سور دومة اجلندل يقع في الطرف الغربي من دومة اجلندل ,ويرتفع السور حوالي خمسة أمتار ،وهو مبني من احلجر ، وله أبراج ،وكان يحيط بدومة اجلندل بالكامل ،وقد اكتشف اجلزء الغربي منه عام 1986م بعد أن كان مطمورا حتت الرمال ،ويتميز السور ببنائه الفريد من حجارة اجلندل الوردية الصلبة.
اجلوبة -خريف 1429هـ
1
العدد 21 خريف 1429هـ 2008 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية The City in the Arab World
املدينة في الوطن العربي
in Light of Archaeological Discoveries:
في ضوء االكتشافات
Evolution and Development
اآلثارية: النشأة والتطور
-العدد - 21خريف 1429هـ 2008 -م
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
عن الشعر اإلسباني املعاصر التربية اجلمالية عند الطفل
املدينة في الوطن العربي
قصيدة النثر بني شرعية الهوية والتهميش
في ضوء االكتشافات اآلثارية :النشأة والتطور
الزواج
املشرف العام
في عصر املماليك
احملررون
Editors
أ .د .عبدالرحمن الطيب األنصاري
Prof. A. R. Al-Ansary
Dr. Khaleel I. Al-Muaikel
د .خ �ل �ي��ل ب� ��ن إب ��راه� �ي ��م املعيقل
Dr. Abdullah M. Alsharekh
قاسم حداد :فتنة السؤال
د .ع �ب��دال �ل��ه ب ��ن م �ح �م��د الشارخ
رسائل ريلكة
The City in the Arab World
إبراهيم احلميد Proceedings of the Symposiaum: The City in the Arab World: Beginnings and development 5-7 December 2005 (3-5 Thu Al-Qe’da 1426H) Al-Jouf - Kingdom of Saudi Arabia
Abdul Rahman Al-sudairy Foundation
مواجهات مع فاروق شوشة وجمال املوساوي
أبحاث ندوة« :املدينة في الوطن العربي في ضوء االكتشافات اآلثارية :النشأة والتطور» اجلوف -اململكة العربية السعودية 5-3 /ذو القعدة 1426ه� ( 7-5ديسمبر 2005م)
2008
ملف العدد:
األزمة املالية العاملية وتداعياتها على االقتصاد السعودي
املراسالت توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6245992 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@gmail. com ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
21
21
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -خريف 1429هـ
الـمحتويــــات
> ندوة :األزمة املالية العاملية 6 ..
اجلوف حتتضن دورة منتدى األمير عبدالرحمن السديري الثانية
>92.................... الشاعر الكبير فاروق شوشة اللغة القرآنية قادتني إلى الشعر والشعر قادني إلى حب اللغة
>113................. خط الثلث: عبقرية ّأم ٍة وإعجاز قلم
لوحة الغالف:
الفنان معجب احلواس أحد فناني منطقة اجل ��وف ،اس��م ال�ع�م��ل :ال �ع��روس ،اخل��ام��ه: الوان اكريليك ،املقاس60* 90:سم.
االفتتاحية 4......................................................... م��ل��ف ال���ع���دد :م�ن�ت��دى األم �ي��ر ع�ب��دال��رح�م��ن ال �س��دي��ري ل�ل��دراس��ات السعودية يعقد ن��دوة األزم��ة المالية وتداعياتها على االقتصاد السعودي -محمود الرمحي 6....................................... دراسات :التربية الجمالية عند الطفل :سامي دقاقي 46............. قصيدة النثر :بين شرعية الهوية والتهميش -د .وجدان الصائغ 52. قصص قصيرة :الظـاهر والبـاطن -سعيد سالم 61................ حلول -إيمان مرزوق 62............................................... اختفاء الزهور -بشاير فارس63...................................... بيـــتُ ال ُّدمـــى -فاطمة المزروعي 64.................................. امرأة خلف النجوم -شمس علي 65................................... عندما تهز العرش ..وردة -حنان الرويلي 67......................... قلوب وأياد قصة أو .هنري -ت .خلف سرحان القرشي69........... قصص قصيرة ج��داً -محمد ص � ��وان � ��ه71 ........................ شعر :سناء -فهد الخليوي 72........................................ حب عذري -د .عثمان مكانسي 73................................... الشوارع أيضاً تعشق الغناء -طارق فراج 73.......................... حسن -فيصل أكرم 74................................................ لشبابنا كلمة -مالك الخالدي 75..................................... خدش -السمّاح عبدالله 77........................................... أرخبيل ..النجذاب الذات -التجاني بولعوالي78..................... نقد :االستقراء الناقص وأثره في بناء قواعد العربية -د .عبدالناصر محمود عيسى 79.................................................... الشعر اإلسباني المعاصر عبور إلى الماوراء -عبدالحق ميفراني 81 لميعة عباس عمارة -غر بة واغتراب -دجلة السماوي87.......... تفيض ب��ال� َه� ِّم الشعري ف��ي ن�ص��وص هدى ُ حساسية أرستقراطية الدغفق -محمد الفوز 89........................................... م���واج���ه���ات :ح ��وار م��ع ال �ش��اع��ر ال�ك�ب�ي��ر ف� ��اروق ش��وش��ة -محمد الحمامصي 92 ...................................................... حوار مع الشاعر المغربي جمال الموساوي -الكنتاوي لبكم97...... نوافذ :الزواج في عصر المماليك -د .محمد حسن محمد102 ... تكاملية السلوك اإلبداعي -ليلى جوهر سالم 109.................... خط الثلث :عبقرية أم ٍّة وإعجاز قلم -معصوم محمد خلف 113..... مسرح :الستينيات في مصر سعد الدين وهبة -سعيد نوح 119..... قراءات :فتنة السؤال ،تأليف سيد محمود -عصام أبو زيد122..... رسائل (ريلكه-يوسا) ،تأليف ريلكة -عبدالله العقيبي 125...........
اجلوبة -خريف 1429هـ
3
على هام�ش الأزمة المالية العالمية > إبراهيم احلميد
في الوقت ال��ذي كان فيه العالم يعاني من مشكلة التضخم ال��ذي أطل برأسه خالل السنتين الماضيتين ،وأدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات لمستويات غير مسبوقة ،فاجأتنا األزمة المالية العالمية بكل تداعياتها، والتي بدأت مقدماتها منذ بضعة أشهر ،لتكشف عن وجهها في نهاية شهر رمضان الماضي ،ولتنعكس بشكل مريع على وضع السوق المالية السعودية في شكل انحدار ,ثم انهيار أدى إلى فقدان السوق المالية لكل مكاسبها التي جنتها خالل عشر سنوات ،عَ مِ َل القائمون على منتدى األمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية بالتخطيط ،ودع��وة الخبراءاالقتصاديين للمشاركة في المنتدى بما يثري أروقته بطروحاتهم ،ودراساتهم ،وأبحاثهم، ومداخالتهم التي جعلت من المنتدى حدثا غير مسبوق على الرغم من تتالي المؤتمرات المشابهة في أماكن مختلفة من هذا العالم. لقد كانت أي��ام المنتدى -بمن ش��ارك فيها من شخصيات اقتصادية وثقافية بارزة ،وعلى رأسها الشخصية المكرمة الدكتور فيصل بن صفوق البشير ,وإن لم تمتلك تلك الشخصيات عصا سحرية إلعطاء الوصفة المناسبة لتقليل اثر األزمة العالمية على المملكة -فرصة مهمة لمعرفة رؤى تلك الشخصيات حول هذه األزمة وأثرها ،فقد كان الدكتور البشير شفافا وواضحا إلى أبعد الحدود ،وهو يتحدث عن مراحل عاشتها المملكة، عاصرها وشارك فيها ،وكانت الفرص مواتية فيها لتحقيق إنجازات بدت كفيلة بحماية اقتصادنا ،ومنها تحقيق التنمية المتوازنة ،ل��وال أن بعض لبلد ذي «قدرات األصوات المؤثرة رجحت فكرة محددة ،ما أدى إلى تحولنا ٍ هائلة» ولكن «بإنجازات اقتصادية متواضعة». ويؤكد الدكتور البشير أن��ه على الرغم من أن قيادتنا وضعت التنمية 4
اجلوبة -خريف 1429هـ
لقد كان الدكتور البشير واضحا وهو يصف العالج لبعض أزماتنا االقتصادية ،ومنها ضرورة التدخل لكبح بعض األزمات المفتعلة كأزمة سوق األسهم ،وإن طالب بخريطة تنفيذية تحت مظلة سياسة اقتصادية واضحة لدفع عجلة التنمية إلى األمام ،وكان صريحا أيضاعندما تحدث عن أصحاب الفكر االقتصادي الضال والمضلل الذين اعتبرهم سبباً رئيساً من أسباب تردي وضعنا االقتصادي ،إن لم يكونوا السبب الوحيد في ذلك لتسببهم في كبح جماح التنمية االقتصادية والبشرية ،برغبتهم تكديس األموال بدال من صرفها على هذه األوجه.
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
اإلنسانية الشاملة لمواطنيها ،ورغم نجاحها في ذلك -من خالل التطور الذي قاد إلى التنمية الحقيقية -إال انه أشار إلى أن مسيرة التنمية في المملكة أخذت تتباطأ، مقارنة بالقدرة المتاحة والكامنة لالقتصاد السعودي ،وانعكس ذلك على مستوى حياة الفرد ،والمجتمع والخدمات ،إضافة إلى عدم القدرة على تنويع القاعدة االقتصادية.
وعلى الرغم من أهمية األوراق المقدمة في هذا المنتدى -ال��ذي تقدم الجوبة ملفا خاصا به -نجد أن ورقة الدكتور البشير بشفافيتها و عمقها،تفرض احترامها، و المطالبة بأخذها بعين االعتبار ،وقد خلص فيها إلى أن التنمية خيار استراتيجي مصيري تعتمد له األموال (حين الوفرة) لمشاريعه ،لالستمرار في التنفيذ ،وال توقف حين تقل. إن الدور الذي تضطلع به المؤسسات الثقافية مهم في توعية المجتمع ،إلحداث الحراك ،وأخذ الدروس والعبر ،وما منتدى األمير عبدالرحمن السديري الذي جاء ليختار موضوعا يعتبره الجميع موضوع الساعة ،إال دليل على أهمية الدور الذي تقوم به هذه المؤسسات ومنها هذه المؤسسة الخيرية التي رعت المنتدى ،لتكون مظلة تنطوي تحتها تفاصيل نحن في أمس الحاجة إليها كتعميق ثقافة الحوار ،والتفاهم، و البحث العلمي ،واالنفتاح على العصر ،وفق أسس من االعتزاز بالذات ،وتحصينها بثقافة التسامح و القوة المستمدة من الحق. أن إقامة ندوة األزم��ة المالية العالمية وأثرها على المملكة في منطقة الجوف، ستكون لها أهمية كبرى على طريق التنمية في المملكة بشكل ع��ام ،وف��ي منطقة الجوف على وجه الخصوص ،والتي تنكبتها سنوات التنمية لعقود طويلة ،لَتَتَطلَّ ُع إلى أن تنفيذ التنمية المتوازنة ،سيؤدي إلى تحقق النمو المنشود الذي ينعكس إيجابا عليها ،بسبب وجود هذا العدد من الخبراء االقتصاديين ومتخذي القرار في وطننا، وبسبب إيمانهم بما جاء في المنتدى من طروحات ورؤى المست ِجراحنا االقتصادية والتنموية الغائرة. اجلوبة -خريف 1429هـ
5
الجوف تحتضن دورة منتدى األمير
عبدالرحمن السديري الثانية بعنوان
«األزمة المالية العالمية وتداعياتها على االقتصاد السعودي»
من 26إلى 28نوفمبر 2008م > كتب محمود الرمحي تصوير :أحمد الضميري ضمن البرنامج السنوي لمنتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية ،استضافت مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية بمقرها في مدينة سكاكا بمنطقة الجـوف دورة المنتدى الثانية ،والتي كانت بعنوان «األزم��ة المالية العالمية وتداعياتها على االقتصاد السعودي» وذلك لمدة ثالثة أيام خالل الفترة من 26إلى 28 نوفـمبر 2008م .بمشاركة وحضور نحو ( )50شخصية اقتصادية من مختلف مناطق المملكة.
برنامج المنتدى: ي��وم االفتتاح األرب�ع��اء 26نوفمبر 2008م ،وق��د تضمن كلمات األس�ت��اذ فيصل بنعبدالرحمن السديري ،والدكتور عبدالرحمن الشبيلي ،والدكتور فيصل البشير، وشهادة معالي الدكتور عبدالواحد ال� �ح� �م� �ي ��د ،وت� �ك ��ري ��م ش�خ�ص�ي��ة المنتدى الدكتور فيصل بن صفوق البشير. جلسات المنتدى. ال�ج�ل�س��ة األول � ��ى ي ��وم الخميس 27نوفمبر 2008م ،وقد أداره��ا الدكتور محمد القنيبط ،وشارك ف �ي �ه��ا ال ��دك� �ت ��ور ف �ه��د ب ��ن خلف
6
اجلوبة -خريف 1429هـ
المشاركون في حفل االفتتاح
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
البادي ،والدكتور ماجد بن عبدالله المنيف، والدكتور رجا بن مناحي المرزوقي ،والدكتور سفر بن حسين القحطاني. الجلسة الثانية ي��وم الخميس 27نوفمبر2008م ،وقد أدارها معالي الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد نائب وزير العمل ،وشارك فيها الدكتورة نورة اليوسف ،والدكتور إحسان بن علي بو حليقة ،والدكتور أحمد بن حبيب صالح.
رئيس مجلس اإلدارة يلقي كلمة االفتتاح
كلمة االفتتاح تتناول موضوعاً له أهميته البارزة والمؤثرة في وق��د ت��م اف�ت�ت��اح أع �م��ال المنتدى م�س��اء يوم المجتمع السعودي على وجه الخصوص ،وما له األربعاء 26نوفمبر 2008م بكلمة رئيس مجلس من ام�ت��دادات وتأثيرات قد تتجاوز ح��دود هذا إدارة المؤسسة األستاذ فيصل بن عبدالرحمن المجتمع. ل��ذا ج��اء م��وض��وع ن��دوة المنتدى لهذا العام اب ��ن أح �م��د ال��س��دي��ري ،ال� ��ذي رح ��ب بضيوف الندوة وحضورها الكرام ،الذين جاءوا ليشهدوا «أسباب وتداعيات األزمة المالية العالمية على انطالقة فعاليات منتدى األمير عبدالرحمن بن االق �ت �ص��اد ال �س �ع��ودي» ،وس ��وف ي�ت�ن��اول م�ح��اور أحمد السديري للدراسات السعودية ،في دورته موضوع الندوة نخبة من المختصين وأهل الخبرة الثانية لهذا العام 1429هـ2008/م -حيث سبق والتجربة في هذا المجال .كما دُعيت مجموعة أن أقيمت ال ��دورة األول ��ى للمنتدى ف��ي العام خيّرة من أبناء الوطن الذين يهمهم المشاركة في الماضي ف��ي مدينة ال�غ��اط -وذك��ر أن انعقاد نشاطات المؤسسة ،والتفاعل مع ما يطرح في المنتدى لهذا العام يأتي والمملكة والعالم أجمع ندواتها من موضوعات. يشهدان أزمة مالية عالمية ،آثارها وتداعياتها وألول م��رة تشمل فعاليات المنتدى تكريم واضحة وملموسة ،وأن المنتدى يشمل فعاليات شخصية متميزة ،لها إسهاماتها الواضحة في متنوعة على مدى ثالثة أيام ،أبرزها الندوة التي القطاع الذي تتناول موضوعه الندوة ،والشخصية المكرمة هي «المخطط واالقتصادي السعودي ال �ب��ارز وال �م �ع��روف ال��دك�ت��ور فيصل ب��ن صفوق البشير».
د .الشبيلي يلقي كلمته
ثم ألقى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي كلمة هيئة المنتدى التي أثنى فيها على المؤسسة والقائمين على رعايتها ،وإن هذه المؤسسة - التي مضى على إنشاء نواتها نحو خمسة وأربعين عاماً -تعد بحق من أنشط المؤسسات الخيرية، وأكثرها تنوعاً وح �ض��وراً .وه��ي التي ل��م تُترك اجلوبة -خريف 1429هـ
7
لآلخرين رغ��م كريم جهودهم ،فأبناء مؤسسها وبناتُه يقومون بأنفسهم على نشاطها ،ويشرفون إشرافاً مباشراً على برامجها ،بل إن استشعارهم لمسئولية رعاية وصية وال��ده��م ،قد تضاعفت بعد وفاته رحمه الله. وقال إن آخر تشكيالت هذه المؤسسة هذا المنتدى الذي يُعد امتداداً لفكرة أسبوع الجوف وم�ه��رج��ان��ه ال�ث�ق��اف��ي ،ول��ه هيئة خ��اص��ة تقترح موضوعاته ،وتسمّي من يشاركون فيه ،يقام مرة في الجوف وأخرى في الغاط ،وهو يبدأ في هذه األمسية وألول مرة تكري َم شخصية يكون لها إنتاج علمي متميّز ،له عالقة بموضوع هذا المنتدى، وقد وضعت للفكرة الئحة تجريبية لتنظيم كيفية اختيار الشخصية ،ومعايير الترشيح على أسس علمية أكاديمية تحكم هذا التوجّ ه ،وكل أنشطة المؤسسة ومطبوعاتها.
معالي د .عبدالواحد الحميد يقدم شهادته
قيمة علمية كبيرة ،وسبب ذلك بالدرجة األولى ه��و كتابه ال��رائ��د المعنون« :ن �م��وذج اقتصادي قياسي القتصاد المملكة العربية السعودية من 1970 – 1960م» ،وه��و أط��روح �ت��ه للدكتوراه في علم االقتصاد من جامعة أريزونا بالواليات المتحدة األمريكية عام 1973م .ولكن إسهامات الدكتور فيصل البشير ال تقتصر على هذا العمل شهادة معالي نائب وزي��ر العمل الدكتور البحثي ال��رائ��د ،وإن�م��ا تضاف إليها إسهامات عبدالواحد بن خالد الحميد بمناسبة ميدانية عديدة. تكريم الدكتور فيصل بن صفوق البشير وبالنسبة لي ،فأول ما عرفت الدكتور فيصل «أصحاب المعالي والسعادة ..اإلخوة واألخوات :البشير كان عام 1967م ،وكانت المعرفة عن بعد، وكنت طالباً ف��ي المدرسة المتوسطة هنا في السالم عليكم ورحمة الله وبركاته, منطقة الجوف ،أقرأ الصحف والمجالت أكثر ي �ش��رف �ن��ي أن أش� � ��ارك ف ��ي ه� ��ذا ال �م �ن �ت��دى من قراءتي لكتبي المدرسية .وذات يوم من العام ال�م�ب��ارك ،ويطيب ل��ي ب��داي� ًة أن أت�ق��دم بالشكر بعض الصحف التي تصدر نفسه ،وقع تحت يدي ُ لمؤسسة األمير عبدالرحمن السديري الخيرية، في المنطقة الغربية ،فقرأت مقابلة مع شاب على ما قدمته وتقدمه من جهود مشكورة ،إلثراء بدوي شمالي ،يتحدث عن تجربته الدراسية في الحياة الثقافية في هذه المنطقة ،وفي المملكة أمريكا ،وع��ن وال��ده ال��ذي يعيش في خيمة في عموماً ،من خالل إصداراتها العديدة من الكتب الصحراء ،وال يأكل الطعام المعلب (كما يقول)، والمجالت الرصينة ،وم��ا تقيمه من منتديات، وال يهتم بمظاهر المدنية الحديثة .كان اسم ذلك ولقاءات ،وأنشطة منبرية. الشخص فيصل بن صفوق البشير ،فبدا لي ذلك ويسعدني ،بشكل خاص ،أن أقدم الشخصية االسم شمالياً مألوفاً ،والتهمت سطور المقابلة التي تحظى بتكريم المؤسسة لهذا العام الدكتور ح��رف �اً ح��رف��ا .وظ�ل��ت ه��ذه المقابلة الصحفية فيصل بن صفوق البشير .إذ يمثل د .البشير عالقة في مخيلتي على مر سنوات طويلة .وقبل للكثيرين من جيلي من االقتصاديين األكاديميين أي��ام من إقامة ه��ذا المنتدى ،كنت أتحدث مع
8
اجلوبة -خريف 1429هـ
والمرة الثالثة التي تعرفت فيها على الدكتور فيصل ،كانت في أوائ��ل التسعينيات الميالدية، معالي د .يوسف العثيمين ود .زياد السديري وجانب من الحضور عندما التقيته في إحدى المناسبات في مدينة الدكتور فيصل بشأن ترتيبات المنتدى ،فسألته ال��ري��اض ،وتحدثت فيها معه ع��ن ق��رب ،للمرة عن تلك المقابلة ،فأكد لي أنها بالفعل نشرت في األولى. جريدة المدينة ،وأن من أجراها معه هو األستاذ وعلى مدى تلك السنوات ،قرأت له العديد من أح�م��د محمد محمود ،ال��ذي أص�ب��ح فيما بعد المقاالت في الشأن االقتصادي ،فتعرّفت على رئيساً لتحرير تلك الجريدة. فكره وآرائه في قضايا التنمية واالقتصاد. ن �ح��ن ن �ق��رأ ك��ل ي ��وم ال �ع��دي��د م��ن ال �م �ق��االت والمقابالت والتقارير التي تنشرها الصحف ،ثم ننسى ما نقرأ .لكنني أعتقد أن تلك المقابلة بقيت في ذهني ولم أنسها ،ألنها ألهبت خيالي بما ورد فيها م��ن معلومات ب��دت غريبة وهي تجري على لسان ش��اب ب��دوي خ��رج م��ن خيمة في الصحراء ،وذهب إلى أمريكا ،ثم عاد بشهادة الماجستير في بيئة يُع ُّد فيها من يفك الحرف عالماً يشار إليه بالبنان.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ال�س�ع��ودي» ،ومنذ اللحظة األول��ى شعرتُ أنني عثرت على كنز ،وبالفعل كان الكتاب كنزاً معرفياً كبيراًَ ،كانت المفاجأة األولى هي عنوان الكتاب وم��وض��وع��ه ،وأم ��ا ال�ث��ان�ي��ة أن دار ال�ن�ش��ر التي أصدرت الكتاب ،هي واحدة من أشهر دور النشر األمريكية.
أع �ت��رف – أي �ه��ا اإلخ� ��وة واألخ � ��وات -أنني لم أستطع مقاومة إغ��راء أن يكون ه��ذا البُعد الشخصي ،ه��و ب��داي��ة تقديمي للدكتور فيصل البشير ف��ي أمسية شمالية ،يلتقي فيها هذا الحشد الكريم ،في هذه البقعة من وطننا العزيز، وف��ي ه��ذا الصرح الثقافي ال��ذي وض��ع لمنطقة الجوف موقعاً على الساحة الثقافية السعودية. لكنني ل��ن أس�ت��رس��ل ف��ي ه��ذا ال �ح��دي��ث ،ت��ارك�اً المجال للدكتور البشير أن يتحدث إليكم عن تجربته ،وأن يجيب على أسئلتكم.
كانت تلك هي معرفتي األولى بالدكتور فيصل بن صفوق البشير ،فهي في الواقع معرفة من قبل ذل��ك ،س��أق��دم ملخصاً للسيرة الذاتية طرف واحد ،ومنذ ذلك اليوم شعرت أنني قريب للضيف ،وتعريفاً بالعمل البحثي الرئيسي الذي من هذا الرجل ،على الرغم من أن معرفتي به – تم من أجله ترشيحه للتكريم في هذه األمسية. كما قلت -كانت عن بُعد. الدكتور فيصل بن صفوق البشير ،هو عضوأم��ا ال�م��رة الثانية فكانت ف��ي مكتبة جامعة اللجنة االس�ت�ش��اري��ة للمجلس االق�ت�ص��ادي ويسكانسون في مدينة ميلواكي األمريكية في األع��ل��ى م �ن��ذ أك �ت��وب��ر 1999م ح �ت��ى وق�ت�ن��ا أوائل الثمانينيات الميالدية ،وكنت طالب دراسات ال� �ح ��اض ��ر ،ورئ� �ي���س م ��رك ��ز االس� �ت� �ش ��ارات عليا في تلك الجامعة أدرس علم االقتصاد ،في واألب�ح��اث بالرياض ،وق��د تقلب في العديد تلك المكتبة ،إذ عثرت على كتاب الدكتور فيصل من المناصب والمواقع اإلداري��ة في القطاع البشير «ن �م��وذج اق�ت�ص��ادي قياسي لالقتصاد الحكومي والقطاع الخاص.
اجلوبة -خريف 1429هـ
9
حصل على درجة البكالوريوس في االقتصادم��ن ج��ام�ع��ة أوري� �ج ��ون ب��ال��والي��ات المتحدة األمريكية في مارس 1966م ،ثم حصل على درج ��ة الماجستير ف��ي ع�ل��م االق �ت �ص��اد من الجامعة نفسها في سبتمبر من العام نفسه، و ُعيّن خبيراً اقتصادياً في الهيئة المركزية للتخطيط في شهر أكتوبر عام 1966م.
وعمل رئيساً لمجلس إدارة شركة الجبيل ل�ل�ب�ت��روك�ي�م��اوي��ات ،ورئ �ي �س �اً لمجلس إدارة مصفاة الجبيل ،ورئيساً لمجلس إدارة الشركة السعودية للفنادق والمناطق السياحية ،ونائباً لرئيس الجمعية السعودية البريطانية ،وعضواً في المجلس األعلى ألرامكو السعودية ،وغير ذلك من المناصب الرفيعة.
في نهاية عام 1969م ،تم ابتعاثه إلى الوالياتالمتحدة األم��ري�ك�ي��ة ،للحصول على درج��ة الدكتوراه في االقتصاد من جامعة أريزونا عام 1973م ،عاد بعدها إلى المملكة ليعمل خبيراً اقتصادياً ف��ي الهيئة المركزية للتخطيط، ح �ي��ث أس ��س وح� ��دة االق �ت �ص��اد ال �ك �م��ي في الهيئة ،وتدرّج بعد ذلك في المواقع اإلدارية ال ل��وزارة التخطيط في حتى تم تعيينه وكي ً ال للوزارة يناير 1977م ،واستمر في عمله وكي ً إلى أن قدم استقالته في مايو 1982م ،ليعمل في القطاع الخاص ،وفي نهاية عام 1984م أسس مركز االستشارات واألبحاث بالرياض، وما يزال يشغل منصب رئيس المركز.
وكما أش��رت ،فإن للدكتور البشير إسهامات ف �ك��ري��ة وب�ح�ث�ي��ة ع ��دي ��دة ،أم ��ا ال �ع �م��ل البحثي الرئيسي للدكتور فيصل البشير والذي تم على أساسه ترشيحه للتكريم في هذا المنتدى ،فهو كتابه الذي صدر باللغة اإلنجليزية بعنوانA( :
وإضافة إلى كتابه« :نموذج اقتصادي قياسي لالقتصاد السعودي» ،فقد نشر العديد من المقاالت باللغتين العربية واإلنجليزية ،وألقى م�ح��اض��رات ع��ن النمو االق �ت �ص��ادي وف��رص األعمال في المملكة العربية السعودية في أنحاء كثيرة من العالم.
Structural Econometric Model of the Saudi
« )Arabian Economy: 1960 - 1970ن �م��وذج اقتصادي قياسي لالقتصاد السعودي من عام 1960إلى عام 1970م». ه��ذا ال�ك�ت��اب ه��و أط��روح��ة ال��دك �ت��وراه التي حصل عليها -كما أشرنا -عام 1973م ،وقد صدر الكتاب عام 1977م في نيويورك عن دار جون ويلي ،بعد أن حدّث المؤلف بعض البيانات اإلحصائية ،وحذف أجزاء نظرية من األطروحة. وقد وصفته المجلة العلمية األمريكية الشهيرة «ذا أم��ري �ك��ان إي�ك��ون��وم�ي��ك ري�ف�ي��و» ف��ي ع��دده��ا ال��ص��ادر ف��ي ي��ون�ي��و 1977م ،ب��أن��ه :أول عمل رئيسي كمي عن االقتصاد السعودي ،وأنه كتاب فريد يبين كيف يمكن التعامل بطريقة رياضية إحصائية م��ع اق�ت�ص��اد يتسم بشح المعلومات وال�ب�ي��ان��ات اإلح�ص��ائ�ي��ة ال��دق�ي�ق��ة ،وك�ي��ف يمكن تكييف المصطلحات والتعريفات االقتصادية مع الواقع الميداني بهذه الخصائص.
شارك في رئاسة وعضوية العديد من مجالساإلدارات واللجان والهيئات مثل :بترومين، والمؤسسة العامة لتحلية المياه ،وصندوق معاشات التقاعد ،واللجنة االستشارية الفنية لمجلس البترول األعلى ،وسابك ،والصندوق ريادية ه��ذا الكتاب ،إذاً ،تتمثل في أن��ه أول السعودي للتنمية الصناعية ،ومعهد اإلدارة ك �ت��اب ي �ق��دم م��ا ي �ع��رف ب �ـ «ال �ن �م��وذج القياسي الدولي في جنيف ،والخطوط الجوية العربية االقتصادي» أو ال�ـ ( )Econometric Modelعن ال �س �ع��ودي��ة ،وال �م��ؤس �س��ة ال �ع��ام��ة ل�ل�م��وان��ئ ،االقتصاد السعودي ،وقد تمكن المؤلف من خالل
10
اجلوبة -خريف 1429هـ
.1إن معظم تلك النماذج االقتصادية القياسية تعتمد على ال�م�ع��ادل��ة الشهرية ال�ت��ي تنص على أن ال��دخ��ل الكلي ي �س��اوي االستهالك واالستثمار واإلن�ف��اق الحكومي ،وق��د تجنب ال �م��ؤل��ف اس��ت��خ��دام ه���ذه ال �ط��ري �ق��ة؛ ففي المملكة العربية السعودية ،يمكن القول إن النفط ،وليس الطلب الكلي ،هو الذي يحقق النمو االق�ت�ص��ادي؛ وعليه ف��إن األف�ض��ل هو بناء النموذج االقتصادي القياسي لالقتصاد ال �س �ع��ودي ،على أس��اس م�ع��ادل��ة تنص على أن الناتج المحلي اإلجمالي يساوي الناتج المحلي اإلجمالي لقطاع النفط ،مضافاً إليه الناتج المحلي اإلجمالي للقطاعات األخرى.
لقد ت�ح�وّل كتاب الدكتور فيصل البشير - ولفترة طويلة -إل��ى مرجع علمي ال غنى عنه لكل باحث اقتصادي مهتم باالقتصاد السعودي، وخ �ص��وص �اً المهتمين ب��ال �ن �م��اذج االق�ت�ص��ادي��ة القياسية .وعلى الرغم من مضي مدة طويلة على نشر الكتاب ،وتغير مالمح االقتصاد السعودي، وصدور العديد من الكتب واألبحاث العلمية عن االقتصاد السعودي منذ ذل��ك الوقت ،فما زال االقتصاديون ينظرون إلى هذا الكتاب بوصفه إضافة رئيسة مهمة في مجاله.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
النموذج من تصوير االقتصاد السعودي على هيئة مجموعة من المعادالت الرياضية اإلحصائية، ال �ت��ي ت �ب � ّي��ن ت �ش��اب��ك ال �ع�لاق��ات ب �ي��ن ق�ط��اع��ات االقتصاد والتأثيرات المتبادلة بينها .كما أن هذا النموذج يختلف عن النماذج التي صممت لبلدان أخرى بخصائص ثالث ،أرجو أن يأذن لي الحضور الكرام بذكرها رغم تخصصاتها ،وذلك توثيقاً للمناسبة .وهذه الخصائص ،كما ذكرها المؤلف ،هي:
المملكة في ذلك الوقت ،لذلك رأى الدكتور البشير أن األمر ال يتطلب بناء معادلة مستقلة للصادرات كي تقابل معادلة الواردات.
لن يسمح لي الوقت وال الطبعة الفنية المغرقة ف��ي التخصصية ب��اس �ت �ع��راض ال �ك �ت��اب ،ولكنه باختصار -ن�م��وذج ري��اض��ي إحصائي يمكنتقسيمه إلى أربع مجموعات رئيسة ،تحتوي كل مجموعة على ع��دد من المعادالت على النحو اآلتي: .1الدخل الكلي :ويحتوي على ثماني معادالت رئيسة. .2اإلنفاق الكلي :ويحتوي على تسع معادالت.
.2عادة ما تعامل النماذج االقتصادية القياسية اإلن �ف��اق ال�ح�ك��وم��ي ع�ل��ى أن��ه متغير يتحدد .3القطاع النقدي :ويحتوي على معادلتين. م��ن خ ��ارج ال �ن �م��وذج ال��ري��اض��ي .4 Exogenousتعريفات :وتحتوي على ست معادالت. ،Variableبينما ف��ي النموذج ال��ذي صمّمه وت� �ت� �ف ��رع ع� ��ن ه � ��ذه ال � �م � �ع� ��ادالت ال �خ �م��س الدكتور البشير جرى اعتبار اإلنفاق الحكومي وال�ع�ش��ري��ن ،ع �ش��رات ال �م �ع��ادالت ال�ف��رع�ي��ة ،كل كمتغير يتحدد من داخ��ل النموذج الرياضي ذلك تم تقديره وقياسه رقمياً من قبل المؤلف، ،Endogenous Variableوسبب ذلك أن تأثير على الرغم من عدم توافر البيانات اإلحصائية النفط على االقتصاد السعودي إنما يتحقق الدقيقة عن االقتصاد السعودي ،وقد تكلل هذا بشكل أساسي عبر ميزانية الدولة. الجهد عن بناء نموذج رياضي إحصائي يصوّر .3ال يتضمن هذا النموذج االقتصادي القياسي االقتصاد السعودي وفق معطيات علم االقتصاد، قطاعاً للصادرات ،وذلك ألن القطاع النفطي وب��اس �ت �خ��دام التقنيات ال��ري��اض�ي��ة اإلحصائية ي�ش�ك��ل ن�ح��و %100م��ن إج �م��ال��ي ص���ادرات المتقدمة.
اجلوبة -خريف 1429هـ 11
من أجل ذلك يتم تكريم الدكتور فيصل البشير في هذا المساء من قبل «منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية»؛ فشكراً للدكتور البشير على جهده المتميز وري��ادت��ه، وشكراً لمؤسسة األمير عبدالرحمن السديري الخيرية على مبادرتها الكريمة -كما هي دائماً ف��ي م�ب��ادرات�ه��ا وف��ي ري��ادت�ه��ا -وع�ل��ى م��ا قدمته وتقدمه من جهود مشكورة إلثراء الحياة الثقافية ف��ي ه ��ذه ال�م�ن�ط�ق��ة (ال� �ج ��وف) ،وف ��ي المملكة رئيس مجلس اإلدارة يكرم الدكتور البشير عموماً ،من خالل إصداراتها العديدة من الكتب والمجالت الرصينة ،وم��ا تقيمه م��ن منتديات من ساعدهم – رحمة الله عليه -ولك يا أخي ولقاءات وأنشطة منبرية». فيصل ك��ل الشكر والتقدير ،وإن�ن��ي مدين لكم وبعد انتهاء كلمة معالي د .عبدالواحد الحميد دائماً ،وكنت دائماً أقول :أنني مدين لوطني الذي ال بسيطاً تفضل رئيس مجلس إدارة المؤسسة فيصل بن سمح لي وأعطاني الفرصة أن أكون ممث ً عبدالرحمن السديري بتكريم شخصية المنتدى على مسرح التنمية بالمملكة العربية السعودية. الدكتور فيصل بن صفوق البشير. فيا إخوتي أصحاب المعالي والسعادة ،ويا
كلمة الشخصية المكرمة
الدكتور فيصل بن صفوق البشير «سعادة األخ فيصل بن عبدالرحمن السديري رئ��ي��س م �ج �ل��س إدارة م��ؤس �س��ة ع �ب��دال��رح �م��ن السديري الخيرية ،التي تحمل اسم شخص أدين له – يرحمه الله -بكل عرفان وشكر وتقدير، وليرحمه الله؛ لقد ك��ان كريماً في حياته ،وها هم أبناؤه ومؤسسته يكرّمونني اآلن بعد وفاته؛ فلهم مني جزيل الشكر والعرفان ،ويشهد الله أنني عاطفي ،حين أخبرني األخ الدكتور زياد ابن عبدالرحمن السديري ،قلت :لقد أكرمتموني حين كنت طفالً ،وتكرمونني اآلن بعد وفاة والدكم أبو فيصل يرحمه الله؛ حين أتيته هنا ومد يد العون المعنوي لي عندما ع� َّز العون من أقرب األقرباء ،واستمر حين كبرت بالعمر ،ومناصب الدنيا فانية.
أخواتي المستمعات في القسم النسائي ،أرجو منكم المعذرة إن أخطأت ،وإن كان في نظري شيء من التقصير في هذه األمسية ،فال أجد أع� � َّز م�ن�ك��م ،وأث ��ق إن ش��اء ال �ل��ه أن �ك��م تسترون العيب إن حدث في هذا المساء .ولك يا أخي الدكتور عبدالواحد الحميد ،وي��ا من عرفتني على صفحات الجرائد ،وأن��ا والله عرفتك من كتاباتك ،حين كنت في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ،كنت أخ�اً عزيزاً ،عرفتك عن طريق الجرائد ،واآلن أعرفك مرة أخرى والحمد لله، فلك مني الشكر والعرفان على هذه المقدمة.
والحمد لله أنني ال أستطيع الليلة -ألسباب كثيرة -أن أت�ح��دث معكم ع��ن اإلكنوميتركس (( )Econometricsاالقتصاد القياسي) ألسباب ع��دة؛ أول�ه��ا أن�ن��ي -شخصياً -أع�ت��رف أنني «صدّيت» ،والعمل اإلداري في الحقيقة أوصلني إلى مرحلة كان من المفروض أن أكتب المجلد حد ما عن الرياضيات ،بحيث لقد كان أباً رحيماً ،ولم يفرق بيني وبين كل بلغة تختلف إلى ٍ
12
اجلوبة -خريف 1429هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ت� �ك ��ون م �ف �ه��وم��ة م ��ا أم �ك��ن لجميع من يقرءون الكتاب. إذ أن أحد وجهاء المملكة وقادتها حين أهديته الكتاب، وب �ع��د ن�ح��و ش �ه��ر ،حدثني ق ��ائ�ل�اً :م��ن أج ��ل أن أف�ه��م كتابك يجب أن تكون معي ط��وال الساعات ،فهو كتاب ص �ع��ب .وق��اب �ل��ت الشخص ال� ��ذي يُ �ع��د أب االق �ت �ص��اد القياسي البروفيسور جان تمبرجن ()Jan Tempergen الهولندي الشهير ،حين زرته ف��ي بيته ف��ي الهيل (ت��وف��اه الله) ،كنا نقرأ عنه ،وقال ما يلي« :أذكرها لسبب من يرغبون أن يدرسون هذا االختصاص الجزئي في علم االقتصاد» ،ألنه وصل إلى مرحلة الكفر في المعادالت الرياضية والكتابة عن االقتصاد، فكتب مقالة شهيرة« :من أراد أن يكون اكنموتريشن ( )Eknemotrationيجب أن يكون اقتصادياً أوالً وقوياً في النظرية االقتصادية ،فال يستطيع أن يتعذر وراء المعادالت الرياضية في معادالت ونماذج ال تفهم ،وحقاً المهم تشخيص األمر قبل البدء في كتابة المعادالت ،فإن لم تفهم البيئة التي تكتب عنها بمعادالت رياضية ،فالسامع أو القاريء لن يستطيع فهمك ،وهذا ما حدث في منتصف الستينيات إلى السبعينيات. كانت الكتابة في االقتصاد الرياضي بالذات، واالكنوميتركس ( )Econometricsعقيمة إلى درجة أن المباراة كانت في المعادالت الرياضية، ولحقه كذلك بروفيسور آخر (كفر بهذا الموضوع أيضاً) هو لينيتيف ( ،)Lenitiveالذي يعد من عمل حد ما) ما يسمى بالمدخالت والمخرجات، (إلى ٍ كذلك ق��ال إن المعامالت الرياضية أو الكتابة
د .البشير أثناء القاء كلمته
الرياضية ال تمثل علم االقتصاد.
ق�����درات ه��ائ��ل��ة ..ان���ج���ازات اق��ت��ص��ادي��ة متواضعة ..لماذا؟ منذ أن بدأ اإلنسان الكد والكدح ،كان هدفه رفع مستواه المعيشي من جميع النواحي ،وأدركت ذلك الشعوب وقياداتها ،واتخذت التطور كضرورة ملحة من أجل تنفيذ التنمية االقتصادية ،والتي يجب أن تقود إلى ما يسمى بالتنمية اإلنسانية الشاملة ،ويجب أن نتذكر بأن كل اإلحصاءات المعلنة ذات األرق ��ام العالية ،وذات ال��زي��ادات المستمرة عاما بعد عام ،مثل دخل الفرد ،ونسبة نمو الدخل الوطني ،تبقى مجرد أرقام يتغنى بها محاسبو الحسابات الوطنية ،وهي ال تسمن وال تغني من جوع إن لم تترجم تلك الزيادات في رفع مستوى الفرد ورفاهيته على أرض الواقع. إذاً ،نستطيع أن نقول ،كما قال أحد حاملي جائزة نوبل في االقتصاد« :بئس التطور إن لم يقد إلى ذلك الهدف النبيل (التنمية اإلنسانية الشاملة)» ،وأي شيء خالف ذلك ما هو إال تنمية غير حقيقية تتذكر وتنفع القلة ،وتنسى وال تنفع الكثرة .وتترك هيكل اقتصاد البلد غير متزن
اجلوبة -خريف 1429هـ 13
وال يقوى على درء األخطار التي قد تحيط به أن التطور والتنمية رتابة في الحياة ،ذو تغيرات مهما كانت ضعيفة .فالتطور الزائف إذاً يقود تدريجية بطيئة. إلى تنمية زائفة. ينهار سوق األسهم ،ويخسر الناس مدخراتهم
ال يُنكر أي فرد صادق مع الله ثم مع نفسه ،أن قيادة المملكة ابتعدت عن التطور الملفت للنظر فقط من أجل االدعاء أمام العالم أنها متطورة؛ بل وضعت نصب أعينها التنمية اإلنسانية الشاملة، من خالل التطور الحقيقي الذي قاد إلى التنمية الحقيقية .ونجحت هنا وهناك. وم��ع م ��رور ال��زم��ن ب��دأ اإلن �س��ان ي�لاح��ظ أن تنمية المملكة أخ��ذت تتباطأ نسبياً ،مقارنة بالقدرة المتاحة والكامنة لالقتصاد السعودي ب��ال��ذات .وه��ذا ك��ان وم��ا زال واض�ح�اً من خالل ع��دم ال�ق��درة على تقديم الخدمات الضرورية الكافية ،وال�م��ؤث��رة مباشرة ف��ي ح�ي��اة اإلن�س��ان ومستوى معيشته ،وكذلك عدم القدرة على تنويع قاعدة االقتصاد اإلنتاجية المتوخّ اة .وعوضاً عن الرفاهية المستمدة من سعادة الفرد بمستواه المعيشي وأم��ان��ه على مستقبله ،انتشر الهم والغم والتضجر ،وب��دأ تأثير ذل��ك واض�ح�اً في سلوكيات الناس حيال بعضهم بعضاً ،ومجتمعهم ككل ،وخاصة التشكيك فيما تعلنه الدولة لخير الجميع. وح��ي��ن ت��ؤي��د ب �ك��ل ص� ��دق ب �ع��ض م ��ا ي�ق��ول��ه المتضجرون ،ينبري فريق ويذكر السامعين بأين كنا وكيف أصبحنا ،وأن ال نستعجل في اإللحاح باإلسراع في التنمية .وحين تشكر الله الواحد األح��د وتُ� َذ ِّك��ر عديم أو قليل الطموح بإمكانات المملكة االقتصادية ،وتسأله ما الذي يمنع أن أطمح أكثر إذا كان في مقدور اقتصاد المملكة العطاء إن زادت كفاءته؟ يدافع بأن في التأني السالمة ،واحفظ قرشك األبيض ليومك األسود (ال ي��ؤم��ن ب��أن استثمار ال �ق��رش األب �ي��ض لليوم األسود أفضل)؛ فهو عقيم في التفكير والمنطق، ممزوج بطموح محدود ،وإيمان -مطلق نسبياً-
14
اجلوبة -خريف 1429هـ
إال القلة ،وتزداد الفجوة لدرجة كبيرة في عدالة ت��وزي��ع ال��دخ��ل ف �ج��أة ،وم��ا عليك إال ال��رض��ا.. ألن هذا يحدث في جميع أنحاء العالم .وحين تذكّره أن بعض دول العالم التي واجهت أقل مما ح��دث لنا من انهيار ،قد واجهت األم��ر بحزم، وخففت عن المتضررين بإجراءات محددة نفذت فعلياً ،يذكرك بقدسية االقتصاد الحر ،وعدالة ميكانيكية السوق.
وح �ي��ن ت��ذ ّك��ره أن ال ق��دس�ي��ة إال ل�ل��ه العلي العظيم ،وأن معاقل االقتصاد الحر لم تؤمن بما تؤمن به بعدالة ميكانيكية السوق ،بحيث واجهت مشكلة االئتمان باإلسكان في الواليات المتحدة بحزم ،لحماية -ما يقارب آن��ذاك -أربعمائة ألف أسرة من فقدان منازلها ،وها هي بريطانيا تنقذ بنك نورثرن راك مباشرة عن طريق ضمان وزارة المالية -وال��ذي يقال إن��ه لم يحدث في تاريخها -لكنها وجدت أن ال فائدة من العناد، وإيمانا بقدسية االقتصاد الحر ويده السحرية، حين يتعلق األمر برفاهية وأمان الناس ،صد ذلك الشخص عنك وتمسّ ك برأيه وق��ال إن وضعنا يختلف؛ وحين يفقد ولي األمر الصبر ،ويبدأ في اتخاذ ال�ق��رارات االقتصادية مباشرة للتخفيف من عناء ال�ن��اس ،س��واء تجاه انهيار األسهم أو التضخم ،فإنه يتمنى لو أن ولي األمر ترك األمر كما كان. هذا هو التفكير الذي قادنا إلى هذا الوضع غير المريح اقتصادياً .حقاً ،إنه فك ٌر اقتصاديُ ض��ال ومضلل ،ق��اد إل��ى ع��دم وض��وح الرؤية في مواضع اقتصادية كثيرة ،قادت إلى عدم وجود سياسة اقتصادية واضحة في المملكة ،مقارنة بسياسة الدولة في العالقات الدولية والسياسة البترولية ،فالعالقات والسياسة الدولية للمملكة
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ت�ت�ص��ف ب��وض��وح �ه��ا ،واع �ت �م��اده��ا ع �ل��ى ث��واب��ت واضحة ال تتطلب اإلفصاح عنها إال نادراً .فنحن بل ٌد مسلم ع��رب��ي ،يتفاعل م��ع محيطه األق��رب بكل رحمة وك��رم ،وم��ع محيطه العالمي حسب المصالح المتبادلة النافعة له ومحيطه األقرب، وما على السياسي والدبلوماسي السعودي إال التحرك تحت مظلة هذه الثوابت.
م�ق��ارن��ة ب�م��ا ذك��رت��ه فيما يتعلق بالسياسة الدولية للمملكة ،وكذلك السياسة البترولية ،ماذا يجد الباحث م��ن ناحية السياسة االقتصادية في المملكة؟ هي سياسة ليست واضحة أوالً، فهي مبعثرة ال ترابط بين أجزائها ،وتفتقد إلى االستمرارية ،وتتصف بردات الفعل ،وهي ليست م��رن��ه ،ف��ال�ق��ول إن�ه��ا ل��دف��ع التنمية إل��ى األم��ام لرفاهية المجتمع ال يكفي ،فنحن نحتاج إلى خريطة تنفيذية تحت مظلة سياسة اقتصادية واض �ح��ة األه� ��داف ل��دف��ع التنمية إل��ى األم ��ام. إذاً الكثير من الناس ي��رى أن سياسة المملكة االقتصادية غير واضحة ،وغير مرنة ،ونتساءل لماذا نحن هكذا؟!
كانت المملكة ال تذّكر بهذه الثوابت دائماً، ألنها في رأيها واضحة ،وقاد هذا إلى سوء فهم بعضهم ،وخبث متعمد من آخرين .وأخيراً وصلت المملكة إلى تلك المرحلة من الشموخ والثقة، فأعلنت أنها ال تحتاج إل��ى ش�ه��ادة تزكية على عروبتها وإسالمها من أحد ،مهما كان ذلك فرداً ظننا أننا أقنعنا منذ السبعينيات الميالدية أو مجموعة من الناس ،أو دوالً كبرى أو صغرى؛ بعض المجموعات السعودية ،والتي كانت تجتهد فالسياسة الدولية للمملكة العربية السعودية إذاً وتؤمن بأن في التأني السالمة (ال تندفع أكثر واضحة وقادرة على التكيّف وفق الظروف. من ال�لازم ،لكن ما هو ذلك ال�لازم؟ ال ن��دري)؛ ومنذ الستينيات الميالدية والمملكة تحاول ف��ال�ل�ازم م�ت�غ� ّي��ر ح�س��ب ال� �ظ ��روف ..ال ي��ؤم�ن��وا أن تجعل م��ن ال �ب �ت��رول ذل��ك ال�ع��ام��ل اإلن�ت��اج��ي باستثمار ال �م��وارد المالية المتاحة بالسرعة الكبير ،والذي سيرفع من تنميتها لخير شعبها .القصوى ،فاالدّخار وتكديس سبائك الذهب هو فحافظت على مصدر رزق�ن��ا واس�ت�ف��ادت منه ،األسلم ،وهو الثروة الحقيقية بالنسبة لهم .مع ورفعت المستوى المعيشي للشعب السعودي ،أن العالم أجمع كفر بذلك القول منذ عشرات وأف���ادت ك��ل م��ن ت �ب��ادل المصالح معنا .وحين ال�س�ن�ي��ن .ف��ال �ث��روة الحقيقية ال��دائ �م��ة ليست استعمل كسالح إلحقاق الحق العربي ،استعملته بتكديس الذهب والفضة ،بل باستثمار العنصر بطريقة ذكية جلبت اح�ت��رام األص��دق��اء وحسد البشري لخلق تنمية حقيقية يعم نفعها الجميع، األعداء ،وحين بدأ البعض من دول وأفراد لجر وبرهن ألولئك الناس أن المال السائل عرضة المملكة الستعماله كسالح ثانية ،كانت سياستها للتهالك م��ن خ�لال التضخم العالمي بنقصان البترولية واضحة وضوح الشمس كذلك .البترول القدرة الشرائية للعملة مع مرور الزمن .وبرهن سلعة إستراتيجية يجب أن يستغل من أجل خير لهم أن ال �ث��روة الحقيقية المنتجة ه��ي مثالً: المملكة وال�ع��ال��م أج�م��ع .وه��ذا م��ا أك��ده الملك سابك ،ومصافي البترول ،وأنابيب نقل المواد المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله -السائلة ،وإنشاء الجامعات ،وجميع التجهيزات في قمة أوب��ك الثالثة التي عقدت في الرياض األساسية التي تحتاج لها المملكة من أجل دفع تنميتها لرفع رفاهية شعبها. أخيراً ،أن (البترول لن يستعمل لخراب العالم لكنهم هجعوا إلى حين ،وهم يشككون سراً بل من أجل إعماره ونحن أوالً وأخ��راً ج��زءٌ من وعالنية بما وض��ح أن��ه إستراتيجية اقتصادية هذا العالم).
اجلوبة -خريف 1429هـ 15
واضحة آن��ذاك ،تدعو إل��ى االستثمار من أجل اإلنتاج المادي والمعنوي .وحين نجحت المشاريع اإلنتاجية تقمصوا أبوتها ،بل انتحلوا صفة الوالد الحنون ال��ذي رعاها منذ ال��والدة ،وحقاً صدق من ق��ال :ما أكثر من يدعي أب��وة النجاح؛ وفي هذه األيام عادت حليمة إلى عادتها القديمة بعد أن مررنا بالركود االقتصادي في الثمانينيات الميالدية ،وارت�ف��اع أسعار البترول منذ حوالي 4سنوات ،وبدءوا يذكّرون بأن تلك الفترة كانت عصيبة ،وما حمانا اقتصادياً إال تلك األرصدة المتوافرة آنذاك ،مع أن االستثمار لتنويع قاعدة االق �ت �ص��اد ورف ��ع ط��اق�ت��ه اإلن�ت��اج�ي��ة ق��د توقفت ت�ق��ري�ب�اً ،ول �ه��ذا ال أدري أي حماية اقتصادية يتكلمون عنها.
الثمن المادي من أجل اإلسراع في تنفيذ المشاريع التنموية التي أثمرت خيراً ،مع أن الكثير منهم (أولئك المؤمنون بتكديس األرصدة) سموها في منتصف السبعينيات -على صفحات الجرائد «تعرية» وليست تنمية! لكن القيادة الحكيمةرف�ض��ت نصائحهم ،ألن�ه��ا ت��ؤم��ن بنبل التنمية الحقيقية لرفع رفاهية الشعب السعودي.
وفي هذه األيام بدءوا علنا أو سراً ،مباشرة أو غير مباشرة بالدعوة إلى أو اإليحاء بفائدة تكديس األرص��دة ،في حين أن مشاريع التنمية متأخرة ،والتضخم يسري سريعاً في االقتصاد، والفرد السعودي ال ينتهي من كارثة ،إال وتعصف به أخرى .وهم ثابتون صامدون يرون بأن أنجع سياسة اقتصادية هي عدم التحرك السريع! مع هم جماعة العمل المحاسبي في الشركات ،أن الظروف كلها تغيرت وأثبتت أن نظريتهم في يؤمنون بالتدفق النقدي ومستواه سنوياً ،فإن لم إدارة االقتصاد ال فائدة منها في هذه الظروف. يتوافر المال ينتظرون حتى تُفرج .يفرحون كثيراً لهذه األسباب نحن نعاني اقتصادياً بالذات، حين يكون عمود الدخل أكثر من المصروفات ،نعاني ونتساءل ما هي القيمة الفعلية المفقودة فالمدة سنة والفرح سيعم ،لكن سياسة االقتصاد إن لم يتعلم من يرغب من أبنائنا في المدارس من أجل التنمية ال تدار هكذا ..وفترتها ليست والجامعات؟! وما هي القيمة الحقيقية المفقودة.. سنة واحدة .هم مساكو دفاتر الحساب السنوي حين ال يوجد السكن الصحي ،والطريق السليم، الموظف ِ وه��ذا م��ا يميزهم ع��ن علماء المحاسبة الذين والماء ،والصرف الصحي ،والمصنع يؤمنون باالستثمار من أجل التنمية ،ال يعرفون ،للسعودي؟! وقارن مجموع هذه القيمة المفقودة أو يجهلون ،أو يتجاهلون أن ث��روة الوطن أكبر ب��ال��ذات م��ن تنمية المملكة بمقادير األرص��دة م��ن أرق ��ام ال��دخ��ل ال�س�ن��وي .ت��راه��م ال يفكرون النقدية المتجمعة في خزائننا وبنوك العالم. بشراء الوقت ال�لازم لتنفيذ المشروع التنموي إنني على يقين أن خسارتنا التنموية لن تعوضها ب��ال�م��ال ،وه��م ف��اق��دو القيمة م��ع م��رور ال��زم��ن - .قيم ًة وزمناً -كل األرص��دة المتكدسة اآلن، تنصحهم بأن صرف المال من أجل تقليل مدة والتي ستأتي في المدى القصير والمتوسط. تنفيذ المستشفى ،والجامعة ،والطرق ،والصرف فالمرض ال ينتظر ،والجهل لن يزول بالتأني الصحي ،واإلس �ك��ان ،والمصنع ،ذو فائدة أكبر واالنتظار ،وخسوف األرض والمساكن من جراء من تكدس األرصدة ،فيشكّون بتوازنك الفكري. عدم إتمام الصرف الصحي لن يتوقف ،والمصنع وك��أن��ك باقتراحك ه��ذا تدعو إل��ى قلب األم��ور الذي لم يقم لن يعوض الناتج المفقود من عدم االقتصادية رأساً على عقب؛ مع أن ما تقترحه ق�ي��ام��ة ،وال��رف��اه�ي��ة ال�م�ف�ق��ودة لشعب المملكة قامت به دول أخرى ..وجنت منه خيراً كثيراً .ال العربية السعودية من خ�لال االستثمار األمثل بل إن السعودية في السبعينيات الميالدية دفعت
16
اجلوبة -خريف 1429هـ
إذاً ،هذا الفكر االقتصادي الضال والمضلل هو من أهم أسباب وضعنا االقتصادي غير المريح، إن لم أقل هو السبب الوحيد ،ولدفع عجلة التنمية في المملكة باإلمكانات المتاحة والكافية .يجب القضاء على هذا الفكر الضال في أسرع وقت ممكن ،من أجل االستفادة القصوى من استثمار الجزء األكبر من هذه األرصدة المتكدسة ،والتي تتكدس يوماً بعد يوم.
.2ه��و ف�ك� ُر يترجم وي�ه��اج��م أي شخص يدعو لزيادة الصرف على االستثمار بالمبذر للمال العام .وال يفتأ من التذكير بأيام الفقر ،وأن توفير األموال هو الحامي -بعد الله سبحانه وتعالى -من العودة إلى تلك األي��ام .وتجده في معظم األيام قلقاً وشكاكاً وخائفاً ،وكثير التمحيص والتدقيق إل��ى درج��ة السذاجة، وهذا بطبعه يؤخّ ر تنفيذ المشاريع التنموية، ألنه ال نهاية للتمحيص والتدقيق.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
لن تعوض؛ ألن الفترة الزمنية والفرصة المتاحة قد ولت إلى األبد ولن تعود .ومحاولة التعويض بعد التأخير ستكون مكلفة أك�ث��ر ،مهما ح��اول المؤمنون بتكديس األرصدة المالية ،إقناعنا أن موجوداتنا المالية نمت بنسبة عالية ،وأن الزمن في صالحنا.
الكلية لالستثمار ف��ي االق�ت�ص��اد السعودي بالسرعة القصوى .فاإليمان بهذه الفكرة هو إذاً -إما وأد للتنمية المتوخاة ،أو إبطاءلها .ويقود في هذه الفترة بالذات إلى زيادة تكدس األرص ��دة المالية ف��اق��دة القيمة مع مرور الزمن.
وإليكم بعض صفات هذا الفكر االقتصادي ال �ض��ال (ب �ع��ض ص �ف��ات م��ن ي��ؤم��ن ب �ه��ذا الفكر .3ال يؤمن بأولويات الصرف ،ونظرته المحاسبية البدائية توحي له بأن إدارة االقتصاد الكلي االقتصادي الضال والمضلل) ،وقد يجد البعض ال تختلف كثيراً عن إدارة شركة ما ،بالحكم أن بعض هذه الصفات تنطبق عليه ،وأرج��و أن على نتائجها من األرق��ام المجردة .ونتائج يعرف القارئ أنني ال أعني فرداً بعينه أو أفراداً نمو االقتصاد تقاس بكم من الناس ،وليس على وج��ه التحديد ،فتحليلي ه��ذا ينطلق من باألرقام المجردة وحدها ،ألن األرقام ال تمثل فلسفة اقتصادية (اقتصادية الرفاهية Welfare الحقيقة المبتغاة من أولوية االستثمار في )Comics؛ فالتطابق هو بالصدفة فقط ،وليس العنصر البشري ،وتكوين رأس المال المنتج لتصفية حسابات مع أحد ،مهما كان هذا األحد لرفاهية المجتمع مهما كبرت تلك األرق��ام، فرداً أو جماعة: فر َُّب قليل أفاد أكثر من الكثير. .1ت ��راه ��م ي ��دع ��ون إل���ى أن ال �ق �ط��اع ال �خ��اص السعودي ،من الواجب عليه أن يكون مسئوال عن االستثمار ،وإدارة األنشطة االقتصادية في المملكة؛ أي يجب أن تبتعد الدولة عن ه��ذه األن�ش�ط��ة تحت م �ب��ررات أك�ث��ره��ا غير منطقي ،ويخالف طبيعة االقتصاد السعودي. ومع كل احترامي للقطاع الخاص السعودي، ونظراً لصغر حجمه مقارنة بحجم الدولة، وم��ع ك��ل الديناميكية التي يتصف بها هذا القطاع ،فإنه ال يستطيع الوفاء بالمتطلبات جانب من الحضور
اجلوبة -خريف 1429هـ 17
.4هو فكر مَن يؤمن به ويستكثر أي إنجاز في االقتصاد مهما صغر ،وألنه محدود الطموح متكلس الفكر وال��رؤي��ة ،وه��و وه��م ،كما ذكر أحد قادة هذه األمة« ،مثبّطو الهمة» ،يرضون بالقليل ،في حين أن االقتصاد وبإمكاناته الهائلة يستطيع أن ينجز الكثير والكثير ،من المشاريع لخيرنا جميعاً ،مما يسمونه دائماً مستحيالً. .5هم يبحثون دائماً -نظراً لحرصهم المميت وإيمانهم بنبل تكدس سبائك الذهب والفضة- عن االستشارات المؤيدة لفلسفتهم .وال أنسى تصرفهم أثناء السبعينيات الميالدية حين ارتفع سعر البترول إل��ى 34دوالراً ،وب��دأت تتكدس األموال لعدم قدرة المملكة إدارياً على صرفها بالسرعة المقبولة ،لجأوا إلى طلب االستشارات من الخارج ،تلك االستشارات التي كانت تنصح المملكة العربية السعودية وقياداتها على أن تركز على إنتاج البترول الخام ،وتترك االستثمارات في ذلك الوقت، ألن ربحية البرميل على سعر 34دوالراً لن يعادلها أي استثمار ف��ي المملكة العربية ال�س�ع��ودي��ة ،ون �س��وا أن ال �ه��دف م��ن التنمية في المملكة العربية السعودية ليس تكدس األم��وال بل البشر المتعلم المتمتع بالصحة العالية وتتوافر له المساكن الصحية.
.7ومن صفات من يؤمن بهذا الفكر االقتصادي، تحاشيهم النقاش إلي�ج��اد حلول للموضوع الرئيس ،وتركيزهم على الجزئيات التي تبدد ع��ادة -الجهد الفكري ،وتأخذ التنمية فيمتاهات من النقاشات العقيمة المستهلكة للجهد والوقت ،وهذا دلي ٌل قاط ًٌع على عدم تفهمهم لعملية االقتصاد الكلي ،والتي هي القاعدة التي يجب أن تعتمد عليها التنمية اإلنسانية الشاملة. يحثنا ديننا على االستعداد المبكر (إعقلها وتوكل) ،غير أن هذا الفكر االقتصادي الضال ال ي�س�ت�ع��د ل��ل��ط��وارئ ،ف �ت��راه��م ي�ل�اق��ون األم��ر بعد أن تحدث أزم��ة ف��ي االق�ت�ص��اد السعودي، وأخيراً السرية العقيمة التي حرمت البالد حتى م��ن ال�ف��رح واالف�ت�خ��ار ب��االن �ج��ازات االقتصادية وغ�ي��ره��ا ،وال أدلّ على ذل��ك م��ن ذك��ر تخفيض الدين العام على استحياء بعد مدة من الزمن، ال ب��ل التخفيض ب��دأ يذكر بين الحين واآلخ��ر في بعض إحدى دوريات الحكومة ،ذكر في سنة واختفى في السنة التي بعدها ،وكأننا نخجل من ذكر أن االقتصاد السعودي وقيادته استطاعت أن تخفض الدين ،ولم تحّ رج على دَينها كما حّ رجت عليه بعض ال��دول في العالم ،مع أن ذك��ر هذا علناً كان ذا فائدة كبيرة نفسياً واقتصادياً ،لجلب االس�ت�ث�م��ارات ف��ي المملكة العربية السعودية فحرمنا ..ألن ه��ذا الفكر االق�ت�ص��ادي الضال والمضلل ك��ان عقيماً ،وسيبقى عقيماً إن لم يقض عليه ،نتج عن هذه الصفات وغيرها ثقافة ثابتة شبه مستمرة ،عن قصد أو غير قصد في القطاع العام ،وحتى جزء من المجتمع السعودي ال يعطي الوقت قيمته الحقيقية ،وال يستفيد من الفرص المتاحة.
.6هو فكر ال يفتأ أن يذكّر بأننا اآلن في حال أحسن من ذي قبل (أيام الشح) ..وهذا قو ٌل ال ن�ن�ك��ره ،ون�ش�ك��ر ال�ل��ه ع�ل��ى ذل ��ك ،ل�ك��ن ما الضرر في محاولة اإلس��راع بالتنمية حين تسمح ال�ظ��روف ب��ذل��ك ،أليس زي��ادة الخير خيراً؟! ولنتذكر أن عمر التنمية في المملكة م��ا ه��و ال �ح��ل؟ م��ع ك��ل اح�ت��رام��ي لما يسمى يماثل ذلك في كوريا الجنوبية ،والتي تتمتع باقتصاد ذي قاعدة اقتصادية منتجة ومتنوعة بالبيروقراطية في الدولة -وكنت جزءاً وما زلت إلى حد ما ج��زءاً منها -علينا أن نؤمن اإليمان مقارنة بالمملكة.
18
اجلوبة -خريف 1429هـ
إن استمرينا في هذا النهج ،فستزداد تكاليف المشاريع وغيرها من المصروفات ،وسيزداد النزيف نظراً لتكلفة التأخير المادية المباشرة وغير المباشرة ،خاصة فقدان الفرص المتاحة وتكلفة الضياع .أي أن الزمن يجب أن يؤخذ في د .سلمان السديري وعبدالله العثيم وعائض الردادي الحسبان ،فتأخير أي مشروع وخاصة اإلنتاجي ود .طارش الشمري يتابعون فعاليات الندوة م�ن�ه��ا ،سيكلف االق �ت �ص��اد ل�ي��س ف�ق��ط تكلفته باهظة ..إذاً ما هو الحل؟ اإلنشائية المباشرة ،ولكن إضافة لها فقدان أو تأخير الفائدة القصوى من اإلنتاج على مشاريع -لقد ثبت أن ان�ج��ازن��ا االق�ت�ص��ادي متواضع ب��ال�ن�س�ب��ة ل�لإم �ك��ان��ات ال �م �ت��اح��ة ،وأن أه��م أخرى في االقتصاد ..والتعريفات السابقة مَث ٌل سبب لذلك ه��و ع��دم ك�ف��اءة اإلدارة العامة في المدى القصير والمدى المتوسط والبعيد، وق��درت�ه��ا على تنفيذ ال�م�ش��اري��ع ،مهما كان يجب أن ينظر لها نظرة دقيقة للتمحيص والتكيف نوعها :إستراتيجياً أم ال ،ولهذا يجب تغيير من أجل زي��ادة كفاءة التنفيذ ،فمتوسط األمس إدارة تنفيذ مشاريع التنمية بالذات ،ولسنا قد يكون طويل المدى في هذه المرحلة ،ومقيد ب �ح��اج��ة الس �ت �ش��ارة أح� ��د ،أو ال �ل �ج��وء إل��ى األمس قد يكون هو اآلتي في هذه األيام ،ولقد صناديق المشورة الدولية ،أو صناديق مثل تغيرت الظروف وازدادت سرعة التواصل ونقل صندوق النقد (اإلف�ل�اس) ال��دول��ي ،والبنك وتصنيع الحاجات الضرورية ،وكثرت البدائل في الدولي (والذي لم يكن هو للبناء وال التنمية قطاع الصناعة خاصة ..ففترة االنتظار للحصول إال بمخيالت الذين ال يريدون سماع الرأي على ما نحتاجه من أدوات وآالت إلنتاج بضاعة اآلخر). ما قصرت كثيراً ..ولنذكر مثاالً :المدة التي كان يستغرقها بناء بيت سكني في السابق ،وكم من -علينا أن نستشير ونسترشد بطريقة تنفيذ وإدارة المشاريع من بلدنا ..كيف نفذت وتنفذ الوقت نحتاج له اآلن ..لوجدنا أن الفرق شاسع أرامكو مشاريعها ألبناء الوطن ،وبسواعد أبناء ج��داً ..ففي األم��س كانت المدة على األق��ل بما ال��وط��ن ..ليس عندها سحر ،ولكنها نفذت كان يسمى بالمتوسط (من سنة واحدة إلى ثالث وتستطيع أن تنفذ مشاريع عمالقة ،فلماذا ال سنوات) ،أما اآلن فهو فقط محتاج إلى تعريف يستطيع القطاع العام مجاراتها ..ولقد نفذت ج��دي��د ،فليس ه��و قصير األم ��س س�ن��ة واح��دة وما زالت تنفذ سابك مشاريع عمالقة على وليس هو المتوسط ثالث سنوات ،إذاً التغيرات مستوى العالم .فما هو سر نجاحها؟ السر ضرورية وسريعة ،وهي مستمرة ليست جامدة يكمن فيما يلي: ال تتغير. مرة ثانية ،إذا استمرينا على هذا المنوال فلن يبقى دخل الدولة مهما عظم ،ألن التكلفة ستكون
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
المطلق بأن التنمية خيار استراتيجي مصيري، تعتمد ل��ه األم� ��وال (ح�ي��ن ال��وف��رة) لمشاريعه، ل�لاس�ت�م��رار ف��ي التنفيذ ،وال ت��وق��ف حين تقل األموال.
وضوح اإلستراتيجية ككل ،والخطة التنفيذيةلتنفيذ كل جزء من الخطة عن طريق مجموعة
اجلوبة -خريف 1429هـ 19
تنفيذية متخصصة ،Ktask Farceتنشأ لهدف معين تعطي الصالحيات الضرورية ،وتبدأ التنفيذ من أول المشروع إلى آخره ،وتختص بمن ينفذ المشروع. ل�ق��د ب ��دأت ال�ه�ي�ئ��ة الملكية للجبيل بتنفيذ كل ش��يء في الجبيل وينبع ،وبعد أن انتهت من بناء المساكن ،وهيأت المواقع للمصانع ،سلمت الكهرباء لشركات الكهرباء ،واالتصاالت لشركات االتصال ،وبعد أن نفذت كل ما يحتاجه المجمع الصناعي في الجبيل وينبع ،بدأت تتخلى تدريجياً عن إدارة الكهرباء والمياه والمواصالت ..الخ. مثلما فعلت أرامكو )Out Sourcing( ..وبعد التخلي عن المسئوليات األخرى ،البيروقراطية الحكومية وصلت إلى مرحلة خطرة تستطيع إيقاف أو تأخير أي مشروع مهما كان ضرورياً؛ وهو مرض منتشر في كل أج��زاء اإلدارة العامة ،بصرف النظر عن مواقع المسئولية .فالمسألة ليست شخصية ،هو مرض منتشر منبثق ومؤمن بثقافة معينة ال تالئم هذه المرحلة من مراحل تنمية المملكة العربية السعودية ،والذي يشكك بقدرة هذه البيروقراطية على تأخير المشاريع مهما كبرت.
هذا السؤال المنطقي قاد إلى تشكيل لجنة إلعطاء رأي سديد لولي األمر .فمن فريق مؤيد للمشروع كله بشرط وضعه في المكان المجهز، وفريق آخ��ر مؤيد للمشروع بشرط تركيزه في الموقع الجديد الذي لم يجهز بعد ،والذي يحتاج لكل شيء ،وكل فريق مقتنع برأيه ..وولي األمر ينتظر. وبعد مضي نحو ثالث سنوات غُض الطرف عن المشروع الحيوي كلية ،وكانت الحجة أن المملكة ال تمتلك الموارد المالية -ومتى كان بلد مثل السعودية ال يستطيع الحصول على التمويل لالستثمار في مشروع إنتاجي كبير؟ - لتنفيذه ،سواء هنا أو هناك ،كان ذلك في أوائل الثمانينيات الميالدية .حتماً كانت فرحة عامرة وانتصاراً باهراً لذلك الفكر االقتصادي الضال. واآلن وبعد مضي ربع قرن تقريباً ،وبعد فقدان الفرصة ،وبعد تكلفة التأخير ،ينفذ المشروع المذكور في هذه األيام .عسى أن ينال االقتصاد ال�س�ع��ودي القيمة اإلنسانية الشاملة الخيرية بأسرع ما يمكن. إذاً ،دعنا نبدأ بإنشاء مجموعات متخصصة لكل مشروع استراتيجي ،أو مشروع في القطاعات الحكومية ،ويناط بها تنفيذ وإدارة أي مشروع أو المشاريع كلها ،حتى وجود (اإلنتاج الفعلي)، بعد أن يرصد لكل مشروع المقومات الضرورية كلها لتنفيذه ،وبعدها تقيّم ه��ذه المجموعة أو المجموعات ،بعد أن نفذت ما أنيط بها ..إن هذا هو الحل األنسب واألس��رع لتنفيذ مشاريع البلد ،وزيادة كفاءة القدرة على تنفيذها.
إليكم هذا الحادثة :وجّ ه ولي األمر في خطاب يسأل بعض الجهات الحكومية بشأن مشروع ذكره في خطابه هل يعد مشروعاً تنموياً إستراتيجياً أم ال؟ وكان الجواب باإليجاب ..غير أن موظفاً ليس من الصف األول وال الثاني في إح��دى الجهات الحكومية التي استشيرت ،لفت نظره اقتراح الجهة التي طلبت اإلذن بتنفيذ المشروع من ولي األمر ،أنها ترغب في توطين المشروع والموقع في مكان يبعد حوالي مائة وخمسون كيلو متراً عن مكان مجهز بكل التجهيزات ،وعنده القدرة إن اس�ت�م��ر ال �ح��ال ع�ل��ى ه��ذا ال �م �ن��وال ،فلن االستيعابية الستقبال ذلك المشروع ،فلماذا ال تستطيع القيادة مهما أوتيت من قوة عن طريق ينشأ هذا المشروع التنموي الحساس في ذلك المؤسسات االقتصادية لتحسين ال��وض��ع ،ألن المكان المجهز؟ أب �ن��اء ال�ب�ي��روق��راط�ي��ة المتمكنين ل��ن يساعدوا الجدد ،وهي أمور ليست شخصية ،بل هي دفاعاً
20
اجلوبة -خريف 1429هـ
أخ� �ي ��راً ..أرج ��و منكم ال �س �م��اح إن أخ �ط��أت، واستروا على أخيكم فيصل؛ فهو عاطفي المنشأ، شاكراً ،مرة أخرى ،ذلك اإلنسان الخيّر الذي هو اآلن في دار الحق -رحمة الله عليه -وب��ورك في أبنائه ومؤسسته والقائمين عليها جميعاً ،فإني والله مدين إلى األبد بشكل فردي ،ومدين للوطن الشيخ عبدالمحسن الحكير أثناء مداخلته ال صغيراً مرة ثانية إلعطائي الفرصة أن أكون ممث ً على مسرح التنمية في المملكة العربية السعودية.. دور المرأة في خيمة (طفولة د .فيصل). والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته. الدكتور فيصل البشير :أشاد بدور المرأة، مداخالت االفتتاح وخص بالذكر دور والدته التي كانت له بمثابة الشيخ عبدالمحسن الحكير :أطالب بأن ال�م��درس��ة ،والحضن الحنون ،والمحرك ال��ذي تعطى كل مدينة نامية ميزة (نسبية) متناهية ,دفعه إلى األمام. س� ��واء ف ��ي األي�� ��دي ال �ع��ام �ل��ة أو ال �ك �ه��رب��اء أو الدكتور عبدالعزيز المانع :ف��ي ك��ل يوم التخفيضات الالزمة ,وذلك لتحفيز التنمية في يطالعنا مسئولو المال من الوزير إلى هيئة سوق مناطق تلك المدن. المال أن اقتصادنا بخير ،في حين ن��رى سوق ال��دك��ت��ور فيصل ال��ب��ش��ي��ر :أن ��ا م��ن أوائ ��ل األسهم ينهار بنسبة %65من أول العام. األع �ض��اء ال��ذي��ن ص � ّوت��وا على ه��ذا ال �ق��رار منذ أكثر من ثالث سنوات في المجلس االقتصادي ،ال���دك���ت���ور ال��ب��ش��ي��ر :اق��ت��ص��ادن��ا م ��ن أك �ب��ر إلع�ط��اء ال�ح��واف��ز لتنمية المناطق النائية في االقتصاديات انفتاحاً على العالم ،وبعد توفيق ص��ودق عليه أخ �ي��راً .إن الله ،ودخل البترول يعتمد اعتماداً مباشرا على المملكة .والحمد لله ُ االق�ت�ص��ادي الناجح ال ي��ؤم��ن ب��وض��ع ال�م��ال في ال��دخ��ل الوطني ف��ي ال�ع��ال��م ..إن ارت�ف��ع الدخل الخزينة ،بل يجب استثماره من أجل أن ينتفع به ،الوطني ارتفع استهالك البترول ،وعندما يزداد صلب االقتصاد (التوازن بين نصل إلى مرحلة ُ دورة بعد أخرى. العرض والطلب) ،عند ذل��ك من ال�ض��روري أن أ .د .م�����رزوق ب���ن ص��ن��ي��ت��ان ب���ن ت��ن��ب��اك: تتغير األسعار. تحدث مطالباً ب��اإلف�ص��اح ع��ن أص�ح��اب الفكر وقال إن الدول التي تشترك في حدودها مع (االقتصادي) الضال والمضلل. المملكة العربية السعودية اآلن ،ذك��روا من أول الدكتور فيصل البشير :رأى أنه ال جدوى ي��وم ف��ي األزم ��ة االق�ت�ص��ادي��ة أن�ه��م ل��ن ي�ت��أث��روا، من ذكر األسماء ،فبعضهم في دار الحق ،وآخرون واآلن بدأوا يشعرون بذلك ،وإن شاء الله اقتصاد لهم رأيهم ووجهات نظرهم. المملكة سوف يكون أقل االقتصادات العالمية الدكتورة عائشة نتو :أش��ارت إلى تجاهل تضرراً.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
عن المصالح ،والخوف من الجديد حامل لواء التنفيذ على نطاق العالم كله بدرجات متفاوتة.
اجلوبة -خريف 1429هـ 21
األزم� ��ات ال�م��ال�ي��ة األم��ري�ك�ي��ة ف��ي األع� ��وام:،1893 ،1884 ،187 ،1857 ،1837 ،1819 1987 ،1929 ،1907م. األزمة المالية المكسيكية 1995 – 1994م. األزمة المالية اآلسيوية 1998 – 1997م. األزمة المالية األرجنتينية 2002 – 2001م.المشاركون في الجلسة األولى
ف��ع��ال��ي��ات ال���ي���وم ال���ث���ان���ي :م���ن م��ن��ت��دى ع��ب��دال��رح��م��ن ال���س���دي���ري ،ال��خ��م��ي��س 1429/11/29هـ
ك �م��ا ت��ح��دث ع ��ن م �ف �ه��وم ال��ن��ظ��ام ال �م��ال��ي ( )Financial Systemألي دولة ،وعرّفه بأنه جميع المنشآت والمؤسسات والتنظيمات المتعلقة بأنشطة االستثمار في األصول المالية ،من نقود وسندات حكومية وأسهم ،وأوراق مالية أخرى. وي��دخ��ل ف��ي ه��ذا ال�ن�ظ��ام ال�م�ص��ارف التجارية وشركات الوساطة المالية ،وشركات التأمين، واألس��واق المالية ،إضافة إل��ى الجهات العامة المشرفة عليها ،كالبنك المركزي وهيئة السوق المالية.
وق � ��د ت ��واص� �ل ��ت أع � �م� ��ال م� �ن� �ت ��دى األم� �ي ��ر عبدالرحمن السديري «األزم��ة المالية العالمية وتداعياتها على االقتصاد السعودي» في يوم الخميس 1429/11/29ه� � � �ـ ،إذ اشتملت على جلستين قدمت فيهما عدة أوراق عمل؛ الجلسة وأن ال �ن �ظ��ام ال �م��ال��ي ال �ع��ال �م��ي ي �ت �ك��ون من األولى أدار ها الدكتور محمد القنيبط ،والجلسة مجموع األنظمة المالية ل��دول العالم ،إضافة الثانية أداره ��ا معالي الدكتور عبدالواحد بن إلى المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي، خالد الحميد نائب وزير العمل. وص� �ن ��دوق ال �ن �ق��د ال���دول���ي ،وب �ن��ك ال �ت �س��وي��ات الدولي).
الجلسة األولى
ث��م ت�ع��رض للنظام النقدي العالمي وال��دور كانت ال��ورق��ة األول��ى للدكتور فهد ب��ن خلف األمريكي ،فقال: البادي ،أستاذ االقتصاد المساعد ،معهد اإلدارة م َّر النظام العالمي في العصر الحديث بثالث العامة وموضوعها «كيف نشأت األزمة المالية». مراحل عند تحديد سعر الصرف ،وهي: وقد هدفت إلى توضيح :كيفية نشأة األزمة -1نظام قاعدة الذهب .The gold standard المالية العالمية ال�ح��ال�ي��ة ،م��ن خ�لال توضيح -2نظام سعر الصرف الثابت .Fixed exchange rate طبيعة النظام المالي العالمي ،وتسليط الضوء -3نظام سعر الصرف المعوّم .Floating interest rate ع�ل��ى أس �ب��اب ن�ش��وء األزم� ��ات ال�م��ال�ي��ة وآلياتها وقد أسهب في شرح هذه المراحل إسهابا ال بشكل عام ،ومناقشة أسباب نشوء األزمة المالية يتسع المجال لذكره. العالمية الحالية. ثم تحدث عن مفهوم األزمة المالية فقال: وقد أشار د .البادي إلى أبرز األزمات المالية العالمية التي حدثت سابقاً ،ومنها:
22
اجلوبة -خريف 1429هـ
تعرف األزمة المالية بأنها «االنخفاض المفاجئ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
في أسعار نوع أو أكثر من أص��ول» ،واألص��ول قد تكون رأس مال مادي يستخدم في العملية اإلنتاجية مثل :اآلالت والمعدات والعقارات ..الخ؛ وقد تكون أصوالً يطلق عليها األصول المالية ،التي تعبر عن حقوق الملكية ل��رأس المال المادي ،أو المخزون السلعي؛ ومن أمثلتها األسهم وحسابات االدخ��ار. وخلص إلى القول بأن األزم��ة المالية العالمية وه�ن��اك ن��وع آخ��ر م��ن األص ��ول تسمى المشتقات ال�ح��ال�ي��ة تعصف بالكثير م��ن دول ال �ع��ال��م ،ولها المالية ،وه��ي ح�ق��وق الملكية ل�لأص��ول المالية، ت��أث �ي��رات مختلفة ع�ل��ى اق�ت�ص��ادي��ات دول العالم ومنها على سبيل المثال العقود المستقبلية للنفط ب�ص��ورة متفاوتة ،ول��م تعد األزم ��ة مقصورة على والعمالت األجنبية. األسواق المالية فحسب ،بل امتدت إلى القطاعات وإذا ان �ه��ارت قيمة األص ��ول -أي انخفضت االقتصادية واإلن�ت��اج�ي��ة ،حتى أن ص�ن��دوق النقد أسعارها فجأة بشكل كبير -ف��إن ذل��ك قد يعني الدولي خفض توقعاته لنمو االقتصاد العالمي من إف�لاس أو انهيار قيمة المؤسسات التي تملكها %3.9 .إلى %2.7هذا العام ،ومن %3إلى %2.2 وهنا تحدث األزمة ،واألزمة قد تأخذ شكل انهيار لعام 2009م ،وهو أدنى مستوى له منذ عام 2001م، مفاجئ في سوق األسهم ،أو عملة دولة ما ،أو في ويتوقع أن تنكمش اقتصاديات ال��دول الصناعية سوق العقارات كما هو الحال في الواليات المتحدة للمرة األولى منذ خمسين عاماً. األمريكية ،أو مجموعة من المؤسسات المالية، كما أن أسباب األزمة ليست محصورة في عجز لتمتد بعد ذل��ك إل��ى باقي األنشطة االقتصادية المدينين عن سداد الديون العقارية ،بل تكمن أيضاً بفعل التشابك االقتصادي بين األنشطة ،وكذلك في أموال المضاربة غير المراقبة ،وكذلك الديون القطاعات. المتراكمة على الخزينة األمريكية وتورطها في -1زي� � ��ادة درج � ��ة ع� ��دم ال �ت��أك��د ح� ��ول ال��ظ��روف االقتصادية المستقبلية. -2انهيار أسواق األسهم. -3زيادة أسعار الفائدة. -4تردي المركز المالي للبنوك.
ث��م ت �ع �رّض إل��ى ال�ن�ظ��ري��ات ال�م�ف��سّ ��رة ل�لأزم��ة العراق ،أدى إلى ظهور قوى اقتصادية وسياسية المالية ،وذك��ر أب��رز العوامل الرئيسة التي تفسر جديدة سلبت اإلدارة األمريكية بعض قدراتها على األزمات المالية والمصرفية ،وهي: االعتماد على اقتصاديات دول أخرى ،مما أضعف
كيف تحدث األزمة المالية (الواليات المتحدة األمريكية) زيادة درجة عدم الثقة والتأكد محول الظروف االقتصادية المستقبلية
انهيار أسواق األسهم
زيادة أسعار الفائدة
تردي المركز المالي للبنوك
مشكلة االختيار الخاطئ للعمالء والمخاطر األخالقية حدوث ركود في النشاط االقتصادي ازدياد مشكلة الذعر المالي في القطاع البنكي (حدوث أزمة بنكية) ازدياد مشكلة االختيار الخاطئ للعمالء وازدياد المخاطر األخالقية حدوث كساد اقتصادي
اجلوبة -خريف 1429هـ 23
حيز المناورة المتاح ألمريكا في التعامل مع األزمة، ولذلك أعلنت دول عدة حاجتها إلى الدعم لمواجهة األزم��ة ،كما أن مواجهتها تحتاج إلى تضافر قوى العالم االقتصادية ،وإصالح النظام المالي العالمي لتجاوز هذه األزمة ،والحد من تكرارها مستقبالً.
الورقة الثانية تحدث فيها الدكتور ماجد بن عبدالله المنيف عضو مجلس الشورى ،عضو الهيئة االستشارية ل�ل�م�ج�ل��س االق� �ت� �ص ��ادي األع� �ل ��ى وم��وض��وع �ه��ا: «ت��داع�ي��ات األزم��ة المالية على أس��واق الطاقة العالمية» ،فقال:
تتأثر المشروعات األخرى المعتمدة في تمويلها على البنوك الخارجية؛ بسبب الحجم الكبير لتلك المشروعات ،ومحدودية التمويل المحلية المتاحة لها ،وقد ينخفض. وقد يتأثر القطاع غير النفطي بعوامل أخرى، منها :انخفاض اإلنفاق االستثماري الخاص أيضاً نتيجة حالة عدم الثقة ،أو عدم اليقين ،وانخفاض االستهالك الخاص بسبب تآكل الثروات الناتج عن تدني سوق األسهم إلى أدنى مستوياته منذ سنوات .وخالفاً لسنوات سابقة ،كان فيها القطاع غير النفطي ينمو ويعوّض االنخفاض في الناتج النفطي ،بسبب انخفاض إنتاج أو أسعار النفط، ف��إن ال��وض��ع الحالي ق��د ال يجعل القطاع غير النفطي ينمو للعام 2009م ،بمعدالت أعلى بكثير من معدل انخفاض الناتج النفطي ،ليس فقط بسبب األزم��ة ،ولكن أيضاً ألن القطاع النفطي نما ف��ي ال�ع��ام 2008م بمعدالت عالية ،بسبب زيادة اإلنتاج واألسعار بمستويات قياسية.
س��وف تؤثر التطورات المالية التي عصفت بالعالم أواخ��ر ع��ام 2008م ،وب��درج��ات مختلفة على جميع دول العالم .وسيكون تأثيرها على المملكة ،من خالل انعكاس الركود االقتصادي في الدول الصناعية ،وتباطؤ نمو الدول النامية، وخصوصاً الكبرى منها ،على سوق النفط ،بدءاً بتأثير األزم��ة والركود على الطلب على النفط، وفي مقابل التأثيرات السلبية السابقة ،هناك أو إنتاجه ،أو أسعاره ،ما سيؤثر على حجم إنتاج مؤشرات عدة تشير إلى أن االقتصاد السعودي المملكة وصادراتها ،ومن ثم على إيرادات المملكة س�ي�ك��ون أك �ث��ر ق���درة ع�ل��ى ال�ت�ع��ام��ل م��ع األزم ��ة وقيمة صادراتها النفطية ،وحجم الفائض في وتجاوزها .أولها أن الوضع المالي للدولة ما يزال الميزانية ،وفي ميزان المدفوعات. مواتياً ،ليس فقط بسبب الفوائض المالية التي وقد تتأخر أيضاً بعض مشاريع التكرير بسبب تراكمت خالل األع��وام القليلة الماضية ،ولكن، أزم��ة االئتمان العالمي .وسيؤثر كل ذلك أيضاً ألن األزمة لن تعكس وضع فائض الميزانية ،أو على نمو الناتج المحلي النفطي ،ما سينعكس فائض م�ي��زان ال�م��دف��وع��ات ،ب��ل ستقلص حجم سلباً على نمو الناتج المحلي اإلجمالي. الفائض في كليهما؛ يضاف إلى ذلك أن العديد وإض��اف��ة إل��ى التأثير على القطاع النفطي ،م��ن ال�م�ش��اري��ع قيد التنفيذ ،س ��واء ف��ي البنية س ��وف ت �ت��أث��ر ق �ط��اع��ات ال� �ص���ادرات األخ� ��رى ،األس��اس�ي��ة ،أو المشاريع الصناعية والخدمية وخ �ص��وص �اً ال �ب �ت��روك �ي �م��اوي��ات ،ب�س�ب��ب ال��رك��ود ف��ي مرحلة “الطفرة” ،خ�لال األع ��وام القليلة والتباطؤ االقتصادي العالميين ،وانعكاسهما على الماضية ،س��وف تكتمل خ�لال العام ال�ق��ادم أو الطلب على تلك الصادرات ،أو بسبب انكماش ال��ذي يليه ،ما يسهم في تعويض أي انخفاض التمويل لمشروعات الصناعات البتروكيماوية محتمل في االستثمار في بعض القطاعات. للسبب السابق ذاته ،وبسبب تغيّر درجة تنافس وقد أظهرت التجارب العديدة عالمياً ومحلياً، تلك المشروعات م��ع مثيالتها العالمية .وقد
24
اجلوبة -خريف 1429هـ
< < <
<
القطاع المصرفي بوصفه أح��د القطاعات االقتصادية المهمة. تأثره بنمو االقتصاد. أث ��ر ال��ع��ائ��دات ال�ن�ف�ط�ي��ة ع �ل��ى ن �م��و ع��رض النقود. ال��ع�ل�اق��ة ب �ي��ن ال��ق��ط��اع ال��م��ال��ي وال �ق �ط��اع الحقيقي.
االقتصاد السعودي
< اقتصاد نفطي. < تأثير الصادرات النفطية على الدخل المحلي اإلجمالي. < القطاع النفطي من أهم المحددات األساسية للدخل المحلي اإلجمالي. وعن ارتباط االقتصاد السعودي باالقتصاد العالمي تحدث عن: < أسعار النفط والبتروكيماويات. < االستثمارات السعودية (حكومية وخاصة) في الخارج. < الصناديق السيادية.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أن م��رح �ل��ة ال ��رك ��ود وف� �ق ��دان أو ت��دن��ي ال�ث�ق��ة < ،التدفقات النقدية لالستثمارات الخارجية. تستوجب التوسع النقدي من جهة ،وزيادة اإلنفاق < الواردات والصادرات. االستثماري للحكومة لتعويض االنخفاض في وع��ن استثمارات القطاع المصرفي تحدث االستثمار واالستهالك الخاص واستعادة الثقة عن م �ج��دداً ،م��ن جهة أخ ��رى ،وي�ب��دو م��ن إج ��راءات < البنوك اإلسالمية والبنوك التقليدية. مؤسسة النقد ،وما صدر عن المسئولين حديثاً < ق��روض القطاع المصرفي للقطاع الخاص ما يشير إلى ذلك التوجّ ه. التي بلغت نحو %90من إجمالي الودائع. < %62م��ن ق ��روض ال�ب�ن��وك للقطاع ال�خ��اص الورقة الثالثة قصيرة األجل. تحدث فيها الدكتور رجا بن مناحي المرزوقي، ال �م �ش��رف ع �ل��ى م��رك��ز ال� ��دراس� ��ات اآلس �ي��وي��ة < إجمالي م��وج��ودات القطاع البنكي 1.269 مليار ريال. بالمعهد الدبلوماسي ،وموضوعها« :تداعيات األزم��ة المالية العالمية على القطاع المصرفي < استثمارات في الخارج بلغت 67مليار ريال ال�س�ع��ودي» .وق��د ت�ن��اول ف��ي حديثه ع��ن األزم��ة حتى سبتمبر 2008م ،مقابل 84.4مليار المالية االقتصادية النقاط اآلتية: ريال في يناير 2008م (تمثل %5من إجمالي الموجودات %80 -من إجمالي رأس المال للقطاع البنكي %52 -م��ن رأس المالي + االحتياطي النظامي للبنوك).
< رأس مال البنوك نحو 85مليار ريال. وعن أثر األزمة العالمية على القطاع المالي العالمي تحث عن: < االندماجات. < اعتماد أق��ل من الشركات على البنوك في اإلقراض. < ت �ش��دي��د ال��رق��اب��ة ال�ح�ك��وم�ي��ة ع �ل��ى ال�ق�ط��اع المالي. < ن �م��وذج ال�ف�ص��ل ب�ي��ن ال �ب �ن��وك االس�ت�ث�م��اري��ة والتجارية. < دور للحكومات أكبر في االقتصاد. وعن مستقبل القطاع المالي في المملكة العربية السعودية ،قال: < ستنعكس التغيرات العالمية على القطاع
اجلوبة -خريف 1429هـ 25
المصرفي في المملكة. < ت�ش��دي��د ال �ت �غ �ي��رات ال�ع��ال�م�ي��ة ع�ل��ى ال�ق�ط��اع المصرفي في المملكة. < انخفاض قيمة الرهونات ()Collaterals النخفاض قيمة األسهم وتوقعات بانخفاض قيمة العقار. < رجوع االستثمارات السعودية للمنطقة (أفراد وحكومات). < طلب أعلى على خدمات البنوك اإلسالمية. < تشديد شروط اإلقراض. < السياسة النقدية التوسعية. < الدمج بين البنوك التجارية واالستثمارية. < التغير في آليات اإلق��راض (اتجاه الشركات لالعتماد على توفير السيولة داخلياً بدل االعتماد على القروض البنكية). < انخفاض العائدات النفطية (انخفاض أسعار النفط -تقليص العرض (ق��رارات أوب��ك) - انخفاض قيمة الدوالر).
الورقة الرابعة ت� �ح ��دث ف �ي �ه��ا ال ��دك� �ت ��ور س��ف��ر ب���ن ح�س�ي��ن القحطاني ،رئيس قسم االقتصاد الزراعي ،في جامعة الملك س�ع��ود ،وم��وض��وع�ه��ا« :تداعيات األزمة المالية العالمية على التضخم» ،فقال:
جانب آخر من الحضور
التضخم قبل األزمة المالية العالمية: ارتفع معدل التضخم العالمي ابتدا ًء من عام 2004م تقريباً ،وك��ان م��ن أه��م أس�ب��اب ارت�ف��اع م �ع��دالت ال�ت�ض�خ��م ال�ع��ال�م�ي��ة ،ال�ن�م��و العالمي االستثنائي في الفترة 2007 – 2003م ،الذي حفز الطلب على ارتفاع تكاليف عناصر اإلنتاج، وارت��ف��اع دخ ��ول األف� ��راد الحقيقية ف��ي ال��دول الصاعدة (الصين والهند) ،وزي��ادة االستهالك، وانخفاض اإلن�ت��اج العالمي من ال�غ��ذاء ،خاصة في الدول الصاعدة ،ما أدى إلى اختالل التوازن ب�ي��ن ال �ع��رض وال �ط �ل��ب ،وان �خ �ف��اض االحتياطي ال�ع��ال�م��ي م��ن ال�س�ل��ع ال��رئ�ي�س��ة نتيجة لتصاعد إنتاج الوقود الحيوي ،والظروف المناخية غير المواتية ،والمضاربات المالية العالمية ،لتعويض خسائر األسهم والرهن العقاري ،وانخفاض قيمة الدوالر. وتتأثر المملكة العربية السعودية بمعدالت ال�ت�ض�خ��م ال�ع��ال�م�ي��ة ب�س�ب��ب ن�ظ��ام�ه��ا ال �ت �ج��اري المنفتح ،ومحدودية قاعدتها اإلنتاجية المحلية، وارتفاع مستويات الطلب على السلع االستهالكية المستوردة .لذلك فإن معدل التضخم في المملكة يتأثر بعوامل خارجية وداخلية.
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على التضخم ف��ي المملكة العربية السعودية قبل حدوث األزمة المالية العالمية وبعدها ،ومحاولة دراسة اآلثار الناشئة من األزمة المالية العالمية ع�ل��ى االق �ت �ص��اد ال�م�ح�ل��ي ال �ك �ل��ي ،وال�ق�ط��اع��ات االقتصادية الجزئية المحلية بشكل مباشر أو .1العوامل الخارجية غير مباشر. < النمو العالمي االستثنائي ف��ي ال�ف�ت��رة من
26
اجلوبة -خريف 1429هـ
< <
<
<
.2العوامل الداخلية:
< انخفاض قيمة الدوالر. يرتبط االقتصاد المحلي باالقتصاد الدولي بعالقة عينية تتمثل ف��ي ال �ص��ادرات وال���واردات، وال�ت��ي ت��ؤث��ر مباشرة ف��ي ال�ع��رض والطلب الكلي للسلع والخدمات ،وعالقة مالية تؤثر في السيولة المحلية .ويوضح ال�ج��دول التالي قنوات انتقال التضخم العالمي إل��ى االقتصاد المحلي ،حيث ينتقل عبر الميزان التجاري ،ال��ذي يتأثر بسعر الصرف من خالل أثره على العرض والطلب الكلي، وقد تأثر االقتصاد المحلي بهذه القناة من خالل ربط الريال بالدوالر. قنوات انتقال التضخم العالمي إلى االقتصاد المحلي التضخم المستورد تكلفة السلع ميزان الميزان التجاري سعر الصرف
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
<
2007 – 2003م ،ال��ذي حفز الطلب على إن زي��ادة التغير في صافي األص��ول األجنبية، السلع األول�ي��ة ف��ي االق�ت�ص��ادي��ات الصاعدة ي��ؤدي إلى زي��ادة السيولة المحلية ،ومن ثم إلى الضغط على السعر المحلي .وبسبب التدفقات والنامية. ارتفاع أسعار النفط ال��ذي أدى إل��ى ارتفاع األجنبية المباشرة في االستثمارات المحلية، التي أدت إلى نمو االحتياطات األجنبية بشكل تكاليف عناصر اإلنتاج. كبير في المملكة ،ارتفعت معدالت التضخم عبر ارت�ف��اع دخ��ول األف��راد الحقيقية في ال��دول هذه القناة .والقناة الثالثة التي تنقل التضخم الصاعدة (الصين والهند). العالمي إلى االقتصاد المحلي تتمثل في ارتفاع زيادة االستهالك وانخفاض اإلنتاج العالمي تكاليف الواردات .وتعد المملكة من أكبر الدول الغذائي ،خاصة في الدول الصناعية ،ما أدى المستوردة ،إذ ارتفعت ال��واردات من نحو 261 مليار ريال عام 2006م إلى 338مليار ريال عام إلى اختالل التوازن بين العرض والطلب. ان�خ�ف��اض االح�ت�ي��اط��ي ال�ع��ال�م��ي م��ن السلع 2007م ،أي بنسبة ،%29ويسهم في رفع معدل الرئيسة ،نتيجة لتصاعد إنتاج الوقود الحيوي التضخم المحلي ،وأن نحو %60م��ن استيراد المملكة من دول االتحاد األوروبي وأسيا -وهي والظروف المناخية غير المواتية. ال عن قيمة االستيراد تعاني من التضخم -فض ً المضاربات المالية العالمية لتعويض خسائر مقيّمة بغير الدوالر. األسهم والرهن العقاري.
المدفوعات
والخدمات
األصول األجنبية
الواردات
وت��رت�ب��ط ق�ن��اة م �ي��زان ال�م��دف��وع��ات بالنتائج ال�ن�ق��دي��ة ع�ل��ى ف��ائ��ض م �ي��زان ال �م��دف��وع��ات ،إذ
ي��ع��د االرت�� �ف� ��اع ف���ي اإلي� � � � ��رادات ال�ن�ف�ط�ي��ة وانعكاسها على زيادة اإلنفاق الحكومي ،وعرض النقود بالتعريف الشامل ،واالخ�ت�لال الهيكلي في بعض القطاعات االقتصادية التي أدت إلى االختناقات في اإلسكان ،وس��وق العمل ،وإنتاج الغذاء ،من أهم العوامل الداخلية المسببة في زيادة التضخم المحلي .إن ارتفاع الناتج المحلي النفطي الجاري والثابت بمعدل نمو بلغ حوالي ،%46و %6.2عام 2005م على الترتيب ،يعني أن القطاعات االقتصادية المكونة لهيكل الناتج المحلي اإلجمالي ،تتطور في جزء منها تطوراً حقيقياً ف��ي زي���ادة ك�م�ي��ات اإلن �ت��اج م��ن السلع والخدمات ،وج��زءاً آخر يمتصه الناتج المحلي ف��ي شكل ارت �ف��اع مستويات األس �ع��ار ،المحلي ال�ج��اري ،وال���واردات ،ونمو ع��رض النقود .وقد انعكست الضغوط التضخمية الحادة على ارتفاع ال�م�س�ت��وى ال �ع��ام لتكاليف المعيشة ،إذ تحتل
اجلوبة -خريف 1429هـ 27
األطعمة والمشروبات أعلى معدل للتضخم ،يليها اإليجار والوقود .بينما ينخفض معدل التضخم لألقمشة وال �م�لاب��س نتيجة زي� ��ادة المنافسة الدولية ف��ي صناعة المالبس خاصة م��ن قبل الصين. ويالحظ استمرار ارتفاع معدالت التضخم المستورد ،والرقم القياسي لتكاليف المعيشة وال �ض �م �ن��ي ،خ�ل�ال خ �ط��ط ال�ت�ن�م�ي��ة ال �س��ادس��ة والسابعة والثامنة للمملكة ،حيث اتسعت الفجوة التضخمية .وه��ذا يعني ع��دم ق��درة االقتصاد المحلي الستيعاب النمو السريع والكبير في الطلب ،خالل سنوات خطط التنمية. ونظراً لقوة العالقة التشابكية بين االقتصاد السعودي واالقتصاد العالمي ،إذ يعتمد األول ال بشكل كبير على ال �ص��ادرات النفطية ،فض ً ع��ن ارت �ف��اع حجم الطلب على ال� ��واردات؛ فإنه من المتوقع أن يتأثر االقتصاد السعودي بشكل مباشر في تدني قيم بعض االستثمارات الخاصة في المصارف العالمية المتأثرة باألزمة المالية، وبشكل غير مباشر تتمثل في انخفاض أسعار النفط.
رياضي يعتمد على بعض المعلومات المتوافرة عن االقتصاد العالمي واالقتصاد المحلي ،وكذلك بعض االف �ت��راض��ات اإلح�ص��ائ�ي��ة واالق�ت�ص��ادي��ة المهمة مثل: < انخفاض معدل النمو االقتصادي العالمي ومن ثم انخفاض التضخم المستورد. < انخفاض متوسط أسعار النفط. < عدم تغير السياسة المالية والنقدية ،المتمثلة في استمرار اإلنفاق الحكومي -نظراً لتوافر االحتياطات المالية الكافية لمواجهة العجز الناتج من انخفاض إيرادات النفط -وسعر الصرف. < اف��ت��راض وج���ود ع�لاق��ة سببية م��ن ال��رق��م ال �ق �ي��اس��ي ال�ض�م�ن��ي إل ��ى ال��رق��م ال�ق�ي��اس��ي لتكاليف المعيشة. < اف �ت��راض م�ت�غ�ي��رات مستقلة ص��وري��ة تمثل ال��واق��ع التاريخي إلجمالي الناتج المحلي النفطي باألسعار الجارية والثابتة. < تقدير مصفوفة االرتباط لتحديد أهم مصادر التضخم الداخلي.
وتشير المؤشرات المتوافرة إل��ى انخفاض م�ع��دل النمو االق�ت�ص��ادي العالمي ،وانخفاض ال التضخم المتوقع أسعار المواد األولية ،وعلى رأسها النفط ،فض ً عن توقع انخفاض نمو النفقات العامة ،سيؤدي تعتمد هذه الدراسة في تقدير معدل التضخم إلى كبح جماح التضخم المستورد والمحلي. المتوقع ،على استخدام الرقم القياسي الضمني، وت�ه��دف ه��ذه ال��دراس��ة إل��ى تقدير التضخم والفجوة التضخمية بالمقياس النقدي .ويستخدم المتوقع في المملكة العربية السعودية بعد حدوث إج�م��ال��ي ال�ن��ات��ج المحلي ال �ج��اري وال�ث��اب��ت في األزمة المالية العالمية ،إضافة إلى محاولة دراسة حساب الرقم القياسي الضمني؛ وم��ن ثم فإن اآلث��ار الناشئة من األزم��ة المالية العالمية على مصادر التضخم الدخلية يمكن تحديدها من االقتصاد المحلي الكلي ،والقطاعات االقتصادية خالل مصفوفة االرتباط بين مؤشرات التضخم الجزئية المحلية. والمتغيرات االقتصادية ،وذلك للتأكد من تأثير ولتحقيق هدف تقدير التضخم المتوقع بعد إج�م��ال��ي ال�ن��ات��ج المحلي على م�ع��دل التضخم األزم��ة المالية العالمية ،ج��رى صياغة نموذج المتوقع.
28
اجلوبة -خريف 1429هـ
يستخدم االقتصاديون نماذج ال�ت��وازن العام ل��دراس��ة ال�ع�لاق��ات التشابكية بين القطاعات االقتصادية .وتعتمد نماذج ال�ت��وازن العام على ب �ي��ان��ات ال �م��دخ�لات وال �م �خ��رج��ات للقطاعات االق �ت �ص��ادي��ة ،إض��اف��ة إل��ى مصفوفة حسابات الدخل القومي.
الزيت الخام والغاز الطبيعي
ونظراً لعدم توافر هذه البيانات ،فقد اعتمد ال �ب �ح��ث ع �ل��ى م�ص�ف��وف��ة االرت� �ب ��اط ال �ج��زئ��ي بين القطاعات ،لدراسة أثر األزمة المالية العالمية على الناتج المحلي للقطاعات االقتصادية السعودية، والمرونات الدخلية للواردات ،لدراسة أثر األزمة المالية العالمية على حجم التجارة الخارجية. وف��ي أع�ل�اه ي��وض��ح ت��أث�ي��ر ان�خ�ف��اض الناتج المحلي لقطاع النفط على الناتج المحلي لكل ق �ط��اع اق �ت �ص��ادي ،م��ع ث �ب��ات ب��اق��ي القطاعات االقتصادية األخرى،
آث�����ار األزم������ة ال��م��ال��ي��ة ع��ل��ى ال�������واردات السعودية العالقة بين الواردات والناتج المحلي اإلجمالي هي عالقة طردية ،ومن ثم ،كلما انخفض الناتج المحلي اإلجمالي انخفض حجم الطلب على الواردات .ويالحظ من الجدول اآلتي:
القطاعات االقتصادية الزراعة والغابات ،واألسماك
-0.04
الصناعـــــــات التحـــويليـــــة
0.14
الكهرباء والغاز ،والماء
0.01
التشييد والبناء
0.04
تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق
-0.04
النقل والتخزين واالتصاالت
0.01
خدمـــات المــال والتأميــن والعــقــارات
-0.01
خدمات جماعية واجتماعية وشخصية
-0.01
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
آث����ار األزم����ة ال��م��ال��ي��ة ع��ل��ى ال��ق��ط��اع��ات االقتصادية السعودية
االرتباط الجزئي بين قطاع النفط وباقي القطاعات االقتصادية
زيادة المرونات الدخلية للواردات عند زيادة الناتج المحلي اإلجمالي ،وتصبح أكثر مرونة. وتدل نتائج المرونات الدخلية إنه عند انخفاض الناتج المحلي اإلجمالي بنسبة مقدارها ،%10 فسوف ينخفض إجمالي الطلب على ال��واردات بنسبة .%13ويحتل الطلب على واردات األجهزة والمعدات الكهربائية على أعلى مرونة ضمن بنود ال ��واردات ،بينما يعد الطلب على واردات الحيوانات الحية والمنتجات الحيوانية قليل المرونة؛ فعند انخفاض الناتج المحلي اإلجمالي
المرونة الداخلية للواردات
2007-1984
2000-1984
2007-2000
المرونة الداخلية إجمالي الواردات
0.84
0.58
1.3
حيوانات حية ومنتجات حيوانية
0.71
0.25
0.98
منتجات نباتية
0.76
0.72
1.04
شحوم ودهون وزيوت حيوانية ونباتية
1.2
1.6
1.5
منتجات صناعة األغذية ،مشروبات وسوائل كحولية وخل وتبغ
0.92
0.23
1.1
آالت وأجهزة ،ومعدات كهربائية وأجزاؤها
1.04
0.73
1.7
اجلوبة -خريف 1429هـ 29
بمقدار ،%10فسوف ينخفض الطلب على واردات وليس تضخم أسعار. األجهزة والمعدات الكهربائية والحيوانات الحية إن ان�خ�ف��اض أس �ع��ار ال�ن�ف��ط نتيجة األزم��ة والمنتجات الحيوانية بمقدار ،%17و %9.8على المالية العالمية ،سوف يؤدي إلى انخفاض إسهام التوالي .وهذه النتيجة منطقية وتتفق مع المنطق اإلنفاق الحكومي في المدى الطويل وقدرته على االقتصادي ،إذ أن األجهزة والمعدات الكهربائية إزال��ة االختناقات واالخ�ت�لاالت الهيكلية ،لذلك تعد من السلع الكمالية التي تتأثر بشكل أكبر يصبح التضخم الهيكلي مزمناً وحبيساً ومؤثراً، ب��ان�خ�ف��اض ال��دخ��ل ،بينما ال �ح �ي��وان��ات الحية طالما بقيت ه��ذه االخ �ت�لاالت ،وضعف ترابط والمنتجات الحيوانية من السلع الضرورية التي القطاعات اإلنتاجية داخل االقتصاد المحلي. يكون تأثرها أقل.
آث�����ار األزم������ة ال��م��ال��ي��ة ال��ع��ال��م��ي��ة على التضخم الهيكلي
التوصيات
< االستفادة من األزمات االقتصادية في وضع الخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى في توجيه الموارد االقتصادية ،لزيادة إسهامها في المعروض الحقيقي من السلع والخدمات، وتخفيض مخاطر االستثمار الخارجي من خالل:
تعاني اقتصاديات الدول النامية من التضخم كظاهرة هيكلية ،إذ يعود سبب التضخم إلى االخ �ت�لاالت ف��ي الهيكل االق �ت �ص��ادي ،وضعف ال�ت�ش��اب��ك ب�ي��ن ال�ق�ط��اع��ات اإلن �ت��اج �ي��ة .ول��ذل��ك ف��إن التحليالت الكنزية والنقدية ال تتفق مع اقتصاديات الدول النامية ،إذ أن مشاكل الدول -زيادة نسبة إسهام قطاع النفط بشكل مباشر في توليد قيم مضافة في القطاعات اإلنتاجية المتقدمة تتمثل في جانب دال��ة الطلب الكلي، االقتصادية األخ ��رى ،وبخاصة الصناعات بينما ال��دول النامية تتمثل ف��ي جانب العرض الكلي؛ ومن ثم ،فإن العوامل النقدية تكون نتيجة التحويلية. وليست سبباً للتضخم. إزال��ة االختناقات واالخ �ت�لاالت االقتصاديةإن اعتماد االقتصاد السعودي بشكل رئيسي وب �خ��اص��ة ق �ط��اع��ات ال ��زراع ��ة ،واإلس��ك��ان، على قطاع النفط ،الذي يعد المصدر األساس والواردات ،وسوق العمل. في توفير السيولة النقدية لإلنفاق الحكومي وم��ع انتهاء ال��ورق��ة الرابعة ش��ارك الحضور وع� ��رض ال��ن��ق��ود ،وف���ي ال ��وق ��ت ن �ف �س��ه ضعف بمداخالت وطرحوا عدة أسئلة للنقاش ،منها: إسهامه في توليد القيم المضافة في القطاعات اإلن�ت��اج�ي��ة األخ���رى بشكل م�ب��اش��ر ،ق��د ساعد السائل :د .عبدالعزيز ناصر المانع في ح��دوث خلل في الهيكل اإلنتاجي؛ ولذلك، س :ك �ي��ف ي �ق��ل ال �ط �ل��ب ع �ل��ى ال �ب �ت��رول إل��ى حتى وإن كان من اآلثار المتوقعة لألزمة المالية ( )1.200.000برميل ،ويرتفع سعره هذا العام العالمية انخفاض معدل التضخم العالمي ،ومن ليصل إلى 140دوالراً للبرميل؟ ثم انخفاض التضخم المستورد ،وال��ذي يسهم بشكل كبير في التضخم المحلي للمملكة ،إال أن ج :د .ماجد المنيف: التضخم سوف يبقى كامناً ،ما دام الخلل الهيكلي ال� �ج���زء ال��م��ه��م م���ن ال��ط��ل��ب ع � ��ام 2008م واالختناقات اإلنتاجية قائمة ،ألنه تضخم هيكلي وخ �ص��وص �اً ف��ي ال ��والي ��ات ال�م�ت�ح��دة األم��ري�ك�ي��ة
30
اجلوبة -خريف 1429هـ
السائل :أ .د محمد عبدالرحمن الهدلق تتكرر األزمات المالية بشكل دوري ،والسؤال: هل من تشابه بين األزمات المالية في تكرارها والدورات المناخية الطبيعية ،وإذا كانت الدورات المناخية ال ي � ّد ل�لإن�س��ان فيها ،ف��إن األزم ��ات المالية هي من صنع اإلنسان؛ وبنا ًء عليه ،هل يمكن التنبؤ ب��األزم��ات المالية العالمية مسبقا وفي وقت كاف ،ليمكن الحد من أضرارها؟
ج :د .فهد خلف البادي األزمات المالية هي من صنع اإلنسان ،بصرف النظر عما إذا كانت مقصودة أو غير مقصودة، والسؤال :هل يمكن الحد منها؟ هل المؤسسات ال عن هذه األزمات؟ وعلى سبيل هي المسئولة فع ً المثال أزمة السوق المالية عام 2006م ،هل كان لدى مؤسسة النقد القدرة على الحد منها ،أنا شخصياً أقول (نعم) ،مؤسسة النقد ال تمنع أزمة
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
انخفض ف��ي النصف ال�ث��ان��ي م��ن ال �ع��ام بمعدل تقريبي ( )1.200.000مليون ومائتا ألف برميل يومياً مقارنة بالعام السابق ،ما جعل نمو الطلب العالمي ككل 200.000برميل في السنة .النقطة الثانية :الجزء المهم من ارتفاع األسعار إلى 147 دوالر كان في النصف األول من العام ،وكان الجزء األكبر منه ألسباب نعزوها إلى المضاربة ،وذكرت بعض األرقام عن انسحاب الصناديق التي كانت تستثمر في البراميل الورقية من 270بليون إلى 152بليون .البيع وال �ش��راء ف��ي س��وق نيويورك انخفض بشكل حاد بعد األزمة ،وأصبح هناك شح باالئتمان من قبل البنوك للمضاربين .فانسحب المضاربون من السوق فتأثرت األسعار .والجزء األكبر من االنخفاض في الطلب كان في النصف الثاني من العام ،والمضاربة التي اشتدت حدتها كانت خالل عام 2007م ،والنصف األول من عام 2008م انخفضت بحدة مثلما انخفضت كل أسواق األسهم في النصف الثاني من العام نفسه.
أ .د .عبدالله القويز أثناء مداخلته
من هذه األزم��ات ،أيضاً لدى الواليات المتحدة األمريكية القدرة ،لكن تعارض المصالح أحياناً ودور السياسيين ،كلها عوامل تمنع من اتخاذ اإلجراءات والقرارات ،وأنا أرى أن هناك حدودا لمؤسسة النقد في إدارة السياسة النقدية.
أ .د عبدالله القويز الحديث موجّ ه للدكتور سفر القحطاني ،نتيجة لحساباته أظهر أن التضخم سينخفض مستواه الحالي من %10إلى ،%6وفي العام القادم بنحو ،%5وج��اء استنتاجه من حسابه ألسعار المواد للمستهلك؛ فهل يمكن االستنتاج م��ن ذل��ك أن التضخم سينخفض نتيجة أنه في األساس يعد نتاج عوامل خارجية ،ألن األسعار ارتفعت ،ثم الحظنا انخفاضها فيما يخص المواد الالزمة للصناعة ومواد البناء وفيما يخص المستهلك، يمكن أن نستنتج أن التضخم أساساً هو عامل خارجي ،وليس زي��ادة في مصروفات الحكومة، ألن ال�ح�ك��وم��ة ق��ال��ت أن�ه��ا ستستمر ف��ي معدل مصروفاتها الحالي. النقطة ال�ث��ان�ي��ة :ه��ي م��داخ�ل��ة فيما يخص أسباب األزم��ة المالية العالمية ،وانتقالها إلى بقية دول ال �ع��ال��م ،فللمعلومية ..انتقلت إل��ى الخارج نتيجة أنَّ الرهون العقارية تحولت إلى سندات ،وهذه السندات أعطيت تصنيفاً جيداً من قبل مؤسسات التصنيف الدولية ،وشجعت
اجلوبة -خريف 1429هـ 31
البنوك الدولية شراءها؛ لذا ،ونتيجة لهذه األزمة انخفضت أص��ول البنوك العالمية فأثرت بها، على الرغم من أن األزمة في أساسها أمريكية.
يتمركز عمل البنوك اإلسالمية -غالباً -على اإلقراض بالطريقة اإلسالمية ،والعمل األساسي للبنوك اإلسالمية هو المشاركة وليس اإلقراض. والمفترض أن يكون اإلق��راض ج��زءاً يسيراً من عمل البنوك اإلس�لام�ي��ة ،لكن ال�ج��زء األك�ب��ر - ومن أهم دواف��ع التنمية -هو أن تكون البنوك اإلسالمية أداة فاعلة في مشاركة رجال األعمال في التنمية ،واالستثمارات الحقيقية؛ وهنا يأتي أثرها اإليجابي.
النقطة الثالثة :فيما يخص موضوع النظام البنكي :المشكلة أن الدولة حالياً تضخ أألموال، والنظام البنكي ومؤسسة النقد خفضا أسعار الفائدة ،وأيضاً متطلبات الودائع لدى المؤسسة من مجموع الودائع ،ولكن البنوك ال تقرض ،وإذا لم تقرض فإن النمو سيتوقف؛ إذاً لدينا مشكلة.. كيف نستطيع أن نخرج منها ،وأن نقنع البنوك المتوقع بالنموذج الموجود اآلن ،والطلب العالمي بأن تقوم باإلقراض؟ على خدمات البنوك اإلسالمية -وكما تعلمون - أما موضوع البنوك اإلسالمية :فهي ليست يوجد حالياً تنافس عالمي (لندن أعلنت أنها مركز بمأمن من األزمة المالية .نعرف أن معظم أصول للصرافة اإلس�لام�ي��ة ،وك��ذل��ك جاكرتا ،وماليزيا، البنوك اإلسالمية من العقار -كما ذكر -وسوف والبحرين ،ودب��ي) ،وكلها تتنافس على استقطاب تنخفض على الرغم من زيادة الودائع ،والبنك له هذه الصناعة التي تعد جزءاً من صناعة التمويل نشاطان (نشاط استالم الودائع ،ونشاط توظيف العالمي ،ومن المتوقع أن تحظى باهتمام أكبر في تلك الودائع) ،فإذا لم نستطع توظيف الودائع فإن المرحلة ال�ق��ادم��ة .وهنا يأتي ال��دور على ال��دول اإلسالمية الموجودة في مجموعة العشرين ،ونائب أرباحها ستنخفض. محافظ البنك المركزي خالل زيارته للسعودية في والسؤال موجه للدكتور رجا المرزوقي أحد لقاءاته الصحفية قال :إننا نتوقع من السعودية ذك��رت ف��ي مجمل حديثك (م��ا أوض��ح لدي وأندونيسيا وتركيا -كممثلين لمجموعة العشرين على األقل كثيراً من األسئلة) .في رأيك يا دكتور -أن يقدموا بعض األفكار عن كيفية االستفادة من هل البنوك اإلسالمية تعد ح ً ال مناسباً لألزمة النظام المصرفي اإلسالمي ،وذكر أننا نبحث عن المالية ،خصوصاً أن المسئولين الغربيين ينادون كل البدائل ،ونستفيد من كل التجارب الموجودة، بتطبيق النظام اإلسالمي عالمياً؟ ومن ضمنها تجربة النظام المصرفي اإلسالمي.
ونحن نتوقع أن نأخذ منه بالشكل المناسب ما ج :د .رجا مناحي المرزوقي نستطيع أن نبرزه للعالم ،وأن يكون في جزء مهم الفكر األساسي في البنوك اإلسالمية ،إذا من التمويل اإلسالمي بشكل أكبر ،ويعتمد عليه في قسمنا االقتصاد إلى قطاع حقيقي وقطاع مالي، الخطط القادمة ،ويتأثر به االئتمان المستقبلي. فالمفترض أن القطاع المالي ب��وج��ود البنوك اإلسالمية (بالضوابط الشرعية) ل��ن يتضخم الجلسة الثانية كثيراً مقارنة بالقطاع الحقيقي ،ومن أهم أسباب وأدارها الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد: األزمات المالية أن القطاع المالي تضخم بشكل كبير جداً مقابل القطاع الحقيقي األقل ،ما أدى الورقة األولى إلى انفجار البالونة. تحدثت فيها الدكتورة نورة اليوسف ،أستاذ
32
اجلوبة -خريف 1429هـ
المشاركون في الجلسة الثانية
االق �ت �ص��اد ال �م �ش��ارك ب �ج��ام �ع��ة ال �م �ل��ك س�ع��ود وموضوعها« :تداعيات األزم��ة المالية العالمية ع �ل��ى ال� �ص���ادرات ال �س �ع��ودي��ة غ �ي��ر ال�ن�ف�ط�ي��ة»، فقالت:
وهي صناعات خصبة وواعدة ،وهناك الجديد منها باستمرار ،وتعد آليات البحث والتطوير في ه��ذا المجال نشطة ،وتصرف عليها مبالغ طائلة ،حتى أصبح عدد المركبات والمنتجات البتروكيماوية النهائية والمتخصصة ،يزيد على أربعة آالف منتج .ولكن تبقى المواد األولية أو األساسية ثابتة ،وه��ي( :اإليثيلين ،البروبيلين، البيوتاداين ،البنزين العطري ،الزايلين ،األمونيا، والميثانول) ،ومعظم المنتجات البتروكيماوية الموجودة حالياً تتفرع من هذه المواد األساسية، التي يمكن استخراجها وإنتاجها ،سواء من النافثا (كما هي الحال في أوروبا وآسيا) ،أو من الغاز المصاحب (كما في المملكة وبعض دول الخليج)، أو من المشتقات النفطية األخرى ،في المشاريع البتروكيماوية المتكاملة مع المصافي.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
باتت ركيزة رئيسة في كل الصناعات تقريباً، من صناعة البناء والصناعات الطبية ،إلى إنتاج المفروضات ،وحتى إنتاج وسائل النقل ،وكلها تعتمد المواد البتروكيماوية كمواد أولية فيها.
تسعى المملكة في تنويع القاعدة االقتصادية إل��ى تقليل االع�ت�م��اد على ال �ص��ادرات النفطية كمصدر دخل أساسي لها .ومن تلك المجاالت التي تهدف المملكة إلى تطويرها الصادرات غير النفطية ،فقد بدأت العمل على تطوير الصناعات التحويلية والبتروكيمائية ،وأنشأت سابك عام 1976م ،ال�ت��ي ب ��دأت ص��ادرات �ه��ا ع��ام 1984م. إن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى ارتفاع أسعار وتزايد إنتاج البتروكيمائيات حتى مثلت نسبة اللقيم (وبحسب بعض التقديرات أن نحو %25من %51من الصناعات غير النفطية عام 2007م. النفط يستعمل لقيما للصناعات البتروكيماوية) ويمثل قطاع البتروكيمائيات واحداً من دعائم ف��ي بعض األح �ي��ان ،وبأكثر م��ن ،%200م��ا أثر اق�ت�ص��اد ال�س�ع��ودي��ة .إذ تتصدر دول المجلس ف��ي أرب ��اح ال�ش��رك��ات ال�ب�ت��روك�ي�م��اوي��ة ،ال سيما في حجم االستثمارات في هذا القطاع بنسبة وأن أسعار الطاقة قد زادت أيضاً بنحو %60 ،%63ت�ل�ي�ه��ا ق �ط��ر ب�ن�س�ب��ة .%14وت��وف��ر تلك إلى ،%100األمر الذي عقّد الكثير من أوضاع الصناعات فرص عمل ،وقد بلغ عدد العاملين الشركات البتروكيماوية وزادها صعوبة ،ألن هذه ال عام 2006م ،مرتفعاً من الشركات اضطرت إلى رفع أسعار منتجاتها ،كما فيها 163.134عام ً ال ع��ام 2000م ،أي بنسبة نمو فعلت «داو كيميكال» قبل فترة. 122.735عام ً بلغت 32.5في المائة خالل تلك الفترة. ولكن ،تكمن المعضلة في أن��ه كلما ارتفعت وتحدثت عن الصناعات البتروكيماوية والنفط وال�غ��از ،وأسهبت في حديثها .وع��ن الصناعات البتروكيماوية قالت :إنها تعد من الصناعات األك�ث��ر ن�م��واً وت �ط��وراً ف��ي العالم ،ألن منتجاتها
خف الطلب عليها ،واتجه أسعار البتروكيماويات ّ الناس إلى البدائل المتوافرة التي قد تكون أقل س�ع��راً .وعلى سبيل المثال إذا ارتفعت أسعار المواد االستهالكية البالستيكية المنزلية ،فإن
اجلوبة -خريف 1429هـ 33
الكثير من الناس س��وف يقلل من استخدامها ،الدورة االقتصادية
ويتجه أكثر إل��ى المواد المصنوعة من الزجاج والفخار ،أو حتى ال��ورق .وعليه ي��رى كثير من المختصين أن أول من يتأثر بارتفاعات أسعار النفط هي الصناعات البتروكيماوية ،حيث يخف الطلب عليها ،ألن أك�ث��ره��ا منتجات تكميلية، ويمكن االستغناء عنها بمواد أخ��رى .وبعد أن يخف الطلب عليها ،يبدأ الطلب على الوقود < مرحلة االنتعاش :Recoveryالتوسع أو االستعادة “ ،Expansion of Recoveryوفيها يميل المستوى بالتناقص الرتفاع سعره ،فيبدأ الطلب العالمي ال�ع��ام ل�لأس�ع��ار إل��ى ال�ث�ب��ات ،وي�ت��زاي��د النشاط على النفط أيضاً باالنخفاض ،ويبدأ ما يعرف االقتصادي وينخفض سعر الفائدة ،ويتضاءل باالنكماش ،أو بطء نمو االقتصاد العالمي. ال �م �خ��زون ال �س �ل �ع��ي ،وت �ت��زاي��د ال �ط �ل �ب��ات على وم� � ��ن ه� �ن ��ا ي��ت��ض��ح أن وض� � ��ع ال� �ش ��رك ��ات المنتجين لتعويض ما استنفد من هذا المخزون”، البتروكيماوية العالمية ليس سهالً ،فهو مرتبط يصاحبها “توسع ملحوظ في االئتمان المصرفي مباشرة بأسعار النفط ،وبنمو االقتصاد العالمي، مع توسع في التسويات واإليداعات”. والدورات البتروكيماوية ،إذ يخف ويزيد الطلب ع�ل��ى ال �ب �ت��روك �ي �م��اوي��ات ب�ح�س��ب وق ��ت ال� ��دورة < ،مرحلة ال��رواج :Boomويطلق عليها القمة .”Peakوتتميز بارتفاع مطرد في األسعار، وبحسب ظ��روف االقتصاد العالمي؛ ل��ذا ،فإن وت��زاي��د حجم اإلن �ت��اج الكلي بمعدل سريع، معظم ال�ش��رك��ات البتروكيماوية بحاجة دائماً وت��زاي��د ح�ج��م ال��دخ��ل وم�س�ت��وى التوظيف، ل��ت��دارس أوض��اع �ه��ا ،لتتأقلم م��ع االرت �ف��اع��ات وتستغل الطاقة بالكامل ،ويبدأ ظهور النقص الكبيرة في أسعار اللقيم ،ويبدو أن االتجاه إلى في العمال ،وبعض المواد الخام األساسية. إنتاج المواد المعتمدة على التقنيات المتطورة ول��و بكميات أق��ل ،ه��و ه��دف معظم الشركات < مرحلة األزمة :Crisisركود Recessionيصاحبها البتروكيماوية لتحسين أرباحها ،ألن إنتاج المواد هبوط في األس�ع��ار ،وينتشر الذعر التجاري، المتخصصة والمتطورة ال يحتاج إل��ى كميات وتطلب البنوك قروضها من العمالء ،وترتفع كبيرة من اللقيم ،وفي الوقت ذات��ه ،تمتاز هذه أسعار الفائدة ،وينخفض حجم اإلنتاج والدخل، المواد بارتفاع أسعارها وعلو ربحيتها. وتتزايد البطالة ،كما يتزايد المخزون السلعي. تمر صناعة البتروكيماويات ب ��دورة اقتصادية تتضمن تقلبات في النشاط االقتصادي الكلي ،مثل مستويات اإلنتاج واألسعار .وتمر الصناعة بمراحل ال��دورات االقتصادية المعروفة ،والتي تتضمن أربع مراحل ،مع وجود اختالف في مسمياتها ،وهي:
األزمة المالية العالمية
وتمر المرحلة بانخفاض التسهيالت المصرفية، وارتفاع نسبة االحتياطي النقدي لدى البنوك، وضعف التسويات واإليداعات المصرفية.
م��ع ح���دوث األزم� ��ة ال �م��ال �ي��ة وان�ع�ك��اس��ات�ه��ا العالمية ،حدث تراجع في أسعار البتروكيماويات ل�م�ع��دالت تصل إل��ى ،%45وح�ت��ى %65خالل < مرحلة الكساد :Depressionوتتسم بانخفاض األس�ع��ار ،وانتشار البطالة ،وكساد التجارة األشهر الثالثة سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر من وال �ن �ش��اط االق��ت��ص��ادي ،وي�م�ك��ن اس�ت�خ��دام عام 2008م ،وسط استمرار غياب شبه كامل مصطلح القاع Troughوه��و الجزء األسفل للمشترين ،وم�ح��اول��ة المنتجين التخلص من مخزونهم بأي سعر كان. من النشاط االقتصادي.
34
اجلوبة -خريف 1429هـ
البتروكيماويات إن االستثمارات في ال��دول الخليجية وشرق آسيا ستضيف ماليين األط�ن��ان من المنتجات تمر صناعة البتروكيماويات بفترة من: البالستيكية والكيميائية في األسواق في غضون < األرب� � ��اح ال �م��رت �ف �ع��ة (ع �ل��ى ال ��رغ ��م م ��ن ارت �ف��اع السنوات القليلة القادمة؛ األمر الذي سيؤدي إلى التكاليف). فائض في أسواق البتروكيماويات. < حرص المنتجين على الحفاظ على مستوى عال وعن النمو المتوقع في السعة اإلنتاجية في من األرباح. السعودية للمنتجات البتروكيميائية ،فسترتفع < دخول منتجين جدد للسوق مع سعة إنتاج مرتفعة.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ال�������������دورة االق�����ت�����ص�����ادي�����ة ف������ي ق���ط���اع في هذا القطاع بنسبة ،%63تليها قطر .%14
من 8.2عام 2007م إلى 17.8مليون طن متري عام 2013م.
< تدخل الصناعة في مرحلة فائض في العرض وتتميز صناعة البتروكيمائيات باقتصاديات واالنخفاض في الفرص التنافسية. ال�ح�ج��م ال�ك�ب�ي��ر ،وال� ��ذي ي�ع��ظِّ ��م ف �ج��وة ال���دورة < انخفاض هوامش الربحية. االقتصادية؛ فالمشاريع تتزايد بآالف األطنان، وق��د انعكست ه��ذه ال� ��دورات االق�ت�ص��ادي��ة على خمسة مشاريع في العالم تضيف سعة إنتاجية ص��ادرات الصناعات النفطية السعودية منذ بداية ضخمة .كما أن الشركات المحلية تعتمد بشكل التصدير عام 1984م. كبير في مبيعاتها على ال�ص��ادرات ل��دول أسيا، ال �ت��ي ت��أث��رت ب �ت��راج��ع ال�ط�ل��ب األم��ري �ك��ي على مرحلة التوسع في اإلنتاج المنتجات اآلس�ي��وي��ة (كالصينية م�ث�لا) بسبب أقامت السعودية والكويت وقطر واإلم��ارات األزمة أيضاً. مصانع ضخمة إلن�ت��اج ال �م��واد الكيماوية التي وي�ش�ي��ر ت�ق��ري��ر ه�ي��رم��س إل��ى أن��ه ي�ت��وق��ع أن أساسها الميثان واإليثان والغاز المسال ،وحققت يكون لتراجع أسعار البتروكيماويات أثر سلبي االستثمارات الخليجية في صناعة الكيماويات ع�ل��ى ه��وام��ش رب ��ح ش��رك��ة س��اب��ك ،أك �ب��ر منتج والبتروكيماويات نمواً نسبته %5خ�لال الفترة للبتروكيماويات األساسية واألسمدة في منطقة من 2006 - 2000م ،مرتفعاً من 52مليار دوالر الشرق األوسط ،وأكبر منتج للحديد الصلب في إلى 70مليار دوالر ،والتي كانت تشكل %59من منطقة الخليج. إجمالي االستثمارات الخليجية في الصناعات التحويلية البالغة 118.3مليار دوالر .وتتصدر أسعار المواد األساسية (آسيا) مع حدوث األزم��ة ،يعتقد أن التأثيرات على السعودية دول المجلس في حجم االستثمارات توقعات هيرمس ألرباح «سابك» المستقبلية» البند
2008م
2009م
2010م
2011م
اإليرادات (مليار ر س)
150.7
122.1
147.5
172.5
الربح الصافي (مليون ريال سعودي .س)
22.95
13.86
20.33
26.07
ربح السهم (ر يال سعودي للسهم)
7.65
4.62
6.78
8.69
اجلوبة -خريف 1429هـ 35
قطاع البتروكيماويات ال�س�ع��ودي ،ستتركز في ح��دوث ت��راج��ع ف��ي الربحية وال �ع��وائ��د المالية بشكل عام ،وربما يقتصر لدى بعض الشركات في تراجع معدالت نموها .إال أن التأثيرات على شركات البتروكيماويات في الخارج قد تصل إلى تكبدها خسائر ،ومن ثم قد يضطر بعضها إلى تقليص نشاطه وإغالق عدد من مصانعه .وسينتج عن األزمة إغالق للطاقات اإلنتاجية في مواقع كثيرة من العالم ،ما سيساعد الشركات المحلية على ملء هذا النقص في األسواق العالمية؛ وفي هذه الحالة قد تعمل بكامل طاقتها اإلنتاجية.
للنمو االق�ت�ص��ادي .وسيستمر االت�ج��اه الحالي ل �ع��دة س��ن��وات ،ح�ي��ث س�ي�ت�ح��رك ت� ��وازن ال�ق��وى االق�ت�ص��ادي��ة م��ن االق�ت�ص��ادي��ات المتقدمة إلى االقتصاديات الناشئة في العالم .وق��د أوردت عدداً من اإلحصائيات التي تم نشرها في مجلة ال �ـ ( ،)ECONOMISTوال �ت��ي ت��وض��ح مثل هذا التغير في الموقف منها: < ابتدا ًء من عام 2005م ،غطت االقتصاديات الناشئة ،أكثر من %80من عدد السكان في العالم. < تحتفظ االق�ت�ص��ادي��ات الناشئة ب�ـ %70من االحتياطيات العالمية للعمالت األجنبية.
وانعكست ت�ط��ورات األزم��ة المالية العالمية وال��رك��ود المتوقع ف��ي االق�ت�ص��اد العالمي على < ارتفعت حصة الصادرات العالمية من الدول ت �ص��رف��ات ال �م �ت �ع��ام �ل �ي��ن ،س� ��واء ال�م�ن�ت�ج�ي��ن أو الناشئة ،من %20عام 1970م ،إلى %43عام المستهلكين ،وق��ام بعض المنتجين ف��ي شرق 2005م. آس�ي��ا بتخفيض طاقتهم اإلنتاجية لمستويات < غطت االقتصاديات الناشئة %80 ،من الزيادة وصلت إلى ،%50غير أن ذلك لم يمنع المزيد في الطلب على البترول وذلك خالل السنوات من تدهور األسعار. الخمسة األخيرة. وأرى أن صناعة البتروكيميائيات العالمية < ف��ي ع ��ام 2005م ،خ �س��رت االق �ت �ص��ادي��ات س�ت��واج��ه الكثير م��ن القلق خ�لال األع� ��وام من ال�ن��اش�ئ��ة ،أك�ث��ر م��ن ن�ص��ف اإلن �ت��اج المحلي 2008إل��ى 2010م ،والتي يصاحبها بناء كبير العالمي (.)GDP للقدرة اإلنتاجية الجديدة في الصناعة األساسية < بحلول ع��ام 2009م ،تشير ال�ت��وق�ع��ات إلى للبتروكيميائيات؛ أم��ا بالنسبة لألمد األبعد، أن االقتصاديات الناشئة ستغطي %16من فإنني أرى أن مستقبل صناعة البتروكيميائيات المنتج المحلي العالمي (.)CDP إيجابي. وم��ن ال��واض��ح أن يحدث تدخل بين صناعة إن تطوير االق�ت�ص��ادي��ات الناشئة ل��ه تأثير البتروكيميائيات العالمية ،وبين االقتصاديات ك �ب �ي��ر ع �ل��ى األس � � ��واق ال�م�س�ت�ق�ب�ل�ي��ة ل�ص�ن��اع��ة الناشئة في العالم. البتروكيميائيات ،وسيدخل السوق العالمي نحو ويمكن تلخيص التحديات :باالنكماش في بليون شخص من العمالء الذين ارتفع مستوى االق�ت�ص��اد ،وارت �ف��اع التكاليف لعمليات البناء، معيشتهم إلى فوق مستوى الفقر. والنقص الموجود في العمالة ،إذ ارتفعت بمقدار لقد ت �ط��ورت ال �ق��وى االق�ت�ص��ادي��ة ال�ج��دي��دة، %70خالل السنوات الخمس األخيرة .ولكن عام كالصين ،والهند ،وروسيا ،والبرازيل ،والمكسيك، 2013/2012م ستشهد الصناعة في السعودية حيث تملك جميع ه��ذه ال ��دول محركات قوية
36
اجلوبة -خريف 1429هـ
ت��زاي��داً ف��ي اإلن �ت��اج ،وف��ي الطلب على سلعها، مقارنة ب��ال��دول األخ��رى خ��ارج الخليج العربي، والتي وصلت إلى حد إغالق كثير من مشاريعها نتيجة ان�خ�ف��اض ال�ط�ل��ب ،وارت��ف��اع التكاليف، مقارنة مع دول الخليج .وخالل المدى المتوسط، ستصبح كلٌّ من (الجبيل ،وينبع) مركزين لتطوير .2برامج اإلنقاذ الصناعة البتروكيميائية. أدى تفاقم األزمة لدفع حكومات االقتصاديات الورقة الثانية الرئيسة ف��ي العالم للتدخل ،ولتخفيض سعر تحدث فيها الدكتور إحسان بن علي بو حليقة ،الفائدة. ع�ض��و مجلس ال �ش��ورى ورئ �ي��س لجنة الشئون ويمكن تلخيص ذلك كما يلي: المالية ،وموضوعها“ :تداعيات األزم��ة المالية مليار دوالر ال �ت �خ �ف �ي��ض في العالمية على القطاع المالي السعودي باستثناء سعر الفائدة البلد القطاع المصرفي». وقد تناول فيها محاور عدة شملت: < < < < <
األزمة العالمية. برامج اإلنقاذ. األسواق العالمية. أسواق دول مجلس التعاون. سوق السعودية.
.1األزمة العالمية شهد ال�ع��ال��م ن �م��واً اق�ت�ص��ادي�اً بمعدل %5.1 و %5على التوالي في العامين 2006و2007م، ومن المتوقع أن يتراجع إلى %3.7عام 2008م؛ وان�ت�ش��رت األزم ��ة المالية ال��راه�ن��ة بسرعة في طول العالم وعرضه مسببة شطب البنوك لمبالغ طائلة .إذ تقدر م��ا شطبته البنوك حتى نهاية أكتوبر 2008م نحو 685مليار دوالر أمريكي. ودف ��ع ذل ��ك ،ب� ��دوره ،ال�ع��دي��د م��ن الحكومات إل��ى ال�ت��دخ��ل عبر ح��زم إن �ق��اذ للقطاع المالي، وتخفيضات في سعر الفائدة. وم��ع ذل��ك ،فمن المتوقع أن تكون تداعيات األزمة أكثر حدة عام 2009م ،بحيث يتراجع نمو
850
%2
بريطانيا
ال� � ��والي� � ��ات ال��م��ت��ح��دة 700
%1
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
االقتصاد العالمي إل��ى ،%2.2وتنكمش جميع االقتصاديات المتقدمة دونما استثناء ،وتحقق األس� ��واق الناشئة ن �م��واً ق ��دره ،%5.1وتتصدر الصين بمعدل نمو ق��دره ،%8.5تتبعها الهند ،%6.3ثم منطقة الشرق األوسط .%5.3
األمريكية ألمانيا
650
%1
الصين
586
%0.81
فرنسا
468
%1
هولندا
260
%1
السويد
205
%1
اليابان
170
%0.20
أسبانيا
130
%1
كوريا
130
%1
إيطاليا
52
%1
.3األسواق العالمية أدت األزمة إلى تراجع مؤشرات جميع األسواق المالية دون استثناء ،بما في ذلك األسواق العربية، ومنها دول مجلس التعاون؛ إذ فقدت كل من أسواق اإلمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية أكثر من %50من قيمة مؤشرها ،منذ بداية عام 2008م وحتى نهاية شهر أكتوبر من العام نفسه.
اجلوبة -خريف 1429هـ 37
األوسط بطرحها ( )13إصداراً أولياً بقيمة 9.7 .4أسواق دول مجلس التعاون أدت حركة العولمة واالس�ت�ث�م��ارات العابرة مليار دوالر ،أي ما يمثل %75من قيمة ما جُ مع ل �ل �ح��دود ،ألن ت�ص�ب��ح األس � ��واق أك �ث��ر ات �س��اق �اً؛ في المنطقة. وتجدر اإلشارة إلى أن مؤشر السوق السعودية وأسواق دول المجلس ليست استثناءاً ،بل يمكن ال�ق��ول إن االرت �ب��اط بين أس ��واق دول المجلس كان يتسم بالتؤدة واالستقرار حتى عام 2003م، واألس��واق العالمية قد زاد بصورة أكثر وضوحاً عندما صعد م��ن مستوى ال �ـ 2000نقطة عام عام 2008م ،مقارنة باألعوام السابقة .وبالمقابل 2002م ،وإل��ى م��ا يتجاوز ال �ـ 4000نقطة عام يتضح ت �ض��اؤل االرت��ب��اط ب�ي��ن قيمة م��ؤش��رات 2003م ،وإل��ى م��ا يتجاوز ال �ـ 8000نقطة عام 2004م ،وإلى 16000نقطة عام 2005م ،ليهوى األسواق الخليجية وسعر النفط الخام. عام 2006م إلى ما كان عليه عام 2004م ،وليعاود .5السوق السعودية الصعود إلى مستوى 11000نقطة عام 2007م، من المتوقع أن يحقق االقتصاد السعودي نمواً ث��م يتراجع إل��ى مستوى ال �ـ 4000نقطة حالياً حقيقياً في العام 2008م قدره ،%4.9وأن يتراجع (نوفمبر 2008م). هذا النمو إلى %4.3عام 2009م ،ليكون األقل كما أن خسائر المؤشر تضاعفت تقريباً على بين دول مجلس التعاون التي سيتراوح نموها هذا م��دى ستة أسابيع ،فقد كانت خسارة المؤشر العام بين %5.9في الكويت ،و %21.4في قطر. %37في سبتمبر ،وارتفعت إلى %52في أكتوبر، ومن حيث تراجع قيمة مؤشر السوق ،تحتل وإلى %59.32في 25نوفمبر .وال يوجد ما يمنع السعودية المرتبة الثانية بعد س��وق اإلم��ارات المؤشر م��ن مواصلة خسائره خ�لال األسابيع العربية المتحدة .وتجدر اإلشارة إلى أن السوق القادمة ،إال في حال التدخل الحكومي المباشر ال �س �ع��ودي��ة م��ا زال ��ت األع �ل��ى ب�ي��ن دول مجلس أو غير المباشر أو كليهما. التعاون بمعيار مكرر األرباح الذي قدر متوسطه واختتم حديثه بقوله: بـ %11.6مكرراً ،وهو بذلك يقع في نقطة وسط ومع عدم اإلخالل بأن العالم يكابد أزمة مالية بين مكررات األرباح في الهند ( ،)%10.3والصين عميقة قد تتفاقم لتصبح أزمة اقتصادية ،وترتقي (.)%12.5 لتضرب االستقرار االقتصادي – االجتماعي في وت �ج��در اإلش � ��ارة إل ��ى أن ��ه ع �ل��ى ال��رغ��م من أنحاء من العالم ..إذا لم تعالج .فإن أساسيات الخسائر المتالحقة للمؤشر خالل عام 2008م، االق�ت�ص��اد ال�س�ع��ودي ق��وي��ة ،تمكننا م��ن اق�ت��راح إال أن ال �س��وق ال �س �ع��ودي��ة تمكنت م��ن تحقيق حلول وقائية وع�لاج�ي��ة .كما أن منظور النمو المركز الثاني عالمياً ،من حيث قيمة األم��وال االقتصادي مشجع لالنطالق من ضيق األزم��ة المجمعة من السوق ،بمبلغ وقدره ثالثة مليارات إلى آفاق الفرص المصاحبة ،خصوصاً بعد أن دوالر ،أي ما ي��وازي ،%23ما جمع عالمياً في أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله سوق الطروحات األولية ،في الربع الثالث من ابن عبدالعزيز – سلّمه الله -أن المملكة ستنفق العام 2008م .كما أنه خالل فترة التسعة أشهر 400مليار دوالر خالل السنوات الخمس القادمة، األولى من العام ،تصدرت المملكة منطقة الشرق وما أكده معالي وزير المالية أن مستوى اإلنفاق
38
اجلوبة -خريف 1429هـ
وفيما يتعلق بمعالجة المنحنى االن�ح��داري للسوق المالية المحلية ،فقد اقترح المحاضر: .1العمل على محورين متالزمين :محور الحفز االقتصادي ،ويتحقق من خالل إصدار حزمة متكاملة لحفز االقتصاد المحلي ،ليس فقط استهدافاً ل��زي��ادة الطلب ،بل لحقن السوق بمشاعر إيجابية (.)Positive Sentiment
محور إع��ادة هيكلة منظومة الرقابة على ال��خ��دم��ات ال��م��ال��ي��ة ،ل���ي���ؤدي إل���ى تكامل حقيقي للفصل بين المؤسسات المانحة لالئتمان لتمويل االلتزامات ،وتلك المانحة لالئتمان لتمويل االستثمار .وتحديداً.. ال مفر من درج��ة أعلى من التنسيق بين مؤسسة النقد العربي السعودي ،وهيئة ال��س��وق المالية لتنظيم س��وق الخدمات المالية في المملكة ،إذ يمكن القول أن المؤسسات المالية القابلة للودائع (البنوك التجارية) ما زال��ت تمارس كال الدورين، ال على وتطبق إطباقاً يكاد أن يكون كام ً نشاط المصرفية االستثمارية.
.2إن��ش��اء ص��ن��دوق ل� �ت ��وازن ال��س��وق ال �م��ال �ي��ة، بهدف الحفاظ على سيولته ،وتعزيز آلية بيع ال�م�ع��روض وش ��راء المطلوب ،م��ا ي��ؤدي إل��ى منع التهاوي المربك لألسعار .وتجدر اإلشارة إلى أن هناك تجارب إيجابية في هذا السياق ،منها تجربة هونج كونج إبان األزمة اآلسيوية لعام 1990م ،وكذلك ما أعلنت عنه سلطنة عُمان مؤخراً تأسيس صندوق بقيمة 150مليون ري��ال عُماني ( 1.5مليون ريال سعودي).
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الحكومي ع��ام 2009م ليس م�ش��روط�اً بعوائد المملكة من النفط بل سيتجاوز مستوى اإلنفاق عام 2008م بنحو .%19
.3انطالقا من أن السوق السعودية سوق أفراد، إذ شكلت ت��داوالت األف��راد السعوديين أكثر من %88من قيمة التداوالت في شهر أكتوبر، وفي حين أن حركة بيع وشراء األفراد كانت متوازنة تقريباً في حدود 106مليار ريال في ذلك الشهر ،نجد أن حركة الشراء من قبل الشركات فاقت البيع بمعدل 1-2.5مقارنة بـ 1.1:4في يناير ،وإن تواصل تبخر مدخرات األف � ��راد ال ي�خ�ل��و م��ن ت�ب�ع��ات اق �ت �ص��ادي��ة - اجتماعية ،وهذا أمر يتعارض مع إستراتيجية تحسين مستوى الدخل والمعيشة للمواطن. لذا ،ال بد أن تجد الجهات المعنية آلية مقننة ال إنقاذياً، للتعامل مع ه��ذه الشريحة تعام ً هذه األسباب التي دفعت بلدان العالم لضخ األم��وال إلنقاذ ما يمكن إنقاذه من شركات وأفراد ومناخ استثماري ،مراعاة لالستقرار االقتصادي وتعزيزاً للرضا االجتماعي.
الورقة الثالثة ت�ح��دث فيها ال��دك�ت��ور أح�م��د حبيب ص�لاح، وه��و مستشار اق�ت�ص��ادي ف��ي وزارة التخطيط وموضوعها« :تداعيات األزم��ة المالية العالمية من منظور االقتصاد الكلي السعودي» .فقال: إن األزم ��ة المالية العالمية ه��ذه ت��أت��ي في وقت يتساءل فيه الناس ،هل هي :أزمة ائتمان، أم أزم��ة أسهم متعثرة ،أم أزم��ة ره��ن عقاري؟! ما هي هذه األزمة التي نتحدث عنها؟! ومن ثم فإن كل األنواع التي ذكرناها تشمل هذه األزمة، فهي معنية بالقطاع البنكي ،وق�ط��اع األس�ه��م، ونخشى أن تصبح هذه األزم��ة أزمة اقتصادية، وأن تنتقل من هذين القطاعين إلى بقية قطاعات االقتصاد. في الواليات المتحدة األمريكية وغيرها ،حاول
اجلوبة -خريف 1429هـ 39
القطاع المصرفي أن يقلد القطاع اإلنتاجي، والقطاع اإلنتاجي كلما يزيد الطلب يحاول أن يزيد اإلنتاج ،ومن ثم فإن العرض أو اإلنتاج يحاول أن يواكب زيادة الطلب ،لكن القطاع المصرفي كلما زاد الطلب على القروض واالئتمان ،حاول تقليد القطاع السلعي أو اإلن�ت��اج��ي ،وح��اول أن يزيد هذه القروض ،لكن لديه حد معين ( )Limitوهو االحتياطي ،أو الودائع الموجودة لديه ،فحاول أن يتخطى هذه الودائع وأصدر المشتقات المالية، ما أدى إلى االنهيار وظهور األزمة المالية. تريد الواليات المتحدة األمريكية اآلن أن تضع حاجزاً بين القطاع المالي والقطاع االقتصادي، حتى ال تصبح أزمة اقتصاد ،ألنه إذا لم يستطع المستثمرون أن يحصلوا على قروض للتوسع في االستثمار ،لذا سوف تصبح هناك بطالة ويحدث انخفاض في معدالت النمو وغيرها. ولذلك -نحن في المملكة العربية السعودية نأمل أن ال تتحول األزمة المالية هذه إلى أزمةاقتصادية. وذك� ��ر أن األزم � ��ة ال �م��ال �ي��ة ال �ع��ال �م �ي��ة تحل واالقتصاد السعودي في أحسن أوضاعه المالية، والجدول اآلتي يوضح واقع االقتصاد السعودي عام 2007م.
واقع االقتصاد السعودي ()2007 المؤشر
مليون ريال
معدل النمو
40
الناتج المحلي اإلجمالي
813006
٪3.4
القطاعات غير النفطية
587002
٪4.6
قطاع التعدين
2885
٪3.1
قطاع الصناعة
98389
٪6.5
قطاع الخدمات
374933
٪4.2
اجلوبة -خريف 1429هـ
النقل واالتصاالت
49930
٪10.6
التمويل والتأمين
86592
٪4.1
النفط والغاز
216576
٪0.2
اإليرادات العامة للدولة ب��دأت تتزايد اإلي� ��رادات ،وك��ان أع�ل��ى نسبة م �ع��دل ن�م��و ع ��ام 2006م ،ع�ن��دم��ا ق �ف��زت ه��ذه اإليرادات إلى 680مليار ريال سعودي.
المصروفات واإليرادات في المملكة المصروفات ف��ي المملكة حتى م��ا قبل عام 2001م أكبر من اإليرادات ،بينما بعد عام 2001م نجد أن اإلي��رادات أكبر من المصروفات؛ وهذا يعني أن هناك فائضاً كبيراً جداً ،وهو يعني كذلك أن المملكة كانت في أحسن أوضاعها المالية عندما ظهرت األزمة.
متطلبات خطة التنمية الثامنة يفترض أن االقتصاد السعودي يستثمر في هذه المتطلبات االستثمارية نحو 614مليار ريال، (تنمية الموارد البشرية تحظى بـ ،%56والتنمية االجتماعية والصحية .)%19أغلب إنفاقنا تنمية بشرية ،ويجب أن ال نغفل قطاعات التجهيزات األساسية والقطاعات األخرى. ثم تحدث عن معدالت النمو والناتج اإلجمالي واالستهالك واالستثمار والتوزيع النسبي لصادرات المملكة وإنتاج النفط ومعدالت النمو .ثم جاء أخ�ي��را على القضايا والتحديات التي تواجهها المملكة العربية السعودية ولخصها في: -1رفع المستوى المعيشي وتحسين نوعية الحياة للمواطن. -2تحقيق التنمية المستدامة: أ -تنويع القاعدة االقتصادية.
-3تعزيز القدرة التنافسية لالقتصاد السعودي. -4التكامل اإلقليمي والعربي والعالمي.
-3انخفاض االستثمار في بدائل الطاقة. -4اإلس� � ��راع ن �ح��و إص � ��دار ال �ع �م �ل��ة الخليجية الموحدة. -5انخفاض أجور العمالة األجنبية.
ثم تحدث عن اآلث��ار السلبية لألزمة المالية -6انخفاض أسعار أسهم الشركات العالمية. العالمية ولخصها في: ث��م ت�ط��رق إل��ى ال���دور ال�ع��اج��ل ل�ل��دول��ة لدعم -1انخفاض اإليرادات النفطية. االقتصاد ولخصه في: -2انخفاض الصادرات غير البترولية. -1دخ� ��ول ال ��دول ��ة ك �ش��ري��ك لتنفيذ ال�م�ش��اري��ع -3انخفاض غاز اللقيم المصاحب.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ب -ترشيد دور العائدات النفطية. ج -تحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق. د -استدامة الموارد البشرية. هـ -تطوير الموارد البشرية وتوظيفها.
-2ان�خ�ف��اض االس�ت�ث�م��ار النفطي ع�ل��ى مستوى العالم.
اإلستراتجية والمدن االقتصادية.
-4ان �خ �ف��اض ال �ت �م��وي��ل (ال �م �ش��اري��ع ال �ج��دي��دة -2إن�ش��اء صناديق حكومية ج��دي��دة متخصصة والتخصيص). (تعليم – تدريب – تقنية ..الخ) -5السياسات الحمائية والمضادة لإلغراق.
-3إع��ادة النظر في سياسة سعر صرف الريال الحالية وربطه بسلة من العمالت.
-7انخفاض سعر صرف الدوالر.
-4اإلس��راع في إنشاء مشروع مساكن أصحاب الدخل المحدود.
-6انخفاض المستوى المعيشي لألفراد. -8انخفاض االستثمار األجنبي. -9انخفاض فائض الميزان التجاري. -10تباطؤ النمو االقتصادي. -11تعجيل اتفاقيات التجارة الحرة. وق��ال إن المملكة العربية السعودية مثل أي دول��ة في العالم س��وف تتأثر ،فانخفاض أسعار البترول بأكثر من %50دليل كبير على أننا من أكثر ال��دول المتأثرين من ه��ذه األزم��ة المالية. اإلي� ��رادات النفطية انخفضت وأس �ع��ار البترول انخفضت لكنها لن تنهار ،يجب أن نقيس االنهيار على الثمانينيات حين وصلت األسعار إلى 50و60 دوالراً ،وهذا يعد انخفاضاً وليس انهياراً. ثم انتقل إلى اآلثار االيجابية لألزمة ومنها: -1انخفاض معدالت التضخم وتكلفة المشاريع.
ث��م ت �ط��رق إل ��ى ال �م �ش��اري��ع االس �ت �ث �م��اري��ة في المملكة ،وأن��ه م��ن ال �ض��روري اس�ت�م��رار العجلة االقتصادية بالدوران ،وأن يستمر اإلنفاق الحكومي االستثماري وعدم تخفيضه ،مثلما حصل خالل فترة الثمانينيات من القرن الماضي .ثم أشاد بمبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز – سلمه الله -بمجموعة العشرين ،متضمنة أن المملكة ستستمر ب��االن�ف��اق على المشاريع االستثمارية للبنية التحتية لالقتصاد السعودي بمبلغ ()400 مليار دوالر خالل الخمس سنوات القادمة .وانتهى بقوله أن النمو االقتصادي والتنمية يجب أن ال تتباطأ؛ ألن النمو السكاني لن ينتظر أو يتوقف. وفي نهاية الجلسة الثانية طرح الحضور عدداً من األسئلة وشاركوا بعدد من المداخالت منها:
اجلوبة -خريف 1429هـ 41
احتياطيات صندوق االستثمارات العامة وغيرها، س :د .عبدالعزيز المانع: الكويت أوقفت سوق األسهم خوفاً من االنهيار وال تحضرني الذاكرة اآلن عن هذا الرقم. الكامل ،فلماذا ال يتم هذا؟ س : :د .حامد الشراري هل هناك خطة الستثمار هذه األزمة لمصلحة ج :د .إحسان بو حليقة االقتصاد الوطني ،ونحن نتحدث عن كيفية تالفي الحكمة ليست ح�ك��راً على أح��د ،فقد عقد هذه األزمة وتوابعها؟ في الشهر الماضي -اجتماع للمسئولين عنالبورصات العالمية في ميالن ،لمناقشة إيقاف ج :في المملكة حالياً مشاريع تحلية كبيرة ،وكل التعامل في س��وق األسهم في روس�ي��ا ،والحكمة التقنيات نشتريها من الشركات األجنبية ،وهذه العامة ت�ق��ول« :إي �ق��اف س��وق بسبب ال�خ��وف من الشركات انخفضت أسهمها ،فلماذا لم نشتر هذه تدني القيمة لن يجدي شيئا ،بل سيضيف عنصراً التقنيات أو نسهم فيها .توجد فرص كبيرة جداً.، يغذي المخاوف .وعند م�ع��اودة السوق لنشاطه فهل تبادر الدولة بها أو القطاع الخاص؟ أعتقد سينحدر ويعوض ما فاته من انحدار» .إذاً ليس االثنين معاً. من الحكمة إغالق أي سوق خوفاً من الخسائر، ومشكلة القطاع الخاص أنه يحتاج إلى تمويل، بل يجب أن يكون ألسباب فنية ،كعدم إمكانية ف��إذا كانت ال��دول��ة عندها صناديق ..فال بد أن تنفيذ الصفقات ..الخ. تمول القطاع ال�خ��اص ،ألن��ي أعتقد أن التكامل صادف وقف السوق بالكويت ،أنني كنت هناك م��وج��ود ،وال ب��د م��ن استثمار ه��ذه األزم ��ة ،فهي مع مجموعة من رجال األعمال ( 12ف��رداً) ،كان موجوده في العالم وقد انعكست علينا ،وعلينا أن بعضهم راب �ح �اً ف��ي ال�س��وق والبعض اآلخ��ر كان نكون العبين محترفين. خ��اس��راً ،وك��ان��وا مستائين ج��داً م��ن ق��رار وقف س :مفلح عبدالله الكايد: السوق .فليست هذه هي الطريقة إلغالق السوق. السؤال األول موجه للدكتور إحسان بو حليقة.. ولكن بادرت الكويت -من خالل هيئة االستثمار- البنوك السعودية تحديداً تعمل وفق آلية خاصة بالتدخل المقنن ،إال أن طغيان الشعور السياسي بها ،وغير مرتبطة بمتطلبات القطاع الخاص والجدل هناك أوقف ذلك التدخل. ت �ح��دي��داً .وه��ي ف��ي األص ��ل متحفظة ل�ي��س لها س :أ .عبدالله عبدالعزيز ال��ح��ص��ان -مرجعية واحدة ،ما نعلمه هو أن مرجعية مؤسسة النقد بشكل غير مباشر فيما يتعلق بالعالقة بين صحيفة الجزيرة: البنوك والقطاع الخاص ،وال يوجد جهة تفرض فيما سبق ك��ان ال�ح��دي��ث ع��ن أن احتياطات عليها نسبة إق��راض من رأس مالها ،األمر الذي الدولة تبلغ مليار وستمائة مليون ريال ،وقيل اآلن سينعكس سلباً على التنمية في الفترة القادمة. مليار وثالثمائة مليون ريال فأيهما أدق؟ أال يوجد توجه إلل��زام هذه البنوك باإلسهام في اإلق���راض ف��ي م�ج��ال التنمية ..ول��و م��ن ف��ات��ورة ج :د .أحمد حبيب صالح مؤسسة النقد هي أعرف بهذه األرقام ،وال أعلم أرباحها من األسهم خالل الفترة الماضية؟ حجم احتياطيات البنوك التجارية المنشورة ،أو
42
اجلوبة -خريف 1429هـ
البنوك مراقبة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي ،وي��د مؤسسة النقد على ه��ذه البنوك قوية وتسيطر على الكثير من القرارات .والبنوك التجارية ليست تنموية وعليها أخذ موافقة مؤسسة النقد السعودي المتالك عقار ،حتى وإن كان له عالقة بمبنى إداري لها ،والسبب في ذلك ..الرغبة في المحافظة على أعلى مستوى من السيولة لدى هذه البنوك. الوظيفة التنموية متروكة للدولة ،قد تستطيع البنوك أن تساعد ،ولكن هناك تخوف اآلن ،ما الذي سيحدث في تمويل المشاريع التنموية؟ هذه قضية يجب أن تعالج ،ولكن ..من خالل الدولة. ال �س��ؤال ال�ث��ان��ي م��وج��ه ل�ل��دك�ت��ورأح�م��د حبيب
وع��ن ال�ف��وائ��ض ال�م��وج��ودة ف��ي األس ��واق عندالقطاع الخاص :أق��ول إن السيولة انخفضت ألن مؤسسة النقد جعلت السيولة عن طريق ارتفاع االحتياطي القانوني للبنوك من 13 :7 وهذا سحب نحو 100مليون ،كما أن التوسع في السوق المالية في اإلص ��دارات الجديدة لألسهم زادت رؤوس أموالها العام الماضي، وأدى إلى سحب السيولة.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ج :د .إحسان بو حليقة
أما فيما ذكر أن هناك بعض المشاريع تعثرتبسبب ع��دم وج��ود أراض��ي أو مقاولين :فهذا ص �ح �ي��ح ..ول �ك �ن �ه��ا س �ت��دخ��ل ض �م��ن ال�خ�ط��ة القادمة ،وأعتقد أن المشاريع سوف تنتقل إلى (الباب الرابع) اإلنفاق االستثماري في السنوات القادمة.
ص�لاح ..بلغت عائدات المملكة – نظرا الرتفاع مداخلة الشيخ عبدالمحسن الحكير:
أسعار البترول خالل العامين المنصرمين -حداً لم تبلغه من قبل ،وف��ي المقابل أعلنت الحكومة ميزانيات طموحة لم تتمكن من صرفها ..ألسباب أشار إليها البارحة ضيف الندوة د .فيصل صفوق البشير -م��ن وج ��ود ال�ف�ك��ر المضلل وال��روت�ي��ن والبيروقراطية -أليس من المفروض أن تنعكس هذه الفوائض الكبيرة على احتياطيات المملكة؛ فأين تم توجيه تلك الفوائض؟
ج :د .أحمد حبيب صالح بالنسبة للفوائض المالية :ك��ان ه�ن��اك عدةسيناريوهات ..فيما لو كانت أسعار البترول 50دوالراً ما هي المشاريع التي يجب أن ينفق عليها؟ ولو ارتفعت هذه األسعار إلى حد معين فما هي المشاريع التي يجب اإلنفاق عليها؟ وبالتالي عندما صار سعر البترول أكثر من 50 دوالراً ذهبنا للمشاريع المذكورة أوالً ،وأصبح ه�ن��اك م��ا يسمى ب�م�ش��اري��ع خ ��ارج الميزانية ورصدت لها مبالغ ضخمة.
م��ن ل��م ي��دخ��ل س��وق األس�ه��م فعليه أن يدخلهذه األيام ألنها فرصة عظيمة ،ومن ال يعرفه سوف يربح منه في هذه الفترة ،ألنه رب ضارة نافعة. سمعنا من الدكتور فيصل البشير ،أن اقتصادناال يقتصر ع�ل��ى ال �ب �ت��رول وم�ش�ت�ق��ات��ه ،لدينا الخدمات وهي من الفرص المتاحة لالستثمار والمهمة في اقتصادنا ..لدينا ما هو غير موجود في العالم كله ،عندنا (الحرمان الشريفان).. علينا أن نستفيد من هذه النعمة التي أنعم الله بها على هذا البلد ،والتي ستكون لنا فقط دون غيرنا ،وتعد أهم من البترول ألنها ال تنضب أبداً ،وعلينا أن نستفيد منها االستفادة الكاملة، وقد علمنا أن الحجاج سيبلغ عددهم هذا العام نحو ثالثة ماليين حاج ،وإذا سمح لهم لزادوا إلى 30مليوناً ،ولدينا التسوق والزيارات والعمرة وهي أمور تهم تداعيات االقتصاد السعودي.. أقترح أن يضاف لهذه الندوة «الفرص المتاحة لالستثمار في المملكة».
اجلوبة -خريف 1429هـ 43
عبدالرحمن الشبيلي (ليلة البارحة) عن هذه المؤسسة ،وم��ا تسعى ألدائ��ه في سبيل تحقيق وصية مؤسسها – يرحمه الله -ما لم يقله د. عبدالرحمن ،هو أن الفضل -بعد الله في أهم ما حققته المؤسسة -يعود للمخلصين أمثاله، المتطوعين ف��ي هيئات المؤسسة ومجالسها الثقافية ال�م�ت�ع��ددة ،وال��دك�ت��ور عبدالرحمن – على وج��ه التحديد -يصعب علي إي�ف��اؤه حقه الدكتور زياد السديري يلقي كلمته من الشكر والتقدير ،فمنذ أن جمعتني به زمالة العضوية في مجلس الشورى ،وإذا به يصبح أحد كلمة الختام كلمة المدير العام أه��م عناصر العطاء ف��ي ه��ذه المؤسسة ،ت��ارة الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري باقتراحاته ،وأخرى بمالحظاته ،ودائماً بتطوعه اسمحوا لي أن نختتم هذا المنتدى بالعودة واستعداده لما أطلبه منه. إلى حيث بدأنا .فالتكريم ذو أوجه وفوائد عدة، بعد هذا لَ َعلِّي أبين أن من بين أعضاء الهيئة أولها وأقربها إلى اإلدراك ،هو اإلشادة بالمكّرم المنظمة لهذا المنتدى مسئوالن ف��ي ال��دول��ة: واالعتراف بفضله ،والوجه اآلخر وهو األهم ،هو معالي وزير الشئون االجتماعية الدكتور يوسف ما يفضي إليه هذا التكريم من إبراز للقيم التي العثيمين ،وم�ع��ال��ي ن��ائ��ب وزي��ر العمل الدكتور يصبو إليها المجتمع ،فتكون نبراساً لألجيال عبدالواحد خالد الحميد. الناشئة ،والمثل األعلى لهم. عالقة الدكتور عبدالواحد بهذه المؤسسة الدكتور فيصل ،ال يقتصر فضله على كتابه المنوّه عنه ،وال ينحصر مثله بنبوغه العلمي ،بل يعود إلى ما قبل ذلك بكثير ،ففيصل لم ينشأ كما نشأ أكثرنا في محيط تتوافر فيه المدرسة لطالبها ،ويلح فيه اآلباء على أبنائهم لطلب العلم. المحيط الذي عرفه فيصل غير هذا المحيط، واإللحاح الذي عاشه غير ذلك اإللحاح ،ومع هذا فقد شق طريقه وصار مضرباً للمثل بالعصامية، وصالبة العود ،وصدق ال��رأي ،هذه هي القيمة الحقيقة واأله��م من تكريم فيصل ،وهي العبرة التي نفيد جميعاً من نقلها ألبنائنا.
ليست بجديدة ،ولمساته على أعمالها معروفة للكثيرين ،ومعالي الدكتور يوسف كان مع الدكتور عبدالواحد ،من المؤسسين لفكرة هذا المنتدى، وص��ار بعد ذلك عضواً في الهيئة المنظمة له، والعبرة ليست في ذل��ك ،وإنما بالتزام الدكتور يوسف بهذه العضوية حتى بعد تعيينه وزي��راً، فاستمر ف��ي حضور اجتماعات الهيئة ،وعمل على حضور فعاليات هذا المنتدى ،التزاما بهذا المشروع الثقافي الحيوي ،وإي�م��ان�اً بأهميته. فالمنصب لم يغير منه شيئا ،وال��وزارة لم تغير في أولوياته.
واألمر اآلخر الذي أود اإلشارة إليه ،هو الهيئة ه��ؤالء كلهم ،إض��اف��ة إل��ى ال��زم�لاء اآلخ��ري��ن المنظمة لهذا المنتدى ،فقد تحدث الدكتور -أع�ض��اء الهيئة المنظمة للمنتدى -يمثلون
44
اجلوبة -خريف 1429هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وشركة الجوف الزراعية التي سوف تستضيفنا غداً إن شاء الله ،كما أشكر األخ ثامر المحيسن وحرمه اللذين استضافا ضيفات المؤسسة على عشاء البارحة ،واألخ الدكتور دخيل الله الشمدين وحرمه اللذين سوف يستضيفوهن صباح الغد، واألخ هالل الحيزان وحرمه اللذين سيستضيفون الضيفات على الغداء غداً. ختاماً ..أق��دم حبي الكبير وتقديري األكبر ضيوف الندوة في مكتبة دار الجوف للعلوم إلخواني رئيس وأعضاء مجلس إدارة مؤسسة ال يحتذى به، بعطائهم وأريحيتهم وتواضعهم مث ً عبدالرحمن السديري الخيرية ،الذين يضربون وقيمة كبيرة يجب التنويه عنها ،واإلشادة بها. ال �م �ث��ل األع �ل��ى ع �ل��ى أك �ث��ر م��ن م �س �ت��وى ،وال �ل��ه كذلك اسمحوا ل��ي أن أق��دم الشكر للشيخ يحفظكم جميعاً. عبدالله باحمدان ،والمهندس عبدالله باقشان، وفي أول أيام المنتدى وقبيل االفتتاح ،تجول والدكتور عمر بامحسون ،الذين استضافوني مع ضيوف المنتدى في مكتبة دار الجوف للعلوم، مجموعة من اإلخوان لزيارة حضرموت ،واطالعنا ب��دأت ب��زي��ارة معرض إص ��دارات المؤسسة ،ثم على تاريخها العريق ومستقبلها الواعد ،وهم بما قسم الدوريات فصالة المكتبة العامة فالمجموعة يقومون به هنا وهناك مثل يحتذى في العطاء، الخاصة في الدار. وعمل البر ،وحفظ العهد. وخ�ل�ال إق��ام�ت�ه��م بالمنطقة ق ��ام ال�ض�ي��وف ك�م��ا أق ��دم ال�ش�ك��ر ال �ب��ال��غ ل�ك��ل المشاركين ب �ج��والت سياحية ف��ي آث ��ار م��دي�ن��ة س�ك��اك��ا وم��ا والمشاركات في ه��ذا المنتدى ،والمستجيبين جاورها شملت قلعة زعبل وبئر سيسرا وأعمدة والمستجيبات لدعوة المؤسسة لحضور فعالياته، الرجاجيل ،ثم قاموا بجولة مماثلة آلثار مدينة وأشكر إخواني الحضور من أبناء وبنات الجوف، دومة الجندل شملت متحفها وقلعة مارد ومسجد ال��ذي��ن أث�ب�ت��وا بحضورهم ومشاركتهم مستوى عمر بن الخطاب ،بعد ذلك توجهوا إلى منطقة ال��وع��ي ال�م��وج��ود ف��ي ه��ذه المنطقة ،وال�ف��ائ��دة بسيطا الزراعية. المتحققة -إن شاء الله -من هذه األنشطة. ك��ذل��ك أش �ك��ر مضيّفنا ف��ي ع �ش��اء ال�ب��ارح��ة مساعد مدير عام مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية السابق األخ الصديق سالم حمود الظاهر، واإلخوان من أسرة الكايد ،وأسرة الشالل الذين استضافونا جميعاً بعد العشاء ،وسعادة وكيل إمارة منطقة الجوف أخي أحمد بن عبدالله آل الشيخ الذي سوف يستضيفنا على غداء اليوم ،والشيخ سليمان الراجحي الذي سيستضيفنا هذه الليلة،
الضيوف أمام قلعة زعبل
اجلوبة -خريف 1429هـ 45
التربية اجلمالية عند الطفل النص األدبي منوذجاً) (تذوق ّ
> سامي دقاقي* هل يمكن الحديث عن تذوق عمل فني اعتباراً لكونه -أي التذوق -عملية تتم خارج الذات؛ بمعنى أنها ترتكن للشروط الصرفة ،المتعلقة بهذا العمل أو ذاك؟ أم يتعلق األمر بعملية تتم بحضور الذات وتأثيرها ،باعتبارها جمّاع للمشاعر والمعارف ،واالعتماالت الوجدانية والنفسية ،التي تجعل المتلقي غير بريء تماماً من تأطير هذا العمل أو ذاك، وفقاً لكل ما سبق ،وتناغماً مع رؤيته الخاصة بالضرورة وليس ما يراه غيره؟ يكاد يكون هذا الموضوع إشكالياً ،حتى عالقة تفاعلية بين موضوع العمل الفني أنه يجعل من الصعوبة بمكان ،االنتصار ألي وذات ال�م�ت�ل�ق��ي ،وض � ��رورة ص �ه��ر ك��ل من تصوّر من التصورين السابقين ،هذا إن لم المبدع والمتلقي في البوتقة نفسها. نزعم بحضورهما معا ،بشكل يفعّل كيميائية وال��ح��ال ه� ��ذه ..ف���إنّ م�س��أل��ة ت�ل�ق��ي أو التذوق أوال ،وحرارة المتعة تاليا .إ ّال أنّ ما ت��ذوق اإلب ��داع ،ل��م تبق عالقة بالمزاجية، يهمّنا هنا بالذات ،هو مسألة تربية الذائقة أو الحدسية ،أو التأملية ،إذ أسهم علم خاص ،بوصف ّ الجمالية عند الطفل بشكل النفس بمدارسه المختلفة في الكشف عن الطفولة مرحلة ذهبية وأولية للتعلم ،وتربية ميكانيزمات اإلبداع من جهة ،وأوليات التلقي الحس التذوقي والجمالي أوال ،وأرضية من جهة أخرى ،كما اجتهد في البحث عن خ�ص�ب��ة وم�لائ �م��ة ،ل �ل �ب��زوغ اإلب ��داع ��ي في طرائق ،وتوفير أدوات من شأنها أن تنمي مراحل عمرية الحقة. مهارات استقبال العمل الفني ،وهي أدوات لم يعد العمل الفني ،ذل��ك األث��ر الذي أضحت ضرورة ملحة ،كي ال نظلم العمل أو يخضع ك�ل�ي�اً للمنهج ال�ع�ل�م��ي ،ال ��ذي س��اد الذات ،أو هما معا في نهاية المطاف. ف��ي ال�ق��رن التاسع عشر ،وب��داي��ات القرن وإذا كانت التربية الجمالية تنطلق من العشرين ،والذي جعل شروط التذوق ترتهن إل��ى كل عمل ب��ذات��ه ،كما أنّ العمل الفنّي كون االنتماء إلى الجمال والبحث عنه ،هو بالمقابل ،ال يتحدد فقط بما يتماوج داخل من جملة االنتماءات الفطرية لدى اإلنسان المتلقي ،وفقاً لحاالته النفسية والوجدانية - .االن �ت �م��اء ل�ل�ج�م��اع��ة/االن�ت�م��اء للمكان/ األمر إذاً ال يسلم من ضرورة القول بوجود االن �ت �م��اء ل�ل�ث�ق��اف��ة ..إل ��خ -ف�ق��د أضحت
46
اجلوبة -خريف 1429هـ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
ض��رورة ملحة ،وحجر أس��اس في بناء شخصية اإلنسان ،بنا ًء سويا ومستمرا ومتفاعال .فالجمال هذا البعد العميق في شخصية اإلنسان -برزمنذ وجود اإلنسان على وجه البسيطة ،ولع ّل في تفاعله مع الطبيعة ومحاكاتها ،واهتمامه بتطوير وتجديد مسكنه ،وملبسه ،وأدوات ��ه -كما تشي بذلك رسومات وتماثيل الحضارات القديمة - الحس الجمالي عند اإلنسان. ّ الدليل على فطرية وق��د ظ� ّل اإلن�س��ان إ ّم��ا منتجا للجمال (مبدعا)، أو باحثا عنه (متلقيا /متذوقا) ،وإن بشكل غير واع أحياناً ,بحكم تواجده في نطاقات ،أو إتيانه ألف �ع��ال وم �م��ارس��ات ي��وم�ي��ة تتسم بجمالية م��ا. ولم يلبث الجمال أن اختار لنفسه علماً قائما، اصطلح عليه بـ «علم الجمال» أو «الجماليات»، (المشتقات اإلغريقية)؛ وقد ظ ّل هذا العلم تابعاً للفلسفة ردحاً من الزمن ،قبل أن يستق ّل بمباحثه ومفاهيمه.
يرتقي به مرحليا عن طريق الثقافة والمعرفة إجماال ،فال خالف على أنّ تربية الذوق وتنميته، واالرت �ق��اء به هي عملية ممكنة ،كما تؤكد ذلك مختلف فروع علم النفس ,التي تلج هذا الحقل م��ن منحى أو آخ��ر؛ إذ رأى أدي�س��ون أنّ «ال��ذوق على الرغم من أ ّن��ه فطري في جانب منه ،فإنّه قابل للتثقيف والتهذيب من خالل القراءة والحوار واالطّ الع .»)3(... إنّ تربية الذائقة الجمالية عند الطفل ،تقتضي معرفة وثقافة غنيتين ومتنوعتين ،سواء من لدن األس��رة ،أو المربين في المدرسة ،أو مؤسسات التعليم األ ّول��ي .ويأتي في قائمة هذه المعارف، دراس � ��ة ال �ط �ف��ول��ة ،وم �ع��رف��ة م� �ي ��والت ال �ط �ف��ل، واهتماماته ،ودوافعه الشخصية ،وما إلى ذلك.. ثم تأتي بعد ذلك خطوات يمكن أن نجملها على سبيل المثال ال الحصر في ما يلي:
< إثراء بيئة الطفل بالمفردات الجميلة والمالئمة وعلى الرغم من هذا التأطير العلمي لمفهوم لمداركه ومستوى نضجه. الجمال ،إ ّال أنّ «اإلحساس بالجمال أفضل من معرفة الطريقة التي نحسّ ه بها «على ح ّد تعبير < تحقيق الجمال عمليّا بمحيط تفاعل الطّ فل م��ع ذات ��ه ،وم��ع غيره -الترتيب/التنسيق/ ج��ورج س��ان�ت�ي��ان��ا( ،)1ذل��ك أنّ اللحظة الجمالية التنظيم -وفق اإلمكانات المتاحة. بوصفها «خبرة مشتركة بين المبدع والمتلقي»(،)2 هي لحظة عصيّة على القبض والتحليل المعرفيين < ،العناية بالمظهر الخارجي لإلنسان (الهندام/ المأكل/الحركة.)... وال يفضل منها غير تلك االنفعاالت ،واألحاسيس العائمة في مناطق الوجدان ،وكل دراسة لها ،إنّما < ت �ع��وي��د ال �ط �ف��ل ع �ل��ى االه �ت �م��ام ب��ال�ت�ف��اص�ي��ل هي دراس��ة لنتائجها ارتباطا بموضوع ما (عمل واألجزاء. فني). < تنبيه الطفل إلى أنّ الجمال يكمن أحيانا كثيرة وقبل الحديث عن التذوق الفني -محور وقفتنا في العالقات القائمة بين األشياء ،والتنويع هذه -ال ب ّد من الحديث عن تذوق الجمال بشكل المستمر في هذه العالقات. عام عند الطفل .والتذوق يعني أن يقع الشيء أو الفعل أو القول في النفس موقعاً حسناً يبعث على < التأكيد على أنّ الجمال ينبع من الداخل أساسا، بمعنى أنّ الجمال هو حالة داخلية مثل الفرح االستمتاع والعشق ،والتفاعل مع القيم الكامنة في والحزن وغيرهما ،وهو أيضا استعداد قبل أيّ الموضوع (شيء/فعل/قول) ،وتذوق الجمال ميزة شيء آخر. فارقة ،تحقق لإلنسان مشهداً مهماً من إنسانيته، بحس جمالي < تعويد الطفل على بعض الصفات المهمة في ّ يرفعه عن درك الحيوان ،إ ْذ تزوده
اجلوبة -خريف 1429هـ 47
تربية الذائقة الجمالية ،من قبيل :الصبر، واألناة ،الصفاء الذهني والنفسي ،عدم التأثر أو االنسياق مع تقييمات اآلخ��ري��ن ،اكتساب ثقافة غنية ومتنوعة تبعا لنضج الطفل.
إنّ الحديث عن تربية الذائقة الجمالية ،يت ّم داخ �ل��ه ال�ح��دي��ث ع��ن تربية ال��ذائ�ق��ة الفنية، بوصف هذه األخيرة لحظة جمالية تنبجس من أعمال فنية بذاتها (المسرح/السينما/ التشكيل /األدب بصنوفه) .وال ��ذوق الفني ه��و «ق ��درة األش �ي��اء على التفاعل م��ع القيم الجمالية في األشياء ،وبخاصة في األعمال الفنية»(.)4
ذاتها ،أي الخيال ،وهو هنا خيال ابتكاري /مبدع/ وخ��ال��ق ،أكثر م��ن أيّ ش��يء آخ��ر .فالعمل الفني ينبجس من اإلنسان إبداعا ،ويعود إليه تذوقا. والخيال ذاته يعمل في الجانبين (أي عند المبدع والمتلقي)؛ فاألول يبني ويؤلف بين ما هو مفكك، كي يقدم صورة عن العالم أو الذات؛ والثاني يفكّك ليعيد البناء ثانية بمعية الخيال أيضا ،واستنادا لذاكرته المعرفية واللغوية والثقافية عموما .وهو م��ن ث��م ي�ش��ارك ف��ي بناء المتعة وال��رض��ا اللذين يستشعرهما بعد الخلوص من العمل ،واللذين كانا يُعدَّ ان فيما قبل نتاجا يمنحه المنجز اإلبداعي؛ فإذاً لذات المتلقي الدور الكبير في اشتعالهما.
نص أدبي إنّ عملية استقبال عمل فني ما ّ - مثال -تجري عبر مستويين:
وإع��ادة اإلنتاج هذه -التي يمارسها المتلقي بتفاعل مع العمل اإلبداعي عموما ،والنص األدبي على سبيل التمثيل -قد تفسر على ضوء التواشج النفسي وال��وج��دان��ي ال ��ذي ينبرم بين المتلقي �ص ،وال�م�س�ت�ن��د ك�م��ا ق�ل�ن��ا ع�ل��ى مرجعيات وال� �ن � ّ (معرفية/ثقافية/سيكولوجية ،)...إضافة إلى جملة من التجارب والممارسات الحياتية .وهذا التعاطي مع العمل الفني يختلف من متلق آلخر، تبعا للظروف سالفة الذكر ،بل قد يختلف عند المتلقي نفسه على مراحل.
< مستوى ال �ق��راءة األول �ي��ة /االسترجاعية :أي إدراك المعنى ،واإلحاطة باألفكار واألساليب اللغوية ،والقاموس المفرداتي؛ وهو مستوى يمكّن فقط من الحديث عن البنية الفوقية/ السطحية ،بتنويع في اللغة ،وإع��ادة ترتيب األفكار بشكل آخر .وهنا نكون أمام متلق سلبي نسبيا ،بحكم تكراره لما هو كائن ومعطى. < مستوى القراءة العميقة /المبدعة :ويمكن أن نطلق عليها ال �ق��راءة الجمالية؛ وهنا يمكن الحديث -بشكل خ��اص -ع��ن فعل ت��ذوق��يّ ، يتجاوز إدراك المعنى إل��ى أع�م��ال الخيال، وتبني استراتيجية التأويل بشكل مبدع ،أي المشاركة في إعادة إنتاج العمل بصيغة أخرى؛ وه��و األم��ر ال��ذي يجعل المتلقي داخ��ل دائ��رة اإلبداع ،وليس خارجها ،أي أنه الحلقة األخيرة لـ «ناجزيّة» العمل واكتماله بمعنى من المعاني. وعلى هذا المستوى يمكن أن نتحدث عن متلقّ إيجابي وفاعل ،يخلق أكثر ممّا يستهلك.
ونظراً لكون الظروف السابقة والمؤطرة لعملية التذوق الفني ،مهمة في تنشيط الدورة الدموية/ التفاعلية بين اإلبداع والمتلقي ،فإنّ الحديث عن تربية للذائقة الفنية عند الطفل ،خصوصا ،تصبح غير ذات جدوى خارجها ،أو بمنأى عنها ،ذلك أنّ توجيه الطفل إلى االحتكاك ،وتكوين ذاك��رة من الخبرات والتجارب ،ث ّم إثرائها ،وإنماء المستوى المعرفي والثقافي والوجداني ،كفيل بتمكينه من الكفايات المناسبة للتواصل مع األعمال الفنية خاص. ّ عموما ،والنصوص األدبية بوجه
وتربية الذائقة الفنية عند الطفل ،تعني إيصاله إنّ التذوق الجمالي قد يكون وجها آخر للعمل إل��ى مرحلة المتلقي اإلي�ج��اب��ي/ال�م�ب��دع؛ بمعنى الفني المنصبّ عليه ،بوصفهما يتحدّران من التربة
48
اجلوبة -خريف 1429هـ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
�ص على -خططا استعجالية ومستدامة للتنمية الثقافية، ق��درت��ه على ال�ت��أوي��ل ،وفتح العمل /ال�ن� ّ مصاريعه ،ومن ث ّم إثراؤه ،وإنتاج معان أخرى على تنطلق من نقاط حدد الدكتور عبدالله أبو هيف «النص الموازي» .أهمها في ما يلي(:)5 ّ هامشه ،أي خلق ما يسمّى ب وق ��د ت �ت��أس��س ه ��ذه ال �ت��رب �ي��ة ب�ج�ع��ل ال �ط �ف��ل في < العناية بالمصادر الشعبية للثقافة ،السيما وضعيات تح ّد عن طريق تعريضه ألعمال ،تختلف ال�ح�ك��اي��ات واألس��اط �ي��ر وال�ق�ص��ص وال�ف�ن��ون مستويات ق��راءت�ه��ا م��ن حيث العمق والغموض الشفهيّة. النسبي ،وم��ن حيث الغنى المعرفي والثقافي < العناية بالتقاليد القويمة لالتّصال الثقافي، أيضا .وقد أكد علم النفس في هذا الباب -من ألنها ينبوع ث��ري ال غنى عنه في رف��ع سوية خالل تجارب معينة -أنّ العمل الفني يكون أكثر الذوق الفني لدى الناشئة ،كما هو الحال في إث��ارة لالنطباعات الجمالية ،حين يكون غامضا الشعر والسرد والغناء. وغير مباشر ،ومركّبا .فهذه الخصائص هي التي تشكل منبهات إليقاد الخيال ،وتنشيط الوجدان < توفير وس��ائ��ل االن�ت�ش��ار الثقافي والممارسة الثقافية بين الناشئة عن طريق تعزيز قنوات والعاطفة ،وشحذ ال �ق��درات الذهنية (ال��ذك��اء/ االتصال بهذه الناشئة. الذاكرة) في مستوياتها التحليلية والتركيبية. ولع ّل من أسباب تخلف نظامنا التربوي فيما < ت��دع�ي��م ال �م��ؤس �س��ات ال �ت��رب��وي��ة فيما يجعلها أق��در على تحقيق خطط التنمية الثقافية يتعلق بتربية الذائقة الفنية ،هو االكتفاء بأعمال وبرامجها. تنتفي فيها الخصائص اآلنفة الذكر ،وتنحو منحى من السطحية والمباشرة ،وما يزيد الطين بلة، إنّ تربية الذائقة الفنية ،خصوصا تذوق النص ه��و أنّ القائمين على وض��ع ال�ب��رام��ج م��ن جهة ،األدب��ي بوصفه فنّا ،يجب أن ال تت ّم بمعزل عن والمدرسين من جهة أخ��رى ،لم يسلموا بدورهم األعمال الفنية المختلفة .فقد أبانت تجارب علم ال في عملية تذوق من هذا التسطيح ،بحيث ينساقون إثر الجاهز النفس أنّ هناك ترابطا وتكام ً والمنمط والسطحي ،ات�ق��اء لكثير أو قليل من األعمال الفنية ،وهي فكرة يجب أن تولى أهمية االجتهاد والقراءة والمتابعة ،األمر الذي ينعكس كبرى من لدن المدرسين والمربين ،فقوة الذائقة سلبا على الطفل /التلميذ ،فتمسي طريقة واحدة بالنسبة للفن التشكيلي ،أو المسرح ،أو غيره من النص األدبي وتذوقه أمرا ّ سارية في التعامل مع جميع األعمال/النصوص .الفنون ،تجعل استقبال وال �ح��ال ..أنّ ه��ذه الطريقة تغدو قاتلة للحس يسيرا ،بل أكثر من ذلك تغنيه وتكمله ،والعكس والذهن في اآلن نفسه ،بحيث تصبح كل النصوص صحيح طبعا. فاقدة لمعناها الحقيقي ،وقيمتها األصيلة ،إذ وه �ك��ذا يمكننا ال�ح��دي��ث ع��ن تربية الذائقة �واب ممانعة تُ�ص��ارَع ،وأب� ٍ ٍ النص ب��دون ّ ما ج��دوى الفنية عند الطفل من خالل الخطوات التالية: تُعارَك!! < اح �ت��رام شخصية ال�ط�ف��ل ورأي� ��ه ،واستنساج إنّ تربية ال��ذوق الفني عند الطفل ،واالرتقاء عالقة أفقية معه تجنح نحو اإلشراك ،واإلنصات به يسبقه ويوازيه إنتاج «ثقافة الطفل» انطالقا العميق ،وتجاوز فكرة كونه وعاء للحشو ،والتكرار، من األسرة والمنزل إلى المدرسة ،مرورا بوسائل واالستهالك السلبي. االتصال والتواصل من إعالم وجمعيات وغيرها، الصارم المنبني على التواصل < تفادي التقويم ّ وهذه العمليات تستدعي -في مستوى آخر أعلى
اجلوبة -خريف 1429هـ 49
اآللي ،والمعرفة الجاهزة والمحددة سلفا.
صداقية ،وغيرها من النماذج التي الب ّد وينعكس مفهومها على العالقة أوال ،وبناء المعرفة ،ث ّم تربية ال��ذوق تاليا؛ لذلك فالمدرّس مطالب بأن يتحلى بنوع من «القابليّة» و«االمتصاصيّة» اللتين تؤهاله الحترام جميع اآلراء واألفكار وتشجيعها، ث ّم تثمينها ،وحتى في حال عدم صوابيّتها ،يتعيّن عليه إش��راك الطفل ،وإيصاله إل��ى ط��رق نفيها، والبحث عن بدائل أخرى ،وهكذا دواليك.
(ف �ي��زي��ول��وج �ي��ا /م �ع��رف �ي��ا /ع �ق �ل � ّي��ا /وج��دان �ي��ا/ اجتماعيا /لغويا) ،وه��ي عملية مهمّة وجسيمة في اآلن ذاته ،إ ْذ تتطلّب تكوينا ومعرفة من لدن المدرس ،فكيف ن��روم منه تربية الذائقة الفنية ع�ن��د ال�ط�ف��ل ،ف��ي ح�ي��ن يفتقدها ه��و؛ وه ��ذا - لعمري -أساس تخلف نظامنا التربوي والتعليمي. أذكر هنا مرحلة تكويننا في مركز المعلمين ،والتي دام��ت سنتين لم يتم الحديث فيهما عن مفهوم ال��ذوق الفني ،أو منهجية تربيته وتنميته ،ال في اللغة العربية -بوصفها قريبة من اإلبداع األدبي وال في غيرها من المواد(التربية التشكيلية علىسبيل المثال)؛ بل ما زلت أذكر أنه لم يتم حتى مجرد التطرق ألح��د النصوص األدبية بالقراءة والتحليل ،وك��أن ما يهم من التكوين هو حشونا بالقواعد والظواهر الصرفية والنحوية المقولبة والجاهزة ،مرة على لسان الكوفيين ،وأخرى على لسان البصريين ،لنسقطها بدورنا -على مضض، ودون كثير فهم -على رؤوس األطفال الغضة.
< خلق وضعيّات من التحدي بقصد تنشيط خيال الطفل -كما قلنا آنفا -ك��أن ندفعه إل��ى خلق بدايات ،أو نهايات ،أو أحداث ،عكس ما جاء في العمل الفني (ال�ن��ص األدب���ي) ،وذل��ك م��ن خالل أسئلة وتمارين تهدف إلى تذوق النصوص تذوقا صحيحا وسليما ،وتعيد إنتاج المعنى بأساليب مختلفة .وه��ذا م��ا الحظنا غيابه على مستوى مقررات المستويات العليا من التعليم االبتدائي الرابع/الخامس/السادس -بالمغرب ،بوصفهب�ل��داً ال يشذ ع��ن ال�ب�ل��دان العربية األخ ��رى ،من حيث مناهج التعليم وطرائقه؛ وه�ك��ذا ،إضافة إلى الحضور الباهت والمخجل للنصوص األدبية (ثمانية نصوص خ�لال السنة) ،الحظنا ابتعاد األسئلة ع��ن ال �ت��ذوق الحقيقي لهذه النصوص، وتحويمها ح��ول المستوى السطحي ع��ن طريق أسئلة ضحلة ،ت�ه��دف إل��ى ت �ك��رار ال�ن��ص فقط، ول�ي��س إع ��ادة إن�ت��اج��ه ،وه��ذه التمارين ال ت��راوح ملفوظات من قبيل( :استخرج من النص /..بيّن النص ..إلخ). ّ في النص /..ما هي ...في
< التدرج في تقديم النصوص للطفل اطّ ��رادا مع ال�ن�ج��اح��ات ال�ت��ي يحققها (ت�ق��دي��م ن�ص��وص أكثر ممانعة ك�� ّل م � �رّة) ،ق�ص��د تنشيط خ �ي��ال الطفل وتعويده على العمليات الذهنية المركبة ،وتنمية ملكات من قبيل :التحليل ،واالستنتاج ،والتركيب، واالستثمار ..إلخ ،فال وجود لمعطى مجّ اني ،حتى ول��و تعلق األم��ر ب��ال�ق��راءة وال �ت��ذوق ،ب��ل إن هاتين العمليتين بشكل خاص يتوجبان الكثير من الجهد < إدارة النقاش والحوار بشكل شفاف ،وديمقراطي، واالج �ت �ه��اد بوصفهما عشقا تتولد عنه متعة ال وأخالقي ،كما أنّ التحفيز والتشجيع والتجديد، هي عوامل تبدّد الملل والقنوط ،وصرف النظر تضاهى. < ان�ت�ق��اء ال�ن�ص��وص بشكل ي�س��اي��ر ن �م � ّو الطفل عن التعلم تالياً.
< تجاوز مفهوم مركزية المدرس في بناء المعنى، النص ،وهذا يحيلنا على نوع العالقة < تعويد الطفل على ال�ق��راءة الموازية ،وتدوين ّ وإعادة إنتاج التي تتأسس بين ال�م��درس والطفل ،من عالقة األف �ك��ار واآلراء وال �م�لاح �ظ��ات ،وك��ذل��ك حفظ ديكتاتورية ،وأخرى عنفيه ،وثالثة سالبة ،ورابعة مقاطع وأج ��زاء م��ن النصوص التي تعالق معها
50
اجلوبة -خريف 1429هـ
* () 1 ( )2 ( )3
() 4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
الفنية ،بل وحتى في االرتقاء بها؛ ألن الذوق يحتاج وعشقها عشقا تفاعليا. < خلق أجواء من التباري والتنافس الشريف بين إلى التنمية والتهذيب المستمرين ،ومن ث ّم «يصعب المتعلمين/األطفال ،يشعل ويضاعف الرغبة في الحديث عن ارتقاء األدب (إنتاجا وتفضيال) لدى األطفال بمعزل عن ارتقاء اللغة لديهم ،أو حتى التعلم ،كما يحفّز على البحث واالجتهاد. بمعزل عن ارتقائهم السيكولوجي االجتماعي»(.)6 < توجيه اهتمام الطفل نحو أشكال أخ��رى من نافل ال�ق��ول ،تبقى الذائقة الجمالية عموما، المعرفة والتذوق ،كالفنون التعبيرية من مسرح، وموسيقى ،وسينما ،وتوجيههم إل��ى اإلف��ادة من والذوق الفني خصوصا ،أهم تركيب في شخصية اإلن �س��ان ،منذ ال���والدة وح�ت��ى ال �م��وت ،ذل��ك أنها التقنية( :األنترنيت نموذجا). تحقق في شطر كبير وجود هذا اإلنسان (الوجود < استحضار الفنون المذكورة في تربية الذائقة ال��وج��دان��ي وال�م�ع��رف��ي والسيكولوجي على وجه األدبية عند الطفل ،كأن تقدّم لوحة تشكيليّة ،أو التحديد) ،كما أنها تقوم في شطر آخر على هذا مقطوعة موسيقيّة ،أو فيلما ،أو لوحة مسرحيّة، الوجود كي تتمظهر ،وتتطوّر ،وتتهذب؛ يقول فرويد: ونطالبه بالتعبير أدبيا (كتابة أو شفهيا) عن هذا «االنفعال الفني هو أعمق شيء في أعماقنا وهو المعطى ،أو العكس؛ كل هذا يجري تبعا لمستوى أحد أشكال االندماج االجتماعي بل أقواها»(.)7 الطفل العمري والمعرفي. أليس اإلنسان كائنا اجتماعيا؟ إذاً فهو بالضرورة < تشجيع الطفل على التعبير الشفوي من أجل كائن تفاعلي /انفعالي ،يقوم وجوده كله على ثنائية اس�ت�ث�م��ار ث��روت��ه ال�ل�غ��وي��ة ،وال�م�ع��رف�ي��ة ،والفكرية القبول والرفض؛ الفعل واالنفعال؛ التأثير والتأثر. السائرة في درب النمو. وهي ثنائيات تخدم الذوق ،ويخدمها الذوق أيضا < االهتمام ب��إث��راء اللغة عند الطفل ،م��ن خالل عبر مستويات من االستقبال والتلقي .فــ «الذوق الوقوف على معاني المفردة الواحدة ،تبعا للسياقات يعتمد على الحواس أوّال ،لكنه يتطوّر من مجرد التداولية لهذه المفردة ،سواء في معناها المباشر ،ان �ف �ع��ال ي �ق��وم ع�ل��ى اإلع �ج��اب وال��ده �ش��ة اللذين أو المجازي ،وه��و األم��ر ال��ذي يدفع المتعلم إلى يسترعيان االنتباه إل��ى تقدير شخصي للعوامل اكتشاف مفهوم ال�ص��ورة ،والتشبيه ،واالستعارة ،المعنوية الدفينة ف��ي ال �ع �م��ل»()8؛ أي أن ال��ذوق وال�م�ج��از ف��ي العمل األدب ��ي ،ول��و ف��ي مستوياتها ينتقل من مستوى االنفعال الوجداني والعاطفي، البسيطة على األقل. إل��ى مستوى االكتساب المعرفي ،أو بتعبير آخر واللغة بشكل خاص ،إضافة إلى العوامل النفس من مستوى القراءة والتلقي المنفعلين إلى مستوى -اجتماعية ،تشكل حجر الزاوية في تربية الذائقة اإلنتاج وإعادة اإلنتاج الفاعلين.
كاتب وأستاذ باحث في مجال التربية والتعليم بالمغرب. اللحظة الجمالية :محاولة فهم نقدية ،د.جمال مقابلة ،مجلة عالم الفكر ،العدد ،35ص .7 المصدر السابق نفسه ،ص .8 التفضيل الجمالي :دراسة في سيكولوجية التذوق الفني ،د.شاكر عبدالحميد ،عالم المعرفة ،العدد ،267مارس ،2006ص .30 التنمية الثقافية للطفل العربي ،د.عبد الله أبو هيف ،منشورات اتحاد كتاب العرب 2001م. المصدر نفسه. التفضيل الجمالي :دراسة في سيكولوجية التذوق الفني ،د.شاكر عبدالحميد ،ص .244 التجربة اإلبداعية :دراسة في سيكولوجية االتصال واإلبداع ،اسماعيل الملحم ،منشورات اتحاد كتاب العرب. المصدر نفسه.
اجلوبة -خريف 1429هـ 51
قصيدة النثر
بني شرعية الهوية والتهميش > الدكتورة وجدان الصائغ* لم يُثر بزوغ جنس أدبي قدر ما أثارته قصيدة النثر من إشكاليات في مشهدنا الثقافي المعاصر ،إذ أسهم ذلك الحضور السافر في خرق النسقية التقليدية لمفهوم القصيدة العربية التي تحررت من أعمدة العروض ،واستأثرت بشعرية الصورة والتكثيف الواعي للمفردة الموحية المشفّرة. وما من شك في أن الجانب التنظيري لقصيدة النثر يشكو من ندرة الفتة ،قياسا بالقصيدة ذات الشطرين والتفعيلة ،وهو غ�ي��اب ي�س� ّوغ��ه ه��ذا االن �ق �س��ام ال �ح��اد في أركان واقعنا الفكري ،بين متحمس لشرعية هويتها ،وض� ��رورة ح�ض��وره��ا المتسق مع طبيعة العصر وآلياته الجبارة التي تكاد ت�س�ح��ق ت�ح��ت م�ع��اول�ه��ا إي �ق��اع��ات النبض ال �ش �ع��ري ،ل�ت�ك��ون ق�ص�ي��دة ال�ن�ث��ر -بلغتها الرشيقة المصفاة م��ن ال��زوائ��د اللفظية واألورام الهيكلية -م��راي��ا صقيلة تعكس ل�غ��ة ال �ح �ي��اة ال�ي��وم�ي��ة المتخمة بالتشتت والتشظي حد الترميد وتراجيديا اإلنسان المعاصر ،وإلى ذلك ألمح الشاعر الدكتور علي جعفر ال�ع�لاق ف��ي مقدمة مجموعته الشعرية الكاملة قائال« :وكثيرا ما يحدث ه��ذا ال�م�ش�ه��د ،ح�ي��ث يتكسر ف�ي��ه ش�ع��راء ع���دي���دون م ��ع أن��ه��م -ح �س��ب األع � ��راف السائدة – شعراء مغمورون بالوزن والقافية كليا أو جزئيا :نجلس أمام المنصة ،ينطفئ الشعراء ,شاعرا بعد آخر .دون أن يرتجف
52
اجلوبة -خريف 1429هـ
أي منا لفجيعتهم أو سوء تقديرهم .ثم ينادى فجأة على شاعر يأتي من خارج األعراف الشعرية الراسخة .من خارج القواعد التي تميز الشعر عما س ��واه .ش��اع��ر ل��م يحظ بمباركة القبيلة بعد ،أو االنتساب إلى دمها الموزون المقفى :يأتي هذا الشاعر ليقرأ قصيدة نثر وس��ط إع��راض خفي عن هذا الطارئ على القبيلة ،واعتراض عام مكتوم على جرأته .وما أن يبدأ قراءته حتى تهدأ القاعة ،يهب عليها نسيم جديد ،ينبعث من لغة مغايرة ،ننحني تحت خضرتها ،وتغتسل فيها أجسادنا وأحالمنا وضمائرنا الوجلة، عند ذلك تنقسم القاعة على نفسها ،تنقسم الهمهمة ،ويربح هذا الشاعر الجولة حين نعينه على أنفسنا ،نعينه على ركام العادة فينا .وتتنامى نشوتنا ح��رة ،ف �وّارة طليقة، خارج األعراف الشعرية وتحديدات القول الشعري .وحين نتفقد بقايا النشوة التي ما تزال عالقة بالروح والجسد ،حين نتفحص بواعثها؛ فإننا ال نجد للوزن أو القافية دورا جوهريا فيها .من أين يجيء ذلك االنتشاء
إيديولوجي عقائدي خاص ،أو جهل بحقيقة الشعر العربي ،وليس مجرد رغبة في أن يتزيَّ ببزة الشعراء ،وهو ليس منهم .وفي جميع األحوال ،فال أحد يحجر على تأدب المتأدبين بالنثر األدبي الرفيع ،ولكننا نتربص بالقضاء على الشعر العربي بقبول هذه الموجة اإلعالمية المدخولة في التسويغ للمولود غير الشرعي المسمى «قصيدة النثر» ،واألمل معقود على المثقفين الكبار من النقاد واألدباء والشعراء، وليس من الحجج المقبولة في مشروعية قصيدة النثر هذا التمحك بالشعر األجنبي ،فالثقافات وال�ف�ن��ون تختلف وت�ت�ب��اي��ن ،ول�ه��ا أوط��ان �ه��ا ،على عكس الحقائق العلمية فال وطن لها ،وال يبقى
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
كله إذاًً؟ كيف استطاع هذا الشاعر الخارج على لنا إال أن نقول مع األستاذ الدكتور عبدالقادر القبيلة ،أو الداخل عليها عنوة ،أن ينتزعنا من القط في آخر مهرجان للشعر بالقاهرة نوفمبر أرض صارت أقدامنا جزءاً من ترابها ،وتقاليدها 1993م« :إذا كان هذا هو الشعر فأنا منه براء». ونعاسها القديم؟ لقد تسلل إلى قالعنا القديمة ويمكن القول اآلن إن العالقة التراثية الوحيدة مع قصيدة النثر المعاصرة تبقى في ع��اري��ا م��ن ال ��وزن وال�ق��اف�ي��ة ،مكسوا ()2 ب �غ �ي��وم ال �ل �غ��ة وأم �ط��اره��ا المنهمرة رفض األصوات النقدية لها . ك��ال�ل�ي��ل ،والنظيفة ك��أن�ي��ن الينابيع، وبعيدا عن أجواء التضاد الساخن فإن أفضل وسيلة للغوص في خضم وه��ا ه��و ي��وق��ظ فينا ق�ط�ع��ان ال��روح هذه اإلشكالية هو وضعها أمام نخبة وال��ج��س��د ،وي �ه��ش ع�ل�ي�ه��ا ال بعصا م��ن وزن أو قافية ،ب��ل بسحر اللغة من مفكرينا ومبدعينا ونقادنا على اختالف مشاربهم ورؤاهم وأصقاعهم، وح��ده��ا ،بضوئها الغامض وكثافتها ولإلجابة على أكثر من تساؤل يصب الموجعة)(.)1 د .وجدان الصائغ في حاضر قصيدة النثر ومستقبلها. في حين قد يسم بعضهم قصيدة ومن ضمن هذه التساؤالت :هل نجح ال�ن�ث��ر ب��أق�س��ى ال �س �م��ات ،ح�ت��ى أنهم مصطلح قصيدة النثر في أن يحمل يقرنون بينها وبين التغريب من أجل هويته الشرعية بعيدا عن فضاءات تهشيم التراث واإلط��اح��ة باألصالة، التهميش والمصادرة؟ وهل استطاعت فها هو د .محمود أب��و األن��وار يؤكد قصيدة النثر -هذه القصيدة الوليدة بقوله( :إن ك��ل أدب ينم ع��ن وطنه، أن تحفر لها مكانا ف��ي مشهدناوليس قبول قصيدة النثر في اآلداب األوربية بمسوغ مشروعيتها في ديوان أ .د .عبدالعزيز المقالح ال �ث �ق��اف��ي ال �م �ع��اص��ر؟ وق� ��د ج ��اءت إجاباتهم متباينة حد التضاد أحيانا. الشعر العربي إال لمن يداخله سعي
وكان أول من تصدى لإلجابة عن هذه اإلشكالية شاعر اليمن األستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح ،إذ أشار ق��ائ�لا« :ال�ش�ع��ر ال �ح��ر ه��و التسمية الالئقة بهذا النوع من البناء الفني ال �ل �غ��وي .ف�ه��و ش�ع��ر ح��ر م��ن ال ��وزن وح��ر م��ن ال�ق��اف�ي��ة ،وح��ر م��ن الشكل ال��ذي ت�ك��ون ف��ي أذه ��ان ال�ن��اس ع��ن الشعر على مدى عصور .وهذه الحرية تعطي الشاعر القدرة على مصارعة اللغة والخروج من هذا الصراع، بمستوى تركيب يليق باإلبداع المتحرر من القيود وااللتزامات المسبقة .ومهما حاولنا القول إن تلك االلتزامات المسبقة ليست قيوداً على الشاعر الكبير الموهوب ،فإن واقع الممارسة يكذّب هذا
اجلوبة -خريف 1429هـ 53
القول .فضال عن أن الغنائية العالية في الشعر أصبحت غير ذات معنى ،وأن اإلنسان المدني لم يعد بحاجة إلى الصراخ ليسمعه اآلخرون ،كما كان الحال مع سكان البادية والصحراء ،إذ يكفي أن يهمس اإلنسان – هنا -عبر آلة صغيرة ليسمعه وي �ت��أم��ل ال �ش��اع��ر وال�م�ت��رج��م ال�ي�م�ن��ي محمد اآلخرون في نهاية الكرة األرضية». عبدالسالم منصور هذه اإلشكالية ليقول« :ما زال «ولهذا فإن األوزان الصاخبة التي احتفل بها كثير من الشعراء والنقاد يعترضون إلى اآلن على الشعر العربي في األزمنة العربية القديمة في تسمية الشعر المنثور «قصيدة النثر» ،انطالقا من طريقها إلى التراجع ليصبح الوزن إيقاعا خافتا أن «القصيد» هو «الشعر «وأن الشعر هو الكالم هادئا ،وهذا ما تتولى القيام به على نحو أفضل المنظوم؛ ولهذه المجافاة نجد بعضهم يفصلون القصيدة الحرة ،التي ال أرغب على اإلطالق في ب��ال�ق��ول إن��ه ال م��ان��ع م��ن أن يطلق عليه «النثر تسميتها بقصيدة النثر ،لما تحمله هذه التسمية الفني» مثالً ،أنا أرى -كما يرى النظر الدقيق من تناقض يحاول الجمع بين الشعر والنثر ،إنها -أن «قصيدة النثر» هي التسمية المثلى للشعر شعر وكفى ،شعر مطلق أو منطلق كما كان يقال المنثور ،هذا الصبي الذي بدأ يشق طريقه إلى عنه في بداية ظهوره». الذائقة العربية السليمة غلبة وقهرا ،فقد جاء «أم��ا عن شرعية ه��ذا النوع من الشعر ،فإن في لسان العرب« :سمي الشعر التام قصيداً ،الن اآلداب وال �ف �ن��ون ت�س�ت�م��د ش��رع�ي�ت�ه��ا م��ن تقبل قائله جعله من باله فقصد به قصداً ،ولم يحتسه الجمهور ،وم��ن قدرتها على التعبير عن أش��واق حسياً على ما خطر بباله وجرى على لسانه ،بل هذا الجمهور في الخروج على المألوف والمكرر روى فيه خاطره ،واجتهد في تجويده ،ولم يقتضبه من الفنون واآلداب .وأكبر حجة يقدمها كتاب هذا اقتضاباً» ،وهذا يعني بوضوح ،أن الشعر ،قبل أن النوع من الشعر األج��د ،أن القصيدة في الشعر يصير ق��وال لصاحبه ،ك��ان هماً في قلبه ممتنعا الموزون المقفى قد استنفدت أغراضها الفنية على منطق العقل ،وتلقائية ال�ق��ول؛ فاتجه إلى عبر القرون الطويلة ،وأنها أصبحت تفرض نفسها التعبير عنه بقول مخصوص ال يتأتى إال لروية على الشاعر قبل أن يكتبها ،أي أنها تفرض شكلها الخاطر = (القلب أو الوهم) ،وجهد التجويد = ووزنها وقافيتها ومن ثم معانيها على الشاعر رغم (الصناعة) ،فالقصدية إلى روية الخيال ،وجهد أنفه .والشعراء العظماء هم الذين كانوا يقاومون الصنعة ،هي السبب في تسمية الشعر قصيداً، بصعوبة آث��ار الصيغة المسبقة والجاهزة ،وهم وقطعة منه قصيدة ،ومفهوم أن ه��ذا المعنى ال قلة قليلة في كل العصور ،وما يزال بعض هؤالء يتضمن نظماً وال يستبعد نثراً ،فالنظم ،شأنه في العظام يقاومون ويحاولون االبتعاد عن التكرار ذلك شأن النثر ،ليس عنصراً من عناصر الشعر الجوهرية ،وال يشكل صورة من الصور اللصيقة واالستسالم لمتطلبات القافية». بطبيعته ،وما الواحد منها إال الوسيلة التي اتخذ «وف��ي ه��ذا ال�ص��دد ال أنسى اإلش ��ارة إل��ى أن منها الشعر هيئته للمثول أمام المتلقي ،وهي هيئة تسعين بالمائة م��ن النثر ال ��رديء ال��ذي تنشره عارضة ت��زول ،ويبقى الشعر في هيئته الجديدة الصحف والمجالت تحت اسم قصيدة النثر ،ال محتفظا بمستوى الجمال والكمال ذات��ه؛ فالدر عالقة له بالشعر وال بالقصيدة ،وهو ال يعبر من المنثور يحتفظ بجوهره الدري مكتمال ،كما كان قريب أو بعيد ،عن الشكل الخاص إلبداع جديد مشحون بالمعاني والصور الشعرية الناهضة من استبطان اللغة ،واالتكاء على نموذج غير مسبوق وال منظور».
54
اجلوبة -خريف 1429هـ
«ولو أننا قد نظرنا إلى قول ابن خلدون عن فن الشعر (الفصل السادس واألربعون من المقدمة)، لوجدنا فيه م��ا يمكن أن يحسم ال�ج��دل ،ويقنع ال�ن��اس بما ن��ذه��ب إل�ي��ه ،فلنتأمل ف��ي ق��ول��ه عن الشعر تأمال دقيقا «ولصعوبة منحاه ،وغرابة فنه، كان محكا للقرائح في استجادة أساليبه ،وتزيل الكالم في قوالبه (ال يقصد أوزانه كما سيتضح بعد قليل) ،وال يكفي فيه ملكة ال�ك�لام العربي على اإلط�ل�اق ،بل يحتاج بخصوصه إل��ى تلطف ومحاولة في رعاية األساليب التي اختصته العرب بها واستعمالها ،ولنذكر هنا سلوك األسلوب عند أهل هذه الصناعة ،وما يريدون بها في إطالقهم، فاعلم أنها -عندهم -المنوال الذي ينسج فيه التراكيب ،أو القالب ال��ذي يفرغ فيه ،وال يرجع إلى الكالم باعتبار إفادته أصل المعنى ،الذي هو وظيفة اإلعراب ،وال اعتبار إفادته كمال المعنى من خواص التراكيب ،الذي هو وظيفة البالغة والبيان، وال باعتبار الوزن كما استعمله العرب فيه ،الذي هو وظيفة العروض؛ فهذه العلوم الثالثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية ،وإنما يرجع إلى صورة ذهنية ،للتراكيب المنتظمة ،كلية باعتبار انطباقها على تركيب خ��اص ،وتلك الصورة التي ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ،ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال» واعتماداً على هذه الخلفية األصولية ،يصح أن يأتي الشعر منثورا كما ج��اء منظوما ،دون أن يخرج من كينونته الشعرية إلى أي نوع آخر من أن��واع األدب ،أو القول المختلف؛ وانطالقا
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
في هيئته المنظومة؛ حتى ول��و ب��دا لبعضنا أنه أح�س��ن منظرا بهيئته المنظومة منه ف��ي هيئة منثورة ،وهكذا هو حال الشعر سواء بسواء؛ فال نستغرب بعد ذلك ،أن يصف العرب القرآن الكريم بأنه «قول شاعر» وهم يعلمون أنه ليس منظوما كحال الشعر على عهدهم».
م��ن الخلفية ذات �ه��ا ،يمكن أن نتجاوز ذل��ك إلى القول إن الشعر ،دائما ما يكون تعبيرا عن شعور اإلنسان الوجداني ،في حين ما ع��داه من أنواع الكالم المختلفة ،يكون -في الغالب – تعبيرا عن اإلدراك العقلي ،الذي يحرص على استخدام داللة القول الحقيقية ،ويعمد إلى ترتيبه ترتيبا منطقيا ،يتناسب مع احتياجات الحقيقة والواقع، وهو أسلوب ال يناسب التعبير عن الشعور الذي ينبثق في الوجدان انبثاقا مشعا ،فينبث في الروح بكثافة ووض��وح وتناقض يمتنع على لغة العقل والبرهان ،ويستعصي على تلقائية القول واندفاق الحديث ،فيقذف الشاعر بروحه لتحترق بلهيب ال�خ�ي��ال ،لتخرج ش�ع��را يتوهج بوميض ال��دالل��ة وجمر الحروف ،سواء في ذلك عليه ،أكان منظوما أم صار منثورا. أم��ا وق��د ت��أك��دت لقصيدة النثر هويتها ،ولو من الناحية النظرية على األقل ،فعليها أن تقتحم علينا حياتنا الراكدة ،فشرعية األدب لدى العرب يجب أن تؤخذ كما السياسة غلبة وقهراً ،وهي لن ترقى إلى هذا المستوى من التسلط إال باكتمالها وجمالها. وي �ب��ادرن��ا ال �ش��اع��ر ال�ب�ح��ري�ن��ي ع�ل��ي عبدالله خليفة قائال« :إن إشكالية قصيدة النثر تكمن في أنها ولدت في مرحلة حاسمة من مراحل تطور القصيدة العربية الحديثة ،وقد أتاحت الجرائد والمجالت والصفحات الثقافية ودور النشر لها سانحة الحضور الدامغ ،حين فتحت الباب على مصراعيه لكل المحاوالت المتأرجحة بين أقصى الجدة وأقصى ال��رداءة ،فسرت النماذج الهزيلة في عتمة التخبط حاملة مشعل المبادرة ،ومتخذة من الحداثة والغموض األعمى شعارا فضفاضا لسطحية ثقافتها ،وت�ه��اف��ت موهبتها ،وأصبح القارئ العادي يحس أنه قادر على أن ينتسب إلى قبيلة الشعر ،من باب قصيدة النثر ،بمجرد أن
اجلوبة -خريف 1429هـ 55
يلغز ويغرب ويضرب بالحائط قدرة النص ،على أن يتحرك برشاقة بين فضاء المبدع (المرسل)، والمتلقي (المرسل إليه) ،لتكون نصوصه أشبه ما تكون بطالسم المشعوذين ،مدعيا انه قد صار بهذا النهج صاحب طريقة وله مريدون». «إن مشكلة قصيدة النثر تكمن في حاجتها الماسة إل��ى تنظير نقدي عربي يتقصى ميالد هذا الجنس األدبي ،وينظر للحدود الفاصلة بين هذا الجنس وسواه ،ويغربل هذا الكم الهائل من النتاج المنتسب إلى قصيدة النثر .فال يمكن بأي شكل من األشكال أن تكون قصيدة النثر– التي ه��ي عمل ذه�ن��ي خ ��ارج على التقاليد الهيكلية واإليقاعية الموروثة موئله القلب ،ويعتمد على الصدمة الشعرية التي تبدأ بالسريان في مخيال التلقي ،بعد إتمام آخر حرف في النص (بصرف النظر ع��ن مسمياته) – نتاجا عبثيا ينأى عن األص��ول وال �ج��ذور وال�ض��واب��ط .فهل يمكنني أن أمسك إزميل النحات وأضرب في حجر ضربات عشوائية ..وأقول هذا إب��داع؟! بل وأفرضه على اآلخر شاهرا في وجهه القول المأثور« :لم ال تفهم ما ي�ق��ال؟» .وأن��ت تسألين عن شرعية مصطلح قصيدة النثر ،فأنا أرى أنه مصطلح يجمع بين نقيضين :الشعر وال�ن�ث��ر؛ وأن��ا دائ�م��ا أن�ظ��ر إلى الشعر على أساس موسيقي ،أي أن الشعر شعر بتسميته وارتباطه المصيري باإليقاع ،والفرق بين الشعر والنثر كالفرق بين الرقص والمشي. وعلى العموم فإن ذلك ال يعني تهميش األعمال اإلبداعية التي كتبها شعراء متمكنون ،كان هدفهم حين ارتادوا فضاءات قصيدة النثر توخيا ألقصى التجديد والشعرية ،وليس عجزا عن كتابة عمل شعري موقع .وأنا هنا أقول لنشرع األب��واب لكل المحاوالت التحديثية والتجديدية ،كما ندع جميع الزهور تتفتح لكي نختار منها زهرتنا المفضلة. ألن كل نتاج فكري يمتلك بالضرورة بذور إندثاره أو استمراره».
56
اجلوبة -خريف 1429هـ
ويرى المترجم العراقي األستاذ الدكتور زهير مغامس بأنه قد «كثر الحديث مؤخرا عن قصيدة النثر بين أوساط المثقفين عموما ،والشعراء على وج��ه الخصوص .وانقسم الشعراء بين مناصر لها ،على أنها الشكل الجديد للشعر الذي ال بديل عنه ،وبين رافض ومستنكر لهذا الشكل (الطارئ الغريب)». «وما زال أوار المعركة مستعرا ،ويتأجج في كل مناسبة وحين بين المحدثين والمحافظين .وإني وان نقلت إلى العربية كتاب سوزان بيرنار (قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا) الذي يعد واحدا من أب��رز المراجع الغربية في ميدان قصيدة النثر، لكني س��أت�ح��دث ب�م��وض��وع�ي��ة ،ف�ك��ون��ي ن��اق�لا ال يعني بالضرورة أن أكون مناصرا .وإذا ما عدنا بذاكرتنا إلى الخلف ،وتصفحنا كتب تاريخ األدب، فإننا سنجد أن��ه ق��د حفل على ال ��دوام بمعارك مصيرية ،كالمعركة الشهيرة التي دار أوارها بين القدامى والمحدثين في فرنسا ،والتي وضعت أنصار التقليد وجها لوجه مع أعدائه ،أو معركة «صيرناني» التي سجل فيها الرومانسيون بقيادة فكتور هيجو نصرا حاسما على الكالسيكين من جماعة بوالو .وعليه فالصراع الحالي بين قصيدة النثر من ناحية ،وقصيدة الشعر من ناحية أخرى، يندرج في سجل الصراعات الفكرية والثقافية والفنية ،التي تحتمها مرحلة من مراحل النضج اإلنساني؛ أي أنها عالمة صحية ،يعيشها الواقع األدب��ي والشعري على وج��ه التحديد .ورب�م��ا ال ن�ك��ون موفقين ف��ي اس�ت�خ��دام م �ف��ردات تنم عن ال�ص��راع وال�م�ع��ارك ،أو االنتصار والهزيمة ،في الحديث عن مجرى الحركة الشعرية المعاصرة، وتطورها عربيا وعالميا؛ إذ أننا نتحدث في الشعر ع��ن مضمون وش�ك��ل ،أو قلب وق��ال��ب؛ ف��إذا كان المضمون هو ذاته لدى الطرفين ،فما جدوى أن يتغير الشكل؟ هَ بوا أن مصنعا ما ينتج هذه المادة أو تلك ،فما أهمية شكل العبوة التي تحويها كانت
هناك وصف لقصيدة النثر على أنها زهرة بال عطر ،أو كائن بال قدمين ،أو طائر بال جناحين. وهناك من فسر اللجوء إلى قصيدة النثر بالعجز عن نظم الشعر التقليدي .وهناك من ي��رى في قصيدة النثر تهديدا مباشرا للشعر؛ بل هناك من يتطرف فيعدها حركة استعمارية تهدف لإلطاحة بصرح الشعر الكالسيكي الجميل .وأنا أرى أنها آراء متطرفة تعبر عن مخاوف ال مبرر لها؛ فإذا كانت قصيدة النثر شكال مستوردا وطارئا على الشعر ،فلن تلبث أن تزول بزوال المؤثر والحاجة إليه؛ أما إذا كانت هي الشكل المرن ،الذي يهب الشاعر مزيدا من الحرية ،كي يعبر عن مكنوناته وأح��اس�ي�س��ه ،بعيدا ع��ن ق�ي��ود الشعر وسالسل البحور ،فما الضير في أن يتبناها الشاعر الذي مثلوه بنافورة تنثر ما بحوزتها من ال�م��اء؟ فهل ينبغي الحديث عن الماء أم عن شكل النافورة؟ وحسبنا أخيرا أن نستعيد فكرة التيار الكهربائي الذي تمثل به سوزان بيرنار الشعر ،والذي يعرفنا بالنور فجأة ،دون أن نكترث لشكل السلك الذي ينقله لنا». ويصحح الشاعر العماني سعيد الصقالوي هذه اإلشكالية بقوله :إنها «إشكالية قصيدة النثر بين المسخ الشعري والحلول النثري» ،ثم يسترسل مشيرا إلى« :أن تركيب هذا المصطلح غير سوي، ذل��ك أن��ه م��رك��ب م��ن كلمتين متغايرتين تمثالن إبداعين متغايرين شكال ،وبناء ،وأسلوبا ،وصياغة، وط��رح��ا؛ فمظلة الشكل النثري واس�ع��ة ،وتعبير أغلبها فضفاض ،وأشكاله السردية تشي بذلك. ولكن الشعر غير ذلك ،إذ يقتضي االتساق ،واللغة
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
صغيرة أو كبيرة ،مربعة أو مستطيلة أو مدورة، طويلة أو قصيرة؟! وكم مرة يعلن مصنع ما عزمه طرح مادته المصنّعة في عبوة جديدة ،ألسباب عديدة ،لعل أهمها جمالية الشكل الجديد ،وما ينطوي عليه من تأثير وجذب للمستهلك.
الشعرية المكثفة ،واإليقاع ،والموسيقى ،وتوقيعاته منسجمة في توافق غير مسموح اإلخالل به ،ولكن يسمح بإعادة تركيبه وبنائه في أشكال جديدة، وتنويعات عديدة متوافقة ومنسجمة .أما اإليقاع في الجمل النثرية فمشتت ،والموسيقى في جسده غير نابضة ،والنثر كطريقة تعبير عن تفاصيل أغلب المناحي ،ينطوي على طاقة متفجرة؛ ولذا فإن إلصاق النثر بالشعر تعسف ،وإلصاق الشعر بالنثر تهميش لهذا العمل اإلبداعي ،والذي يتحرى التحويل الداللي في مراجع البالغة وفقه اللغة للفظة (قصيدة) أو (قصيد) ،سيمسكك باإليحاء والتصريح المقصود منها ،فالنثر وإن كان حسنا، شريفا ،دريّ المعاني ،إال أنه ال يشترك مع الشعر إال في استخدام األلفاظ وال�ح��روف والكلمات، ولكنه ينأى عنه في خصائصه .واألمم والحضارات تفرق بينهما .لقد هيأ تركيب ه��ذا المصطلح المشوش والملتبس مجاال فسيحا للمتوهمين، وجهز شركا أوق��ع بالموهوبين ،فضاعت أصالة اإلب��داع الشعري ،وغامت تجليات القول النثري. ومن بين هذا الزحام ،تظهر أعمال جميلة تنسب إل��ى مالمح الشعر ،وتنتمي أكثر قسماتها إلى النثر .ولذلك فمن األول��ى أن يمتلك ه��ذا الفن القولي مصطلحه الخاص ،يحدد شكل مالمحه وهيكل بنائه ،ونمط خصوصيته ،ويعطيه إمكانية الديمومة ،إل��ى جانب األش�ك��ال القولية األخ��رى كالقصة ،وال��رواي��ة ،والشعر ،والمقالة وغيرها؛ فيتحرر م��ن التعلق ب��أه��داب األش �ك��ال األخ��رى، ويصبح جنسا له مبدعوه وعشاقه .ووصوال إلى الغاية في هذا الصدد فإني أرى أن ينضوي تحت مصطلح النثيرة ،فهو مصطلح غير مضاف إلى فن قولي آخ��ر ،وبوصفه أكثر جنوحا إلى النثر، ومن حيث الداللة فانه يشير إلى قول رفيع ،إذ أن نثار الذهب ،ونثير الدر ،يدالن عليهما؛ كذلك فإن مصطلح النثيرة يدل على مستوى رفيع من النثر، يستثمر الشعر واس�ت�ع��ارات��ه وم�ج��ازات��ه ،دون أن
اجلوبة -خريف 1429هـ 57
يكون مسخا عنه ،فيمتلك هويته األدبية ،والقولية. ومهما تقمّص أحدهما اآلخر ،وح ّل في مالمحه، يبقى الشعر مشعا في جوهره ،ويبقى النثر مشرقا في فضائه .ومن الصعب القول بالنثر بديال عن الشعر ،أو االكتفاء بالشعر بديال عن النثر ،فلكل منهما دوره الفاعل في انتفاضة الثقافة ،وفي فكر اإلنسان وحركته وتطوره». ويؤكد الناقد العراقي األستاذ الدكتور صبري مسلم «أن مصطلح قصيدة النثر يحمل تناقضاته منذ عنوانه ،إذ يجمع بين جنسين أدبيين أحدهما: القصيدة التي تتطلب شكال منظما له مرجعيته العريقة في تاريخ الفن اإلنساني ،واآلخ��ر النثر الذي ال يشترط فيه أن يخضع لتقاليد عروضية أو أسلوبية معينة ،وه��و ت�ض��اد تنبّه إل�ي��ه رواد قصيدة النثر الفرنسية فقسموا قصيدة النثر من خالله إلى نمطين ،أولهما :القصيدة الشكلية التي كتبها شعراء مولعون بخلق شكل منظم لقصيدة النثر ،في حين أن شعراء التمرد الساعين إلى تحطيم أي شكل ش�ع��ري تتموضع فيه قصيدة النثر ،توصلوا إل��ى (القصيدة /اإلش ��راق) التي تمحو حدود الزمان والمكان .وال يخفى غموض مصطلح (القصيدة /اإلش���راق) ،وت�ع��ذر تحديد أبعاده ،وهو يذكرنا بألفاظ المتصوفة وتهويماتهم ف��ي ت��اري��خ ال�ق�ص�ي��دة ال�ع��رب�ي��ة .ول �ك��ي تستوعب قصيدة النثر هذين النمطين المتضادين ،فإن رواد قصيدة النثر برروا اجتماعهما ،بأن الشعراء الذين يتجهون صوب قطب النظام أو إلى قطب الالنظام ،سوف ينتهون بالشكل الدائري ،أو بشكل اإلشراق ،أو يتجمعون في عائلتين روحيتين .وهذا تبرير طريف ،إال أنه ال ينطبق على قصيدة النثر العربية ،مع انه يضيء جذرها األوربي ،بيد أن من المؤكد أن ثمة هموما مشتركة وسمات متقاربة، فقد وصفت قصيدة النثر األوربية بأنها من أكثر أش �ك��ال الشكل المعاصر ح��داث��ة وغ��راب��ة ،وقد تعرض الدارسون هناك إلى حاالت شبيهة ،بما
58
اجلوبة -خريف 1429هـ
نشهده في الساحة األدبية العربية اآلن ،والسيما ف�ي�م��ا ي�خ��ص ال��س��ؤال ال�م�ه��م ال ��ذي ي �ت �ب��ادر إل��ى األذهان كثيرا وهو :لماذا يلجأ شاعر متميز من شعراء هذا العصر مثل أدونيس ،أو نزار قباني، أو محمود دروي��ش ،أو عبدالعزيز المقالح ،إلى تقنية قصيدة النثر وهيكليتها الفنية ،في حين أن أي ش��اع��ر م��ن ه��ؤالء مقتدر تماما على أن يكتب قصيدة التفعيلة ،أو حتى قصيدة الشطرين بمهارة عالية .وهنا يحق لنا أن نستنتج أن في النثر قدرا من الجاذبية الشعرية التي ال يحققها الشكل الشعري المألوف ،وتنطوي قصيدة النثر على ت�م��رد م��ن نمط خ��اص ،وإال ل �م��اذا يقتحم عالمها شعراء عُرفوا بإتقان القصيدة الموقعة، ك�ب��ودل�ي��ر ورام �ب��و وم��االرم �ي��ه واي��ل��وار وس��واه��م. وي�ت�س��اءل لودانتيك ع��ن ه��ذه اإلشكالية قائال: ت��رى هل شعراء القصيدة الموقعة الكبار فقط هم القادرون على أن يكتشفوا في النثر السحر واالئتالفات التي ال يوحي بها مقياس تعسفي؟ صحيح إن شاعرا مثل محمد الماغوط أو قاسم ح��داد قد ع��رف من خ�لال قصيدة النثر بدرجة أساس ،بيد إن لقاسم حداد على سبيل االستدالل تجارب في قصيدة التفعيلة تشهد بقدرته في هذا المجال ،ما يدل على أن اتخاذه هذا الشكل الشعري أساسا في بناء قصائده ،ال يدل على أنه ينتقي الدرب السهل ،ويذر محنة نظم القصيدة الموقعة بنمطيها الشائعين (أعني ذات الشطرين وقصيدة التفعيلة) ،بل إن ذلك مبعثه هاجس آخر، وهو البحث عن كون شعري خاص .وألن قصيدة النثر تتخذ من الالشكل شكال لها ،ف��إن أفضل ط��ري�ق��ة ل�ل��وق��وف ع�ن��د خصائصها ،ه��ي دراس��ة النماذج الجيدة ،والوقوف عند صلتها بالصورة الشعرية الطريفة ،ومحاولتها التعويض عن غياب اإليقاع فيها ،وإن كانت ال تعاني من اإلحساس بالنقص في تكوينها الجديد ،بل تحاول االكتمال عبر تقنيات أخرى ،لها صلة بطبيعة ريادتها أكوانا
ويشير الشاعر المسرحي والناقد السوري هيثم يحيى الخواجة إلى أن «قصيدة النثر لم تنبثق من فراغ ،ألنها نتاج لمخاضات عصور سابقة لها، وألنها صورة من صور إبداع هذا العصر ،طالما عبرت وتعبر عن مكنونات ومشاعر اإلنسان الحي. وحتى تكتسب هويتها وتميزها ومالءمتها للحياة المعاصرة زين أهابها الغموض ،وطرزت أهدابها الرموز وال ��دالالت ،فاشرأب عنقها نحو الفكرة فأوغلت في الخطاب الفلسفي دون أن تنسى أثر الوجدان ،وبذلك اكتسبت شرعية الوجود .جاد فيها شعراء معروفون ،وعمقوا مجراها ونهضوا بمفاتنها لتدخل نسيج الشعر معنى ودفئا وصدقا ومنحى .كل ما تقدم أعطى قصيدة النثر جواز سفر ممهور باإلبداع الحقيقي ،وفسح لها المجال لتكون جنسا إبداعيا راقيا». «إن ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر ذات ال �ق �ل��ب ال �خ��اف��ق تألقت على يد مبدعين ،كان منجزهم الشعري راقيا ،فشاعرها يتحد بالمحب ،ويكبر الفاعل المقدام ،ويعرف قيمة الغموض والرمز والداللة واألسطورة ..يتطلع ألن يكون اإلنسان جوهرا في صراعات الحياة ،وتناقضاتها وجمالها وصفائها. إنه يسعى وراء النبض ،ويكره التكلف والمباشرة واالف�ت�ع��ال ..ينأى باللغة عن التكلس والجمود، ويفلسف األح��داث ،ويميل إل��ى ال��درام��ا ،يرفض ما يريد ويقبل ما يريد ..يعنى بالزمان ،ويتماهى بالمكان ،ويحمل في جعبته التراث واآلثار والتاريخ والتضاريس اإلنسانية والطبيعة واأللق والسحر والجمال ..يغوص في مسامات ذلك كله؛ ليبدع نصه ،ويثري بنيته الشعرية والشاعرية ،ليظل نصه حيا مضيئا ومشتعال ومتوهجا ،ال من أجل األنا فحسب ،بل من اجل أل (أنا +نحن) ..من
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
شعرية ب��اه��رة ،فضال ع��ن لجوئها إل��ى أقصى الطرافة والغرائبية في تشكيل أجوائها الشعرية، بعيدة التأثير في الذائقة الشعرية المعاصرة».
أج��ل الحلم والحياة والجمال والحقيقة والعدل وال� �ق ��وة ..ي��رب��ط ش �ع��ره ب��ال�ع�ل��م ،وي�ج�ع�ل��ه زاه�ي��ا بالعاطفة ،وال يتخلى عن فضاء المخيلة والبؤر المركزية األول��ى للفكرة ..ينقد الموقف ،ويميل إلى الومضة الروحية ،لتكون مادة القصيدة التي يدعمها التخصيب بالحكمة والعقل ،بعيدة عن الهشاشة والمباشرة مكتنزة بالتناص ..ومفعمة باشراقات الذات». وي��رى الصحفي اليمني ج�م��ال أن �ع��م(« :)3أن قصيدة النثر -وبعد أربعين عاما من التنظير والشعر وال�ن�ض��ال -م��ا زال��ت مطعونة النسب، تعاني من قلق التجنيس واضطراب المصطلح، وتبحث عن ناقدها وقارئها وشاعرها أيضا». «وه ��ي ف��ي ب�لادن��ا ف��ي م��رح�ل��ة تخلف طويلة األم��د ،والمولود منها س��واء في الثمانينيات أو التسعينيات لم يتخط عقبات المحاولة .والملفت في األمر تراجع المجددين ،فمن بشر بها باألمس، يعلن اليوم وفاتها بالسكتة الشعرية .والخارجون األوائ��ل منهم من ع��اد إل��ى كنف الخليل ،ومنهم م��ن وق��ف عند ال �ح��ر ،وبعضهم ط�لّ��ق القصيدة عمودها وحرها ونثرها طالقا بائنا ال رجعة فيه. أنا لست مع الناعين ،وال مع المتعصبين الغالة، فثمة ش�ع��راء كبار كتبوها ع��ن موهبة واق �ت��دار، ففرضوها على ذائقتي العتيقة ،وعلى يدهم آمنت بها قصيدة النثر على ال��رغ��م م��ن أن��ف الخليل وأتباعه العموديين والتفعيليين ،وصارت القصيدة المدللة وص��اح�ب��ة ح�ظ��وة ف��ي ساحتنا األدب �ي��ة، يحسدها عليها فحول العمود ،ومخضرمو الحر، وثمة مشعوذون ومهرطقون حولّوها إلى طالسم ال تصلح حتى لحفالت (الزار) .واألمر باختصار أن قصيدة النثر بحاجة إل��ى مبدعين موهوبين يفرضون عطاءاتهم ب�ق��وة وب�م��ا فيها م��ن إب��داع وفنية». ونختتم ه��ذه ال���رؤى وال �ش �ه��ادات ،ب�م��ا أك��ده
اجلوبة -خريف 1429هـ 59
الشاعر والناقد والصحفي العراقي عبدالرزاق الربيعي ،حين أشار قائال« :لست مياال للدخول بمثل ه��ذه المناقشات ،ألنني كثيرا م��ا ك��ررت: إن القصيدة هي التي تفرض شروطها وشكلها، وفق قانون اللحظة الزمنية لصيرورتها ووالدتها وتحولها من رؤى تتزاحم في المخيلة ،إلى كلمات ملغومة بطاقة جبارة على أرضية القصيدة... خ�ص��وص��ا ب�ع��د أن ت��دع��م ب��رغ�ب��ة م�ل�ح��ة بتغيير األداء التعبيري ...ورب�م��ا يشاركني العديد من الشعراء هذه الرغبة ...ويوما بعد آخر ،تتحول الرغبة إلى حاجة ذاتية متأصلة بالنفس ،عندما يكتسح الشاعر إحساس بأن هذا الشكل يجعله يسبح ف��ي ف�ض��اءات ال متناهية ...حينها فقط تكتسب (قصيدة النثر) شرعيتها كتجربة كانت وليدة حاجة ذاتية أملتها قوانين ال�ض��رورة ...ال مجاراة لما يكتب وينشر وفق قانون (االستسهال)، لكن الذائقة العامة سرعان ما (تهمشها) ،ألنها خرقت قوانينها التي تربت عليها ..ومن هنا تنشأ اإلشكالية ...إن الشاعر الحقيقي هو الذي يقيم في المستقبل –كما يتفق الجميع – وهو الذي يصنع الذائقة ،لذلك وجب عليه تحطيم حدودها التقليدية وأط��ره��ا البالية كشرط أول للنهوض بها ،لكي يكتسب نصه (شرعيته) مقاوما عوامل (التهميش) ..وتبقى هذه اإلشكالية قائمة حتى تصبح قراءة (قصيدة النثر) ضرورة وحاجة مثلما هي لدى الشاعر ..وه��ذا يحتاج تنظيم تظاهرة حضارية وصوال إلى عتبة بوابة المستقبل».
هذه الرؤى االنفتاح على قصيدة النثر ،بوصفها شكال طريفا ،ول��د ج��راء الرغبة الجامحة في التحرر ،واالنعتاق من سالسل العروض وأعراف اللغة وتقاليد المكرور ،وعبر مخاضات متوالية رفدتها المواهب الحقيقية مثل( :أدونيس ومحمد ال�م��اغ��وط وأُن �س��ي ال �ح��اج وعبدالعزيز المقالح وقاسم حداد) ،عصارة نتاجها الباحث عن الشكل األج��د والقولبة الطريفة الالفتة؛ فحفرت لها نقوشا مميزة في أفقنا الثقافي المعاصر ،وهو ما جعلنا نردد ما أوردته سوزان بيرنار ،وهي تنظر لقصيدة النثر على لسان فكتور هيغو« :ليذهب الشاعر اذاً حيثما شاء ،ويعمل ما يحلو له ،هذا هو قانونه ...وسواء كتب نثرا أم شعرا ،سواء نحت في المرمر أم صب تماثيله من البرونز ...فهذا رائع، والشاعر ح��ر»( .)4ويأتي ف��وز الشاعر البحريني قاسم حداد بجائزة العويس عام 2001م – هذا الشاعرالمولود ع��ام 1948م ،وال��ذي أخ��ذ ولعه بقصيدة النثر مساحة الفتة في نتاجه الشعري ليؤكد حقيقة مفادها أن الومضة اإلبداعيةالتي تفلح في أن تخترق الحواجز الفاصلة بين المرسل (المبدع) ،والمرسل إليه (القارئ) ،تسمو على قولبتها الشكلية وقوانينها البِنائية .وهو ما يعكس ضمنا مباركة المشهد الثقافي العربي
وفي خاتمة هذه الحوارية ،يُستقى من عموم لواقع قصيدة النثر ومستقبلها. * رئيسة قسم اللغة العربية والدراسات اإلسالمية في جامعة ذمار -اليمن. ( )1علي جعفر العالق ،األعمال الشعرية الكاملة ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،1998المقدمة (الشاعر مكسوا بغيوم اللغة) ،ص.15 ( )2محمود أبو األنوار ،التراث الشعري ودوره في مراحل تطور الشعر العربي ،مجلة عالمات في النقد ،ج 5مج ،3مارس 2001م ،ص 340وما بعدها. ( )3ثقافية (تعز) ،العدد ،115الخميس 2001/10/25م. ( )4سوزان بيرنار ،قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا ،ترجمة :أ0د0زهير مغامس ،دار المأمون ،بغداد ،1993ص161 وما بعدها.
60
اجلوبة -خريف 1429هـ
المحروم ك��ان يسكن ف��ي الشقة المالصقة لشقتي، ويعمل موظفاً في بنك شهير .ال يتورع أن يطرق بابي في ساعة متأخرة من الليل ،متعلال بنفاد سجائره .أعطيه سيجارة .يعاود الكرة في يوم آخر ،ليقترض عشرة جنيهات ثـم ال يردها أبدا. كثير الثرثرة فيما ال يفيد .بمقدوره أن يتحاور مع البواب لنصف ساعة حول أمر يتعـلق بمساهمة رمزية في نفقات صيانة المنزل .أتحاشى ماللته القاتلة قدر إمكاني مراعيا حق الجيرة. وأسمع صوت زوجته في المساء ،وهى تصيح معترضة على محاسبته إياها فيم أنفقت مصروف البيت بالتفصيل الدقيق .بعد وفاته بأشهر قليلة، فوجئت بعربتين -من أحدث الطرز -تنضمان إلى جراج المنزل .األولى يقودها ابنه ،والثانية تقودها ابنته .أما الزوجة ففضلت إيداع ميراثها في البنك ،وتزوجت من رجل عرف بالسخاء.
الوزير ك��ان يعمل س��ائ�ق�اً لعربة موظفي الشركة. شهد له الجميع بحسن الخلق والطبع الهادئ وح�ل�اوة المعشر ،حتى اخ �ت��اره رئ�ي��س الشركة ليقود له عربته .ويذاع خبر بقرب زيارة الوزير، حين ينصب اهتمام رئيس الشركة على نظافتها، وتجميل مدخلها ،بعمل حديقة ف��ي الواجهة. تفرغ السائق خالل النهار لإلشراف على إنشاء الحديقة .لم يعرف أحد هل كان ذلك بتكليف من
> سعيد س ــالم*
رئيس الشركة أم انطالقاً من تلقاء نفسه.
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
الظـاهر والبـاطن
انقلب إل��ى كائن آخ��ر يشخط فى العمال، وي�ه��دده��م بتوقيع ال �ج��زاءات عليهم .سخروا منه وأطلقوا عليه لقب وزير الزراعة .تصاعد تعطشه للسلطة دون امتالك مقوماتها ،فازداد اس �ت �ب��داده وتسلطه وك��ره��ه للجميع م��ن بعد حب ،وذات صباح أصابه مغص مفاجئ فمات ودفن.
الشفاء ارتكب ما استطاع من الفواحش فى حياته، لكنه لم ينس في كل مرة أن هناك يوماً للحساب، ولقد صدق توقعه حين صدر قرار بإعفائه من منصبه الكبير ،وتعيين مساعده بدالً منه .أيقن أن الله سريع الحساب ،لكنه لم ينج من أزمة قلبية عنيفة شلت سرعته المجنونة في الحياة. ها هو الحساب الدنيوي قد ج��اء مبكراً ،ربما ليكفر عن ذنوبه في اآلخرة ،وربما ألن الله يحبه حتى أنه عجل بعقوبته بهذه الكيفية. استعان بالصبر وال�ص�لاة ،لكن هزيمته في الدنيا أره�ق�ت��ه ،فلم يستطع تحملها .وعندما استرد قسطاً ال ب��أس به من صحته ،استبدل بالجري ،الهرولة إلى الدنيا قدر استطاعته .بذل الغالي والرخيص حتى تحققت أمنيته ،وعاد إلى منصبه وسط أشالء الضحايا والمقهورين .شعر أنه ملك الدنيا ،وأنها تدين له بالطاعة والوالء. صلى لله شكراً ومات على سجادة الصالة.
* قاص من مصر
اجلوبة -خريف 1429هـ 61
حلول لم أعد قادرة على استكمال ذاك الحوار الثقافي الذي دار بيني وبين معتز ،صاحب دار النشر؛ لقد جمَد صوتها تفكيري واستنفر م�ش��اع��ري .قمت ع��ن الكرسي واتجهت إل��ى المحل المقابل ،حيث مصدر الصوت ،وكذلك فعل معتز وضيفه الوقور, ومن خالل واجهة المحل الزجاجية استطعت رؤيتها .كان صوت استغاثتها عميقا ،وصدى موائها يخترق جدران المحل الخاوي إال من نافذة صغيرة أعلى الجدار. كانت عيناها المستديرتان تدوران في محجريهما ,وهي تذرع المحل جيئة وذهابا تارةً ,وتحاول القفز تجاه النافذة تار ًة أخرى, لكن سرعان ما يرتطم جسدها الصغير بالحائط ،فتسقط، لتعاود محاوالتها البائسة من جديد ،ولكن ،بجنون أكبر.. يا حرام!.. كيف دخلت هذه القطة الصغيرة إلى المحل؟! ربما عبر نافذة التهوية.. ولكن كيف السبيل إلخراجها؟ ات�ص�ل�ن��ا ب�ص��اح��ب ال�م�ح��ل وأخ �ب��رن��اه ,س �ي �ح��اول ال�م�ج��يء إلخراجها. وإذا لم يأت ..ما هو الحل..؟! تجّ مع المارة عند الواجهة الزجاجية وكل منهم يدلي دلوه رحمة وشفقة على هذا المخلوق الضعيف ،ينظر إليها بعينين حزينتين ،وسرعان ما ينصرف.. عدنا إلى دار النشر ..وحاول معتز استئناف الحديث -وفي ه��ذه األثناء وص��ل المراسل حامال أك��واب القهوة البالستيكية الصغيرة ،ووضعها على المكتب ،ثم غادر. اتصلنا بصاحب المحل ...ال تقلقي!! لكن كلماته لم تجد عندي أي أذن صاغية. علينا أن نجد حال.. قمت من مكاني ،وخرجت من المبنى ،ودرت حوله حتى وجدت نافذة المحل ..يا إلهي! كيف دخلت هذه القطة الشقية إلى هناك عبر هذه النافذة الصغيرة! ومن هذا العلو الشاهق! ب��دأت أفكر بطريقة بوليسية تشبه إل��ى ح��د كبير طريقة * قاصة من األردن.
62
اجلوبة -خريف 1429هـ
> إميان مرزوق*
شارلوك هولمز ،أو ربما المحقق كونان! ال بد أن القطة قد قفزت إل��ى النافذة عبر درج الطوارئ الحديدي ،المعلق على جسد المبنى بمحاذاة المحل ..نعم لقد قفزت ،ولكنها ال تتمكن من الخروج! معتز ،كان إلى جانبي يستمع إلى تحليلي دون تعليق. عندي فكرة إلن�ق��اذه��ا ..س��وف أصعد ال��درج ال�ح��دي��دي.. وأرم��ي ش��اال داخ��ل النافذة ،وأثبته من ال�خ��ارج ،وهكذا تتسلق القطة الشال المتدلي حتى تصل حافة النافذة ،ثم تقفز إلى الدرج ..تماما كما دخلت ..والله إنها فكرة! ولكن من أين لي بالشال؟! آه ..يمكننا استعارته من محل النوفوتيه المجاور. لكن صاحب المحل خرج منذ زمن. ما الحل؟ ربما تموت القطة إذا بقيت على هذا الحال حتى الغد ,وإن لم تمت ..حتما ستصاب بالجنون!! ما العمل وقد قاربت الشمس على المغيب!! وبدأ الدم يغلي في عروقي وأصبحت عاجزة عن التفكير. عدنا إلى داخل المبنى ,ووقفت قبالة الواجهة الزجاجية للمحل.. لكني لم أعد أسمع صوت القطة! جُ �ل��ت بعيني ال�م�ح��ل ال�ص�غ�ي��ر ,ن�ظ��رت إل��ى معتز وسألته بذهول: أين القطة! أين اختفت؟ لقد خرجت( ..أجاب الضيف بهدوء) حتماً تمزح ،وهذا ليس وقت مزاح.. بدأت انزعج من برودة أعصابه.. لقد خرجت. كيف خرجت؟! أنا أخرجتها.. أنت!! ..كيف؟ باب المحل كان مغلقا ولكنه ليس مقفال ...أدرت المقبض فانفتح الباب وخرجت...
أمسكت بإبرتي وقماشي ،وأمامي نموذج من الزهور، ب��دأت بتطريز القماش ،وعندما انتهيت ..دهشت لما فعلته يداي!! ال توجد زهور أمامي ..ولكن كلمة واحدة فقط (حرية) وضعتها جانبا ..وبدأت من جديد بتصميم الزهور وبقطعة قماش أخرى..
لقد صعقت عندما رأيت شبه الجزيرة العربية أمامي، واخ �ت �ف��اء ال ��زه ��ور ..م��ا ب��ال عقلي وي� � �دَيَّ ..أي�ع�ق��ل ما أفعله..؟ سأبدأ من جديد ..فأنا قوية العزيمة..
رميت قطعه القماش ،وبداخلي رهبة مما فعلت!!
من هذا الرجل -البشع الوجه -الذي طرزته يداي على القطعه الثالثة.. ياااه ماذا يصنع عقلي!؟ ما الذي يريد إيصاله؟!
وقبل البدء بالقطعة الرابعة ،وج��دت س��ؤاال يتردد في داخلي ..نعم يتردد ..دون إجابه..
حاولت أن أتجاهله ،وأكمل عملي ..لكنه ألح بالسؤال والتردد.. حرية العرب بيد من؟!
ال اعتقد يا معلمتي أنني سأنجز عملي لسنين طويلة..
صرخة أنثى.. سأصرخ بأعلى صوتي..
قف !..ال تتمادى أكثر ..فها أنا أقف بكل قوة وكبرياء، ألمنع تلك المسرحية الهزلية..
اليوم سأمنع طأطأة الرأس واذالله ..إنك تجهل عصرنا.. فلسنا في عهد السلطان والجاريه.. في عصرنا حرية األفكار واألقوال في كل ما يجول في عالمنا ..فأنا أدرك تماما ما يطلب مني ديننا.. لست في عصر أرفع فيه يدي ألستأذنك الحديث...
كفاك سلطة وجبروتا ..فأنا أعلم أنك رجل!
> بشاير فارس*
هنالك حدود ..فهل سمعت بها؟! ..أم أنك الرجل الذي ال يعترف بتلك الحدود!! وال تعرف إال حدود دولتك!!.. أتمنى أن يكون لعالمي حدوده..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
اختفاء الزهور..
تشبث األلم.. أناجي األل��م في داخ�ل��ي ..ففي داخلي أل��م ..أناجيه.. أسأل عن مكوثه ..عن رحيله!!.. ويرد ساخرا.. مهال سيدتي ..فالوداع قريب ..ال تتعجلي فراقي.. عندما تلفظين أنفاسك ..أرحل.. ولك مني السالم.. أيعقل أن تقذف بي إلى الجحيم؟ ال بأس ..افعل ما يحلو لك!! فسأظل تلك الشجرة التي تذبل وت�م��وت وه��ي واقفة صامدة..
براءة تلطخت بالسواد.. تنظر براءة للوحوش على أنها دمى تبتسم لها!! تبادلها االبتسامة ..فتسقط تلك االبتسامة شهية داخل وحوش خفية ..لكن ..بمجرد االقتراب منها تتكشف أنيابها.. لتفر هاربة تبحث عن األمان.. تدخل الكهف ظان ًة فيه األمان والسالم ..لكنها صرخت وصرخت ..حيث أدركت أنها في مأوى الوحوش.. صمـت قاتل ..تخرج بال وعي ..وقد مزقت ثيابها ،ونزف قلبها دما ممزوجا باآله والندم. تنظر إل��ى ال�ح�ي��اة ..نظره خالية م��ن ال�م��اء والشجر.. خالية من طعم الحلوى.. كان ذك أول جراحها ..وأصعبها.. خطيئتها فقط ..أنها ابتسمت..
* قاصة من السعودية.
اجلوبة -خريف 1429هـ 63
دمـــى» ُ «بيـــت ال ُّ
> فاطمة املزروعي*
بيتنا صغير ،فيه حديقة ،ولدينا أرجوحة ،أنا و«دانة» نحب اللعب فيها.
والدي يتعب كثيرا ،منذ الصباح الباكر وحتى المساء في عمل شاق ،أمي تحيك لنا مالبسنا ،تطبخ ،وترسم لي على لوحاتي أشياء أحبها :بطة تسبح في بركة ،سمكة تغني مع صديقاتها .جميلة هذه السمكة ،أحبها ،وتلك األلوان المبعثرة على وجهها تضحكني ،ها ..ها ..ها ..ها ..تمسك «عبير» القلم بين أسنانها الصغيرة ،تنظر بعينين بريئتين جالس على طاولة إلى الكراسة التي بين يديها ،تعود ،تقلبها ،تنظر إلى غالفها بحيرة ،ترمق وجه دبٍّ مقطب الجبينٍ ، الطعام.. -أمي ،ألم ينته إعداد الغداء بعد؟ أنا جائعة.
انتظري قليال يا «عبير» ،لم ال تلعبين مع شقيقتك«دانة»؟
نصف وجه «دانة» يطل من خلف الباب ،تلوح بيديهابمرح ،ثم تندفع بين األوراق المتناثرة على األرض لتنام بجوار أختها ،ترفع عيناً واحدة ناحية أوراق «عبير» ،تزيحها «عبير» بيديها ،ابتعدي لن أجعلك تقرئين مذكراتي! تتقافز مالمح الغضب في وجهها؛ فتتكوم في طرف الغرفة ،محملقة بين أكوام الورق على السرير.. ح�س�ن��ا ،ل��ن ت��ذه�ب��ي م�ع��ي إل��ى حفلة ع�ي��د ميالد«سارة»؟
تترك دفترها جانبا ،ويقترب وجهها من وجه «دانة»، مهالً ..لم نتفق على ذلك! تخرج «دانة» من الغرفة غاضبة، أنا ال أحب فضولها ،تريد أن تقرأ ما أكتبه« .سارة» فتاة ثرية ،وبها شيء من الغرور في سلوكها ،لديها منزل كبير، وخ��ادم��ة ،ومالبس ج��دي��دة ،وال��ده��ا ليس ك��وال��دي ،لديه أموال كثيرة ،وسيارة فاخرة ،وسائق ..ولكنني أحب والدي ألنه يتعب من أجلنا.. في حفلة عيد ميالد «س��ارة» وقفت األختان تنظران بدهشة إل��ى ما حولهما ..كانت حقا حفلة هائلة ،فيها الكثير من الكعك والبالونات والهدايا ،ولكن كعك أمي أفضل كعك في العالم ،وفستان «سارة» جميل جدا... يرمقها الدُّب بنظرة بلهاء..
تلتف الصغيرات حول «س��ارة» -وهن سعيدات بها، فرحات بعيد ميالدها -يقدمن لها الهدايا ...أحسست * قاصة من اإلمارات.
64
اجلوبة -خريف 1429هـ
بقدميّ ترتجفان وأنا أقدم الهدية أمام الجميع لها ،لم يكن معي شيء أهديه لها ،سوى دميتي التي أهدتني إياها خالتي في عيد ميالدي ..نظرة الالمباالة التي ظهرت في عيني «سارة» لهديتي جلبت لي اإلحباط ،خاصة عندما دخلت الخادمة ،وفي يديها صندوق كبير .وقفت «سارة» أمام صديقاتها ،وقالت بلهجة آمرة ،أكثر ما فيها هو الثقة بوجودها األكيد على الكرة األرضية« :سوف أريكم هدية والدي» .يبدو أنها غالية الثمن ،ترى ما هي؟ دمية كبيرة تتحرك وتغني وترقص !..ترتفع أصوات االنبهار من أفواه الصغيرات ،والخادمة ترفع الصندوق ،ومالمح الهدية تتضح ،إنه بيت ،منزل صغير جميل ..به مقاعد وغرف وصالة..، «دانة» تقف إلى جواري تحملق في بيت الدمى ،بينما «سارة» والباقيات يضحكن وهن يتناولن الكعك ..ونظراتنا أنا وأختي ما تزال تتجه ناحية بيت الدمى.. يدي تحتضن يد شقيقتي ونحن نغادر منزل «سارة». رأيت ما رأيته؟ إنه رائع ،جميل .هل ِ ما رأيك بييت الدمى يا دانة؟ نعم. وانطلقنا إلى المنزل فرحتين.. أمي ،هيا أنا جائعة؟ أريد أن آكل؟ تحتضن الدفتر ،وتضع رأسها عليه ،وط��رف عينيها يتجه ناحية الدب على صورة الغالف ،وهو يلتهم الطعام بنهم ووالدته تقف بجواره سعيدة به. ٍ
> شمس علي*
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
امرأة خلف النجوم!
لطالما حدثنا عن مآثرها بزهو ،ونبرة صوت تفيض حباً ملك عليه حواسه ،وها هو يغادرنا ،لتحل هي عوضاً عنه. تركتْ قريتها النائية وجاءت لإلقامة معنا ،كنتُ أتحرق شوقاً للقياها ،ومعايشتها عن كثب، لكني صدمت بها!؟ إنها حبيسة غرفتها ،صامتة صمت القبور ،تتعامل معنا بجفاء ،وكأننا ال نعنيها شيئاً. ذات ي��وم ..حملتُ إليها طعامها ،دلفتُ
فواجهتُ به أمي ذات ظهيرة :ترى هل أحبتْ
إلى غرفتها المكتظة بمتاعها الذي صحبته
جدتي أب��ي كما أحببناه..؟ لكنها لم تلتفتْ
معها ،وأص��رتْ على إبقائه قربها ،رغ��م أن
إليَّ ،وكانت تقلب الطعام بملعقتها الخشبية
ُجله من سقط المتاع؛ مكَنة خياطة يدوية الطويلة ،واكتفت بالقول: عبثت ب�ه��ا األي� ��ام ،حصير طُ ��وي ب��إح�ك��ام، وُأس �ن��د ل�ل�ج��دار ،ج��رت��ان م��ن ف�خ��ار وضعتا بعناية تامة ف��وق المنضدة ،بعض األوان��ي النحاسية المخضرّة ،وصندوق خشبي عتيق، نُقشتْ عليه بعض الزخارف البسيطة.
ول َم ال؟! وهو ولدها الوحيد الذي رزقتبه بعد خمس فتيات! إجابة غير مقنعة ..فلو كانت قد أحبته، ل َم ال تبكيه!؟ ِل َم تتعامل معنا بهذا الجفاء!؟ وهو ال��ذي حكى عنها األساطير ،وما يزال
وضعتُ الطعام قريبا منها ،إلى جانبها،
صوته الحاني ي��داع��ب سمعي ،وص��ورت��ه ال
تنبهتْ لوجودي لحظة حركتْ يدها ليلسعها
عنها ،دون أن يثنيه ع��ن ذل��ك غير صوت
وهي المستلقية على سريرها ،شاردة الذهن .ت�ف��ارق مخيلتي ،وه��و يستطرد ف��ي حديثه
طبق الحساء الساخن ،أدارتْ وجهها نحوي،
األذان المحبب إليه ،لكأنه آخ ٌذ في الحديث
ورمقتني بنظرات متفحصة أربكتني بها ،ثم عن قديسة وهو يقول: أشاحت به عني!
-جدتكم تقيّة إلى أبعد الحدود ،فحينما
ث�م��ة س ��ؤال ب��ات ي��ؤرق�ن��ي م�ن��ذ ق��دوم�ه��ا ،كانت تمتهن الحياكة ،ويسألها أحدهم عن
اجلوبة -خريف 1429هـ 65
صاحبة القماش ..تقطع عليه الطريق لتلجمه
وب� �م ��رور األي� � ��ام ..ت �ض��اع��ف وج� ��وم ج��دت��ي،
بقولها :هو للباب ،أو قد تقول للنافذة ،لترسم وتكدست الهموم على كاهلها الستيني ،وانحنت بعدها على شفتيها ابتسامتها الساحرة؛ وكثيراً قامتها ،وغزت بشرتها البيضاء المزهرة جحافل م��ا غ��دت مقولتها تلك م��دع��اة لتندر اآلخ��ري��ن
ال��زم��ن ال�م��ري��ر ،حتى ب��دت ل��ي ف�ج��أة ف��ي أرذل
ع�ل�ي�ه��ا ،متهمينها ب��ال �س��ذاج��ة ،وذل���ك م��ا ك��ان العمر! يضاعف شغفي بها وإكباري لها -هذا ما كان
لم نعد نحظى منها بتلك الجلسات النادرة،
ب�ش��راً ،وزدن��ا منه التصاقاً ..لم تكن إمكاناتها
حذرت أمي إخوتي الصغار ذات مساء مكفهر
يردده في أمسياتنا الجميلة -ليسترسل بعدها التي كانت تحتسي فيها معنا الشاي ،ونتبادل في حديثه الشيق عنها ،وق��د فاضت مالمحه معها بعض األحاديث المقتضبه. المادية المتواضعة جداً حجر عثرة في طريقها من إح��داث صخب أثناء لهوهم ،مخافة إزعاج لفعل الخيرات ،فدائماً كانت السبَّاقة إليها ،رغم جدتي ،فأبرموا لها مواثيقهم الزجاجية التي ما كابدته في تربية ستة أيتام ،كانت أكبرهم فتاة سرعان ما تطايرت شظاياها مع أولى صرخاتهم في الرابعة عشرة من عمرها ،وأصغرهم رضيعاً العابثة .أما أنا فقد أخرجتُ جدتي من دائرة ل��م يكمل ع��ام��ه ال�ث��ان��ي ب�ع��د .ك��ان��ت تهفو لفعل
اهتمامي ،وتناسيت أمجادها الغابرة ،واكتفيت
الشديدة القيظ -إلى المسجد البعيد عن دارنا،
إلى أن أيقظني ذات ليلة موحشة بكاؤها ،وأنينها
المستحب ،كما لو كان واجباً مقدساً ،كإصرارها بحمل الطعام إليها كل ي��وم على مضض ،فقد على الذهاب يومياً -حتى في األيام الممطرة ،أو سئمت صمتها المطبق ،وانتابني منه الضجر،
بغية أداء الصالة جماعة.. تلف قدميها بقطعة قماش بالية -ما كانت ُ زال لونها الكالح عالقاً في ذاكرتي -في زمن
ال�خ��اف��ت ال ��ذي تسلل إل��ى غ��رف�ت��ي المالصقة لغرفتها ،وألول مرة منذ أن سكنت دارنا ،ذهبت إليها متلهفة بعد أن تعالى نشيجها ،ألجدها
لم تعرف األحذية طريقها إليهم حينذاك ،اتقاء أم��ام��ي قابعة ف��ي رك��ن قصي ،محتضنه ص��ورة للشمس ال �ح��ارق��ة ..ك��ان لها قلب ع �ط��وف ،ال أبي ،تتحسس أطرافها بأناملها كما األم الرؤوم، يعرف الشر طريقا إليه ،يغد ُق على الجميع حباً وعيناها تسحان دموعاً بللت حافتها ،تملكتني وحناناً. عندها الدهشة وأنا أنشدها: ترى هل ما قاله أبي عنها مبالغ فيه؟! أم أن ضوءها خفت بوفاته؟
ل � َم البكاء ي��ا ج��دت��ي؟ وألول م��رة أب�ص��ر في عينيها -التائهتين على ال��دوام -بريقاً أخاذاً،
سؤال أورثني الغصة طويالً ،ووددتُ لو أجد سلب لبي ،وهي تشرع ذراعيها وتضمني متمتمة له إجاب ًة شافية. * قاصة من السعودية
66
اجلوبة -خريف 1429هـ
أنت تجيئين ..حيث موعدي معه كل ليلة». «ها ِ
> حنان الرويلي*
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
عندما تهز العرش ..وردة!!
أوجست خيفة في نفسي ،عندما أغلقت األبواب ،وجلست على كرسيها تداعب قلمها بأناملها، وقد بدت عليها الحيرة جلية ،وهي تختار الوقت الذي ستقتحم فيه أسوار نفسي الهشة. استجمعت قواي ،واستطعت النظر إلى عينيها المحدقتين جيدا ،لكأنهما جندي أوكل إليه إعدامي رمياً بالرصاص. أغمضت عيني ،مفضلة أن أؤخذ على حين غرة. ِ تنحنحت ،ثم قالت لي :هل فضلت طريقة السنين؟ النعام في مواجهة مشاكلك! يجدر بك أيضا أن لماذا ال يرونني إال تلك الطفلة الساذجة؟! تغلقي أذنيك جيدا عن كالم الناس! وبعد صمت ..قالت:
حصارها بعث في داخلي قوة لم أُعَد لها، إع�لان اسمك في حفل التكريم ،هو مافرفعت رأس��ي وقلت لها بحرقه :كانت وردة ذكّر الناس بتلك القصة :فقد قالت لي إحدى صغيرة من طفلة حديثة عهد بالحجاب ،إلتقت المسئوالت: بصديقة سوء -في حديقة عامة -وَسْ وَسَ ت «إذا كانت بائعة الورد هي معلمتكم المثالية، لصباها وطفولتها أن ترمي ب��ورده في طريق فال بد أن تكون بقية المعلمات بائعات هوى»!! شاب مار ،وذهبت تركض ألسرتها إلى جانب ترددت أصداء كلماتها على مسمعي ،لكأنها ن��اف��ورة ال�ح��دي�ق��ة ،وه��ي م �س��رورة بمغامرتها صفعات استجمع فيها الزمن ق��واه ألكثر من البريئة تلك. أرب�ع��ة عشر ع��ام��ا ،لتأتي أش��د إي�لام �اً ،وأنكأ ل��م تجعلها طفولتها ت��درك أن ال�ش��اب قد جرحا. يلحق بها ،ويعرف عائلتها ،ويجعل من كل ورقة خ��رج��ت م��ن مكتب ال �م��دي��رة ،وق��د وقعت في تلك ال��وردة حكاية سيئة ،تنخر مستقبلها، حتى أصبحت علكة -منتهية الصالحية ألكثر بالعلم على قرار أنهى حياتي. خرجت مردد ًة دون وعي.. من أربعة عشر عاما -في أف��واه الناس ،وأنا المعلمة المثالية على مستوى المحافظة. كنت طفله.. كيف لم تشفع لي حياتي الشريفة كل هذه
كنت طفله..
اجلوبة -خريف 1429هـ 67
والله كنت طفله.. ولم تخرج مني دمعة واحدة.
كـانبالج النور..
وكأن أشد األلم يأتي جـ ااااافاً..
كـبرق الوسم..
ال تبلله الدموع!
ينظر إلى ساعته ..ليجدها الثالثة عصرا..
(عفواً ..خارج التغطية)
لم يبق إال أن تدخل اآلن ..وهي ترمي بخمارها، وتنثر شعرها..
وعبير أنفاسها تجعل منها أجمل ورده ،فقط.. ألنها ..يحتضنها قبل النوم ،ويستنشقها حتى الشهقة، ليقسم بالله أنها اسم على مسمى!!
لتأتيه مسرعه كـآصل األم�ه��ار ف��ى م��راب��ط خيل (ربيعة).
جمالها ..نعومتها..
اع �ت��ادت (ه��ي) حينما يلملم الفجر خيوطه ،أن تتسلل إل��ى حديقة أزه��اره الصغيرة -كـقطة مدللة لتقطف له وردة ،وتضعها مكانها قربه ،وتغطيهابمنديل أبيض. هذه المرة ،وخزتها الشوكة ..وحاولت أن ترسم قلباً من دمها على المنديل. ل�ك��ن ..ل��م يكن ذل��ك كافياً إال لتلطيخه ،لتذهب بعدها لمدرستها البعيدة، ويبقى هو مع وردتها تلك حتى عودتها ..يحملها بين أصابعه.. يداعبها.. يتنفسها.. يضعها أمامه.. وال ينسى أن يأخذها معه قبل أن يخرج لعمله، ليضعها على مكتبه، وع �ن��دم��ا ت �ش��رف ع �ل��ى ال� ��ذب� ��ول ..ت��أت��ي وردت ��ه الحقيقية ..ال �ت��ي وه�ب�ه��ا ال �ل��ه لقلبه ،م��ن ح�ي��ث لم يحتسب! فى الصالون ..وضع كرسيه كالعادة ،قبالة الباب * قاصة من السعودية
68
ينتظرها..
اجلوبة -خريف 1429هـ
ليحتضنها وكأنه يبلل روحه العطشى بقطرات ندى الورد. لكن ..لم يحدث ما ينبئ بقدومها! صوت منبه الباص الذي ينقلها.. َو ْق ُع حذائها على رخام الممر.. خرخشة أساورها ..وهي تبحث في حقيبتها عن مفتاح الباب ..وكأن حاجزا من الصمت ضرب دونها! ان �ت��اب��ه ت��وت��ر ش��دي��د ،وح��ام��ت ف ��وق رأس ��ه طيور القلق.. أخرج جواله واتصل بـ (وردة عمري)، لكن جوالها ..كان خارج التغطية.. اتصل بجوال سائق النقل ..فوجده كذلك.. من المفترض أنهم تجاوزوا تلك المنطقة قبل أكثر من ساعتين! قاربت الساعة الخامسة عصراً.. ولم تأت بعد!! ووردت� � � ��ه ت ��ذب ��ل وت��ت��س��اق��ط م���ن ب��ي��ن أص��اب �ع��ه المرتجفة.. ورقة ..ورقة ..و ر ق ة ..
قصة قصيرة لألديب األمريكي :أو .هنري
()1
> ترجمة :خلف سرحان القرشي*
في (دنفر) ،تتدفق أعداد كبيرة من المسافرين ،لتلتحق بعربات القطار المتجه إلى (بوسطن) و (ماين) ،في إحدى تلك العربات ،جلست امرأة شابة حسناء ،ترتدي مالبس أنيقة وغالية، ومحاطة بكل وسائل الرفاهية لمسافر خبير .ومن بين القادمين الجدد للعربة ،أتى رجالن، أصغرهما ذو طلعة بهية ،تبدو عليه سمات األمانة والخلق .أما اآلخر فكان ضخم الجثة ،حزين الوجه ،رث المالبس ،وقد قيدت يد كل منهما إلى اآلخر من المعصم. عبرا الممر بين مقاعد العربة .،لم يجدا عندما أوقفه الرجل اآلخر ذو الوجه الحزين، م�ك��ان��ا ش��اغ��را س��وى ذل��ك ال �م��واج��ه للفتاة ،الذي ظل يراقب وجه المرأة بعينين فاحصتين حادتين.. فجلسا عليه. عذرا للمقاطعة سيدتي ،لكني أرى أنكوب �س��رع��ة ..أل �ق��ت عليهما ال �ف �ت��اة نظرة دون اه �ت �م��ام .وم ��ن ث ��م ،وب��اب �ت �س��ام��ة فاتنة تعرفين (المارشال) ،لو طلبت منه أن يقول أض��اءت محياها ،وزادت م��ن ت��ورد وجنتيها كلمة من أجلي عندما نصل إلى السجن ،لو المستديرتين ،رفعت يدها الشهباء الصغيرة ،فعل ذلك فسوف تُسَ هَل لي األمور هناك .إنه المغطاة ب�ج��ورب .شرعت ف��ي ال�ك�لام ،وب��دا يأخذني اآلن إلى سجن (ليفنورث) ،إنها سبع سنين !..قضية تزوير! عليها أنها متحدثة جيدة ،ومسموعة أيضا. وهنا قالت المرأة – آخذ ًة نفسا عميقا - ح �س �ن��ا س �ي��د إي� �س� �ت ��ون .أت �س �م��ح ليبالحديث أوال .ل َم ال تقل (أهال) ألصدقائك وقد عاد إليها وهجها: القدامى عندما تقابلهم في الغرب؟ آه .إذاً ه��ذا ه��و م��ا تفعله ه�ن��ا أيهاالتفت الرجل الشاب برشاقة تجاه صوتها( ،المارشال)؟
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قلوب وأياد ٍ
أجابها بهدوء:
بدا وكأنه مندهش بعض الشيء ،لكن ..ما لبث أن تخلص من ذلك سريعا ،فأمسك أصابعها عزيزتي اآلنسة (فيرشيلد) ،تَوجَّ ب عليبيده اليسرى ،وقال مبتسما: أن أعمل شيئا ما .فالمال يتبخر سريعا! وهو السيدة (فيرشيلد) ،أرج��و المعذرة - ،كما تعلمين -ضروري ليتعايش اإلنسان معمن حوله ،وم��ع ...في واشنطن ،وجدت هذه فيدي األخرى ال أستطيع استخدامها اآلن. رف��ع ي��ده اليمنى -المقيدة من المعصم الوظيفة شاغرة في ال�غ��رب ،نعم إن وظيفة بسوار المع إلى يد شريكه اليسرى -قليال( ،مارشال) ليست على درجة من الرفعة مثل وببطء تحولت النظرة السارة في عيني المرأة وظيفة سفير ولكن.. إلى رعب محيِّر ،وغادر الوهج وجنتيها ،وكما لو كان إيستون يرفّه عن نفسه ،أطلق ضحكة صغيرة ،وهو على وشك استئناف الحديث،
قاطعته المرأة قائلة بحرارة:
السفير! لم يعد يتصل .ليس في حاجةألن يفعل ذلك .ال بد أن تعلم ذلك .أنت اآلن
اجلوبة -خريف 1429هـ 69
واح ��د م��ن األب �ط��ال الغربيين ال�ش�ب��ان ،المفعمين بما فيه الكفاية ،خذني إلى مقصورة التدخين اآلن. ب��ال�ح�ي��اة ،ت��رك��ب وت�ط�ل��ق وت �خ��وض غ�م��ار ك��ل أن��واع هال فعلت؟ أكاد أموت من أجل قليل من الدخان! المخاطر .هذه حياة مختلفة عن حياة واشنطن ،لقد نهض ال��رج�لان على قدميهما ،وظ��ل إيستون افتقدك الناس القدامى. محتفظا على محياه باالبتسامة الخفيفة ذاتها ،وقال
نظرت المرأة باهتمام إلى الخلف ،فتحت عينيها أكثر ،لتلقي بنظرها على السوار الالمع ،وهنا قال لها الرجل اآلخر:
ال تقلقي بشأنهم يا آنسة ،كل (المارشاالت)يربطون أنفسهم مع سجنائهم لمنعهم من الهرب. السيد إيستون يعرف عمله! سألت المرأة المارشال:
-هل نراك ثانية في واشنطن؟
ليس قريبا على ما أعتقد ،أخشى أن أياميالسعيدة قد انتهت!
قالت المرأة وعيناها تتوهج بنعومة ،وهي تنظر عبر نافذة القطار: -إنني أحب الغرب.
مرحا:
ال يسعني أن أقول (ال) لشخص يريد أن يدخن،إنه الصديق الوحيد لسوء الحظ للسجين المنبوذ. إلى اللقاء آنسة (فيرشيلد) ،الواجب يناديني كما تعلمين. رف��ع يديه مودعا ،وهنا قالت له السيدة ،وهي تتذكر ثانية طريقتها وأسلوبها: كم هو سيء أنك لست ذاهبا إلى الشرق ،إنكذاهب إلى (ليفنورث) ،أليس كذلك؟ نعم .عليّ أن أذهب إلى هناك.شق الرجالن طريقهما عبر الممر إلى مقصورة التدخين.
الراكبان الجالسان على المقعد المجاور لهما واص�ل��ت حديثها بتلقائية وبساطة غير عابئة سمعا معظم المحادثة ،وقال أحدهما لآلخر: باألسلوب والطريقة: إن هذا (المارشال) صنف جيد من الشباب. قضيت وأم ��ي الصيف ف��ي (دن �ف��ر) ،ذهبتإل��ى بلدها منذ أس �ب��وع ،ألن وال ��دي ك��ان مريضا .إن بعض هؤالء الغربيين طيبون. ك��ان بإمكاني أن أعيش وأبقى سعيدة في الغرب. سأله اآلخر: أعتقد أن الجو هنا يالئمني .المال ليس كل شيء، إنه صغير جدا ليصبح ضابطا .أليس كذلك؟لكن الناس دائما تسيء فهم األشياء ،ويبقون على رد عليه األول متعجبا: غبائهم.. صغير!زمجر الرجل ذو الوجه الحزين: أقول أيها السيد المارشال ..هذا ليس عدال.أريد ماء ،ثم أني لم أدخن طوال اليوم ،ألم تتحدثا
ألم تلحظ!! هل رأيت ضابطا يقيد السجينإلى يده اليمنى؟!
( )1نبذة عن كاتب القصة: أو .هنري هو االسم المستعار لألديب األمريكي (ويليام سيدني بورتر) ،والذي يعد من رواد القصة القصيرة ،ولد عام 1862م ،وتوفي عام 1910م .انتقل إلى النمسا ،وعاش فيها فترة من حياته .زاول مهنا عديدة ،ومنها الصيدلة، والعمل بالبنك ،والتحرير الصحفي. كتب أكثر من 300قصة قصيرة .أتهم في فترة من حياته باالختالس من خالل عمله بالبنك ،وحكم عليه بالسجن وقضى به خمس سنوات .توفي مفلسا بفعل إدمانه على الكحول. * كاتب ومترجم من السعودية.
70
اجلوبة -خريف 1429هـ
> محمد صوانه*
()1
أمنية
كما خيوط الفجر، أنفاس الصباح! ُ عندما تغشاها
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة جدا ً
()4 ال تذهبي بعيد ًا
يمتد الطريق أمامي طويالً؛ لكنني كلما نظرت إلى آثار قدميَّ ،اللتين تحثاني تنطلق خيوط البصر بعيداً.. الخُ طى.. تمتد خارج األفق ..حيث مدارات الالنهاية؛ تمنيت لو مكثتُ أكثر!.. لكن يدي ال تلبث أن تمسك بأطرافها وتشدّ ها. ()2 -أيا عين ،ال تذهبي بعيداً!!
مشروع خاص
()5 ليته يحمل مرآته!
في ساعة من زَهْ ٍو أحسست أنني أستطيع أن أصنع شيئاً ما؛ أحس بشيء ينقصني ُ منذ أيام الصبا كان رفيقي، فهل أملك األدوات؟! إن تأخّ ر عن رفقتي ،أو غبت عنه عنوة! رقي ٌق .. شاغلت فكري ساعةً ،ونظرت حولي.. ف��ي ال �س��احِ الع �ب��ون ي�ت�ح��رك��ون؛ ث�م��ة م��ا يشغل لكنه عنيد ،وال يسير من تلقاء نفسه. إذا دفعته ،يسير مُذعناً.. تفكيرهم ويرسم أحالمهم ..يروحون ويجيئون، يحث الخطى حيناً ويبطئها أح�ي��ان�اً؛ يتركني، وال يبدو على وجوههم أي تركيز خارج ذواتهم، ليتوقف قليالً؛ ،ثم ينطلق كجواد أصيل يتقدم تيقنت عندها أنهم ال يأبهون حلبة سباق. بما في خاطري!.. يتابع سيره ..يرفع هامته عالياً! ()3 ويلتفت إليَّ بكبرياء! ذكريات أتساءل: ثمة لوحة في داخلي.. هل يُخَ َّي ُل إليه أنه يقود يدي؟رسمتُها بخيوط الذكريات.. ...تتجم ُل رويداً رويداً.. أتأمله ..أكاد أسمع صوته ..أنهره؛ لكنها ما أن استقر طيفها في مخيلتي، لكنه ال يلتفت ،وال يجزع من لسع يدي! وأخذت تعيد بريقَها القديم، أ ُشفق عليه؛ ليته يحمل مرآته ..ليته يملك مِ محاته! حتى انسلت خيوطها، * قاص وكاتب من األردن.
اجلوبة -خريف 1429هـ 71
سناء سناء.. أنت للروح
وبحراً ومدينة
مرسى
كوني لهول تشردي
ومسرى
وطناً للغرام.
وسماء أنت موج راقص في شغاف القلب وعشب ندي تنامى بشتى كياني أنت بركان األنوثة وينابيع الخصوبة سناء... دلفت بأشجاني إلى نهرك العذب قادم من غبار الوقت ومن عطش الصحاري رشحتك جراحي األليمة لفاتنة.. تجلسين على رملي اللؤلؤي لملمي ما تبقى من فتات الرمل واهطلي مطراً على سفح قحطي وجوعي سناء.. ضمي تفاصيلي كل أحالمي ضجي بأصقاع دمي أغنية شجية معلقة على وجه المساء * شاعر من السعودية.
72
> فهد اخلليوي* كوني لبوح مشاعري منفى
اجلوبة -خريف 1429هـ
تفاصيل من عينيك
أناديك00 يا جولة األبد الغريقة في لوحة العشق وأدخلك في ردهات اختالجي تذوب المسافات في المستحيل وعبر دمي تعبرين المواني تصيرين في كل حرف قصيدة وفي كل قلب عشيقة ومن بين سرب الجميالت تصيرين نهراً من الشجن العذب زمان يجول بعينيك أحلى من الشهد وأجمل من كل وقت ووعد بعينيك ,ال يذبل ورد الصباح وال يعطش حلم المساء أناديك رنينك في عروق المحبين يجري ويغسل وجه الزمان المقيت تعالي.. كقاطرة الموج وتشكيلة العشب في هاجسي.
> د .عثمان قدري مكانسي* منذ أزمان سحيقة قال ذئبٌ لرفاق ِـهْ: إنني أشتا ُق لحم السخلة البيضاءِ يذوي بين أنيابي الرفيقـهْ! هي تسعى إن رأتـني نحو أحضاني طليقـهْ! فهي تدري ما بنـفـسي نحوها من جل أشواقي الرقيقـهْ! إن أ ُِشـرْ :هيّـا إليّ ،تبعـَتـ ْني أو أقـُلْ :إني حبيبٌ ر َِضيـَتـ ْني بعصيان ألمري ،إ ْن أ َمرْتُ ٍ ال تباديني فهي ...يا ِنعْـ َم الصديقـهْ!.. ترتجف ..إذ ما تجدني ْ فجأة من غير إذنِ واقـفـاً أرنـو إليهـا خائفـاً منّي عليهـا أن تظنَّ الحبّ يَضوي في فـؤادي فأُبادرْ ..نحو حُ بّي غارسـاً فيها حناني!! فالـلِـقـا أجـدى وثيقـهْ! * شاعر من األردن.
تعشق الغناء
> طارق فراج*
خلف ستائر هذا المساء تقف وردة وحيدة تعصف بها الريح.. يستأثر بها الخوف، ويغسلها المطر ........... نجمة مضيئة تسقط اآلن في عتمة الليل الجريح.
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
عذري حب ّ ّ
الشوارع أيضا
*** طرقت بابه مرّات وال مجيب.. كان البابُ مقفال، عادت خالية الوفاض تاركة نظراتها هناك معلّقة على الباب.
*** يرفع الهواء طرف ثوبها الفضفاض ويضحك، ينظر العاشق إلى ساقيها ويبكي.
*** المصابيح الخافتة في الشارع الهاديء تعرف وقع خطاه إذ يمرّ.. تنتظره كل ليلة لتسمع غناء قلبه الشجي.
* شاعر من مصر.
اجلوبة -خريف 1429هـ 73
ـن* ـس ْ ح َ َ
> فيصل أكرم خرو ٌج من اللحظةِ الصفرِ
برزخ فسح ًة وتفت ُح في ٍ
الحروف.. ْ حتى اصفرار
ماض وآتْ بين ٍ
الدعدعات الغِ شاءِ ِ خرو ٌج من
ال كأنكَ ما عشتَ إ ّال رحي ً
من االصطفاءِ
يشاب ُه في ُكنْههِ المعجزاتْ
خرو ٌج من المترفات الرخاءِ من العيِّ الوقوف.. ْ حتى انتشاء وكانت حياةٌ ورا َء حياةٍ مستنفرات ٍ وكانت أمانيُّ وأنتَ حواليّ جُ ّل البالدِ ونصف البالدِ وبعض البالدِ تطوف..؟ ْ وأيّ البالدِ سعى بكَ همٌّ وأمضى بكَ الوقتُ وقتاً طويال ال فجيال جي ً
لهذا سأبقى أسائلُ :كنتَ لمن..؟ ..... وآهٍ حَ سَ ْن كان ممتلئاً بالحياةْ مكان قصيٍّ عمر ،يوقّعها في ٍ كتابات ٍ ل �ت �ش �ه �دَ ،ف��ي ص �م��ت أث �ق��ال �ه��ا ..أنّ ه��ذا الرّفاتْ كان أنموذجاً للعناوين: أستاذنا ،سيّد الحيّ ،رائ ُد علمِ الطبيعةِ واألمسياتْ .. ولكنه،
وأنتَ المكبُّ على سوْرةٍ من شعا ْع
ويا حسرتي لهف ًة للرجوعْ..
الحظ منه الضيا ْع َّ حالف َ أنتَ الدلي ُل لمن
غاب من دون أن يستد َّر الدمو ْع
عظيم ٍ سديم ٍ تم ُّد يداً في
غابَ حتى الممات ..وحتى الصالةْ!
* القصيدة تتحدث عن أوّل أديب عربي سعودي لم يظهر شيءٌ من إنجازه الفكريّ -منشوراً -إ ّال بعد وفاته (يرحمه الله) وسوف تصدر كتبٌ –عنه وله -خالل الفترة القريبة المقبلة.. * شاعر وروائي من السعودية.
74
اجلوبة -خريف 1429هـ
> مالك اخلالدي* أيقنت أن الشعـ َر ي ـجــري ف��ي دمـ ـ ــي ُ
فوهبت للــدين الحنيـف ق ـصــائ ــدي ُ
ومضيت أنظــمُ م��ن ق ــريضي بيرق ـ ـ ـ ًا ُ
يزهــو ويخ ـ ــفقُ وال��ش��ري��ع��ـ��ةُ مـ ــوردي
ألزي���ـ���ـ���حَ زي��ـ��ف��ـ��ـ�� ًا أو ُأف��ـ��ـ��ـ�� ّت��ـ��ـ��ـ��ـ��قَ ف��ـ��ـ��ـ��ك��ـ��ـ��ر ًة
وألف ـض ــح اآلت����ي لنـصـ ــب مكائ ـ ـ ِـد
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
لــشـــبـــابـــنــــا
كــلــمـــة*
*** م��ا ق ـلـ ُـت شعــرا للـتـفـلـس ـ ِـف إنم ـ ــا
أزجـي ــه ل��ل��ـ��ـ��ـ��ذك��رى ..وذل���ك مقــصدي
���دت ع��ن نهــج ال��ش��ري��ع��ةِ والهـدى م��ا ِح ُ
���ان محمدي أم��ض��ي ونهجــي ف��ي ال���زم ِ
��ان مسـالك ًا فلكم رأيـن ــا ف��ي ال��ـ��ـ��زم��ـ��ـ��ـ��ـ ِ
أرْدتْ ب��ت��اب��ع��ه��ا ل��ـ��ـ��ق��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��ـ��رٍ أس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ودِ
ك��ن��ـ��ـ��ـ��ا وك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ان ال��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��زُ ب��ي��ـ��ـ��رقَ أم��ـ��ـ��ـ��ـ��ةٍ
خ��ـ��ض��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��ت ل��ه��ا األق����ـ����ـ����وامُ دون ت����رددِ
ه��رع��ت م�لاي��ي��ن ال��ن��ف��ـ��ـ��ـ��ـ��وس تعطـش ـ ًا
للديــن ح��ي��ن رأوا ض��ـ��ي��ـ��اء المُ ـنـجـ ِـد
ف���ي أرض م��ك��ـ��ـ�� َة ش��ع��ش��ـ��ـ��ع��ت أن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وار ُه
فمضــوا لديــن ال��ل��ه ه��ـ�� ّ َب��ـ�� َة مـه ـتــدي
ُس��ـ��ـ��ـ��ـ��دن��ا فـ ـقــام ال���ك���ونُ ك��ـ�� ّب��ـ��ر ش��اه��د ًا
ب��ال��ل��ه خ��ـ��ـ��ـ�لاق ال��ع��ـ��ـ��ب��ـ��ـ��ـ��ادِ األوح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��د
ُس ـ ـ ــدنــا وق��ـ��ـ��د كــنا ك��رام��ـ��ـ�� ًا عصبــةً
ل��ل��ح��ق ل��ل��ن��ه��ج ال��مُ ��ـ��س��ـ��ـ��ـ��ددِ نـرت ـ ـ ــدي
*** وال��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وم مُ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ّزق��ن��ا ف��م��ال��ي ال أرى
إال الـتـشـتـتَ بعـ ــد ع ـ ــزٍ أم��ج��ـ ِ��د؟!
وأرى دي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ار ال��م��س��ل��م��ـ��ي��ن ت��ب��ع��ث��رت
��ب ل��ع��ن�� َة ح��اق��ـ ِ��د وأرى ال��ـ��ع��ـ��ـ��د َو ي��ص��ـ��ـ ُ
�����دك م��ـ��ـ��ـ��ـ��دائ��ن�� ًا ف��ـ��ه��ـ��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ا ص��واري��ـ��ـ��ـ��ـ ٌ��خ ت ُ
وه���ن���ا دع������اوى ك���ي تُ��ه��ي��ن ع��ـ��ـ��ق��ـ��ـ��ـ��ائ��دي
ف���ي ك���ل ش���اش���ات ال��ف��ض��اء تشدقـ ـ ــوا
��ض تجمـ ـ ِـد ص��رخ��وا ب���أن ال��دي��ن م��ح َ
��اب تماش ـيـ ًا ودع�����وا إل���ى خ��ل ِ��ع ال��ح��ج ِ
مــع عصرنا ..فالعصرُ عصر ت��ج��ددِ !!
وق��ـ��ـ��ـ��د ام��ت��ط��وا إع�لام��ن��ا واس���ت���أس���دوا
ك���ي ي��غ��ـ��ـ��رق��ـ��ـ��ـ��ون��ا ب��ارت��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ادِ م��ف��اس��ـ��ـ ِ��د
اجلوبة -خريف 1429هـ 75
ف��ال��ـ��ف��ـ��س��ـ��قُ يُ ��ـ��س��رجُ ،وال���ت���ح���ر ُر غ��ـ��ن��ـ��وةٌ
ف���وق ال��ش��ـ��ـ��ـ��ف��ـ��ـ��ـ��اهِ ب���دع���وةٍ م���ن ملحـ ـ ِـد
وال��� َلّ���ه���وُ ي��م��ض��ي ه���ا ه���ن���اك وه��ـ��ـ��ا هنا
ب��اس��م ال��ف��ن��ون يُ ��ـ��ـ��ـ��ـ��دا ُر ن��خ ُ��ب مُ ـعــانـ ِـد
*** ��ات ت��ح��م��لُ ك���ل ما ه���ذي ه���ي ال��ش��ـ��ـ��ـ��اش��ـ ُ
ص��ن��ع��و ُه م���ن ب��غ��ـ��ـ��ـ ِ ّ��ي ل��ص��ـ��ـ ِ��د م��ـ��ـ��ـ��ـ��وح ِ��د
ن���ش���روا ال��ف��ـ��ج��ـ��ـ��ـ��ور و ُزل��زل��ـ��ـ��ـ��ت أف��ك��ا ُرن��ا
ح��ت��ى ش��ـ��ـ��ك��ى اإلس��ـ��ـ��ـ�لامُ ش��ـ��ك��وى ف��اق ِ��د
واه���ت��� َز وج���هُ الصـبـ ِـح ف��ي قســماتـ ــهِ
المسجد ِ وب��ك��ى ال��م��س��اءُ وف����اض دم����عُ ***
رب��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُه إن الظ ــالم ـي ــن تـكـالـبـ ــوا
��اض ف���ي س ـ ــبات ال��ـ��ـ��ه��ام��ـ ِ��د ���ي م��ـ��ـ��ـ ٍ وب���ن ّ َ
ف��ـ��ـ��ارح��ـ��ـ��ـ��م إل��ه��ـ��ـ��ـ��ي أم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ةً مك ــلوم ــةً
��ال ودم���ع���ةِ س��اج��ـ��ـ ِ��د م���ن أج���ـ ِ���ل أط��ـ��ـ��ف��ـ��ـ ٍ
رب أب��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اءً ب ـهـم ق��ـ�� َي��ـ��ض ل��ه��ـ��ـ��ـ��ا ي���ا ِ
تـعـ ـلـو وت��ق��ص��ـ��م م��ارق��ـ��ـ��ـ��ـ�� ًا أو معتدي
ف��ال��خ��ي��رُ ف ـيـ ــها أم��ت��ي وإن انكفـ ـ ــت
ح��ي��ن�� ًا س��ت��ـ��ب��ـ��زغُ ك��ال��ض��ح��ـ��ى ال��م��ت��وق��ـ ِ��د
ف��ه��ي ال��ك��ري��ـ��ـ��ـ��م��ـ��ةُ وال��ع��زي��ـ��ـ��ـ��ـ��ز ُة وال��ت��ي
������وس م��ـ��اج��ـ ِ��د ����ل أش ِ ج���ـ���ادت ل��ن��ا م���ن ك ِ
س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اوت ب��ل��ا ًال ب��ال��ـ��زب��ي��ر ول��ـ��ـ��ـ��م يكن
ف��ـ��خ��ـ��ـ��رُ ال���ك���ـ���رامِ ب��ج��ده��م أو محت ـ ِـد
ب���ل ب��ال��ش��ـ��ـ��ري��ع��ةِ ي��ع��ـ��ـ��م��ل��ون وفخـ ــرهم
ـ�لال ال��مُ ��وج ِ��د دي���ن ال��م��ه��ي��م ِ��ن ذو ال��ج�� ِ
ال��ص��ـ��ـ��ائ��م��ون ال���س���اج���دون ذوو ال��تُ ��ق��ى
ال��ت��ائ��ـ��ـ��ق��ـ��ون إل�����ى ن��ع��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ـ ٍ��م مُ ���وع���ـ ِ���د
ه���م ه ـكـ ــذا ك��ان��ـ��ـ��ـ��وا ف��ـ��ـ��ش��ادوا أم ـ ــةً
ش���م���اء ت��رف��ـ��ـ��ـ��ـ��لُ ب���ال���ذرى ال��م��ـ��ـ��ت��ـ��ـ��ف��ـ��ـ��ردِ
*** أن����ا زه��ـ��ـ��ـ��ـ��ر ُة اإلس��ـ��ـ��ـ��ـ�لامِ أم��ض��ي دائ��م�� ًا
ب���هُ ���دى اإلل��ـ��ـ��ـ��ـ��هِ وب���ال���م���ك���ارم أق��ـ��ـ��ت��دي
����ان ت��ح��دي��ـ��ـ��ـ��ـ�� ًا ������ط ف���ي وج�����هِ ال����زم ِ وأخ ُ
ب���ال���دي ِ���ن أس��ـ��م��و ال ب���دع���وى ح��اس��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��د
ي����ا أم���ت���ي ه��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ا ن��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��ـ��ود ل��دي��ـ��ـ��ن��ـ��ن��ـ��ا
ح��ق�� ًا لـنـفــني س��ـ��ط��ـ��ـ��و َة ال��م��س��ت��أس��ـ��ـ ِ��د
ف��ال��ع��زُ يُ ��ب��ن��ى ب��ال��ع��ق��ي��دةِ وال��ـ��ـ��ـ��ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دا
���ان خ��ي��ر س��ـ��ـ��ـ��ـ��واع��ـ��د ب���س���واع ِ���د ال���ف���رس ِ
وال��ـ��ف��ـ��ـ��ـ��ك��رُ يُ ��ب��ن��ى أو ًال ك���ي ُت��ـ��ب��ـ��ت��ـ��ن��ـ��ـ��ى
���اح األس���ع ِ���د س���م���ةُ ال���ح���ض���ارةِ وال���ص���ب ِ
ب��ش��ـ��ب��ـ��ـ��اب��ن��ا رم����ز ال��ـ��ت��ـ��ـ��ـ��ح��ـ��ـ��دي ن��رت��ق��ي
وس���ت���زه���ر األغ����ص����ان ح���ت���م��� ًا ف����ي غ��ـ ِ��د
* شاعرة من السعودية
76
اجلوبة -خريف 1429هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
خَ ْ دش السماح عبدالله* > ّ للقلب اليتيم.. ِ عامانِ بعدهما صدفتَه يخون الوقتُ ُ ويبتدىءُ الهواءُ صفي َرهُ قد تكبر السيدةُ الصغرى سمات المتعبين ِ وتعطيها مالمحُ ها أكو ُن أنا هنا.. نفق وي�ك��و ُن ه��ذا ال��دربُ م��أخ��وذا إل��ى ٍ يضي ُق
ويقول واحدُهم: المستريب ِ أنا نبتُ السؤالِ تقو ُل عاشقةٌ:
خوالجي أ َر ٌق
الخدش القدي ُم يدلّني ُ هو
تخدش ما تبقى ُ
وابتدى ْء شجْ وًا يلي ُق بحزنكَ العالي
من غبارِ األربعاء
وَسَ ِ ّي ْج ما استطعتَ تصيدُه
يحدثُ – ربما -أ ْن يأتيَ العشّ ا ُق
في
يختصمو َن في أحوالهم
عنكبوت األربعاء. ِ
�ض حوائجي بَ� � َر ٌد يصي ُد خُ �ط��ايَ من وب�ع� ُ فانفض إذاً ْ خلل الطريقِ يا أيها القلبُ اليتي ُم القلب ِ وثَ ّم نبوءةٌ تجتا ُح ُعرْيَ العاشقِ ي َن الحيارى ِ غبا َر ما اعتركتْ ُه أقدا ُم
* شاعر من مصر.
اجلوبة -خريف 1429هـ 77
أرخبيل ..الجنذاب الذات
«من املوت جئت ،واحلياة متحوك بطيئا» غونار أكلف
> التجاني بولعوالي*
-1-
حين يغشاك همس الضياع وتنسجك النار أدخنة للعرى حين يصلبك الوقت عمدا تكن، في دمي نشوة كالكرى حين جاء األصيل قتيال فقدت سطوري نسيت بحوري على النار.. والماء يرنو إلى قبوري بحثت طويال ،فكان األصيل قتيال وما فوق صرخته.. أغنيات مالك ،ولحن عبوري متى أزرع الصوت صمتا? .. متى ينزع الشوك ،يجلو سؤالي متى..؟ ويموت القريض ،فيبقى الكالم عليال وتطفو الليالي التي ما تزال أصيال
-2-
يا طفوح األسى ..يا بريق النهايات من ينسج الذات أجنحة? من يطوح معي ،جزري يعتريها العبابْ من يصوغ الشذوذ حياء وينظم يأسي ترانيم (لوركا)? يبيح األنوثة بين قوافي الخلي ْل ويرج نهود الغواني لينشرها فوق شوك السدور ،فينهب منها الغراب المرابط في صومعات الوط ْن * شاعر وكاتب مغربي مقيم بهولندا.
78
اجلوبة -خريف 1429هـ
.............. م��ن ن ��زوح ال�ع�ن��اك��ب ص��وب اخ �ض��رار الدجى يتدلى نثار اللحون العتيقة.. أس�م��و م�ج��اذي��ف أن�ث��ى تشق محيطي المغطى بشمس خريفية.. أقتفي شطحات (تموز) الذي انتابني خلسة ف� ��أوي ن �ح��و (ل��ون �ج��ا) ي �ه��ز ع��رائ��ش أريافها أين نخل القبيلة.. أين طيوري القتيلة.. أين نقوشي الجميلة.. أيــــن..؟
كيف نطفو على ثبج الكلماتْ وجنازتنا تشتهي عورة الثكناتْ وغرور األسى يجتثي نبعنا اآلسن غبش يتسلقنا نطفا من ْ
-4-
تولد العاهة رحم بلدتي ،ورذاذ سمائي يحين ربيع احتفائي فيرنو الفراش لناري الظميئة يصبو الوليد إلى برحائي أرومته من أنيني تكون سلوا فرقدا عشق الصمت في منتأى تولد العاهة رعشاتي كفى القلب من ورق والضمير على أرق -3.............. في طقوسي ..لمحت غموضا يئز وبين خالياي أنت عصافير غزة حين ينساك ركب الهجوع وإذا الليل نار تلظى ،تشوب نهاري ويضرمك الهجس عفوا وكل الثرى يتلون تمزق نرجستي المني ْه يتلو انتحاري تتعرى جنان الصدى يهيىء نعشا لصمتي يتهادى إلي أنين صبي لشعري اليتيم يعد ملفا إداريا يمد صراخه جسر تأل ْم .............. تولد العاهة غسق في الكيان الملطخ بالشيح.. من مروجي التي اغتالها بجع مثخن ه� ��ذي س �ف��وح ت ��راق ��ب م��وك��ب ي��اج��وج بالنعيق ماجوج إذ يجنح الكل ،تتلو العنادل آخر شدوي .فأخطو إلى عرصتي الخفي ْه
> د .عبدالناصر محمود عيسى*
يُعدُّ االستقراء إحدى طرق الوصف في دراسة اللغة ،وهو يتطلب عددا هائال من المفردات التي يتناولها ،وهذه المفردات قد تكون أصواتا عند دراسة األصوات ،أو صيغا عند دراسة الصرف ،أو أبوابا عند دراسة النحو ،وهكذا. وعن طريق االستقراء ،يقوم الباحث باستنتاج افتراضات معينة ،من خالل تجارب معينة تقوده إلى التعميمات. وينقسم االستقراء إلى تام وناقص. ويقود االستقراء الناقص غالبا إلى االحتماالت ال إلى اليقين ،وقد اعتمد النحاة عليه في جمع مادتهم التي استقوا من خاللها قواعدهم النحوية .فقد انطلق علماء اللغة والنحو إلى البوادي العربية ،لجمع اللغة من األع��راب الفصحاء؛ فسجلوا ما وعته آذانهم وعقولهم من أف��واه العرب ،واختاروا من القبائل أفصحها -من وجهة نظرهم -حتى تكون حصيلة ما يجمعونه خالصة من العجمة والشوائب .فجمعوا ما استطاعوا ،ثم ضموا هذه الحصيلة اللغوية إلى المصدر األول وهو القرآن الكريم ،وما صح عندهم من الحديث الشريف .غير أن هذا االستقراء الذي قام به النحاة كان ناقصا في كثير من األحيان؛ فالرواة لم يحصوا على كل ما نطقت به العرب ،منذ العصر ال��ذي استقام فيه أم��ر اللغة حتى عصر التدوين ،بل جمعوا من أفواه العرب على قدر ما استطاعوا جمعه ،إضافة إلى ما كان مدونا على ندرته إذا استثنينا كتاب الله عز وجل. ثم وضع النحاة قواعدهم في ضوء ما توافر لديهم من مادة لغوية ،وبين الحين واآلخر ،كان منهم من يعثر على مواد لغوية لم تقع عليها عيون من سبقوه ،مما كان يؤدي إلى التغيير أو االعتراض على تلك القواعد التي وضعها السابقون .ومن هنا نشأ الخالف بينهم ،سواء على مستوى األفراد ،أو على مستوى المدارس النحوية، ألن اللغة ال تخضع للقياس دائما؛ فالمتكلمون -كما يذكر ابن جني -ليست لهم أصول يراجعونها ،وال قوانين يعتصمون بها ،وإنما تهجم بهم طباعهم على ما ينطقون به ،فلربما استهواهم الشيء ،فزاغوا به عن القصد(.)1 ومن هنا ،أدى اجتهاد النحاة في المواقف اللغوية
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
االستقراء الناقص وأثره في بناء قواعد العربية
المختلفة ،إلى اضطراب القياس عندهم في كثير من األح �ي��ان ،فقد يطول ب��اع الباحث ف��ي جمع النصوص فيثبت القياس ،وقد يقصر باعه فال يثبته .كما اختلفوا في الثقة بالشواهد النحوية والناطقين بها ،ما كان سببا من أسباب هذا االض�ط��راب؛ ألن القياس عندهم كان يُبنى في مجمله على الكثرة النسبية في كل موضوع على حده ،والذي ال تتحقق فيه هذه الصفة بالنسبة لغيره، يحكم عليه بالقلة والشذوذ والقصر على السماع دون القياس؛ بل إنهم قد خرجوا عن إط��ار االستقراء في بعض األحيان ،فأثبتوا أقيسة لم ترد لها نصوص ،كما أنهم لم يلتزموا الكمية بمعناها النسبي ،وبمعنى آخر ..لم تستق َر فيها اللغة استقراء صحيحا .وإثبات القياس بهذه الطريقة يأباه المنهج االستقرائي في دراسة اللغة(.)2 ول�ه��ذا كانت أقيسة النحاة -كما يذكر د .محمد عيد -جامدة في كثير من األح�ي��ان ،فلم تعترف بما يطرأ على اللغة من تطور ،وخاصة أن الفترة المستشهد بها على تلك القواعد كانت تحتل م��دى زمنيا طويال، يمتد من الجاهلية إلى منتصف القرن الثاني الهجري في الحواضر ،ونهاية القرن الرابع الهجري في البوادي؛ كما إنهم اعتبروا كل اللهجات حُ جَّ ة ،ما أدى إلى تعدد األقيسة واضطرابها ،والحكم بالشذوذ على كثير من األم�ث�ل��ة ،وبخاصة أن�ه��م درس ��وا ه��ذه الفترة على أنها مرحلة واحدة ،ولم يأخذوا في اعتبارهم أن اللغة ظاهرة اجتماعية تتطور باستمرار ،وأن لكل مرحلة خصائصها المتجددة ،ما ترتب عليه هذه التركة المثقلة باألقيسة المضطربة والمتضاربة أحيانا .والبحث ال��ذي يتخذ االستقراء منهجا له ،ال بد أن يقر هذه الظواهر المتفردة، فتأخذ حظها في القياس دون أن توصف بالشذوذ ،أو
اجلوبة -خريف 1429هـ 79
تخضع للتأويل ،وخاصة عند المدرسة البصرية(.)3 ول��ذا ،وجدنا بعض الباحثين يذهبون إل��ى أن هذه القواعد التي وضعها النحاة لم تصدر عن نظرة شاملة تحيط بكافة الحقائق الجزئية ،فهذه القواعد وما تنتهي إل�ي��ه م��ن أح �ك��ام ،ليست ش��دي��دة االل�ت�ص��اق بالظواهر اللغوية ،ألنها ال تعكس هذه الظواهر ،وال تطرد معها في كثير من األحيان ،بل إنهما قد يختلفان(.)4 ويعود هذا االختالف في جوهره -كما يرى د .علي أبو المكارم -إلى أن االنتقال من الظاهرة إلى القاعدة، لم يتم بشكل علمي يراعي ع��دم االنتقال بالحكم من الكليات إلى الجزئيات ،بل باالنتقال من الجزئيات إلى الكليات ،مع مراعاة أن يتم هذا االنتقال بعد استقراء ال�ج��زئ�ي��ات كلها؛ أي بعد ن�ظ��رة شاملة تحيط بكافة الحقائق الجزئية ،وتلم بخصائصها ،وت��درك طبيعة العالقات التي تربط بعضها بعضاً ،ون��وع القوى التي تشدها إلى سواها .ولم يتم شيء من ذلك في كثير من جزئيات البحث النحوي ،فإنه في كثير من األحيان ،كان يتم فيه االنتقال من الظواهر الجزئية إلى األحكام الكلية دون استقراء الظواهر ذاتها ،أو صياغة خصائصها قبل إصدار األحكام بشأنها من لدن النحاة(.)5 كما ي��رى د .عبدالرحمن أي��وب أن ما فعله النحاة بعد سيبويه ،لم يتجاوز وصف الجزئيات المتناثرة ،دون السعي إلى نظرة شاملة؛ فتراثنا النحوي يزدحم بطوفان من الجزئيات المتناثرة ،وتقل فيه العناية باألسس العامة التي تدور في إطار الجزئيات؛ فالنحو العربي من وجهة نظره -شأنه في ذلك شأن ثقافتنا التقليدية في عمومها يقوم على نوع من التفكير الجزئي(.)6وقد كان من نتائج هذا االستقراء الناقص ،أن ظهرت ث �غ��رات وف �ج��وات ف��ي مناطق كثيرة م��ن مناطق وضع القواعد ،وحد الحدود ،وبناء األبواب ،وصوغ الشروط، * أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية-كلية التربية –جامعة الجوف. ( )1الخصائص البن جني .276/3 ( )2أصول النحو العربي .105 ( )3المصدر السابق .106 ( )4نظرية النحو العربي القديم .168 ( )5تقويم الفكر النحوي .192
80
اجلوبة -خريف 1429هـ
وم��ن ذل��ك م��ا ذك��ره د .أنيس م��ن اض�ط��راب ال��رواة في تعريف المقصود بالعنعنة مثال ،وكذا نسبتها إلى قوم بعينهم ،حيث يقول »:ومثل هذا االضطراب في الرواية، ليس له من سبب سوى أن استقراء ال��رواة ألمثلة هذه الظاهرة الصوتية كان ناقصا ،وأن األمر في كل رواية ال يعدو أن يكون حكما خاصا مبنيا على مثال خاص، سمعه ال��راوي دون استقراء لباقي ال �ح��االت( .)7ويقول في موضع آخر« :ولذلك يرجح أن يكون كثير من تلك الروايات الغريبة ،التي رواها اللغويون القدماء عن صبي في البادية ،أو امرأة في قبيلة من القبائل ،أو التي لم يكن استقراؤهم لها استقراء كافيا ،نرجح في كل هذا، أن ما سمعوه لم يكن إال من ذلك القياس الخاطئ»(.)8 وفي حديثه عن ظاهر الكسكسة والكشكشة وتقييد القدماء لهما بكاف المؤنثة .يقول د .رمضان عبدالتواب: «أما تقييد القدماء ذلك بكاف المؤنثة ،فهو مبنىٌّ فيما يظهر على استقراء ناقص ،وعندما عثروا على مثال يعارض قواعدهم وهو «ال��دي��ش» ...لجئوا في تفسيره إلى نظرية القياس ،فقالوا :شبه كاف الديك لكسرتها بكاف ضمير المؤنث(.)9 ولهذا كله ،فنحن نق ُّر بما دعا إليه د .إبراهيم أنيس، وهو العودة إلى إع��ادة االستقراء م��رات وم��رات ،وعدم االعتماد على أق��وال القدماء من علمائنا وحدهم ،بل ال بد أن ندلي بدالئنا ،ونعيد االستقراء بأنفسنا ،وال يصرفنا عن هذا ما قاله أبو عمرو بن العالء« :ما انتهى إليكم مما قالته ال�ع��رب إال أق�ل��ه ،ول��و ق��د ج��اءك��م كلُّه لجاءكم علم وأدب كثير( )10أي أن الباب ال يزال مفتوحا إلعادة النظر في أقوال علمائنا القدامى ،وبخاصة فيما اختلفوا حوله من قضايا لغوية. ( )6دراسات نقدية في النحو العربي .43 ( )7في اللهجات العربية 110 ( )8من أسرار اللغة .45 ( )9فصول في فقه العربية .147 ( )10من أسرار اللغة .30
«عبور إلى املاوراء»
«كل ترجمة تقوم على االختالف..حتى وإن بدت ترمي إلى حذفه وإلغائه» بالنشو
توطئة
> عبداحلق ميفراني*
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
الشعر اإلسباني املعاصر:
يؤكد موريس بالنشو( )1أن النص المترجم «يضاهي مجهود اإلب��داع ،ذلك اإلب��داع ال��ذي يسعى تشل بالنسبة انطالقا من اللغة المتداولة ..إلى توليد لغة أخرى تحاكي األولى في المظهر ،لكنها ّ لتلك اللغة غيابها ،واختالفها الذي ما يفتأ يحقق وما يفتأ يختفي»( .)2إن النص الشعري المقدم هنا، من جغرافية أدبية للجارة الشمالية ،جزء من هذه المعادلة ،لكنها معادلة محفوفة بدينامية التأويل، فهذا النص ينمو في لغة ثانية ،ويولد عناصر تخييلية ،وال يخفي فاعليته األدبية. لقد أسهمت اإلثنولوجيا باعترافها بجغرافيات ثقافية ظلت مهمشة ومنسية ،في االنفتاح على ثقافات لها خصوصيتها .ولقد أمكن للترجمة أن تجعل الحوار بين الثقافات فعال ممكنا .وما النصوص المقدمة في المثن الشعري اإلسباني إال أرخبيال غنيا من ثقافة تنتمي لبعد متوسطي إيبيري.
إن «كل ترجمة تقوم على االختالف..حتى وإن بدت ترمي إلى حذفه وإلغائه»( ،)3لكن النهوض بمهمة تقريب بين لغتين ،هو جزء من مهمة أكبر ترمي إخفاء هذا االختالف ،بفرض االنتباه إلى النص المترجم ككيان جديد ،إنه رهان «معلمي الخفاء الثقافي» –بتعبير بالنشو -وف��ي ق��درة المترجم على تخصيب النص المترجم (بفتح الجيم) واالبتعاد على تقنية العبور اآلل�ي��ة ،قوة الترجمة ،إذاً ،بتعبير المفكر إدريس كثير حوار للنص وحياته ،كلما ازدادات الترجمة تحررا ،كلما هادئ بين الثقافات ،من منظور أن الجرد المقدم استطاعت اللغتان ،إرس��اء عالمات تالقحهما ،هنا في انفتاحه على تجارب شعرية متعددة ،في وخلق فتح جديد لمعنى آخر يتشكل في األفق. عدم تقيده وانتصاره لمدرسة شعرية دون غيرها.. يشير المفكر إدريس كثير( )4إلى أن الترجمة اس �ت �ط��اع أن ي �ق��دم ش�ك�لا راق �ي��ا لتفاعل منجز ف��ي تفسيرها ون�ق�ل�ه��ا للغة أخ� ��رى ،خ�ي��ان��ة في النصوص الشعرية ،مع تجربة تنفتح عليها في المنوال البليغ للقول اإليطالي الالتيني ،إال أن جنوب المتوسط ،هي التجربة الشعرية المغربية، هذا الفعل ليس إراديا وال واعيا .إنما يعود األمر والممثلة ف��ي القصيدة المغربية الحديثة .مع إلى عمل اللغة (واللغات) ،فبنيات اللغات وتركيبها االعتراف في النهاية ،أن فعل الترجمة يظل فعال مختلفة ،ولكل لغة سلطتها (روالن ب ��ارت) ،وال متحققا وبليغا ف��ي ق��درت��ه على االف�ص��اح «على االختالف» (بالنشو) ،وال ينحو النص المترجم وعيها (ستراوس) ،والمسكوت عنه (أركون).
اجلوبة -خريف 1429هـ 81
حينها إل��ى ن��وع من «االستقامة» ،بقدر ما يفعل شكال من الديمومة واالنفتاح على الحياة..
-1الشاعر خايمي ألخاندريو الحائز على جائزة بسيال ،عن دي��وان��ه ص��ورة ذاتية بعد الموت سنة 2000م ،وقد أصدر ديوانين سنة 1998م، «األب�ط��ال الحتميون» و «الكلمات المهملة»، وك��ذا كتابه «متفرج على نفسه» الحائز على جائزة خورخي مانريكي سنة 1996م.
إن هذا المثن الشعري اإلسباني المقدم في سلسلة إص���دارات ،ال يستطيع إال أن يحيا من جديد ،حينها تضيق الجغرافية األدبية ،كي تتحول لجغرافية مركبة مفتوحة على مطلق متخيلها ،ومن خالل هذه السلسلة من اإلصدارات التي أشرف -2الشاعرة بالنكا أندريو ،وهي أحد األصوات عليها اتحاد كتاب المغرب ،نقرأ ح��وارا شعريا الشعرية المتميزة في الحقبة المعاصرة. يمكننا م��ن االط�ل�اع ع�ل��ى ال�ق�ص�ي��دة اإلسبانية -3ال �ش��اع��ر أدول �ف��و أل�ف��ون�س��و ،أرص ال �م��زداد ال�ح��دي�ث��ة ،عبر م �س��ارات تشكلها .اإلص� ��دارات بأستوركا ،المدينة التي أصبح عمدتها سنة المقدمة ص��درت بتعاون م��ع معهد سرفانتيس 1956م .ي�ع�م��ل أرص ك�ث�ي��را م��ن أج ��ل نشر وال�م�س�ت�ش��ارة ال�ث�ق��اف�ي��ة اإلس�ب��ان�ي��ة ف��ي ال��رب��اط الفنون التشكيلية ،نظم الكثير من التظاهرات المغربية ،وقد أشرف على هذه السلسلة المبدع التشكيلية في منطقة قشتالية ول�ي��ون ،ومن والمترجم العربي الحارثي. بين أع�م��ال��ه« :ال�خ��ط النهائي» الحائز على جائزة رافائيل ألبريتي 1996م ،و «الغثيان .1أن���ط���ول���وج���ي���ا ال���ش���ع���ر اإلس���ب���ان���ي ال�م�ق��دس» ج��ائ��زة م�ع��رض الكتاب اإلسباني المعاصر: 1996م ،بتعاون مع الفنان التشكيلي ألفارود الشعر اإلسباني المعاصر( )5دي��وان جماعي، يلغادو ،نشر يوميات الشتاء .1998ثم «ظالل ضم مجموعة من الشعراء اإلسبان المعاصرين، فصل الشتاء» الذي حصل على جائزة إقليم وقد خطط ببداهة شعرية ،وبترجمة تعي كينونة كواداالخرا 1998م. النص الشعري للجار الشمالي للمغرب ،طاقم من
-4الشاعر وال��روائ��ي دافييد كاستييو ،ول��د في األساتذة يتكون من: برشلونة ،المدينة التي أط��رت الفضاء العام توفيق لعلج ،وعبدالمجيد بنغاللي ،واسماعيل إلبداعاته وكتاباته. العثماني ،وجالل الحكماوي ،وعبدالرحيم حزال وال �ع��رب��ي ال �ح��ارث��ي م�س�ئ��وال ع��ن السلسلة التي -5الشاعر خوان أنطونيو كونزاليس فوينتيس، مدير شعبة اآلداب بجامعة كانتاربريا ،صدرت ت��وال��ت إص��دارات �ه��ا ،م��ن خ�لال م�ن�ش��ورات اتحاد له أربعة دواوين« :عن العبور وضياعه» 1991م، ك�ت��اب ال�م�غ��رب ،وب��دع��م م��ن معهد سرفانتيس، و «الثقة األخيرة» 1993م ،و «الغضب الغائب» والمستشارة الثقافية اإلسبانية في المغرب. 1995م ،إضافة إلى «النهاية» 1998م. كتاب الشعر اإلسباني المعاصر ،أنطولوجيا تحاول أن تعطي القارئ رؤي��ة نسبية من الشعر اإلسباني المعاصر ،كل الشعراء الممثلين فيها، ينتمون إلى الحركة الشعرية للعقد األخير ،وهم على التوالي:
82
اجلوبة -خريف 1429هـ
-6الشاعر خافيير م��ارك��وس رودري�ك�ي��س ،نشر ثالثة دواوين« :بينما يحترقان» ،و «الغارقون»، و «نحن العزل» .وشعره يعد األكثر خصوصية في إسبانيا العقود األخيرة.
«ت��وس �ل��ت ه ��ذه ال��دي �ن��ام �ي��ة ب�� ��أدوات إج��رائ �ي��ة ج��دي��دة ،وخ�ص��ائ��ص لغوية ف��ري��دة ،ت�ت��داخ��ل فيها اللغة بالموضوع والتصور ،من ذلك استعمال اللغة المتداولة ،واليومية ،والشعور بالحميمية والفردانية، والحرص على تغيير النظام المرجعي ،واالهتمام بالمأساة ألسباب وأحداث تاريخية ..وهذا ما يفسر -8الشاعر والمترجم خوسي رمون تروخيو ،وهو إدخال الفكاهة كنمط ،وكوسيلة للنقد الذاتي ،من مختص في األدب المقارن ،أنجز العديد من أجل أنسنة الشاعر واإلبداع الشعري». الدراسان النقدية ،نشر ثالثة دواوين شعرية كتاب الشعر اإلسباني المعاصر ،الذي يقدمه «خ�م��س قصائد ف��ي ال�ق�ي��م» ،1995و «فن لنا المبدع والمترجم العربي الحارثي ،كمسئول عن النسيان» 1997م ،و «المملكة» 2001م. السلسلة ،هو تقديم لتجربة غنية برؤاها ،وبأساليب
جميع قصائد ه��ؤالء زينت دف��ة كتاب الشعر اإلسباني المعاصر ،وال��ذي يعد ديوانا جماعيا. وق ��د ك��ان��ت للترجمة إل ��ى ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة إرادة المثاقفة المطلوبة ،ون��اف��ذة مشرعة على ق��ارة شعرية ،اح�ت��اج المشهد الشعري الجنوبي هنا إليها ،ك��ي تتالقح ه��ذه النصوص المتوسطية، والتي تنتمي إلى اإلرث الحضاري ذاته ،باختالف الخصوصية بطبيعة الحال .ولعل الطاقم المشرف على الترجمة ،والمعروف بحركيته المعهودة في هذا المجال ،يعيد س��ؤال دينامية فعل الترجمة في المغرب والعالم العربي ،خصوصا أن العقود األخيرة قد زكت هذا الحضور ،بانفتاح أكثر على ق��ارات إبداعية مجهولة ،نشير هنا إل��ى الشعر المقدوني نموذجا.
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
-7الشاعر باسيليو رودري�ك�ي��س ك��ان�ي��ادا ،نشر إضافة إلى مجموعة من الدواوين «المراهقات» 1986م ،و «م��دي �ن��ة ال �خ��ال��دات» 1996م ،و «روافد الذاكرة» 1997م ،و«أنطولوجيا الشعر اإلسباني المعاصر» أطلق عليها اسم الشعر األخير ،وفي سنة 1999م ،أنجز كتابا نقديا حلل فيه وض��ع الشعر اإلس�ب��ان��ي المعاصر، ويعد من أضخم األنطولوجيات المنجزة ،ألنه يضم بين دفتيه جميع التيارات واالتجاهات الشعرية المعاصرة.
م��ن ح�ي��اة وت��اري��خ أس��اس��ي ف��ي الشعر اإلسباني ال�م�ع��اص��ر .وللحديث ع��ن م�لام��ح ه��ذه العوالم الشعرية ،يشير تقديم الكتاب في قراءته لهذه الدينامية:
اشتغالها ،وإذا كانت القصائد المترجمة إلى اللغة العربية يميزها حس االختالف اإلبداعي ،بحكم أن كل تجربة شعرية فيها هي قائمة بذاتها ،إال أن تقاطع الخصائص والمكونات ،المشكلة لهذا المتن المصغر ،تثير لما اعتبرته األنطولوجية نفسها ،حركة صداقة تكتب بحس حميمي.
قصيدة أجنحة للشاعرة بالنكا أندريو أجنحة سفينتي كانت تبدو أجنحة مالك من خشب ينحني ليشرب المحيطات ثمل بنبيذ أزرق وسموات مبللة /ص.26
قصائد كتاب الشعر اإلسباني المعاصر ،هي .2منتخبات شعرية ألندريس سانشيس نافذة ارتكاز إلع��ادة تمثل هذا المشهد الشعري روبانيا الغني ،ومحطة أساسية لقراءة دينامية شعرية،
ديوان «فوق أقصى صخرة»( )6للشاعر اإلسباني
اجلوبة -خريف 1429هـ 83
أن ��دري ��س س��ان �ش �ي��س روب ��ان� �ي ��ا ،وال � ��ذي ت��رج�م��ه تفتح األعين على عمق وأصالة هذه التجربة. إل��ى العربية ك��ل م��ن العربي ال�ح��ارث��ي واألس�ت��اذ قصــــائد الشاعر روبانيا تحفل بالصور ،إذ عبدالمجيد بنجاللي ،يضم تسع قصائد: ي��درك الشاعر أن ال مهنة له إال االحتفاء بمادة - 1الغيوم. - 2ما وراء األشجار. - 3رغبة الصيف. - 4مرثية. - 5االمتثال البركان. - 6هنا واآلن في نفس اللحظة. - 7مساء الصيف. - 8شجرة التين. - 9فوق أقصى صخرة.
الكون ،وبكثافة العالم ،ومن ثمة احترف -كما يؤكد الشاعر حسن نجمي -الوشاية بالموجودات.. بالمرئي والالمرئي..
على ال��رغ��م م��ن ك��ون الشاعر يحتفي شعريا بقيمة الجهل ،حيث كل المعرفة ليست إال عتبة لجهل آخ��ر ،الجهل الخالق ال��ذي ال يجهز على دهشة الشعر والشعراء: الكتابة ربما شهادة للمرئي السائر حتى نهايته حتى الموت ،كل خدش الحجر ،كل اسم كل حرف ،شهادة العوالم/ ..ص .66
وتعد تجربة نقل متن شعري من لغة إلى أخرى كما يؤكد المترجمان -أمرا بالغ الصعوبة ،إذاافترضنا أن هذا المتن الشعري بسيط وواضح ال �م �ع��ال��م ،ف�ك�ي��ف ب �ن��ص ي�ت�ش�ك��ل م��ن ت�ض��اري��س هكذا يبدو العالم الشعري لروبانيا ،إذ تبدو وع��رة ،وم��ن خيال ملتو ،وم��ن ص��ور مركبة ،ولغة القصيدة حفراً أنطولوجياً مسكونا بالديمومة، متحجرة؟ وأبعد من ذلك ،يرتبط الشاعر روبانيا وقصائده أمام هذه الصعوبات يعترف العربي الحارثي ،بالطبيعة في جل تجلياتها ،حتى تبدو النصوص وعبدالمجيد بنغاللي ،بحفاظهما على روح المعنى ،صدى لهذا السكن الترابي ،لكن في جميع حاالته، والبحث في دالالت ال�م�ف��ردات ،وانتقاء أكثرها وثمة تفاعل بين الجسد والمكان في حفل وقداس استجابة للسياق الجزئي والكلي ،مع الحفاظ على غير مسمى ،إذ ال يفصل الشاعر المسافات ،وال خصائص اللغة العربية ،مبنىً ومعنىً ،إن األمانة ينحت في تفاصيل األشجار والحجر واألرض ،إال العلمية فرضت أن يبقى المترجمان وفيين للنص ص��دى م��ا ه��و م��وش��وم ف��ي الجسد ..لذلك بدت األصلي ،مهما كان متحجرا ومشكال في لغته. تركيبة تجربة الشاعر روبانيا أشد غموضا في ديوان «فوق أقصى صخرة» للشاعر اإلسباني فعلها الحفري ،وفي خرقها الذي يسكن القصيدة، روبانيا ،شعر في خيال عميق ،ولغة تضرب في وفي لعبة المرئي والالمرئي ،يتناوب هذا الطيران أعماق الرمز واإلش��ارة واإليحاء .ومن المؤكد -المنحوت أساسا فوق مساءات هذا السكن الذي كما يشير الشاعر حسن نجمي -أن ما توفره يخطه الشاعر ،كخدش متناه في عالم ال متناهٍ ، لنا هذه المختارات إلى اللغة العربية ،من شعر لكنه ناطق كما األوراق ،واللغة هنا ،لغة جسد اإلسباني أندريس سانشيس روبانيا ،لن يوصلنا الكون ألنها تتفاعل مع رؤاها الالمتناهية. إلى رحابة وامتداد تجربة شعرية أساسية ،لكنها عموما يشكل دي��وان الشاعر روبانيا إضافة
84
اجلوبة -خريف 1429هـ
. 3قصائد خوسي رمون تروخيو أو قصائد الماوراء
دي��وان «المملكة»( )7يتابع م��ن خالله الكاتب والمترجم المغربي محمد الحارثي ،ومعه العديد من األسماء المغربية ،رهانهم الجماعي في ترجمة نصوص من الجسد الشعري اإلسباني ،وإذا كان ال�م�ع��رض األخ�ي��ر (2006م) للكتاب ال��ذي نظم بمدينة الدارالبيضاء ،قد توج الثقافة اإلسبانية مدينة ال�ق�ل��ب ،ال�ط��ري��ق ،ال �س��راب ،الصعود. من خالل حمل شعار المعرض ،ومحور العديد من ه��ي أرب �ع��ة مفاصل شعرية اح �ت��وت على أربعة الندوات ،فقد كان مناسبة أيضا لتقديم العديد عشر مقطعا شعريا قصيرا ،منها :الساعات هنا من الترجمات ،لنصوص إبداعية إسبانية. ك��األم��واج ،خ�لال العشاء ،أحيانا ،ب��دون أن يفوه دي ��وان المملكة El reinoللشاعر اإلسباني بكلمة ،كآثار الذئب الحمراء ف��وق الثلج ،كانت خوسي رم��ون تروخيو ،Jos ramon TRUJILLO هناك نائمة ،في األشياء الصغيرة ،مر اليوم كله خطوة في إطار صيرورة التعريف بهذا المشهد في التأمل ،بينما الظل ال يزال ،وراء الجدران... الغني .الديوان صدر عن منشورات اتحاد كتاب في قصيدة الساعات هنا كاألمواج نقرأ: ال �م �غ��رب ،وب��دع��م م��ن معهد س��رف��ان�ت�ي��س ،وق��ام تنخر خفية الصخر ب�ت��رج�م��ة ق �ص��ائ��ده ال �م �ب��دع وال �م �ت��رج��م ال�ع��رب��ي تفسد السقف الخشبي ،وتلعق الحارثي ،والقاصة والمترجمة رجاء الطالبي ،وقد رخامها ،تفك أصابعها صدر عن مطبعة الكرامة في 72صفحة. الظالمية الحرير ،والتخاريم /ص .8 ولد الشاعر المدريدي تروخيو سنة 1966م، يقدم الشاعر تروخيو تجربة شعرية تحاور وإض��اف��ة إل��ى كتابته للشعر يقوم بالتدريس في األشياء من خالل التقاط دقيق لتفاصيل الالمرئي، الجامعة والترجمة ،نشرت له من األعمال: وهو هنا يقدم توليفا سحريا لقدرة اللغة الشعرية خمس قصائد أخالقية ،مدريد 1995م.على السفر في وشائج المعنى ،بسيالن تركيبي فن النسيان 1997م.يتوزع فسيفساء القصائد بعناية فائقة ،ال تخلق المملكة 2001م.مفارقاتها إال من خالل استعارة الرؤية: وسط شساعة البحر ،فهمت آنذاك ف ��ي ت�ق��دي�م�ه�م��ا ل ��دي ��وان ال �م �م �ل �ك��ة ل�ل�ش��اع��ر أن الشفافية وليس الوضوح هي التي تقرب اإلس �ب��ان��ي ت��روخ �ي��و ،ي��ؤك��د ال�م�ت��رج�م��ان العربي الحارثي مسئوال عن السلسلة ،ورج��اء الطالبي، الى قلوبنا وجيب األشياء /ص .18
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
نوعية ل�ه��دا األف��ق ال�ش�ع��ري ،ال��ذي ينفتح أم��ام قراءات ،لعلها هي أيضا تتجه إلى أفق القصيدة الكوني.
أن قصائد تروخيو تجسد تأمال ما ورائيا ،يدور حول مفهوم الزمان ،ألنها تتضمن فكرة الوجود والعدم ،الثبات والحركة ،الحضور والغياب ،الروح والجسد ،تحتفي قصائده بقيمة السفر والترحال. إن ال�ش��اع��ر ت��روخ�ي��و م��ول��ع بالسفر ،فحتى في اإلقامة هنالك ممارسة للسفر إلى قلب الذات، واألع �م��اق ،ورك ��وب مغامرة البحث ع��ن المعنى المنفلت والمحجوب وراء قشرة الوجود المموهة. إن الحس الفجائعي ال��ذي تعبر عنه القصائد، يعبر عن عبور آخر أكثر رمزية ،عبور نحو اللغة، في كشوفاتها التي تتجاوز الصدفة.
اجلوبة -خريف 1429هـ 85
وألن للقصيدة عوالمها الشاسعة ،وألن للكتابة خرقا مموها دائما ،تخلق عبره عالمها ،فالشاعر تروخيو يمأسس لحظته الشعرية الشفافة ،عبر عبوره الدائم التأملي في الماوراء .هذا األخير يعتبره نص تروخيو سكنه ال��روح��ي والمجازي، وهو سكن مسكون بقلق اعتباري مزدوج: والقلق غافيا بالرغم من أن عطشه ال يري /ص22
ولعلها لحظة رم��زي��ة يؤكد م��ن خاللها الشاعر ت��روخ�ي��و م��ا س�ب��ق أن أش ��ار ل��ه ال�م�ت��رج�م��ان في تقديمها .فحالة السفر تتحول هنا إلى ما نسميه باستغوار دالل��ي ،يعبر من خالله الشاعر لهذا الوضوح الغامض ص ،36الذي يعتم كل شيء لكن في النهاية: يجلس الشاعر على حافة الطريق وقد هجره سفره يصدح صوته البرونزي الجميل مرنا كطنين جرس فارغ /ص.34
شاعر وناقد من المغرب. موريس بالنشو «أسئلة الكتابة» ،ت/نعيمة بنعبدالعالي وعبدالسالم بنعيدالعالي ،دار توبقال للنشر-المغرب- ط.2004/1 المرجع نفسه ،ص.80 المرجع نفسه ،ص.85 ملحق فكر وإبداع عدد /8819ورقة المفكر إدريس كثير ألقيت في ن��دوة ح��وار الثقافات المنظمة في مدينة الحاجب.
(« ) 5الشعر اإلسباني المعاصر» ترجمة العربي الحارثي، منشورات اتحاد كتاب المغرب ،ط.2002/1 (« )6ف��وق أق�ص��ى ص�خ��رة» أن��دري��س سانشيس روبانيا، ترجمة ال�ع��رب��ي ال�ح��ارث��ي وعبدالمجيد الجياللي، منشورات اتحاد كتاب المغرب ،ط.2002/1 (« )7المملكة» خ��وس��ي رم��ون ت��روخ�ي��و ،ترجمة العربي ال�ح��ارث��ي ورج ��اء ال�ط��ال�ب��ي ،م�ن�ش��ورات ات �ح��اد كتاب المغرب ،ط.2004/1
قلق يحمل رؤاه ت�ج��اه ام�ت�لاك لحظة القول الشعري ،أم��ام أشياء ال تتشبه إال بالالمعقول، خصوصا أن امتالك الشاعر للحظته ،هو امتالك لشفافية تتلكأ ع��ن ال��وض��وح .وه��و قلق المعنى ديوان المملكة للشاعر اإلسباني خوسي رمون الذي تجوبه القصائد طوال وعرضا ،حيث عالم تروخيو تجسيد للسير تجاه العدم ،في سفر ال الالمعنى والالمعقول ،أمام الشاعر كريات صغيرة نهائي لهذا الماوراء ،حيث ال ثبات ،حيث الغياب تمتد بين: حضور في الغياب ،وقد أمكن لهذا العبور للنص بين نوفمبر وفصل الشتاء المترجم أن يتحقق وف��ق ت��داول شعري خ�لاق. يمتد فصل خصوصا عندما يكشف المترجم -وهو المشتغل يسمى الخيبة /ص.30 أس��اس��ا ع�ل��ى ن�ص��ه ال �ش �ع��ري -ع�ل��ى ن�ي��ة ال�ح��وار فصل الخيبة هي الزمن والصدأ الذي تحلق المجازي الداخلي للنصوص ،من خالل أوليات كريتهما الصغيرة ،وتسقط م�ط��را حين يشعر فعل الترجمة. بالعطش ص ،32وحين يشعر المطر بالعطش، وق ��د أت�ح�ف�ت�ن��ا ال�ت��رج�م��ة ف��ي ال��وص��ول لهذه يذهلنا الشاعر بهذه الثنائية التي يخلق تفاصيلها، ويزيد من سبر أغوار القصيدة بحثا في المعقوله ،ال��وس��ائ��ط م�م��ا يعيد ال�ت��أك�ي��د ع�ل��ى خصوصية إذ حينما يشعر الشاعر بالعطش تسقط القصيدة ،االشتغال المعرفي ف��ي عبورنا نحن تجاه هذه وفي حاالت السقوط هاته ،مرآوية لحالة العطش ،القارات الشعرية ،وكم نحتاج لعبورنا وعبور اآلخر حيث اللغة تمارس طقس االستنبات والتحول ،فينا. *
( )1
() 2 ( )3 ( )4
86
اجلوبة -خريف 1429هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
مليعة عباس عمارة: غر بة واغتراب
> دجلة احمد السماوي*
هل اآلخر هو جحيم األنا أم فردوسها ؟ (سارتر) لميعة عباس ع �م��ارة ،ظ��اه��رة أدب�ي��ة متميزة ف��ي أدب�ن��ا العربي .هي التي رأت.. فمزجت ال �ت��اري��خ ال �ع��ام ب��ال�ت��اري��خ ال �خ��اص ،س��اع��ة ح��مَّ �ل��تْ أش�ع��اره��ا إح �س��اس الحب الخارق الشفاف والالذع معاً! هي الشاعرة الشرقية التي رأت ..فباتت المتوحدة مع الطبيعة ..حين خلطت العشق بالرغيف والوطن! ما الذي رأته هذه العراقية ،فيكون طائرها المسجون المتفرد ،ضمن دوامة العتمة التي تترقب الفتاة المبدعة ،لكي تزدر أحالمها! هل لزمان ميالد لميعة في العام 1929م ،صلة بكينونتها التي علمتها الرؤية ؟! فتقول: عاد الربيع
متش ــوق لطرائف جدد
وأنت لم تعد
فلكَم سهرنا والحديث ند
يا حرقة تقتات من كبدي
وعلى ذراعك كم غفا ولدي؟
عاد الربيع فألف وا أسفي
وتهب أمي شبه غاضبة
أال تحس به .. إلى األبد
برد الهواء ,فاكملوا بغد
أنساك! كيف ؟ وألف تذكرة
تخشى عليك وكلها وله
في بيتنا تترى على خلد
أن تستمر وأن تقول زد
هذا مكانــك ف ـ ـ ــي حديقتنا
وهنا مكانك حين يجمعنا
اجلوبة -خريف 1429هـ 87
وقت الطعام ويداك قرب يدي وهنا كتابك في هوامشه رأي وتعليل لمنتقد ورسائل وردت وأعوزها رد عليها بعد لم يرد يا وجهه الريان من أمل كيف احتملت تجهم اللحد
السردي للقصيدة القصصية ،من حيث أن البنية االستهاللية لإلحساس وشركته بالربيع أال تحس ب��ه...إل��ى األب��د! واشتغال النص الشعري على الحواس مع إقترانه بالزمان .والربيع والحب بما ينسحب على عودة الربيع بمباهجه الطبيعية، وتوهجه ،وانتظاره في الشعور والالشعور ،وأنت ل��م ت�ع��د! وال�ح�ض��ور وال�غ�ي��اب ي��رم��ز إل��ى تقنية
يشكل ع �ن��وان ال�ق�ص�ي��دة ل�ل�ش��اع��رة مغامرة اغترابية دامية! حتى كأن العنوان كينونة ال تقل التصاق الربيع بالحب والتوتر الزمني ، زد على أهمية عن كينونة القصيدة! «عاد الربيع» ،تتألف ذلك أن التراصف االستفهامي يحيل إلى رغبة من أربعة وعشرين بيتا ضمن موسيقى البحر الحوار الذاتي( األنا) ،وإثارة التساؤالت( ،أنساك الكامل ،ولم تكتنز القصيدة بالغموض والمباشرة كيف) ،إذ يتنامى التوتر السردي باستدعاء تقنية كما ه��و التوقع! فاتخذت الصورة التشبيهية االسقاط الفني ،فتكون الجملة الرامزة معادلة للربيع( مستعار منه) والمستعار له ،ألنه تأنسن لرحلة حياة كاملة ،وإضاءة باهرة ،تسقط عليها ك��أداة فنية ترميزية تسقط عليها إحساسات (األنا) الساردة إحساساتها مرمدة إزاء الذكرى، الذات األنثوية ،وحاجتها األزلية إلى اآلخر. فتكون ( البيت – الحديقة – السهر – الرسائل ويستثمر المتن الشعري ذاكرة الربيع ،لتكون – إغ�ف��اءة ال��ول��د – وق��ت الطعام -ي��داك قرب مرجعيتها المترعة بطقوس الخصب والنماء بؤرة مشفرة تتأرجح بين أقصى الغبطة والنشوة ،يدي – الكتاب – الهوامش – الرسائل – لم يرد ف��ي ات�ج��اه�ي��ن أح��ده�م��ا االس �ق��اط وان��زي��اح��ات��ه -اللحد). المتوالية على الفعل (ع ��اد) ، م��ع أداة الجزم هذه المناخات المتخمة بالمحموالت اللفظية، والفعل المضارع ( لم تعد) ،تعكس حركة العاشق وجملة الذكريات ضمن حركة دائرية تتبلور في تجاه( أناه) المعشوقة إزاء ان�ف�لات الزمن، إحساس الشاعرة المرهف ،تعكس احتراقات األي ��ام وحركتها المتراخية ص��وب أف��ق مثخن (األنا) المسكونة بالتغيير ،والتوق إلى االنعتاق من بصور من الماضي الذي يحمل في طياته الحب دوامة االنتظار ،واستمرارية الحياة بكل عنفوانها والحلم ،لكنه أصبح سرابا ال وجود له. وشجونها! لتكون خالصة الفعل الشعري لهذه وال �م �ف �ص��ل ال �ث��ان��ي م �خ �ي��ال ال �ت �ل �ق��ي ص��وب اآلخ���ر ،ي�ن��أى ع��ن ال�ح�ي��رة وال �خ��وف واش �ت��راك القصيدة البانوراما هي أن االغتراب هو الباب اإلحساس والمشاعر ،بما يعكس حرقة الكبد األوسع للغربة ،باعتداد االغتراب حالة روحية، واألس��ى المعنون عن الفراق .ومالمح الخطاب والغربة حالة مادية. * كاتبة عربية في أمريكا.
88
اجلوبة -خريف 1429هـ
في نصوص هدى الدغفق
> محمد الفوز*
-1على افتراض أن األنثى أكثر حساسية باللغة، بمفهومها االيكولوجي ال��ذي ينحاز للطبيعةِ كأثر نفسي وبنائي .تتواطأ هدى الدغفق مع ٍ مفرداتها المتوترة غالبا ،حتى تُسوِّغ لذاتها أن مقموعة من حولها؛ فال يمكن ٍ حرية ٍ تتمرد على أن تتنصل عنها بوصفها قالبا أنثويا متمرحال في غائيته من منطلق النزعة االيغوسنترية التي تعني االستقطاب حول الذات .ومهما انفرطت عُقدة المصير النسوي ،إال أن تجليات النص وباختزال ٍ تستقطب كل المفارق والتناقضات؛ بسيط لنصوص – هدى -ندرك أننا أمام نص يتشظى على الهامش ،بحسب الرؤية الفرويدية التي تستقصي أبعاد النص ثم تعيد تحليله بعد كشف لمدى حساسيته ،ففي نصها (خيـــــال يجف) تقول: «أنتقي ظلي فيجهل أنني من لحمهِ » وفي نص (فجـأة) تقول: مهل «على ٍ تهشمت ظلمتُ ها بأحجار الشمس»..... ْ أما في نص (دائـرة) فتقول: «وردة قاسمتها خوفي ألوانُها... اختلطت عليّ »
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
ُ م الشعري تفيض حساسي ٌة أرستقراطية َ باله ِّ
بهذا التمرين الرومانسي على حلم وشيك، تبدو أرستقراطية اللغة وعذوبتها المنسابة �ات دون أخ��رى م��ن النص ذات��ه .ففي ف��ي ج�ه� ٍ األمثلة األولى نماذج شعرية تكاد تلع ُن جرسها الموسيقي ،وتتحرر بأفق ٍ نثري تسرده ثيمة ٌ معرفية غير متواصلة في ظاهر النص ،ولكنها آخذ في استمراريته للحيلولة دون تهمس بوعي ٍ إرب��اك المتلقي بحسب نظرية ه��ارول��د بلوم؛ فالشعر ح��ال��ة واس�ت�ل�ه��ام ،وال ب��أس بفواص َل جمالية تزركش هيكل القصيدة النثرية التي تقبل الجنوسة والتالقح مع أجناس إبداعية أخرى، إذا كانت تُضيف للنص وعيا دالليــــا يتسع لدى المتلقي المغروس في قلب الحدث الشعري، مهما استُنْزِ فَتْ نثريته ،إذا كانت الصورة نهرية، والمخيال اللغوي أس القيمة البنيوية للقصيدة. وهذا المعيار اإلبداعي يبدو بمعاودة النصوص السابقة ،وفحص مقاطع أخرى لتتبعها ،وأد ُّل ذلك قصيدة (خيال يجف) لـــو أعدنا قراءتها وتفكيكها على انفراد ،حيث تقول: «العيد يخرج للشوارع أدخل البيت الخلي أول األعياد بعد أشرب األزهار /ترفضني.. أنتقي ظلي فيجهل أنني من لحمه
اجلوبة -خريف 1429هـ 89
وغزال أحالمي تواتر لالختالف حوله ،لذلك اتخذته عتبة ماثلة لقراءة في التراجع نص (الجذر): حيث الااا «ال تعتزل أعمارك األخرى للشوارع.. ستمنحهم جدائل يصعدون بها إليك أدخل يجاوزونك.. للبيت الخليِّ هيتَ لك أعووود» ال ترتكب فرح البداية قاوم األطفال فيك» مستويات ِ ككتلة ..سنالحظ ٍ إذا تناولنا النص ال �ق��و ِة والتباعد ف��ي المعنى ودالالت� ��هِ ،وإ ْن ق � ًَّل إذا ات �ج �ه �ن��ا إل� ��ى غ��ائ �ي��ة ال �ش �ع��ر ب� �م ��داركَ حشو الكلمات باعتبار قِ صر النص ،فإن زوائد أفالطونية ..سنخلص إلى تجريد اللغة من فتونها ٍ المعنى أو تشتتهِ كبيرة ،بحجم المسافةِ بين وجمالها السيميائي ،ثم نضطر لعزل الشاعرة ٍ الجمل االسمية التي تتداخل في صورةٍ ناقصة أو خارج النص؛ بمعنى طردِ النرجسية عنه والثناء مبهمة ،وبين الجمل الفعلية الممتد ِة في الحدوث ،عليه ،واإلدعاء أن الشعر خارج الكلمات ولكن « ال ومحاولة إسباغ النص تحوالت شعرية مستمرة تعتزل أعمارك األخرى» ،كما تشي هدى الدغفق تجعله مكتنزا بالصيرورة والدهشة ،مهما كان في خطابها الشعري الذي يتصاعد في وتيرةٍ دو َن عمقه أو هالميته. أخرى ،فال بد من التساؤل حول الوعي الشعري
-2تأتي صدمة التلقي لبعض المقاطع ،والتي تمثل عالمة فارقة في النسيج الشعري لتكوينات القصيدة لدى الشاعرة ،بصرف النظر عن الترهل �دود بالممارسة ال�ن��اش��ئ م��ن ت�ج��ري� ٍ�ب ل�غ��وي م �ك� ٍ وال��وج��ع ف��ي ق�ص�ي��دةٍ تعيد اخ�ت�ب��ار ذات �ه��ا على األرجح -كما يرى هيدجر في تعددية المضامين ح��ول س��ر الكينونة ومدلولها الغائم نسبيا في جدل مؤبد -إذ كيف يمكن لإلنسان أن يخترع القوة التي تدعم في وجوده ،وتمكّنه من أن يكون حرا بال وصاية أبوية؟ ف �ك��ل خ �ط��اب إن �س��ان��ي – ب��ال��ض��رورة -هو استجابة لوجود الكاتئات والتماهي معها في زمن مشترك ،وتاريخ متراكم يُلبي دواع��ي القيام في حضرة الحقيقةِ .وهذا تعريف مؤدلج للشعر وفق أطروحات الصوفيين ،وهو تعريف صادم وجيد
90
اجلوبة -خريف 1429هـ
لديها..
بهيئة م��ا ،ح�ي� َن ت�ت��زاح��م أسماء ٍ ه��ل يحضر ش�ع��ري��ة ك�ب�ي��رة ذات ق��وى م��ؤث��رة ف��ي تجربتها، كأنسي الحاج والبياتي ومحمود درويش والمعري مثال ،ومن ثم تقع في فخ االنسجام الروحي الذي يُ�ف�رِّخ نصوصا هجينة ،أم أن الحالة الشعرية ت�ت�م��اي��ل ف��ي ان �ح �ن��اءات واض �ط��راب��ات م�ت�ع��ددة، ما يجعلنا أق��رب إل��ى التحليل النفسي منه إلى الحفر االبستمولوجي المعرفي لسياق القصيدة لدى الشاعرة ،ولكن الحيرة تكمن في النصوص الشعرية القصيرة جدا ،حيث تتكرر هذه الحالة، بل تكاد تكون سمة نسقية في مجمل اشتغاالتها الشعرية.
-3لسنا بصدد تجريح النصوص وإلغائها ،فك ُّل نص مشروط بالتجربةِ ،له حقُّ الصوت واالحتجاج ٍ
وبرأي الغذامي في كتابه (المرأة واللغة) يقول: «المرأة التي كانت خارج اللغة سعت للدخول إليها والتلبس بها واالنغراس في داخل الوجود اللغوي، ل�ي��س ب��واس�ط��ة ال�ح�ك��ي ك�م��ا ك��ان��ت ال �ح��ال فيما مضى ،وإنما عبر الكتابة ،»...هكذا تكبر مهمة الشعر ويتجاوز أعباء المرجعية التي تعطل الفكر وتخذل سموه دائما ،ويعد التعبير النسوي عن القيمة ونبذ التشيؤ تآلفا اعتياديا ضمن فلسفة المتغير الثقافي التي تطال الثوابت أحيانا ،كما نص (الباب العاشر لإلجابة الثابتة): «سأموت من الجهل في أمةٍ خانها الوعي بالنازلة! القلوب مغلفة/والعقول مقيدة.. أبيض يا غد؟» ُ كيف لي أن أقول: رغم كمية الوعي التي تكبح الصورة الشعرية –هنا -إال أن ت�ع��دد األف �ك��ار وت��دوي��ر الهواجس بالجدة والحلم ُخصب الشعر ِ بقوالب متباينة ؛ ت ِّ معا .وإن صح مفهوم شخصنة النص ،فإن هدى الدغفق كائن شفهي بالدرجة األولى ..وما تقوم به من تحويل الكالم إلى الورق هو تنصيص للذات، واستئمان للذاكرة ،حتى ال تخضع لمازوخية قاتلة تأويل ٍ «لست سوى ام��رأةٍ تأكلها النوايا» حسب ِ معرفي من نص (الزوجة).
-4ال يقل الهم في سياق النصوص عن غيره من
«وحين ألتقي بها مبادئي.
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
على النبرات الخافتة /المهادنة أو الفوضاويةِ على ح ِّد سواء ،أو المكابرة أيضا في داخل النص وخارجه ،ولنا أن نُسائل المنجز ككل ،ومجابهة ظنونه ،وح�ت��ى ه��دم ن��واي��اه؛ ألن الكائن اللغوي مأخوذ بناصية القول في نقد متصالح مع اللغة واإلبداع كثنائية تخطو بالشعر في رقصة تانغو.
رف متسارع ،ولذلك –كما التداعيات ؛ إنه كجُ ٍ أسلفت -تأتي الحموالت االستعارية واألصوات المشتتة في الهامش ب��ارزة ،مما يوحي أنها في تزامن خفي مع نص عصيِّ على الكتابة ،لعله كمشجب أزلي ٍ محفور -منذ القدم -في الوجدان يبلغ أوجه في نص (العبء): يقتص شعبي كل خيط بيننا ُّ ألـفـظ األنفاس أُشعِ لُ الفتيلَ من جديد وحين ألتقي به شعبي الذي نسيت في جحيمه مطامحي أقتص سرب أجنحة ُّ كانت تطير وأستعدُّ أستعدُّ للهبوط لألبد» كصوت ٍ لعل ه��ذا ال�ن��ص ،بانفالته وانعتاقهِ خارج الصوت ،يُحيلني إلى مجازفة العناوين في نصوص هدى الدغفق ،للتعبير عن مكموناتها من إيحاءات معبرةٍ تكتمل بعد ختامِ القراءة، ٍ خالل وال تكتمل حينما نتوقف عند عناوينها مباشرة، وكأني بها تتقمص قوال شعريا محايثا لما أريد حيث تقول « قبل أن ألبس العباءة/نسجتُ روحي عباءة لدفتري» وهذه مجرد توطئة لمحو المكتوب، ومشافهة الشاعرة التي تمتطي حريتها خارج األق��واس ،لتظ ّل واقفة مهما انعرجت دروبها.. نحن إذاً مجبولون على خيبة النسيان والحضور المفترض حتى مع ذواتنا المشبوهة.
* كاتب وناقد من السعودية.
اجلوبة -خريف 1429هـ 91
الشاعر الكبير فاروق شوشة:
اللغة القرآنية قادتني إلى الشعر والشعر قادني إلى حب اللغة
> حاوره :محمد احلمامصي*
يحتل الشاعر الكبير فاروق شوشة موقعا بارزا في الوجدان المصري والعربي ،منذ انطلق صوته شاعرا وإذاعيا عاشقا للغة العربية وجمالياتها ،وهو عبر رحلته الممتدة منذ ما يزيد عن أربعين عاما ،قدم من األعمال الشعرية واألدبية والنقدية ،ما يمثل كنزا للمكتبة العربية .من دواوينه الشعرية :إلى مسافرة؛ العيون المحترقة؛ لؤلؤة في القلب؛ األعمال الشعرية؛ لغة من دم العاشقين؛ حبيبة والقمر (شعر لألطفال). ول��د شاعرنا ع��ام 1936م بقرية الشعراء ف��ي ال�م�ج�ل��س األع �ل��ى بمحافظة دمياط .حفظ القرآن ,وأتم دراسته للثقافة ,ورئيس لجنة فيها .وتخرج من كلية دارالعلوم عام 1956م ,المؤلفين والملحنين. وم��ن كلية التربية بجامعة عين شمس عام 1957م .عمل مدرساً في العام نفسه ،والتحق باإلذاعة عام 1958م ,وتدرج في وظائفها حتى أصبح رئيساً لها ع��ام 1994م .يعمل أستاذاً لألدب العربي بالجامعة األميركية بالقاهرة. من أهم برامجه اإلذاعية :لغتنا الجميلة ,منذ عام 1967م ,والتلفزيونية( :أمسية ثقافية) منذ عام 1977م. يحتل اآلن منصب أمين ع��ام مجمع اللغة العربية ،كما أنه رئيس لجنتي النصوص في اإلذاع � ��ة وال �ت �ل �ف��زي��ون ,وع �ض��و ل�ج�ن��ة الشعر
92
اجلوبة -خريف 1429هـ
ش�� � � � � � � � � � � ��ارك ف � ��ي م� �ه ��رج ��ان ��ات ال �ش �ع��ر العربية والدولية .وقد حصل على عدة جوائز منها جائزة الدولة في الشعر ,وجائزة محمد حسن الفقي ,وجائزة الدولة التقديرية في اآلداب. وقد كان لنا معه هذا الحوار.. < يتجلي ص���وت ال��ح��ب ع��ب��ر دواوي��ن��ك، مؤكدا عمق رؤيتك وتقديرك لجوهره ال��س��ام��ي ،وأي��ض��ا للمرأة ف��ي تجلياتها المختلفة ،ه��ل ل��ن��ا أن ن��ت��وق��ف عند
ال��ح��ف��ي��دة -ف���ي ح��ي��ات��ك وان��ع��ك��اس��ات��ه��ا الوجدانية على رؤيتك الشعرية؟ > أوال ..أنا تشكلت في رحم امرأة ،ومعبري إلى الحياة هو هذا الرحم -رحم األم – وبالتالي فإن العالقة مع المرأة عالقة جينات وتكوين
ووراثة وأمومة ،آزرتها عالقتي بجدتي كشأن
كثير م��ن األط��ف��ال ،خ�ص��وص��ا ف��ي ال��ري��ف، وتصادف أني كنت أسكن بيتاً آثر أبي اإلقامة
فيه مع أمه ،وكان االبن الوحيد لها ،فكانت
م������������������واج������������������ه������������������ات
ال��م��رأة -ال��ج��دة ،األم ،ال��زوج��ة ،االبنة،
بأني لم أغادر رحم األمومة الذي تكونت فيه من البداية .أيضا أنا من المؤمنين بأن الحياة بدون اهتزاز عاطفي ،وبدون عالقة عاطفية، وبدون امرأة ،تكون عالقة شديدة الخشونة والجفاف .والعالقة العاطفية -خصوصا في مستهل العمر -هي العامل الرئيسي الذي يشجع اإلنسان على الكتابة ،وعلى االنفعال، وعلى الممارسات األول��ى .وأعتقد أن وراء شعري األول -وأنا ما زلت في القرية -لون من هذه العالقة العاطفية.
النتيجة أني حظيت بهذه األمومة األخ��رى < ،م��اذا ع��ن مالمح المكونات األول���ى التي شكلت وعيك الثقافي واإلبداعي؟ أمومة أكبر من الجدة ،وعادة الجدة -في مثل هذه التوازنات األسرية -تكون أكثر تحررا
في التعامل من ضوابط األب واألم ،فكانت
> المكونات األول��ى تعبير صعب تتبعه؛ ألنه يبدأ من الكتّاب ،عندما ذهبت لحفظ القرآن الكريم ،ام�ت��دادا إل��ى مكتبة أب��ي في البيت، ألج��د فيها دواوي ��ن أحمد ش��وق��ي ،ومحمود سامي البارودي ،وحافظ إبراهيم ،ومختارات م��ن النثر وال�ن�ظ��م ،ث��م ي ��زداد األم��ر اتساعا باالنتقال إل��ى المدينة ،فأجد هناك مكتبة البلدية في دم�ي��اط ،التي كنت أذه��ب إليها طيلة اليوم ،في غير مواعيد الدراسة.
بمثابة ال�م�لاذ ال��ذي أل�ج��أ إل�ي��ه باستمرار، وأجد فيه رحابة أكثر .بعد ذلك ..كانت األم
وراء اإلحساس ببواكير الهاجس الشعري في حياتي ،فكانت تشجعني ،على عكس أبي الذي كان معلما ،ويخشى عليّ انصرافي عن ال��دراس��ة ،لو أن��ي اهتممت بالشعر ،وكانت األم -نصف المتعلمة -هي التي تشجعني
على الشعر ،وتطرب له ،وتحس بأني محتاج دائ �م��ا إل ��ى ل�ح�ظ��ة ه� ��دوء ،وإل���ى م �ك��ان في البيت أمارس فيه عالقتي مع الشعر ،بعيدا
ع��ن س��ائ��ر اإلخ���وة ،أو س��ائ��ر أب �ن��اء األس��رة. ث��م ت�ج�س��دت ال�ع�لاق��ة ب�ع��د ذل��ك ف��ي ص��ورة
أخوات شقيقات ،ثم في صورة زوجة ،ثم في صورة بناتي ،فأنا أب لبنتين ،ثم في صورة حفيداتي ،عندي حفيدتان؛ لذا فإن عالقتي مع المرأة بدأت من الجدة ،واستمرت حتى
الحفيدة .وخالل هذا الممر الطويل ،أحس
وع�ن��دم��ا ج�ئ��ت إل��ى ال �ق��اه��رة تغير مستوى قراءاتي وعالقاتي واهتماماتي ،وب��دأت في ال �خ��روج م��ن ال��دائ��رة الشعرية أو األدب �ي��ة، ألق ��رأ ف��ي السياسة واالق �ت �ص��اد والفلسفة وعلم النفس ،وفي مجاالت لم أكن أقرأ فيها من قبل؛ وهكذا ،فإن حياتي فيها اهتمامات مركزية :الشعر واللغة واألدب ،وعلى هامش ه��ذه االهتمامات ،هناك أشياء أخ��رى مثل النقد األدب ��ي وت��اري��خ األدب وس�ي��ر األدب��اء والشعراء ..إلى آخره.
اجلوبة -خريف 1429هـ 93
< ه���ل ل���ك أن ت��ح��دث��ن��ا ع���ن م��ح��اوالت��ك اإلبداعية األولى؟ > المحاولة األول��ى في اإلب��داع الشعري كانت مسرحية (ه �ك��ذا م��رة واح � ��دة) ،وق��د كلف عرضها ف��ي ال�م��درس��ة م��ا ي�ق��رب م��ن ()17 جنيها ،وه��و مبلغ ب��اه��ظ ف��ي ذل��ك ال��وق��ت، وك �ن��ت أول م��ن ي��وق��ف اإلم���ام ع�ل��ي ب��ن أب��ي طالب ،والخليفة عثمان ،على خشبة المسرح، وتجسيدهما ،كما كانت قصائد الغزل خطوة تالية لفتاة القرية ،التي كان لها الفضل في إش�ع��ال الجمرة األول ��ى .ث��م ك��ان��ت المرحلة ال�ت��ال�ي��ة ف��ي ال �ج��ام �ع��ة ،وات �ج �ه��ت ف�ي�ه��ا إل��ى القصائد الوطنية واالجتماعية ،ومحاوالت أن تكون لي قصيدتي ،وبصمتي الخاصة.
للكتاب في أي عاصمة عربية ،يكون العنصر ال��رئ�ي��س ال ��ذي ي�ب��اع فيه دائ �م��ا ه��و دواوي ��ن الشعر ،والكثير م��ن ال�ش�ع��راء على مستوى الوطن العربي يطبعون دواوينهم أكثر من مرة، وبعضهم طبعوا ماليين النسخ منها ،وهذا ي��دل على أن هناك حالة شعرية مستمرة، ونحن أم��ة ،الشعر وثيق الصلة بوجدانها؛ بمعنى أن ال�ش�ع��ر ن�غ��م وم��وس�ي�ق��ى وإي �ق��اع، واإلي�ق��اع في دمنا ،حتى إيقاع البائعين في الشوارع واألسواق ،عندما يعلنون عن بضاعة أو شيء يحملونه ليسوقونه ،ينادون على هذه البضائع بكلمات منغمة ،األم عندما تهدهد طفلها لينام ،تهدهده بكلمات منغمة ،فالشعر واإليقاع والموسيقى شيء رئيس في حياتنا، إنني أرى أن الشعر يتجدد وينطلق وينفتح في كل يوم ،أمام الحاضر الشعري مغامرات من شعراء ،وتجارب لم تكن تخطر لنا على بال.
< ه��ذا الشغف والعمل المخلص ال��دؤوب على جواهر اللغة العربية ،هل كان وراءه الموهبة الشعرية وح��ده��ا ،أم أن هذا الشغف باللغة سبق الشعر ،أم أنهما برزا < ب��ص��ف��ت��ك أم���ي���ن���ا ع���ام���ا ل��م��ج��م��ع ال��ل��غ��ة العربية ،وعاشقا كبيرا للغة نفسها.. معا؟ كيف ترى حال اللغة العربية اآلن؟ > اللغة القرآنية قادتني إل��ى الشعر ،والشعر ق��ادن��ي إل��ى ح��ب اللغة ،ل��ذا ل��وال الشعر لما > حالها طبعا ال يسر ع��دوا وال حبيبا ،ال في التعليم وال في أجهزة اإلعالم ،وال على ألسنة كانت عالقتي مع اللغة بهذه الحميمية ،وقد الناس وأقالمهم .والسبب في هذا أن الدولة ظهر هذا في مستهل مراحلي الدراسية. ال تعامل موضوع اللغة العربية بوصفه مشكلة < ه���ل ت��ع��ت��ق��د أن ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي ع��ام��ة، قومية .ومعنى أنها مشكلة قومية ..أنها ال والتجربة الشعرية المصرية خاصة في تختص بها فقط وزارة التعليم ،وإنما تختص مأزق؟ بها عدة وزارات ،التعليم ،الثقافة ،اإلعالم، > ال ،لست مع الذين ينظرون إلى هذه األمور الشباب ،األوق��اف ،وجميع المؤسسات التي من منظور هناك أزم��ة ،هناك م��أزق .هناك تتعامل باللغة العربية في المجتمع مسئولة بالفعل شعر جميل يكتب في كل يوم ،دواوين عن وضع اللغة العربية ال��ذي آ َل إليه .نحن جيدة تصدر يوميا ،ودليلي هو أن أي معرض نتعامل مع نظام تعليمي نجح في أن يفسد
94
اجلوبة -خريف 1429هـ
< ف���ي رأي ال���ن���اق���د د .م��ح��م��د ف���ت���وح أن التصوف ضرورة في شعرك ،ما عالقتك بالتراث الصوفي خاصة ،والتراث العربي عامة؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
العالقة بين ال�ن��شء واللغة ،وف��ي أن يجعل األط�ف��ال أو المتعلمين يكرهون ه��ذه اللغة، ومن ثم لم تنجح حصة اللغة العربية في أن تحبب الناشئة ف��ي لغتها القومية .الكتاب ال �م��درس��ي ك �ت��اب ال ي�ش�ج��ع ع�ل��ى ال��ق��راءة، الموضوعات المختارة والمناهج المدرسية، إذا ما قورنت بالكتب والمناهج الموجودة في المناهج األخرى ،نجد أنها مختلفة جدا، والطفل يحب حصة اللغة الفرنسية ،أو اللغة اإلنجليزية ،أو حصة التاريخ ،وتجيء حصة اللغة العربية ..فيحس أن مشكلة المشاكل قد بدأت في حياته ،طبعا هذا الوضع ناتج عن مستوى المعلم ،وعن الكتاب ،وعن المنهج، وعن طريقة التدريس ،وعن عدم وجود مناخ لغوي في المدرسة .نحن لم نكن نتعلم اللغة العربية في حصة اللغة العربية فقط ،كنا نتعلمها في حصة الصحافة ،ونصنع مجلة للمدرسة في حصة الخطابة والمناظرات، وفي حصة التمثيل ،وفي حصة المكتبة ونحن نقرأ ،فكانت عالقتنا مع اللغة تبدأ وتتكامل، ليس في حصة اللغة العربية فحسب ،ولكن في حصص الهواية ،وهذا غير حاصل اآلن. والمدرسون ال ي��درس��ون ،ل��ذا أق��ول :يتخرج الطالب الجامعي وال يجيد استخدام لغته، ال في الكالم وال في الكتابة ،وهذه هي اآلفة الكبرى .ال بد أن يقف المجتمع كله وقفة واح��دة ،ويعتبر أن هذه قضية هوية ،قضية انتماء ،نحن لدينا اآلن شباب بدأ يستخدم ما يسمى بقاموس الروشنة ،ولغة عامية هي عامية سوقية ،وك�لام خليط يجمع العربية واألجنبية ،صفة المواطنة اللغوية ستختفي عن ألسنة الناس ،وسنجد مجتمعا ال يستطيع
التفاهم بلغة موحدة ،وال يقرأ تراثه وثقافته الحقيقية ،وفي هذا تكمن المشكلة.
> التراث الصوفي مجال رحب لتجربة شعرية عميقة وحميمة؛ ألنه يمثل المستوى األرقى ف��ي ع�لاق��ة اإلن �س��ان ب��ال�ك��ون ،يعني اإلن�س��ان عادة يبدأ بمشاغله اليومية ،ما يحيط بدائرة العمل واألس��رة ،ثم يتسع أفقه أكثر ،فيحمل الهم الوطني أو القومي .يحس كأنه مسئول عن وطن ،ثم تتسع اهتماماته أكثر ،فيجد أن هذا الوطن جزء من العالم ،جزء من اإلنسانية، فيبدأ في اتساع الدائرة ،تتسع أكثر من أفق اإلنسانية لتشمل الكون ،في هذه الحالة هو يتصل بما وراء ال��وج��ود ،وبما وراء الحياة، وك��أن التجربة الصوفية تصبح بالنسبة له مجاال يتطهر فيه من أوزار هذه الحياة ،تصفو نفسه وتشف ويصبح هناك اتصال حميم بينه وبين الوجود ينعكس على شعره.
أق��رأ التراث الصوفي وأعجب به ،أق��رأ ابن الفارض وابن عربي والحالج ورابعة العدوية وال�س�ه��روردي ،وأن��ا لي كتاب بعنوان (أحلى عشرين قصيدة في الحب اإللهي) يقدم أرقى نماذج هذا الحب عند كبار المتصوفة.
< كيف ترى النقد والنقاد اآلن ..وموقفهم من التدفق اإلبداعي خاصة الشعري؟ > مسئولية نقاد هذا الزمان في إث��ارة الجدل ال �خ�لاق م��ن ح��ول اإلب� ��داع, وف�ض��ح ال��زائ��ف
اجلوبة -خريف 1429هـ 95
وال��دع��ي ،واإلس �ه��ام ف��ي تكوين ذائ�ق��ة أدبية ول�غ��وي��ة ج��دي��دة تحسن اس�ت�ق�ب��ال ال�ج��دي��د، وتضعه ف��ي س�ي��اق ح��رك��ة اإلب� ��داع العربي. لكن بعض نقادنا األصيلين مشغولون بما يعتبرونه مهمتهم الحقيقية ،وه��و التأصيل وال�ت��أس�ي��س للمفاهيم ال�ن�ق��دي��ة الحداثية, ومشغولون بوضعهم على الخريطة النقدية العربية والعالمية, أكثر من انشغالهم بهذا ال��ذي يتصورونه م��ن ورائ �ه��م ،أو بعيدا عن م�خ��اط�ب��ة اهتماماتهم, وه ��و ه ��ذا ال��واق��ع المتدني بسلبياته وتجاوزاته, والذين يرونه أحق بأن يكون تحت أقدامهم! ثم إن الرأي النقدي المسئول له اآلن أخطاره وعواقبه. لذا, فإن البعض ال يحتمل الوقوع في مثل هذه المواجهة التي سيترتب عليها سخط أو رضا, قطيعة أو وصل جسور قائمة, حرمان أو م�غ��ان��م ق��د ي �ك��ون بعضها خ��ائ�ب��ا وتافها وعابرا ..لكنها مغانم على أي حال.
وعلى الناقد الجاد أن يكون اآلن مستعدا لدفع الثمن من صحته وراحته وهدوئه وأمنه، وربما من رزقه وعالقاته ،وحركته االجتماعية والثقافية, وعليه أن يؤثر الصمت ،وإذا كتب.. فليهرب إلى الماضي ،حيث عالم الذكريات والتذكرات, ونبش األوراق القديمة ،وإعادة القراءة لما سبق قراءته مرات ومرات, الذاكرة هنا م�لاذ آم��ن يقي ش��ر م��واج�ه��ة الحاضر بتبعاته وأعبائه, وهو ما يؤثره الكثيرون!
لكن هذا الكالم الذي يبدو في معظمه عابسا وموحشا ،ال يشمل لحسن الحظ كل مبدعينا ونقادنا. فما زال هناك التيار الرئيس لحركه * كاتب وشاعر من مصر.
96
اجلوبة -خريف 1429هـ
اإلب�� ��داع, ال �ع �م��ود ال �ف �ق��ري ل�ح�ي��ات�ن��ا األدب �ي��ة والثقافية, والتيار الرئيس للحركة النقدية, يتحاوران ويتفاعالن, ويمنح كل منهما لآلخر شرعية وجوده ودالئل حيويته وتجدده . حتى عندما ي��رى بعض النقاد -وه��م على حق - أنهم ليسوا ظال تابعا للمبدعين, مهمتهم أن يتلقفوا كتابات المبدعين ليكتبوا عنها, وإنما وظيفتهم الجوهرية هي كتابة النص النقدي ال� �م ��وازي ل�ل�ن��ص اإلب ��داع� �ي, وال �م �ج��اوز له, والمنطلق إلى آفاق أبعد وأرحب, وليست مجرد الكتابة العاكفة عليه, الدائرة في فلك تفسيره وتأويله .ولقد أصبحت الكتابة النقدية لديهم نصا نقديا مستقال ،له شروطه ومتطلباته. غير أن هذا ال يلغي حاجتنا إلى نقد تفسيري, تنويري, يضيء العمل األدبي اإلبداعي ويثريه, ويقربه من قارئه, ويفتح أب��واب الحوار معه اتفاقا واختالفا. ولسوف تظل هذه الوظيفة النقدية مهما اختلف البعض من حولها ،دورا أس��اس�ي��ا ل��ه أهميته وج� ��دواه, خ��اص��ة عند اختالط المعايير, وس�ي��ادة العملة الزائفة، وتحكم بعض السوقة واألدعياء, وانتشار األم�ي��ة اللغوية والثقافية, وف�س��اد الذائقة بإدمان العزف الناشز ،واألص��وات القبيحة، واإليقاعات الهمجية. وإنه لخلل شامل, يتسلل إلى الشعر والقصة والرواية والمسرحية والنقد ،لكنه في الشعر أجلى وأوضح, وأكثر افتضاحا وانكشافا, وي��درك��ون بعمق أن ال��وع��ي الصحيح -وإن تأخر بعض الوقت -حتمية تاريخية, وأن الخلل الراهن إلى انحسار وزوال.
جدوى الكتابة هي خلخلة احلياة باألسئلة،
وجعل اإلنسان يعيش دائما ً في قلق مستمر
م������������������واج������������������ه������������������ات
الشاعر املغربي جمال املوساوي:
> حاوره :الكنتاوي لبكم* تنقّل شاعرنا من كتاب الظل إلى مدين للصدفة ،وهي مجموعات شعرية ينحت من خاللها مجرى صوته الشعري مغربيا وعربيا .ممارسته لمهنة الصحافة ومتابعاته الثقافية لألدب تمنحه آفاقاً أخرى ليظل قيد الفعل اإلبداعي .حصل على جائزة بيت الشعر المغربي في مارس 2002م .يتحدث بكل جرأة عن األمراض الثقافية وحاالت الوصاية ،ويحتفل بكل جمال باألصوات الشعرية هنا وهناك ،تأكيدا منه على أن األدب درس محبة. مع جمال الموساوي كان هذا الحوار < الشاعر جمال ال��م��وس��اوي ب��م��اذا يقدم نفسه؟
بدأت الكلمة تكبر في داخلي ،وتعلن انتماءها إلى االستمرارية ،وبدأت الكتابة تتشكل كه ٍّم في حد ذاتها؛ خاصة مع نشر المحاوالت األولى ابتداء من عام 1987م .كلما نشرت محاولة ..أشعر برغبة ملحة في تجديد ذلك مرة أخرى ،وربما من طريف ما يمكن أن أذكره هنا ،أنني بعثت مرة في مظروف ب��ري��دي واح���د ( )32م �ح��اول��ة ،وك �ن��ت في ذل��ك الوقت -أي ع��ام 1987م -أنشر تلك المحاوالت في صفحة للشباب ،كان يشرف عليها الشاعر العراقي خالد الحلي ،وفيما ب�ع��د ..الشاعر والتشكيلي العراقي أيضا فراس عبدالمجيد.
> إنسان اختلطت عليه الحياة ،فارتبط بالشعر ليعيش االمتداد ،وكتب عليه أن يخوض بفعل دراسته وعمله في شجون االقتصاد ،وأعتقد أن األزمة العالمية ستؤثر علي قريبا .أكتب شعرا ألتخلص من التعب اليومي البغيض، وأع ��ود إل��ى نفسي ف��ي صفائها الفطري. نزولي إلى األرض كان في قرية بعيدة في نواحي مدينة الحسيمة شمالي المغرب، بينما كانت مدينة تطوان محطة نزولي إلى أرض الكلمات وسحر الكالم .وأذكر أن أولى مقتنياتي م��ن دواوي ��ن الشعر ك��ان «ادف�ن��وا أمواتكم وانهضوا» للراحل توفيق زي��اد .ما < من أين تسللت إليك روح الكتابة؟ كتبته في البداية كان بريئا .خلجات وحذلقة > ال أستطيع تحديد المكان الذي تسللت منه لغوية وشعور بالتفوق على األقران والخالن. الكتابة إل��يّ .ولكن م��ن ال �ض��روري أن ثمة وفيما بعد ،وم��ع االغ�ت��راف من ال�ق��راءات، أم��ور جعلتني أكتب وأستمر .أت��ذك��ر مثال
اجلوبة -خريف 1429هـ 97
أنني كتبت موضوعا في مادة اإلنشاء في سنة 1987م حول التقدم العلمي ،كتبته بشكل جيد ومليء بالمعلومات ،إضافة إلى طوله المفرط، على غير ما يفعله التالميذ عادة .استحققت علية أعلى درجة ،وتنويها شفويا من األستاذ، م �ف��اده أن�ن��ي أص�ل��ح م��راس�لا ل�ج��ري��دة الشرق األوسط.
أتذكر أيضا أنني وبعض األصدقاء في القسم الدراسي -لسبب ما -بدأنا «نتناوش» بكالم ح��ول م��ن يكون ق��ادرا منا على كتابة الشعر، فشرع كثيرون منا في المحاولة ،ولصدفة ما، أنا مدين لها ،واصلت في الكتابة حتى اآلن. < ه��ل م��ا زال ه��ن��اك مَ ���ن يستنكر قصيدة النثر؟
ك��ل م�س�ت�ه�ل��ك ق � ��ادرا وراغ� �ب ��ا ف��ي اس�ت�ه�لاك م��ادة ما ،وكذلك الشعر ،ليس كل متلق قادرا وراغبا ومؤهال لتلقي قصيدة ما أو شاعر ما؛ لذلك فنحن ال نقرأ القصائد ذاتها والشعراء أنفسهم ،وحتى إذا فعلنا ،فإننا في النهاية ال نتفاعل بالقدر نفسه مع القصائد ذاتها ،ومع الشعراء أنفسهم؛ إن القصيدة التي أتلقاها بطريقة ج�ي��دة ،ه��ي تلك التي تستجيب لي، ل�ش��يء ف��ي داخ �ل��ي؛ ه��ي تلك ال�ت��ي أج��د فيها نفسي ،أعني ما يمكنني من التجاوب معها؛ تلك التي تجعلني أشعر أنها كتبت من أجلي. هذا األمر ليس قاصرا على الشعر فقط ،بل على كل األجناس األدبية والفنية األخرى.
> ولماذا يستنكرها؟ في وقت كل األشياء تتداخل فيما بينها ،فأصبحت للشعر إقامة في النثر، أي ف��ي ال��رواي��ة وال�ق�ص��ة وح�ت��ى ف��ي المقال ال�ن�ق��دي ،وأح�ي��ان��ا الصحفي ،ث��م ف��ي التجلي األكبر للنثر ،أي قصيدة النثر؛ وكذلك صارت للنثر مثل تلك اإلق��ام��ة ف��ي الشعر ،فيحضر السرد في القصيدة ،وتحضر القصة والحكي والحوار ،وربما تحضر أشكال أخرى للنثر.
يتعلق األم��ر في النهاية باختيار شكل للكتابة يستجيب لالنفعال ال��داخ�ل��ي للشاعر ،وه��ذا االختيار متعدد بتعدد الشعراء. < وهل ما زال تلقي الشعر عائقا أمام تواصل الشاعر العربي بجمهوره؟
98
ربما كان سؤال تلقي الشعر سؤاال «مغرضا»، سواء طرحه الشاعر أو المتلقي .وسأتعسف قليال ف��ي ال�م�ق��ارن��ة ،ألق ��ول إن تلقي الشعر شبيه باستهالك م��ادة من م��واد السوق .ليس
اجلوبة -خريف 1429هـ
إن التلقي في شقه البسيط يرتبط بالذوق، واألذواق تختلف ،ويرتبط ف��ي شقه النقدي باألدوات ولسنا نملك األدوات ذاتها. < بالنسبة ل��ك ه��ل ال��ح��ي��اة م��ش��روع س��ؤال كتابة؟ > ال�ح�ي��اة ه��ي م�ش��روع ح�ي��اة أوالً .والكتابة في ال��واق��ع تسائل الحياة ،وتبحث لها عن صيغة مثلى .الكتابة تطرح األسئلة ،ويجب على الحياة أن تقدم األجوبة الممكنة؛ بهذا يكون مشروع الكتابة هو مساءلة الحياة .أي نوع من عكس صيغة سؤالك .وعندما تكف الكتابة عن طرح األسئلة ،سينزوي اإلنسان إلى ركن قصي مليء
أع�ت�ق��د أن ال �م �ج�لات ال�ث�ق��اف�ي��ة ف��ي المغرب انحسرت بسبب غياب مشروع ثقافي واضح تتبناه ،خ�لاف��ا لما ك��ان عليه األم ��ر بالنسبة ل�م�ج�لات ك��ان��ت رائ� ��دة ،وت �ص��در ع��ن م�ش��روع ثقافي قبل أن يتم منعها ،ويمكن ذكر الثقافة الجديدة والجسور على سبيل التمثيل .وهكذا، ف��إن العديد من المجالت ص��درت ثم توقفت سريعا ،أو تذبذبت في الصدور .وغياب مشروع ثقافي هو في صميم مأساة الثقافة المغربية، وحتى إذا وجد هذا المشروع ،فهو ال يجد ما يكفي من الدعم والمساندة.
وم��ا ينطبق على المجالت ،ينطبق كذلك على المالحق الثقافية إلى حد بعيد ،ذلك أن العديد من المالحق توقفت أو تذبذبت هي األخ��رى في الصدور ،فباستثناء ملحقي جريدتي العلم واالتحاد االشتراكي ،لم يستطع الكثير من المالحق الثقافية الصمود ف��ي واق��ع يهمش الفعل الثقافي ويقزم دوره .واآلن هناك ملحق آخر هو الملحق الثقافي لجريدة المنعطف ،كما ال يغيب عنا ال��دور الذي لعبه في وقت ما ملحق أنوال الثقافي.
وم��ن األسباب األخ��رى لهذا االنحسار ،تدنّي معدالت القراءة ال��ذي ي��ؤدي إلى ضآلة حجم ال �ت��وزي��ع ال���ذي ي�ح�ك��م ع�ل��ى ه ��ذه ال �م �ب��ادرات
ما رأيك في تطور القصيدة المغربية ؟ ل�س��ت أه�ل�ا للحكم ال �ن �ق��دي ع�ل��ى القصيدة المغربية وتطورها ،ولكن أق��ول بكل تجرد إن هذه القصيدة قطعت حتى اآلن مراحل مهمة، وتطورت مع التحوالت التي عرفها المجتمع ال�م�غ��رب��ي م�ن��ذ خمسينيات ال �ق��رن ال�م��اض��ي، فعايشت أحداثا سياسية واجتماعية ،وأسهمت ه��ي أي�ض��ا فيها بشكل م��ن األش �ك��ال ،فأثرت وت��أث��رت .إال أن االن�ش�غ��ال باله ّم االجتماعي وال �س �ي��اس��ي ل��م ي� ��ؤد ب��ال �ش �ع��راء إل ��ى إغ �ف��ال الجوانب الجمالية واألسلوبية واللغوية .هذا االنشغال ال�م��زدوج خلّص القصيدة المغربية من االرتكان إلى الجمود ،وأخرجها في وقت من األوقات من الخطاب التبشيري والمحرض، المشبع بالسياسي واإلي��دي��ول��وج��ي ،ليعيدها إل ��ى االن �ش �غ��ال ب��ال��داخ��ل؛ ف �ظ �ه��رت قصائد تكتب ال� ��ذات ،وتستلهم ال�خ�ط��اب ال�ص��وف��ي، وتكتب اليومي والتفاصيل والقلق ال��وج��ودي وال� �م ��وت ،وت��ط��رح األس �ئ �ل��ة ال �م �ت �ن��وع��ة ح��ول الكائن وصيرورته ،والكثير الكثير من القضايا المرتبطة باإلنسان في عالقاته بالعالم .لقد ك��ان��ت ال�ق�ص�ي��دة المغربية ك��ائ�ن��ا ح�ي��ا ،كانت ص��دى للقصيدة في الشرق ،ثم انغمست في ال�م�ع�ت��رك االج�ت�م��اع��ي وال�س�ي��اس��ي المغربي، ثم اغتسلت من كل ذل��ك لتخرج بهوية أخرى معلنة والءها لكل ما هو كوني .والجميل في كل ذلك أن كل الشعراء المغاربة انخرطوا في هذا األف��ق الكوني ،بمن فيهم أولئك الذين شكلت قصائدهم زخم المراحل السابقة.
م������������������واج������������������ه������������������ات
بالجمود واالستكانة للجاهز وال�س��ائ��د .وهنا ي��أت��ي ذل��ك ال �س��ؤال المتعلق ب�ج��دوى الكتابة، وأعتقد أن ج��دواه��ا ينبغي أن يصب في هذا االتجاه تحديدا ،أي خلخلة الحياة باألسئلة، وجعل الكائن يعيش دائما على قلق مستمر تجاه < الحياة ،ألنه بغير هذا القلق يصبح كائنا ميتا. > < لِ ���مَ ان��ح��س��رت تجربة النشر بالمغرب س��واء تعلق األم��ر بالمالحق الثقافية أو إصدار المجالت؟
باالنطفاء واإلف�لاس ،خاصة أنها ال تستكتب أق�ل�ام��ا ق � ��ادرة ع �ل��ى خ �ل��ق ال��ح��دث ال�ث�ق��اف��ي بكتاباتها ،ن�ظ��راً لغياب إم�ك��ان��ات م��ادي��ة تفي بمتطلبات هذا االستكتاب.
اجلوبة -خريف 1429هـ 99
< ب��ع��د ك��ت��اب ال��ظ��ل ص����درت ل��ك مجموعة مدين للصدفة ..أين تضع تجربتك اآلن؟
ونيكوس ك��ازان�ت��ازاك��ي ،وأس�ت��وري��اس وإيزابيل ال�ل�ي�ن��دي وم �ي�لان ك��ون��دي��را ،إض��اف��ة إل��ى تلك الفراشة التي كتبها هنري شاريير ،وغيرها.
> أكتب شعرا منذ أكثر قليال من عشرين عاما .وهو عمر إبداعي قصير على كل حال .ومجموعتي هل من أفق للحياة الثقافية بالمغرب؟ األول��ى التي ص��درت ع��ام 2001م ،كتبت بين > لألسف ،عندما نتحدث عن الحياة الثقافية في عامي 1990و 1994م ،وهي تمثل عصارة نحو المغرب ،نتحدث ب�س��وداوي��ة قاتمة .ولألسف سبع سنوات من الكتابة .أما المجموعة الثانية المضاعف أن ه��ذه ال��رؤي��ة مشروعة وواردة، فامتدادها الزمني أطول قليال ،ففيها نصوص وتشي بانسداد األفق .األسباب كثيرة ،ويمكن كتبت بين 1994و2006م ،وهناك مجموعة اإلشارة إلى بعضها ،ومن ذلك أن العمل الثقافي أخرى قد تصدر قريبا ،تتضمن نصوصا كتبت ال ت�ت��واف��ر ل��ه اإلم�ك��ان��ات ال�م��ادي��ة ال�ت��ي تسمح بين 1995و2001م .إضافة إلى نصوص ما بإنجازه ،إذ تظل كل المبادرات رهينة اآلمرين تزال متفرقة .وكما ترى ليس هذا بالحصيلة ب�ص��رف ال�م�ي��زان�ي��ات ف��ي اإلدارات المركزية الوافرة ،وهذا يجعلني أقول إنني ما زلت في والجماعات المحلية؛ بمعنى أن الهيئات الثقافية مرحلة البحث عن تراكم محترم ،ليس فقط ليست لها ميزانية سنوية تسمح لها بإعداد على مستوى الكم ،بل أيضا على مستوى العمل برنامج ثقافي على طول السنة واحترامه. في العمق ،أي العمل على تطوير وتنويع طرائق الكتابة ،وه��و ره��ان أس��اس��ي بالنسبة ل��ي ما كذلك ليست هناك مجالت متخصصة تطرح السؤال الثقافي بعمق ،وتسائل المشهد الثقافي دامت الحصيلة على مستوى الكم قليلة ،كما في المغرب ،بما يليق به من روح نقدية تروم أسلفت؛ لهذا ،إذا كانت نصوص مجموعتي تعميق النقاش حول القضايا الثقافية والفكرية األولى تنتمي إلى التفعيلة ،فإن الثانية تنمي التي تشغل الناس .هناك فقط مالحق ثقافية إلى قصيدة النثر ،وإلى اآلن أتأرجح بين هذا في بعض الجرائد اليومية ،لكن ما عليها يبدو الشكل وذاك ،وأجعلهما يتعايشان في داخلي. أنه أكبر مما يمكن أن يكون لها. هل من مشروع روائي لديك؟ وس��واء تعلق األم��ر بالمجلة أو الملحق ،هناك > ال أتذكر أن فكرة من هذا القبيل راودتني يوما. إشكالية هي مرتبطة بضعف التصور العام للعمل بل لم ت��راودن��ي فكرة كتابة أي جنس إبداعي الثقافي ،وفي الوقت نفسه تعمل على إضعاف آخر .إنني أحاول كتابة قصيدة تستحق القراءة، إسهامات الكتّاب والمثقفين عموما في الحياة وم��وازاة مع ذل��ك أح��ب ق��راءة ال��رواي��ة ،خاصة الثقافية من خالل كتاباتهم .هذه اإلشكالية هي تلك التي أجد فيها زخما حياتيا كبيرا ينم عن أن الكاتب ما يزال ينشر ما يكتبه مجانا ،وهو ما تجربة حياتية ثرية ،تغني رصيدي الداخلي يفسر ،في جانب مهم ،وجود العديد من الكتاب وتشحنه بالحيوات التي لم أعشها ،لكني أتفاعل المغاربة في المجالت المشرقية وفي الخليج، معها .ومن الروايات التي أحببتها ،وقرأتها بكل وه��و ما يفسر أيضا فقر الكثير من الكتابات الشغف الذي يليق بها رواي��ات لجرجي أمادو التي تنشر في مجالتنا وجرائدنا. 100اجلوبة -خريف 1429هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
وع�ن��دم��ا ت�ح��دث��ت ع��ن ال �ن��اس ،ب�ه��ذا اإلط�ل�اق، فينبغي أن نضيف سببا آخر لما يبدو من انسداد األفق ،هو عدم إقبالهم على العمل الثقافي سواء عبر حضور األنشطة التي تنجز ،أو عبر اإلقبال على الكتاب ،إذ أننا غالبا ما نقيم أنشطة في ق��اع��ات شبه ف��ارغ��ة ،وأن�ن��ا نملك نسبة ق��راءة متدنية مقارنة مع عدد سكان المغرب ،وال أريد هنا الخوض في أسباب العزوف عن القراءة.
إال في إنقاذ اإلنسان الذي في داخلي .أنقذه من التيه والضياع واالنجراف .أحاول أن أجعله يفكر ،وأال يسقط في التنميط الذي يسير إليه العالم .إن التنميط هو ما تسعى إليه العولمة الزاحفة ،التي تأتي على كل شيء ،على القيم وعلى األفكار وعلى تعدد هذه األفكار .بقدر ما يتحدث العالم المتقدم عن الديمقراطية وعن حرية االختيار ،فهو يزكي التنميط وأحادية التفكير ،ويقوم بالتوجيه نحو نمط معين من العيش ،ويسعى البتالع أي فكرة مخالفة ،وهذا ال يتم بالضرورة بواسطة الطائرات ورادارات توجيه الصواريخ ،وإنما عبر التالعب بالعقول، وتلك الحرب األكثر خطورة.
ومن األسباب األخرى التي تؤيد اسوداد األفق إذا لم يتم العمل على تبييضه -أن مختلفالكتاب والشعراء والمثقفين بشكل عام ال يمثل العمل الثقافي إال ج��زء يسير من اهتمامهم، بسبب ض��رورات الحياة ،فهم إما موظفون أو أجراء أو صحافيون ،ويستنزف العمل والحياة ولعله لهذا السبب ،إذا ألقينا نظرة على اليومية منهم الكثير من الجهد ،وما يفضل عن الشعر ال��ذي يكتب حاليا -ليس في المغرب ذلك فهو للعمل الثقافي. فحسب ،بل في كل الجهات من العالم -نجده < تشتغل في عالم الصحافة مما يفترض مغرقا في الهموم اإلنسانية الصغيرة ،يحاول تماسا مع اليومي ،هل يؤثر هذا المعطى مواجهة الضآلة التي آل إليها اإلنسان في هذا على اشتغالك األدبي؟ الزمن ،ويحاول إنقاذه من التآكل والتالشي. > جواب هذا السؤال مضمن في الجواب السابق، < كتاب ال تنصحنا بقراءته؟ بمعنى أنني أيضا أحاول إيجاد الفجوات التي تتيح لي ممارسة «هوايتي» في الكتابة األدبية > الواقع أن ثمة الكثير من الكتب التي تستحق ال�ق��راءة ،وال أعتقد أنني في موقع يسمح لي سواء الشعرية ،أو تلك القراءات التي أنجزها بتقديم مثل تلك النصيحة. للكتب التي تروقني .وكما أش��رت إل��ى ذل��ك، فاليومي ال يرتبط فقط بالعمل ،بل بالحياة < شذرة أشعلت رؤاك؟ بشكل عام ،وهذا بال شك يؤثر كثيرا في التراكم ال��ذي يمكن أن أن�ج��زه على مستوى رصيدي > ع�ب��ارة جميلة للكاتب الفرنسي أن��دري مالرو ت� �ق ��ول « :ه �ن��اك ش���يء م ��ن خ �ل��ود ي�ب�ق��ى في الشعري ،كما يؤثر على أي مبدع آخر. اإلن �س��ان ،اإلن �س��ان ال��ذي يفكر .ش��يء أسميه < ب��م��اذا ي��ف��ك��ر ج��م��ال ال��م��وس��اوي ف��ي زم��ن نصيبه اإللهي ،هو قدرته في أن يجعل الدنيا الحروب و انحسار القيم؟ موضع سؤال» .أتمنى أنني تذكرتها على ما هي > في زمن مثل الزمن الذي نعيش فيه ،ال أفكر في كتاب «المذكرات المضادة». * كاتب من المغرب.
اجلوبة -خريف 1429هـ 101
الزواج في عصر سالطني املماليك (923-648هـ1517-1250/م)
> د .محمد حسن محمد حسن* ال��زواج من أهم النظم االجتماعية ،ألنه الرابطة المشروعة بين الجنسين ،إذ قال الله تعالى{ :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواج ًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}( ،)1وقال أيضا{ :وانكحوا األيامى منكم}( ،)2وهذا أمر من الله تعالى بالزواج ،ومن ثم نستطيع القول إن الزواج قد وضعه الله تعالى أساس ًا لسالمة األوضاع االجتماعية، وبقاء النوع ،والسمو بالعالقات بين الرجال والنساء إلى مستوى المشروعية ،من حيث تنظيم الغريزة الفطرية في اإلنسان ،بصورة تحفظ األنساب وتصون األعراض. ل��ذل��ك ك� ��ان م ��ن ال �ط �ب �ي �ع��ي أن ي �ك��ون
أن أهمية ال ��زواج عندهم كانت تنبع من
ال� ��زواج ه��و األس ��اس ال �ق��وي ،ال ��ذي تبنى
كونه سبباً في إنجاب «ال��ول��د وخصوصاً
عليه حياة أي أس��رة تريد أن تعيش حياة
إذا ك��ان ص��ال�ح��ا ...وإن ت��وف��ي ك��ان ألبيه
مستقرة ،خاصة إذا ما روعيت فيه األحكام
شفيعاً ي��وم ال �ق �ي��ام��ة ...وك �س��ر ال�ش�ه��وة،
وال �ش��رائ��ع ال�س�م��اوي��ة ،وم��ن ث��م ف�ق��د ك��ان وتدبير ال�م�ن��زل ،وك�ث��رة العشيرة ،وث��واب ال��زواج في التشريع اإلسالمي ،هو حجر المجاهدة بنفقة العيال في يوم القيامة، األساس والدعامة الكبرى التي يقوم عليها وإحياء السنة«( ،)3هذا ما يقوله السيوطي، بناء األسرة.
وي��ؤك��د عليه اب��ن دان �ي��ال ف��ي موضع آخر
ومن المهم ،ونحن بصدد الحديث عن فيقول« :وهو العاصم من األوزار والدخول ال� ��زواج ف��ي ع�ص��ر س�لاط�ي��ن المماليك ،إلى النار ،نتاجه األوالد والسادة األنجاد،
أن نتعرف على نظرة المصريين للزواج يعمرون الديار وينصرون باإلكثار ،ويدرك ح�ي�ن�ئ��ذ ،ب��وص�ف��ه ال�ل�ب�ن��ة األول� ��ى ف��ي بناء بهم الثار ،ويقال بهم العثار»()4؛ ويضيف ال « ..إن��ه ينشط الكسالن األس��رة التي هى أس��اس المجتمع ،فنجد الشعراني قائ ً
102اجلوبة -خريف 1429هـ
بكل حال ألجل النسل والعفاف»(.)5
البعض يريدها «درية اللون ،حسنة الكون ،ملفوفة
وهكذا نرى أن أهمية الزواج عند المصريين
البدن ،ال رقيقة وال مفرطة السمن ،أسيلة الخد،
حينذاك ،كانت تنبع من كونها سبباً في إنجاب قائمة النهد» األوالد ،ال��ذي��ن ي�ك��ون��ون ع��ون �اً ل�ه��م ع�ل��ى أع�ب��اء بيضاء مصقولة الخدين ناعمة الحياة وتقلباتها الحادة ،كما أنه يساعدهم على دفع غائلة الشهوة ،ع�لاوة على ذل��ك ..فإنه قد يكون سبباً في السعي وراء المكسب الحالل، بنشاط وحماسة ،وه��و في الوقت نفسه إحياء للسنة ،ويبدو أن المصريين في غالب األحوال،
ك��أن��ه��ا ل��ؤل��ؤ ف��ي ال��خ��در مكنون
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
للمكسب الحالل» ،وإنه «أولى من صفة العزوبة
تعكس رؤية الرجل لجمال المرأة آن��ذاك ،فكان
حسن جرى قلم الباري فأبدعه خ��ط��ا ت���ح���ار ل���م���رآه ال����دواوي����ن وف��ي ب�ع��ض األح��ي��ان ،ك��ان ال �م��ال وال�ج�م��ال يجعالن للعروس دالال أكثر عند بعض المصريين
قد أقبلوا على الزواج في سن مبكرة ،بحيث إذا «ف�ت��رى أح��ده��م ي�س��أل ع��ن حسنها وع��ن مالها بلغ أحدهم ،يصبح ال��زواج بالنسبة له طّ بَعِ ياً ،فقط ،وما عليه من دينها»( )9بما يتنافى مع القيم وله ما يبرره ،ونستطيع أن نؤكد أن سن الزواج عند الرجال ،كان تحت سن العشرين في معظم األحوال(.)6 وقد كانت هناك صفات معينة يتمنى معظم المصريين وجودها في زوجاتهم بصفة عامة، وهى صفات نابعة من معايير أخالقية ،تعكس ال كان بعضهم بوضوح قيم المجتمع ومثله؛ فمث ً
اإلسالمية الغراء.
ولقد لعبت الخاطبة دوراً كبيراً في اختيار ال��ع��روس ،وإت �م��ام ال�خ�ط�ب��ة ،ن �ظ��راً ألن تقاليد المجتمع المصري حينذاك كانت تفصل بين الرجل والمرأة ،ولم يكن متاحاً أن يرى العريس عروسه إال بعد زفافها إليه ،عالوة على تحجب النساء ،لذلك فقد كان من الطّ بَعِ ي أن يقصد
يتمنى أن تكون الزوجة «ودود ول��ود ق��ادرة على راغب الزواج الخاطبة ،ألنها كانت تتظاهر ببيع إنجاب األوالد»( ،)7وأن تكون محافظة على مال لوازم النساء ،فيتاح لها دخول البيوت واإلطالع زوج�ه��ا ،وتجيد إع��داد الطعام ،وتكون مشتكى على أس��رار الحريم ،لذا فإنها «تعرف كل حرة الهم والحزن ،والحافظة ألس��رار زوجها ،والتي وع ��اه ��رة وك ��ل م�ل�ي�ح��ة ب�م�ص��ر وال� �ق ��اه ��رة»(،)10 تقف بجانبه وقت مرضه .ويبدو أن المصريين قد اتفقوا في معظم األحوال ،على أن أفضل تلك
فتستطيع بذلك أن تأتي للعريس بالعروس التي
تتفق مع رغباته.
الزوجات من تكون «المطية المطيعة» ( ،)8التي
إال إن��ه ف��ي بعض ال �ح��االت ،يتضح للعريس
تخضع ألوامر زوجها وال تخالفه في الرأي ،ولم
غ��ش ه��ؤالء الخاطبات ،فيكتشف أن العروس
يكن ذلك يمنع أن يكون لتلك الزوجة مواصفات
قبيحة الشكل ،وال يكتشف ذلك إال بعد الدخول
خاصة عند البعض ،نابعة من مقاييس جمالية،
عليها ،فيقول ابن دانيال عن ذلك ساخراً «فإذا
اجلوبة -خريف 1429هـ 103
لا م�ع��ه ب�ع��ض ال �ه��داي��ا ال�م�ت��اح��ة لعروسه كشف عن وجهها الخمار شهقت شهيق الحمار ..ح��ام� ً بأنف كالجبل ،ومشافر كمشافر الجمل ،ولون مثل « ..خرقة على صينية مع أطباق الحلوى كلون الجعل ،وأجفان مكحولة بالعمش .)11(»00
وغيرها»( ،)15وبعد انتهاء مرحلة الخطبة ،تأتي
ويبدو أن هذه المهنة قد مارسها كذلك بعض المرحلة الخاصة بعقد القران ،ودفع المهر أو الرجال ،وكان يطلق على من يمارسها من الرجال ال�ص��داق ،ويتضح لنا أن العريس ك��ان غالبا ما
«ال ��دالل» فيحدثنا المعمار عن «ال ��دالل» الذي يئن من المبالغة في الصداق المطلوب ،وحسبناً ال على ذلك ما رواه ابن دانيال في كتابه طيف غشه ،وزوجه بعروس غير جميلة ،فيقول شاكياً :دلي ً الخيال ،بصدد زواج األمير وصال ،ومعاناته من
ل���م���ا ج���ل���وا ع���رس���ي وع��اي��ن��ت��ه��ا
وج������دت ف��ي��ه��ا ك����ل ع���ي���ب ي��ق��ال الصداق المطلوب ،إذ يقول على لسانه ،البد من تدبير الحال وتجهيز المال ،وأنشد ساخراً: ف���ق���ل���ت ل������ل������دالل م���������اذا ت����رى فقال م��ا أضمن إال ال��ح�لال
()12
وربما يلجأ الرجل إلى طريق آخر في اختيار زوج��ه فيخبرنا األدف��وي بخبر مهم عن اختيار االب��ن لشريكة حياته ،بطريقة م��ا ..بعيداً عن الخاطبة ،واع�ت��راض أسرته على ذل��ك ،فيقول عن ذلك االبن إنه « ...قصد أن يتزوج بامرأة،
أمسيت أفقر من ي��روح ويغتدي
ما في ي��دي من فاقتي إال يدي ف��ي منزل ل��م يبق غيري قاعدا ف�����������إذا رق�����������دت غ�����ي�����ر م����م����دد لم يبق فيه سوى رسوم حصيرة وم��خ��دة ك��ان��ت ألم ال��م��ه��ت��دي
()16
وكما يفهم من أغلب عقود الزواج التي وصلتنا
فلم يرض أهله بذلك وقاموا عليه ،فنظم قصيدة في ذلك وامتدح بها نجم الدين عمر البهنسي من ه��ذا العصر ،أن��ه ك��ان من المعتاد أن يدفع قاضي إسنا -وطلب منه مساعدته فساعده العريس جزءاً من المهر مقدماً قبل عقد القران،وتزوج بها»(.)13 وهكذا يتضح لنا أن أه��ل العريس ك��ان لهم دور مهم في اختيار العروس ،وقد كان ال بد من موافقتهم ،وعلى االبن أن يحترم رأيهم ،ويخضع
أم��ا ال�ب��اق��ي ال ��ذي ات �ف��ق ع�ل��ى تسميته بمؤخر الصداق ،فكان يسدد على أقساط مؤجلة ،تدفع في نهاية كل سنة(.)17 وعلى الجانب األخ��ر ،نجد أن أف��راد طبقة
لمشورتهم ،ويبدو أيضاً أن الفتاة لم يكن لها رأي المماليك قد عمدوا إلى المبالغة بشدة في تقدير في اختيار زوجها ،بل أن ال��رأي األول واألخير قيمة المهر أو الصداق – مقارنة بأبناء الشعب –
ظل لوالدها ،وإن كانت األم في بعض األحيان بصورة جعلت مؤرخي تلك الفترة حريصين على إثبات ذلك في مؤلفاتهم التاريخية ،ففي حين تشارك زوجها الرأي»(.)14 نجد أن الصداق عندهم قد وصل أحياناً ()12 وفي فترة الخطبة كان العريس يقوم بزيارة ألف دينار ،كان المعجل منها ( )10آالف دينار، ب�ي��ت ع��روس��ه الس�ي�م��ا ف��ي ال �م��واس��م واألع �ي��اد، 104اجلوبة -خريف 1429هـ
محــمد ب��ن ق �ل�اوون ،ع�ل��ى ب�ن��ت األم �ي��ر بكتمر فتشجعها أحياناً– لألسف – على اإلفطار في الساقي ،نجد أن أعلى صداق وصل عن طــــريق رمضان ،خشية أن يتغير جسمها «عن الحسن عقود الزواج المحفوظة بمتحف الفن اإلسالمي ،والسمن» ،حيث كانت معايير الجمال آنذاك ،أن لطبقة أفراد الشعب ( )500درهم المــعجـــل منها تكون العروس سمينة (ناصحة) ،أما إذا كانت نحيفة ،فهذا يعني أنها عروس تفتقد أحد أهم
100درهم (وليس ديناراً)(.)18
وبعد االنتهاء من عقد القران ،تأتي الخطوة معايير الجمال عند ال��رج��ال ف��ي تلك الفترة، التالية ،وهى إع��داد وتجهيز الشوار ،ويبدو أن فنالحظ أن المرأة بعد الزواج كانت تحرص على
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
كما حدث في زواج آنوك ابن السلطان النـــــاصر أن تحافظ ابنتها دائماً على حسنها و«سمنتها»،
والد العروس كان يتحمل مسئولية إعداد شوار العناية بزيادة وزنها ،ليعجب بها زوجها ،فتلجأ (جهاز) ابنته وتجهيزها ،ما كان يشكل عبئاً عليه ،إلى تفتيت الخبز وبلعه قبل أن تأوي إلى فراشها، وربما كررت ذلك في الليل(.)21
ونجد البوصيري يؤكد لنا ذلك ،قائالً:
وبعد أن يتم إعداد الشوار ،تأتي مرحلة نقله
وف��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اة م���ا ج��ه��زت بجه ـ ـ ــاز
خ��ط��ب��ت ل���ل���دخ���ول ب��ع��د ش��ه��ور إلى منزل العريس على رؤوس الحمالين والبغال، في حفل يشترك فيه األقارب والمعارف كما هي
واقتضتني الشوار بغي ًا على من بيته ليس فيه غير ح��ص��ي��ر
()19
ع��ادة المصريين ،حينذاك ،أما إذا كان الجهاز
ولقد تخصصت بعض األماكن في مصر لبيع خ��اص �اً ب��أب�ن��اء ال�س�لاط�ي��ن واألم � ��راء ،ف�ق��د ك��ان ج�ه��از النساء وش��واره��ن ،وف��ي بعض األح�ي��ان ،يحمله م��ا يزيد على ثالثمائة ح�م��ال ،وأحياناً
ك��ان المصريون يكتبون ف��ي عقود ال ��زواج على تستمر البغال في حمله ثالثة أيام ،ويكن ذلك في أن الجهاز ليس باسم العروس ،وإنما هو باسم موكب يسير فيه األمراء في أفخر ثيابهم ومعهم أمها أو جدتها أو والدها ،بقصد حرمان الزوج الشموع(.)22 أو أوالدها منه إذا ماتت ،وطلبوا إرث أمهم(.)20
بعد ذلك ،تكون ليلة الزفاف حيث تقام وليمة
وه��ذه تجاوزات سلوكية وقف كثير من الفقهاء كبيرة للمدعوين ،وقد تكون في بيت العروس، والعلماء ضدها وبحزم.
أو في بيت العريس ،أو البيتين معاً ،وقد جرت
وينبغي أن نشير إل��ى أن أم ال �ع��روس كانت العادة على أن يتم تزيين منزل العروس بالبسط تمارس دورها التقليدي «كحماة» ،وكانت في كثير والمقاعد والدكك والقناديل ،استعداداً لقدوم
من األحيان تقرر على العريس نفقات زائدة كما العريس وإتمام الزفاف ،وكان يتم أحياناً استعارة يقول الشعراني «وكذلك ننهي أم العروس عن القناديل م��ن المساجد إلح�ي��اء ال�ف��رح بنورها، التعنت على الزوج في مصطلح النساء» ،ويبدو أن هذا في الوقت الذي يكون قد تم فيه االستعانة أم العروس كانت حريصة في بعض األحيان على بالماشطة ،لتجميل ال�ع��روس لتظهر ف��ي أبهى
اجلوبة -خريف 1429هـ 105
صورة ،وفي أحيان كثيرة ،تحضر الماشطة من في الوجه المشوم؟» أو يقولون« :إيش قام على عندها الثياب والحلي على سبيل االستعارة ،الحزينة بالنقش وال��زي �ن��ة؟»( .)25ويبدو أن هذه مقابل أجرة جيدة(.)23
العادة السيئة لم تتغير كثيراً حتى اآلن.
ث��م بعد أن تستكمل ال�ع��روس زينتها ،تظهر
وس ��رع ��ان م ��ا ي�ح�ض��ر ال �ع��ري��س إل���ى م�ن��زل
من وراء ستارة« ،في هيئة مدهشة ،عليها حلة العروس «وقدامه المغاني والشمع منصفة ،ومن مزركشة ،وعلى رأسها تاج يأخذ األبصار ،وقد خلفه البوقات والطبول« ،ثم يدخل العريس إلى علتها السكينة وال��وق��ار ،وهى تخطر في الجال اإلي��وان ،وقد تعلق بصره وخاطره بعروسه التي والحلل ،وتمشى الهوينا دون العجل ،بقامة مياسة تجلس في القاعة ،وسرعان ما تأتي إليه العروس ومقلة نعاسة» ،ثم تتجه إلى القاعة التي أعدت وهي «مستورة الوجه بمنديل مذهب منقوش»، ألن تجلس فيها ،وسرعان ما نجد أن المدعوين فيقوم العريس إليها ،ويقبّلها بين عينيها ،ثم ينثر من األهل واألقارب ،ينشدون من حولها األغاني عليها الدنانير من جيبه ،ويفعل ذلك أيضاً أقاربه قائلين ،والعيون متعلقة ب��ال�ع��روس ،والتصفيق ممن ح��ول��ه ،وي�ص��ف لنا العريس تلك اللحظة الجميلة ،فيقول بأسلوب ساخر: يطرب اآلذان: وبقت أمي تزغرط ي��������ا ع��������روس��������ة ف��������ي ال����������دالل والمغاني لي بتغرط ان��������ج��������ل��������ي وال ت������ب������ال������ي وأنا انشكع ونقط ان������ج������ل������ي س��������ت ال������ع������راي������س حين أراه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم يوصفونـ ـ ــي ي�������ا ع�������زي�������زة ف�������ي األه������ال������ي رقصوا في النور عروسي فبقيت انتر فلوس ك�������م ل�������ك أوص�������������اف ج���م���ي���ل���ة ثم حين فرغت كيسي ي�����اب�����دي�����ع�����ة ف��������ي ال�����ج�����م�����ال في الظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم رفصونــي أو ينشدون من حولها قائلين:
ثم بعد ذلك تتراجع العروس «وتأخرت تمشي
ش���������ع���������رك أس������������������ود م������دل������ي
إل��ى ورا ،والزغاريط صاعدة ،واألف��راح زائ��دة،
أظ������ل������م������ت م������ن������و ال����ل����ي����ال����ي ولم تزل كذلك حتى انتهت إلى الستارة ،فأرخيت ق�������د ظ�����ه�����ر ت����ح����ت����و ج���ب���ي���ن���ك عليها ساعة ،ثم رفعت ،وإذ بها قد ظهرت في
ق��������د ظ������ه������ر ش������ب������ه ال������ه���ل��ال حلة أبهى من األول ،وأسنى منها وأجمل وصاروا ل������ك ح������واج������ب ق��������وس رام������ي يفعلون بها ذلك مرة بعد أخرى»(.)26 ق����د رم������ت م����ن غ���ي���ر ن�����ب�����ال
()24
وف��ي بعض األح �ي��ان ك��ان��ت ال �ع��روس ترتدي
وق��د يتهامس بعض المدعوين فيما بينهم ،لباس ال��رج��ال م��ن جندي وق��اض ،وم��ن أمامها إذا م��ا ك��ان��ت ال �ع��روس قبيحة ال�ش�ك��ل ،أو غير «المخبطون (المهرجون) الذين يحاولون بشتى جميلة ،قائلين في همس« :إيش تعمل الماشطة الطرق إضحاك المدعوين في الفرح»
()27
106اجلوبة -خريف 1429هـ
وإثارة
جو من المرح والسعادة بين الناس.
بعد ذل��ك يقوم العريس ويأخذ عروسه إلى والجدعان تمشي بالمصابيح» .ويرشون عليها بيت الزوجية ،تصاحبه زفة صاخبة شدت انتباه الملح خوفاً من الحسد ،ثم بعد ذلك يجلسونها
أحد المشاهدين ،وأخ��ذت بلباب قلبه ،فأنشد على ش��يء مرتفع ،وي��أت��ي م��ن تحتها الطبال وينشدها األشعار مثل «يا عروسة يا أم غالي، يقول في وصفها: انجلي وال تبالي» ،وأي�ض�اً «ي��ا عريس قم خد ع����اي����ن����ت ف������ي ب�����ارح�����ت�����ي زف����ة ق���ض���ي���ت ف���ي���ه���ا ك�����ل أوط��������اري وش��م��ع��ه��ا م��ث��ل ن���ج���وم ال��دج��ى
عروستك واط�ل��ع بها ف��وق العاللي ،واف��رش��وا
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ال�ع��روس «خلفها الصبايا بالزغاريط تصيح،
القبة وناموا فوقها جنح الليالي»؛ ثم يلتفون
م���ح���ي���ط���ة ب���ال���ق���م���ر ال����س����اري حول العروس ،وينادي رجل يمسك بيده شعلة من قماش «هاتوا النقوط صاحب العرس بقى ���ائ�ل�ا م����ا زل�����ت ق����د ع��اي��ن��ت��ه��ا ق ً ي���ا ل��ي��ت��ه��ا ك���ان���ت إل����ى داري
()28
ومن العادات السيئة التي تكشف لنا عن تفشي الجهل بتعاليم الدين اإلسالمي الصحيحة ،أن العريس في تلك الليلة ،قد يكون في جيبه بعض األحجبة التي يكتبها له بعض الشيوخ والمؤدبين. وجدير بالذكر ،أنه على الرغم من كل مظاهر ذلك االحتفال ،فإن العريس ال يرى زوجته غالباً إال بعد ال��دخ��ول عليها ،واألم ��ر بالطبع كذلك بالنسبة لعروسه التي ق��د تكون أول م��رة ترى زوجها أمامها ،فهي ترصد – كالعادة -بعض المدعوين يتخاصمون ويكثرون النقاش في أن ه��ذه ال��زف��ة ربما أكبر م��ن زف��ة ف�لان ،أو يقول بعضهم إنها أقل من زفة فالن(.)29 وعن أف��راح الفالحين ،تشير المصادر إلى أنهم اع �ت��ادوا أن ي��زف��وا العريس ف��ي القرية، وس��ط م��دح المنشدين ،وص��وت الطبول ،ومن حوله « الجدعان تخبط بالنبابيت» ،ويستمرون في ذلك حتى يصلوا إلى بيت العروس ،حيث يقام حفل كبير يحييه الشاعر بالرباب ،وتأتي
ف��ي أم��ان ،ه��ات��وا يانسنا ي��ا ج��دع��ان ،فيعطيه
الشخص منها ال��دره��م والدرهمين ،والبعض يرمي له النصف أو النصفين»؛ ثم بعد ذلك يدخلونهما إلى البيت «ويغلقون عليهما الباب، وي��دق��ون ل�ه��م ب��ال�ح�ج��ارة ع�ل��ى األع��ت��اب ،ف��إن أخذ وجهها هنوه وإال جرسوه وهتكوه ،وقالوا ل��ه« :ش��رق��ت ال�ب�لاد وهتكتنا بين ال�ع�ب��اد» ،ثم يقومون بزيارة العريس يوم الصباحية ،وبعد ثالثة أيام يخرجون العروس ،ويكشفون وجهها للمرة الثانية «ويجعلونها للناس شهرة ويأخذون النقوط»(.)30 أما عن أفراح أهل الذمة ،فيبدو أنها كانت تمر بالمراحل نفسها التي تمر بها أفراح المسلمين، فيما عدا كتابة عقود الزواج التي كانت تخضع لمراسيم خاصة يقوم بها رجال الدين ،ويبدو لنا ذلك من حديث ابن إياس عن أفراح أهل الذمة، إذ يؤكد على أن طائفة من النصارى ،قد احتفلوا ب��زواج أحدهم وس��ط مظاهر الطرب والسرور «وجمعوا فيه من أرباب المالهي كمغاني العرب وغ�ي��ر ذل � ��ك»( ،)31ويشير اب��ن حجر ف��ي موضع
اجلوبة -خريف 1429هـ 107
آخر «أنه سمح لهم في عصر المماليك ،بإقامة
بها المسلمون أثناء احتفاالتهم الزوجية ،ولو
أفراحهم بالمالهي والمغاني على عاداتهم» .ومن كانت تلك العادات تختلف عن عادات المسلمين، المرجح أن تلك العادات التي لم يشر إليها ابن
ل��وج��دن��ا ص���دى ه���ذا االخ� �ت�ل�اف ف ��ي ك �ت��اب��ات
حجر ،ال تختلف كثيراً عن ال�ع��ادات التي يقوم المؤرخين المعاصرين حينذاك. * كلية التربية للبنات /جامعة الجوف . ( )1الروم :آية .2 ( )2النور :آية .23 ( )3السيوطي :الكنز المدفون والفلك المشحون (طبعة بوالق ب1288 ،هـ) ص.51 ( )4ابن دانيال :خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال( ،دراسة وتحقيق إبراهيم حمادة ،المؤسسة المصرية العامة للتأليف وال�ت��رج�م��ة وال�ط�ب��اع��ة وال �ن �ش��ر ،ال�ق��اه��رة، 1963م) ص.162 ( )5الشعراني :لواقح األن��وار القدسية في بيان العهود ال�م�ح�م��دي��ة( ،ط �ب��ع بالمطبعة ال�م�ي�م�ن�ي��ة ،ال�ق��اه��رة 1321هـ) ص.134 ( )6اب��ن تغري ب��ردي :النجوم ال��زاه��رة ف��ي ملوك مصر وال �ق��اه��رة( ،ط�ب�ع��ة م �ص��ورة ع��ن طبعة دار الكتب، ال �م��ؤس �س��ة ال �م �ص��ري��ة ال �ع��ام��ة ل�ل�ت��أل�ي��ف وال�ت��رج�م��ة وال �ط �ب��اع��ة وال �ن �ش��ر) ،ج ،15ص148؛ ال�م�ق��ري��زي: السلوك لمعرفة دول الملوك( ،ج ،1ج ،2نشرهما د/ محمد مصطفى زي��ادة ،ج ،3ج ،4نشرهما د /سعيد عاشور ،القاهرة1970 ،م) ،ج4ق ،3ص.175 ( )7الشعراني :المصدر السابق ،ص.153 ( )8ابن دانيال :المصدر السابق ،ص.164 ( )9الشعراني :المصدر السابق ،ص.162 ( )10ابن دانيال :المصدر السابق ،ص ص .162 ،161 ( )11نفس المصدر السابق ،ص.174 ( )12اب��ن ش��اك��ر الكتبي :ف��وات ال��وف�ي��ات وال��ذي��ل عليها (تحقيق د /إح �س��ان ع �ب��اس ،دار ال�ث�ق��اف��ة ،ب�ي��روت 1973م) ج ،1ص.52 ( )13األدف� ��وي :ال�ط��ال��ع السعيد ال�ج��ام��ع أس �م��اء نجباء الصعيد( ،تحقيق سعد محمد حسن ،مراجعة د /طه الحاجري ،الدار المصرية للتأليف والنشر1966 ،م)، ص.242 ( )14السخاوي :التبر المسبوك في ذيل السلوك( ،بوالق، 1896م) ،ص.391 ( )15اب��ن ال �ح��اج :ال�م��دخ��ل إل��ى ال �ش��رع ال �ش��ري��ف ،ج،1
108اجلوبة -خريف 1429هـ
ص.291 ( )16ابن دانيال :المصدر السابق ،ص.164 ( )17اب��ن طلحة ال��وزي��ر :العقد الفريد للملك السعيد، (ال�ق��اه��رة1283 ،ه � �ـ) ،ص189؛ سعاد م��اه��ر :عقود الزواج على المنسوجات( ،القاهرة1960 ،م) ،ص12 ( )18ابن حجر :الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، (تحقيق محمد سيد جاد الحق ،القاهرة ،دار الكتب، 1966م) ج ،2ص.324 ( )19البوصيري :الديوان( ،تحقيق محمد سيد كيالني، القاهرة ،ط1955 ،1م) ،ص.108 ( )20ال �م �ق��ري��زي :ال �م��واع��ظ واالع �ت �ب��ار ب��ذك��ر الخطط واآلثار(دار صادر بيروت ب د) ج.89 ،2 ( )21ابن الحاج :المدخل ،ج ،2ص. 60 ( )22ابن الصيرفي :نزهة النفوس واألب��دان في تواريخ الزمان( ،تحقيق د /حسن حبشي ،القاهرة1973 ،م)، ج ،1ص94؛ المقريزي :الخطط ،ج ،2ص .134 ( )23اب��ن س� ��ودون :ن��زه��ة ال�ن�ف��وس وم�ض�ح��ك ال�ع�ب��وس، (القاهرة1280 ،هـ) ،ص.84 ( )24المصدر السابق ،ص .85 ( )25األب�ش�ي�ه��ي :المستطرف م��ن ك��ل ف��ن مستطرف، (القاهرة1306 ،هـ) ج ،1ص .36 ( )26ابن سودون :المصدر السابق ،ص .85 ( )27الشعراني :لواقح األنوار ،ص .314 ( )28ابن شاكر الكتبي :فوات الوفيات ،ج ،2ص .302 ( )29الشعراني :البحر المورود ،ص95؛ لطائف المنن، (القاهرة1311 ،هـ) ص .239 ( )30ال�ش��رب�ي�ن��ى :ه��ز ال �ق �ح��وف ف��ي ش ��رح ق�ص�ي��د أب��ي شادوف( ،بوالق1274 ،هـ) ص ،11-9وهناك المزيد من التفاصيل الممتعة عن حياة الفالحين في تلك الفترة. ( )31ابن إياس :بدائع الزهور في وقائع الدهور( ،تحقيق د /محمد مصطفى زيادة ،القاهرة ،الهيئة المصرية ال�ع��ام��ة ل�ل�ك�ت��اب ،ط1984 ،3م) ج1ق ،2ص 320؛ المقريزي :السلوك ،ج ،3ص .492
> ليلى جوهر سالم*
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
تكاملية السلوك اإلبداعي
الفن ظاهرة اجتماعية يمارسها ويعيشها وينهض بها أفراد يعيشون في جماعات ،سواء منشئين لألعمال الفنية ،أم متلقين ومستهلكين .والفنان ال يستطيع العيش وحيدا أو منعزال عن الناس ،وهو يكافح من أجل االرتقاء بنفسه وبجماعته من أجل التحكم في مفردات بيئته ثقافيا وتضاريسيا وفكريا .والمجتمع الذي يحدث فيه اإلبداع ،مسئول عن توفير الظروف التي تدفع بهذا المجتمع إلى تحقيق االستقرار ،والنمو واالرتقاء.إذ أن السياق االجتماعي هو المحفز في الحركة اإلبداعية التي تؤدي إلى االزدهار. إل��ى الكلمة الالتينية ( )Kereال ��ذي يعني كيف يتم ذلك ؟ السلوك اإلب��داع��ي ليس ترفا يتزين به (النمو) ،والفعل االنجليزي ( )Createيعني اس ��م ص��اح��ب اإلب � ��داع ال �ف �ن��ي ،أو تتباهى (يسبب المجيء إلى الوجود). وأشار الباحثون إلى أن كلمة إبداع تتجاوز به الجماعة ،أو يفخر به المجتمع ،بل هو ض ��رورة ملحة لتوثيق ن�ت��اج اإلب� ��داع الفني المئات من التفاسير ،لكن المتفق عليه هو لذلك العصر؛ فالتوافق االجتماعي ي��ؤدي ال�ح�ي��اة إل��ى خلق ج��دي��د وم�س�ت�ح��دث ،وفي إل��ى مقاومة التآكل والتخلف ع��ن النهضة االستخدام الفني ،هو (نوع من التصرف أو بالحضارة ف��ي المجتمع ،ه��ذا إض��اف��ة إلى السلوك المغاير غير المتوقع النافع والمالئم الصحة النفسية للفرد ،وتحرر روح الجمال لمقتضى ال �ح��ال ،واالق �ت �ص��ادي ف��ي الوقت نفسه) ،وال يكون المبدع مبدعا فنيا حينما ال لتنطلق محتوية الكون بأسره. تعريف اإلب ��داع لغة كما ج��اء ف��ي لسان يأت بالجديد وغير المقلد. العرب (هو اإلتيان بأمر على شيء لم يكن ابتداء) ،أبدعت الشيء (أي اخترعته) ،كأن نقول أب��دع ال�ش��اع��ر؛ أي ج��اء بالبديع وهو (المحدث العجيب). وأما في اللغة اإلنجليزية يقرر ((جوخاتينا)) أن لفظ اإلبداع ( )Creativityيرتد في األصل
وم��ن تكاملية السلوك اإلب��داع��ي الجهد العقلي بقدرات عقلية من طراز معين ،حيث أش��ار (جيلفورد) أن المبدع ال يكون مبدعا إال حين يملك ق��درات عقلية إضافية مثل االس��ت��دالل وال �ف �ه��م وال �ت��ذك��ر واالس�ت�ب�ص��ار ال ��خ ..وإل��ى س�م��ات شخصية منها ال�ج��رأة
اجلوبة -خريف 1429هـ 109
والمغامرة ،والرغبة في التفوق واإلن�ج��از ،والثقة بالنفس والجاذبية الشخصية واالجتماعية ..كما -4مرحلة التنفيذ والتحقيق :وه��ي مرحلة يقوم وج��د (ج�ل�ي�ف��ورد) أن��ه يجب أن يصب المبدع كل فيها المبدع بالعديد م��ن العمليات الفرعية هذه المفردات في قوالب جمالية مناسبة للسياق، ال�ت��ي ي�ه��دف م��ن ورائ �ه��ا إل��ى تهذيب ال��زوائ��د ومقبولة ممن يتلقى عنه جهده ونتاجه اإلبداعي. والتفاصيل. وم��ن ث��م ال ب��د أن ي�ك��ون ال�م�ب��دع م�ت��واص�لا مع ومن ثم يستقيم الموضوع متبلوراً ومكثفا في جماعته ،مقبوال منها ،ق��ادرا على التفاعل معها أجمل صورة يرضى عنها المبدع ،وتجد قبوال من والتأثير فيها. جمهور المتذوقين أو المتلقين على وجه العموم. رؤيته اإلبداعية.
عملية اإلبداع في الفن سنتوقف عند ال�م�ص��ور بيكاسو للكشف عن عمليته اإلبداعية ،كمثال.. اكتشف (رودولف أرنهيم) أن بيكاسو وهو يمهد لرسم لوحته العبقرية الشهيرة (الجير نكيا) -التي ذاع صيتها كواحدة من أبرز اللوحات الفنية التي أب��دع��ت ف��ي ف��ن التصوير -ق��د قطع رح�ل��ة شاقة خ�لال قيامه ب��إب��داع�ه��ا .ف��اإلب��داع ظ��اه��رة تعتمد على جهد إنساني له طبيعة خاصة .وكل مبدع له طقوسه وأج ��واؤه الخاصة ،إل��ى أن يسلس األداء وتستقيم األفكار..
وم ��ا ه ��ذه ال �م��راح��ل إال أب �ع��اد ك�لاس�ي�ك�ي��ة أو تقليدية ،أخ��ذ بها كثير من المفكرين في دراس��ة عملية اإلبداع .وهناك من الحظ أن هذه المراحل ليست بالضرورة موجودة عند جميع المبدعين ،وال عند المبدع الواحد في مسيرة انجازاته اإلبداعية. فقد ظهر من خالل الدراسات وجود استعدادات مستمرة على مدار رحلة العمل ..وهناك اختيارات متنوعة وكثيرة ،كما أنه يوجد مجهود ضخم مبذول من قبل المبدع ..وهناك إش��راق��ات شتى ،وليس إشراق واحد خالل رحلة العملية اإلبداعية للرسم والتصوير أو النحت..
أما المرحلة األخيرة «التنفيذ والمراجعة « فهي مراحل عملية اإلبداع ال تحدث في نهاية العمل فقط ،حيث المبدع دائما -1مرحلة االستعداد :وفيها يبذل الكثير من الجهد ما يقوم بعمليات تحسين وتهذيب منذ بداية عمله. بعد أن تأتيه الشرارة األولى ،من أجل تخصيب عملية اإلبداع ومواصلة االتجاه رؤيته اإلبداعية ،بتفاصيل متنوعة تخص الفكرة إن العملية اإلبداعية بعد دراس��ة وب�ح��ث ..ما والعمل. هي إ ّال جهد متصل محكوم بما أطلق عليه اسم -2مرحلة االختمار :وهي مرحلة هدوء وانصراف ((مواصلة االت �ج��اه)) ،وه��و ذل��ك الخيط المتصل ظ��اه��ري ع��ن م��وض��وع اإلب ��داع ،وإن ك��ان بعض ال��ذي يحمل م�ي��اه العملية اإلب��داع �ي��ة منذ بداية الباحثين ال يعتقدون بانصراف عقل المبدع. تدفقها وإلى نهاية العمل ..يجتاز الصعاب ويحافظ -3مرحلة اإلشراق :وهي مرحلة اإللهام أو سطوع على أداء المبدع من التشتت والذوبان في متاهات الحل أو االنفتاح الفجائي بنور ساطع ،وكأنه ال حصر لها ..وعلى مدى التقدم عند إنجاز العمل سيل منهمر بالحجل السعيد ،وبالتفاصيل للمبدع .هناك العديد من العمليات الجزئية التي الحقيقية ،حيث يستثمرها المبدع لتشكيل
110اجلوبة -خريف 1429هـ
من هو (جيلوفرد)
عالم أمريكي معروف قدم العديد من الدراسات التي راح يجربها وينشرها منذ عام 1950م ،حيث أكد على أن اإلنسان المبدع ال يعمل في فراغ ،وال يتعامل مع الصدفة ،ولكنه غالبا ما يعمل من خالل نسق وخطة يمدانه بخطوط النسيج ،تمضي إلى األم��ام ليحقق واقعا جديدا .ولكن مع التقدم في العمل ،تتبلور العناصر والمعطيات .ومع التراكمات المتحققة تكتسب العناصر ومعطيات ودالالت مستقبلية تدفع بالمبدع إلى المزيد من العمل في اتجاه بناء العناصر في أطر جديدة ،وتكتسب مالمح جديدة ،وما يزال المبدع عاكفا عليها ،مجودا لها، إل��ى أن يصل البناء إل��ى أقصى م��ا تمكنه طاقته من تقديمه في إنجازاته الفنية اإلبداعية ..وهي الحركة لواقع المبدع اإلنسان ،للرحيل مع األيام إلى األمام ،مستبشرا بالقادم لألفضل.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
يضمها جميعها إطار متكامل متماسك متفاعل من البصيرة الواعية المخططة المستندة على (أربعة أب�ع��اد) وارت �ق��اءات شتى ،وه��و ما أطلق عليه اسم (األساس النفسي الفعال) ،وفي إطار وحدة السلوك وتكامله ،بما يحقق في النهاية إفراز ذلك المقطع وسيكولوجية التذوق الفني تنحصر فيها عدة السلوكي الفريد ال��ذي ينتج في لحظة ن��ادرة من نقاط أهمها: لحظات االنهماك والذوبان في العمل ..إنها بحق -1أبعاد عملية التذوق الفني. لحظة سحرية..وهي بؤرة فعل اإلبداع. -2خصائص المتذوق (المتلقي). مجرد خاطر لنفسية المبدع ،إلى عاصفة متحركة ومحركة أيضا في وسيط أو وسائط بعضها مؤثر في نفس اللحظة ،وبعضها غير مباشر تأتي أثاره الحقة في الزمن العاجل القريب أو البعيد.
-3خصائص العمل الفني من جهة نظر (المتلقي)، وس �ي �ك��ول��وج �ي��ة ال� �ت ��ذوق ال �ف �ن��ي ه��ي ال�س�ل��وك ال� �م ��رك ��زي ،وه� ��و م ��ا ي �ط �ل��ق ع �ل �ي��ه ال �ب��اح �ث��ون (االستاطيقا التجريبية) .وهي تتم على أسس يمكن تفصيلها في أربعة أبعاد هي: ال �ب �ع��د ال �م �ع��رف��ي /ال �ب �ع��د ال��وج��دان��ي /البعد االج�ت�م��اع��ي /ال�ب�ع��د ال�ج�م��ال��ي التشكيلي .وه��ذا األخير يحوي الخصائص الجمالية ،بعضها كامن داخل مكونات العمل للمبدع والمعروض للمتلقي، وبعضها كامن داخ��ل السلوك الشخصي ؛ حيث القدرة على التشكيل والتقويم ،وتحمل الغموض والشك والتحوير واالستمتاع.
-4الجمال منبعه األساسي ذاتي وليس ظاهري، ونحن نتلمس الجمال كمتلقين من رؤية شمولية للعمل المنجز ،ويختلف الجمهور في قبولهم وتقويمهم للعمل م��ن م�ن�ظ��ور ج�م��ال��ي حسب الفن وسيط بين طرفين هما المبدع والمتلقي، الثقافة والفكر والبيئة. حيث أنه لولم يوجد الفن لما وجد المبدع ،ولولم يكن هناك أناس يتلقون العمل الفني ،ماكان لهذا العمل ( -5جمالية الفن اإلسالمي) قائمة على المنظور اللولبي ،وهو متماشي مع المفهوم التصاعدي أن يوجد ..فاإلبداع والتذوق عمليتان متالزمتان، ال��روح��ان��ي للمنظور اإلس�لام��ي ،وخير مثال/ والفن وسيط شرعي بين المبدع والمتلقي .لذا الطواف على الكعبة ..كما أن الفنان العربي ي�ت��وج��ب علينا أن ن�ع�ت��رف أن ال �ف��ن رس��ال��ة ذات المسلم يمأل ال �ف��راغ ،وي�ف��زع منه ف��ي اللوحة مضمون اجتماعي ،لذا يفترض وجود العديد من العناصر واألط� ��راف ،حيث تتحول ال��رس��ال��ة من كمسطح ،وذل��ك ألنه ينافي نزعاته الوجدانية
اجلوبة -خريف 1429هـ 111
نظريات الجمال
المشحونة باإليمان واالستقرار النفسي.
-5االستشهاد بأعمال فنانين عظماء تحوي أعمالهم االنسجام والجمال ،حيث تطلق كلمة االنسجام التصويرية قيمة وفكراً وفلسفة جمالية. harmonyعلى توافق األجزاء المختلفة في أدائها -6إن خيال الفنان هو ما يضفي الجمال اإلبداعي لوظيفة واحدة ،أيضا تطلق على اإلحساس الصوتي للعمل ،والجمال (اإلستيطيقا) هو علم يبحث الصادر من النغمات. تضم نظرية الجمال الفني ف��ي بحثها للعمل في قضايا الجمال والقبح من الناحية اإلبداعية والنقدية والنظرية ،ويدرس سبل اإلبداع الفني ،الفني كل أوجه العمل :الموضوع والشكل والتعبير، والغاية منه الجمال في الفن؛ وهو ما دعت إليه وهي تعنى باحترام تكامل العمل الفني ،وتنظر إليه مدرسة (الفن للفن) التي اتبعها (فلوبير) ،وقد بوصفه موضوعا استطيقيا تكمن فيه وحدة دالالته ت�ط�رّق إليها ف��ي الماضي (ك��ان��ط) وأك��د عليه وقيمته. (هيجا) (في علم مقياس الجمال). ولقد كان الهدف من كل النظريات االستطاقية تحديد السمات التي تميز أعمال الفن الجميل عن الموضوعات األخ��رى .والتوصل إلى تجربة فنية، والتي هي نشاط إنساني سواء في عملية اإلبداع، أو في عملية االستمتاع (التذوق)؛ فهو نشاط محمّل بالقيم ومشبع بالجمال.
ليس هناك مثال نموذجي يُفرض على أعمال الفن ،وليس هناك مجال يعيش في ذاته ولذاته عند إنتاج الموضوعات الجميلة ،إذ أن وضع معايير للفن، أو تحديد تعريف يصف طبيعته أو ماهيته يُعد مسألة صعبة ،والنظريات التي بحثت في قضايا الجمال الفني متباينة ،خاصة أن العمل الفني ال ينتهي تأثيره وفي نهاية المطاف نستطيع أن نؤكد على أن ب��زوال الغرض من إنتاجه ،وال بالعصر ال��ذي أنتج الفلسفة الجمالية ينبغي أن تكون نابعة عن اقتفاء فيه .غير أن النظريات الجمالية باختالفها وتنوّع أثر الفن ،وإال بقيت حبيسة األفكار التأملية دون المفاهيم ،تعمل على توسيع نطاق معرفتنا ،وتزيد مادة فنية تدور حولها. من استمتاعنا بأعمال الفن تنوّعا وثراء. وف��ي جميع م��راح��ل ت��اري��خ الفن ف��ي المذاهب الكالسيكية وال��روم��ان �س �ي��ة ،وف��ي م��ذاه��ب الفن أراء حول وظيفة الفن ال�ح��دي��ث ،ه�ن��اك دالئ��ل على أن ال�ف��ن التجريدي رأى أرسطو أن إيجابية الفن تنحصر في قيامه كانت له أراء تمهيدية في العهد اإلغريقي ،وعند بدوره في تخليص النفس وتحصينها أخالقيا. أفالطون ،وعند جماعة الفيثاغورسيين .وفي القرن رأى كل من شللر وسبنسر أن مفهوم الفن شكل الثامن عشر يعد اندريه بزيتون من الواضعين لحجر سام من أشكال اللعب ،لكنه يتخذ شكل النظام. أس��اس المذهب السريالي؛ وهكذا ،كان للفلسفة أما روسو الذي ينكر فكرة أرسطو «التطهير» ،الجمالية أن تكون صدى للوعي الجمالي واألساليب فإنه يؤكد في مفهومه على وظيفة الفن في تقوية واتجاهات الفنون القائمة على هذا الوعي الجمالي الحياة الواقعية. واإلبداعي. * فنانة تشكيلية سعودية وكاتبة وسكرتيرة تحرير جريدة دنيا سابقا.
112اجلوبة -خريف 1429هـ
ف�����������������������������������ن�����������������������������������ون
خط الثلث
عبقرية أ ّم ٍ ة وإعجاز قلم > معصوم محمد خلف*
أخاذ ،وذوق رفيع في شكله ،ورسمه ،وزخرفته ،والتفنن للحرف العربي جمال ّ في وضعه على الصفحات الناصعة البياض ،أو اللوحات التشكيلية .وقد أجادت األنامل المبدعة في رسمه وخطه .ل��ذا ،ب��رزت لنا منذ القرون األول��ى لمولده أن��واع متعددة األسماء واألش��ك��ال ،ما رغّ ��ب وح ّ��ث على تكوين دراس��ات ومناهج وبحوث حول الحرف العربي ،وكيفية خطه ورسمه ،وضبط شكله ،وفق القواعد المخصصة لها. يعد الخط العربي من أجمل فنون
أمام اإلنسان والمجتمع ،وهو الشاهد
فالكتابة العربية التي تتميز بحروف
وال �ت �ق��دم ال� ��ذي واك� ��ب ت �ل��ك النهضة
ال �ع��رب والمسلمين على ح� ٍ�د س��واء؛ طيّعة وليّنة في تعاملها مع الخطاط،
ه��ي بالطبع طبيعية ف��ي تعاملها مع
ال �ش �ع��وب ،ال �ت��ي ات �خ��ذت م��ن أش�ك��ال
ع �ل��ى ع��ص��ور ال �ن �ه �ض��ة اإلس�ل�ام�� ّي��ة،
في كل المجاالت ،وعلى مر السنين والعهود.
وه��و أح��د صيغ الفنون اإلسالميّة
الكتابة العربية منهجاً ثقافياً لها،
المهمّة؛ أثرى حياة المسلمين ،بتوكيده
ف��ال �خ��ط ال �ع��رب��ي ك ��ان وم ��ا ي ��زال،
بفنون التشكيل والزخرفة ،ما منحه
وال ��ذي ع��زز ذل��ك دخ��ول�ه��ا ف��ي الدين الصلة الوثيقة بين العقيدة والتعبير اإلسالمي. الفني ال�م�ل�ت��زم ،ول�م��ا ل��ه م��ن ارت�ب��اط وسيظل دائماً فياضاً بكل ما يضيء ،القدرة على التأثير العميق في فنون
ويفيد ،ويبهج ال�ح�ي��اة ،ويفتح اآلف��اق ال �ح �ض��ارات األخ� ��رى .وه��و الوسيلة
اجلوبة -خريف 1429هـ 113
التي حملت آيات كتاب الله الكريم ،إلى كل بقاع األرض ،والتي جاءت من خاللها إبداعات اآلالف م��ن ال �خ �ط��اط �ي��ن ،آلالف م��ن ن �س��خ المصحف الشريف ،بدافع التقرب إلى الله ،والرغبة في نشر كتابه الفصل بين العالمين. كما يؤكد الخطاط المسلم تفوقه في هذا المجال ،لدرجة جعلت كل دارسي الخط العربي يجمعون على أن الفنان المسلم جعل للكلمة وظيفة التي تتفاعل مع الخطاط أثناء الكتابة ،ال توازيها جمالية مرئية ،إلى جانب وظيفتها السمعية. متعة على وجه األرض ،وهذه المتعة هي مزيج وقد حظي الخط العربي في اإلسالم بعناية متآلف بين اإلب ��داع وال�ح��رك��ات التي يسطرها خاصة ،وال غرو في ذلك ،فهو ترجمان القرآن ّ القلم ،من خ�لال الكم الهائل ال��ذي يحوم حول الكريم ،ووسيلته التي حفظ بها على مر العصور، تلك المائدة المنبسطة ،ألن��واع شتى لحركات إذ حرص الفنان المسلم على مدى أربعة عشر الحرف الواحد. ق��رن �اً ،ع�ل��ى ت�ج��وي��د ال �خ��ط ال�ع��رب��ي وتحسينه، وه���ي ح�ص�ي�ل��ة م� � ��دارس ،وخ� �ب ��رات ن��واب��غ، ووضع أقصى ما يمكن أن يضعه العقل البشري م��ن القواعد والمعايير ف��ي سبيل تجويد هذا وعبقريات أشخاص متميزين ،تجلّت بين أناملهم الفن وأحكامه ،لتكون بمنـزلة قوانين ونظريات جماليات ال حصر لها من الكتابة العربية. هندسية غاية في الدقة ،وال يجوز الزيادة عليها كذلك فإنها تبعث في النفس المتعطشة بوادر أو النقصان منها ،يرجع إليها كل من أراد حذق االطمئنان والبحث بلهفة وشوق عن مكامن السر الكتابة. الدفين لبوح الحرف ،واإليحاءات التي تنشدها وإن ج��ول��ة واح� ��دة ب �ي��ن م �ق��ام��ات ال �ح��روف بصمت وعبقرية وكمال. المتنوعة واللوحات التي تمتاز بخط الثلث ،لهي ويروي لنا التاريخ أن الخليفة العباسي الواثق أجمل من حديقة غنّاء؛ كما إن المتعة الروحية بالله ،أنفذ ابن الترجمان بهدايا إلى ملك الروم،
فرآهم قد علّقوا على باب الكنيسة كتباً بالعربية، ف �س��أل ع �ن �ه��ا ،ف�ق�ي��ل ل ��ه :ه ��ذه ك �ت��ب ال �م��أم��ون بخط أحمد بن أبي خالد ،استحسنوا صورتها فعلقوها .هذا ما حكاه الصولي .وقد أورد أيضاً أن سليمان بن وهب ،كتب كتاباً إلى ملك الروم في أيام الخليفة المعتمد ،فقال ملك الروم :ما رأي��ت للعرب شيئاً أحسن من هذا الشكل ،وما أحسدهم على شيء حسدي على جمال حروفهم؛ وملك ال��روم ال يقرأ الخط العربي ،وإنما راقه
114اجلوبة -خريف 1429هـ
وسنتطرق ف��ي ه��ذا السياق إل��ى قلم الثلث الذي يعد -بحق -جوهرة األقالم العربية. أم الخطوط يعد خط الثلث ،أو قلم الثلث ،من الخطوط الكالسيكية .وه��و سيد ال�خ�ط��وط عند جميع الخطاطين ،لصعوبة تعلمه واحتياجه إلى مدة طويلة .وه��و من أروع الخطوط العربية جماالً وكماالً ،وأكثرها صعوبة من الخطوط األخرى، من حيث القواعد والموازين والحبكة .وعندما يقال عن خطاط معيّن ،إنه مجي ٌد لخط الثلث، فمعنى ذلك أنه قد أتقن قواعد وأص��ول الخط العربي.
ف�����������������������������������ن�����������������������������������ون
شخصه الخطاط الناجح والمبدع ال��ذي يعطي رصيداً جديداً لهذا الفن الخالد
باعتداله وهندسته .ويقول الخليفة المأمون :لو وفيه تتجلى عبقرية الخطاط في حُ سن تطبيق فاخرتنا الملوك األعاجم بأمثالها لفاخرناها بما لنا من أنواع الخط ،يقرأ في كل مكان ،ويترجم القاعدة مع جمال التركيب ،وقد استعمل هذا الخط بكثرة للكتابة على جدران المساجد ،وفي بكل لسان ،ويوجد في كل زمان. التكوينات الخطية المعقدة ،وذلك بسبب مرونته، ك �م��ا أن ال �خ��ط ال �ع��رب��ي يُ��رس��م ب ��أي شكل وإمكانية سكب حروفه في كل االتجاهات ،إذ هندسي ،وبأي صورة زخرفيه فنية ،فهو طوع يد تبدو الكتابة كأنها سبيكة واحدة ،يملؤها التشكيل الفنان الماهر والمبتكر ،والنابغ المبدع؛ ولذلك لترتيب الحروف ،بغية إيجاد أنغام مرئية تتخللها نجد له منذ بدء اإلسالم إلى اليوم أكثر من مائة فراغات صامتة أو ممتلئة بزخارف دقيقة ،فتراه ن��وع ،وليس له حد يقف عنده ،مع العلم أن��ه ال يتحرك وهو جامد ،فيجعل من اللوحة ضرباً من يطرأ على معالمه األصلية أي تغيير ،أو تبديل، اإلع �ج��از؛ كما أن ات�ص��االت ال�ح��روف ببعضها، مهما تشعبت أقسامه وتعددت أقالمه. والخطاط الناجح هو ذلك الذي يمتلك تلك الشفافية العذبة للخوض في ميدان هذا الفن الرفيع، ف��ال�م��وه�ب��ة واإلي� �م ��ان ،وال �ص �ب��ر وال �ت��واض��ع، والخلق الحسن ،ويضاف إليها التدريب المستمر، والعناية الدقيقة بشكل الحرف ،وطريقة أدائه السليمة؛ فمن يمتلك تلك المحاسن ،يتكوّن في
اجلوبة -خريف 1429هـ 115
فيها ش��يء م��ن ال�ق��وة ،تتناسب م��ع عظمة هذا النوع القوي من الخط ومرونتة. وت �خ �ت �ل��ف أس��ال �ي��ب ال �خ �ط��اط �ي��ن ف ��ي ك�ت��اب��ة ه��ذا ال�ن��وع ،كما يختلفون ف��ي طريقة التشكيل وال�ت�ج�م�ي��ل .وي�م�ك��ن ك�ت��اب��ة ه��ذا ال �ن��وع بطريقة التركيب الخفيف ،أو بالطريقة المرسلة .ويمكن أيضاً كتابته بطريقة التركيب الثقيل ،أو إدخال الكتابة في أشكال هندسية ،وتكوينات زخرفيه؛ ال في الكتابة ،فهو ونظراً ألنه يأخذ وقتاً طوي ً يقل في كتابة المصاحف ،وتقتصر كتابته على العناوين وبعض اآليات والجمل. مميزات خط الثلث < أنه إذا لم يكتب وفق شروط القاعدة ال يكون ال وباهراً. جمي ً
اللوحة.
< يمتاز عن غيره من الخطوط في التركيب؛ الخاصة ّ < الحركات اإلع��راب�ي��ة ،والتشكيالت فالجملة ال ��واح ��دة ،يمكن أن تكتب ب�ع�دّة بخط الثلث ،تُكتب بقلم آخ��ر ،عرضه ربع أشكال ،باختالف تركيب الحروف. ع��رض ال�ق�ل��م األص �ل��ي ،ع��دا ال�ب�ع��ض منها، �اص��ة في < ك�م��ا أن ل�ك��ل خ�ط��اط طريقته ال �خ� ّ فإنها ت��رس��م ب�ع��رض القلم األص �ل��ي .وعلى الكتابة ،تميّزه عمّن سواه من الخطاطين. الخطاط أن يتقن كيفية توزيع هذه الحركات والتشكيالت ،توزيعاً فن ّياً سليماً في اللوحة. < االهتمام الكامل برسم أي حرف من حروف خط الثلث ،وإن أي إهمال بسيط يشوّه جمال < تمتاز قاعدة خط الثلث بأنها ثابتة ،إال أن هناك فرقاً يسيراً في بعض الحروف لدى المدرستين البغدادية والتركيّة.
< كما أنه ال بد من أستاذ ماهر ،يُعتمد عليه في خط الثلث ،للتعلم منه ،وتقليده ،واستشارته في الخط. وم��ن خ�لال سير الخطاطين ال�ع�ظ��ام ،نرى أن الخطاط يعتمد في تدريبه على ه��ذا النوع إلى أكثر من خطاط ،لتزداد في خبرته العملية تجارب عديدة ،وابتكارات متنوعة ،ليسلك بعد ذلك النهج الذي يالئمه ويتفاعل معه. 116اجلوبة -خريف 1429هـ
وي�ق��ول ص��اح��ب ك�ت��اب (إع��ان��ة المنشئ) عن خط الثلث :إنه أول خط ظهر منبثقاً عن الخط الكوفي ،منذ بدء نشأة األق�لام المستعملة في أواخ���ر خ�لاف��ة ب�ن��ي أم �ي��ة ،وأوائ� ��ل خ�لاف��ة بني العباس.
ف�����������������������������������ن�����������������������������������ون
وسمي بخط ال�� �ث�� �ل� ��ث ،ألن� ��ه يكتب بقلم يبرى رأس� � ��ه ب �ع��رض ي� � �س�� ��اوي ث �ل��ث ع� � ��رض ال �ق �ل��م ال ��ذي يكتب به ال�خ��ط الجليل، ك �م��ا أن ��ه أص�غ��ر أيضاً من الطومار ،ويعد أم الخطوط العربية بجماله وسيطرته على باقي أنواع الخطوط؛ فقد كان المنهل األس��اس ألن��واع كثيرة من الخطوط العربية ،وال يعد اإلنسان خطاطاً إال إذا أتقن قواعده.
وب �ع��ده تسابق ال�خ�ط��اط��ون ف��ي إج ��ادة رسم حروفه وتكويناته ،حتى أصبح في أجمل شكل وأبهى حلة .وأصبحت حروفه الموزونة بالنقط، موضع اهتمام الدّارسين والباحثين ،في مختلف أقطار العالم العربي واإلسالمي.
وق ��ال ص��اح��ب األب �ح��اث الجميلة ف��ي ش��رح الفضيلة :إن األقالم الموجودة اآلن مستنبطة كلها من الخط الكوفي .وفي كتاب (صفوة الصفوة) ما معناه أن التابعي الجليل ،الحسن البصري أبو الثلث رضي الله عنه ،الذي عاش ثمانية وثمانين عاماً، اخترعه الخطاط قطبة المحرر عام 136هـ /هو الذي قلّب القلم الكوفي إلى النسخ والثلث. 753م ،أول خطاط في عهد بني أ ُميّة ،واستخرج وقد جاء بهذه الرواية المهندس ناجي زين الدين أربعة خطوط من األقالم الكوفية الموجودة ،وقد المصرف في كتابه (مصور الخط العربي) ص اشتق بعضها من بعضها اآلخر .وتجمع المصادر على أن الخطاط اب��ن مقلة ،هو أول من وضع قواعده ،وأجاد فيه ،وكان له الفضل الكبير في إيجاد الصيغة الفنية ل��ه ،وبعد اب��ن مقلة ،جاء ال�خ�ط��اط اب��ن ال �ب �وّاب ،فتفنن فيه واخ �ت��رع له أنواعا جميلة.
اجلوبة -خريف 1429هـ 117
1980 / 308ط بغداد. الجمالية الكثير ،ويتميّز بآفاق جمالية واسعة، وقد اعتمد هذا الرأي بدافع مكانة هذا الرجل تعطي تكوينات فنية ال ح ��دود ل�ه��ا؛ فالحرف االجتماعية والدينية ،فقد ذاع صيته لمتانة خُ ل ُقه العربي تراث متجدد ،أينما يقف يسمو ،وأينما ت �ح��رك ..يعطي للعين موسيقى ت�س�ح��ره إل��ى وعل ّو مكانته، شواطئ اإلبداع والخيال الخصيب. وكان ورعاً فصيحاً ،أ ُعجب به الناس فنسبوا له هذا الحدث الهام. وللكتابة بخط الثلث ،يقول األس�ت��اذ محمد عبدالقادر -المدرس بمدرسة تحسين الخطوط العربية في القاهرة -بخصوص الكتابة :نقطع م�ن�ق��ار ال�ق�ل��م ب��ان �ح��راف ي �س��اوي ث�ل��ث المنقار، فنحصل على قلم مالئم لخطي الثلث العادي والثلث الجلي. أنواع عديدة ينقسم خط الثلث إل��ى أن��واع عديدة حسب شكلها ،وطريقة اإلبداع فيها .وأنواعه هي: خط الثلث الجلي ،خط الثلث المحبوك ،الخط الثلثي الزخرفي ،الخط الثلثي المتأثر بالرسم، خط الثلث المختزل ،الخط الثلثي المتناظر. ف��ال �خ��ط ال �ع��رب��ي ي�م�ت�ل��ك م ��ن ال�خ�ص��ائ��ص
المراجع
- -
فن الخط ،مصطفى أغور درمان ،مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالميّة ،استانبول. الخط العربي ،حسن المسعود .دار فالماريون ،باريس .فرنســا. أطلس الخط والخطوط .حبيب الله فضائلي .ترجمة ،محمد التونجي .دار طالس .دمشق. الخط الزاهر الجلي .للخطاط جواد سبتي النجفي ،مطبعة الشهيد ،طهران ،جمهورية إيران اإلسالميّة. موسوعة الخطوط العربية وزخارفها ،معروف زريق ،دار المعرفة .دمشق. الخط العربي .الدكتور عفيف البهنسي .دار الفكر ،دمشق. الخط العربي من خالل المخطوطات ،مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية ،الرياض، تاريخ الخط العربي وآدابه ،محمد طاهر الكردي المكي ،ج ،2مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية. خط الثلث ،رحلة مع الخط العربي ،مجلة الفيصل ،العدد ( 3ذو الحجة 1399هـ 1979م. قصة الكتابة العربية ،إبراهيم جمعة ط ،2دار المعارف 1967 .سلسلة إقرأ ،القاهرة. ّ
* خطاط من سوريا.
118اجلوبة -خريف 1429هـ
سعد الدين وهبة
م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح
مسرح الستينيات في مصر
> سعيد نوح* شهدت فترة الستينيات ازده��ارا حقيقيا لكل أشكال الثقافة وتجلياتها ،فقد كانت فترة شديدة الزخم والثراء ،سواء على مستوي اإلبداع ،أو حتى على مستوى الحراك الثقافي العام، وعالقته باألحداث السياسية الكبرى. وقد تميز كتاب المسرح في تلك الفترة
للحريات واستبدال الطبقة أألرستقراطية
بذكاء مكّنهم من اإلفالت من شرك أن يتحولوا
المتمثلة بأسرة محمد علي واإلقطاع ،بأخرى
إل��ى أب��واق للسلطة ،ب��ل ك��ان المسرح وقتها م��ن الشعب ،ولكنها استغلت السلطة التي مزدهرا متنوع األداء؛ وأبرز ما ميزه ظاهرتان:
نالتها بفضل الثورة ،وظلمت الشعب ومنه فئة
األول ��ى ،إقامته لجسور قوية م��ع الجمهور ،المثقفين. فقد كان له قاعدة عريضة من المشاهدين؛ والثانية ،وج��ود الكم الهائل م��ن المبدعين والمخرجين المؤمنين بقيمة المسرح ،ودوره في الحراك الثقافي والسياسي. تميز أيضا بوجود حوار دائم مع السلطة،
ل��ذا عمد كتاب المسرح في تلك الفترة إل��ى كشف الصراعات وأوج��ه الفساد التي ظهرت خاللها -رغم إيمانهم الشديد بالثورة فانتقدوها م��ن ال��داخ��ل ،وح��اول��وا كشفالممارسات غير الجيدة من رجالها ،والطبقة
وجدل ال ينتهي ،وذلك لحب المثقفين الشديد الجديدة التي صاحبت وجودها .فنجد سعد لشخص عبدالناصر ،وكرههم كذلك لبعض الدين وهبة يعرض لصراع الطبقات ،وينتصر السلبيات التي وقعت فيها الثورة ،من كبت للطبقة الكادحة من المهمشين والفقراء ،في
اجلوبة -خريف 1429هـ 119
مسرحيته (السبنسة) ،وال�ت��ي قسم فيها طبقات الوصول بأقصر الطرق ،إلى عقل ووجدان جمهور ال�م�ج�ت�م��ع إل ��ى ط �ب �ق��ات أول� ��ى ف ��اخ ��رة ،وسبنسة المشاهدين ،ليناسب أدبا مسرحيا واقعيا معاصرا، متدنية. وفي مسرحيته (كوبري الناموس) يعرض أيضا لحال المهمشين من المجتمع المصري الذين ال يسكنون المدينة أو ال�ق��ري��ة ،وإن�م��ا يعيشون على هامش الحياة فوق كوبري ،ونسيهم التاريخ. كما يعرض نعمان عاشور من خالل مسرحيته (ال �ن��اس ال�ل��ي ت�ح��ت) لما يمكن تسميته بالصراع الوجودي في المجتمع المصري ..يبدأ الصراع -
يذيب ال�ف��وارق بين الطبقات ،ويبدو منسجما مع الفكر االشتراكي السائد. كذلك ،من المالمح الفنية لمسرح الستينيات ،أن معظم األعمال لم تستطع اإلفالت تماما من تأثير إع�لام المسرح الغربي أمثال بريشت ،وصموئيل بيكيت ،ويونسكو ،إال أنها جميعا قد اشتركت في االهتمام بعنصر االلتزام. ك�م��ا ع�م��د ال�م�س��رح إل��ى ت��رس�ي��خ دور المخرج
ف��ي أضيق نطاق -ف��ي المنزل ال��واح��د بين األب وتقويتة في إخ��راج العمل الفني ،كما رسخ مفهوم واالب��ن ..ثم يتمدد هذا الصراع على نطاق أوسع ،العالقة بين مؤلف المسرحية ومخرجها. ليجسد ص��راع��ا بين جيل بأكمله يتصف بنظرة جامدة لألمور. ثم يأتي لطفي الخولي ،فيناقش في مسرحيته
وقد ظهر ما عرف بالمسرح الواقعي الرمزي، وك��ان��ت ب��داي�ت��ه ب��داي��ة ن�ق��دي��ة ،فرضتها ال �ظ��روف السياسية واالجتماعية المتغيرة بقيام ث��ورة عام
(القضية) مسألة تغير القوانين التي كانت سائدة 1952م. في مجتمع الملكية ،وإح�لال القوانين االشتراكية في بداية المسرح في مصر ،عني بالكوميديا محلها ..يناقش مدى ما حققته تلك القوانين من أو الملهاة ،ولم يكن الواقع السياسي متجليا بقوة نجاحات ،وهل أفلحت في القضاء على الخلل الذي فيه ،بل نستطيع القول إن المسرح في بدايته اعتنى ك��ان عليه المجتمع قبلها! أم أن الفئة االنتهازية عناية خاصة بالواقع االجتماعي ،أما الصراعات وجدت لنفسها طريقا يحقق وجودها ،وتستغل فيه السياسية ،فلم تنعكس فيه بقوة؛ إلى أن جاءت في الطبقات الكادحة؟ بداية الخمسينيات مجموعة من الرواد المجددين، إذاً ،عنى المسرح في تلك الفترة بتناول القضايا الذين أرس��وا قواعد ما سمي بالمسرح السياسي السياسية ،والمشكالت الوطنية ،من خالل وجهة ال��رم��زي ،ومنهم :نعمان ع��اش��ور ،ومحمود دي��اب، نظر معاصرة ،تعبر عنها مشاعر ونماذج إنسانية وع�ل��ي س��ال��م ،وس�ع��د ال��دي��ن وه�ب��ة ،وأل�ف��ري��د ف��رج.
بسيطة ،ولكنها -في الوقت ذاته -بالغة العمق.
وأصبح هناك مسرح يعنى بالصراعات السياسية،
وم��ن ال�م�لام��ح الفنية ف��ي م�س��رح الستينيات ،وانعكاساتها على المجتمع ف��ي ص��ورة صراعات أن��ه استخدم اللهجة العامية العادية كلغة للحوار
إنسانية ال تقل عنها خطورة ..إال أن المسرح الجديد
ال �م �س��رح��ي ،وك � ��ان ال� �ه ��دف م ��ن ذل � ��ك ،م �ح��اول��ة
(الواقعي) -بطبيعة الحال -لم يجد تسامحا من
120اجلوبة -خريف 1429هـ
كتابنا ال��واق�ع�ي��ون إل��ى ال��رم��ز ،ليحملوه أفكارهم وأي��دل��وج�ي��ات�ه��م ال�ت��ي ت�ت�ع��ارض ب�ح��ال م��ع السلطة السياسية. حرص سعد الدين وهبة على اختيار موضوعات
الحياة السياسية في تلك الفترة. ولد سعد الدين وهبة في 4فبراير عام 1952م بمدينة طلخا في محافظة الدقهلية ،وحصل على ليسانس الحقوق من كلية الشرطة ع��ام 1949م،
جادة لمسرحياته ،مثل صراع الطبقات االجتماعية، وم��ا ح��دث في نكسة ع��ام 1967م ،وفساد الحياة وليسانس ف��ي اآلداب قسم الفلسفة ،م��ن جامعة السياسية في مصر ،ورفض التطبيع مع إسرائيل .اإلسكندرية عام 1956م. ومع ذلك قدمها في قالب كوميدي ،حرص فيه على التشويق واإلث ��ارة ،واستخدم في ح��واره��ا العامية المصرية .وهو يعد أحد المثقفين البارزين ،وواحداً من أعظم كتاب المسرح العربي ،وأول رئيس للثقافة الجماهيرية في مصر ،كما أنه ظل رئيساً لمهرجان القاهرة السينمائي لمدة اثني عشر عاماً متصلة، كما كان رئيسا التحاد كتاب مصر ،وكتب الكثير من األفالم للسينما المصرية. ل��ق��د ع��ن��ى ف� ��ي م��س��رح��ه ب� �ت� �ن ��اول ال �ق �ض��اي��ا
ف�����������������������������������ن�����������������������������������ون
السلطة ،التي كانت معنية أساسا بالنقد ،لذا لجأ وسلبياتها ،وبخاصة هزيمة ع��ام 1967م وفساد
ع�م��ل ف��ي ال�ص�ح��اف��ة م�ن��ذ ت�خ��رج��ه ،ح�ت��ى عُين م��دي��را لتحرير ج��ري��دة الجمهورية ف��ي الفترة من ال �ع��ام 1958م وح �ت��ى ع ��ام 1964م ،وك��ات �ب �اً غير متفرغ بجريدة األه ��رام ،منذ ال�ع��ام 1992م ،كما أصبح رئيسا لمجلس إدارة الشركة العامة لإلنتاج السينمائي العربي ،ثم رئيسا لمجلس إدارة هيئة الفنون ،فوكيال لوزارة الثقافة للثقافة الجماهيرية، ثم سكرتيرا للمجلس األعلى لرعاية الفنون واآلداب،
السياسية ،والمشكالت الوطنية ،من خالل وجهة والوكيل األول لوزارة الثقافة ،ونائب الوزير في الفترة نظر معاصرة ،تعبر عنها مشاعر ونماذج إنسانية 1975م 1980 -م ،ثم رئيسا لمجلس إدارة صندوق
بسيطة ،ولكنها -في الوقت ذات��ه -بالغة العمق، فكانت تلك المسرحيات تمثل بداية جديدة ،لمرحلة تطور مهمة ،من مراحل تطور المسرح المصري المعاصر.
رعاية األدب��اء والفنانين .وق��د اختير سعد الدين وهبة نقيباً للسينمائيين في الفترة 1988 - 1979م، ورئيساً التحاد النقابات الفنية مرتين ،ورئيس اتحاد كتاب مصر ،ثم رئيساً لمهرجان القاهرة السينمائي
إذاً ،يمكن ع ّد سعد الدين وهبة واحدا من رموز النهضة المسرحية في الستينيات ،وهو بذلك ابن الدولي عام 1985م ،ثم رئيساً لالتحاد العام للفنانين ش��رع��ي ل �ث��ورة ي��ول�ي��و ،وم�ش��روع�ه��ا النهضوي فنياً العرب عام 1986م .وقد توفي في الحادي عشر من وثقافياً ،وم��ع ذل��ك ل��م يمنعه ه��ذا م��ن نقد الثورة نوفمبر عام 1997م. * كاتب من مصر.
اجلوبة -خريف 1429هـ 121
الكتاب :فتنة السؤال. الكاتب :سيد محمود. الناشر :املؤسسة العربية للدراسات والنشر -بيروت.
> كتب – عصام أبو زيد* ألن سيد محمود يحرر (فتنة السؤال) :شجرة حياة قاسم حداد تنمو باستمرار.
مزيج فريد وصنعةٍ جديدة أنجز الشاعر والصحافي المصري سيد محمود كتابه في ٍ (فتنة السؤال) من مجموعة حوارات أجريت مع الشاعر البحريني قاسم حداد على مدى عقود أربعة ،وص��د َر أخيراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت) في 245 صفحة. يقول سيد محمود :أقبلتُ على تحقيق فكرة هذا الكتاب ألسباب عدة ،في مقدمتها رغبتي في اقتران اسمي باسم قاسم حداد ،كشاعر له تجربته اإلنسانية والجمالية التي تستحق غواية اإلبحار فيها واكتشاف أسرارها عبر رواية صاحبها .وأذكر أن قاسماً قال لي بصراحته المعهودة ،يوم أن فاتحني بمشروع الكتاب ،أن صديقه األستاذ أحمد المناعي كان صاحب فكرة الكتاب منذ سنوات ،لكن األمر كان يتأخر ألسباب مختلفة ،أهمها أن قاسم لن يحسن إنجاز الكتاب بمفرده ،فجاء لي قاسم حداد بأوراقه ،وهي حصيلة كبيرة وغنية من الحوارات لكي أنتخب منها ما أريد .لقد ألقى عليّ بمسئولية كبيرة اتضحت لي وأنا أقلّب أوراق هذه الحوارات في مادتها األولية قبل أن أعمل في تحريرها لتنتهي إلى وضعها الحالي. وأضاف محمود :على الرغم من أن العمل على إنجاز هذا الكتاب جرى في زحام االنشغال اليومي بأمور العمل والحياة الشخصية ،إال أنني تفاديت خسارته وواصلت العمل فيه كلما تيسر لي الوقت وتدريجياً ،كنت أستشعر لذة االستمرار والمغامرة في تقليب أوراق من حياة قاسم حداد ،بدت لي أشبه بأوراق الشجر ،القابلة للنمو باستمرار ،والسيما أنها كانت تدفعني إلى قراءة أعمال الشاعر وكتبه كلها والتي لم تكن متاحة لي من قبل .ورغم أن حزناً ما أصابني حين انتهيتُ من تحرير المسودة األولى للكتاب -بسبب وصولي إلى نقطة النهاية -إال أن السعادة التي نقلها لي قاسم حداد قضتْ على هذا اإلحساس ،بعد أن أبلغني ارتياحه للصيغة التي اقترحتها .كما سعدت بالمالحظات التي دونها األستاذ أحمد المناعي على المسودة ،وكانت مليئة باإلشارات والتصويبات القيمة التي حرصتُ على االستفادة منها بأقصى ما أستطيع ،ال سيما أننا اتفقنا من دون قصد على تقييم الكثير من الحوارات التي شكلت اللبنة الحقيقية للكتاب ،كما اتفقنا على ضرورة تفادي الكثير من المادة األصلية ،إلى جانب ضرورة نشر فقرات مطولة من بعض الحوارات .وكان األستاذ المناعي هو صاحب فكرة نشر أسماء المحاورين إلى جوار أسئلتهم وعدم االكتفاء بنشر أسمائهم في ترويسة الكتاب ،حفاظا على حقوقهم المهنية .وتدريجياً.. تولدتْ فكرة الكتاب في صيغته المنشور بها ،والتي تبدو أقرب إلى «ورشة عمل» أو «مائدة مستديرة» مقامة حول 122اجلوبة -خريف 1429هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
تجربة الشاعر ،حيث قدم إجاباته على أسئلة الزمالء معظمها تساؤالت تدور حول تجربته النضالية وتجربة أصحاب الحوارات األصلية ،والذين أصبحوا في هذه االعتقال والسجن ،ورفضه فكرة كتابة مذكراته حتى اآلن ،إلى جانب تساؤالت أخرى تتناول عمله السياسي، التجربة مشاركين حقيقيين في إعداد المائدة. وال�م�ش��ارك��ة ف��ي تأسيس أس��رة ال�ك�ت��اب واألدب� ��اء في إيقاع السرد البحرين ،ورئاسة تحرير مجلة «كلمات» التي صدرتْ وأوضح محمود أنه لما كانت طبيعة العمل الصحافي عن األسرة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. تقتضي طرح تساؤالت عن أم��ور عامة وقضايا آنية، هذه كلها مسائل بدتْ لي الزمة لكي تكتمل معرفة فقد سمح لنفسه باستبعاد ه��ذا ال�ن��وع م��ن األسئلة القارئ بقاسم حداد ،الشاعر الذي أرى أن هذا الكتاب وإجاباتها ،إلى جانب تجنب كل ما هو عابر أو يتضمن ليس إال شرفة صغيرة تط ّل على حدائقه. تعليقات للشاعر حول أسماء معينة وردت في معرض اإلشادة بتجربته أو النيل منها .ويضيف :لما كان من نصوص جديدة الطبيعي أي�ض�اً أن تكرر على الشاعر أسئلة بعينها ويحتوي الكتاب أي�ض�اً على نصوص يتم نشرها ترتبط بتجارب نالت شهرة كبيرة ،وال سيما تجاربه في ألول مرة لقاسم حداد ،وتتجاور معها مقوالت لشعراء تأسيس موقع «جهة الشعر» ،أو أعماله المشتركة مع ومفكرين تنير المشهد وتجعل م��ن الكتاب نموذجاً أدباء وفنانين عديدين ،فقد كان من الضروري تجنب فريداً يدفع الناقد صبحي الحديدي في المقدمة التي التكرار ،والتركيز على اإلج��اب��ة األعمق التي تضمن اختص بها (فتنة السؤال) إلى التأكيد على أننا أمام للقارئ حقه في اإللمام الكامل بظروف التجربة قدر كتاب حوارات فريد في تركيبه ،ألربعة أسباب جوهرية، اإلمكان .كذلك حرصتُ على أن أضمن للقارئ فرصة بين أخرى ليست أق ّل أهمية: االسترسال مع إجابات الشاعر وتساؤالت المحاورين -1أ ّن صيغة الكتاب ال تقوم على تجميع ع��دد من حفاظا على إيقاع السرد قدر المستطاع .وقد آثرتُ ال �ح��وارات م��ع ال�م��ؤل��ف ،أج��راه��ا م �ح��اوِ ر واح��د؛ التدخل بشكل محدود ج��داً ،لكي أحافظ على الروح أو على سلسلة ح���وارات م�ع��ه ،بتوقيع ع��دد من التي تميز حواراً عن آخر ،بما يضمن انتماء كل فقرة المحاورين؛ بل هو ببساطة أقرب إلى حوار داخل لصاحبها .وكان هدفي من ذلك تفادي ثغرات في كتب الحوار ،يضيء مفهوم الحوار في ح ّد ذاته ،بقدر مماثلة حررها زمالء عن شعراء آخرين ،وكان نصها ما يدير حوارات (متبادلة ،وليست البتة في صيغة الكامل يقوم على ح��وارات صحفية ،بدت في القراءة سائل/مجيب فقط) بين قاسم حداد ومحاوريه. األخيرة تنتمي إليهم أكثر من انتمائها إلى أصحابها -2أن م��ادّة الكتاب تعتمد على انتخاب بالغ الدقة، األصليين. وعالي الحساسية ،لعدد من األسئلة التي جاءت وفي آخر مراحل إنجاز الكتاب ،قررتُ إجراء عملية في ح��وارات متغايرة السياقات متباينة األمكنة ترميم شاملة ،والتدخل بإضافة أسئلة جديدة أجاب واألزمنة ،جرى انتقاؤها وتبويبها في فصول مرنة عنها صاحب «ورش��ة األم��ل» بقلب مفتوح .وال أزعم ال�م��وض��وع��ات ،عريضة ال�ن�ط��اق ،ضمن منهجية أنها كانت أسئلة جديدة تماماً أو مبتكرة ،لكنها كانت ت�ك��ام�ل�ي��ة ،ت�ض�ف��ي ع�ل��ى ت �ع �دّد أص��وات �ه��ا تناغماً ثغرات أكدت لي أن الكتاب لن يكتمل دون ضرورية لس ّد ٍ أوركسترالياً رفيعاً. مقاربتها ،السيما أن الحوارات التي شكلت بذرة الكتاب ولبنته األولى لم تطرحها .ولع ّل السبب في ذلك يعود -3هذه التعددية في أصوات محاوِ ري قاسم حدّاد ال تقتصر على تباينهم في الرأي وتغاير اهتماماتهم إلى عدم حماسة الشاعر لإلجابة عنها دائماً ،وهي في
اجلوبة -خريف 1429هـ 123
وأول��وي��ات ما يبحثون عنه عند الشاعر فحسب ،بسيطة ،بل أصبح فضاء لألداء اإلبداعي والنقدي على ّ بل هم يتعددون أيضاً على أسس وظيفية تخص ح ّد س��واء ،وميداناً يتيح للمؤلف خالل زمن الحوار، موقع ك ّل منهم في سيرورة التأليف والكتابة؛ منهم على األق ّل أن يكون قائد أوركسترا لذاته بذاته .وهذا - الشاعر والروائي ،وبينهم الباحث ،وفيهم المفكّر ،في يقيني -ما يؤديه قاسم حداد على امتداد حوارات ال عن الصحافي .وليس هذا بالتفصيل العابر فض ً صفحات الكتاب ،ب َعوْن من محاورين ذوي مراس في إذا تفحّ ص المرء -بانتباه أكبر -مدى ما يدخله معرفة األورك�س�ت��را ،وأفضل طرائق اإلن�ص��ات إليها؛ موقع السائل من خصوصية على ال�س��ؤال ،وفي وتحرير ذك��يّ من سيّد محمود ،أح��د أفضل محرّري خاص. متابعة تفريعات السؤال على نحو ّ الصحافة الثقافية في العالم العربي. -4قد تبدو الفصول وكأنها ،للوهلة األولى ،تفصل بين ويؤكد حديدي أن ما أنجزه هذا الكتاب كثير وغنيّ موضوع وآخر وتصنّف األسئلة في نوع من التقسيم أو األقسام .لك ّن الحال ليست هكذا؛ أل ّن الفصل حول مفهوم الحوار بين طرفين عموماً ،وما ينطوي عليه األوّل مثالً ،المعنون «موسيقى الحديد الحزين» ،ذلك من ديناميات التقاء السائل بالمجيب ،والذات باآلخر، ّ يضم أسئلة حول القضايا التالية: (النص ،الكتابة والحوار األدبي بوصفه ممارسة من جانب الكاتب لمهنة ال لمسئولياتها وألعبائها .وال تكاد فقرة والحياة ،الشكّ ،والدة القصيدة ،البحث عن الوثوق ،الكتابة ،وتح ّم ً العمر ،تجربة السجن ،اليوميّ وأس�ط��رة الواقع، في هذه الحوارات تخلو من مواجهة قاسم حدّاد لهذه أو حضور ال��وع��ي ،العاطفة ،العقل ،لحظة الكتابة، تلك من القضايا التي تتطلّب رفع الصوت ،واضحاً عالياً الغموض في القصيدة ،الحدس والحلم ،ضمائر وصريحاً من جهة أولى ،وصادقاً نزيهاً مبدئياً من جهة النص ،الموت ،السيرة الذاتية ،الدور االجتماعي ّ ال ما يقوله حول مفهوم «خلجنة الثقافة»، للكاتب ،الشاعر والصحافة ،عالقات النثر والشعر ثانية .خذوا مث ً في الكتابة ،التنظير للشعر ،الهاجس القصصي ،إذ يقول بوجود مالمح خاصة للثقافة واألدب في الخليج: «أنا لستُ ض ّد المحلية أو الخصوصية ،أو ض ّد أن تكون القلق والقلق المطمئن ،العزلة.)... ويضيف ح��دي��دي :على ام �ت��داد ه��ذه المنتخبات لك ّل منطقة وبيئة جغرافية مالمحها الخاصة .هذا شيءٌ الحوارية ،يظ ّل قاسم حدّاد شاعراً أ ّوالً وثانياً وعاشراً ،متاحٌ ،وليس مذموماً باإلطالق ،لكنني ض ّد توظيف هذه قبل أن يبرهن على سويّة عالية من اليقظة والوعي األشياء توظيفاً سياسياً ،وتكريسها ألسباب ومصالح ّ والشجاعة وحس االنشقاق والصراحة والوضوح ،كما سياسية ،خصوصاً بعد إط�لاق فكرة مجلس التعاون يظ ّل في ممارسة ه��ذه السجايا كلّها :متماسكاً في الخليجي ،ون �ه��وض األوه� ��ام السياسية واإلق�ت�ص��ادي��ة اليقين ،عازفاً عن اإلطالق ،متواضعاً في الجزم ،بليغاً لمشاريع أعتقد أنها تهمل الجانب اإلنساني والحقوق في اإلفصاح ،ونزيهاً في الكشف عن خبايا الكيمياء اإلنسانية المشروعة في المنطقة ،وتركّز على صفات الشعرية التي يعتمدها في كتابة قصيدته. وخصائص تعزل منطقة الخليج عن غيرها من المناطق
خلجنة الثقافة
العربية .وأكثر من ذلك فإن البعض يبالغ ليس بوجود
وي��رى ح��دي��دي أن م��ا يقوله األدي��ب ع��ن نصوصه األدب الخليجي ،وإنما بوجود األدب اإلماراتي والبحريني وك�ت��اب��ات��ه وم �ق��اص��ده ل��م ي�ع��د م�ج��رد م�ح��ض محادثة والكويتي ...إلى آخره». * كاتب وناقد من مصر
124اجلوبة -خريف 1429هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :رسائل (راينر ريلكه -ماريو يوسا). ترجمة :أحمد املديني. الناشر :دار أزمنة -عمان -اإلردن.
> عبدالله العقيبي*
إلى شاعر ناشئ (ريلكة) ...إلى روائي ناشئ (يوسا) صدر في حزيران /يونيو 2005م عن دار أزمنة ،كتابان في طبعة واحدة ،تحمل الطبعة على غالفها صورتين متوازيتين ،األولى لـ (ريلكه) ،الشاعر الذي تقاسم هو و (غوته) عرش الشعر األلماني في القرن العشرين ،أما الصورة الثانية فكانت للروائي البيروفي (ماريو فرغاس يوسا) وهو من أهم روائيي أمريكا الالتينية ،وصاحب روايات رائعة كـ (وليمة التيس) و(مديح زوجة األب) وغيرها. الكتاب معنون بـ (رسائل ...راينر ماريا ريلكه إلى شاعر ناشئ ،ماريو فرغاس يوسا إلى روائي ناشئ) ترجمة الشاعر والقاص المغربي أحمد المديني. احتلت رسائل ريلكه إلى شاعر ناشئ الجزء األول من الكتاب ،وكان قد بدأها مع شاب ألماني عسكري اسمه (فرانز كرافر كابوس) في 17فبراير 1903م ،بعد رسالة أرسلها الشاب -الشاعر الناشئ – إلى ريلكه ،يطلب فيها من ريلكه رأيه في محاوالته الشعرية ،والتي أرفقها مع الرسالة، وهكذا بدأت مراسالت الشاب والشاعر ،لكن الكتاب ال يعرض إال رسائل ريلكه ،عشر رسائل متقطعة على مدى أربع سنوات ،كما هو واضح عبر رسالة ريلكه األخيرة ،والمؤرخة بـ (عيد الميالد 1908م)، نشرت الطبعة األلمانية لرسائل ريلكه في عام 1929م ،أي بعد رحيل الشاعر بـثالث سنوات فقط. ومن السطور األولى ألول رسالة من رسائل ريلكه ،نجده يبتعد بالشاب وبالقارئ عن تفاصيل أبيات وشكل قصيدة الشاب .يقول بعد أن يشكر الشاب على ثقته« :إنني ال استطيع وال أرغب في الدخول إلى تفاصيل الشكل في أبياتك ،إذ ليس االهتمام النقدي ديدني ،ثم إنه ليس أزعج من كلمات النقد لفهم عمل فني ،إنها ال تؤدي سوى إلى ضروب من سوء التفاهم» ..هكذا يحلق ريلكه بعيداً ،ولكن باالتجاه العكسي ..سيكون التحليق من اآلن وإلى آخر رسالة تحليقاً إلى الداخل، وستبدأ األسئلة. إن ريلكه في رسائلة يسأل الشاب أكثر من أن يجيب على أسئلته ،يسأله عن كل شيء ،أسئلة
اجلوبة -خريف 1429هـ 125
من قبيل «اسأل نفسك هل ستموت لو منعت من ريلكه األمر الذي يؤرق المبدع على ال��دوام ،وال الكتابة؟»« ،هل أنا مرغم حقاً على أن أكتب؟» .سيما ال�ش��اع��ر؛ سيحدث الشاعر الناشئ عن
وهكذا يشير في مجمل رسائله إل��ى ش��يء في ال��وح��دة واإلح �س��اس بالبعد ،وال��رغ�ب��ة ب��ه لدى الداخل ،ويأخذ بيد الشاب نحو ذاته ،يأخذه نحو المبدع ..يقول« :أيها السيد العزيز ،أحب وحدتك
النمو وفق قوانينه ،يطلب منه أن ينمو كشجرة ..وتحمل وزرها :ولتكن الشكوى التي تلحقك منها
وأال يهتم بالزمن .يقول« :إن الزمن هنا ليس ب��رداً وس�لام�اً عليك ،ت�ق��ول :إن األقربين إليك مقياساً .إن سنة واحدة ال تحسب ،وعشر سنوات بعيدون عنك؛ اعلم أن فضاء يتكون حولك .وإذا
ليست ذات بال».
ما بدا لك كل قريب بعيداً ،فألن هذا الفضاء
وبين رسالة وأخرى ،يعتذر ريلكه للشاب عن يقارب النجوم ،إنه جد فسيح ،فاستمتع بمشيتك عدم قدرته على الكتابة بشكل مستمر ،ويأسف إلى األمام ،فال أحد قادر أن يتبعك ،وكن طيباً مع على تأخره في ال��رد – أحياناً لشهور – ويعلل من هم وراءك ،واثقاً من نفسك ،هادئاً أمامهم، ذل��ك ب��أن��ه يجهد ك�ث�ي��راً م��ن ال�ك�ت��اب��ة ،فهو لكي وال ت��دوخ�ه��م بشكوكك ،وال ترعبهم بإيمانك،
يكتب – يقول -يجب أن يكون في حالة تماهٍ أو بحماسك ،إنهم ل��ن يستطيعوا فهمك ،وح��اول غياب ،وهذه الحالة تصور مستوى الكتابة لدى التواصل معهم فيما هو بسيط وصادق». الشاعر ،وترسل رسالة ضمنية بمدى صعوبة األمر (الكتابة).
لكن األمر المفاجئ لقارئ رسائل ريلكه ،هو
مالحظة المترجم في نهاية الرسالة العاشرة
يتحدث ريلكه عن اللحظة اإلبداعية ،ومدى واألخيرة :إن الســــــيد (كابوس) رغم محاوالته صعوبة انتظارها «انتظر بأناة ساعة والدة بريق الشعرية ،لم يصبح شاعراً ،إنما بقي في مهنته جديد ،فالفن يتطلب من المخلصين إليه قدر ما العسكرية وارتاح لذلك. يبتغيه المبدعون».
وهكذا على م��دى أرب��ع س�ن��وات ،وم��ن أماكن
وعن النقد يكتب له« :اقرأ أقل ما يمكن من كثيرة في أوروبا (باريس/السويد/روما )...والتي الكتب النقدية ...إن األعمال الفنية ذات وحدة أرسل منها ريلكه رسائله لكل الشعراء الناشئين، متناهية ،ول�ي��س أن�ك��ى م��ن ال�ن�ق��د لمعالجتها ،اجتمع لدينا ك�ت��اب ليس باستطاعته صناعة المستحيل – بأن يصنع شاعراً – لكن باستطاعته والمحبة وحدها ما يسمح باستيعابها». وكذلك عن الضرورة والحزن واألمل ،يتحدث
ريلكه عبر رسائله لـ (كابوس) عن اليأس /الله/ اليقين /الطفولة /الشك« :أفضل ما يمكن أن
أن يأخذ بيد الشاعر الناشئ ،ويرشده إلى منابت
الشعر بداخله.
أما الجزء الثاني من هذه الطبعة الرائعة فهو
نفعل ه��و أن نكف ع��ن مقاومته ،كما ال تقاوم ال��ذي يخص ال��روائ��ي ال�ن��اش��ئ ،وواض ��ح م��ن أن ماريوفرغاس يوسا لم يراسل روائياً ناشئاً؛ بل إن األرض الربيع عند قدومه». المرسل إليه في هذا الجزء ،هو قارئ افتراضي، وفي نهاية الجزء األول لهذه الطبعة ،سيطرق 126اجلوبة -خريف 1429هـ
لعرض رؤاه حول فن الرواية .وبجمع الكتابين في ذلك يقول :كنَّ يبتلعن ال��دودة الوحيدة (التبنيا)
طبعة واح��دة إيحاء من الناشر بأن يوسا -بما ويعانين جراء ذلك ،يأكلن من أجل الدودة؛ لكي ال أن��ه هو المتأخر -قد استحسن طريقة ريلكة تبدأ في أكل أحشائهن ،بذلك يصف حال المبدع العفوية ،أو البسيطة في الطرح .وبنظرة ماسحة الذي «ال يكتب ليعيش بل يعيش ليكتب».
لعناوين هذا الجزء ،يالحظ أن يوسا قد وضع لكل رسالة عنواناً خاصاً ،ما يؤكد أنه ليس ثمة
مرسل إليه حقيقي ،بل هي التقنية المتبعة ،كما
(الغول)
ق�������������������������������������������������������������راءات
أي أن يوسا استخدم أسلوب المراسلة ،كتقنية ورغبتهن ف��ي ال�ت�ح��ول إل��ى رش�ي�ق��ات ،م��ن أجل
ويتعرض يوسا في الفصل المعنون بـ (الغول)،
أن الرسائل بال تاريخ وال مكان إرسال ،وستكون لإلجابة عن س��ؤال بالغ األهمية ،وهو «من أين كلها مفتتحة ب �ـ «إل ��ى ص��دي�ق��ي ال �ع��زي��ز»« ،أي ت��أت��ي القصص ال�ت��ي ترويها ال ��رواي ��ات؟» ،ومن صديقي»« ،أيها الصديق العزيز» وهكذا .وفيما خ�لال ه��ذا ال�س��ؤال يدلف إل��ى أهمية التجربة – الخبرة -وي�ع��رض ف��ي ه��ذه ال��رس��ال��ة لرواية يلي سأعرض ألهم هذه الرسائل: (فلوبير) «غ��واي��ة القديس أن �ط��وان «– وس��وف
(حكمة الدودة الوحيدة)
يفعل ذلك كثيراً في رسائله الالحقة ،سيتعرض
ف��ي ب��داي��ة ال��رس��ال��ة األول ��ى (ح�ك�م��ة ال ��دودة ل�ن�م��اذج كثيرة م��ن ال��رواي��ات العالمية -حيث
ال��وح��ي��دة) ،ي �ح��اول ي��وس��ا ت �ب��ري��ر ال ��داع ��ي من ال�غ��ول ذل��ك المخلوق األس �ط��وري ،ال��ذي يلتهم وراء رسائله ،موجها حديثه إل��ى المرسل إليه نفسه بنفسه بدءاً بقدميه .ويخبرنا بأن التراكم (ال��روائ��ي الناشئ) «الصديق العزيز» ،وم��ن ثم الالنهائي لحياة الكاتب مع ذلك الجذر الذي هو
ينطلق إلى السؤال األهم (الكتابة) ،لماذا الكتابة أساس موهبة الروائي ،هما السبب السري وراء
«التخييل؟ «لماذا المبدع – الروائي هنا – في القصص التي يخترعها الروائي. مواز حاجة إلى الخيال ،ما حاجته لصنع عالم ٍ للعالم الحقيقي؟ ما ج��دوى ذل��ك؟ ثم يجيب بـ
«إن التخييل وه��م ينطوي على حقيقة عميقة،
(سلطة اإلقناع) يقول في (سلطة اإلقناع)« :إن سلطة اإلقناع
إنها الحياة التي لم تتم لرجال ونساء في حقبة للرواية تخضع تماماً للنقيض من هذه الفكرة: معينة ،رغبوا فيها دون الحصول عليها ،ومن هنا إنها تقوم على تقليص المسافة بين التخييل إحساسهم بضرورة ابتداعها .إنها ليست صورة والواقع ،ومحو هذا الحد ،وجعل القارئ يعيش التاريخ ،بل باألحرى قفاه ،ظهر العملة« ..نحو هذا الوهم ،كما لو أنه الحقيقة التي ال تتبدل». ذلك يتحدث يوسا ،وأكثر من ذلك يقول إنه ال
يمكن حدوث ذلك للمبدع ما لم يعتنق األدب ،ثم يستشهد بقصة دالة عن مدى اعتناق المبادئ؛
وه��ي قصة بعض بدينات القرن التاسع عشر،
(األسلوب) ي��دخ��ل ف��ي ال��رس��ال��ة ال �ت��ال �ي��ة م �ب��اش��رة إل��ى
(األس �ل��وب)« :المقوم األس��اس للشكل ال��روائ��ي
«كما يقول ،ويبحر يوسا نحو عدة تجارب روائية،
اجلوبة -خريف 1429هـ 127
ويالحظ أن هذه التجارب أقنعت القارئ بأنها ال يمكن أن تروى إال بهذه الطريقة (األسلوب)،
وه��ذا مالحظ ف��ي ال��رواي��ات العالمية الكبيرة بشكل كبير ،ثم يضع قاعدة مهمة« :ال روائ��ي
بدون أسلوب منسجم وض��روري ،وأنت تريد أن
تصبح روائياً ،فعليك أن تبحث وتجد أسلوبك».
(السرد والفضاء)
ذا قيمة عظيمة ،لينفذ إل��ى العالم وإل��ى صنع مؤلف ...يقول :إن النقد تمرين للعقل والذكاء، أما اإلبداع األدبي ،فعالوة على هذه العوامل ،فإنه يدخل بكيفية حاسمة أحياناً عناصر :الحدس/ الحساسية /التخمين ،بل والصدفة التي تفلت دائماً من الشباك األكثر رفاعة للبحث النقدي؛ لهذا من المستحيل أن نعلم أح��داً كيف يبدع،
وفي رسالة (السرد والفضاء) يعدد:
وأقوى ما نستطيع هو تعليمه القراءة والكتابة،
-1سارد – شخصية -2 .سارد – عليم.
أما الباقي فكل واحد يتعلمه بنفسه ،وهو يتعثر
-3سارد – ملتبس. وف��ي ه��ذا الفصل سيستشهد كثيراً بالتجارب ال��روائ�ي��ة ،وستتضح عبقرية هائلة ل��دى ماريو
ويسقط وينهض من جـــــــديد بال انقطاع». وأخيراً يختم بطلبه من الصديق العزيز أن ينسى كل ما قرأه عن الشكل الروائي ،وأن يعكف
ف��رغ��اس ي��وس��ا ،ف��ي ال �ق��درة على كشف خ��داع مرة واحدة على كتابة الروايات. السارد في رواي��ات كثيرة مثل( :موبي دي��ك) –
(دون كيخوته) – (ال �ب��ؤس��اء) ...وغ�ي��ره��ا ،كما
سيكشف في هذه الرسالة عن لعبة الزمن .ثم سيخص رس��ال��ة أخ��رى خاصة بالزمن ،ويتكلم
فيها عن المماثلة الغريبة بين الزمن الحقيقي
وزم��ن التخييل .وس�ت�ك��ون رس��ال��ة (ال��زم��ن) من أطول رسائله.
وبعد عرض هذه الطبعة الرائعة من دار أزمنة، والتي تحمل في صفحاتها الـ ( )154الكثير مما يحتاجه المبدع ،بل ما هو في أمس الحاجة إليه، بقي اإلشارة إلى أن أهمية هذا الطبعة ال تكمن في روعة الفكرة ،أو سهولة الطرح لموضوع من أعقد الموضوعات – لماذا يكتب الشاعر أو الروائي؟! فقط ،بل أهميتها تعود ألهمية الكاتبين كل في
أم��ا الرسائل التالية فستكون على التوالي: (مستوى الحقيقة /التحوالت والقفزة النوعية /مضماره؛ وع�لاوة على ِذل��ك مرحلة النضج لدى الصندوق الصيني /العنصر الخفي /األوعية االثنين ،فريلكه ويوسا ،كالهما كتب رسائله في المتواصلة)
ومن ثم سيختم برسالة قصيرة بالغة األهمية،
يودع يوسا فيها الروائي االفتراضي ،ويخبره بأنه
أه��م مراحله؛ إنها مرحلة النضج .وه��ذا ال يعني طبعاً أنهما قاال كل ما يمكن قوله .إنما هي دعوة مفتوحة ل�ق��راءة رأيين مهمين ،األول ك��ان لراينر
ال يريد القول بأن النقد عبث وبال جدوى «كال ،ماريا ريلكه (1926 - 1875م) في الشعر ،والثاني
أبداً ،على العكس ..فالنقد يمكن أن يكون مرشداً لماريو فرغاس يوسا (1936م )...-في الرواية. * كاتب وناقد من السعودية
128اجلوبة -خريف 1429هـ