70_Aljoubah_joba_مجلة_الجوبة_العدد_70

Page 1

‫¦ ¦«نقش فضالة» املكتشف حديثا‬ ‫باجلوف‪ ،‬أول نقش إسالمي يرد فيه‬ ‫ذكر مدينة سكاكا‪.‬‬ ‫¦ ¦تطور وسائط القصيدة العربية بني‬ ‫القبول والرفض‪.‬‬

‫‏‬

‫¦ ¦نصوص شعرية و سردية‪.‬‬ ‫¦ ¦مواجهات مع ميساء اخلواجة‬ ‫وعبدالوهاب أبو زيد‪.‬‬ ‫¦ ¦توني موريسون تقدم وصفة الكتابة‬ ‫اإلبداعية‪.‬‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات‬ ‫السعودية في دورته ‪14‬‬ ‫تداعيات كورونا على االقتصاد السعودي والعالمي‬

‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع في دورته ‪13‬‬ ‫التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا‪ :‬الواقع والمأمول‬

‫‪70‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 9 4781‬هاتف‪ 011 4999946 :‬ج ـ ــوال‪055 3308853 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السدير ي عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضواً‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثقافية‪،‬‬ ‫ويتبنّى برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬يخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬ويتم متويل املركز من مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬


‫العدد ‪ - ٧٠‬شتاء ‪١٤٤٢‬هـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪٦..........................‬‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫السديري للدراسات السعودية‬ ‫في دورته الرابعة عشرة‬

‫‪106............................‬‬

‫حوار مع الشاعر‬ ‫عبدالوهاب أبو زيد‬

‫‪132............................‬‬

‫اكتشاف‬ ‫نقش إسالمي مبكر‬

‫الـمحتويــــات‬

‫االفتتاحية ‪٤ ................................................................................‬‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورتــه ‪:١٤‬‬ ‫تداعيات كورونا على االقتصاد السعودي والعالمي ‪٦ ....................................‬‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع في دورته ‪ :١٣‬التعليم عن بعد في ظل‬ ‫جائحة كورونا‪ :‬الواقع والمأمول ‪٢٣ ....................................................‬‬ ‫محور خاص‪ :‬تطور وسائط القصيدة العربية بين القبول والرفض ‪٣٢ ....................‬‬ ‫والضرُورَة ‪ -‬صالح بوسريف ‪٣٣ .................‬‬ ‫الصيْرُورَة َّ‬ ‫الشِّ عريَّة العر ِبيَّة‪ ..‬بين َّ‬ ‫أزمة التطور الشعري في زمن العولمة ‪ -‬ناصر الناصف ‪٣٦ ........................‬‬ ‫اإلنتاجية الجمالية المتجددة لصور الذات واآلخر والفضاء في الشعر السعودي‬ ‫الحديث ‪ -‬د‪ .‬محمد سمير عبدالسالم‪٣٨ ........................................‬‬ ‫الشعر اإللكتروني التفاعلي ‪ -‬د‪ .‬محمد عبداهلل القواسمة‪٤٤ ......................‬‬ ‫مائة عام من الحوار حول الشعر ‪ -‬محمد عالم‪٤٨ .................................‬‬ ‫اإليقاع الشعري‪ ...‬رئة القصيدة ‪ -‬أحمد خالد‪٥٢ ..................................‬‬ ‫الشع ُر ضمي ٌر يزه ُر بين المنصة الطللية والمنصة اإللكترونية ‪ -‬محمد العامري ‪٥٥ ....‬‬ ‫وتتمزّق القصيدة العربية بين أبنائها ‪ -‬د‪ .‬هناء بنت علي البواب‪٥٨ ................‬‬ ‫نصوص‪ :‬أمنيات هاربة ‪ -‬سمير أحمد الشريف ‪٦٠ ....................................‬‬ ‫حُ ل ُ ْم ‪ -‬شريفة عبدالرزاق المرهق ‪٦٢ ........................................‬‬ ‫حديث‪ ..‬كورونا من البلكونة ‪ -‬د‪ .‬سلطان القحطاني ‪٦٤ ....................‬‬ ‫الشاعر يدفع الثمن ‪ -‬عمار الجنيدي ‪٦٥ ....................................‬‬ ‫عُرس الخيبة ‪ -‬جعفر عمران ‪٦٨ ....................................................‬‬ ‫إحدى عشرة رباعية ‪ -‬محسن محمد دبوان ‪٧٠ .....................................‬‬ ‫َمقَا ُم ال َّنبِيّ ‪ -‬أحمد نناوي‪٧٢ ........................................................‬‬ ‫جنة العشق ‪ -‬نورة الشمراني ‪٧٤ ....................................................‬‬ ‫نبض الطين ‪ -‬خديجة إبراهيم ‪٧٥ ..................................................‬‬ ‫أعدني إليّ ‪ -‬نويّر العتيبي ‪٧٦ .......................................................‬‬ ‫حَ بيبتي تَهوى اقتنا َء العطورِ ‪ -‬شاهر ذيب ‪٧٧ .......................................‬‬ ‫ال احم ُل اسمكَ ‪ -‬وداد نبي ‪٧٨ ......................................................‬‬ ‫لتموتَ في البلدِ البعيد ‪ -‬أحمد هالل ‪٨٠ ...........................................‬‬ ‫حَ دِ يثُ ال َّدلْو‪ - ..‬حامد أبو طلعة‪٨٢ .................................................‬‬ ‫رثـــــــــاء ‪ -‬سميرة الزهراني ‪٨٣ ......................................................‬‬ ‫بسمِ اهلل ‪ -‬أحمد عكور ‪٨٤ ..........................................................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬مؤتمرات «تكنولوجيا وترفيه وتصميم» ‪ -‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمان إكيدر ‪٨٥ ......‬‬ ‫أديبة نوبل األشهر «توني موريسون» ‪ -‬إيميلي تمبل ‪ -‬ترجمة‪ :‬أميرة الوصيف ‪٩٠ ..‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الدكتورة ميساء زهدي الخواجا ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بوقاسم ‪٩٦ ...............‬‬ ‫عبدالوهاب أبو زيد ‪ -‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم‪١٠٦ ......................................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬طرق القوافل إلى الجوف عبر التاريخ ‪ -‬د‪ .‬سعيد بن دبيس العتيبي‪١١٣ ............‬‬ ‫ال أعلم‪ ..‬كيف لي أن أصوغ عباراتي ‪ -‬لميس الحميد ‪١٢٥ ...............................‬‬ ‫شمس أحمد الحسيني ‪ -‬محمد عبدالرزاق القشعمي ‪١٢٨ ..........................‬‬ ‫اكتشاف نقش إسالمي مبكر ‪ -‬المحرر الثقافي‪١٣٢ .................................‬‬ ‫المدرسة في زمن الجائحة ‪ -‬ترجمة‪ :‬مراد االدريسي‪١٣٥ ...........................‬‬ ‫العصفورية ‪ -‬صالح القرشي ‪١٣٨ ....................................................‬‬ ‫تقارير‪ :‬النشاط الثقافي بمركز عبدالرحمن السديري الثقافي (يونيو ‪ -‬أغسطس) ‪-‬‬ ‫جهاد أبو مهنا ‪١٤٠ .....................................................................‬‬ ‫الصفحة األخيرة‪ :‬الثقافة والدعم وفشل األسواق ‪ -‬د‪ .‬عبدالواحد الحميد ‪١٤٤ ...........‬‬

‫الغالف‪ :‬نقش إسالمي مبكر‪ ،‬عثر عليه بالجوف‪ ،‬وهو أول نقش ورد فيه ذكر مدينة سكاكا (مركز منطقة الجوف حاليا)‪.‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫لم يكن الشعر حكرًا على فئة معينٍ ة من الشعراء‪ ،‬حتى يكون لهم الحق في إزاحة‬ ‫التجارب الجديدة‪ ،‬وما اجترحت من تجارب شعرية مختلفة‪..‬‬ ‫تتسع الساحة لجميع األشكال الشعرية لألجيال كافة‪ ،‬وال يمكن نسيان حق هذه‬ ‫األجيال‪ ،‬وما سبقها‪ ،‬وما سيليها‪ ،‬في التجديد واإلبــداع؛ خاصة وأن القصيدة العربية‬ ‫تتجدد وتبدع‪ ،‬ترتفع حينًا وتهبط أحيانًا أخرى‪ ،‬تؤثر فيها الظروف الزمانية والمكانية‪،‬‬ ‫ويؤثر فيها اختالط الثقافي بالسياسي واستقاللية الشاعر وتبعيته‪ ..‬تعاني التهميش في‬ ‫أوقات كثيرة‪ ،‬ويُمارَس بحقها اإلقصاء في بعض األوقات! إال إن جودة القصيدة وعمقها‬ ‫وتوقها إلى الحرية واالنعتاق‪ ،‬هو ما يحدد مصيرها‪ ..‬فناءها‪ ..‬أو خلودها‪..‬‬ ‫وقد تطورت القصيدة منذ القرون الوسطى‪ ،‬وظهر شعراء كبار‪ .‬من رموز تلك المرحلة‪:‬‬ ‫أبو تمام‪ ،‬وبشار بن برد‪ ،‬وأبو العتاهية‪ ،‬وصوالً إلى شعراء منتصف القرن الماضي وما‬ ‫تبعه‪ ،‬وبروز ظاهرة شعر التفعيلة‪ ،‬وقصيدة النثر‪ ،‬كما نتذكر في هذا السياق كيف خلدت‬ ‫قصيدة نزار قباني‪ ،‬أو أمل دنقل‪ ،‬أو محمد الثبيتي؛ ألن "ما ينفع الناس" هو الذي "يمكث‬ ‫في األرض"!‬ ‫أحيانا‪ ،‬يقف النص الشعري أو القصيدة في حيرة كبيرة في عصرنا الراهن‪ ،‬تتنازعه‬ ‫الخطابات اإلعالمية‪ ،‬ونظريات المؤامرة‪ ،‬وقضايا األمة‪ ،‬وتحوالت العداوة التاريخية‪،‬‬ ‫ولهذا يلجأ النص الشعري إلى "ترميز" النص بالتراكيب والجمل الشعرية التي تخرج‬ ‫به عن عيون المتلصصين‪ ،‬بطريقة مبتكرة تخرج به إلى بَ ّر األمان‪ ،‬ونتذكر كيف كانت‬ ‫القصيدة في عهد البعث العراقي أو السوري‪ ،‬أو العهد الناصري‪ ،‬وتحولها إلى خطاب‬ ‫تعبوي‪..‬‬

‫‪4‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫افتتاحية‬


‫يقول محمود درويش‪:‬‬

‫قصائدنا ‪ ،‬بال لون‬ ‫بال طعم‪ ..‬بال صوت‬ ‫إذا لم تحمل المصباح‪ ..‬من بيت‪ ..‬إلى بيت‬ ‫ومن الوقوف على األطالل ومناجاتها‪ ،‬إلى الكتابة على األلواح اإللكترونية الواسعة‪،‬‬ ‫تقف القصيدة العربية اليوم بكل تجلياتها‪ ،‬صامدة منذ طرفة بن العبد‪ ،‬الذي يقول‪:‬‬

‫لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ َة أط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالٌ بِ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــر َقـ ـ ـ ـ ــةِ َث ـ ــهْ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫َت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــوحُ كـ ـ ـب ـ ــاق ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـو َْش ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ف ـ ـ ــي ظ ـ ـ ــاه ـ ـ ــرِ ال ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ِـد‬ ‫وإذا كانت القصيدة في القديم الحديث تقف على األطالل وتبكي عليها‪ ،‬فإن ما يجمع‬ ‫بين القصيدة في جميع أشكالها التي باتت تُعرف بها اليوم هو قدرتها على التصوير‬ ‫والتعبير‪ ،‬مع تطور األدوات التي تساعد الشاعر في بناء مداميكها؛ كما أن التقنية‬ ‫المعاصرة المتمثلة في النشر اإللكتروني الواسع‪ ،‬أتاحت لها الوصول إلى المتلقين‪ ..‬مهما‬ ‫كانت مواقعهم‪ ،‬ومتى كان زمانهم‪ ،‬طالما بقيت حرية اإلنترنت مكفولة الحق في الوصول‬ ‫إليها في هذا العالم‪ ،‬إال إن التحدي الماثل ‪ -‬كما يقول د‪ .‬محمد القواسمة ‪ -‬هو "إن كتابة‬ ‫النص الشعري التفاعلي في عالمنا العربي ما تزال في البداية؛ فال توجد غير أعمال‬ ‫قليلة جيدة‪ ،‬فكثير من الكتابات انحصرت في الكتابة اإللكترونية التي ال تتعدى نقل النص‬ ‫من الورق إلى الحاسوب‪ ،‬ولم تتعامل مع البرمجيات الخاصة التي يتطلبها التفاعل مع‬ ‫تلك النصوص"‪.‬‬ ‫أو كما يكتب يوسف بو حمالة‪" :‬وخالصة األمر أ ّن ما ُكتِبَ سابقًا كان يُحدِّد عبر أمكنة‬ ‫نشره في كتاب أو مجلة‪ ،‬أو دار نشر معينة‪ ،‬وكانت الكتابة تمتلك أهمي ًة حسب أهمية‬ ‫المنبر الذي تنشر فيه‪ ...‬فيما "سهلت" اإلنترنت انتقال المادة المكتوبة إلى جميع مناطق‬ ‫األرض بسرعة خرافية‪".‬‬

‫افتتاحية‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪5‬‬


‫في دورته الرابعة عشرة عبر‬

‫‪ZOOM‬‬

‫تداعيات كورونا‬ ‫على االقتصاد السعودي والعالمي‬ ‫■ كتب‪ :‬محمد صوانة‬

‫عقد منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية دورته الرابعة‬ ‫عشرة‪ ،‬في الرياض‪ ،‬وجرى بث فعاليات المنتدى عبر االتصال المرئي‪ ،‬بعنوان‪« :‬تداعيات‬ ‫كــورونــا على االقتصاد السعودي والعالمي»‪ ،‬وذلــك يــوم الثالثاء ‪ 24‬ربيع األول ‪1442‬هـ ـ‬ ‫(‪ 10‬نوفمبر ‪2020‬م)‪ ،‬وشـهــدت منصة االتـصــال المرئي حـضــور ًا الفـ ًتــا مــن االقتصاديين‬ ‫والمهتمين من داخل المملكة العربية والسعودية وعديد من دول العالم‪ ،‬وهي الميزة التي‬ ‫أتاحتها تقنية عقد المنتدى عبر االتصال المرئي‪.‬‬ ‫افتُتح المنتدى بكلمة ألقاها األستاذ‬

‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري‬

‫المدير العام لمركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي‪ ،‬رحّ ب فيها بالمشاركين في الندوة‪،‬‬

‫والجمهور ال ــذي يتابعها مــن خــال البث‬ ‫الرقمي‪ ،‬ألول مرة في تاريخ المنتدى‪.‬‬

‫وقال إن الخبراء االقتصاديين المشاركين‬

‫بندوة المنتدى سيناقشون عدة محاور تتناول‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تداعيات كورونا على االقتصاد السعودي من‬ ‫حيث معدالت النمو في مختلف القطاعات‪،‬‬ ‫والتأثيرات على المشاريع التنموية الكبرى‬ ‫وســيــاســات ال ــدول ــة لــمــواجــهــة الــجــائــحــة‪،‬‬ ‫والتأثير الهيكلي على االقتصاد لناحية نماذج‬ ‫العمل لمرحلة ما بعد كــورونــا‪ ،‬واألنشطة‬ ‫االقــتــصــاديــة‪ ،‬والــتــداعــيــات على االقتصاد‬ ‫العالمي وأس ــواق النفط؛ راجــيـاً أن يكون‬ ‫النقاش علميا ومفيدا‪ ،‬بالنظر لما يتمتع به‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬


‫فرسان هذه الندوة من خبرات اقتصادية‬ ‫وأكاديمية في المحاور المطروحة للنقاش‪.‬‬ ‫وأشـــار إلــى أن الــعــادة جــرت أن تعقد‬ ‫دورات هذا المنتدى بالتناوب سنويا بين دار‬ ‫العلوم بالجوف ودار الرحمانية بمحافظة‬ ‫الــغــاط‪ ،‬لكن نــظــراً لــظــروف االحتياطات‬ ‫الالزمة جــراء انتشار جائحة كورونا‪ ،‬فقد‬ ‫ارتــأت إدارة المركز عقد هــذه الــدورة من‬ ‫خالل االتصال المرئي‪ ،‬ودعا اهلل أن تزول‬ ‫الجائحة عن العالم أجمع‪ ،‬لتعود الحياة إلى‬ ‫طبيعتها‪ ،‬وتعود األنشطة الثقافية الوجاهية‬ ‫إلى سابق عهدها‪.‬‬

‫مدير عام مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫وأشار السديري إلى أن مركز عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي يضم أربع مكتبات عامَّة‬ ‫ـاط‪ ،‬ولديه برنا َم ٌج للنشرِ‬ ‫الجوف والــغـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫األبحاث‪ ،‬ودوريتان هما مجلة أدوماتو‬ ‫ِ‬ ‫ودعمِ‬ ‫المتخصصة بالدراسات اآلثــاريــة‪ ،‬ومجلة‬

‫مناش َط‬ ‫ِ‬ ‫الجوبة الثقافية‪ ،‬ويقيم المركز‬ ‫ومسابقات ثقافية‬ ‫ٍ‬ ‫وملتقيات دورية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫منبرية‪،‬‬ ‫متنوّعة‪ ،‬ودعا إلى زيارة الموقع اإللكتروني‬ ‫للمركز لــلــتــعـر ُِّف على أعــمــالــه وأنشطته‬ ‫الثقافية‪.‬‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬

‫أ‪ .‬سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪7‬‬


‫ندوة المنتدى‬ ‫المتحدثون‪:‬‬ ‫د‪ .‬رجا المرزوقي‪ ،‬أستاذ اقتصاد بمعهد سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية؛‬ ‫أ‪ .‬عبدالعزيز الرشيد‪ ،‬مساعد وزير المالية للشؤون المالية الدولية؛‬ ‫د‪ .‬خالد الراجحي‪ ،‬خبير اقتصادي؛‬ ‫أ‪ .‬جواهر زياد السديري‪ ،‬مدير مركز النهضة لألبحاث‪ ،‬جمعية النهضة؛‬ ‫د‪ .‬أنس الحاج‪ ،‬خبير في مجال الطاقة وأسواق النفط‪.‬‬ ‫أدار الندوة‪ :‬د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد‬ ‫الموضوعات المستجدة على الساحة الوطنية‪،‬‬ ‫فقد ارت ــأت هيئة منتدى األمــيــر عبدالرحمن‬ ‫السديري للدراسات السعودية أن يكون موضوع‬ ‫الدورة الحالية للمنتدى هو تداعيات جائحة كورونا‬ ‫على االقتصاد السعودي والعالمي‪ .‬وقال الدكتور‬ ‫الحميد إن ثلة من االقتصاديين المتخصصين‪،‬‬ ‫سيناقشون المحاور الخمسة للمنتدى‪.‬‬ ‫الصدَف‪،‬‬ ‫وأشار د‪ .‬الحميد إلى أن من محاسن ُ‬ ‫أن يعقد هذا المنتدى في الوقت الذي أعلنت في‬ ‫أكثر من شركة طبية عن اكتشاف لقاح لفيروس‬ ‫كورونا‪ ،‬ونرجو أن يكون فاتحة تحوّل في انحسار‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬ ‫هذه الجائحة؛ وفي المقابل‪ ،‬بدأت األخبار تتحدث‬ ‫نائب وزير العمل سابق ًا وخبير اقتصادي‬ ‫عن موجة ثانية من فيروس كورونا أخذت تنتشر‬ ‫بعد ذلك بدأت الندوة بكلمة للدكتور عبدالواحد في بعض دول العالم‪.‬‬ ‫بن خالد الحميد‪ ،‬فقال إن االقتصاد العالمي كله‪،‬‬ ‫وبــعــد ذلــك قــدّم الــدكــتــور الحميد نــبــذة عن‬ ‫ومنه االقتصاد السعودي‪ ،‬واجه ظروفا صعبة خالل‬ ‫السيرة الذاتية الخاصة بالمتحدث األول في هذه‬ ‫جائحة كورونا التي اجتاحت العالم كله‪ ،‬منذ ظهور‬ ‫الندوة‪ ،‬الدكتور رجا المرزوقي‪ ،‬أستاذ االقتصاد‬ ‫الفيروس في الصين في شهر ديسمبر ‪2019‬م‪،‬‬ ‫وفي المملكة العربية السعودية مع بداية شهر بمعهد سعود الفيصل للدراسات السعودية‪ .‬وقال‬ ‫مارس ‪2020‬م‪ ،‬وقد عايشنا جميعا التأثيرات التي إنه سيتحدث عن تداعيات كورونا على االقتصاد‬ ‫حدثت‪ ،‬سواء على الصعيد الشخصي لكل فرد‪ ،‬السعودي من حيث معدالت النمو في مختلف‬ ‫أم على الصعيد الوطني بوجه عام‪ .‬وإسهاما من الــقــطــاعــات‪ ،‬وبــخــاصــة األنــشــطــة األكــثــر تــأثــراً‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي في مناقشة والتأثير على المنشآت الصغيرة والمتوسطة‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬


‫المحور األول‬ ‫تداعيات كورونا على االقتصاد السعودي من حيث معدالت‬ ‫النمو في مختلف القطاعات‪ ،‬وبخاصة األنشطة األكثر تأثر ًا‬ ‫والتأثير على المنشآت الصغيرة والمتوسطة‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬رجا المرزوقي‬ ‫(أستاذ االقتصاد في معهد األمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية)‬

‫تساءل د‪ .‬المرزوقي في بداية حديثه قائال‪ :‬ما هو واقعنا االقتصادي في المملكة العربية‬ ‫السعودية قبل كورونا؟ وأضــاف إن اقتصاد المملكة يتأثر بأسعار النفط العالمية‪ ،‬فالمحرك‬ ‫األساس لإلنفاق الحكومي من خالل استخدام إيــرادات النفط‪ .‬وخالل الفترة من عام ‪-2017‬‬ ‫‪2019‬م تأثرت إيرادات المملكة من النفط باالنخفاض الذي حدث لألسعار‪ .‬ثم جاءت جائحة‬ ‫كورونا فــأدت إلى أزمــة عالمية مختلفة عن األزمــات السابقة التي كانت أزمــات مالية وحسب؛‬ ‫بينما جــاءت أزمــة كــورونــا لتجمّ د االقتصاد العالمي‪ ،‬ونحن فــي المملكة جــزء مــن االقتصاد‬ ‫العالمي ونتأثر به سلبا وإيجاباً؛ إذ أوقفت أغلب الخدمات للحد من انتشار الفيروس‪ ،‬ما أدى‬ ‫إلى تعطل جانب الطلب في االقتصاد وتقلص االستهالك؛ فانخفضت أسعار النفط بشكل كبير‬ ‫جدا (من مستوى ‪ 60‬دوالرا للبرميل إلى ‪ 20‬دوالراً) وهــذا االنخفاض كان له تأثير كبير على‬ ‫االقتصاد السعودي‪ ،‬بالنظر إلى تأثر اإلنفاق الحكومي بإيرادات النفط‪.‬‬ ‫وأضاف الدكتور المرزوقي إنه من الطبيعي‬ ‫أن يتأثر القطاع غير النفطي بالقطاع النفطي‪،‬‬ ‫ثم جاءت اإلغالقات على المشاريع الحيوية‬ ‫في الحياة اليومية المحلية والعالمية لتقليل‬ ‫التجمعات والــح ـ ِّد مــن انــتــشــار الــفــيــروس‪،‬‬ ‫فتعطلت الــحــركــة االقــتــصــاديــة‪ ،‬وانخفض‬ ‫استهالك النفط بشكل كبير‪ ،‬وكان أثر ذلك‬ ‫شديدا على القطاعات االقتصادية وبخاصة‬ ‫المنشآت المتوسطة والصغيرة التي تمتاز بأن‬ ‫نسبتها في العائدات بحدود ‪ %28‬بينما نسبتها‬ ‫في مجال التوظيف تصل إلــى ‪( %40‬نسبة‬ ‫السعوديين فيها تصل إلى ‪ .)%25‬وقد لجأت‬ ‫المنشآت المتوسطة والصغيرة إلى تخفيض‬ ‫خسائرها؛ فانخفضت أعداد األيدي العاملة‬ ‫فيها بشكل أكبر من المنشآت الكبيرة التي‬ ‫تمتاز بقدرتها على مواجهة مثل هذه الحاالت‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬

‫الطارئة‪ .‬وفي المملكة حالياً نحو ‪571.000‬‬ ‫منشأة صغيرة ومتوسطة بينما يصل عدد‬ ‫المنشآت الكبيرة إلى ‪ 3.300‬منشأة‪ .‬وتبلغ‬ ‫نسبة المنشآت العاملة في مجال التجزئة‬

‫د‪ .‬رجا املرزوقي‬

‫أستاذ االقتصاد يف معهد األمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪9‬‬


‫إلى نحو ‪ %50-45‬من المنشآت المتوسطة يكون موظفا‪ ،‬يقلل من مخاطر احتكار القلة‪.‬‬ ‫والصغيرة‪ ،‬وأعمال هذه المنشآت يمتاز بأنه‬ ‫وأشــار المرزوقي إلى أن من فوائد أزمة‬ ‫يجري بشكل يومي ومباشر مع المستهلك‪ ،‬كورونا هو التحوّل التقني لكثير من األعمال‪،‬‬ ‫فكان تأثرها نتيجة الجائحة واضحا‪ ،‬وقدرتها مما انعكس إيجابيا على رفــع كــفــاءة تلك‬ ‫على التحوّل إلى الجانب الرقمي محدودة‪ .‬األعمال‪ ،‬إذ إن التباعد واإلجراءات االحترازية‬ ‫بخالف الشركات الكبيرة التي تملك قدرات ستؤثر بالتأكيد على اإلنتاجية‪ ،‬وبخاصة في‬ ‫أكبر على التحوّل التقني‪ ،‬فكان تأثرها أقل؛ المشاريع ذات العمالة األكبر‪.‬‬ ‫وبخاصة أن نحو ‪ %60‬من العمالة في القطاع‬ ‫وقال د‪ .‬المرزوقي إن المنشآت الصغيرة‬ ‫الخاص هي عمالة غير ماهرة‪ ،‬فعندما يتجه والمتوسطة ال تحصل إال على نحو ‪ %7‬من‬ ‫الشباب إلى العمل الحر فهم يملكون مهارات التمويل فــي المملكة‪ ،‬وهــي نسبة ضئيلة‪،‬‬ ‫ويستطيعون تحقيق دخل أعلى‪ ،‬وهــذا يعيد حتى إن أوضــاع بعض تلك المنشآت يحتاج‬ ‫توزيع الدخل بشكل أمثل‪ .‬وأضاف أن توجيه إلــى دراســة أكثر دقــة لمعالجتها والرفع من‬ ‫الشباب للعمل من خالل التجارة بدال من أن مستواها‪.‬‬

‫المحور الثاني‬ ‫تداعيات كورونا من حيث التأثير على إيرادات الدولة‬ ‫واإلنفاق الحكومي والمشاريع التنموية الكبرى‬ ‫وسياسات الدولة لمواجهة الجائحة‬ ‫األستاذ عبدالعزيز بن متعب الرشيد‬ ‫(مساعد وزير المالية للشؤون المالية الدولية والسياسات الكلية)‬

‫أشار د‪ .‬عبدالواحد الحميد إلى أن الحكومة اعتمدت بعض الحزم التحفيزية‪ ،‬نتيجة انخفاض‬ ‫أسعار النفط‪ ،‬فكانت هناك إجــراءات تقشفية‪ ،‬ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة‪ ،‬وتم تأجيل‬ ‫بعض المشاريع القائمة‪ .‬وسيتحدث األستاذ عبدالعزيز بن متعب الرشيد مساعد وزير المالية‬ ‫للشؤون المالية الدولية والسياسة الكلية‪ ،‬عن ذلك‪.‬‬ ‫بدأ األستاذ عبدالعزيز الرشيد بقوله‪:‬‬

‫وأشار إلى أنه مع إطالق رؤية المملكة‬

‫إننا إذا نظرنا إلى االقتصاد السعودي في ‪ 2030‬فقد كان أحد أهدافها هو التنويع‬ ‫المنظور الكلي فهو قائم على العائدات االقــتــصــادي‪ ،‬بــهــدف التقليل مــن اعتماد‬ ‫النفطية بالدرجة األولــى‪ ،‬وهي التي تموّل االقتصاد الوطني على العائدات النفطية؛‬ ‫اإلنفاق الحكومي‪ ،‬الذي يُ َع ُّد المحرك لباقي وذلك من طريقين األول هو تنويع الدخل‬ ‫جوانب االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫الوطني بشكل عام‪ ،‬إلى ما يدخل عليه من‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬


‫خارج نطاق االقتصاد الوطني‪ ،‬والثاني هو‬

‫تنويع اإلي ــرادات لتمكين الحكومة للقيام‬

‫بالتخطيط المالي دون ضغوط التقلبات‬ ‫في أسعار النفط وإيراداته‪ .‬وقد بدأ هذا‬ ‫التوجه منذ عــام ‪2016‬م؛ ولكن االلــتــزام‬

‫والتخطيط وإيجاد آليات التنفيذ هي الفارق‬ ‫بين جهودنا ما بعد ذلك العام عن الجهود‬

‫السابقة‪ ،‬ومن المعلوم أن خطط التنمية‬ ‫الخمسية فــي المملكة بــدأت منذ العام‬

‫‪1970‬م‪ .‬وقال األستاذ الرشيد إن هذا النوع‬ ‫من االقتصاد يجعله عرضة لألزمات التي‬

‫أ‪ .‬عبدالعزيز الرشيد‬

‫مساعد وزيراملالية للشؤون املالية الدولية والسياسات الكلية‬

‫تتعلق بأسعار النفط‪ .‬ومنذ العام ‪2016‬م‬ ‫وحتى اليوم قامت الحكومة بإصالحات التعامل معه بدرجة عالية من الدقة لضمان‬ ‫كبيرة‪ ،‬فيما بتعلق بالسياسة المالية العامة‪ ،‬تحقيق التوازن بينهما‪.‬‬ ‫التي هدفت إلى تنويع اإليرادات الحكومية‬

‫وهــنــا‪ ،‬تــســاءل مــديــر الــنــدوة الــدكــتــور‬

‫مــن جــهــة‪ ،‬ومــن جهة أخ ــرى رفــع مستوى عــبــدالــواحــد الحميد بــشــأن اإلصــاحــات‬ ‫الكفاءة في اإلنفاق الحكومي‪ ،‬مهما كان نوع الهيكلية في االقتصاد الوطني في إطار‬ ‫اإلنفاق ومقداره‪.‬‬

‫رؤيــة المملكة ‪ ،2030‬وتزامنها مــع هذا‬

‫وقــد جــاءت أزمــة كــورونــا أثــنــاء مرحلة الظرف غير العادي الذي يشهد انحساراً‬ ‫تنفيذ بعض تلك اإلج ــراءات اإلصالحية‪ ،‬اقتصادياً عالمياً‪.‬‬ ‫وكــانــت الــحــكــومــة أم ــام خــيــاريــن؛ إم ــا أن‬

‫وأج ــاب األســتــاذ عبدالعزيز الرشيد‪،‬‬

‫تضاعف إنفاقها مراعاة منها لجانب النمو إنـــه بــالــنــســبــة ل ــس ــؤال د‪ .‬عــبــدالــواحــد‪،‬‬ ‫في االقتصاد غير النفطي وهو خيار على فمنذ بــدأت أزمــة كــورونــا كــان االقتصاد‬

‫الــمــدى المتوسط الطويل غير مستدام‪ ،‬الوطني قد شهد بداية تأثير اإلصالحات‬ ‫ألن االستمرار فيه مستحيل‪ ،‬فبمجرد أن والجهود المبذولة‪ ،‬في تحقيق الرؤيا وفي‬ ‫يتراجع اإلنفاق الحكومي أو يتوقف عند حد االســتــثــمــارات‪ ،‬وكــنــا نشهد بــدايــات ثمار‬ ‫معين‪ ،‬فإن معدل النمو سيتأثر؛ وبالتالي هــذه الجهود واالســتــثــمــارات إال إن أزمــة‬

‫فإن الموازنة بين النمو االقتصادي وتحقيق كورونا أثرت على دفعها نحو االمام‪ ،‬وعلى‬ ‫االستدامة المالية أمر بالغ األهمية‪ ،‬ويجب مستوى النمو‪ ،‬لكن بفضل اهلل كنا في أتم‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪11‬‬


‫االستعداد للتعامل مع هذه األزمة‪ .‬ومع ذلك ليتمكنوا من خالل السيولة المتاحة لديهم‬

‫اضطرت الحكومة في بداية األزمــة لعمل من االستمرار في اإلنفاق على أنشطتهم‬ ‫مراجعة سريعة لخطتها فيما يتعلق بالمالية االقتصادية؛ ألن إيراداتهم تأثرت كثيرا‪.‬‬ ‫العامة لعام ‪2020‬م‪ ،‬وكان ذلك مبينا على وكــانــت هناك مــســارات أخ ــرى‪ ،‬منها منح‬ ‫القراءة التي كانت سائدة وهي أن الرؤية سيولة في القطاع المصرفي لتمكينه من‬

‫لمسار جائحة كورونا كانت غير واضحة تقديم اإلقــراض لمنشآت القطاع الخاص‬ ‫المعالم‪ ،‬وكان هناك تحسب ألوضــاع غير االقتصادية‪.‬‬ ‫مريحة لالقتصاد‪ ،‬فاتخذت االحتياطات‬ ‫الالزمة لضمان االستدامة المالية وضمان‬ ‫قيام الحكومة بواجباتها واالستمرار في‬

‫مشاريعها التنموية المتعلقة بالرؤية‪ .‬فكان‬ ‫هناك زيادة في اإلنفاق في بعض القطاعات‬ ‫لــمــواجــهــة األزمـ ــة مــثــل الــقــطــاع الصحي‬

‫لتهيئته لمواجهة التأثيرات المتوقعة في‬ ‫حالة انتشار الفيروس‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬

‫كــان هناك وقــف لبعض األنشطة بسبب‬

‫وك ــان هــنــاك تــوقــع بــزيــادة الــعــجــز عن‬

‫المخطط له في ميزانية ‪2020‬م وهو ما‬ ‫كان ال بد من معالجته‪ ،‬فقامت الحكومة‬ ‫ب ــإج ــراءات منها الــتــوســع فــي االقــتــراض‬

‫لتغطية الــعــجــز فــي الــمــيــزانــيــة‪ .‬وبشكل‬

‫إجمالي‪ ،‬فإن اإلنفاق الحكومي المخطط له‬

‫كان بحدود ترليون و‪ 120‬مليار ريال‪ ،‬لكن‬ ‫صار من المتوقع أن يصل اإلنفاق الفعلي‬

‫حظر التنقل وبالتالي حصل إعــادة توجيه في نهاية عــام ‪2020‬م‪ ١٦٤ ،‬ملياراً‪ ،‬أي‬ ‫ضخمة جــدا في المسارات التي توقفت بزيادة نحو ‪ 44‬ملياراً عما هو مخطط له‬

‫بسبب الحظر وتقييد الحركة والتنقل‪ ،‬مسبقاً؛ وبناء عليه‪ ،‬يرتفع العجز من ‪187‬‬ ‫واألنشطة االقتصادية إلى المسارات التي ملياراً حسب المخطط‪ ،‬إلــى ‪ 398‬مليار‬ ‫تتطلب إنفاقا أكبر‪.‬‬

‫وأضـــــاف األســـتـــاذ الــرشــيــد إلـ ــى أن‬

‫ريال‪ ،‬حسب اإلنفاق الفعلي‪.‬‬

‫وقــال األستاذ الرشيد‪ ،‬إن آثــار كورونا‬

‫الحكومة استشعرت ضــرورة دعم القطاع االقتصادية والمالية ضربت العالم كله‬ ‫الخاص قدر المستطاع‪ ،‬لتمكينه من تجاوز كالعاصفة‪ ،‬لكن الفارق كان في تأثر الدول‬ ‫األزمـ ــة بــأقــل األضـــــرار‪ ،‬فــجــاءت الــحــزم بها‪ ،‬فهناك دول استقبلت األزمــة ولديها‬ ‫االقتصادية على صنفين‪ :‬األول‪ ،‬من خالل مساحة واسعة جدا من اإلمكانات المتاحة‬ ‫المالية العامة ومعظمها يتعلق بتأجيل بعض لزيادة اإلنفاق الداخلي‪ ،‬دون أن يؤثر ذلك‬ ‫الضرائب والرسوم‪ ،‬وتأجيل تحصيل الزكاة‪ ،‬على استدامتها المالية‪ ،‬وهناك دول لم‬

‫وضريبة الدخل على المستثمرين األجانب تجد مَن يموّلها لتوفير متطلبات مواطنيها‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬


‫خالل الجائحة‪ ،‬وذلك وفق ظروف اقتصاد كانت متشائمة‪ ،‬وذلك بحصول انكماش في‬ ‫كل دولــة وطبيعته‪ .‬أمــا المملكة‪ ،‬فبفضل اقتصاد المملكة بمعدل ‪ %7.2‬في نهاية عام‬

‫اهلل‪ ،‬فقد تمكنت من تمويل العجز الكبير ‪2020‬م‪ ،‬إال إن الصندوق عدّ ل توقعاته في‬ ‫الذي حصل نتيجة الجائحة وحافظت على شهر أكتوبر لتصبح ‪ ،%4.2‬لكن في البيان‬ ‫التصنيف االئتماني لها‪.‬‬

‫التمهيدي المعلن من وزارة المالية توقعت‬

‫وأكــد األســتــاذ عبدالعزيز الرشيد أنه الــوزارة ّأل يتجاوز االنكماش ‪ ،%3.8‬وفي‬

‫على الرغم من أن توقعات صندوق النقد النتيجة التي تحققت فعلياً توقفت النسبة‬ ‫الــدولــي تجاه االقــتــصــاد العالمي عموما عند مستوى ‪.%3.2‬‬

‫المحور الثالث‬ ‫التأثير الهيكلي على االقتصاد لناحية نماذج العمل لمرحلة ما‬ ‫بعد كورونا‪ ،‬واألنشطة االقتصادية التي من المتوقع أن تبرز وتلك‬ ‫التي يمكن أن تندثر ومدى تأثر برامج رؤية ‪ 2030‬في ظل التغيرات‬ ‫الهيكلية لالقتصاد السعودي والعالمي‬ ‫د‪ .‬خالد الراجحي‬ ‫(نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة الراجحي القابضة)‬

‫في بداية حديثه‪ ،‬قال د‪ .‬خالد الراجحي إن التغيّر هو الثابت الوحيد في مجال اقتصاد األعمال‪ ،‬وهو‬ ‫جزء دائم فيها‪ ،‬والمنشآت االقتصادية عادة لديها استعدادات وتجهيزات لهذا التغير؛ لكن عندما يأتي‬ ‫التغير بهذا الحجم وهذا التسارع‪ ،‬وبالقوة التي شهدناها بفعل جائحة كورونا‪ ،‬فإنه التحدّ ي! ومن ثَمَّ‬ ‫كان التأثير قوي ًا جداً؛ ورغم ذلك فليس كل القطاعات قد تأثرت سلبيا‪ ،‬بل هناك قطاعات استفادت بشكل‬ ‫كبير من هذه الجائحة! مثل قطاع التقنية‪ ،‬وخدمات التوصيل داخل المدن‪ .‬ومن القطاعات التي تضررت‬ ‫بشكل كبير‪ :‬قطاع التشييد والبناء الذي كاد أن يصل إلى التوقف التام! وعانت المؤسسات االقتصادية‬ ‫كثيرا من تدني السيولة بسبب اإلقفاالت‪.‬‬ ‫ا إن األمــر ومفاجئة؛ فهناك شركات تضررت وأخرى‬ ‫وع ـلّــق د‪ .‬عــبــدالــواحــد قــائ ـ ً‬ ‫العجيب في هــذا الجنون الكوروني ‪-‬كما استفادت‪ ،‬وبمجرد اإلعــان عن اكتشاف‬ ‫يسميه بعضهم‪ -‬أنه تسبّب بآثار متناقضة لــقــاح فــايــزر ف ــإن أســهــم شــركــات التقنية‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪13‬‬


‫أوالً نتفق أن هناك تغير‪ ،‬ثانياً‪ ،‬من المهم‬ ‫أن نعرف أن التحدي الــقــادم سيكون في‬ ‫مقدار التكلفة؛ فمن ال يستطيع أن يُحَ سِّ ن‬ ‫اإلنتاجية ويقلل من تكلفته‪ ،‬فإنه لن يتمكن‬ ‫من االستمرار‪.‬‬

‫د‪ .‬خالد بن سليمان الراجحي‬

‫نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة الراجحي القابضة‬

‫ويرى الدكتور الراجحي أن االندماج بين‬ ‫الــشــركــات المتنافسة فــي المجال نفسه‪،‬‬ ‫سيصبح ض ــرورة؛ مثل البنوك والشركات‬ ‫الكبيرة المماثلة‪ ،‬ألن توقف الشركات الكبيرة‬ ‫سيكون له تأثيرات سلبية على االقتصاد؛‬ ‫فتشجيع االندماجات سيقلل التكلفة ويُحسّ ن‬ ‫اإلنتاجية لهذه الشركات المندمجة‪.‬‬

‫هبطت! فالحرية االقتصادية تقضي أن‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد‪ :‬لكن هناك مَن يقول إن‬ ‫البقاء لألصلح‪ ،‬إنه مشهد مثير! لكن التغير ذلك سيخلق كيانات احتكارية‪.‬‬ ‫بوجه عــام‪ ،‬حصل ولــن تعود األوضــاع بعد‬ ‫د‪ .‬الــراجــحــي‪ :‬لكن االســتــمــرار لتلك‬ ‫الجائحة إلى الحالة التي كانت عليها قبلها‪.‬‬ ‫الكيانات بشكل منفرد‪ ،‬سيركز الخسارة‪.‬‬ ‫قــال د‪ .‬خالد الراجحي اتفقنا جميعاً‬ ‫وأكـ ــد د‪ .‬الــراجــحــي أن إنــفــاق الــفــرد‬ ‫المتضرر والمستفيد‪ -‬أن التغير حصل‬‫وأنه سيستمر‪ ،‬ومن المؤكد أن ما بعد هذه سينخفض حــتــم ـاً‪ ،‬فــالــتــرشــيــد سيرتفع‪،‬‬ ‫الجائحة لن يعود إلى الوضع السابق الذي وســيــكــون الــتــركــيــز عــلــى اســتــهــاك السلع‬ ‫كــان قبلها‪ .‬و َمــن تعامل مع هــذه المعلومة الضرورية لألسرة دون الكماليات‪ .‬كما أن‬ ‫بشكل جيد‪ ،‬فقد نجح‪ ،‬وهناك مَن ظن أن العمل عن بُعد أنتج فرصا جديدة لألمهات‬ ‫الــواجــب االنــتــظــار‪ ،‬وأن األوضـــاع ستعود‪ ،‬العامالت؛ إذ قلّل من الحاجة إلى الحضانات‪،‬‬ ‫فمَن يفكر بهذه الطريقة‪ ،‬أرى أنه سيخسر وهذا سيرفع إنتاجية األمهات العامالت‪.‬‬ ‫وق ــال د‪ .‬الــراجــحــي لقد ظــهــرت بعض‬ ‫الرهان! ومع كل المعلومات المتاحة‪ ،‬فإننا‬ ‫ما نزال نجهل ما هو القادم‪ ،‬على مستوى البدائل الذكية؛ إذ صــارت الحاجة للعمل‬ ‫العالم كله‪ .‬فاألسئلة لدى المستفيد وغير بشكل مختلف وتحد كبير‪ ،‬فيجب علينا‬ ‫المستفيد ما تزال مربكة جداً؛ فكالهما ال جميعا حكومة ومنظمات أهلية أن ندرس كل‬ ‫يعلم ما هي الخطوة المقبلة المناسبة له‪ .‬قطاع على حدة‪ ،‬فاألمور الشمولية ال يمكن‬ ‫إننا نحاول استقراء ما يمكن أن يحدث؛ أن تبقى بالطريقة نفسها التي كانت سائدة‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬


‫سابقاً؛ فلكل قطاع احتياجاته وميزانيته‪ ،‬أننا سنكون أمام تحد كبير بالنظر لما طرأ‬ ‫ويمكن معالجته بشكل مختلف عن غيره‪ .‬على هذا القطاع من تأثرات جراء الجائحة‪.‬‬ ‫لذا يجب أن نبتعد عن الحلول الشمولية‪ ،‬بل‬ ‫ينبغي أن يكون هناك تحرك حتى ال نكتشف‬ ‫نركز على الحلول الخاصة بكل قطاع على‬ ‫أن الــنــاس سيشترون احتياجاتهم بشكل‬ ‫حدة‪ ،‬وفق خصائصه ومتطلباته‪.‬‬ ‫مباشر من أمــازون مثال‪ ،‬ألن ذلك سيؤدي‬ ‫األمر اآلخر أن قطاع التجزئة في المملكة‬ ‫كان يعول عليه كثيرا في التوطين‪ ،‬ألن عدد مع األيام لتضرر أعمال المنشآت الصغيرة‬ ‫فرص العمل فيه كبير جدا‪ ،‬لكن اآلن يتوقع وقد تتوقف‪.‬‬

‫المحور الرابع‬ ‫التداعيات االجتماعية‪/‬االقتصادية لكورونا من حيث تأثيرها‬ ‫على الشرائح االجتماعية ذات الدخل المنخفض ومعدالت‬ ‫البطالة وتغيرات سوق العمل‬ ‫أ‪ .‬جواهر بنت زياد السديري‬ ‫( مدير مركز األبحاث بجمعية النهضة)‬

‫د‪ .‬عبدالواحد‪ :‬هناك حديث أن أزمة كورونا جعلت الفقراء أكثر فقر ًا واألغنياء أكثر غنىً ‪،‬‬ ‫وذلك على المستوى العالمي؛ فهناك تداخل بين الجوانب االجتماعية واالقتصادية بشكل عام‬ ‫في المجتمع‪ ،‬وجائحة كورونا كان لها تأثيرات اجتماعية إلى جانب تأثيرها االقتصادي الكبير‬ ‫وبخاصة على الشرائح الفقيرة التي كانت أكثر تأثرا ومعاناة‪ .‬وهناك جهات تدرس ذلك‪ ،‬ومنها‬ ‫جمعية النهضة‪ .‬ولدينا فرصة في المملكة أن نقضي على االختالالت الهيكلية‪.‬‬ ‫ستتناول المحور الرابع في هذا المنتدى أ‪ .‬جواهر بنت زياد السديري‪.‬‬ ‫قالت أ‪ .‬جــواهــر‪ :‬بالتأكيد إن تأثيرات ارتأت القيام بدراسات تهدف إلى قياس األثر‬ ‫جائحة كــورونــا قــد مــسّ ــتَ الجميع؛ وكــان للجائحة‪ ،‬ودراسة أوضاع األسر المستفيدة‬

‫تأثيرها على األســر ذات الدخل المحدود من خدمات الجمعية في المملكة‪ ،‬وهناك‬ ‫كبيراً‪ .‬وبما أن جمعية النهضة منذ تأسيها دراسات تهتم بسوق العمل‪ ،‬والتعليم عن بُعد‪.‬‬ ‫تسعى إلى دعم األسر ذات الدخل المحدود‪،‬‬

‫وذكـــرت الــســديــري أن جمعية النهضة‬

‫وتعمل على تنفيذ بــرامــج لتمكين المرأة سعت فــي دراســاتــهــا ألوض ــاع األس ــر ذات‬ ‫للمشاركة االقتصادية في المجتمع؛ فقد الــدخــل الــمــحــدود لمعرفة كيفية التدخل‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪15‬‬


‫والــمــرأة داخــل البيت بسبب الجلوس في‬ ‫المنزل طــوال الوقت دون عمل‪ ،‬وارتفعت‬ ‫بــعــض ح ــاالت الــعــنــف األســــري؛ لــكــن‪ ،‬في‬ ‫المقابل‪ ،‬هناك أسر استفادت من الحجر‬ ‫المنزلي في زيادة الترابط بين أفرادها‪.‬‬

‫أ‪ .‬جواهر بنت زياد السديري‬

‫مدير مركز األبحاث بجمعية النهضة‬

‫ونظرا لكون المرأة العاملة صارت تعمل‬ ‫من البيت فقد خفّف ذلك عليها من ضغوط‬ ‫العمل‪ ،‬لكنه زاد من ضغوط األسرة‪ ،‬فحدث‬ ‫أحيانا عدم القدرة على التوفيق بين تلك‬ ‫المسؤوليات بين متطلبات العمل واحتياجات‬ ‫األطفال داخل البيت‪.‬‬ ‫وقــالــت الــســديــري إن الجمعية الحظت‬ ‫ارتفاع نسبة حوادث العنف األسري‪ ،‬وبعضها‬ ‫ليس من الــزوج بل من بعض األبــنــاء‪ ،‬لذلك‬ ‫نفذت الجمعية بعض البرامج لمعالجة تلك‬ ‫الحاالت‪ ،‬لكن تظل المشكلة في عدم التبليغ‬ ‫عن حــوادث العنف األس ــري‪ ،‬ولــذا ال يمكن‬ ‫تقديم المساعدة لألسر المتضررة منه نتيجة‬ ‫عدم المعرفة به وبحيثياته‪.‬‬

‫لمساعدتها‪ ،‬وما هي الفرص المتاحة التي‬ ‫يمكن من خاللها تقديم المساعدة المناسبة‬ ‫لهذه األســر وفق احتياجاتها‪ .‬فهناك أسر‬ ‫يكون المعيل الرئيس فيها هو المرأة‪ ،‬وقد‬ ‫وجدنا أن ‪ ٪٧٠‬من تلك األســر يكون فيها‬ ‫شخص واحــد يعمل‪ ،‬لكن بعد كورونا فإن‬ ‫نحو ‪ ٪٤٠‬منهم فقدوا أعمالهم‪ ،‬ما أثر على‬ ‫األوضــاع االقتصادية لتلك األسر‪ ،‬فاضطر‬ ‫الكثير منها لإلنفاق من مدخراتها أو اللجوء‬ ‫وقالت السديري‪ ،‬لقد تفاجأنا بأن بعض‬ ‫إلى االقتراض وطلب المساعدات‪ ،‬مما دعا األسـ ــر تفتقر لــأمــن الــغــذائــي‪ ،‬فمقارنة‬ ‫الجمعية للتعامل مع تلك االحتياجات بشكل بالمقاييس العالمية‪ ،‬فهناك نحو ‪ ٪١٢‬من‬ ‫سريع‪.‬‬ ‫األســر المستفيدة من خدمات الجمعية لم‬ ‫وأشـ ــارت الــســديــري إلــى ح ــدوث بعض يكن لديها طعام ألكثر مــن يــوم أو يومين‪.‬‬ ‫الضغوط األسرية بسبب العمل من البيت وهــذه الــدراســة ساعدتنا فــي التعرف على‬ ‫ووجود األطفال طوال الوقت بسبب إغالق كيفية التعامل مع تأثيرات جائحة كورونا على‬ ‫المدارس وانتقال الدراسة لتكون عن بُعد؛ األسر؛ فعملت الجمعية على معالجة فقدان‬ ‫فزاد ذلك من مسؤوليات أرباب األسر‪ .‬كما بعض أفراد األسر لوظائفهم‪ ،‬ووجدنا بعض‬ ‫حصل هناك توتر في العالقة بين الرجل الحلول الجزئية من خالل توفير فرص عمل‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬


‫في مجال خدمات التوصيل‪ .‬كما تم تنفيذ نمط العمل وكذلك تغيير نمط البحث عن‬ ‫دورات في مجال اإلدارة المالية لمساعدة العمل‪ ،‬إلى جانب نمط االستهالك لدى أفراد‬ ‫األسر في إدارة ميزانيتها‪ ،‬وندرس اآلن الذين تلك األسر المستفيدة من خدمات الجمعية‬ ‫اســتــفــادوا مــن هــذا البرنامج لمعرفة مدى بشكل خاص واألسر السعودية بشكل عام‪.‬‬ ‫استفادتهم منه‪.‬‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد‪ :‬إذا تغيرت عــادات‬ ‫وفيما يتعلق باألمن الغذائي‪ ،‬فإن الجمعية‬ ‫الــنــاس إل ــى األف ــض ــل‪ ،‬فــهــذا يــؤكــد أنهم‬ ‫تسعى إل ــى دراسـ ــة ســلــوكــيــات األس ــر التي‬ ‫تعاني من فقدان األمن الغذائي‪ ،‬لمساعدتها سيكونون في المستقبل أفضل إنتاجية وأكثر‬ ‫فــي إدارة ميزانيتها والــتــركــيــز على شــراء ترشيدا لإلنفاق‪ ،‬وفــي ترتيب األولــويــات‪،‬‬ ‫االحتياجات الضرورية‪ ،‬وتوزيع الدخل بشكل فرب ضارة نافعة‪ ،‬كورونا تغير من سلوكياتنا‬ ‫يناسب احتياجاتها‪ ،‬فالجمعية مهتمة بتغيير إلى األفضل!‬

‫المحور الخامس‬ ‫تداعيات كورونا على االقتصاد العالمي من حيث معدالت‬ ‫النمو والبطالة وأسواق النفط والتغيرات الهيكلية‬ ‫واآلفاق المستقبلية‬ ‫د‪ .‬أنس الحجي‬ ‫(خبير في مجال الطاقة وأسواق النفط)‬

‫د‪ .‬عبدالواحد‪ :‬لقد تأثر العالم كله بجائحة كورونا‪ ،‬وأدى ذلك إلى انخفاض االستهالك‪،‬‬ ‫وبالتالي انخفض الطلب على النفط‪ ،‬فانخفضت إيرادات المملكة من تصدير النفط‪ ،‬ولذلك‬ ‫فإن أي أزمة تمس االقتصاد العالمي‪ ،‬ال بد أن نتأثر بها في المملكة؛ ألن اقتصادنا منفتح على‬ ‫العالم كله‪.‬‬ ‫المحور الخامس في هذا المنتدى عن النفط‪ ،‬وسيتحدث فيه الدكتور أنس الحجي‪ ،‬الباحث‬ ‫المهتم باستشراف مستقبل الطاقة‪ ،‬ويهمنا االستفادة من أفكاره وتجربته‪ ،‬ويشارك معنا من‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية عبر خاصية االتصال المرئي‪..‬‬ ‫بدأ الدكتور أنس الحجي بذكر ست خصائص‬ ‫آلثار جائحة كورونا؛ وهي‪ :‬أنها صدمة ليس‬ ‫لها مثيل في التاريخ‪ ،‬وال تتوافر لدينا خبرات‬ ‫سابقة للتعامل معها‪ ،‬وأنها ضربت العرض‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬

‫والطلب معاً في األسواق؛ وباستثناء الحروب‪،‬‬ ‫فإن هذه األزمة تعد تكلفتها البشرية عالية؛ إذ‬ ‫جاءت الضربة القاسية للطبقة الفقيرة؛ بينما‬ ‫كــان تأثيرها على الطبقة متوسطة الدخل‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪17‬‬


‫وفي ظل أزمــة كورونا ثبت أن القطاعات‬ ‫غير النفطية تأثرت أكثر من قطاع النفط‪،‬‬ ‫وفي الدول المصدرة للنفط‪ ،‬فإنه حتى لو كان‬ ‫اعتمادها على إيرادات النفط بنسبة عالية أم‬ ‫متدنية فإن األثر سيكون متحققاً ال محالة‪.‬‬ ‫نتائج أزمة كورونا‬

‫د‪ .‬أنس احلجي‬

‫خبير يف مجال الطاقة وأسواق النفط‬

‫وأكـ ــد د‪ .‬أن ــس الــحــجــي أن مــن النتائج‬ ‫االقتصادية ألزمة كورونا أن هناك دوال كثيرة‬ ‫عانت من الركود االقتصادي أو الكساد‪ ،‬وحدث‬ ‫انخفاض ملحوظ في حركة التجارة العالمية‪،‬‬ ‫فانخفضت معدالت النمو‪ ،‬وفق بيانات صندوق‬ ‫النقد الدولي‪ ،‬ومن المتوقع أنها ستتأثر سلبا‬ ‫مع الموجة الثانية لفيروس كورونا‪.‬‬

‫محدوداً؛ أما الطبقة الغنية فقد صارت أكثر‬ ‫وقــال إنــه من نتائج األزم ــة‪ ،‬تبين أن دور‬ ‫غنىً ؛ كما أن وجود وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫قد خفّف من آثار الحجر المنزلي على الناس؛ الــحــكــومــة فــي االقــتــصــاد مــهــم ج ــدا‪ ،‬فرغم‬ ‫والخاصية السادسة هي أنها خلقت فرصا دعــوات معظم أساتذة االقتصاد في السابق‬ ‫إلى حرية االقتصاد وعدم تدخل الحكومات‪،‬‬ ‫جديدةً‪.‬‬ ‫لكن هذه الجائحة أظهرت أن للحكومات دور‬ ‫وهــنــا بــالــنــســبــة لــنــا كــجــالــيــة عــربــيــة في‬ ‫مهم في إدارة االقتصادات الدولية‪ ،‬وقد قامت‬ ‫أمــريــكــا‪ ،‬اكتشفنا خــال هــذه الجائحة أنه‬ ‫الحكومات بزيادات كبيرة في اإلنفاق المحلي‬ ‫يمكننا االستفادة من توافر فرص عمل عبر‬ ‫لتجاوز آثار الركود االقتصادي على مختلف‬ ‫العالم‪ ،‬في مجال تقديم خدمة التدريس عن‬ ‫شرائح المجتمع‪.‬‬ ‫بعد ألبنائنا في أمريكا‪ ،‬وبتكلفة قليلة مقارنة‬ ‫كما أن مــن نتائج األزم ــة تبين أن العمل‬ ‫باألجور في أمريكا‪ ،‬ويكون المدرسون فيها من‬ ‫بعض الدول العربية ومن الهند وغيرها‪ ،‬وهي عن بعد يناسب بعض الشركات والمنشآت‬ ‫ميزة لم نكن نفكر فيها قبل هــذه الجائحة؛ االقتصادية وكذلك األف ــراد‪ ،‬لكنه ال يناسب‬ ‫ومثل هذه الفرص ستبقى إلى األبــد‪ ،‬بفضل الجميع حتماً‪ ،‬وقد طلبت بعض الشركات من‬ ‫التقنية الحديثة‪ ،‬التي توفر فرص عمل بتكلفة موظفيها العودة إلــى العمل في مقارها ألن‬ ‫أقل‪ .‬صحيح أن التقنية كانت متوافرة‪ ،‬لكننا اإلنتاجية تكون أفضل‪.‬‬ ‫لم نتنبه لمثل هذه الخاصية إال خالل الحظر‬ ‫وكذلك ارتفعت معدالت البطالة في مختلف‬ ‫في أزمة كورونا‪ ،‬وبالتأكيد هناك آخرون مروا دول العالم‪ ،‬وكان االرتفاع كبيراً جداً في بعض‬ ‫الدول وبخاصة الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫بالتجربة نفسها‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬


‫كما أن أســواق األسهم قد تــأثــرت‪ ،‬لكن بعد‬ ‫انفتاح االقتصاد تحسن الوضع بشكل كبير‪ ،‬ثم‬ ‫عادت األمور إلى الحالة الطبيعية‪.‬‬

‫خــاف في شهر مــارس ‪2020‬م‪ ،‬فانخفضت‬ ‫األسعار‪ ،‬واضطرت السعودية لزيادة اإلنتاج‬ ‫مثل ال ــدول األخـــرى‪ ،‬وعندما تعمقت أزمــة‬ ‫كورونا‪ ،‬انخفضت األسعار بشكل سريع وكبير‪،‬‬ ‫حتى وصلت إلى أسعار سالبة! فاضطرت أوبك‬ ‫بعدها إلى تخفيض اإلنتاج‪ ،‬ما أدى إلى تحسّ ن‬ ‫األسعار من جديد‪ ،‬وعادت إلى مستويات ‪-40‬‬ ‫‪ 44‬دوالرا للبرميل‪.‬‬

‫ومــن نتائج األزمــة كذلك‪ ،‬ارتــفــاع الديون‬ ‫الحكومية ألعلى مستوياتها تاريخيا‪ ،‬وهو‬ ‫بسبب ارتفاع اإلنفاق الحكومي الكبير والحزم‬ ‫المالية‪ ،‬التي جاءت إما من طباعة النقود أو‬ ‫من الــديــون التي وصلت إلــى أعلى مستوى‪،‬‬ ‫وهــذا سيلقي بضالله على اقــتــصــادات تلك‬ ‫وفيما يتعلق بإنتاج النفط فهناك إنتاج‬ ‫الدول في العقود المقبلة‪.‬‬ ‫ملحوظ في والية تكساس التي صار إنتاجها‬ ‫وأضــاف الدكتور الحجي إلــى أن العجز أكبر من حجم إنتاج العراق‪ ،‬ولو كانت تكساس‬ ‫في الموازنات الحكومية ستكون له آثار على عضوا في أوبك فإنها ستكون المنتج الثاني‬ ‫العمالت وعلى التجارة الدولية وغيرها من األكبر بعد المملكة العربية السعودية‪ .‬والنتيجة‬ ‫اآلن هناك فائض كبير في أسواق النفط‪ ،‬وما‬ ‫جوانب االقتصاد العالمي‪.‬‬ ‫يؤكد ذلك هو وجود رصيد كبير في مخزون‬ ‫أسعار النفط‬ ‫النفط األمريكي‪ ،‬وهو يؤكد أن أمــام منظمة‬ ‫كانت أسعار النفط تنخفض بشكل عام‪ ،‬أوب ــك عمل كبير للوصول إلــى الــتــوازن في‬ ‫وقد حاولت المملكة العربية السعودية بصفتها األســـواق‪ .‬ومــا أراه أن الــذي سيحل مشكلة‬ ‫أكبر منتج للنفط إقناع دول أوبك في تمديد الطلب على النفط هــو الــوصــول إلــى عالج‬ ‫تخفيض اإلنتاج‪ ،‬لكن روسيا رفضت‪ ،‬فحدث لفيروس كورونا وليس اكتشاف لقاح له!‬

‫د‪ .‬أنس الحجي يشارك في المنتدى عبر االتصال المرئي‪ ،‬كما يظهر بقية المشاركين في قاعة المنتدى‪.‬‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪19‬‬


‫الحوار والمداخالت‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد‪ :‬هناك مجال أنت مهتم به‬ ‫وهو هل وصلنا إلى ذروة إنتاج النفط‪ ،‬وفي‬ ‫أزمة كورونا كيف كانت المعاناة بالنسبة للدول‬ ‫المصدرة؟‬ ‫د‪ .‬أنس الحجي‪ :‬النموذج الرياضي الذي‬ ‫أستخدمه لالستشراف بشأن أسواق الطاقة‬ ‫العالمية للعام ‪2050‬م ليس هناك انخفاض‬ ‫متوقع حتى ذلك العام‪ ،‬وهو فترة االستشراف‪،‬‬ ‫ولن يصل اإلنتاج إلى ذروته كذلك‪ .‬ثمة كثير من‬ ‫التطلعات تشير إلى أن الطلب على النفط وصل‬ ‫إلى ذروتــه‪ ،‬ومنظمة أوبــك تتوقع أنه سيصل‬ ‫إلى ذروته بين عامي ‪2040-2035‬م‪ ،‬أما وكالة‬ ‫الطاقة الدولية فال ترى أنه سينخفض قبل‬ ‫عام ‪2040‬م لكن كثير من الشركات ترى أنه‬ ‫سيصل إلــى ذروت ــه‪ ،‬هناك أخطاء كبيرة في‬ ‫ذلك‪ ،‬فيالحظ أن الباحثين في الوكالة الدولية‬ ‫للطاقة ومنظمة أوبك يأخذون األرقام المعلنة‬ ‫كما هي من الــدول ذات العالقة‪ ،‬وبناء على‬ ‫ذلك تأتي توقعاتهما‪ .‬لكن الباحثين المستقلين‬ ‫يستطيعون تقييم األوضــاع من دون االلتزام‬ ‫باألرقام المعلنة من الدول‪ ،‬بل لديهم الحرية‬ ‫في الموازنة بين ما هو منطقي وبين ما هو‬ ‫غير منطقي منها بــنــاء على مــا يــحــدث في‬ ‫الواقع‪ ،‬وما يمكن فعال تحقيقه‪.‬‬

‫دقيق‪ ،‬والسبب أن الشركة المشغلة ألكبر قطاع‬ ‫من حافالت النقل العام التي سيتم تحويلها‬ ‫إلــى الكهرباء‪ ،‬تستخدم الغاز وليس النفط!‬ ‫لذا فإن الكهرباء ستحل محل الغاز‪ .‬كما حدث‬ ‫مثل ذلك في الصين وهو أن الحافالت التي‬ ‫ستتحول إلى الكهرباء ستحل محل الغاز أيضاً‪،‬‬ ‫ما يؤكد أن تأثير انتشار السيارات الكهربائية‬ ‫سيكون على الغاز وليس على النفط‪.‬‬ ‫والنتيجة أن هناك مبالغة في أثر استخدام‬ ‫السيارات الكهربائية على مستوى الطلب على‬ ‫النفط في األسواق العالمية‪.‬‬ ‫ســؤال‪ :‬بعض الــنــاس يــرون أن أزمــة كورونا‬ ‫مفتعلة وأنها تمثل حربا عالمية في المجال‬ ‫االقتصادي‪ ،‬فما رأيكم؟‬ ‫جواب‪ :‬د‪ .‬أنس‪ :‬الفرق في نظرية المؤامرة‬ ‫بالنسبة لكورونا أنها تأتي من أساتذة جامعيين‬ ‫ومفكرين وأطــبــاء ومتخصصون يعملون في‬ ‫المجال الصحي‪ ،‬وأنا شخصيا ليس لدي رأي‬ ‫شخصي في هذا الجدال‪ ،‬وليس لدي أي رأي‬ ‫أقدمه‪.‬‬ ‫سؤال‪ :‬ما تأثيرات ضريبة القيمة المضافة‬ ‫ال ‪ %15‬على مستقبل النشاط االقتصادي‬ ‫واألنشطة الواعدة للشباب‪.‬‬

‫وهناك قضية أخرى وهي أن بعض الشركات‬ ‫نشرت تقريرا عن انتشار السيارات الكهربائية ج‪ .‬األســتــاذ عبدالعزيز الــرشــيــد‪ :‬أحد‬ ‫في العالم وأنه سيكون لها تأثير على انخفاض األدوات التي استخدمتها الحكومة للخروج من‬ ‫استهالك النفط‪ ،‬وهــذا غير صحيح وغير هذه األزمــة‪ ،‬وتحقيق المستهدفات المتوازنة‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬


‫بحيث ال يــتــوافــق اإلنــتــاج مــع الطلب عليه‪،‬‬ ‫وبخاصة مع وجود أخطاء كبيرة في التوقعات‬ ‫التي قامت بها وكالة الطاقة الدولية ومنظمة‬ ‫أوبك‪.‬‬

‫بين االستدامة المالية والنمو االقتصادي‪،‬‬ ‫جــاءت هذه الزيادة الضريبية‪ ،‬وهــذه الزيادة‬ ‫كانت جزءاً من دعم اإليرادات وإنفاق الحكومة‬ ‫خالل هذا العام واألعــوام المقبلة‪ ،‬وبقدر ما‬ ‫تتمكن الحكومة مــن اإلنــفــاق بشكل مستقر‬ ‫إن هذه االستثمارات عندما تزيد‪ ،‬فإن إنتاج‬ ‫وبمستويات جيدة بقدر ما يكون لذلك أثر النفط سيرتفع‪ ،‬وعندما تنخفض سينخفض‬ ‫إيجابي على الوضع االقتصادي‪.‬‬ ‫اإلنتاج‪ .‬ولكن أكبر زيادة في إنتاج النفط جاءت‬ ‫لكن بدون شك‪ ،‬فإن هذا القرار له أثر على من الزيت الصخري‪ ،‬ومشكلة هذا النوع من‬ ‫مستوى االستهالك بحكم ارتفاع األسعار نتيجة الطاقة أن معدالت نضوبه مرتفعة‪ ،‬وهي ما‬ ‫إقرار ضريبة القيمة المضافة‪ ،‬وإنه يتوقع أن بين ‪ %60-40‬سنويا‪ ،‬أي أن بئر الزيت الصخري‬ ‫يقلل االستهالك‪ ،‬وكما هو معروف فإن أغلب يبدأ مثال بإنتاج ألف برميل يوميا‪ ،‬وفي آخر‬ ‫المواد االستهالكية مستوردة‪ ،‬لذلك فإن ترشيد السنة ينخفض إلى نحو ‪ 400‬برميل فقط‪ .‬وقد‬ ‫االستهالك لن ينعكس على المستوى المحلي لجأ منتجو الزيت الصخري للتعويض عن هذا‬ ‫بــقــدر مــا سيقلل مــن المنتجات المستوردة النضوب بزيادة أعمال الحفر وزيــادة اإلنفاق‬ ‫التي سيقل االستهالك عليها‪ ،‬وهذا له نتائج لتعويض انخفاض كمية اإلنتاج‪.‬‬

‫إيجابية على ميزان المدفوعات في المملكة‬ ‫وعلى الميزان التجاري‪.‬‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد‪ :‬لكن ذلــك لــه تأثير على‬ ‫مستوى الدخل بالنسبة لألسرة‪ ،‬فمع الضريبة‬ ‫فإنها أصبحت ال تستطيع ش ــراء مــا كانت‬ ‫تشتريه في السابق من دخلها نفسه‪.‬‬

‫أي إن انخفاض االستثمار يعني عدم القدرة‬ ‫على التعويض عن نسبة النضوب‪ ،‬واالنخفاض‬ ‫فــي اإلنــتــاج؛ لــذلــك‪ ،‬فــإن اإلنــتــاج األمريكي‬ ‫سينخفض على جميع الحاالت بنسبة كبيرة‪،‬‬ ‫فهناك توقعات بأن اإلنتاج في أمريكا سيكون‬ ‫بحدود ‪ 14‬مليون برميل يوميا‪ ،‬وسينخفض إلى‬ ‫نحو ‪ 10‬مليون برميل‪ ،‬أي بنقص مقداره ‪4‬‬ ‫مليون برميل بسبب عدم توافق االستثمار مع‬ ‫معدالت النضوب‪.‬‬

‫ســؤال‪ :‬د‪ .‬زياد السديري‪ :‬تشير التقارير‬ ‫النخفاض الصرف من شركات النفط على‬ ‫مشاريع البحث والتنقيب عن النفط‪ ،‬ما أثر‬ ‫بالنسبة لــلــطــاقــة الــمــتــجــددة‪ ،‬وبــخــاصــة‬ ‫ذلك على النفط في المدى المتوسط‪ ،‬ومتى‬ ‫الشمسية والــريــاح فإنها تستخدم في توليد‬ ‫في تقديرك ستظهر آثــار الطاقة المتجددة‬ ‫الــكــهــربــاء‪ ،‬وإن نسبة اســتــخــدام النفط في‬ ‫على أسعار النفط؟‬ ‫توليد الكهرباء في الصين والــدول الصناعية‬ ‫د‪ .‬أنس‪ :‬شكرا‪ ،‬هذا سؤال وجيه‪ .‬نحن اآلن ال تصل إلى ‪ ،%2‬فمهما كانت نسبة التركيز‬ ‫مقدمون على أزمــة كبيرة في مجال النفط‪ ،‬على استخدام الطاقة الشمسية والرياح في‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪21‬‬


‫توليد الكهرباء فلن تؤثر على أسواق النفط‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بالمشكلة التي تواجه النفط وهي‬ ‫استخدام السيارات الكهربائية‪ ،‬ففي تقديري‬ ‫حتى نصل إلى ذروة الطلب على النفط نحتاج‬ ‫إلى ‪ 700‬مليون سيارة كهربائية على الطرق‬ ‫حول العالم‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬بحلول عام ‪2050‬م‪ ،‬ليكون‬ ‫هناك تأثير كبير على انخفاض الطلب على‬ ‫النفط‪ ،‬لكن‪ ،‬الموجود لدينا اآلن ‪ 10‬ماليين‬ ‫سيارة تقريبا‪ ،‬وهو رقم ضئيل وتأثيره قليل‪.‬‬

‫د‪ .‬خالد الراجحي‪ :‬كل ما كان يجري سابقا‬ ‫قبل جائحة كورونا سيتغير‪ ،‬فيما بعدها‪ ،‬وفيما‬ ‫يتعلق بالعمل عن بعد‪ ،‬فليس باإلمكان أن يكون‬ ‫كامل العمل عن بعد‪ ،‬وال يمكن أن يصير هو‬ ‫األســاس‪ ،‬بل سيظل رديفا للعمل التقليدي؛‬ ‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬بالنسبة للتعليم هناك‬ ‫انخفاض فيما يتعلق بمستوى التحصيل العلمي‬ ‫لدى التالميذ نتيجة التعليم عن بعد‪ ،‬ومعظم‬ ‫اآلباء ينتظرون عودة التعليم الوجاهي لضمان‬ ‫جودة التحصيل الدراسي ألبنائهم‪.‬‬

‫ســـؤال‪ :‬الــتــطــور فــي الــقــطــاع السياحي‬ ‫ســؤال‪ :‬تحدثتم عــن اإلق ــراض‪ ،‬مــا نسبة‬ ‫ومــا حصل من توقف ألعمال مكاتب السفر‬ ‫والسياحة فهل يتوقع أن يكون هناك زيادة في اإلقراض الداخلي مقارنة باإلقراض الخارجي‬ ‫للدولة؟‬ ‫اإلنفاق الداخلي؟‬ ‫جــواب‪ :‬التفاصيل مــوجــودة فــي الموقع‬ ‫الرسمي لــوزارة المالية‪ ،‬في التقرير الربعي‪،‬‬ ‫ويــتــم تــحــديــث الــبــيــانــات بشكل دوري‪ ،‬وإن‬ ‫المعلومات متاحة للجميع‪ ،‬فقد قطعت وزارة‬ ‫المالية خطوات واسعة في مجال الشفافية‬ ‫ونشر البيانات المالية الرسمية‪ ،‬فيرجى العودة‬ ‫للموقع الرسمي واالطالع على تلك المعلومات‪.‬‬

‫جواب‪ :‬د‪ .‬رجا المرزوقي‪ :‬ال توجد دراسات‬ ‫حتى اآلن عن ذلك‪ .‬يالحظ أن الفترة المتاحة‬ ‫للسياحة فــي بعض المناطق فــي المملكة‬ ‫محدودة (شهران مثال) بسبب الطقس‪ ،‬فهذا‬ ‫يؤثر على أسعار الخدمات السياحية‪ ،‬لكن لو‬ ‫استطعنا توفير شركات قادرة على نقل الخدمة‬ ‫السياحية المتنقلة عبر مناطق المملكة دون‬ ‫الحاجة إلقامة في الفنادق فمن الممكن أن ســؤال من محمد الضويحي‪ :‬كيف يمكن‬ ‫تتغير توجهات السياحة الداخلية‪ .‬إن زيادة االستفادة من تجربة جمعية النهضة وتعميم‬ ‫نسبة السياحة الداخلية ستؤدي إلى التقليل التجربة على مستوى المملكة؟‬ ‫من أسعار الخدمة السياحية‪ ،‬نحن نحتاج أن‬ ‫جواهر‪ :‬إن جمعية النهضة تحرص أن تكون‬ ‫نكون ابتكاريين في خدمات السياحة الداخلية‪.‬‬ ‫أنشطتها ودراساتها تشمل مناطق المملكة‬ ‫ســــؤال‪ :‬م ــا ه ــي ال ــم ــج ــاالت ف ــي قــطــاع عــامــة‪ ،‬وتــخــدم المجتمع السعودي كله‪ ،‬كما‬ ‫الصناعات واألعمال أو الخدمات التي يتوقع أن نتائج دراســات الجمعية متاحة ألي جهة‬ ‫أن تقتصر أنشطتها على العمل عن بعد‪ ،‬وما لالستفادة منها ونحن ندرب بعض الجهات في‬ ‫تأثير ذلك على فرص العمل؟‬ ‫هذا المجال‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‬ ‫للدراسات السعودية‬


‫مكتبة منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫‪ ١٠‬ربيع اآلخرة ‪١٤٤٢‬هـ (‪ ٢٥‬نوفمبر ‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫مساء‬ ‫‪٩:٠٠ - ٧:٣٠‬‬ ‫ً‬

‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع‬ ‫في الدورة الثالثة عشر عبر ‪ZOOM‬‬

‫بعنوان‪:‬‬

‫التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا‪:‬‬ ‫الواقع والمأمول‬

‫■ كتب‪ :‬جهاد أبو مهنا‬

‫عقد منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع منتداه السنوي في‬ ‫دورته الثالثة عشرة عبر االتصال المرئي بعنوان‪ :‬التعليم عن بعد في ظل جائحة‬ ‫كــورونــا‪ :‬الــواقــع والـمــأمــول‪ ،‬وذل ــك يــوم األرب ـعــاء ربـيــع اآلخ ــرة ‪1442‬ه ـ ـ (‪ 25‬نوفمبر‬ ‫‪2020‬م)‪ ،‬والذي يقيمه مركز عبدالرحمن السديري الثقافي سنوي ًا بدار الرحمانية‬ ‫بالغاط‪ ،‬ونـظــر ًا لـظــروف جائحة كــورونــا‪ ،‬عقد المنتدى هــذا الـعــام عبر االتصال‬ ‫المرئي (‪.)ZOOM‬‬ ‫افــتــتــح الــمــنــتــدى بــكــلــمــة لرئيسة‬ ‫هيئة المنتدى ومساعدة المدير العام‬ ‫لشؤون القسم النسائي أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل‬ ‫بــنــت عبدالمحسن الــســديــري‪ ،‬التي‬ ‫رحبت بالحضور‪ ،‬وأشارت إلى أن هذا‬ ‫وقــالــت إن مــنــتــدى مــنــيــرة الملحم‬ ‫المنتدى‪ ،‬من األنشطة الثقافية لمركز لــخــدمــة المجتمع اخــتــار لــهــذا الــعــام‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬ويقام‬ ‫ســنــوي ـاً‪ ،‬ويــهــدف إلــى تسليط الضوء‬ ‫على موضوع ذي أهمية على مستوى‬ ‫المملكة‪.‬‬

‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫لخدمة المجتمع (‪)١٣‬‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪23‬‬


‫مــوضــوع التعليم عــن بعد فــي ظــل جائحة‬ ‫كورونا بالنظر إلى التأثيرات الكبيرة لهذه‬ ‫الجائحة على نطاق التعليم‪ ،‬سواء من حيث‬ ‫تأثيراته على الطلبة في مختلف المراحل‬ ‫التعليمية أم على المؤسسات التعليمية‬ ‫الحكومية واألهلية‪ .‬كما يأتي إقامة هذا‬ ‫المنتدى انسجاماً مع رؤية المملكة ‪2030‬‬ ‫التي ركــزت على أهمية االرتــقــاء بالتعليم‬ ‫والثانية هي حاضنة رياديات األعمال في‬ ‫وتطوير طرق التدريس وبناء بيئة تعليمية كل من مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫بناءة وعصرية‪.‬‬ ‫بالجوف ومكتبة منيرة الملحم بالغاط‪،‬‬ ‫وأشــارت إلى أن هذه الندوة تهدف إلى وتهدف الحاضنة الى تخريج خمسة عشر‬ ‫رصد نواتج التعليم عن بعد لدى طلبة مختلف (‪ )15‬مشروعاً ريــاديـاً ناشئاً للدخول إلى‬ ‫المراحل التعليمية‪ ،‬والتعرف على تأثير السوق المحلية في منطقة الجوف ومحافظة‬ ‫الجاهزية اإللكترونية على نجاح التعليم عن الغاط‪ ،‬ما يسهم في حراك اقتصادي نوعيّ‬ ‫بعد‪ ،‬والتأكيد على أهمية تطوير األساليب فــي الخدمات المقدمة‪ ،‬وإقــامــة فعاليات‬ ‫التعليمية والتدريسية بما يمكّن المنظومة سياحية ومناشط اقتصادية جديدة يؤدي‬ ‫التعليمية في المملكة من مواصلة دورها في إلى خلق فرص عمل لبنات المنطقتين‪.‬‬ ‫تجويد التعليم وتحسين مخرجاته‪.‬‬ ‫وختمت السديري بشكر ضيوف المنتدى‬ ‫األولى هي مبادرة «انطالقة» التابعة لمكتبة‬ ‫منيرة الملحم‪ ،‬والتي تهدف إلى تمكين أولياء‬ ‫األم ــور مــن تأسيس مــهــارات أطفالهم في‬ ‫الكتابة والقراءة‪ ،‬وذلك تعويضا عما يفتقده‬ ‫أطفال الصفوف األولــى من توجيه مباشر‬ ‫من معلماتهم جــراء تنفيذ التعليم عن بعد‬ ‫هذا العام‪.‬‬

‫وذكــــــــرت الـ ــسـ ــديـ ــري أن الــمــنــتــدى الذين حضروا للمشاركة في مناقشة محاور‬ ‫يُــعــقــد بــمــشــاركــة نخبة مــن األكــاديــمــيــات المنتدى وتقديم خبراتهم في مجال التعليم‬ ‫والمتخصصات من الجامعات والمؤسسات للحضور‪.‬‬ ‫الوطنية المختلفة داخل المملكة وخارجها‪،‬‬ ‫حظي‬ ‪‭‬التعليم عن بعد باهتمام عالمي‬ ‫بما يثري الخبرات المكتسبة للمشاركين‪ ،‬من كبير مع بداية العام الحالي‪ ،‬بعد أن قررت‬ ‫خالل إطالعهم على تجارب جديدة وقيمة‪ ،‬معظم ال ــدول إغــاق الــمــدارس والمعاهد‬ ‫ولمناقشة تجربة المملكة والتعرف على والجامعات‪ ،‬خوفاً من تفشي وباء فيروس‬ ‫التوجهات المستقبلية لتطوير التعليم عن كورونا المستجد (كوفيد ‪ )19‬في المؤسسات‬ ‫بعد في جميع المراحل‪ ،‬وتأثير الجاهزية التعليمية‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.‬‬ ‫للتعليم عن بعد في نجاح التعليم الجامعي‪،‬‬ ‫وق ــد بـــدأت عــلــى الــفــور جــهــود تطوير‬ ‫والتأثيرات التربوية على النشء في المرحلة األساليب التعليمية والتدريسية بما يمكّن‬ ‫االبتدائية في ظل التعليم عن بعد‪.‬‬ ‫المنظومة التعليمية مــن مواصلة دورهــا‬ ‫وأعلنت السديري عن إطــاق مبادرتين حفاظاً على سير العملية التعليمية وإدامتها‪،‬‬ ‫لمركز عبدالرحمن الــســديــري الثقافي‪ ،‬وف ــق الــخــطــط الــمــدرســيــة والــجــامــعــيــة ما‬

‫‪24‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫لخدمة المجتمع (‪)١٣‬‬


‫أمكن‪ ،‬واالستفادة من تطور شبكة اإلنترنت‬ ‫وانتشارها الواسع‪.‬‬ ‫وقد كان الخيار المتاح لمعظم األنظمة‬ ‫التعليمية هو االنتقال مباشرة إلى التعليم‬ ‫عن بعد من خالل وسائل التقنية الحديثة‪،‬‬ ‫فانتشرت المنصات التعليمية اإللكترونية‬ ‫لبث الــدروس وإتاحة المجال أمــام الطلبة‬ ‫للتفاعل المباشر مع مدرسيهم‪ ،‬أو من خالل‬ ‫التواصل غير المباشر عن طريق بث دروس‬ ‫مسجلة‪.‬‬

‫وأض ــاف ــت الــســديــري‪ :‬كــانــت المملكة‬ ‫العربية السعودية سباقة في توفير وسائل‬ ‫التعليم عن بعد للطلبة‪ ،‬فعملت وزارة التعليم‬ ‫في المملكة على دعم تفعيل خدمة المدارس‬ ‫االفتراضية والمنصات التعليمية عن بعد‬ ‫خالل فترة تعليق الدراسة النظامية‪.‬‬ ‫وتــمــكــنــت م ــن إن ــه ــاء ال ــع ــام ال ــدراس ــي‬ ‫‪1441/1440‬ه ـــ في موعده‪ ،‬وبــدأت بالعام‬ ‫الــدراســي ‪1443/1442‬هـــــ متجاوزة بذلك‬ ‫الظروف االستثنائية التي مرت بها المملكة‬ ‫والعالم أجمع‪ ،‬جراء انتشار فيروس كورونا‪.‬‬

‫المتحدثون‪:‬‬ ‫معالي د‪ .‬محمد بن أحمد بن تركي السديري (نائب وزير التعليم للجامعات والبحث واالبتكار)‪،‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خالد الحميزي (وكيل جامعة الملك سعود للبحث العلمي والدراسات العليا)‪،‬‬ ‫د‪ .‬ريمه بنت صالح اليحيا (عضو مجلس الشورى‪ ،‬وكيل التعليم الجامعي األهلي بوزارة التعليم سابقاً)‪،‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬سهام بنت عبدالرحمن الصويغ (مستشارة تربوية وأخصائية العالج النفسي باللعب)‪.‬‬ ‫أدارت اجللسة‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬الجوهرة بنت فهد الزامل (عضو مجلس هيئة حقوق اإلنسان)‪.‬‬ ‫محاور الندوة‬

‫أهداف الندوة‬

‫ التوجهات المستقبلية لتطوير التعليم‬‫عن بعد في جميع مراحل التعليم في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫ رصد نواتج التعليم عن بعد لدى‬‫النشء في المرحلة االبتدائية‪.‬‬

‫ التعليم وجــائــحــة ك ــورون ــا‪ :‬الــواقــع‬‫والمأمول‪.‬‬ ‫ تأثير الجاهزية للتعليم عن بعد في‬‫نجاح التعليم الجامعي‪.‬‬ ‫ التأثيرات التربوية على النشء في‬‫المرحلة االبتدائية‪ ،‬في ظل التعليم‬ ‫عن بعد‪.‬‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫لخدمة المجتمع (‪)١٣‬‬

‫ الــتــعــرف على تأثير الجاهزية‬‫اإللكترونية على نجاح التعليم عن‬ ‫بعد في ظل التعليم العالي‪.‬‬ ‫ الــــتــــعــــرف عـــلـــى ال ــت ــوج ــه ــات‬‫المستقبلية للتعليم عن بعد في‬ ‫جميع مراحل التعليم بالمملكة‬ ‫العربية السعودية‪.‬‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪25‬‬


‫افتتحت أ‪ .‬د‪ .‬الجوهرة الــزامــل الندوة‬ ‫بقولها أن‪ ‬جائحة كورونا وضعت العالم بأسره‬ ‫في تحدٍّ غير مسبوق‪ ،‬وانعكست آثارها على‬ ‫كافة المجاالت واألنشطة الحيوية‪ .‬وقد‬ ‫شكلت تحدياً كبيرا أمام العالم‪ .‬وكان تحدي‬ ‫التعليم من أكبر التحديات التي صاحبت‬ ‫يمس نسبة كبيرة من سكان‬ ‫ّ‬ ‫األزمــة كونه‬ ‫العالم‪ ،‬فقد أعلنت منظمة اليونسكو عن‬ ‫عــدم تمكّن ‪ 1.6‬مليار من الطالب ‪-‬أكثر‬ ‫من ‪ 90‬بالمئة من الدارسين في العالم‪ -‬من‬ ‫الذهاب إلــى المدرسة أو الجامعة بسبب‬ ‫إغالقها بفعل انتشار جائحة كورونا‪.‬‬ ‫وأصــبــح هــذا التحدي مقياساً حقيقياً‬

‫لــمــدى فاعلية األنــظــمــة التعليمية بكافة‬

‫مــســتــويــاتــهــا‪ ،‬إذ يــعــكــس مـــدى تماسكها‬ ‫ومدى قدرتها على الصمود أمام التغيرات‬ ‫المفاجئة‪ ،‬كما يعكس أيضاً مــدى فاعلية‬

‫أجهزته المختلفة من حيث المرونة وكفاءة‬ ‫األداء ودقة القياس في ظل تغير المعطيات‬

‫وبيئة العمل‪ .‬وتمثَّل هذا التحدي الجديد‬ ‫أمام التعليم العام والجامعات في إمكانية‬

‫تطوير بيئات وأدوات للتعليم اإللكتروني‬ ‫الفعال والمالئم للتعلم عن بُعد‪.‬‬

‫وأضــافــت الــزامــل أن المملكة العربية‬

‫السعودية كانت سبّاقة في اتخاذ إجراءات‬ ‫ســريــعــة لمنع تفشي «ك ــوف ــي ــد‪ ،»19-‬على‬

‫جميع المستويات ومنها قطاع التعليم‪ ،‬وقد‬

‫اتخذت وزارة التعليم في المملكة العربية‬ ‫السعودية حزمة من اإلجــراءات االحترازية‬

‫‪26‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫منذ بداية الجائحة‪ ،‬وتم تعليق الدراسة في‬ ‫المدارس والجامعات لمنع انتشار الوباء بين‬ ‫الطالب‪ ،‬وأعلنت عن بدء مرحلة التعلم عن‬ ‫بعد للطالب‪ .‬فأطلقت المنصات والقنوات‬ ‫كــمــصــدر للتعليم عــبــر اإلنــتــرنــت والتعلم‬ ‫عن بعد‪ ،‬ومــا تــزال مستمرة على مستوى‬ ‫المملكة‪ ،‬وكانت أولويات وزارة التعليم في‬ ‫قمة مجموعة العشرين في التعليم لمرحلة‬ ‫الطفولة المبكرة كأساس لتطوير الكفاءة‬ ‫العالمية ومهارات القرن الحادي والعشرين‬ ‫والتدويل في التعليم وضمان استمراريته في‬ ‫أوقات األزمات‪ ،‬وأكد وزير التعليم‪ ،‬أن التعليم‬ ‫اإللكتروني وتقنياته سيكون خياراً مستقبلياً‪،‬‬ ‫وليس مجرد بديل للحاالت االستثنائية‪.‬‬ ‫ومــواكــبــة لــهــذه األحــــداث االستثنائية‬ ‫يشارك معنا في هذه الندوة نخبة من الخبراء‬ ‫الستعراض الوضع الحالي للتعليم عن بعد‪،‬‬ ‫والتأثيرات المتوقعة على المدى القصير‬ ‫والطويل في مجال التعليم‪ ،‬وتسليط الضوء‬ ‫على أهم التغيرات والمشاهد المستقبلية‬ ‫بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا‪.‬‬ ‫وقــدمــت الــزامــل المتحدث األول في‬ ‫الجلسة معالي د‪ .‬محمد بن أحمد بن تركي‬ ‫السديري في المحور األول عن (التوجهات‬ ‫المستقبلية لتطوير التعليم عــن بعد في‬ ‫جميع مراحل التعليم في المملكة العربية‬ ‫السعودية)‪ ،‬ثم بدأت الحوار مع المشاركين‪،‬‬ ‫ووجهت أسئلة تساعد على تقديم معلومات‬ ‫تثري النقاش‪.‬‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫لخدمة المجتمع (‪)١٣‬‬


‫المحور األول‬ ‫التوجهات المستقبلية لتطوير التعليم عن بعد في‬ ‫جميع مراحل التعليم في المملكة العربية السعودية‬ ‫د‪ .‬محمد بن أحمد بن تركي السديري‬ ‫(نائب وزير التعليم للجامعات والبحث واالبتكار)‬

‫تحدث معالي د‪ .‬محمد بن أحمد بن تركي السديري عن التوجهات المستقبلية لتطوير‬ ‫التعليم عن بعد في التعليم الجامعي بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬وتناول في ورقته محاور‬ ‫عديدة أهمها‪:‬‬ ‫أثر التعليم عن بُعد في التعليم الجامعي‬ ‫في تخفيض التكاليف التشغيلية؛ وحوكمة‬ ‫التوجه الموحد للجامعات في تقديم مواد‬ ‫المتطلبات الجامعية عن بعد‪ ،‬وأثــر ذلك‬ ‫على األداء وكفاءة اإلنفاق؛ وفعالية برامج‬ ‫التعاون بين الجامعات السعودية واستخدام‬ ‫التعليم المشترك عن بعد؛ وفوائد وسلبيات‬ ‫التوسع فــي التعليم عــن بعد فــي التعليم‬ ‫الجامعي؛ والتحديات التي تواجه التعليم عن‬ ‫بعد والمقترحات التي قد تسهم في فاعلية‬ ‫التعليم عن بعد؛ ومؤشرات ومعايير قياس‬ ‫األداء وإمكانية االستمرار في التعليم عن‬ ‫بعد‪.‬‬

‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫لخدمة المجتمع (‪)١٣‬‬

‫وختم محمد السديري ورقته بأن التعليم‬ ‫عــن بُــعــد أحــد أهــم المفاهيم والتقنيات‬ ‫الحديثة للتعليم بكافة مستوياته‪ ،‬وقد أصبح‬ ‫هذا النوع من التعليم ركنًا مه ّمًا لالقتصاد‬ ‫المعرفي لكنه يتطلب االســتــعــداد الدائم‬ ‫لمواجهة أي طــارئ أو أزمــة مشابهة ألزمة‬ ‫«جائحة كورونا» وذلك من خالل وجود بنية‬ ‫تحتية تقنية متكاملة ومــقــررات تدريسية‬ ‫إلكترونية وفقاً لمعايير المقررات اإللكترونية‬ ‫وتحت إشراف متخصصين وهيئة أكاديمية‬ ‫مؤهلة تقنياً وأكاديمياً للتعليم عــن بعد‪،‬‬ ‫وطالب يمتلكون مهارات ومعارف اساسية‬ ‫في استخدام التقنية للتعليم عن بعد‪.‬‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪27‬‬


‫المحور الثاني‬ ‫التعليم وجائحة كورونا‪ :‬الواقع والمأمول‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خالد الحميزي‬ ‫(وكيل جامعة الملك سعود للبحث العلمي والدراسات العليا)‬

‫قدم أ‪.‬د‪ .‬خالد الحميزي ورقة تحدث فيها عن إيجابيات التعليم عن بعد‪ ،‬من ناحية البعد‬ ‫الجغرافي‪ ،‬والسياسي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬والتعليمي‪ ،‬واالقتصادي‪ ،‬والنفسي‪.‬‬ ‫وناقش الدكتور الحميزي معوقات التعليم‬ ‫عن بعد بشكل عام ومن أهمها‪:‬‬ ‫محدودية فــرص المناقشات الجماعية‬ ‫والحوار بين المتعلمين والمعلمين؛ والبطء‬ ‫في الرد على استفسارات الدارس‪ ،‬وبالتالي‬ ‫يفقد قــوة التغذية الــراجــعــة بين الــدارس‬ ‫والمعلم‪ ،‬وقــد تم التغلب أخيراً على ذلك‬ ‫بــاســتــخــدام خــدمــات اإلنــتــرنــت السريعة؛‬ ‫والتكلفة العالية إلنــتــاج الــمــواد التعليمية‬ ‫وتطويرها‪ ،‬فهي تزداد بزيادة جودة المواد‬ ‫الــمــراد إنتاجها وخــاصــة النسخ األولــيــة؛‬ ‫واالعتماد على وسائل االتــصــال يقلل من‬ ‫حظوظ هذا النوع من التعليم في البلدان‬ ‫الفقيرة؛ وإمكانية تعرض بــرامــج التعليم‬ ‫وجودتها عن بعد للمخاطر العتمادها على‬ ‫بنية االتصاالت‪ ،‬التي يجعل حدوث أي خلل‬ ‫في نظام تشغيل هــذه البنى من شأنه أن‬ ‫يعرض نوع التعليم المعطى وفاعليته للخطر‪.‬‬ ‫وختم الدكتور الحميزي ورقته بمجموعة‬ ‫من التوصيات المستقبلية لتطوير التعليم‬ ‫عن بُعد منها‪:‬‬ ‫إدارة التغيير نــحــو تخطيط مستقبل‬ ‫التعليم عن بعد؛ والعمل على توفير سياسات‬ ‫وتــشــريــعــات فــي خــدمــة التعليم عــن بعد؛‬

‫‪28‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫وتوظيف تكنولوجيا التعليم من أجل تعليم‬ ‫مدمج وليس فقط الستخدام التقنية في‬ ‫التعليم؛ والعمل على إيجاد تكافؤ الفرص‬ ‫فــي التعليم عــن بــعــد؛ وتــحــويــل المحتوى‬ ‫التقليدي الى محتوى رقمي عالي الجودة‬ ‫وأن تــكــون الــمــهــارات مصحوبة بأنشطة‬ ‫تعليمية تحاكي مستويات التفكير العليا؛‬ ‫وتأهيل الكادر البشري من الهيئات اإلدارية‬ ‫والتعليمية والمتعلمين واطالعهم على كل ما‬ ‫يلزم من التقنيات األساس لمواكبة التعليم‬ ‫عن بعد؛ واالستعانة بالخبراء والمختصين‬ ‫لإلشراف على االنتقال المرن إلى التعليم‬ ‫عن بعد أو التعليم المدمج ووضــع الحلول‬ ‫للمشكالت التي قد تطرأ؛ وتوفير مــوارد‬ ‫رقمية وأدوات تعليمية خاصة بالمتعلمين‬ ‫من ذوي االحتياجات الخاصة والصعوبات‬ ‫التعليمية؛ وتفعيل الشراكة بين القطاعين‬ ‫العام والخاص‪ ،‬لتوفير خدمات اإلنترنت في‬ ‫المناطق غير المشمولة بالخدمة من خالل‬ ‫األقــمــار الصناعية‪ ،‬واالتــفــاق مــع شركات‬ ‫اإلنترنت بهدف تأمين الوصول المجاني إلى‬ ‫جميع الخدمات التعليمية لتكريس التعليم‬ ‫عن بعد؛ وتفعيل دور أولياء األمور باعتبارهم‬ ‫ال لفريق التعليم عن بعد؛ وزيادة‬ ‫جزءاً مكم ً‬ ‫اإلنفاق واالستثمار في التعليم ّ عن بعد‪.‬‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫لخدمة المجتمع (‪)١٣‬‬


‫المحور الثالث‬ ‫تأثير الجاهزية للتعليم عن بعد في نجاح التعليم الجامعي‬ ‫د‪ .‬ريمه بنت صالح اليحيا‬ ‫(عضو مجلس الشورى‪ ،‬وكيل التعليم الجامعي األهلي بوزارة التعليم سابق ًا)‬

‫هدفت الورقة التي قدمتها د‪ .‬ريمه بنت صالح اليحيا إلى‪ ‬اإلجابة عن مجموعة من التساؤالت‬ ‫أهمها‪ :‬ما هي التدابير التي اتخذتها وزارة التعليم السعودية لسرعة التحول للتعليم عن بعد‬ ‫عند صدور القرار بتعليق الدراسة وبشكل فوري؟ وما هي أهم التحديات التي واجهتها الوزارة‬ ‫لتنفيذ قــرار التعليم عن بعد وكيفية التصدي لها؟ وكيف تم تقييم التجربة تقييما سريع ًا‬ ‫واالستعداد للعام الــدراســي التالي خــال فترة الصيف؟ ومــا هي مالمح الخطة المستقبلية‬ ‫لضمان استمرار العملية التعليمية في ظل المتغيرات غير المتوقعة؟‬ ‫‪ ‬وتناولت د‪ .‬اليحيا جهود وزارة التعليم في‬ ‫االستعداد للتحول للتعليم عن بعد‪ ،‬وكيفية‬ ‫مواحهة التحديات من خالل اتخاذ حزمة‬ ‫من الحلول متوسطة المدى منها‪:‬‬ ‫توفير منصات تلفزيونية ال تعتمد على‬ ‫األجــهــزة اإللكترونية فقط؛ والــتــعــاون مع‬ ‫منظمة تكافل لتوفير أكثر من ‪14000‬جهاز‬ ‫كــمــبــيــوتــر لــلــطــاب؛ والــتــعــاون مــع وزارة‬ ‫االتــصــاالت لتوصيل شبكة اإلنــتــرنــت في‬ ‫األماكن النائية؛ وتوفير اتصال مجاني لبعض‬ ‫المواقع التعليمية؛ وتوفير التدريب التأهيلي‬ ‫ألولــيــاء األم ــور والــطــاب؛ وإعـــداد األدلــة‬ ‫اإلرشادية لتسهيل الدخول على المنصات؛‬ ‫وتدريب عدد كبير من المعلمين على التعليم‬ ‫عن بعد؛ وتقديم الخدمات السحابية وتوفير‬ ‫منصة موحدة لجميع الخدمات؛ وتدعيم‬ ‫البنية التحتية بتقوية الشبكة والتأكد من‬ ‫استيعابها لعدد كبير من المستخدمين في‬ ‫وقت واحد؛ وتدريب المعلمين على التدريس‬ ‫عــن بعد واألنــشــطــة الصفية والالصفية؛‬ ‫وتنوع أنظمة القياس‪.‬‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫لخدمة المجتمع (‪)١٣‬‬

‫كما تناولت د‪ .‬اليحيا أهــم اإلنــجــازات‬ ‫الرقمية التي حققتها الــوزارة منذ التحول‬ ‫للتعليم عن بعد‪ ،‬ومنها الروضة االفتراضية؛‬ ‫وتطوير الــمــواد التعليمية فــي بــوابــة عين‬ ‫البوابة الوطنية؛ منصة اختبار تيمز؛ وتعزيز‬ ‫التحول نحو التعليم الرقمي؛ وتطوير بوابة‬ ‫المستقبل‪.‬‬ ‫وختمت د‪ .‬اليحيا ورقــتــهــا بقولها إنه‬ ‫لم يكن التحول إلــى التعليم عن بعد وليد‬ ‫األزمة‪ ،‬فقد جاء نتيجة لخطوات ثابتة وفق‬ ‫خطة مدروسة في إطار رؤية المملكة ‪2030‬‬ ‫للتحول الرقمي واالعتماد على التقنيات‬ ‫الحديثة في كافة نواحي الحياة‪ .‬وقد نتج‬ ‫عن القرارات الحكيمة‪ ،‬والتدابير االحترازية‬ ‫التي اتخذتها المملكة في الوقت المناسب‬ ‫العديد من النتائج اإليجابية وسالمتها أهمها‬ ‫الحفاظ على صحة الطالب وسالمتهم في‬ ‫كافة مراحل التعليم‪ ،‬وقدمت مجموعة من‬ ‫التوصيات‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫االعــتــمــاد عــلــى التقنية ضــــرورة من‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪29‬‬


‫ضــرورات التعليم الحالية إذ تم التحول‬ ‫مــن نسبة ‪ %25‬السابقة للجائحة إلى‬ ‫نسبة ‪ %100‬في الوقت الحالي؛ وضرورة‬ ‫مراجعة المناهج وطرق التدريس بشكل‬ ‫مستمر لتتماشى مــع الــوضــع الحالي‬ ‫للتعليم عن بعد؛ وأهمية اإلعــداد الجيد‬ ‫للمعلمين في التعليم العام وأعضاء الهيئة‬ ‫األكاديمية في الجامعات لمواكبة التطور‬ ‫الهائل والمستمر في العملية التعليمية؛‬ ‫وأهمية إش ــراك األس ــرة واآلب ــاء لكونهم‬ ‫العمود الفقري للعملية التعليمية‪ ،‬وبدونه‬ ‫لن تتحقق المخرجات المطلوبة؛ وضرورة‬ ‫تقوية األواصر المجتمعية بين المؤسسات‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫التعليمية والمجتمع المدني للوصول إلى‬ ‫النتائج التعليمية المرجوة وتحقيق أعلى‬ ‫نسبة مــن مــخــرجــات التعليم؛ وأهمية‬ ‫الــتــخــطــيــط الــمــســبــق ووضــــع ســيــاســات‬ ‫مــواجــهــة األزمـــــــات‪ ،‬وت ــوق ــع الــمــخــاطــر‬ ‫ومراجعتها باستمرار لمواكبة أي تغيرات‬ ‫وأزمات مستقبلية متوقعة؛ وأهمية تفعيل‬ ‫علوم المستقبل واالبــتــكــار بين الطالب‬ ‫والمعلمين للوصول غلى حلول مبتكرة‬ ‫للمشاكل التي قد تحدث مستقبالً؛ واإلفادة‬ ‫من التجارب الدولية في مجال التعليم عن‬ ‫بعد‪ ،‬وضــرورة التعاون مع الدول األخرى‬ ‫في هذا الشأن‪.‬‬

‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫لخدمة المجتمع (‪)١٣‬‬


‫المحور الرابع‬ ‫التأثيرات التربوية على النشء‬ ‫في المرحلة االبتدائية‪ ،‬في ظل التعليم عن بعد‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬سهام بنت عبدالرحمن الصويغ‬ ‫(مستشارة تربوية وأخصائية العالج النفسي باللعب)‬

‫ناقشت أ‪ .‬د‪ .‬سهام الصويغ في ورقتها مجموعة من المحاور‪ :‬التحديات التربوية التي تواجه‬ ‫الطالب وأهاليهم نتيجة استبدال التعليم التقليدي بالتعليم عن بعد‪ ،‬والتأثيرات النفسية‬ ‫واالجتماعية للتعليم عن بعد على األطفال في المرحلة االبتدائية‪ ،‬وقدمت مقترحات لبعض‬ ‫الحلول التي قد تسهم في مواجهة الصعوبات المرتبطة بالتعليم عن بعد‪.‬‬ ‫التحديات التربوية التي تواجه الطالب‬ ‫وأهاليهم في ظل التعليم عن بعد‪:‬‬

‫تشجيع التفاعل عن بعد بين الطالب‪ ،‬مثل‬ ‫المشاريع التي يتطلب القيام بها التنسيق‬

‫ضعف التغذية الراجعة؛ والتعليم عن بعد والتواصل والعمل كمجموعات أو بطريقة‬ ‫يتطلب دافعية ذاتية ومهارات تنظيم الوقت؛ ثنائية؛ وإضافة أنشطة عملية إلــى جانب‬ ‫وصعوبة التحكم في الغش؛ ومعظم المعلمين التعليم النظري؛ واستخدام غرف المحادثة‬ ‫والمعلمات يركزون على تعليم المفاهيم أكثر للتقليل من سلبية غياب التواصل المباشر؛‬ ‫من التطبيق العملي؛ والتعليم عن بعد يفتقد وتعليم الممزوج بين المباشر والتعليم عن‬ ‫عنصر التواصل المباشر وجها لوجه وهذا بعد؛ والمحافظة على استمرارية التواصل‬ ‫يؤثر على تفاعل الطالب وتجاوبهم؛ وعدم مع األصدقاء واألهل؛ والتحدث مع الطفل؛‬ ‫امتالك األهل لمهارات الكمبيوتر وصعوبة وتطبيق العادات الصحية مثل النوم‪ ،‬األكل‪،‬‬ ‫التعامل مع التعليم عن بعد؛ وقلة المعلومات التمارين الرياضية ألنها تساعد على تعديل‬

‫الخاصة بالجودة أو االعتماد األكاديمي م ــزاج الطفل‪ ،‬وانتاجيته ونظرته للحياة‬ ‫للتعليم عن بعد‪.‬‬ ‫وقـــدمـــت د‪ .‬ال ــص ــوي ــغ مــجــمــوعــة من‬

‫بصورة عامة‪.‬‬ ‫وقد شهد المنتدى حضوراً الفتاً بمشاركة‬

‫المقترحات الــتــي قــد تسهم فــي مواجهة ن ــح ــو‪ ١٥٠٠‬مــشــارك مــن داخـ ــل المملكة‬ ‫الصعوبات المرتبطة بالتعليم عن بعد منها‪:‬‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم‬ ‫لخدمة المجتمع (‪)١٣‬‬

‫وخارجها‪.‬‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪31‬‬


‫تطور وسائط القصيدة العربية‬ ‫بين القبول والرفض‬ ‫حول المنحنى التواصلي التقليدي واإللكتروني‬ ‫لقد حظيت مقدمة القصيدة العربية القديمة بعناية بالغة من قِ بل الشعراء‬ ‫والنقاد القدماء والمعاصرين‪ ،‬على حد سواء‪ ،‬أو َلوْها عناية كبيرة‪ ،‬وخصوها بقدر‬ ‫غير يسيرٍ من الدراسة والبحث واالهتمام؛ وذلك لما تكتسيه من مكانة كبيرة في‬ ‫سن ورون ٍَق‬ ‫وح ٍ‬ ‫البناء الشعري لموضوع القصيدة‪ ،‬ولما تضفيه من جمالية فنية‪ُ ،‬‬ ‫على النظم؛ ذلك أنها المدخل الرئيس إلى غرض الشاعر المقصود من إبداعه‪،‬‬ ‫والباب األول واألوسع الذي يمكِّ ن الناقد من معرفة مسعاه وغايته ورسالته من‬ ‫شعريته‪ .‬فمما يلفت الروح تجاه الشعر أنه نجم ال يخبو‪ ،‬وكلمة ال يمكن أن تخرج‬ ‫بأغراض العرب‪ .‬فقد بدأت القصيدة الجاهلية بالمقدمة‬ ‫ِ‬ ‫عارف‬ ‫حكيم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إال من مفوّهٍ‬ ‫الطللية التي يقف فيها الشاعر على األطالل‪ ،‬فيبكي على الديار الخالية‪ ،‬ويصف‬ ‫اآلثار التي خلت من أحبّائه بعد رحيلهم‪ ،‬ثمّ يصف الرحلة‪ ،‬وعناء السفر‪ ،‬ومعالم‬ ‫الطريق‪ ،‬ووحــوش الصحراء وحيوانها وغيرها‪ ،‬لينتقل يعدها إلــى الغزل بذكر‬ ‫المحبوبة والتّغني بجمالها وأخالقها‪ ،‬وقد يذكر بعض المغامرات التي عاشها‬ ‫معها قبل رحيلها‪ ،‬وتنتهي هــذه القصيدة إلــى الموضوع الرئيس الــذي يريد أن‬ ‫تعصب ًا‬ ‫يتحدّ ث عنه الشاعر‪ ،‬وقد يكون مديحاً‪ ،‬أو فخراً‪ ،‬أو‪ ،‬حماسةً ‪ ،‬أو هجاءً ‪ ،‬أو ّ‬ ‫لقبيلته‪ ،‬أو غيرها‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬ومع مــرور الحياة وتطورها واختالف منهاج الرؤية المنفردة للعالم‪،‬‬ ‫ظهرت فكرة القصيدة الحديثة‪ ،‬التي غيّرت مفهوم الشعر‪ ،‬وشكله‪ ،‬وتحوّل النص‬ ‫بموسيقاه ومفرداته ليكون مواكبا للحداثة التي وصلها العالم‪ ،‬فما لدينا من‬ ‫خيار إال إن نركب طــائــرة الـحــداثــويــة‪ ،‬ونعيش على جناح الموسيقى الشعرية‪،‬‬ ‫لنهبط على أرض شعر التفعيلة وقصيدة النثر‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫والض ُرو َرة‬ ‫الص ْي ُرو َرة‬ ‫الشعر َّية العر ِب َّية‪ ..‬بين َّ‬ ‫■ صالح بوسريف*‬

‫الشِّ عر‪ ،‬في أصله‪ ،‬سعي دائب للخروج عن المألوف‪ ،‬فهو ظَ َه َر مجازاً‪ ،‬في لغةٍ‬ ‫غير اللغة المُ تدا َولَة التي يتبادلها الناس في األسواق والحياة والعامة‪ ،‬ما يعني‬ ‫الشعْ َر جاء مُ ْختَلِ فاً‪ ،‬وجاء لغة ًخارج اللغة نفسها‪.‬‬ ‫أن ِّ‬ ‫الشعراء‪ ،‬وعلى رأسهم امرؤ القيس‪ ،‬باعتباره‬ ‫حين نتأمَّ ل شعر الجاهليين من ُّ‬ ‫الشاعر البادىء‪ ،‬بحسب ما وصلنا من شعر قديم‪ ،‬فَهُ م جعلوا اللغة تختلف في‬ ‫َّ‬ ‫ُصوَرِ ها‪ ،‬وفي إيقاعاتها‪ ،‬وفي تراكيبها‪ ،‬ولم ينظروا إلى الطبيعة‪ ،‬بما هي الطبيعة‬ ‫الشعْ َر كان‬ ‫كما يراها الجميع‪ ،‬بل الطبيعة وهي َتتَخَ لَّق في لسان الشاعر‪ ،‬ألنَّ ِّ‬ ‫شَ فاهَ ةً وإنشاداً‪ ،‬وهذا ما جعل الكنايات والمجازات تَكْ ثُ ر في شعرهم‪ ،‬وتميل إلى‬ ‫الشعر الجَ مَّ ة الكثيرة‪،‬‬ ‫أن تكون َنبْعاً‪ ،‬منه يفيض الماء لِ ي َُشقَّ مجاريه في ينابيع ِّ‬ ‫التي تُضفي على األرض ُخ ْض َرتَها ويَناعَ تَها‪.‬‬ ‫ما يعني‪َ ،‬و ْف َق هذا المنظور‪ ،‬أن الشِّ عْر‪،‬‬ ‫لم يَكُن مُسْ تَقِ ّراً‪ ،‬أو ما َل إلى االستقرار‬ ‫في نمط وقاعدة ونظامٍ ‪ .‬هذا لم يكن‬ ‫ظَ ُّن الشُّ عراء‪ ،‬الذين مالوا إلى هذا الظّ ِّن‪،‬‬ ‫بالتقعيد والتثبيت‪ ،‬هم الشَّ اعِ رِ يُّو َن واللغويون‬ ‫والنقاد‪ ،‬خصوصاً في زمن ال َّتدْوِ ين‪ ،‬الذي‬ ‫َدع َِت فيه الحاجة إلى انسالخ العرب‪،‬‬ ‫وتَ َميُّزهم عن غيرهم من الهويات األخرى‪،‬‬ ‫ثقافياً وشعرياً؛ وبخاصة أن الشِّ عر‪ ،‬كما قال‬ ‫عنه عمر بن الخطَّ اب‪ ،‬هو «ديوان العرب»‪،‬‬ ‫بمعنى الكتاب الذي فيه يمكن أن نقرأ‬ ‫لم يُ ْغلِق الخليل باب األوزان‪ ،‬بل إن‬ ‫تاريخهم‪ ،‬ولغتهم‪ ،‬ووقائعهم‪ ،‬وما دار عندهم تلميذه األخفش اسْ تَ ْدرَك عليه‪ ،‬وأضاف‬ ‫من أيام وليال‪.‬‬ ‫بحر المُتدارك‪ ،‬وثمة من ذهب أبعد من‬ ‫الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬لم يسع إلى الخليل‪ ،‬كما يشير بروكلمان في كتابه «تاريخ‬ ‫إغالق موسيقى الشِّ عْر‪ ،‬في ما استنبطه من األدب العربي»‪ ،‬وهو رزين العروضي‪ ،‬الذي‬

‫تفاعيل‪ ،‬أو ما ابتكره من صيغ صرفيه على‬ ‫شكل أوزان‪ ،‬بها حدَّد بحور الشِّ عْر العربي‬ ‫ودوائره‪ ،‬فهو كان‪ ،‬بوصفه عالِماً‪ ،‬وعارفاً‬ ‫باللغة‪ ،‬وبالموسيقى‪ ،‬أن يكشف القوانين‬ ‫واألنساق التي تجمع الشُّ عراء الذين اعتمد‬ ‫عليهم في استنباط ال َعرُوض‪ ،‬وعددهم‪،‬‬ ‫كما هو ظاهر في كتاب «العقد الفريد»‬ ‫البن عبدربه‪ ،‬محدود‪ ،‬وكذلك عدد النماذج‬ ‫أو الشواهد التي كانت هي ما استقى منه‬ ‫عروض الشِّ عْر‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪33‬‬


‫البناء‪ ،‬وليس في الشكل‪ ،‬كان يجري في اللغة‪،‬‬ ‫وفي طريقة التعبير والتركيب‪ ،‬وخصوصاً في‬ ‫الخيال‪ .‬فهؤالء الشُّ عراء وغيرهم خلقوا مساحة‬ ‫من اإلبداع‪ ،‬في داخل البناء‪ ،‬وأتاحوا للشِّ عر أن‬ ‫يتحرَّر من داخله‪ ،‬رغم أن الخارج بقي هو نفسه‪.‬‬

‫قاسم حداد‬

‫الرومانسيون العرب‪ ،‬كانوا أكثر جُ رْأ ًة في‬ ‫النظر في الشكل القديم‪ ،‬في البناء من خارجه‪،‬‬ ‫مثلما سيحدث في تَ َعدُّد القوافي وتَنَوُّعِ ها‪،‬‬ ‫ومثلما سيحدث في استفادتهم من الموشحات‬ ‫األندلسية‪ ،‬بصورة خاصة‪ ،‬من حيث البناء؛‬ ‫ويَ ُه ُّمنِي هنا‪ ،‬الرومانسيون العرب في المهجر‪،‬‬ ‫وبخاصة جبران‪ ،‬الذي ذهب بعيداً في االختراق‪،‬‬ ‫وكان أكثر جرأة في المغامرة والتجديد‪ .‬جبران‬ ‫كان مجدداً‪ ،‬لكن‪ ،‬دون أن يمس البناء‪ ،‬وهو نفسه‬ ‫اعترف بذلك في بيانه الشعري الذي كتبه سنة‬ ‫‪1908‬م‪ ،‬في مقدمة ديوانه‪ ،‬ليكشف عن طبيعة‬ ‫العوائق التي كبحت رغبته في التجديد‪ ،‬رغم أنه‬ ‫كان يميل إلى أن يُجدِّد‪ ،‬انظالقاً مما كان قرأه‬ ‫وعرفه في الشِّ عر الغربي‪ ،‬وعند الرومانسيين‬ ‫الفرنسيين الذين كان اطَّ لع على شعرهم‪ ،‬وأُع ِْجبَ‬ ‫به‪.‬‬

‫أحصى أكثر من مائة وزن في الشِّ عر العربي‪ ،‬ألن‬ ‫رزين لم يَسْ تَبْعِ د ما اسْ تَبْ َع َدهُ الخليل‪ ،‬أو رآه يخرج‬ ‫به عن سَ م ِْت العالِم الذي تَ ُهمُّه القاعدة‪ ،‬ويَ ُهمُّه‬ ‫القانون‪ .‬ما يعني‪ ،‬أن الشِّ عْر العربي‪ ،‬منذ بداياته‪،‬‬ ‫كان خَ رْقاً‪ ،‬وسعياً لالبتكار والتجديد واإلبداع‪،‬‬ ‫وأنَّ جوهر الشِّ عْر‪ ،‬هو اإلبداع واإلضافة‪ ،‬واقتراح‬ ‫األشكال واألنماط الجديدة المغايرة‪ ،‬وليس‬ ‫الشِّ عْر المعاصر‪ ،‬رغم ما قد يبدو فيه من‬ ‫البقاء في الشكل أو البناء الواحد‪ ،‬ألنَّ الشِّ عْر‪ ،‬هو‬ ‫ماءٌ‪ ،‬أو نهر يُ َغيِّر مجراه‪ ،‬وفي هذا تميّزه وقدرته « َهدْم» للشكل‪ ،‬أو لـ«القصيدة»‪ ،‬أي لنظام التوازي‪،‬‬ ‫فقد بقي في حدود «مُسا َومَة» الشكل القديم‪،‬‬ ‫على أن يكون دا ِئ َم الحياة‪.‬‬ ‫وهذا ما تكشف عنه العديد من نماذج «الشِّ عر‬ ‫رسوخ الشِّ عْر العربي في نمط «القصيدة»‪،‬‬ ‫الحر» التي‪ ،‬حين نقرأها إيقاعياً‪ ،‬يسهل أن نعود‬ ‫ألكثر من أربعة عشر قرناً‪ ،‬لم يكن يعني أن بها إلى توازي الشطرين‪َ ،‬كوْن أغلب الشُّ عراء‬ ‫«القصيدة» التي اختارها زمن التدوين‪ ،‬كخُ طاطَ ة الرواد‪ ،‬لم يستطيعوا الخروج من األصل القديم‬ ‫مثالية للشِّ عرية العربية‪ ،‬بقيت هي نفسها‪ ،‬فالشكل لتكوينهم الشِّ عريّ ‪ ،‬وبينهم أدونيس نفسه‪ ،‬بشكل‬ ‫والظاهر‪ ،‬كان هو نظام الشطرين‪ ،‬والتوازي بين خاص‪ ،‬فيما يتعلق بالبنية الشفاهية اإلنشادية‬ ‫الصدر والعجُ ز في عدد التفاعيل‪ ،‬لكن‪ ،‬داخل التي ما تزال جا ِث َم ًة في كتاباته‪ ،‬بما فيها كتابه‬ ‫هذا البناء ال ُم ٌغلَق والمُحْ كَم‪ ،‬كانت هناك مُتغيِّرات‪« ،‬الكتاب أمس المكان اآلن»‪ ،‬فالصفحات‪ ،‬حين‬ ‫وكانت هناك اختراقات وتَشعُّبات‪ ،‬ولع َّل في أمثلة نفتحها توحي بالكتابة‪ ،‬لكن قراءتها تأخذنا إلى‬ ‫المتنبي‪ ،‬وأبي تمام‪ ،‬وأبي نواس‪ ،‬ما يمكن أن البنية اإلنشادية‪ ،‬التي كانت هي البنية األم التي‬ ‫يُثِير انتباهنا إلى أن التغيير كان يجري داخل هيمنت على شعر هؤالء‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫اليوم‪ ،‬ثمة اختراقات كبيرة تحدث في‬ ‫الشِّ عرية العربية المعاصرة‪ ،‬خصوصاً في‬ ‫ذهابها إلى الكتابة في مقابل الشفاهة؛ وقد‬ ‫ن َِجد هذا عند عدد من الشُّ عراء‪ ،‬بينهم‪ :‬سليم‬ ‫بركات‪ ،‬وقاسم حداد‪ ،‬وعبداهلل زريقة‪ ،‬ومحمد‬ ‫السرغيني‪ ،‬ورفعت سالم‪ ،‬وعبدالمنعم رمضان‪،‬‬ ‫وغيرهم‪ .‬ونحن‪ ،‬في تجربتنا الشِّ عرية‪ ،‬كنا ذهبنا‬ ‫إلى ما سميناه بـ«حداثة الكتابة» التي فيها تَتوسَّ ع‬ ‫َدوَا ُّل الشِّ عر‪ ،‬وتصبح الصفحة‪ ،‬بين هذه الدوال‪،‬‬ ‫بما فيها من صمت‪ ،‬وبياض‪ ،‬وحذف‪ ،‬وعالمات‪،‬‬ ‫ورموز‪ ،‬ورسوم‪ ،‬وأشكال هندسية‪ ،‬وتوزيعات‬ ‫خطية في الصفحة نفسها‪ ،‬وبين صفحة وأخرى؛‬ ‫بمعنى أن العين‪ ،‬بدورها‪ ،‬أصبحت تعي اإليقاع‪،‬‬ ‫تُب ِْصرُه وتراه‪ ،‬وليس السمع وحده ما يحكم اإليقاع‬ ‫في الكتابة‪ ،‬أو في المفهوم الواسع للشِّ عر الذي‬ ‫يتجاوز «القصيدة» ويتحرَّر منها‪.‬‬ ‫هذا ما لم يستفده اإلنترنت في تعامله مع‬ ‫الشِّ عر‪ ،‬ألسباب‪ ،‬يمكن أن نوجزها في اآلتي‪:‬‬ ‫ــ أغلب ما ينشر على وسائط النشر اإللكترونية‪،‬‬ ‫خال من الشِّ عر‪ ،‬هو هذر‪ ،‬وكالم مُتاح دون‬ ‫ٍ‬ ‫معرفة بالشعر وال بشرطه الفني الجمالي‪.‬‬ ‫ــ خلو هذا الكالم‪ ،‬الذي ال عالقة له بالكتابة‪ ،‬من‬ ‫اإليقاع والمجاز؛ أعني أنه بال موسيقى وبال‬ ‫دالن كبيران في الشِّ عر‪ ،‬ال يمكن‬ ‫خيال‪ .‬هذان َّ‬ ‫أن يكون الشعر دونهما‪.‬‬ ‫ــ كتابة الشعر في هذه الوسائط‪ ،‬لم تستفد من‬ ‫اإلمكانات الخطية‪ ،‬واستثمار الصفحات‬ ‫وطريقة تَف ِْضيَتِها‪ ،‬قياساً بالورق‪ ،‬ما كشف‬ ‫عن هيمنة الشفاهة واللسان‪ ،‬على الكتابة‬ ‫في الثقافة العربية‪ ،‬وليس في الشِّ عر العربي‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫ــ جل ما يُنْشَ ر في هذه المواقع‪ ،‬ال يُ ْعتَمَد كمرجع‪،‬‬

‫عبداهلل زريقة‬

‫ما لم يكن في أصله كتاباً‪ ،‬أو لشاعر له‬ ‫حضور وتراكم نوعي؛ بمعنى أنَّ الكتاب يبقى‪،‬‬ ‫في وضع الشِّ عر‪ ،‬مرجعاً وحُ جَّ ةً‪.‬‬ ‫هذا االرتباك الحاصل‪ ،‬ال يمنع من أنَّ الشِّ عر‬ ‫يسعى‪ ،‬في نماذجه الواعية بشرطها الثقافي‬ ‫والفني الجماليّ ‪ ،‬إلى التجديد والتغيير؛ وقد عمل‬ ‫عدد من الشُّ عراء على االستفادة من هذه الوسائل‬ ‫الجديدة‪ ،‬واستثمارها في الطباعة والنشر‪ ،‬وما‬ ‫أتاح الوعي بالدَّوا ّل الجديدة في الشِّ عر‪ ،‬والشُّ روع‬ ‫في اعتبارها أفقاً جديداً للشِّ عريَّة العربية‬ ‫المعاصرة‪ ،‬التي هي امتداد باإلضافة واالختالق‬ ‫والتجديد‪ ،‬لما كان من أصول أو بدايات أولى‬ ‫مُجَ ِّددَة و ُمبْتَدِ عَة‪ .‬ودور النقد يكون كبيراً‪ ،‬هنا‪،‬‬ ‫في القراءة‪ ،‬والبحث عن هذه المكونات الجديدة‪،‬‬ ‫وإضاءة ما ظهر من طارىء في الشِّ عر‪ ،‬دون‬ ‫إسقاط الماضي على الحاضر‪ ،‬أو الحاضر على‬ ‫الماضي‪ .‬فتجديد الشِّ عْر‪ ،‬هو ضرورة بطبيعة‬ ‫صيرورته‪ ،‬أو ماضيه‪ ،‬نفسه‪ ،‬الذي كان‪ ،‬في‬ ‫أصله‪ ،‬إبداعاً وابتكاراً‪.‬‬

‫ * شاعر ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪35‬‬


‫أزمة التطور الشعري في زمن العولمة‬ ‫■ ناصر الناصف*‬

‫منذ نحو عشرين عاماً‪ ،‬ظهر في الساحة األدبية إنتاج أدبي يُقرأ على شاشة الكمبيوتر‪،‬‬ ‫ومن خصائصه أنه يقوم بدمج الوسائط اإللكترونية المتعددة‪ ،‬نصية وصوتية وصورية‬ ‫وحركية في الكتابة في فضاء يسمح للقارئ بالتحكم فيه‪ ،‬ويمكن عَ دّ ذلك وسيلة ترفيهية‬ ‫للنصوص األدبية التي بدأت تأخذ شك ًال جديدً ا مختلف ًا عما كانت عليه سابقً ا‪ ،‬وقد ُسمّ يَ‬ ‫هذا اإلنتاج باألدب اإللكتروني‪ ،‬أو األدب الرقمي‪ ،‬كما يُنعت أيض ًا باألدب التفاعلي‪ .‬ومن‬ ‫المالحظ تمامً ا أنه في أمريكا يتم استعمال مصطلح (النص المترابط ‪ ،)hypertext‬وفي‬ ‫أوروبا يتم توظيف المصطلح الرقمي ‪ numerique‬والتفاعلي ‪ ،interactif‬أما في الفرنسية‪..‬‬ ‫ابــتُ ــدئ باستعمال مصطلح األدب المعلوماتي ‪ informatique‬بما هــو الجامع لمختلف‬ ‫الممارسات التي تحققت من خالل عالقة األدب بالحاسوب والمعلوماتيات‪.‬‬ ‫فـ ــاألدب التفاعلي يــركــز عــلــى خاصية‬ ‫التفاعل والتبادل المتعلق بنظام إلكتروني‬ ‫اتصالي‪ ،‬بحيث يكون الجواب فيه مباشراً‬ ‫ال من خالل الحاسوب الذي يحقق‬ ‫ومتواص ً‬ ‫الــتــفــاعــل فــي أقــصــى درج ــات ــه ومستوياته‬ ‫بين النص وعالماته بعضها ببعض (اللغة‪،‬‬ ‫الصورة‪ ،‬الصوت‪ ،‬الحركة سواء كانت متصلة‬ ‫أو منفصلة‪ ،‬وبين العالمات بعضها ببعض‬ ‫لكونها مترابطة)‪.‬‬

‫نجحت في تخطي األصوات األولى والنماذج‬ ‫المكرسة وإغرائنا بنسيانها‪ ،‬وال هي أفلحت‬ ‫في عقد زواج شرعي يسفر عن أجيال جديدة‬ ‫تامة الخلق‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬من البدهي عَ دَّ هُ من مظاهر أزمة‬ ‫الشعر الراهنة‪ ،‬ان يتحول إلى صناعة تلفيقية‬ ‫تلعب فيها الــمــهــارات الحرفية المكتسبة‬ ‫بفعل عادة الكتابة‪ ،‬أو بمعرفة فنون وتقنيات‬ ‫أخرى‪ ،‬أكثر بكثير مما تلعبه الموهبة الشعرية‬ ‫ال ريب في أن المغايرة مطلوبة‪ ،‬والتجريب الطبيعية‪ ،‬وهذا هو حال الشعر الذي يتخذ‬ ‫ضروري‪ ،‬والخروج على هيمنة القالب مشروع‪ ،‬من الحاسوب وسيطاً إلنتاجه‪.‬‬ ‫ولكن ليس بهذا القدر الذي يخرج بالشعر عن‬ ‫إ ّن الستخدام الحاسوب في إنتاج أعمال‬ ‫طبيعته الخاصة‪ ،‬ويحوله إلى صناعة حرفية‪ .‬يُعدها منتجوها أعماالً شعرية تاريخاً خاصاً‬ ‫فلقد أدى هذا التطرف في التجريب واللهاث يعود بنا إلى أواخر خمسينيات القرن العشرين‪.‬‬ ‫وراء المغايرة إلى تعميق أزمة الشعر بدالً من فقد بدأت المحاوالت التجريبية األولى على‬ ‫حلها ح ً‬ ‫ال موضوعياً‪ .‬ذلك أن هذه التجارب يد ثيو لوتز ‪ Theo Lutz‬عام ‪1959‬م‪ ،‬وفي عام‬ ‫لم تستطع طوال نصف قرن أو أكثر تقديم ‪1968‬م‪ ،‬نظم ‪ Jasia Reichardt‬معرضاً في لندن‬ ‫ٍ‬ ‫ـال‬ ‫أعــمـ ٍ‬ ‫مقنعة تــســوغ بها نفسها‪ ،‬وتضفي بعنوان ‪ ،Cybernetic Serendipity‬ضم جناحاً‬ ‫مصداقية على صحة مفاهيمها‪ .‬فــا هي لقصائد ونصوص أنتجت بوساطة الحاسوب‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫وفي عام ‪1970‬م تحدث ‪ Dick Higgins‬عن ‪ -‬تفاقم أزمة العالقة بين الشعر والجمهور‪.‬‬ ‫حاسوب خاص للفن‪ .‬وفي العام نفسه حاولت‬ ‫فثمة شــعــراء مــشــهــورون كثيرون ظهروا‬ ‫‪ Marie Boroff‬محاكاة العملية الشعرية‪ ،‬خــال النصف الثاني من القرن العشرين‪.‬‬ ‫وإنــتــاج شــعــر عــن طــريــق تــغــذيــة الــحــاســوب ونحن عاصرنا هــؤالء الشعراء‪ ،‬وقرأنا لكل‬ ‫ال أو كــثــيــراً‪ ،‬وأعجبنا ببعض ما‬ ‫بكلمات مأخوذة من مختارات شعرية‪ .‬وأكيد منهم قلي ً‬ ‫أن هناك محاوالت أخرى متنوعة لم تصل إلى أنتجوه‪ ،‬ولكن ال نجد بينهم من يستحق لقب‬ ‫علمنا‪ .‬غير أن الشعر الحاسوبي‪ ،‬أو الرقمي الشاعر العظيم‪ .‬ونعني بالشاعر العظيم هنا‪:‬‬ ‫إن شئت‪ ،‬لم يظهر بأشكاله التي نعرفها اليوم الشاعر المؤسس‪ ،‬الشاعر الذي يحدث تحوالً‬ ‫إال بعد ظهور الحاسوب الشخصي ‪ Personal‬في الشعر‪ ،‬وينتج أعــمــاالً باهرة مؤثرة في‬ ‫‪ Computer‬وتطوره وانتشاره بين األفــراد‪ ..‬شعراء جيله واألجيال التالية‪ ،‬أعماالً تضيف‬ ‫اعــتــبــاراً مــن ثمانينيات الــقــرن العشرين‪ .‬إلى الموروث الشعري العالمي إضافة نوعية‬ ‫والشكل الشائع اليوم بين منتجي هذا الشعر تغنيه وتجعل من اسمه عالمة فارقة أو مميزة‬ ‫هو الجمع بين الصورة والصوت والحركة مع في تأريخ الشعر وتطوره‪ .‬ومن َذ َكرْنا ليسوا‬ ‫الكلمة في إنتاجه‪ ،‬وهو ما حاول تقليده بعض من مثل هذا الشاعر‪ .‬إنهم شعراء متميزون‬ ‫األفــراد المهتمين في بعض األقطار العربية من دون ريب‪ ،‬ولكنهم زوا ٌر عابرون في تأريخ‬ ‫مؤخراً‪ .‬ولكن ‪-‬بقليل من االنتباه‪ -‬سنالحظ الشعر‪ ،‬وإن نال بعضهم جوائز وطنية وعالمية‬ ‫أن هذا هو ما فعلته صناعة السينما والرسوم كجائزة نوبل‪ ،‬التي كثيراً ما أثيرت حولها‬ ‫المتحركة قبل ظهور الحاسوب بمدة طويلة‪ ،‬التساؤالت‪.‬‬ ‫ثــم استخدمت هــي األخ ــرى الــحــاســوب في‬ ‫والواقع أن هذا النوع من اإلنتاج الشعري‬ ‫تطوير آلياتها وتوسيع آفاقها الفنية‪ ،‬كما نرى‬ ‫في كثير من األفالم األمريكية التي أنتجت في هو أقرب إلى ألعاب الحاسوب التي نجدها‬ ‫على شبكة اإلنترنت‪ ،‬أو نشتريها في أقراص‬ ‫السنوات األخيرة‪.‬‬ ‫مدمجة منه إلى أي شيء آخر‪.‬‬ ‫يمكن وصــف هــذه األزم ــة بإيجاز بأنها‪:‬‬ ‫على أن هذا التحفظ ال يعني الوقوف في‬ ‫العجز عن كتابة شعر يخرج من أسر األصوات‬ ‫األولى المؤسسة في الشعر الحديث‪ ،‬وهيمنة الضد من هذا النوع من اإلنتاج أو رفضه أو‬ ‫النماذج التي كرستها المغامرات الفردية التقليل من شأنه‪ ،‬بل يعني فرزه وتمييزه عما‬ ‫لشعراء استثنائيين جــاءوا من بعدهم‪ .‬وقد هو شعر‪ .‬فالشعر مرتبط بالكلمة؛ أي باللغة‪،‬‬ ‫ظهرت بوادر هذه األزمة بعد الحرب العالمية واللغة هي وسيلته في التعبير‪ ،‬وهي عالَ َم ُه منذ‬ ‫الثانية‪ ،‬وتفاقمت في ما بعد‪ ..‬حتى بلغت أن كان‪ .‬أما وسائل التعبير األخرى‪ ،‬كالصوت‬ ‫والحركة والــصــورة‪ ،‬فهي وســائــل إيضاحية‬ ‫ذروتها اليوم‪ .‬ولعل من أبرز مظاهرها‪:‬‬ ‫خارجية ال تدخل في صميم العملية الشعرية‪،‬‬ ‫ غــيــاب الــمــواهــب الشعرية االستثنائية‪ ،‬وال تنبثق من الشعر نفسه‪ ..‬بل تدخل عليه‬‫واخــتــفــاء الــمــواهــب الــكــبــيــرة تــدريــجــيـاً‪ ،‬من خارجه‪ ،‬وتبقى هناك‪ .‬هذا والزمن‪ ،‬طال‬ ‫وضعف المواهب الجديدة‪.‬‬ ‫أم قصر‪ ،‬هو الكفيل بالحكم على مستقبل هذا‬ ‫ تحويل الكتابة الشعرية إلى صناعة تلفيقية‪ ،‬اإلنتاج‪ ،‬كما حَ َك َم على األنماط الشعرية التي‬‫سبق لنا اإلشارة إليها‪.‬‬ ‫أو حرفة صناعية‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬العراق‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪37‬‬


‫اإلنتاجية الجمالية المتجددة لصور الذات واآلخر‬ ‫والفضاء في الشعر السعودي الحديث‬ ‫■ د‪ .‬محمد سمير عبدالسالم*‬

‫يحيلنا الشعر السعودي الحديث‪ ،‬والمعاصر‪ ،‬إلــى وفــرة مدلول الهوية بمستوياتها‬ ‫الشخصية والثقافية الكامنة في النص‪ ،‬وخصوصية العالقات بين العالمات في بنيته‬ ‫الـخــاصــة‪ ،‬واتصالها بــالــذاكــرة الجمعية‪ ،‬وحـيــاة الـنـمــاذج الـتــي تقع بين العالم الداخلي‬ ‫للشاعر من جهة‪ ،‬والصور الشعرية المتصلة بالثقافي والكوني من جهة أخــرى؛ ومن ثم‬ ‫تجدد اإلنتاجية الشعرية للنص بُنية الهوية في الخطاب الذي يومئ إلى األصالة‪ ،‬والحس‬ ‫الغنائي‪ ،‬ولكن بصورة تستعيد الماضي في بنية شعرية تكرارية حداثية؛ تؤكد االختالف‬ ‫والتجدد ضمن استعادة عالمات الذاكرة في سياق تصويري بنائي جديد‪ ،‬يحتفي بتخييل‬ ‫األصوات‪ ،‬والعناصر الكونية‪ ،‬واألثر الجمالي القديم للمكان في الوعي‪ ،‬والالوعي‪ ،‬وكذلك‬ ‫المزج بين األزمنة في السياق اللغوي النصي والثقافي للقصيدة؛ فلحظة الحضور قد‬ ‫تجمع بين عودة آثار الماضي‪ ،‬وعالماته ضمن بنية تصويرية تستشرف اإلنتاجية الشعرية‬ ‫ألخيلة المستقبل التي ال تنفصل عن فاعلية الماضي في العالم الداخلي للصوت المتكلم‬ ‫في القصيدة؛ وسنجد مثل هذه الثيمات الفنية التي تعكس ثراء مدلول الهوية‪ ،‬واتساعها‬ ‫الـتـصــويــري ‪ -‬فــي بنية الـنــص ‪ -‬فــي قـصــائــد الـشـعــراء الـسـعــوديـيــن الـمـبــدعـيــن‪ :‬د‪ .‬غــازي‬ ‫القصيبي‪ ،‬ومحمد الثبيتي‪ ،‬وحمزة شحاتة؛ ولكل منهم أثر بالغي مختلف في االستعادة‬ ‫الشعرية للهوية‪ ،‬وتجددها في خطاب المتكلم‪ ،‬وأخيلته‪ ،‬ورؤيته للوجود‪ ،‬ومــدى امتزاج‬ ‫الحس الغنائي لديه بقوى التعدد‪ ،‬واالختالف في البنية الداخلية للنص الشعري‪.‬‬ ‫يعيد الشاعر المبدع د‪ .‬غازي القصيبي ويحمل درج ًة من االتصال ببنيتي الحضور‪،‬‬ ‫تخييل الصوت التمثيلي لآلخر‪/‬المتنبي في والمستقبل‪.‬‬ ‫بنية لحظة الحضور‪ ،‬وفي سياق نصي فني‬ ‫أمــا الشــاعر المبــدع محمــد الثبيتــي‬ ‫يعيد إنتاج الماضي‪ ،‬ومدلول الهوية في سياق‬ ‫فيســتعيد بنيــة األنثــى‪ /‬المحبوبــة‪ /‬ليلــى‪،‬‬ ‫عالمي‪ ،‬وكوني يسعى إلى الحكمة المجردة‬ ‫في المستقبل‪ ،‬دون أن ينفصل عن لحظة ورمزيتهــا فــي التــراث العربــي فــي ســياق‬ ‫الــمــاضــي‪ ،‬وعــتــاب المتنبي لسيف الــدولــة؛ متجــدد للهويــة التــي تتشــكل مــن التفاعــل‬ ‫وك ــأن الــشــاعــر يعيد إنــتــاج صــوت المتنبي الشــعري البالغــي بيــن نمــاذج الماضــي‪،‬‬ ‫اآلخر في سياق إبداعي متجدد من التناص؛ وتحــوالت الصــور‪ ،‬واســتبداالتها البنائيــة‬ ‫فصوت المتنبي هنا يكتسب اتساعً ا كونيًا‪ ،‬الحداثيــة فــي صــور النــص‪ ،‬وأخيلتــه‪،‬‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫وتداعياتــه‪.‬‬ ‫كما يستعيد الشاعر حمزة شحاتة ‪-‬بحدسه‬ ‫الغنائي‪ -‬تجدد أحاسيس الهجر في سياق‬ ‫الحب الــذي يبعث الــتــراث في بكارة نصية‬ ‫جديدة‪ ،‬توحي ببالغة التكرار‪ ،‬واالختالف في‬ ‫آن؛ وتذكرني بتصور ابن حزم ‪ -‬في كتابه طوق‬ ‫الحمامة ‪ -‬حول أفضلية الهجر اللطيف الذي‬ ‫يعمق الحب؛ ومن ثم نجد صورة المحبوبة ‪-‬‬ ‫في قصائد حمزة شحاتة ‪ -‬تحمل َقــدرًا من‬ ‫االخــتــاف‪ ،‬والتجريب في اتصالها ببنيتين‬ ‫زمنيتين‪ ،‬وارتباطها بهوية المتكلم‪ ،‬وذاكرته‬ ‫النسبية األخــرى التي ال تنفصل عن فاعلية‬ ‫الــتــراث‪ ،‬ولــكــن فــي ســيــاق مــغــايــر‪ ،‬وخــبــرات‬ ‫واقعية تؤكد شعرية التكرار‪ ،‬واالختالف معًا‪.‬‬

‫الشعر السعودي الحديث‪ ،‬طبقًا الختالف‬ ‫أشكال الخطاب‪ ،‬ومنظور المتكلم‪ ،‬وأخيلته‬ ‫التي تمزج بين العودة إلى التراث‪ ،‬وتحوالت‬ ‫الــحــضــور‪ ،‬ومــفــارقــاتــه‪ ،‬واســتــشــراف حكمة‬ ‫االتصال الروحي المتجدد بالمكان‪ ،‬وأخيلته‪،‬‬ ‫ورموزه التي تقع فيما وراء تفاصيل الكتابة‪،‬‬ ‫وتداعياتها‪.‬‬ ‫ويؤسس الشاعر المبدع د‪ .‬غازي القصيبي‬ ‫مفارق ًة داللي ًة بين كل من حالة الحنين إلى‬ ‫شعرية الماضي‪ ،‬وصــوره‪ ،‬وأصواته‪ ،‬وحياته‬ ‫الرمزية الخيالية في الذاكرة‪ ،‬ولحظة الحضور‬ ‫التي تجسد األلم‪ ،‬والضجر؛ ومن ثم فالشاعر‬ ‫يستعيد إدراك ــه الــخــاص لغنائية الماضي‪،‬‬ ‫ويوجه خطابه لصوت األنثى المستعادة من‬ ‫تلك األجواء الشعرية التصويرية الملحة على‬ ‫الذاكرة؛ والتي تبدو ممتزجة بنماذج الالوعي‪،‬‬ ‫وفضاءاته الفسيحة في العالم الداخلي للذات‬ ‫المتكلمة؛ يقول في قصيدة (أغنية في ليل‬ ‫استوائي)‪:‬‬

‫ويؤكد روالن بارت قوى االختالف‪ ،‬والتعدد‬ ‫في نسيج النص في كتابه «هسهسة اللغة»‬ ‫إذ يرى أن الجمع في النص‪ ،‬ال يستند إلى‬ ‫الغموض فــي مضامينه‪ ،‬ولكن إلــى تعددية‬ ‫تجسيمية لــلــدوال التي تشكل نسيجه‪ ،‬وإن‬ ‫األشياء العارضة‪ ،‬والتفاصيل ‪ -‬في بنيته ‪-‬‬ ‫«فقولي إنه الشجر‪ /‬وفي الغابة موسيقى‪/‬‬ ‫ـرس مــلــؤه الــكــدر‪/‬‬ ‫والتي تكون غالبا نصف معروفة‪ ،‬تنبع من نُظم طــبــو ٌل تنتشي أل ـ ًمــا‪ /‬وع ـ ٌ‬ ‫معروفة‪ ،‬ولكن تأليفها الفريد يؤكد االختالف فقولي إنــه الــوتــر‪ /‬أيــا لــؤلــؤتــي الــســمــراء‪/‬‬ ‫من داخل بنية التكرار‪.)1(.‬‬ ‫خطرت فماجت األنداء‪ ،‬واألهواء‪ /‬واألشذاء‪،‬‬ ‫يعزز تصور بارت ‪ -‬إذًا ‪ -‬من خصوصية والصور‪ /‬وجئت أنا‪ /‬وفي أهدابي الضجر‪/‬‬ ‫التشكيل العالماتي‪ ،‬والتصويري الشعري وفي روحي بركان‪ /‬ولكن ليس ينفجر»(‪.)2‬‬

‫في بنية النص‪ ،‬ولو كان يستعيد مدلوالً ما‬ ‫بصورة تكرارية؛ فالتكرار هنا يدخل عالقات‬ ‫بــنــائــيــة‪ ،‬وتفاعلية نــصــيــة‪ ،‬وثــقــافــيــة تعكس‬ ‫التعددية‪ ،‬والــتــجــاور‪ ،‬واالخــتــاف؛ ومــن ثم‬ ‫تحمل أثرًا جماليًا مغايرًا في العالم الداخلي‬ ‫للقارئ؛ وسنجد أ ّن مدلول الهوية قد اتخذ‬ ‫حضورًا بالغيًا‪ ،‬وتصويريًا واسع الداللة في‬

‫محور خاص‬

‫يوجه الشاعر خطابه لألنثى المتخيلة‬ ‫في شعرية الماضي الــذي ينازع قوة لحظة‬ ‫الحضور‪ ،‬ويجاورها في الخطاب الشعري؛‬ ‫كما يعزز من قوى النص الداللية‪ ،‬واإلشارية‬ ‫التعددية‪ ،‬وخصوصية لغته من داخــل فعل‬ ‫االستعادة الذي يبدو مِ ثْ َل تكرار‪ ،‬يحمل بداخله‬ ‫قوة االختالف؛ وذلك في تخييل عالقة الذات‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪39‬‬


‫بذلك الفضاء الداخلي‪ ،‬وما فيه من دالالت‬ ‫البهجة‪ ،‬والتناقض‪ ،‬وأصداء التعاطف الروحي‬ ‫الكثيف فــي الــتــجــربــة الــشــعــريــة‪ ،‬وعالقته‬ ‫بالضجر‪ ،‬واأللم؛ فالشاعر ينشئ عالمًا خياليًا‬ ‫روحيًا‪ ،‬ورمزيًا‪ ،‬يكتسب فيه فاعلي ًة جديدة‪،‬‬ ‫تــؤكــد حــدســه الغنائي بالتجربة‪ ،‬والفضاء‬ ‫اإلنساني في طبقاته العميقة الحية في النص‪.‬‬ ‫ويعيد الشاعر المبدع د‪ .‬غازي القصيبي‬ ‫تشكيل صوت المتنبي التمثيلي االستعاري في‬ ‫ومضاف لقصته‬ ‫ٌ‬ ‫سياق داللي كوني متجدد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫التاريخية مع سيف الدولة في قصيدة رسالة‬ ‫المتنبي األخــيــرة إلــى سيف الــدولــة؛ وكــأن‬ ‫الشاعر يستعيد صــوت المتنبي اآلخــر في‬ ‫سياق حضاري عالمي مغاير‪ ،‬يوحي بالتجدد‪،‬‬ ‫واألصالة‪ ،‬وحالة التوافق الموسيقي الكوني‬ ‫في البنية التجريبية األخرى لصوت الشاعر‬ ‫تناصا إنتاج ّيًا‪،‬‬ ‫األول؛ ومن ثم فالشاعر يقدم ًّ‬ ‫يضيف فيه بُعدًا آخر للعالم الداخلي للمتنبي‬ ‫في عالقته بفضاء كوني رحب؛ يقول‪:‬‬

‫د‪ .‬غازي القصيبي‬

‫بحضوره الكوني العالمي‪ ،‬ومدى صخبه‪ ،‬أو‬ ‫تجدده‪ ،‬أو توافقه الموسيقي مع المدارات‪،‬‬ ‫واألف ــاك‪ ،‬وجهات الــشــرق‪ ،‬والــغــرب‪ ،‬أو مع‬ ‫مدلول نموذج الخلود في وعيه‪ ،‬وال وعيه؛‬ ‫ومن ثم فصوت المتنبي اآلخر ‪ -‬في خطاب‬ ‫د‪ .‬غازي القصيبي ‪ -‬يتحدث مع طيف سيف‬ ‫قابل للتجدد‬ ‫الدولة من موقع فردي مستقلٍّ ٍ‬ ‫خــارج الحدود التاريخية‪ ،‬والبنى الزمكانية‬ ‫أزف ال ـ ـفـ ــراق ف ـهــل أودعُ صــامــتً ــا‬ ‫أم أنـ ـ ــتَ م ـص ـ ٍـغ ل ـل ـع ـتــاب فــأعـتــب المحددة باتجاه العالمي‪ ،‬وصخب الصور‬ ‫الكونية لقوة التجدد التي تمثلت في صورة‬ ‫أنــا شــاعــر الــدنـيــا‪ ..‬تبطن ظهرها‬ ‫اللهيب في النص‪.‬‬

‫ـرب‬ ‫ش ـع ــري‪ ،‬يُ ـ ـشـ ـرِّقُ ع ـبــرهــا‪ ،‬ويُ ـغ ـ ُ‬

‫أن ـ ــا ش ــاع ــر األفـ ـ ـ ــاك؛ ك ــل كـلـيـمــةٍ‬ ‫م ـنــي ع ـلــى ش ـفــق ال ـخ ـل ــود تلهب‬ ‫يوجه الشاعر خطابه إلى الطيف الخيالي‬ ‫لسيف الــدولــة؛ وكأنه يستعيد وهــج العتاب‬ ‫ـاق آخ ـ َر متجدد‪ ،‬وفــي لحظة‬ ‫األول فــي ســيـ ٍ‬ ‫أخرى للحضور قد اتسع فيها صوت المتنبي‬ ‫فيما وراء اآلنــــي‪ ،‬والــتــاريــخــي؛ فالصوت‬ ‫التجريبي االستعاري اآلخــر للمتنبي يفخر‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫أما الشاعر المبدع‪ ،‬محمد الثبيتي‪ ،‬فيجمع‬ ‫بين التعالي الشعري لصوت المتكلم في لحظة‬ ‫الكتابة‪ ،‬وحــداثــة التصوير في بنية النص؛‬ ‫فعالقة الشاعر بالفضاء‪ ،‬أو المكان تقوم على‬ ‫تعزيز أصالة الهوية العربية‪ ،‬وتجددها في‬ ‫تحوالت الصور النصية في آن؛ وكأن الصوت‬ ‫المتكلم ‪ -‬في خطاب محمد الثبيتي ‪ -‬يلفت‬ ‫نظر الــقــارئ إلــى بكارة الهوية في صورتها‬ ‫الجمالية الداخلية في الــوعــي‪ ،‬والــاوعــي؛‬

‫محور خاص‬


‫إذ يبدأ النص بالتأمالت الذاتية الشعرية الماء‪ /‬تمتد شرايين الطيور الحمر‪ /..‬يشتد‬ ‫المتعالية لبنية المكان‪ ،‬ثم يكشف عن التحول المخاض»‪.‬‬ ‫السيميائي الجمالي لدوالّه‪ ،‬وصــوره القابلة‬ ‫يمزج الشاعر ‪ -‬في المقطع السابق ‪ -‬بين‬ ‫للتجدد‪ ،‬والتعددية في نسيج عالمات التخييل‬ ‫النماذج المختلفة للعناصر الكونية بصورة‬ ‫الشعري التي تتداعى في لحظة الحضور‪،‬‬ ‫كثيفة‪ ،‬توحي بتحوالت الفضاء التكوينية‬ ‫وفي المستقبل‪ ،‬وعبر أصداء الماضي الكثيفة‬ ‫العالماتية التي تحتفي بحدث الحياة بمدلولها‬ ‫الحية فــي آن؛ فالتضاريس ‪ -‬عند محمد‬ ‫الواسع‪ ،‬وبالتحوالت الفاعلة لعالمات الذاكرة‬ ‫الثبيتي ‪ -‬تتكون من طبقات المكان الجغرافية‪،‬‬ ‫الجمعية؛ مثل عالمة الغراب‪ ،‬بينما يجمع ‪-‬‬ ‫وأصواته القديمة المتجددة‪ ،‬وأصداء ذاكرته‪،‬‬ ‫في حداثة تكوينية للصور ‪ -‬بين الشرايين‪،‬‬ ‫وتحوالته الجمالية العالمية في لحظة الكتابة‬ ‫وحياة الفضاء المجازية األخرى؛ وهي حياة‬ ‫في آن‪.‬‬ ‫قيد التجدد في دالالتها الكونية الواسعة‪،‬‬ ‫يقول في قصيدة التضاريس‪:‬‬ ‫وأصواتها الخفية‪ ،‬وتحوالتها؛ ومن ثم يتسع‬ ‫«ق ــل هــو الــرعــد يُ ــعــرِّي جــســد الــمــوت‪ /‬مــدول الــحــدس التصويري الشعري للهوية‬ ‫ويستثني تضاريس الخصوبة‪ /‬قل هي النار في كتابة محمد الثبيتي‪ ،‬وتحتفي باألصالة‬ ‫العجيبة‪ /‬تستوي خلف المدار الحر‪ /‬تنينًا المحلية في لقائها األول المتجدد بالعالمي‪،‬‬ ‫مخاضا وبالكوني في وعــي الشاعر‪ ،‬وفــي المنظور‬ ‫ً‬ ‫جــمــيــا‪ /‬وب ــك ــارة‪ /‬نــخــلـ ًة حُ ــبــلــى‪/‬‬ ‫للحضارة»‪.‬‬ ‫الــشــعــري العميق نفسه لبنية الــفــضــاء في‬ ‫يعيد الشاعر تخييل بنية الفضاء عبر حضورها الفيزيقي الشعري البكر‪ ،‬وأخيلتها‬ ‫تحوالت النار الروحية في الوعي‪ ،‬والالوعي‪ ،‬الممكنة في تداعيات النص‪.‬‬ ‫وارتــبــاطــهــا بــدائــريــة الــرعــد‪ ،‬وق ــوة التجدد‬ ‫الكامنة في طبقات المكان العميقة بين العالم‬ ‫الداخلي‪ ،‬وذاكرة المكان التي تحتفي بالتجدد‬ ‫اإلبداعي الكامن الصور الجمالية الصاخبة‪،‬‬ ‫والــدائــريــة؛ مثل الــرعــد‪ ،‬والــنــار‪ ،‬والنخلة‪،‬‬ ‫والتنين؛ وهي صور كثيفة تجيء في تأليف‬ ‫حداثي يحتفي بأصالة المكان‪ ،‬وتعدديته‪،‬‬ ‫وكثافة طبقاته‪ ،‬وآث ــاره المتحولة في وعي‬ ‫الشاعر‪ ،‬ووعي المتلقي‪.‬‬ ‫يقول في النص نفسه‪:‬‬

‫ويجدد محمد الثبيتي ســؤال الوجود في‬ ‫شعرية التكوين الــروحــي لــلــذات فيما وراء‬ ‫حضورها الظاهر؛ وكأن الذات تعاين حضورًا‬ ‫شعريًا نــوران ـ ًيــا قيد التشكل ضمن بنيتها‬ ‫التاريخية‪ ،‬والفيزيقية المؤجلة فــي بهجة‬ ‫التحول‪ ،‬وبهجة تجدد سؤال حقيقة الوجود‪،‬‬ ‫ومعاينة نموذج األصــالــة‪ ،‬أو نموذج الخلود‬ ‫في الوعي‪ ،‬وتأويله للكينونة من داخل فاعلية‬ ‫الحدس الذاتي الغنائي بالروح؛ يقول في نص‬ ‫األسئلة‪:‬‬

‫«بين نارين أفرغت كأسي‪ /‬ناشدت قلبي‬ ‫«حيث تمتد جذور الماء‪ /‬تنفض اشتهاءات‬ ‫التراب‪ /‬يا غرابًا ينبش النار‪ /‬يــواري عورة أن يستريح‪ /‬هل يعود الصبا مشرعا للغناء‬ ‫الطين‪ /‬وأعراس الذباب‪ /‬حيث تمتد جذور المعطر‪ /‬أو للبكاء الفصيح‪ /‬لــو جرحت‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪41‬‬


‫محمد الثبيتي‬

‫حمزة شحاتة‬

‫ذراعـ ــي مــا ابــتــل كــفــي وال معصمي‪ /‬أيها‬ ‫النازلون فؤادي‪ /‬هل صار نورًا دمي؟‪.»..‬‬

‫وهجر‪ ،‬وغيرها على نحو يذكُّرنا بما أورده‬ ‫اإلمام ابن حزم في كتابه طوق الحمامة؛ وكأنَّ‬ ‫بُنى العشق التراثية تكتسب ‪ -‬في وعيه ‪ -‬فاعلي ًة‬ ‫جديدة‪ ،‬تُجسِّ دها لغته الشعرية الغنائية التي‬ ‫توحي ببكارة تجدد عالمات التراث من جهة‪،‬‬ ‫واالختالف البنائي في األخيلة النسبية‪ ،‬وإيقاع‬ ‫اللحظة الحضارية الحديثة التي يتأصل فيها‬ ‫ما هو إنساني في انعكاسات نصية بالغية‪،‬‬ ‫ويومية مغايرة من جهة أخرى؛ ومن ثم نعاين‬ ‫ في البُنى الداللية العميقة ‪ -‬لقصائد حمزة‬‫شحاتة حالة من االغتراب الذاتي‪ ،‬أو الوحدة‬ ‫المضافة لبُنية العشق المستدعاة من التراث‪،‬‬ ‫كما نالحظ أن صورة المحبوبة تظل مهيمنة‬ ‫على اإلدراك‪ ..‬ولكن من خالل العالم الداخلي‬ ‫للمتكلم‪ ،‬رغم حضورها في البنية االتصالية‬ ‫للخطاب كمرسل إليه‪ ،‬وكذلك نــرى سرعة‬ ‫في التحوالت‪ ،‬والطفرات الخاصة بمدلول‬ ‫الــعــشــق؛ فالشاعر ينتقل أحــيــانــا مــن وهج‬ ‫االتصال الداخلي بالمحبوبة إلى الغربة‪ ،‬ثم‬ ‫إلى العتاب أو الهجر؛ وقد يبدأ بالهجر‪ ،‬ثم‬ ‫يعود ‪ -‬في سرعة ‪ -‬إلــى االتصال الروحي‬

‫يستشرف الشاعر ‪ -‬إذًا ‪ -‬تكوينا طيفيًا‬ ‫حلمًيا للذات فيما وراء فضاء الجسد‪ ،‬أو‬ ‫ضمن بنيته المؤجلة نفسها فــي تأمالت‬ ‫حلم اليقظة؛ وكأن ذلك النور الحلمي يوشك‬ ‫أن يستبدل عالمة الجسد في بنية النص‬ ‫التصويرية‪ ،‬وتعدديتها‪ ،‬أو تنازعها بين الدم‬ ‫والــنــور؛ ومــن ثــم تولد العالقة بين الوعي‪،‬‬ ‫والواقع سؤال الوجود مر ًة أخرى انطالقا من‬ ‫تجدد الجسد في أخيلة اليقظة‪ ،‬أو استبداله‬ ‫بأخيلة النور الطيفية الكامنة فيما وراء بنيته؛‬ ‫ومن ثم يكتسب مدلول الهوية الشخصية ‪-‬‬ ‫في خطاب محمد الثبيتي الشعري ‪ -‬داللَتيْ‬ ‫الغنائية والتحول في سياق بحث الذات عن‬ ‫قوى التجدد‪ ،‬والخلود‪ ،‬وتأجيل مركزية الموت‬ ‫فيما يخص القراءة التفسيرية لمدلول الذات‪،‬‬ ‫وبحثها عــن الــحــضــور ال ــدائ ــري المتجاوز‬ ‫للحضور النسبي التاريخي المؤقت‪.‬‬ ‫ويراوح الشاعر المبدع حمزة شحاتة بين‬ ‫حــاالت العشق المتباينة من شــوق‪ ،‬وعتاب‪،‬‬

‫‪42‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫الذاتي بالمحبوبة؛ وكأنه يؤكد أن العشق هو‬ ‫بنية داخلية في الوعي‪ ،‬والالوعي‪ ،‬أو نموذ ٌج‬ ‫يجمع بين التراث‪ ،‬والواقع الحضاري المعاصر‬ ‫في آن؛ يقول في قصيدة (مالي أراها)‪:‬‬

‫ه ــي ال ت ـب ــادل ــك الـ ـغ ــرام فـنــاجـنــي‬ ‫لِ ـ ـ ـ َم أنـ ــت ف ــي أح ـضــان ـهــا م ـتــرامــي‬ ‫مــا ك ــان يبكي يــومــه كــي تضحكي‬ ‫مـ ـ ــا كـ ـ ـ ــان يـ ـسـ ـه ــر لـ ـيـ ـل ــه ل ـت ـن ــام ــي‬ ‫ب ــل ك ــان يـنـشــد ف ــي هـ ــواك س ـعــاد ًة‬ ‫ف ـج ـع ـل ـت ـه ــا حـ ـلـ ـم ــا م ـ ــن األح ـ ـ ــام‬ ‫الـ ـ ـح ـ ــب نـ ـ ـ ــار لـ ـ ــو ع ـ ــرف ـ ــت ل ـه ـي ـبــه‬ ‫مـ ــا ت ـح ــرق ــي ق ـل ـبــي بـ ــه وع ـظــامــي‬ ‫ل ـ ــوال رج ــائ ــي ف ــي ودادك وال ــوف ــا‬ ‫لكرهت عيشي في الهوى ومقامي‬

‫ويجمع حمزة شحاتة ‪ -‬في قصيدة سطوة‬ ‫الحُ سن ‪ -‬بين قوتي الحب‪ ،‬والهجر‪ ،‬وكذلك‬ ‫المراوحة البالغية بين الــوحــدة‪ ،‬والتحرر‪،‬‬ ‫ثم العودة للتعاطف مع المحبوبة ضمن حالة‬ ‫الوحدة العابرة لحدود الزمكانية‪ ،‬والتي تحتفي‬ ‫بصورة نقية للمحبوبة‪ ،‬تشبه ليلى في الذاكرة‬ ‫مغاير بين الداخلي‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫الجمعية‪ ،‬وتتجسد‬ ‫واليومي في القصيدة؛ ومن ثم ينطوي خطاب‬ ‫حمزة شحاتة الغنائي على قدر من التجريب‬ ‫في تداخالت حاالت العشق‪ ،‬وتناقضات بُنيته‬ ‫الداللية؛ يقول‪:‬‬

‫واع ـتــرى قلبك ال ـمــال فأعرضت‬ ‫ف ـ ـهـ ــا انـ ـ ـتـ ـ ـظ ـ ــرت يـ ـ ـ ــوم الـ ـ ـف ـ ــراق‬ ‫سـ ـط ــوة ال ـح ـس ــن حـ ـ َّلـ ـ ْل ـ ِـت م ــا ك ــان‬ ‫ح ـ ـ ــرام ـ ـ ــا؛ فـ ـ ــافْ ـ ـ ـ َتـ ـ ــنَّ فـ ـ ــي إرهـ ـ ـ ــاق‬

‫أنت حرٌّ ‪ ،‬والحسن ال يعرف القيد‬ ‫ينتقل الصوت المتكلم ‪ -‬في خطاب حمزة‬ ‫ف ـ ـ ـصـ ـ ــادر ح ـ ــريـ ـ ـت ـ ــي‪ ،‬وان ـ ـطـ ــاقـ ــي‬

‫شحاتة الشعري ‪ -‬من توجيه خطابه لقلبه إلى‬ ‫توجيه خطابه للمحبوبة‪ ،‬وتخييلها في لحظة‬ ‫الكتابة بدرجة تعلو على درجة مخاطبة المتكلم‬ ‫لقلبه؛ وهو يمزج بين الحب‪ ،‬والعتاب‪ ،‬والهجر‪،‬‬ ‫ثم يراوح بين الحب‪ ،‬وداللة االغتراب الذاتي‬ ‫التي ال تخلو من االتصال المغاير بالمحبوبة؛‬ ‫وكأنه يتصل بصورتها األخــرى الداخلية في‬ ‫وعيه‪ ،‬وال وعيه؛ مثلما كــان الشاعر يتصل‬ ‫بأخيلة المحبوبة فيما وراء الطل َل في العصر‬ ‫الجاهلي؛ وهو ما يؤكد التجريب في تداخل‬ ‫األزمنة‪ ،‬واالنتقال السريع بين حاالت العشق‬ ‫في خطاب حمزة شحاتة الشعري الغنائي‪.‬‬

‫لقد جمع خطاب حمزة شحاتة بين بنيتين‬ ‫دالليتين متعارضتين للعشق؛ وهما بنية الهجر‬ ‫بمدلوله الذي يؤدي إلى الفراق‪ ،‬وبنية االتصال‬ ‫الروحي بصورة المحبوبة النقية‪ /‬المخاطبة‪،‬‬ ‫أو المرسل إليه في القصيدة؛ وهي تقع في‬ ‫ثالثة مجاالت تجريبية من الرؤية اإلدراكية‬ ‫لــلــشــاعــر؛ وه ــي صـــورة المحبوبة الفاعلة‬ ‫فــي الــتــراث‪ ،‬والــذاكــرة الجمعية‪ ،‬وصورتها‬ ‫المتجسدة واقــع ـ ًّيــا‪ ،‬وتــاريــخ ـ ًّيــا‪ ،‬وصورتها‬ ‫الداخلية في أخيلة اليقظة في لحظة الكتابة‬ ‫الــتــي تنطوي على حــواريــة تجريبية تقبل‬ ‫االتصال بين العشق‪ ،‬والهجر معًا‪.‬‬

‫ * كاتب ‪ -‬مصر‬ ‫(‪ )1‬راجع‪ ،‬روالن بارت‪ ،‬هسهسة اللغة‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬منذر عياشي‪ ،‬مركز اإلنماء الحضاري بحلب‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‬ ‫‪1999‬م‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫(‪ )2‬مصادر قصائد الشعراء من صفحاتهم على موقع أدب دوت كوم على الشبكة الدولية‪.‬‬

‫ ‬

‫‪msameerster@gmail.com - m-sameer@hotmail.com‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪43‬‬


‫الشعر اإللكتروني التفاعلي‬ ‫■ د‪ .‬محمد عبداهلل القواسمة*‬

‫هائل في وسائل‬ ‫شهد العالم في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي تطورًا ً‬ ‫االت ـصــاالت وتكنولوجيا المعلومات‪َ ،‬تـمـ َّثـ َل بانتشار أجـهــزة الـحــاســوب وظـهــور اإلنترنت‬ ‫وتطبيقاتها المختلفة‪ .‬وبلغ هذا التطور مرحلة جديدة‪ ،‬تجلى فيها عدم انفصال وسائل‬ ‫االتصال أو انقطاع بعضها عن بعض‪.‬‬ ‫لقد أثَّ رت هذه التطورات التكنولوجية والمعلوماتية في نواحي الحياة المختلفة‬ ‫ ‬ ‫بما فيها األدب؛ فظهرت أجناس أدبية يمتزج فيها األدب بالتكنولوجيا الحديثة تحت‬ ‫مسميات مختلفة‪ :‬إلكترونية‪ ،‬ورقمية‪ ،‬وافتراضية‪ .‬وغدا األدب ال يرتبط بالكلمة فحسب‪،‬‬ ‫أيضا باإلمكانات التي يوفرها الحاسوب‪ ،‬ولغة التشفير‪ ،‬واالرتباطات التشعبية والصور‪.‬‬ ‫بل ً‬ ‫وحسية كالورق والحبر‬ ‫«هــذه النقلة النوعية‪ ،‬من حال التعامل مع أدوات عضوية طيّعة ّ‬ ‫إلى عالم يحكمه منطق الطاقة والتكنولوجيا‪ ..‬شكلت منعطف ًا جدل ّي ًا لم تشهده الكتابة‬ ‫اإلبداعية منذ فجر الطباعة في القرن الثاني عشر»(‪.)1‬‬ ‫هكذا‪ ،‬أفرزت عالقة األدب بالتكنولوجيا‬ ‫نــوعً ــا أدب ـ ًيــا تحت مسمى يجمع بين األدب‬ ‫والتكنولوجيا أطلقت عليه الناقدة فاطمة‬ ‫البريكي «تكنو ‪ -‬أدبي»(‪ ،)2‬وربما تسميته األدب‬ ‫اإللكتروني أوضح في الداللة وأكثر دقة من‬ ‫تسميته األدب التكنولوجي؛ فنقول‪ :‬الرواية‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬والشعر اإللكتروني‪ ،‬والمسرحية‬ ‫اإللكترونية‪ .‬لكن‪ ،‬لمّا كانت هــذه األجناس‬ ‫األدبية ال تختلف عن األجناس األدبية القديمة‬ ‫إال باستخدامها الــوســيــط اإللــكــتــرونــي في‬ ‫الكتابة والعرض؛ فإن كلمة «إلكتروني» وحدها‬ ‫غير مالئمة لوصف تلك األجناس الجديدة‬ ‫التي تمتزج بالخصائص الحاسوبية‪ ،‬ويشارك‬ ‫فيها المتلقي بالحذف أو الزيادة أو المناقشة؛‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫فكان من الضرورة أن تجمع التسمية الجديدة‬ ‫هذه الخصيصة التشاركية أو التفاعلية بين‬ ‫أطــراف العملية اإلبداعية‪ :‬النص والكاتب‬ ‫والمتلقي‪ ،‬لنقول اإلبداع اإللكتروني التفاعلي‪.‬‬ ‫فــي مــجــال الــشــعــر‪ ،‬ال ــذي هــو موضوعنا‬ ‫الــرئــيــس‪ ،‬ظــهــرت مصطلحات كــثــيــرة حــول‬ ‫تسمية هــذا الجنس األدب ــي‪ ،‬منها‪« :‬الشعر‬ ‫الــرقــمــي»‪ ،‬و«الــشــعــر الــمــتــرابــط»‪ ،‬و«الشعر‬ ‫الــمــتــشـ ِّعــب»‪ ،‬و«الــشــعــر اإلنــتــرن ـ ِّتــي»‪ .‬وتــعــود‬ ‫كثرة هــذه المصطلحات لمفهوم واحــد إلى‬ ‫عــامــلــيــن(‪ :)3‬عــامــل الترجمة ال ــذي ال ينقل‬ ‫بــدقــة الــمــفــاهــيــم والـــــدالالت الــتــي تحملها‬ ‫المصطلحات المختلفة‪ ،‬والعامل الثاني يعود‬ ‫إلى كونها ترتبط كلها بالحاسوب (الكمبيوتر)؛‬

‫محور خاص‬


‫فــاالرتــبــاط بــمــصــدر بعينه‬ ‫ال يــعــنــي تـ ــوحّ ـ ــد وظ ــائ ــف‬ ‫الــمــصــطــلــحــات ودالالتـــهـــا‪.‬‬ ‫فتبدو المصطلحات السابقة‬ ‫غير دقيقة في الداللة على‬ ‫يعرف الشاعر األمريكي‬ ‫الــجــنــس الــشــعــري الــجــديــد‬ ‫لوس غاليزر (‪Loss Pequeno‬‬ ‫الذي نتكلم عليه؛ فكما يبين‬ ‫‪ )Glazier‬القصيدة الشعرية‬ ‫الدكتور عبداهلل الفيفي‪ ،‬فإن‬ ‫اإللكترونية التفاعلية بأنها‬ ‫د‪ .‬فاطمة البريكي‬ ‫مصطلح «رقــمــي» مصطلح‬ ‫«تلك القصيدة التي ال يمكن‬ ‫مــلــتــبــس‪ ،‬مــبــنــي عــلــى لفظة‬ ‫تقديمها على الورق»(‪ .)6‬وهذا التعريف يدخلنا‬ ‫رقم‪ ،‬وهي لفظة قديمة مستعملة تعني الكتابة في مجموعة من األشكال الشعرية من ضمنها‬ ‫أو العدد‪ ،‬ويقال‪« :‬الـ َعــروض الرقميَّة»‪ ،‬التي القصيدة التي أسميناها اإللكترونية التفاعلية‪.‬‬ ‫تعنى بوضع معادالت رقميَّة لوزن الشِّ عر بد َل وهذه األشكال هي‪:‬‬ ‫األسباب واألوتــاد والتفعيالت‪ .‬أما مصطلح‬ ‫ القصيدة التوليديّة‪ :‬وهــي عــبــارة عن‬‫الشعر المترابط أو المتشعِّب ‪،Hypertext‬‬ ‫الــقــصــيــدة الــتــي تكون‬ ‫فهو مصطلح قديم استعمل َه الفيلسوف وعالم‬ ‫برنامجً ا مكتوبًا مسبقاً‪،‬‬ ‫الحاسوب األميركي (ثيودور نيلسون ‪Theodor‬‬ ‫تظهر فيه الكلمات والجمل‬ ‫‪ ،)Holm Nelson‬ألول مرة عام ‪1965‬م‪ ،‬كما‬ ‫مــرتــبــة كــمــا يــريــد الــمــبــرمــج‬ ‫أن مختلف الكتابات والنصوص تقوم على‬ ‫والشاعر‪ ،‬وقد تختلف الكلمات من‬ ‫الترابط بين عناصرها‪ .‬أما مصطلح الشعر‬ ‫حيث اللون وطريقة الظهور والترتيب‪.‬‬ ‫اإلنترنتِّي ‪ ،Cyber text‬الذي استعمله الباحث‬ ‫النرويجي (آرسيت ‪ ،)Espen J Aarseth‬فليس ‪ -‬القصيدة المبرمجة‪ :‬وهــي القصيدة‬ ‫المكتوبة بلغة البرمجة‪ ،‬التي تتحول فيها‬ ‫دقيقًا‪ ،‬فالنصوص اليوم في معظمها إنترنتيَّة‪،‬‬ ‫العالمات‪ ،‬ووسائل التعبير‪،‬‬ ‫وما يُنشَ ر من هذا النوع هو في األصل إنتا ٌج‬ ‫والـــــروابـــــط الــمــنــطــقــيــة‬ ‫ورقيٌّ ‪ ،‬أو قابل ألن يكون إنتاجً ا ورق ّيًا(‪.)4‬‬ ‫الــمــســتــخــدمــة فـــي لغة‬ ‫اســتــنــادًا إل ــى مــا ســبــق‪ ،‬ف ــإن المصطلح‬ ‫المناسب لهذا الجنس الشعري هو مصطلح‬ ‫الشعر اإللكتروني التفاعلي‪ .‬وهــو مصطلح‬ ‫يــتــمــاشــى م ــع م ــا أطــلــقــه الــفــيــفــي؛ فكلمة‬ ‫«إلِكترونيَّ » ضــرور َّيــة إلشارتها إلــى التقنية‬ ‫الوسيطة‪ ،‬التي ال وجود لهذا الشعر من دونها‪.‬‬ ‫أما كلمة «تفاعليّ » فتبدو مرتبطة بالوسيط‬ ‫اإللــكــتــرونــي؛ ومــنــاســبــة في‬ ‫النص‬ ‫ِّ‬ ‫إشارتها إلــى عالقات‬ ‫الداخلية والخارجيَّة‪ ،‬وإلى أنه‬ ‫من إنتاج الشاعر والمتلقي(‪.)5‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪45‬‬


‫البرمجة لتكون قصيدة‪.‬‬

‫ويكون عنصرًا مشاركًا فيها»(‪.)7‬‬

‫ القصيدة البصريّة الرقميّة‪ :‬وهــي التي‬‫تدمج فيها الكلمة بالصورة‪ ،‬لتسهم كل‬ ‫منهما في بناء المعنى‪ ،‬مع التركيز على‬ ‫الــنــص وق ــدرة الــحــاســوب على التصرف‬ ‫بالنص والصورة في الوقت نفسه‪.‬‬

‫نالحظ أن القصيدة اإللكترونية التفاعليّة‬ ‫تبرز من بين األشكال السابقة متجاوزة الصيغة‬ ‫الخطية‪ ،‬المباشرة والتقليدية‪ ،‬ليستقبلها‬ ‫المتلقي معروضة إمــا على أقــراص مدمجة‬ ‫‪ ،CD-R‬وإما يتبادلها بالبريد اإللكتروني أو‬ ‫شبكة اإلنترنت‪ .‬وليس شرطً ا أن تكون مرتبطة‬ ‫بــاإلنــتــرنــت فيمكن التعامل معها بوساطة‬ ‫الحاسوب‪ .‬أما تفاعلية المتلقي فتعتمد على‬ ‫الــحــريــة الــتــي يتركها الــشــاعــر للمتلقي في‬ ‫التعديل‪ ،‬أو اإلضافة‪ ،‬أو التغيير في الشكل‬ ‫والكلمات ِليُحوِّل في بُنيتها ومعناها كما يريد‪.‬‬ ‫وال بد أن يقوم المتلقي نفسه بوظائف محددة‪،‬‬ ‫لتحقيق التفاعل بينه وبين القصيدة‪ ،‬وحتى‬ ‫يوصف بأنه تفاعلي‪ ،‬والوظائف هي(‪:)8‬‬

‫من التعريفات المهمة واألكثر دقة ووضوحً ا‪،‬‬ ‫فهي ترى هذه القصيدة بأنها «ذلــك النمط‬ ‫من الكتابة الشعرية الــذي ال يتجلى إ ّال في‬ ‫الوسيط اإللكتروني‪ ،‬معتمدًا على التقنيات‬ ‫التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬ومستفيدًا‬ ‫من الوسائط اإللكترونية المتعددة في ابتكار‬ ‫أنواع مختلفة من النصوص الشعرية‪ ،‬تتنوع في‬ ‫أسلوب عرضها‪ ،‬وطريقة تقديمها للمتلقي‪/‬‬ ‫المستخدم‪ ،‬الــذي ال يستطيع أن يجدها إ ّال‬ ‫من خالل الشاشة الزرقاء‪ ،‬وأن يتعامل معها‬ ‫إلكترون ًيّا‪ ،‬وأن يتفاعل معها‪ ،‬ويضيف إليها‪،‬‬

‫اإلبحار‪ :‬هو يختلف عن التصفح الذي يتم‬ ‫في األعمال الورقية‪ .‬فالمتلقي ينتقل للبحث‬ ‫بوساطة المؤشر عن معلومات محددة داخل‬ ‫النص التفاعلي‪.‬‬

‫ القصيدة متعددة الــوســائــط‪ :‬وهــي التي‬‫تستخدم الوسائط المختلفة‪ ،‬وال تعتمد‬ ‫على التلقي الشعري التقليدي المرتبط‬ ‫أيضا على توظيف‬ ‫بالكلمات فحسب‪ ،‬بل ً‬ ‫وســائــط إضــافــيــة مــن صـ ــوت‪ ،‬وصـ ــورة‪،‬‬ ‫وفيديو وغيرها‪.‬‬

‫ ‪ -‬القصيدة المتشعبة‪ :‬وهي التي تعتمد على‬ ‫الــروابــط الفائقة والنصوص المتشعبة‪،‬‬ ‫ليكون المتلقي أمام نوافذ جديدة ومواقع‬ ‫أخرى‪ ،‬وكأنه في رحلة استكشاف إلكترونية‬ ‫التأويل‪ :‬هو ممارسة لتحديد معاني النص‬ ‫شعريّة‪ ،‬باالعتماد على خصائص اإلنترنت وتوضيح مراميه‪ .‬والتأويل ال يحقق التفاعل‬ ‫والنصوص المتشعبة‪.‬‬ ‫الرقمي وحــده؛ لهذا فهو مقرون بالوظيفة‬ ‫ويظهر تعريف الناقدة فاطمة البريكي التالية «اإلبحار»‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫التشكيل‪ :‬ويقوم على إشراك المتلقي في‬ ‫إعادة بناء النص في حدود معينة‪.‬‬ ‫الكتابة‪ :‬هي مشاركة المتلقي في البرمجة‪،‬‬ ‫دون أن يغير في المتن شيئًا؛ فهو هنا كاتب‬ ‫بالمعنى المجازي إال في بعض النصوص التي‬ ‫يطالب فيها بالكتابة‪.‬‬

‫محور خاص‬


‫من الالفت أن القصيدة اإللكترونية التفاعلية‬ ‫لم يعرفها العرب إال في نهاية العقد األول من‬ ‫هذا القرن‪ ،‬في حين أن الغرب عرفها في العقد‬ ‫األخير من القرن الماضي‪ .‬ويعود الفضل في‬ ‫كتابة القصيدة التفاعلية إلى الشاعر األمريكي‬ ‫روبــرت كانديل ‪ Ropert Kendall‬عــام ‪1990‬م‪.‬‬ ‫أمــا فــي عالمنا العربي فالتجربة الــرائــدة في‬ ‫هذا الميدان هي تجربة الشاعر العراقي مشتاق‬ ‫عباس معن‪ ،‬الــذي أنجز أول مجموعة شعرية‬ ‫تفاعلية‪-‬إلكترونية وهي (تباريح رقمية لسيرة‬ ‫بعضها أزرق) عــام ‪2007‬م‪ .‬وهــو عنوان إحدى‬ ‫قصائد المجموعة‪ .‬وأتبعها ديوانه (وطن بطعم‬ ‫الجرح) الذي صدر عن دار الفراهيدي ببغداد‬ ‫عام ‪2013‬م‪ .‬ابتكر فيه الشاعر الجنس الشعري‬ ‫العمود الومضة‪ .‬ولعل الجديد في مالمح هذا‬ ‫الجنس أنــه جنس هجين فيه مــامــح الشعر‬ ‫والنثر‪ ،‬ويجمع بين االختزال وااللتزام اإليقاعي‬ ‫وبين القصيدة العمودية والقصة القصيرة جدًا(‪.)٩‬‬

‫إلى التقنية الحديثة؛ ليتفاعل مع هذا النمط من‬ ‫الشعر‪ ،‬وليتمكن من الربط بين مختلف النوافذ‬ ‫الحاسوبية‪ ،‬ثم الولوج إلى العالقة بينها‪ ،‬والكشف‬ ‫عن روابطها وما تحمله من دالالت ورمــوز‪ .‬كما‬ ‫على المتلقي أن يحظى بمعرفة جيدة بسيمياء‬ ‫األلوان واألشكال ليستطيع قراءة دالالتها الفكرية‬ ‫والفلسفية‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬مع أهمية العناصر‬ ‫األخرى من ألوان وأشكال وأصوات‪ ،‬يظل النص‬ ‫الشعري البصري المدخل إلــى قــراءة التجربة‬ ‫الشعرية التفاعلية‪.‬‬

‫بقي أن نــقــول إن كتابة الــنــص الشعري‬ ‫التفاعلي في عالمنا العربي ما تزال في البداية؛‬ ‫فال توجد غير أعمال قليلة جيدة‪ ،‬فكثير من‬ ‫الكتابات انحصرت في الكتابة اإللكترونية التي‬ ‫ال تتعدى نقل النص من الورق إلى الحاسوب‪،‬‬ ‫ولــم تتعامل مــع البرمجيات الخاصة التي‬ ‫يتطلبها التفاعل مع تلك النصوص؛ لهذا‪ ،‬فإن‬ ‫مدرب تطور الشعر التفاعلي مرهون بتطور التقنيات‬ ‫ٍ‬ ‫واع‬ ‫إن الشعر التفاعلي يحتاج إلى متلقٍّ ٍ‬ ‫على تلقّي النصوص التشعبية الرقمية‪ ،‬التي تستند الحديثة‪ ،‬وتطور الوعي الجمعي باستخدامها‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬فلسطين‪.‬‬ ‫(‪ )١‬إيــمــان الــعــامــري‪ ،‬جــمــالــيــات الــقــصــيــدة الــرقــمــيــة‪2011/2/11 ،‬م (انــظــر ال ــراب ــط) ‪https://‬‬ ‫‪. thakafamagcom/?p=3792‬‬

‫(‪ )١‬فاطمة البريكي‪ ،‬مدخل إلى األدب التفاعلي‪ ،‬بيروت‪ :‬المركز الثقافي العربي‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪73‬‬ ‫(‪ )٣‬فاطمة البحراني‪ ،‬األدب والتكنولوجيا‪ ،‬القصيدة التفاعلية مشتاق غباس أنموذجً ا‪ ،‬عود الند‪،‬ع‪،8‬‬ ‫(‪11‬تشرين الثاني‪2007‬م) (انظر الرابط) ‪https://www.oudnad.net/spip.php?article2456‬‬ ‫(‪ )٤‬عبداهلل بن أحمد الفيفي‪ ،‬األدب اإللكتروني التفاعلي وسؤال المرحلة‪ ،‬ورقة بحث ق ُِدّمت في البرنامج‬ ‫الثقافي لسوق عكاظ ‪2019 /8 /22 ،13‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٥‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫(‪ )٦‬فاطمة البحراني‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫(‪ )٧‬فاطمة البريكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77‬‬ ‫(‪ )٨‬فاطمة البريكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.64‬‬ ‫(‪ )٩‬نادية سعدون‪ ،‬أجناسية العمود الومضة والقصيدة الرقمية في المجموعة الشعرية (وطن بطعم الجرح)‪،‬‬ ‫الصباح الجديد(تموز‪2017‬م) (انظر الرابط)‪http://newsabah.com/newspaper/126415 .‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪47‬‬


‫مائة عام من الحوار حول الشعر‬ ‫■ محمد عالم*‬

‫لم يكن كتاب «الــديــوان» الـشــرارة األولــى التي أطلقها العقاد والمازني في عشرينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬لكنها كانت األهم واألكثر تأثيرً ا لعدة أسباب‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬ألنها سعت إلى تأسيس جمالية جديدة للقصيدة العربية؛ ثانيًا‪ :‬ألنها في دعوتها‬ ‫للتخلص من أغراض الشعر القديم والمناداة بالوحدة العضوية للقصيدة؛ أرست دعائم‬ ‫ارتباط شرطي بين التمسك بالقديم والتأخر الفني‪ ،‬ويُمكن اعتبار أن هذا الديالكتيك‬ ‫ٍ‬ ‫ظــلَّ هو القائد لألجيال القادمة‪ ،‬حتى ضد العقاد ورفــاقــه الذين فوجئوا بتيار التحرر‬ ‫الجامح‪ ،‬فأنكروا أن تكون لهم يد فيه‪.‬‬ ‫صحيح أنه سبقت العقاد محاوالت ليست قليلة تسلسل وال ترابط يدعم أركانها؛ يربك القارئ‬ ‫لتطوير القصيدة العربية وتخليصها من تقليديتها‬ ‫وصلتُه بالمعنى‪ ،‬ووصــف ديوانه «الخليل» عام‬ ‫ِ‬ ‫وفتح آفــاق أكبر لها‪ .‬إال إن العقل العربي في ‪1908‬م بالشعر العصري‪ ،‬فهل كان عصريًا بالفعل؟‬ ‫العشرينيات أحس بعطشه للحوار الثقافي‪ ،‬والذي‬ ‫يُحسب لــمــطــران الــوعــي المُبكر بالوحدة‬ ‫شغل الشعر النصيبَ األكب َر منه على صفحات‬ ‫العضوية‪ ،‬وفي عام ‪1909‬م قال «العقاد» بوحدة‬ ‫الــجــرائــد والــمــجــات‪ ،‬وطُ ــرح ــت أســئــلــة حــول‬ ‫القصيدة باعتبارها كائنًا ح ّيًا‪ ،‬وش َّب َه أصحاب‬ ‫ماهية الشعر؟ ودور الشاعر؟ وأغــراض الشعر‬ ‫مذهب وحدة البيت القديم مثل حافظ إبراهيم‬ ‫ومدى اتصاله بالقديم وبالحياة المعاصرة؟ ومع‬ ‫بمن «أخذ قطعة من الحرير وقطعة من المخمل‬ ‫االنغماس في الحداثة وما بعدها‪ ،‬صار اهتمام‬ ‫وقطعة من الكتان‪ ،‬وكل منها صالح لصنع كساء‬ ‫األدباء للحوار الثقافي أقل مما كان‪ ،‬وأصبح كل‬ ‫فاخر من نسجه ولونه‪ ،‬ولكنها إذا أجمعت على‬ ‫منهم منكف ٌئ على مفهومه الخاص للشعر‪ ،‬وإن لم‬ ‫كساء واحد فتلك هي «مرقعية الدراويش»(((‪.‬‬ ‫تخ ُل الساحة من مساجالت أدبية‪ ،‬إال إن ذلك‬ ‫وهكذا اتجهت القصيدة العربية إلى التركيز‬ ‫الفتور النسبي في الشغف بالحوار حول الشعر‬ ‫زاد فرص التعددية الشعرية‪ ،‬لكنه جعل مفهوم والتكثيف‪ ،‬والتخلص من العبارات الزائدة التي‬ ‫اعتنت باللفظ على حساب المعنى‪ ،‬ما أمكنها‬ ‫الشعر إما تصورًا شخصيًا‪ ،‬أو تهويمات ذاتية‪.‬‬ ‫أن تلج إلى مساحات من الجمال الذي اتكأ على‬ ‫التمرد المُ باح‬ ‫األخيلة عند الرومانسيين‪ ،‬والنفس عند أدباء‬ ‫جهود الوحدة العضوية‬ ‫المهجر‪ ،‬أو الذهن عند جماعة أبولو‪.‬‬ ‫أشار مطران خليل مطران إلى أن القصيدة‬ ‫جهود التخلص من البحر الشعري‬ ‫العربية القديمة تفتقد إلى االرتباط بين معانيها‪،‬‬ ‫رغم تلك النقلة النوعية في مسار القصيدة‬ ‫وأن تنوع المضمون داخل القصيدة الواحدة بال‬

‫‪48‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫العربية‪ ،‬إال إنها لم تخرج على التعريف القديم وغيرهم كثُر‪.‬‬ ‫للشعر على أنه كال ٌم مقفى موزون‪ ،‬وسرعان ما‬ ‫ولقد كــان العقاد‬ ‫شنّ شعراء ما بعد الحرب العالمية الثانية ثورة أشـ ــد ال ـ ُمــعــارضــيــن‬ ‫على الشق األول من التعريف وهو "القافية"‪ ،‬إذ لــلــشــعــر الــمــنــثــور‪،‬‬ ‫عدّوها تقييدًا للخيال الشعري؛ وذلــك لم يكن ألن ـ ــه ن ــق ــض عــمــود‬ ‫ً‬ ‫اختراعً ا‬ ‫خالصا آنذاك؛ فهناك محاوالت عديدة الــشــعــر‪ ،‬لــدرجــة أنه‬ ‫في العصر الحديث للخروج‬ ‫على أوزان "الخليل"‪ ،‬ك ــان يــحــيــل دواويـ ــن‬ ‫(((‬ ‫منها‪" :‬الــبــارودي" و"شــوقــي" ‪ ،‬ويضيف إليهم صــاح عبدالصبور‬ ‫الدكتور محمد أبو األنوار قصيدة مجهولة‬ ‫لطه وعـ ــبـ ــدالـ ــمـ ــعـ ــطـ ــي‬ ‫(((‬ ‫حسين نشرها عام ‪1909‬م‪ ،‬بعنوان "آه لو عدل" ‪ .‬ح ــج ــازي م ــن لجنة‬ ‫ورغم أن هذه المحاوالت الثالث أشارت ضمنيًا الــشــعــر إل ــى الــنــثــر‪،‬‬ ‫إلــى رحــابــة موسيقى الشعر الستيعاب أوزان ألن ــه ــم ل ــم يــلــتــزمــوا‬ ‫جديدة غير خليلية‪ ،‬إال إنها لم تكن األولــى في بـ ــعـ ــمـ ــود ال ــش ــع ــر‪،‬‬ ‫نوعها في تاريخ الشعر العربي‪ ،‬فقد خالفت بعض واكــتــفــوا بالتمسك‬ ‫قصائد لعروة بن الورد‪ ،‬وأمية بن الصلت‪ ،‬وعبيد ب ــال ــوزن‪ ،‬ويــتــســاءل‪:‬‬ ‫بن األبرص‪ ،‬األوزان المعروفة‪ .‬وقديمًا قال أبو أال ي ــك ــون ال ــك ــام‬ ‫العتاهية‪ :‬أنا أكبر من العروض"‪ ،‬ولم يتم رعاية الــعــادي مــوزونــا على‬ ‫هذه المحاوالت ‪-‬القديمة أو المعاصرة‪ -‬من قِ بل عواهنه‪ ،‬فهل يجعله‬ ‫أصحابها باعتبارها اتجاهً ا لتحرير الشعر من ذل ــك ش ــعـ ـرًا؟ وي ــر ّد‬ ‫بحور الخليل‪.‬‬ ‫الــفــري ـ ُق اآلخـ ــر هل‬ ‫وعلى ذلــك يظهر مصطلح "الشعر الحر"‪،‬‬ ‫للداللة على تنوع البحور داخل القصيدة الواحدة‪،‬‬ ‫ويعد أحمد زكي أبو شادي صاحب بدايةٍ جادةٍ‬ ‫في كتابة الشعر الح ّر الذي ال يلتزم في القصيدة‬ ‫بوحدة البحر‪ ،‬بل نجد أربعة أوزان في قصيدة‬ ‫واحدة‪.‬‬

‫تكف قصائد "أبو شادي" أن تجعل الشعر‬ ‫ولم ِ‬ ‫حـرَّا من وجهة نظر الشباب المُنادين بالتحرر‬ ‫من كل إطار عروضي ملتزم‪ ،‬ما يجعل القصيدة‬ ‫أقرب الشبه ب ِ​ِصيَغِ الشعر األوروبي‪ ،‬إال إن النقاد‬ ‫في النصف األول من القرن العشرين فصلوا‬ ‫تلك الــنــمــاذج الشابة عــن "الشعر الــحــر" ألبي‬ ‫شادي‪ ،‬وعدّوا هذه القصيدة "شعرًا منثورًا"‪ ،‬وهو‬ ‫طويل‪ ،‬حتى يُصبح‬ ‫ً‬ ‫المصطلح الذي سيتم تداوله‬ ‫فيما بعد "شعر التفعيلة"‪ ،‬والذي لمعت فيه أسماء‬ ‫كثيرة مثل السياب ونــازك المالئكة والبياتي‪،‬‬

‫محور خاص‬

‫عباس محمود العقاد‬

‫يــجــع ـ ُل «ال ــع ــروض»‬ ‫ال ــم ــن ــظ ــوم ــات مــثــل‬ ‫أل ــف ــي ــة اب ـ ــن مــالــك‬ ‫شعرًا؟ ويظل تعريف‬ ‫الـ ــشـ ــعـ ــر شـــائـــكًـــا‬ ‫صالح عبدالصبور‬ ‫و َع ـ ـ ِـصـ ـ ـيَ ـ ــا‪ ،‬ل ــع ــدة‬ ‫أسباب‪ ،‬أولها التعميم‪ ،‬ثانيها الفصل الحاد بين‬ ‫الشكل والمضمون‪ ،‬وربــمــا كانت هــذه النقاط‬ ‫طويل ضد‬ ‫ً‬ ‫وغيرها أيضا من العوائق التي وقفت‬ ‫نهوض مفهوم بنيوي للشعر‪.‬‬

‫ولقد نــادى صالح عبدالصبور ببناء الشعر‪،‬‬ ‫وعــارض رأ ًيــا شاع منذ األربعينيات في كتابات‬ ‫محمد غنيمي هالل وأحمد الشايب وغيرهما‪،‬‬ ‫أن الشعر أساسه العاطفة‪ ،‬أمــا النثر أساسه‬ ‫الفكر‪ ،‬وأشار إلى أن ماهية القصيدة في ذاتها‬ ‫كاإلنسان‪ ،‬أي لها عقل وروح‪« ،‬إذا طغى العقل‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪49‬‬


‫كانت القصيدة عم ً‬ ‫ال غائيًا مقصودًا لذاته‪ ،‬وإذا في عدة مقاالت لـ أحمد عبدالمعطي حجازي‬ ‫طغت الروح تصب ُح القصيدة لِعبًا ممتنعًا مستغنيًا بعنوان «قــد أُفسد القول حتى أُحم َد الصمم»‬ ‫والتي جُ معت فيما بعد في كتاب «قصيدة النثر‬ ‫بذاته عن الغاية»(((‪.‬‬ ‫أو القصيدة الخرساء»‪.‬‬ ‫القصيدة الخرساء تتكلم‬ ‫قال صالح عبدالصبور‪ ،‬في حــوار مع جهاد‬ ‫بمجرد ما ع ـرّبَ أدونيس مصطلح «قصيدة فاضل‪« :‬ليسموها قصيدة نثر‪ ،‬أو ليسموها شعرًا‬ ‫النثر» لـ سوزان برنار‪ ،‬في مطلع الخمسينيات‪ ،‬منثورًا‪ ،‬أما أنا فال أحب التسمية األولى‪ ،‬ولكن‬ ‫وكأن الحُ مّى قد انتشرت في المشهد الشعري كثيرًا من أصوات الشعر المنثور تهزني»‪.‬‬ ‫ككل‪ ،‬واتجه الشباب إلى المناداة بالتخلص ال من‬ ‫وأشار شريف رزق إلى أن «مصطلح قصيدة‬ ‫األغــراض القديمة للشعر فقط‪ ،‬وال من البحور‬ ‫النثر ليس بعيدًا عن هوية هذا النوع اإلشكالي‪،‬‬ ‫الخليلية فقط‪ ،‬بل من الوزن تمامًا!‬ ‫فهي قصيدة؛ ألنها تبني ٌن شعريٌّ مقصو ٌد شعرًا‬ ‫وسرعان ما تكتل ضد القصيدة الوليدة عدد في األســاس‪ ،‬اكتسبت التعريف بإضافتها إلى‬ ‫من المتمردين السابقين‪ ،‬مثل نــازك المالئكة‪ ،‬النثر؛ ألنه الحقل الذي تتشكل في تربته‪ ،‬وتنبت‬ ‫والمتمردين األول مثل العقاد‪ .‬ومن الصعب الجزم في مكوناته في شكل منظم‪ ،‬وإذا كان النثر يُشير‬ ‫أن كل الشباب كانوا آنذاك منجذبين نحو هذه معجم ّيًا إلى التفريق والتبعثر‪ ،‬فإٌن القصيدة هنا‬ ‫الشطحة األدونسية بحد وصــف محمود أمين هي النظام الصاعد في هذا الفضاء المُحتشد‬ ‫العالم‪ ،‬والذي رأى مُبكرًا أن القصيدة يمكن أن بالمتناثر في غير نظام»(((‪.‬‬ ‫تحتاج إلى التخلص من الوزن‪ ،‬بعد أن تُقدم كل‬ ‫ربما يكون مفهوم اإليقاع من أكثر المفاهيم‬ ‫ما لديها في أوزانها المعروفة‪ ،‬ولكن ليس اآلن‪.‬‬ ‫إشكال فيما يتعلق بالشعر‪ ،‬ألنه يتداخل مع مفهوم‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫وبينما‬ ‫حرص العقاد على أن يكون محافظً ا الوزن‪ ،‬خاصة إذا ما نظرنا إلى اإليقاع باعتباره‬ ‫في الشعر معتزًا بهذه المحافظة‪ ،‬ويرى الخروج نقلة موسيقية مــن الشعر المعتمد على بحر‬ ‫عليها انحالال وإفسادًا‪ ،‬وانبرى يهاجم ُكتّاب «شعر محدد‪ ،‬إلى شعر التفعيلة‪ .‬ويرى أصحاب عمود‬ ‫التفعيلة»‪ ،‬ويوجه لهم تجريحً ا عنيفًا في الصحف الشعر أن اإليــقــاع يتحقق مــن نظم التفعيالت‬ ‫هنا وهناك؛ كان الدكتور طه حسين يرى أنه «ليس في البيت الواحد‪ ،‬أما شعراء التفعيلة فيَرو َن‬ ‫على الشعراء بأس من أن يتحرروا من قيود الوزن أن اإليــقــاع يتخلص مــن «سيمتريته»‪ ،‬ويصبح‬ ‫والقافية إذا نافرت أمزجتهم وطبائعهم‪ ،‬ال يُطلب «هارموني» أكثر‪ ،‬عند االنتقال من نظم األبيات‬ ‫إليهم في هذه الحرية إال إن يكونوا صادقين غير والبحور إلى شعر التفعيلة‪ ،‬بما يتيح حُ رّية أكبر‬ ‫متكلفين‪ ،‬وصادرين عن أنفسهم غير مقلدين لهذا في حركة التفعيالت‪ ،‬وتنويع اإليقاع الموسيقي‪.‬‬ ‫الشاعر األجنبي أو ذاك‪ ،‬ومبدعين فيما ينشئون ولكن عندما تتخلص قصيدة النثر من الوزن‪ ،‬فهل‬ ‫غير مُسفِّين إلى سخف القول وما ال غناء فيه»(((‪ .‬معنى ذلك أنها قصيدة بال إيقاع؟‬ ‫ومع الزمن أصبح المتمردون في نظر العقاد‬ ‫ورفاقه‪ ،‬مُحافظين في نظر أدونيس وأتباعه‪ ،‬ولم‬ ‫يتقبل شعراء التفعيلة قصيدة النثر‪ ،‬حتى وقت‬ ‫قريب‪ ،‬وأخــذوا يناقشون أبــرز إشكالياتها مثل‬ ‫المُصطلح‪ ،‬واإليقاع‪ ،‬والمعيار الجمالي‪ ،‬كما جاء‬

‫‪50‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫حــاول شريف رزق إيضاح أن قصيدة النثر‬ ‫إذا هــجــرت ال ــوزن الــعــروضــي‪ ،‬فهي ال تتخلى‬ ‫عن إيقاعها الــخــاص(((‪ ،‬منطلقًا من أن اإليقاع‬ ‫كمصطلح فني هو التنظيم‪ ،‬له حدوده وقوانينه‬ ‫في الشعر والنثر معًا‪ ،‬إذ يناط به تنظيم اللغة‬

‫محور خاص‬


‫ليسهل أداء وظائفها المُبتغاة‪ .‬وألن الشعر جزءٌ الصحراء ببلدان الحضارة القديمة"(((‪.‬‬ ‫من هذه اللغة‪ ،‬فإنه يٌ َع ُّد لغ ًة فوق اللغة‪ ،‬بمعنى أنه‬ ‫وخالل العقدين األخيرين زاد إقبال األجيال‬ ‫يُوَظِّ ف اللغة جمالياً (فنياً) في مفارقة واضحة الجديدة على كتابة قصيدة النثر‪ ،‬واعتبرها روادها‬ ‫للمستوى المعياري لهذه اللغة‪ ،‬فلغة الشعر «هي نجاحً ا ساحقًا لدعواهم‪ ،‬بينما رأى أصحاب‬ ‫إعادة تنظيم للغة العادية»‪ .‬فاإليقاع هو الميزان‪ ،‬القصيدة الموزونة ذلك خطرًا على الشعر‪ ،‬فقد‬ ‫والميزان هو اإليــقــاع‪ ،‬والعالقة بينهما كعالقة اختلط السمين بالغث‪ ،‬وصارت «قصيدة النثر»‬ ‫العين والبصر‪.‬‬ ‫قبلة للمدعين وأنصاف الموهوبين‪ ،‬كما أوضح‬ ‫وأش ــار أنــســي الــحــاج إلــى أن قصيدة النثر الدكتور ماهر شفيق فريد‪« :‬لقد كنتُ من أكبر‬ ‫تحتوي على «وزن شخصي»‪ ،‬وأنها خارج اإليقاع أنصار قصيدة النثر من حيث المبدأ‏‪،‬‏ وقد كتبتُ‬ ‫صفحات األه ــرامِ منذ ســنــوات قالئل أن‬ ‫ِ‬ ‫الموسيقي تمامًا‪« ،‬ولكن هذه األوزان ليست أوزانًا على‬ ‫صالح ًة للقياس عليها أو اعتمادها أو تقنينها»(((‪ .‬المستقبل لقصيده النثر‏‪ ،‬ولكني أجدني اآلن‬ ‫مضطرًا إلــى مراجعة موقفي‏‪ ،‬فلستُ أرى لها‬ ‫ويعزوا بعض النقاد هذه الخالفات بين شعراء مُستقبال يُذكر‏‪ ،‬وإنما أرى حاضرًا بائسً ا وماضيًا‬ ‫قصيدة النثر حول بعض المصطلحات والمفاهيم فيه درر قليلة وخبثٌ كثير»‏(‪.((1‬‬ ‫عندما قرروا تحريرها؛ إلى عدم الوعي والنضج‬ ‫ومؤخرًا؛ يصرح أحمد عبدالمعطي حجازي‪،‬‬ ‫الفني‪ ،‬ما يجعل القصيدة في مأزق إشكالي آخر‪..‬‬ ‫أنه في حال غياب القدرة على القياس‪ ،‬هل يمكن بأن «القصيدة الخرساء» كان مجرد رأي عام‪،‬‬ ‫نابع من القلق على مصير الشعر‪ ،‬ولكن هل عنى‬ ‫أن ينهض أي معيار جمالي عام لهذه القصيدة؟‬ ‫بذلك أن قصيدة النثر قدمت مــا يُــبــدد القلق‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬لم يُغفل شريف رزق حماسته في أن بشأنها؟ وفــي الوقت الــذي تدعي فيه قصيدة‬ ‫قصيدة النثر ستصبح هي متن اإلبداع الشعري‪ ،‬النثر أنها األكثر عصرية‪ ،‬يرى أصحاب التفعيلة‬ ‫وديوان العربية القادم‪ ،‬ألنها األقدر على استيعاب أن قصيدتهم األكثر تأثيرًا في المجال العام‪،‬‬ ‫متغيرات العصر‪ ،‬بال قيود تحد من جموحها نحو ويُقبل عليها القراء‪ ،‬وبينما يُق ُّر شعراء قصيدة‬ ‫ٍ‬ ‫أراض وعرةٍ من المعاني اإلنسانية التي حذرت النثر بخيانة روادهـ ــا‪ ،‬وغــيــاب الــنــقــاد‪ ،‬وتَعنُّت‬ ‫القصيدة العربية من ولوجها‪ ،‬وهذا بالضبط ما األكاديميين‪ ،‬وع ــدم اســتــعــداد الــقــارئ العربي‬ ‫أوضحه محمد آدم؛ "فقصيدة النثر جاءت نتيجة لتلقيها‪ ،‬إال إنها استطاعت أن تشغل سطرًا في‬ ‫حافل من الحوار حول الشعر‪.‬‬ ‫تاريخ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫زواج المجتمع الرعوي والزراعي‪ ،‬واندماج ثقافة‬ ‫* كاتب ‪ -‬مصر‪.‬‬ ‫((( أفيون الشعوب‪ ،‬عباس محمود العقاد‪ ،‬ص‪ ،109‬هنداوي للنشر‪2013 ،‬م‪.‬‬ ‫((( موسيقى الشعر‪ ،‬إبراهيم أنيس‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪1965 ،‬م‪ ،‬ص‪.199‬‬ ‫((( احلوار األدبي حول الشعر‪ ،‬محمد أبو األنوار‪ ،‬مكتبة الشباب‪1975 ،‬م‪ ،‬ص‪.690‬‬ ‫((( حياتي يف الشعر‪ ،‬صالح عبدالصبور‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.26‬‬ ‫((( من أدبنا املعاصر‪ ،‬طه حسني‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪2014 ،‬م‪ ،‬ص‪.36-35‬‬ ‫((( آفاق الشعرية العربية اجلديدة يف قصيدة النثر‪ ،‬شريف رزق‪ ،‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪2015 ،‬م‪.‬‬ ‫((( آفاق الشعرية العربية اجلديدة يف قصيدة النثر‪ ،‬شريف رزق‪ ،‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪2015 ،‬م‪ .‬ص‪.40‬‬ ‫((( مجلة اجلديد‪ ،‬فبراير ‪2019‬م‪.‬‬ ‫((( راجع‪ :‬حوار مع محمد آدم‪ ،‬جريدة الدستور املصرية‪6 ،‬يوليو ‪2018‬م‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬قصيدة النثر أو القصيدة اخلرساء‪ ،‬أحمد عبداملعطي حجازي‪ ،‬دبي الثقافية‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.186‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪51‬‬


‫اإليقاع الشعري‪ ...‬رئة القصيدة‬ ‫■ أحمد خالد*‬

‫أنموذجا لغويًا بالغيًا وإبالغيًا؛ بالغيًا يحمل اإليجاز والتكثيف في المعنى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يعد الشعر‬ ‫وإبالغيًا قائمً ا على ثالوث المقام والباثّ والمتلقي‪ .‬وما ال يُختَلف فيه أن الوظيفة الجمالية‬ ‫التي يتبناها النص الشعري للوصول إلى الوظيفة اإلبالغية‪ ،‬هي التعبير األوفى للداللة‬ ‫على الذات الشاعرة؛ ومن المعلوم أن الجملة الشعرية ترتكز على االنزياح في اللغة‪ ،‬هذا‬ ‫الذي ال يستطيعه الخطاب العادي‪ ،‬والتي ينبعث منها الوظيفة الجمالية‪.‬‬ ‫وإذا اتجهنا إلــى القيم الصوتية في النص الشعري‪ ،‬لوجدنا شك ًال إيقاعيًا مموسقً ا‬ ‫يحمل بين تغيراته أصداءً جماليةً تتغلغل في النفس اإلنسانية‪ ،‬وال نستطيع القول بأن‬ ‫التغير في الحركة اإليقاعية فعلٌ عابث‪ ،‬ولكن نستطيع تفسيره بأنه ارتفاع إلى ذورة في‬ ‫الحركة الداخلية للقصيدة‪ ،‬كما يراها كمال أديب‪.‬‬ ‫وتنقسم الموسيقى اإليقاعية في النص لنا أن نفرق بين الوزن واإليقاع‪ ،‬إذ يعتقد‬ ‫الشعري إلى قسمين‪ ،‬الموسيقى الداخلية‪ ،‬الكثير مــن أهــل الشعر والباحثين فيه‬ ‫والموسيقى الخارجية‪.‬‬

‫أن الــوزن واإليقاع وجهان لعملة واحــدة‪،‬‬

‫تنحصر الموسيقى الداخلية في النص والحقيقة أن اإليقاع أكثر شموالً واتساعً ا‬ ‫الشعري في اإليقاع الخفي المتشكل من من الــوزن‪ ،‬إذ إن الــوزن عنصر واحد من‬

‫انتقاء األلفاظ ومالءمتها للمعنى وتفاعلها عناصر تكوين اإليقاع الشعري‪ ،‬إال إنه‬ ‫مــع بعضها بــعــض ـاً‪ ،‬وهـ ــذا الــقــســم من العنصر األكثر ظهورًا لدى المتلقي‪.‬‬ ‫الموسيقى الشعرية هو الذي يحدد جودة‬

‫ومن هنا‪ ،‬نجد أن الوزن ليس بالضرورة‬

‫النص الشعري‪ ،‬ومــدى تناغمه مع ذات أن يضيف جماالً حقيقيًا على ذات النص‪،‬‬ ‫الشاعر وتعبيره عن شاعريته وتجربته‪.‬‬ ‫إال إنــنــا ال نستطيع إنــكــار تلك اللمسة‬ ‫أما الموسيقى الخارجية التي تتمثل اإليقاعية التي يتركها الشكل الخارجي‬ ‫وقافية على النص‬ ‫ٍ‬ ‫وزن‬ ‫فــي الشكل الــخــارجــي للنص الشعري‪ ،‬للنص ومكوناته من ٍ‬ ‫فتعتمد على الــوزن والقافية‪ ،‬وهنا ال بد الشعري‪ ،‬ولكن نستطيع القول إن النص‬

‫‪52‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫المرتكز على الموسيقى الخارجية يحتمل للشعر العربي» هــو تناغم إيقاعي أوالً‬ ‫الــجــودة والــــرداءة‪ ،‬واالرتــفــاع والسقوط‪ ،‬وأخــي ـرًا؛ ومــن هنا‪ ،‬نستطيع أن نستنتج‬ ‫على عكس الموسيقى الداخلية وإيقاعها أن الموسيقى الخارجية المتمثلة بالشكل‬ ‫الخفي التي ال تحتمل عند اكتمالها رداء ًة الــخــارجــي وتــاب ـ َعــيــه‪ ،‬ليست بــالــضــرورة‬ ‫في بنية النص الجمالية واللغوية‪.‬‬ ‫وما نالحظه أثناء التنقل بين مراحل‬ ‫تطور القصيدة العربية‪ ،‬توج ٌه واض ٌح نحو‬ ‫ضبط الحركة اإليقاعية‪ ،‬بدءًا من شكلها‬

‫الشاهد على إبــداع الشاعر أو نصه‪ ،‬إذ‬ ‫ال بد من اكتمال صورة الحاضر الغائب‬ ‫المحفور بين جذور البنية الشعرية‪.‬‬ ‫فالشعر حــيــن تنتظم أصــواتــه يفقد‬

‫الــعــمــودي التقليدي المموسق فــي وزنــه االصــطــدام بين كلماته‪ ،‬وتنزلق مقاطعه‬ ‫وقافيته‪ ،‬ثم التفعيلة الواحدة التي أخذت هيِّن ًة ليِّنة‪ ،‬وهــذا ما يجعله ط ِّيعًا سلسً ا‬

‫ال للحفظ‪ ،‬وتبقى مهمة‬ ‫ال عن إيضاح التجلي الموسيقي في اإللقاء‪ ..‬سه ً‬ ‫تبتعد قلي ً‬ ‫في القصيدة الخليلية‪ ،‬والــذي ع َّب َر عنه اللفظ أن يشقَّ عن معناه الخبيء‪ ،‬فأهم‬ ‫سعود أبو السعود في كتابه (اإليقاع في جانب خفي يراعيه الحس‪ ،‬هو عَ ْمدُه إلى‬ ‫الــشــعــر الــعــربــي)‪ ،‬حــيــن وص ــف قصيدة بث السالسة اللسانية التي تضمن ِللِّسان‬

‫التفعيلة بأنها «هــمــس الشعر المبطن األجواء التلفظية المريحة‪ ،‬والحس حين‬ ‫بالخيال المجنح والفكر المتوهج»‪ ،‬ثم إلى يبحث عن المالءمات‪ ..‬يعمد إلى اختبار‬

‫قصيدة النثر التي غابت فيها كل أوجه الوحدات المركبة لتلفيظ العبارات‪ ،‬ويجد‬ ‫الموسيقى الظاهرة‪ ،‬واتجهت نحو إخفاء لها المتخيرات الترادفية التي تتسق مع‬ ‫معالم اإليقاع بين ألفاظ النص وتراكيب الحركة اللسانية‪.‬‬ ‫جملته‪.‬‬

‫ولعل سر الجمالية اإليقاعية تكمن في‬

‫ويبدو أن تفسير الظواهر اإليقاعية التركيب الكمي الحسابي لتوالي المتحرك‬ ‫فــي ســيــاق التشكالت اإليقاعية الكلية والــســاكــن‪ ،‬ألن تواليهما يُــخــر ُج النص‬ ‫هو الطريقة الوحيدة التي تضيء أبعاد الشعري من الرتابة‪.‬‬

‫التجاوب اإليقاعي في شــروط حضارية‬

‫ويمكن القول إن القِ يَم الصوتية في النص‬

‫وثقافية معينة؛ فاإلبداع الشعري كما يراه الشعري مكو ٌن أصي ٌل في بنيته النصية‪،‬‬ ‫أديب كامل في كتابه «في البنية اإليقاعية وأنها ال تعنى بالحركة والصوت فقط‪ ،‬بل‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪53‬‬


‫إن للسكتة أيضا داللتها وإيحاءاتها في من داخــل النص النثري‪ ،‬ومن الضروري‬ ‫عالم اإليقاع الشعري‪ ،‬فتقسيم المقاطع التنويه إلى أن اإليقاع في الشعر حسب ما‬

‫الصوتية‪ ،‬والــوقــوف عند لفظة معينة‪ ،‬تراه بشرى ياسين في بحثها المنشور في‬ ‫يحمالن دالل ًة لغوي ًة وإيقاعية‪ ،‬وتحمالن مجلة اآلداب «اإليقاع في الشعر العربي‬ ‫بالضرورة معنىً يريده الشاعر‪ ،‬وتفصحان الحديث ‪-‬المقوالت والتمثُّالت»‪« :‬كميّ‬ ‫أحيانًا أخــرى عن معنى خبيء في بنية وكيفيّ ‪ ،‬متى ما توافر الكم دون الكيف‬ ‫النص‪.‬‬

‫تحول إلى نظم‪ ،‬وإذا ما توافر الكيف دون‬

‫وهــذه الوقفات تعزز مفهوم التشكيل الكم تحول إلى نثر؛ ومن هنا‪ ،‬اهتم معظم‬ ‫الشعري األول وهــو الــصــوت‪ ،‬والــصــوت الشعراء المحدثون غالبا باإليقاع الموزون‬

‫في هــذا التشكيل يعتمد على المسافة وحاولوا تجنب اإليقاع غير المنضبط أو‬ ‫الصوتية‪ ،‬أو البعد الصوتي‪ ،‬وهي المدة المنفلت‪ ،‬فاإليقاع الشعري ينماز من إيقاع‬ ‫زمن‬ ‫التي يمكث بها الصوت مسموعً ا إلى ٍ‬

‫محدد‪ ،‬وهذا ما يحدده التشكيل الصوتي‬ ‫صاحب النشاط الجمالي‪ ،‬وال شــك أن‬

‫النثر بانضباطه وتكراره باطراد‪».‬‬ ‫وأخ ــي ــراً‪ ،‬يبقى مــوضــوع اإليــقــاع في‬

‫النشاط الجمالي له عالقة وطيدة بالنظام الشعر العربي وما يحمله من اختالفات‬ ‫محط اهتمام الباحثين‬ ‫َّ‬ ‫الموسيقي الــشــعــري‪ ،‬الــذي يرتكز على في وجهات النظر‪،‬‬ ‫ووتد‪ ،‬والــدارســيــن والمتتبعين لمراحل نشوء‬ ‫سبب‪ٍ ،‬‬ ‫الثالوث الشعري‪ ،‬المكون من‪ٍ :‬‬ ‫القصيدة العربية وتطورها‪ ،‬ولعل اإليقاع‬ ‫وفاصلة‪.‬‬ ‫ـاس في‬ ‫إن اإليقاع الشعري عنص ٌر أسـ ٌ‬

‫ال ــذي ال تــحــدده وتضبطه القوانين هو‬

‫بنية الشعر العربي القديم والحديث‪ ،‬ويمكن المرتبط بالمعنى الحقيقي الذي تحمله‬ ‫القول إن ما يحدد شعرية النص هي مدى ذات النص الشعري وذات الشاعر‪ ،‬ولعل‬

‫تجانسه واتساقه إيقاعيًا؛ وهذا ما يميزه دراسة اإليقاع في أي قصيدة هو محاولة‬ ‫عن النثر‪ ،‬دون تجاهل لإليقاع المنفلت في لقياس نبض القصيدة وإحصاء أنفاسها؛‬ ‫النص النثري أو النص الشعري على حد فعندما تتنفس القصيدة إيقاعا تنبض‬

‫سواء‪ ،‬إذ ال يمكن إقصاء اإليقاع المنفلت معنىً وداللة‪.‬‬ ‫ * كاتب ‪ -‬سوريا‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫يزهر بين المنصة الطللية‬ ‫الشعر ضمي ٌر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والمنصة اإللكترونية‬ ‫■ محمد العامري*‬

‫عَ ف َِت الديا ُر محلُّها فمقامُ ها‬

‫بمنًى تأ َّب َد غولُها فرجامُ ها‬

‫نستطيع أن ندرك هنا القيمة الواقعة لألثر‪ ،‬فا ْلمَحلّ من الديار‪ :‬ما حل فيه أليام قليلة‬ ‫خارج التعريس في المكان واإلقامة فيه‪ ،‬لكننا نستطيع َتتَبُّ ع هذا المفتتح عبر ذكر المقام‪،‬‬ ‫أي ما طالت اإلقامة به ذاكرً ا اسم المكان ككيان له صفاته وذكرياته؛ فحين يذكر «منى» وهو‬ ‫موضع بحمى ضرية على غير منى الحرم؛ تأبد‪ :‬توحش‪ ،‬وينطبق ذلك على الغول والرجام‬ ‫وهما جبالن معروفان؛ وذكرهما أيضا أوس بن حجر بقوله‪:‬‬

‫ـول والـ ــرجـ ــام لكم‬ ‫زع ـم ـتــم أن غ ـ ـ ً‬ ‫ومنعجا فــاذكــروا األمــر مشترك‬ ‫ً‬ ‫لعل الشعر العربي القديم قد استقر‬ ‫على المقدمة الطللية كبناء محوري أسهم‬ ‫في تقديم صيغة مائزة للقصيدة الجاهلية‪،‬‬ ‫فكانت الزمة لكتابة أي موضوع في الشعر‬ ‫الجاهلي‪ ،‬واألمــر يشبه شاشة تتضح في‬ ‫قوة مفتتحات القصيدة‪ ،‬والتي تشكل ثيمة‬ ‫رئيسة في بناء العاطفة لموضع القصيدة‬ ‫ذاته‪.‬‬

‫أعشاب وشجيرات وحــجــارة وكثبان‪ ،‬في‬ ‫محاولة من الشاعر لبناء الممحي منها‬ ‫ليصبح ح ـ ًّيــا فــي الــقــصــيــدة‪ ،‬كما لــو أنه‬ ‫ترميم للمكان‪ ،‬كأننا أمام إعادة بناء‬ ‫ٍ‬ ‫إعادة‬ ‫لعمائر الحبيبة التي أكلتها الرياح وجرفتها‬ ‫األمطار‪ ،‬وعمارة أخرى يشيّدها الشاعر في‬ ‫وضعه النفسي المتردي والعاطفي‪ ،‬ويقول‬ ‫ابن قتيبة صاحب كتاب «الشعر والشعراء»‬ ‫بهذا الخصوص‪« :‬وسمعتُ بعض أهل العلم‬ ‫يقول‪ :‬إن مقصد القصيدة إنما ابتدأ فيها‬ ‫بذكر الديار والدمن واآلثــار‪ ،‬فشكا وبكى‬ ‫وخاطب الربع واستوقف الرفيق؛ ليجعل‬ ‫ذلك سببًا لذكر أهلها الظاعنين عنها‪ ،‬إذ‬ ‫كان نازلة ال َعمَد في الحلول والظعن‪ ،‬على‬ ‫خــاف ما عليه نازلة ال ـ َم ـدَر؛ النتجاعهم‬ ‫الكأل وانتقالهم من ماء إلى ماء‪ ،‬وتتبعهم‬ ‫مساقط الغيث حيث كان»‪.‬‬

‫فالبكاء على الطلل والرسوم الدَّ ارِ سة‬ ‫القديمة‪ ،‬نبتت مع بزوغ الشعر نفسه‪ ،‬وهي‬ ‫حاضرة بكثرة في دواويــن الجاهليين‪ ،‬بل‬ ‫تمثل الوقفة الطللية مساحة تأملية غائرة‬ ‫في روح الشاعر والنص معًا‪ ،‬يعكس فيها‬ ‫الشاعر حزنه أمــام بقايا الــديــار واآلثــار‬ ‫الــدارســة وروائ ــح كانت قــد سكنت ذاكــرة‬ ‫يقول زهير بن أبي سلمى في مقدمة‬ ‫الشاعر‪ ..‬وصوال إلى عناصر المكان من معلقته‪:‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪55‬‬


‫ودارٌ لـ ـه ــا ب ــال ــرَّ قْ ــمَ ـ ـ َتـ ـي ــن كــأن ـهــا‬ ‫ص ِم‬ ‫وشـ ٍـم في نواشرِ ِمعْ َ‬ ‫مراجيعُ ْ‬ ‫ونرى إلى التوصيف قد انزاح إلى الجانب‬ ‫البصري في وصــف طبيعة اللون كوجود‬ ‫متحقق ومرئيّ ‪ ،‬فالرقمتان هما األرض ذات‬ ‫الحجارة السوداء‪ ،‬وتتوافق وألــوان الوشم‬ ‫الداكن الظاهرة في عروق المعصم موضع‬ ‫السوار‪ ،‬فشبه رسوم دارها بهما بوشم في‬ ‫المعصم قد أ ُعيد رسمه بعد انمحائه‪ ،‬إذ‬ ‫تتجدد رسوم الدار عبر مرور الماء عليها‬ ‫ليتكشف ما درس منها‪.‬‬

‫في الوقت ذاته‪ ،‬فهي أكثر عرض ًة للتفاعل‬ ‫من قصائد الجاهليين الختالف الوسيط‬ ‫الــمــوصــل لــلــنــص‪ ،‬فــالــوســيــط فــي العصر‬ ‫الــجــاهــلــي هــو وســيــط بــشــري مبني على‬ ‫الحفظ وتَنَقُّلِ النص من شخص آلخر‪ ،‬لكننا‬ ‫اليوم نمتلك وسيطً ا إلكترونيًا ينقل عواطف‬ ‫القصيدة إلــى أمكنة غير متوقعة‪ ،‬أمكنة‬ ‫باتساع األرض؛ هذا األمر أسهم في تبدالت‬ ‫كثير من النصوص عبر تثاقفها مع‬ ‫طبيعة ٍ‬ ‫نصوص اللغات األخــرى؛ فأصبح الوسيط‬ ‫اإللكتروني منصة شاسعة ال يحتاج الشاعر‬ ‫فيها أن يقف على طلل أو أثر‪ ،‬بل يستطيع‬ ‫أن يلتقي بحبيبته بشكل حيّ عبر الوسائط‬ ‫اإللكترونية العديدة‪ ،‬عبر الصوت والصورة‬ ‫والحركة‪ ،‬وصوال إلى انعكاس المشاعر في‬ ‫تلك المشاهد‪ ،‬فهو يشاهد دمــوع حبيبته‬ ‫عبر شاشة‪ ..‬رغم بعدها المكاني عنه‪.‬‬

‫فالطلل فــي شــعــر الجاهليين يشكل‬ ‫مــفــتــاحـاً للمقفل وانــفــتــاحــه عــلــى ال ــذات‬ ‫وعواطفها الجياشة‪ ،‬وفخٌّ يتلذذ به السامع‬ ‫عند سماعه للمطالع‪ .‬ويشير ابــن رشيق‬ ‫لهذه المسألة بقوله‪« :‬فإن الشعر قفل أوله‬ ‫مفتاحه‪ ،‬وينبغي للشاعر أن يجوِّد ابتداء‬ ‫ورغم كل ذلك ظلت القصيدة الجاهلية‬ ‫شعره؛ فإنه أول ما يقرع في األسماع‪ ،‬وبه‬ ‫أكثر حرارة من حيث العاطفة بكونها محركا‬ ‫يُستدل على ما عنده من أول وهلة»‪.‬‬ ‫قاسيًا لخيال الشاعر في استحضار تاريخ‬ ‫لــكــن األمـــر تــبــدّ ل فــي حــاضــرنــا اآلن‪،‬‬ ‫حبه مع معشوقته‪ ،‬إلى جانب ارتباطه في‬ ‫فــي عصر انمحت فيه الــحــدود المكانية‬ ‫تلك األمكنة الــتــي عـرّســت بها الحبيبة‪،‬‬ ‫والزمانية‪ ،‬فالشاعر اآلن يعيش في كل بقعة‬ ‫وهــي جــزءٌ مــن تــحــوالت المكان فــي ذات‬ ‫من األرض رغم بعدها الواقعي عنه‪ ،‬فالعالم‬ ‫الشاعر الذي صار المكان جزءاً رئيسً ا من‬ ‫االفتراضي محا تلك الحواجز‪ ،‬بل أصبح‬ ‫طبيعته؛ الرتباطه بذكريات عديدة‪ ،‬بل هو‬ ‫المتخيل عن األمكنة واقعاً افتراضيًا‪ ،‬يمكن‬ ‫ُم َك َّو ٌن نفسيٌّ مهمٌّ في حياة الشاعر‪ ،‬يقــول‬ ‫التفاعل معه في الصورة الصامتة والصائتة‪،‬‬ ‫ففي انتقال الشاعر المعاصر من مكان آلخر الـــدكتور علي شـــلبي‪« :‬إن الوقوف على‬ ‫جعل من نصه عرضة للتنوع في المفردات األطالل لو ٌن من حُ بِّ العربي لوطنه»‬ ‫فطل َ ُل القصيدة الجاهلية عتب ٌة يدخل‬ ‫والتوصيف‪ ،‬فصارت القصيدة بغض النظر‬ ‫نص يتفاعل معه العالم عبرها السامع إلى دهشة قوية لفعل النص‬ ‫محض ٍّ‬ ‫َ‬ ‫عن شكلها‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫محور خاص‬


‫وتجليات الشاعر فيما يخص بكاءَه وآالمه‪،‬‬ ‫ولــم تكن الطللية مختصة بالبكاء فقط‪،‬‬ ‫لكنها تحولت إلى طللية للغزل والحماسة‪،‬‬ ‫وطللية الفروسية‪ ،‬وصوال للعصر العباسي‪..‬‬ ‫إذ اســتــبــدل أبــو ن ــواس الطلل بالمقدمة‬ ‫الخمرية‪.‬‬ ‫فمن الطبيعي أن تتحول سمات القصيدة‬ ‫العربية عبر سياقات تحوالت شكل المكان‬ ‫وطبيعة الحياة اإلنسانية‪ ،‬في عصر تغوّلت‬ ‫فيه التكنولوجيا‪ ،‬وتحول الكائن إلى رقم‬ ‫إلــكــتــرونــي دون خــصــوصــيــة‪ ،‬إذ فــقــدت‬ ‫الــجــدران خصوصية الــســدود‪ ،‬وأصبحت‬ ‫شفّافة ومكشوفة للعالم‪ ،‬فالحياة التي‬ ‫ســادت بها صنوف التواصل االفتراضي‪،‬‬ ‫أفــقــدت األمكنة صفة التنائي والتخيّل‪،‬‬ ‫فقد استطاعت التكنولوجيا أن تقدم مكانًا‬ ‫افتراضيًا فيه من جماليات المشهد ما‬ ‫هو مدهش‪ ،‬واستحضار األمكنة البعيدة‬ ‫في منصة الشاشة اإللكترونية‪ ،‬واستبدل‬ ‫سمات عديدة‬ ‫ٍ‬ ‫الطلل الواقعي الذي يحمل‬ ‫كالرائحة‪ ،‬والملمس‪ ،‬وطبيعة األثر‪ ،‬بشاشة‬ ‫مــعــزولــة عــن اآلخــريــن وذات خصوصية‬ ‫دقيقة‪ ،‬يستطيع الشاعر أن يلقي قصيدته‬ ‫على مجموعة من األصدقاء بحرية كاملة‬ ‫دون رقيب أو حسيب‪ ،‬وتتابعت المنصات‬ ‫اإللكترونية لتستقبل أنشطة أدبية جماعية‬ ‫عبر تقنيات مختلفة منها «التيك تــوك»‬ ‫و«الــــــزوم» و«الــســكــايــب» وتــقــنــيــات البث‬ ‫المباشر عبر الهاتف المحمول‪.‬‬

‫التواصل االجتماعي‬ ‫ُ‬ ‫فقد أفسحت مواقع‬ ‫إمكانية الكتابة والنشر للجميع‪ .‬بصرف‬ ‫النظر عــن سوية الــنــص‪ ،‬فأصبحت تلك‬ ‫المساحة اإللكترونية مُلكًا خاصاً يستطيع‬ ‫أن يكتب صاحبه ما يريد‪ ،‬فقد أُق ِْصيَ الفعل‬ ‫النقدي‪ ،‬على خالف القصيدة الجاهلية التي‬ ‫ال نقديًا شرسً ا بكون النقد جزءاً‬ ‫تواجه فع ً‬ ‫أساسً ا من حياة المجتمعات الجاهلية‪..‬‬ ‫فهم أهل اللغة‪.‬‬ ‫بحر‬ ‫فما فعلته التكنولوجيا يشبه فيضان ٍ‬ ‫على اليابسة‪ ،‬فيضا ٌن عشوائيٌّ ربما ينبت‬ ‫أشجارًا وزهورًا‪ ،‬وربما يشكل دمارًا شامالً‪،‬‬ ‫لكننا ال بد من اإلشارة إلى أن التكنولوجيا‬ ‫أسهمت في اتساع رقعة التلقي والتفاعل‬ ‫على خالف القصيدة الجاهلية‪.‬‬

‫ * كاتب ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪57‬‬


‫وتتم ّزق القصيدة العربية بين أبنائها‬ ‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫وألنّ القصيدة عربية‪ ،‬وألن الشعر فاتنٌ لدرجة أن العالم اليوم بأكمله يتمنى نجومية‬ ‫الشعر‪ ،‬وألن الشاعر يُخلّد ذكراه أكثر من أي تاريخي يحفر في الصخر‪ ..‬تمزّقت القصيدة‬ ‫أشالء بين أبنائها من الشعراء ومتذوقيه؛ ومن هنا‪ ،‬يمكن أن نرى أن شكل القصيدة العربية‬ ‫على م ّر العصور األدبية يتحكم في مضمونها‪ ،‬إذ ظلَّ تَجَ دُّ د الشكل الفني واللعب به في‬ ‫مضمار التغيير هو هاجس الشعراء المولدين والمحدثين‪ ،‬وقــد ســاد الظن بــأن الشكل‬ ‫التقليدي للقصيدة العربية القديمة هو العائق أمام تجديد المضمون الشعري وتعميقه‪،‬‬ ‫وتوسيع دائرة الرؤية فيه‪ ،‬فقد بدأ عصر النهضة في األدب العربي الحديث منذ الصدمة‬ ‫األولى التي شعر بها العالم العربي على أثر الحملة الفرنسية التي قادها نابليون األول إلى‬ ‫مصر‪ ،‬واصطحب فيها طائفة من العلماء والباحثين المنقبين‪ ،‬ومعهم مطبعتهم وأزوادهم‬ ‫من كتب المراجع ومصنفات العلم الحديث‪ .‬وهنا يقول ابن خلدون‪ :‬إن المغلوب مولعٌ‬ ‫بمحاكاة الغالب؛ ألن الهزيمة توحي إليه أن مشابهة الغالب قوة يدفع بها مهانة الضعف‬ ‫الذي جنى عليه تلك الهزيمة‪ ،‬ويوشك أن يندمج المغلوب في بنية القوي المتسلط عليه‪،‬‬ ‫ويفنى فيه عادة وعمال ولغة وأدبًا‪ ،‬إن لم تعصمه من هذا الفناء عصمة من بقايا الحيوية‬ ‫كَمُ نت فيه‪ ،‬وورثها من تاريخه القديم‪.‬‬ ‫مع أن بعض البوادر للتجديد ظهرت في‬ ‫الشكل مع حركة الشعراء المولدين في العصر‬ ‫العباسي‪ ،‬من أمثال أبي تمام‪ ،‬وأبي نواس‪ ،‬وأبي‬ ‫العتاهية‪ ،‬وبشار بن برد‪ ،‬وفي النصف الثاني من‬ ‫القرن الماضي عادت قضية الشكل في الشعر‬ ‫العربي تــؤرق الشاعر الطامح إلى التجديد‪،‬‬ ‫خاصة وهو يرى أن القصيدة العربية بصرفها‬ ‫ونحوها وقوافيها ال تفي بغرض التحديث‪..‬‬ ‫أو تتسع له‪ ،‬ولم تعد في نظره حركة اإلحياء‬ ‫الشعري التي أسس لها محمود سامي البارودي‬ ‫وأثراها من بعده كل من الرصافي‪ ،‬والزهاوي‪،‬‬ ‫وشــوقــي‪ ،‬وحــافــظ إبــراهــيــم‪ ،‬وخليل مطران‬

‫‪58‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫وغيرهم‪ ..‬لم تعد كافية في منظور الحداثة‪،‬‬ ‫إذ أصبح ال بد من فك القيود الشكلية إلى حد‬ ‫جديد يليق‬ ‫ٍ‬ ‫بثوب‬ ‫ما‪ ،‬لتخرج القصيدة العربية ٍ‬ ‫بلغة الحداثة الشعرية المنشودة وأسلوبها‪ ،‬بدالً‬ ‫من أن يظل الشاعر المعاصر محكوماً بإطار‬ ‫القصيدة التقليدية‪ .‬لكن شعراء أربعينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،،‬كنازك المالئكة وبدر شاكر‬ ‫السياب‪ ،‬والبياتي‪ ،‬وأدونــيــس‪ ،‬وخليل حاوي‪،‬‬ ‫وص ــاح عــبــدالــصــبــور‪ ،‬وأحــمــد عبدالمعطي‬ ‫حــجــازي‪ ،‬ومــن بعدهم شــعــراء الخمسينيات‬ ‫والستينيات والسبعينيات كسعدي يوسف‪،‬‬ ‫ومحمود درويــش‪ ،‬وسميح القاسم‪ ،‬ونزيه أبو‬

‫محور خاص‬


‫عفش‪ ،‬وآخرين من أقطار عربية مختلفة‪ ،‬قاموا الشعري المكتوب‪ ،‬قد أفقدت النوع قدرته على‬ ‫بانتهاك تلك البنية المتوارثة المستقرة لتصبح مالمسة الطبيعة المتغيرة لعصرنا الحاضر‪.‬‬ ‫التفعيلة المفردة‪ ،‬وهي أساس البنية اإليقاعية‬ ‫وإذا كــان الشعر قــد تــراجــع وأصــبــح أقل‬ ‫في الشعر العربي‪ ،‬هي البنية التي يستند إليها‬ ‫مقروئية من األنــواع األدبية األخــرى‪ ،‬فإنه ما‬ ‫الشعر الحر‪ ،‬أو شعر التفعيلة استنادًا إلى‬ ‫يزال سيد األنواع األدبية في المهرجانات‪ ،‬إذ‬ ‫تلك البنية اإليقاعية الصافية غالبًا الممتزجة‬ ‫يستقطب شعراء كمحمود درويــش آال ًفــا من‬ ‫بتفعيالت مــقــاربــة فــي أحــيــان قليلة‪ .‬ولكن‬ ‫المستمعين الذين يحتشدون لسماع الشعر‬ ‫لألسف‪ ،‬بعض تلك الحداثة تحولت إلى دعوات‬ ‫مغرضة ضد العربية‪ ،‬وأخذت الدعوة إلى هدم واالستمتاع بإيقاعاته‪ .‬ولربما يعود ذلك إلى‬ ‫قواعد الفنون تظهر حينًا من جانب العاجزين طبيعة الشعر التلقائية‪ ،‬وقدرته على مخاطبة‬ ‫الوجدان بصورة مباشرة‪.‬‬ ‫عن التعبير الفني بقواعده األصيلة‪.‬‬ ‫فالشعر وسيلة لغوية مختلفة في التعبير‬ ‫والــشــكــل‪ ،‬ســــواء م ــن الــجــانــب الــشــكــلــي أو‬ ‫الموضوعي؛ ولذلك‪ ،‬أيّا كان سبب التغير في‬ ‫مناهج الشعر وميادينه‪ ،‬فالمهم فيما نحن‬ ‫بصدده أن الظاهرة العالمية تظهر عندنا كما‬ ‫ظهرت بين أمم الحضارة الحديثة‪ ،‬وأنها آية من‬ ‫آيات الصيغة العالمية التي تترقى إليها نهضة‬ ‫األدب العربي الحديث‪.‬‬

‫مــن جــهــة أخــــرى‪ ،‬تــبــدو قــصــيــدة الــنــثــر‪،‬‬ ‫بأعالمها الكبار في الشعر العربي المعاصر‪:‬‬ ‫محمد الماغوط‪ ،‬وأدونــيــس‪ ،‬وأنسي الحاج‪،‬‬ ‫وتوفيق صايغ‪ ،‬إضافة إلى األجيال التالية التي‬ ‫جاءت بعدهم كسليم بركات‪ ،‬وعباس بيضون‪،‬‬ ‫وودي ــع ســعــادة‪ ،‬وعــبــده وازن‪ ،‬وحلمي سالم‪،‬‬ ‫وأمجد ناصر‪ ،‬ونوري الجراح‪ ،‬ووليد خازندار‪،‬‬ ‫وزكريا محمد‪ ،‬محاولة للتواؤم مع إيقاع العصر‪.‬‬

‫إ ّن أية محاولة إلجراء تغيير في هذه البنية‬ ‫الشكلية للقصيدة العربية كانت تقابل عبر‬ ‫العصور‪ ،‬في الشعر العربي وفي الشعر العالمي‬ ‫بعامة‪ ،‬بمعارضة شاملة تتهم مــن يحاولون‬ ‫تطوير الشكل الشعري بأنهم يهدمونه ويتآمرون‬ ‫عليه‪ .‬وما حدث لدى بزوغ القصيدة الحرة التي‬ ‫درج الحديث عنها في النقد العربي المعاصر‬ ‫تحت عنوان «قصيدة التفعيلة»‪ ..‬خير مثال‬ ‫على المقاومة الحادة للتغير في شكل القصيدة‬ ‫العربية‪ .‬ولذلك‪ ،‬إن المقاومة الشديدة للتغيير‬ ‫في العناصر الشكلية في النوع الشعري‪ ،‬وفي‬ ‫موضوعية العناصر التي تحدد شعرية النص‬

‫في المقابل استطاع شعراء التفعيلة الكبار‪،‬‬ ‫وعــلــى رأســهــم بــدر شــاكــر الــســيــاب‪ ،‬وصــاح‬ ‫عبدالصبور‪ ،‬وسعدي يوسف‪ ،‬ومحمود درويش‪،‬‬ ‫ال مستمرًا مع جمهور الشعر‬ ‫أن يحققوا تواص ً‬ ‫العريض في العالم العربي‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬تتوه القصيدة‪ ..‬وتقف حائرة بين‬ ‫كـ ّل من أراده ــا لــه‪ ،‬بين القصيدة العامودية‪،‬‬ ‫والتفعيلة‪ ،‬والنثر‪ ،‬بين الحداثة والكالسيكية‪،‬‬ ‫وال نقول إنها تصل إذا كــان معنى الوصول‬ ‫الوقوف واالستقرار؛ ولذلك‪ ،‬تقف القصيدة‬ ‫دومًا بين الحداثة واألصالة‪.‬‬

‫* أكاديمية وكاتبة ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫محور خاص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪59‬‬


‫أمنيات هاربة‬ ‫ٌ‬ ‫■ سمير أحمد الشريف*‬

‫هاربة أنا‪ ،‬من نفسي‪ ،‬من زمني وواقعي‪.‬‬ ‫ألول مرة أستقل سيارة‪ ،‬بعد أن تبخرت نضارة الشباب وصرت هيكال ًيسير على‬ ‫قدمين‪.‬‬ ‫عانسا‪ ،‬يهرب منها الجميع‪.‬‬ ‫أصبحت ً‬ ‫وقف األهل أمام زواجي من أي خاطب‪ ،‬بحجج كثيرة واهية‪ ،‬فأنا أتابع تعليمي‬ ‫والعلم ســاح الفتاة‪ ،‬رضخت للتفسير الــذي لم أقتنع بــه‪ ،‬وأتحسر على نفسي‬ ‫عندما أدعى لحفل صديقة‪.‬‬ ‫أتجمل بــعــذر أُقــنــع بــه نفسي‪ ..‬سار وخ ــزة ش ــك‪ ..‬وأتــســاءل فــي نفسي‪ ،‬هل‬ ‫قطار العمر‪ ،‬تخرجتُ من الجامعة وما ترفض أمي الخاطبين غيرة؟‬ ‫زال الخُ طّ اب يطرقون الباب‪ ،‬والرفض أن‬ ‫لماذا تقترب من الخُ طاب سعيدة ثم‬ ‫الخاطبين غير مناسبين!‬ ‫تكشر عن أنيابها تفند عيوبهم؟‬ ‫بنت األصــول‪ ،‬ال يصح أن ترتبط بمن‬ ‫أَتَعْقد مقارنة بين ماضيها ومستقبلي؟‬ ‫هــم دونــهــا ‪-‬خــاصــة إذا كــان طامعًا في‬ ‫الراتب ‪ -‬تــردد أمــي على مسمعي دو ًمــا‬ ‫أصــبــحــتُ بــقــايــا ليمونة مــلــقــاة على‬ ‫حتى كِ دتُ أصدق المقولة‪.‬‬ ‫الطريق‪ ،‬أبحث عن بقايا مستقبل ألَملِم‬ ‫والدتي التي أفكر في حالها‪ ،‬تلسعني فيه ضياعي‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫أتنهد بــحــســرة‪ ،‬متى أســمــع تلك الكلمة؟‬ ‫لــمــاذا اإلنــتــرنــت؟ ســأضــع اســمــي صريحً ا‬ ‫وعنواني واضحً ا ومواصفاتي كامل ًة عسى أن «ماما» التي تحلم كل إناث الكون بها!! هل ي ُم ُّن‬ ‫أجــد عريسً ا‪ ،‬سأقبل بــه مهما كــان‪ ،‬سيكون علي الزمان ببهجتها يومًا؟‬ ‫بالتأكيد أرحــم من جحيم وحــدتــي‪ ،‬ونظرات‬ ‫مــا أزال أتشبث بالصبر ويــحــدونــي أمل‬ ‫الشفقة من عيون زوجــات إخوتي‪ ،‬ومصمصة انتصار الحياة على الموت‪ ،‬الطمأنينة على‬ ‫شفاه الشامتات من قريباتي‪ ،‬ونيران العذاب التشتت والضياع‪ ،‬ما أزال أوقن مؤمن ًة بمدبر‬ ‫التي تحرق مسام روحي‪.‬‬ ‫الكون‪ ،‬الحكمة وراء حالتي كبيرة والدرس ربما‬

‫ال تستغربوا‪ ..‬فأنا مع كل غروب من مساءات عظيم‪.‬‬ ‫عمري الــذي يــدق أبــواب األربعين التي مرت‬ ‫في حالة نفسية مختلفة أنا‪ ،‬نضوج عقلي‬ ‫كإغماضة‪ ،‬أتساءل بحرقة‪ :‬أنا الــذي سرقت كبير‪ ،‬أعرف معنى األسرة والزوجة‪ ،‬أدرك معنى‬ ‫الزمن أم هو من سرقني‪ ،‬من الظالم فينا ومن االستقرار والسكن العائلي‪ ،‬ومعنى أن تكون‬ ‫األنثى زوجة‪ ،‬لدرجة أسأل فيها نفسي بإلحاح‪ :‬لو‬ ‫المظلوم؟‬ ‫وريقات العمر تتقصف يوما بعد آخر‪ ،‬وأنا تزوجت في الثامنة عشرة‪ ،‬هل سيكون نضوجي‬ ‫ال ونظرتي للحياة بهذا العمق؟ هل يمكنني أن‬ ‫كام ً‬ ‫يكويني االنتظار‪.‬‬ ‫أستقر في بيت الزوجية بنزقي وعصبيتي التي‬ ‫أنتظر من ثقوب الباب خطوات القادمين‪ ،‬يعرفها الجميع من حولي؟ أدركت س َّر المقولة‬ ‫لعل وعسى!‬ ‫األعظم «لو اطلعتم على الغيب الخترتم الواقع»‪،‬‬ ‫أعــايــش الــتــوتــر‪ ،‬والــلــحــظــات تــم ـ ُّر ثقيلة‪ ،‬راضية أنا رغم كل جراحات الروح‪ ،‬صحيح أنني‬ ‫سرعان ما تتالشى الغيوم باكتشاف القادم‪ ،‬تعبت وهدَّ ني االنتظار وكــاد الصبر يفلت من‬ ‫بين يديّ ‪ ،‬لكنني هاربة إلى النادي أبحث عمن‬ ‫مجرد ضيف عابر؟‬ ‫يعوضني سنوات الضياع‪.‬‬ ‫أنظر لألمهات‪ ،‬أغبطهن‪ ،‬يصفعني التمني‬ ‫قد تقولون عيبًا! لكنْ‪ ،‬أليس من العيب أن‬ ‫ويحرقني منظر الزوج يحمل ابنه‪ ،‬وزوجته إلى‬ ‫نضحك على أنف ُِسنا ونسير عكس فطرتنا ريا ًء‬ ‫جانبه يتضاحكان‪.‬‬ ‫ومــكــابــر ًةً؟ أنــا ال أفعل مُنكرًا غير أن أطالب‬ ‫ســرو ٌر ال يعدله فرح الدنيا والوجوه تتألأل‬ ‫بحقي في الحياة‪ .‬أعــرف أن الطريق طويل‬ ‫بنور السعادة يفيض على مالمحهما‪ ،‬أتساءل‪:‬‬ ‫والمهمة شاقة‪ ،‬لكن‪ ،‬يكفي أن يظل األمل‪ ،‬تغفو‬ ‫هل يــزور اليأس هــؤالء؟ لو حصل‪ ،‬فلمسة عيوننا عليه وتصحو‪ ،‬وتشرئب أعناقنا إليه مع‬ ‫وجنة طفل وابتسامة زوج كفيلة بصهر كل جليد إطاللة كل فجر‪ ،‬فإذا لم نحقق السعادة كاملة‪،‬‬ ‫الخالف والجفاء‪..‬‬ ‫لوعد جميل‪.‬‬ ‫يكفينا معايشتها انتظارًا ٍ‬ ‫ * قاص ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪61‬‬


‫ُح ُلم‬ ‫■ شريفة عبدالرزاق املرهق*‬

‫في إحدى ضواحي البلدة التي حلّ بها الطفل هو وعائلته حديثًا‪ ،‬كان يُدهش‬ ‫لرؤية ذلك الحذاء الصغير الملوّن‪ ،‬المعروض في واجهة أحد المحالت‪ ،‬التي‬ ‫تختص ببيع أحذية األطفال‪ ،‬وكان كل صباح ينطلق عبر بوابة دارهم المتواضعة‬ ‫إلى السوق‪ ،‬لشراء بعض األرغفة إلفطار أسرته‪ ،‬لكنه كلّما اقترب من ذلك المحل‬ ‫الذي فيه الحذاء‪ ،‬كان يهدئ من سرعته إلى أدنى درجاتها‪ ،‬وعندما يصبح بمواجهة‬ ‫يتحسس الزجاج‬ ‫ّ‬ ‫ذلك الحذاء المستفز‪ ،‬الذي سلب عقله الصغير‪ ،‬يتسمّ ر أمامه‪،‬‬ ‫الذي يقبع خلفه الحذاء‪ ،‬يتأمله تارة وينظر إلى قدميه الحافيتين تارة أخرى‪،‬‬ ‫ويروح بحالة من الحلم‪ ،‬يناجيه في نفسه‪ ،‬يهمس له بكلمات مبهمة وهو يبتسم‪،‬‬ ‫وال يغادر المكان‪ ،‬إال عند سماع صاحب المحل يناديه محذرًا إياه من االقتراب‬ ‫من الزجاج كي ال يكسره‪ .‬عندها ينطلق الطفل مسرعً ا إلى وجهته‪ ،‬لكنه ال ينسى‬ ‫أبدً ا أن يوّدع الحذاء بابتسامة‪ ،‬وقبلة يرسلها إليه من بعيد‪.‬‬ ‫استمر الطفل على تلك الحال ردحً ا أو ينصاع لــتــهــديــدات صــاحــب المحل‬ ‫ِس البائع من ردع ذلك‬ ‫من الزمن‪ ،‬حتى ضاق به صاحب المحل وتعنيفه؟ ولما يَئ َ‬ ‫ذرعً ــا‪ ،‬فكان دائــم الــخــروج إلــى الطفل الطفل العنيد‪ ،‬قرر أن يهبه ذلك الحذاء‬ ‫ويدفعه بقوة عن المكان‪ ،‬بل وأحيانًا ال ليتخلص من شقاوته وتطفله‪ .‬وفي يوم‪،‬‬ ‫يتورع عن صفعه‪.‬‬ ‫وقــف ينتظره بمحاذاة واجــهــة المحل‪،‬‬ ‫لكن الطفل لــم يتوقف عــن عــادتــه‪ ،‬ليفاجئه بإهدائه ذلك الحذاء المشكلة‪..‬‬

‫‪62‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫قائل‪:‬‬ ‫وفي الموعد المعتاد‪ ،‬غــادر الطفل أهله يصرخ في وجهه ً‬ ‫لجلب الخبز لهم‪ ،‬وترتسم بمخيلته صورة‬ ‫ أيها المعتوه! هل اشتريت بثمن الخبز‬‫الــحــذاء‪ ،‬لكن كانت الصدمة التي لــم يكن هذا الحذاء؟؟!‬ ‫يتخيلها أبدًا‪ ،‬عندما شاهد عن بعد صاحب‬ ‫فرد الطفل متلعثمًا‪:‬‬ ‫المحل يقف قبالته ليقطع عليه الطريق‬ ‫ ال يا أبــي!! إنه هدية‪ ،‬ال‪ ..‬ال‪ ..‬أقصد‬‫ويضربه كالمعتاد‪ ،‬كي ال يقترب من الحذاء‪،‬‬ ‫فما كــان من الطفل أن غيّر وجهته وسلك صدقة من أحد الباعة‪ ،‬وأنا من شدّة فرحي‬ ‫طريقًا آخر إلى الفرن‪ ،‬والحسرة تناوشه بقوة‪ .‬نسيت أن أبتاع الخبز لكم‪.‬‬ ‫واستمر الحال على هذا المنوال عدّة أيام‪،‬‬ ‫وذات صباح‪ ،‬خرج الطفل بحذر يراقب المحل‬ ‫عن بعد‪ ،‬وعندما لم يشاهد أحدًا في الطريق‪،‬‬ ‫أخذ يتقدم صوب المحل بحذر‪ ،‬وما كاد يصل‬ ‫إلى واجهة المحل حتى انقض عليه صاحبه‬ ‫من الداخل وأمسك به‪ ،‬جمد الطفل بمكانه‪،‬‬ ‫وعقدت الدهشة لسانه‪ ،‬وأخذ يتوسل للبائع‬ ‫بعينيه فقط‪ ،‬ألنه لم يعد قادراً على النطق‪،‬‬ ‫لكن البائع‪ ،‬أدخله بهدوء إلى المحل وأخذ‬ ‫يهدىء من روعه‪ ،‬وناوله الحذاء كهدية‪ ،‬لما‬ ‫اطلع على أحوال أهله المادية‪ ،‬وأنهم غرباء‬ ‫عن البلدة‪.‬‬

‫عند هذا الحد‪ ،‬ساد الجو العائلي لحظات‬ ‫من الوجوم والصدمة‪ ،‬التي لم يعكرهما إال‬ ‫الهجوم المباغت مــن أخــوة الطفل‪ ،‬الذين‬ ‫راحوا يتسابقون على لبس الحذاء الجديد‪.‬‬ ‫وأمام هذا الضجيج والفوضى بين األطفال‬ ‫التي أحدثها وجــود هــذا الــحــذاء‪ ،‬أمــر األب‬ ‫الطفل بأخذ الحذاء ورميه في النهر القريب‬ ‫من بيتهم‪ ،‬ليتخلص من إزعاج األطفال‪ ،‬ويضع‬ ‫ح ّدًا الختالفهم!‬

‫وبدافع الخوف من أبيه‪ ،‬وبيد مرتجفة‪،‬‬ ‫أخذ الطفل الحذاء‪ ،‬وبكل أسف‪ ..‬رمى به في‬ ‫النهر وهو يبكي بحرقة لدى مشاهدته الحذاء‬ ‫طغت الــمــفــاجــأة على أحــاســيــس الطفل‬ ‫وهو يغرق رويدًا رويدًا في الماء الذي سحبه‬ ‫وعقله الصغير‪ ،‬لكنه بصمت‪ ..‬تناول الحذاء‬ ‫بعيدًا عن ناظرَيه‪.‬‬ ‫من البائع‪ ،‬وعــاد مسرعً ا إلــى أهله دون أن‬ ‫في تلك اللحظة‪ ،‬فوجىء الطفل بصوت‬ ‫يجلب لهم الخبز‪ ،‬فأخذ والده يعنفه بشدّة‪،‬‬ ‫ويلومه على تصرفه األرعــن‪ ،‬ألنه عاد إليهم أبيه يحثه على القيام ومغادرة الفراش‪ ،‬لجلب‬ ‫دون خبز اإلفطار‪ ،‬وها هي مشكلة أخرى يجد الخبز ألخوته‪ ..‬وكم كان سروره عظيمًا عندما‬ ‫الطفل نفسه في مواجهتها‪ ،‬لكنه ودون أن رأى الحذاء األحمر الوسيم‪ ،‬ال زال يقبع تحت‬ ‫يعتذر ألبيه‪ ،‬أو يشرح له الوضع‪ ،‬وبيد مرتعشة وسادته‪ ،‬وأ ّن كل ما رآه ال يعدو كونه حلمًا‬ ‫من شدة االنفعال قدّم ألبيه الحذاء‪ ،‬الذي راح مزعجً ا‪.‬‬ ‫* ‬

‫قاصة سعودية ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪63‬‬


‫حديث‪..‬‬ ‫كورونا من البلكونة‬ ‫■ د‪ .‬سلطان القحطاني*‬

‫الــقــمــر فــي منتصف شــهــر شعبان‪ ،‬إضاءات تحجب عنه النجوم والقمر في‬ ‫يتألأل كقطعة مــاس خرجتْ لتوها من ليالي اكتماله‪.‬‬ ‫قالب الصائغ‪ ،‬لم يكن الجو صافياً جداً‪،‬‬ ‫ازدادت الوشوشة في األذن اليسرى‬ ‫لكن صفاء الجو وخلوُّه من الحركة جعال‬ ‫نفسها‪ ،‬وظهرت بعض الكلمات الخافتة‪،‬‬ ‫من تلك الليلة تزداد صفا ًء في عينيه‪.‬‬ ‫وما يزال يسرح بخياله مع قمره الساطع‪،‬‬ ‫كان جلوسه غير المعتاد في حضن بــعــيــداً‪ ،‬حتى نسي أيــن ه ــو!! وضحت‬ ‫تلك الــشــرفــة‪ ،‬والتمتع بمنظر القمر بعض الكلمات وازداد مفهومها فجذبته‬ ‫البهي في العاصمة التي تكاد تخلو من شيئاً فشيئاً إليها‪ ،‬صوت خجول للغاية‪،‬‬ ‫رواد شوارعها لي ً‬ ‫ال بحكم قانون الحظر ووضحت كلمة واحــدة‪ُ :‬عــدتَ إلــيّ بعد‬ ‫الطارئ‪.‬‬ ‫خمس وعشرين سنة‪ ،‬ثم أردفــت‪ :‬وكنتَ‬ ‫ســرحــت أفــكــاره مــع الــقــمــر يناجيه‬ ‫بكلمات ليست معلنة‪ ،‬لكنه غــاب عن‬ ‫الوجدان حتى نسي أين هو‪ ،‬إال إنه كان‬ ‫يحس وشوشة خفيفة في أذنه اليسرى‪،‬‬ ‫لــم يُــلــقِ بــاالً لتلك الوشوشة الخفيفة‪،‬‬ ‫ولــم تُشغل ُه عــن ذكــريــات أعــادتــه إلى‬ ‫زمن القرية في طفولته‪ ،‬فلم يكن هناك‬

‫تم ُّر بي كل يوم مرات عديدة‪ ،‬تطل مني‬ ‫على الساحة الكبيرة وكأنك تبحث عن‬ ‫شيء ما لم تلتفت إليّ إال كعابر سبيل‪،‬‬ ‫ثم تُ َولّي إلى مكتبتك األثيرة‪ ،‬ثم انقطع‬ ‫الصوت‪ ،‬ليعود صداه من قريب‪ :‬قربتك‬ ‫مني (كورونا والحجر الصحي‪ ،‬وسينتهي‬ ‫الحجر‪ ،‬فهل ستعود لي‪ ،‬أم إلى‪....‬؟؟؟!!)‪.‬‬

‫* روائي وناقد سعودي‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫الشاعر يدفع الثمن‬ ‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫بمس‪ ،‬يوم‬ ‫صانع السيوف الذي سلخ أربعين عام ًا من حياته‪ ،‬أصابته الدهشة ّ‬ ‫أخبرته العرّافة أن ابنه «سوفوخليس» سيكون له شأن العظماء في مستقبلة‪.‬‬ ‫من عادة الرومان أن يعرفوا طوالع أبنائهم الذكور‪ ،‬فيذهبون بهم إلى العرّافات‬ ‫ضمن طقوس معينه؛ ففي منتصف ليلة يومه السابع‪ ،‬يحمل األب ابنه الذكر إلى‬ ‫العرافة لتنظر له مستقبله بواسطة نجمه الذي يقول كل شيء عن برجه؛ ففي‬ ‫عُ رف التنجيم أنّ كل كوكب مسئول عن نجم يُقرأ بواسطته طالع اإلنسان وخفايا‬ ‫مستقبله‪.‬‬ ‫عــنــدمــا بــلــغ «ســوفــوخــلــيــس» سن أبناء الطبقة الكادحة أال أن يحفظوا‬ ‫الــخــامــســة عــشــرة‪ ،‬ب ــدأ يــأســر قلوب ويرددوا ما ينظمه شعراء طبقة النبالء‪.‬‬ ‫العذارى بقرضه الشعر‪ ،‬وما عُرِ َف عنه‬ ‫ف ــي ال ــع ــام ‪ 129‬مـ ــيـ ــادي؛ قــــ ّر َر‬ ‫وصاف‪ ،‬يُتقن إثارة التوصيف‬ ‫بأنه شاعر ّ‬ ‫اإلمبراطور الروماني «هدريان»‪ ،‬أن يزور‬ ‫بصور وتشبيهات تحرّض على االنبهار‪.‬‬ ‫جراسيا‪ ،‬إحدى محميات اإلمبراطورية‬ ‫صــانــع الــســيــوف‪ :‬استشعر مكامن‬ ‫الرومانية‪ ،‬وإحــدى مدن الديكابولوس‬ ‫الــخــوف والخطر على ابنه فقد كان‬ ‫العشر‪.‬‬ ‫الــشــعــر مــحــكــوم ـاً بــاالحــتــكــار لطبقة‬ ‫كانت عينا «سوفوخليس» ترنوان‬ ‫النبالء‪ ،‬ومــن المستهجن والمرفوض‬ ‫أن يقرض الشعر غيرهم‪ ،‬بل ليس على بقهر إلى شارع األعمدة الماثل كشاهد‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪65‬‬


‫عيان على اهتمام الرومان بالشعر واحتفائهم عــظــامــه تــحــت حــوافــر الــخــيــل فــي شــارع‬ ‫بمكانة بالشاعر‪ ،‬فكلما نبغ فيهم شاعر‪ ..‬األعمدة الطويل‪.‬‬ ‫نصبوا له عموداً في شارع األعمدة مُزيَّناً‬ ‫واتخذ األمر بُعداً آخر عندما وصل رسول‬ ‫بالنقوش‪ ،‬ويطلقون على العامود اسم ذلك «هدريان» مطالباً االلتزام ببرنامج االحتفال‬ ‫الشاعر تكريماً وتخليداً لذكره‪.‬‬ ‫بترتيباته الــدقــيــقــة‪ ،‬وم ــن ضــمــن مطالبه‬

‫ذاع صيت «سوفوخليس» كشاعر ُمتَمرِّد‬ ‫وماجن‪ ،‬مما ج ّر علية نقمة النبالء وذوي‬ ‫النفوذ من طبقة النبالء‪ ،‬فكاد له زمــاؤه‬ ‫الــشــعــراء‪ ،‬معلنين عــن خوفهم على شــارع‬ ‫األعــمــدة أن يتلوث باسم «سوفوخليس»‪،‬‬ ‫ودسّ ــوا عليه الوشايات واألكاذيب للحاكم‪،‬‬ ‫حتى أن إحداها طالت زوجة الحاكم‪ ،‬الصبيّة‬ ‫الحسناء المغناج‪« :‬ليليانا»‪ ،‬والتي كانت تقول‬ ‫إن زوجة الحاكم طلبت من «سوفوخليس» أن‬ ‫يتغزل بها ويصف حسنها‪ ،‬فاشترط عليها‬ ‫أن ترقص أمامه طوال الليل‪ :‬عارية‪ .‬فيما‬ ‫تردّدت إشاعة أخرى أنها رفضت أن ترقص‬ ‫أمامه إال بعد منتصف الليل‪ ،‬شريطة أن ال‬ ‫يشرب الخمرة ليلتها‪.‬‬ ‫بعض اإلشــاعــات كــانــت تستغل سطوة‬ ‫الكاهن في معبد «اوثيليوس» الــذي خاف‬ ‫على معبده أن يُحْ ِج َم النبالء والشعراء عن‬ ‫زياراتهم‪ ،‬وبالتالي تق ّل عطاياهم‪ ،‬بسبب‬ ‫كون «سوفوخليس» أحد رعايا المعبد‪ ،‬لكنه‬ ‫بعد تمعّن وجدها فرصة قد الحت للنيل من‬ ‫الحاكم؛ ألنه قلّص من صالحياته واستبعده‬ ‫عن موقع المستشار‪.‬‬ ‫وظ ـ ّل الحاكم يُــؤجِّ ـ َل مساءلته خوفاً من‬ ‫نقمة محبّيه ومريديه وأبناء طبقة الكادحين‪،‬‬ ‫مــع أنــه داخلياً كــان يرغب فــي أن يسحق‬

‫‪66‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫التي أوقعت الكثيرين في جو من الحيرة‬ ‫واالرتباك؛ أن يكون الشاعر «سوفوخليس»‬ ‫نديماً ومرافقاً لإلمبراطور طوال فترة إقامته‬ ‫في جراسيا‪ ،‬من االستقبال حتى الوداع‪ ،‬وما‬ ‫أثار امتعاض ج ّل الطبقة الحاكمة‪ ،‬أن نساء‬ ‫جراسيا كلهن فرحن بتكريم «سوفوخليس»‬ ‫إال الكاهن وزوجة الحاكم الصبيَّة الحسناء‬ ‫المغناج‪ ،‬التي احم ّر وجهها حنقاً من طلب‬ ‫اإلمبراطور‪ .‬حاولت بكل جهدها أن يُستَثنى‬ ‫«ســوفــوخــلــيــس» م ــن تــرتــيــبــات االحــتــفــال‬ ‫بــاإلمــبــراطــور‪ ،‬لكن الــقــرار كــان قــد صدر‬ ‫مجبرين عليه‪.‬‬ ‫وصل «هــدريــان» مع مطلع الشمس بعد‬ ‫أن قضى ردحـاً من الليل في «عجلون» في‬ ‫منطقة «دير اليوس» وأمر أن يشرب نبيذاً‬ ‫مــن عــنــب «عــبــلــيــن» األســمــر‪ .‬ب ــات أهــالــي‬ ‫جراسيا ليلتهم بانتظار إمبراطورهم‪ ،‬ومع‬ ‫شقشقات الفجر األولى بانت طالئع الموكب‬ ‫اإلمــبــراطــوري المهيب‪ ،‬فــبــدأ االستقبال‬ ‫الرسمي‪ ،‬حيث دشّ ن «هدريان» دخوله إلى‬ ‫المدينة من المدخل الجنوبي‪ ،‬بعد استعداد‬ ‫لسنوات قضوها في تعبيد شــارع األعمدة‬ ‫بالبالط‪ ،‬وبناء البوابة الجنوبية ذي الثالث‬ ‫قباب‪ ،‬لكي يعبر اإلمبراطور منها‪ ،‬تكريماً‬ ‫وتخليداً له‪.‬‬

‫نصوص‬


‫وفـــــور دخـــــول حـــــدود ال ــم ــدي ــن ــة‪ ،‬كــان‬ ‫«ســوفــوخــلــيــس» أول مــن س ــأل عــنــه‪ .‬بــدأ‬ ‫االرتباك واضــح المعالم على وجه الحاكم‬ ‫ومرافقيه ومن كبار النبالء الذين لم ينتبهوا‬ ‫لعدم وجوده‪ ،‬حتى الحاكم غفل عن االنتباه‬ ‫ألمر اإلمبراطور‪ ،‬فأسرع وبعض الحراس‬ ‫لبيت صانع السيوف من أجل إحضار ابنه‪،‬‬ ‫لكنه أفادهم أن سوفوخليس لم ينم البارحة‬ ‫في البيت‪:‬‬

‫وفوجئ بإحدى الخادمات تداري وجهها‬ ‫وتحاول االختباء‪ .‬سألها عن شحوب وجهها‪.‬‬ ‫تلعثمت‪ .‬فأص ّر على استجوابها‪ .‬بكت وهي‬ ‫تنحني تحت قدميه وترجوه أن يحميها‪:‬‬ ‫ـ "ممن؟!"‪.‬‬ ‫ـ "من شعراء المدينة يا سيدي‪.‬‬ ‫ـ "ولماذا؟"‪.‬‬ ‫ازداد نحيبها ورجاؤها‪:‬‬

‫ـ «ماذا ؟ أين يمكن أن يكون؟!»‪.‬‬ ‫ـ "لقد اقتادوه يا سيدي في الهزيع األخير‬ ‫ـ «ال بد من حضوره‪ .‬فاإلمبراطور يطلبه»‪ .‬من ليلة األمــس إلــى بيت الحاكمية‪ ،‬بينما‬ ‫كنتم منشغلين بمراسيم استقبال اإلمبراطور‬ ‫ـ «ونحن يجب وجودنا في االحتفال»‪.‬‬ ‫عند بوابة "هدريان"‪ ،‬و‪".‬‬ ‫انطلق الجميع يبحثون عن «سوفوخليس»‬ ‫أحس بمؤامرة ما‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لم يصدّق ما يسمع‪.‬‬ ‫في حانات جراسيا ومعابدها‪ ،‬ويسألون عنه‬ ‫لــم يستثن منها حتى الكاهن‪ .‬أســرع إلى‬ ‫كل من يصادفهم‪:‬‬ ‫بيت الحاكمية يرافقه جيش من الحراس‬ ‫ «لم نره منذ البارحة»‪.‬‬‫والنبالء‪ :‬حيث كان يتعالى صياح هستيري‬ ‫ «سيغضب منا اإلمبراطور إن لم نجده»‪.‬‬‫متناغم مع نــواح الخدم‪ ،‬وهم يلتفّون حول‬ ‫ "وهل بحثت عنه يا سيدي في بيتك؟!"‪ .‬الجثتين العاريتين‪ ،‬يشي بحجم الفجيعة التي‬‫حلّت بالمكان‪.‬‬ ‫ "ماذا تقصد؟"‪.‬‬‫أدرك الحاكم أن ما ح ّل به مصيبة كان‬ ‫ "لقد رأيته ليلة البارحة يَحْ جُ ُل صوب‬‫يسمع بها من أحاديث أجــداده‪ .‬سقط على‬ ‫بيتك"‪.‬‬ ‫األرض‪ ،‬فلم تعُد قدماه تحمالنه‪.‬‬ ‫اســتــشــاط الــحــاكــم مــن ســـؤال الكاهن‬ ‫فــي تلك اللحظات كــان الــكــاهــن يشقُّ‬ ‫ومالحظته المكتنزتين بإيحاء غير بريء‪.‬‬ ‫فسار على غير هــدى إلــى بيته‪ ،‬مُختصراً طريقه صوب اإلمبراطور ليُع ِل َم ُه أن الحاكم‬ ‫الــطــريــق الموصلة إلــى بيته مــن المسرح قد َقتَ َل الشاعر "سوفوخليس" وزوجته‪ ،‬ألنه‬ ‫الشمالي والمار بمعبد "اوثيليليوس"‪.‬‬ ‫ضبطهما معاً في دار الحاكمية‪.‬‬ ‫* ‬

‫قاص ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪67‬‬


‫رس الخيبة‬ ‫ُع ُ‬ ‫■ جعفر عمران*‬

‫فرغت من محتواها وتغيّر شكلها‪ .‬صارت مثل‬ ‫ْ‬ ‫العاطفةُ أيض ًا بردتْ أطرافُ ها‪.‬‬ ‫أنبوب بالستيكي فارغ‪ ،‬يمكن النظر من خالله إلى الذكريات السعيدة التي تقف‬ ‫في الجهة المقابلة‪.‬‬ ‫تلتقي به صدفة‪ ،‬في ممر بين الغرفة والمطبخ‪ ،‬ليس بالضرورة أن تنظر في‬ ‫عينيه‪ ،‬كما يلتقي زميالن في ممر في مقر العمل‪.‬‬ ‫المم ّر بارد أيضاً‪ ،‬إذ ال يعبره أحدٌ منهما بمشاعر ساخنة‪ ،‬ربما تسقط منهما‬ ‫شيءٌ من سخونة أو حتى نتفة دفء‪ ،‬تقع على سطح بارد‪ ،‬تزحف وتلمس بخجل‪،‬‬ ‫تسخن وتهتز ثم ترتعش وتبرد‪.‬‬ ‫طلبت الطال َق من زوجها‪ ،‬ولن يتم‬

‫محجوزة في غرفتها‪ ،‬تخمش روحَ ها‬

‫مدينتها‪ .‬ق ــرار الحجر المنزلي وأ َد‬

‫تجهش مثل طفل يقف تحت جدار‬

‫ممرات البيت‪ ،‬بال حب‪ ،‬وال قلب‪ ،‬وال‬

‫كانت تنتظر أن تتحرر خالل أيام‪.‬‬

‫ساتان‪ ،‬وال مأوى‪ ،‬وال فِ راق‪ ،‬وال شارع‪،‬‬

‫كلمة طالق قادمة من بعيد‪ ،‬يظهر عليها‬

‫إحصاؤها ضمن عــدد المطلقات في مثل قط محشور في زاوية‪.‬‬ ‫رغبتها وكفّنها‪ .‬تركها تحمل جثتها في يتطاول!‬

‫وال حضن أم‪ ،‬وال ظهر أخ‪ ،‬وال قبر‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫الفرح‪ ،‬جاءت من أمنية ممتدة من سنوات‪.‬‬

‫نصوص‬


‫اقتربت‪..‬‬

‫أخــرى‪ .‬لكنه أمــل طاعن متهالك ال يحمي‬

‫اقتربت‪.‬‬

‫نفسه‪.‬‬

‫األيــام تقدم هدية مغلفة‪ .‬تفتح الهدي َة‬

‫انفصلت عنها أحــامــهــا ورغــبــتــهــا في‬

‫وتــرى حرفين اثنين‪ :‬ان‪ .‬تركّبهما في أول الحياة‪ ،‬لم تعد تستعملها كل يــوم‪ ،‬لم تعد‬

‫كلمة طــاق‪ ،‬مثل شــاب يعدّل على ماكينة تستعملها؛ كأنما وُضعت حياتُها في برطمان‬ ‫سيارته وينطلق انطالقا‪.‬‬ ‫تــم إغــاقــه بــإحــكــام‪ ،‬تنظر إليها مثل من‬ ‫صليل قيودها يرنّ على رخام البيت‪ .‬في يرفع رأسه وينظر حزيناً إلى صورة تذكارية‬ ‫غرفة النوم‪ ،‬وفي الصالة‪ ،‬وفي كل مكان‪ ،‬سعيدة‪ ،‬ثم يُبعد نظره ويواصل حياته‪ ،‬تتأمل‬ ‫تجلس أمام زوجها‪ ،‬وحيدة غريبة حائرة مثل حياتها المؤجلة‪ ،‬المحفوظة في البرطمان‪..‬‬

‫مسافر بال تذكرة‪.‬‬

‫تبتلع صمتها‪ ،‬تتجرعه مثل طعام بائت‪،‬‬ ‫في جوانبه بدأ يظهر شيء من العفن‪.‬‬

‫تظل تنتظر الوقت‪ ،‬وتتوجع‪ :‬متى أستخدمها؟‬ ‫ـاث أو‬ ‫تختلي لوحدها لساعتين أو ث ـ ٍ‬ ‫ليلة بطولها‪ .‬الزمن يسيل ويبلل‬ ‫أربـ ٍـع‪ ..‬أو ٍ‬

‫كلماتها منتفخة في حلقها‪ ،‬ال تستطيع قدميها‪.‬‬ ‫أن تطلقها‪ ،‬وعلى مهل ينقص حجمها‪ ،‬مثل‬ ‫تجلس فــي مــلــل‪ .‬تسمع ص ــوت جـ ّبــاب‬ ‫بالون منسي في زاوية الغرفة‪ ،‬يوماً بعد يوم‬ ‫وزغاريد! تدخل الخيب ُة عليها ترفل في ثياب‬ ‫يخ ُّف هواؤه بفعل الفيزياء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫العرس‪ ،‬يغطي الذهبُ رأسَ ها مثل عروس‬ ‫األم ـ ـ ُل تــقــد َم فــي الــســن‪ .‬تُــمــســكُ بيده إماراتية‪ ،‬تجلس قبالتها تشق الفرح ُة وجهها‪،‬‬

‫ـرس‬ ‫وتساعده على المشي‪ .‬خطواته تدوس على تقول لها‪ :‬قومي ارقصي لــي؛ هــذا ُعـ ُ‬ ‫البصيص‪ ،‬تدعسه حتى يتفتق من جوانبه الخيبة‪.‬‬

‫اليأس‪ .‬انفصل اليأس وكبُر واستقل‪ ،‬وأخذ‬ ‫بيدها‪ .‬أطلق طيارتها الورقية‪ .‬طارت بالخيط‬ ‫في الهواء‪ .‬تمشي خفيف ًة بال بصيص‪ ،‬وبال‬ ‫مسؤلية‪ ،‬ومن دون انتظار أي شيء‪.‬‬ ‫الحَ جْ ر المنزلي أمسك بالخيط‪ ،‬وأنزل‬

‫ال تقوم‪.‬‬ ‫أطرافها باردة‪ ،‬متنمّلة‪ ،‬وعيونها ال تستقر‬ ‫على شيء‪ .‬نظراتها خالية مثل قلب بال حبّ ‪.‬‬ ‫تقوم الخيبةُ‪ ،‬ترقص‪ ،‬تدنو منها‪ ،‬تُمسك‬

‫بصيص األمــل مرة بيديها وترقصان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫«الــطــائــرةَ»‪ .‬رجــع إليها‬ ‫* ‬

‫شاعر وقاص سعودي‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪69‬‬


‫عشر َة رُباعية‬ ‫إحدى َ‬ ‫‪ρρ‬محسن محمد دبوان*‬

‫تورطت في حب المدينة؛‬ ‫أعني أكرهها قليال‪،‬‬ ‫لكنني أبحث فيها عن ذاكرة‪ ..‬وعن معنى السالمة‪..‬‬ ‫***‬

‫لهزيمة النسيان‬ ‫تكفيني جنازة ضوء‬ ‫أحمل نعشها على أكتاف أغنية‬ ‫وأزاوج بين ليلين متباعدين‪..‬‬ ‫***‬

‫ومررت بشارع مغلق‬ ‫في نهايته الضبابية حبيبان‬ ‫يبحثان عن قبلة في مرافئ األمنيات‬ ‫وحلم يعشب فيها ويختفي في إبط القبيلة‪..‬‬ ‫***‬

‫قالت له البعيدة‪ :‬الوجود مثل العدم‪،‬‬ ‫صباحا‪ ..‬وامتنعت روح الوردة عن الصالة‪..‬‬ ‫ً‬ ‫إذا تعطلت فيه العصافير عن الشدو‬ ‫وأيضا إذا لم تضحكي في حضرتي مثل نحلة‪..‬‬ ‫قال لها‪ً :‬‬ ‫***‬

‫في أرصفة الكتب‬ ‫مررت بالكلمات تتقيأ البغض‬ ‫واألشجار تظلل ما تعرى من المعاني‬ ‫وترقص القصائد في باحة الخيال الفسيحة‪..‬‬ ‫***‬

‫هنا يا أصدقائي الطيبين‬ ‫الوقت كسول جدا مثل قط نائم في الظهيرة‬

‫‪70‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫كثيرً ا ننتظر مروره‪،‬‬ ‫لكنه ال يأبه لمشاغل طفل تائه مثلي‪..‬‬ ‫***‬

‫الشمس تضرب ظهور الكائنات‬ ‫دون أدنى خوف أو خجل‪،‬‬ ‫وتجرح مشاعر السعادة دون أن تبالي‪..‬‬ ‫***‬

‫هذا الزمن الذي كان بريئا فيما مضى‬ ‫لم يعد بريئا‪ ،‬صار أكثر وقاحة‬ ‫يصفق لبهرج الشكل‪ ..‬وينسى سمو الجوهر‪..‬‬ ‫***‬

‫هذا المكان الذي كان مرعى لأللوان‪،‬‬ ‫صار يصلي للظالم‪،‬‬ ‫ويصلب ما ينمو من الضوء في قدح البن الصباحي‪..‬‬ ‫***‬

‫الخيال الذي كان ح ًّرا قليال‬ ‫صار اآلن ح ًّرا طليقً ا‬ ‫يرسم بالنهار لوحة الزمن اآلتي‪ ..‬وبالليل يرسم ظل األشياء فيها‪..‬‬ ‫***‬

‫هكذا إذا تركت نفسي‬ ‫ترتكب ما طاب لها من آثام الشعر؛‬ ‫ألن اهلل واهب الشعر والخيال سيغفر لي‪،‬‬ ‫فال دخل لكم بذنوبي البريئة‪.‬‬ ‫* كاتب ‪ -‬اليمن‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪71‬‬


‫َم َ‬ ‫ي‬ ‫ق ُ‬ ‫ام النَّ ِب ّ‬

‫‪72‬‬

‫‪ ρρ‬أحمد نناوي*‬

‫وراودت الخيالَ عسَ ى‬ ‫ُ‬ ‫أغمَ ْض ُت عيني‬

‫أنْ أقتفيْ أثـ َر الـمَ عْ َنــى الـذي هـمَ ـسَ ــا‬

‫فـمَ ــرَّ مـا مَ ــرَّ ِمــنْ ُسـهْ ـ ٍـد‪ ،‬و َِمـنْ َو َلــهٍ‬

‫ـان مُ نـْغ َِمسَ ــا‬ ‫َولـمْ أزلْ في مدى اإلمعـ ـ ِ‬

‫بالصمْ ـ ِـت مـشغ ــوفً ـا‪ ،‬ومُ ـتَّ ـئِ ـ ــدً ا‬ ‫َّ‬ ‫ألــوذُ‬

‫ولست أدري أصمتً ـا كـانَ أ ْم خَ ـرَسَ ــا!‬ ‫ُ‬

‫ومَ ـا سَ لَكْ ُت سـبـيـ ـ ًـل فــي مُ ـخَ َّيلـت ــيْ‬

‫رب‪ ،‬مُ ْبتـئِ سَ ـا!‬ ‫َّإل وَعُ دْ ُت وحـيـ ـ ـ ـ َد الـدَّ ِ‬

‫خجل‬ ‫ٍ‬ ‫السطـ َر في‬ ‫أخـ ُّـط سطرً ا وأمحـ ْو َّ‬ ‫ُ‬

‫وكمْ مَ ـحَ ـا قلمــي سطــرً ا وكمْ طمَ سَ ـا!‬

‫قلت مُ ْبتَسَ مً ا‪:‬‬ ‫ُوحا ‪ُ -‬‬ ‫لمَّ ا تماهي ُْت‪ -‬ر ً‬

‫سبحانَ مَ نْ أبد َع ال َّنبْتَ الذي غَ رَسَ ا!‬

‫ْص ُـف مَ ـنْ رقَّ الجمــادُ لـهُ‬ ‫ـف يُ و َ‬ ‫فَكيـ َ‬

‫الفراق أسى؟!‬ ‫ِ‬ ‫شَ وقً ا‪ ،‬وَأنَّ على قدرِ‬

‫ـدان أفئــدةٌ‬ ‫ـف تـقــوى على الفق ِ‬ ‫وكيـ َ‬

‫َتـهْ فُ ـو إليــهِ اشتيــاقً ا أيـنمَ ــا جَ ـلسَ ـا؟!‬

‫هـ َو الفـؤادُ الــذي أوحـى الــزمــانُ بـهِ‬

‫ن ــورًا؛ لكي يمح ـ َو اآلثـ ـ ــا َم والــدَّ َنــسَ ــا‬

‫ُنـ ـ ـ ــو ٌر ِمـ ـ ـ ـ ـ ــنَ اهللِ ‪َّ ..‬إل إ َّنـ ـ ـ ـ ـ ــهُ بَشَ ـ ــرٌ‬

‫الطي ــنُ فـي معن ــاهُ‪ ،‬وال َتبَسَ ـا!‬ ‫تـحـ َّيـ ـ َر ِّ‬

‫ميــزانُـهُ العـدلُ ‪ ..‬وَاإلنسَ ـ ــانُ غـايتُ ـهُ‬

‫وطبعُ ــهُ العفــوُ عمَّ ـنْ ج ـ ــا َء مُ لت َِمسَ ــا‬

‫و َِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ُه كائـ ـ ـ ـ ـ ٌـن ف ــي آدم َّيت ِـ ـ ـ ــهِ‬

‫هلل ِمـ ــنْ أنـ ــوارهِ قبَسَ ــا‬ ‫يُ ــهْ ـدي ب ــهِ ا ُ‬

‫ـاس مغفـرَةٌ‬ ‫وَحلمُ هُ عَ ـنْ خَ طَ ـايـا ال َّنـ ِ‬

‫وَإنْ أسَ ا َء لهُ مَ نْ َبغَى قَدْ َبغَى َوقَسَ ا‬

‫ـاسن ُــهُ‬ ‫ـصـ ــى مَ ح ـَ ِ‬ ‫ُـح َ‬ ‫وَال تُـ َع ــدُّ ‪ ،‬وَال ت ْ‬

‫وَل ْو َمدَى الدَّ هـرِ نُحصيـهَـا صبا َح مسَ ا!‬

‫وكــمْ أحـ ــاط ْت ــهُ «أجـنـ ــادٌ مُ ـجَ ـ َّنـ ـ ـدَةٌ »‬

‫فأينمَ ــا كــانَ كانـ ــوا حَ ـ ـ ْو َلـ ــهُ حَ ـرَسَ ـا‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫ـالك» كــانَ َي ْـحــرُ ُس ــهُ‬ ‫َيـ ـوَدُّ كــلُّ «مـ ـ ٍ‬

‫ـاسـ ـ ـ ــهِ َنفَسَ ـا!‬ ‫َل ـ ْو أنـ ــهُ كــانَ فـي أنف ِ‬

‫كنت فيـمَ ـنْ «هــاجــروا معَـهُ »‬ ‫َف َل ْيتَني ُ‬

‫سَ عْ يً ا على َق َدمــي أ ْو أمتطـ ــي فرَسَ ا‬

‫كنت في معشرِ «األنـصــارِ » أتبعُ هُ‬ ‫أ ْو ُ‬

‫ـاب التي يبنـي بها أ ُ​ُسسَ ا‬ ‫نح ـ َو الرح ـ ِ‬

‫(مُ ـحَ ــمَّ ــدٌ ) هكـذا الرَّ حـمَ ــنُ أرسَ َلــهُ‬

‫بأرض‪ ..‬أصبحَ ْت قُ دُ سَ ا‬ ‫ٍ‬ ‫فَحَ ي ُْث حلَّ‬

‫وَأصبَحَ ْت «مكةٌ » أُمَّ القُ رَى‪ ..‬وَغَ ـدَتْ‬

‫أرضا مُ َب ـ ــاركةً ‪ ..‬مَ ـ ــنْ زارَهَ ا؛ ائ َتنَسَ ا‬ ‫ً‬

‫قلبــي الذي ذابَ عشقً ا في مَ حَ َّبتِـ ـ ــهِ‬

‫قَدْ عــا َد مُ ْستبشــرً ا ِمـنْ بَعْ ـ ِـد ما يَئسَ ا‬

‫يا أطيبَ الـخَ ْلـ ِـق يا من ال شبي ـ َه لهُ‬

‫فـي العــالـمينَ ويا نـورًا مَ ـحَ ـا الغلسَ ا‬

‫يــا فخـ ـ َر كــلِّ يتي ـ ٍـم‪ ..‬يــا نبـيَّ هــدً ى‬

‫ويــا فـ ـ ـ ــؤادً ا رقي ــقً ا‪ ..‬لـ ِّيـ ًنــا‪ ..‬سَ لِ سَ ـا‬

‫السبيـلُ إلى معنًى ُشغِ فْ ُت بهِ‬ ‫كيف َّ‬ ‫َ‬

‫ـاك يروي الما َء وال َيبَسَ ا‬ ‫ْض معنـ ـ َ‬ ‫َو َفي ُ‬

‫ـزات َوقَدْ أوتيتَ مُ عْ ِجـ ـ ـ َز ًة‬ ‫مَ ا الـمُ عْ ج ـ ـ ُ‬

‫ـاج ٌس هَ جَ سَ ا!‬ ‫تَهْ ِدى القُ لـوبَ إذا ما ه ِ‬

‫ـك فـي ِس ـ ـرِّي َوفــي عَ لَني‬ ‫وَمَ ــا َذكَر ُت ـ َ‬

‫َّإل وك ـ ــانَ ف َِم ـ ــي بــالــذِّ كـ ـ ــرِ مــؤ َتــنِ ــسَ ــا‬

‫ـك مُ ْـجـت َِهدً ا‬ ‫ـاك حـ ّبًا في ـ َ‬ ‫راودت معنـ ـ َ‬ ‫ُ‬

‫َولـ ْـسـ ُـت يا سيِّدي «كعبًا» وال «أنسَ ا»‬

‫ـاوزت المـجــازَ‪ ،‬فلمْ‬ ‫أم َعن ُْـت حتَّ ـى تجـ ُ‬

‫الخيال رَسَ ـا!‬ ‫ِ‬ ‫شط‬ ‫أجدْ مجازًا على ِّ‬

‫وَبينما أنــا فـي ضـ ــوءِ الـ ــمَ ـ َقـ ــام أرى‬

‫والسهـدُ فـي جفنيَّ مـا نعَسَ ـا‬ ‫نعست ُّ‬ ‫ُ‬

‫ـس بيْ ‪:‬‬ ‫يهم ُ‬ ‫ـوت عـ ــا َد ِ‬ ‫انتبهت لص ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ثمَّ‬

‫قلت‪ :‬عسَ ى‪..‬‬ ‫تدرك ما راودتَ ؟ ُ‬ ‫ُ‬ ‫هلْ سوفَ‬

‫ * شاعر ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪73‬‬


‫الع ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫جنَّ ُة ِ‬ ‫ش ِ‬

‫‪ρρ‬نورة الشمراني*‬

‫أشـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــتَ ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــول جَ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــي‬ ‫ـان‬ ‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت زهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوً ا صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــوة ال ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ــتَ م ـ ـ ـ ـ ــن بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاه ـ ـ ــج م ـ ـه ـ ـج ـ ـتـ ــي‬ ‫أ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ـان؟‬ ‫وح ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــوق واإلذع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدتَ عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا خـ ـ ـ ـ ــافـ ـ ـ ـ ــيً ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ــع خـ ـ ــال ـ ـ ـقـ ـ ــي‬ ‫رب لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إنـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــي؟‬ ‫أن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدنْ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ِّ‬ ‫وجـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــتَ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأس ال ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ج ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ــه‬ ‫فـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــزم ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ِع ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ــي؟‬ ‫وجـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــتَ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادِ ت ـ ـ ــوثـ ـ ـ ـق ـ ـ ــا‬ ‫ـران؟‬ ‫وط ـ ـ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــتَ تـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ُـف فـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــرة الـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫أخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوتَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر الـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ــة ت ـ ـج ـ ـت ـ ـنـ ــي‬ ‫ـان؟‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــق الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــودِ لـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـج ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــق ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ت ـ ـع ـ ـت ـ ـلـ ــي‬ ‫ـان‬ ‫ـراف سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَتْ لـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ــن خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫أو مـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــتَ لـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـش ـ ـ ــف قـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي خَ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ــو ًة‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ألحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ال ـ ـ ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــع ح ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ــي؟‬ ‫س ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــان مـ ـ ـ ـ ـ ــن ج ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــوع م ـ ـ ـ ــدافِ ـ ـ ـ ـ ـ ًئ ـ ـ ـ ــا‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤوي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدئ إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى األح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـث ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ ال ن ـ ـ ـن ـ ـ ـت ـ ـ ـهـ ـ ــي‬ ‫ـان‬ ‫إال وخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـق واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ ال اثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫ُ‬ ‫نبض ّ‬ ‫الطين‬ ‫‪ρρ‬خديجة إبراهيم*‬

‫مع ًا ستكون كل الرؤى‬ ‫حلم ًا وأما ًال تزهر‬ ‫وقلبًا من األفراح تغنى‬ ‫فهال أخذت بقلبك في نزهة‬ ‫جوار النبع تسيران معاً‪ ..‬أو فوق تالل الوجد‬ ‫تكتب لحظتك للعاشقين‬ ‫رسمتك حلم ًا في داخلي‬ ‫وقمرً ا أضاء ليل شجوني‬ ‫وكف القدر تشير إلى‪ ..‬أن امْ ِضيا كما هو مقدّ ر‬ ‫ْ‬ ‫يا عزفً ا تهادى إلى مسمعي‬ ‫ونغمً ا عزفه الوجد فأطرب‬ ‫هناك نمضي‬ ‫نحكي حكايات الطين للطين‬ ‫ونهرب مما كان‪ ..‬ومما تبعثر‬ ‫ونحن إذ كل الرؤى وكل المنى‬ ‫وبنا سنكون‪..‬‬ ‫ومع ًا سوف نقدر‪!..‬‬ ‫غريبان سنمضي‪ ..‬وحيدان سنبقى‪ ..‬وشمعة الذكرى تنير ما‬ ‫تبقى منا‪ ..‬وما تكسر‪..‬‬ ‫خطانا منار للتائهين‬ ‫وجد‬ ‫ونجمة تهدي العابرين بأنّا كنّا بقايا ٍ‬ ‫وبأنّا حين التقينا‬ ‫ضاع منّا اليقين‪!..‬‬ ‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪75‬‬


‫إلي‬ ‫أ َ ِع ْدني ّ‬

‫نوير العتيبي*‬ ‫‪ّ ρρ‬‬

‫أجيء‬ ‫وقد اتسعت المنافي‪ ..‬كلها صارت كفن‬ ‫و الجرح يتكئ على نافذة‪ ‬النهار‪ ..‬كأنما ينتظر حلما يمر‪..‬‬ ‫أيمم للوطن قلبي‬ ‫وتيمم له جوارح ثكلى دون طريق وال قدم‪..‬‬ ‫تمرني فصول الحياة برتابة‪ ،‬فامنحها غيمة من مطر‪..‬‬ ‫أجيء إليك‪ ..‬وطريق اإلياب جدّ وعر وأنت لي نجمة واحدة‬ ‫يطل صبحي‪ ‬‬ ‫ويصحو السؤال العتيق معي‪ ...‬فانتظر جوابا ليّنا على شرفات الوطن‬ ‫ألنا الشقاء وغيرنا له الفضاء كما اليمام ال يملّ سفر؟‬ ‫الحجر؟‬ ‫ألنا األطراف الباردة‪ ..‬والرجفة الدائمة‪ ..‬ولهم ِ‬ ‫أيها المجافي‪ :‬أتسمع صوتًا؟ أم اخترت الصمم؟‬ ‫أعدني إليّ‬ ‫إلى الحياة‪ ..‬فقد أصاب القلب وهن‬ ‫قم من منامك واغتسل‬ ‫واشهد بلفظ الحب حبك‪ ..‬وضمني إليك‪..‬‬ ‫فالهجرة وجع‪ ..‬والعودة وجع‪ ..‬والبقاء بين بين‪ ‬وجع‬

‫نسيان‬

‫ستنسى‪ ..‬وتُنسى كل هذه الجراح‬ ‫سترويها ذات لحظة‪ ..‬كأنما هي كانت من عظائم األفراح‬ ‫تبتسم وفي لحظة شاردة تشحذ الذاكرة‬ ‫صور ورسائل‬ ‫فيمرك صوت حبيبة نسيت وعدك لها‪ ..‬وتذكرته هذا الصباح‬ ‫وميض عينيها‬ ‫رقة إحساس غمرك كي يظل في جوفك المصباح‬ ‫هل ستروي الحكاية التي تمتعك؟‬ ‫أم أن بطوالت الحياة محض جراح؟‬ ‫أستروي عن سنينك العجاف بؤسك الذي صنعَت منه نجم ًا يغني كلما لمع دمعك‪ ..‬والح؟‬ ‫ستنسى‪ ..‬وتُنسى هي مع بضع الجراح‬ ‫لكنك ستظل تسأل‪ :‬كيف تذكرت وعدك لها‬ ‫هذا الصباح؟‬ ‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫َحبيبتي تَهوى اقتنا َء ال ُعطورِ‬ ‫‪ρρ‬شاهر ذيب*‬

‫حَ بيبتي تَهوى اقتنا َء العطور‬ ‫وتَعشقُ شَ كلَ قَواريرَها‬ ‫ست لَحظةً كفَّ هَا‬ ‫وإِ نْ المَ ْ‬ ‫تَطيرُ انتشاءً بِ ألوانِ ها‬ ‫كالضوءِ ِمن ِسحرِ ها‬ ‫َّ‬ ‫وتنثرُ‬ ‫قيق‬ ‫اإلهاب الرَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضبات‬ ‫ِ‬ ‫عَ لى هَ‬ ‫َدى يَستثيرُ أَزاهيرَها‬ ‫ن ً‬ ‫حَ بيبتي والعطرُ شيءٌ مُ ثيرٌ‬ ‫تُبدِّ دُ ُه ر ََّجةٌ ِمن غَ رامٍ‬ ‫كَنهرٍ تَرقرَقُ بينَ الوِ هادِ على ِضفَّ تيهِ ُربَا عاشقة‬ ‫السنونُو‬ ‫رفرف ِمثلَ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وَقلبي يُ‬ ‫شهدها والغَرام‬ ‫َرش ُف ِمن ِ‬ ‫وي ُ‬ ‫حَ بيبتي يُ بحرُ فِ ي مُ قلتيهَا‬ ‫ُحجيات‬ ‫ِ‬ ‫ُجنونٌ ِمن البَحرِ واأل‬ ‫الشفاهِ إذا مَ ا تَجلَّى‬ ‫و َبرْقُ ِّ‬ ‫رات‬ ‫عص ِ‬ ‫يُ ضيءُ بِ فتنتِ هِ المُ ِ‬ ‫َوكب مَ اؤ ُه ِمن هُ يام‬ ‫ُمنيات إِ لى ك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وَيحملُ فِ ي ر َْجعهِ األ‬ ‫كالحل ُِم ِحين يَجيئُ‬ ‫حَ بيبتي ُ‬ ‫تُبدِّ دُ ُه يَقظةٌ كالرُّ عودِ‬ ‫نين َصدى حَ سرةٍ َصو ُتهَا كَالحصار‬ ‫الس ِ‬ ‫َيمضي لِ يترُ َك ِملء ِّ‬ ‫و ِ‬ ‫وح مَ ا يَشتهِ ي‬ ‫مارس بِ الرُّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫يُ‬ ‫الشعورِ‬ ‫عذاب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِمنْ‬ ‫حَ بيبتي تَهوى اقتنا َء العُ طورِ‬ ‫* طبيب وشاعر سوري مقيم في السعودية‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪77‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اسمك‬ ‫أحمل‬ ‫ال‬ ‫‪ ρρ‬وداد نبي*‬

‫‪-1-‬‬

‫اسمك‬ ‫َ‬ ‫ال أحملُ‬ ‫على أوراقي الثبوتية‬ ‫وال يحملهُ أطفالي في سجالتهم المدرسية‬ ‫اكتب فيها‪..‬‬ ‫والمجالت التي ُ‬ ‫ِ‬ ‫للصحف‬ ‫ِ‬ ‫وال يدخلُ معي‬ ‫بمكان واحد‬ ‫ٍ‬ ‫ولم يعرف لذة الوجود مع اسمي‬ ‫ورغمها‪..‬‬ ‫اسمك في أذني‬ ‫َ‬ ‫يرنُ‬ ‫كحلق ذهبي من أيامِ الطفولة‬ ‫ٍ‬ ‫اسمك‬ ‫َ‬ ‫شجرة «أركانه» خضراء‬ ‫أركانه ال تشيخُ أبد ًا‬ ‫‪-2-‬‬

‫أعرفك‬ ‫َ‬ ‫لم‬ ‫لونك المُ حبب‬ ‫َ‬ ‫ليس لديَ فكرة عن‬ ‫َ‬ ‫لديك‬ ‫َ‬ ‫اسم المغني المفضل‬ ‫نوع الزهور التي تُحب‬ ‫يدفعك للبكاء‬ ‫َ‬ ‫السبب الذي‬ ‫عنك‬ ‫ورغمها أستطيعُ بهذا العماء الكلي َ‬ ‫المليارات على هذه األرض‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫إليك من بين‬ ‫َ‬ ‫أن أُشي َر‬ ‫قلبك لمسني ولمستهُ‬ ‫َ‬ ‫ف‪..‬‬ ‫عين أمي‬ ‫حينما كان يمسحُ الدمع عن ِ‬ ‫وهي تهزُ «مهدي النحاسي» حزينة ووحيدة‬ ‫ببيتنا القديم في كوباني‬

‫‪78‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫عليك‬ ‫َ‬ ‫كيف ال أستدلُ‬ ‫َ‬ ‫أعرف األغنية الرقيقة التي رافقت «هدهدات» أمي الحزينة‬ ‫ُ‬ ‫كيف ال‬ ‫من حدودِ الريف المغربي البعيد‪.‬‬ ‫‪-3-‬‬

‫إليك‬ ‫َ‬ ‫ألصلَ‬ ‫ولِ دت الحرب الطويلة في بالدي‬ ‫جريح ومهجورٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بقلب‬ ‫ٍ‬ ‫هربت‬ ‫ُ‬ ‫من كل شيء أحببتهُ هناك‬ ‫للمدن الغريبة‬ ‫ِ‬ ‫ألتوس َد عشب األلفة‬ ‫التي تنتمي لها‬ ‫هجرت أمي‬ ‫ُ‬ ‫دول‬ ‫قطعت سبع ٍ‬ ‫ُ‬ ‫قشرت ملح األجساد التي أحببتها عن جلدي‬ ‫ُ‬ ‫فطمت فمي من حليب أمي والحنين‬ ‫ُ‬ ‫أضعت صورة أبي في البحر‬ ‫ُ‬ ‫لوحت بجبهتي التي حرقتها شمس اللجوء‬ ‫ُ‬ ‫للموت مرار ًا‬ ‫ِ‬ ‫أنقاض مدني المدمرة‬ ‫ِ‬ ‫نهضت من تحت‬ ‫ُ‬ ‫هتفت للحريةِ باكية‬ ‫ُ‬ ‫إليك‬ ‫َ‬ ‫فقط ألصلَ‬ ‫ألعانقك مرة واحدة‬ ‫َ‬ ‫الحرب‬ ‫ِ‬ ‫بهشاشة ِ الناجين من‬ ‫أعرفك أبد ًا‬ ‫َ‬ ‫أنا التي لم‬ ‫ * شاعرة كردية ‪ -‬سوريا‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪79‬‬


‫لتموت في البل ِد البعيد‬ ‫َ‬

‫‪ ρρ‬أحمد هالل*‬

‫أنَا ابنُ نفسيَ مرتين‬ ‫أبي بقايا غيمةٍ كبرتْ مع األيامِ شيَّبها اصفرا ُر الشمس‬ ‫ولدت عند الفجرِ‬ ‫ُ‬ ‫َّاك‬ ‫الشب ِ‬ ‫كان الوردُ نعسانًا على ُّ‬ ‫أخرجت من صدرِ ها قمرً ا ينامُ‬ ‫ْ‬ ‫أمي‬ ‫وأرضعتْني‬ ‫الوقت أجملُ‬ ‫ُ‬ ‫أراقص األحال َم‬ ‫ُ‬ ‫كنت‬ ‫حين ُ‬ ‫عرائسا‬ ‫ً‬ ‫طينتين‬ ‫ِ‬ ‫أصنعُ من بقايا‬ ‫وأشدُّ يوميَ من يديهِ ‪:‬‬ ‫تعالَ عند النهر‬ ‫نجلس‬ ‫ُ‬ ‫ثم يأخذُ نا اإلو ُّز إلى انتظارِ الدهشةِ األولى‬ ‫كنت أجملَ ‪..‬كان أجملَ‬ ‫قد ُ‬ ‫كنت أنظرُ صورتي في الماءِ‬ ‫ُ‬ ‫ثمَّ أقولُ ‪:‬‬ ‫أين عروسةُ النهر الشقيةُ ؟!‬ ‫جفونك خبئيني‬ ‫ِ‬ ‫(خبئيني في‬ ‫عينيك عمْ رً ا‬ ‫ِ‬ ‫واغمضي‬ ‫جنون‬ ‫ِ‬ ‫مشك عالَمً ا لي ِمن‬ ‫ِ‬ ‫دف َء رِ‬ ‫وامنحيني ْ‬ ‫واذكريني‬ ‫كان في هذي الجزيرةِ حالمٌ‬ ‫وطين)‬ ‫ِ‬ ‫كفَّ ا ُه من وردٍ‬ ‫يتساءلُ الولدُ الصغير‪:‬‬

‫‪80‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫مقبض؟!‬ ‫ٌ‬ ‫باب والشواطئَ‬ ‫ماذا لو انَّ النه َر ٌ‬ ‫نشدَّ النه َر من أذنيهِ‬ ‫هيا تعالَيْ كي ُ‬ ‫ندخلُ خال َعي ِْن حذاءَنا‬ ‫كي ال نُج ِّر َح للمياهِ حياءَها‬ ‫نمشي‬ ‫نزوِّجُ كعْ َبنَا بالماءِ‬ ‫الخطى‬ ‫وقع ُ‬ ‫يولدُ ذلك النهوندُ من ِ‬ ‫نبني لنا وطنًا‬ ‫احا بال رئةٍ‬ ‫ونفرش حلمَ نا نايًا ومدَّ ً‬ ‫ُ‬ ‫الجهات‬ ‫ِ‬ ‫ونقتطعُ‬ ‫تساؤل يُ فضي إلى عدمٍ‬ ‫ٌ‬ ‫الجهات‬ ‫ُ‬ ‫هنا‬ ‫الطرقات من أثر الزِّحام‬ ‫ِ‬ ‫ُنرَقِّ عُ هذه‬ ‫ننامُ‬ ‫ثمَّ ننام‬ ‫آالف السنين‬ ‫نصحو قبل ِ‬ ‫حيث الجزير ُة ريشةٌ في صدْ رِ قُ َّبرَةٍ‬ ‫ُ‬ ‫وكان النهرُ شريانًا ينام‬ ‫جسد الخريطةِ‬ ‫ِ‬ ‫ينامُ في‬ ‫طازجا‬ ‫ً‬ ‫كانت الدنيا نهارًا‬ ‫قد صارت الدنيا نهارًا شاحبًا‬ ‫شيخا طاعنًا في السنِّ‬ ‫ً‬ ‫و النهرُ‬ ‫و األشجا ُر ذابلةً‬ ‫يابسا‬ ‫وعروسةُ النهرِ انتظارًا ً‬ ‫صرت أكب َر‬ ‫ُ‬ ‫قد‬ ‫سيأخذُ ني‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يوميَ اآلنَ‬ ‫َك اآلنَ‬ ‫تعالَ وافتحْ عين َ‬ ‫البلد البعيد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تعال‪ ..‬لتموتَ في‬ ‫ * شاعر مصري مقيم في السعودية‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪81‬‬


‫َح ِد ُ‬ ‫يث ال َّد ْلو‪..‬‬

‫‪ρρ‬حامد أبوطلعة*‬

‫‏مَ نْ أَزْعَ جَ العُ ْصفُ و َرةْ؟‬ ‫الملْحَ في القَارُو َرةْ؟‬ ‫مَ نْ َص ّ َب هَ ذَا ِ‬ ‫الزّالل؟‬ ‫مَ نْ عَ كَّ َر المَ ا َء ُ‬ ‫الظ َلل؟‬ ‫ْك ِّ‬ ‫مَ نْ أَ ْو َق َد النِّيرَانَ في تِ ل َ‬ ‫مَ نْ حَ دَّ ثَ الدَّ ْل َو الق َِديمَ‪...‬؟‬ ‫القالل؟‬ ‫عَ ِن ِ‬ ‫عَ نْ بِ ئْرِ هَ ا المَ هْ ُجو َرةْ‪،‬‬ ‫وت في لُجَ ِج األَسَ ى‪،‬‬ ‫عَ نْ رِ ْحلَةِ اليَاقُ ِ‬ ‫ُوس في أَ ْدنَى (عَ سَ ى)‪،‬‬ ‫وَجَ زِ يرَةِ المَ ْحب ِ‬ ‫عَ نْ خَ يْلِ هِ المَ أ ُْسو َرةْ‪،‬‬ ‫الس َنةْ‪،‬‬ ‫َص ِل األ َِخيرِ ِمنَ َّ‬ ‫عَ نْ َل ْيلَةِ الف ْ‬ ‫عَ نْ خَ افِ ٍق أَمْ سَ ى‪،‬‬ ‫َولَمْ َتأ ُْخذْ ُه في الن َّْجوَى ِس َنةْ‪،‬‬ ‫عَ نْ قِ َّصةِ المَ اءِ الزُّ َلل‪،‬‬ ‫ين عَ َل ْيهَا‪...‬لَمْ تَكُ نْ مَ ذْ كُ و َرةْ؟‬ ‫وَهَ لْ أَتَى ِح ٌ‬ ‫عَ نْ شَ ِاعرٍ ‪...‬‬ ‫بِ مَ شَ ِاعرٍ مَ قْ هُ و َرةْ‪،‬‬ ‫الق َل ِل َو َدلْوِ هَ ا‪،‬‬ ‫يَقْ ِضي ال َّنهَا َر مَ َع ِ‬ ‫المل ِْح‪،‬‬ ‫َاب ِ‬ ‫يَقْ ِضي المَ سَ ا َء مَ َع ان ِْصب ِ‬ ‫والعُ ْصفُ و َرةْ؟‬ ‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫رثـــــــــاء‬ ‫ٌ‬

‫‪ρρ‬سميرة الزهراني*‬

‫فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادُ لـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ــا وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ م ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ي ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ ف ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــدنـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاط ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــة إن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أرتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ م ـ ـ ــن‬ ‫ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب ذاك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذب الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـم ـ ـ ــى‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا ال ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم حـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت أط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع أن أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا‬ ‫ـزن تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردد فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــا‬ ‫أوّاه مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازال ‪-‬يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ‪ -‬ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤا ُد م ـ ـ ـت ـ ـ ـي ـ ـ ـمـ ـ ــا‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوس غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادر إنـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــض ال ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــوس لـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ـ ــدمـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا األرحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ــن عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان س ـ ـ ـن ـ ـ ـل ـ ـ ـت ـ ـ ـقـ ـ ــي‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــس الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــة ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءٍ ك ـ ـ ــالـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا‬ ‫ـؤس حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزول ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫واهلل يـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ظـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو م ـ ـ ـ ـ ــذاقـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـات الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـم ـ ـ ــى‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداء ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداءه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت أتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــن فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــاة ت ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ُّـس ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا‬ ‫ * في رثاء والدتي الحبيبة‪ ،‬فاطمة بنت ساعد الزهراني‪ ،‬التي وافاها األجل يوم‬ ‫الجمعة ‪1441/11/12‬هـــ بعد معاناة مع مرض السرطان‪ ،‬رحمها اهلل رحمة واسعة‪.‬‬ ‫** باحثة دكتوراه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة‪.‬‬

‫نصوص‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪83‬‬


‫بسم اهلل‪..‬‬ ‫ِ‬

‫‪ρρ‬أحمد عكور*‬

‫فَكَّ ت‬ ‫أزاري َر الغرامِ الالهي‪..‬‬ ‫وتململت حرفً ا بغير شفاهِ‬ ‫الحت كبدرٍ‬ ‫شق كل غمامةٍ ‪..‬‬ ‫ورمى بفتنته على األمواهِ‬ ‫َّات أنداءٍ على‪..‬‬ ‫وتساقطت حب ِ‬ ‫قلب‬ ‫ٍ‬ ‫جحيم اآلهِ‬ ‫ِ‬ ‫تساقط في‬ ‫َصبَّت له األقداحَ‪ ..‬لكنْ ما ارتوى‪..‬‬ ‫من قهوة تغلي على األفواهِ‬ ‫كانت‬ ‫كأول لحظة مخلوقةٍ ‪ ..‬قدسية األسرار واألشباهِ‬ ‫وبدت عليها رعشة مجنونةٌ ‪..‬‬ ‫كالمَ ِّس يجري في حريرٍ زاهِ‬ ‫وتسارعت‬ ‫خفقاتُها في لهفةٍ ‪..‬‬ ‫الساهي‬ ‫تبدو على طرف الحنان َّ‬ ‫نظراتُها‬ ‫صارخا‪..‬‬ ‫ً‬ ‫تحكي جنونًا‬ ‫وتقول رغم الصمت‪ :‬آهٍ آهِ‬ ‫كاد الفؤاد يضيع‬ ‫لوال أنه‪..‬لما رآها قال‪:‬‬ ‫بس ِم اهللِ‬ ‫ْ‬ ‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نصوص‬


‫مؤتمرات‪..‬‬ ‫تكنولوجيا وترفيه وتصميم‬ ‫أفكار استثنائية لتغيير العالم‬

‫فيليب ناسيف ‪Philippe Nassif‬‬ ‫■ ترجمة‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمان إكيدر*‬

‫تعد هــذه المؤتمرات العامة التي تُبث على شبكة اإلنـتــرنــت شعبية للغاية‪،‬‬ ‫نجاحا كبيرً ا‪ .‬إنها تنطوي على مشاركة فعالة للمفكرين ورجال األعمال‬ ‫ً‬ ‫وتحقق‬ ‫وغيرهم من أصحاب العروض الذين يتنافسون على تقديم «أفكار لتغيير العالم»‪،‬‬ ‫وذلك في أشكال متنوعة تــراوح بين االعتراف وجرد المواقف‪ .‬لقد اعتدنا على‬ ‫هذا النقاش؛ لكن‪ ،‬هل يمكن للفالسفة أن يجدوا لهم موطئ قدم في هذا الفضاء‬ ‫الواعد؟‬ ‫لنبدأ باألرقام؛ يبلغ عدد مؤتمرات ثماني عشْ رة دقيقة على األكثر‪ ،‬يتم‬ ‫«‪( »TED‬الــتــكــنــولــوجــيــا والــتــرفــيــه تقديمها على المنصة قبل أن تُب ََّث على‬

‫والتصميم) (‪ )14‬مليا َر مشاهدةٍ على شبكة اإلنترنت‪ ،‬والتي يتم بثها بالفعل‬ ‫اإلنترنت منذ إطالقها في الواليات إلى مختلف بقاع العالم‪ ،‬شعارها هو‪:‬‬ ‫المتحدة األمريكية سنة ‪2002‬م‪ .‬وقد «أفــكــار لتغيير الــعــالــم»‪ ،‬وهــي أفكار‬ ‫بلغت طلبات الحضور (‪ )100٫000‬جديرة بالنشر والتداول‪.‬‬ ‫طلب (مــقــابــل ‪ 3000‬مــقــعــد)‪ ،‬وذلــك‬

‫إن مــحــادثــات «‪ »TED‬واح ــدة من‬

‫خالل الطبعة الباريسية األخيرة‪ .‬إن أكثر الظواهر الثقافية العالمية بروزًا‬ ‫هذه العروض التي ال تزيد مدتها عن في هذا العصر‪ :‬إنها الوعد بإطالق‬

‫ترجمة‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪85‬‬


‫الحدس الجديد والقوي‪ ،‬تُقدم في وضعية‬

‫وقــوف من قِ بل العلماء‪ ،‬أو الفنانين‪ ،‬أو‬ ‫الــمــخــتــرعــيــن‪ ،‬أو الــمــغــامــريــن‪ ،‬أو رجــال‬

‫األعمال‪ ،‬أو السياسيين‪ ،‬أو حتى األشخاص‬

‫الذين عايشوا تجارب حياتية غير عادية‪.‬‬

‫وفــي فرنسا‪ ،‬فإنها تعد أول مدرسة‬

‫جديدة للبالغة‪ .‬فقبل عشر سنوات‪ ،‬قام‬

‫رجــل األعــمــال ميشيل ليفي بروفنسال‬ ‫‪Michel Lévy-Provençal‬‬

‫باستيراد صيغة‬

‫‪ ،TED‬كان يفكر في «هذا المزيج اآلسر من‬

‫األشخاص الذين لم نرهم أبدًا في وسائل‬ ‫اإلعالم‪ :‬فعلى المنصة يتعاقب كل من عالم‬ ‫األعصاب‪ ،‬وأخصائي الروبوتيك‪ ،‬والجندي‬

‫ال ــذي جُ ــنــد فــي مرحلة الطفولة وشهد‬

‫معجزة الصمود‪ .‬كل ذلــك يغذي فضولنا‬

‫ويخرجنا من هناك مع روابط غير متوقعة‬ ‫تجاه المجتمع الذي هو بصدد التشكل‪.‬‬

‫بيد أن ليفي بروفنسال سيخلص بعد‬

‫تنظيم نسختين سريتين في باريس إلى‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن إكيدر‬

‫تمرينات يتم خاللها إعــادة كتابة نص كل‬

‫نحو‬ ‫متكلم‪ ،‬وذلك بمساعدة مدرب‪ ،‬وعلى ٍ‬

‫مستمر حتى يتم تنقيح هذا النص وتبسيطه‬ ‫ٍ‬

‫وتصويره‪ .‬وهكذا تتحول الرسالة البسيطة‬ ‫إلى قصة جميلة‪.‬‬

‫ال تقل نصا‪ ،‬ولكن ِع ْش ُه‬ ‫يقول ليفي بروفنسال في كتابه (أسرار‬

‫واقع واضح كان عليه مواجهته‪ ،‬والمتمثل أفــضــل المتحدثين)‬

‫(‪2018‬‬

‫‪:)Larousse,‬‬

‫في جودة العروض المقدمة‪ ،‬وبشكل طبيعي إن «الفكرة الرئيسة هــي استبدال سرد‬

‫عند األمريكيين‪ ،‬في حين تغيب هذه السمة القصص بخطة مفصلة على الطريقة‬

‫عند الفرنسيين‪ .‬لقد كانت العروض تبدو الفرنسية»‪ .‬وللوصول إلى هذا المبتغى؛‬ ‫فــي الــقــاعــة مملة قــلــيــا‪ .‬يــعــتــرف ليفي يقترح المؤلف استبدال الخطة الحجاجية‬

‫بروفنسال‪« :‬لقد فهمنا أن األمــر يتطلب المعروفة والمترسخة (عرض األطروحة ‪-‬‬ ‫منا إعداد المتحدثين وتأهيلهم»‪ .‬يُخصص األطروحة النقيض ‪ -‬التركيب)‪ ،‬بخطة أشبه‬

‫بصي ٍْد‬ ‫لكل واحــد برنامجه الخاص‪ ،‬ويتم فرض ما تكون ب (رحلة)‪ .‬إنها رحلة تبدأ َ‬

‫جدولة زمنية تتطلب ما ال يقل عن سبعة جــذاب (قصة أزمــة وجــوديــة‪ ،‬أو مُزحة‪،‬‬

‫‪86‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ترجمة‬


‫أو معلومات منافية لــلــحــدس)‪ ،‬وتُختتم‬

‫بأطروحة أو اقتراح أو فكرة تُقدم في قالب‬

‫ممتع وببراعة‪ .‬وبين هذين النموذجين‪:‬‬ ‫بيا ٌن يتكشف بِنا ًء على الحقائق والحكايات‬

‫خطبهم)»‪ .‬والنتيجة المحصلة‪ :‬إشــارة‬

‫واالستعارات‪ ،‬ويوضح ليفي بروفنسال ذلك بعضهم إلى إنه في غضون سنوات قليلة‪،‬‬ ‫بقوله‪« :‬لقد فهمنا بعد عدة سنوات مفاتيح تحولت القواعد اللغوية لتيد «‪ »TED‬إلى‬

‫خطاب ‪ ،TED‬إنها أمــور تتعلق باإللحاح كليشيهات مؤلمة نسبيًا‪ ،‬يمكن تلخيصها‬ ‫واالستمالة واالستقراء‪ :‬االنطالق بشكل على النحو اآلتي‪:‬‬

‫منهجي من مثال‪ ،‬ثم صياغة خطاطة عامة ‪ .1‬االنطالق من تجربة وجودية (قد تكون‬ ‫وشاملة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن السر النهائي ألخذ‬ ‫خيبة أمل أو فشل لطفل أو الجتماع)‪.‬‬ ‫الكلمة بشكل رائــع ومثالي هــو التكرار‪:‬‬

‫«إن األمــر ال يتعلق فقط بقول النص‪ ،‬بل‬ ‫معايشته»‪.‬‬

‫ويضيف قائال‪« :‬إن الرسالة قد وصلت؛‬

‫والطريقة أعطت أ ُكلها‪ ،‬وأن نجاح‬

‫‪TEDx‬‬

‫‪ .2‬تحمس العارض لقضية كبيرة‪.‬‬ ‫‪ .3‬تحويل القضية‪ ،‬ودعوة المتابع لإليمان‬ ‫بها‪.‬‬ ‫وكل ذلك بنبرة متفائلة وجذابة‪ ،‬وبطريقة‬

‫‪ Paris‬يخلق أهدافًا متتالية‪( :‬فمنذ سنة إلقاء جيدة ورائعة للغاية؛ كما هو الشأن‬ ‫ال بالنسبة لتوماس بيسكيت ‪Thomas‬‬ ‫‪2012‬م إل ــى ‪2013‬م‪ ،‬قـــدِ م الــمــزيــد من مث ً‬

‫أصــحــاب األعــمــال وال ــق ــادة السياسيين‬

‫‪Pesquet‬‬

‫ال ــذي روّج لعظمة استكشاف‬

‫لــلــتــشــاور م ــع الــفــريــق الــمــنــظــم لتعزيز الــفــضــاء‪ ،‬أو كيفين فينيل‬

‫ترجمة‬

‫‪Kévin Finel‬‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪87‬‬


‫الذي برع في جذب انتباه جمهوره إلثبات المجتمع بدالً من جودة المعلومات المنقولة‬ ‫فوائد التنويم المغناطيسي‪ .‬إن مؤتمر ‪TED‬‬

‫وجدّ تها‪.‬‬ ‫ِ‬

‫الناجح هــو العاطفة التي تجعلنا نحوّل‬

‫وفـ ــي هـ ــذه الــلــعــبــة‪ ،‬كـ ــان الــفــاســفــة‬ ‫مــنــذ أف ــاط ــون‪ ،‬حــذريــن مــن األســاطــيــر‬ ‫والسفسطائيين‪ ،‬ومن الواضح أنهم ليسوا‬ ‫في أفضل وضع! كان عليهم معرفة كيفية‬ ‫وضــع الجمهور بذكاء في الجيب‪ ،‬مثلما‬ ‫فعل الفيلسوف اإلنجليزي آالن دي بوتون‬ ‫‪ ،Alain de Botton‬بــدءًا من ذكــر أزماته‬ ‫التي تجعله يــذرف الدموع مساء كل يوم‬ ‫أحد‪ ،‬وذلك عندما يقوم بتقييم الفجوة بين‬ ‫ٍ‬ ‫الشخص الذي يحلم به أن يكون؛ وبين ما‬ ‫هو عليه بالفعل‪ :‬إنها مقدمة موفقة‪ ،‬بال‬ ‫شــك‪ ،‬لتقديم أفــكــار حــول اآلث ــار السيئة‬ ‫لأليديولوجية المثالية‪ .‬يحاول البروفيسور‬ ‫مايكل ساندل ‪ ،Michael Sandel‬وهو أستاذ‬ ‫ـوار‬ ‫حــازم ومــرح فــي اآلن نفسه‪ ،‬خل ْق حـ ٍ‬ ‫وتشاور مع المشاهدين‪ ،‬إذ يقترح عليهم‬ ‫ٍ‬ ‫تجربة تدعوهم إلعــمــال الفكر والنظر‪:‬‬ ‫«من منظوركم‪ ،‬من الطفل الذي له الحق‬ ‫في الناي؟ ذاك الذي صنعه؟ أو ذاك الذي‬ ‫يعزف أفــضــل؟ أو ذاك الــذي ليس لديه‬ ‫أي ش ــيء؟»‪ .‬وتــكــون خاتمة عرضه دعــوة‬ ‫للمحادثة الديمقراطية‪.‬‬

‫مؤلمة ومحفوفة بالمخاطر»‪ ،‬وهذا ما يزال‬

‫ماذا عن المزاوجة بين القول «القوي‬ ‫والصادم» والمنطق؟‬

‫نظرتنا‪ :‬قطعة من المعرفة أو مجال العمل‬ ‫الــذي كنا غير مبالين بــه‪ ،‬وفــجــأةً‪ ،‬يصبح‬ ‫فاتحاً للشهية‪.‬‬ ‫يشير الكاتب والمدرب في اإللقاء كلود‬ ‫جايغل ‪ Claude Jaeglé‬إلى «أن مؤتمر‬

‫‪TED‬‬

‫هو اللقاء بين نادي جمال ‪ Jamal‬الكوميدي‬ ‫ونــادي فرنسا للثقافة‬ ‫لــقــد أثـــار تــأثــيــر‬

‫‪TED‬‬

‫‪Culture‬‬

‫‪.»France‬‬

‫ل ــدى الــعــديــد من‬

‫الباحثين رغب ًة حقيقي ًة في تعلم هذا النوع‬ ‫من طــرق التدريس المحفزة‪ .‬إنــه يوضح‬ ‫معايير الجودة الخطابية‪ :‬التدريب ‪ -‬كما‬ ‫هو الحال بالنسبة للرياضة أو الموسيقى ‪-‬‬ ‫وكذا التداعيات الحية‪ ،‬واالرتباط الذي يتم‬ ‫إنشاؤه مع الجمهور‪ .‬وبهذا المعنى‪ ،‬برزت‬ ‫«احتجاجات» فرنسا لتكشف عن عالقتنا‬ ‫بالتعبير العمومي‪ .‬إن «االنزعاج الفرنسي‬ ‫م ــن فــكــرة الــتــألــق الــشــفــوي ه ــو نتيجة‬ ‫بعيدة إلدان ــة البالغة العلمانية مــن قبل‬ ‫الكاثوليكية‪ .‬يكتب القديس أغسطينوس‬ ‫فــي اعــتــرافــاتــه‪ :‬إن «الــكــام هــو شحنة‬ ‫صحيحا بالنسبة للفرنسي‪ .‬وعلى العكس‬

‫من ذلــك‪ ،‬يتم تشجيع األمريكي منذ سن‬ ‫ثــم هــنــاك مــن يــتــحــايــل قــلــي ـاً‪ ..‬وعلى‬ ‫مبكرة على تأكيد نفسه شفوياً أمام المأل ‪ -‬سبيل المثال‪ ،‬تدخُّ ل الفيزيائي إتيان كالين‬ ‫إن ما يهم هو االرتباط الذي يتم إنشاؤه مع ‪ Etienne Klein‬في عدة مناسبات في ‪TEDx‬‬

‫‪88‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ترجمة‬


‫‪ - Paris‬وكانت آخر مرة‪ ،‬في معرض حديثه الكالم‪« :‬إن ‪ ،TED‬معيار بالغي جديد ال‬ ‫عن فضائل الفراغ ‪ -‬ولكن بشرط عدم لعب يختفي على أيّ حال‪ .‬وهذا صحيح عندما‬ ‫لعبة التكرار‪« .‬يقول الشخص الذي ال يفتقر أطلقنا مبادرتنا الخاصة ‪fr.boma.( Boma -‬‬ ‫إلــى الفصاحة‪( :‬أعتقد أنــه من الضروري ‪ - )global‬فقد شعرنا بالحاجة إلى تعزيز‬ ‫إتاحة المجال لالرتجال)‪ .‬وخالفا لذلك‪،‬‬ ‫شكل آخــر‪ ،‬عن طريق تنظيم التفاعل مع‬ ‫فإن الفكر‪ ،‬ومعه الكالم‪ ،‬يفقد الحيوية»‪ .‬إن‬ ‫الجمهور وخلق حلقات النقاش والمسابقات‬ ‫اإلشكال ما زال قائما‪ :‬هل فن «القول القوي‬ ‫الخطابية‪ -‬وعلى سبيل المثال النقاش الذي‬ ‫والــصــادم» متوافق مــع دقــة المنطق؟ «إن‬ ‫جمع بين الباحث فيليب ألكساندر ‪Philippe‬‬ ‫هيمنة الخطاب المبني على سرد القصص‬ ‫له أضــرار جانبية‪ ،‬وهو ما يقلق كالين‪ :‬إن ‪ Alexandre‬والفيلسوف جان ميشيل بيسنييه‬ ‫األمر يحتاج إلى جهد أقل‪ ،‬وعلى المرء أن ‪ - Jean-Michel Besnier‬لتحفيز مزيد من‬ ‫ال يتكبد عناء دعم معتقداته»‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬التفكير»‪ .‬إن سرد القصص لهو أم ٌر جيد‪،‬‬ ‫فإن ميشيل ليفي بروفنسال ال يُخطِّ ئ هذا ولكن‪ ..‬ألن يكون النقاش أفضل وأجدى؟‬

‫ * كاتب ومترجم ‪ -‬المغرب‪.‬‬ ‫ مصدر المقال‪.Philosophie Magazine, n° 130, Juin 2019, pp 56 - 57 :‬‬

‫ترجمة‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪89‬‬


‫أديبة نوبل األشهر “توني موريسون”‬ ‫تقدم وصفة الكتابة اإلبداعية‬

‫«ال تحدثني عن حبك الحقيقي‪ ،‬وال عن أمك‪ ،‬أو أبيك‪ ،‬وال تحدثني عن أصدقائك»‬ ‫■ كتبت‪ :‬إمييلي متبل‬ ‫ترجمة‪ :‬أميرة الوصيف*‬

‫كاتب آخ َر محبوب‬ ‫ال أستطيع التفكير في ٍ‬ ‫عالميًا مثل تــونــي مــوريـســون‪ ،‬كُ تبها األدبـ ّيــة‬ ‫ال ـق ـي ـمــة‪ ،‬إرث ـه ــا ال ـث ـقــافــي الـ ــذي ي ـنــال تـقــديــر‬ ‫واحترام الجميع‪ ،‬وكيف تكشف موريسون عن‬ ‫عبقريتها في كل مرة‪ ،‬قامت بتدريس الكتابة‬ ‫في جامعة برينستون‪ ،‬وهذا يجعلها على دراية كاملة بمعرفة ما يدور في عقول‬ ‫الشباب‪ ،‬وهي تعرف جيد ًا كيف تغذي تلك العقول‪.‬‬ ‫لقد قمت بالبحث‪ ،‬والـتـجــول فــي عالم مــوريـســون‪ ،‬ومتابعة كافة مقابالتها‪،‬‬ ‫وخطبها‪ ،‬لمعرفة نصائح تلك السيدة المتألقة في عالم األدب‪ ،‬وما هي وصفتها‬ ‫للكتابة اإلبداعية‪.‬‬ ‫اكتب العمل الذي تتوق ألن تقرأه يوم ًا‬

‫كبطالت‪ ،‬كشخصيات رئيسة‪ ،‬دائماً ما‬

‫ما دفعني للكتابة هو أنني أردت أن يتحدثون عنهن كشخصيات هامشية‬ ‫أكــتــب مــا أت ــوق بــشــدة ألن أقـــرأه‪ ،‬تلك فــي األعــمــال األدبــيــة‪ ،‬عندما وجــدت‬ ‫الفئات ال ُمهَمشة‪ ،‬الضعيفة‪ ،‬لم يصفها أنني حقاً‪ ،‬أتلهف شوقاً للقراءة عنهن‪،‬‬ ‫أحد كما ينبغي‪ ،‬لم يتحدث عنها أحد‪ ،‬بادرت فوراً بالكتابة عنهن‪ ،‬كنت أكتب‪،‬‬ ‫بصوت مسموع‪ ،‬تعد قراءة‬ ‫ِ‬ ‫الفتيات السود‪ ،‬لم يتحدث عنهن أحد‪ ،‬وأقرأ لنفسي‬

‫‪90‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ترجمة‬


‫ما أكتبه‪ ،‬أحــد أبــرز العوامل التي حفزتني‬ ‫للمضي قدماً في عملية الكتابة‪.‬‬ ‫اكتشف أفضل طريقة للكتابة‬ ‫أ ُخــبــر طــابــي على الـ ــدوام‪ ،‬بــأن أفضل‬ ‫شيء يمكنهم فعله‪ ،‬وأن يكونوا أفضل نسخة‬ ‫من أنفسهم‪ ،‬أن يتصرفوا كلياً بشكل خالّق‪،‬‬ ‫ال أنت بحاجة ألن تسأل‬ ‫وبطريقة إبداعية‪ ،‬مث ً‬ ‫نفسك‪ ،‬ما هو المكان المثالي للكتابة؟ هل‬ ‫أحتاج إلى الهدوء‪ ،‬والسكون؟ أم أني بحاجة‬ ‫إلى الموسيقى؟ ما الذي أفتقده حتى أستطيع‬ ‫إطالق العنان لمخيلتي؟‬

‫توني موريسون وهي تقرأ من روايتها على الهواء‬

‫حاول االستفادة من تجربتك الحياتية‬ ‫في عملية الكتابة‬ ‫كل شــيء أراه‪ ،‬أو أقــوم بــه‪ ،‬الطقس من‬ ‫حــولــي‪ ،‬شكل المباني‪ ،‬وألــوانــهــا‪ ،‬كــل شيء‬ ‫حولي‪ ،‬يمكنني االستفادة منه في الكتابة‪،‬‬ ‫تلك األشــيــاء بمثابة صــنــدوق األدوات‪ ،‬أو‬ ‫الئحة الطعام‪ ،‬وحينها يمكنني اختيار ما‬ ‫أريد‪ ،‬والكتابة عنه‪.‬‬

‫صورة حدبثة لتوني موريسون في مكتبها قبل رحيلها‬

‫دع شخصياتك تتحدث عن نفسها‬ ‫حتى لــو كانت هناك شخصية بسيطة‪،‬‬

‫غير محورية‪ ،‬أبذل قصارى جهدي في رسم‬

‫مالمح ال تُنسى للشخصية‪ ،‬وأحــاول تحديد‬ ‫مَن تكون؟‬

‫أنــا ال أضــيــع الــوقــت الكبير فــي وصف‬

‫شخصيات رواياتي‪ ،‬أنا ال أرغب في أن أدفع‬

‫بالقارئ إلى أن يرى الصورة كما أراها أنا‪ ،‬ال‬

‫ترجمة‬

‫في إحدى اللقاءات مع الجمهور‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪91‬‬


‫أرغب في أن يرى القارئ وصف الشخصية‪:‬‬ ‫طويل‪ ،‬و ُمــمِ ــل؛ أنــا فقط أعطيه تلميحات‪،‬‬ ‫وأتركه يغوص في عالمه‪ ،‬األمر مثل استماعك‬ ‫إلى الراديو‪ ،‬وأنــت طفل‪ ،‬ال يعطيك المذيع‬ ‫كافة التفاصيل‪ ،‬فقط القليل‪ ،‬ويتركك تخمن‬ ‫األحداث‪ ،‬وتدخل في عالم آخر‪،‬‬ ‫الكتابة‪ ،‬مثل اإلذاعة‪ ،‬األمر كله يعتمد على‬ ‫في إحدى اللقاءات التلفزيونية‬

‫المشاركة‪.‬‬ ‫كن منفتح ًا‬ ‫األمــر كله يتعلق بكونك مُنفتحاً‪ ،‬وليس‬ ‫أن تدّعي ذلــك‪ ،‬مسألة انفتاحك للعالم من‬ ‫حولك‪ ،‬انفتاحك للمواقف التي تمر بها‪ ،‬كل‬ ‫ذلك سيغنيك حتى عن ذكائك‪ ،‬وعن وعيك‪،‬‬ ‫ذلك الشيء أكبر‪ ،‬وأهــم حتى من مواهبك‪،‬‬ ‫ذلك الشيء الضروري والمسمى باالنفتاح‪،‬‬ ‫ينتظرك بــالــخــارج‪ ،‬هــو بــحــاجــه فــقــط ألن‬

‫وفي لقاء آخر على الهواء‬

‫تالحظه‪ ،‬وتسمح له بالدخول‪.‬‬ ‫عال‪ ،‬إال بعد‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ال تقرأ عملك‬ ‫انتهائك منه‬ ‫أنــا ال أثــق فيما يعرف ب ــاألداء‪ ،‬قد أقرأ‬ ‫العمل‪ -‬قبل أن أنتهي منه‪ -‬وأجد ذاك األداء‬ ‫الزائف حينها يخدعني‪ ،‬ويخبرني بأن القصة‬ ‫على ما يرام‪ ،‬ويجب أن أمضي قدماً‪ ،‬في حين‬ ‫أنها قد تكون بالغة السوء‪ ،‬إال إن األداء قام‬ ‫بخداعي بشأنها!‬

‫توني موريسون في حفل توزيع جائزة نوبل‬

‫‪92‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫ال تتذمر‪ ،‬ال تشكو!‬

‫ترجمة‬


‫أعتقد أنه يمكننا تدريس معظم جوانب أراد أن يكتب‪ ،‬يمكنه إنجاز مشروعه األدبي‬

‫الكتابة اإلبــداعــيــة‪ ،‬ومــحــاورهــا األس ــاس‪ .‬من دون الشكوى‪.‬‬ ‫إال إنــه بوضوح‪ ،‬ال يمكننا تدريس الخيال‬ ‫أو الموهبة‪ ،‬ولكننا نحاول أن نقوم بذلك‪،‬‬

‫أعترف بأني قاسية بعض الشيء في ذلك‬

‫ال تكتب ما تعرفه!‬ ‫ربما أكون مخطئة بهذا الطرح‪ ،‬ولكني ال‬

‫الــجــزء‪ ،‬فأنا عندما أطلب مــن طالبي أن أميل إلى تلك األعمال األدبية التي يكتبها‬ ‫يقوموا بذلك‪ ،‬أقول لهم قوموا بذلك على األدباء لتدور حول قصتهم‪ ،‬حياتهم الخاصة‪،‬‬ ‫الــفــور‪ ،‬وال أنــتــظــر منهم أن يتململوا أو أحباؤهم‪ ،‬وخالفه‪.‬‬

‫يتذمروا بشأن ذلــك‪ ،‬فــإذا أردت أن تكون‬

‫كاتباً ال ينبغي أن تتذمر‪.‬‬

‫في بداية عملي كمدرِّسة كتابة إبداعية‬

‫فــي جامعة برينستون‪ ،‬كــان طــابــي دوم ـاً‬

‫ال أتساهل مع أولئك الذين يتذمرون دوماً يخبروني‪ ،‬بأن كافة نصائح الكتابة التي تم‬ ‫بشأن الصعوبات التي تواجههم أثناء الكتابة‪ ،‬تقديمها لهم هي «اكتب ما تعرفه فقط»‪.‬‬ ‫أنا واحــدة من الناس الذين كتبوا أعمالهم‬

‫لذلك قلت لهم‪ :‬إياكم أن تستمعوا لهذا‬

‫تحت ضغط‪ ،‬ولم أكن في مــزاج جيد‪ ،‬ولم الكالم‪ ،‬وذلك لسبيين‪ ،‬أوالً‪ :‬ألنك ال تعرف‬

‫يكن متوف ٌر لديَّ تلك البيئة الهادئة‪ ،‬لذا مَن أي شيء على اإلطالق‪ ،‬وثانياً‪ :‬ألنني كقارئة‪،‬‬ ‫موريسون وأوباما أثناء تكريمها كأهم كاتبة أمريكية‪،‬‬ ‫ومنحها أرفع وسام مدني في الواليات المتحدة األمريكية‬

‫ترجمة‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪93‬‬


‫ال أريد أن أقرأ عنك‪ ،‬وعن قصة حبك‪ ،‬وعن عــن أحـــداث‪ ،‬وأشــخــاص خ ــارج محيطهم‪،‬‬ ‫أبيك‪ ،‬وأمك‪ ،‬وأصدقائك‪.‬‬

‫وتجربتهم‪ ،‬لطالما كــانــت كتابات مثيرة‪،‬‬

‫فكر في شخص آخر‪ ،‬أنت ال تعرفه‪ ،‬ما وقوية‪ ،‬ومذهلة‪.‬‬ ‫رأيك في أن تكتب عن نادلة مكسيكية تعمل‬ ‫إن التفكير خــارج الصندوق‪ ،‬هو جوهر‬ ‫في ريو غراند وبالكاد تتحدث اإلنجليزية؟ الكتابة اإلبداعية الخالدة‪.‬‬ ‫وماذا لو كتبت عن تلك السيدة العجوز في‬ ‫كن حذر ًا من القلق الزائد عن الحد‬ ‫باريس؟ هناك دائماً المزيد من التفاصيل‪،‬‬ ‫هناك فرق كبير‪ ،‬بين أن تقوم بمراجعة‬ ‫واألســرار الشيقة هناك‪ ،‬ال تقوم بتسجيل‪،‬‬ ‫وكتابة تلك األح ــداث التي عشتها فقط‪ ،‬كتاباتك‪ ،‬وأن تشعر بالقلق‪ ،‬والجنون إزاءها‬ ‫لــطــالــمــا انــبــهــرت بــأولــئــك الـ ــذي يكتبون طيلة الوقت‪.‬‬ ‫المراجعة أمــر مطلوب من أجــل خروج‬

‫العمل األدبـــي بشكل رائـــع؛ ولــكــن القلق‪،‬‬

‫والتوتر الزائد إلى حد الوصول إلى الهياج‬ ‫العصبي‪ ،‬أمر ينبغي التخلص منه‪.‬‬ ‫تقبّ ل الفشل‬ ‫بوصفي كاتبة أستطيع أن أصارحك بأن‬

‫الفشل هو جزء من عملية الكتابة‪ .‬الفشل‬ ‫توتي موريسون وهي تتسلم جائزة نوبل لألدب‬

‫هو مجرد «معلومة»‪ ،‬بمعنى أني قمت بشيء‬

‫خاطئ أثناء الكتابة‪ ،‬وأنا فشلت كثيراً‪ ،‬وقمت‬ ‫بعدة أخــطــاء‪ ،‬لكني بعد ذلــك‪ ،‬تداركتها‪،‬‬

‫وحاولت إصالحها‪ ،‬وبالفعل نجحت‪ .‬بعض‬ ‫الــكــتــاب‪ ،‬ال يــاحــظــون أخــطــاءهــم‪ ،‬وإذا‬

‫الحظوها‪ ،‬ال يقومون بتصحيحها‪ ،‬وهذا هو‬

‫الفشل الحقيقي‪.‬‬

‫عندما نتعامل مع اإلخفاقات الجسدية‬

‫مثل أمــراض الكبد‪ ،‬والكلى‪ ،‬والقلب‪ ،‬فإننا‬

‫مع أصغر طالبها‬

‫‪94‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫هنا نقف مكتوفي األي ــدي‪ ،‬ألنــه ليس بيد‬ ‫المرء منا أي شيء ليفعله‪ ،‬ولكن إذا كانت‬

‫ترجمة‬


‫صورة أرشيفية لتوني مورسون في مكتبها‬

‫عملية الكتابة كلها تتوقف على أدوات ــك يشاركها مع العالم كله‪ ،‬األمر أكبر من الناس‬ ‫الخاصة‪ ،‬تلك التي في يديك‪ ،‬فهذا يعني العاديين‪ ،‬والحياة الواقعية‪ ،‬أنت ككاتب تشعر‬ ‫أنه ينبغي عليك أن تكون حــذراً‪ ،‬وأن تبذل وكأنك تصعد إلى أعلى بطريقة ما‪.‬‬ ‫قصارى جهدك‪ ،‬بدالً من أن تشعر باإلحباط‬

‫أو العار أو اليأس‪ ،‬قم وافعل شيئاً!‬ ‫تعلم كيف تقرأ‪ ،‬وانتقد عملك بصدق‬ ‫ال ُكتّاب يقولون‪ :‬أنا أكتب لنفسي‪ ،‬وهذا‬ ‫أمر قبيح‪ ،‬ونرجسي للغاية؛ لذلك حاول أن‬ ‫تقرأ عملك من وجهة نظر أخــرى‪ ،‬وكأنك‬ ‫شخص آخر‪ ،‬حاول أن تنتقده بأمانة‪.‬‬ ‫حافظ على قُ دسية الكتابة‬

‫اللغة العنيفة هي لغة ميته‪ ،‬ال‬ ‫تستخدمها‬ ‫اللغة العنيفة الوحشية القاسية‪ ،‬لغة ميتة‬ ‫كمستخدميها‪ ،‬لغة تشجع على العنصرية‪،‬‬ ‫والقتل بدم بارد‪ ،‬لغة تحرض على الحروب‪،‬‬ ‫لغة تزيد من الكراهية بين الناس‪ ،‬تلك اللغة‬ ‫القاسية‪ ،‬ال يمكنها أن تحقق اإلبــداع بأي‬ ‫شكل‪ ،‬تلك اللغة ال يمكنها أن تنشد السالم‪،‬‬

‫أؤم ــن ب ــأن الــكــاتــب أو ال ــرس ــام‪ ،‬أو أي وال أن تدعو إليه‪ ،‬تجنب تلك اللغة‪ ،‬التي ال‬ ‫فنان بشكل عام‪ ،‬لديه قُدسية‪ ،‬يتعلق األمر تدعو إلــى أي شــيء ســوى اإلث ــارة‪ ،‬وضياع‬ ‫بالرؤية‪ ،‬والخيال‪ ،‬يتعلق كذلك بالحكمة‪ ،‬التي األدب‪.‬‬ ‫ * كاتبة ومترجمة ‪ -‬مصر‪ ،‬المصدر‪ :‬موقع ‪.lithub‬‬

‫ترجمة‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪95‬‬


‫الدكتورة ميساء زهدي الخواجا‬ ‫االلتفات إلى ضرورة التطور وحتميته في ظل التطورات‬ ‫السريعة التي يعيشها المجتمع المحلي والعالم على حد سواء‬ ‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫الناقدة الدكتورة ميساء زهدي الخواجا‪ ،‬أستاذ‬ ‫م ـش ــارك ف ــي ق ـســم ال ـل ـغــة ال ـعــرب ـيــة‪ ،‬بـكـلـيــة اآلداب‪،‬‬ ‫بجامعة الملك سعود‪« ،‬تلقي النقد العربي الحديث لألسطورة في شعر بدر شاكر‬ ‫السياب»‪ .‬هذا هو كتابها األول الذي أهدته للمكتبة المحلية والعربية‪ ،‬صدر عن‬ ‫النادي األدبــي الثقافي بالرياض ‪2009‬م؛ لديها العديد من الــدراســات والبحوث‬ ‫ومنها‪« ..‬ظاهرة الغموض في القصيدة الحديثة (رسالة ماجستير)»‪« ،‬تجليات‬ ‫الـمــاء ولغة الحلم‪ :‬ق ــراءة لتداعيات العنوان فــي دي ــوان أشـجــان هندي « للحلم‬ ‫رائحة المطر « (ورقة بحث قدمت في الدورة الثالثة لملتقى نادي القصيم األدبي‬ ‫‪ /‬نوفمبر ‪ 2007‬م)»‪« ،‬البحث عن هوية ‪ /‬قــراءة في شعر محمود درويــش (بحث‬ ‫منشور في مجلة «حقول» ‪/‬النادي األدبي في الرياض ‪ /‬نوفمبر‪2008/‬م)»‪« ،‬تلقي‬ ‫رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع ( ورقة بحث قدمت إلى ملتقى النقد في نادي‬ ‫الرياض األدبي‪ 3-1 /‬أبريل‪2008 /‬م‪ ،‬منشورات النادي األدبي ‪ /‬الرياض‪1431 /‬هـ‬ ‫)»‪« ،‬في تلقي الرواية النسائية السعودية « كتاب فيصل العتيبي» أنموذجا ( بحث‬ ‫قُ ــدم إلــى مؤتمر الخطاب السجالي ‪ /‬جامعة سوسة ‪ /‬تونس ‪ /‬أبريل ‪2009‬م)»‪،‬‬ ‫«حضور المرأة في رواية «رقص» لمعجب الزهراني‪ .‬ورقة بحثية قدمت في نادي‬ ‫الباحة األدبــي»‪ .‬وللدكتورة حضور في عدد من اللجان االستشارية والتعليمية‬ ‫والتحكمية‪ ،‬الدكتورة ميساء زهدي الخواجا‪ ..‬ضيفة «الجوبة» في حوار ثري‪..‬‬

‫‪96‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫رجاء عالم‬

‫مناوشة الواقع‪!..‬‬

‫باعتبارها محكيًا عنها وموضوعً ا لعدد‬ ‫من الدراسات النقدية‪ .‬ولعل مما يلفت‬ ‫النظر هو التفات عدد من النقاد العرب‬ ‫لإلبداع النسائي في السعودية واالهتمام‬ ‫الفت أثبتت‬ ‫بحضور ٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بدراسته‪ ،‬وهذا يشي‬ ‫فيه المبدعة السعودية مكانتها‪ .‬ويمكن‬ ‫القول إن المبدعة السعودية‪ ،‬السيما في‬ ‫مجال الرواية‪ ،‬قد اتجهت بشكل واضح‬ ‫إلى مناوشة الواقع والتركيز على هموم‬ ‫المرأة وقضاياها في المجتمع المحلي‪،‬‬ ‫وأنها تتمتع بقدر واضح من الجرأة في‬ ‫تناول تلك القضايا‪.‬‬ ‫آليات القراءة يمكن أن تتشابه أو تختلف‪!..‬‬

‫ ¦شـ ـ ــاركـ ـ ــت فـ ـ ــي ال ـ ـك ـ ـث ـ ـيـ ــر مـ ـ ــن ال ـ ـ ـنـ ـ ــدوات‬ ‫والفعاليات المحلية والعربية والعالمية‪¦ ،‬ح ـظ ـيــت ال ـس ــاح ــة ال ـث ـقــاف ـيــة الـمـحـلـيــة‬ ‫والعربية بعدد مــن األبـحــاث والــدراســات‬ ‫وهذا يدعوني أن أسألك‪ ،‬ما الذي يميز‬ ‫المهمة الـتــي قدمتها الــدكـتــورة ميساء‬ ‫الخطاب الثقافي واإلبداعي لدى المرأة‬ ‫ال ـخ ــواج ــا‪ ،‬ع ــن أع ـم ــال روائ ـي ــة وشـعــريــة‪،‬‬ ‫السعودية؟‬ ‫وك ـ ــان ل ـهــا األث ـ ــر ال ـ ــائ ـ ــق‪ ...،‬ولـ ــن أدع ــي‬ ‫بأني قــرأت كتابك «تلقي النقد العربي‬ ‫‪ρ ρ‬لقد ســعــدت بالمشاركة فــي عــدد من‬ ‫الـحــديــث لــأسـطــورة فــي شعر بــدر شاكر‬ ‫الملتقيات المحلية والعربية‪ ،‬وسعدت‬ ‫السياب»‪ ،‬ولكن قرأت عنه الكثير وما نشر‬ ‫أكثر بمشاركة زميالت لي في بعضها‪،‬‬ ‫منه‪ ،‬هل قيمة هذا الكتاب تقف عند بدر‬ ‫ولعله من الصعب الحكم بشكل قاطع‬ ‫شاكر السياب ومرحلته‪ ،‬أم يستوعب أفق‬ ‫على الخطاب الثقافي واإلبداعي للمرأة‬ ‫الشعر وقضاياه حتى في هذا العصر؟‬ ‫السعودية‪ ،‬ووضع نفسي في مجال تقييم‬ ‫تلك الــمــشــاركــات‪ ،‬أو وضعها كلها في ‪ρ ρ‬لقد تــنــاول كتابي تلقي النقد العربي‬ ‫لألسطورة في شعر بدر شاكر السياب‪،‬‬ ‫سلة واحــدة‪ .‬الخطاب اإلبداعي للمرأة‬ ‫وهو يهتم بآليات القراءة ومداخلها في‬ ‫السعودية ناضج ومتطور في كثير منه؛‬ ‫التعامل مــع ظــاهــرة محورية فــي شعر‬ ‫فالمبدعة السعودية استطاعت أن تشق‬ ‫الــســيــاب وه ــي األس ــط ــورة‪ .‬وم ــن هنا‪،‬‬ ‫طريقها وتثبت حضورها محل ًيًا وعربياً‪،‬‬ ‫كان هذا الكتاب محاولة لقراءة العملية‬ ‫سوا ًء أكان ذلك عبر مشاركتها المباشرة‬ ‫النقدية في حد ذاتها‪ .‬ورغم أنه يتناول‬ ‫شاعرًا بعينه‪ ،‬إال إن النظرية التي انطلق‬ ‫في الملتقيات‪ ،‬أو بصورة غير مباشرة‬

‫مواجهات‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪97‬‬


‫وزير الثقافة األمير بدر بن عبداهلل بن فرحان آل سعود‬

‫عددًا كبيرًا من النقاد يتبع فيهم السابق‬ ‫الالحق‪ ،‬وأن الشاعر قد حُ صر في عدد‬ ‫محدود من القصائد‪ ،‬وأ ُغفلت قصائد‬ ‫أخــرى كثيرة‪ .‬ولعل هــذا يرجع إلــى أن‬ ‫ع ــددًا مــن الــدارســيــن يقع تحت هيمنة‬ ‫دراسات سابقة‪ ،‬أو تحت هيمنة قصائد‬ ‫نالت شهرة على حساب قصائد أخرى‪،‬‬ ‫ومن ثم فإن االنطالق من منطقة مألوفة‬ ‫قد يبدو أكثر إغــراءً‪ ،‬وربما أكثر سهولة‬ ‫مــن تــأســيــس أرض ج ــدي ــدة‪ ،‬واقــتــحــام‬ ‫مناطق غير مــألــوفــة‪ .‬هــذه اإلشكالية‬ ‫فيما أرى ما زالــت مستمرة‪ ،‬ومــا يزال‬ ‫عــدد مــن الــدارســيــن يــرتــاح للعمل في‬ ‫المناطق المألوفة‪ ،‬فيتم التركيز على‬ ‫شعراء بعينهم‪ ،‬أو يتم اختزال الشاعر في‬ ‫قصائد بعينها‪.‬‬ ‫تأسيس المشهد الروائي‪!..‬‬ ‫ ¦مـ ـ ــا أه ـ ـ ــم االخ ـ ـ ـتـ ـ ــافـ ـ ــات «إن وج ـ ـ ـ ــدت»‪،‬‬ ‫ب ـي ــن روايـ ـ ـ ــات «الـ ـ ـ ـ ــرواد» ال ـت ــي ك ـت ـبــت فــي‬ ‫الثمانينيات والرواية التي تكتب اآلن؟‬

‫الروائي محمد حسن علوان‬

‫منها يمكن أن تنسحب على قراءة النقد‬ ‫العربي لظواهر شعرية أخرى ولشعراء‬ ‫مختلفين‪ .‬من هنا‪ ،‬فإني أرى أن هذا‬ ‫الكتاب يمكن أن ينسحب على مراحل‬ ‫شعرية مختلفة‪ ،‬فآليات الــقــراءة يمكن‬ ‫أن تتشابه أو تختلف‪ ،‬وما يعنينا هنا هو‬ ‫كيفية التعامل النقدي مع النص األدبي‬ ‫شــع ـرًا ك ــان أم نــث ـرًا‪ .‬مــن اإلشــكــالــيــات‬ ‫المهمة التي الحظتها عند دراستي أن‬

‫‪98‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫يكاد يتفق كثي ٌر من الدارسين على أن‬ ‫الرواية في المملكة العربية السعودية قد‬ ‫بدأت مبكرة منذ ثالثينيات القرن الماضي‪،‬‬ ‫ويبدأها بعضهم برواية (التوأمان) لعبد‬ ‫القدوس األنصاري‪ .‬وبعيدًا عن التأريخ‪..‬‬ ‫يمكن القول إن الرواية السعودية كانت‬ ‫في بداياتها تتالءم مع بدايات الرواية‬ ‫فــي الــعــالــم الــعــربــي‪ ،‬مــن حــيــث ضعف‬ ‫البناء والتقريرية والحرص على اإلصالح‬ ‫والــوعــظ فــي ع ــدد مــنــهــا‪ ،‬إضــافــة إلــى‬ ‫سذاجة الطرح ومحاولة الهرب من البيئة‬ ‫المحلية أحيانا‪ .‬في فترات الحقة شهدت‬ ‫الرواية السعودية تطورًا واضحً ا وظهور‬

‫مواجهات‬


‫أســمــاء كــان لها بصمتها وأهميتها في‬ ‫تأسيس المشهد الــروائــي المحلي مثل‬ ‫إبراهيم الناصر الحميدان وغيره‪ .‬ويكاد‬ ‫يتفق الدارسون على أن فترة الثمانينيات‬ ‫من القرن العشرين قد شهدت انطالقة‬ ‫حقيقية للرواية السعودية‪ ،‬وبرز عدد من‬ ‫الروائيين الذين اهتموا بمعالجة مشكالت‬ ‫المجتمع الــمــحــلــي‪ ،‬وقــضــايــا الــعــاقــة‬ ‫بين الريف والمدينة‪ ،‬والبعد القومي‪،‬‬ ‫والعالقة بين الرجل والمرأة‪ ،‬مع غزارة‬ ‫نسبية في ك ّم اإلنتاج الروائي يصاحبها‬ ‫نض ٌج فني وعم ٌق في التناول‪ ،‬وبعد عن‬ ‫المباشرة والتقريرية‪ .‬وشيئًا فشيئًا مال‬ ‫الروائيون للتجريب‪ ..‬فظهرت مالمح فنية‬ ‫مثل الحكي داخل الحكي‪ ،‬وتعدد الرواة‪،‬‬ ‫وتوظيف تيار الــوعــي‪ ،‬وتكسير الزمان‬ ‫والمكان‪ ،‬إضافة إلى توظيف العجائبي‬ ‫واألسطرة واالستفادة من توظيف التراث‬ ‫والتاريخ وما إلى ذلك‪ .‬واستطاع عدد من‬ ‫الروائيين إثبات حضورهم عربيًا وعالميًا‬ ‫نحو عــبــده خ ــال‪ ،‬ويــوســف المحيميد‪،‬‬ ‫وغازي القصيبي‪ ،‬وتركي الحمد‪ ،‬ومحمد‬ ‫حــســن عــلــوان وغــيــرهــم‪ ،‬وفـــاز بعضهم‬ ‫بجوائز عالمية كما هو األمــر مع عبده‬ ‫خال ومحمد حسن علوان‪.‬‬

‫عرف بـ«الطفرة الروائية النسائية»‪ ،‬إذ‬ ‫اقتحمت المرأة المشهد الروائي بقوة‪،‬‬ ‫واهتمت بالتجريب وتناول المسكوت عنه‬ ‫في جرأة واضحة‪ ،‬مع التركيز على تناول‬ ‫قضايا الــمــرأة ومشكالتها‪ .‬وقــد بــرزت‬ ‫أسماء روائية نسائية وأثبتت حضورها‬ ‫محليًا وعربيًا وعالميًا‪ ،‬ومنها رجاء عالم‪،‬‬ ‫وأميمة الخميس‪ ،‬وبدرية البشر‪ ،‬وليلى‬ ‫الجهني‪ ،‬ورجاء الصانع‪ ،‬ونورة الغامدي‪،‬‬ ‫وغيرهن‪ ،‬وقــد فــازت الــثــاث األولــيــات‬ ‫بجوائز عالمية‪.‬‬ ‫يمكن الــقــول إن المشهد الــروائــي اآلن‬ ‫كبير وبــكـ ٍّم واض ـ ٍـح من‬ ‫بحضور ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يحظى‬ ‫اإلنتاج الروائي على تفاوت في المستوى‪،‬‬ ‫وقد استمر عدد من كُتاب الجيل السابق‬ ‫بالكتابة والتجريب مع حضور ألسماء‬ ‫روائية شابة‪ ،‬ومما يلفت النظر هو ميل‬ ‫بعض الــروائــيــيــن الشباب صــوب كتابة‬ ‫مــا يعرف بـــ«روايــة الخيال العلمي» أو‬ ‫«رواية الخوارق»‪ ،‬رغم عدم وعي بعضهم‬ ‫بمفهومها أو بمفهوم الرواية‪ ،‬كما يلفت‬ ‫النظر استعجال بعضهم ونشر أعمال‬ ‫ضعيفة فنيًا ولــغــو ًيــا دون مــراجــعــة أو‬ ‫تدقيق‪ .‬ورغ ــم ذلــك كله يــبــدو المشهد‬ ‫الروائي المحلي غنيًا بشكل أثبت حضوره‬ ‫بقوة محليًا وخليجيًا وعربيًا‪.‬‬

‫مما يلفت النظر أن الرواية النسائية في‬ ‫المملكة قد بــدأت متأخ ًر نسبيًا وربما‬ ‫المملكة العربية السعودية‪..‬‬ ‫يرجع ذلــك إلــى تأخر التعليم النظامي‬ ‫ ¦م ــن ال ـم ــاح ــظ أن حـ ـض ــور ال ـ ـمـ ــرأة فــي‬ ‫للمرأة‪ .‬لكن الرواية النسائية استطاعت‬ ‫المنابر اإلعالمية والثقافية ومشاركتها‬ ‫أن تسابق الزمن وأن تنافس بقوة محليًا‬ ‫في الفعاليات في تزايد اآلن‪ ،‬وينسب هذا‬ ‫وعربيًا‪ ،‬ولعل من أبــرز االختالفات بين‬ ‫التغيير اإليجابي لــرؤيــة‪ ،2030‬الدكتورة‬ ‫ما كتب في البدايات وما كتب في مرحلة‬ ‫ميساء‪ ،‬كيف تقرأ المشهد الثقافي؟‬ ‫الثمانينيات من جهة وما كتب بعد عام‬ ‫‪2000‬م مــن جهة أخ ــرى‪ ،‬هــو ظــهــور ما ‪ρ ρ‬لقد أدرك خ ــادم الحرمين الشريفين‬

‫مواجهات‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪99‬‬


‫الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير محمد بن‬ ‫سلمان أهمية وجود تخطيط استراتيجي‬ ‫للقريب والبعيد على حــد س ــواء‪ ،‬وأنــه‬ ‫ال نمو للمجتمعات دون رؤيــة تنظر في‬ ‫عمق المجتمع وتراعي طبقاته وفئاته‬ ‫ومتغيرات حياته‪ ،‬وااللتفات إلى ضرورة‬ ‫الــتــطــور وحتميته فــي ظــل الــتــطــورات‬ ‫السريعة التي يعيشها المجتمع المحلي‬ ‫ويعيشها العالم على حد ســواء‪ ،‬فكانت‬ ‫رؤيـ ــة ‪ 2030‬الــتــي تــخــطــط لمستقبل‬ ‫اإلنــســان والــبــاد‪ .‬وتكمن أهمية هذه‬ ‫الرؤية في أنها تعمل على تفعيل الطاقات‬ ‫البشرية‪ ،‬تستثمر في اإلنسان وترتكز على‬ ‫مضاعفة قدراته‪ .‬إنها تبدأ من المجتمع‬ ‫وإليه تنتهي‪ .‬ويتبدى ذلك في محاورها‬ ‫األســاس‪ :‬مجتمع حيوي (قيمه راسخة‪،‬‬ ‫بيئته عــامــرة‪ ،‬وبنيانه متين)‪ ،‬اقتصاد‬ ‫مزدهر (فرصه مثمرة‪ ،‬استثماره فاعل‪،‬‬

‫‪100‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تنافسيته جاذبة‪ ،‬وموقعه مستقل)‪ ،‬وطن‬ ‫طموح (حكومته فاعلة‪ ،‬مواطنه مسؤول)‪.‬‬ ‫وتفاعل تلك المحاور كلها ينتج مجتمعًا‬ ‫يعرف إمكاناته‪ ،‬ويفخر بإرثه الثقافي‪،‬‬ ‫كما يعمل بكل طاقاته وقدراته‪.‬‬ ‫إن المتابع للمشهد الثقافي المحلي داخل‬ ‫المملكة العربية السعودية يستطيع أن‬ ‫متسارعة‬ ‫ٍ‬ ‫وقفزات‬ ‫ٍ‬ ‫يلمح حراكًا واضحً ا‬ ‫تستفيد من الرؤية وتستند إليها‪ ،‬كما‬ ‫يمكنه أن يالحظ زيادة األنشطة الثقافية‬ ‫والترفيهية‪ ،‬وقد أسهمت األندية األدبية‬ ‫وجمعيات الثقافة والفنون بدور بارز في‬ ‫ذلك‪ .‬وقد كان للمرأة السعودية المثقفة‬ ‫مشاركات واضحة في ذلك الحراك‪ .‬بل‬ ‫إن المشهد يتجه أكثر وأكثر صوب تفعيل‬ ‫دور المرأة‪ .‬وال يخفى أن المثقفة والكاتبة‬ ‫السعودية قد عاشت سنوات من المعاناة‬ ‫والتهميش والــغــيــاب‪ ،‬وقــد كــان حضور‬ ‫بعضهن حضورًا فرديًا متبوعً ا بتضحيات‬ ‫ومعاناة كثيرة‪ .‬ويحفظ لنا التاريخ أسماء‬ ‫كاتبات رائدات حفرن في الصخر ليصل‬ ‫صوتهن وتصل كلماتهن‪ ..‬كما فعلت خيرية‬ ‫السقاف وفوزية أبو خالد وصفية بنت‬ ‫زقر وغيرهما‪ ،‬بل إن بعضهن اضطر إلى‬ ‫الكتابة باسم مستعار هربًا من مواجهة‬ ‫المجتمع ومن الثقافة التي ترى عيبًا في‬ ‫ظهور المرأة وظهور اسمها‪ ،‬وتعد الكتابة‬ ‫جــر ًمــا ينبغي الــعــقــاب عــلــيــه‪ .‬ويحفظ‬ ‫التاريخ األدبي والثقافي المعارك األدبية‬ ‫والهجوم الذي تعرضت له مجموعة من‬ ‫المثقفات والكاتبات‪ ،‬األمــر الــذي أدى‬ ‫إلى صمت بعضهن وتوقفهن عن الكتابة‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك يحفظ التاريخ الثقافي‬ ‫‪ -‬حتى وقت قريب ‪ -‬غياب المرأة عن‬

‫مواجهات‬


‫مراكز القيادة وغيابها‪ ،‬بالتالي عن موضع‬ ‫القرار‪ ،‬وعن دعم القرارات التي يمكنها‬ ‫أن تسند حضور الــمــرأة وتدعمه على‬ ‫كافة األصعدة‪.‬‬

‫ب ـجــريــدة ال ـش ــرق األوس ـ ــط ي ـتــداخــل مع‬ ‫محتوى كتاب «اللغة والجنس» لمؤلفه‬ ‫عيسى برهومة‪ ،‬والذي يستعرض تداخل‬ ‫مقوالت لباحثين وباحثات‪ ،‬ويؤكد وجود‬ ‫هوة بين الجنسين في أكثر الدول تغنيً ا‬ ‫بــالـمـســاواة والـحــريــة‪ ،‬وهـنــاك وصــف بأن‬ ‫الـمــرأة أقــل حزمً ا من الرجل وعاطفية‪،‬‬ ‫حـتــى فــي اسـتـخــدامـهــا لـلـمـفــردات التي‬ ‫تخلو من الجزم في الكالم‪« :‬أظن‪ ،‬أتصور‪،‬‬ ‫وأتوقع»‪ ،‬وسريعة الدهشة‪ ،‬وقد يُ ستغرب‬ ‫ح ـضــور ال ـم ــرأة ف ــي ال ـف ـضــاء ال ـن ـقــدي‪،..‬‬ ‫الــدكـتــورة ميساء زه ــدي‪ ،‬م ــاذا تـقــول في‬ ‫هذا االتجاه؟‬

‫مــع تــنــامــي حــضــور ال ــم ــرأة عــلــى كافة‬ ‫الــمــســتــويــات اإلبــداعــيــة‪ ،‬وزيــــادة عــدد‬ ‫ال ــك ــات ــب ــات الـ ــروائـ ــيـ ــات وال ــق ــاص ــات‬ ‫والــشــاعــرات وكاتبات المقالة‪ ،‬وتنامي‬ ‫عدد المثقفات والفنانات وزيادة وعيهن‬ ‫وحرصهن على إثبات وجودهن‪ ،‬كان ال‬ ‫بد من وقفة لتفعيل مشاركة المرأة بشكل‬ ‫أكبر‪ .‬وقد لوحظ هذا التنامي في تفعيل‬ ‫دور المرأة ال سيما حين صــدر القرار‬ ‫السامي بمشاركة الــمــرأة فــي عضوية ‪ρ ρ‬مـــن ال ــم ــع ــروف أن الــلــغــة ن ــظ ــام من‬ ‫العالقات يهدف إلى إقامة التواصل في‬ ‫مجالس إدارة األندية األدبية‪ ،‬ورأينا كيف‬ ‫المقام األول‪ ،‬لكن اللغة ليست مجرد‬ ‫أصبحت المرأة شريكة في بعض المراكز‬ ‫نظام مجرد‪ ،‬بل هي كيان مُحمّل بقيم‬ ‫القيادية فــي األنشطة الثقافية‪ ،‬فهي‬ ‫وأنساق ثقافية ترتبط بطبيعة المجتمع‬ ‫عضوة في مجلس إدارة جمعية الثقافة‬ ‫ووعيه الجمعي‪ ،‬ونظرته إلى الكون بكل‬ ‫والــفــنــون‪ ،‬وه ــي عــضــوة فــي جمعيات‬ ‫تفاصيله‪ .‬والــفــرد فــي ممارسته للغة‬ ‫الثقافة والفنون واألندية األدبية واللجان‬ ‫يكتسب شعورًا باالنتماء إلــى الجماعة‬ ‫المختلفة‪ .‬هي حاضرة إعالميًا‪ ،‬وكاتبة‬ ‫المحيطة‪ ،‬ونــوعً ــا من التوافق النفسي‬ ‫مقالة ثابتة في الصحف اليومية‪ ،‬وهي‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬وبذلك يظل السلوك اللغوي‬ ‫أيضا مقدمة ومعدة برامج تليفزيونية‬ ‫والسلوك االجتماعي في حالة تفاعل‬ ‫وإذاعية‪ ،‬ومشاركة في معارض تشكيلية‪،‬‬ ‫مستمر كما يرى بعض علماء اللغة‪ .‬ومن‬ ‫وهي ناقدة وسينمائية ومسرحية‪ .‬إن ذلك‬ ‫الــمــعــروف فــي الــدراســات االجتماعية‬ ‫كله يسير صوب تمكين المرأة واالعتراف‬ ‫والدراسات النسوية أن المجتمعات قد‬ ‫بأهليتها بأنها شريك فاعل للرجل في‬ ‫تبنت نوعً ا من الثنائية الضدية والتقسيم‬ ‫مختلف المجاالت وهــو ما نصت عليه‬ ‫بين الــرجــل والــمــرأة نتج عنه تراتبية‬ ‫الرؤية كما سبقت اإلشارة‪.‬‬ ‫تضع الرجل في المكانة األعلى‪ ،‬وتضع‬ ‫نوعا من الثنائية‬ ‫المجتمعات تبنت ً‬ ‫المرأة في منزلة أدنى‪ ،‬وتقسيم للفضاء‬ ‫الضدية‪!..‬‬ ‫وللعمل‪ .‬وقد جادلت الدراسات الجندرية‬ ‫ ¦ه ــل ه ـن ــاك ك ــام رجـ ــال وكـ ــام ن ـس ــوان؟»‬ ‫في أن الفروق بين الجنسين هي فروق‬ ‫هـ ــذا الـ ـس ــؤال ه ــو عـ ـن ــوان ل ـم ـقــال قــرأتــه‬ ‫ثقافية فــي المقام األول‪ ،‬وأن الرجل‬

‫مواجهات‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪101‬‬


‫على م ّر التاريخ قد صنع الخطاب وكون‬ ‫المفاهيم عن نفسه وعن المرأة‪ ،‬فأعطت‬ ‫الثقافة الرجل (المهيمن) ما هو إيجابي‪،‬‬ ‫كالشجاعة‪ ،‬والعقل‪ ،‬واالت ــزان‪ ،‬والقوة‪،‬‬ ‫وغيرها‪ ،‬وألصقت بالمرأة ما هو أدنى‪،‬‬ ‫ومــا هــو سلبي‪ ،‬كالعاطفية‪ ،‬والــثــرثــرة‪،‬‬ ‫والغدر‪ ،‬والضعف‪ ،‬وما إلى ذلك‪ .‬وتسهم‬ ‫التربية في تعميق تلك الصفات وتعزيزها‬ ‫في وعي الرجل وفي متصور المرأة عن‬ ‫سلوكية‬ ‫ٍ‬ ‫أنماط‬ ‫ٍ‬ ‫نفسها‪ ،‬وتربى الفتاة على‬ ‫معينة وعلى توظيف لغة قد تبدو أكثر‬ ‫ٍ‬ ‫ال للتأدب من لغة الرجل‪.‬‬ ‫محافظ ًة ومي ً‬ ‫وفيما أرى‪ ،‬فــإن هــذه الــهــوة مــا تــزال‬ ‫موجودة وما يزال التقسيم موجودًا على‬ ‫اختالف في الدرجة ما بين مجتمع وآخر‪.‬‬

‫الملك سلمان بن عبدالعزيز‬

‫هناك كالم رجال وكالم نسوان) بالفكرة‬ ‫التي ذكرتها سابقا‪ ،‬وهي الفكرة القائمة‬ ‫على التصنيف الثقافي بين الجنسين‪،‬‬ ‫وهــو تصنيف عــززتــه الثقافة على م ّر‬ ‫العصور وعمل على خلق متصور ضمني‬ ‫عن المرأة وطبيعتها‪ ،‬وأوجــد نوعً ا من‬ ‫التوجس والنظرة الدونية إلى عقل المرأة‬ ‫ـوع من‬ ‫وخطابها‪ ،‬كما عمل على خلق نـ ٍ‬ ‫اإلقصاء للمرأة عما هو مرتبط بالعقالنية‬ ‫والــمــوضــوعــيــة‪ ،‬وم ــن ثــم أقــصــاهــا عن‬ ‫مجاالت مثل الفلسفة والنقد‪،‬على اعتبار‬ ‫أنها من األمــور العقلية التي ال تنسجم‬ ‫و(طبيعة الــمــرأة)‪ .‬غير أن الــمــرأة قد‬ ‫اقتحمت تلك المجاالت وأثبتت جدارتها‬ ‫فيها‪ ،‬كما برهنت على قدرة واضحة على‬ ‫النظر الموضوعي وخوض غمار الجدل‬ ‫العقلي بشكل ال يقل عن الرجل‪.‬‬

‫إن العزل المكاني وتضييق الفضاء وتأخر‬ ‫التعليم من العوامل التي يمكن أن تسهم‬ ‫بشكل قــوي في تكوين مــفــردات المرأة‬ ‫وخطابها‪ ،‬وهو ما جعل بعض الدارسين‬ ‫يتحدث عن وجود فرق بين خطاب المرأة‬ ‫وخطاب الــرجــل‪ ،‬ويرفد ذلــك الالوعي‬ ‫المترسخ عميقًا حول الطبيعة المتصورة‬ ‫عن الــمــرأة أو المطلوبة منها‪ ،‬غير أن‬ ‫تطور وعي المرأة واقتحامها فضاء الحياة‬ ‫العامة ومغامرة الكتابة قد أنتجت‪ ،‬فيما‬ ‫أرى‪ ،‬خطابًا مختلفًا‪ ،‬ولعل ما يدعم هذا‬ ‫هو تغير مفردات ذلك الخطاب بازدياد‬ ‫الوعي‪ ،‬وتعمد بعض الكاتبات توظيف‬ ‫لغة عرفت بأنها لغة للرجل فيما مضى‪،‬‬ ‫ما يهم هنا هو الوعي‪!..‬‬ ‫وكان بعضهن أكثر جرأة في توظيف لغة‬ ‫الجسد‪ ،‬وتــنــاول المسكوت عنه لمحو ¦ه ـنــاك ت ـج ــارب نـقــديــة س ـعــوديــة وعــربـيــة‬ ‫المتصور السائد عن وجــود االختالف‬ ‫اس ـت ـح ـضــرت ف ــي س ـيــاق ـهــا مـصـطـلـحــات‬ ‫بين الرجل والمرأة‪.‬‬ ‫غ ــرب ـي ــة ل ـه ــا مــرج ـع ـي ـت ـهــا وواقـ ـعـ ـه ــا‪ ،‬هــل‬ ‫يرتبط التساؤل الــذي أشــرت إليه (هل‬ ‫ه ـن ــاك م ـب ــرر إي ـج ــاب ــي ل ـه ــذا الـتـجـنـيــس‬

‫‪102‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫للمصطلحات في الثقافة العربية؟‬ ‫لــيــس خــاف ـ ًيــا أن معظم مــا يكتب من‬ ‫نقد عربي في العصر الحديث يستمد‬ ‫مــرجــعــيــتــه مــن الــنــقــد الــغــربــي‪ ،‬وذلــك‬ ‫على خالف النقد العربي القديم الذي‬ ‫استفاد في بعض مفاهيمه من الفلسفة‬ ‫والفكر الغربي‪ ،‬إال إنه انطلق من التجربة‬ ‫العربية وارتــبــط بطبيعة النص األدبــي‬ ‫العربي‪ .‬بصرف النظر عــن المبررات‬ ‫واألسباب‪ ،‬فالحقيقة واقعة‪ ..‬وكثير من‬ ‫المصطلحات النقدية المعاصرة هي‬ ‫مصطلحات ذات مرجعية غربية‪ ،‬وما‬ ‫يهم هنا هو الوعي بتلك المصطلحات‬ ‫ومرجعيتها‪ ،‬وأن ال يكون هناك تماهٍ مطلق‬ ‫فيها فيتم إقحامها على النص دون مبرر‪.‬‬ ‫تنوع االختيارات الكتابية عند‬ ‫الشعراء‪!..‬‬ ‫ ¦تـ ـن ــاول ــت ع ـ ــدد مـ ــن األسـ ـ ـم ـ ــاء ال ـش ـعــريــة‬ ‫البارزة‪ ،‬التي تنتمي لمرحلة السبعينيات‬ ‫وال ـث ـم ــان ـي ـن ـي ــات مـ ــن ال ـ ـقـ ــرن ال ـم ــاض ــي‪،‬‬ ‫بقراءات نقدية‪« ،‬محمد الثبيتي‪ ،‬محمود‬ ‫درويش‪ ،‬فوزية أبو خالد‪ ،‬أشجان هندي‪..‬‬ ‫وغيرهم»‪ ،‬كيف تقرئين المشهد الشعري‬ ‫اآلن؟‬ ‫‪ρ ρ‬لقد كانت لي بحوث مختلفة عن تجارب‬ ‫شعرية محلية وعربية‪ ،‬وهي كما ذكرت‬ ‫تنتمي إلــى مــراحــل سابقة مــن القرن‬ ‫العشرين‪ .‬وفــي الفترة األخــيــرة أحــاول‬ ‫قــــراءة تــجــربــة الــشــعــراء الــشــبــاب في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬وقد الحظت‬ ‫أن هذه التجربة لم يتم االلتفات إليها‬ ‫كاف‪ ،‬وحاولت قراءة تجارب شعراء‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أص ــدروا عملهم األول فقط‪ ،‬فــي حين‬

‫مواجهات‬

‫أصدر شعراء آخرون أكثر من مجموعة‪.‬‬ ‫ومما لفت نظري غنى هذه التجربة مع‬ ‫تفاوت في المستوى الفني فيها‪ .‬ويرجع‬ ‫هذا الغنى إلى تنوع االختيارات الكتابية‬ ‫عند الشعراء الشباب‪ ،‬فهناك انحياز‬ ‫واضح صوب قصيدة النثر وصوب غياب‬ ‫التجنيس عند عدد من هؤالء الشعراء‪،‬‬ ‫في حين مال شعراء آخرون صوب الشعر‬ ‫الحر (التفعيلة)‪ ،‬كما يلفت النظر أيضا‬ ‫ع ــودة واضــحــة صــوب كتابة القصيدة‬ ‫التناظرية (العمودية)‪ .‬هذا التجاور في‬ ‫األشكال الشعرية يثري المشهد الشعري‬ ‫المحلي كما يثري القراءة النقدية أيضا‪.‬‬ ‫إن تتبع المشهد الشعري الشبابي يمكن‬ ‫أن يصل بــالــقــارئ إلــى ثيمات متكررة‬ ‫ومالمح تبدو مشتركة بين عدد كبير من‬ ‫الشعراء الشباب‪ ،‬وقد أشرت إلى ذلك‬ ‫في بعض المقاالت وفي بحوث تناولت‬ ‫تلك التجارب‪ ،‬ومنها هيمنة فكرة الموت‬ ‫والعزلة وغياب دور المثقف العضوي‬ ‫الفاعل‪ ،‬غياب اآلخــر وانحسار واضح‬ ‫صوب الــذات وعالمها المغلق‪ ،‬وهيمنة‬ ‫ثيمة الــمــوت وم ــا يمكن أن يسمى بـ‬ ‫«جمالية القبح»‪ ،‬إضافة إلى وجود عدد‬ ‫من االستعارات والصور المتقاربة‪ ..‬األمر‬ ‫الذي يثير تساؤالً كبيرًا حول هذا األمر‪.‬‬ ‫قد يرجع ذلك إلى تشابه في المرجعية‬ ‫عند ه ــؤالء الــشــعــراء والــتــأثــر بخطاب‬ ‫شــعــري لــمــن عــرفــوا بــأســاتــذة الــيــأس‪،‬‬ ‫وممن تهيمن عليهم السلبية والتشاؤم‪،‬‬ ‫أو يرجع إلى ضياع الفرد وسط هيمنة‬ ‫العولمة والتكنولوجيا واالنفتاح المطلق‬ ‫والالنهائي للكون‪ .‬إضافة إلى ذلك هناك‬ ‫نــوع من حيرة الشكل واالختيار الفني‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪103‬‬


‫عند شــعــراء آخــريــن مــا بين القصيدة‬ ‫التناظرية والتفعيلية من جهة‪ ،‬وقصيدة‬ ‫النثر والخاطرة الشعرية من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ويصحب ذلك أحيانا نو ٌع من عدم الوعي‬ ‫أو التردد والضعف اللغوي ال سيما في‬ ‫البدايات واإلص ــدارات األولــى‪ .‬وكــل ما‬ ‫سبق يشي بــثــراء واض ــح فــي المشهد‬ ‫الشعري السعودي‪ ،‬ال سيما إذا ما التفتنا‬ ‫إلى تجربة شعراء الثمانينيات وما بعدها‪،‬‬ ‫الــذيــن اســتــمــروا فــي الكتابة وأنتجوا‬ ‫تجارب مهمة محليًا وعربيًا وعالميًا ما‬ ‫زالت تستحق القراءة والحفر فيها‪.‬‬ ‫نعيش عصر هيمنة الرواية‪!..‬‬

‫كتابية إن صح التعبير‪ .‬لكن هناك من‬ ‫يتجه إلى كتابة الرواية نتيجة وعي وفني‬ ‫بأن الرواية تتيح فضاءات للتعبير قد ال‬ ‫يتيحها الشعر‪ ،‬كما يرون‪ .‬ومن ثم فإن هذا‬ ‫التحول هو نوع من التواصل بين فضاءات‬ ‫الكتابة ال سيما في ظل اآلراء التي تنادي‬ ‫بغياب الــحــدود الفاصلة بين األجناس‬ ‫األدبية‪ ،‬وبأن الكتابة فضاء مفتوح أمام‬ ‫المبدع يختار منه ما يشاء‪ ،‬وفــي هذا‬ ‫اإلطار نرى نوعً ا من التمازج بين الرواية‬ ‫والشعر وتداخل السردي بالشعري‪ .‬من‬ ‫الصعب الحكم على أسباب التحول من‬ ‫الشعر إلى السرد عند شاعر معين‪ ،‬أو‬ ‫تعميم الرأي لكن المقياس هنا هو مدى‬ ‫الوعي بطبيعة العمل الروائي‪ ،‬وباختالف‬ ‫شروط الكتابة فيه‪ ،‬وبالتالي ال أرى أية‬ ‫إشكالية في االنتقال بين الشعر والسرد‬ ‫م ــادام الــوعــي الفني مــوجــودًا‪ ،‬ومــا دام‬ ‫ال روائيًا يستحق القراءة‬ ‫العمل المنتج عم ً‬ ‫ولــيــس مــجــرد حكي ونــقــل تفاصيل أو‬ ‫يوميات وآراء‪.‬‬

‫ ¦أن ي ـك ـتــب ش ــاع ــر «مـ ـ ــا» رواي ـ ـ ــة أو ع ـم ـ ًا‬ ‫سرديًا‪ ،‬لم يعد شيئًا غريبًا‪ ،‬فهذه الحالة‬ ‫أصبحت منتشرة في الساحات الثقافية‬ ‫العربية‪ ،‬فمن الكتّاب من يرفض وصف‬ ‫هذه الحالة بالتحول‪ ،‬بل يعتبره تواص ًال‬ ‫طبيعيُ ا بين فضاءات الكتابة‪ ،‬ومــن حق‬ ‫الشاعر أن يحضر في أي فضاء إبداعي‪،‬‬ ‫وأن هــذه الحالة ليست بالجديدة على‬ ‫قد ال يكون نسويا بالضرورة‪!..‬‬ ‫ال ـش ــاع ــر‪ ..‬وم ـن ـهــم م ــن ي ــرى أن ـه ــا عـقــدة‬ ‫الـتـصـنـيــف ول ـهــا سـلـبـيــاتـهــا ال ـتــي تعاني ¦»األدب الـ ـنـ ـس ــوي» أو «أدب الـ ـ ـم ـ ــرأة» أو‬ ‫«أدب األن ـثــى»‪ ..‬بين االخـتــاف والقبول‬ ‫منها الساحة الثقافية‪ ،‬ما رأيك؟‬ ‫والرفض‪ ،‬الدكتورة ميساء على أي ضفة‬ ‫‪ρ ρ‬التحول بين األجناس األدبية هو نوع من‬ ‫تقف‪ ،‬وم ــاذا توثق مــن أسـطــرٍ خلف هذا‬ ‫االختيار الفني للمبدع‪ ،‬وكما أشرت في‬ ‫التساؤل؟‬ ‫سؤالك فهو أمر معروف عربيًا وعالميًا‪،‬‬ ‫وبات مألوفًا في الفترة األخيرة‪ .‬غير أن ‪«ρ ρ‬األدب النسوي» من أكثر المصطلحات‬ ‫إشكالية فــي النقد األدبـــي‪ ،‬ومــا يــزال‬ ‫هــذا األمــر له جانبان‪ ،‬فهناك من وقع‬ ‫الخالف حوله قائمًا‪ .‬وفيما أرى فإنه‬ ‫تحت وطــأة الفكرة القائلة بأنا نعيش‬ ‫ينبغي التمييز بين «األدب النسوي» من‬ ‫عصر هيمنة الرواية‪ ،‬ومن ثم فإن التحول‬ ‫جهة و «األدب النسائي» و«أدب المرأة»‬ ‫صــوب الــروايــة هــو نــوع مــن البحث عن‬ ‫الشهرة واالنتشار والجري وراء موضة‬ ‫مــن جــهــة أخـ ــرى‪ ،‬إذ يشير المصطلح‬

‫‪104‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫مــن مختلف الــمــنــاطــق محليًا وعــربـ ًيــا‬ ‫ودول ـ ًيــا‪ .‬ورغــم إشكاليات التكنولوجيا‬ ‫واالنقطاعات المتكررة أحيانا إال إنها‬ ‫كانت تجارب ناجحة والتفاعل فيها جيد‪.‬‬ ‫وفيما أرى فإن هذه التجارب يمكن أن‬ ‫تستمر الحقًا جنبًا إلى جنب مع اللقاءات‬ ‫غير اإللكترونية‪ ،‬فالتفاعل اإلنساني مه ٌم‬ ‫جدًا وهذا شيء يصعب االستغناء عنه‪،‬‬ ‫وال يمكن أن تحققه التكنولوجيا‪.‬‬

‫األول إلى أدب ذي سمات محددة ترتبط‬ ‫بالدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها في‬ ‫ظل المجتمع الذكوري والتراتب القهري‬ ‫الذي فرضه المجتمع على المرأة‪ ،‬ويمكن‬ ‫أن يكتب هذا األدب الرجل والمرأة على‬ ‫حــد س ــواء‪ .‬فــي حين أن المصطلحين‬ ‫اآلخــريــن يرتبطان ب ــاألدب الــذي تكتبه‬ ‫المرأة وقد ال يكون نسويًا بالضرورة‪ ،‬فقد‬ ‫نصا تتبنى فيه تمامًا قيم‬ ‫تكتب المرأة ً‬ ‫الذكورة‪ ،‬أو تتماهى فيه مع أدب الرجل‪.‬‬ ‫أعمل على تطوير مكتبتي‪!..‬‬ ‫من جهة أخــرى أنا ال أميل إلى الفصل‬ ‫بين أدب المرأة وأدب الرجل على أساس ¦هــل لنا أن نتعرف على محتوى مكتبة‬ ‫الناقدة الدكتورة ميساء زهدي الخواجا؟‬ ‫أن المرأة أقــدر على تناول موضوعات‬ ‫تخص عالمها األنثوي‪ ،‬كما يجادل في ‪ρ ρ‬مكتبتي أدبــيــة فــي المقام األول‪ ،‬فيها‬ ‫ذلك بعض الدارسين‪ ،‬أو أن أدبها يتمتع‬ ‫الكثير من الروايات واألعمال الشعرية‪،‬‬ ‫بسمات لغوية وأسلوبية خاصة بها‪ .‬هذا‬ ‫وفــيــهــا الكثير مــن كــتــب الــنــقــد األدب ــي‬ ‫تصنيف جــنــدري يقسم فــي األدب إلى‬ ‫القديم والــحــديــث‪ ،‬ال سيما مــا يخص‬ ‫نوعين بحسب جنس مبدعه‪ ،‬فــاألدب‬ ‫السرد والشعر‪ ،‬مع التركيز األكبر على‬ ‫إبــداع إنساني بصرف النظر عن جنس‬ ‫الدراسات الحديثة‪ .‬فيها كذلك كتب تهتم‬ ‫المبدع‪.‬‬ ‫بالنسوية ودراسات المرأة واألنثربولوجيا‬ ‫وحضارات الشعوب ومعتقداتهم‪ ،‬مع شيء‬ ‫يمكن أن تستمر الحقا‪!..‬‬ ‫من كتب الفلسفة وعلم النفس‪ .‬وما أزال‬ ‫ ¦في فترة الحجر المنزلي‪ ،‬نشطت الكثير‬ ‫أعمل على تطوير مكتبتي‪ ،‬وأحرص على‬ ‫من الفعاليات االفتراضية التي نظمتها‬ ‫زيارة معارض الكتب ومتابعة اإلصدارات‬ ‫األنـ ـ ــديـ ـ ــة األدب ـ ـ ـيـ ـ ــة وب ـ ـعـ ــض ال ـم ـن ـص ــات‬ ‫الجديدة‪.‬‬ ‫اإلل ـ ـك ـ ـتـ ــرون ـ ـيـ ــة‪ ،‬تـ ـف ــاع ــل م ـع ـه ــا ال ـن ـق ــاد‬ ‫ربما إكمال مشروع كتاب‪!..‬‬ ‫والـ ـشـ ـع ــراء وال ـم ـث ـق ـفــون واإلع ــامـ ـي ــون‪،‬‬ ‫وقــد سجلت أرق ــام كبيرة للمتابعين‪ ،‬ما ¦‪ ..‬أج ـ ـ ــد نـ ـفـ ـس ــي مـ ـلـ ـت ــزم ــا ب ــال ـخ ــات ـم ــة‬ ‫تقييم الــدك ـتــورة مـيـســاء لـهــذه التجربة‬ ‫التقليدية‪ ،‬وأسألك عن جديدك؟‬ ‫االفتراضية؟‬ ‫‪ρ ρ‬أعمل على إنهاء بحث عن رواية للكاتبة‬ ‫‪ρ ρ‬لقد كانت لي فرصة متابعة بعض هذه‬ ‫األنشطة‪ ،‬والمشاركة في بعضها‪ ،‬وقد‬ ‫وجــدت أنها تجربة جيدة السيما أنها‬ ‫استطاعت الجمع بين متحدثين ومشاركين‬

‫مواجهات‬

‫السعودية رجاء عالم‪ ،‬وجمع بعض بحوثي‬ ‫في السرد إلصدارها في كتاب‪ ،‬وربما‬ ‫إكــمــال مــشــروع كــتــاب يختص بالرواية‬ ‫النسائية‪.‬‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪105‬‬


‫عبدالوهاب أبو زيد‬ ‫الدعم الكبير للثقافة من قيادة المملكة‬ ‫غرس بذور األمل في نفوس المثقفين بإيجاد حراك ثقافي فاعل‬

‫■ حاوره‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫«الترجمة بالنسبة لي‪ ..‬لها منطلق وباعث أساسه‬ ‫الحب؛ حب نص ما أو كتاب ما يدفع بك إلى التفكير‬ ‫في نقله إلــى لغتك لتشارك اآلخــريــن بهجة قراءته‪،‬‬ ‫واالستمتاع بما يحتوي عليه ويتضمنه من شحنة إبداعية‬ ‫أو ربـمــا معرفية عــالـيــة‪ »..‬مــا بين القوسين مقدمة مــا قــالــه الشاعر والمترجم‬ ‫عبدالوهاب أبو زيد عن سؤالي عن فضاء الترجمة وأسرارها‪ ،‬الذي أهدى الساحة‬ ‫الثقافية واإلبداعية عدد ًا من األعمال العالمية والمتميزة ومنها‪ ،‬لـ‪«..‬بوب ديالن ‪-‬‬ ‫أخبار األيام»‪ ،‬ولـ‪«..‬مارك ستراند ‪ -‬عسل الغياب ‪ -‬قصائد مختارة»‪ ،‬و«خزانة الشعر‬ ‫السنسكريتي»‪ ،‬إضافة إلصداره لمجموعتين شعريتين «لي ما أشاء» ‪2008‬م‪« ،‬وال‬ ‫قبلها من نساء وال بعدها من أحــد»‪2013 ،‬م»‪ ،‬وهو يعد الساحة الشعرية بإصدار‬ ‫مجموعته الجديدة قريباً‪ .‬هــذه الديباجة تقودنا إلــى فضاء ضيف هــذا الحوار‬ ‫الشاعر عبدالوهاب أبو زيد‪.‬‬ ‫بل مُ ِق ٌل في النشر‪!..‬‬

‫الشعر أم‪...‬؟‬

‫ال في كتابة الشعر‪ ،‬فقد‬ ‫ ¦أصـ ـ ـ ــدرت ح ـت ــى اآلن مـجـمــوعـتـيــن ‪ρ ρ‬لست مق ً‬ ‫شعريتين‪« ،‬لي ما أشاء» ‪2008‬م‪« ،‬وال‬ ‫تراكم لدي خالل السنوات الماضية‬ ‫قبلها من نساء وال بعدها من أحد»‪،‬‬ ‫‪2013‬م»‪ ،‬ه ــل أنـ ــت م ـقــل ف ــي كـتــابــة‬

‫‪106‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫عـ ــدد كــبــيــر م ــن الــنــصــوص الــتــي‬

‫أتقاعس عن االنصراف إلى ترتيبها‬

‫مواجهات‬


‫وتبويبها وفرزها ونخلها ألستخلص منها‬ ‫ما يمكن أن يكون نواة لعدد من الكتب‪،‬‬ ‫وإن كنت قد بدأت بذلك بالفعل‪ ،‬والفضل‬ ‫فــي ذلــك يــعــود إلــى حــالــة الحظر التي‬ ‫عشناها ونعيشها جميعًا بسبب كورونا‪.‬‬ ‫ال في‬ ‫نستطيع القول‪ ،‬إذاً‪ ،‬إنني لست مق ًّ‬ ‫الكتابة‪ ،‬بل مقلٌّ في النشر‪ ،‬وإن كنت قد‬ ‫أرسلت ألحد الناشرين المحليين بالفعل‬ ‫مخطوطة كتاب شعر جديد من المأمول‬ ‫أن ي ــرى الــنــور خ ــال الــشــهــور القليلة‬ ‫القادمة‪.‬‬ ‫شبه احتراف‪!..‬‬ ‫ ¦تجربتك فــي عــالــم الـصـحــافــة‪ ،‬كـ«محرر‬ ‫ص ـح ـفــي ب ـج ــري ــدة الـ ـي ــوم‪ ،‬وع ـض ــو هيئة‬ ‫تحرير بمجلة دارين‪ ،‬وكاتب زاوية بجريد‬ ‫الشرق»‪ ،‬من المؤكد هناك ما يستحق أن‬ ‫تـبــوح بــه عــن عــالــم الصحافة مــن خالل‬ ‫تجربتك‪ ،‬تجاه القارئ؟‬ ‫‪ρ ρ‬لم أعمل في الصحافة بشكل احترافي‬ ‫أو حتى شبه احــتــرافــي‪ ،‬بــل كــان ذلك‬ ‫أقــرب إلــى الــهــوايــة وشكال مــن أشكال‬ ‫االنشغال واالهتمام الثقافي الــذي كان‬ ‫وما يزال يشكل جزءًا ومكونًا رئيسً ا من‬ ‫شخصيتي‪ .‬بدأت مع جريدة اليوم منذ‬ ‫كنت طالبًا في الجامعة بشكل متقطع‬ ‫تفرضه المزاجية‪ ،‬وما أالقيه من تشجيع‬ ‫أو عدم اكتراث من العاملين والمتعاونين‬ ‫مع الجريدة‪ .‬وإن كان ألحد من فضل عليّ‬ ‫في استمراري بشكل جدي وغير منقطع‬ ‫لسنوات بدءًا من عام ‪1999‬م تقريبًا فهو‬ ‫الصديق عبدالوهاب العريض‪ ،‬الذي ظل‬ ‫يلح عليّ بالكتابة والترجمة ليكون لي‬ ‫حضور مستمر‪ ،‬ولكي أصنع لي «اسمًا»‬

‫مواجهات‬

‫على صفحات الجريدة‪ ،‬وهو ما تحقق‬ ‫أيضا ما قدمه لي‬ ‫كما أظن‪ .‬وال أنسى ً‬ ‫الدكتور مبارك الخالدي من دعــم بعد‬ ‫ـؤول عن الصفحات‬ ‫ذلــك حين كــان مــسـ ً‬ ‫الثقافية في الجريدة‪ ،‬وكذلك األستاذ‬ ‫أحمد سماحة‪ ،‬وبالطبع عراب الصفحات‬ ‫الثقافية في اليوم‪ ،‬عبدالرؤوف الغزال‪،‬‬ ‫الذي ظل يعمل بصمت‪ ،‬وغادر في صمت‬ ‫استمرأه وألفه حتى صار ظال وقرينًا له‪.‬‬ ‫تجربتي مع اليوم هي من شجعت‪ ،‬كما‬ ‫أفترض‪ ،‬الصديق محمد الدميني لدعوتي‬ ‫ألنضم إلى هيئة تحرير مجلة دارين التي‬ ‫أصــدرهــا الــنــادي األدب ــي فــي المنطقة‬ ‫الشرقية بــروح جــديــدة كليًا‪ ،‬و«جسد»‬ ‫مختلف تمامًا بدءًا من عام ‪2007‬م‪ ،‬إبان‬ ‫عهد اإلدارة التي قادها جبير المليحان‪،‬‬ ‫فيما ال يزال يُعد «العصر الذهبي» للنادي‬ ‫األدبي الذي لم يتكرر حتى اآلن‪ .‬أكسبني‬ ‫العمل في المجلة إلــى جانب الدميني‬ ‫رئيسً ا للتحرير وعبداهلل السفر وغسان‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪107‬‬


‫الخنيزي كهيئة تحرير‪ ،‬تجربة غنية أفدت‬ ‫منها الكثير خاصة فيما يتعلق بتحرير‬ ‫المواد ومراجعتها وتدقيقها‪ .‬وال أكشف‬ ‫ســرًا حين أقــول إن عملي فــي المجلة‬ ‫كان هو السبب وراء النقلة المهنية التي‬ ‫تمت عام ‪2011‬م من التدريس الذي لم‬ ‫يكن يستهويني كثيرًا وكنت دائم الشكوى‬ ‫منه‪ ..‬إلى عملي الجديد في قسم النشر‬ ‫في أرامكو السعودية‪ ،‬وأترك لكم تخمين‬ ‫من كان وراء ذلك!‬ ‫يليق بالتاريخ العريق‪!..‬‬ ‫ ¦اه ـ ـت ـ ـمـ ــام ك ـب ـي ــر م ـ ــن ال ـ ـق ـ ـيـ ــادة ب ـج ـم ـيــع‬ ‫القطاعات الثقافية‪ ،‬وبرعاية مباشرة من‬ ‫سمو ولي العهد محمد بن سلمان‪ ،‬ووزير‬ ‫ال ـث ـقــافــة س ـمــو األم ـي ــر ب ــدر ب ــن ع ـبــداهلل‬ ‫آل سـ ـع ــود‪ ،‬ك ـمــا ن ـل ـمــس هـ ــذا م ــن خــال‬ ‫األنشطة والفعاليات والتواصل المباشر‬ ‫مع المثقفين والمبدعين‪ ،‬وحثهم على‬ ‫التجديد والتميز‪ ،‬كيف تقرأ هذا التوجه‬ ‫وهذا البناء؟‬

‫يمدانها بالطاقة الالزمة لتنطلق وتبدع‬ ‫وتضيف‪ ،‬وتصنع وجهًا ثقافيًا مشرقًا‬ ‫طالما ظل مغيبًا أو مهمشً ا في أحسن‬ ‫األح ــوال‪ .‬أعتقد أننا ال نــزال في طور‬ ‫المخاض‪ ،‬الذي أتمنى أال يكون طويال‪،‬‬ ‫لــوالدة حــراك ثقافي مؤسسي وإبداعي‬ ‫حقيقي عــلــى جميع مــســتــويــات الفعل‬ ‫والنتاج الثقافي‪.‬‬ ‫ال نزال نعيش اللحظة‪!..‬‬ ‫ ¦برأيك‪ ..‬ما األثر الذي قد تتركه جائحة‬ ‫كورونا على الخطاب اإلبداعي؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال أعتقد حتى اآلن أن هناك أثرًا حقيقيًا‬ ‫لجائحة كورونا على اإلبداع‪ ،‬أو ربما كان‬ ‫من المبكر الحكم على ذلــك على أقل‬ ‫تقدير‪ ،‬فنحن ما نــزال نعيش اللحظة‪،‬‬ ‫لحظة كورونا‪ ،‬ولم نخرج منها أو نبتعد‬ ‫عنها بع ُد بمسافة كافية تسمح لنا بتأملها‬ ‫واستظهار مالمحها‪ ،‬خاصة فيما يتعلق‬ ‫بالكتابة التي تستلزم وتحتاج لمثل هذه‬ ‫المسافة كالكتابة السردية والروائية على‬ ‫سبيل المثال‪ .‬أما فيما يخص الشعر‪ ،‬فال‬ ‫أعتقد أن كثيرًا مما كتب عن هذا األمر‬ ‫سيبقى في الذاكرة أو الوجدان‪ ،‬فيما عدا‬ ‫نماذج قليلة جدًا‪ ،‬استبطنت اللحظة بما‬ ‫يكفي للكتابة عنها بتأمل وعمق وروية‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬االلتفات الــجــاد والمشجع مــؤخ ـرًا من‬ ‫أعلى مستويات القيادة في البالد إلى‬ ‫الثقافة بمختلف مناشطها وتمظهراتها‬ ‫وتشكالتها غرس بذور األمل في نفوس‬ ‫جميع المثقفين‪ ،‬بإيجاد حــراك ثقافي‬ ‫يليق بالتاريخ العريق والجغرافيا الشاسعة‬ ‫وجدت متعة كبيرة في بعضها‪!..‬‬ ‫والتنوع الثقافي الــذي تتمتع به بالدنا‪.‬‬ ‫هناك بال شك طاقات بشرية ربما ال ¦هـ ـن ــاك قـ ـب ــول مـ ــن نـ ـق ــاد وشـ ـ ـع ـ ــراء وم ــن‬ ‫مثقفين وأيضا من الجمهور للفعاليات‬ ‫أكون مبالغًا حين أقول إنها «هائلة» في‬ ‫االفتراضية التي نظمتها األندية األدبية‬ ‫كل المجاالت الثقافية تقريبًا من أدب‬ ‫وبعض المنصات اإللكترونية‪ ،‬وأنت أحد‬ ‫وأجــنــاس كتابة ومسرح وسينما وفنون‬ ‫مختلفة‪ ،‬غير أن هــذه الطاقات تشكو‬ ‫ال ـش ـعــراء الــذيــن خــاضــوا ه ــذه التجربة‬ ‫من افتقارها إلــى ناظم ودعــم رسميين‬ ‫االفتراضية‪ ،‬خالل فترة الحجر المنزلي‪،‬‬

‫‪108‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫حدثتنا عن فضاء الترجمة وأسرارها؟‬

‫وف ــي رص ـيــدك ع ــدد مــن ال ـم ـشــاركــات في‬ ‫أمـسـيــات شعرية فــي م ـشــوارك اإلبــداعــي ‪ρ ρ‬الترجمة بالنسبة لي لها منطلق وباعث‬ ‫على المستوى المحلي والخليجي‪ ،‬ما‬ ‫أساسه هو الحب؛ حب نص ما أو كتاب‬ ‫تقييم الشاعر عبدالوهاب أبو زيد لهذه‬ ‫ما يدفع بك إلــى التفكير في نقله إلى‬ ‫التجربة االفتراضية؟‬ ‫لغتك لتشارك اآلخرين بهجة ولذة قراءته‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬ال أخفيك أنني في بــادئ األمــر لم أكن‬ ‫واالستمتاع بما يحتوي عليه ويتضمنه من‬ ‫م ــرت ــاحً ــا لــخــوض تــجــربــة األمــســيــات‬ ‫شحنة إبداعية أو ربما معرفية عالية‪ .‬لذا‬ ‫االفــتــراضــيــة‪ ،‬وق ــد اعــتــذرت عــن عــدم‬ ‫فأنا ال أترجم غالبًا‪ ،‬وليس دائمًا‪ ،‬إال ما‬ ‫المشاركة في بعض منها‪ .‬وربما كان لقلة‬ ‫أحب وما يستهويني‪ ،‬حتى لتكون متعتي‬ ‫معرفتي أو انعدامها بالبرامج والتطبيقات‬ ‫بترجمته مثل متعتي بكتابة نص لي‪ ،‬أو‬ ‫التي تدار من خاللها هذه األمسيات دو ٌر‬ ‫ربما أكثر قليالً‪ ،‬فأنا إذ أترجم أتقمص‬ ‫في ذلك‪ ،‬ولكنه ليس السبب الرئيس بكل‬ ‫شخصية الكاتب وأتمثله‪ ،‬وأنطق بصوته‬ ‫تأكيد‪ .‬تابعت عــددًا من تلك األمسيات‬ ‫و«أســتــولــي» على نصه وأكـــون شريكًا‬ ‫ووجــدت متعة كبيرة في بعضها‪ ،‬وحين‬ ‫لــه فيه‪ ،‬وهــي عملية استيالء وشراكة‬ ‫جاءتني دعوة من الدكتورة فوزية أبو خالد‬ ‫محببة‪ ،‬بل وضرورية وربما حتمية وال‬ ‫للمشاركة في أمسية شعرية‪ ،‬وافقت ربما‬ ‫مفر منها‪ ،‬مهما كانت المآخذ المتواترة‬ ‫خجل منها أوالً‪ ،‬وربما ألنني أحسست‬ ‫ً‬ ‫التي تطنطن بمثالب الترجمة وعيوبها‬ ‫أنــنــي أصبحت أكــثــر ألــفــة بــأجــواء تلك‬ ‫وأخطائها‪ ،‬لتتالقى الضفاف اإلنسانية‬ ‫األمسيات والطريقة التي تدار بها‪ .‬كانت‬ ‫وليطير النص بأجنحة جديدة في فضاء‬ ‫تجربة ناجحة لي فيما أظن‪ ،‬وال أحسب‬ ‫لغات جديدة لم يتخلق في رحمها لحظة‬ ‫أنني أمانع في إعادة التجربة وإن كانت‬ ‫نشأته األولى‪.‬‬ ‫هــذه األمسيات تفتقر بالطبع لحرارة‬ ‫نحلم أن يوجد لها حل‪!..‬‬ ‫التواصل اإلنساني الحقيقي‪ ،‬فشاشات‬ ‫األجهزة الباردة ال تغني أبدًا عن وتصافح ¦أذك ــر أن لــك تـغــريــدة فـحــواهــا‪ ،‬أن لديك‬ ‫العيون ودفئها‪.‬‬ ‫ك ـت ــاب ق ـمــت بـتــرجـمـتــه وت ـب ـحــث ع ــن دار‬ ‫مثل متعتي بكتابة نص لي‪!..‬‬

‫نشر‪ ،‬لطباعته ونشره‪ ،‬هذه الخطوة منك‬ ‫قــد تفسر عــن وجــود معوقات وصعوبات‬ ‫تواجه الكتَاب مع دور الطباعة والنشر أم‬ ‫ماذا‪..‬؟‬

‫ ¦ق ـم ــت ب ـت ــرج ـم ــة الـ ـع ــدي ــد مـ ــن األعـ ـم ــال‬ ‫الـ ـع ــالـ ـمـ ـي ــة‪ ،‬م ـ ـن ـ ـهـ ــا‪« ..‬خـ ـ ــزانـ ـ ــة ال ـش ـع ــر‬ ‫السنسكريتي»‪« ،‬لـســت زائ ــرً ا عــابــرً ا لهذا‬ ‫العالم»‪« ،‬عسل الغياب‪ ،‬قصائد مختارة ‪ρ ρ‬وهـ ــذه واحــــدة مــن مــفــارقــات ساحتنا‬ ‫الثقافية المحلية التي ما نزال نعاني منها‬ ‫ل ـم ــارك س ـت ــران ــد»‪« ،‬أخـ ـب ــار األي ـ ــام لـبــوب‬ ‫ونكابدها ونرجو ونحلم أن يوجد لها حل‬ ‫ديـ ـ ــان»‪« ،‬ك ـت ــاب مــوجــة س ـ ــوداء ف ــي بحر‬ ‫ناجع؛ إذ ما نزال نفتقر في بالدنا الغنية‬ ‫أبـ ـي ــض»‪ ،‬هـ ــذه ال ـقــائ ـمــة ال ـم ـت ـم ـيــزة‪ ،‬هل‬

‫مواجهات‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪109‬‬


‫ترجمة سالسل من المؤلفات والكتب في‬ ‫كافة المجاالت المعرفية اإلنسانية‪.‬‬ ‫أواخر الليل وبواكير الصباح‪!..‬‬ ‫ ¦بـعــض ال ـش ـعــراء والـمـبــدعـيــن مــن يلتزم‬ ‫بطقس معين أثناء الكتابة‪ ،‬عبدالوهاب‬ ‫أبو زيد‪ ،‬كيف ومتى يكتب؟‬ ‫‪ρ ρ‬ليس لــدي وقــت محدد للكتابة‪ ،‬فمتى‬ ‫حــضــرت الكتابة كــان الــوقــت كله لها‪،‬‬ ‫شريطة أال يوجد مَن أو ما يعكر صفوها‬ ‫وينغص عليها ما هي بأمس الحاجة إليه‬ ‫من السكينة والهدوء واالختالء بالذات؛‬ ‫لذلك‪ ،‬ربما تكون أفضل األوقات للكتابة‪،‬‬ ‫عبدالوهاب أبو زيد‬ ‫دون أن تكون مقتصرة عليها‪ ،‬هي أواخر‬ ‫الليل وبواكير الصباح‪ ..‬حيث يبسط النوم‬ ‫بمواردها االقتصادية والبشرية إلى جهد‬ ‫سلطانه على الكائنات لتصحو شياطين‬ ‫مؤسسي‪ ،‬أو إلى كيان ذي اعتبار يحتضن‬ ‫الكتابة وتخلو بمخيلة الكاتب وتملي عليه‬ ‫ويرعى ويتبنى مشاريع الترجمة المتفرقة‬ ‫ما شاءت األبجدية لها أن تمليه‪.‬‬ ‫التي يقوم بها األفراد‪ ،‬الذين ال حول لهم‬ ‫كنت بالطبع أكتب على الورق كسائر أبناء‬ ‫وال قوة وال سلطة للوصول بما ينفقون‬ ‫جيلي قبل شيوع الجواالت الذكية‪ ،‬التي‬ ‫ضوء عيونهم عليه من الكتب والنصوص‬ ‫صــرت آلــف الكتابة فيها شيئًا فشيئًا‬ ‫إلى القارئ‪ ،‬مع االحتفاظ بالحد األدنى‬ ‫حتى كدت أنسى الورق‪ ،‬دون أن أهجره‬ ‫مــن حقوقهم األدبــيــة والــمــاديــة‪ ،‬هــذا‬ ‫تمامًا‪ ،‬إذ يبدو أن الحنين إلى خربشات‬ ‫بافتراض أنهم وجدوا من يتفضل عليهم‬ ‫المسودات األولــى وخطوطها المتعرجة‬ ‫بنشر هذا الكتاب أو ذاك‪ ،‬على ما لبعضها‬ ‫يداهمنا بين الحين واآلخر‪.‬‬ ‫مــن أهمية‪ ،‬ولما فــي بعضها مــن كبير‬ ‫قيمة جمالية أو معرفية أو كالهما‪ .‬ما‬ ‫شعراء الظل‪!..‬‬ ‫أزال شخصيًا أحلم‪ ،‬ويحلم معي وقبلي‪،‬‬ ‫كثيرون بجهة رسمية تابعة لوزارة الثقافة ¦عدد من النقاد تناولوا تجربتك الشعرية‪،‬‬ ‫ومنهم األسـتــاذ محمد العلي‪ ،‬واألستاذ‬ ‫على األرجح تكون على غرار مشروع كلمة‬ ‫سمير الـفـيــل‪ ،‬واألس ـت ــاذ محمد الـحــرز‪،‬‬ ‫في أبوظبي‪ ،‬أو المجلس الوطني للثقافة‬ ‫واألستاذ كاظم الخليفة‪ ..‬وغيرهم‪ ،‬كيف‬ ‫والفنون واآلداب في الكويت‪ ،‬أو هيئة‬ ‫تقيم قراءة الناقد لتجربتك؟‬ ‫البحرين للثقافة واآلثــار في البحرين‪،‬‬ ‫ممن تتبنى (وبعضها مكرس لهذا الشأن) ‪ρ ρ‬ربما يصح لــي الــقــول إنني أنتمي إلى‬

‫‪110‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫من مؤلفات و ترجمات الضيف‬

‫ما أطلق عليهم الدكتور علوي الهاشمي‬ ‫«شــعــراء الــظــل»‪ ،‬فبالتأكيد أنني لست‬ ‫شاعرًا «نجمًا»‪ ،‬وأنا مجهول تمامًا لدى‬ ‫الغالبية العظمى من قراء ومُحبي الشعر‬ ‫أو شبه مجهول‪ ،‬ولكنني ال آسى لذلك وال‬ ‫أهتم به وال أندب حظي‪ ،‬لمعرفتي أوالً أن‬ ‫الشعر بمجمله أصبح هامشيًا في خريطة‬ ‫القراءة بشكل عام‪ ،‬فضال عن انصراف‬ ‫النقاد عنه وتملص الناشرين منه‪ ،‬وكأنه‬ ‫فجأة أصبح نوعً ا من «الوباء»‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫فأنا سعيد جدًا بكل ما كتب عني إيجابًا‬ ‫أو سلبًا‪ ،‬ومدين لكل من كلف نفسه عناء‬ ‫قراءة نصوصي‪ ،‬ومن ثم الكتابة عنها‪.‬‬ ‫أصبح هناك شيء من االستسهال‪!..‬‬ ‫ ¦ي ـت ـحــدثــون ك ـث ـيــرا ع ــن اإلضـ ــافـ ــات الـتــي‬ ‫تضيفها الشبكة العنكبوتية وبإيجابية‪،‬‬ ‫ألـ ـي ــس لـ ـه ــذه ال ـش ـب ـكــة أي س ـل ـب ـيــة عـلــى‬ ‫المثقف بصفة عامة؟‬ ‫‪ρ ρ‬أعتقد أن للشبكة العنكبوتية وبرامجها‬ ‫وتطبيقاتها محاسنها ومثالبها ككثير‬ ‫من األشياء في حياتنا‪ .‬كتبت ذات مرة‬ ‫مثال عما أسميته «جمهورية الفيسبوك‬

‫مواجهات‬

‫الشعرية»‪ ،‬متحدثًا عما تتيحه من فضاء‬ ‫رحب للشعراء (ولعموم الكتاب) دون قيود‬ ‫أو شروط أو أمالءات أو تسلط أو شللية‪،‬‬ ‫فضل عن إتاحتها الفرصة لهم للتعالق‬ ‫ً‬ ‫بعضا واالقتراب الحميم من‬ ‫مع بعضهم ً‬ ‫فضل عن التعرف‬ ‫ً‬ ‫بعضا‪،‬‬ ‫تجارب بعضهم ً‬ ‫على أصوات جديدة من كل أصقاع العالم‬ ‫العربي وخارجه ممن قد ال يكون الوصول‬ ‫إليهم ممكنًا عبر وسائل النشر التقليدية‪.‬‬ ‫كل ما سبق ال يعني أن األمــر يخلو من‬ ‫بعض الــجــوانــب السلبية‪ ،‬كما ألمحت‬ ‫في ســؤالــك‪ ،‬إذ أصبح هناك شــيء من‬ ‫االستسهال فــي نشر النصوص وربما‬ ‫التعجل في ذلك قبل أن «تطهى» على نار‬ ‫هادئة و«تنضج» تمامًا‪ ،‬وهناك ما يشبه‬ ‫التسابق للحضور لدى بعض الشعراء بأي‬ ‫طريقة كانت وبأي نص كان‪ .‬صحيح أن‬ ‫الشاعر في نهاية المطاف سيعمد إلى‬ ‫فرز ما سبق له نشره من النصوص‪ ،‬إال‬ ‫ومراجعة‬ ‫ٍ‬ ‫وتبصر‬ ‫ٍ‬ ‫إن كثرة النشر دون تر ٍّو‬ ‫سينعكس سلبًا في نهاية المطاف على‬ ‫الشاعر‪ ،‬ويؤثر ربما حتى على ما يختاره‬ ‫من نصوص لضمها بين دفتي كتاب‪.‬‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪111‬‬


‫من مختلف العصور واألزمنة‪!..‬‬ ‫ ¦تعودت أن أســأل هذا السؤال فهو يضيء‬ ‫ل ـل ـق ــارئ ال ـخ ـصــوص ـيــة ال ـث ـقــاف ـيــة ل ــدى‬ ‫ض ـيــف «الـ ـج ــوب ــة»‪ ،..‬ه ــل ل ـنــا أن نـتـعــرف‬ ‫على محتويات مكتبة الشاعر والمترجم‬ ‫عبدالوهاب أبو زيد؟‬ ‫‪ρ ρ‬مكتبتي هي مــاذي وموئلي وصومعتي‬ ‫التي أختلي فيها بــذاتــي‪ ،‬وأقــتــرب بين‬ ‫جدرانها‪ ،‬من الكتب التي أحبها وأوشك‬ ‫أن أقدسها‪ ،‬إذ ال يكاد يمر عليّ يوم دون‬ ‫أن يكون بين يدي واحد منها لزمن يطول‬ ‫أو يقصر حسب ظروف العمل والحياة‪.‬‬ ‫إنها المكان الذي تتصادى فيه أصوات‬ ‫كــتــاب ومــفــكــريــن وشــعــراء مــن مختلف‬ ‫العصور واألزمنة‪ ،‬ومن مختلف الثقافات‬ ‫بلغتين ال أجيد سواهما لسوء الحظ هما‬ ‫العربية واإلنجليزية‪ ،‬التي ال ينكر أحد‬ ‫أنها نافذة تتيح لنا أن نطل منها ليس‬ ‫على ما يكتب فيها من أدب وفكر وعلوم‬ ‫أيضا بلغات‬ ‫فحسب‪ ،‬بل على ما يكتب ً‬ ‫العالم المختلفة والعديدة التي ال سبيل‬ ‫للمرء إلتقان كثير منها‪.‬‬

‫ما يغلب ويهيمن على مكتبتي كتب األدب‬ ‫بشكل عام‪ ،‬وعلى األخص الشعر والرواية‬ ‫والنقد وال ــدراس ــات والــســيــرة‪ ،‬وهناك‬ ‫فضاء أصغر لكتب الفكر والفلسفة‪ ،‬التي‬ ‫تستهويني كثيرًا مع إحساسي بالتقصير‬ ‫في االطــاع على ما كتب عنها وفيها‪.‬‬ ‫هناك قسم يضم مجموعة ال بأس بها‬ ‫من الكتب اإلنجليزية التي يغلب عليها‬ ‫أيضا شأنها شأن‬ ‫األدب من شعر ورواية ً‬ ‫الكتب العربية األكثر عددًا واألكثر تنوعً ا‬ ‫بطبيعة الحال‪.‬‬ ‫هــنــاك مــن جــانــب آخ ــر‪ ،‬مكتبة الكتب‬ ‫اإللكترونية الصغيرة التي تنمو ببطء‬ ‫والتي كونتها عبر جهاز (الكندل) الذي‬ ‫كان بمثابة االكتشاف السحري بالنسبة‬ ‫لي أول األمر (كان ذلك في عام ‪2014‬م)‪،‬‬ ‫حيث يمكنك بلمسة واح ــدة مــن طرف‬ ‫إصبعك أن تجلب أحدث الكتب الصادرة‬ ‫للتو ِلتَمثُ َل بين يديك‪ ،‬إضافة إلى ما ال‬ ‫يحصى من الكتب القديمة في مكتبة‬ ‫كونية النهائية الحدود واألبعاد‪.‬‬

‫من مؤلفات و ترجمات الضيف‬

‫‪112‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫مواجهات‬


‫طرق القوافل إلى الجوف‬ ‫عبر التاريخ‬ ‫■ د‪ .‬سعيد بن دبيس العتيبي*‬

‫ت ـقــع مـنـطـقــة ال ـج ــوف ش ـمــالــي ال ـج ــزي ــرة الـعــربـيــة‪،‬‬ ‫وتتميز المنطقة بعمق حـضــاري موغل فــي الـقــدم؛ إذ‬ ‫وجــد في موقع الشويحطية شمال مدينة سكاكا‪ ،‬أقدم‬ ‫دالئــل الــوجــود البشري فــي الـجــزيــرة العربية‪ ،‬بــل فــي قــارة‬ ‫آسيا‪ ،‬حيث عُ ثر على أدوات حجرية تعود إلى أقدم فترات عصور ما‬ ‫قبل التاريخ‪ ،‬قُ دِّ ر عمرها الزمني بنحو مليون ومائتي سنة‪ .‬وتعود أقدم معلومات‬ ‫الفترة التاريخية لمنطقة الجوف إلى القرن الثامن ق‪.‬م‪ ،‬إذ ذكرت في السجالت‬ ‫األشورية ضمن الحديث عن الحمالت التي قام بها األشوريون على مناطق شمالي‬ ‫الجزيرة العربية لتأمين حدود امبراطوريتهم والسيطرة على الطرق التجارية‪،‬‬ ‫وقــد أطلق األشــوريــون على المنطقة اســم أدومــاتــو‪ ،‬نسبة الــى الشعوب األدومية‬ ‫التي كــان موطنها شمالي الجزيرة العربية‪ .‬كما دلــت المكتشفات األثرية على‬ ‫وصول امتداد دولة األنباط التي قامت في شمال الجزيرة العربية‪ ،‬منذ القرن‬ ‫األول ق‪.‬م حتى عام ‪106‬م‪ ،‬إلى المنطقة‪ ،‬خالل القرن األول الميالدي‪،‬‬ ‫وقبل اإلس ــام‪ ،‬تشير المصادر من الهجرة‪ ،‬ثم فتحها مــرة أخرى‬

‫التاريخية إلــى أهمية موقع دومة في السنة الثانية عشرة للهجرة في‬ ‫الــجــنــدل ك ــإح ــدى مــنــاطــق تجمع خالفة أبي بكر الصديق ‪ ،‬بعد‬

‫القبائل العربية‪ ،‬وأهمية سوقها‪ ،‬كما أن نكث حاكمها األكــيــدر بالعهد‪،‬‬ ‫أشارت إلى غزوات الرسول لها‪ ،‬وارتــد أهلها عن اإلســام بعد وفاة‬

‫وفتحها صلحاً في السنة التاسعة رسول اهلل ‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪113‬‬


‫خريطة الطرق الرئيسية التي كانت تمر بها القوافل في عصور ما قبل اإلسالم‪( .‬عن‪ :‬جيوم شارلو‪ ،‬دومة الجندل)‬

‫يمثل موقع منطقة الجوف واحة تتقاطع تربط الجوف بالمناطق الحضارية داخل‬ ‫فيها الطرق التجارية التي تعبر الجزيرة الجزيرة العربية وخارجها‪ ،‬دون التوسع في‬ ‫العربية مــن الجنوب إلــى الــشــمــال‪ ،‬ومن تفاصيل تحقيق معالم الطرق‪.‬‬ ‫الشرق إلى الغرب‪ ،‬وحلقة اتصال تتوسط‬ ‫مراكز الحضارات التي قامت في جنوب‬

‫أوال‪ :‬الطرق التجارية قبل اإلسالم‬ ‫وخالل العصر اإلسالمي المبكر‬

‫بــاد الــرافــديــن‪ ،‬وب ــاد الــشــام‪ ،‬والخليج‬ ‫منذ الــقــرن الــحــادي عشر ق‪.‬م‪ ،‬كانت‬ ‫الــعــربــي‪ ،‬وم ــدن الممالك العربية‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫التجارة هي عصب اقتصاد ممالك الجزيرة‬ ‫تيماء‪ ،‬والحجر‪ ،‬والبتراء‪.‬‬ ‫العربية ومدنها التي نشأت في تلك الفترة‪،‬‬ ‫يهدف هذا البحث إلى تقديم لمحات ومنذ الــقــرن الثامن ق‪.‬م ازدهـــرت طرق‬ ‫عامة (مدخل) عن مسارات الطرق التي التجارة‪ ،‬وأدت الطرق التجارية دوراً مهماً‬

‫‪114‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫في قيام مدن الممالك العربية وعالقتها‬ ‫التجارية والثقافية والسياسية‪ .‬وكانت طرق‬ ‫التجارة الرئيسة تمتد من جنوبي الجزيرة‬ ‫العربية إلى شماليها‪ ،‬وتتفرع من الطرق‬ ‫الرئيسة طرق فرعية‪ ،‬وتنقل السلع بواسطة‬ ‫القوافل من مــدن وموانئ ممالك جنوبي‬ ‫الجزيرة العربية إلى الممالك المجاورة في‬ ‫بالد الرافدين ودول حوض البحر األبيض‬ ‫المتوسط‪ ،‬ومصر‪ ،‬وكان من أهم تلك السلع‬ ‫البخور واللبان والمر الذي كان يستخدم‬ ‫في الطقوس الدينية الوثنية‪ ،‬وفي مراسم‬ ‫الدفن‪ ،‬وصناعة األدوية‪ ،‬كما تحمل القوافل‬ ‫التي تفرغ في موانئ الجزيرة العربية السلع‬ ‫اآلتية من شرقي آسيا‪ ،‬والقرن اإلفريقي‪.‬‬ ‫ومن طريقين من الطرق الرئيسة التي تعبر‬ ‫الجزيرة العربية‪.‬‬

‫ومنذ القرن الثامن قبل الميالد تشير‬ ‫الــســجــات األشــوريــة إلــى وج ــود صالت‬ ‫تجارية بين األشوريين في بالد الرافدين‪،‬‬ ‫وشعوب تيماء ومملكة سبأ‪ ،‬وربما كانت‬ ‫طرق سير القوافل التجارية تمر عبر دومة‬ ‫الجندل وعبر وادي السرحان إلى دمشق‪،‬‬ ‫وهو طريق سهل العبور(((‪.‬‬

‫أما الطريق الثاني فمن نجران‪ ،‬يتجه‬ ‫نحو الشمال مــرورًا بيثرب وددان (العال)‬ ‫والحجر‪ ،‬ويستمر حتى مدن سواحل البحر‬

‫وقبيل ظهور اإلسالم كانت دومة الجندل‬ ‫من أهم مدن شمالي الجزيرة العربية‪ ،‬وتقيم‬ ‫في منطقتها العديد من القبائل العربية‬ ‫مثل كلب وجديلة وطــي‪ .‬وكــان فــي دومــة‬ ‫الجندل واحدة من أهم األسواق التجارية‬ ‫واألدبية في الجزيرة العربية‪ ،‬وكانت أسواق‬ ‫العرب الكبيرة ثالث عشرة سوقاً تقام في‬ ‫مواسم معينة من السنة‪ ،‬وأولها قياماً سوق‬ ‫دومة الجندل‪ ،‬إذ تقام من أول شهر ربيع‬ ‫األول حتى منتصفه‪ ،‬ثم ترِ قّ وماتزال قائمة‬ ‫على رقتها حتى آخــر الشهر‪ ،‬ويقصدها‬ ‫الناس من العراق وأطــراف الشام وأنحاء‬ ‫الــجــزيــرة الــعــربــيــة؛ وألهميتها التجارية‬

‫هناك فــرعــان يــمــران بــدومــة الجندل‪:‬‬ ‫ينطلق الطريقان الرئيسان من نجران في‬ ‫جنوبي الجزيرة العربية‪ ،‬حيث تلتقي فيها‬ ‫الطرق من مأرب وقنا وشبوة وعدن‪ .‬ومن‬ ‫نجران يتفرع الطريق إلى فرعين‪ ،‬أحدهما‬ ‫يتجه شرقاً مرورًا بالفاو واليمامة وسواحل‬ ‫الخليج العربي الغربية إلى أن يصل إلى‬ ‫بالد الرافدين‪ ،‬ويتفرع من هذا الطريق من‬ ‫اليمامة‪ ،‬طريق يتجه إلى الشمال نحو دومة‬ ‫الجندل‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫األبــيــض المتوسط‪ ،‬ومــن الحجر يتفرع‬ ‫طريق يتجه نحو الشمال الشرقي حتى‬ ‫يصل إلــى دومــة الجندل مـــروراً بتيماء‪.‬‬ ‫وبعد اجتماع مــســارات الطرق في دومة‬ ‫الجندل تنطلق منها نحو وجهات متعددة‪:‬‬ ‫فمنها يخرج طريق يربطها ببالد الرافدين‬ ‫شرقاً‪ ،‬والبتراء غرباً‪ ،‬وطريق يتجه شماالً‬ ‫نحو مدن سواحل البحر األبيض المتوسط‪،‬‬ ‫مروراً ببصرى ودمشق وتدمر(((‪.‬‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪115‬‬


‫قصر قلعة زعبل بسكاكا‬

‫كــان تجار قريش يخرجون إليها قصداً الهجري؛ فيشير الهمداني ضمن حديثه‬ ‫من مكة(((‪ .‬ومن عصر الرسول ‪ ،‬يرد عن منازل القبائل إلــى طريق بين تيماء‬ ‫في السير ذكر أهمية دومة الجندل على والكوفة يمر عبر دومة الجندل بقوله «فإذا‬ ‫الطريق بين الشام والمدينة‪ ،‬وتذكر أنها خرجت من تيماء قصد الكوفة ثانياً فأنت‬ ‫طرف من أفواه الشام‪ ،‬بينها وبين دمشق في ديار بحتر من طيء‪ ،‬إلى أن تقع في ديار‬ ‫خمس ليال‪ ،‬وبينها وبين المدينة خمس بني أسد قبل الكوفة بخمس‪ ،‬وهذه الطريق‬ ‫عشرة أو ست عشرة ليلة‪ ،‬وبلغ رسول اهلل بين القريّات يسرة مما يلي البياض»(((‪ .‬كما‬ ‫ أن بها جمعاً كثيراً‪ ،‬وأنهم يعترضون ذكر المقدسي ثالثاً من الطرق التي تجتاز‬ ‫قوافل التجارة الذاهبة بين المدينة والشام‪ ،‬شمالي الجزيرة العربية إلى مكة‪ ،‬وكانت‬ ‫ويظلمون من م ّر بهم من الضافطة «التجار من الطرق المهمة في عهد الدولة األموية‬ ‫الذين يجلبون الميرة والطعام"‪ ،‬ويريدون أن (‪131 -41‬هـــ)‪ ،‬وهي طريق تبوك‪ ،‬وطريق‬ ‫يدنوا من المدينة‪ ،‬فخرج إليها رسول اهلل وبير‪ ،‬وطريق بطن السر‪ ،‬وقال عنها‪« :‬وهذه‬ ‫ في سنة خمس للهجرة‪ ،‬في ألف من المحجات الثالث طرق العرب إلى مكة‪،‬‬ ‫المسلمين‪ ،‬وجاء الخبر أهل دومة الجندل وفيها كان بريد ملوك بني أمية وقت كونهم‬ ‫فتفرقوا‪ ،‬ورجع رسول اهلل إلى المدينة‪ ،‬بدمشق‪ ،‬وإياها سلكت جيوش العُمرين وقت‬ ‫ولم يلق كيداً(((‪.‬‬ ‫فتح الشام‪ ،‬وهن قريبات آمنات أصحابها‬ ‫ويرد ذك ٌر لبعض الطرق التي تمر بدومة بنو كالب‪ ،‬ويصحبهم كثير من أهل الشام‬ ‫الجندل عند الجغرافيين في القرن الرابع يجتمعون فــي عــمــان وق ــد سلكتها غير‬

‫‪116‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫مــرة»(((‪ .‬وطريق بطن السر يمر بعدد من‬ ‫المناهل والمحطات في وادي السرحان‪،‬‬ ‫ومنها المحدثة‪ ،‬وهي موضع الحديثة اليوم‪،‬‬ ‫والنبك الذي ما يزال اسمها معروفاً اليوم‬ ‫بمحافظة القريات(((‪ .‬كما يشير المرزوقي‬ ‫إلى المراحل بين دومة الجندل والمدينة‬ ‫والــكــوفــة ودمــشــق بقوله‪« :‬دوم ــة الجندل‬ ‫وهي على ثالث عشرة مرحلة من المدينة‪،‬‬ ‫وعلى عشر مراحل من الكوفة‪ ،‬وعلى عشر‬ ‫مراحل من دمشق»(((‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الطرق خالل القرنين ‪20-19‬م‬ ‫اجتذبت منطقة الجوف خــال القرن‬

‫الــتــاســع عــشــر ومــطــلــع الــقــرن العشرين‬ ‫الــمــيــاديــيــن اهــتــمــام ع ــدد مــن الــرحــالــة‬ ‫األوروبيين؛ نظراً ألهمية المنطقة التاريخية‬ ‫والحضارية‪ ،‬وموقعها من الجزيرة العربية‪،‬‬ ‫كونها بوابة عبور هؤالء الرحالة إلى عمق‬ ‫الــجــزيــرة العربية‪ .‬وقــد شملت كتاباتهم‬ ‫جــوانــب مهمة مــن الــنــواحــي السياسية‬ ‫والتاريخية واالجتماعية والحضارية‪ ،‬كما‬ ‫تحدثوا عن مراحل ومناهل الطرق التي‬ ‫وصلوا منها إلــى الجوف والتي غادروها‬ ‫منها‪ ،‬وتــأتــي أهمية حديثهم عــن الطرق‬ ‫كــونــهــم قــدمــوا إل ــى الــجــوف مــن جهات‬ ‫مختلفة‪ ،‬وكــذلــك غــادروهــا إلــى وجهات‬ ‫مختلفة‪ ،‬وعــبــروا مــع مسالك طــرق برية‬ ‫قبل أن يبدأ استخدام السيارات‪ ،‬وكانت‬ ‫تلك الطرق في الغالب طرقاً تجارية‪ ،‬إذ إن‬ ‫معظم الرحالة قدم إلى الجوف وغادرها‬ ‫بصحبة قوافل تجارية‪ ،‬ووصفوا من خالل‬ ‫تدوينهم ليومياتهم مسالك ومعالم الدروب‬ ‫فــي تلك الفترة‪ ،‬وتبعاً لوصف عــدد من‬ ‫الرحالة‪ ،‬فإن الطرق التي تصل إلى الجوف‬ ‫كانت على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫الطريق من القاهرة إلى الجوف‬

‫حجر روماني من دومة الجندل‬

‫نوافذ‬

‫قدم من هذا الطريق بمساعدة أدالء‪،‬‬ ‫الــرحــالــة الــفــلــنــدي ج ــورج أوغــســت والــن‬ ‫‪ George August Wallin‬عــام ‪1845‬م‪،‬‬ ‫مبتدئاً رحلته إلى الجوف من القاهرة‪ ،‬إذ‬ ‫اتجه منها شماالً إلى عجرود على طريق‬ ‫الحج المصري‪ ،‬ثم عبر سيناء مع طريق‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪117‬‬


‫لوحة تصور معركة دارت بين اآلشوريين ومملكة قيدار العربية "أدوماتو" في دومة الجندل تعود ألكثر من ‪ ٦٠٠‬سنة قبل الميالد‬

‫الحج المصري ومحاذاته من اليسار‪ ،‬ثم مساراً غير مطروق للقادمين من دمشق أو‬

‫اتجه إلى معان جنوبي األردن‪ ،‬وسلك طريق من المناطق المجاورة‪ ،‬وغير مأهول إال‬

‫الحج السوري تجاه الشمال حتى وصل إلى بخيام البادية المتنقلة‪ ..‬حتى وصل إلى‬ ‫محطة خان الزبيب‪ ،‬ومنها اتجه إلى الشرق وادي الــســرحــان‪ ،‬وسلك وادي السرحان‬ ‫وجنوب شرق مع بادية شرق نهر االردن‪ ،‬حتى ماء ميقوع‪ ،‬ومنها أخال سبيل أدالئه‪،‬‬

‫مــروراً ببلدة الطفيلة في جنوبي األردن‪ ،‬واستأجر دلي ً‬ ‫ال أخر أوصله إلى الجوف(‪.((1‬‬

‫ثم سلك مع وادي السرحان مــرورًا بآبار‬

‫صديع وأويسط‪ ،‬وسلسلة جبال األضــارع‬ ‫من اليسار حتى وصل إلى الجوف(((‪.‬‬

‫الطريق من بيروت إلى الجوف‬

‫الطريق من القدس إلى الجوف‬ ‫يشير إلى هذا الطريق الرحالة البريطاني‬

‫كارلو غورماني ‪ ،Carlo Guarmani‬وقد بدأ‬

‫رحلته إلى الجزيرة العربية عام ‪1851‬م‪،‬‬

‫سلك هذا الطريق الرحالة اإلنجليزي وزار تيماء وخيبر والقصيم وحائل‪ ،‬وزار‬

‫وليم جيفورد بلغريف‬

‫‪William Gifford‬‬

‫الجوف سنة ‪1864‬م قاد ًماً لها من حائل‪،‬‬

‫‪ Palgrave‬عام ‪1862‬م‪ ،‬إذ انطلق مع مرافق ثم غادرها إلى القدس‪ ،‬وقد صحب قافلة‬

‫له من بيروت إلى حيفاء ثم غزة ثم معان‪ ،‬مسافرة من الجوف إلى كاف‪ ،‬ومنها اتجه‬

‫ومن هناك استأجر ثالثة أدالء من أبناء إلى القدس‪ ،‬ويذكر أن هناك طريقين من‬ ‫قبائل المنطقة التي سيم ّر بها‪ ،‬واتجه كاف إلى القدس أحدهما مباشر‪ ..‬يؤدي‬ ‫شرقاً عبر أرض الصوان‪ ،‬ويذكر إنه سلك إل ــى بــلــدة عــرمــان جــنــوب شــرقــي مدينة‬

‫‪118‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫السويداء جنوبي سوريا‪ ،‬وتستغرق الرحلة‬ ‫عليه (‪ )32‬ساعة‪ .‬واألخــر يعرف بطريق‬ ‫الشامية‪ ،‬وتستغرق الرحلة عبره (‪)38‬‬ ‫ســاعــة‪ ،‬وقــد اخــتــار الطريق الثاني‪ ،‬وهو‬ ‫أحــد الــــدروب الكبيرة على طــول وادي‬ ‫السرحان والطريق االعتيادية التي يسير‬ ‫عليه المسافرون بين الجوف وسوريا؛ إذ‬ ‫عبر معها إلى دمشق ومنها إلى طبرية‪ ،‬ثم‬ ‫الناصرة‪ ،‬ثم جنين فالقدس(‪.((1‬‬ ‫كما قدم إلى الجوف من القدس الرحالة‬ ‫أرتشيبالد فوردر ‪ Archibald Fordr‬أواخر‬ ‫عام ‪1900‬م‪ ،‬في مهمة تبشيرية فاشلة إلى‬ ‫شمالي الجزيرة العربية‪ ،‬وقــد غــادر من‬ ‫القدس إلى أريحا‪ ،‬ثم عبر السهل األردني‬ ‫نحو منطقة حوران‪ ،‬وم ّر ببصرى ثم صلخد‬ ‫ثــم عــرمــان عند الــطــرف الجنوبي لجبل‬ ‫ح ــوران‪ ،‬ومــن بادية عرمان صحب قافلة‬ ‫تجارية متجهة إلى كاف‪ ،‬ومنها إلى إثره‪ ،‬ثم‬ ‫غادر إلى الجوف مع قافلة تجارية‪ ،‬وقضى‬ ‫بها عدة أيام‪ ،‬ليعود مع القافلة نفسها إلى‬ ‫إث ــره‪ ،‬ثــم صحب قافلة تجارية مسافرة‬ ‫إلى دمشق ‪-‬بعد أن فشل في نشر مهمته‬ ‫التبشيرية في المنطقة‪ -‬ووصل إلى قرية أم‬ ‫الرمان‪ ،‬ومنها توجه إلى قرية عرمان على‬ ‫مسافة ساعتين من أم الرمان‪ ،‬ومن عرمان‬ ‫اتجه إلى دمشق‪ ،‬ومنها إلى القدس(‪.((1‬‬

‫‪ Lady Anne Blunt‬برفقة زوجها ويلفرد‪،‬‬ ‫وب ــدأت رحلتها مــن دمشق عــام ‪1878‬م‪،‬‬ ‫وقد سلكت طريق الحج السوري حتى بلدة‬ ‫المزيرب جنوبي سوريا‪ ،‬ثم انعطفت شرقاً‬ ‫إلى منطقة حوران مروراً ببصرى وصلخد‬ ‫ثم وادي السرحان حتى وصلت إلى كاف‪،‬‬ ‫ومنها أخــذت طريقها إلى الجوف مــروراً‬ ‫بإثره وعبر وادي السرحان ومحاذاته من‬ ‫اليسار أحياناً‪ ،‬وتذكر أن المسير من كاف‬ ‫إلى إثره استغرق ساعتين ونصف الساعة‪،‬‬ ‫ومــن إثــرة إلــى الــجــوف استغرق المسير‬ ‫سبعة أيام(‪.((1‬‬ ‫كما وصل إلى الجوف من دمشق الرحالة‬ ‫األلماني يوليويس آويتنج ‪Julius Euting‬‬ ‫عام ‪1883‬م‪ ،‬إذ غادر دمشق برفقة دليل له‪،‬‬ ‫وسلك درب الحج السوري حتى وصل إلى‬ ‫خان ذنــون‪ ،‬ثم انعطف يسارا في االتجاه‬ ‫إلى الشرق وجنوب شرق عبر قرى حوران‬ ‫حتى بلدة عرمان‪ ،‬ومنها اتجها إلى كاف‪.‬‬ ‫وذكر أن المسافة بين عرمان وكاف يومان‬ ‫ونــصــف الــيــوم‪ ،‬ومــن كــاف صحب قافلة‬ ‫تحركت إلى إثرة عبر وادي السرحان‪ ،‬ومن‬ ‫إثره واصلت القافلة مسيرها حتى الوصول‬ ‫إلى الجوف في اليوم السابع من مغادرة‬ ‫إثرة(‪.((1‬‬

‫كما وصل إلى الجوف من دمشق الرحالة‬ ‫الطريق من دمشق إلى الجوف‬ ‫األلماني البارون إدوارد نولده ‪baron Eduard‬‬ ‫وصــلــت عــبــر ه ــذه الــطــريــق بمساعدة ‪ Nolde‬وهو ألماني من أصل روسي‪ ،‬قدم‬ ‫أدالء‪ ،‬الرحالة اإلنجليزية الليدي آن بلنت إلى الجزيرة العربية في مهمة رسمية‪ ،‬فقد‬

‫نوافذ‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪119‬‬


‫كان يعمل لحساب القيصر الروسي‪ ،‬وبدأ‬ ‫رحلته من دمشق في أول يناير عام ‪1893‬م‪،‬‬ ‫مع قافلة أعدت لخدمته‪ ،‬وأخذت طريقها‬

‫إلى بصرى‪ ،‬ثم استمرت عبر منطقة حوران‬

‫حتى قرية دبين الــدرزيــة‪ ،‬ومنها انطلقت‬ ‫مباشرة نحو كاف‪ ،‬وقد وصلتها في اليوم‬ ‫الرابع عشر من مغادرة دمشق‪ ،‬وفي اليوم‬

‫التالي تحركت القافلة إلى الجوف مرورًا‬

‫بقرية إثره‪ ،‬وسجل أن المسافة من دمشق‬ ‫إلــى كــاف تستغرق (‪ )67‬ســاعــة ونصف‬ ‫الساعة‪337٫5( ،‬كــم) والمسافة من كاف‬ ‫إلى الجوف (‪ )70‬ساعة ( ‪350‬كم)(‪.((1‬‬

‫وعبر الطريق من الجوف إلــى دمشق‬

‫غــادر كل من البريطانيين ستيفن سيمور‬

‫إلى شمالي الجزيرة العربية عام ‪1908‬م‪،‬‬ ‫ووصال إلى الجوف من بغداد ثم غادراها‬ ‫إلى دمشق‪ ،‬ويذكر بتلر مسار الرحلة‪ ،‬إذ‬ ‫قــال إنهما غــادرا الجوف مع مرشد لهم‬ ‫وخادم‪ ،‬وكان مسارهم عبر وادي السرحان‬ ‫ومحاذاته من الشرق نظراً لتوافر الماء‪،‬‬ ‫ووصــا إلى آبــار النبك في اليوم الثالث‪،‬‬ ‫وفــي الــيــوم الثامن وصــا إلــى البليدات‬ ‫(قريات الملح)‪ ،‬ثم واصــا سيرهما نحو‬ ‫دمشق عبر وادي السرحان ومنطقة حوران‪،‬‬ ‫حتى وصال إلى مسار سكة الحديد‪ ،‬في‬ ‫نقطة تبعد عن دمشق ‪ 60‬ميالً‪ ،‬ومنها ركبا‬ ‫القطار إلى دمشق(‪.((1‬‬ ‫الطريق من بغداد إلى الجوف‬

‫بتلر وزميله ليستر أيلمر‪S.S.Butler ،‬‬ ‫ذكرنا سابقاً أن بتلر وأيلمر قدما إلى‬ ‫‪ &.L.Aylmer‬وهما ضابطان بريطانيان الجوف من بغداد‪ ،‬وقد غادرا بغداد بتاريخ‬ ‫يعمالن في قطاع االستخبارات‪ ،‬قاما برحلة ‪ 9‬يناير ‪1908‬م مع دليل لهما ومجموعة‬

‫قلعة مارد ‪ -‬دومة الجندل ‪ -‬الجوف‬

‫‪120‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫تجار من قبيلة عنزه متجهة إلى مضارب‬ ‫إقامتها في منطقة عــواج‪ .‬ويذكر بتلر أن‬ ‫محطتهم األولى بعد بغداد هي بلدة كبيسة‪،‬‬ ‫الواقعة على شط الفرات‪ ،‬على بعد ‪90‬‬ ‫ال شمال غربي بغداد‪ ،‬ومن كبيسة عبرا‬ ‫مي ً‬ ‫الصحراء عبر مجرى وادي هيجا‪ ،‬ووصلوا‬ ‫إلى عــواج في اليوم الخامس من مغادرة‬ ‫كبيسة‪ ،‬ثم استمرا مع دليلهما في المسير‬ ‫نحو الــجــوف عبْر وادي عميج ومنطقة‬ ‫الــوديــان‪ ،‬ووصــا إلــى سكاكا‪ ،‬ومنها إلى‬ ‫الجوف‪ ،‬ويذكر بتلر أنه ال يوجد بلدات بين‬ ‫كبيسة وسكاكا وال يسكن المنطقة سوى‬ ‫قبائل البادية المتنقلة(‪.((1‬‬ ‫ويقدم والن وصفاً موجزاً لمسار الطريق‬ ‫من الجوف إلى العراق في قوله «والطريق‬ ‫من الجوف إلى العراق تمر بأرض النفود‪،‬‬ ‫إلى الشمال الشرقي من الجوف‪ ،‬وتتصل‬ ‫بالدرب الذي يطرقه أهل جبل شمر في‬ ‫زيــاراتــهــم الــمــتــعــددة ألرض الــعــراق‪ ،‬أما‬ ‫ال نادراً»(‪.((1‬‬ ‫الجوفيون فال يزورون الجوف إ َّ‬ ‫الطريق من بصرى إلى الجوف‬ ‫وصل من بصرى إلى الجوف الرحالة‬ ‫الفرنسي شارل هوبير ‪ ،Charle Huber‬وهو‬ ‫يذكر إنه غادر بصرى يوم ‪ 14‬مايو ‪1880‬م‪،‬‬ ‫مع أدالء اتفق معهم‪ ،‬وفي المرحلة األولى‬ ‫من رحلتهم وصلوا إلى قرية عنز بعد أن‬ ‫تجاوزوا قرية أم الرمان‪ ،‬وهما قريتان في‬ ‫منطقة صلخد‪ ،‬فــي محافظة السويداء‬ ‫جنوبي دمشق‪ ،‬وفي اليوم الرابع من الرحلة‬

‫نوافذ‬

‫خيّم هو ورفاقه عند القصر األزرق (‪100‬كم‬ ‫شرق عمّان) ثم واصلوا المسير عبر وادي‬ ‫السرحان ومناطق صحراوية إلى بلدة كاف‪،‬‬ ‫ومن كاف اتفق مع دليل أوصله إلى الجوف‬ ‫برفقة مسافرين آخرين‪ ،‬وذكر أن مسارهم‬ ‫كان عبر مجرى وادي السرحان ومسايرته‬ ‫نحو الغرب‪ ،‬وأنهم مــروا بعدد من موارد‬ ‫المياه منها آبــار المالّحات‪ ،‬وآبــار قدير‪،‬‬ ‫وآبــار القصايم ‪ ،‬ثم آبــار الــجــراوي‪ ،‬ومن‬ ‫الجراوي ساروا دون توقف حتى الجوف؛‬ ‫ألنه ال يوجد ماء قبلها‪ ،‬وقد وصلوها يوم‬ ‫‪ 26‬مايو ‪1880‬م(‪.((1‬‬ ‫الطريق من الجوف إلى حائل‬ ‫تنقّل من الجوف إلى حائل أو العكس‬ ‫عــدد مــن الرحالة الــذيــن ذكرناهم فيما‬ ‫سبق؛ فقد سافر من الجوف إلى حائل كل‬ ‫من‪ :‬جورج أوغست والن‪ ،‬ووليم بلغريف‪،‬‬ ‫والليدي آن بلنت‪ ،‬وشارل هوبير‪ ،‬ويوليوس‬ ‫آويتنج‪ ،‬والبارون إدوارد نولده‪ ،‬في حين‬ ‫قَدِ َم من حائل إلى الجوف كارلو غورماني‪.‬‬ ‫وي ــوج ــد طــريــقــان بــيــن ال ــج ــوف وحــائــل‬ ‫وكالهما عبر النفود‪ ،‬أحدهما مروراً بقرية‬ ‫جــبــة‪ ،‬وهــي على مسافة ‪ 120‬كيلومتراً‬ ‫شمال حائل‪ ،‬والثاني مرورًا بمورد الحيانية‬ ‫في أقصى شرق النفود على بعد ‪216‬كم‬ ‫شــمــال شــرقــي حــائــل‪ ،‬وتستغرق الرحلة‬ ‫عبر الطريق األول ثالثة عشر يوماً‪ ،‬وعبر‬ ‫الطريق الثاني عشرة أي ــام‪ ،‬وقــد سافر‬ ‫جميع الرحالة مع الطريق األول عدا نولده‪،‬‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪121‬‬


‫فقد اختار الطريق الثاني‪ ،‬وتكاد أوصاف‬

‫الرحالة تكون متطابقة لمسار الطريق‬ ‫ومعالمه من الجوف عبر النفود وجُ بّه إلى‬

‫حائل‪ ،‬فقد ذكروا أن المورد الوحيد على‬ ‫الطريق هي آبار الشقيق‪ ،‬التي يصل إليها‬

‫المسافرون بعد مسيرة من ‪14-12‬ساعة‬

‫من الجوف‪ ،‬ومنها إلى جُ بة ثم حائل مروراً‬

‫بجبل شمر؛ وهناك مَعل ٌم في النفود بين‬ ‫آبار الشقيق وجُ بةـ وهو عبارة عن قمتين‬

‫لجبل يستبشر المسافرون برؤيته‪ ،‬إذ يدل‬ ‫على أنهم يسيرون في االتجاه الصحيح‪،‬‬

‫وإنهم قد قطعوا ثلثي المسافة نحو جبل‬

‫شمر‪ ،‬يسمي والن القمة الشمالية «العليم»‬ ‫واألخر «الطرفي»‪ ،‬ويذكر أنّ جُ بة تبعد عن‬ ‫هذا ال َمعْلم مسيرة ‪25‬ساعة‪ ،‬وبلغريف ذكر‬ ‫هذا المعلم باسم السعد والعلم‪ ،‬ويسميه‬

‫غورماني العليم‪ ،‬ويذكر أنه يبعد مسيرة‬

‫‪25‬ساعة عن جُ بة‪ ،‬وتسميه الليدي آن بلنت‬ ‫العلم‪ ،‬وسماه هوبير وآوتينج العليم‪.‬‬

‫أما المسار الثاني للطريق بين الجوف‬

‫وحائل‪ ،‬فقد ذكــره كل من نولده والليدي‬ ‫آن بلنت‪ ،‬وعبره نــولــده‪ ،‬وذكــر في مسار‬

‫رحلته أنه عبَر من الجوف إلى قــارا‪ ،‬ثم‬

‫مئذنة مسجد عمر بن الخطاب بالجوف‬

‫الطريق من الجوف إلى الرياض‬ ‫يذكر والن أن الطريق من الجوف إلى‬ ‫الــريــاض طريق مسلوكة تمر عبر جبل‬ ‫شمر والقصيم‪ ،‬وتستغرق المسافة من‬ ‫الجوف إلى الرياض اثني عشر يوماً أو‬ ‫ثالثة عشر‪ ،‬ولكن الطريق المستقيم عبر‬

‫بئري خوعا‪ ،‬وهما على بعد ‪ 24‬كم من‬ ‫إثره‪ ،‬وتعدان آخر موقع ماء قبل الحيانية‪ ،‬الصحراء ال يتجاوز سبعة أيام(‪ .((2‬ويتضح‬ ‫ثم عبر النفود حتى الحيانية‪ ،‬وذكــر أن أن الطريق من الجوف إلى الرياض عبر‬

‫المسافة من بئري خوعا حتى الحيانية جبل شمر والقصيم يسلك مع المسار‬ ‫‪290‬كم‪ ،‬ومن الحيانية واصل مسيره حتى القديم نفسه قبل اإلســام بين اليمامة‬ ‫حائل(‪.((2‬‬

‫‪122‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫والجوف‪.‬‬

‫نوافذ‬


‫الطريق من الجوف إلى المدينة المنورة‬

‫وطريق الجوف إلى بالد الشام عبر وادي‬ ‫السرحان التي يمكن عبْرها الوصول إلى‬ ‫بصرى أو دمشق أو القدس‪ ،‬أو العبور تجاه‬ ‫مصر عبر سيناء‪.‬‬

‫كما يذكر والن أن الطريق من الجوف‬ ‫إلــى المدينة الــمــنــورة‪ ،‬يأخذ على تيماء‬ ‫والحجر(‪ .((2‬ومن المعروف أن الطريق بين‬ ‫ومن الطرق الداخلية طريق الجوف جبة‬ ‫حجر والمدينة المنورة يعبر مع المسار‬ ‫المعروف بطريق الحج الشامي الذي يصل جبل شمر‪ ،‬عبر النفود‪ ،‬وطريق الجوف تيماء‬ ‫بين مكة ودمشق‪ ،‬وهو أحد طرق التجارة الحجر‪ ،‬وطريق الجوف جبل شمر القصيم‬ ‫اليمامة (الــريــاض)؛ إذ مــن هــذه الطرق‬ ‫الرئيسة قبل اإلسالم‪.‬‬ ‫الداخلية يمكن العبور إلى وسط الجزيرة‬ ‫ختام ًا‬ ‫العربية وشرقها‪ ،‬ومناطق الحجاز‪ ،‬وجنوبي‬ ‫أكدت هذه الدراسة أن منطقة الجوف الجزيرة العربية‪ ،‬ويؤكد والن أهمية موقع‬ ‫تمثل منذ القدم حلقة وصل‪ ،‬وشبكة للطرق الجوف وطرقها‪ ،‬في قوله‪« :‬يعتقد سكان‬ ‫التي تجتمع فيها وتتفرّع منها‪ ،‬وربطتها تلك الجوف أن مدينتهم في وسط الدنيا‪ ،‬ولذا‬ ‫الطرق منذ أقدم العصور بمناطق عديدة يطلقون عليها اسم جوف الدنيا‪ ،‬والواقع‬ ‫مــن داخ ــل الــجــزيــرة الــعــربــيــة وخــارجــهــا‪ ،‬أن المسافات التي تفصلها عن الصحراء‬ ‫ويستنتج من كتابات الرحالة أن مسارات المحيطة بها إلى أقرب األراضي المزروعة‬ ‫الطرق القديمة ظلت تسلك مع المناطق تكاد تتماثل‪ .‬فيمكن الوصول من الجوف‬ ‫نفسها‪ ،‬وكان من أشهر الطرق التي تصل إلــى دمشق في سورية‪ ،‬وإلــى النجف في‬ ‫الــجــوف بــخــارج الــجــزيــرة العربية وظلت الــعــراق‪ ،‬وإلــى المدينة في الحجاز وإلى‬ ‫مطروقة‪ :‬طريق الجوف إلى بالد الرافدين‪ ،‬الكرك في األردن في نحو سبعة أيام»(‪.((2‬‬ ‫* ‬ ‫((( ‬ ‫(( (‬ ‫((( ‬ ‫((( ‬ ‫((( ‬

‫أكادميي وباحث سعودي‪.‬‬ ‫عبــد الرحمــن الطيــب األنصــاري‪ ،‬احلضــارة العربيــة اإلســامية عبــر العصــور يف اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية‪ ،‬دار التــراث‪ ،‬الرياض‪1427،‬هـــ‪ ،‬ص ص ‪69-67‬؛ جيــوم شــارلوا‪ ،‬رومولــو لوريتــو‪ ،‬دومــة‬ ‫اجلنــدل ‪ 2800‬ســنة مــن التاريــخ يف اململكــة العربيــة الســعودية‪( ،‬د‪ .‬ن)‪( ،‬د ت) ‪ ،‬ص ص ‪.68-67‬‬ ‫شارلو‪ ،‬لوريتو‪ ،‬دومة اجلندل‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫أبــو علــى أحمــد بــن محمــد بــن احلســن املرزوقــي‪ ،‬األزمنــة واألمكنــة‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬بيــروت‬ ‫الطبعــة‪ :‬األولــى‪1417 ،‬هـــ‪ ،‬ص ص ‪.83-82‬‬ ‫محمــد بــن ســعد‪ ،‬الطبقــات الكبــرى‪ ،‬حتقيــق إحســان‪ ،‬دار صــادر‪ ،‬بيــروت ‪1968 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ص ‪-62‬‬ ‫‪.63‬‬ ‫احلســن بــن أحمــد الهمدانــي‪ ،‬صفــة جزيــرة العــرب‪ ،‬مطبعــة بريــل‪ ،‬ليــدن‪1884 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .131‬القريــات ال‬ ‫تــزال معروفــة بإســمها يف منطقــة اجلــوف‪ .‬وورد تعريــف البيــاض عنــد ياقــوت ضمــن حديثــه عــن وادي‬ ‫أجــارد مبنطقــة اجلــوف؛ إذ قــال «أجــارد ٍ‬ ‫واد مــن أوديــة كلــب‪ ،‬وهــي أوديــة كثيــرة تنش ـ ّل مــن امللحــاء‪،‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪123‬‬


‫((( ‬ ‫(( (‬ ‫((( ‬ ‫((( ‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪( (1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((1‬‬

‫(‪ ((1‬‬ ‫(‪ ((2‬‬

‫(‪( (2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫(‪ ((2‬‬

‫‪124‬‬

‫وهــي رابيــة منقــادة مســتطيلة‪ ،‬مــا شـ ّرق منهــا هــو األوداة‪ ،‬ومــا غـ ّرب فهــو البيــاض‪ .‬ياقــوت احلمــوي‪،‬‬ ‫معجــم البلــدان‪ ،‬دار صــادر‪ ،‬بيــروت‪1995 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص‪.100-99‬‬ ‫محمــد بــن أحمــد املقدســي‪ ،‬أحســن التقاســيم يف معرفــة األقاليــم‪ ،‬ط‪ ، 3‬مكتبــة مدبولــي القاهــرة‪،‬‬ ‫‪199/1411‬م ‪ ،‬ص ‪.250‬‬ ‫حسني خليفة وآخرون‪ ،‬آثار منطقة اجلوف‪ ،‬وكالة اآلثار واملتاحف بوزارة املعارف‪1423 ،‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬ ‫املرزوقي‪ ،‬األزمنة واألمكنة‪ ،‬ص ‪.382‬‬ ‫جــورج أوغســت والــن‪ ،‬رحــات والــن‪ ،‬ترجمــة ســمير ســليم شــبلي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الــوراق للنشــر‪ ،‬بغــداد‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬ص ص‪62-19‬؛ عــوض البــادي‪ ،‬الرحالــة األوروبيــون يف شــمال اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬منطقــة‬ ‫اجلــوف‪ ،‬نــادي اجلــوف األدبــي الثقــايف‪ ،‬ســكاكا‪1432 ،‬هـــ‪2011/‬م‪ ،‬ص ص ‪.38-23‬‬ ‫نقــا عــن‪ :‬البــادي‪ ،‬الرحالــة األوروبيــون يف شــمال اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ص ص‪ .71-70‬ميقــوع ‪ :‬مركــز‬ ‫إداري يبعــد ‪102‬كــم شــمال غربــي دومــة اجلنــدل‪.‬‬ ‫كارلــو غورمانــي‪ ،‬جنــد الشــمالية‪ ،‬ترجمــة بطــرس رزق اهلل‪ ،‬دار الــوراق‪ ،‬بيــروت‪2015 ،‬م‪ ،‬ص ص‪-230‬‬ ‫‪242‬؛ البــادي‪ ،‬الرحالــة األوروبيــون يف شــمال اجلزيــرة العربيــة‪" .134-125 ،‬طريــق الشــامية‪ :‬أي عــن‬ ‫طريــق هضبــة احلمــاد"‪ ،‬البــادي الرحالــة األوروبيــون‪ ،‬ص ‪134‬‬ ‫أرتشــيباد فــوردر‪ ،‬مغامــرات بــن العــرب‪ ،‬ترجمــة ماريــة عثمــان‪ ،‬هيئــة أبــو ظبــي للثقافــة والتــراث‪،‬‬ ‫بيــروت‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 161‬ومــا بعدهــا؛ البــادي‪ ،‬الرحالــة األوروبيــون يف شــمال اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ص‬ ‫ص‪.348-305‬‬ ‫الليــدي آن بلنــت‪ ،‬رحلــة إلــى جنــد مهــد العشــائر العربيــة‪ ،‬ترجمــة وتعليــق أحمــد ايبــش‪ ،‬دار املــدى‬ ‫للثقافــة والنشــر‪ ،‬دمشــق‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪ 76‬ومــا بعدهــا‪.‬‬ ‫يوليــوس آوتينــج‪ ،‬رحلــة داخــل اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ترجمــة محمــود كبيبــو وعمــاد غــامن‪ ،‬دار الــوراق‪،‬‬ ‫بيــروت‪2014 ،‬م‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫البــارون نولــده‪ ،‬رحلــة إلــى وســط اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ترجمــة عمــاد الديــن غــامن‪ ،‬دار الــوراق‪ ،‬بيــروت‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬ص ص‪.20-15‬‬ ‫نقالً عن البادي‪ ،‬الرحالة األوروبيون يف شمال اجلزيرة العربية‪ ،‬ص ص ‪.371-361‬‬ ‫نقـ ً‬ ‫ا عــن البــادي‪ ،‬الرحالــة األوروبيــون يف شــمال اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ص ص ‪ .361-353‬منطقــة الوديــان‬ ‫منطقــة شاســعة مــن الشــعاب والوديــان حتيــط بشــمال مدينــة عرعــر؛ البــادي‪ ،‬الرحالــة األوروبيــون ص‬ ‫‪.357‬‬ ‫والــن‪ ،‬رحــات والــن‪ ،‬ص ‪ .68‬ويقصــد والــن بقولــه الطريــق الــذي يســلكه أهــل جبــل شــمر إلــى العــراق‪:‬‬ ‫طريــق احلــج الكــويف الــذي ينطلــق مــن الكوفــة إلــى مكــة‪ ،‬وميــر مبنطقــة حائــل‪ .‬املعــروف بــدرب زبيــدة‪،‬‬ ‫وكان مــن طــرق التجــارة قبــل اإلســام‪ ،‬وقــد أصبــح هــذا الطريــق منــذ منتصــف القــرن ‪13‬هـــ يســلك مــن‬ ‫النجــف إلــى حائــل ثــم املدينــة املنــورة‪.‬‬ ‫شــارل هوبيــر‪ ،‬رحلــة يف اجلزيــرة العربيــة الوســطى‪ ،‬ترجمــة إليســار ســعادة‪ ،‬كتــب‪ ،‬بيــروت‪2003،‬م ‪ ،‬ص‬ ‫ص ‪.27-17‬‬ ‫والــن‪ ،‬رحــات والــن‪ ،‬ص ‪ 103‬ومــا بعدهــا‪ ،‬بلغريــف‪ ،‬نقــا عــن البــادي‪ ،‬الرحالــة األوروبيــون يف شــمال‬ ‫اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ص ‪ 67‬ومــا بعدهــا؛ آن بلنــت‪ ،‬رحلــة إلــى جنــد‪ ،‬ص ‪ 179‬ومــا بعدهــا‪ ،‬هوبيــر‪ ،‬رحلــة‬ ‫يف اجلزيــرة‪ ،‬ص ص ‪55-35‬؛ آويتنــج‪ ،‬رحلــة إلــى داخــل اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ص ‪ 149‬ومــا بعدهــا؛ نولــده‪،‬‬ ‫رحلــة إلــى وســط اجلزيــرة‪ ،‬ص ص ‪45-27‬؛ غورمانــي‪ ،‬جنــد الشــمالية‪ ،‬ص ص ‪227-222‬؛ وانظــر‬ ‫البــادي‪ ،‬الرحالــة األوروبيــون يف شــمال اجلزيــرة العربيــة منطقــة اجلــوف‪.‬‬ ‫والن‪ ،‬رحالت والن‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫والن ‪ ،‬رحالت والن‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫ولن‪ ،‬رحالت والن‪ ،‬ص‪.85‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫ال أعلم‪..‬‬ ‫كيف لي أن أصوغ عباراتي‬ ‫■ مليس جميل احلميد*‬

‫نص‬ ‫مُ نذ أن تلقيت خبر إصابتي «بــداء السكري»‪ ،‬جــال بخاطري كتابة ولــو ٍّ‬ ‫بسيط يُعبر عن مـدَى معاناة مرضى السكر وكيفية تعايشهم مع هــذا المرض‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُصبت بِ ه في صغري وبعُ مر الثامنة‪ ..‬وما يزال مرافقي منذ عشر سنوات‪..‬‬ ‫َكوْني أ ُ‬ ‫ظننت أنــه مُ جرد مــرض‪ ،‬مثل الحمّ ى والــزكــام وغيرهما‪ ،‬كانت أمــي تــرى عليَّ‬ ‫العديد من المالحظات‪ ،‬كالخمول والكسل وكثرة الذهاب لدورة المياه‪ ،‬أخذتني‬ ‫للمستشفى‪ ،‬تأكدت من إصابتي بداء السكر‪ ،‬كانت نتيجة الفحص (‪ ،)٣٥٥‬كانت‬ ‫تلك صدمة بالنسبة للطبيب وأم ــي‪ ..‬قــال الطبيب بدهشة «كيف لطفلة بهذا‬ ‫العُ مر أن تكون نتيجة فحصها بهذا الرقم المهول!‬ ‫عندها أجهشت أمي بالبكاء‪ ،‬أما أنا وجود أمي بجانبي وتحفيزات أبي لي‪،‬‬

‫فلم أذرف دمع ًة واحــدة من دموعي إال زي ــارات إخوتي وأقربائي‪ .‬بعد معاناةٍ‬

‫«لشهر كامل»‪ ،‬بعدها مع ذلك الشهر خرجت من المستشفى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندما تم تنويمي‬

‫تأكدت ان ُه لم يكن مثلما أظن «حمى أو وشعرتُ كأن فراشات تُحلّق في صدري‪..‬‬ ‫زكاما»‪ ،‬كانت هذه وألول مرة تخيب فيها‬ ‫ظنوني‪..‬‬

‫عند عودتي للبيت‪ ..‬أول كلمة تلقيتها‬

‫من جدي «يرحمه اهلل» (صرنا رفيقين‬

‫كــان ذلــك الشهر من أســوأ األشهر مــع الــســكــر)‪ ،‬كــان يمازحني ويخبرني‬

‫على اإلطالق! وما كان يخفف عليَّ سوى بأنني لست أنا الوحيدة في هذا العمر‬

‫نوافذ‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪125‬‬


‫التي ا ُصيبت بهذا الداء‪..‬‬ ‫مُحفزة‪ ،‬كنت أستمع إليه وكأني أتعلم درسي‬ ‫عند رؤيتي لألشخاص الذين في عمري األول في داء السكري‪ ..‬لقد غيَّر نظرتي عن‬ ‫يتناولون الحلوى‪ ،‬كنت أشعر بالضيق والحسرة داء السكر‪ ،‬بعد ذلك عدت إلى المنزل‪ ،‬ولقد‬ ‫على ما أصابني‪ ،‬وكانت أمي تخبرني دائمًا تغيرت نظرتي فقط‪ ..‬ولم يتغير شغفي أو‬ ‫جهدي على تغيير حالي‪..‬‬ ‫بأنني مميزة عنهم ومختلفة‪.‬‬ ‫بــعــد فــتــرة ذهــبــت ألرى نتيجة السكر‬ ‫مرت السنوات‪ ..‬إلى أن وصلت سنّ الحادية‬ ‫عشرة‪ ،‬أدركت عندها أنَّ السكر مرض مُزمن التراكمي وكان (‪ ،)١٣‬ليصبح (‪ ،)١١‬شعرت‬ ‫شديد‪ ،‬حتى أن ابتسامتي لم‬ ‫ٍ‬ ‫بفرح‬ ‫ٍ‬ ‫يرافقني العمر كله‪ ..‬أصبح «رفيقي»‪ ..‬تلك حينها‬ ‫الكلمة التي ترددت على مسامعي كثيرًا من تفارقني‪ ،‬إال عندما قالت الطبيبة «هل أنت‬ ‫سعيدة بهذا الرقم؟ «وإذا أخبرتك بأن امرأة‬ ‫الناس‪« ،‬اجعلي السكر رفيقك»‪.‬‬ ‫كبيرة بالسنّ والسكر التراكمي لديها (‪)٥‬‬ ‫أعــلــم أنــنــي أخــطــأت بمعاملتي لــه‪ ،‬ولم وأنت في هذا العمر والتراكمي لديك (‪،)١١‬‬ ‫ا ُعامله معاملة «الرفيق» على ما يقولون‪ ،‬بل كانت تتحدث بكل جدية وكأنها غاضبة على‬ ‫عاملته معاملة العدو!‬ ‫ما تــراه‪ ،‬لوهلة‪ ..‬لقد عدت إلى تلك الفتاة‬ ‫نعم هذه حقيقتي‪ ،‬استهترت بمواعيدي‪ ،‬التي تكره أنها ا ُصيبت بهذا الداء‪..‬‬ ‫عدم االنتظام في أخذ األنسولين‪ ،‬لم آخذ‬ ‫مرت األشهر والسنوات‪ ،‬أرى خوف عائلتي‬ ‫أحد‪..‬‬ ‫بنصيحة ٍ‬ ‫أكثر من خوفي على نفسي! اعتقد أنني كُنت‬ ‫زرت كثيرًا من األطباء‪ ..‬كانوا يخبروني‬ ‫عــن مضاعفات داء الــســكــري‪ ،‬وكــيــف أن ـ ُه‬ ‫مرض متعبٌ جدًا‪ ،‬يحمل الكثير من العناء‪..‬‬ ‫ويختمون كالمهم بـ «هل تفضلين الموت أم‬ ‫الحياة؟»‪.‬‬

‫لم أكــن أ ُبــدي أي َردِّة فعل ســوى البكاء‪،‬‬ ‫كان الجميع يطلق على داء السكري (الموت‬ ‫البطيء)! كانت مضاعفات السكر وعبارة‬ ‫«الموت البطيء» تتردد في مسامعي‪ ،‬إلى أن‬ ‫ا ُصبت بمرحلة التبلد‪ ..‬اعتادت مسامعي على‬ ‫هذا اإلطراء‪.‬‬

‫أنــا الوحيدة التي تــرى هــذا الــوضــع عاديًا‬ ‫بالنسبة لــي‪ ..‬ولكثرة األحــداث وتطوراتها‪،‬‬ ‫كنت ال أكترث أن ينهي حياتي أم أنا سأنهيه‪،‬‬ ‫أم أني سأستمر معه مدى الحياة‪..‬‬ ‫في كل مرة كنت أعود بها من المستشفى‬ ‫إلى المنزل‪ ..‬أع ُد نفسي بأنني سوف أجري‬ ‫بعض التغيير‪ ،‬وأتعايش مع حقيقة إصابتي‬ ‫بهذا الداء‪ ،‬وأستمر على ذلك أسبوعاً مثالً‪،‬‬ ‫وأمضي قدمًا‪ ..‬لكنَّ شيئاً ما يحصل فجأة‪،‬‬ ‫ألجد نفسي قد عُدت إلى نقطة البداية‪..‬‬

‫ا ُصبت بفترة مللت فيها كل هذا السوء‪،‬‬ ‫فــي عــمــر الــســادســة عــشــر ذهــبــت إلــى سئمت من فكرة محاولة إصالح شيء ما على‬ ‫المستشفى‪ ،‬التقيت بطبيب كانت كلماته الدوام‪ ،‬كنت أبكي على ما يجري ويحدث لي‪،‬‬

‫‪126‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫وأتساءل لو أني لم أ ُصب بهذا المرض كيف‬ ‫سيكون نمط حياتي؟!‬ ‫مـرّت السنين إلى أن ا ُصيبت قدم جدي‬ ‫«يرحمه اهلل» بالغرغرينا‪ ،‬كان الجميع يقول‬ ‫بأنها سبب من أسباب السكر‪ ..‬كان خوف‬ ‫والداي يزداد أكثر على حالتي‪ ،‬لقد أصابهم‬ ‫الخوف‪ ،‬بعدما رأوا حالة جدي بهذا السوء‪..‬‬ ‫بينما كان خوفي األكبر على جدي فقط‪ ،‬لم‬ ‫من المُحال‪ ،‬فحالنا في تقلب مستمر؛ لذلك‪،‬‬ ‫أهتم لحالتي‪ ،‬وماذا سيحدث لي‪..‬‬ ‫فــاألمــل حقيقة ومظهر مــن مظاهر حسن‬ ‫ازدادت حالة جــدي ســوءً‪ ،‬إلــى أن توفاه‬ ‫الظن باهلل؛ لذا ستُزهر الحياة يومًا ما عندما‬ ‫اهلل‪..‬‬ ‫يبدل اهلل سوء الحال إلى أحسن حال‪..‬‬ ‫تغيرت نظرتي لداء السكر‪ ،‬كم هو مخيف‬ ‫أيضا‪ ،‬أعلم جيدًا أن ُه يوجد في هذه الحياة‬ ‫ً‬ ‫ولعين!‬ ‫الكثير من األمــراض التي يظن بعضهم أنها‬ ‫بعد معاناةٍ دامــت لعشر ســنــوات‪ ،‬بدأت أش ّد خطرًا من داء السكر‪ ..‬ولكن ال يدرك‬ ‫أتغير وأرى الحياة من جانب آخر‪ ..‬أعلم أنني بعضهم أن هذا الداء يصطحب بسببه الكثير‬ ‫أصبتُ كثيرًا‪ ،‬من المضاعفات واألمراض األخرى‪..‬‬ ‫عانيت من جميع الجوانب‪َ ..‬‬ ‫واجتهدتُ كثيرًا‪ ،‬وخيبت أملي كثيرًا‪ ،‬وندمت‬ ‫في النهاية‪ ،‬مُمتنة لكل من وقف بجانبي‪،‬‬ ‫كثيرًا‪..‬‬ ‫من دعمني في حياتي برفقة هذا الداء‪ ..‬كل‬ ‫الفضل‪ ..‬هلل ثم ألمي‪ ،‬الداعم األول لي‪ ،‬والتي‬ ‫لوال وجودها لما وصلت إلى ما أنا عليه‪ .‬وألبي‬ ‫وكلماته التي لها وقع كبير في حياتي‪ ،‬علمني‬ ‫أن األشياء ال تأتي إال بالصبر واإلصــرار‪،‬‬ ‫وألخــوتــي الــذيــن لــوال اهلل ثــم وجــودهــم لما‬ ‫خطوت خطوة واحدة‪ ،‬وألقربائي وأصدقائي‪،‬‬ ‫وأطبائي‪ ..‬لكل من قال لي «هذا الطريق الذي‬ ‫تمشين فيه صعب ويحمل الكثير من العناء»‬

‫بعد ذلــك‪ ،‬أعلم جــيـدًا أن اهلل يصطفي‬ ‫األشــخــاص الــذيــن يحبهم ويبتليهم ســواء‬ ‫بأمراض أو غيرها‪ ،‬لم يشعرني داء السكر‬ ‫بــأي نقص‪ ،‬بل جعلني مختلفة عن الجميع‬ ‫باختالف مميز‪ ..‬حتى وإن باءت محاوالتي‬ ‫بــالــفــشــل‪ ..‬إال إنــنــي فــخــورة بما أنــا عليه‪.‬‬ ‫تعايشت مــع هــذا الـــداء‪ ،‬مــع حقيقتي‪ ،‬مع‬ ‫اخــتــاالتــي وأخــطــائــي‪ ،‬هــذه هــي الحياة ال‬ ‫تسير على وتيرة واحدة‪ ،‬فيها من الفواجع ما‬ ‫«علمني السكر بأن ُه ابتالء ورضىً بقضاء‬ ‫يكفي‪ ،‬ومن المسرات ما يكفي‪ ،‬ودوام الحال اهلل‪ ،‬وأن الحياة ال تتوقف عند مرض»‪.‬‬ ‫ * طالبة سعودية ‪ -‬الثانوية الثانية بسكاكا‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪127‬‬


‫شمس أحمد الحسيني‬ ‫‪1433 - 1359‬هـ ‪2012 - 1940 /‬م‬

‫■ محمد عبدالرزاق القشعمي*‬

‫م ــع ب ــداي ــة ع ـهــد ال ـمــؤس ـســات الـصـحـفـيــة في‬ ‫المملكة نهاية عام ‪1383‬هــ‪1964 /‬م‪ ،‬بعد أن كانت‬ ‫في ما مضى تسمى صحافة األفراد‪ .‬خصص صفحات‬ ‫للمرأة‪ ،‬والشباب‪ ،‬والرياضة‪ ،‬والطب‪ ،‬والعمال‪ ،‬واالقتصاد وغيرها‪ ،‬وكان تخصيص‬ ‫صفحات للمرأة مع بداية إقرار التعليم النظامي لها‪ ،‬وكان ذلك حافز ًا ومشجع ًا‬ ‫للمرأة لدخول هذا الميدان‪ ،‬وطرح ما تعانيه وما تحلم به على صفحات الجرائد‬ ‫والمجالت‪ ،‬وكتابة اسمها الصريح بدل أن كان يكتفي باألحرف األولى من اسمها‪،‬‬ ‫رجل‪ ،‬أو يكتفي بأم فالن‪ .‬وقيل أن المديرية العامة‬ ‫باسم مستعارٍ ‪ ،‬أو تكتب باسم ٍ‬ ‫أو ٍ‬ ‫للصحافة واإلذاعــة والنشر قد طلبت من الصحف عدم نشر أسماء البنات‪ ،‬مما‬ ‫دعا األستاذ عبدالكريم الجهيمان إلى الكتابة عن ذلك تحت عنوان‪( :‬األسماء‬ ‫المحظور نشرها)‪ ،‬وقــال‪ :‬إنه ال يعرف ما الــذي يمنع ذكر أسماء النساء الالتي‬ ‫يكتبن‪ ،‬فلم أستطع أن أعرف الحكمة فيه؛ ألن القرآن الكريم فيه أسماء نسائية‪،‬‬ ‫والحديث النبوي كذلك‪ ..‬فيه ذكر أسماء نسائية‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫وم ــع ب ــداي ــة صـ ــدور الــصــحــف ف ــي عهد‬ ‫الــمــؤســســات‪ ،‬وتخصيص صــفــحــات للمرأة‬ ‫والطفل‪ ،‬ودعوة المتعلمات للمشاركة‪ ،‬بل وإدارة‬ ‫تلك الصفحات‪ .‬ولهذا عندما دُعِ ي الشيخ حمد‬

‫‪128‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫الجاسر لتسلم مسؤولية اإلعــداد والتحضير‬ ‫إلقامة (مؤسسة اليمامة الصحفية)‪ ،‬وبعد‬ ‫صــدور الموافقة‪ ،‬صــدرت جريدة (اليمامة)‬ ‫يوم الجمعة ‪ 7‬ذي القعدة ‪1383‬هـ ‪ 20‬مارس‬

‫نوافذ‬


‫‪1964‬م‪ ،‬وقــد خصص للمرأة صفحة كاملة باسم‬ ‫(الصفحة النسائية) ‪ -‬وكانت الجريدة قبل أن تتحول‬ ‫إلى مجلة تصدر أسبوعياً‪ ،‬ومن العدد الثاني تولت‬ ‫السيدة شمس خزندار ‪ -‬وهو اسمها الفني‪ -‬أما‬ ‫اسمها الصحيح فهو (شمس أحمد الحسيني)‪ ،‬بدأت‬ ‫تستقطب الكثير من السيدات واآلنسات ليشاركن‬ ‫في الكتابة‪ ،‬وقالت بمقدمة الصفحة‪« :‬تمر بالدنا‬ ‫في هذه الفترة بما يمكن أن يسمى بمرحلة انتقال‪،‬‬ ‫ومثل هذه المرحلة تتميز بوجود التقاليد القديمة‬ ‫والجديدة جنباً إلى جنب‪ ،‬وهو وجود وتعايش غير‬ ‫سلمي‪ ،‬بمعنى أن ثمة تناقضاً وتصارعاً بينهما‪ ،‬وهذا‬ ‫الوضع يتضح خصوصاً في حياة المرأة وتصرفاتها‬ ‫في المجتمع‪ ،‬فالمرأة بدأت تحتل دورها الطبيعي‬ ‫في المجتمع‪ ،‬وتسهم في بنائه‪ ،‬ولكنها ما تزال بعد‬ ‫في منتصف الطريق‪ ،‬وتبعاً لذلك تجد نفسها في‬ ‫صراع دائم بين التقاليد القديمة والجديدة‪ .‬وهذه‬ ‫األخيرة لم تتضح وتستقر تماماً بحيث تتغلب نهائياً‬ ‫على التقاليد القديمة‪ ،‬وهــذه الصفحة تعمل على‬ ‫التوفيق وحل التناقض بين القديم والجديد‪ ،‬ولذلك‬ ‫سنخصص جانباً كبيراً فيها لمناقشة االتجاهات‬ ‫والتقاليد الــجــديــدة وإظــهــارهــا‪ .‬وهــذه المناقشة‬ ‫بالطبع لن تكون فعالة‪ ،‬ما لم يسهم فيها أكبر عدد‬ ‫من القارئات‪ ،‬وهي حقيقة تدفعنا إلى أن ندعوكن‬ ‫جميعاً إلى الكتابة بآرائكن في هذا الموضوع‪ ،‬حتى‬

‫االستاذة الراحلة شمس الحسيني رحمها اهلل‬

‫نستطيع معاً التوصل إلى تقاليد ثابتة تجمع بين‬ ‫مزايا القديم والجديد‪ ،‬وفــي الوقت نفسه تواكب‬ ‫وتتمشى مع التقدم الــذي بدأنا نحققه في شتى‬ ‫المجاالت»‪.‬‬ ‫ثم بدأت فيما بعد بنشر سلسلة (مذكرات زوجة‬ ‫سعودية)‪ ،‬وفي العدد السابع اعتذرت لضعفها في‬ ‫مادة اإلنشاء‪ ،‬وهو ما اضطرها في حياتها الدراسية‬ ‫إلى السطو‪ ،‬أو على األصــح اقتباس الموضوعات‬ ‫والمقاالت الصحفية وادعائها لنفسها‪ ..‬وقالت‪:‬‬ ‫إنــهــا كــانــت مــتــرددة فــي االســتــمــرار فــي نشر هذه‬ ‫المذكرات‪ ،‬ال إلصرار زوجها على أن تواصل نشـر‬ ‫هذه المذكرات‪ ،‬وإنما‪...‬‬ ‫وقد بدأت تستقطب وتنشر أسماء المشاركات‬ ‫مثل اآلنسات‪ :‬سارة بوحيمد‪ ،‬ومنيرة األحيدب‪ ،‬ونورة‬ ‫صالح الشمالن‪ ،‬وشيخة الدغفق‪ ،‬وحصة التويجري‪،‬‬ ‫وم ْي الجاسر‪ ،‬وبهية الصويغ‪ ،‬وفوزية أخضر‪ ،‬وأمل‬ ‫التركي‪ ،‬وخيرية السقاف‪ ،‬وغيرهن‪.‬‬

‫منى خزندار مديرة معهد العالم العربي بباريس سابقا‬ ‫وهي ابنة شمس الحسيني‬

‫نوافذ‬

‫وكانت اآلنسة نورة الشمالن تكتب من البصرة‬ ‫بالعراق‪ ،‬وم ْي الجاسر وسارة بوحيمد من بيروت‪،‬‬ ‫اســتــمــرت الــســيــدة شمس الحسيني تــشــرف على‬ ‫الصفحة النسائية في اليمامة مدة عام‪ ،‬لتنتقل بعد‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪129‬‬


‫أمير مكة يكرم شمس الحسيني نيابة عن زوجها عابد خزندار‬

‫ذلك إلى القاهرة حيث أسرتها‪ ،‬بسبب تعرض زوجها‬ ‫األستاذ عابد خزندار للتوقيف لمدة سنتين‪ .‬وح َّل‬ ‫محلها في اإلشــراف على الصفحة اآلنسة خيرية‬ ‫السقاف‪.‬‬ ‫عــرفــت األس ــت ــاذة شــمــس مــن خ ــال صفحتها‬ ‫النسائية‪ ،‬وتجددت المعرفة أكثر بعد أن تعرفت‬ ‫على زوجها وزيارته بجدة مع صديق الجميع األستاذ‬ ‫عبدالكريم الجهيمان‪.‬‬ ‫وآخر لقاء لي معها واألستاذ عابد خزندار عند‬ ‫زيارتي لهم بجدة عام ‪2008‬م لتعرض زوجها لكسر‬ ‫في ظهره عانى منه كثيراً‪ ،‬وبسببه أصبح ال يكاد‬ ‫يخرج من منزله إال للضرورة‪ .‬وقد نابت األستاذة‬ ‫شمس عن زوجها باستالم جائزة نادي مكة األدبي‬ ‫لعام ‪2010‬م التي منحت لألديب عابد خزندار من‬ ‫أمير المنطقة خالد الفيصل‪.‬‬ ‫وشمس أحمد الحسيني هي (شمس خزندار)‪،‬‬ ‫فهي تقول في مقابلة أجرتها معها مجلة اليمامة في‬ ‫العدد ‪ 1733‬الصادر يوم السبت ‪ 18‬رمضان ‪1423‬هـ‬ ‫الموافق ‪ 23‬نوفمبر ‪2002‬م إن اسمها الفني (شمس‬ ‫خزندار) نسبة إلى اسم عائلة زوجها‪ ..‬وأن أصلها‬ ‫يعود إلــى أشــراف الحجاز النازحين إلــى مصر‪..‬‬ ‫وذكرت أنها ولدت في القاهرة عام ‪1940‬م في حي‬ ‫(العتبة)‪ ،‬وحصلت على الثانوية العامة‪ ،‬ثم تزوجها‬ ‫األستاذ عابد خزندار عند تخرجه من كلية الزراعة‬

‫‪130‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫بجامعة القاهرة عام ‪1377‬هـ‪1957 /‬م‪ ،‬ثم سافرت‬ ‫مع زوجها إلى الواليات المتحدة األمريكية لتدرس‬ ‫لمدة سنتين في جامعة ميرالند‪ ..‬وبعد عودتها مع‬ ‫زوجها لحصوله على درجة الماجستير وعمله بوزارة‬ ‫الزراعة‪ .‬وقالت إن الشيخ حمد الجاسر‪ -‬بتوصية‬ ‫من صديق زوجها األستاذ حامد دمنهوري الذي كان‬ ‫ال لوزارة المعارف‪ -‬قد دعاها لإلشراف‬ ‫يعمل وكي ً‬ ‫على الصفحة النسائية عند صدور جريدة اليمامة‬ ‫بتاريخ ‪1383/11/7‬هـــ‪ ،‬وكانت عالقتها وثيقة بثريا‬ ‫عابد شيخ زوجة مدير التحرير وقتها األستاذ حمود‬ ‫البدر‪ ،‬فكانت تذهب إلى بيته مع زوجها لتقدم له مواد‬ ‫الصفحة‪ ..‬وقالت‪ :‬إنها كانت تتقاضى أربعمائة ريال‬ ‫شهرياً‪ ،‬وهو راتب جيد بمعيار ذلك الوقت‪ ..‬وقالت‪:‬‬ ‫إن هذه الفترة من أجمل فترات حياتها‪ ..‬رغم أنها‬ ‫َّض زوجها لإليقاف‬ ‫لم تستمر سوى عامين‪ ،‬وقد تعر َ‬ ‫عن عمله‪ ،‬مع أنه أول سعودي يحصل على درجة‬ ‫الماجستير في الكيمياء الزراعية‪ ،‬ومن هنا ذهبت‬ ‫للعيش مع عائلتها بالقاهرة‪ ...‬وقالت إن األستاذ‬ ‫إبراهيم الناصر هاجم الصفحة النسائية واعتبرها‬ ‫ال ال جــدوى منه؛ بدعوى أن النساء في بالدنا‬ ‫عم ً‬ ‫أميّات ال يقرأن الصفحة‪ ،‬وبالتالي ال يستفدن منها‪،‬‬ ‫فردت عليه بأن الصفحة عن المرأة وليست موجهة‬ ‫إليها‪ ،‬وأن الرجل والمجتمع في بالدنا بحاجة ماسة‬ ‫إلى أن يتعرفا على قضايا المرأة ومشكالتها‪ ،‬وأن‬ ‫هدف الصفحة هو عرض هذه القضايا بالقدر المتاح‬ ‫من الحرية في ذلك الوقت‪ ،‬وبالتالي الدعوة لحلها‪...‬‬ ‫وقالت عن الفرق بين صحافة األمس وصحافة اليوم‪،‬‬ ‫إن صحافة األمس أو صحافة األفراد كانت صحافة‬ ‫مستوى ومضمون‪ ،‬أما صحافة اليوم فهي صحافة‬ ‫شكل‪ ،‬وحسب‪ ..‬وقالت إن الصفحة النسائية كانت‬ ‫شاملة‪ ..‬تعنى بقضايا المرأة‪ ،‬وتواكب ظروف تلك‬ ‫الفترة‪ ،‬مثل ترشيد اإلنفاق في مصروف البيت‪ ،‬وكل‬ ‫ما يتعلق بتعليم المرأة‪ ،‬والعناية بالطفل‪ ،‬والتعامل‬ ‫مع الزوج واألوالد‪ ،‬وجمال المرأة‪ ،‬والديكور‪ ،‬وثقافة‬ ‫المرأة‪ ..‬الخ‪ .‬وقالت عن تجربتها الصحفية‪« :‬إضافة‬

‫نوافذ‬


‫إلى الكثير والكثير من ذلك‪ :‬الصبر‪ ،‬والتعود على‬ ‫العمل‪ ،‬واإلطــالــة في كل اسبوع بما يثير اهتمام‬ ‫المجتمع وقضايا المرأة وشؤونها»‪.‬‬ ‫وتذكرت دور الفنانة جميلة مختار التي رسمت‬ ‫الكاريكاتير في العدد األول من الصفحة النسائية‪.‬‬ ‫وال ــرس ــم يمثل امـ ــرأة بــيــدهــا مــشــعــل‪ ،‬وباليد‬ ‫األخ ــرى حقيبة المدرسة وقــد كتب تحتها‪ :‬رسم‬ ‫يوضح انطالقة المرأة السعودية واختيارها لفلنتينا‬ ‫رائدة الفضاء السوفيتية كأنموذج للمرأة‪ ..‬بعد أن‬ ‫استعرضت سيرتها العلمية والعملية‪.‬‬ ‫وقالت إنها فخورة بزوجها عابد الذي لم يَنْبَتَّ‬ ‫عن جذوره العربية‪ ،‬وهو ما يزال يعيش هموم الوطن‪،‬‬ ‫وذكرت بفخر ابنتيها‪ :‬األستاذة (منى) مديرة معهد‬ ‫العالم العربي بباريس‪ ،‬والدكتورة (سارة) األستاذة‬ ‫فــي كلية العمارة فــي جامعة الــســوربــون بباريس‪،‬‬ ‫فمع حياتهما الطويلة بباريس منذ عشرين عاماً‪..‬‬ ‫لم يفقدا الهوية العربية واالنتماء إلــى المجتمع‬ ‫السعودي‪..‬‬ ‫وقــد تعرضت أخــيــراً لمشاكل صحية أُدخلت‬ ‫على أثرها المستشفى عدة مرات‪ ،‬فلما تعذر قبول‬ ‫دخولها المستشفى في جــدة‪ ،‬اضطر زوجها إلى‬ ‫نقلها إلى المستشفى في باريس‪ ،‬ولكن بعد فوات‬ ‫األوان‪ ...‬ففارقت الحياة يوم االربعاء ‪ 27‬رمضان‬ ‫‪1433‬ه ـــ الموافق ‪ 14‬أغسطس ‪2012‬م‪ .‬فرثاها‬ ‫زوجها بجريدة الرياض في ‪2012/8/17‬م‪:‬‬ ‫«‪ ..‬وهكذا قضـى اهلل أن تتوفى زوجتي الشريفة‬ ‫شمس أحمد الحسيني عن اثنين وسبعين عاماً‪ ،‬بعد‬ ‫أن عانت مرضاً عــضــاالً‪ ...‬وقــال إنها أول محررة‬ ‫سعودية لصفحة المرأة‪ ،‬ثم تفرغت بعد ذلك لتكون‬ ‫عمري الثاني‪ ،‬الذي أصبح مفقوداً اآلن‪ ،‬ولكني سأظل‬ ‫أبحث عنه ما بقي لي من أيام‪ ،‬فأنا اآلن في الثامنة‬ ‫والسبعين‪ ،‬وسأظل أبحث عنه في كل مكان أقمنا أو‬

‫مجلة الجوبة استضافت االستاذ الراحل عابد خزندار زوج‬ ‫الراحلة شمس الحسيني في العدد ‪٣٧‬‬

‫حللنا فيه‪ ،‬في روما التي قضينا فيها شهر العسل‪،‬‬ ‫وبالذات في نافورة تريفي التي يقال إن من رمى فيها‬ ‫عملة فسيعود إليها‪ ،‬وستجلب له السعادة وهذا ما‬ ‫فعلناه‪ ،‬وقد عدنا إليها مراراً وعشنا سعداء‪ ،‬وعندما‬ ‫أعود إليها اآلن لن أكون سعيداً‪ ،‬وسأشرق بالدموع‬ ‫وقد يتوقف القلب الواهن‪ ...‬وقال ثم ماذا‪ :‬لم تكوني‬ ‫عمري الثاني فحسب بل كنت نفسي األخرى‪ ،‬والقلب‬ ‫الــذي كــان يــدق مع دقــات قلبي والــروح التي كانت‬ ‫تتحدد مع روحي‪ ،‬ولم تشاركيني في عيشي فحسب‪،‬‬ ‫بل كنت أنت التي تتولين أموره‪ ،‬وتتحملين مسؤوليته‪،‬‬ ‫وتعتنين بكل صغيرة وكبيرة فيه‪ ،‬واآلن أصبحت‬ ‫كالطفل الذي يحتاج إلى من يرعاه ويقوده في دروب‬ ‫الحياة‪ ،‬وال أدري ما اهلل صانع بي‪.»..‬‬ ‫وبعد سنتين وبضعة أشهر يلحق بها‪ ،‬ففي العاشر‬ ‫من شهر فبراير ‪2015‬م ‪-‬وفي باريس ‪ -‬ينتقل إلى‬ ‫رحمة اهلل‪ ،‬لينقل جثمانه إلــى مسقط رأســه مكة‬ ‫المكرمة‪ ،‬ليصلى عليه بالمسجد الحرام‪ ،‬ويدفن في‬ ‫مقابر المعاله بمكة المكرمة رحمه اهلل‪.‬‬

‫ * كاتب وباحث سعودي‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪131‬‬


‫‏ نقش فضالة بسكاكا‪:‬‬

‫اكتشاف نقش إسالمي مبكر َذ َك َر للمرة األولى‬ ‫اسم مدينة "سكاكا" عاصمة منطقة الجوف‬ ‫■ احملرر الثقايف‬

‫نقش‬ ‫كُ شف النقاب مــؤخــرً ا فــي مدينة سكاكا بمنطقة الـجــوف عــن اكتشاف ٍ‬ ‫إسالميٍّ مبكرٍ ‪َ ،‬ذ َكــر للمرة األولــى اسم مدينة "سكاكا " عاصمة منطقة الجوف‬ ‫على حجر ضخم شمال مدينة سكاكا ُسمِّ يَ نقش فضالة‪.‬‬ ‫وقــد أج ــاب األسـتــاذ سلطان بــن عبدالعزيز المحزم الــدهــام‪ ،‬أخصائي اآلثــار‬ ‫ورئـيــس وحــدة التسجيل والتوثيق األث ــري‪ ،‬قسم اآلث ــار ‪ ،‬كلية السياحة واآلثــار‬ ‫بـجــامـعــة الـمـلــك سـعــود بــالــريــاض‪ ،‬وال ـحــاصــل عـلــى درج ــة الماجستير فــي علم‬ ‫مسكوكات ما قبل اإلسالم‪ ،‬عند السؤال عن قصة نقش إسالمي ذكر للمرة األولى‬ ‫اســم مدينة "سكاكا" عاصمة منطقة الـجــوف؛ فأشار أن اكتشافه هــذا يعود إلى‬ ‫أكثر من ثــاث سنوات مضت‪ ،‬وبــدأت القصة بعثورنا على حجر ضخم الحجم‪،‬‬ ‫احتوى على مواضيع عديدة‪ ،‬مثل‪ :‬رسوم صخرية ووسوم قبلية‪ ،‬وأهمها في الواقع‬ ‫كتابات إسالمية مبكرة‪ ،‬وتكمن أهمية هذه الصخرة القريبة من سكاكا في النقش‬ ‫اإلسالمي المبكر الذي ورد فيه للمرة األولى اسم المدينة الحالي "سكاكا"؛ وهذا‬ ‫النقش يعكس دون شك العمق التاريخ لمدينة سكاكا الحالية التي ال تبعد إال عدة‬ ‫كيلومترات عن أحد أعرق المدن العربية "دومة الجندل" الجوف‪ ،‬الوارد ذكرها في‬ ‫كتابات أشورية وعربية قديمة‪ ،‬ومن تاريخ هذا النقش يتبين دون شك قدم االسم‪،‬‬ ‫فنحن نعرف أن أول ذكرٍ للمدينة جاء عند الجغرافي المسلم "ياقوت الحموي"‪،‬‬ ‫المتوفى عام ‪ 626‬هجري‪ ،‬في كتابه المشهور والموسوم بمعجم البلدان‪.‬‬

‫‪132‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫‏وقــال الدهام‪ :‬إن هذا النقش كما بينت‬ ‫دراسة حروفه‪ ،‬يعود إلى القرن األول الهجري‪،‬‬ ‫وبهذا فهو معاصر لعدد من النقوش التي‬ ‫نقش وقفتُ عليه‬ ‫ٌ‬ ‫وقفتُ عليها‪ ،‬ومن أهمها‬ ‫برفقة صديق اآلثار والتراث الوطني الصدوق‬ ‫األس ــت ــاذ "عـ ــواد بــن فــالــح الــعــنــزي"‪ ،‬الــذي‬ ‫بالمناسبة يبذل وما يزال يبذل الكثير لتراث‬ ‫هذه المدينة وآثارها‪ .‬لذلك كُرم مرتين من‬ ‫سيدي صاحب السمو الملكي األمير سلطان‬ ‫كمبلغ عن اآلثار‬ ‫ٍ‬ ‫بن سلمان حفظه اهلل ورعاه‪،‬‬ ‫ومتعاون مع الهيئة‪ ،‬وال أنسى عمق مقولته‬ ‫ٍ‬ ‫"إن المواطن هو حارس اآلثار األول وحامي‬ ‫الحمى"‪.‬‬ ‫‏وأكــــد "الـ ــدهـ ــام" على‬ ‫ضــرورة الحفاظ على‬ ‫ه ــذا الــكــنــز الثقافي‬ ‫الــمــهــم‪ ،‬وذل ــك بنقله‬ ‫إلــى مكان آمــن‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫مــكــتــب آثـــــار ســكــاكــا‪،‬‬ ‫أو م ــت ــح ــف الـــجـــوف‬ ‫اإلقليمي‪ ،‬بهدف حمايته‬ ‫والحفاظ عليه‪ ،‬مشددًا‬ ‫على إسناد هذه المهمة‬ ‫إلى فريق احترافي من‬ ‫مختصين فــي اآلث ــار‬ ‫والترميم‪ ،‬محذرًا من‬ ‫أن التأخر قد يفقدنا‬ ‫كــنـزًا حــضــار ًيــا مهمًا‪،‬‬ ‫الفـ ًتــا االنــتــبــاه إلــى أن‬ ‫فــقــدان بــعــض أج ــزاء‬ ‫النقش الرابع كــان بسبب‬ ‫فقدان القشرة‪.‬‬ ‫‏وشدد باحث العمالت القديمة‬

‫نوافذ‬

‫وبــاحــث مكتب آث ــار المنطقة على ضــرورة‬ ‫التعامل مع هذا االكتشاف باحترافية وجدية‬ ‫وأولوية الشروع في إجــراءات حمايته التي‬ ‫تختلف عن غيره‪.‬‬ ‫‏وعـــن ســبــب إع ــان ــه لــلــمــجــلــة ع ــن هــذا‬ ‫االكتشاف قــال‪ :‬إنــه سَ ُع َد كثيرًا وسُ ـ َّر بهذا‬ ‫االكــتــشــاف ال ــذي يلقي الــضــوء على العمق‬ ‫التاريخي للمدينة بدليل آثــاري شبه قاطع‪،‬‬ ‫وأن ســعــادتــه ال تــوصــف كــأحــد أبــنــاء هــذه‬ ‫التي تحتوي على أقدم موقع‬ ‫ا لمنطقة‬ ‫استيطان في شبه الجزيرة‬ ‫ال ــع ــرب ــي ــة‪ ،‬وقـــــــال‪ :‬إن‬ ‫كــشــفــه لــهــذا النقش‬ ‫يــكــمــن فـــي رغــبــتــه‬ ‫رد م ــع ــروف هــذه‬ ‫المدينة وأهلها‬ ‫ع ــل ــى دعــمــهــم‬ ‫ومساندتهم له‬ ‫إبان عمله في‬ ‫مكتب اآلثار‬ ‫بالمنطقة‪،‬‬ ‫وهو هدية‬ ‫مـــــــنـــــــه‬

‫ك ــم ــك ــت ــش ــف‬‫لــلــمــوقــع‪ -‬إل ــى أبــنــاء‬ ‫المنطقة الــكــرام‪ .‬وقــال‪:‬‬ ‫إن هناك أمرين مهمين سيلقي‬ ‫عليهما المزيد من األضواء عند نشر‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪133‬‬


‫كبير الجهد‬ ‫ٍ‬ ‫مقدرًا إلى حدٍّ‬ ‫الدراسة المتعلقة بالصخرة‬ ‫ومحتوياتها‪..‬‬ ‫ال ــذي بــذلــه صــاحــب السمو‬ ‫الملكي األمــيــر سلطان بن‬ ‫أولهما‪ :‬إن بعض الوسوم‬ ‫سلمان‪ ،‬ومث ِّمنًا الجهود التي‬ ‫الــتــي وج ــدت على الصخرة‬ ‫تقوم بها الهيئة وعلى رأسها‬ ‫تــدل على العمق التاريخي‬ ‫الدكتور "جاسر الحربش"‪،‬‬ ‫ألبناء هذه المنطقة وقبائلها‪،‬‬ ‫فاعلة‬ ‫ٍ‬ ‫كبير ومساندةٍ‬ ‫بدعم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مثل وسم العرقاة الذي يعود‬ ‫إلى عدد من حمايل المنطقة‬ ‫مــن ل ــدن ســمــو األمــيــر بــدر‬ ‫كــأنــمــوذج ؛ ال ــدال دون شك‬ ‫بــن عــبــداهلل وزيـــر الثقافة‬ ‫ليس على عمق تاريخ المنطقة أ‪ .‬سلطان بن عبدالعزيز المحزم الدهام‬ ‫المتميز‪ ،‬وقـــال‪ :‬لــن ننسى‬ ‫فحسب بل على أصالة أهلها وقبائلها‪.‬‬ ‫كذلك دعــم صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫ثانيهما‪ :‬إنه ستصدر ورقة علمية عن نقش فيصل بــن نــــواف أمــيــر منطقة الــجــوف‪،‬‬ ‫فضالة من أهل سكاكا من القرن الهجري األول الشاب الطموح الواعد‪ ،‬وتوجيه سيدي خادم‬ ‫لكل من ‪ :‬الدكتور مشلح بن كميخ المريخي الحرمين الشريفين‪ ،‬وصاحب السمو الملكي‬ ‫المتخصص في الكتابات اإلسالمية‪ ،‬الذي األمير محمد بن سلمان ولي عهده األمين‪،‬‬ ‫أيد بخبرته المعهودة أن نقش فضالة يعود إلى المتمثل بــســنِّ القوانين المنظمة الهادفة‬ ‫القرن األول الهجري‪ ،‬وسلطان بن عبدالعزيز لحفظ الــمــقــدرات وتنفيذها‪ ،‬وهــذا اإلرث‬ ‫الدهام‪ ،‬وعواد بن فالح العنزي‪..‬‬ ‫العظيم‪ ،‬وكذلك تكريم المواطنين حماة الدار‬ ‫‏وقــد أثنى سلطان الــدهــام على الجهود ومكافأتهم‪ ،‬داع ـ ًيــا اهلل لهذا الــوطــن العزة‬ ‫التي تقوم بها هيئة التراث في خدمة اآلثار واألمن واألمان‪.‬‬

‫‪134‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫نوافذ‬


‫المدرسة في زمن الجائحة‬ ‫ترنيمة حزينة بألوان التفاوتات االجتماعية‬ ‫بياتريس كامرير‬ ‫■ ترجمة‪ :‬مراد اإلدريسي*‬

‫تقديم‬

‫عقب انتشار جائحة كورونا (‪ )COVID-19‬في الشهور األخيرة‪ ،‬أعلن العديد‬ ‫من دول العالم إغالق المدارس وتعليق الدراسة والخدمات التربوية إلى أجل غير‬ ‫مسمى؛ خوفا من انتشار العدوى‪ ،‬وحماية للتالميذ‪ ،‬وألعضاء الجسد التعليمي‪.‬‬ ‫بعد ذلــك‪ُ ،‬طــرح السؤال حول مصير مئات الماليين من التالميذ‪ ،‬وماليين‬ ‫المدرسين والمستخدمين في ظل الجائحة‪ ،‬ونحن على مقربة من نهاية الموسم‬ ‫ال ــدراس ــي‪ ،‬وف ــي خـضــم ث ــورة تقنية وصـنــاعـيــة قــوامـهــا الـتـكـنــولــوجـيــات الحديثة‬ ‫للمعلومات واالتصال‪.‬‬ ‫من أجــل تجاوز هــذا التحدي‪ ،‬سيعلن‬ ‫الــعــديــد م ــن ب ــل ــدان الــعــالــم ع ــن ضــمــان‬ ‫االســتــمــراريــة التعليمية «‪la continuité‬‬ ‫‪ »éducative‬عبر تشجيع التعليم الرقمي عن‬ ‫بعد‪ ،‬ليحل محل التعليم الحضوري‪.‬‬ ‫ستختلف الصيغ واآللــيــات والنتائج‬ ‫باختالف المجتمعات نفسها‪ ،‬وستشترك‬ ‫فــي تجريب مختلف االبــتــكــارات الرقمية‬ ‫الستشراف مستقبل جــديــدة لـ«المدرسة‬

‫نوافذ‬

‫الرقمية» «‪ .»l’école numérique‬لقد تضاربت‬ ‫التحليالت والــنــقــاشــات الــعــامــة والعلمية‬ ‫حول مستقبل المدرسة بعد الجائحة‪ ،‬بين‬ ‫التخوف من رقمنة المدرسة على حساب‬ ‫الــغــايــات األخــاقــيــة‪ ،‬الــقــيــمــيــة‪ ،‬النقدية‬ ‫والتعليمية المتوخاة من التعليم الحضوري‪،‬‬ ‫تهديد التعليم الرقمي لوظيفة المدرس‬ ‫والمدرسة في المجتمع‪ ،‬أو الحاجة إلى‬ ‫تكيف المدرسة مع تحوالت وسائل التواصل‬ ‫االجتماعي في ظل الرقمنة‪.‬‬ ‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪135‬‬


‫إن الجائحة قد أظهرت بشكل جلِيّ الدور المنصات الرقمية واإلعالم العمومي)‪...‬‬ ‫الــمــحــوري للمدرسة فــي التخفيف مــن وطــأة‬ ‫تم تعميم االستمرارية التربوية منذ ‪ 13‬مارس‬ ‫الــفــوارق االجتماعية‪ ،‬ودمــقــرطــة التعليم في الماضي بفرنسا (كما بالعديد من البلدان)‪ ،‬من‬ ‫مستوياته الدنيا بمختلف المجتمعات واألنظمة أجل «ضمان استمرارية التعلم من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫التعليمية‪ .‬بدون مدرسة‪ ..‬ستتعمق التفاوتات جهة أخــرى الحفاظ على التواصل اإلنساني‬ ‫والتمايزات االجتماعية‪ ،‬وسيتحول التعليم من بين التالميذ والمدرسين»‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬واجهت‬ ‫جديد إلى حظوة اجتماعية (وفقا لتحليالت عالم هــذه الخطط صــعــوبــات وتــحــديــات مختلفة‪.‬‬ ‫االجتماع الفرنسي فرانسوا ديبي (‪ François‬حسب الخبير التربوي الفرنسي «فيليب ميرو»‬ ‫‪ ..))Dubet‬لقد وفرت المدرسة الرقمية فرصة «‪ ،»Philippe Meirieu‬س ــادت هــنــاك قطيعة‬ ‫جــديــدة لمتابعة األطــفــال والتالميذ وتقريب جوهرية بين االستمرارية التربوية‪ ،‬في شكلها‬ ‫الــمــعــارف مــنــهــم‪ ،‬وتــجــديــد أواصــــر وروابـ ــط الكالسيكي كما اقترحها «الــمــركــز الوطني‬ ‫التواصل بين المعلمين واآلباء‪ ،‬إال إنها بينت أن الفرنسي للتعليم عــن بعد» (‪Centre national‬‬ ‫من يمتلك حاسوبًا‪ ،‬لوحة إلكترونية‪ ،‬أو هاتفًا ‪ ،)d’enseignement à distance‬واالســتــمــراريــة‬ ‫ٍ‬ ‫ذكيًا‪ ،‬سيستطيع تحصيل‬ ‫مزيد من التعلمات التعليمية الــتــي رك ــزت على مسألة الحفاظ‬ ‫مقارنة بأبناء الطبقات الفقيرة الذين فُرض على االتصال وتحفيز ذكاء الطفل دون ضمان‬ ‫عليهم مواجهة األزمــات االقتصادية واألسرية التقدم في إنجاز المقرر الدراسي»‪ .‬في المناطق‬ ‫والتعليمية التي خلقتها الجائحة‪.‬‬ ‫السويسرية والبلجيكية الناطقة بالفرنسية‪ ،‬حيث‬ ‫يقدم هذا التقرير المميز وضع المدرسة في تم نهج استراتيجيات «االستمرارية التعليمية»‬ ‫ظل الجائحة‪ ،‬بعيون خبراء في علوم التربية‪( ،‬في شكلها الرقمي دائما)‪ ،‬تم تخفيف التوترات‬ ‫ويميط اللثام عن حقائق علمية ومُعاشة حول من خالل تأطير األهــداف المرجوة‪« :‬ال يتعلق‬ ‫االستمرارية التعليمية عبر تسليط الضوء على األمــر بتقديم تعلمات ومعارف جديدة‪ ،‬وإنما‬ ‫واقــع التعليم الرقمي في مجموعة من الــدول فقط تقديم تنقيحات وتوجيهات عامة بخصوص‬ ‫المعارف السابقة»‪ ،‬يعلق عالم النفس التربوي‬ ‫األكثر تضررًا من الجائحة‪.‬‬ ‫برونو هومبيك «‪ »Bruno Humbeeck‬فيعد أن‬ ‫استراتيجيات استباقية‬ ‫األولوية األساس للتعليم الرقمي هي الحد من‬ ‫بشكل محزن‪ ،‬حُ رِ َم أ َزيَد من مليار وستمائة الضغوطات األسرية‪.‬‬ ‫مليون تلميذ من المدرسة بسبب انتشار فيروس‬ ‫كورونا‪ ،‬حسب ما سجلته منظمة اليونسكو نهاية‬ ‫شهر مارس الماضي‪ .‬حاول العديد من الدول‬ ‫التخفيف من تداعيات هذا التوقف االضطراري‪.‬‬ ‫عــلــى سبيل الــمــثــال‪ ،‬اقــتــرحــت فــرنــســا تصور‬ ‫«االستمرارية التعليمية» (كما اقترح المغرب‬ ‫استراتيجية «التعليم عن بعد» عبر استثمار‬

‫‪136‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫في منطقة الكيبيك بكندا‪ ،‬تم توجيه االهتمام‬ ‫نحو التجربة النفسية للتالميذ في ظل الجائحة‪،‬‬ ‫حيث صدر قبل أسبوعين من اإلجازة االستثنائية‬ ‫مرسوم حكومي ينظم هذا التصور المستجد‪.‬‬ ‫«إن فكرة االستمرارية التعليمية دون االكتراث‬ ‫بما وقع‪ ..‬لم تكن في الحسبان‪ ،‬ولم تُقدَّ م بشكل‬ ‫رسمي‪ .‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬شكل هذا التوقف‬

‫نوافذ‬


‫عن الدراسة وقتًا لالسترخاء (من قبل التالميذ)‬ ‫للسماح لألسرة بمواجهة أزمة الجائحة»‪ ،‬تؤكد‬ ‫الجامعية كريستين برابان «‪.»Christine Brabant‬‬ ‫وفترة في االبتكارات التعليمية‬ ‫بعيدا عــن هــذه االخــتــافــات‪ ،‬أدى إغــاق‬ ‫الــمــدارس إلــى مــمــارســات مماثلة فــي الــدول‬ ‫الغربية الناطقة بالفرنسية‪ .‬بدءًا بالحفاظ على‬ ‫االرتــبــاط والتواصل المستمر مع الطفل عبر‬ ‫الهاتف أو البريد اإللكتروني‪ ،‬وصوالً إلى إرسال‬ ‫مقترحات األنشطة الدورية لألسرة‪.‬‬ ‫في الكيبيك‪ ،‬تم تقديم مــوارد إضافية مثل‬ ‫«المقلمة البيداغوجية» األسبوعية‪ .‬في جمهورية‬ ‫وكانتون جنيف‪ ،‬تــم بــث العديد مــن األنشطة‬ ‫الترفيهية بمنصة (‪ .)Petit bazar‬ال بد أن نشير‬ ‫إلــى نقطة أخــرى مشتركة بين جميع تجارب‬ ‫التعليم عن بعد في عصر الجائحة والمرتبطة‬ ‫بتعبئة القنوات التلفزيونية العمومية (السمعية‬ ‫والبصرية) لبث البرامج التعليمية‪ ،‬والتي تدعم‬ ‫الدينامية الشاملة الستخدام الموارد واألدوات‬ ‫الرقمية ‪ -‬الفصول االفتراضية وبيئات العمل‬ ‫الرقمية‪ .‬أدى هذا الحماس (المفرط أحيانا)‬ ‫إلى انتشار االبتكارات التعليمية غير المتجانسة‬

‫التي يرحب بها بــرونــو هومبيك‪« :‬لقد رأينا‬ ‫الــعــديــد مــن المعلمين يــقــبــلــون عــلــى تجربة‬ ‫البيداغوجيا العكسية أو تجريب أشكال مختلفة‬ ‫من الدعم والمواكبة الفردية‪ :‬سيتعين عليهم‬ ‫تقييم هذه االبتكارات من أجل استثمار الناجح‬ ‫منها مستقبال»‪.‬‬ ‫وجــدت االستمرارية التعليمية نفسها أمام‬ ‫عقبات مماثلة في بلدان عديدة‪ ،‬وجعلتنا نعيد‬ ‫اكتشاف عمق وتشعب التفاوتات االجتماعية‪.‬‬ ‫بالنسبة إلي ــدوارد جنتاز (‪،)Édouard Gentaz‬‬ ‫أستاذ التربية في جامعة جنيف‪ ،‬فإنه يرفض‬ ‫فكرة التحسر على الــوضــع‪« :‬إن هــذه الفترة‬ ‫عبارة عن ترنيمة للمدرسة التي تذكرنا أنه‬ ‫بــدونــهــا سيصبح التعليم مــرة أخ ــرى امــتــيــازًا‬ ‫محفوظً ا ألولئك الذين لديهم غرفة منفردة‪،‬‬ ‫وجهاز كمبيوتر‪ ،‬وشخص يدعم ويواكب التعلم»‪.‬‬ ‫يــبــدي فيليب مــيــرو تــفــاؤالً مــن نــوع آخر‬ ‫مــن خ ــال االهــتــمــام الــمــتــجــدد بــالــعــاقــات‬ ‫والتفاعالت التي يطرحها التعليم التعاوني أو‬ ‫المشترك‪« :‬لقد أعاد اآلباء اكتشاف صعوبة‬ ‫مهنة التدريس‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬أصبح المدرسون‬ ‫وعي بالدور الحاسم لآلباء في مساعدة‬ ‫على ٍ‬ ‫أطفالهم على أن يكونوا مستقلين ومستمرين»‪.‬‬

‫* باحث ومترجم ‪ -‬المغرب‪ ،‬نشر المقال في العدد ‪ ،327‬يوليو ‪2020‬م‪ ،‬من مجلة (‪)Sciences Humaines‬‬ ‫الفرنسية‪https://www.scienceshumaines.com/l-ecole-au-temps-du coronavirus-fr-42395.html :‬‬ ‫ مراجع مرتبطة بالموضوع‪:‬‬

‫‪Bruno Humbeeck, Covid-19: Comment Agir Avec Les Elèves ? Propos Recueillis Par‬‬ ‫‪Monica GLINEUR, MAGAZINE PROF N°46, 2020.‬‬

‫‪Philippe Meirieu: «L’école A Distance N’est Pas L’école», Propos Recueillis Par Violette‬‬ ‫‪Lebeau, Journal L’Union, 16/05/2020.‬‬ ‫‪Russell M Viner, Simon J Russell and all, School closure and management practices during‬‬ ‫‪coronavirus outbreaks including COVID-19: a rapid systematic review, Lancet Child‬‬ ‫‪Adolesc Health2020; 4: 397-404.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪137‬‬


‫العصفورية‬ ‫■ صالح القرشي*‬

‫(ال ـن ــاس غـيــر مـتـســاويـيــن أم ــام ال ـخ ـلــود‪ ،‬يجب‬ ‫التمييز بين الخلود الصغير‪ ،‬ذكرى إنسان في ذهن‬ ‫أولئك الذين عرفوه‪ ،‬والخلود الكبير ذكرى إنسان‬ ‫في ذهن من لم يعرفوه)‪.‬‬ ‫ما سبق مقتطع من حوار في رواية الخلود لميالن كونديرا‪ ،‬وأعتقد أن الرواية‬ ‫الفاتنة (العصفورية) هي ما سيمنح الشاعر والروائي غازي القصيبي خلوده األدبي‪.‬‬ ‫لــم يضع القصيبي كلمة رواي ــة على كان غاية في اإلثارة واالمتاع لدى كل من‬ ‫غــاف روايــتــه‪ ،‬وكأنما أراد أن يجعلها طالَ َع الرواية‪.‬‬ ‫ال متقدمًا من ناحية التصنيف‪ .‬أو‬ ‫عم ً‬ ‫وأعــتــقــد أن الــســبــب يــعــود لــأســلــوب‬ ‫ربما أراد اإليحاء بأنها تمضي على خالف الذي اختاره القصيبي‪ ..‬وهو االستطراد‪:‬‬ ‫المعتاد فيما يتعلق بالرواية‪ ،‬فهي فريدة (الــحــكــايــات الــتــي تجر بعضها‪ ،‬والفكرة‬ ‫في طريقتها وشخصياتها وموضوعاتها‪ .‬التي تولد من رحــم فكرة)‪ ،‬ويبدو لي أنه‬

‫دور أحداث الرواية في «العصفورية»‬ ‫(مستشفى األم ــراض النفسية)‪ ،‬وتبدأ‬ ‫وتنتهي والبروفيسور يحكي‪ ،‬والدكتور‬ ‫يحاوره أحيانا‪ ..‬ويقاطعه قليال‪ ،‬ويستمع‬ ‫إليه في أغلب الوقت‪ ،‬لكن هذا الحوار‬ ‫الثنائي والمفترض أن يقود إلى الملل‪..‬‬

‫‪138‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫متعم ٌد هــذا األســلــوب لِعوامل ُكـثْــر‪ ،‬منها‬ ‫رغــبــتــه بــالــعــودة بــالــروايــة إل ــى نماذجها‬ ‫العربية الخالصة‪ ،‬كألف ليلة وليلة‪ ،‬ورسالة‬ ‫الغفران‪ ،‬وهو كثيرًا ما تحدَّثَ عن رفضه‬ ‫للمقولة المعلبة التي تتحدث عن الرواية‬ ‫خالصا‪ ،‬ولكي‬ ‫ً‬ ‫بوصفها فنًا ومنتجً ا غربيًا‬

‫نوافذ‬


‫يتمكن مــن خــال االســتــطــراد مــن استعراض‬ ‫ثقافته الموسوعية‪ ،‬وكذلك طرح الكثير من اآلراء‬ ‫واألفــكــار من خــال ما يشرّق به ويــغـرَب بطل‬ ‫الــروايــة البروفيسور المثير للجدل‪ ،‬ســواء في‬ ‫مواقفه وآرائه السياسية‪ ،‬أو االجتماعية واألدبية‪.‬‬ ‫وهــنــا‪ ..‬لعلنا نتذكر مــا فعله أبــو العالء‬ ‫المعري في رسالة غفرانه الشهيرة‪.‬‬ ‫وهــذا ما أشــار له الــروائــي العربي الكبير‬ ‫الطيب صالح في حديثه عن العصفورية‪ ،‬فقد‬ ‫قــال‪( :‬غ ــازي القصيبي صنع رســالــة غفران‬ ‫لزماننا على غرار رسالة الغفران ألبي العالء‬ ‫المعري)‪.‬‬ ‫ومما يجمع رسالة الغفران بالعصفورية‪..‬‬ ‫هو أن السرد في الحالتين يقوم به شاعران الغفران‪ ..‬يحضر الشعر‬ ‫ال يــنــســيــان الــشــعــر مــطــل ـ ًقــا‪ ،‬فــفــي رســالــة والـــــشـــــعـــــراء‪ ،‬وهــــــو مــا‬ ‫يــحــدث فــي العصفورية‪،‬‬ ‫وفيها جــزءٌ جمي ٌل يدخل‬ ‫فــيــه الــبــروفــيــســور وادي‬ ‫عبقر‪ ،‬ويتحاور مع الجن‬ ‫المتلبسين بالشعراء‪.‬‬

‫د‪ .‬غازي القصيبي‬

‫لماذا أتحدث عن رواية العصفورية مجددًا‬ ‫رغــم الــســنــوات الــتــي مضت منذ صــدورهــا‪،‬‬ ‫الحق أنني أعتقد أن س ّر هذه الرواية الممتلئة‬ ‫بالسخرية الــحــادة هو في قدرتها الشديدة‬ ‫على المعاصرة‪ ..‬ومن يطالعها في هذا الزمن‬ ‫تحديدًا‪ ،‬سيكتشف هذا األمر‪ ،‬وهذا سر ّ بقاء‬ ‫واستمرار األعمال األدبية الكبيرة‪ .‬هي دعوة‬ ‫أيضا ِلمَن لم يطالعها أن يفعل‪ ..‬وكلي ثقة أنه‬ ‫لن يندم‪.‬‬ ‫ * كاتب سعودي‪.‬‬

‫نوافذ‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪139‬‬


‫تقرير النشاط الثقافي‬

‫(يونيو ‪ -‬ديسمبر)‬

‫في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬

‫■ كتب‪ :‬جهاد أبو مهنا‬

‫شهد مركز عبدالرحمن السديري الثقافي نشاط ًا ملحوظ ًا خــال فترة هــذا التقرير‪ ،‬مــن خالل‬ ‫استمراره في عقد األنشطة الثقافية المتنوعة من المحاضرات‪ ،‬والندوات‪ ،‬والورش‪ ،‬والدورات التدريبية‪،‬‬ ‫والمسابقات‪ ،‬في ظل جائحة كورونا التي أثرت على شتى مناحي الحياة‪ ،‬ما أدى إلى وقف جميع النشاطات‬ ‫الثقافية الوجاهية‪ ،‬وذلك تماشي ًا مع القرارات الحكومية بشأن اللقاءات والتجمعات الوجاهية‪.‬‬ ‫وفي ظل هذه التحديات‪ ،‬كان ال بد من البحث عن بديل الستمرار الحراك الثقافي في المملكة‪ ،‬فبادر‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي بإطالق منصته االفتراضية استعداد ًا النطالق أنشطته الثقافية‬ ‫عن بعد‪ ،‬وتم تحويل كافة األنشطة والفعاليات الثقافية إلى العالم االفتراضي‪.‬‬ ‫وكانت تجربة المركز رائدة في هذا التحول من األنشطة الواقعية الوجاهية إلى األنشطة االفتراضية‬ ‫عن بُعد‪ ،-‬إذ تمكن المركز من إقامة ما يزيد عن ‪ 200‬نشاط ثقافي ‪-‬عن بُعد‪ -‬في جميع فروعه ممثلة‬‫بدار العلوم بالجوف‪ ،‬ودار الرحمانية في محافظة الغاط‪ ،‬والقسم النسائي بدار العلوم بالجوف‪ ،‬ومكتبة‬ ‫منيرة بنت محمد الملحم للنساء بالغاط‪ ،‬استفاد منها نحو ‪ 40‬ألف مستفيد‪ ،‬من الرجال والنساء‬ ‫واألطـفــال وطــاب الـمــدارس والجامعات‪ ،‬وقــد توزعت األنشطة الثقافية بين ال ــدورات‪ ،‬وورش العمل‪،‬‬ ‫والمسابقات‪ ،‬واألمسيات الشعرية‪ ،‬وملتقيات القراءة‪ ،‬والمحاضرات العامة في موضوعات ذات أهمية‬ ‫على مستوى المملكة‪ ،‬أُستضيف فيها العديد من الخبراء والمتخصصون بالموضوعات ذات العالقة‪.‬‬ ‫وفيما يأتي بيان بالفعاليات واألنشاطات الثقافية‪:‬‬

‫المحاضرات العامة‬ ‫م‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫النشاط‬ ‫تساؤالت حول جودة األفالم الموجهة لألطفال‬ ‫تغيرات البيئة بمنطقة الجوف‬ ‫منتجات النحل‪ ..‬طرق إنتاجها وفوائدها‬ ‫أمسية شعرية‬

‫‪ 5‬الذكاء العاطفي‬ ‫‪ 6‬التفكير الناقد‬ ‫‪ 7‬روح العالقات‬

‫‪140‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫المشاركين‬ ‫د‪ .‬إبراهيم الحسين‬ ‫د‪ .‬عبداهلل مرزوق الهاجوج‬ ‫أ‪ .‬فايز محمد القثامي‬ ‫أ‪ .‬شتيوي عزام الغيثي‬ ‫ود‪ .‬أحمد عبداهلل التيهاني‬ ‫أ‪ .‬ريم المطيري‬ ‫د‪ .‬هند الحازمي‬ ‫أ‪ .‬عذال الرويلي‬

‫التاريخ‬ ‫‪2020/6/3‬م‬ ‫‪2020/6/17‬م‬ ‫‪2020/6/24‬م‬ ‫‪2020/6/10‬م‬ ‫‪2020/6/2‬م‬ ‫‪2020/6/3‬م‬ ‫‪2020/6/11‬م‬

‫تقارير‬


‫‪2020/6/22‬م‬ ‫‪2020/6/28‬م‬ ‫‪2020/7/1‬م‬

‫د‪ .‬سلطانة الرويلي‬ ‫‪ 8‬مناقشة كتاب الملك الراشد‬ ‫أ‪ .‬نجالء آل عبدالقادر‬ ‫‪ 9‬خطوات النجاح لريادة األعمال‬ ‫‪ 10‬الشعر في المملكة العربية السعودية إلى أين؟ شعراء ونقاد‪ .‬د‪ .‬سعد حامدي الثقفي وأ‪ .‬سامي غازي‬ ‫الثقفي‪ ،‬وأ‪ .‬محمد الدميني‬ ‫‪ 11‬اإلسعافات األولية‬ ‫‪2020/7/8‬م‬ ‫أ‪ .‬سعود معيدي الريس من هيئة الهالل األحمر‬ ‫‪2020/7/15‬م‬ ‫د‪ .‬محمد عبدالعزيز الفتاح‬ ‫‪ 12‬اإلبل في الثقافة العربية‬ ‫وأ‪ .‬غازي بن خيزان الملحم‬ ‫‪2020/7/26‬‬ ‫الروائية د‪ .‬فضة الريس‬ ‫‪ 13‬الرواية السعودية بين التجديد والتقليد‬ ‫‪2020/7/7‬م‬ ‫‪ 14‬دور األسرة في تشكيل األفكار والمشاعر‬ ‫‪2020/7/21‬م‬ ‫د‪ .‬عبير أحمد الجودة‬ ‫‪ 15‬أطفال التوحد والحجر المنزلي‬ ‫‪2020/7/1‬م‬ ‫سعادة اللواء طيار م‪ .‬عبداهلل السعدون‬ ‫‪ 16‬علمتني الحياة‬ ‫‪2020/7/7‬م‬ ‫أ‪ .‬راشد الشعالن‬ ‫‪ 17‬تعزيز حب القراءة لدى األبناء‬ ‫‪2020/7/22‬م‬ ‫أ‪ .‬هدى الحيدر‬ ‫‪ 18‬التوعية بأعراض اإلعاقة الفكرية والتدخل المبكر‬ ‫‪ 19‬أهمية العمل التطوعي وأنواعه‬ ‫أ‪ .‬مهند بدر الهادي وأ‪ .‬بتول عايد الرويلي ‪٢٠٢٠/٨/١٢‬م‬ ‫‪2020/8/24‬م‬ ‫م‪ .‬روند المضيان‬ ‫‪ 20‬اإلنارة في التصميم الداخلي‬ ‫‪2020/8/11‬م‬ ‫د‪ .‬حسين المناصرة‬ ‫‪ 21‬تحوالت الرواية النسائية السعودية‬ ‫‪2020/8/16‬م‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد الحميد‬ ‫‪ 22‬المثقف غازي القصيبي‪ ..‬وزيراً‬ ‫‪2020/9/2‬م‬ ‫‪ 23‬التنوع األحيائي لبحيرة دومة الجندل بالمملكة العربية السعودية أ‪ .‬د‪ .‬بشير جرار‬ ‫‪2020/9/9‬م‬ ‫د‪ .‬لطيفة بنت فيصل السديري‬ ‫‪ 24‬العمارة التقليدية في الغاط‬ ‫‪2020/9/30‬م‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬ضياء الدين الريس‬ ‫‪ 25‬تغذية نخيل التمر‬ ‫‪2020/9/13‬م‬ ‫د‪ .‬أحمد العرف‬ ‫‪ 26‬الجوف في عهد الملك عبدالعزيز‬ ‫‪2020/9/20‬م‬ ‫د‪ .‬خليل المعيقل‬ ‫‪ 27‬تاريخ دومة الجندل خالل الفتح اإلسالمي‬ ‫‪2020/9/2‬م‬ ‫أ‪ .‬أمل العناد‬ ‫‪ 28‬ثقافة االئتالف وآداب االختالف‬ ‫‪2020/9/5‬م‬ ‫أ‪ .‬جميلة الزحيفي‬ ‫‪ 29‬تجربتي في تأسيس الصفوف األولية‬ ‫‪2020/9/27‬م‬ ‫أ‪ .‬سمر العثمان‬ ‫‪ 30‬إصابات الحبل الشوكي‬ ‫‪2020/9/2‬م‬ ‫‪ 31‬األمن الفكري المدرسي‬ ‫‪2020/9/8‬م‬ ‫‪ 32‬الصالبة النفسية وقت األزمات‬ ‫‪2020/10/7‬م‬ ‫للواء عبدالقادر كمال‬ ‫‪ 33‬أمسية شعرية‬ ‫‪2020/10/14‬م‬ ‫د‪ .‬عبيد العبدلي‬ ‫‪ 34‬تسويق الذات‬ ‫‪2020/10/1‬م‬ ‫‪ 35‬كيف نعزز صحتنا النفسية ونقي أنفسنا من القلق واالكتئاب د‪ .‬محمد عبداهلل الشريف‬ ‫‪2020/10/21‬م‬ ‫أ‪ .‬مساعد الشراري‬ ‫‪ 36‬صناعة المحتوى اإلعالمي الرقمي المؤثر‬ ‫‪ 37‬تجارب الجامعات السعودية في تفعيل األنشطة الثقافية‬ ‫د‪ .‬جميل موسى الحميد‪ ،‬د‪ .‬هزاع الفويهي‪2020/10/28 ،‬م‬ ‫د‪ .‬مسعود القحطاني‪ ،‬د‪ .‬علي طارد الدوسري‬ ‫‪2020/10/11‬م‬ ‫األخصائية النفسية مرام الراشد‬ ‫‪ 38‬أساليب التعامل مع المشاعر السلبية‬ ‫‪2020/10/15‬م‬ ‫‪ 39‬الكشف المبكر للتوعية بسرطان الثدي‬ ‫‪2020/10/18‬م‬ ‫أ‪ .‬حكيمة الرويلي‬ ‫‪ 40‬اتجاه البوصلة بعنوان قوة التأثير‬ ‫‪2020/10/7‬م‬ ‫‪ 41‬الذكاء العاطفي‬ ‫‪2020/10/11‬م‬ ‫‪ 42‬تحرر من وزنك الزائد‬ ‫‪2020/10/29‬م‬ ‫‪ 43‬التوعية بالكشف المبكر لسرطان الثدي‬ ‫‪2020/11/3‬م‬ ‫د‪ .‬محمد البدر‬ ‫‪ 44‬عرض رواية وارزق مني‬ ‫‪2020/11/18‬م‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبداهلل بن سليمان الفهد‬ ‫‪ 45‬أهمية العمل الكشفي‬ ‫‪2020/11/22‬م‬ ‫د‪ .‬أنس تلهوني‬ ‫‪ 46‬العمل التطوعي‬ ‫‪2020/11/23‬م‬ ‫د‪ .‬فرحان الجعيدي‬ ‫‪ 47‬السيول والمدن بين الحاجة والمخاطر‬ ‫‪2020/11/4‬م‬ ‫أ‪ .‬محمد صالح‬ ‫‪ 48‬الخط العربي‬ ‫‪2020/11/16‬م‬ ‫د‪ .‬فضية ثاني الريس‬ ‫‪ 49‬قبول االختالف وأثره في تطور المجتمعات‬ ‫‪2020/11/19‬م‬ ‫المدرب عبداهلل سعيد الزهراني‬ ‫‪ 50‬إبداع العقول‬ ‫‪2020/11/2‬م‬ ‫المدربة بسمة الغنيم‬ ‫‪ 51‬االستماع الفعال‬ ‫‪2020/11/15‬م‬ ‫المدربة مالك الجبلي‬ ‫‪ 52‬التخطيط اإلعالمي‬ ‫‪2020/11/19‬م‬ ‫فوزية الحربي‬ ‫‪ 53‬العالقات العامة والمهارات اإلعالمية للمدربة‬

‫تقارير‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪141‬‬


‫‪54‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪68‬‬

‫الطبيعي أفضل الخضر‬ ‫كيف أتحدث إلى طفلي‬ ‫التغذية التكميلية للطفل‬ ‫األطفال والفقد‬ ‫لفطام سهل ما بعد الرضاعة الطبيعية‬ ‫سبل الوقاية من األمراض‬ ‫النفط الخليجي بين الصخري األمريكي والسيارات الكهربائية‬ ‫كيف نبدع في مجال العلوم‬ ‫المهارات القيادية ورؤية ‪2030‬‬ ‫كيف تحدث بجدارة‬ ‫اللغة العربية بين الحاضر والماضي‬ ‫منهج العلم في فلسفة كارل بوبر‬ ‫تبسيط القواعد النحوية‬ ‫مستقبل المجالت الثقافية في العصر الرقمي‬ ‫التطوع الدولي‬

‫للمدربة أفنان‬ ‫للمدربة بسمة الغنيم‬

‫د‪ .‬فهد الخضيري‬ ‫د‪ .‬أنس الحجي‬ ‫أ‪ .‬عبداهلل الزهراني‬ ‫أ‪ .‬رغد صالح المبيض‬ ‫أ‪ .‬فيصل العنزي‬ ‫أ‪ .‬محمد صالح‬ ‫د‪ .‬يمنى طريف الخولي‬ ‫أ‪ .‬محمد صالح‬ ‫أ‪ .‬جمال بن حويرب ود‪ .‬زياد الدريس‬ ‫أ‪ .‬إبراهيم الدوسري‬

‫‪2020/11/24‬م‬ ‫‪2020/11/30‬م‬ ‫‪2020/11/1‬م‬ ‫‪2020/11/3‬م‬ ‫‪2020/11/17‬م‬ ‫‪2020/12/2‬م‬ ‫‪2020/12/15‬م‬ ‫‪2020/12/3‬م‬ ‫‪2020/12/9‬م‬ ‫‪2020/12/13‬م‬ ‫‪2020/12/23‬م‬ ‫‪2020/12/27‬م‬ ‫‪2020/12/29‬م‬ ‫‪2020/12/21‬م‬ ‫‪2020/12/5‬م‬

‫األنشطة الموجهة لألطفال‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫برنامج أحدية الدار (قصة األسبوع‪ ،‬إعادة التدوير‪ ،‬لنستكشف حديقة دار العلوم‪ ،‬الطباخ الصغير‪ ،‬رسمة ولون)‪.‬‬ ‫برنامج أنا أبدع‪.‬‬ ‫برنامج أنا أرسم‪.‬‬ ‫برنامج أنا ألون‪.‬‬ ‫ملتقى القراءة الجهرية للطفل (حكايا)‪.‬‬ ‫ملتقى الطفولة الثامن‪.‬‬

‫الدورات التدريبية والتعليمية وورش العمل والمسابقات‬ ‫م‬ ‫‪١‬‬ ‫‪٢‬‬ ‫‪٣‬‬ ‫‪٤‬‬ ‫‪٥‬‬ ‫‪٦‬‬ ‫‪٧‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪142‬‬

‫التاريخ‬ ‫المشاركين‬ ‫النشاط‬ ‫‪٢٠٢٠/٧/٢٩-٥‬م‬ ‫دورة اللغة اإلنجليزية للطالب والطالبات بالغاط‪ .‬بالتعاون مع معهد الخليج للتدريب والتعليم‬ ‫‪2020/8/19-18‬م‬ ‫أ‪ .‬سامي الحمدان‬ ‫مهارات التخطيط الشخصي‪.‬‬ ‫‪2020/7/7‬م‬ ‫د‪ .‬هند الحازمي للطالبات في الجوف‬ ‫دورة كيف تختار تخصصك الجامعي؟‬ ‫‪2020/8/12‬م‬ ‫أ‪ .‬دالل العصيمي‬ ‫قبعات التفكر الست‬ ‫د‪ .‬أحمد عز الدين‪ ،‬أ‪ .‬فهد الوهيبي‪ ،‬أ‪ .‬إلهام الزومان ‪٢٠٢٠/٨/٢٤‬م‬ ‫آليات تأسيس مراكز الرعاية لذوي اإلعاقة‬ ‫‪2020/8/26‬م‬ ‫د‪ .‬أبعاد الزومان‬ ‫الوعي المالي لألسرة وآليات التوفير‬ ‫‪2020/7/30‬م‬ ‫ قصة أو مقطع فيديو أو مقال‪.‬‬‫مسابقة عرّف الغاط سياحياً‬ ‫‪2020/12/9‬م‬ ‫المستشار نواف بن سليمان أبا الخيل‬ ‫دورة استراتيجيات التغيير‬ ‫مسابقة تالوة القرآن الكريم لألطفال‪.‬‬ ‫‪2020/9/13‬م‬ ‫ قصة أو مقطع فيديو أو مقال‪.‬‬‫مسابقة عرّف الجوف سياحياً‪.‬‬ ‫‪2020/9/29‬م‬ ‫للمدربة أميرة الرويلي‬ ‫دورة فن الريزون‬ ‫‪2020/10/5‬م‬ ‫أ‪ .‬مزنة النفيعي‬ ‫دورة المرأة وريادة األعمال‬ ‫‪2020/10/6‬م‬ ‫دورة اختاري فكرتك الريادية وطوريها ثم نفذيها‬ ‫‪2020/10/12‬م‬ ‫احتضان وتطوير األفكار الريادية‬ ‫‪2020/10/13‬م‬ ‫كوني رائدة أعمال في مجال األزياء‬ ‫والمجوهرات والتصميم والتقنية‬ ‫‪2020/10/31‬م‬ ‫مشروعك الريادي خطوة بخطوة‬ ‫‪2020/11/17‬م‬ ‫أساسيات ريادة األعمال‬ ‫‪2020/11/18‬م‬ ‫االبتكار وريادة األعمال‬ ‫‪2020/11/21‬م‬ ‫الخطة التشغيلية لمشروعك الريادي‬ ‫‪2020/11/23‬م‬ ‫كيف تطور مهاراتك بالتواصل المهني واالختالط باآلخرين‬ ‫‪2020/11/23‬م‬ ‫التفكير التصميمي‬ ‫‪2020/11/25‬م‬ ‫دراسة الجدوى التسويقية‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫تقارير‬


‫‪23‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪2020/12/5‬م‬ ‫‪2020/12/7‬م‬ ‫‪2020/12/8‬م‬ ‫‪2020/12/9‬م‬ ‫‪2020/12/16‬م‬ ‫‪2020/12/22‬م‬ ‫‪2020/12/24‬م‬ ‫‪2020/9/17‬م‬

‫تصميم القيمة المقدمة لمشروعك الريادي‬ ‫تقنيات االبتكار في األعمال الناشئة‬ ‫تسعير المنتج‬ ‫نموذج العمل التجاري‬ ‫االستثمار في المشاريع التقنية الناشئة‬ ‫متى أبحث عن مستثمر‬ ‫التقنية المالية‬ ‫استخدامات ميكروسوفت تيمز للتعلم عن بعد‬

‫الملتقيات‬ ‫م‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫المشاركين‬ ‫النشاط‬ ‫ملتقى القراءة بدار الرحمانية للرجال (‪ ٦‬لقاءات)‪ :‬أعضاء ملتقى القراءة بدار الرحمانية‬ ‫ كتاب كيف ينشئ اآلباء أبنا ًء عظاماً‬‫ كتاب رواء مكة لألديب حسن أوريد‬‫ نصوص في تداعيات كورونا‬‫ كتاب بطولة ملك‬‫ كتاب مشكالت الثقافة‬‫ كتاب رؤى ومقاربات في شعر روضة الحاج‬‫ملتقى القراءة بدار الرحمانية للنساء (‪ ٣‬لقاءات)‪ :‬عضوات ملتقى القراءة بمكتبة منيرة الملحم‬ ‫ كتاب المفاتيح العشرة للنجاح‬‫العضة‬ ‫ رواية ّ‬‫ كتاب أخالق األنبياء‬‫ملتقى الــقــراءة بــدار العلوم بالجوف للرجال أ‪ .‬محمد آيت حنا‬ ‫لمناقشة كتاب مكتباتهم بمشاركة مؤلفه‬ ‫ملتقى بساتين ندية بدار العلوم بالجوف للنساء د‪ .‬حياة مالوي‪ ،‬ود‪ .‬جنات الثقفي‪ ،‬وأ‪ .‬فاطمة‬ ‫النفيسة‪ .‬أ‪ .‬جميلة الزحيفي وأ‪ .‬نعمة الزحيفي‪.‬‬ ‫لمدة يومين‪.‬‬ ‫ملتقى الــقــراءة بــدار العلوم بالجوف للنساء عضوات الملتقى بالجوف‪.‬‬ ‫لمناقشة كتاب العادة الثامنة‬ ‫عضوات ملتقى القراءة بمكتبة منيرة الملحم‬ ‫ملتقى كنوز مكتبة منيرة الملحم‬ ‫المنتديات‬

‫التاريخ‬ ‫‪2020/6/9‬م‬ ‫‪2020/7/21‬م‬ ‫‪2020/9/7‬م‬ ‫‪2020/10/25‬م‬ ‫‪2020/11/29‬م‬ ‫‪2020/12/27‬م‬ ‫‪2020/7/1‬م‬ ‫‪2020/8/12‬م‬ ‫‪2020/12/1‬م‬ ‫‪2020/8/25‬م‬ ‫‪2020/7/9-8‬م‬ ‫‪2020/8/18‬م‬ ‫‪2020/8/30‬م‬

‫التاريخ‬ ‫النشاط‬ ‫م‬ ‫‪ ١‬منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية بدورته الرابعة عشرة بعنوان‪١٤٤٢/٣/٢٤ :‬هـ‬ ‫(‪2020/١١/١٠‬م)‬ ‫(تداعيات كورونا على االقتصاد السعودي والعالمي)‪.‬‬ ‫‪١٤٤٢/٤/١٠‬هـ‬ ‫‪ ٢‬منتدى منيرة الملحم لخدمة المجتمع بدورته الثالثة عشرة بعنوان‪:‬‬ ‫(‪٢٠٢٠/١١/٢٥‬م)‬ ‫(التعليم عن بعد‪ :‬الواقع والمأمول)‬ ‫والقت هذه الفعاليات االفتراضية قبوالً كبيراً لدى المهتمين بالشأن الثقافي‪ ،‬إذ تجاوزت أعداد الحضور‬ ‫عبر المنصات االفتراضية أعداد حضور األنشطة الوجاهية مقارنة بالمواسم الثقافية السابقة‪ ،‬وذلك‬ ‫ألسباب عديدة وفرها هذا العالم االفتراضي من خالل الميزات التي يتيحها للجمهور وأهمها‪:‬‬ ‫توفير الوقت والجهد‪ ،‬وسهولة الوصول إلى الفعالية المراد حضورها‪ ،‬واستضافة متخصصين من خارج‬ ‫المملكة لالستفادة من خبراتهم‪ ،‬وعدم الحاجة لوجود المُحاضر والمتلقّي في المكان نفسه‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الميزات العديدة التي توفرها المنصات االفتراضية‪ ،‬إال أن من أهم عيوبها هو غياب‬ ‫التفاعل المباشر بين المُحاضر أو المُدرب والمتلقّي‪ ،‬لذا بدأ مركز عبدالرحمن السديري الثقافي بتنظيم‬ ‫بعض الفعاليات الوجاهية التي يقتصر عدد الحضور فيها على أقل من ‪ 20‬مشاركاً‪ ،‬مع الحفاظ على‬ ‫اإلجراءات االحترازية‪.‬‬

‫تقارير‬

‫‪ 70‬العدد‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫‪143‬‬


‫الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـح ـ ـ ــة األخ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرة‬

‫الثقافة‬ ‫والدعم‬ ‫وفشل‬ ‫األسواق‬ ‫يكتبها‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬

‫ينظر االقتصاديون إلى األنشطة والمنتجات الثقافية على أنها‬ ‫تختلف عن الكثير من األنشطة والمنتجات األخرى‪ ،‬وذلك لِما لها‬ ‫من خصائص تجعلها في بعض األحيان ضحية لما يُسمى بـ"فشل‬ ‫األسواق"‪.‬‬ ‫ويقصد بفشل األسواق أنه على الرغم من الفرضية التي يقوم‬ ‫عليها االقتصاد الحر‪ ،‬والتي تتلخص في أن المنافسة وقوى العرض‬ ‫والطلب تحقق الكفاءة في إنتاج السلع والخدمات واستهالكها دون‬ ‫أي تدخل من الحكومة‪ ،‬فإن بعض السلع والخدمات لن يُحقق‬ ‫لها السوق ذلك‪ ،‬وعندها يقال إن األسواق قد فشلت في تحقيق‬ ‫الكفاءة‪ ،‬وأنها بحاجة إلى تدخل حكومي لتصحيحها‪.‬‬

‫وألن الكثير من المنتجات الثقافية تنطبق عليها حالة "فشل‬ ‫األسواق"‪ ،‬فإن ذلك يستوجب بعض المعالجات االقتصادية‪ .‬ومن‬ ‫ضمن تلك المعالجات استخدام بعض أدوات التدخل الحكومي مثل‬ ‫الدعم المالي وغير المالي‪ .‬وقد تراكمت دراسات وأبحاث نظرية‬ ‫وميدانية كثيرة أجراها اقتصاديون تؤكد على أهمية دعم الثقافة‪،‬‬ ‫إال إن هناك وجهات نظر أخرى ال تؤيد الدعم‪ ،‬بحجة أن المال‬ ‫الذي يُجمع من دافعي الضرائب ويذهب لإلنفاق على نشاطات‬ ‫تعاني من قصور اقتصادي‪ ..‬إنما هو تبديد ألموال دافعي الضرائب‬ ‫وللخزينة العامة‪ .‬وهناك من يعترض على الدعم الحكومي للثقافة‪،‬‬ ‫ألسباب غير اقتصادية‪ ،‬ألنه يفسح المجال للتدخل الحكومي والرقابة على المحتوى الثقافي؛ ما يضع قيوداً‬ ‫ال ألنشطة ومنتجات ثقافية ال ترقى إلى المستوى المطلوب‪ ،‬وذلك على‬ ‫على اإلبداع‪ ،‬ويعطي أولوي ًة وتفضي ً‬ ‫حساب أنشطة ومنتجات ثقافية أخرى تتميز باألصالة والعمق‪.‬‬ ‫ويمكن أن نالحظ‪ ،‬من منظور اقتصادي بحت‪ ،‬أ ّن هناك منافع اقتصادية واضحة يمكن أن تتولد عن‬ ‫أنشطة ومنتجات القطاع الثقافي‪ ،‬وبالتالي تسوغ دعم الثقافة عند الموازنة بين العوائد والتكاليف باستخدام‬ ‫أدوات التحليل االقتصادي‪ .‬فالقطاع الثقافي يظل واحداً من قطاعات االقتصاد الوطني في كونه يولد قيمة‬ ‫أيد عاملة‪ ،‬ويسهم في زيادة صادرات الدولة‪ ،‬وهو في ذلك كبقية القطاعات مثل‬ ‫مضافة لإلنتاج‪ ،‬ويوظف ٍ‬ ‫القطاع الصناعي والقطاع الزراعي وغيرهما من القطاعات التي تحظى بالدعم من الحكومات في مختلف‬ ‫أنحاء العالم‪.‬‬ ‫ال عن المنظور الثقافي‪،‬‬ ‫لذلك‪ ،‬أرى أن الدعم الحكومي للثقافة مثم ٌر من المنظور االقتصادي‪ ،‬فض ً‬ ‫ولكن ينبغي أن يكون هذا الدعم مدروساً بشكل جيد لكي ال يأتي بنتائج عكسية‪ ،‬كما ينبغي التأكيد على‬ ‫أن الدعم الحكومي للثقافة هو أحد أنواع الدعم‪ ،‬وتبقى هناك أنواع أخرى‪ ،‬مثل الدعم المقدم من القطاع‬ ‫الخاص‪ ،‬والدعم المقدم من الجمعيات والمؤسسات غير الربحية‪ ،‬والدعم المقدم من األفراد‪ .‬وهناك دعم‬ ‫مثير للجدل‪ ،‬وهو الدعم المقدم من جهات أجنبية سواء كانت حكومات أو مؤسسات غير ربحية أو أفراد‪.‬‬ ‫* نائب وزير العمل‪ ،‬وعضو مجلس الشورى‪ ،‬وأستاذ االقتصاد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن سابقاً‪ ،‬وكاتب‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫ش ـتــاء ‪١٤٤٢‬هـ ـ ـ ـ (‪٢٠٢١‬م)‬

‫الصفحة األخيرة‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.