درا�سات ونقد ن�صو�ص �شعرية و�سردية مواجهات �سرية و�إجناز حمور خا�ص
49
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف -1ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية
يهتم بالدرا�سات ،والإبداعات الأدبية ،ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة ،وت�شجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز. وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت الن�شر: �أ -الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت. ب -الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). ج -الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند « »٨من �شروط الن�شر). �شروطه: � -١أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق ،و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية. � -٢أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة. � -٣أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا ،و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق. � -٤أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق ( )A4ويرفق بها قر�ص ممغنط. � -٥أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر. � -٦إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة. � -٧أن يكون حجم المادة -وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه -على النحو الآتي: الكتب :ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور. البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ي�صدرها المركز :تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلكالمجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة �صفحة( .تحتوي ال�صفحة على « »250كلمة تقريب ًا). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر ،في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة الجوف� ،إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام� ،أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره� ،إ�ضافة �إلى مكاف�أة مالية منا�سبة. -١٠تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف �إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها. (أ) الشروط العامة: -١ي�شمل الدعم املايل البحوث الأكادميية والر�سائل العلمية املقدمة �إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما ي�شمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مب�ؤ�س�سات غري �أكادميية. -٢يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف. -٣يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته. � -٤أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث. -٦تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة املو�ضوع �إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف ال�شروط العامة(البند «�أ»). -٢ي�شمل املقرتح ما يلي: تو�صيف م�شروع البحث ،وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه ،خطة العمل ومراحله ،واملدةاملطلوبة لإجناز العمل. ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع ،ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة،م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة ،امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين وفنيني ،م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: �إ�ضافة لكل ما ورد يف ال�شروط اخلا�صة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي: � -١أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. � -٢أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجوف :هاتف - 014 626 3455فاك�س � - 014 624 7780ص .ب � 458سكاكا -الجوف الريا�ض :هاتف - 011 281 7094فاك�س � - 011 281 1357ص .ب 94781الريا�ض 11614 sudairy-nashr@alsudairy. org. sa
جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري
ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
هيئة الن�شر ودعم ا ألبحاث
رئي�س ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا ع�ضو ًا
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن �إبراهيم المعيقل د .ميجان بن ح�سين الرويلي محمد بن �أحمد الرا�شد
امل�شرف العام � :إبراهيم بن مو�سى احلميد �سكرترياً �أ�سرة التحرير :حممود الرحمي حمرراً حممد �صوانة حمرراً عماد املغربي �إخـــراج فني :خالد الدعا�س املرا�ســــــالت :هاتف)+966()14(6263455 : فاك�س)+966()14(6247780 : �ص .ب � 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية ال�سعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد
ISSN 1319 - 2566
�سعر الن�سخة 8رياالت -تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع
رئي�س ًا في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن عبدالرحمن ال�سديري زياد بن عبدالرحمن ال�سديري الع�ضو المنتدب ع�ضو ًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلمان بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا د .عبدالرحمن بن �صالح ال�شبيلي ع�ضو ًا د .عبدالواحد بن خالد الحميد �سلمان بن عبدالمح�سن بن محمد ال�سدير ي ع�ضو ًا طارق بن زياد بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �سلطان بن في�صل بن عبدالرحمن ال�سديري ع�ضو ًا �شيخة بنت �سلمان بن عبدالرحمن ال�سدير ي ع�ضو ًا الإدارة العامة -الجوف المدير العام :عقل بن مناور ال�ضميري م�ساعد المدير العام� :سلطان بن في�صل ال�سديري قواعد الن�شر � -1أن تكون املادة �أ�صيلة. -2مل ي�سبق ن�شرها ورقياً �أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملو�ضوعية. -4تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب، على �أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً.
املقاالت املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة والنا�شر.
ُيعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املنا�شط املنربية الثفافية ،ويتب ّني برناجم ًا للن�شر ودعم الأبحاث والدرا�سات ،ويخدم الباحثني وامل�ؤلفني ،وت�صدر عنه جملة (�أدوماتو) املتخ�ص�صة ب�آثار الوطن العربي ،وجملة (اجلوبة) الثقافية ،وي�ضم املركز ك ًال من( :دار العلوم) مبدينة �سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما ق�سم للرجال و�آخر للن�ساء .وت�صرف على املركز م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية. www. alsudairy. org. sa
الـمحتويــــات
العدد - 49خريف 1437هـ 2015 -م
24............................. كتاب اقتصاديات التعليم «استثمار يف أمة»؛ لعبد الواحد احلميد
34........................ الثقافة العربية يف الهند
68............................. تجربة عبدالرحمن الدرعان بين «نصوص الطين» و «رائحة الطفولة»
افتتاحية العدد 4 . ................................................ دراسات :جماليات النص وفنيات السرد في إبداعات القص السعودي -مصطفى الصوفي6 . .............................. «شق النهار» ألسامة أنور عكاشة -هشام بنشاوي10 .......... عدو الشعب ..من إبسن إلى آرثر ميلر -صالح المطيري 14 .. «الفانوس السحري» رص��د للسينما الخليجية واستقراء آللياتها المختلفة -عبدالكريم قادري 21 ..................... كتاب اقتصاديات التعليم «استثمار في أمة»؛ لعبد الواحد الحميد -الزبير مهداد 24 . ................................... الثقافة العربية في الهند -غازي خيران الملحم 34 ............ قصص قصيرة :طريقان -ألباب كاظم 41 . .................... قصص قصيرة جدا -سمية البوغافارية43 . ................... عصفور الصخر -محمد أحمد عسيري44 .................... نصوص قصيرة قضم ٌة نائم ٌة في األسنان -عبداهلل السفر46 . البداية األخيرة قصة قصيرة -نادية أحمد محمد 48 ......... قصة قصيرة -محمد مباركي 50 . .............. «ضاعت منّي» ّ شعر :المطر العاصي -عقل الضميري 52 . .................... وكيف أل ُّم الجراح؟ -حنان بيروتي 54 .......................... اإلنسان يعلن عن ذاته -سليمان العتيق 56 . .................... الشمس من رأسهِ -أحمد هالل59 . ................ ُ الذي تأك ُل قصيدتان -أحمد تمساح62 .................................... َصائِد -محمد محمد عيسى 63 .............................. ق َ ضريح -حمدي هاشم حسانين 64 ............................. قوس البهجة األولى -أحمد نمر الخطيب65 .................. الصباح األنيق -عبداهلل أحمد األسمري 66 ................... اريات -شاهر ذيب67 ...................... أ ُحب ُِّك فلتسألي الذَّ ِ محور خ��اص :تجربة عبدالرحمن ال��درع��ان بين «نصوص الطين» و «رائحة الطفولة» -إعداد :محمود الرمحي وتركية العمري ..مشاركة عيسى األلمعي ،أسماء الزهراني ،جبير المليحان ،خالد اليوسف ،تركية العمري ،هويدا صالح، إبراهيم الحجري ،إبراهيم الكراوي ،عمر بوقاسم 68 . ......... سيرة وإنجاز :د .عبدالمحسن بن فالح اللحيد98 . ............. نوافذ :العالج بالقراءة أو علم الببليوثيرابيا -مرسي طاهر 100 . . طعم الكتابة الشَ يق والشاق عالقة الكتابة بالموجة الرقمية، أحمد الدمناتي ..مشاركة إبراهيم زولي ،هيثم البوسعيدي، صالح جبار محمد ،بشار عبداهلل ،موسى حوامدة ،حمدي الجزار ،كريم رضي ،وزنة حامد ،محمد اشويكة ،عبدالغني فوزي ،فهد العتيق103 . ......................................... مواجهات :الناقد د .عبدالقادر فيدوح ،حاوره الناقد :سعيد بـوعيطة 120 . ..................................................... قراءات135 . .......................................................
صورة الغالف :قلعة زعبل في سكاكا بمنطقة الجوف.
اف���ت���ت���اح���ي���ة ال�����������ع�����������دد ■ إبراهيم احلميد
كثيرة هي المواضيع التي تستحق دراسات مزيدة ،والكتابة فيها بشكل مكثف ..تلك الدهشة التي تجتاح القارئ وهو يسبر النصوص، والكتابة اإلبداعية التي تستحق أن نمسك باللحظة ،وأن نتي َّق َن أن الكتابة في شأنها ال يمكن أن نحيط بها مهما أسهبنا في تخصيص المقاالت وال��دراس��ات ،على األق��ل من وجهة نظر مبدعينا الذين يتوقون إلى الجمال والكمال؛ ذلك أنه وبكل بساطة ال يمكننا اال إثارة المزيد من األسئلة التي تستدعي إجاباتها أكثر من احتمال، غير أن البعد األكثر إثارة هو الوصول إلى اكتشاف النص من خالله مباشرةً ،أو من خالل تسليط األضواء الكاشفة على طريقه. تعرض صفحات العدد دراس��ة مهمة ح��ول كتاب «اقتصاديات التعليم :استثمار في أمة» للدكتور عبدالواحد الحميد ،الذي يناقش أهمية االستثمار في التعليم وعالقته بالتنمية ،إذ إن قوة العمل والتعليم هما السالح التنافسي األول ،وليس الموارد الطبيعية كما كان سائدا طيلة قرون ،ومؤكدا أن أهمية الكتاب ما تزال حاضرة رغم مضي سنوات عديده على صدوره. كما يُسلِّط العدد الضوء على كتاب «الثقافة العربية في الهند» ال��ذي يأتي ضمن إص��دارات مركز الملك عبداهلل بن عبدالعزيز يوض ُح أهم مالمح هذه الثقافة في لخدمة اللغة العربية .الكتاب ِّ
4
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
اف � � � � � � � �ت � � � � � � � �ت� � � � � � � ��اح � � � � � � � �ي� � � � � � � ��ة الهند ،وكيفية بعث العالقة التي تمتاز بجذورها الضاربة بين العرب والهنود؛ سابراً أغ��واراً ومفاوز لم تكن معروفة في جوانب عديدة منها قبل صدوره. وفي المحور الخاص الذي تحتفي فيه الجوبة باألديب القاص عبدالرحمن الدرعان ،حرصت المجلة على إثراء المحور بدراسات حول المجموعتين «نصوص الطين» و «رائحة الطفولة» ،كما يكتب عدد من أصدقاء األدي��ب ُم َقلِّبين في أوراق��ه ونصوصه اإلبداعية ومجموعاته القصصية ونصوصه الشعرية ،مشيدين بـ«توجهه للتجريب ،والخروج عن التقليدية في نصوصه وباللغة الجميلة التي تميزها ..بخصوصية تجعل لكل نص عالمه الخاص» ،ومطالبونه في أماكن أخرى بإخراج ما كتبه ،ألنه ذاكرة إبداعية ال يمكن أن تنسى»، وأن عدم نشره لديوان شعري يضم شتات قصائده يُ َع ُّد اغتياالً لها . يلفت نظرنا «طعم الكتابة الشيق والشاق» ،حيث « الكتابة كينونة وجودية تختار ضحاياها بأناقة جديرة بالتأمل واإلنصات» ،حيث القاسم المشترك بين هؤالء :طعم الكتابة ،وهاجس اإلبداع ،والتجربة الحرة في استخدام الكتابة الرقمية والشبكة العنكبوتية. أما الدكتور عبدالقادر فيدوح ،فيؤكد في مواجهة الجوبة أ ّن «وعينا المعرفي يعتريه دَخَ نٌ ،مشيرا إلى أننا ال نمتلك مشروعا ثقافيا وأن كحاطب ليل ،ال يدري ما الذي يمسكه، ِ الدارس في وعينا المعرفي ويجمعه بين يديه.».. اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
5
جماليات النص وفنيات السرد في إبداعات القص السعودي ρρمصطفى الصويف*
كثير من ال��دراس��ات المعاصرة عن تطور القصة القصيرة في ال��دول الخليجية عامة والسعودية خاصة تشير إلى افتقار فن القصة القصيرة إلى التقنيات الفنية الحديثة ،و تبين الدراسات النقدية أن تطور الفن القصي يمر عموما بمرحلة القص التقليدي والخطابية المباشرة ،لكنها أيض ًا ال تتغاضى عن بروز بعض النماذج القصصية في المرحلة األخيرة التي تحمل سمات القص المتطور وفنياته الحديثة ،وتبعد شيئ ًا فشيئ ًا عن اإلغ��راق في المحلية والمؤثرات البيئية ،والتي تبشر بهوية قصصية لها ميزاتها وشخصيتها ونكهتها الخاصة ،ستأخذ مكانتها في الساحة األدبية العربية. وال نستطيع أن نتناسى عوامل مهمة في هذه المرحلة دخلت بقوة على خط اإلب��داع األدب��ي والثقافي في منطقة الخليج عموماً؛ كانتشار التعليم ،وال��ت��وس��ع المعرفي والثقافي ،وعمق ال��وع��ي ،وات��س��اع ال��ع�لاق��ات م��ع ال���دول الغربية واالطالع على ثقافاتها وآدابها وفنونها ،ومشاركة ال��م��رأة في مجاالت التعليم والثقافة والعمل، واالنتعاش المادي الكبير ،والسياحة ،والتواصل مع مجتمعات جديدة ،وتقنية االتصاالت وشبكة اإلنترنت التي حولّت العالم إلى قرية صغيرة؛ فأصبحت التجارب اإلبداعية والحياة الثقافية واألدبية في متناول الجميع بسهولة ويسر ،وبكل شفافية.
6
والمبدعين ،وأثْرَت مضامين نصوصهم ،وزوّدتهم بأشكال وفنيات القص ولغته وأجوائه النفسية؛ وبالنتيجة بدأت تظهر تجارب أدبية جديدة في جميع مجاالت اإلبداع لها نكهتها المميزة ومالمح من الخصوصية قابلة للتطور مع الزمن وتكوين طريقها التجريبي المتميز. وأي نص إب��داع��ي أدب��ي ،ال بد أن يبرز بين سطوره رؤية الكاتب الذاتية للعالم ،ونستشف من خالله الطريق اإلبداعي لألديب ،وبخاصة إذا ك�رّس له كل جهده ووقته ،وأعطاه كل اهتمامه وعصارة فكره.
ت��م��ث��ل ن���ص���وص ال���ق���اص ال��م��ب��دع (م��ح��م��د ه��ذه ال��ع��وام��ل جميعها أثّ���رت على األدب���اء الشقحاء) في مجال القصص القصيرة أنموذجاً
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
مهماً ومتميزاً للقص السعودي الذي تمكّن من امتالك فنيات القص وتقنياته ،وطوّعها بمهارة في نصوصه اإلبداعية؛ فمسيرة القاص الشقحاء تشير إلى تجربة ذاتية لها خصوصيتها وطابعها المميز ،انطلقت بحرية في رحاب الفن القصصي الصعب ،وحلّقت في فضاءات األدب الرحب ،ما جعله رائداً في فن القصة القصيرة في السعودية. فمسيرة أربعين عاماً من اإلب��داع المتواصل ال للكاتب الذي بدأ الكتابة منذ يعد تاريخاً طوي ً العام 1964م وحتى اليوم ،فأعطى نتاجاً غزيراً بالمقياس اإلبداعي ،وصدرت له أكثر من عشر مجموعات قصصية ،وثالثة دواوين شعرية ،وعدة مؤلفات في الدراسة والنقد األدبي ،وكتبت عن إبداعاته عشرات الكتب والمقاالت. هذه المسيرة اإلبداعية شهدت تطوراً تدريجياً وارتقا ًء مهماً الفتاً للنظر ،بفنيّات القص وتقنياته وأشكاله ومضامينه ..أخرجته من دائرة المحلية والذاتية التي تتصف بالمباشرة والسطحية، والتحليق ف��ي ع��وال��م ش��اع��ري��ة شخصية إل��ى ن��ص��وص قصصية م��ب��دع��ة ،تتصف بالتقنيات الحديثة وال��وع��ي وال��ع��م��ق الفني والمضامين اإلنسانية واله ِّم االجتماعي ،ونضج في األشكال الفنية ،وتوظيفها بمهارة في تحقيق غايات الفن القصصي؛ فيبدو القاص أنه يواصل تطوير أدائه القصصي وتنوّعاته الفنية ويرتقي بنصوصه اإلبداعية ..كما ذكر الدكتور طلعت السيد أنه: «يواصل تطوير أدائه الفني ويرتقي بقصصه من نصوص تتصف باالفتقار إلى الترابط والخيال وغلبة ال��وص��ف ال��ش��اع��ري واع��ت��ب��ار الشخصية أداة لنقل األفكار في المجموعات األول��ى ،إلى نصوص تتصف بالوعي والنضج في مجموعتيه األخيرتين».
فيعطي نصاً قصصياً شديد التوهج والفوران، الحس ِّ يعبر عن عمق المعاناة العاطفية ورهافة وشفافية المشاعر ،لكنها هي ذات الحالة التي تبقي القاص حبيس تجربته الشخصية وغربته الذاتية عن العالم ،ويبقى في ص��راع دائ��م مع ال��واق��ع الصلب ،وت���أزّم نفسي ،وسخط وتمرد لا ومتنفساً ألزماته، وث��ورة دائمة ،فال يجد ح� ً سوى الهروب إلى األحالم الرومانسية والتحليق في عالم الخيال ،لذلك طبعت قصص الشقحاء على نحو عام باللغة الشاعرية الشفافة ،والتعبير عن المعاناة الذاتية واالنفعاالت الداخلية والقلق والتوتر ،والرؤية الساخطة الشخصية لمشكالت العالم.
وي��ج �رّب ال��ق��اص تقنيات متنوعة ف��ي الفن ال��ق��ص��ص��ي ف���ي م��ح��اول��ة ل��ل��خ��روج م���ن ع��ال��م التعبير عن ال��ذات واله ِّم المحلي ،إلى التعبير عن الموضوع والهم العربي اإلنساني .وتتنوع قصص الشقحاء بين القصة القصيرة جداً التي ال تتجاوز السطرين كما في قصص (المتاهة، مناجاة ،الحلم) إلى قصة قصيرة جداً ال تتجاوز الصفحة ..إلى عدة صفحات (األرض ،الصمت، أحالم الرغبات رمزية ،وجه ،توهج ،البقاء على م��ق��رب��ة ،السكين ،اإلس��ف��ل��ت ،ال��م��درج البديل، العجوز النسخة األولى ،النجاح ،األخت الثالثة، ويبدو القاص في حالة نفسية متألقة دائمة الخالص)ـ كما نجد قصصاً قصيرة متنوعة الطول، من االنفعال والتفاعل ،ال تهدأ إ ّال بعد الكتابة، اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
7
لكنه يستمر في السرد ،ويستغرق في الوصف حتى يعطينا فكرة أنه يكتب قصة روائية طويلة (شهرزاد تتحدث ،سبات عميق) .وقصص ألفها عن لسان المرأة (سبات عميق ،متآكال بالصمت).
التقنية القصصية الحديثة ليحوّله إل��ى نص قصصي متميز ،من خالل حركة الحدث وتطوره، ليوصله بمهارة إب��داع��ي��ة إل��ى مرحلة النضوج واالكتمال الفني المثير.
وعندما نتابع النصوص القصصية المتنوعة ل��ل��ق��اص ال��ش��ق��ح��اء ،ن��ج��د ص��ع��وب��ة ش��دي��دة في تصنيفه ضمن اتجاه أدبي محدّد ،بين االتجاهات السائدة ،وكأن محمد يتهرّب بمهارة من االنتماء إلى أي من المدارس اإلبداعية المعروفة على الساحة األدبية السعودية .كما نرى ذلك بوضوح في مجموعاته القصصية( :قالت إنها قادمة، االن��ح��دار ،الغريب الطيب ،الحملة ،الغياب، المحطة األخيرة).
الحدث يعرض فيه الكاتب قصة شخصية ،إنسانية، واعية ،محلّقة الخيال تعوّد صاحبها أن يهرب من أجواء المدينة المملّة ليجلس في مقهى في الضاحية ،يفكّر ،يقرأ ،يحلم باستحضار صورة فتاة أحالمه التي ال تفارق مخيلته ،لكن الشعارات الوطنية والقومية تتزاحم وتتنافس مع أجوائه الداخلية ،يحين وقت عودته ،ويشعر بالحاجة للتبول ،يركب السيارة ،يتخيّل فتاته في انتظاره على الطريق ،يساق إلى مخفر الشرطة ،يُ��ض��رب فلقة على قدميه ،يخلى سبيله ،لكنه يساق م��رة أخ��رى من مجهولي الهوية إلى مكان مجهول ،تبقى سيارته دائرة وجاهزة تنتظر من يقودها.
يجرّب القاص في هذه المجموعات تقنيات جديدة في الفن القصصي في محاولة للخروج من عالم التعبير عن ال��ذات واله ّم المحلي إلى التعبير عن الموضوع ،والهم العربي اإلنساني ك��م��ا ف��ي ق��ص��ة (ال��غ��ري��ب) ،ع��ن��دم��ا يستحضر شخصية ت��رم��ز إل��ى اإلن��س��ان ال��ع��رب��ي ،ويرسم عرض المشاهد مالمح الشخصية العامة ذات خطابات متعدّدة الوجوه ..لكن انفعاالته المتوهجة ،وتوتره تجعله المقطع األول :عبارة عن رسالة غير محدّدة، يقطع السياق ويعلن عن موته فجأة ،فال تكتمل تبين أوضاع الحياة في المجتمع اإلنساني( :فراق، الدالالت الفنية والمعاني الموضوعية للشخصية .شوق ،لقاء ،حب) ،يوظف القاص هذه االنفعاالت اإلنسانية ،بلغة شاعرية شفّافة كنموذج للعالقات التقطيع المشهدي في النص القصصي االجتماعية العاطفية المفقودة في الواقع القائم هذه الطريقة الفنية في التأليف القصصي ومقارنتها بالحلم الحياتي المنشود؛ فتتوهج في نجدها في قصص متنوعة عديدة منها (الرغبة ،ذهنه الرغبة في الهروب من الواقع ،إلى سحر الزهور الصفراء ،مـدى االنحدار ،الوهم ،شهرزاد الحلم وجاذبيته الوردية. تتحدث ،ذاكرة النسيان). المقطع الثاني :يصور عملية هروب شخصية
8
في قصة (إبحار في ذاكرة النسيان) يستخدم القاص تقنيات فنية قصصية مميزة في القص الحديث ،وهي التقطيع المشهدي في سياقات أحداث القصة ،فرغم أن حدث القصة عادي في الحياة اليومية لإلنسان ،غير أن القاص يستخدم
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ب��ط��ل ال��ق��ص��ة م��ن رت��اب��ة ال��ح��ي��اة ف��ي المدينة، وجمودها وسأمها إلى مقهى خارج المدينة التي اعتاد الجلوس فيها مع صحفه وأحالمه ،فيصور المؤلف ه��ذه الحالة بقوله« :مدينة األش��ب��اح والضياع ...حيث تجد في كل زاوية شبحاً يتلفّح
وكأن هذه الحالة من األجواء تعبر عن تجربة شخصية للمؤلف ،رومانسية المظهر ،لكنها مختلفة عن الهروب الرومانسي التقليدي نحو الطبيعة والوحدة والتأمل ،بل نجد هنا هروباً رومانسياً معكوساً نحو الضجيج والصخب الذي تتميز ب��ه أج���واء المقاهي .فالمقهى توفر له الشيشة والقراءة الخاصة ،وضمن هذه األجواء يستحضر حلمه الداخلي ،فتطل من بين السطور صورة فتاته ،يستغرق في عالمها ويعيشه كبديل أو تعويض عن أج��واء واق��ع المدينة ،وأشباحها ومعاناته ،ومن نقيق الضفادع والملل واإلحباط.
المقطع الخامس :في المخفر يتعرض للضرب المبرح على قدميه التي يصور فيها القاص حالة الصراع بين عالمين متداخلين ،عالم المخفر وعالم الفتاة الحلم التي تلعق قدميه المتورمتين، فالقاص يرمز إل��ى العيش ال��دائ��م م��ن هاجس مخلصا ً القمع من كل شيء ،فتكون الفتاة الحلم، من هذا القمع.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
بالطو ...وحيث يرتفع نقيق الضفادع التي تتجول بسيّارات مختلفة األشكال والموديالت ،األمر الذي يجعل كل الطرق ،تؤدي إلى خارج المدينة».
الحلم تنتظره في الشارع ،يتوقف جانباً ويطفئ أضواء سيارته بانتظار حضورها ..لكن المفارقة الكبيرة هي حضور الشرطة ،التي تلقي القبض عليه بحجة إطفاء أض��واء السيارة ،وهي إشارة رم��زي��ة ل��م��ح��ارب��ة ح��ل��م ال��ح��ي��اة ،وح��اج��ة رج��ال الشرطة لألضواء لكشف ما يفعله الناس.
المقطع الثالث :الشخصية تنتهي من القراءة فيستغرق في التصورات واألخيلة ،ويستحضر زيف الواقع والشعارات القومية ،فيرفض الشيشة وينحّ يها بقرف ،وه��ذا يشير إلى ت��أزّم الصراع وذروته بين الواقع المهروب منه ،وبين ما يقدمه المقهى من وسائل ترفيه ،فيؤدي به الصراع إلى االنحصار والشعور بالحاجة إلى التبول نتيجة شدة تأثير االنفعاالت النفسية التي يعاني منها وتوصله إلى الذروة ،وهذه اإلشارة تتكرر في أكثر بهذه التقنية القصصية المشهدية الجميلة من موضع في المجموعة ،والنتيجة تشير إلى استطاع القاص الشقحاء أن يطور الحدث ،وينمّي انتصار الوعي والتعلّق بالحلم على االستسالم للشيشة ،والشعارات المزيفة في توظيف بارع تفاعالته وانفعاالته ،ويجسّ د التجربة اإلنسانية لألحاسيس والمشاعر الداخلية في سياق القص .ومعاناتها ،وغربة اإلنسان في خضم التطورات والمتغيرات السطحية والمظاهر المزيفة ،التي المقطع الرابع :يتجلى في مرحلة العودة من المقهى بدافع العادة ودافع الحاجة للتبول ،وهي تجري في مجتمعه ،فيبقى يعيش في حالة دائمة استجابة لعملية االضطراب والصراع الداخلي من المعاناة ،من التوتر ،من الخوف ،من الوحدة، النفسي بين االستسالم ألج��واء المقهى ،وبين من القلق ،من الضياع ..على أمل أن يجد نفسه الحلم الذي يتولّد من القراءة .فيتخيل أن فتاة يومًا ما ،فيعيش حالة انسجام بين ذاته وواقعه. أخيراً يخرج من المخفر ..يعيش في ضياع مبهم ،ال يتذكر بيته أو يرفض العودة إليه ،يسأل متسوالً ،تأتي سيارات مجهولة ،تقوده إلى مكان مجهول ،وتبقى سيارته مضاءة ،دائرة المحرك، جاهزة تنتظر أحدًا يقودها ،في محاولة للمقارنة بين المجتمع القمعي القاهر ،وبين المجتمع اإلنساني الذي أشار إليه القاص في المقدمة.
* كاتب سوري مقيم في األردن.
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
9
«شق النهار» ألسامة أنور عكاشة آخر روايات صاحب الروائع التلفزيونية ρρهشام بنشاوي*
يستهل عميد ال��درام��ا التلفزيونية ،ال�ك��ات��ب ال��راح��ل أس��ام��ة أن��ور عكاشة (2010-1941م) رواي�ت��ه األخ�ي��رة «شق النهار» ،والتي نشرها مسلسلة في جريدة «األهرام» بعودة بطل رواي�ت��ه شوقي ،الكهل ال��ذي اشتعل رأس��ه شيبا ،إلى بيت األس ��رة بعد انفصاله ع��ن زوج�ت��ه ،ول��م يكن بالبيت س��وى ال�ع��مّ ��ة نجية واب�ن�ه��ا ال�ض��ري��ر الشيخ ع ��ادل .وتذكر حديث أخته عن محاولة انتحار ابنة عمه في ليلة زفافه ،وهو المغرم باألميرة الساكنة في «سرايا الباشا» ،وكان يتابعها عن بعد؛ لم تكن المالمح واضحة ،كان ي��راه��ا كطيف أشقر ي��رت��اد الحديقة الخلفية ف��ي الصباحات الشتوية ،والهالة الضبابية تغشى عينيه ،ويكاد يميز فقط خصالت الشعر الذهبي المنحدر على الجبين والخدين ،وهي مستغرقة في ق��راءة مجلة أو كتاب .ويدهشه أن الشيخ الضرير ي��رى نهير ،كما يراهم جميعا ،حين أخبره بأنها ع��ادت إل��ى البيت بعد عشرين عاما ،عقب تجربة زواج فاشلة ،وراوده األمل في أن يراها مجددا ،بعدما لمح الضوء يتخلل ضلفتي «الشيش» في إح��دى غرف الطابق الثاني ،وخالجه أمل مراوغ في إمكانية انفراجهما تحت وطأة حر الليل ،وبدا متلهفا لسماع أخبار األسرة من الشيخ عادل ،وعقدت الدهشة لسانه حين علم بأن الشيخ عادل يتردد على «سراية الباشا» ،وتنامت مشاعر الضيق بين جوانحه تجاهه ،حين اكتشف أنه على عالقة ود بأهل «السراية» ،ويكاد أن يصبح واحدا منهم. ورآه��ا تستقبل الشيخ عادل وبصحبته فتى الشطرنج النابغ متهللة ،وسرعان ما اندمجوا في حوار باسم تتخلله الضحكات، ثم تركوا الحديقة إل��ى ال��داخ��ل ،وس��اوره
10
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ف��ض��ول معرفة حكاية الشيخ ع���ادل مع ال��ج��ي��ران ،وان��ت��ظ��ر ع��ودت��ه حتى الفجر، واستنكر عادل تضايقه من توطد عالقته بفتاة «س��راي��ا الباشا» ،وتذكر ح��واره مع
وحكى شوقي للشيخ عادل عن مرارة معاناته م��ع طليقته ،التي حرمته م��ن رؤي��ة الطفلين، فنصحه بأن يبحث عن حب جديد يبعث الحياة في قلبه ،ملمحا إلى «سراية الباشا» ،وأحبطه الشيخ عادل حين طلب منه رقم هاتفها الخاص لكي يكلمها ،بأال يحاول وال يسبب لنفسه الحرج،
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
أخته ألفت ،التي أخبرته عن زواج نهير بصديق ع���ادل ،الشيخ ط��ارق العسكري ،وش��رد ذهنه وه��و يستحضر معاناته مع زوجته المريضة، ال��ت��ي رف��ض��ت ،ف��ي إص����رار ،دخ���ول مستشفى األم���راض النفسية ،وشهد الجيران ومخافر الشرطة الكثير من المهازل ،كاتهامها له بخطف أبنائه ،أو ادعائها محاولته قتلها ،وإبالغه بنفسه عن محاولتها إشعال النار في المسكن بإلقاء أنبوب البوتاغاز في مسقط العمارة ..وأفاق من ش��روده على صوت ألفت ،وهي تروي المأساة التي تورطت فيها نهير بعد زواجها من الطبيب، الشيخ العسكري ،ال��ذي كان يخفي خلف قناع الرجل التقي الباسم سادية شيطانية ،والتي تعدتها إلى ضحية أخ��رى ،حيث فوجئت نهير ذات ليلة بجثة ام��رأة في المطبخ ،كانت هي جسر خالصها ،بعد سنوات من الصبر ،بعدما قضت نحبها تحت تعذيبه ،وساومته بالطالق مقابل ع��دم التبليغ عنه .ح��دث كل ه��ذا وهو في أس��وان ،التي اعتبر تعيينها فيها بعيدا عن العاصمة عقابا ،وهو الذي رفض كل إغراءات أورب��ا ،وتمسك بما سماه القيم القديمة ،وفي ه��ذه المدينة المنعزلة ،أصيبت زوجته بنوبة اكتئاب حادة ،بسبب رتابة الحياة ،وطلبت العودة إلى بيت أسرتها ،وفوجئ بوالدها واألخ األكبر يصران على الطالق.
قالها في وجوم فضح ما بين جوانحه ،فسأله إن ك��ان يحبها ،ورد ف��ي انكسار« :وه��ل مثلي يجرؤ على حب مثلها؟» ،وغادر الغرفة ،وفوجئ به يبكي بال صوت في الشرفة الخلفية .وعند محاولة شوقي التودد إليه طلب منه أن يتركه وحده ،ولم يستطع النوم في تلك الليلة ،بعد أن ظل السؤال يتأرجح في ذهنه :لماذا تصادف أن يولع كالهما بنفس الفتاة؟ وهل استكثر عليه وهو األعمى أن يتمتع بجمال ال ي��راه؟ وبقيت األسئلة تتناسل ،وغرق في بحيرة الحيرة. صباحا ،ل��م يجده ف��ي البيت ،وحين خرج للبحث ع��ن��ه ،التفت إل��ى حديقة «ال��س��راي��ة»، وفوجئ بالشيخ جالسا مع نهير وأمها وبعض األط��ف��ال ،وه��و يغني إح���دى أغ��ان��ي األط��ف��ال، فتجمد في مكانه ذاهال ،واندلعت نيران الغيرة ف��ي ص����دره .ان��ت��اب��ه إح��س��اس شيطاني دفعه لكي يفسد عليه متعته ،فدخل عليهم مقتحما جلستهم الصباحية المرحة ،وادع��ى أن عمته طلبت منه استدعاء الشيخ ع��ادل أينما كان، وفطن هذا األخير لحيلته ،ورد عليه ردا حادا ساخطا أثار ذهول الجميع ،وغادر المكان طالبا منه أال يتبعه مرة أخرى ،مهددا إياه بترك البيت والحي والمدينة كلها له. وعندما لم تهتم نهير باعترافه لها بحبه لها، قرر مغادرة المكان ،وجاء ليودعها ،وأخبرها أنها رحلة استشفاء ،وأنشد بيتا شعريا لجميل بثينة، وحين هبت غاضبة بدعوى أنها ال تفهم شعره، طلبت منه معرفة ما أل ّم بصحته ،فأجابها« :أنت مرضي ..وأريد أن أشفى منك». وت��ج��در اإلش���ارة إل��ى أن ال��ق��ارئ سيستمتع
اجلوبة -خريف 1437هـ (11 )2015
بالمشاهد الحوارية البليغة في الرواية ،ويعزى هذا إلى كون الراحل أسامة أنور عكاشة يولي أهمية بالغة للحوار في سائر أعماله الدرامية. ****
12
بسبب قانون ال��ط��وارئ ،اعتقل شوقي أمام الجامعة ،حين وجد نفسه عالقا في مظاهرة سياسية ،وه��و ف��ي طريقه إل��ى ال��ع��م��ل ،وفي المعتقل ،حقق معه أب��و ق���ردان ،زم��ي��ل أخيه المناضل الراحل شهدي ،واتهمه هذا األخير بأنه وش��ى بهم جميعا في ليلة واح��دة ،وخيل إليه أن��ه يدفع ثمن نضال وال��ده وأخيه شهيد القضية ،وهو الذي عاش متشرنقا منعزال .وفي المعتقل المفتوح أحس شوقي بأن حياته خاوية، حين الحظ أنه الوحيد الذي بال قضية ،وتتكرر أيامها في رتابة ،وأغراه رفيق الزنزانة ،الشاعر عباس بالبحث عن الواحة الضائعة ،والتي لم اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
تكن سوى استعارة عن الحرية ،وألن المعتقل في الصحراء ،لم تضع الحكومة حراسا وال وأحس شوقي َّ أس��وارا ،ألنه بعيد عن العمران، بأنهم يحرضونه على الهرب بطريقتهم الخاصة، فقرر خوض التجربة؛ بينما فشلت نهير في أن تجعل من قضية شوقي قضية رأي عام ،وقاومت االستسالم لفكرة الفقد ،وتضاربت اآلراء حول شوقي فيما يتعلق بأنشطة سياسية سرية ،حتى شكت نهير والشيخ عادل في معرفتهما له ،وهو الذي كان أشبه بكتاب مفتوح بالنسبة إليهما، وات��ص��ل المسؤول الكبير /قريب نهير طالبا مقابلتها في مكتبه وأخبرها ببراءة شوقي ،في حين اتصل الشيخ ع��ادل بصديقه الضابط، وال���ذي أك��د ل��ه أن خبر اإلف���راج عنه صحيح، وصعقه خبر هروب شوقي من معسكر االعتقال. **** ما بين الحلم واليقظة ،اختفى عباس ،وهو هائم على وجهه في البيداء لمح شوقي شيخان، وتبعهما دون أن يعرف وجهتهما ،وحاول تذكر رفيق الرحلة عباس ،وفكر في سبب اختفائه، وهو يتذكر أنهما لم يتشاجرا ،ثم لم يتذكر أنه ك��ان برفقة شاعر يدعى عباس .وم��ع تباشير الصباح ،وصلوا إلى الواحة ،وغرق في غيبوبة بعدما اجتاز العتبة ،ولم يعرف قدر ما نامه من نهاره ،واستيقظ ليال ،ووج��د الواحة الخالية مليئة بأناس لم يرهم من قبل ،وجد نفسه بين ال��ط��وارق ،لكن سرعان ما اكتشف أن ضيافة ال���ط���وارق ك��ان��ت م��ج��رد ح��ل��م ،ح��ي��ث استيقظ وهو نائم على سفح الجبل ،وال أثر للواحة وال للطوارق أو غيرهم ،لكنه وج��د نفسه يرتدي العباءة المغربية التي ألبسوه إياها ،كان يرتعد
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
من الحمّى ،ووجد بالقرب منه الشاعر الحزين وانتابه حنين جارف لأليام الخالية. عباس ،الذي صاح به :أفلت من الموت بأعجوبة. ف��ي حجرته بقي نائما ل��م��دة ث�لاث��ة أي��ام، وف��ي غ��ي��اب��ه ،تقوقع الشيخ ع���ادل ونهير ،واعتبر األطباء نومه وسيلة للهرب من مواجهة وانفصال عن محيطهما ،وتكثف وج��ود شوقي الواقع؛ بعد أن تقمص شخصية أخيه المناضل في المكان رغم الغياب ،وأصبح محورا في حياة شهدي ،وحتى طليقته لم تدرِ إن كان شوقي فعال الكثيرين ممن افتقدوه وأحسوا بلوعة الفقد .أم شهدي .لم تعد واثقة من أي شيء ،بعد أن وتلقت نهير دعوة للقاء قريبها الموظف السامي ،غمت عليها المالمح والقسمات بعد خروجه من والذي أبلغها أنه تم التوصل لمكان شوقي ،وسبب المعتقل« .ك��ان واردا أن يكون األخ هو اآلخر، القبض عليه تشابه أسماء مع ناشط خطر ،وقد وأن يكون هذا اآلخر هو الحقيقة ،ولعلها تكون أفرج عنه بعد القبض على الشخص الحقيقي ،هي من سقطت في الغيبوبة» ،وتفاجأت بأنه وتم تعيين فرق إنقاذ جابت الصحراء برا وجوا ،ترك البيت وبحثت عنه في بيت العمة ،ودلها وأودع المستشفى ليعالج من تداعيات الحمى ،الشيخ ع��ادل على مكانه ،حيث كانا يجلسان بيد أن نهير غادرت مكتبه وهي محبطة ،كأنها تحت الشجرة ،وكل واحد منهما يمسك كتابا، لم تصدق الحكاية ،وأحست أنها تكره شوقي ،وأخبرها أنهما تزوجا باألمس. وف��ي طريقها إل��ى البيت التقت الشيخ ع��ادل، وتضاربت اآلراء حول شهدي ،الذي قيل إنه وكانت بحاجة إل��ى ال��ب��وح ،فجالسته على نيل مات ،وأنه هاجر إلى أوربا الشرقية ،واستقرت حلوان ،وأخذت تحدثه عن حياتها السابقة... أقوال أخرى عند الثوري الذي ال يغادر المعتقل **** إال ليعود إليه في اليوم نفسه .ولم تجد لدى عاد شوقي إلى الحي ،اتجه إلى البيت باحثا الشيخ أي كالم يشفي غليلها ،وأبلغها أن الشك عن طيفها تحت الشجرة ،وصعق بخبر رحيل يمأل قلبها ،وهي تعلم أن زوجها خائن ،وهو من األسرة إلى الخارج ،وسلمته الخادمة مظروفا وشى بأخيه ،لكن الشيخ ال يستطيع أن يحدد من يحمل عطر نهير ،وتبدت له رسالتها غامضة ،منهما الخائن ومن الضحية« ،قد يكون شهدي وتالها على الشيخ عادل ،فطلب منه اللحاق بها ،هو شوقي .صدقيني فأنا ال أستطيع التفرقة وذهل رده الشيخ ،بأنه ال يمكنه أن يتخلى عن بين صوتين يصالن إلى أذني صوتا واحدا وأنا مسؤولياته الحزبية والرفاق ويركض خلف قصة كما تعرفين ال أرى ..ألمس األشياء فقط وقد حب غامضة ،فتمتم الشيخ« :كنت أظ��ن أنني تحسست الوجهين ولم أجد فارقا يميز أحدهما أعرفك ،ولكن ما أسمع منك اآلن يؤكد أنني لم عن اآلخر!» ،وتركته ،وسارت في طريقها لتبحث أكن سوى حاطب ليل يضرب في الظالم» ،واتجه عن طفليها ،وحين رأتهما ينتظران عند محطة الشيخ إلى الحديقة واتخذ مكانه تحت الشجرة المترو ،أيقنت أنها ستجده هناك. * كاتب من المغرب.
اجلوبة -خريف 1437هـ (13 )2015
عدو الشعب.. من إبسن إلى آرثر ميلر ρρصالح بن محمد املطيري*
المخلص الغيور وهو يرى مجتمعه الذي تربّى بين ناسه، ُ هلع يحسّ ه ترى أي ٍ ودرج على أرضه ،وتنسّ م هواءه ،ينحدر نحو الهاوية الماحقة ،من غير أن يشعر المخلص كمداً وحسرة أ ّن الناس َ ُصة ويزيد أحد؟ بل إ ّن ما يزيد األم َر هلعا وغ ّ ال يستشعرون الخطر ،بل ال يريدون أن يستشعروا أي خطر ،وال يريدون من أحد أن يُخرجهم من الوهم الذي هم فيه ..رغم أنّهم يسيرون نحو الهاوية وهم ال يشعرون. ت��ل��ك ه���ي ال��ف��ك��رة ال��رئ��ي��س��ة ال��ت��ي قريش يريدون أن يعرفوا ما الخطب
تمثّل بؤرة الصراع في مسرحية (عد ّو الذي يصيح به؟ فأقبل عليهم صلى اهلل الشعب) ،للكاتب النرويجي هنريك إبسن عليه وسلم وقال: المتوفى عام 1906م .وهذه الفكرة تذكّر
بقصة معروفة في السيرة القاري حقاً ّ النبوية العطرة ،وذلك عندما أمر اهلل نبيه المصطفى صلى اهلل عليه وسلم
أن يصدع برسالته ،فما كان منه إال أن ال من تالل مكة وصاح بملء فيه: عال ت ً
14
«أرأي����ت����م إن ح��د ّث��ت��ك��م أن ال��ع��دو مصبّحكم أو ممسّ يكم ،أكنتم مصدّقيّ ؟ قالوا :نعم ،قال :فإني نذي ٌر لكم بين يديّ عذابٌ شديد». فما كان من أق��رب الناس إليه وهو
واصباحاه ،واصباحاه ،فالت ّم عليه رجال عمّه أبو لهب إال أن قال :ت ّباً لك سائ َر
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
اليوم ،ألهذا جمعتنا؟ فأنزل اهلل تعالى( :تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَه ٍَب َوت ََّب). والحال نفسه في هذه المسرحية تحدث هنا ،إذ يصل الطبيب العالم (ستوكمان) إلى حقيقة مصيرية خطيرة تهدّد حياة البلدة التي يسكن فيها ،ثم يريد إعالنها ونشرها بين السكان ،فيُجابه ويُ��ص� ّد عن ذل��ك من أقرب الناس إليه. وهذه المسرحية هي عم ٌل درامي عظيم، وقد انتشرت ترجماتها في كثير من اللغات، وها هي بين يديّ اآلن في نسخة إنجليزية صاغها بأسلوب مسرحي رصين الكاتب األمريكي آرثر ميلر ،المتوفى عام 2005م. يعيش الطبيب توماس ستوكمان في بلدة الشك عن اليقين :إنّ الماء في هذه الينابيع تعتمد ف��ي اقتصادها على ينابيع مائية، يحتوي على أصلِ البالء وأصلِ الداء ،إنّه ماءٌ يقصدها الناس من أنحاء القطر لالستشفاء ملوّثٌ ببكتيريا وبائية تهدّد صحّ ة ك ِّل من في والراحة واالستجمام ،وتقوم إدارة البلدة ببناء البلدة وك ِّل من يأتي إليها! مشروع مائي يستمر سنوات ،لغرض تعزيز إنّه ألم ٌر جلل ،بل طا ّم ٌة كبرى ،كيف تكون البعد السياحي وتنشيط االقتصاد ال��ذي يعتمد على ه��ذه الينابيع ،فيجني السكان ه��ذه الينابيع ال��ت��ي يأتيها بعضهم لطلب واإلدارة أرب��اح��ا وع��وائ��د مجزية م��ن هذه الصحة وال��ش��ف��اء ..ف��إذا هي تهديه الوباء والبالء؟ بل كيف يصدّق السكان أن الماء السياحة المائية. الذي يظنونه عنوان الصحة في بلدتهم ،فإذا وما هي إال أن يالحظ الطبيب ستوكمان هو يصير بؤرة الداء والوباء؟ بعض األع��راض الغريبة على مرضاه الذين يتحصل الطبيب على التقرير الذي فيه يستخدمون هذه الينابيع ،حتى تبدأ تساوره الشكوك التي تقلق راحته ،ف��إذا هو يأخذ نتائج الفحص المخبري الخطيرة التي تدين عيّنات مخبرية من ماء هذه الينابيع فيبعث الينابيع وتتهمها بالتلوث وال��م��رض ،ولكن بها إلى مختبر الجامعة ،وما هي إال أن تأتي كيف يعلن هذه الحقيقة للناس وكيف يُطلع النتائج الخطيرة من المختبر ،حتى يسفر عليها المأل؟ وكيف سيستقبلون هذه الحقيقة
اجلوبة -خريف 1437هـ (15 )2015
16
الصارخة ،يا ترى؟
ألنها األه ّم الستمرار الصحيفة في البلدة.
م���ن ه��ن��ا ،ال ب���د ل��ل��ط��ب��ي��ب م���ن ال��ل��ج��وء للصحافة إلعالم الناس بهذا النبأ العظيم، والصحافة نقصد بها هنا صحيفة البلدة الوحيدة التي يمثلها ثالثي يتألف من الناشر ورئيس التحرير والمحرر .في البداية يُطلع رئيس التحرير ومساعده المحرر َ الطبيب على النتائج المخبرية التي تعلن هذه الحقيقة الخطيرة ،طبعا للوهلة األولى تَعد الصحاف ُة مث َل هذا النبأ الخطير سبقاً صحفياً على مستوى القطر ،تتهافت على نشره ويسيل له لعاب المحرر والرئيس ،فيتعاطفان مع الطبيب ،وي��ظ��ه��ران ل��ه جاهزيتهما التامة لنشره في العدد التالي للصحيفة ،فيسلّمهما الطبيب التقرير ،ويحرّصها على نشره دون أي تصرّف أو أخطاء مطبعية أو خالفه.
يواجه الطبيبُ ستوكمان أخ��اه محافظ البلدة بالنتائج الخطيرة عن تفشي البكتيريا الوبائية في مياه الينابيع ،وهي الينابيع التي استم ّر مشروعُها سنوات ،وأصبحت منتجعاً يستقطب إليه السياح من كل األنحاء ،يبيّن الطبيب ألخيه المحافظ أنه سبق له -أي الطبيب -أن حذّرهم من بناء هذا المشروع في مكانه المنخفض ه��ذا ،وأ ّن��ه كان يجب مكان أعلى مما هو عليه اآلن، ٍ تأسيسه في ولكنهم في مجلس اإلدارة لم يأخذوا برأيه، بل ألقوه في سلة اإلهمال .ومع مرور الوقت ان��ح��درت البكتيريا م��ن أعلى البلدة حيث مدابغ الجلود ومصانعها ،ووج��دت طريقها إلى الماء.
وتتخذ األح��داث منعطفا مقلقا للغاية، حيث تتدخل السلط ُة مُمثّل ًة في المحافظ، أي محافظ البلدة ،الذي هو أخو الطبيب، فيعمل هذا المتنفّذ على منع نشر التقرير الذي يشوّه سمعة الينابيع ويتّهمها بالتلوث والوباء ،هنا تقع الصحافة في مطبّ السلطة والخوض في مستنقع الممنوع الذي يجب أال تغامر فيه ،يلوّح المحافظ المتنفّذ للناشر والمحرر بالتبعات الجسام التي ستترتب ع��ل��ى ن��ش��ر م��ث��ل ه���ذا ال��ت��ق��ري��ر ،وإن شئت ق��ل إن المحافظ جعل ي��ل�وّح لهما بالعصا وال��ج��زرة ،فتتهاوى كل القيم وك��ل المبادئ وكل الشعارات الصحفية للناشر والمحرّر، فيميالن إل��ى المداهنة ،وي��ؤث��ران العافية، اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
لم يقتنع المحافظ بهذه النتائج الجديدة، وألقى بظالل الشك على مصداقيتها ،وقال ملف النسيان حتى ال تؤثر إنه يجب طيّها في ّ على اقتصاد البلدة القائم على هذه الينابيع، وإذا ح��دث أس���وأ األح����وال «ف��س��وف تنظر اإلدارة حينها فيما يمكن عمله من تحسينات واحتياطات» ،ولكن دون نشر أي شيء أو أي نتائج تسيء إلى سمعة الينابيع. طبعاً ،الطبيب ستوكمان تسيطر عليه الروح المثالية هنا ،ويرى أن واجبه األسمى ودوره األج ّل هو تبليغ هذه الحقيقة للناس حتى يصيروا على بيّنة من األمر ،ويعملوا ما من شأنه مكافحة أصل الوباء ،أو على األقل تجنّب الوقوع في أسبابه ،وهذا يقتضي على البلدة عمال عظيما وخطبا جسيما ،وهو أن
وهكذا ،يستمر الطبيب في إصراره على تبليغ رسالته مهما كانت التضحيات جسيمة، إنه يرى أنه ال يهم أن تخسر البلدة أمواال طائلة ما دام��ت أنها ستكسب في النهاية صحة السكان وتحسم أصل الوباء ،ويواصل ال��رج��ل إص����راره على إع�ل�ام ال��ن��اس بهذه الحقيقة ،وتواصل السلطة تصدّيها له بكل وسيلة ،وبكل وجه وفي كل مكان.
للمحافظ لكي يتحدث ويهوّل من نشر النتائج المتعلقة بالماء ،وأنها ستنسف اقتصاد البلدة وت��رم��ي ب��ه إل��ى الحضيض ،وأن��ه��ا ستسبب ارتفاع الضرائب ومضاعفتها على الناس، لكي يعيدوا بناء مشروع الينابيع من جديد، أي أنها سترهق كاهل الشعب بالنفقات، وستثقل عليهم المؤونة ،وأن النتائج المخبرية في النهاية -رغم الشك في مصداقيتها -ال
وتُغلق أب���واب التبليغ ف��ي وج��ه الطبيب ُوصل رسالته المخلص ،ويريد الرجل أن ي ِ إلى الناس ،والصحيفة الوحيدة نكصت على عقبيها ورفضت النشر ،والسلطة تحبط أيَّ اجتماع عام يعلن عنه الطبيب ويدعو الناس ٍ إليه ،وتُفشل أي فرصة أم��ام الطبيب لكي يتحدث إلى العموم ويبيّن لهم خطورة الماء في الينابيع ،وهكذا تقف السلطة في وجه الطبيب ،وتوصد أمامه كل وسيلة ،وتحبط له أي عمل .بل األقسى من ذلك ،أنها سلطت عليه سفهاء الناس يرمون بيته بالحجارة، وي��ق��ع اخ��ت��ي��ار منصب ال��حَ ��ك��م أو رئيس ويضايقون أوالده في المدرسة ،وينغصون الجلسة على الناشر ،أي ناشر الصحيفة، عيشه في البلدة. وقد علمتَ آنفا أن الحكومة استطاعت أن ولكن هذه المنغّصات ال تفتّ في عضد تطوي هذا الناشر مع محرريه تحت جناحها، الطبيب وال تف ّل عزيمته ،ومتى ك��ان أولو حتى أصبحوا جميعا من حزب السلطة ،ومن العزم من الرجال يحفلون بالمنغصات التي أدواتها المدجنة ،وهكذا يدير هذا الحكم تعترض سبيلهم؟ وهل توجد رسالة سامية ال المدجّ ن ذلك االجتماع على نحو جائر ،فيمنع تقف في طريقها عقبات وصعاب؟ هذا هو الطبيب من اإلدالء بأي إيضاح أو التحدث إلى شأن الدنيا منذ الخليقة. الجمهور ،فيما يفسح المجال على مصراعيه
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ت��دكّ المشروع المائي القائم من أساسه! وتبنيه من جديد في مكان مرتفع ال تصل إليه بذور الوباء.
ويستمر الصراع في المسرحية على هذا النحو ،الطبيب يحاول أن يقنع الناس بحقيقة الماء الملوث بالوباء ،والسلطة تفسد وتُفشل له أي محاولة ،وأي اجتماع ،أو أي إعالن ألي من يدعو إليه؛ حتى تمكّن الطبيب بعد ٍ أن يقنع واحدا ممن يتعاطفون معه أن يتيح له قاع ًة صغيرة في بيته ،يدعو إليها الناس ليسمعوا منه ،وحتى في هذه المحاولة تأتي السلطة إل��ى المشهد ممثلة في المحافظ نفسه ،حيث يحضر المحافظ هذا االجتماع رئيس ٌ ويقترح أن يكون هناك حَ َك ٌم مستقل أو للجلسة لكي يضبط األم���ور ويعيد إليها النظام متى ما انفرط عقده.
اجلوبة -خريف 1437هـ (17 )2015
تستحق كل هذه التضحيات الجسيمة ،إلى آخر هذه التهويالت التي يلقيها المحافظ على النظارة ف��ي ثقة واع��ت��داد ،وتُستقبل بكل استحسان وترحيب وأريحية من رئيس الجلسة ،ذلك الحكم المُدجّ ن. ينفض الطبيب المتفاني يديه من ُ هنالك هذا المجتمع ،ذلك المجتمع الذي قرر أن يسترسل في غيّه ،ويستمريء الوهم الذي يتخبط فيه ،ويتعامى بل يجبن عن مواجهة الحقيقة التي يعيش فيها ،فيقرر الطبيب وقوم آخرين.. عندها الهجرة إلى عالم آخر ٍ عالم بعيد ال صلة له بهذا المجتمع ،ألم يقولوا في مأثور القول (ال كرامة لنبي في قومه).
لعلك تسألني ما الفكرة التي يريد إيصالها إب��س��ن م��ن ه��ذه المسرحية؟ طبعا قضية اكتشاف الطبيب لحقائق تشير إلى تسمم المياه في البلدة ما هو إال مثال استعاري، يشير ه��ذا المثال إل��ى القضية أو الفكرة األكيدة والحقيقة المحضة التي يصل إليها المثقف المخلص الغيور بعد بحث وتحقيق تمس سالمة مجتمعه وتهدد بقاءه وتأكد أنها ّ وتشكل خطرا حقيقيا على مصيره.
ومن هنا ،يجد المخلص دوره األول في إي��ص��ال ه��ذه الحقيقة إل��ى ال��ن��اس ،وه��ذا محض بالغ كما ترى ،يليه طبعا الدعوة إلى اتخاذ ما يترتب على هذه الحقيقة من عمل أو إجراءات أو احتياطات لدرء األخطار ،آو ها هو الرجل العالم المخلص الغيور ال في األقل لتقليل اآلثار التي يمكن أن تترتب يجد مَن يصغي إليه ،وها هم دهماء الناس على هذه القضية أو تلك. وبينما المخلص يشرع ب��أن يقوم ب��دوره وسفهاء البلدة يحطمون نوافذ بيته بالحجارة، فتتهاوى ال��ح��ج��ارة على بيته كما تتهاوى المنشود ذاك ،وبينما هو يتهيأ ليعلن على أمس الحاجة إلى معرفته، السهام على المحاصرين ،فينظر الرجل إلى المأل ما هم في ّ أبنائه وأسرته نظرة أسف ولسان حاله يقول :إذا بالسلطة تدخل على الخط وتحول بينه ال مقام لنا هنا بعد اليوم ،فيطلب عند ذاك وبين ما يريد إبالغه ،وهذه السلطة قد تكون من أحد أصحاب السفن لكي يبحث له عن اإلدارة الزمنية ،أي فئة الساسة التي تتحكم سفينة تأخذه وأسرته ليهاجروا جميعا إلى بمصير المجتمع ،أو قد تكون الناس أنفسهم، أمريكا ..وتنتهي أحداث المسرحية في آخر ألن السلطة الزمنية قد تزيّن للناس مناهضة مشهد على ه��ذا الوضع ،الطبيب وأسرته المخلصين فيقومون بالدور نيابة عنها ،كما يتلقى أل��وان األذى من ه��ذه البلدة الظالم رأينا من تسليط الدهماء على بيت الطبيب، أهلها ،ويتطلع إلى الخالص والخروج منها .يقذفونه بالحجارة وعلى أوالده يضايقونهم ذلكم هو ملخص الصراع في مسرحية في المدرسة ،ويؤذونهم في الطرقات.
18
طبعا أطراف القضية هنا هي( :المثقف) ع��دو الشعب لـ «هنريك إبسن» كما صبّها آرثر ميلر في نص مسرحي معاصر ،واآلن ..المخلص ،والسلطة ،والصحافة .وقد أشبعنا
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
ال��ق��ول ع��ن المخلص وع���ن ال��س��ل��ط��ة ،أم��ا الصحافة فما أحراها أن تكون كقول الشاعر:
وم � � � � ��ا ش� � � � � � ّر ال � � �ث �ل ��اث� � ��ة أم ع� �م ��ر ب �ص��اح �ب��ك ال � ��ذي ال ُت�ص�ب�ح�ي�ن��ا! فالمؤلف إبسن وإن ك��ان يدين الساسة بشدة هنا ،إال أنه يُلحق بهم الصحافة بال ريب ويتهمهم بالتحيز والمماألة ،فالصحافة في أحداث المسرحية دائما نجدها تحطب في حبل السلطة وتعزف في جوقتها وتحلّق في سربها ،وقد رأينا كيف أن ناشر الصحيفة ورئيس التحرير ومحررها قد انضووا كلهم تحت لواء السلطة عندما لوّحت لهما السلطة بالعصا والجزرة؛ طبعا يتضح هنا أيضا أن القيم الصحفية ،قد تكون في غالب الحال قيما مثالية تعلّق فقط على مكاتب الصحيفة وتوضع تحت عنوانها ،وتلقى في المحافل العامة من غير أن يكون لها أي تأثير ملموس ف��ي م��س��ار ال��ص��ح��اف��ة أو م��م��ارس��ة العمل الصحفي نفسه ،ألن العمل الصحفي شأنه ش��أن ك��ل مهن المجتمع ،يمتهنه أشخاص
مثلي ومثلك ،يتأثرون بقوى الشد والجذب والترغيب والترهيب وال��خ��وف على لقمة العيش وعلى رزق العيال ،وما إلى ذلك من مؤثرات وأسباب قد تزاحم أحيانا ال ُمثُل التي تتردد أصداؤها هنا وهناك ،وتطنطن بها الصحيفة أو الشركة أو أي جهة أخرى. والمشكلة ال��ت��ي ت���ؤرق ال��ن��اق��د ف��ي هذه ال��م��س��رح��ي��ة أن ال��م��ؤل��ف إب��س��ن ق��د ت��رك القضية معلّقة ما بين المخلص والسلطة، فال المخلص نجح في إقناع السلطة ،وال السلطة ُوفّقت في تهدئة المخلص وترويضه وك � ّف��ه ع��ن إص����راره؛ كما أن الطرفين لم نوع من يصال أيضا إلى حل وسط ،أو إلى ٍ المهادنة أو ما أشبه .وال شك أن كثيرا من الناس ممن يتبنى التفكير العملي -دعني من الميكافيلي -قد يرى أن المسألة يمكن أن يكون لها حلٌّ وسط ،أي فكرة بين المنزلتين، تخفف من غلواء المخلص ،وتقلل أيضا من تعنّت السلطة .إن مسألة ش��دَّ الحبل من الطرفين سينتج عنها بال ري��ب انقطاعه،
اجلوبة -خريف 1437هـ (19 )2015
كما أن الهروب من المشهد ،وهو الذي كان يخطّ ط ل��ه الطبيب المخلص عند انتهاء ال المسرحية ليس هو في حقيقة األم��ر ح ً للمشكلة ،وإنما قد يكون باألحرى هروباً من الواقع كما قد يراه بعضهم .نعم قد تحمّل المخلص أصناف األذى وألوان المشقة ،لكن الذي ال شك أنه ليس من الحكمة ،وليس من مصلحة المجتمع ،وليس من التدبير الحسن االستمرار في هذه القطيعة بين الطرفين كما قد يرى كثير ممن عركتهم الحياة؛ فالمخلص وال��س��ل��ط��ة ك�لاه��م��ا ف��ي م��رك��ب واح����د في النهاية ،وألجل أن يصل المركب إلى شاطئ األمان ال بد أن يحاوال أن يتقاربا في وجهة النظر ،أو على األقل يؤجال األم��ور العالقة إلى أن تبين على حقيقتها كالشمس في رابعة النهار .والمعروف أن من خُ لق السلطة ،أي سلطة ،إذا ما فوجئت بما تكره من األمور، أنها تنكر وتكابر وتمعن في اإلع��راض أول األمر ،ثم تشك في إمكانية األمر ،ثم تضطر إلى االعتراف أخيرا ،يقول طه حسين عندما ق��رأ عمال مشابها لمسرحيتنا ه���ذه ،هو (الطاعون) أللبير كامو: «فالحكومة ف��ي أول األم��ر ق��د فوجئت ب��ال��ك��ارث��ة ،ل��م تكن تنتظرها ول��م تكن قد استعدت لها .وهي من أجل ذلك تُنكر الكارثة مخلصة ،ثم متكلفة ،ثم مكابرة ،ثم تضطر إل��ى االع��ت��راف بما ليس ب��دٌّ من االعتراف به ،ثم تتخبط في مواجهة الكارثة ،فيكثر
خطؤها ويقل صوابها ...وليست حال الشعب نفسه بأحسن من حال الحكومة ،فالشعب يشك ثم ينكر ،ثم يتكلّف ،ثم يكابر ،ثم يذعن للحقيقة الواقعة»(.)1 تلكم ه��ي ح��ال السلطة وح���ال الشعب عندما يل ّم بهم الخطب الذي يرى المخلصون نذره بينما يتعامى بعضهم عنه ،وهي كما ترى حال مشابهة. وقبل أن أضع القلم ال بد أن أشير إلى ما يمكن أن يكون حكمة صائبة أو تدبيرا حسنا ،وهو (فتّش عن الماء) ،وتذكّرنا علة ال��م��اء ف��ي ه��ذه المسرحية ب��رواي��ة (أرض النفاق) للمرحوم يوسف السباعي ،إذ يرى المؤلف أن جرثومة النفاق -ه��ذا المرض االجتماعي الذي يفتك باألخالق والمثل -قد تسربت إلى النهر الذي يسقي البلد ،وأنها قد عششت بل باضت وفرّخت في جزيئات الماء الذي يشربه الشعب من قرون ،لذا فما كان من الكاتب المخلص (شخصية الرواية) وق��د ض��اق ب��ه��ذه الحقيقة المؤلمة إال أن حمل كيسا كبيرا من األخالق الفاضلة (فيه كميّة وافية من مسحوق الصدق والشجاعة واإلخالص!) وقذف به في عرض النهر .وما هي إال أن يختلط الكيس بما فيه من أخالق فاضلة بماء النهر الذي يشربه الناس حتى تظهر أولى النتائج المرجوّة على المأل وعلى لسان خطيب الجمعة!
* كاتب من السعودية. ( )1طه حسين ،ألوان ،دار المعارف ،القاهرة1981 ،م ،ص .356
20
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
«الفانوس السحري» رصد للسينما الخليجية واستقراء آللياتها المختلفة ρρعبدالكرمي قادري*
تدعمت مكتبة السينما العربية بمنتج جديد ،للناقد السينمائي السعودي خالد ربيع السيد ،المعنون( :ال�ف��ان��وس ال�س�ح��ري ...ق��راءة ف��ي أف�لام خليجية) الصادر عن دار جداول (2014م) ،رصد من خالله حركية السينما في دول الخليج العربي .وقد جاءت هذه التجربة النقدية التي تناول من خاللها الناقد العديد من األفالم الروائية الطويلة والقصيرة والتسجيلية ،عن طريق القراءات الجمالية المتبصرة ،تتخللها تحليالت عميقة تسهم بشكل أو بآخر في وضع أسس متينة لصناعة متن خاص وفاعل لسينما خليجية مستقبال. ج���اء ه���ذا ال��م��ن��ت��ج ال���ورق���ي ليكون رافدا من روافد النهوض بالفن السابع، ويمشي جنبا إلى جنب مع القطاعات األخ���رى التي تصب ه��ي األخ���رى في بوتقة التأسيس لهذه السينما المنتظرة، وأق��ص��د بها األف�ل�ام التي باتت تنتج هنا وهناك ،إضافة إلى المهرجانات السينمائية الكبرى التي تنظم في هذه ال���دول؛ وه��ي كلها معطيات تتماشى م��ت��واز م��ع ال��ك��ت��اب��ات النقدية ٍ بشكل الرصينة ،والتي تكون في الكثير من األح��ي��ان بمثابة ال��م��ن��ارة ال��ت��ي ترشد سفن المخرجين ،كي يختاروا الطريق
السليم؛ ومن أهمها تجربة الناقد خالد ربيع السيد الذي نتناول كتابه ،خاصة وأن���ه يملك م��ن الثقافة السينمائية لمختلف التجارب العالمية ،ما يؤهله ليكون صاحب رأي ورؤي��ا يقتدى بهما في السينما. تعكس ه���ذه ال��ث��ق��اف��ة ال��ع��دي��د من ال��ت��ج��ارب النقدية ال��ت��ي سبقت هذا الكتاب ،م��ن خ�لال فانوسه السحري ال���ذي ك��ان بمثابة ال��ج��زء األول لهذا الكتاب ،وال��ذي تناول فيه العديد من تجارب السينمائية العالمية والعربية المختلفة واتجاهاتها ،أهمها بدايات
اجلوبة -خريف 1437هـ (21 )2015
سينما هوليود ،والموسيقى في السينما، والسينما الشعرية ،والسينما التونسية، والمصرية واإليطالية والفرنسية ،والسينما الفقيرة ،وسينما الهالك ،وسينما المعتقالت وال��ح��روب ،وخ�لاف��ه م��ن األب���واب األخ��رى، وكلها جوانب للكتابة المثقفة والصحيحة. جاءت معظم القراءات النقدية في هذا الكتاب مؤثثة بالمعرفة ،وعميقة بشعور المسؤولية تجاه السينما وصناعة الصورة وتحويلها إلى منتج مفعم بالروح.
22
ق��سّ ��م ال��م��ؤل��ف ك��ت��اب��ه إل���ى ال��ع��دي��د من الفصول ،استهلها بمقدمة تناول فيها تجربته الخاصة مع المشاهدة السينمائية ،والتي كانت معاناة في ظل غياب قاعات العرض خ�لال س��ن��وات الثمانينيات والتسعينيات وحتى مطلع األلفية الثانية ،وكانت أغلب مناهله الثقافية للسينما الخليجية هي مطالعته لما يكتب في الصحف .ويضيف الناقد من خ�لال ه��ذه المقدمة بخصوص بداية اهتمامه بالسينما الخليجية «أستطيع أن أق��ول اآلن إنه بدأ اهتمامي يتكون بعد مشاهدتي ألفالم هيفاء المنصور القصيرة التي كان من الممكن تحميلها من اإلنترنت وهي« :من؟»« ،الرحيل المر»« ،أنا واآلخر» و«نساء بال ظل» ،ثم بعد مشاهدتي لتجارب سعودية وبحرينية عرضت ف��ي ج��دة عبر مهرجان ال��ع��روض المرئية عامي 2006م و2007م ،ومسابقة أف�لام السعودية عام 2008م ب��ال��دم��ام ،التي فتحت ب��اب�اً لألمل سرعان ما أغلق لعدم استمرارية المسابقة في السنوات التالية». اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ويضيف «غير أن االهتمام الحقيقي الذي تشكّل لديّ كان بعدما شاهدت في 2008م مجموعة من التجارب في مهرجان الخليج السينمائي بدبي ،فعزز ذلك لديّ االلتفات إليها ،وإن كنت ال زلت أنظر إليها بغير عين االعتبار ،إذ كانت ضعيفة المستوى الفني بشكل عام». ي��ل��ي ه����ذا ال��ت��ق��س��ي��م م���دخ���ل ب��ع��ن��وان «السينما ..اتصال وتنمية وتثقيف» ،رصد فيه الناقد المكانة التي أصبحت عليها السينما في العالم ،وأهميتها القصوى كآلية للمعرفة والتوعية ،ووسيلة تعبير فنية عن الواقع المعاش ،ليذهب المؤلف إلى أكثر من هذا ،ويبرز الدور المهم للسينما في صناعة االنطباع الجماعي للفرد والمجتمع ،من خالل المشاهدة الجماعية في صالة عرض، ليكون االتفاق الذهني بمثابة المادة األولية التي تعكس أسباب ه��ذا االتفاق الذهني. ومن جهة أخرى ،يواصل ربيع المضي قدما
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
في إبراز الدور الكبير للسينما ،وأن يدعم ال��س��ع��ودي «وج�����دة» و«ح���رم���ة» و«ص���دى» هذه الفكرة بتجربة عملية للسينما المصرية ،وخالفه من األف�لام األخ���رى ،ناهيك عن إذ يكتب «تأمل ما فعلته السينما المصرية تناوله العديد م��ن المواضيع التي تمس خ�ل�ال ع��ق��د ال��ث��م��ان��ي��ن��ي��ات ح��ي��ن عرضت قضايا السينما الخليجية ،من بينها «صورة مشكالت زواج الشباب وأزمة اإلسكان من ال��م��رأة ف��ي األف�ل�ام العمانية القصيرة»، خ�لال ع��ش��رات األف�ل�ام ،وتناولتها بزوايا و«الفنتازيا الكوميدية في أف�لام الشباب متباينة ،فأسهم ذلك ،مع عوامل أخرى ،في تحريض رؤوس األم���وال ،ودف��ع مؤسسات الكويتيين القصيرة» ،و«ظاهرة أفالم الطلبة العقار العامة وشركات المساهمة الخاصة اإلم��ارات��ي��ي��ن ال��ق��ص��ي��رة» ،و«ال��م��وض��وع��ات إل���ى ال��ت��وجّ ��ه ن��ح��و ب��ن��اء م��ئ��ات اآلالف من كمدخل لألفالم اإلماراتية القصيرة». ال���وح���دات ال��س��ك��ن��ي��ة ،ح��ت��ى ت�لاش��ت تلك أما الباب الثاني ،فيتناول الناقد خالد المشكالت مع مطلع التسعينيات». ربيع السيد أف�لام عبداهلل المحيسن ،من وعليه ،نستنتج من خالل ما كتب خالد بينها« :اغ��ت��ي��ال مدينة» و«اإلس��ل�ام جسر أن السينما تحمل ثقال دالليا ومعرفيا كبيرا، المستقبل» و«الصدمة» و«ظ�لال الصمت» وتسهم بالعديد من األشكال في بناء حضارة ليرحل بعدها إلى الباب الثالث واألخير، الشعوب ومكتسباتها؛ من أبسط األشياء ويضع أم��ام ال��ق��ارىء سلسلة من التقارير االجتماعية والمطالب التنموية المختلفة، إل���ى ص��ن��اع��ة ال��ذه��ن وال��ف��ك��ر ال��ج��م��اع��ي ،والحوارات التي أجريت معه ،والتي نشرت في كل من جريدتي «المدينة» و«الرياض»، وتوجيهه إلى ما يخدم األفكار والمزايا. لتبدأ بعدها رحلة الكتاب مع ثالثة أبواب ومجلة «ال��ع��رب��ي» الكويتية ،إذ أظهر من
وثالثة وعشرين فصال؛ إذ جعل من الباب خاللها رؤاه للفن السابع وآلياته وواقعه األول حيزا يلج من خالله بشكل مباشر تاريخا ومستقبال ،وما تحتاجه هذه السينما إلى عالم األف�لام الخليجية ،لتكون بداية كي تزهر وتنمو. الفصل األول مع قراءته للفيلم اإلماراتي ال��ف��ان��وس ال��س��ح��ري ،ق���راءة ف��ي أف�لام «الدائرة» ،للمخرج الشاب نواف الجناحي، خليجية ،يعد وثيقة نقدية مهمة ز ّي�نَ��ت عدّد فيه الناقد القيم المختلفة للفيلم ،من الموضوع إل��ى الشكل وحركات الكاميرا ،رفوف المكتبات العربية ،وستكون مرجعاً إضافة إلى العديد من التجارب السينمائية مهماً وتوثيقياً للفن السابع في دول الخليج، األخ��رى ،وهذا على غرار كل من الفيلمين سينهل م��ن معينها الكثير م��ن الباحثين البحرينيين «ك��ن��اري» و«ال��ب��ش��ارة» ،والفيلم والدارسين ومحبي السينما. * كاتب من المغرب.
اجلوبة -خريف 1437هـ (23 )2015
«اقتصاديات التعليم :استثمار في أمة» كتاب لعبد الواحد الحميد أسئلة وشجون تتجدد باستمرار ρρالزبير مهداد*
لعل ال�ن�ق��اش ح��ول أهمية االس�ت�ث�م��ار ف��ي التعليم وع�لاق�ت��ه بالتنمية أصبح متجاوزا في الوقت الراهن ،بعدما تأكد بالدليل والحجة أن التعليم ليس مجرد خدمة اجتماعية تقدم ل�لأف��راد ،بل هو استثمار؛ واالستثمار في التعليم يعود بمردود مالي على الدول النامية بالخصوص .هذه الحقيقة توصلت إليها نتائج البحوث العلمية التي أنجزت في هذا الحقل في ظل أنظمة سياسية مختلفة؛ رأسمالية وليبرالية واشتراكية؛ أجمعت كلها على أن مردود االستثمار في ميدان التعليم ي�ع��ادل أو ي�ف��وق م ��ردود االس�ت�ث�م��ار ف��ي ال�م�ي��ادي��ن األخ ��رى؛ كالمصانع، وال �م��زارع ،والنقل ،وغيرها .ه��ذه ه��ي الفكرة العامة التي يتمحور حولها كتاب (اقتصاديات التعليم :استثمار في أم��ة) ،الذي صدر عن دار مصر للطباعة ،من تأليف الدكتور عبدالواحد الحميد. الحميد ليس مجرد مصنّف أو مؤلّف بين أفكار ،فهو خبير اقتصادي ،حائز على درجة الدكتوراه في االقتصاد من جامعة ويسكانسون /ميلواكي بالواليات المتحدة ع��ام 1404ه����ـ1984/م ،عضو هيئة ال��ت��دري��س بجامعة الملك فهد ل��ل��ب��ت��رول وال��م��ع��ادن .ت��ول��ى مناصب حكومية مهمة ومسؤوليات اقتصادية
24
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
وتدبيرية جسيمة ،منها :وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير ،ونائب وزير العمل ،ومكلف ب��إدارة صندوق تنمية الموارد البشرية ،وأمين عام مجلس القوى العاملة ،عضو مجلس الشورى، عضو مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات االجتماعية ،والهيئة العامة لالستثمار ،وعضو اللجنة التحضيرية
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د للمجلس األعلى لشؤون البترول والمعادن ،بفهم الخطاب واستيعابه ونقده ومناقشته؛ رئ��ي��س ت��ح��ري��ر مجلة االق��ت��ص��اد ،ومجلة وهذا ما يفسر الصراحة والدقة والجرأة س��ع��ودي ك��وم��ي��رس ،ون��ائ��ب رئ��ي��س تحرير على المكاشفة التي تحلّى بها الكاتب في جريدة اليوم. طرحه. ال��ك��ت��اب ف���ي األص����ل ب��ح��ث أ ُل���ق���ي في اللقاء السنوي الخامس لمديري التعليم في القصيم ،ال��ذي أقيم من 25 - 23ذو القعدة عام 1417هـ ،أي قبل عشرين سنة، اللقاء حضره فاعلون في المضمار التعليمي ونافذون ،وقياديون حكوميون .فهو حديث خبير ل��خ��ب��راء ،وخ��ط��اب مكاشفة ل��ذوي االخ��ت��ص��اص ،ال��ذي��ن يتسلّحون بالتكوين األك��ادي��م��ي ال��ع��م��ي��ق ،وي��م��ت��ل��ك��ون ال��خ��ب��رة الدقيقة ،راكموا تجربة ميدانية تسمح لهم
فهل األفكار التي يتضمنها الكتاب ما
تزال جديرة بالقراءة ،متجددة ،على الرغم من طول المدة التي انقضت منذ نشرها ألولت مرة؟
يشير د .عبدالواحد الحميد إل��ى أن
النمو االقتصادي ال��ذي حققته الواليات
المتحدة األمريكية ك��ان لغزا للباحثين،
حتى نهاية الخمسينيات الميالدية؛ فقد أج��رى الباحث االقتصادي روب��رت سولو
اجلوبة -خريف 1437هـ (25 )2015
(نوبل االقتصاد عام 1987م) بحثاً مهماً، كَشَ ف من خالله أن الزيادة في رأس المال الطبيعي ال تفسر إال أقل من نصف الزيادة ف��ي النمو االق��ت��ص��ادي األم��ري��ك��ي؛ فأيقن الباحثون أن حلَّ اللغز يكمن في االستثمار في رأس المال البشري ،أو ما ُعبِّر عنه بـ «نوع العمالة» ،مشيرا إلى أن اإلنجازات في التعليم وراء تحقيق عدد من الدول لنموها االقتصادي الكبير. إن للتعليم المدرسي أهميته بال ريب؛ فهو القوة الحيَّة في شتى مناحي الحياة، والعامل األس��اس واألق��وى للتقدم؛ بل هو زيادة على ذلك ،ذو صلة أساسية بالتقدم والعدالة االجتماعية والمساواة في الفرص، واإلسهام الفعال في بناء المجتمع وتشكيل سمات األفراد وتحقيق التكامل بين عناصر ومكونات شخصيتهم وإنمائها. ال ببلداننا، لكن ،يبدو أن اللغز لم يجد ح ً فاإلنفاق على التعليم لم ي��ؤ ِّد إلى النتائج المنتظرة. محتوى الدراسة عالج الحميد قضية اإلنفاق على التعليم والنتائج المتحصلة منه م��ن خ�لال عدة جوانب ،سردها بترتيب دقيق ،موزّعة على فصول ،لكل فصل عنوان مالئم.
26
بفصل عنوانه: ٍ يستهل المؤلف كتابه «التعليم وم���أزق ال��ن��درة» ،أش���ار فيه إلى أن أم��ري��ك��ا م��ن أج��ل م��واج��ه��ة العجز في الموازنة ،قررت وضع سياسة تقشفية ،لكن اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
إنفاقها على التعليم لم يتعرّض لتخفيض؛ ب��ل وأك��ث��ر م��ن ذل��ك ،ق��ررت بشكل ج��ريء ج��دا زي���ادة اإلن��ف��اق على التعليم؛ وكانت النتيجة نمو اإلنتاج الوطني ،وهذه النتيجة استجابت لطموح هذه الخطة ،ولم تخيب ظ��ن واضعيها ،ال��ذي��ن ك��ان م��ن رأي��ه��م أن التعليم أه��م األول��وي��ات التي يجب أن ال يمسّ ها التقشف؛ ألن قوة العمل والتعليم هما السالح التنافسي األول ،وليس الموارد الطبيعية ،كما كان سائدا طيلة قرون. �وض��ح��ا أن رج��ال وي��ض��ي��ف الحميد م� ِّ االق��ت��ص��اد يُ���عِ ���دِّ ون اإلن��ف��اق على التعليم استثمارا في رأس المال البشري ،ذا مردود مرتفع ،يفوق م��ردود االستثمار في إقامة المصانع واآلالت ..إال أن المشكلة ،تتمثل في أن العائد من االستثمار في رأس المال البشري يتحقق في المدى الطويل ،األمر ال��ذي ي��ؤدي في بعض األحيان إلى تأجيل التوسّ ع في اإلن��ف��اق على التعليم؛ بسبب االح��ت��ي��اج��ات االجتماعية الملحّ ة ،التي يصعب على الحكومات تأجيل مواجهتها. إال أن العناية باالحتياجات االجتماعية وتأجيل اإلنفاق على التعليم قد يؤدي إلى آثار سلبية وخيمة على األم��ة ،وليس على ال��ف��رد وح���ده ،م��ا يحتّم دع��م الحكومات لهذا النوع من االستثمار بسبب «العائد االج��ت��م��اع��ي» ال��م��رت��ف��ع ،وم��ن أج��ل إع��ادة التوازن بين التكلفة الفردية التي يتكبدها الفرد ،و«التكلفة االجتماعية» التي يتحملها موضحا أن األنشطة التي المجتمع .ويسهب ِّ
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
تسهم في تطوير رأس المال البشري هي: التعليم ،والتدريب على رأس العمل ،وتعليم الكبار ،والخدمات الصحية. ويؤكد الباحث أن التعليم كخدمة ذات ثمن ،أثرُه يتعدى البائع والمشتري ليشمل المجتمع أيضا ،وكلما ازداد الطلب على بضاعة التعليم ازدادت مكتسبات المتعلم والمجتمع؛ وألن الفائدة ال تتحقق في المدى القريب ،فإن الواجب يحتّم على الدولة دعم التعليم ،لقطف النتائج على المدى البعيد والمتوسط .ألن االستثمار في رأس المال البشري هو المؤثر في التقدم والتنمية، وليس الزيادة في رأس المال الطبيعي والتي ال تفسر التقدم االقتصادي.
وي���ت���س���اءل ال��ح��م��ي��د ع���ن أي اإلن��ف��اق أفضل لبلداننا ،وال��ذي يتوقع منه أفضل مردود يخدم التنمية ،هل هو اإلنفاق على التعليم االبتدائي أم الثانوي أم الجامعي؟ واستعرض عدة إجابات على هذا السؤال توصلت إليها نتائج أب��ح��اث أج��ري��ت في دول عديدة ،وتبين منها – اعتبارا لدرجة نمو بلداننا – أن دراسة العوائد االجتماعية للتعليم تبرز أهمية التعليم االبتدائي ،ثم الثانوي ،ثم العالي .فالدول ذات الدخل المنخفض تحقق عوائد مهمة عند التوسع في التعليم الثانوي ،في حين تحقق الدول المتقدمة ذات الدخل العالي أفضل العوائد عند التوسع في التعليم العالي.
إال أن ال��ت��ح��دي ال�����ذي ي���واج���ه ه��ذا االستثمار هو أن كثيرا من النفقات ال تذهب إلى التعليم مباشرة ،بل تتوزع على جوانب شتى؛ كنفقات الصيانة واإلنشاء ،وتدريب المعلمين ،وتطوير المناهج ،والوسائل التعليمية ..إل��خ؛ واألس��وأ من ذلك أن نوع التعليم ال يكون جيداً على ال��دوام محققاً آلمال واضعي السياسة التعليمية؛ فبعض الخريجين ال يخدمون التنمية الوطنية، والنظام التعليمي ال يستجيب لحاجات سوق الشغل ،وخبرات خريجي التعليم ال يستفاد منها ،كما قد ال يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ،إلى جانب استنزاف وتحت عنوان «اإلن��ف��اق ليس كل شيء» التعليم الجامعي للميزانية الضخمة بدل التعليم الثانوي ،ال��ذي يستوعب أضعاف يلفت الحميد النظر إلى أن العوائد المجزية أعداد المستفيدين من التعليم الجامعي. ال تتحقق ب��م��ج��رد تخصيص ميزانيات
اجلوبة -خريف 1437هـ (27 )2015
للتعليم؛ فالتمويل ليس هو المُحدِّ ُد األساس لربحية المشروع؛ فهناك جوانب أخرى غير اقتصادية تؤثر في مردود االستثمار .وبلغة الخبير االقتصادي ،يرى الحميد بخصوص االس��ت��ث��م��ار ف��ي رأس ال��م��ال ال��ب��ش��ري أن المنطق يقتضي العمل على تحقيق أعلى مردود بأقل كلفة ،ليكون االستثمار مربحا؛ لكن على الرغم من أن السلوك االقتصادي يظل أم��راً مهماً ،ومع ذل��ك ،ينبغي النظر إلى التعليم من زاوية غير اقتصادية بحتة، بوصفه حقاً إنسانياً. ال��س��ؤال ال��م��ط��روح ،ه��ل يتم استغالل الموارد لتحقيق الكفاءة المطلوبة؟ يجب ع��ل��ى ال��م��س��ؤول��ي��ن ت��ح��دي��د ال��م��ق��ص��ود من ال��ك��ف��اءة ،ح��ت��ى ي��ت��م ع��ل��ى ض��وئ��ه��ا قياس ال��م��ردود وال��ن��ت��ائ��ج( ،ي��ق��دم أمثلة دقيقة ومشخّ صة للمفاهيم وطرق القياس).
28
هل الخصخصة هي الحل؟ تحت هذا العنوان يستعرض الحميد العديد من اآلراء التي أدلى بها االقتصاديون؛ فمنهم من يرى أن الحل في خصخصة التعليم ،وآخ��رون ي���راع���ون الطبيعة االج��ت��م��اع��ي��ة للقطاع ويرفضون فكرة الخصخصة ،باعتبارها تهدد مصالح الطبقات الفقيرة وتضرب حقها في التعليم المجاني ،وآخرون يدعون للخصخصة مع االحتفاظ للدولة بتدخلها ف��ي ال��ق��ط��اع ك��ح��ل وس���ط ي��رض��ي جميع األط����راف .وم��ن أه��م المُنظّ رين للعملية «ميلتون فريدمان» رجل االقتصاد األمريكي الحائز على نوبل االقتصاد ،والذي تحمس اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ف��ي ب��داي��ة األم��ر لخصخصة القطاع ،ثم م��ا لبث أن راج���ع كثيراً م��ن أف��ك��اره ،إثر النقاشات التي تناولت آراءه ،واالنتقادات التي استهدفتها. ف��ال��خ��ص��خ��ص��ة ك��ف��ك��رة ت��ب��دو وج��ي��ه��ة، واالنتقاد ال يوجَّ ه لها في حد ذاتها ،لكن في طريقة تنفيذها وحدودها وإجراءاتها، والضمانات المخولّة للمواطنين في مواجهة شركات القطاع الخاص التي تحتكر تقديم خدمات التعليم. ويؤكد الحميد أن األخطاء االستثمارية ف��ي التعليم ت��ك��ون نتائجها ف��ادح��ة ،ألن اإلنسان ليس آلة يمكن االستغناء عنها إذا لم تنتج ،فعندما تُرتكب أخطاء في التعليم، تُ��خَ �رِّج ال��م��درس��ة إنسانا غير ق���ادر على اإلسهام في تنمية المجتمع ،وتترتب عن ذلك نتائج سيئة تضر بالمجتمع كله. ثم يعرج الباحث على رص��د مؤشّ رات اإلنفاق السعودي على التعليم ،مبيناً أن إنفاق الدولة على التعليم منذ نشوء الدولة السعودية الحديثة عرف تطورا ملحوظاً، واستحوذ على نصيب مهم م��ن الموازنة العامة للدولة ،واعتبر أهم إنفاق استثماري تضمنته تلك الميزانية .وكانت بنود قطاع التعليم ف��ي ال��م��وازن��ة ال��ع��ام��ة تبلغ نحو ربع بنود الميزانية ،بلغت ذلك بعد توالي الزيادات والنمو ،بنسبة تُراوِ ح ما بين 2و5 بالمئة سنويا .وأسهب في الحديث من خالل دراسة مستفيضة لإلنفاق التعليمي ونسبته
وحرصاً على بسط األرق��ام وزي��ادة في التوضيح ،استعرض المخصصات المالية التي تذهب للتعليم وتلك التي ال تصب فيه مباشرة ،فأكد أن ضخامة المخصصات المالية ل��ل��وزارة ال يعني أنها تذهب كلها للتعليم؛ فثمة مبالغ طائلة تخصص ألجور ال���م���وارد ال��ب��ش��ري��ة ،واس��ت��ئ��ج��ار المباني، وكلف الصيانة ،وب���دالت التنقل ،ورس��وم الماء والكهرباء والهاتف وغير ذل��ك؛ في حين تظل هناك صعوبات قائمة بسبب قلة المخصصات المالية لها ،منها :نقص ال��وس��ائ��ل التعليمية ،والكتب المدرسية، وانخفاض مخصصات التدريب ،وتزايد أع��داد المباني المستأجرة ،وتعثر أعمال الترميم وال��ص��ي��ان��ة ..إل��خ ،فالجزء ال��ذي يذهب إلى العملية التعليمية ضئيلٌ ،مقارنة مع ما يذهب لغيرها.
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
إل��ى الناتج اإلج��م��ال��ي المحلي ،وال��زي��ادة الكمّية التي عرفها وتراجعها المقدر نتيجة معدالت التضخم ،كل ذلك من خالل تطور الموازنات السعودية.
في بعض التخصصات؛ وللتخفيف من عبء التكاليف يتعين رفع إنتاجية المدرّس .إن الكفاءة الداخلية للتعليم تؤثّر فيها عوامل أخ��رى ال يتحكم فيها ال��م��درّس كالبُنيات التحتية ،والوسائل التعليمية ،والمناهج وغيرها .وفي معرض اإلجابة على السؤال أشار إلى رأي الخبير االقتصادي األمريكي «ليستر ث���ورو» ،ال��ذي يطالب برفع أج��ور المدرسين كشرط ض��روري لدخول غمار المنافسة الدولية مع اليابان وأوروبا ،على أن تكون ال��زي��ادة مقرونة بتقوية تدريبه ص ِصه .ليخلص إلى نتيجة عامة وزيادة ِح َ مفادها أن أجور المدرسين ليست مشكلة، إذا تم التعامل معها بذكاء وتخطيط مُحكم. ثان مهم يمتص حصة مهمة هناك أم ٌر ٍ من ميزانية التعليم ،وهي المباني الدراسية المستأجرة ،فاإليجارات السنوية للمباني المدرسية تكلّف الموازنة حصة كبيرة ،على الرغم من عدم توافر الشروط التي تحقق الكفاية الداخلية في جُ ِّل المباني ،وتكون سببا في ضعف إنتاجية ال��م��درس .وهذا الموضوع الشائك ما يزال يثير كثيرا من ردود الفعل والتعليقات والمطالبات التي تنادي بضرورة التخلّص من هذه المباني، ووض���ع مخططات إلح���داث المؤسسات التعليمية تغني الوزارة عن استئجار المباني لتعليم التالميذ.
ويتساءل المؤلف عن رواتب المعلمين ،هل هي مشكلة؟ وللجواب على السؤال يؤكد أن أجور الموظفين تستحوذ على حصة األسد من موازنة التعليم ،إال أن ذلك ليس قاصرا على السعودية ،بل هي ظاهرة عامة تشمل كل الدول ،واألجر الجيد يشكل عامل إغراء يحدد الحميد معالم الحلقة المفرغة الستقطاب الشباب للعمل في القطاع؛ إال أن ذلك يؤدي إلى جلب أشخاص بغير رغبة التي لم يتحرر التعليم من أس��ره��ا ،هذه وال ميل إلى المهنة ،كما يؤدي إلى فائض الحلقة تتمثل في تضخم اإلنفاق الجاري
اجلوبة -خريف 1437هـ (29 )2015
على حساب اإلنفاق الرأسمالي؛ ما يؤدي إل��ى فشل ال��ن��ظ��ام التعليمي ف��ي تحقيق الكفاية الداخلية بالشروط التي تحددها خطط التنمية ،بسبب غياب بُنية أساسية، وض��ع��ف م�����ردود ال����م����درس؛ م���ا يتطلب لمواجهته توظيف مزيد من المدرسين، وبالتالي زيادة اإلنفاق ،والضرورة تقتضي زي��ادة اإلن��ف��اق الرأسمالي بتوسيع البنية األساسية للقطاع الذي سيؤدي إلى زيادة الكفاية الداخلية للتعليم وإنتاجية المدرس. وي����رأي ال��م��ؤل��ف ،أن ك��س��ر ه���ذه الحلقة المفرغة هو أول شروط معالجة المعضلة المالية التعليمية؛ إال أن اإلنفاق الرأسمالي يجري تأجيله تحت ضغط ضخامة اإلنفاق الجاري؛ ما يزيد المشكل تفاقما .ألجل ذلك يدعو بحرارة إلى التفكير االبتكاري إلبداع خطط واستراتيجيات لتغطية االحتياجات التمويلية للتعليم ،ومناقشة اقتراح إشراك القطاع الخاص ،بإبراز مساوئه ومحاسنه وصعوباته.
30
أحيانا أش��د وأده��ى وأخطر من التهديد الذي يمثله األميون؛ األمر الذي يستدعي التفكير في القيم التي تتضمنها المناهج، وال��ت��ي يتشربها المتعلمون ع��ل��ى أي��دي المدرسين. ثم يُنهي الحميد كتابه المهم بعدد من ال��خ�لاص��ات وال��ت��وص��ي��ات ،ث��م ال��م�لاح��ق، وتعقيب وزيري المعارف والمالية واالقتصاد الوطني على الدراسة. ما يزال النقاش متواصال موضوع أهمية التعليم في التنمية أصبح من البديهيات ،كما تجاوز النقاش اليوم أهمية اإلنفاق على التعليم في الموازنات الوطنية ،وأصبح النقاش ي��دور ح��ول نوع التعليم المطلوب تحقيقه ،وم��واص��ف��ات الكفاية الخارجية ،فلم تعد الحاجة قاصرة ع��ل��ى ت��خ��ري��ج ح��ام��ل��ي ش���ه���ادات يتقنون القراءة والكتابة ،كما كان األمر عليه قبل ع��ق��ود؛ ألن طبيعة العصر ال��ي��وم تغيّرت، وأصبحت عجالت التنمية تحتاج لمواصلة الدوران إلى كفايات محددة ينبغي توفرها ف��ي الساهر عليها ،منها :كفايات لغوية وتكنولوجية وتواصلية ،إلى جانب التحلي ب����روح ال��م��س��ؤول��ي��ة وال���م���ب���ادرة وال��واج��ب والمواطنة واالهتمام بالشأن العام.
بفصل عنوانه ٍ ويختم ال��م��ؤل��ف كتابه «المناهج والمؤشرات وعائد المدى البعيد» ليؤكد من خالله أن العوائد المتوقعة من اإلنفاق على التعليم ال ترتبط فقط بمدى ما يُصرَف من أم��وال ،وإنما بنوع التعليم الذي يتم تقديمه للطالب ،فبعضه ال يحقق العوائد المتوقعة وال التنمية المنشودة، يُنبّه الحميد إلى أن خصوصية الكائن بل يكون ذا تأثير سلبي على التنمية ،ألنه ال��ب��ش��ري تجعل االس��ت��ث��م��ار ف��ي اإلن��س��ان يكرّس الجهل والقيم المناهضة للتنمية؛ بل يختلف عن االستثمار في اآلالت والمعدات. وتهديد خريجي هذا التعليم للتنمية يكون فبخالف اآللة ذات العمر اإلنتاجي المحدود، اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ف��اإلن��ف��اق ال��م��رت��ف��ع ف��ي ه���ذه ال��ح��ال��ة وخ�لاف��ا للتوقعات -ال ي��ؤدي إل��ى معدلمرتفع للنمو االقتصادي ،والسبب في ذلك أن اإلنفاق المرتفع ،وإن أدى إلى تحسّ ن كثير من مظاهر التمدرس وبنياته األساسية ،فإن جوانب أخرى خفيّة لم يطالها هذا اإلنفاق. ترشيد النفقات الدعوة إلى التخلّي عن استئجار المباني التعليمية لها ما يبررها ،فاستئجار المباني يكلف ن��ف��ق��ات ك��ث��ي��رة ل��ل��كِ ��راء وال��ص��ي��ان��ة والترميم ،واألسوأ هو أن هذه المباني التي يتم استئجارها لم تُب َن لتكون مؤسسات
أم��ا أج���ور ال��م��درس��ي��ن ،فلم تكن أب��دا مشكلة في أي نظام تربوي ،على الرغم مما يبدو للعيان أنها تستهلك حجما كبيرا من المخصصات .فمردود أي منظومة تربوية يتوقف على ال��م��درس؛ فهو ع��ام��ل كبير األهمية في المؤسسة المدرسية ،يمثل أكبر المدخالت البشرية للتعليم بعد التالميذ، ودراس����ات م��ت��ع��ددة أثبتت أن على عاتق المدرس يقع %60من نجاح العملية ،وأن له أثراً قوياً على تكيّف التالميذ المدرسي وتحصيلهم الدراسي(.)1
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
والتي يمكن استبدالها أو التخلّص منها، فإن اإلنسان ال يمكن التخلص منه إذا ثبت أنه غير منتج أو غير صالح لالستخدام، فهو يستمر في عمله مدى العمر ويظل عبئا على المجتمع والتنمية .والمسؤولية في ذلك يتحملها النظام التربوي ال��ذي عجز على الرغم من اإلنفاق عليه من أن يحقق الكفاية الخارجية .وعندما يتم ارتكاب األخطاء في االستثمار التعليمي ،فتخرّج ال���م���دارس وال��م��ع��اه��د وال��ج��ام��ع��ات بشرا يحملون الشهادات ولكنهم غير قادرين على اإلسهام في تنمية مجتمعاتهم ،فإن الخسارة صرِ فت على ال تقتصر على األم��وال التي ُ ه��ؤالء األش��خ��اص أث��ن��اء دراس��ت��ه��م ،وإنما تتجاوز ذلك إلى اآلثار السلبية التي تنعكس على المجتمع ج��راء دخ��ول عناصر غير منتجة إلى ميادين العمل المختلفة.
تعليمية ،لذا فهي تفتقد الشروط والمعايير الالزم توفرها في المؤسسات التربوية ،ما يؤثر سلبا على أداء المدرسين ،وال تلبي االحتياجات النفسية والتربوية للتالميذ، وي��ؤدي حتما إل��ى ت��ردّي م��ردود المؤسسة التعليمية وضعف الكفاية الداخلية.
لذلك يُ َع ُّد المدرسون أهم أدوات تنفيذ ال في إدارة المناهج التربوية والمتحكمين فع ً مقود تحقيق التكامل بين عناصر العملية التعليمية ومكوناتها ،فنجاح أي إصالح أو تجديد أو تطوير تربوي يعتمد على مدى تقبّل المدرسين له ،ونوع استجابتهم نحوه، وطبيعة مشاركتهم فيه. ومن اآلف��ات السيئة التي تنخر العملية التربوية م��ن ال��داخ��ل اكتفاء المدرسين بما حصلوا عليه من تعليم في المدارس ومراكز التكوين ،وعدم حرصهم على متابعة المستجدات العلمية ،وخاصة منها المتعلقة
اجلوبة -خريف 1437هـ (31 )2015
بطبيعة عملهم؛ ما يجمّد إمكاناتهم العلمية والفكرية والمهنية عند الحد الذي بدأوا فيه ،وه��و بسيط ج���داً .كما أن القوانين والضوابط اإلداري��ة ،ال تحفّز المدرس وال تشجعه على خوض غمار التجربة والبحث، وال��م��ب��ادرة ال��ذات��ي��ة ف��ي ت��ط��وي��ر العملية التعليمية ،وتحديث أو تحسين أجوائها. إن التكوين المتين المستمر للعاملين في حقل التعليم ي��ؤدي بالضرورة إلى تكييف وتحسين مهاراتهم وكفاياتهم()2؛ فالتكوين المستمر ال��ذي يجدد معرفة المدرسين ويثري خبرتهم يظل مطلبا غاليا لتحديث خبرتهم العلمية والتعليمية والمهنية من حين آلخر. ضعف م��ؤه�لات وك��ف��اي��ات المعلمين، وتدهور قدراتهم الشرائية في سوق المعرفة والمواكبة العلمية يؤدي إلى تردي المردود التربوي للعمل المدرسي .وبروز مظاهرها في ضعف الكفاية الداخلية للتعليم ،وهذا الوضع يكتسي خطورة زائدة حين يكون في المستوى االبتدائي ،وبخاصة في المناطق القروية .فالمعلمون يقومون بالواجب كسبا للعيش ،وال يُسهمون في تطوير وسائلهم التربوية والتعليمية وتجديدها ،بل يقتلون اهتمامات التالميذ ويكبحونها. ما ال يطاله اإلنفاق
32
فنصيب التعليم من اإلنفاق ونسب القبول وال��ن��ج��اح تعد م��ن أه��م م��ؤش��رات التطور التربوي ،رغ��م أن آثارها ال تنعكس دوما على المسيرة التنموية لبلداننا؛ فمظاهر اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
الغش والفساد المختلفة التي تطبع نتائج تعلمينا لم تعد تخفى على أح��د؛ إضافة إل��ى ذل���ك ،ف��إن ه��ذا التعليم ال يفلح في تحديد معالم الشخصية المتنورة الفعالة المجتهدة ،فهذه أمور تحددها القيم التي تتأسس عليها فلسفة التربية وتترجمها المناهج التعليمية .القيم ظلت مغيبة في هذه السياسات ،رغم أهميتها في تحديد نوع المخرجات وجدواها؛ إنها الروح التي تحقق االنتصار في معارك التنمية بأبسط األسلحة واإلمكانات .فما يعاب على تعليمنا أنه لم يفلح في تنمية قدرة المتعلمين على االهتمام بالشأن المحلي أو مواكبة تطلعات ب�لاده��م التنموية واالق��ت��ص��ادي��ة ،فتركيز نظامنا التعليمي على اكتساب المعلومات وتَهيُّؤ المتعلم لالختبار ونيل الشهادة التي إهمال كليٍّ ٍ تؤهله للبحث عن عمل ،أدى إلى للجانب السلوكي والخُ ل ُقي في شخصيات المتعلمين .وحتى الجانب العقلي فإن تنميته اقتصرت على حشوه بالمقررات ،مع تغييب التفكير النقدي المستقل ،وانعدام المبادرة األدب��ي��ة والعلمية ل��دى التالميذ ،وتراجع كبير لبعض القيم االجتماعية :كالتعاون، والصدق ،واألمانة ،وحلَّ محل هذه القيم النبيلة سلوك األنانية والوصولية وطغيان المصلحة الخاصة. اإلصالح ال ينبغي أن يظل قاصرا على النمو الكمّي للمتعلمين أو المؤسسات أو التجهيزات ،بل على ما تحمله الزيادة في ال��ع��دد م��ن تطور نوعي حقيقي ،ولنا في روسيا خير مثال ،فإن االتحاد السوفياتي
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
كان يفاخر العالم بأنه يضم أكبر عدد من برنامج تعليمي يستكمل صورة المواطن كما األطباء قياساً إلى السكان .إال أنه مع ذلك يرسمها الفكر التنموي الوطني؛ ويتكرس يعاني النسبة المرتفعة للوفيات داخل مراكز ذلك في النصوص والتطبيقات والمعامالت ال��ع�لاج ،بسبب استفحال خطر السلوك ال��ت��رب��وي��ة ،وس��ائ��ر األن��ش��ط��ة المنهجية ال��ب��ي��روق��راط��ي وف��س��اد الضمير المهني وال��م��وازي��ة ،ال��ت��ي يتم فيها التركيز على وتفشي المحسوبية والرشوة ،وهيمنة ذلك قيم :الحق ،والخير ،والجمال ،والعدالة، على مرافق الحياة كلها حتى بين أس �رّة والمساواة ،وحب العمل ،والنضال من أجل المرضى؛ ما أدى إلى ضعف فاعلية الطب، الجميع؛ وتقدم الفرد /المواطن كإنسان وهزم مشروع الدولة في محاربة المرض. في الوقت نفسه حققت دول أخ��رى نموا كامل األهليّة والقدرة ،وككائن اجتماعي، بسرعة كبيرة ،وذلك راجع في المقام األول يتمتع بالحقوق الكاملة ،ومن واجبه أن يكون إلى فضائل االنضباط واإلخالص واإلرادة فاعال في تقدم المجتمع ،مناضال من أجل الوطنية التي تحلّى بها األف��راد وشجعت الوطن وتقدمه وأمنه ووحدته .وه��ذه هي واعتنت بها التربية ،ون��س��وق مثاال على القضية المحورية المهمة التي يختم بها ذلك من اليابان التي أص��در إمبراطورها المؤلف كتابه الثمين. ع��ام 1890م م��رس��وم��ا ح��ول التربية أل��حَّ نعود إلى تجديد طرح السؤال األول ،هل فيه على الدور األخالقي وفضائل الصدق ما تزال أفكار الكاتب تستوجب النظر إليها والورع واالقتصاد والنشاط الضروري من أجل ازدهار اإلمبراطورية .فكانت الوظيفة بعد عقدين من الزمن؟ أعتقد أن ما ورد في األخالقية للتعليم أكثر أهمية من الوظيفة الكتاب من قضايا وأسئلة ما تزال حية ،بل االقتصادية ،لكن االثنتين امتزجتا معا لكي إن طرحها اليوم للنقاش ينبغي أن يكون أشد إلحاحا وأدعى للدعم والمساندة .وهذا ما تسهال تحويل البالد(.)3 ونحن أيضا يمكن أن نجعل من تعليمنا يبرر دعوتنا إلى إعادة إصدار الكتاب في مسهما ف��ي تسهيل ت��ح��وي��ل ال��ب�لاد ،إذا طبعات شعبية ،وتعميم توزيعه على أوسع حرصنا على تكوين العقل األخالقي الملتزم نطاق بين العاملين في القطاع التعليمي بكل الوطني بدل العقل األدات��ي ،ووسيلة ذلك البالد العربية. * كاتب من المغرب. ( )1صورطي ،يزيد عيسى :المشكالت التي تواجه المدرسين العرب وحلولها ،المجلة العربية للتربية ،مجلد 17عدد 2ص 165 ( )2وهبة ،نخلة :قضايا تربوية بحرينية ،المنامة ،وزارة التربية والتعليم( ،مركز البحوث التربوية والتطوير) 1996م ص 287 ( )3الخرشاف ،إدريس :مقال منشور بجريدة العلم 1417/3/2هــ
اجلوبة -خريف 1437هـ (33 )2015
الثقافة العربية في الهند ρρغازي خيران امللحم*
تعد الهند واحدة من البقاع المتسعة التي وصل إليها العرب في فترات مختلفة، م��ن عمر ال��زم��ن؛ س��واء ب��واس�ط��ة ال�ف�ت��وح��ات اإلس�لام�ي��ة ،أو ال�ع�لاق��ات التجارية العديدة التي نشطت مع شبه القارة الهندية ،عندما أشرقت بنور اإلسالم ،وهبت عليها نفحاته البليلة .ولما كانت اللغة العربية لغة القرآن الكريم ولسان حال الدعوة اإلسالمية ،كان من الطبيعي أن تنتشر مع مدِّ اإلسالم وتعاليمه الراقية في المناطق المفتوحة .ونظرا لهذه األهمية اعتنى المسلمون في جميع أقطار العالم باللغة العربية عناية فائقة ،وبذلوا جهودا مكثفة في تعليمها وتدريسها في كل األقطار التي وصلوها ،السيما الهند التي ارتبطت والجزيرة العربية بعالقات ودية في النواحي المختلفة ،الثقافية والتجارية واالجتماعية ،وكانت المنطقتان مهد َّي حضارات عريقة وعلى سوية عالية من التطور والرقي اإلنساني ،فأثرتا وتأثرتا في بعضهما بعضا ..لدرجة تأسيس مستعمرات عربية في الهند ،وكذلك استقر الكثير من أهل الهند واستوطنوا في أماكن متفرقة من األرض العربية.
34
ومنذ ذلك الوقت ،استقرت الثقافة من الهنود. اإلسالمية بشكل رسمي في األرج��اء وق��د ت��أث��روا تأثيرا بالغا بأنماط الهندية ،ونشط الهنود أنفسهم في تعلم الحياة العربية ،وأصبحوا يشكلون وحدة العربية ،رغبة منهم في قراءة القرآن حضارية لها شخصيتها المستقلة التي ال��ك��ري��م ق���راءة سليمة ،وف��ه��م معانيه تستمد مكوناتها من ال��ت��راث العربي بصورة صائبة ،وكان للحديث الشريف األصيل ومن الحضارة الهندية العريقة. أيضا دور كبير في نشر اللغة العربية وبمرور العصور ،وبالتدريج ،باتت في تلك األصقاع البعيدة ،التي باتت موضع احترام وتقدير من قبل الكثير الهند م��ن ال��م��راك��ز الرئيسة للثقافة اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
وك��ت��اب «ال��ث��ق��اف��ة ال��ع��رب��ي��ة ف��ي الهند» لمجموعة من المؤلفين الهنود ،والصادر عن مركز الملك عبداهلل بن عبدالعزيز الوطني، يهتم بشأن اللغة العربية ومكانتها في الهند، ودوره��ا في بناء الحضارة الهندية ،يشير بوضوح لكل ما سبق ذكره ،بل ويزيد عليه بفيض من الشرح المهم ..والتعليل الملم.. وقد عكف مؤلفو الكتاب (وهم مجموعة من جهابذة العلم وأرب��اب الفكر الهندي) على إج��راء مسح شامل لتاريخ الثقافة العربية ف��ي الهند ،وإب���راز مجهودات م��ن شاركوا بإنجازاتهم العلمية والثقافية ف��ي علوم والسيَر والتراجم، التفسير والحديث والفقه ِ وال��ن��ح��و وال��ص��رف وال���ع���روض والمعاجم والشعر والصحافة ..إلخ. إذ ن��ه��ض م��ن أرض ال��ه��ن��د وع��ل��ى مد ال��زم��ن أدب����اء وش���ع���راءُ ،ع��رف��وا بفصاحة اللسان العربي المبين ،وخرج منها صفوة من العلماء ،ولفيف من رجال الفكر والقلم الذين أدوا أدوارا رائعة في مجال التصنيف والتأليف ..وت��رك��وا آث���ارا باقية ،ال يمكن لمؤلف في التاريخ واألدب العربي والثقافة غض البصر اإلسالمية العامة تجاهلها ،أو ّ عن أهميتها .وقد جاء كتاب «الثقافة العربية
«تعتز الهند حقا بتراثها الثقافي اإلسالمي واألدبي ،إذ نجد أنه ما من مجال من مجاالت األدب العربي والعلوم اإلسالمية ،إال وقد ترك فيها العلماء الهنود آث��ارا ال يستهان بها ..ومن كافة ضروب المعرفة ،ال يوجد لها شبيه في أي بلد آخر خارج العالم العربي. وال يخفى أن الصلة بين العرب والهند ترجع إل��ى ما قبل اإلس�لام ب��ق��رون ،وم��ن الثابت تاريخيا أن العرب ومن قديم الزمان كانوا يقصدونها من أجل التجارة ،وعندما جاء اإلس�لام واتسعت رقعة الدولة اإلسالمية، دخلها كثير من المُحَ دّثين والفقهاء والعلماء واألدب���اء ال��ع��رب ،واختلطوا بسكان الهند ومواطنيها ،وتركوا فيهم مؤلفات وأفكارا عظيمة ملموسة في مجاالت العلم ،واللغة والثقافة العربية واإلسالمية» .ونتيجة لذلك نرى أن المنطقة «الهندية-الباكستانية» قد أنجبت لفيفا من العلماء واألدباء والشعراء المتضلعين ف��ي اللغة العربية الحائزين على نصيب وافر في كل درب من دروبها، وفي كل فن من فنونها؛ فأسسوا المدارس اإلسالمية في عدد من المدن الهندية ،التي تخرَّج منها مئات المفسرين والمحدثين
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
العربية في العالم ،فهي تضم اليوم مئات المعاهد والمدارس التي تقوم بتعليم اللغة العربية وآدابها ،وتدريس العلوم اإلسالمية وتراثها ،إل��ى جانب الجامعات الحكومية والمؤسسات الرسمية العديدة التي تعنى بالبحوث اإلسالمية ،والثقافة العربية في شتى مناحيها.
في الهند» كصورة مصغرة ،أو لقطة مكثفة لتلك البنية الثقافية ،موزعا على خمسة أبواب ،ينبثق عنها عدد من العناوين الفرعية التي تأتي في سياق الموضوع ،وتنير جوانبه بالشرح أو التعريف بفحوى هذا الباب أو ذاك ،فنجد ف��ي مستهل ال��ب��اب األول من الكتاب ،حديث أح��د مؤلفي ه��ذا السفر المهم ،قوله:
اجلوبة -خريف 1437هـ (35 )2015
القائمين بأعمال الدعوة والتبليغ ،والفقهاء األج�ل�اء واألدب����اء ف��ي العربية وال��ش��ع��راء واللغويين والصحفيين والسياسيين .وقد ترك ه��ؤالء المفكرون تراثا عظيما وثروة في كافة العلوم اإلسالمية واللغة العربية، فوضعوا كتبا في كل علم وفن ،ما بين كبير وصغير ،في التفسير وأصوله ،وعلوم القرآن وال��ح��دي��ث ،وش���روح ف��ي صحيح البخاري ومسلم وال��ت��رم��ذي ،وف��ي التراجم والسير والتاريخ ،واللغة بمختلف فروعها. ف��ي ال��ب��اب الثاني م��ن الكتاب يتحدث المؤلفون ،عن إسهامات الهند المتنوعة في مجاالت اللغة العربية وآدابها ،وضروبها المتشعبة السيما في الصحافة التي انتشرت وذاع صيتها وارتفع ذكرها ونالت في البالد العربية رواجا الئقا وحظوة طيبة ،وهي التي ع�رّف��ت مسلمي الهند إل��ى العالم العربي تعريفا صحيحا ،وهي التي نفت عن قلوب العرب شكوكهم المتعلقة بمسلمي الهند؛ ما جعل أدباء العرب وعلماؤهم يكيلون المديح لنظرائهم الهنود ..والثناء على اطالعهم الواسع ،وتبحّ رهم في مكنونات هذه اللغة أدب���ا وف��ن��ا ،واع��ت��رف��وا بفضلهم ف��ي ه��ذه الجوانب من كافة نواحيها المتنوعة.
36
إال أن الصحافة العربية في الهند لم تبرز على منصة الوجود الفعلي إال منذ برهة من ال��زم��ان ،ول��م تزدهر إال في القرن التاسع عشر الميالدي وما تاله ،والذي شهد ظهور العديد من المطبوعات الصحفية كمجلة الضياء ،ومجلة البعث اإلسالمي ،وصحيفة الرائد وغيرها كثير .وما كدنا نخلص إلى اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
الربع األخير من القرن التاسع عشر والعقد األول من القرن الحالي ،ال��ذي يعد عصر ازدهار الصحافة العربية في الهند وتطورها فنيا ومضمونا ،فوصلت إل��ى غاية رقيها وانتشارها في كل ربوع الهند ،وأدت البعثات التعليمية إلى الدول العربية ،شخصية كانت أم حكومية ،إلى تطور تعلم اللغة العربية ونشرها وتعليمها في الهند ،والذي أدى إلى ظهور الكثير من المجالت والجرائد العربية التي ال تقل عن مثيالتها في البالد العربية في أي شيء ،ناهيك عن الطباعة الجيدة التي تتميز بها تلك الدوريات. ث��م يستعرض ال��ك��ت��اب أه���م المؤلفات العربية للهنود في أدب األطفال ،هذا النوع األدبي المشتمل على عدة أساليب في النثر والشعر ،وموجهه لمن هم دون سن المراهقة، والغرض منه الترويح والتهذيب والتثقيف والتعليم ،وتقديم معلومات جديدة في قالب جذاب مشوق ممتع ،وله أشكال متنوعة بما فيها القصة والحكاية واألناشيد. وفي الباب نفسه نجد حديثا مسهبا عن تطور علم التفسير في الهند ،وعن أعالمة من الكتّاب ،وأهم المؤلفات التي وضعت في هذا المجال ،ثم يتناول مسألة الشعر التي ظهرت منذ مطلع شمس اإلسالم وسطوعها في آفاق شبه القارة الهندية ،وبروز العديد م���ن ال��ش��ع��راء م���ن أم���ث���ال :ع��ب��دال��م��ق��ت��در الدهولي ،ال��ذي وض��ع «المية الهند» التي عارض بها «المية العجم» للطغرائي ،وهي دليل باهر على اقتداره في اللغة العربية، وتذوقه الشعر العربي ،وتمييز الغث منه
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
والسمين ،وف��ي استهالل القصيدة حذا الشاعر ح��ذو ش��ع��راء الجاهلية ،ف��ي ذكر األطالل والوقوف على الديار ،فقال:
يا سائق الظعن في األسحار واألصل سلم على دار سلمى فابك ثم سل ع��ن ال �ظ �ب��اء ال �ت��ي م��ن أب �ه��ا أب��دا صيد األسود بحسن الدل والنجل وع��ن م�ل��وك ك��رام ق��د م�ض��وا ق��ددا حتى يجيبك عنهم ش��اه��د طلل ثم يتطرق الشاعر إلى بيان وصف النبي صلى اهلل عليه وسلم ،واستعراض شمائله قائال:
م �ح �م��د خ �ي ��ر خ �ل ��ق اهلل ق��اط �ب��ة هو ال��ذي جل عن مُ ثل وع��ن مَ ثل ل ��ه ال� �م ��زاي ��ا ب�ل�ا ن �ق��ص وال ش�ب��ه ل� ��ه ال� �ع� �ط ��اي ��ا ب�ل��ا م� ��ن وال ب ��دل ل��ه ال�م�ك��ارم أبهى م��ن نجوم دجى له العزائم أمضى من قنا البطل من هنا ،نجد أن اللغة العربية هي بمثابة ال��ع��روة الوثقى ال��ت��ي تجمع بين الشعوب العربية واإلس�لام��ي��ة ف��ي ال���دول األخ��رى. كما ورد في مقال :اللغة العربية في الهند ومشاكلها وتحدياتها ،التي أشير إليها في أك��ث��ر م��ن م��وض��ع ف��ي س��ي��اق ه��ذا الكتاب الموسوعة ،الغزير ف��ي م��ادت��ه الغني في محتواه.. ويتناول الكتاب في الباب الثالث ،مناهج التعليم العربي وهياكله التربوية والعلمية، وتدريس اللغة العربية في الجامعات الهندية
بين الواقع والمأمول. وه���ذا ال��ب��اب ي��ع��د ام���ت���دادا ل��دراس��ات كثيرة كتبت في ه��ذا ال��م��وض��وع ..السيما في السنوات القليلة الماضية ،إضافة إلى العديد من الندوات العلمية التي عقدت في جامعة (دلهي) وجامعة الكويت ،والجامعات العالمية في «ماليزيا» مثال ،وقد تطرقت تلك الندوات في مواضيعها ،إلى تأسيس أول م��درس��ة تعلم طالبها باللغة العربية إلى جانب اللغة الهندية األم ،وعن إنشاء دار العلوم «ديوبند» في العام 1866م .وبعد عدة عقود من السنين وبالتحديد في العام 1898م ،أ ُنشئت مدرسة «دار ندوة العلماء». وف��ي ال��ع��ام 1924م ،أ ُس��س��ت جامعة «دار السالم» بعمر أباد جنوبي الهند ،والتي تعد أول جامعة عربية في البالد.
اجلوبة -خريف 1437هـ (37 )2015
ثم ي��ورد الكتاب الكثير من اآلراء حول ت��دري��س اللغة العربية ف��ي تلك المراكز التربوية والتعليمية ،وإي���راد المالحظات التوجيهية ح��ول��ه��ا ،وإل��ق��اء ال��ض��وء على مشاكلها كاألخطاء الشائعة في اإلمالء عند الطالب الهنود وغيره ،وعن مناهج تعليم اللغة القرآنية وصعوبتها وتحدياتها ،وعن مستقبلها في الهند ،وما إلى ذلك من ثغرات يمكن معالجتها بالمثابرة والتصميم.
38
م��ن العربية إل��ى الهندية .ون��ظ��را ألولوية ه��ذا الموضوع وض��رورت��ه بالنسبة للعالم العربي أيضا ،أطلقت الحكومة المصرية مشروع ترجمة الكتب الهندية إلى العربية، وبإشراف مباشر من وزارة الثقافة ،وكذلك «دارة الملك عبدالعزيز» بالرياض ،بدأت مشروع الترجمة من اللغات الهندية في العام 2010م .واختارت الكثير من الكتب ذات المحتوى الملتزم وترجمتها للعربية، وم��ا ي���زال العمل ج��ار ب��ه��ذا االت��ج��اه إلى اليوم .ومؤخرا بدأت هيئة أبو ظبي للثقافة وال��س��ي��اح��ة ف��ي أب���و ظ��ب��ي تنفيذ م��ش��روع لترجمة مجموعة من المؤلفات الهندية ذات الطابع الخاص الذي يضيف جديدا ومفيدا إلى الثقافة العربية.
مع العلم إن هذه التحديات ليست وليدة الساعة ،بل هي قديمة قدم الوجود العربي نفسه ،في هذه البالد المترامية اإلطراف المتباعدة األرك��ان؛ لكن ،وعلى الرغم من كل ذلك ،تمكنت اللغة العربية من الصمود واالستمرار .وال شك أن القرآن الكريم الذي تكفّل اهلل سبحانه وتعالى بحفظه كان هو ومن هنا ،نجد إن هذا التالقح الثقافي العامل األول في صون العربية وبقائها في بين الهند والعرب ،قد أفرز نتاجاً علمياً في هذه الديار. مختلف االتجاهات الفكرية؛ كعلم الفلك، وفي الباب الرابع يستعرض الكتاب وعبر والرياضيات ،والهندسة ،والطب ،واألدب، صفحاته عدة عناوين ومناقشتها ومعالجة والفلسفة وغيرها ،وب��ذل��ك يمكن القول: ف��ح��واه��ا ،ب��أس��ل��وب رائ���ق س��ل��س ال يشعر إن ال��ع��رب والهنود ق��د أدوا أدوارا رائ��دة القارئ معه بملل ..أو يداخله سام ،لجدتها في التفاعل الثقافي والعلمي واالجتماعي وج���ودة ط��رح��ه��ا ،وه��ي تتحدث ع��ن اللغة والديني ،وإبراز هذه األبعاد من خالل أهمية العربية وتعزيز الحوار والتواصل الثقافي ،اللغة العربية التي شكّلت حلقة وصل في بين ال��ك��وادر الثقافية ف��ي الهند والبالد تقريب وجهات النظر بين الطوائف الهندية العربية ،من خالل العالقات الودية بينهم ،ذاتها ،وعلى اختالف مشاربها وعقائدها، في ضوء ما يترجم من اللغة الهندية إلى وأدت إلى االنسجام الطائفي بين تلك الفرق العربية وبالعكس؛ وقد نالت هذه الناحية المتعددة ،من خالل كون معظمها يتكلم اللغة أهمية كبيرة السيما بعد استقالل الهند؛ «األردي��ة» التي تصنف في المرتبة الثالثة فقد قامت بعض المنظمات الهندية بترجمة عالميا ،بعد اللغة الصينية واإلنجليزية ،وقد مئات الكتب والبحوث قديمها وحديثها ،انبثقت «األردي���ة» عن خليط من اللهجات اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
هذا وقد أدى المجلس الهندي للعالقات الثقافية دورًا رائدًا في نشر الثقافة الهندية بالعربية ،وترجمة األدب العربي إلى اللغة الهندية .فأصبحت اللغة العربية بمثابة الحامي للهوية اإلسالمية في الهند ،التي تعني بحقيقتها االنتماء إل��ى اهلل ورسوله وال��ى الدين اإلس�لام��ي ،وعقيدة التوحيد التي أكمل اهلل لنا بها هذا الدين وأتم علينا بها نعمته ،وجعلنا بها األمة الوسط ،وخير امة أخرجت للناس ،وصبغنا بفضلها بخير صبغة:
«صبغة اهلل ومن أحسن من اهلل صبغة ونحن له عابدون» البقرة138: وج��اء ف��ي ال��ب��اب الخامس م��ن الكتاب، الحديث عن علماء الهند وم��ا قدموه من خ��دم��ات جُ �لّ��ى أس��دوه��ا للغة العربية في الهند ،وعن أقدم المؤلفات المطبوعة التي أحرزت قصب السبق في هذا المجال؛ ما يؤكد إن حركة الطباعة للمؤلفات العربية كانت مبكرة في هذه الديار ،كما يتبين من خالل دراسة مجلدات الفهارس التي احتوت
دراس �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات ون �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
الهندية البسيطة ،المتأثرة باللغة العربية من حيث رموز حروفها الكتابية ،التي تتشابه كثيرا ورم��وز األبجدية العربية ،من حيث أص��وات ح��روف العلة واإلع��راب ،إذ يوجد ثالثون حرفا مشتركا بين هاتين اللغتين ومطابقتها في التعبير واألص��وات ،إضافة إلى سبعة أحرف معدلة وهي :ب ت ج د ر ز ك ..التي هي باألردية :به -جه –ته -ده- ره -زه -كه..
على عناوين وتواريخ طباعة الكتب العربية والمترجم منها إلى اللغة الهندية ،التي من أهمها شروح اإلم��ام البخاري في الحديث الشريف ،الذي يعد المصدر الثاني للتشريع اإلس�لام��ي بعد ال��ق��رآن الكريم ،وم��ن هنا تواصل اهتمام علماء الهند بجمعه وتنقيته، ليصل إلى يد القارئ وعقله صافيا من كل شائبة. وانطالقا من هذا الهدف النبيل ،نشط مجمع الفقه اإلسالمي في الهند بالقيام بعقد الندوات العلمية المتالحقة التي تدور حول اللغة العربية وآدابها المتنوعة ،التي كانت تجري على مدرجات جامعة «همدرد» في نيو دلهي ،وكانت تتناول المحاور التالية:
•تاريخ انتشار اللغة العربية في الهند. •المؤلفات الهندية الصادرة بالعربية عبر التاريخ. •الشعر العربي في الهند. •المناهج والكتب المدرسية لتعلم اللغة العربية. •تأثير اللغة العربية على اللغات الهندية. •وغيرها الكثير ،والكثير جدا.
ثم يتناول هذا الباب بعد ذلك الحديث عن علماء «كشمير» تحديدا ،وما قدموه من خدمات للغة العربية ،وعالقاتهم الوطيدة مع العرب ،التي بدأت فعليا في العام 645هـ، عندما ب��دأ ال��ع��ال��م الكشميري الشهير: الشيخ فتح اهلل ،بترجمة القرآن الكريم إلى عدة لغات شرقية ،منها اللغتان «األردي��ة»
اجلوبة -خريف 1437هـ (39 )2015
والفارسية ،ومن أدباء كشمير أيضا ،الشيخ تعريفي مبسط يمهد الطريق للدخول إلى ال��م��ج��دد« :يعقوب ال��ص��رف��ي» ال��ذي وضع دراس��ات أعم وأشمل وردت على صفحات العديد م��ن التآليف الدسمة والضخمة هذا الكتاب ،وتأتي في صلب مادة المحاور في علم التفسير والحديث والسِّ يَر ،إلى التي تناولها. جانب كتابته للنثر وقرض الشعر ،وكان في وال شك والحالة هذه ،أن القائمين على كالهما رصين العبارة متين الطرح؛ وهذا إن دل على شيء ،إنما يدل على رسوخه في الكتاب والمُسهمين في تأليفه وترجمته الشعر وتضلعه في النثر ،ومن شعره المعتبر ونشره ،يستحقون كل التقدير والثناء على نقتطف هذه األبيات: ه��ذه ال��ب��ادرة الطيبة ،التي م��ن شانها أن ال جديد ًة من العلم ،وتوسع آفاق تفتح سب ً
بس ِّر الوحي أنت أعلم يــــــــــــــــــــــــــا من ِ ق��د ج��اءن��ا منك الكتاب المحكم الفكر وال��ن��ظ��ر ،وتلقي ال��ض��وء على رسم خطط استشرافية مستقبلية أرحب ،والتي
يا من بفيض كامل خصصت من علمته ما لم يــــــــــــــكن هو يــــــــــــــــــــــــــــعلم من شانها أن تتطور إلى األفضل في الهند الحاضر والمستقبل ،وأن تنير الطريق
مـــــــــــــــــــــــــــــا في كتـــــــــــــاب منزل لنبينا محض الهدى متشابه أو محكم للخطوات القادمة التي بدورها يمكن أن تسهم ف��ي وض��ع آل��ي��ات وأدوات حقيقية
ويلقي هذا الباب أيضا ،نظرة عابرة على أبرز مؤلفات المسلمين الهنود الصادرة باللغة إلضافات علمية ج��ادة ،ما ت��زال تكمن في العربية ،وعن أهم كتب العلوم الشرعية واألدبية الموروث الهندي التليد ،خاصة فيما يتعلق وغيرها ،وع��ن أع�لام وكتاب وش��ع��راء وق��راء باللغة العربية وتفرعاتها ،ومعرفة السبل هنود ،كان لهم إسهامات واضحة في خدمة التي تسهل لمسلمي الهند كيف يؤدون دوراً اللغة العربية ونشرها بين الطبقات الهندية ..أكبر وأفضل ،نحو خدمة هذه اللغة المباركة السيما المثقفة منها ،فكان لها أطيب األثر في تلك األصقاع البعيدة ،واهلل الهادي إلى على مستوى المجتمع الهندي ككل.. سواء السبيل. وبعد ،فالموضوع كبير ومهم ،ومتعدد ال��ج��وان��ب وال��ج��ه��ات ،وم��ت��ن��وع ال��ص��ف��ات، الشاعر العربي القديم ،قوله: وليست ه��ذه الكلمات المتواضعة التي اقتطفت جلها من وحي موضوعات الكتاب ،ك� � �ت � ��اب ل� � ��و ي� � �ب � ��اع ب� � ��وزن� � ��ه ذه� �ب ��ا ل� � �ك � ��ان ال� � �ب � ��ائ � ��ع ه� � ��و ال� �م� �غ� �ب ��ون إال غيضا من مجموع فيضه ،وبمثابة مدخل وف��ي الختام ال يسعني إال الترديد مع
* باحث من سوريا مقيم في السعودية.
40
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
طريقان ρρألباب كاظم*
في أح��د الحقول المفعمة بالنضارة والبهاء ،المليئة بما يأسر النفس من الخضرة والرياحين والغدائر والساقيات والهواء العليل ..تصاحب أرنبان لطيفان على المودة واإلخالص ..فتغنى بصحبتهما المكان ،وراح يشدو لبريق المعاملة الحسنة الذي يشعُّ منهما صافي ًا بهيجاً.. كان األرنبان يروحان ويجيئان معاً ،كما ت��روح الموجة وتجيء على صفحات المياه ،ارتبط الواحد باآلخر ارتباط الشجرة بالتربة ،والكرم بالخير ،والفضيلة بالجمال .ال يفرّق بينهما شيء! يحيطهما م�ل�اك ال��س��ع��ادة ،وينثر ومذاق حلو.. بسماته على وجهيهما النيرين. بدأ شبح الحيرة يغزو رأس األرنبين، ذات ي��وم ،وهما يمشيان ي��داً بيد ،وأخذا يتساءالن أياً منهما سنسلك؟! ضاقت بهما الطريق ،حتى وصال عند حتى قرر األرنب األول سلوك الطريق نقطة ،تفترق فيها الطريق لطريقين السهلة المريحة ،عندها حذرّه صاحبه مختلفين ،اقتربا منها ،كانت الطريق كونها مجهولة المصير.. األول��ى مكتوباً عليها ،سهلة ،مريحة، فر ّد عليه« :وما يدريك ما المجهول فيها متعة ومجهولة المصير ..والطريق الذي ينتظرنا قد يكون جميالً.».. األخ���رى كتب عليها مرهقة ،صعبة، لكن صاحبه رفض اختياره وعاتبه: مشحونة بالعقبات ،تنتهي بنكهة طيبة «األخ�����رى نهايتها م��ع��روف��ة ف��ل��م ت��رد
اجلوبة -خريف 1437هـ (41 )2015
المخاطرة من أجل راحة آنية؟ أنا سأسلك الطريق األخرى وأحب أن تكون معي».
عمره وأيامه المنصرمة ،لو ترفق به الحياة، لو يحنو عليه الزمن! يتذكر صديقاً له سلك الطريق الصحيحة ،وه��و ال ب��د ينعم اآلن بنهاية طيبة النكهة ،حلوة المذاق ،كما كان المكتوب والمقرر!
الريح ت��ه��بُّ ..وف��ي صوتها نبرات حزن وانكسار الفتراق الصاحبين؛ والطيور تردد ما قاله األرنب األول وهو يفترق عن صاحبه: «بعد أن أفرغ من طريقي السهلة والمريحة بينما انتهى األرنب اآلخر ،وهو يلعق طعم سأرجع من جديد أللحق بك ،في طريقك اج��ت��ه��اده ،وتعبه ،وصعوبات طريقه! بلذّة المعقدة! انتظرني». كبيرة! وفرح غامر! يقف على قمّته مرفوع افترقا يجتران جزاء اختيارهما ،وانتهى القامة. األرنب األول انتهاء ذرة الغبار في الفضاء، والطيور باتت ت��ردد« :ال أح��د يستطيع صغيراً ال شأن له وال ذكراً ،بعد فناء متعة الرجوع لنقطة البداية ،فالطريق تفضي إلى العاجلة ،منزوياً في ركن ما ،متمنياً استعادة طريق أخرى ..دائماً».
42
* قاصة من السعودية.
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
قصص قصيرة جدا ρρسمية البوغافارية*
عهد جديد أحس باللفيح يلهب ظهره. خرج على الجماهير ،يعلن عن فتح صفحة جديدة. ظاهرها أبيض ناصع. داخ��ل��ه��ا أس���ود مخطط ب��األح��م��ر القاني المعتاد. تطاير الشرر يحرق كل صفحات تاريخه الممتد. الكرسي أخيرا ،أخلدتُ للراحة مثلهم. سأنام نومتي الهادئة. في مقبرتهم ،استفقتُ مفزوعا مرعوبا. هياكلهم العظمية تتجاذب هيكلي.
رائحة عطنة رأى سمكة حيّة تراوغ، تقتحم األغوار، تسكن جسدها البراكين، عندما تهجس خطر القبض عليها. فغثت نفسه من السمكة الميتة التي تسكنه. الحلزون بيته فوق ظهره مثل الهودج العمالق. يتزلزل ،ويكاد يسقط ويتدحرج إلى األسفل. فقاعات الزبد تتراكم ح��ول فمه من شدة العطش وح ِّر الظهيرة.
عجيب أمر زوجتي!!.. مذ هفا قلبها لي وهي تدعو لي :ربنا يحقق إلى حبيبتك. لك أغلى آمانيك. تحققت أغلى أماني ،رأتها مرأى العين تتقلب غسل وجهي بزبد فمه ،واستأنف طريقه بثبات. في الفراش بجانبي فصرخت وولولت!!.. نصحته ساخرا :اهجر بيتك لتغدو خفيفا
* قاصة من المغرب.
اجلوبة -خريف 1437هـ (43 )2015
عصفور الصخر ρρمحمد أحمد عسيري*
ه��ذا اليوم استيقظ سالم قبل الفجر عم ًال بنصيحة صديقه أده��م ،حتى ال تفوته عربة النقل التي تأتي مطلع كل أسبوع لجمع الشباب الراغبين في العمل. نظر لوجهه في المرآة وكأنه يعاتب أيامه وحظه .منذ أكثر من سنة وهو يبحث عن عمل يستطيع من خالله توفير العيش الكريم ألمه وإخوته الصغار ،بعد أن رش وجهه ببعض الماء البارد سرقت الحرب بصر والده واقتلعت إحدى قدميهَّ . وهو يشتم الفقر والحياة وتلك الشظية التي لم تجد غير رأس والده لترتطم به. ارت���دى م�لاب��س بالية ك��ان��ت مكومة خلف باب غرفته ،وخرج مسرعاً ليحشر جسده الصغير بين أكوام الواقفين على الرصيف ،بحثاً عن مكان قريب يُمكنه من الصعود أوال ..وبقايا دفء تخلفه ع��رب��ة م��ك��ش��وف��ة ..أرض��ه��ا قاسية.. األجساد. تحمل رك��ام الكادحين لمكان بعيد ال العربة تقترب عبر الطريق الضيق ،يعرفه غير السائق السمين الذي ال يكف يسبقها ضجيج محركها ال���ذي يمأل عن توزيع الشتائم .عربة بطيئة ،أفنت سكون الفجر ..ودخانها األسود الخانق .عمرها ف��وق ط��ري��ق ج��اح��د يتمدد بال وقبل أن يخطو خطوته األولى ..تتدافعه رحمة ،لم يفكر يوماً أن يختصر مسافته األكتاف بقسوة ليجد نفسه ملقى كطائر من أجلها .من تحت األقدام ينظر سالم مكسور الجناح .السائق السمين يصرخ للسماء التي ب��دت للتو تغسل عتمتها. ب��ه :انهض أيها العصفور النحيل وإال يتذكر أم���ه ..إخ��وت��ه ال��ص��غ��ار ..قطته تركتك تكمل ن��ه��ارك وح��ي��داً ف��وق هذا الرمادية ..ووالده الكسير الذي يشعر أن الرصيف لتتبول عليك الكالب الضالة .هزيمته أكبر من هزيمة كل الحروب التي ينهض مرتبكاً من تلك النظرات التي ك��ادت أن تخطف قلبه ..يقفز للعربة ليحشر جسده مجدداً ،ولكن هذه المرة تحت األقدام.
44
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
بالية .يركض مع الرفاق متوجهاً نحو حجارة متراكمة .الرجل األسمر يصرخ بهم مجدداً: هيا أيها األوغاد اشتغلوا ،كسِّ روا هذه الحجارة لننقلها قبل غروب الشمس ،لقد أحضرناكم من أج��ل ه��دم ه��ذا الجبل ال من أج��ل لمس
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
تقتات على األجزاء الضعيفة من هذا العالم ) ...( .أيها البؤساء ،نحن ندفع لكم كي تقطعوا ب��ه��دوء يمسح دم��وع��ه ق��ب��ل أن يشاهده الصخور فقط. يرفع سالم معوله ويبدأ بضرب أول صخرة أحدهم .هناك ال مكان للدموع والذكريات، لموال حزين ،لصوت ناي ي��ص��ادف��ه��ا ،ولكنها تدفعه فيسقط كغصن ٍ كل الصور تتحول ي��اب��س .م��ن الخلف يركله ال��رج��ل األس��م��ر.. يشق الصدر. وهو يمطر أمه بشتائم مؤلمة .ينهض متألماً في الطريق يلفت نظر سالم كشك صغير ليضرب الصخرة بقوة ..كان ألمه كبيراً وهو ضائع في تلك المساحة من الفراغ ..وبعض يسمع تلك الشتائم تلوث صورة أمه ورائحتها ك��راس يدوية الصنع ،وط���اوالت رث��ة يجلس ٍ الزكية التي لم تفارق روح��ه .سالم يتشبث عليها أبناء الطرق ..يأكلون ومن ثم يختفون. بالمعول بشدة وكأنه يخشى السقوط .يضرب كان صوت المذياع يأتي منخفضاً يقرأ القرآن الحجارة بوحشية كبيرة ،وكأنه ينتقم من كل ب��ص��وت عبدالباسط عبدالصمد ،ورائ��ح��ة ش��يء ..من غربته ،قسوة البرد ،شوقه ألمه فالفل طازجة ألهبت معدته الجائعة .ينحني الذي جعل منه مخلوقاً ضعيفاَ ،الحرب التي بقسوة ليطوي بطنه ،بينما كان الفراغ يبتلع أطفأت بصر وال��ده ،ومن ذلك الرجل الذي الكشك حتى بدا كنقطة سوداء. أهانه .كان حزنه وألمه يرافقانه دائما ..بين بعد أكثر من سبع ساعات من السير المؤلم الصخور ،وأثناء األكل ،وعند النوم أيضا .هذا عبر طريق صحراوي بائس ،تقف العربة أمام األلم الذي تحوّل مع األيام لكتلة جامدة تسكن جبل كبير ،وم��ع��دات متناثرة حوله ،وأن��اس قلبه. بمالمح ق��اس��ي��ة ،كأنهم تماثيل تشبه تلك بعد شهور أصبحت مالمح سالم أكثر حدة، الصخور التي يعكفون على تكسيرها بشراهة. وضرباته أقوى ..وكأنه يقطع بمعوله رغيف ما إن توقفوا حتى بدأ رجل أسمر البشرة خبز يابس .لم يعد يفكر بغير العمل لمدة بالصراخ :أَنزلوهم سريعاً ،ليبدأوا العمل ..أط��ول ،وجمع م��ال أكثر ،ليبتعد بعدها عن يجب أن تصل الحجارة قبل الغروب ،ال مكان هذا المكان الذي حوّله لشبح أسود .الرجل للكسالى هنا ،إما العمل ..وإم��ا أن تذهبوا األسمر يقف قريباً منه ،ال ليركله هذه المرة، لتموتوا في هذه الصحراء. ولكن ليربت على كتفه :أحسنت يا سالم.. يسقط ج��س��د س��ال��م م��ن ال��ع��رب��ة ك��ورق��ة عملك يتحسن ،سأزيد أجرك قريباً ..استمر. سالم لم يبتسم ،حاول ،ولكنه لم يستطع. يرفع يده الخشنة ليتأكد من وجهه الذي بلله بالماء يوم نهض مسرعاً ذات صباح .ولكنه لم يجده ،تحول وجهه لجماد ،لقطعة صخر من المحجر.
* قاص من السعودية و(النص من مجموعة /رقصة الغجر).
اجلوبة -خريف 1437هـ (45 )2015
نصوص قصيرة ٌ ٌ نائمة في األسنان قضمة ρρعبداهلل السفر*
�ض اللغ َم المخبوء تحيّة تخالها وعداً ،لكنّها ليست لك .أورَى لها الزند وع� َّ
تذهب إلى نافذةٍ بعيدة ٍ ويد صغيرة تكبر منذ المنديل؟ في التلويح .ال أحد يأتي .ال أحد يمر.
الظ ُّل المخبوط في كوب الشاي شعش َع
مرآتك؛ فانتهبتْكَ اللسعة.
*** منذ متى وقُبلتك ،تلك ،معلّقة في
السماء؟ لماذا هي هناك؟
عذابي الصغير القديم وزفيري الذي
ينساهُ الليل.
*** قضم ٌة منسيّة عند «بوفيه األمانة»
منذ الروائحِ األولى والبللِ الذي ال يبلى
46
القضم ُة النائمة ف��ي األس��ن��ان مَن اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
*** االلتفاتُ ع��زاء .يدّخ ُر في العينين
بخا َر نظرةٍ أخيرة.
*** لماذا ه��ذه النظرة تم ّر ُغ األف � َق وال
تذعن؟
*** ال��ذي ال يعبر يتخ ّم ُر ف��ي النظرة.
تتك ّف ُل به جرا ُر العين.
*** كتاب الفجر، «صغيرون» لم يخرج من ِ
بقدم ٍ �ض ف��ي ح��ب��ري «ص��غ��ي��رون» وت��رك� ُ جائعة.
*** الي ُد في الدم .الفريسة سكنتْ إال.
«صغيرون»... ...وأضعتُ الخيط.
*** زُرق ٌة واهنة ،ويوسُ ف يعبثُ بالقميص.
تقريب مرآةٍ تلتم ُع فيها النهاية. ِ ف ّك َر في الشهوةُ بزغت ك��أوض��ح م��ا ت��ك��ون .رفرفت ال��رائ��ح� ُة ف��ي ه���واءٍ قليل ث � ّم ه��م��دت .عي ٌن جاحظة سمّرتْها المرآة.
*** عي ٌن ذاهلة في رمادِ نظرتِها .قاربٌ منسيٌّ يغوص في طينِ الجَ زْر ..ليس هناك أحد. ُ
*** يعكف معه على تجميعِ أعوادِ ُ «البخنق»
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
وما فاهت باسمِ هِ األغنية.
الساحرةُ تتوارى وفي العين أحال ٌم لم تُروَ.
*** كِ سرةُ الضوءِ تمضي .ي � ُدهُ مطو ّي ٌة على ��رف ال��س��ي��اج .يمكثُ ه��ن��اك ،ر ّب��م��ا يم ُّر ح� ِ الحصادون فترشدُهم حارس ُة الليلِ إلى ٍيد ّ نضجت ،وقريباً يمحوها السياج إ ْن لم يبادر
رؤوسها في عينِ قطعةِ الحجر المنجل. ِ الثقاب وفر ِْك الصغيرة .يض ُع المسما َر ويقرّب قطع َة أكبر.
طلم تسع ْف ُه اللياق ُة الريفيّة .اختطفت
ُ ينزالنِ على الكبريت. تطيش نا ٌر ورائحة .ال��ص��ورةُ فمَه .العدس ُة الخائنة ثبّتتْ ُه في ونضبتْ ُه من الحركة .يغم ُرهُ الظل م����ذّاك و«ال��ب��خ��ن��ق» ح��م��ام�تُ� ُه ال��ت��ي في مشتهاها ّ قدميه.القميص م��ق��دو ٌد ُ رأس���هِ ح� ّت��ى م��ن ِ
الدُّخان.
***
والعين لم تستر ّد نظرتَها.
***
لم تكن في مثل هذه الوداعةِ قط .ته ّز المنديل كمن تحتّ غباراً قديماً .نظرتي العالق ُة بين الخيوط تنزل ُق طافيةً.
*** * قاص من السعودية.
ي��ف��رك الكلمة بين ي��دي��ه حتى يصطبغ السرب ِ بفوحها .الظالل حولَ ُه تتفشّ ى ،وفي ِ حمام ٌة تائهة.
اجلوبة -خريف 1437هـ (47 )2015
البداية األخيرة ρρنادية أحمد محمد*
فى عينيه رأيت غيم ًا كثيفاً ،انتبهت لرياح غضب تجتاح محيّاه ،حدّ ق في وجهي متسائ ًال كيف ..وابتلع بقية الحروف ،صمت قليال ً ،وسأل :لماذا؟ وعاود الصمت ثانية محاو ًال السيطرة على نيران الرفض المتأججة فى صدره وهو يقول :ال. الحجرة تتسع ساحتها لكلماته ،تمتص جدرانها ال�ح��روف ،تتشربها وتعيدُ بوقع أكبر ،ورنين أعلى وأعمق يهز قلبي هزاً. دفعها ٍ أدي�����ر وج���ه���ي ع���ن���ه ،اب��ت��ع��د إل��ى
اقترب من أحدهما ،مقعدي األثير،
رك��ن ن� ٍ�اء بجوار الشرفة ،اتطلع إلى أجلس راجية أن يقترب ويشغل مكانه المعتاد ،يظل مقعده شاغراً ،أشعر مقعدين وس��ط العتمة يطالن على بمزيد م��ن العتمة يجتاح ص��دري، أن��وار الطريق .المقعدان فى فراغ أَنْ�دَفِ � ُع عائد ًة ألمأل بعضا من فراغ الشرفة يشكوان فراغاً ودوائر صمت الحجرة من جديد ،إلى حيث مقعدينا ال تغيب ،بينهما تمتد مساحة تسكنها أم���ام ال��ت��ل��ف��از ،ال��م��ق��ع��دان ش��اغ��ران
48
برودة المساء، اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
أيضا ،والتلفاز شاشته يمألها فيلم
أم��ا محمود فدائم النسيان ،عليّ أن
أ ُح���دّ ق باسطة نسيم عيني إل��ى غيم أسجل فى هاتفه مرات أنني اتصلت ولم عينيه ،ال بدّ من النقاش والمحاورة ،أن يرد ،لكي يتذكر ويتصل ،ويقسم إنه لم ير نجلس معاً ،نعاود التواصل ليذوب هذا هاتفه -فى كل مرة -إال اآلن ،ويطالبني الغمام ،لكن ليس اآلن ..وهو على هذه بالكف عن القلق ال��ذي ال يجدي ،أشكو ِّ الحالة ،لو تركته قليالً ،ستهدأ النيران له من برودة البيت ومرارة الصمت ،ومن وي��ت��ح �وّل ال��غ��ي��م ل��س��ح��اب��ات ُو ٍّد تسمح أبيه ال��ذي يخرج باكراً وال يعود إال بعد بالحوار ،عندها أعرف كيف أقنعه ،اتسلل ذه��اب شمس النهار ،وأن مقعدانا في إل��ى عقله ،أح��اوره بالمنطق كما تعوّدنا الشرفة -أو أمام التلفاز -لم يعودا كما منذ سنين ،هو يرفض دوماً االقتراحات كانا يجمعانا لنطل سوياً على الكون ،وأن المفاجئة ،وق��د ينثر حوله كلمات ذات أبيه يخرج كل صباح وهو يقسم أنه سيعود وقع ثقيل ،وربما غادر المكان زاف��راً من بأسرع ما يستطيع ،وتمر الدقائق والثواني رئتيه أكواماً من الضيق والغضب ،لكنه واللحظات وه��و بعيد ،يتركني ألحاديث عادة في نهاية األمر-بالمجادلة واإلقناع -الصور والغرف الخالية ،وعجلة الذكريات يستجيب. التي ال تهدأ ،إلى أن كان اليوم ..ووجدت
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
رومانسي قديم لم يعد مناسباً للعرض اآلن.
-متى تعودون؟
ال مدرّسة بنات في مدرسة قريبة من يدق الهاتف النقال على المائدة بعد عم ً ص��م��ت ط���ال ،أه����رول ن��ح��وه راج��ي��ة أن البيت ،شرحت لزوجي األم��ر ،رأي��ت فى يكون المتصل منال أو محمود ،وحشني عينيه غيماً كثيفاً وهو يقول ال.. صوتهما كثيراً ،طالبتهما مراراً أن يكون بهدوء ..رأيتني أحدق فى عينيه باسطة االتصال كل يوم مرتين ،مرة في الصباح ك��ف ال���ود ،راج��ي��ة منه ال��ح��وار ب���دالً من حين تصافح أعينهما النهار ،ومرة قبل أن الصد ،قال إنه يخشى البقاء وحيداً فى يسلما نفسيهما للنوم ،دون جدوى. غيابى محاصراً بصمت وبرودة ولحظات منال تفعلها م��رة أو مرتين ..وتعاود مغسولة بالفقد ،بدأت الكالم واثقة أنه النسيان ،تقول إن أوالده���ا ال يعطونها يرفض دوماً االقتراحات المفاجئة ،لكنه ف��رص��ة ل��ش��يء ،أه��م��س ب��أح��رف باكية عادة في نهاية األمر -بالمجادلة واإلقناع- يستجيب!! الرنين: * قاصة من مصر.
اجلوبة -خريف 1437هـ (49 )2015
«ضاعت منّ ي» ρρمحمد مباركي*
وكزني صديقي قائال: ستنظمه جمعيتنا. ّ السرد الذي تجهّ ز ليوم ّرددت عليه: أدع لنا ربّك بالتّوفيق.واستمتعت بها ،لكنّها ُ قصة قصيرة جميلة بعنوان أجمل .قرأتها مرّات عدّ ة وكتبت ّ ُ فت كثيرا على وتأس ُ ضاعت منّي ..ابتلعها الحاسوب .وعجزتُ عن استردادها منهّ . ضياعها.. المنصة دون ّ وليس معناه هذا أيّها الفضالء أيّتها الفضليات أنّي سأنزل من هذه أن أقرأ على مسامعكم ما فكّ رت فيه قبل مجيئي إلى هنا. أنتم تعلمون أ ّن آخر أعمالي السّ ردية أقول الحقيقة ،وال داعي ألن أقسم لكم الطّ ويلة ،كانت رواية؟ لكنّ الذي ال تعلمونه على م��ا أق���ول ،أل ّن الحقيقة ال يُقسم هو كوني قد بعتُ منها مليو َن نسخة في عليها .هكذا تعلّمتُ .. األس��ب��وع األوّل م��ن ص��دوره��ا .ونفدت تناقلت ك ّل وسائل اإلعالم المسموعة طبعتها األولى في األسبوع الثّاني.. وال��م��رئ��ي��ة خ��ب��ر ص����دور رواي���ت���ي ..لم أرأي��ت��م؟ إ ّن��ك��م تضحكون م � ّن��ي ..أنا تتوقّف رنّات هاتفي النّقال ..اتّصلت بي أسمع ب��ـ «ال��م��خ��اط��رة» م��ا تقولونه في الصحافة المكتوبة ،واإلذاع��ات الوطنية ّ دواخلكم اآلن ..الذي كان منكم رحيما والدّولية لمحاورتي .وتهافتت عليّ دور بي قال« :إنّه يتباهى». النّشر إلع��ادة طبع رواي��ت��ي ،ورشّ حوني والذي كان منكم قاسيا عليّ قال« :إنّه لنيل جائزة «نوبل» لآلداب. يفتري». أنا أقول الحقيقة ،وال أريد أن أقسم
50
ال ،أيّها األع��زاء أيّتها العزيزات أنا لكم.
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ألقى المندوبون ورؤساء الجمعيات ورئيس المجلس البلدي كلمات التّهاني والتّبريك، وأمطرني الجميع بالجوائز والهدايا القيّمة التي ل��م أك��ن أنتظرها ب��ص��راح��ة ..أهداني رئيس المجلس البلدي دارا فخمة على شاطئ نطقت الفتاة باسمها الجميل جمال وجهها. البحر ،وأه��دان��ي مندوبو ال����وزارات سيارة فارهة ،اشتركوا في شرائها .وأهدتني إحدى وقّعتُ لها نسختها بهذه الكلمات: وكاالت السّ ياحة تذكرة سفر إلى اسطنبول.. «إل��ى الجميلة التي تحمل اسما جميال. ّعك بفصول روايتي كما متّعتني وفي نهاية ذلك الحفل البهيج ،مررت إلى أتمنّى أن أمت ِ توقيع روايتي والدّنيا ال تسعني من الفرح .بجمالك». ب��دأتُ التّوقيع مع السّ اعة السّ ادسة مسا ًء والقصاصين والشّ عراء ّ على الرّوائيين وأنهيته مع السّ اعة الثّانية صباحا. والزّجّ الين والمسرحيين وك ّل الكتّاب أن يوقّعوا أغلبكم لم يصدّق كالمي .إنّي أقرأ ذلك إصداراتهم بمثل هذه الكلمات الجميالت. في أعينكم. ووقّعتُ باألحرف األولى السمي الثّالثي، ال ،أ ّي��ه��ا األع���زاء أيّتها ال��ع��زي��زات أن��ا ال لكنّ الفتاة الجميلة احتجّ ت عليّ في غنج أك��ذب .صدّقوني حين أق��ول لكم إ ّن الذين قائلة: اقتنوا روايتي وقفوا في طابور وصل طوله لن آخذ منك نسخة الرّواية إ ّال إذا كتبتَإل��ى كيلومتر .ل��م أق��ل لكم ق��د وص��ل طوله إلى كيلومتر ونصف .أنقصتُ نصف كيلومتر اسمك كامال. متعمّدا.. رددتُ عليها قائال: الحضور الكريم ،أنا أحبّ الجميالت .وحبّي للجميالت المستيقظات أكثر بكثير من حبّي «للجميالت النّائمات» .أنا لستُ «إيغوشي» اللّعين .أنا أكره هذا العجوز.
كانت في أوّل الطّ ابور فتاة رائعة الجمال. غار منها ك ّل مَن كان خلفها لكونها ستحصل على أوّل نسخة أوقّعها .انحنت عليّ حتّى شممتُ رائحة عطرها الباريسي .أوه أيّها
ق� � � � � � �ص � � � � � ��ص ق� � � � �ص� � � � �ي � � � ��رة
ت��ع��اون��ت ف��ي ال��ج��ه��ة ال��ت��ي أن��ت��م��ي إليها مجموعة من الجمعيات الثّقافية والمندوبيات ودار البلدية وكلية اآلداب .ونسّ قت فيما بينها، وأقامت لي حفال باذخا .كنتُ مسرورا وفرحا وج���ذالنَ ،حتّى خنقتني ال� َع�بَ�رَاتُ وأن��ا ألقي كلمتي بتلك المناسبة السّ عيدة.
حاضر يا آنستي.وكتبتُ اسمي كامال: «غابرييل غارسيا ماركيز».
* قاص من المغرب.
اجلوبة -خريف 1437هـ (51 )2015
المطر العاصي ρρعقل الضميري*
يا مطرً ا يهطل فوق الماء! يا مطرً ا يهطل مكروهً ا عند الغرب كل مساء! يا مطرً ا يهطل فوق الشرق في كل بهاء! يا مطرً ا.. هل تعلم أن غيابك أبقانا دوما صحراء؟! يا مطرً ا.. هل تسمع أو تبصر لهفتنا بين األحياء؟! **** يا مطرً ا ال يأتي!.. يا مطرً ا غائب!.. يا مطرً ا يغرق في البحر! في قلبي شوق.. وفي أرضي نخلٌ وطيور!.. في عمري حلم... وفي زرعي أمل بسنابل!.. واعتذر البئر.. واعتذر الساقي.. عطش يعقبه عطش!... األرض تكشف عورتها!... يا أرض.. أين الستر..؟! أين الورقة..؟! أين التين..؟! تبكي األرض بال دمع .. فيها حرقة.. كي ال تترك عذرا للغيمة!!.. ***
52
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
وتمر الغيمة مسرعةً إن جاءت.. كي ال تسمع صوت النخل ودعاء الراعي.. وتدور األيام ببطء حتى ينغرس اليأس في كل الطرقات.. فيقوم المفتي والشاعر واألطفال وزرّاع القمح.. ويصلي الناس قيام ًا ..وقعوداً ..وسجوداً.. والمطر العاصي ..يا قاسي.. هل أكشف رأسي..؟! هل أقسم؟ كي تعلم أن النخل والزرع يقاسي.. وأنَّ الرعد المرعب والبرق الخاطف يطربنا .. كي تعلم.. كي تأتي.. كي تسرع!!.. ***
آه.. ال خب َر في نشرة أحوال الطقس! وال التقويم يواسي..
***
وسنبقى نؤمن أنَّ اهلل له األمر هنا وهناك.. من قبل.. ومن بعد.. له األمر. * كاتب من السعودية.
اجلوبة -خريف 1437هـ (53 )2015
َ راح؟ الج َ وكيف َأ ُل ُّم ِ ρρحنان بيروتي*
القابع في عراءِ الدفء ِ ِخلسةً تتسللُ إلى قلبه أمنيات أخيرةٍ ٍ باقاتِ مهل وتجمعُ -على ٍ وحين يتضوعُ حضورُها بين أضل ُِع الحنين توصدُ خلفها بابَ الغياب.. ِ ***
54
ربما كان «تشرين» امرأة ًعاشق ًة تحترفُ الحروفُ ،وتناثرتْ عالماتُ االعراب مثل البكاء، سرب مذعور.. ٍ ال عاشقاً يتق ُن الكذب! و«نيسان» رج ً *** وأنت توص ُد بقلبك بابَ الحنين حاذ ْر على *** أصابعِ الذكريات.. فنجا ُن القهو ِة ينتظ ُر وأنام ُل قلبي تس ّر ُح شَ ع َر الوقت *** لو تدري... أب��ح��ث ب��ي��ن س��ن��اب��ل ال��ص��ب��اح ع��ن قمر الدهشة ،وأعلق على جداره لوحة فرح ال *** تكتمل بلون عينيك! بغيابك تذبل اﻷزاهير على شرفة الروح *** تنوس الدهشة الحلم الذي يبس على دالية الروح تسكن الفوضى مساحة القلب، أورق حين رآك.. يغيبُ الفرح *** وتخلع اﻷماكن ألقها، حين أكونك.. تعشش عناكبُ الوحد ِة في زوايا الوقت ..أبعث ُر نظ َم األماني، بغيابكَ تغيبُ الحياة.. أعي ُد صو َغ الحروف، مث َل شجرةٍ في براري الروح أور ُق مزهو ًة *** وحين أغيبُ يعاتبني مثل طفل وحيد ..بعمري، لكنه البوح كما الربيع قلبي. يقتله انتظا ُر المطر.. *** *** فاصطكت ِ كأ َّن اللغة بغيابك لسعها البرد اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
***
قال لها :وجهك حبيبتي يشبه يقظة المطر من صحوته رج ُع الصدى ال يكذب.. بكما يتبلل قلبي! صرختْ ذات جرح :نسيتُكَ .. *** ردّد الصدى ..:نسيتُ !.. لستُ أنا.. *** َ ابحث عن امرأةٍ أخرى تقبل أن تغمس حضورَها ك��ي ال تنسى ك��م يبكيها ،ف��ك��رتْ أن تسمّي ُ بظالل أخرى ..وتمد حبا َل حنانكَ .. وتركض الدمعات.. لعينيها بنبضك.. لكنها األسماء تتوه في مسارب القلب لحظة لست أنا.. تراه! ابحثْ عن امرأةٍ ترتضي أن تكونها معها *** وأن أموت بك مرتين! * الزهرةُ التي قطفتَها كي تهدينيها ..ذاتَ ربيع *** بكتْ في يدي قسوتك ،قبل أنْ ..نذبل معاً! أنا ﻻ أشبهني حين تغيب ..ﻻ أجدني معك، *** أيني إذاً؟ القلب قصيرة لك ّن جراحَ ه طويل ُة األمد. * ذاكرةُ ِ ***
***
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
وحدةُ قياس المسافة ..درج ُة الحنين.
وهي تصعد درج القلب تعثرت بطيف المرأة اﻷخرى فأسرعت ..بالصعود..
***
غيابك يحضرني ..وحضورك يغيبني! * بين شيخوخةِ الدالية وايناعها ..قطرةُ مطر *** القلب وإيراقه ..كلم ُة حب! جفاف ِ ِ الحب الحقيقي أن تزر َع بأصابع مجرحة وروح وبين * أحتا ُج في اليومِ عمراً تنزف قلبَك بهيئة وردة ..في روح اﻵخر... كي أعتذ َر عن انشغالي عنكَ ..بك! *** الحوار بين المخرز والعين ..ممكن! الحوار بين قلبي ونسيانك ..مستحيل!
***
أتنفس عمري بعدك؟ ُ كيف وأرمم قلبي المنكسر *** ال���وداع ليس أصعب كلمة ،مكابدة اﻵت��ي هو وك��ي��ف أل��� ُّم ال��ج��راح بخيط ال��س��ك��وت وبعض األنين؟ الوجع اﻷصعب من كل الكلمات.. ***
***
هي تحصي خسارات القلب ،تذكرت كم تكبدت * أخ��افُ غيابَك ..لكن ذاك الحنين المؤجل للحضور ..أخافه أكثر! من عذابه العذب ،فأعادت الحساب.. * كاتبة وشاعرة من األردن.
اجلوبة -خريف 1437هـ (55 )2015
اإلنسان يعلن عن ذاته ρρسليمان العتيق*
بأنك عالـ َمٌ َ شجني بتذكاري وأشعاري..
الشمس ِ ِ الريح ،مثلَ ِ مثلَ
يا أيها اإلنسانُ ..تـُز ِْهرُ في حدائـِقهِ
مثل النخلةِ الهدباءِ ..واقفة ً
ُباك في باحة ِ الذكرى ..لبـُستان ٍ هـُنا، أنشود ُة اآلمال ِ واألجيال ،تـَنـْبـ ُُت في ر ْ وعواصف األحقادِ واألضدادِ ُ
نضبـ َْت أسقا ُه جدي من دالءٍ ،بئرُ ها ُ
واآلالم ِ واألسقامِ ..
خريف.. ٍ ذاتَ
رؤاك ُجهش في ْ تـ ُ
ثم أسقانا حنيناً ،من تعشقهِ . ***
هي خفقة ُالطين ِ التي ن ُِـفخَ ْت بروح اهللِ .. ثم تأرجَ حَ ْت
شجني بتذكاري وأشعاري
ِ بين السماء وبين طين الكائنات تب َرجـ َْت ِ األرض ..في أدنى بأن تـَخـَلـ ُِقهِ
تحدثت عن ذاتِ ها ْ كلُ الذوات ***
56
قد أعلنت عن سرِ ها
كائن بأنك ٌ َ شجني :بتذكاري وأشعاري..
روحها عن ِ
يا أيُ ها اإلنسانُ ،مثلَ الماءِ
الكون.. ِ يصب في عرصات هذا ُ عما
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ومن تالفيف الجمال ِ
ورا َح يستجدي النجو َم
يفيض من سبحات ِ رونقهِ ُ
وجد ،ويمنحـُنا.. يبثنا وجد ًا على ٍ
الماءُ يحفر دربـ َه
رجوى ونجوى ..في ترفّ قه ***
متدفق ًا مترفق ًا ينساب أنهار ًا وأودية ً ُ
أس � �م ��ي س � �ل � �ي � �م ��انُ ..وه � � ��ذي ال � ��ري � ��حُ م��ا
وحين يمرُ يعلن ُعن تدفقهِ
امتثلت ..أمري ْ
الممسوس ُ ُ والريحُ هذا الكائنُ
وهذا الهدهدُ المفقودُ ..
هفهفت ..أو ولولـ َْت ْ لمّ ا
قد هج َر الخمائلْ
عصفت بأردان ٍ .. ْ
أنا لم أقل عند العشية ِ ،
على نخل ٍ ،على شجر،
عند حومات الجهادِ :
لتلهـُو في تعانقه ِ
الصافنات لكي أقاتلْ ِ بأن تردوا
والشمس يا إشراقة َالدنيا ،ويا أ َم البهاءِ ُ تمرُّ باألحياءِ ،واألشياءِ ،تغزلُ يومَ ها.. قالت :بأني لم أزلْ ْ
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
من روح الكمال ِ ..
وسجى على كل التخوم ِ
إني ألني يا ديا َر مراتعي ويا شمسي ،ويا نخلي ويا منحنيات أيامي..
أجلو جمالَ الكائنات ِ ..وأشتري لفتاتكم وهذا الظلُ زائلْ أرش لقابل األيام أشعاري سوف ُ وأذوب في خطراتـِكم ُ
الفسيح ،وعند مشرقهِ . ِ في مغرب ِ الكون والبد ُر يسري في السهوب كظبيةٍ شفها.. تـ َرعى مرات َع ِخ ِ فوق الرياض الخضرِ .. وفي التالل العُ ـفـ ْرِ
وأكتب في تفاصيلي، ُ وأحبّر األشواقَ ..
لإلنسان ،لإليمان ،لألشجان.. في أغلى الرسائلْ ***
السمّ ا َر في النجوى ينادمُ ُ
أسمي سليمانُ :
ويسقي الوالهينَ صبابة،
وهذي صورتي ممهورةٌ :
في واهج الشكوى..
بتتابع األيام واألعوام ِ
وفي نشوى تشوقهِ .
واألفراح واألتراح ..إنسانٌ ،
والليلُ :هذا الليلُ ،خبأ س َر ُه
تـَعـ ٌِب ،يَمُ رُ على رصيف هذا الدهرِ ..
اجلوبة -خريف 1437هـ (57 )2015
ويحتسي..
في رنّة ِ الذكرى ،لسدر نابت ٍ ..
كاسات أسمارٍ وأكدارٍ ، ِ
تحت َظالل العرش ..فوقَ الفرش ِ
ويحمل فوق عاتقه الحمائل.
من نفح الجنان ِ ..ونعمة ِ الرحمن ِ ..
***
أنا أحمدُ اهللَ :الذي.. أعطاني في هذا الوجود إرادتي.. ومشاعري ،وخواطري أعطاني إيماني وأعطاني الحنـيـنَ لجنّةٍ ، غادرتـُها ..لكنّي لم أجد ِ البدائـِلْ . ولسوف أصبرُ ،سوف أحفـُرُ َ وتوجدي ّ أكف تجلّدي في ِّ وتصبـُّري وتدبـُّري ومطامحي ِ وتسامُ حي ومهاجـِعي ومواجـِعي.. وبظل أِ شواقي ،وظل ِ صبابتي تلك المنازلْ عَ ودي إلى َ ***
أنا سوف أحملُ فوق كتفي سـِدر ًة
إذ يغشاه ما يغشى. فهناك ال كد ٌر وال خطرٌ نص ٌب وال َ وص ٌب وال َ وال فقدٌ ألحبابي هناك ما أخشى. َ وليس ***
أنا ال أسيغُ تدفقي وتدافعي في حومة األحقادِ واألضداد وال أسيغُ ولو َغ منهوم ٍ يعب من عفن الحياة ِ .. ُّ المسلك األعشى. َ وال أسيغُ آهٍ ٍ من الذكرى.. من النجوى
خ �ض ��راءَ ،ق��د س�ج��ع َال �ح �م��امُ ع�ل��ى رِ ق ��اق وآهٍ من عنا روحي اآلهات في بَوحي ِ آهٍ من غُ ـصونِ ها
58
الصبا َوشوشت ،ريحُ َ ْ وتـ
ومن عـقبات دربي
ِيك الجدائلْ من بين هاتـ َ
آهٍ من اآلالم في كربي
والسد ُر يقرعُ خاطري
آهٍ من الكأداء ِ في الممشى.
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
ُ رأسه الشمس من تأكل الذي ِ ُ
(المعتمد بن عباد) ρρأحمد هالل*
الحذاءُ بعيدٌ
أصابعهُ كالجراد ِ،ففي كل شبرٍ نرى
وأقدامُ مهجورةٌ
اآلن
علَّقَ الصوتَ من شحمتي أذنيهِ
سبابةً ثم وسطى على شكل دلتا
البيت ِ على حائط
وبينهما ليس نهرٌ
ثم انصرف
يُ نَفض عنه غبا َر المسافةِ
الطريق ِ في
يخلع أعضاءَه
يسيرُ ويقعدُ
أي مغسلةٍ لم يجد َّ
يسقط منه ذراعٌ ُ
يستقر قليال
وينسى حقائبَهُ
فينشرُ أعضاءَه فوق سفح مخيمهِ
ِ مثلما نسي الغيمُ قهوته في الصباح يتذكرُ : فعاقبَ أبناءه بالهجيرِ ليس لنا اآلن أن نتهيأَ ومالَ على ظلِّهِ
للعرس ِ
فجأ ًة
سوف نعد الفطو َر
هربَ الظلُّ منه
وننتظر الشمس حتى تغيبَ
حواليه
لكي ال تُح ِّرقَنا
أبناؤُ ه
حين ننقل هذي السما َء
نجمتان وألقاهما الكونُ
يلملم أعضاءَه
العصف ِ في ساعة
ثم يلبسها مثلما يلبس الليلُ اجلوبة -خريف 1437هـ (59 )2015
لون النهارِ
ثم يسقط ظلُّ البنايات
ويمشي
البنايات ِ من فوق سطح
يقولُ :
قلت أُغَ يِّرُ نعلي
البيت ِ ابتعدت كثيرً ا عن ُ
لعل الطريق تغيرُ
مربوطتان ِ نعاله
تأخذ أوجاعها معها
كخيل ٍ
والمرايا التي تتناثر فيها الوجوه
األرض ِ �ارس�ه��ا ص��و ُت��ه المتعلق م��ن شحمتيّ على وح� ُ
60
أذنيه
قلت ألملمها ُ
ويشرب كوبًا من الماءِ
يدي ثم أحملها في ّ
يكملُ
ولكن أحرفها
كان أبي ملكً ا
ومالمح تلك الوجوه التي سكنتها
َعارك كلُّ النسورِ في الصباح ت ُ
يدي جعال من ّ
على كتفيهِ
شوار َع
النسور التي قد جعلت لها الرأس مائد ًة
ينظرُ نحو السماءِ
ودمي المستباح لها عنبًا
لعل هنالك معجز ًة
طارت اآلن من كتفيّ
تسقط ُ سوف
وكان أبي ملكً ا
يربط حول خواصره غيمتين
عرشه زمنان وماء
المحاريث ُ وفوقهما قمرٌ في يديه
صولجاناته النهرُ
والفأس ُ
خطوته مدنٌ
الغيم ِ لكنه الرملُ يطلع في
ناسا كان ينفخ في األرض ينبت ً
كان أبي ملكا
ومملكةً
كنت أسكن في حضن جاريةٍ
وأنا اآلن مملكتي
أسحق الطيب تحت أصابعها
وجناحان ِ شارعٌ
وأصب الورو َد على وجنتيها ُّ
الممالك ِ ريشهما يتناثر فوق رؤوس
وأندلس ٌ فينبت نهرٌ
الرصيفان ِ كم يتعرّى
والمسافة ممطرة بيننا
الخيول التي فقدت صوتها ِ مثل
والوسائد من تحتنا كالمراكب
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
آه يا زمن ًا يتكسر مثل المرايا
أوزعها في سطور القصيدة
يسير
أو في األ َِسرة للشعراءِ
ويسقط
وصاحبتي قد زرعت لها فوق صدري
يحلمُ
نخيل
ثم يفيق
ولكنه اآلن يسعلُ
وكان أبي ملكا
الحرب ِ من أثر
في الصباح يوزع قبالته
هذي المحلية الصنع
ثم تلسعها الشمس
ثم يلملم أشالءه
قمحا تخرج ً
العربات تسيرُ
وساق صبايا
تشيخ مالمحهُ
الليل ِ ويجلس في ُ
والحذاءُ البعيدُ
يرمي لهم من تحياته أنجمً ا
بعيدٌ
وفضاءً
وأقدامُ مهجورةٌ
مخيلةً للكتابةِ
ورق وهواءٍ فبعكازتي ٍ
يبسط كفيه
يسيرُ
الناس فوقهما ُ كي يصعد
وتهرب عكازتا ُه ُ
للذراعين
فيسقط ُ
كي يكتبوا:
في لوحةٍ
وكان أبوه الرصاصةُ
في مزادٍ
الحرب ُ أجدادُ ه
لتكتمل الصور ُة
واالنتصا ُر
اآلنَ
وأبناؤه قطع الشطرنج
ما بين فكيّ أرانبَ
ملك لم يكن لي من اسمي أنا ٌ
تنهشها
الناي ِ سوى أنَّة
يضحك ُ وهو
في ذروة الجملة العاطفيةِ
حتى تسي َر الحيا ُة ببطء..
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
والشرفات فضاء
ِملك يميني النجومُ
* شاعر من مصر.
اجلوبة -خريف 1437هـ (61 )2015
قصيدتان ρρأحمد متساح*
حالة وجعي أنا بالضلوع يميل علمّ ني أيها الشيخ أم يصعد كالنخيل أن أدوخ يموت واقفاً ،راقداً ..ال فرق أرحل غيبي يا أمي أجازف غيبي في الما بين ...للرمل طواحين وبقلب العارف معارف الظمأ شوق رقراق كالندى ..وتآلف وللبحر مخالب الغرق علمّ ني أن أعبر ظامئا.. غرق بيداء الرمال غرق أسكن في حلق السؤال غيبي أفقأ عين المحال تموت األشواق كمد ًا علمّ ني ولألرض أحالمها الثكلى أن أشتهى الحقيقة كلها صبّوا عليها الوجع أحرث غيطان الجوى ُ فأين التاج واأللق؟ ثم أذوب عشقاً ..وأصعد أصعدُ في آخر الليل – نخيل التجلّي أين الشراع من الصهيل؟ وأختلى بالودع ..ووداع� ًا أيها الحلم وجعي أنا كالقتيل فاسألوا أنات األرامل البعيد النار يأكلها الجليد عظم الفتى في المراجل سأذوب ُ والنهار يرحل بالشفق الدروب ِ يا وج َع غرق وليلى لها ما تريد غرق بأرض النبع والغزالن غيبي يا أمي غيبي في مسام الورق غياب وفي دهاليز األرق غيبي يا أمي أنا مازلت ألوك أحرفي.. غيبي في أنات الطلق والحلم شمعة.. وللحسك أن يتغلغل في دمي ويسد الحلق لكن في آخر النفق..
62
* شاعر من مصر.
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ρρمحمد محمد عيسى*
َصوْ ٌت
َصاحَ.. قَالَ :كَالمً ا يَفْ هَمُ هُ مَ نْ يَعْ رِ ُف حَ ا َل ْه مَ نْ ي َْسبُرُ أَغْ وَا َر ْه غَ نَّى، أ َْشجَ ى كُ لَّ الْمَ ا َّر ْة غَ نَّاهُ مْ أ َْضحَ كَهُ مْ حَ تَّى أَعْ يَاهُ مْ لَكِ نَّ المَ ا َّر َة قَدْ جَ ِهلُوا َاظ َترَاهُ مْ !! أل ْلف َ أَنَّ ا َ كَ المٌ َعرَ ِب ٌّي
َبوْحٌ عرَبِ ٌّي :جَ زْمُ َك أَنَّ ِجيَا َد ُجدُ ودِ َك يك َت ْتبَعُ خَ ْطو ََك أَ ْو ت َْح ِم ْ َبوْحٌ عرَبِ ٌّي: يك، الهن ِْد يُ َصافِ َ أَنَّ حَ دي َد ِ َوأَنَّ فرَاسَ َة أ َْشي َِاخ الزَّ مَ ِن الفَائِ ْت يك، أَبَدً ا -تَكْ ِف َالصي ِْد َوأَنَّ حَ ِديثً ا عَ نْ أَيَّامِ َّ * شاعر من مصر.
َاك ْك قُ و ْ يَرُ دُّ إِ َلي َ َق َد ٌر عَ رَبِ ٌّي أَنَّ ِغيَاب ََك َاك!! ض هَ و ْ مَ ْح ُ الشارِ عُ َّ
َاس الشارِ عِ كُ لُّ األ َْجن ِ فِ ي َّ َاسي الْحَ انِ ي ،وا ْلق ِ مُ هْ تَزُّ ا ْل َه ْيبَةِ ،والرَّ ِاسي َالشارِ عُ ت َْحكُ مُ هُ الْهُ وَّ ةْ، و َّ الطينُ القُ وَّ ةْ، وسَ ِ َّاس وَمَ اليِ ينُ الن ِ
وسَ تَعْ رِ فُ هَا دُ ونَ عَ نَاءٍ �اك مَ ��ا َل ��مْ ُت� ْ�خ� ِ�ط��يءْ َق� �دَمَ � َ الدَّ ربَ !
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
َق َص ِائد
2
أَوَّلُ خَ ي ِْط الدَّ هْ شَ ةِ آخرُ ُس ْن ُبلَةٍ ِ ين ا ْل َفر َِح ا ْل َكوْنِ يِّ فِ ي تَدْ ِش ِ 3
السهْ مُ الْمَ ارِ قُ ِمنْ جَ عْ بَتِ هِ َّ *** ال ي َْح ِملُ تَفْ ِسيرً ا آخَ َر الشارِ َع لَكِ نَّ َّ ال يَعْ رِ ُف َل ْونًا آخَ َر َاس!! أَوَّلُ مَنْ أ َْجرَى دَقَّ األ َْجر ِ السهْ مُ الْمَ ارِ قُ ِمنْ جَ عْ بَتهِ َّ قَدْ يُ ْس ِق ُط هَ دَفً ا آخَ َر ات مُ فَ ارَ قَ ٌ 1
يس ِسوَى مَ ا كَا َن إلِ يزِ َ أَنْ تُقْ بِ لَ ن َْح َو َت َدر ُِّجهَا يس مَ ا كَا َن إلِ يزِ َ َاحدْ !! ِسوَى َدر ٍْب و ِ ***
4
ات ا ْلقَفْ زِ مَ رَّ ُ بِ مَ ا لَمْ يُ مْ كِ نْ إِ ْشعَا َر ُحدُ ودِ ْه الظلِّ إِ لَى وج َك َصوْبَ ِّ و َُخرُ ُ الرُّ وحْ ُك دُ ونَ ُجرُ وحْ !! وَإِ يَاب َ اجلوبة -خريف 1437هـ (63 )2015
ضريح ρρحمدي هاشم حسانني*
وحدي وينكرني البنفسج أستحم مع المساء دفاتري السلوى وشكواي الغياب قرأت سفر الدهشة الكبرى انفعلت مع الغمام تمددت روحي كثير ًا غادرتني، فاستراح البوح وانسكب الحنين.. على مداد الوقت أقطن منزلي الوجع المعبأ بالظنون الموت كرسي يجوب الحرف أغنية وكوب من نعاس إذ أنا أرتاح في شفقي وأنزف بالدخان فيصطفيني الشدو ألتهم البكاء وحين تسكر أدمع النعناع ترتحل العيون فمن يعير القلب منسأة وظال .... فكرت لو أغدو غماما كي أسافر في مدار الريح حاصرني الجنون فطرت آهٍ إذ تشبث بي حضور فراشة أواه أحلم
64
* شاعر من مصر.
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
كيف للصب المهاجر يمس الحزن أن َّ يستجدى الرحيل تنفسي يا دعد بُوحي فالقرنفل في مواسمه األخيرة ال يوزع طيبه قُ ومي فإني في ركاب الوجد في الصف األخير على جواد الماء قامتيّ النسيم ورجع أغنيتي الرياح وعازفات الورد ال يعرفن بيتي والهوى ما عاد سهال. ... نادمت أقراني السعال الوحدة الهدباء قاموس الفراغ الريح والليل المخبّأ بين طيات القصيدة وارتجافي حين يرشفني الهوى شيئ ًا فشيئ ًا حين أختزل المداد برعشتين تغير العصفور في وجهي تساقط ريشه شاخت أمانيه استقال من البراح فكيف أسرق من عيون حبيبتي وردا ونسرينا وفالً؟!
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
قوس البهجة األولى ρρأحمد منر اخلطيب*
أبطأت عن حقلي فخلتُ ِك نائي ْة ُ
وعزفت عن ريحي وجئتُ ك ثاني ْة ُ
ت �ع �ل��و أم ��ام ��ي ح� ّ�ج �ت��ان ودول � ��ةٌ
ف �ي �ه��ا غ� �ب ��ا ٌر ي �س �ت �ق �ي��مُ ل ��راوي� � ْة
�ص�ن� ًا وأم� � ��ام م ��رآت ��ي أرى م�ت�ح� ّ
ف�ي�ه��ا ع �ي��ون � ًا م��ا وَهَ �ي ��نَ لثاني ْة
ف �ي �ه��ا وش � ��اي � ��ةُ ح � �ي� ��رةٍ ع � �رّاف� ��ةٍ
وم� � ��زاجُ أن �ث��ى وال� �ت� �م ��اعُ اآلن �ي � ْة
وك��ذل��ك ال� � ّرم ��انُ ي �ص �ب��غُ ك��فّ �ه��ا
عوض ًا عن اإليقاع تحت الدالي ْة
�أت ال تعليلَ ع��ن أسبابها أب �ط� ُ
إذ ينبني للشعرِ روح الخابي ْة
هيَ أو أنا ،والريحُ تقطرُ محوَها
سقوط الساري ْة ُ والمحوُ منبعُ هُ
نجمان وانعتقا لبعض حنينها ِ
تخيط وعاءها في يائي ْة ُ فبدتْ
�أت أص�لاب��ي ك��أنّ حضورها وم�ل ُ
س��ردٌ ي��داع� ُ�ب طفلتين وج��اري� ْة
تتكلّمُ الفصحى ونح َو حوارِ ها
يمشي الندى مُ تعلِّق ًا بالهاوي ْة
ت �ت �ح��مّ ��لُ األوزا َر ال وِ ز ٌر ه�ن��ا
شرفتان لشمسها المتواري ْة ِ بل
وكليمةً للماءِ دا َر بها الصدى
فاختزلت القافي ْة ُ حولَ القوافي
قوس البهجةِ األولى على ليم ّر ُ
أش �ج��اره��ا إذ ال ت � ��روقُ ل�ن��ائ�ي� ْة
* شاعر من األردن.
اجلوبة -خريف 1437هـ (65 )2015
الصباح األنيق ρρعبداهلل أحمد األسمري*
بِطَلَّةِ الورد
يا زهرة الفلِّ
جاء الصباحُ األنيقُ
هل حان وقت القطاف؟
ودقَّ ت ساعةٌ
للسفين بلوغ الضفاف؟ وهل َّ
رف عتيق فوق ٍّ الشمس؛ ُ متى تطلع تعلو طريق المدارس الضياء وترمي على األفق شالَ َّ وتحنو على األوجه المتعبةِ ***
تجمع القمحَ يوم الحصاد ويا قمر ًا يستريحُ على حافة التلِّ عند المساء النعاس ُ وكل الورود تمكّ نَ منها
أراك حشد ًا من العطر
المصابيح ِ وضوءُ
أغصانُه من زهور الطريق
في حجرات المنازل تخبو
ونهر ًا من الشيح.
رويداً ..رويد ًا
***
* شاعر من السعودية.
66
ويا وجه فالحة
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
عند هطول المساء.
ρρشاهر ذيب*
�ات هلل أ َّي�ـ��ام�ـ��يَ ال��خَ ��ال�ي�ـ� ِ سَ �ـ� َق�ـ�ـ��ى ا ُ
مَ � � َع ال� ِ�ح� ِّ�ب فِ ��ي أ َْض � ُل� ِ�ع��ي َب��اقِ � َي��ة
�ات �راف ُح� �ل � ٍ�م بِ � �ـ ��هِ ذك �ـ��ري �ـ� ٍ وأَط� � �ـ � � َ
ب� ِ�ح � ْل� ِ�م ال��نُّ � َه��ى َت�ن� َت�ش��ي طَ ��اغ� َي��ة
بِ �ه��ا ال�ق�ل� ُ�ب إ ْذ ن �ـ� َ�ا َم َي�ـ� ْر ُن�ـ��و إلِ � ْي�ـ��هِ
�ام � َي��ة و َي �ـ �رْقُ �ـ �ـ � ُ�ب فِ �ـ �ـ � ْت �ن � َت �ـ��هُ ال� َّ�س �ـ� ِ
ك �ـ �ـ �أَنَّ ا ُأل ُن �ـ��وث �ـ �ـ � َة ِح �ـ �ي �ـ �ـ��نَ َي �ن �ـ� َ�امُ
َت � �ط � �و ُْف عَ � �ل ��ى و َْج � � ِ�ه � ��هِ ز َِاه � � َي� ��ة
�وق إل �ـ��ى و َْج �ن � َت � ْي��هِ و ُت �ـ �ه �ـ� ِ�دي بِ �ش �ـ� ٍ
أزاه� � �ي� � � َر فِ � �ـ ��ي ِط� � ِّل� � َه� �ـ ��ا حَ ��انِ � َي �ـ��ة
َو َن�ه�ـ��رٍ ِم�ـ��نَ ا َّل�ل�ي� ِ�ل مُ �رْخَ ��ى عَ ليْهِ
يُ ��سَ �ـ��اف �ـ��رُ فِ �ـ �ـ��ي هَ � � �ـ � ��دْ أةٍ هَ ��انِ � َي �ـ��ة
وَيُ � ْ�خ� ِ�ف�ـ��ي عَ لـى َص� ��دْ رِ هِ جَ َّن َتي ِـن
قُ �ـ� ُ�ط �ـ �ـ��وفُ �ـ �ه �ـ � َـ��ا َي �ـ ��انِ �ع �ـ ��ةٌ دَان �ـِ � َي �ـ ��ة
وَأزرا َر َورْدٍ سَ � � � �رَى َض� �وْعُ � �ه ��ا
عَ �ـ �ل �ـ��ى أُمِّ �ـ �ه �ـ ��ا َت �ن � َت � ِ�ش ��ي رَابِ � � َي� ��ة
َف��أمْ � ِ�ض�ـ�ـ��ي بِ � ُل��جِّ ُب� ُ�ح �ـ��ورِ ال � َب � َه �ـ��اءِ
وأَ ْرك � �ـ � �ـ� � ُ�ب أَم � �ـ ��واجَ � �ـ ��هُ ال � َع��اتِ �ي �ـ��ة
ليس ِم��نْ ذا الوُ جودِ َ ـعشق َل��هُ بِ ٍ
ومَ �ـ �ـ��ا َب �ع �ـ � َد أ َْش � َي �ـ��ائِ �ـ��ه ال � َف��انِ � َي �ـ��ة
وح غَ � ِ�ش�ي� َه�ـ��ا ال� َّ�س�ن��اءُ َك� �ـ ��رُ وْح مَ � �ـ ��رُ ٍ
و َت� �ـ ��ا َق� �ـ � ْ�ت ل �ـ � َه��ا جَ � � َّن� �ـ ��ةٌ عَ �ـ��ال � َي �ـ��ة
الضيَـاءِ َف َتغـدُ و لتَلقَـى مَ ـعيْـنَ ِّ
و َت �ن � َه ��لَ ِم �ـ ��نْ عَ � ْي ��نِ ��هِ ال� َّ�ص��افِ �ي��ة
�ات ُأح�ـ�ـ��بُّ �ـ� ِ�ك فلتسـألـي ال�ـ�ـ��ذَّ اري�ـ� ِ
سَ لِ ي فِ ��ي ال��دُّ جَ ��ى غَ يمَ ةً سَ ��ارِ َي��ة
َضا َء �وت يَجو ُْب الف َ سَ لي كُ لَّ َص� ٍ
�ظ أكْ � �ـ ��وا َن� �ـ ��هُ ال �ـ � َغ �ـ��اف � َي �ـ��ة ل �ـ �ي �ـ�ُ�وق �ـِ� َ
�اث النُّ ـجـومِ ُأح�ـ��بُّ �ـ� ِ�ك م�ـ ِ�ث��لَ ا ْن �ب � َع� ِ
وَروع� � �ـ � ��ةِ أ َْض� ��وائِ � �ه� ��ا ال � َب �ـ��اه � َي��ة
�األرض ِح �ي �ـ��نَ َت�م�ـ��و ُر ِ أ ُِح �ـ��بُّ � ِ�ك ك� �ـ �
�ام � � َه� ��ا ال ��رَّ ِاس� �ي ��ة َو َرج � �ـ � �ف� ��ةِ أَعْ �ل� ِ
�س كَـمــا َتبـ َتغـيـنَ أ ُِح �ـ��بُّ �ـ� ِ�ك ل�ـ�ـَ�ي� َ
�واه� � ّي ��ة و َت �ـ � ْب� ِ�غ �ـ��ي أ َْج� �س ��ادُ َن� �ـ ��ا ال � ِ
َفيض الضوءِ ِحينَ ي ُ و َُحبِّي كَمَ ا َّ
ُت �ـ �ع �ـ��ان �ـ �ق �ـ��هُ َل �ـ �ح �ـ �ظ �ـ ��ةٌ َب��اق �ي �ـ��ة
َك � َن �ـ� ْ�ج �ـ� ٍ�م يُ �ـ�س��اف�ـ��رُ ال َيسـتـكيـنُ
�وب َل�ي��ال��ي ال��دُ ج��ىً النائية َي� ُ�ج� ُ
أ ُِح ��بُّ � ِ�ك َك ��م قُ �ل��تُ �ه��ا َل �س� ُ�ت أَدري
وح� ��ي بِ � َه��ا َل� ��مْ َت��كُ ��ن و َِاع �ي��ة َف� ��رُ ِ
�ف اعْ � َت��راهَ ��ا ال َهيَامُ َو َل��م َت��درِ َك�ي� َ
و َل� � ��مْ َت� � ��درِ ِس� ��رَّ هَ � ��ا أو مَ � ��ا ه � َي��ه
ش� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � �ع � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر
حب ِك فلتسألي َّ اريات الذ ِ ُأ ُّ
* طبيب في مستشفى األمير متعب بن عبدالعزيز في سكاكا.
اجلوبة -خريف 1437هـ (67 )2015
تجربة عبدالرحمن الدرعان بين «نصوص الطين» و «رائحة الطفولة» ρρإعداد :محمود الرمحي وتركية العمري
عبدالرحمن إسماعيل الدرعان ..ولد في حي الوادي بمدينة سكاكا في منطقة مثقف متعدد المواهب ،عُ رِ فَ قاص ًا وشاعر ًا وفنان ًا ينثر لوحاته الفنية ٌ الجوف، من خالل قَصِّهِ وشِعرِه ،وقد كانت إحداها غالفا لمجموعته القصصية الثانية.. م��ال ك �ث �ي��ر ًا إل��ى ال �س��رد ال�ق�ص�ص��ي ف��أص��در م�ج�م��وع�ت��ه القصصية األول��ى «نصوص الطين» التي طلب من ناشره أن يحرقها!! إال إنه لم ينفذ طلبه ،فيما تبين الحقا؛ أما مجموعته القصصية الثانية «رائحة الطفولة» فقد صدرت عن مؤسسة عبدالرحمن السديري. كتب عن مجموعاته القصصية وعن نصوصه الشعرية والقصصية والفنية العديد من النقاد والمثقفين ..فقد اعتبرت الناقدة اللبنانية «هدال القصار» أن القاص الدرعان الذي يرضع طفولته من حقائبه القصصية السردية هو «إدكار ألن بو السعودي» حيث شق هذا المبدع طريقه في مجال السرد القصصي بديال عن الشعر. وق��د خصته الجوبة بهذا المحور ال��ذي تناوله فيه ع��دد من الكتّاب والنقاد قراء ًة وتحليال..
68
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
األديب الدرعان الذي أحرق أفكاره ρρعيسى مشعوف األملعي -قاص وروائي من السعودية
من هنا بدأت التنقيب في أوراق األديب عبدالرحمن الدرعان ،فوجدت بعض ًا من ما أفاء اهلل عليّ من بعض المعلومات القديمة ..لكني من خاللها تعرفت إلى المبدع الحقيقي محفور ًا في ذاكرة األدب السعودي. بعد أن أح��رق األدي��ب وال�ق��اص السعودي عبدالرحمن ال��درع��ان مجموعته القصصية «نصوص الطين» التي ص��درت في العام 1990م ،بسبب الشعور باإلحباط؛ نتيجة انقسام المثقفين العرب على إثر الغزو العراقي للكويت ،رجع بعد عشر سنوات ليصدر مجموعته القصصية (رائحة الطفولة). يتحدث الدرعان أيضا عن أسباب التدفّق اإلب��داع��ي ال��ذي شهدته الساحة الثقافية السعودية مؤخرا؛ ويرجع ذل��ك إل��ى غياب ال��رق��اب��ة ووف���رة وس��ائ��ل االت��ص��ال وات��س��اع هامش الحرية؛ كما يعتقد أن المؤسسات الثقافية تجاوزت حالة الركود التي شهدتها ع��ل��ى م���دى ال�����ـ 30ع��ام��ا ال��م��اض��ي��ة ،وأن الجهود التي تقودها وزارة الثقافة واإلعالم والقيادات الثقافية قادرة على تفعيل دور هذه المؤسسات ،وتحويلها إلى مؤسسات مجتمع مدني ،تعمل بعيدا عن التوجيه الرسمي.
الدرعان بأسلوب مخاطبة القارئ إلشاعة أك��ب��ر ق���در م��ن ال��ت��داخ��ل م��ع��ه ،وتقليص المسافات بين المحكي عنه والمتلقي ،وهي سمة من سمات كتابات المؤلف عرفت عنه في مجموعته األولى «نصوص الطين».
وال��درع��ان يكتب بعفوية كما ي��ق��ول :ما أعرفه أنني كتبت بعفوية ال أتقصد فيها اختيار المادة التي أعتمد عليها في كتابتي، وأظن أن الطفولة مخزن كبير ،خصوصا في المدن الصغيرة واألرياف ،ولم يكن يهمني أن أحاكي تجارب عالمية بقدر ما كنت أريد أن ت��زخ��ر المجموعة ب��ح��ك��اي��ات يسردها أكتب ما أتقن كتابته وحسب.
اجلوبة -خريف 1437هـ (69 )2015
تتكثّف اللغة الشعرية عند الدرعان مع قدرة على سرد التفاصيل والغوص في حياة شخوصه واستنطاقها في نصوص مكثّفة، وعميقة التجربة .كما تقترب النصوص من عالم بيئة القاص ،بتداخالت النسيج االجتماعي عبر الحوارات المثقلة بحموالتها الداللية ،مستفيدة من ترميزات الحكاية الشعبية ،ثم تقتطع منها ما يُسهم في إثراء نسيج القص ،دون الوقوع في نمطية طغت على نصوص كثير من كتاب القصة السعودية في تعاملهم مع البيئة االجتماعية ،خالل نصوص تبدو وجدانية رومانسية ،تنشغل كثيرا بالحنين إل��ى الماضي على حساب تقنيات الكتابة. يتحدث ال��درع��ان ع��ن ال��ن��ق��د ،فيقول: «ربما كان النقد مشغوال بالشعر أكثر من الفنون السردية لوقت طويل في السعودية. وانصراف النقاد كان حقاً يسبب لي امتعاضاً في البدايات ،غير أنني أدركت فيما بعد أنه يتعين عليَّ أن أكتب ،وهنا ينتهي دوري ،فما عُدت بعد ذلك أهتم كثيرا للنقد».
70
ث��م ي��ش��رح ال���درع���ان م��ا ح��ص��ل م��ن أث��ر السياسة على األدب فيقول« :في ذلك العام حدثت االنقسامات السياسية في العالم العربي على أثر الغزو العراقي للكويت ،ولكن األس��وأ أن تلك االنقسامات طالت الشارع الثقافي ،وت��ح �وّل كثير م��ن المثقفين إلى جوقة في عُهدة رجال السياسة؛ األمر الذي كان بمثابة الصاعقة لكاتب غ ّر ال يزال يشق طريقه في ميدان اإلب��داع .ولم أجد آنذاك تعبيرا أفضل عن موقفي أكثر من إحراق اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
مجموعتي القصصية التي تزامن صدورها مع تلك الكارثة ،ولم يكن في نيتي العودة إلى عالم الكتابة .كنت أفضل أن أعيش درويشاً نقياً بعيداً عن كل ش��يء ،ولكن هذا األمر لم يكن خاضعاً لقرار شخصي ،ول��م يكن ليحدث بهذه السهولة. وس��ي��رة ال��درع��ان ال��م��ب��دع لمن أراد أن يعرفه :هو عضو نادي الجوف األدبي ،وهو من مواليد سكاكا شمالي السعودية عام 1962م ،أص��در مجموعة قصصية بعنوان «ن��ص��وص ال��ط��ي��ن» ع���ام 1989م ع��ن دار الشروق ،لكنه أحرقها عام 1990م .ثم أصدر مجموعة قصصية بعنوان «رائحة الطفولة»، نشرتها مؤسسة عبدالرحمن السديري في الجوف .وقد افتتح المؤلف مجموعته بمقطع من «قسطنطين كفافي» منه: «وتقول لنفسك :سوف أرحل ،إلى بالد، إلى بحار أخرى ،إلى مدينة أجمل من مدينتي هذه ،لن تجد أرضا جديدة ،وال بحارا أخرى، فالمدينة ستتبعك ،وستطوف في الطرقات ذاتها ،وتهرم في األحياء نفسها ،وفي البيت نفسه سوف تشبّ وتموت».
ُ السردي في تجربة القاص عبدالرحمن الدرعان الصوت خصوصية ِّ ِ
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
الكتابة الواقعية وانفتاح النص ρρأسماء صالح الزهراني -السعودية
يمكن م�ق��ارب��ة ت�ج��رب��ة ال �ق��اص ع�ب��دال��رح�م��ن ال��درع��ان القصصية م��ن ع��دة زواي ��ا؛ لكن التوظيف الخاص للواقعية ،يبدو لي أب��رز ما يميز نصوصه تقنياً ،وجمالياً .فالواقعية تُدرس في السرد من جانبين :يتمثل أحدهما في التزام الكاتب بعرض تفاصيل تبرز عالم الشخصية ،وفضاء الحدث؛ ويتمثل اآلخر في اختيار الكاتب شخصياته من عالم واقعي، قابل ل�ل�إدراك بمنطق العالم التجريبي ،إذ ينحاز الكاتب لمعالجة موضوعات واقعية، بواسطة أدوات المنطق الواقعي .ويبدو أن القاص عبدالرحمن الدرعان يتمثل الواقعية بجانبيها كليهما ،فهو ينحاز لمناقشة أزم ��ات ال ��ذات اإلن�س��ان�ي��ة ،ال��واق�ع�ي��ة ،ف��ي مواجهة الطبيعة اإلشكالية للمجتمع الحديث ،كما يلتزم بعرض أدق التفاصيل حول الشخصية. تجربة القاص عبدالرحمن الدرعان ،إذ تأتي الواقعية -بخالف التوظيف الكالسيكي لها- لتكون أداة إلطالق طاقات النص الجمالية، من خ�لال فك الرابط -التقني -بين حشد التفاصيل ،وبين الرؤية المتعالية ،التي تغيِّب رؤي��ة الشخصيات ،وتحيّد القارئ ،فتفرض عليه ما يجب أن يعرفه ،دون أن تترك مجاالً ألي نشاط استداللي ،جمالي.
ترتبط الواقعية -في الجانبين كليهما- بانغالق الرؤية السردية ،التي تأتي من حشد التفاصيل بما ال ي��دع م��ج��االً لحركة رؤي��ة الشخصيات ،وال لنشاط رؤية القارئ الجمالية. ويعود ذلك الرتباط سرد التفاصيل -غالبا- بصوت الراوي العليم أو البطل ،اللذين يتيح لهما موقعهما ،وعالقتهما بالقصة ،االطالع على التفاصيل ،برؤية متعالية ،تمتد لإلحاطة بوعي الشخصيات ،وتغييب صوتها؛ سواء من وع��وض��اً ع��ن ال��رؤي��ة المتعالية ،يختار جانب موضوعي ،فيما يتعلق بالراوي العليم ،القاص الدرعان أن يجسّ د الواقعية ،بواسطة أم من جانب ذاتي ،فيما يتعلق بالراوي البطل .رؤية محدودة ،يؤديها صوت الراوي الشاهد، وه��ن��ا ب��ال��ت��ح��دي��د ي��م��ك��ن ل��م��س اخ��ت�لاف ال��ذي ال يملك من موقعه وعالقته بالقصة،
اجلوبة -خريف 1437هـ (71 )2015
سوى سرد مشاهداته ،دون التطفل على وعي الشخصيات؛ ما يمنحها االستقالل ،لتعيش أزم��ات��ه��ا ال��خ��اص��ة .وي��أت��ي ال��وص��ف المشبع بالتفاصيل بصوت الراوي الشاهد ،ما يسلبها صفة الحسم ،ويجعلها مجرد مشاهدات، قابلة لتأويل القارئ ،بل إنها بحاجة لنشاط استداللي ،لفهم دالالتها ،وهي بذلك تكتسب تعدداً في الدالالت؛ إذ يربطها كل قارئ بعالمه الخاص ،ويفسرها في ضوء مرجعية خاصة، وهذا هو ما لبّ النشاط الجمالي للقراءة. وي��أت��ي اخ��ت��ي��ار ال����راوي ال��ش��اه��د م��ب �رَّراً، ليعوض عجز الشخصيات المؤسلبة الصوت، ع��ن س��رد قصصها ،بحيث يقدمها ال��راوي ال��ش��اه��د وي��ب��س��ط ق��ص��ت��ه��ا .ي��ض��ع ال��ق��اص شخصياته تحت الضغط في مواقف تبرر عل ّو النبرة الفردية للشخصية ،وحركتها على خط االختالف والخصوصية الحادّين ،اللذين يميزان الشخصية في القصة القصيرة .هذه الحدّية ف��ي اخ��ت�لاف الشخصية ،تبرز في شخصيات مؤسل َبة ال��ص��وت ،يمتد عجزها إلى صوتها ،فتتولى سرد قصصها أصوات أخ��رى (ش��اه��دة) ،شخصيات مثل شخصية األم العروس ،في قصة «العرس» ،إذ هي بطلة صامتة ،يتولى سرد أزمتها ابنها الطفل ،الذي حرم منها بحيث ال يعرفها .وشخصية «لوليتا»، الخادمة األجنبية التي ال يمكنها الحكي عن نفسها ،فيروي قصتها االبن المعاق للعائلة، وشخصية األب الغائب عن الوعي في قصة «شمس مبكرة» ويروي قصته ابنه.
72
تكريم الدرعان بحضور عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة واإلعالم سابقاً وإبراهيم الحميد رئيس النادي األدبي بالجوف سابقاً
توظيف تقنية أكثر إقناعا ،عبر تتبع تفاصيل خ��ارج��ي��ة ،تجعل ال��ق��ارئ ي��ص��ل الن��ف��ع��االت الشخصية بطريق االستدالل ،وتتطلبه اتخاذ مواقع متعددة ليكون أكثر تفاعال مع أزمة الشخصية ،عوضاً عن أن تُقدَّ م إليه مباشرة راو عليم ،وهذا بصوت الشخصية أو بصوت ٍ ما ينشط القراءة الجمالية لنصوص الدرعان. وتتمثل الميزة األخ���رى الختيار ال��راوي الشاهد ،قدرة هذا النوع من الرواة على سرد تفاصيل دقيقة ال يمكن للشخصية اإلحاطة بها ،إذ تكون خ��ارج محيط رؤيتها ،كوصف حاالت األب المريض فاقد الوعي ،في قصة «شمس مبكرة» ،أو وصف سمات الشخصية بتمثيل وقعها على اآلخر ،كتمثيل حزم األب م��ن خ�لال وق��ع��ه على ال���راوي ف��ي طفولته: «رمقتُه بامتعاض يوم أن تركني أرتجف في حجرة المدير بعدما وضع ملفي األخضر في الدوالب».
هذا المزج بين العلم المحدود للشاهد، يتجاوز القاص -باختياره الراوي الشاهد -والغياب الصوتي للشخصية ،يجعل من سرد في قصصه استبطان الشخصية المباشر ،إلى التفاصيل –بوصفها تقنية واقعية -وسيلة
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص من اليمين :عبدالرحمن الدرعان ،د .إبراهيم الدهون ،زياد السالم أثناء أمسية بالنادي عام 2011م
ال ألن لفتح النص على ق���راءة نشطة جماليا ،إذ بانفتاحه على نشاط القارئ ،إذ يظل قاب ً ينطوي النص على موقعين رؤيويين ،يمنحان ينكتب من جديد مع كل قراءة. النص حوارية وتعددية في األصوات :أولهما الطفل ال��م��ح��روم م��ن وال��دت��ه ،ف��ي قصة م��وق��ع ال����راوي ال��ش��اه��د ،ب��م��ش��اه��دات��ه غير «العرس» أكثر قدرة على إبراز تجدُّد حرمانه المحسومة دالليا؛ ألن الشاهد فيها يتحدث منها في يوم عرسها ،سيما أنه يصف هذا نيابة ع��ن شخصية مغيّبة صوتيا ،عاجزة الحرمان دون وعي منه ،في وصفه مظاهر عن النطق؛ فيظل حديثه في نطاق التفكير حزن والدته ،وعائلتها ألجله .وكذلك الراوي راو مثالي، وال��ح��دس ،المفتوح على مشاركة ال��ق��ارئ .المعاق في قصة «لوليتا» ،وه��و ٍ وثاني الموقعين هو موقع الشخصية المؤسل َبة لمأساة البطلة ،فهو يملك القدرة الذهنية بأزمتها ،المغيَّبة بصوتها ،وهو موقع يضفي على التقاط خصوصية أزم���ة الشخصية، الشكّ على منظور ال��راوي الشاهد ،ويدخل وعجزها ،من منظور أزمته الخاصة ،ليبرز معه ف��ي ح���وار ،تكتسب الشخصية صوتها ق��س��وة المجتمع ف��ي ال��ت��ع��ام��ل م��ع اإلن��س��ان فيه على مستوى القراءة ،إذ يمنحها القارئ العاجز .وهو يروي من دون تحليل ،مظاهر صوتها باستدالالته ،ويدخل كطرف ثالث ،في ال يفهمها ،وتتطلب استدالل القارئ على أزمة حوارية النص السردي. الشخصية ،ما يبرز خصوصية اختيار الرواة
ويضيف تحديد شخصيات ال���رواة -من كشهود محايدين ،ال يملكون غالبا القدرة على حيث صفاتها وظ��روف��ه��ا وعالقاتها داخ��ل تحليل رؤيتهم ،ليكون للقارئ كلمته ورؤيته، القصة -ميزة أخ��رى إل��ى نصوص القاص ،التي يشارك بها في كتابة نصوص الدرعان. وع��ب��ر ه���ذا ال��ت��ح��دي��د ل��ش��خ��ص��ي��ات ال����رواة وقد يوظّ ف الكاتب في عدد من نصوصه، استطاع القاص تحويل الكتابة الواقعية من ضمير المخاطب ،ليجسِّ د الشخصية ،واضعا المخاطب؛ ِ أسلوب لغلق النص ل��دى كتاب آخرين ،إلى الصوت السارد في الطرف المقابل، أسلوب لبناء نص مفتوح ،يكتسب استمراريته فهل يمكن التعامل مع ضمير الخطاب كحضور
اجلوبة -خريف 1437هـ (73 )2015
ل��ل��ق��ارئ؟ أم ه��و ت��ح��وي��ل ص��وت��ي ع��ن ضمير ليصبحا تحويلين لموقع ال���راوي الشاهد، المتكلم للراوي البطل؟ أو ضمير الغياب للراوي بميزاته التي تناولتها القراءة سابقا. العليم؟ يبدو أن االحتمال األخير هو األقرب؛ هكذا يأتي هذا المونولوج من قصة «ربابة ألن تبديل ضمير المخاطَ ب إل��ى المتكلم أو م��ش��ع��ان»« ،أن���ت على ال��رغ��م منك تظل ابن الغائب ال يُحدِ ث فرقاً ،على المستويين اللغوي القرية تخاف من األبواب التي تنفتح من تلقاء والمنطقي .يعمل ضمير المخاطب على إدخال نفسها في فنادق الدرجة الممتازة والمطارات حوارية بين البطل ال��راوي وذات��ه؛ واألسلوب والمستشفيات الكبيرة ،تتلفت كثيرا توقعا الخطابي هنا بمثابة مونولوج يمنح الراوي فيه للمباغتة كأن أحدا يتتبع خطواتك ،وال تحسن ذاته بعدا تأويليا؛ إذ يضع مسافة بينه وبين قيافة مالبسك ،وعندما جربت أن ترتدي ذات��ه ،وكأنه يتأملها ،ويحلل سلوكها ،مانحا البدلة كنت تتملى جسدك في المرايا كما لو الصالحية ذات��ه��ا ل��ل��ق��ارئ ،ومُضفيا حوارية كنت عاريا ،وتدس يدك في جيبك لتع ّد نقودك صوتية على الخطاب السردي. بطريقة اللمس كالعميان» .ويضع الراوي ذاته ه��ذا هو الحال في المونولوج التالي من في هذا المونولوج موضع السؤال ،حتى إن لم قصة «دم الجمعة»( ،ج��راح كثيرة استطعت يأت السؤال بصيغة صريحة ،إنه يواجه الذات أن ت��ت��ج��اوزه��ا ب��م��رور ال��وق��ت ،م��وت عاهل، المخاطَ بة ،ويعرض األزمة التي تعانيها ،جراء إهانات إخفاق ،وحرمان ،تحكي تفاصيلها اآلن التحول من بيئة القرية ،لضياع المدينة ،في بحياد كأنك تستدينها من ذم��ة الزمان على صورة جمل مفتوحة على الدهشة ،فاألبواب سبيل الوفاء فقط ،بيد أنها لم تعد تخصك. التي تنفتح من تلقاء نفسها ،تظل لغزا في فقد تعلمت بالوراثة أن تصدق كل الشائعات ال وعي الشخصية ،مهما طال به المقام في التي كان أهل قريتك يروجون لها مثل مبدأ «أن الصعوبات التي تذل اإلنسان ويعجز عن المدينة ،ومثلها ك��ل مظاهر المدينة التي تتناقض مع روحه. التصدي لها تتكفل بمحوها األيام»).
74
وال يغيب التوظيف الواقعي للسرد ،عن هذه المونولوجات؛ فالراوي يستدعي فيها تفاصيل الطفولة ،وتفاصيل الحاضر ،وتفاصيل القرية، وتفاصيل المدينة ،وتفاصيل مادية ،وتفاصيل نفسية ،لكنه يحشدها ليضاعف مساحة األسئلة ،ال ليغلق اإلجابات ،يسجّ لها من موقع محايد ،إذ يسلب القاص الراوي العليم والبطل ميزاتهما الرؤيوية ،في السرد من موقع رؤية متعالية ،تاركاً لهما صالحية التساؤل فحسب، اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
وختاما ،ال يفوت القارئ لنصوص القاص ال��درع��ان ،والمتتبع ل��ح��وارات��ه الصحفية، توجهه للتجريب ،والخروج عن التقليدية ،في نصوصه ،التي تعكس بدورها هذا التوجه، بخصوصية تجعل لكل نص عالمه الخاص. ومن الملفت تصريح القاص في أكثر من لقاء صحفي عن طموحه لتقديم تجربة مختلفة، ق��ادرة على إث��ارة أسئلة النقد السردي ،ال مجرد حضور تراكمي.
ρρجبير املليحان -قاص وكاتب من السعودية
وأنا أراه أول مرة مقبال؛ بعينيه الذكيتين ،الباسمتين ،الحييّتين ،قلت هذا هو الرجل اآلشوري .كان البتسامته وقع صداقة قديمة؛ ال يمكن إال أن يبتسم قلبك ،وتمتلئ نفسك بالمودة وأنت تصافحه .هو عبدالرحمن الدّ رعان. يا عبدالرحمن الدرعان :هل كنت تبحث في عيون الناس ،وخطواتهم في ممرات العشب، عن أحالمهم التي سقطت قسرا ،وهم يجهدون راكضين في تعب الحياة! حياة (أدوماتو) التي تعج بالحروب ،واألط�م��اع؟ وكيف كنت تسجل يومياتك لملكاتِ ك العربيات كزبيبة، وطايو ،وشمسي .هل كنّ ملكات حق ّا يقُ دْ َن شعوبهن إلى انتصارات كبيرة ،أم مجرد نسوة يثرثرن كرجال هذا الزمان! ما الذي تحمله لنا ،ولم تقله حتى اآلن ،وأنت خبير بكل أسرار الصمت! بل حدثنا عن عودتك من تلك األزمنة البعيدة التي غُ طيت بنسيان متعمد ،بحيث تندهش العقول عند ذك��ره��ا ،وكأننا نتلو طالسم الجن .هي (دوم��ة الجندل) التي كانت عاصمة عربية في القرن الثامن قبل الميالد ،حيث كانت ضمن ممتلكات قبيلة (قيدار اإلسماعيلية العربية) ،وعاصمة لعدد من ممالك لملكات عربيات مثل(تلخونو ،وتبؤه، وتاربو ،وأياتي) وما ذكر أعاله.
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
ٌ الصمت أسرار رجل لديه ِ ُ
أن��ت يا عبدالرحمن ال��درع��ان تسكن اآلن في غير الملكة العربية (زنوبيا) ذات القول المشهور: بيت طينه من طين قصور تلك الملكات ،ولعل قرط (تمرد م��ارد وع��ز األب��ل��ق) .فماذا قالت لك هذه إحداهن ،أو بعض أساورهن ،ما زالت تلتصق في الملكة؟ إحدى زوايا بيتك .ولنا أن نسألك :وآخر الليل يضم إن ما قالته ذات ابتسامة منك ،في ذات لقاء: وحدتك ،هل تصلك همساتهن ،وهن يصرفن أركان أنها أحست بخيبة كبيرة وه��ي ترتد عاجزة عن الملك ،والحاشية ،وآخ��ر الخدم ،ثم يدلفن إلى اقتحام قلعة م��ارد الحصينة في دوم��ة الجندل. مخادعهن .ما الذي كان يدور هناك من ٍ همس؟ هل وال شك عندي أنك صافحت الملك العربي امرؤ يرتبن برنامج يوم جديد لتقديم المنافع لشعوبهن ،القيس وهو في طريقه إلى ملك الحيرة .فهل قال أم يخططن لغزوة جار ،أو ملك آخر جا َر على ناسه؟ أبياتا لك لم نسمعها. أي��ه��ا ال��ع��ارف ب��دف��ائ��ن ال��ت��اري��خ ،والمسكوكة مالمحه من تفاصيل تلك األزمنة البعيدة ..قل لنا يا عبدالرحمن؛ فنحن جياع إلى معرفة ما كان يُدار تحت تلك البيوت ،وما الذي جرى ،وكيف هبّت رياح الزمن مسقطة القالع ،نحن ،أو بعضنا ال يعرف
أن��ت ف��ي قلب ال��ت��اري��خ المنسي م��ن قبلنا يا عبدالرحمن ،ففي مدينتك كانت سوق مشهورة، والباحث الكبير ج��واد علي (المفصل في تاريخ العرب قبل اإلس�لام )1() ،ذكر أن أهل دومة كانوا يقرأون ويكتبون ،وأن أحدهم علّم أهل مكة ذلك.
اجلوبة -خريف 1437هـ (75 )2015
الدرعان محاضراً في لقاء األربعاء للقراءة بنادي الجوف األدبي عام 2011م
ثم أتى مكة في بعض شأنه ..وتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية بن عبدشمس القرشي أحد رؤساء أهل مكة قبل اإلسالم ،إذ رآه سفيان بن أميه بن عبدشمس وأب��و قيس بن عبدمناف بن زه��ره بن كالب يكتب ،فسأاله أن يعلمهما الخط ..فعلمهما الهجاء ،ثم أراهما الخط فكتبا ،وأزعم أن السؤال المقلق ك��ان يش ّع من عينيك ،وأن��ت تقف منصتا لما يقوله هذا الشمالي للرجلين ،ثم تركض إلى البيت ،وتأخذ قصبة ،وتبدأ الكتابة بخطك األزرق الجميل(.)2
76
ليس منطقة الجوف ،بل وتعداها إلى مناطق أخرى، وال أنسى أسبوع استضافتكم ألسرة نادي المنطقة الشرقية ،وتشاركنا األنشطة أسبوعا كامال ،كنت أنت القائد ،وكان معك من رفاقك األغنياء بالثقافة وال��ف��ن ،وال���ود والتهذيب ،م��ا جعل ن��ادي منطقة الجوف إحدى العالمات البارزة في مسيرة تحديث األن��دي��ة األدب��ي��ة في عهد وزي��ر الثقافة واإلع�لام األسبق ،األستاذ إياد مدني ،ووكيل الوزارة للشؤون الثقافية السابق ،الدكتور عبدالعزيز السبيّل. يا صديقي عبدالرحمن الدرعان :أنت َغ ِن ٌي غِ نَى األرض بما فيها من تاريخ ضخم ومبهر؛ ال ينحصر في ممرات األقدام بين صخور ومفازات الصحاري، أو بقايا صيحات النصر ،ون����داءات (ال��ف��زع��ة)، ومواويل العشق ،واألمل والغناء ،وأصوات الربابة، وهديل قطرات المطر وهي تبلل أجنحة الطير. بل مسيرة أمم وحضاراتها ما تزال تتنفس تحت النسيان ،قابعة حزينة.
أما وأنت في سوق دومة الجندل ،فكنت تصغي إلى غناء القوم بأوجهه الثالثة :النصب ،والسناد، والهزج .وكما نقل لنا التاريخ :فاألول غناء الركبان والفتيان والقينات ،وأما السناد فثقيل ذو ترجيعات كثير النغمات والنبرات ،وأما الهزج فالخفيف الذي يرقص عليه ،وينشد بالدف والمزمار ..أعرف أنك كنت تسمع ،وربما غنيت ،ربما قلت شعرا ُغنِيَ ، ربما ما زلت تتذكر صدى تلك األصوات ،وربما وهو ي��ا صديقي :لذلك أن��ت دائ��م اإلش���راق بتلك ()3 ما ال استبعده كنت واقفا عند أحد (الرجاجيل) االبتسامة المطمئنة ،والخطو المتمهل ،فأنت تنظر كيف يدورون ،وينشدون ،وهم يقدمون النذور .شاهد حي ،وكأنك تقول لمن يرفع صوته زاعقا وه��ا أن��ت تمسك بنا ،وتعود محلقا إل��ى وقتنا بخطوه ،أو سيارته ،أو ماله ،أو منصبه ،أو نسبه ،أو الحاضر ،ومع بوابة النادي األدبي بمنطقة الجوف ،خوائه ...؛ تمهلّ! فأنت ال تعرف أنك فوق فردوس تجلسنا في بهو األدب والفن ،الذي شعَّ ،وأضاءَ ،ثمين .خفف وطأك ،واقرأ عالمات األرض ،أن كنت اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ن��ح��ن أص���دق���اؤك ننتظر م��ن��ك ب��ع��ض ك��ن��وزك المخبأة (رس��م ،وأنت ترسم ،شعر ،وأنت شاعر، وقصص وحكايات ،وأن��ت من يجيد خياطتها من أثواب التاريخ والذكريات المتفرقة في ثنايا الزمن واألرض)؛ ذلك أنك تعيدنا إلى حقيقة نفوسنا، وترينا بعض مالمح وجوهنا الغائبة في زمن يركض ويأخذنا بـ (عَجَّ تِه) دون أن نعرف الجهات .نريد أن نرى سماواتنا مفتوحة للحياة ،ال يظللها غير غيوم المحبة .خفف يا صديقي من العبء الثقيل الذي واحك لنا حكاياتنا التي طمست ،وأسمعنا ِ تنوء به، بعض غنائنا الذي ال تعرفه اآلن حناجرنا .قل هل لنا صوت لنغني غداً؟ و ِل َم توقف اإلنسان فقط عن الغناء ،وبقيت الذئاب تعوي في فالءاتها ،والحمام يسجع ،والطيور تغرد؟ هل بقي فينا أمل نتحرّى فيه بروق الفرح.
ولما رفع الموظف قبضته عن الجواز ،ومهره بتوقيع أشبه بمراغة حمار ،تنفست الصعداء، واعترتني وعكة أمان لذيذة ،ودافئة .صحت ،لقد انتهينا أخيراً.
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
راشدا .تقول لهم ذلك.
الجمال الهامل .ينتظرون إجازاتهم بفارغ الصبر، ك��ان اهلل ف��ي ع��ون��ه��م ،أل��س��ت م��وظ��ف�اً؟ ب��ل��ى .هل سيعتقلون الشاب برأيك؟! أبداً ،ففي هذا المكان ادفع بالتي هي أحسن ،وتوكل على اهلل .حسناً وأنت ألم تعطهم النقود بعد؟ بلى ،ولكن هل تريدهم أن يعتبرونا دبلوماسيين ويفتحون لنا الطريق من أجل دراهم قليلة!
وك��ان الليل يمضي ..وري��ح موغلة في البرودة تعانقنا بعد أن ه��دأ المطر ،ونحن نعتل المتعة الجاثمة تحت المرآب الطويل في انتظار المفتش. أحد األوالد أغراه القفص وجاء يداعب الببغاء التي يا صديقي عبدالرحمن: نفشت ريشها هلعا وجعلت تتأرجح في يدي ،بينما نحن ما نزال نلتفت شماال ،ونرى وجهك يشب ُههُ، رحت أحدق تارة في غيمة نساء سوداء تختفي في حتى وأن��ت في الجوف ،فإننا نتخاطر معك في األوتوبيس ،وتارة في البيرق الذي يخفق في الريح ال��ود ،والهم ،والسرد ،ونبض التاريخ ،في فيافي كغراب مصفد من مخلبيه. صحارينا الواسعة.
اشتريت تبغاً ،وجرائد بسعر مضاعف ،وانشغلت *** بأناقة المالبس ،وعند ركوبنا طرحت بحساب مقطع من نص (ليلة الحشر)(:)4 ذهني ثمن الرشوة ،ومصاريف الطريق ،وثمن التبغ أليس غريباً هذا الزحام في البرد؟ والجرائد ،ق��ال لي صاحب التاكسي على سبيل إنه برد الجمارك ،يا حبيبي ،فهناك ستمل من النصيحة :إن وراءك أعماالً ال نستطيع إنجازها الدفء. إال بدفع النقود ،كما يجب أال تنسى حساب تسديد أعني أنه ليس موسم سياحة! المخالفات (!!) ،وكانت عناقيد الضحى تغمر األفق كل ما في األم��ر أن الناس بعد رمضان مثل األزرق فلم أعد بحاجة إلى معرفة الوقت.
( )1المجلد الثامن ،ص 163 ( )2عبدالرحمن خطه اليدوي فائق الجمال. ( )3أعمدة الرجاجيل موقع أثري في منطقة الجوف في ضاحية قارة ،جنوبي سكاكا يتكون الموقع من خمسين مجموعة من األعمدة الحجرية المنتصبة. ( )4موقع القصة العربية ،عبدالرحمن الدرعان.
اجلوبة -خريف 1437هـ (77 )2015
العشق! متجدد شمالي الدرعان.. ُ ِ ٌ ρρخالد أحمد اليوسف
في الوقت الذي أنتظر فيه رسالة من عبدالرحمن الدرعان يخبرني فيها عن كتابته شهادة عن تجربته القصصية ،وقد وعد بذلك منذ سنتين مضت ،تأتيني الدعوة لكتابة شهادة عنه بما ارأه أو أعرفه أو قرأته عنه! صراحة ضحكت وصدمت وتألمت! كيف لي أن أكتب عن صديق يماطل أو يراوغ أو يهمل سجل حياته الثقافي؟ ورأي��ت ذل��ك بنفسي م��ن خ�لال تواصلي واتصالي ب��ه ملحا ومطالبا بالكتابة ،كيف لي أن أكتب عن من بدأ حياته القصصية بحرق مجموعته األولى؟ وتأكد هذا من األخبار ثم التصريح الصريح منه ،كيف لي أن أكتب عن مبدع حقيقي ال يهتم بإبداعه؟ وكيف وكيف وكيف؟ أسئلة تترنح أمامي عن عبدالرحمن الدرعان المثقف التربوي اإلداري األديب المبدع ،خصوصا أننا نقترب الخطى والمسيرة في السرد القصصي .إال أن الدرعان شاعر ًا نثريا جميال ،وله الكثير من القصائد التي اغتالها ولم تصدر في ديوان ،على الرغم من نشره كثير منها في صحافتنا المحلية ،والحديث نفسه مع قصصه القصيرة التي لم يحتفل بها إال في مجموعتين قصصيتين ،وهو صاحب التاريخ الطويل في القصة القصيرة!؟ س���أع���ود ل��ل��درع��ان ف���ي ظ���اه���رة اإله��م��ال يا عبدالرحمن ال يرحم ويطوي سجالته طياً..
والنسيان ،وهي ظاهرة متفشية بين عدد كبير أتمنى -وتعرف مكانتك عندي -أن تعيد ترتيب
من المبدعين ،ومن هذه الظاهرة ينبثق السؤال :نفسك وأوراقك لتُخرج إلينا كل ما كتبته؛ ألنه
ال -عبداهلل نور أديبا وناقدا ذاكرة إبداعية ال يمكن أن تُنسى ،وهي المثال لو لم نعرف -مث ً في صحافتنا فكيف لنا أن نعرف ذلك وهو مثال الرائع إلبداعنا ،وهي المثال المتكامل لسردنا اإلهمال ألعماله التي لم تجمع في كتاب؟ لو لم المتميز ،ألن��ك م��ن أميز كتابنا السعوديين،
تجمع قصائد حمد الحجي بعد وفاته فكيف لنا ووج��ه الشمال األول في السرد ،وقت لم يكن
أن نصل إليها؟ هل أبحث في ذاكرتي عن كل في الشمال إال بعض الشعراء وكتاب المقالة، تنس أن من يحب األسماء السعودية؟ وعبدالرحمن الدرعان يسير وأنت العاشق شماال للوطن ال َ في دربهم ألن��ي شخصياً طلبت منه نصوصاً كتاباتك ينتظرك بشوق في كتاب جديد ،وأعتذر
78
كثيرة ويخبرني أنه ال يعلم أين ذهبت! التاريخ عن قسوتي األخوية!! اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
تأت إال حب ًا عفواً ،ال ِ
ρρتركية العمري -شاعرة وقاصة ومترجمة من السعودية
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
عـبدالرحمن الدرعان
أيها المتدثر بالصمت، إنني أؤم��ن بأنك لو خلعت عباءة نرجسية صمتك ،وفتحت عطور الصبايا ،النطلقت حكاياتهن الندية ،وسكتت الريح ،واخترقت ينابيع م��اء وج��ه الصحراء المتشقق ،ويمم العشاق صبابة خطاهم نحو ضفة من شمال ال تُغنِّي إال للحب. وأؤم��ن لو تتبعت مواعيد عاشقات الفرح اللؤلوية ،ورص��دت لهفة أقراطهن بلقاء من تحب ،ألورقت في كل الجهات مواعيد قرمزيه. وأؤمن بأنك وحدك أيها البعيد ،القريب، ووح��دك تسامرك حكايات ذاك العاشق م��ن ت��ع��رف أغ��ن��ي��ات س��ي��دات البنفسج ،في البدوي. ماسكات شعورهن ،وتتسع ٍ لحظات تتغنج أيها المدثر بليل الغياب، مراياهن وتصبح كل الكون. ق��م ،واك��ت��ب لنا حكايات وم�لاح��م عشق،
وأؤم��ن بأنك وح��دك تسمع حديث غيرة لتثير فينا م��واس��م الحياة ،وتحرضنا على األساور ،وتبتسم ،وتبتسم. إشعال شموع وجدنا كل مساء ،وتجعلنا نلتصق وأؤمن بأنك تشم عن بٌعد رائحة الياسمين بأغنية الفيروز (حبيتك تنسيت النوم) ،لننسى المخبأ في يد عاشقة من حبيبها النبيل األنيق .النوم. وأؤمن بأنك تتذكر متيمة رقيقة ترى مالمح حبيبها الغائب في وجوه أصدقائه ،وتبكي.
أيها المدثر بالريح،
قـم وأمطرنا غيث لغتك الفاتنة ،وعبِّ ء لنا ووح���دك تعبر ب��ك مالمح أن��ث��ى ،عرشها من حقولك اليانعة ،ســالل قصائد ،وخجل الماء ،وتحكي لك تاريخ نبض كلماتها ،تلك قبل ،وضع في أيدينا باقات اشتياق وفرح، األنثى التي شقت كل الوصايا ،ولوّحت لحبيبها لنزداد يقينا نحن النساء بـوجود حب يـدلل الفالح الصعب بقلبها. مساءات شرائط ليلكنا.
اجلوبة -خريف 1437هـ (79 )2015
النفسي الكفكاوي الواقع ُ ُّ
والمعنى الوجودي في «نصوص الطين» ρρد .هويدا صالح -القاهرة
الحلم ظ��اه��ر ٌة من ظواهر النفس البشريَّة ،وكثيرا ما ينصت الناس ألحالمهم ،فهي تمثل صوت الالوعي وتخبر عن الكامن في الالشعور ،وربما يعدها بعضهم أنها تخبر عن المستقبل وما يمكن أن يحدث في حياة اإلنسان .إن األحالم هي تلك األصوات التي تخبرنا عن ذواتنا العميقة بتفاصيلها المدهشة ،وهي تحمل ق��درا كبيرا من الرمزية وال��دالالت تجسد أفكار الناس التي تحتاج لقراءة متأملة ،فتفكك شفرات ه��ذه األح�لام التي ربما ّ ومشاعرهم ،مستعينة بتلك اللغة الصورية الرمزية الفريدة ،المتحررة من المنطق ومن قيود الحقائق المفككة دون الخضوع لمنطق الزمان والمكان ،بل قد تتداخل فيها األزمنة، وقد يحضر فيها أشخاص ما كانوا ليحضروا في الواقع. ومثلما حظيت األحالم باهتمام البشرية عبر عصور التأريخ كلها؛ استقطبت األحالم اهتمام كتّاب القصة ،وبات العديد منهم مأخوذين بها ،وحملهم ذلك على تصويرها في قصصهم وتوظيفها توظيفـًا يطوعون به دالالتها اإليحائية والرمزية ؛ لخدمة مضامينهم، ولتشييد بنائهم القصصي.
80
ويعد توظيف الحلم في القصة القصيرة تقنية سردية مغايرة تحتاج لقدرات إبداعية وج��م��ال��ي��ات فنية ،حتى يستطيع ال��ك��ات��ب أن يستخدمها تقنية سردية في بنائه الفني .لكن األمر يحتاج لمهارة خاصة نظراً لصعوبة هذه البنية الحلمية وصعوبتها ،وجماليتها في الوقت نفسه ،واستخدام المخيال الحلمي يسهم في تحرير السرد وإط�لاق ال�لاوع��ي ،كما يساعد على كتابة ال�لام��ق��ول والمقصى م��ن ال��ذات المبدعة؛ لذا تتوفر لألحالم كطرائق سردية على العديد من الدالالت والشفرات التي تحتاج إلى وعي إبداعي حاد من القارئ ليتمكن من فك شفراتها. اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
وقد استطاع القاص عبدالرحمن الدرعان في مجموعته «نصوص الطين» أن يفيد من هذه التقنية بمهارة ووع��ي لمنطقها الخاص. وقد أصدر الدرعان هذه المجموعة القصصية عام 1989م عن المركز العربي للتوزيع ببيروت، وكعادة الحالمين من المبدعين ،أحرق الدرعان مجموعته القصصية! كنوع من االحتجاج الصارخ على موقف المثقفين من الحرب العراقية على الكويت ،وذلك االنقسام الحا ّد الذي حدث بين المثقفين العرب ،وع��دم وض��وح رؤي��ة وموقف للمثقف العربي م��ن ق��ي��ادة بلد عربي تعتدي على بلد عربي شقيق .قام الدرعان في رد فعل يوتوبي بإحراق المجموعة ،وتوقّف عن الكتابة
تتكون المجموعة م��ن ع��دد م��ن النصوص القصصية التي تفيد معظمها من تقنية الحلم، وتصور هواجس الذات وقلقها الوجودي تجاه العالم؛ ل��ذا ،نجد أنفسنا أم��ام مجموعة من المشاهد السيريالية ال��ت��ي تعيشها ال��ذات الساردة ،عبر لغة بسيطة وإيقاع سردي يُراوح ما بين البطء والسرعة؛ كما لو أننا في حلم طويل تتكاثر فيه االنتقاالت والتحوالت ،وتتداخل فيه األماكن واألزمنة والشخوص دون تعيين واضح لوقائع األماكن والشخوص« :وقفوا على حافة بئر مهجورة ومنتنة ،وكان العالم يتخذ مكانه في الصمت ويهدأ إال من صراخي ،وضحك الرجال على حافة أقدم بئر ...اختلفوا ،وجسمه يتدلى بين أيديهم ،على الطريقة التي يجب أن تنتزع بها روحه أشد االنتزاع ،ثم اعتقوه لماء البئر.. صرخت فيهم :اتركوني ،اتركوني ،وكأنه أنا واهلل ،أريد أن أنام ،أريد أن أنام م م ..صحوت مبتال بالماء والخوف والقنوط ،ووجدت لوزتي الملتهبتين تلتصقان ف��ي ال��ط��رف السفلي للوسادة ..ابتلعتهما بنفس الطريقة اليومية، وفي قرارة نفسي أسأل كيف ابتلع هذا العالم».
ينهض العمل على وش��ائ��ج ورواب���ط تربط ه��ذه النصوص بجانب توظيف تقنية الحلم، فالسارد بضمير األنا واحد في كل النصوص، وغالبا يستدعي أمه أو حبيبته فاطمة ،كما أن التفاصيل والمناخات السردية متقاربة ،كذلك تفاصيل األماكن الحلمية ،وهذه الوشائج تجعل القارئ يعيش أجواء أقرب ألجواء الرواية ،في نص «حديث عبدالسالم القروي» نجد الراوي ال��ذي قدمه المؤلف في بداية النص ليروي حكاياته ،ذلك الذي يكره األسئلة ويرغب في االستمرار في كالمه يواصل حكاياته التي غالبا ما نفهم من سياق النص أنها حدثت ذات حلم أو حتى كابوس ،فهو يحلم بكل شئ ،حتى زواجه من حبيبته فاطمة التي يهددها أنه سيطلقها ويتزوج غيرها ،لكن المفاجأة تحدث في كل مرة« :صدمني الحائط ،استيقظت فعال ،فإذا بي أب��دو واضحا مثل الساعة ال��واح��دة ظهرا هذه :أعزب بغرفة واح��دة تشبه الممر ،تتخذ في مجموعة «نصوص الطين» نجد السارد شكال نهائيا من الفوضى أغلب األوق��ات ،ينام الذي يتحدث بضمير األنا ،فنجد األنا في حالة صاحبها بحذائه حين يكون هذا مهما بالنسبة أقرب إلى المتاهة ،تبحث عن لحظات تحققها ،له ،ال أوالد ،وال غرفة أوالد وال يحزنون». لكنها في النهاية ال تصل؛ ألن منطق الحلم ورغ���م اع��ت��م��اد ال��ك��ات��ب على تقنية الحلم يخالف غالباً منطق الواقع .في بداية النصوص إال أنه يحاول في نصوصه أن يعالج القضايا ي��دف��ع ال��ك��ات��ب ع��ن نفسه شبهة السيرذاتية االجتماعية ،حتى يقترب م��ن مفهوم األدب في ال��س��رد ،فيخبر قارئه أن ثمة س��ارد آخر الواقعي ،لكن الواقعية عنده تغير مفهومها، لقصصه خارج ذاته هو المؤلف« :رجعت إلى فلم تعد خارجيةً ،مرجعها العالم الخارجي ،بل
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
عشر سنوات قبل أن يصدر مجموعته الثانية «رائحة الطفولة» .ورغم فداحة الحدث الذي اجتاح العالم العربي وما نزال نجني ثماره حتى اآلن ،إال أن الدرعان حرم مجموعته المميزة من مقروئية تُمكن القارئ العام والقارئ المتخصص من رصد جمالياتها وتقنياتها الفنية.
البيت متسخا ومريضا وجاهزا للهزيمة .رجعت واهنا ومريضا؛ ولو فكر لعابي أن يسيل في هذه اللحظة لما استطعت أن أتحكم به ..ال أدري وقد كنت دخلت على هذا النحو ،وكان الماعز اليومي يتقدم في الفراغات ويحثو الرمل األسود في خانة هذا اليوم الجمعة ،الجمعة األخيرة في شهر صفر ،وأما لماذا الجمعة وليس أي يوم آخر فهذا شأن بطل القصة ،الذي يكره األسئلة ويرغب في أن يستمر في كالمه كما يلي.» ...
اجلوبة -خريف 1437هـ (81 )2015
باطني ًة نفسية ،مرجعُها ال��ذات اإلنسانية وما يحكمها من قوى الواعية ،تتمثل فيها الحقيقة التي تعتمد على أن الفعل الواعي وحده مصدراً لمعرفة النفس ،ما أدّى إلى أن الكاتب اعتمد على ما يمكن تسميته بالقوى النفسية غير الواعية ،حيث تتمثل ذواتنا الحقيقية وكل ما هو جوهري أصيل من شخصياتنا: «قلت لها يا فاطمة! قالت بفارغ الصبر نعم! وقد انطفأت قسماتها ..تنطفئ بشكل مذهل، فكرت أنه من األحسن أال تالحظ ما الحظت، وعليّ أن أستأنف الحوار بهدوء بدون أن أتوقف عند هذا الفارق .واصلتْ :أعرف أنهم يحلمون بالفطائر والفشفاش ،وي��ب��ذرون ف��ي حياتهم تبذيرا ..لكن الشمس يا فاطمة ال تزال تثقب سترة الليل من أجلهم ومن أجل الفقراء ،فينفذ فيتامين ( ،)Aوس��وف يستطيعون أن يقاوموا ك��ل أش��ك��ال ال��ك��س��اح ،ويمشون وي��ك��ب��رون مثل أطفال الجيران ...وهنا ،وضعت أصابعها في آذانها ،وجعلت تتمعر وكرة رأسها تترجرج في االتجاهات ...كشفوا الغطاء عن وجهي ،قبلوني قبالت بطيئة وأع��ادوا الغطاء مرة أخ��رى ،لم أرم���ش ،تخيلتني ميتا وه��م ي��ج��ن��زون جثتي، ويتحدثون عن الموت ويتباعدون ..اعتقدت أنني ميت بالفعل .عينا جثتي تتقادحان وتنزفان بسخاء ،وفيما عدا أصوات تعزق صدري ،كما لو أن جاري في المكتب يتمخط ،فقد تخيلتني ميتا فعال ،إنه ال شئ يدل على الحياة غير ذلك السيد العظيم :الموت».
82
وبناء على ذلك «ال يكون الواقع موجوداً في الذهن وحسب ،بل إن��ه تحت رحمة األمزجة والنزوات في ذلك الذهن يتمدد ويتقلص مع درجة نشاط الوعي» .إنه الواقع الموجود في ه��ذه النصوص ،ال��ذي يتفتت إل��ى ذرات بفعل الذاتية المفرطة لوجهة نظر ال��راوي وزاوي��ة الرؤية التي يرى بها العالم ،ليس الراوي فقط، اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
بل من ورائه المؤلف ،فتصير الواقعية إفساداً للواقع« :ها أنت تستأنف النهار ..تسحب نصف اللفافة ..تجرح القلب ثانية ..تلمس وجهك فتحس بقطرات الزيت التي ستندلق وتضيء ّ للغريب عورتك وأساس بيتك المهترئ ،سجائرك القديمة ،وجهك الفقري ،تتوخّ ى رجال طيبا، تتأثم .تسبل على باطنك لبوس السر يزعجك المونولوج ،تستعرض الكثيرين قبل أن تقع على رجل طيب ،تسر له بعالمات العاهة ،تروي له حكايات الرجل النائم في غرفة زوجتك .تسحب بطانة جيوبك كطفل .تسدل ذراعيك إلى نفسك مكانهما بالضبط في أسفل سافلين وهكذا تتذكر أنه لم يكن رجال ،ولم يقتله أحد!!». وهكذا ،يمضي الدرعان في نصوصه الطينية ليكشف لنا كيف تشكّلت الحياة بالنسبة للراوي، ال لكنه تش ّك ٌل نفسي يدور في ذهنه ،وليس تشك ً واقعياً اجتماعياً .إن هذه النصوص المتواشجة والتي تقترب من شكل المتوالية السردية أقرب ما تكون لألجواء الكفكاوية التي تصور العوالم النفسية ،فتصيب ال��ق��ارئ بكثير م��ن الكآبة المفرطة ،لكنها تجعله يفكر في جدوى الحياة، حس وعبثية الوجود .إنها نصوص تحتوي على ٍّ وجوديٍّ مُفرط.
ρρإبراهيم احلجري -ناقد من املغرب
السعودي ،في العقود شهد (ويشهد) المشهد القصصي ّ األخ� �ي ��رة ،ط �ف��رة م�ت�م�ي��زة ع�ل��ى م�س�ت��وى ت��دب�ي��ج ال�ع��وال��م السردية القصصية بالخصوص ،في زم��ن يُشاع أن��ه زمن ال��رواي��ة بامتياز .فقد تنبّه الكتّاب إل��ى الحركية الدؤوبة والمتواصلة التي تعرفها األج�ن��اس األدب�ي��ة وس��ط زحمة االنفالت األدبي من المعايير الثابتة والقيود االشتراطية ل�ل�ج�ن��س األدب� � ��ي ،ف ��راح ��وا ي �ج �ت �ه��دون ب�ح�ث��ا ع ��ن أش �ك��ال جديدة وأدوات صوغ طريفة تمنح للجنس القصصيّ فرصته للنّهل من خضمّ هذا التّحول واالنزياح على مستوى األشكال والتّداخل على مستويات األنماط الفكرية واألدبية التي باتت تتجاور وتتضافر وتتنافر ،حتّى ال يظل جنس ًا محاصرً ا ضمن أدبيّات تقليدية تحدّ من التفاعل معه وتداوله على غرار باقي األجناس التي باتت تجتهد لتجد لها أفقا رحيبا ضمن خانة األنماط الساعية إلى إغناء هويتها اإلبداعية بما يستجدّ في الساحة العالمية من متغيّرات. ول��م يتوقف ح��رص القاصين السعوديين عند حدود البحث عن أشكال وقوالب جديدة لفن القص ،بل باتوا ،بالقدر نفسه ،منشغلين بتناول موضوعات متجددة ،ومتنوعة تنسجم مع الخطاب المعاصر ،وتُنصت إل��ى اإلنسان في صراعه مع يومه ،وتظل لصيقة به ما أمكن، لتعبّر عن مطامحه وأسئلته المؤرقة. لكن الخاصية المميزة للخطاب القصصي السعودي بصفة عامة ،وعند ال��درع��ان بصفة أخص ،هو كون االجتهاد على المستويين الشكلي (الخطاب) والمتني (الحكاية -الموضوعة)، يسير في اتجاه الحرص على االنسجام والتوازن،
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
«رائحة الطفولة» للدرعان تجديد الجنس القصصي بين األداة والموضوع
حتى ال يكون هناك تغليب لجانب على اآلخر، بما يُخ ّل بالمظهر الجمالي العام للنص ،أو يكون هناك نشاز محتمل جراء االنتصار لمكو ٍّن على حساب مكو ٍّن آخر. -1تجديد الجنس من الداخل تتميز ال��م��ج��م��وع��ة ال��ق��ص��ص��ي��ة ال��ت��ي بين يديّ ،والموسومة بـ «رائحة الطفولة» -العنوان المغري الداعي إلى اإلبحار القرائي الكتشاف خصوصيات هذه الطفولة -بكونها ال تعصف بالمتعاليات النصية الجامعة لفن القص كما حددتها المرجعيات األدبية والنقدية ،بل تحرص
اجلوبة -خريف 1437هـ (83 )2015
م��ا أم��ك��ن على حفظ الخصوصية الجنسية ،الدقيق ،الكثافة ،التمركز حول شخصيّة معيّنة، واإلب��ق��اء على الثوابت الهيكلية الكبرى التي تبئير ال�رّؤي��ة وزاوي���ة النّظر ،شخصنة الواقع بدونها ال يتأسس الجنس مثل السّ رد (حتى وإن ومساءلته ،ترتيب المتواليات السردية ،بناء عالم
84
اشتركت فيه القصة مع أجناس أخرى) ،الوصف متكامل ،االلتزام بذكر الفضاء الذي تتفاعل فيه اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
وال يعني هذا؛ أن المجموعة بكافة نصوصها، تجنح إلى التقليد وإعادة النموذج المعياري ،بل بالعكس م��ن ذل���ك ،تسعى إل��ى خلخلة البنية النموذجية لفن القص ،لكن من الداخل وليس من الخارج؛ أي أن التجريب المؤسس هنا يبني نموذجا متناسال م��ن داخ��ل اإلط���ار الموجود والناظم للجنس األدبي ،دون أن يهيل التّراب على األعمدة التي يجب أن تبقى شامخة ألنّها مهيكلة لفعل االبتكار ،محدّدة التّخوم بين نمط كتابيّ القاص الدّرعان ّ وآخر .وهذا دليل قاطع على أ ّن يعي اختياراته الفنية وأدوات اشتغاله اإلبداعيّ ، ويعمل على توظيفها بالشكل ال��م��وازي للوعي بالفكرة وال �دِّالل��ة المستضمرة في الخطاب، ناهيك عن انشغاله العميق بتوفر التناغم بين الشكل والموضوعة ،وبين العبارة والمفهوم ،وبين األداة والوظيفة .فهو يعمل على توصيل خطاب قصصي عام ،وال يرتب قالبا فارغا من الكلمات. ك ّل مفردة وانتقال من عبارة إلى أخرى يكون على المقاس الواعي بتشكل الخطاب ونشوئه .وهذا القصاصين. قلّما يحصل مع ّ
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
الشخصيات.)...
تحكي وتبوح كاختيار فنيّ له مصداقيته في تشخيص بواطن ذات ال���راوي؛ وال��وص��ول إلى عمق الشّ خصية أكثر من غيره ،واقتحام العوالم الحكائية دون مقدمات ،االرتقاء بمستوى اللغة أحيانا ،إلى ح ّد يجعلها في قمة الشّ عرية ،ترك النهايات مفتوحة ،تشغيل المتلقي في ترتيب العوالم وملء بعض الفجوات التي تترك فارغة مع سبق اإلصرار والترصد ،النزوع إلى التلميح بدل التصريح س��واء في بناء الجملة السردية أو في توصيف المقامات واألفضية ،انسجاما م��ع روح ف��نّ القصة ال��ذي يميل إل��ى الكثافة واالختصار واإلشارة واالستعارة واإليجاز... -2انشغال بالذات وبالطفولة يبدو من خالل تأمل أول عتبة في المجموعة، وهي العنونة ،أن السرد سيقتفي أثر الماضي الساكن في أعماق الشخصية -ال���راوي ،على سبيل ما يعرف بالمحكي الذاتي ،وهو محكي ال يتهيأ إال بحوار عميق ،وإنصات أعمق للذات في شفافيتها ،وفي نبضها الهادئ ،وتقليب لوجع الماضي ،وأرشيف ال��ذاك��رة بمشاهده الحلوة والمرة ،انسجاما مع مقولة بالنشو الذي يرى أن الماضي يأتي في الكتابة للتدليل على أننا إزاء فنٍّ للحكي ،وأن الكاتب قد قبل هذا الزمن المسترسل والمنطقي ال��ذي هو السرد الذي بتوضيحه لمجال الصدفة ،يفرض طمأنينة قصة محصورة ،القصة التي بما أنها لها بداية، فهي تتوجه حتما ،إلى غبطة النهاية ،وإن كانت هذه النهاية حزينة(.)1
القاص الدرعان الجنس القصصي ّ لم يهدم من ال��خ��ارج عبر مهاجمته ل�لأرك��ان واألعمدة األساسية للمعيار الجنسي المحدد سلفا ،على غرار ما يفعل الكثير من رواد النزعة التجريبية الجديدة التي تعمل على محو الحدود األجناسية، وطمسها؛ بل ظل محافظا ،كما أسلفت القول، على ه��ذه األرك��ان وال��س��واري المشيدة للنمط الكتابيّ العريق المسمّى «قصة» ،وانصبّ اجتهاده ولمحكي الطفولة خاصة ،والماضي عموما، على مالمسة الجوانب الحركية فيه ،حيث نوع من مستويات وجهات النظر (التبئير بتعبير ما يبرره في اختيار القاص لمادته وشخصياته، جيرار جنيت) ،وتعمّد تغيير الضمائر الموظفة حيث تكون لهذه المحكيات ،برغم انصرامها، في السرد .كما أعطى فرصة للشخصية كي حالوة في اللسان ،وسالسة في الروح ،بقدر ما
اجلوبة -خريف 1437هـ (85 )2015
تكون أيضا ،في كثير من األحيان ،شفاء للذات، وهرب نفسي من جحيم األنا والهنا ،إذ تحس األنا بنكوص عام ،وكأن الذاكرة الطفولية التي تحتفظ للفرد بتلك الهوية المتحللة من سلطة االلتزامات ،وقهر المسافات ،وضيم اللحظات؛ بما أن الشخص (الطفل) غالباً ما يحون تحت حماية مؤسسة األسرة ،ودفئها األثير ،وحضنها الدافئ( ،وك��أن الذاكرة) مالذا خصبا ،وسندا قويا ،تلجأ إليهما بحثا عن بديل حصنيّ يقوّيها، ويسندها على تحمّل ما عجزت واقعيا عن التغلب عليه .إذ نجد الدرعان هنا يتضامن مع القاص المغربي أحمد بوزفور الذي يقول« :يولع كتّاب القصة باألطفال كشخصيات أدبية ،يصعدونهم إلى خشبة القصة ،ويدعونهم يحلمون ويلعبون وينظرون إل��ى الكبار م��ن منظورهم الخاص، ويؤولون بطريقتهم الخاصة عالم الكبار الجاد وال��ع��اب��س وال��وق��ور ،ي��داورون��ه وي��ش��دون ثيابه وينتفون لحيته ويهربون وه��م يتضاحكون... ال��ذاك��رة هي محبرة القصة ،هي «جيب بابا» العميق الذي نغرف منه دون حساب ،ودون أن نعرف كيف يعود فيمتلئ من جديد.)2(» ...
86
ي��ع��ود ال��ك��ات��ب إل��ى ذاك��رت��ه ليسائلها حول الموضوعات والشخصيات واألم��اك��ن التي ما ت��زال تحفل بها ،وتحتفظ بذكرياتها .فيحفر عن أثر الشخوص الطريفة التي كانت تستأثر باهتمام األطفال ،وهم يتسلقون عالم الطفولة مسنودين بشيطنتهم البريئة .إن هذا االحتفاء ب��ال��ذاك��رة ،وتخصيصا ذاك���رة ال��ص��ب��ا ،بشكل حيادي ،له ما يبرره سيكولوجيا ،على اعتبار أن الكاتب يصبح في اللعبة السردية واحدا من شخوصها في كثير من المناسبات ،وتحديدا لما يستعمل ضميري المتكلم والمخاطب اللذين يُعدان وجهين لعملة واحدة .فقد جعل الدرعان اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
من ذاكرته الطفولية نبراسا اهتدى به على طول المجموعة القصصية ،معتمدا في تشكيل ذلك، على السرد المتسلسل والرؤية المصاحبة التي جعلت السارد عنصرا مشاركا وفعاال في بناء ال��ح��دث ال��س��ردي؛ فضال ع��ن كونه يلجأ ،في أغلب القصص ،إلى الحكي عن ذاته بالرجوع إلى لحظات من حياته ،خاصة الطفولية ،وكذا رجوعه إلى ذاكرته ،والنهل منها(.)3 الشخصيات :تحضر األم برمزيتها المثقلة بالحن ّو وال��ل��ي��ن وال��ت��س��ام��ح ،مثلما تغيب ،في المقابل ،شخصية الوالد المرتبطة في المتخيل الطفولي بالسلطة والقسوة ،إذ يتم اإلشارة إلى ذلك في أكثر من موقع في المجموعة ،لتظل األس��رة معادال موضوعيا يُ���راوح بين السلطة والهيمنة وال��ح��ن� ّو وال��س��ن��د .يقول مستحضرا ص��ورة األم« :ف��ي ه��ذه اللحظة (لحظة أل��م)، احتلت أمه بيداء ذاكرته ،ونفذت رائحة الديرم من ختم شفتيها على خده حنائها إلى أقصى الشعيرات الدموية ...ورمته في حضنها الدافئ صبيا تنفضه حمّى البرد حين كانت تنسل في صقيع الليالي الشمالية لكي تدثره جيدا ،وتكفنه ب��ال��م�لاءات ...وب��ع��د أن تخفق ف��ي هدهدته، تحذره أن يكشف أط��راف��ه من تحت األغطية لئال تزدردها الحيّة السوداء التي تستيقظ في أخريات الليل عند ما يهجع الجميع ...وتأكل النجوم واألقمار تاركة بعد أن تأرز إلى بيتها مع زرقة الفجر سماء صلعاء»(.)4 وال نعدم حضور تلك المرأة المخبولة التي تحضر ف��ي ذاك���رة ال��ك��ات��ب ،كمعادل للمصير القاسي لإلنسان الذي ليس باستطاعته التحكم فيه ،ما جعله يخصص لها نصا بكامله تحت �أس وأل� ٍ�م عنوان «رس��ال��ة» .يقول ال���راوي في ت� ٍّ وحنين ،مستحضرا بورتريه تلك المرأة البائسة ٍ
الموضوعة :وتربط المجموعة عالم الطفولة المستعادة بالقسوة واألل���م ،ف��ذاك��رة البطل ال تحتفظ إإل بالمشاهد المؤلمة التي ما تزال آثارها عالقة بالجسد والروح معا .وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه سابقا ،في كون السرد االستعادي للماضي يكون أحيانا كثيرة بقصد التخلص من بعض الندوب المورقة التي تستقر في النفوس، وتقرفص عليها ،محدثة أرقا وقلقا مستديمين؛ فتكون بذلك ،أفعال الكتابة وال��ب��وح والحكي أشكاالً مستبطنة لالستشفاء والتطهر ،وتنقية ال��دواخ��ل من العتمات .يحكي ال���راوي متأثرا س��ي��رة ال��ج��راح واآلالم ف��ي كثير م��ن مفاصل المحكي القصصي ،وم��ن ذل��ك ن��ورد المقطع اآلتي« :جراح كثيرة استطعت أن تتجاوزها بمرور الوقت ،موت عاهل ،إهانات إخفاق ،وحرمان، تحكي تفاصيلها اآلن بحياد كأنك تستدينها من ذمة الزمان على سبيل الوفاء فقط ،بيد أنها لم تعد تخصك ،فقد تعلمت بالوراثة أن تصدق كل الشائعات التي كان أهل قريتك يروجون لها مثل مبدأ (أن الصعوبات التي تذل اإلنسان ويعجز عن التصدي لها تتكفل بمحوها األيام)»(.)6
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
التي ك��ان أط��ف��ال ال��ح��ارة يتسلون بمشاغبتها والسخرية منها« :أما اآلن ،فهي تشكو للبقال ال��ذي يهبها بعض المعلبات التي أوشكت أن تتعفن ب��دال من أن يرميها ،من الناس الذين ب���دأوا يضعون األق��ف��ال على أب���واب منازلهم، ومن تحرشات العمال ،وعبث المراهقين الذين يخترقون الساحة الترابية بغرض التفحيط حولها إل��ى أن تختفي ف��ي زوب��ع��ة ال��غ��ب��ار ،بل وحتى من رجال رصينين ومتشابين يتعقبونها في أوقات محددة ويأمرونها أن تحتشم بعد أن بلغت من العمر عتيا»(.)5
متكرر ،فضاء القرية ال��ذي يجعل منه السّ رد بؤرة مقاميّة تدور حولها باقي األفضيّة ،المكان اآلسر الذي بات يقرفص على ذات الباث حتى ف��ي أب��ه��ى لحظات ح��ض��ور ال��ف��ض��اء النقيض (المدن الكبرى والعواصم الممتدة األط��راف)، يقول ال���راوي في نصوص المجموعة واصفا تخوّفه اآلب��د من المدن الكبرى ومن مفردات ال��م��دن��ي��ة ال��س��م��ج��ة« :أن���ت ع��ل��ى ال��رغ��م منك، تظل ابن القرية تخاف من األبواب التي تنفتح من تلقاء نفسها في فنادق ال��درج��ة الممتازة والمطارات والمستشفيات الكبيرة ،تتلفت كثيرا توقعا للمباغتة كأن أح��دا يتتبع خطواتك ،وال تحسن قيافة مالبسك ،وعندما جرّبت أن ترتدي البدلة ،كنت تتملّى جسدك في المرايا كما لو كنت عاريا ،وتدس يدك في جيبك ،لتعد نقودك بطريقة اللمس كالعميان»(.)7 السرد بين التّ كثيف والتّ فصيل ّ -3 يجمع ال��ق��اص ال��درع��ان ف��ي متنه «رائ��ح��ة يخص ّ الطفولة» بين التكثيف والتفصيل ،في ما عرض المادة السّ ردية .فهو حينا ،يجد مبررا مشروعا لتفصيل القول ،وإيراد معطيات إضافية، خاصة فيما يتعلق بتوصيف الشخصيات أو األمكنة لما ينسجم ذلك مع استقصاء األعماق، وتنوير الداللة العامة للحدث السردي ،والعكس صحيح ،يستعين بالعبارة المركزة وأفعال الحكي الدالة اإليحاء في المناسبات التي يجد فيها ذلك ضروريا ليتناغم القول مع إطار الخطاب القصصي .وف��ي ك�لا الحالتين ،يستند ذلك العمل إلى وعي شامل بتشكل البناء السردي في القصة ،ويخضع للشرط الفكري والجمالي.
ويلعب التكثيف -بوصفه مكوّناً جمالياً يع ّد ال��ف��ض��اء :وي����ر ُد ع��ل��ى ال��خ��ص��وص ،وبشكل م��ن أب���رز خصائص ال��ف��ن القصصي بالنظر
اجلوبة -خريف 1437هـ (87 )2015
إل��ى طبيعتها ال��ت��ي ت��ف��رض عليها االن��ص��راف إل��ى جوانب ثانوية من حياة اإلن��س��ان محاولة إض��اءة شخصيته أو معالجة لحظة أو موقف عبر استشفاف أعماقه النفسية( -)8دورين على األقل:
أم��ا لحظة ال��ع��رض التفصيلي ،فهي تغني حاجة في نفس الباثّ إلى تقديم معطى جاهز للقارئ ،ومعرفة واضحة بعوالم النص ،وهنا تكمن الخصوصية في السرد ،ذاك أن الفاعل على مستوى الحكي يكون دوما ،مؤرقا بمعرفة، ومهجوسا بقلق وج���ودي يريد أن يخففه من خالل فعل الكتابة أو فعل السرد ،وال يليق به إال أن يكون مفصال أم��ام المتلقي حتى يتأتّى له مشاركته إياه هذا الوجع المضني الذي قد يشكل بنزين العملية اإلبداعيّة.
أولهما سيكولوجي يبعث على االنكماش، ممّا يحدث من مشاهد قد تكون خيالية ،لكنها ف��ي بعدها ال��ع��ام ،ترتبط بالسياقات العامة القاص ،من ّ المحيطة بالباث والمتلقي ،إذ يعمد خالل هذا المعطى الخاطف لغويا ،إلى شحن لحظته وشحذها بما يتفاعل بداخله من مشاعر لقد توفّق الدرعان -عبر هذه المجموعة وأحاسيس. القصصية بلغتها الشامخة ،وأسلوبها الشجي وثانيهما ج��م��ال��ي؛ يتعلق بمسألة ال��وع��ي اآلسر ،وارتباطها ِب ُكنْه اإلنسان -في تشخيص التجريبي بأساليب الصياغة وتشكيل الخطاب مرحلة مستعادة من الزمن ،ومن الحياة ،التي ال��ق��اص ،ع��ن قصد ،بفعل حياديتها السردية ،تصير زمنا منفلتا من ّ ال��ق��ص��ص��يّ ؛ حيث ي���روم تركيز المضمون ،وإغ��ن��ائ��ه ب��ال�لّ��وام��ع الحبلى الذات ،مرتبطا بالمشترك الجمعيّ ،الذي يسعى بفرص التأويل والدالالت المستبطنة ،مدعومة في الوقت ذاته ،إلى تخليص الذات من عتمات بالبياضات والفراغات والقفزات على مستوى قلقة ،وإلى ترميم صدع تجربة بشرية طالتها ورود الوقائع السردية ،ليتاح للباثّ في النص ،الكثير من الشوائب والعثرات والنكسات التي تشغيل متلقيه ،وجعله يكون شريكا في عملية بقدر ما يكبر الفرد ال يستطيع التنصل منها، ب��ن��اء ال��ع��وال��م وتركيبها ،ف��ي س��ي��اق م��ا يسمّى حيث استقرّت في غيابات النّفس واستقرّت في أغوار الالشعور. بالقراءة الخالقة للعمل األدبي. 1 2 3 4 5 6 7 8
88
موريس بالنشو :أسئلة الكتابة ،ترجمة عبدالسالم بنعبد العالي ونعيمة بنعبد العالي ،دار توبقال للنشر، الدار البيضاء ،الطبعة األولى2004 ،م ،ص.40 . أحمد بوزفور :الزرافة المشتعلة ،دار المدارس ،البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى2000 ،م ،ص.13 -12 . عبدالكريم الفزني :القصة القصيرة بالمغرب ،دراسات في المنجز النصي ،كتاب جماعي من إعداد جمال بوطيب ،منشورات التنوخي ،سلسلة الورشة النقدية ،أسفي (المغرب) ،الطبعة األولى2008 ،م، ص.22 . عبدالرحمن الدرعان :رائحة الطفولة ،من قصة «األبواب». الدرعان :رائحة الطفولة ،مقطع من قصة «رسالة». الدرعان :رائحة الطفولة ،من قصة «دم الجمعة». الدرعان :رائحة الطفولة ،من قصة «ربابة مشعان». جاك فوازين :ما األقصوصة؟ ت .عبدالنبي ذاكر ،دار تينمل ،مراكش ،المغرب ،ط1995 ،1 .م( ،مقدمة المترجم) ،ص.10 .
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
في «نصوص الطين»
ρρإبراهيم الكراوي-املغرب
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
السردي طاب ِّ عري ُة ِ ِش َّ الخ ِ
تستهدف ه��ذه ال��دراس��ة للمجموعة القصصية «ن�ص��وص ال�ط�ي��ن» ألح��د رواد الكتابة القصصية في المشهد السعودي عبدالرحمن الدرعان ،الكشف عن تجليات شعرية األلم في المحكي السردي داخل المجموعة ،وذلك من خالل الحفر في آليات اشتغال خطاب القصة القصيرة ومكوناته ومختلف تجلياته ،الذي يقوم على ما أسميناه التمفصل السردي المزدوج؛ وهو ما سيسمح حسب «تود روف» االنتقال من دراسة الجنس بوصفه مجموعة قواعد مغلقة إلى خطاب األجناس الذي يتناول النص كنسق منفتح ،وبالتالي «التقابل بين ما هو أدبي وغير أدبي سيترك أمر دراسته لتيبولوجيات الخطابـ«(.)1 إن أب��رز ما يميز اإلنتاج القصصي في تعيشه الذات العربية ،وتنطلق من المحكي نصوص عبدالرحمن الدرعان هو تفاعلها القصصي كنافذة تفتح أفقا إلث��ارة أسئلة مع ال���ذات ،ورص��د اللحظة السردية التي الواقع وجماليات الحكي. تحاول اإلمساك بالحلم وكوابيس الواقع ،ثم هكذا يفتح العنوان والعناوين الفرعية ،أفق الحفر في تفاصيل اليومي .وهو ما يظهر هذه التشكالت الجمالية والهواجس واألسئلة جليا من خالل المؤشرات الزمانية والمكانية التي تؤثث فضاء المجموعة .فالعنوان نفسه وأسماء األعالم والقرائن اللفظية التي تحيل «نصوص الطين» يكشف عن هاجس الكتابة على العالم النفسي ،للذات السارد الذي بوصفها ممارسة تنبثق عن الذات وتشكال يروي بضمير المتكلم؛ لكن ما يثير االنتباه وج��ودي��ا ،كما يظهر خ�لال نسق العالمات ع��ل��ى م��س��ت��وى أن��س��اق ال��ك��ت��اب��ة ه��و انفتاح «نصوص» «طين» ،والعالمة هنا حسب بارث الخطاب القصصي على مفهوم اإلبداعية «ليست مجرد موضوع للمعرفة ولكن أيضا الذي نستلهمه هنا من لسانيات تشومسكي موضوع يحمل رؤي��ة»( ،)2فكلمة «النص» في ل��ن��دل ب��ه على تشكالت ال��خ��ط��اب ،ونحثه العنوان تؤشر على مبدأ االنفتاح أما «الطين» لرؤية إبداعية تروم خلق رؤية جمالية جديدة فيرتبط ب��ال��م��دل��ول ال���وج���ودي «اإلن��س��ان» للكتابة في ظل اإلرهاصات والمخاض الذي و«الخلق» و«األص���ل»؛ وبالتالي فالنصوص
اجلوبة -خريف 1437هـ (89 )2015
القصص كما ورد في غالف الكتاب ،تنبع القروي ،إبراهيم عساف) أو قرائن تحمل من عمق الذات وتفاعلها مع العالم .وتترسخ رم��زي��ة دال���ة ع��ل��ى أس��م��اء األع��ل�ام ذات��ه��ا هذه الداللة من خالل عناوين النصوص التي (القرين ،الظل ،سير بطل صغير ) ...وفضال
90
يهمين عليها أسماء األع�لام (عبدالسالم عن ذلك تفتتح المجموعة بنص عن حديث اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
شعرية األلم وتنميط الخطاب القصصي السردي ل��ق��د ع���رف اإلن��ت��اج القصصي العربي تراكما كميا وكيفيا أضحى معه ج��زءاً من الثقافة العربية المعاصرة ،وذلك رغم ندرة المقاربات النقدية في هذا اإلطار ،وكذلك ت��ج��ذر م��ا أ ُس��م��ي��ه ال��ن��زع��ة القصصية في الثقافة العربية والعالمية .فمنذ إبداعات اإللياذة ،وهوميروس ،وأسطورة جلجامش، وقصص عنترة ،وأخبار األغاني ،ومقامات الهمذاني ،ومخلفات ظاهرة االنتحال في الشعر العربي ،وحكايات الصعاليك ،وسجع الكهان الموسوعات والكتب والمصنفات التي تتناول أخبار العرب وأنسابهم وسير األبطال والقبائل واألمكنة وكتب الرحالة العرب وغ��ي��ره��ا ..م��ا فتئ النقاد غربيون وعربا ينبهون إلى نزعة القصة القصيرة وجذورها في ه��ذا اإلن��ت��اج .يقول أح��د الباحثين في هذا اإلط��ار« :بدأ مسار الدراسات األدبية ي��ع��ت��رف ب��وج��ود ال��ف��ن القصصي العربي وبجذوره الضاربة في أعماق التاريخ العربي واإلسالمي على السواء»( .)3غير أن سيرورة
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
البطل عبدالسالم ،وتختتم بقصة المحكي الذي سقط سهوا عن عبدالسالم الشخصية ذاتها .ولعل الخيط الناظم لهذه المجموعة ه��و ترسبّات األل��م التي تهيمن على زمن الحكي المرتبط بصورة الموت والحفر في اليومي ،وهواجس ال��ذات والقلق الوجودي ال��ذي يكشف ع��ن اللحظة القصصية في سعيها لمحاكاة الحالة النفسية للسارد والفرد الهامش الذي يصارع من أجل البقاء.
األج��ن��اس وت��م��ث�لاث العصر عبر التاريخ والزمن ،أفرزت لنا تنميطا يحمل ما يمكن أن نسميه سمات الخطاب القصصي .هذا م��ا يمكن أن نستخلصه م��ن ق���راءة قصة «حديث عبدالسالم القروي» .واألمر يتعلق هنا بمعاناة عبدالسالم مع المرض ،ولكن يظهر من خ�لال مجموعة من المؤشرات السردية أنها معاناة نفسية تستوعبها القصة في شكل حالة نفسية تشتغل على تكثيف المحكي الذي يتقاطع فيه اليومي بالهواجس وسيكولوجية ال��ذات «القروي» في مواجهة واقع ووضعية جديدة« :كان األلم يشتد عليّ أكثر من ذي قبل ،أو هذا ما يبدو لي اآلن على األقل ،والعالم بكامل مخلوقاته يشتد ويضغط عليّ ..والمرض والهواجس تفتك بي كل يوم»(.)4 «أصبحت انطوائيا ...سئمت نفسي» .. «ي��ج��ب أن أذه���ب إل���ى غ��رف��ت��ي وأم���وت ()5 بهدوء» وتكاد نصوص المجموعة كلها تعكس هذه اللحظة فـ «الشكل الفني للقصة القصيرة ما هو إال انعكاس إلحدى الحاالت النفسية.. وف��ي اللحظة التي يتم فيها تصور قصة قصيرة أو قراءتها ،تظهر بوضوح شديد الوظائف النفسية المتمثلة ف��ي الفضول وع��دم الصبر والترقب والخفقان والتخيل والذاكرة واالستهجان والرغبة والخوف»(.)6 إن الهواجس والضغوط وقلق ال���ذات في ظل عالم التناقض والمفارقة يحمل الذات ال��س��ارد إل��ى محاولة التقاط ه��ذه الحالة النفسية واللحظة المرعبة الموسومة بصورة
اجلوبة -خريف 1437هـ (91 )2015
الموت وهي تتراءى لعبد السالم ،فهناك خلل في العالم يدركه السارد ويؤثر عليه بدءاً من التناقض ال��ذي يسم ال��واق��ع ..فـ «القطط أصبحت تأكل المعكرونة وتشرب الكابتشينو وت��ف��ت��ح ح��س��اب��ات ض��خ��م��ة ف��ي ال��ب��ن��وك.. والصيدليات تبيع وع��ودا مؤجلة بالموت.. وث��م��ة م��وظ��ف��ون يبتسمون ب��وج��ه��ك ألنهم يتقاضون مكافآت من عرق أسنانهم.)7(»..
92
أم��ا الزمن فهو زم��ن رتيب ينعكس على ال���ذات وع��ال��م الغرفة ال��ح��زي��ن .وي��ب��دو أن من سمات آليات الخطاب القصصي عند الدرعان هو رصد المفارقة داخل اللحظة القصصية والتناقض داخل الواقع .ففي نص «االختزال» تنبني اللحظة السردية على بعد زمني يختزل العالم في دقيقة ..كما يتبين من خالل الجملة السردية التي تفتح الحكي في هذا النص ،لينغلق على اإليقاع الداللي نفسه لحالة نفسية تعاني وت��ؤرخ للحظات ال���ذات ف��ي عالقتها بالعالم ال��ذي يعيشه السارد «ع��ام 1988م ثقيل ج��دا ،وسيكون محمال بالموتى والمالئكة ولن يمر!»( .)8إنه ثقل اللحظة الذي ترزخ تحت ثقلها الذات السارد .ويصل ثقل اللحظة التي يرصدها ال��س��ارد م��داه في نص «سير طويلة لبطل صغير» بفعل ضغوط اليومي؛ م��ا سيولّد غرابة الوقائع والمحكي ،ويضع السارد في حالة نفسية قوامها األلم والمعاناة ،وبالتالي يتلقح السرد الواقعي واليومي بالتخييل. فالسارد يترجم عالقته بعشيقته المرأة، وي��ص��ور لحظة العشق ال��م��وش��وم��ة باأللم «أحبك ،أقول لها ...وأكون طول الليل أبكي مما ران على صدري من البازلت ..أعطس، اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
تتناثر أعضائي ومالبسي .أج��رب المشي على أربع .وتبدو لي فكرة أن أكون رجال آليا مثابة وأمنا من األسياد .)9(» ..لكن ذروة األلم تبلغ مداها حين يتخيل السارد نفسه أنه قد مات بعد أن قرأ الخبر (النكتة) في جريدة المساء ،وه��و يعيدنا إل��ى مكون السخرية بوصفه يكشف عالقة الذات المتوترة بالعالم والتناقض والمفارقة بين بنية الواقع وبنية المتخيل ،أي بين تفاصيل اليومي وبين الحلم وكشف لعالمه ٍ كامتداد رم��زي لواقع ذات، النفسي. شعرية الحلم والقصة وأفق التمفصل السردي المزدوج ت��ظ��ه��ر غ��راب��ة ال��وق��ائ��ع ال��س��ردي��ة في مجموعة قصص «نصوص الطين» من خالل بنية الحلم باعتبارها جزءاً من ذاكرة السارد وواقعه النفسي ،وه��ذا ما يظهر من خالل ن��ص «ال��رؤي��ا» ال���ذي يكشف ع��ن األع��م��اق النفسية الحبلى ب��ال��ص��راع م��ن خ�لال ما أسميناه التمفصل السردي المزدوج ،الذي يؤسّ س لشعرية األلم ويشكل النسيج السردي للخطاب .فبينما تعيش الذات السارد لحظة األل��م ،وت��ؤرخ لتفاصيل هوامش اليومي.. تنخرط في اآلن نفسه في سرد وقائع تعتبر بمثابة التفاصيل التي تنسج الحكي ،كما هو األم��ر بالنسبة لرحلة الطريق إل��ى البيت، وذكرى موت الصديق .إننا نجد أنفسنا من خالل التمفصل السردي المزدوج الذي يسم خطاب القصة القصيرة أمام واقعة سردية جوهرية تؤسس لسردية القصة باعتبارها حلم رؤيا تنفتح على وقائع اليومي والذاكرة،
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
والواقع بتمثيالته وسردياته المؤلمة وهوما يجر السارد لسرد تفاصيل أشبه بالهذيان. فالسارد يترقب لحظة موته ويتربص بها في معظم اللحظات السردية .إن الحلم يتمثل في خطاب القصة باعتباره «الوسيلة التي تستثمر من خاللها ال��ذات الرغبة الكامنة في ال�لاوع��ي»( .)10فعالقة السارد بالطبيب في «الخلند» عالقة رمزية تؤشر إلى رغبة كامنة في الوع��ي ال��ذات ،وهي الشفاء من هموم الواقع وأمراضه اليومية .إن الوظيفة األبرز للحلم ومشتقاته في هذه المجموعة وبشكل عام ،هو الكشف عن الوعي الذات السارد وذاكرته الموشومة باأللم (العالقة مع األب مثال ،العالقة مع فاطمة ،العالقة مع شخوص فضاء العمل ،العالقة مع الكتابة كممارسة ..والعالقة مع العالم التي تختزل في دقيقة ..إننا ننتقل في نص «ال��رؤي��ا» من فضاء اليومي وتفاصيل الواقع ورتابة الزمن ،إلى فضاء أكثر رحابة يتسم بالغرابة التي أفرزتها الحالة النفسية التي ترصدها اللحظة القصصية ،وه��ي تكثيف المحكي السردي في وح��دة داللية ،فـ «الكاتب في إط���ار ه��ذه األس���س ال��ت��ي نسميها «جنس القصة القصيرة» إنما يرتب مادته بنفس درجة الحرية التي يمارسها أي فرد عندما يتهيأ للكالم»( .)11ومن تجليات ذلك توظيف اللغة الشعرية في بناء الوقائع السردية ،ثم االنتقال إل��ى عوالم سردية متباينة تُ��راوح بين المحكي الواقعي واليومي؛ فالسارد ينتقل بنا في ه��ذا النص من عالم الحلم وكوابيس الواقع إلى عالم الرؤيا الذي يشكل العالم الجوهري للقصة ،فهو يرى مخلوقا
ضخما ،ما سيخلق االنزياح السردي من لغة رحلة اليومي والواقعي ،ويخلخل بنية حكي الواقع اليومي .ويستمر السرد في النمو لنجد أنفسنا أم���ام س���ارد يعيش كوابيس وأحالم ،فاللحظة السردية التي كان يرويها السارد مجرد حلم .وقد أكدنا في دراسة قيد اإلن��ج��از التوأمة العميقة بين القصة القصيرة والحلم ،وكالهما يختزل العالم في لحظة ألم وكثافة ،وهو حلم مشبع برمزية كوابيس ومعاناة الذات السارد مع المرض وأوه���ام ورداءة ال��واق��ع .ففي نص «الظل» يلقي ال��م��رض بثقله على ص��در ال��س��ارد.. وك��أن��ه ال��م��وت يبسط رم��زي��ة المعاناة مع الواقع واليومي ..كما هو شأن الرجل الذي يتربص بالسارد ليمارس عليه نوعا خاصا من التعذيب النفسي ،يؤشر إلى ما يمارسه ال��واق��ع من ضغط نفسي« :ولكنني فكرت بالقتل هذه المرة؛ ألن الرجل المذكوركان يريق الماء على وجهي ،ثم يهرب ،وفي النهاية صحوت على صوتي وفراشي يرشح بالعرق، وعلى وجهي طفح أحمر ..وأنام باذال جهدي لمواصلة الحلم الذي انقطع .)12(»..فاللحظة السردية القصصية تكاد تماثل الحلم في تشكله الرمزي والغريب والنفسي .إن القصة القصيرة في حد ذاتها تنهض على الرمزية الدالة كما أشرنا سابقا ،وحضور موضوع الموت في هذه المجموعة مشبع بدالالت رمزية ترتبط باأللم والخوف والرعب الذي يمارسه ال��واق��ع واليومي والتناقض داخل الواقع .ففي نص «الخلند» أضحى الحلم ال��ذي ي��راود ال��ذات السارد بالعالم كابوسا مرعبا فرضته الحالة النفسية والهواجس،
اجلوبة -خريف 1437هـ (93 )2015
وهو ما يؤشر إلى غرابة المحكي وانزياحه ع��ن ال��م��أل��وف ،لكنه وعلى غ��رار م��ا يميز شعرية الخطاب القصصي يأتي محمال برمزية تكشف عنها الوحدات اللغوية كما يؤشر إلى ذلك العنوان نفسه «الخلند»« ،قلت إن حيوانا يمأل نصف غرفتي يربض على صدري وبطني أراه وكأني يقظان.)13(»..
العالقة بين ال��س��ارد والمسرود ل��ه ،والتي تظهر في المجموعة على عكس المتوقع عالقة حميمة ،عالقة السارد الذي يعاني م��ن م��رض يمكن أن نسميه رت��اب��ة الواقع مع المسرود له الطبيب المفترض ،عالقة تفاعل .وهذا يتضح جليا في نص «الخلند».. إن السارد هو المريض النفسي المفترض ال��ذي يرصد لحظة السرد ويتلقى العالج في محترف الكتابة ليقاوم الموت الرمزي. يظهر جليا أن القصة القصيرة تسعى من خالل مبنى الخطاب والحكاية إلى مقاومة الرتابة واليأس والموت ،كما يظهر من خالل عالقة الذات بشبح الموت ،الذي يخيم على محكي السارد في هذه المجموعة .هناك سعي حثيث من قبل سارد القصة القصيرة إلى مقاومة الموت الرمزي وبعث اللحظة بوصفها نبض الحياة الذي يدق ،فنحن نكاد نجد كل نص طيني (نسبة إلى العنوان) نبض من نبضات حكي اللحظة النفسية المؤلمة التي يعيشها السارد .لذا فأزمة التواصل التي نتحدث عنها أو تخفيها سطور النصوص هي أزمة التواصل مع العالم« :فالصيدليات تبيع وعودا مؤجلة بالموت»(.)14
وهكذا يشتغل الخطاب القصصي من خالل مبدأي االنفتاح واالنغالق باعتبارهما يختزالن لحظة وج��ود ال���ذات بين جدلية الموت والحياة .وما بين االنفتاح واالنغالق الواقع والمتخيل ،ينمو الخطاب استنادا إلى ما نسميه التمفصل السردي المزدوج.
وال��س��ارد يحس تغيرا سلبيا من حوله. وفي مقطع سردي آخر يرغب في الصراخ لكنه ال يستطيع ذلك ،والفقراء في مقطع آخ��ر يعيشون على الهامش المؤلم ...لذا يلجأ إلى إعادة بناء العالم من خالل العودة إلى األصل «الطين» وتقاسم لحظات الكتابة مع المسرود له .إن السارد يظهر أنه منشغل بهذه العالقة ويتطلع إلى الذهاب بعيدا من خالل كسر أفق توقع المسرود له وإيهامه
إن بناء ال����دّا ّل داخ��ل الخطاب موسوم بالنزعة الرمزية التي يوظفها ال��س��ارد من أجل تعرية العالم الداخلي النفسي للشخوص المستوحاة م��ن اليومي ،وكثيرا م��ا يتحول ال��م��ح��ك��ي ال��ق��ص��ص��ي إل���ى م��ص��ب��اح يضيء عتمات النفس ودهاليزها والواقع من خالل اإلغراق في التفاصيل التي تشكل ما نسميه خطاب السرد القصة القصيرة .فنجد السارد يلتقط لحظة العتمات ودهاليز اليومي بكل دقة وبأسلوب اإليجاز القصصي .ففي نص «الوجه» تحضر الحمولة الرمزية التي تؤشر لهذا الجزء من جسد المذيع خ�لال لحظة تناول العشاء في أحد المطاعم ،غير أن هذه اللحظة ستتمدد سرديا بالمعنى السيميوطيقي لتضيء لنا عتمات وجوه أخرى لزبائن المطعم مثال ،ثم رصد تفاصيل المكان.
السارد وأزمة التواصل إن أزم����ة ال��ت��واص��ل ال ن��ع��ن��ي ب��ه��ا هنا
94
اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
بواقعية المحكي« :وهنا أود أن ألفت نظر الكتابة .فبواسطة كافة هذه الطرق يتشكل ال��س��ادة ال��ذي��ن سيقرأون ه��ذه القصة إلى معنى العمل على نحو ج��دي��د باستمرار أن هذا الذي يجلس اآلن ليحتسي الشاي ،نتيجة تضافر عنصرين :أفق التوقع الذي وي��دخ��ن مثل خليفة عباسي ه��و أن��ا ،حتى يفترضه العمل ،وأفق التجربة الذي يكمله ال ي��ت��وه��م��وا»( .)15إن��ه ميثاق س��رد الواقعية ()17 المتلقي» . الجديدة ،إذ يدعو السارد المسرود له إلى الرغبة الجامحة التي تراود السارد في كتابة إن أفق االنتظار في مجموعة «نصوص تفاصيل ال��واق��ع وه��واج��س��ه وت��ب��ادل هموم ال��ط��ي��ن» ينبني على أس���اس ح��ض��ور بُنية الكتابة «إن قناعات الجماهير بالكتاب طرف الحلم وتجلية الواقع الكابوسي ،والمفاجأة اصبع على صفيح ساخن ،وأي كلمة تقال والخوف والهذيان وحرية الحكي والتوغل ضدهم تصبح مؤثرة.)16(»... في التفاصيل وتكثيف الحكي واإليجاز ،كما ولعل التفاعل يبلغ ذروته حين يقدم السارد يتضح من خالل المقاربة ،وهي المكونات اعتذاره في نص «الوجه»؛ لعدم تمكّنه من كاف لمشهد ال��ت��ي ي��ك��ش��ف ع��ن��ه��ا ال��ت��م��ف��ص��ل ال��س��ردي وصف ٍ ٍ وجهة نظره من تقديم المطعم .ويظهر هنا أن المنتج ف��ي ح ِّد المزدوج باعتباره أحد معالم تشكل خطاب ذاته «هو أيضا ودائما متلق حين يشرع في القصة القصيرة. 1 2 3جماعة من المؤلفين .األدب العربي تعبير عن الوحدة والتنوع .بحوث تمهيدية .مركز دراسات الوحدة العربية .بيروت1987 .م .ص89: 4عبدالرحمن الدرعان .نصوص الطين .المركز العربي لتوزيع المطبوعات .بيروت1987 .م .ص7 : 5المرجع نفسه .ص7: 6إنريكي أندرسون إمبرت .القصة القصيرة:النظرية والتقنية .ت :إبراهيم علي منوفي .مراجعة :صالح فضل .المجلس األعلى للثقافة والنشر2000 .م .القاهرة .ص32 : 7الدرعان .المرجع السابق نفسه .ص.10 : 8المرجع السابق نفسه .ص25 : 9المرجع السابق نفسه. Jean bellemin Noel. vers l’inconscient du texte. Ed:puff .. paris. 1979. p :7 10 11جماعة من المؤلفين .مرجع سابق .ص:20: 12المرجع نفسه .ص52 : 13المرجع نفسه .ص48 : 14المرجع نفسه .ص9 : 15المرجع نفسه .ص11: 16المرجع نفسه .ص80: 17هانس روبيرت ياوس .جمالية التلقي .تقديم وترجمة :رشيد بن حدو .مطبعة النجاح الجديدة .الدار البيضاء2003 .م .ص131: Tzeftan. todorov . les genres du discours . Ed:seuil . paris . 1978 . p:25
Roland . Barthes. Essais critiques. Ed:minuit. P :208
اجلوبة -خريف 1437هـ (95 )2015
اللغة والطفولة والبساط السحري!!.. رموز في عالم الدرعان ρρعمر بوقاسم
رم��وز نثرها ف��ي «ق�ص��ة» ال�ق�ص�ي��دة !..وه��ي تحيل إل��ى عالم يسكنك فجأة ل�ت��درك أنك محاصرٌ بالشعر ..فتفتح لك نافذة باتجاه الشعر!.. أه��م أداة ل�ل�ص�ع��ود !..ال ب��د للشعر أن يصعد ب��ال�ق��ارئ ب�ع�ي��د ًا ع��ن ال��واق��ع ال��ذي يعيشه �أدوات عدة ،وأهم قصد ب� ٍ ٍ ويستوعبه بحواسه ..الشعر يهبه عالم ًا آخر يرسمه الشاعر عن أداة للصعود هي اللغة ..اللغة التي تخلق وليست التي تمحو ،اللغة التي تصل بك إلى عمق الحلم ..إلى عمق الذاكرة ..إلى عمق االتجاهات!! ولك أن تتخيل معي بأن اللغة هي ُحت به لنفسي وأنا أكمل قراءة قصيدتَيْ (نسيان – بساط الريح السحري !..أيضاً ،هذا ما ب ُ القرين) ِل «عبد الرحمن الدرعان» األديب والقاص والشاعر ..ولو َقرَأنا مع ًا نص «نسيان».. فقد نتفق أن اللغة هي بالفعل البساط السحري للشاعر عبد الرحمن الدرعان..
96
ذهبت فتذكرت قبعة الطفل حمراء ذاهبة اليدين وهابطة من أصابع حائكها مذهّ بة ،وموشاة إلى أن هوت قمر ًا فوق رأس الفتى المتفتح للتو: وجه طري وعينان مرسلتان إلى نجمة في الضحى يهب األرض بيت ًا من الطين ناسي ًا أن قبعة لعقتها المياه ولكنني سوف أنسى التي ذهبت سوف أنسى مع الطفل قبعتي وسمائي وأنسى مع الطفل نسيانها ثم أنسى. اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
الذروة الشعرية!.. قصيدة ال يتذوقها القارئ إال إذا تعرف بالطفل وعينيه والقبعة والبيت الطيني والسماء الخاصة بذاكرة الطفل ،هذه كلها رموز نثرها الدرعان في «قصة» القصيدة !..وهي تحيل إلى عالم يسكنك فجأة لتدرك أنك محاص ٌر بالشعر ..فتفتح لك نافذة باتجاه «ال��ق��ري��ن» ..وه��ي القصيدة التي رافقتني لالنتشاء والوصول للذروة الشعرية..
كل يوم أراه، كلما أراه، وفي ساعة يرجم القلب فيها يجيء قبل الرماة، في المقاهي البعيدة وال ��دورة ال��دم��وي��ة ف��ي ال��رأس ح��ول أس��وار من فضة وخفوت إذا أغطش الليل صبح البيوت،
الدرعان يجيب!..
«الطفولة» قوته األبدية!.. ه��ذا م��ا يؤمن ب��ه عبدالرحمن ال��درع��ان..، وأوقفتني جملة في إجابته « ..ف��إذا استطعت أن ألعب باللغة فلماذا يكون ذل��ك على حساب النص؟!!» ،مفردة «ألعب» حضرت هنا ليس من باب المصادفة ،فأنا أثق أن الشاعر يعي قيمة ه��ذه المفردة هنا ،ويعي بالطفل ال��ذي يشغل حيزاً كبيراً من ذاكرته كإنسان وكمبدع؛ فالطفولة ليست مجرد مرحلة يتجاوزها اإلن��س��ان ..بل على العكس تماماً« ،الطفولة» قوته األبدية في الحياة والمغامرة !..يلجأ إليها دائماً بوعي وبال وعي؛ فالدرعان يوظف الطفل كرمز للحياة في قصيدته ن��س��ي��ان« ..ف��وق رأس الفتى المتفتح للتو :وجه طري /وعينان مرسلتان إلى نجمة في الضحى /يهب األرض بيتاً من الطين» .وكما جاء في مجموعته القصصية «رائحة الطفولة» ،وهو يرسم خصوصية ذاكرته ليس في الطفل الذي يسكن ذاكرته بل يذهب للطفولة ،وكما فعل في قصيدته االحتفائية «ديما»..
م� � � � � � � � � � � � � � � �ح � � � � � � � � � � � � � � ��ور خ � � � � � � � � � � � ��اص
وزلزلت الكرة األبجدية زلزالها في الصباح الذي شد أزر العصافير فانتشرت خيمة حول نأي الرعاة في الليالي التي ال تجيء وقارعة لم يطأها سواه المرايا قضت نحبها في قتامة عزلته فإذا حضر الماء كانت بديل المرايا المياه، ربما أمس لن نلتقي والتقينا غد ًا
أن العناية باللغة مطلب ينبغي أن يتوفر خصوصا في مجال اإلبداع بدون أي تصنع ،وأعتقد أنني اخترت لغتي كبحّ ار يغوص في البحر الختيار أفضل الآللئ.»..
ال��درع��ان مغامر ..كمبدع ،فهو متصالح مع قرينه في كل حاالته !..ولذا ،أريد أن أوثّق هنا إجابة لعبد الرحمن ال��درع��ان على س��ؤال كان قد طرح عليه ضمن حوار سابق نشر بالمجلة.. ك��ان ال��س��ؤال« ..يالحظ القارئ في مجموعتك القصصية رائحة الطفولة ،احتفا ًء كبيراً باللغة، حتى أن بعض ال��ن��ق��اد أش���ار إل��ى أن االحتفاء باللغة كان على حساب الحبكة القصصية؟!»، قال الدرعان« :أنا ال أدري لماذا يقف الكثير من النقاد وأحيانا بعض الكتاب موقفًا أشبه ما يكون عدائيًا من اللغة ..وأستغرب ذل��ك .على سبيل المثال في ميدان الشعر هناك من يتهم القصيدة بالغنائية ،وأكثر مَن وجهت له هذه التهمة محمود دروي���ش؛ ف��إذا ك��ان الشعر يخرج ع��ن أن يكون غنائيا ..وطبعا ليس بالمعنى البسيط للغنائية. وهي تهمة تعتبر لصالح الشاعر ولصالح القاص« ،ل�ق��د ب��دا ال�ب��در ف��ي أع�ل��ى منازله وع��ان �ق �ت��ه س� �م ��اء ش �م �س �ه��ا دي �م��ا» فالكاتب إذا اعتنى باللغة فهو يعتني بأدواته التي يستخدمها كما يستخدم النجار أدواته .واالحتفاء حتى يصل في منتصف القصيدة ليبوح بسره باللغة أم� ٌر طبيعي ألنها في نظري توفر جانب المتعة؛ ف��إذا استطعت أن ألعب باللغة ،فلماذا «قد كنت مثلك طف ًال شعره در ٌر فجاءك اليوم يهديك (المالليما)» يكون ذلك على حساب النص؟! إنني أصر على * كاتب وشاعر.
اجلوبة -خريف 1437هـ (97 )2015
عبد المحسن بن فالح اللحيد ول��د في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف ،أمضى فيها م��دارج الطفولة وريعان ال�ش�ب��اب ح�ت��ى ت�خ��رج م��ن ال�ث��ان��وي��ة ال�ع��ام��ة ،ث��م ال�ت�ح��ق بجامعة غ��رب متشجان بالواليات المتحدة األمريكية ،ون��ال درج��ة الدكتوراه في إدارة ال�م��وارد البشرية وتنميتها ،عاد بعدها إلى المملكة ،وعمل في معهد االدارة العامة في الرياض أكاديميا ومحاضرا وإداريا ،ليصبح فيما بعد مدير ًا عام ًا لمركز البحوث ،ويشارك في العديد من نشاطات المعهد واالستشارات اإلدارية لألجهزة الحكومية. المؤهل العلمي
-مدير عام االستشارات بالمعهد.
دكتوراه في إدارة الموارد البشرية -مدير إدارة االستشارات اإلدارية وتنميتها– جامعة غ��رب ميتشجان – -مدير وحدة دعم الجودة. الواليات المتحدة األمريكية.
-مدير عام تصميم وتطوير البرامج.
الخبرات العملية اإلدارية
-مدير عام إدارة تقييم البرامج .
-م��دي��ر ع��ام م��رك��ز ال��ب��ح��وث بمعهد -منسق قطاع الموارد البشرية .
98
اإلدارة العامة اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
-مدير عام الطباعة والنشر.
قدّم عددا من االستشاراتاإلدارية لألجهزة الحكومية وم���ن���ه���ا :وزارة ال��خ��دم��ة ال��م��دن��ي��ة ،وزارة ال��ش��ئ��ون االجتماعية ،وزارة العمل، وزارة ال��ت��رب��ي��ة والتعليم، ال���ح���رس ال��وط��ن��ي ،وزارة ال��دف��اع وال��ط��ي��ران ،وزارة المالية ،وزارة الداخلية، إم�����ارة م��ن��ط��ق��ة ال���ري���اض، ال��رئ��اس��ة ال��ع��ام��ة ل��رع��اي��ة ال����ش����ب����اب ،األك���ادي���م���ي���ة ال��س��ع��ودي��ة ف��ي واش��ن��ط��ن، المنظمة العربية للتنمية الصناعية وال��ت��ع��دي��ن في المغرب. اشترك في دراسات اللجنةال��وزاري��ة للتنظيم اإلداري لعدد ٍ بوصفه رئيس فريق من الدراسات منها :دراسة قطاع القوى العاملة ،دراسة ن��ظ��ام الموظفين ،دراس��ة ه��ي��ئ��ة ال��س��ي��اح��ة ،دراس���ة نظام التقاعد والتأمينات، دراسة تنظيم وزارة العمل، ووزارة الشئون االجتماعية، وغيرها. ال��م��ش��ارك��ة ف���ي ع���دد منال���م���ؤت���م���رات وال����ن����دوات
ت��ح��ري��ر وم��راج��ع��ة كتابأوراق عمل في التنمية اإلدارية م���ع آخ�����رون -ال���ص���ادر عنمعهد اإلدارة العامة 1430هـ.
س � � � � � � � � � � �ي� � � � � � � � � � ��رة وإن � � � � � � � � � � �ج� � � � � � � � � � ��از
األنشطة العملية والعلمية
والحلقات العلمية في المملكة، والواليات المتحدة األمريكية، وبريطانيا ،ومصر ،واألردن، وس��وري��ا ،ول��ب��ن��ان ،واإلم���ارات ال��ع��رب��ي��ة ال��م��ت��ح��دة ،ومملكة البحرين.
االش���ت���راك ف���ي ترجمةكتاب مؤلفات كالسيكية في االدارة ال��ع��ام��ة ،ال��ص��ادر عن معهد اإلدارة العامة. م��راج��ع��ة ت��رج��م��ة ع��ددمن الكتب الصادرة في معهد االدارة العامة. االش����ت����راك ف���ي ت��أل��ي��فك��ت��اب «ال��ق��ي��ادة اإلداري����ة في المنظمات الحكومية – األدوار والتوقعات» الصادر عن معهد اإلدارة العامة 1436هـ. إعداد بحث «دور البحثالعلمي في تحديد ومعالجة قضايا التنمية اإلداري���ة» في المؤتمر العلمي الثاني لمعاهد اإلدارة العامة والتنمية اإلدارية في دول مجلس التعاون .محرم 1434هـ ديسمبر 2012م.
اجلوبة -خريف 1437هـ (99 )2015
العالج بالقراءة
علم الببليوثيرابيا ()Bibliotheraphy ρρمرسي طاهر*
عالم الكتب والقراءة والمكتبات ،عالم كبير يزخر باألسرار والمعلومات عن كل شيء ،وهو عالم ال يستغني عنه مثقف أو دارس ،بل كل شخص يلتمس علم ًا ألداء مهمة ما في حياته. والمتتبع لحركة التاريخ اإلنساني والحضارة البشرية ،يدرك بشكل واضح أن القراءة ومصادر الحصول على المعلومات ،وأبرزها الكتاب ..تمثل رافد ًا حضاري ًا مهما اغتنمت منه العقول وصقلت به المواهب ،وتلتقي فيه كل مفاصل الحياة البشرية ،ي��روي تاريخ الحضارات والشعوب المتعاقبة ،ومن ذل��ك ،التاريخ الذي يروى أن بالد المسلمين بفضل شيوع حب القراءة وتنامي اإلقبال على العلم في إحدى الحقب الزمنية ،أصبحت دون منازع رائدة في التقدم المعرفي ،وأضحت البعثات العلمية تقصدها من كل حدب وصوب ،للتزوّد من كنوز جامعاتها الزاخرة بنفائس العلوم والمعارف. القراءة إذاً هي بوابة العلم وغذاء مثل الجاحظ مات تحت ركام الكتب.. ال��ع��ق��ل ،ودواء يقي الفكر م��ن مرض فكان شهيد القراءة. الشيخوخة ال��م��ب��ك��رة .ال���ق���راءة حياة التاريخ اإلنساني أثبت أن القراءة م��ت��ج��ددة يكتسبها اإلن���س���ان ،ت��وسّ ��ع هي طريق األمم للرقيّ ؛ أما عن واقعنا م��دارك��ه ،وتصقل مواهبهُ .سئل يوماً ف���ح���دّث وال ح����رج ،أص��ب��ح��ن��ا نعاني الكاتب الكبير عباس محمود العقاد عن العزوف عن ال��ق��راءة؛ أي العزوف عن سبب حبّه للقراءة ،فقال «ألنني أحب ال��رق��يّ ،وال��س��ب��ب ف��ي ذل��ك مجموعة أن أعيش أكثر م��ن ح��ي��اة ،وك��ل كتاب من المتغيّرات االجتماعية والسياسية جديد لي حياة جديدة» .ويذكر تاريخنا واالقتصادية التي مرت وال تزال تمر بها العربي واإلسالمي أن القراءة وإدمانها كافة مجتمعاتنا العربية واإلسالمية. ال عال ٌم ولست هنا في معرض الحديث عنها، كان دأب العلماء والعظماء ،فمث ً
100اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
وسأحاول في هذا المقال أن أحلّق في الثقافة الغربية المرتبطة بموضوع القراءة؛ ألحمل منها ما قد يستطيع جناح الطائر لا لواقعنا المحلق حمله ،وأقتبس منها ح� ً المؤسف في القراءة ،ألبين كيف يمكن أن تكون القراءة منها َج حياة ،وحلوال لمشكالت تعجز كل وسائل التقنية الحديثة عن حلها.
وعلم الببليوثيرابيا كما جاء في قاموس وبستر أنه «استخدام مواد قرائية مختارة كمُعينات عالجية في الطب البشري والطب النفسي ،وأيضاً كإرشاد في حل المشاكل».
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
ف��ق��د ت��ن��اول��ت��ه��ا ال��ع��دي��د م��ن األط���روح���ات الجامعية المتخصصة ،وثقلت بها رفوف المكتبات ،وقد تكون للقارئ زخماً ال طائل منه ،والحلول التي تقدمها ه��ذه األبحاث قد تكون عميقة وشاملة ،وأحيانا تبعد عن الواقع والتطبيق.
بتطور الخدمات المكتبية في المستشفيات، وخاصة مستشفيات األم��راض العقلية في الواليات المتحدة األمريكية ،ثم ما لبث أن تطور هذا المفهوم حتى أصبح أمراً معترفاً به من جانب علماء النفس ومؤسسات العالج األخرى ،جنباً إلى جنب مع العالج الطبي، سواء بالعقاقير أم الجراحة.
وعليه فإن متطلبات العالج بالقراءة كعلم هي:
ف��ي ه��ذا السياق أحمل لكم م��ا يسمى -عناصر بشرية ،تشمل (مريض -طبيب- بالعالج ب��ال��ق��راءة ،أو علم الببليوثيرابيا ممرضة -أمين مكتبة). ،Bibliotheraphyومصطلح الببليوثيرابيا يتألف من مقطعين يونانيين :األول (ببليون) -تحليل دقيق لحالة المريض ،ثم تحليل الحتياجاته من جانب الهيئة الطبية. بمعني كتاب و(أوباتيد) بمعني عالج .وقد استبدل العالم األمريكي صمويل ماك كروثر -وصفة للقراءة من جانب الهيئة الطبية. الكلمة الثانية اليونانية بالكلمة اإلنجليزية -مجموعة ك��اف��ي��ة وم��ت��ن��وع��ة م��ن الكتب لتصبح ال��ك��ل��م��ة ال���واح���دة ال��ج��دي��دة هي ومصادر المعلومات الموجودة بالمكتبة. ببليوثيرابيا. وض���ع ت��ق��اري��ر دق��ي��ق��ة م��ن ج��ان��ب أمينوللعالج بالقراءة تاريخ طويل ،فقد سجلت المكتبة ،يرفعها إلى الطبيب عن الحالة، المصادر أن المصريين القدماء هم أول من حتى يستطيع استخدام القراءة للعالج. أدركوا القوة العالجية للكتاب ،سواء بالسلب أو اإليجاب ،وقد أخذ اإلغريق عن المصريين -إنشاء عالقة وثيقة بين أمين المكتبة والمريض ،حتى يثق المريض في أمين ه��ذا العمل؛ فيذكر أن أف�لاط��ون ق��ال إن المكتبة ،ويقبل على استخدام الكتب، الفن بصفة عامة ،يؤثر تأثيرا عميقاً في ويستمع لنصائحه ويتبعها. الجانب العقلي من الطبيعة اإلنسانية ،كما قال أرسطو بالتأثير العالجي للفن واألدب - .كتابة تقارير دورية عن استجابة المريض وفي العصر الحديث ارتبط العالج بالقراءة وردود أفعاله ،تسلم للهيئة الطبية أوالً منذ مطلع القرن التاسع عشر الميالدي بأول.
اجلوبة -خريف 1437هـ (101 )2015
وبعد أن أصبح هناك علم الببليوثيرابيا، وبعد ق��رن كامل من ظهور أول مقالة في هذا الموضوع عام 1851م ،بدأ التجريب وال��دراس��ات الميدانية لتطبيق هذا العلم، وكانت هناك دراس��ة عام 1948م ،لدراسة تأثير الكتب على الصحة العقلية ،وظهر بعدها العديد م��ن ال��دراس��ات ال��ت��ي تبين فلسفة وخطوات العمل في الببليوثيرابيا في كثير من المجاالت والحاالت المرضية، كما ظهر العديد من أنماط العالج بالقراءة تم تجريبها ،وأثبتت نجاحاً قاطعاً ،وكانت تتضمن آليات محددة للعالج ،تنطوي على كل أو بعض مما يأتي: -
-
ك��ل ه���ذه اآلل��ي��ات ت��م اس��ت��خ��دام��ه��ا في العديد من الدراسات باستخدام مواد قرائية متنوّعة ،منها ما استخدم كتب الشعر ،ومنها ما استخدم القصص األدبية والخيال العلمي، ومنها ما استخدم كتب التراجم وسير األنبياء وغيرها .ومن هذه الدراسات دراسة بيّنتْ أن قراءة األدب عموماً والقصص خصوصاً، قد قلل من مستوى الضغط العصبي لدى ال��م��رض��ى المصابين ب��م��رض ضغط ال��دم المرتفع ،وكذلك استخدم هذا العلم كأداة لتغيير السلوك.
كما حقّق علم العالج بالقراءة نجاحات إت��اح��ة الفرصة للمريض ليتحدث عن متميزة في العديد من الدراسات التجريبية، مشكلة معينة. ال��ت��ي أج��ري��ت ف��ي المجال ال��ت��رب��وي ،وحل إتاحة الفرصة إلقامة عالقة شخصية المشكالت الدراسية والتربوية ،وكذلك في ط��ب��ي��ع��ي��ة ن��س��ب��ي�اً ب��ي��ن��ه وب��ي��ن ال��م��ع��ال��ج حل بعض المشكالت االجتماعية ،مثل إدمان والمكتبي. المخدرات وغيرها. إم��داده بأنماط من السلوك أو التفكير وأخ��ي��راً ،يهبط الطائر المحلق سريعاً البنّاء. تدعيم األن��م��اط االجتماعية والثقافية ع��ل��ى أرض ع��ال��م��ن��ا ال��ع��رب��ي واإلس�لام��ي المعاصر ،وع��ل��ى أح��د جناحيه يحمل ما السوية في المريض. إم���داد المريض بنسيج تعليمي ق��د ال يسمى بعلم الببليوثيرابيا ،أو م��ا يسمى يحل المشكلة في الحال ،ولكنه يساعد العالج بالقراءة ،والجناح األخ��ر يحمل ما في تحسين الثقة بالذات ،ورفع مستوى يسمى بمرض الببليومانيا أو الجنون بحب احترام الذات وتقديرها. ال متى تستخدم مجتمعاتنا الكتب ..متسائ ً
إم��داد المريض بنسيج ترفيهي تتقدم العربية واإلسالمية علم الببليوثيرابيا لعالجم��ن خ�لال��ه ع���ادة ال��ق��راءة واالس��ت��رخ��اء األصحاء أو األسوياء وليس المرضى كما في والترويح. الغرب؟ ومتى يصاب أهل هذه المجتمعات إمداد المريض بنوع من الوقاية الذاتية بهذا المرض؛ مرض الببليومانيا أو الجنونيستخدمها عند اللزوم. بحب الكتب؟!
102اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
الكتابة َ الش ِّيق َّ والشاق عم َ َط ُ الرقمية عالقة الكتابة بالموجة ّ
ρρأحمد الدمناتي -املغرب
«الكتابة كينونة وجودية تختار ضحاياها بأناقة جديرة بالتأمل واإلنصات» قبل أن يستوي النص /العالم هناك تشطيب ،وحذف ،وإضافة .الكتابة ليست استسهاال ،أو نزهة؛ الكتابة ذه��اب إل��ى ح��دود الحرب والقلق؛ ح��رب ضد بياض يتفرّسك بشراسة ف��ادح��ة ،وي��دع��وك لمحاورته واإلن �ص��ات إل�ي��ه ،أو اإلط��اح��ة به سريعا؛ قلق وتوتر وعصبية ،وأن��ت تحاول تفجير اللغة العصية على االمتثال لشروط الطاعة ،واللذة التي تخفي ألمها بصمت ،والشهوة التي تجعلك مدينا النتصارات هناك أو إخفاقات هنا .بين االنتصار واإلخفاق مسافة تقطعها الذات المبدعة بفورانها ،بغضبها ،بعصبيتها ،بأناقتها ،بهدوئها ،بشراستها. في الكتابة تنكتب ال��ذات ،وتفضح تأشيرة وال ج��واز سفر .هل ما تزال تحس بطعم الكتابة الشيق والشاق كما ّ اللغة العالم .ه��ذا ال��س��ؤال ط��رح على مجموعة من الشعراء والكتّاب ،فكانت آمنت به في أول األمر؟! األج��وب��ة متنوعة مثل خرائط الكتابة الهدف هنا تكوين منظور شامل لواقع ذاتها. الكتابة اإلبداعية اليوم ،ال من حيث أنها
م��اذا يعني ل��ك أن تكون كاتبا(ة)/ ش���اع���را(ة)؟ اآلن ..ف��ي ظ��ل الموجة الرقمية الهائلة التي أصبح العالم نقرة أصبع خفيفة ،أو فأرة سوداء أو ملوّنة تسافر في كل اتجاهات الدنيا بدون
نتاج عملية فكرية وفنية فحسب؛ بل من حيث الحافز البدئي ال��ذي ُو ِل��� َد لدى األدب��اء والشعراء في بداية مسيراتهم الفنية في زمن غياب الشبكة العنكبوتية وجعلهم ينتجون.
اجلوبة -خريف 1437هـ (103 )2015
إبراهيم زولي شاعر من السعودية ال�������ت�������ج�������ارب الشعرية الجديدة ف�������ي ال���م���ش���ه���د الثقافي المحلي، س������ي������م������ا ج����ي����ل ال��ت��س��ع��ي��ن��ي��ات وم��ا ت����ل���اه ،ل�����م ت��ج��د مكانها الالئق في ظل سطوة الراديكاليين، الذين احتكروا اإلع�لام التقليدي ردحا من الزمن ،وصاحب ذلك نقد لم يواكب منجزنا الشعري ،نقد ظل مرابطاً كما يرابط جندي بائس على الجبهة ،فيما جيشه قد ترك مواقعه وانسحب.
وال��ف��ك��ري ،ت��ن �وّع يشير بإصبعه لتعدد غير قابل للجدل والمواربة .ذهبوا بعيداً حيث السياق مختلف ،والحراك له نكهة أخرى ،والمشهد أكثر نبالً ..هناك ،قريباً من الحافة. ف��ي ف��ض��اء مختلف ك��ه��ذا ،ال يدّ عي الشاعر بطولة ،وال ي��د ّل��س بصباحات م��زوّرة على أحد .فقط ،يمشي مخفورا ب��ال��ب��رق وال��م��ط��ر ،وي��ح��اول ج��اه��دا أال يصطدم بصخرة الفناء ،متيمّماً برمل المحو ،يسعى للقفز على جدران المذبحة وال��خ��راب ،غايته ..أن ي���ورِّث لألطفال عدوى األغنيات.
ت��وي��ت��ر وال��ف��ي��س ب���وك ق��دّ م��ا الكتابة س��اخ��ن��ة وط����ازج����ة ،ب��ع��ي��دا ع���ن تلك اﻷعمال المحفوظة والمبرّدة في ثالجة ن��ع��م ،م��ا ان��ف��ك بعض ال��ن��ق��اد ،يلوك المستندات واﻷوراق الصفراء. أسماء أكل الدهر عليها وشرب ..وربما أج���ل ،ه��ن��اك م��ن ح��ظ��ي ف��ي م��واق��ع نام أيضاً ،وراح أغلبهم يتمترس متواريا خلف سديم النظرية ،فيما جيل جديد ال��ت��واص��ل ،بشهرة ،ومقروئية أكثر من وظ��لٌّ ب���دأ يكتب بلغة ط��ازج��ة ،ج��ي��ل منفتح منجزه ،غير أن��ه بريق مستعارِ ، على ك��ل التجارب العالمية م��ن سينما عابر ،ووه��ج آني ومرحلي ،والمستقبل وم��س��رح ،وع��ل��ى ك��ل األج��ن��اس األدب��ي��ة؛ كفيل بغربلة الكثير من هذه األص��وات. سواء شعر أو قصة أو رواية ،ولم يرتهن ال��ت��اري��خ رج���ل ال ي���رح���م ،ف���ي طريقه يرف للسائد وال��م��أل��وف؛ جيل ج��اء متجاوزا سيدهس الطارئين ،بقدميه ،دون أن ّ ال أنّ التعدّ د غنى ،ونجاة من للنقد المعلّب والتنظيرات ،ما جعل أكثر له جفن .إ ّ المبدعين ي��ش��دّ ون حقائبهم ويذهبون الردى الواقف قبالتنا برباطة جأش. أال تكفي ه��ذه الفردانية والواحدية ص��وب عالم افتراضي ،عالم ليس فيه دور للمحسوبية وال��ع�لاق��ات ال��ع��ام��ة في كلّ ما يحيط بنا ،هذه الفرديّة ذات والتسويق غير األخ�لاق��ي للنصوص ..اللون الواحد ،والطعم الواحد ،والرائحة فضاء النت ،والميديا ،وشبكات التواصل ،ال��واح��دة ،ستسمّم ال���روح وال��ب��دن على وب����دا واض���ح���اً ه���ذا ال��ت��ن��وع ال��ث��ق��اف��ي حدّ سواء ،طريق واحد ال يكفي لهزيمة
104اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
بسبب ه��ذه الشبكات المعلوماتية والفضاء اإللكتروني ،صار بإمكان المرء في أيّ ركن من أركان المعمورة ،التواصل مع أخيه اإلنسان «االفتراضي» في الجهة األخرى من العالم ،صوتا وصورة وكتابة.
ما يحسب لإلعالم الجديد وشبكات لم تعد األخ �وّة في اللون أو الدين أو التواصل أن أف���رادا م��ن منازلهم باتوا العرق ،كما تعارف الناس ،بل تبدّ لت إلى ي��زع��ج��ون ك��ي��ان��ات إع�لام��ي��ة ضخمة، وجديد لم يكن مألوفا من قبل، ٍ معنىً آخر وينازعونها سلطتها التاريخية. عالم افتراضي ،أصدقاء افتراضيّون، بيد أننا كعرب ،لم ندخل بجدّ ية عالم وهكذا. الثورة الرقمية ،ولم نتعامل مع اإلعالم شك في أنّ هذه الشبكات ،باتت ما من ّ الجديد إال بوصفه وعاء استهالكيا ،بكل تشكّل حضورا طاغيا في حياة الناس، ما يعنيه مفهوم االستهالك من سطحية بمختلف أطيافهم وشرائحهم .لم ين ُج من ونفعية آنية ،وال نزال نقدم مادة رخيصة ذلك أحد؛ فقراء وأغنياء ،ملونون وغير وبضاعة رديئة ،بذهنية متخلّفة ورجعية. ملونين ،وسقطتْ تصنيفات كثيرة ،فلم والعزاء لنا «نحن أبناء القرى» في هذا نعد نميّز بين الشيخ والمريد ،والمعلم اللحظة التاريخية ،كلنا نسكن قرية واحدة وتلميذه. في هذا الفضاء اإللكتروني ،هذا الفضاء ه���ذه ال��ه��دي��ة ال��ك��ون��ي��ة م��ن اق��ت��ص��اد ال��ذي أسقط معادلة المتن والهامش، ال��م��ع��رف��ة ل��م ت���أت ح��ك��را ع��ل��ى النخب وهشّ م نظرية المركز واألط��راف .لذلك وطبقات األنتلجنسيا الذين احتكروا ردحا عندما يشعر الكاتب ،أيّ كاتب أن النص من الزمن المعلومة ومصدرها ،الكتاب ق��ال ما لديه ،عليه أن يرفع قلمه إلى ومؤلّفه ،البحث ومحتواه ،وبالتالي كانوا جيبه ،أو يرميه جانبا ،بفعل اإلي��ق��اع يهبون أو يمنحون -ال فرق -الثقافة لمن السريع للعصر ،وبسبب المتلقّي ،المتلقّي شاءوا ،وكيف شاءوا. الذي لم يعد لديه صبر ووقت كاف لقراءة ذلك عهد ولّى وانقضى إلى غير رجعة ،المالحم والمعلقات. زمن أضحى في سلة الذكريات ،زمن غير وربما أحسن تويتر صنعا ،أن جعل مأسوف عليه. التغريدات ( )140حرفا .وأقول مطمئ ّناً: حتى وإن بدا أن بعض هؤالء المفكرين إن تويتر بذلك أعاد للغة العربية بالغة والفالسفة لم يبرحوا أبراجهم العاجية ،اإليجاز!
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
الوحش.
مقيمين في صوامع مكتباتهم الصفراء، التي بالتأكيد سيداهمها سيل الخراب وفيالق ال��دود ،وسيصيب أركانها الوهن عاجال أم آج�لا ،م��ا ل��م يفطنوا مبكّرا إل��ى ه��ذا الطوفان الرقمي ،واالنفجار المعلوماتي.
اجلوبة -خريف 1437هـ (105 )2015
هيــثـم البــوســعيــدي كاتب من سلطنة عمان ()1 العصر اإللكتروني ب����م����ا ي����ح����وي����ه م��ن أدوات مثل اإلنترنت واألق���راص المدمجة والمواقع اإللكترونية، و ّل������دت ل����دي ن��ش��وة االس����ت����م����راري����ة ف��ي عشق الكتابة وال��ش��وق نحو تفريغ المشاعر والشحنات المكبوتة التي تختلج في أعماق النفس ،لتُترجم على صورة مقاالت وخواطر وقصص.
وفتح قنوات اتصال دائمة معهم ،إذ أصبح للمغيبين -وأنا منهم -دو ٌر وتأثي ٌر في مسرح الكتابة ،عبر مواقع اإلنترنت المنتشرة في الشبكة العنكبوتية. إذاً ،م��ا تميزت ب��ه الموجة الرقمية من مميزات وتقنيات ومواقع إلكترونية ساعدت في زرع الثقة في نفوسنا ككتّاب ،أضف إلى ذلك تنامي اإلحساس بوجودنا ،وأننا ذوو قيمة وهدف ورسالة خالدة إلى األبد. ()2
مؤثرات التكتولوجيا أنعشت نشوة الكتابة لديَّ ،وأذاقتني طعم الحرية والشعور بالزهو، وأسهمت في صقل مهاراتي الكتابية والتعبيرية، م��ن خ�لال االس��ت��ف��ادة م��ن خ��ب��رات وم��ق��درات وأسهمت في سرعة تبادل المعرفة ،وسهلت اآلخرين ،أصحاب الخبرة الطويلة في مجال الحصول على األفكار الالزمة لصناعة الكتابة الكتابة والنقد ،عندما أصبحت هناك قنوات بشتى أشكالها ،ما مهّد األم��ر نحو توزيع ما اتصال قوية ومباشرة مع هؤالء عبر اإلنترنت. خطته يداي من جمل ،وما فكّر به عقلي من لكن ،في المقابل ،فإن فضاءات اإلنترنت ق��ض��اي��ا ،عبر ق��ن��وات م��ت��ع��ددة وب��ي��ن مختلف مكَّنتنا ككتاب من االنفتاح أمام أع��داد كبيرة ش��رائ��ح ال��ق��راء؛ ب��ل أصبح ب��م��ق��دوري عرض من القراء والكتاب الذين يصعب إرضاؤهم أو إنتاجي المتواضع ف��ي العديد م��ن المواقع كسب ثقتهم؛ ما يصعِّب مهمة الكتابة .كما أن والمنتديات اإللكترونية. الكتابة في عهد اإلنترنت ستتطلب مستقبال واألكثر أهمية من ذل��ك ،تناول الكثير من -ف��ي خضم ال��ت��ط��ورات المتالحقة -تقديم ال��م��واض��ي��ع ف��ي ظ��ل غ��ي��اب م��ق��ص ال��رق��ي��ب نصوص وأعمال أدبية ،تلعب التقنية دوراً مهماً وال��ح��س��اب��ات وال��ق��ي��ود ال��ت��ي تفرضها دوائ��ر في إيصالها للجمهور؛ إذ سيطلب من الكاتب ال��رق��اب��ة والسلطة والمسئولين ع��ن الكتابة اإللمام بالكثير من برامج الحاسوب وتقنياته.. الورقية ،وبذلك تحققت األمنيات في طرح مثل برامج الفوتوشوب؛ وه��ذا بالطبع ليس الكثير من المواضيع ،وفي أمنية الوصول إلى سهال ،فليس المطلوب من الكاتب مستقبال قراء وكتاب ونقاد في مختلف البلدان والدول ،بالغة وفصاحة لغة ودقة الكلمات فقط.
106اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ال���ك���ت���اب���ة ع��ال��م منفتح على اتجاهات بال مديات ،تحدها ه�ل�ام ي��أخ��ذن��ي في دوام���ة ب�لا ق���رار .ال أت��ص��ور ال��ح��ي��اة بال ك��ت��اب��ة ..ألن ال��ف��أرة ال��س��وداء بنقرتها الخفيفة ت��ؤك��د حقيقة االتصال؛ إنها إعصار «تسونامي» ال تحتسبه التنبؤات .إنها مالصقة روح��ي في جلجلة تستفز ش��وك��ة تسقط على ح��ب��ات فاضت من سقف ذاكرتي ،ال أتمالك جذوري حين تزحف على نوافذ أصابعي. يتلبّد األف��ق بأساطير الجنيات لتنمو مثل صرخة مبللة تحت ثوب الضلوع .أشيع هيجان االضمحالل حتى تزدهر النشوة.. ن��ت��ق��اس��م م��ش��اه��د ت��س��ع��ى ل�لإط��اح��ة بكل األشكال الهندسية.. ال يمكن لها أن تخبئ المربعات ألنها تنشد مزامير تستنشق عتمة االرتواء.. أمطار تتشبث مشاعر مقلقة ،لتنهض مع رشقات الفجر ..ربما صخب يوقظ نبوءه!.. تتعب المخيّلة ،ويتحاشى ال��ص��دم��ة.. نتقاسم ع��ادات أدمنت ال��خ��راب ،لنستعيد صورة تفتح ذراعيها؛ لتأوي طين األرصفة، لتشيد طريق الحجر.. ح � ّم��ى عصافير تسعل ب���دون اع��ت��ذار، تكسر حاجز جرف ينخفض بضجر ،يتصارع بازدراء. يغمر نسيج ال��ه��دوء ،ليولّد محنة تفتح عينيها بخجل..
شاعر وصحفي وروائي ومترجم من العراق
ما هو أهم عندي ب���وص���ف���ي ك���ات���ب���ا، ص��ح��ف��ي��ا ،مترجما وش��اع��را ه���و :م��اذا أكتب؟ وكيف أكتب؟ ولمَن؟ كما أنني أجد من المهم بمكان لي أن أتأقلم مع المتغيّر ال أن أنكره؛ طالما أن خطابه سار في الواقع .في ضوء إيماني بما تقدم ،نعم ما أزال أحس بطعم الكتابة الشيق والشاق كما تذوقته أول مرة ،وأنا لم تكتمل عندي بعد أدوات الكتابة الناضجة .المهم ع��ن��دي -مهما تطورت وسائل االتصال والتواصل وتوسعت -هو أنني ما أزال ملتصقا بالجوهر؛ فالكتابة ع��ن��دي ت��م��ام��ا خ���ارج ال��ت��رف ،وت��م��ام��ا في قلب التجربة اإلنسانية ،مع إيمان مرافق ب��االخ��ت�لاف ع��ب��ر ن��س��ف ال��س��ي��اق��ات التي تحوّلت إلى نوع من الخرافة ،نتعامل معها من حيث أنها خرافة ال أكثر .وس��واء أكان تمظهر كتاباتي يتبدى على ورق أو شاشة، فإنها تمثل (أف��ع��ال��ي) ف��ي مسار التاريخ، بوصفها إضافات ال نسخ؛ ما يبعدني هذا المفهوم عن دائرة الذين يتعاملون مع التطور التكنولوجي على أنه عقبة وتحدٍّ في وجه األدي��ب والمثقف .وأعتقد أن من محاسن الموجة الرقمية الهائلة أننا صرنا نحيط علما بما يجري على الساحات الثقافية األدبية والفكرية في العالم ،ونقدم لها نتاج ساحتنا؛ وهذا في حد ذاته هو األهم ما دام األدب والفكر في جوهره إنساني ال فئوي.
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
القاص صالح جبار محمد العراق /بغداد
بشار عبداهلل -جريدة الزمان الدولية
اجلوبة -خريف 1437هـ (107 )2015
موسى حوامدة شاعر فلسطيني -األردن لست معنيا بذلك، ول��م أف��ك��ر بالسؤال ع��ل��ى ه���ذا ال��ش��ك��ل، ل��ك��ن��ي م��ن��ذ خلقت أس����ع����ى ل���ت���روي���ض الفاجعة ،كما حدث في غزة بعد أن كتبت هذه اإلجابة .نعم ،هذا ما أفعله ،ولو لم أفعل ذلك لكنت ميتا منذ زمن بعيد؛ إذ إن الكتابة حمتني من قتل نفسي بطريقة غير مباشرة، فلو لم أجد مهربا بها عما بي ،لدفعت نفسي إلى شالل الموت .وحين كنت صغيرا ،كنت أسعى لذلك ،أدفع بنفسي في كل مواجهة ومظاهرة مع جيش االحتالل اإلسرائيلي؛ وحينما اكتشفت قدرتي على إعادة صياغة الجملة والواقعة والحادثة ،صرت أخفف من اندفاعي للموت بقدمي ،وحتى اليوم أهرب للكتابة من كل ضغط عصبي ،أو هزيمة، أو فاجعة ،وق��د وج��دت في الشعر م�لاذا، ومطهّرا من شرور نفسي.
طا َر مني شرٌ قديم طا َر من رأسي وجعُ التاريخ وانتبذت روح ًا خفيّة ُ حَ مَ لتني إلى بيت لحم هناك جانبَ المَ ذْ وَد، َ لترتيب األسطورة ِ قمت ُ َلعب بشعر الفتى. وجدت الهوا َء ي ُ ُ
أدمر نفسي كي أعيد بناءها ،وهكذا اختلط التدمير بالتعمير ،والدمار بالعمار ،فلم أعد أم� ّي��ز بين ال��س��واد والظلمة ،أو بين النور والنهار ،أحتاج أن أذهب في التيه أكثر كي أجد علة وجودي. ال أخشى التطور التكونولوجي ،أو التغير المعرفي ،ال أخشى شيئا ..أتوقع أن تذوب الكرة األرضية كحبة اآليس كريم ،أو كبرجي التجارة الدوليين ،وأتوقع أن تطير الكرة األرضية إلى شرفة الفضاء البعيد ويختفي منها ال��ب��ش��ر ..كما ال أت��ف��اج��أ ل��و ص��ارت سرعة انتقال اإلنسان من رقعة جغرافية إلى ثانية بلمحة البصر ،ولم أستغرب قصة ملكة سبأ في القرآن الكريم ،فربما حدثت قصص أسرع منها ،وستحدث أغرب منها.. لن أضيع وقتي في الخوف من القادم ،ولم أفاجأ بسرعة التغير التكنولوجي ،والثورة التي اجتاحت العالم ،ولم أفقد إحساسي بما اكتب؛ لكني فقدت الوقت الطويل الستقبال ردات الفعل ،فقد وفرها لنا اإلنترنت وصار بمقدوري أن أرى تأثير ما أكتب على نفسي، بعد وصول النص للكثيرين .لم تعد مشاعري محايدة تجاه م��ا اك��ت��ب ..ص��ار إحساسي بالزمن أوض���ح وبالتغيير أس���رع؛ وك��ل ما يجري عملية تدميرية بيني وبين نفسي، تأتي لها أحيانا موجات كهرومغنيطيسة من قبل آخرين يشاركونني مهمة التدمير.
ذلك ما يفعله الشعر وما تفعله الكتابة، ولست طامعا لما هو أكثر من متعة التدمير هكذا ،أنهض من هزيمتي ،ألرى نفسي الذاتية والتطهير التي تمارسها القصيدة مجددا في واقع يحتاج للتغيير ،ألجأ للكتابة ،علي وفيَّ ،كما لو أنها جالدي وأنا ضحيتها.
108اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
الكتابة شيءٌ يحدث أثناء الكتابة! 1
«كنت أعرف أننى مقتول». مقاولة ه��دم وب��ن��اء ،نعم ..الكتابة هدم بهذه العبارة بدأتُ آخر العام 2005م أول وبناء. سطر في روايتي «ل��ذَّ ات سرِّية» .الكلمات الكتابة التي خبرتها في «لذَّ ات سرِّية» هي األرب����������ع ده���س���ت سوق صاخبة ٍ عزلة كاتب يسكن غرفة في رأس�������ي وع���ق���ل���ي، أربعاً وعشرين ساعة ..وحدة ووحشة روائي ك���ع���ج�ل�ات ق���ط���ار، يحاول دراس��ة عالقة بشر الجيزة القدماء وت��رك��ت��ن��ي مشتعل بالعالم ،بالسلطة والخوف ،والقهر والرعب الدماغ نحو عامين من الغد ،ومحاولة إنتاج رواية عن هذا كله. ون���ص���ف ال����ع����ام.. كتابة تحاول إخضاع الصخب والضجيج، أطاردها وأفصلها ،أشخصها ،وأمشهدها ،الكثرة والتناقض والصراع لمنطقها الفني حتى ظننت أنني أتيت على ظاهرها وباطنها؛ الخاص ،وألسئلتها الجمالية المتمحورة حول جسّ دت معانيها القريبة والبعيدة في آالف «الزمن الروائي» بشكل خاص. الكلمات القابعة في عشرات الملفات ومئات بالقرب م��ن ذات��ي وال��وج��ود ف��ي المكان الصفحات ومجلد واح��د .خريف 2007م، الواقعي ألحداث الرواية ،مع خرائط الشوارع ال س��اف��رت إل��ى أمريكا لثالثة أشهر حام ً واألزق��ة ومنحنيات ذاكرتي المكتظة بناس كل ه��ذا ،كتبت هناك ع��دة فصول أخ��رى، الجيزة وحياتي معهم وبينهم ،بتأمل عالم استبعدتها كلها عندما عدت إلى الجيزة، التعدد والكثرة هذا ،والحركة المستمرة من نهاية الشتاء. داخل الذات إلى العالم الخارجي من حولي ف��ي رب��ي��ع 2008م ،اعتكفت بحجرتي والعكس؛ بكل ه��ذا ،أض��اءت روي���دًا روي �دًا أمام الكمبيوتر األشهر الستة األخيرة من المساحات المظلمة في الواقع الموضوعي عمر كتابة الرواية ،معتزال العالم في سجن الخارجي ،وفي واقع الرواية الخيالي الفني، اختياري؛ لمواصلة الشغل على المخطوط بشح وب��طء وهبني الواقع من حولي بعض الضخم ال��ذي كتبته ب���دأب ،وصبر عجوز أس����راره ول���ذَّ ات���ه ،بعض ح��ي��وات��ه المخفية عنيد ،ينحت حجر جرانيت ،محاوالً إخضاع والمستورة تحت قشرة سيالنه الدائم ،تحت المادة ،الغفل ،لشكل فني ،ال يوجد سواه ازدحامه وصخبه وصفقاته السرّية والعلنية،
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
حمدي الجزار
في رأسه .ستة أشهر من عزلة الناسك في قاليته ،وعمل مجرم محكوم عليه باألشغال الشاقة ،عقابه وعذابه تكسير جبل وإقامة آخر!
اجلوبة -خريف 1437هـ (109 )2015
وب��ح��دة وإص����رار وص��ب��ر ال��ع��ج��وز استطاع الصدق والكذب ،الجميل والدميم ،وما يكفى أزميل النحات أن يفرض الشكل الفني على من المتعة واألل��م والتجارب والخبرات.. المضمون ،وأن يحل سؤال الزمن ،قوام البناء وخارجها يصير العالم محض عدم! الروائي وأسمنت عمارة الرواية ،وخضعت بعد أن أستيقظ ،أغتسل تحت تيار ماء «اللغة» للثوب الذي أردته. غ��زي��ر ،وأواص���ل العمل والتدخين .ببرود
الكتابة كتأمل قوامه المزج بين الخيالي والواقعي ،ومظهره ووسيلته الوحيدة اللغة، تستلزم القلب الميت والعقل اليقظ ،اليد القوية التي ال ترتعش ،وانطالق الالوعي في ذات الوقت ،وال تحيا بغير قسوة الكاتب على كلماته وعمله ،وبتر ما يجب بتره بال رحمة. هذا ما حاولته جالسً ا في حجرة صغيرة بصمت مطبق وأكواب متتابعة من شاي قليل السكر ،ودخان سجائر ال ينقطع .لو حدث حريق في البيت ،واشتعلت أبوابه ونوافذه وسقط ف��وق رأس��ي السقف ما سمعت وال دري���ت! أعمل باستغراق كامل ف��ي عالمي الخيالي ،االفتراضي؛ أشتغل ببطء وهدوء وت��رك��ي��ز وع��ي��ون م��ف��ت��وح��ة .وح��ي��ن ال يعود باستطاعتي فتح عينيّ لرؤية الكلمات على شاشة الكمبيوتر ،وتتيبس أصابعي فوق «الكي بورد» ،تسقط رأسي فوق حافة المكتب وأغفو ،وفى نومي تأتيني شخصياتي .أرى مشاهد وأح���دا ًث���ا ،وأك��ت��ب ف��ق��رات طويلة أنساها عندما أصحو ،وال تفلح محاوالتي لمطاردتها وتذكرها.
قاتل أح��ذف مئات الصفحات التي كتبتها خالل أشهر طويلة .بدأت الحذف بالعبارة التي منحتني كل الرواية« :كنت أعرف أنني مقتول» .محوتها غير آسف عليها ،فالعبارة التي بدأت منها لم يعد لها ضرورة فنية؛ ألنها تحيا في كل العمل على مستوى أرقى كثيرًا من مجرد الوجود ،كجملة في كتاب ،تحيا مختفية وظاهرة ،دانية وبعيدة ،تعيش وتوجد في جسد الرواية كلها ،كحياة األكسجين في مكونات الهواء والماء. التيمة الفنية التي حاولت مقاربتها في «ل���ذَّ ات س�رِّي��ة» هي تيمة ال��خ��وف ،الجزع، الرعب من القتلة وسفاكي الدماء القادرين، والذعر من المجهول اآلتي ،الخوف من القتل وال��م��وت ال���ذي يجسده أح��د الشخصيات الرئيسة في الرواية وراويها.
ببساطة وتبسيط ،الحكاية عن ربيع الحاج مذيع نشرة األخبار باإلذاعة الذي ال يطيق زوجته المتزمتة .يقع في غرام امرأة نادرة الجمال والشخصية ،اسمها نشوى .ربيع يكتشف أنها ام��رأة ضابط غائب ومهيمن الكتابة عالم مستمر يستولى عليّ في ب��ح��ض��وره على ك��ل ش���يء ،وال��رواي��ة أربعة اليقظة والمنام ،أحيا فيها ومعها الحقيقي أقسام ،واحد وثالثون فصالً ،تتقصى تاريخ والوهمي ،أصادف الدر واأللماس والصفيح ،ال��رع��ب وال��خ��وف المصري المتأصل من
110اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ك��ش��أن ال��رواي��ات ال��ت��ي أحبها واستمتع بقراءتها مرات عديدة ،مكتشفًا جديدًا كنت قد حُ رِ مت منه في قراءتي األولى .حاولت أن أجعل من روايتي امرأة عميقة الغور ،نبيلة، ال تمنح نفسها بكليتها لمغازل متعجل أو عابر فوق الكلمات وإن لم يعدم منها طرف نظرة؛ فالقارئ يستحق أن يحترم ويثمن بوصفه اآلخر الذي يهب النص الحياة ،وهو شريك الكاتب الذي يعيد تركيب العمل الفني وتأويله ،وبدونه يصير العمل عدما ،جثة!
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
السلطة ،كل السلطات بمظاهرها وصورها ورموزها ،تجسد وتفصل وتمشهد التاريخ الشخصي لمعظم أب��ن��اء جيلي المنتمين ل��ش��رائ��ح مختلفة م��ن الطبقة المتوسطة اآلفلة .الجيل الذي ولد في ظالل النكسة والهزيمة وبعدها .األطفال الذين ارتدوا على صدورهم فانالت مطبوع عليها وجه «بطل ال��ح��رب وال��س�لام» يحيطه غصنا زي��ت��ون، وقضوا صباهم ومراهقتهم وشبابهم في ظل السلطة الخالدة المخلدة التي امتطت الحكم عقب مصرع السادات.
الجيزة كلها ،بميدانها وساحاتها ،بشوارعها ومعمارها وأزقتها وناسها ،النيل ونفق الهرم وكوبرى عباس .عالم يحتاج إلى تأمل وتبصر وإمعان نظر لكشف جوهره وإع��ادة بنائه. هذا ما حاولت أن أفعله طيلة سنوات حياتي في الجيزة ،وما حاولت تجسيده في كتابتي.
أن��ا ول��دت بعد يومين من جنازة جمال عبدالناصر 28سبتمبر 1970م .احتفظ أبى بكل الجرائد التي صدرت أيام الجنازة وال��ح��داد ،ووضعها في ي��دي عندما بدأت أستطيع القراءة وقال «لتعرف في أي ظلمة جئت ،وم��اذا جاءنا مع خروجك للحياة.. 2 لتعرف أنك وجه شؤم!» والشؤم كله موجود كيف ت��ب��دأ رواي���ة م��ا ف��ي العبث بدماغ في «لذَّ ات سرِّية» بكثافة وتقطير وفى صور صاحبها؟ عديدة. الروائيون ليسوا بشعراء ليحدثوا قراءهم عن اإللهام ووادي عبقر وجنيّهم المبدع! هذا الوهم في نظرية الشعر ال يناسب الروائي وطموحه لكتابة رواية تدَّ عي امتالك بعض الحقيقة.
أردت أن تكون «لذَّ ات سرِّية» عمل مركب بمصطلحات الفن التشكيلي ،جدارية متعددة الشخصيات وغزيرة التفاصيل ،عالم مرئي باألساس يخاطب البصر أوالً ،والبصيرة بعد ذلك ،فيلم سينمائي فيه شخصيات كثيرة، فيه ال��ح��دث وال��س��رد وال��دي��ك��ور ،الواقعي أيوجد مثير ،حافز ،خطوة أولى يبدأ منها والخيالي والموسيقى التصويرية المصاحبة ،الطريق الطويل؟ �ض��ا -حاسة الشمّ! عمل فيلم ال يهمل -أي� ً ف��ي ح��ال��ت��ي ،وه���ذا ك��ل م��ا أستطيع أن شبه ملحمي ومحدد المكان ،فيه منطقة أدع��ي��ه ع��ن ه��ذه العملية ش��دي��دة التعقيد،
اجلوبة -خريف 1437هـ (111 )2015
أبدأ من جملة عابرة ،ولع بمكان ،شخصية شبه واقعية ،صورة بصرية تتقافز أمامي، أو مشهد صغير ،أو من هناك ،من داخل الذاكرة التي تباغتني بتذكر ما مضى من الَ ،من العجوز ضئيل الجسد، حياتي .مث ً حائط ٍ الجالس على دك��ة ،يركن ظهره إلى متداع ،يخيط كفنًا أبيض بإبرة طويلة ،قفزت ٍ رواية «سحر أسود» إلى رأسي .ظلت تراودني وأراودها عن نفسها ثالث سنوات متواصلة، كل ليلة أجلس إليها ،أحاول أن أعرف قصتها وحكايتي أنا معها ،أصارع الصور والكلمات، أروّض اللغة وأصارعها حتى تحقق الصورة الذهنية ال��ت��ي ال ي��ع��رف عنها أح��د شيئًا س���واي .وبين األل��م الناجم م��ن استعصاء المادة «اللغة» الكلمات والمتعة الناشئة من اإلمساك ب��روح شخصية ،وترويض اللفظ لينطق بالمعنى الذي أريده ،قضيت شهوري الطويلة في كتابة وإعادة كتابة «سحر أسود» حتى وصلت للخالص :ثالثون ألف كلمة فيها تجسّ دت قصة المصور التليفزيوني «ناصر عطا اهلل» ،ال��ذي يقع في غ��رام فاتن التي تكبره بنحو عشرين عامًا ،وفيها الولع بالعالم الداخلي للشخصية الرئيسة التي كنت أخاف أن تقترب مني أكثر مما يجب. روايتي األولى «سحر أس��ود» ،أفلتت من مصير مخطوطي روايتين قبلها ،واحدة عن بنات شارعنا ،وأخرى عن سنوات دراستي للفلسفة بجامعة ال��ق��اه��رة ،التهمت النار هذين المخطوطين؛ ألنني لم أرد أن أخجل من كتابتهما أمام نفسي واآلخرين. 112اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
«سحر أسود» ..منحتني بعد كفاح طويل مرير الثقة في فني الروائي ،وتحقيق أمنية قديمة الزمتني منذ كنت في الثانية عشرة من عمري ،أن أصبح كاتبًا من طراز الكتاب الذين أحبهم .أن أنتج يومًا ما عمال ينتمي إل��ى دائ��رة األعمال التي سلبت لبي صبيًا ومراهقًا وش��ا ًب��ا .أقصد أعمال كزنزاكس وهيرمان هسه ،واألمريكي الملعون هنرى ميللر. 3 «ل��س��تُ مثل مثقفي ال��ي��وم ،أت��ح��دث عن ال��س��ي��اس��ة وال��ف��اق��ة واألزم����ة االق��ت��ص��ادي��ة والفساد ،والديكتاتورية والعولمة والقطب ال���واح���د ،واإلره�������اب ،وإح���س���اس ال��ن��اس بالهزيمة والفشل واإلحباط ،ونجوم شبابيك السينما ال���ج���دد ،وال���ه���وس ب��االس��ت��ه�لاك والسعادة والفردية؛ وال أنا أتكلم عن األشياء الصغيرة ،والتفاصيل الحميمة ،والجسد والجنس ،وموت القضايا الكبرى ،وسقوط األيديولوجيات ،وحياد النصوص ،والكتابة الباردة .األجدى لي أن أتحدث عن الحرب والقتل والعنف وال��م��وت ،ألنني ال أتحدث س��وى ع��ن ال��ع��ش��ق .العشق فحسب .م��اذا يسمي الناس هذا الشخص الذي يصر على التشبث بالخطأ مقابل كل اآلخرين ،مقابل العالم كله ،وك��أن أمامه األبدية ليخطىء؟ يسمونه مغفالً ،ساذجاً ،أهطل .أنا اسميه باسمي ،فمن امرأة ألخرى ،من وجه آلخر، أكف عن العشق ،وال أكف من ناس آلخرين ال ّ
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
عن السقوط ،السقوط المريع من ال��دور لدرجة ال تحتمل .إنه األلم الصرف المزمن الثالثين على اإلسفلت العاري ،أسقط دون الثابت ال��ذي يغزو معدتي ،ويجعل حلقي أن يقاسمني أحد ،دون أن يراني أحد .دون ج��اف�اً وم���راً؛ ال طعم للسيجارة ،وال طعم أن يعرف أحد. ال وعجزاً للطعام والفاكهة التي أدحرجها مل ً أنا في حالتي هذه أشبه الشاطح األكبر ،فوق طاولة الكتابة والوجبات. ال شخص غير مقبول ،مرفوض الحالج مث ً ربما ألنها ش��يء يحدث بفاعلية الجر، من ناسه وأهله ومجتمعه .أن��ا ال أعترض على شيء ،وال أتحاور مع أجهزة السلطة ،بينما ما أح��اول أن أصفه هو تجلط الدم وكهنة الفكر وأهل األدب والعلم واإلدارة ..وانسياله وفورانه وهديره .دم ينزف من رقبة لستُ بالضرورة حيواناً آبقاً أو طائراً شارداً مطعونة بمطواة (سكين) ذات نصل بالغ من السرب ،انحرافي هو أنني ال أ ُث��ار ،ال الحدة والصالبة والرهافة .البعد بين الحبر أ ُس��ت��ف��ز ...إن��ن��ي معلق ،ف��ق��ط ،ب��ع��ي��داً عن والدم هو البعد بين ما يحدث ،وما أحاول األشياء والعالقات اإلنسانية بقرار تفاهة أن أكتبه .همتي ورغبتي فيها شبه معدومة، ضمني ،ال أنتمي ألي قائمة ،وال ألي مأوى».. ميتة .وكل ما أحاول أن أكتبه سيظل دائماً ه��ذا ص��وت ناصر عطا اهلل الشخصية شيئاً فجاً تافهاً وسطحياً ،ال غ��ور له وال الرئيسة ف��ي «س��ح��ر أس���ود» وه���ذه رؤيته امتداد وال قاع ،تماماً مثل هذه القاذورات وحالته. الملقاة في سلة الزبالة في ركن غرفتى». إلى أي حد ألتزم أنا نفسي ،ككاتب ،بهذا وم���ع ك��ل ه����ذا ،وب��ال��رغ��م م��ن ك��ل ذل��ك المانفستو؟ أع��رف أنني على العكس من ذل��ك كله؛ فالكتابة هي الفرار الوحيد الممكن ،هي منغمس ف��ي ك��ل م��ا نفاه ناصر عطا اهلل .ال��ت��ي ت��ه��ب األم���ل ف��ي ذروة ال��ي��أس .عند وأحاول أن أكتب هذا كله ،ولكن كيف تكتب تمام اليأس يوجد ضوء ضعيف يتسلل إلى أيضا ،وتبدأ اليد في هذا؟ السؤال يعني أن يكون الفن وحده هو المكان ..فيتغيرالزمان ً الوسيلة والغاية والحكم. ضرب (الكيبورد) بسرعة ،تحاول مالحقة 4
ما يجرى هناك في منطقة الظلمة ،ظلمة
«الكتابة مؤلمة .الكتابة مرّة في حلقي ،الدماغ والنفس وما نسميه ال��روح ،الكتابة أم ّر من أدوية تليّف الكبد التي كنت أذوقها تخلق ..لكن ليس من ع��دم ،وتهب ن��ورًا ما ٍ وأضعها في فم أبي .الكتابة عمل شاق مضن للكاتب نفسه ،وبالضرورة للقراء.
اجلوبة -خريف 1437هـ (113 )2015
كريم رضي يسمح بهذا الترف البطيء .مطلوب منك شاعر من البحرين أن تتخذ قرارا سريعا بإرسال المادة للنشر، وحالما تفعل ..تكون قد اتخذت ق��رارا قد ف�����ي ال��ح��ق��ي��ق��ة تندم عليه ..لكن لن تستطيع إلغاء نفاذه. ث���ار ال���س���ؤال نفسه لكني سعيد جدا بتعرفي على هذه التقنيات. تقريبا غداة اكتشاف لدي أصدقاء جميلون ،آسف لعدم قدرتهم المطبعة ..حين شعر على استخدام اإليميل أو الكتابة في المواقع. ي��وم��ه��ا ال��خ��ط��اط��ون يذكروني بمن ظلوا يستخدمون الدراجات وال��ك��ت��اب أن سرعة ال���ط���ب���اع���ة م���دع���اة ال��ه��وائ��ي��ة ب��رغ��م زح��ف ال��س��ي��ارات .أحيانا لضعف الموهبة ،وفقدان الكتابة عمقها .أع��رض عليهم ص��ف مطبوعاتهم وإرس��ال وهو سؤال طالما شغل البشرية؛ كيف يجمع موادهم باإليميل .لكني إجماال أشعر أن لذة اإلن��س��ان بين ال��ج��ودة والسرعة في الوقت الكتابة اآلن تفوق ماضيها كثيرا. نفسه؟ وأس����ارع إل��ى ال��ق��ول إن ه��ذا ليس أذك��ر أنني خ�لال فترة استخدام القلم س��ؤال اإلب��داع والشعر وح��ده ،بل كل شيء ت��خ��ش��ن��ت م��ن��ط��ق��ة ال��م��ق��دم��ة ف���ي إصبعي تقريبا .شخصيا ،ومنذ تعوّدت على استخدام ال��وس��ط��ى بسبب ضغط ال��ق��ل��م؛ ألن��ي كنت الكومبيوتر بما يكفي لكتابة مقالة أو قصيدة، لم أعد راغبا في استخدام القلم إطالقا ،كثير الكتابة .ما زلت أتحسس هذه المنطقة وحتى مسودات القصائد والمقاالت أكتبها وأجدها أخشن نسبيا من باقي األصابع .هذا مباشرة على الحاسوب ،وال أفعل كما يفعل وسامي الذي أعتز به ،كما يعتز الجندي بأثر بعضهم بكتابة مسودة بالقلم قبل االنتقال طلقة في ذراعه أو ساقه .كما يعتز الفالح إلى الكيبورد .أعتقد أن سرعة انتقال المادة بأثر رفش في قدمه ،والميكانيكي بأثر مفك، والبناء بأثر ساق المطرقة في راحة يده .لكن بكبسة فأرة محفّز أكبر للكتابة. هذا االعتزاز ال يجعلني أحمل نوستالجيا الموجة الرقمية شيء جميل حقا .بالطبع س��ؤال الجودة يكون هنا أخطر .فبضغطة العودة إلى القلم .بالعكس أشعر أني تأخرت صغيرة تكون قد وضعت نتاجك أمام أعين كثيرا في التعرف على هذا العالم العجيب. اآلخ��ري��ن ،س���واء على اإلي��م��ي��ل أو الموقع أحسد كثيرا شعراء أكبر مني سنا ..لكنهم اإللكتروني .التراجع صعب .لو كنت ستنشر سبقوني للتكنولوجيا قبل أن أتعرف عليها أنا آنئذ. ورقيا كتابا أو م��ادة للصحافة ..لربما كان الذي اعتبرت نفسي بالنسبة لهم شابا ٍ هناك مجال أكبر للتراجع ،وذلك متاح حتى اللذة إذاً موجودة .فقط أحافظ أال تتلفها تسقط المادة في صندوق البريد ،أو حتى السرعة .تماما كشبق نهم يريد أن يشبع تدور آلة الطباعة في المطبعة ،تظل قادرا عطش جسده ..لكن يريد أيضا أن يبطيء على مراجعة نفسك ونصك قبل أن يقرأه ارت��واءه لتشرب ال��روح أيضا ...فللروح حق اآلخ���رون .لم يعد وق��ت العالم اإللكتروني معلوم من جسدها.
114اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
القاصة السورية :وزنة حامد
ه��ذا الضمير إل��ى فيافي العالم بوسائل
مما الشك فيه أن
التطور الجاري اليوم ف���ي ال��ع��ال��م أج��م � َع
وعلى صعيد التقنية وال���م���ع���ل���وم���ات���ي���ة-
الخاصة منها شبكة
صحيحة وحضارية في ذات الوقت لتأخذ المواقع الجادة على عاتقها وبرغبة جامحة منها ،أن تقوم بهذه الفاعلية ..ومن خالل ما تنشره على صفحاتها من م��واد ثقافية وإبداعية ،وجدنا من خالل هذه المواقع أن
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
الش ِي ِق والشاق تابة َ الك ِ طعْ ُم ِ
قبل الضمير اإلنساني ،كما أوصلت اإلنترنت
الفكر والثقافة الحقيقين تريدان الخروج من
اإلن��ت��رن��ت -ه��ي بالنسبة للجميع وخاصة حالتهما الراكدة هذه .يقول جل جالله( :ألم الكتاب والقراء سالح ذو حدين: ال كلمة طيب ًة كشجرة ترى كيف ضرب اهلل مث ً األول ي��م��ك��ن اس��ت��خ��دام ه���ذه التقنية طيبة ،أصلها ثابت وفرعها في السَّ ماء .تؤتي
ألغ��راض سيئة أنانية انتقامية ،وبالتالي أكلها كل حين بإذن ربها)[ .إبراهيم]25-24: ينعكس على الزائر سلبا ،وهنا يقوم باإلسهام ومن هنا فإن هذه المواقع قد فتحت المجال
في العملية التدميرية والتهديم الموجهة أم��ام ال��رأي وال��رأي اآلخ��ر على مصراعيه، للثقافة الحقيقية ..ربما على مساحتها فمن الممكن جدا أن يستقطب كل الطاقات
الواسعة.
الخالقة والحيوية الموجودة على الخريطة
بينما الجانب اإليجابي والمفيد منه ،الثقافية المبعثرة .وهنا نود من القائمين هو استخدامه في خدمة الفكر والثقافة عليه التواصل والتفاعل مع كل المبدعين
اإلنسانية .لذلك ،فنحن الكتاب والزائر معاً والكتاب والمثقفين؛ ألننا اليوم بحاجة إلى علينا أن نعي وندرك الجانب اإليجابي منها آرائهم أكثر من أي وقت مضى .ومن هنا، بدقة وبانتباه شديدين .ألن هذه التقنية -أي نشكر كل القائمين على المواقع اإلنترنتية اإلنترنت -كسرت بالنسبة لنا نحن الكتاب ع��ل��ى تعبهم ف��ي إح��ي��اء ال��ت��راث والثقافة الكثير من الحواجز والقيود السائدة اليوم واألدب والفكر ،وإيصاله إلى اآلخر -سواء على مجتمعاتنا الشرقية ،التي م��ا ت��زال مفروضة علينا نحن الكتاب ومنذ وقت بعيد .أكان ثقافيا أم سياسياً أم اجتماعياً -بقوة، وعلى الرغم من وسائلهم القوية ..إال أن ورغما عن الحواجز .لكن المأخذ على هذه اإلنترنت بقوة وسواعد التقنيين واإلعالميين المواقع ،قد يصبح جداراً يعلق عليه ما هبَّ ودب ..وهذا ما ال يريده أحد مطلقا. َّ الشرفاء أوصلت الكلمة إلى اآلخر المعني من
اجلوبة -خريف 1437هـ (115 )2015
الكتابة التكنولوجية محمد اشويكة قاص وناقد سينمائي (المغرب) ()1 جاء التغير ..يلزم ال��ت��غ��ي��ر ..اإلن��س��ان ف���ي م��واج��ه��ة ذات���ه وال���م���س���ت���ج���دات.. يعني الوعي. بهذه المقدمة الموجزة أستطيع أن أجد لنفسي مدخال مالئما ،لإلسهام في مناقشة مسألة الكتابة في زمن التكنولوجيا .من بين المفاهيم المهمة التي نحتتها الفلسفة مفهوم اإلنسان التكنولوجي «،»Homo Technologicus وهو رصد للقدرة الكامنة في اإلنسان على الخلق التكنولوجي ورصده ومتابعته إلى درجة لم يعد يستطيع معها االنفكاك عن مباهجها ونكدها أيضا ..ولعله في ذلك ينفتح عن ذاته وعن الطبيعة ،من خالل عالقة دياليكتيكية بينهما؛ ألن الجسد اإلنساني كما الطبيعة
()2 غيرت الكتابة اإللكترونية الكثير من المفاهيم المتداولة حول الكتابة والقراءة والتلقي وال��ن��ش��ر ..فأصبح ال��ح��دي��ث عن اإلبداع االفتراضي أو الرقمي أو التفاعلي.. وش���اع ال��ن��ق��اش ح��ول ال��ق��راءة اإللكترونية وال��ق��ارئ الرقمي وال��م��ح��اض��رة المرئية.. وت��غ��ي��رت الكتابة شكال ومضمونا جعلنا بالفعل نلج زمن الكتابة التكنولوجية بمعناها األكثر اتساعا: على مستوى التأليف والنشر: أسهمت المواقع والمدونات اإللكترونية في تغيير أنماط الكتابة وانتشارها بين الناس؛ م��ا زاد م��ن ره��ان��ات الكاتب ال��ي��وم ،ال��ذي أصبح من الواجب عليه أن يتسلح بالمعرفة التكنولوجية الحديثة لتجاوز كبوات الجمود ال��م��ع��رف��ي ..ف��ال��ع��ال��م ال��ي��وم ف��ض��اء ممكن للتواصل فكريا وأدب��ي��ا ..و َم��ن يوجد على م��ح��رك��ات ال��ب��ح��ث ..ي��ع��رف بثقافته أكثر، خصوصا وأن الثقافات المحلية تحاصر بفعل سيطرة الدول الكبرى ،وعدم اهتمام مؤسساتها وأف��راده��ا باالنتشار الثقافي اإللكتروني.
على مستوى ال��ق��راءة والتلقي: التي ينتمي إليها أيضا ،يزخر بالكثير من التقنيات ال��ظ��اه��رة والكامنة التي حولها أسهمت أج��ه��زة الحاسوب واإلن��ت��رن��ت في ظهور عادات وطرق تلقّي مختلفة ،إذ أصبح اإلنسان إلى تكنولوجيا. ال��ق��ارئ اليوم يحل مشاكل النص مباشرة أسوق هذا الحديث ألقول بأن التكنولوجيا عبر اإلنترنت ،ب��دءاً بالمشاكل المعجمية ووص��والً إلى إمكانات البحث عن األصول ظاهرة إنسانية خالصة.
116اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
التأطير التربوي أو الديداكتيتي.
()4
لقد زاد من أهمية انتشار ثقافة اإلنترنت اكتفاؤها بذاتها ،فالمتلقي يمكن أن يحل مشاكله ع��ن ط��ري��ق ال��ب��ح��ث اإلل��ك��ت��رون��ي، واللجوء إلى طرق التحميل السهلة ،وطرح األسئلة من خ�لال المنتديات اإللكترونية الخالصة ..واأله��م من ذل��ك ،سهولة ولوج البرمجيات الجديدة وت��واف��ر الكثير منها إن مفهوم النص قد تغيّر بشكل جذريّ ، مجانا. وأصبح مفتوحا على المزيد من المفاجآت إن الخطير في الثقافة اإللكترونية اليوم ،التي قد ال يستسيغها بعض الزاهدين في التعامل معها واستهالكها كتسلية بعيدا عن الورق ..الذين نقول لهم :رأفة بنقار الخشب. ()3
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
والمرجعيات وإمكانات التناص.
م��ت��ع��ددة ال��وس��ائ��ط ،ق��د نطلق عليه نصا وسائطيا Texte hypermédiaغالبا ما قد تكون صورا ثابتة أو متحركة أو سمعية بصرية.. ألن الميلتيميديا مجموع تقنيات تواصلية تتيح للمستخدم استعمال عدة أنماط من المعلومات الرقمية ..سواء كانت نصية أم مسموعة أم مرئية.
إن التفكير في تأثير التكنولوجيا اليوم على الكتابة أم��ر بالغ التعقيد ،وال يمكن تناوله من زاوية تقنوية محضة؛ ألن الكثيرين من المهتمين بالمجال يتحدثون عن الوسائل التقنية التي تتداخل والكتابة (ش��اش��ات، حواسيب ،مستهلكات رق��م��ي��ة ،)...وكأنهم مُسَ وِّقِ ي َن لها أو وك�لاء تجاريين ،فالكثير منهم لم يستطع القفز إلى عمق األسئلة بل ظل يستعرض المزايا والسلبيات ،وكأنه يقرأ المطوية ( )Prospectusالمرافقة للمنتوجات التقنية حرفيا..
أسهمت تكنولوجيا المعلوميات اليوم في تغيير اللغة ذاتها ،فاللغة لم تعد جامدة وتقعيدية ،ب��ل ت��م اختراقها على مستوى رَسْ مِ هَا ،أوال؛ ودخلت إليها األرق��ام ،ثانيا؛ وك��ث��ف��ت ت��ق��ن��ي��ات ال��ت��ح��ري��ك وال��ت��ل��وي��ن من حموالتها الداللية ،ثالثا ..إذ أصبحت جل اللغات تقريبا مستباحة لالستعمال وفق أهواء مستعمليها واجتهادات كتابها ..وهذا أم��ر يثير أكثر م��ن س���ؤال :م��ا معنى اللغة ال��ي��وم؟ هل هي حقيقة األش��ي��اء فعال؟ هل يعني اختراق قواعدها اإلمالئية يحيل إلى م��ن المتفق عليه اآلن ،أن لكل تقنية نسبية القواعد أيضا؟ إيجابيات وسلبيات ،ولكن السؤال اليوم ما لم نعد نتحدث عن النص ككتلة متراصة دام يطرحه كاتب أو باحث يجب أن يقفز من الحروف والكلمات والجمل والفقرات إل��ى متغيرات الكتابة ،وإل��ى م��آزق الكتابة الحاملة للمعنى ،بل أصبح النص ترابطيا وال��ت��ق��ن��ي��ة ،وت��ح��ل��ي��ل ال��م��واق��ف المتنافرة Texte hypertextuelوحامال ألشياء أخرى تجاهها ..فالكثير من المنشغلين بسؤال
اجلوبة -خريف 1437هـ (117 )2015
الكتابة في العالم العربي يعدون اإلنترنت مجرد وسيلة للعولمة ..نعم ،إن األمر كذلك. ل��ك��ن م��ا ال��ع��م��ل؟ ه��ل ي��ج��ب أن ن��س��د على
أنفسنا متعللين بالرفض؟ أظن أن المسألة
والشاق ّ طعم الكتابة الشيّ ق عبد الغني فوزي -شاعر /المغرب ال ي���م���ك���ن أن
أخطر من ذلك .العالم اليوم تشوبه فوضى ننكر ونتنكر اليوم، منظمة وراءه���ا أدمغة وأم���وال وخطاطات ل������دور اإلن���ت���رن���ت لوجيستيكية جبارة ،فالعالم اليوم يحكمه كحلقة من حلقات التقنيون بامتياز ،لذلك ال بد من ممارسة التطور التكنولوجي ن���وع م��ن ال��م��ق��اوم��ة ال��ت��ي ت��م��ارس��ه��ا ثقافة والعلمي ،ال��ه��ادف
العولمة بوصفها ثقافة ذات بعد واحد ،تتميز إل��ى تكسير ال��ح��دود الجمركية ضمن بالشمولية وتحاول تدجين الناس وتسليعهم ،اق��ت��ص��اد ال��س��وق وال��ت��ب��ادل ال��ح��ر .وفي عن طريقة تقنيات التواصل الحديثة ووسائل المقابل ،أصبح الحديث في هذا الخضم االتصال الجماهيرية ونشر ثقافة التسلية .عن رأس المال المعرفي اآلتي من مجموع
إن ول��وج ع��وام اإلنترنت اليوم مقاومة من الخبرات واألنماط للهويات الثقافية؛ وقد يتم الرقي بها لمجتمع المعرفة الذي ال داخل المنظومة ال من خارجها .فالمثقف يتوقف عند ال��ت��داول التقليدي للثقافة َم��ن يعرف كيف يمتلك األس��ل��وب والتقنية والمعرفة ..بل إنتاجها وتسويقها بالمعنى لتمرير خطابه ،فمَن له وسيلة واح��دة في الرمزي. ظل ثقافة العولمة ،مصيره الموت البطيء. ف��ي ه���ذا ال��س��ي��اق ،وض��م��ن المجال ()5 األدب����ي ،ظ��ه��رت م��واق��ع ثقافية ضمن لذلك ،عندما أمارس الكتابة في ظل هذه الشبكة اإللكترونية ،تمتص اإلبداعات المتغيرات ،أ ُع � ُّد األم��ر أكثر تحديا وأكثر على اختالف أشكالها؛ من شعر وقصة مغامرة :كيف أستطيع تحويل م��ا اعتاده ورواي���ة ..وه��و ما أسهم حقا في توفير الناس تسلية ووسيلة إلى ُممْكِ ٍن إبداعي؟ مساحة حرة دون رقيب ولو أدبيا أحيانا. هل أستطيع أن أصمد أمام أهوال اإلنترنت فأصبح األدب منسابا كبحيرة في جزيرة
الجارفة ،أم أنني أقاوم ضد المجهول؟
م���ا ،ض��م��ن واق���ع ي��ح��اص��ر المساحات
تلكم بعض من أسئلة الكتابة التكنولوجية ..الثقافية وي��ط��ارده��ا ن��ظ��را لألعطاب وه��ي بدورها تتوفر على كل توابل المتعة الكثيرة المعروفة.
والمغامرة.
118اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
فالشبكة ه���ذه ،ال تكتفي بالعرض
ف��ي ه��ذا ال��س��ي��اق ،بالنسبة ل��ي ،قد استفدت من هذه النافذة على مستويين: ع��ل��ى امل��س��ت��وى ال��ث��ق��ايف ال��ع��ام: االضطالع على تجارب إبداعية متعددة ال��م��رج��ع��ي��ات وال�����رؤى؛ وب��ال��ت��ال��ي يغدو التفاعل طريا وآنيا ،ينعكس بشكل من األشكال على مناحي التجربة اإلبداعية ال��خ��اص��ة .ل��ك��ن ذل���ك ال ينفي العالقة بالواقع العربي في تمفصالته وتجلياته المختلفة.
ن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واف � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ذ
فقط ،بل خلق نوع من الحوار المباشر معه المالمح تماما .وعليه ،أع ُّد اإلنترنت حول اإلبداعات ،وهو ما أدى إلى تفاعل مجرد وسيلة لإليصال والتواصل ،وليس مباشر ،دفع الكثير من النوافذ اإليصالية غاية لنقيم فيه كغثاء. إلى تطوير تأثيثها الداخلي قصد سهولة وفي نفس اآلن ،أقول إن هذه الموجة االس��ت��خ��دام وإث���ارة المشاهد جماليا. وبالتالي ،فالصفحة على اإلنترنت تتصف الرقمية ،ال تضيف لجوهر الكتابة شيئا، ليس فقط بعرض وطول ،بل برحابة وعمق الكتابة كطريقة في االشتغال والرؤيا الداخل .فبدأ هذا الواقع اإللكتروني ينتج ل��ل��ذات وال��ع��ال��م .وبالتالي فاإلحساس آلياته التواصلية وخصوصية تلقيه. بطعم الكتابة ينبع من الداخل. الكاتب السعودي
فهد العتيق
ف����ي ظ����ل ث����ورة الميديا
الحديثة،
أص��ب��ح��ت ال��ق��راءة أك�������ث�������ر ج����م����اال وس���ه���ول���ة ،بسبب سهولة الوصول إل��ى النصوص العربية والعالمية ،القليلة المبدعة والرفيعة التي
على مستوى التجربة اخلاصة :تحرضك على الكتابة ..كما أن متعة أع��ت��رف ف��ي ال��ب��دء أن اإلن��ت��رن��ت أسهم الكتابة ما تزال كما هي بعد التعود على ف��ي ال���ت���داول ل��م��ا نكتب ع��ل��ى مستوى ممارستها من خالل شاشة الكمبيوتر.. واسع ،وبالتالي االنفتاح على منابر عدة أظن أن متعة الكتابة الحقيقية تتحقق (ورقية وإلكترونية) .وهو ما يجعلني أكثر في األساس ،من خالل مدى قدرة الكاتب مسؤولية أمام ما أكتب .من هنا ،نقر أن على محاولة كتابة نص مختلف ومتجدد، الكتابة اآلن ،تعني البحث عن حيز من البياض ،يحمل بصمتك الخاصة بين وبلغة سهلة وسلسلة غير متكلفة .هنا، تعدد األصوات والتجارب التي تصل على تتحقق متعة ال يعرف أس��راره��ا إال من حد المسخ والتشابه البارد ،الذي تنتفي حاول الوصول إلى هذه المنطقة.
اجلوبة -خريف 1437هـ (119 )2015
الناقد عبدالقادر فيدوح ρρحاوره الناقد :سعيد بـوعيطة*
عبدالقادر فيدوح ،أستاذ النقد والدراسات السيميائية ،وله اهتمامات فلسفية، ويعد م��ن األص ��وات ال �ب��ارزة ف��ي المشهد الثقافي ال�ع��رب��ي .عمل بجامعة وه��ران بالجزائر ،وانتقل إلى جامعة البحرين ،واآلن في جامعة قطر. أولى أعماله النقدية كتاب (االتجاه النفسي في نقد الشعر العربي) ،كما صنّف كتابه المهم (دالئلية النص األدبي) عام 1991م ،وهو من أولى الكتب العربية التي تناولت النصوص الشعرية من خالل المنهج السيميائي .له العديد من األعمال النقدية األخ ��رى :إرادة ال�ت��أوي��ل وم ��دارج معنى الشعر ،ال��رؤي��ا وال�ت��أوي��ل ،القيم الفكرية والجمالية في شعر طرفة بن العبد ،ومعارج المعنى في الشعر العربي الحديث ،ونظرية التأويل في الفلسفة العربية اإلسالمية ،وشعرية القص...إلخ. محكّ م في العديد من الدوريات ،كما عمل على تأسيس أخرى ،نذكر منها مجلة ِسمَات .SEMAT يتعذر أن نختزل عبدالقادر فيدوح في بضع سطور .لكن محاورته ،ستفتح لنا بعض مغالق النقد األدب��ي العربي ،وإض��اءة قضايا ع��دة في النقد واإلب��داع العربيين ،وبعض المعضالت المحورية التي يعرفها النقد العربي. ¦ ¦إل��ى أي حد عمل الخطاب النقدي العربي في تجربتيه ،على استيعاب ت �ج��رب��ة ال �ن �ق��د ال �غ ��رب ��ي وت �م � ّث �ل �ه��ا، واالرتباط في الوقت نفسه بجذوره التراثية؟
النقدي ف��ي تراثنا العربي بنظرة خاطفة؛ لمعرفة حقيقة الفرق بين مرجعية نقادنا القدامى الثقافية، ومحاولة إدراكنا ما يستوجب فهمه من ممارساتنا النقدية.
ρ ρدعني أبِين لك ما أش��رتَ إليه في ط��رح إشكالية ال��ت��ج��ارب النقدية العربية التي ابتنتها األجيال ،ألْمِ ح من خاللها مبررات تأسيس الوعي
وقبل ذل��ك ،لعل جميعنا ي��درك أن السمة الداللية للتحوّل المعرفي من جيل إلى آخر ،هي ترجمة لتبدل مواقع الوجود من حالة إل��ى حالة
120اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
أخ���رى ،ال تتكرر صفات ال��واح��دة في األخرى ،بل كل واحدة تستقل بماهيتها، وت��ك��ون سببا ف��ي خ��ل��ق ال��ث��ان��ي��ة؛ وف��ق التحوالت الطارئة على الصورة األولى بفعل وساطة معينة ،حتى تصبح ُمعَدة للتحول إل��ى ص��ورة أخ��رى ليست ثابتة على وجه اليقين. والممكن دوما بحاجة إلى تجديد في كل ٍآن وزمان ،ويتشكل بشكل ما يحاذيه من الخلق واالبتكار ،من ال��ذات وليس من اآلخ��ر ،على النحو ال��ذي بنى أسالفنا حضارتهم الماجدة ،وعندما دخل اآلخر قسريا لزم خروج هذا البناء والتشييد عن جادة الصواب؛ الستمداد حضارتنا بما دخلها م��ن غيرها ،فتحول وعينا الفكري م��ن ص��ورت��ه ب��ذات��ه إل��ى ص��ورة م��ن دون ذات���ه ،وعلى ه��ذا النحو يكون الخفاء والظهور في كل ش��يء؛ ألن كل حياة تتجاذبها صفتا الصيرورة ،مما كان، والسيرورة ،مما يفترض أن يكون ،وفق نظام أس��رار الكون ،ويجعلها قابلة لكل ما هو جديد بتجديد نفسها على الدوام. ولعل موقع الفكر دوم��ا في تحوّل بين عرشي الصيرورة والسيرورة ،بين التطور والتطوير ،للقيام بدور ما ،سلبا أو إيجابا، وفي هذا استجابة لقانون العلة والمعلول. وإذا ك��ان دارس��ون��ا القدامى قد نظروا إلى اآللية اإلبداعية بما هو حاصل في المرجعية الثقافية في الصورة المتجلية، وبما هو ناتج من الالوعي في الصورة
الخفية ،فإن راهن وعينا الفكري موزع ذهنيا بين ص��ورت��ي ال���ذات واآلخ���ر ،أو باألحرى االنغماس في ذات اآلخر كليا. وقبل الوصول إلى أثر تجربة النقد الغربي في ثقافتنا النقدية العربية ،حري بنا أن نُطل إطاللة سريعة عن عالقتنا بذاتنا ،وبمرجعيتنا النقدية على وجه التحديد؛ لنشير إل��ى أن هناك قطيعة ت��ام��ة م��ع ت��راث��ن��ا ال��ن��ق��دي ،ول��ع��ل لهذه القطيعة مبررات كثيرة؛ منها على سبيل المثال :إسهامات بداية النهضة الفكرية في الوعي العربي بمحاولة االنعتاق من التقهقر ال��ذي س��اد ثقافتنا منذ القرن السابع الهجري ،أو ربما قبل ذلك؛ أي منذ «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من االتصال» مع ابن رشد ،أو
اجلوبة -خريف 1437هـ (121 )2015
تحديدا بعد سقوط بغداد (اإلمبراطورية العباسية) 1258م ،إذ استُبدِ ل الوعي الديني /الفقهي بالوعي الفكري ،وتحول اإلدراك من الرغبة في معرفة الوجود بما هو موجود إلى ارتكان العقل باالكتساب، والحرص على الثوابت .ومن هنا ،حضر عقل الرواية وغاب عقل الدراية ،وركز التفكير الناقد في ه��ذه المرحلة على السماع بدل النظر؛ فتعطل الفهم وتَبَطَّ ل إنتاج المعنى ،على الرغم من المحاوالت الجادة من رواد النهضة العربية الذين سعوا إلى إحياء التراث الفكري واألدبي، والدعوة إلى اإلص�لاح ،ب��دءًا من رفاعة ال��ط��ه��ط��اوي 1873-1801م ،واألم��ي��ر عبدالقادر 1883-1808م ،وخير الدين ال� ّت��ون��س��ي 1890-1820م ،واألف��غ��ان��ي 1897-1838م ،م���رورا بمحمد عبده 1905-1849م ،وغيرهم من رواد النهضة الذين ح��اول��وا بناء فكر تأسيسي قائم على التنوير المعرفي والسياسي؛ إلى أن دخلنا في نهضة بداية القرن العشرين مع طه حسين وغيره من دعاة التجديد ،ثم تحولت أحوالنا إلى صراع مع ما أطلق عليه فكر تقدمي /وفكر رجعي ،بخاصة بعد ثورة 23يوليو 1952م في مصر ،والتي ج��رَّت ال��وع��ي الثقافي والسياسي إلى ما نحن عليه ،باسم «الحركة المباركة» والدعوة إلى «التقدم وتعزيز القومية»، فضاع التوفيق ف��ي المجال المعرفي، ودخ��ل��ن��ا ف���ي م��رح��ل��ة ع��ب��ث ال��ت��ج��دي��د، وسُ ��دَى التطوير واالزدراء ب��ه ،وامتهان
122اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
التعليم ،واب��ت��ذال��ه ،والعبث بالضمائر (ضمير الهوية ،وضمير القومية ،وضمير العروبة ،وضمير الوعي ) ،بدعوى البناء والتشييد ،ثم اإلصالح المز َدرَى به ،إلى أن وصلنا فيما نحن عليه ،إلى الهدم في كل ش��يء ،وأخضعنا العقل المكوَّن إلى بعيد عن التفكير الناقد، ٍ عقل مؤدلج ولعل في كتابات عبداهلل العروي ،على يوضح مبررات غياب سبيل المثال ،ما ّ المرحلة األن��واري��ة ،المفترضة ،للفكر العربي المعاصر .والحال ،كيف نطلب من الوعي العربي المعاصر أن يواكب مستجدات العصر ،أو أن يكون له فيها رأي ،وقبل ذلك كيف نريد منه أن يصقل الفكر الناقد ،وهو مكبَّل بإعاقة التثبيط، واإلقصاء ،واإلحباط ،وال��ردع ،والصدِّ، والتنكيل بالضمائر. أم��ا ال��ش��ق اآلخ���ر م��ن ال��س��ؤال المتعلق باستيعاب وتمثّل تجربة النقد الغربي، ف��ال��ح��دي��ث ع��ن��ه ش��ائ��ك ،وال��ن��ظ��ر إليه مشكل ،واإلج���راء منه دليله من غيره، ب��ال��ن��ظ��ر إل���ى س���وء ف��ه��م ال��م��ن��اه��ج في سياقها االبستيمولوجي التي أثرت في الرعيل األول من نقادنا منذ بداية القرن العشرين الذين تأثروا بالغرب ،وتصوراته النقدية النابعة من المفاهيم الخاصة بهم ،والتفكير فيها بموضوعية ،والرغبة في التوغل فيما وصلنا من هذه مفاهيم، أرادوا من خاللها تغيير الوعي النقدي إل��ى م��ا يمكن إدراج���ه ضمن االهتمام بالترابط والتواصل؛ لتمكين ال��ذات من
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
توطين النظريات وتقريب المعارف إلى كل ما من شأنه أن يعاضد حلم المشروع القومي ،ويناصره؛ والحال إذا كان نقدنا الحديث ق��د حاكى النقد الغربي من منطق نظرية االن��ع��ك��اس بخاصة مع المناهج السياقية ،ال��واردة ،التي عنيت باستجالء الغوامض وبلورة مالمح النص م��ن حيث االت��ج��اه الواقعي أو االتجاه النفسي ،أو التاريخي؛ فإن راهن النقد مع جيل األلفية الثالثة تجاوز حمل الراية اإليديولوجية التي اعتمدت بنية الخلل االجتماعي مظهرًا لها ،كما تجاوزت ال��ب��ط��اق��ة االس��ت��ن��ط��اق��ي��ة/االس��ت��ب��اري��ة واالستخبارية للذات المبدعة بوصفها علبة س��وداء تساعدنا على استكشاف عبقرية الواعية الفردية والجماعية .وقد ذكرت في كتابي «دالئلية النص األدبي» يوضح أن التحوّل الذي وقع في النقد ما ّ ال��ع��رب��ي ال��ح��دي��ث ي��ح��اول ال��ك��ش��ف عن مضامين ال��ذات في رؤاه��ا االحتمالية، والتطلع إل��ى كل ما هو أسمى ،ضاربا بذلك الزمة االنكفاء على واحدية التصور، متخذًا سبيل االنفتاح كقوة داللية لتفجير مكبوت الذات الواهنة التي استضعفتها المؤسسات المعنية بمشاريعها الذليلة، وبتصوراتها الوضيعة؛ ومن ثم فإن الرؤية النقدية ،عندنا ،وفق هذا المنظور كانت خاضعة بغير إرادة منها لظاهرة الواحدية في كل شيء ،تبعا لفكرة «احترام النظام السائد» وال مجال لالجتهاد مادام فقه الرأي وعدًا ناجزًا بالكفالة.
ومع تطور العلوم ،وتنامي وسائل الحصول على المعارف بشتّى السبل من خالل تكنولوجيا المعلومات ،على وجه التحديد، ت��غ��ي��ر ال��وض��ع ب��ف��ع��ل ال��ت��أث��ي��ر المتنوع والتواصل السريع ،وانتقلت المعرفة من تحليل الكتابة التي تُبْنَى على المداخل النمطية الخطِّ ية إلى كتابة إبداع متفاعل بين الذات والواقع ،تلحّ على طرح السؤال، وتنظر إلى الواقع بوصفه نسقًا يستهدف تغييب الحقيقة ،هذا الواقع المتساوق مع الحياة غير القابلة للفهم .وإذا كان الخطاب النقدي الغربي يقدم نفسه في إطار تساؤل فلسفي نتيجة إبهام الحياة ولغز المفاهيم ،ومن خالل تفكيك قوامه الكشف عن الشذوذ الذي تمارسه الذات المطوَّقة بكل ما يُعَمَّ ى من الوجود ،فإن تمثل تجربتنا من تجربة النقد الغربي
اجلوبة -خريف 1437هـ (123 )2015
على حد تعبير ألفين توفلر
حاصلة فيه ،ونتيجة منه ،اعتقادا منا أن المرجعيات الثقافية العربية الحديثة¦ ¦ ،إذا كان الناقد العربي قد استوعب تجربة متوارية في اإلجراءات والمفاهيم الغربية، النقد الغربي بشكل صحيح (على سبيل ومستجيبة لمكوناتها ،وخاضعة لمصادر االف �ت��راض) .فهل يمكن ال�ق��ول ب��أن هذا تأسيسها ،بوصفها تبعية خالصة ،وكأنها ال �ن �ق��د ال �غ��رب��ي ه ��و ال �م �ف �ت��اح ال�س�ح��ري تشكّل وسيلة وغ��اي��ة ف��ي ال��وق��ت ذات��ه، لمقاربة النص العربي؟ ومعيارا حقيقيا يستوجب منا االستناد إليه بحذافيره ،وكأن النقد عندنا معني ρ ρمع تقديري لوجهة النظر هذه ،وعطفًا على ما ذكرته سابقا ،لست من الذين بما يقع في المرجعية الثقافية الغربية يميلون إلى إن النقد العربي قد استوعب ويهتم بسياقاتها ،وبخلفياتها االجتماعية، ال��ن��ق��د ال��غ��رب��ي بشكل ص��ح��ي��ح ،وإن��م��ا وأن��س��اق ت��وازن��ات��ه��ا ،بصرف النظر عن المرحلة التأثرية ،ضمن سياق التبعية ،ما الصلة بواقع المكونات الذاتية ،واألخذ تزال متغلغلة بالفطرة الطفيلية .ومعنى بمقتضيات العلة والمعلول ،وم��ن دون ذل��ك أن نقدنا المعاصر ل��م يصل بعد النظر في التطلع وحسن التقدير لواقعنا؛ إلى االستقاللية ،وقبل ذلك إلى مرحلة وم���ن ث��م أص��ب��ح اس��ت��ق��ط��اب النظريات التعليل ،وقبل ذل��ك أيضا لم يصل في الغربية بحذافيرها يعكس صورة زائفة عمومه إل��ى مرحلة الفهم ال��م��ؤدي إلى لواقعنا ،ويسهم في تخفّي الحقيقة عن إمكانية تغير ما هو غير مناسب ،من سوء فهم. اآلخر ،إلى ما يمكن أن يناسب ظروفنا إن اإلخالص بالوفاء للنظريات الغربية وحياتنا اليومية؛ ألن قدرتنا على الفهم ينتمي إل��ى ن��وع َم��ن يفكر ف��ي اإلخ�لال تدفع بقدرتنا على التفكير ،وباتحادهما بمعرفة حقيقة منجَ ز ال��ذات ،ومخالفة تنشأ المعرفة الذاتية ،أو كما قيل الرأي قيمها ،ومن ثم فإن ممارسة التفكير الناقد حجة على صاحبه م��ا ل��م يؤيدها بما في ثقافتنا المعاصرة مصدره المحاكاة يحقق أه��داف��ه ،ويعبر ع��ن ذات���ه .وإذا وال��زي��ف ،محاكاة ال��غ��رب ،ال��وص��ول إلى ك���ان ه��ن��اك م��ن دور للفهم ف��ي تفعيل نتيجة زي��ف ال��واق��ع؛ ألن معايير النقد المعارف ،فهو أولى (أي الفهم) بتوطين الغربي أضعفت فينا قيمة اإلدراك ،وفقا النظريات والمفاهيم ،وإمكانية إع��ادة لمقتضيات عالقة الهيمنة؛ األمر الذي إنتاجها بما يتالءم ومستلزمات التنمية حول اإلجراءات النقدية عندنا إلى قول المحلية ،ولعل البعد عن الفهم يعد مبعثا ك��ل ش��يء ف��ي أي ش��يء ،امتثاال للواقع على ال��ذع��ر ال��ذي تمارسه مؤسساتنا ال��ذي بات يستنزف طاقته لالستهالك التعليمية ،وخ��ط�رًا مهوالً على أجيالنا بمفهومه العام الذي يعني «رمي كل شيء»
124اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
Alvin Toffler
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
وثقافتنا ال��وط��ن��ي��ة .وإذا ك��ان اإلن��ت��اج معرفي مرهونا بإمكان تحققه ،فإن هذا التحقق مشروط بإدراك المفاهيم على حقيقتها بعد بناء تصور قائم على الواقع المعاش ،حتى يسهم هذا الفهم في خلق المبادرة بدافع كشف المتغيرات لرؤيتنا المرتقبة ،أو المتوقع حدوثها .وال أحد يختلف في أن النقد العربي المعاصر يراوح مكانه بمنظور سَ رمدي. ¦ ¦إن األخ ��ذ م��ن ال �غ��رب (ع �ل��ى المستوى ال �م �ع��رف��ي) ،ي�ج��ب أال ي�ل�غ��ي ال �ه��وي��ة أو ال �خ �ص��وص �ي��ة ال �ع��رب �ي��ة .ل �ك��ن اإلف� ��راط ف��ي اع�ت�م��اد ال�ن�ظ��ري��ة ال�ن�ق��دي��ة الغربية (وبعض الترجمات التي قد تشوّه العمل األصلي أكثر من استيعابه) .جعل الكثير م��ن الباحثين ي ��رون ب��أن ال�ن�ق��د العربي اليوم يعيش أزمة. ه��ل ت��ؤك��د ل�ن��ا ه ��ذه األزم � ��ة ،أم ه��ي أزم��ة مصطنعة فقط؟ ρ ρأعتقد أن النقد في مؤسساتنا الثقافية ي��ع��ي��ش ف���ي أزم����ة ح��ق��ي��ق��ي��ة ،وتتشعب أزمته إلى عدة اتجاهات ،منها اإلفراط ف��ي اعتماد النظرية النقدية الغربية، ومنها التمسك بالمرجعية «الفقهية» ف��ي إص���دار األح��ك��ام ال��ج��اه��زة ،ومنها اإلسراف في المنحى االنطباعي ،ومنها غياب الوسائط المعرفية الجادة لتقريب المفاهيم من ثقافة المصدر إلى ثقافة الهدف ،ومنها خلق نمط جديد يمكن أن نطلق عليه «تجارة الثقافة» ،وهي الثقافة
ال��ت��ي تحترف ال��ت��ج��ارة بعد أن أصبح الكثير ممن كان يعول عليهم من النقاد البارزين ،ومن األسماء النوعية -إلى حد كبير -رهن مطالب السوق ،تحت مسمى العرض والطلب ،بتقديم ثقافة ناعمة، بتحويل ثقافتنا إل��ى س��ل��ع ،وأصبحوا مربوطين بكل ما هو (تجاراتي) ،بخاصة أول��ئ��ك ال��ذي��ن أصبحوا مرتهنين لهذه المجلة أو تلك بدافع الرغبة في الوصول السريع (م��ادي��ا ومعنويا) ،أو من وفرة وسائل اإلع�لام الثقافية البراقة التي باتت تحترف صناعة مضمون ثقافي تحت الطلب ،ومستعدة للدفع بشكل سخيّ مقابل الترويج ألهدافها .بإضافة إلى ظهور كائنات ثقافية جديدة ،والتي يمكن أن نطلق عليها الكائات المتلونة، ممن يستعملون المجال االف��ت��راض��ي،
اجلوبة -خريف 1437هـ (125 )2015
النقدية الغربية ،ستظل الحركة النقدية العربية رهينة ما نستورده من الغرب، دون القدرة أحيانًا على فرز الناجع من الضار ،المبتذل من البليغ ،والبيِّن من الملتبس ،واألكثر من ذلك ،دون إمكانية الحفاظ على الروح القومية لثقافتنا؛ ما يعني أننا أصبحنا عاجزين عن احتواء المعارف بصورة جيدة حتى نتمكن من بلورتها ،وإعادة إنتاجها بما يضمن معيار مكانتنا العلمية وتعزيز تجاربنا الخاصة.
وينتجون م��ا يسمى بالثقافة الوقتية؛ بالج ََّدة والجَ دِّية، وهم بذلك أقل اهتماما ِ ول��ك��ن��ه��م ش��غ��وف��ون ب��خ��ل��ق ن��م��ط جديد لمعرفة جديدة ،وحب الظهور عندهم هو ما ينبغي االحتساب له؛ األمر الذي ما جعلهم يحولون الثقافة إلى سلعة .وإذا كان التسوق في مجال االستهالك المادي مقبوال؛ لظروف حتمية ،فإن ما هو غير مقبول ،أن تكون ثقافتنا بجميع مكوناتها سلعة مدفوعة الثمن نتسلى بها ،بغرض تأمين الوصول السريع ال��ذي من شأنه ¦ ¦س ��واء ث�م��ة أزم ��ة أم ل��م ت�ك��ن ،ف��إن�ن��ا نجد أن يغذي نشوة النصر بالتملك ،والسعادة م �ج �م��وع��ة م� ��ن األع � �م� ��ال (ال ن ��ري ��د أن بالتميز ليس إال( .)...إن��ه التمرّغ في نذكرها) ،توغل في الجانب النظري وال ممارسة االحتراف النقدي غير المسئول، ت�خ��دم ال�ن��ص اإلب��داع��ي (س ��واء ال�س��ردي وم��ا عبثية الحركة النقدية المسلوبة وظ �ف��ت أو ال � �ش � �ع ��ري ...إل� � ��خ) .وأخ� � ��رى ّ اإلرادة إال صورة حقيقية للتبعية الغربية، م�ج�م��وع��ة م��ن ال�م�ف��اه�ي��م ب�ش�ك��ل آل ��ي ال ومن ثم كيف نريد لثقافتنا أن تنتج رأيا يخدم ب��دوره النص اإلب��داع��ي في شيء؛ نقديا يحمل بصمته. م��ا ج �ع��ل ال �ع�لاق��ة ب �ي��ن اإلب � ��داع وال�ن�ق��د أمام هذه المحطات المتقلبة والمتباينة غير سليمة .فاختل ال�ت��وازن بينهما .إن ليس ألي منا إال أن يقر بوجود أزمة في النقد اللساني (على سبيل المثال) على النقد العربي الحديث ،ال لشيء إال ألن ال��رغ��م م��ن ج��دت��ه وأه�م�ي�ت��ه ،ل��م يستطع هذه التقلبات التي ط��رأت على ثقافتنا أن يفيد النقاد والدارسين العرب كثير ًا النقدية ،لم تسهم ،في خلق خلفية معرفية في معاينة النص .بقدر ما مهّ د السبيل نابعة م��ن مرجعيتنا الثقافية؛ لتكوِّن أمام بالغة شكلية جديدة .فكتاب خطاب مفاهيم تعكس واقعنا ،وف��ي مثل هذه ال�ح�ك��اي��ة ل �ج �ي��رار ج�ي�ن�ي��ت ،ع�ل��ى ال��رغ��م الحال ليس غريبا أن يبقى النقد العربي من أهميته ،قد أورث النقد العربي هم ًا سجين الممارسات النقدية الغربية. ثقي ًال بما قدمه من تصنيفات شكلية ال تفرق في األغلب بين نص وآخ��ر ،مهما وف���ي ظ��ل ع���دم تحقيق رؤي���ة متبلورة يكن البون بينهما واسعاً. مستقلة بهويتنا العربية ،وفي ظل العجز عن كيفية االستفادة النوعية من المناهج
126اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ف �ه��ل ي �م �ك��ن ،إذاً ،ال �ق��ول ب ��أن م �ث��ل ه��ذه
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
األعمال هي التي صنعت هذه األزمة؟ ρ ρأعتقد أن معظم النقاد من الجيل الجديد يوظف اإلجراءات النقدية بالسياق الذي وردت فيه ،وبما يحمله رصيدها الثقافي، بعض تجاربها، من دون إمكانية توطين ٍ وإذا كان هناك من حَ ��ا َد عن المفاهيم التي حددها المصطلح ،فمن باب سوء الفهم لهذا المنهج أو تلك النظرية؛ وفي كلتا الحالين ،فالنقد العربي الحديث مدين لتيارات النقد الغربية سواء من حيث ال��ج��ان��ب ال��ن��ظ��ري ،أو م��ن حيث الوجهة الروحية للمنهج المتبع باالستناد إلى المعايير المألوفة ،ولَكَ أن تتفحص المسار النقدي العربي لتتعرف إلى كُنه المقصد من التوغّ ل المفرط في الجانب النظري؛ ولعل أسوأ ،وأعظم ،بالء عندما نعلم طالبنا طريقة الفصل في منهجية البحث بين النظري والتطبيقي ،ودائما ما يكون حديثي مع الطالب مدار اختالف بالنظر إلى ما تلّقوه من غيري ،فيما عدا بعض االستثناءات القليلة جدا ،ولَكَ أن تتأمل في نتائج البحوث األكاديمية التي فصلت النظري عن العمل التطبيقي، ستجد في ذلك رؤية مغايرة لعدم ترابط ال��ن��ص اإلب���داع���ي ب��اس��ت��ع��م��ال األدوات اإلجرائية ،بالنظر إلى عدم وضوح مجال التفكير في استثمار الخطوات المنهجية، ومن ثم فإن صلة النص بالمجال النظري صفة مالزمة في حقل الخطاب التحليلي؛ لمعرفة كنه الدالئل من خالل القوانين
التي تحكمها نظريا ،ومنهجيا. أم��ا أن توظف مجموعة م��ن المفاهيم بشكل آليّ فإن ذلك أيضا ال يخدم بدوره النص اإلب��داع��ي ف��ي ش��يء .وأزع���م أن ميل بعض الباحثين إلى هذا التوجه له م��ب��ررات كثيرة ،لعل أهمها هو صعوبة بعض الدارسين في القدرة على تحليل النص بما يربط تحديد مقاصد النظرية بالسؤال الذي يشغلهم في النص؛ وفي اعتقادي أن الباحث مطلوب منه التعامل م��ع م��ا يُ��ع��د مفهوما ف��ي النظرية بما يفترض أن يستوفي ما ينبغي توضيحه في النص ،سواء من حيث تحديد نتيجة ما تريده النظرية ،أو من حيث البحث عن نتيجة سؤال النص من خالل عملية االس��ت��دالل .وف��ي تقديرنا ال توجد أي نتيجة م��ن تحليل النص إال م��ن خالل
اجلوبة -خريف 1437هـ (127 )2015
الحاجة إلى المفهوم الذي من شأنه أن يحدّد مسار الرؤية التحليلية ،بعيدا عن العشوائية .وإذا كانت النظرية في سياقها التأملي تعني التركيب الكلي الذي يسعى إل��ى تفسير ع��دد م��ن المفاهيم؛ فإن العالقة التي تجمع النظرية بالتطبيق تتجاوز ح���دود ال��وص��ف إل��ى خلق فكر تأملي يربط النتائج بالمبادئ على حد تعبير الالند ،André Lalandeوكل محلل في تقديرنا ملزم بربط التحليل بإمكانية توقعات المفاهيم المستند إليها ،ومرته ٌن بتوضيح عوامل الظواهر المشتركة بين النظرية ،والمنهج ،والنص ،والمحيط، وال مجال لفصل واحدة من هذه الظواهر عن األخ��رى .وكل محاولة نقدية بعيدة ع��ن ه��ذا التصور ف��ي تقديري ه��ي في موضع عسر تترقب مخاضا قسريًا بعد المأزق الذي وصلت إليه. ¦ ¦إذا كانت الترجمة (خاصة اآللية منها) من بين األسباب التي صنعت أزمة النقد ال �ع��رب��ي ،ف�ث�م��ة إش�ك��ال�ي��ة أخ� ��رى ترتبط أس ��اس ��ا ب��ال �م �ص �ط �ل��ح ال� �ن� �ق ��دي .ب�ح�ي��ث يختلف هذا األخير من بلد عربي ألخر. ب��ل م��ن ن��اق��د ألخ��ر داخ ��ل ال�ب�ل��د العربي ال ��واح ��د؛ م��ا ج �ع��ل ال �ن �ق��د ال �ع��رب��ي (ف��ي غالب األحيان) يعيش نوعا من االغتراب على مستوى المصطلح ال�ن�ق��دي .فهل ه ��ذا االغ� �ت ��راب ح�ق�ي�ق��ة أم وه� ��م ،حسب تصوركم؟ ρ ρحقيقة ،هذا السؤال في غاية األهمية،
128اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
ولكن قبل التطرق إل��ى جوهر السؤال المتعلق بالمصطلح ،يجدر بنا أن نقف وقفة متأنية مع دور الترجمة في تأزيم النقد .وقبل ذلك فإن الترجمة بوصفها علما أسهمت في تنامي المعرفة التي بمقتضاها تتالقح األف��ك��ار ،أض��ف إلى ذل��ك أن الترجمة ف��ي منظور السياق الثقافي المعاصر -كما كل عصر -تتجاوز حدود النقل بين لغتي المصدر والهدف على النحو الذي رسمها السياق المتعامل ب��ه م��ع ت��رج��م��ة ن��ص��وص اآلخ����ر ال��ذي اختزلها المترجم في نقل معلومة بين نصين مختلفين؛ وهذا ما يفسر قصور النهج المتبع مع الترجمة في ثقافتنا العربية .ولعل الترجمة في تقديرنا هي نمط تفكير يضاف إلى النص المصدر، وشكل من أشكال التفاعل بين حضارتين مختلفين في االتصال الثقافي الذي من شأنه أن يسهم في خلق لبنات حوارية؛ ألن مجرد نقل نص لثقافة أخرى يعني نقل تجربة تؤدي إلى إمكانية ربط التعايش مع تلك التجربة ،كما يفترض أن ترمي إلى تعزيز الثقافة المنقول إليها .ومن ثم فهي نقل نسق ثقافي إلى نسق ثقافي آخ��ر .ومجرد إدراك ذلك من المترجم يعني أن عليه مسئولية ربط الصلة بين سياقين حضاريين ،يستوجبان بدرجة متفاوتة فكرة التفاعل في جميع مرامات التثاقف .والحال ،أ َّن��ى للفعل الترجُ مي في ثقافتنا من هذا التصور؟ وهل قرَّبت الترجمة عندنا المعارف بين الحضارات؟
ما يسمى بالنهضة العربية ،وبخاصة مع
م ��ن خ�ل��ال م ��ا س� �ب ��ق ،ه ��ل ي �ن �ط �ب��ق ه��ذا
ل��ن أط��ي��ل ف��ي تفصيل م��ب��ررات راه��ن الترجمة عندنا؛ ألن في ذل��ك تشعبات لمشارب مختلفة ،ولكن حسبي في ذلك أن أشير إل��ى عاملين أساسيين ،ننظر إليهما بنظرة ارتياب ،بوصفهما أسهما في تأزيم التفكير الناقد في مجاالت شتى من المعرفة.
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
وقبل ذلك كيف جعلت الترجمة من اللغة وسيطا لنقل الفكرة مع مراعاة روح نص ال��م��ص��در ،واالح��ت��ف��اظ بخاصية اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها؟
تكنولوجيا المعلومات في األلفية الثالثة، وم��ا بين م��ا ق��ام ب��ه بيت الحكمة التي ازدهرت فيها الترجمة في عهد الخليفة العباسي المأمون ،حين وصلت إلى أوج عظمتها .أضف إلى ذلك أن الثقافة التي ترعاها (األساليب التجاراتية) ربما يكون م��وض��وع االس��ت��ه�لاك فيها ه��و األن��ج��ع، وأه��م وسيلة للوصول السريع ،حتى لو كان ذلك على حساب مبادئ الهوية ،على النحو الذي بدأت فيه ثقافتنا تفقد فيه منزلتها نظير السلعة المادية المستجلبة ب���ال���ح���اوي���ات ،ف���ي م��ق��اب��ل ال��ن��ص��وص المستبعدة من العقول الخاويات ،خالية الوفاض.
األول امتهان االفتراء؛ أي ممن امتهنوا حرفة الترجمة اآللية ،بتقديم نصوص مشوّهة تنتمي إلى نوعية استحالة فهمها وإذا ك���ان األم���ر ع��ل��ى ه���ذا ال��ن��ح��و مع أو استثمار ما فيها من معارف مفيدة، الترجمة فالوضع سيان مع المصطلح، وإذا كان سوء الفهم سيد الموقف ،فألن ولعل تفشي اختالف المصطلح من بلد سوء الترجمة تربعت على عرش الوهم، إلى آخر ،أو من باحث إلى آخر ،في البلد ومن ثم ضاعت حقيقة النص ،وضاعت نفسه ،م��ردّه ت��أزّم الترجمة في ثقافتنا، معها إمكانية إنتاج معرفة موازية للنص بالنظر إلى غياب االستناد إلى مرجعية ال��م��ص��در ،أو إع���ادة إنتاجها ،ول��ن��ا في المنحى الثقافي للمصطلح .وم��ن دون ذل��ك أمثلة كثيرة ،م��ن ال��ذي��ن أعرفهم، معرفة خلفية وج��ود المصطلح يصعب ليس المجال هنا لذكر األسماء لوفرتها علينا توظيفه لتوليد المفاهيم ،أو إنتاج ممن يحترفون الترجمة اآللية باالستعانة سياق داللي جديد. بالموسوعات والمعاجم ،أو من خالل استبدال لفظ بلفظ ،أو جملة بجملة من ¦ ¦ثمة تشبيه وصفي بليغ عند اإلنجليز هو اللغة المصدر إلى اللغة الهدف. وض��ع العربة أم��ام الحصان ،والمقصود ه��و وص ��ف األوض � ��اع ح �ي��ن ت�ن�ق�ل��ب فيها الثاني اختفاء الصائن ،في إش��ارة إلى عالقة طرفي أي معادلة طبيعية .فتعطي غياب مطلق للمؤسسة الراعية للمعرفة، التابع مكانة وأهمية القائد المتبوع. وشتان ما بين ما قام به المترجمون منذ
اجلوبة -خريف 1437هـ (129 )2015
أو بما يكون انبعاثا أو انكشافا ،لرؤية ثقافتنا .وال��وض��ع س��ي��ان ب��ي��ن اإلب���داع واإلجراء النقدي ،بخاصة في الدراسات السردية.
التشبيه على اإلب��داع والنقد العربيين. بحيث يكون هاجس الناقد هو النظرية ال �ن �ق��دي��ة (خ ��اص ��ة ف ��ي ال �ن �ق��د ال �س��ردي مثال) ،وليس النص اإلب��داع��ي ال��ذي هو محور العملية النقدية؟ ¦ ¦سعى أغلب النقاد العرب إلى التنقل بين االتجاهات النقدية المختلفة فيما يشبه ρ ρتشبيه بليغ حقيقة ،بالنظر إلى اهتمام القفزات أو الحركات البهلوانية .ويبدو الكثير من دارسينا بالنظريات أكثر من أن ه��ذا التنقل ليس ص ��ادرًا ع��ن اقتناع أصحابها ،كمن يدافع عن المَلك ومن م�ب��دئ��ي ب �ق��در م��ا ه��و أش �ب��ه ب��ال�ه��وس في معه أكثر مما يدافع الملك عن نفسه، تتبع خطوط الموضة في عالم النقد؛ على رأي المثل الشائع .ولعل الشاهد إذ يتم التنقل بين البنيوية والسيمائية هنا ه��و المبالغة المفرطة ف��ي جلب والتفكيكة وص ��و ًال إل��ى ال�ن�ق��د الثقافي الكثير من تفاصيل بعض النظريات التي ع��ام��ة .ب��ل ت �ك��ون ال�ق�ف��زة ب�ت�ج��اوز النقد أثقلت كاهل نقدنا العربي ،أقول أثقلت؛ األدبي الذي يتعامل مع النص الجمالي ألنها في معظم األحيان تخرج عن سياق إلى نقد مفارق .ولم يسأل هؤالء النقاد ثقافتنا ،وقد ال تفهم إال في دائرة منبتها. أنفسهم عن السبب ال��ذي يجعل ظاهرة ومن هنا ،تكون مرجعية النظرية مشوهة معينة شعبية جماهيرية ون��ص أدب��ي ال حين تنزع من قيمتها ،ومن دالالتها التي ت �ت��داول��ه إال ال�ن�خ�ب��ة .ق��د ت �ك��ون ح�ض��ارة وضعت فيه ،خاصة حين يسيء تحديد معينة أرست منجزاتها .وأدّت بمجموعة مدلول النظرية في بنية اللغة والثقافة أو نخبة إل��ى ت�ب� ّن��ي ش�ك��ل معين يناسب العربية ،وفي هذه الحال تأتي الدراسة ذوق�ه��ا وينسجم م��ع لحظتها المترفة. عندنا غير واضحة ،ويغلب عليها اإلبهام، ول�ك��ن ح �ض��ارة ت �ص��ارع م��ن أج��ل الحرية وال سبيل إل��ى ذل��ك إال االس��ت��ن��اد إلى وال �ع��دال��ة وال �ق �ي��م اإلن �س��ان �ي��ة وال��رغ�ي��ف التحليل الشكلي ،والتوظيف العشوائي (ش��أن حضارتنا العربية) في حاجة إلى لكثير م��ن المفاهيم ،نظرا إل��ى غياب أن يقترن الجمالي بالحياتي والفكري أسانيد هذه المفاهيم؛ األمر الذي ينتج ب��ال��واق �ع��ي؛ ل �ي �ك��ون ال �ن��ص أك �ث��ر شعبية منه تغريب بعض الدارسين عندنا إلى وج�م��اه�ي��ري��ة .ول�ي��س صحيح ًا أن األدب ه��وي��ة ثقافة م��ص��در ه��ذه النظرية ،أو اس�ت�ن�ف��د أغ ��راض ��ه ف��ي ب�ي�ئ�ت�ن��ا ال�ع��رب�ي��ة. تلك ،من دون رجعة ،أي من دون استثمار ب � ��ل األدق أن ع� ��ال� ��م ال � �ي � ��وم والس �ي �م ��ا هذه النظريات فيما يفيد ثقافتنا؛ إلثراء م ��ا اس �ت �ج��د ف ��ي م �ن �ظ��وم��ة االت� �ص ��االت طريقة التفكير بما يالئم ما نسعى إليه، الحديثة واإلع�ل�ام ال��رق�م��ي ،يحتاج إلى
130اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
هل يمكن القول بأن هذا التصور (إن كان �اس��ا على ضيق صحيحا ف�ع�لا) ،ي��دل أس� ً األف� ��ق ال �ن �ق��دي ال �ع��رب��ي ب �ص��ورة ع��ام��ة؟ وف�ق��دان جوهر العملية اإلب��داع�ي��ة لدى أغ�ل��ب المبدعين ال �ع��رب؟ ك�م��ا أن��ه ناتج ب��ال�ض��رورة ع��ن ضيق هامش الحرية في المجتمع العربي عمومً ا .وبعدم مراس اإلن� �س ��ان ال �ع��رب��ي وت �م � ّرس��ه ب��األس��ال �ي��ب الديمقراطية في الجدل والحوار؟ ρ ρلقد سبق أن ذك��رت ف��ي م��واق��ف كثيرة أن وعينا المعرفي يعتريه دَخَ �نٌ ،أو كما يطلق عليه بمصطلح الفساد ،وذك��رت أن ثقافتنا ال يحكمها نسيج واح��د من أج��ل ال��وص��ول إل��ى نتيجة معينة ،وهذا يعني أننا ال نملك مشروعا ثقافيا ،وأن ال���دارس ف��ي وعينا المعرفي كحاطب ليل ،ال يدري ما الذي يمسكه ،ويجمعه بين يديه .وكما ذكرت أيضا أن الخطاب النقدي في معظمه عبارة عن نص جاهز يتسلط عليه الحكم البرهاني ،في حين أن الحركة اإلبداعية الفاعلة هي التي
أم���ا م���وض���وع ف���ق���دان ج��وه��ر العملية اإلبداعية لدى أغلب المبدعين العرب، فذلك في تقديري ناتج مما ط��رأ على الحياة الثقافية في السنوات األخيرة م��ن ت��غ� ّي��ر ج���ذري ف��ي وس��ائ��ل اإلع�ل�ام واالتصال والتواصل الجماهيري ،وتطور نظم المعلومات في العالم ككل؛ ما ترتب عليه حدوث تغيرات في البنية الفكرية، وازدي��اد الميل إلى االنحراف في جميع المجاالت ،وظهور إب��داع من نوع جديد ك��ال��ن��ص ال��ش��ب��ك��ي Cybertextوال��ن��ص المترابط Hypertextوالنص المفتوح، وغير ذل��ك م��ن الموضوعات الجديدة التي باتت من صانعي ال��ذوق الجديد، هذا الذوق الذي بات يبتكر موضوعات وتجارب مدفوعة الثمن ،أو ما يمكن أن ندخله ضمن سياق «التجارة الثقافية» حسب رغبات الزبون ،بدافع الرغبة في
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
ج��رأة حقيقية من النقاد في رف��ض أدب الطالسم والمعميات ،واللغة المتعالية لكتابة ن�ص��وص تحتكم إل��ى ل�غ��ة األدب ب �ك ��ل خ �ص��وص �ي �ت �ه��ا .وي �م �ك ��ن ق ��راءت �ه ��ا وتأويلها وتفسيرها لتنهض بذوق القارئ وفكره وخبرته وتجربته ،وال تصبح مجرد صيحة في واد .وليس ممكنًا أن نقبل أن لا ص��دى ل�ع��ال��م داخ�ل��ي ي�ك��ون ال�ش�ع��ر م�ث� ً وحسب ،ليس له صلة بالحياة العامة.
تسوغ للمتلقي استجابة من نوع متميز. وليس غريبا باالستناد إلى آراء كثير من النقاد في موقفهم من الحركة النقدية عندنا أن نقول إن المسار النقدي عندنا يقوم على تعزيز فرادة اللغة الدائرية في البنى التركيبية ،من حيث كونها فاعلة في عالقتها بالحضور؛ معنى ذل��ك أن حاضر المنطوق اللفظي واف��ر ومعزز في التحليل؛ األمر الذي أدى إلى إهمال جمال النص في تقبله لخلوه من استجابة توقعات المشروع النظري ،ولعل من يعود إلى كتابي «الرؤيا والتأويل» يجد ما يبرر مسوغات ضيق األفق النقدي بوجه عام.
اجلوبة -خريف 1437هـ (131 )2015
الوصول السريع ،وه��ي ثقافة أصبحت فيها الحدود ضبابية؛ األمر الذي حوّل الممارسة اإلبداعية إلى « الكل ماشي» أو «رمي كل شيء» على طريقة رمي معلبات ρ ρبطبيعة الحال ،ووجهة نظرنا السالف االستهالك ،بحسب تعبير منظّ ري ما بعد ذكرها ،ال تنفي أن هناك مساع حثيثة، الحداثة. ونتائج مرضية ،وت��ج��ارب ناجحة في نقدنا العربي الحديث ،على الرغم من أم��ا م��وض��وع ضيق هامش الحرية في قلتها ،ولكنها تعد نماذج يحتذى بها - المجتمع العربي عمومًا هذا صحيح إلى وأن��ا هنا أتفادى ذك��ر األسماء حتى ال حد م��ا ،ضمن ه��ذا السياق ولكن عبر أنسى أح �دًا -وق��د استطاع ه��ذا النوع مر العصور نلمس مثل هذه التعلّة ،وال م��ن ال��ن��ق��اد أن يتعرف إل��ى المفاهيم أتصور أنها الحجة الوحيدة في مساعي والنظريات بعمق ،ويقربها منا بسالسة. تنامي العملية اإلب��داع��ي��ة ،وق��د وجدنا والناقد في واقع األمر صلة وثيقة بينه مبدعين مورست ضدهم أشكال اإلقصاء وبين اآلخ��ر ،أي��ا ك��ان ن��وع ه��ذا اآلخ��ر، والتهميش ،ولكنهم في األخير استطاعوا وباتحادهما تتوحد ال��رؤي��ا المعرفية، أن ي��م��رروا شفراتهم م��ن خ�لال رؤاه��م غير أن طموحنا أك��ب��ر م��ن ه���ؤالء في الكشفية التي تبحث في عالقتنا بالكون، تقريبنا من صياغة أسئلة تخص هويتنا، وتقرب صلتنا بطموحات الواقع ،صحيح رغبة في إيجاد حلول من ذاتنا ،حتى ال أن ع��دم تمرسنا من معايير األساليب نكون في غيبة من أمرنا ،وما يجري من ال��دي��م��ق��راط��ي��ة ح���ال دون ت��ق��ري��ب ه��ذه حولنا .صحيح أنه طموح عسير المنال، الصلة أكثر؛ لكن ليس في اإلمكان أبدع وليس ذلك ممتنع التحقق قطعا ،مادام مما كان؛ أي ليس بإمكان أحد اختراق في عمر الهُوية بقية. مؤسسة «أنا وال أحد بعدي» ،وال تجاوز تفسير ال��ن��ص بحسب الحقيقة ال��ذي ¦ ¦ع � ��رف ال� �ن� �ق ��د ال� �غ ��رب ��ي م �ج �م��وع��ة م��ن يعيش في أفياء حكم الظاهر ،والمسرف االتجاهات والمدارس النقدية .تنطلق في المنحى االنطباعي. م��ن أس��س معرفية وم��رج�ع�ي��ات خاصة. ف �ه��ل ت � ��رون أن م �ث��ل ه� ��ذه األع � �م� ��ال ق��د تكون الضالة الحقيقية للنقد العربي الحديث؟
¦ ¦ث �م��ة م �ج �م��وع��ة م ��ن األع� �م ��ال ال�ن�ق��دي��ة ال �ع��رب �ي��ة ال� �ت ��ي زاوج � � ��ت ب �ي��ن ال �ن �ظ��ري��ة والتطبيق ،فكانت (ول��و نسبيا) نتائجها إيجابية .س��واء في نقد السرد أو الشعر أو غيرهما. 132اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
لكن في عالمنا العربي ،يشكل كل ناقد اتجاها معينا (يصرح بهذا مجموعة من النقاد) .وه��ي ميزة تنطبق كذلك على مجموعة من الكتاب والمبدعين. فأين تكمن حسب تصوركم ،أسباب هذه
مترام ،والبحث ٍ ρ ρإن الفارق بيِّن ،والتباين ف��ي ع��وام��ل ال��ت��ق��ارب بينهما كالبحث في أوج��ه التقارب بين الثرى والثريّا؛ ولعل مرّد ذلك إلى سلطة كل مرجعية ثقافية التي من شأنها أن تعين كل اتجاه على تحديد اإلج��راء المتبع في الفهم والتحليل ،م��ن منظور أن المرجعية ¦ ¦ي�ش�ي��ر ال� �ق ��اص زك ��ري ��ا ت��ام��ر ف ��ي إح ��دى ح��وارات��ه (مجلة كتابات المغربية عدد الثقافية وح��ده��ا ق����ادرة ع��ل��ى توجيه ،)8إل ��ى أن األدب ال �ع��رب��ي ال�م �ع��اص��ر، وإرش����اد المفكر ،وال��ع��ا ِل��م بالمعرفة، يتصف بقلة األصيلين وكثرة األدعياء وكلما تطورت المرجعية الثقافية كلما ال�م��زي�ف�ي��ن .وم��ا دام ال�ن�ق��اد ال يقومون تمتع الباحث بإشباع تطلعاته المعرفية، ب �م �ه �م �ت �ه��م وه� � ��ي اإلس � � �ه� � ��ام ف � ��ي ط ��رد وتوقعات رؤاه ،وهذا ال يعني أن المفكر األدع �ي��اء ،ب��ل إن�ه��م أنفسهم يحتاجون يبقى حبيس سلطة هذه المرجعية أو إلى تقويم ونقد صارم. تلك ،وإنما تشبّعه منها يؤهله الختراق ه��ل يشكل ه��ذا ال�ت�ص��ور ب��ؤرة م��ا يعرفه األفكار المتحجّ رة ،ومحاولة التحرر من النقد واإلبداع العربيين من معضالت؟ سلطة المرجعية السرمدية هو شغله �ررات الشاغل ،ومسعاه الحثيث إلى الرغبة في ρ ρه��ذا صحيح ،غير أن ل��ذل��ك م��ب� ٍ تنامي المعرفة ،وشتان ما بين استمداد تعتريها ع��وام��ل التفكيك والتشظي الطاقة المعرفية من الثقافتين الغربية للوعي المعرفي بوجه ع��ام؛ إذ نعيش والعربية ،ف��إذا ك��ان الغرب ينطلق من م���س���ارا ث��ق��اف��ي��ا ف���ي م��ع��ظ��م األح��ي��ان بيئته ،فإن المعرفة في ثقافتنا العربية غير قابل للفهم ،بالنظر إل��ى غموض ينتابها الضبابية ،ويكتنفها الغموض، المفاهيم ،بخاصة في وعينا العربي، بالنظر إلى مالحقة المرجعية الثقافية ولعل هذا شيء طبيعي من منظور أن الغربية ،ونقلها حرفيا ،وحتى عندما كل شيء تغير في فكر ما بعد الحداثة، تصل ،يكون الزمن قد تخطاها في كثير وهو ما يستوجب التعامل مع معطيات من األحيان ،ويبدو أن دور المترجم هنا المعرفة ال��ج��دي��دة بما يقتضيه وعي وصي ،وأمام مسئولية هذه الوصاية ،فهو العصر وال��ت��ط��ورات ال��ت��ي ط���رأت على إما خاذل عن نصرة هويته ،أو فاشل في الثقافة الجديدة في مراماتها ،وتنوّع مواقفها الفكرية المتحررة من كل القيود نقل األمانة العلمية ،أو باهت في طرح
م� � � � � � � � � � � � � � � � ��واج � � � � � � � � � � � � � � � � �ه� � � � � � � � � � � � � � � � ��ات
المفارقة إن وجدت؟
المفاهيم في وضعها الحقيقي ،أو ضئيل في تقديره الدور المنوط به ،أو عاجز بما يحتويه وعيه الضامر ،أو واهن في االستهانة بدور الترجمة الفاعل ،وبين هذه وتلك غابت على األقل فكرة تطويع مفاهيم النظريات الغربية بما ينسجم مع مرتكزاتنا ومقوماتنا الثقافية.
اجلوبة -خريف 1437هـ (133 )2015
التقليدية ،وهو ما أشار إليه المفكرون الغربيون م��ن أن الفكر الجديد يميل إل��ى التشكيك فيما يسمى بالحكايات الثقافية العليا ،أو ما وراء الحكايات ال��م��ت��وارث��ة ،وت��ج��اوز المبادئ الثقافية المتعارف عليها ،التي باتت تسيطر على الوعي الثقافي الجديد بما فيه الوعي اإلبداعي ،وفي هذا الشأن يستند الجيل الجديد إلى مقولة أن «هوية الفرد دائمة التبدل والتشكل ،تبعا للتغير الدائم الذي ب��دأ يفرضه نظام البراديغم الجديد Paradigme؛ وف��ي ه��ذه الحالة يسعى أصحاب التجديد إلى ممارسة التعدد، والتمدد ،والتنوع في ال���رؤى ،مادامت الحقائق نسبية ،والتصورات الجديدة مرغوب فيها في نظرهم .ومن ثم فإن المعضلة ال��ت��ي ن��راه��ا بين األصيلين والمزيفين تكمن ف��ي ه��ذا البراديغم الجديد ال��ذي صنع جيال محترفا في تقويض ك��ل ش��يء ،ويعمل على إخفاء المدار الذي تسبح فيه فرضيات النماذج العليا. ¦ ¦هل من كلمة أخيرة تود توجيهها؟ ρ ρتنوير الفكر ،توحيد ال���رؤى ،التأهيل ال��م��ائ��ز ،دع���م ال��ب��ح��ث ال��ع��ل��م��ي ،وق��اي��ة الخصوصية ،الفكر النافع ،التطبيق الجيد ..هذا هو أملنا ،والسبيل األنجع للخالص من ك ِّم أزماتنا المعقدة .أضف إلى ذلك أن الثقافة ال تُمنَح ،بل تُحدد * ناقد ومترجم من المغرب.
134اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
وت��ع�رَّف بوساطة ذوي��ه��ا ،ومهمة الفكر الناقد تكمن في أن نجعل من براعمنا تنمو نموا طبيعيا ،ومن طيورنا تحلق في الفضاء؛ لكي يقوموا بإنتاج المعرفة، بدال من أن نقطف زهرها قبل أن تتفتح، أو أن ننتف ريشها. علينا أن نحمي الجيل الواعد من التشبع بالمعلومة المسمومة؛ ألن ذل��ك يؤدي بالضرورة إل��ى انغالق األف��ق وانسداد الرؤية ،وحصر البصيرة في خانة ضيقة بتوجيه من الجهل إلى العنف ،وكل ما ي��دور في فلكه من ارت���دادات جارحة. المحصلة من وراء إهمال طرائق ّ ولعل التعليم الحديثة ،أننا جعلنا من باحثينا يحترفون س��رق��ة ال��ب��ح��وث ف��ي الحرم األكاديمي ،وفي ما ال يح ّل انتهاكه ،كما جعلنا من براعمنا عصافير خشبية ال تقوى على ال��ط��ي��ران؛ ألن التلميذ في مؤسساتنا التعليمية لم يزوّد باللغة التي تمكّنه من التحصيل العلمي ،والتحصين الثقافي ،والتحليق في اإلبداع ،واإلمساك عوض اإلمساك بالعصا َ بالريشة الفنية، اآللة الفتاكة؛ لذا ،فهو بحسب رأي أحد الباحثين أشبه ما يكون بالطائر الخشبي العاجز عن الحركة ،أو الطائر الجارح المسلوب الروح واإلرادة .فما الذي حول طيورنا الجميلة إلى طيور خشبية ،أو طيور جارحة؟
ق � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��راءات
سلسلة تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها امل�ؤلفون � :أ .د .حممود �إ�سماعيل عمار، د .حممود علي �شرابي، د .علي عبداملح�سن احلديبي النا�شر :مركز امللك عبداهلل بن عبدالعزيز الدويل خلدمة اللغة العربية 2015م.
أولى مركز الملك عبداهلل بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية مسار تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها عنايته الخاصة ،وفي هذا السياق يقدم المركز ضمن سلسلة (األدل��ة والمعلومات) ،ثالثة إص��دارات تعالج موضوعا واح��دا هو -تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها -وتختلف في زاوية النظر إليه ،وهذه اإلصدارات تحمل العنوانات اآلتية: -1دليل معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها :ويتوجه في المقام األول إلى المشتغلين بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ،مرشدا وموجها لهم ،وذلك بمناقشة عدة محاور هي :استراتيجيات وطرائق تعليم اللغة العربية ،وتعليم مهارات اللغة وعناصرها، وصعوبات وحلول ،ومهارات ومتطلبات ،والمستويات المعيارية لمعلم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى ،وبرامج تأهيل المعلمين وتدريبهم في الجامعات السعودية. -2دليل متعلمي العربية للناطقين بغيرها :ويتوجّ ه في المقام األول إلى الطالب متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها ،مرشدا وموجها لهم وذلك بمناقشة عدة محاور هي: أهمية العربية ومرجعيات تعلمها ،واستراتيجيات وطرائق تعلم العربية ،وإشارات نحو الثقافة العربية. -3دليل ثقافة اللغة العربية للناطقين بغير العربية :ويتوجه إلى الناطقين بغير اللغة العربية كافة ،مرشدا وموجها لهم وذلك بمناقشة عدة محاور أهمها :العربية تاريخا وانتشارا ،والعربية جماال وجالال ،والعربية كتابة وفنا. وقد عمل في المركز على تهيئة هذه السلسلة وإنجازها ومراجعتها فريق متخصص في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها تحت إشراف المركز.
اجلوبة -خريف 1437هـ (135 )2015
الكتاب :الطائر املهاجر(ديوان �شعر)
الكتاب :جملة احلوار الوطني (العدد )18
امل�ؤلف :حممود عبداهلل الر حمي
امل�ؤلف :مركز امللك عبدالعزيز للحوار الوطني
النا�شر :مركز الرحمانية الثقايف عام 2015م
النا�شر :مركز امللك عبدالعزيز للحوار الوطني
صدر أخيرا عن مركز الرحمانية الثقافي
مجلة «ال��ح��وار» مجلة فكرية ثقافية
دي��وان «الطائر المهاجر» للشاعر محمود (ف��ص��ل��ي��ة) ت���ص���در ع���ن م���رك���ز ال��م��ل��ك ال��رم��ح��ي ..وال���ذي ع���دّه األدي���ب وال��ق��اص عبدالعزيز للحوار ال��وط��ن��ي ،ف��ي إط��ار
عبدالرحمن ال��درع��ان -ال���ذي ق��دم لهذا الديوان – بمثابة سيرة ذاتية للشاعر ..وقد
ج��اء ال��دي��وان في ( )84صفحة من القطع
جهوده لنشر ثقافة الحوار ،ويشارك فيها نخبة من المثقفين وأصحاب الرأي ،وقد
المتوسط ..نقتطف منه ،في نهاية قصيدته :ص��در منها حتى تاريخه ثمانية عشر عددا. «الحمامة المشرّدة»: لهفي على تلك الحمامة مذ ر�أت
يهدف المركز من إصدار هذه المجلة
ك�������ل ال������ع������ي������ون ت���������س����ل����ط����ت ن����ظ����رات����ه����ا الفكرية الثقافية إل��ى فتح أف��ق جديد �������ش وال���ب���ي�������ض م��ع��ا �������ش ..ب����ل ل���ل���ع ّ ل���ل���ع ّ
ل��ل��ت��واص��ل ..ق��وام��ه االت��ص��ال ال��ح��واري
ل����ك�����أن دن���ي���ان���ا ت�����ض��ي��ق ب���أه��ل��ه��ا الثقافي م��ع مختلف ال��ش��رائ��ح .وه��ذا فغدت تهجر بي�ضها� ..أين� ..إلى..
األفق مفتوح للجميع للتعبير عما يجيش
اهلل �أع���ل���م م���ا ي������ؤول م�صيرها في أذهانهم من رؤى وأفكار وتصورات. ق���ارن���ت ح��ال��ي وال����دي����ار �سليبة
وهو منبر فكري لتالقح اآلراء واألطياف
فوجدت حالي ن�سخة من حالها الثقافية والفكرية المتعددة.
136اجلوبة -خريف 1437هـ ()2015
من إصدارات اجلوبة
صدر حديث ًا عن برنامج النشر في