¦ ¦محور خاص :جدلية الوقت والكتابة ¦ ¦نصوص جديدة ونوافذ ¦ ¦رحلة الشتاء بني الدخول وحومل ¦ ¦مواجهات :أحمد فضل شبلول، محمود خيراهلل ،خالد عبدالكرمي ا َ حل ْمد.
برعاية سمو ولي العهد
سمو وزير الطاقة يفتتح مشروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية
71
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف 1-نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية
يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت. ب -اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب المادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق. -٤أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم المادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز :تخضع لقواعد النشر فيتلك المجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .تحتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات منطقة الجوف ،إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية. -٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعل ًقا مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط. -٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جدي ًدا يف فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طل ًبا للدعم مرف ًقا به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله،واملدة املطلوبة إلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزماتاملطلوبة ،مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني يف البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما إذا كان البحث مدعو ًما كذلك من جهة أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. -٢أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. الجـوف 42421ص .ب 458هاتف 014 6245992 :فاكس014 6247780 : هاتف 016 4422497 :فاكس016 4421307 : الغ ـ ـ ــاط 11914ص.ب 63 الرياض 11614ص .ب 9 4781هاتف 011 4999946 :ج ـ ــوال055 3308853 :
info@alsudairy.org.sa www.alsudairy.org.sa
مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري
ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي هيئة النشر ودعم األبحاث
رئيسً ا د .عبدالواحد بن خالد الحميد عضوًا أ .د .خليل بن إبراهيم المعيقل أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السدير ي عضوًا عضوًا د .علي دبكل العنزي عضوًا محمد بن أحمد الراشد أسرة التحرير
إبراهيم بن موسى احلميد محررا محمود الرمحي ً محررا محمد صوانة ً اإلخراج الفني :خالد الدعاس
املشرف العام
هاتف)+966()14(6263455 : املراســــــالت : فاكس)+966()14(6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد ISSN 1319 - 2566 سعر النسخة 8رياالت -تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع ريال واملؤسسات ً 60 االشتراك السنوي لألفراد ً 50 ريال
رئيسً ا فيصل بن عبدالرحمن السديري عضوًا سلطان بن عبدالرحمن السديري د .زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب عضوًا عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري عضوًا د .سلمان بن عبدالرحمن السديري عضوًا د .عبدالواحد بن خالد الحميد أ .د .خليل بن إبراهيم المعيقل عضوًا سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضوًا طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضوًا سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضوًا أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضوًا قواعد النشر
-1أن تكون املادة أصيلة . -2لم يسبق نشرها ورق ًيا أو رقم ًيا. -3تراعي اجلدية واملوضوعية. -4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب ،على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» مناألسماءالتيكانتتُطلقعلىمنطقةاجلوفساب ًقا.
املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر.
يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املناشط املنبرية الثقافية، برنامجا للنشر ودعم األبحاث والدراسات ،يخدم الباحثني واملؤلفني ،وتصدر عنه مجلة ويتبنّى ً ً (أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي ،ومجلة (اجلوبة) الثقافية ،ويضم املركز كل من( :دار العلوم) مبدينة سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما قسم للرجال وآخر للنساء .ويتم متويل املركز من مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية.
0553308853
Alsudairy1385
الـمحتويــــات
العدد - ٧١ربيع ١٤٤٢هـ (٢٠٢١م)
االفتتاحية ٤ ..................................................................
تـقــاريــر:
برعاية سمو ولــي العهد ..سمو وزيــر الطاقة يفتتح مشروع
محطة سكاكا للطاقة الشمسية ويشهد توقيع اتفاقيات ( )7مشـروعــات
جديدة6 .....................................................................
محور خاص :الكتابة بين الزمن وعدميته.....................
18.........................
الكتابة بين الزمن وعدميته
110............................ حوار مع الكاتب والروائي
خالد عبدالكريم الحمد
ديناميكية الفنون وارتباطها بعامل الوقت -خالد ربيع السيد ........... الزمن الدائري -محمد العامري......................................... الساعة السادسة ظهرا -محمد علي حسن الجفري.................... الزمان في الفكر العربي اإلسالمي -د .توفيق زهير.................... جدلية الوقت والحياة عند الشعراء -أ .د .راشد عيسى................ فلسفة الزمن وعشبة الخلود -أ .د .أحمد بن ماضي الماضي ......... الزمن في الفكرويّات اإلسالميّة -محمد سالم جميعان ................ فن إدارة الوقت ..كيف يمكننا تطوير ذواتنا! -د .هويدا صالح ......... الزمن وسيطٌ للكتابة ..أم الكتابة وسيطة الزمن -د .هناء البواب ...... كيف ننتصر للزمن؟ الزمن بين الكتابة والوهم . -د .منتصر الخفاجي. اتجاهات الزمن ومشكالته ..آالن بيكي بيسوا ..فرنسا -ترجمه :اسكندر بيكوا. أوقاتنا بين االستثمار والتفريط -سميرة الزهراني ..................... عناية الحضارة اإلسالمية بالعلوم واآلالت المرتبطة بحساب الوقت -د .سعيد
18 19 24 28 32 36 40 43 46 52 55 58 62
ابن دبيس العتيبي 64 ............................................................
نصوص :ذلك الجدار ..تلك الشجرة -هشام بن الشاوي ............... إنسان جديد -رجاء عبدالحكيم الفولى .................................. هياكل -عقل بن مناور الضميري ........................................ لست امراة عادية -ليال الصوص ....................................... ُشاغبَة! -فهد أبو حميد............................ الكِ نايَة ..مَسافاتٌ م ِ كغبطة أسرى تداهمهم بغتة الباب -عبدالوهاب الملوح ................ الرَّبيع -سامي أبو بدر ................................................... غياب -د .أحمد اللهيب .................................................
70 73 74 81 82 84 86 87
العال ..بين حلم ورؤية - !..عمر بوقاسم88 ......................... ترجمة :سيرة من أدب االويغور -ترجمة :مي ممدوح 89 .................. مواجهات :أحمد فضل شبلول -حاوره؛ ياسر الششتاوي94 ...............
الشاعر المصري محمود خيراهلل -حاوره :كمال أبو النور103 .............. الكاتب والروائي خالد عبدالكريم الحمد -حاوره :المحرر الثقافي 110 ....
نوافذ :الحلم المعلق لخالد عبدالكريم الحَ ْم ْد ومالمحها الجوفية بامتياز
123............................
ُ رحلة الشتاء وح ْو َمل الد ُخول َ بين َّ
غازي خيران الملحم 120 ...................................................رحلة الشتاء بين الدَّ خُ ول وحَ ْومَل -د .عائض الردّادي 123 .................. خالد البسام 1436 - 1375هـ -محمد عبدالرزاق القشعمي135 ........... حديث الوجدان في كتاب سنوات الجوف؛ ذكريات جيل -د .هياء بنت عبدالرحمن السمهري140 ..................................................
الصفحة األخيرة :أبطال نجيب محفوظ -صالح القرشي 144 ..............
■ إبراهيم بن موسى احلميد
يتجدد مفهوم الوقت والزمن ،وتثور التساؤالت حول حركة الوقت وعوامل الزمن، وتشغل حركة األيام وصيرورتها ومفهوم الزمن الفالسفة والكتّاب والشعراء والمبدعين، محرضا اإلنسان ً فرأى بعضهم أن كل وقت له بداية ونهاية ،وقبلهم يأتي القرآن الكريم لحظة ٍ على العناية بالوقت وعدم التفريط به ،إذ أعطى أهمية بالغة للزمن ،الستغالل كل زمنية في أوقاتنا ،بما يعود على اإلنسان ومحيطه بالخير والسالم حياة وعاقبة؛ إذ ال يهم ٍ في الحياة طول زمنها ..بل ما نفعله فيها ،فأقسم اهلل ج ّل وعال في مواضع عديدة من القرآن الكريم بالفجر ،والضحى ،والعصر ،والليل ،والنهار ..وقد ارتبطت معظم العبادات في الدين اإلسالمي بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصالة ،والصيام ،والحج ،وحيث تستشهد الدكتورة هويدا صالح بمقولة الباحث حامد أبو طالب "تبدأ صناعة الحضارة من حرص أفرادها على احترام الوقت كقيمة حضارية ،وجاء اإلسالم مدركًا لهذه الحقيقة.".. وإذ "يرتكز مفهوم الزمن في القرآن الكريم على أسس هي بمثابة المسلّمات التي ينطلق منها وعي المسلم ،وأول هذه المسلّمات أ ّن اهلل تعالى ال يتزمّن بشيء وال يحيطه شيء ،ويحيط هو بالكائنات جميعًا ،التي هي بالضرورة ( خاضعة للزمن ) .".. وفي مجال الكتابة اإلبداعية ،يختلف مفهوم الزمن لدى الكتّاب والمبدعين؛ فمن حالة الكتّاب من يعني له الزمن /التجديد واالستمرارية ،ومنهم من يعني له التوقف على ٍ معينة ال يتجاوزها .وفي الفنون يتأكد ارتباط حركتها بعامل الوقت ،إذ يرى الباحث خالد ربيع السيد أن الفنون زمانية ومكانية ،ال يمكن إغفال عامل الوقت فيها؛ ومن هنا ،يتضح أن ما يتحقق من القيم الجمالية في الفن ،سواء قديمًا أم حديثًا ،يعتمد على قيمة الزمن، أو الوقت وحسن استثماره في التعليم والعمل. وقد شغلت مفردة الزمن العرب في أكثر من موضع وسؤال؛ منها :أزمن وأزمان وأزمنة وزمان ،كما يقول الباحث محمد العامري؛ ولكنه يلفت االنتباه إلى أن إضافة األلف لها
4
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
افتتاحية
داللة على امتداده المطلق ،والمطلق خاصية من خصائص ربّ الكون وحده (جل عاله) يتفرد بها وال يشاركه أحد بذلك. مثل الزخرفة، في جانب آخر ،نجد أن الزمن الدائري يتمثّل عديدًا من ألوان السلوك اإلنساني؛ ً وهي ترددات لوحدات بصرية تتكرر بتشابهها ماال نهاية ،كما أن للزمن تمظهراته في الشعر والسرد، إذ لكل رواية زمنها الخاص المرتبط غالبا بالمكان. معضالت الفلسفة وقد شكّل الزمن والوقت أهمية بالغة في الفكر والفلسفة؛ بل إنه شكّل أهم ّ وصول إلى الفلسفة ً عبر تاريخها الطويل ،من طالئع فلسفة اليونان مرورًا بالفالسفة المسلمين، الحديثة كما يقول د .توفيق زهير ،إذ يتساءل عن الزمن ومعنى الوجود :أفالطون ،وأفلوطين، هيراقليدس ،وزينون اإليلي ،وأرسطو ،وديكارت ،وكانط ،وبرجسون ،وابن سينا ،والغزالي ،وابن رشد . وإذا كان الزمن قد شغل الفالسفة والشعراء ،فإن فلسفة الزمن وعشبة الخلود قد تمثلت في ملحمة جلجامش السومرية؛ كما يقول د .احمد ماضي ،حيث الوجود حسب مارتن هايدجر ،هو حركة الزمن فينا ،التي تقودنا قدمًا نحو العدم/المستقبل ،وحيث الزمن أفق كل فهم للوجود وتفسيره. ولم تقف جدلية الزمن والوقت عند الفالسفة والمفكرين ،بل تعدتهم لتكون ثيم ًة عند الشعراء كما يقول د .راشد عيسى ..من طرفة بن العبد ،وامرئ القيس ،وقيس بن الملوّح ،والمتنبي ..إلى الخيام وترجمات أحمد رامي ،وأحمد شوقي ،والهادي آدم ،و محمود درويش. ويرى معظم النقاد والروائيين والباحثين أن الرواية الجديدة ورواية ما بعد الحداثة قد دمرتا األزمنة ومزقتها ،كما تقول الدكتورة هناء البواب ،حيث التالعب بالزمن بعد أن كانت الرواية التقليدية استعراض لكيفية كتابة المبدع ٍ تخضع للتسلسل الزمني المحافظ بإطار متين من الزمن ..ومن أسطورته السردية ،حيث الكتابات المسمارية التي استخدمها السومريون واألشوريون ،والكتابة الهيروغليفية في مصر الفرعونية ،وكلها كتابات تصويرية ،وانتقال اإلنسان إلى الكتابة باألحرف التعبيرية من أوجاريت إلى الكتابة باألحرف العربية ،يرى الباحث د .منتصر الخفاجي أن هذا يُظهر أن الزمن ال عالقة له أن يكون األساس في الكتابة ،بل على العكس الكتابة هي التي تحرك الزمن.. واذا كان الزمن واح ٌد من اإلشكاليات التي واجهت الفكر الديني والعلمي والفلسفي ،فإن الممارسة العملية للمفكرين المسلمين تجلت في بحث مشكلة الزمن في وعي اإلنسان ،انطالقا من حثّ القرآن الكريم "أفال تعقلون" كما يرى محمد سالم جميعان ،ولم يقف الفالسفة المسلمون عند المعنى المجرد للزمن ،بل ربطوه بالعلة والمعلول ومذاهب قراءاتهم التي خرجوا بها. باق ،نحن من "يقول الناس الزمن ينقضي ،لكن وآسفاه ،الزمن ٍ هنري أوستن دوبسون.
افتتاحية
سنغادر"New Philosopher Arabia.
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
5
برعاية سمو ولي العهد..
ســمو وزيــر الطاقــة يفتتــح مشــروع ويشـهـــــد توقيــــع اتفاقيـــــات سمو ولي العهد:
افتتــاح مشــروع محطــة ســكاكا إلنتــاج اتفاقيــات شــراء الطاقــة لـســـبعة مشــروعات الحـرميـــن الشـــــريفين بالعمـــــل علـــى ■ أعد التقرير :فريق التحرير من سكاكا
تـحــت رع ــاي ــة صــاحــب الـسـمــو الـمـلـكــي األم ـي ــر مـحـمــد ب ــن سـلـمــان بن عبدالعزيز ،ولي العهد ،نائب رئيس مجلس الــوزراء ،رئيس اللجنة العليا لشؤون مزيج الطاقة إلنتاج الكهرباء وتمكين قطاع الطاقة المتجددة، افتتح صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة ،وبحضور صاحب السمو الملكي األمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز ،أمير منطقة الجوف ،مشروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية، الــذي ُيـ َعــدُّ بــدايــة مـشــروعــات الطاقة المتجددة فــي المملكة ،وذلــك يوم الخميس 26شعبان 1442هـ الموافق 08إبريل 2021م. وج ــرت خــال حفل االفـتـتــاح ،مــراســم توقيع اتـفــاقـيــات ش ــراء الطاقة لسبعة مشروعات أخرى للطاقة المتجددة في مختلف مناطق المملكة، تحالفات استثمارية مكونةٍ من 12شركةً سعوديةً ودولية. ٍ مع خمس
6
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
تقارير
محطــة ســكاكا للطاقــة الشمســية لـســــبعة مشــــروعــــات جديــدة
()١
الكهربــاء مــن الطاقــة الشمســية وتوقيــع ً تنفيــذا لتوجيهــات خــادم جديــدة ،يأتيــان تنميــة اقتصــاد المملكــة وفــق رؤيــة 2030 وك ــان صــاحــب السمو الملكي األمير محمد بن ســلــمــان بــن عــبــدالــعــزيــز ،ولــي العهد ،نائب رئيس مجلس الــوزراء ،وزير الدفاع ،رئيس اللجنة العليا لشؤون مزيج الــطــاقــة إلنــتــاج الــكــهــربــاء وتمكين قطاع صــرح أن افتتاح الطاقة المتجددة :قــد ّ مــشــروع محطة سكاكا إلنــتــاج الكهرباء مــن الطاقة الشمسية وتوقيع اتفاقيات شــراء الطاقة لـسبعة مشروعات جديدة، يأتيان تنفيذًا لتوجيهات خــادم الحرمين الشريفين ،الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه اهلل -بالعمل على تنمية اقتصاد المملكة العربية السعودية ،وفق رؤية ،2030وما يندرج تحتها من مبادرات في قطاع الطاقة المتجددة.
ولي العهد األمير محمد بن سلمان
اإلعالن عن مبادرتين ،هما« :مبادرة السعودية الخضراء» و«مبادرة الشرق األوسط األخضر»،
ما يؤكد حرص المملكة بوصفها منتجً ا عالميًا رئيسً ا ورائدًا للبترول ،تدرك تمامًا نصيبها من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة تغيّر المناخ، واستمرارًا لدور المملكة الرياديّ في استقرار
وقال سموه« :لقد تم خالل األسابيع الماضية أســواق الطاقة ،سنواصل هذا الــدور لتحقيق
تقارير
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
7
الريادة في مجال الطاقة المتجددة». وأضــاف سموه« :هــذه المناسبة تعبّر عن عزمنا على أن نكون روادًا في جميع قطاعات الطاقة ،وقــد سعينا لتحقيق المزيج األمثل منها ،وتعزيز كفاءة إنتاجها واستهالكها؛ إذ
تدشين محطة سكاكا للطاقة الــشــمــســيــة الــكــهــروضــوئــيــة منعطف تــاريــخـ ٌّـي فــي مسيرة ٌ الخطط المتواصلة لتطوير قــــطــــاع الــــطــــاقــــة ال ــوط ــن ــي وتنويع مــصــادره ورفــع كفاءته مــحــطــة ســكــاكــا أول محطة للطاقة المتجددة في المملكة
نشهد اليوم إطالق مشروع محطة سكاكا إلنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتشغيله ،وهي تمثل أولى خطواتنا الستغالل الطاقة المتجددة في المملكة ،وفي القريب العاجل سيكتمل إنشاء مشروع محطة دومة الجندل إلنتاج الكهرباء من طاقة الرياح». وتــابــع سموه قــائـ ًـا« :نشهد الــيــوم توقيع اتــفــاقــيــات لسبعة مــشــروعــات جــديــدة إلنتاج الــكــهــربــاء مــن الــطــاقــة الشمسية فــي مناطق مختلفة من المملكة ،وستصل الطاقة اإلنتاجية لهذه المشروعات ،إضافة إلى مشروعي سكاكا ودومة الجندل ،إلى أكثر من ( )3600ميجاوات، كما أنها ستوفر الطاقة الكهربائية ألكثر من ( )600ألــف وح ــدة سكنية ،وستخفض أكثر من سبعة ماليين طن من االنبعاثات المسببة لالحتباس الــحــراري .وقــد حقق بعض هذه المشروعات أرقامًا قياسي ًة جديدة تمثلت في تسجيل أقــل تكلفة لشراء الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية في العالم .وستتبع هذه المشروعاتـ بإذن اهلل مشروعات أخرى للطاقة المتجددة ،في أنحاء العالم ،سنعلن عنها في حينها». وأكــد سموه أن هذه المشروعات ،وغيرها من مشروعات الطاقة المتجددة ،التي يجري إنــشــاؤهــا فــي أنــحــاء المملكة ،تمثل عناصر جوهرية في الخطط الرامية للوصول إلى مزيج الطاقة األمثل إلنتاج الكهرباء ،والتي تستهدف أن تصبح حصة كل من الغاز ومصادر الطاقة المتجددة في هذا المزيج نحو ( )%50بحلول عام 2030م ،وأن يحل الغاز والطاقة المتجددة محل نحو مليون برميل بترول مكافئ من الوقود
8
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
تقارير
السائل يوميًا ،تستهلك وقودًا في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه وفي القطاعات األخرى ،للوصول إلى المزيج األمثل ،واألعلى كفاءة ،واألقل تكلفة، واألكــثــر إسهامًا فــي حماية البيئة والحفاظ عليها .وتجسد هذه المشروعات جهود المملكة الرامية إلى توطين قطاع الطاقة المتجددة، وتعزيز المحتوى المحلي فيه ،وتمكين صناعة مكونات إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح محليًا ،لتصبح المملكة خالل األعــوام العشرة الــقــادمــةـ ب ــإذن اهلل مــرك ـزًا عــالــمـ ًيــا للطاقة التقليدية والمتجددة وتقنياتها.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان
واختتم سمو ولي العهد تصريحه ،بالقول: «إن مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق األوسط األخضر» ،إضافة إلى المشروعات التي نشهد اليوم انطالقتها ،تمثل أجزا ًء جوهرية من دورنا الريادي تجاه القضايا الدولية المشتركة، واستكمال للجهود التي بذلتها المملكة خالل ً فترة رئاستها مجموعة العشرين ،والتي نتج عنها تبنّي المجموعة لمفهوم االقتصاد الدائري للكربون ،الذي يسهم في تسريع استعادة توازن انبعاث الغازات المسببة لالحتباس الحراري. وهكذا ،فإن هذه المشروعات تعزز سجلنا في مجال الطاقة المتجددة ،كما أنها تضاف إلى المكانة التي نتمتع بها في مجال الطاقة بشكل عام». تصريح سمو وزير الطاقة وف ــي تــصــريــح لسمو وزيـــر الــطــاقــة بهذه المناسبة ،ن ـوّه صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز بدعم خــادم الحرمين الشريفين ،الملك سلمان بن
تقارير
وزير الطاقة األمير عبدالعزيز بن سلمان
عبدالعزيز آل سعود حفظه اهلل ،وتوجيهاته الــســديــدة فــي جميع الــمــجــاالت الــتــي تُحقق المنافع للوطن والمواطنين ،كما ثمّن سموه دعم سمو ولي العهد قائال« :يجب عليّ التنويه بالدور القيادي الكبير الذي ينهض به صاحب السمو الملكي األمــيــر محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ،حفظه اهلل ،في تمكين قطاع الطاقة ،من خالل قيادته اللجنة العليا لشؤون المواد الهيدروكربونية ،واللجنة العليا لشؤون مزيج الطاقة إلنتاج الكهرباء ،وتمكين قطاع الطاقة المتجددة ،وتوجيهاته التي قادت 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
9
يــمــثــل افــتــتــاح مــحــطــة سكاكا للطاقة الشمسية الكهروضوئية منعطفً ا تاريخيً ا فــي مسيرة تحول قطاع الطاقة بالمملكة لتصبح ركيزة لمشاريع الطاقة الـــمـــتـــجـــددة الــمــســتــقــبــلــيــة
وأشار سمو األمير عبدالعزيز بن سلمان إلى أن بعض هذه المشروعات حقق أرقامًا قياسية عالمية جديدة تمثلت في تسجيل أقل تكلفة لشراء الكهرباء المُنتجة من الطاقة الشمسية في العالم ،إذ بلغت تكلفة شــراء الكهرباء من مشروع الشعيبة 1.04سنتًا أمريكيًا لكل كيلو وات /ساعة.
ون ـوّه سموه بــدور القطاع الخاص في هذه ـري في الــمــشــاريــع ،ال ــذي يُــســهــم بـ ــدورٍ جــوهـ ٍ مشروعات الطاقة المتجددة؛ إذ تــم تطوير مشروع سكاكا ،من قبل شركة أكواباور ،وهي شركة وطنية رائــدة في هــذا المجال ،يمتلك صــنــدوق االســتــثــمــارات الــعــامــة %50منها، وانتشرت مشروعاتها في العديد من دول العالم، وزير الطاقة وأمير الجوف يشهدان توقيع اتفاقيات وحققت إنجازات على مستوى توطين الوظائف، الطاقة للمشروعات الجديدة بوجود %97من فريق تشغيل محطة سكاكا من إلــى رفــع مستوى طموحاتنا ،إذ تُــمـ ّثــل هذه السعوديون %90 ،منهم من أبناء منطقة الجوف. المشروعات تطبيقًا عمليًا ،على أرض الواقع، وأكد سمو وزير الطاقة أن أهمية مشروعات لرؤية «المملكة ،»2030مما يُسهم في الوصول إلى مزيج الطاقة األمثل ،وتحوّل المملكة من الطاقة المتجددة التي يُحتفل بها اليوم تكمن في أنها تُمثل خطوات عملية باتجاه تحقيق استهالك الــوقــود السائل إلــى الغاز والطاقة العديد من األهداف االستراتيجية لمستهدفات المتجددة ،األمر الذي يجعلها عالمات فارقة رؤي ــة «المملكة ،»2030لمنظومة الطاقة في مسيرة قطاع الطاقة». ككل ،وقطاع الكهرباء ،بشكل خاص ،مبينا أن وأوض ــح ســمــوه أن الــمــشــروعــات الجديدة استغالل مصادر الطاقة المتجددة يُمثّل جزءًا تقع في المدينة المنورة ،وسدير ،والقريات ،مهمًا من السعي إلى خفض استهالك الوقود والشعيبة ،وجدة ،ورابغ ،ورفحاء .ويبلغ إجمالي السائل في إنتاج الكهرباء ،والوصول إلى مزيج طاقة هذه المشروعات ،إضاف ًة إلى مشروعي الطاقة األمثل ،الذي يهدف إلى أن تُصبح حصة سكاكا ودومــة الجندل 3670 ،ميجاوات .كما الغاز ومصادر الطاقة المتجددة في هذا المزيج لكل منهما بحلول عام 2030م ،وذلك أنها ستوفر الطاقة الكهربائية ألكثر من 600نحو ٍ %50 ألف وحدة سكنية ،وستخفض أكثر من 7ماليين بــإزاحــة نحو مليون برميل بترول مكافئ من طن من االنبعاثات المسببة لالحتباس الحراري .الوقود السائل يوميًا ،تُستهلك وقودًا في إنتاج
10
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
تقارير
الكهرباء وتحلية المياه وفي قطاعات أخرى. وأشــــار ســمــوه إل ــى أن كــل ذل ــك سيمكّن المملكة من رفــع كفاءة استهالك الطاقة في إنتاج الكهرباء ،وتأكيد مستوى التزامها البيئي وتعزيزه ،بخفض مستوى االنبعاثات المتسببة في االحتباس الحراري. وبيّن أن هذه المشروعات ،والعديد غيرها الــتــي يــجــري إنــشــاؤهــا فــي أنــحــاء المملكة؛ كمشروعات إنتاج الهيدروجين واألمونيا ،وتبنّي المملكة نهج االقتصاد الدائري للكربون ،الذي أقرته قمة مجموعة العشرين ،استنادًا إلى مبادرة المملكة ،كنهج فاعل لتحقيق األهداف المتعلقة بالتغير المناخي ،وضمان إيجاد أنظمة طاقةٍ أكثر استدامة وأقل تكلفة ،هي عناصر داعم ٌة ومُكمل ٌة لألهداف الطموحة التي ترمي
تقارير
ـداف حققت محطة سكاكا أه ـ َ توطين الوظائف بنحو ،%100 ويجسد المشروع دور الشراكات بين القطاعين العام والخاص فــي تمكين النمو االجتماعي واالقتصادي المستدام بالمملكة 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
11
ويدعم خطط المملكة الطموحة ألن تُصبح من الــدول الرئيسة في مجال إنتاج الكهرباء وتصديرها باستخدام الطاقة المتجددة ،كما يدعم التبادل التجاري للطاقة الكهربائية من خــال مــشــروعــات الــربــط الكهربائي مــع دول الجوار ،التي بدأت بالربط الكهربائي مع دول الخليج العربية ،فيما يجري العمل على الربط الكهربائي مع مصر واألردن والعراق ،كما أنها تُــعــزز السعي لتوطين صناعة مكونات إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتطوير تقنياتها، وتمكين الكفاءات العاملة في القطاع». وكان سمو وزير الطاقة قد اطلع خالل زيارته لمنطقة الــجــوف ،على مــشــروع محطة دومــة الجندل لطاقة الرياح الــذي سينتج نحو 400 ميجاوات.
إليها مبادرة «السعودية الخضراء» ،و«الشرق األوسط األخضر» ،التي أعلن عنهما سمو ولي العهد قبل أيام ،والتي تُؤكد حرص المملكة على مواصلة الوفاء بالتزاماتها في إطار اتفاقيات حماية البيئة ومكافحة التغيُّر المُناخي. وق ــال سمو األمــيــر عبدالعزيز بن سلمان «إن إكمال هذه المشروعات ،وغيرها ،وربطها بالشبكة الوطنية ،سيسهم في تعزيز قــدرات المملكة فــي إنــتــاج الكهرباء لتلبية االحتياج الوطني ،ويُعزز موثوقية الشبكة الكهربائية،
12
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
وتشمل مشروعات الطاقة الكهروضوئية التي أعلن عنها :مشروع سدير ،الذي تبلغ سعته 1500ميجاوات ،وهو أحد المشروعات المطورة من قبل صندوق االستثمارات العامة وشريكه االســتــراتــيــجــي أك ــواب ــاور ال ــذي يــقــود تحالف المشروع؛ ومشروعي القريات والشعيبة ،اللذين ينفذهما تحالف شــركــات :أكــوابــاور ،والخليج لــاســتــثــمــار ،والــبــابــطــيــن لــلــمــقــاوالت للطاقة الكهروضوئية ،وتبلغ سعة مــشــروع القريات 200ميجاوات ،وسعة مشروع الشعيبة 600 ميجاوات؛ ومشروع جــدة الــذي ينفّذه تحالف شركات :مصدر ،وإي دي أف ،ونسما وتبلغ سعته 300ميجاوات؛ ومشروع رابغ الذي يُنفّذه تحالف شركات :موروبيني؛ والجميح ،والذي تبلغ سعته 300مــيــجــاوات؛ ومشروعي رفــحــاء والمدينة
تقارير
الــمــنــورة ،الــلــذيــن يُنفذهما تحالف شــركــات :تقليل انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة في البالغة ،والفنار ،وتكنولوجيا الصحراء ،وتبلغ المملكة. سعة مشروع رفحاء 20ميجاوات ،وسعة مشروع وزير الطاقة يقوم بزيارة مشروع دومة المدينة المنورة 50ميجاوات. الجندل لطاقة الرياح وعليه ،يبلغ إجمالي سعات هذه المشروعات، قام سمو وزير الطاقة األمير عبدالعزيز بن إضــافـ ًة إلــى مشروعي منطقة الــجــوف؛ وهما مشروع سكاكا للطاقة الشمسية ،الــذي أطلق سلمان وســمــو أمــيــر منطقة الــجــوف األمير يوم الخميس 26شعبان 1442هـ الموافق 08فيصل بن نواف بن عبدالعزيز بزيارة تفقدية أبريل 2021م ،ومشروع دومة الجندل لطاقة لمشروع دومة الجندل لطاقة الرياح. الرياح 3670 ،ميجاوات. وقد اطلع خالل زيارته لمنطقة الجوف ،على وتتميز المشروعات الجديدة بأنها تنفذ مشروع محطة دومة الجندل لطاقة الرياح الذي عبر اإلنتاج المستقل ( ،)IPPكما سيكون شراء سينتج نحو 400ميجاوات. الطاقة ،التي سوف تنتجها هذه المشروعات، اتفاقيات لشراء الطاقة لمدة تُراوح ٍ في إطار بين 20و 25عامًا مع الشركة السعودية لشراء الطاقة.
جدير بالذكر ،أن برامج الطاقة المتجددة، التي تعمل عليها وزارة الطاقة ،تشمل دعم بناء هذا القطاع الواعد ،من خالل حشد استثمارات الــقــطــاع ال ــخ ــاص ،وتــشــجــيــع ال ــش ــراك ــات بين القطاعين العام والخاص ،إليجاد سوق وطنيةٍ تنافسيةٍ للطاقة المتجددة ،تُعزز فــرص قيام صناعة جديدة لتقنيات هذه الطاقة؛ أما المواقع المخصصة لــمــشــروعــات الــطــاقــة الــمــتــجــددة، فيختارها بعناية فريق فني سعودي متخصص، وذلك لتحقيق أعلى جودة ممكنة إلنتاج الطاقة الكهربائية .وتُسهم مشروعات الطاقة المتجددة في صياغة مالمح االقتصاد الدائري للكربون، الــذي تبنته المملكة ،ودعمته خــال رئاستها مجموعة العشرين في العام الماضي ،بهدف
تقارير
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
13
المملكة ،وتبلغ سعته اإلنتاجية 300ميجاوات.
صاحب السمو الملكي األمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف
وأوضــح أن تدشين هــذا المشروع ،يأتي فــي إط ــار النهضة الشاملة الــتــي تشهدها المملكة والمنطقة فــي هــذا العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين ،الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ،وسمو ولي عهده األمين حفظهما اهلل ،-لتصبح المملكة رائدة فيتبنّي وتطبيق التقنيات الحديثة ومشروعات التنمية المستدامة والطاقة المتجددة.
وأكـــد ســمــوه أن مــشــروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية ،ومــشــروع دومــة الجندل لــطــاقــة الــريــاح بمنطقة الــجــوف ،وغيرها مــن المشروعات الطموحة بقطاع الطاقة المتجددة في مختلف مناطق الوطن ،واحدة من ثمار رؤية المملكة 2030التي أطلقها سمو ولــي العهد ،وتستهدف التوسع فــي الطاقة المتجددة والنظيفة الصديقة للبيئة ،كما تنسجم هذه المشروعات مع مبادرة السعودية سمو أمير الجوف يرفع الشكر لسمو ولي الخضراء التي كشف عنها سمو ولي العهد، العهد بمناسبة تدشين محطة سكاكا وستعمل على تقليل االنبعاثات الكربونية بأكثر للطاقة الشمسية من 4بالمئة من المساهمات العالمية ،وذلك رفع صاحب السمو الملكي األمير فيصل بن مــن خــال مشاريع الطاقة المتجددة التي نواف بن عبدالعزيز ،أمير منطقة الجوف ،ستوفر 50بالمئة من إنتاج الكهرباء داخل باسمه ونيابة عــن أهــالــي منطقة الــجــوف ،المملكة بحلول عام .2030 الشكر واالمتنان لصاحب السمو الملكي األمير وقــال :نعتز ونفتخر في المنطقة وكافة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ،ولي العهد ،أرجــاء الوطن بهذه المشروعات الطموحة، نائب رئيس مجلس الـ ــوزراء ،وزيــر الــدفــاع ،وسنبذل قصارى جهدنا لدعمها وإنجاحها، رئيس المجلس االقتصادي ،بمناسبة تدشين ليعمل جميع أبناء الوطن لتحقيق تطلعات مشروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية ،الذي قيادتنا الرشيدة واالرتقاء بالوطن إلى القمة يُعد باكورة مشروعات الطاقة المتجددة في في كافة المجاالت ،وتعزيز الرخاء واالزدهار
14
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
تقارير
واستدامة التنمية والبيئة ،سائال اهلل عز وجل أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده األمين ،ويديم على الوطن الغالي نعمة األمن واالستقرار. محطة سكاكا المستقلة للطاقة ()٢ الشمسية الكهروضوئية يــعــد مــشــروع مــحــطــة ســكــاكــا المستقل للطاقة الشمسية الكهروضوئية ،الــذي تبلغ سعته 300مــيــجــاواط ،أول محطة للطاقة المتجددة على مستوى المرافق في المملكة العربية السعودية .وقــد منح مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة شركة أكــوا باور عقد الــمــشــروع بعد تقديمها سعر قياسي للتعرفة بلغ 2.3417سنتًا أمريكيًا/كيلوواط ( 8.781هللة/كيلوواط ســاعــة) .وستمتد مساحة المحطة على ستة كيلومترات مربعة في منطقة الــجــوف ،بقيمة استثمارية تبلغ 1200مليون ريال .ويعد هذا المشروع باكورة مشاريع تعتزم المملكة إنشاءها ،ضمن برنامج وطني طموح للطاقة المتجددة ،يستهدف إنتاج 9،5جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول العام 2023م.
صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة
محطات في تاريخ المشروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية الكهروضوئية هــي أول مــشــروع فــي المرحلة األول ــى ضمن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة في المملكة، وتصل تكلفته االستثمارية إلى 1.2مليار ريال. بــدأ العمل فيها في نوفمبر 2018م ،وبدأ تشغليها في أواخر العام 2019م ،حين أعلنت «أكوا باور» عن نجاح ربط «محطة سكاكا للطاقة
تقارير
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
15
الشمسية الكهروضوئية» ،بشبكة الكهرباء الوطنية الرئيسة ،وبــدء المحطة في اإلنتاج الفعلي وتــزويــد الشبكة بالطاقة الكهربائية ليدخل المشروع مرحلة التشغيل التجريبي وفق الجدول المُحدد له.
يضم الــمــشــروع 1.2مليون لــوح شمسي، تولد طاقة كهربائية بطاقة إنتاجية تقدر بـ300 ميغاوات بما يكفي لسد حاجة 45ألف وحدة سكنية ،وبقدرة على خفض أكثر من 500ألف طن من االنبعاثات الكربونية سنويًا. أبونيان :النجاح في تنفيذ مشروع سكاكا في وقت قياسي يشكل منطلقً ا محوريً ا لتنويع مزيج الطاقة ورفع كفاءته في المملكة
رئيس منتدى الطاقة
اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ اﻟﺠﻮف
ﻣﺤﻄﺔ ﺳﺎﻜﺎﻛ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ ﻳﻌﺪ ﻣﺸﺮوع ﻣﺤﻄﺔ ﺳﺎﻜﺎﻛ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ ،اﻟﺬي ﺗﺒﻠﻎ ﺳﻌﺘﻪ 300ﻣﻴﻐﺎ واط ،أول ﻣﺤﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺴﻌﻮدي ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة .وﺗﻤﺘﺪ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺤﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ 6ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ وﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻮف ،وﺗﻌﺎدل ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﻧﺤﻮ 1000ﻣﻠﻌﺐ ﻛﺮة ﻗﺪم. وﺳﺘﻌﻤﻞ ﻣﺤﻄﺔ ﺳﺎﻜﺎﻛ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ ) (PVﻟﺘﻮﻟﻴﺪ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﺑﺘﻌﺮﻓﺔ ﻗﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﺗﺒﻠﻎ 2.3417ﺳﻨﺖ أﻣﺮﻳﻜﻲ ﻟﻞﻜ ﻛﻴﻠﻮواط/ﺳﺎﻋﺔ ) 8.781ﻫﻠﻠﺔ/ﻛﻴﻠﻮواط ﺳﺎﻋﺔ( ،ﺑﻘﻴﻤﺔ اﺳﺘﺜﻤﺎرﻳﺔ ﺗﺒﻠﻎ 302 ﻣﻠﻴﻮن دوﻻر أﻣﺮﻳﻜﻲ. وﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺸﺮوع ﻣﺤﻄﺔ ﺳﺎﻜﺎﻛ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ اﻟﻜﻬﺮوﺿﻮﺋﻴﺔ، ﺗﺆﻛﺪ ﺷﺮﻛﺔ أﻛﻮا ﺑﺎور رﻳﺎدﺗﻬﺎ ﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة ﻓﻲ اﻟﺒﻼد وﻣﺴﺎﻫﻤﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺴﻌﻮدي ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة ،اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻬﺪف إﻧﺘﺎج 9,5ﺟﻴﺠﺎ واط ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة ﺑﺤﻠﻮل اﻟﻌﺎم .2023
اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ واﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺪة ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮوع: اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻟﺸﺮاء اﻟﻄﺎﻗﺔ ﻧﻮع وﻣﺪة اﻟﻌﻘﺪ: اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺷﺮاء اﻟﻄﺎﻗﺔ )ﺑﻨﺎء ،ﺗﻤﻠﻚ، ﺗﺸﻐﻴﻞ( ﻟﻤﺪة 25ﻋﺎﻣﺎً اﻟﻘﺪرة اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﻟﻠﻜﻬﺮﺑﺎء:
300ﻣﻴﻐﺎ واط ﺗﻠﻜﻔﺔ اﻟﻤﺸﺮوع:
302ﻣﻠﻴﻮن دوﻻر أﻣﺮﻳﻜﻲ ﺣﺼﺔ ﺷﺮﻛﺔ أﻛﻮا ﺑﺎور:
70%
أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻣﺴﺘﺜﻤﺮون آﺧﺮون:
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻘﺎﺑﻀﺔ30% :
اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ و اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ و اﻹﻧﺸﺎء:
ﺗﺤﺎﻟﻒ ﺑﻴﻦ ﻣﺎﻫﻨﺪرا ﺳﻮﺳﺘﻴﻦ ﺑﺮاﻳﻔﺖ ﻟﻴﻤﻴﺘﺪ ا ﻟﺘﺸﻐﻴﻞ واﻟﺼﻴﺎﻧﺔ:
ﻧﻮﻣﺎك
300 MW
16
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
قــال محمد أبــونــيــان ،رئيس مجلس إدارة شركة أكوا باور إنه مع تدشين أول محطة للطاقة المتجددة في المملكة ،ال يسعني سوى التعبير عن بالغ سعادتي بهذا اإلنجاز العظيم الذي يؤكد مكانة «أكوا باور» كشركة سعودية وطنية رائدة في طليعة مسيرة التحول بقطاع الطاقة ،ليس في المملكة فحسب ،بل في عدد من األسواق الرئيسة العالمية ،في مهمة نعتز باإلسهام فيها لتحقيق أهداف الرؤية 2030ومتطلبات البرنامج الــوطــنــي للطاقة المتجددة ال ــذي انطلق في المملكة تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (رعــاه اهلل) ،ومسترشدين فيها بتوجيهات ولي عهده األمين صاحب السمو الملكي األمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (حفظه اهلل) ،وبالدعم الالمحدود الذي يوليه صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز ،وزير الطاقة ،لمساعينا وجهودنا. وأشــار أبونيان إلــى أن النجاح في تنفيذ مشروع سكاكا في وقت قياسي يشكل منطلقًا محوريًا لتنويع مزيج الطاقة ورفع كفاءته في المملكة ،ونقل المعرفة والخبرة واإلمكانات التي يتمتع بها سجل «أكوا باور» في قطاع المتجددة
تقارير
عالميًا إلى المملكة ،إلى جانب إتاحة الفرصة أمام الشركات السعودية المحلية للمشاركة في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة ،وتنمية المواهب والكفاءات السعودية الشابة التي يحتاج إليها هذا القطاع الواعد الذي أصبح أحد ركائز التنمية االجتماعية واالقتصادية المستدامة في المملكة.
للطاقة ،أكبر منظمة للطاقة في العالم ،إذ تتمثل مهمتها في تعزيز الحوار حول سياسة الطاقة ودعم أعضائها في االنتقال إلى مستقبل طاقة مستدامة ونظيفة. خطوة نحو تحقيق أهداف تغير المناخ وقال ماكمونيغل:
إن «افــتــتــاح مــحــطــة ســكــاكــا ه ــو خــطــوة منتدى الطاقة الدولي يشيد بإطالق رئيسة تدفع السعودية إلى األمام في جهودها ()٣ السعودية محطة سكاكا الشمسية لتحقيق أهداف تغيّر المناخ وإيجاد حلول أكثر من جانبه ،أشاد األمين العا ّم لمنتدى الطاقة استدامة». الدولي ،جوزيف ماكمونيغل ،بإطالق محطة وتبلغ الطاقة اإلنتاجية لهذه المشروعات سكاكا ،وهو أول مشروع للطاقة المتجددة في إضــافــة إلــى مــشــروع دوم ــة الــجــنــدل لطاقةالمملكة. الــريــاح ،الــذي أوشــك على االنتهاء -أكثر من والــســعــوديــة عــضــو فــي الــمــنــتــدى الــدولــي 3600ميغاواط.
معلومات أساسية
- -
الموقع :الجوف ،المملكة العربية السعودية. الجهة المستفيدة من المشروع :الشركة السعودية لشراء الطاقة. القدرة اإلنتاجية للكهرباء 300 :ميجاواط. التقنية المستخدمة :الطاقة الشمسية الكهروضوئية. تكلفة المشروع 1200 :مليون ريال. تاريخ البدء بالتشغيل التجاري :الربع الثاني .2020 حصة شركة أكوا باور.%70 : مدة العقد :اتفاقية شراء الطاقة والمياه (بناء ،تملك ،تشغيل) لمدة 25عامًا. المشغلون :شركة ضياء سكاكا للتشغيل والصيانة (شركة تابعة لنوماك). مستثمرون آخرون :مجموعة الجهاز القابضة.%30 : الهندسة والتصميم واإلنشاء :تحالف من ماهندرا سوستين برايفت ليميتد وشركة تشينت سوالر (زيجانغ) المحدودة. شركة المشروع :شركة سكاكا للطاقة الشمسية (سكاكا).
( ) ١واس. ( )٢شركة أكواباور. ( )٣موقع الطاقة /محمد فرج .https://attaqa.net/
تقارير
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
17
الكتاب ُة
ع َد ِميَّ ِت ِه نو َ بَ َ ين الزَّ َم ِ الــزَّ مــن والمكان مـكـ ِ ّـونــان لتاريخيَّة الكتابة وخـلــودهــا؛ فــإذا فقدت تاريخيَّتها تجمَّ دت صيرورتها وقتلها الزَّ من اآلتي. فوعيُّ القارئ لصيرورة الكتابة هو وعـ ٌـي بصير للكتابة الزمنية؛ وعـ ٌـي مقاوم يدخل معه الكاتب في صــراعٍ طويل ينتقل به من خارجه المنفلت إلــى داخله مقبوضا عليه ومسَ يطَ رً ا على آليَّاته. ً المضطرب؛ فيصبح الزَّ من زمنًا داخل ّيًا آخر فمن الـكـ َّتــاب مــن يعني لــه الــزَّ مــن/الـ َّتـجــدد ،وآخ ــر ال يعني لــه غير الـ َّتــوقُّ ــف عند نقطة فاصلة فيصل زمنه الدَّ اخليَّ النَّفسيَّ بخارجه ،ويبقى على ضفاف الصيرورة. َّ الصيرورة في الكتابة هما ما يضفي القيمة الزَّ منيَّة أي إنَّ الحركة ومفهوم َّ ويسجل حضورًا ِّ والدَّ يمومة اإلبداعيَّة لها؛ فالكاتب ال يكتب؛ ألنَّه يريد أن يكتب.. باهتًا ،بل يكتب على ضوء زمنه الذَّ اتيِّ المتَّقد بجذوة جريان الزَّ من الخارجيِّ ، ـروح متجاوزة للحظة ،وبفعل هــذا التَّوقُّ د الزَّ منيِّ المتجاوز تتحقَّ ق تاريخيَّة بـ ٍ الكتابة وصيرورتها المتجدِّ دة. ـوي ..بـقــي له هـنــاك كـتــابــة استنفذها ال ــزَّ م ــن؛ بمعنى مــا تــركـ ْتــه مــن إرث ل ـغ ـ ٍّ قيمته التَّاريخيَّة اآلنيَّة دون أن تُبقي على صيرورته التَّاريخيَّة المتجدِّ دة؛ وهناك كتابة أخرى لم يستنفذها الزَّ من ،فهي ما تزال متكِّ ونة من مادَّة غزيرة في اللُّغة تخطت زمنها الموضوعيَّ المُ عاش، َّ تخطت حــدود زمنها النَّفسيِّ ،بل َّ والمعنى، ومــا تــزال منبعً ا ال ينضب ،يُعيننا على فهم حقائق النَّفس أو العقل أو الحالة الشعر والفنِّ للصيرورة المبدعة ،كإضافات دائمة االستئناف في دروب ِّ الشعوريَّة َّ ُّ والمعاش ومضايقها.
18
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
ديناميكية الفنون وارتباطها بعامل الوقت ■ خالد ربيع السيد*
ارتبط إنتاج الفنون بشتى أنواعها بالوقت ،فالفنون بمعناها الشامل (شعر ،مسرح، موسيقى ،سينما ،خط ،تصميم جرافيكي ،تشكيل ،روايــة ،رقــص ،تمثيل ،نحت ،معمار... وغير ذلــك) فــي مختلف حقب النماء اإلنـســانــي ومــراحـلــه؛ هــي ترجمة وتعبير وتجسيد لثقافة في زمن معين ،والوقت في ذلك يعني العامل الزمني في تمثّل مفردات تلك الثقافة؛ بل إنه يجسد األفكار والرؤى التي تشيع في وقت معين ،ويصقلها. بأن الزمن مطلق ،فلسفيًا ،ونسبي فيزيائيًا. أي إنه يتوقف على حركة األشياء في الكون. أما بالنسبة إلى الفنون فقد قسّ مها الباحثون إلى تقسيمين اثنين :زمانية ،ومكانية .تشمل الفنون الزمانية :المسرح ،والشعر ،والرواية؛ أمــا المكانية ،فتشمل :الفنون التشكيلية، والــرســم ،والنحت ،والتصميم ،والعمارة، والخزف.
وربما ،بل إن ما يشاع وينتشر من الفنون في وقت ما قد ال يصلح ،أو قد ال يمارس، في زمــن آخــر .ولــو كــان األمــر عكس ذلك، لظل الشعراء ينشدون قصائدهم بطريقة معلقات الشعر الجاهلي وأغراضه ولغته، ولكان مؤلفو الموسيقى استمروا في تأليف معزوفاتهم الموسيقية على نهج السمفونيات الكالسيكية األوروبية نفسها .واألمر ينطبق ـض ــا ،الـــذي كــان عــلــى الــفــن التشكيلي أي ـ ً ففي الفنون الزمانية ،يجلس الفرد يشاهد سيصبح نُسَ خً ا متكررة من الفنون التشكيلية على خشبة المسرح حركة األشخاص ،ويتابع الكالسيكية أو حتى البدائية ،وكــل ذلك سير الحكاية ،وهذا يستغرق (الزمن) ،وهكذا يخالف طبيعة البشر في إنتاج فنون متطورة مع الشعر ،حيث وقت االستماع للقصيدة. تناطح الوقت ،وتسمه بصفاته التكوينية. عــلــى كــل ح ــال ،ال يمكن إغــفــال عامل الفن والزمن الوقت وتأثيراته السيسيوثقافية والتنموية إال إن طرح موضوع عالقة الزمن بالفنون والحضارية في إنتاج الفنون بجمالياتها قــد يــشــوبــه الــغــمــوض ،مــا لــم يــتــم تحديد وآلياتها ومساراتها وأدواتها التي تنتجها؛ مفهومَيّ الزمن والوقت ،ولو بالحد األدنى ألن مــرور الــوقــت يعني التطوير والتغيير مــن الفهم البسيط .هــنــاك اتــجــاهــان في واالبــتــكــار؛ ومــن ثم التنفيس عن هواجس تحديد مفهوم الزمن ،أحدهما ،يقول :للزمن الفنانين وشــواغــلــهــم وأحــامــهــم على مر مثل وجود مستقل عن المادة ،وهو مطلق ،وأنه األزمان .وفي السابق والحاضر ،شاع ً حقيقة وليس فعل الذهن .والثاني ،ينادي شرو ٌد في الثقافة المصرية الشعبية؛ يقول:
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
19
«كل وقت وله آذان» ،فلو تأملنا هذا المثل لوجدناه يصف حقيقة ما يحدث بفعل ال إرادي في الحراك البشري. وبالفعل ،فكل وقــت لــه صوته ونــداؤه وصورته وكيانه وجمالياته؛ ولوال تقدم الوقت واختالفه ،لما كانت هناك فنون متطورة تالمس نبض أبناء األجيال المتعاقبة .بل إن عامل الوقت من هذا المنظور له أثره القوي في شتى مناشط الحياة ،فبفعله تطورت أساليب الــتــجــارة ،وتــطــور العلم والمعمار والهندسة والتكنولوجيا والطب والزراعة... وكل ما يقوم به اإلنسان من نشاط عملي أو فكري. قيمةُ التأنِّي إلنتاج الفن مــن الــواضــح أن الجمال ال يتحقق إال بــعــد تحقق اإلت ــق ــان .وم ــن أه ــم مقومات اإلتقان التأنِّي والتجريب المدعوم بالعمل على الــتــجــويــد ،وإال كــان الــتــأ ِّنــي الخامل كسل ودع ـ ًة وتوقفًا عن اإلنتاج حتى تأتي ً
20
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
متغيرات التحقيق الناجح .وهــذا مخالف لطبيعة االبتكار واالبــداع المتقن؛ فالتأني الديناميكيّ المرتبط بالتجريب والتعليم والخطأ والصواب هو الــذي يعطي الفنون قيمتها الرصينة والمؤثّرة والخالدة. ومن هنا ،يتضح أن ما يتحقق من القيم الجمالية في الفن ،ســواء أكــان قديمًا أم حديثًا ،يعتمد على قيمة الزمن أو الوقت، وحُ سن استثماره في التعليم والعمل ،ومن ثم إدراك الفنان بأنه مسؤول عن هذا االستثمار في الوقت ،وجعله من أساسات اإلتقان من خــال الممارسة الدائمة؛ وبهذه العالقة المنطقية نــدرك س ّر الجمال في األعمال الفنية القديمة منها والحديثة. كــل مــا ســبــق ،ينطبق عــلــى كــل الفنون التي مارسها الفنانون في السابق ،والتي يمارسونها اليوم .ولنا أن نتصور الوقت أو الزمن الذي أمضاه الفنان في إبداع فنِّه .ولو تأملنا فنون الزخرفة والخط ونقش الزخارف
محور خاص
والخط والجرافيكس ،على سبيل المثال، نجد أن إتقانها مرتبط بالتأني الديناميكي؛ أي القائم على التجويد المرتبط بالتجريب واالختبار والتكرار؛ حتى يصل الفنان إلى نقطة االكتمال في تنفيذ فنه. ويتضح اإلتقان مع الدقة في إنجاز الفنان وابتداعه لمثل هذه األدوات المختلفة ،والتي أبدع أجزاءها الدقيقة بمهارة تامة ،وابتكر أشكالها التي جمعت بين الغرضين أو حققت الهدفين المنشودين من مثل هذا العمل ،وهما المنفعة Utilityأو القيم النفعية ،إضافة إلى القيم الجمالية .Aesthetic Valuesولعلنا مثال عن فن الخط العربي. نسوق فيما يلي ً مثال فنون الخطً .. ُ
المسترشد باهلل ،والسلطان سليمان خان. أما أشهر الخطاطات المسلمات ،فمنهن: حفصة -أم المؤمنين ،الشفاء بنت عبداهلل وهي معلمة حفصة ،العالمة خديجة بنمحمد -أبو الرجاء الجُ رجاني ،فاطمة بنت الحسن بــن علي ،وكــانــت مــن أنبغ تالميذ الــخــطــاط المشهور ابــن الــبــواب .وخــال عصور الضعف والتفكك للدولة اإلسالمية اضمحل فن الخط وقلَّ الخطاطون الرجال، واختفت الخطاطات ...وتجدر اإلشارة هنا إلــى أن فــن الخط العربي قــد ازده ــر في عصرنا الحديث ،وما يزال يمارس اليوم - رغم سطوة التقنية اإللكترونية. إذًا ،فنُّ الخط العربي تميز بقيم جمالية عالية منذ عــدة ق ــرون .وقــد حافظ كثير من الفنانين المعاصرين على هــذه القيم الجمالية ،ليس في فنون الخط العربي فقط، بل في سائر مجاالت الفن التشكيلي .وما ذلك إال إلتقان الفنانين ألعمالهم ،وتجويدهم لما يقدمون ،والحرص على العمل المتواصل والتدريب ،دون االكتراث لطول الوقت الذي يقضونه في ذلك؛ ألن ذلك الوقت استثمار حقيقي ،ومــراعــاة للتوجيهات اإلسالمية؛ فالتأني الــذي يمارسونه خالل تنفيذ تلك األعمال ،والسعي لتحقيق اإلتقان كلها أمور يأمل الفنان أن يحققها.
ال شــك أن الــجــانــب األبـــرز فــي الفنون الشرقية يتمثل في فن الخط العربي الذي جمع بين هذين الهدفين السابقين ،وهو أرفع الفنون الشرقية اإلسالمية وأرقاها. لــذا ،فقد عمد الفنانون منذ الــقــدم على دراسته وتجويده .وهو الفن الوحيد الذي تعلمته ومــارســتــه كــل قطاعات المجتمع، ويشمل ذلــك الــرجــال والــنــســاء .فممارسة الخلفاء والسالطين والعلماء والــشــيــوخ، والعالمات والتلميذات للخط أمـ ٌر حتمي، ألن الكتابة الواضحة والجميلة ال تستقيم إال بتعلم الخط.
الفنون التشكيلية
ولــذلــك ،اشتهر فيه الكثير من العلماء الخطاطين منهم اإلمام محمد بن إسماعيل الــبــخــاري -صــاحــب الــصــحــيــح ،واإلمـ ــام محمد بــن عــبــداهلل الــبــوصــيــري ،والشيخ ـصــحَ ــاح .ومن الــجــوهــري صــاحــب كــتــاب الـ َّ الخلفاء الخليفة المستنصر باهلل ،والخليفة
كــمــا أن ال ــح ــال يــنــطــبــق عــلــى الــفــنــون التشكيلية ،من نحت ورسم وتصميم وتلوين، فهي فنون تتطور بالتعليم والممارسة ،وهي في ضمن محتواها رص ـ ٌد تاريخي ووقتي لمسارات الحياة ،سواء باألساليب الواقعية التقليدية أو األساليب المستحدثة ،ولذلك،
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
21
من المعلم الخبير للمتدرب المبتدئ ،وكلما كان المتعلم نبيهًا ،وذا فطنة ،فإن الوقت الذي يستغرقه إلتقان فنيات المهنة يكون أقـ ًـا ،بعكس المتدرب األقــل ذكــاء ومهارة واستعدادًا نفسيًا.
تنوّعت المدارس التشكيلية التي تُعبّر عن رؤى الفنانين؛ فمنها :الواقعيون ،واالنطباعيون، والسرياليون ،والوحشيون ،والتجريديون، والتكعيبيون ،وغير ذلك عدة مدارس أخرى، أخذت على عاتقها التعبير الفني ،وهي في كل األحــوال نشأت بتراتبية زمنية متطورة على هــذا األس ــاس ،قامت في العصور لتعكس متغيرات الحياة واألفكار في مختلف الحديثة األكاديميات الفنية المتخصصة في األوقات واألزمان. مختلف أنــواع الفنون ،بــدأت من أوروبــا ثم الــفــن التشكيلي يستلزم توفير الوقت انتقلت ألنحاء العالم ،فهناك معاهد لتعليم لتعلمه ،بــدءًا من أساساته وأساليبه؛ فكم الموسيقى وأخرى لتعليم التمثيل والتصميم من الوقت يستدعي تعلم تقنياته ومدارسه والرسم والنحت وصناعة أفــام السينما، وأنــواعــه؟ وكــم مــن الــوقــت سينقضي حتى بل حتى لتعليم فنون الزخرفة والخياطة يتأهل الموهوب أو المتعلم ليصبح فنانًا والتطريز والطهي ،وغيرها .وكل تلك األنواع تشكيليًا مضيفًا وليس مقلدًا؟ وكم من الوقت من الفنون تحدد لها مناهج وأوقــات معينة والجهد يحتاجه الفنان حتى يوصل فنه ألكبر لتعلّمها ،متمثلة في التعليم النظامي المحدد قاعدة ممكنة من المتلقين؟ هــذه األسئلة بمستويات وشــهــادات ينالها المتعلم الذي المرتبطة بالوقت تجعل الفن التشكيلي فنًا يستغرق عددًا معينًا من سنوات التعليم. ال يتحقق إال بمرور الوقت وتراكم التجارب. إذًا؛ هنا يدخل تعليم الفنون والزمن الذي الوقت في تعلم الفنون نعلم جميعًا أن الفنون تنقسم ،بطبيعتها، إلى ما هو فطري وما هو مستند على التعل ٌم، ولعلنا نؤمن بأن الفن الفطري الذي يمارسه أيضا ممنهج هو ً ٍ لتعليم ٍ الفنان غير المتلقي يكون قد تلقى تعليمًا بشكل أو بآخر ،أبسطه التعليم بطريقة التلقين العفوي ،التي يمارسها الخبراء الممارسون ،ممن أتقنوا فنًا ما مع من يريدون ممارسة الفن ألي سبب كان، سواء للتكسب منه أو بسبب دوافــع نفسية غريزية .واألمر في هذه الحالة يشابه تعلم إتقان المهن اليدوية (الــحــدادة ،والنجارة، والنقاشة ،والحياكة ..،وغيرها) ،وبخاصة إذا كانت مهنًا لها جانب فني جمالي؛ فإن عملية التلقين العفوي هــذه تستغرق وقتًا
22
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
يستغرقه في خطط التنمية التي تضعها الحكومات؛ ألن ذلك يستدعي مصروفات وتكاليف استثمارية تعود على الناتج القومي اإلجــمــالــي بــدخــل مــقــدر ،وه ــذه التكاليف وعائدها تحسب في موازنات الــدول التي ترفع عنها التقارير في نهاية كل عام .وهكذا فــاألمــر أصــبــح مرتبطً ا بــوقــت ومــدخــات ومخرجات ،وبسبب ذلــك تقوم الكثير من ال ــدراس ــات االســتــراتــيــجــيــة اإلداري ـ ــة على حساب تكلفة الوقت الذي تستهلكه عملية التعليم ،ومن ثم تتم المقارنات بين ما تحقق في سنة فائتة عما تحقق في سنة الحقة؛ أي إن األمر مرتبط دائمًا بالوقت. الوقت والفن والتنمية البشرية هذا يقودنا إلى عملية إدارة الوقت في
محور خاص
التنمية البشرية؛ فدراسة الوقت هنا تتمثل في الطرق والوسائل التي تعين المنظمات على االستفادة القصوى من وقتها في تحقيق أهدافها ،لتخلق تــوازنــات في اقتصاداتها وفي تنمية حياة األفــراد والمجتمع .وعلى هذا األســاس ،تقوم الخطط االستراتيجية على تحديد األهداف الموضوعة للتخطيط االستراتيجي الــذي يتضمن تنمية الفنون؛ كما جاء في برنامج جودة الحياة في المملكة العربية الــســعــوديــة ،ف ــإذا كــانــت األه ــداف قصيرة المدى ،يختلف وقتها الزمني عن األهداف طويلة المدى؛ والتي تتطلب وقتًا زمــنـ ًيــا أكــبــر ،ولــكــل منهما مــتــوســطٌ زمني يحتسب على ضوئه الــحـ ُّد األدن ــى والح ُّد األعلى من القيمة التنموية. ولعل الدراسات في هذا الشأن حددت أربع مراحل قائمة على عنصر الوقت؛ فالمرحلة األولى ،تتمثل في اإلعداد ،ويتم فيها تحديد
الرسالة واألهداف؛ والمرحلة الثانية ،مرحلة تحليل المنظمة والسياسات واإلج ــراءات، والظروف والتغيرات الداخلية والخارجية، والتصرف على أساسها باعتبار المنظمة جزءًا ال يمكن فصله عن هذه الظروف ،وال يمكنها العمل بمعزل عنها أبـدًا ،فهي تؤثر وتتأثر بشكل مباشر به؛ أما المرحلة الثالثة، فتتمثل في مرحلة الخيارات االستراتيجية المتاحة ،وذلــك عــن طريق إج ــراء مقارنة لفحص مدى التوافق بين األهداف القصيرة والبعيدة المدى؛ وأخيرًا المرحلة الرابعة، وهــي مرحلة الخطط البديلة ،وتستخدم في حال ت ّم اكتشاف أنّ ثمة مشكلة ما في االستراتيجية الموضوعة خــال المراحل األولى من تنفيذها .هذه المراحل هي صلب عملية التخطيط الستثمار الفنون ،وهي دائمًا وأبدًا مرتبطة بالوقت.
* صحفي وقاص وناقد سينمائي سعودي.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
23
الدائري الزمن ّ ُ ■ محمد العامري*
كامل ،بكونه البداية والنهاية في آن؛ فكيف ال يمكن ألحد أن يفهم الزمن أو يدركه إدراكً ا ً لنا أن ندرك زمنًا ال نعرف بدايته أو حتى نهاياته المتعددة؛ فالموت زمن غامض وممتد، وصول على ً ال ينتهي زمن الميت في قبره؛ فهناك امتدادات أخرى تسري في النص الديني نصوص األسطورة فيما يخص «ما بعد الغياب». لقد شغلت مفردة الزمن العرب في أكثر الالتشبيهي ،كفعل «المطلق» ،وكانت تلك
من موضع وسؤال ،فقد جمعوه على أكثر من ال ــزخ ــارف تــتــحــرك فــي فــضــاء المسجد شاكلة ،منها أزمن وأزمان وأزمنة ،وزمان ..والبيوتات العربية اإلسالمية ،كقيمة لها
كأن إضافة األلف داللة على امتداده المطلق ،عالقة بالنور ،كذلك عبر مقرنصات التعشيق والمطلق خاصية من خصائص رب الكون والزخرفة الهندسية. وحــده ،يتفرد بها وال يشاركه أحــد بذلك،
فكان للزمن تمظهراته في الشعر والسرد،
لكننا نستطيع القبض على تمثالت الزمن على حد ســواء؛ فلكل روايــة زمنها الخاص يتح ْد الزمان في أكثر من سلوك إنساني ،مثال الزخرفة ..المرتبط غالبا بالمكان ،إذ ِ
سواء كانت نباتية أم هندسية ،فهي ترددات مع المكان في مواقع عديدة «الزمكانية»، لوحدات بصرية تتكرر بتشابهاتها إلى ما ال وكذلك الشعر الذي يستثني التفكر بالزمن نهاية.»infinite« ، فــالــوحــدة الزخرفية هــي بمثابة وحــدة
وأشكاله .وهنا ،نستدل على ذلك بقول أبي العالء المعري:
زمنية ،تنطلق من تكرار الوحدة إلى أمداء «عـ ـ ـ ّل ـ ــان ـ ــي ف ـ ـ ــإن بـ ـي ــض األمـ ــانـ ــي ـان» ف ـن ـي ــت وال ـ ـ ــزم ـ ـ ــان لـ ـي ــس ب ـ ـفـ ـ ِ ال نهايات لها ،وهــي تعبير بصري ملفت في فهم المسلم لصفات الخالق في الرسم
24
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
يقول المعري في موضع آخر عن تحوالت
محور خاص
زخرفة نباتية
الزمن من دهرية ال يمكن اإلحاطة بها: «ولو طار جبريل بقية عمره على الدهر ما استطاع الخروج» هنا ،ندرك قيمة الدهر واستحالة اإلحاطة به ،بكونه صورة من صور ربّ الكون. فالعربية ،غنيّة بالمفردات الدالة على الــوقــت الــمــحــدود وال ــوق ــت الــامــحــدود؛
َاسقُو َن ( )16سورة الحديد. ِ ّمنْ ُه ْم ف ِ هــنــاك تمظهرات كثيرة للزمن بصوره العديدة ،وبمفاهيم حيوية تنمو عبر قوة التأويل وأمدائه غير المحدودة؛ كالمفهوم الفلسفي ،والفيزيائي ،والديني ،والصوفي، ومفاهيم أخرى في الشعر والسرد كذلك. وللزمن أهمية قصوى في مفكرات الحياة
فهناك األزل ،ويتعلق بالماضي المفتوح أو وأسئلتها المتشعبة؛ فما وجدناه في الفعل الالنهائي ،وهناك األبد :ويتعلق بالمستقبل البصري اإلســامــي من زخــارف تمتد في المفتوح والالنهائي ،وهــنــاك األم ــد :وهو وحداتها التكرارية إلى ماال نهاية ،كصورة الــغــايــة ،والــمــدى ،وقــيــل األم ــد الــثــانــي هو من طرائق تفكير المسلم بالزمن ،فقد ورد
الموت ،عطفًا على اآلية « أَلَ ـ ْم يَ ـأْنِ ِللَّذِ ي َن في القرآن الكريم ،وهو أحد أسرار الكون؛ الل َومَا نَ َز َل إذ لم يستطع اإلنسان اإلجابة عن كثير من آ َمنُوا أَن تَخْ شَ َع ُقل ُوبُ ُه ْم لِذِ كْرِ َّ ِ وصول إلى النظرية األنشتانية ً مِ َن الْحَ ِ ّق و ََل يَكُونُوا كَالَّذِ ي َن أ ُوتُوا الْكِ تَابَ مِ ن التساؤالت،
َقبْ ُل فَطَ ا َل عَ لَيْهِ ُم ْالَ َم ُد َفقَسَ تْ ُقل ُوبُ ُه ْم َو َكثِي ٌر «نسبة إلى أنشتاين».
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
25
وسؤالي هنا ،ما هي العالقة بين الطقس ونرى ذلك في فتوحاته المكيّة ذاكرًا مراتب
الصوفي في مفاهيم الدائرة والغياب في الحروف وأسرارها ،كصورة بصرية تتمحور مداراتها إلــى حد محو اإلشــارة والطواف حول وجود صوت وصورة للحرف معًا ،فقد حــول الكعبة المشرَّفة؛ لذلك ،نــدرك هنا وصل إلى «فوق طور العقل» ،مستعيرًا لذلك أهمية قصوى للدائرة فــي تفكيك صــورة قول الشريف الرضي:
الزمن وتراكيبه وتجلياته المعرفية والفلسفية «يـ ــا ر ُّب ج ــوه ــر ع ـلــم ل ــو أب ـ ــوح به وصول إلى الفن. ً والدينية والصوفية لقيل لــي أنــت ممن يعبد الوثنا ـال مـسـلـمــون دمــي أعتقد إن الفكرة القائمة على الزمن والس ـت ـح ــلّ رج ـ ـ ٌ أول ..وفناء الــدائــري تتمثل فــي المحو ً يـ ـ ــرون أقـ ـب ــح م ــا ي ــأت ــون ــه حـسـنــا» اإلنــســان في حياته حين يصبح نقطة في
فهو الذي قسّ م الزمن إلى زمانين :الزمان
مسارات الدوران حول الذات ،بوصفه قيمة اآلفاقي والزمان األنفسي ،وهو مشتق من من قيم الكون؛ فحين يدور الصوفي بدوائر اآلية الكريمة «سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي
متسارعة يغيب عن وجوده الملموس ،ويذهب أنفسهم». إلى وجود آخر يعطيه من لذاذات الوجد ما وال ننكر أن الزمن في شعر إليوت من لم يحصل عليها غيره؛ كذلك في الطواف زم ــن الــســاعــة إل ــى الــزمــن الــنــفــســي ،إلــى حول الكعبة المشرَّفة حيث يطوف المسلم الزمن التاريخي ،وينتهي بما يسميه «الزمن عكس عقارب الساعة ليولد من جديد ،كما العظيم» ،وهو المعادل للزمن الصوفي. لو أنه يمحو ما علق به من درن في الحياة أو
خطيئة كحالة طهرانية وتطهرية ،وهنا نتذكر الل « :م ْن حجَّ َفل َم ي ْرفُثْ َ ،ولَم قول رسُ و َل َّ ِ يفْسُ قْ ،رجَ ع َكيَومِ ولَدتْ ُه أ ُ ُّمهُ». فهو يعود إلى صفر الزمن الذي يقاس هنا بطهرية الــوالدة ،بكونها لم تشتبك بخطيئة الحياة اليومية.
ويقول شهاب الدين السهروردي« :الزمان
هو مقدار الحركة إذا جمع في العقل مقدار مقدمها ومــتــأخــرهــا ..العقل يجمع بداية
الحركة ونهايتها»
فالحركة الدؤوبة والمنتظمة في سياق
الدائرة ،هي نتيجة للتوحد في كتلة حركة
الزمن عبر اإلشارة البشرية المتحركة ،والتي
لعل ابــن عربي «المتوفى سنة 638هـــ» تسير في سياق األكــوان العلوية« ،األجــرام
أكثر من أبدع من المتصوفة ،فقد أشرق في السماوية والنجوم» ،حيث ينتظم الزمن في
كثير من كتاباته بما يخص الكشف والرؤيا ،األضداد والثنائيات التي يقوم عليها تعاقب
26
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
الطواف حول الكعبة يكون بشكل دائري
الليل والنهار الخ.
بمشيه جــزءًا من الحركة الدائرية الكلية
فالزمن يدور فى المسير ..وليس خطً ا المنسابة؛ وهي كذلك صورة أخرى عن تتابع حبات السبحة في التسبيح ،كصورة أخرى مستقيمًا كما يتوهم بعضهم. من دائــرة الزمن المتجدد ،والــذي يمتلك فهناك صورة متّحدة في الطواف تتمثل في اللون والحركة ،حيث تصبح الحركة وحدة الديمومة في وجوده ،فال نهاية للدائرة في متحدة ومتسقة ،وقيم تجاذب مقدس باتجاه صور حركتها.
الحجر األسود ،كعالمة بصرية مفارقة لما
فالتسبيح صورة أخرى من صور الزمن
يرتديه الحجّ اج ،هي حركة أقرب إلى زمن المتالكه ديمومة تتابع الخرز ،تماما كدوران مغناطيسي «فيزياديني» ،إذ تشكل جزءًا ال الصوفي والطواف معًا حول مركز ما. يتجزأ من حركة دائرية كلية ،تذكرك بالكون وال يــتــحــقــق الـــــــدوران إال عــبــر مــركــز السماوي ،ووحدة الزمان والمكان؛ وهو ما يقتضيه منطق التوحيد واالتحاد في منطق يحركة عبر الزمن ،تماما كمدارات األجرام السماوية والكواكب. (الحيِّز أو الفضاء). فالجميع يمشي ويهرول في نسق متحد
ويبقى الزمن لغزًا متجددًا في سؤاله
مشكل الكوني ،وسرًا ال ينتهي أبد الدهر! ً بالحركة والــلــون« ،الــلــون األبــيــض» * كاتب -األردن.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
27
الساع ُة السادس ُة ظه ًرا ■ محمد علي حسن اجلفري*
تغضنت أخاديد وجهه بالحزن وهو رأيت الكوميدي المصري الشهير ،عادل إمام ،وقد َّ يقول" :النهارده الخميس ،وأمس كان األحد ،إمال التنين والثالث واألربعا راحوا فين؟"! إنها الشكوى نفسها التي يشكو منها الناس في العجز عن مالحقة الوقت .وهــو كما ورد في القرآن الكريم (يُغشي اللي َل النها َر يطلبه حثيثًا) األعراف .٥٤ :فالساعات تجري، وتجري من واحدة تنطوي إلى نهار ،إلى ليلة ،إلى أسبوع ،إلى شهر ،إلى سنة؛ فال يملكون لهذه الدقائق ،وال الساعات ،وال األيام ،ردًا لها ،أو تجميدً ا لركضها في مضمار األعمار. تحضرني في هــذا السياق مــحــاورة أحد الــصــالــحــيــن فــي الــحــفــاظ عــلــى الــوقــت من االنــســاخ ،فقد احــتــاج إلــى عملية جراحية بسبب بثرة في شفته العليا؛ فجاؤوا له بطبيب كــي يخفف مــن ال ــورم ،لكنَّ الــرجــل الصالح يكف عن التسبيح والتهليل؛ فقال له كان ال ُّ الطبيب :أسكت يا سيدي حتى أقوم بعملي. فقال :مُحال .قال و ِل ـمَ؟ قال قل للشمس أن أذكر أني قبل أكثر من عشر سنوات كنت تقف ً أول ،فإنَّ حركتها فيها خسارة عظمى لي في زيارة إلى المدينة المنورة ،فسألت سبعينيًا إن أنا سكتّ عن الذكر! عــن وقــت صــاة الــعــشــاء؛ فقال لــي الساعة يقف المرء حائرا أمام الوقت ..التوقيت ..واحدة ونصف! يعتمد المسلمون على رؤية الهالل سواء الرؤية البصرية أم الفلكية ،وقد يُــراوِ ُح بدء الصيام بين الدول من يوم إلى يومين ،وربما ثالثة ،لكن إذا جاء موسم الحج؛ فإن العالم كله ال يملك سوى التسليم لما تقرره المملكة للصعود إلى عَ رَفة ،يوم التاسع من ذي الحجة من كل عام. وكانت المملكة تسير على التوقيت الغروبي.
الميعاد ..األج ــل ..عصر الــســرعــة ..لمح وهذا التوقيت الغروبي -كما هو معلوم- البصر ..غمضة العين ..وما أكثر القصص يبدأ به النهار مع شــروق الشمس ،فالساعة في هذا السياق. السابعة حسب تعبيرنا حاليًا هــي الساعة وحــســب عــلــمــي ،ف ــإن الــمــمــلــكــة العربية الواحدة صباحا حسب التوقيت الغروبي. السعودية تنفرد بقصة التوقيت عن بقية العالم وفي كتاب (حبات من عنقود) ،اشتكى رجل اإلسالمي .بل يقينًا تنفرد ،وتتحكم في توقيت األعــمــال ،األديــب محمد علي مغربي رحمه مثل ،اهلل ،مــن تأخر طــائــرة الخطوط السعودية العالم اإلسالمي؛ ففي شهر رمضانً ،
28
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
وانتظارها قبل نحو نصف قرن .الشاهد في مساعد بن عبدالرحمن ،وزير المالية ،واألمير موضوعنا أنه قال« :وصلت الطائرة إلى مطار سلطان بن عبدالعزيز ،وزير الدفاع ،رحمهم الرياض في وقت الظهيرة ،ولم يسمح للركاب اهلل جميعًا .وما لبث األمير مساعد أن غادر بمغادرة الطائرة ،وبقينا ساعة ونصف الساعة الحفل فشكره المضيف ،ثم طلب من األمير من السادسة والنصف إلى الثامنة». سلطان البقاء لمشاركة الحضور فرحتهم وأوردت قديما جريدة البالد ،خبرًا ذكرت وســمــاع الــطــرب .قــال الــخــيــاط وعــلــى حين فيه أن الظهر الساعة السادسة( ،طالع الصورة المرفقة).
ثم بدأت قيادات المملكة تفكر في االنتقال إلــى التوقيت الــزوالــي ،فقد حكى األســتــاذ عبداهلل عمر خياط ،رئيس تحرير صحيفة عكاظ األسبق ،إنه كان في حفل زفاف ابنة األستاذ محمد عمر توفيق ،وزير المواصالت األسبق ،وقد حضر الحفل أعيا ٌن من المدينة المنورة ،ومكة المكرمة ،كما حضر األمير
الملك فيصل
السادسة ظهرًا ،هي قبل تغيير نظام الوقت في المملكة كانت الساعة «جريدة البالد .»١٩٦٥/٧/٢٩ - ١٣٨٥/٣/٣٠
محور خاص
الثانية ظهرًا اليوم 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
29
الزوالي ،فقد صدر األمــر الملكي في عهد الملك فيصل ،رحمه اهلل ،باعتماد التوقيت الزوالي .وتم تطبيق ذلك تدريجيًا دون إكراهٍ حتى استقر التوقيت الزوالي تمامًا ،وإن بقيت آثار التوقيت الغروبي لدى بعض الناس. وقد ضرب الملك فيصل القدوة للناس في احترام الوقت .ويقال إن كبار الموظفين كانوا يضبطون ساعاتهم على وصوله إلــى مكتبه صباحً ا .وهناك أنــاس أعرفهم منهم السيد محسن باروم ،مدير عام التعليم بوزارة المعارف رحمه اهلل ،يلتزمون بالدقيقة بمواعيدهم. وقال لي األستاذ عبدالرزاق حمزة ،مستشار عبداهلل عمر خياط رحمه اهلل وزير الحج واألوقــاف ،سابقا ،أطال اهلل في غفلة جاءني األخ حسن دردير وقال لي األمير عمره ،إنه يكون جاهزًا ألي موعد قبل نصف سلطان يريدك .فتوهمت أنه يمزح معي ،فلم ساعة من االتفاق عليه .نوع من الرجال كأنما أتحرك ،ولكن بعد هنيهة جاءني الفنان محمد يطبقون القول المأثور «الوعد كالرعد». عبده ،وقــال لــي :قم يا عمنا ،جــاك الخير، وأذكر أني حضرت إلى مقر البنك اإلسالمي فاألمير يريدك .فلما وصلت إلى سموه قال :للتنمية قبل ربع قرن لمحاضرة يلقيها رئيسه يا عبداهلل ،العالم حول المملكة عنده توقيت الدكتور أحمد محمد علي ،وكنا في القاعة يختلف عــنــا .فالتوقيت العالمي يــبــدأ من قبل الموعد بنصف ساعة ،وجلس إلى جانبي منتصف الليل ،حتى منتصف الليلة التالية. األســتــاذ رئيس تحرير الــبــاد األســتــاذ علي فضحكت .فقال أنــا أكلمك لكي تكتب في حسون ،فقال بلهجته المدينية :الليلة نشوف عكاظ لتحويل الوقت الغروبي إلى العالمي األسطورة ،ويقصد بذلك أن الدكتور أحمد ال ــزوال ــي؛ ألن ــه أف ـيَــد لــلــنــاس ،كــمــا يساعد محمد علي أسطورة في احترام المواعيد، الموظفين والــتــجــار ورج ــال األعــمــال على وما أن قارب عقرب الساعة الثامنة حتى هلّت التفاهم مع أندادهم في أي مكان من العالم. طلعة الدكتور األسطورة ليجلس في مقعده. قلت :وتريدني أن أنسب هذا الكالم إليك؟ إدارة المرور تضمن للملك فيصل أن يصل فقال" :عجيبة ،يقولوا عليك كاتب كبير إلى مواعيده بدون ربكة أو زحمة .لكن التيار وما تبغا تتحمل المطالبة بتغيير التوقيت؟"! الكهربائي أو المصاعد تحترم األســطــورة ولــمــا ك ــان الــعــالــم كــلــه يعتمد التوقيت راعيًا أو رعية ،فتتعاون وهي البكماء معهم؛
30
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
االمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز رحمه اهلل و الدكتور أحمد محمد علي
إذ لم نسمع قط أن الدكتور أو السيد الباروم أو السيد حمزة ،ناهيك عن الملك فيصل، حبسهم مصعد ،أو تعطلت سيارتهم ،أو انفجر إطارها ،فتأخروا عن موعد من مواعيدهم! ال ـ ــق ـ ــدوة مـــــوجـــــودة ،ل ــك ــن الــمــمــاطــلــة والبيروقراطية تفعالن بالناس األعاجيب. وقــد الحــظ األســتــاذ محمد عمر العامودي أن أحــد الموظفين إذا جــاءتــه معاملة في جدة يرسلها إلى الرياض ،فينتظر صاحبها عدة أيام أو أسابيع لكي تعود معاملته .فقال العامودي لماذا ترسل المعاملة إلى الرياض وأنت بإمكانك أن تنجزها في جدة؟ فقال له لكي أعطي منصبي هيبة ،فقال العامودي هذه خيبة ال هيبة. نعم ،ربما يكون هناك ما يقتضي التأخير، لكنه تأخير في الصالح الــعــام .يــذكــرون إن المستشرق البريطاني انجرامس قابل العالمة السيد عبداهلل محفوظ الــحــداد في مدينة
الديس الشرقية ،شــرق مدينة المكال ،قبل ستين أو سبعين سنة ،فسأله ما هي القضايا في الشريعة اإلسالمية العاجلة والمتوسطة والطويلة .فقال له القضايا العاجلة هي في األح ــوال الشخصية مــن زواج ورجــعــة وغير ذلك ،فهذه نعجل بالبت فيها كي تلتئم األسرة. أما المتوسطة ،فهي قضايا الوقف؛ للتأكد من الشهود وإيصال الحقوق إلى مستحقيها. وأما الطويلة ،فهي قضايا الدماء ..فال بُدَّ من التحرّي الشديد قبل القصاص ،فلعل أولياء الــدم يقبلون بالدية أو العفو ،أو ربما تظهر شبهة ،تندرج القضايا تحت الحديث الشريف: ادرأوا الحدود بالشبهات. قصارى القول ،إن الوقت أغلى ما في رصيد بنوك الحياة .وقد قال اإلمام الشافعي رحمه اهلل :استفدت كلمة من هؤالء المتصوِّفة ،قيل ما هي يا إمام؟ قال :قالوا الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
* نائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر سابقا ،ومترجم.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
31
اإلسالمي العربي الفكر ُ ِّ ِّ الزمان في ِ ■ د .توفيق زهير*
شــكّ ــل الــزمــن أو الــزمــان بمفهومه -ومــاهـيـتــه -أه ــم مـعـضــات الفلسفة عـبــر تاريخها الطويل ،من طالئع فالسفة اليونان وحتى الفلسفة الحديثة؛ فمن فالسفة الطبيعة ما قبل سـقــراط ،كــان الـخــاف واالخـتــاف بينهم حــول الــزمــان والـحــركــة؛ فمنهم مــن انطلق من التغير والــزمــن ،وال معنى للوجود خــارج إطــار الزمن (هيراقليدس)؛ ومنهم من أنكر الحركة والتغير ،وأعلى من قيمة الثبات والسكون (زينون اإليلي)؛ ،ومثله الفكر الهندي الهندوسي المؤمن بالسكون والسكينة .وأصبحت مقولتا الــزمــان والمكان أهــم مقوالت الوجود(موضوع الفلسفة) ،منذ أرسطو في العصور القديمة إلى الفلسفة الحديثة ،مرورًا بفلسفة العصور الوسطى المسيحية واإلسالمية ،وحتى في التحوّل الجذري في مباحث الفلسفة ،واالنتقال من الوجود إلــى المعرفة مع ديـكــارت ،ومــن المعرفة إلــى التاريخ مع وأساسا! .وأهم من انشغل به ً ماركس .والثقافة في الفلسفة المعاصرة ،ظل الزمان مرافقا في الفلسفة المعاصرة هيدغر الذي عدّ ه قوة سلبية هدامة ،تقود اإلنسان للعدم ،بعكس برجسون فيلسوف الـحــدس والديمومة الــذي أبــرز الجانب اإليـجــابــي للزمان مــن خالل الديمومة ،وربطها بالخلق واالب ــداع .وفي الفن تم اإلحساس بوطأة الزمن الــذي يقودنا إلى الشيخوخة والموت والخريف ،وتم التحايل عليه لتجاوزه باألزلية؛ أي بتأبيد الحاضر واآلنية (انظر جدارية درويش) ،إضافة لتقنيات االستباق والحنين (الوقوف على األطالل والحدود) والحذف واالسترجاع في االبداع الشعري والسردي. (أل صـ ــدق) .وإن يشكّل الــزمــان والمكان إط ــارًا تكوينيًا مــفــرداتــه المحسوسه ّ
للمعرفة والوجود ،وال يمكن تصورهما خارج شئنا الدِ قة ،قلنا إن المكان فكرة ،ومقولة العالم ،أو تصوّر األشياء في العالم خارج في الفلسفة ،أمــا الزمان فإشكالية .وأما إطارهما ،من حيث المبدأ.
علميًا فنقول مع الفيزياء إن للمكان والزمان
فما هو الزمن؟ وهل هو حقيقة موضوعية وجودًا حقيقيًا ،ما دام الوجود نفسه ماديًا واقعية ،أم مجرد إطار نظري بحت؟ متصل؛ فهو إذًا قابل للقياس ً وموضوعيًا لقد كان المكان كمفهوم أكثر ملموسية والتكميم .ولقد كان الزمان والمكان المطلق
وواقــعــيــة وبساطة مــن الــزمــان ،مــن خالل في فيزياء نيوتن الكالم الفصل في العلوم
32
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
الطبيعية والفلسفة (فلسفة كــانــط ،حتى ظهور النظرية النسبية والكوانتم في القرن العشرين ،وما بينهما ،عندما ظهرت نظرية التطور الداروينية التي بطلها الزمن في ق ،19وقبلها نظرية التقدم في عصر التنوير في ق ،18وأصبح مفهوم التطور في العلوم الطبيعية ،والتقدم في العلوم اإلنسانية ،نتا َج فكرة الزمن كفاعلية وإطار مفاهيمي. وفي الكانطية ،ارتبط الزمان بالحساسية، ويــقــوم على التعاقب بين األحـــداث وفقا للسببية ،وغير قابل لالرتداد أو الــدوران، كما تقول نظرية العود األبــدي الــذي قال بها ابن تيمية سابقا ،وكان نيتشه أخر من قال بها حديثًا ،وفنّدها علم الفيزياء بقوانين الديناميكا الحرارية .وعليه ،فالمكان يقوم على التتالي ،وفقًا لعلم الهندسة والزمان، اإلطار الصوري القبلي لكل الظواهر ،وإذا كــان الــمــكــان إطـ ــارًا لتجربتنا الخارجية، فالزمان إطار التجربة داخليًا وخارجيًا. نعود للفلسفة اليونانية ،إلــى أفالطون وأرسطو وأفلوطين الصوفي ،وهــم األكثر تأثيرًا في الثقافة العربية اإلسالمية في الــعــصــور الــوســطــى؛ فــي الــتــصــوف ،وعلم الكالم ،والفلسفة ،بمقوالت الميتافيزيقا، والــكــوزمــولــوجــيــا بــشــكــل عــــام ،وال ــزم ــان بشكل خــاص .وقد مثلت محاورة تيماوس ألفالطون البداية الحقيقية لجدل الفلسفة بالزمان ( ،)CHRONOSكونه جزءًا من عالم المحسوسات ومــحــاكــاة عالم المثل التي
محور خاص
هيراقليدس
هيراقليدس :ال معنى للوجود خارج الزمن!
تقابله باألبدية أو األزلية ( )AIONفي عالم األصل السماوي ،عا ّدًا للزمان بداية ونهاية، بعكس أرســطــو الــذي رفــض البداية (كــون العالم قديم) ،وســار على نهجهم فالسفة اإلس ــام؛ فابن سينا رغــم تأثره بنظريات 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
33
سينا اللذين ابتعدا عن عقالنية أرسطو،
وفتحوا المجال للغزالي لضرب الفلسفة كــكــل .ومــن المتأثرين بأفلوطين جماعة إخوان الصفا في الفكر العربي اإلسالمي، ومثلت تاسوعية أفلوطين الثالثة على سبيل
المثال مرجعية أساس لفكر إخوان الصفا، رغم عدم وجود فصل مخصص للزمان في
الرسائل ،لكنه حسب أفلوطين ،فهو والنفس الكلية (العالم) وجدا معًا عن األقنوم السابق (العقل الفعال).
ومثّل أرسطو في المقابل مرجعية النزعة
العقالنية في الفلسفة عند ابن رشد ،ومفهوم
زينون اإليلي
الزمان كونه بال بداية وال نهاية .وبدون أحداث
الفيض األفلوطينية عــدَّ الــزمــا َن ال متناهٍ ،ال يوجد مكان وال زمــان ،وهــي فكرة شكلت وليس له بداية ،وأفــرد الكثير من الشروح معضلة فــي الفكر اإلســامــي القائل بفكرة في طبيعيات الشفاء والنجاة -متبعًا آراء أرسطو -وفي رسائلة المتعددة ،ومنها رسالة
خاصة في الرد على أن للزمان بداية ،وفي التأثيرات األفلوطينية ،يقول :إن الزمان راجــع للنفس الكلية ،والنفس الكلية سبب
الحركة ،وال زمان بدون حركة .أما الرازي فأشار إلى أن الزمان ب ّي ٌن بذاته كمقدار، وهو متعلق بالحركة ،وإذا لم يحس بحركة
لم يحس بزمان.
الخلق ،وبالتالي انشغل الفالسفة بالتوفيق بين العقل والنقل ،أي بين القديم والحادث، والحادث هذا إما زماني؛ ويعني إحداث شيء مــا بــعـ ُد لــم يكن لــه وج ــود فــي زم ــان سابق،
وهناك اإلحــداث غير الزماني؛ ويعني إفادة الشيء وجودُا ،وليس له في ذاته ذلك الوجود
بحسب دون زمان؛ بل في كل زمان .وهناك ٍ ال الحدوث الذاتي كون الشيء مفتقرًا في وجوده
إلى غيره ،والحدوث الزماني ويقصد به كون
الشيء مسبوقا بالعدم زمانيًا .وهناك القديم
ماض غير متناه. مثل أفالطون ،ومن بعده أفلوطين مرجع المطلق الذي وجد في زمان ٍ النزعات الغنوصية الصوفية والعرفانية وهــنــاك القديم بحسب ال ــذات ،فهو الشيء والفلسفة المشرقية كما أوضــحــنــا ،وهو الــذي ليس لوجوده ذاتــه مبدأ به وجــب ،أما
المأخذ الكبير البن رشد على الفارابي وابن عند الصوفية كالجويني ..فالقديم هو الذي
34
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
ال أوّل له وال آخر ،وهناك القدم الذاتي ويعني الزمان قديمًا ،كما جاء في شروحاته لما عدم حاجة الشيء إلى غيره؛ وهناك القدم بــعــد الطبيعة ألرســطــو ،ورفـــض مــقــوالت الزماني ،ومعناه أن الشيء غير مسبوق بالعدم .المتكلمين ،وعدَّ الزمان ب ّي ٌن بنفسه ،والبحث
وانعكست قضية العالم حــادث أو قديم يتم في ماهيته وال زمان بدون حركة ،وهو على مفهوم الزمن ،واتخذ الزمن بتحوالته عـــارض ه ــذه الــحــركــة ،وال يــوجــد بنفسه أيضا كجوهر ،وهو ما يقسم الحركة ب (اآلنات) ومفرداته ومترادفاته االهتمام الواسع ً من المعاجم واللغويين وعلماء الكالم؛ فهناك إلى متقدم ومتأخر،فهو عدد الحركة ،وهو المدة وتعني الزمان المطلق ،الذي ال تعده بالماضي والمستقبل دليل قِ دم العالم ،وهو حركة ،ولكن ال يوجد مدة خالية من الحركة كــعــرض وض ــع ،ولــيــس لــه الــوجــود الفعلي، إال بالوهم ،وهناك الوقت الخاص بالصوفية وما دام مرتبطً ا بالحركة ،فما هو ساكن ال أصل. ً الذي هو زمان الحال ،وال تعل َق له ال بالماضي يتحرك ،ليس في زمان وال بالمستقبل ،وهو عند أبي البقاء المقدار من الدهر ،والدهر عند الصوفية هو اآلن الــدائــم الــذي هو امــتــداد الحضرة اإللهية، وهو باطن الزمان ،وبه يتحد األزل واألبد، واألبــد استمرار الوجود ما ليس له نهاية، واألزل هو زمــان ليس له بــدايــة ،والسرمد دوام الزمان في المستقبل ،وعند ابن سينا هو المعنى المعقول من إضافة الثبات إلى النفس في الزمان كله؛ فالزمن عند الحكماء (الفالسفة) هو مقدار حركة الفلك ،وعند المتكلمين متجدد معلوم يقدر به متجدد آخر موهوم؛ و(اآلن) عند ابن سينا هو الطرف الموهوم ،ويشترك فيه الماضي والمستقبل من الــزمــان ،وقــد يقال (آن) لزمان صغير الــمــقــدار؛ وهــنــاك الحين بمعنى الــدهــر أو المدة أو أي وقت مبهم. أمــا ابــن رشــد األرســطــي الــصــارم ،فعدَّ
ابن رشد
* كاتب -األردن.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
35
جدليَّ ُة الوقت والحياة عند الشعراء ■ أ .د .راشد عيسى*
أتــوقــع أنَّ مصطلح الــوقــت جــزء مــن مفهوم الــزمــن الكليّ الـعــام .ومــا يــزال الــزمــن منذ وغامضا معً ا. ً واضحا ً فالسفة اإلغريق حتى عصرنا الحاضر مفهومً ا إشكال ّيًا أيضا؛ فهو يتفلَّت من الفكر الفلسفيّ ويعود إليه ،ويتملّص من الفيزياء ويعود إليها ً شعوري ،وعقليّ ،وغائب، ّ فليس من اليسير اإلمساك بجوهره وكيفياته وصيروراته؛ فهو وحاضر ،ومدرك ،وغير مدرك! والوقت هو اآللية التطبيقية لتفتيت الزمن صرخة وجودية عنيفة: العام إلــى زمــن خــاص معيش ،يديره اإلنسان أال أيـ ـه ــذا ال ــائ ـم ــي أشـ ـه ــد ال ــوغ ــى لقضاء حاجاته الشعورية النفسية العميقة وأن أحضر اللذات هل أنــتَ مخلدي مــن صعيد آخ ــر .وم ــن هــنــا .ســعــى اإلنــســان إلى تفكيك الوقت نفسه إلى مواقيت :ثانية ،فــدع ـنــي أروّي هــام ـتــي ف ــي حـيــاتـهــا سـتـعـلــم إن مـ ْتـنــا غ ــدً ا أي ـنــا الـ ّـصــدي دقيقة ،ساعة ،يــوم ،أسبوع ،شهر ،عــام ،قرن؛ ثــم الفجر .والــصــبــاح .والضحى .والظهيرة. فطرفة غير واثق بالمستقبل؛ ألن المستقبل والعصر ،والمغرب .والعشاء ،والغسق .واستمر هو الــمــوت .أمــا الحاضر ،فهو الــلــذة! وبلغت اإلنسان في توليد دوال زمنية (توقيتية) لحاجته الفكرة ذروتها عند الفارسي عمر الخيام في التعبيرية في تحديد المواقيت؛ فعرفنا اللحظة ،رباعياته التي تتجوهر حول اللذائذ الثالث: والبرهة ،والهنيهة ،والمرحلة ،والفترة ،وسائر الــحــب والــخــمــر والــزمــن اآلنـ ــيّ المعيش في الظروف والتقسيمات التي تحدّد الوقت. اللحظة ،فقال بترجمة أحمد رامي: ربما كــان الفيلسوف اإلغريقي أبيقورس وال ت ـش ـغــل الـ ـب ــال ب ـم ــاض ــي ال ــزم ــان أوّل مــن انتبه إلــى مثلث الماضي والحاضر وال ب ـ ــآت ـ ــي ال ـ ـع ـ ـيـ ــش ق ـ ـبـ ــل األوانْ والمستقبل .لكنه انحاز إلى «الحاضر» بصفته واغـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـح ـ ـ ــاض ـ ـ ــر لـ ـ ــذاتـ ـ ــه ـاصــا ،ودعــا في فلسفته إلــى استثمار زمنًا خـ ً ف ـل ـيــس م ــن ط ـب ــع ال ـل ـي ــال ــي األمـ ـ ــانْ لذة هذا الحاضر؛ إذ الماضي ولّى ولن يعود، غـ ـ ـ ــدٌ يـ ـظـ ـه ــر ال ـ ـغ ـ ـيـ ــب والـ ـ ـ ـي ـ ـ ــوم لــي والمستقبل غير مأمون أبدًا.
وك ـ ــم ي ـخ ـي ــب الـ ـ ـظ ـ ــنّ ف ـ ــي ال ـم ـق ـب ـ ِـل
واســتــمــرت هــذه الــفــكــرة فــي التناقل عبر البيئات الثقافية في كل العالم .فرأيناها عفوية ول ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــت ب ـ ــالـ ـ ـغ ـ ــاف ـ ــل حـ ـ ـت ـ ــى أرى جـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــال دنـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاي وال أجـ ـ ـتـ ـ ـل ـ ــي صادقة عند الجاهلي طرفة بن العبد ،في صورة
36
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
فطرفة ال يريد أن يغفل عن متعة الزمن الحالي .فالموت بالمرصاد ،فإذا ذهبت متعة الــحــاضــر فــلــن تــعــود ،وال يظفر اإلنــســان إال بالعطش عند الموت .والخيّام يرفض كذلك أن يغفل عن جمال الدنيا ،ما دام المقبل من األيام سيكون خائبًا؛ إذ ليس من طبع الليالي األمان. خاصا للشعراء ،وال غير أن ثمة وقتًا شعوريًا ًّ سيّما العشاق منهم؛ ففي معلّقة امرئ القيس منظومة من األوقات الخاصة التي يتباكى على مرورها:
كـ ــأنـ ــي غـ ـ ـ ــداة الـ ـبـ ـي ــن يـ ـ ــوم ت ـح ـم ـلــوا ل ــدى س ـم ــرات ال ـح ــيّ ن ــاق ــف حـنـظـ ِـل أال رُبَ يـ ـ ـ ـ ــومٍ لـ ـ ــك مـ ـنـ ـه ــم ص ــال ــح وال س ـ ـ ّي ـ ـمـ ــا ي ـ ـ ـ ــوم ب ـ ـ ـ ـ ـ ــدارة ُجـ ـلـ ـج ـ ِـل وي ـ ـ ــوم دخـ ـل ــت ال ـ ـخـ ــدر خ ـ ــدر ع ـن ـيــزة ف ـقــالــت ل ــك ال ــوي ــات إن ــك مُ ــرجـلــي
الهادي آدم ٢٠٠٦-١٩٢٧
وي ــومً ــا ع ـلــى ظ ـهــر ال ـك ـث ـيــب ت ـع ــذّ رت ع ـ ـ ـلـ ـ ــيّ وآلـ ـ ـ ـ ـ ــت خ ـ ـل ـ ـفـ ــه ل ـ ـ ــم ت ـ ـح ـ ـ ّلـ ـ ِـل ثم يستعيد زمن لقائه ببيضة الخدّر في ما يزيد على عشرين بيتًا يصف بها محاسن تلك المحبوبة ،لينهي استعادة هذا الموقف بتوكيده الصبا الذي تمثل في تعالقه الحرص على زمن ّ مع بيضة الخدر تلك:
الصبا تـسـ ّلــت عـمــايــات ال ــرج ــال عــن ّ ـواك بـمـنــسَ ـ ِـل ول ـي ــس فـ ـ ــؤادي ع ــن هـ ـ ـ ِ فزمن الشباب خالد فــي ف ــؤاده ،إنــه زمن يحس به إال الشاعر العاشق ّ شعوري خاص ال نفسه. على أن المعلّقة تنطوي بعد ذلك على مزج نفسي صاخب بين الزمن الشعوري الخاص عند امرئ القيس ،والزمن الخارجي (الليل) ،فيصف طــول الليل بثالثة أبــيــات تــبــدو كأنها مشهد
محور خاص
أحمد رامي 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
37
سينمائي تجريدي مدهش:
تـ ـعـ ـ ّل ــقْ ـ ُـت ل ـي ـل ــى وهـ ـ ــي ذات ت ـم ــائ ــمٍ ول ــم َي ـ ْبــدُ لــأتــراب مــن ثــديـهــا حجمُ
أال أي ـه ــا ال ـل ـيــل ال ـط ــوي ــل أال ان ـجـ ِـل بـصـبــح وم ــا اإلصـ ـب ــاح م ـنــك بــأمـثـ ِـل صغيرين نــرعــى الـبــهْ ـ َم يــا لـيــت أننا إلــى الـيــوم لــم نكبر ولــم تكبر البَهْ مُ ف ـ ـيـ ــا لـ ـ ــك مـ ـ ــن ل ـ ـيـ ــل كـ ـ ـ ـ ــأنَّ ن ـج ــوم ــه بـ ـك ــل م ـ ـغـ ــار الـ ـفـ ـت ــل ُشـ ـ ـ ـ ــدّ ت ب ـيــذبــل
ك ـ ـ ــأنَّ الـ ـث ــري ــا ع ـ ّل ـق ــت فـ ــي م ـصــام ـهــا ـدل ب ـ ــأم ـ ــراس ك ـ ـتـ ــان إلـ ـ ــى صـ ـ ــمّ جـ ـن ـ ِ
فــالــدوال الزمنية (ذات تــمــائــم)( .لــم يب ُد األتراب من ثديها حجمُ) (صغيرين) ،تؤكد تلك المرحلة الطفولية التي تساوي حياته كلها. فعندما تمنّى أن ال يكبرا؛ إنما أراد أن يوقف الزمن عند تلك اللحظات ،وهي ال شك لحظات خاصة تلغي أو تسخر من الزمن الموضوعي ّ العام ،وتلخّ ُصه بالزمن الطفولي الخاص .لكن اإلبــداع في البيتين يتمركز في تمنّي الشاعر بأن تبقى األغنام فتية حتى ال تشيخ فتموت، إذ بموتها يمتنع سبب الرعي ،أي سبب لقائهما في المرعى.
فلنتأمل هذا التجسيد الغريب لليل ،فنجومه أيضا مشدودة بحبال إلى جبل يذبل ،والثريا ً مربوطة بأمراس الكتان إلى جبل صخري شديد الصالبة .فهو يومئ بهذه الــصــورة الشعرية الخارقة إلى ثبات الزمن وسكونيته أمام صخب مشاعره المتحركة الهائجة ،في صراع نفسي شديد العمق بين رغبة الشاعر فــي تحريك الزمن الليلي إلــى زمــن إصباحي يشاهد فيه ويذهب أحمد شوقي في بيت شعري واحد الحبيبة؛ ليتخلص من احتراقه الجوّاني للقاء إلى تمجيد اللحظة الزمنية والمكانية ،بحيث تلك الحبيبة. تصبحان جوهر الحياة الوجدانية وتنوبان عن أم ــا قــيــس بــن الــمــل ـوّح فــقــد جــسّ ــد الــزمــن مراحل العمل كله: الطفولي الشعوري الخاص ببيتين تحسّ ر فيهما ق ـ ـ ـ ــد يـ ـ ـ ـه ـ ـ ــون ال ـ ـ ـع ـ ـ ـمـ ـ ــر إال سـ ـ ــاعـ ـ ــةً على انقضاء ذلك الزمن عبر التمنّي الموجع: وت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــون األرض إال مـ ــوض ـ ـعـ ــا تمامًا على نحو ما قــال امــرؤ القيس (وال سيّما يوم بدارة جلجل) .ففي حياة كل إنسان لحظة أو ســاعــة أو يــوم أو نــظــرة خاطفة ال تغيب عن شعوره ،وال تخرج من خزانة ذاكرته الشعورية ،وتعيش معه ما دام ح ّيًا ،يسترجعها متى شاء كلما أوجعته حوادث الدنيا وتقلباتها، وكلما كثرت خسائر الروح في الحب تحديدًا. ولــهــذا ،تتكرّر مــفــردة (أغـــدًا) فــي قصيدة الهادي آدم (أغدًا ألقاك) أكثر من عشر مرات عبر أنّات عاطفية ساخنة (أغدًا ألقاك يا خوف فــؤادي من غــدي) ،ففي تلك القصيدة مواجد واحــتــراقــات انفعالية تترقب مجيء الغد ،إذ
38
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
سيكون اللقاء الذي يضاهي العمر كله سعادة ونــشــوة .وإلــى مثل الــهــادي آدم ذهــب الشاعر اللبناني جورج جرداق في قصيدته (هذه ليلتي)، ليخصص الزمن العام بتلك الليلة التي تعادل ومستقبل: ً ليالي العمر ماضيًا
«هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه ل ـ ـي ـ ـل ـ ـتـ ــي وحـ ـ ـ ـل ـ ـ ــم ح ـ ـيـ ــاتـ ــي وآت». ـاض مـ ـ ــن ال ـ ـ ــزم ـ ـ ــان ِ بـ ـي ــن م ـ ـ ـ ـ ٍ إنها الفكرة األبيقورية نفسها تتكرر لدى الشعراء فــي جميع الثقافات ،وهــي فكرة ال تخص الشاعر وحده ،إنما جميع الناس؛ غير أن الشعراء أقدر من غيرهم على إبرازها والتعامل مــع أهميتها الــوجــدانــيــة ،كــل حسب أسلوبه ومكابدته .ولذلك ،تصرخ الشاعرة الروسية مارينا تسيفيتايفا في قصيدتها الشهيرة (ال لقد كانت هِ مته متجاوزة لمفهوم الزمن وقت في الحياة) ليقول محمد درويــش بعدها (ال وقت في الوقت) بحثًا عن الوقت الخاص نفسه ،إلى أن تبعه ابن سناء الملك في شطح المنشود من لدن الشعور القلباني الصاخب. شاهق من الكبرياء ،ليقول:
يلتقي الحبيبان ساعات فيحسبانها دقيقة وإن ـ ـ ـ ـ ــك ع ـ ـ ـبـ ـ ــدي ي ـ ـ ــا زم ـ ـ ـ ـ ــان وإن ـ ـنـ ــي واحدة ،فالزمن في الحب يتالشى عند اللقاء، عـلــى الــرغــم مـنــي أن أرى لــك سـ ّيــدا
لكنه يتمدد ويتعاظم عند االنتظار أو الفراق، فهو يأنف أن يكون س ـ ّي ـدًا مسيطرًا على فتصبح الدقيقة فــي حــســاب الشعور ساعة أو يومًا أو شهرًا أو سنة .الحب يفتت الزمن الزمن ،ألن الزمن في مفهومه أقل شأنًا منه.. شاعر يريد من الكائنات أن تعبده: ويمدّده بحسب الحال الشعوري.
وإذا تدانينا من الزمن عند المتنبي ،رأينا ولـ ــو ع ـل ـمــت زهْ ـ ـ ــرُ ال ـن ـج ــوم مـكــانـتــي هــذا الشاعر العظيم يتباهى بأنه أعظم من ل ـخ ــرَّ ت جـمـيــعً ــا ن ـحــو َن ــعْ ـل ــيَ ُسـ َّـجــدا
الزمن نفسه:
أري ـ ـ ـ ــد م ـ ــن زم ـ ـنـ ــي ذا أن ي ـب ـ ّل ـغ ـن ــي م ــا ل ـيــس يـبـلـغــه م ــن ن ـف ـســه ال ــزم ــنُ
إنه مرض الذات المتضخمة ،وهو في الوقت نفسه فضاء تخييلي كاذب ،لكنه جميل فنيًا في مجال الكذب الشعري.
فــمــا الـ ــذي يــســعــى إلــيــه الــزمــن أكــثــر من ول ــوال ضــيــق الــمــجــال ،لتوسعت فــي طــرح ديمومته؟ لقد أدخلنا الشاعر في نوايا الزمن الذي نجهل إرادته وسيرورته .والمتنبي نفسه القضية عند الشعراء األوروبيون ،فهم كغيرهم نراه في موضع آخر يقول :وللخوذ مني ساعة من الشعراء ينظرون إلى لذة الزمن الحاضر بعيدًا عن انتظار المستقبل. ثم تنقضي. * كاتب -األردن.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
39
عشب ُة الخلو ِد فلسف ُة الزمن و ُ ِ ■ أ .د .أحمد بن ماضي املاضي*
الصراع المرير معه ،والموقف في البحث عن فلسفة الزَّ من إبداع ّيًا؛ مفهومه ،ودالالت ِّ األسطوري منها أو ِّ منه ..نعثر عليه في سرديَّات تاريخيَّة مُ تعدِّ دة في األدبيَّات القديمة، كمثال بطوليٍّ ؛ مُ تخفِّ يًا ٍ السومريَّة الميثولوجيِّ ،كما نجده -الزَّ من -في ملحمة جلجامش ُّ ومري المستبدَّ إلــى أن يقف أمامه عاريًا َّإل من إرادة الفوز الس َّ يدفع جلجامش الملك ُّ الضاري مع الزَّ من صراعً ا بين خصمين :البقاء الصراع َّ بس ِّر عشبة الخلود؛ حينها يصبح ِّ الضاريَّة أن تكون رحلة البحث عن العشبة ،رحلة والعدم .أرادها جلجامش بإرادته الفرديَّة َّ عذبة ال رحلة عذاب ،وأراد أن يص ّ َد تدفُّ ق الزَّ من كنهرٍ جارف نحو العدم بعد أن صعقه موت صديقه أنكيدو ،فاختلطت معاني الحياة والبقاء في ذهنه. يقول الشَّ اعر الرَّاحل حسن السَّ بع« :أراد جلجامش أن يــهــزم الــفــنــاء ،وأن ينتصر على الزَّمن؛ لقد هام على وجهه لتحقيق هذه األمنية، وعــاد من رحلته بنبتةٍ عجائبيَّة صغيرة» .وقد سمَّاها عشبة الخلود ،دلَّه عليها حكيمٌَّ ،إل إنَّ العشبة اختطفتها منه أفعى حينما كان يستح ُّم في بركة ماءٍ بــارد ،فجلس يبكي وينشد بلوعة فقدان تلك العشبة ،فيعود جلجامش كاآلخرين يشيب ويكتهل ويُ ـ َر ُّد إلى أرذل العمر ويموت.. وقــد نُصح بــأنَّ يمأل أ َّيــامــه باللَّذائذ والمتع، وأن يحدَّ من غلواء طموحاته ،وقــد أتته هذه النَّصيحة من ساقيةِ حانِ اآللهةِ الَّتي التقاها عند حافَّة اإلقيانوس العظيم المحيط بالكون أثناء بحثه عن نبتة الخلود ..فتقول له:
إلى أين تمضي يا جلجامش؟ الحيا ُة الَّتي تبحث عنها لن تجدَها خلقت البشر ِ فاآللهةُ لمَّ ا جعلت الموت نصيبًا لهم
40
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
أمَّ ا أنت يا جلجامش فامأل بطنك أَفرِ ح ليلك ونهارك اِجعل من كلِّ يومٍ عيدً ا اُرقص الهيًا في اللَّيل والنَّهار. وه ــو مــا يستدعي إل ــى ال ــذَّ اك ــرة الفلسفة الزَّمنيَّة الحياتيَّة الشِّ عريَّة الرَّاقية لعمر الخيَّام، حين قال:
ال ت ـش ـغ ـ ِـل ال ـ ـبـ ــال ب ـم ــاض ــي الـ ــزَّ مـ ــان وال ب ـ ــآت ـ ــي الـ ـ ـعـ ـ ـي ـ ـ ِـش ق ـ ـبـ ــل األوان واغـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـح ـ ـ ــاض ـ ـ ــر ل ـ ـ ــذَّ ات ـ ـ ــه ف ـل ـيــس فـ ــي ط ـب ــع الـ ـ َّلـ ـي ــال ــي األم ـ ــانُ فهل وصل جلجامش إلى س ِّر الخلود؟ وما هو الخلود في ذاته؟ الصراع الخاسر مع الزَّمن الَّذي هو هل هو ِّ نه ٌر يجري فينا؟ نظر ّيًا الزمن هو الواحد المُتعدِّد المنقسم إلى أزمنة مُتفرِّعة من وَحدته الفيزيقيَّة ،تبدو
محور خاص
ـذع واحــد. كأغصان ُمــورقــة تتدلَّى مــن جـ ٍ ٍ لنا وخياليا تتشكَّل شجرة الزَّمن من أوراق الزَّمن النَّفسيِّ والزَّمن الذِّهنيِّ والزَّمن البيواجتماعيِّ ، وقِ ْس على ذلك أزمن ًة أخرى مُتعدِّدة األشكال، الحضور ،والغياب ،كما أشار إليها الفيلسوف الفرنسيُّ غاستون باشالر في كتابه (جدليَّة الزَّمن). أي إنَّ تعدُّديَّة الزَّمن ليس في واقــع الحال َّإل نبعًا من انبثاق األحاسيس البشريَّة وطريقة كنهر ال مرئيٍّ في واقع التَّفكير العقليِّ .سيالنه ٍ فيزيقيٍّ مُحدَّ د ال يمكن معرفته خارج الوعي، خارج اإليقاع النَّفسيِّ ،وضمن حدود هذا الوعي. ال ـزَّمــن فــي جــوهــره لــيــس َّإل بــع ـدًا راب ـ ًعــا للكينونة /المكان والوجود معًا ،فالمكان بأبعاده الثَّالثة ال ينوَجد َّإل ِببُعده الرَّابع :الزَّمن.
الشاعر الراحل حسن السبع
والكتابة في بُعدها الكونيِّ حينها ليست َّإل انعكاسً ا موضوع ّيًا لهذا الوجود المتزامن. الزَّمن كما أنَّه يبني صيرورة الوجود يُتلفه، إنَّه دودة االنحالل األولى تولد مع بزوغنا األوَّل، الهش، ِّ فيزرع بذرةَ الفناء في نسيجنا الفيزيقيِّ ليصبح قرينًا لمعنى الوجود والعدم في المفهوم الهيدجريِّ ،ومحايثًا لمآالتنا ،كما عبَّر عن ذلك الشَّ اعر الفرنسيُّ بيير ريفردي:
(ه ــو ال ــزَّ م ــان ،نقطة نـقـطــة ،يحفر حجرك العاري صدر خرَّ به فوال ُذ الدَّ قائق الظهر تدفع إلى المجهول) واليد في َّ
ملحمة جلجامش
أيضا في تكشف الكتابة المُتعدِّدة األصوات والمُتعدِّدة العين وال البصيرة ،العين المُعماة هي ً إحساس به كاألكسجين يحوط بنا بال انفكاك. ٍ الــتــص ـوُّرات وال ـ ُمــتــع ـدِّدة األشــكــال والـ ُمــتــعـدِّدة التَّواريخ أنَّ الزَّمن ليس من بداية ُمــحــدَّ دةٍ له في تعريف األشاعرة للزمن في تراثنا الفقهيِّ وليس من نهاية متحيَّنة! بــأ َّنــهُ « :مــتــحـدِّد معلوم يُــقــدَّ ر بــه مــتــحـ ِّد ٌد آخـ ُر الـزَّمــن وج ــو ٌد غير مــرئــيٍّ أث ــره ،ال تخطئه موهوم» ،ونجد هذا التَّصوُّر المفهوميَّ للزَّمن لم
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
41
يبتعد عن أبعاده الثَّالثة :الحاضر الماثل بازغً ا من الماضي ،والمستقبل المجهول أو الموهوم بــازغً ــا مــن الــحــاضــر ال مــحــالــة ،هــذه الحركة األفقيَّة المتواليَّة تنغلق في دائرتها لكي تنفتح امتدادًا أفق ّيًا آخر إلى ما النهاية.
الزمن عنصر مهم في تفكير اإلنسان
توصلت إليه التِّقنيات الحديثة ،وما ومــا َّ حازته من قدرات علميَّة وعقليَّة وتجريبيَّة انصبَّ وخلقة في تحدِّي الزَّمن في خَ ل ْق حالةٍ مغايرة َّ ومواجهته ،ومكَّنت العقل البشريَّ مــن طُ ـرُق محاصر ِة أَثَــرِ ه وحفريَّاته الجسديَّة والنَّفسيَّة المؤلِمة ،وطرق التَّخفيف من غلوائه وجَ وْره على سيرورة الحياة اإلنسانيَّة ،وامتدت هذه القدرات الواعدة والـ َّثــورات العلميَّة حتَّى اللَّحظة ،نحو تخليق مستقبل موائم بين اإلنسان والزَّمن ،ونحو إمكانيَّة استطالة زمنيَّة للجسد البشريِّ ،عقلِه وذاكرته وأحالمه. ونظراً ألن الزَّمن األفقيِّ هو الَّذي نُط ُّل منه على الوجود ،وهو ليس وعيًا ذات ّيًا بل كينونة منفصلة ،مستقلٌّ بذاته ،والوجود ال يكتمل َّإل بنقيضه /العدم. الوجود حسب هيدجر هو :حركة الزَّمن فينا الَّتي تقودنا قُدمًا نحو العدم /المستقبل.
هيدجر
والمكان عند هيدجر هــو :نقطة وامتداد وحضور ،وما الزَّمن غير لحظة وديمومة وحركة وصــيــرورة أفقيَّة ..هــذه الـرُّؤيــة الميتافيزيقيَّة للزَّمن ال نجدها عند كانط الَّذي ينظر إليه ليس كحالة قدريَّة ،بل كحالة موضوعيَّة مُوعَى بها، نابعةٍ من داخل الذَّ ات الواعية ،فال يفسِّ ر معنى الوجود بالزَّمان ،إنَّما يُضفي على الزَّمن معنى موضوع ّيًا آخر داخل وجودنا ذاته ال خارجه.
* أستاذ الفلسفة في الجامعة األردنية.
42
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
الزمن في الفكرويّات اإلسالميّة ُ ■ محمد سالم جميعان*
الزمانُ واحدٌ من اإلشكاليات التي واجهت الفكر الديني والعلمي والفلسفي ،كونها ترتبط باإلنسان وجودًا وعدمً ا ومصيرً ا .وبالعالم حركةً وسكونًا .وانطالقً ا من فعل التعقّ ل الذي حث عليه القرآن الكريم (أفال تعقلون) .تجلّت الممارسات العملية للمفكرين اإلسالميين ّ في بحث مشكلة الزمان في وعي اإلنسان؛ إذ ال يمكن وعي اإلنسان لذاته إال بوعي الزمن؛ ذات متزمِّ نة في بُعدها السيكولوجي والفيزيائي. فاإلنسان ٌ وقد تناول المفكرون المسلمون إشكالية الزمان من وجهتي الطبيعيات واإللهيات من خالل تُراثَيْن شكّال التصورات اإلسالمية عن متمثل ً الزمان ،هما :التراث العربي اإلسالمي فــي الــقــرآن الكريم والحديث النبوي ،وما أقوال للفقهاء واألصوليين؛ ٍ انبنى عليهما من وإذا مــا أردن ــا تبئير طبيعة الــزمــان في والتراث اليوناني ،سواء ما فاض بالحديث حقول فكروية ،أمكننا اإلشارة إلى أن فكرة عنه اليونانيون السابقون على أرسطو ،أو الزمان اتصلت في الفكر اإلسالمي بالخلق ما جادت به قريحة أفالطون واألفالطونيون والخلود والمصير. المحدثون. ويمكن الــقــول إنَّ آيــات الــقــرآن لــم ت ُِش ْر وقد تدامج هذان التراثان في الوجدان لمفهوم الــزمــان ،من حيث كونه جــوهـرًا أو متصل ،أو ً منفصل أو ً عرضا ،أو ما إذا كان ً العربي واإلسالمي ،فأضحت فكرة الزمان مرتبطة بمباحث ميتافيزيقية وطبيعية ونفسية أنه موضوعي أو ذاتي ،وِ فق ما يراه أصحاب قادت الفالسفة إلى التفصيل في العالقة بين نظرية الوجود؛ لكن الصيغ والــدالالت التي الزمان والوجود ،والحركة ،والنفس ،والوعي .جاء النص القرآنيُّ عليها ترتبط بالزمان، وقد لعبت الثقافات التي تشرّبها الفالسفة وإذا ما شئنا حصر هذه الصيغ والــدالالت المسلمون في بيئاتهم الحضارية دورَها في وجدناها كما يأتي: تشكيل تصوراتهم عــن الــزمــان حتى وهم -أسماء الزمان الممتد للوقت أو محدود ينطلقون في تأويالتهم من النص الروحي بأجل ،أو أنه المدة والميعاد ،أو بمعنى (الــقــرآن الكريم) لفكرة الــزمــان وتجلياتها الــزمــان الــمــقــارب ،أو المصاحب للفعل اللغوية المعجمية التي شكّلها اللغويون عن مفهوم الزمان في بعديه :الحضاري والديني، فلم يغادر المفكرون المسلمون اللغة والدين. ولكن المجال اللغوي والنحوي ،لم يحسم القول في تبيان داللة الزمان.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
43
والحدث؛ وِ فق التقسيم الذي انتهى إليه المفسرون واللغويون :أبد ،الدهر ،أحقابًا، العصر. أسماء الزمان المحدود ،مثل :أجل ،أمد،أ َّمــة ،حين ،ساعة ،مــدَّ ة ،وقــت ،ميقات، موعد ،ميعاد. الــزمــان الــمــقــارب والمصاحب للحدث:آنفًا ،اآلن(((.
والذات اإللهية وصفاتها تكون قبل الزمان وبعده من دون السؤال عن الكيف. والزمن الطبيعي (الزمن اإلنساني) :وهو مرتبط بحركية الفرد في أداء الشعائر الــديــنــيــة واالب ــت ــه ــاالت ،فــالــيــوم مرتبط بالصالة ،والشهر بالصيام ،والسنة بالحج على سبيل التمثيل.
أما في الحديث النبوي ،فيرد ذك ٌر للزَّمان والــدَّ هــر ع ــدَّ ة م ــرات ،كــقــول الــرســول عليه الصالة والسالم« :ال تسبُّوا الدَّ هر ،فإن اهلل هو الدهر»؛ استنادًا إلى ما ورد في الحديث القدسي« :يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر ،وأنا الدَّ هر»؛ ووفقًا لشرح القرطبي :أي أن اهلل عز وجل ،هو الفاعل لهذه األمور التي تضيفونها إلى الدهر.
ـص الــقــرآنــي مــا يفيد بــأ ّن ولــيــس فــي الــنـ ّ استقالل ذاتيًا. ً موضوع الزمان مستقل حتى في اآليات التي يرتبط فيها الزمان أيضا ً بالطبيعة ،نجد الــزمــان يرتبط بمعان ميتافيزيقية تتعلق بعالمي الغيب ٍ والشهادة ،ولكن ليس على نحو فلسفي أو علمي .فما بين األزل واألبد يغدو كل شيء مرتهنًا لإلرادة اإللهية في الخلق وتدبير وفــي حديث آخــر "ال تقوم الساعة حتى أحوال اإلنسان .فالقرآن يعرض زمانين :يتقارب الزمان ،فتكون السنة كالشهر؛ ويكون الــزمــن اإللــهــي ،وهــو زمــن مطلق (أزلــي الشهر كالجمعة ،وتكون الجمعة كاليوم ،ويكونوأبدي وسرمدي) يمت ّد إلى ما ال نهاية .الــيــوم كالساعة ،وتــكــون الساعة كاحتراق
44
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
السَّ عْفة الخوصة". أمــا الفالسفة اإلســامــيــون ،فلم يقفوا عند المعنى الــمــجــرد لــلــزمــان ،بــل ربطوه بالعلة والمعلول ،ونتج عن استقراءاتهم للنص القرآني مذاهب شتى: -مذهب الذين يقولون بالخل ْق من ال شيء، وابتداء الزمن ،بينما اهلل أزلي وال بداية لــه .أمــا الــعــالــم فــوجــد مــن الــمــاء الــذي خلقه اهلل من العدم ،وهو رأي المحدِّثين -الخلق كنوع من التنظيم لحالة مادية أولى والمفسِّ رين. غير متعينة أو سديمية ،ويسمى هذا العالم مخلوق من مادة موجودة قبل فعلاالتجاه بـ( :الخلق كصنع)؛ أي بمعنى أن الخلق! وأنَّ الزمان والعرش موجودان مع اهلل طبع الصورة على مادة غير مصورة اهلل ،وهو رأي الفارابي وابن رشد ،وابن (الهيولى) .وقد تبنّى هذا الرأي :الرازي سينا. الطبيب ،وطنطاوي ،والكواكبي ،ورشيد اهلل خلق األشياء من عدم نسبي ،أو مادةرضا وغيرهم. غير متعيِّنة هــي (الــمــعــدوم) ،وهــو رأي المعتزلة .وتقوم فكرتهم الرئيسة على -الخلق الدائم ،بمعنى أنَّ قبل العالم زمان ومادة وعرش .وأن القرآن يشير إلى وجود قابل ً أن «المعدوم شــيء يتصف بكونه للتحيز ،ويمكن إدراكه بالحواس ،ولكنه ال عوالم قبل هذا العالم وبعدَه ال متناهية، يتصف بالفعل». كل منها حــادث وزمــنــي .وهــذا رأي ابن الــخـلْــق أزل ــي بــالــزمــان ،مــحــدث بــالــذاتعــلــى أســـاس الــفــيــض (األش ــي ــاء تفيض من اهلل تعالى منذ األزل .فاهلل هو علة العالم) .وهذا الرأي قال به إخوان الصفا، ومسكويه ،والسجستاني؛ والحسن بن الــمــرزبــان ،مستندين إلــى آيــات قرآنية وأحاديث نبوية.
تيمية.
ومع ك ِّل هذه الــرؤى ،يظ ُّل جريان الزمن
الحس والشعور ،ألنَّ ّ في كينونة اإلنسان يؤرِّق
المسافة بين الوجود والعدم مشحونة بأمل
العثور على عشبة الخلود التي سعى إليها األب األول آدم..
* كاتب -األردن. (( ( انظــر الســور واآليــات القرآنيــة املع ّبــرة عــن هــذه الصيــغ والــدالالت :ســورة النبــأ .23 :ســورة العصــر: .01ســورة النســاء .77 :ســورة آل عمران .30 :ســورة املائدة .101 :ســورة األعراف .142 - 34 :ســورة ص .81 :ســورة الكهــف .48 :ســورة ســبأ .30 :ســورة محمــد .16 :ســورة اجلــن:
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
45
فن إدارة الوقت..كيف يمكننا تطوير ذواتنا! ُّ ■ د .هويدا صالح*
حينما ذهب اإلمام محمد عبده إلى فرنسا عام 1881م ،بعد فشل الثورة العرابية ودخول اإلنجليز مصر ،عاد يحمل معه دهشة مما رأى في الحضارة األوربية المغايرة لحضارتنا وثقافتنا العربية ،وقال مقولة خلدها الزمن» رأيت هناك إسالما بال مسلمين» ،وتستكمل هذه المقولة بأن في بالدنا «مسلمون بال إسالم»؛ فما الذي ميّز هذه المجتمعات ليصفها اإلمام محمد عبده بأن فيها إسالمً ا رغم أن أهلها يدينون في أغلبهم بالمسيحية؟ وما الذي نزع عن مجتمعاتنا روح اإلسالم ،رغم أن المجتمع العربي يدين باإلسالم دينًا رسميًا؟! حقيقة األمــر الــذي أوضــحــه اإلم ــام في وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين بقية حديثه أنه رأى هناك -ويقصد المجتمع اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أباله». حرصا على العمل وإتقانه ،وعلى ً الغربي- إذًا ،الــزمــن أو الــوقــت موضع ســؤال في الوقت /الزمن ،وعدم إضاعته فيما ال يفيد؛ اإلسالم منذ البداية ،لكن المسلمين بمرور وهاتان القيمتان :قيمة العمل ،وقيمة الحرص الزمن تخلوا عن هذه القيم الروحية ،وتمثلها على الوقت وقضائه فيما ينفع الناس ،قيمتان الغرب فوصل إلى ما وصل إليه من تقدم في رئيستان فــي سُ ـلَّــمِ القيم الــتــي دعــا إليها كل المجاالت نتيجة الستغالله قيمة الوقت. اإلسالم. إن استثمار الوقت وتثمين كل لحظة تمر وحين تعلّم منا الغرب هذه القيم وهذه بعمر اإلنسان ينقل المجتمعات نقلة حضارية الروح وتمثلها أهله ،صنعوا حضارة ومعرفة ومــعــرفــيــة مختلفة عــلــى ك ــل الــمــســتــويــات أفــادت البشرية كلها؛ وحينما تخلينا عنها االقتصادية واالجتماعية والسياسية .ولكي صرنا ضمن األمم التي تستهلك المعرفة وال نفهم أبعاد مفهوم الزمن/الوقت وتأثيره في تنتجها! ولم نتمثل قول النبي ،صلى اهلل عليه نتقصى ّ بناء المجتمعات وتطويرها ،علينا أن وسلم ،حينما قــال :إن المسلم يوم القيامة أول لدى الفالسفة والعلماء. هذا المفهوم ً ســوف يسأل عــن عــدة أشــيــاءـ ومــن ضمنها الزم ُن مفهو ٌم شَ َغ َل الفالسفة والمفكرين «عمره فيما أفــنــاه» ،والعمر هنا يشير إلى مرور الزمن على اإلنسان منذ لحظة الميالد واألدبــــاء كــثــيــرا ،وقــد اختلفوا فــي تحديد حتى لحظة الموت« :ال تزول قدما عبد يوم مفهومه؛ ف ــرأى بعضهم أن كــل «وق ــت» له القيامة حتى يُــســأل عــن ُعــمــره فيم أفناه؟ بداية ونهاية ،تتغير فيه األحداث ،ويشير إلى
46
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
زمن حدث ومضى ،وآخر يحدث اآلن ،وثالث ٍ سيأتي في المستقبل. وقــد اختلف المفكرون والفالسفة في الفرق بين «السرمدي» و«الدهر» و«الزمن». ولعدم القدرة على تحديد مفهوم الزمن لــدى الفالسفة اختلفوا فيما بينهم ،لكن اتفقوا جميعا على أن الزمن يمكن تعريفه بنظام تعاقب األشياء في الحدوث، حدث وآخر تبعا وهو عدد االنتقاالت بين ٍ لقبل وبعد ،وكذلك هو صيرورة الحدوث. يرى الدكتور علي شلق في كتابه «الزمن في الفكر العربي ّوالعالمي» أن الزمان هو الدهر ،وهو أزلي أبدي من جهة ،وقبل ،وبعد ذلك سرمد للدهر ،والدهر غالف للزمن». وقد رأى الفيلسوف أوغسطين أنه عندما نحاول فهم فكرة «الزمن» ،فهو يهرب منا ،وال نستطيع تحديده بدقة. إن سؤال ما هو الزمن هو سؤال فلسفي عميق طالما ناقشه الفالسفة والمفكرون وطرحوا أسئلتهم حول كونه حقيقة؟ وهل هو جزء من جهازنا المفاهيمي المعرفي؟ وهل ماض وحاضر نعيش في سلسلة متصلة مع ٍ محددين ،أم أننا نعيش في سلسلة متتالية من «اآلن» وما سيأتي من أزمنة؟ وإذا كان األمر كذلك ،فكيف يؤثر ذلك على إدراكنا للذاكرة أو التذكر؟ الزمن في القرآن الكريم يرتكز مفهوم الزمن في الــقــرآن الكريم على أسس هي بمثابة المسلّمات التي ينطلق
محور خاص
وعــي المسلم منها ،وأول هــذه المسلمات أن اهلل تعالى ال يتزمّن بشيء وال يحيطه شــيء ،ويحيط هــو بالكائنات جميعا التي هي بالضرورة متزمّنة أو يحيط بها الزمن الذي هو نسبي تختلف فيه العناصر األساس للظاهرة الزمنية. أعــطــى ال ــق ــرآن أهــمــيــة بــالــغــة لــلــزمــن، وارتــبــطــت معظم الــعــبــادات فــي التشريع اإلســامــي بمواعيد زمنية مــحــددة وثابتة؛ كالصالة ،والصيام ،والحج؛ وحث المسلمين على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض بمجتمعهم اإلسالمي .وليس أدل على ذلك من قول الباحث حامد أبو طالب في مجلة األزهــر الشريف عن «صناعة الحضارة من قــولــه« :تــبــدأ صناعة الــحــضــارة مــن حرص أفرادها على احترام الوقت كقيمة حضارية، وجــاء اإلســام مدركًا لهذه الحقيقة ،لذلك اهتم اهتمامًا كبيرًا بالوقت ،وحــثَّ أتباعه على المحافظة عليه واستثماره؛ فيما ينفع دينهم ودنياهم». 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
47
والزمن في اإلســام ينقسم إلى زمنين: األول ،نسبيّ يمكن قياسه ،ويتصل بالحديث عن زمن الصلوات والصوم والحج وما إلى ذلك من عبادات ،وينقسم إلى سنوات وشهور وأيــــام ،كــمــا تنقسم األيـ ــام إل ــى صباحات ومساءات؛ والثاني ،الزمن المطلق ،زمن خلق الكون ووجود اهلل الموجود قبل كل موجود، ويتسم باألبدية والسرمدية.. فلسفة الزمن وعالقتها بالعلوم ينال مفهوم الزمن اهتمام العلماء وبخاصة علماء الفيزياء ،ويعد مفهوما إشكاليا في فلسفة علم الفيزياء ،وما يزال الفالسفة حتى اليوم يستقصون هذا المفهوم بطرق شتى بحثًا عن أسرار الكون وعالقة اإلنسان بهذه األسرار، يعد الزمن معضلة فلسفية لم يستوعبها عــقــل اإلن ــس ــان حــتــى ال ــي ــوم .ويـ ــرى هنري برجسون أن« :الزمن هو المعضلة األساس في الميتافيزياء ،وعندما تستطيع اإلنسانية أن تقدم إجابة واضحة عن سؤال الزمن؛ فإنّها تستطيع تجاوز كل اإلشكاليات والمعضالت الوجودية التي تواجه حياة اإلنسان». إن اإلنــســان هــو الــكــائــن الــوحــيــد الــذي يمتلك وعيًا بالزمن ،وهذا الوعي هو الذي يجعله يقسم الزمن إلى أبعاد متنوعة ما بين الماضي والحاضر والمستقبل. الوعي بالزمن وتطوره إن إدراك اإلنسان لقيمة الزمن وسرعته يدفعه إلــى أن يحسّ ن اســتــغــالــه ،فتاريخ
48
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
ونجاح أدرك ٍ تطور ٍ البشرية مليء بقصص فيها اإلنــســان قيمة الزمن وم ــروره .ولعلنا يمكن أن نستشهد بمثال من التاريخ القريب، فقد خرجت اليابان مــن الــحــرب العالمية الثانية محطم ًة تقريبا ،فبعد أن خــروج قوات االحتالل األمريكية منها عام 1952م بعد أن احتلتها عام 1945م ،انكفأ الشعب الياباني على نفسه يعيد لملمة ذاته المبعثرة، المنهزمة أمام الغزو األمريكي الذي لم يكن غزوًا عسكريا فقط ،بل كان غزوًا ثقافيا ،حتى أن األمريكان أعادوا كتابة المناهج التعليمية وحذفوا منها كل ما يُقدّس اإلمبراطور أو يدعو للفخر بالماضي الياباني ،أو يحفّز القومية اليابانية ،بل قاموا بفصل كل معلم يؤمن بهذه القيم .كما تفشّ ت فــي الشعب الياباني المحافظ ،بل شديد المحافظة قيم وثقافة «الجينز» و«الفاست فــود» و«الهوت دوج» وغيرها من الثقافة األمريكية .من هنا، توقّف الياباني باحثا عن ذاته التي تشظت ما بين الجديد الكولونيالي والقديم التراثي، ف ــوج ــدوا الــحــل فــي إدارة الــوقــت/الــزمــن واستغالله ،فضاعفوا ساعات العمل ،بل صار الياباني يشتكي من اإلجازات التي يفرضها عليه النظام االقتصادي واالجتماعي ،وصاروا يطالبون بزيادة ساعات العمل ،بل طالبوا بعدم أخــذ إجازاتهم األسبوعية والسنوية؛ ما أخرج اليابان من أزماتها ومنحها الفرصة لبناء المجتمع ،حتى أصبحت اليابان من أهم دول العالم الصناعية والتكنولوجية .وتمكن الياباني من الجمع بين القديم والحديث، واألصالة والمعاصرة؛ فتجده يستعمل أكثر
محور خاص
اآلالت الحاسبة تطورًا وتكنولوجيا ،ويستخدم في الوقت ذاته المحاسب الخشبي الياباني التقليدي ال ــذي كــان يطلق عليه المعداد أو الــســوروبــان؛ وهكذا الحال في تفاصيل حياتهم ،فالقديم يجاور الحديث في ربط الماضي بالحاضر بالمستقبل كوعيّ حا ّد بتقسيمات الزمن وفلسفة هذه التقسيمات؛ فالحاضر والمستقبل في رأي الياباني هما ابنان للماضي وامتداد له. وال يغيب عن األذهان تجربة ألمانيا التي تشبه إلى حد بعيد تجربة اليابان ،فقد خرجت ألمانيا من الحرب العالمية الثانية محطمة وممزقة إلى بلدين ،ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية ،وانهزمت الشخصية األلمانية بعدما انهزمت النازية بقيادة هتلر؛ لكن الشعب األلماني الذي عُرِ ف بجديته وتقديره للزمن وحــســن إدارتـ ــه للوقت لــم يــرض بالهزيمة المعنوية بعد الهزيمة العسكرية ،فبدأ الشعب األلماني يعيد بناء بلده ،بل ثار ضد جدار أنشيء للفصل بين ألمانيا الغربية التي كانت أقرب في الفكر السياسي واالقتصادي إلى الرأسمالية الغربية ،وبين ألمانيا الشرقية التي كانت ما تزال تتبنى الفكر الفاشي ،ولم تنته الثمانينيات من القرن الماضي حتى ثار الشعب األلماني على جدار برلين أو ما سُ مّي بجدار العار ،وتم هدمه وتوحيد ألمانيا، فاأللماني أصر على إرجاع ألمانيا إلى قوتها التي جعلتها مــن أقــوى بــلــدان العالم؛ لكن المطامع السياسية لهتلر أهدرت هذه القوة في الحروب ،وبعد انتهاء هذا الفكر بهزيمة هتلر أمام دول الحلفاء لملم األلماني شتات
محور خاص
نفسه ،ووجد في الوقت وحسن إدارته العالج الوحيد للعودة لقوة ألمانيا ،فرفض األلماني اإلهــمــال والتكاسل ،وضــاعــف مــن ساعات العمل وقدّس الوقت ،فصارت ألمانيا على ما هي عليه اآلن من قوة اقتصادية وسياسية كبرى. العرب والزمن والسياقات الثقافية تُتهم األمة العربية أنها أمة تكاسلت حتى صــارت تستهلك المعرفة أكثر مما تنتجها، وأنها أمة تعيش «عالة» على الفكر الغربي الــذي ينتج المعرفة وينتج معها كل ما هو حداثي ،كما ينتج األدوية واألمصال وغيرها مما يحفظ الحياة اإلنسانية! وهذه االتهامات في مجملها صحيحة. صــحــيــح ،هــنــاك مــن يــقــول إن العلماء المسلمين والعرب الذين يعيشون في الغرب يسهمون فــي هــذه النهضة العلمية أمثال الدكتور المصري العربي مصطفى السيدـ أو السير مجدي يعقوب ،أو العالم الراحل أحمد زوي ــل ،وغيرهم مــن علماء عــرب مــن كافة البالد العربية ،وهناك علماء مسلمون من الهند وباكستان وماليزيا وغيرها من البلدان اإلســامــيــة ،فما الــذي أتــاح النجاح لهؤالء العلماء الذين ينتمون إلــى ثقافتنا العربية واإلسالمية وال يتيح النجاح لعلمائنا الذين يعيشون في البلدان العربية؟! في حقيقة األمر ،ما أتاح لزويل أن ينجح، ولم يتح لسين أو صاد من علماء ظلوا في أماكنهم في البلدان العربية ،هو السياق الثقافي الــذي يقدر قيمة الزمن /الوقت، 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
49
ويــقــدس العمل بما هــو عــبــادة ال يقل عن عبادات الصالة والصوم وغيرها من عبادات الشعائر. نحن في أمس الحاجة إلى أن نغير في السياقات الثقافية العربية ،أن نغرس في أطفالنا منذ الصغر أهمية إدارة الوقت، وأهمية الحفاظ على الزمن وعدم إهداره. نحن بحاجة ألن نعيد التفكير في القيم الروحية التي أورثها لنا اإلســام ،فلم يعد لنا من اإلســام سوى سجود وركــوع وقيام دون تمثُّل قيمه الروحية النبيلة ،التي تقدس كال من العمل ،والوقت ،واإلنتاج ،فمَن بات ًّ عمل يــده بــات مغفورا لــه ،كما يقول نبينا الكريم ،الــذي قبّل يد واحـ ٍـد ممن يعملون بأيديهم حتى كلّت وتشققت ،وقال له مثمّنا لجهده وتعبه« :هذه يد يحبها اهلل ورسوله».
رفاعة الطهطاوي
كما فعلنا ،ذات تقدم وحضارة ،على األقل أن نشارك اإلنسانية في مسيرة االبتكارات واالختراعات والتقدم العلمي.
وق ــد ق ــال رفــاعــة الــطــهــطــاوي واص ـ ًفــا أهل باريس في كتابه (تخليص اإلبريز في تلخيص باريز)« :إنهم ال يكلون من األشغال، لــن نغير مــن حالنا إال إذا تغيّر وعينا سواء الغني والفقير». بالزمن وقيمته ،وكما قال تعالى في سورة ولم تكن هذه هي اإلشارة الوحيدة التي الرعد« :إن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ذكــرهــا الــطــهــطــاوي وه ــو يــرصــد الــفــروق ما بأنفسهم». الثقافية بيننا كعرب وبين المجتمع الباريسي إذا أرادت أمتنا أن تخرج من حالة التخلف الذي يرمز بالطبع إلى المجتمع المتقدم ،بل واالنحطاط والتبعية للغرب في كل شيء ،إن الكتاب ممتلئ باإلشارات الثقافية المقارنة أرادت أن تصير عالما أول مثلما كانت في بين المجتمع األول والمجتمع الثالث؛ تكشف عصور قادت فيها العالم ،وأن تلحق بركب عن مــدى إدراكــهــم للزمن وأهميته والعمل النهضة والــتــقــدم ،فعليها أن تعي وتــدرك وقيمته. قيمة الوقت وإدارتــه ،وأن تؤمن بأن الزمن فن إدارة الوقت أمانة مثلما العمر أمــانــة ،وأال تقضيه إال فيما يفيد المجتمع ،بل فيما يفيد البشرية. واقع عالم اليوم يمثل تحديًا لإلنسان لما فيه علينا أن نعود كما كنا ،إن لم نقد العالم من صراعات حول النجاح والتحقق والحصول
50
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
على حياة نستحقها؛ ما يتطلب منا أن نسعى لهذا اليوم .يجب أال تكون مثل َمن يأكل أكثر لتحقيق نتائج عظيمة في وقت أقل .فما هي مما تتحمل معدته ،أو يقضم أكثر مما يستطيع الطريقة المثلى لتحقيق ذلك؟ مضغه ،فــإذا وجــدت أن المهام والمشاريع تقدم لنا ديلي كورنج في كتابها (فن إدارة التي تقع تحت مسؤوليتك أكبر مما يمكن الوقت) نصائح للتخطيط لوقتنا وإدارته بطريقة تحقيقها ،سيؤدي هــذا إلــى اإلخفاق وعدم ناجعة تمكننا مــن اإلف ــادة مــن كــل لحظة في اإلنتاجية؛ ما يؤدي إلى مزيد من اإلحباط؛ حياتنا؛ فهي ترى أن مفتاح النجاح الحقيقي لــذا ،إذا كنت مترددًا حيال مشروع مــا ..ال هــو تحسين وقــتــك ،على الصعيدين المهني تقبله حفاظا على روح النجاح والتحقيق لديك والشخصي ،بطريقة تحقق أفضل النتائج. ولدى فريقك. إن أبسط طريقة إلدارة وقتك هي التخطيط تجنّب كل ما يُضيّع وقتك حتى يمكنك للمستقبل .يمكن القيام بذلك عن طريق إنشاء جــدول زمني ،والتخطيط أليامك وأسابيعك إنــجــاز مــهــامــك بــنــجــاح ،فـــإذا ك ــان هاتفك مسبقًا .يمكن أن تساعدك التقويمات المكتبية المحمول متصال باإلنترنت ومحمال بمواقع على التخطيط لوقتك بالساعة ،فإنشاء قائمة التواصل االجتماعي ،يفضل أن تقوم بفصل مهام يمكن أن تكون لها فعالية حينما تكتب في خدمة اإلنترنت عنه حتى ال تصلك إشعارات الدقائق القليلة األخيرة من اليوم قائمة قصيرة باألهداف التي ترغب في تحقيقها في اليوم تلهيك عــن عملك ،أو لتجعل اإلشــعــارات صامتة حتى ال تلفت نظرك وتشدك بعيدًا التالي. عندما يحين وقت تحديد أولويات مهامك عن المهام التي خططت إلنجازها. اليومية ،حاول تخصيص بضع ساعات من اليوم للقيام بمسؤوليات معينة .ثم تأكد من إعطاء المهام األكثر إلحاحً ا أولوية قصوى ،مع حفظ المشاريع ذات األولوية المنخفضة حتى نهاية الــيــوم .إذا كــان لديك فريق ،فحاول تكليفهم ببعض المهام الموجودة في قائمتك؛ فالقليل طويل. ً من الجهد الجماعي سيقطع شوطً ا
أفضل رهــان عندما يتعلق األمــر بــإدارة الوقت هو عدم تأجيل ما يمكن إكماله اليوم انطالقا من الحكمة التي تقول« :ال تؤجل عمل اليوم إلى الغد» ،فمن السهل أن تضيع الوقت أو تؤجل مشروعً ا لمجرد أنك لم تكن متحمسً ا .ولكن إذا قمت بإنشاء استراتيجية
في صباح اليوم التاليِ ،الــق نظرة على وخططت مسبقًا لعمل مــا ..حتمًا ستحقق قائمتك ،وابدأ عملية تحديد أولويات مهامك النجاح على المدى الطويل. * كاتبة -مصر.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
51
ٌ وسيط للكتابة.. الزمن ُ أم الكتاب ُة وسيط ٌة للزمن؟ ■ د .هناء بنت علي البواب*
ســؤال ربما ال يفكّ ر فيه كاتب الــروايــة ،حين تقفز شخصيات روايـتــه فــي رأس ــه ،وحين يقبض على لحظة البداية في كتابته؛ ففي الوقت الذي يقول بعضهم إن زمن الرواية هو زمن الحدث ،يذهب آخرون إلى أنه زمن الكتابة؛ وهناك مَن يراه زمن القراءة ،وقول آلخر إن زمن الرواية :أزمنة ثالثة :هي زمن الحدث ،وزمن الكتابة ،وزمن القراءة. لكن «آدم مندالو» في بحثه «نظرية الزمن في الــروايــة» وأنماطها المختلفة وعالقته باللغة ،يــرى أن مشاهير الروائيين كانوا دائمًا منشغلين بالزمن في قِ يَمه وأنواعه. وربما يراها فيما حاول حصره: الــزمــن االصــطــاحــي :ويمثل العالقة الزمنية بين األشــيــاء ،وال يتأثر بــاإلدراك الحسيّ للمرء. الزمن الكرونولوجي للقراءة :هو الزمن الــذي يستغرقه الــقــارئ في قــراءة الرواية مــحــددة بــالــســاعــة ،وه ــذا ذو صــلــة بطول الرواية الذي تتحكم فيه عوامل أو اعتبارات مثل. فنية عدة خالصة ككثافة الحبكة ً
جورج لوكاش
الــزمــن الــكــرونــولــوجــي للكتابة :هــو ذو عالقة بالناحية التجارية ،فمعظم الروائيين فــي األدب هــانــز مــيــرهــوف؛ فــالــروايــة من المحترفين يعيشون على الدخل الذي يجنونه الــفــنــون الزمنيّة كالموسيقى ،تُبنى على من كتاباتهم. حركة الشخصيّات وأفعالها ،بخالف الفنون ولــذلــك ،الــزمــن وســيــط الــروايــة مثلما الــمــكــانـ ّيــة؛ كــالــتــصــويــر ،والــنــحــت ،اللذين هو وسيط الحياة ،كما يقول ُمنَظِّ ر الزمن يعتمدان على إبراز أبعاد المكان.
52
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
زمن القصة ،زمن ترتيب األحداث ،وهو زمن تتابعي يخضع للتنظيم المنطقي ،بينما زمن الخطاب الــذي ال يخضع ألي تنظيم ،فهو زمن يتعلق بأسلوب الــروائــي ،وتقنياته في عرض األحداث.
جيرار جينيت
هل زمن الرواية ،بهذا المعنى ،هو الذي
جعل الفيلسوف (لــوكــاش) يصف الــروايــة
بأنها ملحمة الطبقة الوسطى «البرجوازية» في بحثها عن المعنى والقيمة ،في عالم
تضطرب فيه عالقات المعنى والقيمة؟
ال ــج ــواب ،إن األمـــر كــذلــك بالتأكيد؛
فالرواية فنّ المدينة القادر على اقتناص تحوّالت الطبقة الوسطى في المدينة التي تزداد تعقدًا وازدحامًا.
فقد اهتم الــروائــيــون بالزمن اهتمامًا
كبيرًا حتى إنهم استخدموه موضوعً ا ،أو شخصيّة رئيسة من شخصيّات رواياتهم. وق ــد اهــتــم الــنــقــاد الــغــربــيــون بــالــزمــن في
الرواية ،إذ بدأ عند الشكالنيين الروس ،ثم
برز الناقد الفرنسي جيرار جينيت من بين الذين درسوا هذا الزمن ،وبخاصة في كتابه
ولذلك ،يُلفت انتباهنا أنّ النقاد العرب لم يهتموا بهذا الزمن ،وتجاهلوا أهميته في اإلحاطة باألفكار السائدة ،وبمعرفة أحوال المجتمع في الزمن الذي كتب فيه الروائي روايته ،ففاتهم الوقوف على تطور الروائي الفكري والفني ،وبــيــان قيمة الــروايــة من بين الروايات التي كتبها اآلخــرون ،وفهمها وتفسيرها ضمن الــزمــن الــذي عــاش فيه الروائي؛ ولذلك تحدث الشكالنيون الروس عن طريقتين لعرض األحــداث أو سردها: فإما أن يخضع السرد لمبدأ السببية ،فتأتي ـاص أو أن منطق خـ ٍ ٍ الوقائع مسلسلة وفــق يتخلى عن االعتبارات الزمنية بحيث تتابع األحداث دون منطق داخلي. هذا ،وقد أكد «بــارت» على أن المنطق الــســرديّ هــو الــذي يضع الــزمــن الــســرديّ ، وأن الزمنية ليست ســوى قسم بنيوي في الخطاب ،مثلما هو الشأن في اللغة" إذ ال يوجد الزمن إال في شكل نسق أو نظام، والزمن الــســرديّ في رأيــه ليس ســوى زمن دالليّ ،أما الزمن الحقيقي فهو وه ٌم مرجعيٌ واقعيٌ حسب تعبيره.
المشهور «خطاب الحكاية» الذي استند إليه ويرى التفكيكيون أنه ال يمكن لدارس النص النقاد العرب في فهم الزمن الروائي .فهناك أن يتغافل عن زمنية النص وظرفه التاريخي،
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
53
المستقبل ،وثالث ًة يُــدخــل األزمــنــة بعضها ببعض؛ ولكن فيما يظنه القارئ أن الروائي يتعمّد ذلك ،مع أنّ األمر ال أعتقده مقصودًا؛ وذلـــك ألن ال ــروائ ــي تهجم عليه الفكرة والشخصيات ،فيبدأ بترتيب الحدث ،وهو األهم بالنسبة له ،والزمن يأتي محركًا لتلك األحداث. لذلك ،نــرى أن الحقيقة التي يقول بها معظم النقاد والروائيين والباحثين ،هي إن الرواية الجديدة وروايــة الحداثة وما بعد الحداثة قد دمــرت األزمنة ومزقتها ،بعد أن كانت الرواية التقليدية تخضع للتسلسل متين من الزمان، ٍ بإطار ٍ الزمني المحافظ ومن هنا ،تكون مشروعية التأويل وضرورته. فالقارئ ،يأتي إلى النص وفي ذاكرته
وعيٌ بالتاريخ األدبي ،وبمخزون من نصوص
سابقة ،إذ يتمازج الماضي بالحاضر؛ ما
وقــد أبــقــت روايـ ــات الــحــداثــة ومــا بعدها، التسلسل الزمني كإطار خارجي لها؛ وبهذا أخفت الترتيب الزمني لألحداث باستبدال عالقات التتابع بعالقات التداخل ،وتفكيك الحديث وتهشيم األزمــنــة بانتقال الــراوي
يعني أن إحساس المتلقي بالزمن في الرواية تحدده ثقافة المتلقي وتعليمه ،وقــراءاتــه في سرده بين الماضي والحاضر ،وفق ما تقتضيه الحاجة. السابقة ،أو تربيته األدبية والفنية. ولذلك ،يظهر ما يمكن أن نسميه بالزمن
هناك أسئلة كثيرة -كانت ومــا تــزال-
مزيد فعل إلى ٍ الــدائــري ،تبعا للبنية الحكائية التي تتخذ مثار جدل عميق ،وهي تحتاج ً منحىً دائريًا؛ إذ تبدأ من النهاية ..وترتد مــن البحث والــتــأ ّمــل ،ال سيما فــي عالمنا
إلى البداية .وقد يظهر ما يسمى بالتالعب العربي؛ إذ ،بقيت معظم دولنا خارج ملعب بالزمن :فــتــارة يُــدخــل الــروائــي المستقبل هذه المتغيرات ،وهي إن تأثرت فبوصفها فــي الماضي ،وط ــورًا يُــدخــل الماضي في «متأثّرة» ،غير «مؤثّرة»! * أكاديمية وكاتبة -األردن.
54
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
كيف ننتصر للزمن؟؟ الكتابة والوهم.. الزمن بين ُ ِ ■ أ .د .منتصر اخلفاجي*
كيف يكتب المبدعُ أسطورتَه السرديَّة ،ويتخلّص من الزمن الذي يحيط به؟ وكيف يكون قصرت به؟ وهل زمن الكتابة نفسيّ ،أم اجتماعيّ ، قادرًا على معاكسة زمنية الكتابة ،طالت أم ُ أم بين هذا وذاك؟ لــيــس هــنــاك جـــواب أخــيــر عــلــى مثل الطين والشمع والمعادن واألشجار ،وتنقش هــذه األسئلة ،وليس ثمة نظرية محددة على الحجارة ،لتعبِّر عما يريد أصحابها ترى بأن الزمن يمكن ضغطه في محفظة قوله بلغاتهم المختلفة في أماكن شتى الكاتب حينما يواجه معضلة اسمها الزمن ،من العالم .ولعل بين أقدم الكتابات التي زمــن الكتابة ،وكيفية التحايل عليه أو بقيت آثارها حتى اآلن الكتابة المسمارية استباقه أو االلتفاف على أيامه وشهوره التي ظهرت في بالد الرافدين واستخدمها وسنواته؛ إذ علينا أن نتقصى الكثير من الــســومــريــون ،ثــم استخدمها اآلشــوريــون الحقائق المزاجية والنفسية واالجتماعية والبابليون أيضا .وتقول المراجع ،إن بين والسياسية والــظــروف البيئية المحيطة هذه اآلثار 130لوحً ا طينيًا معروضة حاليًا بالكتّاب من شتى جوانبها .فليست الكتابة اإلبداعية عملية آلية من دون شعور وتهيؤ كلي ،وال هي ضرب األزرار لتوليد الحروف والسطور ،بقدر ما هي نضال ضد الوقت ومعركة حقيقية معه تحت ضغط المزاج والظروف المتعددة ،وهي تحرير مرحلي للفائض من المخزون المعرفي والخيالي لصناعة أثر إبداعي ،وبالتالي هي تحرير عقليّ ونفسيّ وجسمانيّ أيضا للوقوف عند الخط األخير من هذا الماراثون المتعب. بدأت الكتابة قبل بضعة آالف من األعوام أشكاال تصويرية مختلفة ترسم على ألواح
محور خاص
حجر رشيد 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
55
في المتحف البريطاني.
تدعى أبجدية ،صممت ليعبِّر كل حرف
وفي موازاة الكتابة المسمارية ،ظهرت عن صوت محدد .على أساس ذلك تكتب الكتابة الهيروغليفية في مصر الفرعونية ،كل كلمة بأحرفها المتغيرة لتطلق عندما وكانت كذلك كتابة تصويرية بقيت مجهولة تقرأ بصوت مسموع الصوت الذي تصدره، المعنى ألجيال طويلة حتى عــام 1822م أي الصوت الذي يعبِّر عنها ،فإن لم يكن فك رموزها عالم بصريات فرنسي صــوت الــقــراءة مسموعً ا لآلخرين ،فــإنّ حينما ّ بعد دراسته حجر رشيد ،الذي جاء به إلى صداه يتجسد في ذهن القارئ الصامت. فرنسا عام 1799م جندي فرنسي شارك وتقول المراجع ،إن أول أبجدية ظهرت في الحملة الفرنسية على مصر ،في ذلك في العالم كانت أبجدية أوجاريت المكونة الحين. مــن 30حــر ًفــا وظــهــرت عــام 1100قبل انتقل اإلنسان من الكتابة التصويرية الميالد .وأوجاريت مدينة قديمة تعرضت إلــى الكتابة عبر أحــرف تعبيرية مبتكرة إلى بركان مدمر ،وبقيت آثارها شاهدة
56
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
عليها .وتقع هــذه المدينة على الساحل المعنى المطلوب. شمال شرقي البحر األبــيــض المتوسط
إن كل ما سبق يظهر جليّا أن الزمن ال
قرب مدينة الالذقية .وقد استخدمت هذه عالقة له أن يكون األساس في الكتابة ،بل األبجدية في وضع األبجدية اإلغريقية عام على العكس الكتابة هي التي تحرك الزمن 430قبل الميالد.
وتجعله مقياسً ا عابرًا للنص المتمرد ،وكلما
عــلــى مــســتــوى الــلــغــة الــعــربــيــة ظهرت زادت قوة ذلك الزمن على اإلبهار كانت لغة أبجديتها األولـــى نحو عــام 1000قبل الكاتب هي التي تجبره على ذلك.
الميالد في اليمن ،في فترة مملكة سبأ.
هــذا الــزمــن هــو زمــن الكتابة المتعب
لكن مملكة األنــبــاط فــي البتراء شمالي والــمــؤرق للكاتب ،ســواء أكــان طــويـ ًـا أم الجزيرة العربية وضعت أبجدية أخرى قصيرًا؛ فليست األيام واألشهر والسنوات
للغة العربية نحو عام 600قبل الميالد .هي المقياس األخير للمنتَج اإلبداعي ،إنما وقد تبنت قريش هذه األبجدية ،كما كُتب نتائج هذا االنتظار الشاقّ الــذي يصرفه القرآن الكريم أول مرة باستخدامها ،وكان الــكــاتــب تــحــت ظـــروف وأوض ـ ــاع نفسية ذلك قبل تنقيط حروف اللغة .وفي عهد ومزاجية ،داخلية وخارجية؛ لذلك ،فإن الــدولــة األمــويــة تــم تنقيط حــروف اللغة الكتابة التي تخترق زمنها -قصيرًا كان أم العربية لتسهيل تمييز الحروف ،ثم وضعت طويال -هي المعجزة الشخصية للكاتب
ً عالمات لتشكيل حــروف العربية حرصا التي علينا أن ننتبه إليها ونمنحها الكثير على نطقها بالشكل السليم ،وبالتالي تقديم من االهتمام والقراءة والتقويم. * كاتب -سوريا.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
57
الزمن ومشكالتُه اتجاهات ُ ِ آالن بيكي بيسوا -فرنسا ■ ترجمة :اسكندر بيكوا*
مشكلة الزمن أنه خارج مجال الحواس ،ومع ذلك ال أحد يجهله ،وبالتزامن ال يعرفه أحد بشكل علميّ وتجريبيّ ،أو حتى بشكل منطقي وواضح -إلى يومنا؟! لحسن الحظ _بفضل اينشتاين وستيفن هوكينغ خاصة -حــدث تطور مهم خالل القرن الماضي في معرفتنا للزمن؛ إذ تم االنتقال خطوة حقيقية بالفعل ،من عدّ ه مفهومً ا فلسفيًا إلى وضعه الحالي كمصطلح علميّ -فيزيائيّ ،يمكن دراسته بشكل فكري ومنطقي، تجريبي ودقـيــق ،مــع قابليته إلــى االختبار ٍ بشكل ٍ مصطلح مـحــدد ٍ تمهيدً ا لتحوله إلــى والتعميم. التصورات أو النظريات المختلفة حول الزمن يمكن تلخيصها وتكثيفها في أربعة مواقف:
-3الموقف الحديث ،ومــن أبــرز ممثليه اينشتاين وستيفن هوكينغ ،وهو يعد اتجاه الزمن غير محدد في جهة معينة ،وغير ثابت أيضا ،ويمكن أن يحدث في مختلف االتجاهات.
-1الموقف الكالسيكي ،وهو السائد في العلم والعالم المعاصرين ،ينظر للزمن بكونه يتقدم من الماضي إلى الحاضر -4 ،الموقف الجديد ،وهــو مــحــور هذا الكتاب ،وينظر التجاه حركة الزمن عكس ومــن الحاضر إلــى المستقبل .وبكلمات اتجاه نمو الحياة وتطورها :من المستقبل أخرى ،إن سهم الزمن يتجه من الماضي إلى الحاضر ،ومن الحاضر إلى الماضي. إلــى المستقبل ،م ــرورا بالحاضر .وهو وهو اتجاه ثابت ووحيد ،ويقبل التجربة الموقف المشترك بين أفالطون ونيوتن، واالختبار والتعميم بدون استثناء. ومعهم أغلب الفالسفة والفيزيائيين في العالم. فلذلك يعد موقف الفرد الحالي من الزمن، -2مــوقــف اإلنـــكـــار ،وع ـ ــدم االع ــت ــراف هو أحد المواقف األربعة ،أو بين اثنين منهما بالماضي أو بالمستقبل ســوى كتركيب ومحصلتهما السلبية أو اإليجابية.
وفــكــري عقلي ،مــع اعتبار أن الحاضر كمثال مباشر ،يعد الكثيرون الــيــوم أن يمثل الوجود الموضوعي والمطلق (إنكار الزمن تركيبٌ عقليٌ وثقافي ،وال وجود حقيقيًا له .بعبارة ثانية ،يعد كثيرون الزمن مجرد أيضا). الموت ً
58
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
نظام رمزي يشبه اللغات الحديثة كالبرمجة والرياضيات ،وليس له حركة محددة أو اتجاه وحيد أو سرعة ثابتة .وهذا الموقف يتطابق مع موقف اإلنكار الذي يمثله التنوير الروحي عبر االعتقاد بالحاضر المستمر. الــمــوقــف الــجــديــد يــتــضــمــن الــمــواقــف السابقة ،بينما العكس غير صحيح .وهذا ما سأحاول شرحه .منطقي ،األمس والماضي خلفنا ،بينما الغد والمستقبل أمامنا ،وبينهما الحاضر (الجديد -المتجدد)؟! المستقبل يقترب والماضي يبتعد (أليست الحس المشترك)؟ ّ بديهية منطقية ويقبلها ويمكن االستنتاج مباشرة أن ما يقترب هو البداية ،أو قادمًا من البداية.
حركة اإلنسان والزمن!
بحسب نوع المادة ،ومن أمثلتها:
وبالطريقة نفسها :ما يبتعد هو النهاية ،أو -حركة السوائل ،وتتحدد بالضغط الجوي يتجه إلى النهاية. أو عالقة األواني المستطرقة. الفكرة تستحق التأمل واالهتمام الجديين؛
فبعد فهم الجدلية العكسية بين الحياة -حركة الغازات ،وهي تتحدد بدرجة الحرارة والزمن ،يتغير الموقف العقلي والواقع معًا. ونوع الغاز. اتــجــاه حــركــة الــحــيــاة وتــطــورهــا يعاكس ح ــرك ــة ال ـك ـه ــرب ــاء ،وه ــي تــتــحــدد بــدرجــةاتجاه الزمن ،وهذه الظاهرة تقبل االختبار مقاومة (أو عــدم قابلية نقل الكهرباء) والتعميم. المواد ،وهي في اتجاه ثابت من التوتر حركة الزمن؟! المرتفع في اتجاه التوتر المنخفض. بصورة عامة الحركة أحد نوعين: حــركــة الــزمــن ،ويمكن استنتاجها فقط، -1الحركة الــذاتــيــة ،الــعــشــوائــيــة ،وهي وربما يتمكّن العلماء في المستقبل من خــاصــة بــاألحــيــاء .تــتــحــدد مــن داخلها ابتكار أدوات وطرق تمكّن من اختبارها بالدرجة األولــى ،ومن خارجها بالدرجة بشكل تجريبي ومباشر؟! الــثــانــيــة كــاســتــجــابــة لــمــتــغــيــرات البيئة اتجاه حركة الزمن وارتباطها بالكتابة؟! المحيطة. -2الحركة الموضوعية ،وهــي تختلف
محور خاص
كلمة االتــجــاه ،كفكرة وخــبــرة ،تعد حتى 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
59
ستيفين كينج :تطور معرفة الزمن
أول التقليدي موجود مسبقًا في مستويينً ، فــي قلب الــكــاتــب أو الــمــرســل (فــي الوعي والــنــوايــا ،وثانيًا في النص (أو الرسالة أو التعبير) .والقراءة مع السياق ،تعدان تكملة أو تحصيل حاصل .بينما المعنى بالمفهوم بــؤر أو مراحل الحديث يتشكل عبر عــدة ٍ متسلسلة في درجة أهميتها أيضا ،وبالدرجة األولــى القارئ وعملية القراءة نفسها تنتج أول ،والسياق الثقافي ثانيًا ،والرسالة المعنى ً أو النص ثالثًا ،وفي المستوى الرابع واألخير من األهمية والدور -في المعنى -للمرسل أو الكاتب (ونواياه ال تعني غيره ،وغالبًا تنفصل عن المعنى لحظة التدوين أو التعبير ..وتهمل وتضيع بالفعل). بالعودة إلى فكرة االتجاه وخبرته ،ال يكفي معرفة البداية والنهائية لتحديد االتجاه ..مع أن عبارة البداية والنهاية أو العكس ،تتضمن االتجاه بالفعل.
مــن خ ــال الــمــاحــظــة الــمــتــأنــيــة ،يمكن اختبار ظاهرة مــزدوجــة ومدهشة بالفعل، مستمر مــع جميع األحــيــاء ٍ بشكل ٍ وتــتــكــرر (اإلنــســان ،والحيوان ،والنبات ،وهــي بــارزة اليوم مرادفة للمعنى. في حالة البشر)؛ إذ ،ينقسم الحاضر في كل المشكلة بذلك ،أن التوجه أو االتجاه ،ليس لحظة إلى اتجاهين متعاكسين: غموضا من مصطلح المعنى ذاته! ً أقل -1اتجاه نمو الحياة وتطورها :من الماضي على سبيل المثال ،بعد سنة 2012م فهمت
المعنى (الجديد) والمتداول حاليا ،واختالفه النوعي والجذري عن المعنى التقليدي .وهو
مستقل وموسّ ٍع، ٍ موضوع ناقشته سابقًا بشكل
واكتفي هنا بتكثيفه الشديد :المعنى بالمفهوم
60
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
إلى المستقبل ،مرورًا بالحاضر.
-2اتــجــاه األحـــداث بالعكس :بالعكس من اتجاه الحياة ..من المستقبل إلى الماضي ومــرورًا بالحاضر .وهذا االتجاه يتضمن حوادث الوالدة والموت أيضا.
محور خاص
حركة الكهرباء
بحسب النظرية الكالسيكية ،يكون اتجاه حركة الزمن من الماضي إلى المستقبل! ولكن ،بسهولة يمكن اختبار عدم صحة ذلك ،إذ العكس هو الصحيح.
اينشتاين: اتجاه الزمن غير محدد
وبــالــنــســبــة لــهــذه الــفــكــرة «اتــجــاه حركة الزمن» ،سوف استعرض مجموعة براهين وطرق تبين اتجاهها الحقيقي من المستقبل إلى الحاضر ،ثم الماضي ،في ملحق خاص نظرًا ألهميتها البالغة. -2الحركة التزامنية أو األفقية :من حاضر 1 إلى حاضر 2إلى حاضر ..3بال نهاية. بــالــنــســبــة لــحــركــة ال ــزم ــن ،فــهــي مركبة المستقبل إلى الحاضر (أو من الحاضر إلى الماضي) ،وهي التي تقيسها الساعة. هــذا رأي وفــرضــيــة ،حتى نحصل على أفضل منها.
ومــزدوجــة بــالــتــزامــن ،والــغــريــب إلــى درجــة يصعب فهمها ،أن النقاد العرب القدامى استنتجوا هذا األمــر منذ عشرات القرون، وأنا مدين بالفضل والشكر للصديق جميل حلبي على هذه الفكرة والخبرة.
وهــي أحــد احتمالين ،األول أنها تساوي ســرعــة الــضــوء ،والــثــانــي أنــهــا تــفــوق سرعة الضوء وتجسد السرعة المطلقة في الكون (وهذا ما أرجّ ح احتماله).
ومــن كل ما سبق ،تعرف أن الكتابة هي -1الــحــركــة الــتــعــاقــبــيــة أو الــتــراتــبــيــة :من تزامنية حقيقة بوجود الزمن داخل النص.
* مترجم -لبنان.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
61
أوقاتُنا بين االستثمار والتفريط ■ سميرة الزهراني*
خلق اهلل تعالى اإلنسان ،وجعل فيه الكثير من الطاقات الكامنة؛ ما يستدعي تفريغ هذه الطاقة بطريقة صحيحة ،واستثمار أوقات الفراغ بما يعود على تلك النفس بالخير والنفع؛ فالنفس إن لم نشغلها بالخير شغلتنا بما ال يفيد. والوقت ،هو المادة المكوّنة للحياة .وبحكم ما نعرفه عنه ،فهو غير قابل لالحتفاظ به أو ادّخاره أو استعادته؛ ولذلك ،فهو مورد نادر وفريد ،وأغلى مورد لكل فرد ،ألنه حياته؛ لذلك ينبغي أن يلقى العناية نفسها التي تلقاها بقية الموارد والعناصر المهمة فيها ،بل وأكثر من أي مورد آخر. تزداد أهمية استثمار الوقت كلما ارتفعنا أي ــن يــذهــب وقــتــهــم وأيـــن يــجــب أن يــذهــب، فــي الــهــرم التنظيمي ألي مــؤســســة ،ويؤكد واالستخدام الفعال والمالئم للوقت يفسر (بيتر دروكــر)( )١على أن أفضل طريقة لزيادة الفرق بين اإلنجاز والفشل. فاعلية المدير أو اإلنسان عمومًا هو تحسين يعد وقــت الــفــراغ فــرصــة كبيرة للحصول استخدامه لوقته ،كما يؤكد أن إحدى خمس على منفعة دون هدر الوقت فيما ال طائل منه، عـ ــادات شــائــعــة لــكــل الفاعلين هــي معرفة كالتجوّل في األســواق من غير حاجة؛ لما فيه َس ما نملك ..وهو من ضياع للمادة ،وهدر ألنف َ الوقت ،الذي هو الحياة؛ لذا ،أوجب اهلل تعالى على اإلنسان استغالل الوقت بشكل كامل ،وإدارته إدارة صحيحة؛ ألن ذلــك يترتب عليه إدارتنا ألنفسنا بفعالية وبطريقة اقتصادية؛ بمعنى إدارة مواردنا الجسمية والنفسية بشكل يمكّننا من األداء الفعال ،بدون بذل طاقةٍ غير ضرورية بال طائل ،والبقاء قادرين على هذا األداء. كما نعرف أن الوقت في حركة دائمة ال يمكن ارجاعه ،فهو من جانب القيمة أغلى من الجواهر؛ ألن الوقت هو الحياة ،واهلل سبحانه وتعالى جعل الدنيا مزرعة لآلخرة ،وهذا سبب
62
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
آخر للعناية به وعدم هدره .إذ يُعد الوقت من األمــور التي يُسأل عنها العبد يــوم القيامة، والتي جعلها اهلل من أعظم النعم التي أنعم اهلل بها على عباده ،وأعتنى بها ..بل وأقسم ..قال تعالى( :والليل إذا يغشى .والنهار إذا تجلى)، كما أقسم بالفجر ،والضحى ،والعصر؛ ما يدل على أهمية الــوقــت؛ ويستوجب ذلــك تطبيق مفهوم استغالل الــوقــت فــي الحياة بالعمل النافع سواء للدنيا أو لآلخرة. يعد االهــتــمــام بالوقت كــنـزًا مــن الكنوز، ومعرفة كيفية اغتنامه والبُعد عن المجالس التي تتخللها الغيبة والنميمة؛ ففيها إلى جانب ضياع الوقت خسرا ٌن وبُع ٌد عن الحق .والوقت الذي يمضي ال يعود ،وسفر اآلخرة محتاج إلى زاد ،فلزم إعداد الزاد قبل الرحيل. كــذلــك ،مــن واجبنا الــحــرص على الوقت وإنــجــاز األم ــور المهمة ..ثــم األق ــل أهمية، والتخطيط لألهداف مع مراعاة ما يعترض اإلنسان من الظروف والمعوقات ،والحرص على نظافة المكان ووضع كل شيء في مكانه، فالترتيب يحفظ الوقت ويعين على استثماره، إن دقائق حياتنا ال تعود إذا ما مرت؛ ومن وعــدم تأجيل األعــمــال مهم كــذلــك؛ حتى ال ثـ َّم فعلينا إنفاق سنوات عمرنا بشكل أكثر تتراكم المهام؛ ما يسهم في ضياع الوقت. إنتاجية .ومهما كانت فعاليتنا في التخطيط، ومن األمور التي يجب غرسها في األطفال ومهما صدقت النوايا،فإنه ما لم نبدأ بالتحفيز منذ الصغر؛ تنظيم الوقت واستغالله ،وتحكم واستثمار كــل ثانية مــن أوقاتنا للبدء ،فلن األنسان في وقته وسيطرته عليه ،بحيث يكون نستفيد ،وسيذهب العُمر سدىً . سيدًا لوقته ال ضحية له؛ لينشأ وهو حريص أخيرا ،إن إدارة الوقت بفاعلية هي الطريق على وقته مستفيدًا من كل ثانية تمر في حياته .األمثل لتحقيق النجاحات المتتالية والفوز
الحس ِّ وقتنا بفعالية ،يجب أن يبدأ بتطوير والوعيِّ واإلدراك ألهمية االستخدام الصحيح للوقت؛ وبالتالي ،تحفيزنا على استخدام هذا المورد النادر بعناية أكبر من تلك التي تنفق بها العمالت الذهبية.
إن أي برنامج مصمم لمساعدتنا على إدارة بمكاسب الدنيا واآلخرة.
* باحثة دكتوراه -جامعة أم القرى بمكة المكرمة. ( )١كاتب اقتصادي أمريكي من أصل نمساوي ،يعد األب الروحي لإلدارة.
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
63
عناي ُة الحضارة اإلسالمية بالعلوم واآلالت المرتبطة بحساب الوقت ■ د .سعيد بن دبيس العتيبي*
يُعرف الوقت بأنه مقدار من الزمن ،وبأنه تعريف للتاريخ ،مثل أرّخ الكتاب ليوم كذا أي وقّته(((. ومنذ الِ قدم ،عرّفت األمم التاريخ ،واهتمت بضبطه ألهميته في تنظيم شؤون حياتها وتعامالتها التجارية ،ومعرفة المناسبات الدينية وفصول السنة؛ فأرّخت األمم القديمة بمبعث األنبياء ،وأرّخ الفرس والروم بسنيّ حكم ملوكهم ،وكانت قريش قبل اإلسالم تؤرخ بعام الفيل ،وسائر العرب يؤرخون والفجارين ،ويــوم جبلة ،ويوم َّ بأيامهم المشهورة؛ كحرب البسوس ،وداحــس والغبراء ،ويــوم ذي قــار، الكالب األول والكالب الثاني ..وفي العصر اإلسالمي أرّخ المسلمون بعام الهجرة ،حين وضع هذا التاريخ عمر بن الخطاب -رضي اهلل عنه -في السنة السابعة عشرة من الهجرة(((. عرفت األمم تنظيم الزمن على نحو يمكنها الشمس وغروبها لتحديد وقت الصيام واإلفطار. مــن االســتــفــادة مــن وقتها ،فــجــزأت الــزمــن إلى وقــد اهتمت الــحــضــارة العربية اإلسالمية سنوات ،والسنوات إلــى فصول ،والفصول إلى بالعلوم كالطب والرياضيات والكيماء والفلك.. شهور ،والشهور إلى أسابيع ،واألسابيع إلى أيام مستفيدة مــمــا وصــلــت الــيــه حــضــارات األمــم ثم ساعات ..وعندما جاء اإلســام جعل للوقت السابقة في هــذه المجاالت ،إ ّالً إن المسلمين أهمية عظيمة فــي حياة المسلم ،وأقــســم اهلل بــرعــوا فــي تلك العلوم بحثاً وتأليفا وابــتــكــارًا جلت قدرته بأجزاء من الوقت ،فأقسم بالفجر وصناع ًة وتطبيقًا ،وبدأ االهتمام بترجمة العلوم والضحى والعصر والليل النهار((( ،وفي قسمه منذ عهد الدولة األموية (132-41هـ) ،وكان خالد سبحانه وتعالى بمخلوقاته أو آياته الدالة على ابن يزيد بن معاوية أول من عني بنقل علوم الطب قــدرتــه دالل ــة على عظمتها .وأك ــدت الشريعة والكيمياء من اللغة اليونانية إلى العربية ،وعربت اإلسالمية على أداء العبادات وأوامــر اإلسالم الــدواويــن منذ عهد الخليفة األمــوي عبدالملك في أوقاتها ،ووردت اآليات الدالة على ذلك في ابن مروان (86-65هـــ) بعد أن كانت بالفارسية القرآن الكريم ،قال تعالى﴿ :إن الصالة كانت على واليونانية ،وتُرجم أول كتاب فلكي عن اليونانية المؤمنين كتاباً موقوتا﴾((( ،وقال تعالى﴿ :الحج في أواخــر العصر األم ــوي ،وهــو كتاب (مفتاح أشهر معلومات﴾((( ،وقال عز وجل( :يسئلونك النجوم) المنسوب لهرمس الحكيم ،وحين قامت عن األهـلّــة قل هي مواقيت للناس والــحــج)((( ،الدولة العباسية عُني أبو جعفر المنصور (-136 فالمسلمون وفق تعاليم دينهم ملزمون بمعرفة 158هـ) بترجمة كتب العلوم واآلداب من اليونانية أوقات دخول الصلوات المفروضة عليهم خمس والهندية والفارسية إلى العربية ،وتوسعت حركة مرات في اليوم والليلة ،وبدايات الشهور ونهايتها الترجمة في عهدي هارون الرشيد(193-170هـ) لضبط وق ــت دخ ــول مــواســم رمــضــان والــحــج ،وابنه المأمون (218-198هـ)(((. علم الفلك مــن الــعــلــوم المرتبطة بحساب واألعــيــاد اإلســامــيــة ،ومــعــرفــة أوقـــات شــروق
64
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
محور خاص
الوقت ،وفي القرآن الكريم آيات تدل في سياقها على ارتــبــاط الــظــواهــر الفلكية بــالــوقــت ،قال تعالى﴿ :وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية ال من الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فض ً ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ،وكل شيء فصلناه تفصيال﴾((( ،وقــال تعالى﴿ :هــو الذي جعل الشمس ضيا ًء والقمر نــوراً وقــدره منازل لتعلموا عــدد السنين والــحــســاب ،مــا خلق اهلل ذلك إال بالحق ،يفصل اآليات لقوم يعلمون﴾(((، وقوله تعالى﴿ :لتعلموا عدد السنين والحساب﴾، أي حساب أوقات السنين وعدد أيامها وحساب ساعات أيامها(.((1 وقد لقي علم الفلك عناية من العلماء المسلمون لحاجة المسلمين إليه في حساب الوقت المرتبط بــأداء الوجبات الدينية ،إضافة إلى أهميته في تحديد اتجاه مكة ،حيث الكعبة ،قبلة المسلمين، وشــؤون الحياة األخــرى؛ كأوقات فصول السنة، ومواسم الفالحة ،ومواسم األمطار ،..كما أن لعلم الفلك عند علماء المسلمين معنىً يتصل بالعقيدة اإلسالمية ،ففي معرفة مواقع النجوم ومداراتها وجريان الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار وفصول السنة ،آيات تبرهن على عظمة الخالق سبحانه وتعالى الذي أمرهم بتوحيده بالعبادة،
محور خاص
والتفكر في مخلوقاته وقدرته على تسيير الكون، قــال تعالى﴿ :إن فــي خلق الــســمــوات واألرض واخــتــاف الليل والنهار آليــات ألولــي األلــبــاب، الذين يذكرون اهلل قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات واألرض ربنا ما خلقت هذا باط ً ال سبحانك فقنا عذاب النار﴾(.((1 واتخذ علماء الفلك من القرآن الكريم والتدبر في عالم الكون وفضائه الفسيح ،ومخلوقات اهلل جلت قدرته مصدراً لعلمهم « .يذكر أنه بينما كان عالمان فلكيان عربيان في باحة المسجد الجامع مــرت بهما جماعة من علماء الــديــن ،فتوقفت مستفهمة عــن الــمــصــدر ال ــذي منه يستمدون علمهم ،فأجاب أحدهما إننا نقرأ شرح قول اهلل تعالى﴿ :أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت ،وإلى السماء كيف رفعت﴾»(.((1 وكـ ــان الــعــصــر الــذهــبــي لــتــقــدم الــحــضــارة اإلسالمية هو عصر الدولة العباسية ،وكان علم الفلك في مقدمة العلوم التي اعتني بها في بغداد، حين شجع الخلفاء علماء دراسة الفلك ،وترجمة الكتب الهندية والفارسية واليونانية في هذا المجال ،وأخذوا يستدعون العلماء إلى بالطهم. وفي زمن هارون الرشيد وابنه المأمون أصبحت بغداد مركزاً مهمًا لمباحث علم الفلك ،ثم انتشرت 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
65
زيغريد هونكه اهتمام العرب بعلم الفلك ،بأنه كان أقرب حقل علمي إلى نفوسهم( .((1وتقول عن تقدم العلماء العرب في هذا المجال وتفوقهم فيه على األمم السابقة «إنه ال الرومان وال الهنود هم الذين أسهموا في تطوير هذا العلم ،وإنما كان من دواعي فخر العرب أن يفعلوا ذلك وحدهم ،وكان لعلم الفلك أن خلص إلى ربيع ساحر»( .((1وقال غوستاف لوبون « :إن العرب هم الذين نشروا علم الفلك في العالم كله بالحقيقة»(.((1
مراصد الفلك في دمشق وسمرقند ونيسابور، والــقــاهــرة وف ــاس وطليطلة وقــرطــبــة ،وب ــرزت أسماء عديد من فلكيي مدرسة بغداد الفلكية الذين عاشوا في القرن التاسع الميالدي ،منهم: البتاني ،ومحمد وأحمد والحسن أبناء موسى بن شاكر ،وأبــو الوفاء وغيرهم .ودام عمل العرب في حقل الحضارة حتى بعد سقوط بغداد بزمن طويل ،وظلت مدرسة بغداد الفلكية إلى أواسط القرن الخامس عشر من الميالد ،ونقل المغول معارف العرب في مجال الفلك إلى البالد التي حكموها ،فأقام هوالكو في عام 1259م مرصدًا كبيرًا للفلك في مراغه ،واستدعى علماء العرب إلى بالطه ،كما نقل المغول إلى بالد الصين حين دخلت في حكمهم كتب علماء بغداد والقاهرة في علم الفلك .واستنبطوا معارفهم الفلكية األساسية من تلك الكتب( .((1وتصف المستشرقة األلمانية
66
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
وشملت أعمال الرصد الفلكي عند المسلمون الــشــمــس والــقــمــر والــنــجــوم ،وتــمــكــن الفلكيون المسلمون من رصد االعتدال الشمسي ،الذي مكّن من تحديد السنة بالضبط ،ووضع تقاويم ألمكنة الكواكب السيارة ،ودوّنوا نتائج أبحاثهم في عدد من الكتب تعرف باسم الزيج( ،((1وساعدت نتائج مباحث علماء العرب في علم الفلك إلى التقدم فــي صناعة اآلالت التي تحدد الوقت كاإلسطرالب ،والساعات .واإلسطرالب هو آلة فلكية استخدمها الفلكيون اليونانيون في معرفة رصد الكواكب وارتفاعاتها ،ثم طور العرب هذه األلة وأنتجوا منها نوعاً مسطحاً صغيراً ،بعد أن كان المعروف منه نوع كبير ومستدير ويستخدم في المراصد الجوية فقط ،أما اختراع العرب فكان بمثابة ساعة جيب صغيرة ،تؤدي في برهة قصيرة خدمات متعددة ،واستخدمها المسلمون فــي تحديد أوق ــات الــصــاة وتعيين موقع مكة حيث القبلة ،إضافة إلى العديد من الخدمات في الحسابات الفلكية والزمنية(.((1 وعرف العرب أنواعاً من الساعات الشمسية والمائية والرملية ،منها ذات التقنيات البسيطة مثل المزولة ..وهي ساعة شمسية يعين بها الوقت نهاراً من خالل سقوط ظل شاخص على أرقام دائرة مدرجة( ،((1والساعات الرملية أو المائية، وهذه الساعة هي حوض صغير يُمأل بالماء أو الرمل ،وفي قاعه ثقب يسيل منه الماء أو الرمل
محور خاص
ولــتــفــوق المسلمبن فــي صــنــاعــة الــســاعــات وتقنياتها ،وحاجتهم إليها في معرفة أوقات العبادة، أصبحت منتشرة في أرجــاء الدولة اإلسالمية، وقــد ذكــرت المصادر العديد من األماكن التي وجدت بها الساعات ،فعلى سبيل المثال :وصف ابن فضل اهلل العمري (ت749هـ) الساعة المائية لجامع الكتبيين بمراكش ،وذكــر إنها على باب الجامع وتسمى الكتبية ،ويبلغ ارتفاعها في الهواء خمسين ذراعاً ،ينزل عند كل ساعة صنجة وزنها مئة درهم ،يتحرك بنزولها أجراس يسمع وقعها من بعيد( .((2كما ذكر إن في المدرسة المعظمية قرب مسجد قبة الصخرة ببيت المقدس رخامة منقوشة مزولة إلخراج ساعات النهار ،طولها من الشرق إلى الغرب ذراعان وثلثان وعرضها ذراع وارتفاعها ذراع ونصف(.((2
بقدر مقنن في أنبوب ذي درجــات محصاه تدل المألنة منه والفارغة على عدد الساعات(.((2 وقــد ُعــرفــت الــمــزوال والــســاعــات المائية منذ الحضارات القديمة اليونانية والمصرية والبابلية، وفي الجزيرة العربية وجد ضمن آثار الحجر آثار مزولة شمسية تعود لعصر األنباط (القرن األول ق.م106-م)( .((2غير أنه في العصر اإلسالمي ومع تطور دراسات علم الفلك تفتقت أفكار العرب نحو أفــاق جديدة في مجال صناعة الساعات، فصنعوا الساعات التي تسير على الزئبق والشمع المشتعل ،والــســاعــات الشمسية الــرنــانــة التي تصدر صوتاً رناناً عند الوقت المحدد ،والساعات المائية التي كانت تقذف كل ساعة كرة في إناء معدني وت ــدور حــول محور تظهر فيه النجوم، ورسومات لحيوانات مختلفة ،أو ساعات تحمل فتحات متتابعة في شكل نصف دائرة وما تلبث ان وذكــر ابــن بطوطة (ت779هـ ـــ) إن المدرسة تصدر ضوءًا كالبرق كلما جاوزت الساعة الثانية ال في حين يمر فوقها هالل مضيء( .((2البوعنانية بمدينة فــاس المغربية فيها ساعة عشرة لي ً وفي عام 807م قدم الخليفة العباسي هارون الرشيد ســاعــة مــن ابــتــكــارات الــعــرب للقيصر شارلمان ملك الفرنجة ،فنالت إعجاب الفرنجة ال لها من قبل« ،وعلق وادهشتهم ،اذ لم يروا مثي ً مــؤرخ القيصر على هــذا الحدث في مذكراته واصــف ـاً تلك الــســاعــة قــائ ـاً :كــانــت ســاعــة من النحاس األصفر مصنوعة بمهارة فنية مدهشة، وكانت تقيس مدة اثنتي عشرة ساعة ،وفي حين إتمامها لذلك كانت تسقط إلــى األسفل اثنتي عــشــرة كــرة صغيرة ،محدثة لــدى اصطدامها برقّاص معدنيّ مثبت دو ّيًا إيقاعيًا جميالً ،إضافة إلى عدد مماثل من األفراس الصغيرة التي كلما دارت الساعة دورتها الكاملة قفزت من فتحات اثنتي عشرة بوابة واغلقتها بقفزاتها هذه ،وهناك أشــيــاء أخــرى كثيرة تسترعي االنــبــاه فــي هذه الساعة تدعو إلى العجب والدهشة .وليس ثمة مجال لعدها.((2(»..
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
67
سليمان المغربي مزولة تجاه باب السالم ،بني لها بترة طول قامة الرجل ،ويرى اإلنسان رسومها حيال الركن الشرقي على ممشى باب السالم، وكــان موضعها فيما سلف مزولة عملها الوزير األصفهاني»(.((3 ومن المدينة المنورة ذُكر مزولة في المسجد الــنــبــوي مــن عمل حسن بــن حسين األسكوبي (1303-1237هـ) وهو عالم فلكي من أصل أوربي كان يقيم بالمدينة المنورة( .((3وفي القاهرة ذُكر مزولة أقامها العالم الفلكي محمود أحمد باشا، ويقال له محمود الفلكي (1302-1230هـ) أنشأها على سطح منزله تبين ساعات النهار وأنصاف الساعات وأرباعها ووقتي الظهر والعصر(.((3 مائية نصبت قبالة بــاب الــمــدرســة الرئيس، كانت لروعتها حديث الكتّاب والشعراء ردحً ا من الــزمــان( ،((2وتبقى بفاس ساعة مائية في القبة العليا من منار الجامع األعظم الذي يقع شرق المدينة ،بنيت في عهد إمــارة المرينيون بفاس بأمر السلطان أبو سالم إبراهيم بن علي المريني المتوفى عام (762هـ)(.((2 وذكـ ــر الــفــاســي (ت832هـــــــ) ضــمــن حديثه عن مرافق المسجد الــحــرام :مزولة بالمسجد الحرام ،يقال لها ميزان الشمس ،وهي من عمل الوزير الجواد ،واسمه مكتوب في أعالها على اللوح النحاسي المعمول لمعرفة الوقت( .((2ومن العصور المتأخرة يشير البتنوني إلــى مزولة المسجد الــحــرام بــقــولــه :إن «شــيــخ المؤذنين أو الميقاتي يؤذن على قبة زمــزم ،وفيها مزولة مثبتة في حائطها الجنوبي من عمل رجــل من مــراكــش أهــداهــا إلــى الــحــرم ،وهــي فــي غاية الضبط واإلحكام ،وعليها ميقاتهم في النهار»(،((2 كما يذكر إبراهيم رفعت بــاشــا« :وفــي ســادس ذي الحجة سنة 1097ه ـــ وضــع الشيخ محمد
68
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
ختاماً ،يخلص هذا الموضوع إلى أن األمم منذ القدم قد أدركت أهمية الوقت في تنظيم شؤون حياتها ،فوضعت التواريخ التي تضبط الوقت، وعندما جــاء اإلس ــام أكــد على أهمية الوقت فــي حياة المسلمين عــامــة ،وارتــبــاطــه بشعائر العبادة خاصة ،وقد خلق اهلل اإلنسان لعبادته، لهذا اهتمت الحضارة اإلسالمية بالوقت ،ووضع الخليفة الــثــانــي عمر بــن الــخــطــاب رضــي اهلل التقويم اإلسالمي بالتاريخ الهجري ،واستفاد علماء الفلك من مباحثهم في علم الفلك في مجال تحديد الوقت وقادتهم أبحاثهم إلى وضع تقاويم الوقت ،وتطوير االسطرالب والساعات الشمسية والمائية التي تحدد الوقت. والوقت هو نظام الحياة الرئيس ،وكل إنسان يحتاج الوقت ،وكل ما في الحياة مرتبط بالوقت ولكل شــيء عمراً موقوتا ،ومــا ضــاع ســدى من الوقت لن يدرك أو يعوض بأي ثمن .قال يحيى بن محمد هبيرة:
والـ ــوقـ ــت أنـ ـف ــس م ــا ع ـن ـيــت بـحـفـظــه وآراه أس ـ ـ ـهـ ـ ــل م ـ ـ ــا ع ـ ـل ـ ـيـ ــك ي ـض ـي ــع
محور خاص
* (( ( ((( (( ( ((( ((( ((( ((( (( ( ((( ( ((1 (( (1 ( ((1 ( ((1 (( (1 ( ((1 ( ((1 ( ((1 ( ((1 ( ((1 ( ((2 (( (2 ( ((2 ( ((2 ( ((2 ( ((2 ( ((2 ( ((2 ( ((2 (( (2 ( ((3 (( (3 ( ((3
أكاديمي متخصص في اآلثار والحضارة اإلسالمية. محمد بن مكرم بن منظور ،لسان العرب ،دار صادر ،بيروت 1414هـ ،ج ،2ص ،107ج ،3ص.4 محمــد بــن جريــر الطبــري ،تاريــخ الرســل وامللــوك ،ط ،2دار التــراث ،بيــروت1387 ،هـــ ،ج ،1ص .193شــمس الديــن أبــو املظفــر يوســف ،مــرآة الزمــان يف تواريــخ األعيــان ،دار الرســالة العلميــة ،دمشــق1434 ،هـــ2913/م، ج ،1ص ص.12-10 القرآن الكرمي ،السور :الفجر ،اآليات ،4 ،2-1:الضحى ،اآليات ،2-1:العصر ،اآلية ،1:الليل ،اآليات.2-1: القرآن الكرمي ،سورة النساء ،اآلية .103: القرآن الكرمي ،سورة البقرة ،اآلية .197 القرآن الكرمي ،سورة البقرة ،اآلية189: حســن إبراهيــم حســن ،تاريــخ اإلســام السياســي والدينــي والثقــايف واالجتماعــي ،ط ( ،7د .ن)( ،د .م)، 1964م ،ج ،2ص ص .347-344 القرآن الكرمي ،سورة اإلسراء ،اآلية.12: القرآن الكرمي ،سور يونس اآلية .5: محمــد بــن جريــر الطبــري ،تفســير الطبــري ،حتقيــق عبــداهلل بــن عبــد احملســن التركــي ،دار هجــر للطباعــة والنشــر( ،د .م)1422 ،هـــ2001/م ،ج ،12ص .119 القرآن الكرمي ،سورة آل عمران ،اآليات.191-190 : زيغريــد هونكــة ،شــمس العــرب تســطع علــى الغــرب ،ط ،8ترجمــة ،فــاروق بيضــون ،كمــال دســوقي ،دار اجليــل، بيــروت 1413هـــ1993/م ،ص ،130اآليــات 18-17مــن ســورة الغاشــية. غوســتاف لوبــون ،حضــارة العــرب ،ترجمــة عــادل زعيــر ،عصيــر الكتــب للنشــر والتوزيــع( ،د .ت)( ،د .م) ،ص ص .395-394 هونكة ،شمس العرب تسطع على الغرب ،ص.330 هونكة ،شمس العرب تسطع على الغرب ،ص.313 لوبون ،حضارة العرب ،ص.396 لوبون ،حضارة العرب ،ص.400-396 هونكة ،شمس العرب تسطع الغرب ،ص.138 محمد كمال صدقي ،معجم املصطلحات األثرية ،جامعة امللك سعود ،الرياض1408 ،هـ1988/م ،ص.367 أنطــوان اجلميــل« ،كيــف نقيــس الزمــن؟» مجلــة الزهــور ،دار صــادر ،تصويــراً عــن مطبعــة املعــارف ،مصــر، صــدرت مــن عــام 1913-1910م ،ج ،3ص .547 جواد علي ،املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم ،ط ،4دار الساقي( ،د .م) 1422هـ2001/م ،ج ،5ص .56 هونكة ،شمس العرب تسطع على الغرب ،ص ص ( 41-40بتصرف). نقالً عن :هونكة ،شمس العرب تسطع على الغرب ،ص.42 أحمــد بــن يحيــى بــن فضــل اهلل العمــري ،مســالك األبصــار يف ممالــك املصــار ،املجمــع الثقــايف ،أبــو ظبــي، 1432هـــ ،ج ،4ص ص .198-197 العمــري ،مســالك األمصــار ،ص ،34مكتبــة الــوراق اإللكترونيــة ،alwaraq.netتاريــخ االســترجاع 12مــارس 2021م. محمــد بــن عبــد اهلل اللواتــي الطنجــي ،رحلــة ابــن بطوطــة ،أكادمييــة اململكــة املغربيــة ،الربــاط1417 ،هـــ ،ج،4 ص .315 خالــد محمــد عــزب« ،املنشــآت املائيــة يف العمــارة اإلســامية» ،املنهــل ،العــدد ،571العــام ،66شــوال /ذي القعــدة 1421هـــ /ينايــر /فبرايــر 2001م ،مجلــد ،61ص ص .163-152خيــر الديــن بــن محمــود الزركلــي، األعــام ،ط ،15دار العلــم للماليــن ،بيــروت2002 ،م ،ج ،1ص.52 محمــد بــن أحمــد تقــي الديــن الفاســي ،شــفاء الغــرام بأخبــار البلــد احلــرام ،دار الكتــب العلميــة ،بيــروت، 1421هـــ2000/م ،ج ،1ص .321 محمد لبيب البتنوني ،الرحلة احلجازية ،ط( ،2د .ن)( ،د .م)1329 ،هـ.89 ، إبراهيــم رفعــت باشــا ،مــرأة احلرمــن ،ص ،137مكتبــة الــوراق اإللكترونيــة ،alwaraq.netتاريــخ االســترجاع 12مــارس 2021م. الزركلي ،األعالم ،ج ،2ص .189 الزركلي ،األعالم ،ج ،7ص .264
محور خاص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
69
ذلك الجدا ُر.. ُ الشجرة تلك ■ هشام بن الشاوي*
عمر الصباحات قصير ،لهذا أحرص على أن أنصب لها فخاخا كثيرة؛ أستيقظ برجل في منتصف العمر ،يجتر بداوته الموؤدة ..لعلها الوسيلة ٍ مبكرً ا ،كما يليق الوحيدة لكي أعوّض العمر الذي تبخر فجأة ،دون أن أدري؛ بهذه الفخاخ ،أحاول أن أعيش نهارات أطول. تداعب شمس الخريف األرصفة والمباني في حنوّ ،في صباح هذا األحد الرائق، ويسري بعض الدفء في أجساد ،تنفض عنها ما تبقى من تعب نهاية األسبوع .في طريقنا إلى سوق العصافير ،قبالة مبنى المحكمة القديم ،سألت صديقي هشام إن كان يعرف هذه األمكنة.. هل كنت تسكن هنا؟مع ذاته ومع العالم .تناهت إلى مسامعنا ال ،كان يسكن هنا بعض زمالئي ،أص ــوات الــبــاعــة ومــحــركــات الــدراجــاتالنارية صاخبة ،متداخلة ،أليفة وضاجة وكانت سيارة العمل تقلهم من هنا. بالحياة. ذهبنا -أن ــا وهــشــام -البــتــيــاع بعض دون مقدمات ،بدأ الحاج العربي يحكي مستلزمات طيور الزينة ،بينما راح جارنا ما عاين في المكان ،قائال في حماسة: الحاج العربي لمقابلة قريب بجوار السوق لو تأخرتما قليال ،كنتما ستجدانالقديم .وفي طريق عودتنا ،كان جارنا المتقاعد ينتظرنا على الرصيف ،بقامته الشارع مقلوبا.. وأطــلــق الــعــنــان لضحكه الطفولي الربعة ومالمحه التي تشي بأنه متصالح
70
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
المعهود ،كما يليق برجل ستيني ،ال تكدر صفو مزاجه مشاغل الحياة وإكراهاتها.
قلت له في لهجة اعتراض:
هنا أيــضــا ،مراهقون يتسامرون علىرمى البائع الجائل ثيابه في عربدة ،وشهر عتبات بيوت الجيران ،ويقهقهون طوال الليل. سيفا ،كــان يخفيه في صندوق ،يقبع أسفل كنت أ ُلمِّح إلى ابنه المراهق صالح ،الذي العربة اليدوية ،في وجــه أحــد أفــراد قوات تشاجرت معه أكثر من مرة ..يدع والده ينام عابئ بتوسالت األمن ،متفوهً ا ببذاءاته ،غير ٍ زمالئه ،عندما حاول صاحب البذلة العسكرية فــي س ــام ،ويــزعــج الــجــيــران ..ونــكــايــة في بداوتي ،قال الحاج العربي لهشام ضاحكا: قلب عربته ،التي تعرقل حركة المرور. «إنهم يفعلونها في الشارع!». كنت أرنو إلى البيوت مأخوذًا ،كأنما زرت أحسست بوخزة ،لُذتُ بالصمت. هذا المكان باألمس فقط. تداعى جدار الذكريات.. عشرون عاما ،مضت كومضة برق! في انتظار أن يعبر الحاج العربي الشارع، من مقعدي الخلفي في السيار ة ،كنت أرنو إلى المنحدر ،وفي قاعه يستكين جدار واطئ. قلت لهما بنبرة شجن طارئ« :في ذلك البيت، القابع على يــســار الــجــدار ،هــنــاك ،قضيت طفولتي ،وفي هذه األزقة تسكعت كثيرا».
على تــويــتــر ،كنت أرم ــق ص ــورة مــن ريف نجران بحنين فائض ،كمن يلقي نظرة أخيرة على مكان اعتدت عليه واعتاد علي ..كمية هائلة مــن األحــاســيــس المبعثرة ،المتعثرة، وفــوجــئــت بــأنــامــلــي تــداعــب شــاشــة الهاتف الصقيلة« : نكلت بحنيني البدوي الباذخ تلك العربة المهملة ،والتي ال يمكن االستغناء عنها بأي شكل من األشكال ،إنها تواصل مهامها، هــنــاك ..فــي «جــنــوب الـ ــروح» ،بامتنان ،وال تتقاعس عن أداء مآربها األخرى :تسند فروع كرمة تين ،تصلح مثوى لكلب يحرس البيت من الجهة الخلفية ،يقيل تحتها الدجاج في الهجير.»...
بقعة النصراني ،كانوا يسمونها ،يقال إن صاحبها معمّر فرنسي ،مات في بلده ،وال أحد يعرف ورثته ،ورفعًا للضرر المضاعف ،اضطر أبي أن يطلب من البلدية أن تسمح له ببناء سور -من دون مالط -فاصل بيننا وبين بيت الجيران ،حتى ال تتراكم القاذورات أمام بيتنا، وجــدار آخر ،خلفي ،مزود بباب ،يحمينا من أذى كائنات الليل.
صورة من ريف نجران
استرسل الحاج العربي في هجاء األحياء الشعبية ،وامتدح العيش في األحياء الجديدة، التي تخلو من الغوغاء ،الذين ينامون نهارا، أس كل مشاكل المدينة! ويعربدن ليال ..البدوّ ،
نصوص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
71
مــن خلف الــجــدار األمــامــي ،كــانــت تلوح تضيئها قهقهة أمل مشاغب»(((.
أغصان شجرة تين هرمة ،كانت هذه البقعة صاح هشام في ابتهاج ،وهو يوجه كالمه المهجورة ،بمثابة حديقة سرية ،يزرع فيها أبي بعض الخضراوات ،وأحيانا ،نضع فيها بعض إلى جارنا باسمًا: سقط المتاع ،الذي يتكدس في ركن ما فوق الحاج العربي ،إذا كنت تريد الهدوء،أغلب أسطح هذه البيوت ،ومثل عاصفة ،كنت ابــحــث لــك عــن مــكــان ،ال تسمع فــيــه ســوى أهرع لجلب البيض ،عند سماع تلك القأقأة شقشقات العصافير ،وحفيف أوراق الشجر. المميزة .تتهلل أساريري بشرًا ،وأنا أتحسس قبل انطالق السيارة ،أشــار الحاج بيده، دفء البيضة الجديدة. ناحية ن ـ ّبــاش مستنكرا« :انــظــر إلــيــه ،مــاذا الجدار واطئ ،تقادم طالؤه ،بعد أن أهمل يــفــعــل؟!» ،كــان الــرجــل الكهل ،ذو المالبس السكان الجدد أن يجددوا طــاءه الجيري، الرثة ،التي تفوح منها رائحة تزكم األنــوف، تعلوه قطع زج ــاج مــدبــبــة ،بــألــوان مختلفة، تحرس خرابًا بشعًا ،يستكين خلف الجدار ،يعبث بأكياس القمامة ،بحثًا عما يس ّد به رمق بينما اختفت عن مرمى البصر شجرة التين .أنعامه ،ركل األكياس في حنق ،تناثرت األزبال فــوق الرصيف ،وعلى قــارعــة الطريق ،قفز ......................... الكهل إلى عربته ،بحركة رشيقة ،وخز البغل ......................... األعجف ،وهو يلعن أسالف دابته .ندت عني شيء ما يتهاوى في أعماقي آهة ،مكتومة ،وسمعت الحاج العربي ،يصرخ: «هؤالء البدو ..همج .لماذا يتركونهم يتجولون مالمحي تفضحني... في شوارع المدينة ؟!». سألني هشام: التقت النظرات ..لم تكن مالمح الرجل ما بك؟ لست على ما يرام!غريبة عني ،بعد أن غــزت التجاعيد وجهًا غمغمت في أسى ،وأنا أزفر فتات كبدي: لفحته الشمس .لم أره منذ سنوات ،بعد أن «ال شيء ،أنا بخير ،يا صديقي». هجرت مهنتي األولى ،التي يحترفها -عادة- «ممتلئا بخساراتي؛ رجال يأتون من خلف حقول جرداء عطشى، لن أدع الدموع ترتق لي حتفي، كان يعمل مع أبي ،وهو من علمني أبجديات لــن تتعثر جثتي وه ــي تـقــع مــن بـيــن يــدي النجارة المسلحة .دون أن أدري ،ألفيتني أشيح المباالتي، بوجهي عنه ،فرفع يــده ضاحكا ،وهــو يغمز أنا سبب انكساري، بعينه ،غرقت في بحيرة حرج مفاجئ ،تصبب وأنا هزيمتي، جسدي عرقًا ،بينما استسلم الحاج العربي أنا كل ما فعله الحلم المغشوش بي، ال أذكــر شيئا مني وال أذكــر أن لــي صباحا لضحكه الطفولي المعهود ،وبدأ وجهه يتورد، وعيناه تدمعان. ينفتح شرفة * كاتب -املغرب. ((( مقطع من قصيدة« : شبهات» ،عبدالوهاب امللوح. https://alqabas.com/article/5843953 ،
72
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
إنسان ٌ جديد ٌ
شخصا بــائـ ًـســا في ً تـكـوّر مثل قـنـفـ ٍـذ ..بــدا بؤسا ،تسلّقت التعاسة جدار قلبه عالم أشدُّ ً على الـضــوء الــواهــن ،تــراقـصــت ظــال الدكة الخشبية بحصيرها المهترئ على صفحة ال ـج ــدار الـطـيـنــي ،وج ــاء الــزيــر يـحـمــل خبوه وطحالبه ليشاركها الــرقــص .لــم يـفــارقــه ما رجاء عبداحلكيم الفولى* حــدث عصر ذلــك الـيــوم فــي ملعب المدرسة، حـيــث أح ــرز هــدفً ــا فــي شـبـكــة ال ـخ ـصــم ..طــار فى الملعب مزهوً ا بنفسه ،كأي منتصرٍ ،إال إن أحد أوالد الفريق المهزوم ألقى على سمعه بتلك الكليمات التي هوت به حدفً ا في ُج ِّب الهزيمة" :أنت ها ..تطلع زي مين ،روح شوف أبوك"! يتدحرج أبوه بقدميه الحافيتين وثوبه المهلهل إلى دكان (النيني) ،يناوله زجاجة كل يوم يتجرّعها مرة واحده ،ومن ثم يتخفف من ثوبه ،ويسيل لعابه ،فتصبح عورته مباحة للصغار ،الذين يطاردونه فى الشوارع، ويضربوه بكل ما يصل إلى أيديهم ،وهم يهتفون" :المجنون أهو". فى الصباح نفض عن قلبه أحــزان يقصده أن يتدحرج إليه! يشيّعه الغبار ليلته الماضية .حمل حقيبته المدرسية ،الكثيف ،بينما تستلقي على يمينه أكوام سلك الطريق الذى يدخل البهجة إلى الزجاجات الفارغة المكسورة رقابها، قلبه ،تأخذه المزروعات فى حضنها، شيّع نظراته إلى الدكان ثم ألقى عليه طويل ومريحً ا .هناك عند ً تنفّس نفسً ا بصق ًة حملت كــل مــخــزون الكراهية الربوة لمح شب َح دكان النيني.من هنا، واالحــتــقــار ،وه ــو يــحــثُّ الــخــطــى إلــى يقطع أبــوه الطريق إلــى دكــان النيني، تاجر الخمور ،الــذى يقيم فى الجهة مدرسته ،خاطب نفسه وعيناه تشعّان األخــرى من البلدة .عليه أن ينزل إلى باألمل :عليّ أن أصنع تاريخً ا لصغاري الخور ،ال يدرى لماذا يتعيّن على كل مَن ال يعايرهم به الناس. *
قاصة -مصر.
نصوص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
73
هياكل ■ عقل بن مناور الضميري*
«تشارمن» ،العاملة الجديدة ،خريجة اإلدارة الفندقية ،لمنزل سعيد ِ وصلت حصة ،بعد طول انتظار ومعاناة للعائلة جميعً ا .فالمنزل كبير ،وضيوف وزوجته ّ سعيد وزواره كثر. حصة فرحةُ األبـنــاء والبنات كبيرة بقدومها لمساعدة والدتهم ،لكن سعادة ّ أكبر من الجميع ،وحاجتها إليها أكثر ،فبدأت منذ اليوم األول لوصول العاملة باالنسحاب والتخلّي عن جميع األدوار والواجبات المنزلية ،وتحويلها للعاملة وحدها.. تقول :يكفي ..تعبت ،أريد الراحة.. لست مستعدة للمزيد من هذا األلم.. ولــســت أق ــل مــن صــديــقــاتــي ،وال من أخواته ،رغم أنها كانت تلحّ على زوجها باستقدام العاملة لمساعدتها في مهام ومتطلبات المنزل واألسرة.
إن حصة لم تستجب ،ولم تناقش في هذه المسألة إال بالصراخ في وجه زوجها! وبالقول :أال يكفيك كل ما عملت؟ أنا لست خادمة عندك ،وأضافت ..لعلمك ال يعجبني اسم «تشارمِ ن» ،ولن أقبل به. -لماذا؟ وماذا سيكون؟
حاول سعيد تذكيرها بطريقة غير تدّعي أنك ال تعرف السبب!! خالصمباشرة بأن هذا ال يجوز ،وال بد من منذ اليوم ..اسمها سارة. مشاركة «تشارمِ ن» في بعض المهام، وعلى األقل لحين ظهور نتائج الفحص -يــعــنــي عــلــى كــيــفــك تــغــيــريــن اســم أخذت موافقتها؟ ِ اآلدمية؟ وهل الطبي وسالمتها الصحية وتدريبها على مختلف األعمال المنزلية والمطبخ ،إال -مــوافــقــتــهــا!! طــالــمــا هــي عــنــدنــا..
74
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
فاسمها سارة ،وهذا أسهل لندائها ،اسم ب ــدأت تفتر الــعــاقــات الــزوجــيــة وتمتد خفيف والئق عليها ،حروف الم ّد أنسب القطيعة الصامتة بين سعيد وحصة ألسابيع، لمن نناديهم كل لحظة. وتزداد حاجتهما معًا لسارة ،بل وحتى األوالد أراك أصبحت اعتمدوا عليها في مختلف شؤونهم. وأيضا ِ ً ولماذا كل لحظة؟ومعان!! ٍ خبيرة أصوات ولغات حــاولــت حــصــة االســتــئــثــار بــوقــت ســارة
نعم خبيرة بهذا وأكثر ..ال تكثر الكالم ،وخدماتها كاملة ،وأخذها معها في زياراتهاهي خادمتي ،وأنا حرّة بها ،وأنا بحثت التي زادت عن قبل ،وفِ ي مشاويرها للسوق، عــن معنى اســمــهــا ،فــوجــدت أن ــه غير إال إن سعيدًا كــان صــار ًمــا في هــذا األمر بشكل جعل زوجته تتنازل عن هذه الرغبة مناسب لنا. مُكرَهة. ال لست حرّة بها ،وهي ليست ملكًا ألحد،ومــع الــوقــت ،أصبحت ســارة نفسها ال جاءت بعقد عمل ولها حقوق. تريد الخروج إلى تلك الزيارات التي ليست وعليها واجبات.ســوى أعــبــاء إضــافــيــة فــي التنظيف وكــيّ نعم عليها واجبات ضمن أوقات ونطاق المالبس ،وصبغ شعر أخوات حصة وبناتهنواضح بالعقد. دون مقابل! اسمع يا محامي الشغاالت ،ال تتدخلكعادته ،يتناول سعيد إفــطــاره بالمنزل بيننا ،اتــرك ســارة لي ،وال عليك ،فقط دائمًا ،ال كما يفعل معظم الموظفين الذين عليك آخر الشهر أن تدفع راتبها بانتظام. يطلبون إفــطــارهــم مــن مطاعم قريبة من سارة إذاً!مكاتبهم ،وقد اعتاد تناوله بالمطبخ حتى حصة قبل أن تكون لديهم عاملة ،ولــذا فوجوده نعم راتب الخادمة سارة ،وتُت ْمتِم ّعلى نفسها قــائــلــة ..يحسبني هبلة ..مع ســارة صباح كل يــوم ،ال يثير أية ظنون أحسن ،خلّك مقهور ..وهذا الذي أريد ..لدى زوجته ،كما أنه اعتاد غسل الطبق بعد كل شغالة تجيني بعد اليوم ما لها اسم االنتهاء مــن األكــل بشكل روتيني وتربوي ألوالده منذ صغرهم ،وهــذا العمل أصبح عندي غير سارة ..على اسم أخته. مستفزًا لحصة ،لــدرجــة أنــهــا تطلق على قبلت «تــشــارمِ ــن» اسمها الجديد فــورًا مسامعه عبارات مهينة ،كالمساعد والمعاون وبفرح ،ولَم تدرك تلك الحوارات الساخنة اللطيف. حــولــهــا ،وال ال ــم ــراد مــن ه ــذه التسمية، احترامه لسارة وتعامله المهذب معها واندمجت بعملها المتنوّع والشامل والدائم، حتى قبل ظهور نتائج الفحص الــذي جاء وعدم تأخير راتبها الشهري جعلها تهتم به كثيرًا ،وتفهم احتياجاته ،وتقدمها دون طلب؛ بنتيجة سليمة وصالحة للعمل.
نصوص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
75
حصة كثيرًا ،وما كان لها حصة تستقبل صديقاتها بالمنزل تقريبًا كل األمر الذي يغيظ ّ سوى المبالغة في تكليفها بأعمال طارئة مساء ،وحتى ساعة متأخرة من الليل. بمجرد مالحظة انشغالها لخدمة سعيد. مضى على تلك الــحــال نحو السنتين، لم يواجه سعيد هــذه التصرفات سوى بالتجاهل ،وهــذا ما زاد في حنق الزوجة، وكثرة صراخها حتى على أبسط المسائل ،بل وحاولت تغيير سلوك أطفالها بعدم االهتمام بإعادة ترتيب غرفهم وغسيل األطباق بعد األكــل كما تــعــودوا ،وأفهمتهم أن هــذا دور الخدم ال أهل المنزل!
هذه األعباء المتزايدة والطلبات الكثيرة ال يحلو لحصة إثارتها ومتابعتها اال بوجود سعيد وعلى مسمعه ،فحاول الح ّد من هذه التجاوزات بالضغط على أوالده بااللتزام بما اعــتــادوا عليه من خدمة أنفسهم ..ال االعتماد على غيرهم ،فما كان من حصة إال ابتكار حيلة جــديــدة ،تأخير إيقاظهم للمدرسة صباحً ا ،فال يستطيعون القيام بأي من تلك المهام سواء بغرف النوم أو المطبخ بعد اإلفطار.
واستحقت ســارة إجازتها الــمــحـدّدة بعقد العمل ،وهي خمسة وأربعون يوما ،فأخبر أوالده بقرب سفر ســارة في إجــازة عادية، وهــذا ما لم تتوقعه حصة ،فحاولت ثنيها عن ذلــك بالتأجيل واالغـــراءات بالتعويض النقدي وإعطائها إجازة أسبوعية ،إال إنها أصرت على السفر بتشجيع من سعيد ،وأنها ال تستطيع تأخير زيارة والديها ،واشتياقها الكبير لطفليها الصغيرين. كانت العاملة تستحق شهرًا ونصف عن خدمتها السابقة ،لكن سعيد قرّر لها إجازة ثالثة أشهر مدفوعة الراتب مقدمًا مع بعض الهدايا ،وتبرع بأجرة الــوزن الزائد للعفش الــذي ستأخذه معها إلــى بالدها كتعويض عن التعسّ ف والعنت الكبير الذي تلقاه من زوجته. لكل تلك الرعاية والعطف تعلقت به كثيرًا وأخلصت له ،وعرضت أن تعود قبل الثالثة أشهر؛ ألنها ال تريد أن يذهب لعمله بال إفطار ،أو ال يجد مالبسه جاهزة ومرتبه كل صباح ،لكنه رفض تقصير المدة وتغيير موعد حجز عودتها ،وطمأنها بأنه سيقضي معظم هذه المدة بإجازة خارجية.
اضطر سعيد للح ّد من استقبال الضيوف في المنزل ،واستبدال هذا األمر بدعوتهم ولقائهم في إحدى المقاهي أو الفنادق رأفة بالعاملة وإشفاقًا عليها من ساعات العمل اليومي الطويلة ،وطلبًا للستر عمّا بدت مالمحه واضــحــة إلحــراجــه أم ــام ضيوفه بتعمد سوء الخدمة وتأخيرها بشكل ال يمكن تخف فرحتها ،بل دعته وتمنت عليه ِ لم إخفاؤه. كثيرًا ألن يقضي إجازته في بلدها ،ووعدته لــكــن الــراحــة لــم تــحــصــل ،والــهــدف لم برحالت وزيارات ممتعة وبتكاليف محدودة يتحقق ،بل ازداد الوضع سوءًا ،إذ أصبحت جدًا.
76
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
شكرها على الدعوة ،ولَم يلتزم لها بوعد ،للمصالحة مع زوجته ،إال إنها أصرّت على ولكنه أكد لها إن أمكن ذلك فستكون هي أول تقديم اعتذار لها -منه ومن سارة -عن كل ما حصل. مَن يعلم بذلك. لم يصدق سعيد أذنيه ،ومَن الذي يتوجب غادرت سارة إلى بالدها وتركت وراءها بــي ـ ًتــا يــمــوج بــالــجــفــاف والــتــبــاعــد ،وحتى عليه االعــتــذار ،فانسحب دون ر ّد أو حتى التحديات الخارجة عن المألوف بين ساكنيه .اهتمام. لــم يــمــض أســبــوع عــلــى الــمــغــادرة حتى بــدأت الرسائل واالتــصــاالت مع ســارة في أوقات ال تراعي فوارق التوقيت ،وال توازي في منفعتها حتى قيمة المكالمة الدولية، لمجرد السؤال عن صابون غسالة األطباق، أو مقشّ ر البطاطس ،وحتى مشط الشعر إلحدى البنات ،ومع كل اتصال أو رسالة.. تذكير أو رجاء بسرعة العودة.
ارتكبت سارة -بحسن نية -خطيئة كبيرة لم تحسب لها حسابًا وال تصورًا بما ستكون عليه الحال نتيجة لسؤال رأته عاديًا ،لكنه كلّفها فــقــدان عملها واضــطــرابــات هائلة في هذا المنزل ،بسبب إصرار حصة على طردها فورًا ،وكان ذلك في مساء أحد األيام، وهي تقدم القهوة لسعيد بحضور زوجته ،إذ التقت نظرات سارة بسيدتها حصة ،وفجأة قالت سارة بابتسامة وبراءة ،مدام ..ما معنى حصة؟ اسمك ّ
بعد ثالثة أسابيع غــادر سعيد ليقضي إجــازتــه السنوية وحــده على غير الــعــادة، ردت عليها ..لماذا؟ ودون أن يحدد لزوجته مدتها وال الجهات الــمــســتــهــدفــة؛ مــا خــلــق حــالــة مــن الــحــزن -فقط ،خطر اآلن على بالي أعرف معنى والضياع ،وحتى الخوف لدى حصة وأوالدها. اسمك مدام. تلك الحالة ألزمت الجميع ،وإن كان بشكل -حصة تعني حصة ،هذا اسم جيد ،والكثير انفرادي ،لمراجعة مسيرة الحياة والعالقات من البنات هنا يحملن هذا االسم. األسرية في هذا المنزل ،وبالذات مع األب يعني بدون معنى؟والعاملة ،وطريقة اإلنــفــاق واألنانية التي ظهرت بشكل واضح لدى كل أفراد األسرة - ،طيب لماذا تسألين؟ وتصدع الكثير من القيم واألهداف الكبيرة -أريد أن أعرف وأقوله ألمي ،إذ سألتني التي كانوا يحلمون بها لسنين طويلة ،غير قبل ايّام. أنها لم تكن سوى مراجعة عابرة بال تغيرات -كــمــا قــلــت لــك هــو اس ــم حــلــو ومــعــروف ملموسة. عندهم ،هكذا قولي ألمــك .هنا تدخّ ل عادت سارة من إجازتها ،وقبلها بأسبوعين عاد سعيد كذلك بنفسية أفضل واستعداد
نصوص
سعيد يوضح لسارة ،وقــال حصة تعني جزء أو نصيب ،ثم أضــاف باإلنجليزية 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
77
،Part or quotaفضحكت سارة وهي تردد لسارة أن ال تأخذ انطباعً ا سلبيًا جدا عن كلمة .part هذه البالد وكأنهم شواذ عن هذا العالم. حصة لهذا التفسير الذي رأت -جُ نّ جنون ّ انتقاصا منها وخدشً ا لكرامتها أمام ً فيه العاملة ،ورسالة ذات مغزى بأنها ليست كاملة ،ولَم تترك كلمة في قاموس معرفتها بالسبّ والشتيمة إال وأطلقتها عليهما، مع إلقاء القهوة على ظهر سارة وحضن سعيد ،ولعنتها وسعيد ،واليوم الذي جاء بها" ،أنا جزء يا لئيم ،أنا partلمن؟ ومن هو الجزء الثاني؟ ال تكون هذي الخدامة هي اللي تكمل لك النقص اللي فيك ،أنا أكمل منك ومنها ومن أهلك يا ناقص ،يا متعوس ،يا خايب ،متى عرفت الكمال؟ مــع أمــك وأخــواتــك أو مــع الشغاالت؟؟ اليوم تنقلع هــذي ،واهلل لن تبات بهذا وافقت سارة على العرض ،وانتقلت إلى أسرة البيت ،يا أنا يا هي". كبيرة تختلف عن بيئة بيت سعيد بشكل كامل، وانقلب البيت إلى ساحة معركة وإتالف إذ كانوا مُتطرفين جدًا في التزمُّت والنظر لكل لكل ما كان أمام حصة ،وصراخ لم يتوقف جديد على أنه إما محرّم أو عيب كبير ،حتى بشكل لم يسبق له مثيل. أن الزوج واألبناء ال يسمح لهم بالدخول إلى أخذ سعيد العاملة لمنزل والدته لحين منزلهم قبل اختفاء سارة عن األنظار ،أو بقائها تدبّر األمــر ،وبأمل هــدوء زوجته وتفسير في المطبخ ساعات طويلة دون عمل ،لمجرد قصده من تلك الكلمة العابرة ،والتي لم بقاء األســرة مجتمعة في صالة الجلوس ،مع الفت على طلب القهوة ،إذ عليها عمل إدمان ٍ ٍ يقصد منها أ ًيّا مما دار في ذهن زوجته؛ لكن كل محاوالته باءت بالفشل ،وبقيا منفصلين ،قهوة جديدة كل ساعة تقريبًا.
سعى بــسـرّيــة ألن يقنعها بالبحث عن فــرصــة عمل لــدى أس ــرة أخ ــرى الستغناء والــدتــه بعاملة سابقة لــديــهــا ،مــع الوعد بإمكانية العودة لمنزل والدته متى شاءت إذا لم تتفق مع األسرة الجديدة ،وحتى إنه يمكن تكرار التجربة مرة أو مرتين حتى تجد المكان المناسب ،لم يستعجل في استقدام عاملة جديدة رغم تضخم معاناته وغياب كل الخدمات المنزلية ،إذ إنه يريد ترويض زوجته أو تربيتها كما يقول ،وكي ال تفسد أوالده ،بل إنــه عدّها فرصة أو تهيئة لهم فعل خيار لالعتماد على أنفسهم حال تقر َر ً إقامتهم معه بدولة أخرى بعد التقاعد.
والقطيعة كاملة بينهما لمدة طويلة. لم تستطع تحمل هذا النمط من العالقة سيبلغ الحد األدنــى من الخدمة لطلب وظروف العمل المزري ،فطلبت العودة لبيت التقاعد المبكّر بعد سنة ،وعليه ..قرر سعيد والدة سعيد. الهروب من هذا الجحيم ،وقد درس تكاليف خالل أسبوعين ،وجدت نفسها في بيت هــذا الــقــرار والبدائل المتاحة ،لكنه أراد ثــالــث ،تخدم سيدة كبيرة تعيش وحدها،
78
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
يــزورهــا أبناؤها وبناتها كــل مساء ومعهم الذي تشارك فيه. أطفالهم ،لكنهم ال يــكــادون يتحدثون مع رحبت بهذا العرض ،فاعتذرت من السيدة ً بعضهم بعضا وال مع والدتهم؛ النشغالهم المسنّة بالمغادرة ،ورغم محاوالت السيدة المفرط بأجهزة الهواتف وتصويرهم لكل إبقاءها ومعرفة األسباب ،إال إنها حصلت شيء ،من األكل والشاي والفاكهة ،حتى سارة على موافقتها بعد أن ألحّ ت عليها ،وطلبت ت ّم تصويرها مئات المرات وهي تقدم األكل منها الحرص والــحــذر كثيرًا من الرجال، أو ترفعه أو تخدم والدتهم ،وكل هذا دون قائلة :لجمالك وأناقتك الالفتة والمغرية أدنى استئذان أو خجل! مخاطر ال تدركينها يا سارة. أرادت البقاء مع تلك السيدة؛ ألن تلك الــزيــارات الصامتة -إال من زواجــر اآلبــاء ألطفالهم بين لحظة وأخ ــرى -تنتهي بعد ســاعــة واح ــدة فــقــط ،وألن الــراتــب تجاوز ضعف دخلها السابق لــدى سعيد ،خاصة مع الهدايا واإلكراميات المستمرة من أبناء السيدة وبناتها ،بما فيها بعض المشغوالت الذهبية ،وشحن الجوال برصيد نقدي يفوق حاجتها ،ومختلف الحلويات والمالبس؛ إال إن السيدة كانت كثيرة الشك ،وال تريد لها أن تغيب لحظة واحدة عن ناظرها ،وطول الــوقــت ،بما في ذلــك إلزامها بالنوم معها في الغرفة نفسها! بدعوى الحرص عليها وحمايتها من األغراب.
ذُهــلــت س ــارة مــن نصائح هــذه السيدة وإشارتها لجمالها وفتنتها للرجال ،فهذه أول مرة تسمع أحدًا يحدثها عن جمالها الذي لم تدركه سارة نفسها. فــكــرت بــرفــض الــعــرض والــبــقــاء لــدى سيدتها الحريصة عليها ،خاصة أنها تحصل على دخل كبير ،لكن التزام سعيد مع مالك المزرعة وعدم رغبتها إحراجه جعلها تؤكد للسيدة أنها ستعود إليها إذا وجــدت أي مخاطر أو خوف مما أوصتها وحذرتها منه، وقد أكدت لها السيدة ترحيبها متى عادت ورغبت. عالم المزرعة قلب حياتها رأسً ــا على عقب؛ إنتاج متنوّع ،وعمل متجدد ،ودخل ال محدود ،وانشغال عن كل شيء آخر غير العمل ،وقد بلغت مدخراتها خالل ستة أشهر ما يعادل السنتين والنصف التي قضتها بالعمل في هذه الغربة أو أكثر.
خجلت سارة من كثرة االنتقاالت ،ولكنها اضطرت لشرح أوضاعها لسعيد دون أن تطلب منه البحث عن بيت آخر أو العودة إليه ،لكن سعيدًا أراد لها هذا التنوّع في التجربة قصدًا ولغرض في نفسه ،فما لبثت بعد نحو العام على هذا الوضع بكل تعبه أن تلقت اتصاال منه يفيدها بوجود أسرة تمتهن تربية الدواجن والعيش في مزرعة وعوائده وأحالمه بالثروة السريعة ،حدثت كبيرة ،وأنهم يقدمون لها راتـ ًبــا مع نسبة وف ــاة صــاحــب الــمــزرعــة بــحــادث مفاجئ، جيدة من قيمة مبيعات المزرعة واإلنتاج تــراخــت بــعــده هـ ّمــة الــورثــة ،وق ـلّــت منافذ
نصوص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
79
التسويق والطلب؛ وبالتالي اإلنتاج ،فأدركت ويؤكد لها اعتزازه بها كصديقة دائمة ،وأنه أنه ال مجال للبقاء في تلك المزرعة لمدة سيقف معها في كل الظروف متى احتاجت أطول ،رغم شغفها وارتباطها العميق بهذه ل ــه ،وم ــذكــرًا لــهــا بأهمية فــكــرة الــكــتــاب، التجربة الثرية. والبدء السريع في العمل عليه ،وقبل نسيان
لم يشأ سعيد تركها تبحث مرة أخرى عن المواقف والصعوبات واإلنجازات ،وأسماء فرصة عمل بالخدمة المنزلية ،إذ أصبحت األماكن ،وكل ما يلزم إدراجه في الكتاب. هي أثرى من ذلك وأنضج ،في تجربة يمكن قــدمــت «تــشــارمِ ــن» شــكــرهــا وتقديرها لها استثمارها هناك في بالدها ،فاقترح ومحبتها الصادقة لسعيد وأسرته ،ووعدته عليها العودة لبالدها ،والتفرغ مد ًة لكتابة بشأن الكتاب إن تيسر إع ــداده وطباعته، مذكراتها وتجاربها المتنوعة في اغترابها فسيكون نصف عائدات بيعه من نصيبه، وطباعتها في كتاب ،قائال :أردت لك هذه ألنــه لــم يكن لديها كــل تلك التجربة لوال المهمة تحديدًا بعد مغادرتك منزلي ،ستكون رعايته وحرصه الكبير عليها.. تجربة ثرية ،إذ ال أعلم مغتربًا من بالدكم رغم كثرتهم هنا قام بتسجيلها في كتاب - ،أب ـ ـدًا ه ــذا جــهــدك وتــعــبــك ،أتــمــنــى لك واقترح له عنوانًا «كنت في غربة» ،ستجنين التوفيق وحياة سعيدة. منه الكثير يا سارة. وأمــام صالة المغادرة صافحته وشـدّت لكنها قالت :بل كنت خادمة. على يده مودعة ،مع القول: ال ال ليس هــكــذا ..أريــدهــا ملهمة هنا وهناك ،وكل رجائي أن تكون روايتك أمين ًة بال قسوة وال تشويه ،فقالت بل سأكون مرآة عاكسة ال أكثر ،وسأذكركم بخير وأردفــت ضاحكة ..إن بحثتم عن شيء في المنزل ولَم تجدوه ،فلن أتردد بإخباركم عنه.
أشكركم جميعًا ،وبـلّــغ السيدة حصة
تحياتي وتوصيتي بإلحاح فقط أن تتواضع، وأعــدك بصدق بــأن ستكون أول من يقرأ
مــس ـوّدة الــكــتــاب لــتــوافــق عليه ،وتتصدره
صفحة اإلهداء باسمك وحدك.
هــنــا ،هــ ّم بتقبيلها وت ـ ــردّد ،لكنها هي
رتــب سعيد تأشيرة السفر وحجز لها مقعدًا على إحدى رحالت شركات الطيران األولى.. المغادرة لبالدها. ..ومَن سيعلم غدًا؟ اصطحبها للمطار ليودعها ويشكرها على تحملها لكل الصعوبات في بيته ومع أسرته، فهل ستكون األخيرة..؟!
بادرت ..فعانقته بحرارة ..وكان ذلك للمرة
*
80
كاتب -الجوف.
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
لست امراة عادية ρρليال الصوص*
لست امراة عادية، فحبل الكلمات ال يُ قطع بمقص الوقت حدث لونًا مختلفً ا من األحاسيس والصور.. ٍ بل يحيك مع كل أنثى ترقص مع الحروف رقصة زوربا، في جنون المُ فردات؛ ما يحيلها لشهرزاد وجع وخلف كل حركات الكسرِ ألف ٍ أنثى في انتظار رجلها االستثنائي ،القادم من خلف غمام الفرح.. و عنقود الرغبة! فال بأس إن اعترفت من وقت آلخر بالخسارات الكبيرة، أمواج ٍ فأنا حالمةٌ في طبيعة الحال ،مزاجي يعدله كوب قهوة ومشهد تتكسر.. لكن من الطرف اآلخر ،قد تجد في داخلي جنون العواصف خاضعة للتقييم المجتمعي ،فــإن نـشــرت قصائد حـ ٍّـب يـقــال عني عاشقة! وإن أبديت رأ ًيا في السياسة ،أتحول إلى منافقة مدمنة هذه الفترة لتفقد الوجوه الملثّمة بالكمامات الطبية، تثيرني هذه الحالة الجديدة؛ حين تضحي وجوه البشر عيونًا مشرعةً على الخوف والترقب.. وألننا نسينا أو تناسينا لغة العيون ،باتت النظرة تائهة ،حتى األصوات كتمت بكلمة معلوكة.. أحاول مزج وجوهٍ ..أعرفهم مع مارةٍ غرباء، أن أتخيل ابتسامتهم المشعّ ة من خلف قطعة القماش فربما أشعر باالنتماء فقد تاهت بنا السبل في وطن يلفظنا نحو منعطف الرحيل. وقلب يضجُّ بالحنين!.. ٍ * شاعرة فلسطينية -لبنان.
نصوص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
81
ٌ شاغ َبة! ناي ُةَ ..م سافات ُم ِ ِ الك َ ρρفهد أبو حميد*
دت ل ـ ـ ــو أنَّ لـ ـ ـل ـ ـ ُّـصـ ـ ـب ـ ـ ِـح ال ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـ ِـد ِّي شَ ـ ـ ـ َف ـ ــه وَدِ ُ لـ ــمَ ـ ـيـ ــا َء ُت ــفْ ـ ـش ــي ُشـ ـ ـج ـ ــونَ ال ـ ــعُ ـ ــمْ ـ ــرِ دونَ سَ ـ ـ َف ــه َلـ ـ ـ ــرُ َّب ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا سَ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْـت (ل ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــاءُ ) هَ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َنـ ـ ــمَ ـ ـ ــةً وح مُ ـ ْـخـ ـ َت ــطَ ـ ـ َفـ ــه غَ ـ ـ ـي ـ ــبِ ـ ـ ـ َّي ـ ــةً ِم ـ ـ ـ ــنْ أقـ ـ ــاصـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ِ هَ ـ ـ ــلْ قُ ـ ـلـ ـ ُـت ل ـ ــمَ ـ ـ ـي ـ ــاءَ؟! خَ ـ ــوفـ ــي ِم ـ ـ ــنْ عَ ـ ــواذِ لِ ـ ـهـ ــا ـض ِصـ ـ َف ــه َي ـ ـخ ـ ـتـ ــا ُر ِم ـ ـ ــنْ سَ ـ ـ ـ َّل ـ ــةِ األس ـ ـ ـمـ ـ ــاءِ مَ ـ ـ ْـح ـ ـ َ ـاق َفـ ـل ــسَ ـ ـ َف ــةٌ هَ ـ ـ ـ ــلْ َي ـ ـ ـكـ ـ ـ ِـذ ُب ال ـ ــعِ ـ ـ ـش ـ ــقُ ؟! لِ ـ ـلـ ــعُ ـ ـ َّـشـ ـ ِ ـس َتـ ـ ـ َف ـ ــه ُتـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــازِ جُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ا َح إخـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا ًت ـ ـ ــا و َلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ َ ْك فـ ـ ــي ال ـ ــعُ ـ ـ ـن ـ ــقُ ـ ــودِ مَ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ َلـ ـ ـ َب ـ ــةٌ ؟! أ َل ـ ـ ـ ـ ــمْ ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراوِ د َ ـات الـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــقِّ مُ ـ ـ ْـخـ ـ ـ َت ـ ــلِ ـ ـ ـ َف ـ ــه َبـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ــى ..ألنَّ ِس ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ ـات إلـ ــى َو أنـ ـ ـ ـ ـ ِـت ك ـ ــالـ ـ ـ َّلـ ـ ـح ـ ـ ِـن! َي ـ ـ ـج ـ ـ ـ َتـ ـ ــا ُز ال ـ ـ ـ ُّل ـ ـ ـغـ ـ ـ ِ ـول ال ـ ـ ــرَّ ي ـ ـ ـ ِـب مُ ــقْ ـ ـ َت ــطَ ـ ـ َف ــه أه ـ ـ ــزوجَ ـ ـ ــةٍ ِمـ ـ ـ ــنْ ُح ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ِ ـض ـ ـيـ ــن أوراقُ الـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــوى و َيـ ـ ـ ــدي َب ـ ـ ـيـ ـ ــنَ ال ـ ـ َّن ـ ـق ـ ـيـ ـ َ َت ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــدُّ َنـ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ـ َو َيـ ـ ـ ــراعـ ـ ـ ــي اآلنَ مُ ـ ـ ـ ْر َتـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ َفـ ـ ــه ـامـ ـ ـ ِـحـ ـ ــهِ أحـ ـ ـ ـ ُـشـ ـ ـ ــرُ َوج ـ ـ ـهـ ـ ــي فـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ِ ـف ْ إ ْذ َك ـ ـ ـيـ ـ ـ َ ات ف ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ــوزَةِ األض ـ ـ ـ ـ ـ ــدادِ مُ ــعْ ـ ـ َت ــكِ ـ ـ َف ــه و ال ـ ـ ـ ـ ـ ــذَّ ُ
82
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
ـراه ـ ـ ـ َبـ ـ ــةٍ و ال ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ْـحـ ـ ــرُ ر َْحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب بِ ـ ـ ـم ـ ــا َيـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ِ مَ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ــومَ ـ ـ ـ ــةٍ وعَ ـ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ٍـف مُ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ٍـغ أسَ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ــه َو الـ ـ ـ َّلـ ـ ـي ـ ــلُ مـ ـ ــا َل ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ُـت أرجـ ـ ـ ـ ــو فِ ـ ـ ـي ـ ــه س ـ ــانِ ـ ــحَ ـ ــةً َتـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ــودُ أو طـ ـ ــائِ ـ ـ ــفً ـ ـ ــا مُ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ْـشـ ـ ــرِ فً ـ ـ ــا شَ ـ ـ َغ ـ ـ َفـ ــه َو الـ ـ ِّـشـ ــعْ ـ ــرُ ؟! حَ ــتَّ ــى دَبِ ـ ـ ـي ـ ـ ُـب ال ـ ِّـش ــعْ ــرِ ف ــي أ َرق ـ ــي يُ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ــي إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَّ و َل ـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ــنْ طـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ ًـحـ ـ ـ ــا أ َنـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ــه اجـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـرَحَ ـ ـ ـ ـ ْـت ك ـ ـ ـ ـ ـ ــأنَّ قـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ َة األقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ مـ ـ ـ ــا ْ عُ ـ ـ ـ ـرْفً ـ ـ ــا وال أرهَ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ ال ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ْرح ـ ـ ــالُ مَ ـ ـ ـ ــنْ عَ ـ ـ ـ َر َفـ ـ ــه أس ـ ـ ـعـ ـ ــى وغَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْغَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ُة األح ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــارِ َتـ ـ ْـحـ ـ ِـم ـ ـ ُل ـ ـنـ ــي إلـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ذاكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًة مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــروحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً خَ ـ ـ ـ ـ ــرِ َف ـ ـ ـ ـ ــه وأس ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ْـخـ ـ ـ ــرِ جُ األسـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا َء ِم ـ ـ ـ ــنْ غَ ـ ـ ـ َب ـ ـ ٍـش أسـ ـ ـع ـ ــى ْ أو َده ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ــةٍ بِ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ِـم الـ ـ ـ ـ َّـظـ ـ ـ ــنِّ مُ ـ ـل ـ ـ َتـ ـ ِـح ـ ـ َفـ ــه ـاب سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــورِ َي ـ ـ ـ ـ ـ ــةً لِ ـ ـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ـ ــلِّ أن ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ــى نِ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ٌ أو َنـ ـ ــغْ ـ ـ ــمَ ـ ـ ــةً ِمـ ـ ـ ـ ــنْ هَ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ٍـل غَ ـ ـ ـي ـ ــر مُ ـ ــعْ ـ ـ َتـ ــسَ ـ ـ َفـ ــه (ِ كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ أنـ ـ ـ ـث ـ ـ ــى) ! َف ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــلْ أد َر ْك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت مُ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــزِ ًل ـف ال ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ــاةِ يُ ـ ـ ـق ـ ــاس ـ ــي طـ ـ ـ ــارِ ًئـ ـ ـ ــا َنـ ــسَ ـ ـ َفـ ــه خَ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َ ـراح أ َت ـ ـ ــى ال َتـ ـ ـس ـ ــأل ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ــنْ حَ ـ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ـ ــيٍّ بِ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ِـجـ ـ ـ ـ ِ ـضـ ـ ـ ِـمـ ـ ــرً ا هَ ـ ـ ـ َد َف ـ ــه مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَارِ َد ال ـ ــحَ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ِـف َيـ ـ ــومً ـ ـ ــا مُ ـ ـ ـ ْ ـاس حَ ـ ـ ْتـ ــمً ـ ــا ِمـ ـ ـ ــنْ مُ ـ ـسـ ــاجَ ـ ـ َلـ ــةٍ سَ ـ ـ َيـ ــعْ ـ ــجَ ـ ـ ُـب الـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ُ وقُ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــةٍ َتـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ــغُ ال ـ ــمَ ـ ـ ـعـ ـ ـ َن ـ ــى بِ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـيـ ـ ــرِ شَ ـ ـ ـ َف ـ ــه * شاعر سعودي.
نصوص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
83
كغبطة أسرى تداهمهم بغتة الباب ρρعبد الوهاب امللوح*
فيك غريك ..أ ْو يُ وقدُ النَّار َ َ سوف يُ َ ما الذي َديك؛ وال شي َء بين ي َ الوهم؛ ِ مستقبل ِ تُمزِّق أوصالَ ها أنت تُنقذُ عُ ريَك من مرثِ يات الب َكَاء المَ جانِ ي، وكل دواعي الندمْ. عمرك ،قهقهةً تركلُ االلتِ ياعَ َّ ، َ وتُنقذُ وتصديق تغريبة الهذيان. ِ وتُحر ُِّف سيرته بسم ِّو التداعي ما الذي سوف يُ غريك في كل هذا: العويل.. ِ القطيع، ِ اللهيط، ِ اللهاث، ِ الزحامِ ،الرمادِ ،الغبارِ ، هكذا أنت هاويةٌ في رؤاك، مقاسا لخَ طوِ ك ،ترعى الخالء، ً تُعدُّ الطريق قليل الحياء، َ فتحرس أثداء أنثى تنام فريس َة ح ٍّر ُ وتحرس مستودعً ا لمخيَّلة الريح، ُ تُصغي لس ِّر الحصى وتخ ِّبئُه؛ تتبادل والقمر الطائش شتم موعظة الشمس، يتشظى َّ من جهةٍ في التالشي ،وأمزجةِ االحتفال بما تجيء كإيقاع أغنية غير مكتملةٍ ،كمشقَّ ِات مُ فردةٍ نالها صدأ الشعراء؛ مباهجك الالمباليه. ِ على موعد مع ما يتدفَّ ق من كائنات يتمجد خارجه؛ َّ أنت معبدُ هذا الضالل وما ولك اآلن ِمنْحةُ عمرك من محنتِ ك الموجعة الضالل اللقيط.. ِ نبي يا َ لك اآلن أن تكتفي بك ها أنت ترتجلُ الوقت مختصرً ا كل ما سوف يأتي؛ لك اآلن أن تحتفي بالفراغ كحفلةِ طيرٍ تباغت حزن السماء. كغبطة أسرى تداهمهم بغتة الباب، تأخذهم من أسى االنتظار وغ َّيَابة الفقد ،تأخذهم حيث تُسعفهم غابةٌ بصباحاتها غد، بحواس ٍ ِّ ومساءاتها ،وتعود حبيباتهم ال يعلٌّ ق وهمً ا على الشمس
84
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
تنهض فجرً ا يضيء عتمة ليل بال قمر. عبثً ا؛ تعتق السجناء من الوهم ،من فكرة الجدران؛ عبثً ا؛ تعتق الشعر من كذبة الشعراء عبثً ا؛ تندم اآلن؛ تمضي بهذا المساء إلى فرح تستعير كمنجاته توهُ جه؛ من حنين بال رغبة ،من يد الخذالن ،من الندم القاسي ،من عصا األعمى ،من معاجم مرتجلي الهذيان. عبثا؛ تقط ِع، ترتق األرق المتدفِّ ق بالعرق المُ ِّ بالنافذة، بشجاعة طفل حزين لقيط ،يركِّب لعبته الحجرية ،يمنح عائلة الريح أسماءه ،ويديه التي ال يراها. أين تمضي بأيام عمرك؛ تتركها للمجاز ،تُبعثرها قهقهات معلَّبة ،أو حدائق موجزة في خطى عاشقين يفران من أمل ال يعانق جرحهما. سوف تبتكر النهر أغنية للطريق. عبثً ا؛ سوف تمضي بأيام عمرك، أي طريق هــذي؟ أي مصائر؟ أي حـتــوف ،وأي صــاة تؤديها نــدمً ــا! وتؤكدها جبهة تكسر، الرأس أختام توبة رأس َّ لو كنت فوضى أسلمت عمرك دون مزادات علنية َ والمطر انفلت من كتاب السماء حمامً ا. ما الذي سوف يُ غريك؟ ال شيء يُ غريك غير ضاللة روحك. * شاعر -تونس.
نصوص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
85
الربيع َّ ρρسامي أبو بدر*
هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ــرَّ بـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــعُ مُ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــانِ ـ ـ ـ ــقً ـ ـ ـ ــا أَزه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه ومُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرِّدً ا بـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َورَى أَشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه ـوق ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ــداوِ ل والـ ـ ـ ـ ــرُّ َبـ ـ ـ ـ ــى َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ و ُه شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ـداعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ــي َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ أَط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه ومُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـال َك ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـوْحَ ـ ـ ـ ــةٍ واألرض َت ـ ـ ـ ــزهُ ـ ـ ـ ــو ب ـ ـ ــال ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِ ُ راحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ُتـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ــرُ فِ ـ ـ ـ ــي ا ْلـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـدَى أَسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا َر ْه ـاظـ ـ ـ ـ ــرِ ي واألُفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزدانٌ يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ــازلُ نـ ـ ـ ـ ـ ِ ُت ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــوِ ي فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادِ ي ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ُه بِ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــا َرةْ.. أنَّ الـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـس ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ َم أَقـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ْـت فـ ـ ـ ــي ِعـ ـ ـ ـط ـ ـ ــرِ هَ ـ ـ ــا ـص ـ ـ ـبـ ـ ــا أَمَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْة خَ ـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــى ،و َنـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ــي بـ ـ ــالـ ـ ـ ِّ ـس خَ ـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـن لِ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ٍـم ـامـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ هَ ـ ـ ـ ـ ـ َّبـ ـ ـ ـ ـ ْـت ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ مَ ـ ـ ـ ـ ــنْ َب ـ ـ ـعـ ـ ــدُ ُي ـ ـ ـطـ ـ ـ ِـفـ ـ ــئُ فـ ـ ــي فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادِ يَ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َرهْ؟ إال اب ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــاجُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِْج ف ـ ـ ـ ــي ُخ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ــهِ وكـ ـ ـ ــأ َّن ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ُح ـ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ ــنُ ا ْل ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك زَا َر ْه وإذا بِ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــدُ و ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــارَى ِس ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــرِ هِ اس ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــدَّ بـ ـ ـن ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـوَى فـ ـ ـ ـ ـ ـأَ َث ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه ح ـ ـ ــتَّ ـ ـ ــى ْ وض َتـ ـ ـ ـ ـأ ِْس ـ ـ ـ ــرُ ن ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـر َُب لِ ـ ـ ـل ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـدَى وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ُ طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَبَ الـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ِّنـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ــازفً ـ ـ ـ ـ ــا أَوت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر ْه و َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَى الـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــادِ لَ َتـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َتـ ـ ــبِ ـ ـ ـيـ ـ ــنُ سَ ـ ــبِ ـ ـي ـ ـ َل ـ ـهـ ــا ـرسـ ـ ــلَ ف ـ ــي ال ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـرَى أَخـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ــا َرهْ.. َت ـ ـمـ ـ ِـضـ ــي لِ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ِ ف ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ َعـ ـ ــال ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــنَ ،ف ـ ـ ــمَ ـ ـ ــنْ يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردِّدُ خَ ـ ـ ْل ـ ـ َف ـ ـهـ ــا ـص ف ـ ــي ال ـ ـ ُّـض ـ ــحَ ـ ــى قِ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َثـ ـ ــا َرةْ؟ شَ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ وً ا يُ ـ ـ ـ ــراقِ ـ ـ ـ ـ َ * شاعر -مصر.
86
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
غياب ρρد .أحمد اللهيب*
كالريح في ارتقابها ينامُ حين يبسمُ السح ْر ِ العذاب . ْ غياهب ِ وتشرقُ الغيومُ من وغاب ْ كان هنا مُ حمّ ًل بنغمةِ المط ْر التراب ْ يشتاقُ ه تغتالُه مالمحُ السف ْر السراب ينتظرْ . ِ ومثقل بلوعةِ ً لإلياب، ْ جراحه ،يحنّ ِ وعا َد من أنا هنا ونجمتان تسبحان في المط ْر مدامع القمرْ . ِ تسكنان في ِ الحنين في محاجري ،وحسرتان ِ ورهبةُ وما يزال بيننا .. طريقنا مكسوّةٌ بوحشةِ األنينْ وفي مسامعي عواءْ . رحلت في متاهةٍ ُ وأينما يصيرُ ما حوتْ أناملي هباءْ لدي من مشاعرٍ جمعت ما ّ رتبتُ ها حزينهْ ..زينتُ ها كسيرهْ ..غلّفتُ ها أليمهْ. في التيهِ -يا حبيتي -وهبتُ ها الفناءْ . تحيطنا مواجعٌ تخثّرتْ خطوطها محمرّةٌ ُ ويسفرُ المساءُ صامتا جناحه كصرخةِ الضباب في الظال ْم ُ فيبرقُ الوجع يرقص في منابت الهباء . ُ وحلمُ ليلتي القلوب مُ تعبهْ ..وحيد ًة ومُ نهكهْ ،يلفّ ها العناء . ِ كفرحةٍ ..تجولُ في يا ليلةً مسكونة بسكرة الوهنْ قدمت من مشارف السؤال ُ وهاجس يلوح في مغيبه نداء ٍ يتيمة األمل روحي التي تذوب في الغياب. * شاعر سعودي.
نصوص
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
87
ورؤية!.. حلم ٍ ُ العال ..بين ٍ ρρعمر بوقاسم*
جبالها ،جبالها ليست كجبال هذا العالم،.. مدينة العال ،!..نعم ،جبالها ،ليست كجبال هذا العالم،.. جبالها كرحم األمهات ،دفؤها يفوق دفء الشمس!.. وكطائر العنقاء ،ترافقك في "رحلة عبر الزمن".. طائر العنقاء ،يصعد بك للسماء،.. وجناحاه األخضران ،هما األعوام وآالف األعوام!.. تستظل بهما األودية والقرى والنجوم والرياح والرمال واألشجار!!.. مدينة العال.. أم الحضارات ..أم الحياة ..أم التاريخ.. وبين حلم ورؤية، مدينة العال تتحرر من عنف المستحيل، تتحرر من غموض النقوش واألساطير، تتحرر ..تتحرر ..وترافقك في "رحلة عبر الزمن".. * كاتب وشاعر سعودي.
88
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نصوص
سيرة من أدب االويغور ع الهوية بين الصين وشعب االويغور : صرا ُ الروائية آشه :ال أعرف من أكون!*
■ ترجمة :مي ممدوح
آشه ،تنتمي لقومية األويغور ،وتكتب باللغة الصينية .ولدت في سبعينيات القرن الماضي في شينجيانغ ،وتعيش اآلن في ينتشوان ،وتعمل في مجال اإلعالم ،وهي عضو اتحاد الكتاب الصينيين .نشرت الرواية التاريخية «ووســون» ،والمجموعة القصصية «العظام الراكضة» ،و«األرض المعزولة» ،والمجموعة النثرية «الفراشة البيضاء والفراشة السوداء» ،و«أثر االرتطام» . ()1 لردح من الزمن ،لم أكن أعرف حقيقة من أكون
اســتــحــالــت ه ــذه الــكــلــمــات المختلفة
ألرواح متباينة تتدلى من السقف .كان ثقيل جراء إصابتي بنزلة برد، ً رأسي
صب به ماء الرصاص .وفي فــي إح ــدى األمــســيــات بشتاء عام وكأنما قد ُ 2014م ،كان ثمة ندوة أدبية توشك على الختام ،وعلى حين غرة ،كانت ثمة فقرة
االنتهاء .وخــارج النافذة تتألأل نجوم تلخيصية حول لماذا أكون أنا بهويتي ليل حالك السواد .ومع القائمة ،غشيت الكلمات أُذُني وشدت الشتاء في ظالم ٍ اإلرهــاق البادي على وجــوه الحضور ،أكثر أعصاب جسدي حساسية.
تشابكت المشاعر واألفــكــار ،واختلط
حــلــل الــمــتــحــدث األســـبـــاب الــتــي
حــســن الــظــن بــســوئــه! وعـ ـ َّم الــتــرقــب؛ تجعلني أنا بماهيتي ،بكونها تعود لصلة
وذل ــك ،نــظ ـرًا للتواصل لــيــوم كــامــل ..الدم التي تربطني بأمي ،وكذلك لثقافة
ترجمة
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
89
نسبي األبوي.
تكوني ،بينما أنـ ِـت ذاتـ ِـك ال تعرفي حقيقة
وعــلــى الــرغــم مــن ارتــجــالــه ،فــقــد كــان هويتك .ال بد وأن تضعي حدًا لهذا القلق التحليل في موضعه ،وكذلك اتسم التفسير واإلحراج ،وكذلك أن تنقذي نفسك من بين جسدك. ِ بالعقالنية .وفي تلك اللحظة ،لمس «إدراكي براثن الذعر الــذي يهيمن على العقلي» دقــة المتحدث ،كنت ممتنة حقًا يجب أن تتعرفي على نفسك قبل أن يتعرف عليك اآلخرون. ِ لــذلــك .لــكــن فــي الــوقــت ذاتـ ــه ،فــقــد شُ ــد «إدراكــي الحسي» ليصبح أشبه بحبل من ()2 الجلد ينضح عرقًا باردًا ،ألعود على الفور عاد بي الزمن إلى أسالفي لـ «غوبي» مرتع طفولتي ،فيعتريني الذهول لتوالي مثل هذه المشاهد أمام عيني. ففي خانة جنسية األم بسجل األســرة،
ال يمكن التشكيك فــي نية المتحدث كُتب األويغور .بصرف النظر عن الماضي الطيبة ،فهذا مجرد رد فعل فسيولوجي أو الحاضر ،فتتمتع أمي بخصائص قومية فطري وبسيط لشخص ليس مستعدًا بعد يمكن معرفتها بمجرد النظر .فجيناتها إلدراك هويته .وفي لمح البصر ،فلق الزمن الــبــيــولــوجــيــة والــثــقــافــيــة تــتــبــدى وإن لم كِ ـوّة ،ورأيــت الضوء األبيض النقي يتراكم تتفوه ببنت شفة ،من خالل بنيتها القوية ويسقط في اللحظة نفسها ،ليشكل سقوطه والمميزة ،وشعرها ،وحاجبيها ،وعينيها، أبيض ممتدًا ،يتحرك ببطء نحو وحتى في شكل جسدها .ومنذ أن كانت في َ طريقا قدمي .بــات واضــحً ــا أن الوقت قد حان .المدرسة اإلعدادية ،كانت تتحدث الصينية وهكذا صار األمر واضحً ا وطبيعيًا .يبدو بشكل طبيعي بصوت مجلجل ،في المدرسة، أنني كنت بانتظار هذه اللحظة والتي بلغ والمكتب ،والمنزل ،والمطعم وفي حواراتها تأثري فيها أن نضح جلدي العرق البارد ،القصيرة مع الجيران .كان ذلك؛ ألن نصفها وهــو ما و ّلــد في داخلي شعورًا باالنزعاج اآلخر يعود لقومية هان. الشديد لتورطي في هــذا التأثر ،وكذلك فــجــدي ألمـ ــي ،رجـــل م ــن قــومــيــة هــان فجَّ َر بأعماقي تعطشً ا للتخلص من رد الفعل بشاندونغ ،وقد شارك في حرب المقاومة الفسيولوجي هذا. ضد اليابان في صفوف جيش المتطوعين قلت لنفسي ،أي نوع من االنزعاج ومن مــن شمال شرقي الصين .وبعد الهزيمة التعطش هذا؟ إنه اإلحراج والقلق الشديد مــن الجيش الــيــابــانــي فــي معركة شرسة ـزك وأن ـ ِـت تــريْ ـ َن اآلخــريــن دارت رحاها في الفترة من ديسمبر 1932م الناتج عــن عــجـ ِ يشيرون بالتعرف على من تكوني أو من ال وحتى يناير 1933م ،ودّع أكثر من 40ألف
90
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
ترجمة
من جيش المتطوعين المناهضين لليابان وذويــهــم فــي الــجــزء الشرقي مــن مقاطعة جيلين وطنهم األم ،وتراجعوا صوب االتحاد
السوفيتي .كــان جــدي واحـ ـدًا مــن هــؤالء.
وبعد االنسحاب إلى االتحاد السوفيتي ،نُزع
سالح جيش المتطوعين المُناوِ ئ لليابان،
وتمركزوا في إيركوتسك وتومسك .ونظرًا للصعوبة المتزايدة بشأن الحصول على المؤن ،توصلت الحكومة السوفيتية وحكومة
نانجينغ الوطنية خالل وقت قصير ،التفاق
بشأن إرسال الالجئين المناهضين لليابان بما فيهم الجنراالت ،والجنود وعائالتهم
طرق ثالثة .تم توزيع جدي إلى الديار عبر ٍ لينضم للفريق الــعــائــد لــلــديــار مــن خالل
تاتشنغ بشينجيانغ عبر كازاخستان ،ليعود بحد أقصى في أكتوبر عام 1933م ،فدخل
شينجيانغ من االتحاد السوفيتي عبر نقطة التفتيش الحدودية باكتو ،تــدرب بمدرسة
القائد شنغ شيكاي للشرطة ،وانضم لمركز الشرطة بمحافظة كيلبين جنوب شينجيانغ، أول ،ثم رئيسً ا باإلنابة ،ولم عمل مفتشً ا ً
يغادر شينجيانغ قط طوال حياته .وبعدما استقر بالمكان ،أنجب جدي وامرأة محلية
من األويغور ابنته الوحيدة في شينجيانغ، كانت هي أمي.
ترفض أمي العودة لذكرياتها .وبالنسبة
لــجــدي ،يقتصر تعليقها اإليــجــابــي عليه
بكونه «مهيب الطلة ،وطويل القامة ،وشديد الوسامة ،ويتحدث اللغة األويغورية بلسان
ترجمة
طلِق» .أما غير ذلك ،فيخرج من خالل بعض األحاديث غير المقصودة ،إذ تتفلت بعض كلمات وعبارات منفصلة .وبالطبع ،هناك ذكرياتي الباهتة. الماضي أشبه ما يكون بالهاوية ،ترفض أمــي االلتفات إليه؛ لــذا ،فــإن جــدي ،ذلك الرجل من شاندونغ يكمن داخلي ،وبصرف النظر عن مظهره أو شخصيته ،فهو دائمًا كومة من القطع ألملمها من هنا وهناك. بينما تَ َقبَّل جدي أسلوب حياة األويغور تمامًا كحقيقة واقعة. فــأنــجــب ذريــــة م ــن امـــــرأة أويــغــوريــة؛ وانطلق لسانه باللغة األويغورية؛ كما كان يمسك بالسكين ،ويتناول اللحوم بالطريقة األويغورية بكشطها من أعلى العظام نحو الــداخــل بحافة السكين؛ ولــم يــأكــل لحم الخنزير ،واعتاد تدخين تبغ موخه ،واحتساء شاي القرميد األســود؛ وصار بالكاد يذكر أقاربه في شاندونغ ،فهو لم يلتقهم لمرة واحدة حتى وافته المنية ،على الرغم من أن زوجته وابنته الكبري كانتا ال تزاالن هناك. 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
91
باللغة الصينية ،فقد عكف على تعزيز جينات أمــي الثقافية والبيولوجية التي
تختلف عنه ،ولطالما ظل ذلك لغزًا يحار فيه عقلي ،ما السر في افتتان جدي سليل قومية هان باألويغور؟ ولم يُ َق ِّو أواصر عالقته
بهم؟ هل هضمه للغة األويغورية بما تنطوي عليه من ثراء وتمازج ثقافي يعود لرغبته في التعبير عن القرابة التي تجمعه باألويغور ،أم
لتنبيه أمي باِغترابها عن الثقافة التقليدية األويــغــوريــة؟ أم أنــه يــود أن يستخدم اللغة
األويغورية كحبل سري إلبــراز عالقة الدم العميقة التي تجمع األب واالبنة ،أو لمجرد
إحياء ذكرى مصيره االستثنائي والذي وهبه
قالت أمي ،إنَّ أيامها الهانئة الوحيدة كانت فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة؟! في محافظة كيلبين ،حيث الح للتو ذكريات بصرف النظر عن كيف دفع جدي والدتي العيش الرغيد لعائلتها آنذاك .فتذكرت أن نحو أسالفها األويغور ،فأنا اعتقد أنه عندما الحراس غالبًا ما كانوا يعتنون بها بينما يتجاذب األب واالبنة أطراف الحديث باللغة تمتطي حصان جدي طويل القامة وتلهو في األويغورية ،فإن ما يدعم مثل هذه الحوارات الشارع. يكمن في عادات التفكير والعقلية الثقافية
تُعد اللغتان الصينية واألويغورية اللغتين لقومية هان بالسهول الوسطى ،ونسبة تفوُّق األم لوالدتي ،وقد أتمت ميراثها المشترك أي من الثقافتين على األخــرى ربما كانت بالنسبة لكلتا اللغتين .لم يكن جدي يتواصل غير واضحة لكليهما .وفي تلك اللحظات، مع أمي باللغة الصينية تقريبا ،حتى بعدما لم يكن جــدي مــدر ًكــا لألمر ،وكذلك أمي تزوجت وأنجبت ،وأحضره أبي من كوتشار كــانــت تجهله ،لكن الثقافتان ال بــد وأن للعيش بمنزلنا بسبب مرضه ،لم يستطع تلتقيان وتتمازجان ،فيتراكم تأثيرهما في كبح نفسه في ظل بعض اللحظات الخاصة أعماق وعــي أمــي يومًا بعد يــوم ،ليقودها متمثل في: ً والحساسة من التحدث باللغة األويغورية .في النهاية إلى خيارها الذاتي، كان والدي يُصر على التواصل مع أمي ما الذي ستُبقي عليه ،وما الذي ستتركه، باللغة األويغورية رغــم أنها تعيش بالفعل لتتشكل ذاتها في النهاية كما ترتئيها.
92
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
ترجمة
كان الزمن وليس جدي هو ما قاد أمي ماذا أو مَن نمَّ ى داخلها فكرة التخفف من لمصيرها ،والذي كان مشابهًا ً أيضا لمصير تقاليد األويغور؟ أو أن السبب يعود لعقلية معظم الناس في تلك الحقبة .في البداية ،المجموع؟ وكذلك الشعور بالوحدة والخوف لم تــدرك األم التي تعيش في ظل تقاليد لدى فتاة فقيرة ،اختارت أن تجنح لغالبية األويــغــور أن نصفها العرقي اآلخــر ينتمي الجمهور ،وكذلك نصفها اآلخر ،والمتمثل لقومية هــان ،وفــي ســنّ الــمــدرســة ،جــاءت في عرق الهان؟ رفضت أمي التحدث بشأن عائلتها مــن كيلبين لتستقر فــي كوتشار ،هذه األمور كلها ،لكنها كانت تذكر بين الحين انغمس جدي في تعاطي األفيون ،فتالشت واآلخر فجأة ،والغضب يتملكها أن اآلخرين نقاط قوته ،وازدادت حياتهم صعوبة؛ فقد قد دفعوها «للرقص» عند كل منعطف. أنفق كل مدخراته ،وتحوّل لبيع ما لديهم غريب حقا! فأمي تحب موسيقى األويغور من مجوهرات ،حتى وصل بهم األمــر إلى العوز للمأكل والملبس والمأوى ،واالفتقار وترقص على أنغامها من صميم فؤادها، لألمان! كانت أمي في خضم تلك األحداث ،فكلما تهادى لحن ،ابتهجت وارتسمت السعادة تتجرع مرارة معاناة أسرة أويغورية محطمة على محياها والتمعت نظراتها ،وكلما رأت خالل تلك الحقبة المضطربة .لم تقل أمي الرقص الساحر للفتيات األويغوريات ،تهز متى بدأت في تعلم اللغة الصينية ،لكن ثمة كتفيها وتحرك رقبتها في لهفة ،لكن عندما سبيل واضح بعض الشيء يبدأ من مغادرتها اتخذت قرار النأي عن التقاليد األويغورية، كوتشار نحو يانتشي لاللتحاق بالمدرسة ب ــررت لنفسها األم ــر بــدفــع اآلخــريــن لها لــلــرقــص عــنــد كــل منعطف .رفضت أمــي اإلعدادية. كانت تلك مدرسة صينية ،فخطت أمي اإلفصاح عن مقصودها ،وبالطبع لم يكن أولى خطواتها نحو التباعد التدريجي عن بمقدوري الضغط عليها .فتتبع ذكريات أو التقاليد األويــغــوريــة ،حيث تع َّي َن أن يبدأ أســرار اآلخرين المستترة ،بصرف النظر االخــتــاف األب ــرز هــنــا .البيئة هــي دائـ ًمــا عن الغرض من وراء ذلــك ،هو ضــربٌ من سبيل الثقافة للتغيير الجيني ،فالبشر ضروب الهمجية والقسوة ،ناهيك عن كونها كسائر األنواع األخرى ،غالبًا ما يستخدمون أمــي .األم واالبنة مقترنان قلبيًا ،يمكنني التباين للتغلب على الصعوبات والعقبات أن أشعر بما ينطوي عليه قلبها من فخر على المستويين البيولوجي والثقافي .لكن ،واعتزاز بطبيعتها ،وهذا االعتزاز المقرون ما التجارب التي مرت بها أمي بالمدرسة؟ بالفخر هو مبعث فخرها ومكمن خجلها. * نقال عن جريدة أكتوبر األدبية -الصين.
ترجمة
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
93
أحمد فضل شبلول للفن الفن لست من أنصار مذهب ُ ّ ِّ أحمد فضل شبلول ،أديـ ٌـب كبيرٌ ،صاحب ذاتيةٍ أدبيةٍ زاخــرة ،فقد أصــدر أكثر من ستين مؤلفً ا، ومــا يــزال يمارس األدب عن حب وقناعة ،وبكل نشاط وحيوية ،عمل بالصحافة ،وكتب الشعر ـات نقديةٍ للكبار واألط ـف ــال ،كما أسـهــم إسـهــامـ ٍ الفـتــةٍ بجانب دوره اإلب ــداع ــي ،وأع ــد الـعــديــد من المعاجم التي تفتقدها المكتبة العربية ،وهو يعمل حاليًا على إعداد معجم لشعراء األطفال ،وقد دخل عالم الرواية مؤخرً ا ،وحصل على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التشجيعية في مجال شعر األطفال ،ثم حصل على جائزة الدولة للتفوّق ،وكان لنا معه هذا الحوار:ـ ■ حاوره :ياسر الششتاوي -شاعر وروائي
94
¦كيف كانت بداياتك مع الشعر؟ وفي أي سن بدأت كتابة أول قصيدة؟
ذل ـ ــك ال ــوق ــت
ρ ρبدأت في سن مبكرة ،وأنا في المرحلة اإلعدادية ،كنت أكتب كلمات متراصة، بها الكثير من السجع ،والكثير من الــخــلــط بــيــن الــعــامــيــة والــفــصــحــى، وبين األغــانــي التي كنا نسمعها في
وبـ ـ ــخـ ـ ــاصـ ـ ــة
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
ف ــي الـــراديـــو،
أغـــــــــــانـــــــــــي
عــبــدالــحــلــيــم
حـ ــافـ ــظ ،وم ــا
ن ــدرس ــه م ــن شــعــر ف ــي الــمــدرســة،
مواجهات
وكنت أحــاول تقليد ما أسمعه في حلقات وحكايات "ألــف ليلة وليلة" ،التي نستمع إليها جميعًا فــي إذاع ــة البرنامج العام، ولفتني كثيرًا السجع والكلمات المقفّاة فــي الــحــكــايــات ،وكــنــت أحـــاول تقليدها، وعــرضــت مــا أكــتــبــه عــلــى مـ ــدرس اللغة العربية بمدرسة العطارين اإلعدادية ،فكان يشجعني وينصحني أال أخلط بين العامية والفصحى ،لكنه كــان يشيد بخيالي في الكتابة ،وحاول أن يوجهني للقراءة خارج ما ندرسه في المدرسة ،كما نصحني بالذهاب إلى قصور الثقافة ،التي أخــذتُ أرتادها يوميًا بعد ذلك ،وأستفيد بالنشاط المشتعل فيها ،وبخاصة قصر ثقافة الحرية ،الذي كان يعد القصر األم في مدينة اإلسكندرية. وشيئًا فشيئًا بــدأت أكتب شعرًا صحيح اللغة والوزن بعد أن درست عروض الشعر العربي وجماليات الشعر العربي ،وبدأت أرسل ما أكتبه للمجالت والجرائد ،فكان ينشر أحيانًا في بريد القراء ،وأحيانًا ال ينشر ،إلى أن فوجئت بأنَّ الشاعر الكبير فؤاد حداد ينشر لي قصيدة كاملة في مجلة "صباح الخير" ،إذ كان يشرف على باب "قال الشاعر" ،بعد أن كان ينشر مقتطفات مما أنشره في بريد القراء .وأقــول في مطلع تلك القصيدة:
قلبيَ نيل همسات نبي ُ وشفاهي وحروفي قنديلٌ للفقراء فكيف الصمت؟
نفسي ،قــررت كتابة شعر التفعيلة الذي وجدته آنذاك أكثر رحابة وأكثر قدرة على حمل ما أود التعبير عنه ،وما أريد طرحه ومعان ،ثم رجعت بعد ذلك ٍ من صور وأفكار إلــى العمودي في قصائد قليلة فرضتها التجربة والحالة ،ولكنها كانت أكثر نضجً ا وتماسكًا من قصائد البدايات. ثم بــدأت أشــارك في األمسيات الشعرية بقصر ثقافة الحرية ،والمهرجانات التي كانت تقام في المناسبات المختلفة ،وبدأت أنشر شعري فــي المجالت المهمة بعد تجربة "صباح الخير" ،وبخاصة في مجلة "الكاتب" التي كان يرأس تحريرها الشاعر الكبير صالح عبدالصبور ،ويدير تحريرها الــنــاقــد الــكــبــيــر د .عــلــي شــلــش ،ومجلة "الجديد" التي كان يرأس تحريرها الدكتور رشاد رشدي.
¦هل هناك َمــن ساعدك في بداية طريقك مع الشعر؟ وعــاصــرت وقتها الــحــرب المشتعلة بين الشعر العمودي والشعر التفعيلي ،وبعد ρ ρبطبيعة الحال ،ساعدني شعراء اإلسكندرية عندما بدأت أتردد على قصر ثقافة الحرية، نــصــوص عمودية ضعيفة ،لــم أجــد فيها
مواجهات
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
95
فكان أول شاعر أعرض عليه شعري هناك هو الشاعر عبدالعليم القباني ،الذي أشاد بالموهبة ،ولكنه نصحني باالنتظام في درس الــعــروض وأوزان الشعر التي كان يشرف عليها الشاعر محجوب موسى، وعندما بــدأت أتقن أدوات ــي بــدأ الشاعر عبدالمنعم األنصاري يقدمني في الندوات واألمسيات الشعرية ،وهــي فترة خصبة من حياتي ال يمكن أن أنساها؛ ألنها كانت مرحلة التكوين والتأسيس. ¦مــا أثــر الجامعة عليك كشاعر؟ وهــل كان لها دور في صقل موهبتك الشعرية؟ ρ ρفــتــرة الجامعة كــانــت فــتــرة خصبة ج ـدًا
فــي حــيــاتــي ،وأشـ ــرت إلــيــهــا فــي روايــتــي األول ــى «رئــيــس التحرير ..أه ــواء السيرة الــذاتــيــة» ،فقد التحقت بكلية التجارة جامعة اإلسكندرية ،وكنت أصــدر مجلة حائط بعنوان «دعــوة للتأمل» ،أنشر فيها شــعــري وشــعــر آخ ــري ــن ،ثــم بـ ــدأت أدعــو شعراء اإلسكندرية من أساتذتي وزمالئي لنقيم أمسيات شعرية داخل الكلية ،وكان مسموحً ا بها في ذلــك الوقت .ثم اتفقت مع اتحاد طالب الكلية وكان يرأسه الزميل عبدالعزيز عـ ّمــار ،على أن نؤسس ناديًا للشعر بالكلية ،وعندما بدأ يتجمع في هذا النادي طالبٌ شعراء من الكليات األخرى الــمــوجــودة فــي محيط المجمّع النظري لكليات الــجــامــعــة ،وخــاصــة مــن اآلداب والحقوق ،ثم الطب بعد ذلك ،أصبح النادي ناديًا لجامعة اإلسكندرية كلها ،وكانت فترة خصبة أصقلت موهبتي؛ إذ بدأ االحتكاك بشعراء آخرين غير الموجودين في قصور الثقافة ،كما كنا نستضيف شعراء من خارج أيضا ،لكنه كان هناك تأثير اإلسكندرية ً سلبي على مسيرتي بالكلية ،فتعثرت في أكثر من سنة دراســيــة ،ولكن في النهاية تخرجت من قسم إدارة األعمال بالكلية بتقدير جيد. ¦في بداية كل شاعر ال بد أن يتأثر أو يحب بعض الشعراء ،فمن الشعراء الذين تأثرت بهم أو أحببتهم؟ ρ ρفي الحقيقة منذ أن أحببت الشعر ،أحببت الشعراء جميعًا ،حتى الشعراء الذين لم أكن أفهم أو أتعاطف مع أشعارهم ،وهي التي كانت مقررة علينا في المرحلتين اإلعدادية والثانوية ،لكن وجدت في قصائد إبراهيم
96
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
مواجهات
ومــاالرمــيــه ،وســان جــون بــيــرس ،وإلــيــوت، وغيرهم .وأدركت أن العالم الشعري أكثر اتساعً ا من قصائد التراث العربي وقصائد المتنبي ،وأبي تمام ،وأبي نواس ،وعمر بن أبي ربيعة ،والمعري وغيرهم ،وأكثر اتساعً ا مــن قــصــائــد الــشــعــراء الــمــعــاصــريــن منذ مدرسة اإلحياء التي تزعمها محمود سامي البارودي ،ومن حمل الراية بعده مثل أحمد شوقي ،وحافظ إبراهيم ،وعزيز أباظة، وعلي الجارم ،وغيرهم. ¦الـشــاعــر أح ـمــد فـضــل شـبـلــول مــن مــوالـيــد اإلس ـك ـنــدريــة ،فـكـيــف أ ّثـ ــرت عـلــى إبــداعــك سواء في الشعر أو الرواية؟ جميل ً ناجي الرومانسية مددًا روحيًا وعشقًا لبعض الحاالت التي كنت أعيشها ،وبعد أن درسنا قصيدته الجميلة التي تحمل عنوان «عــودة» في المدرسة ،األمر الذي دعاني إلــى قــراءة كل أشعار إبراهيم ناجي بعد ذلك ،ولكن عندما بدأت أنخرط في الحياة الثقافية واألدبية في قصر ثقافة الحرية، عرفت أن هناك شعراء مهمين أحياء ،مثل نزار قباني ،وصالح عبدالصبور ،وأحمد عبدالمعطي حجازي ،وأمل دنقل ،وفاروق شوشة ،ومحمد إبراهيم أبوسنة ،وأحمد سويلم ،وبــدر توفيق ،ومحمد الماغوط، ومــحــمــد الــفــيــتــوري ،وغــيــرهــم ،والتقيت معظمهم بعد ذل ــك ،وكــنــت قــد قرأتهم. وعندما ترجم الدكتور عبدالغفار مكاوي كتاب «ثــورة الشعر الحديث» ،أدركــت أن هناك تجارب عالمية مهمة وينبغي اإلطالع عليها ،تمثلت في قصائد بودلير ،ورامبو،
مواجهات
ρ ρاإلسكندرية هي حجر الزاوية في كل أعمالي وكتاباتي ،سواء الشعرية أو الروائية ،فلهذه المدينة تأثير طــاغ عليّ وعلى أعمالي، واإلسكندرية ال تعني لي فقط البحر والماء والكورنيش ،ولكنها تعني التاريخ والحضارة واالنفتاح على العالم ،كما أراد لها مؤسسها اإلسكندر األكبر ،لقد كانت اإلسكندرية في يوم من األيام عاصمة العالم الثقافية بــالــفــعــل ،وبــخــاصــة بــعــد تــأســيــس مكتبة اإلسكندرية القديمة التي لجأ إليها كل طالب علم من أنحاء الدنيا المعروفة في ذلك الوقت ،لقد ظلت اإلسكندرية عاصمة لمصر لمدة تسعة قــرون ،منذ تأسيسها عام 331قبل الميالد حتى الفتح العربي لــمــصــر عــلــى يــد عــمــرو بــن الــعــاص في القرن السادس الميالدي؛ ومن هنا ،تأتي األهمية التاريخية والحضارية واالقتصادية والثقافية لإلسكندرية التي بــدأ دورهــا يتراجع كثيرًا عما قبل بسبب الحضور المركزي واإلعالمي للقاهرة ،وبسبب خروج 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
97
الجاليات األجنبية التي كانت تتعايش في اإلسكندرية ،وبخاصة بعد قرارات التأميم التي أعلنها جمال عبدالناصر ،وبعد حرب 1967م ،فقد أحــسّ ــوا أن هناك تضييقًا عليهم ،وأنهم غير مرغوب في وجودهم، فــبــدأ الــخــروج الــتــدريــجــي حتى انفضت المدينة منهم تمامًا ،وقــد عــاصــرتُ تلك الجاليات المختلفة في اإلسكندرية عندما كنت صــغــيـرًا ،وكــنــت أتعامل مــع بعضهم خاصة أصحاب البقاالت والخردوات في حَ يّنا بمحرم بــك ،أو فــي حــي العطارين والمنشية ،وكــان معظمهم مــن اليونايين واألتراك والقبارصة ،أو من الدول والجزر التي تقع على البحر المتوسط .لذا يشكل الــبــحــر هــاجــسً ــا ثقافيا عــنــدي ..وليس وجــود مائي ،ومنذ بداية أعمالي ٍ مجرد واإلسكندرية ال تفارقني ،فهناك قصائد فــي مجموعتي الشعرية األول ــى «مسافر إلــى اهلل» التي صــدرت عــام 1980م ،إلى أن كتبت -في الفترة األخيرة -مجموعة من القصائد أو المقطوعات القصيرة جدًا تحمل عنوان «الخروج إلى البحر» ،وصل عددها إلى أكثر من ثالثمائة مقطوعة من «السايكو السكندري» ،والسايكو السكندري الذي أحاول فيه النهج على خطوات الهايكو
98
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
الياباني ،ولكن بطريقة أكثر مالءمة لنا؛ فالطبيعة المصرية أو السكندرية تختلف تمامًا عن الطبيعة اليابانية التي هي عماد قصيدة الهايكو ،فال توجد لدينا غابات، وال محيطات ،وال أعاصير أو انفجارات بركانية أو زالزل ،وال توجد لدينا مئات الجزر البحرية (يوجد باليابان أكثر من ثالثة آالف جــزيــرة) ،كما ال يوجد لدينا عــقــيــدة ب ــوذا وغــيــر ذل ــك مــن اخــتــافــات حادة بين األدب الياباني واألدب المصري، وأيضا اختالفات في العقائد الدينية ،كما أن الهايكو الياباني ال يعتمد على األنسنة أو المجاز ،وأعتقد أن المجاز واألنسنة مــن أس ــاس ــات األدب الــعــربــي ،ل ــذا جــاء «السايكو السكندري» ليحتفل بأشياء غير موجودة في الهايكو الياباني ،بما فيها طول القصيدة ،فالهايكو الياباني عدد سطوره ثالثة أسطر ،وقد تجاوزت عن هذا الطول، وعدد الكلمات في السايكو السكندري ،إذ يتحكم في هذا الطول تماسك القصيدة وعناصرها البنائية ،وليس عدد أبيات أو سطور محددة سلفًا ،وإن كان هناك بعض الشعراء العرب مثل الصديق الشاعر عذاب الركابي ،كتبوا ما يسمى «الهايكو العربي» محاولين اقتفاء أثر الهايكو الياباني، كذلك في رواياتي :رئيس التحرير ،والماء العاشق ،واللون العاشق ،كانت اإلسكندرية حاضرة بشدة ،وخاصة اللون العاشق التي هي تجربة الكتابة في السيرة الغيرية عن الفنان التشكيلي الراحل محمود سعيد ،ابن اإلسكندرية وأحد رواد الفن التشكيلي في الوطن العربي ،والــذي كان يُصاب بأزمة ربو كلما ذهب إلى القاهرة بعد أن أصبح
مواجهات
عضوا في المجلس األعلى لرعاية الفنون واآلداب والــعــلــوم االجتماعية (المجلس األعلى للثقافة حاليًا) ،ورئيس لجنة الفنون والمقتنيات ،فقدم استقالته بعد ذلــك. كذلك رواية «الماء العاشق» تتناول أساطير اإلسكندرية في الجانب الشرقي منها ،وهو سيدي بشر وبئر مسعود ،وهكذا. ¦كتبت الشعر لألطفال ،ولك عدة دواوين في هذا المجال ،ما الفرق في الكتابة الشعرية ب ـي ــن األطـ ـ ـف ـ ــال وال ـ ـك ـ ـبـ ــار؟ وه ـ ــل ال ـك ـتــابــة لألطفال سهلة كما يُظن؟ ρ ρثمة فرق كبير بين الكتابة لألطفال والكتابة للكبار ،ألن فــي الكتابة لألطفال تكتب لــذات أخــرى غير ذاتــك ،هي ذات الطفل الذي تتصاعد سنوات حياته ،فما يُكتب له مثل ،غير ما في الفترة من 6-3سنوات ً يُكتب له بعد أن يكبر قليال ويصبح سنه
مثال تسع سنوات أو اثنتي عشرة سنة أو خمس عشرة سنة وهكذا .وأنا غالبًا أكتب للفترة من 15 - 12سنة ،أي الفترة التي من الممكن أن يقرأ فيها الطفل بمفرده ،وال يعتمد فيها على أحد يقرأ له ،مثلما الحال في السنوات األولى من سني عمره ،وسني الوعي عنده .وال أعتقد أن الكتابة لألطفال سهلة ،هناك مَن يظن أنها سهلة ،فيأتي ببعض قصص الــتــراث مــن جحا وكليلة ودمــنــة ..ويعيد إنتاجها ،وثمة َمــن يعتقد أن الكتابة لألطفال هي الكتابة عن القيم الدينية والمثل العليا ،وعن أبطال العرب، أو عن المخترعات الجديدة والتكنولوجيا، وكل هذا جميل ومطلوب ،ولكن أين ذات الطفل في كل هذا؟! إن للطفل ذاتًا لو أحس أنها موجودة في العمل المقدم له ،سيفرح كثيرًا ،ويحب هذا العمل ،ويقبل عليه ،وهذه هي المعضلة. ¦الشاعر أحمد فضل شبلول فاز بالعديد من الجوائز مثل :جائزة الــدولــة التشجيعية، وجائزة التفوق ،ما أهمية الجائزة للمبدع؟ ومــا رأي ــك فــي األدب ــاء الــذيــن ال يحصلون عـلــى ج ــائ ــزة ت ـقــدمــوا ل ـهــا ،فيشتمونها أو يتهمونها بعدم النزاهة؟ ρ ρلــيــس هــنــاك ش ــك أن الــجــوائــز محفزة لإلبداع ،حين يرى المبدع تقدير اآلخرين لــه ،فيدفعه ذلــك إلــى التجويد والتجديد واالبتكار ،ليظل في دائــرة الضوء دائما؛ غير أن الجوائز ال تصنع مبدعً ا ،فإذا لم يكن الشخص مبدعً ا فــي األس ــاس ،فلن تفعل له الجوائز شيئًا ،ولن تجعله مبدعً ا، حــتــى وإن جــامــلــه بعضهم وخــلــعــوا عليه
مواجهات
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
99
صفة المبدع .وضعاف النفوس هم الذين يهاجمون جائزة لم يحصلوا عليها ،فشيء طبيعي أن يتقدم كثيرون غيره لهذه الجائزة أو تلك ،فلماذا يفترض في نفسه أنه أفضل مــن ه ــؤالء؟! ثــم إن للمحكمين خياراتهم وقناعاتهم ،والذي يهاجم الجائزة ألنه لم يحصل عليها ،يفترض ضمنيًا أنه يوافق على تحكيم عمله الذي قد ال يقنع اآلخرين، أو يقنعهم ..ولكن هناك من هو أفضل منه في الفرع الذي تقدم فيه ،وفي السنة التي تقدمتُ فيها للجائزة تقدم معي ( )51كاتبًا وأديبًا مصريًا ،وكوني حصلت عليها ليس معناه أنني األفــضــل منهم جميعًا ،ولكن هناك عوامل أخــرى ،ويلعب الحظ أيضا دورًا في ذلك ،ال شك ،وعلى سبيل المثال قبل حصولي على جائزة الدولة للتفوق في اآلداب 2019م ،تقدمت لها في العام الذي قبله ،ولم أحصل عليها ،فلم أشتم ولم أتهم
المحكمين بعدم النزاهة وعدم الشفافية، أو بالشللية ،أو ما إلى ذلك من اتهامات ،ثم تقدمت في السنة التي بعدها مرة أخرى؛ ألنني أثق في نفسي وفي إبداعي ،وحصلت عليها. أما جائزة الدولة التشجيعية التي حصلت عليها في مجال شعر األطفال ،قبل التفوق.. فلم أتقدم إليها أصـ ًـا ،ولكن عندما رأى المحكمون ال ــذي يــشــاركــون فــي تحكيم الجائزة أن اإلنتاج المقدم للجائزة ال يرقى إلى المستوى ،قرروا البحث عن مبدع يكتب في المجال نفسه بالشروط المعلن عنها، وهذا حق أصيل للجنة الجائزة التشجيعية، وعليه طلب أحــد المحكمين ال ــذي كان متابعًا إلنتاجي أن أتقدم بثالث نسخ من ديــوانــي "أشــجــار الــشــارع أخ ــوات ــي" لكي أحصل عليها ،وبالفعل تقدمت استجاب ًة لطلب اللجنة ،وحصلت عليها.
100
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
مواجهات
وهــنــاك أكــثــر مــن جــائــزة تــقــدمــت إليها خــارج مصر ،ولــم أحصل عليها ،بالنسبة لــي ال مشكلة على اإلط ــاق .نحن نكتب ونقرأ ونبدع ونشارك في الحياة األدبية لــيــس مــن أج ــل الــجــوائــز عــلــى اإلط ــاق؛ لكن لألسف هناك مَن يكتب قياسً ا على شــروط الجائزة ،وإذا لم يفز يمأل الدنيا وعويل وشتمًا وهجاءً! وأحد الذين ً صراخا لم يفوزوا بجائزة الدولة التي فــزت بها، كتب يهاجمني في إحدى الجرائد العربية، وكأنني أنا الــذي منحت الجائزة لنفسي، وكشف عن جهله ،ألنــه لم يقرأ لي سوى عملين من أكثر من ثالثين سنة ،وحكم على مجمل أعمالي من خالل هذين العملين، ونسي أنني قدمت بعد ذلك أكثر من ستين عمل لم يطلع على واحد منها لألسف! ً ¦كتبت الرواية مؤخرً ا بعد رحلة طويلة مع الشعر ،هل كنت تتمنى لو كتبتها مبكراَ؟ و َم ــن مــن الــروائـيـيــن الــذيــن تـحــب أن تقرأ لهم ،وتنصح كل روائي في بداية الطريق أن ينغمس في عوالمهم؟ ρ ρلم يكن واردًا في ذهني على اإلطــاق أن أكتب رواي ــة ،وإن كنت قــد قــرأت الكثير مــن الــروايــات العربية والمترجمة خالل مسيرتي األدبــيــة ،بطبيعة الــحــال؛ ولكني مررت بتجربة لم أستطع أن أكتب عنها في قالب شعري أو حتى مسرحي ،فلم يكن بدٌّ من الكتابة عنها في قالب روائــي ،فكانت روايــتــي األولــى «رئيس التحرير -أهــواء السيرة الذاتية» التي كتبت فيها عن تجربتي في العمل الصحافي في الخليج ،وبطبيعة الحال أحــب قــراءة نجيب محفوظ الذي فاز بجائزة نوبل عام 1988م ،وكنت أعمل
مواجهات
وقتها خــارج مصر ،ولــم أصــدق وقتها أن هناك كاتبًا عربيًا حصل أخيرًا على نوبل، وكان ال بد أن احتفل مع نفسي على األقل بهذا الفوز؛ فذهبت إلى إحدى المكتبات، واشتريت بعض رواي ــات نجيب محفوظ، منها ما قرأته من قبل ،وما لم أقــرأه ،بل اشتريت أكثر من نسخة من روايــة واحدة ألهدي منها أصدقائي في العمل ،وأتذكر أن اإلعالن كان يوم خميس ،وعندما ذهبت للعمل يوم السبت بدأت أوزع ما اشتريته من نسخ زائدة على زمالئي. أيضا رواي ــات الكاتب الياباني تعجبني ً هاروكي موراكامي ،ولم أعرف السبب في أنه لم يحصل على نوبل حتى هذا العام ،مع أن اسمه مدرج دائما على الئحة نوبل. أما عن نصيحتي لكل روائي في الطريق، ولكل أديب ،فهي أن يقرأ في كل المجاالت األدبــيــة وغير األدبــيــة ،ألن ذلــك سينمّي موهبته ومعارفه ويصقل خبراته ،وبالنسبة 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
101
لي فقد أفدت كثيرًا من المواد التي كنت أدرسها في كلية التجارة ،مثل االقتصاد واإلدارة والقانون واإلحصاء والمحاسبة والنظم الضريبية؛ وغيرها ألنها جعلت نظرتي للحياة المعاصرة أكثر اتساعً ا مما لو اقتصرت قراءاتي على المواد األدبية فقط. ¦لماذا لجأت لكتابة الــروايــة بعد تجربتك الـكـبـيــرة م ــع ال ـش ـعــر؟ وه ــل أث ــر ذل ــك على كتابتك للشعر فأصبح فنك الثاني بعد أن كان فنك األول؟ ρ ρذكــرت في إجابة السؤال السابق أسباب لجوئي لكتابة الرواية التي شعرت بمتعة كبيرة وأنا أكتبها ،وأحسست أن كتابة عمل روائي يختلف تمامًا عن كتابة ديوان شعري، بل كتابة فصل في فصول الرواية يختلف تمامًا عن كتابة قصيدة ،في الــروايــة كمٌّ أكبر من الوعي والبحث واالطالع والرجوع
إلى مصادر ومراجع وأشخاص ،وبخاصة عــنــدمــا يــحــتــوي الــعــمــل عــلــى شـــيء من المعلوماتية التي يلزمها التوثيق ،كما في روايتي الثالثة «اللون العاشق» وهي سيرة غيرية للفنان التشكيلي الــرائــد محمود سعيد ،هناك تواريخ ال بد من التثبت منها، ووقــائــع ال بد من التأكد منها ،حتى وإن احتوى العمل على نسبة كبيرة من التخييل، فكوْني أذكر أن لوحة «بنات بحري» رسمها الفنان عام 1935م على سبيل المثال ،ال ب ّد أن أكون متأكدًا تمامًا من أكثر من مصدر أن هذا التاريخ صحيح بنسبة مائة بالمائة، فــا مــجــال للتخييل هــنــا ،وك ـوْنــي أسعى إلقامة عالقة -في الرواية -بين توفيق الحكيم ومحمود سعيد ،فال بدَّ أن أكون متأكدًا أن االثنين تعاصرا؛ وعليه ،يمكنني أن أبني خياال بأنهما التقيا ،وأن الحكيم كان يكتب روايته «عصفور من الشرق» في الوقت الذي يرسم فيه محمود سعيد إحدى متخيل حول ً لوحاته ،وأن أقيم بينهما حوارًا األدب والفن ،ولكن على أرضية ثابتة عاشا مثل، عليها ،وأنهما درسا معا في باريس ً وتناوال الغذاء مرة معًا في برج إيفل ،وذهبا معا إلى متحف اللوفر ،وهكذا. وعلى أية حال ،لم تط َغ الرواية على الشعر عندي ،ألن معظم أبطال رواياتي شعراء، حتى محمود سعيد قدمته على أنه يكتب الشعر إلــى جانب الــرســم ،وإن كــان بزغ نجمه في الرسم أكثر ،وأنطقت على لسانه قصيدة كتبها فــي أحــد تماثيل محمود مختار وهو تمثال «الخماسين».
102
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
مواجهات
الشاعر المصري محمود خيراهلل: أحلِّ ُ معطوبة ق بقصائدي فوق مشاه َد ٍ محمودخيراهلل:
م ــوالـ ـي ــد 6ي ــونـ ـي ــو 1971م شـبـيــنالقناطر -قليوبية نــائــب رئـيــس تـحــريــر مجلة اإلذاع ــةوالتليفزيون. مـ ــديـ ــر تـ ـح ــري ــر «مـ ـجـ ـل ــة ال ـث ـق ــاف ــةال ـ ـجـ ــديـ ــدة» الـ ـ ـص ـ ــادرة عـ ــن ال ـه ـي ـئــة العامة لقصور الثقافة.
صدر له:
«فانتازيا الرجولة ،سلسلة إبداعات «الهيئة العامة لقصور الثقافة1998 ،م. «لعنة سقطت من النافذة» شعر ..دار ميريت2001 ،م. «ظل شجرة في المقابر» شعر ..دار البستاني2005 ،م. «كل ما صنع الحداد» شعر ..دار صفصافة2010 ،م. «صبيّ الفراشات الملوّنة» ..اختيار وتقديم لقصائد الشاعر الفلسطينيطه محمد علي ،سلسلة «إبداع عربي» ،عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017م. «األيام حين تعبرُ خائفة» ..الهيئة المصرية العامة للكتاب2019 ،م.ترجمت قصائده إلــى عــدة لغات بينها اإلنجليزية ،كما تُرجم ديــوانــه «كــل ما صنع الحداد» إلى الفرنسية تحت عنوان .Tout ce qu’a fait le forgeron ■ حاوره :كمال أبو النور
مواجهات
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
103
¦هل تتفق مع الفكرة القائلة :إنك صرخت بما يكفي فــي دواوي ـنــك الـثــاثــة األول ــى، وبشكل أقــل وضوحا في الــديــوان الرابع؛ ح ـتــى جـ ــاء دي ــوان ــك «األي ـ ـ ــام ح ـيــن تعبر خائفة» ،معبرً ا عن آالمــك دون صــراخ..؟ حــدثـنــا عــن تـجــربـتــك الـشـعــريــة ورؤي ـتــك للعالم منذ ديوانك األول ،وحتى ديوانك األخير. ρ ρأعتقد أن صوت الشاعر يصفو تدريجيًا بــالــمــعــانــاة والـ ــكـ ــدح عــلــى نــصــوصــه، وباستمرار العمل عليها لشهور طويلة قدر من التراكم يسهم مُخلصة ،وبتحقيق ٍ نصه ،لدرجة أنه قد يتناسل في تجذير ِّ أبعد .أعتقد أن تلك المسافة التي تتحدث أحيانًا في قصائد بعض الشعراء األحدث عنها ،بين ما تسميه الصراخ في الدواوين سنًا ،لحسن الحظ طبعًا؛ وبالتالي ،كل هــذه األمــور لم تكن تشغل بــال الشاعر الثالثة األولى ،وما أسميه «التون الهادئ» الذي كان يكتب ديوانه األول ،في منتصف فــي الــديــوانــيــن األخــيــريــن ،هــو مــا يجب عقد التسعينيات منت القرن العشرين، بالضبط أن يتدرَّج فيه الشاعر. لكنني أظــن أنــك تقصد أن تشير إلى ¦«األي ــدول ــوجـ ـي ــا س ـق ـطــت ،واألج ـ ـسـ ــاد هي الــتــطــور الطبيعي لــلــشــاعــر ،مــن وجهة الـ ـب ــاقـ ـي ــة» ..ه ــل م ــا تـ ـ ــزال ه ـ ــذه ال ـع ـب ــارة نظري؛ فالشاعر حين يصفو إلى صوته التسعينية تُمارس دورَها على أرض الواقع الخاص ،يكون قد قطع نصف المشوار، في قصيدة النثر؛ أم أن الكتابات الجديدة ليس شــرطً ــا أن تــكــون قـــادرًا على قول خليط بين اإلثنين؟ كل شيء في ديوانك األول وال حتى في ديوانك األخير ألن للشعر شروطً ا أخرى ρ ρكــنــتُ أتــح ـ ّفــظ طــب ـ ًعــا عــلــى ع ــب ــارة أن «األيــديــولــوجــيــا سقطت» منذ منتصف قد يكون من بينها القدرة على المحو ،لقد التسعينيات وال أزال ،ألنها تعكس فهمًا آمنتُ منذ اكتشفت الشاعر الذي بداخلي وتكشف نهجً ا أثبتت األيام خطأه ،أعتقد أن معركتي في األصــل هي «معركة مع على العكس أننا محكومون باأليديولوجيا، الوعي باللغة» ،فإذا استطعت أن تنجح في لقد كان من الخطأ الفادح أن نتصور أن تحقيق هذا التوازن الدقيق ،بين «الوعي» و«اللغة» ،سوف يكون طموحك في الشعر الشاعر الجديد غــادر التفجير اللغوي
104
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
مواجهات
السبعيني مــن أجــل البحث عــن الــذات في الهامشي واليومي والجسداني ،بينما نطلب منه نحن أن يكتب هــذا الهامش تعال على الواقع ..كيف وهو في لحظة ٍ لهذا الشعر أن يلتقط مشاهده الصاخبة من «الحياة اليومية» ،وهو يدّعي التعالي على واقع اإلنسان وتاريخه وشروطه؟ كنت دائمًا أعتقد أن الشعر الحقيقي يستطيع أن يُحقق هذه المعادلة ،وحتى الشاعر الــذي يقول إن «األجــســاد هــي الباقية» يمتلك بالضرورة وعيًا ُمــحــددًا ،يحاول أن يعكس فيما يكتب موقعه من العالم ومَصالحه َمــعــه ،وأن يكشف عــن درجــة وعيه ومستوى الحرية التي يتمتّع بها ،هذه األمور تكون واضحة جدًا في النصوص، تتقصده، ّ مهما كانت تتلمّس الغموض أو وحينما كنتُ أكتب حريتي في دواويني األولــى متحدثًا عن راتبي الضحل وعن كتل الزحام اإلنساني في «مترو األنفاق»، بينما يعبر القو ُم متالصقين أمــام ذلك القصر الذي يمتد ثالث محطات مترو! وفي حين كنت أكتب عن أرواح العشاق التي ترفرف كالطيور في الحدائق العامة لترعى صــغــار العاشقين ،كــان بعضهم يكتب حريته في قصيدة النثر مستغرقًا في الحديث عن لـذّة الجسد ،وهو حق، وشاعت عناوين مُضللة جـدًا مثل «إنهم يكتبون أجــســادهــم» ،كــل هــذا التضليل كان ينطوي على موقف أيديولوجي ،وال يعني مطلقًا سقوط األيديولوجيا ،لقد أثبتت األيــام أن بعض الشعر الــذي كتب عن إفــرازات الجسد لم يكن قــادرًا على
مواجهات
البقاء ،لألسف الشديد ،كما أثبتت األيام أن «قصيدة النثر» ،التي أنفقت عليها وكـــاالت االســتــخــبــارات الــمــركــزيــة حول العالم في المعسكريْن بالمناسبة وعززت وجودها بالمِ نح والجوائز ،لم تستطع أن ـدر من البقاء ،وال تنس أن تحقق أي قـ ٍ بعض قصائد النثر المصرية سقطت فــي نهاية عقد التسعينيات مــن القرن العشرين ،في نموذج أيديولوجي جعلها تتمحَّ ك بذكر رســول العناية الرأسمالية «فرانسيس فوكوياما» ،بينما الشعر الذي يعزف على الوتر اإلنساني العام ،والمموَّل مــن دمــاء البسطاء ليعكس جــوانــب من أحالمهم ومشاهد من بؤسهم ،في ظني، كان دائمًا الشعر الذي يستحق البقاء على
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
105
نجلس سويًا /فتيبس أقدامنا ُ بجسدين/ أطفال/ ً لتصبح جذورًا لشجرتين /نُنجب فنصي ُر حديق ًة عامة /وحين نموتُ /إذ ال بد من ذلك بك ّل أسف /تصعد أرواحُ نا إلى السماء /تمامًا كهذه الطيور /التي تحلق فوق العُشّ اق /هنا /في هذه الحديقة»..
مر العصور. ¦ال ـمــرأة فــي حـيــاتــك تتجسد فــي ا ُأل ِّم في كل كتاباتك؛ أمــا حــان الوقت لتكتب عن الحبيبة التي غيبتها وأخفيتها في عقلك الباطن؟ ρ ρال أظن أن قراءة دقيقة لقصائدي األولى تنتهي إلى هذه الحقيقة ،فأنا لم أكتب المرأة األم ،فقط ،بل كتبتُ في الديوان األول «فانتازيا الرجولة» الــذي أهديته لحبيبتي وزوجتي مثلما أهديت لها ديواني األخير عن «زوجة بشعيرات بنية هفهافة»، كما أن هناك حبيبة وأسرة مكونة من عدة أطفال في ديــوان «كل ما صنع الحداد»، إذ أقول: «نــمــشــي م ـ ًعــا /فــنــرســم عــامــة انــتــصـ ٍـار
106
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
هــذه قصيدة حــب بــا أي شــك ،لكنها ليست على مــواصــفــات القصيدة التي كــانــت تُكتب عــام 2010م ،وهــي ليست جزءًا من القالب الموصوف للمرأة التي كتبت فــي قصيدة النثر المصرية؛ أما في قصيدة «الختم» من ديواني الثالث «ظــل شجرة في المقابر» ،الصادر عام 2005م ،فقد كتبت فيها ام ــرأة أخــرى رأيتُ أنها جديرة بأن تُكتب في الشعر وأن قصتها في األذهــان ،حين تحدثتُ تخلد ّ عن «عمتي» ،وهي نموذج ال يقترب منه الشعر كثيرًا على الرغم من كونه أنموذجً ا شاعريًا في بؤسه ،متكررًا في حوارينا وشوارعنا الضيقة ،أراه النموذج الجدير بالتقديم إلى العالم ،تلك المرأة «التي لم يفكر رجل مبصر أن يضمَّها إلى صدره»، ألتحدث عن ذلك البؤس الذي عانته امرأة مسكينة ،ال تسقط دمعتها طوال الشهر: «إال أم ــام مــوظــف الــبــريــد ،فــوق الختم لتصرف كل شهر سبعة وخمسين َ مباشرةً، جنيهًا مصريًا» ،وهناك نماذج نسائية في قصيدتي مثل «الجارية»« ،أم كل العبيد الذين تطوحوا في قطارات الضواحي/ وأم األسى /الماثل اآلن أمامكم /المرأة التي أرضعت العالم حليب حزنها /وحين
مواجهات
مــاتــت /مــشــت أصــابــع كــفــهــا مــعــنــا في أول الجنازة» ،وبالتالي أنت تريد أن تقول ً إن نموذج المرأة في قصائدي هو نموذج خاص جدًا ،وغير متكرر بين شعراء جيلي، وهذه حقيقة أولى يمكن أن نتفق عليها؛ أما الحقيقة الثانية في سؤالك فهي أن جزءًا ¦أما تزال تنظر إلى أبيك بالنظرة نفسها كبيرًا من حياتي لم أكتبْه بعد ،وال أعرف م ــن األلـ ـ ــم؛ أم أن ال ـح ـي ــاة ب ـعــد ك ــل هــذه متى سوف يحدث ذلك ،وال بأية طريقة، الـسـنــوات منحتك أب ـعــادً ا أخ ــرى لصورته لقد عشتُ في الحقيقة حيا ًة صحافية في الذاكرة؟ صاخبة ،ساعدتني على النضوج ،سافرت إلى الخارج عدة مرات ،وعرفتُ فيها قصة ρ ρالشاعر الــذي ال يطوِّر قدرته على رؤية العالم محكوم عليه بالفناء ،لقد تطورت حب جميلة ومُمتدة ،تزوجنا وتخرج بعض عالقتي بأبي ،منذ رحل عن دنيانا عام أبنائنا اآلن من الجامعات ،وبدأوا يعيشون 1996م ،تاركًا لي إرثًا ثقافيًا ولغويًا ونحويًا قصص حبهم ،لقد كنتُ مهمومًا بأن أعيش يقصر الطريق الوعر إلى كفيل بأن ِّ ً كان قصة حبي وأن أستمتع داخل هذه القصة رجل ال يُنسى ،تصادف الشعر ،أبي كان ً بكل تفاصيلها ،أكثر مــن اهتمامي بأن أنه حاول في شبابه كتابة الشعر العمودي أكتبها ،أو أن أحولها إلى «أيقونة» ،رأيتُ ولــم يوفّق ،وتصادف أنــه فــرح حين علم أنني أكتب الشعر ،لكنه عاش مصدومًا في أنني ال أكتب الشعر العمودي وال شعر التفعيلة ،وأنني أكتب شيئا يخالف ذائقته، لكنه فــي النهاية رح ــل ،تــار ًكــا لــي هذه الرغبة الدفينة التي تجعل المرء يكمل حلم رجل مات ،كان أبي ينظر إلى الشعر بفخر حقيقي ،وحينما طالع أول قصيدة نشرت لي في «مجلة الشعر» عام 1992م، كان سعيدًا إلى حد الزهو ،كمن وجد كنزًا في بيته ،علمتُ ذلك مصادفةً ،حينما كنتُ عائدًا من مراسم دفنه ،ركبت القطار إلى منزلي في القاهرة ،وفي القطار التقيت أحد أصدقائه ،وسألني الرجل إن كنتُ أنا ولــده الــذي ينشر شعرًا في الصحف أن أكتب العالم الشعري الخاص بي بقلب عاشق يستطيع أن يغير العالم بنظرة ،وأال أستهلك قصة حياتي في القصيدة ،وقلتُ لنفسي يومًا ما سوف أحكي حياتي ،وأنا واثق أنها قصة تخطف القلوب.
مواجهات
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
107
منذ كان طالبًا في الجامعة ،قلت له نعم، فقال« :أبــوك قابلني من كام سنة وقعد يمدح فيك طول الطريق من شبرا لشبين القناطر ،فرحان يا سيدي ،ألنه ربَّى في بيته ولــدًا يكتب الشعر» ،قالها الرجل هكذا بالفصحى السليمة ،ومضى فكيف ال يكون مثل هذا األب مؤثرًا في حياتك؟؟
القارئ ويحاولون التجريب في العالقات الــنــحــويــة للغة الــعــربــيــة ،لــدرجــة دفعت الشاعر الفلسطيني محمود درويش إلى استبعاد قصيدة ألحد شعراء الغموض، من ملف «أدب السبعينيات في مصر»، ال ــذي نشرته «مجلة الــكــرمــل» ،وأعــده الروائي الراحل إدوارد الخراط ،بسبب ما فيها من الغموض وااللتباس «النحوي».
والغموض مُحبَّب في بعض الشعر ،ألن الخيال اإلنساني ال يجب تقييده ،وحين يكون الحديث عن الشعر فإن على الخيال أن يُحلق ما شاء له التحليق ،ما دام الهدف هو تحقيق متعة لغوية وجمالية وبصرية، وتعبير عن ه ِّم ذاتي أو ه ِّم عام ،عن نفسي أطلق لخيالي العنان وأعمل على النص طويل ،وأحب أال أكرر نفسي من ديوان ً إلــى آخــر ،لذلك كثيرًا ما أتجنب كتابة خواطري ،ولن تجد عندي أي إغراق في الغموض ،من أي نوع ،ألن نصوصي سهلة التلقي ،لكنها تسعى إلى أن تترك األثر الشعري المالئم .وال تنس أن قصيدة النثر فــي التسعينيات كــانــت المشروع الــشــعــري النقيض ورد الفعل العكسي على تجربة جيل السبعينيات ،الذي كتب الــغــمــوض شــعــرًا ،مــا جعلهم يخسرون
ρ ρدعني أقول إن تجربة الشعر المصري في جيل الثمانينيات كانت مختلفة اختالفًا جــذر ًيــا عــن تجربة السبعينيات ،ولعل قصيدة العامية فــي هــذا الجيل كانت أوضــح من الفصحى ،لكن الغنائية هنا تعبير غير دقيق في ظني ،ألنك لو أردت أن تكتب قصيدة النثر بــأدوات القصيدة الموزونة أو بسماتها البالغية واألسلوبية، فلماذا نسمي المحصلة قصيدة نثر؟! ربما ألنه حتى مطلع األلفية الثالثة ،لم يجر نقاش عربي جَ ــدّي حــول مصطلح قصيدة النثر ،أو حول الفارق بين قصيدة النثر و»الشعر الحر» ،هل تعرف أنه لم يحدث في أي شعرية في العالم أن أطلق على الشعر «الشعر الحر» اسم قصيدة نثر ،إنَّه كما يقول الشاعر الراحل أمجد ناصر «التباس عربي خالص ،وسوء فهم
¦ه ـ ــل ل ـ ـجـ ــأت ف ـ ــي بـ ـع ــض نـ ـص ــوص ــك فــي ال ــدي ــوانـ ـي ــن األخ ـ ـيـ ــريـ ــن« :ك ـ ــل مـ ــا صـنــع ¦يرى بعضهم أن شعراء الثمانينيات الذين الحداد» و»األيــام حين تعبر خائفة» ،إلى تحولوا من كتابة قصيدة التفعيلة ،إلى نوع من السوريالية؟ يظن بعض النقاد أن ك ـتــابــة ق ـص ـيــدة ال ـن ـثــر ل ــم يـتـخـلـصــوا من اإلغراق في الغموض نوع من السوريالية.. الغنائية واإلنشاد في قصائدهم النثرية، كيف ترى األمر؟ فـهــل الـغـنــائـيــة ضــد قـصـيــدة الـنـثــر وضــد الشعر غير الموزون عموما؟ ρ ρالسوريالية ليست تهمة في حد ذاتها،
108
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
مواجهات
لم يجد من يصحِّ حه ،رغم المداد الغزير الذي سُ فِ َح في الدفاع عن «الشعر الحر» أو الهجوم عليه ،األمر الذي يفترض -في المدافعين على األقل -معرفة ما يعنيه «الشعر الحر» ذو األصل األوروبي ،شأنه شأن «قصيدة النثر». أنا مع الرأي الذي يقول إن قصيدة النثر ولدت على الورق ،على عكس «القصيدة الحرة» ،وأن قصيدة النثر ليس لها أصل شفوي ،كما هو حال الشعر الموزون أو «الحر»؛ وأن قصيدة النثر تخلو من وظيفة الوصف بغرضية منطقية ،إنما غرضه يــكــون فــي الــغــالــب مــحــض غ ــرض فني أيضا إلى جمالي .وأحب أن ألفت النظر ً أن الشكل الذي تتخذه قصيدة النثر في بالدنا «أسطر شعرية تحت بعضها» ،إنما أشكال ً هو تنميط واستسهال ،ألن هناك كثيرة للكتابة الشعرية في قصيدة النثر، لكنها لألسف غير مُستهلكة ،مهجورة.. أشعر أنها تنتظر أن يكتبها أحد. ¦هل مفهوم الحداثة الشعرية عند العرب يـخـتـلــف ع ــن مـفـهــوم ال ـحــداثــة الـشـعــريــة لدى الغرب؟ وهل توافق على أن للحداثة الشعرية جذورًا في تراثنا العربي؟ ρ ρلــأســف ،وكما تقول الشاعرة الدكتورة فاطمة قنديل ،فإن «تاريخ الشعر العربي لم يُكتب حتى اآلن بوصفه تاريخً ا لألشكال والجماليات الخاصة التي تطورت بتطور القصيدة العربية ،وإنما ظل محددًا حتى وقــت قــريــب بوصفه مــواز ًيــا لتقسيمات التاريخ السياسي» ،وفــوق كل ذلــك ومن
مواجهات
قبله ،ال تنس أن الحداثة التي تعني التصنيع مثلما تعني إنتاج العلم والتقدم والتفكير العقالني ،وتعني رؤية جديدة للعالم تناقض الــرؤيــة التقليدية التي يحكمها التفكير الخرافي غالبًا ،لم تكن هي تلك الحداثة التي مرت علينا لألسف ،وعرفناها على أسوأ نحو خالل القرن العشرين؛ فها هي قنواتنا الفضائية ما تزال إلى اليوم مليئة بالحديث عن السحر والخرافة والشعوذة، والجن ومشروعية زواج الجن من اإلنس، ما نزال نسبح في ملكوت من الغيبيات التي تحكم عالقاتنا بالعالم ،لدرجة أننا ننفرد بين كل األمم بهذا التعبير الخالق« :أطالل الحداثة» الذي اشتقّته الكاتبة المصرية فريدة النقاش ،لتجيب على ســؤال يُشبه سؤالك. 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
109
ح ْمد الكاتب والروائي خالد عبدالكريم ال َ جزء من تكويني وحياتي وقرأت لعدد كبير القراء ُة ٌ من الروائيين السعوديين والعرب واألجانب عمل معلما ب ــوزارة الـمـعــارف قبل أكـثــر مــن 40 ع ــامً ــا ،انـتـقــل بـعــدهــا إل ــى معهد اإلدارة العامة الذي أثرى تجربته كثيرً ا ،وعمل موظفً ا وأستاذًا وإداريـ ـ ــا ف ـيــه ،وم ــا أتـ ــاح ل ــه م ــن ف ــرص ال ــدراس ــة بالواليات المتحده ،وبعد تخرجه حضر العديد من المؤتمرات والندوات والحلقات داخل المملكه وخارجها. شكّ لت القراءة وعيه وثقافته ومكّ نته من الكتابة ،تعلّم من تجربته اإلدارية قيم العمل؛ مثل :الوالء ،األداء المنتج ،اإلخالص ،قيمة الوقت وإدارته ،ومهارات قيادية ..الخ ،أما المواقف فأكتسب منها ما واجه به المشكالت الحياتية أصــدر حتى عــام 2017م عملين روائـيـيــن هما "أم شمل" و "الحلم المعلّق"، ويؤكد أنه ال يستطيع أن يقول إنه قال في عمل أو عملين كل ما يريد .وال يظن روائيا أو كاتبا يستطيع أن يقول كل ما يريد التعبير عنه فيما يكتب .كتب بين عام 1413ه ـ 1417 -هــ ،في الملحق الثقافي بالجزيرة .وكان مشغوال بالهمِّ الثقافي، كما يتابع ويقرأ المشاريع الثقافية العربية يقول الكاتب خالد عبدالكريم الحمد إننا نتأثر بتجاربنا وما نمر به .وإن تجربته بالمجلس البلدي كانت مزعجة ،إذ لــم يحقق فيها الـهــدف الــذي كان يرجوه ولم تحققه الــدورات التى قبله وال التى بعده؛ لذلك ،استقال ،وكتب في
110
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
مواجهات
استقالته لــوزيــر الـشــؤون البلدية والـقــرويــة" :إذا كنت فــي عمل ،ولــم تستطع أن تحقق هدفك فيه ،فمن العبث أن تستمر فيه" ،المجالس البلدية رغم صالحياتها الــواس ـعــة مـكـ ّبـلــة ب ـشــراك األم ــان ــات؛ ول ـهــذا رأي ــت أنـنــي لــو اسـتـمــريــت فــي العمل بالمجلس سأخون تجربتي في اإلدارة. صدر له عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت رواية (الحلم المعلّق) في 270صفحة .قــدّ م للرواية األستاذ الدكتور الهادي العيادي أستاذ األدب العربي الحديث بكلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس .تدور أحداث الرواية بين الجوف وأمريكا بين الفضاء الضيق والفضاء الــواســع ،وتتناول أوجــاع الجوف التنموية .يحمل بطل الــروايــة حلما معلقً ا للجوف ،كقنديل يلوح في الظالم البعيد ،يشغله ويشغل به مَن حوله! ■ حاوره :احملرر الثقايف
¦كيف تُعرِّف نفسك لقراء الجوبه؟ ρ ρأن ــا قـ ــارئ أدمـ ــن ال ــق ــراءة مــن الصف السادس االبتدائي .وخالل هذه الرحلة
الطويلة قــرأت الكثير من الكتب .كان لي مكتبة خاصة تحتوى على أكثر من « »100كتاب ،عندما كــان عمري سبعة عشر عامًا ،وكنت وقتها مدرسً ا بالمرحلة االبتدائية .أذكــر أنها كانت تضم كتبًا من مؤلفات :العقاد ،والمنفلوطي ،وطه حسين ،وأنــيــس منصور ،وعمر فــروخ، ومارون عبود .وفيها من المعاجم المورد، ومختار الصحاح.
في « »2..يوم ،وكتاب طه حسين «األيام»،
ورواية البؤساء لفكيتور هيجو .وغيرها مما أحتوت عليه مكتبتي .إلى جانب ذلك
كنت أتردد على مكتبة األمير عبدالرحمن
السديري التي كانت مقابل المدرسة التي كنت أعمل بها مدرسً ا .ففتحت القراءة عالم عشت كل ما فيه من لي بابًا على ٍ
إثارة وفتون وسحر ومتعة وثروة .القراءة
جزء من تكويني وحياتي ،عال ٌم جميل، شعرت معه ومــا أزال أشعر أن العالم ملكي ،والنجوم مراكبي.
الــقــراءة ليست تــر ًفــا بالنسبة لــي ،بل
هــي ضـــرورة حياتيه؛ فكما مــا تحتاج
قرأت آنذاك بنهم رسالة الغفران ألبي
أجسامنا للغذاء ،نحتاج الــقــراءة لبناء
وأول ديوان لنزار قباني ،ومذكرات مهاتما
يصبح ضعيف البنية ،ومن ال يقرأ يظل
العالء المعري -رسالته البــن القارح-
ثقافتنا ووعــيــنــا .مــن ال يتغذى جيدًا
غاندي ،وكتاب أنيس منصور حول العالم
هزيل بوعيه وثقافته .وباختصار ،القراءة ً
مواجهات
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
111
وافقوا على نشره. أم ــا الــعــمــل اإلب ــداع ــي ،فــفــي تقديري
ليس له خطة .هو لحظة هاربة متفلتة
تنطلق دون أن تخطط لها .وهنا أشير لرواية «الزمن الضائع» ،من سبعة أجزاء وأخذت شهرة عالمية للروائي الفرنسي
مارسيل بــروســت .كــان مارسيل عائدا لبيته ،وكان المناخ باردًا جدًا وممطرًا في
تلك الليلة ،فلم يستطع مواصلة السير لمنزله ،فخطر له أن يتوقف بمنزل جدته
القريب ..وينتظر حتى يتحسن الجو .في منزلها قدمت له كوبًا من الشاي الساخن والكعك ،وعندما غمس الكعك في الشاي،
ووضعه طريًا في فمه .انفلت خياله لزمن
طفولته .هرب من لحظته للماضي البعيد لبيتهم الــقــديــم ..الــحــديــقــة ..الــشــوارع
وعي ونوافذ مفتوحة على حياة ،وتشكيل ٍ
الضيقة ..مالعب الصبا مع األطفال.
إنسانًا تائهًا في ليلة مظلمة بصحراء
الضائع» .التي لم يفكر بها قبل دخول
العالم ،ومــن حــرم من هــذا العالم أراه
فكانت والدة عمله الرائع المبدع «الزمن
مقفرة .شخص لم يدرك أن وراء حلكة
منزل جدته!
ظالم الصحراء صب ٌح شفيف النور يغمر
اآلن ،ال أفكر بإنتاج أي عمل تسميه
¦الـعـمــل الـثـقــافــي ال يـتــوقــف غــالـبــا لــدى
منغمسً ا بالكتابة دون أن أخطط أو أفكر
الروابي والجبال.. المبدع .ما هو جديدك أستاذ خالد؟
إبــداعً ــا .قــد تأتي لحظة أجــدنــي فيها بإنتاج عمل ..ال أدري.
عمل ¦مَ ـ ـ ـ ــن هـ ـ ــم ال ـ ـ ــروائـ ـ ـ ـي ـ ـ ــون الـ ـ ــذيـ ـ ــن ت ـس ـعــى ρ ρل ــدي عــمــل تــحــت الــطــبــع ،لــيــس ً لمجاراتهم ،أو تتطلع لمجاراتهم حين إبــداعــيــا .كتاب «اســتــراحــة إداري» هو اآلن بيد النادي األدبي الثقافي بالجوف،
تكتب؟
ســيــقــومــون ب ــإص ــداره وتــوزيــعــه بــعــد أن ρ ρق ــرأت لــعــدد كبير مــن الــروائــيــيــن ،من
112
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
مواجهات
السعوديين والعرب واألجانب ،وفي مكتبتي
روايـــات لمشاهير الــروائــيــيــن ،منهم من حصل على جوائز عالمية ،وبعضهم حصل على جائزة نوبل .وفــي مكتبتي أكثر من
« »300رواي ــة ،والحق أنني ال أبحث عن
مجاراة أحــد .أمــا إذا كــان ال بد من ذكر
أسماء ،فشدني من الروائيين السعوديين محمد حسن علوان ،رجــاء عالم ،مقبول العلوي .ومــن العرب :أحــام مستغانمي،
واسيني األعرج ،حيدر حيدر ،زياد محافظه فــي «ن ــزالء العتمة» ،ومحمد شكري في
«الخبز الحافي» .ومــن العالميين شدني وقـ ــرأت :فــاوســت لجيته ،دون كيخوت،
لثرباتس ،وجبرائيل ماركيز في «مئة عام من العزله» ،العجوز والبحر لهمنجواي، العنف والصخب لوليم فوكنر ،وغيرهم مما ال يتسع المجال لذكرهم .ومن الروايات
التي تلعب بمشاعرك وأحاسيسك قرأت
بتأثر إنساني بالغ ،روايــة «كوخ العم توم»
لألمريكية هرييت ســتــاو .وروايـ ــة «آغــا غوك» للكندي آيف تيريو.
¦يحسب لــك تـعــدد الـتـجــارب والـحـيــوات.
تجربتي في كتابة الرواية هي تجربة محدودة ومتواضعة تجربتي كثيرًا ،موظفًا وأستاذًا وإدار ًيــا، وما أتاح لي من فرص الدراسة بالواليات المتحدة ،وبعد تخرجي حضور العديد
من المؤتمرات والندوات والحلقات داخل
المملكة وخارجها .أو من خالل قراءاتي المتعددة ،أو حتى المواقف التي مررت
بها حلوها ومرها .كل هذا شكّل سلوكي وتعاملي اإلنساني مع اآلخر ،وممارساتي
الحياتية ،وما أحمل من قيم .فالقراءة شكلت وعــيــي وثــقــافــتــي ،ومكّنتني من
الكتابة ،تجربتي اإلدارية تعلمت منها قيم
العمل ،مثل :الوالء ،قيمة األداء المنتج، اإلخالص ،قيمة الوقت وإدارته ،ومهارات
قيادية ..الخ.
أما المواقف ،فاكتسبت منها ما أواجه
به المشكالت الحياتية ،وما أحــاول به أن أغـلّــب الخير على الشر داخــلــي ما
استطعت.
فكيف أث ــر ذل ــك فــي شخصيتك وأث ــرى ¦أصدرت حتى عام 2017م عملين روائين، تجربتك في الكتابة؟
هل استطعت أن تقول ما تريد عبرهما؟
ρ ρالتجربة هي المخزون والرصيد الذي ρ ρوأن ــا أكــتــب ..طــرحــت كــل ال ــذي انثال أملكه اآلن ،سواء ما حصلت عليه أثناء
على لسان قلمي ،ولــم أمــارس الرقابة
أو من معهد اإلدارة العامة الــذي أثرى
قلت في عمل أو عملين كل ما أريد .وال
عملي معلمًا ب ــوزارة المعارف آنــذاك،
مواجهات
عليه .لكنني ال أستطيع أن أقــول إنني
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
113
أظن روائيًا أو كاتبًا يستطيع أن يقول إنه
وال التي بعدي؛ ولذلك ،استقلت ..وكتبت
يقول أحد المؤلفين لو بقيت أراجــع ما
والقروية «إذا كنت في عمل ولم تستطع
كتبي؛ ألنني كلما راجعت مسودتي أضفت
فيه» .المجالس البلدية رغم صالحياتها
طباعة مؤلفاتنا.
رأيت أنني لو استمريت العمل بالمجلس
قال كل ما يريد التعبير عنه فيما يكتب.
فــي استقالتي لــوزيــر الــشــئــون البلدية
كتبت لما دفعت للمطبعة بأيّ كتاب من
أن تحقق هدفك ،فمن العبث أن تستمر
وحذفت .ويظهر هذا عندما نقوم بإعادة
بشراك األمانات! ولهذا الواسعة مكبلة ِ
¦فــي رواي ــة الحلم المعلّق كــانــت منطقة
سأخون تجربتي اإلدارية .أقول هذا بكل
الـجــوف مـحــور العمل وهــويـتــه ،هــل أدى ذلك لسالسة النص أم تقييدة؟ تفاعلت معها ُ ρ ρرواي ــة «الحلم المعلّق» وعشت لحظات كتابتها مغمورًا بلحظات
تملكت تــمــا ًمــا قــلــمــي ووعــيــي كــثــي ـرًا،
فطرحت فيها أجناسً ا من األدب التي
قال عنها األستاذ الدكتور العيادي جاءت
مزيجً ا من الشعر والنثر .كنت منغمسً ا
بالكتابة خارج اللحظات التي كنت أكتب فيها وخــارج الزمن .قلت فيها ما خطر لي ،ولم أ ُقيّد النص ،فجاءت بانسيابية
وبدون تحفظ.
¦يـ ــأتـ ــي ال ـ ـنـ ــص بـ ـع ــد خـ ــوضـ ــك ل ـت ـجــربــة
صدق وشفافية ،وما ورد في الرواية من
إرهاصات .فالتجربة جزء مما نعيشه. أمــا مــا قــالــه بعض الــقــراء إنــنــي عنيت ـاصــا بــذاتــهــم بــأســمــاء مستعارة. أشــخـ ً
فــهــذا ليس صحيحً ا ذلــك أن الــروايــة عمومًا تقوم على الرمزية ،وال تستهدف
أشخاصا بذاتهم ،الرواية عمومًا تلمس ً معاناة اإلنسان في كافة جوانبها .ولذلك
كان المحور معاناة «الجوف» وعشقها. مقال ذات يوم عنونته ً والتي كتبتُ عنها
«الحسناء الشاحبة» ،وكــان واحــدًا من العديد مــن المقاالت التي كتبتها عن
الجوف.
رئاسة المجلس البلدي وخــروجــك منه ¦ي ـم ـتــدح أ .د الـ ـه ــادي الـ ـعـ ـي ــادي /أس ـتــاذ باستقالة .هــل أردت أن تحقق بالرواية األدب الحديث تجربتك في رواية الحلم مالم يمكن تحقيقه بالواقع؟ ρ ρمن المؤكد أننا نتأثر بتجاربنا وما نمر
المعلق؛ ففيها كتابة سردية بــروح تمزج بين الشعر والنثر .كيف ترى ذلك؟
بــه .وتجربتي بالمجلس تجربة كانت ρ ρفــي الــبــدء ،أجــدهــا فــرصــة ومناسبة مزعجة ،لم أحقق فيها الهدف الذي كنت ممتازة أن أقدم شكري الجزيل ،شكرًا بال أرجــوه ،ولم تحققه الــدورات التي قبلي
114
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
سقف ،لألستاذ الدكتور الهادي العيادي.
مواجهات
الذي كتب رأيه بالرواية وهو ال يعرفني
وما أريد أن أقول .وفي كتابة أوراق العمل
يقابلني حتى اآلن؛ ولهذا أشعر بقيمة
أما العمل اإلبداعي سواء أكان روائيًا أم
من قبل ،ولم يسمع عني ولم أقابله ولم
ما كتب وأثمّنه .مسودة الرواية وصلت
لألستاذ الدكتور العيادي من الشخص الذي عرضت عليه قراءة الرواية وطلبت رأيه فيها ،وهو الدكتور فتحي الخليفي
أستاذ األدب بجامعة الحدود الشمالية، والــذي لم أعرفه هو أيضا حينها ،ولم
أقابله إال بعد طباعة الرواية وصدورها. أعــطــيــت فــي الــبــدء الــمــســودة للدكتور
سلطان عقال المرشد بالجامعة «عضو مجلس الشورى حاليا» ،وطلبت منه إن
هناك خطوات ومنهج ال يخضع للهاجس. شعرًا ،فهو حالة خروج وانفالت وتمرد على المألوف ،وكلما كــان كذلك كانت
قيمته اإلبداعية .اإلبداع في تقديري ال يعرف القيود وال الهواجس أو المواقف. هو حالة استثنائية أفقها مفتوح ،هاربة
فاتنة آسرة متحررة جريئة عذبة ،تنطلق من أغــال تخترق رتابة الــواقــع بحدة.
يتفتق فيها الحرف كما تتفتق البراعم والزهور على أغصان الشجر .تحلق كما
تحلق الطيور في مسبح الكون.
كان يعرف من أساتذة األدب بالجامعة ¦هل ترى الساحة الثقافية العربية باتت من يعطيني رأيه بالرواية ليعرضها عليه. أفضل حاال أم أنها في نكوص؟
سلمها للدكتور فتحي الخليفي الذي بعد
قراءتها صار بيني وبينه اتصال هاتفي، فأثنى على الــروايــة ،وع ــرض عــلــيّ أن
يبعثها بالبريد لألستاذ الدكتور الهادي العيادي بتونس ،فأرسل المسودة للعيادي في تونس الذي قرأها وكتب رأيه المنشور
بالرواية ،مقدمة للرواية .مشكورا ،قبل أن أكلمه أو أتواصل معه.
ρ ρبين عام 1413هـ 1417 -هـ ،كتبت في الملحق الثقافي بالجزيرة .كنت مشغوال بالهم الثقافي ،وأتابع وأقــرأ المشاريع
الثقافية العربية ،لمحمد عابد الجابري، عبداهلل العروي ،حسن حنفي ،زكي نجيب محمود .وغيرهم ،ولمهتمين أيضا بشأن الثقافة والفكر والنقد :علي حرب ،نصر
حامد أبو زيد ،إدوارد سعيد ،عبداإلله
¦مــا هــو تأثير الـهــواجــس الـتــي تشعر بها
بلقزيز ،محمد أركـــون ،طيب تيزيني،
ρ ρفــي كتابة الــمــقــال أكــتــب عــن موضوع
محمود أمين العالم ،برهان غليون ،هاشم
والمواقف التي تمر بها في كتابتك؟ محدد ومرصود في فكرته وموضوعه،
وعندما أبدأ ..تنثال على قلمي األفكار
مواجهات
صـــادق ج ــال الــعــظــم ،جــمــال بـــاروت، جعيط ،الصادق النهيوم ..وغيرهم ،مما
ال يتسع المجال لذكرهم.
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
115
جائحة كورونا تحدت األنسان وكشفت ضعفه و ستترك العالم بندوب وجروح عميقة ،و أسقطت ورقة التوت عما كنا نظن أن الغرب يملكه من تقدم صحي مذهل بعد تــقــاعــدي ،ب ــدأت أكــتــب بإخبارية
الجوف اإللكترونية «مــراســي» ،فكتبت
مقال عنونته «ثقافة الزوابع» ،وفي المقال ً
ذكرت إنه منذ أن كتب طه حسين «الشعر الجاهلي» ،وعلي عبدالرازق «اإلســام وأصـ ــول الــحــكــم» ،مــــرورًا بــأزمــة نصر
حامد ،والحملة على حيدر حيدر وروايته
«وليمة ألعشاب البحر» وديوان أبو نواس.
والنقد الذي ضيّع جورج طرابيشي عمره
ووقته فيه ،يتعقب مؤلفات محمد عابد
الجابري ثماني سنوات ،وثقافتنا ثقافة
مبعثرة لــم يجمعها جامع يعكس آمــال الــمــثــقــف واإلنـ ــسـ ــان الــعــربــي عــمــو ًمــا
وطموحاته.
المنظمات العربية المعنية بهذا الشأن لم فاعل ،والشاهد أن خططها ً يكن دورها
الثقافية منذ مطلع السبعينيات لم تحقق إال نتائ َج محدودة .أما الجامعات فهي
قالع أكاديمية معزول بعضها عن بعض
وعن المجتمعات .نحتاج برامج ثقافية عربية في إطار عربي شامل يعزز قدرة
الثقافة العربية على المنافسة والندية؛
ثقافة مبدعة لها امتداد إنساني بعيد وعميق .في هــذا الــفــراغ ظلت الثقافة العربية مع كل محاولة تجديد وإبــداع
تواجه اختالف الرأي بالسالح وبالهجوم.
إنها في تقديري في تراجع ونكوص!
متاريس وزوابع ،راح ضحية الرأي والفكر ¦هل تكتب الرواية كعمل متخيل؟ أم أنك ت ـحــاول ربـطـهــا بــالــواقــع وحتمية دخــول فيها حسين مروه ،ومهدي العالم ،وأجبر
سيد القمني على التخلي عن مؤلفاته، وتعرض نجيب محفوظ لالغتيال .نحن
الـسـيــرة .م ــاذا عــن ارت ـبــاط رواي ــة الحلم المعلق بسيرة (سكاكا)؟
أول على أن تجربتي ننقد ونهاجم ونتمترس قبل أن نقرأ .على ρ ρال بد من التأكيد ً الساحة الثقافية كل مفكر وناقد ومثقف في كتابة الــروايــة هي تجربة محدودة
يحمل تحت عباءته أيدلوجيته.
إن مهمة الثقافة السائدة مهمة سهلة
ومركبها ليّن ،إنها ثقافة المألوف ،أما محاوالت التغيير فهي تتم في مجملها في حــدود ضيقة وعلى مستوى فردي،
كالمشاريع التي أشــرت إليها ،فراحت
116
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
ومتواضعة .تجربتي في الحلم المعلق رغــم أنــه ينظر اليها على أنــهــا سيرة
«للجوف» ،وقال عنها العيادي إنها مهداة
للجوف أكثر من القراء ،ولكنها ال تخلو من الخيال الذي المس الواقع ربما بشكل
مباشر ،الحلم المعلق حالة من العشق
مواجهات
والوجع مما أصاب المعشوقة .وتطويقها
بحلم ظــل مــعــلـ ًقــا ،وظ ــل أه ــل الــجــوف
يبحثون عنه عند منبت الشمس .حلم سيعذب ضمير الزمن .رواية «أم شمل» يُلحظ فيها الخيال أكثر ،فكل أحداثها تدور في المتخيل ،رغم أنها كانت ترصد
فترة زمنية لواقع معاش.
¦كيف ترى صدى رواياتك وما هو العمل الذي حقق أكبر صدى؟ ρ ρلم أتابع ذلــك بشكل أستطيع معه أن أبــدي رأ ًيــا محددًا بهذا ،لكن من خالل
حسابي بتويتر والــســؤال عــن الــروايــة
وكيفية الحصول عليها .أعتقد أن رواية الحلم المعلق .أخــذت صــدىً واهتمامًا
أكثر من «أم شمل» خاصة بالجوف .ولعل هذا يبين لي أكثر في طبعة الحلم الثانية
التي أعمل عليها والتي سيتاح لها توزيعًا
أكثر من الطبعة األولى بالمنطقة.
¦ه ــل ت ــذك ــر أس ــات ــذت ــك الـ ـق ــدام ــى وم ــدى تـ ــأث ـ ـيـ ــرهـ ــم فـ ـ ــي ش ـخ ـص ـي ـت ــك وب ـن ـي ـت ــك الثقافية؟
حمود مريحيل المبارك
م ـدّنــي بكتاب «عصاميون عظماء من الشرق والغرب» لمحمد فريد أبو حديد، ولم يصعب عليّ قراءته؛ ألنه كان سيرة مختصرة لعلماء ومشاهير .لكن الكتاب فتح لي أفقًا جديدًا ،بعده صار يمدني بالكتب ،فــقــرأت فــي ظــال الــزيــزفــون، والفضيلة ،ومن ثم لـ طه حسين ،إلى أن ك ّونْتُ مكتبتي الخاصة ،فيما بعد. بالمدرسة على المستوى التعليم الرسمي كان أستاذنا محمد إبراهيم مسامح رحمه اهلل في المرحلة االبتدائية يدرسنا اللغة العربية ،وكان في حصة المطالعة يشدنا بالقصص الشيقة آنــذاك .عــاء الدين والفانوس السحري ،علي بابا ،األرنــب فيروز وغيرها ،فكان له تأثير بيّن في حبي للغة العربية والقراءة.
ρ ρتشكيل وعــيــي الثقافي وبــدايــة بنيته أر ّدهُ لصديقي وأستاذي الذي لم أدرس عنده ،األخ حمود مريحيل المبارك ،أم ّد اهلل بعمره .أذكــره وأشكره بكل مناسبة وال أتــــردد .ك ــان هــو مــن فــتــح لــي بــاب القراءة وحفزني لها في الصف الخامس ¦هــل ُتـطـلــع أحـ ــدً ا مــا عـلــى رواي ــات ــك قبل نشرها؟ االبــتــدائــي .فــي تلك المرحلة المبكرة
مواجهات
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
117
ρ ρنــعــم أطــلــعــتُ عــلــى مــســودة الــروايــتــيــن
الــثــقــافــات الــطــرفــيــة وأذاب ــه ــا بمحلول
الرواية األولى قرأ مسودتها األخوة عقل
الزمن اآلني وثقل دورته وسرعتها أصاب
الدرعان ،عبداهلل الظاهر ،حاتم عثمان
كثيرًا في قيم اإلنسان التراثية التقليدية،
عرضتها على متخصص ،الدكتور فتحي
وجــمــاع ـ ًيــا وعــاقــتــه بــالــعــالــم .حصون
العيادي ،فقدّم للرواية .كذلك في رواية
ثقافته ووعيه وإنسانيته رهين الثقافة
عليه وقرأها وزودني برأيه أقل بكثير من
¦مــا الــذي يدهشك وأنــت تــرى التحوالت
عددًا من اإلخوة الذين وثقتُ في رأيهم.
الضميري ،فيصل البحيران ،عبدالرحمن
الهوية والفاعل الثقافي في مقتل! وغيّر
وزودونــــي بــآرائــهــم المتباينة ،ومــن ثم
وقــوض كثيرًا من معاني وجــوده فرديًا
الخليفي ،حتى وصلت لألستاذ الدكتور
الثقافة لم تعد قائمة .اإلنسان بتشكيل
أم شــمــل ،ولــكــن الــعــدد ال ــذي عرضتها
األحادية واحتوائها له.
الرواية األولى.
¦ك ـي ــف ت ـ ــرى ث ـق ــل دورة الـ ــزمـ ــن وس ــرع ــة
وال ـج ــوائ ــح ت ـج ـتــاح ال ـع ــال ــم ،وك ـيــف تــرى تأثيرها عليه؟
الـ ـتـ ـح ــوالت وم ـ ــدى ان ـع ـك ــاس ذلـ ــك على
ρ ρمــا يجري بالعالم أدهــش البشرية كلها،
معزول كما كان محصنا ً ρ ρلم يعد اإلنسان
وما أحدثته من دمــار .أربــك العالم نفسيًا
العولمة وتطور التقنية واالتصال ،وهو
الكثير ..الكثير في العالم .عرّضت الدول
سرعة التحوالت اليومية هي األزمة التي
بعضا باإلغالقات والتباعد. العالم عن بعضه ً
مزعج ٍ بشكل ســريـ ٍـع ٍ تتدفق المعلومة
طويل ً التعافي مما أحدثته الجائحة وقتًا
انهارت سدود األمن الثقافي مع العالم
الجائحة االقتصاد العالمي ،وأنهكت القطاع
الثقافة واإلنسان؟
فــســرعــة الــجــائــحــة وانــتــشــارهــا وتحولها
من الوافد .العالم أصبح قرية صغيرة مع
واقــتــصــاد ًيــا واجتماعيًا .غـ ّيــرت الجائحة
واقع مذهل وضاغط في الوقت نفسه.
لخسائر فادحة؛ بشرية ،واقتصادية ،وعزلت
ترهق اإلنسان ويواجهها نفسيًا وماديًا،
غيّرت في كل ما هو حياتي وحولنا ،وسيحتاج
يصعب مالحقتها ومواكبة المنتج.
السبراني واخــتــرق كــل الــحــواجــز ،ولم
يستطع الرقيب رقــابــة المنتج الــوافــد وف ــرزه .تراجع الزمن المكاني ،وتسلل الــزمــن اآلن ــي ألطـــراف األرض ،فدمّر
118
الثقافة األحــاديــة التي ســادت العالم،
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
ليتحرر العالم مما هو فيه من إعاقة .شلت الصحي حــول العالم؛ فالكلفة والمواجهة
كانت أكبر من إمكانات القطاع الصحي في كثير من دول العالم إن لم يكن العالم أجمع.
لم يستطع العالم احتواءها بسهولة فظل
مواجهات
معاقًا أمام مواجهتها ،ليس بيده أي سالح لمقاومتها وصــدهــا .لقد تحدت اإلنسان وكشفت ضعفه .وأكــثــر مــن هــذا أسقطت الجائحة/الكارثة ورقــة الــتــوت عــن عــورة الغرب ،ومــا كنا نظن أنــه يملكه من تقدم صحي مذهل .وقف حائرًا عاجزًا ،فاختل توازن العالم .وحتى اآلن مع اكتشاف اللقاح، ما يزال اإلنسان مكب ًّل في حركته وحياته ومعزوال .وال أظنها ستترك العالم بال ندوب وجــروح عميقة ،وظهور دول وسقوط دول على خريطة العالم. ¦رأيــك في عبارة «مارتن لوثر كنج االبــن» الكراهية تشلُّ الحياة ..والحب يحررها؟ ρ ρالكراهية داء ،والــحــب دواء .الكراهية
صــحــراء قفر مــوحــشــة .والــحــب شــاالت ρ ρالزمن أسرع من أن تلتقطوا أنفاسكم. ومضمار السباق إن لم توظفوا طاقاتكم تتدفق ،ومساحات خضراء واسعة تتفتق
براعمها وزهورها نضر ًة جميلة .الكراهية انغالق وحصار نفسي واجتماعي ،والحب أفق مفتوح على اآلخــر ،ومساحات واسعة من الضوء مقابل أقبية مظلمة من الكراهية. ولكن ال بد هنا من اإلشارة إلى أنني أميز بين ردة الفعل والموقف وبين الكراهية. ردة الفعل ثورة تأتي عندما تشعر بالجرح أو اإلهانة وقد تطول أو تقصر ،والموقف يكون أحيانًا تعبيرًا عن مبدأ .وفي كل األحوال التسامح سيد األخالق. ¦ما هي كلمتك لجيل الشباب؟
مواجهات
ووقتكم وجهودكم وتستثمروها بكفاءة وفــاعــلــيــة ..ســتــفــوت عليكم ف ــرص لن
تستطيعوا تعويضها .الزمن ال ينتظر من يتأخر .العالم اليوم يقوم على المعرفة
المركبّة المتغيرة والمولّدة لمعرفة جديدة على نحو ال متناهٍ .ومَن يملكها يسيطر على العالم ،فاسعوا المتالكها بكل حيوية
ونشاط وإص ــرار .لقد خــرج العالم من قرن المعرفة القطعية إلى قرن المعرفة المتغيرة بشكل مذهل ،ومن يملكها يملك القرار األخير .المكسب لمن يكن على
مستوى التحدي.
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
119
الم َع َّلق.. الح ُل ُ ُ م ُ
الح ْم ْد ومالمحها الجوفية بامتياز لخالد عبدالكريم َ
■ غازي خيران امللحم*
ما بين طرفة عين والتفاتتها ،ترنّح ناصر.. مادت األرض تحت قدميه ،ثم هوى جملة من علياء آماله وطيوف أحالمه مريضا ،يصارع األلــم ويكابد أم ــواج االحــتــضــار .وكــان كلما راح في غيبوبة ثم عاد من غشاوتها ،تأمل في وجوه الحضور ممن يلتفّون حول سريره، وأخذ يهذي بذاك الحلم القديم الذي ما برح يسكنه ،يرسم مالمحه المستقبلية ،ويتخيل سبيل الولوج إلى تحقيقه. لكن وقبل تحقيق حلمه ذاك ،كان
للقدر كلمته ،ومضى ناصر إلى جوار ربه ،وانتقل إلى رحمة اهلل تعالى ،وغادر
الدنيا بعد عمر عاش جله بعيدا عن
الجوف ،قريبا منه بقلبه وتفكيره.
ألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينًا باإلياب المسافر
الحمد" ،بصمات النهاية على فصول روايته" :الحلم المعلق" ،ذات المالمح الجوفية ،التي استهل مجرياتها باإلشارة إلى ناصر الذي يعد األكثر حضورًا في حيثياتها القصصية ،ومحور الحدث تــــداول فــي بنيتها الــســرديــة، ً األكــثــر وتسلسل لقطاتها الدرامية.
نــاصــر ..ذلــك الفتى ال ــذي ترعرع بهذا المشهد األخير والمؤثر ،وضع ونشأ في بيت خاله ووسط عائلته وبين األدي ــب والــقــاص" :خــالــد عبدالكريم أطفاله ،على أثر فقده لوالده ثم بعيدًا
120
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نوافذ
حين وفاة أمه ،وهو لم يزل في عمر الزهور، إال إن الحزن ما برح يالزمه ويالحقه في كل خطوة يخطوها ،والتي بدت تتضح معالمها منذ انتسابه للمدرسة والسير في ركابها بتفوق ظاهر ،لكن تلك الفترة لم تخ ُل هي أيضا ،من بعض الهنات الحزينة والمؤلمة لناصر ،فقد فجع بموت أخيه سند ،وفراق أخته ليلى عقب زواجها .وفي تلك األثناء المضطربة نوعً ا ما من حياة الفتى ،تخرج من الثانوية العامة بــدرجــات عالية أهلته لالبتعاث إلى أمريكا والدراسة في إحدى خالد عبدالكريم الحمد جامعتها. وبساطتها ،لم تغادر مخيلته ،وظلت حلمه وفي بداية مشواره هناك ،تعرض لبعض الكبير الذي ال ينفك يعاوده ،ويتلجلج بإصرار المنغصات ،كونه لم يألف الكثير من تقاليد في خلجات صدره. البلد وعجيب عاداته ،التي بدت مستنكرة وكوميض البرق انسلت السنون تترى، وغريبة عليه ،لكن مع األيام وانغماسه في ومضت تحث الخطى في سبيلها ،وكبر أوالد الــدراســة ،بــدأ يتأقلم مــع وضعه الجديد ناصر وحصلوا على شهادات عليا أهلتهم ويعتاد عليه ،لكن الحزن ما يــزال يناوشه ،لشغل وظائف مناسبة. فتوفي خاله الــذي كــان بمثابة أمــه وأبيه وهكذا ،أمضى ناصر في تلك المفاوز اللذين رحال عنه ،لكنه دارى حزنه ،وواصل النائية ،نحو أربعين سنة ،قرر بعدها العودة مسيرته الجامعية ،الــتــي تخللتها هــاالت إلى الوطن ،واالتكاء على وســادة "الجوف" منوعة من الفرح والترح ،تعرف خاللها على األثيرة ،وأخذ قسطً ا من الراحة ،في ذلك "سلمى" ..فتاة عربية كانت تــدرس الطب، الوسط الذي ما انفك شذاه يعبق بتالفيف وتــشــاطــره العيش بصحبة ذويــهــا فــي بلد االغتراب ،ما لبث إن تزوجها بعد فترة من روحــه ،ويمنحه النشوة التي كان يفتقدها، تخرجه ،واضطالعه ببعض األعمال هناك ،وهو هناك في دهاليز غربته. وأخــي ـرًا ،عــاد ناصر إلــى أرضــه وناسه ورزق منها بربع دسته من األطفال. وعلى الرغم من تلك التحسينات التي وموئل ذكرياته ،فوجدها ما تزال على حالها بدت مالمحها تتجلى في حياة ناصر ،إال إن من بدائية ،وعدم تطور كان ينشده ويتخيله. وبفعل الصدمة التي لم يكن يأملها ،غادر طيوف "الجوف" بمزارعها البدائية وبيوتها الــقــديــمــة ،وطيبة أهلها ونــقــاء سريرتهم ناصر الجوف إلى الرياض حيث مكان عمله
نوافذ
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
121
الجديد ،فاستمر به لفترة ما ،لكن حنينه إلى "الجوف" ،جعله يقرر العودة إليه ثانية، ليستثمر جــهــده فــيــه ..فــي مسقط رأســه وعشقه األزلي. صادف العديد من الصعوبات ،وتعرض لبعض المواقف واألح ــداث والمضايقات، ّض حلمه التي لم تكن في الحسبان ،مما عر َ لالهتزاز العنيف ،وخشي عليه من السقوط.
مبارحتها أب ـدًا ،كما كان شأنه ،وقضاء ما بقي له من الحياة فوق ترابها األثير لنفسه، حتى تحين رحلة العمر األخــيــرة ،التي ما لبثت إال هنيهة من زمــان وحلت ،وأســدل الستار على مجمل مفرداتها وتفاصيلها، وأم ــس ــت صــفــحــات مــطــويــة م ــن ســجــات الماضي ومدونات العمر الذي انقضى.
لكن طيب المكان وسحره العفوي ،بعث فيه األمل من جديد ،فعاد يتشبث بتالبيب حلمه المعلق ،الذي تُوّج بالوصول المفاجئ لزوجته سلمى مع بعض أبنائه الذين تركهم خلفه في مغتربهم البعيد ،فانتابه فر ٌح غام ٌر لم يهنأ به أو يتذوقه من سنين خلت .وهكذا التأم شمل العائلة مجددًا .ولما كانت طبيعة األيام التقلب ،وألمر ما توقف ناصر خاللها عــن اهتماماته السابقة ،التي تمثلت في مشاهدة التلفاز وإدمــان القراءة وغيرها.. وعلى غير موعد أو انتظار ،تعرض ناصر لفترة سجن وجيزة ،بسبب وشاية مزيفة، للنيل من شخصه وتعكير سمعته ،لكنها ما لبثت أن انزاحت وظهر بطالنها ،فعاد ناصر إلى بيته وأهله وجيرانه ،دون تأثر يذكر بتلك الحادثة ،التي باتت بالنسبة إليه مجرد زوبعة في فنجان.
عــلــى ه ــذا الــنــســق مــن تـــدرج األحـــداث وانسيابها ،تتالت فــصــول روايـــة« :الحلم المعلق» ومقاطعها الملونة ،التي ساقها األديب القاص« :خالد عبدالكريم الحمد»، بأسلوب حــواري وســردي عفوي ،بعيدًا عن التشابك الزائد والتعقيد الدرامي ،تتخلله بعض الشواهد الشعرية التي جاءت إلشباع الــحــدث وتــجــمــيــلــه ،لــيــتــنــاســب وصــيــرورة الحاالت والمواقف ،التي مر بها شخوص الرواية ،تطرق من خاللها المؤلف لقضايا اجتماعية وخدمية عــدة ،منها التعليمية والصحية ،وسواهما من شؤون بلدية وإدارية وما إلى ذلك من اهتمامات أخرى إنسانية. كما أورد الكاتب بعض لمحات رمزية في بعض اللقطات الحوارية ،كالتي رددها ناصر وهو على فراش المرض في لحظاته األخيرة مثل قوله :الحلم ..الحلم.
وبعد كل هذه الفصول الحياتية المتباينة، واألح ــداث التي مر بها ناصر ،واستجابة لتعلقه بربوع الجوف وأهلها ،قرر المكوث الــدائــم على أرضــهــا وبــيــن أنــاســهــا ،وعــدم
صدرت الرواية عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت ،في العام 1438هـ .وتقع في ( )270صفحة من القطع الوسط ،موزعة على ( )44فصال.
* كاتب من سوريا مقيم في الجوف.
122
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نوافذ
رحل ُة الشتاء
بين ال َّد ُ ح ْو َمل خول و َ
(((
الردادي* ■ د .عائض ّ
أ -رحلة الشتاء
هــو اســم أطلقه أعـضــاء الــرحـلــة على رحلتهم السنوية الـتــي تـكــون فـي البر، فـي فصل الشتاء ،وأعضاؤها مجموعة من أعضاء مجلس الـشــورى السابقين، يعشقون البر ،ويحنّون إلى الماضي ،ربطتهم محبة كانت بدايتها قاعة مجلس ال ـش ــورى ،ثــم تــوطــدت مــن خ ــال ه ــذه الــرحـلــة الـحــولـيــة ال ـتــي يـتـشــوقــون إلـيـهــا، وقــد ذكــر د .عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل أن «الفكرة بــدأت مطلع شتاء عام «الشور ََّحالة» 1420ه ـ ــ2000/م» وقــد كتب عنها 14صفحة فـي ذكرياته((( وسمّ اها ُّ نحتًا من كلمتي شورى ورحالة. وتمويل) فـي ً ومنظم الرحلة (ترتيبا كل السنين هو د .زياد بن عبدالرحمن السديري ،وأَقتِبس السطور التي كتبها عنه د .الشبيلي ،إذ وصف وأجاد ،وهي «قائد الرحلة د .زيــاد السديري على درجة عالية من الثقافة الصحراوية فـي معرفة القبائل واللهجات ،واالتجاهات، وقراءة األثر ،وتحديد المواقع ،والثروة الحيوانية ،والغطاء النباتي ،واألنــواء،
نوافذ
ونظافة البيئة ،وروايــة الشعر النبطي وقــرضــه ،وحــفــظ ال ــم ــوروث الشعبي من القصص والنوادر واألمثال ،وذلك فضال عن اللياقة البدنية»(((. بعد تجارب كثيرة ،استقر موعدها لتكون أوائــل الشتاء تح ُّينًا الخضرار األرض ،وتجنُّبًا للمعاناة حين كانت فـي أواخر الشتاء من عواصف وغبار، ويُرتَّب لها قبل بدئها ،إذ يجتمع األعضاء 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
123
جبل الصاقب
فـي منزل قائدها ،أو بيت أحــد أعضائها للب ّر مع سائقيها يتكفل بها د .زياد. للتخطيط المسبق لرحلة كل عام قبل نحو وقبل الــوصــول بــأيــام ،تكون الخيام قد شهرين من موعدها ،ويتركون تحديد المكان نصبت ،فمنها ما يكون للنوم ،ومنها ما يكون للدكتور زي ــاد؛ لخبرته فـي األمــاكــن ،وإذا مجلسً ا الجتماع الرحالة ،ومنها ما يكون وقع اختياره على مكان أرسل إليه من يطلّع لمائدة الطعام ،وال يُحْ ِضر الرحالة معهم عليه ،لمعرفة مناسبته ،من حيث سهولة سوى أمتعتهم الشخصية والفراش المغلق ((( الطرق ،ومناسبة مكان المخيم والمُضحَّ ى ( )sleeping bagsالــذي من أهــم أغراضه والتعرف على معالم المكان بشكل عام. الــســامــة مــن الــهــوام والـ ــدفء مــن الــبــرد، وأحيانا يؤمن المضيف سُ ررًا فـي الخيام كما حصل فـي رحلة العال ،فال يحتاجون إليه، وهذا الفراش وال َفرْوة من األشياء الدائمة، وغالبًا ..كل عضو يطويه إذا عاد ،وال يفتحه إال فـي مكان رحلة العام القادم.
وإذا ما حان التاريخ انطلق الرحالة من منزل د .عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل سابقًا ،ومن منزل أ .محمد الشريف حاليًا، وكل منهما يهيئ لهم طعام الغداء ثم يمتطون السيارات المناسبة لرحلة البر فـي وقت واحــد ،ما لم يكن المكان بعيدًا فـيذهبون يتكفل المضيف بكل ما تستدعيه الرحلة بالطائرة ،وهناك تستقبلهم سيارات مالئمة من خيام ،وطعام ،وماء ،وعمال طبخ وخدمة،
124
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نوافذ
ـراك وط ــاوالت وزوال ومـ ـ ٍ ٍ وحــطــب وفــحــم، أحيانًا ومولد كهرباء ،وفـي السنة األخيرة صص لكل شخص حصل فـيها تطوّر؛ إذ خُ ّ خيمة صغيرة ،فـيها الخصوصية واألمان من الهوام ،وتطور آخر هو تأمين فحم صناعي يستمر ست ساعات وال دخان فـيه ،مما جعل الرحلة ليس لها من الماضي إال صحراوية ضرية ،بل فيما عدا المكان ،فهي رحلة ب ّر حَ َ حالة الجو رحلة ترفيه. وبرنامجها فـي يومي الخميس والجمعة يبدأ بأداء صالة الفجر جماعة ،ثم يحتسون القهوة والحليب بالزنجبيل مع التمر ،ليتناولوا الفطور في الساعة السابعة .ثم يبدؤون فـي ُضحَّ ى الذي فـي التاسعة االنطالق إلى الم َ الغالب يبعد عن مخيمهم نحو عشرة أكيال ماش لمن استطاع ،أو راكب سيارة، ما بين ٍ أو من يُقسّ م المسافة بينهما ،فــإذا حان وقت صالة الظهر صلوه مع العصر جمعًا وقصرًا ،ثم تناولوا غداءهم ،وما قبله وبعده جلسة تعمرها أحاديث ثقافـية أو طرف،
وقد يمارس بعضهم لعبة البالوت ،فإذا قرب العصر انطلقوا بالطريقة نفسها ،وقبيل المغرب يكون ِعقْدهم قد اكتمل فـي المخيم، فـيصلون المغرب والعشاء ثم يتناولون العشاء فـي وقت مبكر ،تتلوه جلسة سمر ،واألغلب أن نومهم ال يتأخر عن العاشرة ،وقد يتأخر بعضهم إلى الحادية عشرة ،أما يوم السبت فهو الختام ،إذ يتناولون ما يسمّونه فطورًا غداءً ،ثم يبدأ مشوار العودة.
د .زياد بن عبدالرحمن السديري
جلسة تحت ظالل طلحة بجوار جبل الصاقب.
نوافذ
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
125
المخيم بجوار جبل الصاقب
هــذه المجموعة تجمعهم صفة واحــدة هــي عــضــويــة ســابــقــة فـــــي ال ــش ــورى ،لكن تتنوع تخصصاتهم من شرعية ،وقانونية، واقــتــصــاديــة ،ولــغــويــة ،وتاريخية ،وآثــاريــة، وتــربــويــة وإداريـــــة وطــبــيــة ،منهم المدني ومنهم العسكري ،ومنهم أستاذ الجامعة، ومنهم الــمــســؤول اإلداري ســابـ ًقــا ،ومنهم رجــل األعــمــال .ويــتــنــوع حــديــث جلساتهم بين الجد والهزل ،وإذا طرح موضوع جا ّد أعطى الحديث فـيه للمختص ،وال ترتيب بينها ،فقد يكون الحديث ج ــادًا فـينتقل للمزاح والمداعبة ،وقد يكون العكس ،وفـي كل األحــوال فإن اإلطــار العام فـي الجلسة هو الوقار واالحترام ،وكأن جلستهم هي ما صوّره راكان بن حثلين فـي قوله: َ
يا محال الفنجال مع سيحة البال
126
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
فـ ــي مجلس مــا فـيه نـفــس ثقيله إنه مجلس ثقافة راقية ،أخذ من الصحراء أصالتها ،ومن الحضارة الحديثة رفاهيتها، يعمرون المكان إذا نزلوه ،وإذا رحلوا عنه تركوه نظيفًا كما وجدوه. ليس للرحلة مكان محدد ،فكل مناطق المملكة مكان لها بعد دراسة مناسبته ،ولن يتسع المجال وال ما احتفظت به الذاكرة لــذكــر شــيء عــن كــل رحــلــة ،ولــكــن سيشار لبعضها على سبيل المثال. م ــن أبـ ــرز ال ــرح ــات رحــلــة إلـــى الــعــا 1436هـــــ2014/م ،وكانت بالطائرة ،وجال الرحالة بين جبال العال ورمالها وآثارها القديمة والحديثة ،ومن حسن حظهم أنه كان بينهم د .خليل البراهيم العالم اآلثاري
نوافذ
الذي عرفهم على اآلثار والكتابات ،وبخاصة حضارة «دادان» ،وقلَّ أن يستجيب الرحالة لدعوة من األهالي ،بل يعتذرون لهم اعتذارًا مقبوال ،لكن فـي رحلتهم هذه زارهم د .سعود البلوي وعرَّفهم بشجرة البان العربية((( التي تشتهر اآلن بشجرة المورنجا (،)moringa وهي شجرة تنبت فـي سفوح جبال الحجاز وشعابها ،ولكن أهــل العال استنبتوها فـي «جيدة» المزارع وأنشَ ؤوا معصرة فـي قرية ِ كيل ،وقد التي تبعد عن العال غربًا نحو ً 120 استجابوا لدعوته ،فزاروا منابت «البان» فـي الجبال ،وفـي بعض مزارع البان ،ومعصرة «جــيــدة» ،وأخذ الثمرة ،وحظوا بكرم أهــل ِ د .عبدالرحمن الشبيلي بعض أعضاء الرحلة بذورها وزرعوها ،وكان ذلك مما ميّز هذه الرحلة. وب ــدأ الثلج ينقشع ،ويظهر وجــه األرض أما رحلة سامودة((( فـي شمالي المملكة ،األخضر ،وبدت اإلبل تنتشر بأعداد كبيرة فلم تكن مفاجآتها تخطر على البال ،حيث عن يمينهم وعن شمالهم مؤكدة وصفها بأنها نام الرحالة كالمعتاد بعد ليلة سمرهم حول سفـينة الصحراء. نار السّ مْر الملتهبة التي تشعر من حولها بالدفء ،لكنهم قضوا ليلة ليالء تحت لسعات الــبــرد الــذي لــم يخفف منه لباس وفــراش مغلق ( )sleeping bagsوال فروات ومشالح وبر ،وعند االستيقاظ للصالة وجدوا الماء جــام ـدًا ،والــخــيــام ملتحفة بالثلج ،ودرجــة الحرارة 7درجات تحت الصفر ،فمنهم من ـخــن الــمــاء ،ومنهم من أخذ انتظر حتى سُ ـ َِّ بفتوى التيمم ،وفتحوا عيونهم على األرض أرضــا مكسوة بالثلج، بعد اإلشــراق ،فــرأوا ً وكانت ليلتهم الثانية أشد من األولــى ،لكن كل ذلك لم يقلل من متعتهم بالرحلة ،فبعد احتساء الحليب الحار الممزوج بالزنجبيل، تناولوا إفطارهم ،ثم انطلقوا إلى مضحّ اهم،
نوافذ
ومن رحلة شمالية إلى رحلة جنوبية فـي العام التالي ،فـي محمية ُعرُوق بني مُعارِ ض، جنوب شرقي وادي الدواسر ،على مشارف الربع الخالي فـي ربيع عام 2018/1439م، ليل ولم تكن قاسية ،فقد كان الجو بــاردًا ً دافئًا نهارًا ،وسكنوا سكنًا مريحً ا يتبع إلدارة المحمية ،هــيــأه صــاحــب الــســمــو الملكي سلطان بــن سلمان بــن عبدالعزيز ،رئيس هيئة السياحة والــتــراث الوطني ،آنــذاك، تشجيعًا منه لهذه المبادرة ،ودعمًا للسياحة، واهتمامًا بها ،ونصب المضيف ســراد ًقــا يجتمعون فـيها ،مــؤ ِّمـ ًنــا كــل مــا تستدعيه الرحلة كالمعتاد ،مضيفًا سيارات مالئمة لطبيعة األرض ،وتمتّع الرحالة بجوالت على 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
127
جبل الصاقب
جبال من الرمال ،وقطعوا وديان المحمية، واســتــظــلــوا بــشــجــرهــا فـــــي مــضــحــاهــم، وشهدوا أثر الحماية فـي نبات الشجيرات وأعشاب المحمية ،وأبصروا قطعان الغزالن راكضة على الرمال ،والتقط نجال د .زياد (عبدالرحمن وخالد) صورًا عالية المستوى لكل ذلــك جسّ دت الرحلة أفضل تجسيد، مما يمكن أن يكوِّن ألبومًا رائعًا عنها .ومما فـي هذه الرحلة؛ زيارة مدينة الفَا ْو األثرية عاصمة مملكة كندة العربية ،واطلعوا على ما بذله د .عبدالرحمن األنصاري وزمالؤه فـي جامعة الملك ســعــود مــن جــهــود فـي التنقيب األثري الكتشاف هذه المدينة وما بقي أكثر(((. وفـي عــام 2019/1440م كانت الرحلة كيل، إلى طَ خْ فة التي تبعد عن الرس ً 150
128
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
كيل ،وكانت منازل لكثير وعن عفـيف ً 90 مــن القبائل العربية قبل اإلس ــام وبعده؛ وهي متنزّه جميل جمع بين الجبال والسهول والشعاب ،وبطاحُ ه نظيفة جميلة ،ولبلدية «مركز نَفِ ـي» الذي تتبعه إداريًا جهد واضح فـي المحافظة على نظافتها ،وكانت األرض خضراء ،وصفـيان الجبال المعة إثر سقوط األمطار ،جال الرحالة فـي الشعاب باألقدام وبالسيارات ،وقضوا رحلة سعيدة ،واعتادوا أن يكون يوم السبت بدون نشاط ،ولكنهم فـي هذه الرحلة خالفوا هذه العادة؛ إذ تناولوا اإلفــطــار عند زميلهم د .ح ــزام بــن هــزاع العتيبي فـي «نفـي» ثم تجولوا فـي المدينة القديمة ،وزاروا منزل الشيخ عمر بن ربيعان العتيبي ،ومنزل الشاعر ابن سبيل .ثم ساروا إلــى عــنــيــزة ..حيث لبوا دعــوة للغداء من زميليْهم د .عبدالرحمن الشبيلي ود .يزيد
نوافذ
العوهلي ،كانت الرحلة سعيدة ،لكنها كانت آخر رحلة لعبدالرحمن الشبيلي الذي انتقل إلى رحمة اهلل قبل رحلة عام 1441هـ. وحوْ مَ ل الد ُخول َ ب -بين َّ
فـي محيطها ما كتبه سعد بن جنيدل فـي كتابه النفـيس «عالية نجد»( ((1وفـي صباح اليوم األول اتجهوا إلى جبل الصاقِ ب ،وهو عال منفرد ،شاهق ،ال يمكن صعوده؛ جبل ٍ ألنــه صخرة واحــدة ملساء ،وإن وجــد فـي بعض جوانبه حجارة كبيرة ملتصقة به ،فـيها تجويفات جرّاء عوامل التعرية الطبيعية.
تـ ــاريـ ــخ ه ـ ــذه ال ــرح ــل ــة مـ ــن األربـ ــعـ ــاء 1441/4/28هـ إلى 1441/5/2هـ ،الموافق مــا بين 2019/12/28-25م ،وكــانــت فـي قــال عنه ابــن جــنــيــدل« :يــقــع فـي بطن عالية نجد ،بين األماكن التي ذكرها امرؤ (((1 القيس فـي أول معلقته((( ،ولذا صار لها وهج صحراء منخفضة تدعى جُ فْرة الصاقب» ، فـي النفوس الرتباطها بالذاكرة التاريخية وقــال عنه ابــن بليهد« :ال يوجد فـي بالد العرب هضبة أعالها أكبر من أسفلها إال والشعرية. (((1 هضبة صاقب» وصرّح ابن جنيدل :أن «ما الصاقب ِ جبل ذكره البكري وال َهمْداني فـي تحديد الصاقب سار الرحّ الة من الرياض على الطريق ال يــدع شكًا أن المقصود بذلك هــو جبل السريع إلى الطائف نحو أربع مئة كيل ،ثم الصاقب المعروف فـي هذا العهد ،ولم أطّ لع قُبيل الحُ ومِ يَّة((( اتجهوا جنوبا نحو ً 130 كيل ،على جبل يدعى بهذا االسم غيره»(.((1 حيث نُصب المخيم هناك فـي حضن جبيل وذكر القدماء أن جبل الصاقب يقع تلقاء مقابل لجبل الصاقب من الشرق ،ويبعد عنه مِ ل ْحة ،وهي هضبة حمراء تقع فـي جنوبي خمسة أكيال ،وليس بينهم وبينه سوى فالة خالية من الجبال ،يرونه أمامهم من المخيم .جفرة الصاقب ،وقال ابن جنيدل :إن «ملحة تدعى فـي هذا العهد األَمــيــاح»( ،((1ويقال َضم من وفوق الجبيل المجاور للمخيم ر ْ لجبل الصاقب أيضا صاقب الدَّ خُ ول «لقربه الحجارة فـي شكل جسر طويل يشبه الغرفة منه»( ((1وهو الوارد فـي قول أوس ين حَ جَ ر ثم يمتد منه مذنب حجري ،وحجارته ما راثيًا: تزال متماسكة ،وكان الظن أنه من متاريس الحروب القديمة لكن الدكتور خليل البراهيم ع ــل ــى الـ ــسَّ ـ ـ ّيـ ــد الـــــقَـــــرْم لــــو أن ــه (((1 ي ــق ــوم عــلــى ذروة الـ ــصـ ــاقـ ـ ِـب عالم اآلثار ،أفاد أنه من المدافن الحجرية القديمة ،وأنه يُعرف آثاريًا بالقبر المذنَّب، لــم يكتف ِالــرحــالــة بالوقوف عند جبل وهو ضارب فـي أعماق التاريخ. الصاقب ومشاهدته ،بل داروا حوله من كل وكان الرحالة عندما تقرر مكان الرحلة جهاته نحو كيلين ونصف الكيل ،ثم انطلقوا كيل قــد ق ــرؤوا عــن الــصــاقــب والــمــواضــع التي إلــى جبل حومل الــذي يبعد عنه ً 21 ذكرها امرؤ القيس فـي مطلع معلقته ،وما تقريبًا.
نوافذ
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
129
القيس:
(((1
حبيب ومنـزل ٍ نبك من ذك ــرى قِ ــفا ِ ْمل بسقْ ط اللِّوى بين الدَّ ُخول وحَ و ِ ِ وضحَ فالِ مقْ رَاة لم يَعْ ُف رسمُ هـ ـ ـ ــا فتُ ِ لما نسجَ تــها مــن جَ نــوب وش ــمأل
جبل الصاقب
وجُ ـ ْفــرة الصاقب الــتــي يقع فـيها جبل الصاقب ومــا حــولــه :وصفها ابــن جنيدل بأنها« :أرض منخفضة ،واســعــة ،محاطة بــتــال رملية ،وأرض دك ــاك ،وفـــــي بطنها خــبــاري ،تــنــحــدر فـيها ســيــول مــا حولها، وفـي وسطها يقع جبل الصاقب ..ويسميها بعضهم جفرة الصاقب ..غربًا جنوبيًا من الدخول ،وفـي ناحيتها الشمالية يقع جبل حومل ،وفـي حدّها من الشمال تقع هضبة ال َمن ِْخرة» ويضيف ابن جنيدل «وال يفهم من كلمة الجفرة معنى الضيق فـي مساحتها، ولكنه يدل على انخفاض بطنها وارتفاع ما حولها عليها ،فهي صحراء واسعة ،ورعيها مــن أطيب المراعي وأوفــرهــا ،وليس فـي بطنها مياه ،ولكن المياه التي حولها تصدر عليها»(.((1
كان معهم نص معلقة امرئ القيس فصار كأنه معهم ،يتتبعون األماكن التي وقف عليها وبكى ذكرياته ومنازله ،ومعهم إلى ذلك ما كتبه عنها سعد بن جنيدل محتويًا على أقوال الجغرافـيين السابقين والمعاصرين فـي كل مــوضــع ،يتحدثون ويــتــأمــلــون ،ويناقشون، ويــقــرؤون ،ويــصــورون ،فهم فـي مرابع فـي عــالــيــة نــجــد الــتــي خ ـلّــدهــا امـــرؤ القيس، وخلدها التاريخ ،وعُني بها الجغرافـيون ومؤرخو األدب. َحوْ مَ ل وصفه ابن جنيدل بأنه «جبل أســود ،له قمة بــارزة ،يقع غربًا من هضاب الدخول وشرقًا من الـ َمن ِْخرَة ...وهو معروف بهذا االســم قديمًا وحــديـ ًثــا» وأكــد ابــن جنيدل أن حومل هذا هو الــوارد فـي معلقة امرئ القيس؛ ألنه ذكر فـي قصيدته مواضع أخرى قريبة من الدخول وحومل ،وأنه غير حومل شعر لحسان بــن ثابت مع ٍ الــذي ورد فـي أماكن أخرى ،فتلك فـي بالد الشام(.((1
وجبل حومل ،وما حوله من جبال ،ما تزال معروفة بأسمائها عند أهل المنطقة ،ومنهم وصــل الرحالة من الصاقب إلــى حومل من لم يطلّع على ما كُتب عنها فـي المصادر، ووقــفــوا عــنــده وفـــــي ذاكــرتــهــم ق ــول امــرئ فهم يعرفون ذلك بالرواية والتوارث.
130
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نوافذ
الد ُخول َّ ورجّ ــح قوله هــذا بــأن جبل حومل وهضبة س ــار الــرحــالــة متجهين شــر ًقــا مسافة ال ــدخ ــول وســقــط الــلــوى بينهما مــا تــزال تقارب 12كيال ،فوصلوا إلى الدخول ،وهي معروفة ،وكلها قريبة من الميضاح( ،((2ولم يقف الرحالة على هذا المكان. هضاب متعددة ،تفصل بينها الرمال ،وذكر ابن جنيدل أنه يبعد عن عفـيف جنوبًا مئتي المقْ رَ اة ِ كيل( ،((2وتقدر المسافة بين جبل الصاقب هي وصف وليس اسمًا لمكان فهي مثل كيل. والدخول بخمسة وعشرين ً سقط اللوى ،ففـي القاموس «المقراة كل ما سقط اللوى
هو وصف لــأرض الواقعة بين الدخول وحومل وليس اسمًا للموضع ،فالسِّ قط هو ُمنْقَطع الرمل ،واللوى :هو حيث يلتوى الرمل ويَ ــرِ قّ ،وفـي شــرح البيت فـي ديــوان امرئ خص منقطع الرمل و ُملْتَواه؛ َّ القيس «وإنما ألنهم كانوا ال ينزلون إال فـي صالبة من (((2 األرض ليكون ذلك أثبت ألوتــاد األبنية» ومثل سقط اللوى فـي المعنى وصف ُمنْعَرج الصمّة: اللوى الذي ورد فـي بيت دريد بن ّ
أَم ــر ُتـ ـه ــم أمـ ـ ــري ب ـم ـن ـعــرج ال ـل ــوى فلم يستبينوا النصح إال ضحى الغد ورمال سقط اللوى ليست باللّيِّنة ،وليست بــالــصــلــبــة ،تميل لــلــبــيــاض ،وتــســيــر عليها الــســيــارات بيسر ،ومــن مكان آلخــر تظهر صخور غارقة فـي الرمال. وضح تُ ِ رجّ ح ابن جنيدل أن توضح التي ذكرها امرؤ القيس مع هذه المواضع هي األبرق الــذي يعرف حاليًا باسم أبــرق الميضاح، شرقًا من رمل ِعـرْق سُ بَيْع ،وهو قريب من جفرة الصاقب ،وغربًا من جبل الصاقب،
نوافذ
اجتمع به الماء» ،أي هي «الغدير الذي يجتمع فـيه الماء من قولهم قريت الماء فـي الحوض إذا جمعته»( .((2وأورد البكري فـي معجم ما استعجم «أن أبــا عبيدة يقول :إن المقراة ليس مــوضـ ًعــا ،وإنــمــا يريد الــحــوض الــذي يُجمع فـيه الــمــاء»( .((2ويرى ابن جنيدل أن المقراة هي جفرة الصاقب ،إذ قال« :ويبدو لي أن الجفرة هي الموضع الذي ذكره امرؤ القيس باسم المقراة مقرونًا بذكر الدخول وحومل وتوضح؛ لقرب هــذه المواضع من بعضها»( ،((2إلى أن قــال« :ولفظة المقراة تدل لغويًا على وصـ ٍـف جغرافـي ال يختلف عن تكوين الجفرة الطبيعي ...وقد أوضحت أن بطن الجفرة فـيه خباري شهيرة تجتمع فـيها مياه السيول ويشربها الناس»( .((2قال كاتب هــذه السطور :أرى أن المقراة هي الغدير الذي نحر عنده امرؤ القيس راحلته البــنــة عمه عنيزة وصويحباتها ،على ما سيأتي وصفه. بعد التجوال والوقوف عند تلك المواضع واســتــحــضــار الــتــاريــخ اتــجــه الــرحــالــة إلــى كيل، موضع جنوب جفرة الصاقب بنحو ً 15 وهناك قضوا مضحاهم ،فـي مكان بطحاؤه نظيفة ،وأشجاره خضراء ،فـي حضن جبال، 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
131
قبر مذنّب
واســتــظــلــوا بــواحــدة مــن طلحه ،وتــجــاذبــوا تـقــول وق ــد م ــال الـ َغــبِ ـيـ ُـط بـنــا معً ا الحديث حول امرئ القيس وحياته المرفَّهة عقرتَ بعير ي يا امرأ القيس فانزِ ِل مقتول ،فقال قولته ً قبل أن يصله نعي والده المشهورة «ضيَّعني أبي صغيرًا وحمَّلني دمه كبيرًا ،اليوم خمر وغدًا أمر».
وك ــان مما طــرقــوه فـي حديثهم قــراءة أبيات من معلقة امــرئ القيس ،منها التي وصــف فـيها نحر بعيره البنة عمه عنيزة (((2 وصويحباتها وهي:
أال ر َُّب يـ ــومٍ ل ــك مـنـ ـ ـهــنَّ صــال ـ ٍـح وال س ـي ــما ي ــومٌ بـ ـ ــدارة ُج ـ ـ ْلج ـ ـ ـ ِـل ـرت ل ـل ـ َعـ ـ ـ ــذارَى مط ّي ـ َتي ويـ ــوم ع ـق ـ ُ فـي ـ ــا عجبـًا مــن ر َْحــلِ ـ ــها المتحمَّ ـ ــل يـظــلّ ال ـ َع ـذَارى َي ْر َتـميــن بِ ل َْحمها وشَ ح ـ ٍْم كــهُ ــدَّ اب الدِّ مَ ــقْ ــس المُ ف ـَـتَّ ِل
وجُ ل ْجل اسم مكان وقع فـيه يوم من أيام العرب يسمى يوم الغدير أو يوم جلجل؛ إذ خرج الرجال للقتال وبقي النساء ،وتخلّف امرؤ القيس ،و َكمَن فـي مكان ليرى الفتيات ومنهن عنيزة وهــن يسبحن فـي الغدير، وتفصيل القصة فـي المصادر األدبية ،وما يهم منها هنا هو أنهن قلن لــه :غدِّنا فقد حبَسْ تنا وجوّعتنا ،فنحر لهن ناقته ،وأجَّ ـ َج النار ،وشوى لهن ،وجعل يقطّ ع لهن من كبدها وسنامها وأطيابها فـيرمينه على الجمر، ويأكلن حتى شبعن ثم حملن متاع راحلته، وحملت عنيزة امــرأ القيس على راحلتها، فكان يوم نعيم وسرور لهن والمرئ القيس(.((2
وشتان بين طعام امرئ القيس وصويحباته ويـ ــو َم دخ ـلـ ُـت ال ـخــدر خ ــد َر عُ ـنـ ْيــزةٍ وهن يرتمين بلحم ناقته ،أي يتهادينه بينهن ـالت إنك مُ ْرجـ ــلي فقـالـت :لك الوي ـ ُ فرحات بيوم السرور هذا ،وبين غداء الرحالة ٍ
132
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نوافذ
الــذي كــان من كل ما لذ وطــاب ،من لحوم األغنام والطيور ،مشويا وغير مشوي ،وكل ما لذ من أنواع الخبز ،وكل ما لذ من الخضار والفواكه ،ويحتسون القهوة مع أطيب التمور، ال يفترشون الــبــطــحــاء ،بــل يجلسون على الكراسي أو الزوالي مع المساند ،وكل يختار ما لذ له من وجبة متنوعة كما وصفها د. عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل فـيما كتب عن رحــات سابقة بأنها «وجــبــات فندقية تلبي جميع األذواق»(.((2 وقضوا مُضحَّ اهم فـي اليوم التالي بجوار هضبة ال َمن ِْخرَة وهي هضبة سوداء لها رؤوس ب ــارزة»( ((3تقع غربًا من حومل ،وتراها من الدخول ،وذكر ابن جنيدل أنها «تعرف فـي
هذا العهد باسم محرف تحريفا يسيرًا فيقال لها :المنحرة»( .((3وباتوا ليلتهم التالية فـي سَ مَر كالمعتاد ثم نوم وفطور فـي الصباح، تلته رحلة الــعــودة ،ممتلئة أذهــانــهــم بذكر الزمان والمكان فـي األيام البعيدة والقريبة. ومن طرائف هذه الرحلة أن أجهزة الجوَّال صمتت طول رحلتهم لعدم وجود إرسال ،وكان من يحتاج إلى مكالمة يذهب إلى طريق الطائف السريع ،مسافة تصل إلى ما يقارب مئة وثالثين كيل ،ويحمّله بعضهم جَ وَّاله ليستقبل الرسائل ً فـيأتي بها ،وهكذا يأتيك باألخبار من لم تزوِّد، وعرفوا كم من الوقت يهدر فـي االنكباب على أجهزة الجوال ،على ما فـيه من فوائد كثيرة لمن يحسن استخدام الوسيلة.
الهوامش: ((( محاضرة فـي مركز عبدالرحمن السديري ،فـي الغاط ،فـي 1441/6/14هـ2020/2/8 ،م. ((( «مشيناها ...حكايات ذات» ط1440 ،1هـ2018/م من ص .384- 371 ((( املصدر السابق ،ص .74 ((( املضحى :اسم للمكان الذي يقضون فـيه وقت الضحى ويتناولون فـيه وجبة الغداء. ((( البــان :واحدتــه بانــة ،تشــبه األثــل كثيـ ًرا ،تنبــت فـــي اجلبــال والشــعاب ،شــجرة ســامقة الطــول ،ســريعة النمــو ،جميلــة املنظــر ،رشــيقة ســهلة التثنــي؛ ولــذا ،شــبه بهــا الشــعراء النســاء احلســان فـــي نعومــة امللمــس ورشــاقة القــوام وتثنــي أجســامهن كأغصــان البــان أمــام الريــاح ،ومثلهــم شــعراء احلنــن فـــي فصــل الــكالم عنهــا نبات ًيــا د .أحمــد ســعيد قشــاش فـــي كتابــه «النبــات حنينهــم للجزيــرة العربيــة ،وقــد ّ فـــي جبــال الســراة واحلجــاز» محتويًــا صــورًا كثيــرة لهــا ،103-96/1 ،ط1427 ،1هـــ ،الســروات للطباعــة. ((( سامودة :من قرى حفر الباطن. ً مقــال بعنــوان «الربــع اخلالــي» مســتودع احليــاة الفطريــة ((( كتــب د .عبدالرحمــن الشــبيلي رحمــه اهلل والســياحة واآلثار» نشــر فـــي جريدة الشــرق األوســط ،فـــي عددها ،14300فـــي 1439/5/6هـ املوافق 2018/1/22م ،ومجلــة ترحــال ،إبريــل 2018م. ((( هنــاك خــاف فـــي موقــع األماكــن الــواردة فـــي أول املعلقــة« ،وقــد اســتقر فـــي األذهــان أن مكانهــا الصحيــح هــي عاليــة جنــد اجلنوبيــة ،فأخــذ هــذا التحديــد شــبه اإلجمــاع» كمــا قــال عبــداهلل الشــائع فـــي كتابــه «مــع امــرئ القيــس بــن الدخــول وحومــل» (ص )6وهــو ممــن كان يقــول بذلــك قبــل عدولــه عنــه وتأليــف كتابــه هــذا حيــث رأى أنهــا يف عاليــة جنــد الشــمالية والوســطى ،قائـ ًـا« :ولــن أتوصــل إلــى قــول حاســم ودقيــق يف بعــض األماكــن» (ص )11مشــي ًرا إلــى أن «كل أهــل ناحيــة يزعمــون أن امــرأ القيــس كان يقصــد دخولهــم وحوملهــم» (ص.)6
نوافذ
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
133
((( ( ((1 (( (1 ( ((1 ( ((1 (( (1 ( ((1 ( ((1 (( (1 ( ((1 (( (1 ( ((2 ( ((2 ( ((2 ( ((2 (( (2 ( ((2 ( ((2 ( ((2 ( ((2 (( (2 ( ((3 ( ((3
134
وممــن قــال أنهــا عاليــة جنــد اجلنوبيــة كل مــن ابــن بليهــد وابــن جنيــدل ،وابــن خميــس ود .ناصر الرشــيد وممــن وافــق الشــائع محمــد بــن عبــداهلل اخليــال يف مقــال كتابــه ونشــر يف صحيفــة اجلزيــرة بعنــوان «زيــارة ملرابــع امــرئ القيــس بــن الدخــول وحومــل» عــام 1434هـــ2013/م ،أمــا حمــد اجلاســر فوصــف حومــل الواقــع يف العاليــة الشــمالية ولكنــه لــم يقــل إنهــا مــا ورد عنــد امــرئ القيــس ،هــذا تعريــف موجــز فاحلديــث هنــا عــن رحلــة إلــى عاليــة جنــد اجلنوبيــة وليــس حتقيــق املواضــع. احلومية :قرية ،وكانت قدميًا مورد ماء ،ابن جنيدل :عالية جند 434/1و.435 هــو أحــد أقســام املعجــم اجلغرافـــي للمملكــة العربيــة الســعودية ،ويقــع فـــي 3أجــزاء ،وقــد بــذل فـــيه مؤلفــه جهـدًا كبيـ ًرا فذكــر عــن كل مــكان مــا ورد فـــيه عنــد املتقدمــن واملتأخريــن ،دار اليمامــة للبحــث والترجمــة والنشــر ،الريــاض 1399هـــ1979/م. عالية جند (سابق) ص .832 صحيح األخبار ،377/1مطبعة السنة احملمدية1370 ،خـ1951/م. عاليــة جنــد (ســابق) ص ،833ونــص البكــري :معجــم مــا اســتعجم 823/2ونــص الهمدانــي :صفــة جزيــرة العــرب ،حتقيــق األكــواع ،دار اليمامــة ،الريــاض1394 ،هـــ1974 ،م ،ص.296 عالية جند (سابق) .832 هذا التعليل البن جنيدل( ،سابق) عالية جند ص .514 البكــري :معجــم مــا اســتعجم (ســابق) ،823/2وأوس بــن َح َجــرُ :وصــف بأنــه كان عاقـ ًـا فـــي شــعره، كثيــر الوصــف ملــكارم األخــاق ،شــاعر متيــم فـــي اجلاهليــة غيــر مدا َفــع» ينظــر فـــي ذلــك ابــن قتيبــة: الشــعر والشــعراء ،حتقيــق أحمــد شــاكر ،دار املعــارف ،القاهــرة.202/1 ، عالية جند (سابق) ص 310و.312 ديــوان امــرئ القيــس ،حتقيــق محمــد أبــو الفضــل إبراهيــم ،دار املعــارف ،القاهــرة ،ص ،8يَ ْقـ ُ ـف :يــدرس ويــزول .رســمها :أثرهــا .نســجتها :تعاقبــت عليهــا فمحــت آثارهــا .جنــوب وشــمأل :ريــاح اجلنــوب وريــاح الشمال. عالية جند (سابق) ص 434و.435 املصدر نفسه ص .513 ديوان امرئ القيس (سابق) ص ،8السقط :مثلثة بفتح السني أو كسرها أو ضمها وسكون السني. عاليــة جنــد (ســابق) (بتصــرف واختصــار)ص 55و .311األبــرق :كل رابيــة فـــيها رمــل وطــن أو حجــارة وطــن يختلطــان (التبريــزي :شــرح القصائــد العشــر ص ،55بيــروت ،دار اجليــل). التبريــزي :شــرح القصائــد العشــر ،دار اجليــل( ،ســابق) بيــرو ،ص ،5وهنــاك أماكــن فـــي غيــر هــذا املــكان تســمى املقــراة. معجم ما استعجم (سابق) .548/2 عالية جند (سابق) ص .311 املصدر نفسه ص .312 ديــوان امــرئ القيــس (ســابق) ص .10الدمقــس :احلريــر األبيــض .املفتــل :املفتــول .مرجلــي :تاركــي أمشــي راجلــة .الغبيــط :خشــبة الهــودج. القصــة مفصلــة فـــي ديــوان امــرئ القيــس (ســابق) ص ،10والتبريــزي :شــرح القصائــد العشــر (ســابق) ص .3 مشيناها (سابق) ص .378 عالية جند (سابق) ص .1233 املصدر نفسه ص .514
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نوافذ
خالد البسام
1436 - 1375هـ2015 - 1956 /م ■ محمد عبدالرزاق القشعمي*
أحببته منذ أول لقاء جمعني بــه بالبحرين ،وكنت قــد عرفته مــن خــال ما كتبه عن تاريخ الخليج العربي ،وبخاصة البحرين ،حيث عاش وتعلّم وعمل ،رغم أنه من مواليد عنيزة بمنطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية عام 1956م. كان والده حمد ،وقبله جده سليمان ،من أشهر تجار البحرين ،وبحكم ارتباطهم العائلي بعنيزة؛ إذ جرت العادة أن تلد المرأة قرب والدتها المقيمة بعنيزة ،قبل أن يتعودوا على التوليد في المستشفيات. في إحدى المناسبات في الرياض ،صافحني األخ محمد الحمد البسام ،قبل نحو خمس عشرة سنة ،وأعطاني رقم هاتف ابن شقيقته خالد الحمد السليمان البسام في البحرين ،وقال إنه يسأل عني ،ويرغب بالتعرف عليّ ولقائي به ،ولهذا سافرت مع الصديق عبداهلل حسين العبد المحسن لزيارة ابنته سالي -الطالبة بجامعة البحرين وقتها -فهاتفت األستاذ خالد البسام ،فرحب بي ،وطلب عنوان إقامتي عندما عرف أنني بالبحرين. وسريعًا ما جاء ،وقال :إنه معجب بما أكتبه من ذكريات ،وما أنقله من معلومات من الصحف المبكرة في المملكة ،وكأننا متفقون على نبش وإحياء ما نسي واندثر. دعانا لزيارة صومعته ،وهي شقة مليئة
نوافذ
بالكتب والدوريات ،قال :هذا مكتبي ،فبعد التقاعد من العمل الرسمي ،أصبحت أقرأ وأكتب هنا بعيدًا عن صخب منزل العائلة، وأثناء تفقدي لرفوف الكتب ،وقع نظري على مجلدات مجلة (صوت البحرين) وكنت 71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
135
1949م .وقد كتب اإلهــداء التالي( :الكاتبواإلنسان الجميل محمد القشعمي مع المحبة.. خالد 2009/3/6م).
خالد حمد البسام رحمه اهلل
أبحث عنها ،ولوجود العديد من كتّاب المملكة كانوا يكتبون بها قبل صدور صحف أو مجالت في المنطقتين الوسطى والشرقية. عرفت أن المجلة قد صورها مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بالبحرين ،والتي قد صدرت في الفترة من - 69 1373هـ وألربع سنوات ،توقفت بعدها ،ولم يصور منها إال أعــداد محدودة ،وعــرف مدى حرصي على الحصول على نسخة منها ،وعدني بالبحث وفعل في اليوم التالي فاجأني بمجلداتها عنهاً ، األربعة ،فاعتبرتها أجمل هدية منه .وبسبب هذه الهدية أعددت كتابًا باسم (ال ُكتّاب السعوديون في مجلة صوت البحرين) ،صدر عام 1431هـ/ 2010م ،عــن دار الــمــفــردات للنشر والــتــوزيــع بالرياض.
وكان والد جده حمد من التجار المعروفين بالهند ،ولهذا فقد قرر إرسال ابنه سليمان إلى البحرين لمزاولة التجارة منذ عام 1905م ،وقال عنه حفيده خالد ...« :فقد استفاد كثيرًا من معلومات وحكايات النجديين الذين قابلهم في الهند ،والذين ظلوا في البحرين لبعض الوقت، وكــانــت أول ــى زيــاراتــه لشيخ الــتــجــار أو (فخر التجار) ،كما كــان يُلَقبّ آن ــذاك ،وهــو المثقف النجدي الشهير (مقبل عبدالرحمن الذكير) تاجر اللؤلؤ العريق ..ومع الوقت تعرف سليمان عــن طــريــق الــذكــيــر على كثير مــن شخصيات البحرين وتجارها ،وراح يقرأ ِبن ٍَهم كثيرًا من الصحف والمجالت المصرية والشامية التي يحضرها الذكير عن طريق الهند.».. وبــعــد مــضــي خــمــس س ــن ــوات م ــن إقــامــتــه بالبحرين ،يستدعيه والده المقيم بمكة ليزوجه ابنة عمه نورة السليمان البسام ،وبعد وفاة والده المفاجئة ،انتقل لإلقامة بعنيزة ،فــرزق بابنته حصة وابنيه حمد ومحمد. عــاد سليمان للبحرين لتفقد تجارته التي توالها بعده شريكه منصور الخنيني ،وبعد أن هيأ السكن المناسب للعائلة بالبحرين ،نقلها إليه.
في 1رجــب سنة 1349ه ـــ ،دخــل ابنه حمد استمرت عالقتنا واتصاالتنا هاتفيًا ،ولقاءات مدرسة الفالح بحي الفاضل بالمنامة القريبة عــابــرة بــمــعــارض الكتب بــالــريــاض والبحرين من السوق ،حيث متجر والده. والقاهرة ،فأصبح يبعث لي ما صدر له من جديد؛ قال عن جده سليمان إن الفكر القومي قد إذ أنه أهداني ما صدر له من قبل عند لقائي به ألول مرة ..أهداني كتابه الجديد والمهم ،والذي ألهب مشاعره وحماسته ،وافــتــخــاره بانتمائه يحكي به سيرة جده (النجدي الطيب ..سيرة للعروبة ،ومساندته الحق العربي ،وتأييد حركات التاجر والمثقف سليمان الحمد البسام) 1888التحرر الوطني ،ورفض االستعمار األجنبي ،وقال
136
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نوافذ
إنه في عام 1939م خاض تجربة كبيرة في دعم وعندما طلب منه صورًا شمسية ،قال له :ال القضايا القومية ،وشارك ألول مرة في تأسيس يوجد مصور في عنيزة. وعضوية أول لجنة تضامن بحرينية لنصرة كفاح نــعــود إل ــى بــدايــاتــه كــمــا ق ــال عــن تكريمه الشعب الفلسطيني. فــي اثنينية عبدالمقصود خــوجــه بــجــدة في كبر االبــن حمد ،وبــدأ مــزاولــة التجارة مع 2014/12/8م ،إنه عمل في البحرين من عام والــده ،وتسلم مسؤولية العائلة بعد وفاة والده 1984م مدي َر تحريرِ مجلة (بانوراما) البحرينية، سليمان عام 1949م. ومراسل لجريدة الحياة اللندنية ،ومدي َر تحريرِ ً نعود إلى الحفيد خالد بن حمد البسام ،جريدة (األي ــام) ،ثم رئيسً ا لتحرير مجلة (هنا فبعد والدتــه بعنيزة لــدى جدته ألمــه ،يعود البحرين). للبحرين لتلقي علومه األولى ،ثم ينتقل للقاهرة يحرر صفحة أسبوعية في جريدة الخليج للدراسة الجامعية ،وكانت المشاعر القومية بعنوان( :قال الراوي) في التاريخ. والحماسة على أشدها بين الشباب ،ومع ثورة يحــرر صفحتيــن أســبوعيتين فــي مجلــة (كل ظفار عام 1977م ،نجده يترك دراسته ويلتحق بها باسم (فهد) ،وقد سجل هذه الفترة في األســرة) ،بعنــوان( :نســوان زمــان) عــن تاريــخ روايته (مــدرس ظفار) الصادرة عام 2010م المــرأة .أعــد برامجً ــا إلذاعــة البحريــن -1988 من دار أمل في بيروت؛ ما جعله يشارك بحمل 2002م ،لتلفزيــون دبــي 2000م ،وبرنامجً ــا الــســاح ،تــار ًكــا دراســتــه بالقاهرة ،ومتخذًا اسمًا رمــز ًيــا (فــهــد) ،ليخوض أولــى تجاربه الثورية الحقيقية ،وعلى أرض الواقع في ثورة ظفار ،ولم يكن في باله أن تدريس تالميذ الثورة وحمل السالح ،هو أقل بل وأسهل مهمة قام بها .وقد بقي في مدينة (الغيظة) أقصى شمالي اليمن ،وهي من أسعد أيامه كما قال: «لقد كانت ظفار حلمًا ،ثم كابوسً ا ،ويُعدّها أسطورة في الذاكرة ال تنسى أبـدًا .»..وكأنه بمغامرته يستعيد دور جده ومجده السابق. وكــان قد أصــدر قبل ذلك بسنتين روايــة (ال يوجد مصور بعنيزة) ،أهداها لي بقوله« :أخي جميل ..مع ً الحبيب أبو يعرب كاتبًا ومؤرخً ا المحبة ..خالد» ،متتبعًا سيرة ثالثة من أبناء عنيزة تغربوا وتفرقوا ،أحدهم في الهند، واآلخر في الشام ،والثالث بالبحرين ،وحين التقوا في آخر حياتهم ،أخذ كل منهم يقص قصته ،وسبب التسمية أن أحدهم ذهب إلدارة خريطة فلسطين الجوازات في بريدة الستخراج جــواز سفر،
نوافذ
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
137
في حفل تكريمه ...« :إنــه السعودي المولد، والبحريني الهوى ،واالهتمام ،والنشأة .المؤرخ، والمترجم ،واألديب ،والناقد ،والصحفي ،األستاذ خالد بن حمد البسام.».. وقــال عنه أحمد عائل فقيه ...« :الحديث عن خالد البسام ،هو حديث عن شخص يقف بين هويتين؛ الهوية السعودية والهوية البحرينية، والسفر فــي الــهــويــات المتعددة هــو سفر في الثقافات المتعددة ،هــو ابــن عنيزة ،وهــو ابن المنامة في آن ،هو سليل عائلة تنتشر في اآلفاق من العراق ،إلى سوريا ،إلى الهند ،ومن القصيم.. الشيخ عبدالمقصود خوجة إلى الحجاز إلى جيزان ..هو متعدد المواهب ،هو أيضا ،هو الباحث ،وهو المؤرخ تلفزيون ًيــا بعنــوان( :روزنامــة فــن) 2002م ،وتفــرغ الكاتب والروائي ً أيضا ،وأخيرًا هو المترجم ،وإنه يقف على خليج ً أخيــرًا للكتابــة الصحفيــة والتأليــف ،وذكــر مــن الحكايات.»... مؤلفاتــه تلــك األيــام ،رجــال فــي جزائــر اللؤلــؤ، قال إنه عندما نشر كتابه األول (تلك األيام) القوافــل ،خليــج الحكايــات ،مرفــأ الذكريــات، صدمــة االحتــكاك ،بريــد القلــب ،بســاتين ،عــزف 1987م ،جــاءه صحفي إنجليزي وقــال لــه :إن علــى الســطور ،حكايــات مــن البحريــن ،نســوان الكتاب غريبٌ رغم تدعيمه بالصور والوثائق.. وقــال له هل ذهبت إلــى األرشيف البريطاني؟ زمــان ،يــا زمــان الخليــج. إنك ستندهش بما ستراه هناك ،فذهب وقضى وأمامي اآلن كتاب لم يُذكر ،وهو (كلنا فداك) سنة في تعلم اللغة اإلنجليزية ،ثم ذهب للمكتبة البحرين والقضية الفلسطينية 1948 -1917م، البريطانية ،وقضى بها أربعة أشهر ،من العاشرة كتبه بعد زيارته للقدس مع والده عام 1964م. صباحً ا وحتى الخامسة بعد الظهر« :رأيت كميات وروايته التي صدرت بعد وفاته (ثمن الملح) من الوثائق عن البحرين ،وعــن الخليج ،وعن عن دار جداول 2016م ،وهي عن تجارة الرقيق الجزيرة العربية ،لدرجة إني «أنا بقول لكم قصة» في الجزيرة العربية ،وله مجموعة أخرى أعدها من ضمن األشياء التي حصلتها ،إن البريطانيين بطلب من وزارة اإلعالم بعنوان( :رواد الصحافة كانوا دقيقين جدًا في تسجيل أي حادثة مهما كانت بسيطة في البحرين ،لدرجة إنــي لقيت البحرينية) ،أهداني أربعة منها وهي: تقرير الــوكــالــة البريطانية فــي البحرين عن -1علي سيار ..عمر من الكتابة 2006م. جدي ،حاطينه مثل الخبر ،يعني كاتبين (سرقة -2محمود المردي ..أضواء قلم 2007م. منزل التاجر النجدي سليمان الحمد البسام.. -3حسن الجشي ..البدايات الشجاعة 2007م .واكتشفت أن لديهم قائمة سوداء وقائمة بيضاء للذين يتعاملون مع البريطانيين ،من البحرينيين -4تقي البحارنة ..عنفوان الكتابة 2007م. والنجديين ،الحمد هلل ،لقد عرفت أن أناسً ا من قال عنه عبدالمقصود خوجه عند تقديمه عائلتي محطوطين في القائمة السوداء ،وفيه
138
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
نوافذ
ناس محطوطين في القائمة البيضاء ..المهم أنني أيقظت األوراق النائمة في هذه المكتبة.»..
خصصتها السلطات البريطانية لممارسة البغاء بالمنامة ،تتألف الرواية من 224صفحة ،ومواد الرواية معتمدة على األرشيف البريطاني ،والذي ت َعوَّد المرحوم أن يستقي الكثير من المعلومات منه في كتبه السابقة.
آخــر لــقــاء لــي معه كــان قبل وفــاتــه بأربعة أشهر في منزل الدكتور عادل العلي بالمنامة، جميل أمتعنا فيه بالذكريات ً حيث قضينا وقتًا والــقــصــص ..وكــان رحمه اهلل يحكي عــن آخر كما فــاز بالمركز األول فــي استفتاء ٌكتّاب أعماله التي يكتبها عن قصة تجارة الرقيق في األعمدة المفضلين في الصحافة المحلية في الخليج العربي ،وذكــر أن لديه مشاريع ثقافية يوليو 1999م ،وهــو عضو لجنة تحكيم جائزة كثيرة لم تكتمل ،وأنه حريص على إنهائها. الصحافة العربية (دبي) لعام 2008م. وكــان قبل سنوات قد أسـ َّر لي أنه «قد قدم وقد كرمته صحيفة (الوسط) البحرينية في طلبًا للسفير الــســعــودي بالبحرين الستعادة نوفمبر 2007م على جميع كتبه. الجنسية السعودية ..وقال ليس لي بل ألوالدي.. نَعتْه رابطة الصحافة البحرينية« :الكاتب وبعد أشهر كنت مع الدكتور عبدالرحمن الشبيلي والصحفي خالد البسام في ذمة اهلل ..تنعى رابطة في رحلةٍ إلى عنيزة فذكرت له الموضوع ،وقال الصحافة البحرينية واألسرة الصحفية البحرينية أن سمو األمير سلمان -الملك -سبق أن سأله الكاتب والصحفي خالد البسام الذي وافته المنية عن باقي مؤلفات البسام؛ ألنــه معجب بكتابه صباح اليوم الثالثاء 10نوفمبر 2015م ،ويعد (يا زمان الخليج) ،وأنه لو تيسر وزار المملكة.. البسام أحد أبرز الكتاب الصحفيين البحرينين يمكنه زيارة األمير سلمان ،وسوف ينال ما يريد.. الذين أثرو الساحة الصحفية واألدبية من خالل علمًا بأن مجلس التعاون الخليجي قد كرّمه كتاباته الصحفية وإصداراته األدبية والتاريخية». مع مجموعة من أبناء دول المجلس في اإلبداع كما رثــاه كثير مــن األدب ــاء والــكــتــاب .وممن بالدوحة يوم 15اكتوبر 2015م. قائل« :خالد تحدث عنه الشاعر قاسم حــداد ً كــمــا حــصــل كــتــابــه (خــلــيــج الــحــكــايــات) عــام البسام على هيامه بالتوثيق والتأريخ ،فإنه يفعل 1993م ،وكتاب (صدمة االحتكاك) عام 1998م ذلك بهدوء كبير ،وبعيدًا عن الضجيج ،ودون أي على شهادة أكثر الكتب انتشارًا في بريطانيا. ادعــاء ،ربما ألنه يفعل ذلك بدافع ذاتــي يجعله ونشرت جريدة أخبار الخليج البحرينية في سعيدًا لما يفعل ،ففي عمل مثل هذا يشعر خالد عددها 14204يوم السبت 11فبراير 2018م أنه يحقق شيئًا يحبه ..الخ». مقال بقلم الموافق 14جمادي األولى 1438هـً ، وقــال عنه عبدالمنعم ابراهيم فــي «أخبار عبدالحميد القائد عنوانه( :وهج الكتابة ..رواية الــخــلــيــج» :خــالــد الــبــســام ..رح ــل الـ ــذي حــول عن المسكوت عنه) ،يتحدث فيه عن كتاب صدر القراطيس المهترئة إلى جواهر أدبية. للبسام بعد وفاته بسنة ،من سلسلة روايات الهالل وقــال جــورج جحا من بيروت :خالد البسام في أكتوبر 2016م بعنوان «جراندول» ،والرواية تــبــدأ فــي عــام 1951م ،يصف المنطقة التي وعنيزة ..حبر سحري برائحة القهوة. * كاتب وباحث سعودي
نوافذ
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
139
ُ حديث الوجدان في كتاب ذكريات جيل سنوات الجوف: ُ ُ ■ د .هيا بنت عبدالرحمن السمهري*
حظيت بمرور مكتنز وحـيــازة مــأى ،حين تهادى بين أصابعي كتاب الدكتور ُ الحميْد (سنوات الجوف؛ ذكريات جيل) ،الذي نشرته بوابة التنوير عبدالواحد ُ الوطنية العريقة (مركز عبدالرحمن السديري الثقافي) ،والكتاب اعتال رواق طبعتين فاخرتين ،األول ــى عــام ٢٠١٧م ،والثانية ٢٠٢٠م .ولـقــد راق لــي الكتاب محتوى ونتيجةً وفـكــرً ا وأسـلــوبَ ســرد؛ وألن الــذاكــرة التصويرية دائـمــا مــا تكون ً انطبعت حزمة من صفحاته بالذاكرة ،فجذبتني ْ حاضر ًة في متكآت أمثالي! فقد فشرعت في قراءة تحليلية أخرى للكتاب ،حتى استقرتْ ُ للغوص في التفاصيل، في ذهني جدارته بأن يكون في علياء الوثائق التاريخية لمنطقة الجوف. فالكتاب بدايته تخطيطٌ للصعود المجتمعي المستدام ،ومــا استشرفه الــكــاتــب فــي ذل ــك الــجــيــل الـــذي ُو ِل ــد في الخمسينيات الميالدية ،ونهايته خت ٌم توثيقيٌّ لحكايات الجد والبحث والسؤال والعمل .وفي الكتاب رحالتٌ ومحطاتٌ كانت غير مــقــررة ،ومــن ث َّم أصبحتْ ممنهجة إلى عالم موجود ما كان اكتشافه شغفًا ألحد في يوم ما!؟ فأفاض في صياغة العبارات عن عالئق
140
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
اإلنسان الجوفي بالفن الغنائي وتذوق األصوات والمقارنة بينها ،وبسط حديثًا رائقًا عنها ،وفنّد الكاتب ميو َل الناس حول أولئك الفنانين الذين لم يدلفوا بالدنا إال من خــال وسائط اإلعــام الــمــســمــوعــة والــمــرئــيــة .واســتــوقــفــنــا الكاتب لالستماع لكل طــارق سياسي يحضر عبر اإلذاعــات العربية آنذاك، ودائما ما يطرح الكاتب شيئا من وقائع الخرافة تجاه األحداث التي اندست في
نوافذ
حياة ،وسَ ــرتْ على األلسنة بما هي وسيل ًة جاذب ًة لليقين؛ فكأنَّه حَ َم َل أمان َة توثيق تلك المرحلة ،يدفعه الشغف الذي كانت تُستَقب ُل به حكايات السابقين فوق (أراضيهم الوطنية التي كانت تسمى آنذاك بالنائية) ،إذ توارى النقد في الكتاب حين المرور لتدوين تلك الحقبة ،وانسكب الو ُّد العمي ُق الممت ُد عند الكاتب؛ فهو في حديث البساتين الزراعية، أو ما يسمى جوفيًا بالحوطات ،كان تعدّي األطفال على الثمار براء ًة وشجاعةً ،وليس بــدافــع الــحــاجــة؛ إنما حـ ًّبــا فــي المغامرة! وتــوقــف الــكــاتــب فــي كثير مــن الــمــواقــف ليبررها ،وينتقل منها على عجل!
يتوارد من األفكار حول انتشار تلك األلعاب المحرمة شرعً ا ،فيبسط في فخار الفت تصدي المجتمع الجوفي لكل ما درج عليه صغارهم وفتيانهم وهو مخالف شرعا ،كما هي لعبة الفلوس وهي القمار بذاته!.. ويبدو أن ذكاء الكاتب تدخّ ل فشكّل نمطا من الثنائية الحضارية المنتجة ،المألى بالتفاصيل واألسماء والحكايات ،تصلح لإلخراج المرئي والمسموع ،ولم يكن للرجوع والتقهقر عباراتٌ طرح في الكتاب؛ فكلما توقفنا مع الكاتب في ٍ
ففي حــديــث الكاتب عــن ســوق البحر في سكاكا تفاصيل درسها الكاتب بدقة، ثم سكبها لتكون من شواهده على التفوق اإلقتصادي الذي ارتقى سلّم ُه أهل سكاكا (الــبــســطــات ،وحــلــقــات الــحــراج المؤقته، والدكاكين ذات الشمولية فــي بضائعها، رص َدهُ الكاتب، فالتنوّع في استحصال المال َ فــدخــل مــن خــالــه إلــى مناقب االقتصاد الجوفي. ومــن الــافــت الجميل أنَّ الكاتب أجــاد في بعض محطات اللغة المحكية هناك، ومــصــطــلــحــات األسـ ــمـ ــاء ،ث ــم ف ــي بــراعــة مــشــهــودة ،رصــد تــحــول بعض المصطلح، فتراكمت األسماء في الكتاب بمفاهيمها المجتمعية الجوفية (فــمــاء الحسو) هي بئر الماء المضلل ،ولعبة الفلوس المنتشرة عند األطفال هي القمار بذاته ،ويسمونها أيضا (السلب)؛ ألنَّ المغلوب تُسلبُ أمواله ويخسرها ،واألهم أن الكاتب يقطع ما قد
نوافذ
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
141
ٍ طفولية ٍ جديد ،حضر ليبلغنا احتفاء آخر عن مجتمعه الطفولة واليفاع في نموذج مسيرةٍ مبكر ٍ بريئة وتذكارٍ ٍ لمراهقة ٍ الجوفي األثير ،ثم يعود لموضوعه األساس ،صادقة ،ووسـ ٍـم وهذه خصيصة الفتة جميلة ،أبدع الكاتب في الستقبال فوران الشباب وزهوه! التعامل معها ،وبدا لي تأثير البث اإلعالمي من والــكــتــاب فــي عمومه شــاه ـ ٌد على نفوس وسائطه المحدودة آنذاك واضحً ا في وجيب الناس في ذلــك الــزمــان ،وبصم ٌة أكيدةٌ على المجتمع الجوفي ال ــذي كــان مختلفًا ،فهو مجتمعاتهم ،فــالــطــرح فــي الــكــتــاب خــطــوةٌ يستقي من منصات اإلعالم الخليجية والعربية لإلسهام في مجال تسجيل السيرة؛ وحديثٌ ذات الجوار والقرب الجغرافي .وكانت وسائط مختلفة نحو دفع عجلة ٍ بمقتضيات ٍ للذكريات النقد موجَّ ه ًة من مقر األحداث خارج بالدنا، كل ذي لُبٍّ نحو إتمامها ،وما تضمنه الكتاب من ولذلك تــو َّلـ َد رســو ٌخ عجيبٌ وتأيي ٌد لما يُبثّ محطات تصويرية لمسيرة الكاتب صنعت من ُدس ،وغدتْ بمستوىً خرافيّ من الثقة فيما ي ّ آمال الناس ف ًّنًا خالدا شكّل الكاتب بتحليالته تلك األخبار هي من يُرتب أزمنة العيش ،ويحقق ووقفاته درو ًب ــا للوقوف على تفاصيل إبــداع التواصل المجتمعي للحديث حولها! وشجون العقول السعودية في الجوف وبروزها ،والكاتب أخرى جديرة بالتوقف في عمق مجتمع سكاكا أحد العقول الشواهد على ذلك ،وإن لم يورد وحي الشعيب؛ حيث وُلد الكاتب وعاش حقب ًة من حياته عندما تقاطر عليهما وصف كاتب في سرده شيئًا من صفحات إبداعه علنا. حجب بعض التفاصيل، كما أن الكاتب آث َر َْ دقيق عاش واألرض وال َعرْض ،ومن ثم تعايش مع انتقال وجهته إلــى العاصمة الــريــاض أم وورّى عن ذلك بالمثل السائر «وهل ينطق من الدنيا وأبوها ،كما أضفى عليها الكاتب. في فيه ماء؟». ومن الالفت أن الكاتب ،وهو ذلكم الواعي الحكيم ،يالحق الوعي في كتابه ،ويرصد شئونه وشجونه ،ويمسك بشواهده وشهوده ،ويبسطها بسطً ا احتفا ًء بمجتمعه الجوفي ،ودائمًا ما يقف الكاتب عند صور الذات المحلية مقابل اآلخر الوافد الذي أتيحتْ له مشاركة المواطن في اإلعــمــار والنهضة ،حتى يبرز خصائص االندماج ووسائل تحقيقه ،والتوازن في األخذ والــعــطــاء واكــتــســاب المعرفة الــجــديــدة ،مما كــان قد تَولّد في مجتمع الجوف وســواه من قطاعات بالدنا ،فكانت شهادته ممهورة تنفي عن ذلك الجيل العنصرية ،وتقرر أنَّ االندماج في النسيج صبغة لهم! ولــقــد ُو ّف ـ ـ َق الــكــاتــب فــي تصوير مرحلة
142
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
وفي قلب الحقيقة التي كانت حديث الكتاب والكاتب ،نجح الدكتور عبدالواحد في الغوص في أعماق إنسان ذلك الجيل ،فكانوا يتحدثون عن تغريباتهم في بالد الشام ،وسرد نَزرًا من أسباب االغتراب ،ولكنه تجاوز تفصيالته لما فيها مــن المشقة واألج ــور الــزهــيــدة ،ولكنه فصل وعلّل في الحديث عن تلك المقارنات ّ التي كانت تتوارد على ألسنة الناس عندما ارتفع منسوب العيش في البيئات السعودية، وكــان حديث المقارنات مثيرًا جــ ّدًا ،فكانت طقوس تُتبع ،فهم ال ٌ ألحاديث الشارع الجوفي يتحدثون عن عجائب التحضر في عهدهم إال ّات َوهُم في اصطفاف مُنظّ م سعي ٌد حول الشب ِ وهي نا ٌر توقدُ ،يتحلّق حولها أهل الحيّ ،ومن
نوافذ
كثير الالفت أن الكاتب استطاع القبض على ٍ من صور ذلك الجيل مُستلّ ًة من الصورة الكلية المنبثة في سائر المدن على أطراف بالدنا، فعلمنا أنهم «كانوا طاقات تتفجر بالطموحات، وتــصــدم بمحدودية األف ــق» المع ّد الستثمار تلك الطاقات ،وحتى ال تسقط العناوين التي وضعها الكاتب ،فقد ابتعد عن اصطياد أكثر واسع من ٍ أفق الطبقات سطحية ،وتعامل مع ٍ جميع شرائح المجتمع ،وأبدع في رسم لوحات التغيرات التي طــرأت على حــراك المجتمع الجوفي ،وعلى اقتصاده وبضائعه التي واكبت التحول الوطني الكبير آنــذاك ،والــذي امتدَّ مــعــاصـرًا شــامــخً ــا ،وحقق الكاتب مــن خالل ذلك تشكيل صور المشاركة التي تمت هناك في إبــداع سردي أخــاذ ،وفي محطة متوهجة مــن الــذكــريــات ،توجهت بوصلة الكاتب إلى حكايا أميرها المحب عبدالرحمن بن أحمد بتعيين من قبل ٍ السديري الذي استوطنها أمي ٍ ًرا الملك عبدالعزيز رحمهما اهلل ،لثمان وأربعين سنة مــورقــة ،رصــد الكاتب قليل من كثيرها الوافر.
د .عبدالواحد الحميد
وثيق ٌة تاريخية واجتماعيةٌ ،وم ــرآةٌ صادق ٌة للتحوالت التي شهدتها األجيال السابقة في الجوف.
ولقد أجاد الكاتب الطرح الودود الهادئ، وارتقى في ساللم الذكريات للجوف وأهلها بشمولية وفيض ،واعتنى بالتفاصيل في وصف كل وسيلة اتخذها الجوفيون الستقبال مسيرة الحياة ،وال ريب ..فالكاتبُ صاحب دار ،وزائ ٌر محب ،وعلي ٌم بالكيل والسيل ،حيث التحمتْ ٌّ واإلطــار الجميل الــذي أرادهُ الكاتب حين الحديث عن األمير السديري ،صنعته صفات الوشائج بين مدينته ونفسه وجيله! أهل المنطقة التي استفاض الكاتب في ذكرها، والكتاب في عموم محتواه رِ ك ــا ٌز يستحق واإلحــاطــة بتأثيرها على نجاحات منظومة الــقــراءة والبحث ،ويُحم ُد للكاتب حين وقف العمل المؤسسي ،والمشاريع التنموية التي واستوقفنا معه في ثنيات المكان ،وعالئق قدحها األمير عبدالرحمن السديري ،فأضاءت ما حولها (دار الجوف للعلوم والثقافة ،وتعليم الزمان ،حتى أتانا اليقين بأن للجوف أدوارًا وطنية غزيرةٍ يتصدرهم ٍ الــمــرأة ،وك ــان افــتــتــاح أول مــدرســة ١٣٨٢م عُليا في صناعةٍ عقول والمدارس الصناعية والزراعية وغيرها ،مما ال مؤلف الكتاب ،معالي الدكتور عبدالواحد يمكن طرحه في هذه المساحة ،وإال ..فالكتاب الحميد. * كاتبة سعودية.
نوافذ
71العدد رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
143
الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـح ـ ـ ــة األخ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرة
أبطال نجيب محفوظ صالح القرشي
الذين يعرفون نجيب محفوظ ،يعرفون الكثير من أبطاله، كشخصيات تبدو وكأنها خرجت من أوراق الرواية ،لتتحول إلى لحم ودمٍ ،تنبض بالحياة وتستعصي على النسيان. شخصيات من ٍ ٍ وأعتقد أن هذا األمر ينطبق على الكثير من الروائيين الكبار، فالكثير من الشخصيات التي أبدعوها تكاد تتحول إلى أسماء فعل ،وليست مجرد نعرفها ونتعامل معها ،باعتبارها موجودة ً شخصيات روائية. "ســي السيد" أحــمــد عــبــدالــجــواد بطل الثالثية ،مــثــال حيّ لشخصيةٍ مركبةٍ وشديدة التناقض ،من نوع الشخصيات التي تكرهها وتحبها في الوقت نفسه. في الثالثية نفسها ال يمكن نسيان "كمال عبدالجواد" ،ولعلها أكثر شخصيات نجيب محفوظ التي تلتقط جــزءًا من سيرته كبير عن صراعٍ بشكل ٍ ٍ الذاتية ،وبخاصة مرحلة شبابه ،وتعبر حقيقيٍّ عاشه بين اإليمان والعلم ،وبين الرومانسية والواقعية. في "ميرامار" ال يمكن نسيان شخصية "زهــرة" ،ومن خاللها عبّر محفوظ عن خوفه وقلقه على مستقبل مصر ،تربُّص الرجال بــزهــرة البريئة والجميلة كــان يــرمــز بشكل أو بــآخــر إلــى تلك بكثير مما حدث بعد ذلك ،فيما ٍ المخاوف ،ويتنبأ بشفافيةٍ عاليةٍ "عامر وجدي" الرجل العجوز والمتأمل ،الذي يحاول أن يدافع عن زهرة ،يمثل ذلك الصوت الخافت الذي ال يسمعه أحد.
ال يمكن أن ننسى أيضا شخصية "أنيس زكي" في "ثرثرة فوق النيل" ،وهي واحــدةٌ من أجمل روايات محفوظ" ،أنيس زكي" الذي أراد أن يعالج إحباطاته االجتماعية والفكرية من خالل االغتراب الشخصي، حيث العوامة وتهويمات المخدر ،ومن خالل فكرة العبثية والالمباالة ..ذلك البطل الذي يدور حديثه دائما متخصصا في التاريخ ،ليبدو التاريخ في ً داخل نفسه ،رسمه محفوظ ببراعة فائقة ،وأختار له أن يكون مثقفًا عينيه وهو في غياهب النشوة ..مثل سمكة كبيرة توقفت عن التهام العوامة ،واختارت أن تغمز لها بعينها. ال يمكن أن ننسى أيضا "عاشور الناجي" وأبناءه وأحفاده في "الحرافيش" ،الرواية التي ناقشت ببراعة مفهوم السلطة وتأثيرها ،وفكرة العدل والصراع الطبقي. وال يمكن نسيان "عيسى الدباغ" بطل رواية "السمان والخريف" ،ذلك الشاب الممتلئ باألمل والطموح، والصاعد بسرعة ليكون نجمًا سياسيًا يتوقع له الجميع أن يصعد للوزارة في أول حكومة جديدة يشكلها الوفد ،لكن األحداث التي جرت بعد ذلك جعلت كل أحالمه وطموحاته تتهاوى ،فيجد نفسه خارج العصر.. فيما يكتسح رجال آخرون المشهد ،يخسر عيسى الدباغ مستقبله السياسي والعاطفي ،وينجح محفوظ ببراعة في رسم حياته المترنحة والبائسة. ويمكن لي أن أمضي في تعداد الكثير من شخصيات نجيب محفوظ التي بقيت تزخر بالحياة في العديد من رواياته األخرى ،لوال أن الموضوع هو إشارات فقط. * كاتب سعودي.
144
العدد 71 رب ـي ــع ١٤٤٢ه ـ ـ ـ ـ (٢٠٢١م)
الصفحة األخيرة
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات برنامج النشر في