فى بحر الوهم و لم أستطع الوصول إلى إليك كما لن أتمكن من إرسال األيام التي استدنتها لكي أدفع أجر الحب التحزني يا نفسي إن وجدوا يأسى على منضدة الضعف فما عاد فى استطاعتى التبرج اال للموت أنا آسفة ألن الحب ح ّل وكان ال بد لي أن أسافر كغيري الي بعيد مع العلم أن أحالمي لم تكن كبيرة كاآلخرين كانت بحجم .زهرة صغيرة وكلمة تمنحنى بضع لحظات من السعادة وثمن تصليح أحالمى. بالمناسبة لون أحالمى اآلن أسود بسبب كلماتك الملوثة
التى علقت فيها ومع ذلك هي أجمل أحالم حلمت بها يوما ً ما. أنا آسفة ألني بنيت لك بيتا ً فى قلبى كوخا ً خشبيا ً جميالً داخل عمرى لنعيش فيه بعيدا ً عن براميل الحقد المتفجرة بعيدا ً عن األرواح الملوثة بالكراهية بعيدا ً عن االنتماءات التعسفية وشائعات الجيران . أنا آسفة يا........ ألنني لن أستطع شراء حبك وعدتك أن أرحل وسأفعل فلترفه عن نفسك قبل التخرج. أنا آسفة فقد نفدت كلماتي ولم يعد سوي اسمك ورقم هاتفك سأحذفه من سجالتى وما الجدوى فأنا أحفظه عن ظهر قلب يا........ لن أحادثك على هاتفك الحديث الذي يحوي «الفيس بوك والواتساب فما عاد لدى وقت .
ال أدري د .هويدا شريف
وال أدري ما جرى أيام تمر ويجري الدّمع رقراقا لفتني مشهد انسكب على القلب فاعتصر حزنا ممزوجا بالشهد مذاقا تع ّجب العقل من الخليط لم اليأس إن كان العسل يقطر ترياقا فقلت حبيبي داخل فؤادي والروح تشدو ّ موسيقى اللغة والورد باق والفكر مشغول بترجمة شيزوفرينيا حروفه
اكتفيت من غبار الحروب
ندى م عادلة
اكتفيت من قصائد الخليل وشيخوخة الشعر اكتفيت من عوالم المنفى ,اكتفيت من فساد الملوك اكتفيت من هذيان الطوائف وخيانتهم للرب اكتفيت من غبار الحرب ,اكتفيت من ضجيج الصمت لم اكتف منك ,عشت ومت دون اقتراب من تعطفك أو ربما من صفيحك أتكسر شظايا على وجع الكالم ,أذوب في أخاديد ضجيج الشفاه أنا الشاهد الحي على تعري كريات الدم , على سفه لمسات الغريب في البحر والبر على أنين األرض العيد قادم بالبرد والحر
,
وأمرأة االنتظار من منقوع الصبر تهدهد مستنقعات المساء تحبل دون حب , من المجاعة من مخلفات الحلم تقف على حرائق البلعاس وفيض سلمية بالحنظل والمر سأعرض عنك قليال ألمزق جميع الجذور والسالالت القومية سأرفض الوحدة والحرية ,...ال لألشتراكية في رسملة جيوبك عدني نقطتك بأخر الفصل مازال األمل يغريني الحقل يبتعد عني وعنك ... يلملم الحجارة يكتب تاريخ الفصول كبرهان األرض تحتاج لمصل منك ,لسحاب من كل المحيطات يرتمي على األرض يعانقها كطائر غريد حر سيتوقف عليك الزمن ان لم تعرف الفرضية والبرهان , تشبه بموسى قليال ,عانق أخاك هارون انه أفصح لسانا منك لن تظفر بسر الموجة بربوبيتك قبل أن تالمس نبض القلب لن تأسرني بثورة بال نبض ,دون خوف دون وهن هل نسيت حين تهدم بيتي لجأت إلى عينيك
حين ارتجفت جفوني لجأت إلى حنان يديك حين داهمني الخوف هرولت إلى مكانك قرأتني بأدق التفاصيل على وقع الشعر في حرب الوجود ليس في الجبهات من هو أهم منك ليس في الصمت إال حضورك ليس في الوسادة إال رائحة صفائح الخبز والدم ليس في الكتاب
آية أجمل منك ليس في المجرة من هو أثمن منك
أقرؤك في كل صباح ومساء مرة كقيس ومرة كالزير ومرة كشهيد لم تعد األرض تجوع للشهوة حتى تحصد شهوة القمح والسماء ليست بحاجة للضوء يكفيها مخاض نجوم الصبح شاهدت نجوم الظهر بكل مساء وصبح باحتراق الرغيف ,بالورد بعيون المالحة والقبح بكل نبوءة نبي بكل جرح ,,,,,,
دالالت الخطاب الصوفي في : ديوان د .أسماء الغريب ( 99قصيدة عنك ) الجزء االول رياض ابراهيم الدليمي كاتب واعالمي العراق يبدأ ديوان الشاعرة د .أسماء غريب (( 9قصيدة عنك)) ( )1بإشكالية معقدة منذ العنونة ومنذ أول رمز فيه حيث ابتدأ برمز رقم صريح نص من بين وهو( )99ونحن ندرك أن هذا الرقم قصدي من حيث مجيئه أوال في تراتبية العنونة واختياره كعنوان للديوان وهو باألساس ّ أي القصيدة التسع والتسعين من بين مائة وخمس وعشرين قصيدة احتواها الديوان ،والالفت للنظر نصوص الديوان ،ووقع تسلسله بـ (ْ )99 أي( 99قصيدة عنك) تضمنت تسعة أشطر أو فقرات ،ويعد هذا الرقم الذي أصله ( )9ذات دالالت شكلية ومعنوية فكرية قصدية أن القصيدةْ ، لم جاء الديوان والنص بهذه الصيغة دون سواها؟ عنها: ويتساءل عندها يتوقف تتيح للقارئ أن َ والسؤال األهم الذي يتبادر للذهن لمن و ّجهت الشاعرة خطابها؟ حيث هناك مجهولية وعماء للمخاطب (بفتح الطاء) فمن هو ولماذا لم تفصح عنه؟ ولماذا خاطبته بحرف الجر (عن) دون سواه من حروف أو ضمائر للخطاب؟ ولماذا الخطاب كان مباشرا (ضمير متكلم مخاطب) وليس بضمير غائب؟ كل هذه األسئلة قد تتبادر في ذهن المتلقي . لفلسفة األرقام عند العرب والمسلمين وأغلب الحضارات القديمة قيمة معرفية وروحية كبيرة وتصل لحد الخرافة ،وما بين اليقين والخرافة والعقل تبدو اإلشكالية تتسع أكثر فأكثر ،فعلوم الحساب والرياضيات والجبر تقوم فكرتها ومعادالتها على األرقام كرموز ترسم وليست كألفاظ تكتب ،وقد اعتقد فيثاغورس وبعض فالسفة عصره أن لمفاهيم الرياضيات حوليات وتطبيقات أهم من مفاهيم العالم الحسي وذلك لسهولة ترتيبها والتحكم بها. أ ّما القديس أوغسطينوس ( 430-354م) فقد كتب «إن األرقام هي لغة الكون وهبها الخالق للبشر من أجل توكيد الحقيقة « .ومثل فيثاغورس ،اعتقد أن لكل شيء عالقة باألرقام وما على عقل اإلنسان إال البحث وفهم أسرار هذه العالقة أو توقع تجلياتها من المكرمة اإلالهية ( ،)2ويؤكد فيثاغورس على أن األرقام ذات عالقة ارتجاجية مع الكون أي الكون والرقم ذات عالقة جدلية ،لقد اكتشف فيثاغورس الذي كان ضالعًا في المعرفة الصوفية البابلية والمصرية ،أن ذبذبات أوتار اآللة الموسيقية تُنتج أصواتًا متناغمة عندما تكون أطوال األوتار أعدادًا صحيحة .وقد عمم هذه النتائج على الكون بأكمله ،وهكذا تطور اإليمان الفيثاغورسي بالسلطة المطلقة للرقم الذي يحكم الكون ويديره. (. )3 الشاعرة تدرك سر الرقم ( )99وإعجازه من حيث الداللة الرقمية ،ومن حيث دالالته العقائدية والروحية ،ومن حيث و ْقعه على نفس وروح وفكر القارئ ،وتمثالت الرقم يعني بطبيعة األحوال إلى صفات الذات اإللهية وجوهر الفيض اإللهي من قدرة وقوة وعلو وتعالي وسمو ،فهو ي القيوم والجميل والرحيم ،فهي تشير إلى صفاته وعظمته الذي د ّل هو عليها في كتاب معلوم حيث شكلت المصور والمدرك والخالق والح ّ يقينا للشاعرة .وقد تداولت العديد من الدراسات العالمية التفرقة بين مفهوم الرقم والعدد ،وما زال هناك خلط بين المفهومين ومتى يستخدمان. من المفاهيم الشائعة أن األرقام ال تعد أعدادا بينما تعد أشكاال بها رموز األعداد ،حيث تقتصر األرقام إلى عشرة ،والعدد من رقمين . ويقول الدكتور عابد الحميدان :إن الرقم قد يمثل أي شيء ،ويعتبر جزءا من العدد ،فإن الرقم يظل رقما بغض النظر عن أي شيء آخر ،بينما يوجد الفرق لغويا. البعض يجد الفرق جوهريا واآلخر يراه كالفرق بين الكلمة والحرف ،فاألرقام تعتبر انطالقا من « ،»0،1،2،3،4،5،6،7،8،9رموزا أو أشكاال من الممكن أن تعبر عن رقم أو عدد وال يمكن الحكم عليها إال من خالل معرفة الهدف منها. بالتالي إن دلت على ترتيب فيمكن اعتبار تلك الرموز رقما ،وإن دلت على معدود فهي عدد ،ويشير الثقفي أن اإلشكالية تكمن في عدم معرفة مجتمعنا بالفرق بينهما)) (.)4 ي القيوم ،فمن نوره تشع القصيدة وهجها ومن من أسمائه وصفاته يتشكل نص (أسماء غريب) ،منه وإليه وعنه ترسم عشقها الروحي للح ّ «و ِ ّ ِ ل األ َ ْس َماء ْال ُح ْسنَى تعالى: ((قال الوله أسير حسن أسمائه وجمال صفاته تخلق ،فهي تخاطبه شعريا بوج ٍد ولوعة محب ووهن عاشق َ سيُجْ زَ ْونَ َما كَانُواْ يَ ْع َملُونَ »)5( . فَا ْد ُ عوهُ بِ َها َو َذ ُرواْ الَّذِينَ ي ُْل ِحدُونَ فِي أسمائه َ سبِ ً ص َلتِكَ َو َل تُخَافِ ْ يل» ()6 الرحْ َمنَ أَيًّا َما ت َ ْد ُ للا أ َ ِو ا ْد ُ وقال تعالى« :قُ ِل ا ْد ُ عوا َّ ت بِ َها َوا ْبت َغِ بَيْنَ َذلِكَ َ عوا فَلَهُ ْال َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى َو َل تَجْ َه ْر بِ َ عوا َّ َ ار ُ ت س َم َاوا ِ سبِّ ُح لَهُ َما فِي ال َّ «للاُ َل إِلَهَ إِ َّل ه َُو لَهُ ْال َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى» (« )7ه َُو َّ وقال تعالى َّ : ص ّ ِو ُر لَهُ ْال َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى يُ َ ئ ْال ُم َ للاُ ْالخَا ِل ُق ْالبَ ِ ض َوه َُو ْالعَ ِز ُ يز ْال َح ِكي ُم»(.)8 َو ْال َ ْر ِ وفي حديث نبوي شريف جاء فيه:
تتحدث الميثولوجيا عن تسعة أعداد ،وتسعة كواكب .ويسمي الهنود الجسم اإلنساني «المدينة ذات التسعة أبواب» إشارة إلى الفتوحات التسع .وتخبر الميثولوجيا عن معركة حصلت بين ماهيزا ( )Mahesaقائد الشياطين وبين اإللهة دورغا ( )Durgaاستمرت تسع ليال انتهت بانتصار اإللهة بعدما قدم لها شيفا ( )Civaمذراته الثالثية ،وفيشنو ( )Vishnuأسطوانته ،وأندرا ( )Indraعاصفته .وتتحدث البوذية عن تسع سماوات (.)14 يبدو أن العالَم اهت ّم بهذا الرقم( )9واتخذت اهتماماته أشكاال مختلفة من عبادات وشعائر وطقوس وعادات وعلوم ومعارف من خالل تفسيرهم للظواهر والفلك والخلق ،وهذا ما نجده جليا من خالل النصوص القرآنية أو ما جاء بكتب التوراة واإلنجيل وكتب األديان األخرى وثقافاتهم.
«إِ َّن ِ َّ ِ صاهَا َد َخ َل ْال َجنَّةَ» ()9 ل تِ ْسعَةً َوتِ ْسعِينَ ا ْس ًماِ ،مائَةً إِال َو ِ احدًا َم ْن أَحْ َ من اآليات الكريمة التي وردت في سور عديدة وأحاديث نبوية شريفة تستقي الشاعرة عقيدتها وعشقها فكتبت ديوانها بنصوصه التي بلغت (مائة وخمس وعشرين) قصيدة شعرية نثرية .فهي محاكاة ألسمائه الحسنى كما وردت في القرآن الكريم ،وألن هللا واحد ال شريك له فكتبته بالرقم الرمز ( )99الذي ال يثنى فلم تكتبه عددا كتابة حيث تدرك الشاعرة أن للرقم ( )99قدسية عند أغلب األديان والشعوب ((هذا التماثل واالرتباط بالعدد .9العدد األولي التاسع في الكون هو العدد ( 23المساوي لعدد أزواج كروموسومات اإلنسان المكتشف في العام )1955 .ولكي نتحقق بأن لهذا العدد أهمية عددية وارتباط علمي من هذا النوع أود أن أشير بأن كلمة «علق» هي الكلمة التاسعة في سورة العلق ونحن نعلم بأن العلقة تمثل مرحلة التصاق البويضة المخصبة (والتي تحوي 23زوج كروموسومات) بجدار الرحم. ق»( . )10 قال تعالى في سورة العلق « َخلَقَ اإلنسان ِمن َ علَ ٍ فالرقم( )99يمكن القول عنه هما علقتان التصقتا فأنجبتا عشق الشاعرة للذات اإللهية ،فهو عشق ولد منذ العماء منذ أول إخصاب كوني فولدت حواء من هذا االخصاب والبعث الروحي لحظة بث (هللا) روحه في روح (آدم) فولدت النقطة من الروح ،وما إن تكونت العلقتان اجدِينَ ﴾) ()11 س َّو ْيتُهُ َونَفَ ْختُ فِي ِه ِمن ُّر ِ س ِ وحي فَقَعُواْ لَهُ َ وكبرتا أشقيا وهلعا هذان المولودان اللذان ولدا بمشقة وكبد كما في قوله تعالى﴿ :فَإِ َذا َ . تأمل الرقم ( )9في حياة اإلنسان :عمر الجنين في بطن أمه تسعة شهور ،متوسط درجة الحرارة في جسم اإلنسان( )36درجة مئوية ،و()36 من مضاعفات( ،)9وأجهزة جسم اإلنسان ( ،)9ومنافذ جسم اإلنسان (.)9 إن للعدد( )9بعض أغرب الخصائص مثل: إنه العدد الوحيد في الحساب الذي ،إذا ما ضرب بأي عدد آخر ،تراه ينتج نفسه دوماً ،مثال ذلك ،18 = 2 × 9(:و 18تجمع بهذه الطريقة 8 جرا بالنسبة إلى كل عدد يُضرب به. 9 = 1 +مجددًا ،وأيضا مثال 45 = 5 × 9و 45تُجمع بهذه الطريقة )9 = 5 + 4وهل ّم ًّ لسر الرقم وخصوصيته وإشارة منها إلى وحدانية هللا وكلية فلم يأت الرقم( )99اعتباطا كلفظ رقمي وليس كتابيا في ديوان الشاعرة وذلك ّ وجوده ،فهو مجرد بذاته وصفاته ،ال تحتويه كلمة وحرف أو نسق ،هو الواحد األحد قائم بوحدانية . ((وكل اسم من هذه األسماء تتكرر في القرآن عددا ً محددا ً من المرات ،وهذا التكرار ألسماء هللا جاء متناسبا ً مع عدد أسماء هللا الحسنى أي العدد 99كما يلي: هللا 2699
الرحمن 57
الرحيم 115
نصف هذه األعداد نجد أن العدد الذي يمثل مصفوف هذه التكرارات هو ( )115572699يتألف من تسع مراتب ويقبل القسمة على عندما ُّ (:)99 1167401 × 99 = 115572699 والعجيب أننا لو جمعنا هذه التكرارات جميعا ً لبقي النظام قائما ً ونتج معنا عدد من مضاعفات :99 2871 = 115 + 57 + 2699 والعدد ( )2871من مضاعفات الرقم ( )99أيضاً: 29 × 99 = 2871 وهذا النظام العجيب والقائم على عدد أسماء هللا الحسنى وهو( )99كما في الحديث الشريف( :إن هلل تسعة وتسعين اسما ً من أحصاها دخل صالَتِكَ َوالَ تُخَافِ ْ ت بِ َها الرحْ َمـنَ أَيّا ً َّما ت َ ْد ُ للا أ َ ِو ا ْد ُ الجنة) ،وجاء ليتسق مع قوله تعالى ( :قُ ِل ا ْد ُ عواْ َّ عواْ فَلَهُ األ َ ْس َماء ْال ُح ْسنَى َوالَ تَجْ َه ْر بِ َ عواْ ّ َ سبِيالً) [اإلسراء)12( )).]110 : َوا ْبت َغِ بَيْنَ َذلِكَ َ في الميثولوجيا التوتونية ،جاء في ملحمة فولوسبا ( )Voluspaعلى لسان النبية الفولفا (« :)Lavolvaأذكر المردة الذين ولدوا في فجر العالم /أذكر الذين أعطوني الحياة /أعرف تسعة عوالم /تسع مساحات تغطيها شجرة العالم /هذه الشجرة المبنية بحكمة والتي تنغرس في قلب األرض /أعرف أنه توجد شجرة تسمى إيغدرازيل ( / )Yggdrasilرأس الشجرة يسبح في بخار المياه البيضاء /حيث تسقط حبات الندى في الوادي /إنه ينتصب أخضر أبدا ً فوق نبع أورد)) (. )13 لهذا لم تقتصر الحضارة العربية واالسالمية على عظمة وسر الرقم( )9فتجد أغلب الحضارات ّ تعظم هذا الرقم وتبحث في أسراره وغموضه .
دالالت الخطاب الصوفي في : ديوان د .أسماء الغريب ( 99قصيدة عنك ) الجزء الثاني رياض ابراهيم الدليمي كاتب واعالمي العراق الدالالت اللغوية في عنونة الديوان( 99قصيدة عنك)()15 لقد ورد حرف الجر (عن) مضافا إليه حرف (الكاف) ليدل على شخصية وجنسانية المخا َ طب .والسؤال لماذا خاطبت الشاعرة معشوقها بضمير متكلّم مخاطب داللي للحضور وليس للغياب؟ الخطاب المباشر بين الشاعرة والذات االلهية المخاطبة حين تقول الشاعرة في خطابها أي حسب تقدير الكالم (كتبتُ 99قصيدة عشق عنكَ ) وخاصة قد بدأتُ القصيدة بخطاب نداء مقدر( يا إلهي) رغم عدم وجود ياء النداء ،ومن ثم استرسلت ندائها بدون حجب وبتجلي كامل حين تقول له : ((لماذا 99؟ ت هذه البعوضة إنها عد ُد لسعا ِ وعد ُد أسماء هذا الفردوس وربّما القصائد التي كتبتُها عنكَ لحظةَ ُولدْتُ وساعةَ ْ رحلتُ ويوم قُمتُ ث َّم مشيتُ َ يا إلهي )).قصيدة 99عنك )16(... أي هي تري ُد القو َل لقد خاطبت ج ّل عاله بحرف الجر (عنك) وليس إليك أو لك فالبد من سبب وغاية وتصور لما لهذا الحرف من داللة شكلية ومعنويّةْ ، والتأكيد على ّ الجر (عن) كما هو معروف يفيد المجاورة ،وهي وتقربني منك ،وحرف أن ما أكتبه من شعر هو عنك وعن صفاتك وأسمائك التي أعشقها ّ ّ تعني هنا؛ أكتب شعرا منك وعنك أي من صفاتك وألسمائك ولقدرتك وإني أخاطبك بكائنات خلقك الصغيرة(البعوضة) .إن الشاعرة لم تحدد بماذا تكتب إليه هل هي نجوى أم تخضع ،ابتهال ،تذلل أم عشق؟ لقد أتاحت الشاعرة للقارئ فرصة التأويل والتأمل ليشاركها في ملء الفراغ الذي تركته ليصل معها إلى فهم مشترك أو مختلف ليضيفه إلى النص، ولنصوص الديوان سعة قراءة وفهم وتفسير ،أما التأويل :فهو تحديد المعاني اللغوية في العمل األدبي من خالل التحليل ،وإعادة صياغة المفردات والتراكيب؛ ومن خالل التعليق على النص ،وهذا يركز على مقطوعات غامضة أو مجازية يتعذر فهمها؛ أي توضيح مرامي العمل الفني ككل ،ومقاصده باستخدام وسيلة اللغة ،بتركيزه على شرح خصائص العمل وسماته مثل النوع األدبي الذي ينتمي إليه وعناصره وبنيته وغرضه وتأثيراته .ويعتقد أن النص يبني بكيفية مسبقة استجابات قرائه المفترضين ويحدد بكيفية قبلية سيرورات تلقيه الممكنة ،ويثير كل واحد منها بفضل قدرات التأثير التي تحركها بنياته الداخلية؛ وتنتهي مهمة المرسل بنهاية رسالته /النص ،ويطلب إليه بعد ذلك االختفاء أو الموت ؛ ألن بموته تكمن يقظة المتلقي وحياته)) (. )17 يضيف القارئ كذلك من عندياته وثقافته وتجربته فهما آخر إليه قد يقترب منه أو يبتعد ،لكن كل ذلك يؤدي إلى آفاق وجمالية النصوص وعمقها ومقاربتها من قبل القارئ ،وخاصة أن تعدد المعاني وتعدد القراءات للنص يعبر عن متانة النص أوال وملكة الكاتب المعرفية وعمق تجربته الشعرية .يقول علي صدد (( :قد تكون -أي القراءة -شرحا للنص أو تفسيرا له ،وقد تتعدى التفسير والشرح لكي تكون تأويال ،وصرفا لما يحتمله الكالم من حرب بهذا ال ّ المؤلف ومراده أو المعنى واحتماالته ،لتكون تسريحا وتفكيكا للبنى واآلليات التي تسهم في المعاني والدالالت ،ولكن قد تتعدى التفسير والتأويل ،فتتجاوز َ تشكيل الخطاب وإنتاج المعنى)) ( ،)18أي أن المتلقي من حقه أن يتجاوز ما تدل عليه بنى النص ولغته -ال أن يلغيه -وآليات التأويل ومناهجه ،ومقاصد المؤلف ومراده ،وله أن يسرح في النص مفككا ومركبا ليخرج بدالالت تتجاوز آليات النص ولغته ومؤلفه ،ويسمى كل هذا في عرف الحداثة قراءة ! أي علي حرب(( :أما القراءة التي تقول ما يريد المؤلف قوله فال مبرر لها أصال ،ألن األصل أولى منها ويغني عنها ،إال إذا كانت القراءة وقال أيضا ْ تدعي أساسا أنها تقول ما لم يحسن المؤلف قوله ،وفي هذه الحالة تغني القراءة عن النص وتصبح أولى منه وهكذا فثمة قراءة تلغي النص)) (. )19 تشي االستفهامات من خالل مستهل النص أو الديوان لدى القارئ هي بمثابة فذلكة وحنكة من الكاتب في جذب وتشويق المتلقي ليشركه ويجبره أن يغوص في متاهات النص ودالالته ومعانيه ،وخاصة اذا كثف جملة العنونة وأجزلها الشاعر ،وهي تعد إثارة واستفزازا للمتلقي منذ أول وهلة ،إذ يثير فيه الدهشة والفضول للمعرفة واالكتشاف ،وقد أدرك كل من الجاحظ والجرجاني والقرطاجني وابن قتيبة البُ ْع َد المهم والمكانة الحقيقية للمتل ِقّي في الظاهرة األدبية، ومتلق بارع قادر هو اآلخر على فالنص األدبي يحتاج لكي يح ِقّـــق وجوده ويـــؤتي أُكلَه إلى ُمــــبدِع قادر على توظـــيف إمكانات اللغـــة والبالغــة، ٍّ ِّ القوة والضعف فيه ،بهذه الرؤية للدور الذي ينبغي للمتل ِقّي أن يلعــبه في المعادلة األدبية تتحقَّق العالقة التكاملية بين الكاتب فــك شفراته وتحسُّس مواطن َّ ً ّ بمستوى ودرج ِة العالق ِة بين طرفي المعادلة ،وهما« :المنتج» و«المتلقي» (.)20 ة مرهون األدبي التواصل عملية لتصبح ي، ق والمتل ِ َ قصدانية تغييب المخا َ طب
البعوضةُ توج ُد هُنا أيضا إنّها فوق شاش ِة حاسوبي األخضر أحاو ُل أن أزيح َها بيدي تفر م ِنّي لكنّها ّ ُّ وتحط فوقَ شاشتي ثم تَعُو ُد وعبثا أتظاه َُر بنسيان َها ()6 إلهي، البعوضةُ تخت ِفي ع في كتابة حرفكَ شعرا أو نثرا ً ما ْ إن أشر ُ وال تعو ُد ّإل في اليوم التالي منتصف الليل طبعا عن َد ِ نومي وفي غرف ِة ِ بدون أدنى شكّ كيف ذلك ،ولماذا؟ هذا ما ال يعلمهُ أح ٌد سواكَ ()7 إلهي، مرت اآلنَ ثالثةُ أشهر ّ ٍ وتسعةُ أيّام والبعوضةُ لم تُخلف موعدها معي أبدا ً عادت إلى ُ ْ غرف ِتي لكنّها اليوم ْ كبير من البعوض عادت ومع َها سربٌ ٌ قواميس اللغة العربيّة بعض أو النّا ُموس كما تسميه ُ ِ ()8 إلهي، ب يا للمشه ِد المرع ِ كيف سأنجو من لدغاته ْم جميعا ً اآلن؟ َ الغطاء الدافئ دخ ُل رأسي تحت ِ أأ ُ ِ أأتركُ له ُم البيتَ بأكمل ِه؟ ال هذا وال ذاك يا إل ِهي يرقص اموس ُ ُ فسرب النّ ِ يرقص رقصة دائريةً عجيبة ُ وكأنّه يرس ُم
حري بنا أن نطرح استفهاما ِل َم بدأت الشاعرة نصها بكلمة (إلهي)؟ وأسقطت أداة النداء عنه (ياء) النداء ،أعتقد أن هذا األمر يستدعي ويلزم أكثر من تأويل فإذا ما عدنا إلى شروحنا آنفا والتي قلنا فيها ّ إن خطاب الشاعرة لربّها كان خطابا مباشرا بـ (عنك) فهو خطاب حضوري دون واسطة ،أي هنا هي المخاطب والمخا َ أي الشاعرة أو تعتقد أو كما تعيش لحظات التجلي والكشف والظهور ،فسقطت ياء النداء لحظة تجلي وانصهار بين ِ طب كما تتمنى هيْ ، وأية أداة للنداء ألن أدوات النداء تفيد البعد أحيانا أي خطاب الشخص آلخر غائب ،فهنا اختزال منها لألمكنة واألزمنة في هذه اللحظة المتجلية . يدلل مما تقدم أن الشاعرة تدرك السياق اللغوي والفقه وأصول الكالم والمنطق في نسج عشقها الصوفي بأسلوب شعري فيه من الحداثة مع الحفاظ على أبجديات ومسلّمات الخطاب الشعري الموجه للخالق البارئ ،وحذر الشعراء من الشطح هو تالفيا للحرج والنقد ،ولكن هذا ال يعني أن الديوان أبعد عن نفسة لومة الشطح واالجتهاد الشعري والمعرفي . قصيدة (( 99قصيدة عنك)) ()21 [()1 إل ِهي، من أيّة سماءٍ تأتي هذ ِه البعوضةُ ْ ْ استئذان بدون كيف تدْخ ُل ِخدْري هك َذا بل ٍ َ ِ انتصف الليْل؟ وتلسعُني بشدّة كلّ َما َ ()2 إلهي، اللسعةُ فوق يدِي اليُمنى ي بالنّار كأنّ َها ك ٌّ تؤل ُمني وال يهدأ حريقُها ()3 إلهي، ْ نفعت معَها ال المبيداتُ الحشريّة وال حتّى السّمو ُم الكهربائية فهي ال تموتُ أبدا ً وتأتي ك ّل ليل ٍة في موعدهَا ال تؤ ّخر وال تق ّد ُم دقيقة وكأنها ساعةٌ نوويّة ()4 إلهي، ي؟ أأقو ُم ُ وأهجر فراشي ونومي الهن ّ وإلى أين؟ إلى غرف ِة مكتبِي الورديّة؟ غيرهَا طبعا ،فليس لي ُ وهي وحدهَا تنتظرنِي َ ت بعوضتكَ بيدي كلما اشت ّد أل ُم لسعا ِ ()5 إلهي،
•
– 16نفس المصدر السابق كذا .
•
- 17جريدة القدس العربي -نظرية التلقي والتأويل في النقد األدبي عند العرب – الناقد محمد يوب – . 2015 -12 -21
•
-18د .علي حرب « -هكذا أقرأ ما بعد التفكيك» -الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
•
– 19د .علي حرب – نفس المصدر السابق كذا .
•
– 20الناقد محمد يوب القدس العربي – نفس المصدر السابق كذا .
•
-21قصيدة 99قصيدة عنك ،من ديوان الشاعرة الذي يحمل نفس عنوان القصيدة .
بالرقص أجل إنهُ يرس ُم ّ ماذا يرس ُم؟ سماء غرفتِي رقما ً عجيبا ً يرس ُم في ِ كيف يا إلهي؟ هكذا99 : ()9 99يا إل ِهي، ال تسعةٌ وتسعون ض ُل علما ُء اللغة القو َل والكتابة كما ق ْد يف ّ لماذا 99؟ ت هذه البعوضة إنها عد ُد لسعا ِ وعد ُد أسماء هذا الفردوس وربّما القصائد التي كتبتُها عنكَ لحظةَ ُولدْتُ وساعةَ ْ رحلتُ ويوم قُمتُ ث َّم مشيتُ َ يا إلهي].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش واالحاالت •
-1ديوان الشاعرة ( 99قصيدة عنك) د .أسماء غريب .مطبعة دار الفرات للثقافة واإلعالم .العراق – بابل – – 2016الطبعة الثانية
•
. Historical Archive of the Bible Wheel Site -2
•
- 3مقال – ال توجد صدفة باألرقام -موقع شبكة آرم اإللكترونية 2014-5-24 -
•
- 4موقع شبكة مكة اإللكتروني
•
- 5القرآن الكريم – سورة األعراف – 180
•
- 6القرآن الكريم – سورة اإلسراء – 110
•
- 7القرآن الكريم – سورة طه – 8
•
- 8القرآن الكريم – سورة الحشر – . 24
•
- 9حديث نبوي شريف .
•
- 10موقع واحة اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم اإللكتروني -اسم الجاللة والرقم - 9بقلم وسيم مصري. 2009-7-11،
•
- 11القرآن الكريم -سورة ص آية رقم . 72
•
- 12عبد الدائم الكحيل -موقع موسوعة اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم .
•
- urd - 13نقال عن موسوعة ويكبيديا .
•
- 14نفس المصدر السابق .
•
– 15نفس المصدر السابق -ديوان الشاعرة أسماء غريب .
رسالة تذروها الريح ( ) ١ امال قاسم
تأر ُق ،ال ُمتَف ِت ّ ُق ّ ، بأسوار قلعتي الَمنيع ِة ، الطال ُع في دجى روحي ..ال تعلَ ْق ور ،ال ُم ِ ّ أيُّهذا النّ ُ ِ َ الالهث ،الاله َج في الهزيع .. زفير صبابتي الحارقَ ، وحاذر ْ َ ُّّ معراةٍ كالخريف ! بك ، فألنني أكتظ َ ُ وأذوب بذاكرةٍ ّ ّ ي في محرا ِبك ..إذ كانت عيناك وألن َ القدر ساقني -دونَما رغب ٍة منّي -إلى با ِبك ،ك ْي أصلّ َ َّ وألن عمرا فَ ْوقَ العمر ِ وتاري ًخا قَ ْب َل التاريخِ ألن أبني من ح ِبّ َك مدائني ، قِبلتي ،وألنّني أحتا ُج ً ْ ْ اغتسلت بما ِئك ..وألنّ َك ل ْم تختل ْسني ولَم تقت ِس ْمني ولم تأخ ْذ انفجرت في أنفا ِسك وما أنوثتي ما من عمري ما يكفيك ؛ بحور َك الشعريةَ في نوت ٍة حريريّة ،وأق ِ ّ ش ُر ما َء َك قصيدة ً ،قصيدة ً ئ للريح ..وأخ ِبّ ُ سأ َهبُ َك ّ َ ،لعلّ َك تسق ُ منك المغفرة َ في وردةٍ بيضا َء كالسالم .. ط في غناء جن ٍة عذرا َء ..ولعلّي أغتا ُل َ ِ ب الغمام على تخوم الثغر !! .. ويخص ُ ِ الريح ( )٢ رسالة تذروها ِ ّ الروحِ المتبّ َل بالنون.. يا بنَ ّ مجرتي تهتدي بأحبا ِل صوتِ َك الحار لع َّل ت هسي ِس َك ها قد فرشتُ طراوة َ خمائري لوشوشا ِ ّ ِّ إلى فضاءاتِك الّالهب ِة ّ ُّ ِك على مخارجِ حشاشتِ َك اللمنتهي ِة روعِ قصيد َ ،وبت أتهالكُ شغفًا في ْ المتعرش ِة في تأنيث دم َك ق ِ ّ ،كفراش ٍة تستب ُّد بها خطيئةُ ّ الريح ..تُلمل ُم عرا َء ألوانِها من عرو ِ واعتلت دمدمةَ حم َح َمةَ شهقة ،حين تأبّ َ ال ّ ْ ط ْ تتلوى في إعصارك ..أو أشعارك .. ت ْ كأفعى ّ ِ ِ ً ف غ َجريّتُها رقصةَ « سكرةِ القمر « ..ألنها انشغلَ ْ ث عن ب حنطتِ َك ل ْم ت في البح ِ تحتر ْ غياه ِ ِ أسوار عينيك -قبل الولوجِ فيهما -أثنا َء رحل ِة عودتِها منك ..أو خَلخا ِلها الذي ع ِلقَ في ِ عشبِك المتراخي فَ ْوقَ خافقي.. ع منها أري ُجها في ُ كزهرةٍ غارق ٍة في مائِ َك ؛ ضا َ ً إنّي أدمنت ُ َك ..وأدمنتُ الدم .. صهيل في عينيك يله ُج بشبو ِ ب ِ عا على برود ِتك ..وتوق ُ دهرا من فيك وأدمنتُ َ ي سبعين ذرا ً ظني ً َ استعار النّ ِ ار إذ تَنض ُج ف ّ جر َك ..وأدمنتُ كون ََك المتو ِ ّ جنون ّ المتغو َر في مسامي، غ َل، ّ ق الجائع ِة ألموا ِه َك و ِش ِ ِ الزناب ِ يتفو ُر في كبدي إل ًها من النور !!.. .. ص ْلصا ِلي هَبوبًا ّ ، فينف ُخ في َ
«ربّـما» د .يسرى بيطار
«يا ربَّـما» ،قا َل الجميلُ ،وأَزه ََر ْ ت ق نفسي وردة ُ األحـالم ِ في عمـ ِ ـراش «يا ُربَّـما» ،وأنا أدو ُخ على فِ ٍ بــاآلالم ب ،قــد ضــاقَ ُمـتْـعَــ ٍ ِ أنام «يا ربَّـما» ،ما عدْتُ أقد ُِر أن َ َوفـوقَ طاقـ ِة ُمه َجـتي أوهامي بار ٌق طلَـ َع ال ّ صبا ُح َوفي عيوني ِ ـف ،مث َل ّ األكمام هر في ِ الز ِ لم يَ ْخ َ رور يَـلُـفُّها ،لم يَعلَموا قالوا :ال ّ س ُ ْ «ربَّـما» قد تنتَـشي ب ُحطـامي أن ُ ْـك فلَـربَّـما كـانـت حيـاة ٌ في يـ َدي َ سقــو ُ ط الـدّامـي وربَّـمـا كـانَ ال ُّ إ ِنّـي ا ْكتفَـيْتُ بـ « ُربَّمـا « ،فكأنّها باألنسـام حـراء ص ِ جـا َدت علـى ال ّ ِ ماء الحياةِ ،كأنّما وشربْـتُ من ِ ّـام ـرت حيـاتـي بضعـةُ األي ِ اختَـ َ ص َ ـر ْرتُ أن أشتـاقَ ِمن « يا ُربَّـمـا « قَ َّ الـرامي ــر ّ أن أ ُ ْغ ِـرقَ الدّنيـا ب ِس ْح ِ الكبار من األماني ،فاكتـفَيْتُ قَـتَـ َل َ ـالم. بـغ َْـمــرةٍ تَحـلــو، ِ وبـعـض َك ِ ( أكا ُد من المحبّ ِة أسقُط)
مرآتي مرام عطية ستخ ِب ُر َك مرآتي حين تعو ُد وقفت فراشاتي أمامها شاحبةً ْ ك ْم غيمتك الهطو َل ! تسأ ُل َ ينتظر رمش ََك فستان لها وك ْم ُ ٍ أحداقك خميلةً ! َ ليصير برنوةِ َ تهتف واألساور وكم ْ من العقو ِد ُ ِ ع عطورا ! توقا ً ألنام ِل خزامى تتضو ُ ْ رصيف تغضنت جفونها على ستخبرك كم َ ِ بلقاء الربيع ! االنتظارتحل ُم ِ ِ غياب النبي ِذ طويال ! أحمر شفاهها وكم أضنى ُ َ هر ! ستح ِ ّدث ُ َك كم أتعبتُها بال َّ س ِ وكم مرة ً ْ ذراعيك غفت أحالمي على َ ي ِ ال َّ ْ جن ! واستيقظت على نا ّ ش ِ ب قبضةٌ عاتيةٌ ياحبيبي للغيا ِ كيف ع ِنّي أثنيها ؟! َ الصبر تذيب فوال َذ بللور الروح تكسر ُ ُ َ ِ اعتذار أو سؤا ٍل بال ٍ فتعا َل نجمةً أو غديرا و ال تكُ جرفا ً أمام سفينتي زمر ٍد أو خليجا ً كريما بل جزيرة َ ُّ
النوستالجيا
د .هويدا شريف
ّ ض ن ـا� ،ســواء ألشــخاص أو أماكــن أو ذكريــات مليئــة بالمواقــف والتجارب.هــذه ه حالــة مــن الحنـ يـ� إىل المـ ي “النوســتالجيا “! ي ً ً ّ ـا�ه ويرفضه،فــكل جيــل يعشــق أيامــا ّ الحالــة تجعــل اإلنســان يفقــد طعــم حـ ض معينــة مـ ّـرت رسابــا كالضبــاب األبيــض يتمنّــى ـرة أخــرى ويســميها الماضــي الجميــل أو أيّــام ّ الطيبيــن ،وهــذه تعتبــر عــدوى الرجــوع إليهــا والعيــش فــي حناياهــا مـ ّ ّ للحاضــر إذ يغــرم بهــا ويتنفــس كل مــا فيهــا مــن مــن حــاوة وعســل . ســعادة ومــن هنــا كانــت «النوســتالجيا» غالب ـا ً مــا تحفــز الماضــي وتنقيــه مــن اللحظــات الحزينــة ،وتتــرك لحيظــات ال ّ والحبــور تســرح وتمــرح متعلقــة فــي أذهاننــا وأمــام أعيننــا .لذلــك ال ب ـدّ ،مــن اإلســتفادة مــن اللحظــات الســعيدة لتخـ ّ ـط بأصبعهــا علــى جبيــن هــذا المســتقبل ألنــه امتــداد لــه ومك ّمــل لمســيرته ،إذ لــك ّل زمــن مذاقــه الخــاص ،والماضــي يبقــى صافــي البعيــد عــن المصالــح ،واألهــم مــن ذلــك كلّــه يظ ـ ّل ســجالً حاف ـاً متميّــزا ً بال ـدّفء والبســاطة والــود والحــب ال ّ المتنوعــة ،يحمــل فــي طيّاتــه ك ّل ال ـدّروس والعبــر التــي اســتأثرت اهتمامــك وكانــت حصص ـا ً تعلّمــت منهــا بالتّجــارب ّ ـر والقلــق . كيــف تســعى قدم ـا ً نحــو اليقظــة نحــو مســتقبل باهــر ملــيء بالعطــاء والفكــر لنبــذ ك ّل بــذور الشـ ّ ي ُخ ِ ّ طــي علــى جبينــك العصمــة .ففــي النهايــة فمــا أصعــب أن تكــون غريبـا ً فــي وطنــك ،ومــا أثقــل أن تشــعر بأنــك نبـ ٌّ ،نحــن أبنــاء ادم ،الخطــاءون الذيــن يفتشــون عــن بــاب للخــاص لنهتــدي إليــه .وال ب ـ ّد مــن أن نصــرف ج ـ ّل اهتماماتنــا إلــى العقــل وترويضــه وتنظيمــه ألن العواطــف ســبب ك ّل علّــة ويجــب أن نســتخدمها فقــط تجــاه مــن نحــب أن نق ـدّم لهــم ك ّل شــيء فــي ســبيل ك ّل شــيء ،ألننــا نجــد فيهــم الحيــاة والطمأنينــة ونغــوص فــي أعماقهــم لنغــرف دنيانــا ونصنــع ســلّما ً ســماء ،وماعــدا ذلــك محــض هــراء ،ويــؤدي إلــى فقــدان الـذّات ونصبــح أكثــر قابليّــة علــى عــدم تحقيــق يرقــى بنــا إلــى ال ّ النّجــاح المرغــوب . يــا أصحــاب القلــوب البيضــاء ،دعــوا «النوســتالجيا» تعمــل عملهــا وتهجــع هجعتهــا ّ الطويلــة ،لتســيم فــي خاللهــا العمــر الرياحيــن .فتغــدو نبيّـا ً فــي أفعالــك ومريميّـا ً فــي عواطفــك وحنانــك تصــارع الحيــاة الجميــل واللحظــات العبقــة بأريــج مــن ّ وأهازيجها.
فلسفة الخطاب االستشراقي الحديث في القراءات العربية عامر عبد زيد الوائلي الجزء الثالث/ استاذ الفلسفة جامعة الكوفة المعرفة واقعة تحت تأثير أوهام الثقافة وإحكامها القبلية عن األخر ،وحاجات السلطة لتبرير الهيمنة فقد هيمنت هذه الرؤية االداتية على الفكر األوروبي هو العقالنية والعلم والتقنية والمنظور الشمولي للعالم كان على اإلسالم أن يكون ضا كليًا له .لكن الركون إلى النموذج السوي الكامل وهو النموذج األوروبي ،والنموذج المشوه الناقص وهو النموذج نقي ً اإلسالمي؛ يدلل على أن المنظور األوروبي يعيّن ذاته مرجعًا وحيدًا للعالم ال أكثر ،يخترع اإلسالم من تصوراته الذاتية قبل أن يتأمله بمقارنة موضوعية .لهذا يستطيع» ماك دونال» أن ينسب إلى اإلسالم عدم القدرة على «تصور الحياة ككل ،وميل للتأثر بفكرة واحدة وجهل بباقي األشياء»([)]1 أوال الهدف السياسي: وقد كان الخطاب االستشراقي ذو صلة بالخطاب السياسي من اجل التعرف على األخر والسيطرة علية أي تعاضدت في الخطاب االستشراقي السلطة والمعرفة مما جعلت منه خطابا واسع االنتشار اذ في القارة األمريكية وحدها حوالي تسعة آالف مركز للبحوث والدراسات ،منها حوالي خمسين مركزا ً مختصا ً بالعالم اإلسالمي ،ووظيفة هذه المراكز تتبع ورصد كل ما يجري في العالم ،ثم دراسته وتحليله مقارنا ً مع أصوله التاريخية ومنابعه العقائدية ،ثم مناقشة ذلك مع صانعي القرار السياسي ،ومن ثم تُبنى على أساس ذلك الخطط واالستراتيجيات ،وتحدد وسائل التنفيذ لقد أصبح كل شيء خاضعا ً للدراسة والتحليل ،ولعل المختبرات التي تخضع لها القضايا الفكرية والدراسات اإلنسانية أصبحت توازي تلك المختبرات التي تخضع لها العلوم التجريبية.؟ إذ ثمة تالزم بين المعرفة والسلطة إذ كل ما يصدر عن الغربيين وألمريكيين من إنتاج فكري وإعالمي وتقارير سياسية واستخباراتية حول قضايا اإلسالم والمسلمين في العقيدة ،وفي الشريعة ،وفي االجتماع ،وفي السياسة أو الفكر أو الفن،رغم الطابع ليس علمي بشكل كامل ؛ألنه يحوي شئ من االيدولوجيا التي ارتبطت بالنهج المعتمد في إشباع أهدافه القائمة على السيطرة التي جعلت من الثقافة والمتأثرين بها :منهجا ورؤية قائمة على جعل متلقيها إتباع لها سواء كانوا غربيين أو من العرب المسيحيين الذين تم تلقينهم هذه الثقافة أو من المتأثرين بها من المسلمين فهم يعتمدون نفس األدوات ويتقمصون نفس القناعات ،لهذا ظهرت المهام التي يرمي لها الهدف السياسي هي: )1إضعاف روح اإلخاء بين المسلمين والعمل على فرقتهم إلحكام السيطرة عليهم. )2العناية باللهجات العامية ودراسة العادات السائدة لتمزيق وحدة المجتمعات المسلمة. )3كانوا يوجهون موظفيهم في هذه المستعمرات إلى تعلم لغات تلك البالد ودراسة آدابها ودينها ليعرفوا كيف يسوسونها ويحكمونها.
)9وقد ترك الهدف اثر بارز في األخر المسلم من اعتماد المنهج المعتمد في المعالجة باإلضافة التحليلي التجريبي إلى الرؤية العدمية والمتمركزة حول المركزية األوربية في النظر الى العالم اإلسالمي بوصفه المختلف أو العدو مما يبرر الهيمنة علية)]3[(. وقد ترك هذا العامل اثر في ظهور تيار من المفكرين والعلماء والسياسيين وحتى الناس العاديين أو العامة الذين نادوا: ا -ومن تأثير االستشراق في المجال العقدي االهتمام المبالغ فيه بالصوفية وبخاصة فتجدهم يجعلون البن عربي مكانة خاصة في النشاطات االستشراقية ،ويجذبون أبناء المسلمين لمثل هذه االهتمامات.وهذا لها موجها تعود إلى محاولة االستشراق النظر إلى األخر من خالل الذات المسيحية التي وجدت في التصوف األقرب إليها إال أن هذا األمر ليس الوحيد بل أن االهتمام بالتصوف كان له مقاصد أخرى كالحوار والتثاقف كما لدى المستشرقة األلمانية :انه ماري شيمل «في كثير من كتبها تطلعت المستشرقة األلمانية الراحلة إلى التصوف كجسر بين األديان والحضارات ،ورأت أن التصوف ليس مجرد زهدا ً رومانسيا ً يقتصر على نفي الدنيا ،بل إنه إحياء للقلوب وخلع للمعنى على ما ال معنى له ،لننعم عن طريق التصوف بحرارة الوجد ،ونتفهم اختالف اآلخر ،وهو ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم ليحيا البشر على كافة أجناسهم وأديانهم وثقافاتهم بسالم سوياً)]4[(». ب -كما أن من اهتمامات االستشراق بالفرق المقصية من الخطاب المركزي سابقا مثل :واإلسماعيلية وغيرها من الفرق المهمشة. ج -وقد حرص االستشراق والتنصير على إنشاء المدارس والجامعات الغربية في العالم اإلسالمي ،فمن ذلك الكلية اإلنجيلية التي تحولت إلى الجامعة األمريكية التي لها فروع في كل من القاهرة وبيروت واسطنبول ودبي.ساهمة بالتأثير الحداثوي الغربي في المنطقة)]5[(.
ثالثا -الهدف التجاري: لقد كانت المؤسسات والشركات الكبرى ،والملوك كذلك ،يدفعون المال الوفير للباحثين ،من أجل معرفة البالد اإلسالمية وكتابة تقارير عنها ،وقد كان ذلك جليا في عصر ما قبل االستعمار الغربي للعالم اإلسالمي في القرنين التاسع والعشرين. وكان لهذا تأثير :إذ الغرب سعى إلى نشر الفكر االقتصادي الغربي االشتراكي والرأسمالي وذلك بمحاربة النظام االقتصادي اإلسالمي تشجيع الصناعة في البالد اإلسالمية دون االستعداد الكافي لها ،وإهمال قطاع الزراعة فقد اقتنع العالم العربي بأن النهضة الحقيقية إنما تكون في الصناعة ،ولذلك أهملت الزراعة إهماالً شبه كلي ،مع أن نهضة الغرب الصناعية بدأت باالهتمام بالزراعة وما زال الغرب يسيطر على إنتاج الحبوب والمواد الغذائية األساسية في العالم. ممكن أن نرصد التجربه االمريكية في اول مسعى لها خارج اراضيها « ونظرا ً إلى هذا اإلخفاق في كسب ود حكام الجزائر وليبيا بخاصة ،عمدت الحكومة األمريكية إلى تأسيس وإطالق قوة بحرية خاصة من ست سفن (لم يزل األسطول األمريكي في البحر المتوسط يسمى بـ «األسطول السادس» نسبة للسفن الست لحماية األنشطة البحرية األمريكية في هذه المناطق .وقد حدثت مناوشات عسكرية قرب السواحل الليبية بين هذه السفن والمالحين المحليين :وتعد هذه االحتكاكات أول حرب تخوضها الواليات المتحدة األمريكية في تاريخها خارج حدودها اإلقليمية عام 1801م .وعلى الرغم من فشل هذا األسطول الصغير في تأمين السيطرة على الشريط الساحلي الليبي ،بقيت هذه المغامرة العسكرية األولى راسخة في الذاكرة األمريكية ،إذ يستذكرها جنود البحرية األمريكية صباح كل يوم وهم يرددون النشيد القومي الخاص بقواتهم. ولكن علينا هنا أن نتريث خشية سوء الفهم ،ذلك أن هذه االحتكاكات المحدودة لم تكن قط من ذات النوع الذي جسدته المداخالت العسكرية األوروبية (الفرنسية والبريطانية والبرتغالية مثالً) في تلك الحقبة وما سبقها .بينما كانت األساطيل األوروبية تسعى إلى بناء إمبراطوريات من خالل عملية الضم أو إلى ضمان طرق التجارة الرئيسية مع الشرق األقصى
)4في كثير من األحيان كان المستشرقون ملحقين بأجهزة االستخبارات لسبر غور حالة المسلمين وتقديم النصائح لما ينبغي أن يفعلوه لمقاومة حركات البعث اإلسالمي. نظر الغربيون أن الديمقراطية الغربية هي أفضل نظام توصل إليه البشر حتى اآلن ،ولذلك فهم يسعون إلى أن يسود هذا النظام العالم أجمع ،ومن بين الدول التي يريدون لنظامهم أن يسودها في البالد اإلسالمية ،وقد سعوا إلى هذا من خالل عدة سبل وأبرزها هو انتقاد النظام السياسي اإلسالمي رغم أن الدول اإلسالمية لم تطبق الشورى أو حاكميه األمة بل أنها دول استبدادية ساهمة في ضعف األمة المرتهنة إلى إرادة الحاكم المستبد الذي ساهم بسياسة االختراق الغربية أن تنجح في فرض الهيمنة الغربية على العالم اإلسالمي والعربي.
ثانيا – الهدف الديني: لقد كان االستشراق وليد االحتكاك بين الشرق اإلسالمي والغرب النصراني أيام الصليبيين ،وعن طريق السفرات والرحالت ويالحظ دائما أن هناك تقاربا وتعاونا بين الثالوث المدمر :التنصير واالستشراق واالستعمار ،والمستعمرون يساندون المستشرقين والمنصرين ألنهم يستفيدون منهم كثيرا في خططهم االستعمارية ،كان الدافع األساسي هو الجانب الالهوتي النصراني بغية تحطيم اإلسالم من داخله بالدس والكيد والتشويه ،ولكن االستشراق بعد ذلك وفي اآلونة األخيرة بدأ يتحلل من هذا القيد نوعا ما ليتوجه توجها أقرب إلى الروح العلمية.كان هذا الهدف وراء نشأة االستشراق ،وقد صاحبه خالل مراحله الطويلة ،وهو يتمثل في: )1التشكيك في صحة رسالة النبي صلى هللا عليه وسلم. )2التشكيك في صحة القرآن والطعن فيه. )3التقليل من قيمة الفقه اإلسالمي واعتباره مستمدا من الفقه الروماني. )4النيل من اللغة العربية واستبعاد قدرتها على مسايرة ركب التطور وتكريس دراسة اللهجات لتحل محل العربية الفصحى. )5إرجاع اإلسالم إلى مصادر يهودية ونصرانية بدال من إرجاع التشابه بين اإلسالم وهاتين الديانتين إلى وحدة المصدر)]2[(. )6العمل على تنصير المسلمين. )7االعتماد على األحاديث الضعيفة واألخبار الموضوعة في سبيل تدعيم آرائهم وبناء نظرياتهم. )8لقد كان الهدف االستراتيجي الديني من حملة التشويه ضد اإلسالم.
موقع الحضارية،األحد2007/08/19 : [ ]5انظر :موسوعة األديان والمذاهب المعاصرة.. [ ]6انظر التقديم في :السيد عوض عثمان ،العالقات الليبية – األمريكية1940 ،م – 1942م (القاهرة :مركز الحضارة العربية1994 ،م).4 : [ ]7انظر :موسوعة األديان والمذاهب المعاصرة.
من خالل تأسيس قواعد حماية ثابتة في المضايق العربية ،لم تكن أمريكا آنذاك تفكر بتأسيس إمبراطورية على الطريقة األوروبية ،بقدر ما كانت ترنو إلى استكشاف الشرق العربي واستشراف آفاق تأسيس أواصر اقتصادية وتجارية مع أقاليم البحر المتوسط والمناطق المتاخمة له)]6[(« . رابعا -الهدف العلمي الخالص:بعضهم اتجه إلى البحث والتمحيص لمعرفة الحقيقة خالصة ،وقد وصل بعض هؤالء إلى اإلسالم ودخل فيه ،نذكر منهم: -1توماس أرنولد الذي أنصف المسلمين في كتابه الدعوة إلى اإلسالم. - 2المستشرق الفرنسي رينيه فقد أسلم وعاش في الجزائر وله كتاب أشعة خاصة بنور اإلسالم مات في فرنسا لكنه دفن في الجزائر. االستشراق األكاديمي :أما االستشراق األكاديمي فهو المنهج األرصن واألهم ,وكل األنماط السابقة والمناهج إنما ترجع في نشأتها إليه ,فغالبا ً ما يتلقى المستشرق السياسي أو الديني وإلى حد ما األدبي عملية إعداد تمهيدية أساسية على أيدي نظيرهم األكاديمي إن أهم سمات النشاط األكاديمي االستشراقي االهتمام باللغة العربية أو أحد أهم السمات اللغات السامية ,وتعمق مع حركة النقد للنصوص في العهد القديم خالل القرن التاسع عشر ,وأن الكتاب المقدس وكأنه وثيقة تاريخية يجب أن تخضع للنقد والتحليل .ولم يصبح للدراسات اإلنسانية حقل خاص به إال في مطلع القرن العشرين على أيدي المستشرق األلماني كارل هاينريش وبيكر والهولندي ستوك هور خروينة والنمساوي اكناس كولد زيهر)]7[(.
[ ]1هشام جعيط :أوروبا واإلسالم ،صدام الثقافة والحداثة ،دار الطليعة ،بيروت ،1995 ،ص41 [ ]2منذ أن قدم الحاخام األلماني أبراهام عمله الشهير «ماذا اخذ محمد عن اليهودية « في نهاية القرن التاسع عشر، والحديث ال يهدأ عن األثر المفرط لليهودية الحاخامية في اإلسالم ،بل تطرف بعضهم فاعتبر أن اإلسالم لم يتمايز عن اليهودية إال بعد الحروب الصليبية ،مثل الباحث السوفيتي موروزوف. ومن أشهر إتباع هذا التيار :الباحث األلماني « ه .شباير « صاحب الكتاب الشهير « الحكايات الكتابية في القران «والباحث األلماني أيضا» ي.هورفيتش» ،وفي السبعينات ظهرت الباحثة األلمانية» باتريشيا كرونه» معتبر هذا الدين الذي كان « قوة بربرية حملت قيما يهودية»ولهذا التيار إمدادات في الثقافة العلمانية العربية مثل :نبيل فياض……. [ ]3انظر :موسوعة األديان والمذاهب المعاصرة. [ ]4آنه ماري شيمل وحوار الحضارات ،هاينتس هالمز/عن كتابه (العرب) (،)Die Araberترجمة :ماهر حوني حبيب،
العزف بكرسي قاسم سعودي
اسماعيل ابراهيم عبد
تتفوق العبارة على تأويلها فأن الجمال يفوق المعنى . حين ّ لنذهب الى القصائد الطقس يدي اليمنى [ يدي اليمنى تؤلمني كثيرا ً .ـ قصائد كرسي العازف ,ص]7 هي عبارة طقوسية لها مايقابلها في تراث اآلباء واألهل ,األشقّاء خاصة ... لنجعلها اليسرى ...فماذا ستكون ؟ سب ,بخل ,عسرة عمل ! ستكون عسراء ,ثانوية َ ,مذ َّمة نَ َ لكنما اليد اليمنى ,يد التسبيح ,يد العطاء ,يد اإلمساك ,يد المصافحة في مراسيم األفراح واألحزان .. هي أداة اإلشارة ,البدء ,مسح الدموع ,التمويه على الخجل .... , إذا ً اليد اليمنى طقس وليس عضوا ً جسديا ً حركيا ً فقط .من كون اليد اليمنى إشارة طقوسية تبدأ اإلشكالية الشعرية ,ألن هذه اليد موجوعة ,بزعم الشاعر , فهي جزء من طقس األلم ,وهي األساس في التأشير الى القلب ,دليل الحياة .. هنا ستجري فوائض إشارية الى جميع مخافي القصد ! كيف ؟ لننظر / [ ربما أطعمتُ مرارا ً دجاجات البيت . ـ قصائد كرس العازف ,ص ]7أيعقل أن يكون إطعام دجاجات البيت سببا ً لأللم ,إن لم يكن لصغار البنات ! ,المريضات أيضا ً , َّ وهن بمثابة القلب ,الذي هو بمثابة واهب الروح ,بدفقه وحيويته .. إنهن ألم البيت كله .البيت ال يحوي سوى الصغيرات المريضات المتألمات ! [ أو كنتُ في يوم ما عامل بناء ماهر . ـ قصائد كرسي العازف ,ص]7 إذا ً اإلطعام جاء بسبب العمل الماهر ,وهنا تتدخل آيدلوجيا الطقوس المهنية ,ومنها أن كان العامل ماهرا ً فسيكسب قوت يومه ,وإذا كان ماهرا ً سيدفع ذلك من جسده , صغار! الصغار وال ُ وأول األعضاء المتأثرة هي اليد اليمنى ,ثم القلب ,ثم البيت ,ثم ِ لكن الشاعر يحمل يده لفعل مضاف هو مساعدة الجار . [ أو ساعدتُ جارنا العجوز على حمل باب حزين . ـ قصائد كرسي العازف ,ص]7
جسد يتألم ألجل صغيرات أُط ِعمن اإلثم .. ألم من جرائر وذنوب خيانات القلب ,قتل األبرياء ,قتل المحاربين ,زرع الحزن على األبواب ... , جراء التهليل للطغاة ! تلك هي اليد الفاعلة ,يريد كل الجرائم أقل هوالً من ألم الفكر ّ لها الشاعر أن تنسى وأن تبيَّض بالندم واأللم والوجع الذي يغسل العار واألخطاء .. لكن المقابل ,المسكوت عنه هو :أن الشاعر ال يقتل ,وال يصفق ,وال يعتذر .. الشاعر يحذّر ,يؤثِر ,يوميء بيد السالم حتى لو كانت متعبة ! حتى لو كانت بقبضة ريح ! .. إنه يتحمل أوزارا ً ليست أوزاره ,وجنايات لم يرتكبها ! بالدق على األلم ينشر الجمال الذي يفوق المعنى .. إذا ً هو الشاعر الناقوس الذي ِّ إنه يغني أليامنا بدال عنّا لعل حلم سيجيء ,حتى لو كان حلم شاعر متألم ! الينابيع [ الينابيع هل تراها معي ؟ إنها تقترب مثل زهرة حافية تتسلق دمعة البيت أي دمعة تلك التي تحمل بين عظامها أنهارنا المسروقة في الغرف الضيقة ..؟ وأنت تضع رأسك الساخن بين هل ضاق قلبك أيضا ً ..؟ َ أسنان التأريخ ويقظة األوبئة وألسنة الجدران ال تخف ففي دمعة البيت الكثير من الجثث الباسمة في دمعة البيت الكثير من الهواء الرحيم وفي دمعة البيت الكثير من البراري والطحين والقصب فال تخف الينابيع تقترب . ـ قصائد كرسي العزف ,ص , 16ص]17 في شعرية الشعر والقص لقصيدة (الينابيع) تتمترس ـ كغطاء ـ قضايا عدة ,منها ما هو جمالي ومنها ما هو داللي ,ومنها ما هو ثقافي ,ومنها وما هو تواصلي . أن شعرية القول في هذه القصيدة (الينابيع) ليست ذات حدود تأويلية وجمالية فقط ,إنما هي منفتحة على التعدد القرائي ,فقدت إحتوت على ـ بنية التكرار : / تتكرر كلمة الينابيع بشكل مباشر ,كمحور مؤالف للنسيج الشعري ,مرة في العنوان ومرتين في المتن .ومؤشرة بشكل مضمر (غير مباشر) ثالث مرات . وتتكرر كلمة دمعة ـ بشكل مباشر ـ أربع مرات ,دونما مؤشرات مضمرة .
هو ليس جارا ً فقط بل عنده باب حزين ,ترى من أين جاء الحزن ,أألجل قلب الشاعر ,أم ألجل أمر آخر! [ أو كنتُ أضغط على الزناد كثيرا ً وقت رعب االمعارك . َ ـ قصائد كرسي العزف ,ص]7 فلكأنما الباب الحزين هو القلب المغلق على حزنه بسبب فقدان ّ األعزة في الحرب ,ولكأن الجار ,اليد اليمنى اآلثمة ,وتلك هي طقس جنائزي ـ المجرم يدور حول مكان الجريمة ـ ! .. بل ليس هذا فقط . تعودتُ أن أكتب ألصدقائي رسائل ثقيلة . [ أو أني ّ ـ قصائد كرسي العازف ,ص ]7 هي ذي مرة جديدة تتعب اليد ,بإمتداد أصابعها ,وتقلص كتابتها , وإقتصارها على رسائل األصدقاء .وألنهم غائبون فهم محبوبون وكانوا مثله .أو أن الشاعر مثلهم أيضا ً ,دون أن يعلم ,يكتبون رسائل ال جدوى منها ,رسائل تحمل ذات اإلثم ـ الضغط الكثير على الزناد . الرسائل موجعة وثقيلة على إمتداد أعضاء الجسد ,على إمتداد الزمن !.. تلك فرية ,أن يزج الشاعر نفسه وأصدقائه في إثم لم يكونوا فاعليه .. إذا ً هو جسده الذي صيّره ذاتا ً لبؤرة عرض آثام البشرية كلها ..لعله البوح واإلعتذار والتبرؤ .لننظر / [ أو أني أسندتُ بها رأسي الكبير . ـ قصائد كرسي العازف ,ص]7 تلك جديدة أيضا ً ,بل جديّة موغلة في عدمية َجلد الذات . إنها طقس األلم األكثر وجعا ً (الرأس = الفكر) ..قد نتفاجأ بفجيعة تجعل تلك المسوغات مسوغا ً واحدا ً ,ذلك هو التصفيق للطغاة . [ كنتُ أُصفق كثيرا ً للطغاة والبرابرة والقتلة . ـ قصائد كرسي العازف ,ص] 7 هنا تلقي القصيدة بآخر قطرات األلم ,خارطة تو ّجه الى ألم في يد ,في جسد ..
ينبوع الحياة القدري ,المنصف ,الذي سينشر السالم والحرية والفن . ـ مظهرية التنافس والتقاطع : لنلجأ أوال الى التمثيل باآلتي / [ في دمعة البيت الكثير من الهواء . وفي دمعة البيت الكثير من البراري والطحين والقصب ـ قصائد كرسي العازف ,ص ]16 التنافر هنا ال يشمل قوى المقطع كلها إنما يكتفي بعدم اإلنسجام ,فالدمعة ليس فيها هواء ,والهواء ليس بمقدوره أن يكون رحيما ً أو قاسيا ً .. هذا الالإنسجام هو تنافر مقصود ,يجمع األشياء بظرف متناسب يجعل السبك القولي َم ْعبَرا ً الى القدرية في المبغى شبه الحكائي لمدونة المقطع الشعري . ما يفعله الشاعر ,أن يجمع بين البراري والطحين والقصب ,وليس ثمة تقارب سوى التوافق الكلمي لعناصر المظهر الجملي ,والذي يجعلها مقنعة هو شعرية الطبيعة للعموم تأويالت البيت ,فـ /البيت / هو البلد ,عليه مسؤولية حماية البراري ,وتوفير الخبز ,وإنصاف األهل , شعب القصب ,سكان جنوب البلد ..هنا كذلك قول مضمر ينمو تحت سطح المظهر التدويني ..إنه التقاطع الفاضح بين المظهر المو ّ شى بالتوافق ـ على الرغم من التنافر اللفظي ـ والعمق البؤري للتأسي في المقطع المتقدم .فـ / ـ البيت بيت دموع . ـ البيت بيت جثث . ـ البيت بال هواء . ـ البيت بهو مستباح . ـ البيت بيت للخوف األزلي . ـ توزع الروي : وفي فنيّة القول الشعري يتأكد اآلتي / ـ وجود را ٍو متعدد األقنعة ,فالراوي األول هو الشاعر(الذات) . لألنت المخاطب . والراوي الثاني الشاعر (القناع) َ والراوي الثالث الشاعر الحقيقي . جميعهم يوفرون بنية قصصية لداخل مدونة المروية الشعرية .ـ فحوى السكونية : يحتوي نص الينابيع 6نقاط فاصلة ونقطة واحدة ُم ْن ِهيَة ,كما يحتوي على إثنتين من
التكراران فيهما غرض حكيم للشعرية . ترى ما الحكمة من وجودهما التكراري ؟ الوجه األول /التكرار ضمر نفسي عن بوح مؤجل يوصي به الشاعر ليكون بوصلة تعيين لحاالت يدل مظهرها على كثرتها ,فلن يقول ,أن الينابيع هي الدمعة ...ولن يقول ,أن الدمعة هي البيت .. ,ولم يقل ,أن البيت هو األرض كلها ..لقد إكتفى بالتأشير التكراري تعويضا ً عن مئات الحاالت التي يمكن أن تكرر المعنى بكونها حدثا ً على سطح البيئة (الطبيعة واألحياء والبشر) . إما قيمة التكرار فنيا ً ففي كونه يقرر إتصال المعاني بفضائها لخلق كيان يقوض القول الى قدر حكائي يزيد في تعدد أسباب الجذب شبه قصصي ّ ـ آلية التشفير : القرائي . هي عالئق إتصالية تتضمن كيل من الرموز الخالقة لمباغي غير مباشر . المعنى سواء كانت قوالً مباشرا ً أم قوالً َ وفي القصيدة تتجلى استعماالت داللية ,منها : * الينابيع ..إنها تقترب ... * زهرة حافية تتسلق البيت ... * الجثث الباسمة . * الينابيع تقترب . فحوى تلك المؤشرات يقارب محتوى البرقيات (ال َم ِسجات) مقترنة بآلية تشفير تجعلها أسرارا ً ضاجة بالفضح والتوضيح ... فالينابيع :خيرات البالد ,صداقات الناس , فنون الشعب ,منابع أفكار العلم واإلبداع . الزهرة الحافية :هي زهرة عاديّة ّإل من عطرها ومظهرها .الزهرة مفتوحة األبصار نحو كل شيء بين األرض والسماء .هي الزهرة الخالقة لجمال النفس والنغم في ما بين األفكار .هي زهرة العطاء والدالل التي تتوافق وحميمية الدق في البيت (أسر ,بشر ,عالئق) . مشوهة الوجه ,بارزة األسنان ,تقول للتأريخ / الجثث الباسمة :هي جثث ّ وضللت الحقيقة ,وها نحن نك ّ شر أن أسنانك ليست بيضاء ألنك ظلمتنا َ بياضنا الساخر ببسمة شامتة ال تقدر على منعها .الجثث هي الموت الذي يصنع الحياة الجديدة في ينابيع اإلنسانية التي لن تجف مهما بولغ بالموت . الينابيع تقترب :هي آلية صوغ تؤكد المعنى اإلفتتاحي كونها بموضع إنتهاء القول وإبتداء التأويل لما بعد القول .. الشيفرة الكلية للمقطع الكتابي : هي محصلة القول بالرموز المكثفة للداللة بالمعنى اآلتي /من الدمار سيجري
موصالت حركة الفصل والوصل الحيوية .. أرى أن ذلك مبرر لتقليل العاطفية الشعرية التي تباشر فعلها النفسي على ذائقة القاريء ,من ثم تخلق جوا ً شعريا ً من موسيقى غير ملزمة ,ال في توقيعاتها وال في توقفاتها ,لتترك إسترخاء محسوبا ً بدقة مثلما التشبع التدريجي بخمرة جمال العشق الوجودي والتعبدي ... تجوالنا في قصيدتي (يدي اليمنى وقصيدة الينابيع) يوصلنا الى بعض شؤون فنية وثقافية في شعرية قاسم سعودي ..إنهما نموذجان لقصائد ـ كرسي العازف ـ نرى أنهما يمثالن الطبيعة الفكرية والشعورية لمنظومة إشتغاالت الشعر لديه .. يمكنني إيجاز خصائصها باآلتي 1 /ـ القصائد تتماها مع رؤى الشاعر األخالقية المعتدلة دون أن تنحاز لمفاهيم الفضيلة التقليدية . 2ـ أن اإلشتغاالت الفنية تعطي للتأويل المنفتح مساحة جيدة لتخيل الحاالت اإلنسانية تكون المصدر المهم لينبوع العاطفة الشعورية للرؤى. القرينة بالحالة الشعرية والتي ّ 3ـ اإلستعمال اللغوي الذي يتوسط البالغة بين لغة عموم الناس ولغة التدفق الجمالي كلل نجاح الشاعر في توسيع قاعدة القراءة بمستوييها اللذائذي والنقدي 4 .ـ المظاهر الكتابية للتدوين الشعري تحاول إيجاز الهموم البشرية بهموم الذات الكونية . 5ـ اإليجاز في الفكرة واللفظة والروي يجيز للشاعر أن يقول شعره بالسرد دون أن يضحي بآليات الشعر .
الحقوق والحريات يف اإلسالم //
محمد طي
ينتظــم الــرع اإلســامي شــؤون اإلنســان يف هــذه الدنيــا ويف اآلخــرة ،وهــذا الــرع إلهــي فــرغ اللــه تعــاىل مــن إنزالــه ،فــا يســتطيع أحــد تعديلــه ,وال يخضــع بالتــايل لألهــواء واملصالــح ،وال تؤثــر يف تحديــده إمرباطوريــات املــال واالقتصــاد وال قــوى الضغــط .ثــم هــو ال يحتمــل الثغـرات, التــي تدفــع اإلنســان إىل الترشيــع لســدها ،ومــن هنــا ,فــإن كل مــا يتعـ ّرض لـــه الترشيــع الوضعــي ينـ ّزه عنــه هــذا الــرع. ثــم إن الــرع إذا منــح اإلنســان حق ـاً فإنــه يلــزم الجميــع مبــن فيهــم الحاكــم ،باحرتامــه .ومــن هنــا ,فــا ميكــن أن تكــون الحقــوق وهميــة بحيــث يُعــرف بهــا ،لكــن يعجــز صاحبهــا عــن مامرســتها. فكيف نقل لنا الرسول عن الذات اإللهية حقوقنا ،وما الحريات التي من َحناها؟ أسارع هنا إىل القول :إن إجابتنا لن تكون إال نسبية وعىل قدر إمكاناتنا ،وال ميكن لنا أن نحيط مبا حبا الله اإلنسان من حقوق. أما األصل الذي يجب أن نعود إليه لدراسة هذه الحقوق فهو التوحيد. فالتوحيــد يعنــي نســف األلوهيــات امل ّدعــاة أو املامرســة واقعيـاً مــن قبــل الحــكام عــى النــاس .فــا ســلطة ألحــد عــى أحــد مــن حيــث املبــدأ, وبالتــايل ال يســتطيع أحــد أن يفــرض التزامــات عــى النــاس كــا يشــاء: يزج الناس يف الحروب ل َيقتلوا أو يُقتلوا ال يف مجال الحق بالحياة ,كأن يقتل من ال يوافقه الرأي ,أو أن ّ وال يف مجال الحرية ,كأن يستعبد الناس أو يز ّجهم يف أعامل السخرة لبناء الهياكل والقصور واملعابد. وال يف مجال املال ,فال يستطيع أن ينتزع أمالك الناس عندما يحلو له. غــر أن اللــه تعــاىل مل يكتـ ِ ـف بهــذا املنــع ليــرك البرشيــة تعيــش الفــوىض ,بــل ق ـ ّرر للنــاس الحكــم ,كــا يقــول اإلمــام عــي (ع) يف جوابــه للخــوارج « :ال ب ـ ّد للنــاس مــن أمــر». إذا ً ال بــد مــن حكــم ,لكــن عــى األســاس الــذي حـ ّدده اللــه تعــاىل .واللــه تعــاىل أنــزل أحكامـاً معينــة ,فــا نــزل بــه حكــم يُلتــزم بالحكــم ,ومــا ُســكت عنــه فهــو مبــاح. ومن هذا األصل ,التوحيد ,والحكم مبا س ّنه الله تعاىل ,ت ُستنتج حقوق اإلنسان يف مواجهة الحاكمني. وأول مــا قــى بــه اللــه تعــاىل يف هــذا املجــال تكرميــه اإلنســان وتفضيلــه عــى ســائر املخلوقــات} :ولقــد ك ّرمنــا بنــي آدم وحملناهــم يف الــر والبحــر ورزقناهــم مــن الطيبــات وفضّ لناهــم عــى كثــر ممــن خلقنــا تفضيــا{ (اإلرساء)70/ رف والتكريــم والتفضيــل يعــود كالهــا إىل أن اللــه خلــق اإلنســان ليكــون خليفــة يف األرض} :إين جاعــل يف األرض خليفــة{ ( البقــرة ,)30/يتـ ّ رصفــه. بهــا ويســأل عــن ت ّ والتكريم والتفضيل معاً يشكالن األصل الثاين .فالله تعاىل مل يخلق اإلنسان ويكلّفه ثم يرتكه لشأنه ,بل هو منحه ميزة إيجابية. ويف ضــوء األصــل األســايس ,التوحيــد واألصــل الثانــوي ,التكريــم والتفضيــل ,ســنحاول بإمكاناتنــا املحــدودة تنــاول هــذا األمــر .لذلــك نرانــا مضط ّريــن إىل املوازنــة مــع مــا اكتشــفه الذهــن البــري ،عــى قصــوره ,يف مجــال حقــوق اإلنســان ،لنــرز نقــاط االلتقــاء ونقــاط االفـراق ،ولنجــري املوازنــة يف نقــاط االلتقــاء ,ليظهــر لنــا الفــارق بــن مــا منحنــا اللــه تعــاىل ومــا انتزعــه اإلنســان مــن حكّامــه لنفســه. ونحــن ســنعالج األمــر يف ضــوء املخطــط نفســه الــذي اعت ِمــد لتبيــان الحقــوق والحريــات التــي تســامل عليهــا البــر .فنبــدأ بالحــق يف الحيــاة، مــرورا ً باملســاواة ،فحقــوق الشــخص اإلنســاين ،فحرمــة الحيــاة الخاصــة ،فالحريــات الفكريــة والسياســية ,فالحريــات ذات الطابــع االجتامعــي واالقتصــادي.
• الحق بالحياة :
الحــق بالحيــاة حـ ّـق أصيــل ,فاإلســام يضمنــه بطبيعــة الحــال وال يســمح بإزهــاق الــروح إال عقوبــة عــى الجرائــم شــديدة الخطــورة .يقــول تعــاىل{ :مــن قتــل نفسـاً بغــر نفــس أو فســاد يف األرض فكأمنــا قتــل النــاس جميعـاً} (املائــدة)32/ ـج) يف وقــد جعــل النبــي (ص) حرمــة املســلم كأقــدس الحرمــات إذ يقــول (ص) :إن دماءكــم وأموالكــم حـرام عليكــم كحرمــة يومكــم هــذا (يــوم الحـ ّ 1 شــهركم هــذا (شــهر ذي الحجــة) يف بلدكــم هــذا (البلــد الحـرام). وللداللــة عــى أهميــة هــذا الــدم يقــول (ص) « :والــذي بعثنــي بالحـ ّـق لــو أن أهــل الســاء واألرض رشكــوا يف دم امــرئ مســلم ورضــوا بــه ،ألك ّبهــم 2 اللــه عــى مناخرهــم يف النــار». وإذا كان دم املســلم حرام ـاً ،فــإن دم الذ ّمــي ح ـرام هــو اآلخــر ،فاإلســام ال يف ـ ّرق ,إذ يقــول رســول اللــه (ص)« :مــن قتــل رج ـاً مــن أهــل 3 الذمــة مل يجــد ريــح الجنــة». عــى أن إزهــاق األرواح ميكــن أن يحصــل بالقتــل املبــارش أو يف الحــروب العدوانيــة ،أي التــي ال يبيحهــا اللــه تعــاىل .وهــذا مح ـ ّرم كالقتــل املبــارش. وإذا كان اإلســام يحــرم الحيــاة إىل هــذا الحــد ,فــا بـ ّد لــه مــن أن يحميهــا ,مــن هنــا كان الــردع ,وهــو يتمثّــل بإنـزال العقوبــات املشـ ّددة عــى مــن يعتــدي عــى الحيــاة وصــوالً إىل اإلعــدام. وهنــا يطــرح فريــق مــن املفكّريــن املهتمــن بحقــوق اإلنســان مشــكلة عقوبــة اإلعــدام ,عــى أســاس أنهــا ,هــي األخــرى عمليــة قتــل ,وملــا فيهــا مــن «الهمجيــة» ,وعــى أســاس أن هــذه العقوبــة ,إذا مــا تبـ ّـن مســتقبالً خطــأ يف الحكــم بهــا ,فــا ميكــن الرتاجــع عنهــا. لكــن هــؤالء املفكّريــن ينظــرون إىل الشــخص املرتكــب ,وال يعــرون االهتــام الــكايف للمجتمــع امله ـ ّدد مبثــل هــذا الشــخص ,الــذي ميكــن, إمــا أن يكـ ّرر فعلتــه ,أو ,عــى األقــل ,يشـ ّجع غــره ,عندمــا يــرى أنــه ,إذا تع ّمــد القتــل ,فســيبقى عــى قيــد الحيــاة ,حتــى لــو ســجن ,إذ ميكــن أن يأ ّمــل بعفــو أو بغــره مــن الوســائل الســتعادة حريتــه. مــن جهــة أخــرى ,البـ ّد مــن أن نتذكّــر دامئــا أن عقوبــة اإلعــدام ,فرضهــا اللــه تعــاىل جـزا ًء عــى جرائــم فظيعــة ,فمــن أدرى منــه تعــاىل مبصلحــة خلقــه .فهــل صنــع اإلنســان نفســه أم أن اللــه ســبحانه خلقــه ومنحــه الحيــاة؟ فــإذا كان اللــه مانــح الحيــاة ,فــا ميكــن أن يكــون اإلنســان أدرى بالهــدف والحكمــة مــن ورائهــا ،بــل األدرى هــو الــذي وهبهــا ،وهــو الــذي يســتطيع أن ينظّمهــا لتصــل إىل الغايــة املرجــوة ،ويصبــح الخــاف حــول رضورة أو عــدم رضورة عقوبــة اإلعــدام ,مســألة خــارج البحــث.
•املساواة : لقــد خلــق اللــه تعــاىل جميــع النــاس ,وو ّجــه إليهــم خطاباتــه« :يــا أيهــا النــاس» .ومل يســمح بــأي شــكل مــن أشــكال التمييــز بــن مــن هــم يف وضــع قانــوين واحــد ,إذ يقــول تعــاىل »:يــا أيّهــا النــاس إنــا خلقناكــم مــن ذكــر و أنثــى «(الحجـرات .)13/
ولقــد كان اهتــام الرســول (ص) بهــذا األمــر عظيـاً ،فهــو مل مي ّيــز بــن أي مــن أصحابــه وبــن بــال الحبــي ,أو بينهــم وبــن غــره مــن أبنــاء األعـراق أو األلــوان املختلفــة .كــا مــارس هــذا األمــر يف ســرته العمليــة ,فهــو تشـبّث بــه ,وأمــر بالتشـبّث بــه يف ســرته القوليــة ،فهــو القائــل ” :ال فضــل لعــريب عــى أعجمــي وال ألبيــض عــى أســود ...إال بالتقــوى» 4 .كــا منــع الرســول (ص) مــن التعــايل عــى ذوي األصــول العرقّيــة والســود ،بــل أمــر بطاعتهــم عندمــا يعيّنــون قــادة أو أمـراء ،وذلــك اســتجابة لقولــه تعاىل}:أطيعــوا اللــه وأطيعــوا الرســول وأويل األمــر منكــم{ «(النســاء .) 95/وأوضــح الرسول(ص)
1 2 3 4
بخاري ,فتن8/ الترمذي ,ديات8/ بخاري ,الجزية والموادعة5/ الجاحظ ,البيان والتبيين,دار صعب,بيروت ,دون تاريخ ,س229
عــى أن عقوبــة الظــامل ليســت دنيويــة فقــط ،بــل وأخرويــة أيض ـاً ،إذ يقــول جـ ّـل مــن قائــل} :وإذا رأى الذيــن ظلمــوا العــذاب فــا يخّفــف عنهــم وال هــم ينظــرون{ (النحــل 85/راجــع كذلــك البقــرة 165/األعراف165/يونس52/الكهف29/و59الشــعراء 227/الروم57/الزمر47/الزخــرف.65/ عــى أن اللــه يســتجيب دعــوة املظلــوم ألن املظلــوم ليــس بينــه وبــن اللــه حجــاب 15.والظلــم ظلــات يــوم القيامــة 16.كــا يعـ ّد اللــه مــن يظلــم أوليــاءه عــدوا ً لــه ،إذ جــاء يف الحديــث القــديس« :مــن أهــان يل ولي ـاً فقــد أرصــد ملحاربتــي» 17.كــا جــاء« :قــد نابــذين مــن ّ أذل عبــدي 18 املؤمــن».
•استقاللية القضاء:
يخاطــب اللــه تعــاىل داوود فيقول}:يــا داوود إنــا جعلنــاك خليفــة يف األرض فاحكــم بــن النــاس بالحــق وال تتبــع الهــوى{(ص.)26/ والحكــم بالحــق يعنــي أالّ يتأثــر الحاكــم بــأي عامــل يف مامرســته واجبــه. كــا تتو ّجــه األحاديــث الرشيفــة إىل القضــاة لئ ـاّ مييّــزوا بــن النــاس ،وبــأن يســاووا بالتــايل بــن الحاكــم واملحكــوم .وقــد مــارس قضــاة عديــدون ومــن يف حكمهــم هــذا األمــر مــع الجميــع مبــن فيهــم الرســول (ص) نفســه وكذلــك خلفــاؤه .وتتبـ ّدى االســتقاللية يف هــذه الحياديــة ر عليهــا الرســول (ص) ،فقــد أوىص (ص) باالســتامع إىل الخصمــن ،وهــذا يعنــي إتاحــة حــق الدفــاع لــكل منهــا عــى قــدم التــي كان ي ـ ّ ِ املســاواة ،كــا يــويص (ص) القــايض بالقــول« :إذا جلــس بــن يديــك الخصــان ،فــا تقــض حتــى تســمع مــن اآلخــر كــا ســمعت مــن األول ،فانــه أحــرى أن يتبـ ّـن لــك القضــاء»(.)19 وقــد تن ّبــه الرســول(ص) حتــى للتفاصيــل الصغــرة ،كاملعاملــة عــى هامــش العمــل القضــايئ ،فأمــر (ص) بــأن ال يســتقبل أي متقـ ٍ ـاض أو عــازم عــى ()20 التقــايض دون خصمــه ،إذ نهــى أن يضــاف (يســتضاف) الخصــم إال ومعــه خصمــه.
•أصل الرباءة ( براءة املتهم حتى تثبت إدانته):
إذا كان العــدل مق ّدس ـاً إىل هــذه الدرجــة ،فــإن اإلنســان يجــب أال يؤاخــذ إالّ مبــا جــاء مــن عنــد اللــه إذ يقــول تعــاىل}:ال يكلّــف اللــه نفسـاّ إال مــا آتاها{(الطــاق ،)7/فــا يؤخــذ بالظنــة ،ل} أن الظــن ال يغنــي مــن الحــق شــيئا{( يونــس .)36/فقــد قــال (ص)»:إياكــم والظـ ّن فــإن الظـ ّن أكــذب الحديث»21.والظـ ّن مســألة واســعة تتعـ ّدد فروعهــا وهــي تنطبــق عــى مــن تحــوم حولــه شــبهة مــا. عــى أنــه ال بــد هنــا مــن التمييــز بــن الظـ ّن ،الــذي ال يبيــح العقوبــة ,وبــن أمــر آخــر قــد يحملــه بعضهــم عــى أنــه ظـ ّن ،وهــو أن تكــون هنــاك أدلّــة قاطعــة عــى أمــر يخفــي صاحبــه منــه بعــض العنــارص ,فهــذا يقــن .وهنــا يجيــز الرســول(ص) إكـراه املمتنــع عــى البــوح .فقــد ســمح بإجبــار كنانــة بــن الربيــع عــى أن يـ ّ ـدل املســلمني عــى موضــع كنــز ع ـ ّد مــن غنامئهــم ،بعــد أن كان ثابت ـاً لــدى 22 الرســول (ص) أنــه يخفــي ذلــك الكنــز. وهذا األمر ليس ممنوعاً اليوم ،بل هو يبيح أن يستخدم السجن اإلكراهي حتى يجرب املنكر عىل اإلقرار.
•الحريات الشخصية
الحق يف تكوين العائلة وحرمة الحياة الخاصة وحرية الحركة. وتشمل ّ
•حرية تكوين العائلة: يعلمنا الله تعاىل أن األبناء ،إىل جانب املال ،هم زينة الحياة الدنيا (الكهف)46/
1 5 16 17 18 19 2 0 21 22
راجع ترمذي ,جنة3/ بخاري ,مظالم8/ الكافي ,مذكور سابقا ,ج ,2ص351 المصدر نفسه ,ص352 سنن أيب داوود ,األقضية6/ الكليني ,مذكور سابقا ,ج ,7ص413 بخاري ,وصايا8/ راجع ابن هشام ,السيرة النبوية,دار الجيل ,ج ,3ص 217
هذا املعنى بقوله»:اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبيش كأ ّن رأسه زبيبة».
5
كام روى أبو ذر(ر) عن الرسول(ص) ،قال »:إن خلييل أوصاين أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا ً مج ّدع األطراف».
6
كــا أمــر النبــي (ص) مبســاواة الرقيــق بصاحبــه» يف املــأكل وامللبــس ,ففــي حجــة الــوداع أمــر الرســول (ص) النــاس قائـاً « :أرقاءكــم ،أرقاءكــم، 7 أطعموهــم مــا تأكلــون واكســوهم مــا تلبســون». وعــى الجملــة فقــد قــى اإلســام ،كــا أمــر الرســول(ص) بــأن يســاوي كل إنســان نفســه بالنــاس ،فــا يعاملهــم إال كــا يعاملونــه متامـاً ،عــى ـت أن يأتيــه النــاس إليــك فائتــه إليهــم .ومــا كرهــت أن يأتيــه النــاس نحــو مــا كان يعلّــم أخــوه عيــى بــن مريــم (ع) .فقــد قــال (ص)« :مــا أحببـ َ 8 إليــك فــا تأتــه إليهــم».
•العدل:
يشـ ّدد اللــه تعــاىل عــى العــدل }:يــا أيهــا الذيــن آمنــوا كونــوا ق ّوامــن بالقسط{(النســاء}،)135/قل أمــر ريب بالقســط{(األعراف.)29/ ويرتبــط مفهــوم العــدل مبفهــوم املســاواة ،كــا يرتبــط مبفهــوم رشعيــة الجرائــم والعقوبــات .فهــو يرتبــط مبفهــوم املســاواة لجهــة تطبيــق القانــون عــى الجميــع دون متييــز ،وهــو يرتبــط مبفهــوم رشعيــة الجرائــم والعقوبــات ،ألنــه يقــي بعــدم تجريــم إنســان إال بنــاء عــى الرشيعــة ،وهــي هنــا الرشيعــة اإللهيــة ،كــا يقــي بتحريــم إنـزال أي عقوبــة ،مــا مل يكــن منصوصـاً عليهــا يف الرشيعة}:ومــن مل يحكــم مبــا أنــزل اللــه فأولئــك هــم الكافرون{(املائــدة} )44/هــم الظاملون{(املائــدة } )45/هــم الفاســقون{(املائدة)47/ ويقـ ّوم الرســول(ص)العدل فــرى أنــه أهـ ّم مبــا ال يقــاس مــن ســائر العبــادة ،فهــو يقــول« :ســاعة إمــام عــادل أفضــل عبــاد ًة مــن عبــادة ســبعني 9 سنة». رش عظيــم ،حيــث يقــول« :مــن تـ ّ ـول عرافــة قــوم (املســؤلية عنهــم) أُ ِت بــه يــوم القيامــة ويــداه مغلولتــان إىل عنقــه، أمــا الظلــم فهــو باملقابــل ّ 10 فــإن قــام فيهــم بأمــر اللــه عـ ّز وجـ ّـل ,أطلقــه اللــه ،وإن كان ظاملـاً ُهـوِي بــه يف نــار جه ّنــم وبئــس املصري» .كــا يقــول(ص) »:مــن قلّــد رجـ ًـا 11 عمـاً عــى عصابــة وهــو يجــد يف تلــك العصابــة أرىض منــه ,فقــد خــان اللــه ورســوله وخــان املؤمنــن». عــى أن العــدل ال يقــوم فقــط عــى مســاواة بعــض النــاس بعضهــم اآلخــر ،أو تطبيــق األحــكام اإللهيــة عليهــم جميعـاً فقــط ،بــل هــو إىل ذلــك، يقتــي إنصــاف النــاس مــن أقــرب األقربــاء ,حيــث يقــول تعــاىل }:وإذا قلتــم فاعدلــوا ولــو كان ذا قرىب{(األنعــام )152/كــا يقتــي إنصــاف النــاس مــن النفــس،إذ يقــول تعــاىل }:يــا أيّهــا الذيــن آمنــوا كونــوا ق ّوامــن بالقســط شــهداء للــه ولــو عــى أنفسكم{(النســاء)135/ كــا يقتــي إنصــاف النــاس مــن النفــس ،فــا يكــون الحاكــم فــوق القانــون الســاري عــى الجميــع ،قــال الرســول (ص)« :سـ ّيد األعــال إنصــاف 12 النــاس مــن نفســك وطــوىب ملــن أنصــف النــاس مــن نفســه». وهكــذا يصبــح العــدل هاجــس النــاس جميعـاً ،حاكمهــم ومحكومهــم ،فــإذا تعـ ّرض فــرد للظلــم ،فلــه أن يقاتــل لرفــع هــذا الظلــم ،حــن يقــول (ص)»:مــا مــن مســلم يُظلــم مبظلمــة فيقاتــل ف ُيقتــل إال مــات شــهيدا ً» 13،ووجــب عــى الجميــع أن يه ّبــوا لنرصتــه ،فــا يــرك الضعيــف يواجــه مصــره مــع القــوي ،حتــى لــو كان هــذا القــوي حاكـاً ،فقــد قــال تعاىل}:ومــا لكــم ال تقاتلــون يف ســبيل اللــه واملســتضعفني مــن الرجــال و النســاء والولــدان الذيــن يقولــون ربنــا أخرجنــا مــن هــذه القريــة الظــامل أهلها{(النســاء )75/ كام ورد عن الرباء بن عازب أن رسول الله (ص)»أمرنا ...بنرصة املظلوم».
14
5 6 7 8 9 10 11 12 13 14
ابن ماجة ,جهاد39/ مسند أحمد 161/5 ,ومسلم إمارة35/,و 37 الجاحظ ,مذكور سابقا راجع النسائي ,بيعة 25/والكليني,أصول الكافي,دار األضواء ,بيروت,ج ,2ص146 الكليني ,مذكور سابقا,ج,7ص175 وسائل الشيعة136/12 , ابن تيمية,السياسة الشرعية ,دار الجيل ,بيروت,1993,ص 15 الكليني,مذكور سابقا ,ج ,2ص145 مسند أحمد 205 /2 راجع بخاري ,مظالم5/
عــرة املؤمــن تبــع اللــه عرثاتــه يــوم القيامــة وفضحــه يف جــوف بيتــه».
29
.حريــة الحركــة (الذهــاب واإليــاب) :إن الذهــاب واإليــاب مل يــرد مــا مينعهــا مــن حيــث املبــدأ ,إذا ً هــا مباحــان .ثــم إن اإلســام يحــثّ عــى الحركــة ،فــا ميكــن أن يق ّيدهــا إال ألمــر خطــر ،إذ يقــول تعــاىل} :هــو الــذي جعــل لكــم األرض ذلــوالّ فامشــوا يف مناكبهــا وكلــوا مــن رزقــه وإليــه النشــور{(امللك15/راجع كذلــك الحجر20/والجمعــة)10/ وسرنى تفصيل ذلك يف فقرات الحقة.
•الـحـــق بـالـعــلـــم
يعظــم اللــه تعــاىل العلــاء وذلــك بقولــه }:إمنــا يخــى اللــه مــن عبــاده العلــاء{ (فاطــر .)28/ويفضّ ــل الذيــن يعلمــون عــى الجاهلــن } «قــل هــل يســتوي الذيــن يعلمــون والذيــن ال يعلمون{(الزمر.)9/ كــا يحــثّ الرســول(ص) عــى طلــب العلــم ،فيقــول »:فُضّ ــل املؤمــن العــامل عــى املؤمــن العابــد بســبعني درجــة 30».ويــرى بعضهــم أن هــذا العلــم املطلــوب هــو العلــم الدينــي .إال أن الســنة النبويــة تـ ّ ـدل عــى أن العلــم املطلــوب أوســع مــن ذلــك ,فقــد قــال رســول الله(ص)»:طلــب العلــم فريضــة 32 عــى كل مســلم ومســلمة»31.غري أنــه(ص) يقــول أيض ـاً »:أطلــب العلــم ولــو يف الصــن ».والعلــوم املطلوبــة ،حتــى «يف الصــن» ،ليســت العلــوم الدينيــة ,ألن العلــوم الدينيــة يف الحــوارض اإلســامية ومنهــا تنتــر يف البــاد ,وليــس العكــس ،بينــا العلــم الدنيــوي ميكــن أن يكــون يف أي مــكان يف العــامل. من هنا نفهم أن العلم بكل فروعه مطلوب ،فال ب ّد من أن يكون التعليم ،عىل األقل متاحاً ،وإالّ كيف ميكن الحثّ عليه. يبقى هناك سؤال ,وهو :هل العلم جائز أم واجب عىل الدولة يف اإلسالم؟ إن مسألة الجواز مؤكدة مبا رأينا .أما مسألة الوجوب فيجب بحثها. فاليــوم هنــاك ح ـ ّد معــن مــن العلــم إلزامــي تجــر الدولــة أوليــاء األطفــال عــى متكينهــم مــن تحصيلــه .وهــذا املســتوى متف ـ ّرع مــن األســاس وهــو توفــر العلــم ،حســب اإلمكانــات .ونحــن نــرى أن اإلســام ال ميانــع يف ذلــك لــرورة العلــم بالنســبة إىل املجتمــع وحاجاتــه ،فــا بـ ّد مــن توفــر املرحلــة األساســية الرضوريــة للتعلّــم الالحــق. لكن يبقى السؤال :هل هناك ،فيام ييل املرحلة األساسية ،علم من الرضوري تأمينه لتلزم الدولة بذلك؟ لقــد كلّــف الرســول(ص) رجــاالً مــن املســلمني بــأن يتعلمــوا لــدى املجتمعــات األخــرى بعــض األمــور كــا حــاول اإلفــادة مــن متقنــي اللغــات األخــرى .فقــد أرســل(ص) عــروة بــن مســعود وغيــان بــن ســلمة إىل جــرش ,ليتعلمــوا صناعــة الدبّابــة واســتعامل املنجنيــق 33,وهــي التقنيــات التــي كانــت رضوريــة لقيــام الدولــة والحفــاظ عليهــا يف الجــو الحــريب الــذي كان ســائدا ً ،ومــن هنــا نســتطيع االســتنتاج أن عــى الدولــة أن توفّــر العلــوم الرضوريــة الســتمرار املجتمــع والدولــة اإلســامية وتط ّورهــا .إذا ً مــن الواجــب توفــر كل أنــواع العلــوم الرضوريــة. وبهــذا تصبــح إلزاميــة التعليــم مســألة موظّفــة لخدمــة املجتمــع ،ال لتخريــج أفــواج العاطلــن عــن العمــل يف جـ ّو الليرباليــة التعليميــة ،التــي يــر ّوج لهــا اليــوم.
ألن
•الحقـــوق السـياســيـة
مل مينــع اإلســام النــاس مــن املشــاركة يف األمــور السياســية ،بــل هــو فــرض عليهــم هــذه املشــاركة .ومل يجعلهــا حقوقـاً فقــط ,بــل وواجبــات أيضـاً،
الكليني ,مذكور سابقا ,ج ,2ص355 29 الغزالي ,مذكور سابقا ,ج ,1ص14 30 ابن ماجة ,مقدمة17 / 31 الغزالي ,مذكور سابقا ,ص16 32 راجع الطبري ,مذكور سابقا ,ج ,2ص 353وابن هشام السيرة النبوية ,ج ,4ص 90وابن األثير ,مكتب اإلعالم اإلسالمي, 33 قم ,1418,ج ,2ص922
ـض عــى الــزواج 23,وعــى كــا يحــثّ الرســول(ص) عــى الــزواج وتكويــن العائــات بالتناســل ،فقــد حملــت الصحــاح العديــد مــن األحاديــث يف الحـ ّ اإلنجــاب ,إذ يقــول(ص) »:تز ّوجــوا الــودود الولــود» 24.عــى أن لإلنســان حريــة اختيــار رشيــك حياتــه ،وهــذه لبســت حك ـرا ً عــى الرجــل ،بــل هــي مضمونــة للفتــاة ،إذ يشــرط قبولهــا .إال أن اإلســام يراعــي الحيــاء ,فقــد تســتحيي الفتــاة التــي ال عهــد لهــا بالــزواج مــن أن تعلــن قبولهــا ،لذلــك يكتفــى 25 مبــا يـ ّ ـدل عليــه مــن األمــارات ،إذ جــاء عــن رســول اللــه (ص) بخصــوص البكــر أن « إذنهــا صامتهــا». أمــا يف مســائل الــزواج املبكــر ,فــإن لألمــر أحكامـاً أخــرى ،إذ يشــرط قبــول الــويل .وهــذه مســألة تحتــاج إىل نقــاش مــن وجهــن :وجــه جــواز الــزواج املبكــر ،ثــم وجــه مــن بيــده مســالة القبــول والرفــض. ففي مسألة جواز الزواج املبكر نرى بعضهم يرفضه وال يجيزه اليوم .ولكننا ر ّدا ً نرى رضورة تناول مسألتني: أوالً :يف أي سـ ّن يكــون الــزواج مبكـرا ً؟ إن الزيجــات اليــوم ال ميكــن أن تحصــل ,ســواء بالنســبة إىل الشــاب أو إىل الفتــاة ,قبــل البلــوغ. وســن البلــوغ كانــت مبدئيـاً ســن الرشــد .وهــذا أمــر كان معروفـاً عنــد األمــم األخــرى أيضـاً ،ويف سـ ّن الرشــد تصبــح موافقــة الطرفــن رضوريــة .إال أنــه ميكــن القــول :إن سـ ّن البلــوغ ليســت بالــرورة ســن الرشــد ،والدليــل أن القــرآن الكريــم مي ّيــز بــن البلــوغ والرشــد، َاح فَـ ِإ ْن آن َْسـتُم ِّم ْن ُهـ ْم ـى إِذَا بَلَ ُغــوا ْ ال ِّنـك َ حيــث يقــي بــأن يســتجىل الرشــد بعــد البلــوغ ،وذلــك بقولــه تعــاىلَ { :وابْتَلُــوا ْ الْ َيتَا َمــى َحتَّـ َ ُرشْ ـ ًدا فَا ْدفَ ُعــوا ْ إِلَ ْي ِهـ ْم أَ ْم َوالَ ُه ْم}(النســاء .)6/وهــذا مــا يثبــت أنــه ال يكفــي البلــوغ لحصــول الرشــد. ثانياً :وبناء عىل هذا ،فهل يجوز الزواج بعد البلوغ مبارشة؟ وهو األمر الذي ،ال يجيزه بعضهم. إننــا نقــول هنــا :إن الحاجــة الجنســية تفــرض نفســها بعــد البلــوغ ،فإمــا الصــر ســنوات حتــى يتـ ّم الرشــد ،الــذي قــد ال يتــم قبــل سـ ّن الثامنــة رف بهــا. عــرة بســبب تع ّقــد الحيــاة اليــوم .وهــي السـ ّن التــي أثبتــت التجربــة أنهــا هــي التــي يتم ّكــن فيهــا اإلنســان مــن مبــارشة حقوقــه والتـ ّ وإمــا اللجــوء إىل مامرســات غــر مســتحبة أو مح ّرمــة ,ومنهــا الزنــا ،وإمــا الــزواج ،فــأي هــذه الحلــول أفضــل؟ مــن هنــا ال يكــون الــزواج املبكــر أمـرا ً مســتهجناً ،إال ألســباب ماليــة .وهــي مــا يجــب إيجــاد الحلــول لــه ،ألننــا مأمــورون بالــزواج املبكــر هــذا, انطالقـاً مــن رضورتــه. فإىل من يجب أن يعود القبول والرفض؟ يف التجربــة اليوميــة ،يتحـ ّرر الكثــرون ويندفعــون إىل عالقــات جنســية غــر رشعيــة ،فهــل يُســألون ،وهــم مــن وجهــة نظــر معينــة غــر راشــدين؟ ـض النظــر عــن الحليّــة والحرمــة. وإذا مل يُســألوا ،فمــن يتحمــل التبعــات؟ وهــي غالبـاً تبعــات خطــرة ،بغـ ّ أفال يكون يف هذه الحال رضا الويل بزواج رشعي مح َّدد النتائج هو األفضل؟
•حرمة الحياة الخاصة:
الخاصــة بــأي شــكل ،إذ يقــول اللــه تعــاىل }:يــا أيّهــا الذيــن آمنــوا ال تدخلــوا بيوتـاّ ـض اإلســام عــى الحشــمة ومنــع الدخــول إىل حيــاة النــاس يحـ ّ ّ غــر بيوتكــم حتــى تستأنســوا وتســلموا عــى أهلهــا ذلكــم خــر لكــم لعلكــم تذكرون{(النور)27/كــا يقــول تعــاىل } :قــل للمؤمنــن يغضّ ــوا مــن أبصارهــم ويحفظــوا فروجهــم ذلــك أزىك لهــم إن اللــه خبــر مبــا يصنعــون* وقــل للمؤمنــات يغضضــن مــن أبصارهــن {(النــور30/و)31 كــا أمرنــا الرســول(ص) بهــذا بقولــه»:ال يدخــل أحدكــم بيتـاً إال بــإذن» 26،بــل» ال ينظــر يف قعــر بيــت قبــل أن يســتأذن» 27.ألن للبيــوت أرسارهــا الخاصــة .غــر أن األرسار ال تقتــر عــى مــا يجــري داخــل البيــوت ،بــل قــد تكــون األرسار فيــا يريــد الشــخص إبالغــه إىل شـ ٍ ـخص آخــر ،ومــن هنــا التجســس عــى املواطنــن بــكل أشــكاله}، كانــت حرمــة املراســات ،فــا يجــوز انتهاكهــا ،وهــذا فــرع ،كــا أرسار البيــوت ،مــن مبــدأ عــام يقــي بحرمــة ّ 28 تجسســوا ( الحج ـرات ، )49/فنحــن مأمــور بعضنــا بالســر عــى بعــض ,إذ يقول(ص)»:مــن يســر عــى مســلم ســره اللــه يف الدنيــا واآلخــرة». وال ّ وهكــذا فــا تجــوز مالحقــة النــاس لكشــف مــا ال يريــدون إطــاع اآلخريــن عليــه ،فقــد قــال(ص)« :ال تتبعــوا عـرات املؤمنــن ،فإنــه مــن تتبــع 2 3 24 25 26 27 28
أبو داوود ,نكاح 1/وابن ماجة ,نكاح 1/وأحمد163/5 , أبو داوود نكاح 3/والنسائي ,نكاح 11/وأحمد...158/3 , بخاري ,نكاح41/ أحمد 250/5 ,و261 مسند أحمد 261/5 ,و280 مسلم ,بر 58/وبخاري ,مظالم3/
تخصهم جميعاً ،حيث يقول تعاىل} :وأمرهم شورى بينهم{(الشورى.)38/ أمور املسلمني يجب أن تكون شورى بينهم ،فهي ّ كام أن رسول الله (ص) يقول»:من أصبح ال يهت ّم بأمور املسلمني فليس مبسلم».
34
وهــذا مطلــوب مــن األم ـراء ،بطبيعــة الحــال ،كــا هــو مطلــوب مــن ســائر املســلمني حــن يقــول (ص)« :إذا كان أمراؤكــم خياركــم وأغنياؤكــم ســمحاءكم وأموركــم شــورى بينكــم ،فظهــر األرض خــر لكــم مــن بطنهــا» 35.عــى أن الشــورى تســتبطن النصيحــة ،والنصيحــة هــي األخــرى واجــب يف ()36 نظــر الرســول (ص) إذ ورد عنــه(ص) »:مــن استشــاره أخــوه فلــم ميحضــه النصيحــة ،ســلب اللــه لــه ل ّبــه». ـص أىت مطلقـاً، والنصيحــة ال تقتــر عــى مســألة التعامــل بــن األفـراد كــا يخ ّيــل ،بــل هــي تطــال أيضـاً العالقــات بــن الحــكام واملحكومــن ،ألن النـ ّ بــل هــي واجبــة يف هــذا الصــدد أكــر ،ألن أثرهــا عــام ،بينــا هــو يف الحالــة األوىل محصــور .وكــا أن النصيحــة واجبــة عــى املحكــوم تجــاه الحاكــم، فهــي واجبــة عــى الحاكــم تجــاه املواطنــن ،ألنــه مــن الســاعني يف حاجاتهــم جميع ـاً .وقــد ورد عــن رســول اللــه (ص)»:مــن ســعى يف حاجــة ألخيــه ()37 فلــم ينصحــه ،فقــد خــان اللــه ورســوله». مقـاومـــة الـجـــور ملا كان ال سلطة ألحد عىل أحد إالّ ما فرضه الله تعاىل ,فليس ألحد أن يتجاوز حقوق الناس .وإىل هذا فقد حثّ الله تعاىل عىل التنبيه من هذا التجاوز ومقاومته عن طريق األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،وميدح الله القامئني بهذا الواجب فيقول} :كنتم خري أمة أخرجت للناس تأمرون باملعروف وتنهون عن املنكر وتؤمنون بالله{(آل عمران،110/راجع كذلك التوبة)112/ والحاكــم إذا متــادى ومل ينفــع معــه النصــح وجبــت مقاومتــه .وأول املقاومــة التمـ ّرد عــى األوامــر يف معصيــة اللــه ورســوله ،فقــد أمرنــا تعــاىل بعــدم الطاعــة يف املعصيــة :وال تطــع مــن أغفلنــا قلبــه عــن ذكرنــا وات ّبــع هواه{(الكهــف )28/كــا يقــول تعــاىل }:وال تطــع منهــم آمثاً أو كفــورا ً {(اإلنســان)24/ كــا روى مســلم بســنده عــن رســول اللــه(ص) القول»:عــى املــرء املســلم الســمع والطاعــة فيــا أحــب أو كــره ،إال أن يؤمــر مبعصيــة ،فــإن أُمــر ()38 مبعصيــة فــا ســمع وال طاعــة». عــى أن األمــر قــد يتجــاوز التمـ ّرد وصــوالً إىل حمــل الســاح ،فحــن تنفــع الكلمــة تصبــح واجبــة ,وتفــوق أكــر الفرائــض إذ يقولـــ (ص) »:ومــا جميع أعــال الــر والجهــاد يف ســبيل اللــه عنــد األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر ,إال كنفثــة يف بحــر لجــي» 39.فــإذا مل يرعـ ِو الظــامل وجبــت مقاتلتــه عنــد ()40 املكنــة ،لقولــه(ص) »:مــن رأى منكــم منكـرا ً فليغـ ّـره بيــده ،فــإن مل يســتطع فبلســانه ،فــإن مل يســتطع فبقلبــه وهــو أضعــف اإلميــان». نصــت يف يــوم مــن األيــام عــى الحــق بالثــورة ضـ ّد الحاكــم .إال أنهــا مــا لبثــت أن تخلَــت ولقــد كانــت القوانــن الغربيــة (خصوصـاً الفرنســية) قــد ّ عــن ذلــك ،عــى أســاس أالّ رضورة لهــا يف ظــل الحكــم الدميقراطــي والتنــاوب عــى الســلطة .غــر أن األمــور ال تســر دامئـاً بهــذا االتجــاه .فــا العمــل عندمــا تبتــى الشــعوب أو اإلنســانية بالحــكام املســتبدين ,مــع مظاهــر الدميقراطيــة؟ إنه ال يبقى إال الثورة عندما تتوافر إمكاناتها ،وبهذا يكون الحل اإلسالمي هو الحل الحقيقي. أمــا إذا تركــت األمــة األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر فإنهــا ســترت ّدى ،وهــذا مــا يعل ُمنــاه اللــه تعــاىل إذ يقــول حكايــة عــن قــوم تخلّــوا عــن األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر فيــا بينهــم} :كانــوا ال يتناهــون عــن منكــر فعلــوه لبئــس مــا كانــوا يفعلــون {(املائــدة.)79/ كــا يفيــده قــول النبــي(ص)»:ال ت ـزال أمتــي بخــر مــا أمــروا باملعــروف ونهــوا عــن املنكــر وتعاونــوا عــى الــر .فــإذا مل يفعلــوا نزعــت منهــم أصول الكايف 163/2 34 ترمذي ,فتن78/ 35 3 6مسند أحمد. 321/3 , - 3 7الكليني ,مذكور سابقا ,ج362 ,2 - 38بخاري ,أحكام. 4/ الغزالي ,مذكور سابقا ,ج,3ص7 39 - 4 0ترمذي ,فنت. 11/
إذا مل يســا ِو اإلســام الذمــي باملســلم ،بــل جعلــه يف وضــع يجــد مصلحتــه يف الخــاص منــه واعتنــاق اإلســام ،فقــد فــرض عليــه الخـراج يف األرض، أو الجزيــة عــى الــرؤوس ,إذا كان قــادرا ً عــى القتــال ,اســتدالالً باآليــة الكرميــة } :قاتلــوا الذيــن ال يؤمنــون باللــه وال باليــوم اآلخــر وال يح ّرمــون مــا حـ ّرم اللــه ورســوله وال يدينــون ديــن الحــق مــن الذيــن أوتــوا الكتــاب حتــى يعطــوا الجزيــة عــن يــد وهــم صاغــرون{ (التوبــة) 29/ كــا أن اإلســام حـ ّرم عــى أهــل الذ ّمــة أن يتبــوءوا مناصــب الواليــة عــى املســلمني مــن إمــارة وقضــاء ومــا إليهــا ,بدليــل اآليــة الكرميــة }:ال يتّخــذ املؤمنــون الكافريــن أوليــاء مــن دون املؤمنــن{(آل عمـران ) 28/واآليــة }يــا أيّهــا الذيــن آمنــوا ال تتخــذوا اليهــود والنصــارى أوليــاء{ (ســورة املائــدة ،)51/ويف النــكاح مينــع اإلســام زواج املســلمة بكتــايب يف حــن يســمح بــزواج املســلم بكتابيــة. أ ّمــا يف مســائل القصــاص فليــس هنــاك إجــاع بــن املســلمني يف موضــوع نفــس املســلم ونفــس الكتــايب ,إذ تــرى بعــض املذاهــب ,كالحنفيــة مثـاً, أن هنــاك مســاواة بحيــث يقتــل املســلم بالكتــايب ,فيــا تــرى مذاهــب أخــرى أنــه ال يقتــل املســلم إالّ إذا اعتــاد قتــل أهــل الذ ّمــة. أمــا اليــوم فقــد زالــت األســباب املوجبــة للتمييــز بــن أهــل الكتــاب وبــن املســلمني ,كــا كانــت عليــه يف الدولــة اإلســامية ،بزوالهــا مــن العــامل أجمــع مــن جهــة ،وبغلبــة االنتــاء الوطنــي عامليـاً عــى االنتــاء الدينــي ,مــن جهــة أخــرى ،فــا نــرى اليــوم نظامـاً إســامياً يفرضهــا عــى أبنــاء األقليــات الدينيــة ،كــا ال تفرضهــا أي أمــة عــى املســلمني. أمــا الوثنيــون فلــم يؤمــر الرســول بقتالهــم ملــا اشــت ّدت شــوكة اإلســام ،إال دفاعـاً عــن النفــس ،ثــم إبعــادا ً لهــم عــن املســجد الحـرام ،ومل يقبــل منهــم عندهــا إال اإلســام أو القتــل وســبي الــذراري. غــر أن اإلســام املفــروض عليهــم هــو اإلســام الظاهــري ،أمــا مــا يتعـ ّداه ،فــا ميكــن ألحــد فرضــه ،ألنــه يدخــل يف مجــال الضمــر الــذي ال ميكــن التفتيــش عنــه.
الــركات وس ـلِّط بعضهــم عــى بعــض ومل يكــن لهــم نــارص يف األرض وال يف الســاء»41.أو « س ـلّط عليكــم رشاركــم».
42
وقــد يحصــل التخــي عــن األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر مــن طريــق التــواكل ،بحيــث يــرك أحدنــا األمــر لآلخريــن ،حفاظـاً عــى نفســه أو مصلحتــه ،وهنــا تبــدأ املصائــب ،فقــد أنبأنــا اللــه تعــاىل ع ّمــن يتخلــون عــن هــذا الواجــب ويفعلــون عكســه بقولــه} :املنافقــون واملنافقــات بعضهــم مــن بعــض يأمــرون باملنكــر وينهــون عــن املعــروف ويقبضــون أيديهــم نســوا اللــه فنســيهم إن املنافقــن هــم الفاســقون{(التوبة)67/ كــا أوضــح رســول اللــه (ص)املصــر بقولــه « :لتأمــر ّن باملعــروف ولتنهـ ّن عــن املنكــر ,أو ليسـلّط ّن اللــه عليكــم رشاركــم» 43.ألن املتهـ ّرب ،إذا نجــا 44 يف عاجــل أمــره لــن ينجــو يف آجلــه ،ال سـ ّيام إذا تحـ ّول إىل التملــق لــريض الحاكمــن »:مــن أرىض ســلطاناً جائـرا ً بســخط اللــه ،خــرج مــن ديــن اللــه». أمــا الســلطان نفســه ،الــذي يــوزّع املنافــع عــى أســاس التملّــق ،فهــو خائــن ملــا أئتمــن عليــه معنوي ـاً ومادي ـاً ،فقــد تش ـ ّدد اإلســام فيــا يجــب للحــكام مــن مــال املســلمني حتــى ال يســتخدموه لـراء الذمــم ,إذ نهــى اللــه تعــاىل عــن إيتــاء الحــكام الظاملــن املــال بقولــه } :وال تأكلــوا أموالكــم بينكــم بالباطــل وتدلــوا بهــا إىل الحــكام لتأكلــوا فريقـاّ مــن أمــوال النــاس باإلثــم وأنتــم تعلمــون{ (البقــرة.)188/ كــا قــال عــي(ع) ،تعبـرا ً عــن رأي رســول اللــه(ص)»:ال يحـ ّـل للخليفــة مــن مــال اللــه إال قصعتــان ،قصعــة يأكلهــا هــو وأهلــه ،وقصعــة يضعهــا بــن يــدي النــاس» 45.أمــا الباقــي فســبله واضحــة ,وعــى الخليفــة ّأال يحيــد عنهــا قيــد شــعرة ،بذلــك يقطــع الطريــق عــى الحيــف مــن جهــة ,وعــى التملّــق مــن جهــة أخــرى. حرية إبداء الرأي واالجتامع والتجمع إذا كان مطلوبـاً مــن املســلم أن ينصــح للحاكــم وأن ميتنــع عــن طاعتــه جائـرا ً وصــوالً إىل الثــورة عليــه ،فهــذا ميكــن أن يحصــل إفراديـاً كــا ميكــن أن يحصــل جامعيـاً ،وإذ يحــثّ اللــه تعــاىل عــى التعــاون يف مجــال طاعــة اللــه وفعــل الخــر ,فــإن أهــم أشــكال فعــل الخــر العمــل الســيايس عــن طريــق األمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر .وإذا كان مطلوبـاً دامئـاً أن متــارس األعــال عــى أكمــل مــا يكــون ،فــإن العمــل الجامعــي هــو األكمــل ،وبالتــايل متــي هــذه الحريــات حريــات وواجبــات يف الوقــت نفســه. مــن هنــا كانــت أوامــر اللــه تعــاىل تو ّجــه إىل املســلمني كافــة ،مــا يـ ّ ـدل عــى أهميــة العمــل الجامعــي ووجوبــه ,ومــن هنــا نشــوء بعــض التنظيامت املعارضــة التــي عجــز أصحابهــا عــن التغيــر بالكلمــة ,والتــي تسـ ّمى اليــوم مذاهــب .وهــي كانــت تشــكيالت سياســية تســعى إىل الوصــول إىل الحكــم إلقامــة مــا تعتقــد أنــه ديــن اللــه .وكان القيمــون عــى بعضهــا مــن كبــار الفقهــاء واألمئــة ,كأمئــة أهــل البيــت(ع) وغريهــم. الحرية الدينية إن إجبــار النــاس عــى اعتنــاق أي رأي أو التديــن بــأي ديــن أمــر مســتحيل .وإذا مورســت الشـ ّدة يف هــذا املجــال ،فقــد تــؤدي إىل مامرســة النفــاق ال أكــر .مــن هنــا يقــول تعــاىل }:ال إكـراه يف الدين{(البقــرة ,)256/كــا يســأل تعــاىل قائـاّ } :أفأنــت تكــره النــاس حتــى يكونــوا مؤمنــن{ (يونــس ,)99/واللــه تعــاىل ال يأمــر بقتــال مــن ال يؤمــن ملجــرد عــدم إميانــه .فيقــول تعاىل}:وقاتلــوا يف ســبيل اللــه الذيــن يقاتلونكــم وال تعتــدوا إن اللــه ال يحــب املعتديــن{ (البقــرة .)190/أ ّمــا الذيــن مل يــؤذوا املؤمنــن ,فــا مانــع عنــد اللــه مــن أن يعاملــوا بالحســنى }:ال ينهاكــم اللــه عــن الذيــن مل يقاتلوكــم يف ال ّديــن ومل يخرجوكــم مــن دياركــم أن ت ّربوهــم وتقســطوا إليهــم إن اللــه يحــب املقســطني {(املمتحنــة )7/فــا هــو موقــف الرســول(ص)؟ هــذا الجانــب مــن املوضــوع نعتمــد يف معالجتــه عــى ســرته العمليــة ,أكــر مــا نعتمــد عــى الســرة القوليــة .فالرســول (ص) كان مكلّفـاً بدعــوة دينيــة ،وكان يعمــل عــى نرشهــا بالحكمــة واملوعظــة الحســنة (النحــل ،)125/لذلــك فهــو مل يقاتــل يف ســنوات الدعــوة األوىل يف مكــة ،حتــى أخــرج واملســلمون مــن ديارهــم وأموالهــم .ولّــا قــدم املدينــة مهاجـرا ً ،وضــع الصحيفــة التــي ســمحت للجميــع بالتعايــش ،مــن مســلمني ويهــود ،إال أن اليهــود نابــذوه بالعــداء ،كــا نابــذه املرشكــون مــن حــول املدينــة ،فســمح لـــه بالقتــال{ :أُ ِذ َن لِل َِّذيـ َن يُقَاتَلُــو َن ِبأَنَّ ُهـ ْم ظُلِ ُمــوا ( } ...الحــج .)39/إال كل قــوة أنــه ،وبنتيجــة القتــال كان يســمح ألهــل الكتــاب بــأن يحتفظــوا بأديانهــم لكــن مقابــل جزيــة .وفــرض الجزيــة كان معاملــة باملثــل ،ألن ّ منتــرة كانــت تفــرض الجزيــة عــى القــوة املهزومــة .إال أنــه كان للجزيــة مقابــل وهــو الحاميــة ،فــإذا عجــز املســلمون عــن حاميــة أهــل الذمــة، 46 وهــم أهــل الكتــاب ،فــا تتوجــب الجزيــة. 4 1 42 43 44 45 46
علامً أن االنتامء كان حينها قبلياً أو دينياً .فال يعرف اإلنسان بوطنه أو قوميته بقدر ما يعرف بقبيلته. الوسائل394/11 , الغزالي ,مذكور سابقا ,ص6 الغزالي ,احياء علوم الدين,دار الجيل,ص6 الكليني ,مذكور سابقا ,ج ,2ص373 مسند أحمد78/1 , الماوردي ,األحكام السلطانية ,مكتب النشر اإلسالمي ,السعودية ,1406,ص142
أو تأسفين ؟ مازن الطباع
كموج من عطور غزت الوتين تأتين ثم تأسفين ******** ت مني دمي وتالل عبق غمر ِ أيا زهرة من ياسمين ما نفع عذر إن سبيت مني هواء الرئتين ******** يا قبلة الشعر رمشيك أين.؟ أين السحر من ِ و مراكب حبنا أبت اللقاء واﻷفق حولنا تغنى مشرقا ً والدمع سال دم الوجد المبين ******** هام من كلف الفؤاد ت تدري ما المراد ؟ او لس ِ اراك لرماد جمري تشعلين ؟ ِ ******** إني أقمت على العناق لهفي يجول إلى الرواق علي إذا ذهب الرفاق بظالااام ليلي تشرقين
******** تتبسمين آه تتبسمين جرح عصي على السؤال شوقي همى عبر المجال ت قلبي أم العضال أأن ِ عشقك تعبثين أم بترف ِ ******** تأبى أنفاسي الجواب لست حلما ً ﻻ •• لست سراب أراك من مهد الهوى ِ حتى إنكساري من جوى ودموع مقل تسكبين ******** يأتي خطابي كل يوم أنا ال أعاتب ..الألووم طباعك ليس التنهد من ِ جفاك أو بعض هزل من ِ نسغ الحياة في عروقي تسفحين ******** حكت رداء ودك ثوبا وهواي ألبستك فجرا ً تلوتك بقصيدي شعرا ً ِ بنغمي •• ها أنت تلعبين وبعدها تأسفين .
من ديوان (لمن يبكي التراب) قَبَ ُ س األ َ ْر َواحِ شعر :أحمد عبد الرحمن جنيدو
ســدِ. يَا أ َ ْن ِ ـس َاﻷ ْر َواحِ ِفي ال َّج َ ت يَا قَبَ َ يَا ُمـ ْه َجةً ملَـ َك ْ ـت قَ ْـل ِبي ِإلَى َاﻷبَـــــــدِ. ــو َدتَا َاﻷ ْمـ َ َاك أ ْنـ ُ ـار فِي َوت َ ٍـر عـ ْين ِ ش ْ َ ط ِ ـاش يَـدِي. ـاصـ ْي ِل َو ْقتي َو ْ ار ِتعَ ِ َو ِفي تَفَ ِ ت أ َ َرى ال ُّد ْنيا ِب َل هَـ َدفٍ ،. ـضـ ْي ِ ِإ َذا َم ِ
ف غَـدِ. صـبِ ُح العُ ْم ُر َم ْنـ ِسـيّا ً ك ُخ ْـو ِ ويُـ ْ
ت ِفي تَـ ْكـ ِويْنَ َذا ِك َر ِتي، ـجـنُ ْـونَةٌ أ ْنـ ِ َم ْ سـةٌ فِي َد ِم ال ِ ّ ان وال َك ِبـدِ. ش ْ َمـ ْغ ُ ـر ْو َ ــريَ ِ ُّــكَ ، ـح ِـمـلُـنِــــي، واﻷيَّــا ُم ت َ ْ ِإ ِنّـي أ ُ ِحـب ِ والرغَــدِ. علَى يَـ ِدي ِ ـــري ُْر النُّ ْـو ِر َّ َ ْـك َ س ِ َح ِ ّ ـظـي يَ ُ الو ْه ِم ُم ْرت َ ِحالً، ط َ وف ُحد ُْو َد َ اإليْـ َه ِام َّ والزبَــدِ. ويَـ ْســبَ ُح القَ ْل ُ ـب فِي ِ
صبْحِ ُم ْفـت َ ِـرشـا ً أ َ ْشــتَـ ُّم ِم ْن ِك نَـ ِسـي َْم ال ُّ
ض الـ َمـ َحـبَّـ ِة فِـي أ ْفـنَـانِ َها بَـلَــدي. أ َ ْر َ
ص َوراً، صـابِ ْي َح ال َم َدى ُ فَـتُـ ْشـ ِعـ ِلـيْنَ َمـ َ وتُـبْـ ِه ِـريْـنَ ُ ع الـ ِلـيْـ ِل بِـالـعَـ َددِ. شـــعَـا َ أَنَـا ال ُمـ َح ِـلّ ُ ـرنِي، ــالم تَـ ْنـ ُك ُ ـق فِي َاﻷ ْح ِ ص َددِ. سـةُ اللَ ْ ـن والت َّ ْ صيْعِ وال َّ ـر ِ َمـيَّـا َ ـح ِ
ت ُمـ َ ســـا ٍ ـرزَ ةً، ط َّ س ْ ــمتُ خَـ ِ ّدي ِْك َمـا َ َر َ
َحـ َدائِـقَ َّ ـان فِي خَـلَدي. الز ْه ِر ِ ّ والريْـ َح ِ ْف البُ ْع ُد يَ ْفت ُ ُكني، أ َ ْوغ َْـل ِ ت بال َه ْح ِرِ ،سـي ُ
بر ِم ْن َجلَدِي. َر َح ْـلـ ِ ت ت َ ْـمـتَـ ِلـ ِكـيْنَ ال َّ ص َ ـب أ ُ ْمـ ِنـيَةً، ض ِـريْـحِ الـ ُح ّ ِ َر ِمـيْـتُ فُـوقَ َ عـا َد ْ ْـك تَـبُ ْـو ُح ال ُّجـر َح بالـ َكـ َمــدِ. ت ِإ ِلـي ِ َ ق أ َ ْفـئِـ َدتِي، ـاو َرتْـنِـي َ عـلَـى ت َ ْـم ِـزيْـ ِ فَـ َح َ
ُّ َـار الـ ُّ والـز ُهـدِ. ق ش ْ ـاوبَـتْـ ِنـي ِبـن ِ ـــو ِ و َج َ عـ َّل َّ ار ُد ِ ّ أُ َ سنِي، ْف يُؤنُ ُ ْـفَ ، ط ِ الطـي َ الطـي َ عـانِ ُق ِ ّ ســـــــنَـدي. أُ َ الظـ َّل فِي أَعْـقَـابِـ ِه َ
ســ َد ال ِعـ ْش ُ ـق َو ْجـهَ البُـوحِ ُم ْنت َ ِحالً، تَـو َّ
بالر َمــدِ. ْـرانُـنَـا َمـ ْســــ َحـةُ اﻵهَـا ِ ت َّ نِـي َ
الريْحِ َحا ِك َمةٌ، ص ْو ُل ِ ّ ص ْو ِري ،فُ ُ أَبْـنِي قُ ُ
ـر ُمـ ْنـت َ ِقدِي. وأ َ ْنـ ِ س ْ ت تَـا ُج ال َه َـوى وال ِ ّ ـح ُ
قَـالَ ْ ص ْـو ٍ ـــو ٍر ِإنَّـنِـي قَـ َد ٌر، ـتِ :بـ ُ ت فَـت ُ ْ
ـرتَـ ِعـدِي. وأ ْن َ ـت فِـي لُـ ْعـبَــ ِة َاﻷ ْقـ َد ِار ُم ْ َحـ َم ْـلتُ ُح ْ ـرهَـا ـزني ،وأ َ ْش َـلئي أُبَـ ْعـثِ ُ
عـلى ُ ســ ُهدِ. طـقُ ْـو ٍس ِمـنَ َاﻷ ْو َجـاعِ والـ ُّ َ
سدِي، راك قَتْ ِلي ،و ُك ْن ِ أ َ ْغ ِ ت ُّ الر َو َح في َج َ ْـضي وأ َ ْح َـلمي إلَـى َاﻷبَـدِ. ـاز ْلـ ِ ت نَـب ِ َم ِ
النص المسرحـــي آخــــر النــــاس إعــــداد الكاتبة المغربية فوزية بندادا عن نصوص شعرية للشاعر العراقي رياض الدليمي 2014
المشهد األول مشــهد لبيئــة االهــوار ومشــهد للمشــحوف واالكــواخ والهــور والقصــب والبــردي والجامــوس والطيــور وصيــد االســماك والجفــاف وانحســار ميــاه االهــوار وأغنيــة ريفيــة تتمــازج مــع اجــواء بيئــة االهــوار ((كوخ ينتصب وسط الخشبة يحفه قصب وماء وبعض األعشاب المائية باب الكوخ من الجهة اليسرى وبه نافذة صغيرة عبارة عن ثقب كبير في الوسط . يطــل مــن الفتحــة رجــل فــي الســتينات مــن العمــر اســمر المالمــح وأشــعث الــرأس ولحيتــه طويلــة فــي غيــر انتظــام .الســماء يرتســم علــى وجههــا القمــر أو الهــال فــي إشــارة لليــل تسمع أهازيج من الخارج )) الرجــل ( :يصيــخ الســمع موليــا أذنيــه تجــاه الفتحــة ثــم يعــود ويطــل مــن جديــد محــاوال إخــراج عنقــه ينظــر يمينــا وشــماال ثــم يدخــل رأســه ) الرجــل :هــل هــذه أصــوات أهازيــج أم ؟ مــرات عديــدة يتهيــأ لــي ذلــك تختلــط علــى فهــم األصــوات ال يســعفني التذكــر منــذ ســنين لــم اســمع أغنيــات حصــاد ولــم اعــد أتذكــر أجــراس الهواتــف وال ألــوان وشــكل الدعــوات ولــم اعــد أميــز دقــات الطبــول وعــزف الكمنجــات وال رنيــن الضحــكات .أســألكم هــل أنــا حــي أم ميــت لــم يــرزق ســكينة اللحــد وســكون الكينونــة مــن وراء هــذه الحيــاة .
احتياجاتكــم بكثيــر مــن التفحــص والتمحيــص وقفــت علــى شــيء مهــم وهــو أنكــم ال تحلمــون ..أنــا يــا ســادة يــا كــرام ســأجعلكم تحلمــون مــن جديــد ..قــد تــرون فــي البدايــة كوابيــس مزعجــة لكــن ال بــاس ال تخافــوا فهــو مؤشــر جيــد علــى أنكــم ســتتخلصون مــن كل مــا يكبــس علــى أنفــاس أحالمكــم ،بعدهــا ســتصبح رؤياكــم بلــون الــورد ... يقاطعه صوت :أنا يا سيدي حلمت البارحة بدجال زار قريتنا ورجمه صغارها بالحجر . النائــب :جميــل يوجــد مــن بينكــم مــن يحلــم ..أنــت ســتصبح مــن رجالــي المقربيــن تكــون احــد أعوانــي ال ُم ْخ ِلصيــن ( بســكون الخــاء والــام مكســورة ) صــوت ثانــي :أمــا أنــا أيهــا المشــروع النيابــي فحلمــت البارحــة بــأن غرابــا ضخمــا اعتلــى قمــة بالقريــة وصــار يقلــد عــزف العندليــب وكان اللحــن غريبــا لــم تستســغه أذاننــا . النائب :أرأيتم ؟ إنها بوادر اإلنفراج بدأ بعضكم يرى كوابيس وهذا ما وعدتكم به . أصوات تتعالى وضجيج وتصفيقات وصوت الرجل يضحك ينزل الستارة ( خيال الظل ) ت ـر� عــن آخــر دورة انتخابيــة في آخــر حــي ســكنته بآخــر مدينــة الرجــل :كان هــذا آخــر مشــهد علــق بذاكـ ي تركتهــا لآلخريــن .
إظالم المشهد الثاني نســمع زقزقــة طيــور وضــوء نهــار فيظهــر الرجــل مــن بــاب الكــوخ فــي حــركات صباحيــة .يحمــل إنــاء وإبريقــا بــه مــاء يضعــه أرضــا ويشــرع فــي غســل وجهــه ويمــرر المــاء علــى رقبتــه وشــعره . يدخــل الكــوخ ويخــرج مرتديــا عبــاءة الرعــاة وعلــى كتفــه كيــس مربــوط بقربــة مــاء وعصــا يختفــي وراء الكــوخ فتبيــن الشاشــة صــورة لرعــاة الجواميــس .ويشــرع الرجــل فــي قــراءة أبيــات شــعرية .تظهــر امــرأة شــابة تمــر مــن أمامــه مرتديــة خمــارا اســودا فتتلــكأ فــي مشــيتها بــدالل وهــي تغطــي وجههــا خجــا يحاورهــا بهذه األبيات : صباحك دجلة )) وقبلةٌ خجلة صباح اكتظت سماءه با لفواخت صباحك خال من دخان الباصات وزعيق الدراجات بال حواجز وشارات مرور صباحك سوسنة برية . لفي خصالتك تحت الحجاب ال توقظي النبض في الصباح
((يخفت الصوت قليال ثم نسمع صوت موكب جنازة )) الرجــل ( :يضحــك ) عجبــا أصبحــت لــدي قــدرة عجيبــة علــى النســيان كيــف نســيت أن ورائــي مقبــرة ( تظهــر فــي الشاشــة المقابلــة للكــوخ وســط الخشــبة شاشــة الســينما ويظهــر عليهــا صــور لمقبــرة وأنــاس يشــيعون ميتــا يتكــرر دفــن الجثــة عــدة مــرات فــي إشــارة لكثــرة الجثــث او المقابــر الجماعيــة ..يســمع أزيــز ذبــاب يشيــر بيديــه كأنــه يزيلهــا مــن أمــام ناظريــه ). الرجــل ( :يغيــب نــرى دخــان ســجائر مــن فتحــة الكــوخ يتطايــر وعلــى الشاشــة يظهــر لنــا مشــهد حــرب وأطفــال ونســاء يعــدون فــي الشــوارع ودبابــات تعبــر الطريــق ) ((يطــل مــن النافــذة ممســكا جهــاز التحكــم عــن بعــد وفــي إشــارة مــن يــده تنطفــئ الشاشــة يخــرج مــن البــاب األمامــي لكوخــه )) الرجــل :ذاكــرة حمقــاء يســكنها الدخــان ونعيــق الغربــان وصــراخ األرامــل واألضــواء المبعثــرة علــى بيــاض مدجــن بفوهــات رعنــاء وطقــوس المجانيــن البليــدة ..أنــا هنــا بمحــض إرادتــي ..هــذا المــكان الوحيــد الــذي انــآى فيــه عــن عالــم موبــوء بجنــون البشــر ..لســت جبانــا ولســت انهزاميــا ولــم اســلم مفاتيــح مدائنــي الســومرية أنــا حفيــد تمــوز ...ابتعــد بجيناتــي كــي ال يلوثهــا غبــار رقصــة مخبولــة تثيــره أرداف عاهــرات لــم يــرق لهــن صفــاء جنســي ونقــاوة دمــي القانــي .هــن يعشــقن الغــروب كــي يدســوا التــراب فــي عيــن الشــمس وأنــا هنــا أرعــى ضــوء النهــار اجــدل مــن أشــعته ضفائــر بطــول أســوار بابــل أهديهــا لعشــتار الجميلــة تنكــف بهــا خــدود مدائنــي البائســة وتزيــل عنهــا دخــان المكائــد .لســت حالمــا وال تبــدو لــي فــي األفــق القريــب مالمــح خــاص لكنــي أمنــي نفســي كــي أعيــش بســام . يدخل الكوخ ثانية )))) الرجــل ( :صــوت الحشــرات المائيــة وبعــض الحشــرات كالصــرار يطفــئ الرجــل مصباحــا زيتيــا ( فانــوسا ) كان يعلقــه علــى الحائــط ويظهــر مــن فوهــة النافــذة) يدخل كوخه ويطل من فتحة النافذة التي بالوسط حامال قصاصة جريدة قديمة . الرجــل :كانــت هــذه آخــر جريــدة قرأتهــا قبــل اعتزالــي عالمهــم ..عالــم كل قواميســه ســرابيل مرقطــة بالوعــود الباهتــة ,ملونــة بالتســويفات ذات األبعــاد االفتراضيــة وأعنــاق أعياهــا التطلــع إلــى مخلــص قــد يأتــي فاســتوت ببصرهــا تتابــع المشــهد فــي استســام تــام ( ..يضحــك ) الزلــت أتذكــر وأنــا أفتــح ســتارة المســرح عــن آخــر مســرحية انتخابيــة وكان المســرح ضاجــا بالحضــور والــكل ينتظــر خطبــة ابــن البلــد اآلتــي مــن بــاد المهجــر لعلــه يحمــل قطعــة فجــر يفجرونهــا فــي وجــه العتمــة التــي تــواري أحالمهــم فــي عمــق التــراب . (( يغيــب قليــا ويهيــئ أجــواء العــرض مــن النافــذة ..يســدل ســتارة بيضــاء ينطفــئ الضــوء مــن الخــارج ويســلط مــن الداخــل علــى بــؤرة الســتارة .يحمــل صــورة لشــخص يرتــدي بذلــة وربطــة عنــق وأمامــه ميكروفــون ويشــرع فــي تقليــد النائــب أثنــاء دعايتــه االنتخابيــة)) . ت ت ئ ئ ـاد� الكـرام ..مــا جمعـن ي بكــم هــذا اليــوم إال الحــب فــي هللا ولوجــه ـيدا� سـ ي ا� سـ ي ـا� ..أعـز ي النائــب :أحبـ ي هللا فأنــا نــذرت نفســي لحمــل اثقالكــم نعــم انــا حمــال العطــب ومطفــئ الغضــب جئتكــم بالحليــب والرطــب وال ارجــو مــن كل هــذا اال الرضــى مــن الــرب ..ســادتي الكــرام بعــد أن تتبعــت أحوالكــم ورصــدت
بال حمم وانزياحات موسيقى ولهاث فجر على وسادة اإلنتظار ، منذ أول هبوط وعتمة سماء انتظرت دورة أخرى للشمس بال توقيتات وتواريخ )) .. التاريــخ تنحــى عــن ســكة مرمــى النظــر ال ترصــده عينــاي ،تــزاور عــن صفحاتــه شــمس الحقيقــة . الحقيقــة عــن أي حقيقــة أبحــث فيــك يــا وطنــي ؟ اشــتقت لجرائــد األمــس كنــت أتنفــس بيــن ســطورها ربــع حــد حقيقتــك وكنــت مطمئنــا وراضيــا ومســتكينا أيضــا ..أمــا اآلن بعــد أن امتــأ جوفــك التخمــة باألكاذيــب والزيــف وانصهــارات المعــادن الرخيصــة وعصــارة النفــوس اللئيمــة لــم تعــد تســتهويني أخبــارك ،هجرتــك طوعــا ألنــي مفــرط جــدا فــي حبــك . علــى الشاشــة يظهــر لنــا منظــر انفجــارات لســيارات مفخخــة ودخــان كثيــف ثــم نــرى دخانــا ايضــا يتصاعــد مــن نافــذة الكــوخ الرجــل ينظــر الــى الشاشــة ثــم فجــأة يشــرع فــي الســعال والدخــان يتصاعــد مــن نافــذة الكــوخ يهــرع الــى داخــل الكــوخ يحمــل الــة التحكــم عــن بعــد وفــي اشــارة منــه ينطفــئ الشاشــة ويخبــو الدخــان الــذي بالداخــل . الرجــل ( :يطــل مــن النافــذة ) كــدت احــرق كوخــي كمــا احترقــت كل الذكريــات بذاكرتــي كــدت افقــد مــاذي الوحيــد واآلمــن حصــل كل هــذا وانــا أرثيــك يــا وطــن .
المشهد الثالث يظهــر لنــا الرجــل جالــس علــى نفــس الصخــرة بجانــب الكــوخ وهــو ينحــت مــن القصــب نايــات مرصوصــة بجانبــه . الرجــل ( :يشــرع فــي العــزف علــى النــاي بلحــن شــجي تصاحبــه أغنيــة خاصــة بأهــل المنطقــة – اهــوار الجنــوب ) لــم اعــد اســتعذب أي لحــن آخــر غيــر لحنــك أيهــا النــاي الشــجي فألحانــك التــي تبكــي داخلــي هــي الوحيــدة التــي تعاملنــي بصــدق وتحكــي روايــات أيامــي الرتيبــة الوحــدة مــوت آخــر يشــبه الجنــون غيــر معلنــة اعتــراف بالعجــز ترفضــه ..هــي حيــاة داخــل العــدم مــوت إكلينيكــي ،نهايــة بعــض األعضــاء النشــيطة .هنــا ( فــي إشــارة إلــى القلــب ) يعيــش األمــل وهنــا ( يشــد علــى رأســه ) بيــت األمنيــات ..لكــن هــل يجــوز لــي االنتظــار ؟ انتظــار المخلــص .يقــول لــي حدســي أنــه ســينزل بأرضــي أوال ألن روحــه العارجــة بالســماء لــم تحتمــل أنــات األطفــال وبــكاء اليتامــى وآهــات األرامــل وحــرارة الحرائــق التــي طبعــت جبيــن الســماء .المخلــص لــن يحتمــل مــا احتملنــاه فيــك يــا وطــن يقــول لــي خيالــي الــذي اختلــط بحدســي بأنــه ســيمد لنــا يــده الســمحة مــن بعيــد ســتنفجر مــن بيــن أصابعــه انهــار
تأملي الشحاذين من النافذة وصبية افترشت رصيف العمر ال تبالي كل العصور تزينها األرصفة ارفعي الرأس ال تأبهي بأعشاش العصافير في الحقائب وضجيج النسيان في الجيوب سعد صباحك )). تنطفئ الشاشة ويظهر لنا الرجل داخال من خارج فضاء الكوخ بخطى متثاقلة في إشارة للتعب . ((هــا أنــا عــدت لوحدتــي ..لذكرياتــي المجعــدة هــي األخــرى غيــر قــادرة علــى بســط الخصــاتوح ـ َدة قرونهــا .والحاضــر محاصــر فــي ..حتــى المرايــا امتعضــت مــن مرارتهــا وســواد َ ش ـ ْعر نهارهــا ِ جــب اإلســتفهام يفشــل كل مــرة أن يســامر باقــي الذكريــات ..أدفــن الحاضــر بشــهوة الغــد وعتــو اللحظــة المشــتهاة ،كل شــيء ســحيق وبائــد ..صهيــل الفــراغ موجــع وشراســة الصمــت مخيفــة ..مــا مــن شــيء إال وأصبــح ذكــرى وحنيــن ســاذج بطعــم الخيبــة )). يدخــل الكــوخ ..ويظهــر لنــا مــن فتحــة الكــوخ يبــدل مالبســه يتنــاول جهــاز المذيــاع ويشــرع فــي تشــغيله يبحــث مــن خــال الموجــات اإلذاعيــة وكل مــرة نســمع إذاعــة معينــة وبرامــج مختلفــة أيضــا تتداخــل أصــوات المذيعيــن واإلذاعــات والمواضيــع فــي شــبه فوضــى ســمعية . يخــرج مــن الكــوخ وفــي يــده المذيــاع يســكته يجلــس علــى صخــرة قــرب الكــوخ ويضــع المذيــاع علــى ركبتــه ويشــرع فــي البحــث مــن جديــد ..يســتقر علــى صــوت أغنيــة فيــروز « ســنرجع يومــا إلــى حينــا « يســمع منهــا مقطعــا ثــم يطفــئ الجهــاز . الرجل (( :هنا في هذه األرض السواد ذات السماء المدججة بالليالي الحزينة اكتب شقاء الحلم في ثنايا الجفون اليابسة ، وذبول صراخ الوهج
الرجــل إلــى كوخــه متثاقــل الخطــوات متعبــا يدخــل كوخــه يخــرج ثانيــة بعــد تبديــل ثيابــه )) الرجــل ( :يتأمــل الســماء ) منــذ هجــرت العمــل بالمســرح أصبحــت الســماء مســرحي اليومــي فضــاء شــفاف ال يخفــي عنــي شــيئا يبــدي وال يضمــر أتأملهــا واناجــي نجومهــا وقمرهــا وغيمهــا وكل تقلباتهــا ، أمــا مســرحهم هنــاك فهــو انعــكاس لحياتهــم الكئيبــة والمزيفــة .. فــي بداياتــي كنــت ممثــا بارعــا وكنــت اتقــن لعــب األدوار ..أمــا عندمــا أصبحنــا نعيــش فظاعــات الواقــع الــذي تجــاوزت نصوصــه كل تراجيديــات الكــون المكتوبــة علــى الــورق ،هجــرت المســرح واحتضنــت عشــقه بيــن ضلوعــي محتفظــا بذكــراه النقيــة ألنــه أصبــح عاجــزا عــن مجــاراة االخبــار العاجلــة وتاهــت نصوصــه كمــا تاهــت الحقيقــة والتاريــخ وكل فنــون التدويــن واإلمــاء .. ال زلــت اتذكــر آخــر دور لعبتــه قبــل أن أتنحــى عــن الخشــبة عــن عشــقي األبــدي ركحــي األثيــر الــذي طالمــا ســقيته بعرقــي وأنــا أتالشــى داخــل شــخصيات ال زلــت أذكرهــا جيــدا . يدخــل الكــوخ مــن جديــد فيظهــر علــى الشاشــة مشــهد مــن مســرحية هاملــت والرجــل يقــوم بــدور األميــر زوج اوفيليــا ( .مقطــع مــن مســرحية هاملــت المشــهد األخيــر ويجمــع مــا بيــن انتحــار اوفيليــا ورثائهــا مــن طــرف هاملــت علــى قبرهــا ونزاعــه مــع اخيهــا ثــم مشــهد المبــارزة ومــوت الملــك والملكــة ) المشهد صامت والرجل يتلو قصيدة اوفيليا : يظهــر علــى الشاشــة ممثليــن احدهمــا الملــك ( هاملــت األب ) والثانــي اخــوه يكــون الملــك مســتلقيا علــى عشــب الحديقــة فيأتــي اخــوه متســلال ويضــع ســائال فــي أذنــه وينصــرف يلبــس الملــك ثيابــا بيضــاء فــي اشــارة للشــبح وبانــه فــارق الحيــاة فيطــوف بأرجــاء المــكان يظهــر هاملــت اإلبــن فيشــده ابــوه المقتــول مــن يــده ويظهــر لنــا مــن خلــف الســتارة ( خيــال الظــل ) يريــه كيفيــة موتــه مــن طــرف اخيــه . اثناء المشهد يقوم الرجل بتلو األبيات التالية : غيوم الصيف ع القرنفل أفاقتْ من زوابع (( دمو ُ ِ ِ َ ق أسافين الخريف تد ُ وبعضا ً من نرجسي ِة الحكام هل نعي ُد ذاتَ المشه ِد القرف ؟ ونشرب النبيذَ بنشو ِة الموتْ نتقات ُل ُ بسيفك المنقوعِ بس ِ ّم كفي ِ وتدمى َّ وربما بثارات العشير ! يحضر هذا المساء ؟ من ُ النحس؟ الخونةُ أم أصدقا ُء ِ ت الخطايا ؟ أم أمها ِ لك : سيحضر الجمي َع أقو ُل ِ ُ يدس والس ُّم ؟! ِليُمثِلوا مشه َد مصرعي وكيف ُ سيتصبب عرقا ً ؟ تظه ُر كم منا اإلضاءةُ َ ُ س ِ للحظة عودة الحدث
مــن عســل نرتشــفه كــي تشــفى ذاكرتنــا مــن أزيــز الطائــرات وصــوت القنابــل ورائحــة الشــواء اآلدميــة بــاألرض البــراح فتنمــو الســنابل وتهتــز األرض لمقدمــه وتربــو وتينــع مــن جديــد . .ســينزل تســمع فــي تلــك األثنــاء أصــوات مــن المقبــرة تشــيع جثمانــا علــى أنغــام ( ال الــه إال هللا محمــد حبيــب هللا ) أو حســب تقاليــد أهــل المنطقــة ربمــا مــات المخلــص مــن يــدري ؟ الرجــل :تبــا لهــذا المــوت الــذي يحيــط بنــا مــن كل جانــب ..أال يجــوز لــي أن أحلــم ولــو قليــا تبــا لصانعــي هــذا الفنــاء وهــذا العــدم المجلجــل فــي جســد الوطــن المنكســر ..هــو أيضــا يتوســل بالمنقــذ .. كــي يعيــد إليــه طهارتــه التــي دنســها الغــزاة ورعــاة البقــر ،آه نســيت لقــد تأخــرت عــن قطيعــي أنــا أيضــا يكــون قــد اشــتاق لرائحــة ســوس الهــور وخضــرة مائــه .يجمــع ناياتــه فــي كيــس ويخــرج وهــو ممســك بنــاي ويعــزف مــن جديــد . تظهــر علــى الشاشــة صــور لرعــاة الجواميــس عنــد الغــروب وعلــى انغــام النــاي ويشــرع الرجــل فــي قــراءة قصيــدة : ((عد يا ليل ألمتطي سكونك ألغنيك نوتة شجن وأطوار حزن وأهوار جفت اصفعني نسمة برد وحضن ال تشاكس لهفة الحرف دعه في سبات يتوسد لحظة حلم هنا أحط طائر ليل على غصن شجرة ناعسة تغفو كحروف تسلقت أبيات فستانك األخضر)) .
إظــالم المشهد الرابع (( الفضــاء ليلــي إنــارة ليليــة تنعكــس بالنجــوم وهــال يتوســط الســماء ..صــوت حشــرات ليليــة .يدخــل
ب؟ أَسيكون مشه ُد الس ِ ّم بدايةَ ال ُح ِ صر؟ فر خيانا ِ أم نهايةَ ِ س ِّ ت القَ ِ وهل ستنسي ؟ أُوفيليا...... قصةُ العشق أنتِ ِ دوار ال ُم َمثِ َ راثن وأ َ ِ لين ال ُمل َطخةَ أ َ ْيديه ْم بِبَ ِ َ القصر العابثة بليالي شياطين الجنون ِ ِ ت عالماتك الفارق ِة وخربشا ِ ِ ت االستفهام آو عالما ِ ِ سأظ ُل احل ُم ))ُ ينتهي المشهد فيظهر الرجل من داخل الكوخ )))) الرجــل :الزال عنــدي حنيــن للمســرح لكــن هــل فعــا ســأتقن المشــاهد التــي تعنينــي ،نحــن دائمــا نتقمــص أدوارا ال تعنينــا بكثيــر مــن الصــدق والتصنــع أيضــا لكــن عندمــا نكــون ممثليــن ألنفســنا نكــون متعبيــن جــدا مــن تكــرار ماســاتنا نهــرب منهــا إلــى قفــار النســيان .ننــآى بذواتنــا المنهكــة عــن مســارح الجرائــم التــي تتربــص بــكل أنــواع الفرجــات فــا مجــال إال للمآتــم والفواجــع والمــوت دون فواصــل أو نقــط .
المشهد األخير يزيــل نعلــه ويقعــد علــى صخــرة صغيــرة بجانــب الكــوخ يشــتم رائحــة نعلــه فيبــدو عليــه انتشــاء غريــب وكأنــه اشــتم رائحــة عبقــة زكيــة . الرجــل :هــل تعــرف يــا حذائــي الــذي بعمــر شــبابي وكهولتــي أنــي ألفــتُ رائحتــك التــي اختلطــت برائحــة بقايــا جلــدي الميــت ســأوصي بــأن تدفــن معــي فــا يعقــل أن أتخلــى عــن هــذا التراكــم الضخــم مــن خاليــاي ،يــا مــن شــهد خطــاي وخطايــاي يــا صندوقــي األســود أخشــى مــا أخشــاه أن يســتنطقوك مــن بعــدي ،أن يمزقــوا جلــدك المنصهــر بجلــدي ،فتبــوح قســرا و قهــرا ال خيانــة يــا رفيــق خطــاي تبــوح بمــا اقترفنــاه فــي حــب الوطــن ،لــن اذكــر التفاصيــل ألنــي تركتهــا هنــاك حيــث الحلبــات المســتعارة لمصارعيــن محترفيــن اســتأجروا ســاحاتنا وأقامــوا عليهــا مواســم وأعــراس الــدم ورقصــوا علــى هياكلنــا رقصــة العناكــب المخمليــة ،زرعــوا الحرائــق وغيــروا جينــات النخــات وهَجــرت الملــكات أقفارهــا وهَمــت الدبابيــر بالخادمــات .زمــن وطــيء تركنــاه يــا صاحبــي هنــاك وراء النهــر ومــن خلــف الشــط تحجبــه الســفن الراســيات .مــن خلــف العتمــة يتــراءى لــي الوطــن كنعجــة تحتضــر بيــن أنيــاب ذئــب ، تشــحذ حدهــا مــن ضــوء القمــر .وأنــا هنــا عصاتــي ال تســعفني ألهــش بهــا عــن وطنــي هــي بالــكاد أتــوكأ عليهــا و أحمــل عليهــا وهــن أعضائــي . ((يدخــل الكــوخ ومــن الفجــوة التــي بالوســط نشــاهده وهــو يتخفــف مــن مالبســه يخــرج رأســه مــن الفجــوة وفــي يــده الــة التحكــم عــن بعــد فــي الشاشــة تظهــر لنــا علــى الشاشــة مشــهد ســتارة حمــراء منســدلة بشــكل يغطــي كل الخشــبة والجمهــور يدخــل بالتدريــج يجلســون فــي أماكنهــم المخصصــة لهــم)) .وعندمــا تكتــظ القاعــة بالجمهــور يســكت الجميــع
على ضوء شارات الروح الهائمة ترجو القصاص تتوق للخالص التاريخ عدو للحظة إدانة لجنون البشر لشهوة السلطة من منهم سيُنصب على كراسي ملوثة بغايات لم تتوسل بموت الحقب بارتعاشات األكف وهي تشيع األشباح )) يظهــر لنــا هاملــت اإلبــن وهــو يبكــي اوفيليــا امــام قبرهــا وبوشــاية مــن الملــك ( عــم هاملــت ) يهاجــم ليرتــس اخ اوفيليــا هاملــت ويتشــاجران فــي تلك األثنــاء يتدخل الملك ويأمــر بان يتبارزا يجلــس هو والملكــة يتابعان اطوار المبــارزة تحمــل كاســا مــن عصيــر كان بالطاولــة يحــاول الملــك ثنيهــا ويتراجــع تشــربه فتســقط ميتــة يهمــس ليرتــس فــي اذن هاملــت بالســر فيهاجــم هاملــت عمــه ويقتلــه . يتلو الرجل هذه األبيات : أُوفيليا)) أبيك خطاياي في عبأي جرار ِ ِ َّ ت األمير ت زوجا ِ أو في خزانا ِ ِ كواليس المسرح وال تُش َِهدي أحدا ً من ِ خطاياي صحائف دَعي َ َّ وطائري الشاه ُد الوحي ُد أذب سما ً وتأكدي لم ْ بتع عسالً ولم أ َ ْ فلستُ من هوا ِة السيوف المنقوع ِة بالقتل ِ أو الخيان ِة!!! أُوفيليا..... حاب ال شيء يحملهُ ال َ س ُ شوق ونحيب مطر إال قَطرا ِ َ ت ٍ ٍ خارج المسرحِ احل ُم ...نحلم ُ: سنشك ُل مسا َءنا بعيدا ً عن مضاجع القرنف ِل ِ ت القصور وخيانا ِ ْ ب ونبد ُد الشكَ واِستفهاما ِ ت النَ َ س ِ ٌ شيطان يحضر لن ُ ندم وال تنهداتَ ٍ عتب أو لحظا ِ ت ْ
يغادرون األلوانَ يجرون أذيا َل فمي يسحقون البيادر، سقف ننماخ ، يتقاتلون تحت ِ تهب رعشةَ شالها عشتار ُ ُ لمن يهزم أَناملي ويغرس غلَّه بخاصرتي ُ النار يُؤ َد شبقَ النخي ِل لفتيا ِ ت ِ ونوارس الناصرية.. ِ يفر مني المخلصون ُّ ب ُ تهرب فتياتُ القص ِ الفجر تتناس ُل الشياطين عند عتبة ِ اللوثات أَستبي ُح َ بروحِ تموز
أَ ُ علن
ثورة َ المعدان الهور غضب َ ِ بسالةَ الشطآن العوانس تمر َد َ ونوا َح عجائز الجنوب عصي الطلع ِة ل ُمخ ٍ َلص َ ينا ُم في حصون ثنايا عشتار وشراس ِة الشهوةِ يشهر سيفهُ بوج ِه ثورتي ُ بوج ِه عتم ِة اللحظ ِة آخر الناس وأَنأ أ ُ ُ غادر كوخي ِ
أُ ُ ب ت على دون الشهوا ِ َ نهايات القص ِ
تســمع ثــاث دقــات علــى الخشــبة فتفتــح الســتارة ( يفتحهــا الرجــل ) ..يظهــر لنــا ديكــور غريــب علــى الخشــبة عبــارة عــن كازينــو ليلــي بــه طاولتيــن باذختيــن وعشــاء فاخــر يســود هــدوء فــي البدايــة لتبــدأ حمــى الحــوار يهــدأ الجــو ويكفهــر بيــن الجالســين علــى طــاوالت العشــاء ينتهــي مشــهد المســرحية بمغــادرة الممثليــن الخشــبة يولــون ظهورهــم للجمهــور فتظهــر األقنعــة مــن وراء رؤوســهم ( أقنعــة مختلفــة و المشــهد صامــت إال مــن حــركات الممثليــن ) والرجل يتلو قصيدة آخر الناس : هو الذي يفتح ستارة المسرح)) الطوابير تتكدس ُ ُ الغنائم يهبه ُم َ وكؤوس النشو ِة تراقب المشه َد وأَناي ُ تومئ له تناديه تصر ُخ ال يأبهُ لها ك ِّل مرةٍ تجر طالعها ُّ تتركني أ ُ راقب عن بع ٍد ُ شهوة َ الكأس نشوة َ الغنائم شماتة الوقت يهب الزيتونَ لمن يشاء ُ ُ يوظف الغلمانَ ليمشطوا ذيو َل الموجِ ُ ُ الجن يسابق األفقَ الرمان يغتصب سال َل ُ ِ يعصر نبي َذ الشفا ِه ُ َعر اللوع ِة بجذع أال ِه يش ُد ش َ تصر ُخ حناجر الم َخلِصينَ ُ يلملموا أَشيائهم نسوا العشا َء األَخير
فر الثوار ، وال أَنسى ِس َّ أَسر ُد حكايا اإلفالس ف القُ صص ، َ ال أ ُ َح ِر َ ت المشه ِد أُلم ُع عدسا ِ
هو كما يشتهي َ الصغر الطاعةُ وليمةٌ أَشتهيها منذ ِ تُفر ُح أُمي
َلص ال تغيض ُمخ ٍ ُ ؤنس عشتار)). وت ُ َ
انتهــــــــــــــــــــت
قراءة بنيو ّية ( ألسنية – سيميولوج ّية) لقصيدة «صوت وسوط» لـمحمود درويش مهاد نظري د .هدى املعدراين نصـاً ونقــوم بتحليلــه؟ مــا العالقــة بــن الكتابــة اإلبداعيــة الخالصــة والكتابــة التحليليــة؟ هــل ميكــن ألحداهــا االســتغناء مــاذا يعنــي أن نقــرأ ّ عــن األخرى؟ إذا كانت اإلجابة عن السؤال األخري بالنفي فام هو التحليل؟ وماذا يق ّدم للنص اإلبداعي؟ القـراءة التحليليــة هــي إعــادة كتابــة للنــص اإلبداعــي .هــي «غــر الــرح الــذي قصــاراه قـراءة النــص لغويـاً ونحويـاً ومضمونيـاً فحســب؛ إذ املحلــل ال يرضيــه ذلــك حتــى يقــرأه جامليـاً ،وفنيـاً ،وتاريخيـاً (ســياقياً) ،ورمبــا بنيويـاً ،وســيامئياً؛ ورمبــا اجتامعيـاً ونفســياً أيضـاً ،مجتهــدا ً مــا اســتطاع ـر االجتهــاد يف االق ـراب مــن الكتابــة اإلبداعيــة التــي تحــاول فـ ّـك شــفرات لغتــه ،ولتنتهــي إىل تفســر رمــوز عنــارصه األلســنية ومراميهــا الدالليــة َعـ ْ َ أنســا ِقها يف النــص /املوضــوع»(.)1 يبحــث املبــدع عــن األفــكار ويصوغهــا يف لغــة يســعى أن متتــاز بالفـرادة الدالليــة .واملحلّــل هــو الــذي يتم ّعــن يف هــذه اللغــة فيفــك رموزهــا ويحـ ّـل ألغازهــا ويقــرأ شــيفراتها ويتبـ ّـن جامليتهــا وأدبيتهــا ويظهرهــا للمــأ .فهــو يغــوص يف أعــاق النــص ليصــل إىل املعنــى ويســعى إىل تأويلــه يك ال يجعــل النــص أســر وجهــة نظــر تحليليــة واحــدة .ينطلــق املحلــل مــن فكــرة مفادهــا إمكانيّــة انفتــاح النــص األديب عــى رشوحــات متعـ ّددة فيحــاول املحلــل إظهــار اإلبــداع والــدالالت يف النــص .وكــا ســعى مبــدع النــص إىل تحميــل لغتــه أفــكارا ً مل تُط ـ َرق مــن ذي قبــل ،يســعى املحلــل ألن يكــون مبدعـاً يف قراءتــه للنــص واكتشــاف أرساره وخبايــاه اإلبداعيّــة. إذا ً القاســم املشــرك بــن اإلبــداع والتحليــل هــو اللغــة «منهــا ينطلقــان وإليهــا ينتهيــان مــآالً»( .)2يقـ ّدم املبــدع بنــات أفــكاره بوســاطة اللغــة، ويقــوم املحلــل برشحهــا وتفســرها وتبيــان مســتوياتها وعالقاتهــا. ومــن اللغــة داخــل األدب ومســتوياتها وعالقاتهــا ينطلــق هــذا البحــث «فاأللســنية تنطلــق مــن مفهــوم املســتويات معتــرة اللغــة ظاهــرة متع ـ ّددة الرتاكيــب .فمــن مســتوى صــويت إيقاعــي ،إىل مســتوى رصيف يتنــاول خصائــص املفــردات التــي تتألــف مــن األصــوات ،إىل مســتوى الجمــل التــي تتألــف مــن املفــردات إىل مســتوى داليل يُعـ ّـر عــن املعــاين ،إىل أمنــاط مــن البيــان تبتعــد عــن النمــط العــام يف اســتعامل اللغــة كوســيلة اجتامعيــة للتفاهــم بــن النــاس عــى الحاجــات غــر اللغويــة»( ،)3ألن اللغــة «بنيــة يتــم إظهارهــا مــن خــال لحــظ وحداتهــا األساســية»( .)4ولكــن ال تتموضــع هــذه الوحــدات يف النــص كــا هــي قــي نظامهــا اللغــوي ألنهــا تعيــش االنزيــاح داخــل النــص .واالنزيــاح هــو خــرق للنظــام اللغــوي املعجمــي والــريف والنحــوي .تكــون نتيجــة هــذا الخــرق الجــدة والجــال والفـرادة ،وهــذا مــا مييّــز عمـاً أدبيـاً مــن آخــر .لــذا ســتكون مقاربــة النــص «عــى ضــوء الســيامئية؛ ألننــا مــع النظــام الشــعري نجــد أنفســنا أمــام عمليــة خــروج شــاملة ومتكاملــة مــن النظــام اللغــوي الســويرسي إىل النظــام الســياميئ .تضــع الشــعرية كالً مــن ()5 املعجــم واملســتوى الــريف واملســتوى النحــوي عــى الحيــاد» يقــوم هــذا البحــث بقـراءة نــص محمــود درويــش «صــوت وســوط»( )6قـراءة ألســنية بنيانيــة ســيامئية بغيــة البحــث عــن الجامليــة األدبيــة فيــه. العر� ،ط،1 عبد الملك مرتاض ،شعرية القصيدة قصيدة القراءة تحليل مركب لقصيدة أشجان يمانية ،يب�وت :دار المنتخب 1 بي ،1994ص .16 عبد الملك مرتاض ،شعرية القصيدة قصيدة القراءة ،مرجع سابق ،ص .18 2 تم�ي بولس ،أبحاث ف� األلسنية العربية ،لبنان :فؤاد بيبان ش و�كاه ،ط ،1988 ،1ص .77 ،76 3 ي ميشال زكريا ،المدخل إىل علم اللغة الحديث ،مؤسسة نعمة للطباعة ،ط ،2002 ،1ص .366 4 ين اللبناني� ،ط ،2001 ،1ص .125 عل زيتون ،النص الشعري المقاوم ف ي� لبنان البنية والداللة ،يب�وت :اتحاد الكتاب 5 ي ن فلسط� قصيدة “صوت وسوط” ،1966 ،يوان محمود درويش ،المجلد األول ،ط،1994 ،14 محمود درويش ،عاشق من 6 ي
وتُــرز (الــواو) العاطفــة بــن االســمني تــازم الصــوت والســوط .وهــذا يثــر القــارىء ويدفعــه إىل الســؤال إن كان هــذا الصــوت ســيبقى أو ســيخمد .فتــأيت اإلجابــة يف نهايــة القصيــدة .ســيتحول الصــوت إىل صــدى وهــو صــوت حــارض لصــوت غائــب ،وهــو يرمــز إىل كل األصــوات املحمومــة. ومــع أن كثـرا ً مــن الشــعراء املعارصيــن ال يســتخدمون الصــدى يف كتاباتهــم الشــعرية إال باملعنــى التهجينــي التســميجي املنــرف ،يف مألــوف العــادة ،إىل نحــو اليــأس والخيبــة والضيــاع والفـراغ»( )13إال أننــا نلمــح يف هــذه القصيــدة تناصـاً حيــث ت ُســتخدم العبــارة نفســها لتــؤدي داللــة مغايــرة فالصــدى يف «صــوت وســوط» هــو صــوت املقاومــة الرافــض للظلــم ولالحتــال الــذي ال ميكــن أن ينــال منــه ســوط العــدو .فالصــوت معلــول لعلــة غائبــة هــي الصــوت وصاحــب الصــوت .مــا دام الشــاعر موجــودا ً صوتــه موجــود وصــدى هــذا الصــوت موجــود حتــى بعــد غيــاب الشــاعر ولــه الغلبــة ألن الســوط ال يســتطيع أن يلحــق الصــدى الـ ّدال عــى وجــود الصــوت الــذي مل يخضعــه الســوط: «واركضوا خلف الصدى ما دام يهتف :ال أهاب» الح ّيــز الفضــايئ الــذي يحتلّــه الصــدى يتّســع ال ميكــن أن يصلــه الســوط .فيــرز ال تشــاكل فضــايئ بــن الكلمتــن .وبنــاء عــى هــذا يحمــل الصــدى داللــة التصــدي واالنتشــار يف حــن يحمــل الســوط داللــة االنحبــاس .إذن تأثــر الســوط محــي أمــا تأثــر الصــوت والصــدى فيع ـ ّم األرجــاء. -2حركة تشكل النص والنمط السائد يقســم الصــوت والســوط ،بوصفهــا قوتــن مناوئــة إحداهــا لألخــرى ،النــص قســمني رئيســن :قسـاً يبـ ّـن األســباب التــي دفعــت الشــاعر إىل تب ّنــي الصــوت ( .)25-1وقسـاً يبـ ّـن جــروت الســوط ( .)42-26وهــذا يجعــل النــص قامئـاً عــى معركــة بــن الصــوت والســوط .لــذا ال بـ ّد مــن حســم املعركــة لصالــح أحدهــا فيــرز قســم ثالــث يكــون مبثابــة إعــان غلبــة الصــوت (.)47-43 يشــكل النــص وقفــة مــع الــذات ،وتبــدو موازيــن القــوى متفلتــة مــن قبضــة الشــاعر فيتحــرر مــن ســلطة العقــل ،ويعمــد إىل املناجــاة املط ّعمــة بالخيــال ليثبــت يف نهايــة القســم األول حقيقــة ذاتيــة .يقــول: «حتى صليبي ليس يل، إين له، حتى العذاب!» ومــع ذلــك ال يبــدو األمــر موقفـاً انفعاليـاً طارئـاً يتّخــذه الشــاعر عــى عجــاىل مــن أمــره .إمنــا هــو تقريــر واقــع يعيشــه .يســوق الشــاعر مــن بدايــة القســم األول األســباب التــي تربهــن النتيجــة التــي توصــل إليهــا يف نهايتــه .فيســود هــذا القســم الحــوار الفــردي مــع اعتــاد النمــط الربهــاين. يقــدم الشــاعر وصف ـاً ذاتي ـاً بأســلوب الــرط التقريــري أو التمنــي االنفعــايل الــذي ينطــوي عــى الفقــد فتعــادل «لــو كان يل» ،الالزمــة التــي ك ّررهــا الشــاعر يف هــذا القســم مثــاين مـرات ،إقـراره يف نهايــة هــذا القســم« :ليــس يل» لتتمثــل مشــكلة الشــاعر الكــرى يف غيــاب امللكيــة فتمــوت أمنياتــه يف مهدهــا ألنــه ال ميلــك :ال ميلــك برجـاً وال أرشعــة وال ســاحاً وال فرسـاً وال حقـاً وال محراثـاً وال عــودا ً وال قدمـاً. لكن ملاذا يعيش الشاعر هذا الفقد؟ كيــف ال وهــو مســجون معتقــل ال ميلــك شــيئاً حتــى ذلــك الصليــب الــذي يُجلَــد عليــه والــذي اختلــط دمــه بخشــبه ليــس لــه .إمنــا الحــال معكوســة فالصليــب هــو الــذي ميلــك الشــاعر وســيبقى الشــاعر يعيــش عذابــات بــاده مك َّبـاً عــى ذاك الصليــب .ال وجــود لــه إال عليــه ألنــه ملــك لذلــك الصليــب لذلــك العــذاب .فالشــاعر تب ّنــى هــذا العــذاب ونــذر نفســه لــه .إنــه قبــول بالعــذاب بوصفــه وجهـاً مــن وجــوه الصمــود واملقاومــة. ومــن الجديــر بالذكــر أن الشــاعر ك ـ ّرر الالزمــة «لــو كان يل» .وهــذا مــا جعــل هــذا القســم يتش ـكّل مــن وحــدات متداخلــة جعلــت منــه موجــات شــعورية متالحقــة دافقــة تنطلــق مــن مــكان واحــد لتســتقر كل واحــدة منهــا يف مــدى يتجــاوز املــدى الــذي وصلتــه ســابقتها .وميكــن تقســيم هــذه الوحــدات كاآليت: الحركة األوىل ( )3-1مت ّني السيطرة عىل السحاب. الحركة الثانية ( )6-4مت ّني السيطرة عىل املوج واإلعصار. الحركة الثالثة ( )9-7مت ّني غرس الراية فوق الشمس. الحركة الرابعة ( )12-10متني إطالق العنان لفرسه. 13
الحركة الخامسة ( )15-13متني زرع األرض شعرا ً وح ّباً. -عبد امللك مرتاض ،شعرية القصيدة قصيدة الشعرية ،بريوت :دار املنتخب العريب ،ط ،1994 ،1ص .245
مبســط لأللفــاظ الصعبــة التــي يحتويهــا النــص أو مــن خــال نــر األبيــات الشــعرية .إمنــا ســنعمد إىل الغــوص لــن يتــم ذلــك مــن خــال رشح لغــوي ّ يف أغــوار هــذا النــص والعنايــة بجزئياتــه وتفكيكهــا وتحليلهــا ومــن ث ـ ّم إعــادة تركيبهــا الكتنــاه أرسار جامليــة النــص الكل ّيــة .أل ّن تعاملنــا مــع النــص ســيكون بصفتــه بنــاء متكامـاً ت ُب َنــى داللتــة بتشــابك الجزئيــات وترابطهــا وتداخلهــا ليتكـ ّون منهــا عمــا كامـاً ال ميكــن فصــل أجزائــه املرتابــط بعضهــا ببعضهــا اآلخــر .وقــد اقتضــت القـراءة أن تُ ثَّــل تحــت ســت زوايــا: -قراءة تشاكلية سيامئية للعنوان. -دراسة إيقاعية للنص. -دراسة حيادية النظام اللغوي. -دراسة العالقات يف النص. -قراءة الشيفرات الثقافية والرموز. -النص والعامل وااليديولوجيا. 1-
1سيامئية العنوان
2-
أول ما يطالعنا يف العنوان «ص ْوت وس ْوط» أنه مشتمل عىل شبكة من العالقات األلسنية والسيامئية: -1-1يلحــظ القــارىء تشــاكالً بــن جــزيئ هــذه الوحــدة مــن الناحيــة النحويــة واملورفولوجيــة والرصفيــة واللفظيــة واملجازيــة .وتشــكل هاتــان الكلمتــان جناسـاً غــر تــام يُلتَبــس مــن الناحيــة الســمعية بالحنــاس التــام. يتجســد يف أ ّن كالهــا يحــدث ضجــة وأثـرا ً ســمعياً .فالصــوت هــو «األثــر الســمعي الــذي تحدثــه متوجــات ناشــئة -2-1ميكننــا أن نتل ّمــس تشــاكالً آخــر ّ ()8 رب بهــا مــن جلــد»( )9إذن للصــوت والســوط أثــر فيزيــايئ ومــن ثــم ـ ي ـا ـ «م ـوط ـ والس . ـاء» ـ الغن ـن ـ م رضب عــن اهتـزاز جســم مــا»( ،)7أو هــو «كل ُ َ أثــر نفــي. كل منهــا إىل اإلنســان .إذا عددنــا الصــوت «صــوت اإلنســان وغــره»( )10يكــون مصــدره اللســان الــذي هــو جــزء مــن -3-1يــرز تشــاكل آخــر إذ ينتمــي ٌّ الجســم وهــو جــزء مــن الجســم البــري يف هــذا النــص .وكذلــك الحــال بالنســبة إىل الســوط .فــإذا تبن ّينــا ســبب تســميته« :وسـ ّمي الســوط ســوطاً ألنــه إذا ســيط بــه إنســان أو دابــة ُخلِــط الــدم باللحــم»( .)11والــدم واللحــم ال يكونــان إال يف جســم والســوط يف هــذه القصيــدة ســيط بــه الجســم اإلنســاين. -4-1ميكــن أن نلحــظ عالقــة علــة بينهــا فيكــون الصــوت ســبب الســوط أو العكــس .فالصــوت تعبــر عــن دور للمتكلــم ووظيفــة تجعــل لــه دورا ً فاعـاً تخرجــه مــن دائــرة الخنــوع والضعــف والصمــت واالحبــاط والقبــول واالستســام والرضــوخ .هــذا الصــوت املدافــع عــن األرض والحريــة املــيء بالقــوة والتفــاؤل الــذي يســتخدمه الفلســطيني أو الــذي يهتــف بــه الشــاعر يف هــذا النــص هــو نتيجــة للســوط الصهيــوين الظــامل القاتــل الغــادر.أو قــد يكــون الســوط نتيجــة للصــوت فيســتعمل الصهيــوين الســوط ضــد كل مــن يناوئــه برأيــه .وهــذا مــا يُــرز ثقافتــن :إحداهــا مناونــة لألخــرى .ثقافــة والتمســك بالحــق والدفــاع عنــه ورشعــة الحقــوق اإلنســانية .وثقافــة الســوط املبنيــة عــى القمــع واالضطهــاد والتعذيــب الصــوت التــي متثــل املقاومــة ّ والقتــل. وهكــذا يضعنــا هــذا العنــوان أمــام ثنائيــة متباينــة وهــي الصــوت ≠ الســوط فيختــزل العنــوان رصاع أمــة ضــد العــدو .الصــوت وســيلة تعبــر يســتخدمها املظلــوم ،والســوط وســيلة قمــع يســتخدمها الظــامل .وميثــل العنــوان بعــدا ً رمزيـاً اســتعارياً يكشــف دالالت النــص فيخــرج الصــوت مــن هويتــه االصليــة (مــا يســمع) ليتلبّــس هويــة فنيــة ال تختــر تجربــة الشــاعر فحســب لكنهــا تختــر تجربــة األمــة وهــي تحــاول رفــع الصــوت يف وجــه الســوط الــذي ميثــل العــدو الصهيــوين .أو قــد يتلبــس الصــوت هويــة الشــاعر القــادر عــى مقاومــة جــروت املحتــل والصــدح بأشــعار تبــثّ الحامســة يف نفــوس املقاومــن فيتســاوى الشــاعر واملقــاوم يف مواجهــة العــدو مــع اختــاف أســلحتهام وبخاصــة شــعر محمــود درويــش القائــل: «أطعمت للريح أبيايت وزخرفها إن مل تكن كسيوف النار ..قافيتي»
()12
ص .88 – 86 معجم اللغة العربية ،املعجم الوجيز ،ايران :منشورات دار الثقافة ،1999 ،ص .373 7 ابن منظور ،لسان العرب ،باب ت ،فصل ص ،دار صادر ،ص .58 8 مجمع اللغة العربية ،املعجم الوجيز ،مصدر سابق ،ص .328 9 ابن منظور ،لسان العرب ،بات ت ،فصل ص ،مصدر سابق ،ص .57 10 املصدر نفسه ،باب ط ،فصل س ،ص .326 11 محمود درويش ،ديوان محمود درويش ،املجلّد األول ،أوراق الزيتون (والء) ،دار العوده ط ،1994 ،14ص.9 12
ويعنــي هــذا أن اإليقــاع األســاس يف النــص قائــم عــى النفــس الطويــل .وهــذا يناســب موضــوع النــص «صــوت وســوط» .فقــد اختــار الشــاعر النســق الــذي ميتــاز بالبــطء ألنــه ميثــل الواقــع الفلســطيني أو واقــع الشــاعر يف الســجن حيــث يُسـتَقوى فيــه منــاخ االستســام ألنــه واقــع قائــم عــى التعذيــب فيغــدو االستســام الطريــق األرسع واألســهل للتخلــص مــن العــذاب .إال أن الشــاعر الــذي رفــع الصــوت عاليـاً واختــار الصمــود عنوانـاً لنضالــه والــذي عــرف كيــف يواجــه الســوط بالصــوت عكــس ذلــك يف إيقاعــه .لقــد قــاوم الشــاعر االيقــاع الرسيــع الــذي يرافــق االستســام بالتبطــيء الــذي ح ّفــزه الصمــود .وتبــدو مقاومــة الشــاعر لاليقــاع الرسيــع يف (متفاعلــن) القائــم عــى نســبة 3إىل 1لصالــح الرسعــة واضحــة وهادفــة مــن خــال اســتخدام الجــوازات كــا ســبق وذكرنــا وبخاصــة مســتفعلن ومســتفعالن. وقــد ورد النســق متفاعلــن مــع ثــاث جــوازات وهــذا التعــ ّدد يف عــدد األنســاق يــدل عــى عــدم تأقلــم الشــاعر مــع الوضــع القائــم ومقاومتــه ورفضــه إيّــاه .فالشــاعر مســجون ولك ـ ّن روحــه التّ ّواقــة إىل الحريــة الرافضــة االستســام لقضبــان الســجن تنشــد التغيــر وإن كان مــداه بعيــدا ً ودربــه شــائكة .ولــن يكــون هــذا التغيــر إال بالصمــود واملقاومــة وعــدم االستســام .لــذا اســتخدم الشــاعر النســق الــذي يســهم يف تبطــيء رسعــة االنهيــار واالستســام .وهــذا يطابــق الواقــع املرجــع فاالستســام /االنهيــار ســهل رسيــع بينــا الصمــود بطــيء صعــب يحتــاج إىل قــوة اإلرادة ومــرور الوقــت حتــى يثبــت. وقــد مثّــل العنــوان «صــوت وســوط» داللــة إيقاعيــة فالصــوت الــذي ميثّــل الصمــود واملقاومــة والعبــور نحــو الحريــة ومناهضــة االحتــال متصــل بالبــطء ،والســوط الــذي ميثّــل االســتعباد واالســتبداد والقهــر والظلــم متصــل بالرسعــة. وتــأيت دراســة املقاطــع لتدعــم مــا ســبق ولتح ـ ّدد بشــكل أكــر وضوح ـاً معــامل ال ـراع بــن الرسعــة والبــطء ،االستســام والصمــود .فعــدد املقاطــع الطويلــة يف النــص بأكملــه 217مقطعـاً ،يُضــاف إليهــا التثقيــل النوعــي الــذي تحدثــه املقاطــع الزائــدة الطــول البالغــة 19مقطعـاً .وهــذا مــا يجعلهــا حــواىل ضعــف ونصــف عــدد املقاطــع القصــرة 147مقطعـاً تقريبـاً .وإذا اعتمدنــا النســبة املئويــة لعــدد املقاطــع تكــون كاآليت :تبلــغ نســبة املقاطــع الطويلــة والزائــدة الطــول %62يف حــن تبلــغ نســبة املقاطــع القصــرة .%38ومــن يتت ّبــع االيقاعيــة املقطعيــة يف أقســام النــص يجــد أن هيمنــة املقاطــع الطويلــة التــي تعمــل عــى تبطــيء الرسعــة قامئــة يف جميــع أجـزاء النــص تقريبـاً. وهــذا نجــاح ملمــوس لصالــح مناخــي البــطء والصمــود والتصــدي داخــل النــص .فــروز الصــوت وتحولــه إىل صــدى دائــم يهتــف «ال أهــاب» يرفــع نســبة املقاطــع الطويلــة مــن %51يف القســم الثــاين إىل %56يف القســم الثالــث .وهــذا يؤكّــد متســك الشــاعر بالنــر أو بــروز مقاومــة مــن نــوع آخــر غــر قامئــة عــى الســاح أو بعــدم االستســام .لــذا تســتمر الســيطرة لإليقــاع البطــيء وذلــك ألن الشــاعر يحــاول أن يقــاوم رسعــة االستســام املتمثلــة باعتــاد النســق متفاعلــن بتبطــيء طريقــه وإلغائــه مــن خــال الصمــود املتمثــل باعتــاد الجــواز مســتفعلن وســيطرة املقاطــع الطويلــة كــا بيّنــا يف مــا ســبق. -2-3االيقاع النربي: يبلــغ عــدد النــر يف النــص .89عــدد النــر األحــادي ،23وعــدد النــر الثنــايئ 56والنــر الثــايث .10وتحويــل هــذه األرقــام إىل نســب مئويــة تكــون كاآليت :نســبة النــر األحــادي ،%26والثنــايئ %63والثــايث .%11 ويشــر هــذا التوزيــع إىل دور تبطيئــي واضــح يقــوم بــه الن ـران الثنــايئ والثــايث .ولعـ ّـل هــذا الحضــور التثقيــي للنــر عائــد إىل مقاومــة الشــاعر وصمــوده ورفضــه لالستســام واالنهيــار الرسيــع الــذي يدفــع العــدو الشــاعر تجاهــه وخصوصـاً أ ّن األخــر ال حــول لــه وال قــوة إال صوتــه .وهــذا رع االستســام. الصمــود يســتدعي نفــس طويــل مــن الشــاعر يبطــىء الواقــع الــذي تتجـ ّـى فيــه اإلغـراءات التــي تـ ّ ـدن نســبة النــر اآلحــادي ويبقــى النـران الثنــايئ والثــايث مســيطرين ألن الصمــود ومــع إرصار الشــاعر عــى الصمــود يف القســم الثالــث تتـ ّ الــذي أعلنــه الشــاعر والــذي يتمثــل بالصــوت وصــداه رافقــه تثقيــل نــري يبطــىء مــن االنهيــار الرسيــع الــذي يرافــق االستســام فــا يأبــه الشــاعر ـيحل بــه: للعــذاب الــذي سـ ّ «فلتجلدوه إذا استطعتم» ويبلغ هذا العصيان ح ّده عندما يعلن تو ّحده مع العذاب الذي يع ّزز الصمود: «إين له حتى العذاب» الطويلــة .
وهكــذا يالحــظ أن الــدور التبطيئــي التثقيــي الــذي يقــوم بــه النـران الثنــايئ والثــايث يؤيّــد الــدور التبطيئــي الــذي كانــت تقــوم بــه املقاطــع -3-3االيقاع التنغيمي: تكرر النداء يف النص مرتني: «يا سيدايت ..ساديت! يا شامخني عىل الحراب!»
الحركة السادسة ( )18-16متني تسلية الصحاب. الحركة السابعة ( )21-19متني مصارعة املوت. الحركة الثامنة ( )22متنيات مفتوحة ميتة يف مهدها. الحركة التاسعة ( )25-23اإلقرار بقبول العذاب. ولّــدت املناجــاة يف القســم األول التــي اختُ ِتمــت بصمــود الشــاعر حــوارا ً ثنائيـاً يف القســم الثــاين .يصيــح اآلخــر /الجــاد /القــايض بالشــاعر متعجبـاً مــن عــدم استســامه عــى الرغــم مــن اإلحبــاط الــذي يغلّــف ســعيه فينــري الشــاعر ويصــف الوضــع الراهــن: « الساق تقطع ..والرقاب والقلب يطفأ – لو أردتم – والسحاب.. مييش عىل أقدامكم» وهــذا الوصــف ليــس وصفـاً ثابتـاً .إمنــا هــو وصــف الحــدث الــذي يبغــي الشــاعر مــن خاللــه خلــق قــوة داخليــة تــؤدي إىل ن ّديــة عســكرية تســهم يف إيجــاد تــوازن قــوى .إ ّن إجـرام العــدو وقتلــه وإرهابــه يخرجــه مــن دائــرة الفعــل ليتحـ ّول صــوت الشــاعر إىل دائــرة الفعــل« :لكــن صــويت صــاح يومـاً :ال أهــاب» فيعجز العدو مع كل قوته أن يسيطر عليه ،ويتحول العدو إىل دائرة االنفعال غري املجدي: «فلتجلدوه إذا استطعتم واركضوا خلف الصدى» ويُال َحــظ أن مــا يلفــت االنتبــاه يف هــذا النــص تــد ّرج العناويــن تصاعديـاً يف القســم األول ومــن ثـ ّم ارتباطهــا تسلســلياً بالعناويــن يف القســم الثــاين فتتشــكل حركــة رسديــة ضمنيــة متامســكة قامئــة عــى ســببية يعقدهــا تــوايل األحــداث .إن التمنــي الــذي بــاء باإلخفــاق يف القســم األول مل يـ ِن الشــاعر عــن عزمــه بــل دفعــه إىل قبــول العــذاب يف ســبيل الوطــن .بتحــول هــذا اإلرصار عــى الصمــود يف القســم الثــاين إىل صــوت ثــم صــدى ميــأ البــاد كالهامــة ترفــرف فــوق الضحايــا تذكّــر القاتــل بــإرصار الضحيــة عــى األخــذ بالثــأر. وهــذا يعنــي أن الثنائيــة األساســية التــي تحكــم النــص هــي ثنائيــة (الصمــود /االستســام) .فالـراع األســايس عــى صعيــد البنيــة الدالليــة الكــرى للقصيــدة قائــم بــن الشــعب الفلســطيني املتمســك بالقضيــة الفلســطينية ممثـاً بالشــاعر الــذي ال ميلــك إال صوتــه يهتــف بوســاطته احتجاجــه ومقاومتــه والعــدو الصهيــوين املغتصــب لــأرض الــذي ميلــك كل مقومــات اإلرهــاب وإخضــاع اآلخــر: « والعني تُسمل ،والهضاب تنهار لو صحتم بها» ولكــن اختتــام النــص بالصــوت يهتــف «ال أهــاب» داللــة واضحــة عــى إميــان الشــاعر بقــوة ذلــك الصــوت الــذي ســيتحول إىل صــدى ميــأ الفضــاء معلنـاً الصمــود الــذي ســيؤدي إىل االنبعــاث. 3-
3دور االيقاع البنايئ
4-
يتوزّع اإليقاع عىل ثالثة مستويات :املستوى املقطعي ،واملستوى النربي واملستوى التنغيمي. -1-3اإليقاع املقطعي: شــكل النســق (متفاعلــن ،)○⁄⁄○⁄⁄⁄تفعيلــة بحــر الكامــل خيــار الشــاعر لبنــاء إيقاعيــة نصــه .ويبــدأ هــذا العمــق اإليقاعــي مبقطعــن قصرييــن لينتقــل إىل مقطــع طويــل فمقطــع قصــر فمقطــع طويــل .وإذا جــاء املقطــع القصــر الرسيــع ليمثــل الســوط الــذي ميثــل االستســام واالنهيــار فــإ ّن إعتــاد الشــاعر النســق (مســتفعلن )○⁄⁄○⁄○⁄جــواز بحــر الكامــل بنســبة %57مــن األنســاق يف النــص و (مســتفعالن )○○⁄⁄○⁄○⁄بنســبة %10 يحســم الـراع مــن الناحيــة اإليقاعيــة ومبــا ميثلــه مــن الناحيــة املرجعيــة لصالــح البــطء .
ورد التكـرار يف هــذا النــص ،وتعـ ّددت وجوهــه بــن تكـرار الالزمــة يف القســم األول «لــو كان يل» وتكـرار الــروي «اب» يف عــدة كلــات ،وتكرار الجمــل الرشطيــة ،إضافــة إىل تكـرار كلمــة قامئــة يف ســياق العبارة. والتكـرار ال يســلط النظــر عــى الداللــة املعجميــة للكلمــة املكـ ّررة أو غــر املعجميــة بقــدر مــا يسـلّطه عــى مــا يحملــه التكـرار نفســه مــن داللــة« .فالتكـرار وســيلة يلجــأ إليهــا املتكلــم لغايــات متنوعــة إمــا للتعبــر عــن هــم وحاجــة متعلقــن بالكلمــة املكـ ّررة ،وإمــا للتلـذّذ ،أو التعظيــم، ()15 أو مــا شــاكل ذلــك». فام غاية التكرار يف النص الذي بني أيدينا وما دالالته؟ أ ّدى تكـرار الالزمــة «لــو كان يل» مثــاين مـرات ،وردت مــرة واحــدة «لــو كان عنــدي» إىل خلــق فضــاء داليل يـ ّ ـدل عــى رغبــة الشــاعر يف تحقيــق أمـ ٍر مــا ،ولكــن مــا مينعــه يتمثــل بعــدم امللكيــة .إذن يقـ ّدم هــذا التكـرار داللــة العجــز والفقد. تشــر عبــارة «لــو كان يل» اىل رغبــة غــر مرتبطــة بفعــل ولكــن تذييــل التمنــي واالش ـراط بإق ـرار الشــاعر أن يصــر الشــاعر جــزءا ً مــن الصليــب (رمــز العــذاب) وأن يتامهــى معــه: «حتى صليبي ليس يل، إين له حتى العذاب» ينقلــه مــن دائــرة الرغبــة إىل دائــرة الفعــل ويجعــل النــص الشــعري الــذي بــن أيدينــا مفتوحـاً فيقـ ّدم التكـرار أهميــة أو داللــة كــرى تســاوي داللــة النــص .فــا الفقــد الــذي يعــاين منــه الشــاعر والــذي ســلط التكـرار «لــو كان يل» عليــه الضــوء؟ يُال َحــظ أن مــا يذكــره الشــاعر مــن أمــور يفقدهــا ويتم ّنــى امتالكهــا مرتبــط باملــكان وبأشــيائه فهــو يفتقــد األرض والســاء والبحــر والـراب الهضــاب .فالشــاعر عــى مــا يبــدو يفقــد املــكان الــذي يؤمــن لــه الراحــة والطأمنينــة لذلــك هــو يف حــال متــنٍ واشـراط صعــب املنــال والتحقــق .فهــل تش ـكّل األشــياء التــي يفقدهــا الشــاعر ويتمنــى امتالكهــا كنايــة عــن الوطــن املفقــود؟ وبنــاء عــى هــذا تتش ـكّل يف القســم األول مــن النــص كلمــة «لــو كان يل». مفتاحيــة غائبــة هــي الوطــن أبرزهــا إىل الوجــود الضمنــي تكـرار الالزمــة يدفــع تكـرار «لــو كان يل» يف القســم األول القــارىء إىل البحــث عــن داللــة تكـرار الجمــل الرشطيــة يف القســم الثــاين مــن النــص «لــو أردتــم – لــو صحتــم – إن جـ َّـف – إذا أردتــم – لــو شــئتم» .يرتبــط التكـرار يف القســم األول بالعجــز يف حــن يحمــل التكـرار يف القســم الثــاين داللــة القــدرة الهائلــة التــي يتمتــع بهــا العــدو. هــذا التمـ ّزق بــن جاذب ّيتــن :قــوة العــدو وضعــف الشــاعر وضعــف شــعبه يخلــق فضــاء دالليـاً ميثلــه التكـرار املتمثــل بـــ»ال أهــاب» ثــاث م ـرات .ال تدفــع قــوة العــدو الشــاعر إىل الرضــوخ واالستســام إمنــا تجعلــه أكــر صمــودا ً وإرصارا ً عــى املقاومــة :هــذا االرصار الــذي يبيّنــه تك ـرار «ال أهــاب» يحمــل داللــة اليقــن باالنتصــار وبعــودة الحــق إىل أصحابــه وبعــدم نســيان القضيــة. كــا يحمــل هــذا التكـرار الــذي انتهــى بــه النــص إضافــة إىل إرصار الشــاعر عــى املقاومــة تهديــد ووعيــد للعــدو فيحمــل الــرط الــذي ورد يف القســم الثالــث مــن النــص« :فلتجلــدوه إذا اســتطعتم» انتفــاء املقــدرة فالعــدو الــذي يهيمــن ويســيطر وتكــر مقدرتــه لتتعلــق باملســتحيل» والغراب لــو شــئتم يف الليــل شــاب» لــن يتمكــن مــن كــم فــم الشــاعر .فالنــر هــو املــآل وإن مل يخـ ُـل األمــر مــن كــرة العــذاب ،وتقديــم التضحيــات واستســهال املــوت والســعي إليــه وهــذا داللــة تكـرار «مشــيت». وهكــذا يُالحــظ أن الــرط الــذي ورد يف النــص يحمــل معنــى التضــاد بــن أقســام النــص فالجمــل الرشطيــة يف القســمني األول واألخــر تحمــل معنــى عــدم القــدرة .يف حــن تحمــل معنــى القــدرة يف القســم الثــاين. وال ينهــض التك ـرار والتضــاد وحدهــا بوظيفــة تحييــد النظــام املعجمــي الــذي تقيمــه لغــة مــن اللغــات .شــارك يف هــذا النهــوض نظــام الـرادف حــن يــأيت الشــاعر بكلــات ال تـرادف بينهــا ليدخلهــا دائــرة الـرادف .فالكلــات (حبســت – أطفــأت – أخــذت – ن ّومــت) نجدهــا قــد صــارت مرتادفــة .ومــا كان لهــذا الـرادف أن يخــرج عــى ســلطة اللغــة لــو مل يتأســس عــى عمــق إحباطــي مكــن ســببه عــدم قــدرة الشــعب الفلســطيني يف مواجهــة العــدو الصهيــوين. مقابــل هــذا اإلحبــاط هنــاك ثقــة الشــاعر بنفســه التــي أ ّدت أيض ـاً إىل خــروج التضــاد عــى ســلطة اللغــة .فالعبارتــان «تركــت عنانهــا» «ولجمــت حــوذي الريــاح» قــد خرجتــا عــن البعــد التناقــي الــذي كان قامئ ـاً يف حياتهــا اللغويــة لتصبحــا مرتادفتــن. تقل الحقول الداللية التي توضّ عت يف هذا النص من تقديم داللة سيامئية عن كل من التكرار والتضاد والرتادف. وال ّ تتجل يف هذا النص عدة حقول داللية .منها: ّ جف – النيل – يسكب – الفرات – رشاب). املاء (الربق – السامء – البحر – أرشعة – املوج – اإلعصار – العباب – ّ 15
-عيل زيتون ،النص الشعري املقاوم ،مرجع سابق ،ص .236
وورد م ّرة مع االستفهام: «ماذا تبقّى أيها املحكوم؟» الذي تك ّرر ليتضمن معنى االنكار واالستهجان: «وتهتف :ال أهاب؟!» وكذلك تكرر األمر: «فلتجلدوه إذا استطعتم واركضوا خلف الصدى» وبذلــك يكــون عــدد الجمــل االنشــائية يف النــص ســتة .وقــد ورد يف النــص مثــاين جمــلٍ تبــدأ بـ»لــو كان يل» .وهــي يف معظمهــا جمــل مركبــة طويلــة .ميكننــا أن نعدهــا إنشــائية أو خربيــة يف آن .إن عددناهــا إنشــائية تدخــل يف بــاب التمنــي .وإن عددناهــا خربيــة تدخــل يف بــاب النفــي وتقريــر واقــع يعيشــه الشــاعر .وإننــا منيــل إىل املوقــف الثــاين .تتضمــن الجمــل الرشطيــة التــي تحمــل معنــى التمنــي ظاهريـاً معنــى ضمنيّـاً يبيّنــه الشــاعر يف قولــه: «حتى صليبي ليس يل» فتتض ّمن «لو كان يل» املكررة يف القسم األ ّول معنى «ليس». إذن هي جمل خربية رشطية وكذلك الحال مع باقي جمل النص فكلها خربية. ويعنــي هــذا أن النغــم الــذي يرتبــط بصياغــة التجربــة هــو الــذي يطبــع تنغيمــة النــص بطابعــه؛ ألن حضــوره متفـ ّوق عــى حضــور النغــم الــذي يصحــب التعبــر عــن االنفعــال .وإن كانــت وظيفــة الجمــل الخربيــة صياغــة التجربــة الوجدانيــة فــإن وظيفــة الجمــل اإلنشــائية التعبــر عــن االنفعــال الــذي ينتــاب الشــاعر .يـ ّ ـدل الســؤال الــذي ابتــدأ بــه القســم الثــاين والــذي أوردناهــا يف بدايــة هــذا املقطــع عــى اســتهجان الســائل وانفعالــه وتعجبــه مــن صمــود الشــاعر ومتســكه مبوقفــه مــع كل العــذاب الــذي يعانيــه والضيــق الــذي يعيشــه. الذات.
كــا أ ّن النــداء الــذي ســبق وأثبتنــاه أيضـاً فإنّــه يعـ ّـر عــن العاطفــة الجياشــة التــي وجــدت متنفسـاً لهــا فانــرت لتقــص مــا يعتمــر يف داخــل
أمــا الجمــل األمريــة التــي وردت يف نهايــة النــص فتــأيت نتيجــة االنفعــال الــذي بلــغ ذروتــه عنــد الشــاعر فصــار يعيــش يف عــامل خــاص هــو سـيّده .أو تــدل عــى عمــق األمل الــذي يعيشــه كأنــه يقــول :أمل يكفكــم مــا فعلتــم .مل يبــق إال صــويت فافعلــوا بــه مــا تشــاؤون لكنكــم لــن تســتطيعوا منعــه مــن التعبــر عــن حبــه لوطنــه ودفاعــه عنــه. ومــا يجــدر ذكــره غيــاب االســتفهام بالهمــزة أو هــل عــن النــص ،فهــل يعنــي غيــاب النغــم الصاعــد عــن أي ســطر مــن ســطور القصيــدة ســيادة النغــم الهابــط مــع نهايــات الســطور؟ يتكــرر الضمــن اثنتــي عــرة مــرة ،يعنــي أننــا ،اثنتــي عــرة مــرة ســنكون خاضعــن لفعــل التجــاذب بــن التنغيــم الهابــط الــذي توحــي بــه النهايــات ،والتنغيــم املســتوي الــذي يفرضــه التضمــن .فــإذا أضفنــا إىل ذلــك التضمــن العكــي الــذي تكــرر ثــاث مـرات ،والتدويــر اإليقاعــي الــذي تكــرر تســع عــرة مــرة أدركنــا أن الشــاعر مييــل بقصيدتــه هــذه لتكــون دائــرة مكتملــة ،جملــة واحــدة« .ويُشـكّل هــذا األمــر املعلــم األســايس مــن معــامل حركــة الحداثــة وصــوالً إىل القصيــدة (الرؤيــا) .ويبقــى أن القصيــدة الجملــة الواحــدة تؤمــن تنغيـاً مســتوياً ()14 كل ســطر يطــال النــص بأكملــه فيتســاوق التنغيــم مــع الحقيقــة التــي تقــوم عليهــا القصيــدة الحديثــة» مشــوباً بالتوتــر مــع نهايــة ّ ولقــد ن ـ ّوع الشــاعر الــروي وأكــر منــه حتــى بلغــت الســطور املنتهيــة بــه تســعة وعرشيــن ســطرا ً .تكــرر الــروي «اليــاء» ســت م ـرات. والــروي «امليــم» أربــع مـرات .والبــاء الســاكنة املســبوقة بألــف املــد تســع عــرة مــرة .وقــد تدخــل الــروي األخــر يف تحديــد بنيــة النســق املوجــود يف آخــر كل ســطر .فهنــاك عــرون نســقاً عــى وزن مســتفعالن ومتفاعــان .ويعـ ّـر هــذا النســق عــن الســكون الــذي تــؤول إليــه أي حركــة .لذلــك ســيطر االيقــاع البطــيء عــى النــص تعبـرا ً عــن الصمــود الــذي انتهــى بــه القســم األول والقســم األخــر مــن النــص. وهكذا فإن موسيقية هذا النص موسيقية موظفة يف إنتاج الداللة التي أراد الشاعر إيصالها. -4حيادية النظام اللغوي يتناول هذا املبحث حيادية النظام اللغوي من خالل املستويات املتعددة املعجمي والرصيف والنحوي. -1-4حيادية النظام املعجمي: كل ســطوره انطالقـاً مــن العنــوان وانتهــاء بالخامتــة .وإن كنــا قــد النــص موغــل يف الشــعرية لــذا تقــوى الحياديّــة فيــه وتتجــى مظاهرهــا يف ّ تط ّرقنــا إىل العنــوان يف مبحــث ســابق فاننــا ســنعمد يف هــذا املبحــث إىل دراســة حياديــة النظــام املعجمــي مــن خــال دراســة عــدة ظواهــر معجميــة كالتكـرار والـرادف والتضــاد ،والحقــول الدالليــة وبيــان فرادتهــا وجاملياتهــا وأدبيتهــا. 14
-عيل زيتون ،النص الشعري املقاوم يف لبنان البنية والداللة ،بريوت :اتحاد الكتاب اللبنانيني ،ط ،2001 ،1ص .170
يــرز يف النــص وجــود كثيــف للكلــات املعرفــة ســواء تلــك املعرفــة بــآل التعريــف أم باالضافــة .ويبلــغ عــدد الكلــات املعرفــة خمس ـاً وأربعــن كلمــة مقابــل ســت عــرة كلمــة نكــرة .أي إن الكلــات املعرفــة تبلــغ ضعفــي الكلــات النكــرة .ويشــكل هــذا التعريــف عالمــة غــر لغويــة تشــر إىل أن العلــة واضحــة محــددة معروفــة وطــرق املعالجــة واملواجهــة معروفــة أيضـاً لــذا اتخــذ الشــاعر قـراره وأعلــن عنــه اختــار الصمــود وشــهر ســاحه: «لكن صويت صاح يوماً ال أهاب» وإن كان الطريق شائك تحفّه العذابات: «حتى صليبي ليس يل إين له، حتى العذاب» كــا تــدل هــذه الســيادة للكلــات املعرفــة عــى ســيطرة الحــدث اإلرهــايب الــذي يقــوم بــه العــدو وأثــره يف نفــس الشــاعر .فمــع القتــل واالضطهــاد اليومــي «الساق تقطع ..والرقاب والقلب يطفأ» ال ميلك الشاعر إال أن يسلّط صوته ويستخدم أشعاره يف وجه السيف املسلّط عىل الرقاب. ويُالحــظ أن األســاء املعرفــة بــأل أكــر أهميــة مــن األســاء النكــرة .فاألســاء املعرفــة ثابتــة ذات وجــود دائــم .بينــا األســاء النكــرة ذات وجــود عــريض تتغــر .قــد تــأيت أو تذهــب وفاقـاً للظــروف .وموازنــة بســيطة توضــح مــا نذكــر: ن ّكــر الشــاعر يف القســم األول األســاء اآلتيــة :بــرج – أرشعــة – ســلم – حقــل – محـراث ...مقابــل تعريــف األســاء اآلتيــة :الــرق – الســحاب – البحــر – املــوج – اإلعصــار – العبــاب – الشــمس – األرض – الـراب – القلــب... ويبدو أن األسامء النكرة هي األشياء التي مت ّناها الشاعر: لو كان يل برج لو كان يل فرس لو كان يل حقل ومحراث لو كان يل عود ... كأن الشــاعر يريــد أن يقــول :علينــا باملقاومــة والعمــل عــى نــزع االحتــال االرسائيــي مــن فلســطني ســواء توافــرت لنــا الظــروف أم ال .فهــذه أمــور ميكننــا تغيريهــا ألنهــا غــر ثابتــة. أمــا الظاهــرة النحويــة األخــرى فهــي الخــر املقــدم املحــذوف الــذي تكــرر مــع تكـرار الالزمــة «لــو كان يل» .ويُال َحــظ أن الخــر املحــذوف متعلّــق بشــبه الجملــة الــدال عــى امللكيــة .ويف هــذا داللــة عــى أهميــة وجــود هــذا الخــر املقــدم املقــدر املحــذوف فيصــر هــذا الخــر املحــذوف املكــرر إشــارة قلــق تصــدر عــن صاحبهــا. ولكــن هــذا الخــر جــاء خـرا ً للفعــل املــايض الناقــص (كان) الناســخ الــذي يــرف انتباهنــا عــن الواقــع الحــايل ويأخذنــا إىل املــايض /إىل مــا كان عليــه .وقــد ُصـ ِّدر بـــ (لــو) التــي تلغــي هــذا الــذي كان .فيقــدم اقـران (لــو) بـــ (كان) داللــة تشــر إىل غيــاب مــا كان ويجــب النظــر إىل مــا يكــون وتغيــب (كان) و(لــو) لتحـ ّـل محلهــا الجملــة الخربيــة املؤكّــدة: «إين له حتى العذاب» و(ما دام): واركضوا خلف الصدى ما دام يهتف :ال أهاب
الزرع (غرست – األرض – حقل – محراث – زرعت – الرتاب – غاب) العلو (برج – السحاب – سلّم – الشمس – رايتي – الهضاب – شامخني – الغراب) الجسد اإلنساين (صوت – كفّي – قدم – الساق – الرقاب – القلب – العني – دمي) الفرح (األشعار – عود – مل ّحنة – سلّيت – الصحاب) التعذيب (سوط – صليبي – العذاب – املحكوم – تُقطع – يُطفأ – تُسمل – فلتجلدوه). الحريــة (صــوت – بــرج – بــرق – ســحاب – بحــر – أرشعــة – املــوج – اإلعصــار – الشــمس – رايتــي – عنانهــا – األشــعار – غــاب – ال أهــاب – الهضــاب – النيــل – الفـرات – صــاح – الصــدى – يهتــف). ومــن يراقــب هــذه الحقــول يجــد أنهــا شــيفرات ثقافيــة ترتبــط جميعهــا بثقافــة الشــعب الفلســطيني القامئــة عــى املقاومــة وعــدم اإلذعــان والخضــوع واالستســام عــى الرغــم مــن التعذيــب والقتــل .ميتــىء النــص إميانـاً بالحيــاة واالســتمرارية والبقــاء والجهــاد للحصــول عــى املـراد :الحريــة والفــرح والســعادة عــى أرض الوطــن. -2-4حيادية النظامني الرصيف والنحوي: يعنينا يف هذا النص من الضامئر بوصفها صيغة نحوية تلك التي تعود اىل الشاعر وتلك التي تعود إىل اآلخر /العدو. كل للضامئــر ورد ضمــر الشــاعر يف القســم األول خمسـاً وعرشيــن مــرة .وقــد جــاء بصيغــة املتكلــم املفــرد املتصــل (اليــاء والتــاء) مــع غيــاب ّ التــي تعــود إىل اآلخــر. وورد يف القســم الثــاين ضمــر الشــاعر خمــس مـرات :ثــاث مـرات بصيغةاملتكلــم املفــرد (اليــاء) ومــرة مســترتا ً (أهــاب) ومــرة جــاء ضمــر الشــاعر بصيغــة املخاطــب (تهتــف). أمــا يف القســم الثالــث فقــد ورد ضمــر املتكلــم /الشــاعر مرتــن (صــويت – أهــاب) .كــا بــرز ضمــر الغائــب الــذي يعــود إىل صــوت الشــاعر ثــاث مـرات (فلتجلــدوه – مــا دام – يهتــف). ـص الضامئــر التــي تعــود اىل اآلخــر /العــدو فقــد وردت كلهــا بصيغــة املخاطــب الجمــع (تــم – كــم – واو الجامعــة) وتركــزت أمــا يف مــا يخـ ّ يف القســمني الثــاين والثالــث فتكــررت تســع مـرات. ويف املحصلــة تكــون عــدد الضامئــر التــي تعــود إىل الشــاعر خمســة وثالثــن ضمـرا ً .وتلــك التــي تعــود إىل اآلخــر /العــدو تســعة .وإذا ح ّولنــا هــذه األعــداد إىل نســب مئويــة نجــد أن نســبة ضمــر الشــاعر %80مقابــل %20لضمــر اآلخــر /العــدو .فــا داللــة هــذا العــدد ومــا داللــة ســيطرة ضمــر الشــاعر املفــرد؟ جــاء الضمــر املفــرد املتكلــم يف القســم األول ليحــدد موقــع صاحبــه جاعـاً مــن الــذات محــورا ً .تلــك الــذات التــي متثــل ذات كل مواطــن فلســطيني وملكيتــه عــى األرض الفلســطينية أو قدراتــه يف مــا يتعلّــق بالقضيــة الفلســطينية .ومــع تكـرار (يــاء امللكيــة أو يــاء املتكلــم) ثــاث عــرة مــرة إال أنهــا مل تــدل عــى امللكيــة ألنهــا جــاءت منســوخة بالفعــل (كان) ومرشوطــة بحــرف الــرط (لــو). وبعــد إق ـرار الشــاعر بعــدم ملكيتــه يتقهقــر ضمــر املتكلــم يف القســم الثــاين ليــرز ضمــر املخاطــب الجمــع املوجــه إىل العــدو الصهيــوين الــذي ميلــك املقــدرة وخصوص ـاً أن هــذا الضمــر جــاء لصيق ـاً بأفعــال تنتمــي إىل هــذا الحقــل الــداليل (أردتــم – شــئتم). ويبــدأ القســم األخــر بحــرف االســتدراك «لكــن» ليغـ ّـر املعادلــة يف مواجهــة العــدو فهنــاك قــوة تنبــع مــن داخــل الشــاعر .عندهــا يعــود ضمــر املتكلــم املفــرد إىل الــروز ويتجــى هــذا الضمــر يف إعــان املقاومــة وإب ـراز مقوماتهــا: «لكن صويت صاح يوماً:
ال أهاب»
ذكرنــا ســابقاً أن ضمــر املتكلــم بصيغــة اإلف ـراد ورد خمســة وثالثــن مــرة .وهــذا الــورود الكثيــف يف نــص عــدد ســطوره ســبعة وأربعــون ســطرا ً هــو عالمــة تشــر إىل شــعور الشــاعر بتفــرده عــن الجامعــة وابتعــاده عنهــم .وال يحــدث مثــل هــذا النفــور إال يف األحــوال الحرجــة عندمــا يتبـ ّـن للفــرد إخفــاق الجامعــة وتخاذلهــم وعــدم م ّدهــم يــد العــون للمســاعدة أو يف حــال عجزهــم وعــدم مقدرتهــم .وهــذا مــا دفــع الشــاعر اىل االعتــاد عــى نفســه وإن كان ال ميلــك إال صوتــه وصــداه .عـ ّـل هــذا الصــوت املــيء بالشــجاعة وعــدم الخــوف «ال أهــاب» يوقــظ الشــعب العــريب فتنشــط مقاومــة تقتلــع الصهيــوين وتعيــد الوطــن ألصحابــه. ومــا يجــدر ذكــره أن هــذه الضامئــر توزعــت عــى الفاعليــه واإلضافــة توزع ـاً هــو اآلخــر ال ميكــن إال أن يكــون عالمــة دالــة .ورد ضمــر الفاعليــة املتكلــم أربــع عــرة مــرة وضمــر االضافــة الــذي يــدل عــى امللكيــة ســت عــرة مــرة .وهــذا يــدل عــى قــوة الفعــل عنــد الشــاعر وهــذا الحضــور الالفــت لضمــر املتكلــم يشــر إىل إق ـرار الشــاعر واقتناعــه بأنــه صاحــب قضيــة وعليــه أن يناضــل مــن أجلهــا .وتــأيت (يــاء) املتكلــم لتعــزر امتــاك الشــاعر ذاتــه «صــويت» فهــو ميلــك الق ـرار الــذي ال يثنيــه عنــه أحــد.
مل تعد الرياح حرة يف حركتها ولكن سريتها حركة الشاعر كام يشاء ويشتهي. ويســتمر الشــاعر يف خروجــه عــى ســلطة اللغــة .وكــا كان لإلســتعارة دور يف التغيــر الــذي يقلــب مظاهــر الطبيعــة رأس ـاً عــى عقــب يســتخدم الشــاعر االســتعارة بهــدف بنــاء األرض كــا يريــد: «زرعت القلب واألشعار يف بطن الرتاب» يكــون الــزرع عــادة عــى ســطح الـراب .ومــا يُــزرع هــو النبــات والشــتول األزهــار واألشــجار التــي تثمــر لتعطــي .اســتبدل الشــاعر عمليــة زرع األشــجار بــزرع القلــب واألشــعار .وهــذا الــزرع ليــس عــى ســطح الرتبــة إمنــا يتغلغــل يف أعامقهــا فيصــر جــزءا ً منهــا ال تُن ِبــت إال إيــاه. وتنطــوي هــذه االســتعارة عــى كنايــة فالقلــب كنايــة عــى الشــجاعة والجــرأة واقتحــام األهــول .هــذه الشــجاعة مصحوبــة باألشــعار التــي تبــث العزميــة يف نفــوس املحاربــن املناضلــن يف ســبيل األرض .ورمبــا تكــون األشــعار كنايــة عــن املدرســة التــي تــزرع بالنفــوس حــب الـراب واالســتامتة مــن أجلهــا. يفيض النص استعارة وكناية تلو أخرى: «مألت الصمت أسئلة ملحنة» يتحــول الصمــت إىل مــكان لــه حيّــز ومســاحة وفضــاء ميــأه الشــاعر قطعـاً موســيقية مل ّحنــة الهــدف منهــا تســلية الصحــاب حتــى ال تفــر همتهــم أو يلحقهــم الضجــر مــن طــول االنتظــار فيتحولــوا عــن قضيتهــم :تحريــر األرض. وهذه العبارة املجازية ترسم طريق النضال فهو طويل يحتاج إىل صرب وأنا ٍة وجلَد. يلجــأ الشــاعر إىل أســئلته املل ّحنــة التــي ال تكــون إال بامتــاك اإلرادة« :لــو كان يل قــدم» كنايــة عــن العزميــة واإلرادة التــي تدفــع الشــاعر إىل استســهال املــوت« :مشــيت ...مشــيت حتــى املــوت» فيتحــول املــوت إىل مــكان أو إنســان يواجهــه الشــاعر وال يهابــه .فاملــوت ال يــأيت إمنــا الشــاعر هــو مــن يقصــده ويف هــذا كنايــة عــن الجــرأة واقتحــام تســتدعي األحــوال. وما كان الشاعر ليخرج عىل النظام اللغوي لو مل تكن قوة العدو تستدعي ذلك: «السحاب مييش عىل أقدامكم» يبي اسناد امليش للسحاب وتعديتها إىل األقدام قوة العدو التي تنهار لها الهضاب. ّ لكــن متســك الشــاعر بالصمــود يف وجــه العــدو يدفعــه م ـرارا ً وتك ـرارا ً إىل االســتعارة فيهــدد العــدو ويرتقــي بالصــوت والصــدى ليعاملــه معاملــة اإلنســان البطــل املغــوار الــذي ال يُق َهــر: «فلتجلدوه إذا استطعتم واركضوا خلف الصدى ما دام يهتف :ال أهاب» يُال َحــظ أ ّن خــروج النــص عــى اللغــة كان خروجـاً جهاديـاً مقاومـاً .وقــد عــرف الشــاعر كيــف يص ّفــي نصــه مــن شــوائب النرثيــة ألن النــص مبجملــه اســتعارات تتوالــد مــن بعضهــا إضافــة إىل اســتخدام الكنايــة واالســتفهام الــذي يســتهل بــه القســم الثــاين مــن النــص .وقــد خــرج الشــاعر بهــذا االســتفهام عــن وظيفتــه األســاس ليقيــم لغتــه الشــعرية التــي عـ ّـرت بنجــاح عــن انفعالــه حيــال ثنائيــة الصمــود والخضــوع. - 5العالقات يف النص: يقوم النص عىل عالقات متتاز بأنها عالقات تضاد تتط ّور لتصل إىل عالقة نفي وجود. تبــدأ هــذه العالقــات الثنائيــة مــع العنــوان الــذي يقــوم عــى ثنائيــة ضديــة بــن الصــوت والســوط .ومنهــا تتف ـ ّرع باقــي العالقــات التــي تــدور يف فلــك هــذه الثنائيــة. مــا طبيعــة العالقــة بــن الصــوت والســوط؟ ســبق ورشحنــا داللــة الصــوت والســوط ،ولــن نكــرر ذلــك يف هــذا املبحــث .بيــد أننــا ســنذكّر بــأن الصــوت والســوط ميتــازان بعالقــة ضديــة بينهــا تتطــور هــذه العالقــة لتصــر عالقــة نفــي وجــود .كيــف؟ رفْ ـ ُع الصــوت شــعا ٌر تعبــري عــن رفــض الظلــم والســوط هــو مامرســة الظلــم .قــد يكــون الصــوت ســبباً للســوط أو العكــس ولكنهــا ال ميكــن أن يســتمرا مع ـاً. رص الصوت عىل البقاء ليمنع عنه عنف السوط .ويستمر السوط يف البقاء ل ُيخرِس الصوت ويلغيه. ي ّ
ـكل يف القســم األول .وتركّــز األفعــال الحــارضة والداللــة نفســها تقدمهــا ســيطرة األفعــال املضارعــة يف القســم الثــاين والثالــث بعــد غيابهــا الـ ّ عــى املقاومــة مــن دون اشـراط أي مقومــات تســاعد فيذلــك .فيغــدو الفعــل املضــارع «ال أهــاب» وصفـاً دامئـاً للشــاعر. ومــن الظواهــر النحويــة يف هــذا النــص ورود األفعــال املجهولــة (ت ُقطَــع – يُطفــأ – ت ُســمل – يُســكب) وفعــل املطاوعــة (تنهــار) والفعــل الناســخ (يصــر) لتســتحرض معهــا قــوة العــدو وأفعالــه الشــنيعة ،كأ ّن قــدر الفلســطيني أن يعيــش العــذاب والظلــم والقهــر مــن هــذا العــدو الظــامل. ذلــك أن األفعــال املجهولــة تشــر إىل القدريــة. -2-4املجاز وحيادية النظام اللغوي: النــص الشــعري «صــوت وســوط» عــى رصاع مــع الواقــع .يحــاول الشــاعر االنعتــاق مــن ســلطة املتســلط يف الواقــع ليتكــون أمامنــا عــامل منـزاح عــن حقيقتــه املوضوعيــة منعتــق مــن ســلطة اللغــة ،عــامل قوامــه املجــاز واالســتعارة والكنايــة .ويُ َعـ ُّد هــذا املســتوى الرتكيبــي أكــر املســتويات مســاهمة يف إنتــاج الشــعرية. ـص قائــم عــى االســتعارة ،وهــي مبجملهــا اســتعارة مركّبــة .وكل اســتعارة تنتــج اســتعارة أخــرى. تكاشــفنا االســتعارة مــن بدايــة النــص .فهــو نـ ّ فالقصيــدة سلســلة مــن االســتعارات املرتبــط بعضهــا ببعضهــا اآلخــر والتــي تشــكل باكتاملهــا لوحــة فنيــة فريــدة .وقــد اســتنفدت االســتعارة وســائل عديــدة :تعديــة – نعت ـاً – إضافــة – ظرف ـاً – إســنادا ً مح ّيــدة ســلطة اللغــة ونظامهــا عــن الفعــل يف إنتــاج العالمــات اللغويــة .ويف بيــان ذلــك نــورد النــاذج اآلتيــة: «-حبســت الــرق يف جيبــي» اســتعارة مركّبــة قامئــة عــى التعديــة (املفعوليــة يف الشــق األول والجــار واملجــرور يف الشــق الثــاين .إســناد الفعــل (حبــس) إىل الشــاعر وتعديتــه إىل (الــرق) ومــن ثــم إىل (جيبــي) جعــل الكلــات تخــرج عــن هويتهــا املوضوعيــة فالشــاعر ال يتحكــم بأحــوال العبــاد فحســب ولكــن باألحــوال الطبيعيــة أيض ـاً .فتعديــة الفعــل (حبــس) إىل (الــرق) جعلــت الشــاعر يف موقــع الســلطة القــادر عــى تغيــر الطبيعــة .لقــد ق ّزمــت (جيبــي) (الــرق) فــا عــاد ذلــك اللمعــان الحــر املحـ ّرر مــن كل قيــد ،الــذي يــيء األرض والســاء مــن مرشقهــا إىل مغربهــا ولكنــه غــدا كتلــة صغــرة أســرة جيــب الشــاعر التــي تقبــض عليــه. ليــس هــذا فحســب ،فالشــاعر الــذي خــرج عــى ســلطة اللغــة مــن بدايــة ســطوره الشــعرية منتجـاً صــورة شــعرية فريــدة تقــوم عــى حبــس الــرق يف جيبــه أتبعهــا باســتعارة أخــرى هــي نتيجــة لحبــس الــرق« :أطفــأت الســحاب» .تعـ ّدى الفعــل (أطفــأ) إىل (الســحاب) .مل يســتخدم الشــاعر عبــارة أمنــع الســحاب التــي تجعــل الســحاب تحــت أمرتــه ولكنــه اختــار الفعــل (أطفــأ) فجمــع مــا ال يُجمــع .فــا عــاد الســحاب ســحاباً وال اإلطفــاء إطفاء. ويستمر الشاعر بعد أن حبس الربق وأطفأ السحاب إىل السيطرة عىل كل عنارص الطبيعة الغاضبة .يقول: «أخذت املوج واإلعصار يف كفّي ون ّومت العباب» فهل يبغي الشاعر الثبات «نومت العباب» أو يريد أن يتل ّبس املوج واإلعصار ويطلق ثورة التجديد والتغيري انطالقاً من الفرد؟ إن خــروج الشــاعر عــن النظــام اللغــوي هــو نتيجــة لعالقــة رصاعيــة مــع محيطــه .فمحمــود درويــش الشــاعر املقــاوم ال يجــد نفســه يف مواجهــة العــدو الصهيــوين فقــط إمنــا يف مواجهــة ســلطة اللغــة «إحــدى تجليــات الســلطة السياســية ...ســلطة اللغــة هــي ســلطة االســتقرار»( .)16وهــو ال يريــد الثبــات واالســتقرار بــل يســعى إىل االنتفاضــة والتغيــر لذلــك يبحــث عــن مــكان لرايتــه فــا يســعفه الواقــع وال تســعفه اللغــة فيلجــأ إىل االســتعارة الظرفيــة: «لغرست فوق الشمس رايتي التي اهرتأت عىل األرض الخراب» جعــل الشــاعر الشــمس مكانـاً ميكــن الوصــول إليــه ال لتمـ ّد األرض بالضــوء واإلشــعاع إمنــا هــي مــكان موظّــف لتحقيــق طموحــات الشــاعر. تحولــت الشــمس إىل مــكانٍ مأهــول ميكــن االســتعاضة بهــا عــن األرض الخـراب. وأن تصــر الشــمس مكان ـاً لغــرس الرايــة يعنــي أن النــص يــزود الشــمس مبقومــات الحيــاة عــى ســطحها .وهــذا يعنــي أن النــص جعــل االســتعارة تــرق اللغــة العاديــة ليعــود فيجعــل الكنايــة ترسقهــا مــن أجــل اإلشــارة إىل ثنائيــة الشــمس الراية/العظمــة ≠ األرض الخ ـراب .وهاتــان العالمتــان (االســتعارة والكنايــة) تجتمعــان لتنتجــا عالمــة جديــدة تنـ ّم عــن ســوء ظـ ٍّن بالبــر الذيــن يســكنون األرض .وهــذا مــا يدفعــه إىل البحــث عــن بديــل .والبديــل بالنســبة إىل الشــاعر هــو الشــمس ذلــك الكوكــب الــذي ح ّولــه الشــاعر مــن كوكــب يســتحيل االق ـراب منــه إىل مــكان لرايــة الشــاعر ويف هــذا كنايــة عــن العظمــة وأهميــة امل ـرام. يكرر الشاعر استخدام االستعارة للخروج عىل النظام الطبيعي «ولجمت حوذي الرياح عىل الهضاب» 16
-زيتون ،عىل ،النص الشعري املقاوم يف لبنان ،مرجع سابق ،ص .531
الســوط؟
تك ـ ّرر الصــوت يف النــص لكــن غــاب الســوط .فــا هــي الرمــوز والشــيفرات الثقافيــة التــي اســتخدمها الشــاعر لتكــرس الصــوت وتلغــي
تع ـ ّددت الرمــوز والشــيفرات الثقافيــة يف هــذا النــص حتــى كاد النــص أن يكــون إعــادة بنــاء لشــيفرات ثقافيــة ورمــوز دينيــة وتاريخيــة وأخــرى شــديدة االتصــال باملنــاخ العــام الــذي أنتــج النــص الشــعري وبالتــايل هــي يف الغالــب مــن إنتــاج الشــاعر. يالحظ القارىء أنه ميكننا تقسيم الرموز التي وردت يف النص إىل دوائر: -1دائــرة تتعلــق بالرمــوز التــي ترتبــط بالقــوة وإرادة التغيــر والثــورة .وتتشـكّل مــن الرمــوز اآلتيــة :الــرق – الســحاب – املــوج – اإلعصــار – البحــر .وميكــن إضافــة الهضــاب مبــا ترمــز للصالبــة والجســارة .وهنــاك كلــات كالــرج – أرشعــة – ســلم متثــل عالمــات رمزيــة مت ّكــن املــرء مــن تحقيــق غاياتــه. -2دائــرة تتعلــق بالرمــوز ذات البعــد االنبعــايث :متثّــل الشــمس بعــدا ً رمزيـاً للعنفــوان والكــر واألنفــة وطريــق الهدايــة والحريــة .وتتعـ ّدى ذلــك يف النــص لتمثــل املــكان البديــل لــأرض وعليهــا يســود الخــر فتمثــل ثنائيــة ضديــة مــع األرض الخـراب لــذا ال ميكــن لرايــة الشــاعر التــي ترمــز للنــر واإلقــدام إال أن تغــرس فــوق الشــمس: لغرست فوق الشمس رايتي التي اهرتأت عىل األرض الخراب تتض ّمــن كلمــة (لغرســت) بعــدا ً رمزيـاً انبعاثيـاً ترفدهــا العبــارات اآلتيــة :زرعــت – بطــن الـراب – حقــل – محـراث – القلــب – االشــعار. فالوطــن الفلســطيني النــازف الــذي يعــاين مــن ضعــف الفلســطيني إزاء قــوة املحتــل بحاجــة إىل غــرس قيــم جديــدة وزرع أفــكار جديــدة تعيــد تكوينــه وتبعــث فيــه مقومــات الصمــود .وهــذا يــدل عــى أمــل الشــاعر يف النــر وإن كان بعيــد املــدى. هذا االنبعاث بحاجة إىل تضحية فيستحرض الشاعر رمزا ً مسيحياً: «حتى صليبي ليس يل /إين له /حتى العذاب» ميثــل الصليــب رمـزا ً للتضحيــة والعــذاب ودرب اآلالم يف ســبيل تحقيــق املـراد .فكــا كان املســيح فــداء لقومــه يجــب أن يُسـخّر لهــذه األمــة شــباناً يكونــون فــداء للوطــن بهــدف تحريــر األرض التــي مــى عليهــا املســيح وســقاها بدمائــه .كــا ميثــل الجلْــد (فلتجلــدوه) شــيفرة ثقافيــة تعــود إىل الثقافــة املســيحية التــي تؤمــن بالعــذاب ممـرا ً للنجــاة والفــاح .وهــي شــيفرة تعـ ّـر عــن الظلــم والقمــع الــذي يعــاين منــه الشــعب الفلســطيني عــى يــد العــدو الصهيــوين املتل ّبــس بهــذه الصفــات فصــارت جــزءا ً مــن طبيعتــه. يتجســد هــذا الفــاح يف اإلرصار عــى الصمــود ويكــون باللجــوء إىل الرمــز التاريخــي الجاهــي العــريب فيمثــل الصــدى الهامــة التــي تخــرج مــن ّ رأس املقتــول مطالبــة بالثــأر ،كأن الشــاعر يتو ّعــد العــدو بــأن صــدى صوتــه ســيبقى كالهامــة تحــوم فــوق رؤوس الفلســطينيني مذكــرة إياهــم بوجــوب تحريــر القــدس مــن مغتصبيهــا .ولعــل الصــدى هــو صــوت الشــاعر الــذي يعـ ّـر فيــه عــن قضايــاه الوطنيــة الفلســطينية فيحمــل شــيفرة ثقافيــة عربيــة تبـ ّـن دور الشــاعر يف شــحذ الهمــم وبــث الحامســة يف نفــوس املقاتلــن. -7النص والعامل والشاعر وااليديولوجيا: يحيــل النــص الــذي بــن أيدينــا إىل العــامل الواقعــي املتمثــل بالواقــع العــريب يف حقبــة مــن حقبــات تاريخــه .فقــد شــهد ال ـراع العــريب الصهيــوين مراحــل انكســار وعجــز ويــأس مــن قبــل الشــعب الفلســطيني .ذلــك العجــز الناتــج عــن تقهقــر الشــعب الفلســطيني أمــام قــوة الصهيــوين يرافقــه تخــاذل الشــعوب العربيــة يف مــد العــون لهــذا الشــعب .هــذا التخــاذل الــذي تحـ ّول إىل صمــت كاد أن يكــون متآمـرا ً مــع العــدو ضــد القضيــة الفلســطينية .فــا يحكــم مناخــات هــذا النــص ومــا أنتجــه هــو اإلحبــاط الــذي كان يحيــط بالشــاعر يف املعتقــات االرسائيليــة .فــاذا تب ّقــى لــه يف وجــه ســوط ال يرحــم وقــوة ال ميكــن ردعهــا ،وهــو الشــاعر الــذي يحمــل ايديولوجيــة االســتامتة يف ســبيل الوطــن ،تلــك التــي تقــوم عــى إميــان عميــق بالــذات وبوجودهــا وبحقهــا بالحيــاة وإن ت ُركــت منفــردة يف مواجهــة قدرهــا؟ تك ّرر الضمري الذي يعود إىل الشاعر حواىل ٍ خمس وثالثني مرة ويعني ذلك حضورا ً قوياً للشاعر داخل النص. وهــذا الحضــور مل يكــن حضــورا ً واقعيـاً .فالشــاعر ،متوضّ عـاً يف النــص ،خاضــع لالنفعــال وللنظــام الســياميئ .لقــد صــار وجــودا ً غــر خاضــع ملنطــق العقــل( :حبســت الــرق – أطفــأت الســحاب – نومــت العبــاب) ليقابــل بــه الوجــود غــر الواقعــي للعــدو: «الهضاب تنهار لو صحتم بها والغراب لو شئتم يف الليل شاب». وهــذا الشــاعر الــذي شـكّل موضــوع النــص صــار صــوت األمــة املدافــع عنهــا .فهــو ذو موقــف وقــدرات تواجــه الســوط االرسائيــي وإمكانياته الجبــارة اله ّدامــة .لقــد تحـ ّول صــوت الشــاعر إىل صــدى يعــى عــى العدو.
النص؟
إذا كانــت العالقــة األساســية يف هــذا النــص هــي هــذه الثنائيــة التــي تلغــي إحداهــا وجــود األخــرى .فــا هــي الثنائيــات األخــرى يف هــذا تربز من السطور األوىل يف النص عالقة سبب وجود بني مكوناته .نذكر عىل سبيل املثال: وجود الربج سبب حبس الربق وجود األرشعة سبب السيطرة عىل اإلعصار وجود السلم سبب الصعود إىل الشمس وجود الحقل سبب الزرع وجود العود سبب تسلية الصحاب وجود القدم سبب اقتحام املوت
ولكــن كل هــذه الثنائيــات غــر متوافــرة لــدى الشــاعر بســبب انتفــاء امللكيــة وبالتــايل انتفــاء املقــدرة .إذا ً مــن ميلكهــا؟ ميلكهــا العــدو الــذي ميلــك املقــدرة: «الساق تقطع ..والرقاب والقلب يطفأ» التحل بامللكية وامتالك القدرة من العدو: فتتشكل ثنائية ضدية هي غياب امللكية وغياب القدرة من الشاعر «لو كان يل» مقابل ّ «والسحاب مييش عىل أقدامكم والعني ت ُس َمل ،والهضاب تنهار لو صحتم بها» هــذا العنــف والظلــم الــذي ُيــارس بحــق الشــاعر وشــعبه يــؤدي إىل ســوء ظـ ٍّن بــاألرض وأهلهــا فتقــوم ثنائيــة ضديــة بــن الشــمس الخــر والعــار واألرض الخـراب: «لغرست فوق الشمس رايتي التي اهرتأت عىل األرض الخراب» ولكــن غــرس الرايــة فــوق الشــمس محــال يف العــامل الواقعــي فــا يبقــى أمــام الشــاعر إال الصمــود أو االستســام فتــرر هــذه الثنائيــة الضديّــة. يتمثــل الصمود بالشــاعر: «إين له حتى العذاب ال أهاب فلتجلدوه إذا استطعتم واركضوا خلف الصدى ما دام يهتف :ال أهاب» ودعوه اآلخر له لالستسالم: «ماذا تبقّى أيها املحكوم؟» -6الرموز والشيفرات الثقافية: العنــوان رمــزي الداللــة .يرمــز الصــوت إىل الحريــة والقــدرة عــى التعبــر عــن الــرأي والعــدل واملطالبــة بالحقــوق واإلجهــار بهــا والســعي إىل تحقيقهــا .يف حــن ميثــل الســوط رمـزا ً للغــن والتســلط واالســتبداد والقمــع واغتصــاب الحقــوق.
املصادر واملراجع أوالً :املصادر األساسية -1درويش ،محمود ،ديوان محمود درويش ،املجلّد األ ّول ،بريوت :دار عودة ،ط.1994 ،14 ثانياً :املصادر واملراجع بالعربية -1ابن منظور ،لسان العرب ،بريوت :دار صادر. -2بولس ،مرتي (سليم) ،أبحاث يف األلسنية العربية ،لبنان :فؤاد بيبان ورشكاه ،ط.1988 ،1 -3زكريا ،ميشال ،املدخل إىل علم اللغة الحديث ،مؤسسة نعمة للطباعة ،ط.2002 ،1 -4زيتون ،عيل ،النص الشعري املقاوم يف لبنان البنية والداللة ،بريوت :اتحاد الكتاب اللبنانيني ،ط.2001 ،1 -5مرتــاض ،عبــد امللــك ،شــعرية القصيــدة قصيــدة القـراءة تحليــل مركــب لقصيــدة أشــجان ميانيــة ،بــروت :املؤسســة الجامعيــة للدراســات والنــر والتوزيــع ،ط.1994 ،1 -6معجم اللغة العربية ،املعجم الوجيز ،ايران :منشورات دار الثقافة.1999، ثالثاً :املراجع املرتجمة -1سوسري ،فردينان (ده) ،محارضات يف األلسنية العامة ،ترجمة يوسف غازي ومجيد النرص ،بريوت :دار نعامن للثقافة.1984 ،
يعنــي أننــا يف هــذا النــص أمــام ثنــايئ مختلــف عــن ثنــايئ الواقــع .والتعديــل الــذي نــال العــامل كان بفعــل ايديولوجيــا الشــاعر .مــا أريــد الوصــول إليــه أن توضــع الشــاعر يف النــص قــد أعــاد تشــكيله مبــا يتناســب مــع العالقــات التــي أوجدهــا النــص لنفســه .وهــي عالقــات فنيــة تنتمــي بدورهــا إىل رؤيــة الشــاعر إىل العــامل .ومــن الجديــر بالذكــر أن الشــاعر يف توضعــه داخــل النــص مل يبــق محكومـاً ميتثــل أمــام املحاكــم الصهيونيــة ينتظــر اإلفـراج عنــه ويغريــه القــايض باالستســام: « ماذا تبقّى أيها املحكوم» لقــد تحـ ّول إىل قـ ٍ ـاض وتحولــت املحكمــة التــي وضعتــه خلــف القضبــان إىل جــانٍ يجــب أن تُعاقــب مــن جـ ّراء آثامهــا الجســام .وإن مل يســتطع الشــعب الفلســطيني االقتصــاص منهــا ومــن أفعالهــا التــي ال تهــدد البــر فحســب إمنــا تنــال الطبيعــة نصيبـاً مــن غدرهــا فالشــاعر كفيــل بــأن يعلــو بصوتــه عــى ســوط هــذا العــدو فيغــدو صــوت الشــاعر أقــوى مــن الهضــاب والســحاب ألنّــه أىب إال الصمــود: «فلتجلدوه إذا استطعتم واركضوا خلف الصدى ما دام يهتف :ال أهاب» خامتة إذا انطلقنــا مــن رأي سوســر بــأن موضــوع علــم اللغــة (الكلمــة) «إمــا صــوت ،وإمــا تعبــر عــن فكــرة»( .)17والصــوت «أدة الفكــر وال وجــود لــه لذاتــه»( )18خلصنــا إىل أن صــوت محمــود درويــش يعـ ّـر عــن رفــض فكــرة الســوط االصهيــوين املســلط عــى رقــاب الفلســطينيني والعــرب. محمــود درويــش ،بصفتــه إنســاناً قبــل صفتــه شــاعرا ً ،وجــد نفســه يف بحــث دائــم عــن الوطــن املوجــود والغائــب .موجــود يســكنه غــره، وغائــب ال يســتطيع الشــاعر امتالكــه .فــكان االمتــاك هاجســه .ومــع بقــاء الهاجــس حلـاً مل يــرض الشــاعر املقــاوم إال أن يعيــش الصمــود ويرفــض الواقــع ويخــرج عليــه وعــى لغتــه فــأىب صوتــه إال أن يقطــع الســوط وميثــل انزياحـاً عــى املســتويات كافــة. رشح املصطلحات التي وردت يف البحث -املستوى الصويت :الحروف ،رمزيتها ،تكويناتها املوسيقية (نرب – تنغيم – إيقاع). -املستوى الرصيف :الوحدات الرصفية ،وظيفتها يف التكوين اللغوي واألديب خاصة. -املستوى املعجمي :إحصاء الكلامت ملعرفة الخصائص الحسية والتجريدية – الدراسة األسلوبية. -املستوى النحوي :تأليف الجمل وتركيبها وطرق تكوينها وخصائصها الداللية والجاملية. -املستوى الداليل :تحليل املعاين. -املستوى الرمزي :الدال الجديد /املدلول الجديد (اللغة داخل اللغة /الحيد(.)19 أما يف ما يخص االيقاع فهي ثالثة مستويات(:)20 -ترتكــز االيقاعيــة املقطعيــة إىل اعتبــار الوحــدات األساســية املكونــة لإليقــاع ثــاث :املقطــع القصــر املك ـ ّون مــن صــوت متحــرك .املقطــع الطويــل املك ـ ّون مــن صــوت متحــرك يعقبــه ســاكن أو صــوت متحــرك يعقبــه ســاكن .املقطــع الزائــد الطــول يتألــف مــن صــوت متحــرك يعقبــه ســاكنان .وتُحـ َّدد رسعــة املقاطــع كــا يــأيت :املقطــع القصــر أرسع املقاطــع ثــم املقطــع الطويــل ثــم املقطــع الزائــد الطــول وهــو أكــر املقاطــع بطـأً. -ترتكــز االيقاعيــة النربيــة إىل التبطــيء الــذي يحدثــه نــر أحــد أصــوات الكلمــة .والنــر هــو إصــدار أحــد أصــوات الكلمــة عاليـاً مضغــوط الهــواء الــذي يخــرج معــه مــن الرئتــن يف أثنــاء التلفــظ بــه. -ترتكــز التنغيمــة إىل النغــم الــذي تتصــف بــه قراءتنــا لســطر شــعري ،اســتواء ،أو هبوطـاً ،أو صعــودا ً .يهبــط النغــم يف نهايــة الســطر إذا مل يحتـ ِو تضمينـاً ومل يبــدأ باســتفهام بـ(هــل) أو (الهمــزة) .فــإذا احتــوى الســطر تضمينـاً اســتمر النغــم عــى اســتوائه حتــى نهايــة التضمــن. أمــا إذا خــا مــن التضمــن وابتــدأ باســتفهام بـــ هــل أو الهمــزة فــإن النغــم يتصاعــد مــع نهايــة الســطر .والتضمــن هــو أن يــأيت فعــل يف ســطر مــن األســطر الشــعرية ويتأخــر فاعلــه أو مفعولــه إىل األســطر األخــرى .أو أن يــأيت املبتــدأ يف ســطر وخــره يف ســطر آخــر .والتضمــن العكــي يكــون يف الســطر الــذي يــي تكملــة للمعنــى الــذي أثــاره الســطر الــذي ســبق. ض محا�ات ي ف � األلسنية العامة ،ترجمة يوسف غازي ومجيد النرص ،لبنان :دار النعمان للثقافة ،1984 ،ص سوس� فردينان دهي
17 .19 المصدر نفس ،ص .20 18 () راجع بهذا الصدد :صالح فضل ،بالغة الخطاب وعلم النص ،عالم المعرفة الكويتية ،العدد 164ن ،1992ص .319 19 ) ) 20راجع بهذا الصدد :علي زيتون ،النص الشعري المقاومفي لبنان ،مرجع سابق ،ص .139
بال عنوان فوزية عبدالوي
منذ أن توقفت شفتا أبي عن التغريد بالصالة واألغاني سقطت أهداب الحقول صارت الفراشات لونا واحدا وانغلقت مخارج الدروب لن أقرع بواباتك أيها البكاء ألني فقدت دموعي كلها على أعتاب قبر أشتهيه مزهرا يتبول عليه الهاربون من الصحو ال َ وال يبيع لشاهده الرخامي الفقهاء المرة آيات التأبين َ وأناشيد رثَة عن محكمة السماء أنا أرملة قرن الصواريخ والقمل أشهق كل مساء من سيل الشيب وزخَات التجاعيد على خ َد يحلم بالربيع تشدو حمرته الغائضة لمواكب األسمال والجوع لنساء متدلَيات كاألغصان البريَة عند مداخل شرارة النشوة حامالت صكوك عفتهنَ المغتصبة كأرائك عطنة تفرض نفسها على الرحيل لن أتقبل عزاءك يا أبي من القتلة
ولن أحمل كفني في درب الركوع لي ثأر سآخذه من ثكنات السبحات ومن شقوق مقابر الزيتون والكرم فأمواج القرى المهجورة واللحوم النازحة نحو العملة السهلة والتراب المعتقل لألعراس واألعياد لم يهادنوا مالءتي السوداء وأزرارها المفتوحة على البحر والثلج كن وطني يا وطني لحظة العبور ث ًم كن وطن الياقات النظيفة كقطن والسيارات التي تأكل الطرقات والبشر فال حلم لي غير قبر ناء تحضنه كأم ثكلى حدائق الياسمين واألرنج ويغني لصمته صعاليك الحضارة العمياء...
المالئكة تزف الشاعرة كزال ابراهيم الى السماء د .رياض الدليمي الشاعرة الكردية كزال ابراهيم تنعيها الورود وكرات الثلج وشقائق النعمان انها بنت اعشاش العصافير ودمى الحروف ورهافة نسائم الربيع تودع روحها انيسة لطبيعة كردستان مكانا ابديا بجوار نيران كاوه الحداد والشيخ محمود الحفيد وعبدهللا كوران ..انها شهيدة الكلمة والعفة والصمت على البلوى والمصائب وضيق الحال ..كانت تصنع الصبر خبزا ألوالدها ولم يشكوا ..بل كانوا يشربون عسل اناملها فصاموا دهورا وهم يشدون بطونهم لكي ال يسمعون امهم كزال ضجرهم وسقمهم من هذا الحال .. اقول لك ياكزال ((أَأ َ األرض ضرب ُ َ
أم أَركضها ؟
ضفائرك ت تقصين وأن ِ ِ تحملينَ الزعفرانَ ْ والتوبة أُ ب ووج ِه طرطش الما َء على جن ِ ُ الرمان بسياط ع ألذ ُ ِ ِ تلك اللحظ ِة أصبر ُ وأقهقهُ واألنيس الوقت َ َ واألحالم لئال تهربْ َ ت أن ِ تمنحينَ حياة ً لمن ال يرغب القصور تتخفين بين ِ باكيةً صبري
كانوا يقولون: حين تبكي المرأة تنتهي البسمات، وتيبس األرجاء، وللحظات تصمت الجبال... للشاعرة الراحلة الكثير من اإلصدارات األدبية بلغت 24ديوانا شعريا باللغة الكردية ،منها (شذرات من العشق) و (يدي مآلى بالمطر) اضافة الى االعمال الكاملة. تُرجمت دواوينها الشعريّة إلى اللغات الفارسية ،والالتينية ،والعربية ،وبعض والروسية ،واالسبانية. قصائدها الى اللغة االنكليزية ،واأللمانيةّ ، لها ديوان شعري مترجم إلى العربية بعنوان “عين للعشق حضن للمحبة” ولها ديوان شعري مترجم الي اللغة الفارسية. حصلت على العديد من الجوائز واالوسمة وشهادات الشكر والتقدير وقدمت العشرات من رساالت الماجستير والدكتوراه النقدية في جامعات اقليم كوردستان. وحصلت على المركز األول في الشعر عن ديوان «قصبة قلعةدزة» وتسلّمت الجائزة عن هذا المركز من وزير الثقافة العراقي. حصلت على المركز السادس في الشعر في دولة مصر. حلصت على 110جائزة و ّ شهادات تقديريّة في الكثير من الدّول العربيّة. األول في مجمل المسابقات األدبيّة الّتي شاركت فيها ،حصلت ّ 20 مرة على المركز ّ مرة على المركز مرة على المركز الثالث وّ 12 مرة على المركز الثاني و ّ 18 وّ 35 الرابع. مختارات من قصائد كزال ابراهيم خدر
وبلواي ّ تجودينَ بالروحِ عني
ت فتخج ُل ك ّل الفضاءا ِ خلقك اللحظة من ِ جدائلك فتمطر على ِ ُ صحف األنبياء ُ ت وعروش الطواغي ِ َ صبري تتوددينَ َ عمرك تد َّخرينَ ِ ضفائر َ وقمحا ً لمرحِ الينابيع
انسجي حروف الرواةِ َ أسرابا ً من بع ِد صبرك أطعميني جرعات ِ شهدا ً وجنات ُخل ٍد )) كزال ابراهيم ابنة 1مارس 1968تكتب للحب والورد والفرح القادم نسجت ألوالدها ومحبيها بيوت احالم وامان بغد اجمل .. رسمت الوان الجلنار على فم الصباح فكان شهيا للقبل ولذيذ النشوى لكل من يبحث عن الجمال واالمل ..لقد طرزت ايامها محبة لآلخر فكانت الهة جمال وحب وطمأنينة .فتوسدوا دواوينها وركبوا بساط احالمها فتجوا وعبروا كل دروب الكره والفتنة ومسالك القتل التي حالت دون تمزيق وطنها ..انها حمامة سالم وجسر تواصل بين ثقافات بلدها العراق لقد احبها العرب والتركمان وااليزيد بقدر حب الكرد لها فماتت ولم تمت اجنحتها وهي ترفرف في سماء العراق ..تفخر بنفسها ألنها امرأة فتقول :
وانا أسمي هذا الوطن 4 في طفولتي كنت شديدة الكره للعاصفة في احد االيام جاءت عاصفة سرقت مني دميتي ولكني اآلن كلما هبت العواصف أشتهي فرحا ُ اقول ربما هبت من لدنك يترشح منها أريجك 5 يقال ان القمر ال يتقن الغناء هذه الليلة أنا والقمر غنينا حتى الصباح هو غنى للنجوم وانا غنيت لعينيك 6 هيا استمع الى لوني
ترجمة «لطيف هلمت شعر»كه زال ابراهيم خدر 1 حين وجدتك كنت تلة تحولت الى جبل كنت نبعا ً فأصبحت بحرا ُ كنت ليلة قاتمة فأصبحت صبحا منيرا ُ كنت طيرا ُ في قفص عدت الى أعالي أغصان األشجار ألنثر النغمات الحلوة واألغاني 2 كالنا أنا وأنت سجينان انت سجين التقاليد وانا سجينة الخوف 3 وطني شوارعه مفعمة برائحة الهلع وأياديه مثقلة برائحة الخيانة والسنته ملئية باألكاذيب
ألنك لم تتمكن من تعلم لغة االنهار كي تنقذك من االمواج وتوصلك الى جنبي انا المتهمة ألني من اجل تناول حفنة من السنابل ابعدت الطيور 8 ما بأيدينا فأحالمنا الماضية لن تسطيع الطيران والوصول الى أي بستان ودموع الطفولة تجهل العودة الى خاليا الضحك ماذا أفعل بأناملي الذابلة لم تستطع ان تكتب «»كن حبيبي وماذا افعل بشفاهي ولساني لم تجرأ احداهما ان تقول لك « كن عشيقي 9 عبر أرواح ليلة بيضاء وعبر قلوب نارية
أنا اتكلم معك بلوني تصفح اوراق الهوى ان سمعي ال يفقه االّ الحب انت تريد أن تغمرني بالسعادة بنظراتك األخيرة أمنياتي اذهب فأنا لن أحلم بك ابدا ُ لن احلم بمن يجهل جلّنار الحب 7 كالنا واقفان امام محكمة ألحاكم فيها أي منّا متهم في هذه المواجهة أنت كنت عابر سبيل تجهل الطرقات الجانبية تلك التي توصلك الى مركز القلب وانا كنت راعية لم استطع ان ابلل حنجرتك بقطرات من الحليب انت المتهم
ضفائر سيدة األنوار 12 أنا دمعة وأنت مئات الدموع المتناثرة هاتين العينين اريدهما للحب وليس لرؤية الكوابيس في الليالي المزعجة 13 في الحب ولدت ولكني أجهل تعريف الحب نعيش في واقع تساوت فيه الحياة والموت 14 ماذا نفعل يا عزيزي حين تذبل الورود لن تتالصق مرة ثانية مع األغصان وحين نكتب اآلالم لن تمحيها لذائذ مئات القبالت
وعبر تثاؤب ليلة هادئة خطوت فوصلت بستان قلبك وحلمت بحمامة براعم وردة شفاهك وتحولت الى مساء من مساءات المدينة فجذب انتباهي فنان فتحولت الى ظالل اشجار الطرقات 10 تشبه ظالم قمر قلبي القاتم وحين أرى شفتيك المغمورة بالخمر تمتلئ بالضحك والبسمات تتحول احاسيسي الى فراشة وحياتي تتحول الى يراعات تحوم حول اضواء تلك االقواس القزحية المشردة 11 بأناملي اكتب ضباب غمزات جراحاتي احول النجوم الى اشعاعات خالدة وامنح الخضرة األبدية لغاية وألملم
أصواتنا ليست ملكنا رئيس التحرير
د .حسن فرحات تتغ� ثوابت أحد يتوهّ م أن “أصواتُنا ملكُ أرواحهم ،وحياتُنا وفا ٌء لذكريا ِتهم أبد الدهر ،فال َ َ ِ الروح ي ّ ِ وتتبدل عند رفاه ّية الشعوب”. الزمن ّ مع ِ مرور ِ ف ف ف ت و� كب� ف ي� مجتمعاتنا ال� تجري ي� أغلب أصقاع بالد العالم وبتفاوت ي ّ العربية ي ي� ِّكل المناسبات االنتخابية ي ن اللبنا� ،يدفع الشعب ِّ والمعنوي تل�جيح كافة المادي لك يحشد ّكل الدعم مجتمعنا بكل طاقته إ ِّ ِّ ي اليجابية ي ين والمتحالف� معه وعند االنتهاء منها ال يبقى له إال السياس أو ذلك أو لبعض مرشحيه الربح لهذا الفريق ي الطاقة السلبية لذلك تراه محبطاً طوال هذا الوقت ت ح� موعدها القادم . ُّكل هذا ناتج عن خيبات أ المل ت ال� يحصدها هذا الشعب شع� .ألنّه يتوقع بعد ِّكل استحقاق ب ِّي ي انتخا� أو ب ِّي متقدم ،ف ي� مرك ّز يحسدون عليه بفضل هذا الناخب الكث� من نوابه أو مسؤوليه الذين أصبحوا ف ي� مركز ّ ي الدستوري عىل أكمل وجه بغض النظر عن الكريم الذي يؤمن ويعتقد أن صوته كان فاعال ً وأنّه قام بواجبه ِّ االق�اع ودستوريته وعن وعي الناخب ومستواه ف طريقة ت الثقا� والفكري دون إغفال المنطلق العقيدي الذي ِّ ي ِّ يتحكّم ف� عملية اختيار ممثليه وإىل أ ت ال� تحيط به ،والخوف من القادم قليمية الوضاع المحلية إ ّ وال ّ ّ ي والدولية ي ن الجسدي ،وإلغائه نهائياً من الوجود والعي� وتهديده النفس المجهول الذي قد يؤدي إىل زعزعة استقراره ِّ ي ي ِّ بيد ش بيد الخالق « الب� وليست ّ مص� الشعوب ّ كأن ي ّ مخ� وليس ُمس ي�اً منذ الوالدة ت ادي ، ح� لحده، نعم إ ولكن عوامل ي ّ ادي ومنها يغ� إر ِّ كث�ة منها إر ِّ َّ النسان ي ّ ُ وغ� المتنورة عالمية والقواعد كلياً بالمنظومة إ الشعبية المتنورة ي ٌ ال ّ تجعله يخضع لها ويصبح مرتبطاً ارتباطاً ّ ت ت ال� ال السياس السياس أو ال� يملكها هذا الحزب ِّ الفردي دون أن يشعر أنّه أصبح ضمن هذه الهمروجة ي ي ي ِّ ي ِّ تملك رؤى واضحة للمستقبل القريب والبعيد لعامة هذا الشعب ومصلحة البلد ومواقفها السيادية فيما العر� . يتع ّلق بأمن وسيادة الدولة وحدودها وارتباطها ِّ القومي مع محيطها ب ي ِّ وال�بية الذاتية والفكر الواعي واالنفتاح عىل آ ف إن أهمية الثقافة ت جيل يستطيع الخر ف ي� غاية ّ ّ ّ ّ ّ االهمية ي� تكوين ٍ ف ث ت الكث� من ال� تصادفه ي� الحياة واالنتقال إىل مراحل أك� صعوبة ومتشعبة وفيها ي أن يتغ ّلب عىل الصعوبات ي ت ال� تدمر المجتمعات وتسمح العلمي التحدي ّ والتكنولوجي من أجل الصمود واالنتصار عىل الذات الجاهلة ي ّ ِّ ض لكل عنارص الفو� الخالقّة أن تجتاح ضمائرنا ،وتصبح مقبولة من هذا المجتمع الذي يسعى إىل إشباع ومص� وطنه وأمته. الغذائية أوال من ّثم تخمة جيوبه بالمال والحقاً يفكّر بمستقبله ومستقبل أوالده غريزته ي ّ ّكل هذه العوامل تدخل ضمن المنطق ش الب� ّي ولكن الحياة لها عناويها وال تنتظر م ّنا تحقيق أمنياتنا وفيما ف إستقاللية النفس : وأشد ُد عىل بعد نبحث ي� خيارات الحياة .لهذا أقول ّ ّ
“كونوا عناوين أنفسكم ف� الحياة ،وال تكونوا عناوين آ الخرين ،فكلكم من نسل آدم ،وآدم من تراب « ي آ الوجودي للخالق والمؤقت لمخلوقه اليمان ذا البعد خوف من ال ت ي� ،إذا أمتلكنا إ بجد دون ٍ علينا العمل ٍ ِّ أ أ أ والثنيات والقليات وال ثك�يات والديان، والبعد يتعدى الحدود والجغرافيا والقوميات إ الفلسفي الذي ّ ّ أ ق خال� إ ن عندها فقط نستطيع أن نسا� للتحرك بمنتهى نكون حيث يجب أن نكون وحيث يدعونا واجبنا ال ي ِّ وال ي ِّ أ والعالنية لنّه تحركٌ مرسوم المعالم والتوجهات وتحت عيون الرحمن ومضمون النتائج والشفافية الحرية ّ ّ أ وغ� المرئية .علينا التوقف عن لوم القدار عند ّكل معضلة تصادفنا . المر ّئية ي ن وليد القدر ،وال يفكّر بلوم من يؤسف� القول ّ ”: أن شعباً ُ يلوم القدر إىل ما آلت إليه حاله ،وينىس أنّه ُ ي هم أوصياء عليه خارج والدة أفكاره» ال�يف عند ِّكل استحقاق انتخا� وما تؤول إليه أ ف� كث� من أ الحيان نلوم المواطن البسيط ش المور من نتائج ي ي ب ِّي ت ث النتخابات الفردي عكسية عىل الصعيدين ال� ض ّللته قبل وعند وبعد إ ِّ ّ والجماعي .ونتجاهل ك�ة الرايات ي ّ ش أن الراية الوحيدة لذلك أيها المواطن العزيز ال�يف إعلم أنه ك ّلما ّ تعددت رايات الهدى عند االنتخابات تأكد ّ الحق ،والحمد هللا ك ّلها رايات صادقة خارج االنتخابات ومضللة عندها ،فيا الصادقة والمنترصة هي راية ِّ ف خوف ،فالتكرار يوصل أيها المواطن ال تبخل بصوتك وتبقى مقيداً ي� بيتك ، وع� عن حقكك دون ٍ بل أخرج ب ّ أ أ التخل عن قناعاته الشخصية لنّها ملك له حفظتها ش�يعة السموات والرض» إ النسان إىل مبتغاه دون ّ ي ش االنتخابية أن ال يدفع ِّ ب� ٍء منها ،خوفاً من ن يّإ� أدعو الشعب ف ي� المناسبات اليجابية إ بكل طاقاته إ ّ والحتفاظ ي سيطرة الطاقات السلبية عليه بعد االنتخابات ،ت النخابات الحباط طوال تف�ة ما بعد إ ح� ال يسيطر عليه إ ت ح� موعدها القادم ،ي ن سن� ستلقي بضاللها عىل نفسية وحياة ومستقبله ومستقبل أجياله ومستقبل الوطن بالمفهوم يتعدى الحدود ألننا جز ٌء ال يتجزأ من منظومة واحدة تحافظ وتدعم استقرارالبالد القومي الذي ّ ّ العربية والشقيقة والصديقة ّ الحر المستقل. والشعوب ّ وكل شعوب العالم ّ المل تلوح أ نإ� أرى بوادر أ ال� ضحت ف� ض بالفق كنتيجة حتمية للدماء الزكية ت الما� البعيد والقريب وال زالت يّ ّ ي ي ي جداد ،أ حفظ أمانات الأ والنبياء والرسل ال�ت واستقاللية الشعوب وصون و تضحي من أجل سيادة الدول ّ ُ ي أ ف و� خدمة ِّكل شعب مؤمن باهلل حملوها معهم منذ اختيار هللا لهم .مواثيق ومبادئ صالحة لكل الزمنة ي لك يكون مخ ّلص ش الب�يٌة من العبوديّة والظالم وبالعدل إ اللهي وبظهور ِّ الحق عىل ّ يدي من اختارته السماء ي أ ن نحواالستقاللية والحريّة والعبوديّة الخالصة هلل الواحد الحد .يإ� أرى المستقبل واعداً بدماء والس� بها ي أ ّ ت ش حرة الفكر: ال� تغذي الرض من أجل والدة نُخب ّ ال�فاء ي تطل أعناق العقول من عىل منابر أ إن ترسيع هذه ال ُنخب المستقبل ّية يكمن عندما ُّ الحرار عند امتالك “ ّ الرادة للجم عبيد الذات . إ
Rest in Peace Dear.... The Poet -- Kazhal Ibrahim