الدير المقدسة

Page 1



‫سيد سلمان الموسوي‬ ‫ناشط مهتم بتوثيق تاريخ قرية الدير‪،‬‬ ‫ويعمل عبر حسابه في اإلنستجرام‬ ‫على نشر كل ما يتعلق بتاريخ القرية‬ ‫ووثائقها‪.‬‬


‫مشاهد من قرية الدير يف السبعينيات والثامنينيات‬


‫ابن القرية الذي تق ّدس حبّها في قلبه؛ بيت والده ذو الغرف الكثيرة المفتوحة‬ ‫على هواء البحر‪ ،‬بساتين الطفولة قبل أن يغتالها سراق األراضي‪ ،‬بحر الدير‬ ‫الذي قضى طفولته في سواحله‪ ،‬مساجد القرية التي كانت وقع خطوات تدينه‬ ‫األولى‪ ،‬مأتم جدته سالمة الذي كان أول صالون ثقافي ينظمه‪ ،‬أصدقاء الطفولة‪،‬‬ ‫خباز جده ألمه حجي طرار‪ ،‬كلّها تشكل حنيناً خاصاً في ذاكرة الدكتور علي‬ ‫أحمد الديري (مواليد ‪.)1971‬‬ ‫الديري الذي اسقطت جنسيته البحرينية بقرار رسمي في ‪ 31‬يناير ‪ ،2015‬يفتخر‬ ‫بجذوره الضاربة في قريته الدير‪ ،‬وال يسعده مثل أن يق ّدم نفسه من خاللها‪،‬‬ ‫ويتمنى العودة لساحاتها يوماً ليؤبن صديقه الشهيد زكريا العشيري الذي كانت‬ ‫آخر جملة وصلته عنه‪" :‬أخشى عليه من االعتقال"‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫كانت الدراسة الحوزوية هي جهة طموحه األول‪ ،‬قبل أن تأخذه‬ ‫تحوالته الفكرية إلى جهة الفكر والنقد وتحليل الخطاب‪ ،‬وقبل‬ ‫أن يشتغل في تحليل الخطابات الدينية والسياسية‪ .‬ذهب‬ ‫عميقاً في دراسته األكاديمية وأنجز عد ًدا من الكتب بينها‬ ‫كتاب "خارج الطائفة" ‪ ، 2011‬و"كيف يفكر الفالسفة؟" ‪،2013‬‬ ‫وكتابه الجديد "نصوص التوحش" الذي سيصدر خالل شهر‬ ‫يوليو الحالي‪..‬‬ ‫كيف تك ّونت شخصية علي الديري بين جنبات القرية وكيف‬ ‫نمت‪ ،‬وما هو النابض في ذاكرته عنها‪ ،‬ولماذا يحضر الدفء كلما‬ ‫حضر حديثه عن هذه القرية؟ من هي الشخصيات التي تفاعل‬ ‫معها داخل القرية وأثرت فيه؟ وإلى أين أخذته عالقته بالكتاب‬ ‫والكتابة؟ وأين هو اآلن؟ وما مشروعه الكتابي األخير؟‪ ..‬هذا ما‬ ‫سيجيب عليه الحوار التالي مع (ابن قريتي) الدكتور علي أحمد‬ ‫الديري‪.‬‬ ‫نتعرف على بطاقتكم الشخصية؟‬ ‫ال أريد أن أعرف نفسي هنا من زاوية الكاتب أو المثقف‪ .‬أود‬ ‫أن أقدم نفسي من خالل انتمائي لقريتي؛ فأنا أحب ‪-‬بين فترة‬ ‫وأخرى‪ -‬أن أطل على أهل قريتي حيث ذاكرتي الجميلة‪ .‬كان‬ ‫العزيز أبو حمزة ‪-‬عبر منتديات الدير‪ -‬يمنحني فرصة رائعة إلدارة‬ ‫مناظرات المرشحين البرلمانيين‪ .‬المناظرة األخيرة في ‪ 2010‬وسط‬ ‫الساحة المفتوحة‪ ،‬القريبة من مسجد الخيف بالقرية‪ ،‬ما زالت‬ ‫‪6‬‬


‫عالقة أجواؤها في مخيلتي‪ .‬أتمنى‬ ‫العودة يوما لساحات القرية العامة‪،‬‬ ‫وأؤبن ‪ -‬من هناك ‪ -‬صديقي الشهيد‬ ‫زكريا العشيري‪.‬‬ ‫ابن قرية الدير‪ .‬ال أعرف امتدادا ً‬ ‫لعائلتي خارج هذه القرية‪ ،‬بيت ح ّجي‬ ‫عبدالله من عيسى (توفي ‪ )1963‬هو‬ ‫بيتنا الكبير‪ .‬كان يضم عائلة ابنه ح ّجي‬ ‫عيسى (توفي في ‪18‬سبتمبر ‪،)2006‬‬ ‫وابنه جدي ح ّجي علي (توفي في‬ ‫‪ ،)1992‬وعائلة ابن ابنته آمنة ح ّجي‬ ‫عبد الله بن محمد (توفي ‪.)1994‬‬

‫عيل الديري يف مكتبة حسن أحمد سلامن ‪1994 -‬‬

‫تنوعت األلقاب في هذه العائلة‪ :‬الشيرازي‪ ،‬مطر‪ ،‬حمندي‪ .‬األخير هو لقب‬ ‫الوالد (توفي في أبريل ‪ ،)2009‬الذي عرف به في القرية‪ .‬فقد والدته (ملكة)‬ ‫رضي ًعا‪ ،‬وربته خالته‪ ،‬التي كانت تدلله وهو طفل وتقول له‪ :‬أحمد حمندي؛‬ ‫فصار لقبا عرف به‪ ،‬لكنه بعد أن كبر ُع ّد هذا التدليل ال يليق به كرجل كبير‪،‬‬ ‫خصوصا أن الوالد معروف بشخصيته الجادة‪ ،‬وعصاميته في العمل‪ ،‬التي ورثها‬ ‫من جده ح ّجي عبدالله بن عيسى‪ ،‬الذي كان يعمل في تجارة اللؤلؤ‪ .‬وأذكر هنا‬ ‫حديث والدي المستفيض عن جده‪ ،‬الذي شكل أحد واجهات القرية‪ ،‬ووجهائها‬ ‫في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫أنا شخصيا عرفتك من خالل نظارتك في إحدى المسابقات‬ ‫الثقافية؛ إذ كنت مقدما على ما أتذكر‪ ،‬و بعد ذلك قالوا الدكتور‬ ‫علي الديري صاحب المقاالت في الصحف!! لمن هم على‬ ‫شاكلتي؛ هال أوجزت لنا سيرتك األكاديمية‪ ،‬وأهم المحطات‬ ‫فيها؟‬ ‫النظارة إحدى عالمات المثقف (ههه)‪ ،‬لكنها في الوقت نفسه؛‬ ‫إحدى عالمات عماه‪ .‬كثي ًرا ما يصاب المثقف بالعجرفة والتعالي؛‬ ‫فيعثر بما تحت رجله؛ ألنه ال يراه‪ .‬ال أنزه نفسي عن هذا العمى‪،‬‬ ‫وأجد في النظر إلى الناس‪ ،‬والتعاطي معهم بصيرة أخرى‪،‬‬ ‫تعوضني عن النقص الذي تفضحه نظارتي‪.‬‬ ‫بدأت مسيرتي مع النظارة في السنة النهائية في القسم العلمي‬ ‫بمدرسة الهداية‪ .‬تحولت نحو المسار األدبي في الجامعة؛ إذ‬ ‫التحقت بكلية اآلداب‪ /‬جامعة البحرين‪ ،‬ضمن خطة المسير‬ ‫نحو الحوزة‪ ،‬لكنني أبصرت ‪-‬بنظارتي‪ -‬طريقًا آخر بعد تخرجي؛‬ ‫فالتحقت بالماجستير في الجماعة نفسها‪ ،‬وأخذت شهادة الدبلوم‬ ‫العالي‪ ،‬وناقشت رسالة الماجستير في جامعة القديس يوسف‬ ‫ببيروت‪ ،‬وبعدها ناقشت أطروحة الدكتوراه في القاهرة‪.‬‬ ‫تخصصي الدقيق هو مجال تحليل الخطاب‪ .‬في الماجستير كنت‬ ‫أحاول أن أقترب من علم أصول الفقه‪ ،‬وأرى أدواته في تحليل‬ ‫الخطاب‪ .‬وفي الدكتوراه‪ ،‬اقتربت من نصوص الفلسفة القديمة‪،‬‬ ‫محلل طريقة بناء الخطاب الفلسفي‬ ‫ً‬ ‫والتصوف اإلسالمي؛‬ ‫‪8‬‬


‫والصوفي‪ ،‬عبر تحليل المجازات (التشبيهات‪ ،‬االستعارات‪ ،‬الصور‪ ،‬القصص)‪.‬‬ ‫الديري‪ ..‬ال بد أنك تحب أن تكون لصيقًا بالدير‪ ،‬وهي األرض التي تعدها‬ ‫مقدسة‪َ .‬من ِمن الدير كان صديقك؟ ولماذا؟ وهل بنيتم أحالما بطلتها الدير؟‬ ‫هل وضعت الدير أمام عينيك‪ ،‬وأنت تبدّ ل تخصصك؟‬ ‫المقدسة‪ ،‬هي الصفة المالزمة للدير على لسان زوجتي (أم باسل)‪ .‬أحبتها كثيرا‪،‬‬ ‫وأحبت ناسها‪ ،‬وصرت أحب هذه الصفة‪ ،‬وعيشي خارج القرية منذ ‪،2009‬‬ ‫زاد من شعوري بدفء هذه الصفة‪ .‬صداقاتي في القرية تمتد إلى سنوات‬ ‫دروسنا الدينية في المأتم‪ .‬أصدرنا أول تجربة صحفية في المأتم الشمالي‬ ‫(صوت البحرين)‪ .‬كنا في صف الثاني اإلعدادي‪ .‬كتبناها على ورق ‪ A4‬بخط‬ ‫الصديق (جميل عبدالله)‪ ،‬وعنوان الغالف زخرفه لنا األستاذ عيسى المطوع‪.‬‬ ‫كنت بمثابة رئيس التحرير‪ ،‬وفريق العمل هم أصدقائي‪ :‬أحمد رمضان‪ ،‬وعقيل‬ ‫أحمد عبدالرضا‪ ،‬وهما الصديقان اللذان بنيت معهما مشروع مكتبة مشتركة‪،‬‬ ‫وصداقة مستمرة مدى الحياة‪.‬‬ ‫في المرحلة الثانوية‪ ،‬ستتسع الدائرة لتضم‪ :‬حسن إبراهيم سلمان‪ ،‬وعلي‬ ‫عبدالرضا‪ ،‬وحسين جاسم‪ ،‬وحسين أحمد عبدالله‪ ،‬ومع هذا الفريق سنك ّون ما‬ ‫يشبه أكاديمية سوبر ستار للخطابة الحسينية‪ .‬أحيينا موسمين؛ إلعادة عشرة‬ ‫محرم‪ ،‬وامتدت بنا الجرأة؛ لنقدم مجالس حسينية في مجالس القرية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫مجلس بيت حجي جمعة‪ ،‬ومجلس بيت حجي جاسم‪ .‬شخصيا لم أتوافر على‬ ‫صوت جميل‪ ،‬لذلك؛ كنت أقدم المحاضرة‪ ،‬وصديقي أحمد رمضان يقدم النعي‬ ‫والمقدمة‪ .‬ربما هذا السبب الذي جعل مواسم إحياء العشرة ‪ -‬الحقا ‪ -‬تأخذ‬ ‫طابع المحاضرات التثقيفية في مأتم جدتي سالمة سلوم‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫على الجانب اآلخر‪ ،‬نمت صداقتي مع حسن أحمد سلمان‪،‬‬ ‫وجعفر الطعان‪ ،‬وأخذت ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬طابعا ثقافيا‪ .‬كنا نلتقي‬ ‫في مكتبة حسن ببيتهم‪ ،‬ونذهب بعيدا في القراءة والنقاش‪.‬‬ ‫عالقتي بالشهيد زكريا العشيري كانت تتقاطع بين هذا الفريق‪،‬‬ ‫وذاك الفريق‪ .‬وفي المجمل دروس المأتم المسائية كانت تجمعنا‬ ‫كلنا‪ ،‬وشكل لنا أساتذتنا‪ :‬أحمد مهدي‪ ،‬وعبدالنبي حميد‪ ،‬وجعفر‬ ‫حميد‪ ،‬وفاضل عباس أفقا تربويا ودينيا وأخالقيا‪ ،‬وأجد أني ما‬ ‫زلت مدينا لهم‪ .‬ال أنسى هنا شيخ حمزة الديري‪ ،‬الذي كان األب‬ ‫الروحي لتربية دروس المأتم‪.‬‬ ‫بما أنك اعترفت بقدسية الدير لديك أنت وزوجكم المصون‪،‬‬ ‫من خالل ما أوحت به إجابتكم عن األسئلة؛ فيما يتعلق بتعيين‬ ‫الشخوص بحذافيرها؛ نس ًبا‪ ،‬وذكر بعض صفاتها‪ .‬من الممكن‬ ‫أن نسألكم عن أبرز األمكنة‪ ،‬والشخصيات التي وهبت تلكم‬ ‫القداسة للدير في قلبكم‪ ،‬و لماذا؟‬ ‫مشبعة ذاكرتي بكل شبر في الدير؛ بيتنا الكبير الذي كان أول‬ ‫بيت يبنى من دورين في القرية‪ .‬ما زلت أحتفظ بخارطته‬ ‫التي هندسها الوالد؛ الغرف الكثيرة المفتوحة على هواء البحر‪،‬‬ ‫والحديقة الداخلية‪ ،‬طلة البحر من على سطحه الواسع‪ ،‬قفص‬ ‫الطيور الكبير في مدخله‪ ،‬وألوان الطيور الغريبة‪ ،‬مكتب الوالد‬ ‫في الطابق األرضي‪ ،‬والتليفون األسود‪ ،‬وقرص األرقام‪.‬‬ ‫بساتين الطفولة قبل أن يغتالها سراق األراضي‪ ،‬بستان‬ ‫‪10‬‬


‫العرادي‪ ،‬والشركة‪ ،‬وتنة‪ ،‬والغربية‪ ،‬وريا‪ ،‬وأم نخيله‪ .‬بحر الدير الذي قضينا‬ ‫طفولتنا في سواحله‪ ،‬والمشي في جزره ومده‪ .‬ساحات الصيد (الحبال)‬ ‫المفتوحة للطيور‪.‬‬ ‫مساجد القرية لها وقعها الخاص في قلبي؛ المسجد الوسطي‪ ،‬صالة الطفولة قبل‬ ‫أن يُجدد بناؤه‪ ،‬وصالة المراهقة بعد تجديده ودروس (أبو هشام‪ ،‬محمد حسن‬ ‫إبراهيم)‪ ،‬وذكريات أصدقاء صالة الفجر‪ :‬حجي حميد بن غانم (ت‪،)2003‬‬ ‫وحجي محمد بن علي بن عيسى (ت‪ ،) 2012‬وحجي راشد بن علي بن عيسى‬ ‫(ت‪ ،)2012‬عليهم رحمة الله‪ ،‬مسجد الخيف‪ ،‬صالة المرور للمقبرة‪ ،‬مسجد‬ ‫بردان الجيرة‪ ،‬وصالة ما بعد المدرسة‪ ،‬وحلقة درسي ألول مجموعة درستها في‬ ‫القرية‪ .‬المسجد الغربي‪ ،‬صالة الجماعة واالحتفاالت‪ .‬مسجد الراهب؛ بدايات‬ ‫الدروس الدينية مع شيخ حمزة الديري‪ ،‬والتعرف على أول مكتبة فيه‪ ،‬بعد‬ ‫مكتبة الوالد‪.‬‬ ‫خباز جدي ألمي حجي طرار‪ ،‬وتنوره الذي غدا صوته جزءا من ذاكرة طفولتي‪،‬‬ ‫في غرفة جدتي سالمة سلوم‪ .‬كان ظهر الخباز لصيقًا بغرفة نومها‪ ،‬وحين يهدأ‬ ‫صوت التنور‪ ،‬يدير الخباز اإليراني محمد والسيد إذاعة طهران؛ ليأتي صوت‬ ‫نشيدها الوطني الثوري‪ ،‬وبعده أخبار الحرب‪.‬‬ ‫"الفلسفة القديمة"‪" ،‬الخطاب الصوفي" وتحليل الخطاب؛ نتيجة طالب غ ّير‬ ‫مساره العلمي‪ ،‬وتوجه لكلية اآلداب؛ تمهيدا للدراسة الحوزوية!! كان التوجه‬ ‫قويًا‪ ،‬والدافع أقوى‪ ،‬والنتيجة مغايرة!! ماذا استجد لتحدث تلكم النقالت‬ ‫الكبيرة بين الثانوية والدكتوراه؟‬ ‫‪11‬‬


‫تدشني كتاب خارج‬ ‫الطائفة يف معرض‬ ‫بريوت ‪2011 -‬‬

‫حدث ما يسمى بلغة المثقفين؛ (التحوالت)‪ .‬المكتبة التي‬ ‫استعرت منها أول كتاب في حياتي‪ ،‬في مسجد (الراهب) هي‬ ‫نفسها التي أخذتني لكتب مكتبة (اإلرشاد)‪ ،‬ومكتبة (الماحوزي)‪،‬‬ ‫والمكتبة (اإلسالمية)‪ ،‬والمكتبة (الوطنية) في المنامة‪ .‬من هذه‬ ‫المكتبات كونت مكتبتي المشتركة الصغيرة في مجلس الوالد إلى‬ ‫جنب مكتبته (اإلخبارية)‪.‬‬ ‫استهوتني الدراسات األكاديمية؛ فلم أعد مولعا بالثقافة‬ ‫األيديولوجية‪ ،‬وال بالمعارف المغلقة‪ .‬عرفت حينها أن المعرفة‬ ‫الحوزوية ‪-‬على عمقها وثراء تجربتها‪ -‬لن تحقق رغبتي المعرفية‪،‬‬ ‫بل حتى الدراسة الجامعية لن تحققها‪ .‬وجدت األمر في القراءة‬ ‫إلي مؤخرا‪،‬‬ ‫الحرة‪ ،‬والجهد الذاتي‪ ،‬لكن الحنين إلى الحوزة عاد ّ‬ ‫وهو حنين ال يتعلق بحلمي بالعمامة؛ بل يتعلق بطريقة الدراسة‬ ‫نفسها‪ .‬اآللية الحوزوية‪ ،‬تتيح لك الذهاب عميقا‪ ،‬وواسعا في‬ ‫‪12‬‬


‫الكتب‪ ،‬وهي متحررة من القيود اإلدارية‪ ،‬واالمتحانات المقننة‪ .‬عليك أن تثبت‬ ‫ذاتك بتفوقك المعرفي الذاتي‪ ،‬دون الحاجة إلى شهادة‪ .‬كذلك عالقة المدرس‬ ‫بالطلبة متحررة من القيود الجامعية‪ ،‬مع ذلك؛ فإن فضاء المعرفة الجامعية ‪-‬من‬ ‫حيث االنفتاح‪ -‬أرحب وأكثر مواكبة للعصر‪.‬‬ ‫ضمن هذا الحنين‪ ،‬زرت حوزة قم في ‪ ،2013‬والتقيت هناك شخصيات علمائية‬ ‫بحرينية‪ ،‬وغير بحرينية‪ ،‬وحضرت حلقة بحث خارج للسيد منير الخباز‪ ،‬وكتبت‬ ‫عن هذه التجربة تحت عنوان (منعطفات قم المقدسة ) التي أثارت تعليقات‬ ‫كثيرة‪ ،‬وظريفة‪.‬‬ ‫دخلت عالم الصحافة‪ ،‬وتم ترشيحك لنيل الجائزة األولى عربيا؛ كأفضل صحفي‬ ‫لفرع الثقافة عام ‪2009‬م‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬كيف دخلت‪ ،‬ومن كان يساندك؟‬ ‫ثانيا‪ :‬ما هي الصحف التي كتبت فيها‪ ،‬بالترتيب‪ ،‬بداية باألقدم‪ ،‬و َمن ِمن‬ ‫الصحفيين تراه األفضل؟‬ ‫ثالثا‪ :‬كيف تقيم تجربتك الصحفية؛ من حيث الطرح؟‬ ‫رابعا‪ :‬ماذا جنيت من الصحافة؟‬ ‫في السنة األولى من تخرجي من جامعة البحرين‪ ،‬فزت بالمركز األول بمسابقة‬ ‫كتابة المقالة في صحيفة األيام‪ ،‬لكن عالقتي بالصحافة لم تبدأ من األيام‪ ،‬بل‬ ‫بدأت من مجلة المواقف‪ .‬كنت أحرر صفحتها الثقافية أسبوعيا‪ ،‬لمدة ثالث‬ ‫سنوات تقريبا‪ .‬في ‪ ،1998‬بدأت عالقتي بالقسم الثقافي لدى جريدة األيام‪،‬‬ ‫حتى بداية تأسيس جريدة الوقت في ‪ .2006‬كنت أحد المشاركين في تأسيسها‪.‬‬ ‫ابتكرنا أنا والفوتوغرافي الروائي حسين المحروس‪ ،‬والكاتبة باسمة القصاب‬ ‫‪13‬‬


‫قسما جديدا‪ ،‬أطلقنا عليه (بروفايل)‪ ،‬وهو ملحق أسبوعي من‬ ‫أربع صفحات‪ ،‬وأحد أعداده كان مخصصا لـ (قرية الدير)‪ .‬كان‬ ‫(بروفايل) تجربة جديدة في الصحافة‪ ،‬وأسلوبا مغايرا في الكتابة‬ ‫عن المجتمع‪ ،‬وثقافته‪ ،‬وتحوالته‪ .‬وعلى منوال هذه التجربة كتبت‬ ‫في مايو ‪ 2008‬تحقيقا من ثالث حلقات تحت عنوان‪( :‬في انتظار‬ ‫تركيا‪ :‬من يقتل أتاتورك؟) وقد أعلن نادي دبي للصحافة‪ ،‬الذي‬ ‫يمثل األمانة العامة لجائزة الصحافة العربية عن أسماء المرشحين‬ ‫الثالثة للفوز بجائزة الصحافة الثقافية‪ ،‬وكنت من بينهم‪.‬‬ ‫لم أعمل وال يوما صحفياً‪ ،‬بل إنني لم أحب ‪-‬يوما‪ -‬العمل الصحفي‪.‬‬ ‫كنت أقيم عالقتي بالصحافة عبر الصفحات الثقافية‪ ،‬ومقاالت‬ ‫الرأي‪ .‬أحب ‪-‬في الصحافة‪ -‬مقاالت الرأي‪ .‬أجد في المقالة‬ ‫وسيطا بين ما أقرأه في الكتب والبحوث‪ ،‬وما أعيشه من أحداث‬ ‫وتغيرات‪ .‬هذا من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر؛ القارئ‪ ،‬والرأي العام‪،‬‬ ‫والفضاء المشترك‪ .‬أشعر بمتعة في كتابة المقالة‪ .‬صفحات الرأي‬ ‫تعطي مؤشرا عن حرية الصحافة في أي بالد‪ ،‬وقد لمست ذلك‬ ‫عمليا في الصحافة البحرينية‪ .‬تحولت مقاالت الصحف البحرينية‬ ‫بعد ‪ 14‬فبراير‪ ،‬إلى مقاالت تحريض‪ ،‬وفتنة‪ ،‬وقتل‪ ،‬ومنافسة في‬ ‫إعالن الوالء للسلطة‪ ،‬والبراءة من منتقديها‪ .‬الصحافيون صاروا‬ ‫على دين ملوكهم‪.‬‬ ‫يسجل بلجريف في يومياته‪ ،‬في ‪ 19‬سبتمبر ‪ :1954‬كتب سموه‪،‬‬ ‫ليقول‪ :‬أغلقوا (صوت البحرين) إلى أمد غير محدود‪ .‬بعد ‪14‬‬ ‫‪14‬‬


‫فبراير‪ ،‬كتب أيضا سموه‪ ،‬ليقول‪ :‬أغلقوا صوت الصحافة إلى أمد غير محدود‪.‬‬ ‫أريد أن أسمع الصحافة التي تردد اسمي فقط‪.‬‬ ‫للعالم االفتراضي سطوته ‪-‬التي لسعت؛ بسوط التواصل السريع‪ ،‬الحاضر مع‬ ‫التثاقف الورقي الذي ال يتاح للناس جمي ًعا؛ بحكم‬ ‫اإلنسان في كل حين‪-‬‬ ‫َ‬ ‫طبيعته الجامدة‪ ،‬التي تحتاج للسعي الحثيث‪.‬‬ ‫منتدى الدير‪ ..‬ما هو رأيكم فيه؛ من حيث االدارة‪ ،‬والكوادر‪ ،‬والتأثير؟ وهل‬ ‫ُك ْن ُت ْم ضمن الشخصيات المقنعة الساعية للخير من خالل المنتدى؟ هل‬ ‫المنتدى ‪-‬لو استمر‪ -‬سيكون مؤسسة كالصندوق مثال‪ ،‬من حيث القوة المادية؟‬ ‫يكفي منتدى الدير أنه اقترن باسم شهيد كان شعاره‪" :‬أنا إنسان قبل أن أكون‬ ‫شيعيا"‪ .‬المنتدى اقترن بشهيد‪ ،‬وبسجن‪ ،‬وتعذيب عائلة كاملة‪ ،‬هي عائلة‬ ‫قدمت ورقة‬ ‫مؤسس الموقع العزيز أبو حمزة (أحمد الديري)‪ .‬في نهاية ‪2011‬‬ ‫ُ‬ ‫في مركز البدائل في مصر‪ ،‬حول فضاء االنترنت في البحرين والثورة‪ :‬منتديات‬ ‫وتويتر ومدونات وفيسبوك‪.‬‬ ‫منتدى الدير‪ ،‬فتح قسما خاصا بثورة ‪ 14‬فبراير‪ ،‬كما فعلت أغلب المنتديات في‬ ‫معظم مناطق البحرين‪ .‬تم إخماد صوت المنتديات‪ ،‬بعد دخول درع الجزيرة؛‬ ‫ففقدت البحرين مصد ًرا مهما من مصادر الفضاء العمومي‪.‬‬ ‫شكل منتدى الدير ساحة نقاش افتراضي‪ ،‬ضمن فضاء القرية‪ ،‬وضمن الحدود‬ ‫الممكنة اجتماعيا‪ .‬اضطلع بدور مهم في تشجيع الناس على النقاش العام‪،‬‬ ‫وطرح قضاياهم المحلية‪ .‬أنا مع تشجيع هذه الفضاءات‪ ،‬ومع بقائها حرة دون‬ ‫أن تتحول إلى مؤسسات‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫نبقى في "االنترنت"‪ ،‬وانتشار المدونات‪ ،‬وما شكلته من واجب‬ ‫يقوم به المثقف‪ ،‬وهي بمثابة عناوين بها مجالس المثقفين!! ما‬ ‫هو تاريخكم مع المدونات‪ ،‬و كيف ترونها من حيث الحفظ‪ .‬أي‬ ‫هل تثقون بها؛ بمعنى االستغناء عن الورق؟‬ ‫قبل يومين‪ ،‬كنت أتصفح ‪ -‬صدفة ‪ -‬أرشيفي اإللكتروني‪ .‬وجدت‬ ‫صورة لخاطرة كتبتها في ‪ 16‬سبتمبر ‪ 1999‬تحت عنوان (القنبلة‬ ‫الخمينية)‪ ،‬وأخرى كتبتها‪ ،‬وأنا في نهاية المرحلة اإلعدادية في‬ ‫‪ 13‬سبتمبر‪1986‬م تحت عنوان (عاشوراء)‪ .‬أظن أنني نشرتها على‬ ‫مجلة الحائط‪ ،‬بالمسجد الوسطي في القرية‪.‬‬ ‫في الكتابة؛ تنقلت عبر عدة وسائط‪ ،‬من مجلة الحائط بالمسجد‬ ‫إلى مجلة (صوت المأتم) إلى الصحافة البحرينية الحقاً‪ ،‬ومنتدى‬ ‫بحرين أونالين‪ ،‬ثم كتبي بعد ذلك‪ ،‬ومدونة هوامل والفيسبوك‬ ‫وتوتير واالنستجرام و…‪.‬‬ ‫ما كان لي أن أعثر على ورقة موضوعي األول في حائط المسجد‬ ‫الوسطي‪ ،‬لوال وسيط الصورة الذي مكنني من االحتفاظ بقصاصة‬ ‫الورق عمرا ً مديدا ً‪ .‬أنا أحب جميع الوسائط‪ ،‬وأجدها تخدم‬ ‫الكلمة والرأي‪ .‬وكل وسيط يأتي؛ ال يلعن ما قبله؛ بل ليوسع ما‬ ‫قبله‪ ،‬ويضيف له‪.‬‬ ‫"هل كان هيبا مثقفا أم راهبا؟"‪" ،‬هيبا تلبسني"‪ .‬نشاط ثقافي‬ ‫بدأ في العام ‪2009‬م‪ .‬كيف نشأ؟ وما هي دوافعه؟ ومن هم‬ ‫أعضاؤه؟ وهل كان هو األول؟ وكيف سيكون نشاطه المستقبلي؟‬ ‫ولماذا لم تفكر في إنشاء مثيل له في الدير؟‬ ‫‪16‬‬


‫شعار صالون هيبا الثقايف ‪2009 -‬‬

‫منذ نشاطي في القرية‪ ،‬اعتدت جلسات التثاقف‪ .‬مأتم جدتي ربما يكون أول‬ ‫صالون ثقافي‪ ،‬عقدت فيه أنشطة ذات طابع فكري وديني‪ .‬الحقا؛ يتطور األمر‬ ‫في مجلس الصديق حسن أحمد سلمان‪ ،‬مع الصديق جعفر الطعان‪ ،‬وأحيانا معنا‬ ‫الشهيد زكريا العشيري‪ .‬أتذكر أن كتاب (العدل اإللهي) للشهيد مرتضى مطهري‬ ‫أحب الكتب‪ ،‬التي عكفنا على مناقشتها‪ ،‬وربما المرة األولى التي سمعت فيها‬ ‫ُّ‬ ‫بالدايلكتك وصراع األضداد‪ ،‬هي في هذا الصالون‪ ،‬وعلى لسان جعفر الطعان؛‬ ‫الذي كان مميزا في قراءاته‪ ،‬ودؤوبا في جلده على استكمال الكتب الصعبة‪،‬‬ ‫ولعل أحدها الكتاب الفلسفي لعادل ظاهر (األسس المنطقية للعلمانية)‪.‬‬ ‫هناك تجارب لصالونات ثقافية أخرى‪ ،‬لكن ربما يكون (هيبا) هو أكثرها‪ ،‬ليس‬ ‫أهمية؛ بل استمرارا ً‪ .‬استمر من ‪ 2009‬حتى حراك ‪ .2011‬هو جلسة شهرية؛‬ ‫لنقاش الكتب الفكرية‪ ،‬حضورها من األصدقاء وزوجاتهم‪ .‬أجواؤها فكرية‬ ‫واجتماعية‪ .‬توقفت بعد مغادرتي البحرين‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫في بيروت أصبح لدي (صالون ‪ 14‬فبراير)‪ .‬خصصته لتاريخ‬ ‫البحرين وإشكاالته‪ .‬عقدنا فيه أكثر من خمسين جلسة‪ ،‬وأتاح‬ ‫لنا معرفة تاريخنا السياسي بشكل أكثر عمقا‪ ،‬وهو يعمل بنظام‬ ‫المواسم الثقافية‪ ،‬كل موسم يستمر أربعة شهور‪ .‬عناوين المواسم‪:‬‬ ‫إصالحات ‪ 1923‬ونشوء الدولة الحديثة‪ ،‬غزو البحرين ‪ 1783‬حتى‬ ‫بداية القرن العشرين‪ ،‬البحرين في عصر الدولة الصفوية والحركة‬ ‫العلمية‪ ،‬عبدالرحمن الباكر وأحداث الهيئة ‪1954‬م‪.‬‬ ‫شعار صالون ‪ 14‬فرباير‬ ‫الثقايف ‪2012 -‬‬

‫ال أفكر أن أنشئ صالوناً بالدير المقدسة؛ فالتقديس يجعلك تحب‬ ‫الشيء‪ ،‬أكثر مما يجعلك تختلف حول الشيء‪ ،‬وأنا أريد أن أبقى‬ ‫على هذا الحب المقدس مع قريتي‪ .‬منذ أن تحول نشاطي من‬ ‫القرية إلى خارجها‪ ،‬قررت أال أخوض أي معركة فكرية داخل‬ ‫القرية‪ ،‬ليس ألن القرية ال تتحمل االختالفات الفكرية؛ بل ألنني‬ ‫أحب أن أبقي عالقتي معها‪ ،‬خارج ما أنا خرجت إليه؛ من أفكار‪،‬‬ ‫وتحوالت‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫كتاب" بعيدً ا عن الناس‪ .‬يحتاج المفكر لخلوة مع‬ ‫"وخير جليس في األنام ُ‬ ‫نفسه‪ ،‬أو مع كتاب يستريح معه من عناء القضايا الكبرى‪ ،‬وتكون بمثابة‬ ‫االستجمام الفكري‪ ،‬وراحة األعصاب‪ ،‬التي يستعيد معها المفكر نشاطه‪ .‬مع أي‬ ‫الكتب ترتاح وتحس بأنك تستلقي على شاطئ البحر‪ ،‬و ال تريد النهوض! كم‬ ‫ساعة تقرأ وما هي خطتك للقراءة اليومية؟ هل تقرأ الكتاب أكثر من مرة؟ أي‬ ‫كتاب علقت فيه ولم تخرج منه؟ بماذا تنصحنا عند القراءة؟‬ ‫الكتب ‪-‬غالباً‪ -‬ترتبط عندي بالصخب‪ .‬ليس صخب األفكار فقط‪ ،‬بل حتى‬ ‫الصخب الخارجي؛ فأنا ال أحب القراءة‪ ،‬وال الكتابة في هدوء‪ .‬كتب كثيرة قرأتها‬ ‫أثناء التنقل في المواصالت العامة‪ .‬أتذكر قراءاتي في باص الجامعة‪ ،‬في رحلته‬ ‫الطويلة من منطقة الصخير إلى الدير‪ ،‬وأتذكر عناوين الكتب التي رافقتني في‬ ‫باص ‪ 4‬الشهير بين الضاحية والحمرا في بيروت‪ ،‬وأحتفظ ببعض آثار المقاهي‬ ‫التي قرأت فيها وكتبت فيها‪ .‬أحب أن أسمع حركة الناس‪ ،‬وأنا أقرأ أو أكتب‪.‬‬ ‫ليست لدي ساعات محددة للقراءة‪ ،‬وال أحمل معي الكتب لغرفة النوم‪ ،‬وال‬ ‫الحمام‪ ،‬لكنني أطمئن كثيرا حين يكون الكتاب معي في أي مشوار طويل‪.‬‬ ‫في كل مرحلة من حياتي أتعلق بكتاب لفترة ما‪ ،‬وأتجاوزه بعد مرحلة‪ .‬لفترة‬ ‫تعلقت بكتاب دستغيب "القلب السليم" وفي أخرى بكتاب محمد باقر الصدر‬ ‫"أئمة أهل البيت تعدد أدوار ووحدة هدف"‪ ،‬ومرة بكتاب عادل األديب "االئمة‬ ‫االثنا عشر دراسة تحليلية"‪ .‬بعد ذلك وجدت في كتاب علي شريعتي (التشيع‬ ‫العلوي والتشيع الصفوي) أفقًا جديدا في القراءة‪ .‬الحقاً وقع علي كالمطرقة‬ ‫كتاب محمد أركون "الفكر اإلسالمي ‪ ..‬نقد واجتهاد"‪ ،‬وال أنسى هنا كتاب نيتشه‬ ‫"زرادشت"‪ .‬على مستوى التراث‪ ،‬تعلقت بكتاب ابن عربي "فصوص ِ‬ ‫الحكَم"‬ ‫و"الفتوحات المكية"‪ .‬لقد أعدت بناء مكتبتي التي كانت ثالثة رفوف في‬ ‫‪19‬‬


‫مجلس الوالد أكثر من أربع مرات‪ ،‬في أماكن مختلفة‪ ،‬لن تكون‬ ‫آخرها هنا في شقتي بالضاحية‪ ،‬بحي األميركان‪.‬‬ ‫مثّل لي كل كتاب من هذه الكتب؛ حقال أو بستانا معرفيا‪ .‬قضيت‬ ‫فيه حقبة ثقافية جميلة‪ .‬كنت أرى األشياء من خالل الكتب التي‬ ‫أقرأها‪ .‬حالياً صار الكتاب يساعدني في رؤية الواقع وتحوالته‪،‬‬ ‫لكنني ال أعتمد كليا عليه‪ ،‬في فهم ما يجري‪.‬‬ ‫"سالمة سلوم"‪ ،‬هو عربون المحبة بيني وبين ابن "ديرتي"‪،‬‬ ‫الذي لم يحالفني الحظ للقائه‪ ،‬وهو كتاب بمثابة إبراز الهوية‪،‬‬ ‫واالنتماء لألرض‪ .‬وما هو جديدك بعد كتبك الخمسة التي كان‬ ‫آخرها " كيف يفكر الفالسفة "؟‬ ‫كتاب نصوص‬ ‫متوحشة ‪2015 -‬‬

‫‪20‬‬


‫كتاب "جدتي سالمة سلوم" بمثابة تحية إلى جدتي‪ ،‬وجيلها‪ ،‬وتحية إلى قريتي؛‬ ‫حيث تكونت سيرتي من خاللها‪ ،‬وخالل مأتمها‪ ،‬ومجلسها‪ ،‬ونساء القرية‬ ‫الطيبات‪.‬‬ ‫كتابي الجديد هو "نصوص متوحشة‪ ..‬التكفير من سنة السالجقة إلى سلفية ابن‬ ‫تيمية"‪ .‬وفيه أقارب نصوص التكفير؛ كنصوص سياسية ال فقهية‪.‬‬ ‫في هذا الكتاب أحاول قراءة نصوص التكفير قراءة تاريخية‪ ،‬في ثالث بيئات‬ ‫استخدمت التكفير ضد أعدائها‪ :‬بيئة السلطة السلجوقية (القرن‬ ‫سياسية‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الخامس الهجري)‪ ،‬من خالل نصوص الغزالي‪ ،‬وبيئة سلطة الموحدين (القرن‬ ‫السادس الهجري) من خالل نصوص ابن تومرت‪ ،‬وبيئة سلطة المماليك (القرن‬ ‫الثامن الهجري) من خالل نصوص ابن تيمية‪.‬‬ ‫يتغذى التكفير ‪ -‬الذي تستخدمه داعش اليوم وأخواتها ‪ -‬من هذه النصوص‪.‬‬ ‫على سبيل المثال تغذي هذه النصوص منظر داعش الشرعي (تركي البنعلي)‬ ‫الذي وجدت صورته إلى جانب صورتي في الصفحة األولى‪ ،‬في الصحف‬ ‫المحلية‪ ،‬تحت عنوان واحد هو‪ :‬قائمة المسقطة جنسياتهم‪.‬‬ ‫كنت أتساءل في مقدمة الكتاب‪ :‬ما الذي يجمعني به؟ ولماذا هو يشرع قتلي؟‬ ‫ومن الذي يشرع له ذلك؟ وما عالقته بهذه النصوص التكفيرية التقتيلية؟‬ ‫المحيط الذي يجمعنا بمن نحب‪ ،‬وما نحب‪ ،‬وبمن نكره‪ ،‬وما نكره‪ ،‬يترك أثره‬ ‫في النفس والعقل والجسم… في كالم موجز‪ :‬ماذا يعني ‪ -‬بالنسبة لك ‪ -‬كل‬ ‫مما يأتي من أسماء على حدة‪:‬‬ ‫‪21‬‬


‫‪ .1‬مسجد "بردان"‬ ‫أشتاق لسجادتي هناك‪ ،‬وصوت أذان الحاج حسن حسين وقت الفجر‪.‬‬ ‫‪ .2‬الحاجة صباح "أم علي"‬ ‫تكسرني دمعتها‪ ،‬وال أكبر في حضنها‪ ،‬الذي يشهق بي؛ حنانا‪،‬‬ ‫وشوقا‪ ،‬وكلمات متصلة بالسماء‪.‬‬ ‫‪ .3‬جريدة الوقت‪.‬‬ ‫الرفقة الجميلة‪ ،‬والحلم بصحافة وطنية‪،‬وملحق بروفايل الفريد‪.‬‬ ‫‪ .4‬الشهيد زكريا العشيري‬ ‫ما زالت جملته األخيرة قبل اعتقاله تبكيني " الله يحفظ دكتور‬ ‫علي منهم‪ ،‬أخشى عليه من االعتقال"‪.‬‬ ‫الصفحة األوىل‬ ‫من رسالة كتبها‬ ‫عيل الديري إىل‬ ‫الشهيد زكريا‬ ‫العشريي ‪1994 -‬‬

‫‪22‬‬


‫‪ .5‬أماسيل وباسل‬ ‫أعز ما يُطلب‪ .‬ال أدري كيف سيرويان قصة غيابي عنهما‪ .‬أحفظ لحظات الوداع‬ ‫المشحونة بالدمع‪ ،‬في كل مرة يغادراني ذاهبين دوني للوطن‪.‬‬ ‫‪ .6‬أرسطو طاليس‬ ‫فهمت من خالله (التكفير األعوج) لكني مدين ألستاذه سقراط أكثر؛ فقد‬ ‫تعلمت منه الحوار‪ ،‬وتوليد المفاهيم‪ ،‬دون قوانين المنطق األرسطي الصارمة‪.‬‬ ‫‪ .7‬دوار اللؤلؤة‬ ‫أبدع البحرينيون في صناعته‪ .‬جعلوا منه معمارا مخلدا في التاريخ‪ ،‬كمسالت‬ ‫الفراعنة وأهرامهم‪ .‬أخرجوه من الجغرافيا‪ ،‬بعد أن هدمته السلطة‪ ،‬وأدخلوه‬ ‫التاريخ بعد أن صار رمزهم‪.‬‬ ‫‪ .8‬خباز ط ّرار‬ ‫قرص الخبز الساخن‪ ،‬وجبن المثلثات الذهبي اللذيذ‪ ،‬وذكرى جدي حجي‬ ‫عبدالحسين طرار‪ ،‬وفريق دكان سيد حميد‪.‬‬ ‫‪.9‬لبنان‬ ‫ما زالت جغرافيا الجبال الخضراء المسكونة تثير دهشتي فيه‪ .‬أحب صعود‬ ‫جباله‪ ،‬وأحب حضن ضاحيته التي منحتني (كل شي)‪.‬‬ ‫‪ .10‬الصالونات الثقافية‬ ‫سأظل أحب إعادة تأسيسها في كل نقلة وتحول‪ .‬لن أتوقف عن تكوين صداقاتي‬ ‫فيها‪ .‬صداقاتي مع األفكار‪ ،‬والكلمات‪ ،‬واألشخاص الذي يشاركونني غوايتها‪.‬‬ ‫‪23‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.