سيد سلمان الموسوي ناشط مهتم بتوثيق تاريخ قرية الدير، ويعمل عبر حسابه في اإلنستجرام على نشر كل ما يتعلق بتاريخ القرية ووثائقها.
مشاهد من قرية الدير يف السبعينيات والثامنينيات
ابن القرية الذي تق ّدس حبّها في قلبه؛ بيت والده ذو الغرف الكثيرة المفتوحة على هواء البحر ،بساتين الطفولة قبل أن يغتالها سراق األراضي ،بحر الدير الذي قضى طفولته في سواحله ،مساجد القرية التي كانت وقع خطوات تدينه األولى ،مأتم جدته سالمة الذي كان أول صالون ثقافي ينظمه ،أصدقاء الطفولة، خباز جده ألمه حجي طرار ،كلّها تشكل حنيناً خاصاً في ذاكرة الدكتور علي أحمد الديري (مواليد .)1971 الديري الذي اسقطت جنسيته البحرينية بقرار رسمي في 31يناير ،2015يفتخر بجذوره الضاربة في قريته الدير ،وال يسعده مثل أن يق ّدم نفسه من خاللها، ويتمنى العودة لساحاتها يوماً ليؤبن صديقه الشهيد زكريا العشيري الذي كانت آخر جملة وصلته عنه" :أخشى عليه من االعتقال". 5
كانت الدراسة الحوزوية هي جهة طموحه األول ،قبل أن تأخذه تحوالته الفكرية إلى جهة الفكر والنقد وتحليل الخطاب ،وقبل أن يشتغل في تحليل الخطابات الدينية والسياسية .ذهب عميقاً في دراسته األكاديمية وأنجز عد ًدا من الكتب بينها كتاب "خارج الطائفة" ، 2011و"كيف يفكر الفالسفة؟" ،2013 وكتابه الجديد "نصوص التوحش" الذي سيصدر خالل شهر يوليو الحالي.. كيف تك ّونت شخصية علي الديري بين جنبات القرية وكيف نمت ،وما هو النابض في ذاكرته عنها ،ولماذا يحضر الدفء كلما حضر حديثه عن هذه القرية؟ من هي الشخصيات التي تفاعل معها داخل القرية وأثرت فيه؟ وإلى أين أخذته عالقته بالكتاب والكتابة؟ وأين هو اآلن؟ وما مشروعه الكتابي األخير؟ ..هذا ما سيجيب عليه الحوار التالي مع (ابن قريتي) الدكتور علي أحمد الديري. نتعرف على بطاقتكم الشخصية؟ ال أريد أن أعرف نفسي هنا من زاوية الكاتب أو المثقف .أود أن أقدم نفسي من خالل انتمائي لقريتي؛ فأنا أحب -بين فترة وأخرى -أن أطل على أهل قريتي حيث ذاكرتي الجميلة .كان العزيز أبو حمزة -عبر منتديات الدير -يمنحني فرصة رائعة إلدارة مناظرات المرشحين البرلمانيين .المناظرة األخيرة في 2010وسط الساحة المفتوحة ،القريبة من مسجد الخيف بالقرية ،ما زالت 6
عالقة أجواؤها في مخيلتي .أتمنى العودة يوما لساحات القرية العامة، وأؤبن -من هناك -صديقي الشهيد زكريا العشيري. ابن قرية الدير .ال أعرف امتدادا ً لعائلتي خارج هذه القرية ،بيت ح ّجي عبدالله من عيسى (توفي )1963هو بيتنا الكبير .كان يضم عائلة ابنه ح ّجي عيسى (توفي في 18سبتمبر ،)2006 وابنه جدي ح ّجي علي (توفي في ،)1992وعائلة ابن ابنته آمنة ح ّجي عبد الله بن محمد (توفي .)1994
عيل الديري يف مكتبة حسن أحمد سلامن 1994 -
تنوعت األلقاب في هذه العائلة :الشيرازي ،مطر ،حمندي .األخير هو لقب الوالد (توفي في أبريل ،)2009الذي عرف به في القرية .فقد والدته (ملكة) رضي ًعا ،وربته خالته ،التي كانت تدلله وهو طفل وتقول له :أحمد حمندي؛ فصار لقبا عرف به ،لكنه بعد أن كبر ُع ّد هذا التدليل ال يليق به كرجل كبير، خصوصا أن الوالد معروف بشخصيته الجادة ،وعصاميته في العمل ،التي ورثها من جده ح ّجي عبدالله بن عيسى ،الذي كان يعمل في تجارة اللؤلؤ .وأذكر هنا حديث والدي المستفيض عن جده ،الذي شكل أحد واجهات القرية ،ووجهائها في ذلك الوقت. 7
أنا شخصيا عرفتك من خالل نظارتك في إحدى المسابقات الثقافية؛ إذ كنت مقدما على ما أتذكر ،و بعد ذلك قالوا الدكتور علي الديري صاحب المقاالت في الصحف!! لمن هم على شاكلتي؛ هال أوجزت لنا سيرتك األكاديمية ،وأهم المحطات فيها؟ النظارة إحدى عالمات المثقف (ههه) ،لكنها في الوقت نفسه؛ إحدى عالمات عماه .كثي ًرا ما يصاب المثقف بالعجرفة والتعالي؛ فيعثر بما تحت رجله؛ ألنه ال يراه .ال أنزه نفسي عن هذا العمى، وأجد في النظر إلى الناس ،والتعاطي معهم بصيرة أخرى، تعوضني عن النقص الذي تفضحه نظارتي. بدأت مسيرتي مع النظارة في السنة النهائية في القسم العلمي بمدرسة الهداية .تحولت نحو المسار األدبي في الجامعة؛ إذ التحقت بكلية اآلداب /جامعة البحرين ،ضمن خطة المسير نحو الحوزة ،لكنني أبصرت -بنظارتي -طريقًا آخر بعد تخرجي؛ فالتحقت بالماجستير في الجماعة نفسها ،وأخذت شهادة الدبلوم العالي ،وناقشت رسالة الماجستير في جامعة القديس يوسف ببيروت ،وبعدها ناقشت أطروحة الدكتوراه في القاهرة. تخصصي الدقيق هو مجال تحليل الخطاب .في الماجستير كنت أحاول أن أقترب من علم أصول الفقه ،وأرى أدواته في تحليل الخطاب .وفي الدكتوراه ،اقتربت من نصوص الفلسفة القديمة، محلل طريقة بناء الخطاب الفلسفي ً والتصوف اإلسالمي؛ 8
والصوفي ،عبر تحليل المجازات (التشبيهات ،االستعارات ،الصور ،القصص). الديري ..ال بد أنك تحب أن تكون لصيقًا بالدير ،وهي األرض التي تعدها مقدسةَ .من ِمن الدير كان صديقك؟ ولماذا؟ وهل بنيتم أحالما بطلتها الدير؟ هل وضعت الدير أمام عينيك ،وأنت تبدّ ل تخصصك؟ المقدسة ،هي الصفة المالزمة للدير على لسان زوجتي (أم باسل) .أحبتها كثيرا، وأحبت ناسها ،وصرت أحب هذه الصفة ،وعيشي خارج القرية منذ ،2009 زاد من شعوري بدفء هذه الصفة .صداقاتي في القرية تمتد إلى سنوات دروسنا الدينية في المأتم .أصدرنا أول تجربة صحفية في المأتم الشمالي (صوت البحرين) .كنا في صف الثاني اإلعدادي .كتبناها على ورق A4بخط الصديق (جميل عبدالله) ،وعنوان الغالف زخرفه لنا األستاذ عيسى المطوع. كنت بمثابة رئيس التحرير ،وفريق العمل هم أصدقائي :أحمد رمضان ،وعقيل أحمد عبدالرضا ،وهما الصديقان اللذان بنيت معهما مشروع مكتبة مشتركة، وصداقة مستمرة مدى الحياة. في المرحلة الثانوية ،ستتسع الدائرة لتضم :حسن إبراهيم سلمان ،وعلي عبدالرضا ،وحسين جاسم ،وحسين أحمد عبدالله ،ومع هذا الفريق سنك ّون ما يشبه أكاديمية سوبر ستار للخطابة الحسينية .أحيينا موسمين؛ إلعادة عشرة محرم ،وامتدت بنا الجرأة؛ لنقدم مجالس حسينية في مجالس القرية ،منها: مجلس بيت حجي جمعة ،ومجلس بيت حجي جاسم .شخصيا لم أتوافر على صوت جميل ،لذلك؛ كنت أقدم المحاضرة ،وصديقي أحمد رمضان يقدم النعي والمقدمة .ربما هذا السبب الذي جعل مواسم إحياء العشرة -الحقا -تأخذ طابع المحاضرات التثقيفية في مأتم جدتي سالمة سلوم. 9
على الجانب اآلخر ،نمت صداقتي مع حسن أحمد سلمان، وجعفر الطعان ،وأخذت -فيما بعد -طابعا ثقافيا .كنا نلتقي في مكتبة حسن ببيتهم ،ونذهب بعيدا في القراءة والنقاش. عالقتي بالشهيد زكريا العشيري كانت تتقاطع بين هذا الفريق، وذاك الفريق .وفي المجمل دروس المأتم المسائية كانت تجمعنا كلنا ،وشكل لنا أساتذتنا :أحمد مهدي ،وعبدالنبي حميد ،وجعفر حميد ،وفاضل عباس أفقا تربويا ودينيا وأخالقيا ،وأجد أني ما زلت مدينا لهم .ال أنسى هنا شيخ حمزة الديري ،الذي كان األب الروحي لتربية دروس المأتم. بما أنك اعترفت بقدسية الدير لديك أنت وزوجكم المصون، من خالل ما أوحت به إجابتكم عن األسئلة؛ فيما يتعلق بتعيين الشخوص بحذافيرها؛ نس ًبا ،وذكر بعض صفاتها .من الممكن أن نسألكم عن أبرز األمكنة ،والشخصيات التي وهبت تلكم القداسة للدير في قلبكم ،و لماذا؟ مشبعة ذاكرتي بكل شبر في الدير؛ بيتنا الكبير الذي كان أول بيت يبنى من دورين في القرية .ما زلت أحتفظ بخارطته التي هندسها الوالد؛ الغرف الكثيرة المفتوحة على هواء البحر، والحديقة الداخلية ،طلة البحر من على سطحه الواسع ،قفص الطيور الكبير في مدخله ،وألوان الطيور الغريبة ،مكتب الوالد في الطابق األرضي ،والتليفون األسود ،وقرص األرقام. بساتين الطفولة قبل أن يغتالها سراق األراضي ،بستان 10
العرادي ،والشركة ،وتنة ،والغربية ،وريا ،وأم نخيله .بحر الدير الذي قضينا طفولتنا في سواحله ،والمشي في جزره ومده .ساحات الصيد (الحبال) المفتوحة للطيور. مساجد القرية لها وقعها الخاص في قلبي؛ المسجد الوسطي ،صالة الطفولة قبل أن يُجدد بناؤه ،وصالة المراهقة بعد تجديده ودروس (أبو هشام ،محمد حسن إبراهيم) ،وذكريات أصدقاء صالة الفجر :حجي حميد بن غانم (ت،)2003 وحجي محمد بن علي بن عيسى (ت ،) 2012وحجي راشد بن علي بن عيسى (ت ،)2012عليهم رحمة الله ،مسجد الخيف ،صالة المرور للمقبرة ،مسجد بردان الجيرة ،وصالة ما بعد المدرسة ،وحلقة درسي ألول مجموعة درستها في القرية .المسجد الغربي ،صالة الجماعة واالحتفاالت .مسجد الراهب؛ بدايات الدروس الدينية مع شيخ حمزة الديري ،والتعرف على أول مكتبة فيه ،بعد مكتبة الوالد. خباز جدي ألمي حجي طرار ،وتنوره الذي غدا صوته جزءا من ذاكرة طفولتي، في غرفة جدتي سالمة سلوم .كان ظهر الخباز لصيقًا بغرفة نومها ،وحين يهدأ صوت التنور ،يدير الخباز اإليراني محمد والسيد إذاعة طهران؛ ليأتي صوت نشيدها الوطني الثوري ،وبعده أخبار الحرب. "الفلسفة القديمة"" ،الخطاب الصوفي" وتحليل الخطاب؛ نتيجة طالب غ ّير مساره العلمي ،وتوجه لكلية اآلداب؛ تمهيدا للدراسة الحوزوية!! كان التوجه قويًا ،والدافع أقوى ،والنتيجة مغايرة!! ماذا استجد لتحدث تلكم النقالت الكبيرة بين الثانوية والدكتوراه؟ 11
تدشني كتاب خارج الطائفة يف معرض بريوت 2011 -
حدث ما يسمى بلغة المثقفين؛ (التحوالت) .المكتبة التي استعرت منها أول كتاب في حياتي ،في مسجد (الراهب) هي نفسها التي أخذتني لكتب مكتبة (اإلرشاد) ،ومكتبة (الماحوزي)، والمكتبة (اإلسالمية) ،والمكتبة (الوطنية) في المنامة .من هذه المكتبات كونت مكتبتي المشتركة الصغيرة في مجلس الوالد إلى جنب مكتبته (اإلخبارية). استهوتني الدراسات األكاديمية؛ فلم أعد مولعا بالثقافة األيديولوجية ،وال بالمعارف المغلقة .عرفت حينها أن المعرفة الحوزوية -على عمقها وثراء تجربتها -لن تحقق رغبتي المعرفية، بل حتى الدراسة الجامعية لن تحققها .وجدت األمر في القراءة إلي مؤخرا، الحرة ،والجهد الذاتي ،لكن الحنين إلى الحوزة عاد ّ وهو حنين ال يتعلق بحلمي بالعمامة؛ بل يتعلق بطريقة الدراسة نفسها .اآللية الحوزوية ،تتيح لك الذهاب عميقا ،وواسعا في 12
الكتب ،وهي متحررة من القيود اإلدارية ،واالمتحانات المقننة .عليك أن تثبت ذاتك بتفوقك المعرفي الذاتي ،دون الحاجة إلى شهادة .كذلك عالقة المدرس بالطلبة متحررة من القيود الجامعية ،مع ذلك؛ فإن فضاء المعرفة الجامعية -من حيث االنفتاح -أرحب وأكثر مواكبة للعصر. ضمن هذا الحنين ،زرت حوزة قم في ،2013والتقيت هناك شخصيات علمائية بحرينية ،وغير بحرينية ،وحضرت حلقة بحث خارج للسيد منير الخباز ،وكتبت عن هذه التجربة تحت عنوان (منعطفات قم المقدسة ) التي أثارت تعليقات كثيرة ،وظريفة. دخلت عالم الصحافة ،وتم ترشيحك لنيل الجائزة األولى عربيا؛ كأفضل صحفي لفرع الثقافة عام 2009م. أوال :كيف دخلت ،ومن كان يساندك؟ ثانيا :ما هي الصحف التي كتبت فيها ،بالترتيب ،بداية باألقدم ،و َمن ِمن الصحفيين تراه األفضل؟ ثالثا :كيف تقيم تجربتك الصحفية؛ من حيث الطرح؟ رابعا :ماذا جنيت من الصحافة؟ في السنة األولى من تخرجي من جامعة البحرين ،فزت بالمركز األول بمسابقة كتابة المقالة في صحيفة األيام ،لكن عالقتي بالصحافة لم تبدأ من األيام ،بل بدأت من مجلة المواقف .كنت أحرر صفحتها الثقافية أسبوعيا ،لمدة ثالث سنوات تقريبا .في ،1998بدأت عالقتي بالقسم الثقافي لدى جريدة األيام، حتى بداية تأسيس جريدة الوقت في .2006كنت أحد المشاركين في تأسيسها. ابتكرنا أنا والفوتوغرافي الروائي حسين المحروس ،والكاتبة باسمة القصاب 13
قسما جديدا ،أطلقنا عليه (بروفايل) ،وهو ملحق أسبوعي من أربع صفحات ،وأحد أعداده كان مخصصا لـ (قرية الدير) .كان (بروفايل) تجربة جديدة في الصحافة ،وأسلوبا مغايرا في الكتابة عن المجتمع ،وثقافته ،وتحوالته .وعلى منوال هذه التجربة كتبت في مايو 2008تحقيقا من ثالث حلقات تحت عنوان( :في انتظار تركيا :من يقتل أتاتورك؟) وقد أعلن نادي دبي للصحافة ،الذي يمثل األمانة العامة لجائزة الصحافة العربية عن أسماء المرشحين الثالثة للفوز بجائزة الصحافة الثقافية ،وكنت من بينهم. لم أعمل وال يوما صحفياً ،بل إنني لم أحب -يوما -العمل الصحفي. كنت أقيم عالقتي بالصحافة عبر الصفحات الثقافية ،ومقاالت الرأي .أحب -في الصحافة -مقاالت الرأي .أجد في المقالة وسيطا بين ما أقرأه في الكتب والبحوث ،وما أعيشه من أحداث وتغيرات .هذا من جانب ،ومن جانب آخر؛ القارئ ،والرأي العام، والفضاء المشترك .أشعر بمتعة في كتابة المقالة .صفحات الرأي تعطي مؤشرا عن حرية الصحافة في أي بالد ،وقد لمست ذلك عمليا في الصحافة البحرينية .تحولت مقاالت الصحف البحرينية بعد 14فبراير ،إلى مقاالت تحريض ،وفتنة ،وقتل ،ومنافسة في إعالن الوالء للسلطة ،والبراءة من منتقديها .الصحافيون صاروا على دين ملوكهم. يسجل بلجريف في يومياته ،في 19سبتمبر :1954كتب سموه، ليقول :أغلقوا (صوت البحرين) إلى أمد غير محدود .بعد 14 14
فبراير ،كتب أيضا سموه ،ليقول :أغلقوا صوت الصحافة إلى أمد غير محدود. أريد أن أسمع الصحافة التي تردد اسمي فقط. للعالم االفتراضي سطوته -التي لسعت؛ بسوط التواصل السريع ،الحاضر مع التثاقف الورقي الذي ال يتاح للناس جمي ًعا؛ بحكم اإلنسان في كل حين- َ طبيعته الجامدة ،التي تحتاج للسعي الحثيث. منتدى الدير ..ما هو رأيكم فيه؛ من حيث االدارة ،والكوادر ،والتأثير؟ وهل ُك ْن ُت ْم ضمن الشخصيات المقنعة الساعية للخير من خالل المنتدى؟ هل المنتدى -لو استمر -سيكون مؤسسة كالصندوق مثال ،من حيث القوة المادية؟ يكفي منتدى الدير أنه اقترن باسم شهيد كان شعاره" :أنا إنسان قبل أن أكون شيعيا" .المنتدى اقترن بشهيد ،وبسجن ،وتعذيب عائلة كاملة ،هي عائلة قدمت ورقة مؤسس الموقع العزيز أبو حمزة (أحمد الديري) .في نهاية 2011 ُ في مركز البدائل في مصر ،حول فضاء االنترنت في البحرين والثورة :منتديات وتويتر ومدونات وفيسبوك. منتدى الدير ،فتح قسما خاصا بثورة 14فبراير ،كما فعلت أغلب المنتديات في معظم مناطق البحرين .تم إخماد صوت المنتديات ،بعد دخول درع الجزيرة؛ ففقدت البحرين مصد ًرا مهما من مصادر الفضاء العمومي. شكل منتدى الدير ساحة نقاش افتراضي ،ضمن فضاء القرية ،وضمن الحدود الممكنة اجتماعيا .اضطلع بدور مهم في تشجيع الناس على النقاش العام، وطرح قضاياهم المحلية .أنا مع تشجيع هذه الفضاءات ،ومع بقائها حرة دون أن تتحول إلى مؤسسات. 15
نبقى في "االنترنت" ،وانتشار المدونات ،وما شكلته من واجب يقوم به المثقف ،وهي بمثابة عناوين بها مجالس المثقفين!! ما هو تاريخكم مع المدونات ،و كيف ترونها من حيث الحفظ .أي هل تثقون بها؛ بمعنى االستغناء عن الورق؟ قبل يومين ،كنت أتصفح -صدفة -أرشيفي اإللكتروني .وجدت صورة لخاطرة كتبتها في 16سبتمبر 1999تحت عنوان (القنبلة الخمينية) ،وأخرى كتبتها ،وأنا في نهاية المرحلة اإلعدادية في 13سبتمبر1986م تحت عنوان (عاشوراء) .أظن أنني نشرتها على مجلة الحائط ،بالمسجد الوسطي في القرية. في الكتابة؛ تنقلت عبر عدة وسائط ،من مجلة الحائط بالمسجد إلى مجلة (صوت المأتم) إلى الصحافة البحرينية الحقاً ،ومنتدى بحرين أونالين ،ثم كتبي بعد ذلك ،ومدونة هوامل والفيسبوك وتوتير واالنستجرام و…. ما كان لي أن أعثر على ورقة موضوعي األول في حائط المسجد الوسطي ،لوال وسيط الصورة الذي مكنني من االحتفاظ بقصاصة الورق عمرا ً مديدا ً .أنا أحب جميع الوسائط ،وأجدها تخدم الكلمة والرأي .وكل وسيط يأتي؛ ال يلعن ما قبله؛ بل ليوسع ما قبله ،ويضيف له. "هل كان هيبا مثقفا أم راهبا؟"" ،هيبا تلبسني" .نشاط ثقافي بدأ في العام 2009م .كيف نشأ؟ وما هي دوافعه؟ ومن هم أعضاؤه؟ وهل كان هو األول؟ وكيف سيكون نشاطه المستقبلي؟ ولماذا لم تفكر في إنشاء مثيل له في الدير؟ 16
شعار صالون هيبا الثقايف 2009 -
منذ نشاطي في القرية ،اعتدت جلسات التثاقف .مأتم جدتي ربما يكون أول صالون ثقافي ،عقدت فيه أنشطة ذات طابع فكري وديني .الحقا؛ يتطور األمر في مجلس الصديق حسن أحمد سلمان ،مع الصديق جعفر الطعان ،وأحيانا معنا الشهيد زكريا العشيري .أتذكر أن كتاب (العدل اإللهي) للشهيد مرتضى مطهري أحب الكتب ،التي عكفنا على مناقشتها ،وربما المرة األولى التي سمعت فيها ُّ بالدايلكتك وصراع األضداد ،هي في هذا الصالون ،وعلى لسان جعفر الطعان؛ الذي كان مميزا في قراءاته ،ودؤوبا في جلده على استكمال الكتب الصعبة، ولعل أحدها الكتاب الفلسفي لعادل ظاهر (األسس المنطقية للعلمانية). هناك تجارب لصالونات ثقافية أخرى ،لكن ربما يكون (هيبا) هو أكثرها ،ليس أهمية؛ بل استمرارا ً .استمر من 2009حتى حراك .2011هو جلسة شهرية؛ لنقاش الكتب الفكرية ،حضورها من األصدقاء وزوجاتهم .أجواؤها فكرية واجتماعية .توقفت بعد مغادرتي البحرين. 17
في بيروت أصبح لدي (صالون 14فبراير) .خصصته لتاريخ البحرين وإشكاالته .عقدنا فيه أكثر من خمسين جلسة ،وأتاح لنا معرفة تاريخنا السياسي بشكل أكثر عمقا ،وهو يعمل بنظام المواسم الثقافية ،كل موسم يستمر أربعة شهور .عناوين المواسم: إصالحات 1923ونشوء الدولة الحديثة ،غزو البحرين 1783حتى بداية القرن العشرين ،البحرين في عصر الدولة الصفوية والحركة العلمية ،عبدالرحمن الباكر وأحداث الهيئة 1954م. شعار صالون 14فرباير الثقايف 2012 -
ال أفكر أن أنشئ صالوناً بالدير المقدسة؛ فالتقديس يجعلك تحب الشيء ،أكثر مما يجعلك تختلف حول الشيء ،وأنا أريد أن أبقى على هذا الحب المقدس مع قريتي .منذ أن تحول نشاطي من القرية إلى خارجها ،قررت أال أخوض أي معركة فكرية داخل القرية ،ليس ألن القرية ال تتحمل االختالفات الفكرية؛ بل ألنني أحب أن أبقي عالقتي معها ،خارج ما أنا خرجت إليه؛ من أفكار، وتحوالت. 18
كتاب" بعيدً ا عن الناس .يحتاج المفكر لخلوة مع "وخير جليس في األنام ُ نفسه ،أو مع كتاب يستريح معه من عناء القضايا الكبرى ،وتكون بمثابة االستجمام الفكري ،وراحة األعصاب ،التي يستعيد معها المفكر نشاطه .مع أي الكتب ترتاح وتحس بأنك تستلقي على شاطئ البحر ،و ال تريد النهوض! كم ساعة تقرأ وما هي خطتك للقراءة اليومية؟ هل تقرأ الكتاب أكثر من مرة؟ أي كتاب علقت فيه ولم تخرج منه؟ بماذا تنصحنا عند القراءة؟ الكتب -غالباً -ترتبط عندي بالصخب .ليس صخب األفكار فقط ،بل حتى الصخب الخارجي؛ فأنا ال أحب القراءة ،وال الكتابة في هدوء .كتب كثيرة قرأتها أثناء التنقل في المواصالت العامة .أتذكر قراءاتي في باص الجامعة ،في رحلته الطويلة من منطقة الصخير إلى الدير ،وأتذكر عناوين الكتب التي رافقتني في باص 4الشهير بين الضاحية والحمرا في بيروت ،وأحتفظ ببعض آثار المقاهي التي قرأت فيها وكتبت فيها .أحب أن أسمع حركة الناس ،وأنا أقرأ أو أكتب. ليست لدي ساعات محددة للقراءة ،وال أحمل معي الكتب لغرفة النوم ،وال الحمام ،لكنني أطمئن كثيرا حين يكون الكتاب معي في أي مشوار طويل. في كل مرحلة من حياتي أتعلق بكتاب لفترة ما ،وأتجاوزه بعد مرحلة .لفترة تعلقت بكتاب دستغيب "القلب السليم" وفي أخرى بكتاب محمد باقر الصدر "أئمة أهل البيت تعدد أدوار ووحدة هدف" ،ومرة بكتاب عادل األديب "االئمة االثنا عشر دراسة تحليلية" .بعد ذلك وجدت في كتاب علي شريعتي (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) أفقًا جديدا في القراءة .الحقاً وقع علي كالمطرقة كتاب محمد أركون "الفكر اإلسالمي ..نقد واجتهاد" ،وال أنسى هنا كتاب نيتشه "زرادشت" .على مستوى التراث ،تعلقت بكتاب ابن عربي "فصوص ِ الحكَم" و"الفتوحات المكية" .لقد أعدت بناء مكتبتي التي كانت ثالثة رفوف في 19
مجلس الوالد أكثر من أربع مرات ،في أماكن مختلفة ،لن تكون آخرها هنا في شقتي بالضاحية ،بحي األميركان. مثّل لي كل كتاب من هذه الكتب؛ حقال أو بستانا معرفيا .قضيت فيه حقبة ثقافية جميلة .كنت أرى األشياء من خالل الكتب التي أقرأها .حالياً صار الكتاب يساعدني في رؤية الواقع وتحوالته، لكنني ال أعتمد كليا عليه ،في فهم ما يجري. "سالمة سلوم" ،هو عربون المحبة بيني وبين ابن "ديرتي"، الذي لم يحالفني الحظ للقائه ،وهو كتاب بمثابة إبراز الهوية، واالنتماء لألرض .وما هو جديدك بعد كتبك الخمسة التي كان آخرها " كيف يفكر الفالسفة "؟ كتاب نصوص متوحشة 2015 -
20
كتاب "جدتي سالمة سلوم" بمثابة تحية إلى جدتي ،وجيلها ،وتحية إلى قريتي؛ حيث تكونت سيرتي من خاللها ،وخالل مأتمها ،ومجلسها ،ونساء القرية الطيبات. كتابي الجديد هو "نصوص متوحشة ..التكفير من سنة السالجقة إلى سلفية ابن تيمية" .وفيه أقارب نصوص التكفير؛ كنصوص سياسية ال فقهية. في هذا الكتاب أحاول قراءة نصوص التكفير قراءة تاريخية ،في ثالث بيئات استخدمت التكفير ضد أعدائها :بيئة السلطة السلجوقية (القرن سياسية، ْ الخامس الهجري) ،من خالل نصوص الغزالي ،وبيئة سلطة الموحدين (القرن السادس الهجري) من خالل نصوص ابن تومرت ،وبيئة سلطة المماليك (القرن الثامن الهجري) من خالل نصوص ابن تيمية. يتغذى التكفير -الذي تستخدمه داعش اليوم وأخواتها -من هذه النصوص. على سبيل المثال تغذي هذه النصوص منظر داعش الشرعي (تركي البنعلي) الذي وجدت صورته إلى جانب صورتي في الصفحة األولى ،في الصحف المحلية ،تحت عنوان واحد هو :قائمة المسقطة جنسياتهم. كنت أتساءل في مقدمة الكتاب :ما الذي يجمعني به؟ ولماذا هو يشرع قتلي؟ ومن الذي يشرع له ذلك؟ وما عالقته بهذه النصوص التكفيرية التقتيلية؟ المحيط الذي يجمعنا بمن نحب ،وما نحب ،وبمن نكره ،وما نكره ،يترك أثره في النفس والعقل والجسم… في كالم موجز :ماذا يعني -بالنسبة لك -كل مما يأتي من أسماء على حدة: 21
.1مسجد "بردان" أشتاق لسجادتي هناك ،وصوت أذان الحاج حسن حسين وقت الفجر. .2الحاجة صباح "أم علي" تكسرني دمعتها ،وال أكبر في حضنها ،الذي يشهق بي؛ حنانا، وشوقا ،وكلمات متصلة بالسماء. .3جريدة الوقت. الرفقة الجميلة ،والحلم بصحافة وطنية،وملحق بروفايل الفريد. .4الشهيد زكريا العشيري ما زالت جملته األخيرة قبل اعتقاله تبكيني " الله يحفظ دكتور علي منهم ،أخشى عليه من االعتقال". الصفحة األوىل من رسالة كتبها عيل الديري إىل الشهيد زكريا العشريي 1994 -
22
.5أماسيل وباسل أعز ما يُطلب .ال أدري كيف سيرويان قصة غيابي عنهما .أحفظ لحظات الوداع المشحونة بالدمع ،في كل مرة يغادراني ذاهبين دوني للوطن. .6أرسطو طاليس فهمت من خالله (التكفير األعوج) لكني مدين ألستاذه سقراط أكثر؛ فقد تعلمت منه الحوار ،وتوليد المفاهيم ،دون قوانين المنطق األرسطي الصارمة. .7دوار اللؤلؤة أبدع البحرينيون في صناعته .جعلوا منه معمارا مخلدا في التاريخ ،كمسالت الفراعنة وأهرامهم .أخرجوه من الجغرافيا ،بعد أن هدمته السلطة ،وأدخلوه التاريخ بعد أن صار رمزهم. .8خباز ط ّرار قرص الخبز الساخن ،وجبن المثلثات الذهبي اللذيذ ،وذكرى جدي حجي عبدالحسين طرار ،وفريق دكان سيد حميد. .9لبنان ما زالت جغرافيا الجبال الخضراء المسكونة تثير دهشتي فيه .أحب صعود جباله ،وأحب حضن ضاحيته التي منحتني (كل شي). .10الصالونات الثقافية سأظل أحب إعادة تأسيسها في كل نقلة وتحول .لن أتوقف عن تكوين صداقاتي فيها .صداقاتي مع األفكار ،والكلمات ،واألشخاص الذي يشاركونني غوايتها. 23