الجوبة 71 محور خاص عن الكتابة و الزمن .. وافتتاح محط سكاكا

Page 1

‫¦ ¦محور خاص ‪ :‬جدلية الوقت والكتابة‬ ‫¦ ¦نصوص جديدة ونوافذ‬ ‫¦ ¦رحلة الشتاء بني الدخول وحومل‬ ‫¦ ¦مواجهات‪ :‬أحمد فضل شبلول‪،‬‬ ‫ محمود خيراهلل‪ ،‬خالد عبدالكرمي ا َ‬ ‫حل ْمد‪.‬‬

‫‏‬

‫برعاية سمو ولي العهد‬

‫سمو وزير الطاقة يفتتح مشروع‬ ‫محطة سكاكا للطاقة الشمسية‬

‫‪71‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعل ًقا مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جدي ًدا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طل ًبا للدعم مرف ًقا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعو ًما كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 9 4781‬هاتف‪ 011 4999946 :‬ج ـ ــوال‪055 3308853 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيسً ا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضوًا‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السدير ي عضوًا‬ ‫عضوًا‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضوًا‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محررا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫ً‬ ‫محررا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫ً‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫ريال واملؤسسات ‪ً 60‬‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ً 50‬‬ ‫ريال‬

‫رئيسً ا‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضوًا‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضوًا‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضوًا‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضوًا‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضوًا‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضوًا‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضوًا‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضوًا‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضوًا‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورق ًيا‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقم ًيا‬‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬ساب ًقا‬‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثقافية‪،‬‬ ‫برنامجا للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬يخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫ويتبنّى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز كل من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬ويتم متويل املركز من مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬


‫الـمحتويــــات‬

‫العدد ‪ - ٧١‬ربيع ‪١٤٤٢‬هـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫االفتتاحية ‪٤ ..................................................................‬‬

‫تـقــاريــر‪:‬‬

‫برعاية سمو ولــي العهد‪ ..‬سمو وزيــر الطاقة يفتتح مشروع‬

‫محطة سكاكا للطاقة الشمسية ويشهد توقيع اتفاقيات (‪ )7‬مشـروعــات‬

‫جديدة‪6 .....................................................................‬‬

‫محور خاص‪ :‬الكتابة بين الزمن وعدميته‪.....................‬‬

‫‪18.........................‬‬

‫الكتابة‬ ‫بين الزمن وعدميته‬

‫‪110............................‬‬ ‫حوار مع الكاتب والروائي‬

‫خالد عبدالكريم الحمد‬

‫ديناميكية الفنون وارتباطها بعامل الوقت ‪ -‬خالد ربيع السيد ‪...........‬‬ ‫الزمن الدائري ‪ -‬محمد العامري‪.........................................‬‬ ‫الساعة السادسة ظهرا ‪ -‬محمد علي حسن الجفري‪....................‬‬ ‫الزمان في الفكر العربي اإلسالمي ‪ -‬د‪ .‬توفيق زهير‪....................‬‬ ‫جدلية الوقت والحياة عند الشعراء ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬راشد عيسى‪................‬‬ ‫فلسفة الزمن وعشبة الخلود ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬أحمد بن ماضي الماضي ‪.........‬‬ ‫الزمن في الفكرويّات اإلسالميّة ‪ -‬محمد سالم جميعان ‪................‬‬ ‫فن إدارة الوقت‪ ..‬كيف يمكننا تطوير ذواتنا! ‪ -‬د‪ .‬هويدا صالح ‪.........‬‬ ‫الزمن وسيطٌ للكتابة‪ ..‬أم الكتابة وسيطة الزمن ‪ -‬د‪ .‬هناء البواب ‪......‬‬ ‫كيف ننتصر للزمن؟ الزمن بين الكتابة والوهم ‪ . -‬د‪ .‬منتصر الخفاجي‪.‬‬ ‫اتجاهات الزمن ومشكالته‪ ..‬آالن بيكي بيسوا‪ ..‬فرنسا ‪ -‬ترجمه‪ :‬اسكندر بيكوا‪.‬‬ ‫أوقاتنا بين االستثمار والتفريط ‪ -‬سميرة الزهراني ‪.....................‬‬ ‫عناية الحضارة اإلسالمية بالعلوم واآلالت المرتبطة بحساب الوقت ‪ -‬د‪ .‬سعيد‬

‫‪18‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪62‬‬

‫ابن دبيس العتيبي ‪64 ............................................................‬‬

‫نصوص‪ :‬ذلك الجدار‪ ..‬تلك الشجرة ‪ -‬هشام بن الشاوي ‪...............‬‬ ‫إنسان جديد‪ -‬رجاء عبدالحكيم الفولى ‪..................................‬‬ ‫هياكل ‪ -‬عقل بن مناور الضميري ‪........................................‬‬ ‫لست امراة عادية ‪ -‬ليال الصوص ‪.......................................‬‬ ‫ُشاغبَة! ‪ -‬فهد أبو حميد‪............................‬‬ ‫الكِ نايَة‪ ..‬مَسافاتٌ م ِ‬ ‫كغبطة أسرى تداهمهم بغتة الباب ‪ -‬عبدالوهاب الملوح ‪................‬‬ ‫الرَّبيع ‪ -‬سامي أبو بدر ‪...................................................‬‬ ‫غياب ‪ -‬د‪ .‬أحمد اللهيب ‪.................................................‬‬

‫‪70‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪87‬‬

‫العال‪ ..‬بين حلم ورؤية‪ - !..‬عمر بوقاسم‪88 .........................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬سيرة من أدب االويغور ‪ -‬ترجمة‪ :‬مي ممدوح ‪89 ..................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬أحمد فضل شبلول ‪ -‬حاوره؛ ياسر الششتاوي‪94 ...............‬‬

‫الشاعر المصري محمود خيراهلل ‪ -‬حاوره‪ :‬كمال أبو النور‪103 ..............‬‬ ‫الكاتب والروائي خالد عبدالكريم الحمد ‪ -‬حاوره‪ :‬المحرر الثقافي ‪110 ....‬‬

‫نوافذ‪ :‬الحلم المعلق لخالد عبدالكريم الحَ ْم ْد ومالمحها الجوفية بامتياز‬

‫‪123............................‬‬

‫ُ‬ ‫رحلة الشتاء‬ ‫وح ْو َمل‬ ‫الد ُخول َ‬ ‫بين َّ‬

‫ غازي خيران الملحم ‪120 ...................................................‬‬‫رحلة الشتاء بين الدَّ خُ ول وحَ ْومَل ‪ -‬د‪ .‬عائض الردّادي ‪123 ..................‬‬ ‫خالد البسام ‪1436 - 1375‬هـ ‪ -‬محمد عبدالرزاق القشعمي‪135 ...........‬‬ ‫حديث الوجدان في كتاب سنوات الجوف؛ ذكريات جيل ‪ -‬د‪ .‬هياء بنت‬ ‫عبدالرحمن السمهري‪140 ..................................................‬‬

‫الصفحة األخيرة‪ :‬أبطال نجيب محفوظ ‪ -‬صالح القرشي ‪144 ..............‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫يتجدد مفهوم الوقت والزمن‪ ،‬وتثور التساؤالت حول حركة الوقت وعوامل الزمن‪،‬‬ ‫وتشغل حركة األيام وصيرورتها ومفهوم الزمن الفالسفة والكتّاب والشعراء والمبدعين‪،‬‬ ‫محرضا اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫فرأى بعضهم أن كل وقت له بداية ونهاية‪ ،‬وقبلهم يأتي القرآن الكريم‬ ‫لحظة‬ ‫ٍ‬ ‫على العناية بالوقت وعدم التفريط به‪ ،‬إذ أعطى أهمية بالغة للزمن‪ ،‬الستغالل كل‬ ‫زمنية في أوقاتنا‪ ،‬بما يعود على اإلنسان ومحيطه بالخير والسالم حياة وعاقبة؛ إذ ال يهم‬ ‫ٍ‬ ‫في الحياة طول زمنها‪ ..‬بل ما نفعله فيها‪ ،‬فأقسم اهلل ج ّل وعال في مواضع عديدة من‬ ‫القرآن الكريم بالفجر‪ ،‬والضحى‪ ،‬والعصر‪ ،‬والليل‪ ،‬والنهار‪ ..‬وقد ارتبطت معظم العبادات‬ ‫في الدين اإلسالمي بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬وحيث‬ ‫تستشهد الدكتورة هويدا صالح بمقولة الباحث حامد أبو طالب "تبدأ صناعة الحضارة من‬ ‫حرص أفرادها على احترام الوقت كقيمة حضارية‪ ،‬وجاء اإلسالم مدركًا لهذه الحقيقة‪."..‬‬ ‫وإذ "يرتكز مفهوم الزمن في القرآن الكريم على أسس هي بمثابة المسلّمات التي‬ ‫ينطلق منها وعي المسلم‪ ،‬وأول هذه المسلّمات أ ّن اهلل تعالى ال يتزمّن بشيء وال يحيطه‬ ‫شيء‪ ،‬ويحيط هو بالكائنات جميعًا‪ ،‬التي هي بالضرورة ( خاضعة للزمن ) ‪."..‬‬ ‫وفي مجال الكتابة اإلبداعية‪ ،‬يختلف مفهوم الزمن لدى الكتّاب والمبدعين؛ فمن‬ ‫حالة‬ ‫الكتّاب من يعني له الزمن‪ /‬التجديد واالستمرارية‪ ،‬ومنهم من يعني له التوقف على ٍ‬ ‫معينة ال يتجاوزها‪ .‬وفي الفنون يتأكد ارتباط حركتها بعامل الوقت‪ ،‬إذ يرى الباحث خالد‬ ‫ربيع السيد أن الفنون زمانية ومكانية‪ ،‬ال يمكن إغفال عامل الوقت فيها؛ ومن هنا‪ ،‬يتضح‬ ‫أن ما يتحقق من القيم الجمالية في الفن‪ ،‬سواء قديمًا أم حديثًا‪ ،‬يعتمد على قيمة الزمن‪،‬‬ ‫أو الوقت وحسن استثماره في التعليم والعمل‪.‬‬ ‫وقد شغلت مفردة الزمن العرب في أكثر من موضع وسؤال؛ منها‪ :‬أزمن وأزمان وأزمنة‬ ‫وزمان‪ ،‬كما يقول الباحث محمد العامري؛ ولكنه يلفت االنتباه إلى أن إضافة األلف لها‬

‫‪4‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫افتتاحية‬


‫داللة على امتداده المطلق‪ ،‬والمطلق خاصية من خصائص ربّ الكون وحده (جل عاله) يتفرد بها‬ ‫وال يشاركه أحد بذلك‪.‬‬ ‫مثل الزخرفة‪،‬‬ ‫في جانب آخر‪ ،‬نجد أن الزمن الدائري يتمثّل عديدًا من ألوان السلوك اإلنساني؛ ً‬ ‫وهي ترددات لوحدات بصرية تتكرر بتشابهها ماال نهاية‪ ،‬كما أن للزمن تمظهراته في الشعر والسرد‪،‬‬ ‫إذ لكل رواية زمنها الخاص المرتبط غالبا بالمكان‪.‬‬ ‫معضالت الفلسفة‬ ‫وقد شكّل الزمن والوقت أهمية بالغة في الفكر والفلسفة؛ بل إنه شكّل أهم ّ‬ ‫وصول إلى الفلسفة‬ ‫ً‬ ‫عبر تاريخها الطويل‪ ،‬من طالئع فلسفة اليونان مرورًا بالفالسفة المسلمين‪،‬‬ ‫الحديثة كما يقول د‪ .‬توفيق زهير‪ ،‬إذ يتساءل عن الزمن ومعنى الوجود‪ :‬أفالطون‪ ،‬وأفلوطين‪،‬‬ ‫هيراقليدس‪ ،‬وزينون اإليلي‪ ،‬وأرسطو‪ ،‬وديكارت‪ ،‬وكانط‪ ،‬وبرجسون‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬والغزالي‪ ،‬وابن رشد ‪.‬‬ ‫وإذا كان الزمن قد شغل الفالسفة والشعراء‪ ،‬فإن فلسفة الزمن وعشبة الخلود قد تمثلت في‬ ‫ملحمة جلجامش السومرية؛ كما يقول د‪ .‬احمد ماضي‪ ،‬حيث الوجود حسب مارتن هايدجر‪ ،‬هو حركة‬ ‫الزمن فينا‪ ،‬التي تقودنا قدمًا نحو العدم‪/‬المستقبل‪ ،‬وحيث الزمن أفق كل فهم للوجود وتفسيره‪.‬‬ ‫ولم تقف جدلية الزمن والوقت عند الفالسفة والمفكرين‪ ،‬بل تعدتهم لتكون ثيم ًة عند الشعراء كما‬ ‫يقول د‪ .‬راشد عيسى‪ ..‬من طرفة بن العبد‪ ،‬وامرئ القيس‪ ،‬وقيس بن الملوّح‪ ،‬والمتنبي‪ ..‬إلى الخيام‬ ‫وترجمات أحمد رامي‪ ،‬وأحمد شوقي‪ ،‬والهادي آدم‪ ،‬و محمود درويش‪.‬‬ ‫ويرى معظم النقاد والروائيين والباحثين أن الرواية الجديدة ورواية ما بعد الحداثة قد دمرتا‬ ‫األزمنة ومزقتها‪ ،‬كما تقول الدكتورة هناء البواب‪ ،‬حيث التالعب بالزمن بعد أن كانت الرواية التقليدية‬ ‫استعراض لكيفية كتابة المبدع‬ ‫ٍ‬ ‫تخضع للتسلسل الزمني المحافظ بإطار متين من الزمن‪ ..‬ومن‬ ‫أسطورته السردية‪ ،‬حيث الكتابات المسمارية التي استخدمها السومريون واألشوريون‪ ،‬والكتابة‬ ‫الهيروغليفية في مصر الفرعونية‪ ،‬وكلها كتابات تصويرية‪ ،‬وانتقال اإلنسان إلى الكتابة باألحرف‬ ‫التعبيرية من أوجاريت إلى الكتابة باألحرف العربية‪ ،‬يرى الباحث د‪ .‬منتصر الخفاجي أن هذا يُظهر‬ ‫أن الزمن ال عالقة له أن يكون األساس في الكتابة‪ ،‬بل على العكس الكتابة هي التي تحرك الزمن‪..‬‬ ‫واذا كان الزمن واح ٌد من اإلشكاليات التي واجهت الفكر الديني والعلمي والفلسفي‪ ،‬فإن الممارسة‬ ‫العملية للمفكرين المسلمين تجلت في بحث مشكلة الزمن في وعي اإلنسان‪ ،‬انطالقا من حثّ القرآن‬ ‫الكريم "أفال تعقلون" كما يرى محمد سالم جميعان‪ ،‬ولم يقف الفالسفة المسلمون عند المعنى‬ ‫المجرد للزمن‪ ،‬بل ربطوه بالعلة والمعلول ومذاهب قراءاتهم التي خرجوا بها‪.‬‬ ‫باق‪ ،‬نحن من‬ ‫"يقول الناس الزمن ينقضي‪ ،‬لكن وآسفاه‪ ،‬الزمن ٍ‬ ‫هنري أوستن دوبسون‪.‬‬

‫افتتاحية‬

‫سنغادر"‪New Philosopher Arabia.‬‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪5‬‬


‫برعاية سمو ولي العهد‪..‬‬

‫ســمو وزيــر الطاقــة يفتتــح مشــروع‬ ‫ويشـهـــــد توقيــــع اتفاقيـــــات‬ ‫سمو ولي العهد‪:‬‬

‫افتتــاح مشــروع محطــة ســكاكا إلنتــاج‬ ‫اتفاقيــات شــراء الطاقــة لـســـبعة مشــروعات‬ ‫الحـرميـــن الشـــــريفين بالعمـــــل علـــى‬ ‫■ أعد التقرير‪ :‬فريق التحرير من سكاكا‬

‫تـحــت رع ــاي ــة صــاحــب الـسـمــو الـمـلـكــي األم ـي ــر مـحـمــد ب ــن سـلـمــان بن‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬ولي العهد‪ ،‬نائب رئيس مجلس الــوزراء‪ ،‬رئيس اللجنة العليا‬ ‫لشؤون مزيج الطاقة إلنتاج الكهرباء وتمكين قطاع الطاقة المتجددة‪،‬‬ ‫افتتح صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫وزير الطاقة‪ ،‬وبحضور صاحب السمو الملكي األمير فيصل بن نواف بن‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬أمير منطقة الجوف‪ ،‬مشروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية‪،‬‬ ‫الــذي ُيـ َعــدُّ بــدايــة مـشــروعــات الطاقة المتجددة فــي المملكة‪ ،‬وذلــك يوم‬ ‫الخميس ‪ 26‬شعبان ‪ 1442‬هـ الموافق ‪ 08‬إبريل ‪2021‬م‪.‬‬ ‫وج ــرت خــال حفل االفـتـتــاح‪ ،‬مــراســم توقيع اتـفــاقـيــات ش ــراء الطاقة‬ ‫لسبعة مشروعات أخرى للطاقة المتجددة في مختلف مناطق المملكة‪،‬‬ ‫تحالفات استثمارية مكونةٍ من ‪ 12‬شركةً سعوديةً ودولية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مع خمس‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تقارير‬


‫محطــة ســكاكا للطاقــة الشمســية‬ ‫لـســــبعة مشــــروعــــات جديــدة‬

‫(‪)١‬‬

‫الكهربــاء مــن الطاقــة الشمســية وتوقيــع‬ ‫ً‬ ‫تنفيــذا لتوجيهــات خــادم‬ ‫جديــدة‪ ،‬يأتيــان‬ ‫تنميــة اقتصــاد المملكــة وفــق رؤيــة ‪2030‬‬ ‫وك ــان صــاحــب السمو الملكي األمير‬ ‫محمد بن ســلــمــان بــن عــبــدالــعــزيــز‪ ،‬ولــي‬ ‫العهد‪ ،‬نائب رئيس مجلس الــوزراء‪ ،‬وزير‬ ‫الدفاع‪ ،‬رئيس اللجنة العليا لشؤون مزيج‬ ‫الــطــاقــة إلنــتــاج الــكــهــربــاء وتمكين قطاع‬ ‫صــرح أن افتتاح‬ ‫الطاقة المتجددة‪ :‬قــد ّ‬ ‫مــشــروع محطة سكاكا إلنــتــاج الكهرباء‬ ‫مــن الطاقة الشمسية وتوقيع اتفاقيات‬ ‫شــراء الطاقة لـسبعة مشروعات جديدة‪،‬‬ ‫يأتيان تنفيذًا لتوجيهات خــادم الحرمين‬ ‫الشريفين‪ ،‬الملك سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫آل سعود ‪-‬حفظه اهلل‪ -‬بالعمل على تنمية‬ ‫اقتصاد المملكة العربية السعودية‪ ،‬وفق‬ ‫رؤية ‪ ،2030‬وما يندرج تحتها من مبادرات‬ ‫في قطاع الطاقة المتجددة‪.‬‬

‫ولي العهد األمير محمد بن سلمان‬

‫اإلعالن عن مبادرتين‪ ،‬هما‪« :‬مبادرة السعودية‬ ‫الخضراء» و«مبادرة الشرق األوسط األخضر»‪،‬‬

‫ما يؤكد حرص المملكة بوصفها منتجً ا عالميًا‬ ‫رئيسً ا ورائدًا للبترول‪ ،‬تدرك تمامًا نصيبها من‬ ‫المسؤولية في دفع عجلة مكافحة تغيّر المناخ‪،‬‬ ‫واستمرارًا لدور المملكة الرياديّ في استقرار‬

‫وقال سموه‪« :‬لقد تم خالل األسابيع الماضية أســواق الطاقة‪ ،‬سنواصل هذا الــدور لتحقيق‬

‫تقارير‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪7‬‬


‫الريادة في مجال الطاقة المتجددة»‪.‬‬ ‫وأضــاف سموه‪« :‬هــذه المناسبة تعبّر عن‬ ‫عزمنا على أن نكون روادًا في جميع قطاعات‬ ‫الطاقة‪ ،‬وقــد سعينا لتحقيق المزيج األمثل‬ ‫منها‪ ،‬وتعزيز كفاءة إنتاجها واستهالكها؛ إذ‬

‫تدشين محطة سكاكا للطاقة‬ ‫الــشــمــســيــة الــكــهــروضــوئــيــة‬ ‫منعطف تــاريــخـ ٌّـي فــي مسيرة‬ ‫ٌ‬ ‫الخطط المتواصلة لتطوير‬ ‫قــــطــــاع الــــطــــاقــــة ال ــوط ــن ــي‬ ‫وتنويع مــصــادره ورفــع كفاءته‬ ‫مــحــطــة ســكــاكــا أول محطة‬ ‫للطاقة المتجددة في المملكة‬

‫نشهد اليوم إطالق مشروع محطة سكاكا إلنتاج‬ ‫الكهرباء من الطاقة الشمسية وتشغيله‪ ،‬وهي‬ ‫تمثل أولى خطواتنا الستغالل الطاقة المتجددة‬ ‫في المملكة‪ ،‬وفي القريب العاجل سيكتمل إنشاء‬ ‫مشروع محطة دومة الجندل إلنتاج الكهرباء من‬ ‫طاقة الرياح»‪.‬‬ ‫وتــابــع سموه قــائـ ًـا‪« :‬نشهد الــيــوم توقيع‬ ‫اتــفــاقــيــات لسبعة مــشــروعــات جــديــدة إلنتاج‬ ‫الــكــهــربــاء مــن الــطــاقــة الشمسية فــي مناطق‬ ‫مختلفة من المملكة‪ ،‬وستصل الطاقة اإلنتاجية‬ ‫لهذه المشروعات‪ ،‬إضافة إلى مشروعي سكاكا‬ ‫ودومة الجندل‪ ،‬إلى أكثر من (‪ )3600‬ميجاوات‪،‬‬ ‫كما أنها ستوفر الطاقة الكهربائية ألكثر من‬ ‫(‪ )600‬ألــف وح ــدة سكنية‪ ،‬وستخفض أكثر‬ ‫من سبعة ماليين طن من االنبعاثات المسببة‬ ‫لالحتباس الــحــراري‪ .‬وقــد حقق بعض هذه‬ ‫المشروعات أرقامًا قياسي ًة جديدة تمثلت في‬ ‫تسجيل أقــل تكلفة لشراء الكهرباء المنتجة‬ ‫من الطاقة الشمسية في العالم‪ .‬وستتبع هذه‬ ‫المشروعاتـ بإذن اهلل مشروعات أخرى للطاقة‬ ‫المتجددة‪ ،‬في أنحاء العالم‪ ،‬سنعلن عنها في‬ ‫حينها»‪.‬‬ ‫وأكــد سموه أن هذه المشروعات‪ ،‬وغيرها‬ ‫من مشروعات الطاقة المتجددة‪ ،‬التي يجري‬ ‫إنــشــاؤهــا فــي أنــحــاء المملكة‪ ،‬تمثل عناصر‬ ‫جوهرية في الخطط الرامية للوصول إلى مزيج‬ ‫الطاقة األمثل إلنتاج الكهرباء‪ ،‬والتي تستهدف‬ ‫أن تصبح حصة كل من الغاز ومصادر الطاقة‬ ‫المتجددة في هذا المزيج نحو (‪ )%50‬بحلول‬ ‫عام ‪2030‬م‪ ،‬وأن يحل الغاز والطاقة المتجددة‬ ‫محل نحو مليون برميل بترول مكافئ من الوقود‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تقارير‬


‫السائل يوميًا‪ ،‬تستهلك وقودًا في إنتاج الكهرباء‬ ‫وتحلية المياه وفي القطاعات األخرى‪ ،‬للوصول‬ ‫إلى المزيج األمثل‪ ،‬واألعلى كفاءة‪ ،‬واألقل تكلفة‪،‬‬ ‫واألكــثــر إسهامًا فــي حماية البيئة والحفاظ‬ ‫عليها‪ .‬وتجسد هذه المشروعات جهود المملكة‬ ‫الرامية إلى توطين قطاع الطاقة المتجددة‪،‬‬ ‫وتعزيز المحتوى المحلي فيه‪ ،‬وتمكين صناعة‬ ‫مكونات إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح‬ ‫محليًا‪ ،‬لتصبح المملكة خالل األعــوام العشرة‬ ‫الــقــادمــةـ ب ــإذن اهلل مــرك ـزًا عــالــمـ ًيــا للطاقة‬ ‫التقليدية والمتجددة وتقنياتها‪.‬‬

‫خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان‬

‫واختتم سمو ولي العهد تصريحه‪ ،‬بالقول‪:‬‬ ‫«إن مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق‬ ‫األوسط األخضر»‪ ،‬إضافة إلى المشروعات التي‬ ‫نشهد اليوم انطالقتها‪ ،‬تمثل أجزا ًء جوهرية من‬ ‫دورنا الريادي تجاه القضايا الدولية المشتركة‪،‬‬ ‫واستكمال للجهود التي بذلتها المملكة خالل‬ ‫ً‬ ‫فترة رئاستها مجموعة العشرين‪ ،‬والتي نتج‬ ‫عنها تبنّي المجموعة لمفهوم االقتصاد الدائري‬ ‫للكربون‪ ،‬الذي يسهم في تسريع استعادة توازن‬ ‫انبعاث الغازات المسببة لالحتباس الحراري‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن هذه المشروعات تعزز سجلنا في‬ ‫مجال الطاقة المتجددة‪ ،‬كما أنها تضاف إلى‬ ‫المكانة التي نتمتع بها في مجال الطاقة بشكل‬ ‫عام»‪.‬‬ ‫تصريح سمو وزير الطاقة‬ ‫وف ــي تــصــريــح لسمو وزيـــر الــطــاقــة بهذه‬ ‫المناسبة‪ ،‬ن ـوّه صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز بدعم‬ ‫خــادم الحرمين الشريفين‪ ،‬الملك سلمان بن‬

‫تقارير‬

‫وزير الطاقة األمير عبدالعزيز بن سلمان‬

‫عبدالعزيز آل سعود حفظه اهلل‪ ،‬وتوجيهاته‬ ‫الــســديــدة فــي جميع الــمــجــاالت الــتــي تُحقق‬ ‫المنافع للوطن والمواطنين‪ ،‬كما ثمّن سموه‬ ‫دعم سمو ولي العهد قائال‪« :‬يجب عليّ التنويه‬ ‫بالدور القيادي الكبير الذي ينهض به صاحب‬ ‫السمو الملكي األمــيــر محمد بن سلمان بن‬ ‫عبدالعزيز ولي العهد‪ ،‬حفظه اهلل‪ ،‬في تمكين‬ ‫قطاع الطاقة‪ ،‬من خالل قيادته اللجنة العليا‬ ‫لشؤون المواد الهيدروكربونية‪ ،‬واللجنة العليا‬ ‫لشؤون مزيج الطاقة إلنتاج الكهرباء‪ ،‬وتمكين‬ ‫قطاع الطاقة المتجددة‪ ،‬وتوجيهاته التي قادت‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪9‬‬


‫يــمــثــل افــتــتــاح مــحــطــة سكاكا‬ ‫للطاقة الشمسية الكهروضوئية‬ ‫منعطفً ا تاريخيً ا فــي مسيرة‬ ‫تحول قطاع الطاقة بالمملكة‬ ‫لتصبح ركيزة لمشاريع الطاقة‬ ‫الـــمـــتـــجـــددة الــمــســتــقــبــلــيــة‬

‫وأشار سمو األمير عبدالعزيز بن سلمان إلى‬ ‫أن بعض هذه المشروعات حقق أرقامًا قياسية‬ ‫عالمية جديدة تمثلت في تسجيل أقل تكلفة‬ ‫لشراء الكهرباء المُنتجة من الطاقة الشمسية‬ ‫في العالم‪ ،‬إذ بلغت تكلفة شــراء الكهرباء من‬ ‫مشروع الشعيبة ‪ 1.04‬سنتًا أمريكيًا لكل كيلو‬ ‫وات‪ /‬ساعة‪.‬‬

‫ون ـوّه سموه بــدور القطاع الخاص في هذه‬ ‫ـري في‬ ‫الــمــشــاريــع‪ ،‬ال ــذي يُــســهــم بـ ــدورٍ جــوهـ ٍ‬ ‫مشروعات الطاقة المتجددة؛ إذ تــم تطوير‬ ‫مشروع سكاكا‪ ،‬من قبل شركة أكواباور‪ ،‬وهي‬ ‫شركة وطنية رائــدة في هــذا المجال‪ ،‬يمتلك‬ ‫صــنــدوق االســتــثــمــارات الــعــامــة ‪ %50‬منها‪،‬‬ ‫وانتشرت مشروعاتها في العديد من دول العالم‪،‬‬ ‫وزير الطاقة وأمير الجوف يشهدان توقيع اتفاقيات‬ ‫وحققت إنجازات على مستوى توطين الوظائف‪،‬‬ ‫الطاقة للمشروعات الجديدة‬ ‫بوجود ‪ %97‬من فريق تشغيل محطة سكاكا من‬ ‫إلــى رفــع مستوى طموحاتنا‪ ،‬إذ تُــمـ ّثــل هذه‬ ‫السعوديون‪ %90 ،‬منهم من أبناء منطقة الجوف‪.‬‬ ‫المشروعات تطبيقًا عمليًا‪ ،‬على أرض الواقع‪،‬‬ ‫وأكد سمو وزير الطاقة أن أهمية مشروعات‬ ‫لرؤية «المملكة ‪ ،»2030‬مما يُسهم في الوصول‬ ‫إلى مزيج الطاقة األمثل‪ ،‬وتحوّل المملكة من الطاقة المتجددة التي يُحتفل بها اليوم تكمن‬ ‫في أنها تُمثل خطوات عملية باتجاه تحقيق‬ ‫استهالك الــوقــود السائل إلــى الغاز والطاقة‬ ‫العديد من األهداف االستراتيجية لمستهدفات‬ ‫المتجددة‪ ،‬األمر الذي يجعلها عالمات فارقة‬ ‫رؤي ــة «المملكة ‪ ،»2030‬لمنظومة الطاقة‬ ‫في مسيرة قطاع الطاقة»‪.‬‬ ‫ككل‪ ،‬وقطاع الكهرباء‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬مبينا أن‬ ‫وأوض ــح ســمــوه أن الــمــشــروعــات الجديدة استغالل مصادر الطاقة المتجددة يُمثّل جزءًا‬ ‫تقع في المدينة المنورة‪ ،‬وسدير‪ ،‬والقريات‪ ،‬مهمًا من السعي إلى خفض استهالك الوقود‬ ‫والشعيبة‪ ،‬وجدة‪ ،‬ورابغ‪ ،‬ورفحاء‪ .‬ويبلغ إجمالي السائل في إنتاج الكهرباء‪ ،‬والوصول إلى مزيج‬ ‫طاقة هذه المشروعات‪ ،‬إضاف ًة إلى مشروعي الطاقة األمثل‪ ،‬الذي يهدف إلى أن تُصبح حصة‬ ‫سكاكا ودومــة الجندل‪ 3670 ،‬ميجاوات‪ .‬كما الغاز ومصادر الطاقة المتجددة في هذا المزيج‬ ‫لكل منهما بحلول عام ‪2030‬م‪ ،‬وذلك‬ ‫أنها ستوفر الطاقة الكهربائية ألكثر من ‪ 600‬نحو ‪ٍ %50‬‬ ‫ألف وحدة سكنية‪ ،‬وستخفض أكثر من ‪ 7‬ماليين بــإزاحــة نحو مليون برميل بترول مكافئ من‬ ‫طن من االنبعاثات المسببة لالحتباس الحراري‪ .‬الوقود السائل يوميًا‪ ،‬تُستهلك وقودًا في إنتاج‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تقارير‬


‫الكهرباء وتحلية المياه وفي قطاعات أخرى‪.‬‬ ‫وأشــــار ســمــوه إل ــى أن كــل ذل ــك سيمكّن‬ ‫المملكة من رفــع كفاءة استهالك الطاقة في‬ ‫إنتاج الكهرباء‪ ،‬وتأكيد مستوى التزامها البيئي‬ ‫وتعزيزه‪ ،‬بخفض مستوى االنبعاثات المتسببة‬ ‫في االحتباس الحراري‪.‬‬ ‫وبيّن أن هذه المشروعات‪ ،‬والعديد غيرها‬ ‫الــتــي يــجــري إنــشــاؤهــا فــي أنــحــاء المملكة؛‬ ‫كمشروعات إنتاج الهيدروجين واألمونيا‪ ،‬وتبنّي‬ ‫المملكة نهج االقتصاد الدائري للكربون‪ ،‬الذي‬ ‫أقرته قمة مجموعة العشرين‪ ،‬استنادًا إلى‬ ‫مبادرة المملكة‪ ،‬كنهج فاعل لتحقيق األهداف‬ ‫المتعلقة بالتغير المناخي‪ ،‬وضمان إيجاد أنظمة‬ ‫طاقةٍ أكثر استدامة وأقل تكلفة‪ ،‬هي عناصر‬ ‫داعم ٌة ومُكمل ٌة لألهداف الطموحة التي ترمي‬

‫تقارير‬

‫ـداف‬ ‫حققت محطة سكاكا أه ـ َ‬ ‫توطين الوظائف بنحو ‪،%100‬‬ ‫ويجسد المشروع دور الشراكات‬ ‫بين القطاعين العام والخاص‬ ‫فــي تمكين النمو االجتماعي‬ ‫واالقتصادي المستدام بالمملكة‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪11‬‬


‫ويدعم خطط المملكة الطموحة ألن تُصبح‬ ‫من الــدول الرئيسة في مجال إنتاج الكهرباء‬ ‫وتصديرها باستخدام الطاقة المتجددة‪ ،‬كما‬ ‫يدعم التبادل التجاري للطاقة الكهربائية من‬ ‫خــال مــشــروعــات الــربــط الكهربائي مــع دول‬ ‫الجوار‪ ،‬التي بدأت بالربط الكهربائي مع دول‬ ‫الخليج العربية‪ ،‬فيما يجري العمل على الربط‬ ‫الكهربائي مع مصر واألردن والعراق‪ ،‬كما أنها‬ ‫تُــعــزز السعي لتوطين صناعة مكونات إنتاج‬ ‫الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتطوير تقنياتها‪،‬‬ ‫وتمكين الكفاءات العاملة في القطاع»‪.‬‬ ‫وكان سمو وزير الطاقة قد اطلع خالل زيارته‬ ‫لمنطقة الــجــوف‪ ،‬على مــشــروع محطة دومــة‬ ‫الجندل لطاقة الرياح الــذي سينتج نحو ‪400‬‬ ‫ميجاوات‪.‬‬

‫إليها مبادرة «السعودية الخضراء»‪ ،‬و«الشرق‬ ‫األوسط األخضر»‪ ،‬التي أعلن عنهما سمو ولي‬ ‫العهد قبل أيام‪ ،‬والتي تُؤكد حرص المملكة على‬ ‫مواصلة الوفاء بالتزاماتها في إطار اتفاقيات‬ ‫حماية البيئة ومكافحة التغيُّر المُناخي‪.‬‬ ‫وق ــال سمو األمــيــر عبدالعزيز بن سلمان‬ ‫«إن إكمال هذه المشروعات‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وربطها‬ ‫بالشبكة الوطنية‪ ،‬سيسهم في تعزيز قــدرات‬ ‫المملكة فــي إنــتــاج الكهرباء لتلبية االحتياج‬ ‫الوطني‪ ،‬ويُعزز موثوقية الشبكة الكهربائية‪،‬‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫وتشمل مشروعات الطاقة الكهروضوئية‬ ‫التي أعلن عنها‪ :‬مشروع سدير‪ ،‬الذي تبلغ سعته‬ ‫‪ 1500‬ميجاوات‪ ،‬وهو أحد المشروعات المطورة‬ ‫من قبل صندوق االستثمارات العامة وشريكه‬ ‫االســتــراتــيــجــي أك ــواب ــاور ال ــذي يــقــود تحالف‬ ‫المشروع؛ ومشروعي القريات والشعيبة‪ ،‬اللذين‬ ‫ينفذهما تحالف شــركــات‪ :‬أكــوابــاور‪ ،‬والخليج‬ ‫لــاســتــثــمــار‪ ،‬والــبــابــطــيــن لــلــمــقــاوالت للطاقة‬ ‫الكهروضوئية‪ ،‬وتبلغ سعة مــشــروع القريات‬ ‫‪ 200‬ميجاوات‪ ،‬وسعة مشروع الشعيبة ‪600‬‬ ‫ميجاوات؛ ومشروع جــدة الــذي ينفّذه تحالف‬ ‫شركات‪ :‬مصدر‪ ،‬وإي دي أف‪ ،‬ونسما وتبلغ سعته‬ ‫‪ 300‬ميجاوات؛ ومشروع رابغ الذي يُنفّذه تحالف‬ ‫شركات‪ :‬موروبيني؛ والجميح‪ ،‬والذي تبلغ سعته‬ ‫‪ 300‬مــيــجــاوات؛ ومشروعي رفــحــاء والمدينة‬

‫تقارير‬


‫الــمــنــورة‪ ،‬الــلــذيــن يُنفذهما تحالف شــركــات‪ :‬تقليل انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة في‬ ‫البالغة‪ ،‬والفنار‪ ،‬وتكنولوجيا الصحراء‪ ،‬وتبلغ المملكة‪.‬‬ ‫سعة مشروع رفحاء ‪ 20‬ميجاوات‪ ،‬وسعة مشروع‬ ‫وزير الطاقة يقوم بزيارة مشروع دومة‬ ‫المدينة المنورة ‪ 50‬ميجاوات‪.‬‬ ‫الجندل لطاقة الرياح‬ ‫وعليه‪ ،‬يبلغ إجمالي سعات هذه المشروعات‪،‬‬ ‫قام سمو وزير الطاقة األمير عبدالعزيز بن‬ ‫إضــافـ ًة إلــى مشروعي منطقة الــجــوف؛ وهما‬ ‫مشروع سكاكا للطاقة الشمسية‪ ،‬الــذي أطلق سلمان وســمــو أمــيــر منطقة الــجــوف األمير‬ ‫يوم الخميس ‪26‬شعبان ‪ 1442‬هـ الموافق ‪ 08‬فيصل بن نواف بن عبدالعزيز بزيارة تفقدية‬ ‫أبريل ‪ 2021‬م‪ ،‬ومشروع دومة الجندل لطاقة لمشروع دومة الجندل لطاقة الرياح‪.‬‬ ‫الرياح‪ 3670 ،‬ميجاوات‪.‬‬ ‫وقد اطلع خالل زيارته لمنطقة الجوف‪ ،‬على‬ ‫وتتميز المشروعات الجديدة بأنها تنفذ مشروع محطة دومة الجندل لطاقة الرياح الذي‬ ‫عبر اإلنتاج المستقل (‪ ،)IPP‬كما سيكون شراء سينتج نحو ‪ 400‬ميجاوات‪.‬‬ ‫الطاقة‪ ،‬التي سوف تنتجها هذه المشروعات‪،‬‬ ‫اتفاقيات لشراء الطاقة لمدة تُراوح‬ ‫ٍ‬ ‫في إطار‬ ‫بين ‪20‬و‪ 25‬عامًا مع الشركة السعودية لشراء‬ ‫الطاقة‪.‬‬

‫جدير بالذكر‪ ،‬أن برامج الطاقة المتجددة‪،‬‬ ‫التي تعمل عليها وزارة الطاقة‪ ،‬تشمل دعم بناء‬ ‫هذا القطاع الواعد‪ ،‬من خالل حشد استثمارات‬ ‫الــقــطــاع ال ــخ ــاص‪ ،‬وتــشــجــيــع ال ــش ــراك ــات بين‬ ‫القطاعين العام والخاص‪ ،‬إليجاد سوق وطنيةٍ‬ ‫تنافسيةٍ للطاقة المتجددة‪ ،‬تُعزز فــرص قيام‬ ‫صناعة جديدة لتقنيات هذه الطاقة؛ أما المواقع‬ ‫المخصصة لــمــشــروعــات الــطــاقــة الــمــتــجــددة‪،‬‬ ‫فيختارها بعناية فريق فني سعودي متخصص‪،‬‬ ‫وذلك لتحقيق أعلى جودة ممكنة إلنتاج الطاقة‬ ‫الكهربائية‪ .‬وتُسهم مشروعات الطاقة المتجددة‬ ‫في صياغة مالمح االقتصاد الدائري للكربون‪،‬‬ ‫الــذي تبنته المملكة‪ ،‬ودعمته خــال رئاستها‬ ‫مجموعة العشرين في العام الماضي‪ ،‬بهدف‬

‫تقارير‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪13‬‬


‫المملكة‪ ،‬وتبلغ سعته اإلنتاجية ‪ 300‬ميجاوات‪.‬‬

‫صاحب السمو الملكي‬ ‫األمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز‬ ‫أمير منطقة الجوف‬

‫وأوضــح أن تدشين هــذا المشروع‪ ،‬يأتي‬ ‫فــي إط ــار النهضة الشاملة الــتــي تشهدها‬ ‫المملكة والمنطقة فــي هــذا العهد الزاهر‬ ‫لخادم الحرمين الشريفين‪ ،‬الملك سلمان بن‬ ‫عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬وسمو ولي عهده األمين‬ ‫ حفظهما اهلل ‪ ،-‬لتصبح المملكة رائدة في‬‫تبنّي وتطبيق التقنيات الحديثة ومشروعات‬ ‫التنمية المستدامة والطاقة المتجددة‪.‬‬

‫وأكـــد ســمــوه أن مــشــروع محطة سكاكا‬ ‫للطاقة الشمسية‪ ،‬ومــشــروع دومــة الجندل‬ ‫لــطــاقــة الــريــاح بمنطقة الــجــوف‪ ،‬وغيرها‬ ‫مــن المشروعات الطموحة بقطاع الطاقة‬ ‫المتجددة في مختلف مناطق الوطن‪ ،‬واحدة‬ ‫من ثمار رؤية المملكة ‪ 2030‬التي أطلقها سمو‬ ‫ولــي العهد‪ ،‬وتستهدف التوسع فــي الطاقة‬ ‫المتجددة والنظيفة الصديقة للبيئة‪ ،‬كما‬ ‫تنسجم هذه المشروعات مع مبادرة السعودية‬ ‫سمو أمير الجوف يرفع الشكر لسمو ولي‬ ‫الخضراء التي كشف عنها سمو ولي العهد‪،‬‬ ‫العهد بمناسبة تدشين محطة سكاكا‬ ‫وستعمل على تقليل االنبعاثات الكربونية بأكثر‬ ‫للطاقة الشمسية‬ ‫من ‪ 4‬بالمئة من المساهمات العالمية‪ ،‬وذلك‬ ‫رفع صاحب السمو الملكي األمير فيصل بن مــن خــال مشاريع الطاقة المتجددة التي‬ ‫نواف بن عبدالعزيز‪ ،‬أمير منطقة الجوف‪ ،‬ستوفر ‪ 50‬بالمئة من إنتاج الكهرباء داخل‬ ‫باسمه ونيابة عــن أهــالــي منطقة الــجــوف‪ ،‬المملكة بحلول عام ‪.2030‬‬ ‫الشكر واالمتنان لصاحب السمو الملكي األمير‬ ‫وقــال‪ :‬نعتز ونفتخر في المنطقة وكافة‬ ‫محمد بن سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬ولي العهد‪ ،‬أرجــاء الوطن بهذه المشروعات الطموحة‪،‬‬ ‫نائب رئيس مجلس الـ ــوزراء‪ ،‬وزيــر الــدفــاع‪ ،‬وسنبذل قصارى جهدنا لدعمها وإنجاحها‪،‬‬ ‫رئيس المجلس االقتصادي‪ ،‬بمناسبة تدشين ليعمل جميع أبناء الوطن لتحقيق تطلعات‬ ‫مشروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية‪ ،‬الذي قيادتنا الرشيدة واالرتقاء بالوطن إلى القمة‬ ‫يُعد باكورة مشروعات الطاقة المتجددة في في كافة المجاالت‪ ،‬وتعزيز الرخاء واالزدهار‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تقارير‬


‫واستدامة التنمية والبيئة‪ ،‬سائال اهلل عز وجل‬ ‫أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي‬ ‫عهده األمين‪ ،‬ويديم على الوطن الغالي نعمة‬ ‫األمن واالستقرار‪.‬‬ ‫محطة سكاكا المستقلة للطاقة‬ ‫(‪)٢‬‬ ‫الشمسية الكهروضوئية‬ ‫يــعــد مــشــروع مــحــطــة ســكــاكــا المستقل‬ ‫للطاقة الشمسية الكهروضوئية‪ ،‬الــذي تبلغ‬ ‫سعته ‪ 300‬مــيــجــاواط‪ ،‬أول محطة للطاقة‬ ‫المتجددة على مستوى المرافق في المملكة‬ ‫العربية السعودية‪ .‬وقــد منح مكتب تطوير‬ ‫مشاريع الطاقة المتجددة شركة أكــوا باور‬ ‫عقد الــمــشــروع بعد تقديمها سعر قياسي‬ ‫للتعرفة بلغ ‪ 2.3417‬سنتًا أمريكيًا‪/‬كيلوواط‬ ‫(‪ 8.781‬هللة‪/‬كيلوواط ســاعــة)‪ .‬وستمتد‬ ‫مساحة المحطة على ستة كيلومترات مربعة‬ ‫في منطقة الــجــوف‪ ،‬بقيمة استثمارية تبلغ‬ ‫‪ 1200‬مليون ريال‪ .‬ويعد هذا المشروع باكورة‬ ‫مشاريع تعتزم المملكة إنشاءها‪ ،‬ضمن برنامج‬ ‫وطني طموح للطاقة المتجددة‪ ،‬يستهدف إنتاج‬ ‫‪ 9،5‬جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول‬ ‫العام ‪2023‬م‪.‬‬

‫صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة‬

‫محطات في تاريخ المشروع‬ ‫محطة سكاكا للطاقة الشمسية الكهروضوئية‬ ‫هــي أول مــشــروع فــي المرحلة األول ــى ضمن‬ ‫البرنامج الوطني للطاقة المتجددة في المملكة‪،‬‬ ‫وتصل تكلفته االستثمارية إلى ‪ 1.2‬مليار ريال‪.‬‬ ‫بــدأ العمل فيها في نوفمبر ‪2018‬م‪ ،‬وبدأ‬ ‫تشغليها في أواخر العام ‪2019‬م‪ ،‬حين أعلنت‬ ‫«أكوا باور» عن نجاح ربط «محطة سكاكا للطاقة‬

‫تقارير‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪15‬‬


‫الشمسية الكهروضوئية»‪ ،‬بشبكة الكهرباء‬ ‫الوطنية الرئيسة‪ ،‬وبــدء المحطة في اإلنتاج‬ ‫الفعلي وتــزويــد الشبكة بالطاقة الكهربائية‬ ‫ليدخل المشروع مرحلة التشغيل التجريبي وفق‬ ‫الجدول المُحدد له‪.‬‬

‫يضم الــمــشــروع ‪ 1.2‬مليون لــوح شمسي‪،‬‬ ‫تولد طاقة كهربائية بطاقة إنتاجية تقدر بـ‪300‬‬ ‫ميغاوات بما يكفي لسد حاجة ‪ 45‬ألف وحدة‬ ‫سكنية‪ ،‬وبقدرة على خفض أكثر من ‪ 500‬ألف‬ ‫طن من االنبعاثات الكربونية سنويًا‪.‬‬ ‫أبونيان‪ :‬النجاح في تنفيذ مشروع سكاكا‬ ‫في وقت قياسي يشكل منطلقً ا محوريً ا‬ ‫لتنويع مزيج الطاقة ورفع كفاءته في‬ ‫المملكة‬

‫رئيس منتدى الطاقة‬

‫اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ‬ ‫اﻟﺠﻮف‬

‫ﻣﺤﻄﺔ ﺳﺎﻜﺎﻛ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ‬ ‫اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ‬ ‫ﻳﻌﺪ ﻣﺸﺮوع ﻣﺤﻄﺔ ﺳﺎﻜﺎﻛ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ‪ ،‬اﻟﺬي‬ ‫ﺗﺒﻠﻎ ﺳﻌﺘﻪ ‪ 300‬ﻣﻴﻐﺎ واط‪ ،‬أول ﻣﺤﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺴﻌﻮدي‬ ‫ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة‪ .‬وﺗﻤﺘﺪ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺤﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ‪ 6‬ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ‬ ‫وﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻮف‪ ،‬وﺗﻌﺎدل ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﻧﺤﻮ ‪ 1000‬ﻣﻠﻌﺐ ﻛﺮة ﻗﺪم‪.‬‬ ‫وﺳﺘﻌﻤﻞ ﻣﺤﻄﺔ ﺳﺎﻜﺎﻛ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ ﻋﻠﻰ‬ ‫اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ )‪ (PV‬ﻟﺘﻮﻟﻴﺪ‬ ‫اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﺑﺘﻌﺮﻓﺔ ﻗﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﺗﺒﻠﻎ ‪ 2.3417‬ﺳﻨﺖ أﻣﺮﻳﻜﻲ ﻟﻞﻜ‬ ‫ﻛﻴﻠﻮواط‪/‬ﺳﺎﻋﺔ )‪ 8.781‬ﻫﻠﻠﺔ‪/‬ﻛﻴﻠﻮواط ﺳﺎﻋﺔ(‪ ،‬ﺑﻘﻴﻤﺔ اﺳﺘﺜﻤﺎرﻳﺔ ﺗﺒﻠﻎ ‪302‬‬ ‫ﻣﻠﻴﻮن دوﻻر أﻣﺮﻳﻜﻲ‪.‬‬ ‫وﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺸﺮوع ﻣﺤﻄﺔ ﺳﺎﻜﺎﻛ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ‪،‬‬ ‫ﺗﺆﻛﺪ ﺷﺮﻛﺔ أﻛﻮا ﺑﺎور رﻳﺎدﺗﻬﺎ ﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة ﻓﻲ اﻟﺒﻼد‬ ‫وﻣﺴﺎﻫﻤﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺴﻌﻮدي ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة‪ ،‬اﻟﺬي‬ ‫ﻳﺴﺘﻬﺪف إﻧﺘﺎج ‪ 9,5‬ﺟﻴﺠﺎ واط ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة ﺑﺤﻠﻮل اﻟﻌﺎم ‪.2023‬‬

‫اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ واﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ‬ ‫اﻟﺠﻬﺔ اﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺪة ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮوع‪:‬‬ ‫اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻟﺸﺮاء اﻟﻄﺎﻗﺔ‬ ‫ﻧﻮع وﻣﺪة اﻟﻌﻘﺪ‪:‬‬ ‫اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺷﺮاء اﻟﻄﺎﻗﺔ )ﺑﻨﺎء‪ ،‬ﺗﻤﻠﻚ‪،‬‬ ‫ﺗﺸﻐﻴﻞ( ﻟﻤﺪة ‪ 25‬ﻋﺎﻣﺎً‬ ‫اﻟﻘﺪرة اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﻟﻠﻜﻬﺮﺑﺎء‪:‬‬

‫‪ 300‬ﻣﻴﻐﺎ واط‬ ‫ﺗﻠﻜﻔﺔ اﻟﻤﺸﺮوع‪:‬‬

‫‪ 302‬ﻣﻠﻴﻮن دوﻻر أﻣﺮﻳﻜﻲ‬ ‫ﺣﺼﺔ ﺷﺮﻛﺔ أﻛﻮا ﺑﺎور‪:‬‬

‫‪70%‬‬

‫أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ‬ ‫ﻣﺴﺘﺜﻤﺮون آﺧﺮون‪:‬‬

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻘﺎﺑﻀﺔ‪30% :‬‬

‫اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ و اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ و اﻹﻧﺸﺎء‪:‬‬

‫ﺗﺤﺎﻟﻒ ﺑﻴﻦ ﻣﺎﻫﻨﺪرا ﺳﻮﺳﺘﻴﻦ ﺑﺮاﻳﻔﺖ‬ ‫ﻟﻴﻤﻴﺘﺪ‬ ‫ا ﻟﺘﺸﻐﻴﻞ واﻟﺼﻴﺎﻧﺔ‪:‬‬

‫ﻧﻮﻣﺎك‬

‫‪300 MW‬‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫قــال محمد أبــونــيــان‪ ،‬رئيس مجلس إدارة‬ ‫شركة أكوا باور إنه مع تدشين أول محطة للطاقة‬ ‫المتجددة في المملكة‪ ،‬ال يسعني سوى التعبير‬ ‫عن بالغ سعادتي بهذا اإلنجاز العظيم الذي يؤكد‬ ‫مكانة «أكوا باور» كشركة سعودية وطنية رائدة‬ ‫في طليعة مسيرة التحول بقطاع الطاقة‪ ،‬ليس‬ ‫في المملكة فحسب‪ ،‬بل في عدد من األسواق‬ ‫الرئيسة العالمية‪ ،‬في مهمة نعتز باإلسهام فيها‬ ‫لتحقيق أهداف الرؤية ‪ 2030‬ومتطلبات البرنامج‬ ‫الــوطــنــي للطاقة المتجددة ال ــذي انطلق في‬ ‫المملكة تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين‪،‬‬ ‫الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (رعــاه‬ ‫اهلل)‪ ،‬ومسترشدين فيها بتوجيهات ولي عهده‬ ‫األمين صاحب السمو الملكي األمير محمد بن‬ ‫سلمان بن عبدالعزيز (حفظه اهلل)‪ ،‬وبالدعم‬ ‫الالمحدود الذي يوليه صاحب السمو الملكي‬ ‫األمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬وزير‬ ‫الطاقة‪ ،‬لمساعينا وجهودنا‪.‬‬ ‫وأشــار أبونيان إلــى أن النجاح في تنفيذ‬ ‫مشروع سكاكا في وقت قياسي يشكل منطلقًا‬ ‫محوريًا لتنويع مزيج الطاقة ورفع كفاءته في‬ ‫المملكة‪ ،‬ونقل المعرفة والخبرة واإلمكانات التي‬ ‫يتمتع بها سجل «أكوا باور» في قطاع المتجددة‬

‫تقارير‬


‫عالميًا إلى المملكة‪ ،‬إلى جانب إتاحة الفرصة‬ ‫أمام الشركات السعودية المحلية للمشاركة في‬ ‫تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة‪ ،‬وتنمية‬ ‫المواهب والكفاءات السعودية الشابة التي‬ ‫يحتاج إليها هذا القطاع الواعد الذي أصبح‬ ‫أحد ركائز التنمية االجتماعية واالقتصادية‬ ‫المستدامة في المملكة‪.‬‬

‫للطاقة‪ ،‬أكبر منظمة للطاقة في العالم‪ ،‬إذ تتمثل‬ ‫مهمتها في تعزيز الحوار حول سياسة الطاقة‬ ‫ودعم أعضائها في االنتقال إلى مستقبل طاقة‬ ‫مستدامة ونظيفة‪.‬‬ ‫خطوة نحو تحقيق أهداف تغير المناخ‬ ‫وقال ماكمونيغل‪:‬‬

‫إن «افــتــتــاح مــحــطــة ســكــاكــا ه ــو خــطــوة‬ ‫منتدى الطاقة الدولي يشيد بإطالق‬ ‫رئيسة تدفع السعودية إلى األمام في جهودها‬ ‫(‪)٣‬‬ ‫السعودية محطة سكاكا الشمسية‬ ‫لتحقيق أهداف تغيّر المناخ وإيجاد حلول أكثر‬ ‫من جانبه‪ ،‬أشاد األمين العا ّم لمنتدى الطاقة استدامة»‪.‬‬ ‫الدولي‪ ،‬جوزيف ماكمونيغل‪ ،‬بإطالق محطة‬ ‫وتبلغ الطاقة اإلنتاجية لهذه المشروعات‬ ‫سكاكا‪ ،‬وهو أول مشروع للطاقة المتجددة في‬ ‫إضــافــة إلــى مــشــروع دوم ــة الــجــنــدل لطاقة‬‫المملكة‪.‬‬ ‫الــريــاح‪ ،‬الــذي أوشــك على االنتهاء‪ -‬أكثر من‬ ‫والــســعــوديــة عــضــو فــي الــمــنــتــدى الــدولــي ‪ 3600‬ميغاواط‪.‬‬

‫معلومات أساسية‬

‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫‪ -‬‬

‫الموقع‪ :‬الجوف‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫الجهة المستفيدة من المشروع‪ :‬الشركة السعودية لشراء الطاقة‪.‬‬ ‫القدرة اإلنتاجية للكهرباء‪ 300 :‬ميجاواط‪.‬‬ ‫التقنية المستخدمة‪ :‬الطاقة الشمسية الكهروضوئية‪.‬‬ ‫تكلفة المشروع‪ 1200 :‬مليون ريال‪.‬‬ ‫تاريخ البدء بالتشغيل التجاري‪ :‬الربع الثاني ‪.2020‬‬ ‫حصة شركة أكوا باور‪.%70 :‬‬ ‫مدة العقد‪ :‬اتفاقية شراء الطاقة والمياه (بناء‪ ،‬تملك‪ ،‬تشغيل) لمدة ‪ 25‬عامًا‪.‬‬ ‫المشغلون‪ :‬شركة ضياء سكاكا للتشغيل والصيانة (شركة تابعة لنوماك)‪.‬‬ ‫مستثمرون آخرون‪ :‬مجموعة الجهاز القابضة‪.%30 :‬‬ ‫الهندسة والتصميم واإلنشاء‪ :‬تحالف من ماهندرا سوستين برايفت ليميتد وشركة تشينت‬ ‫سوالر (زيجانغ) المحدودة‪.‬‬ ‫شركة المشروع‪ :‬شركة سكاكا للطاقة الشمسية (سكاكا)‪.‬‬

‫(‪ ) ١‬واس‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬شركة أكواباور‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬موقع الطاقة‪ /‬محمد فرج ‪.https://attaqa.net/‬‬

‫تقارير‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪17‬‬


‫الكتاب ُة‬

‫ع َد ِميَّ ِت ِه‬ ‫نو َ‬ ‫بَ َ‬ ‫ين الزَّ َم ِ‬ ‫الــزَّ مــن والمكان مـكـ ِ ّـونــان لتاريخيَّة الكتابة وخـلــودهــا؛ فــإذا فقدت تاريخيَّتها‬ ‫تجمَّ دت صيرورتها وقتلها الزَّ من اآلتي‪.‬‬ ‫فوعيُّ القارئ لصيرورة الكتابة هو وعـ ٌـي بصير للكتابة الزمنية؛ وعـ ٌـي مقاوم‬ ‫يدخل معه الكاتب في صــراعٍ طويل ينتقل به من خارجه المنفلت إلــى داخله‬ ‫مقبوضا عليه ومسَ يطَ رً ا على آليَّاته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫المضطرب؛ فيصبح الزَّ من زمنًا داخل ّيًا آخر‬ ‫فمن الـكـ َّتــاب مــن يعني لــه الــزَّ مــن‪/‬الـ َّتـجــدد‪ ،‬وآخ ــر ال يعني لــه غير الـ َّتــوقُّ ــف‬ ‫عند نقطة فاصلة فيصل زمنه الدَّ اخليَّ النَّفسيَّ بخارجه‪ ،‬ويبقى على ضفاف‬ ‫الصيرورة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الصيرورة في الكتابة هما ما يضفي القيمة الزَّ منيَّة‬ ‫أي إنَّ الحركة ومفهوم َّ‬ ‫ويسجل حضورًا‬ ‫ِّ‬ ‫والدَّ يمومة اإلبداعيَّة لها؛ فالكاتب ال يكتب؛ ألنَّه يريد أن يكتب‪..‬‬ ‫باهتًا‪ ،‬بل يكتب على ضوء زمنه الذَّ اتيِّ المتَّقد بجذوة جريان الزَّ من الخارجيِّ ‪،‬‬ ‫ـروح متجاوزة للحظة‪ ،‬وبفعل هــذا التَّوقُّ د الزَّ منيِّ المتجاوز تتحقَّ ق تاريخيَّة‬ ‫بـ ٍ‬ ‫الكتابة وصيرورتها المتجدِّ دة‪.‬‬ ‫ـوي‪ ..‬بـقــي له‬ ‫هـنــاك كـتــابــة استنفذها ال ــزَّ م ــن؛ بمعنى مــا تــركـ ْتــه مــن إرث ل ـغ ـ ٍّ‬ ‫قيمته التَّاريخيَّة اآلنيَّة دون أن تُبقي على صيرورته التَّاريخيَّة المتجدِّ دة؛ وهناك‬ ‫كتابة أخرى لم يستنفذها الزَّ من‪ ،‬فهي ما تزال متكِّ ونة من مادَّة غزيرة في اللُّغة‬ ‫تخطت زمنها الموضوعيَّ المُ عاش‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تخطت حــدود زمنها النَّفسيِّ ‪ ،‬بل‬ ‫َّ‬ ‫والمعنى‪،‬‬ ‫ومــا تــزال منبعً ا ال ينضب‪ ،‬يُعيننا على فهم حقائق النَّفس أو العقل أو الحالة‬ ‫الشعر والفنِّ‬ ‫للصيرورة المبدعة‪ ،‬كإضافات دائمة االستئناف في دروب ِّ‬ ‫الشعوريَّة َّ‬ ‫ُّ‬ ‫والمعاش ومضايقها‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫ديناميكية الفنون وارتباطها بعامل الوقت‬ ‫■ خالد ربيع السيد*‬

‫ارتبط إنتاج الفنون بشتى أنواعها بالوقت‪ ،‬فالفنون بمعناها الشامل (شعر‪ ،‬مسرح‪،‬‬ ‫موسيقى‪ ،‬سينما‪ ،‬خط‪ ،‬تصميم جرافيكي‪ ،‬تشكيل‪ ،‬روايــة‪ ،‬رقــص‪ ،‬تمثيل‪ ،‬نحت‪ ،‬معمار‪...‬‬ ‫وغير ذلــك) فــي مختلف حقب النماء اإلنـســانــي ومــراحـلــه؛ هــي ترجمة وتعبير وتجسيد‬ ‫لثقافة في زمن معين‪ ،‬والوقت في ذلك يعني العامل الزمني في تمثّل مفردات تلك الثقافة؛‬ ‫بل إنه يجسد األفكار والرؤى التي تشيع في وقت معين‪ ،‬ويصقلها‪.‬‬ ‫بأن الزمن مطلق‪ ،‬فلسفيًا‪ ،‬ونسبي فيزيائيًا‪.‬‬ ‫أي إنه يتوقف على حركة األشياء في الكون‪.‬‬ ‫أما بالنسبة إلى الفنون فقد قسّ مها الباحثون‬ ‫إلى تقسيمين اثنين‪ :‬زمانية‪ ،‬ومكانية‪ .‬تشمل‬ ‫الفنون الزمانية‪ :‬المسرح‪ ،‬والشعر‪ ،‬والرواية؛‬ ‫أمــا المكانية‪ ،‬فتشمل‪ :‬الفنون التشكيلية‪،‬‬ ‫والــرســم‪ ،‬والنحت‪ ،‬والتصميم‪ ،‬والعمارة‪،‬‬ ‫والخزف‪.‬‬

‫وربما‪ ،‬بل إن ما يشاع وينتشر من الفنون‬ ‫في وقت ما قد ال يصلح‪ ،‬أو قد ال يمارس‪،‬‬ ‫في زمــن آخــر‪ .‬ولــو كــان األمــر عكس ذلك‪،‬‬ ‫لظل الشعراء ينشدون قصائدهم بطريقة‬ ‫معلقات الشعر الجاهلي وأغراضه ولغته‪،‬‬ ‫ولكان مؤلفو الموسيقى استمروا في تأليف‬ ‫معزوفاتهم الموسيقية على نهج السمفونيات‬ ‫الكالسيكية األوروبية نفسها‪ .‬واألمر ينطبق‬ ‫ـض ــا‪ ،‬الـــذي كــان‬ ‫عــلــى الــفــن التشكيلي أي ـ ً‬ ‫ففي الفنون الزمانية‪ ،‬يجلس الفرد يشاهد‬ ‫سيصبح نُسَ خً ا متكررة من الفنون التشكيلية‬ ‫على خشبة المسرح حركة األشخاص‪ ،‬ويتابع‬ ‫الكالسيكية أو حتى البدائية‪ ،‬وكــل ذلك‬ ‫سير الحكاية‪ ،‬وهذا يستغرق (الزمن)‪ ،‬وهكذا‬ ‫يخالف طبيعة البشر في إنتاج فنون متطورة‬ ‫مع الشعر‪ ،‬حيث وقت االستماع للقصيدة‪.‬‬ ‫تناطح الوقت‪ ،‬وتسمه بصفاته التكوينية‪.‬‬ ‫عــلــى كــل ح ــال‪ ،‬ال يمكن إغــفــال عامل‬ ‫الفن والزمن‬ ‫الوقت وتأثيراته السيسيوثقافية والتنموية‬ ‫إال إن طرح موضوع عالقة الزمن بالفنون والحضارية في إنتاج الفنون بجمالياتها‬ ‫قــد يــشــوبــه الــغــمــوض‪ ،‬مــا لــم يــتــم تحديد وآلياتها ومساراتها وأدواتها التي تنتجها؛‬ ‫مفهومَيّ الزمن والوقت‪ ،‬ولو بالحد األدنى ألن مــرور الــوقــت يعني التطوير والتغيير‬ ‫مــن الفهم البسيط‪ .‬هــنــاك اتــجــاهــان في واالبــتــكــار؛ ومــن ثم التنفيس عن هواجس‬ ‫تحديد مفهوم الزمن‪ ،‬أحدهما‪ ،‬يقول‪ :‬للزمن الفنانين وشــواغــلــهــم وأحــامــهــم على مر‬ ‫مثل‬ ‫وجود مستقل عن المادة‪ ،‬وهو مطلق‪ ،‬وأنه األزمان‪ .‬وفي السابق والحاضر‪ ،‬شاع ً‬ ‫حقيقة وليس فعل الذهن‪ .‬والثاني‪ ،‬ينادي شرو ٌد في الثقافة المصرية الشعبية؛ يقول‪:‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪19‬‬


‫«كل وقت وله آذان»‪ ،‬فلو تأملنا هذا المثل‬ ‫لوجدناه يصف حقيقة ما يحدث بفعل ال‬ ‫إرادي في الحراك البشري‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬فكل وقــت لــه صوته ونــداؤه‬ ‫وصورته وكيانه وجمالياته؛ ولوال تقدم الوقت‬ ‫واختالفه‪ ،‬لما كانت هناك فنون متطورة‬ ‫تالمس نبض أبناء األجيال المتعاقبة‪ .‬بل إن‬ ‫عامل الوقت من هذا المنظور له أثره القوي‬ ‫في شتى مناشط الحياة‪ ،‬فبفعله تطورت‬ ‫أساليب الــتــجــارة‪ ،‬وتــطــور العلم والمعمار‬ ‫والهندسة والتكنولوجيا والطب والزراعة‪...‬‬ ‫وكل ما يقوم به اإلنسان من نشاط عملي‬ ‫أو فكري‪.‬‬ ‫قيمةُ التأنِّي إلنتاج الفن‬ ‫مــن الــواضــح أن الجمال ال يتحقق إال‬ ‫بــعــد تحقق اإلت ــق ــان‪ .‬وم ــن أه ــم مقومات‬ ‫اإلتقان التأنِّي والتجريب المدعوم بالعمل‬ ‫على الــتــجــويــد‪ ،‬وإال كــان الــتــأ ِّنــي الخامل‬ ‫كسل ودع ـ ًة وتوقفًا عن اإلنتاج حتى تأتي‬ ‫ً‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫متغيرات التحقيق الناجح‪ .‬وهــذا مخالف‬ ‫لطبيعة االبتكار واالبــداع المتقن؛ فالتأني‬ ‫الديناميكيّ المرتبط بالتجريب والتعليم‬ ‫والخطأ والصواب هو الــذي يعطي الفنون‬ ‫قيمتها الرصينة والمؤثّرة والخالدة‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬يتضح أن ما يتحقق من القيم‬ ‫الجمالية في الفن‪ ،‬ســواء أكــان قديمًا أم‬ ‫حديثًا‪ ،‬يعتمد على قيمة الزمن أو الوقت‪،‬‬ ‫وحُ سن استثماره في التعليم والعمل‪ ،‬ومن ثم‬ ‫إدراك الفنان بأنه مسؤول عن هذا االستثمار‬ ‫في الوقت‪ ،‬وجعله من أساسات اإلتقان من‬ ‫خــال الممارسة الدائمة؛ وبهذه العالقة‬ ‫المنطقية نــدرك س ّر الجمال في األعمال‬ ‫الفنية القديمة منها والحديثة‪.‬‬ ‫كــل مــا ســبــق‪ ،‬ينطبق عــلــى كــل الفنون‬ ‫التي مارسها الفنانون في السابق‪ ،‬والتي‬ ‫يمارسونها اليوم‪ .‬ولنا أن نتصور الوقت أو‬ ‫الزمن الذي أمضاه الفنان في إبداع فنِّه‪ .‬ولو‬ ‫تأملنا فنون الزخرفة والخط ونقش الزخارف‬

‫محور خاص‬


‫والخط والجرافيكس‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫نجد أن إتقانها مرتبط بالتأني الديناميكي؛‬ ‫أي القائم على التجويد المرتبط بالتجريب‬ ‫واالختبار والتكرار؛ حتى يصل الفنان إلى‬ ‫نقطة االكتمال في تنفيذ فنه‪.‬‬ ‫ويتضح اإلتقان مع الدقة في إنجاز الفنان‬ ‫وابتداعه لمثل هذه األدوات المختلفة‪ ،‬والتي‬ ‫أبدع أجزاءها الدقيقة بمهارة تامة‪ ،‬وابتكر‬ ‫أشكالها التي جمعت بين الغرضين أو حققت‬ ‫الهدفين المنشودين من مثل هذا العمل‪ ،‬وهما‬ ‫المنفعة ‪ Utility‬أو القيم النفعية‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫القيم الجمالية ‪ .Aesthetic Values‬ولعلنا‬ ‫مثال عن فن الخط العربي‪.‬‬ ‫نسوق فيما يلي ً‬ ‫مثال‬ ‫فنون الخط‪ً ..‬‬ ‫ُ‬

‫المسترشد باهلل‪ ،‬والسلطان سليمان خان‪.‬‬ ‫أما أشهر الخطاطات المسلمات‪ ،‬فمنهن‪:‬‬ ‫حفصة ‪-‬أم المؤمنين‪ ،‬الشفاء بنت عبداهلل‬ ‫ وهي معلمة حفصة‪ ،‬العالمة خديجة بن‬‫محمد ‪ -‬أبو الرجاء الجُ رجاني‪ ،‬فاطمة بنت‬ ‫الحسن بــن علي‪ ،‬وكــانــت مــن أنبغ تالميذ‬ ‫الــخــطــاط المشهور ابــن الــبــواب‪ .‬وخــال‬ ‫عصور الضعف والتفكك للدولة اإلسالمية‬ ‫اضمحل فن الخط وقلَّ الخطاطون الرجال‪،‬‬ ‫واختفت الخطاطات‪ ...‬وتجدر اإلشارة هنا‬ ‫إلــى أن فــن الخط العربي قــد ازده ــر في‬ ‫عصرنا الحديث‪ ،‬وما يزال يمارس اليوم ‪-‬‬ ‫رغم سطوة التقنية اإللكترونية‪.‬‬ ‫إذًا‪ ،‬فنُّ الخط العربي تميز بقيم جمالية‬ ‫عالية منذ عــدة ق ــرون‪ .‬وقــد حافظ كثير‬ ‫من الفنانين المعاصرين على هــذه القيم‬ ‫الجمالية‪ ،‬ليس في فنون الخط العربي فقط‪،‬‬ ‫بل في سائر مجاالت الفن التشكيلي‪ .‬وما‬ ‫ذلك إال إلتقان الفنانين ألعمالهم‪ ،‬وتجويدهم‬ ‫لما يقدمون‪ ،‬والحرص على العمل المتواصل‬ ‫والتدريب‪ ،‬دون االكتراث لطول الوقت الذي‬ ‫يقضونه في ذلك؛ ألن ذلك الوقت استثمار‬ ‫حقيقي‪ ،‬ومــراعــاة للتوجيهات اإلسالمية؛‬ ‫فالتأني الــذي يمارسونه خالل تنفيذ تلك‬ ‫األعمال‪ ،‬والسعي لتحقيق اإلتقان كلها أمور‬ ‫يأمل الفنان أن يحققها‪.‬‬

‫ال شــك أن الــجــانــب األبـــرز فــي الفنون‬ ‫الشرقية يتمثل في فن الخط العربي الذي‬ ‫جمع بين هذين الهدفين السابقين‪ ،‬وهو‬ ‫أرفع الفنون الشرقية اإلسالمية وأرقاها‪.‬‬ ‫لــذا‪ ،‬فقد عمد الفنانون منذ الــقــدم على‬ ‫دراسته وتجويده‪ .‬وهو الفن الوحيد الذي‬ ‫تعلمته ومــارســتــه كــل قطاعات المجتمع‪،‬‬ ‫ويشمل ذلــك الــرجــال والــنــســاء‪ .‬فممارسة‬ ‫الخلفاء والسالطين والعلماء والــشــيــوخ‪،‬‬ ‫والعالمات والتلميذات للخط أمـ ٌر حتمي‪،‬‬ ‫ألن الكتابة الواضحة والجميلة ال تستقيم إال‬ ‫بتعلم الخط‪.‬‬

‫الفنون التشكيلية‬

‫ولــذلــك‪ ،‬اشتهر فيه الكثير من العلماء‬ ‫الخطاطين منهم اإلمام محمد بن إسماعيل‬ ‫الــبــخــاري ‪ -‬صــاحــب الــصــحــيــح‪ ،‬واإلمـ ــام‬ ‫محمد بــن عــبــداهلل الــبــوصــيــري‪ ،‬والشيخ‬ ‫ـصــحَ ــاح‪ .‬ومن‬ ‫الــجــوهــري صــاحــب كــتــاب الـ َّ‬ ‫الخلفاء الخليفة المستنصر باهلل‪ ،‬والخليفة‬

‫كــمــا أن ال ــح ــال يــنــطــبــق عــلــى الــفــنــون‬ ‫التشكيلية‪ ،‬من نحت ورسم وتصميم وتلوين‪،‬‬ ‫فهي فنون تتطور بالتعليم والممارسة‪ ،‬وهي‬ ‫في ضمن محتواها رص ـ ٌد تاريخي ووقتي‬ ‫لمسارات الحياة‪ ،‬سواء باألساليب الواقعية‬ ‫التقليدية أو األساليب المستحدثة‪ ،‬ولذلك‪،‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪21‬‬


‫من المعلم الخبير للمتدرب المبتدئ‪ ،‬وكلما‬ ‫كان المتعلم نبيهًا‪ ،‬وذا فطنة‪ ،‬فإن الوقت‬ ‫الذي يستغرقه إلتقان فنيات المهنة يكون‬ ‫أقـ ًـا‪ ،‬بعكس المتدرب األقــل ذكــاء ومهارة‬ ‫واستعدادًا نفسيًا‪.‬‬

‫تنوّعت المدارس التشكيلية التي تُعبّر عن رؤى‬ ‫الفنانين؛ فمنها‪ :‬الواقعيون‪ ،‬واالنطباعيون‪،‬‬ ‫والسرياليون‪ ،‬والوحشيون‪ ،‬والتجريديون‪،‬‬ ‫والتكعيبيون‪ ،‬وغير ذلك عدة مدارس أخرى‪،‬‬ ‫أخذت على عاتقها التعبير الفني‪ ،‬وهي في‬ ‫كل األحــوال نشأت بتراتبية زمنية متطورة‬ ‫على هــذا األس ــاس‪ ،‬قامت في العصور‬ ‫لتعكس متغيرات الحياة واألفكار في مختلف الحديثة األكاديميات الفنية المتخصصة في‬ ‫األوقات واألزمان‪.‬‬ ‫مختلف أنــواع الفنون‪ ،‬بــدأت من أوروبــا ثم‬ ‫الــفــن التشكيلي يستلزم توفير الوقت انتقلت ألنحاء العالم‪ ،‬فهناك معاهد لتعليم‬ ‫لتعلمه‪ ،‬بــدءًا من أساساته وأساليبه؛ فكم الموسيقى وأخرى لتعليم التمثيل والتصميم‬ ‫من الوقت يستدعي تعلم تقنياته ومدارسه والرسم والنحت وصناعة أفــام السينما‪،‬‬ ‫وأنــواعــه؟ وكــم مــن الــوقــت سينقضي حتى بل حتى لتعليم فنون الزخرفة والخياطة‬ ‫يتأهل الموهوب أو المتعلم ليصبح فنانًا والتطريز والطهي‪ ،‬وغيرها‪ .‬وكل تلك األنواع‬ ‫تشكيليًا مضيفًا وليس مقلدًا؟ وكم من الوقت من الفنون تحدد لها مناهج وأوقــات معينة‬ ‫والجهد يحتاجه الفنان حتى يوصل فنه ألكبر لتعلّمها‪ ،‬متمثلة في التعليم النظامي المحدد‬ ‫قاعدة ممكنة من المتلقين؟ هــذه األسئلة بمستويات وشــهــادات ينالها المتعلم الذي‬ ‫المرتبطة بالوقت تجعل الفن التشكيلي فنًا يستغرق عددًا معينًا من سنوات التعليم‪.‬‬ ‫ال يتحقق إال بمرور الوقت وتراكم التجارب‪.‬‬ ‫إذًا؛ هنا يدخل تعليم الفنون والزمن الذي‬ ‫الوقت في تعلم الفنون‬ ‫نعلم جميعًا أن الفنون تنقسم‪ ،‬بطبيعتها‪،‬‬ ‫إلى ما هو فطري وما هو مستند على التعل ٌم‪،‬‬ ‫ولعلنا نؤمن بأن الفن الفطري الذي يمارسه‬ ‫أيضا‬ ‫ممنهج هو ً‬ ‫ٍ‬ ‫لتعليم‬ ‫ٍ‬ ‫الفنان غير المتلقي‬ ‫يكون قد تلقى تعليمًا بشكل أو بآخر‪ ،‬أبسطه‬ ‫التعليم بطريقة التلقين العفوي‪ ،‬التي يمارسها‬ ‫الخبراء الممارسون‪ ،‬ممن أتقنوا فنًا ما مع‬ ‫من يريدون ممارسة الفن ألي سبب كان‪،‬‬ ‫سواء للتكسب منه أو بسبب دوافــع نفسية‬ ‫غريزية‪ .‬واألمر في هذه الحالة يشابه تعلم‬ ‫إتقان المهن اليدوية (الــحــدادة‪ ،‬والنجارة‪،‬‬ ‫والنقاشة‪ ،‬والحياكة‪ ..،‬وغيرها)‪ ،‬وبخاصة‬ ‫إذا كانت مهنًا لها جانب فني جمالي؛ فإن‬ ‫عملية التلقين العفوي هــذه تستغرق وقتًا‬

‫‪22‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫يستغرقه في خطط التنمية التي تضعها‬ ‫الحكومات؛ ألن ذلك يستدعي مصروفات‬ ‫وتكاليف استثمارية تعود على الناتج القومي‬ ‫اإلجــمــالــي بــدخــل مــقــدر‪ ،‬وه ــذه التكاليف‬ ‫وعائدها تحسب في موازنات الــدول التي‬ ‫ترفع عنها التقارير في نهاية كل عام‪ .‬وهكذا‬ ‫فــاألمــر أصــبــح مرتبطً ا بــوقــت ومــدخــات‬ ‫ومخرجات‪ ،‬وبسبب ذلــك تقوم الكثير من‬ ‫ال ــدراس ــات االســتــراتــيــجــيــة اإلداري ـ ــة على‬ ‫حساب تكلفة الوقت الذي تستهلكه عملية‬ ‫التعليم‪ ،‬ومن ثم تتم المقارنات بين ما تحقق‬ ‫في سنة فائتة عما تحقق في سنة الحقة؛ أي‬ ‫إن األمر مرتبط دائمًا بالوقت‪.‬‬ ‫الوقت والفن والتنمية البشرية‬ ‫هذا يقودنا إلى عملية إدارة الوقت في‬

‫محور خاص‬


‫التنمية البشرية؛ فدراسة الوقت هنا تتمثل‬ ‫في الطرق والوسائل التي تعين المنظمات‬ ‫على االستفادة القصوى من وقتها في تحقيق‬ ‫أهدافها‪ ،‬لتخلق تــوازنــات في اقتصاداتها‬ ‫وفي تنمية حياة األفــراد والمجتمع‪ .‬وعلى‬ ‫هذا األســاس‪ ،‬تقوم الخطط االستراتيجية‬ ‫على تحديد األهداف الموضوعة للتخطيط‬ ‫االستراتيجي الــذي يتضمن تنمية الفنون؛‬ ‫كما جاء في برنامج جودة الحياة في المملكة‬ ‫العربية الــســعــوديــة‪ ،‬ف ــإذا كــانــت األه ــداف‬ ‫قصيرة المدى‪ ،‬يختلف وقتها الزمني عن‬ ‫األهداف طويلة المدى؛ والتي تتطلب وقتًا‬ ‫زمــنـ ًيــا أكــبــر‪ ،‬ولــكــل منهما مــتــوســطٌ زمني‬ ‫يحتسب على ضوئه الــحـ ُّد األدن ــى والح ُّد‬ ‫األعلى من القيمة التنموية‪.‬‬ ‫ولعل الدراسات في هذا الشأن حددت أربع‬ ‫مراحل قائمة على عنصر الوقت؛ فالمرحلة‬ ‫األولى‪ ،‬تتمثل في اإلعداد‪ ،‬ويتم فيها تحديد‬

‫الرسالة واألهداف؛ والمرحلة الثانية‪ ،‬مرحلة‬ ‫تحليل المنظمة والسياسات واإلج ــراءات‪،‬‬ ‫والظروف والتغيرات الداخلية والخارجية‪،‬‬ ‫والتصرف على أساسها باعتبار المنظمة‬ ‫جزءًا ال يمكن فصله عن هذه الظروف‪ ،‬وال‬ ‫يمكنها العمل بمعزل عنها أبـدًا‪ ،‬فهي تؤثر‬ ‫وتتأثر بشكل مباشر به؛ أما المرحلة الثالثة‪،‬‬ ‫فتتمثل في مرحلة الخيارات االستراتيجية‬ ‫المتاحة‪ ،‬وذلــك عــن طريق إج ــراء مقارنة‬ ‫لفحص مدى التوافق بين األهداف القصيرة‬ ‫والبعيدة المدى؛ وأخيرًا المرحلة الرابعة‪،‬‬ ‫وهــي مرحلة الخطط البديلة‪ ،‬وتستخدم‬ ‫في حال ت ّم اكتشاف أنّ ثمة مشكلة ما في‬ ‫االستراتيجية الموضوعة خــال المراحل‬ ‫األولى من تنفيذها‪ .‬هذه المراحل هي صلب‬ ‫عملية التخطيط الستثمار الفنون‪ ،‬وهي‬ ‫دائمًا وأبدًا مرتبطة بالوقت‪.‬‬

‫ * صحفي وقاص وناقد سينمائي سعودي‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪23‬‬


‫الدائري‬ ‫الزمن‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫■ محمد العامري*‬

‫كامل‪ ،‬بكونه البداية والنهاية في آن؛ فكيف‬ ‫ال يمكن ألحد أن يفهم الزمن أو يدركه إدراكً ا ً‬ ‫لنا أن ندرك زمنًا ال نعرف بدايته أو حتى نهاياته المتعددة؛ فالموت زمن غامض وممتد‪،‬‬ ‫وصول على‬ ‫ً‬ ‫ال ينتهي زمن الميت في قبره؛ فهناك امتدادات أخرى تسري في النص الديني‬ ‫نصوص األسطورة فيما يخص «ما بعد الغياب»‪.‬‬ ‫لقد شغلت مفردة الزمن العرب في أكثر الالتشبيهي‪ ،‬كفعل «المطلق»‪ ،‬وكانت تلك‬

‫من موضع وسؤال‪ ،‬فقد جمعوه على أكثر من ال ــزخ ــارف تــتــحــرك فــي فــضــاء المسجد‬ ‫شاكلة‪ ،‬منها أزمن وأزمان وأزمنة‪ ،‬وزمان‪ ..‬والبيوتات العربية اإلسالمية‪ ،‬كقيمة لها‬

‫كأن إضافة األلف داللة على امتداده المطلق‪ ،‬عالقة بالنور‪ ،‬كذلك عبر مقرنصات التعشيق‬ ‫والمطلق خاصية من خصائص رب الكون والزخرفة الهندسية‪.‬‬ ‫وحــده‪ ،‬يتفرد بها وال يشاركه أحــد بذلك‪،‬‬

‫فكان للزمن تمظهراته في الشعر والسرد‪،‬‬

‫لكننا نستطيع القبض على تمثالت الزمن على حد ســواء؛ فلكل روايــة زمنها الخاص‬ ‫يتح ْد الزمان‬ ‫في أكثر من سلوك إنساني‪ ،‬مثال الزخرفة‪ ..‬المرتبط غالبا بالمكان‪ ،‬إذ ِ‬

‫سواء كانت نباتية أم هندسية‪ ،‬فهي ترددات مع المكان في مواقع عديدة «الزمكانية»‪،‬‬ ‫لوحدات بصرية تتكرر بتشابهاتها إلى ما ال وكذلك الشعر الذي يستثني التفكر بالزمن‬ ‫نهاية‪.»infinite« ،‬‬ ‫فــالــوحــدة الزخرفية هــي بمثابة وحــدة‬

‫وأشكاله‪ .‬وهنا‪ ،‬نستدل على ذلك بقول أبي‬ ‫العالء المعري‪:‬‬

‫زمنية‪ ،‬تنطلق من تكرار الوحدة إلى أمداء «عـ ـ ـ ّل ـ ــان ـ ــي ف ـ ـ ــإن بـ ـي ــض األمـ ــانـ ــي‬ ‫ـان»‬ ‫ف ـن ـي ــت وال ـ ـ ــزم ـ ـ ــان لـ ـي ــس ب ـ ـفـ ـ ِ‬ ‫ال نهايات لها‪ ،‬وهــي تعبير بصري ملفت‬ ‫في فهم المسلم لصفات الخالق في الرسم‬

‫‪24‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫يقول المعري في موضع آخر عن تحوالت‬

‫محور خاص‬


‫زخرفة نباتية‬

‫الزمن من دهرية ال يمكن اإلحاطة بها‪:‬‬ ‫«ولو طار جبريل بقية عمره‬ ‫على الدهر ما استطاع الخروج»‬ ‫هنا‪ ،‬ندرك قيمة الدهر واستحالة اإلحاطة‬ ‫به‪ ،‬بكونه صورة من صور ربّ الكون‪.‬‬ ‫فالعربية‪ ،‬غنيّة بالمفردات الدالة على‬ ‫الــوقــت الــمــحــدود وال ــوق ــت الــامــحــدود؛‬

‫َاسقُو َن (‪ )16‬سورة الحديد‪.‬‬ ‫ِ ّمنْ ُه ْم ف ِ‬ ‫هــنــاك تمظهرات كثيرة للزمن بصوره‬ ‫العديدة‪ ،‬وبمفاهيم حيوية تنمو عبر قوة‬ ‫التأويل وأمدائه غير المحدودة؛ كالمفهوم‬ ‫الفلسفي‪ ،‬والفيزيائي‪ ،‬والديني‪ ،‬والصوفي‪،‬‬ ‫ومفاهيم أخرى في الشعر والسرد كذلك‪.‬‬ ‫وللزمن أهمية قصوى في مفكرات الحياة‬

‫فهناك األزل‪ ،‬ويتعلق بالماضي المفتوح أو وأسئلتها المتشعبة؛ فما وجدناه في الفعل‬ ‫الالنهائي‪ ،‬وهناك األبد‪ :‬ويتعلق بالمستقبل البصري اإلســامــي من زخــارف تمتد في‬ ‫المفتوح والالنهائي‪ ،‬وهــنــاك األم ــد‪ :‬وهو وحداتها التكرارية إلى ماال نهاية‪ ،‬كصورة‬ ‫الــغــايــة‪ ،‬والــمــدى‪ ،‬وقــيــل األم ــد الــثــانــي هو من طرائق تفكير المسلم بالزمن‪ ،‬فقد ورد‬

‫الموت‪ ،‬عطفًا على اآلية « أَلَ ـ ْم يَ ـأْنِ ِللَّذِ ي َن في القرآن الكريم‪ ،‬وهو أحد أسرار الكون؛‬ ‫الل َومَا نَ َز َل إذ لم يستطع اإلنسان اإلجابة عن كثير من‬ ‫آ َمنُوا أَن تَخْ شَ َع ُقل ُوبُ ُه ْم لِذِ كْرِ َّ ِ‬ ‫وصول إلى النظرية األنشتانية‬ ‫ً‬ ‫مِ َن الْحَ ِ ّق و َ​َل يَكُونُوا كَالَّذِ ي َن أ ُوتُوا الْكِ تَابَ مِ ن التساؤالت‪،‬‬

‫َقبْ ُل فَطَ ا َل عَ لَيْهِ ُم ْالَ َم ُد َفقَسَ تْ ُقل ُوبُ ُه ْم َو َكثِي ٌر «نسبة إلى أنشتاين»‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪25‬‬


‫وسؤالي هنا‪ ،‬ما هي العالقة بين الطقس ونرى ذلك في فتوحاته المكيّة ذاكرًا مراتب‬

‫الصوفي في مفاهيم الدائرة والغياب في الحروف وأسرارها‪ ،‬كصورة بصرية تتمحور‬ ‫مداراتها إلــى حد محو اإلشــارة والطواف حول وجود صوت وصورة للحرف معًا‪ ،‬فقد‬ ‫حــول الكعبة المشرَّفة؛ لذلك‪ ،‬نــدرك هنا وصل إلى «فوق طور العقل»‪ ،‬مستعيرًا لذلك‬ ‫أهمية قصوى للدائرة فــي تفكيك صــورة قول الشريف الرضي‪:‬‬

‫الزمن وتراكيبه وتجلياته المعرفية والفلسفية «يـ ــا ر ُّب ج ــوه ــر ع ـلــم ل ــو أب ـ ــوح به‬ ‫وصول إلى الفن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والدينية والصوفية‬ ‫لقيل لــي أنــت ممن يعبد الوثنا‬ ‫ـال مـسـلـمــون دمــي‬ ‫أعتقد إن الفكرة القائمة على الزمن والس ـت ـح ــلّ رج ـ ـ ٌ‬ ‫أول‪ ..‬وفناء‬ ‫الــدائــري تتمثل فــي المحو ً‬ ‫يـ ـ ــرون أقـ ـب ــح م ــا ي ــأت ــون ــه حـسـنــا»‬ ‫اإلنــســان في حياته حين يصبح نقطة في‬

‫فهو الذي قسّ م الزمن إلى زمانين‪ :‬الزمان‬

‫مسارات الدوران حول الذات‪ ،‬بوصفه قيمة اآلفاقي والزمان األنفسي‪ ،‬وهو مشتق من‬ ‫من قيم الكون؛ فحين يدور الصوفي بدوائر اآلية الكريمة «سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي‬

‫متسارعة يغيب عن وجوده الملموس‪ ،‬ويذهب أنفسهم»‪.‬‬ ‫إلى وجود آخر يعطيه من لذاذات الوجد ما‬ ‫وال ننكر أن الزمن في شعر إليوت من‬ ‫لم يحصل عليها غيره؛ كذلك في الطواف‬ ‫زم ــن الــســاعــة إل ــى الــزمــن الــنــفــســي‪ ،‬إلــى‬ ‫حول الكعبة المشرَّفة حيث يطوف المسلم‬ ‫الزمن التاريخي‪ ،‬وينتهي بما يسميه «الزمن‬ ‫عكس عقارب الساعة ليولد من جديد‪ ،‬كما العظيم»‪ ،‬وهو المعادل للزمن الصوفي‪.‬‬ ‫لو أنه يمحو ما علق به من درن في الحياة أو‬

‫خطيئة كحالة طهرانية وتطهرية‪ ،‬وهنا نتذكر‬ ‫الل ‪« :‬م ْن حجَّ َفل َم ي ْرفُثْ ‪َ ،‬ولَم‬ ‫قول رسُ و َل َّ ِ‬ ‫يفْسُ قْ‪ ،‬رجَ ع َكيَومِ ولَدتْ ُه أ ُ ُّمهُ»‪.‬‬ ‫فهو يعود إلى صفر الزمن الذي يقاس هنا‬ ‫بطهرية الــوالدة‪ ،‬بكونها لم تشتبك بخطيئة‬ ‫الحياة اليومية‪.‬‬

‫ويقول شهاب الدين السهروردي‪« :‬الزمان‬

‫هو مقدار الحركة إذا جمع في العقل مقدار‬ ‫مقدمها ومــتــأخــرهــا‪ ..‬العقل يجمع بداية‬

‫الحركة ونهايتها»‬

‫فالحركة الدؤوبة والمنتظمة في سياق‬

‫الدائرة‪ ،‬هي نتيجة للتوحد في كتلة حركة‬

‫الزمن عبر اإلشارة البشرية المتحركة‪ ،‬والتي‬

‫لعل ابــن عربي «المتوفى سنة ‪638‬هـــ» تسير في سياق األكــوان العلوية‪« ،‬األجــرام‬

‫أكثر من أبدع من المتصوفة‪ ،‬فقد أشرق في السماوية والنجوم»‪ ،‬حيث ينتظم الزمن في‬

‫كثير من كتاباته بما يخص الكشف والرؤيا‪ ،‬األضداد والثنائيات التي يقوم عليها تعاقب‬

‫‪26‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الطواف حول الكعبة يكون بشكل دائري‬

‫الليل والنهار الخ‪.‬‬

‫بمشيه جــزءًا من الحركة الدائرية الكلية‬

‫فالزمن يدور فى المسير‪ ..‬وليس خطً ا المنسابة؛ وهي كذلك صورة أخرى عن تتابع‬ ‫حبات السبحة في التسبيح‪ ،‬كصورة أخرى‬ ‫مستقيمًا كما يتوهم بعضهم‪.‬‬ ‫من دائــرة الزمن المتجدد‪ ،‬والــذي يمتلك‬ ‫فهناك صورة متّحدة في الطواف تتمثل‬ ‫في اللون والحركة‪ ،‬حيث تصبح الحركة وحدة الديمومة في وجوده‪ ،‬فال نهاية للدائرة في‬ ‫متحدة ومتسقة‪ ،‬وقيم تجاذب مقدس باتجاه صور حركتها‪.‬‬

‫الحجر األسود‪ ،‬كعالمة بصرية مفارقة لما‬

‫فالتسبيح صورة أخرى من صور الزمن‬

‫يرتديه الحجّ اج‪ ،‬هي حركة أقرب إلى زمن المتالكه ديمومة تتابع الخرز‪ ،‬تماما كدوران‬ ‫مغناطيسي «فيزياديني»‪ ،‬إذ تشكل جزءًا ال‬ ‫الصوفي والطواف معًا حول مركز ما‪.‬‬ ‫يتجزأ من حركة دائرية كلية‪ ،‬تذكرك بالكون‬ ‫وال يــتــحــقــق الـــــــدوران إال عــبــر مــركــز‬ ‫السماوي‪ ،‬ووحدة الزمان والمكان؛ وهو ما‬ ‫يقتضيه منطق التوحيد واالتحاد في منطق يحركة عبر الزمن‪ ،‬تماما كمدارات األجرام‬ ‫السماوية والكواكب‪.‬‬ ‫(الحيِّز أو الفضاء)‪.‬‬ ‫فالجميع يمشي ويهرول في نسق متحد‬

‫ويبقى الزمن لغزًا متجددًا في سؤاله‬

‫مشكل الكوني‪ ،‬وسرًا ال ينتهي أبد الدهر!‬ ‫ً‬ ‫بالحركة والــلــون‪« ،‬الــلــون األبــيــض»‬ ‫ * كاتب ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪27‬‬


‫الساع ُة السادس ُة ظه ًرا‬ ‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫تغضنت أخاديد وجهه بالحزن وهو‬ ‫رأيت الكوميدي المصري الشهير‪ ،‬عادل إمام‪ ،‬وقد َّ‬ ‫يقول‪" :‬النهارده الخميس‪ ،‬وأمس كان األحد‪ ،‬إمال التنين والثالث واألربعا راحوا فين؟"!‬ ‫إنها الشكوى نفسها التي يشكو منها الناس في العجز عن مالحقة الوقت‪ .‬وهــو كما‬ ‫ورد في القرآن الكريم (يُغشي اللي َل النها َر يطلبه حثيثًا) األعراف‪ .٥٤ :‬فالساعات تجري‪،‬‬ ‫وتجري من واحدة تنطوي إلى نهار‪ ،‬إلى ليلة‪ ،‬إلى أسبوع‪ ،‬إلى شهر‪ ،‬إلى سنة؛ فال يملكون‬ ‫لهذه الدقائق‪ ،‬وال الساعات‪ ،‬وال األيام‪ ،‬ردًا لها‪ ،‬أو تجميدً ا لركضها في مضمار األعمار‪.‬‬ ‫تحضرني في هــذا السياق مــحــاورة أحد‬ ‫الــصــالــحــيــن فــي الــحــفــاظ عــلــى الــوقــت من‬ ‫االنــســاخ‪ ،‬فقد احــتــاج إلــى عملية جراحية‬ ‫بسبب بثرة في شفته العليا؛ فجاؤوا له بطبيب‬ ‫كــي يخفف مــن ال ــورم‪ ،‬لكنَّ الــرجــل الصالح‬ ‫يكف عن التسبيح والتهليل؛ فقال له‬ ‫كان ال ُّ‬ ‫الطبيب‪ :‬أسكت يا سيدي حتى أقوم بعملي‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬مُحال‪ .‬قال و ِل ـمَ؟ قال قل للشمس أن‬ ‫أذكر أني قبل أكثر من عشر سنوات كنت‬ ‫تقف ً‬ ‫أول‪ ،‬فإنَّ حركتها فيها خسارة عظمى لي في زيارة إلى المدينة المنورة‪ ،‬فسألت سبعينيًا‬ ‫إن أنا سكتّ عن الذكر!‬ ‫عــن وقــت صــاة الــعــشــاء؛ فقال لــي الساعة‬ ‫يقف المرء حائرا أمام الوقت‪ ..‬التوقيت‪ ..‬واحدة ونصف!‬ ‫يعتمد المسلمون على رؤية الهالل سواء الرؤية‬ ‫البصرية أم الفلكية‪ ،‬وقد يُــراوِ ُح بدء الصيام‬ ‫بين الدول من يوم إلى يومين‪ ،‬وربما ثالثة‪ ،‬لكن‬ ‫إذا جاء موسم الحج؛ فإن العالم كله ال يملك‬ ‫سوى التسليم لما تقرره المملكة للصعود إلى‬ ‫عَ رَفة‪ ،‬يوم التاسع من ذي الحجة من كل عام‪.‬‬ ‫وكانت المملكة تسير على التوقيت الغروبي‪.‬‬

‫الميعاد‪ ..‬األج ــل‪ ..‬عصر الــســرعــة‪ ..‬لمح‬ ‫وهذا التوقيت الغروبي ‪-‬كما هو معلوم‪-‬‬ ‫البصر‪ ..‬غمضة العين‪ ..‬وما أكثر القصص يبدأ به النهار مع شــروق الشمس‪ ،‬فالساعة‬ ‫في هذا السياق‪.‬‬ ‫السابعة حسب تعبيرنا حاليًا هــي الساعة‬ ‫وحــســب عــلــمــي‪ ،‬ف ــإن الــمــمــلــكــة العربية الواحدة صباحا حسب التوقيت الغروبي‪.‬‬ ‫السعودية تنفرد بقصة التوقيت عن بقية العالم‬ ‫وفي كتاب (حبات من عنقود)‪ ،‬اشتكى رجل‬ ‫اإلسالمي‪ .‬بل يقينًا تنفرد‪ ،‬وتتحكم في توقيت األعــمــال‪ ،‬األديــب محمد علي مغربي رحمه‬ ‫مثل‪ ،‬اهلل‪ ،‬مــن تأخر طــائــرة الخطوط السعودية‬ ‫العالم اإلسالمي؛ ففي شهر رمضان‪ً ،‬‬

‫‪28‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫وانتظارها قبل نحو نصف قرن‪ .‬الشاهد في مساعد بن عبدالرحمن‪ ،‬وزير المالية‪ ،‬واألمير‬ ‫موضوعنا أنه قال‪« :‬وصلت الطائرة إلى مطار سلطان بن عبدالعزيز‪ ،‬وزير الدفاع‪ ،‬رحمهم‬ ‫الرياض في وقت الظهيرة‪ ،‬ولم يسمح للركاب اهلل جميعًا‪ .‬وما لبث األمير مساعد أن غادر‬ ‫بمغادرة الطائرة‪ ،‬وبقينا ساعة ونصف الساعة الحفل فشكره المضيف‪ ،‬ثم طلب من األمير‬ ‫من السادسة والنصف إلى الثامنة»‪.‬‬ ‫سلطان البقاء لمشاركة الحضور فرحتهم‬ ‫وأوردت قديما جريدة البالد‪ ،‬خبرًا ذكرت وســمــاع الــطــرب‪ .‬قــال الــخــيــاط وعــلــى حين‬ ‫فيه أن الظهر الساعة السادسة‪( ،‬طالع الصورة‬ ‫المرفقة)‪.‬‬

‫ثم بدأت قيادات المملكة تفكر في االنتقال‬ ‫إلــى التوقيت الــزوالــي‪ ،‬فقد حكى األســتــاذ‬ ‫عبداهلل عمر خياط‪ ،‬رئيس تحرير صحيفة‬ ‫عكاظ األسبق‪ ،‬إنه كان في حفل زفاف ابنة‬ ‫األستاذ محمد عمر توفيق‪ ،‬وزير المواصالت‬ ‫األسبق‪ ،‬وقد حضر الحفل أعيا ٌن من المدينة‬ ‫المنورة‪ ،‬ومكة المكرمة‪ ،‬كما حضر األمير‬

‫الملك فيصل‬

‫السادسة ظهرًا‪ ،‬هي‬ ‫قبل تغيير نظام الوقت في المملكة كانت الساعة‬ ‫«جريدة البالد ‪.»١٩٦٥/٧/٢٩ - ١٣٨٥/٣/٣٠‬‬

‫محور خاص‬

‫الثانية ظهرًا اليوم‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪29‬‬


‫الزوالي‪ ،‬فقد صدر األمــر الملكي في عهد‬ ‫الملك فيصل‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬باعتماد التوقيت‬ ‫الزوالي‪ .‬وتم تطبيق ذلك تدريجيًا دون إكراهٍ‬ ‫حتى استقر التوقيت الزوالي تمامًا‪ ،‬وإن بقيت‬ ‫آثار التوقيت الغروبي لدى بعض الناس‪.‬‬ ‫وقد ضرب الملك فيصل القدوة للناس في‬ ‫احترام الوقت‪ .‬ويقال إن كبار الموظفين كانوا‬ ‫يضبطون ساعاتهم على وصوله إلــى مكتبه‬ ‫صباحً ا‪ .‬وهناك أنــاس أعرفهم منهم السيد‬ ‫محسن باروم‪ ،‬مدير عام التعليم بوزارة المعارف‬ ‫رحمه اهلل‪ ،‬يلتزمون بالدقيقة بمواعيدهم‪.‬‬ ‫وقال لي األستاذ عبدالرزاق حمزة‪ ،‬مستشار‬ ‫عبداهلل عمر خياط رحمه اهلل‬ ‫وزير الحج واألوقــاف‪ ،‬سابقا‪ ،‬أطال اهلل في‬ ‫غفلة جاءني األخ حسن دردير وقال لي األمير عمره‪ ،‬إنه يكون جاهزًا ألي موعد قبل نصف‬ ‫سلطان يريدك‪ .‬فتوهمت أنه يمزح معي‪ ،‬فلم ساعة من االتفاق عليه‪ .‬نوع من الرجال كأنما‬ ‫أتحرك‪ ،‬ولكن بعد هنيهة جاءني الفنان محمد يطبقون القول المأثور «الوعد كالرعد»‪.‬‬ ‫عبده‪ ،‬وقــال لــي‪ :‬قم يا عمنا‪ ،‬جــاك الخير‪،‬‬ ‫وأذكر أني حضرت إلى مقر البنك اإلسالمي‬ ‫فاألمير يريدك‪ .‬فلما وصلت إلى سموه قال‪ :‬للتنمية قبل ربع قرن لمحاضرة يلقيها رئيسه‬ ‫يا عبداهلل‪ ،‬العالم حول المملكة عنده توقيت الدكتور أحمد محمد علي‪ ،‬وكنا في القاعة‬ ‫يختلف عــنــا‪ .‬فالتوقيت العالمي يــبــدأ من‬ ‫قبل الموعد بنصف ساعة‪ ،‬وجلس إلى جانبي‬ ‫منتصف الليل‪ ،‬حتى منتصف الليلة التالية‪.‬‬ ‫األســتــاذ رئيس تحرير الــبــاد األســتــاذ علي‬ ‫فضحكت‪ .‬فقال أنــا أكلمك لكي تكتب في‬ ‫حسون‪ ،‬فقال بلهجته المدينية‪ :‬الليلة نشوف‬ ‫عكاظ لتحويل الوقت الغروبي إلى العالمي‬ ‫األسطورة‪ ،‬ويقصد بذلك أن الدكتور أحمد‬ ‫ال ــزوال ــي؛ ألن ــه أف ـيَــد لــلــنــاس‪ ،‬كــمــا يساعد‬ ‫محمد علي أسطورة في احترام المواعيد‪،‬‬ ‫الموظفين والــتــجــار ورج ــال األعــمــال على‬ ‫وما أن قارب عقرب الساعة الثامنة حتى هلّت‬ ‫التفاهم مع أندادهم في أي مكان من العالم‪.‬‬ ‫طلعة الدكتور األسطورة ليجلس في مقعده‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وتريدني أن أنسب هذا الكالم إليك؟‬ ‫إدارة المرور تضمن للملك فيصل أن يصل‬ ‫فقال‪" :‬عجيبة‪ ،‬يقولوا عليك كاتب كبير إلى مواعيده بدون ربكة أو زحمة‪ .‬لكن التيار‬ ‫وما تبغا تتحمل المطالبة بتغيير التوقيت؟"! الكهربائي أو المصاعد تحترم األســطــورة‬ ‫ولــمــا ك ــان الــعــالــم كــلــه يعتمد التوقيت راعيًا أو رعية‪ ،‬فتتعاون وهي البكماء معهم؛‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫االمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز رحمه اهلل و الدكتور أحمد محمد علي‬

‫إذ لم نسمع قط أن الدكتور أو السيد الباروم‬ ‫أو السيد حمزة‪ ،‬ناهيك عن الملك فيصل‪،‬‬ ‫حبسهم مصعد‪ ،‬أو تعطلت سيارتهم‪ ،‬أو انفجر‬ ‫إطارها‪ ،‬فتأخروا عن موعد من مواعيدهم!‬ ‫ال ـ ــق ـ ــدوة مـــــوجـــــودة‪ ،‬ل ــك ــن الــمــمــاطــلــة‬ ‫والبيروقراطية تفعالن بالناس األعاجيب‪.‬‬ ‫وقــد الحــظ األســتــاذ محمد عمر العامودي‬ ‫أن أحــد الموظفين إذا جــاءتــه معاملة في‬ ‫جدة يرسلها إلى الرياض‪ ،‬فينتظر صاحبها‬ ‫عدة أيام أو أسابيع لكي تعود معاملته‪ .‬فقال‬ ‫العامودي لماذا ترسل المعاملة إلى الرياض‬ ‫وأنت بإمكانك أن تنجزها في جدة؟ فقال له‬ ‫لكي أعطي منصبي هيبة‪ ،‬فقال العامودي هذه‬ ‫خيبة ال هيبة‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬ربما يكون هناك ما يقتضي التأخير‪،‬‬ ‫لكنه تأخير في الصالح الــعــام‪ .‬يــذكــرون إن‬ ‫المستشرق البريطاني انجرامس قابل العالمة‬ ‫السيد عبداهلل محفوظ الــحــداد في مدينة‬

‫الديس الشرقية‪ ،‬شــرق مدينة المكال‪ ،‬قبل‬ ‫ستين أو سبعين سنة‪ ،‬فسأله ما هي القضايا‬ ‫في الشريعة اإلسالمية العاجلة والمتوسطة‬ ‫والطويلة‪ .‬فقال له القضايا العاجلة هي في‬ ‫األح ــوال الشخصية مــن زواج ورجــعــة وغير‬ ‫ذلك‪ ،‬فهذه نعجل بالبت فيها كي تلتئم األسرة‪.‬‬ ‫أما المتوسطة‪ ،‬فهي قضايا الوقف؛ للتأكد‬ ‫من الشهود وإيصال الحقوق إلى مستحقيها‪.‬‬ ‫وأما الطويلة‪ ،‬فهي قضايا الدماء‪ ..‬فال بُدَّ من‬ ‫التحرّي الشديد قبل القصاص‪ ،‬فلعل أولياء‬ ‫الــدم يقبلون بالدية أو العفو‪ ،‬أو ربما تظهر‬ ‫شبهة‪ ،‬تندرج القضايا تحت الحديث الشريف‪:‬‬ ‫ادرأوا الحدود بالشبهات‪.‬‬ ‫قصارى القول‪ ،‬إن الوقت أغلى ما في رصيد‬ ‫بنوك الحياة‪ .‬وقد قال اإلمام الشافعي رحمه‬ ‫اهلل‪ :‬استفدت كلمة من هؤالء المتصوِّفة‪ ،‬قيل‬ ‫ما هي يا إمام؟ قال‪ :‬قالوا الوقت كالسيف إن‬ ‫لم تقطعه قطعك‪.‬‬

‫ * نائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر سابقا‪ ،‬ومترجم‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪31‬‬


‫اإلسالمي‬ ‫العربي‬ ‫الفكر‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الزمان في ِ‬ ‫■ د‪ .‬توفيق زهير*‬

‫شــكّ ــل الــزمــن أو الــزمــان بمفهومه ‪-‬ومــاهـيـتــه ‪-‬أه ــم مـعـضــات الفلسفة عـبــر تاريخها‬ ‫الطويل‪ ،‬من طالئع فالسفة اليونان وحتى الفلسفة الحديثة؛ فمن فالسفة الطبيعة ما‬ ‫قبل سـقــراط‪ ،‬كــان الـخــاف واالخـتــاف بينهم حــول الــزمــان والـحــركــة؛ فمنهم مــن انطلق‬ ‫من التغير والــزمــن‪ ،‬وال معنى للوجود خــارج إطــار الزمن (هيراقليدس)؛ ومنهم من أنكر‬ ‫الحركة والتغير‪ ،‬وأعلى من قيمة الثبات والسكون (زينون اإليلي)؛‪ ،‬ومثله الفكر الهندي‬ ‫الهندوسي المؤمن بالسكون والسكينة‪ .‬وأصبحت مقولتا الــزمــان والمكان أهــم مقوالت‬ ‫الوجود(موضوع الفلسفة)‪ ،‬منذ أرسطو في العصور القديمة إلى الفلسفة الحديثة‪ ،‬مرورًا‬ ‫بفلسفة العصور الوسطى المسيحية واإلسالمية‪ ،‬وحتى في التحوّل الجذري في مباحث‬ ‫الفلسفة‪ ،‬واالنتقال من الوجود إلــى المعرفة مع ديـكــارت‪ ،‬ومــن المعرفة إلــى التاريخ مع‬ ‫وأساسا!‪ .‬وأهم من انشغل به‬ ‫ً‬ ‫ماركس‪ .‬والثقافة في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬ظل الزمان مرافقا‬ ‫في الفلسفة المعاصرة هيدغر الذي عدّ ه قوة سلبية هدامة‪ ،‬تقود اإلنسان للعدم‪ ،‬بعكس‬ ‫برجسون فيلسوف الـحــدس والديمومة الــذي أبــرز الجانب اإليـجــابــي للزمان مــن خالل‬ ‫الديمومة‪ ،‬وربطها بالخلق واالب ــداع‪ .‬وفي الفن تم اإلحساس بوطأة الزمن الــذي يقودنا‬ ‫إلى الشيخوخة والموت والخريف‪ ،‬وتم التحايل عليه لتجاوزه باألزلية؛ أي بتأبيد الحاضر‬ ‫واآلنية (انظر جدارية درويش)‪ ،‬إضافة لتقنيات االستباق والحنين (الوقوف على األطالل‬ ‫والحدود) والحذف واالسترجاع في االبداع الشعري والسردي‪.‬‬ ‫(أل صـ ــدق)‪ .‬وإن‬ ‫يشكّل الــزمــان والمكان إط ــارًا تكوينيًا مــفــرداتــه المحسوسه ّ‬

‫للمعرفة والوجود‪ ،‬وال يمكن تصورهما خارج شئنا الدِ قة‪ ،‬قلنا إن المكان فكرة‪ ،‬ومقولة‬ ‫العالم‪ ،‬أو تصوّر األشياء في العالم خارج في الفلسفة‪ ،‬أمــا الزمان فإشكالية‪ .‬وأما‬ ‫إطارهما‪ ،‬من حيث المبدأ‪.‬‬

‫علميًا فنقول مع الفيزياء إن للمكان والزمان‬

‫فما هو الزمن؟ وهل هو حقيقة موضوعية وجودًا حقيقيًا‪ ،‬ما دام الوجود نفسه ماديًا‬ ‫واقعية‪ ،‬أم مجرد إطار نظري بحت؟‬ ‫متصل؛ فهو إذًا قابل للقياس‬ ‫ً‬ ‫وموضوعيًا‬ ‫لقد كان المكان كمفهوم أكثر ملموسية والتكميم‪ .‬ولقد كان الزمان والمكان المطلق‬

‫وواقــعــيــة وبساطة مــن الــزمــان‪ ،‬مــن خالل في فيزياء نيوتن الكالم الفصل في العلوم‬

‫‪32‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الطبيعية والفلسفة (فلسفة كــانــط‪ ،‬حتى‬ ‫ظهور النظرية النسبية والكوانتم في القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬وما بينهما‪ ،‬عندما ظهرت نظرية‬ ‫التطور الداروينية التي بطلها الزمن في‬ ‫ق‪ ،19‬وقبلها نظرية التقدم في عصر التنوير‬ ‫في ق‪ ،18‬وأصبح مفهوم التطور في العلوم‬ ‫الطبيعية‪ ،‬والتقدم في العلوم اإلنسانية‪ ،‬نتا َج‬ ‫فكرة الزمن كفاعلية وإطار مفاهيمي‪.‬‬ ‫وفي الكانطية‪ ،‬ارتبط الزمان بالحساسية‪،‬‬ ‫ويــقــوم على التعاقب بين األحـــداث وفقا‬ ‫للسببية‪ ،‬وغير قابل لالرتداد أو الــدوران‪،‬‬ ‫كما تقول نظرية العود األبــدي الــذي قال‬ ‫بها ابن تيمية سابقا‪ ،‬وكان نيتشه أخر من‬ ‫قال بها حديثًا‪ ،‬وفنّدها علم الفيزياء بقوانين‬ ‫الديناميكا الحرارية‪ .‬وعليه‪ ،‬فالمكان يقوم‬ ‫على التتالي‪ ،‬وفقًا لعلم الهندسة والزمان‪،‬‬ ‫اإلطار الصوري القبلي لكل الظواهر‪ ،‬وإذا‬ ‫كــان الــمــكــان إطـ ــارًا لتجربتنا الخارجية‪،‬‬ ‫فالزمان إطار التجربة داخليًا وخارجيًا‪.‬‬ ‫نعود للفلسفة اليونانية‪ ،‬إلــى أفالطون‬ ‫وأرسطو وأفلوطين الصوفي‪ ،‬وهــم األكثر‬ ‫تأثيرًا في الثقافة العربية اإلسالمية في‬ ‫الــعــصــور الــوســطــى؛ فــي الــتــصــوف‪ ،‬وعلم‬ ‫الكالم‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬بمقوالت الميتافيزيقا‪،‬‬ ‫والــكــوزمــولــوجــيــا بــشــكــل عــــام‪ ،‬وال ــزم ــان‬ ‫بشكل خــاص‪ .‬وقد مثلت محاورة تيماوس‬ ‫ألفالطون البداية الحقيقية لجدل الفلسفة‬ ‫بالزمان (‪ ،)CHRONOS‬كونه جزءًا من عالم‬ ‫المحسوسات ومــحــاكــاة عالم المثل التي‬

‫محور خاص‬

‫هيراقليدس‬

‫هيراقليدس‪ :‬ال معنى للوجود خارج الزمن!‬

‫تقابله باألبدية أو األزلية (‪ )AION‬في عالم‬ ‫األصل السماوي‪ ،‬عا ّدًا للزمان بداية ونهاية‪،‬‬ ‫بعكس أرســطــو الــذي رفــض البداية (كــون‬ ‫العالم قديم)‪ ،‬وســار على نهجهم فالسفة‬ ‫اإلس ــام؛ فابن سينا رغــم تأثره بنظريات‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪33‬‬


‫سينا اللذين ابتعدا عن عقالنية أرسطو‪،‬‬

‫وفتحوا المجال للغزالي لضرب الفلسفة‬ ‫كــكــل‪ .‬ومــن المتأثرين بأفلوطين جماعة‬ ‫إخوان الصفا في الفكر العربي اإلسالمي‪،‬‬ ‫ومثلت تاسوعية أفلوطين الثالثة على سبيل‬

‫المثال مرجعية أساس لفكر إخوان الصفا‪،‬‬ ‫رغم عدم وجود فصل مخصص للزمان في‬

‫الرسائل‪ ،‬لكنه حسب أفلوطين‪ ،‬فهو والنفس‬ ‫الكلية (العالم) وجدا معًا عن األقنوم السابق‬ ‫(العقل الفعال)‪.‬‬

‫ومثّل أرسطو في المقابل مرجعية النزعة‬

‫العقالنية في الفلسفة عند ابن رشد‪ ،‬ومفهوم‬

‫زينون اإليلي‬

‫الزمان كونه بال بداية وال نهاية‪ .‬وبدون أحداث‬

‫الفيض األفلوطينية عــدَّ الــزمــا َن ال متناهٍ ‪ ،‬ال يوجد مكان وال زمــان‪ ،‬وهــي فكرة شكلت‬ ‫وليس له بداية‪ ،‬وأفــرد الكثير من الشروح معضلة فــي الفكر اإلســامــي القائل بفكرة‬ ‫في طبيعيات الشفاء والنجاة ‪-‬متبعًا آراء‬ ‫أرسطو‪ -‬وفي رسائلة المتعددة‪ ،‬ومنها رسالة‬

‫خاصة في الرد على أن للزمان بداية‪ ،‬وفي‬ ‫التأثيرات األفلوطينية‪ ،‬يقول‪ :‬إن الزمان‬ ‫راجــع للنفس الكلية‪ ،‬والنفس الكلية سبب‬

‫الحركة‪ ،‬وال زمان بدون حركة‪ .‬أما الرازي‬ ‫فأشار إلى أن الزمان ب ّي ٌن بذاته كمقدار‪،‬‬ ‫وهو متعلق بالحركة‪ ،‬وإذا لم يحس بحركة‬

‫لم يحس بزمان‪.‬‬

‫الخلق‪ ،‬وبالتالي انشغل الفالسفة بالتوفيق‬ ‫بين العقل والنقل‪ ،‬أي بين القديم والحادث‪،‬‬ ‫والحادث هذا إما زماني؛ ويعني إحداث شيء‬ ‫مــا بــعـ ُد لــم يكن لــه وج ــود فــي زم ــان سابق‪،‬‬

‫وهناك اإلحــداث غير الزماني؛ ويعني إفادة‬ ‫الشيء وجودُا‪ ،‬وليس له في ذاته ذلك الوجود‬

‫بحسب دون زمان؛ بل في كل زمان‪ .‬وهناك‬ ‫ٍ‬ ‫ال‬ ‫الحدوث الذاتي كون الشيء مفتقرًا في وجوده‬

‫إلى غيره‪ ،‬والحدوث الزماني ويقصد به كون‬

‫الشيء مسبوقا بالعدم زمانيًا‪ .‬وهناك القديم‬

‫ماض غير متناه‪.‬‬ ‫مثل أفالطون‪ ،‬ومن بعده أفلوطين مرجع المطلق الذي وجد في زمان ٍ‬ ‫النزعات الغنوصية الصوفية والعرفانية وهــنــاك القديم بحسب ال ــذات‪ ،‬فهو الشيء‬ ‫والفلسفة المشرقية كما أوضــحــنــا‪ ،‬وهو الــذي ليس لوجوده ذاتــه مبدأ به وجــب‪ ،‬أما‬

‫المأخذ الكبير البن رشد على الفارابي وابن عند الصوفية كالجويني‪ ..‬فالقديم هو الذي‬

‫‪34‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫ال أوّل له وال آخر‪ ،‬وهناك القدم الذاتي ويعني الزمان قديمًا‪ ،‬كما جاء في شروحاته لما‬ ‫عدم حاجة الشيء إلى غيره؛ وهناك القدم بــعــد الطبيعة ألرســطــو‪ ،‬ورفـــض مــقــوالت‬ ‫الزماني‪ ،‬ومعناه أن الشيء غير مسبوق بالعدم‪ .‬المتكلمين‪ ،‬وعدَّ الزمان ب ّي ٌن بنفسه‪ ،‬والبحث‬

‫وانعكست قضية العالم حــادث أو قديم يتم في ماهيته وال زمان بدون حركة‪ ،‬وهو‬ ‫على مفهوم الزمن‪ ،‬واتخذ الزمن بتحوالته عـــارض ه ــذه الــحــركــة‪ ،‬وال يــوجــد بنفسه‬ ‫أيضا كجوهر‪ ،‬وهو ما يقسم الحركة ب (اآلنات)‬ ‫ومفرداته ومترادفاته االهتمام الواسع ً‬ ‫من المعاجم واللغويين وعلماء الكالم؛ فهناك إلى متقدم ومتأخر‪،‬فهو عدد الحركة‪ ،‬وهو‬ ‫المدة وتعني الزمان المطلق‪ ،‬الذي ال تعده بالماضي والمستقبل دليل قِ دم العالم‪ ،‬وهو‬ ‫حركة‪ ،‬ولكن ال يوجد مدة خالية من الحركة كــعــرض وض ــع‪ ،‬ولــيــس لــه الــوجــود الفعلي‪،‬‬ ‫إال بالوهم‪ ،‬وهناك الوقت الخاص بالصوفية وما دام مرتبطً ا بالحركة‪ ،‬فما هو ساكن ال‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الذي هو زمان الحال‪ ،‬وال تعل َق له ال بالماضي يتحرك‪ ،‬ليس في زمان‬ ‫وال بالمستقبل‪ ،‬وهو عند أبي البقاء المقدار‬ ‫من الدهر‪ ،‬والدهر عند الصوفية هو اآلن‬ ‫الــدائــم الــذي هو امــتــداد الحضرة اإللهية‪،‬‬ ‫وهو باطن الزمان‪ ،‬وبه يتحد األزل واألبد‪،‬‬ ‫واألبــد استمرار الوجود ما ليس له نهاية‪،‬‬ ‫واألزل هو زمــان ليس له بــدايــة‪ ،‬والسرمد‬ ‫دوام الزمان في المستقبل‪ ،‬وعند ابن سينا‬ ‫هو المعنى المعقول من إضافة الثبات إلى‬ ‫النفس في الزمان كله؛ فالزمن عند الحكماء‬ ‫(الفالسفة) هو مقدار حركة الفلك‪ ،‬وعند‬ ‫المتكلمين متجدد معلوم يقدر به متجدد آخر‬ ‫موهوم؛ و(اآلن) عند ابن سينا هو الطرف‬ ‫الموهوم‪ ،‬ويشترك فيه الماضي والمستقبل‬ ‫من الــزمــان‪ ،‬وقــد يقال (آن) لزمان صغير‬ ‫الــمــقــدار؛ وهــنــاك الحين بمعنى الــدهــر أو‬ ‫المدة أو أي وقت مبهم‪.‬‬ ‫أمــا ابــن رشــد األرســطــي الــصــارم‪ ،‬فعدَّ‬

‫ابن رشد‬

‫ * كاتب ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪35‬‬


‫جدليَّ ُة الوقت والحياة عند الشعراء‬ ‫■ أ‪ .‬د‪ .‬راشد عيسى*‬

‫أتــوقــع أنَّ مصطلح الــوقــت جــزء مــن مفهوم الــزمــن الكليّ الـعــام‪ .‬ومــا يــزال الــزمــن منذ‬ ‫وغامضا معً ا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واضحا‬ ‫ً‬ ‫فالسفة اإلغريق حتى عصرنا الحاضر مفهومً ا إشكال ّيًا‬ ‫أيضا؛‬ ‫فهو يتفلَّت من الفكر الفلسفيّ ويعود إليه‪ ،‬ويتملّص من الفيزياء ويعود إليها ً‬ ‫شعوري‪ ،‬وعقليّ‪ ،‬وغائب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فليس من اليسير اإلمساك بجوهره وكيفياته وصيروراته؛ فهو‬ ‫وحاضر‪ ،‬ومدرك‪ ،‬وغير مدرك!‬ ‫والوقت هو اآللية التطبيقية لتفتيت الزمن صرخة وجودية عنيفة‪:‬‬ ‫العام إلــى زمــن خــاص معيش‪ ،‬يديره اإلنسان أال أيـ ـه ــذا ال ــائ ـم ــي أشـ ـه ــد ال ــوغ ــى‬ ‫لقضاء حاجاته الشعورية النفسية العميقة‬ ‫وأن أحضر اللذات هل أنــتَ مخلدي‬ ‫مــن صعيد آخ ــر‪ .‬وم ــن هــنــا‪ .‬ســعــى اإلنــســان‬ ‫إلى تفكيك الوقت نفسه إلى مواقيت‪ :‬ثانية‪ ،‬فــدع ـنــي أروّي هــام ـتــي ف ــي حـيــاتـهــا‬ ‫سـتـعـلــم إن مـ ْتـنــا غ ــدً ا أي ـنــا الـ ّـصــدي‬ ‫دقيقة‪ ،‬ساعة‪ ،‬يــوم‪ ،‬أسبوع‪ ،‬شهر‪ ،‬عــام‪ ،‬قرن؛‬ ‫ثــم الفجر‪ .‬والــصــبــاح‪ .‬والضحى‪ .‬والظهيرة‪.‬‬ ‫فطرفة غير واثق بالمستقبل؛ ألن المستقبل‬ ‫والعصر‪ ،‬والمغرب‪ .‬والعشاء‪ ،‬والغسق‪ .‬واستمر هو الــمــوت‪ .‬أمــا الحاضر‪ ،‬فهو الــلــذة! وبلغت‬ ‫اإلنسان في توليد دوال زمنية (توقيتية) لحاجته الفكرة ذروتها عند الفارسي عمر الخيام في‬ ‫التعبيرية في تحديد المواقيت؛ فعرفنا اللحظة‪ ،‬رباعياته التي تتجوهر حول اللذائذ الثالث‪:‬‬ ‫والبرهة‪ ،‬والهنيهة‪ ،‬والمرحلة‪ ،‬والفترة‪ ،‬وسائر الــحــب والــخــمــر والــزمــن اآلنـ ــيّ المعيش في‬ ‫الظروف والتقسيمات التي تحدّد الوقت‪.‬‬ ‫اللحظة‪ ،‬فقال بترجمة أحمد رامي‪:‬‬ ‫ربما كــان الفيلسوف اإلغريقي أبيقورس وال ت ـش ـغــل الـ ـب ــال ب ـم ــاض ــي ال ــزم ــان‬ ‫أوّل مــن انتبه إلــى مثلث الماضي والحاضر‬ ‫وال ب ـ ــآت ـ ــي ال ـ ـع ـ ـيـ ــش ق ـ ـبـ ــل األوانْ‬ ‫والمستقبل‪ .‬لكنه انحاز إلى «الحاضر» بصفته‬ ‫واغـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـح ـ ـ ــاض ـ ـ ــر لـ ـ ــذاتـ ـ ــه‬ ‫ـاصــا‪ ،‬ودعــا في فلسفته إلــى استثمار‬ ‫زمنًا خـ ً‬ ‫ف ـل ـيــس م ــن ط ـب ــع ال ـل ـي ــال ــي األمـ ـ ــانْ‬ ‫لذة هذا الحاضر؛ إذ الماضي ولّى ولن يعود‪،‬‬ ‫غـ ـ ـ ــدٌ يـ ـظـ ـه ــر ال ـ ـغ ـ ـيـ ــب والـ ـ ـ ـي ـ ـ ــوم لــي‬ ‫والمستقبل غير مأمون أبدًا‪.‬‬

‫وك ـ ــم ي ـخ ـي ــب الـ ـ ـظ ـ ــنّ ف ـ ــي ال ـم ـق ـب ـ ِـل‬

‫واســتــمــرت هــذه الــفــكــرة فــي التناقل عبر‬ ‫البيئات الثقافية في كل العالم‪ .‬فرأيناها عفوية ول ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــت ب ـ ــالـ ـ ـغ ـ ــاف ـ ــل حـ ـ ـت ـ ــى أرى‬ ‫جـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــال دنـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاي وال أجـ ـ ـتـ ـ ـل ـ ــي‬ ‫صادقة عند الجاهلي طرفة بن العبد‪ ،‬في صورة‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫فطرفة ال يريد أن يغفل عن متعة الزمن‬ ‫الحالي‪ .‬فالموت بالمرصاد‪ ،‬فإذا ذهبت متعة‬ ‫الــحــاضــر فــلــن تــعــود‪ ،‬وال يظفر اإلنــســان إال‬ ‫بالعطش عند الموت‪ .‬والخيّام يرفض كذلك أن‬ ‫يغفل عن جمال الدنيا‪ ،‬ما دام المقبل من األيام‬ ‫سيكون خائبًا؛ إذ ليس من طبع الليالي األمان‪.‬‬ ‫خاصا للشعراء‪ ،‬وال‬ ‫غير أن ثمة وقتًا شعوريًا ًّ‬ ‫سيّما العشاق منهم؛ ففي معلّقة امرئ القيس‬ ‫منظومة من األوقات الخاصة التي يتباكى على‬ ‫مرورها‪:‬‬

‫كـ ــأنـ ــي غـ ـ ـ ــداة الـ ـبـ ـي ــن يـ ـ ــوم ت ـح ـم ـلــوا‬ ‫ل ــدى س ـم ــرات ال ـح ــيّ ن ــاق ــف حـنـظـ ِـل‬ ‫أال رُبَ يـ ـ ـ ـ ــومٍ لـ ـ ــك مـ ـنـ ـه ــم ص ــال ــح‬ ‫وال س ـ ـ ّي ـ ـمـ ــا ي ـ ـ ـ ــوم ب ـ ـ ـ ـ ـ ــدارة ُجـ ـلـ ـج ـ ِـل‬ ‫وي ـ ـ ــوم دخـ ـل ــت ال ـ ـخـ ــدر خ ـ ــدر ع ـن ـيــزة‬ ‫ف ـقــالــت ل ــك ال ــوي ــات إن ــك مُ ــرجـلــي‬

‫الهادي آدم ‪٢٠٠٦-١٩٢٧‬‬

‫وي ــومً ــا ع ـلــى ظ ـهــر ال ـك ـث ـيــب ت ـع ــذّ رت‬ ‫ع ـ ـ ـلـ ـ ــيّ وآلـ ـ ـ ـ ـ ــت خ ـ ـل ـ ـفـ ــه ل ـ ـ ــم ت ـ ـح ـ ـ ّلـ ـ ِـل‬ ‫ثم يستعيد زمن لقائه ببيضة الخدّر في ما‬ ‫يزيد على عشرين بيتًا يصف بها محاسن تلك‬ ‫المحبوبة‪ ،‬لينهي استعادة هذا الموقف بتوكيده‬ ‫الصبا الذي تمثل في تعالقه‬ ‫الحرص على زمن ّ‬ ‫مع بيضة الخدر تلك‪:‬‬

‫الصبا‬ ‫تـسـ ّلــت عـمــايــات ال ــرج ــال عــن ّ‬ ‫ـواك بـمـنــسَ ـ ِـل‬ ‫ول ـي ــس فـ ـ ــؤادي ع ــن هـ ـ ـ ِ‬ ‫فزمن الشباب خالد فــي ف ــؤاده‪ ،‬إنــه زمن‬ ‫يحس به إال الشاعر العاشق‬ ‫ّ‬ ‫شعوري خاص ال‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫على أن المعلّقة تنطوي بعد ذلك على مزج‬ ‫نفسي صاخب بين الزمن الشعوري الخاص عند‬ ‫امرئ القيس‪ ،‬والزمن الخارجي (الليل)‪ ،‬فيصف‬ ‫طــول الليل بثالثة أبــيــات تــبــدو كأنها مشهد‬

‫محور خاص‬

‫أحمد رامي‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪37‬‬


‫سينمائي تجريدي مدهش‪:‬‬

‫تـ ـعـ ـ ّل ــقْ ـ ُـت ل ـي ـل ــى وهـ ـ ــي ذات ت ـم ــائ ــمٍ‬ ‫ول ــم َي ـ ْبــدُ لــأتــراب مــن ثــديـهــا حجمُ‬

‫أال أي ـه ــا ال ـل ـيــل ال ـط ــوي ــل أال ان ـجـ ِـل‬ ‫بـصـبــح وم ــا اإلصـ ـب ــاح م ـنــك بــأمـثـ ِـل صغيرين نــرعــى الـبــهْ ـ َم يــا لـيــت أننا‬ ‫إلــى الـيــوم لــم نكبر ولــم تكبر البَهْ مُ‬ ‫ف ـ ـيـ ــا لـ ـ ــك مـ ـ ــن ل ـ ـيـ ــل كـ ـ ـ ـ ــأنَّ ن ـج ــوم ــه‬ ‫بـ ـك ــل م ـ ـغـ ــار الـ ـفـ ـت ــل ُشـ ـ ـ ـ ــدّ ت ب ـيــذبــل‬

‫ك ـ ـ ــأنَّ الـ ـث ــري ــا ع ـ ّل ـق ــت فـ ــي م ـصــام ـهــا‬ ‫ـدل‬ ‫ب ـ ــأم ـ ــراس ك ـ ـتـ ــان إلـ ـ ــى صـ ـ ــمّ جـ ـن ـ ِ‬

‫فــالــدوال الزمنية (ذات تــمــائــم)‪( .‬لــم يب ُد‬ ‫األتراب من ثديها حجمُ) (صغيرين)‪ ،‬تؤكد تلك‬ ‫المرحلة الطفولية التي تساوي حياته كلها‪.‬‬ ‫فعندما تمنّى أن ال يكبرا؛ إنما أراد أن يوقف‬ ‫الزمن عند تلك اللحظات‪ ،‬وهي ال شك لحظات‬ ‫خاصة تلغي أو تسخر من الزمن الموضوعي‬ ‫ّ‬ ‫العام‪ ،‬وتلخّ ُصه بالزمن الطفولي الخاص‪ .‬لكن‬ ‫اإلبــداع في البيتين يتمركز في تمنّي الشاعر‬ ‫بأن تبقى األغنام فتية حتى ال تشيخ فتموت‪،‬‬ ‫إذ بموتها يمتنع سبب الرعي‪ ،‬أي سبب لقائهما‬ ‫في المرعى‪.‬‬

‫فلنتأمل هذا التجسيد الغريب لليل‪ ،‬فنجومه‬ ‫أيضا‬ ‫مشدودة بحبال إلى جبل يذبل‪ ،‬والثريا ً‬ ‫مربوطة بأمراس الكتان إلى جبل صخري شديد‬ ‫الصالبة‪ .‬فهو يومئ بهذه الــصــورة الشعرية‬ ‫الخارقة إلى ثبات الزمن وسكونيته أمام صخب‬ ‫مشاعره المتحركة الهائجة‪ ،‬في صراع نفسي‬ ‫شديد العمق بين رغبة الشاعر فــي تحريك‬ ‫الزمن الليلي إلــى زمــن إصباحي يشاهد فيه‬ ‫ويذهب أحمد شوقي في بيت شعري واحد‬ ‫الحبيبة؛ ليتخلص من احتراقه الجوّاني للقاء إلى تمجيد اللحظة الزمنية والمكانية‪ ،‬بحيث‬ ‫تلك الحبيبة‪.‬‬ ‫تصبحان جوهر الحياة الوجدانية وتنوبان عن‬ ‫أم ــا قــيــس بــن الــمــل ـوّح فــقــد جــسّ ــد الــزمــن مراحل العمل كله‪:‬‬ ‫الطفولي الشعوري الخاص ببيتين تحسّ ر فيهما ق ـ ـ ـ ــد يـ ـ ـ ـه ـ ـ ــون ال ـ ـ ـع ـ ـ ـمـ ـ ــر إال سـ ـ ــاعـ ـ ــةً‬ ‫على انقضاء ذلك الزمن عبر التمنّي الموجع‪:‬‬ ‫وت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــون األرض إال مـ ــوض ـ ـعـ ــا‬ ‫تمامًا على نحو ما قــال امــرؤ القيس (وال‬ ‫سيّما يوم بدارة جلجل)‪ .‬ففي حياة كل إنسان‬ ‫لحظة أو ســاعــة أو يــوم أو نــظــرة خاطفة ال‬ ‫تغيب عن شعوره‪ ،‬وال تخرج من خزانة ذاكرته‬ ‫الشعورية‪ ،‬وتعيش معه ما دام ح ّيًا‪ ،‬يسترجعها‬ ‫متى شاء كلما أوجعته حوادث الدنيا وتقلباتها‪،‬‬ ‫وكلما كثرت خسائر الروح في الحب تحديدًا‪.‬‬ ‫ولــهــذا‪ ،‬تتكرّر مــفــردة (أغـــدًا) فــي قصيدة‬ ‫الهادي آدم (أغدًا ألقاك) أكثر من عشر مرات‬ ‫عبر أنّات عاطفية ساخنة (أغدًا ألقاك يا خوف‬ ‫فــؤادي من غــدي)‪ ،‬ففي تلك القصيدة مواجد‬ ‫واحــتــراقــات انفعالية تترقب مجيء الغد‪ ،‬إذ‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫سيكون اللقاء الذي يضاهي العمر كله سعادة‬ ‫ونــشــوة‪ .‬وإلــى مثل الــهــادي آدم ذهــب الشاعر‬ ‫اللبناني جورج جرداق في قصيدته (هذه ليلتي)‪،‬‬ ‫ليخصص الزمن العام بتلك الليلة التي تعادل‬ ‫ومستقبل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ليالي العمر ماضيًا‬

‫«هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه ل ـ ـي ـ ـل ـ ـتـ ــي وحـ ـ ـ ـل ـ ـ ــم ح ـ ـيـ ــاتـ ــي‬ ‫وآت»‪.‬‬ ‫ـاض مـ ـ ــن ال ـ ـ ــزم ـ ـ ــان ِ‬ ‫بـ ـي ــن م ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫إنها الفكرة األبيقورية نفسها تتكرر لدى‬ ‫الشعراء فــي جميع الثقافات‪ ،‬وهــي فكرة ال‬ ‫تخص الشاعر وحده‪ ،‬إنما جميع الناس؛ غير أن‬ ‫الشعراء أقدر من غيرهم على إبرازها والتعامل‬ ‫مــع أهميتها الــوجــدانــيــة‪ ،‬كــل حسب أسلوبه‬ ‫ومكابدته‪ .‬ولذلك‪ ،‬تصرخ الشاعرة الروسية‬ ‫مارينا تسيفيتايفا في قصيدتها الشهيرة (ال‬ ‫لقد كانت هِ مته متجاوزة لمفهوم الزمن‬ ‫وقت في الحياة) ليقول محمد درويــش بعدها‬ ‫(ال وقت في الوقت) بحثًا عن الوقت الخاص نفسه‪ ،‬إلى أن تبعه ابن سناء الملك في شطح‬ ‫المنشود من لدن الشعور القلباني الصاخب‪.‬‬ ‫شاهق من الكبرياء‪ ،‬ليقول‪:‬‬

‫يلتقي الحبيبان ساعات فيحسبانها دقيقة وإن ـ ـ ـ ـ ــك ع ـ ـ ـبـ ـ ــدي ي ـ ـ ــا زم ـ ـ ـ ـ ــان وإن ـ ـنـ ــي‬ ‫واحدة‪ ،‬فالزمن في الحب يتالشى عند اللقاء‪،‬‬ ‫عـلــى الــرغــم مـنــي أن أرى لــك سـ ّيــدا‬

‫لكنه يتمدد ويتعاظم عند االنتظار أو الفراق‪،‬‬ ‫فهو يأنف أن يكون س ـ ّي ـدًا مسيطرًا على‬ ‫فتصبح الدقيقة فــي حــســاب الشعور ساعة‬ ‫أو يومًا أو شهرًا أو سنة‪ .‬الحب يفتت الزمن الزمن‪ ،‬ألن الزمن في مفهومه أقل شأنًا منه‪..‬‬ ‫شاعر يريد من الكائنات أن تعبده‪:‬‬ ‫ويمدّده بحسب الحال الشعوري‪.‬‬

‫وإذا تدانينا من الزمن عند المتنبي‪ ،‬رأينا ولـ ــو ع ـل ـمــت زهْ ـ ـ ــرُ ال ـن ـج ــوم مـكــانـتــي‬ ‫هــذا الشاعر العظيم يتباهى بأنه أعظم من‬ ‫ل ـخ ــرَّ ت جـمـيــعً ــا ن ـحــو َن ــعْ ـل ــيَ ُسـ َّـجــدا‬

‫الزمن نفسه‪:‬‬

‫أري ـ ـ ـ ــد م ـ ــن زم ـ ـنـ ــي ذا أن ي ـب ـ ّل ـغ ـن ــي‬ ‫م ــا ل ـيــس يـبـلـغــه م ــن ن ـف ـســه ال ــزم ــنُ‬

‫إنه مرض الذات المتضخمة‪ ،‬وهو في الوقت‬ ‫نفسه فضاء تخييلي كاذب‪ ،‬لكنه جميل فنيًا في‬ ‫مجال الكذب الشعري‪.‬‬

‫فــمــا الـ ــذي يــســعــى إلــيــه الــزمــن أكــثــر من‬ ‫ول ــوال ضــيــق الــمــجــال‪ ،‬لتوسعت فــي طــرح‬ ‫ديمومته؟ لقد أدخلنا الشاعر في نوايا الزمن‬ ‫الذي نجهل إرادته وسيرورته‪ .‬والمتنبي نفسه القضية عند الشعراء األوروبيون‪ ،‬فهم كغيرهم‬ ‫نراه في موضع آخر يقول‪ :‬وللخوذ مني ساعة من الشعراء ينظرون إلى لذة الزمن الحاضر‬ ‫بعيدًا عن انتظار المستقبل‪.‬‬ ‫ثم تنقضي‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪39‬‬


‫عشب ُة الخلو ِد‬ ‫فلسف ُة‬ ‫الزمن و ُ‬ ‫ِ‬ ‫■ أ‪ .‬د‪ .‬أحمد بن ماضي املاضي*‬

‫الصراع المرير معه‪ ،‬والموقف‬ ‫في البحث عن فلسفة الزَّ من إبداع ّيًا؛ مفهومه‪ ،‬ودالالت ِّ‬ ‫األسطوري منها أو‬ ‫ِّ‬ ‫منه‪ ..‬نعثر عليه في سرديَّات تاريخيَّة مُ تعدِّ دة في األدبيَّات القديمة‪،‬‬ ‫كمثال بطوليٍّ ؛ مُ تخفِّ يًا‬ ‫ٍ‬ ‫السومريَّة‬ ‫الميثولوجيِّ ‪ ،‬كما نجده ‪ -‬الزَّ من ‪ -‬في ملحمة جلجامش ُّ‬ ‫ومري المستبدَّ إلــى أن يقف أمامه عاريًا َّإل من إرادة الفوز‬ ‫الس َّ‬ ‫يدفع جلجامش الملك ُّ‬ ‫الضاري مع الزَّ من صراعً ا بين خصمين‪ :‬البقاء‬ ‫الصراع َّ‬ ‫بس ِّر عشبة الخلود؛ حينها يصبح ِّ‬ ‫الضاريَّة أن تكون رحلة البحث عن العشبة‪ ،‬رحلة‬ ‫والعدم‪ .‬أرادها جلجامش بإرادته الفرديَّة َّ‬ ‫عذبة ال رحلة عذاب‪ ،‬وأراد أن يص ّ َد تدفُّ ق الزَّ من كنهرٍ جارف نحو العدم بعد أن صعقه موت‬ ‫صديقه أنكيدو‪ ،‬فاختلطت معاني الحياة والبقاء في ذهنه‪.‬‬ ‫يقول الشَّ اعر الرَّاحل حسن السَّ بع‪« :‬أراد‬ ‫جلجامش أن يــهــزم الــفــنــاء‪ ،‬وأن ينتصر على‬ ‫الزَّمن؛ لقد هام على وجهه لتحقيق هذه األمنية‪،‬‬ ‫وعــاد من رحلته بنبتةٍ عجائبيَّة صغيرة»‪ .‬وقد‬ ‫سمَّاها عشبة الخلود‪ ،‬دلَّه عليها حكيمٌ‪َّ ،‬إل إنَّ‬ ‫العشبة اختطفتها منه أفعى حينما كان يستح ُّم‬ ‫في بركة ماءٍ بــارد‪ ،‬فجلس يبكي وينشد بلوعة‬ ‫فقدان تلك العشبة‪ ،‬فيعود جلجامش كاآلخرين‬ ‫يشيب ويكتهل ويُ ـ َر ُّد إلى أرذل العمر ويموت‪..‬‬ ‫وقــد نُصح بــأنَّ يمأل أ َّيــامــه باللَّذائذ والمتع‪،‬‬ ‫وأن يحدَّ من غلواء طموحاته‪ ،‬وقــد أتته هذه‬ ‫النَّصيحة من ساقيةِ حانِ اآللهةِ الَّتي التقاها‬ ‫عند حافَّة اإلقيانوس العظيم المحيط بالكون‬ ‫أثناء بحثه عن نبتة الخلود‪ ..‬فتقول له‪:‬‬

‫إلى أين تمضي يا جلجامش؟‬ ‫الحيا ُة الَّتي تبحث عنها لن تجدَها‬ ‫خلقت البشر‬ ‫ِ‬ ‫فاآللهةُ لمَّ ا‬ ‫جعلت الموت نصيبًا لهم‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫أمَّ ا أنت يا جلجامش فامأل بطنك‬ ‫أَفرِ ح ليلك ونهارك‬ ‫اِجعل من كلِّ يومٍ عيدً ا‬ ‫اُرقص الهيًا في اللَّيل والنَّهار‪.‬‬ ‫وه ــو مــا يستدعي إل ــى ال ــذَّ اك ــرة الفلسفة‬ ‫الزَّمنيَّة الحياتيَّة الشِّ عريَّة الرَّاقية لعمر الخيَّام‪،‬‬ ‫حين قال‪:‬‬

‫ال ت ـش ـغ ـ ِـل ال ـ ـبـ ــال ب ـم ــاض ــي الـ ــزَّ مـ ــان‬ ‫وال ب ـ ــآت ـ ــي الـ ـ ـعـ ـ ـي ـ ـ ِـش ق ـ ـبـ ــل األوان‬ ‫واغـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـح ـ ـ ــاض ـ ـ ــر ل ـ ـ ــذَّ ات ـ ـ ــه‬ ‫ف ـل ـيــس فـ ــي ط ـب ــع الـ ـ َّلـ ـي ــال ــي األم ـ ــانُ‬ ‫فهل وصل جلجامش إلى س ِّر الخلود؟ وما هو‬ ‫الخلود في ذاته؟‬ ‫الصراع الخاسر مع الزَّمن الَّذي هو‬ ‫هل هو ِّ‬ ‫نه ٌر يجري فينا؟‬ ‫نظر ّيًا الزمن هو الواحد المُتعدِّد المنقسم‬ ‫إلى أزمنة مُتفرِّعة من وَحدته الفيزيقيَّة‪ ،‬تبدو‬

‫محور خاص‬


‫ـذع واحــد‪.‬‬ ‫كأغصان ُمــورقــة تتدلَّى مــن جـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لنا‬ ‫وخياليا تتشكَّل شجرة الزَّمن من أوراق الزَّمن‬ ‫النَّفسيِّ والزَّمن الذِّهنيِّ والزَّمن البيواجتماعيِّ ‪،‬‬ ‫وقِ ْس على ذلك أزمن ًة أخرى مُتعدِّدة األشكال‪،‬‬ ‫الحضور‪ ،‬والغياب‪ ،‬كما أشار إليها الفيلسوف‬ ‫الفرنسيُّ غاستون باشالر في كتابه (جدليَّة‬ ‫الزَّمن)‪.‬‬ ‫أي إنَّ تعدُّديَّة الزَّمن ليس في واقــع الحال‬ ‫َّإل نبعًا من انبثاق األحاسيس البشريَّة وطريقة‬ ‫كنهر ال مرئيٍّ في واقع‬ ‫التَّفكير العقليِّ ‪ .‬سيالنه ٍ‬ ‫فيزيقيٍّ مُحدَّ د ال يمكن معرفته خارج الوعي‪،‬‬ ‫خارج اإليقاع النَّفسيِّ ‪ ،‬وضمن حدود هذا الوعي‪.‬‬ ‫ال ـزَّمــن فــي جــوهــره لــيــس َّإل بــع ـدًا راب ـ ًعــا‬ ‫للكينونة‪ /‬المكان والوجود معًا‪ ،‬فالمكان بأبعاده‬ ‫الثَّالثة ال ينوَجد َّإل ِببُعده الرَّابع‪ :‬الزَّمن‪.‬‬

‫الشاعر الراحل حسن السبع‬

‫والكتابة في بُعدها الكونيِّ حينها ليست َّإل‬ ‫انعكاسً ا موضوع ّيًا لهذا الوجود المتزامن‪.‬‬ ‫الزَّمن كما أنَّه يبني صيرورة الوجود يُتلفه‪،‬‬ ‫إنَّه دودة االنحالل األولى تولد مع بزوغنا األوَّل‪،‬‬ ‫الهش‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫فيزرع بذرةَ الفناء في نسيجنا الفيزيقيِّ‬ ‫ليصبح قرينًا لمعنى الوجود والعدم في المفهوم‬ ‫الهيدجريِّ ‪ ،‬ومحايثًا لمآالتنا‪ ،‬كما عبَّر عن ذلك‬ ‫الشَّ اعر الفرنسيُّ بيير ريفردي‪:‬‬

‫(ه ــو ال ــزَّ م ــان‪ ،‬نقطة نـقـطــة‪ ،‬يحفر حجرك‬ ‫العاري‬ ‫صدر خرَّ به فوال ُذ الدَّ قائق‬ ‫الظهر تدفع إلى المجهول)‬ ‫واليد في َّ‬

‫ملحمة جلجامش‬

‫أيضا في‬ ‫تكشف الكتابة المُتعدِّدة األصوات والمُتعدِّدة العين وال البصيرة‪ ،‬العين المُعماة هي ً‬ ‫إحساس به كاألكسجين يحوط بنا بال انفكاك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الــتــص ـوُّرات وال ـ ُمــتــع ـدِّدة األشــكــال والـ ُمــتــعـدِّدة‬ ‫التَّواريخ أنَّ الزَّمن ليس من بداية ُمــحــدَّ دةٍ له‬ ‫في تعريف األشاعرة للزمن في تراثنا الفقهيِّ‬ ‫وليس من نهاية متحيَّنة!‬ ‫بــأ َّنــه‪ُ « :‬مــتــحـدِّد معلوم يُــقــدَّ ر بــه مــتــحـ ِّد ٌد آخـ ُر‬ ‫الـزَّمــن وج ــو ٌد غير مــرئــيٍّ أث ــره‪ ،‬ال تخطئه موهوم»‪ ،‬ونجد هذا التَّصوُّر المفهوميَّ للزَّمن لم‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪41‬‬


‫يبتعد عن أبعاده الثَّالثة‪ :‬الحاضر الماثل بازغً ا‬ ‫من الماضي‪ ،‬والمستقبل المجهول أو الموهوم‬ ‫بــازغً ــا مــن الــحــاضــر ال مــحــالــة‪ ،‬هــذه الحركة‬ ‫األفقيَّة المتواليَّة تنغلق في دائرتها لكي تنفتح‬ ‫امتدادًا أفق ّيًا آخر إلى ما النهاية‪.‬‬

‫الزمن عنصر مهم في تفكير اإلنسان‬

‫توصلت إليه التِّقنيات الحديثة‪ ،‬وما‬ ‫ومــا َّ‬ ‫حازته من قدرات علميَّة وعقليَّة وتجريبيَّة انصبَّ‬ ‫وخلقة في تحدِّي الزَّمن‬ ‫في خَ ل ْق حالةٍ مغايرة َّ‬ ‫ومواجهته‪ ،‬ومكَّنت العقل البشريَّ مــن طُ ـرُق‬ ‫محاصر ِة أَثَــرِ ه وحفريَّاته الجسديَّة والنَّفسيَّة‬ ‫المؤلِمة‪ ،‬وطرق التَّخفيف من غلوائه وجَ وْره على‬ ‫سيرورة الحياة اإلنسانيَّة‪ ،‬وامتدت هذه القدرات‬ ‫الواعدة والـ َّثــورات العلميَّة حتَّى اللَّحظة‪ ،‬نحو‬ ‫تخليق مستقبل موائم بين اإلنسان والزَّمن‪ ،‬ونحو‬ ‫إمكانيَّة استطالة زمنيَّة للجسد البشريِّ ‪ ،‬عقلِه‬ ‫وذاكرته وأحالمه‪.‬‬ ‫ونظراً ألن الزَّمن األفقيِّ هو الَّذي نُط ُّل منه‬ ‫على الوجود‪ ،‬وهو ليس وعيًا ذات ّيًا بل كينونة‬ ‫منفصلة‪ ،‬مستقلٌّ بذاته‪ ،‬والوجود ال يكتمل َّإل‬ ‫بنقيضه‪ /‬العدم‪.‬‬ ‫الوجود حسب هيدجر هو‪ :‬حركة الزَّمن فينا‬ ‫الَّتي تقودنا قُدمًا نحو العدم‪ /‬المستقبل‪.‬‬

‫هيدجر‬

‫والمكان عند هيدجر هــو‪ :‬نقطة وامتداد‬ ‫وحضور‪ ،‬وما الزَّمن غير لحظة وديمومة وحركة‬ ‫وصــيــرورة أفقيَّة‪ ..‬هــذه الـرُّؤيــة الميتافيزيقيَّة‬ ‫للزَّمن ال نجدها عند كانط الَّذي ينظر إليه ليس‬ ‫كحالة قدريَّة‪ ،‬بل كحالة موضوعيَّة مُوعَى بها‪،‬‬ ‫نابعةٍ من داخل الذَّ ات الواعية‪ ،‬فال يفسِّ ر معنى‬ ‫الوجود بالزَّمان‪ ،‬إنَّما يُضفي على الزَّمن معنى‬ ‫موضوع ّيًا آخر داخل وجودنا ذاته ال خارجه‪.‬‬

‫ * أستاذ الفلسفة في الجامعة األردنية‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الزمن في الفكرويّات اإلسالميّة‬ ‫ُ‬ ‫■ محمد سالم جميعان*‬

‫الزمانُ واحدٌ من اإلشكاليات التي واجهت الفكر الديني والعلمي والفلسفي‪ ،‬كونها ترتبط‬ ‫باإلنسان وجودًا وعدمً ا ومصيرً ا‪ .‬وبالعالم حركةً وسكونًا‪ .‬وانطالقً ا من فعل التعقّ ل الذي‬ ‫حث عليه القرآن الكريم (أفال تعقلون)‪ .‬تجلّت الممارسات العملية للمفكرين اإلسالميين‬ ‫ّ‬ ‫في بحث مشكلة الزمان في وعي اإلنسان؛ إذ ال يمكن وعي اإلنسان لذاته إال بوعي الزمن؛‬ ‫ذات متزمِّ نة في بُعدها السيكولوجي والفيزيائي‪.‬‬ ‫فاإلنسان ٌ‬ ‫وقد تناول المفكرون المسلمون إشكالية‬ ‫الزمان من وجهتي الطبيعيات واإللهيات من‬ ‫خالل تُراثَيْن شكّال التصورات اإلسالمية عن‬ ‫متمثل‬ ‫ً‬ ‫الزمان‪ ،‬هما‪ :‬التراث العربي اإلسالمي‬ ‫فــي الــقــرآن الكريم والحديث النبوي‪ ،‬وما‬ ‫أقوال للفقهاء واألصوليين؛‬ ‫ٍ‬ ‫انبنى عليهما من‬ ‫وإذا مــا أردن ــا تبئير طبيعة الــزمــان في‬ ‫والتراث اليوناني‪ ،‬سواء ما فاض بالحديث حقول فكروية‪ ،‬أمكننا اإلشارة إلى أن فكرة‬ ‫عنه اليونانيون السابقون على أرسطو‪ ،‬أو الزمان اتصلت في الفكر اإلسالمي بالخلق‬ ‫ما جادت به قريحة أفالطون واألفالطونيون والخلود والمصير‪.‬‬ ‫المحدثون‪.‬‬ ‫ويمكن الــقــول إنَّ آيــات الــقــرآن لــم ت ُِش ْر‬ ‫وقد تدامج هذان التراثان في الوجدان لمفهوم الــزمــان‪ ،‬من حيث كونه جــوهـرًا أو‬ ‫متصل‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫منفصل أو‬ ‫ً‬ ‫عرضا‪ ،‬أو ما إذا كان‬ ‫ً‬ ‫العربي واإلسالمي‪ ،‬فأضحت فكرة الزمان‬ ‫مرتبطة بمباحث ميتافيزيقية وطبيعية ونفسية أنه موضوعي أو ذاتي‪ ،‬وِ فق ما يراه أصحاب‬ ‫قادت الفالسفة إلى التفصيل في العالقة بين نظرية الوجود؛ لكن الصيغ والــدالالت التي‬ ‫الزمان والوجود‪ ،‬والحركة‪ ،‬والنفس‪ ،‬والوعي‪ .‬جاء النص القرآنيُّ عليها ترتبط بالزمان‪،‬‬ ‫وقد لعبت الثقافات التي تشرّبها الفالسفة وإذا ما شئنا حصر هذه الصيغ والــدالالت‬ ‫المسلمون في بيئاتهم الحضارية دورَها في وجدناها كما يأتي‪:‬‬ ‫تشكيل تصوراتهم عــن الــزمــان حتى وهم ‪ -‬أسماء الزمان الممتد للوقت أو محدود‬ ‫ينطلقون في تأويالتهم من النص الروحي‬ ‫بأجل‪ ،‬أو أنه المدة والميعاد‪ ،‬أو بمعنى‬ ‫(الــقــرآن الكريم) لفكرة الــزمــان وتجلياتها‬ ‫الــزمــان الــمــقــارب‪ ،‬أو المصاحب للفعل‬ ‫اللغوية المعجمية التي شكّلها اللغويون عن‬ ‫مفهوم الزمان في بعديه‪ :‬الحضاري والديني‪،‬‬ ‫فلم يغادر المفكرون المسلمون اللغة والدين‪.‬‬ ‫ولكن المجال اللغوي والنحوي‪ ،‬لم يحسم‬ ‫القول في تبيان داللة الزمان‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪43‬‬


‫والحدث؛ وِ فق التقسيم الذي انتهى إليه‬ ‫المفسرون واللغويون‪ :‬أبد‪ ،‬الدهر‪ ،‬أحقابًا‪،‬‬ ‫العصر‪.‬‬ ‫ ‬‫ أسماء الزمان المحدود‪ ،‬مثل‪ :‬أجل‪ ،‬أمد‪،‬‬‫أ َّمــة‪ ،‬حين‪ ،‬ساعة‪ ،‬مــدَّ ة‪ ،‬وقــت‪ ،‬ميقات‪،‬‬ ‫موعد‪ ،‬ميعاد‪.‬‬ ‫ الــزمــان الــمــقــارب والمصاحب للحدث‪:‬‬‫آنفًا‪ ،‬اآلن(((‪.‬‬

‫والذات اإللهية وصفاتها تكون قبل الزمان‬ ‫وبعده من دون السؤال عن الكيف‪.‬‬ ‫والزمن الطبيعي (الزمن اإلنساني)‪ :‬وهو‬ ‫مرتبط بحركية الفرد في أداء الشعائر‬ ‫الــديــنــيــة واالب ــت ــه ــاالت‪ ،‬فــالــيــوم مرتبط‬ ‫بالصالة‪ ،‬والشهر بالصيام‪ ،‬والسنة بالحج‬ ‫على سبيل التمثيل‪.‬‬

‫أما في الحديث النبوي‪ ،‬فيرد ذك ٌر للزَّمان‬ ‫والــدَّ هــر ع ــدَّ ة م ــرات‪ ،‬كــقــول الــرســول عليه‬ ‫الصالة والسالم‪« :‬ال تسبُّوا الدَّ هر‪ ،‬فإن اهلل‬ ‫هو الدهر»؛ استنادًا إلى ما ورد في الحديث‬ ‫القدسي‪« :‬يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر‪ ،‬وأنا‬ ‫الدَّ هر»؛ ووفقًا لشرح القرطبي‪ :‬أي أن اهلل عز‬ ‫وجل‪ ،‬هو الفاعل لهذه األمور التي تضيفونها‬ ‫إلى الدهر‪.‬‬

‫ـص الــقــرآنــي مــا يفيد بــأ ّن‬ ‫ولــيــس فــي الــنـ ّ‬ ‫استقالل ذاتيًا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫موضوع الزمان مستقل‬ ‫حتى في اآليات التي يرتبط فيها الزمان‬ ‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫بالطبيعة‪ ،‬نجد الــزمــان يرتبط‬ ‫بمعان ميتافيزيقية تتعلق بعالمي الغيب‬ ‫ٍ‬ ‫والشهادة‪ ،‬ولكن ليس على نحو فلسفي أو‬ ‫علمي‪ .‬فما بين األزل واألبد يغدو كل شيء‬ ‫مرتهنًا لإلرادة اإللهية في الخلق وتدبير‬ ‫وفــي حديث آخــر "ال تقوم الساعة حتى‬ ‫أحوال اإلنسان‪ .‬فالقرآن يعرض زمانين‪ :‬يتقارب الزمان‪ ،‬فتكون السنة كالشهر؛ ويكون‬ ‫ الــزمــن اإللــهــي‪ ،‬وهــو زمــن مطلق (أزلــي الشهر كالجمعة‪ ،‬وتكون الجمعة كاليوم‪ ،‬ويكون‬‫وأبدي وسرمدي) يمت ّد إلى ما ال نهاية‪ .‬الــيــوم كالساعة‪ ،‬وتــكــون الساعة كاحتراق‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫السَّ عْفة الخوصة"‪.‬‬ ‫أمــا الفالسفة اإلســامــيــون‪ ،‬فلم يقفوا‬ ‫عند المعنى الــمــجــرد لــلــزمــان‪ ،‬بــل ربطوه‬ ‫بالعلة والمعلول‪ ،‬ونتج عن استقراءاتهم للنص‬ ‫القرآني مذاهب شتى‪:‬‬ ‫ ‪ -‬مذهب الذين يقولون بالخل ْق من ال شيء‪،‬‬ ‫وابتداء الزمن‪ ،‬بينما اهلل أزلي وال بداية‬ ‫لــه‪ .‬أمــا الــعــالــم فــوجــد مــن الــمــاء الــذي‬ ‫خلقه اهلل من العدم‪ ،‬وهو رأي المحدِّثين ‪ -‬الخلق كنوع من التنظيم لحالة مادية أولى‬ ‫والمفسِّ رين‪.‬‬ ‫غير متعينة أو سديمية‪ ،‬ويسمى هذا‬ ‫ العالم مخلوق من مادة موجودة قبل فعل‬‫االتجاه بـ‪( :‬الخلق كصنع)؛ أي بمعنى أن‬ ‫الخلق! وأنَّ الزمان والعرش موجودان مع‬ ‫اهلل طبع الصورة على مادة غير مصورة‬ ‫اهلل‪ ،‬وهو رأي الفارابي وابن رشد‪ ،‬وابن‬ ‫(الهيولى)‪ .‬وقد تبنّى هذا الرأي‪ :‬الرازي‬ ‫سينا‪.‬‬ ‫الطبيب‪ ،‬وطنطاوي‪ ،‬والكواكبي‪ ،‬ورشيد‬ ‫ اهلل خلق األشياء من عدم نسبي‪ ،‬أو مادة‬‫رضا وغيرهم‪.‬‬ ‫غير متعيِّنة هــي (الــمــعــدوم)‪ ،‬وهــو رأي‬ ‫المعتزلة‪ .‬وتقوم فكرتهم الرئيسة على ‪ -‬الخلق الدائم‪ ،‬بمعنى أنَّ قبل العالم زمان‬ ‫ومادة وعرش‪ .‬وأن القرآن يشير إلى وجود‬ ‫قابل‬ ‫ً‬ ‫أن «المعدوم شــيء يتصف بكونه‬ ‫للتحيز‪ ،‬ويمكن إدراكه بالحواس‪ ،‬ولكنه ال‬ ‫عوالم قبل هذا العالم وبعدَه ال متناهية‪،‬‬ ‫يتصف بالفعل»‪.‬‬ ‫كل منها حــادث وزمــنــي‪ .‬وهــذا رأي ابن‬ ‫ الــخـلْــق أزل ــي بــالــزمــان‪ ،‬مــحــدث بــالــذات‬‫عــلــى أســـاس الــفــيــض (األش ــي ــاء تفيض‬ ‫من اهلل تعالى منذ األزل‪ .‬فاهلل هو علة‬ ‫العالم)‪ .‬وهذا الرأي قال به إخوان الصفا‪،‬‬ ‫ومسكويه‪ ،‬والسجستاني؛ والحسن بن‬ ‫الــمــرزبــان‪ ،‬مستندين إلــى آيــات قرآنية‬ ‫وأحاديث نبوية‪.‬‬

‫تيمية‪.‬‬

‫ومع ك ِّل هذه الــرؤى‪ ،‬يظ ُّل جريان الزمن‬

‫الحس والشعور‪ ،‬ألنَّ‬ ‫ّ‬ ‫في كينونة اإلنسان يؤرِّق‬

‫المسافة بين الوجود والعدم مشحونة بأمل‬

‫العثور على عشبة الخلود التي سعى إليها‬ ‫األب األول آدم‪..‬‬

‫* كاتب ‪ -‬األردن‪.‬‬ ‫(( ( انظــر الســور واآليــات القرآنيــة املع ّبــرة عــن هــذه الصيــغ والــدالالت‪ :‬ســورة النبــأ‪ .23 :‬ســورة العصــر‪:‬‬ ‫‪ .01‬ســورة النســاء‪ .77 :‬ســورة آل عمران‪ .30 :‬ســورة املائدة‪ .101 :‬ســورة األعراف‪ .142 - 34 :‬ســورة‬ ‫ص‪ .81 :‬ســورة الكهــف‪ .48 :‬ســورة ســبأ‪ .30 :‬ســورة محمــد‪ .16 :‬ســورة اجلــن‪:‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪45‬‬


‫فن إدارة الوقت‪..‬كيف يمكننا تطوير ذواتنا!‬ ‫ُّ‬ ‫■ د‪ .‬هويدا صالح*‬

‫حينما ذهب اإلمام محمد عبده إلى فرنسا عام ‪1881‬م‪ ،‬بعد فشل الثورة العرابية ودخول‬ ‫اإلنجليز مصر‪ ،‬عاد يحمل معه دهشة مما رأى في الحضارة األوربية المغايرة لحضارتنا‬ ‫وثقافتنا العربية‪ ،‬وقال مقولة خلدها الزمن» رأيت هناك إسالما بال مسلمين»‪ ،‬وتستكمل‬ ‫هذه المقولة بأن في بالدنا «مسلمون بال إسالم»؛ فما الذي ميّز هذه المجتمعات ليصفها‬ ‫اإلمام محمد عبده بأن فيها إسالمً ا رغم أن أهلها يدينون في أغلبهم بالمسيحية؟ وما الذي‬ ‫نزع عن مجتمعاتنا روح اإلسالم‪ ،‬رغم أن المجتمع العربي يدين باإلسالم دينًا رسميًا؟!‬ ‫حقيقة األمــر الــذي أوضــحــه اإلم ــام في وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين‬ ‫بقية حديثه أنه رأى هناك ‪-‬ويقصد المجتمع اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أباله»‪.‬‬ ‫حرصا على العمل وإتقانه‪ ،‬وعلى‬ ‫ً‬ ‫الغربي‪-‬‬ ‫إذًا‪ ،‬الــزمــن أو الــوقــت موضع ســؤال في‬ ‫الوقت‪ /‬الزمن‪ ،‬وعدم إضاعته فيما ال يفيد؛‬ ‫اإلسالم منذ البداية‪ ،‬لكن المسلمين بمرور‬ ‫وهاتان القيمتان‪ :‬قيمة العمل‪ ،‬وقيمة الحرص‬ ‫الزمن تخلوا عن هذه القيم الروحية‪ ،‬وتمثلها‬ ‫على الوقت وقضائه فيما ينفع الناس‪ ،‬قيمتان‬ ‫الغرب فوصل إلى ما وصل إليه من تقدم في‬ ‫رئيستان فــي سُ ـلَّــمِ القيم الــتــي دعــا إليها‬ ‫كل المجاالت نتيجة الستغالله قيمة الوقت‪.‬‬ ‫اإلسالم‪.‬‬ ‫إن استثمار الوقت وتثمين كل لحظة تمر‬ ‫وحين تعلّم منا الغرب هذه القيم وهذه‬ ‫بعمر اإلنسان ينقل المجتمعات نقلة حضارية‬ ‫الروح وتمثلها أهله‪ ،‬صنعوا حضارة ومعرفة‬ ‫ومــعــرفــيــة مختلفة عــلــى ك ــل الــمــســتــويــات‬ ‫أفــادت البشرية كلها؛ وحينما تخلينا عنها‬ ‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ .‬ولكي‬ ‫صرنا ضمن األمم التي تستهلك المعرفة وال‬ ‫نفهم أبعاد مفهوم الزمن‪/‬الوقت وتأثيره في‬ ‫تنتجها! ولم نتمثل قول النبي‪ ،‬صلى اهلل عليه‬ ‫نتقصى‬ ‫ّ‬ ‫بناء المجتمعات وتطويرها‪ ،‬علينا أن‬ ‫وسلم‪ ،‬حينما قــال‪ :‬إن المسلم يوم القيامة‬ ‫أول لدى الفالسفة والعلماء‪.‬‬ ‫هذا المفهوم ً‬ ‫ســوف يسأل عــن عــدة أشــيــاءـ ومــن ضمنها‬ ‫الزم ُن مفهو ٌم شَ َغ َل الفالسفة والمفكرين‬ ‫«عمره فيما أفــنــاه»‪ ،‬والعمر هنا يشير إلى‬ ‫مرور الزمن على اإلنسان منذ لحظة الميالد واألدبــــاء كــثــيــرا‪ ،‬وقــد اختلفوا فــي تحديد‬ ‫حتى لحظة الموت‪« :‬ال تزول قدما عبد يوم مفهومه؛ ف ــرأى بعضهم أن كــل «وق ــت» له‬ ‫القيامة حتى يُــســأل عــن ُعــمــره فيم أفناه؟ بداية ونهاية‪ ،‬تتغير فيه األحداث‪ ،‬ويشير إلى‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫زمن حدث ومضى‪ ،‬وآخر يحدث اآلن‪ ،‬وثالث‬ ‫ٍ‬ ‫سيأتي في المستقبل‪.‬‬ ‫وقــد اختلف المفكرون والفالسفة في‬ ‫الفرق بين «السرمدي» و«الدهر» و«الزمن»‪.‬‬ ‫ولعدم القدرة على تحديد مفهوم الزمن‬ ‫لــدى الفالسفة اختلفوا فيما بينهم‪ ،‬لكن‬ ‫اتفقوا جميعا على أن الزمن يمكن تعريفه‬ ‫بنظام تعاقب األشياء في الحدوث‪،‬‬ ‫حدث وآخر تبعا‬ ‫وهو عدد االنتقاالت بين ٍ‬ ‫لقبل وبعد‪ ،‬وكذلك هو صيرورة الحدوث‪.‬‬ ‫يرى الدكتور علي شلق في كتابه «الزمن‬ ‫في الفكر العربي ّوالعالمي» أن الزمان هو‬ ‫الدهر‪ ،‬وهو أزلي أبدي من جهة‪ ،‬وقبل‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك سرمد للدهر‪ ،‬والدهر غالف للزمن»‪.‬‬ ‫وقد رأى الفيلسوف أوغسطين أنه عندما‬ ‫نحاول فهم فكرة «الزمن»‪ ،‬فهو يهرب منا‪ ،‬وال‬ ‫نستطيع تحديده بدقة‪.‬‬ ‫إن سؤال ما هو الزمن هو سؤال فلسفي‬ ‫عميق طالما ناقشه الفالسفة والمفكرون‬ ‫وطرحوا أسئلتهم حول كونه حقيقة؟ وهل هو‬ ‫جزء من جهازنا المفاهيمي المعرفي؟ وهل‬ ‫ماض وحاضر‬ ‫نعيش في سلسلة متصلة مع ٍ‬ ‫محددين‪ ،‬أم أننا نعيش في سلسلة متتالية من‬ ‫«اآلن» وما سيأتي من أزمنة؟ وإذا كان األمر‬ ‫كذلك‪ ،‬فكيف يؤثر ذلك على إدراكنا للذاكرة‬ ‫أو التذكر؟‬ ‫الزمن في القرآن الكريم‬ ‫يرتكز مفهوم الزمن في الــقــرآن الكريم‬ ‫على أسس هي بمثابة المسلّمات التي ينطلق‬

‫محور خاص‬

‫وعــي المسلم منها‪ ،‬وأول هــذه المسلمات‬ ‫أن اهلل تعالى ال يتزمّن بشيء وال يحيطه‬ ‫شــيء‪ ،‬ويحيط هــو بالكائنات جميعا التي‬ ‫هي بالضرورة متزمّنة أو يحيط بها الزمن‬ ‫الذي هو نسبي تختلف فيه العناصر األساس‬ ‫للظاهرة الزمنية‪.‬‬ ‫أعــطــى ال ــق ــرآن أهــمــيــة بــالــغــة لــلــزمــن‪،‬‬ ‫وارتــبــطــت معظم الــعــبــادات فــي التشريع‬ ‫اإلســامــي بمواعيد زمنية مــحــددة وثابتة؛‬ ‫كالصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج؛ وحث المسلمين‬ ‫على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض‬ ‫بمجتمعهم اإلسالمي‪ .‬وليس أدل على ذلك‬ ‫من قول الباحث حامد أبو طالب في مجلة‬ ‫األزهــر الشريف عن «صناعة الحضارة من‬ ‫قــولــه‪« :‬تــبــدأ صناعة الــحــضــارة مــن حرص‬ ‫أفرادها على احترام الوقت كقيمة حضارية‪،‬‬ ‫وجــاء اإلســام مدركًا لهذه الحقيقة‪ ،‬لذلك‬ ‫اهتم اهتمامًا كبيرًا بالوقت‪ ،‬وحــثَّ أتباعه‬ ‫على المحافظة عليه واستثماره؛ فيما ينفع‬ ‫دينهم ودنياهم»‪.‬‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪47‬‬


‫والزمن في اإلســام ينقسم إلى زمنين‪:‬‬ ‫األول‪ ،‬نسبيّ يمكن قياسه‪ ،‬ويتصل بالحديث‬ ‫عن زمن الصلوات والصوم والحج وما إلى‬ ‫ذلك من عبادات‪ ،‬وينقسم إلى سنوات وشهور‬ ‫وأيــــام‪ ،‬كــمــا تنقسم األيـ ــام إل ــى صباحات‬ ‫ومساءات؛ والثاني‪ ،‬الزمن المطلق‪ ،‬زمن خلق‬ ‫الكون ووجود اهلل الموجود قبل كل موجود‪،‬‬ ‫ويتسم باألبدية والسرمدية‪..‬‬ ‫فلسفة الزمن وعالقتها بالعلوم‬ ‫ينال مفهوم الزمن اهتمام العلماء وبخاصة‬ ‫علماء الفيزياء‪ ،‬ويعد مفهوما إشكاليا في‬ ‫فلسفة علم الفيزياء‪ ،‬وما يزال الفالسفة حتى‬ ‫اليوم يستقصون هذا المفهوم بطرق شتى‬ ‫بحثًا عن أسرار الكون وعالقة اإلنسان بهذه‬ ‫األسرار‪،‬‬ ‫يعد الزمن معضلة فلسفية لم يستوعبها‬ ‫عــقــل اإلن ــس ــان حــتــى ال ــي ــوم‪ .‬ويـ ــرى هنري‬ ‫برجسون أن‪« :‬الزمن هو المعضلة األساس‬ ‫في الميتافيزياء‪ ،‬وعندما تستطيع اإلنسانية‬ ‫أن تقدم إجابة واضحة عن سؤال الزمن؛ فإنّها‬ ‫تستطيع تجاوز كل اإلشكاليات والمعضالت‬ ‫الوجودية التي تواجه حياة اإلنسان»‪.‬‬ ‫إن اإلنــســان هــو الــكــائــن الــوحــيــد الــذي‬ ‫يمتلك وعيًا بالزمن‪ ،‬وهذا الوعي هو الذي‬ ‫يجعله يقسم الزمن إلى أبعاد متنوعة ما بين‬ ‫الماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬ ‫الوعي بالزمن وتطوره‬ ‫إن إدراك اإلنسان لقيمة الزمن وسرعته‬ ‫يدفعه إلــى أن يحسّ ن اســتــغــالــه‪ ،‬فتاريخ‬

‫‪48‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ونجاح أدرك‬ ‫ٍ‬ ‫تطور‬ ‫ٍ‬ ‫البشرية مليء بقصص‬ ‫فيها اإلنــســان قيمة الزمن وم ــروره‪ .‬ولعلنا‬ ‫يمكن أن نستشهد بمثال من التاريخ القريب‪،‬‬ ‫فقد خرجت اليابان مــن الــحــرب العالمية‬ ‫الثانية محطم ًة تقريبا‪ ،‬فبعد أن خــروج‬ ‫قوات االحتالل األمريكية منها عام ‪1952‬م‬ ‫بعد أن احتلتها عام ‪1945‬م‪ ،‬انكفأ الشعب‬ ‫الياباني على نفسه يعيد لملمة ذاته المبعثرة‪،‬‬ ‫المنهزمة أمام الغزو األمريكي الذي لم يكن‬ ‫غزوًا عسكريا فقط‪ ،‬بل كان غزوًا ثقافيا‪ ،‬حتى‬ ‫أن األمريكان أعادوا كتابة المناهج التعليمية‬ ‫وحذفوا منها كل ما يُقدّس اإلمبراطور أو‬ ‫يدعو للفخر بالماضي الياباني‪ ،‬أو يحفّز‬ ‫القومية اليابانية‪ ،‬بل قاموا بفصل كل معلم‬ ‫يؤمن بهذه القيم‪ .‬كما تفشّ ت فــي الشعب‬ ‫الياباني المحافظ‪ ،‬بل شديد المحافظة قيم‬ ‫وثقافة «الجينز» و«الفاست فــود» و«الهوت‬ ‫دوج» وغيرها من الثقافة األمريكية‪ .‬من هنا‪،‬‬ ‫توقّف الياباني باحثا عن ذاته التي تشظت‬ ‫ما بين الجديد الكولونيالي والقديم التراثي‪،‬‬ ‫ف ــوج ــدوا الــحــل فــي إدارة الــوقــت‪/‬الــزمــن‬ ‫واستغالله‪ ،‬فضاعفوا ساعات العمل‪ ،‬بل صار‬ ‫الياباني يشتكي من اإلجازات التي يفرضها‬ ‫عليه النظام االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وصاروا‬ ‫يطالبون بزيادة ساعات العمل‪ ،‬بل طالبوا‬ ‫بعدم أخــذ إجازاتهم األسبوعية والسنوية؛‬ ‫ما أخرج اليابان من أزماتها ومنحها الفرصة‬ ‫لبناء المجتمع‪ ،‬حتى أصبحت اليابان من أهم‬ ‫دول العالم الصناعية والتكنولوجية‪ .‬وتمكن‬ ‫الياباني من الجمع بين القديم والحديث‪،‬‬ ‫واألصالة والمعاصرة؛ فتجده يستعمل أكثر‬

‫محور خاص‬


‫اآلالت الحاسبة تطورًا وتكنولوجيا‪ ،‬ويستخدم‬ ‫في الوقت ذاته المحاسب الخشبي الياباني‬ ‫التقليدي ال ــذي كــان يطلق عليه المعداد‬ ‫أو الــســوروبــان؛ وهكذا الحال في تفاصيل‬ ‫حياتهم‪ ،‬فالقديم يجاور الحديث في ربط‬ ‫الماضي بالحاضر بالمستقبل كوعيّ حا ّد‬ ‫بتقسيمات الزمن وفلسفة هذه التقسيمات؛‬ ‫فالحاضر والمستقبل في رأي الياباني هما‬ ‫ابنان للماضي وامتداد له‪.‬‬ ‫وال يغيب عن األذهان تجربة ألمانيا التي‬ ‫تشبه إلى حد بعيد تجربة اليابان‪ ،‬فقد خرجت‬ ‫ألمانيا من الحرب العالمية الثانية محطمة‬ ‫وممزقة إلى بلدين‪ ،‬ألمانيا الشرقية وألمانيا‬ ‫الغربية‪ ،‬وانهزمت الشخصية األلمانية بعدما‬ ‫انهزمت النازية بقيادة هتلر؛ لكن الشعب‬ ‫األلماني الذي عُرِ ف بجديته وتقديره للزمن‬ ‫وحــســن إدارتـ ــه للوقت لــم يــرض بالهزيمة‬ ‫المعنوية بعد الهزيمة العسكرية‪ ،‬فبدأ الشعب‬ ‫األلماني يعيد بناء بلده‪ ،‬بل ثار ضد جدار‬ ‫أنشيء للفصل بين ألمانيا الغربية التي كانت‬ ‫أقرب في الفكر السياسي واالقتصادي إلى‬ ‫الرأسمالية الغربية‪ ،‬وبين ألمانيا الشرقية‬ ‫التي كانت ما تزال تتبنى الفكر الفاشي‪ ،‬ولم‬ ‫تنته الثمانينيات من القرن الماضي حتى‬ ‫ثار الشعب األلماني على جدار برلين أو ما‬ ‫سُ مّي بجدار العار‪ ،‬وتم هدمه وتوحيد ألمانيا‪،‬‬ ‫فاأللماني أصر على إرجاع ألمانيا إلى قوتها‬ ‫التي جعلتها مــن أقــوى بــلــدان العالم؛ لكن‬ ‫المطامع السياسية لهتلر أهدرت هذه القوة‬ ‫في الحروب‪ ،‬وبعد انتهاء هذا الفكر بهزيمة‬ ‫هتلر أمام دول الحلفاء لملم األلماني شتات‬

‫محور خاص‬

‫نفسه‪ ،‬ووجد في الوقت وحسن إدارته العالج‬ ‫الوحيد للعودة لقوة ألمانيا‪ ،‬فرفض األلماني‬ ‫اإلهــمــال والتكاسل‪ ،‬وضــاعــف مــن ساعات‬ ‫العمل وقدّس الوقت‪ ،‬فصارت ألمانيا على ما‬ ‫هي عليه اآلن من قوة اقتصادية وسياسية‬ ‫كبرى‪.‬‬ ‫العرب والزمن والسياقات الثقافية‬ ‫تُتهم األمة العربية أنها أمة تكاسلت حتى‬ ‫صــارت تستهلك المعرفة أكثر مما تنتجها‪،‬‬ ‫وأنها أمة تعيش «عالة» على الفكر الغربي‬ ‫الــذي ينتج المعرفة وينتج معها كل ما هو‬ ‫حداثي‪ ،‬كما ينتج األدوية واألمصال وغيرها‬ ‫مما يحفظ الحياة اإلنسانية! وهذه االتهامات‬ ‫في مجملها صحيحة‪.‬‬ ‫صــحــيــح‪ ،‬هــنــاك مــن يــقــول إن العلماء‬ ‫المسلمين والعرب الذين يعيشون في الغرب‬ ‫يسهمون فــي هــذه النهضة العلمية أمثال‬ ‫الدكتور المصري العربي مصطفى السيدـ أو‬ ‫السير مجدي يعقوب‪ ،‬أو العالم الراحل أحمد‬ ‫زوي ــل‪ ،‬وغيرهم مــن علماء عــرب مــن كافة‬ ‫البالد العربية‪ ،‬وهناك علماء مسلمون من‬ ‫الهند وباكستان وماليزيا وغيرها من البلدان‬ ‫اإلســامــيــة‪ ،‬فما الــذي أتــاح النجاح لهؤالء‬ ‫العلماء الذين ينتمون إلــى ثقافتنا العربية‬ ‫واإلسالمية وال يتيح النجاح لعلمائنا الذين‬ ‫يعيشون في البلدان العربية؟!‬ ‫في حقيقة األمر‪ ،‬ما أتاح لزويل أن ينجح‪،‬‬ ‫ولم يتح لسين أو صاد من علماء ظلوا في‬ ‫أماكنهم في البلدان العربية‪ ،‬هو السياق‬ ‫الثقافي الــذي يقدر قيمة الزمن‪ /‬الوقت‪،‬‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪49‬‬


‫ويــقــدس العمل بما هــو عــبــادة ال يقل عن‬ ‫عبادات الصالة والصوم وغيرها من عبادات‬ ‫الشعائر‪.‬‬ ‫نحن في أمس الحاجة إلى أن نغير في‬ ‫السياقات الثقافية العربية‪ ،‬أن نغرس في‬ ‫أطفالنا منذ الصغر أهمية إدارة الوقت‪،‬‬ ‫وأهمية الحفاظ على الزمن وعدم إهداره‪.‬‬ ‫نحن بحاجة ألن نعيد التفكير في القيم‬ ‫الروحية التي أورثها لنا اإلســام‪ ،‬فلم يعد‬ ‫لنا من اإلســام سوى سجود وركــوع وقيام‬ ‫دون تمثُّل قيمه الروحية النبيلة‪ ،‬التي تقدس‬ ‫كال من‬ ‫العمل‪ ،‬والوقت‪ ،‬واإلنتاج‪ ،‬فمَن بات ًّ‬ ‫عمل يــده بــات مغفورا لــه‪ ،‬كما يقول نبينا‬ ‫الكريم‪ ،‬الــذي قبّل يد واحـ ٍـد ممن يعملون‬ ‫بأيديهم حتى كلّت وتشققت‪ ،‬وقال له مثمّنا‬ ‫لجهده وتعبه‪« :‬هذه يد يحبها اهلل ورسوله»‪.‬‬

‫رفاعة الطهطاوي‬

‫كما فعلنا‪ ،‬ذات تقدم وحضارة‪ ،‬على األقل‬ ‫أن نشارك اإلنسانية في مسيرة االبتكارات‬ ‫واالختراعات والتقدم العلمي‪.‬‬

‫وق ــد ق ــال رفــاعــة الــطــهــطــاوي واص ـ ًفــا‬ ‫أهل باريس في كتابه (تخليص اإلبريز في‬ ‫تلخيص باريز)‪« :‬إنهم ال يكلون من األشغال‪،‬‬ ‫لــن نغير مــن حالنا إال إذا تغيّر وعينا سواء الغني والفقير»‪.‬‬ ‫بالزمن وقيمته‪ ،‬وكما قال تعالى في سورة‬ ‫ولم تكن هذه هي اإلشارة الوحيدة التي‬ ‫الرعد‪« :‬إن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا‬ ‫ذكــرهــا الــطــهــطــاوي وه ــو يــرصــد الــفــروق‬ ‫ما بأنفسهم»‪.‬‬ ‫الثقافية بيننا كعرب وبين المجتمع الباريسي‬ ‫إذا أرادت أمتنا أن تخرج من حالة التخلف الذي يرمز بالطبع إلى المجتمع المتقدم‪ ،‬بل‬ ‫واالنحطاط والتبعية للغرب في كل شيء‪ ،‬إن الكتاب ممتلئ باإلشارات الثقافية المقارنة‬ ‫أرادت أن تصير عالما أول مثلما كانت في بين المجتمع األول والمجتمع الثالث؛ تكشف‬ ‫عصور قادت فيها العالم‪ ،‬وأن تلحق بركب عن مــدى إدراكــهــم للزمن وأهميته والعمل‬ ‫النهضة والــتــقــدم‪ ،‬فعليها أن تعي وتــدرك وقيمته‪.‬‬ ‫قيمة الوقت وإدارتــه‪ ،‬وأن تؤمن بأن الزمن‬ ‫فن إدارة الوقت‬ ‫أمانة مثلما العمر أمــانــة‪ ،‬وأال تقضيه إال‬ ‫فيما يفيد المجتمع‪ ،‬بل فيما يفيد البشرية‪.‬‬ ‫واقع عالم اليوم يمثل تحديًا لإلنسان لما فيه‬ ‫علينا أن نعود كما كنا‪ ،‬إن لم نقد العالم من صراعات حول النجاح والتحقق والحصول‬

‫‪50‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫على حياة نستحقها؛ ما يتطلب منا أن نسعى لهذا اليوم‪ .‬يجب أال تكون مثل َمن يأكل أكثر‬ ‫لتحقيق نتائج عظيمة في وقت أقل‪ .‬فما هي مما تتحمل معدته‪ ،‬أو يقضم أكثر مما يستطيع‬ ‫الطريقة المثلى لتحقيق ذلك؟‬ ‫مضغه‪ ،‬فــإذا وجــدت أن المهام والمشاريع‬ ‫تقدم لنا ديلي كورنج في كتابها (فن إدارة التي تقع تحت مسؤوليتك أكبر مما يمكن‬ ‫الوقت) نصائح للتخطيط لوقتنا وإدارته بطريقة تحقيقها‪ ،‬سيؤدي هــذا إلــى اإلخفاق وعدم‬ ‫ناجعة تمكننا مــن اإلف ــادة مــن كــل لحظة في‬ ‫اإلنتاجية؛ ما يؤدي إلى مزيد من اإلحباط؛‬ ‫حياتنا؛ فهي ترى أن مفتاح النجاح الحقيقي‬ ‫لــذا‪ ،‬إذا كنت مترددًا حيال مشروع مــا‪ ..‬ال‬ ‫هــو تحسين وقــتــك‪ ،‬على الصعيدين المهني‬ ‫تقبله حفاظا على روح النجاح والتحقيق لديك‬ ‫والشخصي‪ ،‬بطريقة تحقق أفضل النتائج‪.‬‬ ‫ولدى فريقك‪.‬‬ ‫إن أبسط طريقة إلدارة وقتك هي التخطيط‬ ‫تجنّب كل ما يُضيّع وقتك حتى يمكنك‬ ‫للمستقبل‪ .‬يمكن القيام بذلك عن طريق إنشاء‬ ‫جــدول زمني‪ ،‬والتخطيط أليامك وأسابيعك إنــجــاز مــهــامــك بــنــجــاح‪ ،‬فـــإذا ك ــان هاتفك‬ ‫مسبقًا‪ .‬يمكن أن تساعدك التقويمات المكتبية المحمول متصال باإلنترنت ومحمال بمواقع‬ ‫على التخطيط لوقتك بالساعة‪ ،‬فإنشاء قائمة‬ ‫التواصل االجتماعي‪ ،‬يفضل أن تقوم بفصل‬ ‫مهام يمكن أن تكون لها فعالية حينما تكتب في‬ ‫خدمة اإلنترنت عنه حتى ال تصلك إشعارات‬ ‫الدقائق القليلة األخيرة من اليوم قائمة قصيرة‬ ‫باألهداف التي ترغب في تحقيقها في اليوم تلهيك عــن عملك‪ ،‬أو لتجعل اإلشــعــارات‬ ‫صامتة حتى ال تلفت نظرك وتشدك بعيدًا‬ ‫التالي‪.‬‬ ‫عندما يحين وقت تحديد أولويات مهامك عن المهام التي خططت إلنجازها‪.‬‬ ‫اليومية‪ ،‬حاول تخصيص بضع ساعات من اليوم‬ ‫للقيام بمسؤوليات معينة‪ .‬ثم تأكد من إعطاء‬ ‫المهام األكثر إلحاحً ا أولوية قصوى‪ ،‬مع حفظ‬ ‫المشاريع ذات األولوية المنخفضة حتى نهاية‬ ‫الــيــوم‪ .‬إذا كــان لديك فريق‪ ،‬فحاول تكليفهم‬ ‫ببعض المهام الموجودة في قائمتك؛ فالقليل‬ ‫طويل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من الجهد الجماعي سيقطع شوطً ا‬

‫أفضل رهــان عندما يتعلق األمــر بــإدارة‬ ‫الوقت هو عدم تأجيل ما يمكن إكماله اليوم‬ ‫انطالقا من الحكمة التي تقول‪« :‬ال تؤجل‬ ‫عمل اليوم إلى الغد»‪ ،‬فمن السهل أن تضيع‬ ‫الوقت أو تؤجل مشروعً ا لمجرد أنك لم تكن‬ ‫متحمسً ا‪ .‬ولكن إذا قمت بإنشاء استراتيجية‬

‫في صباح اليوم التالي‪ِ ،‬الــق نظرة على وخططت مسبقًا لعمل مــا‪ ..‬حتمًا ستحقق‬ ‫قائمتك‪ ،‬وابدأ عملية تحديد أولويات مهامك النجاح على المدى الطويل‪.‬‬ ‫* كاتبة ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪51‬‬


‫ٌ‬ ‫وسيط للكتابة‪..‬‬ ‫الزمن‬ ‫ُ‬ ‫أم الكتاب ُة وسيط ٌة للزمن؟‬ ‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫ســؤال ربما ال يفكّ ر فيه كاتب الــروايــة‪ ،‬حين تقفز شخصيات روايـتــه فــي رأس ــه‪ ،‬وحين‬ ‫يقبض على لحظة البداية في كتابته؛ ففي الوقت الذي يقول بعضهم إن زمن الرواية هو‬ ‫زمن الحدث‪ ،‬يذهب آخرون إلى أنه زمن الكتابة؛ وهناك مَن يراه زمن القراءة‪ ،‬وقول آلخر إن‬ ‫زمن الرواية‪ :‬أزمنة ثالثة‪ :‬هي زمن الحدث‪ ،‬وزمن الكتابة‪ ،‬وزمن القراءة‪.‬‬ ‫لكن «آدم مندالو» في بحثه «نظرية الزمن‬ ‫في الــروايــة» وأنماطها المختلفة وعالقته‬ ‫باللغة‪ ،‬يــرى أن مشاهير الروائيين كانوا‬ ‫دائمًا منشغلين بالزمن في قِ يَمه وأنواعه‪.‬‬ ‫وربما يراها فيما حاول حصره‪:‬‬ ‫الــزمــن االصــطــاحــي‪ :‬ويمثل العالقة‬ ‫الزمنية بين األشــيــاء‪ ،‬وال يتأثر بــاإلدراك‬ ‫الحسيّ للمرء‪.‬‬ ‫الزمن الكرونولوجي للقراءة‪ :‬هو الزمن‬ ‫الــذي يستغرقه الــقــارئ في قــراءة الرواية‬ ‫مــحــددة بــالــســاعــة‪ ،‬وه ــذا ذو صــلــة بطول‬ ‫الرواية الذي تتحكم فيه عوامل أو اعتبارات‬ ‫مثل‪.‬‬ ‫فنية عدة خالصة ككثافة الحبكة ً‬

‫جورج لوكاش‬

‫الــزمــن الــكــرونــولــوجــي للكتابة‪ :‬هــو ذو‬ ‫عالقة بالناحية التجارية‪ ،‬فمعظم الروائيين فــي األدب هــانــز مــيــرهــوف؛ فــالــروايــة من‬ ‫المحترفين يعيشون على الدخل الذي يجنونه الــفــنــون الزمنيّة كالموسيقى‪ ،‬تُبنى على‬ ‫من كتاباتهم‪.‬‬ ‫حركة الشخصيّات وأفعالها‪ ،‬بخالف الفنون‬ ‫ولــذلــك‪ ،‬الــزمــن وســيــط الــروايــة مثلما الــمــكــانـ ّيــة؛ كــالــتــصــويــر‪ ،‬والــنــحــت‪ ،‬اللذين‬ ‫هو وسيط الحياة‪ ،‬كما يقول ُمنَظِّ ر الزمن يعتمدان على إبراز أبعاد المكان‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫زمن القصة‪ ،‬زمن ترتيب األحداث‪ ،‬وهو زمن‬ ‫تتابعي يخضع للتنظيم المنطقي‪ ،‬بينما زمن‬ ‫الخطاب الــذي ال يخضع ألي تنظيم‪ ،‬فهو‬ ‫زمن يتعلق بأسلوب الــروائــي‪ ،‬وتقنياته في‬ ‫عرض األحداث‪.‬‬

‫جيرار جينيت‬

‫هل زمن الرواية‪ ،‬بهذا المعنى‪ ،‬هو الذي‬

‫جعل الفيلسوف (لــوكــاش) يصف الــروايــة‬

‫بأنها ملحمة الطبقة الوسطى «البرجوازية»‬ ‫في بحثها عن المعنى والقيمة‪ ،‬في عالم‬

‫تضطرب فيه عالقات المعنى والقيمة؟‬

‫ال ــج ــواب‪ ،‬إن األمـــر كــذلــك بالتأكيد؛‬

‫فالرواية فنّ المدينة القادر على اقتناص‬ ‫تحوّالت الطبقة الوسطى في المدينة التي‬ ‫تزداد تعقدًا وازدحامًا‪.‬‬

‫فقد اهتم الــروائــيــون بالزمن اهتمامًا‬

‫كبيرًا حتى إنهم استخدموه موضوعً ا‪ ،‬أو‬ ‫شخصيّة رئيسة من شخصيّات رواياتهم‪.‬‬ ‫وق ــد اهــتــم الــنــقــاد الــغــربــيــون بــالــزمــن في‬

‫الرواية‪ ،‬إذ بدأ عند الشكالنيين الروس‪ ،‬ثم‬

‫برز الناقد الفرنسي جيرار جينيت من بين‬ ‫الذين درسوا هذا الزمن‪ ،‬وبخاصة في كتابه‬

‫ولذلك‪ ،‬يُلفت انتباهنا أنّ النقاد العرب‬ ‫لم يهتموا بهذا الزمن‪ ،‬وتجاهلوا أهميته في‬ ‫اإلحاطة باألفكار السائدة‪ ،‬وبمعرفة أحوال‬ ‫المجتمع في الزمن الذي كتب فيه الروائي‬ ‫روايته‪ ،‬ففاتهم الوقوف على تطور الروائي‬ ‫الفكري والفني‪ ،‬وبــيــان قيمة الــروايــة من‬ ‫بين الروايات التي كتبها اآلخــرون‪ ،‬وفهمها‬ ‫وتفسيرها ضمن الــزمــن الــذي عــاش فيه‬ ‫الروائي؛ ولذلك تحدث الشكالنيون الروس‬ ‫عن طريقتين لعرض األحــداث أو سردها‪:‬‬ ‫فإما أن يخضع السرد لمبدأ السببية‪ ،‬فتأتي‬ ‫ـاص أو أن‬ ‫منطق خـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الوقائع مسلسلة وفــق‬ ‫يتخلى عن االعتبارات الزمنية بحيث تتابع‬ ‫األحداث دون منطق داخلي‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وقد أكد «بــارت» على أن المنطق‬ ‫الــســرديّ هــو الــذي يضع الــزمــن الــســرديّ ‪،‬‬ ‫وأن الزمنية ليست ســوى قسم بنيوي في‬ ‫الخطاب‪ ،‬مثلما هو الشأن في اللغة" إذ ال‬ ‫يوجد الزمن إال في شكل نسق أو نظام‪،‬‬ ‫والزمن الــســرديّ في رأيــه ليس ســوى زمن‬ ‫دالليّ ‪ ،‬أما الزمن الحقيقي فهو وه ٌم مرجعيٌ‬ ‫واقعيٌ حسب تعبيره‪.‬‬

‫المشهور «خطاب الحكاية» الذي استند إليه‬ ‫ويرى التفكيكيون أنه ال يمكن لدارس النص‬ ‫النقاد العرب في فهم الزمن الروائي‪ .‬فهناك أن يتغافل عن زمنية النص وظرفه التاريخي‪،‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪53‬‬


‫المستقبل‪ ،‬وثالث ًة يُــدخــل األزمــنــة بعضها‬ ‫ببعض؛ ولكن فيما يظنه القارئ أن الروائي‬ ‫يتعمّد ذلك‪ ،‬مع أنّ األمر ال أعتقده مقصودًا؛‬ ‫وذلـــك ألن ال ــروائ ــي تهجم عليه الفكرة‬ ‫والشخصيات‪ ،‬فيبدأ بترتيب الحدث‪ ،‬وهو‬ ‫األهم بالنسبة له‪ ،‬والزمن يأتي محركًا لتلك‬ ‫األحداث‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬نــرى أن الحقيقة التي يقول بها‬ ‫معظم النقاد والروائيين والباحثين‪ ،‬هي إن‬ ‫الرواية الجديدة وروايــة الحداثة وما بعد‬ ‫الحداثة قد دمــرت األزمنة ومزقتها‪ ،‬بعد‬ ‫أن كانت الرواية التقليدية تخضع للتسلسل‬ ‫متين من الزمان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بإطار‬ ‫ٍ‬ ‫الزمني المحافظ‬ ‫ومن هنا‪ ،‬تكون مشروعية التأويل وضرورته‪.‬‬ ‫فالقارئ‪ ،‬يأتي إلى النص وفي ذاكرته‬

‫وعيٌ بالتاريخ األدبي‪ ،‬وبمخزون من نصوص‬

‫سابقة‪ ،‬إذ يتمازج الماضي بالحاضر؛ ما‬

‫وقــد أبــقــت روايـ ــات الــحــداثــة ومــا بعدها‪،‬‬ ‫التسلسل الزمني كإطار خارجي لها؛ وبهذا‬ ‫أخفت الترتيب الزمني لألحداث باستبدال‬ ‫عالقات التتابع بعالقات التداخل‪ ،‬وتفكيك‬ ‫الحديث وتهشيم األزمــنــة بانتقال الــراوي‬

‫يعني أن إحساس المتلقي بالزمن في الرواية‬ ‫تحدده ثقافة المتلقي وتعليمه‪ ،‬وقــراءاتــه في سرده بين الماضي والحاضر‪ ،‬وفق ما‬ ‫تقتضيه الحاجة‪.‬‬ ‫السابقة‪ ،‬أو تربيته األدبية والفنية‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬يظهر ما يمكن أن نسميه بالزمن‬

‫هناك أسئلة كثيرة ‪-‬كانت ومــا تــزال‪-‬‬

‫مزيد‬ ‫فعل إلى ٍ‬ ‫الــدائــري‪ ،‬تبعا للبنية الحكائية التي تتخذ مثار جدل عميق‪ ،‬وهي تحتاج ً‬ ‫منحىً دائريًا؛ إذ تبدأ من النهاية‪ ..‬وترتد مــن البحث والــتــأ ّمــل‪ ،‬ال سيما فــي عالمنا‬

‫إلى البداية‪ .‬وقد يظهر ما يسمى بالتالعب العربي؛ إذ‪ ،‬بقيت معظم دولنا خارج ملعب‬ ‫بالزمن‪ :‬فــتــارة يُــدخــل الــروائــي المستقبل هذه المتغيرات‪ ،‬وهي إن تأثرت فبوصفها‬ ‫فــي الماضي‪ ،‬وط ــورًا يُــدخــل الماضي في «متأثّرة»‪ ،‬غير «مؤثّرة»!‬ ‫* أكاديمية وكاتبة ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫كيف ننتصر للزمن؟؟‬ ‫الكتابة والوهم‪..‬‬ ‫الزمن بين‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫■ أ‪ .‬د‪ .‬منتصر اخلفاجي*‬

‫كيف يكتب المبدعُ أسطورتَه السرديَّة‪ ،‬ويتخلّص من الزمن الذي يحيط به؟ وكيف يكون‬ ‫قصرت به؟ وهل زمن الكتابة نفسيّ ‪ ،‬أم اجتماعيّ ‪،‬‬ ‫قادرًا على معاكسة زمنية الكتابة‪ ،‬طالت أم ُ‬ ‫أم بين هذا وذاك؟‬ ‫لــيــس هــنــاك جـــواب أخــيــر عــلــى مثل الطين والشمع والمعادن واألشجار‪ ،‬وتنقش‬ ‫هــذه األسئلة‪ ،‬وليس ثمة نظرية محددة على الحجارة‪ ،‬لتعبِّر عما يريد أصحابها‬ ‫ترى بأن الزمن يمكن ضغطه في محفظة قوله بلغاتهم المختلفة في أماكن شتى‬ ‫الكاتب حينما يواجه معضلة اسمها الزمن‪ ،‬من العالم‪ .‬ولعل بين أقدم الكتابات التي‬ ‫زمــن الكتابة‪ ،‬وكيفية التحايل عليه أو بقيت آثارها حتى اآلن الكتابة المسمارية‬ ‫استباقه أو االلتفاف على أيامه وشهوره التي ظهرت في بالد الرافدين واستخدمها‬ ‫وسنواته؛ إذ علينا أن نتقصى الكثير من الــســومــريــون‪ ،‬ثــم استخدمها اآلشــوريــون‬ ‫الحقائق المزاجية والنفسية واالجتماعية‬ ‫والبابليون أيضا‪ .‬وتقول المراجع‪ ،‬إن بين‬ ‫والسياسية والــظــروف البيئية المحيطة‬ ‫هذه اآلثار ‪ 130‬لوحً ا طينيًا معروضة حاليًا‬ ‫بالكتّاب من شتى جوانبها‪ .‬فليست الكتابة‬ ‫اإلبداعية عملية آلية من دون شعور وتهيؤ‬ ‫كلي‪ ،‬وال هي ضرب األزرار لتوليد الحروف‬ ‫والسطور‪ ،‬بقدر ما هي نضال ضد الوقت‬ ‫ومعركة حقيقية معه تحت ضغط المزاج‬ ‫والظروف المتعددة‪ ،‬وهي تحرير مرحلي‬ ‫للفائض من المخزون المعرفي والخيالي‬ ‫لصناعة أثر إبداعي‪ ،‬وبالتالي هي تحرير‬ ‫عقليّ ونفسيّ وجسمانيّ أيضا للوقوف عند‬ ‫الخط األخير من هذا الماراثون المتعب‪.‬‬ ‫بدأت الكتابة قبل بضعة آالف من األعوام‬ ‫أشكاال تصويرية مختلفة ترسم على ألواح‬

‫محور خاص‬

‫حجر رشيد‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪55‬‬


‫في المتحف البريطاني‪.‬‬

‫تدعى أبجدية‪ ،‬صممت ليعبِّر كل حرف‬

‫وفي موازاة الكتابة المسمارية‪ ،‬ظهرت عن صوت محدد‪ .‬على أساس ذلك تكتب‬ ‫الكتابة الهيروغليفية في مصر الفرعونية‪ ،‬كل كلمة بأحرفها المتغيرة لتطلق عندما‬ ‫وكانت كذلك كتابة تصويرية بقيت مجهولة تقرأ بصوت مسموع الصوت الذي تصدره‪،‬‬ ‫المعنى ألجيال طويلة حتى عــام ‪1822‬م أي الصوت الذي يعبِّر عنها‪ ،‬فإن لم يكن‬ ‫فك رموزها عالم بصريات فرنسي صــوت الــقــراءة مسموعً ا لآلخرين‪ ،‬فــإنّ‬ ‫حينما ّ‬ ‫بعد دراسته حجر رشيد‪ ،‬الذي جاء به إلى صداه يتجسد في ذهن القارئ الصامت‪.‬‬ ‫فرنسا عام ‪1799‬م جندي فرنسي شارك‬ ‫وتقول المراجع‪ ،‬إن أول أبجدية ظهرت‬ ‫في الحملة الفرنسية على مصر‪ ،‬في ذلك في العالم كانت أبجدية أوجاريت المكونة‬ ‫الحين‪.‬‬ ‫مــن ‪ 30‬حــر ًفــا وظــهــرت عــام ‪ 1100‬قبل‬ ‫انتقل اإلنسان من الكتابة التصويرية الميالد‪ .‬وأوجاريت مدينة قديمة تعرضت‬ ‫إلــى الكتابة عبر أحــرف تعبيرية مبتكرة إلى بركان مدمر‪ ،‬وبقيت آثارها شاهدة‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫عليها‪ .‬وتقع هــذه المدينة على الساحل المعنى المطلوب‪.‬‬ ‫شمال شرقي البحر األبــيــض المتوسط‬

‫إن كل ما سبق يظهر جليّا أن الزمن ال‬

‫قرب مدينة الالذقية‪ .‬وقد استخدمت هذه عالقة له أن يكون األساس في الكتابة‪ ،‬بل‬ ‫األبجدية في وضع األبجدية اإلغريقية عام على العكس الكتابة هي التي تحرك الزمن‬ ‫‪ 430‬قبل الميالد‪.‬‬

‫وتجعله مقياسً ا عابرًا للنص المتمرد‪ ،‬وكلما‬

‫عــلــى مــســتــوى الــلــغــة الــعــربــيــة ظهرت زادت قوة ذلك الزمن على اإلبهار كانت لغة‬ ‫أبجديتها األولـــى نحو عــام ‪ 1000‬قبل الكاتب هي التي تجبره على ذلك‪.‬‬

‫الميالد في اليمن‪ ،‬في فترة مملكة سبأ‪.‬‬

‫هــذا الــزمــن هــو زمــن الكتابة المتعب‬

‫لكن مملكة األنــبــاط فــي البتراء شمالي والــمــؤرق للكاتب‪ ،‬ســواء أكــان طــويـ ًـا أم‬ ‫الجزيرة العربية وضعت أبجدية أخرى قصيرًا؛ فليست األيام واألشهر والسنوات‬

‫للغة العربية نحو عام ‪ 600‬قبل الميالد‪ .‬هي المقياس األخير للمنتَج اإلبداعي‪ ،‬إنما‬ ‫وقد تبنت قريش هذه األبجدية‪ ،‬كما كُتب نتائج هذا االنتظار الشاقّ الــذي يصرفه‬ ‫القرآن الكريم أول مرة باستخدامها‪ ،‬وكان الــكــاتــب تــحــت ظـــروف وأوض ـ ــاع نفسية‬ ‫ذلك قبل تنقيط حروف اللغة‪ .‬وفي عهد ومزاجية‪ ،‬داخلية وخارجية؛ لذلك‪ ،‬فإن‬ ‫الــدولــة األمــويــة تــم تنقيط حــروف اللغة الكتابة التي تخترق زمنها ‪-‬قصيرًا كان أم‬ ‫العربية لتسهيل تمييز الحروف‪ ،‬ثم وضعت طويال‪ -‬هي المعجزة الشخصية للكاتب‬

‫ً‬ ‫عالمات لتشكيل حــروف العربية‬ ‫حرصا التي علينا أن ننتبه إليها ونمنحها الكثير‬ ‫على نطقها بالشكل السليم‪ ،‬وبالتالي تقديم من االهتمام والقراءة والتقويم‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬سوريا‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪57‬‬


‫الزمن ومشكالتُه‬ ‫اتجاهات‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫آالن بيكي بيسوا ‪ -‬فرنسا‬ ‫■ ترجمة‪ :‬اسكندر بيكوا*‬

‫مشكلة الزمن أنه خارج مجال الحواس‪ ،‬ومع ذلك ال أحد يجهله‪ ،‬وبالتزامن ال يعرفه‬ ‫أحد بشكل علميّ وتجريبيّ ‪ ،‬أو حتى بشكل منطقي وواضح ‪ -‬إلى يومنا؟!‬ ‫لحسن الحظ _بفضل اينشتاين وستيفن هوكينغ خاصة ‪ -‬حــدث تطور مهم خالل‬ ‫القرن الماضي في معرفتنا للزمن؛ إذ تم االنتقال خطوة حقيقية بالفعل‪ ،‬من عدّ ه مفهومً ا‬ ‫فلسفيًا إلى وضعه الحالي كمصطلح علميّ ‪-‬فيزيائيّ ‪ ،‬يمكن دراسته بشكل فكري ومنطقي‪،‬‬ ‫تجريبي ودقـيــق‪ ،‬مــع قابليته إلــى االختبار‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫مصطلح مـحــدد‬ ‫ٍ‬ ‫تمهيدً ا لتحوله إلــى‬ ‫والتعميم‪.‬‬ ‫التصورات أو النظريات المختلفة حول‬ ‫الزمن يمكن تلخيصها وتكثيفها في أربعة‬ ‫مواقف‪:‬‬

‫‪ -3‬الموقف الحديث‪ ،‬ومــن أبــرز ممثليه‬ ‫اينشتاين وستيفن هوكينغ‪ ،‬وهو يعد اتجاه‬ ‫الزمن غير محدد في جهة معينة‪ ،‬وغير‬ ‫ثابت أيضا‪ ،‬ويمكن أن يحدث في مختلف‬ ‫االتجاهات‪.‬‬

‫‪ -1‬الموقف الكالسيكي‪ ،‬وهو السائد في‬ ‫العلم والعالم المعاصرين‪ ،‬ينظر للزمن‬ ‫بكونه يتقدم من الماضي إلى الحاضر‪ -4 ،‬الموقف الجديد‪ ،‬وهــو مــحــور هذا‬ ‫الكتاب‪ ،‬وينظر التجاه حركة الزمن عكس‬ ‫ومــن الحاضر إلــى المستقبل‪ .‬وبكلمات‬ ‫اتجاه نمو الحياة وتطورها‪ :‬من المستقبل‬ ‫أخرى‪ ،‬إن سهم الزمن يتجه من الماضي‬ ‫إلى الحاضر‪ ،‬ومن الحاضر إلى الماضي‪.‬‬ ‫إلــى المستقبل‪ ،‬م ــرورا بالحاضر‪ .‬وهو‬ ‫وهو اتجاه ثابت ووحيد‪ ،‬ويقبل التجربة‬ ‫الموقف المشترك بين أفالطون ونيوتن‪،‬‬ ‫واالختبار والتعميم بدون استثناء‪.‬‬ ‫ومعهم أغلب الفالسفة والفيزيائيين في‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫فلذلك يعد موقف الفرد الحالي من الزمن‪،‬‬ ‫‪ -2‬مــوقــف اإلنـــكـــار‪ ،‬وع ـ ــدم االع ــت ــراف هو أحد المواقف األربعة‪ ،‬أو بين اثنين منهما‬ ‫بالماضي أو بالمستقبل ســوى كتركيب ومحصلتهما السلبية أو اإليجابية‪.‬‬

‫وفــكــري عقلي‪ ،‬مــع اعتبار أن الحاضر‬ ‫كمثال مباشر‪ ،‬يعد الكثيرون الــيــوم أن‬ ‫يمثل الوجود الموضوعي والمطلق (إنكار الزمن تركيبٌ عقليٌ وثقافي‪ ،‬وال وجود حقيقيًا‬ ‫له‪ .‬بعبارة ثانية‪ ،‬يعد كثيرون الزمن مجرد‬ ‫أيضا)‪.‬‬ ‫الموت ً‬

‫‪58‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫نظام رمزي يشبه اللغات الحديثة كالبرمجة‬ ‫والرياضيات‪ ،‬وليس له حركة محددة أو اتجاه‬ ‫وحيد أو سرعة ثابتة‪ .‬وهذا الموقف يتطابق‬ ‫مع موقف اإلنكار الذي يمثله التنوير الروحي‬ ‫عبر االعتقاد بالحاضر المستمر‪.‬‬ ‫الــمــوقــف الــجــديــد يــتــضــمــن الــمــواقــف‬ ‫السابقة‪ ،‬بينما العكس غير صحيح‪ .‬وهذا ما‬ ‫سأحاول شرحه‪ .‬منطقي‪ ،‬األمس والماضي‬ ‫خلفنا‪ ،‬بينما الغد والمستقبل أمامنا‪ ،‬وبينهما‬ ‫الحاضر (الجديد ‪ -‬المتجدد)؟!‬ ‫المستقبل يقترب والماضي يبتعد (أليست‬ ‫الحس المشترك)؟‬ ‫ّ‬ ‫بديهية منطقية ويقبلها‬ ‫ويمكن االستنتاج مباشرة أن ما يقترب هو‬ ‫البداية‪ ،‬أو قادمًا من البداية‪.‬‬

‫حركة اإلنسان والزمن!‬

‫بحسب نوع المادة‪ ،‬ومن أمثلتها‪:‬‬

‫وبالطريقة نفسها‪ :‬ما يبتعد هو النهاية‪ ،‬أو‬ ‫ ‪ -‬حركة السوائل‪ ،‬وتتحدد بالضغط الجوي‬ ‫يتجه إلى النهاية‪.‬‬ ‫أو عالقة األواني المستطرقة‪.‬‬ ‫الفكرة تستحق التأمل واالهتمام الجديين؛‬

‫فبعد فهم الجدلية العكسية بين الحياة ‪ -‬حركة الغازات‪ ،‬وهي تتحدد بدرجة الحرارة‬ ‫والزمن‪ ،‬يتغير الموقف العقلي والواقع معًا‪.‬‬ ‫ونوع الغاز‪.‬‬ ‫اتــجــاه حــركــة الــحــيــاة وتــطــورهــا يعاكس‬ ‫ ح ــرك ــة ال ـك ـه ــرب ــاء‪ ،‬وه ــي تــتــحــدد بــدرجــة‬‫اتجاه الزمن‪ ،‬وهذه الظاهرة تقبل االختبار‬ ‫مقاومة (أو عــدم قابلية نقل الكهرباء)‬ ‫والتعميم‪.‬‬ ‫المواد‪ ،‬وهي في اتجاه ثابت من التوتر‬ ‫حركة الزمن؟!‬ ‫المرتفع في اتجاه التوتر المنخفض‪.‬‬ ‫بصورة عامة الحركة أحد نوعين‪:‬‬ ‫ حــركــة الــزمــن‪ ،‬ويمكن استنتاجها فقط‪،‬‬‫‪ -1‬الحركة الــذاتــيــة‪ ،‬الــعــشــوائــيــة‪ ،‬وهي‬ ‫وربما يتمكّن العلماء في المستقبل من‬ ‫خــاصــة بــاألحــيــاء‪ .‬تــتــحــدد مــن داخلها‬ ‫ابتكار أدوات وطرق تمكّن من اختبارها‬ ‫بالدرجة األولــى‪ ،‬ومن خارجها بالدرجة‬ ‫بشكل تجريبي ومباشر؟!‬ ‫الــثــانــيــة كــاســتــجــابــة لــمــتــغــيــرات البيئة‬ ‫اتجاه حركة الزمن وارتباطها بالكتابة؟!‬ ‫المحيطة‪.‬‬ ‫‪ -2‬الحركة الموضوعية‪ ،‬وهــي تختلف‬

‫محور خاص‬

‫كلمة االتــجــاه‪ ،‬كفكرة وخــبــرة‪ ،‬تعد حتى‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪59‬‬


‫ستيفين كينج‪ :‬تطور معرفة الزمن‬

‫أول‬ ‫التقليدي موجود مسبقًا في مستويين‪ً ،‬‬ ‫فــي قلب الــكــاتــب أو الــمــرســل (فــي الوعي‬ ‫والــنــوايــا‪ ،‬وثانيًا في النص (أو الرسالة أو‬ ‫التعبير)‪ .‬والقراءة مع السياق‪ ،‬تعدان تكملة‬ ‫أو تحصيل حاصل‪ .‬بينما المعنى بالمفهوم‬ ‫بــؤر أو مراحل‬ ‫الحديث يتشكل عبر عــدة ٍ‬ ‫متسلسلة في درجة أهميتها أيضا‪ ،‬وبالدرجة‬ ‫األولــى القارئ وعملية القراءة نفسها تنتج‬ ‫أول‪ ،‬والسياق الثقافي ثانيًا‪ ،‬والرسالة‬ ‫المعنى ً‬ ‫أو النص ثالثًا‪ ،‬وفي المستوى الرابع واألخير‬ ‫من األهمية والدور ‪-‬في المعنى‪ -‬للمرسل أو‬ ‫الكاتب (ونواياه ال تعني غيره‪ ،‬وغالبًا تنفصل‬ ‫عن المعنى لحظة التدوين أو التعبير‪ ..‬وتهمل‬ ‫وتضيع بالفعل)‪.‬‬ ‫بالعودة إلى فكرة االتجاه وخبرته‪ ،‬ال يكفي‬ ‫معرفة البداية والنهائية لتحديد االتجاه‪ ..‬مع‬ ‫أن عبارة البداية والنهاية أو العكس‪ ،‬تتضمن‬ ‫االتجاه بالفعل‪.‬‬

‫مــن خ ــال الــمــاحــظــة الــمــتــأنــيــة‪ ،‬يمكن‬ ‫اختبار ظاهرة مــزدوجــة ومدهشة بالفعل‪،‬‬ ‫مستمر مــع جميع األحــيــاء‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫وتــتــكــرر‬ ‫(اإلنــســان‪ ،‬والحيوان‪ ،‬والنبات‪ ،‬وهــي بــارزة‬ ‫اليوم مرادفة للمعنى‪.‬‬ ‫في حالة البشر)؛ إذ‪ ،‬ينقسم الحاضر في كل‬ ‫المشكلة بذلك‪ ،‬أن التوجه أو االتجاه‪ ،‬ليس لحظة إلى اتجاهين متعاكسين‪:‬‬ ‫غموضا من مصطلح المعنى ذاته!‬ ‫ً‬ ‫أقل‬ ‫‪ -1‬اتجاه نمو الحياة وتطورها‪ :‬من الماضي‬ ‫على سبيل المثال‪ ،‬بعد سنة ‪2012‬م فهمت‬

‫المعنى (الجديد) والمتداول حاليا‪ ،‬واختالفه‬ ‫النوعي والجذري عن المعنى التقليدي‪ .‬وهو‬

‫مستقل وموسّ ٍع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫موضوع ناقشته سابقًا بشكل‬

‫واكتفي هنا بتكثيفه الشديد‪ :‬المعنى بالمفهوم‬

‫‪60‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫إلى المستقبل‪ ،‬مرورًا بالحاضر‪.‬‬

‫‪ -2‬اتــجــاه األحـــداث بالعكس‪ :‬بالعكس من‬ ‫اتجاه الحياة‪ ..‬من المستقبل إلى الماضي‬ ‫ومــرورًا بالحاضر‪ .‬وهذا االتجاه يتضمن‬ ‫حوادث الوالدة والموت أيضا‪.‬‬

‫محور خاص‬


‫حركة الكهرباء‬

‫بحسب النظرية الكالسيكية‪ ،‬يكون اتجاه‬ ‫حركة الزمن من الماضي إلى المستقبل!‬ ‫ولكن‪ ،‬بسهولة يمكن اختبار عدم صحة‬ ‫ذلك‪ ،‬إذ العكس هو الصحيح‪.‬‬

‫اينشتاين‪:‬‬ ‫اتجاه الزمن غير محدد‬

‫وبــالــنــســبــة لــهــذه الــفــكــرة «اتــجــاه حركة‬ ‫الزمن»‪ ،‬سوف استعرض مجموعة براهين‬ ‫وطرق تبين اتجاهها الحقيقي من المستقبل‬ ‫إلى الحاضر‪ ،‬ثم الماضي‪ ،‬في ملحق خاص‬ ‫نظرًا ألهميتها البالغة‪.‬‬ ‫‪ -2‬الحركة التزامنية أو األفقية‪ :‬من حاضر ‪1‬‬ ‫إلى حاضر ‪ 2‬إلى حاضر ‪ ..3‬بال نهاية‪.‬‬ ‫بــالــنــســبــة لــحــركــة ال ــزم ــن‪ ،‬فــهــي مركبة‬ ‫المستقبل إلى الحاضر (أو من الحاضر‬ ‫إلى الماضي)‪ ،‬وهي التي تقيسها الساعة‪.‬‬ ‫هــذا رأي وفــرضــيــة‪ ،‬حتى نحصل على‬ ‫أفضل منها‪.‬‬

‫ومــزدوجــة بــالــتــزامــن‪ ،‬والــغــريــب إلــى درجــة‬ ‫يصعب فهمها‪ ،‬أن النقاد العرب القدامى‬ ‫استنتجوا هذا األمــر منذ عشرات القرون‪،‬‬ ‫وأنا مدين بالفضل والشكر للصديق جميل‬ ‫حلبي على هذه الفكرة والخبرة‪.‬‬

‫وهــي أحــد احتمالين‪ ،‬األول أنها تساوي‬ ‫ســرعــة الــضــوء‪ ،‬والــثــانــي أنــهــا تــفــوق سرعة‬ ‫الضوء وتجسد السرعة المطلقة في الكون‬ ‫(وهذا ما أرجّ ح احتماله)‪.‬‬

‫ومــن كل ما سبق‪ ،‬تعرف أن الكتابة هي‬ ‫‪ -1‬الــحــركــة الــتــعــاقــبــيــة أو الــتــراتــبــيــة‪ :‬من تزامنية حقيقة بوجود الزمن داخل النص‪.‬‬

‫ * مترجم‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪61‬‬


‫أوقاتُنا بين االستثمار والتفريط‬ ‫■ سميرة الزهراني*‬

‫خلق اهلل تعالى اإلنسان‪ ،‬وجعل فيه الكثير من الطاقات الكامنة؛ ما يستدعي تفريغ‬ ‫هذه الطاقة بطريقة صحيحة‪ ،‬واستثمار أوقات الفراغ بما يعود على تلك النفس بالخير‬ ‫والنفع؛ فالنفس إن لم نشغلها بالخير شغلتنا بما ال يفيد‪.‬‬ ‫والوقت‪ ،‬هو المادة المكوّنة للحياة‪ .‬وبحكم ما نعرفه عنه‪ ،‬فهو غير قابل لالحتفاظ به أو‬ ‫ادّخاره أو استعادته؛ ولذلك‪ ،‬فهو مورد نادر وفريد‪ ،‬وأغلى مورد لكل فرد‪ ،‬ألنه حياته؛ لذلك‬ ‫ينبغي أن يلقى العناية نفسها التي تلقاها بقية الموارد والعناصر المهمة فيها‪ ،‬بل وأكثر‬ ‫من أي مورد آخر‪.‬‬ ‫تزداد أهمية استثمار الوقت كلما ارتفعنا أي ــن يــذهــب وقــتــهــم وأيـــن يــجــب أن يــذهــب‪،‬‬ ‫فــي الــهــرم التنظيمي ألي مــؤســســة‪ ،‬ويؤكد واالستخدام الفعال والمالئم للوقت يفسر‬ ‫(بيتر دروكــر)(‪ )١‬على أن أفضل طريقة لزيادة الفرق بين اإلنجاز والفشل‪.‬‬ ‫فاعلية المدير أو اإلنسان عمومًا هو تحسين‬ ‫يعد وقــت الــفــراغ فــرصــة كبيرة للحصول‬ ‫استخدامه لوقته‪ ،‬كما يؤكد أن إحدى خمس‬ ‫على منفعة دون هدر الوقت فيما ال طائل منه‪،‬‬ ‫عـ ــادات شــائــعــة لــكــل الفاعلين هــي معرفة‬ ‫كالتجوّل في األســواق من غير حاجة؛ لما فيه‬ ‫َس ما نملك‪ ..‬وهو‬ ‫من ضياع للمادة‪ ،‬وهدر ألنف َ‬ ‫الوقت‪ ،‬الذي هو الحياة؛ لذا‪ ،‬أوجب اهلل تعالى‬ ‫على اإلنسان استغالل الوقت بشكل كامل‪ ،‬وإدارته‬ ‫إدارة صحيحة؛ ألن ذلــك يترتب عليه إدارتنا‬ ‫ألنفسنا بفعالية وبطريقة اقتصادية؛ بمعنى إدارة‬ ‫مواردنا الجسمية والنفسية بشكل يمكّننا من‬ ‫األداء الفعال‪ ،‬بدون بذل طاقةٍ غير ضرورية بال‬ ‫طائل‪ ،‬والبقاء قادرين على هذا األداء‪.‬‬ ‫كما نعرف أن الوقت في حركة دائمة ال‬ ‫يمكن ارجاعه‪ ،‬فهو من جانب القيمة أغلى من‬ ‫الجواهر؛ ألن الوقت هو الحياة‪ ،‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعالى جعل الدنيا مزرعة لآلخرة‪ ،‬وهذا سبب‬

‫‪62‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫آخر للعناية به وعدم هدره‪ .‬إذ يُعد الوقت من‬ ‫األمــور التي يُسأل عنها العبد يــوم القيامة‪،‬‬ ‫والتي جعلها اهلل من أعظم النعم التي أنعم اهلل‬ ‫بها على عباده‪ ،‬وأعتنى بها‪ ..‬بل وأقسم‪ ..‬قال‬ ‫تعالى‪( :‬والليل إذا يغشى‪ .‬والنهار إذا تجلى)‪،‬‬ ‫كما أقسم بالفجر‪ ،‬والضحى‪ ،‬والعصر؛ ما يدل‬ ‫على أهمية الــوقــت؛ ويستوجب ذلــك تطبيق‬ ‫مفهوم استغالل الــوقــت فــي الحياة بالعمل‬ ‫النافع سواء للدنيا أو لآلخرة‪.‬‬ ‫يعد االهــتــمــام بالوقت كــنـزًا مــن الكنوز‪،‬‬ ‫ومعرفة كيفية اغتنامه والبُعد عن المجالس‬ ‫التي تتخللها الغيبة والنميمة؛ ففيها إلى جانب‬ ‫ضياع الوقت خسرا ٌن وبُع ٌد عن الحق‪ .‬والوقت‬ ‫الذي يمضي ال يعود‪ ،‬وسفر اآلخرة محتاج إلى‬ ‫زاد‪ ،‬فلزم إعداد الزاد قبل الرحيل‪.‬‬ ‫كــذلــك‪ ،‬مــن واجبنا الــحــرص على الوقت‬ ‫وإنــجــاز األم ــور المهمة‪ ..‬ثــم األق ــل أهمية‪،‬‬ ‫والتخطيط لألهداف مع مراعاة ما يعترض‬ ‫اإلنسان من الظروف والمعوقات‪ ،‬والحرص‬ ‫على نظافة المكان ووضع كل شيء في مكانه‪،‬‬ ‫فالترتيب يحفظ الوقت ويعين على استثماره‪،‬‬ ‫إن دقائق حياتنا ال تعود إذا ما مرت؛ ومن‬ ‫وعــدم تأجيل األعــمــال مهم كــذلــك؛ حتى ال‬ ‫ثـ َّم فعلينا إنفاق سنوات عمرنا بشكل أكثر‬ ‫تتراكم المهام؛ ما يسهم في ضياع الوقت‪.‬‬ ‫إنتاجية‪ .‬ومهما كانت فعاليتنا في التخطيط‪،‬‬ ‫ومن األمور التي يجب غرسها في األطفال ومهما صدقت النوايا‪،‬فإنه ما لم نبدأ بالتحفيز‬ ‫منذ الصغر؛ تنظيم الوقت واستغالله‪ ،‬وتحكم واستثمار كــل ثانية مــن أوقاتنا للبدء‪ ،‬فلن‬ ‫األنسان في وقته وسيطرته عليه‪ ،‬بحيث يكون نستفيد‪ ،‬وسيذهب العُمر سدىً ‪.‬‬ ‫سيدًا لوقته ال ضحية له؛ لينشأ وهو حريص‬ ‫أخيرا‪ ،‬إن إدارة الوقت بفاعلية هي الطريق‬ ‫على وقته مستفيدًا من كل ثانية تمر في حياته‪ .‬األمثل لتحقيق النجاحات المتتالية والفوز‬

‫الحس‬ ‫ِّ‬ ‫وقتنا بفعالية‪ ،‬يجب أن يبدأ بتطوير‬ ‫والوعيِّ واإلدراك ألهمية االستخدام الصحيح‬ ‫للوقت؛ وبالتالي‪ ،‬تحفيزنا على استخدام هذا‬ ‫المورد النادر بعناية أكبر من تلك التي تنفق بها‬ ‫العمالت الذهبية‪.‬‬

‫إن أي برنامج مصمم لمساعدتنا على إدارة بمكاسب الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫* باحثة دكتوراه ‪ -‬جامعة أم القرى بمكة المكرمة‪.‬‬ ‫(‪ )١‬كاتب اقتصادي أمريكي من أصل نمساوي‪ ،‬يعد األب الروحي لإلدارة‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪63‬‬


‫عناي ُة الحضارة اإلسالمية بالعلوم واآلالت‬ ‫المرتبطة بحساب الوقت‬ ‫■ د‪ .‬سعيد بن دبيس العتيبي*‬

‫يُعرف الوقت بأنه مقدار من الزمن‪ ،‬وبأنه تعريف للتاريخ‪ ،‬مثل أرّخ الكتاب ليوم كذا أي وقّته(((‪.‬‬ ‫ومنذ الِ قدم‪ ،‬عرّفت األمم التاريخ‪ ،‬واهتمت بضبطه ألهميته في تنظيم شؤون حياتها وتعامالتها‬ ‫التجارية‪ ،‬ومعرفة المناسبات الدينية وفصول السنة؛ فأرّخت األمم القديمة بمبعث األنبياء‪ ،‬وأرّخ‬ ‫الفرس والروم بسنيّ حكم ملوكهم‪ ،‬وكانت قريش قبل اإلسالم تؤرخ بعام الفيل‪ ،‬وسائر العرب يؤرخون‬ ‫والفجارين‪ ،‬ويــوم جبلة‪ ،‬ويوم‬ ‫َّ‬ ‫بأيامهم المشهورة؛ كحرب البسوس‪ ،‬وداحــس والغبراء‪ ،‬ويــوم ذي قــار‪،‬‬ ‫الكالب األول والكالب الثاني‪ ..‬وفي العصر اإلسالمي أرّخ المسلمون بعام الهجرة‪ ،‬حين وضع هذا‬ ‫التاريخ عمر بن الخطاب ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬في السنة السابعة عشرة من الهجرة(((‪.‬‬ ‫عرفت األمم تنظيم الزمن على نحو يمكنها الشمس وغروبها لتحديد وقت الصيام واإلفطار‪.‬‬ ‫مــن االســتــفــادة مــن وقتها‪ ،‬فــجــزأت الــزمــن إلى‬ ‫وقــد اهتمت الــحــضــارة العربية اإلسالمية‬ ‫سنوات‪ ،‬والسنوات إلــى فصول‪ ،‬والفصول إلى بالعلوم كالطب والرياضيات والكيماء والفلك‪..‬‬ ‫شهور‪ ،‬والشهور إلى أسابيع‪ ،‬واألسابيع إلى أيام مستفيدة مــمــا وصــلــت الــيــه حــضــارات األمــم‬ ‫ثم ساعات‪ ..‬وعندما جاء اإلســام جعل للوقت السابقة في هــذه المجاالت‪ ،‬إ ّالً إن المسلمين‬ ‫أهمية عظيمة فــي حياة المسلم‪ ،‬وأقــســم اهلل بــرعــوا فــي تلك العلوم بحثاً وتأليفا وابــتــكــارًا‬ ‫جلت قدرته بأجزاء من الوقت‪ ،‬فأقسم بالفجر وصناع ًة وتطبيقًا‪ ،‬وبدأ االهتمام بترجمة العلوم‬ ‫والضحى والعصر والليل النهار(((‪ ،‬وفي قسمه منذ عهد الدولة األموية (‪132-41‬هـ)‪ ،‬وكان خالد‬ ‫سبحانه وتعالى بمخلوقاته أو آياته الدالة على ابن يزيد بن معاوية أول من عني بنقل علوم الطب‬ ‫قــدرتــه دالل ــة على عظمتها‪ .‬وأك ــدت الشريعة والكيمياء من اللغة اليونانية إلى العربية‪ ،‬وعربت‬ ‫اإلسالمية على أداء العبادات وأوامــر اإلسالم الــدواويــن منذ عهد الخليفة األمــوي عبدالملك‬ ‫في أوقاتها‪ ،‬ووردت اآليات الدالة على ذلك في ابن مروان (‪86-65‬هـــ) بعد أن كانت بالفارسية‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬إن الصالة كانت على واليونانية‪ ،‬وتُرجم أول كتاب فلكي عن اليونانية‬ ‫المؤمنين كتاباً موقوتا﴾(((‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬الحج في أواخــر العصر األم ــوي‪ ،‬وهــو كتاب (مفتاح‬ ‫أشهر معلومات﴾(((‪ ،‬وقال عز وجل‪( :‬يسئلونك النجوم) المنسوب لهرمس الحكيم‪ ،‬وحين قامت‬ ‫عن األهـلّــة قل هي مواقيت للناس والــحــج)(((‪ ،‬الدولة العباسية عُني أبو جعفر المنصور (‪-136‬‬ ‫فالمسلمون وفق تعاليم دينهم ملزمون بمعرفة ‪158‬هـ) بترجمة كتب العلوم واآلداب من اليونانية‬ ‫أوقات دخول الصلوات المفروضة عليهم خمس والهندية والفارسية إلى العربية‪ ،‬وتوسعت حركة‬ ‫مرات في اليوم والليلة‪ ،‬وبدايات الشهور ونهايتها الترجمة في عهدي هارون الرشيد(‪193-170‬هـ)‬ ‫لضبط وق ــت دخ ــول مــواســم رمــضــان والــحــج‪ ،‬وابنه المأمون (‪218-198‬هـ)(((‪.‬‬ ‫علم الفلك مــن الــعــلــوم المرتبطة بحساب‬ ‫واألعــيــاد اإلســامــيــة‪ ،‬ومــعــرفــة أوقـــات شــروق‬

‫‪64‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الوقت‪ ،‬وفي القرآن الكريم آيات تدل في سياقها‬ ‫على ارتــبــاط الــظــواهــر الفلكية بــالــوقــت‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪﴿ :‬وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية‬ ‫ال من‬ ‫الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فض ً‬ ‫ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب‪ ،‬وكل شيء‬ ‫فصلناه تفصيال﴾(((‪ ،‬وقــال تعالى‪﴿ :‬هــو الذي‬ ‫جعل الشمس ضيا ًء والقمر نــوراً وقــدره منازل‬ ‫لتعلموا عــدد السنين والــحــســاب‪ ،‬مــا خلق اهلل‬ ‫ذلك إال بالحق‪ ،‬يفصل اآليات لقوم يعلمون﴾(((‪،‬‬ ‫وقوله تعالى‪﴿ :‬لتعلموا عدد السنين والحساب﴾‪،‬‬ ‫أي حساب أوقات السنين وعدد أيامها وحساب‬ ‫ساعات أيامها(‪.((1‬‬ ‫وقد لقي علم الفلك عناية من العلماء المسلمون‬ ‫لحاجة المسلمين إليه في حساب الوقت المرتبط‬ ‫بــأداء الوجبات الدينية‪ ،‬إضافة إلى أهميته في‬ ‫تحديد اتجاه مكة‪ ،‬حيث الكعبة‪ ،‬قبلة المسلمين‪،‬‬ ‫وشــؤون الحياة األخــرى؛ كأوقات فصول السنة‪،‬‬ ‫ومواسم الفالحة‪ ،‬ومواسم األمطار‪ ،..‬كما أن لعلم‬ ‫الفلك عند علماء المسلمين معنىً يتصل بالعقيدة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ففي معرفة مواقع النجوم ومداراتها‬ ‫وجريان الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار‬ ‫وفصول السنة‪ ،‬آيات تبرهن على عظمة الخالق‬ ‫سبحانه وتعالى الذي أمرهم بتوحيده بالعبادة‪،‬‬

‫محور خاص‬

‫والتفكر في مخلوقاته وقدرته على تسيير الكون‪،‬‬ ‫قــال تعالى‪﴿ :‬إن فــي خلق الــســمــوات واألرض‬ ‫واخــتــاف الليل والنهار آليــات ألولــي األلــبــاب‪،‬‬ ‫الذين يذكرون اهلل قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم‪،‬‬ ‫ويتفكرون في خلق السموات واألرض ربنا ما‬ ‫خلقت هذا باط ً‬ ‫ال سبحانك فقنا عذاب النار﴾(‪.((1‬‬ ‫واتخذ علماء الفلك من القرآن الكريم والتدبر‬ ‫في عالم الكون وفضائه الفسيح‪ ،‬ومخلوقات اهلل‬ ‫جلت قدرته مصدراً لعلمهم‪ « .‬يذكر أنه بينما كان‬ ‫عالمان فلكيان عربيان في باحة المسجد الجامع‬ ‫مــرت بهما جماعة من علماء الــديــن‪ ،‬فتوقفت‬ ‫مستفهمة عــن الــمــصــدر ال ــذي منه يستمدون‬ ‫علمهم‪ ،‬فأجاب أحدهما إننا نقرأ شرح قول اهلل‬ ‫تعالى‪﴿ :‬أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت‪ ،‬وإلى‬ ‫السماء كيف رفعت﴾»(‪.((1‬‬ ‫وكـ ــان الــعــصــر الــذهــبــي لــتــقــدم الــحــضــارة‬ ‫اإلسالمية هو عصر الدولة العباسية‪ ،‬وكان علم‬ ‫الفلك في مقدمة العلوم التي اعتني بها في بغداد‪،‬‬ ‫حين شجع الخلفاء علماء دراسة الفلك‪ ،‬وترجمة‬ ‫الكتب الهندية والفارسية واليونانية في هذا‬ ‫المجال‪ ،‬وأخذوا يستدعون العلماء إلى بالطهم‪.‬‬ ‫وفي زمن هارون الرشيد وابنه المأمون أصبحت‬ ‫بغداد مركزاً مهمًا لمباحث علم الفلك‪ ،‬ثم انتشرت‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪65‬‬


‫زيغريد هونكه اهتمام العرب بعلم الفلك‪ ،‬بأنه‬ ‫كان أقرب حقل علمي إلى نفوسهم(‪ .((1‬وتقول عن‬ ‫تقدم العلماء العرب في هذا المجال وتفوقهم فيه‬ ‫على األمم السابقة «إنه ال الرومان وال الهنود هم‬ ‫الذين أسهموا في تطوير هذا العلم‪ ،‬وإنما كان من‬ ‫دواعي فخر العرب أن يفعلوا ذلك وحدهم‪ ،‬وكان‬ ‫لعلم الفلك أن خلص إلى ربيع ساحر»(‪ .((1‬وقال‬ ‫غوستاف لوبون‪ « :‬إن العرب هم الذين نشروا علم‬ ‫الفلك في العالم كله بالحقيقة»(‪.((1‬‬

‫مراصد الفلك في دمشق وسمرقند ونيسابور‪،‬‬ ‫والــقــاهــرة وف ــاس وطليطلة وقــرطــبــة‪ ،‬وب ــرزت‬ ‫أسماء عديد من فلكيي مدرسة بغداد الفلكية‬ ‫الذين عاشوا في القرن التاسع الميالدي‪ ،‬منهم‪:‬‬ ‫البتاني‪ ،‬ومحمد وأحمد والحسن أبناء موسى بن‬ ‫شاكر‪ ،‬وأبــو الوفاء وغيرهم‪ .‬ودام عمل العرب‬ ‫في حقل الحضارة حتى بعد سقوط بغداد بزمن‬ ‫طويل‪ ،‬وظلت مدرسة بغداد الفلكية إلى أواسط‬ ‫القرن الخامس عشر من الميالد‪ ،‬ونقل المغول‬ ‫معارف العرب في مجال الفلك إلى البالد التي‬ ‫حكموها‪ ،‬فأقام هوالكو في عام ‪1259‬م مرصدًا‬ ‫كبيرًا للفلك في مراغه‪ ،‬واستدعى علماء العرب‬ ‫إلى بالطه‪ ،‬كما نقل المغول إلى بالد الصين حين‬ ‫دخلت في حكمهم كتب علماء بغداد والقاهرة في‬ ‫علم الفلك‪ .‬واستنبطوا معارفهم الفلكية األساسية‬ ‫من تلك الكتب(‪ .((1‬وتصف المستشرقة األلمانية‬

‫‪66‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫وشملت أعمال الرصد الفلكي عند المسلمون‬ ‫الــشــمــس والــقــمــر والــنــجــوم‪ ،‬وتــمــكــن الفلكيون‬ ‫المسلمون من رصد االعتدال الشمسي‪ ،‬الذي‬ ‫مكّن من تحديد السنة بالضبط‪ ،‬ووضع تقاويم‬ ‫ألمكنة الكواكب السيارة‪ ،‬ودوّنوا نتائج أبحاثهم في‬ ‫عدد من الكتب تعرف باسم الزيج(‪ ،((1‬وساعدت‬ ‫نتائج مباحث علماء العرب في علم الفلك إلى‬ ‫التقدم فــي صناعة اآلالت التي تحدد الوقت‬ ‫كاإلسطرالب‪ ،‬والساعات‪ .‬واإلسطرالب هو آلة‬ ‫فلكية استخدمها الفلكيون اليونانيون في معرفة‬ ‫رصد الكواكب وارتفاعاتها‪ ،‬ثم طور العرب هذه‬ ‫األلة وأنتجوا منها نوعاً مسطحاً صغيراً‪ ،‬بعد أن‬ ‫كان المعروف منه نوع كبير ومستدير ويستخدم‬ ‫في المراصد الجوية فقط‪ ،‬أما اختراع العرب‬ ‫فكان بمثابة ساعة جيب صغيرة‪ ،‬تؤدي في برهة‬ ‫قصيرة خدمات متعددة‪ ،‬واستخدمها المسلمون‬ ‫فــي تحديد أوق ــات الــصــاة وتعيين موقع مكة‬ ‫حيث القبلة‪ ،‬إضافة إلى العديد من الخدمات في‬ ‫الحسابات الفلكية والزمنية(‪.((1‬‬ ‫وعرف العرب أنواعاً من الساعات الشمسية‬ ‫والمائية والرملية‪ ،‬منها ذات التقنيات البسيطة‬ ‫مثل المزولة‪ ..‬وهي ساعة شمسية يعين بها الوقت‬ ‫نهاراً من خالل سقوط ظل شاخص على أرقام‬ ‫دائرة مدرجة(‪ ،((1‬والساعات الرملية أو المائية‪،‬‬ ‫وهذه الساعة هي حوض صغير يُمأل بالماء أو‬ ‫الرمل‪ ،‬وفي قاعه ثقب يسيل منه الماء أو الرمل‬

‫محور خاص‬


‫ولــتــفــوق المسلمبن فــي صــنــاعــة الــســاعــات‬ ‫وتقنياتها‪ ،‬وحاجتهم إليها في معرفة أوقات العبادة‪،‬‬ ‫أصبحت منتشرة في أرجــاء الدولة اإلسالمية‪،‬‬ ‫وقــد ذكــرت المصادر العديد من األماكن التي‬ ‫وجدت بها الساعات‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ :‬وصف‬ ‫ابن فضل اهلل العمري (ت‪749‬هـ) الساعة المائية‬ ‫لجامع الكتبيين بمراكش‪ ،‬وذكــر إنها على باب‬ ‫الجامع وتسمى الكتبية‪ ،‬ويبلغ ارتفاعها في الهواء‬ ‫خمسين ذراعاً‪ ،‬ينزل عند كل ساعة صنجة وزنها‬ ‫مئة درهم‪ ،‬يتحرك بنزولها أجراس يسمع وقعها‬ ‫من بعيد(‪ .((2‬كما ذكر إن في المدرسة المعظمية‬ ‫قرب مسجد قبة الصخرة ببيت المقدس رخامة‬ ‫منقوشة مزولة إلخراج ساعات النهار‪ ،‬طولها من‬ ‫الشرق إلى الغرب ذراعان وثلثان وعرضها ذراع‬ ‫وارتفاعها ذراع ونصف(‪.((2‬‬

‫بقدر مقنن في أنبوب ذي درجــات محصاه تدل‬ ‫المألنة منه والفارغة على عدد الساعات(‪.((2‬‬ ‫وقــد ُعــرفــت الــمــزوال والــســاعــات المائية منذ‬ ‫الحضارات القديمة اليونانية والمصرية والبابلية‪،‬‬ ‫وفي الجزيرة العربية وجد ضمن آثار الحجر آثار‬ ‫مزولة شمسية تعود لعصر األنباط (القرن األول‬ ‫ق‪.‬م‪106-‬م)(‪ .((2‬غير أنه في العصر اإلسالمي‬ ‫ومع تطور دراسات علم الفلك تفتقت أفكار العرب‬ ‫نحو أفــاق جديدة في مجال صناعة الساعات‪،‬‬ ‫فصنعوا الساعات التي تسير على الزئبق والشمع‬ ‫المشتعل‪ ،‬والــســاعــات الشمسية الــرنــانــة التي‬ ‫تصدر صوتاً رناناً عند الوقت المحدد‪ ،‬والساعات‬ ‫المائية التي كانت تقذف كل ساعة كرة في إناء‬ ‫معدني وت ــدور حــول محور تظهر فيه النجوم‪،‬‬ ‫ورسومات لحيوانات مختلفة‪ ،‬أو ساعات تحمل‬ ‫فتحات متتابعة في شكل نصف دائرة وما تلبث ان‬ ‫وذكــر ابــن بطوطة (ت‪779‬هـ ـــ) إن المدرسة‬ ‫تصدر ضوءًا كالبرق كلما جاوزت الساعة الثانية‬ ‫ال في حين يمر فوقها هالل مضيء(‪ .((2‬البوعنانية بمدينة فــاس المغربية فيها ساعة‬ ‫عشرة لي ً‬ ‫وفي عام ‪807‬م قدم الخليفة العباسي هارون‬ ‫الرشيد ســاعــة مــن ابــتــكــارات الــعــرب للقيصر‬ ‫شارلمان ملك الفرنجة‪ ،‬فنالت إعجاب الفرنجة‬ ‫ال لها من قبل‪« ،‬وعلق‬ ‫وادهشتهم‪ ،‬اذ لم يروا مثي ً‬ ‫مــؤرخ القيصر على هــذا الحدث في مذكراته‬ ‫واصــف ـاً تلك الــســاعــة قــائ ـاً‪ :‬كــانــت ســاعــة من‬ ‫النحاس األصفر مصنوعة بمهارة فنية مدهشة‪،‬‬ ‫وكانت تقيس مدة اثنتي عشرة ساعة‪ ،‬وفي حين‬ ‫إتمامها لذلك كانت تسقط إلــى األسفل اثنتي‬ ‫عــشــرة كــرة صغيرة‪ ،‬محدثة لــدى اصطدامها‬ ‫برقّاص معدنيّ مثبت دو ّيًا إيقاعيًا جميالً‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى عدد مماثل من األفراس الصغيرة التي كلما‬ ‫دارت الساعة دورتها الكاملة قفزت من فتحات‬ ‫اثنتي عشرة بوابة واغلقتها بقفزاتها هذه‪ ،‬وهناك‬ ‫أشــيــاء أخــرى كثيرة تسترعي االنــبــاه فــي هذه‬ ‫الساعة تدعو إلى العجب والدهشة‪ .‬وليس ثمة‬ ‫مجال لعدها‪.((2(»..‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪67‬‬


‫سليمان المغربي مزولة تجاه باب السالم‪ ،‬بني‬ ‫لها بترة طول قامة الرجل‪ ،‬ويرى اإلنسان رسومها‬ ‫حيال الركن الشرقي على ممشى باب السالم‪،‬‬ ‫وكــان موضعها فيما سلف مزولة عملها الوزير‬ ‫األصفهاني»(‪.((3‬‬ ‫ومن المدينة المنورة ذُكر مزولة في المسجد‬ ‫الــنــبــوي مــن عمل حسن بــن حسين األسكوبي‬ ‫(‪1303-1237‬هـ) وهو عالم فلكي من أصل أوربي‬ ‫كان يقيم بالمدينة المنورة(‪ .((3‬وفي القاهرة ذُكر‬ ‫مزولة أقامها العالم الفلكي محمود أحمد باشا‪،‬‬ ‫ويقال له محمود الفلكي (‪1302-1230‬هـ) أنشأها‬ ‫على سطح منزله تبين ساعات النهار وأنصاف‬ ‫الساعات وأرباعها ووقتي الظهر والعصر(‪.((3‬‬ ‫مائية نصبت قبالة بــاب الــمــدرســة الرئيس‪،‬‬ ‫كانت لروعتها حديث الكتّاب والشعراء ردحً ا من‬ ‫الــزمــان(‪ ،((2‬وتبقى بفاس ساعة مائية في القبة‬ ‫العليا من منار الجامع األعظم الذي يقع شرق‬ ‫المدينة‪ ،‬بنيت في عهد إمــارة المرينيون بفاس‬ ‫بأمر السلطان أبو سالم إبراهيم بن علي المريني‬ ‫المتوفى عام (‪762‬هـ)(‪.((2‬‬ ‫وذكـ ــر الــفــاســي (ت‪832‬هـــــــ) ضــمــن حديثه‬ ‫عن مرافق المسجد الــحــرام‪ :‬مزولة بالمسجد‬ ‫الحرام‪ ،‬يقال لها ميزان الشمس‪ ،‬وهي من عمل‬ ‫الوزير الجواد‪ ،‬واسمه مكتوب في أعالها على‬ ‫اللوح النحاسي المعمول لمعرفة الوقت(‪ .((2‬ومن‬ ‫العصور المتأخرة يشير البتنوني إلــى مزولة‬ ‫المسجد الــحــرام بــقــولــه‪ :‬إن «شــيــخ المؤذنين‬ ‫أو الميقاتي يؤذن على قبة زمــزم‪ ،‬وفيها مزولة‬ ‫مثبتة في حائطها الجنوبي من عمل رجــل من‬ ‫مــراكــش أهــداهــا إلــى الــحــرم‪ ،‬وهــي فــي غاية‬ ‫الضبط واإلحكام‪ ،‬وعليها ميقاتهم في النهار»(‪،((2‬‬ ‫كما يذكر إبراهيم رفعت بــاشــا‪« :‬وفــي ســادس‬ ‫ذي الحجة سنة ‪1097‬ه ـــ وضــع الشيخ محمد‬

‫‪68‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ختاماً‪ ،‬يخلص هذا الموضوع إلى أن األمم منذ‬ ‫القدم قد أدركت أهمية الوقت في تنظيم شؤون‬ ‫حياتها‪ ،‬فوضعت التواريخ التي تضبط الوقت‪،‬‬ ‫وعندما جــاء اإلس ــام أكــد على أهمية الوقت‬ ‫فــي حياة المسلمين عــامــة‪ ،‬وارتــبــاطــه بشعائر‬ ‫العبادة خاصة‪ ،‬وقد خلق اهلل اإلنسان لعبادته‪،‬‬ ‫لهذا اهتمت الحضارة اإلسالمية بالوقت‪ ،‬ووضع‬ ‫الخليفة الــثــانــي عمر بــن الــخــطــاب رضــي اهلل‬ ‫التقويم اإلسالمي بالتاريخ الهجري ‪ ،‬واستفاد‬ ‫علماء الفلك من مباحثهم في علم الفلك في‬ ‫مجال تحديد الوقت وقادتهم أبحاثهم إلى وضع‬ ‫تقاويم الوقت‪ ،‬وتطوير االسطرالب والساعات‬ ‫الشمسية والمائية التي تحدد الوقت‪.‬‬ ‫والوقت هو نظام الحياة الرئيس‪ ،‬وكل إنسان‬ ‫يحتاج الوقت‪ ،‬وكل ما في الحياة مرتبط بالوقت‬ ‫ولكل شــيء عمراً موقوتا‪ ،‬ومــا ضــاع ســدى من‬ ‫الوقت لن يدرك أو يعوض بأي ثمن‪ .‬قال يحيى‬ ‫بن محمد هبيرة‪:‬‬

‫والـ ــوقـ ــت أنـ ـف ــس م ــا ع ـن ـيــت بـحـفـظــه‬ ‫وآراه أس ـ ـ ـهـ ـ ــل م ـ ـ ــا ع ـ ـل ـ ـيـ ــك ي ـض ـي ــع‬

‫محور خاص‬


‫* ‬ ‫(( (‬ ‫((( ‬ ‫(( (‬ ‫((( ‬ ‫((( ‬ ‫((( ‬ ‫((( ‬ ‫(( (‬ ‫((( ‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪( (1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪( (1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪( (2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪( (2‬‬ ‫(‪ ((3‬‬ ‫(‪( (3‬‬ ‫(‪ ((3‬‬

‫أكاديمي متخصص في اآلثار والحضارة اإلسالمية‪.‬‬ ‫محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت ‪1414‬هـ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،107‬ج‪ ،3‬ص‪.4‬‬ ‫محمــد بــن جريــر الطبــري‪ ،‬تاريــخ الرســل وامللــوك‪ ،‬ط‪ ،2‬دار التــراث‪ ،‬بيــروت‪1387 ،‬هـــ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .193‬شــمس‬ ‫الديــن أبــو املظفــر يوســف‪ ،‬مــرآة الزمــان يف تواريــخ األعيــان‪ ،‬دار الرســالة العلميــة‪ ،‬دمشــق‪1434 ،‬هـــ‪2913/‬م‪،‬‬ ‫ج‪ ،1‬ص ص‪.12-10‬‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬السور‪ :‬الفجر‪ ،‬اآليات‪ ،4 ،2-1:‬الضحى‪ ،‬اآليات‪ ،2-1:‬العصر‪ ،‬اآلية ‪ ،1:‬الليل‪ ،‬اآليات‪.2-1:‬‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.103:‬‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.197‬‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪189:‬‬ ‫حســن إبراهيــم حســن‪ ،‬تاريــخ اإلســام السياســي والدينــي والثقــايف واالجتماعــي‪ ،‬ط ‪( ،7‬د‪ .‬ن)‪( ،‬د‪ .‬م)‪،‬‬ ‫‪1964‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ص ‪.347-344‬‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.12:‬‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬سور يونس اآلية ‪.5:‬‬ ‫محمــد بــن جريــر الطبــري‪ ،‬تفســير الطبــري‪ ،‬حتقيــق عبــداهلل بــن عبــد احملســن التركــي‪ ،‬دار هجــر للطباعــة‬ ‫والنشــر‪( ،‬د‪ .‬م)‪1422 ،‬هـــ‪2001/‬م‪ ،‬ج‪ ،12‬ص ‪.119‬‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬سورة آل عمران‪ ،‬اآليات‪.191-190 :‬‬ ‫زيغريــد هونكــة‪ ،‬شــمس العــرب تســطع علــى الغــرب‪ ،‬ط‪ ،8‬ترجمــة‪ ،‬فــاروق بيضــون‪ ،‬كمــال دســوقي‪ ،‬دار اجليــل‪،‬‬ ‫بيــروت ‪1413‬هـــ‪1993/‬م‪ ،‬ص‪ ،130‬اآليــات ‪ 18-17‬مــن ســورة الغاشــية‪.‬‬ ‫غوســتاف لوبــون‪ ،‬حضــارة العــرب‪ ،‬ترجمــة عــادل زعيــر‪ ،‬عصيــر الكتــب للنشــر والتوزيــع‪( ،‬د‪ .‬ت)‪( ،‬د‪ .‬م)‪ ،‬ص‬ ‫ص ‪.395-394‬‬ ‫هونكة‪ ،‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ص‪.330‬‬ ‫هونكة‪ ،‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ص‪.313‬‬ ‫لوبون‪ ،‬حضارة العرب‪ ،‬ص‪.396‬‬ ‫لوبون‪ ،‬حضارة العرب‪ ،‬ص‪.400-396‬‬ ‫هونكة‪ ،‬شمس العرب تسطع الغرب‪ ،‬ص‪.138‬‬ ‫محمد كمال صدقي‪ ،‬معجم املصطلحات األثرية‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬الرياض‪1408 ،‬هـ‪1988/‬م‪ ،‬ص‪.367‬‬ ‫أنطــوان اجلميــل‪« ،‬كيــف نقيــس الزمــن؟» مجلــة الزهــور‪ ،‬دار صــادر‪ ،‬تصويــراً عــن مطبعــة املعــارف‪ ،‬مصــر‪،‬‬ ‫صــدرت مــن عــام ‪1913-1910‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.547‬‬ ‫جواد علي‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الساقي‪( ،‬د‪ .‬م) ‪1422‬هـ‪2001/‬م‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.56‬‬ ‫هونكة‪ ،‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ص ص ‪( 41-40‬بتصرف)‪.‬‬ ‫نقالً عن‪ :‬هونكة ‪ ،‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫أحمــد بــن يحيــى بــن فضــل اهلل العمــري‪ ،‬مســالك األبصــار يف ممالــك املصــار‪ ،‬املجمــع الثقــايف‪ ،‬أبــو ظبــي‪،‬‬ ‫‪1432‬هـــ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ص ‪.198-197‬‬ ‫العمــري‪ ،‬مســالك األمصــار‪ ،‬ص ‪ ،34‬مكتبــة الــوراق اإللكترونيــة ‪ ،alwaraq.net‬تاريــخ االســترجاع ‪12‬مــارس‬ ‫‪2021‬م‪.‬‬ ‫محمــد بــن عبــد اهلل اللواتــي الطنجــي‪ ،‬رحلــة ابــن بطوطــة‪ ،‬أكادمييــة اململكــة املغربيــة‪ ،‬الربــاط‪1417 ،‬هـــ‪ ،‬ج‪،4‬‬ ‫ص ‪.315‬‬ ‫خالــد محمــد عــزب‪« ،‬املنشــآت املائيــة يف العمــارة اإلســامية»‪ ،‬املنهــل‪ ،‬العــدد ‪ ،571‬العــام ‪ ،66‬شــوال ‪/‬ذي‬ ‫القعــدة ‪1421‬هـــ‪ /‬ينايــر‪ /‬فبرايــر‪ 2001‬م‪ ،‬مجلــد ‪ ،61‬ص ص ‪ .163-152‬خيــر الديــن بــن محمــود الزركلــي‪،‬‬ ‫األعــام‪ ،‬ط‪ ،15‬دار العلــم للماليــن‪ ،‬بيــروت‪2002 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.52‬‬ ‫محمــد بــن أحمــد تقــي الديــن الفاســي‪ ،‬شــفاء الغــرام بأخبــار البلــد احلــرام‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬بيــروت‪،‬‬ ‫‪1421‬هـــ‪2000/‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.321‬‬ ‫محمد لبيب البتنوني ‪ ،‬الرحلة احلجازية‪ ،‬ط‪( ،2‬د‪ .‬ن)‪( ،‬د‪ .‬م)‪1329 ،‬هـ‪.89 ،‬‬ ‫إبراهيــم رفعــت باشــا‪ ،‬مــرأة احلرمــن‪ ،‬ص ‪ ،137‬مكتبــة الــوراق اإللكترونيــة ‪ ،alwaraq.net‬تاريــخ االســترجاع‬ ‫‪12‬مــارس ‪2021‬م‪.‬‬ ‫الزركلي‪ ،‬األعالم‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.189‬‬ ‫الزركلي‪ ،‬األعالم‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.264‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪69‬‬


‫ذلك الجدا ُر‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الشجرة‬ ‫تلك‬ ‫■ هشام بن الشاوي*‬

‫عمر الصباحات قصير‪ ،‬لهذا أحرص على أن أنصب لها فخاخا كثيرة؛ أستيقظ‬ ‫برجل في منتصف العمر‪ ،‬يجتر بداوته الموؤدة‪ ..‬لعلها الوسيلة‬ ‫ٍ‬ ‫مبكرً ا‪ ،‬كما يليق‬ ‫الوحيدة لكي أعوّض العمر الذي تبخر فجأة‪ ،‬دون أن أدري؛ بهذه الفخاخ‪ ،‬أحاول‬ ‫أن أعيش نهارات أطول‪.‬‬ ‫تداعب شمس الخريف األرصفة والمباني في حنوّ‪ ،‬في صباح هذا األحد الرائق‪،‬‬ ‫ويسري بعض الدفء في أجساد‪ ،‬تنفض عنها ما تبقى من تعب نهاية األسبوع‪ .‬في‬ ‫طريقنا إلى سوق العصافير‪ ،‬قبالة مبنى المحكمة القديم‪ ،‬سألت صديقي هشام‬ ‫إن كان يعرف هذه األمكنة‪..‬‬ ‫ هل كنت تسكن هنا؟‬‫مع ذاته ومع العالم‪ .‬تناهت إلى مسامعنا‬ ‫ ال‪ ،‬كان يسكن هنا بعض زمالئي‪ ،‬أص ــوات الــبــاعــة ومــحــركــات الــدراجــات‬‫النارية صاخبة‪ ،‬متداخلة‪ ،‬أليفة وضاجة‬ ‫وكانت سيارة العمل تقلهم من هنا‪.‬‬ ‫بالحياة‪.‬‬ ‫ذهبنا ‪-‬أن ــا وهــشــام‪ -‬البــتــيــاع بعض‬ ‫دون مقدمات‪ ،‬بدأ الحاج العربي يحكي‬ ‫مستلزمات طيور الزينة‪ ،‬بينما راح جارنا‬ ‫ما عاين في المكان‪ ،‬قائال في حماسة‪:‬‬ ‫الحاج العربي لمقابلة قريب بجوار السوق‬ ‫ لو تأخرتما قليال‪ ،‬كنتما ستجدان‬‫القديم‪ .‬وفي طريق عودتنا‪ ،‬كان جارنا‬ ‫المتقاعد ينتظرنا على الرصيف‪ ،‬بقامته الشارع مقلوبا‪..‬‬ ‫وأطــلــق الــعــنــان لضحكه الطفولي‬ ‫الربعة ومالمحه التي تشي بأنه متصالح‬

‫‪70‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫المعهود‪ ،‬كما يليق برجل ستيني‪ ،‬ال تكدر صفو‬ ‫مزاجه مشاغل الحياة وإكراهاتها‪.‬‬

‫قلت له في لهجة اعتراض‪:‬‬

‫ هنا أيــضــا‪ ،‬مراهقون يتسامرون على‬‫رمى البائع الجائل ثيابه في عربدة‪ ،‬وشهر عتبات بيوت الجيران‪ ،‬ويقهقهون طوال الليل‪.‬‬ ‫سيفا‪ ،‬كــان يخفيه في صندوق‪ ،‬يقبع أسفل‬ ‫كنت أ ُلمِّح إلى ابنه المراهق صالح‪ ،‬الذي‬ ‫العربة اليدوية‪ ،‬في وجــه أحــد أفــراد قوات‬ ‫تشاجرت معه أكثر من مرة‪ ..‬يدع والده ينام‬ ‫عابئ بتوسالت‬ ‫األمن‪ ،‬متفوهً ا ببذاءاته‪ ،‬غير ٍ‬ ‫زمالئه‪ ،‬عندما حاول صاحب البذلة العسكرية فــي س ــام‪ ،‬ويــزعــج الــجــيــران‪ ..‬ونــكــايــة في‬ ‫بداوتي‪ ،‬قال الحاج العربي لهشام ضاحكا‪:‬‬ ‫قلب عربته‪ ،‬التي تعرقل حركة المرور‪.‬‬ ‫«إنهم يفعلونها في الشارع!»‪.‬‬ ‫كنت أرنو إلى البيوت مأخوذًا‪ ،‬كأنما زرت‬ ‫أحسست بوخزة‪ ،‬لُذتُ بالصمت‪.‬‬ ‫هذا المكان باألمس فقط‪.‬‬ ‫تداعى جدار الذكريات‪..‬‬ ‫عشرون عاما‪ ،‬مضت كومضة برق!‬ ‫في انتظار أن يعبر الحاج العربي الشارع‪،‬‬ ‫من مقعدي الخلفي في السيار ة‪ ،‬كنت أرنو‬ ‫إلى المنحدر‪ ،‬وفي قاعه يستكين جدار واطئ‪.‬‬ ‫قلت لهما بنبرة شجن طارئ‪« :‬في ذلك البيت‪،‬‬ ‫القابع على يــســار الــجــدار‪ ،‬هــنــاك‪ ،‬قضيت‬ ‫طفولتي‪ ،‬وفي هذه األزقة تسكعت كثيرا»‪.‬‬

‫على تــويــتــر‪ ،‬كنت أرم ــق ص ــورة مــن ريف‬ ‫نجران بحنين فائض‪ ،‬كمن يلقي نظرة أخيرة‬ ‫على مكان اعتدت عليه واعتاد علي‪ ..‬كمية‬ ‫هائلة مــن األحــاســيــس المبعثرة‪ ،‬المتعثرة‪،‬‬ ‫وفــوجــئــت بــأنــامــلــي تــداعــب شــاشــة الهاتف‬ ‫الصقيلة‪« : ‬نكلت بحنيني البدوي الباذخ تلك‬ ‫العربة المهملة‪ ،‬والتي ال يمكن االستغناء عنها‬ ‫بأي شكل من األشكال‪ ،‬إنها تواصل مهامها‪،‬‬ ‫هــنــاك‪ ..‬فــي «جــنــوب الـ ــروح»‪ ،‬بامتنان‪ ،‬وال‬ ‫تتقاعس عن أداء مآربها األخرى‪ :‬تسند فروع‬ ‫كرمة تين‪ ،‬تصلح مثوى لكلب يحرس البيت‬ ‫من الجهة الخلفية‪ ،‬يقيل تحتها الدجاج في‬ ‫الهجير‪.»...‬‬

‫بقعة النصراني‪ ،‬كانوا يسمونها‪ ،‬يقال إن‬ ‫صاحبها معمّر فرنسي‪ ،‬مات في بلده‪ ،‬وال أحد‬ ‫يعرف ورثته‪ ،‬ورفعًا للضرر المضاعف‪ ،‬اضطر‬ ‫أبي أن يطلب من البلدية أن تسمح له ببناء‬ ‫سور ‪ -‬من دون مالط ‪ -‬فاصل بيننا وبين بيت‬ ‫الجيران‪ ،‬حتى ال تتراكم القاذورات أمام بيتنا‪،‬‬ ‫وجــدار آخر‪ ،‬خلفي‪ ،‬مزود بباب‪ ،‬يحمينا من‬ ‫أذى كائنات الليل‪.‬‬

‫صورة من ريف نجران‬

‫استرسل الحاج العربي في هجاء األحياء‬ ‫الشعبية‪ ،‬وامتدح العيش في األحياء الجديدة‪،‬‬ ‫التي تخلو من الغوغاء‪ ،‬الذين ينامون نهارا‪،‬‬ ‫أس كل مشاكل المدينة!‬ ‫ويعربدن ليال‪ ..‬البدو‪ّ ،‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪71‬‬


‫مــن خلف الــجــدار األمــامــي‪ ،‬كــانــت تلوح تضيئها قهقهة أمل مشاغب»(((‪.‬‬

‫أغصان شجرة تين هرمة‪ ،‬كانت هذه البقعة‬ ‫صاح هشام في ابتهاج‪ ،‬وهو يوجه كالمه‬ ‫المهجورة‪ ،‬بمثابة حديقة سرية‪ ،‬يزرع فيها أبي‬ ‫بعض الخضراوات‪ ،‬وأحيانا‪ ،‬نضع فيها بعض إلى جارنا باسمًا‪:‬‬ ‫سقط المتاع‪ ،‬الذي يتكدس في ركن ما فوق‬ ‫ الحاج العربي‪ ،‬إذا كنت تريد الهدوء‪،‬‬‫أغلب أسطح هذه البيوت‪ ،‬ومثل عاصفة‪ ،‬كنت ابــحــث لــك عــن مــكــان‪ ،‬ال تسمع فــيــه ســوى‬ ‫أهرع لجلب البيض‪ ،‬عند سماع تلك القأقأة شقشقات العصافير‪ ،‬وحفيف أوراق الشجر‪.‬‬ ‫المميزة‪ .‬تتهلل أساريري بشرًا‪ ،‬وأنا أتحسس‬ ‫قبل انطالق السيارة‪ ،‬أشــار الحاج بيده‪،‬‬ ‫دفء البيضة الجديدة‪.‬‬ ‫ناحية ن ـ ّبــاش مستنكرا‪« :‬انــظــر إلــيــه‪ ،‬مــاذا‬ ‫الجدار واطئ‪ ،‬تقادم طالؤه‪ ،‬بعد أن أهمل‬ ‫يــفــعــل؟!»‪ ،‬كــان الــرجــل الكهل‪ ،‬ذو المالبس‬ ‫السكان الجدد أن يجددوا طــاءه الجيري‪،‬‬ ‫الرثة‪ ،‬التي تفوح منها رائحة تزكم األنــوف‪،‬‬ ‫تعلوه قطع زج ــاج مــدبــبــة‪ ،‬بــألــوان مختلفة‪،‬‬ ‫تحرس خرابًا بشعًا‪ ،‬يستكين خلف الجدار‪ ،‬يعبث بأكياس القمامة‪ ،‬بحثًا عما يس ّد به رمق‬ ‫بينما اختفت عن مرمى البصر شجرة التين‪ .‬أنعامه‪ ،‬ركل األكياس في حنق‪ ،‬تناثرت األزبال‬ ‫فــوق الرصيف‪ ،‬وعلى قــارعــة الطريق‪ ،‬قفز‬ ‫‪.........................‬‬ ‫الكهل إلى عربته‪ ،‬بحركة رشيقة‪ ،‬وخز البغل‬ ‫‪.........................‬‬ ‫األعجف‪ ،‬وهو يلعن أسالف دابته‪ .‬ندت عني‬ ‫شيء ما يتهاوى في أعماقي‬ ‫آهة‪ ،‬مكتومة‪ ،‬وسمعت الحاج العربي‪ ،‬يصرخ‪:‬‬ ‫«هؤالء البدو‪ ..‬همج‪ .‬لماذا يتركونهم يتجولون‬ ‫مالمحي تفضحني‪...‬‬ ‫في شوارع المدينة ؟!»‪.‬‬ ‫سألني هشام‪:‬‬ ‫التقت النظرات‪ ..‬لم تكن مالمح الرجل‬ ‫ ما بك؟ لست على ما يرام!‬‫غريبة عني‪ ،‬بعد أن غــزت التجاعيد وجهًا‬ ‫غمغمت في أسى‪ ،‬وأنا أزفر فتات كبدي‪:‬‬ ‫لفحته الشمس‪ .‬لم أره منذ سنوات‪ ،‬بعد أن‬ ‫«ال شيء‪ ،‬أنا بخير‪ ،‬يا صديقي»‪.‬‬ ‫هجرت مهنتي األولى‪ ،‬التي يحترفها ‪ -‬عادة‪-‬‬ ‫«ممتلئا بخساراتي؛‬ ‫رجال يأتون من خلف حقول جرداء عطشى‪،‬‬ ‫لن أدع الدموع ترتق لي حتفي‪،‬‬ ‫كان يعمل مع أبي‪ ،‬وهو من علمني أبجديات‬ ‫لــن تتعثر جثتي وه ــي تـقــع مــن بـيــن يــدي‬ ‫النجارة المسلحة‪ .‬دون أن أدري‪ ،‬ألفيتني أشيح‬ ‫المباالتي‪،‬‬ ‫بوجهي عنه‪ ،‬فرفع يــده ضاحكا‪ ،‬وهــو يغمز‬ ‫أنا سبب انكساري‪،‬‬ ‫بعينه‪ ،‬غرقت في بحيرة حرج مفاجئ‪ ،‬تصبب‬ ‫وأنا هزيمتي‪،‬‬ ‫جسدي عرقًا‪ ،‬بينما استسلم الحاج العربي‬ ‫أنا كل ما فعله الحلم المغشوش بي‪،‬‬ ‫ال أذكــر شيئا مني وال أذكــر أن لــي صباحا لضحكه الطفولي المعهود‪ ،‬وبدأ وجهه يتورد‪،‬‬ ‫وعيناه تدمعان‪.‬‬ ‫ينفتح شرفة‬ ‫* كاتب ‪ -‬املغرب‪.‬‬ ‫((( مقطع من قصيدة‪« : ‬شبهات»‪ ،‬عبدالوهاب امللوح‪. https://alqabas.com/article/5843953 ،‬‬

‫‪72‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫إنسان‬ ‫ٌ‬ ‫جديد‬ ‫ٌ‬

‫شخصا بــائـ ًـســا في‬ ‫ً‬ ‫تـكـوّر مثل قـنـفـ ٍـذ‪ ..‬بــدا‬ ‫بؤسا‪ ،‬تسلّقت التعاسة جدار قلبه‬ ‫عالم أشدُّ ً‬ ‫على الـضــوء الــواهــن‪ ،‬تــراقـصــت ظــال الدكة‬ ‫الخشبية بحصيرها المهترئ على صفحة‬ ‫ال ـج ــدار الـطـيـنــي‪ ،‬وج ــاء الــزيــر يـحـمــل خبوه‬ ‫وطحالبه ليشاركها الــرقــص‪ .‬لــم يـفــارقــه ما‬ ‫رجاء عبداحلكيم الفولى*‬ ‫حــدث عصر ذلــك الـيــوم فــي ملعب المدرسة‪،‬‬ ‫حـيــث أح ــرز هــدفً ــا فــي شـبـكــة ال ـخ ـصــم‪ ..‬طــار‬ ‫فى الملعب مزهوً ا بنفسه‪ ،‬كأي منتصرٍ ‪ ،‬إال إن أحد أوالد الفريق المهزوم ألقى‬ ‫على سمعه بتلك الكليمات التي هوت به حدفً ا في ُج ِّب الهزيمة‪" :‬أنت ها‪ ..‬تطلع‬ ‫زي مين‪ ،‬روح شوف أبوك"! يتدحرج أبوه بقدميه الحافيتين وثوبه المهلهل إلى‬ ‫دكان (النيني)‪ ،‬يناوله زجاجة كل يوم يتجرّعها مرة واحده‪ ،‬ومن ثم يتخفف من‬ ‫ثوبه‪ ،‬ويسيل لعابه‪ ،‬فتصبح عورته مباحة للصغار ‪ ،‬الذين يطاردونه فى الشوارع‪،‬‬ ‫ويضربوه بكل ما يصل إلى أيديهم‪ ،‬وهم يهتفون‪" :‬المجنون أهو"‪.‬‬ ‫فى الصباح نفض عن قلبه أحــزان يقصده أن يتدحرج إليه! يشيّعه الغبار‬ ‫ليلته الماضية‪ .‬حمل حقيبته المدرسية‪ ،‬الكثيف‪ ،‬بينما تستلقي على يمينه أكوام‬ ‫سلك الطريق الذى يدخل البهجة إلى الزجاجات الفارغة المكسورة رقابها‪،‬‬ ‫قلبه‪ ،‬تأخذه المزروعات فى حضنها‪،‬‬ ‫شيّع نظراته إلى الدكان ثم ألقى عليه‬ ‫طويل ومريحً ا‪ .‬هناك عند‬ ‫ً‬ ‫تنفّس نفسً ا‬ ‫بصق ًة حملت كــل مــخــزون الكراهية‬ ‫الربوة لمح شب َح دكان النيني‪.‬من هنا‪،‬‬ ‫واالحــتــقــار‪ ،‬وه ــو يــحــثُّ الــخــطــى إلــى‬ ‫يقطع أبــوه الطريق إلــى دكــان النيني‪،‬‬ ‫تاجر الخمور‪ ،‬الــذى يقيم فى الجهة مدرسته‪ ،‬خاطب نفسه وعيناه تشعّان‬ ‫األخــرى من البلدة‪ .‬عليه أن ينزل إلى باألمل‪ :‬عليّ أن أصنع تاريخً ا لصغاري‬ ‫الخور‪ ،‬ال يدرى لماذا يتعيّن على كل مَن ال يعايرهم به الناس‪.‬‬ ‫* ‬

‫قاصة ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪73‬‬


‫هياكل‬ ‫■ عقل بن مناور الضميري*‬

‫«تشارمن»‪ ،‬العاملة الجديدة‪ ،‬خريجة اإلدارة الفندقية‪ ،‬لمنزل سعيد‬ ‫ِ‬ ‫وصلت‬ ‫حصة‪ ،‬بعد طول انتظار ومعاناة للعائلة جميعً ا‪ .‬فالمنزل كبير‪ ،‬وضيوف‬ ‫وزوجته ّ‬ ‫سعيد وزواره كثر‪.‬‬ ‫حصة‬ ‫فرحةُ األبـنــاء والبنات كبيرة بقدومها لمساعدة والدتهم‪ ،‬لكن سعادة ّ‬ ‫أكبر من الجميع‪ ،‬وحاجتها إليها أكثر‪ ،‬فبدأت منذ اليوم األول لوصول العاملة‬ ‫باالنسحاب والتخلّي عن جميع األدوار والواجبات المنزلية‪ ،‬وتحويلها للعاملة‬ ‫وحدها‪..‬‬ ‫تقول‪ :‬يكفي‪ ..‬تعبت‪ ،‬أريد الراحة‪..‬‬ ‫لست مستعدة للمزيد من هذا األلم‪..‬‬ ‫ولــســت أق ــل مــن صــديــقــاتــي‪ ،‬وال من‬ ‫أخواته‪ ،‬رغم أنها كانت تلحّ على زوجها‬ ‫باستقدام العاملة لمساعدتها في مهام‬ ‫ومتطلبات المنزل واألسرة‪.‬‬

‫إن حصة لم تستجب‪ ،‬ولم تناقش في هذه‬ ‫المسألة إال بالصراخ في وجه زوجها!‬ ‫وبالقول‪ :‬أال يكفيك كل ما عملت؟ أنا‬ ‫لست خادمة عندك‪ ،‬وأضافت‪ ..‬لعلمك‬ ‫ال يعجبني اسم «تشارمِ ن»‪ ،‬ولن أقبل به‪.‬‬ ‫‪ -‬لماذا؟ وماذا سيكون؟‬

‫حاول سعيد تذكيرها بطريقة غير‬ ‫ تدّعي أنك ال تعرف السبب!! خالص‬‫مباشرة بأن هذا ال يجوز‪ ،‬وال بد من‬ ‫منذ اليوم‪ ..‬اسمها سارة‪.‬‬ ‫مشاركة «تشارمِ ن» في بعض المهام‪،‬‬ ‫وعلى األقل لحين ظهور نتائج الفحص ‪ -‬يــعــنــي عــلــى كــيــفــك تــغــيــريــن اســم‬ ‫أخذت موافقتها؟‬ ‫ِ‬ ‫اآلدمية؟ وهل‬ ‫الطبي وسالمتها الصحية وتدريبها على‬ ‫مختلف األعمال المنزلية والمطبخ‪ ،‬إال ‪ -‬مــوافــقــتــهــا!! طــالــمــا هــي عــنــدنــا‪..‬‬

‫‪74‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫فاسمها سارة‪ ،‬وهذا أسهل لندائها‪ ،‬اسم‬ ‫ب ــدأت تفتر الــعــاقــات الــزوجــيــة وتمتد‬ ‫خفيف والئق عليها‪ ،‬حروف الم ّد أنسب القطيعة الصامتة بين سعيد وحصة ألسابيع‪،‬‬ ‫لمن نناديهم كل لحظة‪.‬‬ ‫وتزداد حاجتهما معًا لسارة‪ ،‬بل وحتى األوالد‬ ‫أراك أصبحت اعتمدوا عليها في مختلف شؤونهم‪.‬‬ ‫وأيضا ِ‬ ‫ً‬ ‫ ولماذا كل لحظة؟‬‫ومعان!!‬ ‫ٍ‬ ‫خبيرة أصوات ولغات‬ ‫حــاولــت حــصــة االســتــئــثــار بــوقــت ســارة‬

‫ نعم خبيرة بهذا وأكثر‪ ..‬ال تكثر الكالم‪ ،‬وخدماتها كاملة‪ ،‬وأخذها معها في زياراتها‬‫هي خادمتي‪ ،‬وأنا حرّة بها‪ ،‬وأنا بحثت التي زادت عن قبل‪ ،‬وفِ ي مشاويرها للسوق‪،‬‬ ‫عــن معنى اســمــهــا‪ ،‬فــوجــدت أن ــه غير إال إن سعيدًا كــان صــار ًمــا في هــذا األمر‬ ‫بشكل جعل زوجته تتنازل عن هذه الرغبة‬ ‫مناسب لنا‪.‬‬ ‫مُكرَهة‪.‬‬ ‫ ال لست حرّة بها‪ ،‬وهي ليست ملكًا ألحد‪،‬‬‫ومــع الــوقــت‪ ،‬أصبحت ســارة نفسها ال‬ ‫جاءت بعقد عمل ولها حقوق‪.‬‬ ‫تريد الخروج إلى تلك الزيارات التي ليست‬ ‫ وعليها واجبات‪.‬‬‫ســوى أعــبــاء إضــافــيــة فــي التنظيف وكــيّ‬ ‫ نعم عليها واجبات ضمن أوقات ونطاق المالبس‪ ،‬وصبغ شعر أخوات حصة وبناتهن‬‫واضح بالعقد‪.‬‬ ‫دون مقابل!‬ ‫ اسمع يا محامي الشغاالت‪ ،‬ال تتدخل‬‫كعادته‪ ،‬يتناول سعيد إفــطــاره بالمنزل‬ ‫بيننا‪ ،‬اتــرك ســارة لي‪ ،‬وال عليك‪ ،‬فقط‬ ‫دائمًا‪ ،‬ال كما يفعل معظم الموظفين الذين‬ ‫عليك آخر الشهر أن تدفع راتبها بانتظام‪.‬‬ ‫يطلبون إفــطــارهــم مــن مطاعم قريبة من‬ ‫ سارة إذاً!‬‫مكاتبهم‪ ،‬وقد اعتاد تناوله بالمطبخ حتى‬ ‫حصة قبل أن تكون لديهم عاملة‪ ،‬ولــذا فوجوده‬ ‫ نعم راتب الخادمة سارة‪ ،‬وتُت ْمتِم ّ‬‫على نفسها قــائــلــة‪ ..‬يحسبني هبلة‪ ..‬مع ســارة صباح كل يــوم‪ ،‬ال يثير أية ظنون‬ ‫أحسن‪ ،‬خلّك مقهور‪ ..‬وهذا الذي أريد‪ ..‬لدى زوجته‪ ،‬كما أنه اعتاد غسل الطبق بعد‬ ‫كل شغالة تجيني بعد اليوم ما لها اسم االنتهاء مــن األكــل بشكل روتيني وتربوي‬ ‫ألوالده منذ صغرهم‪ ،‬وهــذا العمل أصبح‬ ‫عندي غير سارة‪ ..‬على اسم أخته‪.‬‬ ‫مستفزًا لحصة‪ ،‬لــدرجــة أنــهــا تطلق على‬ ‫قبلت «تــشــارمِ ــن» اسمها الجديد فــورًا‬ ‫مسامعه عبارات مهينة‪ ،‬كالمساعد والمعاون‬ ‫وبفرح‪ ،‬ولَم تدرك تلك الحوارات الساخنة‬ ‫اللطيف‪.‬‬ ‫حــولــهــا‪ ،‬وال ال ــم ــراد مــن ه ــذه التسمية‪،‬‬ ‫احترامه لسارة وتعامله المهذب معها‬ ‫واندمجت بعملها المتنوّع والشامل والدائم‪،‬‬ ‫حتى قبل ظهور نتائج الفحص الــذي جاء وعدم تأخير راتبها الشهري جعلها تهتم به‬ ‫كثيرًا‪ ،‬وتفهم احتياجاته‪ ،‬وتقدمها دون طلب؛‬ ‫بنتيجة سليمة وصالحة للعمل‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪75‬‬


‫حصة كثيرًا‪ ،‬وما كان لها حصة تستقبل صديقاتها بالمنزل تقريبًا كل‬ ‫األمر الذي يغيظ ّ‬ ‫سوى المبالغة في تكليفها بأعمال طارئة مساء‪ ،‬وحتى ساعة متأخرة من الليل‪.‬‬ ‫بمجرد مالحظة انشغالها لخدمة سعيد‪.‬‬ ‫مضى على تلك الــحــال نحو السنتين‪،‬‬ ‫لم يواجه سعيد هــذه التصرفات سوى‬ ‫بالتجاهل‪ ،‬وهــذا ما زاد في حنق الزوجة‪،‬‬ ‫وكثرة صراخها حتى على أبسط المسائل‪ ،‬بل‬ ‫وحاولت تغيير سلوك أطفالها بعدم االهتمام‬ ‫بإعادة ترتيب غرفهم وغسيل األطباق بعد‬ ‫األكــل كما تــعــودوا‪ ،‬وأفهمتهم أن هــذا دور‬ ‫الخدم ال أهل المنزل!‬

‫هذه األعباء المتزايدة والطلبات الكثيرة‬ ‫ال يحلو لحصة إثارتها ومتابعتها اال بوجود‬ ‫سعيد وعلى مسمعه‪ ،‬فحاول الح ّد من هذه‬ ‫التجاوزات بالضغط على أوالده بااللتزام‬ ‫بما اعــتــادوا عليه من خدمة أنفسهم‪ ..‬ال‬ ‫االعتماد على غيرهم‪ ،‬فما كان من حصة‬ ‫إال ابتكار حيلة جــديــدة‪ ،‬تأخير إيقاظهم‬ ‫للمدرسة صباحً ا‪ ،‬فال يستطيعون القيام بأي‬ ‫من تلك المهام سواء بغرف النوم أو المطبخ‬ ‫بعد اإلفطار‪.‬‬

‫واستحقت ســارة إجازتها الــمــحـدّدة بعقد‬ ‫العمل‪ ،‬وهي خمسة وأربعون يوما‪ ،‬فأخبر‬ ‫أوالده بقرب سفر ســارة في إجــازة عادية‪،‬‬ ‫وهــذا ما لم تتوقعه حصة‪ ،‬فحاولت ثنيها‬ ‫عن ذلــك بالتأجيل واالغـــراءات بالتعويض‬ ‫النقدي وإعطائها إجازة أسبوعية‪ ،‬إال إنها‬ ‫أصرت على السفر بتشجيع من سعيد‪ ،‬وأنها‬ ‫ال تستطيع تأخير زيارة والديها‪ ،‬واشتياقها‬ ‫الكبير لطفليها الصغيرين‪.‬‬ ‫كانت العاملة تستحق شهرًا ونصف عن‬ ‫خدمتها السابقة‪ ،‬لكن سعيد قرّر لها إجازة‬ ‫ثالثة أشهر مدفوعة الراتب مقدمًا مع بعض‬ ‫الهدايا‪ ،‬وتبرع بأجرة الــوزن الزائد للعفش‬ ‫الــذي ستأخذه معها إلــى بالدها كتعويض‬ ‫عن التعسّ ف والعنت الكبير الذي تلقاه من‬ ‫زوجته‪.‬‬ ‫لكل تلك الرعاية والعطف تعلقت به كثيرًا‬ ‫وأخلصت له‪ ،‬وعرضت أن تعود قبل الثالثة‬ ‫أشهر؛ ألنها ال تريد أن يذهب لعمله بال‬ ‫إفطار‪ ،‬أو ال يجد مالبسه جاهزة ومرتبه‬ ‫كل صباح‪ ،‬لكنه رفض تقصير المدة وتغيير‬ ‫موعد حجز عودتها‪ ،‬وطمأنها بأنه سيقضي‬ ‫معظم هذه المدة بإجازة خارجية‪.‬‬

‫اضطر سعيد للح ّد من استقبال الضيوف‬ ‫في المنزل‪ ،‬واستبدال هذا األمر بدعوتهم‬ ‫ولقائهم في إحدى المقاهي أو الفنادق رأفة‬ ‫بالعاملة وإشفاقًا عليها من ساعات العمل‬ ‫اليومي الطويلة‪ ،‬وطلبًا للستر عمّا بدت‬ ‫مالمحه واضــحــة إلحــراجــه أم ــام ضيوفه‬ ‫بتعمد سوء الخدمة وتأخيرها بشكل ال يمكن‬ ‫تخف فرحتها‪ ،‬بل دعته وتمنت عليه‬ ‫ِ‬ ‫لم‬ ‫إخفاؤه‪.‬‬ ‫كثيرًا ألن يقضي إجازته في بلدها‪ ،‬ووعدته‬ ‫لــكــن الــراحــة لــم تــحــصــل‪ ،‬والــهــدف لم برحالت وزيارات ممتعة وبتكاليف محدودة‬ ‫يتحقق‪ ،‬بل ازداد الوضع سوءًا‪ ،‬إذ أصبحت جدًا‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫شكرها على الدعوة‪ ،‬ولَم يلتزم لها بوعد‪ ،‬للمصالحة مع زوجته‪ ،‬إال إنها أصرّت على‬ ‫ولكنه أكد لها إن أمكن ذلك فستكون هي أول تقديم اعتذار لها‪ -‬منه ومن سارة ‪ -‬عن كل‬ ‫ما حصل‪.‬‬ ‫مَن يعلم بذلك‪.‬‬ ‫لم يصدق سعيد أذنيه‪ ،‬ومَن الذي يتوجب‬ ‫غادرت سارة إلى بالدها وتركت وراءها‬ ‫بــي ـ ًتــا يــمــوج بــالــجــفــاف والــتــبــاعــد‪ ،‬وحتى عليه االعــتــذار‪ ،‬فانسحب دون ر ّد أو حتى‬ ‫التحديات الخارجة عن المألوف بين ساكنيه‪ .‬اهتمام‪.‬‬ ‫لــم يــمــض أســبــوع عــلــى الــمــغــادرة حتى‬ ‫بــدأت الرسائل واالتــصــاالت مع ســارة في‬ ‫أوقات ال تراعي فوارق التوقيت‪ ،‬وال توازي‬ ‫في منفعتها حتى قيمة المكالمة الدولية‪،‬‬ ‫لمجرد السؤال عن صابون غسالة األطباق‪،‬‬ ‫أو مقشّ ر البطاطس‪ ،‬وحتى مشط الشعر‬ ‫إلحدى البنات‪ ،‬ومع كل اتصال أو رسالة‪..‬‬ ‫تذكير أو رجاء بسرعة العودة‪.‬‬

‫ارتكبت سارة ‪-‬بحسن نية‪ -‬خطيئة كبيرة‬ ‫لم تحسب لها حسابًا وال تصورًا بما ستكون‬ ‫عليه الحال نتيجة لسؤال رأته عاديًا‪ ،‬لكنه‬ ‫كلّفها فــقــدان عملها واضــطــرابــات هائلة‬ ‫في هذا المنزل‪ ،‬بسبب إصرار حصة على‬ ‫طردها فورًا‪ ،‬وكان ذلك في مساء أحد األيام‪،‬‬ ‫وهي تقدم القهوة لسعيد بحضور زوجته‪ ،‬إذ‬ ‫التقت نظرات سارة بسيدتها حصة‪ ،‬وفجأة‬ ‫قالت سارة بابتسامة وبراءة‪ ،‬مدام‪ ..‬ما معنى‬ ‫حصة؟‬ ‫اسمك ّ‬

‫بعد ثالثة أسابيع غــادر سعيد ليقضي‬ ‫إجــازتــه السنوية وحــده على غير الــعــادة‪،‬‬ ‫ردت عليها‪ ..‬لماذا؟‬ ‫ودون أن يحدد لزوجته مدتها وال الجهات‬ ‫الــمــســتــهــدفــة؛ مــا خــلــق حــالــة مــن الــحــزن ‪ -‬فقط‪ ،‬خطر اآلن على بالي أعرف معنى‬ ‫والضياع‪ ،‬وحتى الخوف لدى حصة وأوالدها‪.‬‬ ‫اسمك مدام‪.‬‬ ‫تلك الحالة ألزمت الجميع‪ ،‬وإن كان بشكل ‪ -‬حصة تعني حصة‪ ،‬هذا اسم جيد‪ ،‬والكثير‬ ‫انفرادي‪ ،‬لمراجعة مسيرة الحياة والعالقات‬ ‫من البنات هنا يحملن هذا االسم‪.‬‬ ‫األسرية في هذا المنزل‪ ،‬وبالذات مع األب‬ ‫ يعني بدون معنى؟‬‫والعاملة‪ ،‬وطريقة اإلنــفــاق واألنانية التي‬ ‫ظهرت بشكل واضح لدى كل أفراد األسرة‪ - ،‬طيب لماذا تسألين؟‬ ‫وتصدع الكثير من القيم واألهداف الكبيرة ‪ -‬أريد أن أعرف وأقوله ألمي‪ ،‬إذ سألتني‬ ‫التي كانوا يحلمون بها لسنين طويلة‪ ،‬غير‬ ‫قبل ايّام‪.‬‬ ‫أنها لم تكن سوى مراجعة عابرة بال تغيرات ‪ -‬كــمــا قــلــت لــك هــو اس ــم حــلــو ومــعــروف‬ ‫ملموسة‪.‬‬ ‫عندهم‪ ،‬هكذا قولي ألمــك‪ .‬هنا تدخّ ل‬ ‫عادت سارة من إجازتها‪ ،‬وقبلها بأسبوعين‬ ‫عاد سعيد كذلك بنفسية أفضل واستعداد‬

‫نصوص‬

‫سعيد يوضح لسارة‪ ،‬وقــال حصة تعني‬ ‫جزء أو نصيب‪ ،‬ثم أضــاف باإلنجليزية‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪77‬‬


‫‪ ،Part or quota‬فضحكت سارة وهي تردد لسارة أن ال تأخذ انطباعً ا سلبيًا جدا عن‬ ‫كلمة ‪.part‬‬ ‫هذه البالد وكأنهم شواذ عن هذا العالم‪.‬‬ ‫حصة لهذا التفسير الذي رأت‬ ‫ ‪ -‬جُ نّ جنون ّ‬ ‫انتقاصا منها وخدشً ا لكرامتها أمام‬ ‫ً‬ ‫فيه‬ ‫العاملة‪ ،‬ورسالة ذات مغزى بأنها ليست‬ ‫كاملة‪ ،‬ولَم تترك كلمة في قاموس معرفتها‬ ‫بالسبّ والشتيمة إال وأطلقتها عليهما‪،‬‬ ‫مع إلقاء القهوة على ظهر سارة وحضن‬ ‫سعيد‪ ،‬ولعنتها وسعيد‪ ،‬واليوم الذي جاء‬ ‫بها‪" ،‬أنا جزء يا لئيم‪ ،‬أنا ‪ part‬لمن؟ ومن‬ ‫هو الجزء الثاني؟ ال تكون هذي الخدامة‬ ‫هي اللي تكمل لك النقص اللي فيك‪ ،‬أنا‬ ‫أكمل منك ومنها ومن أهلك يا ناقص‪ ،‬يا‬ ‫متعوس‪ ،‬يا خايب‪ ،‬متى عرفت الكمال؟‬ ‫مــع أمــك وأخــواتــك أو مــع الشغاالت؟؟‬ ‫اليوم تنقلع هــذي‪ ،‬واهلل لن تبات بهذا‬ ‫وافقت سارة على العرض‪ ،‬وانتقلت إلى أسرة‬ ‫البيت‪ ،‬يا أنا يا هي"‪.‬‬ ‫كبيرة تختلف عن بيئة بيت سعيد بشكل كامل‪،‬‬ ‫وانقلب البيت إلى ساحة معركة وإتالف إذ كانوا مُتطرفين جدًا في التزمُّت والنظر لكل‬ ‫لكل ما كان أمام حصة‪ ،‬وصراخ لم يتوقف جديد على أنه إما محرّم أو عيب كبير‪ ،‬حتى‬ ‫بشكل لم يسبق له مثيل‪.‬‬ ‫أن الزوج واألبناء ال يسمح لهم بالدخول إلى‬ ‫أخذ سعيد العاملة لمنزل والدته لحين منزلهم قبل اختفاء سارة عن األنظار‪ ،‬أو بقائها‬ ‫تدبّر األمــر‪ ،‬وبأمل هــدوء زوجته وتفسير في المطبخ ساعات طويلة دون عمل‪ ،‬لمجرد‬ ‫قصده من تلك الكلمة العابرة‪ ،‬والتي لم بقاء األســرة مجتمعة في صالة الجلوس‪ ،‬مع‬ ‫الفت على طلب القهوة‪ ،‬إذ عليها عمل‬ ‫إدمان ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يقصد منها أ ًيّا مما دار في ذهن زوجته؛ لكن‬ ‫كل محاوالته باءت بالفشل‪ ،‬وبقيا منفصلين‪ ،‬قهوة جديدة كل ساعة تقريبًا‪.‬‬

‫سعى بــسـرّيــة ألن يقنعها بالبحث عن‬ ‫فــرصــة عمل لــدى أس ــرة أخ ــرى الستغناء‬ ‫والــدتــه بعاملة سابقة لــديــهــا‪ ،‬مــع الوعد‬ ‫بإمكانية العودة لمنزل والدته متى شاءت‬ ‫إذا لم تتفق مع األسرة الجديدة‪ ،‬وحتى إنه‬ ‫يمكن تكرار التجربة مرة أو مرتين حتى تجد‬ ‫المكان المناسب‪ ،‬لم يستعجل في استقدام‬ ‫عاملة جديدة رغم تضخم معاناته وغياب‬ ‫كل الخدمات المنزلية‪ ،‬إذ إنه يريد ترويض‬ ‫زوجته أو تربيتها كما يقول‪ ،‬وكي ال تفسد‬ ‫أوالده‪ ،‬بل إنــه عدّها فرصة أو تهيئة لهم‬ ‫فعل خيار‬ ‫لالعتماد على أنفسهم حال تقر َر ً‬ ‫إقامتهم معه بدولة أخرى بعد التقاعد‪.‬‬

‫والقطيعة كاملة بينهما لمدة طويلة‪.‬‬ ‫لم تستطع تحمل هذا النمط من العالقة‬ ‫سيبلغ الحد األدنــى من الخدمة لطلب وظروف العمل المزري‪ ،‬فطلبت العودة لبيت‬ ‫التقاعد المبكّر بعد سنة‪ ،‬وعليه‪ ..‬قرر سعيد والدة سعيد‪.‬‬ ‫الهروب من هذا الجحيم‪ ،‬وقد درس تكاليف‬ ‫خالل أسبوعين‪ ،‬وجدت نفسها في بيت‬ ‫هــذا الــقــرار والبدائل المتاحة‪ ،‬لكنه أراد ثــالــث‪ ،‬تخدم سيدة كبيرة تعيش وحدها‪،‬‬

‫‪78‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫يــزورهــا أبناؤها وبناتها كــل مساء ومعهم الذي تشارك فيه‪.‬‬ ‫أطفالهم‪ ،‬لكنهم ال يــكــادون يتحدثون مع‬ ‫رحبت بهذا العرض‪ ،‬فاعتذرت من السيدة‬ ‫ً‬ ‫بعضهم‬ ‫بعضا وال مع والدتهم؛ النشغالهم المسنّة بالمغادرة‪ ،‬ورغم محاوالت السيدة‬ ‫المفرط بأجهزة الهواتف وتصويرهم لكل إبقاءها ومعرفة األسباب‪ ،‬إال إنها حصلت‬ ‫شيء‪ ،‬من األكل والشاي والفاكهة‪ ،‬حتى سارة على موافقتها بعد أن ألحّ ت عليها‪ ،‬وطلبت‬ ‫ت ّم تصويرها مئات المرات وهي تقدم األكل منها الحرص والــحــذر كثيرًا من الرجال‪،‬‬ ‫أو ترفعه أو تخدم والدتهم‪ ،‬وكل هذا دون قائلة‪ :‬لجمالك وأناقتك الالفتة والمغرية‬ ‫أدنى استئذان أو خجل!‬ ‫مخاطر ال تدركينها يا سارة‪.‬‬ ‫أرادت البقاء مع تلك السيدة؛ ألن تلك‬ ‫الــزيــارات الصامتة ‪-‬إال من زواجــر اآلبــاء‬ ‫ألطفالهم بين لحظة وأخ ــرى‪ -‬تنتهي بعد‬ ‫ســاعــة واح ــدة فــقــط‪ ،‬وألن الــراتــب تجاوز‬ ‫ضعف دخلها السابق لــدى سعيد‪ ،‬خاصة‬ ‫مع الهدايا واإلكراميات المستمرة من أبناء‬ ‫السيدة وبناتها‪ ،‬بما فيها بعض المشغوالت‬ ‫الذهبية‪ ،‬وشحن الجوال برصيد نقدي يفوق‬ ‫حاجتها‪ ،‬ومختلف الحلويات والمالبس؛ إال‬ ‫إن السيدة كانت كثيرة الشك‪ ،‬وال تريد لها‬ ‫أن تغيب لحظة واحدة عن ناظرها‪ ،‬وطول‬ ‫الــوقــت‪ ،‬بما في ذلــك إلزامها بالنوم معها‬ ‫في الغرفة نفسها! بدعوى الحرص عليها‬ ‫وحمايتها من األغراب‪.‬‬

‫ذُهــلــت س ــارة مــن نصائح هــذه السيدة‬ ‫وإشارتها لجمالها وفتنتها للرجال‪ ،‬فهذه أول‬ ‫مرة تسمع أحدًا يحدثها عن جمالها الذي لم‬ ‫تدركه سارة نفسها‪.‬‬ ‫فــكــرت بــرفــض الــعــرض والــبــقــاء لــدى‬ ‫سيدتها الحريصة عليها‪ ،‬خاصة أنها تحصل‬ ‫على دخل كبير‪ ،‬لكن التزام سعيد مع مالك‬ ‫المزرعة وعدم رغبتها إحراجه جعلها تؤكد‬ ‫للسيدة أنها ستعود إليها إذا وجــدت أي‬ ‫مخاطر أو خوف مما أوصتها وحذرتها منه‪،‬‬ ‫وقد أكدت لها السيدة ترحيبها متى عادت‬ ‫ورغبت‪.‬‬ ‫عالم المزرعة قلب حياتها رأسً ــا على‬ ‫عقب؛ إنتاج متنوّع‪ ،‬وعمل متجدد‪ ،‬ودخل‬ ‫ال محدود‪ ،‬وانشغال عن كل شيء آخر غير‬ ‫العمل‪ ،‬وقد بلغت مدخراتها خالل ستة أشهر‬ ‫ما يعادل السنتين والنصف التي قضتها‬ ‫بالعمل في هذه الغربة أو أكثر‪.‬‬

‫خجلت سارة من كثرة االنتقاالت‪ ،‬ولكنها‬ ‫اضطرت لشرح أوضاعها لسعيد دون أن‬ ‫تطلب منه البحث عن بيت آخر أو العودة‬ ‫إليه‪ ،‬لكن سعيدًا أراد لها هذا التنوّع في‬ ‫التجربة قصدًا ولغرض في نفسه‪ ،‬فما لبثت‬ ‫بعد نحو العام على هذا الوضع بكل تعبه‬ ‫أن تلقت اتصاال منه يفيدها بوجود أسرة‬ ‫تمتهن تربية الدواجن والعيش في مزرعة وعوائده وأحالمه بالثروة السريعة‪ ،‬حدثت‬ ‫كبيرة‪ ،‬وأنهم يقدمون لها راتـ ًبــا مع نسبة وف ــاة صــاحــب الــمــزرعــة بــحــادث مفاجئ‪،‬‬ ‫جيدة من قيمة مبيعات المزرعة واإلنتاج تــراخــت بــعــده هـ ّمــة الــورثــة‪ ،‬وق ـلّــت منافذ‬

‫نصوص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪79‬‬


‫التسويق والطلب؛ وبالتالي اإلنتاج‪ ،‬فأدركت ويؤكد لها اعتزازه بها كصديقة دائمة‪ ،‬وأنه‬ ‫أنه ال مجال للبقاء في تلك المزرعة لمدة سيقف معها في كل الظروف متى احتاجت‬ ‫أطول‪ ،‬رغم شغفها وارتباطها العميق بهذه ل ــه‪ ،‬وم ــذكــرًا لــهــا بأهمية فــكــرة الــكــتــاب‪،‬‬ ‫التجربة الثرية‪.‬‬ ‫والبدء السريع في العمل عليه‪ ،‬وقبل نسيان‬

‫لم يشأ سعيد تركها تبحث مرة أخرى عن المواقف والصعوبات واإلنجازات‪ ،‬وأسماء‬ ‫فرصة عمل بالخدمة المنزلية‪ ،‬إذ أصبحت األماكن‪ ،‬وكل ما يلزم إدراجه في الكتاب‪.‬‬ ‫هي أثرى من ذلك وأنضج‪ ،‬في تجربة يمكن‬ ‫قــدمــت «تــشــارمِ ــن» شــكــرهــا وتقديرها‬ ‫لها استثمارها هناك في بالدها‪ ،‬فاقترح‬ ‫ومحبتها الصادقة لسعيد وأسرته‪ ،‬ووعدته‬ ‫عليها العودة لبالدها‪ ،‬والتفرغ مد ًة لكتابة‬ ‫بشأن الكتاب إن تيسر إع ــداده وطباعته‪،‬‬ ‫مذكراتها وتجاربها المتنوعة في اغترابها‬ ‫فسيكون نصف عائدات بيعه من نصيبه‪،‬‬ ‫وطباعتها في كتاب‪ ،‬قائال‪ :‬أردت لك هذه‬ ‫ألنــه لــم يكن لديها كــل تلك التجربة لوال‬ ‫المهمة تحديدًا بعد مغادرتك منزلي‪ ،‬ستكون‬ ‫رعايته وحرصه الكبير عليها‪..‬‬ ‫تجربة ثرية‪ ،‬إذ ال أعلم مغتربًا من بالدكم‬ ‫رغم كثرتهم هنا قام بتسجيلها في كتاب‪ - ،‬أب ـ ـدًا ه ــذا جــهــدك وتــعــبــك‪ ،‬أتــمــنــى لك‬ ‫واقترح له عنوانًا «كنت في غربة»‪ ،‬ستجنين‬ ‫التوفيق وحياة سعيدة‪.‬‬ ‫منه الكثير يا سارة‪.‬‬ ‫وأمــام صالة المغادرة صافحته وشـدّت‬ ‫لكنها قالت‪ :‬بل كنت خادمة‪.‬‬ ‫على يده مودعة‪ ،‬مع القول‪:‬‬ ‫ال ال ليس هــكــذا‪ ..‬أريــدهــا ملهمة هنا‬ ‫وهناك‪ ،‬وكل رجائي أن تكون روايتك أمين ًة‬ ‫بال قسوة وال تشويه‪ ،‬فقالت بل سأكون مرآة‬ ‫عاكسة ال أكثر‪ ،‬وسأذكركم بخير وأردفــت‬ ‫ضاحكة‪ ..‬إن بحثتم عن شيء في المنزل ولَم‬ ‫تجدوه‪ ،‬فلن أتردد بإخباركم عنه‪.‬‬

‫أشكركم جميعًا‪ ،‬وبـلّــغ السيدة حصة‬

‫تحياتي وتوصيتي بإلحاح فقط أن تتواضع‪،‬‬ ‫وأعــدك بصدق بــأن ستكون أول من يقرأ‬

‫مــس ـوّدة الــكــتــاب لــتــوافــق عليه‪ ،‬وتتصدره‬

‫صفحة اإلهداء باسمك وحدك‪.‬‬

‫هــنــا‪ ،‬هــ ّم بتقبيلها وت ـ ــردّد‪ ،‬لكنها هي‬

‫رتــب سعيد تأشيرة السفر وحجز لها‬ ‫مقعدًا على إحدى رحالت شركات الطيران‬ ‫األولى‪..‬‬ ‫المغادرة لبالدها‪.‬‬ ‫‪ ..‬ومَن سيعلم غدًا؟‬ ‫اصطحبها للمطار ليودعها ويشكرها على‬ ‫تحملها لكل الصعوبات في بيته ومع أسرته‪،‬‬ ‫فهل ستكون األخيرة‪..‬؟!‬

‫بادرت‪ ..‬فعانقته بحرارة‪ ..‬وكان ذلك للمرة‬

‫* ‬

‫‪80‬‬

‫كاتب ‪-‬الجوف‪.‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫لست امراة عادية‬ ‫‪ρρ‬ليال الصوص*‬

‫لست امراة عادية‪،‬‬ ‫فحبل الكلمات ال يُ قطع بمقص الوقت‬ ‫حدث لونًا مختلفً ا من األحاسيس والصور‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫بل يحيك مع كل‬ ‫أنثى ترقص مع الحروف رقصة زوربا‪،‬‬ ‫في جنون المُ فردات؛ ما يحيلها لشهرزاد‬ ‫وجع‬ ‫وخلف كل حركات الكسرِ ألف ٍ‬ ‫أنثى في انتظار رجلها االستثنائي‪ ،‬القادم من خلف غمام الفرح‪..‬‬ ‫و عنقود الرغبة!‬ ‫فال بأس إن اعترفت من وقت آلخر بالخسارات الكبيرة‪،‬‬ ‫أمواج‬ ‫ٍ‬ ‫فأنا حالمةٌ في طبيعة الحال‪ ،‬مزاجي يعدله كوب قهوة ومشهد‬ ‫تتكسر‪..‬‬ ‫لكن من الطرف اآلخر‪ ،‬قد تجد في داخلي جنون العواصف‬ ‫خاضعة للتقييم المجتمعي‪ ،‬فــإن نـشــرت قصائد حـ ٍّـب يـقــال عني‬ ‫عاشقة!‬ ‫وإن أبديت رأ ًيا في السياسة‪ ،‬أتحول إلى منافقة‬ ‫مدمنة هذه الفترة لتفقد الوجوه الملثّمة بالكمامات الطبية‪،‬‬ ‫تثيرني هذه الحالة الجديدة؛ حين تضحي وجوه البشر عيونًا مشرعةً‬ ‫على الخوف والترقب‪..‬‬ ‫وألننا نسينا أو تناسينا لغة العيون‪ ،‬باتت النظرة تائهة‪ ،‬حتى األصوات‬ ‫كتمت بكلمة معلوكة‪..‬‬ ‫أحاول مزج وجوهٍ ‪ ..‬أعرفهم مع مارةٍ غرباء‪،‬‬ ‫أن أتخيل ابتسامتهم المشعّ ة من خلف قطعة القماش‬ ‫فربما أشعر باالنتماء‬ ‫فقد تاهت بنا السبل في وطن يلفظنا نحو منعطف الرحيل‪.‬‬ ‫وقلب يضجُّ بالحنين‪!..‬‬ ‫ٍ‬ ‫* شاعرة فلسطينية‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪81‬‬


‫ٌ‬ ‫شاغ َبة!‬ ‫ناي ُة‪َ ..‬م‬ ‫سافات ُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫الك َ‬ ‫‪ρρ‬فهد أبو حميد*‬

‫دت ل ـ ـ ــو أنَّ لـ ـ ـل ـ ـ ُّـصـ ـ ـب ـ ـ ِـح ال ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـ ِـد ِّي شَ ـ ـ ـ َف ـ ــه‬ ‫وَدِ ُ‬ ‫لـ ــمَ ـ ـيـ ــا َء ُت ــفْ ـ ـش ــي ُشـ ـ ـج ـ ــونَ ال ـ ــعُ ـ ــمْ ـ ــرِ دونَ سَ ـ ـ َف ــه‬ ‫َلـ ـ ـ ــرُ َّب ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا سَ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْـت (ل ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــاءُ ) هَ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َنـ ـ ــمَ ـ ـ ــةً‬ ‫وح مُ ـ ْـخـ ـ َت ــطَ ـ ـ َفـ ــه‬ ‫غَ ـ ـ ـي ـ ــبِ ـ ـ ـ َّي ـ ــةً ِم ـ ـ ـ ــنْ أقـ ـ ــاصـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ِ‬ ‫هَ ـ ـ ــلْ قُ ـ ـلـ ـ ُـت ل ـ ــمَ ـ ـ ـي ـ ــاءَ؟! خَ ـ ــوفـ ــي ِم ـ ـ ــنْ عَ ـ ــواذِ لِ ـ ـهـ ــا‬ ‫ـض ِصـ ـ َف ــه‬ ‫َي ـ ـخ ـ ـتـ ــا ُر ِم ـ ـ ــنْ سَ ـ ـ ـ َّل ـ ــةِ األس ـ ـ ـمـ ـ ــاءِ مَ ـ ـ ْـح ـ ـ َ‬ ‫ـاق َفـ ـل ــسَ ـ ـ َف ــةٌ‬ ‫هَ ـ ـ ـ ــلْ َي ـ ـ ـكـ ـ ـ ِـذ ُب ال ـ ــعِ ـ ـ ـش ـ ــقُ ؟! لِ ـ ـلـ ــعُ ـ ـ َّـشـ ـ ِ‬ ‫ـس َتـ ـ ـ َف ـ ــه‬ ‫ُتـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــازِ جُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ا َح إخـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا ًت ـ ـ ــا و َلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ْك فـ ـ ــي ال ـ ــعُ ـ ـ ـن ـ ــقُ ـ ــودِ مَ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ َلـ ـ ـ َب ـ ــةٌ ؟!‬ ‫أ َل ـ ـ ـ ـ ــمْ ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراوِ د َ‬ ‫ـات الـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــقِّ مُ ـ ـ ْـخـ ـ ـ َت ـ ــلِ ـ ـ ـ َف ـ ــه‬ ‫َبـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ــى‪ ..‬ألنَّ ِس ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات إلـ ــى‬ ‫َو أنـ ـ ـ ـ ـ ِـت ك ـ ــالـ ـ ـ َّلـ ـ ـح ـ ـ ِـن! َي ـ ـ ـج ـ ـ ـ َتـ ـ ــا ُز ال ـ ـ ـ ُّل ـ ـ ـغـ ـ ـ ِ‬ ‫ـول ال ـ ـ ــرَّ ي ـ ـ ـ ِـب مُ ــقْ ـ ـ َت ــطَ ـ ـ َف ــه‬ ‫أه ـ ـ ــزوجَ ـ ـ ــةٍ ِمـ ـ ـ ــنْ ُح ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـض ـ ـيـ ــن أوراقُ الـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــوى و َيـ ـ ـ ــدي‬ ‫َب ـ ـ ـيـ ـ ــنَ ال ـ ـ َّن ـ ـق ـ ـيـ ـ َ‬ ‫َت ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــدُّ َنـ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ـ َو َيـ ـ ـ ــراعـ ـ ـ ــي اآلنَ مُ ـ ـ ـ ْر َتـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ َفـ ـ ــه‬ ‫ـامـ ـ ـ ِـحـ ـ ــهِ‬ ‫أحـ ـ ـ ـ ُـشـ ـ ـ ــرُ َوج ـ ـ ـهـ ـ ــي فـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـف ْ‬ ‫إ ْذ َك ـ ـ ـيـ ـ ـ َ‬ ‫ات ف ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ــوزَةِ األض ـ ـ ـ ـ ـ ــدادِ مُ ــعْ ـ ـ َت ــكِ ـ ـ َف ــه‬ ‫و ال ـ ـ ـ ـ ـ ــذَّ ُ‬

‫‪82‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫ـراه ـ ـ ـ َبـ ـ ــةٍ‬ ‫و ال ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ْـحـ ـ ــرُ ر َْحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب بِ ـ ـ ـم ـ ــا َيـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ِ‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ــومَ ـ ـ ـ ــةٍ وعَ ـ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ٍـف مُ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ٍـغ أسَ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ــه‬ ‫َو الـ ـ ـ َّلـ ـ ـي ـ ــلُ مـ ـ ــا َل ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ُـت أرجـ ـ ـ ـ ــو فِ ـ ـ ـي ـ ــه س ـ ــانِ ـ ــحَ ـ ــةً‬ ‫َتـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ــودُ أو طـ ـ ــائِ ـ ـ ــفً ـ ـ ــا مُ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ْـشـ ـ ــرِ فً ـ ـ ــا شَ ـ ـ َغ ـ ـ َفـ ــه‬ ‫َو الـ ـ ِّـشـ ــعْ ـ ــرُ ؟! حَ ــتَّ ــى دَبِ ـ ـ ـي ـ ـ ُـب ال ـ ِّـش ــعْ ــرِ ف ــي أ َرق ـ ــي‬ ‫يُ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ــي إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَّ و َل ـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ــنْ طـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ ًـحـ ـ ـ ــا أ َنـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ــه‬ ‫اجـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـرَحَ ـ ـ ـ ـ ْـت‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ــأنَّ قـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ َة األقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ مـ ـ ـ ــا ْ‬ ‫عُ ـ ـ ـ ـرْفً ـ ـ ــا وال أرهَ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ ال ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ْرح ـ ـ ــالُ مَ ـ ـ ـ ــنْ عَ ـ ـ ـ َر َفـ ـ ــه‬ ‫أس ـ ـ ـعـ ـ ــى وغَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْغَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ُة األح ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــارِ َتـ ـ ْـحـ ـ ِـم ـ ـ ُل ـ ـنـ ــي‬ ‫إلـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ذاكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًة مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــروحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً خَ ـ ـ ـ ـ ــرِ َف ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫وأس ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ْـخـ ـ ـ ــرِ جُ األسـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا َء ِم ـ ـ ـ ــنْ غَ ـ ـ ـ َب ـ ـ ٍـش‬ ‫أسـ ـ ـع ـ ــى ْ‬ ‫أو َده ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ــةٍ بِ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ِـم الـ ـ ـ ـ َّـظـ ـ ـ ــنِّ مُ ـ ـل ـ ـ َتـ ـ ِـح ـ ـ َفـ ــه‬ ‫ـاب سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــورِ َي ـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬ ‫لِ ـ ـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ـ ــلِّ أن ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ــى نِ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫أو َنـ ـ ــغْ ـ ـ ــمَ ـ ـ ــةً ِمـ ـ ـ ـ ــنْ هَ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ٍـل غَ ـ ـ ـي ـ ــر مُ ـ ــعْ ـ ـ َتـ ــسَ ـ ـ َفـ ــه‬ ‫(ِ كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ أنـ ـ ـ ـث ـ ـ ــى) ! َف ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــلْ أد َر ْك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت مُ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــزِ ًل‬ ‫ـف ال ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ــاةِ يُ ـ ـ ـق ـ ــاس ـ ــي طـ ـ ـ ــارِ ًئـ ـ ـ ــا َنـ ــسَ ـ ـ َفـ ــه‬ ‫خَ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َ‬ ‫ـراح أ َت ـ ـ ــى‬ ‫ال َتـ ـ ـس ـ ــأل ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ــنْ حَ ـ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ـ ــيٍّ بِ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ِـجـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـضـ ـ ـ ِـمـ ـ ــرً ا هَ ـ ـ ـ َد َف ـ ــه‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَارِ َد ال ـ ــحَ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ِـف َيـ ـ ــومً ـ ـ ــا مُ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ـاس حَ ـ ـ ْتـ ــمً ـ ــا ِمـ ـ ـ ــنْ مُ ـ ـسـ ــاجَ ـ ـ َلـ ــةٍ‬ ‫سَ ـ ـ َيـ ــعْ ـ ــجَ ـ ـ ُـب الـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ُ‬ ‫وقُ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــةٍ َتـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ــغُ ال ـ ــمَ ـ ـ ـعـ ـ ـ َن ـ ــى بِ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـيـ ـ ــرِ شَ ـ ـ ـ َف ـ ــه‬ ‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪83‬‬


‫كغبطة أسرى تداهمهم بغتة الباب‬ ‫‪ρρ‬عبد الوهاب امللوح*‬

‫فيك‬ ‫غريك‪ ..‬أ ْو يُ وقدُ النَّار َ‬ ‫َ‬ ‫سوف يُ‬ ‫َ‬ ‫ما الذي‬ ‫َديك؛‬ ‫وال شي َء بين ي َ‬ ‫الوهم؛‬ ‫ِ‬ ‫مستقبل‬ ‫ِ‬ ‫تُمزِّق أوصالَ‬ ‫ها أنت تُنقذُ عُ ريَك من مرثِ يات الب َكَاء المَ جانِ ي‪،‬‬ ‫وكل دواعي الندمْ‪.‬‬ ‫عمرك‪ ،‬قهقهةً تركلُ االلتِ ياع‪َ َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وتُنقذُ‬ ‫وتصديق تغريبة الهذيان‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وتُحر ُِّف سيرته بسم ِّو التداعي‬ ‫ما الذي سوف يُ غريك في كل هذا‪:‬‬ ‫العويل‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫القطيع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اللهيط‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اللهاث‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الزحامِ ‪ ،‬الرمادِ ‪ ،‬الغبارِ ‪،‬‬ ‫هكذا أنت هاويةٌ في رؤاك‪،‬‬ ‫مقاسا لخَ طوِ ك‪ ،‬ترعى الخالء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تُعدُّ الطريق‬ ‫قليل الحياء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فتحرس أثداء أنثى تنام فريس َة ح ٍّر‬ ‫ُ‬ ‫وتحرس مستودعً ا لمخيَّلة الريح‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تُصغي لس ِّر الحصى وتخ ِّبئُه؛‬ ‫تتبادل والقمر الطائش شتم موعظة الشمس‪،‬‬ ‫يتشظى‬ ‫َّ‬ ‫من جهةٍ في التالشي‪ ،‬وأمزجةِ االحتفال بما‬ ‫تجيء كإيقاع أغنية غير مكتملةٍ ‪ ،‬كمشقَّ ِات مُ فردةٍ نالها صدأ الشعراء؛‬ ‫مباهجك الالمباليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫على موعد مع ما يتدفَّ ق من كائنات‬ ‫يتمجد خارجه؛‬ ‫َّ‬ ‫أنت معبدُ هذا الضالل وما‬ ‫ولك اآلن ِمنْحةُ عمرك من محنتِ ك الموجعة‬ ‫الضالل اللقيط‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫نبي‬ ‫يا َ‬ ‫لك اآلن أن تكتفي بك‬ ‫ها أنت ترتجلُ الوقت مختصرً ا كل ما سوف يأتي؛‬ ‫لك اآلن أن تحتفي بالفراغ كحفلةِ طيرٍ تباغت حزن السماء‪.‬‬ ‫كغبطة أسرى تداهمهم بغتة الباب‪،‬‬ ‫تأخذهم من أسى االنتظار وغ َّيَابة الفقد‪ ،‬تأخذهم حيث تُسعفهم غابةٌ بصباحاتها‬ ‫غد‪،‬‬ ‫بحواس ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ومساءاتها‪ ،‬وتعود حبيباتهم‬ ‫ال يعلٌّ ق وهمً ا على الشمس‬

‫‪84‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫تنهض فجرً ا يضيء عتمة ليل بال قمر‪.‬‬ ‫عبثً ا؛‬ ‫تعتق السجناء من الوهم‪ ،‬من فكرة الجدران؛‬ ‫عبثً ا؛‬ ‫تعتق الشعر من كذبة الشعراء‬ ‫عبثً ا؛‬ ‫تندم اآلن؛‬ ‫تمضي بهذا المساء إلى فرح تستعير كمنجاته توهُ جه؛‬ ‫من حنين بال رغبة‪ ،‬من يد الخذالن‪ ،‬من الندم القاسي‪ ،‬من عصا األعمى‪ ،‬من معاجم‬ ‫مرتجلي الهذيان‪.‬‬ ‫عبثا؛‬ ‫تقط ِع‪،‬‬ ‫ترتق األرق المتدفِّ ق بالعرق المُ ِّ‬ ‫بالنافذة‪،‬‬ ‫بشجاعة طفل حزين لقيط‪ ،‬يركِّب لعبته الحجرية‪ ،‬يمنح عائلة الريح أسماءه‪ ،‬ويديه‬ ‫التي ال يراها‪.‬‬ ‫أين تمضي بأيام عمرك؛‬ ‫تتركها للمجاز‪ ،‬تُبعثرها قهقهات معلَّبة‪ ،‬أو حدائق موجزة في خطى عاشقين يفران‬ ‫من أمل ال يعانق جرحهما‪.‬‬ ‫سوف تبتكر النهر أغنية للطريق‪.‬‬ ‫عبثً ا؛‬ ‫سوف تمضي بأيام عمرك‪،‬‬ ‫أي طريق هــذي؟ أي مصائر؟ أي حـتــوف‪ ،‬وأي صــاة تؤديها نــدمً ــا! وتؤكدها جبهة‬ ‫تكسر‪،‬‬ ‫الرأس أختام توبة رأس َّ‬ ‫لو كنت فوضى‬ ‫أسلمت عمرك دون مزادات علنية َ‬ ‫والمطر انفلت من كتاب السماء حمامً ا‪.‬‬ ‫ما الذي سوف يُ غريك؟‬ ‫ال شيء يُ غريك غير ضاللة روحك‪.‬‬ ‫* شاعر ‪ -‬تونس‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪85‬‬


‫الربيع‬ ‫َّ‬ ‫‪ρρ‬سامي أبو بدر*‬

‫هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ــرَّ بـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــعُ مُ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــانِ ـ ـ ـ ــقً ـ ـ ـ ــا أَزه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه‬ ‫ومُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرِّدً ا بـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َورَى أَشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه‬ ‫ـوق ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ــداوِ ل والـ ـ ـ ـ ــرُّ َبـ ـ ـ ـ ــى‬ ‫َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ و ُه شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ـداعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ــي َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ أَط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه‬ ‫ومُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـال َك ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـوْحَ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫واألرض َت ـ ـ ـ ــزهُ ـ ـ ـ ــو ب ـ ـ ــال ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِ‬ ‫ُ‬ ‫راحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ُتـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ــرُ فِ ـ ـ ـ ــي ا ْلـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـدَى أَسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا َر ْه‬ ‫ـاظـ ـ ـ ـ ــرِ ي‬ ‫واألُفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزدانٌ يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ــازلُ نـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ُت ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــوِ ي فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادِ ي ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ُه بِ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــا َرةْ‪..‬‬ ‫أنَّ الـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـس ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ َم أَقـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ْـت فـ ـ ـ ــي ِعـ ـ ـ ـط ـ ـ ــرِ هَ ـ ـ ــا‬ ‫ـص ـ ـ ـبـ ـ ــا أَمَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْة‬ ‫خَ ـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــى‪ ،‬و َنـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ــي بـ ـ ــالـ ـ ـ ِّ‬ ‫ـس خَ ـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـن لِ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ٍـم‬ ‫ـامـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫هَ ـ ـ ـ ـ ـ َّبـ ـ ـ ـ ـ ْـت ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـ ــنْ َب ـ ـ ـعـ ـ ــدُ ُي ـ ـ ـطـ ـ ـ ِـفـ ـ ــئُ فـ ـ ــي فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادِ يَ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َرهْ؟‬ ‫إال اب ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــاجُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِْج ف ـ ـ ـ ــي ُخ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫وكـ ـ ـ ــأ َّن ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ُح ـ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ ــنُ ا ْل ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك زَا َر ْه‬ ‫وإذا بِ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــدُ و ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــارَى ِس ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــرِ هِ‬ ‫اس ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــدَّ بـ ـ ـن ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـوَى فـ ـ ـ ـ ـ ـأَ َث ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه‬ ‫ح ـ ـ ــتَّ ـ ـ ــى ْ‬ ‫وض َتـ ـ ـ ـ ـأ ِْس ـ ـ ـ ــرُ ن ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـر َُب لِ ـ ـ ـل ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـدَى‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ُ‬ ‫طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَبَ الـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ِّنـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ــازفً ـ ـ ـ ـ ــا أَوت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه‬ ‫و َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَى الـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــادِ لَ َتـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َتـ ـ ــبِ ـ ـ ـيـ ـ ــنُ سَ ـ ــبِ ـ ـي ـ ـ َل ـ ـهـ ــا‬ ‫ـرسـ ـ ــلَ ف ـ ــي ال ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـرَى أَخـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ــا َرهْ‪..‬‬ ‫َت ـ ـمـ ـ ِـضـ ــي لِ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ف ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ َعـ ـ ــال ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــنَ ‪ ،‬ف ـ ـ ــمَ ـ ـ ــنْ يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردِّدُ خَ ـ ـ ْل ـ ـ َف ـ ـهـ ــا‬ ‫ـص ف ـ ــي ال ـ ـ ُّـض ـ ــحَ ـ ــى قِ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َثـ ـ ــا َرةْ؟‬ ‫شَ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ وً ا يُ ـ ـ ـ ــراقِ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ * شاعر ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫غياب‬ ‫‪ρρ‬د‪ .‬أحمد اللهيب*‬

‫كالريح في ارتقابها ينامُ حين يبسمُ السح ْر‬ ‫ِ‬ ‫العذاب‪ .‬‬ ‫ْ‬ ‫غياهب‬ ‫ِ‬ ‫وتشرقُ الغيومُ من‬ ‫وغاب‬ ‫ْ‬ ‫كان هنا‬ ‫مُ حمّ ًل بنغمةِ المط ْر‬ ‫التراب‬ ‫ْ‬ ‫يشتاقُ ه‬ ‫تغتالُه مالمحُ السف ْر‬ ‫السراب ينتظرْ‪ .‬‬ ‫ِ‬ ‫ومثقل بلوعةِ‬ ‫ً‬ ‫لإلياب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫جراحه‪ ،‬يحنّ‬ ‫ِ‬ ‫وعا َد من‬ ‫أنا هنا ونجمتان تسبحان في المط ْر‬ ‫مدامع القمرْ‪ .‬‬ ‫ِ‬ ‫تسكنان في‬ ‫ِ‬ ‫الحنين في محاجري‪ ،‬وحسرتان‬ ‫ِ‬ ‫ورهبةُ‬ ‫وما يزال بيننا‪ ..‬‬ ‫طريقنا مكسوّةٌ بوحشةِ األنينْ‬ ‫وفي مسامعي عواءْ ‪ .‬‬ ‫رحلت في متاهةٍ‬ ‫ُ‬ ‫وأينما‬ ‫يصيرُ ما حوتْ أناملي هباءْ‬ ‫لدي من مشاعرٍ‬ ‫جمعت ما ّ‬ ‫رتبتُ ها حزينهْ‪ ..‬زينتُ ها كسيرهْ‪ ..‬غلّفتُ ها أليمهْ‪.‬‬ ‫في التيهِ ‪ -‬يا حبيتي‪ -‬وهبتُ ها الفناءْ ‪.‬‬ ‫تحيطنا مواجعٌ تخثّرتْ‬ ‫خطوطها محمرّةٌ‬ ‫ُ‬ ‫ويسفرُ المساءُ صامتا‬ ‫جناحه كصرخةِ الضباب في الظال ْم‬ ‫ُ‬ ‫فيبرقُ الوجع‬ ‫يرقص في منابت الهباء‪ .‬‬ ‫ُ‬ ‫وحلمُ ليلتي‬ ‫القلوب مُ تعبهْ‪ ..‬وحيد ًة ومُ نهكهْ‪ ،‬يلفّ ها العناء‪ .‬‬ ‫ِ‬ ‫كفرحةٍ ‪ ..‬تجولُ في‬ ‫يا ليلةً مسكونة بسكرة الوهنْ‬ ‫قدمت من مشارف السؤال‬ ‫ُ‬ ‫وهاجس يلوح في مغيبه نداء‬ ‫ٍ‬ ‫يتيمة األمل‪ ‬‬ ‫روحي التي تذوب في الغياب‪.‬‬ ‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪87‬‬


‫ورؤية‪!..‬‬ ‫حلم‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫العال‪ ..‬بين ٍ‬ ‫‪ρρ‬عمر بوقاسم*‬

‫جبالها‪ ،‬جبالها ليست كجبال هذا العالم‪،..‬‬ ‫مدينة العال‪ ،!..‬نعم‪ ،‬جبالها‪ ،‬ليست كجبال هذا العالم‪،..‬‬ ‫جبالها كرحم األمهات‪ ،‬دفؤها يفوق دفء الشمس‪!..‬‬ ‫وكطائر العنقاء‪ ،‬ترافقك في "رحلة عبر الزمن"‪..‬‬ ‫طائر العنقاء‪ ،‬يصعد بك للسماء‪،..‬‬ ‫وجناحاه األخضران‪ ،‬هما األعوام وآالف األعوام‪!..‬‬ ‫تستظل بهما األودية والقرى والنجوم والرياح والرمال واألشجار‪!!..‬‬ ‫مدينة العال‪..‬‬ ‫أم الحضارات‪ ..‬أم الحياة‪ ..‬أم التاريخ‪..‬‬ ‫وبين حلم ورؤية‪،‬‬ ‫مدينة العال‬ ‫تتحرر من عنف المستحيل‪،‬‬ ‫تتحرر من غموض النقوش واألساطير‪،‬‬ ‫تتحرر ‪ ..‬تتحرر‪ ..‬وترافقك في "رحلة عبر الزمن"‪..‬‬ ‫* كاتب وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫سيرة من أدب االويغور‬ ‫ع الهوية بين الصين وشعب االويغور ‪:‬‬ ‫صرا ُ‬ ‫الروائية آشه ‪ :‬ال أعرف من أكون!*‬

‫■ ترجمة‪ :‬مي ممدوح‬

‫آشه‪ ،‬تنتمي لقومية األويغور‪ ،‬وتكتب باللغة الصينية‪ .‬ولدت في سبعينيات القرن‬ ‫الماضي في شينجيانغ‪ ،‬وتعيش اآلن في ينتشوان‪ ،‬وتعمل في مجال اإلعالم‪ ،‬وهي‬ ‫عضو اتحاد الكتاب الصينيين‪ .‬نشرت الرواية التاريخية «ووســون»‪ ،‬والمجموعة‬ ‫القصصية «العظام الراكضة»‪ ،‬و«األرض المعزولة»‪ ،‬والمجموعة النثرية «الفراشة‬ ‫البيضاء والفراشة السوداء»‪ ،‬و«أثر االرتطام»‪ .‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫لردح من الزمن‪ ،‬لم أكن أعرف‬ ‫حقيقة من أكون‬

‫اســتــحــالــت ه ــذه الــكــلــمــات المختلفة‬

‫ألرواح متباينة تتدلى من السقف‪ .‬كان‬ ‫ثقيل جراء إصابتي بنزلة برد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رأسي‬

‫صب به ماء الرصاص‪ .‬وفي‬ ‫فــي إح ــدى األمــســيــات بشتاء عام وكأنما قد ُ‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬كان ثمة ندوة أدبية توشك على الختام‪ ،‬وعلى حين غرة‪ ،‬كانت ثمة فقرة‬

‫االنتهاء‪ .‬وخــارج النافذة تتألأل نجوم تلخيصية حول لماذا أكون أنا بهويتي‬ ‫ليل حالك السواد‪ .‬ومع القائمة‪ ،‬غشيت الكلمات أُذُني وشدت‬ ‫الشتاء في ظالم ٍ‬ ‫اإلرهــاق البادي على وجــوه الحضور‪ ،‬أكثر أعصاب جسدي حساسية‪.‬‬

‫تشابكت المشاعر واألفــكــار‪ ،‬واختلط‬

‫حــلــل الــمــتــحــدث األســـبـــاب الــتــي‬

‫حــســن الــظــن بــســوئــه! وعـ ـ َّم الــتــرقــب؛ تجعلني أنا بماهيتي‪ ،‬بكونها تعود لصلة‬

‫وذل ــك‪ ،‬نــظ ـرًا للتواصل لــيــوم كــامــل‪ ..‬الدم التي تربطني بأمي‪ ،‬وكذلك لثقافة‬

‫ترجمة‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪89‬‬


‫نسبي األبوي‪.‬‬

‫تكوني‪ ،‬بينما أنـ ِـت ذاتـ ِـك ال تعرفي حقيقة‬

‫وعــلــى الــرغــم مــن ارتــجــالــه‪ ،‬فــقــد كــان هويتك‪ .‬ال بد وأن تضعي حدًا لهذا القلق‬ ‫التحليل في موضعه‪ ،‬وكذلك اتسم التفسير واإلحراج‪ ،‬وكذلك أن تنقذي نفسك من بين‬ ‫جسدك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بالعقالنية‪ .‬وفي تلك اللحظة‪ ،‬لمس «إدراكي براثن الذعر الــذي يهيمن على‬ ‫العقلي» دقــة المتحدث‪ ،‬كنت ممتنة حقًا يجب أن تتعرفي على نفسك قبل أن يتعرف‬ ‫عليك اآلخرون‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لــذلــك‪ .‬لــكــن فــي الــوقــت ذاتـ ــه‪ ،‬فــقــد شُ ــد‬ ‫«إدراكــي الحسي» ليصبح أشبه بحبل من‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الجلد ينضح عرقًا باردًا‪ ،‬ألعود على الفور‬ ‫عاد بي الزمن إلى أسالفي‬ ‫لـ «غوبي» مرتع طفولتي‪ ،‬فيعتريني الذهول‬ ‫لتوالي مثل هذه المشاهد أمام عيني‪.‬‬ ‫ففي خانة جنسية األم بسجل األســرة‪،‬‬

‫ال يمكن التشكيك فــي نية المتحدث كُتب األويغور‪ .‬بصرف النظر عن الماضي‬ ‫الطيبة‪ ،‬فهذا مجرد رد فعل فسيولوجي أو الحاضر‪ ،‬فتتمتع أمي بخصائص قومية‬ ‫فطري وبسيط لشخص ليس مستعدًا بعد يمكن معرفتها بمجرد النظر‪ .‬فجيناتها‬ ‫إلدراك هويته‪ .‬وفي لمح البصر‪ ،‬فلق الزمن الــبــيــولــوجــيــة والــثــقــافــيــة تــتــبــدى وإن لم‬ ‫كِ ـوّة‪ ،‬ورأيــت الضوء األبيض النقي يتراكم تتفوه ببنت شفة‪ ،‬من خالل بنيتها القوية‬ ‫ويسقط في اللحظة نفسها‪ ،‬ليشكل سقوطه والمميزة‪ ،‬وشعرها‪ ،‬وحاجبيها‪ ،‬وعينيها‪،‬‬ ‫أبيض ممتدًا‪ ،‬يتحرك ببطء نحو وحتى في شكل جسدها‪ .‬ومنذ أن كانت في‬ ‫َ‬ ‫طريقا‬ ‫قدمي‪ .‬بــات واضــحً ــا أن الوقت قد حان‪ .‬المدرسة اإلعدادية‪ ،‬كانت تتحدث الصينية‬ ‫وهكذا صار األمر واضحً ا وطبيعيًا‪ .‬يبدو بشكل طبيعي بصوت مجلجل‪ ،‬في المدرسة‪،‬‬ ‫أنني كنت بانتظار هذه اللحظة والتي بلغ والمكتب‪ ،‬والمنزل‪ ،‬والمطعم وفي حواراتها‬ ‫تأثري فيها أن نضح جلدي العرق البارد‪ ،‬القصيرة مع الجيران‪ .‬كان ذلك؛ ألن نصفها‬ ‫وهــو ما و ّلــد في داخلي شعورًا باالنزعاج اآلخر يعود لقومية هان‪.‬‬ ‫الشديد لتورطي في هــذا التأثر‪ ،‬وكذلك‬ ‫فــجــدي ألمـ ــي‪ ،‬رجـــل م ــن قــومــيــة هــان‬ ‫فجَّ َر بأعماقي تعطشً ا للتخلص من رد الفعل بشاندونغ‪ ،‬وقد شارك في حرب المقاومة‬ ‫الفسيولوجي هذا‪.‬‬ ‫ضد اليابان في صفوف جيش المتطوعين‬ ‫قلت لنفسي‪ ،‬أي نوع من االنزعاج ومن مــن شمال شرقي الصين‪ .‬وبعد الهزيمة‬ ‫التعطش هذا؟ إنه اإلحراج والقلق الشديد مــن الجيش الــيــابــانــي فــي معركة شرسة‬ ‫ـزك وأن ـ ِـت تــريْ ـ َن اآلخــريــن دارت رحاها في الفترة من ديسمبر ‪1932‬م‬ ‫الناتج عــن عــجـ ِ‬ ‫يشيرون بالتعرف على من تكوني أو من ال وحتى يناير ‪1933‬م‪ ،‬ودّع أكثر من ‪ 40‬ألف‬

‫‪90‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ترجمة‬


‫من جيش المتطوعين المناهضين لليابان‬ ‫وذويــهــم فــي الــجــزء الشرقي مــن مقاطعة‬ ‫جيلين وطنهم األم‪ ،‬وتراجعوا صوب االتحاد‬

‫السوفيتي‪ .‬كــان جــدي واحـ ـدًا مــن هــؤالء‪.‬‬

‫وبعد االنسحاب إلى االتحاد السوفيتي‪ ،‬نُزع‬

‫سالح جيش المتطوعين المُناوِ ئ لليابان‪،‬‬

‫وتمركزوا في إيركوتسك وتومسك‪ .‬ونظرًا‬ ‫للصعوبة المتزايدة بشأن الحصول على‬ ‫المؤن‪ ،‬توصلت الحكومة السوفيتية وحكومة‬

‫نانجينغ الوطنية خالل وقت قصير‪ ،‬التفاق‬

‫بشأن إرسال الالجئين المناهضين لليابان‬ ‫بما فيهم الجنراالت‪ ،‬والجنود وعائالتهم‬

‫طرق ثالثة‪ .‬تم توزيع جدي‬ ‫إلى الديار عبر ٍ‬ ‫لينضم للفريق الــعــائــد لــلــديــار مــن خالل‬

‫تاتشنغ بشينجيانغ عبر كازاخستان‪ ،‬ليعود‬ ‫بحد أقصى في أكتوبر عام ‪1933‬م‪ ،‬فدخل‬

‫شينجيانغ من االتحاد السوفيتي عبر نقطة‬ ‫التفتيش الحدودية باكتو‪ ،‬تــدرب بمدرسة‬

‫القائد شنغ شيكاي للشرطة‪ ،‬وانضم لمركز‬ ‫الشرطة بمحافظة كيلبين جنوب شينجيانغ‪،‬‬ ‫أول‪ ،‬ثم رئيسً ا باإلنابة‪ ،‬ولم‬ ‫عمل مفتشً ا ً‬

‫يغادر شينجيانغ قط طوال حياته‪ .‬وبعدما‬ ‫استقر بالمكان‪ ،‬أنجب جدي وامرأة محلية‬

‫من األويغور ابنته الوحيدة في شينجيانغ‪،‬‬ ‫كانت هي أمي‪.‬‬

‫ترفض أمي العودة لذكرياتها‪ .‬وبالنسبة‬

‫لــجــدي‪ ،‬يقتصر تعليقها اإليــجــابــي عليه‬

‫بكونه «مهيب الطلة‪ ،‬وطويل القامة‪ ،‬وشديد‬ ‫الوسامة‪ ،‬ويتحدث اللغة األويغورية بلسان‬

‫ترجمة‬

‫طلِق»‪ .‬أما غير ذلك‪ ،‬فيخرج من خالل بعض‬ ‫األحاديث غير المقصودة‪ ،‬إذ تتفلت بعض‬ ‫كلمات وعبارات منفصلة‪ .‬وبالطبع‪ ،‬هناك‬ ‫ذكرياتي الباهتة‪.‬‬ ‫الماضي أشبه ما يكون بالهاوية‪ ،‬ترفض‬ ‫أمــي االلتفات إليه؛ لــذا‪ ،‬فــإن جــدي‪ ،‬ذلك‬ ‫الرجل من شاندونغ يكمن داخلي‪ ،‬وبصرف‬ ‫النظر عن مظهره أو شخصيته‪ ،‬فهو دائمًا‬ ‫كومة من القطع ألملمها من هنا وهناك‪.‬‬ ‫بينما تَ َقبَّل جدي أسلوب حياة األويغور تمامًا‬ ‫كحقيقة واقعة‪.‬‬ ‫فــأنــجــب ذريــــة م ــن امـــــرأة أويــغــوريــة؛‬ ‫وانطلق لسانه باللغة األويغورية؛ كما كان‬ ‫يمسك بالسكين‪ ،‬ويتناول اللحوم بالطريقة‬ ‫األويغورية بكشطها من أعلى العظام نحو‬ ‫الــداخــل بحافة السكين؛ ولــم يــأكــل لحم‬ ‫الخنزير‪ ،‬واعتاد تدخين تبغ موخه‪ ،‬واحتساء‬ ‫شاي القرميد األســود؛ وصار بالكاد يذكر‬ ‫أقاربه في شاندونغ‪ ،‬فهو لم يلتقهم لمرة‬ ‫واحدة حتى وافته المنية‪ ،‬على الرغم من أن‬ ‫زوجته وابنته الكبري كانتا ال تزاالن هناك‪.‬‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪91‬‬


‫باللغة الصينية‪ ،‬فقد عكف على تعزيز‬ ‫جينات أمــي الثقافية والبيولوجية التي‬

‫تختلف عنه‪ ،‬ولطالما ظل ذلك لغزًا يحار‬ ‫فيه عقلي‪ ،‬ما السر في افتتان جدي سليل‬ ‫قومية هان باألويغور؟ ولم يُ َق ِّو أواصر عالقته‬

‫بهم؟ هل هضمه للغة األويغورية بما تنطوي‬ ‫عليه من ثراء وتمازج ثقافي يعود لرغبته في‬ ‫التعبير عن القرابة التي تجمعه باألويغور‪ ،‬أم‬

‫لتنبيه أمي باِغترابها عن الثقافة التقليدية‬ ‫األويــغــوريــة؟ أم أنــه يــود أن يستخدم اللغة‬

‫األويغورية كحبل سري إلبــراز عالقة الدم‬ ‫العميقة التي تجمع األب واالبنة‪ ،‬أو لمجرد‬

‫إحياء ذكرى مصيره االستثنائي والذي وهبه‬

‫قالت أمي‪ ،‬إنَّ أيامها الهانئة الوحيدة كانت فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة؟!‬ ‫في محافظة كيلبين‪ ،‬حيث الح للتو ذكريات‬ ‫بصرف النظر عن كيف دفع جدي والدتي‬ ‫العيش الرغيد لعائلتها آنذاك‪ .‬فتذكرت أن نحو أسالفها األويغور‪ ،‬فأنا اعتقد أنه عندما‬ ‫الحراس غالبًا ما كانوا يعتنون بها بينما يتجاذب األب واالبنة أطراف الحديث باللغة‬ ‫تمتطي حصان جدي طويل القامة وتلهو في األويغورية‪ ،‬فإن ما يدعم مثل هذه الحوارات‬ ‫الشارع‪.‬‬ ‫يكمن في عادات التفكير والعقلية الثقافية‬

‫تُعد اللغتان الصينية واألويغورية اللغتين لقومية هان بالسهول الوسطى‪ ،‬ونسبة تفوُّق‬ ‫األم لوالدتي‪ ،‬وقد أتمت ميراثها المشترك أي من الثقافتين على األخــرى ربما كانت‬ ‫بالنسبة لكلتا اللغتين‪ .‬لم يكن جدي يتواصل غير واضحة لكليهما‪ .‬وفي تلك اللحظات‪،‬‬ ‫مع أمي باللغة الصينية تقريبا‪ ،‬حتى بعدما لم يكن جــدي مــدر ًكــا لألمر‪ ،‬وكذلك أمي‬ ‫تزوجت وأنجبت‪ ،‬وأحضره أبي من كوتشار كــانــت تجهله‪ ،‬لكن الثقافتان ال بــد وأن‬ ‫للعيش بمنزلنا بسبب مرضه‪ ،‬لم يستطع تلتقيان وتتمازجان‪ ،‬فيتراكم تأثيرهما في‬ ‫كبح نفسه في ظل بعض اللحظات الخاصة أعماق وعــي أمــي يومًا بعد يــوم‪ ،‬ليقودها‬ ‫متمثل في‪:‬‬ ‫ً‬ ‫والحساسة من التحدث باللغة األويغورية‪ .‬في النهاية إلى خيارها الذاتي‪،‬‬ ‫كان والدي يُصر على التواصل مع أمي ما الذي ستُبقي عليه‪ ،‬وما الذي ستتركه‪،‬‬ ‫باللغة األويغورية رغــم أنها تعيش بالفعل لتتشكل ذاتها في النهاية كما ترتئيها‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ترجمة‬


‫كان الزمن وليس جدي هو ما قاد أمي ماذا أو مَن نمَّ ى داخلها فكرة التخفف من‬ ‫لمصيرها‪ ،‬والذي كان مشابهًا ً‬ ‫أيضا لمصير تقاليد األويغور؟ أو أن السبب يعود لعقلية‬ ‫معظم الناس في تلك الحقبة‪ .‬في البداية‪ ،‬المجموع؟ وكذلك الشعور بالوحدة والخوف‬ ‫لم تــدرك األم التي تعيش في ظل تقاليد لدى فتاة فقيرة‪ ،‬اختارت أن تجنح لغالبية‬ ‫األويــغــور أن نصفها العرقي اآلخــر ينتمي الجمهور‪ ،‬وكذلك نصفها اآلخر‪ ،‬والمتمثل‬ ‫لقومية هــان‪ ،‬وفــي ســنّ الــمــدرســة‪ ،‬جــاءت في عرق الهان؟ رفضت أمي التحدث بشأن‬ ‫عائلتها مــن كيلبين لتستقر فــي كوتشار‪ ،‬هذه األمور كلها‪ ،‬لكنها كانت تذكر بين الحين‬ ‫انغمس جدي في تعاطي األفيون‪ ،‬فتالشت واآلخر فجأة‪ ،‬والغضب يتملكها أن اآلخرين‬ ‫نقاط قوته‪ ،‬وازدادت حياتهم صعوبة؛ فقد قد دفعوها «للرقص» عند كل منعطف‪.‬‬ ‫أنفق كل مدخراته‪ ،‬وتحوّل لبيع ما لديهم‬ ‫غريب حقا! فأمي تحب موسيقى األويغور‬ ‫من مجوهرات‪ ،‬حتى وصل بهم األمــر إلى‬ ‫العوز للمأكل والملبس والمأوى‪ ،‬واالفتقار وترقص على أنغامها من صميم فؤادها‪،‬‬ ‫لألمان! كانت أمي في خضم تلك األحداث‪ ،‬فكلما تهادى لحن‪ ،‬ابتهجت وارتسمت السعادة‬ ‫تتجرع مرارة معاناة أسرة أويغورية محطمة على محياها والتمعت نظراتها‪ ،‬وكلما رأت‬ ‫خالل تلك الحقبة المضطربة‪ .‬لم تقل أمي الرقص الساحر للفتيات األويغوريات‪ ،‬تهز‬ ‫متى بدأت في تعلم اللغة الصينية‪ ،‬لكن ثمة كتفيها وتحرك رقبتها في لهفة‪ ،‬لكن عندما‬ ‫سبيل واضح بعض الشيء يبدأ من مغادرتها اتخذت قرار النأي عن التقاليد األويغورية‪،‬‬ ‫كوتشار نحو يانتشي لاللتحاق بالمدرسة ب ــررت لنفسها األم ــر بــدفــع اآلخــريــن لها‬ ‫لــلــرقــص عــنــد كــل منعطف‪ .‬رفضت أمــي‬ ‫اإلعدادية‪.‬‬ ‫كانت تلك مدرسة صينية‪ ،‬فخطت أمي اإلفصاح عن مقصودها‪ ،‬وبالطبع لم يكن‬ ‫أولى خطواتها نحو التباعد التدريجي عن بمقدوري الضغط عليها‪ .‬فتتبع ذكريات أو‬ ‫التقاليد األويــغــوريــة‪ ،‬حيث تع َّي َن أن يبدأ أســرار اآلخرين المستترة‪ ،‬بصرف النظر‬ ‫االخــتــاف األب ــرز هــنــا‪ .‬البيئة هــي دائـ ًمــا عن الغرض من وراء ذلــك‪ ،‬هو ضــربٌ من‬ ‫سبيل الثقافة للتغيير الجيني‪ ،‬فالبشر ضروب الهمجية والقسوة‪ ،‬ناهيك عن كونها‬ ‫كسائر األنواع األخرى‪ ،‬غالبًا ما يستخدمون أمــي‪ .‬األم واالبنة مقترنان قلبيًا‪ ،‬يمكنني‬ ‫التباين للتغلب على الصعوبات والعقبات أن أشعر بما ينطوي عليه قلبها من فخر‬ ‫على المستويين البيولوجي والثقافي‪ .‬لكن‪ ،‬واعتزاز بطبيعتها‪ ،‬وهذا االعتزاز المقرون‬ ‫ما التجارب التي مرت بها أمي بالمدرسة؟ بالفخر هو مبعث فخرها ومكمن خجلها‪.‬‬ ‫* نقال عن جريدة أكتوبر األدبية ‪ -‬الصين‪.‬‬

‫ترجمة‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪93‬‬


‫أحمد فضل شبلول‬ ‫للفن‬ ‫الفن‬ ‫لست من أنصار مذهب‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫أحمد فضل شبلول‪ ،‬أديـ ٌـب كبيرٌ ‪ ،‬صاحب ذاتيةٍ‬ ‫أدبيةٍ زاخــرة‪ ،‬فقد أصــدر أكثر من ستين مؤلفً ا‪،‬‬ ‫ومــا يــزال يمارس األدب عن حب وقناعة‪ ،‬وبكل‬ ‫نشاط وحيوية‪ ،‬عمل بالصحافة‪ ،‬وكتب الشعر‬ ‫ـات نقديةٍ‬ ‫للكبار واألط ـف ــال‪ ،‬كما أسـهــم إسـهــامـ ٍ‬ ‫الفـتــةٍ بجانب دوره اإلب ــداع ــي‪ ،‬وأع ــد الـعــديــد من‬ ‫المعاجم التي تفتقدها المكتبة العربية‪ ،‬وهو يعمل‬ ‫حاليًا على إعداد معجم لشعراء األطفال‪ ،‬وقد دخل عالم‬ ‫الرواية مؤخرً ا‪ ،‬وحصل على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة‬ ‫التشجيعية في مجال شعر األطفال‪ ،‬ثم حصل على جائزة الدولة للتفوّق‪ ،‬وكان‬ ‫لنا معه هذا الحوار‪:‬ـ‬ ‫■ حاوره‪ :‬ياسر الششتاوي ‪ -‬شاعر وروائي‬

‫‪94‬‬

‫ ¦كيف كانت بداياتك مع الشعر؟ وفي‬ ‫أي سن بدأت كتابة أول قصيدة؟‬

‫ذل ـ ــك ال ــوق ــت‬

‫‪ρ ρ‬بدأت في سن مبكرة‪ ،‬وأنا في المرحلة‬ ‫اإلعدادية‪ ،‬كنت أكتب كلمات متراصة‪،‬‬ ‫بها الكثير من السجع‪ ،‬والكثير من‬ ‫الــخــلــط بــيــن الــعــامــيــة والــفــصــحــى‪،‬‬ ‫وبين األغــانــي التي كنا نسمعها في‬

‫وبـ ـ ــخـ ـ ــاصـ ـ ــة‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ف ــي الـــراديـــو‪،‬‬

‫أغـــــــــــانـــــــــــي‬

‫عــبــدالــحــلــيــم‬

‫حـ ــافـ ــظ‪ ،‬وم ــا‬

‫ن ــدرس ــه م ــن شــعــر ف ــي الــمــدرســة‪،‬‬

‫مواجهات‬


‫وكنت أحــاول تقليد ما أسمعه في حلقات‬ ‫وحكايات "ألــف ليلة وليلة"‪ ،‬التي نستمع‬ ‫إليها جميعًا فــي إذاع ــة البرنامج العام‪،‬‬ ‫ولفتني كثيرًا السجع والكلمات المقفّاة‬ ‫فــي الــحــكــايــات‪ ،‬وكــنــت أحـــاول تقليدها‪،‬‬ ‫وعــرضــت مــا أكــتــبــه عــلــى مـ ــدرس اللغة‬ ‫العربية بمدرسة العطارين اإلعدادية‪ ،‬فكان‬ ‫يشجعني وينصحني أال أخلط بين العامية‬ ‫والفصحى‪ ،‬لكنه كــان يشيد بخيالي في‬ ‫الكتابة‪ ،‬وحاول أن يوجهني للقراءة خارج ما‬ ‫ندرسه في المدرسة‪ ،‬كما نصحني بالذهاب‬ ‫إلى قصور الثقافة‪ ،‬التي أخــذتُ أرتادها‬ ‫يوميًا بعد ذلك‪ ،‬وأستفيد بالنشاط المشتعل‬ ‫فيها‪ ،‬وبخاصة قصر ثقافة الحرية‪ ،‬الذي‬ ‫كان يعد القصر األم في مدينة اإلسكندرية‪.‬‬ ‫وشيئًا فشيئًا بــدأت أكتب شعرًا صحيح‬ ‫اللغة والوزن بعد أن درست عروض الشعر‬ ‫العربي وجماليات الشعر العربي‪ ،‬وبدأت‬ ‫أرسل ما أكتبه للمجالت والجرائد‪ ،‬فكان‬ ‫ينشر أحيانًا في بريد القراء‪ ،‬وأحيانًا ال‬ ‫ينشر‪ ،‬إلى أن فوجئت بأنَّ الشاعر الكبير‬ ‫فؤاد حداد ينشر لي قصيدة كاملة في مجلة‬ ‫"صباح الخير"‪ ،‬إذ كان يشرف على باب "قال‬ ‫الشاعر"‪ ،‬بعد أن كان ينشر مقتطفات مما‬ ‫أنشره في بريد القراء‪ .‬وأقــول في مطلع‬ ‫تلك القصيدة‪:‬‬

‫قلبيَ نيل‬ ‫همسات نبي‬ ‫ُ‬ ‫وشفاهي‬ ‫وحروفي قنديلٌ للفقراء‬ ‫فكيف الصمت؟‬

‫نفسي‪ ،‬قــررت كتابة شعر التفعيلة الذي‬ ‫وجدته آنذاك أكثر رحابة وأكثر قدرة على‬ ‫حمل ما أود التعبير عنه‪ ،‬وما أريد طرحه‬ ‫ومعان‪ ،‬ثم رجعت بعد ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫من صور وأفكار‬ ‫إلــى العمودي في قصائد قليلة فرضتها‬ ‫التجربة والحالة‪ ،‬ولكنها كانت أكثر نضجً ا‬ ‫وتماسكًا من قصائد البدايات‪.‬‬ ‫ثم بــدأت أشــارك في األمسيات الشعرية‬ ‫بقصر ثقافة الحرية‪ ،‬والمهرجانات التي‬ ‫كانت تقام في المناسبات المختلفة‪ ،‬وبدأت‬ ‫أنشر شعري فــي المجالت المهمة بعد‬ ‫تجربة "صباح الخير"‪ ،‬وبخاصة في مجلة‬ ‫"الكاتب" التي كان يرأس تحريرها الشاعر‬ ‫الكبير صالح عبدالصبور‪ ،‬ويدير تحريرها‬ ‫الــنــاقــد الــكــبــيــر د‪ .‬عــلــي شــلــش‪ ،‬ومجلة‬ ‫"الجديد" التي كان يرأس تحريرها الدكتور‬ ‫رشاد رشدي‪.‬‬

‫ ¦هل هناك َمــن ساعدك في بداية طريقك‬ ‫مع الشعر؟‬ ‫وعــاصــرت وقتها الــحــرب المشتعلة بين‬ ‫الشعر العمودي والشعر التفعيلي‪ ،‬وبعد ‪ρ ρ‬بطبيعة الحال‪ ،‬ساعدني شعراء اإلسكندرية‬ ‫عندما بدأت أتردد على قصر ثقافة الحرية‪،‬‬ ‫نــصــوص عمودية ضعيفة‪ ،‬لــم أجــد فيها‬

‫مواجهات‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪95‬‬


‫فكان أول شاعر أعرض عليه شعري هناك‬ ‫هو الشاعر عبدالعليم القباني‪ ،‬الذي أشاد‬ ‫بالموهبة‪ ،‬ولكنه نصحني باالنتظام في‬ ‫درس الــعــروض وأوزان الشعر التي كان‬ ‫يشرف عليها الشاعر محجوب موسى‪،‬‬ ‫وعندما بــدأت أتقن أدوات ــي بــدأ الشاعر‬ ‫عبدالمنعم األنصاري يقدمني في الندوات‬ ‫واألمسيات الشعرية‪ ،‬وهــي فترة خصبة‬ ‫من حياتي ال يمكن أن أنساها؛ ألنها كانت‬ ‫مرحلة التكوين والتأسيس‪.‬‬ ‫ ¦مــا أثــر الجامعة عليك كشاعر؟ وهــل كان‬ ‫لها دور في صقل موهبتك الشعرية؟‬ ‫‪ρ ρ‬فــتــرة الجامعة كــانــت فــتــرة خصبة ج ـدًا‬

‫فــي حــيــاتــي‪ ،‬وأشـ ــرت إلــيــهــا فــي روايــتــي‬ ‫األول ــى «رئــيــس التحرير‪ ..‬أه ــواء السيرة‬ ‫الــذاتــيــة»‪ ،‬فقد التحقت بكلية التجارة‬ ‫جامعة اإلسكندرية‪ ،‬وكنت أصــدر مجلة‬ ‫حائط بعنوان «دعــوة للتأمل»‪ ،‬أنشر فيها‬ ‫شــعــري وشــعــر آخ ــري ــن‪ ،‬ثــم بـ ــدأت أدعــو‬ ‫شعراء اإلسكندرية من أساتذتي وزمالئي‬ ‫لنقيم أمسيات شعرية داخل الكلية‪ ،‬وكان‬ ‫مسموحً ا بها في ذلــك الوقت‪ .‬ثم اتفقت‬ ‫مع اتحاد طالب الكلية وكان يرأسه الزميل‬ ‫عبدالعزيز عـ ّمــار‪ ،‬على أن نؤسس ناديًا‬ ‫للشعر بالكلية‪ ،‬وعندما بدأ يتجمع في هذا‬ ‫النادي طالبٌ شعراء من الكليات األخرى‬ ‫الــمــوجــودة فــي محيط المجمّع النظري‬ ‫لكليات الــجــامــعــة‪ ،‬وخــاصــة مــن اآلداب‬ ‫والحقوق‪ ،‬ثم الطب بعد ذلك‪ ،‬أصبح النادي‬ ‫ناديًا لجامعة اإلسكندرية كلها‪ ،‬وكانت فترة‬ ‫خصبة أصقلت موهبتي؛ إذ بدأ االحتكاك‬ ‫بشعراء آخرين غير الموجودين في قصور‬ ‫الثقافة‪ ،‬كما كنا نستضيف شعراء من خارج‬ ‫أيضا‪ ،‬لكنه كان هناك تأثير‬ ‫اإلسكندرية ً‬ ‫سلبي على مسيرتي بالكلية‪ ،‬فتعثرت في‬ ‫أكثر من سنة دراســيــة‪ ،‬ولكن في النهاية‬ ‫تخرجت من قسم إدارة األعمال بالكلية‬ ‫بتقدير جيد‪.‬‬ ‫ ¦في بداية كل شاعر ال بد أن يتأثر أو يحب‬ ‫بعض الشعراء‪ ،‬فمن الشعراء الذين تأثرت‬ ‫بهم أو أحببتهم؟‬ ‫‪ρ ρ‬في الحقيقة منذ أن أحببت الشعر‪ ،‬أحببت‬ ‫الشعراء جميعًا‪ ،‬حتى الشعراء الذين لم أكن‬ ‫أفهم أو أتعاطف مع أشعارهم‪ ،‬وهي التي‬ ‫كانت مقررة علينا في المرحلتين اإلعدادية‬ ‫والثانوية‪ ،‬لكن وجدت في قصائد إبراهيم‬

‫‪96‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫ومــاالرمــيــه‪ ،‬وســان جــون بــيــرس‪ ،‬وإلــيــوت‪،‬‬ ‫وغيرهم‪ .‬وأدركت أن العالم الشعري أكثر‬ ‫اتساعً ا من قصائد التراث العربي وقصائد‬ ‫المتنبي‪ ،‬وأبي تمام‪ ،‬وأبي نواس‪ ،‬وعمر بن‬ ‫أبي ربيعة‪ ،‬والمعري وغيرهم‪ ،‬وأكثر اتساعً ا‬ ‫مــن قــصــائــد الــشــعــراء الــمــعــاصــريــن منذ‬ ‫مدرسة اإلحياء التي تزعمها محمود سامي‬ ‫البارودي‪ ،‬ومن حمل الراية بعده مثل أحمد‬ ‫شوقي‪ ،‬وحافظ إبراهيم‪ ،‬وعزيز أباظة‪،‬‬ ‫وعلي الجارم‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫ ¦الـشــاعــر أح ـمــد فـضــل شـبـلــول مــن مــوالـيــد‬ ‫اإلس ـك ـنــدريــة‪ ،‬فـكـيــف أ ّثـ ــرت عـلــى إبــداعــك‬ ‫سواء في الشعر أو الرواية؟‬ ‫جميل‬ ‫ً‬ ‫ناجي الرومانسية مددًا روحيًا وعشقًا‬ ‫لبعض الحاالت التي كنت أعيشها‪ ،‬وبعد أن‬ ‫درسنا قصيدته الجميلة التي تحمل عنوان‬ ‫«عــودة» في المدرسة‪ ،‬األمر الذي دعاني‬ ‫إلــى قــراءة كل أشعار إبراهيم ناجي بعد‬ ‫ذلك‪ ،‬ولكن عندما بدأت أنخرط في الحياة‬ ‫الثقافية واألدبية في قصر ثقافة الحرية‪،‬‬ ‫عرفت أن هناك شعراء مهمين أحياء‪ ،‬مثل‬ ‫نزار قباني‪ ،‬وصالح عبدالصبور‪ ،‬وأحمد‬ ‫عبدالمعطي حجازي‪ ،‬وأمل دنقل‪ ،‬وفاروق‬ ‫شوشة‪ ،‬ومحمد إبراهيم أبوسنة‪ ،‬وأحمد‬ ‫سويلم‪ ،‬وبــدر توفيق‪ ،‬ومحمد الماغوط‪،‬‬ ‫ومــحــمــد الــفــيــتــوري‪ ،‬وغــيــرهــم‪ ،‬والتقيت‬ ‫معظمهم بعد ذل ــك‪ ،‬وكــنــت قــد قرأتهم‪.‬‬ ‫وعندما ترجم الدكتور عبدالغفار مكاوي‬ ‫كتاب «ثــورة الشعر الحديث»‪ ،‬أدركــت أن‬ ‫هناك تجارب عالمية مهمة وينبغي اإلطالع‬ ‫عليها‪ ،‬تمثلت في قصائد بودلير‪ ،‬ورامبو‪،‬‬

‫مواجهات‬

‫‪ρ ρ‬اإلسكندرية هي حجر الزاوية في كل أعمالي‬ ‫وكتاباتي‪ ،‬سواء الشعرية أو الروائية‪ ،‬فلهذه‬ ‫المدينة تأثير طــاغ عليّ وعلى أعمالي‪،‬‬ ‫واإلسكندرية ال تعني لي فقط البحر والماء‬ ‫والكورنيش‪ ،‬ولكنها تعني التاريخ والحضارة‬ ‫واالنفتاح على العالم‪ ،‬كما أراد لها مؤسسها‬ ‫اإلسكندر األكبر‪ ،‬لقد كانت اإلسكندرية‬ ‫في يوم من األيام عاصمة العالم الثقافية‬ ‫بــالــفــعــل‪ ،‬وبــخــاصــة بــعــد تــأســيــس مكتبة‬ ‫اإلسكندرية القديمة التي لجأ إليها كل‬ ‫طالب علم من أنحاء الدنيا المعروفة في‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬لقد ظلت اإلسكندرية عاصمة‬ ‫لمصر لمدة تسعة قــرون‪ ،‬منذ تأسيسها‬ ‫عام ‪ 331‬قبل الميالد حتى الفتح العربي‬ ‫لــمــصــر عــلــى يــد عــمــرو بــن الــعــاص في‬ ‫القرن السادس الميالدي؛ ومن هنا‪ ،‬تأتي‬ ‫األهمية التاريخية والحضارية واالقتصادية‬ ‫والثقافية لإلسكندرية التي بــدأ دورهــا‬ ‫يتراجع كثيرًا عما قبل بسبب الحضور‬ ‫المركزي واإلعالمي للقاهرة‪ ،‬وبسبب خروج‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪97‬‬


‫الجاليات األجنبية التي كانت تتعايش في‬ ‫اإلسكندرية‪ ،‬وبخاصة بعد قرارات التأميم‬ ‫التي أعلنها جمال عبدالناصر‪ ،‬وبعد حرب‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬فقد أحــسّ ــوا أن هناك تضييقًا‬ ‫عليهم‪ ،‬وأنهم غير مرغوب في وجودهم‪،‬‬ ‫فــبــدأ الــخــروج الــتــدريــجــي حتى انفضت‬ ‫المدينة منهم تمامًا‪ ،‬وقــد عــاصــرتُ تلك‬ ‫الجاليات المختلفة في اإلسكندرية عندما‬ ‫كنت صــغــيـرًا‪ ،‬وكــنــت أتعامل مــع بعضهم‬ ‫خاصة أصحاب البقاالت والخردوات في‬ ‫حَ يّنا بمحرم بــك‪ ،‬أو فــي حــي العطارين‬ ‫والمنشية‪ ،‬وكــان معظمهم مــن اليونايين‬ ‫واألتراك والقبارصة‪ ،‬أو من الدول والجزر‬ ‫التي تقع على البحر المتوسط‪ .‬لذا يشكل‬ ‫الــبــحــر هــاجــسً ــا ثقافيا عــنــدي‪ ..‬وليس‬ ‫وجــود مائي‪ ،‬ومنذ بداية أعمالي‬ ‫ٍ‬ ‫مجرد‬ ‫واإلسكندرية ال تفارقني‪ ،‬فهناك قصائد‬ ‫فــي مجموعتي الشعرية األول ــى «مسافر‬ ‫إلــى اهلل» التي صــدرت عــام ‪1980‬م‪ ،‬إلى‬ ‫أن كتبت ‪ -‬في الفترة األخيرة ‪ -‬مجموعة‬ ‫من القصائد أو المقطوعات القصيرة جدًا‬ ‫تحمل عنوان «الخروج إلى البحر»‪ ،‬وصل‬ ‫عددها إلى أكثر من ثالثمائة مقطوعة من‬ ‫«السايكو السكندري»‪ ،‬والسايكو السكندري‬ ‫الذي أحاول فيه النهج على خطوات الهايكو‬

‫‪98‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫الياباني‪ ،‬ولكن بطريقة أكثر مالءمة لنا؛‬ ‫فالطبيعة المصرية أو السكندرية تختلف‬ ‫تمامًا عن الطبيعة اليابانية التي هي عماد‬ ‫قصيدة الهايكو‪ ،‬فال توجد لدينا غابات‪،‬‬ ‫وال محيطات‪ ،‬وال أعاصير أو انفجارات‬ ‫بركانية أو زالزل‪ ،‬وال توجد لدينا مئات‬ ‫الجزر البحرية (يوجد باليابان أكثر من‬ ‫ثالثة آالف جــزيــرة)‪ ،‬كما ال يوجد لدينا‬ ‫عــقــيــدة ب ــوذا وغــيــر ذل ــك مــن اخــتــافــات‬ ‫حادة بين األدب الياباني واألدب المصري‪،‬‬ ‫وأيضا اختالفات في العقائد الدينية‪ ،‬كما‬ ‫أن الهايكو الياباني ال يعتمد على األنسنة‬ ‫أو المجاز‪ ،‬وأعتقد أن المجاز واألنسنة‬ ‫مــن أس ــاس ــات األدب الــعــربــي‪ ،‬ل ــذا جــاء‬ ‫«السايكو السكندري» ليحتفل بأشياء غير‬ ‫موجودة في الهايكو الياباني‪ ،‬بما فيها طول‬ ‫القصيدة‪ ،‬فالهايكو الياباني عدد سطوره‬ ‫ثالثة أسطر‪ ،‬وقد تجاوزت عن هذا الطول‪،‬‬ ‫وعدد الكلمات في السايكو السكندري‪ ،‬إذ‬ ‫يتحكم في هذا الطول تماسك القصيدة‬ ‫وعناصرها البنائية‪ ،‬وليس عدد أبيات أو‬ ‫سطور محددة سلفًا‪ ،‬وإن كان هناك بعض‬ ‫الشعراء العرب مثل الصديق الشاعر عذاب‬ ‫الركابي‪ ،‬كتبوا ما يسمى «الهايكو العربي»‬ ‫محاولين اقتفاء أثر الهايكو الياباني‪،‬‬ ‫كذلك في رواياتي‪ :‬رئيس التحرير‪ ،‬والماء‬ ‫العاشق‪ ،‬واللون العاشق‪ ،‬كانت اإلسكندرية‬ ‫حاضرة بشدة‪ ،‬وخاصة اللون العاشق التي‬ ‫هي تجربة الكتابة في السيرة الغيرية عن‬ ‫الفنان التشكيلي الراحل محمود سعيد‪ ،‬ابن‬ ‫اإلسكندرية وأحد رواد الفن التشكيلي في‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬والــذي كان يُصاب بأزمة‬ ‫ربو كلما ذهب إلى القاهرة بعد أن أصبح‬

‫مواجهات‬


‫عضوا في المجلس األعلى لرعاية الفنون‬ ‫واآلداب والــعــلــوم االجتماعية (المجلس‬ ‫األعلى للثقافة حاليًا)‪ ،‬ورئيس لجنة الفنون‬ ‫والمقتنيات‪ ،‬فقدم استقالته بعد ذلــك‪.‬‬ ‫كذلك رواية «الماء العاشق» تتناول أساطير‬ ‫اإلسكندرية في الجانب الشرقي منها‪ ،‬وهو‬ ‫سيدي بشر وبئر مسعود‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ ¦كتبت الشعر لألطفال‪ ،‬ولك عدة دواوين في‬ ‫هذا المجال‪ ،‬ما الفرق في الكتابة الشعرية‬ ‫ب ـي ــن األطـ ـ ـف ـ ــال وال ـ ـك ـ ـبـ ــار؟ وه ـ ــل ال ـك ـتــابــة‬ ‫لألطفال سهلة كما يُظن؟‬ ‫‪ρ ρ‬ثمة فرق كبير بين الكتابة لألطفال والكتابة‬ ‫للكبار‪ ،‬ألن فــي الكتابة لألطفال تكتب‬ ‫لــذات أخــرى غير ذاتــك‪ ،‬هي ذات الطفل‬ ‫الذي تتصاعد سنوات حياته‪ ،‬فما يُكتب له‬ ‫مثل‪ ،‬غير ما‬ ‫في الفترة من ‪ 6-3‬سنوات ً‬ ‫يُكتب له بعد أن يكبر قليال ويصبح سنه‬

‫مثال تسع سنوات أو اثنتي عشرة سنة أو‬ ‫خمس عشرة سنة وهكذا‪ .‬وأنا غالبًا أكتب‬ ‫للفترة من ‪ 15 - 12‬سنة‪ ،‬أي الفترة التي‬ ‫من الممكن أن يقرأ فيها الطفل بمفرده‪ ،‬وال‬ ‫يعتمد فيها على أحد يقرأ له‪ ،‬مثلما الحال‬ ‫في السنوات األولى من سني عمره‪ ،‬وسني‬ ‫الوعي عنده‪ .‬وال أعتقد أن الكتابة لألطفال‬ ‫سهلة‪ ،‬هناك مَن يظن أنها سهلة‪ ،‬فيأتي‬ ‫ببعض قصص الــتــراث مــن جحا وكليلة‬ ‫ودمــنــة‪ ..‬ويعيد إنتاجها‪ ،‬وثمة َمــن يعتقد‬ ‫أن الكتابة لألطفال هي الكتابة عن القيم‬ ‫الدينية والمثل العليا‪ ،‬وعن أبطال العرب‪،‬‬ ‫أو عن المخترعات الجديدة والتكنولوجيا‪،‬‬ ‫وكل هذا جميل ومطلوب‪ ،‬ولكن أين ذات‬ ‫الطفل في كل هذا؟!‬ ‫إن للطفل ذاتًا لو أحس أنها موجودة في‬ ‫العمل المقدم له‪ ،‬سيفرح كثيرًا‪ ،‬ويحب هذا‬ ‫العمل‪ ،‬ويقبل عليه‪ ،‬وهذه هي المعضلة‪.‬‬ ‫ ¦الشاعر أحمد فضل شبلول فاز بالعديد من‬ ‫الجوائز مثل‪ :‬جائزة الــدولــة التشجيعية‪،‬‬ ‫وجائزة التفوق‪ ،‬ما أهمية الجائزة للمبدع؟‬ ‫ومــا رأي ــك فــي األدب ــاء الــذيــن ال يحصلون‬ ‫عـلــى ج ــائ ــزة ت ـقــدمــوا ل ـهــا‪ ،‬فيشتمونها أو‬ ‫يتهمونها بعدم النزاهة؟‬ ‫‪ρ ρ‬لــيــس هــنــاك ش ــك أن الــجــوائــز محفزة‬ ‫لإلبداع‪ ،‬حين يرى المبدع تقدير اآلخرين‬ ‫لــه‪ ،‬فيدفعه ذلــك إلــى التجويد والتجديد‬ ‫واالبتكار‪ ،‬ليظل في دائــرة الضوء دائما؛‬ ‫غير أن الجوائز ال تصنع مبدعً ا‪ ،‬فإذا لم‬ ‫يكن الشخص مبدعً ا فــي األس ــاس‪ ،‬فلن‬ ‫تفعل له الجوائز شيئًا‪ ،‬ولن تجعله مبدعً ا‪،‬‬ ‫حــتــى وإن جــامــلــه بعضهم وخــلــعــوا عليه‬

‫مواجهات‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪99‬‬


‫صفة المبدع‪ .‬وضعاف النفوس هم الذين‬ ‫يهاجمون جائزة لم يحصلوا عليها‪ ،‬فشيء‬ ‫طبيعي أن يتقدم كثيرون غيره لهذه الجائزة‬ ‫أو تلك‪ ،‬فلماذا يفترض في نفسه أنه أفضل‬ ‫مــن ه ــؤالء؟! ثــم إن للمحكمين خياراتهم‬ ‫وقناعاتهم‪ ،‬والذي يهاجم الجائزة ألنه لم‬ ‫يحصل عليها‪ ،‬يفترض ضمنيًا أنه يوافق‬ ‫على تحكيم عمله الذي قد ال يقنع اآلخرين‪،‬‬ ‫أو يقنعهم‪ ..‬ولكن هناك من هو أفضل منه‬ ‫في الفرع الذي تقدم فيه‪ ،‬وفي السنة التي‬ ‫تقدمتُ فيها للجائزة تقدم معي (‪ )51‬كاتبًا‬ ‫وأديبًا مصريًا‪ ،‬وكوني حصلت عليها ليس‬ ‫معناه أنني األفــضــل منهم جميعًا‪ ،‬ولكن‬ ‫هناك عوامل أخــرى‪ ،‬ويلعب الحظ أيضا‬ ‫دورًا في ذلك‪ ،‬ال شك‪ ،‬وعلى سبيل المثال‬ ‫قبل حصولي على جائزة الدولة للتفوق في‬ ‫اآلداب ‪2019‬م‪ ،‬تقدمت لها في العام الذي‬ ‫قبله‪ ،‬ولم أحصل عليها‪ ،‬فلم أشتم ولم أتهم‬

‫المحكمين بعدم النزاهة وعدم الشفافية‪،‬‬ ‫أو بالشللية‪ ،‬أو ما إلى ذلك من اتهامات‪ ،‬ثم‬ ‫تقدمت في السنة التي بعدها مرة أخرى؛‬ ‫ألنني أثق في نفسي وفي إبداعي‪ ،‬وحصلت‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫أما جائزة الدولة التشجيعية التي حصلت‬ ‫عليها في مجال شعر األطفال‪ ،‬قبل التفوق‪..‬‬ ‫فلم أتقدم إليها أصـ ًـا‪ ،‬ولكن عندما رأى‬ ‫المحكمون ال ــذي يــشــاركــون فــي تحكيم‬ ‫الجائزة أن اإلنتاج المقدم للجائزة ال يرقى‬ ‫إلى المستوى‪ ،‬قرروا البحث عن مبدع يكتب‬ ‫في المجال نفسه بالشروط المعلن عنها‪،‬‬ ‫وهذا حق أصيل للجنة الجائزة التشجيعية‪،‬‬ ‫وعليه طلب أحــد المحكمين ال ــذي كان‬ ‫متابعًا إلنتاجي أن أتقدم بثالث نسخ من‬ ‫ديــوانــي "أشــجــار الــشــارع أخ ــوات ــي" لكي‬ ‫أحصل عليها‪ ،‬وبالفعل تقدمت استجاب ًة‬ ‫لطلب اللجنة‪ ،‬وحصلت عليها‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫وهــنــاك أكــثــر مــن جــائــزة تــقــدمــت إليها‬ ‫خــارج مصر‪ ،‬ولــم أحصل عليها‪ ،‬بالنسبة‬ ‫لــي ال مشكلة على اإلط ــاق‪ .‬نحن نكتب‬ ‫ونقرأ ونبدع ونشارك في الحياة األدبية‬ ‫لــيــس مــن أج ــل الــجــوائــز عــلــى اإلط ــاق؛‬ ‫لكن لألسف هناك مَن يكتب قياسً ا على‬ ‫شــروط الجائزة‪ ،‬وإذا لم يفز يمأل الدنيا‬ ‫وعويل وشتمًا وهجاءً! وأحد الذين‬ ‫ً‬ ‫صراخا‬ ‫لم يفوزوا بجائزة الدولة التي فــزت بها‪،‬‬ ‫كتب يهاجمني في إحدى الجرائد العربية‪،‬‬ ‫وكأنني أنا الــذي منحت الجائزة لنفسي‪،‬‬ ‫وكشف عن جهله‪ ،‬ألنــه لم يقرأ لي سوى‬ ‫عملين من أكثر من ثالثين سنة‪ ،‬وحكم على‬ ‫مجمل أعمالي من خالل هذين العملين‪،‬‬ ‫ونسي أنني قدمت بعد ذلك أكثر من ستين‬ ‫عمل لم يطلع على واحد منها لألسف!‬ ‫ً‬ ‫ ¦كتبت الرواية مؤخرً ا بعد رحلة طويلة مع‬ ‫الشعر‪ ،‬هل كنت تتمنى لو كتبتها مبكراَ؟‬ ‫و َم ــن مــن الــروائـيـيــن الــذيــن تـحــب أن تقرأ‬ ‫لهم‪ ،‬وتنصح كل روائي في بداية الطريق أن‬ ‫ينغمس في عوالمهم؟‬ ‫‪ρ ρ‬لم يكن واردًا في ذهني على اإلطــاق أن‬ ‫أكتب رواي ــة‪ ،‬وإن كنت قــد قــرأت الكثير‬ ‫مــن الــروايــات العربية والمترجمة خالل‬ ‫مسيرتي األدبــيــة‪ ،‬بطبيعة الــحــال؛ ولكني‬ ‫مررت بتجربة لم أستطع أن أكتب عنها في‬ ‫قالب شعري أو حتى مسرحي‪ ،‬فلم يكن بدٌّ‬ ‫من الكتابة عنها في قالب روائــي‪ ،‬فكانت‬ ‫روايــتــي األولــى «رئيس التحرير ‪ -‬أهــواء‬ ‫السيرة الذاتية» التي كتبت فيها عن تجربتي‬ ‫في العمل الصحافي في الخليج‪ ،‬وبطبيعة‬ ‫الحال أحــب قــراءة نجيب محفوظ الذي‬ ‫فاز بجائزة نوبل عام ‪1988‬م‪ ،‬وكنت أعمل‬

‫مواجهات‬

‫وقتها خــارج مصر‪ ،‬ولــم أصــدق وقتها أن‬ ‫هناك كاتبًا عربيًا حصل أخيرًا على نوبل‪،‬‬ ‫وكان ال بد أن احتفل مع نفسي على األقل‬ ‫بهذا الفوز؛ فذهبت إلى إحدى المكتبات‪،‬‬ ‫واشتريت بعض رواي ــات نجيب محفوظ‪،‬‬ ‫منها ما قرأته من قبل‪ ،‬وما لم أقــرأه‪ ،‬بل‬ ‫اشتريت أكثر من نسخة من روايــة واحدة‬ ‫ألهدي منها أصدقائي في العمل‪ ،‬وأتذكر‬ ‫أن اإلعالن كان يوم خميس‪ ،‬وعندما ذهبت‬ ‫للعمل يوم السبت بدأت أوزع ما اشتريته‬ ‫من نسخ زائدة على زمالئي‪.‬‬ ‫أيضا رواي ــات الكاتب الياباني‬ ‫تعجبني ً‬ ‫هاروكي موراكامي‪ ،‬ولم أعرف السبب في‬ ‫أنه لم يحصل على نوبل حتى هذا العام‪ ،‬مع‬ ‫أن اسمه مدرج دائما على الئحة نوبل‪.‬‬ ‫أما عن نصيحتي لكل روائي في الطريق‪،‬‬ ‫ولكل أديب‪ ،‬فهي أن يقرأ في كل المجاالت‬ ‫األدبــيــة وغير األدبــيــة‪ ،‬ألن ذلــك سينمّي‬ ‫موهبته ومعارفه ويصقل خبراته‪ ،‬وبالنسبة‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪101‬‬


‫لي فقد أفدت كثيرًا من المواد التي كنت‬ ‫أدرسها في كلية التجارة‪ ،‬مثل االقتصاد‬ ‫واإلدارة والقانون واإلحصاء والمحاسبة‬ ‫والنظم الضريبية؛ وغيرها ألنها جعلت‬ ‫نظرتي للحياة المعاصرة أكثر اتساعً ا مما‬ ‫لو اقتصرت قراءاتي على المواد األدبية‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫ ¦لماذا لجأت لكتابة الــروايــة بعد تجربتك‬ ‫الـكـبـيــرة م ــع ال ـش ـعــر؟ وه ــل أث ــر ذل ــك على‬ ‫كتابتك للشعر فأصبح فنك الثاني بعد أن‬ ‫كان فنك األول؟‬ ‫‪ρ ρ‬ذكــرت في إجابة السؤال السابق أسباب‬ ‫لجوئي لكتابة الرواية التي شعرت بمتعة‬ ‫كبيرة وأنا أكتبها‪ ،‬وأحسست أن كتابة عمل‬ ‫روائي يختلف تمامًا عن كتابة ديوان شعري‪،‬‬ ‫بل كتابة فصل في فصول الرواية يختلف‬ ‫تمامًا عن كتابة قصيدة‪ ،‬في الــروايــة كمٌّ‬ ‫أكبر من الوعي والبحث واالطالع والرجوع‬

‫إلى مصادر ومراجع وأشخاص‪ ،‬وبخاصة‬ ‫عــنــدمــا يــحــتــوي الــعــمــل عــلــى شـــيء من‬ ‫المعلوماتية التي يلزمها التوثيق‪ ،‬كما في‬ ‫روايتي الثالثة «اللون العاشق» وهي سيرة‬ ‫غيرية للفنان التشكيلي الــرائــد محمود‬ ‫سعيد‪ ،‬هناك تواريخ ال بد من التثبت منها‪،‬‬ ‫ووقــائــع ال بد من التأكد منها‪ ،‬حتى وإن‬ ‫احتوى العمل على نسبة كبيرة من التخييل‪،‬‬ ‫فكوْني أذكر أن لوحة «بنات بحري» رسمها‬ ‫الفنان عام ‪1935‬م على سبيل المثال‪ ،‬ال ب ّد‬ ‫أن أكون متأكدًا تمامًا من أكثر من مصدر‬ ‫أن هذا التاريخ صحيح بنسبة مائة بالمائة‪،‬‬ ‫فــا مــجــال للتخييل هــنــا‪ ،‬وك ـوْنــي أسعى‬ ‫إلقامة عالقة ‪ -‬في الرواية ‪ -‬بين توفيق‬ ‫الحكيم ومحمود سعيد‪ ،‬فال بدَّ أن أكون‬ ‫متأكدًا أن االثنين تعاصرا؛ وعليه‪ ،‬يمكنني‬ ‫أن أبني خياال بأنهما التقيا‪ ،‬وأن الحكيم‬ ‫كان يكتب روايته «عصفور من الشرق» في‬ ‫الوقت الذي يرسم فيه محمود سعيد إحدى‬ ‫متخيل حول‬ ‫ً‬ ‫لوحاته‪ ،‬وأن أقيم بينهما حوارًا‬ ‫األدب والفن‪ ،‬ولكن على أرضية ثابتة عاشا‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫عليها‪ ،‬وأنهما درسا معا في باريس ً‬ ‫وتناوال الغذاء مرة معًا في برج إيفل‪ ،‬وذهبا‬ ‫معا إلى متحف اللوفر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫وعلى أية حال‪ ،‬لم تط َغ الرواية على الشعر‬ ‫عندي‪ ،‬ألن معظم أبطال رواياتي شعراء‪،‬‬ ‫حتى محمود سعيد قدمته على أنه يكتب‬ ‫الشعر إلــى جانب الــرســم‪ ،‬وإن كــان بزغ‬ ‫نجمه في الرسم أكثر‪ ،‬وأنطقت على لسانه‬ ‫قصيدة كتبها فــي أحــد تماثيل محمود‬ ‫مختار وهو تمثال «الخماسين»‪.‬‬

‫‪102‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫الشاعر المصري محمود خيراهلل‪:‬‬ ‫أحلِّ ُ‬ ‫معطوبة‬ ‫ق بقصائدي فوق مشاه َد‬ ‫ٍ‬ ‫محمودخيراهلل‪:‬‬

‫ م ــوالـ ـي ــد ‪ 6‬ي ــونـ ـي ــو ‪1971‬م شـبـيــن‬‫القناطر‪ -‬قليوبية‬ ‫ نــائــب رئـيــس تـحــريــر مجلة اإلذاع ــة‬‫والتليفزيون‪.‬‬ ‫ مـ ــديـ ــر تـ ـح ــري ــر «مـ ـجـ ـل ــة ال ـث ـق ــاف ــة‬‫ال ـ ـجـ ــديـ ــدة» الـ ـ ـص ـ ــادرة عـ ــن ال ـه ـي ـئــة‬ ‫العامة لقصور الثقافة‪.‬‬

‫صدر له‪:‬‬

‫ «فانتازيا الرجولة‪ ،‬سلسلة إبداعات «الهيئة العامة لقصور الثقافة‪1998 ،‬م‪.‬‬‫ «لعنة سقطت من النافذة» شعر‪ ..‬دار ميريت‪2001 ،‬م‪.‬‬‫ «ظل شجرة في المقابر» شعر‪ ..‬دار البستاني‪2005 ،‬م‪.‬‬‫ «كل ما صنع الحداد» شعر‪ ..‬دار صفصافة‪2010 ،‬م‪.‬‬‫ «صبيّ الفراشات الملوّنة»‪ ..‬اختيار وتقديم لقصائد الشاعر الفلسطيني‬‫طه محمد علي‪ ،‬سلسلة «إبداع عربي»‪ ،‬عن الهيئة المصرية العامة للكتاب‬ ‫‪2017‬م‪.‬‬ ‫ «األيام حين تعبرُ خائفة»‪ ..‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪2019 ،‬م‪.‬‬‫ترجمت قصائده إلــى عــدة لغات بينها اإلنجليزية‪ ،‬كما تُرجم ديــوانــه «كــل ما‬ ‫صنع الحداد» إلى الفرنسية تحت عنوان ‪.Tout ce qu’a fait le forgeron‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬كمال أبو النور‬

‫مواجهات‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪103‬‬


‫ ¦هل تتفق مع الفكرة القائلة‪ :‬إنك صرخت‬ ‫بما يكفي فــي دواوي ـنــك الـثــاثــة األول ــى‪،‬‬ ‫وبشكل أقــل وضوحا في الــديــوان الرابع؛‬ ‫ح ـتــى جـ ــاء دي ــوان ــك «األي ـ ـ ــام ح ـيــن تعبر‬ ‫خائفة»‪ ،‬معبرً ا عن آالمــك دون صــراخ‪..‬؟‬ ‫حــدثـنــا عــن تـجــربـتــك الـشـعــريــة ورؤي ـتــك‬ ‫للعالم منذ ديوانك األول‪ ،‬وحتى ديوانك‬ ‫األخير‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬أعتقد أن صوت الشاعر يصفو تدريجيًا‬ ‫بــالــمــعــانــاة والـ ــكـ ــدح عــلــى نــصــوصــه‪،‬‬ ‫وباستمرار العمل عليها لشهور طويلة‬ ‫قدر من التراكم يسهم‬ ‫مُخلصة‪ ،‬وبتحقيق ٍ‬ ‫نصه‪ ،‬لدرجة أنه قد يتناسل‬ ‫في تجذير ِّ‬ ‫أبعد‪ .‬أعتقد أن تلك المسافة التي تتحدث‬ ‫أحيانًا في قصائد بعض الشعراء األحدث‬ ‫عنها‪ ،‬بين ما تسميه الصراخ في الدواوين‬ ‫سنًا‪ ،‬لحسن الحظ طبعًا؛ وبالتالي‪ ،‬كل‬ ‫هــذه األمــور لم تكن تشغل بــال الشاعر‬ ‫الثالثة األولى‪ ،‬وما أسميه «التون الهادئ»‬ ‫الذي كان يكتب ديوانه األول‪ ،‬في منتصف‬ ‫فــي الــديــوانــيــن األخــيــريــن‪ ،‬هــو مــا يجب‬ ‫عقد التسعينيات منت القرن العشرين‪،‬‬ ‫بالضبط أن يتدرَّج فيه الشاعر‪.‬‬ ‫لكنني أظــن أنــك تقصد أن تشير إلى‬ ‫ ¦«األي ــدول ــوجـ ـي ــا س ـق ـطــت‪ ،‬واألج ـ ـسـ ــاد هي‬ ‫الــتــطــور الطبيعي لــلــشــاعــر‪ ،‬مــن وجهة‬ ‫الـ ـب ــاقـ ـي ــة»‪ ..‬ه ــل م ــا تـ ـ ــزال ه ـ ــذه ال ـع ـب ــارة‬ ‫نظري؛ فالشاعر حين يصفو إلى صوته‬ ‫التسعينية تُمارس دورَها على أرض الواقع‬ ‫الخاص‪ ،‬يكون قد قطع نصف المشوار‪،‬‬ ‫في قصيدة النثر؛ أم أن الكتابات الجديدة‬ ‫ليس شــرطً ــا أن تــكــون قـــادرًا على قول‬ ‫خليط بين اإلثنين؟‬ ‫كل شيء في ديوانك األول وال حتى في‬ ‫ديوانك األخير ألن للشعر شروطً ا أخرى ‪ρ ρ‬كــنــتُ أتــح ـ ّفــظ طــب ـ ًعــا عــلــى ع ــب ــارة أن‬ ‫«األيــديــولــوجــيــا سقطت» منذ منتصف‬ ‫قد يكون من بينها القدرة على المحو‪ ،‬لقد‬ ‫التسعينيات وال أزال‪ ،‬ألنها تعكس فهمًا‬ ‫آمنتُ منذ اكتشفت الشاعر الذي بداخلي‬ ‫وتكشف نهجً ا أثبتت األيام خطأه‪ ،‬أعتقد‬ ‫أن معركتي في األصــل هي «معركة مع‬ ‫على العكس أننا محكومون باأليديولوجيا‪،‬‬ ‫الوعي باللغة»‪ ،‬فإذا استطعت أن تنجح في‬ ‫لقد كان من الخطأ الفادح أن نتصور أن‬ ‫تحقيق هذا التوازن الدقيق‪ ،‬بين «الوعي»‬ ‫و«اللغة»‪ ،‬سوف يكون طموحك في الشعر‬ ‫الشاعر الجديد غــادر التفجير اللغوي‬

‫‪104‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫السبعيني مــن أجــل البحث عــن الــذات‬ ‫في الهامشي واليومي والجسداني‪ ،‬بينما‬ ‫نطلب منه نحن أن يكتب هــذا الهامش‬ ‫تعال على الواقع‪ ..‬كيف‬ ‫وهو في لحظة ٍ‬ ‫لهذا الشعر أن يلتقط مشاهده الصاخبة‬ ‫من «الحياة اليومية»‪ ،‬وهو يدّعي التعالي‬ ‫على واقع اإلنسان وتاريخه وشروطه؟ كنت‬ ‫دائمًا أعتقد أن الشعر الحقيقي يستطيع‬ ‫أن يُحقق هذه المعادلة‪ ،‬وحتى الشاعر‬ ‫الــذي يقول إن «األجــســاد هــي الباقية»‬ ‫يمتلك بالضرورة وعيًا ُمــحــددًا‪ ،‬يحاول‬ ‫أن يعكس فيما يكتب موقعه من العالم‬ ‫ومَصالحه َمــعــه‪ ،‬وأن يكشف عــن درجــة‬ ‫وعيه ومستوى الحرية التي يتمتّع بها‪ ،‬هذه‬ ‫األمور تكون واضحة جدًا في النصوص‪،‬‬ ‫تتقصده‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مهما كانت تتلمّس الغموض أو‬ ‫وحينما كنتُ أكتب حريتي في دواويني‬ ‫األولــى متحدثًا عن راتبي الضحل وعن‬ ‫كتل الزحام اإلنساني في «مترو األنفاق»‪،‬‬ ‫بينما يعبر القو ُم متالصقين أمــام ذلك‬ ‫القصر الذي يمتد ثالث محطات مترو!‬ ‫وفي حين كنت أكتب عن أرواح العشاق‬ ‫التي ترفرف كالطيور في الحدائق العامة‬ ‫لترعى صــغــار العاشقين‪ ،‬كــان بعضهم‬ ‫يكتب حريته في قصيدة النثر مستغرقًا‬ ‫في الحديث عن لـذّة الجسد‪ ،‬وهو حق‪،‬‬ ‫وشاعت عناوين مُضللة جـدًا مثل «إنهم‬ ‫يكتبون أجــســادهــم»‪ ،‬كــل هــذا التضليل‬ ‫كان ينطوي على موقف أيديولوجي‪ ،‬وال‬ ‫يعني مطلقًا سقوط األيديولوجيا‪ ،‬لقد‬ ‫أثبتت األيــام أن بعض الشعر الــذي كتب‬ ‫عن إفــرازات الجسد لم يكن قــادرًا على‬

‫مواجهات‬

‫البقاء‪ ،‬لألسف الشديد‪ ،‬كما أثبتت األيام‬ ‫أن «قصيدة النثر»‪ ،‬التي أنفقت عليها‬ ‫وكـــاالت االســتــخــبــارات الــمــركــزيــة حول‬ ‫العالم في المعسكريْن بالمناسبة وعززت‬ ‫وجودها بالمِ نح والجوائز‪ ،‬لم تستطع أن‬ ‫ـدر من البقاء‪ ،‬وال تنس أن‬ ‫تحقق أي قـ ٍ‬ ‫بعض قصائد النثر المصرية سقطت‬ ‫فــي نهاية عقد التسعينيات مــن القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬في نموذج أيديولوجي جعلها‬ ‫تتمحَّ ك بذكر رســول العناية الرأسمالية‬ ‫«فرانسيس فوكوياما»‪ ،‬بينما الشعر الذي‬ ‫يعزف على الوتر اإلنساني العام‪ ،‬والمموَّل‬ ‫مــن دمــاء البسطاء ليعكس جــوانــب من‬ ‫أحالمهم ومشاهد من بؤسهم‪ ،‬في ظني‪،‬‬ ‫كان دائمًا الشعر الذي يستحق البقاء على‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪105‬‬


‫نجلس سويًا‪ /‬فتيبس أقدامنا‬ ‫ُ‬ ‫بجسدين‪/‬‬ ‫أطفال‪/‬‬ ‫ً‬ ‫لتصبح جذورًا لشجرتين‪ /‬نُنجب‬ ‫فنصي ُر حديق ًة عامة‪ /‬وحين نموتُ ‪ /‬إذ ال‬ ‫بد من ذلك بك ّل أسف‪ /‬تصعد أرواحُ نا إلى‬ ‫السماء‪ /‬تمامًا كهذه الطيور‪ /‬التي تحلق‬ ‫فوق العُشّ اق‪ /‬هنا‪ /‬في هذه الحديقة»‪..‬‬

‫مر العصور‪.‬‬ ‫ ¦ال ـمــرأة فــي حـيــاتــك تتجسد فــي ا ُأل ِّم في‬ ‫كل كتاباتك؛ أمــا حــان الوقت لتكتب عن‬ ‫الحبيبة التي غيبتها وأخفيتها في عقلك‬ ‫الباطن؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال أظن أن قراءة دقيقة لقصائدي األولى‬ ‫تنتهي إلى هذه الحقيقة‪ ،‬فأنا لم أكتب‬ ‫المرأة األم‪ ،‬فقط‪ ،‬بل كتبتُ في الديوان‬ ‫األول «فانتازيا الرجولة» الــذي أهديته‬ ‫لحبيبتي وزوجتي مثلما أهديت لها ديواني‬ ‫األخير عن «زوجة بشعيرات بنية هفهافة»‪،‬‬ ‫كما أن هناك حبيبة وأسرة مكونة من عدة‬ ‫أطفال في ديــوان «كل ما صنع الحداد»‪،‬‬ ‫إذ أقول‪:‬‬ ‫«نــمــشــي م ـ ًعــا‪ /‬فــنــرســم عــامــة انــتــصـ ٍـار‬

‫‪106‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫هــذه قصيدة حــب بــا أي شــك‪ ،‬لكنها‬ ‫ليست على مــواصــفــات القصيدة التي‬ ‫كــانــت تُكتب عــام ‪2010‬م‪ ،‬وهــي ليست‬ ‫جزءًا من القالب الموصوف للمرأة التي‬ ‫كتبت فــي قصيدة النثر المصرية؛ أما‬ ‫في قصيدة «الختم» من ديواني الثالث‬ ‫«ظــل شجرة في المقابر»‪ ،‬الصادر عام‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬فقد كتبت فيها ام ــرأة أخــرى‬ ‫رأيتُ أنها جديرة بأن تُكتب في الشعر وأن‬ ‫قصتها في األذهــان‪ ،‬حين تحدثتُ‬ ‫تخلد ّ‬ ‫عن «عمتي»‪ ،‬وهي نموذج ال يقترب منه‬ ‫الشعر كثيرًا على الرغم من كونه أنموذجً ا‬ ‫شاعريًا في بؤسه‪ ،‬متكررًا في حوارينا‬ ‫وشوارعنا الضيقة‪ ،‬أراه النموذج الجدير‬ ‫بالتقديم إلى العالم‪ ،‬تلك المرأة «التي لم‬ ‫يفكر رجل مبصر أن يضمَّها إلى صدره»‪،‬‬ ‫ألتحدث عن ذلك البؤس الذي عانته امرأة‬ ‫مسكينة‪ ،‬ال تسقط دمعتها طوال الشهر‪:‬‬ ‫«إال أم ــام مــوظــف الــبــريــد‪ ،‬فــوق الختم‬ ‫لتصرف كل شهر سبعة وخمسين‬ ‫َ‬ ‫مباشرةً‪،‬‬ ‫جنيهًا مصريًا»‪ ،‬وهناك نماذج نسائية في‬ ‫قصيدتي مثل «الجارية»‪« ،‬أم كل العبيد‬ ‫الذين تطوحوا في قطارات الضواحي‪/‬‬ ‫وأم األسى‪ /‬الماثل اآلن أمامكم‪ /‬المرأة‬ ‫التي أرضعت العالم حليب حزنها‪ /‬وحين‬

‫مواجهات‬


‫مــاتــت‪ /‬مــشــت أصــابــع كــفــهــا مــعــنــا في‬ ‫أول‬ ‫الجنازة»‪ ،‬وبالتالي أنت تريد أن تقول ً‬ ‫إن نموذج المرأة في قصائدي هو نموذج‬ ‫خاص جدًا‪ ،‬وغير متكرر بين شعراء جيلي‪،‬‬ ‫وهذه حقيقة أولى يمكن أن نتفق عليها؛ أما‬ ‫الحقيقة الثانية في سؤالك فهي أن جزءًا‬ ‫ ¦أما تزال تنظر إلى أبيك بالنظرة نفسها‬ ‫كبيرًا من حياتي لم أكتبْه بعد‪ ،‬وال أعرف‬ ‫م ــن األلـ ـ ــم؛ أم أن ال ـح ـي ــاة ب ـعــد ك ــل هــذه‬ ‫متى سوف يحدث ذلك‪ ،‬وال بأية طريقة‪،‬‬ ‫الـسـنــوات منحتك أب ـعــادً ا أخ ــرى لصورته‬ ‫لقد عشتُ في الحقيقة حيا ًة صحافية‬ ‫في الذاكرة؟‬ ‫صاخبة‪ ،‬ساعدتني على النضوج‪ ،‬سافرت‬ ‫إلى الخارج عدة مرات‪ ،‬وعرفتُ فيها قصة ‪ρ ρ‬الشاعر الــذي ال يطوِّر قدرته على رؤية‬ ‫العالم محكوم عليه بالفناء‪ ،‬لقد تطورت‬ ‫حب جميلة ومُمتدة‪ ،‬تزوجنا وتخرج بعض‬ ‫عالقتي بأبي‪ ،‬منذ رحل عن دنيانا عام‬ ‫أبنائنا اآلن من الجامعات‪ ،‬وبدأوا يعيشون‬ ‫‪1996‬م‪ ،‬تاركًا لي إرثًا ثقافيًا ولغويًا ونحويًا‬ ‫قصص حبهم‪ ،‬لقد كنتُ مهمومًا بأن أعيش‬ ‫يقصر الطريق الوعر إلى‬ ‫كفيل بأن ِّ‬ ‫ً‬ ‫كان‬ ‫قصة حبي وأن أستمتع داخل هذه القصة‬ ‫رجل ال يُنسى‪ ،‬تصادف‬ ‫الشعر‪ ،‬أبي كان ً‬ ‫بكل تفاصيلها‪ ،‬أكثر مــن اهتمامي بأن‬ ‫أنه حاول في شبابه كتابة الشعر العمودي‬ ‫أكتبها‪ ،‬أو أن أحولها إلى «أيقونة»‪ ،‬رأيتُ‬ ‫ولــم يوفّق‪ ،‬وتصادف أنــه فــرح حين علم‬ ‫أنني أكتب الشعر‪ ،‬لكنه عاش مصدومًا‬ ‫في أنني ال أكتب الشعر العمودي وال شعر‬ ‫التفعيلة‪ ،‬وأنني أكتب شيئا يخالف ذائقته‪،‬‬ ‫لكنه فــي النهاية رح ــل‪ ،‬تــار ًكــا لــي هذه‬ ‫الرغبة الدفينة التي تجعل المرء يكمل‬ ‫حلم رجل مات‪ ،‬كان أبي ينظر إلى الشعر‬ ‫بفخر حقيقي‪ ،‬وحينما طالع أول قصيدة‬ ‫نشرت لي في «مجلة الشعر» عام ‪1992‬م‪،‬‬ ‫كان سعيدًا إلى حد الزهو‪ ،‬كمن وجد كنزًا‬ ‫في بيته‪ ،‬علمتُ ذلك مصادفةً‪ ،‬حينما كنتُ‬ ‫عائدًا من مراسم دفنه‪ ،‬ركبت القطار إلى‬ ‫منزلي في القاهرة‪ ،‬وفي القطار التقيت‬ ‫أحد أصدقائه‪ ،‬وسألني الرجل إن كنتُ‬ ‫أنا ولــده الــذي ينشر شعرًا في الصحف‬ ‫أن أكتب العالم الشعري الخاص بي بقلب‬ ‫عاشق يستطيع أن يغير العالم بنظرة‪ ،‬وأال‬ ‫أستهلك قصة حياتي في القصيدة‪ ،‬وقلتُ‬ ‫لنفسي يومًا ما سوف أحكي حياتي‪ ،‬وأنا‬ ‫واثق أنها قصة تخطف القلوب‪.‬‬

‫مواجهات‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪107‬‬


‫منذ كان طالبًا في الجامعة‪ ،‬قلت له نعم‪،‬‬ ‫فقال‪« :‬أبــوك قابلني من كام سنة وقعد‬ ‫يمدح فيك طول الطريق من شبرا لشبين‬ ‫القناطر‪ ،‬فرحان يا سيدي‪ ،‬ألنه ربَّى في‬ ‫بيته ولــدًا يكتب الشعر»‪ ،‬قالها الرجل‬ ‫هكذا بالفصحى السليمة‪ ،‬ومضى فكيف‬ ‫ال يكون مثل هذا األب مؤثرًا في حياتك؟؟‬

‫القارئ ويحاولون التجريب في العالقات‬ ‫الــنــحــويــة للغة الــعــربــيــة‪ ،‬لــدرجــة دفعت‬ ‫الشاعر الفلسطيني محمود درويش إلى‬ ‫استبعاد قصيدة ألحد شعراء الغموض‪،‬‬ ‫من ملف «أدب السبعينيات في مصر»‪،‬‬ ‫ال ــذي نشرته «مجلة الــكــرمــل»‪ ،‬وأعــده‬ ‫الروائي الراحل إدوارد الخراط‪ ،‬بسبب‬ ‫ما فيها من الغموض وااللتباس «النحوي»‪.‬‬

‫والغموض مُحبَّب في بعض الشعر‪ ،‬ألن‬ ‫الخيال اإلنساني ال يجب تقييده‪ ،‬وحين‬ ‫يكون الحديث عن الشعر فإن على الخيال‬ ‫أن يُحلق ما شاء له التحليق‪ ،‬ما دام الهدف‬ ‫هو تحقيق متعة لغوية وجمالية وبصرية‪،‬‬ ‫وتعبير عن ه ِّم ذاتي أو ه ِّم عام‪ ،‬عن نفسي‬ ‫أطلق لخيالي العنان وأعمل على النص‬ ‫طويل‪ ،‬وأحب أال أكرر نفسي من ديوان‬ ‫ً‬ ‫إلــى آخــر‪ ،‬لذلك كثيرًا ما أتجنب كتابة‬ ‫خواطري‪ ،‬ولن تجد عندي أي إغراق في‬ ‫الغموض‪ ،‬من أي نوع‪ ،‬ألن نصوصي سهلة‬ ‫التلقي‪ ،‬لكنها تسعى إلى أن تترك األثر‬ ‫الشعري المالئم‪ .‬وال تنس أن قصيدة‬ ‫النثر فــي التسعينيات كــانــت المشروع‬ ‫الــشــعــري النقيض ورد الفعل العكسي‬ ‫على تجربة جيل السبعينيات‪ ،‬الذي كتب‬ ‫الــغــمــوض شــعــرًا‪ ،‬مــا جعلهم يخسرون‬

‫‪ρ ρ‬دعني أقول إن تجربة الشعر المصري في‬ ‫جيل الثمانينيات كانت مختلفة اختالفًا‬ ‫جــذر ًيــا عــن تجربة السبعينيات‪ ،‬ولعل‬ ‫قصيدة العامية فــي هــذا الجيل كانت‬ ‫أوضــح من الفصحى‪ ،‬لكن الغنائية هنا‬ ‫تعبير غير دقيق في ظني‪ ،‬ألنك لو أردت‬ ‫أن تكتب قصيدة النثر بــأدوات القصيدة‬ ‫الموزونة أو بسماتها البالغية واألسلوبية‪،‬‬ ‫فلماذا نسمي المحصلة قصيدة نثر؟!‬ ‫ربما ألنه حتى مطلع األلفية الثالثة‪ ،‬لم‬ ‫يجر نقاش عربي جَ ــدّي حــول مصطلح‬ ‫قصيدة النثر‪ ،‬أو حول الفارق بين قصيدة‬ ‫النثر و»الشعر الحر»‪ ،‬هل تعرف أنه لم‬ ‫يحدث في أي شعرية في العالم أن أطلق‬ ‫على الشعر «الشعر الحر» اسم قصيدة‬ ‫نثر‪ ،‬إنَّه كما يقول الشاعر الراحل أمجد‬ ‫ناصر «التباس عربي خالص‪ ،‬وسوء فهم‬

‫ ¦ه ـ ــل ل ـ ـجـ ــأت ف ـ ــي بـ ـع ــض نـ ـص ــوص ــك فــي‬ ‫ال ــدي ــوانـ ـي ــن األخ ـ ـيـ ــريـ ــن‪« :‬ك ـ ــل مـ ــا صـنــع ¦يرى بعضهم أن شعراء الثمانينيات الذين‬ ‫الحداد» و»األيــام حين تعبر خائفة»‪ ،‬إلى‬ ‫تحولوا من كتابة قصيدة التفعيلة‪ ،‬إلى‬ ‫نوع من السوريالية؟ يظن بعض النقاد أن‬ ‫ك ـتــابــة ق ـص ـيــدة ال ـن ـثــر ل ــم يـتـخـلـصــوا من‬ ‫اإلغراق في الغموض نوع من السوريالية‪..‬‬ ‫الغنائية واإلنشاد في قصائدهم النثرية‪،‬‬ ‫كيف ترى األمر؟‬ ‫فـهــل الـغـنــائـيــة ضــد قـصـيــدة الـنـثــر وضــد‬ ‫الشعر غير الموزون عموما؟‬ ‫‪ρ ρ‬السوريالية ليست تهمة في حد ذاتها‪،‬‬

‫‪108‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫لم يجد من يصحِّ حه‪ ،‬رغم المداد الغزير‬ ‫الذي سُ فِ َح في الدفاع عن «الشعر الحر»‬ ‫أو الهجوم عليه‪ ،‬األمر الذي يفترض ‪ -‬في‬ ‫المدافعين على األقل ‪ -‬معرفة ما يعنيه‬ ‫«الشعر الحر» ذو األصل األوروبي‪ ،‬شأنه‬ ‫شأن «قصيدة النثر»‪.‬‬ ‫أنا مع الرأي الذي يقول إن قصيدة النثر‬ ‫ولدت على الورق‪ ،‬على عكس «القصيدة‬ ‫الحرة»‪ ،‬وأن قصيدة النثر ليس لها أصل‬ ‫شفوي‪ ،‬كما هو حال الشعر الموزون أو‬ ‫«الحر»؛ وأن قصيدة النثر تخلو من وظيفة‬ ‫الوصف بغرضية منطقية‪ ،‬إنما غرضه‬ ‫يــكــون فــي الــغــالــب مــحــض غ ــرض فني‬ ‫أيضا إلى‬ ‫جمالي‪ .‬وأحب أن ألفت النظر ً‬ ‫أن الشكل الذي تتخذه قصيدة النثر في‬ ‫بالدنا «أسطر شعرية تحت بعضها»‪ ،‬إنما‬ ‫أشكال‬ ‫ً‬ ‫هو تنميط واستسهال‪ ،‬ألن هناك‬ ‫كثيرة للكتابة الشعرية في قصيدة النثر‪،‬‬ ‫لكنها لألسف غير مُستهلكة‪ ،‬مهجورة‪..‬‬ ‫أشعر أنها تنتظر أن يكتبها أحد‪.‬‬ ‫ ¦هل مفهوم الحداثة الشعرية عند العرب‬ ‫يـخـتـلــف ع ــن مـفـهــوم ال ـحــداثــة الـشـعــريــة‬ ‫لدى الغرب؟ وهل توافق على أن للحداثة‬ ‫الشعرية جذورًا في تراثنا العربي؟‬ ‫‪ρ ρ‬لــأســف‪ ،‬وكما تقول الشاعرة الدكتورة‬ ‫فاطمة قنديل‪ ،‬فإن «تاريخ الشعر العربي‬ ‫لم يُكتب حتى اآلن بوصفه تاريخً ا لألشكال‬ ‫والجماليات الخاصة التي تطورت بتطور‬ ‫القصيدة العربية‪ ،‬وإنما ظل محددًا حتى‬ ‫وقــت قــريــب بوصفه مــواز ًيــا لتقسيمات‬ ‫التاريخ السياسي»‪ ،‬وفــوق كل ذلــك ومن‬

‫مواجهات‬

‫قبله‪ ،‬ال تنس أن الحداثة التي تعني التصنيع‬ ‫مثلما تعني إنتاج العلم والتقدم والتفكير‬ ‫العقالني‪ ،‬وتعني رؤية جديدة للعالم تناقض‬ ‫الــرؤيــة التقليدية التي يحكمها التفكير‬ ‫الخرافي غالبًا‪ ،‬لم تكن هي تلك الحداثة‬ ‫التي مرت علينا لألسف‪ ،‬وعرفناها على‬ ‫أسوأ نحو خالل القرن العشرين؛ فها هي‬ ‫قنواتنا الفضائية ما تزال إلى اليوم مليئة‬ ‫بالحديث عن السحر والخرافة والشعوذة‪،‬‬ ‫والجن ومشروعية زواج الجن من اإلنس‪،‬‬ ‫ما نزال نسبح في ملكوت من الغيبيات التي‬ ‫تحكم عالقاتنا بالعالم‪ ،‬لدرجة أننا ننفرد‬ ‫بين كل األمم بهذا التعبير الخالق‪« :‬أطالل‬ ‫الحداثة» الذي اشتقّته الكاتبة المصرية‬ ‫فريدة النقاش‪ ،‬لتجيب على ســؤال يُشبه‬ ‫سؤالك‪.‬‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪109‬‬


‫ح ْمد‬ ‫الكاتب والروائي خالد عبدالكريم ال َ‬ ‫جزء من تكويني وحياتي وقرأت لعدد كبير‬ ‫القراء ُة‬ ‫ٌ‬ ‫من الروائيين السعوديين والعرب واألجانب‬ ‫عمل معلما ب ــوزارة الـمـعــارف قبل أكـثــر مــن ‪40‬‬ ‫ع ــامً ــا‪ ،‬انـتـقــل بـعــدهــا إل ــى معهد اإلدارة العامة‬ ‫الذي أثرى تجربته كثيرً ا‪ ،‬وعمل موظفً ا وأستاذًا‬ ‫وإداريـ ـ ــا ف ـيــه‪ ،‬وم ــا أتـ ــاح ل ــه م ــن ف ــرص ال ــدراس ــة‬ ‫بالواليات المتحده‪ ،‬وبعد تخرجه حضر العديد‬ ‫من المؤتمرات والندوات والحلقات داخل المملكه‬ ‫وخارجها‪.‬‬ ‫شكّ لت القراءة وعيه وثقافته ومكّ نته من الكتابة‪ ،‬تعلّم من‬ ‫تجربته اإلدارية قيم العمل؛ مثل‪ :‬الوالء‪ ،‬األداء المنتج‪ ،‬اإلخالص‪ ،‬قيمة الوقت‬ ‫وإدارته‪ ،‬ومهارات قيادية‪ ..‬الخ‪ ،‬أما المواقف فأكتسب منها ما واجه به المشكالت‬ ‫الحياتية‬ ‫أصــدر حتى عــام ‪2017‬م عملين روائـيـيــن هما "أم شمل" و "الحلم المعلّق"‪،‬‬ ‫ويؤكد أنه ال يستطيع أن يقول إنه قال في عمل أو عملين كل ما يريد‪ .‬وال يظن‬ ‫روائيا أو كاتبا يستطيع أن يقول كل ما يريد التعبير عنه فيما يكتب‪ .‬كتب بين عام‬ ‫‪1413‬ه ـ ‪1417 -‬هــ‪ ،‬في الملحق الثقافي بالجزيرة‪ .‬وكان مشغوال بالهمِّ الثقافي‪،‬‬ ‫كما يتابع ويقرأ المشاريع الثقافية العربية‬ ‫يقول الكاتب خالد عبدالكريم الحمد إننا نتأثر بتجاربنا وما نمر به‪ .‬وإن‬ ‫تجربته بالمجلس البلدي كانت مزعجة‪ ،‬إذ لــم يحقق فيها الـهــدف الــذي كان‬ ‫يرجوه ولم تحققه الــدورات التى قبله وال التى بعده؛ لذلك‪ ،‬استقال‪ ،‬وكتب في‬

‫‪110‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫استقالته لــوزيــر الـشــؤون البلدية والـقــرويــة‪" :‬إذا كنت فــي عمل‪ ،‬ولــم تستطع أن‬ ‫تحقق هدفك فيه‪ ،‬فمن العبث أن تستمر فيه"‪ ،‬المجالس البلدية رغم صالحياتها‬ ‫الــواس ـعــة مـكـ ّبـلــة ب ـشــراك األم ــان ــات؛ ول ـهــذا رأي ــت أنـنــي لــو اسـتـمــريــت فــي العمل‬ ‫بالمجلس سأخون تجربتي في اإلدارة‪.‬‬ ‫صدر له عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت رواية (الحلم المعلّق) في‬ ‫‪ 270‬صفحة‪ .‬قــدّ م للرواية األستاذ الدكتور الهادي العيادي أستاذ األدب العربي‬ ‫الحديث بكلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪ .‬تدور أحداث الرواية بين‬ ‫الجوف وأمريكا بين الفضاء الضيق والفضاء الــواســع‪ ،‬وتتناول أوجــاع الجوف‬ ‫التنموية‪ .‬يحمل بطل الــروايــة حلما معلقً ا للجوف‪ ،‬كقنديل يلوح في الظالم‬ ‫البعيد‪ ،‬يشغله ويشغل به مَن حوله!‬ ‫■ حاوره‪ :‬احملرر الثقايف‬

‫ ¦كيف تُعرِّف نفسك لقراء الجوبه؟‬ ‫‪ρ ρ‬أن ــا قـ ــارئ أدمـ ــن ال ــق ــراءة مــن الصف‬ ‫السادس االبتدائي‪ .‬وخالل هذه الرحلة‬

‫الطويلة قــرأت الكثير من الكتب‪ .‬كان‬ ‫لي مكتبة خاصة تحتوى على أكثر من‬ ‫«‪ »100‬كتاب‪ ،‬عندما كــان عمري سبعة‬ ‫عشر عامًا‪ ،‬وكنت وقتها مدرسً ا بالمرحلة‬ ‫االبتدائية‪ .‬أذكــر أنها كانت تضم كتبًا‬ ‫من مؤلفات‪ :‬العقاد‪ ،‬والمنفلوطي‪ ،‬وطه‬ ‫حسين‪ ،‬وأنــيــس منصور‪ ،‬وعمر فــروخ‪،‬‬ ‫ومارون عبود‪ .‬وفيها من المعاجم المورد‪،‬‬ ‫ومختار الصحاح‪.‬‬

‫في «‪ »2..‬يوم‪ ،‬وكتاب طه حسين «األيام»‪،‬‬

‫ورواية البؤساء لفكيتور هيجو‪ .‬وغيرها‬ ‫مما أحتوت عليه مكتبتي‪ .‬إلى جانب ذلك‬

‫كنت أتردد على مكتبة األمير عبدالرحمن‬

‫السديري التي كانت مقابل المدرسة التي‬ ‫كنت أعمل بها مدرسً ا‪ .‬ففتحت القراءة‬ ‫عالم عشت كل ما فيه من‬ ‫لي بابًا على ٍ‬

‫إثارة وفتون وسحر ومتعة وثروة‪ .‬القراءة‬

‫جزء من تكويني وحياتي‪ ،‬عال ٌم جميل‪،‬‬ ‫شعرت معه ومــا أزال أشعر أن العالم‬ ‫ملكي‪ ،‬والنجوم مراكبي‪.‬‬

‫الــقــراءة ليست تــر ًفــا بالنسبة لــي‪ ،‬بل‬

‫هــي ضـــرورة حياتيه؛ فكما مــا تحتاج‬

‫قرأت آنذاك بنهم رسالة الغفران ألبي‬

‫أجسامنا للغذاء‪ ،‬نحتاج الــقــراءة لبناء‬

‫وأول ديوان لنزار قباني‪ ،‬ومذكرات مهاتما‬

‫يصبح ضعيف البنية‪ ،‬ومن ال يقرأ يظل‬

‫العالء المعري ‪-‬رسالته البــن القارح‪-‬‬

‫ثقافتنا ووعــيــنــا‪ .‬مــن ال يتغذى جيدًا‬

‫غاندي‪ ،‬وكتاب أنيس منصور حول العالم‬

‫هزيل بوعيه وثقافته‪ .‬وباختصار‪ ،‬القراءة‬ ‫ً‬

‫مواجهات‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪111‬‬


‫وافقوا على نشره‪.‬‬ ‫أم ــا الــعــمــل اإلب ــداع ــي‪ ،‬فــفــي تقديري‬

‫ليس له خطة‪ .‬هو لحظة هاربة متفلتة‬

‫تنطلق دون أن تخطط لها‪ .‬وهنا أشير‬ ‫لرواية «الزمن الضائع»‪ ،‬من سبعة أجزاء‬ ‫وأخذت شهرة عالمية للروائي الفرنسي‬

‫مارسيل بــروســت‪ .‬كــان مارسيل عائدا‬ ‫لبيته‪ ،‬وكان المناخ باردًا جدًا وممطرًا في‬

‫تلك الليلة‪ ،‬فلم يستطع مواصلة السير‬ ‫لمنزله‪ ،‬فخطر له أن يتوقف بمنزل جدته‬

‫القريب‪ ..‬وينتظر حتى يتحسن الجو‪ .‬في‬ ‫منزلها قدمت له كوبًا من الشاي الساخن‬ ‫والكعك‪ ،‬وعندما غمس الكعك في الشاي‪،‬‬

‫ووضعه طريًا في فمه‪ .‬انفلت خياله لزمن‬

‫طفولته‪ .‬هرب من لحظته للماضي البعيد‬ ‫لبيتهم الــقــديــم‪ ..‬الــحــديــقــة‪ ..‬الــشــوارع‬

‫وعي ونوافذ مفتوحة على‬ ‫حياة‪ ،‬وتشكيل ٍ‬

‫الضيقة‪ ..‬مالعب الصبا مع األطفال‪.‬‬

‫إنسانًا تائهًا في ليلة مظلمة بصحراء‬

‫الضائع»‪ .‬التي لم يفكر بها قبل دخول‬

‫العالم‪ ،‬ومــن حــرم من هــذا العالم أراه‬

‫فكانت والدة عمله الرائع المبدع «الزمن‬

‫مقفرة‪ .‬شخص لم يدرك أن وراء حلكة‬

‫منزل جدته!‬

‫ظالم الصحراء صب ٌح شفيف النور يغمر‬

‫اآلن‪ ،‬ال أفكر بإنتاج أي عمل تسميه‬

‫ ¦الـعـمــل الـثـقــافــي ال يـتــوقــف غــالـبــا لــدى‬

‫منغمسً ا بالكتابة دون أن أخطط أو أفكر‬

‫الروابي والجبال‪..‬‬ ‫المبدع‪ .‬ما هو جديدك أستاذ خالد؟‬

‫إبــداعً ــا‪ .‬قــد تأتي لحظة أجــدنــي فيها‬ ‫بإنتاج عمل‪ ..‬ال أدري‪.‬‬

‫عمل ¦مَ ـ ـ ـ ــن هـ ـ ــم ال ـ ـ ــروائـ ـ ـ ـي ـ ـ ــون الـ ـ ــذيـ ـ ــن ت ـس ـعــى‬ ‫‪ ρ ρ‬ل ــدي عــمــل تــحــت الــطــبــع‪ ،‬لــيــس ً‬ ‫لمجاراتهم‪ ،‬أو تتطلع لمجاراتهم حين‬ ‫إبــداعــيــا‪ .‬كتاب «اســتــراحــة إداري» هو‬ ‫اآلن بيد النادي األدبي الثقافي بالجوف‪،‬‬

‫تكتب؟‬

‫ســيــقــومــون ب ــإص ــداره وتــوزيــعــه بــعــد أن ‪ ρ ρ‬ق ــرأت لــعــدد كبير مــن الــروائــيــيــن‪ ،‬من‬

‫‪112‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫السعوديين والعرب واألجانب‪ ،‬وفي مكتبتي‬

‫روايـــات لمشاهير الــروائــيــيــن‪ ،‬منهم من‬ ‫حصل على جوائز عالمية‪ ،‬وبعضهم حصل‬ ‫على جائزة نوبل‪ .‬وفــي مكتبتي أكثر من‬

‫«‪ »300‬رواي ــة‪ ،‬والحق أنني ال أبحث عن‬

‫مجاراة أحــد‪ .‬أمــا إذا كــان ال بد من ذكر‬

‫أسماء‪ ،‬فشدني من الروائيين السعوديين‬ ‫محمد حسن علوان‪ ،‬رجــاء عالم‪ ،‬مقبول‬ ‫العلوي‪ .‬ومــن العرب‪ :‬أحــام مستغانمي‪،‬‬

‫واسيني األعرج‪ ،‬حيدر حيدر‪ ،‬زياد محافظه‬ ‫فــي «ن ــزالء العتمة»‪ ،‬ومحمد شكري في‬

‫«الخبز الحافي»‪ .‬ومــن العالميين شدني‬ ‫وقـ ــرأت‪ :‬فــاوســت لجيته‪ ،‬دون كيخوت‪،‬‬

‫لثرباتس‪ ،‬وجبرائيل ماركيز في «مئة عام‬ ‫من العزله»‪ ،‬العجوز والبحر لهمنجواي‪،‬‬ ‫العنف والصخب لوليم فوكنر‪ ،‬وغيرهم مما‬ ‫ال يتسع المجال لذكرهم‪ .‬ومن الروايات‬

‫التي تلعب بمشاعرك وأحاسيسك قرأت‬

‫بتأثر إنساني بالغ‪ ،‬روايــة «كوخ العم توم»‬

‫لألمريكية هرييت ســتــاو‪ .‬وروايـ ــة «آغــا‬ ‫غوك» للكندي آيف تيريو‪.‬‬

‫ ¦يحسب لــك تـعــدد الـتـجــارب والـحـيــوات‪.‬‬

‫تجربتي في كتابة الرواية هي‬ ‫تجربة محدودة ومتواضعة‬ ‫تجربتي كثيرًا‪ ،‬موظفًا وأستاذًا وإدار ًيــا‪،‬‬ ‫وما أتاح لي من فرص الدراسة بالواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬وبعد تخرجي حضور العديد‬

‫من المؤتمرات والندوات والحلقات داخل‬

‫المملكة وخارجها‪ .‬أو من خالل قراءاتي‬ ‫المتعددة‪ ،‬أو حتى المواقف التي مررت‬

‫بها حلوها ومرها‪ .‬كل هذا شكّل سلوكي‬ ‫وتعاملي اإلنساني مع اآلخر‪ ،‬وممارساتي‬

‫الحياتية‪ ،‬وما أحمل من قيم‪ .‬فالقراءة‬ ‫شكلت وعــيــي وثــقــافــتــي‪ ،‬ومكّنتني من‬

‫الكتابة‪ ،‬تجربتي اإلدارية تعلمت منها قيم‬

‫العمل‪ ،‬مثل‪ :‬الوالء‪ ،‬قيمة األداء المنتج‪،‬‬ ‫اإلخالص‪ ،‬قيمة الوقت وإدارته‪ ،‬ومهارات‬

‫قيادية‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫أما المواقف‪ ،‬فاكتسبت منها ما أواجه‬

‫به المشكالت الحياتية‪ ،‬وما أحــاول به‬ ‫أن أغـلّــب الخير على الشر داخــلــي ما‬

‫استطعت‪.‬‬

‫فكيف أث ــر ذل ــك فــي شخصيتك وأث ــرى ¦أصدرت حتى عام ‪2017‬م عملين روائين‪،‬‬ ‫تجربتك في الكتابة؟‬

‫هل استطعت أن تقول ما تريد عبرهما؟‬

‫‪ ρ ρ‬التجربة هي المخزون والرصيد الذي ‪ ρ ρ‬وأن ــا أكــتــب‪ ..‬طــرحــت كــل ال ــذي انثال‬ ‫أملكه اآلن‪ ،‬سواء ما حصلت عليه أثناء‬

‫على لسان قلمي‪ ،‬ولــم أمــارس الرقابة‬

‫أو من معهد اإلدارة العامة الــذي أثرى‬

‫قلت في عمل أو عملين كل ما أريد‪ .‬وال‬

‫عملي معلمًا ب ــوزارة المعارف آنــذاك‪،‬‬

‫مواجهات‬

‫عليه‪ .‬لكنني ال أستطيع أن أقــول إنني‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪113‬‬


‫أظن روائيًا أو كاتبًا يستطيع أن يقول إنه‬

‫وال التي بعدي؛ ولذلك‪ ،‬استقلت‪ ..‬وكتبت‬

‫يقول أحد المؤلفين لو بقيت أراجــع ما‬

‫والقروية «إذا كنت في عمل ولم تستطع‬

‫كتبي؛ ألنني كلما راجعت مسودتي أضفت‬

‫فيه»‪ .‬المجالس البلدية رغم صالحياتها‬

‫طباعة مؤلفاتنا‪.‬‬

‫رأيت أنني لو استمريت العمل بالمجلس‬

‫قال كل ما يريد التعبير عنه فيما يكتب‪.‬‬

‫فــي استقالتي لــوزيــر الــشــئــون البلدية‬

‫كتبت لما دفعت للمطبعة بأيّ كتاب من‬

‫أن تحقق هدفك‪ ،‬فمن العبث أن تستمر‬

‫وحذفت‪ .‬ويظهر هذا عندما نقوم بإعادة‬

‫بشراك األمانات! ولهذا‬ ‫الواسعة مكبلة ِ‬

‫ ¦فــي رواي ــة الحلم المعلّق كــانــت منطقة‬

‫سأخون تجربتي اإلدارية‪ .‬أقول هذا بكل‬

‫الـجــوف مـحــور العمل وهــويـتــه‪ ،‬هــل أدى‬ ‫ذلك لسالسة النص أم تقييدة؟‬ ‫تفاعلت معها‬ ‫ُ‬ ‫‪ ρ ρ‬رواي ــة «الحلم المعلّق»‬ ‫وعشت لحظات كتابتها مغمورًا بلحظات‬

‫تملكت تــمــا ًمــا قــلــمــي ووعــيــي كــثــي ـرًا‪،‬‬

‫فطرحت فيها أجناسً ا من األدب التي‬

‫قال عنها األستاذ الدكتور العيادي جاءت‬

‫مزيجً ا من الشعر والنثر‪ .‬كنت منغمسً ا‬

‫بالكتابة خارج اللحظات التي كنت أكتب‬ ‫فيها وخــارج الزمن‪ .‬قلت فيها ما خطر‬ ‫لي‪ ،‬ولم أ ُقيّد النص‪ ،‬فجاءت بانسيابية‬

‫وبدون تحفظ‪.‬‬

‫ ¦يـ ــأتـ ــي ال ـ ـنـ ــص بـ ـع ــد خـ ــوضـ ــك ل ـت ـجــربــة‬

‫صدق وشفافية‪ ،‬وما ورد في الرواية من‬

‫إرهاصات‪ .‬فالتجربة جزء مما نعيشه‪.‬‬ ‫أمــا مــا قــالــه بعض الــقــراء إنــنــي عنيت‬ ‫ـاصــا بــذاتــهــم بــأســمــاء مستعارة‪.‬‬ ‫أشــخـ ً‬

‫فــهــذا ليس صحيحً ا ذلــك أن الــروايــة‬ ‫عمومًا تقوم على الرمزية‪ ،‬وال تستهدف‬

‫أشخاصا بذاتهم‪ ،‬الرواية عمومًا تلمس‬ ‫ً‬ ‫معاناة اإلنسان في كافة جوانبها‪ .‬ولذلك‬

‫كان المحور معاناة «الجوف» وعشقها‪.‬‬ ‫مقال ذات يوم عنونته‬ ‫ً‬ ‫والتي كتبتُ عنها‬

‫«الحسناء الشاحبة»‪ ،‬وكــان واحــدًا من‬ ‫العديد مــن المقاالت التي كتبتها عن‬

‫الجوف‪.‬‬

‫رئاسة المجلس البلدي وخــروجــك منه ¦ي ـم ـتــدح أ‪ .‬د الـ ـه ــادي الـ ـعـ ـي ــادي‪ /‬أس ـتــاذ‬ ‫باستقالة‪ .‬هــل أردت أن تحقق بالرواية‬ ‫األدب الحديث تجربتك في رواية الحلم‬ ‫مالم يمكن تحقيقه بالواقع؟‬ ‫‪ ρ ρ‬من المؤكد أننا نتأثر بتجاربنا وما نمر‬

‫المعلق؛ ففيها كتابة سردية بــروح تمزج‬ ‫بين الشعر والنثر‪ .‬كيف ترى ذلك؟‬

‫بــه‪ .‬وتجربتي بالمجلس تجربة كانت ‪ ρ ρ‬فــي الــبــدء‪ ،‬أجــدهــا فــرصــة ومناسبة‬ ‫مزعجة‪ ،‬لم أحقق فيها الهدف الذي كنت‬ ‫ممتازة أن أقدم شكري الجزيل‪ ،‬شكرًا بال‬ ‫أرجــوه‪ ،‬ولم تحققه الــدورات التي قبلي‬

‫‪114‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫سقف‪ ،‬لألستاذ الدكتور الهادي العيادي‪.‬‬

‫مواجهات‬


‫الذي كتب رأيه بالرواية وهو ال يعرفني‬

‫وما أريد أن أقول‪ .‬وفي كتابة أوراق العمل‬

‫يقابلني حتى اآلن؛ ولهذا أشعر بقيمة‬

‫أما العمل اإلبداعي سواء أكان روائيًا أم‬

‫من قبل‪ ،‬ولم يسمع عني ولم أقابله ولم‬

‫ما كتب وأثمّنه‪ .‬مسودة الرواية وصلت‬

‫لألستاذ الدكتور العيادي من الشخص‬ ‫الذي عرضت عليه قراءة الرواية وطلبت‬ ‫رأيه فيها‪ ،‬وهو الدكتور فتحي الخليفي‬

‫أستاذ األدب بجامعة الحدود الشمالية‪،‬‬ ‫والــذي لم أعرفه هو أيضا حينها‪ ،‬ولم‬

‫أقابله إال بعد طباعة الرواية وصدورها‪.‬‬ ‫أعــطــيــت فــي الــبــدء الــمــســودة للدكتور‬

‫سلطان عقال المرشد بالجامعة «عضو‬ ‫مجلس الشورى حاليا»‪ ،‬وطلبت منه إن‬

‫هناك خطوات ومنهج ال يخضع للهاجس‪.‬‬ ‫شعرًا‪ ،‬فهو حالة خروج وانفالت وتمرد‬ ‫على المألوف‪ ،‬وكلما كــان كذلك كانت‬

‫قيمته اإلبداعية‪ .‬اإلبداع في تقديري ال‬ ‫يعرف القيود وال الهواجس أو المواقف‪.‬‬ ‫هو حالة استثنائية أفقها مفتوح‪ ،‬هاربة‬

‫فاتنة آسرة متحررة جريئة عذبة‪ ،‬تنطلق‬ ‫من أغــال تخترق رتابة الــواقــع بحدة‪.‬‬

‫يتفتق فيها الحرف كما تتفتق البراعم‬ ‫والزهور على أغصان الشجر‪ .‬تحلق كما‬

‫تحلق الطيور في مسبح الكون‪.‬‬

‫كان يعرف من أساتذة األدب بالجامعة ¦هل ترى الساحة الثقافية العربية باتت‬ ‫من يعطيني رأيه بالرواية ليعرضها عليه‪.‬‬ ‫أفضل حاال أم أنها في نكوص؟‬

‫سلمها للدكتور فتحي الخليفي الذي بعد‬

‫قراءتها صار بيني وبينه اتصال هاتفي‪،‬‬ ‫فأثنى على الــروايــة‪ ،‬وع ــرض عــلــيّ أن‬

‫يبعثها بالبريد لألستاذ الدكتور الهادي‬ ‫العيادي بتونس‪ ،‬فأرسل المسودة للعيادي‬ ‫في تونس الذي قرأها وكتب رأيه المنشور‬

‫بالرواية‪ ،‬مقدمة للرواية‪ .‬مشكورا‪ ،‬قبل‬ ‫أن أكلمه أو أتواصل معه‪.‬‬

‫‪ ρ ρ‬بين عام ‪ 1413‬هـ ‪ 1417 -‬هـ‪ ،‬كتبت في‬ ‫الملحق الثقافي بالجزيرة‪ .‬كنت مشغوال‬ ‫بالهم الثقافي‪ ،‬وأتابع وأقــرأ المشاريع‬

‫الثقافية العربية‪ ،‬لمحمد عابد الجابري‪،‬‬ ‫عبداهلل العروي‪ ،‬حسن حنفي‪ ،‬زكي نجيب‬ ‫محمود‪ .‬وغيرهم‪ ،‬ولمهتمين أيضا بشأن‬ ‫الثقافة والفكر والنقد‪ :‬علي حرب‪ ،‬نصر‬

‫حامد أبو زيد‪ ،‬إدوارد سعيد‪ ،‬عبداإلله‬

‫ ¦مــا هــو تأثير الـهــواجــس الـتــي تشعر بها‬

‫بلقزيز‪ ،‬محمد أركـــون‪ ،‬طيب تيزيني‪،‬‬

‫‪ ρ ρ‬فــي كتابة الــمــقــال أكــتــب عــن موضوع‬

‫محمود أمين العالم‪ ،‬برهان غليون‪ ،‬هاشم‬

‫والمواقف التي تمر بها في كتابتك؟‬ ‫محدد ومرصود في فكرته وموضوعه‪،‬‬

‫وعندما أبدأ‪ ..‬تنثال على قلمي األفكار‬

‫مواجهات‬

‫صـــادق ج ــال الــعــظــم‪ ،‬جــمــال بـــاروت‪،‬‬ ‫جعيط‪ ،‬الصادق النهيوم‪ ..‬وغيرهم‪ ،‬مما‬

‫ال يتسع المجال لذكرهم‪.‬‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪115‬‬


‫جائحة كورونا تحدت األنسان‬ ‫وكشفت ضعفه و ستترك العالم‬ ‫بندوب وجروح عميقة‪ ،‬و أسقطت‬ ‫ورقة التوت عما كنا نظن أن الغرب‬ ‫يملكه من تقدم صحي مذهل‬ ‫بعد تــقــاعــدي‪ ،‬ب ــدأت أكــتــب بإخبارية‬

‫الجوف اإللكترونية «مــراســي»‪ ،‬فكتبت‬

‫مقال عنونته «ثقافة الزوابع»‪ ،‬وفي المقال‬ ‫ً‬

‫ذكرت إنه منذ أن كتب طه حسين «الشعر‬ ‫الجاهلي»‪ ،‬وعلي عبدالرازق «اإلســام‬ ‫وأصـ ــول الــحــكــم»‪ ،‬مــــرورًا بــأزمــة نصر‬

‫حامد‪ ،‬والحملة على حيدر حيدر وروايته‬

‫«وليمة ألعشاب البحر» وديوان أبو نواس‪.‬‬

‫والنقد الذي ضيّع جورج طرابيشي عمره‬

‫ووقته فيه‪ ،‬يتعقب مؤلفات محمد عابد‬

‫الجابري ثماني سنوات‪ ،‬وثقافتنا ثقافة‬

‫مبعثرة لــم يجمعها جامع يعكس آمــال‬ ‫الــمــثــقــف واإلنـ ــسـ ــان الــعــربــي عــمــو ًمــا‬

‫وطموحاته‪.‬‬

‫المنظمات العربية المعنية بهذا الشأن لم‬ ‫فاعل‪ ،‬والشاهد أن خططها‬ ‫ً‬ ‫يكن دورها‬

‫الثقافية منذ مطلع السبعينيات لم تحقق‬ ‫إال نتائ َج محدودة‪ .‬أما الجامعات فهي‬

‫قالع أكاديمية معزول بعضها عن بعض‬

‫وعن المجتمعات‪ .‬نحتاج برامج ثقافية‬ ‫عربية في إطار عربي شامل يعزز قدرة‬

‫الثقافة العربية على المنافسة والندية؛‬

‫ثقافة مبدعة لها امتداد إنساني بعيد‬ ‫وعميق‪ .‬في هــذا الــفــراغ ظلت الثقافة‬ ‫العربية مع كل محاولة تجديد وإبــداع‬

‫تواجه اختالف الرأي بالسالح وبالهجوم‪.‬‬

‫إنها في تقديري في تراجع ونكوص!‬

‫متاريس وزوابع‪ ،‬راح ضحية الرأي والفكر ¦هل تكتب الرواية كعمل متخيل؟ أم أنك‬ ‫ت ـحــاول ربـطـهــا بــالــواقــع وحتمية دخــول‬ ‫فيها حسين مروه‪ ،‬ومهدي العالم‪ ،‬وأجبر‬

‫سيد القمني على التخلي عن مؤلفاته‪،‬‬ ‫وتعرض نجيب محفوظ لالغتيال‪ .‬نحن‬

‫الـسـيــرة‪ .‬م ــاذا عــن ارت ـبــاط رواي ــة الحلم‬ ‫المعلق بسيرة (سكاكا)؟‬

‫أول على أن تجربتي‬ ‫ننقد ونهاجم ونتمترس قبل أن نقرأ‪ .‬على ‪ ρ ρ‬ال بد من التأكيد ً‬ ‫الساحة الثقافية كل مفكر وناقد ومثقف‬ ‫في كتابة الــروايــة هي تجربة محدودة‬

‫يحمل تحت عباءته أيدلوجيته‪.‬‬

‫إن مهمة الثقافة السائدة مهمة سهلة‬

‫ومركبها ليّن‪ ،‬إنها ثقافة المألوف‪ ،‬أما‬ ‫محاوالت التغيير فهي تتم في مجملها‬ ‫في حــدود ضيقة وعلى مستوى فردي‪،‬‬

‫كالمشاريع التي أشــرت إليها‪ ،‬فراحت‬

‫‪116‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ومتواضعة‪ .‬تجربتي في الحلم المعلق‬ ‫رغــم أنــه ينظر اليها على أنــهــا سيرة‬

‫«للجوف»‪ ،‬وقال عنها العيادي إنها مهداة‬

‫للجوف أكثر من القراء‪ ،‬ولكنها ال تخلو‬ ‫من الخيال الذي المس الواقع ربما بشكل‬

‫مباشر‪ ،‬الحلم المعلق حالة من العشق‬

‫مواجهات‬


‫والوجع مما أصاب المعشوقة‪ .‬وتطويقها‬

‫بحلم ظــل مــعــلـ ًقــا‪ ،‬وظ ــل أه ــل الــجــوف‬

‫يبحثون عنه عند منبت الشمس‪ .‬حلم‬ ‫سيعذب ضمير الزمن‪ .‬رواية «أم شمل»‬ ‫يُلحظ فيها الخيال أكثر‪ ،‬فكل أحداثها‬ ‫تدور في المتخيل‪ ،‬رغم أنها كانت ترصد‬

‫فترة زمنية لواقع معاش‪.‬‬

‫ ¦كيف ترى صدى رواياتك وما هو العمل‬ ‫الذي حقق أكبر صدى؟‬ ‫‪ ρ ρ‬لم أتابع ذلــك بشكل أستطيع معه أن‬ ‫أبــدي رأ ًيــا محددًا بهذا‪ ،‬لكن من خالل‬

‫حسابي بتويتر والــســؤال عــن الــروايــة‬

‫وكيفية الحصول عليها‪ .‬أعتقد أن رواية‬ ‫الحلم المعلق‪ .‬أخــذت صــدىً واهتمامًا‬

‫أكثر من «أم شمل» خاصة بالجوف‪ .‬ولعل‬ ‫هذا يبين لي أكثر في طبعة الحلم الثانية‬

‫التي أعمل عليها والتي سيتاح لها توزيعًا‬

‫أكثر من الطبعة األولى بالمنطقة‪.‬‬

‫ ¦ه ــل ت ــذك ــر أس ــات ــذت ــك الـ ـق ــدام ــى وم ــدى‬ ‫تـ ــأث ـ ـيـ ــرهـ ــم فـ ـ ــي ش ـخ ـص ـي ـت ــك وب ـن ـي ـت ــك‬ ‫الثقافية؟‬

‫حمود مريحيل المبارك‬

‫م ـدّنــي بكتاب «عصاميون عظماء من‬ ‫الشرق والغرب» لمحمد فريد أبو حديد‪،‬‬ ‫ولم يصعب عليّ قراءته؛ ألنه كان سيرة‬ ‫مختصرة لعلماء ومشاهير‪ .‬لكن الكتاب‬ ‫فتح لي أفقًا جديدًا‪ ،‬بعده صار يمدني‬ ‫بالكتب‪ ،‬فــقــرأت فــي ظــال الــزيــزفــون‪،‬‬ ‫والفضيلة‪ ،‬ومن ثم لـ طه حسين‪ ،‬إلى أن‬ ‫ك ّونْتُ مكتبتي الخاصة‪ ،‬فيما بعد‪.‬‬ ‫بالمدرسة على المستوى التعليم الرسمي‬ ‫كان أستاذنا محمد إبراهيم مسامح رحمه‬ ‫اهلل في المرحلة االبتدائية يدرسنا اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وكان في حصة المطالعة يشدنا‬ ‫بالقصص الشيقة آنــذاك‪ .‬عــاء الدين‬ ‫والفانوس السحري‪ ،‬علي بابا‪ ،‬األرنــب‬ ‫فيروز وغيرها‪ ،‬فكان له تأثير بيّن في‬ ‫حبي للغة العربية والقراءة‪.‬‬

‫‪ ρ ρ‬تشكيل وعــيــي الثقافي وبــدايــة بنيته‬ ‫أر ّدهُ لصديقي وأستاذي الذي لم أدرس‬ ‫عنده‪ ،‬األخ حمود مريحيل المبارك‪ ،‬أم ّد‬ ‫اهلل بعمره‪ .‬أذكــره وأشكره بكل مناسبة‬ ‫وال أتــــردد‪ .‬ك ــان هــو مــن فــتــح لــي بــاب‬ ‫القراءة وحفزني لها في الصف الخامس ¦هــل ُتـطـلــع أحـ ــدً ا مــا عـلــى رواي ــات ــك قبل‬ ‫نشرها؟‬ ‫االبــتــدائــي‪ .‬فــي تلك المرحلة المبكرة‬

‫مواجهات‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪117‬‬


‫‪ ρ ρ‬نــعــم أطــلــعــتُ عــلــى مــســودة الــروايــتــيــن‬

‫الــثــقــافــات الــطــرفــيــة وأذاب ــه ــا بمحلول‬

‫الرواية األولى قرأ مسودتها األخوة عقل‬

‫الزمن اآلني وثقل دورته وسرعتها أصاب‬

‫الدرعان‪ ،‬عبداهلل الظاهر‪ ،‬حاتم عثمان‬

‫كثيرًا في قيم اإلنسان التراثية التقليدية‪،‬‬

‫عرضتها على متخصص‪ ،‬الدكتور فتحي‬

‫وجــمــاع ـ ًيــا وعــاقــتــه بــالــعــالــم‪ .‬حصون‬

‫العيادي‪ ،‬فقدّم للرواية‪ .‬كذلك في رواية‬

‫ثقافته ووعيه وإنسانيته رهين الثقافة‬

‫عليه وقرأها وزودني برأيه أقل بكثير من‬

‫ ¦مــا الــذي يدهشك وأنــت تــرى التحوالت‬

‫عددًا من اإلخوة الذين وثقتُ في رأيهم‪.‬‬

‫الضميري‪ ،‬فيصل البحيران‪ ،‬عبدالرحمن‬

‫الهوية والفاعل الثقافي في مقتل! وغيّر‬

‫وزودونــــي بــآرائــهــم المتباينة‪ ،‬ومــن ثم‬

‫وقــوض كثيرًا من معاني وجــوده فرديًا‬

‫الخليفي‪ ،‬حتى وصلت لألستاذ الدكتور‬

‫الثقافة لم تعد قائمة‪ .‬اإلنسان بتشكيل‬

‫أم شــمــل‪ ،‬ولــكــن الــعــدد ال ــذي عرضتها‬

‫األحادية واحتوائها له‪.‬‬

‫الرواية األولى‪.‬‬

‫ ¦ك ـي ــف ت ـ ــرى ث ـق ــل دورة الـ ــزمـ ــن وس ــرع ــة‬

‫وال ـج ــوائ ــح ت ـج ـتــاح ال ـع ــال ــم‪ ،‬وك ـيــف تــرى‬ ‫تأثيرها عليه؟‬

‫الـ ـتـ ـح ــوالت وم ـ ــدى ان ـع ـك ــاس ذلـ ــك على‬

‫‪ ρ ρ‬مــا يجري بالعالم أدهــش البشرية كلها‪،‬‬

‫معزول كما كان محصنا‬ ‫ً‬ ‫‪ ρ ρ‬لم يعد اإلنسان‬

‫وما أحدثته من دمــار‪ .‬أربــك العالم نفسيًا‬

‫العولمة وتطور التقنية واالتصال‪ ،‬وهو‬

‫الكثير‪ ..‬الكثير في العالم‪ .‬عرّضت الدول‬

‫سرعة التحوالت اليومية هي األزمة التي‬

‫بعضا باإلغالقات والتباعد‪.‬‬ ‫العالم عن بعضه ً‬

‫مزعج‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل ســريـ ٍـع‬ ‫ٍ‬ ‫تتدفق المعلومة‬

‫طويل‬ ‫ً‬ ‫التعافي مما أحدثته الجائحة وقتًا‬

‫انهارت سدود األمن الثقافي مع العالم‬

‫الجائحة االقتصاد العالمي‪ ،‬وأنهكت القطاع‬

‫الثقافة واإلنسان؟‬

‫فــســرعــة الــجــائــحــة وانــتــشــارهــا وتحولها‬

‫من الوافد‪ .‬العالم أصبح قرية صغيرة مع‬

‫واقــتــصــاد ًيــا واجتماعيًا‪ .‬غـ ّيــرت الجائحة‬

‫واقع مذهل وضاغط في الوقت نفسه‪.‬‬

‫لخسائر فادحة؛ بشرية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬وعزلت‬

‫ترهق اإلنسان ويواجهها نفسيًا وماديًا‪،‬‬

‫غيّرت في كل ما هو حياتي وحولنا‪ ،‬وسيحتاج‬

‫يصعب مالحقتها ومواكبة المنتج‪.‬‬

‫السبراني واخــتــرق كــل الــحــواجــز‪ ،‬ولم‬

‫يستطع الرقيب رقــابــة المنتج الــوافــد‬ ‫وف ــرزه‪ .‬تراجع الزمن المكاني‪ ،‬وتسلل‬ ‫الــزمــن اآلن ــي ألطـــراف األرض‪ ،‬فدمّر‬

‫‪118‬‬

‫الثقافة األحــاديــة التي ســادت العالم‪،‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ليتحرر العالم مما هو فيه من إعاقة‪ .‬شلت‬ ‫الصحي حــول العالم؛ فالكلفة والمواجهة‬

‫كانت أكبر من إمكانات القطاع الصحي في‬ ‫كثير من دول العالم إن لم يكن العالم أجمع‪.‬‬

‫لم يستطع العالم احتواءها بسهولة فظل‬

‫مواجهات‬


‫معاقًا أمام مواجهتها‪ ،‬ليس بيده أي سالح‬ ‫لمقاومتها وصــدهــا‪ .‬لقد تحدت اإلنسان‬ ‫وكشفت ضعفه‪ .‬وأكــثــر مــن هــذا أسقطت‬ ‫الجائحة‪/‬الكارثة ورقــة الــتــوت عــن عــورة‬ ‫الغرب‪ ،‬ومــا كنا نظن أنــه يملكه من تقدم‬ ‫صحي مذهل‪ .‬وقف حائرًا عاجزًا‪ ،‬فاختل‬ ‫توازن العالم‪ .‬وحتى اآلن مع اكتشاف اللقاح‪،‬‬ ‫ما يزال اإلنسان مكب ًّل في حركته وحياته‬ ‫ومعزوال‪ .‬وال أظنها ستترك العالم بال ندوب‬ ‫وجــروح عميقة‪ ،‬وظهور دول وسقوط دول‬ ‫على خريطة العالم‪.‬‬ ‫ ¦رأيــك في عبارة «مارتن لوثر كنج االبــن»‬ ‫الكراهية تشلُّ الحياة‪ ..‬والحب يحررها؟‬ ‫‪ ρ ρ‬الكراهية داء‪ ،‬والــحــب دواء‪ .‬الكراهية‬

‫صــحــراء قفر مــوحــشــة‪ .‬والــحــب شــاالت ‪ ρ ρ‬الزمن أسرع من أن تلتقطوا أنفاسكم‪.‬‬ ‫ومضمار السباق إن لم توظفوا طاقاتكم‬ ‫تتدفق‪ ،‬ومساحات خضراء واسعة تتفتق‬

‫براعمها وزهورها نضر ًة جميلة‪ .‬الكراهية‬ ‫انغالق وحصار نفسي واجتماعي‪ ،‬والحب‬ ‫أفق مفتوح على اآلخــر‪ ،‬ومساحات واسعة‬ ‫من الضوء مقابل أقبية مظلمة من الكراهية‪.‬‬ ‫ولكن ال بد هنا من اإلشارة إلى أنني أميز‬ ‫بين ردة الفعل والموقف وبين الكراهية‪.‬‬ ‫ردة الفعل ثورة تأتي عندما تشعر بالجرح‬ ‫أو اإلهانة وقد تطول أو تقصر‪ ،‬والموقف‬ ‫يكون أحيانًا تعبيرًا عن مبدأ‪ .‬وفي كل‬ ‫األحوال التسامح سيد األخالق‪.‬‬ ‫ ¦ما هي كلمتك لجيل الشباب؟‬

‫مواجهات‬

‫ووقتكم وجهودكم وتستثمروها بكفاءة‬ ‫وفــاعــلــيــة‪ ..‬ســتــفــوت عليكم ف ــرص لن‬

‫تستطيعوا تعويضها‪ .‬الزمن ال ينتظر من‬ ‫يتأخر‪ .‬العالم اليوم يقوم على المعرفة‬

‫المركبّة المتغيرة والمولّدة لمعرفة جديدة‬ ‫على نحو ال متناهٍ ‪ .‬ومَن يملكها يسيطر‬ ‫على العالم‪ ،‬فاسعوا المتالكها بكل حيوية‬

‫ونشاط وإص ــرار‪ .‬لقد خــرج العالم من‬ ‫قرن المعرفة القطعية إلى قرن المعرفة‬ ‫المتغيرة بشكل مذهل‪ ،‬ومن يملكها يملك‬ ‫القرار األخير‪ .‬المكسب لمن يكن على‬

‫مستوى التحدي‪.‬‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪119‬‬


‫الم َع َّلق‪..‬‬ ‫الح ُل ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ُ‬

‫الح ْم ْد ومالمحها الجوفية بامتياز‬ ‫لخالد عبدالكريم َ‬

‫■ غازي خيران امللحم*‬

‫ما بين طرفة عين والتفاتتها‪ ،‬ترنّح ناصر‪..‬‬ ‫مادت األرض تحت قدميه‪ ،‬ثم هوى جملة من‬ ‫علياء آماله وطيوف أحالمه مريضا‪ ،‬يصارع‬ ‫األلــم ويكابد أم ــواج االحــتــضــار‪ .‬وكــان كلما‬ ‫راح في غيبوبة ثم عاد من غشاوتها‪ ،‬تأمل‬ ‫في وجوه الحضور ممن يلتفّون حول سريره‪،‬‬ ‫وأخذ يهذي بذاك الحلم القديم الذي ما برح يسكنه‪ ،‬يرسم مالمحه‬ ‫المستقبلية‪ ،‬ويتخيل سبيل الولوج إلى تحقيقه‪.‬‬ ‫لكن وقبل تحقيق حلمه ذاك‪ ،‬كان‬

‫للقدر كلمته‪ ،‬ومضى ناصر إلى جوار‬ ‫ربه‪ ،‬وانتقل إلى رحمة اهلل تعالى‪ ،‬وغادر‬

‫الدنيا بعد عمر عاش جله بعيدا عن‬

‫الجوف‪ ،‬قريبا منه بقلبه وتفكيره‪.‬‬

‫ألقت عصاها واستقر بها النوى‬ ‫كما قر عينًا باإلياب المسافر‬

‫الحمد"‪ ،‬بصمات النهاية على فصول‬ ‫روايته‪" :‬الحلم المعلق"‪ ،‬ذات المالمح‬ ‫الجوفية‪ ،‬التي استهل مجرياتها باإلشارة‬ ‫إلى ناصر الذي يعد األكثر حضورًا في‬ ‫حيثياتها القصصية‪ ،‬ومحور الحدث‬ ‫تــــداول فــي بنيتها الــســرديــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األكــثــر‬ ‫وتسلسل لقطاتها الدرامية‪.‬‬

‫نــاصــر‪ ..‬ذلــك الفتى ال ــذي ترعرع‬ ‫بهذا المشهد األخير والمؤثر‪ ،‬وضع ونشأ في بيت خاله ووسط عائلته وبين‬ ‫األدي ــب والــقــاص‪" :‬خــالــد عبدالكريم أطفاله‪ ،‬على أثر فقده لوالده ثم بعيدًا‬

‫‪120‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫حين وفاة أمه‪ ،‬وهو لم يزل في عمر الزهور‪،‬‬ ‫إال إن الحزن ما برح يالزمه ويالحقه في كل‬ ‫خطوة يخطوها‪ ،‬والتي بدت تتضح معالمها‬ ‫منذ انتسابه للمدرسة والسير في ركابها‬ ‫بتفوق ظاهر‪ ،‬لكن تلك الفترة لم تخ ُل هي‬ ‫أيضا‪ ،‬من بعض الهنات الحزينة والمؤلمة‬ ‫لناصر‪ ،‬فقد فجع بموت أخيه سند‪ ،‬وفراق‬ ‫أخته ليلى عقب زواجها‪ .‬وفي تلك األثناء‬ ‫المضطربة نوعً ا ما من حياة الفتى‪ ،‬تخرج‬ ‫من الثانوية العامة بــدرجــات عالية أهلته‬ ‫لالبتعاث إلى أمريكا والدراسة في إحدى‬ ‫خالد عبدالكريم الحمد‬ ‫جامعتها‪.‬‬ ‫وبساطتها‪ ،‬لم تغادر مخيلته‪ ،‬وظلت حلمه‬ ‫وفي بداية مشواره هناك‪ ،‬تعرض لبعض الكبير الذي ال ينفك يعاوده‪ ،‬ويتلجلج بإصرار‬ ‫المنغصات‪ ،‬كونه لم يألف الكثير من تقاليد في خلجات صدره‪.‬‬ ‫البلد وعجيب عاداته‪ ،‬التي بدت مستنكرة‬ ‫وكوميض البرق انسلت السنون تترى‪،‬‬ ‫وغريبة عليه‪ ،‬لكن مع األيام وانغماسه في ومضت تحث الخطى في سبيلها‪ ،‬وكبر أوالد‬ ‫الــدراســة‪ ،‬بــدأ يتأقلم مــع وضعه الجديد ناصر وحصلوا على شهادات عليا أهلتهم‬ ‫ويعتاد عليه‪ ،‬لكن الحزن ما يــزال يناوشه‪ ،‬لشغل وظائف مناسبة‪.‬‬ ‫فتوفي خاله الــذي كــان بمثابة أمــه وأبيه‬ ‫وهكذا‪ ،‬أمضى ناصر في تلك المفاوز‬ ‫اللذين رحال عنه‪ ،‬لكنه دارى حزنه‪ ،‬وواصل‬ ‫النائية‪ ،‬نحو أربعين سنة‪ ،‬قرر بعدها العودة‬ ‫مسيرته الجامعية‪ ،‬الــتــي تخللتها هــاالت‬ ‫إلى الوطن‪ ،‬واالتكاء على وســادة "الجوف"‬ ‫منوعة من الفرح والترح‪ ،‬تعرف خاللها على‬ ‫األثيرة‪ ،‬وأخذ قسطً ا من الراحة‪ ،‬في ذلك‬ ‫"سلمى"‪ ..‬فتاة عربية كانت تــدرس الطب‪،‬‬ ‫الوسط الذي ما انفك شذاه يعبق بتالفيف‬ ‫وتــشــاطــره العيش بصحبة ذويــهــا فــي بلد‬ ‫االغتراب‪ ،‬ما لبث إن تزوجها بعد فترة من روحــه‪ ،‬ويمنحه النشوة التي كان يفتقدها‪،‬‬ ‫تخرجه‪ ،‬واضطالعه ببعض األعمال هناك‪ ،‬وهو هناك في دهاليز غربته‪.‬‬ ‫وأخــي ـرًا‪ ،‬عــاد ناصر إلــى أرضــه وناسه‬ ‫ورزق منها بربع دسته من األطفال‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تلك التحسينات التي وموئل ذكرياته‪ ،‬فوجدها ما تزال على حالها‬ ‫بدت مالمحها تتجلى في حياة ناصر‪ ،‬إال إن من بدائية‪ ،‬وعدم تطور كان ينشده ويتخيله‪.‬‬ ‫وبفعل الصدمة التي لم يكن يأملها‪ ،‬غادر‬ ‫طيوف "الجوف" بمزارعها البدائية وبيوتها‬ ‫الــقــديــمــة‪ ،‬وطيبة أهلها ونــقــاء سريرتهم ناصر الجوف إلى الرياض حيث مكان عمله‬

‫نوافذ‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪121‬‬


‫الجديد‪ ،‬فاستمر به لفترة ما‪ ،‬لكن حنينه‬ ‫إلى "الجوف"‪ ،‬جعله يقرر العودة إليه ثانية‪،‬‬ ‫ليستثمر جــهــده فــيــه‪ ..‬فــي مسقط رأســه‬ ‫وعشقه األزلي‪.‬‬ ‫صادف العديد من الصعوبات‪ ،‬وتعرض‬ ‫لبعض المواقف واألح ــداث والمضايقات‪،‬‬ ‫ّض حلمه‬ ‫التي لم تكن في الحسبان‪ ،‬مما عر َ‬ ‫لالهتزاز العنيف‪ ،‬وخشي عليه من السقوط‪.‬‬

‫مبارحتها أب ـدًا‪ ،‬كما كان شأنه‪ ،‬وقضاء ما‬ ‫بقي له من الحياة فوق ترابها األثير لنفسه‪،‬‬ ‫حتى تحين رحلة العمر األخــيــرة‪ ،‬التي ما‬ ‫لبثت إال هنيهة من زمــان وحلت‪ ،‬وأســدل‬ ‫الستار على مجمل مفرداتها وتفاصيلها‪،‬‬ ‫وأم ــس ــت صــفــحــات مــطــويــة م ــن ســجــات‬ ‫الماضي ومدونات العمر الذي انقضى‪.‬‬

‫لكن طيب المكان وسحره العفوي‪ ،‬بعث‬ ‫فيه األمل من جديد‪ ،‬فعاد يتشبث بتالبيب‬ ‫حلمه المعلق‪ ،‬الذي تُوّج بالوصول المفاجئ‬ ‫لزوجته سلمى مع بعض أبنائه الذين تركهم‬ ‫خلفه في مغتربهم البعيد‪ ،‬فانتابه فر ٌح غام ٌر‬ ‫لم يهنأ به أو يتذوقه من سنين خلت‪ .‬وهكذا‬ ‫التأم شمل العائلة مجددًا‪ .‬ولما كانت طبيعة‬ ‫األيام التقلب‪ ،‬وألمر ما توقف ناصر خاللها‬ ‫عــن اهتماماته السابقة‪ ،‬التي تمثلت في‬ ‫مشاهدة التلفاز وإدمــان القراءة وغيرها‪..‬‬ ‫وعلى غير موعد أو انتظار‪ ،‬تعرض ناصر‬ ‫لفترة سجن وجيزة‪ ،‬بسبب وشاية مزيفة‪،‬‬ ‫للنيل من شخصه وتعكير سمعته‪ ،‬لكنها ما‬ ‫لبثت أن انزاحت وظهر بطالنها‪ ،‬فعاد ناصر‬ ‫إلى بيته وأهله وجيرانه‪ ،‬دون تأثر يذكر بتلك‬ ‫الحادثة‪ ،‬التي باتت بالنسبة إليه مجرد زوبعة‬ ‫في فنجان‪.‬‬

‫عــلــى ه ــذا الــنــســق مــن تـــدرج األحـــداث‬ ‫وانسيابها‪ ،‬تتالت فــصــول روايـــة‪« :‬الحلم‬ ‫المعلق» ومقاطعها الملونة‪ ،‬التي ساقها‬ ‫األديب القاص‪« :‬خالد عبدالكريم الحمد»‪،‬‬ ‫بأسلوب حــواري وســردي عفوي‪ ،‬بعيدًا عن‬ ‫التشابك الزائد والتعقيد الدرامي‪ ،‬تتخلله‬ ‫بعض الشواهد الشعرية التي جاءت إلشباع‬ ‫الــحــدث وتــجــمــيــلــه‪ ،‬لــيــتــنــاســب وصــيــرورة‬ ‫الحاالت والمواقف‪ ،‬التي مر بها شخوص‬ ‫الرواية‪ ،‬تطرق من خاللها المؤلف لقضايا‬ ‫اجتماعية وخدمية عــدة‪ ،‬منها التعليمية‬ ‫والصحية‪ ،‬وسواهما من شؤون بلدية وإدارية‬ ‫وما إلى ذلك من اهتمامات أخرى إنسانية‪.‬‬ ‫كما أورد الكاتب بعض لمحات رمزية في‬ ‫بعض اللقطات الحوارية‪ ،‬كالتي رددها ناصر‬ ‫وهو على فراش المرض في لحظاته األخيرة‬ ‫مثل قوله‪ :‬الحلم‪ ..‬الحلم‪.‬‬

‫وبعد كل هذه الفصول الحياتية المتباينة‪،‬‬ ‫واألح ــداث التي مر بها ناصر‪ ،‬واستجابة‬ ‫لتعلقه بربوع الجوف وأهلها‪ ،‬قرر المكوث‬ ‫الــدائــم على أرضــهــا وبــيــن أنــاســهــا‪ ،‬وعــدم‬

‫صدرت الرواية عن الدار العربية للعلوم‬ ‫ناشرون في بيروت‪ ،‬في العام ‪1438‬هـ‪ .‬وتقع‬ ‫في (‪ )270‬صفحة من القطع الوسط‪ ،‬موزعة‬ ‫على (‪ )44‬فصال‪.‬‬

‫ * كاتب من سوريا مقيم في الجوف‪.‬‬

‫‪122‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫رحل ُة الشتاء‬

‫بين ال َّد ُ‬ ‫ح ْو َمل‬ ‫خول و َ‬

‫(((‬

‫الردادي*‬ ‫■ د‪ .‬عائض ّ‬

‫أ‪ -‬رحلة الشتاء‬

‫هــو اســم أطلقه أعـضــاء الــرحـلــة على رحلتهم السنوية الـتــي تـكــون فـي البر‪،‬‬ ‫فـي فصل الشتاء‪ ،‬وأعضاؤها مجموعة من أعضاء مجلس الـشــورى السابقين‪،‬‬ ‫يعشقون البر‪ ،‬ويحنّون إلى الماضي‪ ،‬ربطتهم محبة كانت بدايتها قاعة مجلس‬ ‫ال ـش ــورى‪ ،‬ثــم تــوطــدت مــن خ ــال ه ــذه الــرحـلــة الـحــولـيــة ال ـتــي يـتـشــوقــون إلـيـهــا‪،‬‬ ‫وقــد ذكــر د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل أن «الفكرة بــدأت مطلع شتاء عام‬ ‫«الشور ََّحالة»‬ ‫‪1420‬ه ـ ــ‪2000/‬م» وقــد كتب عنها ‪ 14‬صفحة فـي ذكرياته((( وسمّ اها ُّ‬ ‫نحتًا من كلمتي شورى ورحالة‪.‬‬ ‫وتمويل) فـي‬ ‫ً‬ ‫ومنظم الرحلة (ترتيبا‬ ‫كل السنين هو د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن‬ ‫السديري‪ ،‬وأَقتِبس السطور التي كتبها‬ ‫عنه د‪ .‬الشبيلي‪ ،‬إذ وصف وأجاد‪ ،‬وهي‬ ‫«قائد الرحلة د‪ .‬زيــاد السديري على‬ ‫درجة عالية من الثقافة الصحراوية فـي‬ ‫معرفة القبائل واللهجات‪ ،‬واالتجاهات‪،‬‬ ‫وقراءة األثر‪ ،‬وتحديد المواقع‪ ،‬والثروة‬ ‫الحيوانية‪ ،‬والغطاء النباتي‪ ،‬واألنــواء‪،‬‬

‫نوافذ‬

‫ونظافة البيئة‪ ،‬وروايــة الشعر النبطي‬ ‫وقــرضــه‪ ،‬وحــفــظ ال ــم ــوروث الشعبي‬ ‫من القصص والنوادر واألمثال‪ ،‬وذلك‬ ‫فضال عن اللياقة البدنية»(((‪.‬‬ ‫بعد تجارب كثيرة‪ ،‬استقر موعدها‬ ‫لتكون أوائــل الشتاء تح ُّينًا الخضرار‬ ‫األرض‪ ،‬وتجنُّبًا للمعاناة حين كانت‬ ‫فـي أواخر الشتاء من عواصف وغبار‪،‬‬ ‫ويُرتَّب لها قبل بدئها‪ ،‬إذ يجتمع األعضاء‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪123‬‬


‫جبل الصاقب‬

‫فـي منزل قائدها‪ ،‬أو بيت أحــد أعضائها للب ّر مع سائقيها يتكفل بها د‪ .‬زياد‪.‬‬ ‫للتخطيط المسبق لرحلة كل عام قبل نحو‬ ‫وقبل الــوصــول بــأيــام‪ ،‬تكون الخيام قد‬ ‫شهرين من موعدها‪ ،‬ويتركون تحديد المكان نصبت‪ ،‬فمنها ما يكون للنوم‪ ،‬ومنها ما يكون‬ ‫للدكتور زي ــاد؛ لخبرته فـي األمــاكــن‪ ،‬وإذا مجلسً ا الجتماع الرحالة‪ ،‬ومنها ما يكون‬ ‫وقع اختياره على مكان أرسل إليه من يطلّع لمائدة الطعام‪ ،‬وال يُحْ ِضر الرحالة معهم‬ ‫عليه‪ ،‬لمعرفة مناسبته‪ ،‬من حيث سهولة سوى أمتعتهم الشخصية والفراش المغلق‬ ‫(((‬ ‫الطرق‪ ،‬ومناسبة مكان المخيم والمُضحَّ ى (‪ )sleeping bags‬الــذي من أهــم أغراضه‬ ‫والتعرف على معالم المكان بشكل عام‪.‬‬ ‫الــســامــة مــن الــهــوام والـ ــدفء مــن الــبــرد‪،‬‬ ‫وأحيانا يؤمن المضيف سُ ررًا فـي الخيام كما‬ ‫حصل فـي رحلة العال‪ ،‬فال يحتاجون إليه‪،‬‬ ‫وهذا الفراش وال َفرْوة من األشياء الدائمة‪،‬‬ ‫وغالبًا‪ ..‬كل عضو يطويه إذا عاد‪ ،‬وال يفتحه‬ ‫إال فـي مكان رحلة العام القادم‪.‬‬

‫وإذا ما حان التاريخ انطلق الرحالة من‬ ‫منزل د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل‬ ‫سابقًا‪ ،‬ومن منزل أ‪ .‬محمد الشريف حاليًا‪،‬‬ ‫وكل منهما يهيئ لهم طعام الغداء ثم يمتطون‬ ‫السيارات المناسبة لرحلة البر فـي وقت‬ ‫واحــد‪ ،‬ما لم يكن المكان بعيدًا فـيذهبون‬ ‫يتكفل المضيف بكل ما تستدعيه الرحلة‬ ‫بالطائرة‪ ،‬وهناك تستقبلهم سيارات مالئمة من خيام‪ ،‬وطعام‪ ،‬وماء‪ ،‬وعمال طبخ وخدمة‪،‬‬

‫‪124‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫ـراك وط ــاوالت‬ ‫وزوال ومـ ـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وحــطــب وفــحــم‪،‬‬ ‫أحيانًا ومولد كهرباء‪ ،‬وفـي السنة األخيرة‬ ‫صص لكل شخص‬ ‫حصل فـيها تطوّر؛ إذ خُ ّ‬ ‫خيمة صغيرة‪ ،‬فـيها الخصوصية واألمان من‬ ‫الهوام‪ ،‬وتطور آخر هو تأمين فحم صناعي‬ ‫يستمر ست ساعات وال دخان فـيه‪ ،‬مما جعل‬ ‫الرحلة ليس لها من الماضي إال صحراوية‬ ‫ضرية‪ ،‬بل فيما عدا‬ ‫المكان‪ ،‬فهي رحلة ب ّر حَ َ‬ ‫حالة الجو رحلة ترفيه‪.‬‬ ‫وبرنامجها فـي يومي الخميس والجمعة‬ ‫يبدأ بأداء صالة الفجر جماعة‪ ،‬ثم يحتسون‬ ‫القهوة والحليب بالزنجبيل مع التمر‪ ،‬ليتناولوا‬ ‫الفطور في الساعة السابعة‪ .‬ثم يبدؤون فـي‬ ‫ُضحَّ ى الذي فـي‬ ‫التاسعة االنطالق إلى الم َ‬ ‫الغالب يبعد عن مخيمهم نحو عشرة أكيال‬ ‫ماش لمن استطاع‪ ،‬أو راكب سيارة‪،‬‬ ‫ما بين ٍ‬ ‫أو من يُقسّ م المسافة بينهما‪ ،‬فــإذا حان‬ ‫وقت صالة الظهر صلوه مع العصر جمعًا‬ ‫وقصرًا‪ ،‬ثم تناولوا غداءهم‪ ،‬وما قبله وبعده‬ ‫جلسة تعمرها أحاديث ثقافـية أو طرف‪،‬‬

‫وقد يمارس بعضهم لعبة البالوت‪ ،‬فإذا قرب‬ ‫العصر انطلقوا بالطريقة نفسها‪ ،‬وقبيل‬ ‫المغرب يكون ِعقْدهم قد اكتمل فـي المخيم‪،‬‬ ‫فـيصلون المغرب والعشاء ثم يتناولون العشاء‬ ‫فـي وقت مبكر‪ ،‬تتلوه جلسة سمر‪ ،‬واألغلب‬ ‫أن نومهم ال يتأخر عن العاشرة‪ ،‬وقد يتأخر‬ ‫بعضهم إلى الحادية عشرة‪ ،‬أما يوم السبت‬ ‫فهو الختام‪ ،‬إذ يتناولون ما يسمّونه فطورًا‬ ‫غداءً‪ ،‬ثم يبدأ مشوار العودة‪.‬‬

‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري‬

‫جلسة تحت ظالل طلحة بجوار جبل الصاقب‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪125‬‬


‫المخيم بجوار جبل الصاقب‬

‫هــذه المجموعة تجمعهم صفة واحــدة‬ ‫هــي عــضــويــة ســابــقــة فـــــي ال ــش ــورى‪ ،‬لكن‬ ‫تتنوع تخصصاتهم من شرعية‪ ،‬وقانونية‪،‬‬ ‫واقــتــصــاديــة‪ ،‬ولــغــويــة‪ ،‬وتاريخية‪ ،‬وآثــاريــة‪،‬‬ ‫وتــربــويــة وإداريـــــة وطــبــيــة‪ ،‬منهم المدني‬ ‫ومنهم العسكري‪ ،‬ومنهم أستاذ الجامعة‪،‬‬ ‫ومنهم الــمــســؤول اإلداري ســابـ ًقــا‪ ،‬ومنهم‬ ‫رجــل األعــمــال‪ .‬ويــتــنــوع حــديــث جلساتهم‬ ‫بين الجد والهزل‪ ،‬وإذا طرح موضوع جا ّد‬ ‫أعطى الحديث فـيه للمختص‪ ،‬وال ترتيب‬ ‫بينها‪ ،‬فقد يكون الحديث ج ــادًا فـينتقل‬ ‫للمزاح والمداعبة‪ ،‬وقد يكون العكس‪ ،‬وفـي‬ ‫كل األحــوال فإن اإلطــار العام فـي الجلسة‬ ‫هو الوقار واالحترام‪ ،‬وكأن جلستهم هي ما‬ ‫صوّره راكان بن حثلين فـي قوله‪:‬‬ ‫َ‬

‫يا محال الفنجال مع سيحة البال‬

‫‪126‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫فـ ــي مجلس مــا فـيه نـفــس ثقيله‬ ‫إنه مجلس ثقافة راقية‪ ،‬أخذ من الصحراء‬ ‫أصالتها‪ ،‬ومن الحضارة الحديثة رفاهيتها‪،‬‬ ‫يعمرون المكان إذا نزلوه‪ ،‬وإذا رحلوا عنه‬ ‫تركوه نظيفًا كما وجدوه‪.‬‬ ‫ليس للرحلة مكان محدد‪ ،‬فكل مناطق‬ ‫المملكة مكان لها بعد دراسة مناسبته‪ ،‬ولن‬ ‫يتسع المجال وال ما احتفظت به الذاكرة‬ ‫لــذكــر شــيء عــن كــل رحــلــة‪ ،‬ولــكــن سيشار‬ ‫لبعضها على سبيل المثال‪.‬‬ ‫م ــن أبـ ــرز ال ــرح ــات رحــلــة إلـــى الــعــا‬ ‫‪1436‬هـــــ‪2014/‬م‪ ،‬وكانت بالطائرة‪ ،‬وجال‬ ‫الرحالة بين جبال العال ورمالها وآثارها‬ ‫القديمة والحديثة‪ ،‬ومن حسن حظهم أنه‬ ‫كان بينهم د‪ .‬خليل البراهيم العالم اآلثاري‬

‫نوافذ‬


‫الذي عرفهم على اآلثار والكتابات‪ ،‬وبخاصة‬ ‫حضارة «دادان»‪ ،‬وقلَّ أن يستجيب الرحالة‬ ‫لدعوة من األهالي‪ ،‬بل يعتذرون لهم اعتذارًا‬ ‫مقبوال‪ ،‬لكن فـي رحلتهم هذه زارهم د‪ .‬سعود‬ ‫البلوي وعرَّفهم بشجرة البان العربية((( التي‬ ‫تشتهر اآلن بشجرة المورنجا (‪،)moringa‬‬ ‫وهي شجرة تنبت فـي سفوح جبال الحجاز‬ ‫وشعابها‪ ،‬ولكن أهــل العال استنبتوها فـي‬ ‫«جيدة»‬ ‫المزارع وأنشَ ؤوا معصرة فـي قرية ِ‬ ‫كيل‪ ،‬وقد‬ ‫التي تبعد عن العال غربًا نحو ‪ً 120‬‬ ‫استجابوا لدعوته‪ ،‬فزاروا منابت «البان» فـي‬ ‫الجبال‪ ،‬وفـي بعض مزارع البان‪ ،‬ومعصرة‬ ‫«جــيــدة»‪ ،‬وأخذ‬ ‫الثمرة‪ ،‬وحظوا بكرم أهــل ِ‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي‬ ‫بعض أعضاء الرحلة بذورها وزرعوها‪ ،‬وكان‬ ‫ذلك مما ميّز هذه الرحلة‪.‬‬ ‫وب ــدأ الثلج ينقشع‪ ،‬ويظهر وجــه األرض‬ ‫أما رحلة سامودة((( فـي شمالي المملكة‪ ،‬األخضر‪ ،‬وبدت اإلبل تنتشر بأعداد كبيرة‬ ‫فلم تكن مفاجآتها تخطر على البال‪ ،‬حيث عن يمينهم وعن شمالهم مؤكدة وصفها بأنها‬ ‫نام الرحالة كالمعتاد بعد ليلة سمرهم حول سفـينة الصحراء‪.‬‬ ‫نار السّ مْر الملتهبة التي تشعر من حولها‬ ‫بالدفء‪ ،‬لكنهم قضوا ليلة ليالء تحت لسعات‬ ‫الــبــرد الــذي لــم يخفف منه لباس وفــراش‬ ‫مغلق (‪ )sleeping bags‬وال فروات ومشالح‬ ‫وبر‪ ،‬وعند االستيقاظ للصالة وجدوا الماء‬ ‫جــام ـدًا‪ ،‬والــخــيــام ملتحفة بالثلج‪ ،‬ودرجــة‬ ‫الحرارة ‪ 7‬درجات تحت الصفر‪ ،‬فمنهم من‬ ‫ـخــن الــمــاء‪ ،‬ومنهم من أخذ‬ ‫انتظر حتى سُ ـ َِّ‬ ‫بفتوى التيمم‪ ،‬وفتحوا عيونهم على األرض‬ ‫أرضــا مكسوة بالثلج‪،‬‬ ‫بعد اإلشــراق‪ ،‬فــرأوا ً‬ ‫وكانت ليلتهم الثانية أشد من األولــى‪ ،‬لكن‬ ‫كل ذلك لم يقلل من متعتهم بالرحلة‪ ،‬فبعد‬ ‫احتساء الحليب الحار الممزوج بالزنجبيل‪،‬‬ ‫تناولوا إفطارهم‪ ،‬ثم انطلقوا إلى مضحّ اهم‪،‬‬

‫نوافذ‬

‫ومن رحلة شمالية إلى رحلة جنوبية فـي‬ ‫العام التالي‪ ،‬فـي محمية ُعرُوق بني مُعارِ ض‪،‬‬ ‫جنوب شرقي وادي الدواسر‪ ،‬على مشارف‬ ‫الربع الخالي فـي ربيع عام ‪2018/1439‬م‪،‬‬ ‫ليل‬ ‫ولم تكن قاسية‪ ،‬فقد كان الجو بــاردًا ً‬ ‫دافئًا نهارًا‪ ،‬وسكنوا سكنًا مريحً ا يتبع إلدارة‬ ‫المحمية‪ ،‬هــيــأه صــاحــب الــســمــو الملكي‬ ‫سلطان بــن سلمان بــن عبدالعزيز‪ ،‬رئيس‬ ‫هيئة السياحة والــتــراث الوطني‪ ،‬آنــذاك‪،‬‬ ‫تشجيعًا منه لهذه المبادرة‪ ،‬ودعمًا للسياحة‪،‬‬ ‫واهتمامًا بها‪ ،‬ونصب المضيف ســراد ًقــا‬ ‫يجتمعون فـيها‪ ،‬مــؤ ِّمـ ًنــا كــل مــا تستدعيه‬ ‫الرحلة كالمعتاد‪ ،‬مضيفًا سيارات مالئمة‬ ‫لطبيعة األرض‪ ،‬وتمتّع الرحالة بجوالت على‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪127‬‬


‫جبل الصاقب‬

‫جبال من الرمال‪ ،‬وقطعوا وديان المحمية‪،‬‬ ‫واســتــظــلــوا بــشــجــرهــا فـــــي مــضــحــاهــم‪،‬‬ ‫وشهدوا أثر الحماية فـي نبات الشجيرات‬ ‫وأعشاب المحمية‪ ،‬وأبصروا قطعان الغزالن‬ ‫راكضة على الرمال‪ ،‬والتقط نجال د‪ .‬زياد‬ ‫(عبدالرحمن وخالد) صورًا عالية المستوى‬ ‫لكل ذلــك جسّ دت الرحلة أفضل تجسيد‪،‬‬ ‫مما يمكن أن يكوِّن ألبومًا رائعًا عنها‪ .‬ومما‬ ‫فـي هذه الرحلة؛ زيارة مدينة الفَا ْو األثرية‬ ‫عاصمة مملكة كندة العربية‪ ،‬واطلعوا على‬ ‫ما بذله د‪ .‬عبدالرحمن األنصاري وزمالؤه‬ ‫فـي جامعة الملك ســعــود مــن جــهــود فـي‬ ‫التنقيب األثري الكتشاف هذه المدينة وما‬ ‫بقي أكثر(((‪.‬‬ ‫وفـي عــام ‪2019/1440‬م كانت الرحلة‬ ‫كيل‪،‬‬ ‫إلى طَ خْ فة التي تبعد عن الرس ‪ً 150‬‬

‫‪128‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫كيل‪ ،‬وكانت منازل لكثير‬ ‫وعن عفـيف ‪ً 90‬‬ ‫مــن القبائل العربية قبل اإلس ــام وبعده؛‬ ‫وهي متنزّه جميل جمع بين الجبال والسهول‬ ‫والشعاب‪ ،‬وبطاحُ ه نظيفة جميلة‪ ،‬ولبلدية‬ ‫«مركز نَفِ ـي» الذي تتبعه إداريًا جهد واضح‬ ‫فـي المحافظة على نظافتها‪ ،‬وكانت األرض‬ ‫خضراء‪ ،‬وصفـيان الجبال المعة إثر سقوط‬ ‫األمطار‪ ،‬جال الرحالة فـي الشعاب باألقدام‬ ‫وبالسيارات‪ ،‬وقضوا رحلة سعيدة‪ ،‬واعتادوا‬ ‫أن يكون يوم السبت بدون نشاط‪ ،‬ولكنهم فـي‬ ‫هذه الرحلة خالفوا هذه العادة؛ إذ تناولوا‬ ‫اإلفــطــار عند زميلهم د‪ .‬ح ــزام بــن هــزاع‬ ‫العتيبي فـي «نفـي» ثم تجولوا فـي المدينة‬ ‫القديمة‪ ،‬وزاروا منزل الشيخ عمر بن ربيعان‬ ‫العتيبي‪ ،‬ومنزل الشاعر ابن سبيل‪ .‬ثم ساروا‬ ‫إلــى عــنــيــزة‪ ..‬حيث لبوا دعــوة للغداء من‬ ‫زميليْهم د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي ود‪ .‬يزيد‬

‫نوافذ‬


‫العوهلي‪ ،‬كانت الرحلة سعيدة‪ ،‬لكنها كانت‬ ‫آخر رحلة لعبدالرحمن الشبيلي الذي انتقل‬ ‫إلى رحمة اهلل قبل رحلة عام ‪1441‬هـ‪.‬‬ ‫وحوْ مَ ل‬ ‫الد ُخول َ‬ ‫ب‪ -‬بين َّ‬

‫فـي محيطها ما كتبه سعد بن جنيدل فـي‬ ‫كتابه النفـيس «عالية نجد»(‪ ((1‬وفـي صباح‬ ‫اليوم األول اتجهوا إلى جبل الصاقِ ب‪ ،‬وهو‬ ‫عال منفرد‪ ،‬شاهق‪ ،‬ال يمكن صعوده؛‬ ‫جبل ٍ‬ ‫ألنــه صخرة واحــدة ملساء‪ ،‬وإن وجــد فـي‬ ‫بعض جوانبه حجارة كبيرة ملتصقة به‪ ،‬فـيها‬ ‫تجويفات جرّاء عوامل التعرية الطبيعية‪.‬‬

‫تـ ــاريـ ــخ ه ـ ــذه ال ــرح ــل ــة مـ ــن األربـ ــعـ ــاء‬ ‫‪ 1441/4/28‬هـ إلى ‪1441/5/2‬هـ‪ ،‬الموافق‬ ‫مــا بين ‪2019/12/28-25‬م‪ ،‬وكــانــت فـي‬ ‫قــال عنه ابــن جــنــيــدل‪« :‬يــقــع فـي بطن‬ ‫عالية نجد‪ ،‬بين األماكن التي ذكرها امرؤ‬ ‫(‪((1‬‬ ‫القيس فـي أول معلقته(((‪ ،‬ولذا صار لها وهج صحراء منخفضة تدعى جُ فْرة الصاقب» ‪،‬‬ ‫فـي النفوس الرتباطها بالذاكرة التاريخية وقــال عنه ابــن بليهد‪« :‬ال يوجد فـي بالد‬ ‫العرب هضبة أعالها أكبر من أسفلها إال‬ ‫والشعرية‪.‬‬ ‫(‪((1‬‬ ‫هضبة صاقب» وصرّح ابن جنيدل‪ :‬أن «ما‬ ‫الصاقب‬ ‫ِ‬ ‫جبل‬ ‫ذكره البكري وال َهمْداني فـي تحديد الصاقب‬ ‫سار الرحّ الة من الرياض على الطريق ال يــدع شكًا أن المقصود بذلك هــو جبل‬ ‫السريع إلى الطائف نحو أربع مئة كيل‪ ،‬ثم الصاقب المعروف فـي هذا العهد‪ ،‬ولم أطّ لع‬ ‫قُبيل الحُ ومِ يَّة((( اتجهوا جنوبا نحو ‪ً 130‬‬ ‫كيل‪ ،‬على جبل يدعى بهذا االسم غيره»(‪.((1‬‬ ‫حيث نُصب المخيم هناك فـي حضن جبيل‬ ‫وذكر القدماء أن جبل الصاقب يقع تلقاء‬ ‫مقابل لجبل الصاقب من الشرق‪ ،‬ويبعد عنه‬ ‫مِ ل ْحة‪ ،‬وهي هضبة حمراء تقع فـي جنوبي‬ ‫خمسة أكيال‪ ،‬وليس بينهم وبينه سوى فالة‬ ‫خالية من الجبال‪ ،‬يرونه أمامهم من المخيم‪ .‬جفرة الصاقب‪ ،‬وقال ابن جنيدل‪ :‬إن «ملحة‬ ‫تدعى فـي هذا العهد األَمــيــاح»(‪ ،((1‬ويقال‬ ‫َضم من‬ ‫وفوق الجبيل المجاور للمخيم ر ْ‬ ‫لجبل الصاقب أيضا صاقب الدَّ خُ ول «لقربه‬ ‫الحجارة فـي شكل جسر طويل يشبه الغرفة‬ ‫منه»(‪ ((1‬وهو الوارد فـي قول أوس ين حَ جَ ر‬ ‫ثم يمتد منه مذنب حجري‪ ،‬وحجارته ما‬ ‫راثيًا‪:‬‬ ‫تزال متماسكة‪ ،‬وكان الظن أنه من متاريس‬ ‫الحروب القديمة لكن الدكتور خليل البراهيم ع ــل ــى الـ ــسَّ ـ ـ ّيـ ــد الـــــقَـــــرْم لــــو أن ــه‬ ‫(‪((1‬‬ ‫ي ــق ــوم عــلــى ذروة الـ ــصـ ــاقـ ـ ِـب‬ ‫عالم اآلثار‪ ،‬أفاد أنه من المدافن الحجرية‬ ‫القديمة‪ ،‬وأنه يُعرف آثاريًا بالقبر المذنَّب‪،‬‬ ‫لــم يكتف ِالــرحــالــة بالوقوف عند جبل‬ ‫وهو ضارب فـي أعماق التاريخ‪.‬‬ ‫الصاقب ومشاهدته‪ ،‬بل داروا حوله من كل‬ ‫وكان الرحالة عندما تقرر مكان الرحلة جهاته نحو كيلين ونصف الكيل‪ ،‬ثم انطلقوا‬ ‫كيل‬ ‫قــد ق ــرؤوا عــن الــصــاقــب والــمــواضــع التي إلــى جبل حومل الــذي يبعد عنه ‪ً 21‬‬ ‫ذكرها امرؤ القيس فـي مطلع معلقته‪ ،‬وما تقريبًا‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪129‬‬


‫القيس‪:‬‬

‫(‪((1‬‬

‫حبيب ومنـزل‬ ‫ٍ‬ ‫نبك من ذك ــرى‬ ‫قِ ــفا ِ‬ ‫ْمل‬ ‫بسقْ ط اللِّوى بين الدَّ ُخول وحَ و ِ‬ ‫ِ‬ ‫وضحَ فالِ مقْ رَاة لم يَعْ ُف رسمُ هـ ـ ـ ــا‬ ‫فتُ ِ‬ ‫لما نسجَ تــها مــن جَ نــوب وش ــمأل‬

‫جبل الصاقب‬

‫وجُ ـ ْفــرة الصاقب الــتــي يقع فـيها جبل‬ ‫الصاقب ومــا حــولــه‪ :‬وصفها ابــن جنيدل‬ ‫بأنها‪« :‬أرض منخفضة‪ ،‬واســعــة‪ ،‬محاطة‬ ‫بــتــال رملية‪ ،‬وأرض دك ــاك‪ ،‬وفـــــي بطنها‬ ‫خــبــاري‪ ،‬تــنــحــدر فـيها ســيــول مــا حولها‪،‬‬ ‫وفـي وسطها يقع جبل الصاقب‪ ..‬ويسميها‬ ‫بعضهم جفرة الصاقب‪ ..‬غربًا جنوبيًا من‬ ‫الدخول‪ ،‬وفـي ناحيتها الشمالية يقع جبل‬ ‫حومل‪ ،‬وفـي حدّها من الشمال تقع هضبة‬ ‫ال َمن ِْخرة» ويضيف ابن جنيدل «وال يفهم من‬ ‫كلمة الجفرة معنى الضيق فـي مساحتها‪،‬‬ ‫ولكنه يدل على انخفاض بطنها وارتفاع ما‬ ‫حولها عليها‪ ،‬فهي صحراء واسعة‪ ،‬ورعيها‬ ‫مــن أطيب المراعي وأوفــرهــا‪ ،‬وليس فـي‬ ‫بطنها مياه‪ ،‬ولكن المياه التي حولها تصدر‬ ‫عليها»(‪.((1‬‬

‫كان معهم نص معلقة امرئ القيس فصار‬ ‫كأنه معهم‪ ،‬يتتبعون األماكن التي وقف عليها‬ ‫وبكى ذكرياته ومنازله‪ ،‬ومعهم إلى ذلك ما‬ ‫كتبه عنها سعد بن جنيدل محتويًا على أقوال‬ ‫الجغرافـيين السابقين والمعاصرين فـي كل‬ ‫مــوضــع‪ ،‬يتحدثون ويــتــأمــلــون‪ ،‬ويناقشون‪،‬‬ ‫ويــقــرؤون‪ ،‬ويــصــورون‪ ،‬فهم فـي مرابع فـي‬ ‫عــالــيــة نــجــد الــتــي خ ـلّــدهــا امـــرؤ القيس‪،‬‬ ‫وخلدها التاريخ‪ ،‬وعُني بها الجغرافـيون‬ ‫ومؤرخو األدب‪.‬‬ ‫َحوْ مَ ل‬ ‫وصفه ابن جنيدل بأنه «جبل أســود‪ ،‬له‬ ‫قمة بــارزة‪ ،‬يقع غربًا من هضاب الدخول‬ ‫وشرقًا من الـ َمن ِْخرَة‪ ...‬وهو معروف بهذا‬ ‫االســم قديمًا وحــديـ ًثــا» وأكــد ابــن جنيدل‬ ‫أن حومل هذا هو الــوارد فـي معلقة امرئ‬ ‫القيس؛ ألنه ذكر فـي قصيدته مواضع أخرى‬ ‫قريبة من الدخول وحومل‪ ،‬وأنه غير حومل‬ ‫شعر لحسان بــن ثابت مع‬ ‫ٍ‬ ‫الــذي ورد فـي‬ ‫أماكن أخرى‪ ،‬فتلك فـي بالد الشام(‪.((1‬‬

‫وجبل حومل‪ ،‬وما حوله من جبال‪ ،‬ما تزال‬ ‫معروفة بأسمائها عند أهل المنطقة‪ ،‬ومنهم‬ ‫وصــل الرحالة من الصاقب إلــى حومل من لم يطلّع على ما كُتب عنها فـي المصادر‪،‬‬ ‫ووقــفــوا عــنــده وفـــــي ذاكــرتــهــم ق ــول امــرئ فهم يعرفون ذلك بالرواية والتوارث‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫الد ُخول‬ ‫َّ‬ ‫ورجّ ــح قوله هــذا بــأن جبل حومل وهضبة‬ ‫س ــار الــرحــالــة متجهين شــر ًقــا مسافة ال ــدخ ــول وســقــط الــلــوى بينهما مــا تــزال‬ ‫تقارب ‪ 12‬كيال‪ ،‬فوصلوا إلى الدخول‪ ،‬وهي معروفة‪ ،‬وكلها قريبة من الميضاح(‪ ،((2‬ولم‬ ‫يقف الرحالة على هذا المكان‪.‬‬ ‫هضاب متعددة‪ ،‬تفصل بينها الرمال‪ ،‬وذكر‬ ‫ابن جنيدل أنه يبعد عن عفـيف جنوبًا مئتي‬ ‫المقْ رَ اة‬ ‫ِ‬ ‫كيل(‪ ،((2‬وتقدر المسافة بين جبل الصاقب‬ ‫هي وصف وليس اسمًا لمكان فهي مثل‬ ‫كيل‪.‬‬ ‫والدخول بخمسة وعشرين ً‬ ‫سقط اللوى‪ ،‬ففـي القاموس «المقراة كل ما‬ ‫سقط اللوى‬

‫هو وصف لــأرض الواقعة بين الدخول‬ ‫وحومل وليس اسمًا للموضع‪ ،‬فالسِّ قط هو‬ ‫ُمنْقَطع الرمل‪ ،‬واللوى‪ :‬هو حيث يلتوى الرمل‬ ‫ويَ ــرِ قّ ‪ ،‬وفـي شــرح البيت فـي ديــوان امرئ‬ ‫خص منقطع الرمل و ُملْتَواه؛‬ ‫َّ‬ ‫القيس «وإنما‬ ‫ألنهم كانوا ال ينزلون إال فـي صالبة من‬ ‫(‪((2‬‬ ‫األرض ليكون ذلك أثبت ألوتــاد األبنية»‬ ‫ومثل سقط اللوى فـي المعنى وصف ُمنْعَرج‬ ‫الصمّة‪:‬‬ ‫اللوى الذي ورد فـي بيت دريد بن ّ‬

‫أَم ــر ُتـ ـه ــم أمـ ـ ــري ب ـم ـن ـعــرج ال ـل ــوى‬ ‫فلم يستبينوا النصح إال ضحى الغد‬ ‫ورمال سقط اللوى ليست باللّيِّنة‪ ،‬وليست‬ ‫بــالــصــلــبــة‪ ،‬تميل لــلــبــيــاض‪ ،‬وتــســيــر عليها‬ ‫الــســيــارات بيسر‪ ،‬ومــن مكان آلخــر تظهر‬ ‫صخور غارقة فـي الرمال‪.‬‬ ‫وضح‬ ‫تُ ِ‬ ‫رجّ ح ابن جنيدل أن توضح التي ذكرها‬ ‫امرؤ القيس مع هذه المواضع هي األبرق‬ ‫الــذي يعرف حاليًا باسم أبــرق الميضاح‪،‬‬ ‫شرقًا من رمل ِعـرْق سُ بَيْع‪ ،‬وهو قريب من‬ ‫جفرة الصاقب‪ ،‬وغربًا من جبل الصاقب‪،‬‬

‫نوافذ‬

‫اجتمع به الماء»‪ ،‬أي هي «الغدير الذي يجتمع‬ ‫فـيه الماء من قولهم قريت الماء فـي الحوض‬ ‫إذا جمعته»(‪ .((2‬وأورد البكري فـي معجم ما‬ ‫استعجم «أن أبــا عبيدة يقول‪ :‬إن المقراة‬ ‫ليس مــوضـ ًعــا‪ ،‬وإنــمــا يريد الــحــوض الــذي‬ ‫يُجمع فـيه الــمــاء»(‪ .((2‬ويرى ابن جنيدل أن‬ ‫المقراة هي جفرة الصاقب‪ ،‬إذ قال‪« :‬ويبدو‬ ‫لي أن الجفرة هي الموضع الذي ذكره امرؤ‬ ‫القيس باسم المقراة مقرونًا بذكر الدخول‬ ‫وحومل وتوضح؛ لقرب هــذه المواضع من‬ ‫بعضها»(‪ ،((2‬إلى أن قــال‪« :‬ولفظة المقراة‬ ‫تدل لغويًا على وصـ ٍـف جغرافـي ال يختلف‬ ‫عن تكوين الجفرة الطبيعي‪ ...‬وقد أوضحت‬ ‫أن بطن الجفرة فـيه خباري شهيرة تجتمع‬ ‫فـيها مياه السيول ويشربها الناس»(‪ .((2‬قال‬ ‫كاتب هــذه السطور‪ :‬أرى أن المقراة هي‬ ‫الغدير الذي نحر عنده امرؤ القيس راحلته‬ ‫البــنــة عمه عنيزة وصويحباتها‪ ،‬على ما‬ ‫سيأتي وصفه‪.‬‬ ‫بعد التجوال والوقوف عند تلك المواضع‬ ‫واســتــحــضــار الــتــاريــخ اتــجــه الــرحــالــة إلــى‬ ‫كيل‪،‬‬ ‫موضع جنوب جفرة الصاقب بنحو ‪ً 15‬‬ ‫وهناك قضوا مضحاهم‪ ،‬فـي مكان بطحاؤه‬ ‫نظيفة‪ ،‬وأشجاره خضراء‪ ،‬فـي حضن جبال‪،‬‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪131‬‬


‫قبر مذنّب‬

‫واســتــظــلــوا بــواحــدة مــن طلحه‪ ،‬وتــجــاذبــوا تـقــول وق ــد م ــال الـ َغــبِ ـيـ ُـط بـنــا معً ا‬ ‫الحديث حول امرئ القيس وحياته المرفَّهة‬ ‫عقرتَ بعير ي يا امرأ القيس فانزِ ِل‬ ‫مقتول‪ ،‬فقال قولته‬ ‫ً‬ ‫قبل أن يصله نعي والده‬ ‫المشهورة «ضيَّعني أبي صغيرًا وحمَّلني دمه‬ ‫كبيرًا‪ ،‬اليوم خمر وغدًا أمر»‪.‬‬

‫وك ــان مما طــرقــوه فـي حديثهم قــراءة‬ ‫أبيات من معلقة امــرئ القيس‪ ،‬منها التي‬ ‫وصــف فـيها نحر بعيره البنة عمه عنيزة‬ ‫(‪((2‬‬ ‫وصويحباتها وهي‪:‬‬

‫أال ر َُّب يـ ــومٍ ل ــك مـنـ ـ ـهــنَّ صــال ـ ٍـح‬ ‫وال س ـي ــما ي ــومٌ بـ ـ ــدارة ُج ـ ـ ْلج ـ ـ ـ ِـل‬ ‫ـرت ل ـل ـ َعـ ـ ـ ــذارَى مط ّي ـ َتي‬ ‫ويـ ــوم ع ـق ـ ُ‬ ‫فـي ـ ــا عجبـًا مــن ر َْحــلِ ـ ــها المتحمَّ ـ ــل‬ ‫يـظــلّ ال ـ َع ـذَارى َي ْر َتـميــن بِ ل َْحمها‬ ‫وشَ ح ـ ٍْم كــهُ ــدَّ اب الدِّ مَ ــقْ ــس المُ ف ـَـتَّ ِل‬

‫وجُ ل ْجل اسم مكان وقع فـيه يوم من أيام‬ ‫العرب يسمى يوم الغدير أو يوم جلجل؛ إذ‬ ‫خرج الرجال للقتال وبقي النساء‪ ،‬وتخلّف‬ ‫امرؤ القيس‪ ،‬و َكمَن فـي مكان ليرى الفتيات‬ ‫ومنهن عنيزة وهــن يسبحن فـي الغدير‪،‬‬ ‫وتفصيل القصة فـي المصادر األدبية‪ ،‬وما‬ ‫يهم منها هنا هو أنهن قلن لــه‪ :‬غدِّنا فقد‬ ‫حبَسْ تنا وجوّعتنا‪ ،‬فنحر لهن ناقته‪ ،‬وأجَّ ـ َج‬ ‫النار‪ ،‬وشوى لهن‪ ،‬وجعل يقطّ ع لهن من كبدها‬ ‫وسنامها وأطيابها فـيرمينه على الجمر‪،‬‬ ‫ويأكلن حتى شبعن ثم حملن متاع راحلته‪،‬‬ ‫وحملت عنيزة امــرأ القيس على راحلتها‪،‬‬ ‫فكان يوم نعيم وسرور لهن والمرئ القيس(‪.((2‬‬

‫وشتان بين طعام امرئ القيس وصويحباته‬ ‫ويـ ــو َم دخ ـلـ ُـت ال ـخــدر خ ــد َر عُ ـنـ ْيــزةٍ‬ ‫وهن يرتمين بلحم ناقته‪ ،‬أي يتهادينه بينهن‬ ‫ـالت إنك مُ ْرجـ ــلي‬ ‫فقـالـت‪ :‬لك الوي ـ ُ‬ ‫فرحات بيوم السرور هذا‪ ،‬وبين غداء الرحالة‬ ‫ٍ‬

‫‪132‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫الــذي كــان من كل ما لذ وطــاب‪ ،‬من لحوم‬ ‫األغنام والطيور‪ ،‬مشويا وغير مشوي‪ ،‬وكل‬ ‫ما لذ من أنواع الخبز‪ ،‬وكل ما لذ من الخضار‬ ‫والفواكه‪ ،‬ويحتسون القهوة مع أطيب التمور‪،‬‬ ‫ال يفترشون الــبــطــحــاء‪ ،‬بــل يجلسون على‬ ‫الكراسي أو الزوالي مع المساند‪ ،‬وكل يختار‬ ‫ما لذ له من وجبة متنوعة كما وصفها د‪.‬‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل فـيما كتب‬ ‫عن رحــات سابقة بأنها «وجــبــات فندقية‬ ‫تلبي جميع األذواق»(‪.((2‬‬ ‫وقضوا مُضحَّ اهم فـي اليوم التالي بجوار‬ ‫هضبة ال َمن ِْخرَة وهي هضبة سوداء لها رؤوس‬ ‫ب ــارزة»(‪ ((3‬تقع غربًا من حومل‪ ،‬وتراها من‬ ‫الدخول‪ ،‬وذكر ابن جنيدل أنها «تعرف فـي‬

‫هذا العهد باسم محرف تحريفا يسيرًا فيقال‬ ‫لها‪ :‬المنحرة»(‪ .((3‬وباتوا ليلتهم التالية فـي‬ ‫سَ مَر كالمعتاد ثم نوم وفطور فـي الصباح‪،‬‬ ‫تلته رحلة الــعــودة‪ ،‬ممتلئة أذهــانــهــم بذكر‬ ‫الزمان والمكان فـي األيام البعيدة والقريبة‪.‬‬ ‫ومن طرائف هذه الرحلة أن أجهزة الجوَّال‬ ‫صمتت طول رحلتهم لعدم وجود إرسال‪ ،‬وكان‬ ‫من يحتاج إلى مكالمة يذهب إلى طريق الطائف‬ ‫السريع‪ ،‬مسافة تصل إلى ما يقارب مئة وثالثين‬ ‫كيل‪ ،‬ويحمّله بعضهم جَ وَّاله ليستقبل الرسائل‬ ‫ً‬ ‫فـيأتي بها‪ ،‬وهكذا يأتيك باألخبار من لم تزوِّد‪،‬‬ ‫وعرفوا كم من الوقت يهدر فـي االنكباب على‬ ‫أجهزة الجوال‪ ،‬على ما فـيه من فوائد كثيرة‬ ‫لمن يحسن استخدام الوسيلة‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬ ‫((( محاضرة فـي مركز عبدالرحمن السديري‪ ،‬فـي الغاط‪ ،‬فـي ‪1441/6/14‬هـ‪2020/2/8 ،‬م‪.‬‬ ‫((( «مشيناها‪ ...‬حكايات ذات» ط‪1440 ،1‬هـ‪2018/‬م من ص ‪.384- 371‬‬ ‫((( املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫((( املضحى‪ :‬اسم للمكان الذي يقضون فـيه وقت الضحى ويتناولون فـيه وجبة الغداء‪.‬‬ ‫((( البــان‪ :‬واحدتــه بانــة‪ ،‬تشــبه األثــل كثيـ ًرا‪ ،‬تنبــت فـــي اجلبــال والشــعاب‪ ،‬شــجرة ســامقة الطــول‪ ،‬ســريعة‬ ‫النمــو‪ ،‬جميلــة املنظــر‪ ،‬رشــيقة ســهلة التثنــي؛ ولــذا‪ ،‬شــبه بهــا الشــعراء النســاء احلســان فـــي نعومــة‬ ‫امللمــس ورشــاقة القــوام وتثنــي أجســامهن كأغصــان البــان أمــام الريــاح‪ ،‬ومثلهــم شــعراء احلنــن فـــي‬ ‫فصــل الــكالم عنهــا نبات ًيــا د‪ .‬أحمــد ســعيد قشــاش فـــي كتابــه «النبــات‬ ‫حنينهــم للجزيــرة العربيــة‪ ،‬وقــد ّ‬ ‫فـــي جبــال الســراة واحلجــاز» محتويًــا صــورًا كثيــرة لهــا‪ ،103-96/1 ،‬ط‪1427 ،1‬هـــ‪ ،‬الســروات للطباعــة‪.‬‬ ‫((( سامودة‪ :‬من قرى حفر الباطن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مقــال بعنــوان «الربــع اخلالــي» مســتودع احليــاة الفطريــة‬ ‫((( كتــب د‪ .‬عبدالرحمــن الشــبيلي رحمــه اهلل‬ ‫والســياحة واآلثار» نشــر فـــي جريدة الشــرق األوســط‪ ،‬فـــي عددها ‪ ،14300‬فـــي ‪1439/5/6‬هـ املوافق‬ ‫‪2018/1/22‬م‪ ،‬ومجلــة ترحــال‪ ،‬إبريــل ‪2018‬م‪.‬‬ ‫((( هنــاك خــاف فـــي موقــع األماكــن الــواردة فـــي أول املعلقــة‪« ،‬وقــد اســتقر فـــي األذهــان أن مكانهــا‬ ‫الصحيــح هــي عاليــة جنــد اجلنوبيــة‪ ،‬فأخــذ هــذا التحديــد شــبه اإلجمــاع» كمــا قــال عبــداهلل الشــائع‬ ‫فـــي كتابــه «مــع امــرئ القيــس بــن الدخــول وحومــل» (ص‪ )6‬وهــو ممــن كان يقــول بذلــك قبــل عدولــه‬ ‫عنــه وتأليــف كتابــه هــذا حيــث رأى أنهــا يف عاليــة جنــد الشــمالية والوســطى‪ ،‬قائـ ًـا‪« :‬ولــن أتوصــل‬ ‫إلــى قــول حاســم ودقيــق يف بعــض األماكــن» (ص‪ )11‬مشــي ًرا إلــى أن «كل أهــل ناحيــة يزعمــون أن امــرأ‬ ‫القيــس كان يقصــد دخولهــم وحوملهــم» (ص‪.)6‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪133‬‬


‫ ‬

‫((( ‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪( (1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪( (1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪( (1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪( (1‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪( (2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪( (2‬‬ ‫(‪ ((3‬‬ ‫(‪ ((3‬‬

‫‪134‬‬

‫وممــن قــال أنهــا عاليــة جنــد اجلنوبيــة كل مــن ابــن بليهــد وابــن جنيــدل‪ ،‬وابــن خميــس ود‪ .‬ناصر الرشــيد‬ ‫وممــن وافــق الشــائع محمــد بــن عبــداهلل اخليــال يف مقــال كتابــه ونشــر يف صحيفــة اجلزيــرة بعنــوان‬ ‫«زيــارة ملرابــع امــرئ القيــس بــن الدخــول وحومــل» عــام ‪1434‬هـــ‪2013/‬م‪ ،‬أمــا حمــد اجلاســر فوصــف‬ ‫حومــل الواقــع يف العاليــة الشــمالية ولكنــه لــم يقــل إنهــا مــا ورد عنــد امــرئ القيــس‪ ،‬هــذا تعريــف موجــز‬ ‫فاحلديــث هنــا عــن رحلــة إلــى عاليــة جنــد اجلنوبيــة وليــس حتقيــق املواضــع‪.‬‬ ‫احلومية‪ :‬قرية‪ ،‬وكانت قدميًا مورد ماء‪ ،‬ابن جنيدل‪ :‬عالية جند ‪ 434/1‬و‪.435‬‬ ‫هــو أحــد أقســام املعجــم اجلغرافـــي للمملكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬ويقــع فـــي ‪ 3‬أجــزاء‪ ،‬وقــد بــذل فـــيه‬ ‫مؤلفــه جهـدًا كبيـ ًرا فذكــر عــن كل مــكان مــا ورد فـــيه عنــد املتقدمــن واملتأخريــن‪ ،‬دار اليمامــة للبحــث‬ ‫والترجمــة والنشــر‪ ،‬الريــاض ‪1399‬هـــ‪1979/‬م‪.‬‬ ‫عالية جند (سابق) ص ‪.832‬‬ ‫صحيح األخبار ‪ ،377/1‬مطبعة السنة احملمدية‪1370 ،‬خـ‪1951/‬م‪.‬‬ ‫عاليــة جنــد (ســابق) ص ‪ ،833‬ونــص البكــري‪ :‬معجــم مــا اســتعجم ‪ 823/2‬ونــص الهمدانــي‪ :‬صفــة‬ ‫جزيــرة العــرب‪ ،‬حتقيــق األكــواع‪ ،‬دار اليمامــة‪ ،‬الريــاض‪1394 ،‬هـــ‪1974 ،‬م‪ ،‬ص‪.296‬‬ ‫عالية جند (سابق) ‪.832‬‬ ‫هذا التعليل البن جنيدل‪( ،‬سابق) عالية جند ص ‪.514‬‬ ‫البكــري‪ :‬معجــم مــا اســتعجم (ســابق) ‪ ،823/2‬وأوس بــن َح َجــر‪ُ :‬وصــف بأنــه كان عاقـ ًـا فـــي شــعره‪،‬‬ ‫كثيــر الوصــف ملــكارم األخــاق‪ ،‬شــاعر متيــم فـــي اجلاهليــة غيــر مدا َفــع» ينظــر فـــي ذلــك ابــن قتيبــة‪:‬‬ ‫الشــعر والشــعراء‪ ،‬حتقيــق أحمــد شــاكر‪ ،‬دار املعــارف‪ ،‬القاهــرة‪.202/1 ،‬‬ ‫عالية جند (سابق) ص ‪ 310‬و‪.312‬‬ ‫ديــوان امــرئ القيــس‪ ،‬حتقيــق محمــد أبــو الفضــل إبراهيــم‪ ،‬دار املعــارف‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬ص‪ ،8‬يَ ْقـ ُ‬ ‫ـف‪ :‬يــدرس‬ ‫ويــزول‪ .‬رســمها‪ :‬أثرهــا‪ .‬نســجتها‪ :‬تعاقبــت عليهــا فمحــت آثارهــا‪ .‬جنــوب وشــمأل‪ :‬ريــاح اجلنــوب وريــاح‬ ‫الشمال‪.‬‬ ‫عالية جند (سابق) ص‪ 434‬و‪.435‬‬ ‫املصدر نفسه ص ‪.513‬‬ ‫ديوان امرئ القيس (سابق) ص ‪ ،8‬السقط‪ :‬مثلثة بفتح السني أو كسرها أو ضمها وسكون السني‪.‬‬ ‫عاليــة جنــد (ســابق) (بتصــرف واختصــار)ص ‪ 55‬و‪ .311‬األبــرق‪ :‬كل رابيــة فـــيها رمــل وطــن أو حجــارة‬ ‫وطــن يختلطــان (التبريــزي‪ :‬شــرح القصائــد العشــر ص‪ ،55‬بيــروت‪ ،‬دار اجليــل)‪.‬‬ ‫التبريــزي‪ :‬شــرح القصائــد العشــر‪ ،‬دار اجليــل‪( ،‬ســابق) بيــرو‪ ،‬ص ‪ ،5‬وهنــاك أماكــن فـــي غيــر هــذا‬ ‫املــكان تســمى املقــراة‪.‬‬ ‫معجم ما استعجم (سابق) ‪.548/2‬‬ ‫عالية جند (سابق) ص ‪.311‬‬ ‫املصدر نفسه ص ‪.312‬‬ ‫ديــوان امــرئ القيــس (ســابق) ص ‪ .10‬الدمقــس‪ :‬احلريــر األبيــض‪ .‬املفتــل‪ :‬املفتــول‪ .‬مرجلــي‪ :‬تاركــي‬ ‫أمشــي راجلــة‪ .‬الغبيــط‪ :‬خشــبة الهــودج‪.‬‬ ‫القصــة مفصلــة فـــي ديــوان امــرئ القيــس (ســابق) ص ‪ ،10‬والتبريــزي‪ :‬شــرح القصائــد العشــر (ســابق)‬ ‫ص ‪.3‬‬ ‫مشيناها (سابق) ص ‪.378‬‬ ‫عالية جند (سابق) ص ‪.1233‬‬ ‫املصدر نفسه ص ‪.514‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫خالد البسام‬

‫‪1436 - 1375‬هـ‪2015 - 1956 /‬م‬ ‫■ محمد عبدالرزاق القشعمي*‬

‫أحببته منذ أول لقاء جمعني بــه بالبحرين‪ ،‬وكنت قــد عرفته مــن خــال ما‬ ‫كتبه عن تاريخ الخليج العربي‪ ،‬وبخاصة البحرين‪ ،‬حيث عاش وتعلّم وعمل‪ ،‬رغم‬ ‫أنه من مواليد عنيزة بمنطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية عام ‪1956‬م‪.‬‬ ‫كان والده حمد‪ ،‬وقبله جده سليمان‪ ،‬من أشهر تجار البحرين‪ ،‬وبحكم ارتباطهم‬ ‫العائلي بعنيزة؛ إذ جرت العادة أن تلد المرأة قرب والدتها المقيمة بعنيزة‪ ،‬قبل أن‬ ‫يتعودوا على التوليد في المستشفيات‪.‬‬ ‫في إحدى المناسبات في الرياض‪ ،‬صافحني األخ محمد الحمد البسام‪ ،‬قبل‬ ‫نحو خمس عشرة سنة‪ ،‬وأعطاني رقم هاتف ابن شقيقته خالد الحمد السليمان‬ ‫البسام في البحرين‪ ،‬وقال إنه يسأل عني‪ ،‬ويرغب بالتعرف عليّ ولقائي به‪ ،‬ولهذا‬ ‫سافرت مع الصديق عبداهلل حسين العبد المحسن لزيارة ابنته سالي ‪-‬الطالبة‬ ‫بجامعة البحرين وقتها‪ -‬فهاتفت األستاذ خالد البسام‪ ،‬فرحب بي‪ ،‬وطلب عنوان‬ ‫إقامتي عندما عرف أنني بالبحرين‪.‬‬ ‫وسريعًا ما جاء‪ ،‬وقال‪ :‬إنه معجب بما‬ ‫أكتبه من ذكريات‪ ،‬وما أنقله من معلومات‬ ‫من الصحف المبكرة في المملكة‪ ،‬وكأننا‬ ‫متفقون على نبش وإحياء ما نسي واندثر‪.‬‬ ‫دعانا لزيارة صومعته‪ ،‬وهي شقة مليئة‬

‫نوافذ‬

‫بالكتب والدوريات‪ ،‬قال‪ :‬هذا مكتبي‪ ،‬فبعد‬ ‫التقاعد من العمل الرسمي‪ ،‬أصبحت أقرأ‬ ‫وأكتب هنا بعيدًا عن صخب منزل العائلة‪،‬‬ ‫وأثناء تفقدي لرفوف الكتب‪ ،‬وقع نظري‬ ‫على مجلدات مجلة (صوت البحرين) وكنت‬ ‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪135‬‬


‫ ‪1949‬م‪ .‬وقد كتب اإلهــداء التالي‪( :‬الكاتب‬‫واإلنسان الجميل محمد القشعمي مع المحبة‪..‬‬ ‫خالد ‪2009/3/6‬م)‪.‬‬

‫خالد حمد البسام رحمه اهلل‬

‫أبحث عنها‪ ،‬ولوجود العديد من كتّاب المملكة‬ ‫كانوا يكتبون بها قبل صدور صحف أو مجالت‬ ‫في المنطقتين الوسطى والشرقية‪.‬‬ ‫عرفت أن المجلة قد صورها مركز الشيخ‬ ‫إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث‬ ‫بالبحرين‪ ،‬والتي قد صدرت في الفترة من ‪- 69‬‬ ‫‪1373‬هـ وألربع سنوات‪ ،‬توقفت بعدها‪ ،‬ولم يصور‬ ‫منها إال أعــداد محدودة‪ ،‬وعــرف مدى حرصي‬ ‫على الحصول على نسخة منها‪ ،‬وعدني بالبحث‬ ‫وفعل في اليوم التالي فاجأني بمجلداتها‬ ‫عنها‪ً ،‬‬ ‫األربعة‪ ،‬فاعتبرتها أجمل هدية منه‪ .‬وبسبب هذه‬ ‫الهدية أعددت كتابًا باسم (ال ُكتّاب السعوديون‬ ‫في مجلة صوت البحرين)‪ ،‬صدر عام ‪1431‬هـ‪/‬‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬عــن دار الــمــفــردات للنشر والــتــوزيــع‬ ‫بالرياض‪.‬‬

‫وكان والد جده حمد من التجار المعروفين‬ ‫بالهند‪ ،‬ولهذا فقد قرر إرسال ابنه سليمان إلى‬ ‫البحرين لمزاولة التجارة منذ عام ‪1905‬م‪ ،‬وقال‬ ‫عنه حفيده خالد‪ ...« :‬فقد استفاد كثيرًا من‬ ‫معلومات وحكايات النجديين الذين قابلهم في‬ ‫الهند‪ ،‬والذين ظلوا في البحرين لبعض الوقت‪،‬‬ ‫وكــانــت أول ــى زيــاراتــه لشيخ الــتــجــار أو (فخر‬ ‫التجار)‪ ،‬كما كــان يُلَقبّ آن ــذاك‪ ،‬وهــو المثقف‬ ‫النجدي الشهير (مقبل عبدالرحمن الذكير)‬ ‫تاجر اللؤلؤ العريق‪ ..‬ومع الوقت تعرف سليمان‬ ‫عــن طــريــق الــذكــيــر على كثير مــن شخصيات‬ ‫البحرين وتجارها‪ ،‬وراح يقرأ ِبن ٍَهم كثيرًا من‬ ‫الصحف والمجالت المصرية والشامية التي‬ ‫يحضرها الذكير عن طريق الهند‪.»..‬‬ ‫وبــعــد مــضــي خــمــس س ــن ــوات م ــن إقــامــتــه‬ ‫بالبحرين‪ ،‬يستدعيه والده المقيم بمكة ليزوجه‬ ‫ابنة عمه نورة السليمان البسام‪ ،‬وبعد وفاة والده‬ ‫المفاجئة‪ ،‬انتقل لإلقامة بعنيزة‪ ،‬فــرزق بابنته‬ ‫حصة وابنيه حمد ومحمد‪.‬‬ ‫عــاد سليمان للبحرين لتفقد تجارته التي‬ ‫توالها بعده شريكه منصور الخنيني‪ ،‬وبعد أن‬ ‫هيأ السكن المناسب للعائلة بالبحرين‪ ،‬نقلها‬ ‫إليه‪.‬‬

‫في ‪ 1‬رجــب سنة ‪1349‬ه ـــ‪ ،‬دخــل ابنه حمد‬ ‫استمرت عالقتنا واتصاالتنا هاتفيًا‪ ،‬ولقاءات‬ ‫مدرسة الفالح بحي الفاضل بالمنامة القريبة‬ ‫عــابــرة بــمــعــارض الكتب بــالــريــاض والبحرين‬ ‫من السوق‪ ،‬حيث متجر والده‪.‬‬ ‫والقاهرة‪ ،‬فأصبح يبعث لي ما صدر له من جديد؛‬ ‫قال عن جده سليمان إن الفكر القومي قد‬ ‫إذ أنه أهداني ما صدر له من قبل عند لقائي به‬ ‫ألول مرة‪ ..‬أهداني كتابه الجديد والمهم‪ ،‬والذي ألهب مشاعره وحماسته‪ ،‬وافــتــخــاره بانتمائه‬ ‫يحكي به سيرة جده (النجدي الطيب‪ ..‬سيرة للعروبة‪ ،‬ومساندته الحق العربي‪ ،‬وتأييد حركات‬ ‫التاجر والمثقف سليمان الحمد البسام) ‪ 1888‬التحرر الوطني‪ ،‬ورفض االستعمار األجنبي‪ ،‬وقال‬

‫‪136‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫إنه في عام ‪1939‬م خاض تجربة كبيرة في دعم وعندما طلب منه صورًا شمسية‪ ،‬قال له‪ :‬ال‬ ‫القضايا القومية‪ ،‬وشارك ألول مرة في تأسيس يوجد مصور في عنيزة‪.‬‬ ‫وعضوية أول لجنة تضامن بحرينية لنصرة كفاح‬ ‫نــعــود إل ــى بــدايــاتــه كــمــا ق ــال عــن تكريمه‬ ‫الشعب الفلسطيني‪.‬‬ ‫فــي اثنينية عبدالمقصود خــوجــه بــجــدة في‬ ‫كبر االبــن حمد‪ ،‬وبــدأ مــزاولــة التجارة مع ‪2014/12/8‬م‪ ،‬إنه عمل في البحرين من عام‬ ‫والــده‪ ،‬وتسلم مسؤولية العائلة بعد وفاة والده ‪1984‬م مدي َر تحريرِ مجلة (بانوراما) البحرينية‪،‬‬ ‫سليمان عام ‪1949‬م‪.‬‬ ‫ومراسل لجريدة الحياة اللندنية‪ ،‬ومدي َر تحريرِ‬ ‫ً‬ ‫نعود إلى الحفيد خالد بن حمد البسام‪ ،‬جريدة (األي ــام)‪ ،‬ثم رئيسً ا لتحرير مجلة (هنا‬ ‫فبعد والدتــه بعنيزة لــدى جدته ألمــه‪ ،‬يعود البحرين)‪.‬‬ ‫للبحرين لتلقي علومه األولى‪ ،‬ثم ينتقل للقاهرة‬ ‫يحرر صفحة أسبوعية في جريدة الخليج‬ ‫للدراسة الجامعية‪ ،‬وكانت المشاعر القومية بعنوان‪( :‬قال الراوي) في التاريخ‪.‬‬ ‫والحماسة على أشدها بين الشباب‪ ،‬ومع ثورة‬ ‫يحــرر صفحتيــن أســبوعيتين فــي مجلــة (كل‬ ‫ظفار عام ‪1977‬م‪ ،‬نجده يترك دراسته ويلتحق‬ ‫بها باسم (فهد)‪ ،‬وقد سجل هذه الفترة في األســرة)‪ ،‬بعنــوان‪( :‬نســوان زمــان) عــن تاريــخ‬ ‫روايته (مــدرس ظفار) الصادرة عام ‪2010‬م المــرأة‪ .‬أعــد برامجً ــا إلذاعــة البحريــن ‪-1988‬‬ ‫من دار أمل في بيروت؛ ما جعله يشارك بحمل ‪2002‬م‪ ،‬لتلفزيــون دبــي ‪2000‬م‪ ،‬وبرنامجً ــا‬ ‫الــســاح‪ ،‬تــار ًكــا دراســتــه بالقاهرة‪ ،‬ومتخذًا‬ ‫اسمًا رمــز ًيــا (فــهــد)‪ ،‬ليخوض أولــى تجاربه‬ ‫الثورية الحقيقية‪ ،‬وعلى أرض الواقع في ثورة‬ ‫ظفار‪ ،‬ولم يكن في باله أن تدريس تالميذ‬ ‫الثورة وحمل السالح‪ ،‬هو أقل بل وأسهل مهمة‬ ‫قام بها‪ .‬وقد بقي في مدينة (الغيظة) أقصى‬ ‫شمالي اليمن‪ ،‬وهي من أسعد أيامه كما قال‪:‬‬ ‫«لقد كانت ظفار حلمًا‪ ،‬ثم كابوسً ا‪ ،‬ويُعدّها‬ ‫أسطورة في الذاكرة ال تنسى أبـدًا‪ .»..‬وكأنه‬ ‫بمغامرته يستعيد دور جده ومجده السابق‪.‬‬ ‫وكــان قد أصــدر قبل ذلك بسنتين روايــة (ال‬ ‫يوجد مصور بعنيزة)‪ ،‬أهداها لي بقوله‪« :‬أخي‬ ‫جميل‪ ..‬مع‬ ‫ً‬ ‫الحبيب أبو يعرب كاتبًا ومؤرخً ا‬ ‫المحبة‪ ..‬خالد»‪ ،‬متتبعًا سيرة ثالثة من أبناء‬ ‫عنيزة تغربوا وتفرقوا‪ ،‬أحدهم في الهند‪،‬‬ ‫واآلخر في الشام‪ ،‬والثالث بالبحرين‪ ،‬وحين‬ ‫التقوا في آخر حياتهم‪ ،‬أخذ كل منهم يقص‬ ‫قصته‪ ،‬وسبب التسمية أن أحدهم ذهب إلدارة‬ ‫خريطة فلسطين‬ ‫الجوازات في بريدة الستخراج جــواز سفر‪،‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪137‬‬


‫في حفل تكريمه‪ ...« :‬إنــه السعودي المولد‪،‬‬ ‫والبحريني الهوى‪ ،‬واالهتمام‪ ،‬والنشأة‪ .‬المؤرخ‪،‬‬ ‫والمترجم‪ ،‬واألديب‪ ،‬والناقد‪ ،‬والصحفي‪ ،‬األستاذ‬ ‫خالد بن حمد البسام‪.»..‬‬ ‫وقــال عنه أحمد عائل فقيه‪ ...« :‬الحديث‬ ‫عن خالد البسام‪ ،‬هو حديث عن شخص يقف‬ ‫بين هويتين؛ الهوية السعودية والهوية البحرينية‪،‬‬ ‫والسفر فــي الــهــويــات المتعددة هــو سفر في‬ ‫الثقافات المتعددة‪ ،‬هــو ابــن عنيزة‪ ،‬وهــو ابن‬ ‫المنامة في آن‪ ،‬هو سليل عائلة تنتشر في اآلفاق‬ ‫من العراق‪ ،‬إلى سوريا‪ ،‬إلى الهند‪ ،‬ومن القصيم‪..‬‬ ‫الشيخ عبدالمقصود خوجة‬ ‫إلى الحجاز إلى جيزان‪ ..‬هو متعدد المواهب‪ ،‬هو‬ ‫أيضا‪ ،‬هو الباحث‪ ،‬وهو المؤرخ‬ ‫تلفزيون ًيــا بعنــوان‪( :‬روزنامــة فــن) ‪2002‬م‪ ،‬وتفــرغ الكاتب والروائي ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وأخيرًا هو المترجم‪ ،‬وإنه يقف على خليج‬ ‫ً‬ ‫أخيــرًا للكتابــة الصحفيــة والتأليــف‪ ،‬وذكــر مــن‬ ‫الحكايات‪.»...‬‬ ‫مؤلفاتــه تلــك األيــام‪ ،‬رجــال فــي جزائــر اللؤلــؤ‪،‬‬ ‫قال إنه عندما نشر كتابه األول (تلك األيام)‬ ‫القوافــل‪ ،‬خليــج الحكايــات‪ ،‬مرفــأ الذكريــات‪،‬‬ ‫صدمــة االحتــكاك‪ ،‬بريــد القلــب‪ ،‬بســاتين‪ ،‬عــزف ‪1987‬م‪ ،‬جــاءه صحفي إنجليزي وقــال لــه‪ :‬إن‬ ‫علــى الســطور‪ ،‬حكايــات مــن البحريــن‪ ،‬نســوان الكتاب غريبٌ رغم تدعيمه بالصور والوثائق‪..‬‬ ‫وقــال له هل ذهبت إلــى األرشيف البريطاني؟‬ ‫زمــان‪ ،‬يــا زمــان الخليــج‪.‬‬ ‫إنك ستندهش بما ستراه هناك‪ ،‬فذهب وقضى‬ ‫وأمامي اآلن كتاب لم يُذكر‪ ،‬وهو (كلنا فداك)‬ ‫سنة في تعلم اللغة اإلنجليزية‪ ،‬ثم ذهب للمكتبة‬ ‫البحرين والقضية الفلسطينية ‪1948 -1917‬م‪،‬‬ ‫البريطانية‪ ،‬وقضى بها أربعة أشهر‪ ،‬من العاشرة‬ ‫كتبه بعد زيارته للقدس مع والده عام ‪1964‬م‪.‬‬ ‫صباحً ا وحتى الخامسة بعد الظهر‪« :‬رأيت كميات‬ ‫وروايته التي صدرت بعد وفاته (ثمن الملح) من الوثائق عن البحرين‪ ،‬وعــن الخليج‪ ،‬وعن‬ ‫عن دار جداول ‪2016‬م‪ ،‬وهي عن تجارة الرقيق الجزيرة العربية‪ ،‬لدرجة إني «أنا بقول لكم قصة»‬ ‫في الجزيرة العربية‪ ،‬وله مجموعة أخرى أعدها من ضمن األشياء التي حصلتها‪ ،‬إن البريطانيين‬ ‫بطلب من وزارة اإلعالم بعنوان‪( :‬رواد الصحافة كانوا دقيقين جدًا في تسجيل أي حادثة مهما‬ ‫كانت بسيطة في البحرين‪ ،‬لدرجة إنــي لقيت‬ ‫البحرينية)‪ ،‬أهداني أربعة منها وهي‪:‬‬ ‫تقرير الــوكــالــة البريطانية فــي البحرين عن‬ ‫‪ -1‬علي سيار‪ ..‬عمر من الكتابة ‪2006‬م‪.‬‬ ‫جدي‪ ،‬حاطينه مثل الخبر‪ ،‬يعني كاتبين (سرقة‬ ‫‪ -2‬محمود المردي‪ ..‬أضواء قلم ‪2007‬م‪.‬‬ ‫منزل التاجر النجدي سليمان الحمد البسام‪..‬‬ ‫‪ -3‬حسن الجشي‪ ..‬البدايات الشجاعة ‪2007‬م‪ .‬واكتشفت أن لديهم قائمة سوداء وقائمة بيضاء‬ ‫للذين يتعاملون مع البريطانيين‪ ،‬من البحرينيين‬ ‫‪ -4‬تقي البحارنة‪ ..‬عنفوان الكتابة ‪2007‬م‪.‬‬ ‫والنجديين‪ ،‬الحمد هلل‪ ،‬لقد عرفت أن أناسً ا من‬ ‫قال عنه عبدالمقصود خوجه عند تقديمه عائلتي محطوطين في القائمة السوداء‪ ،‬وفيه‬

‫‪138‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫ناس محطوطين في القائمة البيضاء‪ ..‬المهم‬ ‫أنني أيقظت األوراق النائمة في هذه المكتبة‪.»..‬‬

‫خصصتها السلطات البريطانية لممارسة البغاء‬ ‫بالمنامة‪ ،‬تتألف الرواية من ‪224‬صفحة‪ ،‬ومواد‬ ‫الرواية معتمدة على األرشيف البريطاني‪ ،‬والذي‬ ‫ت َعوَّد المرحوم أن يستقي الكثير من المعلومات‬ ‫منه في كتبه السابقة‪.‬‬

‫آخــر لــقــاء لــي معه كــان قبل وفــاتــه بأربعة‬ ‫أشهر في منزل الدكتور عادل العلي بالمنامة‪،‬‬ ‫جميل أمتعنا فيه بالذكريات‬ ‫ً‬ ‫حيث قضينا وقتًا‬ ‫والــقــصــص‪ ..‬وكــان رحمه اهلل يحكي عــن آخر‬ ‫كما فــاز بالمركز األول فــي استفتاء ٌكتّاب‬ ‫أعماله التي يكتبها عن قصة تجارة الرقيق في األعمدة المفضلين في الصحافة المحلية في‬ ‫الخليج العربي‪ ،‬وذكــر أن لديه مشاريع ثقافية يوليو ‪1999‬م‪ ،‬وهــو عضو لجنة تحكيم جائزة‬ ‫كثيرة لم تكتمل‪ ،‬وأنه حريص على إنهائها‪.‬‬ ‫الصحافة العربية (دبي) لعام ‪2008‬م‪.‬‬ ‫وكــان قبل سنوات قد أسـ َّر لي أنه «قد قدم‬ ‫وقد كرمته صحيفة (الوسط) البحرينية في‬ ‫طلبًا للسفير الــســعــودي بالبحرين الستعادة نوفمبر ‪2007‬م على جميع كتبه‪.‬‬ ‫الجنسية السعودية‪ ..‬وقال ليس لي بل ألوالدي‪..‬‬ ‫نَعتْه رابطة الصحافة البحرينية‪« :‬الكاتب‬ ‫وبعد أشهر كنت مع الدكتور عبدالرحمن الشبيلي والصحفي خالد البسام في ذمة اهلل‪ ..‬تنعى رابطة‬ ‫في رحلةٍ إلى عنيزة فذكرت له الموضوع‪ ،‬وقال الصحافة البحرينية واألسرة الصحفية البحرينية‬ ‫أن سمو األمير سلمان ‪ -‬الملك ‪ -‬سبق أن سأله‬ ‫الكاتب والصحفي خالد البسام الذي وافته المنية‬ ‫عن باقي مؤلفات البسام؛ ألنــه معجب بكتابه‬ ‫صباح اليوم الثالثاء ‪ 10‬نوفمبر ‪2015‬م‪ ،‬ويعد‬ ‫(يا زمان الخليج)‪ ،‬وأنه لو تيسر وزار المملكة‪..‬‬ ‫البسام أحد أبرز الكتاب الصحفيين البحرينين‬ ‫يمكنه زيارة األمير سلمان‪ ،‬وسوف ينال ما يريد‪..‬‬ ‫الذين أثرو الساحة الصحفية واألدبية من خالل‬ ‫علمًا بأن مجلس التعاون الخليجي قد كرّمه كتاباته الصحفية وإصداراته األدبية والتاريخية»‪.‬‬ ‫مع مجموعة من أبناء دول المجلس في اإلبداع‬ ‫كما رثــاه كثير مــن األدب ــاء والــكــتــاب‪ .‬وممن‬ ‫بالدوحة يوم ‪ 15‬اكتوبر ‪2015‬م‪.‬‬ ‫قائل‪« :‬خالد‬ ‫تحدث عنه الشاعر قاسم حــداد ً‬ ‫كــمــا حــصــل كــتــابــه (خــلــيــج الــحــكــايــات) عــام البسام على هيامه بالتوثيق والتأريخ‪ ،‬فإنه يفعل‬ ‫‪1993‬م‪ ،‬وكتاب (صدمة االحتكاك) عام ‪1998‬م ذلك بهدوء كبير‪ ،‬وبعيدًا عن الضجيج‪ ،‬ودون أي‬ ‫على شهادة أكثر الكتب انتشارًا في بريطانيا‪.‬‬ ‫ادعــاء‪ ،‬ربما ألنه يفعل ذلك بدافع ذاتــي يجعله‬ ‫ونشرت جريدة أخبار الخليج البحرينية في سعيدًا لما يفعل‪ ،‬ففي عمل مثل هذا يشعر خالد‬ ‫عددها ‪ 14204‬يوم السبت ‪ 11‬فبراير ‪2018‬م أنه يحقق شيئًا يحبه‪ ..‬الخ»‪.‬‬ ‫مقال بقلم‬ ‫الموافق ‪ 14‬جمادي األولى ‪1438‬هـ‪ً ،‬‬ ‫وقــال عنه عبدالمنعم ابراهيم فــي «أخبار‬ ‫عبدالحميد القائد عنوانه‪( :‬وهج الكتابة‪ ..‬رواية‬ ‫الــخــلــيــج»‪ :‬خــالــد الــبــســام‪ ..‬رح ــل الـ ــذي حــول‬ ‫عن المسكوت عنه)‪ ،‬يتحدث فيه عن كتاب صدر‬ ‫القراطيس المهترئة إلى جواهر أدبية‪.‬‬ ‫للبسام بعد وفاته بسنة‪ ،‬من سلسلة روايات الهالل‬ ‫وقــال جــورج جحا من بيروت‪ :‬خالد البسام‬ ‫في أكتوبر ‪2016‬م بعنوان «جراندول»‪ ،‬والرواية‬ ‫تــبــدأ فــي عــام ‪1951‬م‪ ،‬يصف المنطقة التي وعنيزة‪ ..‬حبر سحري برائحة القهوة‪.‬‬ ‫* كاتب وباحث سعودي‬

‫نوافذ‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪139‬‬


‫ُ‬ ‫حديث الوجدان في كتاب‬ ‫ذكريات جيل‬ ‫سنوات الجوف‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫■ د‪ .‬هيا بنت عبدالرحمن السمهري*‬

‫حظيت بمرور مكتنز وحـيــازة مــأى‪ ،‬حين تهادى بين أصابعي كتاب الدكتور‬ ‫ُ‬ ‫الحميْد (سنوات الجوف؛ ذكريات جيل)‪ ،‬الذي نشرته بوابة التنوير‬ ‫عبدالواحد ُ‬ ‫الوطنية العريقة (مركز عبدالرحمن السديري الثقافي)‪ ،‬والكتاب اعتال رواق‬ ‫طبعتين فاخرتين‪ ،‬األول ــى عــام ‪٢٠١٧‬م‪ ،‬والثانية ‪٢٠٢٠‬م‪ .‬ولـقــد راق لــي الكتاب‬ ‫محتوى ونتيجةً وفـكــرً ا وأسـلــوبَ ســرد؛ وألن الــذاكــرة التصويرية دائـمــا مــا تكون‬ ‫ً‬ ‫انطبعت حزمة من صفحاته بالذاكرة‪ ،‬فجذبتني‬ ‫ْ‬ ‫حاضر ًة في متكآت أمثالي! فقد‬ ‫فشرعت في قراءة تحليلية أخرى للكتاب‪ ،‬حتى استقرتْ‬ ‫ُ‬ ‫للغوص في التفاصيل‪،‬‬ ‫في ذهني جدارته بأن يكون في علياء الوثائق التاريخية لمنطقة الجوف‪.‬‬ ‫فالكتاب بدايته تخطيطٌ للصعود‬ ‫المجتمعي المستدام‪ ،‬ومــا استشرفه‬ ‫الــكــاتــب فــي ذل ــك الــجــيــل الـــذي ُو ِل ــد‬ ‫في الخمسينيات الميالدية‪ ،‬ونهايته‬ ‫خت ٌم توثيقيٌّ لحكايات الجد والبحث‬ ‫والسؤال والعمل‪ .‬وفي الكتاب رحالتٌ‬ ‫ومحطاتٌ كانت غير مــقــررة‪ ،‬ومــن ث َّم‬ ‫أصبحتْ ممنهجة إلى عالم موجود ما‬ ‫كان اكتشافه شغفًا ألحد في يوم ما!؟‬ ‫فأفاض في صياغة العبارات عن عالئق‬

‫‪140‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫اإلنسان الجوفي بالفن الغنائي وتذوق‬ ‫األصوات والمقارنة بينها‪ ،‬وبسط حديثًا‬ ‫رائقًا عنها‪ ،‬وفنّد الكاتب ميو َل الناس‬ ‫حول أولئك الفنانين الذين لم يدلفوا‬ ‫بالدنا إال من خــال وسائط اإلعــام‬ ‫الــمــســمــوعــة والــمــرئــيــة‪ .‬واســتــوقــفــنــا‬ ‫الكاتب لالستماع لكل طــارق سياسي‬ ‫يحضر عبر اإلذاعــات العربية آنذاك‪،‬‬ ‫ودائما ما يطرح الكاتب شيئا من وقائع‬ ‫الخرافة تجاه األحداث التي اندست في‬

‫نوافذ‬


‫حياة‪ ،‬وسَ ــرتْ على األلسنة بما هي وسيل ًة‬ ‫جاذب ًة لليقين؛ فكأنَّه حَ َم َل أمان َة توثيق تلك‬ ‫المرحلة‪ ،‬يدفعه الشغف الذي كانت تُستَقب ُل‬ ‫به حكايات السابقين فوق (أراضيهم الوطنية‬ ‫التي كانت تسمى آنذاك بالنائية)‪ ،‬إذ توارى‬ ‫النقد في الكتاب حين المرور لتدوين تلك‬ ‫الحقبة‪ ،‬وانسكب الو ُّد العمي ُق الممت ُد عند‬ ‫الكاتب؛ فهو في حديث البساتين الزراعية‪،‬‬ ‫أو ما يسمى جوفيًا بالحوطات‪ ،‬كان تعدّي‬ ‫األطفال على الثمار براء ًة وشجاعةً‪ ،‬وليس‬ ‫بــدافــع الــحــاجــة؛ إنما حـ ًّبــا فــي المغامرة!‬ ‫وتــوقــف الــكــاتــب فــي كثير مــن الــمــواقــف‬ ‫ليبررها‪ ،‬وينتقل منها على عجل!‬

‫يتوارد من األفكار حول انتشار تلك األلعاب‬ ‫المحرمة شرعً ا‪ ،‬فيبسط في فخار الفت‬ ‫تصدي المجتمع الجوفي لكل ما درج عليه‬ ‫صغارهم وفتيانهم وهو مخالف شرعا‪ ،‬كما‬ ‫هي لعبة الفلوس وهي القمار بذاته‪!..‬‬ ‫ويبدو أن ذكاء الكاتب تدخّ ل فشكّل نمطا من‬ ‫الثنائية الحضارية المنتجة‪ ،‬المألى بالتفاصيل‬ ‫واألسماء والحكايات‪ ،‬تصلح لإلخراج المرئي‬ ‫والمسموع‪ ،‬ولم يكن للرجوع والتقهقر عباراتٌ‬ ‫طرح‬ ‫في الكتاب؛ فكلما توقفنا مع الكاتب في ٍ‬

‫ففي حــديــث الكاتب عــن ســوق البحر‬ ‫في سكاكا تفاصيل درسها الكاتب بدقة‪،‬‬ ‫ثم سكبها لتكون من شواهده على التفوق‬ ‫اإلقتصادي الذي ارتقى سلّم ُه أهل سكاكا‬ ‫(الــبــســطــات‪ ،‬وحــلــقــات الــحــراج المؤقته‪،‬‬ ‫والدكاكين ذات الشمولية فــي بضائعها‪،‬‬ ‫رص َدهُ الكاتب‪،‬‬ ‫فالتنوّع في استحصال المال َ‬ ‫فــدخــل مــن خــالــه إلــى مناقب االقتصاد‬ ‫الجوفي‪.‬‬ ‫ومــن الــافــت الجميل أنَّ الكاتب أجــاد‬ ‫في بعض محطات اللغة المحكية هناك‪،‬‬ ‫ومــصــطــلــحــات األسـ ــمـ ــاء‪ ،‬ث ــم ف ــي بــراعــة‬ ‫مــشــهــودة‪ ،‬رصــد تــحــول بعض المصطلح‪،‬‬ ‫فتراكمت األسماء في الكتاب بمفاهيمها‬ ‫المجتمعية الجوفية (فــمــاء الحسو) هي‬ ‫بئر الماء المضلل‪ ،‬ولعبة الفلوس المنتشرة‬ ‫عند األطفال هي القمار بذاته‪ ،‬ويسمونها‬ ‫أيضا (السلب)؛ ألنَّ المغلوب تُسلبُ أمواله‬ ‫ويخسرها‪ ،‬واألهم أن الكاتب يقطع ما قد‬

‫نوافذ‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪141‬‬


‫ٍ‬ ‫طفولية‬ ‫ٍ‬ ‫جديد‪ ،‬حضر ليبلغنا احتفاء آخر عن مجتمعه الطفولة واليفاع في نموذج مسيرةٍ‬ ‫مبكر‬ ‫ٍ‬ ‫بريئة وتذكارٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لمراهقة‬ ‫ٍ‬ ‫الجوفي األثير‪ ،‬ثم يعود لموضوعه األساس‪ ،‬صادقة‪ ،‬ووسـ ٍـم‬ ‫وهذه خصيصة الفتة جميلة‪ ،‬أبدع الكاتب في الستقبال فوران الشباب وزهوه!‬ ‫التعامل معها‪ ،‬وبدا لي تأثير البث اإلعالمي من‬ ‫والــكــتــاب فــي عمومه شــاه ـ ٌد على نفوس‬ ‫وسائطه المحدودة آنذاك واضحً ا في وجيب‬ ‫الناس في ذلــك الــزمــان‪ ،‬وبصم ٌة أكيدةٌ على‬ ‫المجتمع الجوفي ال ــذي كــان مختلفًا‪ ،‬فهو‬ ‫مجتمعاتهم‪ ،‬فــالــطــرح فــي الــكــتــاب خــطــوةٌ‬ ‫يستقي من منصات اإلعالم الخليجية والعربية‬ ‫لإلسهام في مجال تسجيل السيرة؛ وحديثٌ‬ ‫ذات الجوار والقرب الجغرافي‪ .‬وكانت وسائط‬ ‫مختلفة نحو دفع عجلة‬ ‫ٍ‬ ‫بمقتضيات‬ ‫ٍ‬ ‫للذكريات‬ ‫النقد موجَّ ه ًة من مقر األحداث خارج بالدنا‪،‬‬ ‫كل ذي لُبٍّ نحو إتمامها‪ ،‬وما تضمنه الكتاب من‬ ‫ولذلك تــو َّلـ َد رســو ٌخ عجيبٌ وتأيي ٌد لما يُبثّ‬ ‫محطات تصويرية لمسيرة الكاتب صنعت من‬ ‫ُدس‪ ،‬وغدتْ‬ ‫بمستوىً خرافيّ من الثقة فيما ي ّ‬ ‫آمال الناس ف ًّنًا خالدا شكّل الكاتب بتحليالته‬ ‫تلك األخبار هي من يُرتب أزمنة العيش‪ ،‬ويحقق‬ ‫ووقفاته درو ًب ــا للوقوف على تفاصيل إبــداع‬ ‫التواصل المجتمعي للحديث حولها! وشجون‬ ‫العقول السعودية في الجوف وبروزها‪ ،‬والكاتب‬ ‫أخرى جديرة بالتوقف في عمق مجتمع سكاكا‬ ‫أحد العقول الشواهد على ذلك‪ ،‬وإن لم يورد‬ ‫وحي الشعيب؛ حيث وُلد الكاتب وعاش حقب ًة‬ ‫من حياته عندما تقاطر عليهما وصف كاتب في سرده شيئًا من صفحات إبداعه علنا‪.‬‬ ‫حجب بعض التفاصيل‪،‬‬ ‫كما أن الكاتب آث َر َْ‬ ‫دقيق عاش واألرض وال َعرْض‪ ،‬ومن ثم تعايش‬ ‫مع انتقال وجهته إلــى العاصمة الــريــاض أم وورّى عن ذلك بالمثل السائر «وهل ينطق من‬ ‫الدنيا وأبوها‪ ،‬كما أضفى عليها الكاتب‪.‬‬ ‫في فيه ماء؟»‪.‬‬ ‫ومن الالفت أن الكاتب‪ ،‬وهو ذلكم الواعي‬ ‫الحكيم‪ ،‬يالحق الوعي في كتابه‪ ،‬ويرصد شئونه‬ ‫وشجونه‪ ،‬ويمسك بشواهده وشهوده‪ ،‬ويبسطها‬ ‫بسطً ا احتفا ًء بمجتمعه الجوفي‪ ،‬ودائمًا ما‬ ‫يقف الكاتب عند صور الذات المحلية مقابل‬ ‫اآلخر الوافد الذي أتيحتْ له مشاركة المواطن‬ ‫في اإلعــمــار والنهضة‪ ،‬حتى يبرز خصائص‬ ‫االندماج ووسائل تحقيقه‪ ،‬والتوازن في األخذ‬ ‫والــعــطــاء واكــتــســاب المعرفة الــجــديــدة‪ ،‬مما‬ ‫كــان قد تَولّد في مجتمع الجوف وســواه من‬ ‫قطاعات بالدنا‪ ،‬فكانت شهادته ممهورة تنفي‬ ‫عن ذلك الجيل العنصرية‪ ،‬وتقرر أنَّ االندماج‬ ‫في النسيج صبغة لهم!‬ ‫ولــقــد ُو ّف ـ ـ َق الــكــاتــب فــي تصوير مرحلة‬

‫‪142‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫وفي قلب الحقيقة التي كانت حديث الكتاب‬ ‫والكاتب‪ ،‬نجح الدكتور عبدالواحد في الغوص‬ ‫في أعماق إنسان ذلك الجيل‪ ،‬فكانوا يتحدثون‬ ‫عن تغريباتهم في بالد الشام‪ ،‬وسرد نَزرًا من‬ ‫أسباب االغتراب‪ ،‬ولكنه تجاوز تفصيالته لما‬ ‫فيها مــن المشقة واألج ــور الــزهــيــدة‪ ،‬ولكنه‬ ‫فصل وعلّل في الحديث عن تلك المقارنات‬ ‫ّ‬ ‫التي كانت تتوارد على ألسنة الناس عندما‬ ‫ارتفع منسوب العيش في البيئات السعودية‪،‬‬ ‫وكــان حديث المقارنات مثيرًا جــ ّدًا‪ ،‬فكانت‬ ‫طقوس تُتبع‪ ،‬فهم ال‬ ‫ٌ‬ ‫ألحاديث الشارع الجوفي‬ ‫يتحدثون عن عجائب التحضر في عهدهم إال‬ ‫ّات‬ ‫َوهُم في اصطفاف مُنظّ م سعي ٌد حول الشب ِ‬ ‫وهي نا ٌر توقدُ‪ ،‬يتحلّق حولها أهل الحيّ ‪ ،‬ومن‬

‫نوافذ‬


‫كثير‬ ‫الالفت أن الكاتب استطاع القبض على ٍ‬ ‫من صور ذلك الجيل مُستلّ ًة من الصورة الكلية‬ ‫المنبثة في سائر المدن على أطراف بالدنا‪،‬‬ ‫فعلمنا أنهم «كانوا طاقات تتفجر بالطموحات‪،‬‬ ‫وتــصــدم بمحدودية األف ــق» المع ّد الستثمار‬ ‫تلك الطاقات‪ ،‬وحتى ال تسقط العناوين التي‬ ‫وضعها الكاتب‪ ،‬فقد ابتعد عن اصطياد أكثر‬ ‫واسع من‬ ‫ٍ‬ ‫أفق‬ ‫الطبقات سطحية‪ ،‬وتعامل مع ٍ‬ ‫جميع شرائح المجتمع‪ ،‬وأبدع في رسم لوحات‬ ‫التغيرات التي طــرأت على حــراك المجتمع‬ ‫الجوفي‪ ،‬وعلى اقتصاده وبضائعه التي واكبت‬ ‫التحول الوطني الكبير آنــذاك‪ ،‬والــذي امتدَّ‬ ‫مــعــاصـرًا شــامــخً ــا‪ ،‬وحقق الكاتب مــن خالل‬ ‫ذلك تشكيل صور المشاركة التي تمت هناك‬ ‫في إبــداع سردي أخــاذ‪ ،‬وفي محطة متوهجة‬ ‫مــن الــذكــريــات‪ ،‬توجهت بوصلة الكاتب إلى‬ ‫حكايا أميرها المحب عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫بتعيين من قبل‬ ‫ٍ‬ ‫السديري الذي استوطنها أمي ٍ ًرا‬ ‫الملك عبدالعزيز رحمهما اهلل‪ ،‬لثمان وأربعين‬ ‫سنة مــورقــة‪ ،‬رصــد الكاتب قليل من كثيرها‬ ‫الوافر‪.‬‬

‫د‪ .‬عبدالواحد الحميد‬

‫وثيق ٌة تاريخية واجتماعيةٌ‪ ،‬وم ــرآةٌ صادق ٌة‬ ‫للتحوالت التي شهدتها األجيال السابقة في‬ ‫الجوف‪.‬‬

‫ولقد أجاد الكاتب الطرح الودود الهادئ‪،‬‬ ‫وارتقى في ساللم الذكريات للجوف وأهلها‬ ‫بشمولية وفيض‪ ،‬واعتنى بالتفاصيل في وصف‬ ‫كل وسيلة اتخذها الجوفيون الستقبال مسيرة‬ ‫الحياة‪ ،‬وال ريب‪ ..‬فالكاتبُ صاحب دار‪ ،‬وزائ ٌر‬ ‫محب‪ ،‬وعلي ٌم بالكيل والسيل‪ ،‬حيث التحمتْ‬ ‫ٌّ‬ ‫واإلطــار الجميل الــذي أرادهُ الكاتب حين‬ ‫الحديث عن األمير السديري‪ ،‬صنعته صفات الوشائج بين مدينته ونفسه وجيله!‬ ‫أهل المنطقة التي استفاض الكاتب في ذكرها‪،‬‬ ‫والكتاب في عموم محتواه رِ ك ــا ٌز يستحق‬ ‫واإلحــاطــة بتأثيرها على نجاحات منظومة‬ ‫الــقــراءة والبحث‪ ،‬ويُحم ُد للكاتب حين وقف‬ ‫العمل المؤسسي‪ ،‬والمشاريع التنموية التي‬ ‫واستوقفنا معه في ثنيات المكان‪ ،‬وعالئق‬ ‫قدحها األمير عبدالرحمن السديري‪ ،‬فأضاءت‬ ‫ما حولها (دار الجوف للعلوم والثقافة‪ ،‬وتعليم الزمان‪ ،‬حتى أتانا اليقين بأن للجوف أدوارًا‬ ‫وطنية غزيرةٍ يتصدرهم‬ ‫ٍ‬ ‫الــمــرأة‪ ،‬وك ــان افــتــتــاح أول مــدرســة ‪١٣٨٢‬م عُليا في صناعةٍ عقول‬ ‫والمدارس الصناعية والزراعية وغيرها‪ ،‬مما ال مؤلف الكتاب‪ ،‬معالي الدكتور عبدالواحد‬ ‫يمكن طرحه في هذه المساحة‪ ،‬وإال‪ ..‬فالكتاب الحميد‪.‬‬ ‫ * كاتبة سعودية‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 71‬العدد‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪143‬‬


‫الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـح ـ ـ ــة األخ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرة‬

‫أبطال‬ ‫نجيب‬ ‫محفوظ‬ ‫صالح القرشي‬

‫الذين يعرفون نجيب محفوظ‪ ،‬يعرفون الكثير من أبطاله‪،‬‬ ‫كشخصيات تبدو وكأنها خرجت من أوراق الرواية‪ ،‬لتتحول إلى‬ ‫لحم ودمٍ ‪ ،‬تنبض بالحياة وتستعصي على النسيان‪.‬‬ ‫شخصيات من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأعتقد أن هذا األمر ينطبق على الكثير من الروائيين الكبار‪،‬‬ ‫فالكثير من الشخصيات التي أبدعوها تكاد تتحول إلى أسماء‬ ‫فعل‪ ،‬وليست مجرد‬ ‫نعرفها ونتعامل معها‪ ،‬باعتبارها موجودة ً‬ ‫شخصيات روائية‪.‬‬ ‫"ســي السيد" أحــمــد عــبــدالــجــواد بطل الثالثية‪ ،‬مــثــال حيّ‬ ‫لشخصيةٍ مركبةٍ وشديدة التناقض‪ ،‬من نوع الشخصيات التي‬ ‫تكرهها وتحبها في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫في الثالثية نفسها ال يمكن نسيان "كمال عبدالجواد"‪ ،‬ولعلها‬ ‫أكثر شخصيات نجيب محفوظ التي تلتقط جــزءًا من سيرته‬ ‫كبير عن صراعٍ‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الذاتية‪ ،‬وبخاصة مرحلة شبابه‪ ،‬وتعبر‬ ‫حقيقيٍّ عاشه بين اإليمان والعلم‪ ،‬وبين الرومانسية والواقعية‪.‬‬ ‫في "ميرامار" ال يمكن نسيان شخصية "زهــرة"‪ ،‬ومن خاللها‬ ‫عبّر محفوظ عن خوفه وقلقه على مستقبل مصر‪ ،‬تربُّص الرجال‬ ‫بــزهــرة البريئة والجميلة كــان يــرمــز بشكل أو بــآخــر إلــى تلك‬ ‫بكثير مما حدث بعد ذلك‪ ،‬فيما‬ ‫ٍ‬ ‫المخاوف‪ ،‬ويتنبأ بشفافيةٍ عاليةٍ‬ ‫"عامر وجدي" الرجل العجوز والمتأمل‪ ،‬الذي يحاول أن يدافع عن‬ ‫زهرة‪ ،‬يمثل ذلك الصوت الخافت الذي ال يسمعه أحد‪.‬‬

‫ال يمكن أن ننسى أيضا شخصية "أنيس زكي" في "ثرثرة فوق النيل"‪ ،‬وهي واحــدةٌ من أجمل روايات‬ ‫محفوظ‪" ،‬أنيس زكي" الذي أراد أن يعالج إحباطاته االجتماعية والفكرية من خالل االغتراب الشخصي‪،‬‬ ‫حيث العوامة وتهويمات المخدر‪ ،‬ومن خالل فكرة العبثية والالمباالة‪ ..‬ذلك البطل الذي يدور حديثه دائما‬ ‫متخصصا في التاريخ‪ ،‬ليبدو التاريخ في‬ ‫ً‬ ‫داخل نفسه‪ ،‬رسمه محفوظ ببراعة فائقة‪ ،‬وأختار له أن يكون مثقفًا‬ ‫عينيه وهو في غياهب النشوة‪ ..‬مثل سمكة كبيرة توقفت عن التهام العوامة‪ ،‬واختارت أن تغمز لها بعينها‪.‬‬ ‫ال يمكن أن ننسى أيضا "عاشور الناجي" وأبناءه وأحفاده في "الحرافيش"‪ ،‬الرواية التي ناقشت ببراعة‬ ‫مفهوم السلطة وتأثيرها‪ ،‬وفكرة العدل والصراع الطبقي‪.‬‬ ‫وال يمكن نسيان "عيسى الدباغ" بطل رواية "السمان والخريف"‪ ،‬ذلك الشاب الممتلئ باألمل والطموح‪،‬‬ ‫والصاعد بسرعة ليكون نجمًا سياسيًا يتوقع له الجميع أن يصعد للوزارة في أول حكومة جديدة يشكلها‬ ‫الوفد‪ ،‬لكن األحداث التي جرت بعد ذلك جعلت كل أحالمه وطموحاته تتهاوى‪ ،‬فيجد نفسه خارج العصر‪..‬‬ ‫فيما يكتسح رجال آخرون المشهد‪ ،‬يخسر عيسى الدباغ مستقبله السياسي والعاطفي‪ ،‬وينجح محفوظ‬ ‫ببراعة في رسم حياته المترنحة والبائسة‪.‬‬ ‫ويمكن لي أن أمضي في تعداد الكثير من شخصيات نجيب محفوظ التي بقيت تزخر بالحياة في العديد‬ ‫من رواياته األخرى‪ ،‬لوال أن الموضوع هو إشارات فقط‪.‬‬ ‫* كاتب سعودي‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫رب ـي ــع ‪١٤٤٢‬ه ـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫الصفحة األخيرة‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.