حوار حول كتاب "إله التوحش": النصوص المؤسسة للوهابية والدولة السعودية هي ورشة عمل دراستي الجديدة

Page 1

‫حوار حول كتاب «إله التوحش»‪:‬‬ ‫النصوص املؤسسة للوهابية والدولة‬ ‫السعودية هي ورشة عمل دراستي‬ ‫اجلديدة‬

‫أجرت احلوار‪ /‬د‪.‬انتصار رضي‬


‫ســبق أن تنــاول الباحــث البحرينــي «د‪ .‬علــي الديــري» البيئــات‬ ‫السياســية كمدخــل لتفكيــك النصــوص املتوحشــة مــن‬ ‫أرثوذكســية الســاجقة إىل ســلفية ابــن تيميــة يف كتابــه‬ ‫الــذي أثــار جــدال (نصــوص متوحشــة) الــذي ســتصدر طبعتــه‬ ‫الثالثــة قريبــا‪.‬‬ ‫يعــود اليــوم يف إصــداره اجلديــد ( إلــه التوحــش) ليناقــش‬ ‫التكفــر كمشــروع قتــل مييلــه صــراع سياســي عــر دراســة‬ ‫دولــة الدرعيــة والوهابيــة متنــاوال يف ذلك ســرة مؤسســها‬ ‫حممــد بــن عبدالوهــاب ودعوتــه وتوســعها يف جنــد حتــى‬ ‫صــارت دولــة وسياســة وجيــش وقــوة! ســيتعرف القــارئ‬ ‫علــى ســرة حممــد بــن عبدالوهــاب يف ســياقها السياســي‬ ‫جــردت اإلنســان مــن إنســانيته‬ ‫ونصوصــه التكفرييــة التــي ّ‬ ‫مقــر بالشــهادتني‬ ‫وشــرعنت املــوت املســتحق ملســلم‬ ‫ّ‬ ‫ال يتوافــق مــع التأويــل الوهابــي للنصــوص‪ ،‬التأويــل الــذي‬ ‫شــرعن العنــف والكراهيــة عــر اخلطــاب الوهابــي لنواقــض‬ ‫االســام ونواقــض االميــان!!‬


‫يقودك هذا الكتاب ملعرفة كيف ولدت من هذه احلركة‬ ‫حركات العنف والتوحش التي باتت ترهب العامل ‪!..‬‬ ‫مع د‪.‬علي الديري وجديده (إله التوحش)‪:‬‬


‫لنبــدأ مــن مفــردة التوحــش‪ ،‬أال تعتقــد معــي أن مفــردة‬ ‫التوحــش اآلن انــزاح معناهــا مــن الوحشــية إىل معنــى آخــر‬ ‫اشــتهر بعــد كتــاب أبــو بكــر ناجــي (إدارة التوحــش)‪ .‬أليــس‬ ‫مصطلحــا يطلــق علــى حالــة الفوضــى‬ ‫التوحــش اآلن أصبــح‬ ‫ً‬ ‫التــي تعــم البلــدان بعــد وجــود فــراغ يف الســلطة مثــل‬ ‫ليبيــا بعــد القــذايف والعــراق بعــد صــدام ‪ ..‬حالــة الفــراغ‬ ‫السياســي تلــك‪ ،‬التــي ال يناقشــها كتابــك طبعــا؟‬ ‫مصطلحــا هــو‬ ‫اســما أو‬ ‫التوحــش ليــس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مفهــوم‪ ،‬وال أحــد ميلــك املفاهيــم‪ ،‬مبعنــى‬ ‫أنــه يعــر عــن فكــرة وال يشــر إىل جماعــة أو‬ ‫مذهــب أو شــخص‪ .‬رمبــا يكــون االنرثوبولوجيــون‬ ‫أكــر مــن اســتخدم هــذا املفهــوم للداللــة‬ ‫علــى اجلماعــات غــر املتحضــرة‪ ،‬ثــم تراجعــوا‬ ‫واعتــذروا لهــذه اجلماعــات‪ ،‬فصاروا يســمونهم‬ ‫اجلماعــات البدائيــة‪.‬‬ ‫التوحــش مفهــوم يصــف املوقــف العملــي‬ ‫الــذي وقــع بالتاريــخ والنــص النظــري الــذي شـ ّـرع‬ ‫لــه‪ ،‬وأقصــد هنــا املوقــف مــن اآلخــر اخملتلــف‬ ‫معنــا يف املذهــب أو الديــن أو السياســية‪ .‬لدينــا‬ ‫ـوص عقائديــة وفقهيــة‬ ‫يف تراثنــا اإلســامي نصـ ٌ‬ ‫مشــحونة بالتحريــض والعــداء والكراهيــة‬ ‫والتشــريع للقتــل‪ ،‬ولدينــا تطبيقــات عمليــة‬ ‫لهــا يف التاريــخ‪ .‬أنــا مهتــم بهــذه التطبيقــات‪،‬‬ ‫وجميــع النصــوص التــي درســتها يف كتابــي‬ ‫(نصــوص التوحــش) وكتابــي (إلــه التوحــش) كان‬ ‫لهــا تطبيقــات عمليــة موثقــة يف كتــب التاريــخ‬ ‫املعتمــدة‪.‬‬


‫ملــاذا الوهابيــة؟ أليســت هــي موجــة ويف طريقهــا‬ ‫للــزوال احلتمــي‪ .‬مــا هــي احلاجــة إىل كتــاب إلــه‬ ‫التوحــش يف هــذه اآلونــة؟‬ ‫ملــاذا الوهابيــة؟ ألنهــا جنحــت يف أن تغــزو العــامل‬ ‫باســم التوحيــد اخلالــص والســنة الصحيحــة والســلف‬ ‫الصالــح‪ ،‬لقــد اخرتقــت العقــل اإلســامي‪ ،‬ومتكنــت‬ ‫مــن ســرقة وجهــه‪.‬‬ ‫احلديــث عــن الوهابيــة اليــوم بخطابهــا التكفــري ال ميكــن‬ ‫فصلــه عــن السياســة‪ ،‬لقــد انطلقــت يف نقــدي لنصــوص‬ ‫التوحــش وإلــه التوحــش مــن فكــرة مفادهــا أن "التكفــر‬ ‫مشــروع قتــل ميليــه صــراع سياســي"‪ ،‬وأجــد الوهابيــة‬ ‫منوذجــا الختبــار هــذه الفكــرة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كتابــي ليــس دراســة عــن حجــم حضــور الوهابيــة يف العــامل‬ ‫اإلســامي‪ ،‬لكنــي ســأجيب عــن ســؤالك ألوضــح أهميــة‬ ‫دراســة اخلطــاب الوهابــي دراســة نقديــة‪.‬‬ ‫لنأخــذ مصــر وماليزيــا منوذجــن النتشــار اخلطــاب الوهابــي‬ ‫وتوســعه‪ ،‬ونشــر الكراهيــة؛ يف املشــهد املاليــزي‪ ،‬متكنــت‬ ‫اجلامعــات املدعومــة بشــكل مباشــر مــن الســعودية‬ ‫بــأن حتــول املذهــب الشــيعي االثنــي عشــري‪ ،‬إىل "ديانــة‬ ‫حمظــورة" كونهــا "حتمــل العديــد مــن االنحرافــات العقائديــة‬ ‫اخملرجــة مــن ملــة اإلســام"‪ .‬يف ماليزيــا تكفــر الشــيعة يتــم‬ ‫بقانــون رســمي ماليــزي‪ .‬كذلــك حتظــر الدولــة‪ ،‬بقــرار رســمي‬ ‫ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬اســتخدام لفــظ اجلاللــة لإلشــارة إىل الــرب عنــد غــر‬ ‫املســلمني‪ ،‬مــا أثــار حملــة واســعة يف البــاد حتــت شــعار‬ ‫"اهلل للمســلمني فقــط"‪.‬‬ ‫يف مصــر دعمــت اململكــة اجلامعــات الدينيــة اخلاصــة‪،‬‬ ‫وفــرت الدراســة اجملانيــة ألبنــاء العــامل اإلســامي‪ ،‬منحتهــم‬


‫شــهادات عاليــة موازيــة لألزهــر ومصدقــة مــن‬ ‫اجلهــات الرســمية املصريــة‪ ،‬ســرقت أســاتذة‬ ‫األزهــر‪ ،‬وصــاروا يدرســون يف (جامعــة املدينــة‬ ‫العامليــة) لتأخــذه مــن األشــعرية إىل عبــاءة‬ ‫حممــد بــن عبدالوهــاب‪.‬‬ ‫يف الســعودية نفســها األبــواب والتســهيالت‬ ‫مفتوحــة الســتقبال أبنــاء العــامل اإلســامي‪،‬‬ ‫مقابــل أن يتخرجــوا كدعــاة لتصديــر الوهابيــة‪،‬‬ ‫مبوجــب ذلــك متكنــت الوهابيــة مــن وضــع يدهــا‬ ‫علــى أكــر املســاجد األوروبيــة واألمريكيــة‪،‬‬ ‫وهــذه عينــة مــن الدعــاة يف الغــرب املتهمــن‬ ‫بخطــاب الكراهيــة‪ ،‬وكلهــم خريجــو اجلامعــة‬ ‫اإلســامية باملدينــة املنــورة؛ الداعيــة بــال‬ ‫فيلبــس‪ ،‬الداعيــة أبــو أســامة الذهبــي‪ ،‬الداعيــة‬ ‫ياســر قاضــي‪.‬‬ ‫بعــد أن ناقشــت يف (النصــوص املتوحشــة) جــذور الفكــر‬ ‫التكفــري املتمثــل يف آراء ابــن تيميــة‪ ،‬ثــم حتدثــت يف‬ ‫(إلــه التوحــش) عــن آراء ابــن عبدالوهــاب كامتــداد طبيعــي‬ ‫لتلــك اجلــذور‪ ،‬فهــل ســرى قريبــا لــك كتا ًبــا يتحــدث‬ ‫عــن (داعــش)؟ ومــا الــذي يجعــل ســر أصحــاب الفكــر‬ ‫ـدا حلــركات ال تنتهــي؟‬ ‫املتطــرف وأفكارهــم‬ ‫ملهمــا ومولـ ً‬ ‫ً‬ ‫را بداعــش‪ ،‬بقــدر اهتمامــي‬ ‫لســت‬ ‫مهتمــا كث ـ ً‬ ‫ً‬ ‫برتاثهــا املســتخدم مــن النصــوص‪ ،‬يف‬ ‫(نصــوص متوحشــة) ويف (إلــه التوحــش)‬ ‫ذهبــت إىل ســياق هــذه النصــوص السياســي‬ ‫والعقائــدي والفقهــي‪ .‬متثــل هــذه النصــوص‬ ‫األب املؤســس ملــا نشــاهده اليوم مــن والدات ال‬


‫تنتهــي مــن حــركات التوحــش‪ ،‬نحتــاج إىل نقدها وكشــف‬ ‫ســياقاتها السياســية‪.‬‬ ‫األفــكار والنصــوص ال متــوت‪ ،‬إمنــا تُســتعاد وفــق‬ ‫مــا يتوافــر لهــا مــن ســياقات سياســية وثقافيــة‪،‬‬ ‫األفــكار التــي تعطــي القتــل والكراهيــة‪ ،‬واألفــكار التــي‬ ‫تعطــي احليــاة واحلــب‪ .‬والوهابيــة هــي اســتعادة‬ ‫لنصــوص التوحيــد والتكفــر عنــد ابــن تيميــة‪ .‬ظنــت ســلطة‬ ‫املماليــك أنهــا قضــت علــى أفــكار ابــن تيميــة‪ ،‬حــن ســجنته‬ ‫ومل تســتجب لدعوتــه يف اســتبدال األشــعرية بالســلفية‬ ‫علــى طريقتــه‪ ،‬لتكــون هــي عنــوان أهــل الســنة واجلماعــة‪،‬‬ ‫وســتظل هــذه القضيــة حمــل نــزاع سياســي وعقائــدي‪،‬‬ ‫كمــا شــاهدنا بعــد مؤمتــر غــروزين "مــن هــم أهــل الســنة‬ ‫واجلماعــة"‪.‬‬ ‫كانــت حلظــة وفــاة ابــن تيميــة‪ ،‬هــي نفســها حلظــة‬ ‫حياتــه‪ ،‬وقــد ســجل تلميــذه ابــن كثــر شــهادة حياتــه يف‬ ‫ً‬ ‫وصفــا تختلــط فيــه‬ ‫نصــه التاريخــي الــذي وصــف جنازتــه‬ ‫املبالغــة والتقديــس باحلقيقــة التاريخيــة‪ ،‬واســمحوا يل‬ ‫أن أتوســع قليــ ًلا هنــا ألوضــح أن حيــاة األفــكار أخطــر مــن‬ ‫حيــاة األشــخاص‪ .‬هنــاك مقولــة لإلمــام أحمــد بــن حنبــل‬ ‫"بيننــا وبــن أهــل البــدع يــوم اجلنائــز"‪ ،‬وتــروى بصيغــة أخــرى‬ ‫"بيننــا وبينكــم شــهود اجلنائــز"‪ .‬كتــب ابــن كثــر نــص جنــازة‬ ‫ابــن تيميــة علــى وقــع هــذه املقولــة‪ ،‬ونحــن يف احلقيقــة ال‬ ‫نعــرف احلقيقــة التاريخيــة حلجــم اجلنــازة ومــا حــدث فيهــا‪،‬‬ ‫لكننــا نعــرف أن وصــف ابــن كثــر صــار حقيقــة تاريخيــة‪،‬‬ ‫والســلفيون ال ميلــون مــن اســتعادة هــذا النــص واالحتفــاء‬ ‫بــه‪.‬‬


‫بعــض التقديــرات تقــول إن عــدد مــن شــاركوا‬ ‫يف اجلنــازة ســتني ألفــا إىل مائــة ألــف إىل أكــر‬ ‫مــن ذلــك إىل مائتــي ألــف والنســاء بخمســة‬ ‫عشــر ألــف‪ ،‬ويقــول ابــن كثــر بلــغ األمــر أن‬ ‫شــرب جماعــة املــاء الــذي فضــل مــن غســله‪،‬‬ ‫وقيــل إن الطاقيــة التــي كانــت علــى رأســه‬ ‫ــع فيهــا خمســمائة درهــم‪ ،‬وحصــل يف‬ ‫ُدفِ َ‬ ‫اجلنــازة ضجيــج وبــكاء كثــر‪ ،‬وتضــرع‪ ،‬وخُ ت َِمــت‬ ‫أيامــا‬ ‫لــه ختمــات كثــرة‪ ،‬وتــردد النــاس إىل قــره ً‬ ‫كثــرة ليــ ًلا ونهــا ًرا‪ ،‬يبيتــون عنــده ويصبحــون‪،‬‬ ‫ورؤيــت لــه منامــات صاحلــة كثــرة ورثــاه‬ ‫جماعــة بقصائــد جمــة‪.‬‬ ‫هكــذا إذن يقــدم ابــن كثــر شــهود اجلنائــز‬ ‫وكأنهــا تصويــت علــى أفــكار ابــن تيميــة‬ ‫واســتمرار أفــكاره يف النــاس الذيــن عــروا عــن‬ ‫حبــه وتقديــره باملشــاركة علــى هــذا النحــو يف‬ ‫جنازتــه‪.‬‬ ‫إذا كانــت جنــازة ابــن تيميــة رد اعتبــار ملــا وقــع‬ ‫عليــه من ســجن‪ ،‬فســرة حممد بــن عبدالوهاب‬ ‫كمــا ترويهــا كتــب التاريــخ الرســمية الســعودية‪،‬‬ ‫تشــبه الســرة النبويــة‪ ،‬حماطــة بالعنايــة الربانية‬ ‫والتوفيــق‪.‬‬ ‫حكايــة الســر بهــذه الطريقــة جتعلهــا حيــة‬ ‫ومولــدة يف نفــوس األتبــاع‪ ،‬لذلــك ال متــوت‬ ‫ُ‬ ‫أفــكار أصحــاب هــذه الســر‪.‬‬


‫هــل تعتقــد أن حتالــف ابــن عبدالوهــاب مــع ابــن‬ ‫ســعود كان الســبب الرئيــس يف انتشــار الدعــوة‬ ‫الوهابيــة‪ ،‬أم أن الطبيعــة النجديــة البدويــة القاســية‬ ‫كانــت مهيــأة لهكــذا فكــر جــاف ومتشــدد؟‬ ‫لــوال هــذا التحالــف مــا جنحــت الدعــوة‪ ،‬إنــه اتفــاق‬ ‫الدرعيــة ‪ ،1744‬وقــد بــذل حممــد بــن عبدالوهــاب‬ ‫را‪ ،‬وكاد أن ميــوت مــرات حتــى جنــح يف الوصــول‬ ‫جهـ ًـدا كب ـ ً‬ ‫إىل هــذا التحالــف‪ ،‬وهــو باملناســبة حتالــف غــر مكتــوب‪،‬‬ ‫لكنــه مدعــم بالــدم والهــدم "الــدم بالــدم والهــدم بالهــدم"‪.‬‬ ‫أساســا مــن ســرة الدعــوة‬ ‫جــزءا‬ ‫يشــكل هــذا التحالــف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والدولــة‪ ،‬وهــو موضــوع توســعت يف عرضــه يف الكتــاب‪.‬‬ ‫هــذا االتفــاق منــوذج آخــر علــى أن نصــوص التوحــش نتيجــة‬ ‫حتالــف السياســة والديــن‪ ،‬وأن أفضــل بيئــة إلنتــاج نصــوص‬ ‫دينيــة متوحشــة هــي السياســية‪.‬‬ ‫الطبيعــة النجديــة متنوعــة وأنتجــت شــعراء يحتفــون باحليــاة‬ ‫ويتغزلــون باجلمــال ويســتمتعون بالطبيعــة‪ ،‬ويكفــي أن علــى‬ ‫أرضهــا قصــة قيــس وليلــى‪.‬‬ ‫علــى ضــوء البحــث العلمــي والوثائــق املتاحــة يف مــا يخــص‬ ‫ســرة ابــن عبدالوهــاب‪ ،‬كيــف تقيمــون علم ًيــا مــا ورد‬ ‫يف (مذكــرات اجلاســوس الربيطــاين همفــر)؟ ومــا مــدى‬ ‫مصداقيتهــا مضمو ًنــا ومصــد ًرا؟‬ ‫مل يشــكل مصــد ًرا يف دراســتي‪ ،‬وال أجــد لــه قيمــة حقيقيــة‪،‬‬ ‫وليــس لهــذه املذكــرات وجــود يف األرشــيف الربيطــاين‪،‬‬ ‫كذلــك مل أعتمــد كتــاب "ملــع الشــهاب يف ســرة حممــد‬ ‫بــن عبدالوهــاب" فمؤلفــه مشــكوك فيــه ومعلوماتــه عــن‬ ‫الســرة غــر معتمــدة‪.‬‬


‫اعتمــدت يف دراســتي علــى املصــادر الرســمية‬ ‫التــي حتتفــي بهــا الوهابيــة والدولــة الســعودية‪،‬‬ ‫وأهــم مصدريــن همــا كتــاب ابــن غنــام "روضــة‬ ‫وتعــدد‬ ‫األفــكار واألفهــام ملرتــاد حــال اإلمــام‬ ‫ّ‬ ‫غــزوات ذوي اإلســام" وكتــاب ابــن بشــر "قصــة‬ ‫اجملــد يف تاريــخ جنــد"‪.‬‬ ‫يف خضــم مــا كتــب عــن احلركــة الوهابيــة ومؤسســها‬ ‫والدولــة الســعودية األوىل‪ ،‬مــا الــذي يضيفــه (إلــه التوحــش)‬ ‫للقــارئ خــاف مــا هــو متوفــر مــن مصــادر وكتــب؟‬ ‫لــكل دراســة منظورهــا ومقاربتهــا‪ ،‬أنــا حاولــت‬ ‫أن أفهــم كيــف تتأســس دولــة يف القــرن الثامــن‬ ‫عشــر وهــو قــرن احلداثــة الغربيــة‪ ،‬علــى دعــوة‬ ‫دينيــة جوهرهــا تكفــر مــن يختلفــون معهــا يف‬ ‫مفهومهــا املتعصــب للتوحيــد‪ ،‬أردت أن أفهــم‬ ‫كيــف صــار رجــل هــذه الدعــوة (حممــد بــن‬ ‫مؤسســا للدولــة؟ كيــف منــح‬ ‫عبدالوهــاب) أ ًبــا‬ ‫ً‬ ‫الدولــة هويتهــا الشــرعية؟ وكيــف صــارت الدولــة‬ ‫بدعوتــه للتّوحيــد اجلهــة الوحيــدة احملُ تكِ ــرة‬ ‫للعنــف واملمارســة لــه يف الوقــت نفســه‪ ،‬ليس‬ ‫ضــد مــن يخالــف القانــون بــل ضــد مــن يخالــف‬ ‫ّ‬ ‫معتقدهــا؟ هــذه األســئلة ممنــوع طرحهــا‬ ‫يف الســعودية‪ ،‬وال ميكــن مقاربتهــا بعقــل حــر‬ ‫وفضــاء مفتــوح‪.‬‬ ‫مــن جانــب آخــر‪ ،‬أردت أن أفهــم كيــف تولــد‬ ‫مــن مفاهيــم هــذه الدعــوة للتوحيــد والهجــرة‬ ‫واجلهــاد حــركات عنــف وتوحــش تُرهــب العــامل‪،‬‬ ‫وهــذه عينــة مــن تنظيمــات متطرفــة‪ ،‬تتخــذ مــن‬


‫ـما لها وتُعـ ّـرف عقيدتهــا ومهمتها‬ ‫عنــوان التوحيــد اسـ ً‬ ‫الرســالية بالعبــارات نفســها التــي يســتخدمها حممــد‬ ‫بــن عبدالوهــاب يف كتابــه (التوحيــد)‪ :‬جماعــة التوحيــد‬ ‫واجلهــاد (العــراق)‪ ،‬جماعــة التوحيــد (أملانيــا)‪ ،‬جماعــة‬ ‫التوحيــد واجلهــاد (مصــر)‪ ،‬التوحيــد والهجــرة (مصــر)‪،‬‬ ‫التوحيــد والهجــرة (العــراق)‪ ،‬حركــة التوحيــد واجلهــاد‬ ‫(غــرب أفريقيــا)‪ ،‬جماعــة التوحيــد واجلهــاد (بيــت املقــدس)‪،‬‬ ‫جماعــة التوحيــد واجلهــاد (املغــرب األقصــى)‪.‬‬ ‫لــو نظرنــا إىل واقــع املؤسســة الدينيــة الوهابيــة احلاليــة‪،‬‬ ‫هــل جتدونهــا ملتزمــة بأفــكار ابــن عبدالوهــاب ‪-‬خصوصــا‬ ‫يف مــا يخــص الشــرك والتوحيــد والغربــة والهجــرة‬ ‫واجلهــاد‪ -‬أم أنهــا انحرفــت حتــت الضغــوط الدوليــة‬ ‫وضغــوط أصــوات اإلصــاح الداخليــة؟‬ ‫"طاعــة ويل األمــر" تــكاد تعــادل فكــرة اإلمامــة مــن حيــث‬ ‫االنقيــاد والطاعــة‪ ،‬وهــذا مــا يجعــل الدعــوة الوهابيــة‬ ‫كمؤسســة (هيئــة كبــار العلمــاء) أداة ميكــن التحكــم فيهــا‬ ‫وضبطهــا عــر ويل األمــر‪ ،‬لكــن كدعــوة وخطــاب ال ميكــن‬ ‫ضبطهــا‪ ،‬وميكنهــا أن تنتــج جماعــات ال نهايــة لهــا‪ ،‬كدالــة‬ ‫رياضيــة ال نهائيــة‪.‬‬ ‫هنــاك قائمــة للتكفــر وهــي‪ :‬عــدم الــراءة مــن الكفــار‪،‬‬ ‫واإلعجــاب بتشــريعاتهم‪ ،‬وإظهــار املــودة لهــم‪ ،‬والتشــبه‬ ‫بهــم‪ ،‬واتباعهــم‪ ،‬والتقــرب منهم‪ .‬كل عنــوان يف هذه القائمة‬ ‫ً‬ ‫ناقضــا مــن نواقــض اإلســام‪ ،‬و ُيحكــم عليــك بالكفــر حني‬ ‫يعتــر‬ ‫ال تتــرأ مــن الكفــار‪ ،‬أو تُعجــب بهــم‪ ،‬أو تتشــبه بهــم‪ ،‬أو تتبعهم‪،‬‬ ‫أو تتقــرب منهــم‪ .‬لكــن ميكــن أن يتــم تكييــف هــذه القائمــة إذا‬ ‫مــا تعلــق األمــر بـــ (ويل األمــر) فتصبــح [هــذه القائمــة] مصالــح‬ ‫مباحــة‪ُ ،‬يشــرع لهــا ويؤصــل لهــا‪ ،‬و ُيكفــر مــن يعــرض عليهــا‪،‬‬


‫وتُشـ ّـرع احلــرب علــى مــن يقــف ضدهــا‪ ،‬ألنهــا مبثابــة اخلــروج‬ ‫علــى مصالــح (ويل األمــر)‪.‬‬ ‫ال تُكيــف هــذه القائمــة إلنتــاج خطــاب تســامح وســام وحمبــة‬ ‫مــع اآلخــر‪ ،‬فجوهــر الدعــوة‪ ،‬قائــم علــى التشــدد والتكفــر‬ ‫والكراهيــة‪ ،‬لكنهــا تكيــف وفــق قاعــدة اخملــارج الشــرعية‬ ‫ملصالــح ويل األمــر السياســية‪ ،‬حــدث هــذا التكيــف يف حــرب‬ ‫أفغانســتان وغــزو الكويــت واســتدعاء قــوات الكفــار للجزيــرة‬ ‫العربيــة وعاصفــة احلــزم‪.‬‬ ‫باعتقــادك مــاذا ســيتعلم الشــيعة مــن درس التوحــش‬ ‫هــذا؟ أال يســتدعي هــذا البحــث يف اجلــذور العميقــة‬ ‫ســواء أكان ذلــك لــدى الشــيعة أو‬ ‫للكراهيــة وتفكيكهــا‬ ‫ً‬ ‫الســنة؟‬ ‫التوحــش باملفهــوم الــذي اســتخدمته‪ ،‬حالــة متقدمــة علــى‬ ‫حالــة عــدم القبــول باخملتلــف‪ ،‬واالختــاف مــع اآلخــر أو حالــة‬ ‫اعتبــار كل ديــن أو مذهــب أن الديــن اآلخــر واملذهــب اآلخــر‬ ‫ً‬ ‫خرافــا ضالــة‪ .‬يف التوحــش‪ ،‬نحــن أمــام حالــة دعــوة‬ ‫ضالــن أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫للتقتيــل واالســتباحة‪ ،‬اآلخــر ليــس خروفــا ضــالا بــل خروفــا‬ ‫للذبــح‪ .‬أنــا أحتــدث عــن نصــوص عقائديــة وفقهيــة‪ ،‬تُعطــي‬ ‫جليــش اإلذن واألمــر بقتــل جماعــة أخرى واســتباحتها وســلب‬ ‫مالهــا ونســائها‪.‬‬ ‫أرجــو أن ال نخلــط حالــة التوحــش بحالــة التعصــب‬ ‫وضيــق األفــق‪ ،‬فتلــك حالــة أخــرى‪ ،‬مبعنــى أن كل‬ ‫توحــش هــو تعصــب وانغــاق وكراهيــة‪ ،‬لكــن‬ ‫ً‬ ‫توحشــا‪ .‬علينــا‬ ‫ليــس كل حالــة تعصــب وانغــاق‬ ‫أن منيــز بــن احلالتــن كمــا مييــز القانــون بــن‬ ‫حــاالت اجلنــح وحــاالت اجلنايــات‪ ،‬وهــذا مثــال‬ ‫للتقريــب فقــط‪.‬‬


‫يف تقديــري‪ ،‬مل يتــورط الفكــر الشــيعي يف إنتــاج‬ ‫نصــوص متوحشــة باملعنــى الــذي شــرحته‪ ،‬ألنــه كان‬ ‫يف الغالــب ميثــل األقليــة والهامــش‪ ،‬لكنــه تــورط يف‬ ‫إنتــاج نصــوص غــر معقولــة‪ ،‬وثبــت مســلمات عقائديــة‬ ‫مغلقــة‪ ،‬هــي مــن صنــع التاريــخ والسياســة‪ ،‬وأنتــج‬ ‫ســرديات تاريخيــة متخيلــة‪.‬‬ ‫علــى الفكــر الشــيعي أن يتعلــم مــن درس التوحــش‪ ،‬عــدم‬ ‫ـجاعا يف نقــد‬ ‫تقديــس نصوصــه ومدوناتــه‪ ،‬عليــه أن يكــون شـ ً‬ ‫أصولــه وتفكيــك مســلماته مــن شــباك التوظيف السياســي‪،‬‬ ‫واالنغــاق التاريخــي‪ ،‬وإال فهــو مهــدد بظهــور جماعــات‬ ‫متطرفــة يتــم توظيفهــا يف الصراعــات السياســية‪ ،‬واألمثلــة‬ ‫احلاضــرة يف ذهنــي اآلن‪ ،‬ظاهــرة ياســر احلبيــب وجماعتــه‪،‬‬ ‫وظاهــرة أحمــد حســن اليمــاين‪ ،‬وظاهــرة اجلماعــات‬ ‫املهدويــة‪ ،‬وجماعــات الشــعائر املقــززة‪.‬‬


‫صحيفة العامل اجلديد‬ ‫مدونة د‪ .‬علي الديري‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.