ُ الع َر ِب من التَّ اريخ ¦ جزيرة َ الميثولوجي إلى الجغرافيا الهرمنيوطيقية. َّ ¦«جنازة الغريب» لعبداهلل السفر تروي قصة الشعر سردا. ¦هاشم الجحدلي ..شاعر الغيوم وغيمة الشعر. ¦أسئلة السرد النسائي الجديد.
حوارات مع األدباء:
عبدالرحمن الربيعي ،أحالم الثقفي ،منصورة عزالدين
60
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف 1-نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية
يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت. ب -اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب المادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق. -٤أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم المادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز :تخضع لقواعد النشر فيتلك المجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .تحتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات منطقة الجوف ،إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية. -٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط. -٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله،واملدة املطلوبة إلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزماتاملطلوبة ،مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني يف البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. -٢أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. هاتف 014 6245992 :فاكس014 6247780 : الجـوف 42421ص .ب 458 هاتف 016 4422497 :فاكس016 4421307 : الغ ـ ـ ــاط 11914ص.ب 63 الرياض 11614ص .ب 94781هاتف 011 2015494 :فاكس011 2015498 :
info@alsudairy.org.sa www.alsudairy.org.sa
مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري
ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي هيئة النشر ودعم األبحاث
رئيساً د .عبدالواحد بن خالد الحميد عضواً د .خليل بن إبراهيم المعيقل عضواً د .ميجان بن حسين الرويلي أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً عضواً د .علي دبكل العنزي عضواً محمد بن أحمد الراشد أسرة التحرير
إبراهيم بن موسى احلميد محرر ًا محمود الرمحي محرر ًا محمد صوانة اإلخراج الفني :خالد الدعاس
املشرف العام
هاتف)+966()14(6263455 : املراســــــالت : فاكس)+966()14(6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد ISSN 1319 - 2566 سعر النسخة 8رياالت -تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع االشتراك السنوي لألفراد 50ريا ًال واملؤسسات 60ريا ًال
رئيساً فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً سلطان بن عبدالرحمن السديري د .زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب عضواً عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري عضواً د .سلمان بن عبدالرحمن السديري عضواً د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي عضواً د .عبدالواحد بن خالد الحميد سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً قواعد النشر
-1أن تكون املادة أصيلة . -2لم يسبق نشرها ورقياً أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملوضوعية. -4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب ،على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» مناألسماءالتيكانتتُطلقعلىمنطقةاجلوفسابقاً.
املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر.
يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املناشط املنبرية الثفافية، ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات ،ويخدم الباحثني واملؤلفني ،وتصدر عنه مجلة (أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي ،ومجلة (اجلوبة) الثقافية ،ويضم املركز ك ً ال من( :دار العلوم) مبدينة سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما قسم للرجال وآخر للنساء .وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية.
0553308853
Alsudairy1385
www.alsudairy.org.sa
العدد - ٦٠صيف ١٤٣٩هـ (٢٠١٨م)
الـمحتويــــات االفتتاحية -إبراهيم بن موسى الحميد٤ ............................ دراسات ونقد :جزيرةُ ال َعر َِب من التَّاريخ الميثولوجي إلى الجغرافيا الهرمنيوطيقيَّة -عبداهلل الفيفي٦ ................................. «جنازة الغريب» يروي قصة الشعر سردا -إبراهيم الحجري ١١ ....
تجليات الطبيعة الشاعرة في مجموعة «مالت على غصنها الياسمينة -عبداهلل بيال١٥ ..................................
حدائق كافكا الياباني -ليلى عبداهلل ١٩ ............................ أسئلة السرد النسائي الجديد مقاربة نسقية لجماليات السردي القصصي النسوي «شيطانتان» لتركية العمري أنموذجاً -إبراهيم الكراوي ٢٢ .....
الحُ بُّ واأللَ ُم واألَم ُل في ديوانِ من فوقِ الرِّمالِ -د .محمود خلف البادي ٢٨ ...............................................
جيل ٣١ ..................................... الجوف :ذكرياتُ ٍ ِ سنواتُ محور خاص :هاشم الجحدلي ..شاعر الغيوم وغيمة الشعر ما الذي يجعل الغيم يبكي؟؟ -المشاركون :د .هناء علي البواب، محمد العامري ،أسامة علي حسين ،أحمد الطناشات٤٠ ........... قصص قصيرة :البكماء -عبدالرحمن الدرعان٥٣ .................. ومضات سريعة -حضية عبده خافي٥٥ ........................
40........................ هاشم اجلحدلي... شاعر الغيوم وغيمة الشعر
104............................ حوار مع األديب العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي
القطــــــراتُ التي تتسرب من شقوق في سقف الغرفة- !.. عمر بوقاسم ................................................. الوطنية أفعال ال أقوال -محمد صالح أحمد أبو عمر.... لحظات ثكلى -حليمه الفرجي............................. صديقي الناقد -عمار الجنيدي ............................ بطاق ُة معايدةٍ -محمد الرياني.............................. الرسال ُة األخيرةُ -هدى العتيبي ............................
شعر :داوي ألمي -أحمد النعمي ..................................
أَن ِْت أَن ِْت -شاهر ابراهيم ذيب.............................. ارتباك -أروى المهنا........................................ النبض -سليمان الفيفي ........................ ُ خانك ِ ما ليان -سما يوسف........................................... (ليل كموجِ البحر) -حامد أبو طلعة ...................... بـ ٍ في داخلي نبضك لم يزل -نجود حسين ...................
طواف الورد -محمد عسيري....................................
وقال في صباه -مجدي الشافعي........................... الساكنون جنوباً -محمد فقيهي ............................ هل بكيت يومًا على لبن مسكوب؟ -بلقيس الملحم.........
قولوا لها - ... عيادة خليل العنزي ............................... ترجمة :ابتكار العدو أمبرتو إيكو -ترجمة :دايس محمد ........ مواجهات :عبدالرحمن مجيد الربيعي -حاوره :نضال القاسم ... الشاعرة أحالم عبداهلل الثقفي -حاورها :عمر بوقاسم ........
منصورة عزالدين -حاورتها :هالة موسى ..................
119............................ حوار مع منصورة عزالدين
٥٦ ٥٧ ٦٠ ٦٢ ٦٣ ٦٤ ٦٦ ٦٩ ٧٠ ٧١ ٧٤ ٧٥ ٧٧ ٧٨ ٨٠ ٨٣ ٨٥ ٨٧ ٨٩ 104 ١١٢ ١١٩
نوافذ :لطيفة السديري وسجل استحقاق الريادة التعليمية! - د .هيا السمهري١٢٧ ...................................................
ونقيضه! التَّضا ُد في العربيةِ .. َ تصف الكلم ُة المَعنى ُ عندما ِسم ٌة أم عيبٌ ؟ -خلف سرحان القرشي١٢٩ ..................... قراءات ١٣٣ ........................................................
األخيرة :غواصوا األحقاف -صالح القرشي١٣٦ .......................
■ إبراهيم بن موسى احلميد تأتي الكتابة محملة بالتجارب اإلنسانية الملهمة ،محملة باإلبداع والفن والجمال ،مسفرة عن قــدرات األديــب الكامنة ،والتي اختزنها طــوال حياته الثقافية ،ملونة بالكتابة اإلبداعية والثقافية؛ ومن هنا ،كان ال بد من الولوج إلى تخوم األعمال األدبية شعرية أو روائية أو سردية ،للوصول الى ما يمكن استنتاجه واستخالصه من وراء هذه األعمال ،كما تتعداها إلى بقية الفنون والعلوم؛ إذ يمكن عرض اإلنتاج الثقافي واإلبداعي في صورة ملونة بألوان الطيف التي تعبّر عن رؤية وتفسير ،يحيلها إلى كتابة مجرّدة أمام متلقّيها، يمكنه من خاللها الدخول إلى عالمها ،وبالتالي ملء فجواتها إن وجدت. يكتب الدكتور عبداهلل الفيفي عن جزيرة العرب :جزيرة العرب من التاريخ الميثولوجيَّ إلى الجغرافيا الهرمنيوطيقية ،مح ّذرًا من العابثين بالتاريخ، والمتلِّهين بالتصنيف ،والمتاجرين بالتأويل ،منتقدًا الصمُت المريب من أهــل التاريخ واآلثـــار المختِّصين -من األكــاديــمــ ِّيــيــن وغــيــر األكــاديــمــ ِّيــيــن -وهو موضوع قلّما طُ رِ ح في سجاالتنا الفكرية والثقافية في بالدنا. إبراهيم الحجري يقدم عبداهلل السفر في «جنازة الغريب» وعن كيف يــؤثــث فــضــاء صفحته بــصــرًيــا ،بــنــا ًء على تجربته في التعامل مع اللوحة، وتأسيًسا على خبرته في تذوّق الفن التشكيلي .واستلهام عناصره في هذه التجربة الثرية ،وعن الوفاء لعالم اللوحة الفنية؛ ممتدحً ا الحضور التشكيلي البصري في الكتاب الــذي أتــاح للمداد المتدفق ،وفــق السيولة الشعورية المصاحبة ،وتبعًا لجغرافية التحوّالت الطقسية للمحكي الشعري ،أن ينتشر ويفض ويشحّ ،انسجامًا مع اللحظة المؤسسة للبوح الشعري. ّ ويتمدد ويتقلص
4
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دراـ ـ ـ ـ ـ اف ـ ـاتـاون
ويصبح لهذا العمل وظيفته النقدية المؤسِّ سة ،خاص ًة حينما ينسجم مع وعي نظري بأهمية الخطاب النقدي لصاحبه ،الذي اختار تصاميم عالمه عن ٍ العناصر المستلهمة. عبداهلل بيال يكتب عن حفاوة الشاعرة لطيفة قاري في مجموعتها «مالت على غصنها الياسمينة» بالحياة وصورها وحاالتها ،وكان الحب حاضراً كمكو ٍّن رئــيس لــلــوجــودِ .ذلــك الــحــب الــذي يتسامى عن التوصيف ٍ ومــحــر ٍِّك الكالسيكي ،ليصبح أكثر قـــدرًة على التجديد والــتــجــ ّدد وإســبــاِغ جمالياته على كل ما يمكن للروِ ح أن تلمسه أو تتماهى به ،واحتفاء الشاعرة بالحياة.. ليلى عبداهلل تضيء على حدائق كافكا الياباني «هاروكي موراكامي» الذي عرف كأكثر ُكتّاب اليابان انتشاًرا وتأثيًرا بالغرب ،وأبطال شخصياته كثيًرا ما تشبه طباعه؛ فهو روائــي منعزل عــن الــوســط الثقافي والروح الكافكاوية، تجسّ دت في أبطال رواياته التي تماثلها في أجوائها الغرائبية ،من حيث الوحدة واليأس والغربة في وسط أنماط من البشر. في تجربة الشاعر هاشم الجحدلي ،تكتشف الدكتورة هناء البواب أن الشاعر رسو ٌل يحمل رسال ًة كوني ًة فــي عينيه ،وهـــذا يظهر لنا منذ أن تقع عيناك على أول نصوص ديوانه( :قصيدة الــجــفــوة) ،تلك الجفوة التي باعدت بين طفولته وبينه ،تلك المرارة التي تتذوقها وأنت تلوك كلمات الديوان تحت ذائقة لسانك، مشبهة هاشم بأدونيس من حيث المستوى الداللي المبطن للسطور الشعرية، وهذا هو دائماً عادة أدونيس الذي ال يسلس القياد لمتلقيه بسهولة ويسر ،مع أنه في قصيدة «موقف الليل» يعرض الشاعر رأيه بصراحة ووضوح ،ويدعو إلى فضح المسكوت عنه والــثــورة على البالي والقديم ،واإلقبال على ما هو األجمل في هذه الحياة ،وأن يصبح المرء رائداً من رواد الحداثة والتحديث، كما هو حــال الشاعر ومآله. نصوصا إبداعية ومقاالت وترجمات، ً تتوشّ ح الجوبة في عددها الجديد وأجــد أنه من المفرح حضور األديــب عبدالرحمن الدرعان مفتتحً ا أزاريــر باذخ بعنوان «البكماء» ،وكذلك عودة الكاتب دايس محمد بترجمة بنص ٍ الحكاية ٍّ مميزة لمحاضرة للكاتب اإليطالي «أمبرتو أيكو» بعنوان « ابتكار العدو». اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
5
ُ الع َر ِب جزيرة َ
من التَّ اريخ الميثولوجي ()1 الهرمنيوطيقية إلى الجغرافيا َّ الفـ ْيفي* ■ عبداهلل بن أحمد َ
-1-
كَثُ ر في السنوات األخيرة هُ ــواة التاريخ و«التوليف» فيه ،مع ارتفاع أدرينالين القوميَّة ،وال َقبَليَّة ،والحَ ِميَّة الجاهليَّة ،والعصبيَّة السياسيَّة ،وغدا كلٌّ على حرثه؛ والمشجرات ،وتاريخ العشائر والقبائل َّ يركض عاريًا في ميدان األعراق ،واألنساب، سباق محموم .يجري ذلــك ،كثيرً ا ،بال ِعل ٍْم ،وال ٍ والشعوب والبُلدان ،في وا ُألمــم ُّ مجال صار ٍ وح ُّب الظهور ،في كتاب منير؛ وإنَّما هي الغِ وايةُ ، هُ دً ى ،وال ِمنهاج ،وال ٍ والسحر الشعبيِّ ، كالشعر َّ ومستقطبَ األض ــواء؛ تمامً ا ِّ ِ مجالَ من ال مجال لــه، الفضائي ،وتفسير األحــام ،وأحــاديــث الـ ِـجــنِّ والمجانين ،ونحوها من الظواهر وتستخف العقول. ُّ الثقافيَّة التي تستهوي العامَّ ة، غير أن التاريخ قد أصبح ِعلْمًا في حــتــى بــآل ـ َّيــات (الــطــبــري310- ،هـــــ= ً العصر الحديث ،ولم يَعُد مقبول الخوض 923م) ،أو (ابـــن األثــيــر630- ،هـ ـــ= فيه بن ٍ ُزوع من تلك النُّزوعات المشار 1233م) ،أو (ابـــن كــثــيــر774- ،هـ ـــ= إليها ،وال من مؤدلَج ،يوظِّ ف ظاهرًا من 1373هـــــ) ،الــذيــن أحــســنــوا وأسـ ــاءوا، ٍ العِ ل ْم تخليطات ٍ لباطن من المآرب واألغراض .لم وخــدمــوا المعرفة وخلَّطوا
6
ً يَعُد مقبول اليوم الخوض في التاريخ ظلَّت األُمَّة تدفع ضرائبها ،وستظ ُّل إلى اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مــن م ــادَّة ذلــك التاريخ «الــفــكــاهــي» ،وغير ( ،)5و(ابــن خلدون808- ،ه ـــ= 1406م)(-)6 آخر .ذلك تنبيهاتٌ إلى بعض تلك المرويَّات التي نقلها المنهاجي ،مَطاعنَ ،ال أوَّل لها وال ِ رأس ماله األعظم« :قيل وقال»( ،الطبري) ،أو (المسعودي) ،وأضرابهما، أنه تاري ٌخ ُ من سوالف المجالس واألسمار ،مع النقل لمنافاتها المعقول أو استحالتها. عن كُتب أهل الكُتب القديمة ،واالستئناس
ولكن إذا كان هذا في القديم ،فما خطب
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ٍ أمد ال يعلمه َّإل اهلل ،وظ َّل أعداؤها يتَّخذون 1233م)( ،)4و(ابن كثير774- ،هـــ= 1373م)
بمرويَّات الشُّ عوب ،على عواهنها .فكانت هواة التاريخ المعاصرين؟ وأين الجامعات، المحصل ُة حَ طَ بَ ٍ ِّ ليل كثيف ،ال قِ بَل لألجيال وأقسام التاريخ ،والجمعيَّات التاريخيَّة ،عن
ب َفرْز صحيحه من سقيمه ،لبُعد الشُّ قَّة بينهم عبثهم المستمر؟ وبين األحــداث ،واندثار الوثائق المُعتَ ِّد بها على أنَّك واج ٌد مِ ن هؤالء مَن ليس يخلو ِعل ْم ّيًا ،هذا إ ْن و ُِجدت في الماضي .وليس وِ فاضه من المنهاج فحسب ،بل هو خالي سبيل أمثل من محاكمة ذلك التراث إلى ٍ من ـضــا مــن االحــتــكــام إلــى منطق الــوفــاض أيـ ً سقط في تلك المحاكمة، َ معايير العِ ل ْم ،فما العقل البسيط .هو -على سبيل المثال -إذا وجــبَ أن يُلقَى به ُعــرض (طبرستان) ،أو ألفَى اسم قبيلة ،ظنَّ أنَّ كلَّ ما وافق المادَّة (جزيرة ابن ُعمَر) ،أو (بُصرَى الشَّ ام)؛ ألنَّه ال عالقة بها؛ ٍ اللغويَّة التي اشتُقَّ منها اسمها ذو يصلح لشيء ،وال يستأهل االحترام العِ ل ْمي. عالقات متخيَّل ًة بين (الشَّ ام) ٍ فإذا هو يُقيم ً وحسبك تدليل على تهافت مــا سُ مِّي و(اليَمَن) ،والمشرق والمغرب ،ال أصل لها َّإل ()7
«تــاريــخً ــا» لدينا -ولــه نظائر ل ـدَى غيرنا -في مخيِّلة جهله وعماه ،وكأنَّ االسم ال يَرِ د تلك األسفار السرديَّة العجيبة تحت عنوان في حياة ال َعرَب َّإل مـ َّر ًة واحــدة ،سواء كان
«تاريخ الرُّسُ ل والملوك» ،المعروف بـ«تاريخ ل َعل ٍَم إنسانيٍّ ،أو َقبَليٍّ ،أو مكاني! وهذا ممَّا الطبري» ،على سبيل المثال ،بما حوَى من وقع فيه كذلك بعض البلدانيِّين والمؤرِّخين
خزعبالت حول بَـدْءِ الخَ لق ،ونشأة الكون ،قديمًا ،وإ ْن لم يكونوا دائمًا بــذاك الخيال وحركة األجرام السماويَّة ،ممَّا ال يَملِك اليو َم الــواســع الــافــت لــدَى بعض ُه ــواة التاريخ
طف ٌل متعلِّ ٌم نفسَ ه من الضحك منه ،وممَّا انبثق المعاصرين .ذلك أن أولئك القدماء ،وإ ْن
عنه من ٍ خيال بدائيٍّ جاهل( )2ولقد كان لبعض أعوزتهم مناهج البحث والــدرس الصحيح، المؤرِّخين القدماء أنفسهم -كـ(المقدسي - ،كانوا يحترمون قارئيهم ،وكانوا يتع َرّضون بعد966 =355م( ،))3و(ابن األثير630- ،هـ= للنقد الشديد مــن معاصريهم .وهــم إلى اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
7
ذلك قد ثَقِ فوا من األصول العِ ل ْميَّة ،فقه َّي ًة يستقي المعرفة بالجغرافيا والتاريخ من أو رِ وائ َّيةً ،ما يفحصون من خالله المرويَّات ،الشُّ عراء َّإل جاه ٌل بطبيعة الشِّ عر والشُّ عراء، كل، وينقدون بعضها ،ويفاضلون ،ويرجِّ حون ،غير قبل جهله بعِ لْمَي التاريخ والجغرافياَّ . واقعين -على األغلب -في خبط العشواء إنَّ األمر أكثر التباسً ا ،والشِّ عر يزيده على المطل َق الذي نشهد كثيرًا منه اليوم.
التباسه التباسً ا وتلبيسً ا وإيهامًا .وال يُقلِّل
ولقد كان ال َعرَبُ من أكثر الشعوب ترحُّ ًل ،من جهود هؤالء الرعيل األوَّل من البُلدانيِّين إ ْن لم يكونوا أكثرها على اإلطــاقِ .وكانوا ومـــؤرِّخـــي الـــدِّيـــار انــتــقــادُهــم ومــراجــعــة
َواطنهم ،جــهــودهــم( .)8غير أن ذلــك تــاريـ ُخ مؤرِّخين يحملون ثقافتهم معهم ،وأسماء م ِ وتاريخهم ،وذكرياتهم ،وفنونهم ،أَ َّنــى حَ لُّوا قد مضى عصره وانقضت صالحيَّة آليَّاته. نحو أقلَّ جود ًة غالبًا- أو ارتحلوا .وانداحت أعراقهم في األرض ،واجتراره اليوم -وعلى ٍ وخالطوا األعراق األخرى والثقافات ،حتى هو كمن يريد أن يُجري العمليَّات الجراحيَّة
بــات من المجازفة االستنا ُد على األشباه بالطريقة التي كان يُجريها بها (ابن سينا، والنظائر بين أسماء البلدان وقاطنيها دون 427-ه ـــ= 1037م) ،وبــأدواتــه نفسها! وما معمَّقة ودقيقة .بات يُقال عن منهاج االستناد إلــى الشِّ عر في ٍ بحوث أنثروبولوجي ٍَّة ٍ َصدُق على منهاج االستناد من المجازفة األخذ بظاهر التصاقب بين تحديد البُلدان ،ي ْ األسماء ،كما كان (ياقوت الحموي626- ،هـ= إلــى النصوص األُســطــور َّيــة أو الــســرد َّيــات
1229م) ،وهو مستن ٌد على أريكته في (حَ ماة) الشاعريَّة في تحديد جغرافيَّات األحداث ُحدّد بلد ًة على أنها في ديار التاريخيَّة .كما أن ما يُقال في مناهج بعض أو (بغداد) ،ي ِ بيت ِشعريٍّ مثل ،استنادًا إلى ٍ (بني تميم)ً ،
كتب التاريخ القديمة ،من التسليم بالمرويَّات
شبيه باسمها ،أو كما كان الشعبيَّة ،واألقاصيص المتوارثة ،واألساطير ٍ اسم َو َر َد فيه ذِ كر ٍ ـص ـدُق على مناهج كتب (أبو عبيد البكري487- ،هـ= 1094م) يفعل الميتافيزيقيَّة ،يَـ ْ
تسعى إلى توطين ٍ ذلك ،وهو متكئٌ على طنافس (إشبيليَّة) أو التاريخ المعاصرة التي مكان ستجده يتك َرّر التاريخ الميثولوجي جــغــرافـ ًّيــا ،بأساليب (قُرطبة) .ذاك ألن اسم ٍ
أقصى (الشَّ ام) ،ومن هرمنيوطيقيَّة ركــيــكــة ،فــي ه ــذه األرض أقصى (اليَمَن) إلى َ من َ بالد (البَ ْربَر األمازيغ) في شَ مالي (إفريقيا) ال َعرَبيَّة أو تلك. واد مجازيٍّ إلى (خراسان)! والشُّ عراء في ك ِّل ٍ
8
وإذا كانت الضوابط العِ ل ْميَّة تُسَ نُّ في
يهيمون ،ويقولون ما ال يعنون حرف ّيًا؛ وال حقول العلوم الطبيعيَّة وتُــطَ ـ َّبــق ،فما بال اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
للهُواة؟! على أن صرامة المنهاج في األخيرة تعرفه األجيال ،كما تعرف الشمس والقمر، ألـــزم؛ مــن حيث إن الــخــوض فــي الــشــؤون أو أشدَّ معرفة .على حين تَشهد استقراءاتُ
اإلنسانيَّة أش ُّد تعقيدًا من الخوض في مجال أولئك المؤلِّفين واستدالالتُهم على جهلهم بكثير ممَّا يهرفون به حيال بعض ٍ العلوم البحتة؛ بما أن العلوم البحتة تتعامل الجاهل مع معطيات ماديَّة ثابتة ،ال تكاد تتغير على األماكن أو جُ لِّها أو كلِّها .وإنَّما يقارِ نون غالبًا
م ِّر التاريخ ،في حين أن معطيات الحقول الحروف بالحروف واألسماء باألسماء في اإلنسانيَّة تظ ُّل متغيِّرةً ،متطوِّر ًة باستمرار ،مستواها المعجمي .وكيف ال يُدلي شاه ٌد
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
بمغالطات في ما ٍ الحقول اإلنسانيَّة تظ ُّل مسرحً ا مفتوحً ا من تلك الدعاوَى تتعلَّق
عرف إزاء مزاعم مَن ال يعرف؟! وكيف َ آخــذ ًة في التراكم ،والــتــداخــل ،والتماهي ،بما والــغــمــوض ،والــتــاشــي ،كلَّما مــرَّت عليها يص ُّح كتما ُن العِ ل ْم ،ويُقبَل نُكرا ُن الشهادة مِ ن
عــجــات الــزمــن .ومــن ثَــ َّم كــانــت مقاربتها قِ بَل أهلها؟! أعسر من سائر المقاربات وأخطر .فكيف فإذا أ ُضيف إلى ذلك كلِّه الصمتُ المريب إذا كان الخوض فيها مست ِندًا إلى وثائق ال المختصين -من ِّ من أهــل التاريخ واآلث ــار ي َِص ُّح ِعل ْم ّيًا االستناد إليها؟! وكيف إذا أُرْدِ َف األكــاديــم ـ ِّيــيــن وغــيــر األكــاديــم ـ ِّيــيــن -الــذي هــذا بــالــهـوَى ،واإلديــولــوجــيــا ،واالنــتــمــاءات ـف هــذا الصخبَ المحمو َم عبر السنين لَـ َّ السياسيَّة؟! الماضية ،بات الصمتُ خيانةً ،والركو ُن إلى -2ما ركن إليه الصامتون مشارك ًة في حفلة زار ،ال تُجْ ـفِ ل الشياطين بل تستحضرهم، ٍ وتــأتــي أهــمـ َّيــة الــمــراجــعــة لــهــذا النتاج فضل عن حقِّ العِ ل ْم في إحقاق ما عبر التاريخ والجغرافيا معًا! ً التأليفي- قام عليه الدليل وإبطال ما دون ذلك -من أن
ولــيــس م ــن ال ــه ــدف بــعــدئـ ٍـذ الــمــزايــدة
هذا التيَّار المتكاثف في نِسبة تاريخ إلى غير اإلديــولــوجـ َّيــة ،أو الدِّينيَّة ،أو العِ رقيَّة ،أو َّ أهله وموطنه ما انفك في َمدِّه ،منذ ما يربو القوميَّة ،أو الوطنيَّة ،أو السياسيَّة ،مع على رُبع ٍ قرن من الصفحات واألحبار .حتى تقدير انطواء بعض الطُّ روحات التي قاربت َ مَسَّ ت فينا بعض العقول لوث ٌة من اإليمان الموضوع على أشياء من تلك األغــراض،
بما توات َر دون ردٍّ ،والتسليم بما توالَى عليه شــاءت انطواءها عليها أو لم تشأ .ولكنَّ أعالمٌ ،يُ َعدُّون من البحث والتاريخ بمكان. الهدف الرئيس هو فتح هذا الملف الذي وتأتي أهميَّتها كذلك من حيث إن طائفة تراكمت أضابيره عبر السنوات المنصرمة، اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
9
و َم ُّد آفاق النقاش فيه ،بشفافيَّة ،وموضوعيَّة ،يَ ُذبُّوا عن تاريخه ،بما يملكون من معارف الصفة وتجر ٍُّد منشود .مع السعي إلى إعادة النظر ووثائق وأقالم .وهم يَظلُّون على تلك ِّ الحجاج إ ْن لم يكتبوا على صحائف األ َّيــام مرورَهم الحجاجي في ما ال بُنيان له ِسوَى ِ ِ النظري .غير مؤمنين ،في عصر السماوات بتلك الدِّيار ،ويوقِّعوا على ذاكرة األوطان ما الكونيَّة المفتوحة ،التي تنقل المعارف بين احتفظوا به من بسماتها األُولــى وبصماتها
أقطار الكون وتُ َؤبِّدها ،ما شاء اهلل لها أن الخالدة .أمَّا والذاكرة والتاريخ قد باتا نهبًا غاية أو عقيدةٍ أو هوًى، تتأ َّبدَ ،بـ«إماتة الباطل بالسكوت عنه» .فكم منهوبًا لك ِّل صاحب ٍ لباطل ٍ باطل أَسَّ س ٍ باطل عاش ،وكم من ٍ من ظالمة ٍ أكبر ،بما في ذلك التأسيس ل ـ ُدو ٍَل غاصبة ،وما أمات باطل َها السكوتُ عنه بل أحياه ومَدَّ في عمره .وإذا كان ذلك قد ده َم الدُّنيا ال َعرَبيَّة ،واستمرَّ ،واستشرى ،مُه ِلكًا الحرث والنسل ،منذ مطالع العصر الحديث، ُقمان جديد، فأنَّى لعصرنا اليو َم باستنبات ل ٍ بحكَمِ ه العتيقة؟! ما يفتأ يؤمِ ن ِ
غاية أو عقيدةٍ أو هـوًى، ٍ أو لغير صاحب من العابثين بالتاريخ والمتلهِّين بالتصنيف
والمتاجرين بالتأويل ،فقد بــات لــزا ًمــا أن كلمة ٍ تستيقظ الضمائر والــعــقــول لــقــول صوت ٍ باقية بين الكلمات الذاهبة ،وتسجيل ٍ صادق مع األصوات المنتحلة ،وتدوين وثائق ٍ مقاومة دون ما يَم َِّحي من الوثائق أو يُمْحَ ى ٍ عمدًا ،مِ ن قَبلِ أ ْن تُصبح األوطا ُن وقاطنوها زمن كثُرت أعاجيبُه ،وهام نسيًا منس ّيًا ،في ٍ
بلد أدرَى ِ على أنه إذا كان أهل ك ِّل ٍ بشعابه ،على وجوههم مفاليسُ ه ،وأوشك المرء أن ال لشعابه ،إ ْن هم لم يعرف نفسه فيه وال أهله أو بالده. بلد أَخْ ـ َو ُن ِ فإن أهل ك ِّل ٍ * أكاديمي و شاعر وناقد سعودي كتاب لي سيصدر قريبًا ،بإذن اهلل. ( )1من مقدمة ٍ ( )2انظر :الطبري ،تاريخ الرُّسُ ل والملوك ،الجزء األوَّل. ( )3انظر1899( :م) ،البدء والتاريخ ،بعناية :كليمان هوار ( Clement Huartباريس :أرنست لورو).47 :2 ، ( )4انظر1983( :م) ،الكامل في التاريخ ،عناية :نخبة من العلماء (بيروت :دار الكتاب ال َعرَبي).15 :1 ، ( )5انظر1998( :م) ،البداية والنهاية ،تحقيق :عبداهلل بن عبدالمحسن التركي (القاهرة :دار هجر).25 :1 ، ( )6انظر2004( :م) ،مقدِّمة ابن خلدون ،تحقيق :عبداهلل محمَّد الدرويش (دمشق :دار يعرب)،95 ،82 :1 ، .128 -126 ،103 مشتغل ً بية صار محقِّـقًا ،وذلك عاط ٌل عن العمل أصبح ( )7فهذا فقيهٌ ،اليومَ ،صار مؤرِّخً ا ،وهذا معلِّم ِص ٍ باألنساب والمشجَّ رات ،وراب ٌع ال يستحيي أن يضرب بيديه ورجليه في مجاهل اآلثار والنقوش .والمطابع تَلْهَم ما يأفكون من ذلك كلِّه ث َّم تقذفه في الوجوه .وإ ْن لم تفعل المطابع لضوابط باقية ،من فُسوح النشر ونحوها ،فـ«اإلنترنت» -تلك الشبكة التي سمَّاها ال َعرَب إبَّان ظهورها «الشبكة العنكبوتيَّة»! -كفيل ٌة بنشر غسيل مَن لم يجد له ناش َر غسيل. ُض هذا ممَّا قيل عن رحالت (الحموي) ،أو ما ذُكِ ر في تميُّز (البكري) -ما حدا بـ(وكالة الفضاء األميركيَّة ( )8ال يَغ ُّ َّهة من ُفوَّهات ال َقمَر ،عِ رفانًا بريادته الجغرافيَّة. ناسا) ،في عام 1949م ،إلى إطالق اسم البكري على ُفو ٍ
10
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
«جنازة الغريب» يروي قصة الشعر سردا ■ إبراهيم احلجري*
عتبة مأساة
ما أقسى أن نبدأ بمؤشر النهاية! وأية نهاية! نهاية في أرض مغتربة ،ال أهل وال وطن ،كما قال المتنبي .وما أقسى أن يحس الشاعر ،وهو داخل أرضه ،وبين أهله بهذا األلم الفظيع الذي قض مضجعه ،فكان له السبق في الحياة الشعرية، أقصد في العتبة المؤدية إلى التفاصيل .إذا كانت العتبة بهذه المأساوية ،فكيف ستكون التفاصيل؟ دون شك ستكون أرضية المادة الشعرية مشبعة بهذا الشعور المركّز الذي يصفع المتلقي في الباب؛ ليطلعه على ما سيكون البوح مزحوما به طيلة السفر الشعري. «جنازة الغريب»( )١مقولة ثنائية ملفتة
الحرق ،أو الرمي في البحار أو ..ذلك الجسد الذي يختزل رموزًا كثيرة لم تعد له الصالحية لممارسة سلوكيات تجعل منه كائنًا حيا.
مأساوية حينما ترتبط بالغربة .وكل من
أمــا الثانية «الــغــريــب» ،فتدل على فــقــدان الــســنــد الـ ــذي تلعبه األرض والساللة وشجرة االنتماء .يتعاظم ألم الكائن الشعري بتعاضد فِ ْعل َيْ الموت والغربة .وبتحالفها تتضاعف المأساة: مــوت في البعد عن الــديــار ،واغتراب
تحيل على طقس جنائزي مغموس بألم الفقد والــمــوت .إن الجنازة بوصفها
رمزًا بؤريًا لطقس الموت ،تصبح أكثر
المفردتين تتم استعارتهما من معجم
الرحيل األخــروي كي تشعال مأساوية الــمــرمــوز الــشــعــري .إذ تحيل األولــى
«الجنازة» على الجسد الفاقد للمفعول،
الجسد الميت ،الجسد المهيأ للدفن أو
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
11
يختزل العالم في عبارة تحفز على البكاء. قــد تــكــون الــمــوضــوعــات النصية متعددة، لكنها فــي الغالب توحي بهذا اإلحــســاس: األثر المحزن الذي يبثه طقس إقامة جنازة لإلنسان البراني بعيدًا عن وطنه الذي قد ال على المغترَب الفعلي. يكون مجازًا محي ً وحينما يصدر الديوان بهذا الدال الرمزي خاصة تختزل ٍ الغني ،يصبح له طعم مرارةٍ مساحات هائلة من الحزن واألسى واأللم. لوحة دكناء ٌ
داخل الذات يذكيه هذا اإلحساس الصعب. هكذا يتبأر الشعور األليم بالضيم ،داخل المجموعة الشعرية .ومهما كانت وظيفة العنوان بوصفها عتبة مقدماتية ،ومهما كانت التفاصيل الداخلية للمحكي الشعري، فإن التجربة تهيئ أرضية التلقي كمستوى فظيع للذة الجرح األوّلي الذي تكتوي الذات الشاعرة بناره ،في غفلة من الوعي ،داخل أهــيَ جحيم األنــا الممزقة التي ال تعرف ِ تبحث عــن ذات داخ ــل الــــذات ،أم تُنقِّب خيط يربطها بهذه الــذات ٍ في الجرح عن الممزقة .وعلى كل حال ،فقد ارتمت العبارة هيكال للموضوع ،وارتسمت غيمة أو أحبولة على الباب تحكي للعابر سيرة الجراح.
12
إن العنوان العتبة يلعب هنا وظيفة اإليحاء بالطقس الشعري الــعــام ،وفــي اآلن نفسه اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
تعزز لوحة غــاف المجموعة الشعرية هذا التأويل ،وبالتالي تتضام رؤية الصورة األيقونة مع الخطاب الكاليغرافي ،وذلك من خالل: األلوان الداكنة المستعملة في اللوحةبكثرة والمحيلة بشكل مكثف على المأساة وال ــح ــزن وال ــك ــآب ــة ...ومـــا إلـــى ذلـــك من الدالالت الرمزية التي تلتصق بهذه األلوان بشكل تراكمي ،إذ ارتبطت األلــوان تاريخيا بالمشاعر اإلنسانية ،وكــان لكل لــون منها حقله العاطفي الذي أنتج جملة من األساليب المجازية( )٢المرتبطة أساسً ا بماهية الحمولة النفسية التي تزخر بها الدفقات الشعرية، وما يحفزها من استثارات وجدانية ،يتداخل فيها الواقعي والمتخيل .إن توظيف الشاعر للون األسود المستمد من الظلمة والليل ،في مقابل اللون األبيض الذي يلون سماء اللوحة، هــذا التضاد في تلوين الفضاء له حمولة داللية قوية في خلق الصراع التراجيدي بين الذات وما يحيق بها من عواصف متعددة.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
هذه العواصف ليست بالضرورة طبيعية ،لكنها قد تكون بشرية مــن صنع اإلنــســان نفسه ،ولعل هذه األخيرة أشد وطــأة ووبــاال. ونالحظ أنــه كلما اتجهنا أعلى اللوحة ،أي سمائها يسيطر اللون األبيض ،لون الغيم العقيم .وكلما توغلنا في األســفــل ،استأسدت الظلمة ،وازداد بطش الليل. وسط الليل الحالك القطراني الــلــون ،يظهر شـبَــحــان آدمــيــان: عــازف مقنع مــن عــازفــي الغجر البعيدين في الــذاكــرة المكلومة ،وفــي البعيد يظهر وجه أنثى تراود الريح أنوثة شعرها العاري ونصفها البارز من الجسد األعلى .يبدو أن العازف المقنع هائ ٌم على وجهه في الظلمة بحثًا عن تلك األنثى التي تهرب بسره .هو المستعار من ذاكرة الخيبات ليدل على وجه إنساني فقد لزوجة الحياة .هو العاشق في الغيب يعزف موسيقاه للغائبين في المواجع مثل أساطير األولين .هو الغريب في الدار يبحث عن وطن لجسد مهزوم ،هو الباحث كما في العنوان عن قبري يحوي ما تبقى من عظامه ،وما ترسب من أحــام العشق الخائب.
األستاذ عبداهلل السفر
ال يأتي عبثا ،بل له ما يبرره بوصفه جسرا ال عليها لبناء صورة الداللة العامة أو محي ً بشكل من األشكال. التصميم البصري للمتن الشعري
مـــن الــمــســتــجــدات ال ــت ــي جـــــاءت بها الشعرية العربية الحديثة ضــرورة انفتاح النص الشعري على آفاق تتيحها له عملية االحــتــكــاك بــاألنــمــاط والــفــنــون األخـ ــرى. ومــن شــأن هــذا أن يغني التجربة ويعمقها ويخصبها بمزيد من الدوال .وهذا ينسجم مع طبيعة الخطاب الشعري المعاصر الذي يروم االبتعاد ما أمكن عن التجربة الذاتية المغلقة ،مستعيضا عــن ذل ــك بالتجربة اإلنسانية في كونيتها .ولعل هذا لن يتحقق إال برفد التجربة الذاتية بروافد ومرجعيات إن طبقتي الــصــراع تتأججان من حيث إنسانية تثري رؤى النص. كون تبئير الضوء يأتي من الوجهة األمامية ومن هذه التجارب التي اقتحمت التجربة التي هي في الغالب وجهة الشاعر بوصفه راويًا للمتن ومصممًا لكونه ،ومؤثثًا لمحكيه الشعرية الجديدة ،نجد البعد التشكيلي من الداخل مهما تخلخلت البنى الشعرية أو البصري الذي تماهى مع النص الشعري في تحولت بؤر التركيز .لذلك ،فاختيار اللوحة مناسبات كثيرة: اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
13
لوحة الغالف ،وقد وقفنا عند حدود تمثلالعنصر الفني لها للتجربة الشعرية بكل عناصرها انطالقا من العنوان ،وسوف نرى كيف تحضر مؤشراتها فيما بعد في ثنايا النص الشعري. مصاحبة لوحات معينة منجزة من طرفالشاعر أو غيره من أصدقائه الفنانين التشكيليين الــذيــن تــقــارب رؤاه رؤاهــم وتتداخل وتنسجم وتتحاور ،للقصائد المتضمنة في الديوان ،وهذا غير حاصل هنا ،غير أنه يحضر في تجارب أخرى مجايلة. اســتــعــارة الشكل الــبــصــري التشكيلي،واالستناد عليه في التعامل مع بياض ال ــورق وهندسة جغرافية الــمــداد على جــداريــاتــه .وه ــذا يتطلب مــن الشاعر اإللمام بالتجربة الفنية التشكيلية إبداعا
ونــقــدا ،حتى يستقيم له شكل التناص ال ــذي يستعين بــه ،ويقحم فــي صميم
التجربة الشعرية ،وإال ظل عنصرًا نشازًا فيها .كما أن ذلــك يحتم على المتلقي
مقاربة فهمه للنص بالطريقة القرائية
للسند البصري الذي له قواعد إنتاجه
وقراءته .وبالتالي أصبحت قراءة النص الشعري قــراءة مــزدوجــة :قــراءة تستند
إلى عناصر النص الشعري ،وقراءة تقوم
على أساس استحضار خصائص التجربة الفنية التشكيلية .لكن هذه القراءة يجب أن تــكــون مــتــوائــمــة ،ومنسجمة فــي آن واحد .ومثلما استلهم الشاعر المقاربتين فــي بناء القصيدة وتصميم معطياتها المادية والرمزية ،فكذلك ال بد للقارئ مــن استحضار المقاربتين لكي تكون عملية القراءة عملية ذات مصداقية في تحرير الداللة ،وبناء المعاني المستورة والمستضمرة شعريا. لقد عرف الشاعر عبداهلل السفر كيف يــؤثــث فــضــاء صفحته بــصــر ًيــا ،بــنــا ًء على تجربته في التعامل مع اللوحة ،وتأسيسً ا على خبرته في تذوق الفن التشكيلي .وما استلهام عناصره في هذه التجربة الثرية إال نوعً ا من الوفاء لعالم اللوحة الفنية .لقد أضفى الحضور التشكيلي البصري على معان إضافية :إذ أتاح للمداد قضاء الصفحة ٍ المتدفق ،وفق السيولة الشعورية المصاحبة، وتبعا لجغرافية التحوالت الطقسية للمحكي الشعري ،أن ينتشر ويتمدد ويتقلص ويفض ويشح انسجاما مع اللحظة المؤسسة للبوح الشعري .ويصبح لهذا العمل وظيفته النقدية المؤسسة خاصة حينما ينسجم مع الخطاب النقدي لصاحبه الذي اختار تصاميم عالمه عن وعي نظري بأهمية العناصر المستلهمة.
* ناقد وروائي من المغرب. ( )١عبد اهلل السفر ،جنازة الغريب ،منشورات النادي األدبي بالدمام ،العربية السعودية ،الطبعة األولى، 2007م. ( )٢أحمد صبرة ،المجاز ورؤية العالم ،عالمات في النقد ،مج ،17الجزء ،67جدة ،نوفمبر 2008م ،ص .48
14
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
تجليات الطبيعة الشاعرة في مجموعة «مالت على غصنها الياسمينة» ■ عبداهلل بيال*
الشعري فتفتنك فيه صو ُر الطبيعةِ وأطيافُ ها وعطورُها ِّ النص تدلف إلى حديقة ِّ ُ خيالك وذاكرتك ،حتى بعد أن تطويَ آخر خطواتك خارج ًا من حديقةِ َ التي ترافق القادران ِ وعي منك ،الشعرُ والموسيقى وحدهما الشعرِ لتدخلها مر ًة أخرى دون ٍ على األخذ بأيدي الذائقة إلى حيث يشاءان ،وحدهما اللذان امتلكا سطوة السحرِ الفكاك منه ،إ ّال إلى سحرٍ أخر أشدَّ تأثير ًا وأعمقَ جماال. ُ الذي ال يمكن من صور الطبيعةِ الساحرة العاطرة ـص مــجــمــوعــة ال ــش ــاع ــرة لطيفة أقــتــنـ ُ قــاري الموسومةِ بـ «مالت على غصنها الياسمينة»( ،)١وهــي أحــدث إص ــدارات ـس ال ــش ــاع ــرة ،بــعــد أن ســبــقــتــهــا خــمـ ُ شعرية ،لم تفتقر إلــى روحِ ٍ مجموعات ٍ السحرِ ،وأرجِ الحياةِ ،وامتطاءِ المغامر ِة الــفــنــيــةِ ،والــتــجــريـ ِـب اإلبــداعــي الجديرِ بااللتفات والقراءة ،والمساءلة. ِ وقــد أكــون كالسيكياً حين ألــج إلى ا بعنوانها ،ولكنها المجموعة مــتــوسـ ً خطوة ال مف ِّر منها ،إذ ال يمكن الخلوص إلى نصوص المجموعةِ دون التعريجِ على
عنوانها ،كونه يمثل جــذر الشجرة التي تــقــوم نــصــوص المجموعة عليه؛ وهنا تمي ُل الشاعرةُ إلى افتتاحِ مجموعتها بهذا العنوان الدالِ والموحي ،والقادرِ مجازياً ـوالت ال متناهية على اإلش ــارة إلــى مــدلـ ٍ بــحــســب الـــقـــراءات الــفــنــيــة وخلفياتها المتعددة «مالت على غصنها الياسمينة»، العنوان كما يتبدى للقارئ قوامه جمل ٌة فعلي ٌة صــرفــة ،وه ــذا الــفــعــل يــأتــي في الزمن الماضي «مالت» وكــأنَّ الشاعرة تريد بهذه الصياغة أن تخبر القارئ بأنَّ هذه المجموعة ليست إ ّال محاول ًة إلحياء ذكريات شقّت طريقّها إلى الماضي دو َن ٍ أمـ ٍـل في عودتِها ،ولتأكيدِ هذا المدلول اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
15
ال مناص من تأمل صور ِة الياسمينة البيضاء، بك ِّل ما يمكن أن يحمله البياض من إشارات ال حدود لها ،هذا البياض الذي يبدو أنه قد انتُهك بصورةٍ ما ،حين مالت به الياسمين ُة وبنشرها وعطرها وذكرياتها ،فلم يعد العط ُر قادراً على البوحِ بأسراره بعد ميالنِ الياسمينة ،وانطفاءِ الجهات في عينيها. ِ
جمالياته على كل ما يمكن للروحِ أن تلمسه أو تتماهى به ،واحتفاء الشاعرة بالحياة في مجموعتها «مالت على غصنها الياسمينة» يظهر في احتشاد المجموعة بنصوصها التي بحشد ٍ تجاوزت الستين نصاً شعرياً قصيراً، مــن الــمــفــردات النابعة مــن الطبيعة ،فنجد بين نصوص المجموعة احتفا ًء بالـ (العشب، والزهور ،والورود ،واألشجار ..إلخ) ،على سبيل المثال نجد هذا االحتفاء بهذه المفردات في ص ( 10يضحك مثل الشجر) ،ص ( 13ور ُد العشب)، ِ الهوى) ،ص ( 14هل لنا أن ننام على ص ( 15سمائي أنتَ ،زه ُر اللوزِ ) ،ص ( 19قد تكو ُن السناب ُل مُثقلةً) ،ص ( 20ولو كان غُصناً (وللعشب سيرتُه)، ِ تدلّى من الحلمِ ) ،ص 27 ص ( 28على وجــنــةِ الــنــارِ والــــوردِ ) ،ص 29 (عشبَ الطريق) ،ص ( 30يبدو أمسُ نا كالوردِ )، ص ( 32وجــه الشجر ..وأغــصــانُــه) ،ص 37 (حُ مّى السفرجلِ في الشتاء) ،ص ( 39أخض ُر الياسمين) ،ص ( 47ذوائــبُ أشجارها) ،ص ( 51أور ٌد هــي) ،ص ( 59وفــي شفتيَّ الكال ُم ســفــرجَ ــل) ،ص ( 64حُ ــزنــي شــجــر) ،ص 65 (لذع ُة الياسمين) ،ص ( 66زهرةٌ في الطاولة)، (حقل من ٍ ص ( 69زهرتي الغافية) ،ص 73 الليلك).
تأخذنا الشاعرة إلى نصوص مجموعتها سريعاً متجاوز ًة عادة الشواعر والشعراء في هذا الحش ُد الواضح من المفردات النابعة تصدير مجموعاتهم بصفحة إه ــداء ،وكــأنَّ واألرض تحديداً ،تأخذنا إلى ِ الشاعرة هنا قد تخفّفت من المفاتيحِ وتنازلت من رحم الطبيعة ملكوت بيئة الشاعرة «الطائف» ،تلك البيئة الخصبة ِ عن األقفالِ والقيود ،لتُدخ َل القارئَ إلى الماطرة المعروفة بأزهارها ووردها (الطائفيِّ ) بروتوكوالت رسمية. ِ شعرها «حديقتها» دو َن بشكل خاص ،ومدى تأثير هذه البيئة عليها، احتفت لطيفة قاري في مجموعتها بالحياة وصورها وحاالتها ،وكان الحب حاضراً كمكو ٍّن وانعكاس ذلك األثــر على نصوصها الشعرية ومــح ـر ٍّك رئــيـ ٍـس لــلــوجــودِ ،ذلــك الــحــب الــذي بشكل عام ،ونصوص هذه المجموعة تحديداً.
16
تأتي نصوص هــذه المجموعة الشعرية يتسامى عن التوصيف الكالسيكي ،ليصبح أكثر ق ــدر ًة على التجديد والــتــجـدّد وإســبــاغِ على الشكل التفعيلي ،بــإيــقـ ٍـاع ســلـ ٍـس هــادرٍ
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
وبالوقوف على نصوص المجموعة سنجد ِ الكثير من الصور الشعرية الالفتة التي جاءت لتعضد اإليقا َع بالتجديد الصوري ،وهو ما يحتاجه النص الشعري ابتداءً ،ولنا أن نتخيّل منظر شجرةٍ تضحك ،سنسأل أنفسنا بداه ًة عــن ذلــك المحفّز ال ــذي أخــرجــهــا مــن طور الجمودِ إلى الفاعلية والحركة ،سنفتح أبواب الدهشة على مصراعيها ونحن نتأمل مالمح تلك الضحكة:
ضحكت ُ ليضحك مثل الشجر..
أرواحنا مهما ابتعدت عنها فإنها ال تملك حقَّ االنفكاك من ربقتها ،هنا تتبدىّ تلك الصورة ِ الكالسيكية حين تقول الشاعرة في نصها «عشب»:
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ٍ وهامس ٍ هــادئ، ساكن في كثير من نصوص المجاز فرصته ليمارس غوايته للقارئ ،فال يكف عن تأمل هذه الهدايا وهي تنسكب المجموعة ،والتي تأتي قصير ًة في تفاعيلها ،يكاد ُّ وكأنها تذكّر القارئ بطريقةِ إلقاءِ الشاعرة نوراً على شفتيها: َس وتُمطرني بالهدايا النجومُ لنصوصها ،ذلك اإللقاء الذي يشي بأنَّ نف َ ـات الجميلةِ أقــصــر ربــمــا مما يمكن تألأل في شفتي نورُها الــذكــريـ ِ أن يتوقعه الــقــارئ ،وأقصر من أن تحتملها ولــلــصــورة أن تــعــود بــنــا مـــر ًة أخـــرى إلــى التفاعي ُل الطويل ُة الغائصة في عمقِ المعاني .الــرومــانــســيــة الكالسيكيةِ ،والــتــي يــبــدو أ ّن
العشب ِ هل لنا أن ننام على مثل الندى األرض ُ لتشربنا حتى التالشي الربيع ِ وتُزهرُ مثل غدا
وكأ ّن الشاعرة مرهونة في إسار الربيعِ الذي إنها بال شك تلك الضحكة التي تن ّم عن يُسفر عن النضج والتفتّح والصبا والحياة ،وها الخصب واالخــضــرار والحياة والسخاءِ بكل هو ينسابُ ويترقر ُق فيها ومنها: جمالياتها ،تلك الضحكة التي ال يشبهها في الغض ُّ وينساب الربيعُ ُ إدهاشها إ ّال ذلك المرفأ الناعس ،الذي تتم َّث ُل من شفتيَّ رو ُح الشاعرة به: لو قبَّلتني
وروحي لهُ ناعس ٌ مرف ٌأ
سأحب ُّ حتى مُ رَّ أحزاني
تأخذنا الشاعرة إلى مساءلة الذات والذات ـاس الــغــيــبــةِ أم الــحــضــور ،أم هــل هــو نــعـ ُ الــتــاشــي واالنــطــفــاء واالنــمــحــاء ،والــرحــيــل األخرى المقابلة لها ،وتبدو غير عابئة باقتناص إجابات على تساؤالتها: ٍ إلى عيني حبيبها الناعستين؟! إنه بال شك ٌ نعاس شعريٌ يستحثُ بجماله الــقــارئ على من أنت األمس ِ التأمل واالنــدهــاش ،وحين تنتظر الشاعرةُ ظلُّ هدايا النجومِ ،فإنها تمطرها بهدايا ال تستق ُّر الشمس َ يحجب عن صباحي ُ الشباك لوّنهُ ِ أنوارُها إ ّال على شفتيها ،هذه الصورة تعطي أم طلٌّ على اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
17
نــصــوص الــمــجــمــوعــة حــافــلــة بــالــصــور فلم أُبصر والتشبيهات التي تستحق التوقف عندها ال كي ضجيجُ الشمس نفهمها ،بل لنتأملها وحسب ،ولنأخذ على سبيل هنا تخبرنا الــشــاعــرة ب ــأنَّ األم ــس حين يذهب فإنه يجب أن يكون ذهابُه مكتمالً ،ذلك المثال هذه الصور من نصوص المجموعة: تأمّل صورته في الحجر /الخريفُ الذي بقية من الذكريات، الذهاب الذي ال يُبقي أيَّ ٍ ألنّه حين يرحل ويترك ظله فإ ّن الشاعرة لن يرتعش /الندى هائماً في ضفاف الغبش/ طرف النهارً /صبَّ لي عطشي َ تجد طريقها إلى صباحها الذي ينتظرها ،بعد العبارةُ بلّلت أن لوّن الط ُّل شباكها وحال دونها ودون ضجيج كــي أراك /ننسى ب ــأنَّ الــكــا َم حــريــق /عــارٍ الشمس ،ذلك الضجيج القادر على ه ِّز ور ِّج كحبةِ كستناء /طــار الــكــا ُم بــدونِ شوشرةٍ / الذاكرة كي تسقط منها ك ُّل بقايا األمس. تصير الــمــرايــا حــكــايــا ..وفــي شفتي الكال ُم وتــأتــي الــشــاعــرة لتصوغ للعشب سيرته ،سفرجل /من يعيد لهذا الصباح الصباح؟!/ وتنفخ فيه روح الحياة والحيوية ،مسبغ ًة عليه جوع البساتين /حُ زني شجر /نهدةَ الريح /جُ نَّ صفات الشاعر ،ليحس الربيع /ضمير القاع /وغيرها الكثير. ِ صفات اإلنسان ،بل ِ ويكتب ويسأل ويناغي الشاعرة ،حين تقول:
وللعشب سيرته كم رأى أحس كم َّ وكم غابَ عن وعيهِ رف الندى تحت ّ مدَّ ساقي على صدرهِ ثم قال اكتبيني لئال يضيع اخضراري ُسدى
وكــي تكتمل منظومة اإلبـ ــداع الشعري، لــجــأت الــشــاعــرة إل ــى اســتــحــضــار التشكيل البصري ،وذلــك لتحفيز حاسة البصر لدى القارئ ،كي تتفاعل مع باقي الحواس المحفزة للخيال الــشــعــري ،ويظهر هــذا فــي تشكيل وتوزيع المقاطع ،بشكل يتناسب مع النصوص وحــاالتــهــا ،وتظهر نــمــاذج مــن هــذا التشكيل البصري في بعض نصوص المجموعة ،منها على سبيل المثال في هذه النصوص :ص11 «لــم يلتفت» ،ص« 47نـــداء» ،ص« 54تــفــاح»، ص« 60كتاب» ،ص« 67هوية».
هناك الكثير من الصور والمالمح الفنية ال ــص ــورة هــنــا مــدهــشــة بــكــل تفاصيلها، واقتناص صــورة كهذه تحتاج إلى ذوق وحس التي تميّزت بها نصوص المجموعة ،ويمكن ـري مــع الحياة للقارئ أن يقف عليها ،ليستخلص منها ما ـري رفــيــع ،وتــصــالـ ٍـح فــطـ ٍ شــعـ ٍ والطبيعة والجمال. يالمس حسه وذوقه وروحه. * شاعر وكاتب. (« )١مالت على غصنها الياسمينة» للشاعرة لطيفة قاري ،من مطبوعات النادي األدبي في منطقة الباحة، المملكة العربية السعودية ،بالتعاون مع دار االنتشار العربي بلبنان /بيروت ،الطبعة األولى عام 2017م. وللشاعرة مجموعات شعرية سابقة هي« :لؤلؤة المساء الصعب» ،و«هديل العشب والمطر» ،و«تكاب ُد لبالبها األسماء» ،و«األسماء ال تكفي لعصفورين» ،و«ذقتها».
18
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
حدائق كافكا الياباني ■ ليلى عبداهلل*
الروائي «هاروكي موراكامي» الملقب بكافكا الياباني؛ نسبة إلى الكاتب التشيكي اليهودي «كافكا» صاحب الرواية الشهيرة «المسخ» .هذه التسمية التي التصقت بالروائي موراكامي ،نتيجة النزعة السوداوية التي اتسمت بها أعماله األدبية، والــروح األوروبية التي تطغى على أعماله الروائية؛ حتى أن صالته بالمثقفين اليابانيين تكاد تكون معدومة في اليابان .الــروح الكافكاوية تجسدت أيضا في أبـطــال روايــاتــه الـتــي تماثلها فــي أجــوائـهــا الغرائبية مــن حيث الــوحــدة والـيــأس والغربة في وسط أنماط من البشر. ال تقل الشهرة التي نالها «هاروكي الذين يفضلون البقاء بال رفقة ،ولكي موراكامي» عن شهرة مؤلف «المسخ» ،أكون أكثر دقة ،أنا شخص ال أجد في بل إن الــروائــي الياباني عــرف كأكثر الــوحــدة أي ألــم أو عناء! كنت دائمًا
ـضــل قــــراءة الــكــتــب فــي عزلة كتاب اليابان انتشارًا وتأثيرًا بالغرب مــا أفـ ّ في اليابان ،وأبطال شخصياته كثيرًا تامة أو االستغراق في االستماع إلى ما تشبه طباعه ،فهو روائــي منعزل الموسيقى ،عن وجودي مع أي شخص عــن الــوســط الثقافي الــيــابــانــي كما آخــر .فأنا دائما لــدي أشياء لفعلها ذكرنا آنفًا ،ويشيد بعزلته في معظم وحيدًا». حواراته القليلة «أنا واحد من البشر،
لــذا ،أعماله الكتابية من روايــات اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
19
ومجموعات قصصية تمس هــذا الجانب مــن ذلــك اكتشف أنها تقيم عــاقــات مع تحديدًا من شخصياتها ،منها مجموعته رجال آخرين ،ولكنه كبت األمر في نفسه، القصصية «حدائق موراكامي» وهي قصص وظل وف ّيًا لها حتى وفاتها بمرض سرطان قصيرة سبق ونشرت في مجلة ذا نيويوركر ،الرحم .الرجل نفسه عزم أن يقوي صلته جمعها وترجمها المترجم السوداني «محمد بأحد عشاق زوجته ليعرف منه سبب خيانة عبدالعاطي عبدالخير» 2018م.
زوجــتــه لــه ،وكــعــادة قصص مــوراكــامــي..
هاروكي موراكامي يشبه كتابة القصة النهاية تكون مفتتحاً لجرح عير ملتئم. القصيرة بزراعة حديقة ،ولعل هذا مبعث
وفي قصته الثانية والتي تحمل عنوان
عنوان المجموعة القصصية التي أختارها «الــصــمــت» تتحدث عــن شخصية تتعلم
المترجم ،فالقصص المجموعة وغيرها المالكمة ،وفي الصف الثامن تحدث نقطة نشرت ضمن مجموعة حملت عنوان «الفيل تحوّل في حياته إذ يكون مالحقًا بلعنة يختفي».
الصمت طوال فترة دراسته في المدرسة
يضم هذا الكتاب سبع قصص ،بعناوين من قبل زمالئه وأســاتــذتــه ،وذلــك بسبب ما بين قصيرة كالصمت ،قودي سيارتي ،زميل دراسة كان قد تعرض له ،فلكمه على
فطائر الــعــســل ،مسألة عائلية ،وأخــرى وجهه ،الزميل نفسه كتم األمر في نفسه جاءت طويلة كالطائر اللعبة ونساء الثالثاء ،وغ ــذى انتقامه ج ـ ّي ـدًا حتى أصبحا في
وغارة المخبز الثانية ،وعن لقاء فتاة مثالية مرحلة الثانوية ،ومن خالل إشاعة تمكن %100ذات صباح إبريلي جميل ..يعرف من تأليب قلوب المحيطين له ،ظل البطل أيضا الروائي موراكامي بأنه أكثر الكتاب يعاني من أزمــة الصمت حتى تخرج من
لردح ا طويلة لعناوين المدرسة ،وظلت هذه العقدة تالحقه ٍ فــي اليابان يختار جُ ــمـ ً رواياته وقصصه وأغربها أيضا. فــي أول ــى قصص المجموعة «قــودي
من الزمن. في القصة الثالثة «الطائر اللعبة ونساء
سيارتي» تدور حول رجل ممثل يبحث عن الثالثاء» تدور حول رجل عاطل عن العمل سائقة ســيــارة ،سرعان ما يفضفض لها يعتني بشؤون البيت منذ قــدم استقالته كمحام في إحدى الشركات دون ٍ همومه عن زوجته الممثلة المتوفاة وتزوجا من عمله
20
عن عالقة حب جارفة ،ولكن على الرغم سبب واضح ،وتقترح عليه زوجته التي تعمل اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ً عوضا عن الوظيفة؛ ودون سبب واضح الوحدة ،عادة هم رجال وحيدون ،يميلون يجد نفسه مطارداً من امــرأة تتصل عليه للصمت والعزلة واحتساء الكحول وقراءة وتحاول التالعب بمشاعره ،وتمضي القصة الكتب أو مزاولة أعمال غريبة ،ويجتمعون في أجوائها الغرائبية حتى النهاية.
في حبهم للموسيقا وميلهم لعالم األحالم،
حس المغامرة في القصة حيواتهم مضببة ما بين الواقع والخيال، بينما يتبدى ّ
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
مُصمم ًة براتب جيّد أن يعمل في البيت
تدور بقية قصص المجموعة حول ثيمة
الرابعة «غارة المخبز الثانية» رجل وزوجته في مرحلة من حياتهم يصابون بخيبة األمل حديثا الـ ــزواج ،يستيقظان فــي منتصف وشعور مستبد بالتيّه. الليل على جــوع يستبد بهما بــشــدة وال
يملكون حــس الــدعــابــة والسخرية هو
يجدان ما يصلح لألكل ،أثناء ذلك يسترجع أبسط طريق نحو مهاجمة العالم والنيل الرجل حادثة قديمة عن محاولة اإلغارة منه ،حس المغامرة يتفاوت عند أبطاله، على مخبز مع صديقه أيام الدراسة ،لكن وع ــادة مظهرهم الــظــاهــري ال يــدل على صاحب المخبز يقترح عليهما بكل لطف ميل نحو المغامرة ،وأبطاله عــادة يؤذون أن يستمعا لمعزوفة فاغنر ،ومقابل ذلك أنفسهم ،يعملون في وظائف ال معنى لها يمنحهما الخبز مجانًا فيقبالن بذلك ،غير أحيانا ويرون أنها تافهة ..لكن في سبيل أن البطل يشعر أنه مطارد بلعنة الجوع منذ الحصول على الــمــال الــذي يكون وسيلة تلك الحادثة ويبدي ندمه لزوجته؛ ألنه قبل فحسب. بعرض الرجل ولــم يقم بعملية االقتحام تتراجع جرعة الغرائبية والسوريالية التي كان يتشوّق لها مع صديقه ،فتقترح عليه زوجته أن يخوضا معًا مغامرة اقتحام واإليروتيكية والموت في قصص المجموعة مخبز ويجدان أنفسهما في منتصف الليل السمة األكثر بــروزًا في كتابات موراكامي
يقتحمان مطعم مــاكــدونــالــدز ويطالبان بينما تطغى الواقعية على أجوائها هنا، العمال تحت التهديد بثالثين شطيرة برغر وتعنى بالصالت البشرية ،وتحفل بالصداقة باللحم ،فتتالشى بعد نجاح المهمة اللعنة لكن مــن جانبها فــي التضحية ،وصــات التي استبدت بالبطل.
األخوة والتقارب الروحي بينهم.
* كاتبة عمانية مقيمة في اإلمارات. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
21
أسئلة السرد النسائي الجديد مقاربة نسقية لجماليات السردي القصصي النسوي «شيطانتان» لتركية العمري أنموذج ًا ■ إبراهيم الكراوي*
ينفرد النص القصصي النسائي بمجموعة من المقومات والخصائص ،التي تجعله متنًا يطرح مجموعة من األسئلة والقضايا الجوهرية ،التي تتصل من جهة بالهوية والذات ،ومن جهة أخرى باآلخر والذاكرة. لقد انبرت النصوص اإلبداعية القصصية النسائية «تتقصى عالقات البنى اإلجـتـمــاعـيــة ،وكشفت عــن عــاقــة الهيمنة والسلطة والتسلط وتـكــويــن الهوية ومفهوم الذات»(.)١ ونــحــن حــيــن نــهــم ب ــدراس ــة ظــاهــرة األدب النسائي ،والتي بدأت تش ّد إليها األنظار في األدبيات والمناهج الحديثة، ننتقل من سلطة التصنيف النحوي الذي ينحصر في التصنيف الهرمي النحوي بين المذكر والمؤنث ،والمفاهيم التي أفــرزهــا الــرجــل /الفحولة /الــمــرأة / األنوثة( )٢إلى البحث في آليات اشتغال وإنــتــاج خــطــاب الــمــرأة والــوقــوف على جمالياته وخصائصه النوعية .ولــذا
22
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
يبرز مصطلح جماليات الخطاب األدبي النسوي أكثر إجرائية لتالفي أي إشكال مصطلحي «إذ أن الفصل الــحــاد بين المذكر والمؤنث أرسى منظومة مفاهيم ع ــازل ــة تــجــعــل األن ــث ــى تــفــكــر بطريقة تختلف عــن طريقة تفكير الــرجــل في كافة المستويات ،لعل أسوأها أن األنثى تلعب الدور الذي اصطنعه لها الرجل.. ال تحيد عنه ،وتقدم له من التبرير ما وضعه الرجل نفسه من تبرير»( .)٣فإنتاج
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
خطاب المرأة في المحكي السردي ال يمكن إلى بنية النص التي تتمثل الواقع وتحفر في اختزاله إلى حرب تخوضها المرأة من أجل تفاصيله. االستئثار بالسلطة الرمزية ،أو إلى مقابلة إن الــواقــع هــو الــمــوضــوع ال ــذي يوحد بين مصطلحي الذكورة/األنوثة /الفحولة بنية الــنــصــوص القصصية فــي مجموعة /األن ــوث ــة .فـــ«الــكــتــابــات النسوية الحديثة «شيطانتان» لتركية العمري ،ونعني به واقع ابتعدت عن اعتبار المرأة مجرد فئة مظلومة الــذات والــذاكــرة ،واقــع المرأة وسيكولوجية وضحية لهيمنة الذكر ،وتسعى إليجاد سبل ال ــذات .هكذا تشتغل الكاتبة على تشريح تحليل السلطة بصورتها الظاهرة ،وما تلقى مفهوم الشخصية القصصية المستمدة من من عالقات المقاومة في عالقات الحياة واقع اليومي ،من خالل التبئيرالداخلي على ()٤ اليومية» .وفضال عن ذلك ،فما يمكن أن فئة شخصيات المرأة ( -الــذات الساردة، يلفت نظرنا في الكتابات النسائية الحديثة ،الــذاكــرة -وهــج ،األنثى -طائعة األخــت - هــو جماليات الكتابة وال ــرؤى للعالم ،وهو هيفاء األخت -شمسة ،علي العامر -زهرة ما سنحاول الكشف عن تجلياته من خالل منى -فاطمة والحلم ،سندريال ،الــدمــوع، أنموذج الكاتبة القاصة تركية العمري. المرأة في قصة القطيع) .والتبئير الداخلي
هنا يعكس مركزية خطاب المرأة في هذا اإلنتاج السردي وتفرده في الحفر في أعماق الذات -المرأة أو إلقاء الضوء على مسارات شخوص تمثل فئة المرأة ووضعها وعالقتها بــالــعــالــم .ورغــــم حــضــور بــعــض الــقــواســم المشتركة في الخطاب األدبــي النسوي كما هو األمر في قطبي الــذات والذاكرة ،سواء كانت الــذات األنثى التي تحضر من خالل مفهوم الجسد ،أو الذات المرأة ككيان وعيّنة اجتماعية ،فإنه يمكن الــقــول «إن» الــذات األنثوية «ذاتٌ متحركة ،متغيرة في محاولة كشفها لذاتها في نصوص هؤالء الكاتبات، وهي أيضا ليست ذاتًا واحدة تمامًا ،إذ تختلف كل منهن في محاولة كشفها ومحاورتها مع العالم.)٦(»...
وهكذا تتمثل الكتابة في مختلف أعمال العمري بوصفها مساءَلة للواقع ،وحفراً في تفاصيله من خالل تجليات مفهومَيْ الكثافة والموجز من جهة ،والمنفتح والمنغلق من جهة أخرى .وهو جهاز مفاهيمي يشكل أحد آليات إنتاج سردية وشعرية القصة القصيرة، وبالتالي فمفاهيم الكثافة والموجز والمنفتح والمنغلق تحيل على نظرية تشكل النوع القصصي منذ ظهور مقالة «بــو» الشهيرة «منهجية تأليف قصة» .لقد ركــز «بــو» في مقالته على المعايير التي يقوم عليها إبداع قصة قصيرة ،وماهية القصة التي أشار فيه إلى أنها تقرأ في جلسة واحدة ،وتتميز بوحدة الموضوع واالنسجام الداخلي( ،)٥بالرغم من أن النص الحديث ينزع إلى االنفتاح وتشرب جماليات األجناس األخرى .وهكذا سننتقل إن الــمــاحــظ هــنــا أن أغــلــب الــعــنــاويــن في تجربة تركية العمري من وحدة الموضوع الموازية في مجموعة «شيطانتان» لتركية
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
23
الــعــمــري تحمل أســمــاء شــخــوص وخــاصــة أسماء أعالم خاصة بالمرأة ،وإذا ما صادفنا عناوين أخــرى مــوازيــة تمثل اســم شخصية لرجل ،فهي تلعب أدوارًا مرتبطة ،أو تحيل ولو بشكل ضمني إلى إنتاج خطاب المرأة، أي عالقة المرأة بالعالم .وهو ما نستشفه من خالل فئة الشخصيات التي سنسميها متبعين فيليب هامون فئة الشخصيات المرجعية(،)٧ كما هو األمر بالنسبة لصفة «وضاح الحي» دال ،ويحضر نسق تراثيٍّ ٍ الــذي ينتمي إلى ٍ كمؤشر على حلم المرأة وصــورة الرجل من منظور الصوت السردي والسندريال في نص «دم ــوع السندريال» .أمــا بالنسبة للعناوين األخرى ..فالمؤشرات التي تدل على حضور خطاب المرأة ،فتراوح بين عالمات التأنيث «حلم سديمها» «طائعة ربها» ...وفضال عن ذلك فإن العنوان «شيطانتان» ال يحمل فقط مؤشرات داللية ،بل يمثل ذلك الخيط الرابط بين مجموع النصوص ،والموحد لرؤية هذه الكتابة القصصية ،بوصفه حفراً في صورة المرأة من منظور الالوعي الجمعي وعالقتها بالعالم؛ وبالتالي يظل رؤيــة الــمــرأة للعالم وعالقتها باآلخر الرجل ،الخيط الرابط بين نصوص المجموعة ،وبخاصة إذا استحضرنا حضور مؤشر ضمير التأنيث الــذي يمثل وجود الذات المرأة في خطاب العتبة األولى التي تهيئ القارئ للدخول في عالم النص.
24
ويبدو جليا منذ العتبات السردية األولى مؤشرات االحتفاء بالشخوص ضمن إطار العالقة رجل /امــرأه داخل وضع اجتماعي، والتركيز على بناء مقولة العالقات بما هي اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
تكشف أبعاد صورة هذه العالقة بين المرأة والرجل من جهة ،والذكورة واألنوثة من جهة أخــرى؛ علما أن النصوص القصصية التي نحن بصدد مقاربتها تحاول أن تنتج من خالل التبئير الداخلي على الشخصيات ،أو الذات السارد المرأة مقاربة الذكورة من زاوية مغايرة غير تلك التي أنتجها الخطاب الذكوري في الثقافة العربية .فالذكورة تحضر في نصوص «الصباحي» و«وضاح اليمن» و«القطيع» كرمز يحيل على نسق من القيم الجمالية والمساواة واالحتفاء بالحرية ..بعيدا عن الذكورة التي ترادف الهيمنة والتسلط. إن تــمــركــز خ ــط ــاب الـ ــمـ ــرأة ف ــي هــذه المجموعة ،يتجلى من خالل التبئير الداخلي والكثافة ،وهو ال يضع فقط العالقة المنطقية التقليدية المرأة ،الرجل -أو كما عهدنا في بعض النصوص الكالسيكية؛ عالقة األنوثة والرجولة موضع مساءلة وتشريح ،بل إننا أمام تمثل جمالي لعالقة المرأة والمجتمع من جهة ،والمرأة وفعل التلقي أي صورة المرأة فــي المتخيل المجتمعي مــن جهة أخــرى. فالشيطان ليس متخيال شعبيا جــاء ليلهم التخييل القصصي فقط ،بل يمثل في الوقت نفسه التوتر العميق بين الــدال والمدلول. وهــو توتر يعكس فــي جــوهــره التوتر الــذي يمظهره خطاب المرأة في عالقتها بالعالم، في جل قصص الحركة السردية السعودية، وبخاصة في المجموعة التي نقاربها .فإذا كان الدال يحيل على صورة الرجل المتسلط المستبد كما نجد فــي قصة «القطيع»(،)٨ فــإن المدلول يرتبط برؤية الــذات -المرأة
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
للعالم ،والتصور الــذي تشكله عــن الرجل الحلم ..فــصــورة الشيطان كما يتجلى من خالل عنوان المجموعة مشبعة في جوهرها بفرضية الصراع بين الخير والشر ،القبيح والجميل ،الــذكــورة /األنــوثــة .وهــو الصراع الذي ينعكس على واقع المرأة السيكولوجي، وسعيها إلرساء أحالمها والتحرر من صورة المجتمع التي يرسمها ،والتي يهيمن عليها السلبية .ولعل بنية التوتر التي تشتغل على إنتاج دوال الخطاب تبرز من خالل التوتر بين مسار البداية المبتدأ السردي؛ لكن هذا المسار سرعان ما يتعرض النتهاكات على مستوى تطور الحكاية ،وهو ما يجعلنا ننتقل «اعــتــرفــت لــه بــمــســاءاتــي الحميمية مع إلى المتوقع القصصي ،إي الخبر والسرد الصباحي ،الرجل الذي أحب ،والذي أنحني القصصي ،وعالم المدلول الذي يضعنا بدوره لبهاء كبرياء روحــه ...هزني فواز من كتفي، في دائرة النوع القصة القصيرة. ولكن هذه المرة لم أسقط كما اعتاد فواز، إن نسق العالقات بين الداخلي والخارجي ولم تظهر زوايا بيت والدي السجن ،اقتربت في القصة ،يولد ويشتغل كآلية إلنتاج المعنى من المرآة ،وضعت قطرات من عطر الورد المنفلت من الواقع والمرتبط أساساً بإنتاج على جيدي ،خلعت الوشاح الذي يلف كتفي، جــمــالــيــات خــطــاب ال ــم ــرأة .وه ــذا التحول ابتهجت وأنـــا أرى كتفي الــعــاريــتــيــن وقــد يكتسي طابعًا ً خاصا يميزه عن باقي األجناس تحررتا.)٩(».. واألنواع األخرى؛ وهو الطابع الذي يمكن أن ليتم الــعــودة إلــى التبئير الــداخــلــي من نسميه هنا بالمتوقع ،وهو الذي يؤسس حبكة جديد على الصباحي ،واكتشاف المفاجأة أو القصة .إن المتوقع يتمظهر بوصفه أحد أبعاد الالمتوقع ،وتهيئ القارئ للدخول في نهاية العالقة بين توتر الدال والمدلول .ففي قصة مسار التأويل وإنتاج خطاب المرأة: الصباحي اعتراف المرأة السارد بالمساءات «تلك اللحظة سمعنا صوتًا مالئكيًا رخيمًا الحميمية مع الصباحي .وفي القطيع ،انحراف مسار حياة «نوضا» من رغبتها بالزواج من جنان اهلل السرمدية لسليل البهاء محمد بن ابن عمها إلى زواجها بعامر .وفي «رقصة علي ،بعد لحظات لمعت ابتسامة أمي بنت روحها» يكشف السارد من خــال التكثيف محمد علي الصباحي» ص 11 والمالحظ هنا أن وقع ودرجة المفاجأة الرمزي لمسار النهاية ،كما يظهر من الرمز «نافذة» الذي يؤشر إلى سيكولوجية المرأة في ظل العزلة الرمزية التي تعيشها بعيدًا عن العالم ..ويمكن القول إننا أمام أنساق سردية تتشكل من خالل خطابي البداية والنهاية.. ففي نص «الصباحي» نجد أن شعرية النص القصصي تتأسس على المتحول في القصة، أي باالعتراف للزوج الواقعي فواز بالعالقة الروحية المتعالية على كل نموذج ،أي عالقة المرأة السارد بالصباحي .فالصباحي ينفرد بالبطولة والــكــبــريــاء ،وهــو واه ــب الحرية للقرية ،وبالتالي نعود إلى التبئير الداخلي في أخر سطور القصة:
25
26
والمتوقع يختلف من نص قصصي إلى آخر، وحسب المؤشرات الخطابية والنحوية التي توجه فعل التلقي ،وهذا يعني أن التلقي في النص القصصي يختلف عنه بالنسبة للرواية، فقارئ القصة يختلف عن قارئ الرواية ،فهو قارئ يؤسس أفق االنتظار على أساس خطاب النهاية ،والذي يتم تأويله على ضوء خطاب البداية الحامل لرهانات المعنى .غير أن بنية المتحول ترتكز أساسً ا على العبور من الحلم إلى الواقع والتحرر الفعلي الذي وجدته الذات الساردة في الذاكرة ،من خالل الصباحي الذي منحها قوة سيكولوجية ،ورغبة بال حدود.. من أجل تلمس طريق المضي في التحرر من مواضعات وتقاليد وسطوة وهيمنة الذكورة، كما يظهر من خالل نموذج شخصية الزوج فــواز .إن الحلم بالنسبة للمرأة هنا ،وكما يؤشر إلى ذلك خطاب النهاية ليس مجرد لحظة عــابــرة ،بل هو تمرد على االستالب واالستبداد والرغبة في الخروج من دائرة زمن المعاناة واختراق الالزمن الذي تعيشه الذات-المرأة .وحلم الشخصية المرجعية، الصباحي ما هو إلى رمز يحيل على رغبة المرأة في تمثل قيم الجمال والحرية والنبل من خالل العالمة الرجل ،الذي يتمثل بوصفه هنا الروح والجمال .بهذا المعنى يتوقع الرجل بما هي حمولته الرمزية والدالة على العالم، فهو ليس فقط الرجل المحدد ككيان وذات، بل هو العالم ذاتــه ،والحلم وقيمة الحرية التي تسعى الــذات إلــى القبض عليها ،إنه الزمن الذي يطلع بعد الحلم ،ويحث الذات الــمــرأة على بــدايــة جــديــدة .أمــا فــي قصة اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
«حلم سديمها» فنجد رمزية المرأة من خالل شخصية فاطمة التي ترغب في إنجاب طفل، حيث تظهر عالقة المرأة باألمومة والطفولة بشكل عــام .فالقصة تستهل بوحدة داللية تعلن خبر حلم الصباح: «صباح إعــان حلم تستعد له منذ عشر سنوات ،عندما همست لها قبل أسبوع تلك القادمة من بالد مزدحمة بالحياة ،وبالرغبة فــي الــحــيــاة ...حلّقت الكلمة بحلمها في السماء»( )١٠إن الحلم بالنسبة للمرأة هنا هو بداية الحياة ،ومسار جديد يفتح أفقًا جديدًا يحمل رمــزيــة التحول .أمــا خطاب النهاية فيوقع ويتمم بداية فعل التحول ،وهو معاينة واقعة وضــع نــوف صديقتها لمولود ،بينما تعيش فاطمة على إيقاع الحلم .ولعل الفعل «توقف» مؤشر على توقف فعل الحكي والحلم بشكل عام. «توقف الزمن واستوعبت ذاكرتها تفاصيل مالمح مساءات حلمها .غادر الجميع وبقيت هي بمفردها.».. إننا هنا أمام مجموعة من فئات العالقات، تنسجها المرأة كما يظهر من خالل عالقة هذه الشخوص سندريال ،المرأة والصباحي، الــمــرأة وال ــزوج في القطيع ..إنها عالقات تسبر أغــوار المرأة في المجتمع السعودي بشكل ،عام وتنفذ إلى جوهر وجــود الذات المرأة وما يطبعه من تناقض ومعاناة .وهوبالفعل ما نجده في قصة «دموع السندريال»، حيث تترجم العالقة المرأة-السارد والرجل
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
بالتوتر والقلق؛ ما يكشف بجالء صورة المرأة يحتوي اللؤلؤ ،ولم يشم عطر الورد المسافر المختزلة فــي جسد فــي ذهنية والــاوعــي بوله في كفيها وجيدها ويداعب خصالت ٍ الجمعي ،ووضعها القلق في المجتمع ،ما شعرها ،ولم يتأمل غرتها التي أشعلت يدها».. حدا بها إلى نسج مشروع حلم تحقيق ذاتها «كــان مــســاءُ البارحة نقط ًة فاصلة بعد ومواجهة تحديات الحياة؛ ففي بداية القصة ـوات ،قــررت الــهــروب إلــى الضفة ثماني ســنـ ٍ نلفي نظرة إيجابية للرجل لهذه المرأة: األخرى من رجل كالطحلب» ص .73 «عندما بدأت تتشكل مالمح األنوثة ،همس أنــت سندريال. لها ذات مساء مــن مسكِ : إن القلق والــوضــع الــمــزري الــذي تعيشه خبأت كلماته في ذاكرتها ٍ كغيم تستمطره ..المرأة الذات -السارد في غياب ملجأ تلجأ خبأت لقبها ،والذي أصبح من كينونتها ،ومن إليه ،ونظرة المجتمع لها ،سيحفزها إلى هويتها ومن أحالمها» ص .39لتنقلب بعد نسج أحالم جديدة ،وبداية فعل البحث عن ذلــك معادلة المتصل والمنفصل ،فلم تعد االتــصــال بالعالم «وأكملت خطاها باتجاه المرأة -ترغب في البحث عن االتصال بالعالم الرجل بعد زواجهما ،واكتشاف حقيقة نظرة ضفة خاصة تغزل فيها أحالماً جديدة تنادي الرجل بعد تغير رؤيته للمرأة بعد الزواج ،وهو مساءاتها الحالمة» .إن الحلم أبــرز معالم ما سنكتشفه من خالل بنية المتحوّل وتقنية خــطــاب الــمــرأة فــي نــصــوص «شيطانتان»؛ التلخيص التي تكشف حياة المرأة بما هي فهو يتجلى بمثابة البديل الرمزي والمفترض سلسلة أح ــداث مأساوية وقلقة متسارعة لعالم تصبو إلى نسجه الذات السارد ،ومن ثَ َّم ومختزلة من منظور المجتمع في الجسد: فتح قوس جديد يؤسس لرؤية مغايرة لوضع «خلع مالبسه ،لم ينتبه لمفرشها الذي المرأة وعالقتها بالعالم وجماليات الحياة. * كاتب من المغرب. ( )١البازعي ،سعد ،وميجان الرويلي .دليل الناقد األدبي .المركز الثقافي العربي ط .5البيضاء2007.م. ص. 151: ( )٢المرجع السابق نفسه .ص.151 : ( )٣ميلز سارة .الخطاب .ترجمة :عبدالوهاب علوب .المركز القومي للترجمة .القاهرة2016 .م.ص87 : (Edgar Allan Poe. Th philosophy of composition. Rise of Douai. Washington.2015. P: 11 )٤ ( )٦الذات األنثوية من خالل شاعرات حداثيات في الخليج .مشورات المدى .بيروت1998 .م .ص.14: ( )٧هامون فيليب .سيكولوجية الشخصيات الروائية .ترجمة سعيد بن كراد .ت :عبدالفتاح كيليطو .دار الكالم .الرباط1990 .م.ص. 24 : ( )٧العمري ،تركية .القطيع .كتاب في جريدة .عدد 141أيار بيروت2010 .م .ص.14 : ( )٨العمري ،تركية .شيطانتان .دار المفردات ..الرياض2010.م .ص.11: ( )٩المرجع السابق نفسه .ص.39 : اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
27
الح ُّب واأل َل ُم َ واأل ُ مل ُ مال.. في ِ الر ِ ديوان من ِ فوق ِّ ■ د .محمود خلف البادي*
صــدر حديثا عن النادي األدبــي في الجوف ديــوان «مــن فــوق الــرمــال» للشاعر مـحـمــود ع ـبــداهلل الــرمـحــي ،تضمن نـحــو ثــاثـيــن قـصـيــدة ومـقـطــوعــة ..فــي ()88 صفحة من القطع المتوسط. هــذا الــديــوان يفيض صاحبه بمشاعر جـ ّيــاشــة ،وأحــاسـيــس وطنية تتحرك في ثنايا جوانحه؛ معبِّرة عن تجربة غُ ربته وغُ ربة الماليين القسرية من أبناء فلسطين ،الذين شردهم االحتالل الصهيوني ،وهي غُ ربة مرَّ ةٍ تجذَّ رت في شغاف قلبه ،وعانقت روحه بكل صدق؛ وكأني بالشاعر يقسم بالباري رب السموات واألرض أن يبقى فــؤاده يرعى دومً ــا في حمى فلسطين المحتلة ،وتظل روحــه تطوف في عاله؛ فإن غابت شمس وطنه باالحتالل واالغتصاب ،فال بد أن تشرق من جديد، وتتفتح أكمام الزهر تنشر شذاها الفوّاح في ربوع الوطن. وإذا ما أمعنّا في قصائد الــديــوان.. نجد معظمها قد جاء على بحر الكامل، والرمل ،والوافر ،والمتقارب ..وهي بحو ٌر في مجملها ذات أسلوب نشيدي تَ َرنُّمي، وقف الشاعر موقف المخاطب البعيد عن ال التصوير واألسلوب الفخم الجليل ،فض ً عن اتباع لين النغمة ودندنتها:
28
نحن أمــام ديــوان صغير الحجم تدور مــعــظــم قــصــائــده ح ــول األرض ،وحُ ـ ِّبــه إياها ،والتعلق بها ،والبكاء عليها ..صوّر واضح ال تعقيد فيه، ٍ بأسلوب مُعب ٍِّر ٍ ذلك سهلة عكست ولغة ٍ عذبةٍ ، وبسالسة شعرية ٍ مشاعر الحزن واأللم في تصوير المأساة الفلسطينية ،ومعاناة أهلها النفسية على والتين مع ًا ِ ـون وجــه الخصوص .فها هــو فــي قصيدته قلبي مــع الــزيـتـ ِ (مَن أنا) يرى نفسه تائها مشرَّداً ،ال يعرف كيف الوصول لجنةٍ باتت مُ نى؟ طعماً للدنيا ،ألنه مطرو ٌد من أرضه: وال ننسى أن فلسطين تشتهر بزراعة صاح قل لي مَن أكون ومَن أنا يا ِ الزيتون والتين والليمون .وعلى المنوال فالقلب مني لم يعد قلبي أنا نفسه يستمر الشاعر في الحديث عن أن ــا مُ ــذْ تــركـتــك ضــائــعٌ ومـشــردٌ فلسطين وال ــق ــدس الــتــي تــصــرخ لفك أنا مُ ذ تركتك لم أذقْ طعم الهنا أسرها ،والطفل الجائع الذي ال يجد إال اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الفتات ،وكل هذا نجده في قصيدته (القدس):
ـدس ن ـ ــادت م ــن يـلـبـيـهــا ال ـن ــداء الـ ـق ـ ُ واألقصى مأسورٌ ..فمن يكن الفداء وال ـط ـف ــلُ ج ــوع ــانٌ فـلـيــس ل ــه ســوى ذاك الـفـتــات ..فكيف يأتيه الــدواء زاد األنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنُ وقـ ـ ـلـ ـ ـب ـ ــه م ـ ـتـ ــوجـ ــعٌ وال ـ ــداءُ يـ ْـس ـ َتـ ْـشــري وم ــا م ـنــهُ شفاء وكيف للشاعر أن يحيا حياة الهناء ،وهو بعيد عن ثرى وطنه قسراً؟!
ف ـل ـس ـط ـي ــن ال ـح ـب ـي ـب ــة كـ ـي ــف أح ـي ــا ـراك وف ـيــه س ـحــري؟! ب ـع ـيــدً ا ع ــن ثـ ـ ِ وكأني بالشاعر في هذا األسلوب الرشيق السهل قــد تأثر بالشاعر الفلسطيني (أبــي أرض ـاً ،وال يُحرِّر شبرًا منها .لكنه تعبير عن سلمى) الذي قال: أمل رافقه ،ولم يتحقق ..فأراد أن يخلع ثوب ٍ األسى ويرتدي ثوب الفرح والذكريات الجميلة؛ ف ـل ـس ـط ـي ــن ال ـح ـب ـي ـب ــة كـ ـي ــف أح ـي ــا بـ ـعـ ـي ــدا ع ـ ــن سـ ـه ــول ــك والـ ـهـ ـض ــاب إنه ثوب الغزل ..ليروِّح عن كاهله ثقل المعاناة نغمة حلوةٍ مطربة. بأسلوب شي ٍّق سلس ،ذي ٍ ت ـ ـنـ ــادي ـ ـنـ ــي الـ ـ ـسـ ـ ـف ـ ــوح م ـخ ـض ـب ــات لفظ وموسيقى خفيف تناسب عيون وف ـ ـ ـ ــي اآلفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق آثـ ـ ـ ـ ـ ــار ال ـ ـخ ـ ـضـ ــاب وبتجويد ٍ المحبوبة الساحرة ..مصدر األنغام واألحالم لقد ابتعد الشاعر في قصائد ديوانه عن الوردية: صلصلة األجـــراس ،واتــجــه إلــى إب ــراز آهاته ـرب مـ ـ ـ ـ ـ ــن ضـ ـ ـ ــرو ـاك ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ وحلم امت ّد عقوداً ..عـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِ ٍ غربة طالت، ٍ وشكواه من ِب ال ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــر أع ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــه أنـ ـ ـ ــا ثم عــاد يستذكر صــاح الدين ،لع ّل في ذلك من يكون صالح الدين ليسترد بيت المقدس ،ه ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـص ـ ـ ــدر األن ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ــام واألحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ويبزغ فجر النصر من جديد: ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي دن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا
طـ ـ ــالـ ـ ــت الـ ـ ـهـ ـ ـج ـ ــرة والـ ـ ـبـ ـ ـع ـ ــد م ـت ــى بأحالم جميلة تخيلها ٍ ويربط غزله الجميل ت ـط ـل ــع الـ ـشـ ـم ــس وق ـ ـ ــد زال ال ـع ـن ــا في وطنه فلسطين ،حيث السمر مع األصحاب في قمم جبالها العالية ،وسهولها ووديانها، ـوب أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودٍ ح ـ ـ ـ ـ ـ ــاق بـ ـن ــا يـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ٍ يـ ـ ــا صـ ـ ـ ــاح الـ ـ ــديـ ـ ــن بـ ـ ـ ـ ــدِّ ل ث ــوب ـن ــا األمر الذي يجعل من حبه لوطنه عنواناً وهدفاً يفوق كل حبّ :
ان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزع الـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ــوب ومـ ـ ـ ـ ـ ــن جـ ـ ـ ـ ـ ــاء ب ــه م ـ ــن غـ ـ ـ ـ ــزاةٍ األرض فـ ـ ـ ـ ــاألرض ل ـنــا أو هـ ـ ــل ت ـ ــذك ـ ــر هـ ــات ـ ـيـ ــك الـ ـلـ ـي ــال ــي كـ ــم ت ـن ـق ـل ـنــا وفـ ـ ــي روس ال ـج ـب ــال وهكذا تمضي قصائد الديوان بأسلوب غلب عليه الخطابة ،والميل إلى االستعطاف والبكاء مـ ـ ـ ــن مـ ـ ـصـ ـ ـي ـ ـ ٍـف ل ـ ـم ـ ـص ـ ـيـ ـ ٍـف وكـ ـ ـ ــذا والحسرة واألنــيــن ..مع أن كل ذلــك ال يعيد ـول وتـ ـ ـ ـ ــال بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن وادٍ وس ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
29
ليال األنس تذكركم ذكريات تفيض بمشاعر الشوق والحنين إن غبتَ كانت ِ لــــأرض ،وم ــا شــاعــرنــا فــي ه ــذا األمـ ــر إال أو زرتَ إنَّ خيا ًال كاد يرويها
(عــبــدالــبــاســط الــصــوفــي) الــشــاعــر الــســوري ويختم الشاعر ديوانه ببيان نيته في الرحيل الحمصي المولد والمنشأ ،الذي قال: عن الجوف والعودة إلى األردن ،وقلبه ممز ٌق بين مَن عاش معهم عقوداً ،وبين أهله وعشيرته فاكهةُ الصيف على شباكنا معلقة التي ال ب ّد أن يكون معهم؛ فقد أزفــت ساعة هذي سالل وردنا مضفورة مزوقة قالوا سرقنا من قميص الفجر منديل غزل الرحيل ،وفراق األحبة:
واحترقت ضيعتنا وهج عناق وقُ بل
وإذا كــان الشاعر وفــيـاً لوطنه فلسطين، فهو وفيٌّ أيضا لوطنه الثاني (الجوف) ..الذي أمضى فيه أكثر من خمسين عاماً .فيه نبتت براعم قصائده الشعرية ،وتخرجت على يديه أجيا ٌل من المتعلمين صاروا مشعل عزةٍ وفخار:
األرض أرض ـ ـ ـ ــي وال ـ ـ ــدي ـ ـ ــار دي ـ ـ ــاري فـ ــال ـ ـجـ ــوف ن ـ ـبـ ــعٌ ب ــال ـم ـح ـب ــة ج ـ ــارِ
شَ ـ ـ ـ ـ ــدّ ال ـ ـ ــرح ـ ـ ــال وجـ ـ ـه ـ ــز الـ ــرك ـ ـبـ ــان وان ـ ـث ـ ــر ع ـل ـي ـه ــم بـ ــاقـ ــة ال ــريـ ـح ــان إن ـ ــي ع ـش ـقــت الـ ـج ــوف ع ـش ــقً ــا زان ــه ط ـي ــب الـ ـفـ ـع ــال وص ـح ـب ــة ال ـخ ــان لـ ـكـ ـنـ ـه ــا الـ ـ ــدن ـ ـ ـيـ ـ ــا وذلـ ـ ـ ـ ـ ــك ح ــالـ ـه ــا ه ـ ــل دام ف ـ ـ ـ ــرحٌ أو أس ـ ـ ـ ــىً بـ ـمـ ـك ـ ِـان إن ــه فــي ه ــذا الــقــول يــكــرر ق ــول الشاعر المهجري (شفيق معلوف) الــذي عــزم على العودة إلى وطنه بعد طول اغتراب:
ي ــا ســاك ـنــا ف ــي ال ـج ــوف ألـ ــف تـحـيــةٍ م ـن ــي إلـ ـ ـي ـ ــك ..ل ـص ـح ـبــة األخـ ـي ــار أي صـ ـ ــوت أدعـ ـ ـ ــى غـ ـ ـ ــداة الـ ـتـ ـن ــادي فـعـلــى رب ــوع ــك ق ــد بـ ــدأت قـصــائــدي مـ ـ ـ ــن ن ـ ـ ـ ـ ـ ــداء األك ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــاد لـ ــأك ـ ـبـ ــاد وعـ ـل ــى ربـ ــوعـ ــك ي ـن ـت ـهــي مـ ـش ــواري ن ـ ـشـ ــط الـ ـ ـ ـش ـ ـ ــوق ل ـ ـ ــإي ـ ـ ــاب ون ـ ـ ـ ــادى ب ــاس ــم ل ـب ـن ــان فـ ــي الـ ـضـ ـل ــوع م ـنــاد في الجوف جيلٌ من عطائي شاهدٌ ـاري ـ س ـ م ب ــال ـع ـل ــم وال ـت ـع ـل ـي ــم ذاك ف ـ ـ ــي ق ـ ـ ـلـ ـ ــوب ال ـ ـم ـ ـغـ ــرب ـ ـيـ ــن جـ ـ ـ ـ ــراحٌ ح ـم ـل ــوه ــا ع ـل ــى الـ ـجـ ـب ــاه ال ـج ـع ــاد عـ ـ ـلـ ـ ـمـ ـ ـت ـ ــه وب ـ ـ ـن ـ ـ ـي ـ ـ ـتـ ـ ــه ح ـ ـ ـتـ ـ ــى غـ ـ ــدا ف ــي الـ ـج ــوف م ـش ـع ــلَ عـ ـ ــزةٍ وف ـخ ــار ح ــان أن يـخـنـقــوا الـ ـش ــراع وي ـط ــووا ـول ال ـج ـه ــادِ ع ـل ـ َم ال ـف ـت ـ ِـح ب ـع ـ َد طـ ـ ـ ِ أمــا بــاقــي قــصــائــده ،فــتــدور حــول الــزمــان
وحرارة الصيف الالهبة ،والشكوى من الغدر، ووصف المطر ،وبعض الثنائيات التي تبادلها مــع شــاعــر صــديــق هــو الــدكــتــور عبدالهادي الــصــالــح ،عــكــســت وفـ ــاء (هـــــادي) وشــعــوره اإلنساني النبيل تجاه من خدم الجوف بعلمه وكلمه نحو خمسين عاما ،فيقول:
في كبرياء المعاني أنت مدرسةٌ يا صاحب القلب كاألفياء نأتيها * جامعة الجوف.
30
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
لقد جاهد الشاعر خمسين عاماً ونيفاً مغترباً ،شبابٌ مضى ..وعم ٌر أدبــر ،وما بقي منه إال ذكريات جميلة مع األحبة ،وساعات حلوة في ربوع الجوف..
حقاً ،إنني أعيش كل حرف من حروف هذا كلمة فيه ،ألني وجدت فيها الديوان ،ومع كل ٍ ما يدغدغ مشاعري ،ويعبر عما أعانيه كما هو يعانيه.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ُ ُ جيل ذكريات الجوف: سنوات ِ ٍ تأليف د .عبدالواحد الحميد
■ غازي خيران امللحم*
وراء كل أديب مبدع فكر ٌة بديعة ،تشكِّ لُ محو َر حياته ،تبدأ بذورها األولى من تكف بعد ذلك تلك البذور عن النضج في كل مرحلة من مراحل أيام الطفولة ،وال َّ ويطيب جنيُ ثمارُها. ُ الحياة ،حتى تعطي أكلَها، وفي هذا الكتاب« :سنوات الجوف( ..ذكريات جيل)» للدكتور« /عبد الواحد بن خالد الحميد» ،نستعرض فصو ًال متعددة من حياة الكاتب ،كما يحرص المؤلف على تأكيد أن كتابه ليس سيرة ذاتية وحسب ،وإنما توثيق لذكريات جيل عاصرها وعاشها بكل جوانحه .ننبش معا في هذا المقال عن البذور التي شكلت كل األفكار والذكريات ،التي حدت بالكاتب أن يضع هذا السفر بين أيدينا. والــكــتــاب بمجمله تــقــريــبــا ،يمثل
إضــمــامــة ذات ألـــــوان مــتــعــددة من
الذكريات ،وبوح وجداني ،لحقبة زمنية س ــادت ثــم تـ ــوارت ،حــدثــت مجرياتها األولى في ربوع الجوف ،وتحديدا في
مدينة سكاكا ،مذ كانت أحيا ًء بدائية صغيرة ،إلــى إن نمت واتسعت وباتت
تعد من مدن الشمال السعودي المهمة.
تداعيات وذكــريــات ،أليــام وأحــداث
عــاشــهــا الــكــاتــب بــكــل أبــعــادهــا ،بــدأ مــشــوارهــا انطالقا مــن حيّه الصغير «الــشــعــيــب» ف ــي ســكــاكــا ،ف ــي فــتــرة خمسينيات القرن الميالدي الماضي وما تالها ،إذ أبصرت عيناهُ النو َر ألول مرة ،وعاش طفولته ومراهقته وردحا مــن شبابه البكر فــي أحضانها وبين أهلها .في تلك البيئة الصغيرة ،التي تبدو للوهلة األولى وكأنها تعيش على هامش األحداث ،بينما هي في حقيقتها اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
31
تع ُّج بالمشاعر اإلنسانية المتأججة ،التي تعكس ما كان يجري في العالم العربي من أحداث وتحوالت. ثــم ينتقل بنا الكاتب للكالم عــن ولعه المبكر بالمطالعة ،وميله المتزايد للقراءة، وهو لم يزل في ميعة الصبا وربيع العمر، فيقرأ كل ما تيسر له من صحف ومجالت وكتب ،وكان من المعجبين بكتابات الرحالة األوربيين ،الذين جاسوا خالل أرض الجوف ودوّنوا مشاهداتهم عنها .وتحدثوا فيها عن طرق العيش والعادات التي كانت موجودة إذ ذاك في المجتمع الجوفي الصغير. إال أن أشد ما كان يعجبه ،تلك األشعار والقصص الشعبية والنوادر المنوّعة ،التي كانت تــروى شفاهاً مــن قبل بعض أهالي الجوف (وتعتبر والحالة هذه وبغياب القراءة والتدوين) بمثابة سجالت ألحــداث ووقائع زمنية متفرقة ،ووصــف ألحــوال ســادت في فترة زمنية ما ،واإلشــارة إليها وتناولها من جوانب متفرقة. هــذه المصادر الشفوية وعلى تنوّعها، شكّلت لدى المؤلف النواة األولــى لالتجاه الــثــقــافــي الـــذي سلكه فيما بــعــد ،وحــدد مسيرته اإلبداعية واألدبية التي عبر عنها بوسائل إعالمية وثقافية عدة. الكاتب في سطور
32
ولــد الــدكــتــور« :عــبــد الــواحــد بــن خالد الحميد» ،في سكاكا ،في / 7ربيع الثاني 1373 /هــــــ .وتــعــلــم فــي مــدارســهــا ،حتى حصوله على الثانوية العامة بتفوق ،وفي اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
العام 1391هـ .غادر بلدته إلى مدينة «جدة» لاللتحاق بجامعتها واستكمال دراسته فيها، ثم انتقل إلى الواليات المتحدة األمريكية، الــتــي عــاد منها إلــى الــوطــن عــام 1984م. حامال الدكتوراه في االقتصاد من جامعاتها، وليعمل في اختصاصه في الظهران .وفي العام 1996م .وبحكم وظيفته انتقل إلى «الرياض» ليمارس عمله الذي كلف به هناك. إال إن الدكتور الحميد طوال فترة غيابه عن بلدته ومسقط رأسه ،ظل وفيا للجوف وأهلها ،وال ينفك يتواصل معهم بشكل أو بآخر ،يدفعه الشوق لربوع صارت جزءاً من كيانه وتفكيره ،وال ينقطع حنينه إليها بكل مكوناتها ،ولسان حاله يردد مع الشاعر:
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
كم منزل في األرض يألفه الفتى وحـ ـ ـنـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــه أب ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ألول م ـ ـنـ ــزل وهكذا ،ظل الكاتب وفياً لماضيه الجميل، وذكرياته األثيرة عن ذلك الماضي ،فعمد إلى إيداعها هذا الكتاب ،وهو الذي عاش تفاصيلها مع أبناء جيله ،خالل رحلة حياة، تــعـ ُّج بجماليات ص ــور ..وحــكــايــات عمر.. صــارت تمثّل فــي حــد ذاتــهــا تــراثــا وثقافة وذاكــرة ،تحرِّض على التدوين ،وتبعث على التأمل ،ومتعة القراءة. وقد شغل الدكتور الحميد خالل مسيرته الوظيفية والعملية ،العديد من المناصب الرفيعة ،فعمل كنائب لوزير العمل ،وأمين عام مجلس القوى العاملة ،وعضو مجلس الــشــورى ،وعضو هيئة الــتــدريــس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن سابقا ،وعضو الهيئة االستشارية للمجلس األعلى لمجلس التعاون الخليجي ،وكاتب بجريدة الجزيرة وغيرها من الصحف السعودية. كتاب( :ذكريات جيل) صدر هذا الكتاب عن مركز «عبدالرحمن السديري الثقافي» في سكاكا ،خالل العام 1439هـــ .ويقع في 315صفحة من القطع الكبير ،استهله المؤلف بــإهــداء ومقدمة، وعدد من العناوين الفرعية ،جاء أولها تحت عنوان: في الشارع القديم
د .عبدالواحد الحميد
نعود إليه.. إلى شارع كان منزلنا ذات يوم يطل عليه، ونسأله عن سنين هوانا، فيأتلق الشوق في شفتيه، ونسأل عن سنين صبانا فيحترق الدمع في عينيه!.. سنوات الجوف ثــم ينقلنا الكاتب إلــى ســنــوات قضاها بالجوف ،وأمضى سني حياته األولــى في ربوعها وعلى أرضــهــا ،فيتحدث بإسهاب مشوب بالحب عــن طبيعة أرضــهــا وطيبة أهلها ،وطريقة حياتهم فيها ،يتناولها الكاتب من مختلف جوانبها السعيدة والبسيطة، والبعيدة كــل البعد عــن صخب الحضارة وتعقيداتها المزعجة. في حارة الشعب
حيث يورد الكاتب من خالله مقاطع مؤثرة، وال يغفل الكاتب الحديث عن الحي الذي من قصيدة للدكتور «غازي القصيبي» رحمه ولد فيه ،وهو حي« :الشعيب» ،نسبة لمجرى اهلل ،التي جاء فيها: اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
33
سيل كــان يمر عبر ذلــك الحي ،ويقع إلى ٍ الشمال من سكاكا ،وعالقة الحي بأسماء أخرى ،كالصبخاء ،والحنظلية ،والزعفرانة، وحارة التحتي التي ينتمي إليها الكاتب ،الذي يحدثنا عن أفراد وبيوت وعادات ورفاق درب ودراسة ،كانوا يوما هناك.
لحضورها بصحبة ذويهم أحيانا أو بعض أقــاربــهــم ،وك ــان بعضها يــقــام على مسرح المدرسة الشمالية االبتدائية ،وقد حضر المؤلف بعض فصولها .كما ظهرت بعض نشاطات أخرى ،كممارسة كرة القدم وركوب الدراجات الهوائية ،التي شدت إليها اهتمام الكثير من جيل ذلك الزمان.
وهــنــا ،يــع ـرِّج بــنــا الــكــاتــب إل ــى هاتيك الضاحية ،ضاحية اللقائط ،التي تتشكل من عدة حارات صغيرة ،كل واحدة منها تتكون من مجموعة بيوت طينية ،شيّدت عشوائيا على مــســاحــات مــحــددة مــن األرض ودون تنظيم يذكر ،إال إن سكانها غاية بالسماحة والجود والوداعة وكرم األخالق ،وما يتميزون به من معاملة لطيفة ،خاصة مع األطفال ومن كال الجنسين.
صخب الحياة في سوق البحر ُ
تلك الضاحية
34
عندما يقال السوق في ذلك الحين ،تأكد إن المقصود بذلك هو سوق سكاكا الرئيسي القديم ،أو سوق البحر ،وما أدراك ما سوق البحر ونشاطه التجاري؟ وصخب رواده من المتسوقين ،ونداءات الباعة ،وطريقة عرض السلع المتنوعة ،ومنظر الدكاكين الصغيرة المتراصة التي تبيع كل شيء ،إذ تجد في الدكان الواحدة رغم ضيق مساحتها ،كل ما ثم يطلعنا الكاتب على عادات في العالج يحتاجه المستهلك ويطلبه ،من مواد غذائية والطب الشعبي ،وطريقة ممارسته ومصادر وألبسة وعطورات وأدوات منزلية وغيره. الدواء ،التي تكون عادة نباتية أو حيوانية ،أو أمُّ الدنيا والحداثة المبكرة قد تنفذ بطريقة الكي بالنار أو الحجامة. إنها سكاكا وال شك ،تلك المدينة األثيرة أيامُ نا الحلوة لدى الكاتب والقريبة من قلبه ،التي لم تكن أيامنا الحلوة ،التي يصفها الكاتب هنا ،في ذلــك الــزمــان ســوى بلدة صغيرة ،تغفو كانت حيا ًة سهل ًة ال يشوبها أيٌّ من تعقيدات بارتياح على ماضيها الجميل ،التي تشهد ٍ الحياة الحديثة وبهرجتها الخادعة ،ومع به آثارها القديمة مثل بئر سيسرا ،وموقع ذلك كان الناس يجدون ما يرفهون به عن الرجاجيل ،وقلعة زعبل وغيرها من األوابد، أنفسهم ،ومــا يجلب لهم المرح والسعادة ،الموغلة في القدم. الــتــي هــي شــعــور قــبــل كــل شـــيء ،ويــحــدث حيث يتحرر الصبي ذل ــك مــن خ ــال إقــامــة حــفــات األع ــراس تحقق للكاتب التحرر وهــو طفل ،ذلك البسيطة ،وحفالت المسرح المدرسي التي ينتظرها األطفال والشباب ،ويتطلعون بشوق التحرر تمثل عندما حصل على شهادة إتمام اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أطالل من البيت الطيني القديم بسكاكا
المرحلة االبتدائية ،التي منحته وهو الطفل يلج موقعه األرقى من سابقه األول في سلم الناشئ ثقة كبيرة بالنفس ،ويسرت له الخروج التعليم. مــن عالمه الصغير فــي حــارتــه ،ومدرسته الرياض أمُّ الدنيا ُ الطينية القديمة ذات األبـــواب الخشبية وفـــي الــمــدرســة الــمــتــوســطــة ،اكتشف المتهالكة ،وأهلّته لاللتحاق بمدرسة جديدة تقع في حي الشلهوب ،شيّدت بمادة اإلسمنت المعلمون إن الطالب عبدالواحد الحميد، المسلّح ،وكانت ذات طوابق متعددة ،وساللم بحاجة إلى نظارة طبية ،ولما لم يكن في خراسانية ،ومراحيض مزودة بصنابير المياه الجوف كلها طبيب عيون ،وال محالت لتركيب التي يسمح للطالب باستخدامها ،ومتى النظارات الطبية ،كان ال بد من التوجه إلى الرياض ولو طال السفر ،عاصمة البالد التي دعت الحاجة إلى ذلك. تعد بحق أم الدنيا ومركز الدولة. واختصار القول :واألجمل من كل ذلك وهنا ،ينقل إلينا المؤلف وصفاً جميال هو شعوره بنيل حرية أكبر في هذا الصرح التعليمي الحديث .وأخذ الحلم يراوده بأن لرحلته ،منذ صعوده سلم الطائرة الحلم، والده سوف يشتري له دراجة نارية بدال من ومشاعره المتباينة أثناء ركوبها ،وهي تحلِّق تلك الهوائية ،التي أكل الدهر عليها وشرب بين األرض والسماء ،وعلى شاهق ال تدركه ولم تعد م ِ ُناسب ًة له في وضعه الجديد ،وهو األبصار ،وال تتخيله العقول في ذلك الوقت، اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
35
ووصف للحظة نزوله منها في مطار الرياض ،يستمتع بمطالعتها كمعلومات عامة ،وكرديف والفندق الذي بات فيه ليلته ،وذهابه صباحا الهتماماته الثقافية األخرى. إلى طبيب العيون ليصف له النظارة الطبية وفي العام1390هـ ،يتقدم الطالب الحميد المناسبة وشراءها له ،واطالعه على عادات المتحان الشهادة الثانوية ،وينالها بأعلى الــنــاس التي لــم يألفها فــي بلدته النائية ،الدرجات وعن جدارة ،ويكون ترتيبه الثاني ومروره ببعض المحالت التي تبيع المجالت على طلبة القسم األدبي في المملكة ،ليشدَّ والصحف المنوعة وشرائه بعضها. الرحال على إثرها إلى مدينة «جدة» للتسجيل
وبدا لعيني الصبي أن كل ما في الرياض ،في جامعة الملك عبدالعزيز ،بصحبة بعض رياضاً مبهجة وبديعة ،بــدءاً من شوارعها أصدقائه المقربين ،وتم له ذلك. الــفــســيــحــة ،مـــــرورا بــالــســوق الــمــســقــوف الصحافة فــي الــبــطــحــاء ،ومنظر الــمــحــال التجارية كانت الصحافة وما تزال العشق األزلي المتالصقة ،وهــي تعرض بمهارة وجاذبية للدكتور الحميد ،ومع ذلك ظلت بالنسبة إليه بضاعتها ،وغير ذلك من المشاهد التي بدت مجرد هواية أثيرة لنفسه ،وعشق استولى لناظر الصبي وكأنها السحر ،وأعجب بها .على حيز ال بأس به ،من اهتمامه وتفكيره، اكتشاف الذات ُ
وتأتي المرحلة الثانوية ،التي في أثنائها بدأت اهتمامات «الحميد» الصحفية تتضح وتــعــلــن عــن نفسها ،ويــتــشـ ّكــل وعــيــه أكثر تجاهها ،من خالل قراءاته لبعض األعمال األدبية والعلمية ،العربية منها والعالمية. وفــي هــذه السن المبكرة ،أخــذ يراسل جريدة الــنــدوة التي كانت تصدر في مكة المكرمة ،فالقى التشجيع من قبل معلميه الذين لمسوا لدى طالبهم المتفوّق دراسيا، بــوادر موهبة كتابية ،بــدأت تبرز من خالل مراسلته للعديد من الصحف المحلية ،ونشر بعض كتاباته على صفحاتها.
36
وشغل بها فترات فراغه.
إال إنه ومع كل هذا التعلق بالصحافة، نجده لم يتفرغ لها تماما ،بل واصل العمل في مجالها كصحافي متعاون وحسب ،ومراسال ومــنــدوبــا مــن الــجــوف لــكــل مــن صحيفتي الــجــزيــرة وال ــن ــدوة ،ثــم مــحــررا فــي مجلة أسبوعية (اقــرأ) ومراسال لها في أمريكا، ثم نائبا لرئيس صحيفة (اليوم اليومية) ،ثم رئيسا لتحرير مجلة (االقتصاد) الشهرية، ورئيسا لتحرير المجلة الشهرية (االقتصاد السعودي) الصادرة باللغة اإلنجليزية ،ثم كتابة المقال الشهري واألسبوعي ،والعمود الصحفي اليومي في أكثر من مجلة وجريدة.
ويذكر المؤلف إن حبه للقراءة واهتمامه وفــــي هــــذا الـ ــوقـ ــت ،ب ــات ــت تــســتــهــويــه المبكر بالصحافة ،اكتسبه من والده ،وإليه الموضوعات االقتصادية المنوّعة ،وكان يعود الفضل في ذلك؛ إذ كان الوالد نفسه
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
سحر القراءة ليست القراءة مجرد هواية وحب اطالع وحــســب ،بــل هــي ض ــرورة وأحــيــانــا تحديد مستقبل ،وتيسير أمور الحياة عبر مجاالتها المتعددة ،وكان كاتبنا يجد في الكتب التي تضمها مكتبته المنزلية الصغيرة ،ما يسره ويجلب له السعادة ،على الرغم من محدودية العدد والنوع.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
يراسل بعض الصحف المحلية ويكتب عن الجوف ،إضافة للتشجيع الذي كان يتلقاه من شباب جيله وزمالئه في الدراسة والعمل.
الصاخبة من حولهم ،سواء ما كان يجري في العالم العربي أو غيره ،مما يحدث في أنحاء الدنيا الواسعة ،بل كانوا شديدي التواصل مع انتمائهم العربي ،والتأثر بأحداثه الكبرى التي كانت تعصف بالمنطقة في تلك األيام الخوالي ،وكانت السياسة محط اهتمامهم األول بــا مــزاحــم ،على الــرغــم مــن هموم الحياة اليومية والجري المتواصل لتحصيل لقمة العيش ،مثلما هي الحال في كل مكان من العالم.
وعموما كان جيل الشباب في ذلك الوقت، لهم اهتماماتهم الذاتية ،بل تنتابهم أحالم وممن تأ َّث َر بهم الكاتب عمه األستاذ «ثاني وردية بوالدة عالم عربي جديد ،يحقق لهم الحميد» ،الذي كان قارئا متميزا ومؤلفا في بعض طموحهم فــي الحاضر والمستقبل مجالي التربية واألدب. وعلى كافة صعد الحياة.
وهكذا ،تستمر رحلة القراءة مع المؤلف وال تغادر تفكيره ،ال سيما عقب مغادرته الجوف إلى جــدة ،واطالعه على مكتباتها التجارية ،العامرة بصنوف شتى من المؤلفات المنوعة المذاهب والمشارب ،فأقبل على مطالعة الكثير من محتوياتها ،فازداد نَ َه ُم ُه أكثر للقراءة ،إلى جانب دراسته الجامعية األميرُ التي خصها بجزء وافر من اهتمامه ووقته، منذ أن تفتحت عينا الكاتب على الدنيا، إضافة لمراسلته لبعض الصحف والدوريات وهو يسمع حديث الناس عن األمير ،وهم المحلية والعربية. يقصدون بذلك األمــيــر« :عبدالرحمن بن هذا ما كان يشغلنا أحمد بن محمد السديري» يرحمه اهلل ،الذي لم تكن الجوف في فترة الخمسينيات أمضى ثمانية وأربعين عاماً أميرا لمنطقة والستينيات من القرن الميالدي الماضي ،الجوف ،التي ظلت في قلبه ووجدانه أينما مجرد بقعة نائية في قلب صحراء الشمال ،اتجه وحلَّ ،فكان شديد التعلق بهذه المنطقة، ولــم يكن أهلها مقطوعي الصلة بالحياة محباً لسكانها والتغنّي بخصالهم ،وكرمهم لكن توالي الهزائم وتعدد النكبات العربية في أكثر من ساحة ومجال ،ميعت األحالم وحطمت األحالم التي أخذت تذوي بالتدريج، ثم انغمس ذلك الجيل في مشاغلهم اليومية التي متطلباتها أكثر إلحاحا من قبل ،بعد أن تبدلت المواقف والمواقع ،وتغيرت األوليات.
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
37
وطيب معشرهم ،وكــان يفصح عما يختلج مؤسسة كبرى هــي مؤسسة عبدالرحمن في صدره نحوهم ،وفي مختلف المناسبات ،السديري الخيرية. فينشد في إحدى قصائده النبطية: ومن منجزات األمير األخــرى ،اهتمامه مَ ــن يــزور الجوف ويلقى ما يريده بتوطين سكان البادية ،وتعليم المرأة.
ويـ ــن م ــا ي ـل ـفــي م ـض ــاف ــات وك ــرام ــة
وفي عام ١٩٦٦م ،تم تعيين األمير :فيصل ع ــادة مــا هــي عـلــى الــديــرة جــديــدة ال إلمــارة ابــن عبدالرحمن السديري ،وكي ً مــن ركـيــن أم ـجــادهــا ورث وشهامة منطقة الجوف وكان لألمير فيصل جهوده ثم يعبر عن شوقه لتلك الربوع الطيبة الحميدة ،على صعيد التنسيق بين اإلدارات الحكومية وتحفيزها ،واالنهماك في العمل وأهلها الكرام ،بقوله وهو في الرياض: الميداني من خالل المتابعة اليومية ألداء مـ ـ ــا تـ ــوصـ ــل ال ـ ـ ـقـ ـ ــول يـ ـ ــا (ق ـ ـ ـ ــادي) اإلدارات الحكومية وتفعيلها.
ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــدار وال ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـك ـ ـ ــن فـ ـيـ ـه ــا
38
وفــي تلك األثــنــاء ،وضــع األمــيــر :فيصل جـ ـمـ ـل ــة هـ ـ ــل ال ـ ـ ـجـ ـ ــوف والـ ـ ـ ـ ـ ــوادي لـ ـ ـلـ ـ ـحـ ـ ـض ـ ــر والـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــدو ت ـ ـهـ ــدي ـ ـهـ ــا الــســديــري ،كــتــابــه عــن المملكة العربية السعودية وتطورها االقتصادي ،وكان يمتاز ودار ورا الـ ـ ـ ـع ـ ـ ــرق م ـ ـ ــن غ ـ ـ ــادي بأسلوب المعالجة وبجودة الطرح وحسن ل ـ ـ ــوغـ ـ ـ ـب ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـي ـ ـ ــب نـ ــاس ـ ـي ـ ـهـ ــا اللغة. وكان األمير :عبدالرحمن السديري ،طيب بقية المشوار اهلل ثراه ،ال يتورع عن خدمة الناس واالستماع يقول الحميد ،في الصفحات األخيرة من إليهم في أي شأن من شؤونهم ،واستقبالهم هذا السفر الوثائقي ،الذي يغلب عليه طابع في أي مكان دون حجاب أو حجاب. ومــن أفكاره التنويرية والحضارية التي الذكريات ،لقد استقيت مادة هذا الكتاب، قام بها األمير ،إنشاء مكتبة في الجوف عام مما احتفظت به منذ زمن بعيد ،من األوراق ١٩٦٤م .وتزويدها بمختلف المراجع الثقافية المتراكمة وقصاصات الصحف والمجالت، من كتب علمية وأدبــيــة ،وصحف ومجالت وألبومات الصور ،والمراسالت القديمة ،وما يومية وأسبوعية وشهرية وحولية .فبدت كتبته في دفاتر يومياتي ،وما اختزنته في بحق بمثابة شعاع فــكــري ،وملتقى ثقافي ذاكرتي ،بعد أن استبعدت الكثير مما كان سيزيد من صفحات الكتاب ،ويصرف القارئ لشباب المنطقة وروادها من المهتمين. العجول ،المثقل بمشاغله عن قراءة الكتاب. ومــع م ــرور الــوقــت واتــســاع رقــعــة العلم ثــم يــرصــد الــكــاتــب بــإيــجــاز شــديــد بقية وتقدم المعرفة ،تطورت المكتبة لتصبح: «دار الجوف للعلوم» ،بعد أن تحولت إلى مشواره ،وذلك توثيقاً لتجربة هي في الحقيقة اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
وماذا بعد؟ يعد كتاب :سنوات الجوف (ذكريات جيل) لألديب الدكتور« :الحميد» -حسب رؤيتي- موسوعة مصغرة بحد ذاتها ،تتحدث عن ـواح عــدة ،تناول فيها الجوف وأهله ،من نـ ٍ الكاتب وعبر ذكرياته الشخصية ،وصفا موفَّقا لعادات وأخبار ،وأحاديث ،وأشعار، وطُ رَف ،وحكايات. ثــم أخــذنــا الكاتب بجولة على أجنحة تلك الذكريات ،إلى حارات ومنازل وأسواق سكاكا القديمة ،التي كانت يوما هنا ،وتعرفنا من خاللها أيضا ،على أعالم وصور أناس، مــن مختلف األعــمــار والــفــئــات والثقافات واالتجاهات ،وحتى الجنسيات.
حي الضلع وتبدو قلعة «زعبل» شامخة
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ثمرة سنوات الجوف وحصادها ،ثم يستعرض الكاتب المهام والوظائف التي اضطلع بها على امتداد حياته العلمية والعملية.
السوق القديم في سكاكا
وقــــد قــــــدَّ َم ال ــك ــات ــبُ تــلــك الــشــواهــد فريق نادي النجمة الرياضي في سكاكا خالل والطروحات ،التي أشرت إليها في معرض السبعينيات من القرن الميالدي الماضي تناولي لبعض مقتطفات من هذا الكتاب، بــأســلــوب أدبـــي ســلــس ،يغلب عليه طابع وبعد ،هذه ومضات مختصرة عن فحوى البساطة الشفافة ،والبعد عن الرمز والتقعر الكتاب ،حاولت جهدي لملمتها واإلشــارة في طرح الكالم. إليها ولو باقتضاب( ،وال يــزال في الكتاب كــمــا زودت صــفــحــات الــكــتــاب أيــضــا ،الشيء الكثير مما يستحق االطــاع عليه)، بــشــروحــات ورســـــوم أش ــخ ــاص ،وفــصــول وعرضها لقراء مجلة «الجوبة» الغراء ،لتكون دراس ــي ــة ،ومــنــازل وأش ــج ــار ،وقــصــاصــات بمثابة لقطات مكثفة وصــور معبرة ،عن صحف ،وأغلفة كتب ومجالت ،وغيرها كثير .فحوى هذا الكتاب وموضوعاته المتعددة.
* باحث سوري مقيم في منطقة الجوف. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
39
هاشم الجحدلي ..شاعر الغيوم وغيمة الشعر ما الذي يجعل الغيم يبكي؟؟ هاشم الجحدلي يتعلق بالغيوم الباكية حزنًا ،ليعود مترصعً ا بدموع الغيمة الحبلى بالوجع ،حام ًال على ظهرها كلمة النصر واالنتصار لطفولته ..منذ أن أقنع نفسه أنه األول دائما في كل الخيبات والخسارات. أنــت أمــام هاشم الممتلئ بقصائد الــلــوعــة ،شــاعــر الــمــواقــف المتباعدة األسماء ،المتقاربة الحكايا والوجع. فمن مــوقــف الــخــروج ،إلــى موقف الوعد الحق ،ثم موقف الليل الذي يزيح غياهبه بيديه ..ليشق الظلمة باحثا عن النور بين يدي الصوفية المتمردة في الحياة .فأنت أمام قناع صوفي متمرد قلّما تجد من يتفرد به. فالجحدلي يــدرك أمكنته ويتعرّف على رائحتها وطبائعها الجمالية ،بل يصل األمــر إلــى طبيعة أعمق ،تتمثل في عالقة هذا الشاعر بتلك األمكنة
40
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
الــتــي رافــقــت طفولته وذكــريــاتــه ،بل شكّلت خزاناً بصرياً فيما بعد ..لتُلحّ عليه ويخرجها من كونها ذكريات ،إلى مناخات جديدة عبر إعــادة تسجيليها بوسائط مختلفة .فالمدرَك بالنسبة لهاشم هو مــدركٌ أقــرب إلــى استعادة تلك الطفولة وخياالتها الساكنة في دواخله. فشعره هو المكان األكثر حميمية في ِ ضرع ٍ طبيعة التعامل معه ،أقــرب إلى يقيه مــن عطش المشهد ،ومغذيّات ثقافية وماضوية تصبح حــاضــرة في شعره.
ضوء ٍ هاشم الجحدلي -شاعرٌ بأصابعَ من
■ د .هناء علي البواب
إنّ الشعر أصابع ضوء ،ينزل الشعر في المساء كفالح سعيد يبحث عن روحه المتعبة صباحا ليريحها ليال .هاشم الجحدلي كلماته من الالزورد ،شعره يخبرك أن للشمس ضفيرتين طويلتين ،الشعر أبيض كاللؤلؤ ،ليتك تقرأ (دم البينات) وهو يتدثّر في فرش من حرير ،ليتك تمعن في أنهار سطوره الرقيقة لتدرك أنها ناعمة كقلوب العاشقين.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
يجعل الغيمَ يبكي؟! ُ ما الذي
قبل الدخول إلى ديوان (دم البينات) ،نقول إن الشاعر استخدم تقنية الالنص في السردية الشعرية بالتضافر مع مقدرته التخييلية ليفجر اللغة بشاعرية مرهفة وعاطفة شجيّة ،تتهيج بإيحاءات تيار الوعي لبنية النص الشعري. إضــافــة إلــى اللقطة الفوتوغرافية باعدت بين طفولته وبينه تلك المرارة الــمــعــبّــرة والــتــمــاهــي بــيــن ال ــراه ــن التي تتذوقها وأنت تلوك كلمات الديوان والمستقبل ،ذلــك كــل العناوين التي تحت ذائقة لسانك العفوي ،حين يقول: أدرجها في ديوانه ،فهو المتلك للوحدة ـصـ ِـل َكــي بِ ـرَهْ ـ َبــةِ ِطــفْ ـ ٍـل َيـ ِـفــرُّ ِم ــنَ ال ـ َفـ ْ وحيدا في زوايا النسيان ،وهو صاحب ي َْستَعِ ْي َر المواقف المتقاربة المتباعدة ،وهو ملك تان جَ ارَتِ هِ ْرات ب ُْس ِ عَ َصافِ ْي َر ُه ِمنْ ُشجَ ي ِ الــمــاء والبحر ،وهــو الشاعر األعظم وف يَأتِ ي لَهُ م نَازِ فً ا ِحكمَ َة القَومِ سَ َ األبهى بشعره .وهــو الشاعر العاشق السالالت وَاقْ تَسَ مُ وا َاحوا ُّ اس َتب ُ الباحث عن محبوبته طــوال نصوصه؛ حينَ ْ وف وأ َْسرارِ هَ ا.. مراوحا بين الصوفية والعبثية النصية ،زَعْ َفرَانَ الكُ هُ ِ َاشي َد ُه صاعدا وهابطا وباحثا عنها؛ وهو ما ..ثُ مَّ َي ْتلُو أَن ِ بأسمَ ائِ هِ يدل على رؤية ورواية شعرية تراجيدية ثُ مَّ ال تَهْ ِذيَ الرُّ وْحُ إِ َّال ْ َمناخ ف َِم ْه ثُ مَّ َيرْفُ لُ فِ ي ِع ْبءِ زلَّتِ هِ و ِ بدأت باللقاء وانتهت باإلنجاز. فــالــشــاعــر صــاحــب رســالــة كونية فــي عينيه ،وه ــذا يظهر لنا منذ أن تقع عيناك على أول نصوص ديوانه: (قصيدة الــجــفــوة) تلك الجفوة التي
إنها معادلة بين الداخل والخارج ،بين الطفولة القاسية ووجعها ،وبين التأمل المتوارث على حب الذات ،وهذا يؤدي إلى المعامل الشعرية للشاعر ..وهذا ال اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
41
بد كله من إلهام ،ولكن اإللهام وحده ال يكفي، ال بد من توصيل اإلحساس الداخلي بلغة ُوص ُل دقيقة تصل الخارج بالداخل ،وبما ي ِ قدر اإلمكان الحالة الشعورية العميقة لدى الشاعر للعامة. وعليك التنقّل بين زهــرات هذا الديوان لتقف عند قصيدة: والصمْ ِت ..واأل َْسئِ لَة َّ الجوْ عِ الت معَ ُ اخ ٌ تَ َد ُ
يُ سَ افرُ نَهرُ الحَ نِ ي ِْن إِ لَى غَ ابةِ المَ اءِ ـات ال ـمــسَ ــاءِ وُ ُج ـ ــوهٌ أَشَ ــدّ تـنــمُ ــو عـ َلــى عَ ـ َت ـبـ ِ دَمَ امَ ْة َاجرُ مَ بلُولةً مثل َلي ِْل ـك الحن ِ وتــأتِ ــي إِ َلـيـ َ اليتَامَ ى ـات ـك واألُمْ ـن ـ َيـ ِ ـاصـ ِـل َل ـ ْيــلِ ـ َ َو َت ـ ْن ـبـ ُـت بـيــنَ مَ ـ َفـ ِ َاح ِل واألَقبِ َي ْة السو ِ بعض َّ ُ الطرِ ْيدَةِ َّ ْك، َاض البَهِ ُّي عَ َلي َ َرف ال َبي ُ ي ُّ إليك ُحفا ًة عُ رَا ًة َ ونأتِ ي ُك عَ ذْ ٌب وح ْزن َ ُ وصمْ تُ َك يأتِ ي لنَا الذع ًا ِمثْلَ غَ دْ رِ األَهْ ِل َ ُك أَهْ لِ ي وأَهْ ل َ ضيع لدينَا وماؤُ َك ُحل ِْم الرَّ ِ وي َْشهَدُ شَ ِاهدُ ِمنْ أَهْ لِ هِ م: السما َء التِ ي ال ت ُِجيْدُ البُكا َء ت َُجوْعُ (بأنَّ َّ ويُ ْولَدُ فِ ي سَ ِاع ِد ْيهَا الرَّ ِحيل)
42
فقد انطوت البنية االستراتيجية للنص على الحيرة والقلق وعــبــارات التساؤالت اللطيفة الخفية التي ال تحمل لفظ السؤال.. لكنها تمتلئ بــداخــلــه ،وهــي الــصــادرة عن ع ــواط ــف إنــســانــيــة م ــؤث ــرة؛ فــالــتــســاؤالت اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
الضمنية تشكل تتابعات مركزية وحراكاً انفعالياً وإمــدادات داللية في جسد النص الشعري ،وهــو ما أدى إلــى خلق حالة من التوهج اإلبداعي ،امتزج فيه الذاتي بالكوني واإلنساني بشكل الفــت ،وأفضت إلــى نوع من جمالية التلقي ..أي هناك ما يمكن أن نسميه توتراً مؤثراً بين األطــراف الثالثة: المبدع والمتلقي والنص .كما أقدم الشاعر في القصيدة على استخدام تقنية تراسل الحواس من السمعية إلى البصرية ،مترافقاً مع لوحة شاعرية تجسد الحالة المتقلبة لسيكولوجية الذات ما بين السكون والهدوء النفسي. ال تتهيب أيها الــقــاريء وتعال معي إلى دهاليز نص بعنوان: ِس ْدرَ ةٌ مَ ا..
ِسدْ رَةٌ لَم تكُ نْ ِسد َر َة المُ ن َتهَى.. إِ نَّها ِسد َر ُة الدارِ ، والشغَبَ َّ تلك الــتِ ــي قاسَ مَ تْنِ ي الطفول َة َ َض الغ َّ ثُ مَّ ا ْنتَمَ ي ُْت إِ لَى ن َْس ِغهَا فِ ي ِصبَاي بهذه السطور المليئة فلسفة وحكمة، وبهذا التأثر والقلق الوجودي يرسم الشاعر موقع ال ــذات فــي هــذا العالم ،ويــبــدو كأن الكالم موجه إلى ذاته الشاعرية ،فيرى أن على اإلنسان أن يهز كيان الموروث البالي والمتحجر ،ويفرض نفسه كقوة للتغيير في طريقه إلى الحداثة والثورة على كل ما هو
فكيف لــصــوفــيّ مثله أن يختفي خلف قناع الدين واألسطورة والبعد الثالث للروح الباحثة عن منفى آخر لها ،ال مجال للبحث عن غيره ،هذا هو الشاعر العامر بالحب، والفناء المتماسك شعرا .فماذا لو كان هذا الشاعر يمتلك الفلسفة الشعرية الصوفية أو الفكر النقدي المبدع في البحث للوصول كما يبدو من النصوص الشعرية األكثر لفضاء من المطلق ،واختيار فضاء خاص به، شــبــه ـا ُ هــنــا بــقــصــيــدة الــومــضــة مــن حيث فكيف ستكون روحه في تكوين النص؟ وكيف اكتناز المضمون والتكثيف اإلشاري ،أي أن ستكون روح القصيدة وهــي تعكس روحــه القصيدة تغلب عليها طابع الومضة والرمز. المتوهجة؟! وتتوافر على حالة من الثراء الداللي ،وتمنح يقول الجحدلي: المتلقي إمكانية تفسيرها حسب إمكاناته الق َِص ْي َد ُة المعرفية ،وإتاحة الفرصة له في إعادة إنتاج َو ْردَةٌ لل َّنهَار َِات القصيدة ال استهالكها ..وهــو ما ينطوي والطفُ و َل ْة ُأن ُْشودَةٌ للمَ دَى ُّ ضمن كاريزمات القصيدة الحداثية .أي إن َصافِ يْر.. َوح الع َ وسَ مَ اءٌ لِ ب ِ قصائده هذه أتت كثيفة ومعبرة حافلة ببنيتها هنا السردية التعبيرية الشعرية الحديثة العميقة الرامزة ،وفي حالة من التواشج بين التي تحب حداثة البيان ،وجمال اللغة ورشاقة الطبيعة واألنسنة. التصوير ،وسالسة التشكيل ،وروعة األلوان، وهنا ،ستجد الحالة التي تفتح األبــواب وت ــارة تميل للتعبيرية ..وت ــارة للتجريدية لفضاءات تستفز الشاعر الفذ للكتابة ،هي الجميلة للوصول لفضاء من الشفافية التي الحالة الشعورية اآلنية المالمسة للقلب ترى مكنون الكون بعين مستنيرة وتستخرج والطويلة األم ــد المتفاعلة بصمت ،تلك منا األجمل. العميقة التي تمازج إحداثيات الكون بتفاعل وهنا: مبدع ،وتأمل واستنباط ورؤى حية ،فتنصب داخله توهجات انفعالية ،كما طيوف قوس الذكْ رَ ى ِّ ( ...وخَ لَعْ ُت ما مَ َلك َْت يدَايَ ِمنَ الي َِقي ِْن ،قزح ترفع الحالة االنفعالية ليترجمها بعد اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
قار وقديم .كما يتوجب على اإلنسان الفرد أن يسعى ليكون النداء ال الصدى مبدعاً وليس مبتدعاً قائداً وليس مقوداً.
أل ْرت َِد ْيهَا).. َ الحَ ِق ْيقَةُ جَ مْ رَةٌ عَ ذْ رَاءُ فِ ي ب َِال المطَ ْر قُ لْ نَحنُ نَشهَدُ .. ل -سَ مَ اءُ المدينةِ مطمورةٌ ببكاءِ القُ رى ع -مَ نْ يَغرق ال َي ْبتَلّ ن -ومَ نْ يَخلعُ البح َر خَ انَ الجزيرَة َّهارات أَقْ مَ ارُهَ ا ت -للن ِ ك ..................-
43
نضوجها الــشــعــوري حــالــة شعرية حسية إذ أراد الشاعرالتعبير عــن م ــزاج متوفز بصرية مخطوطة أو تجريدية أوسريالية أو األعــصــاب باإلكثار من استخدام إشــارات تعبيرية ..تطفح خارج فكره ،تستدعي رسم اإلســتــفــهــام ،وهــو مــا يشير إلــى حــالــة من الشعور ،كلمات ترسم األعماق حسب براعة الحيرة والقلق الوجودي والتوتر ينتاب الذات الشاعر حين يدندن صوتا شعريا مختلفا في الشاعرة تجاه الحياة حين يقول: قصيدته: مَ وْ ِق ُف اللَّيل
هُ ـ َو ال َّليْلُ يَغْ ِم ُس فِ ــي رَاحَ ــةِ الـ َكـو ِْن َلـوْعَ ـ َة أَ ْورَاقِ هِ ،والمَ دَى ض ِحيْنَ ِجئْتَ ،وكُ ن ُْت و َِحـ ْيــداًَ ،تبُوحُ غَ ِام ٌ َات الشجَ ْير ُ ُّ لِ ي بالحَ رَائِ ِقَ ،ت ْندَلعُ النَّا ُر فِ ي َبد َِن الماءِ (رائحة الماءِ بيضاء) أ َْطلَقْ تُ هَا ِمن عَ ِظي ِْم التَّ و َُّج ِد، فَانْطَ َفأَتْ ُرو ُْحــهُ َ ،صعَقتْنِ ي الخَ ِطيْئةُ فِ ي مَ وْقِ ِف ال َّلي ِْل اج ـ َت ـر َْحـ ُـت ال ــجَ ـ ـوَارِ حَ ،والـطـيــنُ من حَ ــتَّ ــى ْ َائق الو َْج ِد َينْفرُ نَحو البالدِ ر ِ وبــهــذه الــشــاعــريــة المتفلسفة يعرض الشاعر رأيه بصراحة ووضوح ،ويدعو إلى فضح المسكوت عنه والــثــورة على البالي والقديم ،واإلقبال على ما هو األجمل في هذه الحياة ،وأن يصبح المرء رائداً من رواد الحداثة والتحديث كما هو حــال الشاعر ومآله.
للخلُودِ (سَ يأْتِ ي لَكُ م ،و َْجهُ هُ ن َْخلَةٌ ُ وقَامَ تُ هُ نَهْ رُ أ َْسئِ لَةٍ الصبَايَا المَ لِ يْحَ ِات َو َيدَا ُه مُ َك َّل َلت َِان بِ و َْج ِد َّ َيأْتِ ي لَكُ م الحل ِْم ثُ مَّ يَفْ تَحُ َقلْبَ ال َّنهَارِ المُ خَ َّض ِب بِ ُ َفتْح ًا مُ بِ يْن ًا َو َي ْزرَعُ نَا َو ْر َد ًة فِ ي َي َديْهِ َاضيَةً ْض ر ِ ألر َ تَروا ِع ْندَهَ ا ا َ َات غَ ارِ قَةً فِ ي الكِ تَابَةِ َالسمَ او ِ و َّ ثُ مَّ تَروا ِع ْندَهَ ا كُ لّ شَ يْ ءٍ بِ حَ الَتِ هِ وتَكُ ونُ ال ِّنهَايَة مَ ا ُتوْعَ دُ ون)
وأخــيــراً ،نذهب إلــى الــقــول بــأن النص بوشي منمنم من ٍ الشعري بــدون أن يطفح خيوط التأويل والرمز ،يصبح تافهاً مبتذالً ال ينطوي على ما هو جديد أو شــيء من اللذة واالبتكار ،بل يصبح في هذه الحال ال مكروراً ال يسترسل النبض في عروقه مم ً وال حياة تدب في أوصاله .ولهذا رأينا هنا
كما نلمس مرة اخرى تكثيفاً داللياً لرموز المستوى الداللي المبطن للسطور الشعرية، الطبيعة الهائجة التي تهدد اإلنسان في عقر وهذا هو دائماً عادة أدونيس الذي ال يسلس داره التي بدت أوهن من بيت العنكبوت !..القياد لمتلقيه بسهولة ويسر. * أكاديمية و شاعرة من االْردن.
44
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
يطرح سواقي ناجزة في الشعر السعودي المعاصر ُ شعري ٌّ كتاب ٌ ■ محمد العامري
بمعزل عن األلم الجمعي الذي يجتاح الذات العربية بكل مركباتها ٍ لم يكن الجحدلي السيسيولوجية ،والتي انعكست كصورة بائسة في دفاتر الذاكرة النقدية الغربية والعربية؛ فهو الشاعر المشتبك بالسؤال الكوني الكبير ،ســؤال الــوجــود كــذات تبحث عن وجودها الجمالي واإلنساني؛ فجاء الجحدلي ليؤثث وجوده الشعري عبر مجموعة من النصوص التي تتمثله كصورة قريبة من تاريخه الشخصي تجاه احتكاكه بسؤال األشياء من حوله، الظاهر منها والباطن ،الصائت والساكت ،هذا السؤال الذي نبتت أطرافه في جل نصوصه الحارة ،إذ تتقاطع في مواقع كثيرة مع المرجعيات الصوفية في تعميق لذاذة األلم.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
نات لهاشم الجحدلي دمُ البيّ ِ
نرى هنا بعض العبارات التي تدلل على بين الجملة الطويلة وااليقاع الغنائي القصير، وهذه تقنية مهمة جدًا لوجود المتلقي في لذاذة األلم منها: ذاكرة القصيدة ،معمدًا ذلك الصور الشعرية َعض دَمٍ ، َض ب ُ «عَ لَى النور َِس الغ ِّ ذات التراكيب المؤثرة والفاعلة.
وعلَى الب َْحرِ أَيْض ًا شَ و َِاهدُ مَ وتِ ي، كنت، َوحش ًا ُ و َِحيدً ا ومُ ْست ِ َاب، فِ ي َل ْثغَتِ ي َلوْعَ ةٌ ..واغْ تِ ر ٌ كُ لَّمَ ا ذُ ب ُْت فِ ي الذَّ ن ِْب صارَتْ ُحرُ وفِ ي ت َِسيلُ ، ـارق فِ ــي تيهِ أَمـ ِـضــي إل ــى حَ ـ ْتـ ِـفــي كــأ ِّنــي غَ ـ ـ ٌ أَسئلتِ ي».
وفي بعد آخر ،من الضرورة أن نفتح باب الــســؤال فــي شعرية الجحدلي بما يخص مفتتحات قــصــائــده ،أو عتبات النصوص التي أخذتنا إلى مجموعة من األقنعة أهمها الــقــنــاع األســطــوري والــديــنــي ،وص ــوال إلى القناع الصوفي ،جاءت تلك األقنعة كروافع إيمائية لطبيعة النصوص وتجليات معانيها فــي الــمــوروث الــصــوفــي ،والـــذي ســال في تفاصيل الهاجس الشخصي للشاعر وصوالً إلى اليومي منه.
فهي العبارات التي تسيل داخل المعنى، لتحقق مكابدة النفس الشاعرة في ارتطامها باألشياء ،كما لو أنه يردم ُهوّات تقعرت في وجوده .وأستغرب من شاعر اعترك اإلعالم ولديه كل هذا السؤال المؤلم ،والذي يحتاج فــجــاءت األقنعة الـ ــواردة فــي النصوص إلــى إصــغــاءات عميقة مــع الــكــون وال ــذات، أقــرب إلــى إســقــاطــات تدلل على مدايات وأعتقد أن ســؤالــه الشعري كــان أكبر من المفردة في الحاضر دون نكران دالالتها الفعل الصحفي ليخلص لشعرية سائلة بالدم البعيدة في طبيعة القناع ومــا تنتمي إليه والدكانة. المفردة ،فسدرة المنتهى في النص الديني فقد انمازت قصائده بحسن الصياغة هي الداللة على منتهى األشياء في السماء التي تتواكب مع موضوعة القصيدة ،تجمع السادسة ،فجاء النص الذي قاله الجحدلي
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
45
اخرُ ُجوا بنفي السدرة التي يتكلم عنها إلى موضع ْ األرضي كصفة أقرب إلى حياته ،إنها سدرة الدار ،ونرى ذلك في النص اآلتي حين قال:
«سدْ رَةٌ ِ لَم تكُ نْ ِسد َر َة المُ ن َتهَى.. إِ نَّها ِسد َر ُة الدارِ ، والشغَبَ َّ تلك الــتِ ــي قاسَ مَ تْنِ ي الطفول َة َ َض، الغ َّ ثُ مَّ ا ْنتَمَ ي ُْت إلى ن َْس ِغهَا فِ ي ِصبَاي» فجاءت ســدرة الــدار بمفهومها األمومي التي أرضعته من نسغها وظلها ،حيث قاسمته الطفولة ،وعايشها في دفتر الطفولة ومراحل العمر ،بل أصبحت خزانًا للذكريات ..لتشكل إحدى مؤوناته الشعرية ،أو إحدى مغذيات النصوص التي وردت فيما يخص الصبا والطفولة.
من هنا ،نــرى إلــى كل عتبة من عتبات النص هي بمثابة هويته الناجزة التي تتسلل إلــى المتلقي ليذهب بها إلــى مرجعياتها األولى دون الفكاك من تأثيرها الخالص في طبيعة المعنى ومداياته المعرفية والجمالية، ومتجدد ٍ محتمل ٍ تخييل ٍ بل تسهم في بناء فــي تلقيه؛ ففي الــنــص التالي ال ــذي جاء بعنوان «خَ ِليْ َقةٌ» ،يتكيء الشاعر على بداية خلق حواء والتي جاء في النص الديني «من ضلع آدم» ووردت في القرآن الكريم ،سورة األعراف بقوله تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) وحواء خلقت من جسد حي هو جسد آدم، فالقناع هنا واضح فقد استعاض عن فكرة حــواء كما وردت في النص الديني بعبارة «اينعت من ضلوعي» ،أي نبتت من ضلوعي.. ويواصل في عبارته الشعرية قوله« :وك َّونْتُ ُوحي» .وهذه احل َّيةَ ،مِ ْن طينِ ر ِ ضاءَهَ ا السَّ ِ أَعْ َ أيضا داللة أخرى على طبيعة الخلق ،حيث خلق اهلل العباد من حمأٍ مسنون ،ونفخ فيه من روحه .فالشاعر هنا استطاع أن يوظف ذلك القناع عبر عبارات شعرية تشي بأبعاد النص الدينية وال تستنسخه ،فقد أجاز لهذا القناع أن يحمل أسماله الذاتية بصورة ذكية وفاعلة.
فقد تتبادل المواقع فــي قصائده بين العتبة والــقــنــاع ،وف ــي كثير مــن األحــيــان يتماهيا في طبيعة مقصودات المعنى ،فال يمكن النظر إلــى عتبات النص باعتبارها نصا مارقاً أو ترفاً في اللغة ،بل هي عالمات ً جمالية تشي بطبيعة أيديولوجيا النص الفكرية ،بل هي مفاتيح تقود القارئ إلى مناخات النص نفسه ومرجعياته المعرفية، فنده في العبارات الشعرية التالية يدلل على مدايات النصوص وانتماءاتها الجمالية ُوعي «فتَاتِ ي التِ ي أَ ْي َنع َْت من ضل ِ احل َّي َة الس ِ البعيدة والمتصله بما ورثناه من سلوكيات وكوَّ ن ُْت أَعْ َضاءَهَ ا َّ الصوفيين كأن يقول:
ُوحي طين ر ِ ِ ِمنْ مَ وْقِ ُف الوَعْ ِد الحَ قّ ،مَ وْقِ ُف اللَّيل ،رؤيا ،وبا َرك ُْت َل ْث َغ َتهَا مكابدة ،نبوءة ،نورانية، واشتِ عَالَ الطفُ ولةِ فِ ي مَ ْن َك َب ْيهَا ْ ُك فِ ي العَارِ فِ يْنَ ُخرُ وجٌ وقَالَ :دُ ُخول َ فكان َْت َفتَا ًة اخرُ ُجوا ول ْ وهذَا أَوَانُ الدُّ ُخ ِ ... ُوعي فتَاتِ ي التِ ي أَيْنع َْت من ضل ِ اخرُ ُجوا ْ
46
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
لــم يــتــوقــف الــجــحــدلــي عــن اســتــعــاراتــه الفاعلة والــتــي قــاربــت بينه وبين األولين في مناكفاتهم الذاتية تجاه الوجود الذاتي والجمعي على حد سواء ،وظل يستعير أقنعته ليحقق مناخات متنوعة في تأويالت النص، واعتقد أن العتبات التي صاغها لقصائده دليل بيّن على ذل ــك ..ففي فاتحة النص والــذي جاء بعنوان «الفاتحة» استعار قول النفري « ُقلُوْبُ العَارِ فِ يْ َن تَرَى األَبَدََ ،و ُعيُ ْونُهُم تَرَى ال َموَاقِ يْتَ » .هذه العتبة النصية تحقق طبيعة المزاج العام لشعرية الجحدلي والتي امتلكت خصوبة في الصورة ولينًا في البناء الموسيقي؛ ما أعطى النص لذة تنسرب في إيقاع القراءة والسماع في آن.
فلم تمث عبارة الجحدلي الشعرية في السكوت ،أو الركون إلى ثبوتية ما ،بل ظلت دؤوبة في إيقاعيتها لتوقظ المعنى والداللة، ونرى إلى توظيفات ذكية في مجمل نصوصه التي تتخذ من الــمــوروث فضاء لها ،ولكن بصياغات جديدة .ففي قوله مثال «بعضي يــرمــم بعضي» تــأخــذنــي هــذه الــعــبــارة إلى صياغة مغايرة للمتنبي بقوله:
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
اح َت َوتْنِ ي أ َِخيْرً ا». ْ
إذ المشاهدة تحصل بــا لــغــة ،ألن اللغة تقتضي إثبات اإلنية».
«ع ـلــى أن ـنــي ط ــوق ـ ُـت م ـنــك بنعمة شهيدٌ بهابعضيلغيريعلىبعضي»
إن كتاب الشاعر الجحدلي «دم البينات» يشي بثقافة الشاعر واطالعه على موروثه العربي البعيد ،ليقدم لنا صيغًا شعرية إذ تتحول تلك ال ــرؤى إلــى لغة تعتليها لغة ،وهــذا المركب الــذي جعل من عبارته فاعلة ،وقــد قــدم نفسه بصيغة القصيدة الشعرية عافية للكتابة ،وحيوات تجدد ذاتها بعيدًا عن الهتاف والكرنفالية التي توحشت فــي األوســـاط المستثقفة ،ففي قصيدته في سياقات النص. التالية يقول: ترف فليست عتبات النص لديه مجرد ٍ َافت ال َّنهَار ل ــغ ــوي ،ب ــل ه ــي م ــن ــارات تــضــيء غــمــوض َته ُ النص وعتماته ،بل تمد لنا طريقا لنسلكه فِ ي مَ سَ اءٍ ق َِديمْ ، فــي الــتــركــيــب والتفكيك لطبيعة الــعــبــارة َبيْنَ ِجيْمَ ي ِْن ِمنْ جَ نَّةٍ وجَ ِحيمْ ، األرض بِ ي ُ الشعرية ،والتي تقودنا إلى طبيعة المتون ،ماد َِت فهي عالمات إشارية تتقدم المتون وتتعقبها ف َتهَا َوي ُْت فِ ي الماءِ ، بمعان واصفة لطبيعتها ،فالمقتبسات بَعْ ِضي يُ رَمِّ مُ بَعْ ِضي الرَّ ِميمْ ِ،شبْهُ مُ ْندَثرٍ ٍ لتشي َاب الع َِميمْ ، تسهم في سقاية المتن كي يتعافى بالداللة لَمْ يُ دَثّ ْر د َِمي غَ يْر هذَا العذ ِ والطرقات ِ الذي يَمْ أل القلبَ ِ والمعنى واإليــحــاء ،فلم تكن تلك العتبات بالتَّقي، ِ ساكتة بل فائقة الصحو في المتن ..وأذكر ويُ ْسلِ مُ نِ ي للنهارِ الـ ِـذي َلــمْ يَكُ ن ال بالرَّ ِحيمْ ». ال بالن َِّقي ،و َ و َ هنا النفري ،حين قال: فنرى إلى شاعر آثر النزف وحده ليعيرنا «وقــال لي :إن سكنت إلى العبارة نمت، وإن نمت متّ ،فال حياةَ ظَ فرتَ المشاهدة .صوفيته الصافية في التعامل مع نصه. * كاتب وناقد. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
47
هاشم الجحدلي وتوأمة الروح ■ أسامة علي حسني
تَ َساؤُ ل
لِ مَنْ أَهْ وَى ..أَوْ ..أ ُِح ّب (كُ َّلمَا ُذب ُْت فِ ي الذَّ ن ِْب صارَتْ ُحرُ وفِ ي ت َِسيلُ ).. وطفْ لٌ َ ..و ْر َدت َِان ِ يُشاغبُهُ ال َّنوْمُ ..ما قَدْ تَبقَّ ى َات على الب َِال.. ِمنَ الذِّ ْك َري ِ َات الق َِد ْيمَةُ عالقةٌ واألُمْ ني ُ كالطحَ الِ ِب فِ ي ذِ هْ نِ هِ َّ أنْ يَس ْي َر علَى الماءِ أَنْ يكُ و َن و َِحيداً ..ومُ ت َِّحد ًا بال َفرَا ْغ أَنْ َيرَى مَا سَ ِمعْ ُت بهِ منْ سني ٍْنالذي قَدْ رَآ ُه َصبَاحاً.. وأَنْ َيتَذوَّقَ طعْ َم ِو َل ْو مَرَّ ةً.. الضيَاءِ ...ونَكْ َهتَهُ ) (ي َت َذوَّقُ طَ عْ َم ِّ هذا هو المقطع األول من قصيدة فأما المذاق فتمثل في مساء ..وأما
(تــســاؤل) مــن دي ــوان الشاعر العربي الطعم فتمثل فــي مرجعياته الــمــاء..
السعودي هاشم الجحدلي.
عشبا ..خصبا .والشاعر يسير هياما
اول مــا يلفت انــتــبــاهــي موسيقى وضياعا وتوهانا على الماء ،بحثا عن القصيدة ..فهي مبنية بتنغيم يمنح محبوبته ،وهو ما يزال يتساءل ويقيم الــدفــقــة انــســيــابــا لطيفا نــاعــمــا ..ثم عالقة بينه وبين الحب والعشق.
انتبهت الــى داللتين ملتمعتين وهما
في المقطع ،إحاالت رمزية شفافة
التذوق والطعم اللذان يعطيان للشعر على أن الحبيبة تملك خــواص أعظم قيمة حقيقية في عالقة بين الشاعر كائنات الطبيعة وهو الماء الذي جعل
ومحبوبته التي تتمترس خلف الباب منه اهلل كــل شــيء حــي ،إذ ال يعادل
48
راكضة نحو الحياة لتتمسك بمحبوبها ،عبقرية األنوثة في الحبيبة إال مزايا
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص الشاعر السعودي هاشم الجحدلي ضيف رابطة الكتّاب األردنيين ضمن فعاليات مهرجان جرش 2017
الماء ..فالحبيبة تكون في المساء اكثر عشبا التخييل الفني باللغة الطريقة الذكية ..وال وخصبا ..إذ المساء طمأنينة عــن عيون يعيش الحب إال بهذه األكــاذيــب الجمالية الرقباء ..وتكون الحبيبة في كامل أناقتها التي تصدقها المحبوبة ،فتلبي الدعوة وهي
ومهرجان زينتها األمــر الــذي يراها كأنها تظن أن سيماءات الماء فيها ستغرقه بجنون مختلفة تماما عن غيرها ،فهي امراة مائية العشق ..وهي ال تريد غير ذلك ..خاصة أن باذخة ،وهو عاشق متوهج بجمر اللوعة مع للماء فيها ألف احتمال ..وهي الجملة األشد زمن بعيد جدا. إشعاعا داللــيــا فــي المقطع ..فيسحرها
أنْ يَس ْي َر علَى الماءِتَّحد ًا بال َفرَاغْ أَنْ يكُ ونَ و َِحيداً ..ومُ ِ أَنْ َيرَى مَ ا سَ ِمعْ ُت بهِ منْ سني ٍْنالذي قَدْ رَآ ُه َصبَاحاً.. وأَنْ َيتَذوَّقَ طعْ َم ِو َل ْو مَ رَّ ًة
التوهم والزهو األنثوي هكذا..
وتظهر هنا رمزية الرمال التي لم يتحدث
عنها أصال ،فكيف ألحد أن يسير على الماء
إال أن تكون بلقيس ملكة سبأ في الموروث الديني المبتهجين به حبا وشوقا ،فالشاعر متعطش كــالــرمــل ..حتى البحار الممتلئة
هذا المقطع يجسد معنى أن الشعر نوع من أحالم اليقظة ..فالقصيدة نداء جواني بالماء عطشى ..إذاً ،ثمة ظمأ سري عظيم. ثم نجده يكتمل بكامل عشقه وحبه وتوهج ساخن لــدعــوة الحبيبة إلــى لقاء يحتاجه الشاعر منذ سنوات طويلة ..إنها أحاييل مشاعره الحسية القائمة في بقية المقطع اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
49
من القصيدة ،حين يقول:
َو ْر َدت َِان الذي منذُ بَعْ ِض ِسنِ ي ٍْن لَهُ وَعَ َليْهِ ِ َوأ َْسئِ لَةٍ الصبَايَا المَ لِ يْحَ ِات ون َّ لَمْ يَعُ دْ فِ ي عيُ ِ َاب ..ق َِدي ٍْم غَ ْي َر بَعْ ِض عَ ذ ٍ ْف إِ ذ ًا بع َد أَنْ ِجئ ِْت لِ ي ف َكي َ ِصر ُْت أ َْسألُ فِ ي ر ْيبَةٍ الذي ي َْجعَلُ ال َغ ْي َم َيبْكِ ي؟ مَ ا ِ
اإليناس واألنسنة في البيت ،غير أن هاشم
سجل نقلة ح ــارة مــن الــحــزم االستعارية والفضاءات المجازية الرشيقة في تصوير
البيت بكاميرا من الفاعلية الباراسيكلوجية.. فهو ربكة العين ..في الغيم والسؤال والورد والوجع ..ما يراه الجميع ولَسنا نراه ..فرصة
للحياة ،ولكنه مثلنا ال يطيق الحياة.
فالنص ،إذاً؛ أباهيج الحواس وأخاديعها
المقدسة ،إنــه األشبه ببيت الــروح ومنزل
هاشم هنا يبهجنا بأدواته الفنية الذكية ..الــفــؤاد وقصر المعنى ..فالقصيدة حالة فشعره يصدر عن موهبة أصيلة شجاعة في شعرية ثيوصوفية جليلة ..تصبح فيه ذات
ابتكار الخروج الجمالي الواعي على النمطية الشاعر موجة اثير تمأل فلوات الوجدان الشكالنية الــســائــدة ..وهــو مــن الشعراء بحدائق الحلم.. الندرة الذين يمتلكون شخصية شعرية وثابة
وقد بنى هاشم قصيدته بهسيس موسيقي
مثابرة ،وهذا تعرفه من نصوصه وخروجه بالغ العذوبة والشفافية ،في انثيال إيقاعي عن المألوف ،فحين تدور بين كلماته تحتاج مـ ــدروس بــعــفــويــة الــنــهــر الــخــبــيــر بتحوالت
لشجاعة كبيرة وقوية لتكون المثابر القوي مجراه ..شعر منقى ..خال من أي عكر ترابي. الـــذي يستطيع أن يمتلك زمـــام األمـــور، وحــيــن يــخــتــم الــمــقــطــع الــشــعــري بهذا ويسيطر على زمام القصيدة ،كي ال تجمح التساؤل العميق القوي: كثيرا وتفلت منك وتــهــرب وأنــت فــي قمة
حاجتك الستماعها بين يديك..
ِصر ُْت أ َْسألُ فِ ي ر ْيبَةٍ
الذي ي َْجعَلُ ال َغ ْي َم َيبْكِ ي؟ وأن ــت تــقــرأ مقطعه األخــيــر هــذا تجده مَ ا ِ
يضيف جديدا نوعيا للمعاني التي تناولت
طوبى يا هاشم لهذه القصيدة األسوة..
قصائد البيوت منذ لك يا منازل في القلوب النموذج .وهذا التساؤل الذي يشبه الحزن مــنــازل ..وص ــوال إلــى الــبــيــوت فــي شعرنا السعيد ..شاعر يكتب قصيدته بمكر فني المعاصر..
عفوي ..يمتاز شعره بفذوذية إيقاعية عذبة..
فــأغــلــب الــشــعــراء اســتــبــصــروا دالالت وبمعان فتاكة ..وبصور تضاهي لذة األلم!.. * كاتب.
50
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
■ أحمد الطناشات
حين تتبع قصائد الشاعر السعودي هاشم الجحدلي ،فإنك تدرك أنك تغوص في بحرٍ لجيٍّ ،ال قرار له وال مصير؛ وأنك ستكون الخاسر األكبر لو فكرت باالنزياح أو الهرب؛ وذلك ألن هاشم يغرقك في كلمات متالطمة األمواج ،وأنت تقف اآلن على عتبات قصيدته:
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
لوعتي قصيدة ِّ هاشم الجحدلي بين
ق َِص ْي َد ُة ال َّلوْعَ ة ..التي يبدأ فيها بمجموعة تساؤالت تثيرك ،لتكون أنت األقوى واألصلب في تقبّلها ،والتفكير فيها حين يبدأ.. أ َُّي َقل ٍْب يَمُ دُّ يَد ُه أ َُّي ُح ْض ٍن مَكِ ينْ ال تكونُ ال َممَاتْ أ َُّي إِ غفاءَةٍ َ أ َُّي إمْ َرأَةٍ ِع ْن َدمَا عَ ا َن َقتْنِ ي تَجَ ل َّْت ُأنُوثَتُ هَا يت وَا ْنتَشَ ْ
َات يجسد القلب القوي الــذي مد يده أ َُّي مَ ْنفَى يَلِ يْقُ بِ هذَا الشت ِ ليحتضن كــل الــمــرايــا والــحــب ،وتلك أ َُّي هَ ِذي المَ نَافِ ي..
الــمــرأة الــتــي عانقته وتــركــت نفسها فالبيت بعيدا عنها منفاه ،والقلب متعلقة بحبال روحــه المتسلقة على وحــيــد دونــهــا ،والـــروح جافية ناقصة أعتاب هذا الرجل البدوي ،الذي يمتلك الظالل ،ألنه وحده هو الذي يعرف أنها من سمرة األرض لونه. ستكون هناك بين يدي قلبه ،فالنوافذ هنا هاشم بقلب طفولي يتكلم ليبثّ ال تجافي أبدا ..ولكن من هجر النوافذ الروح القابعة في جسده ،فهي المرأة هو الذي يجافي في البعد. التي تبحث عنه وينتظرها ال يغفو أبدا، كم أنت جبار على نفسك يا جحدلي لكنه ينتظر الغفوة الروحية التي تتملك حين ترى كل التساؤالت بداخلك ،وال جسده. تــتــحــدث إال عــن روح ــك المتعبة في
أ َُّي َبي ٍْت َنوَافذُ ُه ال تُجَ افِ ي..
الطرقات!.
الموت ِ عن أي شيءٍ يكونُ الب َِديلَ ِ ُّ اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
51
موطن لِ ُجنونِ ي. ٍ البحث عنْ ِ إِ نِّي تعب ُْت منَ َات بأسرارِ هَ ا العَاصي ِ ألبْجديَّةُ بَاحَ ْت ْ فال ا َ الص ِديقَ ..ا َّلــصــدُ وقَ ..وال وال الب َْحرُ كانَ َّ شيءَ، ال شَ ـ ــيْ ءَ ..هَ ـ ِـذي ال ــخَ ــرِ ائِ ـ ُـط مَ ـ ْلــعُ ــونــةٌ َكــمْ أ ََضل َّْت ُخطَ ى الطيّبِ يْنَ ِمنَ األ َْص ِدقَاءِ الباب ِ ومَ ا أَرْشَ َدتْنِ ي إِ لَى ما أَرْشَ َدتْنِ ي إليه
ولــيــس أجــمــل مــن ذلــك الضعف ،وذلــك
االستسالم ،فهو يستسلم للتعب ،ويثق أنه صار بعيدا عنها ،وأن كل ماحوله مجرد حلم
ووهم بعيد بعيد جدا.
ومــا تلك األحــام ســوى أضغاث يثيرها
العالم كذبا ليتوارى خلفها رماد العمر .فال
معنى وال قيمة وال جدوى لكل شيء حوله.
الذكريات ِ أ َُّي و َْجهٍ يُ ِطلُّ ِمنَ وال ي َْحتَمي فِ ي ِغيابِ ْه
ليل مَ ِطيْرٍ أي ٍ هو الموت وحــده الــذي عــرف الطريقُّ ، ليل مَ ِطيْرٍ أي ٍ وعــرف الحكاية كاملة ،ال شــيء بديل عن ُّ
َص ِف ال َقل ِْب أي حَ ر ٍْف ي َُص ُّب بِ مُ ْنت َ الموت ،فالفراق موت حين يراه باحثا عن ُّ
وطــن لجنونه ،وتجف البحار بكل مياهها نا َر الكتا َب ْة أمامه وال صديق سيصدق معه ،وكــم هي
ملعونة خطى الرحلة التائهة في قلبه حين
ال ترشده إلى طريق محبوبته.
وتتوالى تلك التساؤالت المثارة حبا وقلقا
وتعبا لتنير األكوان حوله ،ولتكون هي األقوى واألصلب ،وليؤكد أن ذلك الوجه ال يحتمي
هذا هو زالل الشعر الصافي حين يفجر في الغياب. فيك كل األسئلة ،لتقف حائرا أمام نفسك فالليل مــدار العاشقين ،ومنبع رؤاهــم وأمام كلمتك المبعثرة. ولقياهم ،فهو الستار الذي يعشقون االختباء
إِ نَّي تَعِ ب ُْت ِمنَ الب َْح ِث عَ نْ أ َِّي شيءٍ ـض أ َْط ـرَاقِ ــهِ ..للب َِعي ِْد ..البَعِ ي ِْد.. و َل ـ ْو َبــعْ ـ ِ البَعِ يدْ .. أ َُّي ُحل ٍْم َص ِغيْرٍ بالغيم كَي ال أَرَا ْه ِ أ َُّي ن َْج ٍم يَهِ لُّ وال َي َتدَثَّ رُ أ َُّي مَ عْ نَى ..و َل ْو كانَ ف َّظ ًا لِ ه َِذي الحَ يَا ْة
* كاتب وناقد.
52
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
خلفه ،فكيف حين يجتمع الليل بالمطر
ليصب حرفا ناعما بمنتصف قلب الشاعر؛
هنا فقط تكون واثقا أِن هاشم الشاعر
األسمر البدوي يلتقط الشعر التقاطا من
مجازات اللغة ،ويغرف منها حروفه المتمكنة وجعا وألما ،لتكون كلماته حكاية كل عاشق
يظنه يكتب عنه.
■ عبدالرحمن الدرعان*
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
البكماء كان جدي يقول :إن نظرة األبكم هي التي تنضج البلح وتجعله حلوً ا وناضجا؛ فتتجه عيوننا صوب أمي التي تدرك بغريزتها أنها موضوع الوشاية .إال إن جدتي تصطاد اللحظة رغــم أنها مثل كــل الفالحين الــذيــن يعتقدون بهذه المعجزة، لتتشفى من هذا العجوز قبل أن تداهمه نوبة الزهايمر وتسأله لماذا يصر منذ أربعين عاما على إنكار أنه هو سبب العاهة ،أنت الذي كنت تتكلم ،حيث يجب أن تشتغل بصمت ،وتصمت إذا وجب الكالم؟! يرمقها بنظرة طويلة ،أكثر من كل المرات الماضية ،فتوشك أن تعاوده األعراض األولى .يظهر ذلك من خيط لعاب يسيل من زاوية فمه ،ولكنه يبدو متماسكاً وهو يقول :الرجل إذا اهترأ ســاحــه تــبــدأ الــنــســاء بالتهكّم عليه. كف عن الكالم كما لو أنه تلقَّى وفجأة َّ طعن ًة قاسي ًة ألقته في الظالم ،وانبرى مجهد ليتَّسق مع اللحن ٍ بصوت ٍ يغني بداخله:
بـ ـ ـي ـ ــت الـ ـ ـشـ ـ ـع ـ ــر ي ـ ـ ــا الـ ـ ــدونـ ـ ــي ت ـ ـح ـ ـتـ ــك عـ ـ ـشـ ـ ـي ـ ــري نـ ـ ــايـ ـ ــم!! وحــاول بال وعي أن يثب من مكانه ليرقص على إيقاع تلك األغنية العتيقة التي ما تــزال تــدوم في رأســه؛ إال إن سورة من الحزن استحوذت على الجدة
وراحت تطوّقه بذراع واهنة ،وكادت لوال وجود ابنتها البكماء أن تجهش بالبكاء. كــان مشهدًا درام ـ ًيــا ثنائيًا مشحونًا باأللغاز المنيعة على إدراكي ،والعصيّة على أمــي الجالسة إلــى آلــة الخياطة تنقل عينيها وتحاول ترجمة اإليماءات، بينما تبلل خيط النول وبحركة مدروسة تنظمه في اإلبرة ،وتدير بيدها البَ َك َرةَ المعدنية ،وبيدها األخرى تكسر حواشي القماش المتجعّد كموجة متجمدة دبت للتو فيها روح البحر .كانت تقوم بذلك على نحو فريد ،كتعويض أكثر بالغة مــن كــل الــكــلــمــات .هــكــذا تتكلم على طريقتها وتريق دموعها الصامتة مع خطوط النول ،وتخيط جراحها وتغلق على أسرارها بأزارير المعة مُحكمة، وتعرف متى تضع في غضون الثياب اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
53
ورد ًة أو شوك ًة أو فكر ًة أو تنهيدةً .وكنت
أحيانا أسمعها تغمغم بأغنية غامضة تحشو
بها جيوب ثوبي العائم تحت ضربات اإلبرة؛ فأقوم بمجاراتها وأحرك يدي بلغة اإلشارة،
وهــي تحرِّضني على مشاركتها مهاراتها
الخارقة .كانت تغني بأصوات غير واضحة تماما ،وكانت بهذه الطريقة وحدها تخفي عاهتها.
تمضغ هــذه الماعز المعدنية لفافات
القماش ثم تبدأ بالثغاء لتخرج من أحشائها قميصا أنيقًا بحواف ً معطفًا أو تــنــور ًة أو
مسن ٍَّنة ،أو طاقي ًة مقصب ًة تشبه تلك التي
يجلبها الحُ جّ اج .بينما أمكث لساعات أراقب حركات يديها المتقنة ،وأغني:
جينا مــن الطايف والطايف رخا وال ـس ــاق ـي ــة ت ـس ـقــي يـ ــا س ـم ــا سـمــا وكانت ال تملك إال أن تبتسم ابتسامة
بيضاء تشبه وردة فلٍّ تدوم في الماء كأنها تسمعني ،وكــأن صوتي الطفل يعود وت ـرًا
يشدني جنينا إلى أحشائها.
كانت مكنة الخياطة توأمها وسلواها ،إذا
فرحت ذهبت لتحيك المالبس ،وإذا شحبت مالمحها في لحظة حزينة لجأت لتطفئ
حزنها بالخياطة والغناء .كانتا هي والمكنة
تتقاسمان العمل ..اإلب ــرة تشد الخيوط، والبكرة تدور ،وهي ترسم بالغناء التفاصيل
وتكوي التجاعيد.
* كاتب وقاص من السعودية.
54
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
أصبحتُ بمرور األيام أعرف مزاجها من الشكل النهائي للمالبس ،وبقايا األقمشة الفائضة التي تشكل منها مفارش صغيرة، أو ترقع بعض الرتوق ،أو توشي بها الوسائد، أو تحشو بها الدمى للبنات ،وكنت أرى في خطوط الحناء الحمراء على كفيها طرقًا؛ كلما أويتُ للنوم تسرو بي بعيدًا ،وتسرد لي القصص بإيماءاتها المشفّرة وأترجمها من وحي خياالتي. تصنع القرويات عقدًا بأطراف مناديلهن يستخدمنها كذاكرة أخرى لمساعدتهن في ضبط مواعيد الصالة واألدوي ــة ،والبحث عن المفقودات ،لكن أمي كانت آلة الخياطة لها الذاكرة والصديقة وحصالة النقود وبيت األســرار وصندوق األغاني وعربة الزهور ومنبِّه الصالة ،وهي ال تحيك الثياب فقط.. بل تعيد بخبرتها رسم المقاسات وترميم األجساد المترهلة وإعادة إيقاع الحياة إليها يوم عبر هذا األزيــز الناعم .قد أعثر ذات ٍ على اللغز المخبوء في جملة جدتي التي كالقرط المذهّ ِب في أذنــي؛ ِ بقيت عالقة «أنت الذي كنت تتكلم حيث يجب أن تشتغل بصمت ،وتصمت حين يجب الكالم» ،فقد يتذكرها جــدي فــي إحــدى نــوبــات المساء ويفتح لي أزاريــر الحكاية؛ لكن المؤكد أنه على صواب ،فنظرة األبكم هي وحدها التي تنضج البلح وتريق السكر في العذوق ،وتضع الريش الناع َم َ للحمام المشرّد في الشبابيك والقم َح والهديل.
■ حضية عبده خايف*
لقاء حانت مراسيم الـــوداع؛ تقدمت وخلفي لــم يكن الــوقــت مناسبا ،فقد كــان الجو بعض النسوة بدأت يداي بالرجفان والتعرق؛ ماطراً ،يومها حين رميت رأس السمكة في ثقلت خــطــاي؛ اقــتــربــت ..رُف ــع الــغــطــاء عن أول مكب للنفايات عند منعطف الشارع؛ لم وجهها ،نظرت إليها ثم أدرت ظهري. يكن سواه يختب ُئ تحت بعض الكراتين. ناداني صوت من خلفي :ودعيها. نهض مــســرعــا ..قفز لــلــصــنــدوق ..حمل الكيس ..وفر هاربا كمن فاز بغنيمة كبيرة. وحدة حين كتبت قصتي لم يكن سوانا من يسكن هــذه الغرفة ،حتى الجيران لم نعد نعرفهم سير بعد أن بُترت قدمي اليسرى ،إثر حادث ٍ منتصف السنة الماضية.
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
ومضات سريعة
لم أعرف ماذا أفعل :قلت لها ربما في وقت آخر.. عال صوتها مرة أخرى: وهل ستجدينها؟
كانت آخر كلمة سمعتها قبل ثالث ساعات فــقــط ..ك ــان لــي صــديــق ،ظــل يجلب لي مضت من حالة التشنج التي انتابتني. الطعام كل يوم أو بعض األيام. إيجار ورغم نتانِته ..إال أنه منحني األمل للعيش.
صرخ في وجهها بأعلى صوته :اليوم هو إيميل قد ال تصلك مجموعتي القصصية كاملة ،األخير لكم ..وغدا سوف تُخلون البيت. ألنــي قــد أكــون فــارقــت الحياة ،كما فارقني تعالت الصرخات والشتائم؛ وهي تتوسل األمل.. إليه وأعين المارة تسترق النظر. أو أن الكهرباء فصلت بسبب القصف. منقذ لها. خرجت من الفزع بحثا عن ٍ أرشيف تذكرته.. حين فتح مستقبِل إيميل هذا البريد ،أيقن بحثت عنه فوجدته.. أن عقل هذا الكاتب أصابه شيء. وقفت أمامه.. قبل أن يحيله ِللَّجنة قام بتحديث جهازه، سألته :أتذكرني؟ وإعـ ــادة تشغيله ،فقد كــان ضمن العنوان من أنت؟ البريدي أنها ستصل على مجموعة: أعدت السؤال عليه؟ (فكرة النص غير مفهومة لي) عزاء لم أرغب بالحضور ذاك المساء لكن كانت كل مصطلحات الشتائم تندلق من فمه.
أين البيت الذي أعطتك نقوده لتبنيه لها في الجنة؟ ظل السؤال وغاب الجواب.
* قاصة من السعودية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
55
القطــــــراتُ
التي تتسرب من شقوق في سقف الغرفة!.. ■ عمر بوقاسم*
أفتح النافذة وأغلقها ،أغلقها وأفتحها ،تخلقه الريح. لست مرتبكا ،نعم ،لست مرتبكا. أفتح النافذة وأغلقها ،أغلقها وأفتحها، السماء تمطر ،وال أثر لرائحة المطر، القطرات تتسرب من شقوق في سقف الغرفة، اآلن السماء تمطر. والقنوات اختفت ليس لها أثر على الشاشة. أفتح النافذة وأغلقها ،أغلقها وأفتحها، أخـ ــمـ ــن ..مـــا ج ــدي ــد ال ــع ــال ــم فـــي هــذه مط ٌر بال رائحة ،نعم ،ال أثر لرائحة المطر. منذ زمن بعيد جدا ،لم أشم رائحة المطر ،اللحظات..؟!
كان للمطر رائحة ،نعم ،لم يعد للمطر تلك تفصلني عن العالم القطرات التي تتسرب الرائحة. مــن شــقــوق فــي ســقــف الــغــرفــة لــلــحــظــات.. الرائحة التي تجعلني منتشيًا !..تجعلني ربما حل السالم في العالم العربي في هذه شقوق في ٍ أتجاهل القطرات التي تتسرب من اللحظات!!.. سقف الغرفة.
ربما طرد آخر جندي روسي من األراضي بيت العنكبوت مزقته القطرات التي تتسرب من شقوق في سقف الغرفة، السورية في هذه اللحظات. الكتب التي استعرتها من األصدقاء أتلفتها ربما وقف اثنان وعشرون مغنٍّ عربي على القطرات التي تتسرب من شقوق في سقف خشبة المسرح لغناء أغنية «الحلم العربي» في الغرفة، القهوة أفق َدتَها مرارتها القطراتُ التي هذه اللحظات!.. تتسرب من شقوق في سقف الغرفة، فجأة ،أفتح النافذة وال أغلقها ..والقطرات الــزاويــة التي انتخبتها لنومي وأحالمي ،لــم تعد تتسرب مــن شــقــوق سقف الغرفة، احتلتها القطرات التي تتسرب من شقوق في والقنوات تعود للظهور على الشاشة. سقف الغرفة. آخر األخبار :روسيا تبني قاعدة عسكرية *** دائــمــة ضخمة بالقرب مــن ميناء طرطوس ...ليس هناك «مجهول» يخفي ظله بجانب ظل الباب ،إنه حجر !..حجر عادي وضعته ،السوري ..ال شيء تغير ،نعم ،ال شيء تغير،.. أنا ،ليثبت الباب ،ليكتم األزيز المزعج الذي وليس هناك مغنٍّ يقف على خشبة المسرح!..
56
* كاتب وشاعر من السعودية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
الوطنية أفعال ال أقوال
القصة الفائزة في المسابقة الوطنية للغة العربية 1439هـ التي نظمها المركز الوطني لتطوير تعليم اللغة العربية ■ محمد صالح أحمد أبو عمر*
جلس الوالد سلمان مع أبنائه :سعود ومحمد ونورة ،يتابعون مجموعة مقاطع مرئية على مــوقــع الـيــوتـيــوب عــن الـيــوم الــوطـنــي؛ فرحين وفـخــوريــن بما حققه الوطن من نهضة علمية وحضارية وثقافية ال تقل عن حضارات العالم في الدول المتقدمة. قــال الــوالــد ألبـنــائــه :الوطنية يــا أبنائي ليست أق ــوا ًال فـقــط ،بــل هــي أفـعــال.. فاألفعال تؤكد المعدن األصيل للمواطن السعودي الصالح. سعود :وكيف يا أبي؟
األب :يحكى أن أحــد الملوك في
ال األب :سأحكي لكم قصة ستعلمون العصور القديمة أراد أن يضرب مث ً م ــن خــالــهــا كــيــف تــكــون الــوطــنــيــة البنه األمير كيف تكون الوطنية ،ومن باألفعال؟ محمد :ما أعذب قصصك يا أبي! ففيها الكثير من الفوائد والعبر. نـــورة :تفضل يــا أبـــي ..كلنا آذان صاغية.
هو المواطن الصالح؟
فتنكر هو ووزيــره وابنه األمير في مــابــس مــجــمــوعــة مــن المسافرين عابري السبيل ،وكان قد أمر الجنود لــيــا بــوضــع حــجــر كــبــيــر فــي طريق اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
57
الــنــاس ..وتــنــحــوا جانبا إلــى ركــن بعيد ،يوجد منفذ يستطيعون المرور منه ،وبدالً وجلسوا يشاهدون رد فعل الــنــاس تجاه من أن يستغلوا شبابهم وقوتهم لزحزحة الحجر الموضوع في وسط الطريق.
الــحــجــر ..جــلــســوا عــلــى جــانــب الــطــريــق
فمرت مجموعة من الناس تظهر عليهم يثرثرون ويتحدثون وينتظرون أن يأتي اهلل مالمح الثقافة والتعليم ..وذلك من طريقة بالفرج من عنده. حديثهم وفصاحتهم والــقــراطــيــس التي
ثــم جــاء فــاح مــع مجموعة مــن رفاقه
يحملونها معهم ،فــوجــدوا الحجر يسدّ
ذاهبين لحقولهم فــي أط ــراف المملكة،
عليهم الطريق ،فأخذوا يعبرون عن حزنهم فــوجــد الحجر يسد طــريــق الــنــاس ،وقد لتخلف بالدهم ،وسوء الخدمات المقدمة كثر الزحام على قارعة الطريق ،فلم يتكلم
في وطنهم ،ويتباكوْن على أمجاد الماضي ،كثيرًا ،إنما نادى رفاقه والشباب على جانبي ولم يُعملوا عقولهم ،أو يستفيدوا من علمهم الطريق ،وتعاونوا جميعًا ليدحرجوا الحجر
لفعل شــيء يزيل ما يعوق طريق الناس ،مرة بعد مرة ،ويوجههم الفالح بابتسامته، فتركوا الحجر في مكانه ..وعادوا من حيث حتى استطاعوا إزاحــة الحجر من طريق أتوا.
الناس وسط صيحات من الفرح والسرور.
ثم جــاءت مجموعة أخــرى يظهر عليها وبعد ذلك مضى الفالح ،ولم ينتظر ثنا ًء من الــثــراء والــغــنــى ،يلبسون أفــخــر الثياب ،أحــد ،سعيدًا بفرح الناس من حوله وبما
ويــركــبــون أجــمــل الخيول المزينة بــأنــواع حققه من إنجاز. الــحــلــي ،لــيــجــدوا الــحــجــر يــســدّ عليهم
لكن الملك والــوزيــر واألمــيــر الصغير
طريقهم ،فغضبوا غضبًا شديدًا ،وسبوا أوقفوه ،وعرّفه الملك بنفسه ،وأعطاه صرة ولعنوا كل شــيء في وطنهم ،وبعد موجة من الدنانير مكافأة منه لسلوكه اإليجابي
الغضب لم يبذلوا شيئا من أموالهم التي تجاه العائق الذي سدّ الطريق .تهلل وجه زينوا بها الدواب فيستأجروا عماالً إلزالة الفالح وحمد اهلل وقــال للملك :ما فعلت
الحجر ،إنما انصرفوا وتركوا الحال كما هو يــا سيدي غير الــواجــب ..وإمــاطــة األذى عليه ..وعادوا أدراجهم. عن طريق الناس سنة نبوية على صاحبها ثــم جــاء فــوج آخــر مــن الشباب صغار أفضل الصالة والسالم ،وأراد أن يعتذر عن
58
السن ،ليجدوا الحجر يسد الطريق ،وال أخذ الصرة ،لكن الملك أص ّر على مكافأته. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
الذين ساعدوه ،فازداد إعجاب الملك بفعل
محمد :وإذا ما ذكــرت الوطنية يا أبي
الفالح ،فأعطاه صرة أخرى لما يمتاز به علينا أن نــذكــر جــنــودنــا الــبــواســل الذين من خلق اإليثار. ضربوا أفضل األمثلة في حب الوطن ،فقد والتفت الملك إلى وزيــره وابنه األمير ضحوا بأرواحهم فداء لهذا الوطن الغالي. الصغير قــائــا :لقد ضــرب هــذا الفالح البسيط مثاال رائعًا للمواطن الصالح.
األب :صــدقــت يــا مــحــمــد .رح ــم اهلل
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
فأخذ الفالح الصرة وقسمها على رفاقه حدائق ومتنزهات ومعالم حضارية.
شهداءنا ،وحفظ جنودنا ،وأعادهم سالمين
ننس يا محمد أن كل سكت األب وهو ينظر إلى عيون أبنائه غانمين ألهليهم ..ولن َ التي تلمع من سعادتهم من جمال القصة ثم مَن يعمل ألجل هذا الوطن ال يقل وطنية قال ألبنائه:
عنهم :فالمعلم في مدرسته ،والمهندس
هل فهمتم اآلن معنى (الوطنية باألفعال في مصنعه ،والطبيب في مشفاه ،والعامل في ورشته ..فالكل جنود يعملون من أجل ال باألقوال فقط)؟ قالت نورة :نعم يا أبي .لقد حزنت من تخاذل أكثر من مجموعة من الناس تجاه
وطنهم.
سعود :أبــي ..لن أكــف عن الــدعــاء أن
الحجر ،وفرحت بفعل هذا الفالح البسيط .يحفظ اهلل هذا الوطن الغالي ،وأن يوفق والدنا خادم الحرمين وولي عهده األمين سعود :هل التغني بالقصائد والكلمات لكل خير. في حب الوطن ال يدل على الوطنية يا أبي؟ الجميع :آمين يا رب العالمين. األب :مــن الــجــمــيــل يــا ســعــود قـــراءة األب :هيا يا أبنائي فقد جاء وقت النوم، القصائد والكلمات في المناسبات الوطنية،
واألجمل أن يثبت من قالها وطنيته بحرصه وأمامكم يوم دراسي ..فالوطن يحتاج طالباً تقدم بالعمل والكفاح والتفوق في كل نابهين يحققون آماله. ٍ على مجاالت الحياة ،وعلينا أن نحافظ على
نــورة :تصبحون على وطن الخير أرض
جمال بالدنا ،وال نفسد ما تم إنشاؤه من الحرمين ..المملكة العربية السعودية. * مدرّس في ابتدائية الرحمانية األهلية -سكاكا. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
59
لحظات ثكلى ■ حليمه الفرجي*
لطالما قبلت بالنصف من كل شيء.. نصف عشق.. نصف رجل.. نصف قبلة... ونصف حياة.. ال شــيء بــعــدهــا ..غير أنــي أعــود للظل ألرقبك تراقص أخريات ،تقبلهن وتهديهن ورودا حمراء.. أبدًا ،لم أكن نصف امرأة ألقبل بكل هذا..
60
مللت جنبي وجلوسي بانتظار انتهاء مغامراتك ..لتعود في كل مرة ملطخا برائحة امرأة أخرى.. تــســتــطــيــع الـــمـــرأة مــعــرفــة وج ــود أخريات في حياة رجلها وتميز نكهتهن، تماما كما تميز رائحة قهوتها واختالف مذاقها في كل مرة تأتيها مختلفة.. باردة ..ال طعم وال لوناً.. تضع فيها قطعتيّ سكر بــدال من واحدة البتالعها فقط..
ولكنه الخوف من الخسارة..
ال شيء تغير ..ولن يتغير شيء
خشيت العودة لنقطة البداية وحيدة!
تتشابه عطور النساء..
ال شيء منك سوى بقاياك بداخلي..
ضحكاتهن..
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
وبقاياهن التي تحملها إليّ متبجحا المطر ،وارتفعت ضحكات األخريات، بخيانتك..
ووقع أقدامهن وهن يرقصن بحرية..
طعم قبالتهن يمأل رائحة أنفاسك فتمضي لتخبرهن السر في تقييدي.. ويتسلل إلى حلقي كريها يجبرني على تقيئِك من داخلي في كل مرة تقترب فيها مني.. تعود منهمكا تشتكي لي شقاوتهن.. أو كــان عليّ أن أحـ ِـس ـ َن االستماع
يا سيدي..
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
أحمر شفاههن..
لترسل له نظراتك كلما تعالى صوت
أن ــا تــلــك الــمــرأة الــتــي رضــيــت أن تراقب العالم من خلف ستار نافذة، وتصفق لكل حماقاتك مع أخريات نلت
كامرأة اعتادت تحمّل عبثك وحماقاتك اعجابهن فقط؛ ألنــك تقيّد بالداخل أخــرى أكثر تمردًا منهن ..حين كفّت طويال.. أي وقاحة هذه التي تحملها؟! وأي صبر النساء هذا الذي استطعت التحلي به طول تلك السنين.. اآلن يا سيدي..
عــن الــرقــص وخـــرس ص ــوت غنائها ومدت لك يدها.. أعاجزة أنا عن كسر قيودك ا! هناك شيء قد كسر بداخلي غير
جاء الوقت كي أرحل كامرأة كاملة قلبي.. ملّتْ تجميع أنصافك الحمقاء. جناحي، ***
اكتفيت منك.. وما يضيرك لو سرقت بضع كلمات من أفواه العشاق وأخبرتني بها كذبا.. أعلم بأنك لص محترف منذ سرقت
حلمي وتحليقي.. وهــذا العالم الــذي غــدا في عيني سجنًا من خوف.. أعاجز أنت عن سرقة بضع كلمات
بعضي ،ووضعته على الرف أمامك ..من أفواه العشاق لتخبرني بها كذبا!!! * قاصة من السعودية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
61
صديقي الناقد ■ عمار اجلنيدي*
بعد أن اكتملت مجموعتي القصصية الحمام. التي أسميتها( :مسكوت عنهم)؛ قمت حــانــت مـ ّنــي التفاتة نحو األوراق بمراجعتها ألكــثــر مــن ث ــاث م ــرات، ورقة مكتوبٌ القريبة مني .انتبهتُ إلى ٍ فشطبت الكثير مــن الجمل الــزائــدة عليها« :تقرير عن المجموعة القصصية ونقحت تلك المجموعة بشغف واهتمام (مسكوت عنهم) ،مددتُ يدي واستللت وبعين الــمــبــدع والــنــاقــد م ـ ًعــا ،وقمت التقرير .قرأته على عجالة ،صورته بدفعها إلى متخصص باللغة العربية، بكاميرا هاتفي النقال ،ثم أعدته إلى لتنقيحها م ــن األخ ــط ــاء اإلمــائــيــة مكانه .فاجأني أن التقرير مكتوبٌ تغص ّ والــنــحــويــة؛ فــوجــد المجموعة بخط يد صديقي الناقد الذي احتفظ بالكثير منها؛ ثم دفعتها إلى صديقي بمجموعة من أوراقــه النقدية ،والذي الــنــاقــد الــمــتــخــصــص بــنــقــد القصة أحفظ شكلهُ ،تمامًا مثلما أحفظ شكل القصيرة والرواية ،الذي هاتفني مبديًا قائل إنها مجموعة خط يدي. إعجابه بمجموعتي ً شكوتُ أمر صديقي الناقد للعديد متفوقة جدًا ،وإنها مجموعة فارقة في تاريخ القصة القصيرة المعاصرة. من أصدقائنا المشترَكين ،أخبروني دفــعــت المجموعة لــدعــم نشرها أنــهــم اع ــت ــادو عــلــى هـــذا األمــــر من من مؤسسة متخصصة بدعم اإلبداع صديقي الناقد ،وأنــه من السهل أن األدبـــي .قــال لــي الــمــســؤول عــن دعم يبيعهم مقابل مُكافأة من مسؤول النشر النشر إنــه سيحيلها إلــى ناقد إلبــداء في المؤسسة .اتصلت بصديقي الناقد الرأي بها .بعد أسبوع زرته في مكتبه ،وألمحتُ إليه أنني عرفت عن التقرير أخبرني أن المجموعة رفضها الناقد عن مجموعتي القصصية .انهار انفعاالً ألنــهــا مــلــيــئـ ٌة بــالــتــفــاهــات واألخــطــاء وراح يشتم مسؤول النشر الذي أغراه بمكافأة مــن الــدرجــة األولـــى مقابل األسلوبية والتجنيسية. تقرير سيئ عن مجموعتي القصصية. لم أ ُعَ ِلّق ْ قطّ بتُ حاجبيّ .تشاغل انفرجت ُكرْبتي عندما عرفت أن مسؤول النشر ب ــاألوراق على مكتبه، فقرّب عددًا من األوراق ناحيتي ،وأبعد ثمن خيانة صديقي الناقد لي كانت أخرى تجاهه ،واستأذن بالذهاب إلى مكافأة من الدرجة األولى! * قاص من األردن.
62
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
ُ معايدة بطاقة ٍ ■ محمد الرياني*
جاءتني عبر البحر ولم تغرق ،رسالة العيد والرسالة الناجية من الغرق دون
بيضاء مثل قلب صاحبها ،مثل لون مكافأة .عــادت الرسالة من الطريق الماء الثجّ اج ،جــاءت من فــوق الماء ،نــفــســه ،الــخــطــو نــفــســه ،والــمــشــاعــر عبر األمواج ولم تغرق .كانت كالطيب نفسها ،مرت من فوق البحر والبحر نفحً ا ..فلم تهزمها رائحة البحر ،ولم لم يتغير ،زرقته األبدية ،وأمواجه التي
ترمها األمــواج نحو األعماق ،لم يرها تحتفل كما يفعل الفرحون بيوم العيد.
البحر الهائج ولم تره ،جاءت مكنونة اطــمــأنــنــت أنــهــا ت ــج ــاوزت االخــتــبــار، داخــل صندوق محكم ،لن يمحو ماء وصلت إلى حيث أتت ،عرفت االحتفاء البحر مــدادهــا الــفــريــد ،قــالــت وقد بها بكلمة أو نصف كلمة ،لــم تترك
جاوزت اليم الهائج :ما أجمل العيد في المشاعر لنصف الكلمة أن تكتمل.
وجودك! ما أجمله عيدًا يبادلك الحب! فرحنا سويا ،تبادلنا التهاني ،وقفنا تــضــع قلبك الــطــاهــر جـــوار بياضه ،وبيننا اليَم ،حال بيننا ،ونحن نشاهد وحولك أزهــاره ووروده ،قالت ودموع األمواج كيف ترسم في الليل لونًا يشبه
الــوجــد تمأل أطـــراف الــمــرســول :لن فرحة العيد .كانت األن ــوار من بعيد تغتال فرحتي في وجودك ،ولن تموت ترسم أفراحً ا كما لم ترسمها من قبل،
بهجتي وأنت ترسم على كراسة العيد كــان يــوم العيد مختلفًا ،جميع الذين عــا ًمــا بعد عــام عــبــارات التهاني ،لم شهدوه كانوا يرقبون البحر ،يتطلعون
أشأ أن أجعلها تعيش اللوعة ،وفرحة نحو الطرف اآلخــر والسعادة تسطر العيد الــفــريــدة ،لــم أشــأ أن يمر يوم للتاريخ المشهد الفريد. * قاص من السعودية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
63
ُ ُ األخيرة الرسالة
■ هدى العتيبي*
سأكتبُ إليك..
ال أريد ان أبيعك واشتري نفسي!
نعم سأكتب إليك ..دون انفعال أو صخب.
او أشتريك وأبيع نفسي!!..
ولكي أكون صادقه،
أتفهمني؟!!
كل تصرفاتي تجاهك ..سواء كانت نقداً، سأكتب بدافع الحب ..لعله يشفع لكتابتي. إلحاحاً ..أم عتاباً!! كانت بدافع حبي لك.. وبواقع الشوق ،عساه يصلني بك. وبدافع هيامي وجنوني بك.. لكن قلبي الذي يعتصر ألماً من بعدك.. فأعصابي تحترق، يجعلني أتراجع عما سأكتبه ..فعلى ما يبدو: وأنفاسي تضطرب، كنا نزرع في زمن تأخر حصاده.. ودمي يغلي، *** ونبضات قلبي تزداد.. أحببتك ..وطناً فقط من أجل سماع كلمة واحدة منك..أو لكن.. اتخاذ خطوة جدية تجاه ما بيننا!!.. لــن تجبرني أن أعيشك منفى ..فأنت تمعن في غيابك ..وفي ترك األمور معلقه.. أحبك.. لكنني: أحــب نفسي ..وال أستطيع االستمرار بعالقة ليس لديك قناعة تامة في إخراجها من قالب الخفاء والظل..
64
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
صدقني.. ضغط ٍ حديثي ليس تصعيدًا وال محاول َة عليك ..بقدر ما هو محاوله أخيرة لتحويل هذه النهاية إلى نقطة بداية سعيدة ..فما كان بيننا.. ال يستحق أن ينتهي هكذا نهاية.. وما جمعنا كان أطهر وأرقى حب عرفته
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
لكن،
البشرية.. عالم ال يعترف كان عشقاً ارتقينا به إلى ٍ بحدود جغرافية ،أو أديان سماوية.. كان حبك صادقاً.. ومشاعرك ال غبار عليها..
باسم مَن نفخ الروح في جسدي ..أقسم أني: أحببتك..
ال بكل معاني النبل.. وكنت معي نبي ً
نعم..
أعتذر عما ُ تراه أنت خطأ ..واراه حقاً من
أحببتك ..حد الجنون
حقوقي.. أنــا ال أتــحــدث مــن منطق الضحية!!.. فلست ضحية ..وال أرضى أن أكون كذلك!. لكن...
ورغم الفراق.. أحببتك.. وسأظل أحبك..
قهرني موقفك!.. بعدك!..
*** سأبتعد..
غموضك!.. فبكيت وحزنت ..ومع هذا لم أ ُكسَ رْ!!.. *** سأبتعد..
وســأرتــب أوراقـ ــي مــن جــديــد ..فــا بد للظالم أن يتقشع ويبزغ فجره.. لينتَهيَ أل ٌم أحم ُل األم َل من بعده.
* قاصة -السعودية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
65
داوي ألمي ρρأحمداملتوكل بن علي النعمي*
َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداوي ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــي وانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور وأح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــي دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــدمـ ـ ـ ـ ــا غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت إال ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود ًة ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروي ال ـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــي وامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارا وارفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــب جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأم واذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذْ وةٍ خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ولـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ــي وأعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده وارحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ض ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــي ورِ قّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وا ْب ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــي واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواز الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ــا أسـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤس ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادى ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب الـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ــم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أدمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرسـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــي وب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ــا وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال لـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أذق فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـً ـ ـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم
66
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا راق ل ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٍَب أو عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـت أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادى والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــع الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور األن ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم وأرى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــم فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزوت ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أع ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوة الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــي ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاردة ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ٍّـب ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـِ ـ ـ ـ ِـم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت أرض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــا ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادة مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت قـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــي وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ تْ مـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـم ـ ـ ــي إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــت قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي ط ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــا رغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرم أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ّد ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ع ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي؟ و احـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـ ـ ــاكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ــافـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
67
ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر بـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وان ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أن م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــم عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ي ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ــب ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــى وغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن ب ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــم ر ُّب ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمٍّ ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــك مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا واص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدم بـ ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا واج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه ـ ـ ـ ـ ــل فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــه أرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــرة الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــم س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ذل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى واقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـوان ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراق الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــظ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرتـ ـ ـ ــه ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أن جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ـ ـ ــى جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــع الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذره واهٍ وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواري س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوء ًة م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرم س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف تـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــي ولـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ــي أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ــرٌ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ د أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي وانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــي * شاعر من السعودية.
68
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ρρشاهر ابراهيم ذيب*
ـاق ِمـ ـ ــن ّأي ـ ـ ـ ــنّ ّأب ـ ـ ـ ـ ــد ُأ قِ ـ ـ ـ َّـص ـ ـ ـ َة الـ ــعُ ـ ـ َّـشـ ـ ِ
ـواق ـض ــحُ كِ ـ ـ ْت ــمَ ـ ـ َة األ َْشـ ـ ـ ـ ِ وَالـ ـ ُـحـ ـ ُّـب َي ــفْ ـ َ
ِم ـ ــن أَيـ ـ ـ ــنَ أَب ـ ـ ـ ــد ُأ وَالـ ـ ِـح ـ ـكـ ــايـ ــةُ كُ ـ ُّل ـ َه ــا
ـاق أَ ِّنـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ــنِ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ٌـن هَ ـ ـ ـ ـ ــا َم فِ ـ ـ ــي اآل َفـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـواح ـظــي مَ ــا زالَ دَمْ ـ ِـع ــي َيـسـتـبـيــحُ َلـ ِ
ـراق َت ـ ـ ـ ـو ٌْق َي ـ ِـسـ ـي ــحُ بِ ـ ـ َقـ ـ ْـطـ ــرِ هِ ال ـ ِـم ـ ْـح ـ ِ
ـداج مَ ــن أَكُ ـ ـ ـ ُّـن َل ـه ــا ال ـ َه ــوى َت ــاهَ ـ ْـت بِ ـ ـ ـ ٍ
ـاق وَال ـ ـ ـ َه ـ ـ ـجـ ـ ــرُ طَ ـ ـ ـ ـ ــالَ بِ ـ ـلـ ـيـ ـل ــهِ األَفّ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
أُمْ ـ ِـس ــي َوق ـلــبِ ــي فِ ــي جَ ــمَ ــالِ ـ ِـك مُ ــغْ ـرَمٌ
فَسَ لي الــنُّ ـجــو َم ُتـ ِـجـ ْبـ ِـك َكــم أَشــواقِ ــي
َت ـبـ ِـديــنَ َكــالـفـجــرِ الــمُ ـ َعـ َّـشـ ِـق بِ ــالـ َّنـدَى
وَأوابـ ـ ـ ـ ـ ــدُ الـ ـ ــدَّ هْ ـ ـ ــرِ ال ـ ــطَ ـ ــوِ ي ـ ـ ِـل َرو َِاق
ـامـخـ ًا َف ــوقَ ال ــذُّ رَى َيـ ْـخـ َتــالُ ذِ ك ــرُ ِك شَ ـ ِ
عَ ـ ـنـ ـق ــاءُ أ َْص ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ِـك َثـ ــابـ ـ ُـت األَعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـر َِاق
ـات ال ـ َه ـوَى فِ ــي ِخ ــدْ رِ هَ ــا َتــغْ ــفُ ــو ِح ـكــايـ ُ
َو َي ـ ـنـ ــوءُ َل ـي ـلـ ِـك بِ ــال ـ َّـض ـ َن ــى ال ـ ِـم ـه ـر َِاق
روب َل ـهــا حَ ـم ـيــمُ خَ ــواط ــرٍ ـك ال ـ ـ ــدُّ ُ تِ ـل ـ َ
ـاق َل ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ٌـج َتـ ـ ـ ـأ ََّص ـ ـ ــلَ بِ ـ ــالـ ــحَ ـ ـنـ ــاجـ ــرِ َب ـ ـ ـ ِ
ـضــمَ ــا َن ـ ْبــعُ الــجَ ـ ِـه ـيــرِ (َ )1ي ـ ِّئــنُ أَعْ ـي ــا ُه الـ َ
وب سَ ــاقــي َك ـ ــمْ ك ـ ــانَ َيـ ـ ــروي ِمـ ــن عُ ـ ـ ــذُ ٍ
لوعي شَ هقَةٌ بُصرى ُسهول ُِك فِ ــي ُض ِ
ـاق َون ـس ـي ــمُ ُص ـب ـ ِـح ـ ِـك َن ـب ـضــةُ ال ــخَ ــفَّ ـ ِ
َواج زَاحَ ـ ـ ـه ـ ــا ر َُّب الـ ــدُّ َنـ ــا َك ـ ــم ِم ـ ــن د ٍ
ـراق ـاإلشـ ـ ِ ـس ُل ـق ــا َن ــا بِ ـ ـ ْ ـض شَ ـم ـ ُ لِ ـت ـف ـيـ َ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
َأ ْن ِت َأ ْن ِت
* إستشاري في األمراض الجلدية والمعالجة في الليزر-الجوف. عشرات السِّ نين. ِ عذب في بُصرى الشَّ ام كان يروي أه َل المَدينةِ على مَدى ٍ ( )1نب ُع الجَ هِ يرِ :هو نب ُع ماءٍ اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
69
ارتباك ρρأروى املهنا*
تتجمع األفكا ُر في رأسي المُ جهد الفرح في جهة.. واليأس في الجهة المقابلة ولوهلة أتوهم بأن العالم.. مدرك ًا جيد ًا هذا التيار .. تربكني مدينة بعيدة انقبضت على نفسها قبل أن يلفظها القدر … عالمي مزدحم الصور صاخبة الشارع ال يهدأ وأنا ما زلت ألهث معهم … في الصمت مسافات ال يعول عليها وال يمكن قطعها … الشعر يقودني ّ آخر الليل لبؤرة عميقة يطفو على سطحها وجه حزين … الحماقات كثيرة لكنها سرعان ما تتبدد في فضاءات األسئلة … أؤمن بأن القوة تكمن بترويض كل هذا الصخب المنتشر في األعماق! * شاعرة من السعودية.
70
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ρρسليمان الفيفي*
مـ ـ ـ ـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ال ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــض ل ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــنْ خـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــل ف ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــل تـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أودى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ــزلـ ـ ـ ـ ـ ــل
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ُ النبض خانك ما ِ
أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل َيـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــلُ الـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــب م ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــا ذنـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــه األجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل؟ تـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــم فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل واد أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي نـ ـ ـ ـ ــزقـ ـ ـ ـ ــا وال ي ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــم سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َن ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك األمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــىً ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــوح مُ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـل ـ ـ ــة إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أي وادٍ أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت َت ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــلُ إذا
َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـ ــوايـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــه فـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــس ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا قِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــة األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار يـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـق ـ ـ ــل
ق ـ ـ ـ ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـي ـ ـ ــك كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـعـ ـ ــاق ـ ـ ـب ـ ـ ـتـ ـ ــي ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــر إال وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ي ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــلُ هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــك ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا آب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقً ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــدت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ،وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو اآلن مُ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن رق يُ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــه حـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــى رم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوالتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ــل ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ي ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أح ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــه ف ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزل ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيِّ َيـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــلُ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي بـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــك ي ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــو وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو م ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــرحٌ ف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــي إذا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَلُ اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
71
م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــت أزم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــازل ـ ـ ـ ـ ــة ـرك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزلُ إال ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــم أنْ ال غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ وال انـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــت بـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــن حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــن أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــره إ ّال وروح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيءٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ت ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــلُ وال َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــثَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهً ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـخ ـ ـ ـي ـ ـ ـل ـ ـ ـتـ ـ ــي إال ووجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك أب ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــى ح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــن َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــثِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوه ل ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مُ ـ ـ ـ ـ ــاحـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــه ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوره الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُر مُ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــلُ وي ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــوي ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ح ـ ـ ـ ـ ــاوتـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل أزهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــلُ ـوت ب ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــن أو ه ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت بـ ـ ــه فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإن خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــوم قـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــت أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وال ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــب نـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــلُ أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزالل وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح صـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــدة ن ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــاء وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـي وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرزخ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــب ال ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َء س ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــعُ ل ـ ــي إال ان ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــاري لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى عـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ِـك وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ َي ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــقُ ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــس م ـ ـ ـ ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــادُ م ـ ـ ـ ـ ـ ــن عَ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ــل وال َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى أصـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ـدرك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َء م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه خ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــلٌ ال يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــى يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــاه وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ـرف م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دام حـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــدهـ ـ ـ ــا ـس ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه ورضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادحُ الـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــلُ ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح ع ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــيَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن قـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـ ـ ـُ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارزه ـ ـ ـ ــا وويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح ق ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــيَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــا ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ 72
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ألن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن حـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــب تـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـح ـ ـ ــل
يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء رؤيُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه فـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ــم مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـِـ ـ ــلُ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ـارات عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــى هـ ـ ـ ـ ــدبـ ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود قـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ
ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال سـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــل ل ـ ـ ــه وي ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــلُ ـروس لـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــي ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد راح ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــل بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــلُ نـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــاجـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ِّر إن ح ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــت نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ت ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــو ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـن ـ ـ ـص ـ ـ ـقـ ـ ــلُ حـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــر داءً أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ُج ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا إذا زادت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ــل أحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــه إذا ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ِح ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــمً ـ ـ ـ ـ ـ ــا َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـت َيـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــلُ ِع ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــا ًبـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــس يُ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــل ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرةٌ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن عـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــك م ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــةٌ فـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــروح فـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــث أو فـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِـت ُتـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـذَلُ ـوى لـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــد هـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ُـت عـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى كـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــك غـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــث هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ً هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرةٌ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ أو أجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ؟
* شاعر من السعودية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
73
ليان ρρسما يوسف*
الروح ِ يا قطعةً مني ويا بعض ًا من سافرت بي نحو النوى ِ لآلهات ِ ورحلت ِ مجروح ِ ليتك لي تعيديني وقلبي غير ِ ال أستطيع البع َد عن عينيك ثانيةً وال أقوى الفراقَ المرَّ عنك مفضوحٌ صبري ِ مفضوح ِ ومالي عنك صبرٌ غيرُ يا قطعةً مني ويا وج َه الحياةِ الحلو الربيع ِ يا ور َد وزه َر غفواتي وتصبيحي الخمري ألقاني ّ في ثوبِ ِك وفِ ي ألعابِ ِك الالتي معي حن ّْت للروح ِ حنين الروح نامي هناك وفِ ي عيوني هاهنا نامي وفِ ي صدري وفِ ي كفي وتلويحي * شاعرة من السعودية.
74
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ρρحامد أبو طلعة*
تقولُ :أَلَمْ تَقْ بَلْ !؟ فقلت :وأَقْ بِ لُ ُ ض يَقْ بَلُ ! ليس واألقدا ُر تَعْ رِ ُ َ ومَ نْ فُ ِديتَ ،أجبني قلت :سمع ًا وطاعةً ُ ومَ نْ لَمْ يُ ِجب ِْك إذاً! وم ْثل ُِك ي َْسأَلُ ! ِ ألستَ ترى شَ عري َك َلي ٍْل سوادُ هُ!؟ فقلت: ُ اح َتلُكِ يْ .. بل ْ ف َل ْيل ُِك أَ ْليَلُ فكيف يكونُ ذا َ مُ قَا َرنَةٌ ِض ْيزَى ِ كموج البحرِ ) أرخى وأ َْسدَلُ ! ِ (ليل بـ ٍ وماذا عن البَدْ رِ التَّ مَ امِ !؟ تقولُ ليْ -فقلت لها: ُ عُ ذْ َراًَ ،فو َْجهُ ِك أَكْمَ لُ أليس تَمَ امُ البَدْ رِ يومٌ وآفلٌ !؟ َ ليس واهللِ َيأْفلُ ووجهُ ِك بَدْ ٌر َ وماذا عن الثَّ غْ رِ المُ خَ ِّض ِل لَونُهُ !؟ فقلت: ُ دَمَ ًا والثَّ غْ رُ أَدْمَ ى وأ َْخ َضلُ ُضرَةِ الخَ دَّ ي ِْن!؟ وعن ن ْ
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
كموج البحر) (ليل بـ ٍ ِ
75
قلت: ُ العيون وأ َْجمَ لُ ِ رَبِ يعُ هَا لعمريَ أ ْبهَى في وعَ ْينَيَّ !؟ قلت: ُ اهلل بَالِ غُ أمْ رِ هَ ا فلست إذا شَ َّبه َُت طَ ْر َفي ِْك أَعْ ِدلُ ُ وجِيْدُكِ الح ِّب يا حَ مَّ ا َل َة ُ ِجيْدُ هَ ا على ِجي ِْد ظَ ب ٍْي ال (أَعَ زُّ وأ َْطوَلُ ) فللهِ ِ ْمنْ ن َْحرٍ وممَّ ا ي َُشدُّ ُه ِ الج َّلنَار ِمنْ ُ السجَ نْجَ لُ ! َتَّقيْهِ َّ َفي ِ َاس ومنْ شَ هْ قَةِ األ ْنف ِ ِ حَ ي ُْث جَ مَ عْ تُ هَا مُ هَفْ َهفَة الب َْط َني ِْن والخَ ْصرُ أَعْ زَلُ السا َقي ِْن َي ْرتَجُّ فيهما ومنْ َتيْنِ ِك َّ ِ َاب في الحَ يِّ خَ لْخَ لُ على مَ ْشيَةِ األعْ ر ِ ْض بِ َقلْبِ هِ ومنْ شَ اعرٍ أَ ْودَى القَرِ ي ُ ِ وأ ْودَى بهِ ِشعْ َر ًا أَغَ رُّ مُ حَ َّجلُ ! * شاعر من السعودية.
76
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ρρجنود حسني*
تراودني فكرة االنتقام من حظي السيء الذي يرافقني في الحب وفي الكتابة الحظ الذي أقنعني بعد رحيلك أن أقتلع جذور حبك من داخلي.. حينها نعم تجاوزتك ..وعبرت حدودك.. انتفضت كاإلعصار ُ وبكل ما أوتيت من قوة وظننت نسيت عشقك المتّرع باألشواك و«نسيتك أنت» وما أن التقينا صدفة خانني الحظ وأوقعني فيك من جديد عدت واحتماالت الفراق كانت تلوح لي باألفق، عدت رغم ذكريات األمس التي كانت عكس رغبتي.
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
في داخلي نبضك لم يزل
أتعلم
أنا ال أعتب على قلبي بل على حظي الذي جعلني أُحلِّق نحو السماء وأنا أغني.. ومن ثم أسقطني تضعضعت» ُ «لكن ال تظن بأني أقسمت أن أتكئ على بقايا قوتي واقف بعد سقوطي. أقسمت بأن تكون نسيا منسيا وأتخذ من قلبك مسرحا لرقصتي.. وأن ألقي بسالسل قيدك من معصمي. لكن تذكر.. لم يبق لي من الماضي إال أنت والكثير من القصائد ..والقليل من الرسائل.. وحظي السيء الذي ما يزال يرافقني. * شاعرة من السعودية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
77
طواف الورد ρρمحمد عسيري*
ح ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـزَتْ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ األزم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ أجـ ـ ـ ـم ـ ـ ــلَ ت ـ ــذك ـ ــر ْه نـ ـ ـح ـ ــو ال ـ ـ ـخ ـ ـ ـلـ ـ ــودِ لـ ـ ـم ـ ــن يـ ـ ـ ـش ـ ـ ــا َء الـ ـ ـ ّت ـ ــذك ـ ــره وتـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ّتـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ْـت م ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـص ـ ـ ــائ ـ ـ ــدُ ن ـص ـف ـه ــا قـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــمٌ ،ونـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ٌـف يـ ـ ــرت ـ ـ ـج ـ ـ ـيـ ـ ــهِ ال ـ ـ ِـمـ ـ ـحـ ـ ـب ـ ــر ْه ـوك مَ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا ومَ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــازال عـ ـ ـ ـط ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ِ روض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ِمـ ـ ـنـ ـ ـب ـ ــر ْه ً وال ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ُـف الـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ّـاقُ ورد الـ ـ ـ ّـش ـ ـ ـفـ ـ ــا ورد الـ ـ ـ ـه ـ ـ ــدا ورد ال ـ ـهـ ــوى ورد الـ ـ ــتُّ ـ ـ ـقـ ـ ــى وال ـ ــمُ ـ ـ ـلـ ـ ـتـ ـ ـق ـ ــى ي ـ ـ ـ ــا ُس ـ ـ ــكَّ ـ ـ ــر ْه ـض كـ ـ ّلـ ـه ــا ص ـ ـ ـ ّلـ ـ ــى بِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــحُ الـ ـ ـ ـف ـ ـ ــرائ ـ ـ ـ َ وال ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــلُ أدن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه األري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجُ وأو َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ْه ـام ـ ـ ــهِ وال ـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ــنُ ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ فـ ـ ـ ـ ـ ــاح ِمـ ـ ـ ـ ـ ــن أ ْكـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِ لـ ـ ـ ــم يـ ـ ـقـ ـ ـت ـ ــرف ذ ْنـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ــا ،ولـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ـ ُـك مـ ـغـ ـف ــر ْه مـ ـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـح ـ ـ ـتـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوادي ي ـ ـ ـس ـ ـ ـيـ ـ ــلُ ص ـ ـبـ ــابـ ــةً والـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـي ـ ـ ــر يـ ـ ـ ـش ـ ـ ــدو وال ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــروجُ مُ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ِّـش ـ ـ ــر ْه مَ ـ ـ ــن ِمـ ـ ـ ْث ـ ــل ورد ال ـ ـطـ ــائـ ـ ِـف األبـ ـ ـه ـ ــى ا ّلـ ـ ــذي أع ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــى لـ ـ ــدول ـ ـ ـت ـ ـ ـنـ ـ ــا زِ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام الـ ـ ـ ّـس ـ ـ ـي ـ ـ ـطـ ـ ــر ْه أ ْنـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ــمْ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَردِ ال ـ ـ ـطـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ِـف األ ُزگـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ش ــذا أنـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــم بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ وب ـ ـ ـ ــدولـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـوِّر ْه 78
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ـال ع ـ ــام ـ ــةً مُ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـو َِّسـ ـ ـ ـ ـ ٌـط ِعـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ وت ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــيُّ ـ ـ ـ ـ ــزً ا مُ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ْـألِ ـ ـ ـ ـ ـ ًئ ـ ـ ـ ــا گـ ـ ــال ـ ـ ـجـ ـ ــوهـ ـ ــر ْه أي ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ لـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــا َل ـ ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ وقِ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــةٌ ووج ـ ـ ـ ـ ـ ــوه كـ ـ ـ ــل ال ـ ـخ ـ ـلـ ــق ت ـ ـض ـ ـحـ ــك مُ ـ ـسـ ـ ِـفـ ــر ْه مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء الـ ـ ـ ـ ـ ّـس ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــاب ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدور ُه وورود ُه وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوار م ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــة ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــداسَ ـ ـ ـ ــةِ ع ـ ـ ـ ـ َّـطـ ـ ـ ـ ـ َر ْه فـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ــهُ گ ـ ـ ـ ـ ــاألنـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاءِ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزَّ هٌ وع ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ــه م ـ ـ ـ ــا ات ـ ـ ـف ـ ـ ـقـ ـ ــت ق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــوب الـ ـ ـجـ ـ ـمـ ـ ـه ـ ــره وهـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدواءُ م ـ ـتـ ــى اشـ ـ ـتـ ـ ـك ـ ــى مـ ـ ـ ــن ِعـ ـ ـ ّل ـ ــةٍ أح ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ ،وج ـ ـ ـ ـ ــاء مـ ـ ـ ــن الـ ـ ـعـ ـ ـط ـ ــور ال ـ ـم ـ ـف ـ ـخ ـ ـ َر ْه ورف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــعُ كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ ف ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ــةٍ مـ ـ ـ ـ ـ ــن ذاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ خَ ـ ـ ـلـ ـ ـ َع ـ ــت عـ ـ ـل ـ ــى األنـ ـ ـ ـث ـ ـ ــى ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـا ًل م ـ ـظ ـ ـه ـ ـ َر ْه يـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ــن ق ـ ـط ـ ـفـ ــت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورد بـ ـ ـس ـ ــم ال ـ ـ ـحـ ـ ــب ه ــل راع ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــت روح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورد حـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــرغـ ـ ـ ــر ْه أنـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــت ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا واب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدأت بـ ـ ــإث ـ ـ ـمـ ـ ــه ـرف ق ـ ـ ـ ـ ــد تـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــال الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـف ـ ـ ــر ْه فـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــأي عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوردُ ي ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــقُ مـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ــهُ ل ـ ـ ـغـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ُّـس ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ِّو ف ـ ـ ـمـ ـ ــن س ـ ـ ـي ـ ـ ـقـ ـ ــر ُأ أس ـ ـ ـطـ ـ ــر ْه * شاعر من السعودية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
79
وقال في صباه ρρمجدي الشافعي*
ي ـ ـ ــا ح ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ َر ال ـ ـ ـ ـ ـ ــرأي ب ـ ـيـ ــن الـ ـ ـ ــوصـ ـ ـ ـ ِـل وال ـ ـص ـ ـ ـ ـ ِـد ُعد ـش فــي ُضحى الــقُ ـ ـر ِْب أو مُ ـ ْـت فــي دجــى الب ِ ِعـ ْ ِص ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ مَ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود ُه أو ِم ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ عـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ــودَتِ ـ ـ ـ ـ ــهِ إن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــرد َد م ـ ـ ـه ـ ـ ـمـ ـ ــا طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ال يُ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ــدي ـوف أرى ي ـ ــا م ـ ــن ت ـ ـقـ ــول غ ـ ـ ـ ـ ــد ًا ف ـ ــي األمـ ـ ـ ـ ــرِ س ـ ـ ـ ـ َ ـاح م ـ ـ ــن الـ ـ ـتـ ـ ـس ـ ــوي ـ ــف تـ ـسـ ـتـ ـج ـ ـ ــدي أي ال ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ِ ُّ ـردّدِ هِ مـ ـ ـ ــا زل ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ والـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ُـب ي ـ ـش ـ ـقـ ــى فـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرتَ بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ َورْدِ ْك إنْ ِ ّ تـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـت ــذك ــرُ ال ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـو َ ب ــه أراك ت ـ ـ ـس ـ ـ ـعـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــزمٍ إن أردتَ َ تـ ـ ـسـ ـ ـم ـ ــو فـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـوَهْ ـ ـ ـ ِـد أ ْو ت ـ ـ ــدن ـ ـ ــو فـ ـلـ ـلـ ـنـ ـج ـ ـ ـ ِـد يـ ـ ـ ــا أيـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ــراغـ ـ ـ ـ ـ ُـب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َوّاحُ فـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ٍـل وأيـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ــراهـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َداءُ ب ـ ـ ــال ـ ـ ـ ِ ّـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد ـاك اعـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـق ـ ـ ــادٌ ال يـ ـ ـخ ـ ــالِ ـ ـ ُـط ـ ــهُ هـ ـ ـ ـ ــلْ ف ـ ـ ــي ُت ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ َ _ إذا نـ ـ ــويـ ـ ــت ج ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــادً ا ..شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـك مُ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َت ـ ـ ـ ـ ِ ّـد ف ـ ـ ـمـ ـ ــا ان ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاعُ أخ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ــدنـ ـ ـ ـي ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاظ ـ ـ ــرِ هِ ـض بـ ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ َو ِّد إذا اسـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــوى لـ ـ ـ ـ ـ ــهُ مُ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٌ ّ قـ ـ ــد حـ ـ ـ ـ ــا َر ط ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ِـك فـ ـ ـ ــي أَمْ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ِـن ب ـي ـن ـه ـمــا ـس الـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـرْقَ بـ ـي ــن ال ـ ـ ـغـ ـ ـ ِ ّـي وال ـ ــرُ ْش ـ ـ ـ ـ ـ ِـد م ـ ــا يـ ـطـ ـم ـ ُ 80
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ـاك إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ّ َتـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ــي رَغَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب و َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ دَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـوف ب ـ ــال ـ ــحَ ـ ـ ِ ّـد ـك ن ـ ـ ــواه ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ِ َف ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ـ َ ـف ال ــمَ ـ ْن ــعُ ِمـ ــنْ زُهْ ـ ـ ِـد ف ــا --عـلــى ال ـ ُب ــعْ ـ ِـد -خَ ـ ـ ـ ّ َ ـف ال ـ ـ َدفـ ــعُ مـ ــن و َْج ـ ـ ِـد وال -ع ـلــى الـ ــقُ ـ ـرْب َِ -كـ ـ ـ ّ َ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ـك عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـم ـ ـ ــا تـ ـ ــرت ـ ـ ـجـ ـ ــي رَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب فـ ـ ـك ـ ــم َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَى بـ ـ ـ ـ ـ َ ـوق ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــوِ رْدِ ـك دواعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ِ ف ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــازَعَ ـ ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ ـ َ
وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت بـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـهـ ـ ـم ـ ــا إنْ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـك بـ ـيـ ـنـ ـهـ ـم ــا َو َددْتَ أنْ ت ـ ـج ـ ـم ـ ـ َع الـ ـسـ ـيـ ـفـ ـي ـ ِـن فـ ـ ــي ِغ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ِـد ـك قـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرت ـ ـ ــهِ بـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ـ ـ ـ ــذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ سـ ـ ـ ـ ـ ّ َي ـ ـ ـ ــان ع ـ ـ ـنـ ـ ــده مـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـنـ ـ ـج ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ـ ــردِ ي ـأن ح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــر َتـ ـ ـ ـ ــهُ أع ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ب ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ َر َتـ ـ ـ ــهُ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َ حـ ـ ـت ـ ــى ب ـ ـ ـ ــدا ل ـ ـ ــه مَ ـ ـ ـ ـ ــنْ ي ـ ـ ـغـ ـ ــوي َكـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــنْ َيـ ـ ـه ـ ــدي ومَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ لـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ــهِ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعٍ بـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـف ـ ـ ــتِ ـ ـ ــهِ فـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ــس ي ـ ـ ـع ـ ـ ـلـ ـ ــمُ م ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـخـ ـ ـف ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـبـ ـ ــدي ي ـ ــا الـ ـ ـحـ ـ ـل ـ ــو ُة ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ّ َر ُة ال ـ ـم ـ ـض ـ ـطـ ـ ُّـر ق ــاص ــدُ ه ــا رك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل ع ـ ـ ـس ـ ـ ـيـ ـ ــرٍ مُ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ٍـك مُ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي م ـ ـي ـ ـلـ ــي إل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـك ك ـ ـم ـ ـي ـ ـلـ ــي ع ـ ـ ـنـ ـ ـ ِـك لـ ـ ـ ــي سـ ـكـ ـ ًب ــا ح ـ ـ ـلـ ـ ــوً ا مـ ـ ــن الـ ـ ـ ِـص ـ ـ ـ ْبـ ـ ــرِ أو مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّرا مـ ـ ــن الـ ـشـ ـه ـ ِـد ـوى مـ ـ ــا ب ـ ـيـ ــن ذاك وذا لـ ـ ــي فـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــرادِ هـ ـ ـ ً ـضـ ـ ـ ـ ِ ّـد إذا هَ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت بـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ـ ـ ــرٍ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ل ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ِ ّ ـاك ي ـ ـ ـس ـ ـ ـبـ ـ ــحُ ب ـ ـ ـيـ ـ ــن ال ـ ـ ـفـ ـ ــرقـ ـ ــديـ ـ ــن ف ــا م ـ ـ ـض ـ ـ ـنـ ـ ـ ِ ـأي سـ ـ ـن ـ ــا ال ـ ـن ـ ـج ـ ـم ـ ـيـ ــن يـ ـسـ ـتـ ـه ــدي ي ـ ـ ـ ـ ــدري ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــرِ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّبـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردده ـوج فـ ـ ـ ــي ح ـ ــالـ ـ ـتـ ـ ـي ـ ــهِ الـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــزرِ وال ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ ّـد ك ـ ـ ــالـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــزمُ ي ـ ـ ـ ــدف ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ــهُ وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمُ ي ـ ـ ـم ـ ـ ـنـ ـ ــعُ ـ ـ ــهُ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــازعـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه كـ ـ ـ ـ ـ ــا األمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن بـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
81
ـش ي ـ ـ ــأم ـ ـ ــرُ ُه ـرص يـ ـ ـنـ ـ ـه ـ ــا ُه ع ـ ـ ـ ّ َـم ـ ـ ــا الـ ـ ـطـ ـ ـي ـ ـ ُ ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ُ ومـ ـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ــوى طـ ـ ــاعـ ـ ــة ال ـ ـح ـ ـك ـ ـم ـ ـيـ ــن مـ ـ ـ ــن ُبـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد َف ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمُ رَهْ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ــهِ ن ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـي ـ ـ ــهِ ع ـ ـ ـ ـ ــنْ عُ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ٍـد وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمُ رَغْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ داعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ل ـ ـ ـل ـ ـ ـ َعـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ِـد َق ـ ـ ـ ـ ــدْ سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُه ِمـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ِـك م ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ــدْ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ُه ف ـش ـك ــى طـ ـ ـ ـ ـ ـ ــولَ اإلق ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ــةِ بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــنَ األخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذ وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ِ ّّد ـك م ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ــدْ سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُه فـ ـبـ ـك ــى وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ُه ِمـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ َ ـصـ ـ ِـد مـ ــن ح ـ ـيـ ــرة الـ ـقـ ـل ـ ِـب بـ ـي ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـر ِْط وال ـ ـ َقـ ـ ْ َكـ ــمْ َصـ ـ ّ َيـ ـ َر ْت ــهُ االم ــان ــي _ حـيــن ِطـ ـ ـرْنَ ب ــه يهفو ـص ـ ـ ـ ِـد!! ـض الـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ْ ل ـ ـمـ ــا ع ـ ـ ـنـ ـ ــهُ ي ـ ـج ـ ـفـ ــو _غـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ َ وم ـ ـ ـ ــا َل ـ ـ ـ ــهُ م ـ ـ ـنـ ـ ـ ِـك ف ـ ـ ــي دن ـ ـ ـيـ ـ ــا الـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـي ـ ـ ــامِ س ـ ــوى ُبـ ـ ــعْ ـ ـ ــدٌ عـ ـل ــى ال ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـر ِْب أو قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٌْب عـ ـل ــى ال ـ ـ ُبـ ــعْ ـ ـ ِـد ***
م ـ ـ ـ ــأس ـ ـ ـ ــو ُر ُحـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـبـ ـ ـ ـ ـ ِـك َيـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـقـ ـ ــى دونَ غـ ـ ــا َيـ ـ ــتِ ـ ـ ــهِ ـط وال شَ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد ي ـ ـب ـ ـقـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـر ِّحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاْلُ بـ ـ ـ ــا حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍّ بـ ـ ـي ـ ــن الـ ـ ــمُ ـ ـ ـنـ ـ ــى وال ـ ـ ـم ـ ـ ـنـ ـ ــايـ ـ ــا ال َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزاْلُ َلـ ـ ـ ــهُ ـوت ف ــي ال ــمَ ــهْ ـ ِـد م ـثــل الـ ـ َعـ ـ ْي ـ ِـش ف ــي ال ـ ّ َل ـ ْـح ـ ِـد الـ ـم ـ ُ ول ِك إمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ لـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َن ـ ـ ـ ـ ــهُ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ّ َ ـص ـ ـ ـ ِـد ال ي ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ُّـر بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ــمٌ ال ـ ـ ـ ـ ــى َق ـ ـ ـ ْ ـوعـ ـ ـ ـ ــدٌ ب ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ــردى فـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ِـس ي ـ ــرقـ ـ ـ ُب ـ ــهُ تـ ـ ـ ـ ـ ُّ وم ـ ـ ـ ــوع ـ ـ ـ ــدٌ بـ ـ ــال ـ ـ ـنـ ـ ــدى ي ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ــو ُه ف ـ ـ ــي الـ ـ ــسَ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـد ـوت أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد َر فِ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــهِ مـ ـ ـ ــا َت ـ ـ ـ ـ ـ ـو ّ ََع ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ُه ال ال ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ُ وال ال ـ ــمُ ـ ـ ـن ـ ــى أ ْنـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـزَتْ مـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ــانَ ِمـ ـ ـ ـ ــنْ وَعْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد 82
* شاعر من السعودية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ρρمحمد فقيهي*
ال ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــاك ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــونُ جـ ـ ـ ـن ـ ـ ــوبـ ـ ـ ـ ًا حـ ـ ـيـ ـ ـثـ ـ ـم ـ ــا انـ ـ ـكـ ـ ـس ـ ــرا
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
الساكنون جنوب ًا ق ـ ـل ـ ـبـ ــي وح ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ُـث أذاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مُ ـ ـه ـ ـج ـ ـتـ ــي ح ـ ـجـ ــرا وحـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُـث ض ـ ـ ـ َّـج ـ ـ ـ ْـت ح ـ ـيـ ــاتـ ــي واس ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــوى ق ـل ـق ــي ول ـ ـ ـ ــقَّ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــزنُ فـ ـ ـ ــي أس ـ ـ ـمـ ـ ــاع ـ ـ ـنـ ـ ــا ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَرا ْف م ـ ـح ـ ـبـ ــرتـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ــرونَ خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواءً ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز َ ال ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــاركـ ـ ـ ـ ــونَ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ًا ل ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــدْ أ َثـ ـ ـ ـ ـ ــرا الـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـط ـ ـ ــونُ ل ـ ـق ـ ـل ـ ـبـ ــي جـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َح فـ ـ ــرقـ ـ ــتِ ـ ـ ــكُ ـ ـ ــمْ الـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ــونَ وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًال كـ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا خـ ـ ـط ـ ــرا ـان لـ ـ ـ ــو عُ ـ ـ ـ ـ ــرِ جـ ـ ـ ـ ـ ُـت ب ـه ــا تـ ـ ـ ــركـ ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ـيـ ـ ـك ـ ــمْ مَ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ٍ إل ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ّ َـسـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــاءِ ُب ـ ـ ـ ـ ـرَاق ـ ـ ـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ــم أج ـ ـ ـ ـ ــدْ خ ـ ـ َبـ ــرا أض ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــونَ ب ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـع ـ ـ ـنـ ـ ــى يُ ـ ـ ــشَ ـ ـ ــكِّ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ــكُ ـ ـ ــم وت ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــونَ ب ـ ـ ـمـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ــد أشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــلَ الـ ـ ـسـ ـ ـح ـ ــرا أش ـ ـ ـكـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ــا َم وهـ ـ ـ ـ ـ ــذا ال ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ــلُ يُ ـ ـخ ـ ـبـ ــرنـ ــي أنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــدو َر حـ ـ ـ ـ ـ ــوتْ ل ـ ـ ـي ـ ـ ـ ًا أشـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ عُ ـ ـ ـ ـ ـرَى أ ُِخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذْ ُت عـ ـ ـ ـ ِّن ـ ـ ــي وم ـ ـ ـ ـ ِّنـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ـ ــي ف ـ ـلـ ـ ٍـك م ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ــدَّ ل ـ ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُه ي ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ًا ومـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـظ ـ ــرا
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
83
ـس ال ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاءِ ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ال ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــو َن أذرعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ عـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ َ ص ـ ـب ـ ـح ـ ـ ًا إل ـ ـي ـ ـكـ ــمْ وأس ـ ـ ـ ـ ــري حـ ـ ـي ـ ـ ُـث َث ـ ـ ـ ــمَّ ُسـ ـ ــرى مـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ٌـت ق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ٌـق ص ـ ـ ـم ـ ـ ـتـ ـ ــي ضـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـي ـ ـ ــجُ أس ـ ـ ــى أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارعُ ال ـ ـ ــري ـ ـ ــحَ كـ ــال ـ ـغ ـ ـصـ ـ ِـن الـ ـ ـ ـ ــذي كُ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـرَا ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــودٌ لـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــمْ ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َع أغ ـ ـل ـ ـب ـ ـهـ ــا ومـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـبـ ـ ــقّ ـ ـ ــى يُ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرُ الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــمَّ والـ ـ ـ ـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ــدرا َف ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ــارقـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــراق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ال وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ب ـ ـ ــهِ ـراق ش ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاءٌ لـ ـ ـ ـل ـ ـ ــذي َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدرَا ـض الـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ِ بـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُ ـأس ل ـ ـ ـ ــو تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرونَ مُ ـ ـ ـجـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ــةٌ وغـ ـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ـ ــةُ ال ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِ ـوس ف ـت ـج ـل ــي ِمـ ـ ـ ْن ـ ــهُ م ـ ــا اس ـت ـت ــرا ض ـ ـيـ ــقَ ال ـ ـن ـ ـفـ ـ ِ
ـف يـ ـ ــأسـ ـ ــي جـ ـ ـ ــاءنـ ـ ـ ــي َقـ ـ ـ ـ ـ ــدر ًا ـص يـ ـ ـ ــوسـ ـ ـ ـ َ قـ ـ ــمُ ـ ـ ـيـ ـ ـ ُ ـول لـ ــي قُ ـ ـ ـ ـ ِـدرَا ـرج الـ ـمـ ـحـ ـم ـ ِ عـ ـل ــى خـ ـط ــى ال ـ ـ ـفـ ـ ـ ِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــارم ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُه وج ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــي وخـ ـ ـ ـ ـ ّل ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ــي أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُّ ب ـ ـ ــهِ ـأس لـ ـ ــي ب ـص ــرا عـ ـ ـطـ ـ ـ َر الـ ـ ـحـ ـ ـي ـ ــاةِ يُ ـ ـ ِـعـ ـ ـي ـ ــدُ الـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُ * شاعر من السعودية.
84
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ρρبلقيس امللحم*
من قال بأن للكمة قوة مطارق الحديد؟ أو بأن لها صوتًا يشبه صوت تدفق الماء وهو ينزلق بداخلي بكل رفق؟ إنها تشبه األجسام غير المرئية .الذرات والحيوات التي تعبث بعقل اإلنسان فتنيره أو تغشى عليه .تغير مجرى الدم في العروق ،وطعم الماء في الفم ،وحجم الهواء الذي يمأل رئتيك ،أو ربما تسلبك الحياة في لحظة! مسكوب؟ ٍ فكيف يا أسعد ال أبكي على لبن كنت أراه السراج في ظلمة الروح.. والرائحة الزكية في ثياب العزلة.. بياضا. والحب الحقيقي حين يتلون ..فيأبى أن يكون إال ً نعم أبكي. كمن خذلتهم الحياة في منتصف الطريق ،وصارت خلفهم بمسافات طويلة حتى محيت آثار أقدامهم .فال الذكريات تشفي ،وال الشكوك وال القصائد وال الكالم المنمق وال حتى صوت ناي حزين. منظر اللبن المسكوب له صوت الصرخة األخيرة ،والحيرة الصامتة ،والنداء الغريب ..إنه يحرق فؤادي ويذكرني دائم ًا بشكل منجل الموت وهو يقول كلمته بضربةٍ واحدة. أبكي أمام الحليب المسكوب عاجزة عن فعل أي شيء .وكأن الموتى هم من يديرون هذا العالم! أال ترى بأنهم يتحكمون حتى في مناماتك؟ فيأخذونك إلى سماواتهم الشاسعة وأراضيهم العميقة وعوالمهم الخاصة .ومن حيث ال تدري ،يجبرونك للحديث عن
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
يوما على لبن مسكوب؟ هل بكيت ً
85
قصص ول َّْت وانتهت. لكنها لم تنته بالنسبة إليهم. إنهم يشاركونك الفكرة التي تطاردها ،والكلمة التي خرجت منك بصعوبة. حتى الحبيبة أو سمِّ ها إن شئت اللبن الذي اندلق على رخام األيام .إنهم يحضرون سطل الماء والمنشفة لتغسل روحك وتبكي معهم! من يواسي فؤاد المحروم إذا تمزَّ ق وصار خاليً ا؟ من يجمع طعم الحالوة في فم يبس منذ زمن بعيد حتى استحال إلى صخرة مائلة؟! ألم يكن كأس اللبن في يدي؟ لقد شربني حتى الثمالة وشربتُ ه .فما الذي بقي منه كي ينسكب؟ أهي أيام الحرب التي أوهمونا بأنها ستمضي سريعً ا! أم أن القدر قال كلمته فأرانا رسم خط أيدينا متشابكة؟ وأنت أيها الكأس أما زلت تنزُّ حبًا؟ أقول للدمعة التي تجري: بك ال الشاي. الحليب َ بك ال األزرار. القميص َ بك ال الموسيقى. الصوت َ وابك معي .فللدموع بقع ال تُمحى وال تجف. تعال إذً ا أسند رأسك على كتفي ِ أال ترى كيف فعل بنا هذا اللبن؟!
86
* شاعرة وقاصة من السعودية. ( )١العنوان مقتبس من أحد تغريدات الصحفي أسعد طه وقد جاء النص منبثقًا منها. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ρρعيادة خليل العنزي*
أس ـ ـ ـ ــال عـ ـ ـط ـ ــرٌ أم اش ـ ـتـ ــاقـ ــت م ـ ـسـ ــاءاتـ ــي أم ش ــدن ــي ال ـح ـس ــن ف ــي ت ـل ـح ـيــن أب ـيــاتــي أم الـ ـ ـجـ ـ ـم ـ ــال ال ـ ـ ـ ـ ــذي روّى م ـخ ـي ـل ـت ــي ـاءات حـ ـ ـت ـ ــى تـ ـ ـعـ ـ ـطـ ـ ـش ـ ـ ُـت ح ـ ـ ـ ـ ًّبـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ِ ِّـل ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ِ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
قولوا لها...
أم ال ـ ـ ـهـ ـ ــدوء ب ـ ـجـ ــوف الـ ـلـ ـي ــل أحـ ـض ــره ــا عـ ـ ـن ـ ــدي ل ـ ـكـ ــي أرت ـ ــويـ ـ ـه ـ ــا مـ ـ ــن خـ ـي ــاالت ــي ـوف لـ ـس ــت أج ـه ـل ـه ــا أم ع ــانـ ـقـ ـتـ ـن ــي طـ ـ ـي ـ ـ ٌ أم م ـ ـ ــن كـ ـ ـ ـ ـ ــامٍ ب ـ ـ ــه سـ ـ ـح ـ ــر ال ـ ـ ـع ـ ـ ـبـ ـ ــارات أهـ ـ ـك ـ ــذا الـ ـ ـش ـ ــوق ي ـش ـق ــي قـ ـل ــب ص ــاح ـب ــه ي ـل ـق ـيــه ن ـح ــو اغـ ـ ـت ـ ــراب ال ـق ـل ــب و ال ـ ــذات أهـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــذاِ ،ألنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي صـ ـ ـ ـ ـ ــرت أع ـ ـش ـ ـق ـ ـهـ ــا م ـ ــن ه ـج ـع ــة الـ ـلـ ـي ــل ت ـل ـق ـي ـن ــي ل ـش ــدات ــي وع ـ ـ ـنـ ـ ــدهـ ـ ــا خ ـ ـ ـبـ ـ ــري أن ـ ـ ـ ــي أه ـ ـ ـيـ ـ ــم ب ـه ــا وأنـ ـ ـ ـط ـ ـ ــوي ن ـ ـحـ ــوهـ ــا فـ ـ ــي كـ ـ ــل أوق ـ ــات ـ ــي أهـ ـ ـك ـ ــذا ال ـ ـحـ ــب م ـ ــن يـ ـصـ ـط ــاد ي ــؤل ـم ــه ف ـ ـت ـ ـب ـ ـتـ ــدي فـ ـ ـي ـ ــه ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورات ال ـ ـ ـجـ ـ ــراحـ ـ ــات إذً ا ف ـ ـمـ ــا هـ ـ ــي أخ ـ ـ ـبـ ـ ــار الـ ـ ـت ـ ــي رحـ ـل ــت ب ـ ـح ـ ـثـ ـ ُـت عـ ـنـ ـه ــا ف ـ ـغـ ــابـ ــت فـ ـ ــي مـ ـ ــداراتـ ـ ــي وسـ ـ ــامـ ـ ــرت ـ ـ ـنـ ـ ــي بـ ـ ــأحـ ـ ــامـ ـ ــي وقـ ــاف ـ ـي ـ ـتـ ــي واسـ ـت ــرسـ ـل ــت فـ ــي عـ ــذابـ ــي واخـ ـتـ ـب ــارات ــي ق ــول ــوا ل ـم ــن هـ ــزَّ ع ــرش ــي أن يــواص ـل ـنــي وي ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــرق ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادا ف ـ ـ ـ ـ ــي زي ـ ـ ـ ـ ــارات ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ــول ـ ــوا لـ ـه ــا م ـ ــا انـ ـ ـط ـ ــوى هـ ـ ــمٌّ ب ـم ـق ـل ـتــه ـرات إال م ـ ــن الـ ـ ـح ـ ــزن م ـ ــن بـ ـع ــد ال ـ ـم ـ ـسـ ـ ِ اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
87
وأخ ـ ـبـ ــروهـ ــا بـ ـم ــا فـ ــي الـ ـقـ ـل ــب مـ ــن وج ــع وأن ق ـ ـل ـ ـبـ ــي ذوى مـ ـ ـ ــن فـ ـ ـ ـ ــرط أن ـ ــات ـ ــي وب ـ ـ ـل ـ ـ ـغـ ـ ــوهـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ــأن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح تـ ـعـ ـشـ ـقـ ـه ــا وعـ ـ ـن ـ ــده ـ ــا حـ ــاج ـ ـتـ ــي بـ ـ ــل كـ ـ ــل ح ــاج ــات ــي ومـ ـ ــا اس ـ ـ ـتـ ـ ــراح وطـ ـ ـ ــول الـ ـهـ ـج ــر أح ــزن ــه حـ ـ ــزن الـ ـنـ ـه ــاي ــات فـ ــي ذك ـ ـ ــرى الـ ـب ــداي ــات لـ ـعـ ـلـ ـه ــا فـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ــروف ال ـ ـش ـ ـعـ ــر تـ ـق ــرأن ــي وت ـ ـ ـقـ ـ ــرأ ال ـ ـ ـشـ ـ ــوق عـ ـ ـن ـ ــدي فـ ـ ــي ع ـ ـبـ ــاراتـ ــي أص ـ ـ ـ ـ ـ ــار كـ ـ ـ ــل ق ـ ـ ـضـ ـ ــائـ ـ ــي ب ــابـ ـتـ ـس ــامـ ـتـ ـه ــا وصـ ـ ـ ـ ـ ــار ع ـ ـ ـمـ ـ ــري ره ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـاً الب ـ ـت ـ ـسـ ــامـ ــات أنـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـت ـ ـيـ ــل وث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأري عـ ـ ـن ـ ــد ط ـل ـع ـت ـه ــا مـ ــن ي ــأخ ــذ ال ـ ـثـ ــأر مـ ــن أبـ ـه ــى ال ـ ـغـ ــزاالت عـ ـشـ ـقـ ـتـ ـه ــا قـ ـ ـب ـ ــل أن تـ ـ ــرتـ ـ ــد مـ ـقـ ـلـ ـتـ ـه ــا قـ ـب ــل الـ ـ ـص ـ ــدى بـ ـع ــد إرس ـ ـ ـ ــال ال ـ ـ ـنـ ـ ــداءات أنـ ـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـب ـ ـل ـ ـهـ ــا ع ـ ـ ـبـ ـ ــدٌ ي ـ ـه ـ ـيـ ــم رض ـ ــا وب ـ ـعـ ــدهـ ــا ص ـ ـ ــرت مـ ـجـ ـه ــول الـ ـحـ ـك ــاي ــات إن زارنـ ـ ـ ـ ــي ط ـي ـف ـه ــا حـ ـلـ ـق ــت ف ـ ــي ل ـغ ـتــي وفـ ـ ـ ــي دمـ ـ ــوعـ ـ ــي وفـ ـ ـ ــي إخ ـ ـ ـمـ ـ ــاد ث ـ ــورات ـ ــي ف ــأجـ ـع ــل الـ ـ ـش ـ ــوك وردً ا ف ـ ــي م ـخ ـي ـل ـتــي وال ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ــل أجـ ـ ـعـ ـ ـل ـ ــه صـ ـ ـب ـ ــح الـ ـ ـمـ ـ ـس ـ ــرات أري ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ــا وأريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـعـ ـ ـط ـ ــر ف ـ ـ ــي يـ ــدهـ ــا ك ـ ـ ـمـ ـ ــا أريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد شـ ـ ـ ــذاهـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـيـ ـ ــن غ ـ ــاب ـ ــات ـ ــي أوه ـ ـ ـيـ ـ ــت مـ ـ ــن م ـ ـق ـ ـلـ ــةٍ فـ ـيـ ـه ــا ُتـ ـج ــمِّ ـ ـلـ ـه ــا وم ـ ـ ـ ــن طـ ـ ـ ـل ـ ـ ــوعِ ك ـ ـ ـبـ ـ ــدر ف ـ ـ ــي الـ ـ ـسـ ـ ـم ـ ــاوات إن لـ ـ ـ ــم ُتـ ـ ـج ـ ــمِّ ـ ـ ـعـ ـ ـن ـ ــا أق ـ ـ ـ ـ ــدارن ـ ـ ـ ـ ــا فـ ــأنـ ــا س ـ ــأنـ ـ ـط ـ ــوي فـ ـ ــي عـ ـ ــذابـ ـ ــي وابـ ـ ـت ـ ــاءات ـ ــي * شاعر من السعودية.
88
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
■ ترجمة :دايس محمد*
ـوات ..فــي واح ــدةٍ مــن زيــاراتــي لمدينة نـيــويــورك ،وج ــدت نفسي قبل بضع س ـنـ ٍ في محادثةٍ مثيرةٍ مع سائق سيارة أجــرة ،أجد اآلن صعوبةً في تذكّر اسمه ،غير أني أتذكر أنه أخبرني أنه باكستاني ،سألني حينها من أين أنا ،فأجبته بأني من إيطاليا ،وكان متفاجئ ًا ألن تعداد سكان إيطاليا قليل وأننا ال نتحدث االنجليزية، بعدها باغتني بالسؤال التالي :من هو عدوكم؟ ونظر ًا لرد فعلي فقد بدأ يشرح سؤاله بصبرٍ بأنه يــود معرفة العدو الــذي نقف ضــده ونقاتله على مر العصور، أسباب ٍ بأراض تاريخية ،أم لصراعٍ عرقي ،أم ترسيم الحدود ،أو أي ٍ سواءً للمطالبة أخرى ،أخبرته أننا لسنا في حالة حرب مع أحد .لم يرق له جوابي ،فبدأ يستفسر من جديد بأنه يود معرفة أعدائنا التاريخيين ،أولئك الذين يريدون قتلنا ونريد حرب شاركنا فيها كانت الحرب قتلهم ،أعدت عليه بأننا ال نملك أعداءً ،وأن آخر ٍ جانب وانتهينا في الجانب اآلخر ،لم يكن ٍ العالمية الثانية ،إذ بدأنا الحرب في لبلد ما أال يملك ع ــدواً ،حينما خرجت من السيارة راضـيـ ًا عن إجابتي ،فكيف ٍ كتعويض عن البالدة اإليطالية المحبة للسالم ،بعدها ٍ تركت له دوالرين بقشيش ًا بقليل فقط تنبهت كيف كــان يجب أن أجيب ،فنحن ال نملك أعــداء خارجيين ٍ وبشكل ٍ أو باألصح لسنا قادرين على تحديد من هم هؤالء األعــداء؛ وذلك ألننا متواصل في حالة حــرب داخلية ،مث ًال بيزا ( )Pisaضد لوكا ( ،)Luccaوغلفس ( )Guelphsضد غيبلينس ( ،)Ghibellinesوالشمال ضد الجنوب ،والفاشيون ضد اليسار ،والمافيا ضد الدولة ،وحكومة بيرلسكوني ضد السلطة القضائية ،من المؤسف أن الحكومتين اللتين تزعمهما رومانو برودي لم تسقطا بعد ،وإال لكان من الممكن لي أن أشرح للسائق معنى أن تخسر الحرب بنيران صديقة. كلما أمعنت النظر فــي محادثتنا تلك أص ـ ُل إلــى النتيجة ذاتها وهــي أن من سوء حظ إيطاليا طــوال السنوات ـدو حقيقي، الستين الماضية غياب عـ ٍ
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
ابتكار العدو أمبرتو إيكو
فتوحيد إيطاليا كــان مــرده مع الشكر لوجود االمبراطورية النمساوية ،أو على حــد وصــف جيوفاني بيرشي :نتيجة اإلزعاج الجيرماني ،لقد كان موسوليني اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
89
ق ــادراً على االستمتاع بدعم الجماهير له حينما وصف االنتصار القاسي في الحبشة بانتقام إيطاليا على الهزيمة المذلة في معركتي جوندت وعــدوة ،وأن اليهود أقلية ثرية تسيطر على الدولة وتسعى كما يدّعي لظلمنا ،لننظر إلــى ما حــدث في الواليات المتحدة حينما اختفت امبراطورية الشر، وبــدأ االتحاد السوفييتي العظيم بالتفكك، كانت أميركا في خطر فقدان هويتها حتى جاء بن الدن -مع العرفان لخدماته المقدمة في قتاله ضد السوفيات -وم ّد يده الرحيمة مما أعطى لبوش فرصة ابتكار أعداء جددا؛ مما قـوّى الشعور بالهوية الوطنية ،وكذلك سلطة إدارته. عدو ليس مهماً من أجل تعريف إن وجود ٍ هويتنا فقط ،بل لوضع عوائق يتم من خاللها تحليل منظومة قيمنا والتغلب عليها ،وكذلك استعراض هذه القيم ،لذا ..ففي حال غياب العدو يجب علينا أن نوجده ،وجدي ٌر بالذكر بشكل ال ٍ أن عملية ابتكار العدو هذه مرن ٌة يضاهى ،ففي حالة فوضويي فيرونا يكفي ـص أن يــقــول بــأنــه ال ينتمي لهم أي شــخـ ٍ حتى يكون عدوهم ،غير أننا ال نهتم كثيراً بالظاهرة التي تكاد تكون طبيعي ًة في تعريف العدو ،إنما في العملية التي يتم من خالل ابتكار هذا العدو وشيطنته.
90
في خطاباته ضد لوشيوس كاتالين لم يكتف قنصل روما شيشرون بإقناع مجلس ِ عدو تمثّل بكاتالين طالما هو الشيوخ بوجود ٍ يمتلك أدلة إدانته بالتآمر ،بل قام بتوسيع دائرة األعداء لتشمل أصدقاء األخير ،فقد اتهمهم بــاالنــحــال األخــاقــي إضــاف ـ ًة إلى اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
التآمر ،وقاصداً تفريقهم عن بقية الرومانيين وصفهم بأنهم «متخمون وسكارى يقضون أوقاتهم في أحضان نساء منحالت أخالقياً، يتوجون رؤوسهم بأكاليل الغار ،ويتجشأون بكلماتهم ،ويـ ــرون أن جميع المواطنين الطيبين يجب قتلهم ،وأن المدينة يجب أن دائم بشكل ٍ ٍ واحد منا يراهم ٍ تأكلها النار ،كل وواضح ،أشكالهم ومالمحهم جميلة ،ولحاهم مشذب ٌة بشكل جيد ،ويرتدون ألبس ًة تسترهم حتى أقــدامــهــم ،إنــهــم يــحــاولــون مــن خالل مظهرهم هذا ستر حقيقتهم ،فهؤالء الشباب بارعون جداً ،غير أنهم لم يتعلموا كيف يحبون ويُحبون ،وال كيف يغنون ويرقصون فقط، بــل تعلموا أيــضـاً كيف يــزرعــون خناجرهم ببراعة ،وكيف يستخدمون السم للقتل»، إن الحكم األخالقي لشيشرون يقترب من الحكم األخالقي للقديس أوغسطين الذي فـرّق بين المسيحي والوثني ،حيث األخير يحضر عروض السيرك والمسارح والمدارج، ويحتفل بطقوس العربدة ،فاألعداء مختلفون عنا ويمتلكون تقاليد تختلف عن تقاليدنا. إن الــصــورة المصغرة لالختالف تتمثل بالغريب األجنبي ،ففي الــعــرف الروماني ا ملتحياً أفطس كانت صــورة البربري رجـ ً األنف ،وكما هو معلوم ،فإن كلمة بربري في خلل في لغة المتكلم ،وبذا الالتينية تشير إلى ٍ فإن معنى كلمة البربري بأنه الذي ال يجيد الكالم ،وبذا فهو بالضرورة ال يجيد التفكير، يصبح من البدهي هنا أن األشخاص الذين نراهم أعداءنا ليسوا الذين يشكلون تهديداً مباشراً لنا ،وهــذا األمــر كــان ينطبق على البرابرة فيما مضى ،بل األشخاص الذين نرى
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
فيهم تهديداً حسب المصلحة ،وبدالً من أن يقوم هذا التهديد بإيضاح طبيعة االختالفات بيننا وبين من نراهم أعداءنا ،فإن االختالف ذاته يغدو رمزاً نراه تهديداً ،كان السيناتور تاكيتوس ( )Tacitusيصف اليهود بالتالي: «كــل األشــيــاء الــتــي نعتقدها مــقــدسـ ًة هي مدنس ٌة بالنسبة لهم ،وما هو منح ٌل وفاسق عندنا هــو أخــاقــيٌ عــنــدهــم» ،يــتــبــادر إلى الذهن كيف كان اإلنجليز يصفون الفرنسيين بأنهم آكــلــو ضــفــادع ،وكــيــف اتــهــم األلــمــان اإليطاليين بالمبالغة بأكل الــثــوم« ،اليهود غريبون عنا ألنهم يحرمون أكــل الخنزير، وال يضعون الخميرة في الخبز ،وال يعملون شيئاً في السبت ،يتزوجون من بعضهم فقط، ويمارسون الختان ليس ألسباب صحية أو دينية؛ إنما ليظهروا اختالفهم عن اآلخرين، يدفنون موتاهم ،وال يبجلون القيصر» ،بعد استعراض طبيعة اختالف التقاليد «الختان،
السبت» يذهب تاكيتوس بعيداً بالتأكيد على فكرته بإضافة عناصر أسطورية« ،يصنعون ص ــوراً مقدس ًة لحمار ،يحتقرون ذويــهــم، يخونون بلدانهم واآللــهــة» ،لم يجد الكاتب والقاضي الروماني بليني األصغر تهماً تسيء للمسيحيين فأفعالهم كما يصفها فاضلة، غير أنهم كانوا يرفضون تقديم القرابين لــامــبــراطــور ..لــذا أرسلهم للموت ،وهــذا أمر بدهي وطبيعي هو ما أوحى العناد في ٍ باختالفهم. تطورت مفاهيم االختالف بعد أن صارت العالقات السياسية واالجتماعية أكثر تعقيداً عما مضى ،ومعها تطور مفهوم العدو أيضاً، فلم يعد الشخص القابع خارج مجالنا ويظهر اختالفه من بعيد ،بل الشخص الذي يعيش بيننا ،والــذي نسميه هذه األيــام بالمهاجر، بغرابة بالنسبة لنا ،ويتكلم ٍ والــذي يتصرف بشكل غير جيد ،فهو الشخص الذي ٍ لغتنا اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
91
نستخدم فيه هجاء الشاعر الروماني جوفينال ( :)Juvenalالشخص الماكر ،والمخادع، والوقح ،واليوناني الفاسق ،والقادر حتى على إغواء جدة صديقه.
92
معها معياراً للنوع الــذي يمثله ،فاإلنسان الذي فقد عضواً أو يمتلك عيباً في قامته مثل القصر الواضح كان يوصف بالبشاعة، لــهــذا الــســبــب ك ــان الــعــمــاق بوليفيموس ( )Polyphemusذو العين الواحدة أو القزم وبشكل تلقائي ،كان ٍ مايم يشكالن الــعــدو المؤرخ والدبلوماسي الروماني بريسكوس ( )Priscusيصف أتيال ( )Attilaالهوني بأنه «شرير المظهر ،فهو قصير القامة وواسع الصدر وكبير الــرأس ،له عينان صغيرتان ولحية رمادية صغيرة وأفطس األنف وداكن البشرة»؛ غير أن المثير في األمر أن مالمح أتــيــا تشبه مــامــح الشيطان كما يصفه رودلوفوس غالبر ( ،)Rodolfus Glaberفقد وصفه بعد موته بخمسة قرون بأنه «نحيل الوجه ،له عينان ســوداوان عميقتان وجبهة عريضة تملؤها التجاعيد ،أفطس األنــف، وفمه بــارز ،وشفاهه متورمة ،وله ذق ٌن حاد وبــارز ،وشعره مجع ٌد يشبه صوف الماعز، آذانــه بــارزة ويغطيها الشعر ،وأسنانه تشبه أنياب الكلب ،ورأسه كبيرة وقامته متوسطة، وصدره بار ٌز وله حدب ٌة في ظهره»(.)١
إن الزنجي وبسبب لونه يظل غريباً أينما ذه ــب ،ففي الموسوعة األميركية األولــى المطبوعة من قبل توماس دوبسون (Thomas )Dobsonسنة 1798م تــم تعريف مفردة الزنجي بالتالي« :بالنسبة لبشرة الزنوج الذين نلتقيهم فإنها تتكون من عدة أطياف لونية ،وفوق هذا فإنهم مختلفون تماماً من ناحية مالمح وجوههم عن بقية البشر ،فهم بخدود مستديرة ،وذقون بارزة ،وجباه كبيرة بشكل غريب ،وأنوف فطس وكبيرة ،وشفاه ٍ غليظة ،وآذان صغيرة ،وبالنسبة للنساء الزنجيات فإن مقدمات أحواضهن مضغوطة إلــى الخلف ،وأردافــهــن كبيرة مما يعطي المؤخرة شكل الــســرج ،عــدم التناسق في األشكال هذا يوحي بالبشاعة ،وأن الرذائل جزءٌ من حياة هذا العرق التعيس :الخمول والخيانة واالنــتــقــام والوحشية والوقاحة والسرقة والكذب واإلغ ــواء والــبــذاءة ،هذه حد لجوهر القانون الصفات أدت إلى وضع ٍ حينما أرس ــل االمــبــراطــور أوت ـ ــو()Otto الطبيعي ،وأخــرســت تأنيب الضمير ،إنهم األول ليتوبراند الكريموني (Liutprand of ٍ غرباء عن أي شعور بالشفقة تجاه اآلخرين )Cremona ،مبعوثاً إلى بيزنطة سنة 968م معروفة حتى اليوم ،رأى ٍ ومثا ٌل سيءٌ وواض ٌح لفساد اإلنسان إذا تُرك وواجه حضار ًة غير بدون رادع». االمبراطور البيزنطي يفتقد لصفات الكمال الزنجي بشعٌ ،وكذلك العدو يجب أن يكون فوصفه بالتالي« :لقد وقفت أمام نقفور ،إنه رأس كبيرة ،عيناه بشعاً ألن الجمال صف ٌة مــازمـ ٌة للطيبين مخلو ٌق متوحش ،قز ٌم له ٌ واألصدقاء ،في العصور الوسطى كان الكمال الصغيرتان تشبهان عيني الخلد ،ولحية واح ٌد من الصفات الجذرية للجمال ،أو بعبارةٍ رمادية وصغيرة وبشعة ،عنق ٌه قصيرةٌ جداً، صفات معينة يصير داكن اللون كما لو كان حبشياً -إنه الشخص ٍ أخــرى امتالك الكائن اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
كتب عالم النفس الفرنسي إدغار بيريلون ( )Edgar Berillonفي بداية الحرب العالمية األولى واصفاً األلمان بأنهم يتبرزون أكثر من وبشكل ٍ الفرنسيين لذا فإن روائحهم كريه ًة مبالغ( ،)٣إذا كان البيزنطي كريه الرائحة، فإن المسلم أيضاً كريه الرائحة كما يقول الراهب فليكس فابري ( )Felix Fabriمن الــقــرن الخامس عشر« :للمسلمين روائــح بشكل ٍ تسبب الغثيان ،لــذا فهم يتوضؤون مستمر ،وبما أن روائحنا طيبة فإنهم ال ٍ يمانعون استحمامنا معهم ،لكنهم في هذا األمــر غير متساهلين مــع اليهود ،والذين وبشكل أسوأ ٍ تصدر منهم روائح ال تطاق أبداً من المسلمين ...يظهر المسلمون السرور برفقتنا نحن الذين ال روائح كريهة لنا»(.)٤ (Giuseppe
بالنسبة لجوسيبي جيستي )Giustiفــإن النمساويين كريهو الرائحة، فعندما وصل إلى كاتدرائية القديس أمبروجو في ميالن كتب هذه االنطباعات:
«دخ ـل ــت ال ـكــاتــدرائ ـيــة ال ـتــي كــانــت مليئةً بالجنود الجنود الذين أتوا من الشمال بوهيميون وكروات مصطفون كاألعمدة في الكروم لقد انسحبت سريعاً ،فالوقوف هناك بين الرعاع واألنفاس القذرة
الغجري أيضاً وبالضرورة كريه الرائحة بما أنــه يتغذى على الجيف كما يخبرنا تشيزاري لومبروزو (،)٦(Cesare Lombroso ذات األم ــر ينطبق على روزا كليب عــدوة جيمس بوند فــي رواي ــة إيــان فيلمنج «من روسيا مع الحب 1957م» فهي ليست روسي ًة سوفييتي ًة فقط بل وسحاقية« :واقــفـ ٌة في الرواق قبالة الباب األصفر ،استنشقت تاتانيا رائحة الغرفة النفاذة حينما سمعت صوتاً يناديها بــأن تدخل ،فتحت الباب فغمرتها رائــحــة الــغــرفــة ،حينها كــانــت تقف قبالة طاولة مستديرةٍ يعلوها مصبا ٌح مضاء ،كانت ٍ الرائحة تشبه رائحة المترو في مساءٍ حار، ورائحة الزنخ الــذي تتسبب به الحيوانات، حال تفوح منهم فالناس في روسيا على كل ٍ الروائح الكريهة سوا ًء استحموا أم ال ،وتكون الحال متناهي ًة في السوء إذا لم يستحموا، بغبطة حين فتح ٍ كانت تاتانيا تتفحص المكان باب غرفة النوم وظهرت روزا ،كانت ترتدي نوم برتقالية اللون شبه شفافة ،أظهرت ثياب ٍ من طية اللباس إحدى ركبتيها وكانت تشبه هند مصفرّة ،كانت تقف كما لو كانت جوزة ٍ ـوان نزعت روزا كليب عارضة أزيــاء ،بعد ثـ ٍ نظارتها وتبين لتاتانيا وجهها الــعــاري إذ كانت تضع الماسكارا وأحمر شفاه ،ثم وقفت بجوار األريكة ومسحت عليها بيدها وقالت: أشعلي الضوء فالمفتاح هناك جوار الباب، وتعالي واقعدي بجواري ،علينا أن نتعرف اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
الذي ال ترغب أن تلقاه صدف ًة في الظالم - كبير البطن ،صغير الحوض وفخذاه كبيران، لــه ســاقــان قــصــيــران ،وأقــدامــه مفلطحة، يرتدي مالبس كريهة الرائحة وقد عفا عليها وبشكل ٍ الــزمــن»( ،)٢كريه الرائحة ،األعــداء ثابت كريهو الرائحة.
يثير فيّ شعور التقزز ،ويصيبني بالغثيان ويحرمني حتى الشعور بلهيب الشموع المعلقة على مذبح بيت الرب المقدس ()٥ المذبح الملطخ بالشحوم»
93
بشكل أفضل». ٍ على بعضنا
94
منذ فجر المسيحية واليهودي يوصف بأنه وحش ذو رائحة كريهة ،فهو ليس عدو المسيح فقط ،وال العدو األول للمسيحية ،وال حتى برأس تلتهب عدو اإلنسان بل عدو اهلل؛ «فهو ٍ كشعلة ،عينه اليمنى محتقن ٌة بالدم ،واليسرى كعين القط خضراء ولها بؤبؤان ،وأجفانه بيضاء ،وشفته السفلى كبيرة ،وعظام فخذه اليمنى ضعيفة ،وأقدامه ضخمة ،وإبهامه مفلطح وطــويــل»(« ،)٧عــدو المسيح سيولد رجل وامرأةٍ تماماً من بين اليهود ،من تزاوج ٍ كبقية البشر ،لكن ليس كما يقول بعضهم من عذراء ،ففي بداية تخلقه سيدخل الشيطان إلــى رحــم أمــه ويغذيه بقوته ،وستظل قوة الشيطان دائماً معه»(« ،)٨ستكون له عينان تشعان لهيباً ،وآذا ٌن كآذان الحمار ،سيكون له أنف وفم األسد ،لذا سيرسل بين النيران الرجال الرتكاب أبشع الجرائم ،وفي وسط الصراخ المليء بالخزي سيجعلهم ينكرون اهلل ،وســيــثــيــرون بــكــافــة قــدراتــهــم النتنة لتشويه أسس الكنيسة؛ مستخدمين أبشع بسخرية عــن بشاعة ٍ الــطــرق ،وسيكشرون ناب األسد»( )٩إذا كان عدو المسيح يولد بين اليهود فإن صورته بالضرورة تعكس صورة اليهود ككل ،سوا ًء كان على المستوى الشعبي في عداء السامية أم الديني أم البرجوازي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ لذا فلنبدأ مع وجه اليهودي« :وجوه اليهود زرقاء، وأنوفهم معقوفة ،وعيونهم عميقة ،وذقونهم واضح ٍ بشكل ٍ بــارزة ،تتحرك عضالت الفم إذا تكلموا ...اليهود أيضاً عرض ٌة لألمراض بفساد بالدم ،كالجذام في أزمان ٍ مما يوحي اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ماضية واالسقريوط واألمراض المشابهة له كالسل والرعاف اآلن ،يقال أن روائح أفواه اليهود دائماً كريهة؛ ويرد بعضهم هذا األمر الستخدامهم المفرط للثوم والبصل ،بينما يــرى آخــرون أن السبب ولعهم بلحم األوز، وهذا ما يجعلهم سوداويون ومتشائمون»(.)١٠ زمن الحق كتب الموسيقار ريتشارد في ٍ بطريقة معقدة ٍ فاغنر يصف اليهود ولكن لها عالق ٌة بالصوت والسلوك يقول« :هناك شيءٌ غريبٌ يتعلق بالشكل الخارجي لليهود، فبشكل ٍ بغيض جــداً، ٌ ما يجعل هــذا العرق غريزي نتمنى أال يكون هناك ما هو مشتركٌ ٍ معهم ،فمن المستحيل أن نتصور يهودياً بطل أو عاشق ،دون يلعب على المسرح دور ٍ بشكل غريزي أن هناك ما هو غير ٍ الشعور الئق ،لكن السبب األهم الذي يمنعنا من تقبل األمر هو النبرة التي يتحدث بها اليهودي... إزعــا ٌج شدي ٌد وصفي ٌر حا ٌد يصم اآلذان في ال كلمات وجم ً ٍ حال تكلموا ،اليهودي يستخدم غريب ًة عن لغتنا الوطنية ...حينما نسمع يهودياً يتحدث فإن انتباهنا يتركز على طريقته في الكالم ال كلماته التي ينطقها ،إن هذا يشير إلى األهمية الكبرى في شرح التعابير الموسيقية التي تتضمنها أعمال اليهود ،إن االستماع إلى اليهودي يتحدث يشكّل إهان ًة لنا؛ ألن حواره يخلو من أي تعابير إنسانية... مــن الطبيعي أن نجد اليهودي يــرث موت الجانب العاطفي في شخصيته ،وهذا يتجلى في أبهى تعبيرات اإلنسان عن عواطفه وهو األغاني ،ولعلنا نجد أن اليهود يتميزون في كثير من الفنون باستثناء الغناء ،كما لو أن ٍ ()١١ الطبيعة قد حرمتهم هذه الموهبة» ،كان
من مالمح الوجه مــروراً باللباس يقودنا هذا إلى صورة العدو اليهودي المتمثلة في قتل األطــفــال وشــرب دمائهم ،وقــد ظهرت ـات ه ــذه الــصــورة النمطية عنهم فــي أوق ـ ٍ ال في واحدةٍ من قصص االنجليزي مبكرةٍ ،مث ً تـــشـــوســـر( )Chaucerالــمــعــنــونــة بـــ «قصص كانتربري» ،إذ تتشابه أحــداث هذه القصة مع واحــدة من قصص القديس سيمونينو اإليطالي ( )Simonino of Trentoإذ تروي حي يهودي وهو يغني: صبي م ّر في ٍ ٍ قصة «يا أم سيدنا المخلص» فتم قطع عنقه ورمي جثته في حفرة ،نموذج اليهودي الذي يقتل موروث، ٍ األطفال ويشرب دماءهم ينحدر من فقد ظهرت بعض هــذه النماذج في بداية ظهور المسيحية مع تشكل مفهوم الهراطقة، يظهر هذا المثال ما نود اإلشارة إليه« :في المساء وحين أشعلنا المصابيح وبدأنا إحياء فتيات اختاروهن ٍ ذكرى آالم المسيح ،أخذوا بعناية من أجل إقامة طقوسهم السرية في ٍ أحد المنازل ،هناك أطفأوا المصابيح حتى ال ينتبه لوجودهم وارتكابهم الفواحش أحد، لقد أفــرغــوا المكان كــي يستطيع الجميع حتى األخــوات والبنات االشتراك بالطقس
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
هتلر يبدو أكثر رق ًة وهو يضع الحدود بين اليهود واأللمان حتى وإن كان كالمه ال يخلو من نبرة حسد« :بالنسبة لجيل الشباب فإن موضوع اللباس يجب أن يكون من اختصاص التعليم ...فإذا كان معيار الجمال هذه األيام مباشر بطريقتنا الخرقاء ٍ بشكل ٍ ال يتعلق باللباس ،فإنه من غير الممكن لنا أن يتم تضليل آالف الفتيات األلمانيات من قبل اليهود اللقطاء المتعجرفين»(.)١٢
الفاجر ،كانوا يظنون أنهم يقدسون الشيطان بانتهاكهم حرمة الزنا والوهق ،وحين تنتهي الطقوس يعودون إلى بيوتهم منتظرين تسعة أشهر بانتظار والدة األطفال ،حينها يجتمعون مر ًة أخرى في ذات المكان ،وفي اليوم الثالث للوالدة يقومون بأخذ األطفال ثم يقطعون أطرافهم الغضة ويفرغون دماءهم في أواني معدة مسبقاً ،بعدها يقومون بإحراق األطفال الذين ما زالوا يصارعون الموت ،ويخلطون الــدم بالرماد لصنع تــوابــل يضيفونها إلى الطعام والــشــراب ،وكمن يقوم بــدس السم تامة تكتمل طقوس هذه بسرية ٍ ٍ في الخمرة الطائفة»(.)١٣ يبدو العدو مختلفاً وبشعاً ألنــه أحياناً اجتماعية أقــل ،تظهر اإللــيــاذة ٍ طبقة ٍ مــن ثيرسيتيس على أنــه مهلهل الثياب وأعــرج القدم ،كتفاه محدودبان جداً ،ويبدو كما لو طبقة ٍ أنّ رأســه خرج من صــدره ،وألنــه من أقــل من أغاممنون وأخيل فهو يحسدهم، غير أن هناك فارقاً بسيطاً بين ثيرسيتيس وفرانتي بطل رواية «قلب» لإليطالي إدموند دي أميسي ( ،)Edmondo de Amicisفبينما قام أوديسيوس بمهاجمة ثيرسيتيس وإدمائه، فإن المجتمع عاقب فرانتي بالسجن: 25أكتوبر :وبجواره كان يجلس فتىً قويٌ ـرات جريئة اسمه فرانتي ،وقــد تم ذو نــظـ ٍ مدرسة أخرى منذ مدةٍ قصيرة. ٍ طرده من 21يناير :هناك فتىً واح ٌد كان قادراً على الضحك حينما كان ديروسي يتكلم عن جنازة الملك ،إنه فرانتي وأنا أكرهه جداً؛ إنه شرير، فحينما كان يأتي أحد اآلبــاء إلى المدرسة لتأديب ولده ،كان فرانتي يظن أن هذا الحدث اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
95
الــذيــن يــبــدون أضــعــف مــنــه ،وحينما تكون هناك مصيبة فإنه يصبح متوحشاً ويؤذي كل من حوله ،هناك شيءٌ مغرو ٌر توحي به تلك الجبهة الصغيرة والعينان الداكنتان ،واللتان يحاول إخفاءهما دائماً بقبعته ،إنه ال يخاف شيئاً ،فهو يضحك في وجه المعلم ،ويسرق وقتما استطاع ،ويكذب ببجاحة ،ويتشاجر بشكل دائــم ،يُحضر إلى المدرسة دبابيس ٍ كبيرة ليخز بها زمالءه بالفصل ،ينزع أزرار معطفه ومعاطف اآلخرين ليلعب بها ،يحمل في حقيبته الممزقة كتبه ودفاتره المتسخة، ومسطرته المعوجة ،يعلك قلمه ويقضم أظافره ،مالبسه ممزق ٌة بسبب مشاجراته التي ال تنتهي ...كــان المعلم يتظاهر بأنه ال يهتم بسلوكه السيء وهذا ما كان يجعله يتمادى ،وحينما كان يعامله المعلم بلطف فإنه يهينه ،وإذا قرر معاقبته وضع يديه على وجهه كأنه يبكي وهو في الحقيقة يضحك.
96
مضحك ،وحينما يبكي أحد األوالد يضحك، لكنه كان يخاف كاروني ،لقد ضرب ابن البناء بسبب أنه كان صغير الجسم ،وكان يسخر من كروسي ألن أحد أطرافه معاقة ،وكان يتهكم على بريكوسي الــذي يحبه الجميع ،وكان يطلق النكات على روبيتتي ،لكن المفاجئ أنــه في السنة الثانية كــان يمشي بواسطة عكازين بعد أن أنقذ طفالً ،إنه يتهكم بكل اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
وبشكل بدهي أبرز أمثلة ٍ المجرم والعاهرة البشاعة ،وذلك بسبب وضعهم االجتماعي، بعالم ٍ لكن بالنسبة للعاهرة فإن األمر يتعلق تبرز فيه العداوة الجنسية ،والتي من الممكن أن نسميها العنصرية الجنسية ،فبالنسبة للرجل الذي يكتب ويسيطر ،أو يسيطر من زمن خــال الكتابة فقد صــور الــمــرأة منذ ٍ بشكل عدائي ،لذا فيجب أال ننخدع ٍ قديم بتلك الصورة المالئكية للمرأة ،خاص ًة إذا ما علمنا أنها نتاج األدب العظيم الذي كتبه ـاس نبالء وطيبون ،فعالم األدب بالغالب أنـ ٌ وبتأثير من المخيلة الشعبية كان ٍ الهجائي يمارس شيطنة المرأة منذ العصور القديمة مـــروراً بالوسطى حتى األزمــنــة الحديثة،
من يستطيع كتابة هذا المقطع؟ «المرأة حيوا ٌن غير مكتمل ،تحكمها عواطف من غير الممكن القبول بها لعفنها ،دعونا ننظر في هذا األمر ،ال يوجد حيوا ٌن أقذر من المرأة، حتى الخنزير الذي يتمرغ بالوحل ال يجاريها بشاعة ،وإذا كــان هناك من يرغب بإنكار هذه الحقيقة ،عليه أن يتفحص أعضاءها الــحــســاســة ،فــالــمــرأة تخفيها وهــي تشعر بالعار»( ،)١٥إذا كان جيوفاني بوكاتشيو الرجل الفاجر وغير المؤمن يفكر بهذه الطريقة فنستطيع أن نتخيل كيف كان يفكر أخالقيو العصور المظلمة ،وماذا كتبوا للتأكيد على وصية بــاول الرسول ،إذ يؤكد على أنه إذا كــان من الممكن مقاومة اإلغ ــواء فإنه من الجيد عدم تجربة اللذة الجسدية ،في القرن العاشر استحضر الراهب أودو الكلوني هذه الفكرة بقوله« :جمال الجسد ظاهري فقط، فإذا استطاع الرجال النفاذ بأنظارهم إلى ما وراء الجلد فإنهم سيصابون بالقرف جراء النظر إلى المرأة فقط ،فخلف هذا الحسن
انطالقاً مما يمكن لنا تسميته هنا بكراهية النساء الطبيعية نصل إلــى أحــد نتاجات الحضارات الحديثة المميزة ،وهــو تكوين الساحرة ،ورغم أن الساحرة كانت معروف ًة واحد مثال ٍ في العصور القديمة وهنا نود ذكر ٍ ورد في الحمار الذهبي أليوبليسيوس وكذلك هوراس« :لقد رأيت كانديا بأم عيني ،ترتدي ثياباً سوداء حافية القدمين وشعثاء الشعر، تعوي مع ساغانا ،كان شحوبهما مما ال يطاق النظر إلــيــه»( ،)١٧كــان السحرة والساحرات في العصور القديمة والوسطى جــزءاً من االعتقاد الشعبي ،وكان يُعتقد أنهم يمثلون حاالت نادرة من سيطرة األرواح ٍ حد ما إلى ٍ الشريرة عليهن. في عصر هوراس لم تكن روما تشعر بأن الساحرات يشكلن تهديداً ،وكان السحر في العصور الوسطى يعتبر ظاهرة إيحاء ذاتي، كلمات أخرى كانت الساحرة شخصاً ٍ أو في يعتقد أنها مجرد ساحرة فقط ،كما تشير إلى ذلك شريعة األساقفة في القرن التاسع: «لقد أغوى الشيطان بعض النساء المنحالت مما جعلهن يتوهمن أنهن يمتطين ظهور جمع من النساء، الوحوش في الليل صحبة ٍ ظناً أنهن قد امتلكن قدرة اإللهة ديانا ...على الرهبان وعظ رعايا اإلله بأن هذه األشياء التي يتخيلها المؤمنون ليست من فعل الروح اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
بمثال ٍ بالنسبة للعصور القديمة سنكتفي واحد من ماركوس مارشالييس (:)Martial «بالنسبة لـ ِـك يــا فيتسويال الــتــي صمدت أمام ثالثمائة قنصل ،ال تملكين سوى ثالث شعرات في رأســك ،وأربعة أسنان ،صدرك ساقاك يشبهان ساقي ِ يشبه صدر الجراد، وجبينك مجع ٌد أكثر من تجاعيد ِ نملة ،تمشين نظراتك ِ ثدياك يشبهان ثديي بقرة، ِ ثوبك، تشبه نظرات البوم في الصباح ،رائحتك أردافك ذابل ٌة كمؤخرة ِ تشبه رائحة الماعز، بطة ...وحده مشعل الجنازة يستطيع اختراق فرجك»(.)١٤
يوجد الدم والبلغم والمخاط والمرارة ،تأمل ما هو موجو ٌد في األنــف والبلعوم والمعدة مكان من جسدها ستجد القذارة، ٍ وفي كل ونحن ممنوعون من لمس القيء والقذارة، حتى بأطراف أصابعنا فكيف بنا أن نقوم باحتضانها»(.)١٦
97
القدس ،بل من فعل الشيطان ،إن الشيطان ذاتــه قد تقمّص دور مــاك وامتلك عقول هؤالء النسوة المسكينات وتحكم بهن ،بسبب شكوكهن وفساد عقيدتهن».
98
مع بزوغ فجر األزمنة الحديثة كان يُظن بشكل ما لالحتفال ٍ أن الساحرات يلتقين بالسبت الخاص بهن ،فهن يطرن ويتحولن إلى أشكال حيوانية ،وبذا فقد صرن أعدا ًء للمجتمع ،ولــهــذا السبب فقد تــم تعقبهن ومحاكمتهن وعقابهن بالموت حرقاً ،وحتى ال يضيع جهدنا فالمجال هنا ال يسمح لنا بــدراســة مــتــازمــة الــســحــر ،تلك المشكلة المعقدة سوا ًء كانت الساحرة كبش فداء في هزات اجتماعية عميقة ،أو أثر ٍ أزمنة واجهت ٍ الشامانية السيبيرية ،أو حتى ظاهرة دراسة المجتمعات البدائية (ص ،)11ما يهمنا هو تواتر الطريقة التي يتم بها صناعة العدو، فبالشكل المشابه لحالة الهراطقة واليهود، علم في القرن السادس كــان كافياً لرجل ٍ عشر وهو جيرالموا كاردمونو أن يحاجج بـ: «أنهن نساء مسكينات يعشن أوضاعاً صعبة، يفتشن في األودية عن الكستناء واألعشاب من أجل الغذاء ..لذا فإنهن يبدين هزيالت ومكسورات وشاحبات اللون بأعين جاحظة، ونظرات تكشف عن التشاؤم والمزاج السيء؛ إنهن نساء قليالت الــكــام وتــائــهــات ،ومن الصعب عزلهن عن أولئك الذين استولى عليهم الشيطان ،آراؤهن حادة وصارمة وأي شخص يستمع إلى قصصهن سيكون متأكداً ٍ تام قد باقتناع ٍ ٍ من أن القصص التي يروينها حصلت؛ قصص لــم تــحــدث وال يمكن لها الحدوث»(.)١٨ اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ظهرت موج ٌة جديدةٌ من االضطهاد بعد انتشار الــجــذام ،استناداً لما يقوله كارلو غينزبيرغ ( )Carlo Ginzburgفــي كتابه «ابتهاجات :معرفة سر سبت الساحرات» :إذ سجّ ل أن المجذومين تم حرقهم في فرنسا سنة 1321م بتهمة محاولة قتل الفرنسيين من خالل تسميم مصادر مياه الشرب كاآلبار والحنفيات العمومية« :النساء المجذومات اللواتي اعترفن بالجريمة سوا ًء تحت التعذيب أم بدوافع ذاتية ،كان يحكم عليهن باإلعدام حرقاً ،باستثناء الحوامل واللواتي كان يتم احتجازهن حتى الــوالدة ثم يتم إعدامهن». من الصعب التعرف على جذور االضطهادات التي كانت تطال المتهمين بنشر الطاعون أو الجذام ،لكن غينزبيرغ يشرح جانباً آخر مــن هــذه الــظــاهــرة ،وهــي الــربــط التلقائي بين المجذومين واليهود والمسلمين ،فعد ٌد من المؤرخين يربطون اتهام اليهود بأنهم كانوا يحرضون المجذومين ويقدمون لهم المساعدة؛ لهذا السبب كان العديد منهم يرسلون إلى المحرقة ،يقول غينزبيرغ« :كان السكان قد أخــذوا على عاتقهم تحقيق ما كانوا يرونه العدالة ،فبمساعدة المسؤولين المحليين أو الرهبان كانوا يحبسون أولئك الناس في بيوتهم مع كافة مصادر حياتهم ويحرقونهم» ،أحــد قــادة هــذه المجموعات اعــتــرف أن يــهــودي ـاً قــدم لــه الــمــال مقابل حنفية عمومية ،كان السم ٍ وضع السم في أنواع «دم بشري مع بول وثالثة ٍ مصنوعاً من ٍ من األعشاب» ومغلفاً بقطعة قماش مربوط ًة بحجر حتى تغرق إلــى قــاع الحنفية ،لكنه أخبر أيضاً أن ملك غرناطة المسلم هو من رواية أخرى كان سلطان ٍ أرسل اليهود .وفي
هــذه الــطــقــوس كــانــت تــمــارس فــي زمـ ٍـن الحق من قبل الساحرات .ففي القرن الرابع عشر ظهر أول كتيّب لمحاكمة الهراطقة نشرته محاكم التفتيش ،وهو «دليل المحقق لمعرفة شرور الهرطقة» ،من تأليف بيرنارد غوي ()Bernardo Gui؛ وكذلك كتاب «دليل الــتــحــقــيــق» لنيكولو إيــمــيــرك (Niccolao .)Emericوفــي الــقــرن الخامس عشر في الــوقــت ال ــذي كــان فيه مارسيليو فيسينو ( )Marsilio Ficinoيترجم أفــاطــون في بتوجيه من كوزيمو ميديتشي ،كان ٍ البندقية طالب المدارس يغنون« :أخيراً ،أخيراً ،لقد انتهت العصور المظلمة» كــان جــون نيدر ( )John Niderيؤلف كتابه فورميكاريوس ( )Formicariusبين سنتي 1435و1437م وطبعه سنة 1473م وال ــذي يتحدث ألول مــرةٍ وبعالنية عن ممارسات السحر ،كتب الــبــابــا جــيــوفــانــي باتيست سيبو «الــبــريء الثامن» ( )Giovanni Battista Cyboعن هذه الممارسات في البيان البابوي سنة 1484م: «لقد تناهى إلى أسماعنا مؤخراً ما تسبب أناس ٌ بقلقنا ،أنه في بعض مناطق ألمانيا... من الجنسين ضحايا غفلتهم عن الدين ،تم تضليلهم من قبل الشيطان ،وأخرجهم من اإليمان الكاثوليكي ،ال يتورعون عن االرتماء
تعطي سجالت محكمة التفتيش المتعلقة بمحاكمة الــســاحــرة أنطونيا مــن أبرشية القديس جــوريــوز التابعة ألسقفية جنيف واحداً من آالف األمثلة حول تكوين الساحرة: «قامت المتهمة بهجر زوجها والمضي مع لمكان يُعرف بالز بيروي قرب النهر، ٍ ماسي كنيس للهراطقة يوجد فيه ٌ حيث أقيم هناك عــد ٌد كبي ٌر من الــرجــال والنساء ،ليرقصوا ويعربدوا ،بعدها أراها ماسي شيطاناً يدعى روبين ،والذي كان له مظهر الزنجي ،وقال لها: هذا هو سيدنا والذي يجب عليك أن تظهري له كل فروض الــوالء إذا ما أردت الحصول على كل رغباتك ،سألت المدعى عليها ماسي عليك أن ِ مــاذا عليها أن تفعل فــرد ،قائالً: تنكري اإللــه خالقك واإليــمــان الكاثوليكي وتلك المسماة مريم الــعــذراء ،وتقبلي هذا الشيطان روبين كسيدك وإلهك ،وتفعلي كل ما يطلبه منك ،للوهلة األولى ترددت أنطونيا بعد سماعها هــذه الكلمات لكنها سرعان ما قالت :أنكر إلهي واإليمان والكاثوليكي اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
بابل أحد أطراف هذه المؤامرة ،هناك ثالثة أعــداء تاريخيين وهم المجذومون واليهود والمسلمون ،لذا فإنهم يجتمعون دوم ـاً في عدو أي مؤامرة ،بعض المصادر تشير إلى ٍ راب ــع وهــو الــهــراطــقــة ،إذ يقومون بتجميع المجذومين من أجــل البصاق على الهيكل والوطء على الصليب.
في األحضان الشيطانية ،يتركون األطفال والحيوانات والمحصوالت تموت وتهلك... يستخدمون التعاويذ والطالسم وممارسات سحرية أخرى ،لذا فقد وجهنا إلى استخدام كل الوسائل المناسبة لمنع انتشار ممارسات الهراطقة في تلك المناطق ،والتي تسعى لتسميم أرواح رعــايــا الكنيسة الطيبين وذلك من خالل المحققين سبيرنغر وكرامر ( ،»)Sprenger and Kramerبعد هذا البيان بسنتين نشر االثنان متأثرين بـكتاب جون نيدر كتابهما سيء الصيت والمعنون بمطرقة الساحرات.
99
والصليب المقدس ،وأؤمن بالشيطان روبين سيداً وإلها ،ثم قدمت فروض الوالء بتقبيل قدمه ،بعدها أخرجت صليباً خشبياً وألقته على األرض وداسته بقدمها اليسرى حتى قدم ونصف تكسّ ر ،ثم مشت على عصاً بطول ٍ لتدخل الكنيس ،بعدها قامت بدهن ما بين ـوع في إنــاء القربان بمرهم مــوضـ ٍ ٍ فخذيها وقالت :اذهب ،اذهب إلى الشيطان ،حينها دخلت فــي طقوس الكنيس ،لقد اعترفت المدعى عليها بأنهم أكلوا في ذلك المكان خبزاً ولحماً وشربوا نبيذاً ثم رقصوا ،بعدها كلب أسود ،وقاموا تحول الشيطان روبين إلى ٍ بتقديسه وعبادته وتقبيل مؤخرته ،وأخيراً قام الشيطان بإطفاء النار المشتعلة في الموقد، بلهيب أخضر أنارت الكنيس كله ٍ وأشعل ناراً وصرخ (ميكليت )Mecletيطالبهم بالممارسة الجنسية وفي وسط الصراخ اضطجع الرجال بشكل وحشي بينما هي اضطجعت ٍ والنساء مع المدعو ماسي غارين».
100
مشابهة ٍ االنتباه ،من الجيد تذكر إجــراءات تم شرحها في روايــة «ظــام عند الظهيرة آلرثر كوستلر» وكيف تم صناعة العدو خالل المحاكمة تحت حكم ستالين ،إذ يتم صناعة لعدو ما ويتم إقناع المتهمين بأنهم ٍ صــورةٍ على تلك الصورة فيصدقون ،حتى أولئك حسنة ٍ الذين يأملون بأن يكونوا في مواقع يتم إغراؤهم كي يصيروا أعــداء ،فالمسرح واألدب يقدمان لنا أمثل ًة مشابه ًة لفرخ البط البشع ،والذي يتم ازدراؤه من قبل المحيطين بشكل ٍ به بنا ًء على الصورة التي كوّنوها عنه مسبق ،هنا أقتبس شكسبير من مسرحية ريتشارد الثالث:
ل ـك ـن ـنــي ل ــم أُوج ـ ـ ــد ل ـم ـم ــارس ــة األالعـ ـي ــب المسلية، وال حتى متعة النظر في مرآة حبيبة. أنا المحروم بسوء أقداري، الذي شوهت الطبيعة خلقته، المشوه الناقص الذي أُرسل قبل زمانه، إلـ ـ ــى هـ ـ ــذا الـ ـع ــال ــم ال ـ ـ ــذي ي ـم ـض ــي بـشــق األنفس، هذا العالم الكسيح. أن ــا ال ــذي تنبح ال ـكــاب عليه كلما وقــف بالقرب منها، لماذا ال أجد متعةً أمضي بها وقتي، سوى اختالس النظر إلى ظلي، والتغني بخلقتي المشوهة، صالح للحب، ٍ وما دمت غير والتمتع بهذه األيام الجميلة، فألكن وغداً.
هذه الشهادة مع التفاصيل المذكورة حول البصاق على الصليب وتقبيل المؤخرة تتشابه كبير مع ما تم تسجيله في محاكمة حد ٍ إلى ٍ فرسان المعبد قبل ما يقارب قرناً ونصف، وما يثير الدهشة ليس استخدام المحققين في محاكمات القرن الخامس عشر قواعد االستجواب المسجلة عن محاكمات سابقة، بــل إن الضحية فــي نهاية التحقيق تقتنع بصحة االدعـ ــاءات الموجهة ضــدهــا ،ففي محاكمات السحرة ال يتم بناء صورةٍ للعدو فقط ،وال كــون الضحية تعترف بارتكاب أشياء لم تفعلها بل اقتناع الضحية بحقيقة يبدو أننا ال نستطيع الحياة دون وجود ما يقوله خالل عملية االعتراف وهذا ما يثير عدو ،فصورة العدو ال يمكن بالمطلق محوها اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
هــل حسنا األخــاقــي واهٍ حينما نواجه الــحــاجــة الحتمية لــوجــود ع ــدو؟ نستطيع المناقشة بأن األخــاق تتدخل ال في حالة عدو فقط ،بل حينما تظاهرنا بعدم وجود ٍ نحاول أن نفهم هذا العدو ،أو نضع أنفسنا مكانه ،أسخيلوس لم يكن حاقداً على الفرس حينما كتب مسرحيته التراجيدية «الفرس» من وجهة نظرهم أنفسهم وبنا ًء على خبرته باحترام ٍ معهم ،وكان قيصر يعامل الغاليين كبير وفي أسوأ األحوال كان يكتفي بمظهرهم ٍ الضعيف وهم يستسلمون له ،كان تاكيتوس يحترم األلمان ومظهرهم العام وكانت شكواه من روائحهم الكريهة وتخاذلهم في األعمال الشاقة كونهم ال يستطيعون مقاومة الحر والعطش ،إن محاولة فهم اآلخــريــن تعني تدمير الشائعات المرتبطة بهم ،بدون إنكار أو تجاهل اآلخرين؛ لكن فلنكن واقعيين فهذه المحاوالت لفهم العدو تعد من امتيازات الشعراء والقديسين وحتى الخونة ،بينما نــوع آخــر ،فــي سنة دوافــعــنــا الداخلية مــن ٍ 1967م نشر في أميركا كتاب« :تقرير من
بحالة من الفوضى ٍ بينما يتسبب السالم واالنحراف في جيل الشباب ،تسهم الحرب بشكل ٍ فــي استغالل هــذه الــقــوى الــمــدمــرة أفضل ،حتى على المستوى االجتماعي فإنها تعطيهم مسمّىً وقيمة اجتماعية؛ فالجيش في هــذه الحالة هو األمــل األخير بالنسبة للمنبوذين ،فنظام الحرب وقدرتها على وهب الحياة والموت يحث الناس على دفع الدم ثمناً في سبيل إعادة التنظيم االجتماعي بدالً عن عوامل أخرى كحوادث السيارات مثالً، فمن وجهة نظر بيئية فــإن فــاتــورة الحرب يدفعها عد ٌد هائل من القتلى ،وهذا األمر قد اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
من عملية تشكل الحضارات ،إنها الحاجة محب للسالم، إلنسان ٍ ٍ الطبيعية حتى بالنسبة ففي حالة ريتشارد تبدو صورة العدو تنتقل من كونها تكويناً بشرياً إلى قوةٍ طبيعية أو بشكل أو بآخر، ٍ اجتماعية تقوم بتهديدنا وعلينا أن نهزمها ،س ــوا ًء كانت استغالالً رأســمــالــيـاً أم تلوثاً بيئياً أم حتى مجاعة فــي العالم الثالث ،وبالرغم مــن كــون هذه األشياء قضايا عادلة كقضية مقاومة الظلم والطغيان ،فإنها كما يذكرنا بريشت« :تجعل مالمحنا صارمة».
الجبل الحديدي :في إمكانية ورغبة تحقيق الــســام» ،مــن قبل كــاتـ ٍـب مجهول ،كــان من الــواضــح أنــه كتيبٌ ضــد الــحــرب أو مرثي ًة تشاؤمي ًة حول حتميتها ،لكن وبما أن إعالن الحرب يتطلب وجود عدو ،فإن حتمية الحرب مرتبط ٌة بحتمية تعريف العدو وابتكاره؛ لهذا، وبشكل جدي أن أي ٍ فإن الكتيب كان يلّمح محاولة لدفع المجتمع األميركي كي يشكّل ٍ دولة سالم سيكون كارثياً ،فالحرب وحدها من تقدم أسس اندماج المجتمعات اإلنسانية وتطورها ،فالخسارة المنظمة تشبه الصمام الذي يقوم بضبط حركة المجتمع الحثيثة، إنها -أي الخسارة المنظمة -هي ما تحل مشكلة التموين فهي قوةٌ فعالة ومؤثرة ،إن الحرب تساعد المجتمع كي ينظم ذاته كأمة، فالحكومة ال تستطيع أن تؤسس لشرعيتها دون الــحــضــور الــدائــم لــلــحــرب ،فالحرب وحدها من يحافظ على حالة التوازن بين الطبقات االجتماعية وتساعد على إبعاد العناصر المعادية للمجتمع.
101
تغير مع نهاية القرن التاسع عشر فبينما كان المنبوذون يبقون أحياء داخل المدن أو على هوامشها ،كان أعضاء المجتمع الشجعان «الجنود» يقتلون في المعارك والحروب ،غيّر التطور التقني هــذا األمــر ،إذ صــار قصف ال بارزاً في منع زيادة السكان أكثر المدن عام ً من طقوس قتل المواليد قديماً أو الرهبنة أو حــاالت بتر األعضاء التناسلية ،وكذلك االســتــخــدام المبالغ فيه لعقوبة اإلع ــدام. الحرب وحدها تجعل هذا األمر ممكناً ،إذ تقدم مفهوماً ووسيل ًة إنسانية للسيطرة على األوضاع المختلة. إذا كـ ــان هـ ــذا األم ـ ــر صــحــيــح ـاً ،فــإن عملية صناعة العدو يجب أن تكون مكثفة ومستمرة .وهنا ،يقدم لنا جورج أورويل في روايته 1984م مثاالً جيداً عن هذه الحالة: مرعب ٍ خطاب ٍ «في اللحظة التالية تم بث ومخيف من التلفاز المركون في آخر القاعة، ٍ وكصوت آلة جف زيتها ،كان الصوت وحشياً بحيث يجعل األسنان تصطك رعباً ،ويقف له شعر الــرأس ...لقد بــدأت حفلة الكراهية، ظهر على الشاشة وجه عدو الشعب إيمانويل غولدشتاين ،وبــدأت صرخات االستهجان تعلو في القاعة ،صرخت الفتاة ذات الشعر ممزوج بالخوف والقرف، ٍ بصوت ٍ الذهبي فــغــولــدشــتــايــن أح ــد الــقــيــاديــيــن السابقين للحزب صــار المرتد والمنحرف والخائن األول للحزب ،وكذلك الملوث لطهارته ،كانت تعاليمه مصدر كل الخيانات واالنحرافات التي عصفت بالحزب مؤخراً ،واآلن هو قاب ٌع مكان ما يحيك المؤامرات. في ٍ
102
بسبب الزحام حوله ،لم يستطع ونستون اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
رؤية وجه غولدشتاين جيداً على الشاشة، غير أنه كلما لمحه كساه خليطٌ من المشاعر المفعمة باأللم ،كان وجهه اليهودي نحيالً، ولحية ٍ بشعر أبيض ٍ تكسوه هال ٌة من التجاعيد، صغيرة ،كان وجهه ذكياً غير أن منظر أنفه الطويل النحيل بمنخريه يوحي بالسذاجة، فــهــو يــذ ّكــر بــوجــه الــتــيــس ،كــمــا أن ــه صوته يشبه ثغاء الماعز ،كان غولدشتاين يهاجم عقيدة الحزب ويطالب بالسالم الفوري مع أوراسيا؛ كان يدافع عن حرية التعبير ،وحرية الصحافة ،وحرية التجمع ،وحرية التفكير. هيستيري بأن الثورة قد ٍ بشكل ٍ لقد كان يصرخ تمت خيانتها ...في الدقيقة الثانية ارتفعت نوبة الكراهية ،وبدأ الحضور يتقافزون في أماكنهم صــارخــيــن بــأن يتم إخـــراس هذا الثغاء المجنون الصادر من الشاشة ،امتقع وجــه الفتاة ذات الشعر الــذهــبــي ،وبــدأت بالصراخ كانت تفتح فمها وتغلقه كما لو كانت سمك ًة أ ُخــرجــت مــن الــمــاء ...الفتاة ذات الشعر الداكن الواقفة خلف ونستون صرخت «خنزير ،خنزير ،خنزير» ثم أمسكت معجم اللغة الجديدة وقذفته على الشاشة، فــأصــاب أن ــف غــولــدشــتــايــن ثــم ارت ــد على األرض ،تعالى الصراخ ،وانتبه ونستون إلى نفسه وهو يصرخ مع الجموع ويضرب قائمة بشكل عنيف ،المرعب في ٍ الكرسي بقدمه دقيقتي الكراهية هاتين ليس أن الفرد كان ملزماً باالنضمام للجموع في صراخها ،بل استحالة عدم االنضمام إليها ...سرت نشوةٌ عارم ٌة كما لو كانت تياراً كهربائياً في الجموع يكسوها الخوف ورغبة االنتقام ،رغبة بالقتل والتعذيب ،رغبة بتحطيم الوجوه بمطرقة، بشكل ٍ جعلت الجميع يقطبون ويصرخون
لــيــس علينا أن نتعمق أكــثــر فــي رواي ــة 1984م لنجد أننا ال نستطيع الحياة دون عدو ،فنحن نشهد الخوف الذي يتسبب به تدفق المهاجرين ،ففي إيطاليا اليوم يتم تصوير الرومانيين على أنهم أعداء من خالل سلوك بعضهم بوصف هذا السلوك أنه يشكّل ثقاف ًة إثنية .هذه الحال تقوم بتقديم كبش مجتمع ال يستطيع تعريف نفسه ٍ فداء لكل كونه في طور التغير ،بما فيه التغير اإلثني. سارتر يقدم لنا النظرة األكثر تشاؤماً في هذا المجال في مسرحيته «أبواب مغلقة» ،إذ ال نستطيع معرفة أنفسنا إال بوجود اآلخرين، وهذا ما تبنى عليه باألساس مسألتا التعايش والخضوع ،وعلى الرغم من هذه اإلشكالية *
** ( )١ ( )٢ ( )٣ ( )٤ ( )٥ ( )٦ ( )٧ ( )٨ ( )٩ ( )١٠ ( )١١ ( )١٢ ( )١٣ ( )١٤ ( )١٥ ( )١٦ ( )١٧ ( )١٨
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
جنوني دون رغبتهم».
إشكالية أخ ــرى وهــي عدم ٍ فإننا نقع فــي وببساطة ٍ القدرة على التسامح مع اآلخر؛ ألنه ليس نحن ،وبهذه الطريقة فإننا حين ننزل اآلخر منزلة العدو فإننا نخلق جحيمنا على األرض ،يغلق سارتر الغرفة على ثالثة رجال ال يعرفون بعضهم حتى الموت ،أحدهم أدرك هذه الحقيقة الرهيبة وقال« :انتظر ،سترى كم األمر سه ٌل جداً ،فمن الواضح أنه لن يكون تعذيب جسدي ،أال تتفق معي؟ ومع ٍ هناك أي ذلك فنحن في الجحيم ،ولن يأتي أح ٌد آخر إلــى هــذا المكان ،سنبقى نحن الثالثة في هذه الغرفة إلى األبــد ...بعد برهة :هناك شخص مفقود! إنــه الجالد! يبدو واضحاً ٌ أن ما يسعون إليه هو تقليص عدد العاملين واحد منا سيكون الجالد ٍ هنا؛ لذا ،فإن كل بالنسبة لالثنين اآلخرين .انتهى.
الجوف سكاكا.
محاضرة في جامعة بولونيا اإليطالية ،في تاريخ 15مايو أيار 2008م ،كجزء من سلسلة لقاءات حول الكالسيكيات ،كتاب في مديح السياسة ،تحرير إيفانو ديونيغي 2009م. مجلدات التاريخ ،المجلد الخامس ،الجزء الثالث. سفارة إلى القسطنطينية وكتابات أخرى. سيكولوجية العرق األلماني1917 ،م. رحلة إلى األرض المقدسة ومصر واألراضي العربية. سانت أمبروجو1845 ،م. الرجل المجرم1876 ،م ،المجلد األول ،الفصل الثاني. العهد السرياني ليسوع المسيح. رسالة في أصل وزمن عدو المسيح ،الراهب أدوس من كاثدرائية مونتي اون دير. هايلدغارد بينغن ،رؤى روحانية ،القرن الثاني عشر ،المجلد الثالث الجزء األول ،القسم الرابع عشر. بابتيست هنري غريغور ،مقالة في التطور الجسدي واألخالقي والسياسي عند اليهود1788 ،م. اليهودية في الموسيقا1850 ،م. أدولف هتلر ،كفاحي1925 ،م. مايكل بسيلوس ،في ممارسات الشيطان ،القرن الحادي عشر ماركوس مارشالييس ،شاعر روماني اشتهر بهجائياته الساخرة ،القصائد ،الكتاب الثالث ،القصيدة .93 بوكاشيو ،الغراب. أودو الكلوني ،الممارسات الرهبانية ،الكتاب الثالث ،الفصل .133 هوراس ،السخريات ،الكتاب األول. في الظواهر الطبيعية ،الكتاب الخامس عشر. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
103
القاص والشاعر والناقد والروائي العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي: أنا كاتب تجريبي ما دمت لم أغادر مختبر الكتابة عبدالرحمن مجيد الربيعي ،قاص كبير ،ورمز من رموز الرواية الحديثة على الساحة العربية ،منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي ،ومن الكتاب الذين يمتلكون حـ ّـسـ ًا إنساني ًا عــالـيـاً؛ امتطى صهوة الكلمة وطــاف بها أرج ــاء الوطن الكبير ،وكـتــب الكثير مــن القصص وال ــرواي ــات الجميلة الـتــي أهّ ـلـتــه ألن يكون اسم ًا المع ًا في سماء الــروايــة العربية وليس العراقية فحسب؛ ومــا يــزال يتابع بدأب وصبر كبيرين ،وقد حقق في تجربته اإلبداعية نشاطه الكتابي حتى اآلن ٍ توازن ًا عذب ًا بين موقفه السياسي وموقفه الفكري؛ فأظهر لنا اإلنسان العربي في معاناته الحقيقية :الباحث عن الحرية ،الرافض لكل قيود التحجر واالستالب. وهــذا األمــر ،ربما ،جعله اليوم واحــد ًا من أبــرز األصــوات المعاصرة التي تحظى واسع في األوساط الثقافية في العالم. ٍ باحترامٍ
104
تبوأ الربيعي مناصب ثقافية متعددة ،وكان له دور كبير في الثقافة العراقية، فقد عمل مدير ًا للمركز الثقافي العراقي في كل من تونس وبيروت بين عامي 1986 - 1979م ،واحتل مساحة واسعة في الحالة الثقافية العربية وحيّز ًا كبير ًا في األجهزة اإلعالمية المتعددة ،وانتشر على امتداد الوطن العربي ،قاص ًا وفنّان ًا وشاعر ًا وناقد ًا وروائياً ،تناوله الباحثون والدارسون في رسائلهم الجامعية وفي الصحافة األدبية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
يـجــدر بــالــذكــر هنا اإلش ــارة إلــى أن عبدالرحمن الربيعي مــن مــوالـيــد مدينة الناصرية جنوبي الـعــراق بتاريخ 1939/8/12م .درس الــرســم وتـخــرج مــن معهد الفنون الجميلة وكلية الفنون الجميلة ببغداد .بدأ النشر في الصحف العراقية والعربية ،أصدر أول مجموعة قصصية له بعنوان (السيف والسفينة) عام 1966م، وكانت أول مجموعة لكاتب قصة من جيل الستينيات ،وقد أعيد طبعها ببغداد والقاهرة وبيروت وتونس ،أما روايته االولى (الوشم) فقد صدرت عام 1972م ،ونالت ِّست في عدد اهتمام ًا كبير ًا لم يحظ به عمل روائي عراقي قبلها ،وطبعت مراراً ،و ُدر ْ من الجامعات العربية والعالمية. من مؤلفاته القصصية :السيف والسفينة 1966م ،الظل في الــرأس 1968م، وجوه من رحلة التعب 1974م ،ذاكرة المدينة 1975م ،األفواه 1979م ،نار لشتاء قلب 1986م .وله في الرواية :الوشم 1972م ،األنهار 1974م ،القمر واألسوار 1976م ،الوكر 1980م ،خطوط الطول ..خطوط العرض 1983م ،هناك في فج الريح 2011م .وفي النقد األدبي :الشاطئ الجديد :قراءة في كتابة القصة ،أصوات وخطوات 1984م. وفي الشعر :للحب والمستحيل 1983م ،شهريار يبحر 1985م ،امرأة لكل األعوام 1985م ،مالمح من الوجه المسافر ،عالمات على خارطة القلب 1987م ،أسئلة العاشق. التقينا به في حوار خاص لمجلة الجوبة ،عن مجمل تجربته الثقافية التي امتدت على ما يزيد من خمسة عقود: ■ حاوره :نضال القاسم
¦كـيــف يـنـظــر ال ـق ــاص وال ــروائ ــي والـنــاقــد الـعــربــي الـعــراقــي عـبــدالــرحـمــن الربيعي إلــى مقولة التجريب؟ مــا هــي مقومات الرواية التجريبية؟ وما هي االختالفات ب ـي ــن ال ـ ــرواي ـ ــة ال ـت ـجــري ـب ـيــة ال ـم ـشــرق ـيــة والرواية التجريبية المغاربية؟ ρ ρكنت أردد وما أزال حتى اليوم إنني كاتب تجريبي ما دمت لم أغادر مختبر الكتابة، ب ــدأت رحلتي مــع التجريب القصصي منذ «الــســيــف والسفينة» ،الــتــي كانت
حقلي التجريبي األول وما أزال تجريبياً لم أستقر عند محطة ،وفي تقديري أن «التجريب» اشتغال مشروع ،فهو الذي يجعل الكاتب يتجاوز في كل تجربة جديدة يرس عليه في التجربة التي ما حققه ولم َ سبقتها؛ ووفقاً لقراءات النقاد جاء هذا االختالف بين أعمالي رغم أنها تنتمي إلى عالم كاتب واحد .أما عن مقومات الرواية التجريبية فإنني ال أجد جواباً شافياً لسؤالك .ولعل أهم مقوّم للرواية اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
105
التجريبية هو أن تكون تجريبية .وليست هناك تجريبية مشرقية وأخرى مغربية؛ لكن من المؤكد وأنــا أعيش في المناخ الثقافي المغاربي أن الرواية المغربية ثــم الــجــزائــريــة فيهما نــصــوص بــاهــرة، أسعدتني قــراءة نماذج عديدة منها ال سيما الرواية المغربية. أن تــكــون تجريبياً يعني أن نصك لم يفقد حيويته وتدفقه ،وعلى العكس من ذلك ،عندما ترتكن لمنجز وتستقر عنده وتنسج على منواله. ¦هل قدسية كتابة الرواية هي التي تفرض على كاتبها نوع ًا من الهيبة ،وهل بوسع أي كاتب أن يصبح روائياً؟ وما هو دافعك لكتابة الرواية ،وما هي القيمة المضافة الـ ـت ــي تـ ـت ــوخ ــون ت ـح ـق ـي ـق ـهــا مـ ــن خ ــال مـشــروعـكــم ال ــروائ ــي؟ وبـمـعـنــى آخ ــر ،ما رؤيتك للرواية؟ وما مشروعك الروائي؟ ه ــل ث ـمــة ت ـص ــور ل ــدي ــك ع ــن ال ـع ــال ــم؟ أو فلسفة ما تُدافع عنها أو تدعو إليها؟ وما صلة ذلك بحياتك الشخصية؟
106
ρ ρأتــرى أن صفة «روائ ــي» أكثر هيبة من صفة كاتب قصة قصيرة مثالً؟ وأرى أن «الهيبة» تأتي من قيمة ما نكتبه سواء كان قصة قصيرة أم روايــة ،ومــاذا نقول عن الشعراء مثالً؟ إنهم يحققون نجوميتهم من خالل العالقة المباشرة مع جمهورهم، نتذكر هنا محمود درويش مثالً ..وأذكر أنه في عام 1983م وفي مدينة مكناس المغربية ،نــظّ ــم اتــحــاد كــتــاب المغرب ندوة عن القصة العربية القصيرة ،وكان محمود درويش ضيف شرف فيها ،وقد اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
التحقنا بالقاعة متأخرين بضع دقائق، فلم نستطع الدخول ،وكان الجمهور خارج القاعة بأعداد كبيرة جاء لينصت لهذا الشاعر االستثنائي .وحصل الشيء نفسه في أوائل ستينيات القرن الماضي عندما استضافت بغداد الشاعر نــزار قباني، يومها لم تكن في بغداد قاعات ،فنظم اللقاء له في نادي كلية التربية ،وقد ذهبت محموالً على أجنحة الفضول أللتقي بالصديق فاضل الــعــزاوي الطالب في هذه الكلية ،هناك وجدنا الزحام شديداً بحيث كسّ ر الطلبة شبابيك النادي حتى يصلهم صوت نزار ،أو ليروا طلته األنيقة الــوســيــمــة ..وهــم الــذيــن اعــتــادوا رؤيــة البؤس والهزال على وجوه معظم الشعراء ولهم في بدر شاكر السياب خير مثال. أرى أن المهابة تأتي من قوة اإلبداع ومن مدى ما يحققه من إضافة وتجاوز دون أن ننسى جماهيرية الرواية عند القراء الذين يتكاثرون ح ّد أن سمي زمننا هذا بــ» زمن الرواية» ..كما ذهب لذلك أكثر من دارس ،من بينهم الدكتور جابر عصفور. ونجد أن دور نشر رائدة في نشر تجارب القصة القصيرة العربية الــرائــدة مثل دار اآلداب اللبنانية التي نشرت ليوسف الشاروني ،وسليمان فياض ،وعبد السالم العجيلي ،ورشاد أبو شاور ،ولي شخصياً «األفواه» عام 1979م ،قد توقفت نهائياً عن نشر المجاميع القصصية وانحازت للرواية ،وفقاً لمزاج ما تبقّى من القراء الــعــرب الــذيــن لــم تــصــادرهــم الــمــواقــع االجتماعية ،وبقوا أوفياء للكتاب ورائحة الورق.
في تونس هنا حالة بعض أساتذة األدب الــذيــن درّســـوه على مــدى ســنــوات ..ثم ارت ــأوا أن يجربوا حظهم فــي الــروايــة، آخرهم د .شكري المبخوت رئيس جامعة منوبة ال ــذي نشر رواي ــة ب ــدأت تحظى باالهتمام .أك ــرر :نعم بوسع أي كاتب أن يكون روائياً ،عبدالرحمن منيف جاء مــن النفط وحصل على الــدكــتــوراه في اقتصادياته ،وقد ترأس في بغداد تحرير مجلة «النفط والتنمية» ،وعبدالسالم العجيلي طبيب وكذلك يوسف ادريس.
أما ما هو دافعي لكتابة الرواية؟ فيبدو لــي أن «صــاحــيــتــي» الــتــعــبــيــريــة التي تجولت بين «الشعر» و«الفن التشكيلي» وأنا مدرس فيه ،وقد تخرجت من معهد وكلية الفنون الجميلة ببغداد ،وكتابة المقال الحامل للرأي في الشأن الثقافي والسياسي ،هذه «الصالحية» قد وجدت مالءمتها في الــروايــة؛ فهي فن الفنون ¦هــل يمكن لـلــروايــة أن تعيش بـعـيــد ًا عن السياسة واأليديولوجيا؟ ما هي حدود وقــادرة على استيعاب التشكيل والــرأي
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ويبدو لي أن بإمكان أي كاتب أن يجرب حظه في الرواية ،وقد ينجح فيها بدليل أن هناك عدداً من الروائيين والروائيات الجدد لم يدرسوا األدب العربي دراسة أكــاديــمــيــة ،بــل إنــهــم ج ــاؤوا مــن العلوم، ونــجــحــوا فــي تــقــديــم روايــــات متميزة. وقد كنت أخيراً عضواً في لجنة تحكيم الــروايــة الكويتية لــروائــيــات وروائــيــيــن شباب ،وقد اخترت رواية لكاتبة ،وعند مراجعة سيرتها فــي الــورقــة المرفقة اكتشفت أنها آتية من اختصاصات في الحساب واألرقام واإلحصاء ،وكذا شأن أسماء أخرى تميزت رواياتها.
والشعر ،كما أن المهم فيها هــي أنها بالنسبة لي «ممارسة» حرية ،إذ إن كتابة القصة القصيرة تبعث على شــيء من الحرص األقرب إلى الخوف ،وكأنك تم ُّر في طريق ضيق ،أما الرواية فهي مساحة وبستان وفضاء ،وهذه كلها مسائل داخلية يحسها الكاتب وهو منهمك في مختبر الكتابة .كما أقول لك إنني أعمل على أن أجعل كل رواية أكتبها صوتاً من مرحلتها، «القمر واألسوار» و«عيون في الحلم» عن العراق الملكي ،مع اإلفادة القصوى من التركيبة السكانية لـ «الناصرية» ،وشواغل ال ــن ــاس ،وانــعــكــاس األحـــــداث عليهم، والتركيبة السياسية السائدة وقتذاك، ثم النماذج البشرية النادرة التي عرفتها المدينة ،مناضلين وباعة وشيوخاً وشباناً ونــســاء ،وصــوالً إلــى «نحيب الرافدين» التي اجتهدت فيها على توثيق ما جرى في عراق الثمانينيات ،وقد أخبرني أكثر من صديق بعد قراءتها أنهم لم يغادروا العراق يوماً ،لكنهم لم ينتبهوا إلى الكثير من التفاصيل التي تحدثت عنها الرواية، فالروائي يمتلك مبكراً ما صار يسمى في أيامنا هذه «االستقصاء» ،ومنه ما يقدم في محطات التلفزة مثالً .وأنــا حاضر في كل رواياتي بشكل أو آخر قد أكون متخفياً بقناع ما وأوهم القارىء بغيره، وكل هذا يؤكد أن الكاتب حاضر جداً في نصه ألنه مبدعه ،وقد قال قبلنا فلوبير عندما سئل عن «مدام بوفاري» فأجابهم: (إنها أنا).
107
األيــديــولــوج ـيــا واإلب ـ ـ ـ ــداع ..وأيـ ــن تكمن ال ـخ ـيــوط ال ـفــارقــة بـيــن جـمــالـيــة الـنــص االب ــداع ــي وأخــاق ـيــاتــه ،بمعنى آخ ــر ما ه ــو االلـ ـت ــزام ع ـنــد ع ـبــدالــرح ـمــن مجيد الربيعي؟
108
أعــمــال غائب طعمة فــرمــان الــذي آمن مبكراً بالماركسية فتحولت عنده الى قراءة لألحداث ولبنية الشخصيات! وال ننسى أن لدينا شعراء قوميين من شاذل طــاقــة إلــى شفيق الكمالي إلــى حميد سعيد وسامي مهدي ،ومن قبل السياب والبياتي وبلند الحيدري مثالً .أما ما هو االلتزام في كتاباتي السردية؟ أجيبك أنه التزام يتعلق بدور األدب وغاياته .وماذا يريد الكاتب؟ إنه بالتاكيد يمرر التزامه من خالل مواقف شخصياته وانتصارها لقيم العدالة والحق والجمال ،ولكن ليس بالشكل الفاقع الذي يحول النصوص الى بيانات ،فهذه ليست مهمة األدب ،وسبق لعدد من الكتاب أن ميّزوا بين «االلزام».. ظناً منهم أنــه انتصار ألحزابهم ودعم لها وألهدافها ،وبين االلتزام الــذي هو موقف من العالم ومن أحالم الناس ،ومن المستقبل الذي يتمنونه أفضل وأجمل.
ρ ρمــن خــال تجربتي الشخصية أجيبك أن السياسة أحد أهم «المالعب» التي تتحرك الرواية فيها ومنها ،ليست هناك رواية ال تقرأ سياسياً أيا كان موضوعها خذ األعمال الكبيرة في األدب العالمي مع مالحظة أن «السياسة» قد ال تكون بالشكل المباشر والواضح ،ولكن الممّوه والمخبّأ وفــق مــا تطلبه فنية الــروايــة واالبتعاد بها عن المباشرة ،ماذا نسمي «الدون الهادىء» لشولوخوف؟ أو الحرب والــســام لتولستوي ،أو ثالثية نجيب مــحــفــوظ؟ السياسة بكل اختالطاتها قدمت للروائي موضوعات من الممكن له أن يشتغل عليها ،وأنا شخصياً تستطيع أن تــقــول عــن رواي ــات ــي جميعها إنها ¦أستاذ عبدالرحمن ،كيف حدث وأصبحت ناقداً ،وما هو دافعك لكتابة النقد ،هل روايات سياسية وهناك فارق بين ما هو هــو حــب التجديد وف ــرض ال ــذات ،أم هو سياسي وما هو أيديولوجي ،فنصوصي الهروب من قيود اإلب ــداع ،إيمانا بأنه ال ال تسيّرها أيديولوجيا محددة ألنني لم حدود لضفاف النقد؟ أكن يوماً خاضعاً لسطة األيديولوجي، هنا قد أجد تفسيراً لحضور السياسة ρ ρلعلي قد أجبتك على هذا السؤال ضمنياً في الــروايــة العربية مــرده الــى سخونة في أحد أجوبتي السابقة وقلت إنني لم األحداث السياسية التي مرت وتمر بها أطرح نفسي ناقداً ويمكن أن تقول عني البلدان العربية ليس أبسطها االغتياالت إنني قارىء متابع إذا ما استوقفني عمل واالنقالبات العسكرية ،وقد نال العراق معين أكتب عنه معرِّفاً وداعياً المعنيين نصيبه منها ،لكن عندما يكون الروائي ليقرأوا هذا العمل ،وقد ساعدني في هذا أو األديب بشكل عام مؤمناً بأيديولوجيا عملي في الصحافة الثقافية التي كادت معينة ،فـإن من الممكن أن تكون هذه أن تصبح مهنة لي ســواء في العراق أو األيــديــولــوجــيــا حــاضــرة ،لنقرأ عراقياً تونس ،وأقوم بين فترة وأخرى بمراجعة اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
¦مــاذا عــن عالقة النقد بــاإلبــداع ،هــل هو تابع له أم متبوع ،أي هل يمكن للنقد أن يفتح اآلفاق لإلبداع ويسير أمامه دليالً؛ أم عليه أن يبقى خلفه تــابـعـ ًا منتظر ًا
الجديدة بإضافاتها وآلياتها المختلفة، حتى الكتاب األحياء من الرواد وال سيما المتميزين منهم ،نجدهم وكأنهم يتمردون على نصوصهم األولى وكأنهم في سباق
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ما تجمّع لديّ من هذه الكتابات ألبّوبها وأدرجها في كتاب أقدمه للنشر ،وأعتقد ρ ρأرى أن النص يسبق النقد ،والمبدع يسبق أن هذا النوع من النقد مطلوب ولي دليل ناقده ،وأن سلطة المبدع أقوى من سلطة في األصــداء التي حققتها أعمالي هذه الناقد ،لكننا نرى األمر معكوساً في أدبنا (آخــر إصــداراتــي كــان كتاباً عن األدب العربي ،فالسلطة كل السلطة تبدو للناقد المغربي وعنوانه «كتابات مسمارية على رغم أنه ال يستطيع ممارسة سلطته هذه جدارية مغربية» وقد نشره اتحاد كتاب إال إذا انوجد النص الذي يحثه ويجعله المغرب)؛ وهــذا مثال ،ولكنني تكاسلت يمتشق أسلحته النقدية .هناك تداخالت في السنوات األخيرة بعد أن أصبحت خلقت ارتباكات في المواقع ،ولن يبدو أن ظروف نشر الكتاب صعبة وليست كما كل هذا من األمور الطبيعية. كانت عليه في السنوات الماضية. ¦ك ـ ـيـ ــف ت ـ ـق ـ ـ ّيـ ــم خ ـ ـ ـطـ ـ ــورة ال ـ ـن ـ ـقـ ــد الـ ـ ــذي ¦م ـه ـمــة الـ ـن ــاق ــد هـ ــل هـ ــي دراسـ ـ ـ ــة ال ـنــص تـحــركــه ان ـت ـمــاءات ديـنـيــة أو سـيــاسـيــة أو وت ـف ـس ـيــره أم ت ـت ـعــدى ذل ــك إل ــى الـحـكــم أيديولوجية؟ والتقويم؟ ρ ρلم تخل حركة أدبية من هكذا أنواع من ρ ρهو كل ما ذهبت إليه .لكن يظل السؤال النقد ،وهــي وإن تأخذ مساحة ما في كمتلق عندما أحكم على نص ٍ الملح عليّ وقتها إال أنها تذهب وتنقشع مثل غمام قــرأتــه ،بــمــاذا اختلف؟ وم ــاذا أضــاف؟ طــارىء ال مطر فيه .ولدينا في العراق هذا أمر يلح علي جداً ،أما تأويل النص أمثلة ال تع ّد وال تحصى مع كل مرحلة من وإسقاط قناعات الناقد أو منهجه عليه المراحل السياسية التي يمر بها البلد. واستنطاقه بما ليس فيه ..فهذا متوافر في الكثير من الكتابات النقدية ،وأضيف ¦ظاهرة التعالق األجناسي الــذي تشهده بعض الروايات العربية المعاصرة ..هل أن النص قد يتجاوز هذا كله ويحمل معه هي حالة صحيّة تعيشها الرواية العربية ما يدعو دارسيه ونقاده ألن يأتوا بجديد الـيــوم أم هــي عالمة على إفــاس آلياتها نظري مواكب له ومتداخل فيه ،أي أن القديمة..؟!! النص يسبق نــاقــده ويتجاوز المتوافر من نظريات النقد .مث ً ال هذه النصوص ρ ρال أقول «إفالس اآلليات القديمة» كما ورد السردية -في الرواية خاصة -التي تفيد في سؤالك بل هو «استنفاد» لها بشكل من «الميديا» الحديثة كيف تقرأ؟ أو آخــر؛ ول ــذا ،جــاءت الــروايــة العربية قدومه؟
109
مع شباب الرواية الذين خلقوا أكثر من مفاجأة ،كتابات إنعام كججي وهي من جيل السبعينيات إذا ما تابعناها منذ تجاربها الصحفية األول ــى فــي جريدة «الــثــورة» العراقية ،ثم بتول الخضيري الــتــي ظــلــت بــعــيــدة عــن ال ــع ــراق ،ولكن الــعــراق كــان موضوعها .أمــا الروائيون الشباب فنجدهم ينافسون مجايليهم من الروائيين العرب ويحصدون الجوائز ¦لماذا تكتب الشعر؟ وماذا أعطاك؟ بأعمالهم المتفوقة. ρ ρربما عندما أحب .ولذا ،كان الحب محور ¦ما رأيك بما قاله جابر عصفور عن «زمن جل ما نشرت من أعمال وربما يكون كل عمل من «فضل» امرأة معينة عليّ فشكراً الرواية» ،وقد باتت هذه المقولة مضربَ لها .أما ماذا أعطاني؟ فأنا ال أبحث عن م ـثـ ٍـل ســائــر .ومـ ــاذا عــن اإلب ـ ــداع الــروائــي المقابل ،المهم أنه كان روضاً أعود إليه العربي وهــل صحيح أن الشعر دخــل في مترّيضاً مالئاً صدري باألوكسجين. طريق مسدود؟ أرى ال ف ّكاً لالشتباك بل إلعطاء كل تجربة حقها ومكانتها ،أننا في زمن الشعر أيضاً وفي زمن القصة القصيرة كذلك ولكننا في زمن الرواية التي وصفها أحد النقاد بأنها «امبريالية» بطبعها؛ ألنها تأكل من كل الفنون كالسيناريو السينمائي والحوار المسرحي والفن التشكيلي وتهضمها في معدتها القوية!
110
ρ ρد .جابر عصفور ناقد بارز وأكاديمي نابه ¦متى تــوطــدت عالقتك القوية بالشعر؟ في أي مرحلة من حياتك؟ كان له هذا الــرأي ،رغم أنه عني بنقد الشعر العربي ،وله كتابات عديدة فيهρ ρ ،كانت عالقتي بالشعر ومــا تــزال متينة وأقول أن ما قاله هو رأيه الذي يؤيده فيه وحقيقية ،وأن ــا ق ــارىء لــه ومنصت له الكثيرون وأنا أحدهم الى حد كبير؛ لكن في المهرجانات ،ولــذا تجدني أع ـرّف «القطعية» في جواب كهذا يجعلنا نسأل باألعمال الشعرية الجديدة من خالل مجلة «الحياة الثقافية» التي أنــا أحد وماذا عن الشعر وهو ديوان العرب ولنا أفراد أسرة تحريرها منذ عام 1996م. امتدادنا العميق كعرب عبر القرون فيه؟ وماذا عن القصة العربية القصيرة ولنا عشت سنوات تكويني األولــى في مناخ فيها أسماء كبيرة مثل يوسف الشاروني شعري وفي مجتمع ال يعترف إال بالشعر، ويوسف إدريس وسعيد الكفراوي ويحيى أنصتّ إلى شعراء المدينة الرواد أمثال الطاهر عــبــداهلل (مــصــر) ،وعبدالملك صالح نيازي وعبد اللطيف اطيمش وهما نــوري ومحمد خضير وجليل القيسي يقرآن الشعر في االصطفاف الصباحي ال (العراق) ،وزكريا ومحمود جنداري مث ً بالمدرسة الغربية في الناصرية ،وبعد تامر ووليد إخالصي وعــادل أبــو شنب ذلــك أنصتّ لرشيد مجيد وقيس لفتة (ســوريــا) ،وتوفيق يوسف عــواد (لبنان) مراد وعزيز عبدالصاحب رحمهم اهلل؛ وغيرهم ،وهذا مجرد مثال. لــذا ،كانت عالقتي دائماً قوية بالشعر اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
أتابع من الــعــراق تجارب موفق محمد (الحلي) وهو صديق عزيز ترافقنا منذ سنوات الدراسة وسرني أنه صار صوتاً فاعالً ،وال أنسى كاظم الحجاج (البصري) وعارف الساعدي وغيرهم .فالعراق والّد ومنجب ،وكذلك الناصرية مسقط رأسي وحاضنة الغناء والشعر ،مَن ينسى حسين نعمة أو طالب القرغولي؟ و َمــن ينسى بالبل الريف حضيري أبو عزيز ،وناصر حكيم ،وداخل حسن ،وخضير مفطورة؟ ¦كـ ـي ــف ت ـن ـظ ــر إلـ ـ ــى جـ ـ ـ ــواد سـ ـلـ ـي ــم ،ف ـ ــؤاد الـ ـتـ ـك ــرل ــيُ ،ل ـط ـف ـي ــة ال ــدلـ ـيـ ـم ــي ،مـحـمــد خـ ـضـ ـي ــر ،عـ ـب ــدالـ ـسـ ـت ــار ن ـ ــاص ـ ــر ،غ ــائ ــب ط ـع ـمــة ف ــرم ــان،ج ـل ـي ــل ال ـق ـي ـس ــي ،غ ــازي ال ـع ـبــادي ،جـمـعــة ال ــام ــي ،أح ـمــد خلف، م ــوف ــق خ ـض ــر ،م ــوس ــى كـ ــريـ ــدي ،يــوســف الـحـيــدري ،عـبــدالــرزاق المطلبي ،برهان الخطيب،حنّون مجيد ،محمود جنداري، عـبــدالـخــالــق الــركــابــي ،بثينة الـنــاصــري، ع ـلــي خ ـي ــون ،مـيـسـلــون ه ـ ــادي ،وارد بــدر السالم ،عبدالستار البيضاني وغيرهم. ρ ρلقد عرفت كــل هــؤالء فــي هــذه الفترة أو تلك ،وكلهم بتعدد أجيالهم ومواقعهم صــنــعــوا الــمــشــهــد اإلب ــداع ــي الــعــراقــي المتقدم ،فجواد سليم درسني النحت في معهد الفنون الجميلة ببغداد ،وكتبت عنه في سيرتي الذاتية «أية حياة هي؟»، ولطفية الدليمي تعرفت عليها عن طريق
َمـ ــن ذكـــــرت م ــن األسـ ــمـ ــاء ك ــان ــت لها إسهاماتها في إثــراء المدونة السردية العراقية ،بعضهم غادرنا مبكراً أمثال موسى كريدي ويوسف الحيدري وجليل القيسي ومحمود جنداري ،ولكنهم تركوا بصماتهم المثرية والمهمة ،وبعض من ذكرت أتواصل معهم وأحترم جهودهم، ويمكن إضافة أسماء أخرى من أصدقاء العمر الذين كحلت عينيّ برؤيتهم في بغداد (ديسمبر 2013م) أمثال أحمد خلف وجــهــاد مجيد مــن كــتــاب القصة والرواية. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
والشعراء رغم طاووسية بعضهم ،ولكن مع هذا فهي مقبولة ولندعهم ينفشون ريــشــهــم الــبــهــيّ ،وال يبقى إال الــديــك الفصيح.
الناقد سليمان البكري وهــو ابــن خالة زوجــهــا الــمــخــرج السينمائي المرحوم كامل العزاوي ،ولم تكن وقتها قد نشرت أي كتاب ،وغائب طعمة فرمان التقيته للمرة األول ــى فــي موسكو ،فقد دعانا للغداء في مطعم مشهور رفقة الشاعر محمد جميل شلش ،والــروائــي برهان الخطيب أحد أقدم أصدقائي وكان يقيم بموسكو للدراسة ،لكن آخر لقاء لي معه عندما لبينا دعــوة اتحاد كتاب المغرب للمشاركة في نــدوة عن القصة العربية القصيرة ،وقــد جــاء مــن موسكو رفقة برهان الخطيب ،وكان في حالة صحية صعبة ،وقــد أخــذ منه الكبر مــأخــذه، أتذكر أننا تحدثنا عن روايته «المركب» التي أصدرتها دار اآلداب ،وأخبرني أن د .سهيل إدريس ارتأى استبدال عنوانها وكانت تحت اسم آخر ذكره لي وقتها.
111
الشاعرة أحالم عبداهلل الثقفي: ال يزعجني الناقد ،لكن هناك نقاد ًا يقتلون العمل اإلبداعي؛ ألنهم ال يتواصلون مع عمق التجربة
ال ـشــاعــرة أحـ ــام ع ـب ــداهلل الـثـقـفــي ،ت ـضــيء ف ـضــاء قـصـيــدتـهــا بـ ــروح مدينتها «الـطــائــف» ،وبروحها قبل اللغة ،تدهشك بساطتها ،وعفويتها ،اللحظات التي تسبق الفجر هي المكان والــزمــان لقصيدتها تقول« :غالبا أكتب في اللحظات التي تسبق الفجر ،وحتى شروق الشمس وكثيرً ا ما أتنبه لصوت األذان وللعشب المبتل بالندى ..في هذا الوقت وفي هذا الطقس أشعر أنني أجاور حلمي بصفاء، وأستطيع أن أصغي لهتافات الروح أكثر من أي وقت آخر». «لغة من كرز» ،هذا عنوان مجموعتها الشعرية الصادرة عن دار االنتشار العربي عام 2014م؛ وفي هذه الديباجة والتي هي بمثابة بوابة لحواري مع الشاعرة أحالم الثقفي ،أوثق هنا هذا البوح من «لغة من كرز»: « افتح يدك سأقف براحتها كفراشة سأخطط معك ألوان الغد سأقسم الحقول والسماء واألرض.. في حوار خاص لمجلة الجوبة ،كان هذا اللقاء. ■ حاورها :عمر بوقاسم
112
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
أكتب بجنون أو ال الــتــصــنــيــفــات ال تــلــيــق ب ــاإلب ــداع ،وثــقــافــة الــكــتــابــة ال ومصطلح «النسوي» يجعل الكتابة حدود لها ،قد تشبهنا أكتب!.. ¦ال ـ ـقـ ــارئ لـقـصـيــدة فــي نــطــاق ضــيــق !..وال يمكن أن زاوي ـ ــة م ــن تفاصيل صغيرة داخل نص ما، أح ـ ـ ـ ـ ــام الـ ـثـ ـقـ ـف ــي نحاصر األنثى بهذا المصطلح. ربــمــا ،بينما األغلب ستسكنه تفاصيل «لغة من كــرز» هي تجربة كتابية هو صنع خيال وروح وع ــوال ــم القصيدة ال تحمل أي تصنيف كتابي ،هي لما نحب أو بما نطمح ال ـت ــي وث ـق ـت ـهــا من تــجــربــة طــفــلــة تــشــاغــب الــمــطــر، إليه روحيًا ،فربما أداة خـ ــال ل ـغــة تـنـحــاز وتــحــاول أن تصطاد غيمتها؛ وهي الــقــراءة ترسم لدينا حد االنزواء!.. خجولة ّ ٌ لثقافتك وروحــك، عــوالــم مــن جناحين، أي أنـ ـ ــك تـكـتـبـيــن َّ لدي تجربة غنية ،أظن أن الفضاء ذاكـــرة وتــجــربــة ،وأن ال ـ ـق ـ ـص ـ ـيـ ــدة الـ ـت ــي األقرب أن أ ِّ ُجسد تجربتي في عمل تحلق بينهما ،فنحن تشبهك« ،الــذاكــرة ،سردي. ننبض بــالــقــراءة إمــا التجربة ،القراءة» من الذاكرة أو نقطف كـلـهــا أدوات يلجأ من تجارب الحياة شيء من حلم ،لذلك إليها المبدع لبناء نصه ،ما األداة التي الــقــارئ يجب أن يعي أن بــرزخ العالقة ت ـع ـت ـمــديــن عـلـيـهــا أو األقـ ـ ــرب لـلـشــاعــرة بــيــن الــكــاتــب والــقــصــيــدة .األغــلــب هو أحالم لبناء قصيدتها؟ حسي وجــدانــي وفطرة مشاعر كمذاق ρ ρيقول نيتشه «إن اليقين الحقيقي هو أنثوي يحمل الجمال الحسي حتى يصل طريق المرء إلى الجنون»؛ لذلك ،إما أن ويالمس القلوب والعقول بصدق الكلمة، أكتب بجنون أو ال أكتب! حاولت أن أتصنع كما أحب تماما. شخصية بهوية ترضي اآلخرين عن كتابة نصوص قد تولد مشوهة المرأة ،ولكني لم أستطع أن أعبث بقلمي ألرضي بعض النقاد أو بعض النظرات«¦ ،ل ـغــة م ــن كـ ـ ــرز» ..مـجـمــوعـتــك الـشـعــريــة وال ـص ــادرة عــن دار االنـتـشــار الـعــربــي عام فأيقنت أن العقل والجنون ال يجتمعان 2014م ،وهـ ـ ــي م ـ ـ ــرآة ل ـت ـج ــرب ــة خ ــاص ــة، على طريق مستقيم. حـيــث تـمـيــزت نـصــوص ه ــذه المجموعة عندما تسكن الكلمة أغوار حياتي أحيلها بالنفس القصير أو بما يسمى قصيدة لشعاع يضيء هدايا الرب داخلي ولمن «الومضة» ،والتي تعتمد على خلق صورة حولي كطبيعة إنسانية أحيلها إلكليل شعرية مكثفة ،طبعا ،ال يخفى عليك صامت ..لكنه شراب من سالم .القصيدة أن السردية المحلية تعيش طفرة غير أسطورة أنثوية وممثلة للحياة وجمالها، مـسـبــوقــة ،بمختلف أن ــواع ـه ــا ،الـشــاعــرة
113
أح ــام الثقفي م ــاذا تـقــول عــن تجربتها في فضاء «لغة من كرز»؟ «ρ ρلغة من كرز» كانت قد أتت ثمارها من الــحــب ،وه ــذا مــا أتــمــنــاه أيــضــا لكتابي الــقــادم (أغنية) ،ولكن قد يكون هناك نصوص قد تولد مشوّهة أو ميتة ،فال أكتب لها البقاء عندما تولد في ظرف مــوجــع ،ال أريـ ــد أن أكــتــب إال للحياة وللحب؛ لذلك ،لم يحتوِ «لغة من كرز» على نصوص موجعة ،أما كتجربة كتابية فما أزال أطور لغتي وأدواتــي الشعرية، ومهما كتبت سأظل أتعلم ،وما أزال أقول إنني أكتب نصوصاً ال أريد أن أصنفها!.. أريد أن أعطي لنفسي فسحة لغة وبناء قصيدة تظل فــي الــذاكــرة للقارئ بكل فوضاها ،ولكن ال يمكن أن يكون كل ما يكتبه الكاتب تجربة ذاتية ،لو كان كذلك لما وجد لدينا مبدع في الصور والتراكيب
114
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
واألخيلة ،ولما وجدت روايــات وقصص وأشعار نصنعها من خيال ..أو من واقع مجتمعي وثــقــافــي وإنــســانــي وعاطفي ووطني؛ ولكن كنصوص الومضة نادرًا ما أكتبها ،ولكن ما أكتبه هو نصوص أقرب للنثر أو التفعيلة ،نصوص حتى ال يمل منها القارئ أو السامع ،نحن في وقت نحتاج فيه إلــى الخفة ومالمسة الــروح والعقل لصنع لغة جديدة داخل النفس. فتجربة «لغة من كرز» هي تجربة كتابية ال تحمل أي تصنيف كتابي ،هي تجربة طفلة تشاغب المطر ،وتحاول أن تتمسك ال بالغيم ،وخجول ٌة ح ّد االنزواء ،كبرتُ قلي ً عشية وضحاها ٍ ألجد نفسي مسئول ًة بين عن أحالمي الضائعة ،قرب أمي ،وقامة أبــي الــفــارهــة كالمسافة بين الصمت والكتابة ،فتّفتحت زهــرات روحــي على اللغة ومكنوناتها ،فكأنما بدأت أتعرّف على نفسي من جديد؛ إني أكتب ألتنفس!
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
لم أستطع إلى اآلن أن أكون أكثر جدية تجاه المتلقي ،وأعترف أنني أكتب ألكون أنا كما أنا ال أنتمي إلى أحد ،ولكن مؤمنة أنَّ الكتابة فعل حياة ،وفعل مستمر!.. مهنة المتاعب!.. ¦«ع ـ ـكـ ــاظ»« ،الـ ــوطـ ــن» ،طـبـعــا هـ ــذه مـنــابــر إعــام ـيــة سـبــق لــأس ـتــاذة أحـ ــام العمل فيها كصحفية ،وحاليا تشغلين منصبًا وظيفيً ا بنادي الطائف األدبــي ،والعمل الصحفي يمتاز عادة بثراء التجربة ،ماذا تقولين في هذا االتجاه؟ ρ ρدخــلــت مهنة الــمــتــاعــب /الــصــحــافــة.. فصقلتني صاحبة الجاللة كما لم يفعل شيءٌ آخــر ..الصحافة هي أرض أقمت فيها ألكثر من عشر سنوات كانت كالربيع الطلق ،مغامرة جريئة من طالبة في مرحلة الثانوية؛ وبرغم وجود بعض المعوقات، ولكن حبي لها جعلني أتجاوز الكثير من الصعاب ،وأن أوازن بين الدراسة والعمل
كهواية وإشباع طموح وغرور ذات حينها، حتى في مرحلة الجامعة مارست العمل الصحفي .وأنــت بهذا الــســؤال جعلتني أستعيد من ذاكرتي أجــواء الصحافة..، وأن ــا بــالــطــائــف كــنــت أج ــد صــعــوبــة في إرسال المواد إلى جريدة عكاظ بجدة، في البدايات كنت أكتب المادة بخط يدي على ورق A4وأقوم بإرساله للزمالء في مكتب التحرير لكتابتها على الكمبيوتر ،لم يكن لدي حينها جهاز حاسب أو فاكس، المهم كان لديّ أن تصل المادة دون أن تمنع ،بسبب عملية المراقبة التي كانت تتم حولي داخل الجامعة من المشرفات حينها /حيث كُنَّ يقمن بمنعي من الكتابة، ومصادرة كل أوراقي ،وأن ال أتجول داخل الجامعة إال بضابطات األمن لمراقبتي.. حتى ال أكتب شيئا عن خبايا الجامعة في ذلــك الوقت ،أو أقــوم بعمل لقاءات مع الطالبات ومعالجة مشاكلهن داخل الجامعة ومطالبهن ،ولكنني رغــم ذلك لم أتوقف ،بل دفعت ثمن ذلك أن ظلت اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
115
وثيقة تخرجي حبيسة أدراج الجامعة، ال إلى أن أقدم استقالتي ،وبعد عام ..فع ً تــقــدمــت بطلب االنــســحــاب مــن عكاظ لظروف والدي الصحية ،وعندما عرفوا بذلك قاموا بتسليمي وثيقتي التي كانت مجمدة لديهم!
116
بــحــب مــع الــصــديــقــات ،رغ ــم السطوة الــذكــوريــة ..أعقبها فترة صــدور قــرار دخــول المرأة لعضوية األندية األدبية، وخضت تجربة االنتخابات وترشحت للفوز وتمت موافقة المجلس على أن أكون متفرغة إلدارة القسم النسائي والتنسيق، تشرفت بذلك إلى جانب العمل بتحرير مجلة «وج» الثقافية الصادرة عن النادي، وإدارة المنتدى الثقافي صقلت لدي موهبة التقديم لألمسيات والمشاركات داخــل الطائف وخارجها في الملتقيات والمعارض .حصدت الحب من الكثير من األصدقاء في الوسط الثقافي ،جمعتنا البهجة واألخــوة والكلمة ،فترجمت لغة الدهشة بطموح حالم ،وبعزيمة ،لخطوة قادمة لما هو أجمل ،كان الهدف هو قمع الروتين الثقافي واألدبي ،وربما هذا ما أطمح إليه مع وجود هيئة للثقافة ،ووجود رؤية ستحيل بعون اهلل الكلمات واألماني لنرجس من غصون التحضر الثقافي.. بعيدًا عن برود األندية األدبية وركودها؛ فمن هــنــا ،أطــمــح فعليًا إلــى تطويرها ونقلها لمراكز أكبر وأشمل.
أما اليوم ،يجد الصحفي المعلومة أمامه على مواقع التواصل دون عناء البحث والتحري والمتابعة كالسابق ،انتقلت بعدها لصحيفة الوطن ..ثم انتقلت للعمل ال تليق باإلبداع!.. كسكرتيرة لنادي الطائف األدبي الثقافي، ¦«األدب الـ ـنـ ـس ــوي» أو «أدب الـ ـ ـم ـ ــرأة» أو اطلعت خاللها على تجارب المثقفين «أدب األن ـثــى» ..بين االخـتــاف والقبول الــذيــن كــانــوا يكبروني كثيرًا كأساتذة وال ــرف ــض ،عـلــى أي ضـفــة تقفين ،وم ــاذا وأستاذات ،وهو كان بداية تأسيس القسم توثقين من أسطرٍ خلف سؤالي هذا؟ النسائي داخ ــل الــنــادي وتــكــويــن لجنة التصنيفات ال تليق باإلبداع ،ومصطلح نسائية ثقافية ،وكان هذا الموضوع قد «النسوي» يجعل الكتابة في نطاق ضيق تناولته كثيرًا في الصحف خالل عملي ال أتــصــالــح مــعــه ،ال يمكن أن نحصر بها ،وتحقق ذلــك بوجود لجنة نسائية األنثى فقط ألنها أنثى ،والمرأة المبدعة مستقلة عملت خاللها لثالث سنوات اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
كــالــســحــابــة تــمــطــر عــلــى األرض التي تختارها .ال يمكن أن أكــون أنثى أيضا وبالتالي أتجاهل كــل عــوامــل المعرفة واإلحــســاس اإلنــســانــي والمجتمعي أو الــكــونــي أو حــتــى الــمــائــكــي..أرفــض المفهوم الضيق لــإبــداع ..حتى تصنع فقط مواد سردية وأبحاث تصنيفية ال تليق بيومنا وال برؤيتنا. عاجزة عن توفير الوقت!.. ¦ه ــل ل ـل ـق ــارئ أن ي ـت ـعــرف ع ـلــى مـحـتــوى مكتبتك؟ مكتبتي تحوي عدداً من الكتب ،من شعر وروايــات وقصص ،وأيضاً كتب الفلسفة واالجــتــمــاع والــتــاريــخ والــرحــات وكتب التراث ،والمجالت والكتب والمطبوعات عن وعيه وروحه فال تنتظر إال الكارثة. الـــدوريـــة ،وبــعــض الــمــوســوعــات ،وأنــا حريصة على تزويدها بالكتب باستمرار، أكتب في المساء!.. مع أنني عاجزة عن توفير الوقت الالزم ¦متى تكتبين القصيدة؟ للقراءة. حقيقة ليس هناك زمن محدد لكتابتها، نقاد يقتلون العمل اإلبداعي وإن كنت غالبا أكتب في المساء وحتى ¦هل يزعجك الناقد؟ الــفــجــر؛ ألنــنــي كــثــيـرًا مــا أتنبه لصوت األذان وللعشب المبتل بالندى ،في هذا ال يزعجني الناقد أبداً ،ولكن هناك نقاداً الــوقــت وفــي هــذا الطقس أشــعــر أنني يقتلون العمل اإلبداعي؛ ألنهم يتناولونها بكتابة تنطبق على مجموعات مختلفة أجاور حلمي بصفاء ،وأستطيع أن أصغي تــنــاوالً ال يــتــواصــل مــع عمق التجربة؛ لهتافات الروح أكثر من أي وقت آخر. وهــنــاك أيضا فئة أخــرى مــن النقاد ال أهم ما يميزها!.. تــفــرق بين النصين التفعيلي والنثري بعيدين عــن الــشــعــور بــاإليــقــاع أصــا¦ ،هناك تصنيف يقيّم الساحات الشعرية مــن بلد إلــى آخ ــر ..فمثال هـنــاك شعراء ويتناولونهما كنص واحد ،النقد إذا ابتعد اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
117
مــرة أعيد فيها كتابة
يـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــون حريصة على تزويد مكتبتي بالكتب ســاحــات ـهــم بــأنـهــا باستمرار ،مع أنني عاجزة عن توفير الرواية وبنائها؛ ألنني األك ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ــر تـ ــأل ـ ـقـ ــا الوقت الالزم للقراءة. ال أحمل النفس الطويل وج ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ــة ،ك ـي ــف مازلت أطور لغتي وأدواتي الشعرية ،كــمــا قــلــت ســابــقــا ،وال ت ـ ـق ـ ـ ّي ـ ـم ـ ـيـ ــن أن ـ ــت الساحة الشعرية ومهما كتبت أظــل أتعلم ،ومــا زلت أمــيــل إلــيــه ..والدليل نصوصا ال أريد أن ً أقول إنني أكتب أنني إلــى اآلن وألكثر السعودية؟ أصنفها!.. مــن خــمــس ســنــوات.. الساحة الشعرية السعودية من أهم ما يميزها عن غيرها من الساحات أنها شاسعة مترامية األطــراف والثقافات.. وهذا يكسبها تنوعً ا وتعددًا يثري العملية اإلبداعية ،وربما يجعلها قابلة لخلق لوحة شعرية مغايرة ،مثلما حدثت نقلة مباغتة لــم تكن متوقعة فــي الــروايــة المحلية. واألهــم هو أن اإلبــداع الشعري هو نتاج لــلــشــاعــر الــمــوهــوب ..وأكــــرر الشاعر الــمــوهــوب ،ونــحــن فــي المملكة عندنا مــواهــب شعرية متجاوزة فقط بحاجة للحضور اإلعالمي. تجربة غنية!..
والــروايــة بين التعديل
والــمــنــع وال ــرف ــض لــبــعــض الــتــفــاصــيــل داخلها؛ ولكن المخزون البالغي واألدبي لدي ال يترجمه إال الرواية ،والكتابة بأي شكل تعد فنًا متجاورا ،وفضاء الحداثة يسمح بتجاور الفنون وانتهاء الحواجز فيما بينها ،فالمسرح يستخدم الشعر والتصوير والموسيقى ،والــروايــة أيضا يدخلها الشعر ،والشعر يدخله السرد وهكذا.. «تويتر» أكثر وضوحا!..
¦مــن الــواضــح تــوجــه الكثير مــن الشعراء ¦ما المواقع التي تنتخبيها لنفسك على الشبكة العنكبوتية؟ في العالم العربي لكتابة الرواية والكتابة ال ـســرديــة ف ــي ال ـس ـنــوات األخـ ـي ــرة« ،غـبــار قراءة المالحق الثقافية ببعض الصحف الــورد» هــذا عنوان روايتك األولــى «تحت العربية والمجالت األدبية ،على المبدع الطبع» ،ما المبررات خلف هذا التوجه، ال مع العالم ،ولكن على أن يكون متواص ً وهل هي ظاهرة صحية أم..؟ مستوى التواصل «تويتر» فقط ،حقيقة لــدي تجربة غــنــيــة ..أظــن أن الفضاء
118
األقرب أن أجسد هذه التجربة في عمل س ــردي ،ولكنني أشعر بالفشل فــي كل
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
أجده أكثر وضوحً ا واألسرع واألقرب إلى
النفس.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
منصورة عزالدين:
الفن اختراع لعوالم جديدة تدفعنا لفهم واقعنا على نحو أفضل، وليس مجرد انعكاس للواقع
كاتبة مصرية تراوح في كتابتها السردية بين القصة القصيرة والرواية وكتابة المقال الصحفي .منذ روايـتـهــا األول ــى «متاهة مــريــم» عــام 2004م ،وهــي تحفر مجرى خاصا في الكتابة ،تحاول أن تجدد في طرائق السرد .إنها الروائية ً لنفسها والقاصة المصرية منصورة عزالدين التي صدر لها عديد من األعمال السردية؛ منها :مجموعات قصصية مثل« :ضــوء مهتز»« ،نحو الجنون»« ،مــأوى الغياب»، وروايــات منها« :متاهة مريم»« ،جبل الزمرد»« ،أخيلة الظل»« ،ما وراء الفردوس» التي وصلت إلــى القائمة القصيرة من جائزة البوكر في نسختها العربية عام 2009م. مــن مــوالـيــد الـعــام ،1976درس ــت الـصـحــافــة واإلع ــام بكلية اإلع ــام بجامعة القاهرة .بدأت بنشر قصصها القصيرة فى الصحف والمجالت المصرية والعربية، وتعمل اآلن في جريدة أخبار األدب المصرية ،و تكتب المقال الثقافي. تتميز كتابات منصورة عزالدين بالتجريب على مستوى البناء واللغة والمزج بين الواقع والخيال والماضي والحاضر ،وتحاول أن تقدم رؤيــة مغايرة للواقع المعاش وال ـمــوروث الثقافي المصري والـعــربــي وأث ــره فــي حياتنا .وتتناص مع التاريخ والـعــوالــم الفنتازية أللــف ليلة وليلة .كــان لمجلة «الـجــوبــة» معها هذا الحوار: ■ حاورتها :هالة موسى اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
119
¦إل ــى أي ح ــدٍّ يـمـكــن ل ـلــروائــي أن يـمــارس التجريب في الكتابة؟ ρ ρيروقني التفكير في اإلبداع بوصفه ساح ًة لحرية غير مشروطة ،حرية ال تحدها حــدود أو ضــوابــط أو حتى قــواعــد من خارجها ،فقط الحدود والضوابط الفنية والجمالية .ال مبرر لكتابة عمل ما ،إن لم يقدم جديدًا ،والتجريب ينطوي على وعد بتجديد مضاعف ،وإن كان التجديد أكثر شمول من التجريب. ً
له .هذا النداء ال يكون ّإل همسً ا ،جريًا على ع ــادة كــل مــا يخص الــفــن ،وليس على الروائي سوى اإلنصات جيدًا لهذا الهمس ،وعدم الخوف من السير خلف الدروب المقترَحة منه ،حتى وإن انطوت على مخاطرة؛ فالمخاطرة قرينة الفن المتجاوِ ز لما هــو ســائــد .فمع الوقت، تعلمت أن األفكار التي تخيفني ما إن تطرأ على ذهني لصعوبتها وبعدها عن المألوف وحدها الكفيلة بمنحي نتائج نهائية أفضل.
ال أحــب أن أظــهــر فــي هيئة مَــن يضع الــقــواعــد لــآخــريــن ،ألنّـــي مــؤمــنــة بــأن القواعد و ُِضعت كي تُتجاوَز (بعد تعلمها عــلــى نــحــو جــيــد بــالــطــبــع)؛ ل ــذا ،ســوف أتحدث عن نفسي ،ال عن «الروائي» في المطلق .وفي حالتي ،ال ينبع التجريب من مجرد رغبة شخصية في التجريب مثل وجدت أن كتابتها في «أخيلة الظل» ً أو اللعب الفني -رغم انحيازي لهما على على النحو الذي كُتبَت به أفضل طريقة حساب الكتابة التقليدية -إنما ينبغي أن لجمع شتات شخصيات وأماكن وأزمان يكون نابعًا من داخــل النص نفسه ومن ال يربط بينها روابط متطلباته هو ..ومن مــنــطــقــه ال ــخ ــاص ،القواعد وضعت كي يتم تجاوزها ،حــقــيــقــيــة ظ ــاه ــرة. ال أن يُــف ـرَض على وال أحب أن أضع قواعد لآلخرين. وفـ ــي أث ــن ــاء الــعــمــل النص من خارجه .التناص يقدم سردية مضادة للنص على كتابي األحدث ف ــي الــعــمــل الــفــنــي القديم تجعلك تنظر إليه بعين «مأوى الغياب» كنت مــدركــة أن أسئلته ال ينفصل الشكل مختلفة. الــفــلــســفــيــة وجـ ــوه عــــن ال ــم ــض ــم ــون، أفضل الروايات القصيرة ،والحظت ّ الـــغـــامـــض نــســب ـ ًيــا بــل يكمل أحدهما أن كثيرً ا من الــروايــات التي مثلت اآلخــــر ،وعـــــاد ًة ما نقلة نوعية في الفن الروائي كانت ق ــد يــمــثــل مــقــامــرة بـــشـــرائـــح قــرائــيــة ي ــن ــادي الــمــضــمــون قصيرة. على الشكل المالئم تابعت ما أكتب منذ وق ــد شجعني ه ــذا عــلــى الــســيــر خلف أفكار أو احتماالت قد تبدو طائشة أو غير جماهيرية للوهلة األولــى ،وشرطي الوحيد أن يكون هذا السعي خلفها نابعًا مــن منطق نصي ال مــن مــجــرد رغبتي الشخصية في االختالف والتجريب.
120
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
¦إلى أي مدى يمكن للكاتب أن يتناص مع نصوص تاريخية وفكرية مثلما حدث في «جبل الزمرد»؟ ρ ρشخصيًا ،أرى أن التناص ينبغي أن يقدم وأل يقلِّد النص األصلي ،بل أن جديدًاّ ، يفككه ويكشف ثغراته ويلعب عليها لطرح أسئلة تخص الكاتب وتنبع من انشغاالته سبيل لتقديم ً هو ،أي أن يكون التناص ســرديــة مــضــادة للنص القديم تجعلك تنظر إليه بعين مختلفة .أتعامل بحذر مــع الــنــصــوص الــتــي تحاكي لغة «ألــف مثل ،أو تستعير بنيتها بامتثال دون ليلة» ً محاولة للتمرد عليها ،أو تلك التي تمتثل
«جبل الزمرد» ،سردية مضادة أللف ليلة وليلة ،وكان هذا طموحي بدأت كتابتها، رغبت في أن يكون لها أسئلتها الخاصة ولغتها المختلفة وحتى نمط تخييلها المغاير عن مخيلة الليالي .رغبت في تفحص العالقة بين الشفاهي والكتابي انطالقًا من أفكار جاك دريدا و«محاورة فــايــدروس» ألفالطون ،ولم أجد أفضل من درة النصوص الشفاهية المتوارثة كي أيضا ً يكون تكئة لهذا التفحص .أردتُ التوقف أمام مفهوم التحريف والعالقة بــيــن «األصــــــل» (الــمــفــتــرض) وصـ ــوره المختلفة ،وكانت «الليالي» نقطة انطالق أيضا .وللتأكيد على مثالية لهذا السبب ً هذا يكفي تأمل الفروقات بين الطبعات المختلفة منها ،أو لنقرأ طبعة محسن مثل ،ونحاول المقارنة بينها وبين مهدي ً الطبعات ذات الحكايات المضافة.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
أعمالي األولـــى ،وضمنت لــي أن يُعاد طبع هذه األعمال طبعات عديدة ،لكنني فــي النهاية -انحزت لمتطلبات الفنوجمالياته (كما أراه ــا) ولــم أرغــب في شغل نفسي بشروط التلقي .عمومًا ،على الكاتب االجتهاد والمحاولة ،أما الحكم على مسعاه بالنجاح من عدمه ،فأم ٌر متروك للنقاد وللزمن.
لمنطق الحدوتة التجريدي ظنًا من ُكتَّابها أن هــذه هي الوسيلة الوحيدة لمقاربة هذا العمل اإلشكالي الحافل بالصراعات والتناقضات والتركيب.
¦كيف تأثرت منصورة عزالدين في «جبل الزمرد» بأجواء ألف ليلة وليلة؟ «ρ ρأل ــف ليلة وليلة» مــن أحــب النصوص إليّ ،بالنسبة لنا كعرب (خاص ًة من تر َّبوْا على الحواديت الشعبية الشفاهية) هي ليست كتابًا ،بقدر ما هي جزء من تكويننا الثقافي ووجداننا الجمعي .أحب العودة إلى «الليالي» من وقت آلخر ،كما أقرأ كل اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
121
ما يقع تحت يدي من كتب تتناولها .في أثناء كتابة «جبل الزمرد» أع ـدْتُ قراءة «ألــف ليلة» وكتب الجغرافيا القديمة المثبتة ضمن المراجع في نهاية الرواية قراءة مدققة ،واهتممت على وجه خاص بحكايات« :الحسن البصري»« ،رحالت السندباد» ،و«حاسب كريم الدين» .لكن لم أرغب في محاكاة الليالي وال تقليدها، إنما صوغ أسئلتي وانشغاالتي الخاصة في قالب إبداعي يخلخل منطق الليالي ويعيد تركيبه مــجــددًا بمخيلة مغايرة. حكاية زمردة مخترَعة ،وتخييل جبل قاف وبنيته وتزلزله يخصني ،وإن كنت انطلقت من رؤية «ابن زيد وعكرمة والضحاك» له وال ــواردة في تفسير القرطبي -لرسمخطوطه العريضة. ¦الغرائبي والفانتازي يمثل روافد واضحة ألعمالك كيف ترين ذلك؟
122
في دلتا النيل تندمج الحواديت الموروثة من مصر القديمة خاصة تلك المتعلقة بنهر النيل وبمفاهيم الـــ «كــا» والـــ «با» و«اآلخ» ،بالسير الشعبية العربية (السيرة الهاللية تحديدًا) ،بالموروثات والتأثيرات اإلسالمية والقبطية.
ρ ρنعم ،الغرائبية حاضرة في كتابتي منذ قصصي األول ــى ،وينبع هــذا باألساس من رؤيتي للفن بوصفه اختراعً ا لعوالم فــي تلك البيئة ،كانت أشــد التفاصيل جــديــدة تدفعنا لفهم واقعنا على نحو غرائبية وفانتازية تُعامَل كتفاصيل حياة أفــضــل ،وليس بوصفه مجرد انعكاس يومية ،وهذا أثرى مخيلتي منذ الطفولة للواقع أو وسيط يعمل عمل الكاميرا بطبيعة الحال. الفوتوغرافية .يــضــاف إلــى هــذا أنني ال أؤم ــن بفواصل ح ــادة وواضــحــة بين ¦ما هي تجليات الواقع في أعمال منصورة عزالدين؟ الواقعي والمتخيل .خياالتنا وأحالمنا وهواجسنا واقعية تمامًا وجــزء ال غنى ρ ρالخيال الجامح أحد أهم شروط اإلبداع مــن وجــهــة نــظــري ،لــكــن ال يعني هــذا عنه من تكويننا كبشر .كنت محظوظة االنفصال عن الواقع .هو موجود دائمًا ألنني نشأت في بيئة ثرية في موروثها من الحواديت والحكايات الفولكلورية. كمنصة انطالق وكمرجعية .حتى أشد اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
بالنسبة لي التخييل وسيلة لفهم الواقع ومقاربته من زاوية مختلفة .انظر ألعمالي كأعمال واقعية تنطلق من الواقع وتنشغل بــه وتسعى لتفسيره وعكس مستوياته المختلفة ،وليس للهروب منه« .متاهة مريم» في مستوى من مستوياتها حاولت تقديم قـــراءة فــي الــتــاريــخ االجتماعي لمصر بعد ثورة يوليو على مدى خمسين ¦كـيــف تــريــن تــأثـيــر ال ــدرام ــا التلفزيونية على األعمال الروائية الجديدة؟ عامًا« .وراء الفردوس» انطلقت من تجربة تجريف األرض الزراعية في دلتا النيل ρ ρوهل للدراما التلفزيونية تأثير على هذه خالل فترة الثمانينيات ،و«جبل الزمرد» األعمال؟! ال أتابع الدراما التلفزيونية ،بل هي -بشكل مــا -روايــة قاهرة 2011م، و«أخــيــلــة الــظــل» روايـ ــة واقــعــيــة يرتكز التجديد فيها على تقنية كتابتها وروح اللعب السائدة فيها ،أما «مأوى الغياب» فعلى الرغم من زيادة جرعة التخييل بها، يمكن ردهــا بسهولة إلى واقعنا الحالي بعنفه ومدنه المدمرة وما يطرحه علينا من أسئلة فلسفية ووجودية مؤرقة.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
األعمال غرائبية ال يسعها االنفصال عن الواقع حتى إن إرادت ،ولو حدث وجاءت منفصلة عنه ،فستتحول إلى ألعاب في الفراغ ،أو وسيلة هروب منه على غرار الرومانسيين.
من يحكم على جــودة روايــة ما انطالقًا من عــدد صفحاتها .الــروايــات الطويلة يشيع فيها الحشو والــتــكــرار ،لكن قد نصادف أحيانًا روايــات ضخمة سريعة اإليقاع خالية من الحشو ،ونجد روايات قصيرة حافلة بــه .الفيصل فــي هذه الحالة الحكم على أي عمل من داخله بعيدًا عن تصوراتنا العامة المسبقة ،وإن كنت أتفهم الميل إلى النظر بعين الحذر إلــى ال ــرواي ــات العربية الضخمة ،ألن كثيرًا منها يحتاج إلى حذف مئة أو مئتي صفحة منها!
¦ما رأيــك في البدانة الروائية التي تسم كثير ًا من أعمال الكتاب اآلن؟ أفضل الــروايــات القصيرة، ّ ρ ρعن نفسي والحــظــت أن كثيرًا مــن الــروايــات التي مثلت نقلة نوعية في الفن الروائي كانت قصيرة .لكن عمومًا أندهش حين أجد اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
123
ال أتابع التلفزيون نفسه ّإل نادرًا ،وبالتالي ال يمكنني الرد على سؤال كهذا ،لكن ما أعرفه أنه من المفترض باألدب أن يكون هو المؤثر على الدراما التلفزيونية وليس مثل التأثير العكس .في حالة السينما ً متبادَل ،فالسينما تأثرت باألدب وأثرت عليه ،أمــا الــدرامــا فأظنها لــم تفعل، أو على األق ــل ليس بــصــورة ملحوظة. كانت هناك في الماضي محاوالت من أسامة أنور عكاشة للتقريب بين الدراما التلفزيونية وال ــرواي ــة ،وإن لــم تخني الــذاكــرة فقد صــك مصطلح «الــروايــة التلفزيونية» لوصف أعماله ،لكن حتى في حالته -وهــو من جمع بين الكتابة الروائية والكتابة للتلفزيون -كان األدب هو األساس والمرجعية. أصدرت ثالث مجموعات قصصية« ،ضوء ِ ¦ مـهـتــز» 2001م و«ن ـحــو ال ـج ـنــون» 2013م، و«مــأوى الغياب» 2018م ،كيف ترين حال القصة القصيرة في «زمن الرواية»؟
هناك كثير غير جيد مقابل قليل مميز، ّإل إن القصة القصيرة تتعرض لتجاهل أكبر ،على الصعيدين النقدي واإلعالمي. كــثــيـرًا مــا يــأتــي االهــتــمــام المبالغ فيه بالرواية على حساب القصة القصيرة، ذلك الفن الذكي.
ρ ρأتحفظ على مقولة «زمــن الــروايــة» وما يشبهها ،إذ أراهـ ــا مــقــوالت ترويجية وإعالمية أكثر منها نقدية .أنحن في فعل؟ وإن كنا كذلك من «زمن الرواية» ً ناحية الــكــم ،أينطبق هــذا على الكيف أيضا؟! ثمة زيادة غير مسبوقة في عدد ً الروايات الصادرة سنويًا ،لكن قليلة هي الروايات الالفتة بحق .وحتى تلك التي تــفــوز بــالــجــوائــز أو تصل إلــى قوائمها ليست األفــضــل بــالــضــرورة .ال يختلف ¦كيف تنظرين اآلن إلى تأثير عملك في األمر كثيرًا في حالة القصة القصيرة، الصحافة في كتابتك األدبية؟
ال أحب المفاضلة بين األنواع األدبية ،إنما أفضل أن أقرأ كل عمل من داخله ،إضاف ًة ِّ إلى إنني مشغولة أكثر حاليًا بالمساحة البينية بين األنواع األدبية المختلفة (بين الرواية والقصة بوجه خاص) بحثًا عن نقاط االلتقاء واالختالف ،وقد انعكس هذا على رواية «أخيلة الظل» والمتتالية القصصية «مأوى الغياب».
124
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
بطريقة ما كانت مختبرًا أتاح لي دراسة نماذج بشرية مركبة ورؤيــة المسافات البينية والــظــال الــعــديــدة بين الصفة ونقيضها. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ρ ρأحـــب الــصــحــافــة ودرســتــهــا ف ــي كلية ¦هــل شخصية آدم فــي أخـيـلــة ال ـظــل هي اإلعالم -جامعة القاهرة ،لكن ال أنشغل ش ـخ ـص ـيــة ك ــري ــم ابـ ـن ــك الـ ـ ــذي تـكـتـبـيــن ي ـ ــومـ ـ ـي ـ ــات ـ ــه عـ ـ ـل ـ ــى ص ـ ـف ـ ـحـ ــة الـ ـ ـت ـ ــواص ـ ــل كثيرًا بتأثيرها من عدمه على كتابتي االجتماعي الفيس بوك؟ األدبــيــة .هي عمل أمارسه كما يمارس الــروائــي المهندس أو الــروائــي الطبيب ρ ρحين انتهيت من كتابة «أخيلة الظل» لم عملهما ،ولــو أ ُتــيــح لــي التفرغ للكتابة يكن كريم قد بلغ عمره أربع سنوات بعد. اإلبداعية ســوف أفعل دونما تــردد ،بل معظم مراحل كتابة العمل تمت وهو بين ال من 2011م حتى لقد قمت بهذا فع ً السنة ونصف والثالث سنوات ،فكيف 2014م ،وكانت فترة مثمرة جــداً على تكون شخصيته المرجعية لشخصية آدم الكاتب الناضج؟! ألهمني كريم كثيرًا في صعيد الكتابة والقراءة. أثناء الكتابة ،لكن ليس بصورة مباشرة أعــمــل فــي الــصــحــافــة األدب ــي ــة ،أي أن وال بطريقة يمكن حصرها فــي إطــار المسافة ليست بعيدة عن اإلبداع ،وبما شخصية بعينها .وقد أهديت له الرواية أ ّنــي نائب رئيس تحرير ومــحــررة قسم لهذا السبب. كتب ،فعملي في أغلبه تحريري وإداري. مخيلة األطفال مخيلة جامحة غير مؤطرة على مدى السنوات التي عملت فيها في بعد بمحددات الــواقــع ،وال تهتم كثيرًا الصحافة ..كانت المشكلة األســاس أن الصحافة تلتهم الــوقــت بــدرجــة كبيرة، وك ــن ــت أض ــح ــي بــكــثــيــر م ــن األنــشــطــة وااللتزامات الحياتية واالجتماعية لتوفير كاف للكتابة ،لكن من جهة أخرى وقت ٍ دربتني الصحافة على العمل /الكتابة تــحــت ضــغــط وف ــي إط ــار ج ــدول زمني دقيق ،هذا ..غير أنها أضفت حساسية ودقة على لغتي وأكسبتني خبرات حياتية ثرية.
125
بالفروق الواضحة بين الواقعي والمتخيل؛ لذا ،فهي ملهمة جدًا .في مرحلة مبكرة مشغول جدًا بظله ،وكان يكره ً كان كريم النار ويخشاها ويعشق اللون األزرق حد استخدام كلمة «أزرق» لوصف أي شيء يحبه ،وقــد ألهمني هــذا في توزيع كل عنصر من هذه العناصر (بعد إضافات تخييلية كــثــيــرة) على شخصيات آدم، آميديا وفالديمير بالترتيب؛ لــذا ،جاء اإلهداء على هذا النحو« :إلى كريم عدو النار المسكون بظله والحالم بكون أزرق»! دون أن يعني هذا أي صلة إضافية بينه ρ ρأتحاشى تفسير نصوصي قدر اإلمكان، وبين أي شخصية من تلك الشخصيات. أفضل أن تظل أبواب التفسير والتأويل ِّ ¦إال َم يرمز الظل في النص؟ وهل التخلص مفتوحة أمام كل قارئ انطالقًا من النص، منه هو تخلص من هواجس وقلق الذات ـضــا وف ـ ًقــا لثقافته ومرجعياته إنــمــا أيـ ً الكاتبة؟ الــخــاصــة .بينما أكــتــب أي عــمــل من أعمالي ،أحرص على أن يكون مفتوحً ا على تأويالت عديدة ،وثمة دومًا مفاتيح وعالمات واضحة تارة ومبثوثة بين طيات العمل بشكل غير مباشر تارة أخرى .أود فقط التأكيد على أن دالالت ورموز كلمات مفتاحية مثل الظل أو الجبل أو غيرها، تتعدد بل وتتناقض حتى داخــل العمل الواحد باالنتقال من شخصية ألخرى، أو لدى الشخصية الواحدة باالنتقال من
126
مرحلة ألخرى. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
وسجل استحقاق الريادة التعليمية! ■ د .هيا بنت عبدالرحمن السمهري*
ينكشف عن تأثيرهم في المكان والــزمــان واإلنـســان ،وذلك ُ إن المرور بتاريخ العظماء المرور أشبه بمحاولة عبور عظمى للوصول إلى شواهد تلك اللحظات الممتدة الالمعة تبدلت لها األحوال إلى األجمل واألجدى.. ْ وشخوصها ،وحركات التفاعل المختلفة التي ودائم ًا ما يُوقّ ر اإلبداع حول الفكر واألدب ،فتقام المنصات المنبرية والندوات الستحضار ِسيَر أولئك المستحقين حتماً. وفِ ي رؤيتي الخاصة أن اإلبداع األكثر حيوية اليوم لترسيخ معنى التفاني والصدق والدقة في الذي نحتاجه اليوم هو استعراض سيرة الوعي نقش انعطافات االنطالق. اإلنساني الــذي اتكأ إلــى حاجة المجتمعات والذي يمكن إيجازه عن الندوة أنها حملتْ في في عهودنا الماضية والحاضرة ،وتحققتْ من كل أوراقها المطروحة نبض المنجز اإلنساني خالله أمجاد وطنية؛ ونبض مجتمعي متحضر. المتحضر للرائدة لطيفة السديري ،وأنها كانت وللحضارة زوايا متعددة وأدوات متنوعة ،ويقف في ذلــك العهد حالة إداري ــة بامتياز ،حققتْ التعليم في عليائها. رحمها اهلل فــي ذلــك الــزمــان والمكان مــا لم ومــن هــذا المنطلق ،جــاء الــوفــاء من مركز تحقّقه مؤسسات صاعدة ،وكل ما طُ رح تسكنه األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري الثقافي الدهشة ،ويحيطه اإلعجاب بتلك الشخصية فــي الــجــوف بــإقــامــة ن ــدوة مضيئة عــن رائــدة الوطنية الفريدة. التعليم األولــى في منطقة الجوف لطيفة بنت كما أن العالئق بين شخصية الندوة لطيفة عبدالرحمن السديري ،وزمان الندوة في التاسع الــســديــري ومنطقة الــجــوف وأهــلــهــا عالقة عشر من شهر رجب من هذا العام ،إيماناً من تــجــاوزتْ واجــبــات العمل التعليمي ،وأس ــوار هذا المركز التنويري بأن الوقوف على صفحات مؤسساته؛ فالجوف في أعماق لطيفة السديري تلك الشخصية المؤثرة استرجاع لمراحل من رحمها اهلل خلّدته في صناعة حياة ونهضة التاريخ التعليمي المناطقي الجدير باالهتمام، وانعتاق من الممنوع المباح ،واستمتاع متفوق كما أنه ليس تبياناً عن صاحبة السيرة المؤثرة فقط؛ إنما هو أيضاً استقراء للقيم العليا التي بالمعرفة كخالصة في مواجهة الجهل ،وصالت بثتها رحمها اهلل في ثنايا الواقع المجتمعي أخرى فاخرة بالوطن الكبير. ولم تكن ندوة «لطيفة السديري سيرة وحياة» والتعليمي ،ويحتاجها واقع المجتمعات التعليمية اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
لطيفة السديري
127
معلومات متواترة أو مرويات! بل كانت لطيفة السديري رمزاً ح ّياً في ذاكرة التعليم في الجوف. وتم اختيار المتحدثات ممن عملن معها فترات مختلفة ،وفِ ي مواقع تعليمية مختلفة أيضاً ،ومن لهن صالت بها من المناطق األخرى. ومــن اإلضـــاءات فــي تلك الــنــدوة المكتنزة بست من أوراق العمل أن المتحدثات تتبعن في ٍ صياغات مختلفة كل تفاصيل المشهد الجوفي التعليمي في ذلك العهد (من عام 1382هـ حينما تأسست أول مدرسة إلى عام 1414هـ ،إذ كانت رحمها اهلل أول قيادية للتوجيه التربوي) آنذاك؛ كما أنه من الالفت في الندوة أن كثيرات ممن يجلس َن في صفوف الحاضرات لديهن حكايات مجزية ،ومــواقــف فــريــدة عــن الــرائــدة لطيفة السديري رحمها اهلل ،فقد التحفتْ باإلنسانية، وتــوســدتْ المسؤولية الــوطــنــيــة؛ فكانت في الــجــوف كــتــاب تــاريــخ عميق ،وذاكـ ــرة مواقف مكتنزة ،وحكاية أجيال متجددة رغم قدم العهد.
شخصية المربية لطيفة السديري االستثنائية في قيادة المجتمع النسائي الجوفي ..حيث مثلتْ التعايش وقبول اآلخر ،واالستفادة القصوى من الفكر المتوازن اآلخر .وتضمنتْ الندوة أيضاً قدرتها العالية في تطويع البيئات التربوية، والتركيز على التفاصيل الفاعلة وتجاوز الهش من الموضوعات ،كما عُرفتْ رحمها اهلل بالنظرة العميقة الثاقبة .ولم تكن لحظاتها تنفق هباء.. بل رسخت لطيفة السديري خالل عملها سياسة القيادة التي انطلقت من أريج الود والعالقات السامية. وكــان من أطــواق الــنــدوة الفاخرة أن تبنى مركز عبدالرحمن السديري الثقافي جائزة تعليمية للطالبات في البحث العلمي تحمل اسم لطيفة السديري رحمها اهلل ،وتم إعالن ذلك في ختام الندوة من قبل مساعد المدير العام للمركز الدكتورة مشاعل السديري.
ولــقــد امــتــأت الــنــدوة بــالــشــهــود الــعــدول، تحدثتْ الــنــدوة عــن ســيــرة حافلة بالنماء المجتمعي والبذل التعليمي الصادق الذي يتتبع والــشــواهــد المضيئة ،واالســتــدالالت المثيرة مساقط غيث المعرفة ،منذ أن أقنعتْ نساء لإلعجاب بتلك الريادة التعليمية رحمها اهلل. الجوف بكواشف التعليم المبهرة ..فاتخذْنها ونتمنى أن تنال لطيفة السديري -رحمها نموذجاً يُحتذى. اهلل -تتويجاً وطنياً فــي مناسباتنا الوطنية
128
وكان في الندوة حديث منبري آخر عن مفتاح الفاخرة.
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
العربيةِ ..س ٌ عيب؟ مة أم ضاد في ِ التَّ ُ ٌ
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
ُ َ ُ ونقيضه! المعنى تصف عندما الكلمة َ ■ خلف سرحان القرشي*
بلسان ٍ إلهي ابتدأ منذ لحظة خَ ل ِْق اهلل لإلنسان مز َّودًا اللغة اإلنسانية عطاءٌ ٌّ وفم وشفتين ونحو ذلك لينتج الكالم ،وكذلك بأذنين لالستماع ..وقبل ذلك وبعده ٍ بعقل فريد قادر على المعالجة والتحليل ،ومن ثَمَّ االستيعاب والفهم. وتواصل ذلك العطاء الرباني وبلغ أوج قمته عندما عَ َّل َم اهلل سيدنا آدم األسماء َضهُ مْ عَ لَى ا ْلم ََلئِ كَةِ َفقَالَ أَنبِ ئُونِ ي كلها .قال تعالى﴿ :وَعَ َّل َم آ َد َم ْال َْسمَا َء كُ َّلهَا ثُ مَّ عَ ر َ َّك أَنتَ بِ أ َْسمَاءِ هؤالء إِ ن كُ نتُ مْ َصادِ قِ ينَ .قَالُوا ُسبْحَ ان ََك َل ِع ْل َم َلنَا إ َِّل مَا عَ لَّمْ َتنَاِ ،إن َ ا ْلعَلِ يمُ الْحَ كِ يمُ .قَالَ يَا آدَمُ أَنبِ ئْهُ م بِ أ َْسمَائِ هِ مْ َ ،فلَمَّ ا أَن َبأَهُ م بِ أ َْسمَائِ هِ مْ قَالَ أَلَمْ أَقُ ل ْض َوأَعْ لَمُ مَا ُتبْدُ و َن َومَا كُ نتُ مْ تَكْ تُ مُ ونَ﴾. َالر ِ السمَاو َِات و ْ َ لَّكُ مْ ِإنِّي أَعْ لَمُ غَ يْبَ َّ وتطورت اللغ ُة شيئا فشيئا ،وتعقّدت من فرح وحزن ،وسعادة وشقاء؛ وكذلك
وتنوّعت مع نمو اإلنسان ،وتطوره وحله الــحــال فــي مــفــردات لغته وتراكيبها وترحاله ،وتمكنه من االتصال والتواصل وسياقاتها المختلفة .والــتــضــاد في بمن وما حوله.
اللغة نحسبه من المعادل اللغوي لتلك
من هنا ،يمكن القول بأن اللغة ُمنْتَ ٌج األحوال المتبدلة.
بشري؛ هذا المنتج حمل بعض صفات
ـان شاركت فيه اللغ ُة مُنت ِِجهَا أمر ثـ ٍ
ُمنْت ِِجه؛ ومــن تلك الصفات الغموض اإلنــســان ،وهــو الــمــرور بــأطــوار الحياة
ال أحــيــانــا .فــاإلنــســان تكتنفه مشاعر المختلفة؛ فكما أن اإلنسان يولد طف ً
وأحاسيس غامضة ومتباينة ،متداخلة ثم يصبح شابًا ويصير بعد تلك المرحلة ومتقاطعة ،ودو ًمــا نجده ما بين البين إلــى الشيخوخة ،ومنها الــى الموت..
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
129
فكثير من مفردات اللغة وتراكيبها وتعابيرها تمر بتلك المراحل. وليس أدل على ذلك من أن لغات ولهجات مــاتــت وتــمــوت بشكل شبه يــومــي ،وأخــرى لدراسة أ ُجريت عام 2001م، ٍ تنتظر؛ فوفقًا فــإن %90مــن لغات العالم وهــي ()6000 لغة ســوف تنقرض بحلول الــعــام 2100م، والـ ــدراسـ ــات تــركــز عــلــى لــغــات األقــلــيــات والسكان األصليين لقلة عدد متحديثها ،لكن ذلك ال يعني أن اللغات التي تمتلك أعدادًا كبيرة من المتحدثين بها في مأمن من خطر الموت واالنقراض؛ فاللغة اإليرلندية كانت لغة مُكت َِسحَ ٌة في الماضي البعيد؛ لديها أدب عريق ،وتدرس بكثافة في المدارس؛ إال إنها اليوم تموت ..ذلك تبعا لما ذكرته موسوعة ويكيبيديا اإللكترونية على النت.
واللغة العربية حبلى بمثل هذه المفردات، خصيصا لهذا الجانب، ً حتى إن كتبًا صنفت ومنها كتاب «األضــداد» ألبي بكر األنباري المتوفى سنة 328للهجرة ،وفيه أحصى أكثر من أربعمائة كلمة تدل على (التضاد) ،وهناك أيضا كتاب «األضداد» ،ألبي عبداهلل محمد بن المستنير (قطرب) ،وكتاب «األضــداد» البن السِّ كّيت وغيرهما كثير. ومنكرو التضاد يرون أن األلفاظ التي تدل على معان متضادة أنها من باب المشترك اللفظي ،وبعضهم أرجعها إلى تعدد لغات العرب. ومن األلفاظ التي تحمل المعنى وضده في اللغة العربية على سبيل المثال ال الحصر: -
لقد أخضع دارسو اللغات ظاهرة الغموض - اللغوي -الذي يمثل التضاد اللغوي جزءًا منه -للدرس واالستقصاء وتناولوا أسبابه ومسبباته وأنواعه. والتضاد اللغوي مثل غيره مــن قضايا (عــلــوم اإلنــســانــيــات) ،ظــل وسيظل موضع تجاذب وتنافر ،ونقاش وجدل ،واثبات وإنكار ليس هذا مقام بسطه ،غير أنه تجدر اإلشارة إلى أنه من أشهر من أنكر (التضاد اللغوي) العالم اللغوي (دُرســتــويــه) ()346 -258 هجرية .وألف فيه كتابه «إبطال األضداد».
130
- ويقصد بــ (التضاد اللغوي) أن تحمل - المفردة الواحدة المعنى وضده في الوقت - نفسه ،ويبقى السياق هو الفيصل.
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
الصريم :يقال لليل والنهار ،ألن كليهما ينصرم (يخرج) من اآلخر. السدفة :للضوء والظالم. الجون :للظلمة والنور ،ولألبيض واألسود يقول الشاعر: «تَقُو ُل خَ لِيلَتِي لَمَّا َرأَتْنِي َض وَجَ وْنِ .»... شَ رِ يحاً بَيْ َن ُمبْي ٍّ السجود :لالنحناء واالنتصاب. الرجاء :يستعمل بمعنى الشك ،واليقين. اشترى :أي أعطى الثمن وقبضه. عسعس الليل :أي أقبـل وأدبـر. فــزع :أي أغـاث ،واستغاث. ـط :أي عــدل وظــلم. قَسـ َ َ وَلـَـى :أي أدبــر ،وأقبـل. الشَ ـ ٍ ِ ْرف :االرتـفاع واالنحدار. الصارِ خ ُ :المستغيث ،والمغيث. َّ
ومن األمثلة السابقة وغيرها ،وكذلك من وكتابها األســاس يحتوي على بعض ألفاظ
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
خالل ما كتبه علماء اللغة قديما وحديثا نرى الرَّهْ وة :االرتفاع ،واالنحدار.حقيقة التضاد ،أمــا أسبابه فهي متعددة، الشَ عب االفتراق ،واالجتماع. الناهل :العطشان وكذلك الذي قد شرب وقد ذكرها وفصلها علماء اللغة؛ األقدمونوالمحدثون ومنها: حتى ارتوى. الظن وهو الشك والظن هو اليقين. .1نزوع اإلنسان نحو التفاؤل والبشر ،فكما بعته تعني اشتريته وبعته.يقال للمبصر (البصير) فهي تقال أيضا شَ َريْتُ تأتي بمعنى بعت واشتريت.لألعمى تفاؤال وأمال .و(المفازة) ،أصل الجَ لل هو الشيء الصغير وهــو الشيءمعناها النجاة من الهالك ،أما إطالقها العظيم أيضاً. كاسم للصحراء وهــي م ــرادف الهالك الغريم هو المطلوب بالدين والغريم هووالموت فمن قبيل التفاؤل. الطالب دينه. ولفظة (شَ ــوْهَ ــاء) هــي للمرأة الجميلة المأتم هو االجتماع في فرح أو حزن.ولكنها تطلق على المرأة القبيحة (لعلها الهاجد هو المصلي بالليل والهاجد هوتصبح جميلة ذات يوم)! النائم. وكــلــمــة (وَشَ ــــــل) تــقــال لــلــمــاء الــكــثــيــر، ومــن األمثلة الــدالــة على التضاد أيضا ولالستبشار والفأل الحسن تقال أيضا ما ذكره (أميل بديع يعقوب) في كتابه (فقه للماء القليل لعله بأمر اهلل يصبح كثيرا. اللغة العربية وخصائصها): .2الــخــوف مــن الــعــيــن والــحــســد فمفردة (األُزْر :القوّة أو الضعف ،والبَسْ لُ :الحالل (شــوهــاء) تطلق على الــمــرأة الجميلة، أو الحرام ،وبَل َق الباب :فتح ُه كلَّه أو أغلقَه ولكيال تحسد أصبحت الكلمة تطلق على بسرعة ،ثَــلَّ :د ََّك أو رفــع ،الحميم :الماء المرأة القبيحة أيضا. البارد أو الحار ،المولَى :العبد أو السيّد، الرس :اإلصالح .3تغير وتحول داللة اللفظ من العموم إلى ّ الذوح :الجمع أو التفريق، الخصوص مثل لفظة (طرب) التي تعني أو الفساد ،الرعيب :الشجاع أو الجبان، (الخفة) تصيب الرجل لشدة الفرح أو انخفض). َ األرض أو ما ِ الرهوة :ما ارتفع من الحزن ،ثم تخصصت بالفرح. ومن ألفاظ التضاد أيضا: .4التهكم :وهذا العامل يؤدي إلى قلب معنى وَجَ ل تعني الماء الكثير والماء القليل. اللفظة ،وتغيير دالالتــهــا إلــى ضدها، شــوهــاء تــقــال للمرأة القبيحة وللمرأة كقولنا للعاقل «الجاهل». الحسناء. والــقــرآن الكريم مصدر العربية األول
131
التضاد ومنها لفظة (قروء) التي تطلق على )ciaoتعني (أهــا /مرحباً) وتعني أيضا الحيض وكذلك على الطهر منه .قال تعالى( :وداعاً). ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء﴾ أخــيــراً ،هــل التضاد فــي اللغة سمة أو
وهناك مفردة (وراءهم) التي تعني أحيانا عيب؟ أمامهم في قوله تعالى ﴿وكان وراءهم ملك ثمة خالف لغوي بين أرباب اللغة قديمًا يأخذ كل سفينة غصبا﴾. وحديثًا في هذا المجال؛ ال يتسع المجال وكذلك قوله تعالى﴿ :إن الساعة آتية أكاد للتطرق إليه هنا ،وقد تناولته مراجع وكتب أخفيها﴾ (طه ،)15:قال المفسرون( :أخفى) كثيرة وأطروحات جامعية عديدة ،فمنهم من من األضداد ،بمعنى اإلظهار ،وبمعنى الستر .يرى أنه يحد من ثراء اللغة ،ودليل عجزها، واآلية تحتمل المعنيين. وقلة مَعِ ينَها ،ومنهم من يــراه سمة وميزة
وظــاهــرة التضاد اللغوي ليست خاصة ودليل على تطور اللغة وعدم جمودها. بالعربية وحدها ،ويرى البعض أنها موجودة والخالف بينهم يأتي ألسباب شتى من في كل اللغات الحية .يذكر الباحث (محمد أبرزها قضية تعريفهم للتضاد ،واختالفهم نورالدين المنجد) في كتابه (التضاد في في داللته اصطالحا ،وهنا -كما هو الحال القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق)( :أن في حاالت كثيرة -ال تصدق المقولة الشهيرة ظــاهــرة التضاد ليست مــوجــودة فــي اللغة (ال مشاحة في االصطالح). العربية فحسب ،وإنما هي موجودة في جميع وفــي رأيــي المتواضع ،أنــه لو كــان ذلك اللغات الحية). يعيب اللغة ،لما وجد في كتاب اهلل عز وجل، وقول (المنجد) أعاله صحيح ،ففي اللغة واهلل أعلم وأحكم. اإلنجليزية كمثال نجد كلمة (ٍ )seedتأتي المراجع: بمعني (يــبــذر) وتــأتــي أيضا بمعنى (ينزع .1مجلة القافلة عدد (مايو -يونيو) 2017م البذور). .2موسوعة ويكيبيديا على اإلنترنت:
وكذلك كلمة ( )leftتجئ أحيانا بمعنى الباقي من القوم أو األشياء في مكان ما، .3مقال للباحثة المغربية (هاجر المالحي) في: وأحيانا بمعنى الذاهب أو المغادر ونحوه. https://ar.wikipedia.org
http://diae.net/52867
ومــفــردة ( )Screenتأتي بمعنى يعرض للمشاهدة ،كما أنها تأتي بمعنى يخفي عن http://articles.islamweb.net المشاهدة. .5موقع (لكل سؤال إجابة): https://ejaaba.com في اللغة اإليطالية نجد أن لفظة (تشاو .4موقع (إسالم ويب):
132
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات
موسوعة اململكة «منطقة اجلوف» املؤلف الناشر السنة
:مجموعة مؤلفني. :مكتبة امللك عبدالعزيز العامة. ١٤٢٨ :هـ. ρρمرسي طاهر*
تعد موسوعة المملكة العربية السعودية أحـ ــد أك ــب ــر األعـــمـــال الــمــوســوعــيــة في التاريخ السعودي الحديث ،كما تعد أحد المشروعات الثقافية المهمة التي صدرت بنا ًء على األمر السامي رقم /7ب بتاريخ 1422/9/12هـــ الموافق 2001/11/28م، والذي يتضمن الموافقة على أن تقوم مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض بمهمة إعداد موسوعة توثيقية شاملة عن المملكة ومناطقها الثالث عشرة ،وقام على العمل نخبة من العلماء واألكاديميين والباحثين وأصحاب الخبرة تحت إشــراف المكتبة، وتم إنجازه في عشرين مجلداً ،منها ثالث مجلدات كمدخل عام للموسوعة وكشافات عامة ،وكــان نصيب منطقة الجوف منها المجلد السابع عشر.
الــجــوف تشمل الــخــصــائــص الجغرافية؛ التطور التاريخي؛ اآلثار والمواقع التاريخية؛ األنماط االجتماعية والعادات والتقاليد؛ الــحــركــة الثقافية؛ الــخــدمــات والــمــرافــق التنموية؛ االقتصاد والــثــروات الطبيعية؛ الحياة الفطرية؛ السياحة والتنزه. ال ــب ــاب األول ،ب ــع ــن ــوان الــخــصــائــص الجغرافية :ويشمل خصائص منطقة الجوف الجغرافية مــن حيث الموقع والمساحة ونــطــاق اإلشـ ــراف اإلداري؛ الجيولوجيا والتضاريس؛ المناخ؛ التربة؛ موارد المياه؛ السكان والعمران.
الباب الثاني ،بعنوان التطور التاريخي: ويــتــضــمــن تــاريــخ المنطقة مــن الــعــصــور الحجرية وعصور ما قبل اإلسالم ..مروراً يقع المجلد في ( )779صفحة ،ويتكون بتاريخها أثناء العصور اإلسالمية المختلفة من تسعة أبواب ،و( )44فصال ،يتناول في حتى العصر الــحــديــث منذ عهد الــدولــة شكل موسوعي بيانات وافية عن منطقة العثمانية إلى اآلن. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
133
الــبــاب الــثــالــث ،بعنوان اآلث ــار والمواقع التاريخية :ويشمل آثار ومواقع بالمنطقة من العصور الحجرية وعصور ما قبل اإلسالم؛ طرق التجارة؛ الكتابات القديمة؛ الحواضر والمواقع األثرية القديمة ،كذلك آثار العصور اإلسالمية بالمنطقة مــن متاحف ومواقع أثرية مهمة. الباب الــرابــع ،عن األنماط االجتماعية والــعــادات والتقاليد :وتتناول فصوله كافة أنماط الحياة االجتماعية بالجوف من حيث المساكن وأدوات البناء؛ المالبس والحلي وأدوات الزينة؛ أنماط المهن والحرف؛ أشهر المأكوالت والمشروبات الشعبية؛ أنماط العالج الشعبي المختلفة؛ األمراض الشائعة بالمنطقة؛ ترحيل النمل وعالج اإلبل؛ عادات الوالدة والختان؛ األمثال الشعبية؛ الرقصات واأله ــازي ــج واأللــعــاب الشعبية؛ االحتفال بالمناسبات الدينية واالجتماعية كشهر رمضان والعيد ،وعــودة الحجاج ،والــوالدة، والعزاء ،وعادات الزواج والزفاف والطالق، كذلك أساليب التعليم وأنماطها بالمنطقة.
بتقديم الخدمات الصحية بالمنطقة؛ خدمات اجتماعية تتضمن أجهزة الرعاية االجتماعية المتكاملة ،وخدمات الضمان االجتماعي، والتأمينات االجتماعية ،وبــرامــج التنمية االجتماعية ،والمؤسسات والجمعيات األهلية بالمنطقة؛ خــدمــات النقل والــمــواصــات وتشمل تطور الطرق والمواصالت بالمنطقة وخــدمــات االتــصــاالت السلكية والالسلكية وخدمات البريد ،وكذلك القطاعات الخدمية واألمنية والمرافق العامة. الباب السابع ،عن االقتصاد والــثــروات الطبيعية بــالــمــنــطــقــة :ويــشــمــل قــطــاعــات ال ــزراع ــة وال ــث ــروة الــحــيــوانــيــة؛ الصناعة؛ الــخــدمــات؛ الــمــوارد البشرية ،وقــوة العمل بالمنطقة وحالتها التعليمية وخصائصها؛ الثروة المعدنية ،والثروة المائية.
الباب الثامن ،بعنوان الحياة الفطرية: وتتضمن فصوله الغطاء النباتي بالمنطقة من حيث البيئات والنباتات السائدة؛ الثدييات؛ الــطــيــور الــمــهــاجــرة والمقيمة؛ الــزواحــف؛ الحشرات؛ الصيد والقنص ،وكذلك محميات الــبــاب الــخــامــس ،عــن الحركة الثقافية منطقة الجوف. ـان بــالــجــوف ومــقــومــاتــهــا م ــن تــعــلــيــم ومــبـ ٍ وأخ ــي ــراً الــبــاب الــتــاســع ،عــن السياحة ومــؤســســات معنية بــإنــتــاج الــثــقــافــة وبثها والتنزه :ويشمل عوامل الجذب السياحي وتطويرها ،كذلك إسهامات المنطقة في المتوافرة بالمنطقة بما تضمه من مقومات إثراء الحقل الثقافي الوطني. طبيعية وبشرية ،والبنية السياحية المتوافرة
الباب السادس ،عن الخدمات والمرافق التنموية بالمنطقة ،وفيه سرد كامل لكافة الخدمات المتوافرة مــن خــدمــات تعليمية كمدارس التعليم العام واألهلي ،ومؤسسات التعليم الفني والتدريب المهني ،ومؤسسات التعليم العالي؛ خدمات صحية كالمستشفيات والمراكز الصحية واألجهزة المختلفة المعنية *
134
الجوف -سكاكا.
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
مــن إدارة وإيــــواء ،ووســائــل نقل واتــصــال، وخدمات اإلعاشة ،والفعاليات ،والمناسبات، والبرامج السياحية ،كذلك األنماط السياحية بالمنطقة مــثــل الــســيــاحــة االستكشافية، والسياحة البيئية والريفية ،وسياحة الثقافة الشعبية والتاريخية والحضارية التي تتميز بها المنطقة.
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات
التنوع األحيائي ّ
لبحيرة دومة اجلندل مبنطقة اجلوف املؤلف الناشر السنة
:أ .د .بشير محمود جرار. :مركز عبدالرحمن السديري الثقايف. 2018 :م. ρρجهاد أبو مهنا
ص ــدر حــديــثـاً عــن مــركــز عبدالرحمن الــســديــري الثقافي كــتــاب جــديــد عنوانه: الــتــن ـوّع األحــيــائــي لبحيرة دوم ــة الجندل بمنطقة الجوف لمؤلفه أ.د بشير محمود جرار ،األكاديمي المتخصص في التقنيات النسيجية والخلوية.
بها المؤلف على مــدار أربعة أعــوام كاملة (2013 - 2009م) أنجزت خــال زيــارات ميدانيةمنتظمةللبحيرة أثناء عمل المؤلف مــدرسـاً فــي جامعة الــجــوف .وقــد سجلت هذه الدراسة العديد من أنــواع الطحالب وأعشاب المياه في مياه البحيرة والقنوات الــمــغــذيــة لــهــا ،إضــافــة للعديد مــن أن ــواع النباتات والشجيرات التي تحيط بالبحيرة وعــشــرات األنـ ــواع مــن الــطــيــور المهاجرة والمقيمة التي تتردد على البحيرة وتشاهد فيمحيطها.كذلكسجلتأنواعاألسماك والقواقعالموجودةفيمياهالبحيرةوقنواتها وأنواع الحشرات التي تشاهد في البحيرة وجوانبها وبعض الثدييات التي تشاهد في محيطهاوتترددعليها.
يتناول هــذا الكتاب أنــواع المجموعات البيولوجية فــي بحيرة دومــة الجندل في منطقةالجوفالواقعةشمالغربيّ المملكة العربية السعودية ،كما يحدد االختالفات الموسمية للمجموعات األحيائية الحيوانية الفقارية والالفقارية والنباتات الطحلبية المتنوعة فــي محيط الــبــحــيــرة ومياهها والقنوات والمخازن المائية المغذية لها. ويناقش هذا الكتاب األهمية االقتصادية والضغوط والبيئية والسياحية للبحيرة فــي هــذا الــكــتــاب ،تصنيف ييسّ ر على البيئيةالتيتتعرضلهاوتأثيرهاعلىالتنوع المطلعين والمهتمين بالتنوع األحيائي األحيائيبهاومنحولها. الــوصــول إلــى المعلومة العلمية المرفقة كما يوثق هذا الكتاب بيانات عن التنوع بالصور المتنوعة للحيوانات التي تتميز بها األحيائي لبحيرة دومــة الجندل ،وهي في بحيرة دومة الجندل بالجوف ،ويعد مرجعاً معظمها نتاج دراســات بيئية بحثية شارك مه ّماً في مجاله. اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
135
الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة
غواصو األحقاف
(في العقيق تستبق البنيات عودة الغواصين بالنشيد :نطويك يا ذا الشهر طي القراطيس ،ذا الليل من الداخل يجون الغواويص) تكتب أمل الفاران روايتها غواصو األحقاف بلغة فائقة العذوبة تأسرك من الصفحات األولى للرواية ،لغة تنسجم ببراعة مع أجواء المكان الصحراوي ،ومع طبيعة الشخصيات والحكايات (في الوثبة الطويلة سيغطون بركائبهم الجزيرة العربية من جنوب نجد للحسا ومن ميناء العقير للبحرين ،ينيخون بالشط أسماءهم بحموالتها ،ويعرضون على النواخذة عافيتهم وخبراتهم ليضموهم إلى رحلة الغوص). تبدأ الرواية برحيل الرجال نحو مجهول البحر والغوص ،وتمضي لتروي صبر النساء وانتظارهن، تتعاهد أحياء العقيق الثالثة على هدنة يتم خاللها تناسي الثارات المتبادلة ،وتوطى مؤقتا صفحات األحقاد ،وتصمت طبول الحرب حتى تنقضي أشهر الغوص« .أخذ أبناء العقيق من أشجار السمر حول واحتهم صبرها ،لكنهم أخذوا منها خصلة أخرى ،ال تزهر السمرة حتى تسقط أوراقها وعهد أمانهم لم ينسج حتى أكلتهم الحرب». أحياء العقيق الثالثة :آل هذال وآل فواز وآل بنيان وكلهم أبناء رجل واحد (مانع بن هادي) (غرس نخلة وخط بقية مسكنة الطيني) ..يتحاكون قصته بفخر، وينتسبون إليه باعتزاز ،يعقدون مواثيقهم تحت شجرة السمر (منيفة) التي أورثها لهم ،أنجب الشقيقين هذال وفواز ثم الثالث غير الشقيق بنيان ،من هؤالء كانت الثالثة أفخاذ أو الثالث عشائر ،وبين هؤالء ستستعر الصراعات التي تكاد تفنيهم ،فال يفرحون بهدنة إال وتعقبها جوالت أخرى من الحروب التي تغذيها الثارات المسكوبة في القصائد وجلسات السمر« .للرجل من مهده للحده سبعة أوجه وللحرب وجه واحد يلبسونه جميعا»« ،سحنهم تصطبغ بلون األرواح التي يغامرون بها ،بندق شافي على عاتقه، وفخر أمه به يعكره خوفها عليه». ولكن رغم هذا الحضور المؤثر للحرب ،فإن الحب وللمفارقة يمضي في خط مواز حيث تنسج * كاتب من السعودية.
136
ρρصالح القرشي*
اجلوبة -صيف 1439هـ ()2018
أمل الفاران عوالمها وحياط أبطالها رجاال ونساء بكل صراعاتهم اإلنسانية ونزقهم وشجاعتهم وخوفهم وقوتهم وضعفهم .تتقاطع حكايات الحب مع حكايات الحرب وتحضر المرأة كأم وأخت وزوجة وحبيبة؛ حياة حقيقية سيشعر بها القارئ ال محالة ،تجسد المكان حتى نكاد نشعر بحره وبرده ،تحضر الطبيعية أيضا كبطل مواز لكل الشخصيات ،البيوت ،األشجار، الرمال ،المطر ،السيل ،الجراد ،كما كانت هناك عناية وصفية رائعة للزي الذي ميز رجال الصحراء ونساءها، كل هذا من خالل حبكة متماسكة وثرية ومثيرة تربط الرواية وتأخذ بزمام القارئ حتى النهاية. رواية غواصو األحقاف من منشورات دار جداول صدرت في سبتمبر 2016م ،وهي الرواية الثالثة للمؤلفة بعد روايتها األولى الفائزة بجائزة الشارقة (روحها المؤشومة به) 2004م ،وروايتها الثانية (كائنات من طرب) 2008م ،لكن أمل الفاران في (غواصو األحقاف) استطاعت أن تقدم عمال متجاوزا يستحق أن يكون أحد أهم األعمال التي صدرت في السنوات األخيرة. وليس الهدف هنا تقديم قراءة نقدية لهذه الرواية بأي حال من األحوال فهناك من يحسن هذا خير مني بكثير ،لكنه ليس أكثر من إشارة احتفاء برواية تستحق أن يعتني بها القارئ والناقد من وجهة نظري المتواضعة.
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات برنامج النشر في
صدر حديثا