مجلة المستقل-العدد التاسع عشر

Page 1

‫في الطريـــق إلى‬ ‫طرابلـــــس‬ ‫السنة األولى ‪ -‬العدد التاسع عشر ‪ -‬األحد ‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬ ‫سياسية أسبوعية شاملة‬

‫مهمة وطنيـ ـ ـ ـ ــة ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاجلة!‬ ‫ّ‬

‫التغيير‪ ..‬مجرد لعبة انتخابية!‬ ‫إيرادا‬

‫خصصة لذو‬

‫يا‬ ‫الحت‬ ‫ياجا‬

‫ت‬

‫صة‬ ‫لخا‬ ‫ا‬

‫عد‬

‫خصصة لذوي ا‬ ‫دم‬ ‫الحت‬

‫ي‬ ‫اجا‬

‫ت‬

‫إي‬ ‫ال رادا‬ ‫ت‬ ‫لذ عدد مخ هذا‬ ‫ص‬ ‫وي‬ ‫االحتي صة‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫لخاصة جات‬

‫دم‬ ‫عد‬ ‫ل‬

‫صة‬ ‫لخا‬ ‫ا‬

‫ته‬ ‫ذا ا‬

‫إيرا‬

‫دا ت‬

‫هذا‬

‫ال‬

‫الوصاية على عوائد النفط‪:‬‬

‫السيناريو األسود‬


‫‪02‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬


‫‪03‬‬

‫‪‎‬داعشيات‬

‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬


‫‪04‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫احملتويات‬

‫‪www.almostaqil.com‬‬

‫‪19‬‬

‫في هذا العدد‬

‫‪06‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪40‬‬

‫مهمة وطنية عاجلة!‬

‫أين تلتقي مصلحة اإلرهابيني ومصلحة الدول التي تطمع‬ ‫في فرض الوصاية على ليبيا؟ ما عالقة سيطرة داعش على‬ ‫ومتددها مبصادرة املستقبل السياسي واالقتصادي‬ ‫سرت ّ‬ ‫لليبيا؟ على هذا السؤال يجيب حسن طاطاناكي في مقاله‬ ‫األسبوعي‪.‬‬

‫السيناريو األسود‬

‫ليبيا صرفت ‪ 56.9‬مليار دوالر من احتياطي النقد‬ ‫األجنبي في أقل من عامني‪ ..‬ولكن ليس الهدر أو اإلسراف‬ ‫يسرع هذه الوتيرة‪..‬‬ ‫أو عدم التخطيط فحسب هو الذي ّ‬ ‫قبل عليه ليبيا يتمثّ ل في معادلة‬ ‫إنه سيناريو كارثي ُت ِ‬ ‫النفط في مقابل الغذاء‪.‬‬

‫سياسية أسبوعية شاملة‬

‫رئيس مجلس اإلدارة‬

‫حسن طاطاناگي‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫عبداملنعم احملجوب‬ ‫مدير التحرير‬

‫حسن الفيتوري‬ ‫املدير الفني‬

‫سامح الكاشف‬

‫هيئة التحرير‬ ‫مرمي عبدالله‬ ‫إياد بن علي‬ ‫علي خويلد‬ ‫منصور عمارة‬ ‫عبداحلكيم الورفلي‬ ‫الشؤون اإلدارية‬

‫طارق مصباح علي‬ ‫تصدر عن‪:‬‬

‫املنظمة الليبية للصحافة‬ ‫وحيادية املعلومات‬ ‫تنفيذ‪:‬‬ ‫دار تانيت للنشر والدراسات‬

‫تعبر آراء الكتّ اب بالضرورة عن وجهة‬ ‫ال ّ‬ ‫نظر املجلة‬

‫حكايات من زمن فبراير‬

‫كان صوت الرصاص يئزّ في أذني ولم أذق طعم النوم‬ ‫تلك الليلة‪ ..‬جتولت في الصباح وكانت رائحة القنابل‬ ‫املسيلة للدموع وحرائق اإلطارات متأل املكان‪ ..‬مختار‬ ‫اجلدال يواصل سرد ذكريات األيام التي اشتعلت فيها‬ ‫ليبيا ولم تنطفئ بعد‪.‬‬

‫ربيع يقصم زهور نسائه‬

‫الشاعرة والكاتبة خديجة الصادق بسيكري‬ ‫تلتحق بركب كتاب املستقل‪ ،‬وتخص املجلة مبقالة‬ ‫تناقش فيها تراجع الدور السياسي للمرأة الليبية‪،‬‬ ‫وقضية التهميش‪.‬‬

‫التغيير مجرد لعبة انتخابية‬

‫يناقش الكاتب عبدالواحد حركات مفهوم التغيير على‬ ‫ردده‬ ‫الطريقة األمريكية مبين ًا باخلصوص أن التغيير الذي ّ‬ ‫أوباما طوال فترة ترشحه لم حتدد له سمة أو ترسم له حدود‬ ‫وخارطة‪ .‬الكاتب يتوقع في حال فوز املرشح جيب بوش‬ ‫بالرئاسة أن ‪ ‬تتحول السياسة األمريكية إلى ترميم عالقتها‬ ‫مع الدول األوروبية‪ ،‬و‪ ..‬جتديد العداء مع الصني‪.‬‬

‫كلمة السر «باب المندب»‬

‫يتوقف الكاتب براء اخلطيب في هذه احللقة عند‬ ‫محطة هامة في حرب اليمن‪ ،‬ويحاول اإلجابة‬ ‫عن السؤال القدمي املتجدد‪ :‬هل كانت لدى مصر‬ ‫رؤية إستراتيجية قبل إرسال جنودها إلى اليمن‬ ‫ومساندة ثورة السالل؟!‬

‫املكتب الرئيسي ‪ -‬طبرق‪ :‬املكتب اإلعالمي مبجلس النواب‪ .‬هاتف‪ - 0925242135 – 0925783941 :‬مكتب القاهرة ‪ -‬مساكن شيراتون‪،‬‬ ‫مربع ‪ ،1177‬عمارة ‪ ،3‬مقابل األكادميية العربية للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬هاتف‪ - 0222679219 :‬مكتب طرابلس‪ :‬زاوية الدهماني‪ ،‬بالقرب من وزارة‬ ‫اخلارجية ‪ -‬مكتب تونس‪ :‬الفاييت‪ 35 ،‬نهج مصر‪ ،‬تونس‪ ،‬هاتف‪ - 21902022 :‬مكتب املغرب‪ 69 :‬شارع الوحدة االفريقية‪ ،‬هاتف‪662869513 :‬‬


‫‪44‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪80‬‬

‫قبائل الشرق األوسط الجديد؟‬

‫هل أصبحت القبيلة هي البديل عن الكيانات‬ ‫السياسية املنهارة في العراق وليبيا وسوريا واليمن‪،‬‬ ‫بعد أن برز للعيان أن ما تشهده هذه البلدان من‬ ‫أزمات داخلية حادة قوض جذري ًا البناء املركزي‬ ‫للدولة؟‬ ‫ ‬

‫المناعة المجتمعية وتجفيف منابع الفساد‬

‫من أخطر الظواهر السلبية في مجتمعاتنا ظاهرة‬ ‫استشراء الفساد في مؤسساتنا وأجهزتنا املتعددة‪،‬‬ ‫الدكتور محمد الساعدي يرى أن احلل األمثل هو‬ ‫جتفيف املنابع وإعادة ترتيب املعطيات ومساءلة‬ ‫األصول‪.‬‬

‫هيروشيما في قصيدة شعبية ليبية‬

‫الشاعر الليبي حمد باحلمد نقل مأساة هيروشيما في قصيدة‬ ‫شد‬ ‫شعبية ميتد عمرها ألكثر من خمسني عاما ‪ ..‬فما الذي ّ‬ ‫انتباه الكاتب الصديق بودوارة في تلك القصيدة‪ .‬ذ‬

‫الشعر المحكي ال صاحب له‬

‫الزميل علي خويلد يلتقي في تونس بالشاعر‬ ‫محمد الدنقلي‪ ،‬ويجري معه حوار ًا مكثف ًا ال يخلو‬ ‫من اإلجابات الذكية والصادمة‪.‬‬

‫على سطح األرض‬ ‫في الطريق إلى طرابلس‬

‫اجلزء األول من مذكرات هنري إس‪ .‬فيالر‪ ..‬أول‬ ‫سفير أمريكي في ليبيا عندما كان سكانها يعانون‬ ‫من وطأة احلياة البائسة‪ ،‬وبعد أن ان نصف مساحة‬ ‫بالدهم مسرحا للمعارك في حروب ال عالقة لهم‬ ‫بها‪.‬‬

‫ساللة باتوس وانتقام فرتيما‬

‫لم تأب األساطير اليونانية إال بالتمازج مع ليبيا‬ ‫لتشارك اليونان في أساطيرها‪ ..‬لقد عشق اليونانيون‬ ‫بالدنا جلمالها واخضرار مراعيها ومياهها العذبة‬ ‫رغم ًا من تعدد جزرهم واخضرار أراضي بالدهم‪ ،‬هنا‬ ‫حكاية استيطانهم وقصة نشأة املدن اخلمس‪.‬‬

‫األسعار‪:‬‬

‫‪98‬‬

‫في مونولوج استعالئي يعتقد‬ ‫بطل قصة «بالد العميان» أنه‬ ‫هبة مرسلة من السماء‪ ،‬هكذا كان‬ ‫حتويل القرية إلى مملكة خاصة‬ ‫به أول األفكار التي تراوده‪ ،‬إنه ال‬ ‫يكتفي مبداهمة عزلة السكان‪،‬‬ ‫بل ويقرر منذ البدء أن يقفز‬ ‫إلى النتيجة التي تؤكد تفوقه‬ ‫وفرادته‪ :‬احلكم‪.‬‬

‫ليبيا‪ 4 :‬دينار‪ ،‬مصر‪ 5 :‬جنيهات‪ ،‬البحرين‪ 0.8 :‬دينار‪ ،‬املغرب ‪ 27‬درهم‪ ،‬تونس‪ 3.75 :‬دينار‪ ،‬رام الله‪ 1.85 :‬دوالر‪،‬‬ ‫لندن‪ 1.5 :‬جنيه استرليني‪.‬‬


‫‪06‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ليبيا أو ًال ‪..‬ودائما‬

‫بقلم‪ :‬حسن طاطاناكي‬

‫جبهات متعدّدة لمعركة واحدة‪:‬‬

‫مهمة وطنية عاجلة‬ ‫ّ‬ ‫ومتددها إلى اجلفرة وبحثها عن مناطق‬ ‫سيطرة داعش على سرت‬ ‫ّ‬ ‫نفوذ قريبة مع تفعيلها للجيوب الكامنة في املناطق املجاورة جتعل‬ ‫اجلميع من ليبيني وغيرهم ينتبهون إلى حجم الكارثة التي حتيط‬ ‫بليبيا‪ ،‬ودول اجلوار‪ ،‬والعالم بأكمله‪.‬‬ ‫إن فلول داع��ش والقاعدة واملقاتلة قد استغلوا حالة الفوضى‬ ‫ليؤسسوا ألنفسهم وك��راً من أوك��ار اإلرهاب‬ ‫السياسية في ليبيا‬ ‫ّ‬ ‫في العالم‪ ،‬حتت حماية بعض احلكومات التي تريد أن مت ّكن هذه‬ ‫اجلماعات اإلرهابية من إع��ادة تشكيل نفسها على أرض ليبيا‪،‬‬ ‫واستخدامها قاعد ًة لها لالنطالق إلى الدول املجاورة في إفريقيا‬ ‫وأوروبا‪.‬‬ ‫التصدي لهذه الظاهرة التي ته ّدد اجلميع‪ ،‬عمدت‬ ‫ولكن بدالً من‬ ‫ّ‬ ‫أط��راف دولية إل��ى افتعال مشاريع أخ��رى الغرض منها تأجيج‬ ‫األزم��ات في ليبيا وإجهاض محاوالت اخل��روج بحلول مناسبة‪،‬‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫> عدم تسليح اجليش الليبي الذي يأمتر باملمثل الشرعي الوحيد‬ ‫وهو مجلس النواب‪.‬‬ ‫> تسليط الضوء على احل��وار الوهمي‪ ،‬وإقحام أكبر ع��دد من‬ ‫السياسيني الليبيني فيه‪ ،‬وتهديدهم في حالة االنسحاب منه‪.‬‬ ‫> الدفع باجتاه املزيد من ت��أزمي الوضع القائم جلّ��ر ليبيا إلى‬ ‫معادلة النفط والغذاء‪ ،‬وتكرار جتربة العراق في شمال إفريقيا‪.‬‬ ‫وأمام هذا املخطط الذي يستهدف القضاء نهائياً على إمكانية‬ ‫بناء ال��دول��ة يتوجب على جميع الليبيني اآلن أن يطرحوا على‬ ‫أنفسهم األسئلة التالية‪:‬‬

‫> من هو املستفيد من عدم تسليح اجليش الليبي؟ ومن يخشى‬ ‫حتقيق اجليش النتصار نهائي في معركته ضد اإلره��اب؟ إنهم‬ ‫اإلرهابيون قطعاً وحماتهم ورعاة تغلغلهم في املجتمع‪.‬‬ ‫التمسك ب��احل��وار الوهمي؟ إنهم اإلخ��وان‬ ‫> م��ن املستفيد م��ن‬ ‫ّ‬ ‫املسلمون رعاة اإلرهابيني الذين م ّهدوا لهم الطريق للتغلغل في‬ ‫املجتمع الليبي ونشر جيوب اإلرهاب مبختلف مسمياتها‪.‬‬ ‫> من املستفيد من تأزمي الوضع القائم أكثر مما هو متأزّم؟ إنهم‬ ‫الذين يعملون على متكني اإلرهابيني من تثبيت موطأ قدمهم بقوة‪،‬‬ ‫وذلك حتى يتم فرض الوصاية على ليبيا ومبوافقة دولية‪ ،‬والهدف‬ ‫النهائي هو إيصال البالد إلى القبول مبعادلة النفط مقابل الغذاء‪،‬‬ ‫أي تكرار جتربة العراق التي أثبتت جدواها للدول الغازية حتى‬ ‫اآلن بالرغم من مأساة الشعب العراقي التي حتدث يومياً وعلى‬ ‫مرأى ومسمع العالم أجمع‪.‬‬ ‫بهذا الشكل – أيها السادة – تلتقي مصلحة اجلماعات اإلرهابية‬ ‫مع مصلحة الدول التي تعرقل بناء الدولة الليبية وتثبيت كيانها‬ ‫ال�ش��رع��ي املنتخب‪ ،‬ال للسيطرة على حكم ليبيا فحسب‪ ،‬بل‬ ‫يعد املصدر الوحيد الذي يغذي االقتصاد‬ ‫وملصادرة النفط الذي ّ‬ ‫الليبي‪.‬‬ ‫إن املوقف الصحيح للخروج من هذه الدائرة املفتعلة يتمثل في‬ ‫خطوات مح ّددة يجب اإلصرار على إجنازها والعمل على تفعيلها‬ ‫وإجناحها‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫> العمل على تسليح اجليش الليبي بكل اإلمكانيات املتاحة‪ ،‬شاء‬ ‫م��ن ش��اء وأب��ى م��ن أب��ى‪ ،‬وذل��ك حتى يتمكن م��ن إجن��از انتصاره‬


‫النهائي على فلول اجلماعات اإلرهابية‪.‬‬ ‫> قطع الطريق على محاولة متييع القضية الليبية بتحويلها إلى‬ ‫حوار غير متكافئ أص ً‬ ‫ال‪ ،‬وعدم تطبيع العالقة مع رعاة اإلخوان‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وإيقاف مشاريعهم التدميرية‪.‬‬ ‫> االن�ت�ب��اه إل��ى خطر ت�ك��رار جت��رب��ة ال �ع��راق م��ن خ�لال القبول‬ ‫التدريجي مبعادلة النفط والغذاء‪.‬‬ ‫إن اخلطوة الضرورية في هذا الوقت العصيب هي محاكمة جميع‬ ‫من ساهم أو ش��ارك أو م ّهد الطريق أم��ام اجلماعات اإلرهابية‪،‬‬ ‫ونصبوا أنفسهم‬ ‫وعلى رأسهم اإلخوان الذين انقلبوا على الشرعية ّ‬ ‫بأنفسهم بعد أن عملوا على تكوين أذرع عسكرية تتحالف مع فلول‬ ‫القاعدة وداعش واملقاتلة‪.‬‬ ‫إن الشعب الليبي يح ّمل املسؤولية جلميع األط��راف التي ساهمت‬ ‫أو شاركت أو م ّهدت لهذه اجليوب اإلرهابية من االنتشار في مدن‬ ‫وق��رى البالد‪ ،‬س��واء كانت ه��ذه األط��راف من الليبيني أو غيرهم‪،‬‬ ‫وسواء كانوا من األفراد أو من الكيانات السياسية‪ ،‬كالسفارات وبعض‬ ‫محددة تدعمها الشواهد‬ ‫احلكومات‪ ،‬وقد حان الوقت لرفع قضايا‬ ‫ّ‬ ‫والقرائن واألدلة أمام الهيئات الدولية للقصاص من هؤالء العابثني‬ ‫بأمن ليبيا‪ ،‬واملسؤولني عن استخدامها كبؤرة للظواهر اإلرهابية التي‬ ‫تهدد أمن املنطقة والعالم‪ ،‬وتسعى من أجل مصادرة مستقبل الليبيني‬ ‫ّ‬ ‫جميعاً بفرض الوصاية عليهم والتحكم في ثرواتهم بحجة وضع حد‬ ‫لـ»احلرب األهلية»‪ ،‬بينما نعرف جميعاً أن ما يحدث في ليبيا ال عالقة‬ ‫بأي شكل من األشكال باحلرب األهلية‪ ،‬ألنه أوالً وأخيراً حرب على‬ ‫اإلرهاب يقوم بها الليبيون نيابة عن جيرانهم ونيابة عن العالم أجمع‪.‬‬

‫إن من ي��ر ّدد اسطوانة «احل��رب األهلية» إم��ا أن يكون أعمى ال‬ ‫يستطيع رؤية ما يحدث أمامه وغير قادر على التفرقة بني أطراف‬ ‫ّ‬ ‫مخطط الوصاية على ليبيا ومصادرة حقها‬ ‫النزاع‪ ،‬وإما أنه يتبنى‬ ‫في بناء دولة مدنية دميقراطية‪ ..‬ال توجد منطقة وسطى بني هذين‬ ‫الطرفني‪.‬‬ ‫ال ميكن ألح��د أن يحجب احلقيقة‪ ..‬وامل�ع��رك��ة املصيرية التي‬ ‫يخوضها اجليش ومن خلفه الشعب ضد اإلرهابيني لن يستطيع‬ ‫أي كان أن يلتف عليها أو يقلّل من أهميتها وضرورتها‪ ..‬أو حتى‬ ‫ّ‬ ‫أن يحصرها في اجلانب العسكري امليداني فقط‪ ،‬فاملعركة شاملة‬ ‫وتقتضي استنفار كافة اإلمكانيات حتى يُختصر زمنها‪ ،‬ليتف ّرغ‬ ‫بعدها الشعب ملشروع التنمية املستدامة الذي كان وما زال أحد‬ ‫مطالبه األساسية‪.‬‬ ‫أيها السادة‪..‬‬ ‫إن اجلبهات متعددة – عسكري ًا وسياسي ًا وقانوني ًا – ولكن‬ ‫امل��ع��رك��ة واح����دة‪ ،‬وال سبيل أم��ام��ن��ا إال التنسيق ب�ين هذه‬ ‫اجلبهات إلح��راز النصر على جيوب اإلره��اب التي تتغذى‬ ‫م��ن م��ص��ادر خ��ارج��ي��ة ل����دول ت��ري��د أن ت��ف��رض أج��ن��دات��ه��ا‬ ‫ومخططاتها ولو كان ذلك على جثث الليبيني جميع ًا‪.‬‬ ‫إن املعركة القانونية ال تقل أهمية عن املعركة العسكرية‬ ‫���رف‬ ‫وامل���ع���رك���ة ال��س��ي��اس��ي��ة‪ ،‬وب���اإلم���ك���ان خ��وض��ه��ا ف���ي ظ ٍ‬ ‫توحد القانونيني ورج��ال القضاء والنشطاء‬ ‫قياسي متى‬ ‫ّ‬ ‫احل��ق��وق��ي�ين‪ ،‬وس ّ‬ ‫���خ���روا ج���ل وق��ت��ه��م وج��ه��وده��م للمهمة‬ ‫الوطنية العاجلة‪.‬‬


‫‪08‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ليبيا في صحافة األسبوع‬

‫«داعش» قد يحول ليبيا قاعدة لهجماته‬ ‫واشنطن بوست ‪:‬‬ ‫ح��ذرت صحيفة «واشنطن بوست» من أن تشكل‬ ‫ليبيا أرضاً خصبة لتنظيم «داعش»‪ ،‬ومقرا النطالق‬ ‫هجماته على مناطق أخرى في الشمال اإلفريقي‪.‬‬ ‫وأشارت الصحيفة إلى أن توسع تنظيم «داعش»‬ ‫ف��ي ليبيا ق��د ي ��ؤدي إل��ى تفجر األوض���اع أكثر‬ ‫مما عليه اآلن‪ ،‬في البلد الذي يعاني من حرب‬ ‫أهلية طاحنة‪ .‬معتبرة أن العامل الرئيسي لتوسع‬ ‫تنظيم «داعش» في ليبيا هو الفوضى واالنقسام‬ ‫السياسي اللذان يعصفان بالبالد‪.‬‬ ‫وأن ��ه ب��ال��رغ��م م��ن وج ��ود أف ��رع أخ ��رى لتنظيم‬ ‫«داعش» في عدد من البلدان حول العالم‪ ،‬إال أن‬ ‫فرعه الليبي‪ ،‬هو األقرب للتنظيم‪ ،‬إذ إن معظم‬ ‫مقاتليه شاركوا في القتال في سوريا والعراق‪.‬‬ ‫مع التنويه إلى أن التنظيم يحرز تقدماً على األرض‬ ‫وي �ع��زز وج���وده ف��ي مدينة س ��رت‪ ،‬مسقط رأس‬ ‫القذافي‪ ،‬كما يكثف من هجماته على مصراتة‬ ‫احليوية‪.‬‬

‫داعشي في قاعدة القرضابية بسرت‬

‫«مسودة ليون» و«سواد داعش»‬ ‫ليبيا‪ ..‬بين‬ ‫ّ‬ ‫على ما مت تقدميه من مقترحات»‪.‬‬ ‫العربي اجلديد ‪:‬‬ ‫وطرحت املسودة األخيرة‪ ،‬ثالث نقاط‪ ،‬األولى تشكيل حكومة وحدة‬ ‫ومتدد تنظيم «الدولة اإلسالمية»‬ ‫بني حوار األطراف السياسية في ليبيا ّ‬ ‫وطنية توافقية‪ ،‬ومجلس رئاسي من شخصيات مستقلة‪ ،‬والثانية‪:‬‬ ‫(داعش) تبقى األزمة الليبية تراوح مكانها‪ ،‬خاصة أنّ املبعوث األممي‬ ‫اعتبار مجلس ال�ن��واب (ف��ي طبرق) الهيئة التشريعية وميثل جميع‬ ‫إل��ى ليبيا برناردينو ليون‪ ،‬عجز حتى اآلن عن ط��رح خارطة طريق‬ ‫الليبيني‪ ،‬والثالثة‪ :‬تأسيس مجلس أعلى للدولة‪ ،‬ومؤسسة حكومية‪،‬‬ ‫من شأنها أن تق ّرب وجهات النظر بني الفرقاء السياسيني في البلد‬ ‫وهيئة صياغة الدستور‪ ،‬ومجلس األمن القومي‪ ،‬ومجلس البلديات‪.‬‬ ‫األفريقي امللتهب‪ ،‬حسبما ذكرت وكالة «األناضول»‪.‬‬ ‫ويبدو أنّ األزم��ة في ليبيا ال ميكن حلّها انطالقاً من حتديد اجلهة‬ ‫ورغ��م رفض بعض األط��راف املتنازعة في ليبيا‪ ،‬واشتراطات بعضها‬ ‫الشرعية وإمنا هي مسألة توافقات‪ ،‬مبعنى أن تدفع األطراف املتنازعة‬ ‫اآلخر‪ ،‬بشأن مس ّودة االتفاق السياسي األخيرة التي طرحها ليون‪ ،‬إال‬ ‫نحو مجموعة من التوافقات يلتقي حولها اجلميع‪ ،‬أما في حال متسك‬ ‫أن األخير أعلن في نهاية جولة حوار في اجلزائر اخلميس قبل املاضي‬ ‫أطراف النزاع حول الشرعية فإنّ مبادرة ليون ستشهد انتكاسة أخرى‪.‬‬ ‫أن «الوضع األمني في ليبيا حساس في ظل توسع داعش»‪ ،‬مضيفاً «لقد‬ ‫كما أن إصرار اللواء خليفة حفتر‪ ،‬قائد عملية «الكرامة» العسكرية‬ ‫وجهنا ندا ًء حول ضرورة توقيع اتفاق سياسي لتجاوز األزمة»‪.‬‬ ‫املدعومة من مجلس النواب في طبرق‪ ،‬على رفضه احلوار بني األطراف‬ ‫وكان «املؤمتر الوطني العام» قد أعلن رفضه للمس ّودة األخيرة‪ ،‬وخ ّير‬ ‫السياسية‪ ،‬قد يعيق أي ح ّل توافقي‪ ،‬خاصة أ ّنه يبحث عن تثبيت‬ ‫مجلس النواب املنعقد في طبرق تعديل بعض النقاط‪ ،‬ما يجعل املس ّودة‬ ‫قدمه على رأس املؤسسة العسكرية التي قد تكون نقطة اختالف بني‬ ‫اجلديدة املنتظرة مح ّل تساؤل‪ ،‬حول ما إذا كانت تلبي رغبات أطراف‬ ‫األطراف السياسية‪ .‬ويحاول طرفا النزاع في ليبيا حتسني شروط‬ ‫النزاع في ليبيا‪.‬‬ ‫التفاوض عن طريق حتقيقهم تف ّوقاً عسكرياً‪ ،‬وهي حقيقة أصبح‬ ‫ويبدو أن ليون نفسه ي��درك ذل��ك‪ ،‬إذ قال في مؤمتر صحافي عقب‬ ‫يدركها كل الفاعلني السياسيني في ليبيا واخل��ارج‪ ،‬فقد أ ّك��د ليون‬ ‫اجتماع اجلزائر «إن املفاوضات لم ولن تكون سهلة‪ ،‬لكنه مت إحراز‬ ‫في وقت سابق أن «ال ح ّل عسكري في هذا البلد‪ ،‬حيث الفصائل‬ ‫تقدم كبير‪ ،‬خاصة بالتأكيد على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية»‪،‬‬ ‫ال��ك��ث��ي��رة امل �ن �ت �ش��رة‬ ‫موضحاً أنه «ستكون‬ ‫فيه ق��و ّي��ة مب��ا يكفي‬ ‫ه �ن��اك ورق� ��ة أخ��رى‬ ‫للدخول في احلرب‪،‬‬ ‫أو م��س��ودة ل�لات�ف��اق‬ ‫املؤمتر الوطني ‪ ..‬أحد صنّ اع األزمة في ليبيا‬ ‫لكنها أضعف من أن‬ ‫السياسي ف��ي األي��ام‬ ‫تتمكن من االنتصار‬ ‫ال�ق��ادم��ة بعد تعديل‬ ‫فيها»‪.‬‬ ‫ال��ورق��ة احلالية بنا ًء‬


‫العاصمة مازالت مختطفة من املليشيات‬

‫ضعف المؤسسات يعوق‬ ‫تحول ليبيا إلى الديمقراطية‬ ‫كريستيان ساينس مونيتور ‪:‬‬ ‫أشارت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» األميركية إلى أن «ما يعوق ليبيا‬ ‫على طريق حتولها السياسي إلى الدميقراطية منذ اإلطاحة بالرئيس الليبي معمر‬ ‫القذافي‪ ،‬هو ضعف املؤسسات في مقابل قوة الفصائل املسلحة»‪.‬‬ ‫ورأت أن «سقوط العاصمة يعني سقوط الدولة‪ ،‬واستعادة العاصمة إلى سيطرة‬ ‫الدولة يحفظ لها قوتها ويفتح آفاقها»‪ ،‬منوهة إلى أنه «على الرغم من إدعاء كال‬ ‫الفريقني أن احلوار بني الفريقني املتنازعني في ليبيا هو أفضل الطرق لتسوية‬ ‫اخلالفات واحليلولة دون انقسام الدولة على نحو يصعب التئامه‪ ،‬ولكن عند‬ ‫احلديث اجلاد عن تقاسم السلطات فإنهما يختلفان حول َمن يحصل على ماذا؟»‪.‬‬

‫وزيرا خارجية مصر وإيطاليا خالل اللقاء‬

‫مصر‪ ..‬دعوات لحل سلمي في ليبيا‬

‫سكاي نيوز عربية ‪:‬‬ ‫دعا وزراء خارجية اجلزائر ومصر وإيطاليا إلى حل سياسي سلمي في ليبيا‪،‬‬ ‫قائلني إن االستقرار في البلد الذي مزقته احلرب من شأنه أن يخفض من الهجرة‬ ‫غير الشرعية إلى أوروبا‪.‬‬ ‫وشدد وزير اخلارجية املصري سامح شكري في مؤمتر صحفي مشترك على أنه‬ ‫ينبغي على ليبيا تشكيل حكومة وحدة وطنية‪.‬‬ ‫وق��ال إن مصر تدعم احلكومة الليبية املعترف بها دوليا وتدعم اجليش الذي‬ ‫«يحارب اإلرهاب»‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬قال مسؤول باملليشيات املتحالفة مع اإلسالميني في مصراته‬ ‫إن قوات موالية لتنظيم الدولة اإلسالمية هاجمت نقطة تفتيش تابعة للمليشيات‬ ‫بالقرب من مدينة أبو قرين وأسرت ثالثة مقاتلني وقتلتهم في وقت الحق‪.‬‬ ‫وحت��دث امل �س��ؤول شريطة ع��دم الكشف ع��ن هويته ألن��ه غير م�خ��ول باطالع‬ ‫الصحفيني‪.‬‬

‫بيدرو مورينيس‬

‫وزير الدفاع اإلسباني يدعم‬ ‫تحركا عسكريا دوليا إلنهاء‬ ‫االضطرابات في ليبيا‬ ‫فرانس ‪: 24‬‬ ‫قال وزير الدفاع اإلسباني في مقابلة مع صحيفة «الباييس»‬ ‫نشرت السبت قبل املاضي ‪ ،‬إنه رمبا تكون هناك حاجة إلى‬ ‫تدخل عسكري إلنهاء االضطرابات في ليبيا‪ ،‬وأضاف «بيدرو‬ ‫مورينيس» أن هناك حتالفا ليس فقط للتصدي لتنظيم الدولة‬ ‫اإلسالمية في العراق وسوريا بل في كل مكان‪ .‬وقال الوزير‬ ‫اإلسباني «إذا مت��ددت اخلالفة إلى ليبيا‪ ،‬فعلى التحالف أن‬ ‫يتحرك»‪.‬‬ ‫وردا على سؤال حول احتمال تدخل عسكري في ليبيا‪ ،‬قال‬ ‫مورينيس لصحيفة «الباييس» اإلسبانية «توجهنا إلى أفغانستان‬ ‫لوقف كل ه��ذا‪ .‬ونحن في العراق ومالي أو الصومال للهدف‬ ‫نفسه الذي بات اآلن أكثر قربا‪ .‬ينبغي القيام بشيء ما»‪.‬‬ ‫وأضاف «حتدثت إلى وزيرة خارجية االحتاد األوروبي فيديريكا‬ ‫موغيريني في سنغافورة في نهاية مايو‪ ،‬وقالت لي إن هذا غير‬ ‫معقول‪ ،‬ولكن ال تزال هناك دول تتحفظ على التدخل‪ ..‬أنظر‬ ‫إل��ى سوريا‪ ،‬نشهد مجزرة منذ أربعة أع��وام في حني يتعطل‬ ‫مجلس األمن الدولي بسبب الفيتو»‪.‬‬ ‫وتابع «ثمة حتالف ليس مكلفا فقط للتصدي لتنظيم الدولة‬ ‫اإلسالمية في العراق وسوريا‪ ،‬ثمة حتالف للتصدي للتنظيم‬ ‫في كل مكان‪ .‬إذا مت��ددت اخلالفة إلى ليبيا‪ ،‬فعلى التحالف‬ ‫أن يتحرك»‪.‬‬ ‫وتشهد ليبيا منذ س�ق��وط ن�ظ��ام معمر ال�ق��ذاف��ي ف��ي ‪2011‬‬ ‫ف��وض��ى أمنية ون��زاع��ا على السلطة تسببا بانقسام البالد‬ ‫الصيف املاضي بني سلطتني‪ :‬حكومة وب��رمل��ان معترف بهما‬ ‫دوليا في الشرق‪ ،‬وحكومة وبرملان يديران العاصمة مبساندة‬ ‫حتالف جماعات مسلحة حتت مسمى «فجر ليبيا»‪.‬‬ ‫واضطرت احلكومة الليبية املعترف بها للخروج من طرابلس‬ ‫واالنتقال إلى مدينة طبرق‪ ،‬علما بأن األمم املتحدة تتوسط‬ ‫منذ أشهر لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة‪.‬‬ ‫وسئل الوزير اإلسباني عن عملية احللف األطلسي التي شاركت‬ ‫فيها فرنسا وأدت إلى إسقاط نظام القذافي في أكتوبر ‪،2011‬‬ ‫فاكتفى بالقول إن «العبرة تكمن في أنه ال ميكن التدخل عسكريا‬ ‫مع بلوغ نصف األهداف فقط»‪.‬‬ ‫وج��ددت احلكومة الليبية األحد مطالبتها باملساعدة ملواجهة‬ ‫تقدم تنظيم الدولة اإلسالمية الذي سيطر على مطار سرت‬ ‫(‪ 450‬كلم ش��رق طرابلس) ويهدد باالستيالء على املنشآت‬ ‫النفطية في هذه املنطقة الساحلية‪.‬‬


‫‪10‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ليبيا في صحافة األسبوع‬

‫ّ‬ ‫يتحول ألكبر خطر علـــــــــــــــ‬ ‫«داعش درنة»‬

‫الموجه لألهــــــــــــــــ‬ ‫ّ‬ ‫يستولي على دعم الدولة‬ ‫الشرق األوسط ـ عبد الستار حتيتة ‪:‬‬ ‫ميثل تنظيم داعش في مدينة درنة الليبية راهنًا‪ ،‬أكبر خطر على‬ ‫مصير احلكومة والبرملان واجليش في ليبيا؛ إذ جعل التنظيم هذه‬ ‫املدينة‪ ،‬الواقعة في شمال شرقي البالد واملطلة على البحر املتوسط‪،‬‬ ‫أخطر نقطة ارتكاز لـ«الدواعش» بالقرب من أوروبا‪ ،‬خاصة بعدما‬ ‫قدم من الدولة واملوجه ألهالي املدينة‪،‬‬ ‫أصبح يستولي على الدعم امل ُ ّ‬ ‫إلى جانب وصول َمدد له من البحر وإنشائه حتصينات في اجلبال‬ ‫حتسبا للحرب مع اجليش الذي يفتقر لإلمكانات‪.‬‬ ‫على ال��رغ��م م��ن محاصرة اجليش الوطني الليبي ق��وات التنظيم‬ ‫املتطرف داخل املدينة الواقعة بني اجلبال والشاطئ‪ ،‬طوال نحو سنة‬ ‫التمدد داخل األحياء السكنية من جانب‬ ‫كاملة‪ ،‬متكن «داعش» من‬ ‫ّ‬ ‫والتحصن في الكهوف الصخرية من جانب آخر‪ ،‬ليح ّول املدينة التي‬ ‫ميا واح��ة للفنون واآلداب‪ ،‬إلى مخزون لإلرهاب يصعب‬ ‫كانت قد ً‬ ‫التعامل معه مبرور الوقت‪.‬‬ ‫تقدمها‬ ‫احلكومة الليبية تدرك هذه املعضلة‪ .‬ورصدت مساعدات ّ‬ ‫دول في املنطقة للمتط ّرفني داخل املدينة‪ ،‬وعليه باشر ممثلون عن‬ ‫السلطات الشرعية بالتحدث مع األوروبيني في األيام األخيرة عن‬ ‫هذه املشكلة التي أصبحت متثل خط ًرا على هذه الدولة التي تعاني‬ ‫من الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي‪ ،‬وعلى دول اجلوار‬ ‫وعلى الضفة األخرى من البحر‪.‬‬ ‫احلكومة الليبية ُمح َبطة من ردة فعل الغرب الذي يبدو أنه لم يدرك‬ ‫بعد حجم املخاطر‪ .‬لكن بعض املسؤولني األوروبيني حاولوا‪ ،‬مع ذلك‪،‬‬ ‫التحاور مع واشنطن عن «داعش» ليبيا‪ ،‬إال أن مصادر غربية تقول‬ ‫لـ«الشرق األوس��ط»‪ ،‬إن «إدارة الرئيس األميركي ب��اراك أوباما لم‬ ‫ِ‬ ‫تعط هؤالء آذا ًنا صاغية»‪.‬‬ ‫وك ��ان ي�ف�ت��رض أن ي ��ؤدي ح�ص��ار اجل�ي��ش ل��درن��ة إل��ى ك�س��ر شوكة‬ ‫«داعش»‪ ،‬لكن كثي ًرا من املسؤولني فوجئوا بعناصر التنظيم يتخذون‬ ‫من سكان املدينة البالغ تعدادهم أكثر من مائة ألف نسمة‪ ،‬ما يشبه‬ ‫الدروع البشرية‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬ال ميكن للحكومة وقف تقدمي‬ ‫املساعدات اإلنسانية واخلدمات من سلع ووقود للسكان‪ .‬وبالتالي‪،‬‬ ‫يستولي التنظيم الدموي على جانب كبير من هذه املساعدات عنوة‬ ‫لتعزيز نفوذه‪ ،‬في مقابل ضعف إمكانات السلطات الشرعية‪ ،‬ومن‬ ‫بينها اجليش الذي ما زال يعاني من استمرار قرار املجتمع الدولي‬ ‫بحظر تسليحه‪.‬‬ ‫وخالل الفترة املاضية‪ ،‬نزحت أعداد كبيرة من سكان درنة هر ًبا من‬ ‫حكم املتطرفني‪ ،‬لكن معظم السكان ما زالوا يقيمون فيها ألسباب‬ ‫كثيرة أهمها أنه ال يوجد أمامهم مكان آخر يذهبون إليه‪ ،‬خاصة‬ ‫بعدما ارتفعت أسعار العقارات وإيجارات املساكن في مدن الشرق‬ ‫الليبي عقب نزوح ألوف من سكان بنغازي وإجدابيا وسرت إلى مدن‬ ‫املنطقة الشرقية‪ ،‬مثل البيضاء‪ ،‬حيث يوجد مقر احلكومة املؤقتة‪،‬‬ ‫وطبرق التي يوجد فيها البرملان املنتخب‪.‬‬ ‫فرج أبو هاشم‪ ،‬املتحدث باسم مجلس النواب (البرملان) الليبي‪ ،‬قال‬ ‫وهو يصف الوضع في درنة لـ«الشرق األوسط»‪ ،‬إن «اجليش يحاصر‬ ‫املدينة بالفعل‪ ،‬وبالتالي ال بد من دعم اجليش»‪ .‬وتابع‪« :‬نحن دائ ًما‬

‫خليفة حفتر‬

‫نتحدث بهذا الشكل لكي نوضح للعالم املوقف‪ .‬نحن بحاجة إلى دعم‬ ‫حقيقي لرفع احلظر عن تسليح اجليش‪( .‬داعش) أعلنت درنة إمارة‬ ‫إسالمية منذ فترة ليست بالقليلة بعدما بايعت (خليفتها املزعوم)‬ ‫في العراق»‪.‬‬ ‫وعما إذا كان يوجد ممثلون في البرملان الذي جرى انتخابه العام‬ ‫املاضي‪ ،‬عن مدينة درنة‪ ،‬قال أبو هاشم إنه «ال يوجد ممثلون عن‬ ‫املدينة في مجلس ال�ن��واب‪ ،‬ولكن‪ ،‬بحكم أن درن��ة رقعة جغرافية‬ ‫شاسعة‪ ،‬جرى اعتماد عضوين أو مقعدين ملن انتخبوا في منطقة‬ ‫الهالل احمليطة باملدينة (وتضم بلدات التميمي‪ ،‬والعزيات‪ ،‬وخليج‬ ‫مببة‪ ،‬ومرتوبة)‪.‬‬ ‫ويضيف قائ ً‬ ‫ال‪« :‬أنت تعلم أن مدينة درنة لم حتدث فيها انتخابات‬ ‫بسبب ال��وض��ع األم�ن��ي واملتطرفني‪ ،‬عل ًما بأنهم ك��ان��وا ق��د أج��روا‬ ‫انتخابات لبلدية درنة‪ ،‬ليتمكنوا من احلصول على امليزانية‪ .‬هدفهم‬ ‫من إجراء االنتخابات البلدية األخيرة احلصول على ميزانية املجلس‬ ‫البلدي‪ ،‬ألنهم هم َمن أشرفوا على إقامة تلك االنتخابات‪ ،‬وكانت‬ ‫اللجنة من ه��ؤالء‪ ،‬ليتمكنوا من احلصول على امليزانية‪ .‬وبالتالي‬ ‫الهدف من إجرائهم االنتخابات هدف مادي بحت»‪.‬‬ ‫ويتابع م��ؤك� ًدا أن «املجلس احمللي ل��درن��ة أصبح ُمش َّكال اآلن من‬ ‫متطرفني»‪ .‬وع ّما إذا كان هؤالء يحصلون على ميزانية من الدولة‬ ‫وف ًقا للمجلس البلدي ال��ذي انتخبوه‪ ،‬ق��ال إن��ه «حتى اآلن يجري‬ ‫االكتفاء مبا يصل إلى درنة من دعم سلعي ووقود‪ ،‬باعتبار أن بعض‬ ‫مواطني درنة نزحوا والبعض اآلخر ليس لديه مكان ليذهب إليه‪..‬‬ ‫ما زالت املعونات تصل إليهم من سلع ووقود وغيرها من متطلبات‬ ‫املواطنني اليومية»‪.‬‬ ‫وبشأن ما إذا كانت هناك مخاوف من أن تصل السلع التموينية‬ ‫وال��وق��ود إل��ى املتطرفني‪ ،‬يجيب أب��و ه��اش��م‪« :‬معلوم ج�ي� ًدا أننا ال‬ ‫نستطيع الفصل بني السكان واملتطرفني‪ .‬وليست لدينا سلطة داخل‬ ‫درنة لكي نقوم بإيصال الوقود إلى املواطنني فقط‪ ..‬هم (املتطرفون)‬


‫ــــــــــى الحكومة والبرلمان والجيش في ليبيا‬

‫ــــــــــالي ويصله مدد من البحر ويتحصن بالجبل‬

‫فرج بوهاشم‬

‫عمر القويري‬

‫يستفيدون من هذا الدعم من وقود وسلع وغيرها»‪.‬‬ ‫وعن طريقة إيصال الدولة لرواتب املوظفني في درن��ة‪ ،‬يوضح أبو‬ ‫ه��اش��م‪« :‬ف��ي احلقيقة‪ ،‬ال أستطيع أن أج�ي��ب ع��ن ه��ذه اجلزئية‬ ‫حتديدًا‪ ،‬لكن البعض من املوظفني رمبا لديهم حسابات مالية خارج‬ ‫مدينة درنة‪ .‬الوضع معقد في درنة وخطير جدًا ألن لدى املتطرفني‬ ‫ق��وة كبيرة ول��دي�ه��م أسلحة وت�ص��ل إليهم عناصر م��ن املتطرفني‬ ‫األجانب‪ .‬الوضع جد خطير بكل ما حتمله الكلمة من معنى»‪.‬‬ ‫هل ه��ذه القوة التي أصبح عليها التنظيم في درن��ة ما زال��ت كما‬ ‫ه��ي رغ��م احل�ص��ار ال��ذي يفرضه اجل�ي��ش؟ ي�ق��ول امل�ت�ح��دث باسم‬ ‫البرملان‪« :‬نعم‪ ..‬ه��ذا رغ��م احلصار‪ .‬حصار اجليش يقتصر على‬ ‫عدم خروجهم واحل��ؤول دون شنهم عمليات إرهابية خ��ارج درنة‪،‬‬ ‫ورفض السماح بدخول أسلحة أو عناصر إرهابية إلى داخل درنة»‪.‬‬ ‫وع��ن ميناء درن��ة البحري وع� ّم��ا إذا ك��ان يعمل أو أن املتطرفني‬ ‫يسيطرون عليه؟ يوضح أبو هاشم قائ ً‬ ‫ال‪« :‬ال‪ ..‬لقد جرى اإلعالن‬ ‫عن أن امليناء مغلق‪ ،‬واستهدف سالح اجلو الليبي في الفترة األخيرة‬ ‫باخرة بعدما وصلت إل��ى ه��ذا امليناء‪ ،‬وكذلك ما نتج عن قصف‬ ‫السفينة التركية التي اقتربت من الشواطئ الليبية قرب درنة أخي ًرا‪،‬‬ ‫بعدما كان قد نزل منها عناصر متط ّرفة عبر زوارق صغيرة ووصلوا‬ ‫إلى درنة»‪.‬‬ ‫وح��ول ما إذا ك��ان لديه ما يثبت أن زوارق حتمل مقاتلني أجانب‬ ‫وتوجهت إلى درنة‪ ،‬يقول‪« :‬لألسف الشديد‬ ‫نزلت من سفينة تركية‬ ‫ّ‬ ‫هذا حدث بالفعل‪ ،‬واستقينا املعلومات من مصادر موثوقة وشهود‬ ‫عيان‪ ..‬ومع ذلك‪ ،‬أدان املجتمع الدولي قصف سالح اجلو الليبي‬ ‫للسفينة املشار إليها‪ ،‬مع العلم أن الشواطئ الليبية واملياه اإلقليمية‬ ‫الليبية تعتبر محظورة‪ ،‬وال تدخل السفن إليها إال بإذن مسبق من‬ ‫السلطات الشرعية»‪.‬‬ ‫يتحصنون وسط‬ ‫ووف ًقا ملعلومات من داخل درنة‪ ،‬فإن املتطرفني ال‬ ‫ّ‬ ‫السكان فقط‪ ،‬ولكنهم أصبحوا يتخذون م��ن كهوف ف��ي اجلبال‬

‫احمليطة باملدينة مواقع لهم لالختباء فيها واالستعداد خلوض حرب‬ ‫طويلة مع اجليش الليبي في حال قرر اقتحام درنة‪ .‬وتقدر املصادر‬ ‫ع��دد ق��وات «داع ��ش» ف��ي درن��ة بعدة ع�ش��رات م��ن ال�ق��ادة الليبيني‬ ‫واألجانب ممن يديرون مجموعات من املقاتلني الذين تقل أعمار‬ ‫غالبيتهم عن عشرين سنة‪ .‬وي�ت��راوح إجمالي ع��دد العناصر التي‬ ‫تعمل مع «داع��ش» في املدينة (بغض النظر عن اإلمي��ان بتوجهات‬ ‫التنظيم) بني ألف إلى ثالثة آالف عنصر‪.‬‬ ‫من جهة ثانية‪ ،‬يقول عبد الناصر إبراهيم العبيدي‪ ،‬أحد قيادات‬ ‫جلنة املصاحلة في ليبيا الذي يقيم على مشارف درن��ة‪ ،‬لـ«الشرق‬ ‫األوسط» بشأن «داع��ش»‪ ،‬إن «اجليش لم يقرر دخول املدينة حتى‬ ‫اآلن بسبب وجود التنظيم وسط السكان واملدنيني»‪ ،‬مشيرا إلى أن‬ ‫«التنظيم يستعني مبقاتلني صغار السن ومينحهم أج ًرا على هذا»‪.‬‬ ‫لكن هناك من يرى أن التخلص من مشكلة درنة ستكون من أكبر‬ ‫املشكالت أمام الدولة الليبية‪ ،‬مذكرين بالطبيعة اجلغرافية الصعبة‬ ‫لهذه املدينة‪.‬‬ ‫وجهت ضربات لبعض مواقع‬ ‫وجتدر اإلشارة‪ ،‬إلى أن مصر كانت قد َّ‬ ‫«داعش» في درنة عقب ذبح التنظيم ‪ 21‬مصر ًيا مطلع العام احلالي‪.‬‬ ‫وي �ق � ّر ال �ل��واء مم��دوح منيب‪ ،‬وه��و ط�ي��ار م�ق��ات�لات م�ص��ري سابق‪،‬‬ ‫بـ«الطبيعة اجلغرافية املعقدة ملدينة درنة التي حتيط بها اجلبال من‬ ‫جانبني والوديان من اجلنوب والبحر املتوسط من الشمال»‪ .‬وتقول‬ ‫املعلومات إن «الدواعش» متحصنون في املدينة‪ ،‬وميلكون أسلحة‬ ‫ثقيلة‪ .‬وبشأن إمكانيات الطائرات احلربية الليبية في القضاء على‬ ‫قوة «داعش» في درنة‪ ،‬أفاد اللواء منيب «الشرق األوسط»‪ ،‬قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫«إنها تستطيع‪ ،‬إذا ك��ان لديها حتديد دقيق ل�لأه��داف التي تريد‬ ‫ضربها بحيث تكون ضربات مباشرة»‪ ،‬مشي ًرا إلى أن التحصينات‬ ‫عادة ترابية «وال أعتقد أن لديهم القدرة على بناء حتصينات من‬ ‫الدشم اإلسمنتية‪ .‬حتصيناتهم عادة مجرد حفر حتت األرض‪ ..‬ولو‬ ‫كان هناك استطالع مسبق وحتديد للهدف ومعرفة بأبعاده وطبيعة‬


‫‪12‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ليبيا في صحافة األسبوع‬

‫قافلة من الدواعش تتجول في درنة !‬

‫حتصيناته ونوعها‪ ،‬فهنا ميكن تزويد الطائرات احلربية بالتسليح‬ ‫املناسب»‪.‬‬ ‫لكن مصادر من درنة تقول لـ«الشرق األوسط»‪ ،‬إن «غالبة حتصينات‬ ‫(داعش) في املدينة تعتمد على كهوف موجودة في اجلبال احمليطة‬ ‫بها‪ ،‬وأن القذافي ّ‬ ‫دك ه��ذه اجلبال في منتصف تسعينات القرن‬ ‫املاضي حني ك��ان متطرفو املدينة مصدر تهديد للقوات األمنية‬ ‫الليبية»‪ .‬وعن هذه املعلومات يوضح اللواء طيار منيب أن الكهوف‬ ‫ف��ي اجلبل متثل صعوبة على الطيران بالفعل‪« ..‬ه��ذا ال�ن��وع من‬ ‫الكهوف هو من الكهوف الصخرية ال الرملية‪ .‬والطلقات تتالشى‬ ‫بعد عمق معني في اجلبال وأحيا ًنا كثيرة ال حتقق الهدف»‪.‬‬ ‫موضحا أن «عملية اصطياد املتطرفني في درنة‬ ‫ويتابع اللواء منيب‬ ‫ً‬ ‫ينبغي أال تكون وهم في داخل الكهوف‪ ،‬وال بد من أن يجري تنفيذ‬ ‫العملية وه��م يتحركون في مواكب السيارات خ��ارج ه��ذه املناطق‬ ‫احملصنة‪ ..‬وهنا‪ ،‬تكون عملية جمع املعلومات للوصول لهم ومعرفة‬ ‫حتركاتهم‪ ،‬أم � ًرا مه ًما ج �دًا ميكن أن يس ّهل عملية القضاء على‬ ‫(داعش)‪ .‬حني تريد أن تصطاد الفأر فأنت تنتظر حتى يخرج من‬ ‫جحره وليس بأن تدخل أنت إليه»‪.‬‬ ‫املشكلة كما يقول كثير من املسؤولني الليبيني تكمن في أن اجليش‬ ‫الليبي ال ميلك إال عد ًدا محدو ًدا من الطائرات احلربية‪.‬‬ ‫هل هذه القدرة املتواضعة تستطيع أن تتعامل مع تنظيم متطرف‬ ‫يتحصن بهذا الشكل في درنة؟ يجيب اللواء منيب بأن هذا سيكون‬ ‫أم� � ًرا ص�ع� ًب��ا‪« ..‬ف��ي ه��ذه احل��ال��ة أرى أن تأثير ال �ق��وات اخلاصة‬ ‫والكوماندوز على البر سيكون أفضل من تأثير ال�ط�ي��ران»‪ .‬وعن‬ ‫نظرته للحصار ال��ذي يفرضه اجليش الليبي على املدينة وتأثيره‬ ‫خصوصا‬ ‫على املتطرفني‪ ،‬يقول‪« :‬إنه أمر جيد‪ ،‬لكن مردوده ضعيف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أن (ال��دواع��ش) يتلقون متوي ً‬ ‫ال دول� ًي��ا وعامل ًيا‪ ،‬في وق��ت جند فيه‬ ‫أن اإلمكانات الليبية ضعيفة‪ ..‬ال يوجد تكافؤ‪ .‬ال نريد أن نظلم‬ ‫الليبيني‪ .‬هذه إمكاناتهم نظ ًرا للظروف التي مروا بها منذ انتهاء‬

‫نظام القذافي في ‪ ،2011‬كما أن اجليش لم يتمكن لهذا السبب‬ ‫يحدث نفسه بالتقنيات اجلديدة‪ ،‬أضف إلى ذلك أن خبرته‬ ‫من أن ِ ّ‬ ‫العسكرية متواضعة وغير كافية‪ .‬ال نريد أن نطلب منهم مها ًما أكبر‬ ‫منهم‪ ،‬أو الدخول في منافسة غير متكافئة»‪.‬‬ ‫وزير اإلعالم والثقافة الليبي‪ ،‬عمر القويري‪ ،‬يقول عن هذه القضية ر ًدا‬ ‫على أسئلة «الشرق األوسط»‪ ،‬إن «مشكلة درنة كمشكلة سرت وعدة‬ ‫م��دن ليبية أخ��رى سقطت بشكل كامل حتت سيطرة تنظيم داعش‬ ‫اإلرهابي‪ ،‬والتعامل معها واحلل الوحيد هو عبر دعم اجليش الوطني‬ ‫الليبي بكل ما يطلبه من إمكانات وتزويده باملعلومات وصور األقمار‬ ‫الصناعية‪ ،‬ومنع تدفق السالح الذي ترسله له دول مثل تركيا وقطر»‪.‬‬ ‫ويضيف القويري عن املعلومات التي تتحدث عن استفادة «داعش»‬ ‫من اخلدمات التي تقدمها الدولة ألهالي مدينة درن��ة‪« :‬موضوع‬ ‫استفادة اجلماعات املتطرفة من اخلدمات املقدمة لسكان وأهالي‬ ‫املدينة‪ ،‬أمر صحيح‪ ..‬ونظ ًرا لنزوح سكان بنغازي إلى املدن املجاورة‬ ‫شر ًقا‪ ،‬فإن إمكانية استقبال موجات أخرى من املهجرين (من درنة)‬ ‫صعبة ج ًدا حتى يقال ملا ﻻ يتم الطلب من سكانها املغادرة»‪.‬‬ ‫ويتابع الوزير قائ ً‬ ‫ال إن اجليش الليبي وأجهزة األمن واﻻستخبارات‪،‬‬ ‫«تعمل داخل املدينة وتقوم بعمليات نوعية ضد هؤﻻء املجرمني‪ .‬إننا‬ ‫نواجه اإلره��اب منفردين وحدنا ودول العالم تتحدث عن احلوار‬ ‫واألزم��ة السياسية متناسني األزم��ة احلقيقية التي تواجهها ليبيا‬ ‫وهى األزمة األمنية التي ﻻ ميكن حلها إﻻ بدعم اجليش بعي ًدا عن‬ ‫مساومات السياسة وحساب املصالح واملكاسب»‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وسبق لكبار القادة الليبيني حثّ دول العالم على االنتباه للخطر‬ ‫ال��ذي يشكله «داع��ش» واملتطرفون في بالدهم‪ .‬ون ّبه الفريق أول‬ ‫خليفة حفتر‪ ،‬قائد اجليش الليبي‪ ،‬من خطر «داعش» واإلرهابيني‬ ‫في ليبيا على العالم‪ ،‬خاصة أوروبا‪ .‬لكن يبدو أنه لم يتحرك أحد‪.‬‬ ‫متدد‬ ‫وعن الكيفية التي تنظر بها الواليات املتحدة األميركية إلى ّ‬ ‫«داعش» في ليبيا‪ ،‬يقول باراك بارفي‪ ،‬من «مؤسسة أميركا اجلديدة»‪،‬‬


‫فجر ليبيا دمرت املطار والطائرات‬

‫ما هى جماعة فجر ليبيا‬ ‫وما موقفها من داعش؟‬ ‫أحد كهوف درنة‬

‫في اتصال مع «الشرق األوسط» من واشنطن‪ ،‬بصراحة‪« :‬ليبيا ليست‬ ‫دول��ة مهمة بالنسبة ألميركا‪ ..‬كما تعلم‪ ،‬الرئيس الفرنسي السابق‬ ‫نيكوال ساركوزي‪ ،‬ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون‪ ،‬ضغطا‬ ‫على الرئيس األميركي باراك أوباما‪ ،‬للتدخل في ليبيا في ‪،2011‬‬ ‫متحمسا لهذا األمر‪ .‬وبعد سقوط النظام في ليبيا أعطت‬ ‫ألنه لم يكن‬ ‫ً‬ ‫أميركا الفرصة لألمم املتحدة واملجتمع الدولي إلدارة األمور في هذا‬ ‫البلد‪ ،‬ومع أن النتيجة حتى اآلن هي ظهور (داع��ش) في ليبيا‪ ،‬إال‬ ‫أن احلديث هنا في الواليات املتحدة ال يركز على موضوع (داعش)‬ ‫في ليبيا‪ ،‬ولكن على (داعش) في العراق وسوريا‪ .‬كما تعرف أوباما‬ ‫ال يريد التدخل في معارك في منطقة الشرق األوسط‪ ،‬وفي املقابل‬ ‫أعطى الفرصة للعالم العربي ليدير مقاليد األمور باملنطقة»‪.‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬توجد مخاوف في أوروبا من وجود «داعش» على العدوة‬ ‫األخرى من البحر املتوسط‪ ،‬فهل ميكن لضغوط أوروبية على أميركا‬ ‫أن تدفعها للعب دور في ليبيا ضد «داعش»؟‬ ‫يجيب بارفي ق��ائ� ً‬ ‫لا‪« :‬ال‪ ..‬ألن أميركا ت��رى أن اخلطر عليها من‬ ‫(داعش) موجود فقط في العراق وسوريا‪ .‬لقد جرى إعدام أربعة‬ ‫من األميركيني في العراق وسوريا‪ ،‬وهي ترد بالقصف على مواقع‬ ‫(داعش) هناك كل يوم أو يومني في األسبوع‪ ،‬وهذه هي نهاية األمر‬ ‫بالنسبة لتعاملها م��ع (داع ��ش)‪ .‬ف�لا دخ��ول للجيش ف��ي األراض��ي‬ ‫العراقية أو السورية‪ ،‬وبالنسبة لنا (لألميركيني) فإن ليبيا ليست‬ ‫مهمة‪ ،‬وإذا كانت متثل خط ًرا على أوروب��ا‪ ،‬فإن األوروبيني ليست‬ ‫لديهم القدرة على الضغط أو التأثير على الرئيس أوباما»‪.‬‬ ‫لقد سبق لبارفي زيارة كثير من بلدان منطقة الشرق األوسط مبا فيها‬ ‫ليبيا‪ .‬وعن رؤيته لـ«داعش» في هذا البلد‪ ،‬يقول إن هذا التنظيم موجود‬ ‫في كل من درنة وسرت‪« ..‬سرت مدينة صغيرة وليست مهمة‪ ،‬لكن درنة‬ ‫أخطر بكثير‪ ،‬ألن فيها كثي ًرا من املتطرفني الذين كانوا يحاربون أميركا‬ ‫في العراق في العقد املاضي‪ ..‬وج��ود (داع��ش) في درن��ة يظل أم ًرا‬ ‫خطي ًرا وميثل تهديدًا في املستقبل‪ .‬وهي مشكلة للحكومة املعترف بها‬ ‫دول ًيا املوجودة في طبرق والبيضا‪ ،‬ومشكلة للجيش ً‬ ‫أيضا»‪.‬‬

‫أرابسك تونس ‪:‬‬ ‫فى إط��ار األح��داث اجلارية وبعد سقوط س��رت في اي��دي تنظيم‬ ‫داعش واقترابه من طرابلس واحلدود التونسية وبعد أن ص ّرح راشد‬ ‫الغنوشي أنّ «فجر ليبيا هي اخلط الدفاعي األ ّول ال��ذي يفصل‬ ‫داعش عن تونس» كثر احلديث عن عالقة تنظيم فجر ليبيا بداعش‬ ‫وتسهيله لداعش باحتالل املزيد من املناطق‪.‬‬ ‫من هم جماعة فجر ليبيا؟‬ ‫فجر ليبيا هو حتالف مجموعة ميليشيات إسالمية متمركز فى‬ ‫ليبيا‪ ،‬تضم ميليشيات (درع ليبيا الوسطى ـ غرفة ث��وار ليبيا فى‬ ‫طرابلس ـ ميليشيات تنحدر أساساً من مناطق مصراته ـ ميليشيات‬ ‫من غريان ـ ميلشيات من الزاوية ـ ميلشيات من صبراتة)‪.‬‬ ‫بدأت فجر ليبيا طريقها فى العمل اإلرهابى حتديدًا فى ‪ 13‬يوليو‬ ‫من عام ‪ ،2014‬بهدف االستيالء على مطار طرابلس العاملى وعدد‬ ‫من املعسكرات فى املناطق امل�ج��اورة ل��ه‪ ،‬وكانت قد أطلقت اسم‬ ‫“فجر ليبيا” على هذه العملية‪ ،‬واتخذت بعد ذلك من “فجر ليبيا”‬ ‫اس ًما ثابتًا لها‪.‬‬ ‫اجل��دي��ر ب��ال��ذك��ر أن ال �ت��وج��ه اإلس�ل�ام��ى ي�ط�غ��ى ع�ل��ى أغ �ل��ب تلك‬ ‫امليليشيات‪ ،‬إال أن مجلس النواب الليبى كان أعلن فى بيان له فى‬ ‫الـ‪ 25‬من أغسطس املاضى أن ك ً‬ ‫ال من جماعة “فجر ليبيا” وجماعة‬ ‫“أنصار الشريعة”‪ ،‬ه��ى ج�م��اع��ات إره��اب�ي��ة خ��ارج��ة ع��ن القانون‬ ‫ومحاربة لشرعية الدولة‪.‬‬ ‫وتسببت جماعة ميليشيات “فجر ليبيا” فى العديد من حلقات‬ ‫التدمير املتالحق فى األشهر األخيرة من العام املاضى فى ليبيا‪،‬‬ ‫فإلى جانب ف��رض سيطرتها على طرابلس وم�ط��اره��ا‪ ،‬اقتحمت‬ ‫ميليشياتها ب�ع��ض ال �ق �ن��وات ال�ت�ل�ف��زي��ون�ي��ة وع�ب�ث��ت مبحتوياتها‪،‬‬ ‫واستخدمت بثها ألغراضها الشخصية‪ ،‬هذا إلى جانب هجماتها‬ ‫على املرافئ النفطية الليبية‪.‬‬ ‫موقف فجر ليبيا من داعش‬ ‫الالفت فى احلالة الليبية أن تنظيم فجر ليبيا على خالف فقهى‬ ‫عميق مع تنظيم الدولة املعروف إعالميا بتنظيم داعش وكالهما‬ ‫يكفر اآلخ��ر‪ .‬ويعتبر تنظيم داع��ش فجر ليبيا من املرجئة املرتدة‬ ‫كما يعتبر تنظيم فجر ليبيا تنظيم داعش من اجلماعات املغالية‬ ‫واملتطرفة ويعتقدون أنه يسىء تأويل النصوص اإلسالمية‪.‬‬


‫‪14‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ليبيا في صحافة األسبوع‬

‫القبض على متورط في‬ ‫اختطاف سفير أردني‬ ‫سابق لدى ليبيا‬ ‫عربي ‪: 21‬‬ ‫أعلنت السلطات الليبية األحد املاضي‪ ،‬القبض على شخص‬ ‫متورط في اختطاف السفير األردني السابق لدى طرابلس‬ ‫فواز العيطان‪ ،‬الذي مت مبادلته العام املاضي‪ ،‬بسجني ليبي‬ ‫في سجون عمان‪.‬‬ ‫وأكد املتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية في احلكومة‬ ‫الليبية املؤقتة امل�لازم أول ط��ارق اخل��راز‪ ،‬أن “قسم البحث‬ ‫اجلنائي التابع ملديرية أمن مدينة بنغازي‪ ،‬متكن من إلقاء‬ ‫القبض على طالل محمد علي”‪ ،‬وهو من ضمن مجموعة‬ ‫مسلحة‪ ،‬قامت العام املاضي باختطاف السفير األردني في‬ ‫ليبيا” ‪ .‬وأقدمت مجموعة ملثمة مجهولة‪ ،‬تستقل سيارتني‬ ‫مدنيتني‪ ،‬ف��ي ‪ 15‬أب��ري��ل ‪ ،2014‬على اختطاف العيطان‬ ‫ومرافقه‪ ،‬عند مغادرتهم منزل السفير في طرابلس‪ ،‬وقاموا‬ ‫باقتياده إلى مكان مجهول‪ ،‬ثم أطلقوا سراح مرافقه الذي‬ ‫أصيب في احلادث‪.‬‬ ‫ولفت اخلراز أنه متت مواجهة املتهم بعدة دالئل متوفرة لدى‬ ‫السلطات األمنية الليبية‪ ،‬حول نشاطه‪ ،‬مشيراً إلى أن “املتهم‬ ‫اعترف أنه كان ضمن املجموعة املسلحة التي اختطفت سفير‬ ‫اململكة األردنية لدي ليبيا‪ ،‬من ثم قاموا باستبداله بالقيادي‬ ‫اإلسالمي محمد الدرسي امللقب بـ (النص)‪ ،‬الذي كان يقبع‬ ‫وقتئذ داخل السجون األردنية بتهم تتعلق باإلرهاب”‪ ،‬على‬ ‫حد تعبيره‪.‬‬ ‫وفي ‪ 13‬مايو العام املاضي قال أحمد الدرسي شقيق القيادي‬ ‫اإلسالمي الليبي محمد إن “شقيقه وصل إلى مدينة بنغازي‬ ‫شرقي ليبيا‪ ،‬قادماً من األردن‪ ،‬في إطار صفقة‪ ،‬مقابل إطالق‬ ‫س��راح السفير األردن��ي في ليبيا ف��واز العيطان”‪ ،‬في حني‬ ‫أكدت السلطات األردنية في ذلك الوقت‪ ،‬أن إطالق سراح‬ ‫السجني الدرسي الذي كان معتقال لديها منذ أكثر من سبعة‬ ‫أع��وام‪ ،‬ومحكوماً بالسجن املؤبد على خلفية قضايا تتعلق‬ ‫باإلرهاب‪ ،‬كان ضمن “اتفاقية الرياض لتبادل السجناء”‪.‬‬ ‫فيما أكد شقيق الدرسي حينئذ أن “إطالق س��راح شقيقه‬ ‫ك��ان بعد الضغط ال��ذي شكله اختطاف السفير األردني”‪،‬‬ ‫مشيراً إلى أن شقيقه “وصل على منت الطائرة التي قدمت‬ ‫من األردن لتقل السفير األردن��ي إل��ى ب�لاده‪ ،‬وأن ذل��ك كان‬ ‫شرط إمتام عملية التسليم”‪.‬‬ ‫السفير األردني السابق فواز العيطان‬

‫عثمان مليقطة‬

‫عبدالرحمن السويحلي‬

‫الوطنية لحقوق اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫ترفض فرض عقوبات‬ ‫على أي مواطن ليبي‬ ‫أخبار ليبيا ‪:‬‬ ‫رفضت اللّجنة الوطنية حلقوق اإلنسان بليبيا مشروع القرار الذي ُق ّدم ملجلس األمن‬ ‫الدولي بهدف فرض عقوبات دول ّية على شخص ّيات ليبية متّهمة بعرقلة احلوار‬ ‫ّ‬ ‫الوطني وتطالب اللّجنة بأكثر توضيحات في هذا املوضوع كما تتحفّظ من حيث‬ ‫املبدأ على فرض أي عقوبات على أي مواطن ليبي‪.‬‬ ‫وأ ّكد البيان الصادر األحد املاضي عن اللّجنة أنّ العقوبات وإن كانت ضرورية فإنها‬ ‫يجب أن تُفرض على ّ‬ ‫الشخصيات التي تدعم اإلرهاب في ليبيا وتب ّرر له في درنة‬ ‫وسرت وبنغازي وغيرها ال الشخصيات التي حتاربه وتسعى للحد من نفوذه في‬ ‫البالد ‪.‬‬ ‫وتخشي اللّجنة مما قد ينتج عن القرار من فرض لعقوبات على شخصيات أخرى‬ ‫في قيادة القوات املسلحة التي تقود املعركة ضد اإلرهاب في ليبيا ‪.‬‬ ‫وتؤ ّكد اللّجنة الوطن ّية حلقوق اإلنسان بليبيا على أن اختيار ّ‬ ‫الشخصيات التي تتهم‬ ‫بتقويض جهود احلوار مت بشكل انتقائي وغير مستند إلى حقائق ومعلومات موثوقة‬ ‫حيث انتقى مشروع القرار شخصيتني هما آمر لواء األول حلرس احلدود عثمان‬ ‫مليقطة و رئيس حزب اإلحتاد من أجل الوطن عبد الرحمن السويحلي فيما يشبه‬ ‫احملاصصة بني من يؤيد البرملان ومن يؤيد فجرليبيا حيث يع ّ ُد مؤشرا خطيرا ملا‬ ‫سيتبع هاتني الشخصيتني الحقا ‪.‬‬ ‫وأكدت اللجنة أن هذا املشروع يأتي في توقيت خاطئ و ال يخدم مساعي تشكيل‬ ‫حكومة الوفاق الوطني وبناء عليه فإن هذا املشروع لن يخدم احلوار وجهود وقف‬ ‫اطالق النار وانهاء االقتتال وأعمال العنف بل سيق ّوض جهود مم ّثل األمني العام في‬ ‫ليبيا بيرناندينو ليون كما أنّ هذه العقوبات إن أجيزت على الشخص ّيات الليبية التي‬ ‫الصعب رفعها مستقبال مثلما جرى في عقوبات حظر‬ ‫حتارب اإلرهاب فإنه من ّ‬ ‫التّسليح على ليبيا ‪.‬‬ ‫وتؤكد اللجنةعلى أن أي اقتراحات بإدراج ليبيني على قائمة العقوبات في املستقبل‬ ‫يجب أن تستند على حقائق ال ميكن دحضها‪.‬‬


‫من ليبيا‪ ..‬نصف مليون‬ ‫يتأهبون للهجرة إلى أوروبا‬ ‫إذاعة فويس أوف أميركا ‪:‬‬ ‫ذكر مسؤول بريطاني أن ما يقارب من نصف مليون مهاجر في ليبيا يتأهبون لعبور مياه‬ ‫البحر األبيض املتوسط اخلطرة هذا الصيف إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل‪.‬‬ ‫ونقلت إذاعة «فويس أوف أميركا» عن القبطان البريطاني «نيك كوك بريست» قوله‪:‬‬ ‫«ثمة مؤشرات قادمة من على منت السفينة احلربية البريطانية «إتش إم إس بلوارك»‬ ‫على وجود ما يتراوح بني ‪ 450‬ألفا و‪ 500‬ألف مهاجر في ليبيا ينتظرون على احلدود‬ ‫لعبور البحر املتوسط»‪.‬‬ ‫وصرح وزير الدفاع البريطاني‪ ،‬األحد املاضي ‪ ،‬أنه مت إرسال السفينة «بلوارك» إلنقاذ ما‬ ‫اليقل عن ‪ 500‬مهاجر بعد أن رصدت طائرة هليكوبتر أربع سفن مهاجرين في أزمة»‪.‬‬ ‫كما رست سفينة تابعة خلفر السواحل اإليطالية ‪ -‬كانت حتمل ‪ 316‬مهاجرا في ثالث‬ ‫عمليات إنقاذ منفصلة قبالة السواحل الليبية ‪ -‬في جزيرة المبيدوزا‪ ،‬األحداملاضي‪.‬‬ ‫و أنقذت عدة سفن بحرية من إيطاليا وبريطانيا وأيرلندا ودول أخرى ما يقرب من‬ ‫‪ 3500‬مهاجر قبالة السواحل الليبيةيوم السبت قبل املاضي‬ ‫وتصاعدت وتيرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر من ليبيا في اآلونة األخيرة نتيجة‬ ‫الفوضى التي تعصف بهذه الدولة الشمال إفريقية‪ ،‬ويرجع أص��ول معظم املهاجرين‬ ‫إلى سوريا ونيجيريا ومالي وإريتريا‪ ،‬هربا من احلرب واالضطهاد السياسي والويالت‬ ‫االقتصادية التي تعصف ببالدهم‪.‬‬ ‫وطالبت إيطاليا أعضاء االحتاد األوروبي مبساعدتها في إيواء الالجئني‪ ،‬وحث االحتاد‬ ‫األوروبي – من جانبه – الدول األعضاء على مشاركة املسؤولية‪ ،‬غير أن بعض الدول ال‬ ‫ترحب بفكر إيواء الالجئني على أراضيها‪.‬‬ ‫ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة‪َ ،‬ع َبر ما يزيد على ‪ 80‬أل��ف شخص البحر األبيض‬ ‫وهلَك ‪ 1800‬مهاجرا على األقل في البحر‪ ،‬أو لم يتم حصرهم‪.‬‬ ‫املتوسط هذا العام‪َ ،‬‬ ‫مهاجرون في عرض البحر (أرشيفية)‬

‫إبراهيم محلب‬

‫سيدة مصرية تطالب‬ ‫الحكومة بالسماح لها‬ ‫بالسفر إلى ليبيا للموت‬ ‫وسط أسرتها‬ ‫اليوم السابع ـ محمد شرقاوى ‪:‬‬ ‫ع ��رض اإلع�ل�ام ��ى ج��اب��ر ال �ق��رم��وط��ى‪ ،‬م �ق��دم ب��رن��ام��ج‬ ‫«م��ان�ش�ي��ت» على فضائية «أون ت��ى ف��ى»‪ ،‬قصة سيدة‬ ‫مصرية تدعى ليلى ف��رج إبراهيم تبلغ م��ن العمر ‪70‬‬ ‫عاما‪ ،‬أرملة‪ ،‬كانت متزوجة فلسطينيا‪ ،‬ويعولها أوالدها‬ ‫ومقيمة منذ ‪ 40‬عاما‪ ،‬فى مدينة البيضاء بليبيا‪ ،‬وتعانى‬ ‫من مشاكل صحية‪ ،‬بعد إصابتها بفشل كلوى وحتتاج‬ ‫للغسيل مل��دة ث�لاث م ��رات ف��ى األس �ب��وع‪ ،‬ب��ال�ت��زام��ن مع‬ ‫إصابتها بأمراض الشيخوخة‪ ،‬مطالبة احلكومة املصرية‬ ‫بعودتها لليبيا للموت بها‪.‬‬ ‫وق��ال ط��ارق حسن‪ ،‬محام واب��ن شقيقتها‪ ،‬فى مداخلة‬ ‫ه��ات�ف�ي��ة م��ع اإلع�ل�ام��ى ج��اب��ر ال �ق��رم��وط��ى‪ ،‬ببرنامجه‬ ‫«مانشيت» املذاع على على فضائية» أون تى فى»‪ ،‬إن ليلى‬ ‫فرج تزور مصر كل عام ونصف‪ ،‬وزيارتها األخيرة ملصر‬ ‫كانت من أجل إجراء عملية تركيب وريد صناعى إلمتام‬ ‫عملية الغسيل منه‪ ،‬إال أنه فى الفترة األخيرة اضطرت‬ ‫أن جترى ثالث عمليات متتابعة باءت جميعا بالفشل‪.‬‬ ‫وأض��اف حسن‪ ،‬أن شقيقة والدته أنفقت أكتر من ‪40‬‬ ‫ألف جنيه مت إرسالها من أبنائها فى ليبيا وأخيرا متت‬ ‫بنجاح‪ ،‬ولكن حالتها النفسية ت��زداد س��وءا‪ ،‬مؤكدا أنها‬ ‫تأمل فى أن مت��وت فى حضن أوالده ��ا وتدفن بجانب‬ ‫زوجها وأوالدها الراحلني بليبيا‪.‬‬ ‫وأش��ار حسن إلى أن أوالده��ا حجزوا لها تذكرة طيران‬ ‫من خالل مكتب طيران إفريقيا فى ليبيا بتاريخ‪ 4‬يونيو‬ ‫اجلارى‪ ،‬ولكن الشركة أكدت عدم قدرتهم على عودتها‪،‬‬ ‫نظراً ملنع احلكومة سفر أى مواطن مصرى إلى ليبيا‪،‬‬ ‫بسبب عدم استقرار األوضاع بها‪.‬‬ ‫من جانبه قال اإلعالمى جابر القرموطى‪ :‬إن السفير‬ ‫بدر عبد العاطى‪ ،‬املتحدث باسم وزارة اخلارجية‪ ،‬صرح‬ ‫للبرنامج أن عودتها إلى ليبيا تتطلب ق��را ًرا من رئاسة‬ ‫مجلس ال��وزراء‪ ،‬موضحاً أن وزارة اخلارجية ستتواصل‬ ‫مع املهندس إبراهيم محلب حلل مشكلتها‪.‬‬


‫‪16‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون ليبية‬

‫ليبيا‪ ..‬اتجاه إجباري نحو البنك الدولي‬

‫السيناريو األسود‬ ‫النفط مقابل الغذاء‬

‫تضاؤل احتياط النقد األجنبي‬

‫في ظل تفاقم األزمة في ليبيا‪ ،‬وبسبب مباشر من الهبوط احلاد الذي تعرفه عائدات تصدير النفط‪ ،‬انخفضت‬ ‫احتياطات ليبيا من النقد األجنبي‪ ،‬بحوالي ‪ 28%‬بني عامي ‪ 2013‬و‪ ،2014‬لتتراجع من ‪ 106‬مليارات دوالر في‬ ‫عام ‪ 2013‬إلى ‪ 77‬مليار دوالر في عام ‪ ،2014‬بتراجع يناهز ‪ 29‬مليار دوالر‪ ،‬حيث انخفضت إي��رادات تصدير‬ ‫النفط نحو ‪ 1.5‬مليار دينار شهري ًا فقط‪ ،‬وكانت ليبيا ُتنتج نحو ‪ 1.6‬مليون برميل يومي ًا في السنوات التي سبقت‬ ‫سنة ‪.2011‬‬

‫خالد بشير‬


‫في تقريره السنوي ذك��ر دي��وان احملاسبة الليبي أن إجمالي‬ ‫التحويالت اخلارجية املنفّذة من قبل مصرف ليبيا املركزي‬ ‫خالل عامي ‪ 2013‬و‪ 2014‬بلغ نحو ‪ 125‬مليار دينار ليبي‬ ‫(‪ 96‬مليار دوالر)‪.‬‬ ‫احللقة املفرغة‬ ‫بلد غني بالنفط وشعب يقف على حافة االنهيار االقتصادي‪،‬‬ ‫إنهما طرفان في معادلة بالغة الصعوبة والتعقيد بسبب دوران‬ ‫هذه املعادلة في حلقة مفرغة ال يبدو أنها ستنتهي قريباً‪..‬‬

‫فليبيا التي تعتمد على استيراد معظم غذائها من اخلارج‪ ،‬كما‬ ‫تعتمد بشكل كلي على عائدات تصدير النفط‪ ،‬م ّر مي ّر فيها‬ ‫النفط مبآزق وعقبات ج ّمة بسبب ت��ر ّدي األوض��اع السياسية‬ ‫احلالية وانعكاسها السلبي على مجمل الوضع االقتصادي في‬ ‫تعج‬ ‫ليبيا‪ ،‬وتبدو احلياة اليومية لليبيني اآلن وق��د أصبحت ّ‬ ‫مبظاهر االنهيار االق�ت�ص��ادي على مختلف املستويات‪ ،‬ومن‬ ‫ذلك‪:‬‬ ‫ نقص السلع األساسية والوقود‪.‬‬‫‪ -‬انخفاض القوة الشرائية للمواطن‪.‬‬


‫‪18‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون ليبية‬

‫املتاجر واحملالت عادت إلى السبات‬

‫موازنتان حكوميتان ومصرف مركزي واحد‬

‫ ارتفاع األسعار بشكل جنوني‪.‬‬‫ ضعف االتصاالت‪.‬‬‫ تأخر صرف املرتبات‪.‬‬‫ خفض دعم البنزين‪.‬‬‫ فرض حظر على الواردات من السيارات إلى الصلب‪.‬‬‫ جتميد جميع مشاريع البنية التحتية‪.‬‬‫ويذكر باخلصوص أن وزارة االقتصاد (طرابلس) منعت مؤخراً‬ ‫استيراد ‪ 32‬سلعة ملدة ستة أشهر‪ ،‬وذلك في محاولة يائسة‬ ‫لتخفيف الضغط على النقد األجنبي املتوفر ل��دى املصرف‬ ‫امل��رك��زي‪ ،‬واستخدامه في توفير السلع الضرورية من غذاء‬ ‫ودواء ون �ح��وه‪ ،‬وق��د ش�م��ل ال �ق��رار وس��ائ��ل ال�ن�ق��ل ك��ال�س�ي��ارات‬ ‫وال��درج��ات‪ ،‬إضافة إل��ى م��واد التجميل‪ ،‬وامل�ع��دات الرياضية‪،‬‬ ‫وحديد التسليح‪ ،‬واملواد الصحية‪ ،‬واألثاث املنزلي‪ ،‬والهواتف‬ ‫النقالة‪ ،‬وعدد من السلع الغذائية «غير الضرورية»‪.‬‬ ‫اقتصاديات االنقسام‬ ‫تواجه ليبيا حالياً حالة من االنقسام املالي‪ ،‬فحكومة ما يسمى‬ ‫باإلنقاذ الوطني التابعة للمؤمتر الوطني املنحل‪ ،‬تتح ّكم في‬ ‫جميع حسابات ال ��وزارات في طرابلس‪ ،‬وتقوم بالصرف من‬ ‫امل�ي��زان�ي��ة على النفقات احل�ك��وم�ي��ة‪ ،‬بينما ت��واص��ل احلكومة‬ ‫املؤقت املنبثقة عن مجلس النواب في طبرق عقد جلساتها‬ ‫في مدينة البيضاء‪ ،‬مع عدم القدرة على تغيير الوضع القائم‬ ‫املتمثل في وجود جميع أرصدة الدولة في العاصمة طرابلس‪.‬‬ ‫وبينما أعلنت وزارة النفط (طرابلس) بأنها ستتخذ إج��راء‬ ‫ق��ان��ون�ي�اً ض��د مشتري اخل��ام إذا جت ��اوزوا امل��ؤس�س��ة الوطنية‬ ‫للنفط التي تتخذ من العاصمة مقراً لها‪ ،‬مت في نفس الوقت‬

‫تعمد احلكومة الليبية في الوقت احلالي إل��ى تغطية‬ ‫املقدر في موازنة هذا العام عبر طرح أذون خزانة‬ ‫العجز ّ‬ ‫من جانب وزارة املالية‪.‬‬ ‫وأذون اخل��زان��ة ه��ي أوراق م��ال��ي��ة تطرحها احل��ك��وم��ات‬ ‫لالقتراض من املؤسسات املالية احمللية واألجنبية‪.‬‬ ‫كما سيتم تقليص البنود األرب��ع��ة ف��ي امل��وازن��ة‪ ،‬حيث‬ ‫سيتم تخفيض باب األجور واملرتبات‪ ،‬إلى ‪ 18‬مليار دينار‬ ‫(‪ 12.9‬مليار دوالر)‪ ،‬مقابل ‪ 21‬مليار دينار (‪ 15.1‬مليار‬ ‫دوالر) ال��ع��ام امل��اض��ي‪ ،‬وذل��ك بفضل إج����راءات اتخذتها‬ ‫السلطات ملنع االزدواج الوظيفي في أجهزة الدولة‪.‬‬ ‫ك��م��ا س��ي��ت��م تخفيض ال��ب��اب ال��ث��ان��ي‪ ،‬امل��ع��ن��ي بالنفقات‬ ‫التشغيلية بحوالي ملياري دينار‪ ،‬ليصل إلى ‪ 4.8‬مليارات‬ ‫دي��ن��ار مقابل ‪ 6.8‬مليارات دي��ن��ار (‪ 4.5‬مليارات دوالر)‬ ‫العام املاضي‪ ،‬باإلضافة إلى جتميد باب التنمية‪ ،‬الذي‬ ‫كان يبلغ بقيمة ‪ 5.2‬مليارات دينار (‪ 3.7‬مليارات دوالر)‪.‬‬ ‫وال يعرف بعد ما كان سيتم تقليص باب الدعم‪ ،‬الذي‬ ‫بلغ ‪ 11‬مليار دينار (‪ 7.9‬مليارات دوالر) العام املاضي‪.‬‬ ‫وفي مقابل موازنة احلكومة الشرعية في طبرق‪ ،‬تعمل‬ ‫يسمى بحكومة اإلن��ق��اذ على وضع‬ ‫ط��راب��ل��س حت��ت م��ا‬ ‫ّ‬ ‫موازنة تناهز ‪ 45‬مليار دينار‪ ،‬وفق مصادر في العاصمة‪.‬‬ ‫وتنفق احلكومة في ليبيا نحو ‪ 1.6‬مليار دينار شهري ًا‬ ‫كرواتب ملوظفيها‪ ،‬فيما صارت رواتب قرابة ‪ 1.25‬مليون‬ ‫موظف حكومي تتأخر إلى شهر وشهرين‪.‬‬ ‫هذا وقد ضبط دي��وان احملاسبة عبر منظومة املرتبات‬ ‫وف��ق الرقم الوطني ‪ 412‬أل��ف رق��م وطني غير صحيح‪،‬‬ ‫منها ‪ 22.5‬أل��ف اس��م «ف���وق ال��س��ن القانونية‪ ،‬منهم من‬ ‫جت��اوز ‪ 115‬ع��ام�� ًا‪ ،‬أي م��ن مواليد ع��ام ‪ 1900‬ميالدية‪،‬‬ ‫وحوالي ‪ 604‬أرقام حتت السن القانونية»‪ ،‬منها أرقام من‬ ‫مواليد عام ‪.2013‬‬

‫بلغت نفقات مشروعات التنمية ‪ 22.7‬مليار‬ ‫دينار بعد ‪ 2011‬دون أن تكون هناك أي برامج‬ ‫لإلعمار أو التشييد‬ ‫عدد العاملني في القطاع احلكومي ‪1.524‬‬ ‫مليون موظف منهم ‪ 516‬ألف عامل يحصلون‬ ‫على رواتب بشكل غير قانوني‬


‫في انتظار اخلبز‬

‫فتح حساب مصرفي جديد في دولة اإلمارات باسم املؤسسة‬ ‫الوطنية للنفط (طبرق) لتحويل مستحقات بيع النفط لصاحلها‬ ‫عبر هذا احلساب‪.‬‬ ‫املصرف املركزي والوضع احلرج‬ ‫ي��واص��ل احمل��اف��ظ ال�س��اب��ق للمصرف امل��رك��زي أداء عمله في‬ ‫ط��راب�ل��س‪ ،‬ب��ال��رغ��م م��ن ق�ي��ام مجلس ال �ن��واب ب�ط�ب��رق‪ ،‬بتعيني‬ ‫محافظ آخر للمصرف يؤدي عمله في مدينة البيضاء‪.‬‬ ‫ويعتبر امل�ص��رف امل��رك��زي ذا وض��ع دق�ي��ق ب�ين حكومة طبرق‬ ‫(املعترف بشرعيتها دول�ي�اً) وحكومة طرابلس (التي تخوض‬ ‫ص� ��راع�� �اً م� ��ري� ��راً م� ��ن أج ��ل‬ ‫التمسك بالسلطة)‪ ،‬وبالرغم‬ ‫ّ‬ ‫من هذا التوتّر القاتل‪ ،‬وأمام‬ ‫التر ّدي امللحوظ في عائدات‬ ‫النفط‪ ،‬فقد اضطر املركزي‬ ‫إل� ��ى اإلف� � ��راط ف ��ي ال �س �ح��ب‬ ‫م��ن اح �ت �ي��اط �ي��ات��ه م��ن ال�ن�ق��د‬ ‫األج �ن �ب��ي ل �ك��ي ي �ح��اف��ظ على‬ ‫م �ه �م �ت��ه ال��رئ �ي �س �ي��ة ف ��ي ه��ذه‬ ‫األج� ��واء وه��ي مت��وي��ل ال�ب�لاد‬ ‫بالكامل‪ ،‬وال��ذي يتم ّثل غالباً‬ ‫ف� ��ي اإلن�� �ف� ��اق ع� �ل ��ى روات � ��ب‬ ‫موظفي اخلدمة املدنية الذين‬ ‫يعتبرون أكبر قوة عاملة في‬ ‫ل �ي �ب �ي��ا‪ ،‬ب��اإلض��اف��ة إل���ى دع��م‬ ‫الغذاء والوقود‪.‬‬

‫وحتتاج ليبيا إلى ‪ 30‬مليار دوالر لتمويل الواردات سنوياً‪ ،‬وهي‬ ‫تنفق في العادة ‪ 40‬مليار دوالر على ميزانيتها‪ .‬وينفق املصرف‬ ‫املركزي حالياً على امليزانية العامة بشكل غير منتظم‪ ،‬ويسعى‬ ‫اآلن إلى تنظيم منح السيولة الكافية للمصارف احمللية حتى‬ ‫تتمكن من إصدار شيكات الرواتب‪ ،‬وتغطية النفقات البالغة ‪4‬‬ ‫مليارات دينار شهرياً على املرتبات والدعم‪.‬‬ ‫مأساة الدينار‬ ‫تراجعت قيمة الدينار الليبي بالسوق املوازية ألدنى مستوياتها‬ ‫ف��ي أك�ث��ر م��ن خمسة عشر ع��ام �اً‪ ،‬فقد فقد ال��دي�ن��ار الليبي‬ ‫‪ % 35‬م� ��ن ق �ي �م �ت��ه م �ق��اب��ل‬ ‫ال���دوالر م�ن��ذ ي�ن��اي��ر امل��اض��ي‪.‬‬ ‫ف��ي ال��وق��ت ن�ف�س��ه‪ ،‬ب�ل��غ سعر‬ ‫ال� ��دوالر ح��ال �ي �اً ‪ 2.25‬دي�ن��ار‬ ‫ف ��ي ال� �س ��وق ال � �س� ��وداء‪ ،‬رغ��م‬ ‫أن سعره الرسمي ال يتجاوز‬ ‫‪ 1.3‬دي�ن��ار‪ ،‬األم��ر ال��ذي ينذر‬ ‫بوقوع موجة تضخم تلتهم ما‬ ‫تبقى من قيمة الدينار وحترق‬ ‫مدخرات املواطنني‪.‬‬

‫ليبيا صرفت ‪ 56.9‬مليار دوالر من احتياطي‬ ‫النقد األجنبي في أقل من عامني منها ‪43‬‬ ‫مليار دوالر من االحتياطيات املنفقة كانت‬ ‫لدى املصرف املركزي بينما مت إنفاق الباقي من‬ ‫األموال املجنبة من إيرادات النفط‬

‫النفط الغائب‬ ‫يعد النفط أكبر مصدر دخل‬ ‫ّ‬ ‫ل�ل�ن�ق��د األج �ن �ب��ي ف��ي ال �ب�لاد‪،‬‬ ‫حيث متثل عائداته ‪ 95%‬من‬ ‫اإلي ��رادات‪ ،‬وانخفض إنتاجه‬


‫‪20‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون ليبية‬

‫ضبط ديوان احملاسبة ‪ 412‬ألف رقم وطني غير صحيح منها ‪ 22.5‬ألف‬ ‫اسم فوق السن القانونية‪( ،‬مثل مواليد ‪1900‬م) وحوالي ‪ 604‬أرقام‬ ‫حتت السن القانونية (مثل مواليد ‪2013‬م)‬ ‫تراجعت قيمة الدينار الليبي بالسوق املوازية ألدنى مستوياتها منذ‬ ‫أكثر من خمسة عشر عام ًا‬ ‫بلغت عائدات تصدير النفط ‪ 5.5‬مليارات دوالر فقط منذ بداية العام‬ ‫اجلاري في حني حتتاج البالد إلى ‪ 3.5‬مليارات دوالر كل شهر‬ ‫املقدر في املوازنة بطرح أذون‬ ‫احلكومة الليبية تعمد إلى تغطية العجز ّ‬ ‫خزانة لالقتراض من املؤسسات املالية احمللية واألجنبية‬

‫سياسة ّ‬ ‫التقشف‬ ‫وآثارها املتوقعة!‬

‫إل��ى ‪ 400‬أل��ف برميل يومياً‪ ،‬أي ما يعادل رب��ع ما ك��ان عليه‬ ‫قبل عام ‪.2011‬‬ ‫وق��د بلغت عائدات تصدير النفط ‪ 5.5‬مليارات دوالر فقط‬ ‫م�ن��ذ ب��داي��ة ال �ع��ام اجل ��اري‪ ،‬ف��ي ح�ين حت�ت��اج ال �ب�لاد إل��ى ‪3.5‬‬

‫ف��رض م��ص��رف ليبيا امل��رك��زي وض��ع ق��ي��ود على التحويالت‬ ‫وال��ع��م��ل��ة ال��ص��ع��ب��ة‪ ،‬م���ا ي��ع��ي��ق ع��م��ل��ي��ات االس���ت���ي���راد ل��ل��م��واد‬ ‫األساسية والسلع الغذائية التي يتم استيرادها بالكامل‪.‬‬ ‫ك��ان��ت اح��ت��ي��اط��ي��ات ليبيا ك��ان��ت تبلغ ‪ 133‬م��ل��ي��ار دوالر في‬ ‫أغسطس ‪ ،2013‬لكنها انخفضت إل��ى ‪ 90‬مليار دوالر‪ ،‬وفق‬ ‫آخر إحصائية في نهاية مارس املاضي‪.‬‬ ‫وك��ان مصرف ليبيا امل��رك��زي قد ذك��ر مطلع العام احلالي أن‬ ‫نفقات الدولة خالل العام املاضي ‪ 2014‬بلغت ‪ 46‬مليار دينار‬ ‫ليبي‪ ،‬فيما بلغت اإليرادات نحو ‪ 20.9‬مليار دينار بعجز بلغ‬

‫مليارات دوالر كل شهر‪.‬‬ ‫إن ع��ائ��دات النفط ف��ي ال�ظ��روف ال�ع��ادي��ة تبلغ م��ا ب�ين ‪43.5‬‬ ‫و‪ 47.5‬مليار دوالر سنوياً‪ ،‬حسب بيانات وزارة النفط الليبية‪،‬‬ ‫ويُتوقع وص��ول إنتاج النفط إل��ى ‪ 800‬أل��ف برميل يومياً في‬


‫جرمية قصف خزانات النفط‬

‫نحو ‪ 25.1‬مليار دينار (‪ 18‬مليار دوالر)‪ ،‬وذلك وفق ًا للحسابات‬ ‫اخلتامية للدولة‪ ،‬وبذلك تصل نسبة العجز إلى نحو ‪ 54%‬من‬ ‫النفقات ونحو ‪ 120%‬من اإلي��رادات‪ .‬ويسيطر البنك املركزي‬ ‫الليبي واملؤسسة الليبية لالستثمار واملؤسسة الوطنية للنفط‬ ‫والشركة الليبية للبريد واالتصاالت وتقنية املعلومات على‬ ‫محفظة أص��ول ضخمة تتكون من حصص في ع��دد من أكبر‬ ‫الشركات في أوروبا وعلى إيرادات النفط احليوية‪.‬‬ ‫وكان الناطق الرسمي باسم مصرف ليبيا املركزي قد أكد على‬ ‫أن ليبيا صرفت ‪ 56.9‬مليار دوالر من احتياطي النقد األجنبي‬

‫الربع الثاني من العام اجل��اري‪ ،‬وإل��ى مليون برميل في الربع‬ ‫ال �ث��ال��ث‪ ،‬و‪ 1.35‬م�ل�ي��ون ب��رم�ي��ل ف��ي ال��رب��ع األخ �ي��ر‪ ،‬ف��ي ح��ال‬ ‫استتباب األمن وحتقيق قدر من االستقرار السياسي ينعكس‬ ‫إيجاباً على انتظام عمل املوانئ واحلقول النفطية‪.‬‬

‫ف��ي أق���ل م��ن ع��ام�ين‪ ،‬وأن ‪ 43‬م��ل��ي��ار دوالر م��ن االحتياطيات‬ ‫املنفقة كانت لدى مصرف ليبيا املركزي‪ ،‬بينما مت إنفاق الباقي‬ ‫من األموال املجنبة من إيرادات النفط‪.‬‬ ‫وتعتبر األم���وال املجنبة هي التي قامت ليبيا باستقطاعها‬ ‫من عائدات النفط‪ ،‬الستخدامها في وقت األزم��ات‪ ،‬لتعويض‬ ‫نقص العوائد الناجت عن انخفاض أسعار النفط‪ .‬وشرعت ليبيا‬ ‫مطلع عام ‪ 1995‬في اقتطاع نسبة ‪ 15%‬من العوائد النفطية‪،‬‬ ‫قبل أن يتم رفع هذه النسبة إلى ‪ 40%‬بعد ذلك العام وحتى‬ ‫عام ‪.2000‬‬

‫وداع ًا للدعم‬ ‫استمر دعم السلع والغذاء في ليبيا ملدة ‪ 44‬سنة‪ ،‬ومن املنتظر‬ ‫أن تبدأ حكومة طرابلس مع شهر رمضان القادم تطبيق قرار‬ ‫استبدال دعم السلع واحملروقات بالدعم النقدي‪ ،‬بقيمة ‪50‬‬


‫‪22‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون ليبية‬

‫ديناراً (‪ 35.5‬دوالراً) للفرد شهرياً باستثناء األدوية والكهرباء‬ ‫واملياه‪.‬‬ ‫قد تتجه النوايا وراء تطبيق هذا القرار إلى احلد من ارتفاع‬ ‫املقدر بنحو ‪ 33‬مليار دينار (‪ 24.2‬مليار دوالر)‬ ‫عجز املوازنة‬ ‫ّ‬ ‫العام احلالي‪ ،‬وتخفيف الضغط على النقد األجنبي‪ ،‬وترشيد‬ ‫اإلنفاق على الدعم إلى ‪ 4.15‬مليارات دينار (‪ 3‬مليارات دوالر)‬ ‫سنوياً‪ ،‬بدالً من ‪ 14‬مليار دينار املعتمدة في املوازنة العامة‪..‬‬ ‫ولكن ذلك باملقابل سيؤدي بدوره إلى زيادة أسعار السلع والنقل‬ ‫ووض��ع البالد على حافة تضخّ م رمب��ا لم تشهد له مثي ً‬ ‫ال في‬ ‫السابق‪ ،‬على أن بيع الدوالر في السوق الرسمية يكاد يقتصر‬ ‫اآلن على واردات األدوية الضرورية‪ ،‬كأمراض السكر ونحوها‪،‬‬

‫إذا حتقّ ق السيناريو األسود فإن الليبيني لن‬ ‫يسمح لهم التصرف في أي درهم من أموالهم‬ ‫إال بعد الرجوع إلى األمم املتحدة التي‬ ‫ستمنح األموال الستيراد السلع األساسية‬ ‫والدواء فقط‬


‫ديوان احملاسبة‪:‬‬ ‫الهدر واإلسراف في اإلنفاق احلكومي‬

‫البنك الدولي‪ 4 :‬سنوات على نفاذ‬ ‫االحتياطيات الليبية‬ ‫ذك�����ر ال���ب���ن���ك ال����دول����ي ف����ي ت���ق���ري���ر ل����ه م����ؤخ����ر ًا أن‬ ‫احتياطيات ليبيا من النقد األجنبي ستنفد خالل‬ ‫‪ 4‬سنوات مع استمرار االضطرابات السياسية في‬ ‫ال��ب�لاد‪ ،‬والتي أدت لتراجع إنتاج النفط حاليا إلى‬ ‫نحو ‪ 400‬ألف برميل يومي ًا في املتوسط‪ ،‬وذلك من‬ ‫‪ 1.6‬مليون برميل في عام ‪ ،2011‬بجانب استمرار‬ ‫انخفاض أسعار النفط في السوق العاملية‪.‬‬ ‫وتوقع رئيس اللجنة االستشارية املالية االقتصادية‬ ‫في املصرف املركزي أن يصل العجز في موازنة ‪2015‬‬ ‫إلى ‪ 20‬مليار دينار (‪ 15.3‬مليار دوالر)‪ ،‬وأن يحقق‬ ‫ميزان املدفوعات عجزا خالل ‪ 2015‬بنحو ‪ 25‬مليار‬ ‫دوالر‪.‬‬ ‫وبلغت م��ص��روف��ات ال��دول��ة (ال��ن��ف��ق��ات) خ�لال العام‬ ‫امل��اض��ي ‪ 2014‬ن��ح��و ‪ 49‬م��ل��ي��ار دي��ن��ار (‪ 36.5‬مليار‬ ‫دوالر)‪ ،‬فيما بلغت اإلي�����رادات ‪ 20.9‬م��ل��ي��ار دي��ن��ار‬ ‫(‪ 15.5‬مليار دوالر) بعجز ف��ي امل��وازن��ة العامة بلغ‬ ‫‪ 25.1‬مليار دينار (‪ 18.7‬مليار دوالر)‪ ،‬وذلك وفقا‬ ‫للحسابات اخلتامية للدولة‪.‬‬ ‫وطالب مصرف ليبيا املركزي مؤخرا بإيقاف صرف‬ ‫ع�ل�اوات العائلة وتعويضات احل��رب وجتميد املنح‬ ‫الدراسية والتدريب إلى حني تعافي إيرادات النفط‪،‬‬ ‫في خطوة لتطبيق سياسة تقشفية‪.‬‬ ‫وأكد املصرف‪ ،‬ض��رورة خفض اإلنفاق على املرتبات‬ ‫من خالل إلغاء االزدواجية في الوظائف واالحتيال‪،‬‬ ‫وذلك بتفعيل الرقم الوطني كأساس لصرفها‪.‬‬ ‫كما أشار إلى ضرورة تقليص اإلنفاق على السفارات‬ ‫والبعثات الدبلوماسية‪ .‬وت��ص��رف ليبيا سنوي ًا ما‬ ‫يقرب من ‪ 3‬مليارات دينار (‪ 2.2‬مليار دوالر)‪ ،‬كعالوة‬ ‫العائلة لكل شخص لم يبلغ سن الثامنة عشرة بواقع‬ ‫‪ 100‬دينار شهري ًا (‪ 73‬دوالراً)‪.‬‬ ‫ودع��ا إل��ى رف��ع ال��دع��م ع��ن احمل��روق��ات وبيع الوقود‬ ‫بسعر السوق العاملي واستبدالها بتوزيع مبلغ ‪100‬‬ ‫وبشكل ثابت‪.‬‬ ‫دينار للعائلة شهري ًا‬ ‫ٍ‬

‫ج��اء ف��ي تقرير دي���وان احملاسبة الليبي أن حجم إن��ف��اق احلكومات‬ ‫املتعاقبة على مدى السنوات الثالث املاضية‪ ،‬والتي أعقبت ‪ 17‬فبراير‬ ‫‪ ،2011‬بلغ نحو ‪ 158‬مليار دينار (‪ 121.5‬مليار دوالر)‪ ،‬موضح ًا أن‬ ‫اإلنفاق احلكومي اتسم خالل األعوام السابقة باإلسراف والهدر‪.‬‬ ‫ومقارنة مبوازنة العام ‪ 2010‬والتي ناهزت ‪ 47‬مليار دوالر‪ ،‬تبدو نفقات‬ ‫ليبيا على اخلدمات واملشروعات العامة في األعوام الثالثة املاضية‬ ‫قليلة جد ًا بالنظر إلى ارتفاع فاتورة األجور والرواتب من ‪ 8‬مليارات‬ ‫دينار (‪ 5.8‬مليارات دوالر) في عام ‪ 2010‬إلى حدود ‪ 23‬مليار دينار‬ ‫في العام املاضي ‪.2014‬‬ ‫وأوضح الديوان في تقريره السنوي أن حجم اإلنفاق احلكومي منذ‬ ‫عام ‪ 2012‬وحتى ‪ ،2014‬ال يتناسب مع مستوى اخلدمات التي تقدمها‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫وت��وزع اإلنفاق في ليبيا خالل السنوات الثالث املاضية بني املرتبات‬ ‫التي بلغت ‪ 65.9‬مليار دينار‪ ،‬فيما بلغت النفقات التشغيلية للحكومة‬ ‫‪ 30.67‬مليار دينار‪ ،‬بينما بلغ حجم اإلنفاق على مشروعات التنمية‬ ‫‪ 22.7‬مليار دينار‪ ،‬والدعم ‪ 33.89‬مليار دينار‪ ،‬والدين العام ‪4.89‬‬ ‫مليارات دينار‪.‬‬ ‫لقد استهلكت املرتبات قرابة ‪ % 50‬من املصروفات‪ ،‬سجلت ارتفاع ًا‬ ‫كبير ًا وص��ل إل��ى ‪ % 65‬ف��ي السنوات الثالثة املاضية‪ .‬وعند حصر‬ ‫العاملني في القطاع احلكومي البالغ عددهم ‪ 1.524‬مليون موظف‪،‬‬ ‫تبني للديوان وجود ‪ 516‬ألف عامل يحصلون على رواتب بشكل غير‬ ‫قانوني‪ ،‬تصل إلى ‪ 4.2‬مليارات دينار‪ ،‬وذلك نتيجة االزدواج الوظيفي‬ ‫وبلوغ السن القانونية‪.‬‬ ‫ولفت التقرير إل��ى أن احلكومة املؤقتة املنبثقة عن مجلس النواب‬ ‫املنعقد بطبرق اقترضت ‪ 500‬مليون دينار في عام ‪ 2014‬من املصارف‬ ‫التجارية‪ ،‬وإنها اتفقت مع مصارف للحصول على قرض آخر بنفس‬ ‫القيمة خالل عام ‪.2015‬‬ ‫وبشأن مشروعات التنمية‪ ،‬قال التقرير إن نفقاتها ارتفعت الي ‪22.7‬‬ ‫مليار دينار على مدى أعوام ‪ 2012‬و‪ 2013‬و‪ ،2014‬دون أن تكون هناك‬ ‫حركة إعمار وتشييد بالبالد‪ ،‬الفت ًا إلى أن العشوائية في التقديرات‬ ‫وسوء إدارة األموال العامة كانت غالبة على هذا القطاع‪.‬‬ ‫وح��ول فاتورة الدعم التي جتتهد احلكومة لرفعه‪ ،‬ذكر التقرير أن‬ ‫هذا القطاع يعاني من التهريب‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن عدم استفادة محدودي‬ ‫الدخل من الدعم‪.‬‬ ‫وأشار التقرير إلى أن إجمالي قيمة الدعم خالل الـ ‪ 3‬سنوات املاضية‬ ‫بلغت ‪ 33.89‬مليار دينار‪ ،‬منها ‪ 23.6‬مليار لدعم احمل��روق��ات‪ ،‬و‪6.14‬‬ ‫مليار دينار للدعم السلعي‪ ،‬و‪ 2.34‬مليار دينار لدعم األدوية‪ ،‬هذا إلى‬ ‫جانب دعم الكهرباء‪.‬‬

‫وواردات القمح من اخلارج‪ ،‬باإلضافة إلى احملروقات‪.‬‬ ‫السيناريو األسود‬ ‫األزم��ة ال�ق��ادم��ة تلوح ف��ي األف��ق‪ ،‬وس��وف تبدأ ف��ي أي حلظة‬ ‫بوضع أموال ليبيا حتت الوصاية الدولية‪ ،‬وتطبيق مبدأ النفط‬ ‫مقابل الغذاء‪ ،‬ما لم يتم االتفاق على صيغة حكومية جديدة‬ ‫تُخرج البالد من عنق الزجاجة الذي تعيش فيه اآلن‪.‬‬ ‫لن يستطيع الليبيون التصرف في أي درهم من أموالهم إال بعد‬ ‫الرجوع إلى األمم املتحدة التي ستمنح األموال الستيراد السلع‬ ‫األساسية والدواء فقط‪.‬‬


‫‪24‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫قال الشاهد‪..‬‬


‫اا‬ ‫ا‬ ‫حكايات‬ ‫من زمن‬ ‫فبراير‬

‫«سيرة ذاتية»‬ ‫(الجزء الرابع)‬ ‫عندما خرجت من مدينتي قاصد ًا مدينة الثورة‬ ‫بنغازي لم يدر بخلدي أن أصبح عضو ًا في املجلس‬ ‫الوطني االنتقالي أو أن اصطدم بجماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني وأك��ت��ش��ف م��ؤام��رات��ه��م م��ب��ك��راً‪ ،‬وعندما‬ ‫صرخت عبر وسائل االع�لام منبه ًا ملا يجري‪ ،‬لم‬ ‫يسمعني أحد فقد كانت الناس منتشيه بانتصار‬ ‫الثورة وعندما أستفاق البعض كانت الواقعة قد‬ ‫وسرقت الثورة‪...‬‬ ‫استحكمت ُ‬

‫املختار اجلدال‬


‫‪26‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫قال الشاهد‪..‬‬

‫عندما م��ررت ب��ال��زاوي��ة ي��وم اجلمعة ‪ 18‬فبراير عبر الطريق‬ ‫الساحلي عند ال�س��اع��ة الثامنة م�س��اء وج ��دت بعض الشباب‬ ‫يقفلون الطريق بالقرب من مسجد الصحابة‪ ،‬ويشعلون النار في‬ ‫اإلطارات‪ ،‬وكانوا يوقفون املارة يسألونهم سؤاالً واحداً‪ :‬أنت مع‬ ‫من؟‪.‬‬ ‫في املنطقة الغربية باستثناء الزنتان والرجبان لم حتسم املنطقة‬ ‫أمرها إال يوم عشرين فبراير‪ .‬وعندما خرج الشباب في أغلب‬ ‫امل��دن في مظاهرات علنية توجهت إلى مثابات اللجان الثورية‬ ‫ومراكز الشرطة لتشعل نيران الثورة التي سرعان ما مت قمعها‬ ‫لعدة أسباب كان أهمها خروجها في فوضى عارمة وغير منظمة‬ ‫ول�ق��رب تلك امل��دن م��ن مركز ال �ق��رار‪ ،‬كذلك ع��دم وج��ود قيادة‬ ‫للمتظاهرين‪.‬‬ ‫ي��وم األح��د (العشرين من فبراير) كنت في طرابلس‪ .‬ك��ان يوم‬ ‫ربيعياً في ن�ه��اره‪ ..‬وتهب على ليله ال��ري��اح التجارية املمطرة‪..‬‬ ‫منتصف فبراير‪ ..‬كان يوماً جمي ً‬ ‫ال‪ ..‬وصلت «باب البحر»‪ ..‬فندق‬ ‫على شاطئ ضفة املتوسط اجلنوبية‪ ..‬ويتكئ على جدار بيترو‬ ‫دي نافارا الغربي‪ ..‬بوابته إلى الشمال من النخالت الثالثة التي‬ ‫كان يلتئم في ظاللها والرمال احمليطة بها‪ ..‬سوق الرقيق بألوانهم‬ ‫املختلفة‪ ..‬فالنخاسة ال تفرق بني أبيض وأسود أو رجل وامرأة‪،‬‬ ‫كان املكان سوقاً ال يُحترم فيه البشر‪.‬‬ ‫ح�ف��اوة االستقبال عند ب��واب��ة ال�ف�ن��دق ت��وح��ي ب��أن ال �ق��ادم خير‬ ‫وأجمل‪ ..‬الغرفة ‪ 624‬تطل بنافذتها على املتوسط اجلميل‪ ..‬لم‬ ‫أطل البقاء في الغرفة‪ ..‬نزلت إلى بهو الفندق‪ ..‬في الصالون عدد‬ ‫كبير من النزالء نساء وأطفال من عائالت اجلرحى في انتفاضة‬ ‫‪ 17‬فبراير ‪ 2006‬جلبوا من بنغازي الثائرة هذه األي��ام‪ ..‬جئت‬ ‫أللتقيهم‪ .‬سألت أحدهم‪:‬‬ ‫ متى وصلتم؟‬‫ يوم الثالثاء‪ .‬أجابني باختصار شديد‪ ،‬وهو ينظر إلى الطاولة‬‫القريبة‪ ..‬رجال األمن يجلسون بالقرب منا‪ ،‬لم يتركونا نستريح‬ ‫في حديثنا‪.‬‬ ‫ وهل قابلكم أحد؟‪ .‬سألته فأجابني بنفس طريقته‪.‬‬‫ البارح جاءنا البغدادي‪.‬‬‫ وماذا قال لكم؟‪.‬‬‫ دوه فارغة‪ .‬ونهض محدثي مسرعاً‪.‬‬‫ح��اول��ت ف��ي ذل��ك امل �س��اء أن ألتقط بعض ال �ص��ور م��ع الشباب‬ ‫اجلرحى وأسرهم‪ ،‬ولكن رجال األمن منعونا وقالوا‪« :‬تعليمات»‪.‬‬ ‫أحد رجال األمن أقترب مني وقال‪ :‬غداً في الصباح أخرج معهم‬ ‫إلى شاطئ البحر وميكنك تصويرهم‪ ..‬كان رج ً‬ ‫ال طيباً‪ ..‬ال يعلم‬ ‫ما تخبئه لنا تلك الليلة‪.‬‬ ‫بعد العشاء جلست في بهو الفندق‪ ..‬أتصيد احلديث مع أحد‬ ‫الضحايا‪ ..‬ألعرف ما دار بينهم وبني البغدادي‪ ،‬ولكن املفاجئات‬ ‫املتالحقة تلك الليلة‪ ..‬جعلتني أغادر في صباح اليوم التالي دون‬ ‫أن ألتقي أحداً على انفراد‪.‬‬ ‫في احلادية عشرة لي ً‬ ‫ال سمعت أحد عمال الفندق وصل للتو من‬ ‫خارج الفندق‪ ..‬يقول لزمالئه‪:‬‬ ‫ حولوا سياراتكم من أمام الفندق جايا مظاهرة‪ ..‬توا يكسروهم‪.‬‬‫اق�ت��رب��ت منه وس��أل�ت��ه أي��ن أض��ع س �ي��ارت��ي؟ أج��اب�ن��ي ضعها في‬

‫إشعال النيران في مثابات اللجان الثورية ومراكز‬ ‫الشرطة كان الهدف األول للشباب الثائرين‬ ‫كان صوت الرصاص يئزّ في أذني ولم أذق طعم‬ ‫النوم تلك الليلة‪ ..‬جتولت في الصباح وكانت رائحة‬ ‫القنابل املسيلة للدموع وحرائق اإلطارات متأل املكان‬

‫نهر من البشر كان ّ‬ ‫يتدفق أمام نادي املدينة‬ ‫ٌ‬ ‫يتجه إلى ميدان الشهداء ويهتف من أجل‬ ‫بنغازي‬

‫اخللف‪ ..‬أوقفت سيارتي خلف الفندق وخرجت إلى الشارع‪..‬‬ ‫ال توجد مسيرة‪ ،‬ولكني سمعت هديراً يرتفع روي��داً بعد آخر‪..‬‬ ‫ظننته ألول وهلة صوت أم��واج البحر‪ ..‬ولكن الصوت يأتي من‬ ‫الناحية اجلنوبية الغربية‪ ..‬أق��ف أم��ام الفندق‪ ..‬توجهت نحو‬ ‫سرت حتى الناحية الغربية من معرض طرابلس‬ ‫مصدر الصوت‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ال��دول��ي‪ ..‬نهر من البشر أراه مير أم��ام ن��ادي املدينة يتجه إلى‬ ‫ميدان الشهداء‪ ..‬هتافات املتظاهرين ترتفع‪:‬‬ ‫ نحنا معاك يا بنغازي‪.‬‬‫تلك الليلة خرج سكان مدينة طرابلس مشكلني نهراً من البشر‬ ‫ينبع من السياحية في غرب املدينة‪ ،‬وينحدر نحو الشرق ماراً‬ ‫بقرقارش ثم حي األندلس‪ ..‬ميدان التحرير‪ ..‬شارع عمر املختار‬ ‫حتى ميدان الشهداء عند السرايا احلمراء ليلتقي بالنهر القادم‬ ‫من الشرق وال��ذي انفجر في تاجوراء وسوق اجلمعة م��اراً على‬ ‫أب��وس�ت��ه وزاوي���ة ال��ده�م��ان��ي وف�ش�ل��وم وب��ن ع��اش��ور حتى ميدان‬ ‫الشهداء‪.‬‬ ‫وج��دت نفسي أسير وس��ط النهر تقذفني أمواجه حتى ملتقى‬ ‫شارع عمر املختار بشارع الرشيد‪ ،‬هناك توقف زحف اجلموع‬ ‫وسمعت إطالق الرصاص‪ ،‬رأيت وزارة الداخلية تشتعل‪ ،‬والهتاف‬ ‫ال يتوقف‪:‬‬ ‫ الشعب يريد إسقاط النظام‪.‬‬‫يرتفع صوت الرصاص وتتدافع الناس إلى اخللف‪.‬‬ ‫صعدت مع شارع الرشيد في اجتاه جامع أبورقيبة يقف بعض‬


‫كان القذافي أشبه بالقائد بيترو دي نافارا الذي‬ ‫غزا طرابلس عام ‪1510‬‬ ‫عند الواحدة والنصف لي ًال دخلت الكتائب وهي‬ ‫تطلق الرصاص من شارع الوادي وشارع ميزران‬ ‫وكان عدد الشهداء كبير جداً‪ ..‬هرب الناس‬ ‫وهربت إلى سوق املشير وتوغلت في املدينة‬ ‫القدمية حتى وجدت نفسي أقف أمام باب‬ ‫البحر‬

‫السكان في شرفات منازلهم يهتفون‪:‬‬ ‫ معمر هرب‪ ..‬معمر هرب‪.‬‬‫أنزل هذا الهتاف السكينة على امل��ارة خاصة بعد تكونت حلقة‬ ‫حول مقهى خلف جامع أبورقيبة وجهاز التلفزيون يبث من أحدى‬ ‫القنوات التي أذاعت خبراً عن هروب القذافي إلى فنزويال‪.‬‬ ‫وصلت الفندق مروراً بسوق النخاسة وتوقفت قلي ً‬ ‫ال عنده استرجع‬ ‫ق��راءة تاريخ هذا املكان حيث كان يباع البشر‪ .‬هاهو يُقتل فيه‬ ‫البشر‪ ..‬ه��ذا املكان ال��ذي شهد دخ��ول الفاحتني املسلمني إلى‬ ‫طرابلس التي فتحت من جهتها الغربية بني السور والبحر بالرغم‬ ‫من وص��ول قواتهم من الشرق‪ ،‬وهو نفس املكان ال��ذي بني فيه‬ ‫فندق فرسان القديس يوحنا «كورنثيا» وأطلق على إحدى قاعاته‬ ‫«بيترو دي نافارا» هذا الذي قاد احلملة االسبانية على طرابلس‪،‬‬ ‫وهو الذي أمر بقتل ستة آالف طرابلسي وألقى بجثثهم في البحر‬ ‫وم��واج��ن املسجد وأح��رق بعضها‪..‬وأسر خمسة عشرة أل�ف�اً‪..‬‬ ‫بالتأكيد ليس صدفة أن يبنى الفندق ليغلق نفس الفتحة التي‬ ‫دخل منها الفاحتني املسلمني‪.‬‬ ‫الساعة اآلن الثانية صباح االثنني‪ .‬قاعة الفندق تعج بالنزالء الذين‬ ‫حتلقوا حولي عند دخولي‪ ،‬أغلبهم من أسر اجلرحى‪ ..‬واختفى‬ ‫أغلب عناصر األمن إال شخصني منهم وفي أثناء حتلقهم حولي‬ ‫طرق زجاج باب الفندق‪ ..‬يظهر خلف الباب شاب في العشرينات‬


‫‪28‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫قال الشاهد‪..‬‬

‫من عمره‪ ..‬قال إنه من فشلوم خرج من ميدان الشهداء يبحث‬ ‫عن سيارته التي أوقفها في شارع البلدية‪ ..‬وإنه ال يعرف أين يقع‬ ‫الشارع اآلن‪ ..‬هذا الشاب الفشلومي شاهد عيان عما حدث في‬ ‫ميدان الشهداء‪ ..‬روايته تقول انطلقنا من فشلوم عند العاشرة‬ ‫ووصلنا ميدان الشهداء‪ .‬ع��دد من ك��ان في ميدان الشهداء ال‬ ‫يقل عن ‪ 50‬ألف شخص‪ .‬شارع الشط وحديقة الفندق الكبير‬ ‫نفس العدد أو أكثر‪ ..‬عند الواحدة والنصف لي ً‬ ‫ال دخلت كتائب‬ ‫القذافي تطلق الرصاص من شارع ال��وادي وشارع ميزران‪ .‬كان‬ ‫عدد الشهداء كبير جداً‪ ..‬هرب الناس وهربت إلى سوق املشير‬ ‫وتوغلت في املدينة القدمية حتى وجدت نفسي أقف أمام الفندق‪.‬‬ ‫ضابط األمن أعتقد أن أسمه كان «الناجح» أعطاه مفتاح غرفة‬ ‫وقال له أدخل واسترح حتى الصباح‪ ..‬رفض الشاب الدخول إلى‬ ‫الغرفة وقال سأبقى هنا مع اجلماعة‪ ..‬بعد قليل يطرق زجاج باب‬ ‫الفندق‪ ...‬الواقفون خلف الباب ثالثة عسكريني يحملون سالحاً‬ ‫وحالتهم سيئة‪ ،‬أحدهم ال يرتدي ح��ذاءه‪ ..‬حتدث معهم ضابط‬ ‫األم��ن خ��ارج الفندق قالوا له نحن من كتيبة األم��ن وهربنا من‬

‫ميدان الشهداء نريد ماء نشرب ونستريح‪ ..‬استلم منهم سالحهم‬ ‫وأودع��ه عند االستقبال‪ ،‬واستلم منهم بطاقاتهم‪ّ .‬‬ ‫اطلعت على‬ ‫البطاقات‪ .‬ثالثتهم من مواليد مدينة سبها‪ ..‬ومنحهم مفتاح‬ ‫الغرفة التي سبق وأن أعطى مفتاحها للشاب ورفض‪ ..‬وصعدوا‬ ‫لالستراحة‪.‬‬ ‫جلست وضابط األمن وعدد من نزالء الفندق من الشباب جرحى‬ ‫موقعة القنصلية اإلي�ط��ال�ي��ة‪ ،‬وج��دت ف��رص��ة ف��ي التحدث إلى‬ ‫الشباب‪ ..‬سألتهم عن اجتماع البغدادي أجابني أحدهم‪.‬‬ ‫ يساوم فينا‪ ،‬قال لنا بإمكانكم استالم مبلغ ‪ 450‬ألف دينار‬‫الليلة‪ ،‬ولكنا رفضنا‪ ..‬نحن ال نساوم على دماء شهدائنا‪ ..‬سنعود‬ ‫إلى بنغازي غداً‪.‬‬ ‫أشرقت شمس يوم االثنني‪ .‬كان صوت الرصاص يئ ّز في أذني‪،‬‬ ‫ولم أذق طعم النوم تلك الليلة‪ ..‬في الصباح توجهت إلى فشلوم‪..‬‬ ‫عند التاسعة صباحاً اجلو الزال يحمل رائحة القنابل املسيلة‬ ‫للدموع ورائحة حرائق اإلط��ارات‪ ..‬واجتهت إلى ميدان الشهداء‬ ‫أكوام من احلجارة والهروات والظرف الفارغ من الرصاص الذي‬


‫جاء البغدادي ليساوم الثوار وقال لهم‬ ‫بإمكانكم استالم مبلغ ‪ 450‬ألف دينار‬ ‫الليلة‪ ،‬ولكنهم رفضوا وقالوا له‪ :‬ال‬ ‫نساوم على الدم‪ ..‬سنعود إلى بنغازي‬ ‫غد ًا‬

‫أطلق ليلة البارحة‪ ..‬قبعات أفراد الكتائب والدخان يتصاعد من‬ ‫وزارة الداخلية واملبنى الذي يقع خلفها‪ ..‬سرت في شارع عمر‬ ‫املختار حتى قاعة الشعب التي وجدتها تشتعل أيضاً‪ ..‬سيارات‬ ‫املطافئ جتوب الشوارع‪.‬‬ ‫في ه��ذه األثناء سمعت ص��وت هدير طائرات حت��وم في اجلو‪.‬‬ ‫كانت أربعة من الطائرات العمودية حامالت اجلنود أو ما درج‬ ‫على تسميته «األبرار اجلوي»‪ .‬كانت الطائرات تتجه نحو غرب‬ ‫املدينة واختفت فوق األفق‪ ،‬وبعد دقائق عادت الطائرات األربعة‬ ‫وهي تتجه شرقاً‪.‬‬ ‫وقفت على مجموعة من الشباب في منطقة قرقارش‪ ،‬حتدثت‬ ‫معهم عما حدث ليلة البارحة‪ ،‬كانوا متخوفني أول األمر ثم سرعان‬ ‫ما حتدثوا عما حدث في منطقتهم ومشاركتهم في املظاهرة التي‬ ‫توجهت نحو ميدان الشهداء‪ ،‬وما أشيع عن هروب القذافي إلى‬ ‫فنزويال‪ ،‬األمر الذي جعلهم يعتقدون أن نظام القذافي قد سقط‬ ‫وأن الثورة في طرابلس قد انتهت بحرق املثابات ومراكز الشرطة‬ ‫ووزارة الداخلية‪ ،‬وأن املوضوع كان خدعة أطلقها النظام لتفريق‬


‫‪30‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫قال الشاهد‪..‬‬

‫املتظاهرين‪ ..‬أحدهم يدعى هيثم عاشور‪ ،‬قال إنه كان في زاوية‬ ‫الدهماني وهو من أحرق مكتب مكافحة الزندقة باألمن الداخلي‪.‬‬ ‫مثلما فعل بيترو دي نافارا القائد االسباني عند غ��زوه ملدينة‬ ‫طرابلس عام ‪1510‬م أعاد القذافي (نافارا اجلديد) التاريخ إلى‬ ‫اخللف خمسمائة سنة ليقتل الطرابلسيني بنفس الهمجية ونفس‬ ‫القسوة‪ .‬كانت اجلرمية أكبر‪.‬‬ ‫تأتي األخبار من بنغازي متالحق ًة‪ ،‬ال مجال لالنتظار‪ .‬اخلبر‬ ‫تلو اخلبر‪ .‬سقطت كتيبة األمن الفضيل بوعمر‪ .‬انظمت قوات‬ ‫الصاعقة للثورة‪ ،‬وفي اتصال مع صديق في مدينة بنغازي قال لي‬ ‫أن املنطقة الشرقية حتررت‪ :‬طبرق‪ ،‬درنة‪ ،‬القبة‪ ،‬البيضاء‪ ،‬املرج‪،‬‬ ‫وبنغازي‪ ،‬وكل املدن الصغيرة أعلنت والئها للثورة‪.‬‬ ‫بني االثنني واجلمعة خرجت نداءات للذهاب إلى مساجد مدينة‬ ‫طرابلس‪ ،‬ومنها تنطلق مظاهرات تعبر عن مناصرة الثورة‪ .‬في‬ ‫الطريق إلى املدينة أرتال من اآلليات العسكرية املزركشة بألوان‬ ‫اجليش ال��ذي كثيراً ما ضننا إن��ه حامي حمى ال��وط��ن‪ .‬دبابات‬ ‫وم��درع��ات ومدفعيات تقف على جانبي الطريق‪ ..‬حتى األحد‬ ‫‪ 20‬فبراير كانت عقيدتنا في جيشنا حمايتنا من العدوان على‬ ‫احل��دود‪ ..‬ولكنه حتول إلى غول ضدنا أطلق رصاصه باجتاهنا‬ ‫في ساحة الشهداء بطرابلس‪.‬‬

‫اجليش الذي حتول إلى كتائب أمنية حلماية األسرة الكرمية التي‬ ‫عاثت في خيرات ليبيا بالطول وبالعرض دون حياء‪ ..‬هذا اجليش‬ ‫الذي تتحول هزائمه بقدرة قادر إلى انتصارات في أوغندا وفي‬ ‫تشاد وعلى احلدود املصرية‪ ..‬اجليش الكتائبي األمني املترسن‬ ‫ب��أن��واع ن��ادرة م��ن األسلحة ه��ا ه��و يستعني مبرتزقة محترفون‬ ‫للقضاء على الشباب في البيضاء وعلى كوبري جليانة وفشلوم‬ ‫وزاوية الدهماني‪.‬‬ ‫عند مداخل األزقة والشوارع الفرعية تقف «التندرة»‪ ،‬تيوتا يابانية‬ ‫صنعت لتمخر عباب ال�ص�ح��راء‪ ..‬ل��م يتوقع اليابانيون عندما‬ ‫صنعوها إنها ستحمل ف��وق ظهرها رش��اش �اً يطلق م��ن فوهته‬ ‫رصاصاً بحجم زجاجة «البيتر صودا» احملبوبة عند الليبيني «مع‬ ‫أكلة أرز بالبصلة»‪.‬‬ ‫وتقف بالقرب م��ن ك��ل «ت �ن��درة» يابانية أخ��رى تدعى «النسر»‬ ‫مميزة مبلصقة على أبوابها‪ ،‬كتب حتت صورة الفارس الذي يرفع‬ ‫سالحه «احلرس الشعبي»‪ ،‬وجلس فيها ثالثة أشخاص وآخرين‬ ‫ميتشقون سالحهم وأصابعهم على األزندة بانتظار العدو الذي‬ ‫سيخرج عليهم من وسط البيوت‪.‬‬ ‫ي��وم اجلمعة ن��داء الغضب ستخرج املساجد ع��ن ط��وره��ا ال��ذي‬ ‫عاشته منذ تولي اخلليفة األموي األول معاوية‪ ..‬بني أمية وخلفه‬


‫يزيد من صلبه‪ ..‬املساجد التي يذكر فيها أسماء الطغاة مباشرة‬ ‫بعد الله‪.‬‬ ‫في كل جمعة‪ ..‬اليوم الذي يلتقي فيه اإلنسان بربه علناً‪ ،‬وأمام‬ ‫اجلميع‪ ،‬وبشكل جماعي‪ ،‬يريد فيه أن يشكوه من هول ما يعاني‬ ‫من عسف وقهر احلكام بالرغم مما فرض عليه من أوامر «من‬ ‫لغى فال جمعة له»‪ ،‬يدخل املسجد صامتاً ويخرج صامتاً إال من‬ ‫إمياءات بحركة من رأسه أو إشارة من عيونه‪ ..‬رمبا كانت أوامر‬ ‫اخلليفة األموي عندما اعتلى املنبر يوماً وهو يحمل عصاه ليكون‬ ‫الرئيس واخلطيب وميلك السلطتني الدنيوية والدينية‪.‬‬ ‫جمعة الغضب استعد لها رجال األمن واملخابرات‪ ،‬مثلما استعد لها‬ ‫اإلمام الذي خط خطبته بعناية خروجاً عن تعليمات السلطان‪..‬‬ ‫سألعن النظام هذا اليوم وسأظهر س��وءات��ه‪ ..‬قالها اإلم��ام وهو‬ ‫يرتدي ثياب اجلمعة التي علقها على مسمار دقة على اجلانب‬ ‫الداخلي من باب غرفته واستخرج من درج دوالبه السفلي زجاجة‬ ‫«البارزيت»‪ .‬كب منها قلي ً‬ ‫ال في ّ‬ ‫كف يده ومسح بها على ثيابه وهو‬ ‫ينظر في املرآة‪.‬‬ ‫خرج اإلمام من بيته‪ ..‬ال أحد في الشارع إال ظله يتبعه‪ ..‬وصوت‬ ‫سيارة اإلسعاف التي تطلق صوت اإلنذار‪ ..‬وهي تأخذ اجتاه آخر‬ ‫الشارع متجه إلى آخ��ره‪ ..‬ينظر الشيخ األم��ام خلفه فال يظهر‬

‫عليه أحد‪ ..‬ينظر في ساعته‪ ..‬ويحدث نفسه البد إن الوقت ال‬ ‫يزال مبكرا‪.‬‬ ‫يواصل طريقه إلى املسجد‪ ..‬ثالث سيارات «تندرة» حتمل مدافع‬ ‫رشاشة حتاصر بيت الله‪ ..‬وعلى ج��دار املسجد بقع كبيرة من‬ ‫الطالء تخفي بعض العبارات التي خطها الشباب باألمس‪ ،‬وقام‬ ‫رجال األمن بإخفائها ليلة البارحة‪ ..‬آثار الكتابة باقية تقرءاها‬ ‫بوضوح عندما تقترب منها «أخرج يا سفاح»‪.‬‬ ‫ه ّم األمام بالدخول بعد أن أطلق السالم على الواقفني عند بوابة‬ ‫املسجد‪ ..‬استوقفه اجلنود دون أن يردوا عليه سالمه‪ ..‬ارتعش‬ ‫وأعاد عليهم السالم‪ ..‬لم يردوه واقترب أحدهم منه‪.‬‬ ‫ أرجع ما فيش جمعه اليوم‪.‬‬‫توقف األم��ام وهو يتناول «شملة» ج��رده التي سقطت من على‬ ‫كتفه‪ ..‬وقال لهم وهو يهم بقذفها على كتفه من جديد‪.‬‬ ‫ هذه ليست معاملة‪ ..‬وهذا صد عن دخول بيوت الله‪.‬‬‫اقترب منه عسكري الكتائب ودفعه إلى اخللف وهو يقول له‪:‬‬ ‫ عدي اشكي‪ ،‬وك ّررها‪ :‬عدي اشكي‪.‬‬‫سقطت دمعة اإلم��ام وهو يعود أدراج��ه حتى اجلمعة ممنوعة‪..‬‬ ‫حتى اجلمعة ممنوعة‪.‬‬ ‫(يتبع)‬


‫‪32‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون ليبية‬

‫ربيع يقصم زهور نسائه!!‬ ‫خديجة بسيكري‬ ‫هل ستحصد ثمار ربيع كانت من أول زراعه أم أنها لن جتني سوى‬ ‫احلصرم؟!! سؤال يتبادر إلى ذهنى وأنا أرقب صيرورة الثورات‬ ‫العربية وانحياز مساراتها إلى دروب لم تكن فى الصورة بادىء‬ ‫االمر‪.‬‬ ‫الثورة فى ليبيا ليست وليدة ‪ 17‬فبراير ‪ .. 2011‬كانت تتأجج‬ ‫منذ سنوات ‪ ..‬منذ بداية االنقالب العسكرى أو ماسمى بثورة‬ ‫الفاحت على احلقبة امللكية التى رأى فيها البعض مساؤي البد‬ ‫من تغييرها رغم أن املرحلة لم يُتح لها فترة زمنية معينة لتثبت‬ ‫فيها حسن نواياها وك��ان��ت تنبىء بعصر متفتح وداع��م للمرأة‬ ‫ول�ك��ن ك��ان��ت ث��ورة ‪ 1969‬وت��وال��ت احمل ��اوالت منذ ب��داي��ة احلكم‬ ‫العسكرى فى ليبيا رغم أننى أميل إلى أن احمل��اوالت االنقالبية‬ ‫فى بداية السبعينات لم تكن إال صراعاً شخصيا على السلطة‬ ‫ولكن اخلروقات اإلنسانية وتضعضع البنية االقتصادية والتعامل‬ ‫الفوقى لفئة قليلة مع باقى أف��راد الشعب أجج سعير الثورة ‪..‬‬ ‫وتعددت احملاوالت التى كان مصيرها اإلعدامات أو السجن املؤبد‬ ‫فى أحسن حاالته إلى أن كانت انتفاضة فبراير التى رمبا هيأت‬ ‫لها ظروف دولية النستطيع إنكارها والجنحد مصداقية الشباب‬ ‫الليبي‪ ،‬واملرأة الليبية التى كانت شرارة حقيقية لها وداعماً كبيراً‬ ‫بعيدا عن أية مخططات خارجية!!‬ ‫املرأة الليبية هى من كسرت حاجز اخلوف عندما كانت أمهات‬ ‫شهداء بوسليم ينظمن وقفة إسبوعية كل يوم سبت مبيدان الشجرة‬ ‫فى مدينة بنغازى حيث ك��ان لهذه الوقفة أهميتها فى اخل��روج‬ ‫عن املألوف؛ فلم يألف الشارع الليبي أية مطالبة علنية للسلطة‪،‬‬ ‫فالنظام القائم حينذاك كان يج ّرم املظاهرات واالعتصامات وإن‬ ‫كانت هذه الوقفات بترتيب مسبق وتنسيق إال أنها تظل بادرة‬ ‫للمرأة الليبية على املستوى السياسى واالجتماعى أيضا‪.‬‬ ‫وبهذا كانت وقفة األمهات النواة والرحم ال��ذى منت فيه ثورة‬ ‫الليبني‪ ،،،‬وعندما اندلعت ش��رارة فبراير كانت احل��اج��ة مرمي‬ ‫املصراتى السيدة الليبية البسيطة حتتضن شابا يسير وحده‬ ‫بالفتة‪ ،‬كانت مبثابة حكم باملوت عليه‪ ،‬يطالب فيها بإسقاط‬ ‫النظام ‪ ..‬احتضنته دون سابق معرفة؛ كانت أما للثورة‪.‬‬ ‫ه��ذه امل��واق��ف شجعت امل��رأة البنغازية‪ ،‬فكان ع��دد املعتصمات‬

‫بساحة احملكمة يفوق أحيانا عدد الرجال ولوال مثابرتهن اليومية‬ ‫لرمبا أنفض اجلمع ‪ ..‬اليعنى ه��ذا أنها السبب املباشر‪ ،‬حيث‬ ‫أننى وبعد رؤية متأنية وان كانت متأخرة للمشهد‪ ،‬اليسعنى إال‬ ‫االع�ت��راف ب��أط��راف أخ��رى كانت غير مرئية تسير معنا وتوجه‬ ‫عاطفتنا لألسف ف��ى الساحات وامل�ي��ادي��ن‪ ،‬ولكنها كانت دافعاً‬ ‫حقيقياً وصادقاً أجج وتيرة الغضب والرفض لدى املعتصمني بل‬ ‫أن وجود النساء أربك رجال االمن الليبي الذى لم يكن معتادآ على‬ ‫تواجدهن فى الشوارع بهذا الشكل الكبير‪ ..‬رمبا يصر البعض على‬ ‫تسمية أحداث فبراير باالنتفاضة وساتفق معهم نظرآ للتداعيات‬ ‫التى تلتها والتى لم تقتلع مساؤي النظام السابق كما يحدث فى‬ ‫الثورات احلقيقية عادة ولكننى أؤكد أن هذا احلدث يشكل ثورة‬ ‫حقيقة وتغييراً جذرياً فى حياة املرأة الليبية‪ ..‬رمبا لم تؤسس له‬ ‫فكريا ولم تتأطر فى تكتالت وأحزاب ولم متارس منهجآ مدروسا‬ ‫أو فكرا معينا إال أنها وجدت نفسها حيال موقف وطنى ومجابهة‬ ‫واقع يلزم تغييره على كافة األصعدة ‪ ..‬املرأة لم تطلب اإلذن من‬ ‫أحد للخروج إلى الشارع عكس حياتها العادية ومنطية السلوك‬ ‫امل�ت��داول لديها س��واء اجتماعيا أو دينيا‪،،‬د لكنها مارست ثورة‬ ‫فعلية حتى سقوط القذافي‪ ،‬واقتحمت مجاالت لم تكن لتفكر فى‬ ‫ارتيادها سابقا حيث انخرطت فى مجال املجتمع املدنى والذى لم‬ ‫يكن باملتداول فى ليبيا إال فى صورة جمعيات خيرية محدودة‪..‬‬ ‫لهذا عندما تشكلت لدينا مؤسسات مدنية وحقوقية كانت تدار‬ ‫بعقلية اجلمعيات اخليرية! إال مارحم ربي‪ ،،،،،‬غير أن وقفة النساء‬ ‫كانت فاعلة وضرورية حينذاك لكن مبجرد غياب القيادة الليبية‬ ‫السابقة تسربت مناهج أخرى لم تكن ظاهرة فى املشهد اليومى‬ ‫للثورة وأصبح هناك خط أخر تساق إليه رمبا دومنا وعى منها‬ ‫بينما تنبهت إليه قليل من النساء املرتكزات إلى قيم فكرية حيث‬ ‫مت تقسيم ساحة احملكمة ووضع النساء داخل سياج حديدى بحجة‬ ‫حمايتهن وكنا نحن النساء املتمترسات خلف وعى مسبق بهذه‬ ‫األحاييل نرفض هذا الفصل القسرى ونحتج عليه إال أننا جنابه‬ ‫بانصياع كبير من فئة كبيرة من النساء!! هذه صدمتنا األولى في‬ ‫سياق الثورة وقمنا بحمالت توعية وتأكيد على أهمية دور املرأة‬ ‫فى صنع الثورة وإجناحها وأنه ليس من حق أى كان مصادرتها أو‬


‫اخلروقات اإلنسانية وتضعضع البنية االقتصادية‬ ‫والتعامل الفوقي لفئة قليلة مع باقي أفراد الشعب‬ ‫أجج سعير الثورة‬ ‫كان عدد املعتصمات بساحة احملكمة يفوق‬ ‫أحيانا عدد الرجال ولوال مثابرتهن اليومية‬ ‫لرمبا أنفض اجلمع !‬ ‫عندما تشكلت لدينا مؤسسات مدنية وحقوقية‬ ‫كانت تدار بعقلية اجلمعيات اخليرية إال مارحم ربي‬ ‫مت تقسيم احملكمة ووضع النساء داخل سياج‬ ‫حديدي بحجة حمايتهن وكنا نحن النساء‬ ‫املتمترسات خلف وعي مسبق بهذه األحاييل نرفض‬ ‫هذا الفصل القسري‬ ‫نرى اليوم خطاب ًا يحصر املرأة في خانة العورات‬ ‫واحملرمات وأبتليت البالد بأجندات أولى أولوياتها‬ ‫إقصاء النساء‬ ‫إذا لم تنبر املرأة الليبية للتصدي للتيارات املتطرفة‬ ‫فإنها ال محالة ستكون أولى ضحايا التطرف‬

‫الليبيات شاركن في الثورة ‪ ..‬فماذا كان اجلزاء؟‬

‫حجرها خلف قضبان حديدبة بحجة حمايتها ‪ ..‬رغم انضمام‬ ‫الكثير من النساء فى تكتالت سياسية وأنشطة اجتماعية إال أن‬ ‫هناك تأطيراً حلضورهن ومراوغة فى توظيف أصواتهن وأدوارهن‬ ‫من مد رجعى لألسف نكبت به الثورات العربية إال أنه يبدو أكثر‬ ‫تأكيدا فى ليبيا بوصول تيار متشدد إلى مراكز السلطة وأحيانا‬ ‫لغياب سلطة رادعة تتكون ميليشيات تبسط سيطرتها على حضور‬ ‫امل��رأة بالترغيب أحيانا وبالترهيب ف��ي أح��اي�ين كثيرة وإن كان‬ ‫تواجدهم يتفاوت من منطقة ألخري بحسب الوعى املجتمعى فيها‪،‬‬ ‫فقد وص��ل األم��ر بفرض اخلمار على النساء فى بعض املناطق‬ ‫وفصل الطالب فى املدارس واجلامعات؛ عليه نري أنه مازال أمام‬ ‫املرأة دور كبير والبد من التفطن إلى ذلك والعمل على تدعيم املرأة‬ ‫وزرع ثقتها فى نفسها وأهمية دورها فى صنع التغيير السياسى‬ ‫واالجتماعى الذى تصبو إليه البالد‪ .‬هنا كانت أول أبجدية التققهر‬ ‫حيث أصبحت املرأة الليبية بدال من السعى وراء حقوق حتلم بها‬ ‫صارت أكثر قلقاً على مكاسب نالتها فى العهد السابق الذي يشهد‬ ‫له رغم العديد من املساؤي إال أنه كان منصفا للمرأة فى بعض‬ ‫اجلوانب‪ ،‬بينما نرى اليوم تراجعا كبيرا وخطابا يحصر املرأة فى‬ ‫خانة العورات واحملرمات‪ ،‬وابتليت البالد بافكار هدامة وأجندات‬ ‫أولى أولوياتها إقصاء النساء واملتاجرة بهن باسم الدين‪.‬‬ ‫إننى أرى إن لم تنبرِ املرأة الليبية للتصدى لهذه التيارات املتطرفة‬ ‫م��ع التأكيد على دوره��ا الرئيسى‪ ،‬فإنها المحالة ستكون أول‬ ‫ضحايا التطرف‪.‬‬


‫‪34‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون دولية‬


‫التغيير‬ ‫مجرد لعبة انتخابية‬

‫األمريكيون الذين انتخبوا «ب��اراك أوباما» أرادوا التغيير وأجازوه‪..‬وحملوا كل أمانيهم ورغباتهم الوردية‬ ‫وركضوا خلف شعار التغيير‪ ,‬وجعلوا له معاني ايجابية وأشكال بهية وصور زخرفها األمل في األفضل‪ ,‬ونسوا‬ ‫أو تناسوا بإرادتهم وحتت طغيان واقعهم وأحداثه وتفاصيله‪ ,‬أن ذاك التغيير الذي هتف به «أوباما» وردده‬ ‫طوال فترة ترشحه لم حتدد له سمة أو ترسم له حدود وخارطة‪ ,‬بل حمل مزايا عديدة قريبة وبعيدة إيجابية‬ ‫وسلبية‪ ,‬واقعية وغير واقعية في بعض النواحي‪ ,‬ومازال وسيظل متجسد ا في كل حدث يحوي التغيير أو‬ ‫يجسده بأمريكا أو خارجها‪!..‬‬

‫عبدالواحد حركات‬

‫مرشح الرئاسة األمريكية‬ ‫جيب بوش‬

‫هيالري كلينتون فشلت في‬ ‫أن تكون أول رئيسة أمريكية‬

‫بوش ‪ ..‬هل كان قارئا جيدا‬ ‫للعبة السياسية ؟‬


‫‪36‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون دولية‬

‫التغيير بأمريكا بدأ قبل «أوباما»‪ ,‬ووجود «أوباما» ووصوله للرئاسة‬ ‫يشكل حتوال كبيرا وتغييراً كلي في أسس تكوين الواليات املتحدة‪,‬‬ ‫وقد كان وعي «أوب��ام��ا» بالتغيير يحوي رؤى خاصة وينطلق من‬ ‫مبادئ وقيم شخصية‪ ,‬يرتبط بعضها ارتباطاً بنيوياً بطبيعته‬ ‫كمواطن أمريكي أس��ود‪ ,‬ي��رى السياسة واحل�ي��اة األمريكية من‬ ‫زاوية السود‪ ,‬ويتخذ مواقفه من تلك الشعارات التي دأبت اإلدارة‬ ‫األمريكية على رفعها منذ «ج��ورج واشنطن»‪ ,‬ويفسرها بوعي‬ ‫السود التراكمي ومكانتهم في أمريكا‪ ,‬ويعلم كما يعلم كل أسود‬ ‫في أمريكا‪ ,‬أنه أمريكي أسود خاض أسالفه نضاالً مريراً للوصول‬ ‫إلي حقوقهم‪ ,‬وأنه «آخر» وسط مجتمع تتلمذ على تراتبية األبيض‬ ‫واألسود‪ ,‬وقد حتسس «أوباما» تلك العنصرية اخلفية التي متلئ‬ ‫بها ردهات السلطات األمريكية وتعشش بأدراجها‪ ,‬وتعبق روائحها‬ ‫في أرجاء البيت األبيض‪ ,‬وعاش بطريقته عنصرية أخرى مضادة‬ ‫للبيض ولنتاج إداراتهم وسلطاتهم‪ ,‬ووضع عالمات نهاية أو نهايات‬ ‫فعلية لبعض املشروعات األمريكية‪ ,‬التي تبدو مبجملها مشروعات‬ ‫مكللة بالعنصرية وبفوقية الرجل األبيض املبغَـض‪!..‬‬ ‫ارتقاء «أوباما» لسلم السلطات صاحبته قناعات األسود‪ ,‬وأظهر‬ ‫بجالء خ�لال م��راح��ل ص�ع��وده انحيازه للقضايا املطلبية‪ ,‬ودع��م‬ ‫تقدمي قوانني متعلقة بنظم الرعاية الصحية وإص�لاح تشريعات‬ ‫اإلق��راض والضرائب االئتمانية‪ ,‬وذهب إلي أقصى حد في والية‬ ‫أل�ي�ن��وي‪ ,‬ال�ت��ي اتخذها كسلم قصير يوصله إل��ي السلطة‪ ,‬وقد‬ ‫انتخب عضواً مبجلس شيوخها ملدة طويلة‪ ,‬استطاع خاللها تنمية‬ ‫قدراته السياسية وال�ب��زوغ ضمن قيادات احل��زب الدميقراطي‪,‬‬ ‫ونتيجة اهتمامه بتشريعات الرعاية الصحية انتخب لرئاسة جلنة‬ ‫اخلدمات الصحية واإلنسانية بوالية ألينوي‪ ,‬وسعى بوساطات‬ ‫لتقريب احلزبني الدميقراطي واجلمهوري لطرح تشريعات مهتمة‬ ‫برصد التمييز العنصري‪ ,‬وكان وراء أسبقية والية ألينوي في انتهاج‬ ‫الشفافية وتصوير عمليات االستجواب لتحقيقات اجلرائم‪ ,‬وساهم‬ ‫بطريقة مباشرة في إصالح عقوبة اإلعدام التي كانت تشكل أزمة‬ ‫كبيرة جلهاز الشرطة وللقضاء‪!.‬‬ ‫البشرة السوداء لم جتبر «أوباما» على االختباء في أكوام القش‪..‬‬ ‫ولم تخليه البروتوكوالت البراغماتية وآالعيب السياسة من صور‬ ‫مارثن لوثر كينغ ومالكوم إك��س وكلوديت كولفن وروزا باركس‪,‬‬ ‫ولعل كل هؤالء كانوا وراء اندفاع «أوباما» باجتاه السلطة وبشكل‬ ‫مباشر‪ ,‬وقد كان وراء جناحه ماليني السود‪ ,‬وزاد من فرصة النجاح‬ ‫االندحار املرحلي للعنجهية البيضاء التي اقترفها وداوم عليها‬ ‫«جورج دبليو بوش»‪ ,‬طوال فترة رئاسته وتلك األزمات الداخلية التي‬ ‫وطنها بالواليات املتحدة‪ ,‬وتلك احلروب الصليبية التي أعلنها عنوة‬ ‫على دول عديدة في الشرق األوس��ط واجلنوب اآلسيوي‪ ,‬وكانت‬ ‫ضرورات التغيير في نهج السياسة األمريكية تفسح املجال لتراجع‬ ‫اجلمهوريني وتقدم الدميقراطيني‪ ,‬وأصبح اخليار األصعب املتاح‬ ‫للناخبني األمريكيني بني انتخاب إم��رأة لرئاسة الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ,‬ومنح «هيالري كلينتون» امتياز السبق كأول إمرأة حتكم‬ ‫أمريكا‪ ,‬وبني انتخاب رجل أسود للرئاسة‪ ,‬ومنح «ب��اراك أوباما»‬ ‫امتياز آخ��ر للسبق ك��أول رئيس أمريكي أس��ود‪ ,‬فرجحت كفة‬ ‫«أوباما» بعد تراجع «هيالري» وتخليها عن الترشح لصاحله‪!..‬‬ ‫هتاف «أوباما» بالتغيير محض لعبة انتخابية بأغلبه‪ ,‬فقد حدث‬

‫هل اخترق السود «احللم األمريكي حق حصري للبيض»؟‬

‫التغيير الذي هتف به أوباما وردده طوال فترة‬ ‫ترشحه لم تحُ دد له سمة أو ُترسم له حدوح‬ ‫وخارطة‬ ‫زاد من فرصة جناح الرئيس األسود االندحار‬ ‫املرحلي للعنجهية البيضاء التي أقترفها وداوم‬ ‫عليها جورج دبليو بوش‬

‫التغيير منذ زمن طويل‪ ,‬ورسم خطواته األولى الرئيس األمريكي‬ ‫السادس عشر «أبراهام لنكولن‪ ,»1865-1861 -‬بإعالن حترير‬ ‫العبيد «‪ »1862‬في الواليات الكونفدرالية‪ ,‬واتساع هذا التحرير‬ ‫ليشمل بوقت وجيز كافة الواليات األمريكية‪ ,‬هذا احلدث الرهيب‬ ‫ألقى بظالله على «أوباما»’ وحت��ول إلي منطلق سياسي تصبغه‬ ‫الذاتية وتسيطر عليه‪ ,‬وق��د عبر «أوب��ام��ا» عن عرفانه وتقدير‬ ‫ألبراهام لنكولن «محرره» منذ بداية مسيرته باجتاه البيت األبيض‪,‬‬ ‫وذلك حني أعلن ترشحه لالنتخابات الرئاسية من أمام مبنى والية‬ ‫ألينوي بـــ «سبرينغفيلد»‪ ,‬املكان الذي ألقى منه «أبراهام لنكولن»‬ ‫خطابه الشهير «البيت املنقسم‪ »1858 -‬قبل توليه الرئاسة‪ ,‬وكانت‬ ‫هذه إشارة صريحة على اتخاذ «أوباما» لنهج «لنكولن»‪ ,‬وتذكير‬ ‫صريح بانتمائه إلي السود واعتناقه لقضاياهم ورغبته في استكمال‬ ‫حتررهم بوصولهم إلي الرئاسة في شخصه‪!..‬‬ ‫وصول «أوباما» لم يكن استثنائيا‪ ,‬وال يعد مفاجأة رهيبة بالنسبة‬ ‫لألمريكيني‪ ,‬فقد تهيأ األمريكيون إلي انتخاب أس��ود‪ ,‬من خالل‬ ‫م��راح��ل مت فيها متكني ال�س��ود م��ن اإلدارات العليا ف��ي حكومة‬ ‫الواليات املتحدة‪ ,‬فقد اعتاد األمريكيون على الوجوه السوداء في‬ ‫العقود الثالثة األخيرة من القرن العشرين بعدة مناصب‪ ,‬وتولي‬ ‫«كولن باول « و»كوندوليزا رايس» لوزارة اخلارجية األمريكية بفترتي‬ ‫«جورج دبليو بوش» الرئاسية على التوالي‪ ,‬مهد الطريق النتخاب‬ ‫أمريكي أس��ود للرئاسة‪ ,‬ورغ��م تعدد السود باحلكومة األمريكية‬


‫مصالح األمريكيني واإلسالميني ألتقت كثيرا‬

‫ضرورات التغيير في نهج السياسة األمريكية‬ ‫كانت تفسح املجال لتراجع اجلمهوريني وتقدم‬ ‫الدميقراطيني‬ ‫اعتاد األمريكيون على الوجوه السوداء في‬ ‫العقود الثالثة األخيرة من القرن العشرين‬ ‫وهم يتقلدون مناصب سيادية‬

‫إال أنهم جميعاً غير مهيأون لتولي الرئاسة‪ ,‬التي كانت حتتاج‬ ‫إلي نقيض ومغاير لـــــــ»بوش»‪ ,‬وتتطلب تركة العنف والتوتر التي‬ ‫خلفها إلي استدارة كلية في السياسات األمريكية حيال أغلب وأهم‬ ‫القضايا واألزمات العاملية‪ ,‬فبعدما صارت الواليات املتحدة القوة‬ ‫املسيطرة على العالم واملدبرة لشئونه‪ ,‬بات عليها إتباع سياسات‬ ‫لينة باجتاه العديد من القوى الناشئة في العالم‪ ,‬ويتحتم عليها عدم‬ ‫التورط في مواجهات مباشرة مع تلك القوى لضمان عدم إجبارها‬ ‫على التسلح وتضخيم قواها حال تصنيفها كأعداء للواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ,‬وهذا ما مثله «أوباما» واستطاع تبنيه كمشروع‪!..‬‬ ‫الوعد املفتوح لتحقيق التغيير الذي أطلقه «أوباما» لألمريكيني‬ ‫لم يخضع للتقييم حتى بعد انتهاء فترته الرئاسية األول��ى‪ ,‬فما‬ ‫حدث من تغيير في العالم اشتركت في صنعه الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية بطريقة ما‪ ,‬وخروج القوات األمريكية من أفغانستان‬ ‫وال �ع��راق مي�ث�لان أه��م التغييرات ال�ت��ي حققها وج��ود «أوب��ام��ا»‬ ‫بالرئاسة‪ ,‬فقد تعهد بسحب القوات األمريكية من العراق قبل‬ ‫وصوله للرئاسة‪ ,‬وكانت من أولى اخلطوات العملية التي اتخذها‬ ‫فور وصوله للرئاسة اتخاذ تدابير تنفيذية بشأن سحب قوات‬ ‫أمريكا من العراق‪ ,‬واصدر أوام��ره بإغالق معتقل «غوانتانامو»‬ ‫سيئ السمعة‪ ,‬وشدد على مراعاة حقوق اإلنسان باجتاه املعتقلني‬ ‫بداخله‪ ,‬واستطاع بالفعل ترسيخ قناعات ايجابية لدى الناخبني‬ ‫األمريكيني وعلى مستوى الرأي العام العاملي‪ ,‬ولم يتعرض إلي أي‬

‫نقض أو معارضة أو احتجاج على سياساته الداخلية واخلارجية‬ ‫طوال فترته الرئاسية األولى‪!..‬‬ ‫الهدوء النسبي ال��ذي حققته سياسات «أوب��ام��ا»‪ ,‬كان ميثل تهيئة‬ ‫ومتهيداً النفجارات عنيفة على املستوى العاملي‪ ,‬واستغالل «أوباما»‬ ‫الغتيال «أسامة بن الدن»‪ ,‬واالحتفال بحدوثه كاجناز سياسي‬ ‫وانتصار مهم للسياسة األمريكية‪ ,‬لم يحدث أي رد فعل إسالموي‬ ‫ضد أمريكا‪ ,‬وذلك النتهاج الواليات املتحدة لسياسة براغماتية‬ ‫يغطيها اللني باجتاه اإلسالمويني‪ ,‬الذين أشرفت على حتريكهم‬ ‫خلوض معاركهم مع األنظمة العربية‪ ,‬ووفرت لهم الدعم والتأييد‬ ‫ملواجهة تلك األنظمة وإسقاطها‪ ,‬وأمعنت في إغراقهم بوحل الفساد‬ ‫والسياسة‪ ,‬للتمكن من توريطهم مبواجهات صريحة مع املجتمعات‬ ‫اإلسالمية‪ ,‬وتضمن أمريكا لنفسها راحة طويلة وشفاء كامل من‬ ‫حالة اإلسالموفوبيا التي سببتها هجمات «‪ 11‬سبتمبر»‪ ,‬وظلت‬ ‫تتعاظم مع توالي تصريحات «أسامة بن الدن» وتهديداته ألمريكا‬ ‫ورعاياها ومصاحلها‪!..‬‬ ‫تالقي املصالح األمريكية مبصالح اإلسالمويني دعم الطرفني‪,‬‬ ‫ولكنه أعطى اإلسالمويني فرصة الظهور كقوة إقليمية صاعدة‪,‬‬ ‫يرى الكثيرون أنها ستهدد مستقبل الواليات املتحدة األمريكية‪,‬‬ ‫ولعل ما مييز هذه القوة الصاعدة هو عامليتها وشموليتها وكفرها‬ ‫بالسياسات األورو ‪ -‬أمريكية‪ ,‬مما يجعل وجودها دليل تراجع في‬ ‫القوة األمريكية‪ ,‬ولعل أشنع التغييرات التي أحدثها «أوباما» هو‬ ‫تغيير سياسة الواليات األمريكية باجتاه اإلسالمويني‪ ,‬فقد اعتادت‬ ‫الواليات املتحدة مهادنة األنظمة الشرق أوسطية‪ ,‬والتعامل معها‬ ‫بصفة ال�ع��داء الظاهري وال ��وداد اخلفي بسبب اشتراكهما في‬ ‫عداء اإلسالمويني‪ ,‬والتقائهما في خط محاربة نشوء وتكون قوة‬ ‫أو دولة إسالموية متطرفة‪ ,‬غير أن «أوباما» غير هذا االعتياد‬ ‫وورط أمريكا في رقصات علنية مع فصائل اإلسالمويني في‬ ‫الشرق األوسط‪ ,‬وحول قواتها وإمكاناتها إلي أدوات طيعة بأيدي‬ ‫اإلس�لام��وي�ين‪ ,‬استطاعوا باستخدامها واالم �ت��زاج بها إسقاط‬ ‫األنظمة بأزمان قياسية‪ ,‬وذهبوا إلي تكوين دولتهم على أنقاض‬ ‫تلك األنظمة‪ ,‬ووص�ل��وا إل��ي حالة املواجهة املباشرة مع أوروب��ا‬ ‫وأمريكا بعدما اختفت ضغائنهم على السوفييت‪!..‬‬ ‫لم يستطع «أوباما» إدارة التغيير لصاحله كما كان يعتقد‪ ,‬فقد حدث‬ ‫التغيير بشكل اعتباطي داخل الواليات املتحدة األمريكية‪ ,‬وبدأت‬ ‫االحتجاجات املنذرة باندالع ربيع أمريكي تشتد وت��زداد‪ ,‬وتعالت‬ ‫أص��وات العنصرية اخلفية وأعلنت عن وجودها‪ ,‬وبرز لسياسات‬ ‫«أوباما» أعداء ومعارضني بعد إسقاط أنظمة مصر وليبيا‪ ,‬ورغم‬ ‫حتمل «هيالري كلينتون» للمسئولية السياسية عن مقتل السفير»‬ ‫كريستوفر ستيفنز» في بنغازي‪ ,‬إال أن هنالك العديد من األصابع‬ ‫التي تشير إل��ي ت��ورط «أوب��ام��ا» و» ديفيد بترايوس» مدير وكالة‬ ‫االستخبارات املركزية األميركية‪ ,‬وتعد االنتخابات القادمة مرحلة‬ ‫تراجع عن التغيير الذي أحدثه «أوباما»‪ ,‬ولعل ترشح اجلمهوري‬ ‫«جيب ب��وش» لالنتخابات الرئاسية «‪ »2016‬مقابل «هيالري‬ ‫كلينتون» مرشحة احلزب الدميقراطي‪ ,‬ميثل بداية التراجع‪!..‬‬ ‫إن وصول « جيب بوش» سيعيد الواليات املتحدة إلي عهد «بوش‬ ‫األب»‪ ,‬وستتحول السياسة إلي جتديد وترميم العالقات مع الدول‬ ‫األوروبية‪ ,‬وستجدد العداء مع الصني واغلب دول الشرق األوسط‪,‬‬ ‫وقد تعيد استعدادات «جيب بوش» لالنتخابات تفاصيل خارطة‬ ‫وصول «جورج األب» للرئاسة‪ !..‬خلط «أوباما» األوراق األمريكية‬ ‫ب� ��األوراق اإلس�لام��وي��ة‪ ,‬جعل احل�ك��وم��ة األمريكية مرغمة على‬ ‫ابتالع غصات اإلسالمويني‪ ,‬ومعايشتهم لضمان حماية مصاحلها‬ ‫واستقرار إسرائيل‪ ,‬وقد احدث انقسام حقيقي في البيت األمريكي‬ ‫الذي لن يتمكن من الصمود طوي ً‬ ‫ال‪!..‬‬


‫‪38‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫قبل أن أنسى‬

‫تأويل ما نحن فيه‬ ‫الصديق بودوارة‬ ‫للناس بصر‪ ،‬ولألديب بصيرة‪ .‬هذه هي القاعدة الذهبية التي ال‬ ‫مناص من التسليم بها ولإلقرار بصحتها ولو كره الكارهون‪.‬‬ ‫للناس بصرهم املتعجل‪ ،‬ذاكرتهم املتسرعة‪ ،‬ومخزونهم الذي ال‬ ‫يحسب حساباً للسنني العجاف‪.‬‬ ‫لكن األدي��ب والشاعر واملفكر شئ آخ��ر‪ ،‬إنه كون مختلف‪ ،‬فمن‬ ‫أراد أن يصل إلى بصيرة املبدع‪ ،‬عليه أن يقرأ ما يعنيه‪ ،‬ال أن‬ ‫يقرأ ما يكتبه‪.‬‬ ‫« زكريا تامر»‪ ،‬وهو الغني عن التعريف‪ ،‬كتب منذ ‪ 26‬سنة يالتمام‬ ‫والكمال‪ ،‬وبالتحديد في العدد السابع من مجلة «الناقد»‪ ،‬طيبة‬ ‫الذكر‪ ،‬التي سكتت عن الكالم منذ عام ‪ 1995‬ولم تنبس بورقة‬ ‫واحدة حتى اآلن‪ .‬كتب «زكريا» قصة كان اسمها «التأويل» ضمن‬ ‫زاوية ثابتة كان يخصصها للناقد وقد اختار لها اسم « قال امللك‬ ‫لوزيره»‪.‬‬ ‫أحياناً يضيع امللوك أوقاتهم في احلكم‪ ،‬لكنهم ال يضيعونها‬ ‫في الكالم‪ ،‬نظرية غريبة بعض الشئ‪ ،‬لكنها حقيقية إلى ٍ‬ ‫حد ال‬ ‫يُصدق‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬ملاذا نرجع إلى الوراء ‪ 26‬عاماً لكي نعالج مساف ًة من الفراغ‬ ‫صارت تشغلنا هذه األي��ام؟ وإلى أين صار يقودنا الشك ويعبث‬ ‫باليقني الذي طاملا اعتقدنا بثباته ودميومته وصوابه؟‬ ‫لنبدأ هذه املقالة باالعتراف إذن‪ ،‬فقد صار علينا أن نعترف بأن‬ ‫الكثير من الثوابت قد أصابها االه�ت��زاز‪ ،‬وأن القضايا الكبرى‬ ‫املصيرية‪ ،‬أصبحت اآلن مجرد هياكل معدنية صدئة ال حتتاج منا‬ ‫املوت دونها بقدر ما حتتاج دورة صيانة مكثفة‪ ،‬لكي ال أتورط في‬ ‫الدعوة الجتثاثها نهائياً من على وجه الواقع املعاش‪.‬‬ ‫إن القضايا « امللحة»‪ ،‬و»احلتمية»‪ ،‬و»الكبرى»‪ ،‬و»احللم املقدس‬ ‫باحلرية»‪ ،‬و»ض��رورة الكتابة ضد قبضة العسكر»‪ ،‬والدعوة إلى‬ ‫«امل��وت من أجل االنعتاق النهائي» من سيطرة األقلية احلاكمة‪،‬‬ ‫كل هذا الركام أصبح اآلن عبئا على منظريه‪ ،‬ومحل شك كبير‬ ‫من املجاميع التي كانت منذ عقد واح��د من الزمان على أهبة‬ ‫االستعداد لتموت من أجله‪.‬‬ ‫هذا هو الواقع اجلديد الذي يتشكل اآلن‪ ،‬فكيف ميكن أن نكتب‬ ‫نقداً من واقع احلال لقصة «زكريا تامر» التي كتبها منذ ‪ 26‬سنة‬

‫بالتمام والكمال؟‬ ‫إن املبدع «زكريا تامر» يصور في قصته الساخرة مشهداً ٍ‬ ‫مللك‬ ‫مستبد يروي لوزيره اخلانع الذليل‪،‬حلماً راوده ليلة البارحة‪ ،‬فكيف‬ ‫كان حلم امللك‪ ،‬وكيف كانت مذلة الوزير؟‬ ‫امللك ــ رأيت الناس يدخلون إلى حديقة قصري من غير إذن‪.‬‬ ‫الوزير ــ سنقبض عليهم فورا‪.‬‬ ‫امللك ــ هجموا على كل مافي حديقتي من شجر‪ ،‬وأكلوا الثمار‬ ‫كلها‪ ،‬وعندما نفذت الثمار أكلوا أوراق الشجر‪ ،‬وعندما نفذت‬ ‫األوراق أكلوا األغصان‪ ،‬وعندما نفذت األغصان أنقضوا على‬ ‫اجلذوع محاولني التهامها‪.‬‬ ‫ويواصل امللك بعد ذلك وسط نفاق الوزير ‪:‬‬ ‫ــ فجأة‪ ،‬تنبه الناس إلى الشمس فوثبوا عليها والتهموها كما يلتهم‬ ‫اجلائع برتقالة‪.‬‬ ‫أكلوا كل شيء‪ ،‬أكلوا أسوار قصري‪ ،‬أكلوا جدران الغرف والسقوف‪،‬‬ ‫أكلوا النوافذ واألبواب‪ ،‬أكلوا املالعق والصحون والستائر‪ ،‬وأكلوا‬ ‫السجاد‪ ،‬وصار قصري مجرد أرض خاوية‪.‬‬ ‫طبعاً‪ ،‬في ذلك الوقت‪ ،‬أذك��ر أني استمتعت بقصة زكريا تامر»‬ ‫ه ��ذه‪ ،‬كنت منتشياً ب �س��رده خل��وف امل�ل��ك املستبد م��ن رع��اي��اه‪،‬‬ ‫وكوابيسه بقرب نهايته على أيدي اجلياع‪.‬‬ ‫كنت‪ ،‬ومعي الكثيرون‪ ،‬قطرة ماء في نهر كبير‪ ،‬يسير صوب غاية‬ ‫االنعتاق‪ ،‬ويحلم بالدميقراطية على النموذج الغربي‪ ،‬وينتظر بفارغ‬ ‫الصبر أن يتحقق حلم امللك‪ ،‬وأن يهاجم اجلياع قصره‪ ،‬وأن يأكلوا‬ ‫في قصره كل شيء‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬كانت قصص «زكريا تامر» و « محمد املاغوط»‪ ،‬واشعار‬ ‫«أحمد مطر» و»مظفر النواب» تستهوينا‪ ،‬وكنا نركض وراءها كما‬ ‫يركض الطفل صوب قطعة حلوى‪ ،‬هذا كان منذ ‪ 26‬سنة أو يزيد‪،‬‬ ‫فهل سنركض اآلن صوب قطعة حلوى كوابيس امللك أم سنركض‬ ‫في االجتاه املعاكس؟‬ ‫كل شيء تغير اآلن‪..‬‬ ‫إنه « تسونامي» بشع‪ ،‬مريب وموحش وحزين‪ ،‬هذا ال��ذي صار‬ ‫واقعاً جديداً نعيشه اآلن‪ ،‬أليس هو زمن األسئلة الكبرى يقبل‬ ‫من جديد؟‬


‫انتظرنا بفارغ الصبر أن يتحقق كابوس ملك زكريا تامر‪ ،‬وأن يأتي‬ ‫زمن ميوت فيه وزيره املتملق املنافق‪ ،‬وأمضينا زهرة شبابنا في‬ ‫ٍ‬ ‫االنتظار‪ ،‬وعندما آن األوان اكتشفنا ذلك السر القبيح‪.‬‬ ‫لقد حتقق حلم امللك بالفعل‪ ،‬لقد (( أكلوا كل شيء‪ ،‬أكلوا أسوار‬ ‫قصري‪ ،‬أكلوا جدران الغرف والسقوف‪ ،‬أكلوا النوافذ واألبواب‪،‬‬ ‫أكلوا املالعق والصحون والستائر‪ ،‬وأكلوا السجاد‪ ،‬وصار قصري‬ ‫مجرد أرض خاوية ))‬ ‫حدث كل هذا معاً‪ ،‬وفي أيام قليلة‪ ،‬ولكن الذي مت أكله والتهامه‬ ‫لم يكن قصر امللك‪ ،‬لقد كان الوطن هو العصف املأكول ولم يكن‬ ‫قصر امللك أيها السادة‪.‬‬ ‫من قال إن الوزراء املتملقني مهر ًة في تفسير أحالم امللوك؟‬ ‫هذا ما ح��دث‪ ،‬وه��ذا هو السؤال ال��ذي أع��اد طرح كل شيء من‬ ‫جديد‪ ،‬فهل نحن بالفعل أم��ة وصلت إل��ى ال��درج��ة املطلوبة من‬ ‫اجلهوزية ملمارسة الدميقراطية؟‬ ‫وهل أن دميقراطية الغرب هي الثوب الذي يالئم مقاس ثقافتنا‬ ‫البعيدة والقريبة؟‬ ‫وه��ل نحن على استعداد لالعتراف اآلن بأننا أم��ة من الطغاة‪،‬‬ ‫يسكن جسد كل مواطن منها مستبد صغير ينتظر فرصته بفارغ‬ ‫الصبر حتى يفرغ شحنته املكبوتة في ما تيسر من بني قومه؟‬ ‫صفر كبير‪ ،‬وإخفاق بشع بكل املقاييس‪ ،‬وعلى االمتداد اجلغرافي‬ ‫الكبير للتجربة التي أطاحت بالطغاة‪ ،‬كانت النتيجة واحدة تقريباً‪،‬‬ ‫نحن لسنا مؤهلني ملمارسة احلرية‪ ،‬ونحن الزلنا تلك الشعوب التي‬ ‫يلزمها دائماً زعيم يتصدر الصفوف ويقود املسيرة‪ ،‬ويخطب على‬ ‫منصته املزخرفة لساعات طويلة ـ اليقاطعه أثناء خطابه سوى‬ ‫كوب املاء النظيف وهتافات مرتبة بعناية قبل اخلطاب وبعده‪.‬‬ ‫هذه هي احلقيقة التي اكتشفناها اآلن أيها السادة‪.‬‬ ‫بعد اخلراب الذي حدث‪ ،‬وبعد تغول املواطن على مبدأ املواطنة‪،‬‬ ‫وبعد استبداد الناس بالوطن‪ ،‬وبعد طغيان الفوضى على مفهوم‬ ‫احل��ري��ة‪ ،‬وبعد عهود م��ن احلكم الشمولي م��ن قبل ال�ف��رد على‬ ‫املجاميع‪ ،‬هاهي املجاميع متارس احلكم الشمولي على الدولة‪،‬‬ ‫فتطيح بالدولة وتتجزأ الوالءات إلى فسيفساء مدمرة‪.‬‬ ‫ه��ذه هي ال�ص��ورة‪ ،‬وه��ذا هو السبب في أننا نعتذر اآلن للوزير‬

‫املتملق‪ ،‬ذلك الذي كان يبرر للملك املستبد طغيانه بأشد العبارات‬ ‫مداهنة وليونة ‪:‬‬ ‫ــ من واجب البالد أن حتتفل بنجاة ملكها ليل نهار‪،‬وطوال سبعة‬ ‫أيام‪.‬‬ ‫ــ الناس غاضبون ألنك متنعهم من اظهار حبهم مللكهم‪ ،‬وهم ليسو‬ ‫مبخطئني‪ ،‬ومن حقهم أن تتاح لهم الفرصة لدفع ضرائب أكثر‪.‬‬ ‫شخصياً‪ ،‬أعتذر لك سيدي الوزير املتملق‪ ،‬لقد كنت واهماً‪ ،‬وها‬ ‫أنا أعلن على املأل أنك كنت محقا‪ ،‬فقد اكتشفنا بعد أن دفعنا‬ ‫ثمناً غاليا‪ ،‬أن طاغية واح��د ه��و أفضل أل��ف م��رة م��ن ماليني‬ ‫الطغاة‪ ،‬وأن احلرمان من احلرية هو أفضل مليون مرة من املعاناة‬ ‫من الفوضى‪ ،‬وأن احلكم الشمولي لفرد واحد‪ ،‬هو أحسن ماليني‬ ‫املرات من حكم شمولي ميارسه الناس على وطن بأسره‪.‬‬ ‫أعتذر منك سيدي امللك‪ ،‬فقد أكتشفنا اآلن أن « زكريا تامر»‬ ‫مخادع كبير‪ ،‬وأنه ورطنا في االنتقاص من قيمة ملك مقتدر‪ ،‬وأن‬ ‫كابوس امللك لم يكن بشعاً ملجرد أنه أزعج نومه امللكي املقدس‪،‬‬ ‫بل ألننا اكتشفنا أنه عندما روى لوزيره أن الناس (( هجموا على‬ ‫كل مافي حديقتي من شجر‪ ،‬وأكلوا الثمار كلها‪ ،‬وعندما نفذت‬ ‫الثمار أكلوا أوراق الشجر‪ ،‬وعندما نفذت األوراق أكلوا األغصان‪،‬‬ ‫وعندما نفذت األغصان أنقضوا على اجلذوع محاولني التهامها‪)).‬‬ ‫اكتشفنا أنه لم يكن يقصد حديقته‪ ،‬بل كان يقصد الوطن‪ ،‬ذلك‬ ‫الذي هجم الطغاة اجلدد على‬ ‫كل مافي حديقته من شجر‪ ،‬وأكلوا الثمار كلها‪ ،‬وعندما نفذت‬ ‫الثمار أكلوا أوراق الشجر‪ ،‬وعندما نفذت األوراق أكلوا األغصان‪،‬‬ ‫وعندما نفذت األغصان أنقضوا على اجلذوع محاولني التهامها‪!!.‬‬


‫‪40‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شنو اجلو‬

‫دائرة المذلة وزمن النكسة والحرب في اليمن (‪)8‬‬

‫كلمة السر «باب المندب»!!‬ ‫براء الخطيب‬ ‫وكانت هذه مفاجأة لي فقد كنت أعتقد أن «رضوان العزي» من قرية «اللكمة»‬ ‫لكنه شرح لنا األمر بأن عائلة أبيه من قرية «حبيل اجللب» وعائلة أمه وأخواله‬ ‫من قرية «اللكمة» كما أن له أبناء عمومة وخؤولة من قرية «اجلهدعه» وقرية‬ ‫«العتبات» ففي هذه القرى املتجاورة ترتبط كل العائالت بروابط القربى غير أن‬ ‫بعض اخلالفات نشبت فيما بينهم النتماء البعض إلى رجال «اإلمام البدر» وانتماء‬ ‫البعض اآلخر إلى الثورة اليمنية‪ ،‬اتفقت ‪ :‬حضرة الضابط «أسامة األدور» على‬ ‫اإلقامة في دار «رضوان» بقرية «حبيل اجللب»‪ ،‬وبأنني سوف آخذ على محمل‬ ‫اجلد مراجعة املواد الدراسية من الكتب التي سوف يوفرها لي «رضوان» على أن‬ ‫أمر يوميا على مقر قيادة السرية في قرية «اللكمة» ملدة ساعتني من الزمن ملعاونة‬ ‫زمالئي اجلنود في بعض املهمات اإلدارية والطبية مثل جلب املياه للشرب من‬ ‫خزان املياه املوجود خارج قرية «اللكمة» أو حتى في تقدمي العون ألفراد اخلدمات‬ ‫الطبية في عالجهم لزمالئنا اجلنود املصابني وكذلك ملتابعة املستجدات فنحن‬ ‫في حالة حرب وأن أجازتي ما هي إال تسهيالت من القائد العام للقوات املسلحة‬ ‫ألبنائه اجلنود من أجل مستقبلهم الدراسي‪ ،‬لكن هذا ال مينعهم من تنفيذ املهمة‬ ‫األساسية التي كلفهم بها الوطن‪ ،‬صافحت حضرة الضابط «أسامة األدور» في‬ ‫حرارة‪ ،‬وشكرت سيادته على االهتمام بأمري وأكدت لسيادته بأنني سوف أنفذ‬ ‫أوامره باحلرف الواحد سواء في مراجعة املواد الدراسية بجدية تامة أو باملرور‬ ‫يوميا على مقر قيادة السرية‪ ،‬عدت خليمة الصول «عبد اللطيف» وصافحته‬ ‫مودعا فدعا لي بالنجاح في االمتحان وهو يبتسم‪ ،‬ثم مررت على العريف «سعيد‬ ‫الكومي» الذي ودعني في ح��رارة‪ ،‬أما «بوشي» فقد أكد لي‪ -‬وأنا أودع��ه‪ -‬بأن‬ ‫شهادة الثانوية العامة قد أصبحت في جيبي من اآلن‪ ،‬وأن التحاقي بكلية اآلداب‬ ‫سوف يكون أم��را حقيقيا ومؤكدا وأن��ه من املؤكد أن حظي املوفق ما هو إال‬ ‫نتيجة دعاء الوالدين‪ ،‬ولكني لم أستطع توديع «سمير الطوبجي» وال «نادر شوقي‬ ‫ناجي» ألنهما كانا قد ذهبا مع بعض األفراد لسوق قرية «العطرية» لشراء بعض‬ ‫اخلضروات واألطعمة الطازجة‪.‬‬ ‫كان «رضوان» قد ترك حميره اخلمس قريبا من مقر قيادة السرية في أسفل‬ ‫«التيتمان» ألننا عندما هبطنا من اجلبل كانت احلمير اخلمس واقفة في ظل‬ ‫الشجرة التي حكي لي فيها «رضوان» عن سيدنا «الفضل بن سيدنا علي» عليهما‬ ‫السالم‪ ،‬اقترب «رضوان» من احلمار الرئيسي في املجموعة ودس يده في اخلرج‬ ‫الكبير الذي يحمله فوق ظهره وأخرج منه صرة متوسطة احلجم‪ ،‬فك الصرة‬ ‫وناولها لي قائال‪:‬‬

‫ «هذه هي مالبسك»‪.‬‬‫أصابتني الدهشة للحظات فترددت في مد يدي‪ ،‬فدفع هو بالص ّرة في رفق‬ ‫إلى صدري فأمسكت بها بني ذراعي فابتسم وقال‪« - :‬هذه هي مالبسي التي‬ ‫ألبسها في صالة اجلمعة‪ ،‬إنها أجمل مالبسي على اإلطالق‪ ،‬لقد تنازلت عنها‬ ‫لك حتى تلبسها في أجازتك وطوال مدة إقامتك معنا‪ ،‬وإذا أعجبتك ميكنك أن‬ ‫حتتفظ بها‪ ،‬هيا ال تضيع الوقت‪ ،‬اخلع هذا األفرول الذي تلبسه والبسها‪ ،‬هيا‪،‬‬ ‫ال تتردد‪ ،‬فأنت ال ميكن أن تركب فوق ظهر احلمار مبالبسك هذه وإال أصابتك‬ ‫طلقة قناص من رجال اإلمام يختفي بني صخور اجلبل‪ ،‬هذه املالبس ضرورية‬ ‫حلمايتك إذا كنت تعيش وسط اليمنيني»‪.‬‬ ‫أدركت وجهة نظر «رضوان» فخلعت احلذاء امليري واألفرول الكاكي الذي كنت‬ ‫أرتديه‪ ،‬وبدأ «رضوان» يبدي مالحظاته التي ساعدتني في إنهاء لبس «املعوز»‬ ‫و»اجلاكيت» وكذلك «السنطل» اجللدي في قدمي‪ ،‬لف «رض��وان» املئزر حول‬ ‫وسطي وأحكم تثبيته ثم صفق بكفيه مازحا في نشوة حقيقية وأشار علي بركوب‬ ‫واحد من احلمير قائال في ابتهاج حقيقي‪« - :‬هكذا لن يفرق أحد بينك وبني أي‬ ‫شاب ميني‪ ،‬اآلن فقط ميكننا أن نلحق بسوق قرية العطرية»‪.‬‬ ‫حاولت أن أبعد عن نفسي إحساسا غامضا باخلجل ورحت أقنع نفسي بأن ما‬ ‫أرتديه اآلن هو ما يرتديه اجلميع وال داعي لهذا اإلحساس وأن هذه «اجلنبية»‬ ‫التي أرتديها اآلن هي التي يرتديها اجلميع‪ ،‬قطع تفكيري صوت «رضوان» وهو‬ ‫يبدأ الغناء‪:‬‬ ‫»يا بروحي من الغيد هيفا كالهالل‬‫حسنها شل روحي وعقلي‬ ‫غانيه مالها في الغواني من مثال‬ ‫ال وال في احملبني مثلي‬ ‫حني خاطبتها الوصل قالت ما الوصال‬ ‫وايش تبغي من الوصل قل لي‬ ‫قلت زوره جتودي بها جنح الليال‬ ‫ش ّرفي بالتالقي محلي»‪.‬‬ ‫بدا لي سوق قرية «العطرية» على البعد كما لو كان السوق جتمعا صغيرا لبعض‬ ‫األهالي‪ ،‬وكما لو كنت أرتد اآلن خمسة عشر عاما إلى الوراء فداهمتني ذكريات‬ ‫سوق قريتي القدمية «منية جناج» مركز «دسوق» حيث كنا ننتظر‪ -‬نحن أطفال‬ ‫اجلهة القبلية من القرية‪ -‬السوق كل يوم سبت عندما كنا نشكل جماعة لسرقة‬


‫نحن في حالة حرب وإجازتي ماهي إال‬ ‫تسهيالت من القائد العام للقوات املسلحة‬ ‫ألبنائه اجلنود من أجل مستقبلهم الدراسي‬ ‫يحق لنا أن نبكي على خمسة آالف شهيد‬ ‫في اليمن ‪ ..‬لكننا نسينا أن نبكي شهداء‬ ‫اإلهمال والفساد‬ ‫السالل كان قائدا للحرس امللكي‬ ‫البطيخ وكنت أنا من يدخل جتمع بعض أهل قريتنا حول بائع البطيخ «القرقر»‬ ‫وهو نوع صغير من البطيخ في حجم الكرة الشراب‪ ،‬كنت أندس من بني الذين‬ ‫جتمعوا وأب��دأ في فحص البطيخة مدعيا أنني أفحصها لشرائها وفي نفس‬ ‫اللحظة كنت أمد قدمي وأدحرج إلى اخللف ببطيخة متر من بني أقدام اجلمع‬ ‫ليتلقفها واحد من جماعتي الذين ينتظرون البطيخة التي أجنح في دحرجتها لهم‬ ‫حيث يلتقطها واحد منهم ويحملها في هدوء وينسحب منصرفا لينتظرنا بجوار‬ ‫باب مسجد القرية‪ ،‬ومع تكرار هذه العملية يكون تشكيلنا العصابي قد جنح في‬ ‫احلصول على بطيخة «قرقراية» لكل واحد من أعضاء املجموعة‪ ،‬وفيما يبدو‬ ‫فقد الحظ «رضوان» أني أبتسم فكف عن الغناء وقال‪:‬‬ ‫ «هذا ليس أكبر سوق في جهتنا‪ ،‬انتظر حتى ترى سوق قرية حبيل اجللب أو‬‫سوق قرية اجلهدعة لكنك سوف ترى هنا في سوق قرية العطرية أحسن أنواع‬ ‫القات‪ ،‬فهنا في سوق قرية العطرية يبيعون القات الطازج الذي يقطعونه يوما‬ ‫بيوم»‪.‬‬ ‫لم أقل له أني تذكرت سوق قريتي واكتفيت باالبتسام‪ ،‬وهززت رأسي باملوافقة‪،‬‬ ‫وألننا كنا قد دخلنا السوق فقد نزل «رضوان» عن ظهر احلمار؛ فنزلت أنا أيضا‬ ‫من فوق ظهر احلمار الذي كنت أركبه فناولني «رضوان» مقود احلمير فأمسكته‪،‬‬ ‫وتابعت «رضوان» وهو يقترب من أحد الرجال الذي جلس بني شجيرات القات‬ ‫التي يعرضها للبيع وهو يقلب فيها فتبدو كما لو كانت شجيرات نبات امللوخية‪،‬‬ ‫غير أن أوراقها مشوبة بحمرة خفيفة‪ ،‬والحظت أن خد الرجل قد بدا منتفخا‬ ‫كما لو كان قد ثبت كرة «بنج بوجن» في فمه‪ ،‬والغريب أيضا أني الحظت وجود‬ ‫نفس كرة «البنج بوجن» في فم بعض الرجال الذين يبيعون القات أو يجلسون‬ ‫حول باعة القات‪ ،‬إنها نفس كرة «البنج بوجن» التي كنت أراها وأنا طفل في فم‬ ‫بعض عجائز قريتنا وهم يجلسون للسمر على مسطبة املسجد وهم ميضغون‬ ‫«مضغة الدخان» التي كان يبيعها لهم عم «عبد الفتاح أبو نازل» في دكانه املالصق‬ ‫متاما جلدار «امليضة» في املسجد‪ ،‬وبعد أن اشترى «رضوان» خمس حزم من‬ ‫شجيرات القات ركبنا احلمير واتخذنا طريقنا باجتاه قرية «حبيل اجللب» حيث‬ ‫دار «رضوان العزي البكاري»‪.‬‬ ‫وسوف أتوقف قليال هنا عن سرد ما حدث لي شخصيا للحديث عن بعض آثار‬ ‫ونتائج حرب اليمن ‪1962‬على مصر‪« :‬نبكى ويحق لنا ان نبكى على قرابة خمسة‬ ‫أالف شهيد بحرب اليمن‪ ،‬وأية حرب اشتركت فيها مصر‪ ،‬ولكنا نسينا ان نبكى‬ ‫وعار علينا ان ننسى شهداء االهمال والفساد وضحايا حوادث الطرق املصرية‬

‫والتي وصلت في متوسطها عشرات اآلالف من القتلى سنويا باإلضافة الى اآلالف‬ ‫من املصابني واملعاقني نتيجة ذلك‪ ،‬اما شهداء حرب اليمن وعلى مدار عدة أعوام‬ ‫من احلرب ضد عدة قوى استعمارية وامبريالية يعد أشتراك وارسال مصر قوات‬ ‫مسلحة لها لدعم وتأييد الثوريني اجلمهوريني باليمن أحد أهم االنتقادات املوجهة‬ ‫للزعيم الراحل «جمال عبد الناصر» حتت دعاوى التورط بحرب ليس لنا بها ناقة‬ ‫وال جمل باإلضافة الى اتهام بأن االشتراك ووجود جزء من القوات املسلحة كان‬ ‫سببا من اسباب هزمية ونكسة يونيو ‪ ،1967‬لذلك نحاول الكشف عن بعض‬ ‫النتائج لتلك احلرب فقد حتققت وحدة شمال وجنوب اليمن‪ ،‬واالعتراف والتأكيد‬ ‫على دور مصر القيادي على املستويني اإلقليمي والعربي وتقويته دوليا‪ ،‬وارتفاع‬ ‫مكانة مصر عامليا واجتاه كثير من الدول للتقارب من مصر‪ ،‬و»عبد الناصر» تعهد‬ ‫في زيارته اليتيمة لليمن في ابريل ‪ 1964‬بإخراج االجنليز من عدن‪ ،‬وأن ذنبهم‬ ‫بني ارجلهم وما أن دخل عام ‪ 1966‬حتى أعلن «هارولد ويلسون» رئيس الوزراء‬ ‫البريطاني عن استراتيجية شرق السويس اجلديدة وفيها االنسحاب من جنوب‬ ‫اليمن مع مطلع ‪ 1968‬ولوال هزمية يونيو ‪ 67‬لكان حكام اجلنوب احملرر هم‬ ‫كوادر «عبد الناصر» في جبهة حترير اجلنوب احملتل‪ ،‬وجالء القوات البريطانية‬ ‫عن عدن جنوبي اليمن وطرد أكبر قاعدة عسكرية اجنليزية خارج بريطانيا بعد‬ ‫قاعدة قناة السويس وتصفيتها في ‪ ،56‬وانسحاب بريطانيا من احتاد اجلنوب‬ ‫العربي ال��ذى كان يضم محميتها في عدن عام ‪ ،1967‬وج��اءت آثارها خالل‬ ‫حرب اكتوبر ‪ 1973‬عندما استخدم مضيق باب املندب باليمن لفرض احلصار‬ ‫البحري واالقتصادي على اسرائيل من ناحية اجلنوب وتأكيد سياسة مصر‬ ‫العسكرية مبساندة القوى الثورية والوقوف ضد االستعمار ووضعها محل التطبيق‬ ‫وليس الشعارات فقد كتب امل��ؤرخ اإلسرائيلي «ميخائيل أوري��ن» عن خبرات‬ ‫حرب اليمن مبقارنة األداء املصري في هذه احل��رب مع بقية احل��روب التي‬ ‫خاضتها‪ ،‬فإن املصريني أظهروا مستوى عالي من املبادرة واالبتكار العسكري‪،‬‬ ‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬قام املصريون بتعديل طائرات التدريب والناقالت السوفيتية‬ ‫للعمل كطائرات متشيط وقاذفات‪ ،‬وقاموا بتطوير تكتيكاتهم‪ ،‬ولكنها تعثرت في‬ ‫حرب عصابات الفصائل امللكية‪ ،‬وقد أدرك مخططو احلرب املصريون بعد هذه‬ ‫احلرب أن مضيق باب املندب يعطي عم ًقا استراتيجيا كبيرا ميكنهم من منع‬ ‫وصول إمدادات النفط إلسرائيل‪ ،‬وهو ما حدث في حرب أكتوبر عام ‪،1973‬‬ ‫ورأى الفريق «سعد الدين الشاذلي» رئيس اركان حرب اكتوبر عن حرب اليمن‬ ‫بانها لها آثر ناجح على السياسة املصرية على املدى البعيد‪ ،‬فأدى استقالل‬


‫‪42‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شنو اجلو‬

‫عبداحلكيم عامر‬ ‫دول جنوب اجلزيرة العربية كأهم أثر حلرب اليمن الى مساعدة تلك الدول‬ ‫ملصر بعد ذلك في حرب ‪ 73‬تقريبا ‪ 17‬مليار دوالر فلو كانت هذه البالد غير‬ ‫مستقلة ملا ساعدت مصر حينها‪ ،‬واكتساب خبرات حروب االستنزاف وعمليات‬ ‫حرب اجلبال واملنحدرات واثبات قدرتها على العمل بنجاح في مسرح العمليات‬ ‫بعيدا عن أراضيها وفى طبيعة أرض ومناخ مختلفة متاما عن املسرح املصري‬ ‫مما ساعد القوات املسلحة برجوعها عقب ‪ 67‬في إعادة بناء القوات املسلحة‬ ‫والتجهيز حلرب التحرير بدخول حرب االستنزاف وعمليات استنزاف للجيش‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬وتأثير التجربة العسكرية باليمن على السياسة املصرية بعد ذلك‪.‬‬ ‫إن اشكاليات قرار التدخل العسكري في اليمن نشأت من أسلوب إدارة الصراع‬ ‫املسلح وليس في سنة واالنخراط فيه خصوصا وأن الهدف من التدخل لم يكن‬ ‫قتال «آل سعود» بل حماية ثورة اليمن من تدخلهم ورعايتهم لغزو آت من حدودهم‬ ‫ضدها‪ ،‬املقصود أن اخلطيئة الكبرى التي ارتكبها «عبد احلكيم عامر» بداية من‬ ‫يناير ‪ 63‬كانت قراره في توسيع نطاق احلرب لتهدف الى السيطرة على كامل‬ ‫جغرافية اليمن وصوال الى احلدود مع السعودية ومع اجلنوب‪ ،‬فكان األصوب‬ ‫واألجدى االقتصار على تأمني «مثلث صنعاء – احلديدة – تعز» ثم يناء جيش‬ ‫ج�م�ه��وري تدريجيا يكفل م��ع الوقت‬ ‫تأمني األطراف مع القبائل اجلمهورية‬ ‫فقد انتبه «عبد الناصر» لهذه النقطة‬ ‫مطلع ‪ 66‬عندما تبنى استراتيجية‬ ‫النفس الطويل التي مكنت من تخفيض‬ ‫حجم القوات باليمن من ذروة وصولها‬ ‫ع��ام ‪ 65‬بلغت ‪ 70‬ال��ف ج�ن��دي الى‬ ‫نصف ذلك احلجم ربيع ‪ 66‬وبفاعلية‬ ‫أكبر وم��ردود أكفأ فعبد الناصر بذل‬ ‫م �ح��اوالت ع��دة ل��وق��ف ح��رب اليمن‬ ‫ما ان خشى انها تتحول إلى «فيتنام‬ ‫عربية»‪ ،‬لكنها محاوالت ما القت اال‬ ‫الصد وحده من رجل الواليات املتحدة‬ ‫االول في العاملني‪ :‬العربي واإلسالمي‬ ‫أي «فيصل آل سعود»‪ ،‬كانت احملاولة‬ ‫األول��ى مع «رال��ف بانش» في فبراير‬ ‫‪ 63‬ورفضت «الرياض» مقابلته لبحث‬ ‫م�ق�ت��رح��ات��ه‪ ،‬ك��ان��ت احمل��اول��ة الثانية‬ ‫مع «أل ��زوورث بنكر» مبعوث الرئيس‬ ‫األمريكي «جون كيندى» في ربيع ‪63‬‬

‫وحاول «عبد الناصر» مساعدتها بأن بدأ بسحب قواته بشكل جدي في مايو ‪63‬‬ ‫كانت احملاولة الثالثة عندما دعا «عبد الناصر» ألول مؤمتر قمة عربي في يناير‬ ‫‪ 64‬عله يكون منصتة لصلح معقول مع «الرياض» في وجه التهديد اإلسرائيلي‬ ‫املتصاعد في الشمال العربي حينها‪ ،‬وبدال من أن يأتي حاكم «الرياض» الفعلي‬ ‫ولى العهد «فيصل» وصل امللك الرمزي «سعود» يجر نفسة جرا وليقول بصريح‬ ‫العبارة ملستقبله انني ال أملك من أمر نفسى شيئا ومع ذلك وانتفاعا بأجواء انفراج‬ ‫العالقات العربية بعد القمة األولى أوفد عبد الناصر «عبد احلكيم عامر» و»زكريا‬ ‫محى الدين» و»أنور السادات» معا إلى «الرياض» في فبراير ‪ 64‬ليمدوا جسور‬ ‫الوصال مع «فيصل» فما لبثوا أن عادوا خاوى الوفاض‪ .‬إشكالية االنتقاد لقرار‬ ‫التدخل العسكري باليمن يعد التدخل العسكري املساند للثوار اجلمهوريني باليمن‬ ‫احد أهم تطبيقات األمن القومي والعمق االستراتيجي معتمدا على اجلغرافيا‬ ‫السياسية‪ ،‬ولذلك يختلف الناس حول مفاهيم األمن القومي كال وحسب فهمه له‬ ‫وإحساسه مبدى العمق االستراتيجي ألمنه القومي ولألسف فالقليل من الناس‬ ‫هو من يدرك ويعرف ويقرأ عن اجلغرافيا السياسية والعمق االستراتيجي لألمن‬ ‫القومي وتطبيقاته‪ ،‬فالسؤال األهم الذى يوجه إلى كل من يوجه انتقاده لقرار‬ ‫التدخل العسكري املصري باليمن‪« :‬ملاذا كونت بريطانيا امبراطورية ال تغرب عنها‬ ‫الشمس رغم كل احلروب التي خاضتها لتنفيذ هذا الهدف؟ وملاذا كونت فرنسا‬ ‫امبراطورية رغم كل احلروب واخلسائر البشرية واملجهود لتكونيها؟ وملاذا حاربت‬ ‫بريطانيا وفرنسا بحرب القرم في القرن التاسع عشر بجوار تركيا ضد روسيا‬ ‫القيصرية؟ وملاذا حدثت حروب عاملية رغم ان بداياتها كانت محدودة وكبرت بعد‬ ‫ذلك؟» فان اإلجابة على كل تلك األسئلة البد من فهم اجلغرافيا السياسية‪ ،‬وأبعاد‬ ‫العمق االستراتيجي لألمن القومي لكل بلد لكى تستطيع تفسير سياساتها‪ ،‬نقول‬ ‫لكل من يوجه االنتقاد لقرار مصر االشتراك بحرب اليمن مساندة للثورة الناشئة‬ ‫أن عليه أوال القراءة اجليدة والفهم ألبعاد العمق االستراتيجي لألمن القومي‬ ‫واجلغرافيا السياسية‪.‬‬ ‫وسوف أعود اآلن الستكمال ما حدث لي بعد أن اشترى «رض��وان العزي‬ ‫البكاري» خمس حزم من شجيرات القات وركبنا احلمير‪ ،‬واتخذنا طريقنا‬ ‫باجتاه قرية «حبيل اجللب» حيث دار «رضوان»‪ :‬كان الطريق صاعدا مبيل قد‬ ‫ال يلحظه من اعتاد عليه وكما لو كنا نسير من أسفل ربوة إلى أعالها بزاوية‬ ‫صغيرة جدا ورمبا غير ملحوظة وعندما أشار «رضوان» في صمت إلى دار‬ ‫في مواجهتنا متاما فقد أدركت أنها داره��م‪ :‬كانت الدار من طابقني وبدا‬ ‫عليها أنها مبنية من أحجار اجلبل وحولها سور مبني من األحجار املرصوصة‬ ‫بارتفاع مترين تقريبا‪ ،‬وظهرت ثالث‬ ‫دور إل��ى ج��واره��ا بينها مساحات‬ ‫فارغة من األشجار الصغيرة‪ ،‬لكن‬ ‫ال��ق��دم ك ��ان واض��ح��ا ع �ل��ى ج��ذوع‬ ‫األش �ج��ار‪ ،‬ال��دار ساكنة متاما كما‬ ‫لو كانت قد خلت من السكان‪ ،‬على‬ ‫ح��اف��ة ق��ري��ة «حبيل اجل �ل��ب» التي‬ ‫كانت على بعد عدة كيلومترات من‬ ‫قرية «اللكمة» حيث كانت تعسكر‬ ‫كتيبتنا وحيث كانت فصيلتنا تعسكر‬ ‫فوق قمة جبل التيتمان‪ ،‬كان سفح‬ ‫اجلبل القريب يلحس األرض خلف‬ ‫الدار على بعد عدة مترات ال تزيد‬ ‫ع��ن مائتني أو ثالثمائة متر على‬ ‫أكثر تقدير‪ ،‬أحسست بلمسة من‬ ‫نسيم منعشة تلفح وجهي وسمعت‬ ‫خشخشة أوراق ال�ش�ج��ر اجل��اف��ة‬ ‫حتت أقدامنا والتي كانت تفترش‬ ‫املكان حول الدار التي أحاطتها عدة‬ ‫أشجار بدا عليها أنها عتيقة حيث‬

‫اخلطيئة الكبرى التي ارتكبها عبداحلكيم‬ ‫عامر كانت قراره في توسيع نطاق احلرب‬ ‫لتشمل كامل جغرافي اليمن‬

‫سوق قرية العطرية أعادني خمسة عشر عام ًا‬ ‫إلى الوراء مستذكرا سوق قرية منية جناج‬ ‫وقصة البطيخ‬


‫لوال هزمية يونيو‪ 67‬لكان حكام اجلنوب احملرر‬ ‫هم كوادر عبدالناصر في جبهة حترير اجلنوب‬ ‫أدرك مخططو احلرب املصريون بعد حرب اليمن أن‬ ‫مضيق باب املندب يعطي عمقا استراتيجي ًا كبير ًا‬ ‫ميكنهم من منع وصول إمدادات النفط إلسرائيل‬ ‫جمل عبدالناصر كانت له رؤية استراتيجية في حرب اليمن‬ ‫كانت أضخمها بجوار اجلدار الشرقي للدار‪ ،‬وظهر جزعها كما لو كان صخرة‬ ‫قدمية من صخور سفح اجلبل القريب‪ ،‬حيث كانت نهاية الطريق الذي سرت‬ ‫عليه مع صديقي ومضيفي «رضوان»‪ ،‬سمعت «رضوان» يقول لي‪:‬‬ ‫ «لقد وصلنا‪ ،‬هذه دارنا»‪.‬‬‫كانت هذه هي أول مرة في حياتي أدخل دارا على أرض هذا البلد الذي قرأت‬ ‫وسمعت عنه أنه كان موجودا منذ بداية التاريخ‪ ،‬تنطلق منه الرموز الدفينة معبقة‬ ‫بالبخور والصندل والسحر القدمي‪ ،‬عندما دخلت خلف مضيفي استقبلتني باحة‬ ‫واسعة اتخذ لها من بناها شكلها الدائري في شبه دائرة حتيط بها عدة أبواب‬ ‫خشبية بدت بدائية الشكل‪ ،‬كما أن السماء الصافية ظهرت فوق الباحة معلنة عدم‬ ‫وجود سقف؛ فسقط ضوء الشمس فوق أرضية الدار وانعكس ضوء النهار‪ -‬عدا‬ ‫بعض الظالل‪ -‬فوق األبواب التي بدت قدمية األخشاب‪ ،‬في عمق الدائرة كان‬ ‫هناك درج يفضي بالتأكيد إلى سطح الدار‪ ،‬حيث بدا لي جليا أن من بني الدار‬ ‫كان قد أحضر درج��ات السلم من صخور اجلبل القريب فيما كان «رض��وان»‬ ‫يتأبط ذراع��ي باجتاه ال��درج الصخري ليصعد بي‪ ،‬الحظت وجود باب خشبي‬ ‫حتت الدرج معلنا عن وجود غرفة بعيدة عن بقية الغرف‪ ،‬سمعت صوت «رضوان»‬ ‫وهو يهمس لي‪:‬‬ ‫ «اآلن سوف نصعد ألبي في غرفته»‪.‬‬‫وهنا سوف أتوقف قليال للحديث عن «ثورة ‪ 26‬سبتمبر» أو «حرب اليمن» أو‬ ‫«حرب شمال اليمن األهلية» التي هي ثورة قامت ضد «اململكة املتوكلية اليمنية»‬ ‫في شمال اليمن عام ‪ 1962‬وقامت خاللها حرب أهلية بني املوالني للمملكة‬ ‫املتوكلية وبني املواليني للجمهور ّية العربية اليمنية واستمرت احلرب ثمان سنوات‬ ‫(‪ .)1970 - 1962‬وقد سيطرت الفصائل اجلمهورية على احلكم في نهاية‬ ‫احلرب وانتهت اململكة وقامت اجلمهورية العربية اليمنية‪ .‬بدأت احلرب عقب‬ ‫انقالب املشير «عبد الله السالل» على «اإلمام محمد البدر حميد الدين» وإعالنه‬ ‫قيام اجلمهورية في اليمن‪.‬‬ ‫هرب اإلمام إلى «السعودية» وبدأ بالثورة املضادة من هناك‪ ،‬تلقى «اإلمام البدر»‬ ‫وأنصاره الدعم من «السعودية» و»األردن» و»بريطانيا» وتلقى اجلمهوريني الدعم‬ ‫من «مصر جمال عبد الناصر»‪ ،‬وقد جرت معارك احلرب الضارية في املدن‬ ‫واألماكن الريفية‪ ،‬وشارك فيها أفراد أجانب غير نظاميني فض ً‬ ‫ال عن اجليوش‬ ‫التقليدية النظامية‪ ،‬وأرس��ل «جمال عبد الناصر» ما يقارب ‪ 70,000‬جندي‬ ‫مصري وعلى الرغم من اجلهود العسكرية والدبلوماسية‪ ،‬وصلت احلرب إلى‬ ‫طريق مسدودة واستنزفت «السعودية» بدعمها املتواصل لإلمام طاقة اجليش‬ ‫املصري وأث��رت على مستواه في حرب ‪ 1967‬وأدرك «ناصر» صعوبة إبقاء‬ ‫اجليش املصري في اليمن‪ ،‬انتهت املعارك بانتصار اجلمهوريني وفكهم احلصار‬ ‫امللكي على صنعاء في فبراير ‪ 1968‬وسبقها أيضاً انسحاب بريطانيا من جنوب‬

‫اليمن وقيام جمهورية اليمن الدميقراطية الشعبية‪ ،‬وقد قامت «اململكة املتوكلية‬ ‫اليمنية» عام ‪ 1918‬بقيادة اإلمام يحيى حميد الدين‪ ،‬وكانت مملكة منغلقة على‬ ‫العالم وتبنى سياسة انعزالية خوفاً من أن تسقط بالده لسلطة القوى االستعمارية‬ ‫املتحاربة عقب احلرب العاملية األولى وبالذات إيطاليا وبريطانيا وكذلك إلبعاد‬ ‫اململكة عن «التيارات القومية» التي ظهرت في املنطقة العربية تلك الفترة وساعده‬ ‫في ذلك أن جل املجتمع اليمني على أيامه كانوا من املزارعني يعيشون في قرى‬ ‫مكتفية ذاتيا‪ ،‬ومنع «اإلمام يحيى» السفارات والبعثات الدبلوماسية من دخول‬ ‫البالد‪ ،‬وأي زائر أجنبي كان بحاجة إلى إذن شخصي منه‪ ،‬وأسس «اإلمام يحيى‬ ‫حميد الدين» حكماً «ثيوقراطيا زيديا» وجتاهل أبناء املذاهب األخ��رى مثل‬ ‫«الشافعية» و»اإلسماعيلية»‪ ،‬واعتبر يهود اليمن ذميني‪ ،‬وظهرت حركات معارضة‬ ‫للمملكة بعضها نتيجة احتكاك تيارات فكرية معينة باخلارج مثل «محمد محمود‬ ‫الزبيري» وبعضها اعتراضا على نية «اإلمام يحيى» توريث ابنه «أحمد بن يحيى»‪،‬‬ ‫وكان «عبد الله الوزير» من أبرز معارضي التوريث وانتخب إماما دستوريا ليقود‬ ‫«ثورة الدستور» عام ‪ ،1948‬و ُقتل «اإلم��ام يحيى» خاللها ومتكن ابنه «أحمد»‬ ‫من انقاذ اململكة‪ ،‬وفي ‪ 31‬م��ارس عام ‪ ،1955‬حدث انقالب قام به «املقدم‬ ‫أحمد يحيى الثاليا»‪ ،‬وقد قام «املقدم «الثاليا» بقيادة فرقة من اجلنود حملاصرة‬ ‫اإلمام في قصره في مدينة «تعز»‪ ،‬وطالبوا اإلمام تسليم نفسه وهو ما حدث‪،‬‬ ‫وقد اختلف قادة االنقالب فيما بينهم على مصير اإلمام‪ ،‬فبعضهم اقترح قتله‪،‬‬ ‫والبعض اآلخر اقترح أن يستبدل به أخيه «األمير سيف الله عبد الله»‪ ،‬وفي أثناء‬ ‫ذلك قام اإلمام بفتح خزائن قصره واشترى جنود الثاليا‪ ،‬كما قامت سيدات‬ ‫األسرة املالكة بقص شعورهن ووضعوها في أظرف وأرسلوها إلى القبائل وكتبوا‬ ‫لهم «يا غارة الله بنات النبي»‪ ،‬فهجمت القبائل على تعز وفشل االنقالب‪ ،‬وفي‬ ‫صيف عام ‪ ،1959‬سافر «اإلمام أحمد» إلى «روما» للعالج من التهاب املفاصل‬ ‫الرثياني‪ ،‬فاعتقد «البدر» أنها نهاية أبيه؛ فقام بإنشاء «مجلس نيابي» برئاسة‬ ‫القاضي «أحمد الصياغي»‪ ،‬كما قام بإلقاء خطاب ضد اإلمام في احتفال للجيش‬ ‫اليمني؛ فثار أفراد األسرة احلاكمة ضد «لبدر» مما دفعه لالستعانة بالقبائل‬ ‫إلخماد ثورتهم‪ ،‬ورغم أن عيون «البدر» في «روما» تخبره أن أباه يحتضر‪ ،‬إال أن‬ ‫«اإلمام أحمد» أفاق من مرضه ورجع إلى اليمن وقام بإلغاء كل ما قام به «البدر»‬ ‫من إصالحات‪ ،‬كما أمر باسترجاع األموال والسالح التي أعطاها «البدر» للقبائل‬ ‫التي أيدته في اإلصالحات‪ ،‬وهرب شيوخ القبائل إلى «السعودية» ولكن امللك‬ ‫«سعود بن عبد العزيز» ضمنهم عند «اإلمام أحمد»‪ ،‬وملا رجعوا أعطاهم اإلمام‬ ‫البنه «البدر» فقام بذبحهم ترضية ألبيه‪ ،‬وكانت هذه احلادثة دلي ً‬ ‫ال للذين عقدوا‬ ‫اآلمال على «البدر» أنه ال يختلف كثيراً عمن سبقوه‪ ،‬وعندما قتل «اإلمام أحمد»‬ ‫في ‪ 19‬سبتمبر عام ‪1962‬خلفه ابنه «اإلمام البدر» في احلكم‪ ،‬وكان قرار تعيني‬ ‫«عبد الله السالل» قائداً للحرس امللكي من أولى القرارات التي اتخذها اإلمام‪.‬‬


‫‪44‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون عربية‬

‫قبائل الشرق األوسط الجديد‪ :‬الرهــــــــــ‬

‫عبد السيد ولد أباه‬ ‫هل أصبحت القبيلة هي البديل عن الكيانات السياسية املنهارة‬ ‫في العراق وليبيا وسوريا واليمن‪ ،‬بعد أن برز للعيان أن ما تشهده‬ ‫هذه البلدان من أزمات داخلية حادة قوض جذرياً البناء املركزي‬ ‫للدولة؟‬ ‫السنية م��ع ق ��وات «داع ��ش»‬ ‫ف��ي ال �ع��راق أدى حت��ال��ف العشائر ُ‬ ‫وبقايا التنظيمات «البعثية» إلى السيطرة على مناطق الوسط‪،‬‬ ‫مبا فيها احملاور واملنافذ القريبة من العاصمة بغداد‪ ،‬في الوقت‬ ‫الذي شكلت املجموعات القبلية املشتركة على احلدود العراقية‬ ‫السورية‪ ،‬مجاالً سيادياً ممتداً من دير الزور إلى املوصل وعلى‬ ‫خطوط احلدود مع األردن وتركيا (قبائل جبور وشمر والبقارة)‪.‬‬ ‫في ليبيا تدور راهناً حرب دامية بني الزعامات القبلية املسيطرة‬ ‫على أغلب مناطق البالد والتنظيمات اإلسالمية املتطرفة التي‬ ‫هيمنت على العديد م��ن م��دن ال�ش��رق الليبي (درن ��ة وأجدابيا‬ ‫وب�ن�غ��ازي) بعد سقوط نظام ال�ق��ذاف��ي كما لها وج��ود ق��وي في‬ ‫العاصمة طرابلس‪ .‬وامل �ع��روف أن قبائل «التبو» األفريقية قد‬ ‫استقلت عملياً باجلنوب الليبي في حني تسيطر قبائل الطوارق‬ ‫واألمازيغ على املجالني اجلنوبي الغربي والغربي الشمالي وللقبائل‬ ‫الكبرى (كورفلة ورشفانة وترهونة)‪ ،‬ولها مليشياتها وفضاؤها‬ ‫اإلقليمي‪ ،‬في وقت يحاول القائد العسكري اللواء خليفة حفتر‬ ‫اس �ت �ع��ادة بعض م�ق��وم��ات ال��دول��ة م��دع��وم �اً م��ن قبائل «ط�ب��رق»‬ ‫واملجموعات القبلية احلليفة لها‪.‬‬ ‫في اليمن حالة مماثلة‪ ،‬حيث تتقدم القبائل املسلحة في الشمال‬ ‫املتحالفة م��ع احل��رك��ة «احل��وث�ي��ة» إل��ى العاصمة صنعاء بعد أن‬ ‫أصبحت تهيمن عملياً على أغلب مناطق ما كان يُشكل سابقاً‬ ‫اليمن الشمالي‪ ،‬في الوقت الذي تتجذر النزعة االنفصالية لدى‬ ‫النخب اجلنوبية في عدن وحضرموت‪ .‬ما يبدو استفاقة قبلية‬ ‫تلقائية ليس في الواقع سوى نتيجة منطقية لرهانات معقدة تتعلق‬ ‫بتركيبة النسق السياسي في البلدان املذكورة والسياسات الدولية‬ ‫ف��ي املنطقة وطبيعة التحوالت امل��أس��اوي��ة التي شهدها املجال‬ ‫اإلقليمي في مجموعه‪.‬‬ ‫يتعني هنا التنبيه إلى أن مأزق التدخل األميركي في العراق ول ّد‬ ‫اجتاهاً قوياً في ال��دراس��ات االستراتيجية األميركية إلى خيار‬ ‫إح�ي��اء املعادلة القبلية لالستفادة منها ف��ي حتقيق االستقرار‬

‫السياسي ومحاربة اإلره��اب والتطرف الديني‪ .‬نذكر في هذا‬ ‫ال�ب��اب املقالة الشهيرة التي كتبها الكاتب السياسي األميركي‬ ‫«روبير كابالن» في مجلة «أتالنتيك مونثلي» ‪ 21‬نوفمبر ‪،2007‬‬ ‫معتبراً فيها أن مشروع التغيير الدميقراطي الذي تبنته اإلدارة‬ ‫يراع طبيعة النظم االجتماعية‬ ‫األميركية في العراق فشل ألنه لم ِ‬ ‫التي ال تؤهل البلد للنموذج البرملاني التعددي‪ ،‬مطالباً بإقامة‬ ‫منط من النظام التمثيلي ال��ذي يكفل ال�ت��وازن بني املجموعات‬ ‫القبلية املؤثرة‪ .‬فالقبيلة هي التي ميكنها وحدها بالنسبة له أن‬ ‫تُخرج العراق من الفوضى وتضمن احل��د األدن��ى من التماسك‬ ‫واالندماج االجتماعي وخطأ احملتل األميركي هو الرهان على‬ ‫النخب الليبرالية التي ال متثل شيئاً‪ ،‬في حني كان من الضروري‬ ‫مراعاة احلقائق القائمة على األرض‪« .‬كابالن» فسر استقرار‬ ‫عهد الرئيس البعثي صدام حسني بتحالفه مع قبائل األنبار القوية‬ ‫التي تتحكم في مسالك التجارة والتهريب مع سوريا ومنها تتشكل‬ ‫القيادات العسكرية الكبرى في اجليش‪ .‬وهكذا يخلص «كابالن»‬ ‫إلى أن الشعوب العربية ال ترنو للدميقراطية وإمن��ا تهدف إلى‬ ‫العدالة والكرامة‪ ،‬وهي قيم اجتماعية قادرة على التحقق ضمن‬ ‫النسق القبلي وليست منسجمة بالضرورة مع املنظومة القيمية‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫أطروحة «كابالن» التي اعتبر أنها صاحلة للتمديد على الساحات‬ ‫الشرق أوسطية إجماالً مبا فيها الساحة األفغانية‪ -‬الباكستانية‪،‬‬ ‫تزامنت مع حتول نوعي في االستراتيجية امليدانية األميركية في‬ ‫السنية بحيث اعتمدت‬ ‫محاربة اإلره��اب مبناطق وسط العراق ُ‬ ‫ق��وات االح �ت�لال على ال��زع��ام��ات القبلية ف��ي ط��رد مجموعات‬ ‫«ال�ق��اع��دة» (ح��رك��ة ال�ص�ح��وات)‪ ،‬وك��ان صاحب ه��ذه اخلطة هو‬ ‫اجلنرال ديفيد باتريوس‪ ،‬الذي اعتمد على لفيف من املستشارين‬ ‫م��ن ع�ل�م��اء األن�ث��روب��ول��وج�ي��ا واالج �ت �م��اع ف��ي مقدمتهم «ديفيد‬ ‫لكيلن»‪ ،‬وهو ضابط من أصل أسترالي يحمل درج��ة الدكتوراه‬ ‫في األنثروبولوجيا يعتقد أنه هو من بلور هذا املنظور التوظيفي‬ ‫للمعطيات القبلية‪.‬‬ ‫في الفترة ذاتها كتب «جيري موللر» مقالة مثيرة في مجلة «‬ ‫فورين أف�ي��رز» األميركية ح��ول مستقبل «القوميات اإلثنية في‬ ‫القرن الواحد والعشرين»‪( ،‬أبريل ‪ )2008‬اعتبر فيها أن التجربة‬


‫ـــــــــــــــــــــان الخاسر‬

‫الغربية أثبتت أن شرط الدميقراطية واالستقرار هو متاهي الكيان‬ ‫السياسي مع الهوية القومية العرقية‪ ،‬في حني أن املجتمعات‬ ‫املتنوعة مهيأة دوماً للتناحر والفتنة‪ ،‬وكان املشهد العراقي حاضراً‬ ‫بقوة في خلفيات هذا التحليل‪.‬‬ ‫ما نريد أن نبينه أن ه��ذه املقاربة التضخيمية للقبيلة (س��واء‬ ‫في مفهومها العصبي أو اإلثني) تنطلق من خلفية معروفة في‬ ‫ال��دراس��ات األثنولوجية الغربية التي متحورت ح��ول أطروحتني‬ ‫كبيرتني‪ :‬األطروحة التطورية التي تعتبر القبيلة حالة اجتماعية‬ ‫متخلفة تناسب املجتمعات البدائية التي لم تنتقل لعصور احلداثة‪،‬‬ ‫واألط��روح��ة االنقسامية التي تنظر للقبيلة كنمط من االنتظام‬ ‫االجتماعي مييز بعض املجتمعات التي تولد داخلياً كوابح دون‬ ‫نشوء السلطة املركزية‪.‬‬ ‫ليس من الصعب تبني خيوط الوصل بني النظريتني اللتني بعثنا‬ ‫من حقل الدراسات اإلثنوغرافية االستعمارية في قراءة املشهد‬ ‫العربي الراهن والتعامل معه‪ ،‬دون إدراك حقيقة مفادها أن ما‬ ‫يجري هو في الواقع إع��ادة إنتاج املعطى القبلي والطائفي في‬

‫اجتاهات ورهانات حالية ال عالقة لها باملوروث التاريخي وال‬ ‫طبيعة البناءات االجتماعية التقليدية‪ ،‬بل هي معطيات لصيقة‬ ‫بالصراع احملتدم حول موارد الدولة املنهارة واعتبارات التموقع‬ ‫في مسار الهندسة السياسية االنتقالية التي تخضع لها املنطقة‬ ‫بطريقة مأساوية‪ .‬كان العالم األنثربولوجي البريطاني «ادوارد‬ ‫ايفانس بريتشارد» يقول إن القبيلة ال ميكن أن تقوم دون احلرب‪،‬‬ ‫ول��ذا ن��رى اليوم أن��ه ميكن إع��ادة إنتاجها في معادلة الصراع‪،‬‬ ‫لكن من اخلطر االعتماد عليها في خلق السلم وبناء املجتمعات‬ ‫املستقرة‪.‬‬


‫‪46‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون اقتصادية‬

‫ضعف المناعة المجتمعية ينتهي بجرعات متتالية‪:‬‬

‫تجفيف منابع‬ ‫الفساد‬ ‫م���ن أخ��ط��ر ال��ظ��واه��ر ال��س��ل��ب��ي��ة ف���ي مجتمعاتنا ظ��اه��رة‬ ‫استشراء الفساد في مؤسساتنا وأجهزتنا املتعددة‪ ،‬حيث‬ ‫ال تقتصر آثار الفساد على اجلانب االقتصادي بل تشمل‬ ‫تقريب ًا كل أوجه النشاط األخرى‪.‬‬ ‫في اجلانب االقتصادي ي��ؤدي تفشي الفساد إل��ى إعاقة‬ ‫أي ت��وج��ه��ات حقيقية للتنمية االق��ت��ص��ادي��ة‪ ،‬وإل���ى آث��ار‬ ‫سلبية فادحة الثمن‪ ،‬لعل أبرزها األثر السلبي في جانب‬ ‫ّ‬ ‫منظم يتم‬ ‫االس��ت��ث��م��ار‪ ،‬فالنشاط االق��ت��ص��ادي ه��و عمل‬ ‫وف���ق ح��س��اب��ات دق��ي��ق��ة ل�لأرب��اح واخل��س��ائ��ر‪ ،‬وف���ي مجتمع‬ ‫ي��ح��ك��م��ه ال��ف��س��اد ب ً‬ ‫����دال ع���ن األن��ظ��م��ة وال���ق���وان�ي�ن تصبح‬ ‫ممارسة أي نشاط اقتصادي محفوفة باملخاطر‪ ،‬وتضاف‬ ‫على املستثمرين أع��ب��اء أخ��رى عند قيامهم بأنشطتهم‬ ‫االس��ت��ث��م��اري��ة‪ ،‬ت��ب��دأ م��ن اإلج�����راءات األول���ى للسماح لهم‬ ‫مب��م��ارس��ة ن��ش��اط��ه��م‪ ،‬وال ت��ق��ف ع��ن��د ح���د‪ ،‬إل���ى ج��ان��ب ما‬ ‫يؤدي إليه تفشي الفساد من إهدار للمال العام‪ ،،‬من خالل‬ ‫ضياع األموال املطلوب حتصيلها على شكل تسهيل التهرب‬ ‫الضريبي واجلمركي والتهرب من دفع التكاليف األخرى‪،‬‬ ‫أو بزيادة كلفة املشاريع عن التكلفة احلقيقية وحتميل‬ ‫اخلزانة العامة أعباء إضافية‪.‬‬

‫أحمد الساعدي‬

‫وفي ظل ظروف الدولية احلالية التي تتسم بالفوضى تتضاعف‬ ‫أخطار الفساد‪ ،‬فإلى جانب ما يسببه الفساد أصال من تأثير‬ ‫ح��اس��م ع�ل��ى ال��ق��رار امل�س�ت�ق��ل ال��رش �ي��د ف��ي األج��ه��زة اإلداري� ��ة‬ ‫واملؤسسات وعلى كل املستويات للدرجة التي ميكن معها وصف ما‬ ‫يؤدي إليه استشراء الفساد فيها بأنه «ضعف املناعة املجتمعية»‪،‬‬ ‫فإن هذا الواقع يتيح للشركات الكبرى أن تعيث فساداً بقدرتها‬ ‫الكبيرة على شراء الذمم واحلصول على امتيازات غير قانونية‪،‬‬ ‫تأتي كلها على حساب مصالح املجتمع وأفراده‪ ،‬ولصالح فئة قليلة‬ ‫من الفاسدين‪.‬‬ ‫إن محاربة الفساد تقتضي أوال توفر إرادة سياسية مستوعبة‬ ‫وواع�ي��ة بحجم املشكلة‪ ،‬وأن جتسد السلطة السياسية بصدق‬ ‫القدوة احلسنة في الطهارة والنقاء‪ ،‬ثم يتطلب األمر إعادة النظر‬


‫في القوانني واللوائح وبالذات اإلجرائية منها‪ ،‬مبا يكفل حتقيق‬ ‫أقصى درجة من الشفافية والتيسير والتبسيط في اإلجراءات‪ ،‬إال‬ ‫إن ذلك لن يكون كافياً للقضاء على الفساد ما لم يتم تفهم أسباب‬ ‫الفساد‪ ،‬وجتفيف منابعه الرئيسية‪ ،‬وفي سبيل ذلك يجب إيجاد‬ ‫نظام منصف للمرتبات واألج��ور يتضمن حوافز مالية مناسبة‬ ‫تكفل لكل املوظفني العيش الكرمي‪ ،‬ويجنبهم مذلة اخلضوع إلغراء‬ ‫املال احلرام‪ ،‬وإيجاد نظام رقابي وعقابي صارم وكفء قادر على‬ ‫التعامل مع قضايا الفساد‪ ،‬وإفساح املجال للمشاركة الشعبية في‬ ‫تقرير شؤون حياة املجتمع وإرادته‪.‬‬ ‫ترتبط اآلثار السلبية لدائرة الفساد العاملي في املجال االجتماعي‬ ‫مبجمل اآلثار السلبية لهذه الظاهرة في املجاالت األخرى‪ ،‬وبناء‬ ‫على ذلك فإن احلماية من آث��ار الفساد في املجال االجتماعي‬

‫ستكون معاجلات اقتصادية وثقافية وسياسية‪ ،‬ومن أهم الوسائل‬ ‫التي ميكن بها التصدي لهذه التحديات وآثارها السلبية في املجال‬ ‫االجتماعي يجب التفكير في إعادة ترتيب معطياتنا التي يعتمد‬ ‫عليه نشوء الفرد ثقافياً وإع��داده نفسياً لالنخراط في احلياة‬ ‫العامة بسلوك ق��ومي‪ ،‬منضبط‪ ،‬وب�ع�ب��ارة أخ��رى ع��دم االكتفاء‬ ‫التوجه إلى األسس‬ ‫بالقوانني واللوائح التي جت ّرم الفساد‪ ،‬ولكن‬ ‫ّ‬ ‫تعد للمجتمع «مواطناً صاحلاً» يربأ بنفسه عن‬ ‫التي ميكنها أن ّ‬ ‫الدخول في متاهة الفساد‪ ،‬ومن هذه األسس‪:‬‬ ‫حتصني الهوية الثقافية‬ ‫ال يخفي على أحد تأثير الطوفان األجنبي في الترويج ألساليب‬ ‫احلياة وأمناط السلوك الغربية غير املنسجمة مع قيمنا وتقاليدنا‪،‬‬


‫‪48‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫شؤون اقتصادية‬

‫واألخ �ط��ار املترتبة على ذل��ك في سلوك أف��راد املجتمع‪ ،‬وعلى‬ ‫الناشئة منهم ب��وج��ه خ��اص‪ ،‬وتهيئتهم ك��أرض خصبة ألشكال‬ ‫الفساد املستشرية‪ ،‬مم��ا يتوجب معه ات�خ��اذ تدابير ملواجهتها‬ ‫حفاظا على مستقبل األمة‪ ،‬ومن هذه التدابير احلرص على حسن‬ ‫انتقاء ما يتم بثه وعرضه من مواد أجنبية في وسائلنا اإلعالمية‬ ‫املختلفة‪ ،‬و اإلقتار منها على ما هو مفيد‪ ،‬وحتديد نسبة معينة من‬ ‫زمن البث لهذه املواد األجنبية‪ .‬وإضافة إلى ذلك يتوجب تشجيع‬ ‫اإلنتاج الثقافي واإلعالمي املعبر عن هويتنا‪ ،‬حيث إن توجه الناس‬ ‫نحو املواد الثقافية واإلعالمية الغربية‪ ،‬هو نتيجة لقصور إنتاجنا‬ ‫املقابل و رداءته‪.‬‬ ‫ه��ذه اخلطوات متثل مب��رور الوقت حتصيناً ثقافياً منيعاً ضد‬ ‫الفساد وآثاره السلبية في املجتمع‪ .‬ورمبا كان مبقدورنا التحكم‬ ‫في وسائلنا اإلعالمية وتوجيهها الوجهة املناسبة‪ ،‬على أساس من‬ ‫رؤيتنا وفلسفتنا في احلياة‪ ،‬املنبثقة من قيمنا وثقافتنا‪ ،‬ولكن مع‬ ‫كل ذلك سيبقى املجال مفتوحاً أمام األفراد لتلقي غير ذلك من‬ ‫مختلف وسائل اإلعالم املتعددة والنشوء على موادها واالقتداء‬ ‫بتوجهاتها العامة‪.‬‬ ‫إن وعي اإلنسان ونظرته وتقييمه للمدركات أمامه يتشكل بصورة‬ ‫أس��اس�ي��ة وف��ق منظومة القيم وامل �ب��ادئ وأمن ��اط ال�س�ل��وك التي‬ ‫اكتسبها من أسرته‪ ،‬ومن املنظومة التعليمية في مجتمعه‪ ،‬فإذا‬ ‫ما وف��رت هذه التربية للفرد أساسا متينا من الوعي‪ ،‬واملناهج‬ ‫السليمة الضرورية لفهم األشياء والظواهر من حوله‪ ،‬فقد حصنته‬ ‫من الوقوع في اخلطأ والزلل والوقوع في ش��راك الفساد أثناء‬ ‫انخراطه في أداء مهام عامة وانتسابه إلى دائرة عملية يُتو ّقع أن‬ ‫تعود بالنفع على املجتمع ككل‪.‬‬

‫الوسطية‬ ‫التوعية بالقيم الدينية‬ ‫ّ‬ ‫إن مواجهة اآلثار السلبية للفساد في املجال الثقافي واالجتماعي‬ ‫تعتمد أوال على قدرة الفرد الذاتية وحصانته الداخلية‪ ،‬فالفرد‬ ‫الذي صلحت عقيدته‪ ،‬وظلت قيم الدين وأحكام الشرع حاضرة‬ ‫في ذهنه ميكن له أن يقاوم كل أثر سلبي لظاهرة الفساد أو غيرها‬ ‫من الظواهر‪.‬‬ ‫وال شك في أن العقيدة الدينية الوسط ّية لها التأثير األعظم‬ ‫على سلوك اإلنسان‪ ،‬فالواجب االهتمام بالتربية الدينية السليمة‬ ‫لتوفير أساس صلب للفرد ميكنه من اإلدراك الواعي املستنير ملا‬ ‫يدور حوله وفق منهج سليم‪.‬‬ ‫حتويل الرعاية االجتماعية إلى مصلحة عامة‬ ‫سرى في أذهان بعض الناس أن الدولة بعيدة كل البعد عن الرعاية‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وأن ه��ذه املهمة تقع فقط على عاتق املنظمات‬ ‫واجلمعيات األهلية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن األس��ر‪ .‬أي إنها عمل اجتماعي‬ ‫باألساس ال عالقة له بالدولة ككل‪ .‬ولكن هذه نظرة قاصرة‪ ،‬لكن‬ ‫احلقيقة هي أن دور الدولة االجتماعي ال ينتهي في أي نظام من‬ ‫األنظمة‪ ،‬وإن كان م��داه يختلف من دول��ة إلى أخ��رى‪ .‬وال ميكن‬ ‫تصور فقدان الدولة في أي مكان لدورها االقتصادي واالجتماعي‬ ‫بصورة كاملة‪ ،‬فستبقى الدولة قائمة بهذا الدور بصورة أو بأخرى‪،‬‬ ‫وبدرجة ما‪.‬‬ ‫وف��ي ظ��ل ظ��روف مجتمعاتنا التي تتسم بالتخلف االقتصادي‬ ‫واالج�ت�م��اع��ي‪ ،‬وع��دم إجن��از احل��د األدن��ى م��ن البنية األساسية‬ ‫للحياة العصرية‪ ،‬و انتشار األمية‪ ،‬والتفاوت الكبير في الدخل‬ ‫بني أفراد املجتمع‪ ،‬وغير ذلك من العوامل‪ ،‬في ظل هذه الظروف‬


‫ستكون احلاجة ماسة إلى دور أكبر للدولة في احلياة االجتماعية‪،‬‬ ‫وعلى الدولة أن توائم بني التزاماتها في الرعاية االجتماعية وأي‬ ‫ظروف أخرى محيطة‪ ،‬ولن يكون أمامها من خيار غير أن تقوم‬ ‫بهذا الدور‪.‬‬ ‫تنظيم الضرائب والزكاة‬ ‫يهدف جمع الضرائب عادة إلى الصرف على محدودي الدخل كي‬ ‫يحيوا حياة آمنة في مجتمعهم‪ .‬وفي مجتمعاتنا جند أن الزكاة‬ ‫فريضة إسالمية وه��ي أح��د أرك��ان اإلس�لام اخلمسة‪ ،‬فتح الله‬ ‫بها باباً واسعا للتكافل االجتماعي‪ ،‬إلى جانب مقاصدها األخرى‬ ‫مبصارفها امل�ت�ع��ددة‪ .‬وميكن استثمار ه��ذا ال�ب��اب ف��ي مكافحة‬ ‫الفساد بإعادة توظيفه في الكيان االقتصادي للمجتمع والدولة‬ ‫ككل‪ ،‬أي بعدم االكتفاء بكونه فريضة دينية فقط‪ ،‬ب��ل يصبح‬ ‫مرتبطاً بنظام ثابت للجباية واألداء‪.‬‬ ‫إن البعض «يز ّكي» (وه��ذه فريضة دينية) ليمحو فساده (وهذه‬ ‫ويتوجب هنا إعادة تنظيم اخلطاب اإلسالمي‬ ‫جرمية اقتصادية)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اخل��اص بالزكاة وإقحامه بنيوياً في املنظومة اإلداري��ة للدولة‪..‬‬ ‫ولهذا حديث آخر سوف نواصله بإذن الله‪.‬‬ ‫تبنى مشاريع كبرى تستوعب طاقات املجتمع‬ ‫إن الكثير من اآلف��ات واألم��راض االجتماعية مصدرها حاالت‬ ‫اإلحباط التي يعيشها األفراد سواء على مستوى حياتهم اخلاصة‬ ‫أو االجتماعية أو العامة‪ ،‬وتساهم هذه اآلف��ات االجتماعية في‬ ‫إهدار طاقات كبيرة من جهود األمة وتخريب قيمتها‪ ،‬وتدعم في‬ ‫الوقت نفسه البيئة اخلصبة للفساد في املجتمع‪.‬‬

‫إن التحديات الضخمة التي تواجه أمتنا‪ ،‬من التخلف والتجزئة‪،‬‬ ‫واحتالل أج��زاء من أراضيها‪ ،‬والهيمنة الغربية على مقدراتها‬ ‫تتطلب إستراتيجية مناسبة ملواجهة هذه التحديات‪ ،‬وعلى وجه‬ ‫اخلصوص اخل��روج من واق��ع التخلف‪ ،‬وإقامة البنية األساسية‬ ‫للحياة العصرية‪ ،‬ول��ن يتم ذل��ك إال من خ�لال إقامة مشروعات‬ ‫إستراتيجية كبرى‪ ،‬يلتف حولها كل أبناء املجتمع وهم مؤمنون‬ ‫بأن املهوض والتقدم هو بناء سليم تتكامل فيه اإلرادة مع النقاء‬ ‫توجه توجيهاً سليماً إلنقاذ املجتمع‬ ‫واخلدمة العامة التي يجب أن ّ‬ ‫من اآلفات املستشرية فيه وعلى رأسها الفساد‪.‬‬ ‫التوعية مبخاطر إحياء األطر واالنتماءات الضيقة‬ ‫يجب أوال فهم مسألة هذه االنتماءات األولية الضيقة‪ ،‬كالطائفية‬ ‫والقبلية‪ ،‬واملذهبية‪ ،‬واجلهوية‪ ،‬ألنها من محفّزات الفساد‪ ،‬ويؤدي‬ ‫انتشارها إلى الترويج لألطر الضيقة على حساب االنتماء للمجتمع‬ ‫ككل‪ ..‬ينبغي االعتراف أوال بأن تنامي هذه الدعوات يفصح عن‬ ‫وج��ود أزم��ة اجتماعية حقيقية‪ ،‬وعن شعور هذه الفئات بالغنب‬ ‫لعدم حصولها على حقوقها املادية كاملة في وطنها‪ ،‬فالواجب‬ ‫حتقيق العدالة في الوطن الواحد‪ ،‬وصهر هذه األطر الضيقة في‬ ‫كيان عام واحد‪ ،‬ودفعها لالنخراط بفاعلية في بناء املجتمع حتت‬ ‫مفهوم جامع هو املواطنة‪ ،‬وهو مفهوم كفيل بنبذ جميع مسببات‬ ‫الفساد‪ ،‬وجتفيف أصوله االجتماعية والثقافية‪.‬‬ ‫ال إداري �اً أو عم ً‬ ‫أخ��ي��راً‪ ..‬إن الفساد ليس خل ً‬ ‫ال إجرامياً يس ّببه‬ ‫وجود ثغرات قانونية غير محكمة فحسب‪ ،‬بقدر ما هو نتاج للبيئة‬ ‫الثقافية واالجتماعية‪ .‬إنه سلوك خاطئ ال ميكن معاقبة القائمني‬ ‫به قبل معاجلتهم والتخلص مما هم مصابون به‪.‬‬


‫‪50‬‬

‫سلسلة‬

‫كتـــاب‬

‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫حوار‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪5‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪9‬‬

‫‪10‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫‪8‬‬

‫‪15‬‬

‫‪11‬‬

‫‪12‬‬

‫‪13‬‬

‫‪14‬‬

‫‪16‬‬

‫‪17‬‬

‫‪18‬‬


‫‪19‬‬

‫مع هذا العدد‪:‬‬

‫كتاب‬ ‫«سطوة الكالب»‬ ‫(قصص قصيرة)‬

‫تأليف‪ :‬عوض الشاعري‬


‫‪52‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ثقافة‬

‫الخيميائي‬ ‫اخليميائي‬ ‫إدريس إلبا‬

‫يجري العمل على تصوير هذه‬ ‫الرواية في فيلم سينمائي منذ عام‬ ‫‪ ،2008‬حيث اشترت شركة فيشبورن‬ ‫‪ A-Mark Entertainment‬ح�ق��وق‬ ‫تصوير الفيلم من ستوديو ‪ Warner Bros‬الذي‬ ‫كان بدوره اشتراها من الكاتب عام ‪ .1994‬تقدر كلفة إنتاج‬ ‫الفيلم بـ ‪ 100‬مليون دوالر‪ ،‬ولكن ألسباب مختلفة لم تبدأ عملية‬ ‫اإلنتاج حتى اآلن‪ ،‬مع العلم أن الكلفة األولية املقدرة في البداية كانت‬ ‫‪ 60‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫سيلعب املمثل إدريس إلبا دور البطولة في فيلم «اخليميائي» للروائي‬ ‫البرازيلي باولو كويلو‪ ،‬ومن احملتمل أن يبدأ تصوير الفيلم في عام‬ ‫‪ 2016‬املقبل‪.‬‬ ‫أعلنت رواي��ة “اخليميائي” عام ‪ 1988‬ولقيت رواج��ا واسعا في‬ ‫العالم‪ ،‬حيث بلغ عدد نسخها املباعة ‪ 65‬مليون نسخة‪ ،‬وقد ترجمت‬ ‫الى عدة لغات‪ ،‬بينها اللغة العربية‪.‬‬ ‫‪.............‬‬ ‫«عندما تريد شي ًئا فإنّ العالم بأسره يعاونك على حتقيقه»‪ ،‬هذه‬ ‫اجلملة الشهيرة لباولو كويلو في روايته الرائعة «اخليميائي» أحدثت‬ ‫ضجة كبيرة في قلوب وعقول قرائها‪ .‬فاحلياة ليست بهذه السهولة‬ ‫التي تصورها اجلملة‪ ،‬ولكن الكاتب أراد توضيح اخلطوة األولى‬ ‫عمل نسعى لتحقيقه‪ ،‬أال وهي التأ ّكد من أنّ الظروف‬ ‫للقيام بأي ٍ‬ ‫ستخدمنا رغم الصعوبات‪ .‬وهذا ما قام به بطل الرواية الراعي‬ ‫«سانتياغو» عندما اختار أن يكتشف العالم أولاً ‪ ،‬ث ّم أن يحقق احللم‬ ‫كنز قرب األهرامات في صحراء مصر‪.‬‬ ‫الذي راوده حول وجود ٍ‬ ‫ولوال أنه لم يكن قد سمع بها أو حتى عرف الطريق‪ ،‬إلاّ أنه باع ما‬ ‫ميلك من أغنام وسعى نحو املغامرة‪ .‬وكان في ذلك مخاطرة كبيرة‪،‬‬ ‫غير أنه كان يؤمن بأنّ الظروف ستخدمه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حلظة نقضيها خالل سعينا‬ ‫أما اخلطوة الثانية فهي االستمتاع بكل‬ ‫لتحقيق أحالمنا حيث يقول‪« :‬احتمالية أن جتعل حلمك حقيقة‪...‬‬ ‫هو ما يجعل احلياة ممتعة»‪ .‬وكان‬ ‫سانتياغو قد تع ّرض للسرقة ولم‬ ‫يعد ق� ��اد ًرا على متابعة الطريق‪،‬‬ ‫تاجر لألواني لسنوات‬ ‫فعمل عند‬ ‫ٍ‬ ‫وكان صبو ًرا‪ ،‬وعمل بجهد‪ ،‬مما أنتج‬ ‫أرباحا كبيرة استطاع من‬ ‫له وللتاجر‬ ‫ً‬ ‫خاللها ا ّدخ��ار املال اجلديد ملتابعة‬

‫طريقه نحو الكنز‪.‬‬ ‫واخلطوة الثالثة تتمثل بتجنّب اخلوف‬ ‫من الفشل «الشيء الوحيد الذي يجعل‬ ‫احللم مستحيلاً هو اخلوف من الفشل»‪،‬‬ ‫وكان سانتياغو قد أقبل عليه اخلوف عدة‬ ‫م��رات إلاّ أنّ اخليميائي كان يعظه ويساعده‬ ‫على رؤية احلقيقة‪ ،‬خاص ًة في حلظة التحول من‬ ‫رجل الى ريح كي ينقذ حياته‪ .‬مؤ ّكد أنّ حياته كانت‬ ‫ٍ‬ ‫تعني له الكثير كي تكون داف ًعا قو ًيا ل��ه‪ ،‬وذل��ك ألنّ‬ ‫حياته ثمينة فيها حلم بكنز ينتظره وحب ام��رأة يناديه قلبها مع‬ ‫نسمات الصحراء‪.‬‬ ‫واخلطوة التالية أن ال نهتم لآلخرين وشؤونهم‪ ،‬بل نركز فقط على‬ ‫حلمنا وكيفية اإلدارة لتحقيقه‪« ،‬كل شخص يعرف كيف يتوجب على‬ ‫اآلخرين إدارة حياتهم‪ ،‬لكن ال أحد يعرف عن حياته هو»‪ .‬لذلك‬ ‫ترك اخليميائي ساننتياغو يكمل طريقه وحيدًا فلكل منهما حياته‬ ‫وحلمه وسبب وجوده‪ .‬وفي الرواية‪ ،‬يتعرض الفتى للسرقة أكثر من‬ ‫مرة‪ ،‬وفي كل مرة كان يلملم نفسه ويكمل الطريق وهذا أجمل ما‬ ‫ميكن لالنسان فعله‪ ،‬وهو التحدي وعدم الرضوخ لالستسالم فـ»سر‬ ‫احلياة أن تسقط سبع مرات وتنهض ثمانية»‪.‬‬ ‫وهذه اإليجابية في التفكير واإلصرار نابعة من األمل واإلميان مبا‬ ‫نحلم به‪ ،‬وبالتالي أن ال نعقّد االم��ور على أنفسنا وأن نكون دائ ًما‬ ‫متفائلني‪« ،‬االشياء البسيطة هي االمور اخلارقة للعادة‪ ،‬وال يراها إلاّ‬ ‫ً‬ ‫بسيطا وتاف ًها مير خالل النوم‬ ‫احلكماء»‪ .‬فالبعض يرى احللم شي ًئا‬ ‫وينسى في النهار‪ ،‬كما هو حال اجلندي الذي استهزأ بسانتياغو قائلاً‬ ‫كنز رآه في حلمه‪.‬‬ ‫إنه ليس غب ًيا مثله كي يترك كل شيء ويبحث عن ٍ‬ ‫أما بالنسبة للوقت‪ ،‬فلم يقل أح ٌد إنّ األحالم تتحقق بلحظة‪ ،‬بل‬ ‫ميكن أن يطول الوقت ولكن فلينظر االنسان على أن كل يوم ميرفي‬ ‫سعيه هو ي��وم يقترب به من حلمه‪ ،‬وأنّ الوقت وإن ط��ال إلاّ انه‬ ‫ال يتأخر أب �دًا‪« ،‬يستطيع الناس فعل ما يحلمون به في أي وقت‬ ‫كان مهما تقدم بهم العمر»‪ .‬وبفضل‬ ‫عزمه وحكمته وق��درت��ه على رؤية‬ ‫األش �ي��اء بإيجابية وإمي��ان��ه بحلمه‬ ‫وح �ب��ه ‪ ..‬اس �ت �ط��اع س��ان�ت�ي��اغ��و أن‬ ‫يكتشف مكان الكنز احلقيقي الذي‬ ‫في احلقيقة لم يكن عند االهرامات‬ ‫وال حتى في الصحراء!‬


‫‪ 600‬دوالر فقط‬ ‫إيرادات «فيلم الفيفا»‬ ‫س�ج��ل فيلم «ي��ون��اي�ت��د ب��اش�ن��ز» «‪United‬‬ ‫‪ ،»Passions‬ال ��ذي ي ��روى ق�ص��ة تأسيس‬ ‫االحتاد الدولي لكرة القدم «فيفا»‪ ،‬حضوراً‬ ‫ضعيفاً للغاية في دور العرض األميركية‪،‬‬ ‫بحسب تقرير مل��وق��ع «ه��ول �ي��وود ري�ب��ورت��ر»‪،‬‬ ‫املختص بأخبار السينما األميركية‪.‬‬ ‫وم��ع انطالق الفيلم بشكل محدود في ‪10‬‬ ‫ص��االت ع��رض مع بداية األس�ب��وع‪ ،‬فإنه لم‬ ‫يحقق سوى ‪ 607‬دوالرات فقط خالل يومي‬ ‫اجلمعة والسبت امل��اض�ي�ين‪ ،‬بحسب أرق��ام‬ ‫موقع «رينتراك»‪.‬‬ ‫وال يلقى الفيلم كما ه��و واض��ح أي قبول‬ ‫جماهيري‪ ،‬ففي سينما «فيلم ب��ار» مبدينة‬ ‫فينيكس لم يحقق س��وى ‪ 9‬دوالرات فقط‪،‬‬ ‫وهو ثمن تذكرة لشخص واحد‪.‬‬ ‫وتشير التقديرات إل��ى أن ميزانية الفيلم‬ ‫تتراوح بني ‪ 25‬و ‪ 32‬مليون دوالر أميركي‪،‬‬ ‫وب�ح�س��ب ت�ق��اري��ر متخصصة ف��إن االحت��اد‬ ‫الدولي لكرة القدم ساهم بنحو ‪ 75%‬من‬ ‫امليزانية‪ ،‬بحسب تقارير صحفية متخصصة‪.‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر أن العرض األول للفيلم‬ ‫ك ��ان ف��ي م �ه��رج��ان ك ��ان ال�س�ي�ن�م��ائ��ي ال�ع��ام‬ ‫املاضي ‪.2014‬‬

‫فك‬ ‫شك ِ‬ ‫ِ‬

‫مسلسل كوميدي ساخر يتكون من ‪ 15‬حلقة منفصلة يعرض على شاشة قناة ليبيا‬ ‫الرسمية في شهر رمضان املبارك‪ .‬إخراج‪ :‬محمد اخلضراوي‪ ،‬انتاج‪ :‬الهيئة العامة‬ ‫لإلعالم والثقافة ومصلحة االثار‪ .‬متثيل‪ :‬عز الدين الدويلي‪ ،‬هويدا الشكري‪ ،‬أحمد‬ ‫سالم‪ ،‬ناصر بوعجيلة‪ ،‬عيسى سليمان‪ ،‬سراج محمود‪ ،‬مهند املجدوب وخالد محمد‪ .‬‬ ‫ويقول كاتب العمل الفنان عز الدين الدويلي‪« :‬العمل يعتمد على الكوميديا السوداء‬ ‫في قالب يشبه برامج ال (توك شو)‪ ،‬حيث سنتناول قضايا مهمة تلمس الواقع الليبي‬ ‫في قالب كوميدي اجتماعي‪ .‬وبالنسبة لنجوم العمل هم من الوجوه اجلديدة التي‬ ‫تظهر على الشاشة التليفزيون ألول مرة رغم جناحها على خشبة املسرح‪ .‬وهذا‬ ‫هو الرهان على النقلة اجلديدة في مجال التلفزيون تقدمي وجوه جديدة في مجال‬ ‫الكوميديا للمشاهد الليبي»‪ ،‬وأض��اف‪ :‬التجربة جميلة ج��داً وصعبة‪ .‬فهناك فرق‬ ‫شاسع بني املسرح والتلفزيون وطموحنا تقدمي مادة تليفزيونية جديرة باملتابعة‪ .‬مت‬ ‫تصوير احداث املسلسل بالكامل في تونس‪ ،‬ويرجع ذلك ألمور تقن ّية‪ ،‬فطبيعة العمل‬ ‫تعتمد على تقنية ذات جودة عالية‪ .‬‬ ‫السؤال‪ :‬هل سيتفاعل املشاهد الليبي مع هذا املسلسل الكوميدي في ظل أزمته‬ ‫احلالية؟‬


‫‪54‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫حق األربعاء‬

‫«ريح» من ناقة األمير!‬ ‫محمد عقيلة العمامي‬ ‫�ذت بالبحر وصيد كائناته؛ وصرت‬ ‫في مطلع الثمانينيات أُخ � ُ‬ ‫أحتدث عنها مبناسبة أو من دونها‪ ،‬وإذا حتول احلديثُ إلى نقاش‪،‬‬ ‫أو يرتفع إلى جدال‪ ،‬اهرع إلى مراجعي‪ ،‬التي كلما سافرت خارج‬ ‫البالد أع��ود من دكاكني كتبها مبرجع أو أثنني‪ .‬وانتبه صديقي‬ ‫املوسيقار يوسف العالم إلى اعتمادي الواضح على مراجعي‪ ،‬وقد‬ ‫احتد نقاشنا ذات يوم عن سمكة ما‪ ،‬وعجز عن اقناعي‪ ،‬وأذكر‬ ‫أن��ي قلت له م��ازح�اً‪« :‬م��ا أبعد البحر على سكان قرية سلوق!»‬ ‫باعتبار أن أصوله من هناك! واختتمنا نقاشنا مؤكدا أنه سوف‬ ‫يعود لي في اجلمعة القادمة مبرجع يؤكد حجته‪.‬‬ ‫في لقاء اجلمعة التالية‪ ،‬وبعد وصول شلة ظهر اجلمعة‪ :‬الفنان‬ ‫فتحي بدر‪ ،‬والفنان محمد جنم‪ ،‬واملوسيقار السنوسي الشريف‪،‬‬ ‫ومفتاح العالم؛ نهض إلى مكتبته وعاد منها بكتاب شعر‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫«فيما كنت أبحث عن املرجع بشأن السمكة التي حتدثنا عنها‬ ‫وجدت هذا الديوان للشاعر العراقي معروف الرصافي‪ ..‬وصادفت‬ ‫هذا البيت اجلميل‪ »..‬ودفع بالديوان نحوي‪ ،‬قائال‪« :‬بالله خذ يا‬ ‫محمد يا صديقي واقرأ البيت‪ ،‬إنه ممهر بقلم احلبر األحمر» ثم‬ ‫استطرد‪ ،‬أنا احتاج بالفعل إلى تغيير ّ‬ ‫نظارات القراءة!» وأخذت‬ ‫الديوان وقرأت البيت مرة‪ ،‬ثم الثانية وانفجرت ضاحكا‪ ،‬وقلت له‪:‬‬ ‫«واعرين عرب سلوق! ال ينسون ثأرهم أبدا» يقول البيت‪:‬‬ ‫ومدع بحياة البحر‬ ‫سألته ممتحنا‪ :‬صف لي احلوت؟‬

‫ما نالها قبله أحد في األمم‬ ‫قال «احلوت قرنان كاجلمل!»‬

‫وخسرت اجلولة‪ ،‬لم تفدني مراجعي! وأحينا يخدعني عنوان‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب واكتشف‪ ،‬بعد شرائه‪ ،‬أنه ال عالقة للعنوان باملوضوع‪ ،‬وقد‬ ‫حملت ص��ورة حوت ضخم تتصدر كتاب عنوانه « ّ‬ ‫جت��وال احلوت‬ ‫‪ »Wandering Whale‬وكنت مستعجال فالتقطته ضمن كتب‬ ‫أخ��رى وع��دت به إلى مكتبتي‪ ،‬ألكتشف فيما بعد أنه مجموعة‬ ‫قصص وحكايات من جتارب طبيب بيطري! اسم املؤلف ( ديفيد‬ ‫س‪ .‬تايلور) صدر سنة ‪1984‬م‪ ،‬من بني محتوياته قصة ساخرة‪،‬‬ ‫حدثت له في قطر عنوانها «ناقة األمير» وهي التي كانت أثيرة‬

‫ع�ن��ده‪ ،‬وق��د أصابها إم�س��اك شديد ل��درج��ة اُعلنت معها حالة‬ ‫الطوارئ القصوى! فالناقة امتنعت سبعة أيام عن الطعام واملاء‪،‬‬ ‫وبقى الروث داخل أمعائها ولم تخرج منها (ضرطة) واحدة تخفف‬ ‫من أزمتها! فبعث الراعي العجوز يخبر الدوحة أن ناقة األمير‬ ‫األثيرة مريضة جداً‪ ،‬فبعثوا له بطبيب اجنليزي كان قد استُدعي‬ ‫من بريطانيا العظمي للكشف على صقور القصر‪.‬‬ ‫وبعدما وصلت القافلة البيطرية‪ ،‬إلى مرعى الناقة‪ ،‬وفيما كان‬ ‫الطبيب يفحصها من عند مؤخرتها أطلقت عليه مباشرة ريحاً‬ ‫سقط على إثرها مغشياً عليه! ولم يفق إ ّال قبيل العصر‪ .‬قال‬ ‫للمتحلقني ح��ول��ه‪« :‬ه�ن��اك ان�س��داد واض��ح ف��ي مصارين الناقة‪،‬‬ ‫فالغاز السام ال��ذي خدرني تخمر كثيراً نتيجة ه��ذا االنسداد‪،‬‬ ‫والعالج عملية سريعة‪.»..‬‬ ‫وما أن ترجم املترجم ما قاله الطبيب حتى صاح املتحلقني كلهم‪:‬‬ ‫«أوووه‪ ..‬عملية لناقة األمير قد تفقدنا رؤوس�ن��ا لو ح��دث لها‬ ‫مكروه‪ ...‬أوووه‪..‬ورطه» ولكن الطبيب شرع‪ ،‬من دون أن يعرف ما‬ ‫قاله البدو‪ ،‬في تهيئة الناقة‪ ،‬خصوصا بعدما قال الطبيب القطري‬ ‫املساعد العائد مؤخراً من بريطانيا‪ :‬من حسن احل��ظ أن��ك يا‬ ‫دكتور في قطر‪ ،‬فاألمير بالتأكيد ال يريد أن تنفق الناقة‪ ،‬كما أنه‬ ‫ال يسمح بذلك أبدا!»‪ ،‬وفي فجر اليوم هيئت الناقة لشق معدتها‬ ‫التي ال ميكن الوصول إليها إ ّال من جانبها األيسر‪ ..‬جزاري النوق‬ ‫يعرفون ذلك جيدا!‬ ‫وكان حوالي ست وعشرون رجال متحلقني حول الناقة الغائبة عن‬ ‫الوعي والطبيب يفتح بطنها «كانت وجوههم قامتة‪ ،‬فوقها الكوفيات‬ ‫وحتتها الثياب الصوفية األفغانية ورائحة العرق والتوابل والبصل‪،‬‬ ‫وتنوعت الغمغمات بالباشتو واألوردي ��ة والعربية والفارسية‪...‬‬ ‫وأدخ��ل الطبيب ي��ده في جتويف فتحة املعدة وحتسس أجسام‬ ‫صلبة كاحلجارة بحجم البرتقالة‪ ،‬وق��ال‪« :‬لقد عرفت املشكلة‪.‬‬ ‫إنها أجسام غريبة لكنني أج��د صعوبة في انتزاعها»‪ ،‬وم��ا أن‬ ‫سمع املتحلقون ترجمة ماقاله الطبيب حتى دخلت عشرة أيادي‬ ‫سمراء موضع فتحة اجلرح‪ ..‬فصرخ الطبيب‪« :‬أخرجوا أيديكم‬ ‫أيها املغفلون! فال نريد عدوى ملعدة الناقة من أيديكم القذرة‪»..‬‬ ‫فسحبوا أيديهم‪ ،‬وأخرج الطبيب الكور الصلبة التي كانت متصلة‬ ‫بحبل متني وكان عددها أربعة وخمسون‪ ،‬وانتهت العملية وخيط‬


‫الطبيب اجل��رح‪ .‬كانت الكور عبارة عن وبرها وأيضا وبر األبل‬ ‫األخرى الذي تلعقه الناقة‪ ،‬مثلما تفعل القطط عندما تسترخي‬ ‫في الظل‪ .‬وقد التف حبل من احلبال التي كانت حتزم أكياس‬ ‫العلف‪ ،‬على ال��وب��ر‪ ،‬ومب��ر السنني ت�ك��ور وتصلب وب��ر ‪ -‬الناقة‬ ‫القطرية ‪ -‬والتف حوله حبل البالستك املستورد‪ ،‬وتشكل العقد‬ ‫الذي سد منافس الناقة!‬ ‫يقول الطبيب في اليوم التالي‪ ،‬حتسنت حالة الناقه‪ ،‬وتكرعت ثم‬ ‫خرجت منها ريح أهاجت رمال اجلزيرة العربية كافة‪ ..‬ويقال أنها‬ ‫وصلت سواحل الهند والسند وأوزكزخستان‪.‬‬ ‫ولكن ما يقوله الناس‪ :‬أن (الزعزاعة) املرعبة التي وصلت درنة‪،‬‬ ‫باب بحر‪ ،‬واملريسه‪ ،‬وبويرات احلسوني‪ ،‬وبراك الشاطيء اآلن‪،‬‬ ‫بعد واحد وثالثون سنة‪ ،‬أساسها ضراط ناقة أمير قطر؟!‬ ‫ميكن!‬


‫‪56‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ثقافة‬

‫لغة القرآن‪ ..‬ولغة البشر‬

‫عندما يكلم ا ُ‬ ‫هلل‬

‫عبدالمنعم اللموشي‬ ‫ي��ق��ول احل���ق ج ّ‬ ‫���ل ف��ي ع�ل�اه ف��ي غير‬ ‫مناسبة من آيات القرءان الكرمي‪:‬‬ ‫(فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة‬ ‫أعني ج��زاء مبا كانوا يعملون) (‪)17‬‬ ‫ال���س���ج���دة‪ ..‬ه����ذا ك��ل�ام ع���ن حقيقة‬ ‫اجلنة ال ميكن إدراكه بالعقل البشري‬ ‫احملدود‪.‬‬ ‫إن لك أال جتوع فيها وال تعرى (‪)118‬‬ ‫وأنك ال تظمأ فيها وال تضحى (‪)119‬‬ ‫ط��ه ه��ذا ك�لام موجه إل��ى أب��ي البشر‬ ‫آدم عليه السالم عن حاله في اجلنة‬ ‫األولى‪..‬‬ ‫متكئني فيها على األرائ����ك ال ي��رون‬ ‫فيها شمسا وال زمهريرا (‪ )13‬اإلنسان‬ ‫ه���ذا ك�ل�ام م��وج��ه ل��ل��م��ؤم��ن�ين ال��ذي��ن‬ ‫س��ي��دخ��ل��ون اجل���ن���ة األب����دي����ة حيث‬ ‫ال ش��م��س ت���ؤذي ساكنيها بحرارتها‬ ‫امل��ت��وه��ج��ة وال ب���رد ي��ع��ان��ون��ه نتيجة‬ ‫غيابها‪.‬‬

‫عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول‬ ‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم قا ‏ل‏‪ :‬‏(‏قال اللّه‬ ‫تعالى أعددت لعبادي الصاحلني ما ال عني‬ ‫رأت‪ ،‬وال أذن سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب‬ ‫بشر‏) في ه��ذا احلديث النبوي ك�لام عن‬ ‫جنة حتتوي أشياء ال ميكن تصورها لغياب‬ ‫املعرفة بها‪.‬‬ ‫ن�ح��ن أم���ام ن �ص��وص م�ع�ج��زة – يصعب‬ ‫إدراك �ه��ا واستيعاب ماهيتها – ال منلك‬ ‫إزاءه � ��ا إال ال�ت�س�ل�ي��م‪ ،‬لكنها حتيلنا إل��ى‬ ‫نصوص أخرى كثيرة من لغتنا نحن البشر‬ ‫تقدم لنا صورا مباشرة وواضحة وبأمثلة‬ ‫حسية وملموسة عن ملذات الدنيا عندما‬ ‫احلديث عن نعيم اجلنة‪ ،‬وأهوال اجلحيم‬ ‫عندما احلديث عن عذاب جهنم‪.‬‬ ‫لكن اإلنسان في احلياة األخروية األبدية‬ ‫هو غير اإلنسان في تكوينه البيولوجي عن‬ ‫اإلنسان الدنيوي‪ ..‬انه ال ينمو وال يشيخ‬ ‫وال يجوع وال يظمأ وال ينام وال ميرض‬ ‫وال مي��وت وال ي�ت�ن��اس��ل‪ ..‬ون��زع�ن��ا م��ا في‬ ‫صدورهم غل‪ ..‬ال غل وال أحقاد وال شي‬ ‫من طبائع اإلنسان الدنيوي‪ ..‬إن ما يبهج‬ ‫هذا اإلنسان األخروي شي مختلف متاما‬ ‫عن اإلنسان الدنيوي‪.‬‬ ‫إذن كيف ميكن التوفيق بني لغتني إحداهما‬ ‫أل�غ��از واألخ ��رى م��وح��ة وش��ارح��ة باألمثلة‬ ‫التقريبية‪ :‬إننا أمام منظومة غنية باإلعجاز‬ ‫القاصد حتقيق إقناع يليق بالعقل البشري‪.‬‬ ‫إن القصة تبدو في مجملها سهلة الفهم‬ ‫والغاية جلية جداً‪ :‬إنها لغة البشر املتعلقة‬ ‫أبداً بالترغيب والترهيب‪.‬‬ ‫اس�ت�ط��رادا على ذات النسق جن��د أمامنا‬ ‫اآلي���ة ال �ت��ي ت�ت�ح��دث ع��ن ال� ��ذات اإلل�ه�ي��ة‬ ‫إذا ت�ق��ول‪ :‬ليس كمثله ش��ي وه��و السميع‬ ‫البصير‪ .‬فيما تتكاثف اآلي��ات التصويرية‬ ‫ف��ي غ�ي��ر م�ك��ان م��ن ال�ك�ت��اب ت�ت�ح��دث عن‬ ‫أع �ض��اء ال�ل��ه ع��ز وج��ل حيث ل��ه ي��د‪( :‬يد‬ ‫الله فوق أيديهم)‪ ،‬وله وجه (ويبقى وجه‬ ‫رب��ك ذو اجل�ل�ال واإلك� � ��رام)‪ ،‬ول��ه ع�ي��ون‪:‬‬ ‫(فإنك بأعيننا)‪( ،‬ولتصنع على عيني)‪ ،‬وله‬

‫الناس (‪)2‬‬ ‫ساق‪( :‬يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى‬ ‫السجود فال يستطيعون)‪ ...‬لتتباين أدوار‬ ‫واجتهادات املفسرين حيالها فمنهم قائل‬ ‫بأنها ت�ص��اوي��ر وتشاخيص حقيقية لله‪،‬‬ ‫ومنهم من قال بأنها ذات دالالت معنوية‬ ‫ال غير‪.‬‬ ‫وح �ت��ى ال ن�ت�ح��ول ب��امل�ق��ال��ة إل��ى ب�ح��ث في‬ ‫آي القرءان الكرمي عن ما هو مدرك وما‬ ‫هو معجز سأتوقف عند اآلي��ات املتعلقة‬ ‫بأحوال أهل اجلنة وأهل النار في احلياة‬ ‫األخرى حيث جند النصوص التالية‪:‬‬ ‫اب النَّارِ أَن‬ ‫ص َح َ‬ ‫ص َح ُ‬ ‫اب الجْ َ نَّةِ أَ ْ‬ ‫( َونَا َدى أَ ْ‬ ‫َق ْد َو َج ْدنَا َما َو َع َدنَا َر ّبُنَا َح ًقّا َف َه ْل َو َج مّ ُ‬ ‫دت‬ ‫َّما َو َع َد َر ّبُ ُك ْم َح ًقّا َقالُوا نَ َع ْم َف � َأ َّذ َن ُم� َؤ ِ ّذ ٌن‬ ‫بَيْنَ ُه ْم أَن لَّ ْعنَ ُة اللَّهِ َعلَى َّ‬ ‫الظالمِ ِ نيَ) (‪)44‬‬ ‫األعراف‪.‬‬ ‫اب الجْ َ نَّةِ أَ ْن‬ ‫ص َح َ‬ ‫ص َح ُ‬ ‫اب النَّارِ أَ ْ‬ ‫( َونَ��ا َدى أَ ْ‬ ‫يضوا َعلَيْنَا مِ َن المْ َاءِ أَ ْو ممِ َّ ا َر َز َق ُك ُم اللَّ ُه‬ ‫أَفِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقالُوا ِإ َّن اللّ َه َح َّر َم ُه َما َعلى الْكافِ رِ ي َن) (‪)50‬‬ ‫األعراف‪.‬‬ ‫ان املسافة الفاصلة بني اجلنة والنار بون‬ ‫شاسع بحسب ما جاء في األحاديث النبوية‬ ‫لكن فريقي اجلنة والسعير متواصلني مع‬ ‫بعض ويتحاوران لكأنهما في بث داخلي‬ ‫عبر الدائرة املغلقة‪( ...‬فيديو كونفيرانس)‪.‬‬ ‫نحن أم��ام مشهد مربك ومحير متاماً إذ‬ ‫كيف يجد من يتلظى في اجلحيم وقتاً وباالً‬ ‫وح��االً وفرصة للحوار والنقاش والسماع‬ ‫وال�� ��رد‪ ..‬ب��ل وال �ع �ت��اب وال �غ �ي��ض وإط�ل�اق‬ ‫اللعنات على من أوردهم موارد الهالك‪.‬‬ ‫إن الصور املتراصة حول مشاهد أهل النار‬ ‫تقترب بنا لصورة جتعلنا نتخيل أننا أمام‬ ‫فريق أزمة يعاني مشكلة عويصة ويتدارس‬ ‫إمكانية اخل��روج منها أو دراس��ة األسباب‬ ‫التي أدت إليها‪.‬‬ ‫أم��ا ع��ن ال�ن��ص الثابت والتفسير املتغير‬ ‫س��أس�ت��دع��ي ف��ي ه ��ذا امل �ق��ام آي ��ة واح ��دة‬ ‫اخ �ت �ل��ف ح�ي��ال�ه��ا امل �ف �س��رون ع �ب��ر ال��زم��ن‬ ‫ال �ت��اري �خ��ي ورغ���م ذل ��ك ظ�ل��ت ص��ام��دة ال‬ ‫يضرها اختالف املفسرين حولها‪:‬‬


‫(واألرض مددناها وألقينا فيها رواسي‬ ‫وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) (‪)19‬‬ ‫سورة احلجر‪.‬‬ ‫االم �ت��داد هنا ف�س��ره األق��دم��ون بأنه‬ ‫ال�ب�س��ط األف �ق��ي ل�ل�أرض ول��م يخطر‬ ‫ب�ب��ال�ه��م أن �ه��ا ك ��روي ��ة‪ ،‬ف�ي�م��ا ق ��دم لنا‬ ‫التفسير احل��دي��ث بعدما ثبت علميا‬ ‫ك��روي��ة األرض أن االم� �ت ��داد ال��دائ��م‬ ‫ل �ل�أرض ه��و ال�ت�ع�ب�ي��ر امل �ن��اس��ب مت��ام��ا‬ ‫ل�ك��روي��ة األرض ألن��ك مهما س��رت على‬ ‫األرض امل �ك��ورة ستجدها دائ �م��ا ممتدة‬ ‫أمامك ولن تكون لها حافة تنتهي عندها‬ ‫بخالف أي شكل هندسي آخر‪.‬‬ ‫يقول املفكر االسالمي نصر حامد أبوزيد‬ ‫في كتابه نقد اخلطاب الديني‪:‬‬ ‫ال ب��د م��ن التمييز والفصل ب�ين «ال��دي��ن»‬ ‫وال �ف �ك��ر ال��دي �ن��ي‪ ،‬ف��ال��دي��ن ه��و مجموعة‬ ‫النصوص املقدسة الثابتة تاريخيا‪ ،‬في‬ ‫ح�ين أن الفكر ال��دي�ن��ي ه��و االج �ت �ه��ادات‬ ‫ال�ب�ش��ري��ة لفهم ت�ل��ك ال�ن�ص��وص وتأويلها‬ ‫واس �ت �خ��راج دالل �ت �ه��ا‪ .‬وم ��ن الطبيعي أن‬ ‫تختلف االجتهادات من عصر إلى عصر‪،‬‬ ‫بل ومن الطبيعي أيضا أن تختلف من بيئة‬ ‫إلى بيئة ‪ -‬واقع اجتماعي تاريخي جغرافي‬ ‫عرقي محدد ‪ -‬إلى بيئة في إطار بعينه‪،‬‬ ‫وأن تتعدد االجتهادات بالقدر نفسه من‬ ‫مفكر إلى مفكر داخل البيئة املعينة‪”.‬‬ ‫أنا ال أتناول املسألة من حيث االختالف‬ ‫الزماني واملكاني والظرف التاريخي للنص‬ ‫القرآني املقدس‪ ،‬وال ابحث في صالحية‬ ‫التأويل والتفسير من فترة إلى أخرى‪ ،‬لكني‬ ‫أحاول إدراك سر في اللغة يجعلها السحر‬ ‫ال��ذي ينبغي استيعابه حتى ونحن نصفق‬ ‫لبديع صنعه‪.‬‬ ‫السحر الذي ال يختفي بريقه في كل زمان‬ ‫وفي كل مكان‪.‬‬ ‫بالنهاية أخلص إلى ما يلي‪:‬‬ ‫يوماً ما سيأتي بعدنا من ميلك تفسيراً‬ ‫جديدا للنص القرآني على غير ما نعرفه‬

‫تفسير لغة الله‪..‬‬ ‫الهرمنيوطيقا‬ ‫هي مشتقة من الكلمة اليونانية‬ ‫فسر أو‬ ‫«‪ »Hermeneuin‬مبعني ُي ِ ّ‬ ‫يوضح ‪ -‬من علم الالهوت ‪ -‬حيث‬ ‫ِّ‬ ‫ك���ان ي��ق��ص��د ب��ه��ا ذل���ك اجل����زء من‬ ‫الدراسات الالهوتية املعني بتأويل‬ ‫ال����ن����ص����وص ال���دي���ن���ي���ة ب��ط��ري��ق��ة‬ ‫خيالية ورم��زي��ة تبعد عن املعنى‬ ‫احلرفي املباشر‪ ،‬وحتاول اكتشاف‬ ‫امل��ع��ان��ي احلقيقية واخل��ف��ي��ة وراء‬ ‫النصوص املقدسة‪.‬‬ ‫املصدر «ويكيبيديا»‬

‫اليوم‪.‬‬ ‫افهم أن النص القرآني يطلب منا إمياناً‬ ‫جازماً بخالق واحد لهذا الكون‪ ،‬ويطلب منا‬ ‫إمياناً بأن هناك حياة بعد املوت‪ ،‬وهناك‬ ‫جزاء ثواب للمؤمنني به وعقاب للكافرين‬ ‫به‪.‬‬ ‫والنص القرآني يحدد لنا طريق املؤمنني‬

‫الراغبني في الله‪ ،‬ويحدد مسالك‬ ‫غيرهم الزائغني عنه‪.‬‬ ‫وال� �ن ��ص ال� �ق ��رآن ��ي ي��ح��دد لنا‬ ‫ال�ع�ب��ادات املطلوب التعبد بها‬ ‫اليه والطاعات املمقربة إليه‪،‬‬ ‫وي �ح��دد ال �ن��ص أي �ض��ا املعاصي‬ ‫احملرمة التي نهانا عنها‪.‬‬ ‫منظومة من القيم واألخالقيات التي‬ ‫تستقيم حياة الناس بها‪.‬‬ ‫وف��ي ك��ل ذل��ك يؤكد النص ال�ق��رآن��ي على‬ ‫حرية العقيدة واالعتناق (من شاء فليؤمن‬ ‫ومن شاء فليكفر)‪( ..‬ول��و شاء ربك آلمن‬ ‫من في األرض كلهم جميعا‪ ،‬أفأنت تكره‬ ‫الناس حتى يكونوا مؤمنني)‪.‬‬ ‫هذه هي ثوابت النص القرآني املقدس التي‬ ‫حني اإلمي��ان بها تقيناً إشكالية التفسير‬ ‫املتغير‪ ،‬فالنصوص ثابتة ف��ي املنطوق‪،‬‬ ‫متحركة متغيرة في املفهوم‪.‬‬ ‫وأن��ا هنا وبهذا أري��د أن أهمس في آذان‬ ‫مشايخنا وعلمائنا وفقهائنا ال��ذي��ن مبا‬ ‫أوت � ��وا اع��ت��ق��دوا أن �ه��م ام �ت �ل �ك��وا ن��اص�ي��ة‬ ‫احلقيقة اإللهية كلها‪ ..‬أقول لهم بوضوح‬ ‫إنكم إذا كنتم مقلدين ومتبعني فإنكم نتاج‬ ‫مرحلة تاريخية مضت‪ ،‬وان كنتم مجددين‬ ‫فإنكم محدودين بالزمان وامل�ك��ان والعلم‬ ‫القليل‪ ..‬وليس لي إال أن أطالب دائما أن‬ ‫ح��رروا النص القرآني من قبضة أيديكم‪،‬‬ ‫انهلوا منه فيضا يشرق على الدنيا خيرا‬ ‫وسماحة وعطاء‪ ..‬ولن ينقص ذلك منه إال‬ ‫مبقدار ما ينقص املخيط إذا غمر في ماء‬ ‫البحر‪.‬‬ ‫اعلموا أن الله ال يكلمنا بلغته أب��دا‪ ..‬إنه‬ ‫يكلمنا بلغتنا البدائية التي رمب��ا امتلكنا‬ ‫مفاتيحها حينا واستغلقت علينا أحايني‬ ‫كثيرة‪.‬‬ ‫يقول احلق تبارك وتعالى ‪( :‬وما أوتيتم من‬ ‫العلم إال قليال)‪ ..‬ما يعني أن ليس هناك‬ ‫منتهى للعلم مهما بلغ حظ صاحبه‪ ،‬إذن‬ ‫علينا أن نستزيد ف��ي ه��ذه احل��ال��ة وفقا‬ ‫للتوجيه الرباني‪( :‬وقل ربي زدني علما)‪.‬‬


‫‪058‬‬ ‫‪58‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ثقافة‬

‫عندما تتسع الرؤيـــــة‬ ‫وال تضيق العبـــــــــــــــارة ‪..‬‬

‫«هيروشيما»‬

‫في قصيدة‬

‫«ما بت العين اتهونه» للشاعر الــــــــــ‬ ‫بحيرة راكدة‪،‬‬ ‫صخر على وجه‬ ‫منتصف الستينات‪ ،‬والعالم ميوج بالعظيم من األحداث وكأنك ترمي بجلمود‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وتصغر تلك‪ .‬التغيير هو السائد‪ ،‬أما الفوضى فهي القانون‬ ‫آالف الدوائر‪ ،‬تكبر هذه‬ ‫فتتولد من تأثير سقوطه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الذي ال مهرب منه إال إليه ‪.‬‬ ‫دولة في العالم ُيقتل غدر ًا والفاعل مجهول‪ ،‬وقبل ذلك‬ ‫كل ما ميكن تصوره يحدث‪« ،‬جون كينيدي»‪ ،‬رئيس أكبر‬ ‫ٍ‬ ‫بكثير‪،‬كانت اليابان قد تلقت ضربةً موجعة أطاحت بها ودمرت كيانها‪ ،‬بعد أن محت من الوجود مدينتيها‬ ‫الرائعتني‪»،‬هيروشيما»‪ ،‬و»ناجازاكي» ‪.‬‬ ‫هذه هي خارطة العالم آنذاك‪ ،‬فماذا عن خارطته هنا ؟ على هذه األرض الطيبة‪ ،‬التي ندعوها نحن «ليبيا»‪،‬‬ ‫بلد الطيوب‪،‬وموطن كل شئ بالنسبة ألهلها البسطاء «آنذاك « !!‬

‫الصديق بودوارة‬


‫ـــــــــــشعبي الليبي «حمد بالحمد»‬ ‫في ذل��ك ال��وق��ت‪ ،‬كانت «ليبيا» تتأرجح بني سياسات متضاربة‪،‬‬ ‫ني على‬ ‫ني على كنز البترول الواعد‪،‬وع ٌ‬ ‫صعو ٌد هنا‪،‬وهبوط هناك‪ ،‬ع ٌ‬ ‫موقف دولي ال يستقر له قرار‪،‬مجتمع يستقبل بوادر مدنية تبدو بال‬ ‫ٍ‬ ‫بتردد جامح بني املضي قدماً أو االنكفاء إلى‬ ‫ضوابط‪ ،‬ومدن متوج‬ ‫النجع املتراصف‪،‬الذي لم يفقد األمل في بقائه بعد ‪.‬‬ ‫كل هذه األلوان كانت تتداخل في اللوحة الليبية آنذاك‪ ،‬ومع هذه‬ ‫ٍ‬ ‫موعد مع أحداث كبيرة الوقع‬ ‫البانوراما املتالحقة كانت البالد على‬ ‫تدخلت في صياغتها حتى عوامل الطبيعة‪،‬ولم يتوان في صنعها حتى‬ ‫أعضاء مجلس النواب آنذاك ‪.‬‬ ‫ووسط هذا اخلضم املتالطم لم يفقد الشاعر الشعبي الليبي صوابه‪،‬‬ ‫ولم تذهب ببصيرته األحداث‪ ،‬فقد كان «عبد السالم احلر» سباقاً‬ ‫إلى التقاط مشهد «زلزال املرج» الشهير بعدسة قصيدته العصماء‪:‬‬ ‫«يا العني يابكاية « ‪..‬‬ ‫من يوماً امعا غيرك قرن سهراية ‪ /‬انسيه خير لك ‪.‬‬ ‫ونكتشف عند حدود هذا البيت بالذات ‪:‬‬ ‫« ثالثني عشرة بني يوم وليلة ‪ ..‬اللي دفنوا ال طار ال ش ّ‬ ‫الية «‬ ‫نكتشف أنه ال يغفل حتى عن ذكر العدد الدقيق لضحايا الزلزال‪،‬وهو‬ ‫(‪ )300‬ضحية‪ ،‬مؤكداً أن القصيدة قد تكتب التاريخ ولو بعد آالف‬ ‫األعوام من والدتها‪ ،‬ومن ال يصدق فليسأل اليونانيني عن شاعرهم‬ ‫تاريخ‬ ‫األعمى «هوميروس»‪،‬وهل ك��ان بإمكانهم أن يعيدوا كتابة‬ ‫ٍ‬ ‫استعصت عليهم طالسمه من ‪ 1200‬الى ‪ 800‬قبل امليالد‪ ،‬وأن‬ ‫يسمعوا بوجود «طروادة « وحصانها الشهير لوال قصائده ؟ لكن «عبد‬ ‫السالم احلر»‪ ،‬لم يكن وحده الذي حول أبياته إلى عدسة تصوير‬ ‫عصر لم يشهد بعد ثورة معلومات كاللتي نشهدها‬ ‫بالغة الدقة في‬ ‫ٍ‬ ‫اآلن‪ ،‬فقد كان هناك عمال ٌق آخر هو الشاعر»جعفر احلبوني»‪،‬الذي‬

‫عصر لم تكتمل فيه هيأة‬ ‫كان مبثابة جهاز إعالمي فائق اجلودة في‬ ‫ٍ‬ ‫االعالم بعد ‪،‬وهو يطرح في أوائل الستينات سؤاالً لم تكن السلطة‬ ‫آنذاك ترغب في طرحه ولو على سبيل املزاح ‪:‬‬ ‫« وين ثروة البترول ياسمسارة ‪ ..‬اللي في اجلرايد نسمعو باخباره ‪».‬‬ ‫ولم يكتف احلبوني بذلك‪ ،‬بل أطلق قصيدته التي شاعت وانتشرت‬ ‫وتهامست بها املجالس ‪:‬‬ ‫« أيام قبل ما نعرف إال احلرية ‪ ..‬امعيشة عدالة للعرب جملية‬ ‫إنه ال يستثني من انتقاده حتى أعضاء مجلس النواب آنذاك ‪:‬‬ ‫ايسته وان تكلم خايب ‪ ..‬امغير شخص بونادم على كرس ّيه «‬ ‫« قاعد ّ‬ ‫إن «احلبوني» ال ينأى بالشعر الشعبي عن املشاركة والتحول إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سياسية لها وزنها في الشارع‪،‬ووجوده عمالقاً له الكلمة األولى‬ ‫كتلة‬ ‫واألخيرة معاً‪ ،‬مشيراً إلى غياب العدالة االجتماعية‪،‬وعدم توزيع‬ ‫الثروة بالتساوي بني طبقات املجتمع‪ ،‬مذكراً الرأي العام بأوضاع‬ ‫ٍ‬ ‫طبقة لم تتعرض لها وسائل االعالم ولو بإشارة عابرة ‪.‬‬ ‫«والعاقب ايربش كي عقاب امثالي ‪ ..‬عشاه ضناه في البمبة وهي‬ ‫مملية»‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شعرية مديدة متمثلة في «حمد‬ ‫بقامة‬ ‫لكن الساحة تزدان مرة أخرى‪،‬‬ ‫باحلمد»‪ ،‬الذي يقرر أن «النفري» ليس دائماً على حق‪ ،‬فهذا العبقري‬ ‫ال��ذي قال قدمياً‪ « ،‬إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»‪ ،‬يجد في‬ ‫قصيدة «مابت العني اتهونه» رداً مخالفاً‪ ،‬إذ أن الرؤية هنا تتسع‪،‬‬ ‫ومعها تتسع العبارة ‪:‬‬ ‫«ما بت العني اتهونه ‪ ..‬نظيف العضا صابغ سواد اعيونه‬ ‫بطولة الرجا ‪».‬‬ ‫غريب أف � ُق ه��ذه القصيدة‪ ،‬ومحي ٌر إل��ى أبعد احل��دود‪ ،‬ففي ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫الزمن لم تكن ث��ورة املعلومات قد اقتحمت بيوت الناس‪،‬ولم تكن‬


‫‪60‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ثقافة‬

‫جلساتهم الليلية تنشغل مبتابعة‬ ‫أخبار الكون بالصوت والصورة‬ ‫بأحدث أنظمة «الديجيتال»‪،‬ولم‬ ‫تكن الفضائيات بأنواعها‪،‬ولم‬ ‫نكن نعرف من البث املباشر إال‬ ‫دقات ساعة «البيج بن» الشهيرة‬ ‫وهي تذيع األخبار على أجهزة‬ ‫املذياع الضخمة‪ ،‬ولكن‪ ،‬كم كان‬ ‫عدد الذين ميلكون أجهزة مذياع‬ ‫في ذلك الوقت ؟‬ ‫وس � ��ط ه � ��ذه ال� � �ظ � ��روف‪ ،‬ك��ان‬ ‫م��ن امل�ت��وق��ع أن ينكفئ الشعر‬ ‫الشعبي على أعراسه ومناسباته‬ ‫االج�ت�م��اع�ي��ة‪،‬م�ن�ش�غ� ً‬ ‫لا بالغزل‬ ‫الصريح الذي ازدهر في أبيات‬ ‫امل��ج��رودة ال�ت��ي ل��م تكن عرسا‬ ‫شعبيا ليخلو منها‪ ،‬أو في غيرها‬ ‫م��ن أل ��وان الشعر الذائعة على‬ ‫األلسن‪ ،‬لم يكن ثمة إمكانيات‬ ‫ملتابعة أخبار ه��ذا ال�ك��ون‪ ،‬فما‬ ‫يشد الشاعر الشعبي لالنغماس‬ ‫في مشاكله الصغيرة‪،‬كان أقوى‬ ‫من قدرته على رفع رأسه ليعد جنوم سماءٍ بعيدةٍ عنه‪ ،‬لكن «حمد‬ ‫باحلمد» ال يرى هذا الرأي ‪.‬‬ ‫إنه يفاجئ املشهد الشعري بقصيدته الكبيرة‪ ،‬جلمود الصخر الذي‬ ‫أحدث ماليني الدوائر املتعاقبة في بحيرةٍ ال حدود لضفافها ‪:‬‬ ‫« وال نسياته ‪..‬‬ ‫وال ابردن من طول الرجا غياته‬ ‫كم من عزا درته وما قبالته ‪ ..‬ضليل رايها مازال به ممحونة ‪».‬‬ ‫ال جذاباً مينحها قبوالً‬ ‫إن «حمد باحلمد» يختار أوالً لقصيدته شك ً‬ ‫ال ميكن اإلعراض عنه‪ ،‬إنه ّ‬ ‫يقطعها إلى ما يشبه «الرباعيات»‪ ،‬بحيث‬ ‫تبدأ «القدعة» التالية بآخر كلمة انتهت بها سابقتها‪،‬منحازاً بذلك‬ ‫إلى منط مشابه تخصصت فيه «املجرودة»‪ ،‬ولكي مينح قصيدته‬ ‫املزيد من التميز‪ ،‬فهو ال يثابر على الشكل‪،‬بل يقوم عمداً بتجاهله‬ ‫احلني واآلخر‪،‬وكأنه يدعوك إلى تأمل املعنى قبل أن يشغلك‬ ‫بني‬ ‫ٍ‬ ‫املبنى عن بيت القصيد ‪.‬‬ ‫« ابها محنتا ‪ ..‬طوقة طويلة رادعة مشيتا‬ ‫رقت عزام العني في خطمتا ‪ ..‬جميل خدها شابه لبوقرعونة «‬ ‫إلى هنا‪ ،‬يظل مبنى القصيدة هو املسيطر على احلدث‪ ،‬فال جديد‬ ‫في قصيدة «باحلمد» في مستهلها‪ ،‬حتى أن «البوقرعون»‪،‬وهو نبات‬ ‫محظوظ بزهرته احلمراء البديعة‪ ،‬كان قد أٌستعمل مراراً وتكراراً‬ ‫في نفس التشبيه‪ ،‬لكن املثير كان قد بدأ يتهيأ للقدوم ‪:‬‬ ‫« العني اشتاقت ‪ ..‬لزول العزيز وما فراقه طاقت‬ ‫رحيل روحنا شور الغوالي ساقت ‪ ..‬اخطانا امعاها وين ما هفونا ‪».‬‬ ‫إن «حمد باحلمد» يهيأك اآلن لتقبل املضمون‪ ،‬ويتجاوز غياب التقنية‬ ‫وندرة املعلومة‪،‬ليضع كل سكان اخلالء الساحر في قلب احلدث ‪:‬‬ ‫« انعدو غالهم كيف «هيروشيما» ‪ ..‬اللي زاهية بقواتا ممنونة ‪».‬‬ ‫هنا‪ ،‬يبدأ العرض‪ ،‬وإن كان السائد في تعزية «العني»‪ ،‬وهي املمثل‬ ‫املمثل الرسمي للقلب في الشعر الشعبي‪ ،‬هو تذكيرها مبصرع «‬

‫سيد املال»‪ ،‬بعد أن ينجح في كل‬ ‫مرة بالعودة باإلبل املنهوبة‪ ،‬بعد‬ ‫أن تتخذ القبيلة قراراً باإلجماع‬ ‫ب��رد «امل��ال املنهوب»‪ ،‬على هذه‬ ‫الشاكلة ‪:‬‬ ‫« نحنا ف��ي اللومات ان�ع��دوا ‪..‬‬ ‫واخرى رجالة انتندوا‬ ‫البد ع الغزيان انهدو ‪ ..‬وخاذة‬ ‫عيت ام ابهال ‪».‬‬ ‫ل �ك��ن «ح� �م ��د ب ��احل� �م ��د» ي �ق��رر‬ ‫أن ه�ن��اك م��ا ه��و أج ��در بكونه‬ ‫من��وذج �اً للعزاء م��ن بضع نياق‬ ‫تعرضت للسطو‪ ،‬إن��ه ي��رى أن‬ ‫ه �ن��اك م��دي�ن��ة ع��ام��رة‪ ،‬أب�ي��دت‬ ‫ع��ن آخ��ره��ا بقنبلة ذري ��ة‪ُ ،‬كتب‬ ‫على هيكلها احلديدي باخلط‬ ‫العريض‪« ،‬صنُع في أمريكا» ‪.‬‬ ‫«زاه �ي��ة ن� ��وارة ‪ ..‬م��رك��ز ق�ي��ادة‬ ‫طاغية جبارة‬ ‫وال�ل��ي ن��واه��ا بشر‪ ،‬ل��ه نكسارة‪،‬‬ ‫جيوش العدو منها الكل مطعونة‬ ‫‪».‬‬ ‫هذا بالضبط‪ ،‬هو حال «اليابان» قبل نكستها أواخر احلرب العاملية‬ ‫الثانية‪ ،‬فقد كانت فع ً‬ ‫ال صاحبة أمبراطورية جنوب ش��رق آسيا‬ ‫الكبيرة‪ ،‬وكانت بالفعل‪،‬الدولة التي أجبرت الصني العمالقة على‬ ‫تقبل الهزمية العسكرية ثقيلة الوقع‪ ،‬والتسليم باالحتالل الياباني لها‪،‬‬ ‫ولكن‪ ،‬هل كان «حمد باحلمد»‪ ،‬قد قرأ شيئاً عن تاريخ آسيا احلديث‬ ‫واملعاصر ليعرف كل هذا ؟ أم أنها بصيرة الشاعر التي تقرأ حتى‬ ‫الذي لم يُكتب بعد ؟‬ ‫« الكل يزاقا ‪ ..‬واللي يعتدي ماله اال نحراقة ‪».‬‬ ‫هنا‪ ،‬يغير «باحلمد» من إيقاع احلركة في قصيدته‪ ،‬ويكتفي ٍ‬ ‫ببيت‬ ‫واحد بدل البيتني‪ ،‬غير عابئ بالقافية‪ ،‬وعند هذه النقطة بالذات‬ ‫بشئ من التمعن‪،‬أنه يصنع لقصيدته مفص ً‬ ‫ال في غاية‬ ‫نكتشف ٍ‬ ‫األهمية‪ ،‬ويقرر أن بيتاً واحداً يكفي ليكون بوابة لدخول النص عبر‬ ‫فكرة اختراع سبب وجيه يبرر وقوع احلدث األساسي الذي تتكئ‬ ‫عليه القصيدة ‪.‬‬ ‫إن الشاعر الشعبي «حمد باحلمد» في الستينات من القرن املاضي‬ ‫يتفنن في إدخال «الدراما» إلى قصيدته‪ ،‬فكيف كان األمر ؟ ‪:‬‬ ‫«ماله اال الرزية ‪ ..‬ثاريت واحد كبدته مشوية‬ ‫قاتلينه قتلة شنيعة خيه ‪ ..‬حالف ان ياخذ ثار للقزونة ‪».‬‬ ‫ليس ثمة طيار قتل اليابانيون أخ��اه‪ ،‬فقرر االنتقام البنته اليتيمة‬ ‫بقنبلة ذرية‪ ،‬فقرا ٌر كهذا ال تتخذه عاطفة فرد مهما عظمت مصيبته‪،‬‬ ‫لكن القصيدة تقدم األمر على هذا النحو‪ ،‬فهل وقفتم اآلن على سر‬ ‫التوهج في هذه القصيدة ؟‬ ‫لقد سار ذكرها ألن صاحبها لم يبخل عليها بشئ‪،‬منحها الشكل‬ ‫املختلف‪ ،‬وأعطاها من عنده اجلرأة في الطرح‪ ،‬وألبسها عباء ًة من‬ ‫خيال بديع‪ ،‬ال يتردد في االبتكار‪ ،‬وال يتوانى في صياغة اسباب ال‬ ‫ٍ‬ ‫توجد إال في واقع اخليال‪ ،‬إن كان ثمة للخيال واقع ‪.‬‬ ‫هناك أيضاً املوقف‪ ،‬موقف الشاعر من احلدث‪ ،‬وهذا ما نسجله‬

‫حمد باحلمد يختار لقصيدته شكال جذابا‬ ‫مينحها قبوال ال ميكن اإلعراض عنه ويقطعها إلى‬ ‫ما يشبه الرباعيات‬ ‫يقرر أن بيتا واحدا يكفي ليكون بوابة لدخول‬ ‫النص عبر فكرة اختراع سبب وجيه يبرر وقوع‬ ‫احلدث األساسي‬ ‫صورته عني فاحصة لشاعر شعبي‬ ‫حدث عاملي ّ‬ ‫منذ أكثر من ‪ 50‬عاما مضت‬


‫مشاهد مؤملة وثقهاالشاعر وهوبعيد عنها آالف األميال‬ ‫اليوم كإحدى سلبيات الكثير من النصوص التي يدعي أصحابها بغير‬ ‫وجه حق انتسابها للشعر عندما يغرق في ذاتية ال متجد حتى ذاتها‪،‬‬ ‫وتنعزل عن ما يحيط بها فال تؤثر وال تتأثر‪ ،‬فال غيابها حدث‪ ،‬وال‬ ‫حضورها حدث‪ ،‬وكأنها ما وصفه الشاعر الشعبي الليبي «ادريس‬ ‫الشيخي» عندما أراد أن يصف كبر سنه ‪:‬‬ ‫« ال ان غبت نشغل ال ان جيت انفرح ‪ ..‬بدا كبر‪ ،‬ماعندي معاه دوا»‬ ‫لكن الشعر الشعبي ال ي�ت��ورط ف��ي ه��ذه السلبية املقيتة‪ ،‬ومن‬ ‫بعد «حمد باحلمد»‪ ،‬ك��ان الشعراء قد التقطوا ط��رف اخليط‬ ‫ومضوا‪ ،‬حتى أننا جند اليوم «مفتاح الفالح» وه��و ال��ذي يأخذ‬ ‫شعره باأللباب‪ ،‬يستعرض حادث ًة دولية كمصرع «الليدي ديانا»‪،‬‬ ‫يفصل‬ ‫أميرة ويلز‪ ،‬وزوجة ولي عهد بريطانيا «األمير تشارلز»‪ ،‬إنه ّ‬ ‫احلدث وال يتوقف عند ذلك‪ ،‬بل يبدي فيه رأياً‪ ،‬وال يتوقف عند‬ ‫إبداء الرأي‪ ،‬بل يتهم جه ًة بعينها بارتكاب اجلرمية النكراء ‪:‬‬ ‫«ونزعل ونحزن كان ريت حزانا ‪ ..‬املولى عطاني عزم موش قوي‬ ‫بكيت بصراحة يوم موت ديانا ‪ ..‬من غير معرفة ميكن نكون غبي‬ ‫الها عايلتا دبرو اخليانة ‪ ..‬علي شان عشقت في عشيق بري‬ ‫ومشية اميرة ويلز للجبانة ‪ ..‬غريب صارلي منها احساس خفي‬ ‫وحست حوستني حوسة الدفانا ‪ ..‬علي نعش صاحبة الضمير‬ ‫احلي ‪».‬‬ ‫ليس الشعر الشعبي إذن على هامش احلياة‪ ،‬وهذا سر جتدده الدائم‪،‬‬ ‫وانبعاثه في مجالس الناس‪ ،‬رغم اعتماده لنمطيات محددة طال بها‬ ‫الزمن‪ ،‬وهكذا تصب ُح القاعدة على هذا النحو‪ ،‬كن بال موقف‪ ،‬تكن‬ ‫بال كيان‪ ،‬ومن ال كيان له ال يستحق أن يراه أحد ‪.‬‬ ‫لهذا كان النص يستحق وجوده إذا أفصح عن موقفه‪ ،‬إذا تكلم كي‬ ‫تراه‪ ،‬ولذلك يحترم اجلميع النص النثري إذا حتول إلى رأي يقو ُد وال‬ ‫يُقاد‪ ،‬كما فعل الفلسطيني وليد عبد الرحمن» ذات نص ‪:‬‬ ‫« أيها الشرطي ‪..‬‬ ‫انتبه ‪.‬‬ ‫رمبا تُشن ُق يوماً‬ ‫بهذا اخليط الذي تشد به حذاءك‬ ‫الذي تهدر به كل صباح ‪».‬‬ ‫هذا عن املوقف‪ ،‬عن القيمة إذا عبرت عن نفسها‪ ،‬في الستينات‬

‫فعل «حمد باحلمد» هذا‪ ،‬ومضى يشرح لنا ما حدث بعفوية البدوي‬ ‫املذهلة ‪:‬‬ ‫« حالف ان ياخذ ثاره ‪ ..‬اسقّد وحلّق فوقها بطيارة‬ ‫واطلق الذرة الوطن راح اخسارة ‪ ..‬رمامي ابقي كله ومي مدفونة‬ ‫وصاف اخضاره ‪ ...‬وماتوا جميع اكبارهم واصغاره‬ ‫حتى البوم مو راجع على موكاره ‪ ..‬وخليت اللي كانت ابهل مسكونة‪».‬‬ ‫هذه هي «هيروشيما» بعد الساعة العاشرة وعشر دقائق‪ ،‬من‬ ‫صباح يوم ‪ ،1945 ،8 / 15‬بعد القنبلة الذرية الشهيرة‪ ،‬وبعدسة‬ ‫شاعر شعبي ليبي يدعي «حمد باحلمد»‪ ،‬م��ن قبل أن تتفنن‬ ‫عدسات املصورين في نقل احل��دث من عني املكان‪ ،‬ويبدو أن‬ ‫مشهد الديار املوحشة‪ ،‬اخلالية حتى من البوم‪ ،‬والتي أبدع في‬ ‫تصويرها «حمد باحلمد» قد استهوت عمالقاً آخر من عمالقة‬ ‫القصيدة الشعبية الليبية اآلن‪ ،‬وهو «الرويعي الفاخري»‪ ،‬عندما‬ ‫يقول ‪:‬‬ ‫« ما هالدار يالفا وليف ‪ ..‬حتى البوم االفطس ما سكنها ‪».‬‬ ‫هنا بالذات تكمن حيوية الشعر الشعبي‪ ،‬في اجتيازه لذاته كل‬ ‫مرة‪ ،‬إنه يتفوق على تشبيهاته التي نبعت منه هو‪ ،‬وكأنه يحدث‬ ‫نفسه تلقائياً‪ ،‬حتى ال يضر به مرور الزمن ‪.‬‬ ‫هذه فقط‪ ،‬قراءة متواضعة عن «هيروشيما»‪ ،‬في قصيدة الشاعر‬ ‫ني‬ ‫الشعبي الليبي «حمد باحلمد»‪ ،‬عن حدث عاملي‪ ،‬صورته ع ٌ‬ ‫لشاعر شعبي‪ ،‬منذ أكثر من خمسني عاماً مضت‪ ،‬وكنت‬ ‫فاحصة‬ ‫ٍ‬ ‫أريد أن اضمنها قراءة مماثلة حلدث عاملي آخر ورد في نفس‬ ‫القصيدة‪ ،‬هو اغتيال الرئيس األمريكي «ج��ون كينيدي»‪ ،‬لكني‬ ‫آثرت أن أفصل بني احلدثني‪ ،‬وإن وردا في قصيدةٍ واحدة‪ ،‬وكأني‬ ‫همست لنفسي وقتها ‪ :‬أمريكا قتلت مدينتني‪ ،‬ثم ها هي أمريكا‬ ‫تقتل رئيسها‪ ،‬أال يجب أن نفصل ب�ين جرمية قتلت املاليني‪،‬‬ ‫وجرمية قتلت فرداً واحداً ؟‬ ‫رمبا أك��ون على حق‪ ،‬ورمب��ا جانبني الصواب‪ ،‬إال أن املؤكد هو‬ ‫بخيال ال‬ ‫عبقرية «حمد باحلمد»‪ ،‬في التقاط املشهد وإث��رائ��ه‬ ‫ٍ‬ ‫ينضب‪ ،‬ولن ينضب بالتأكيد‪ ،‬ال أمس‪ ،‬وال غداً‪ ،‬وال بعد ألف عام‪،‬‬ ‫ومن ال يصدق فليسأل األغريق عن «هوميروس» وإلياذته التي‬ ‫أحيت لهم تاريخاً كان قد شبع موتاً لو لم يهرع إليه الشعر ‪!!.‬‬


‫‪62‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫حوار فني‬

‫ولد عام ‪ 1957‬في إحدى واحات اجلنوب الليبي الرائع‬ ‫وه��ي (واح��ة زل��ه) التي ع��اش فيها طفولته األول��ي ‪..‬‬ ‫ترك مقاعد الدراسة وهو في الصف الثالث االبتدائي‪,‬‬ ‫واقتصرت دراسته على القرآن الكرمي ملدة ستة سنوات‪,‬‬ ‫وعندما بلغ سن الثالثة عشر من عمره انتقل إلى مدن‬ ‫الساحل وحتديداً ملدينة مصراتة صحبة والده ليستقر‬ ‫فيها ألكثر من أربعني عاماً ‪ ..‬وعندما انتقل مع اسرته‬ ‫غلى مصراتة التحق باملدرسة ليكمل تعليمه هناك‬ ‫ودخ��ل في الصف الرابع االبتدائي‪ ,‬وواص��ل دراسته‬ ‫إلى أن حتصل على دبلوم معلمني سنة ‪ 1979‬ولكن‬ ‫لم مي��ارس مهنة التدريس إال عاماً واح��داً فقط‪ ,‬ثم‬ ‫انتقل بعدها ملجال اإلعالم والثقافة وال يزال موظفاً‬ ‫في هذا القطاع إلى اآلن ‪ ..‬وخ�لال فترة الثمانينات‬ ‫أراد أن يكمل تعليمه واشترك في اجلامعة املفتوحة‬ ‫قسم العلوم السياسية ولم يستمر فيها طوي ً‬ ‫ال النشغاله‬ ‫بدراسة املوسيقى في الفترة املسائية وكتاباته الشعرية‬ ‫التي ك��ان يحمل رداءه ��ا منذ طفولته إل��ى أن تخرج‬ ‫حام ً‬ ‫ال شهادة فنان‪.‬‬

‫حوار‪ :‬علي خويلد‬

‫صائد الكلمات‬ ‫هذب الفصيح ‪..‬‬ ‫الذي ّ‬ ‫محمد الدنقلي‪:‬‬

‫الشعر المحكــــــــــ‬


‫ـــــــي ال صاحب له‬


‫‪64‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫حوار فني‬

‫الشعر احملكي ضرورة حتمية أمالها العصر‬ ‫فظهر بأصوات مجموعة من الشعراء الواعني‬ ‫مبا يكتبون‬ ‫اخلالف مع الشعراء الشعبيني انتهى إلى‬ ‫«تفاهم» في أحد املهرجانات‬ ‫شعراء الفصحى مازالوا في فصاحنهم يعمهون‬ ‫االنتقال إلى الشعر احملكي هو رجوع إلى‬ ‫القواعد األصلية‬ ‫عندما اقترف الشعر ال افكر في اللغة ‪ ..‬الشعر‬ ‫رقص باجلسد والروح واحلرف واآلهات‬ ‫نقد حول احملكية مايزال في‬ ‫ما كتب من ٍ‬ ‫بداية الطريق‬ ‫كل «التكرميات» التي حتصلت عليها أهديها‬ ‫لبلدي احلبيب‬ ‫امللحن الشاب الذي أعشقه ويقتلني إبداع ًا‬ ‫هو امللحن الشاب تامر العلواني‬

‫تذكار مع أحدى الفرق املغاربية‬ ‫بداياته في كتابة الشعر كانت من خ�لال الشعر الفصيح أثناء‬ ‫مرحلة معهد املعلمني‪ ,‬في فترات النشاط املدرسي واملسابقات‬ ‫بني الطلبة والتي أعطته فرصة املشاركة واحلصول على التراتيب‬ ‫املتقدمة بني املشاركني حيث حتصل على ترتيب بارز في أواخر‬ ‫الثمانينات في القصيدة العمودية آن��ذاك وق��ال فيها (ما العلم‬ ‫والعلماء إال ثرو ًة ‪ ..‬ومناه ًل تروي ظمأ األجيال ) وهي أول ما‬ ‫كتبه في الشعر الفصيح ‪ ..‬كما له العديد من القصائد في الشعر‬ ‫الشعبي والفضل يعود لوالده رحمه الله الذي كان شاعراً شعبياً‬ ‫وعلمه أبجديات الشعر الشعبي‪ ,‬حيث كان ميلي عليه قصائده‬ ‫ويقوم هو بكتابتها على الورق وحفظها ‪ ..‬وفي منتصف الثمانينات‬ ‫بدأ في كتابة بعض األغاني مقلداً بعض األسماء الالمعة في تلك‬ ‫الفترة سواء في ليبيا أو املشرق العربي‪ ,‬وبعد سنوات قليلة أيقن‬ ‫من خالل ما يعرضه علي بعض األصدقاء واملثقفني بأنه يكتب‬ ‫نصاً باللهجة الليبية يختلف عن األغنية وعن القصيدة الشعبية‪,‬‬ ‫وقد مت اختيار وصفاً اوتسمية لهذا النمط الشعري اجلديد وهو‬ ‫(شعر باللهجة احملكية) وال��ذي وضعه عنواناً ثانيا على غالف‬ ‫ديوانه االول « نثار الليل « لتعتمد بعد ذلك تسمية الشعر احملكي‬ ‫هذا هو شاعر احملكية القدير «محمد الدنقلي» ضيف املستقل‬ ‫الفني في هذا العدد الذي إلتقيناه في حوار سريع حول الشعر‬ ‫احملكي وانشغاالته وهمومه واالختالف بني أنواع الشعر إن وجد‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬الشعر احملكي جديد نسبيا في ليبيا وظهر‬ ‫خالل فترة التسعينات‪ ,‬من صاحب فكرة هذا النوع‬ ‫من الشعر في ليبيا؟ ومن هم شعراء احملكية؟‬ ‫الدنقلي‪ :‬الشعر احملكي ال صاحب له ‪ ..‬هو ض��رورة حتمية‬ ‫أمالها العصر فظهر بأصوات مجموعة من الشعراء الواعيني‬ ‫مبا يكتبون وغير املتخلفني عن عصرهم‪ ,‬وطوروا لهجتهم وقالوا‬ ‫كلمتهم ولم يتخلوا عن هويتهم‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬ب��داي��ة ظهور ه��ذا الشعر حصل ن��وع من‬


‫الدنقلي يجيب على أسئلة الزميل علي خويلد‬

‫مع الروائي اجلزائري وسيني االعرج‬

‫اخل�ل�اف ب�ين ش��ع��راء احمل��ك��ي��ة وال��ش��ع��راء الشعبيني‬ ‫خ��ص��وص� ًا ف��ي املنطقة ال��وس��ط��ى ح��ول التصنيفات‬ ‫الشعرية فأيهما األقوى وصفاً‪ ,‬وما هو سبب اخلالف؟‬ ‫وماذا تقول عن الفصيح؟‬ ‫الدنقلي ‪ :‬ال��ذي حصل أن طبيعة البشر تركن للثوابت‪ ,‬وكل‬ ‫جديد هو بدعة‪ ..‬القصة باختصار عندما انبثقت فكرة الشعر‬ ‫احملكي وتبلورت في بداية األلفية برزت بعض األصوات املنادية‬ ‫بأن شعراء احملكية يشوهون التراث ويسيئون للموروث‪ ,‬وذلك‬ ‫بتخريب األمن��اط الشعرية الشعبية التي ورثناها عن أسالفنا‪,‬‬ ‫ف �ك��ان ل �ق��ائ��ي م��ع ب �ع��ض أه ��م ال �ش �ع��راء ال�ش�ع�ب�ي�ين ف��ي إح��دى‬ ‫املهرجانات وسمعتهم وسمعوني وانتهى اخلالف بأننا ننبع من‬ ‫نفس النبع لكننا ال نشبههم في طريقة التعبير وال نقصيهم ‪ ..‬أما‬ ‫شعراء الفصحى فمازالوا في‬ ‫فصاحتهم يعمهون‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬من القصائد‬ ‫ال��ع��م��ودي��ة وال��ن��ث��ري��ة إلى‬ ‫ك���ت���اب���ة ال���ش���ع���ر احمل���ك���ي‪,‬‬ ‫كيف ج���اءت ه��ذه النقلة‬ ‫ل��ل��دن��ق��ل��ي؟ وأي������ن وج���ه‬ ‫اخل�������ل������اف ب����ي����ن ه������ذه‬ ‫األجناس اإلبداعية‬ ‫الدنقلي ‪ :‬هو ليس انتقاال ‪..‬‬ ‫بل هو رجوع للقواعد األصلية‪,‬‬ ‫ف��ق��د وج� � ��دت ن �ف �س��ي أق���رب‬ ‫لنفسي وأنا أكتب باللهجة وهذا‬ ‫كل ما حدث باختصار‪.‬‬ ‫املستقل ‪« :‬ن��ث��ار الليل»‬ ‫و «اب��ص��ر ك��ي��ف» دي��وان��ان‬

‫ش��ع��ري��ان للدنقلي ي��ح��م�لان ب�ين صفحاتهما لغة‬ ‫شعرية غنائية التختلف كثير ًا عن الفصحى‪ ,‬مبعنى‬ ‫هناك رابط يجمع بني النوعني من الشعر؟‬ ‫الدنقلي ‪ :‬الشعر هو الشعر وال ف��رق بينهما‪ ,‬ولكن‬ ‫اعتقد بأن اللغة هي احلامل األساسي للشعر ‪ ..‬إذ ًا أنا‬ ‫عندما اقترف الشعر ال افكر في اللغة‪ ,‬فالشعر رقص‬ ‫باجلسد والروح واحلرف واآلهات‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬هناك نقاد للشعر الشعبي وكذلك الفصيح‪,‬‬ ‫فهل للشعر احملكي أيض ًا نقاده؟‬ ‫�واز لكل ما ينتج من إبداع‬ ‫الدنقلي ‪ :‬النقد نص ض��روري وم� ٍ‬ ‫وهذا هو ما ينبغي أن يكون‪ ,‬أما بخصوص ما ُكتب من نقد حول‬ ‫احملكية فهو ما يزال في بداية الطريق‪ ,‬وأرجو أن يلتفت النقاد‬ ‫بشكل جدي ملا هو مطروح من‬ ‫دواوين احملكية‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬قصيدة «زل��ه»‬ ‫كتبتها وتتغزل فيها بهذه‬ ‫امل��دي��ن��ة وك���ان���ت ع��ن��وان � ًا‬ ‫ألح���د دواوي���ن���ك ‪ ..‬كيف‬ ‫جاءت الظروف لكتابتها؟‬ ‫الدنقلي ‪ :‬ه��ذي القصيدة‬ ‫ه��ي اكثر القصائد التي تعبر‬ ‫عني وبأصوات متعددة‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬برأيك ما سبب‬ ‫غ���ي���اب ال��ش��ع��ر ال��ف��ص��ي��ح‬ ‫مؤخراً؟‬ ‫الدنقلي ‪ :‬ملاذا نهتم بالشكل‬ ‫والتسمية ونهمل اللب ‪ ..‬الشعر‬ ‫يا صديقي لم ولن يغيب ابداً‪,‬‬

‫تعبر عني ‪ ..‬لكن بأصوات‬ ‫قصيدة زلة ّ‬ ‫متعددة‬ ‫اللب؟!‬ ‫ملاذا نهتم بالشكل والتسمية ونهمل ّ‬

‫كل ليبي يستحق أن يكون سفير بلده أمام‬ ‫العالم‬


‫‪66‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫حوار فني‬

‫يوم أن منح العضوية الشرفية‬ ‫الحتاد الكتاب التونسيني‬

‫محمد الدنقلي وحضور واثق‬ ‫على املنبر‬

‫ألن الشعر موجود في كل وقت وغيابه بغياب الروح‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬حتصلت في الفترة املاضية على العضوية‬ ‫الشرفية إلحت��اد الكتاب التونسيني‪ ,‬م��اذا تعني لك‬ ‫هذه العضوية؟‬ ‫الدنقلي ‪ :‬حتصلت مع نهاية سنة ‪ 2014‬على العضوية الشرفية‬ ‫إلحتاد الكتاب التونسيني وقبلها حتصلت على درع الريادة من‬ ‫اجلامعة العربية وأيضاً مت تكرميي بأزمور باململكة املغربية ‪ ..‬كما‬ ‫استلمت األسبوع املاضي درع الشعر الشعبي باجلزائر الشقيق‬ ‫مبناسبة قسطنطينة عاصمة الثقافة العربية ‪ ,2015‬وكل هذه‬ ‫التكرميات أهديها لبلدي احلبيب الذي يحتاج لكل صوت يرفع‬ ‫اسمه ‪ ..‬وهذا يعني لي الكثير فأنا وطني ووطني أنا‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬البعض يصفك بسفير الشعر احملكي‬ ‫الليبي‪ ,‬ماذا يضيف لك هذا اللقب؟ أم أنك ترى بأن‬ ‫غيرك من يستحقه؟‬ ‫الدنقلي ‪ :‬الليبي يستحق ان يكون سفير بلده أمام العالم‪ ,‬فاملهم‬ ‫أن يحمله في قلبه ويرسمه وشماً في روحه‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬في إحدى حواراتك الصحفية قلت إن لم‬ ‫أكن شاعر ًا لكنت متلقيا‬ ‫للشعر ‪ ..‬ل��ه��ذه ال��درج��ة‬ ‫يسحرك الشعر؟‬ ‫ال��دن��ق��ل��ي ‪ :‬ن �ع��م يسحرني‬ ‫الشعر ألن الشعر إب��ان��ة بيان‬ ‫(وإن من البيان لسحرا)‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬لديك الكثير‬ ‫م���ن ال��ق��ص��ائ��د ال��ت��ي مت‬

‫أثناء امللتقى املغاربي الثالث‬ ‫للتراث‬

‫تلحينها ‪ ..‬من امللحن الذي تعتبره نقطة تواصل بني‬ ‫إحساسك وبني اجلمهور؟‬ ‫الدنقلي ‪ :‬تعاملت مع العديد من امللحنني الرائعني منهم الفنان‬ ‫الكبير محمد ال�ص��ادق والفنان محمد خميس وامللحن املبدع‬ ‫والنشط عبدالسالم القرضاب‪ ,‬ولكن امللحن الذي اعشقه ويقتلني‬ ‫إبداعاً هو امللحن الشاب «تامر العلواني» الذي كثيراً ما يبهرني‬ ‫ببساطته وعمقه في اإلحساس‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬من اس��اء للدنقلي ومن وقف بجانبه في‬ ‫احملن؟‬ ‫لي‬ ‫الدنقلي ‪ :‬من اس��اء لي أس��اء لنفسه ‪ ..‬أم��ا من أحسنوا ّ‬ ‫سأظل أذكرهم آلخرحلظة‪ ,‬القاعدة تؤكد أن املبدع ال يكتشف‬ ‫نفسه بنفسه وأنا اعترف اأن كثيرين من وقفوا معي وساندوني‬ ‫وساعدوني وكتبوا عني إلى ان اعترف الزمالء بي ‪ ..‬فشكرا لهم‬ ‫جميعا وسيأتي اليوم الذي اذكر فيه كل هؤالء الذين اعتبرهم‬ ‫صناع حياة ‪.‬‬ ‫املستقل ‪ :‬ختام حوارنا بأبيات محكية ما رأيك؟‬ ‫الدنقلي ‪ :‬واقف على أطراف اخلالء ‪ ..‬في الشمس ‪ ..‬وين‬ ‫الشمس ما ظني تغيب ‪ ..‬في‬ ‫الريح ‪ ..‬وين الريح دوبي دوبي‬ ‫ف��ي ال �ش��رق ‪ ..‬ش��رق��ي ‪ ..‬في‬ ‫ال � �غ� ��رب غ���رب���ي ‪ ..‬ع��ال �ش��ط‬ ‫وم�ع��ان��ق امل ��وج ‪ ..‬ون �ح��ط في‬ ‫رم� ��ال ال� �ه ��روج ‪ ..‬ه��ان��اك هو‬ ‫موكر هلي ‪ ..‬ومالعبي ودروبي‬ ‫‪ ..‬اوين جيت بنوقع اسماي ‪..‬‬ ‫انكتبت وحدها ‪ ..‬ليبـــــي‬

‫كثيرون وقفوا معي وساندوني وساعدوني‬ ‫وكتبوا عني‬


‫الشعر إبانة بيان‬ ‫أنا وطني ‪ ..‬ووطني أنا‬ ‫العود رفيقه وملهمه‬

‫*‬

‫َحا َو ِل ْت‪..‬‬

‫س َلّم‪..‬‬ ‫َ‬ ‫س َلّم عليه‪ .‬ك ِ َّفي ِس َب ْقني‪ْ ،‬و َ‬ ‫حا َو ِل ْت ما ْن َ‬ ‫وحا َو ِل ْت ن َْبطأ ما جْنيه‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ِر ْجلي ت َ​َر ْكني ْوق ّ َ​َدم‪..‬‬ ‫األمر ماهو ِب ْيدي‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫ِس ْيدي ال َهوى يا ِس ْيدي‪..‬‬ ‫س َلّم عليه‪ْ ،‬و ِت َك َلّم‪..‬‬ ‫َ‬ ‫طرابلس‪2014 ..‬‬

‫َج ْمر‪..‬‬

‫ج ْمر في َي ّدي‪..‬‬ ‫َ‬ ‫شايل َ‬ ‫شاق ال َوقت و َم َع ّدي‪..‬‬ ‫ْو َ‬ ‫ضا َم ْفتُ وح‪..‬‬ ‫ْو ِق ّ َدامي الفَ َ‬ ‫ْو ِو ِ ّدي ُم ْحتضن ِو ّ َدي‪..‬‬ ‫أمي‪..‬‬ ‫ْو ِن ْعت َْز ْب َ‬ ‫حليب ِ ّ‬ ‫ْو ُلون ّ َ‬ ‫خ ِ ّدي‪..‬‬ ‫الشمس في َ‬ ‫الريح‪..‬‬ ‫رفيق‬ ‫ناحي‬ ‫ِو ْج‬ ‫َّ‬ ‫أمتى ما ْنريد ْنطير‪..‬‬ ‫ْو أمتى ما ِنبي ْن َه ِ ّدي‪..‬‬

‫َموج‪..‬‬

‫ح ْر‪َ ..‬ق َ‬ ‫َق َ‬ ‫الّب‪..‬‬ ‫الّب‪ ..‬يا َموج ال َب َ‬ ‫ْوغَ َ‬ ‫الّب‪..‬‬ ‫السفر‪ ..‬غَ َ‬ ‫الّب‪..‬‬ ‫في وقت ّ َ‬ ‫ميك‪..‬‬ ‫َم ّ َره ْت ُروق ن َْسا َ‬ ‫ش ْرهاب‪..‬‬ ‫س بيك َ‬ ‫ِو ْن ِح ْ‬ ‫ميك‪..‬‬ ‫ْو َم ّ َرات نبقى َعا َ‬ ‫ساب‪..‬‬ ‫ْو َم ّ َرات‪ ..‬ما ِن ْح َ‬ ‫الس َع ْد‪..‬‬ ‫ِت ْك ِس ْر ِم َ‬ ‫جاديف ّ َ‬ ‫ض َباب‪َ ..‬ق َ‬ ‫ْو ِت ْك ِسي ّ‬ ‫الّب‪..‬‬ ‫الطريق َ‬

‫ُس َكات‪..‬‬

‫ملا نُ ْسكُ ت‪..‬‬ ‫ِن ْدوي أكثر ِمن ُسكاتي‪..‬‬ ‫ْو َم ْهما نُ ْسكُ ت‪..‬‬ ‫جةْ آهاتي‪..‬‬ ‫ن َْس ًم ْع فـ ْ َ‬ ‫ض َّ‬ ‫لي‪..‬‬ ‫ْو ِن ْشكي ّ َ‬ ‫لي‪ْ ..‬و ِن ْبكي ّ َ‬ ‫صالتي‪..‬‬ ‫ص ْبري‪ْ ،‬و َ‬ ‫ْو ُم ْحت َِض ْن َ‬

‫طرابلس‪2013 ..‬‬

‫ِع ِر ْس‪..‬‬

‫طرابلس‪2014 ..‬‬

‫س ال َيتيم‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫س‪ ..‬كيف ِع ْر ْ‬ ‫هالع ِر ْ‬ ‫احلاضرين‪ ..‬حاضرين‪..‬‬ ‫َاجروا‪..‬‬ ‫بالكي ِي ْست ْ‬ ‫ْو َب َعض ِم ْن ُهم‪ ..‬طامعني‪..‬‬ ‫اجروا‪..‬‬ ‫وفي كل شيء ْي ِت ْ‬ ‫فر ْح‪..‬‬ ‫هالفَ َرح‪ ..‬ماهو َ‬ ‫َ‬ ‫اق ْد ِق ْيمتَه‪..‬‬ ‫األ ْب‪َ ..‬ف ِ‬ ‫ُ‬ ‫واأل ْم‪ ..‬بني َموت‪ ،‬وحياة‪..‬‬ ‫َ‬ ‫اجروا‪..‬‬ ‫وأطرافْ ها‪ِ ..‬ي ْت ِش ْ‬ ‫ِواخلُ وت‪ُ ..‬خوت ال َعازَه‪..‬‬ ‫الب ْنت‪َ ..‬هان َعفَ افْ ها‪..‬‬ ‫ِو ِ‬ ‫هاجروا‪..‬‬ ‫ِوأغلب ِضنَاها‪..‬‬ ‫ْ‬

‫طرابلس‪2014 ..‬‬

‫* منتخبات من ديوان «فيك شي» الذي سيصدر قريبا‬ ‫ضمن سلسلة كتاب املستقل‬ ‫طرابلس‪2013 ..‬‬


‫‪68‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ثقافة‬

‫زغاريد ودموع‪..‬‬

‫عندما يكون الهامش متن ًا‬ ‫من أجل الحرية والكرامة‬

‫يتجدد موعدنا مع اصدارات مجلة املستقل الصادرة عن املنظمة الليبية للصحافة وحيادية املعلومات لنلتقي‬ ‫مع االصدار السابع عشر من سلسلة كتاب املستقل والذي حمل عنوان (زغاريد ودموع ـ من حياة النجوع) للكاتب‬ ‫الليبي فرج عبد احلميد املسماري والذي احتوته ‪ 146‬صفحة من القطع املتوسط‪.‬‬

‫سالم مصطفى‬ ‫وقد حاول الكاتب من خالل كتابه أن يضعنا في‬ ‫أجواء النجع العربي عامة‪ ،‬والنجع الليبي بشكل‬ ‫أكثر خصوصية‪ ،‬مستحضر ًا من خالل كتابه اخليمة‬ ‫وسامر النار واجلواد العربي األصيل وقيم الفروسية‬ ‫والشهامة والتآلف والتآخي بني أهل النجع الواحد‬ ‫وبني أهالي النجوع املختلفة في مواجهة صعوبة‬ ‫احلياة في الصحراء القليلة املوارد‪.‬‬ ‫يقدم الكاتب لكتابه قائالً ‪« :‬لقد كانت وستظل جنوع‬ ‫البادية رمز ًا من رموز العزة مملوءة بالثقة‪ ،‬وتنبعث‬ ‫منها البهجة عبر زغاريد أفراحها وانتصاراتها‪ .‬فمهما‬ ‫كانت الظروف التي حتاول أن تبعدنا عن اخليمة وعن‬ ‫النجوع‪ ،‬فإننا يجب أن نعتبرها رصيد ًا استراتيجي ًا‬ ‫وثقافي ًا ال ميكن االستغناء عنه‪ .‬النجوع العربية‬ ‫عبارة عن مدرسة تتزاحم فيها األفكار‪ ،‬وتتسابق من‬ ‫خاللها املبادئ‪ ..‬فكان مجتمع النجوع متكامل العطاء‬ ‫متواصل اإلنتاج‪ ،‬وكان مجتمع البادية يعيش حياة‬ ‫مطمئنة ذات منهج سلوكي وأخالقي تعبق من خالله‬ ‫املبادئ السامية والقيم الفاضلة‪ ،‬يكرمون الضيف‪،‬‬ ‫ويتصدون للمعتدي وينقذون املستجير»‪ .‬ص‪.9‬‬ ‫احلكاية‬ ‫وللحديث عن طبيعة احلياة في جنوع البادية وعن قيمها الفاضلة‬ ‫وأخالقها النبيلة اختار الكاتب أن يقدم لنا وجهة نظره من خالل‬ ‫سرد حكائي لقصة الفتى سعد الذي كان يعيش في أحد جنوع‬ ‫البادية في كنف أبيه مسعود فارس العشيرة‪ ،‬وجده شيخ العشيرة‬ ‫احلكيم‪ ،‬والذي تلجأ له باقي النجوع حلل خالفاتها واالستعانة‬ ‫مبشورته ورأيه السديد وخبرته باحلياة‪.‬‬ ‫تنطلق القصة من رحيل والد سعد مع تلة من رجال النجع للبحث‬

‫عن أرض خصبة صاحلة للرعي والزراعة لتنتقل إليها العشيرة‬ ‫بعد أن أصاب اجلفاف األرض التي تقيم بها‪ ..‬وخالل فترة غياب‬ ‫ال��وال��د يقوم اجل��د برعاية حفيده سعد املقرب منه ويعلمه مع‬ ‫فتيان القبيلة قيم ومبادئ النجوع وينطلق الكاتب من خالل رؤية‬ ‫الفتى سعد في س��رد تفاصيل احلياة في النجع وحكايات من‬ ‫جنوع أخرى‪ ،‬حيث يك ّرر الكاتب مقطعاً من حديث اجلد للفتيان‬ ‫ويسترجعه أكثر من مرة خالل سرد احلكاية وهو (هذه االرض‬ ‫الغالية جنة ملن يصونها وجحيم ملن يخونها)‪.‬‬ ‫متضي احلكاية بنا بعد غياب مسعود ابن شيخ النجع بحثاً عن‬ ‫أرض خصبة وانشغال وال��ده عليه بعد أن ط��ال غيابه‪ ،‬وكذلك‬ ‫قلق زوجته أم سعد من هذا الغياب‪ ..‬وأثناء هذا الغياب هطلت‬ ‫األمطار بغزارة وانتعشت األرض وربت واخضرت ولم يعد هناك‬ ‫داع للرحيل بحثاً عن أرض جديدة‪ ،‬ورغم ذلك لم يعد الغائب رغم‬ ‫عودة كل رفاقه الذين معه وإجناب زوجته طف ً‬ ‫ال جديداً ثم وفاة‬ ‫والد مسعود وشيخ النجع‪ ،‬وخالل كل هذه األحداث يضعنا الكاتب‬ ‫في طقوس وع��ادات ال��والدة والعزاء في النجوع العربية‪ ..‬حتى‬ ‫استيقظ النجع ذات يوم على صوت جواد مسعود الذي عاد للنجع‬ ‫بدون فارسه وهاج في النجع مستثيراً الغبار حوله‪ ،‬وعاد منطلقا‬ ‫للصحراء فلحقه فرسان النجع والنجوع األخرى حتى وصل بهم‬ ‫إلي ٍ‬ ‫واد وجدوا به بندقية الفارس الغائب مسعود وآثار دمائه على‬ ‫حافة ال��وادي الذي حاول اجتيازه دون وجود أي أثر للفارس أو‬ ‫حتى جلثته لينتشر التساؤل في الصحراء وبني النجوع عن مصير‬ ‫الفارس مسعود‪..‬‬ ‫تتوالي أيام الغياب فيقرر الفتى سعد أن ينطلق إلى املدينة بحثاً‬ ‫عن والده الغائب ليقضي ليلته في السجن قبل أن يصل إلى خاله‬ ‫الضابط في اليوم التالي ال��ذي استقبله في بيته والتقى بإبنة‬ ‫خالته حبيبة الفتاة اجلميلة الذكية وينطلق خاله الضابط في‬


‫يلتحق بالكلية احلربية اجلوية ليصبح ضابطا طيارا مقاتال يحمي‬ ‫بلده وأهله من ضير األجانب املستوطنني في بلده‪.‬‬ ‫ومتضي احلكاية مع سعد الذي أصبح عروبياً وحدوياً يهتف باسم‬ ‫جمال عبد الناصر ويتخرج من الكلية احلربية ويخطب له والده‬ ‫حبيبة ويحدد يوم العرس في جنعهم‪ ،‬ولكن السلطات بالتعاون‬ ‫مع القاعدة االجنبية تستعد لعمل مناورات عسكرية ومتنح مهلة‬ ‫بإخالء النجوع من سكانها مما يهدد إقامة العرس في موعده‪..‬‬ ‫ولكن سقوط السلطة قبل موعد العرس بيوم ينقذ النجع من‬ ‫الدمار وينهى احلكاية بفرح وسعادة بزواج سعد وحبيبة‪.‬‬

‫اتصاالته بحثاً عن مسعود الغائب ويجول سعد مع أبناء خاله في‬ ‫املدينة ـ التي ال ينسي أن ينتقد احلياة فيها ـ حتى يخبره خاله‬ ‫بأن هناك أخبار سارة ويأخذه لينطلق معه إلى إحدى الواحات‬ ‫حيث يجد والده في املستشفى فاقداً للذاكرة بعد أن عثرت عليه‬ ‫إحدى القوافل في الصحراء‪ ،‬وبعد إمتام إج��راءات إخراجه من‬ ‫مستشفى الواحة إلى مستشفى املدينة تتعرض سيارة اإلسعاف‬ ‫إلى حادث سير نتيجة اصطدامها بأحد اإلبل على الطريق‪ ،‬وتتم‬ ‫إع��ادة مسعود الفاقد ال��ذاك��رة إل��ى مستشفى الواحة من جديد‬ ‫فيعود الفتى سعد وخاله للواحة لالطمئنان فيجدو أن احلادثة‬ ‫قد ساهمت في عودة الذاكرة إليه‪ ..‬ويعود سعد مع أسرة خاله‬ ‫ووالده إلى النجع وتعم األفراح والزغاريد بعودة الغائب‪ ،‬وخالل‬ ‫ذلك يأتي الشيخ بدر وهو شيخ النجع ال��ذي استضاف مسعود‬ ‫أثناء غيابه ومعه كرمود يحمل ابنته فاطمة التي اتخذها مسعود‬ ‫زوجة ثانية له أثناء إقامته في ضيافة والدها‪ ،‬األمر الذي أحزن‬ ‫الزوجة األولى حتى رفضت أن تستقبل زوجها في خيمتها حتى‬ ‫شرح لها أسباب الزواج واقتنعت بها‪.‬‬ ‫ومت بناء مدرسة بني النجوع لتعليم األوالد‪ ،‬والتحق بها سعد ثم‬ ‫ذهب الي املدينة ال ستكمال تعليمه وشارك هناك في مظاهرة‬ ‫ضد التواجد األجنبي على أرضه وجرح فيها وعاد منها إلى بيت‬ ‫خاله لتضمد حبيبة ابنة خاله جراحه‪ ،‬حبيبة الذي ملكت عليه‬ ‫كل كيانه ووقع في حبها وشعر أن واجبه هو حمايتها‪ ،‬وخاصة‬ ‫مع تشكل وجدانه وعقله باألفكار الوطنية والوحدوية والثورية‪،‬‬ ‫ويصاحب ذل��ك ح��زن وحسرة على انحسار جن��وع البادية التي‬ ‫زحفت عليها أكواخ الصفيح ورحيل أهالي النجوع للمدن التي تعج‬ ‫بالسماسرة والتجار واحل��ذاق الذين ال يهمهم إال الكسب املادي‬ ‫السريع‪ ،‬بينما البلد تعاني من القواعد األجنبية‪ ،‬ويقرر سعد أن‬

‫تعليق‬ ‫احترت قلي ً‬ ‫ال في تصنيف الكتاب نتيجة لغياب أي مستويات للسرد‬ ‫وخللوه من أي تقنية سردية وكذلك ال تتوفر فيه تقنيات القصة‬ ‫الطويلة لذلك عمدت إلى وصفه باحلكاية رغم أن احلكايات يلعب‬ ‫فيها املتخيل دوراً كبيراً وهو ما افتقر إليه كتاب جنوع البادية‬ ‫الذي سيطرت الصدف السعيدة فيه على مجرى األحداث‪ ،‬لنجد‬ ‫الكاتب يلجأ إليها كلما ح��اول اخل��روج من م��أزق ما في سيرة‬ ‫األح ��داث‪ ..‬واعتمد الكاتب أكثر على ط��رح قوالب من األفكار‬ ‫السياسية امل�ت��وارث��ة حت��ت مسمى األف �ك��ار القومية وال��وح��دوي��ة‬ ‫والثورية وعلى توثيق تفاصيل حياة النجوع البدوية في مواجهة‬ ‫التمدن وزح��ف الصفيح على الصحراء ويظهر هذا الربط بني‬ ‫البادية والقيم االنسانية الكبيرة كالكرامة والشهامة والفروسية‬ ‫والعزة والكرم والطيبة وغيره مبالغاً فيه قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬وال يخفف من‬ ‫حدته إال بذكر الطبيبة حبيبة ابنة املدينة التي تعالج الفقراء‬ ‫واملعوزين أو اخلال ضابط األمن الذي يتعاطف مع الشباب الثوري‬ ‫الوحدوي وينتصر للنجوع‪.‬‬ ‫يبدو لنا من الوهلة األولى في الكتاب أن منت احلكاية هو قصة‬ ‫سعد وس �ي��رة حياته وأن النجع وأف �ك��ار ال�ت�ح��رر وال��وح��دة هي‬ ‫الهامش‪ ..‬إال أن احلقيقة هي أن الكاتب جعل حكاية سعد هامش‬ ‫الهامش وجعل االفكارالوحدوية الثورية والقومية هي هامش النص‬ ‫في حني استولى النجع وقيمه وعاداته علي منت احلكاية‪ ،‬ويظهر‬ ‫ذلك في كثرة تغنى الكاتب به وبأجوائه مستحضراً جل الطقوس‬ ‫والعادات التي متارس في املناسبات‪ ،‬مؤكداً على أننا كلما ابتعدنا‬ ‫عن اخليمة والبادية كلما فقدنا الكثير من قيمنا وعزتنا‪ ،‬دون‬ ‫أن ينسى التذكير مبصطلحات خاصة بالنجع كالفاهق والرغاطة‬ ‫واملاجب وجابر البيت وغيرها وهو مايعطى لهذا الكتاب قيمته‬ ‫من وجهة نظري حيث أن هناك مصطلحات كثيرة منها قاربت‬ ‫علي االنقراض واالختفاء بينما تطورت مصطلحات أخرى دون‬ ‫أن نتتبع مصدرها وطرق تطورها‪ .‬ولعلي أدعو الكاتب إلى اشتغال‬ ‫أكثر تعمقاً واستفاضة في جن��وع البادية وبشكل علمي يتسم‬ ‫باحليادية والدقة ليحفظ لنا جزء من ذاكرة التاريخ الذي عاشته‬ ‫األمة خاصة مع اختفاء الكثير من مظاهر هذا احلياة البدوية في‬ ‫املجتمعات العربية‪.‬‬ ‫والله من وراء القصد‬


‫‪70‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫ثقافة‬

‫قراءة في قصة «ماسح األحذية»‬ ‫للكاتب الليبي سالم الهنداوي‪:‬‬

‫كلما طال الحزن قصر الكالم‪..‬‬ ‫كلمات ّ‬ ‫متبلة بعرق التجوال‬

‫تندرج قصة (ماسح األحذية) ضمن مجموعة قصصية تتألف من خمس وخمسني قصة‪ ،‬اختلفت في أحجامها‬ ‫ومعانيها للكاتب الليبي (سالم الهنداوي)‪ ..‬عنوان املجموعة (ظالل نائية) التي صدرت في بيروت عن (املؤسسة‬ ‫العربية للدراسات والنشر) وهي مجموعة ُكتبت على م��دار أزمنة مختلفة‪ ،‬وفي أكثر من بلد‪ ،‬فوق أكثر من‬ ‫رصيف‪ .‬قصص عاشرت أكثر من ماسح واستهلكت عدد غير قليل من األحذية‪ ،‬وقدمي ًا كان املشاءون‪ ..‬أصحاب‬ ‫احلكمة‪ .‬لذلك ال عجب أن يوسم الهنداوي قصته بعنوان (ماسح األحذية)‪.‬‬

‫توفيق الثامري‬ ‫بداية البد من التعريف املخاتل ب(سالم الهنداوي) قبل محاولة اإلمساك‬ ‫بخيوط اللعبة السرية‪ .‬الهنداوي كاتب قادم من بعيد‪ ،‬لم يكتمل من مقاعد‬ ‫الدراسة التي لم يطل املقام به عندها‪ ،‬واحل��روف القليلة التي رسمها‬ ‫بالطبشور على األلواح السوداء ستكمل احلياة بقيتها فيما بعد‪ .‬إنه الكاتب‬ ‫الراحل بعيداً في فضاء القول واملكان‪ ،‬املعتمِ د على نفسه‪ ،‬معرفياً وثقافياً‪،‬‬ ‫كما الكثير من الكبار‪ .‬املؤسس لعبوره دون شهادات متنحها املؤسسة‪ .‬غير‬ ‫مسنود إلى حرف األلف‪ ،‬غير متكئ على حرف الدال‪ .‬املراوغ أحياناً‪ .‬ال‬ ‫يسبق اسمه غير ريح وكلمات‪.‬‬ ‫يكفيه من كل هذه الزينة اسم (سالم الهنداوي) الكاتب الذي علم األسماء‪،‬‬ ‫مير دون ضجيج‪ ،‬دون انتظارات ضبابية أو ترقب احتفاء‪ .‬قد ال يأتي كاتب‬ ‫يكتب دون ربطة عنق‪ .‬فقط‪ ..‬هو يكتب إلى تلك (الظالل النائية) إلى تلك‬ ‫اللحظة البعيدة‪ ،‬فهو يقول في اإلهداء‪:‬‬ ‫(إلى تلك اللحظة بالذات)‬ ‫هل هي اللحظة التي يعيشها بعمق؟‬ ‫هل هي اللحظة التي يكتب فيها بعمق؟‬ ‫أم أنها اللحظة التي يتذكر فيها بعمق؟‬ ‫لم يخطئ (غابرييل غارسيا ماركيز) حني قال‪( :‬ليست احلياة كما يعيشها‬ ‫أحدنا وإمنا ما يتذكره‪ ،‬وكيف يتذكره ليرويه‪.)..‬‬ ‫السيرة‬ ‫سالم الهنداوي كاتب يأتي من ثقب في بوابة احلزن‪ ،‬قاصداً دروباً كثيرة‪..‬‬ ‫لعل األمل كان أحدها‪ ،‬األمل املعلق دوماً في مرارة االنتظار‪ ،‬لكنه ينتصر‬ ‫للحياة أيضاً‪ ..‬غير أنه انتصار بدموع‪.‬‬ ‫بالرجوع إلى قصص املجموعة سوف نالحظ أن (الهنداوي) لم يكتبها في‬ ‫أمكنة اعتيادية‪ ،‬وإمنا كتبها بني القطارات ونوافذ الثلج البعيدة‪ ..‬وما أكثر‬ ‫الدهشة في نص بيننا وبينه طائرة ومطارات‪.‬‬ ‫مجموعة (ظالل نائية) تأتي بعد (اجلدران) و(األفواه) و(أصابع في النار)‪..‬‬ ‫وتعتبر اإلضافة األهم في حياة الكاتب األدبية كما يقول الناشر‪ ،‬واإلضافة‬

‫األهم لهذا الفن من التعبير في سياق التجربة اجلديدة للقصة العربية‪.‬‬ ‫مجموعة استغرقت الكثير من الوقت ومن التيه‪ُ ،‬كتبت على مدى أكثر من‬ ‫عشرة أعوام‪ ،‬في عشرية ناضجة استكملت شروط نضجها واغترابها في‬ ‫النص‪ ،‬هذا النص الذي جاءت ألوانه في حيادية باملرة‪ ،‬مسافرة في اللون‬ ‫احلالك القدمي‪ ،‬باللون الذي يختار أصحابه ويعرفهم أسماً‪ ..‬أسماً‪.‬‬ ‫كلمات مبتلة بعرق التجوال ببقايا دموع وذك��رى ابتسامة غامضة تاهت‬ ‫في الظل البعيد‪ ،‬ولعل النص الذي أرم محاورته قلي ً‬ ‫ال يدعم هذا الطرح‬ ‫املزاجي غير البريء‪ ،‬بل إنه يالمس إقامة السارد في األرض وفي نصه‬ ‫على حد سواء‪.‬‬ ‫كيف ميكن لنا أن نقرأ (ماسح األحذية) بشروط حيادية دون أن نتفاعل‬ ‫معه‪ ،‬دون أن نقيم له وليمة للدهشة وصاحب األثر رجل يحب احلياة على‬ ‫قدر استطاعته ويكتب تفاصيل اللحظة البسيطة املفزعة التي يعيشها بعمق‬ ‫والتي فيها على حد تعبيره (مفاتيح الدخول إلى احللم والفزع معاً‪ ،‬من‬ ‫حلظة الوعي باألنوثة واجلمال)‪ ..‬ولذلك فال عجب حني ينقل هذه اللحظة‬ ‫ويضيف إليها من مخزونه املعرفي واإلبداعي‪ ،‬أن يصبح القارئ أمام عالم‬ ‫فاته أن يفهمه أو حتى يتوقف عنده‪ .‬سريعة هذه اللحظة االستثنائية‪..‬‬ ‫أسرع حتى مما يترقب القارئ‪ ،‬وأبعد عما يليق بانتظاراته العادية‪ .‬إن النص‬ ‫(الهنداوي) يخاطب قارئاً متحفزاً يقظاً مستنفر األحاسيس‪.‬‬ ‫هذه القصة التي حتتل الصفحة التاسعة عشر (‪ )19‬من املجموعة جاءت‬ ‫لتضيء الذي جتهم على الرصيف‪ ،‬وحت��اول أن تشعل الذي انطفأ‪ .‬تود‬ ‫االنتصار للمه َّمش من األشياء (امله َّمش) الذي بإمكانه أن يختزل حالة‬ ‫املثقف نفسها املتغرب فوق اإلسفلت‪ ،‬التائه دوماً في رحلة املصافحة مع‬ ‫الرصيف‪.‬‬ ‫اللحظة‬ ‫إن قصة (ماسح األحذية) انطلقت من حلظة فالتة من الالوعي‪ ،‬لتع ِ ّبر عنها‬ ‫فيما بعد بوعي شاهق حلظة احلالة‪ .‬القصة هذه رمبا انطبق عليها قول‬ ‫(بالل فضل) في تقدميه ملجموعته (بني بجم) و»كل جرح بساعته‪ ..‬وكل‬


‫جرح مبيعاد»‪ ..‬كتابة الحقتها لعنة املدينة فركنت إلى املتاح من القول‪ ،‬ولم‬ ‫يكن القائل هنا محتاجاً سوى إلى الرجل املنسي صاحب اإلقامة املعلومة‬ ‫ليؤثث من خالله عراء تداعياته واغتراب حالته على امتداد الرصيف‪.‬‬ ‫فللعراء طقوسه أيضاً في خمسني لفظة مع حذف الواو غير احملايدة في‬ ‫خمسني إحالة‪ ،‬وعلى ارتفاع جرح واحد‪ ،‬يسافر بنا الكاتب بعيداً‪.‬‬ ‫يقول الهنداوي‪( :‬عشاء ناشف بارد على الرصيف‪ ،‬وبعض القروح‪ ،‬ودنيا‬ ‫برد على املجروح)‪.‬‬ ‫تفاصيل شديدة الواقعية‪ ،‬تفاصيل يكتبها بإغراء واث��ق في سياق يليق‬ ‫بأهمية الشخصية الرئيسية احلاضرة الغائبة‪ ،‬فتصير واقعاً معاشاً منذ‬ ‫البداية ومع السطر األول املشار إليه‪ ،‬هذا السطر املقتحم في طمأنينة‬ ‫املتيقن بأنه سيشد القارئ حتى ولو كان نافراً‪ ،‬إنه ملن النادر جداً في الكتابة‬ ‫القصصية أن نحفل بسطر أول يلخص تقريباً الزمان واملكان واحلدث‬ ‫وحالة الطقس والشخصية موضع احلديث‪ ،‬بل إن��ه يزيد عن كل ذلك‬ ‫فيمنحها حالتها النفسية الدقيقة والوصف الرقيق الذي يستحقه‪ ،‬سطر‬ ‫رمبا استوفى كل شروط التكثيف واالختزال عبر منطوق تفوح منه روائح‬ ‫حزن شفيف‪.‬‬ ‫أصبح القارئ اآلن معنياً متاماً مبالحقة النص‪ ،‬يواصل الهنداوي فيقول‪:‬‬ ‫(دنيا لكل اثنني‪ ،‬في مقهى‪ ،‬في حانة‪ ،‬في سينما‪ ،‬في مبغي‪ ،‬على السرير‪.‬‬ ‫دنيا لكل اثنني‪ ،‬كأسني‪ ،‬وقبلتني‪ ،‬ومدفأة)‪.‬‬ ‫فع ً‬ ‫ال هي دنيا‪ ،‬والدنيا ال حتيل إ ّالَ على الدنيا‪ ،‬فهي كذلك منذ عهدناها‬ ‫إلى أن تتعهدنا بالغياب‪.‬‬ ‫إن مجرد اختيار األلفاظ ليس أمراً هيناً‪ ،‬فكلها ألفاظ اختيرت بعناية‪ ،‬بألفة‬ ‫وحساسية مفرطة لكي تصب في نفس النسق الرقيق املنساب‪ ،‬وذلك خدمة‬ ‫للنص وإيغاالً في وصف احلالة أو احلاالت‪ .‬أسطر قليلة مكثفة ومركزة‬ ‫فتحت آفاقاً شاسعة على الشظى الداللي وحق ً‬ ‫ال إنسانياً زاخراً باملعاني‬ ‫واألحاسيس‪ ،‬حتى أن الفضاء أصبح فضا ًء نفسياً متخي ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫بعد كل هذا التقدمي املشحون‪ ،‬يواصل الكاتب مشوار البحث واحلفر‪ ،‬ليأذن‬ ‫أخيراً بتلمس الشخصية التي ستعلن إشراقها في املعنى‪ ،‬ذات ربيع غائم‬ ‫في (ليماسول) أواخر الثمانينات‪.‬‬ ‫يقول‪(.. :‬وأنا في البرد على هذا الرصيف‪ ،‬أمام آخر حذائني باردين آلخر‬ ‫وحيد في املدينة‪ ،‬املتع في كسل وانطفأ‪)..‬‬ ‫الشخصية‪ /‬احلالة هنا‪ ،‬هي بعيدة كل البعد عن ثنائية جميلة باإلمكان‬ ‫حتقيقها‪ ،‬فهي الوحيدة في العراء بال صحبة‪ /‬بل رفيقة‪ ،‬بال كأسني‪ /‬بال‬ ‫سرير‪ /‬بال قبلتني‪ .‬بال مدفأة‪ /‬بال شريك‪ /‬بال أنثى‪ /‬بال أغنية‪.‬‬ ‫رجل وحيد في البرد‪ ،‬مقيم على الرصيف‪ ،‬ال يسأل فيجيب‪ ،‬وال يقول‬ ‫فيسمع‪ ..‬كل ثنائية ال حتفل به‪ ،‬بل هي بعيدة عنه‪ ،‬لكنه لن متنعه من تخيلها‬ ‫ما يصيبه من اخلالص إذاً؟!‬

‫على أي إطاللة يقف؟‬ ‫أمن كل هذا املُتاح ال يجد غير حذائني باردين‪ ،‬أهذا كل ما يليق بضياعه؟‬ ‫ال عنوان لديه في املتاهة سوى‪ :‬مستأنس بوحدته‪ ..‬مستوحش في الكالم‪..‬‬ ‫غير أنه ومع كل الذي ميضي حوله‪ ،‬مع كل الذي ميضي في داخله يورد‬ ‫الكاتب لفظة (التمع) غير املتأنية برقية اإلقامة ليرفقها فجأة بـ(انطفأ)‪..‬‬ ‫فاحلالة هنا مزيج من ثنائية أخرى غير التي انتظر‪ ،‬تأتي من النقيض إلى‬ ‫النقيض‪ .‬فكلمة (انطفأ) حتكي وضعية حاملة وقاتلة في نفس الوقت‪.‬‬ ‫فاملسافة بني اللمعان في كسل‪ ،‬واالنطفاء‪ ،‬ال تعدو أن تكون غير حلظة‬ ‫عابرة‪ ،‬ستترك أثرها فيما بعد وتنحت أسباب بقاءها‪.‬‬ ‫نص (ماسح‬ ‫«انطفأ» إذاً هي أخر لفظة تنتهي بها القصة‪ ،‬ومعها ينطفئ ّ‬ ‫األحذية)‪.‬‬ ‫التفاصيل‬ ‫لقد كان (سالم الهنداوي) محقاً حني كتب اللحظة العابرة وتفاصيلها‬ ‫البسيطة بعمق ووعي تام‪ ،‬فهي تداعيات خزنها صاحبها‪ ،‬انطالقاً من‬ ‫حلظة حقيقية وإشراقة كاتب حقيقي‪ ،‬حلظة يرسم فيها الكاتب تغريبته‬ ‫على الرصيف في شكل فني استوعب طروحات الكتابة اجلديدة‪.‬‬ ‫عمل فيه اقتصاد لغوي باذخ‪ ،‬بعيد كل البعد عن كل إسراف بالغي مفرط‪،‬‬ ‫أو استعراض سردي مجانب‪.‬‬ ‫يكتب انطالقاً من‪ :‬وال أبسط وال أعمق‪.‬‬ ‫فهو ال يبحث هنا عن مشروع لغوي مط َّول يقول فيه أكثر مما يجب أن‬ ‫نص فيه الكثير من‬ ‫يقول‪ .‬فقط هو يبحث عن الذي يبقى بعد أن يُقال‪ّ ..‬‬ ‫الشاعرية والشفافية العالية‪ ،‬حتى أن القارئ أحياناً كثيرة يخال نفسه‬ ‫يتعاطى مع قصيدة نثر‪ /‬مع قصيدة قصة‪ /‬مع قصة قصيدة تروم فتح‬ ‫آفاق جديدة في القول ومساحات أعلى في املعنى‪ .‬كتابة مفتوحة على‬ ‫كل تأويل‪ ،‬وقاطعة مع ٍ ّ‬ ‫مل سائد سري‪ ،‬وطاملا أن املبدع هو الذي يشعر‬ ‫بتراجيديا من حوله‪ ،‬فسالم الهنداوي ال يحدث بغرائبي من األحداث أو‬ ‫الوضعيات‪ ،‬كما أنه ال يحاول تهميش البسيط‪ ..‬امله َّمش أص ً‬ ‫ال‪ .‬قصة‬ ‫(ماسح األح��ذي��ة) من املاسح وضعيته الغارقة في النسيان‪ ،‬لتحكي‬ ‫وضعها األخطر واألعمق‪.‬‬ ‫وضعية صاحبها وضعية املبدع واملثقف‪ ،‬هو عنوان بإمكانه أن يؤرخ‬ ‫أيضاً الرصيف الذي نعرفه اآلن أو غداً‪ ،‬أو رمبا في سنني قادمة‪ ،‬غير‬ ‫أنه قد يغيب ذات نسيان شاهق ولن يغنيه حينها طوفان الزمن القادم‪.‬‬ ‫لكن األحذية الباردة ستطول إقامتها وستبقى طاملا بقيت هناك خطى‬ ‫البد وأن منشيها‪ ..‬مدرك متاماً في حلظة االنكسار والوحدة‪ ،‬تخذله‬ ‫األرصفة وتشيح عنه أشجاره‪.‬‬ ‫ماسح األحذية عنوان املرحلة‪ ،‬إنه كلما طال احلزن قصر الكالم‪.‬‬


‫‪72‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫مذكرات‬

‫مذكرات «هنـــــــــــ‬ ‫‪ ..‬أول سفير أمريكي في ليبيا‬

‫تظهر ليبيا على معظم اخل��رائ��ط ال��ق��دمي��ة‪ ،‬وق��د ح ّ��دد‬ ‫ه��وم��ي��روس موقعها حيث توجد ال��ي��وم‪ ،‬وأط��ل��ق اإلغريق‬ ‫اس��م ليبيا فيما بعد على ك ّ��ل منطقة شمالى أفريقية‪،‬‬ ‫وليبيا احلديثة بلد عربي ظهر إلى الوجود بعد هزمية‬ ‫دول احمل����ور ن��ت��ي��ج��ة ل���ق���رار األمم امل��ت��ح��دة ف���ي نوفمبر‬ ‫‪ ،1949‬ومؤلّف هذا الكتاب‪ ،‬هنري سيرانو فيالر‪ ،‬مسئول‬ ‫سجل‬ ‫باخلارجية األمريكية منذ ‪ ،1928‬وال��ذي ك��ان له ّ‬ ‫مميز في اخلدمة‪ ،‬وكان ّأول سفير أمريكي يعينّ في هذا‬ ‫ّ‬ ‫البلد اجلديد (ليبيا)‪.‬‬ ‫ما من أحد يحظى بتأهيل يضاهي هنري فيالر للكتابة عن‬ ‫ليبيا‪ ،‬فقد َش َغل مناصب متعددة في وزارة اخلارجية فى‬ ‫الداخل وفي اخلارج وهو ما منحه كفاءات خاصة للكتابة‬ ‫عن الدولة اجلديدة التي ُو ِل َ��د ْت على أنقاض إمبراطورية‬ ‫��إن سيرة هنري‬ ‫موسيليني األفريقية‪ ،‬وف��ي احلقيقة ف ّ‬ ‫مبرر ًا الختياره‪ ،‬وجعلت‬ ‫فيالر املهنية احلافلة تبدو تقريب ًا ِ ّ‬ ‫أن يكون ّأول رئيس بعثة أمريكية إلى ليبيا‪.‬‬ ‫من احلتمي ْ‬ ‫وكرئيس ملصلحة الشئون األفريقية ب���وزارة اخلارجية‬ ‫خالل احل��رب العاملية الثانية وبعدها‪ ،‬وك��ان من بني مهام‬ ‫السيد فيالر التعامل مع املسألة الشائكة التي تدور حول‬ ‫م��ا ال���ذي ينبغي فعله ف��ي نهاية احل���رب م��ع املستعمرات‬ ‫اإليطالية‪ :‬ليبيا‪ ،‬إريتريا‪ ،‬والصومال‪ ،‬وقبل إحراز النصر‬ ‫النهائي ب��وق��ت ط��وي��ل‪ُ ،‬ش��كّ ��ل��ت جلنة ب����إدارة سامنر ويلز‬ ‫‪ Sumner Welles‬ث��م ن��ائ��ب وزي���ر اخل��ارج��ي��ة‪ ،‬ل��دراس��ة‬

‫ّ‬ ‫يخطط‬ ‫مشاكل السلم القادمة‪ ،‬وقد قام هذا الفريق الذي‬ ‫أن احملور‬ ‫ألج��ل بعيد‪ ،‬وال��ذي يعمل‬ ‫استنادا إل��ى فرضية ّ‬ ‫ً‬ ‫سيهزم بعمل ش��اق وط��وي��ل ح��ول مشكلة اإلمبراطورية‬ ‫ُ‬ ‫اإليطالية فى أفريقية وما من ّ‬ ‫أن حول ما ينبغي‬ ‫شك في َّ‬ ‫فعله بشأن أثيوبيا‪ ،‬الضحية التعيسة للعدوان الفاشي عام‬ ‫ستتحرر بطبيعة احل��ال‪ ،‬ولكن املشكلة‬ ‫‪1936‬؛ فأثيوبيا‬ ‫ّ‬ ‫محيرة ومربكة فى املستعمرات اإليطالية األخرى‬ ‫كانت‬ ‫ّ‬ ‫حتررت في أفريقية‪.‬‬ ‫ا َلّتى َّ‬ ‫وخالل اجلدل الطويل حول هذا املوضوع في كل من وزارة‬ ‫اخلارجية وبالتشاور مع احللفاء البريطانيني‪ ،‬أصبح هنري‬ ‫ً‬ ‫منشغال بشكل خاص مبستقبل ما يعرف باململكة‬ ‫فيالر‬ ‫الليبية املتحدة‪ ،‬وق��د أصبح على اط�لاع بتعقيدات هذه‬ ‫املسألة‪ ،‬حتى أنه ومن خالل غريزة التنبؤ حتدث السفير‬ ‫السوري لدى واشنطن الدكتور قسطنطني زوراي��ك‪ ،‬منذ‬ ‫‪ 1947‬عن هنري فيالر كسفير مستقبلي لدولة ليبية ذات‬ ‫سيادة‪ ،‬رمبا كان هذا من قبيل املزحة‪ ،‬ألن الدكتور زورايك‬ ‫والسيد فيالر ما كان بإمكانهما في ذلك الوقت العلم بأن‬ ‫ليبيا ال��ت��ي حت��ت االح��ت�لال العسكري ستصبح مستقلة‬ ‫بالكامل‪.‬‬ ‫وق��ب��ل ه��زمي��ة احمل����ور‪ ،‬ك��ان��ت ل���دي ان��ط��ب��اع��ات أول��ي��ة عن‬ ‫الشخص ال��ذي سيكون ّأول سفير إلى ليبيا‪ ،‬حيث عملت‬ ‫إل���ى ج��ان��ب��ه ف��ي وزارة اخل��ارج��ي��ة خ�ل�ال احل���رب العاملية‬ ‫الثانية‪ ،‬ثم جددت عالقتي به الحق ًا‪ ،‬عندما رغبت وزارة‬


‫ــــــــــري إس‪ .‬فيالر»‬ ‫(الجزء األول)‬ ‫س�ل�اح اجل���و‪ ،‬ال��ت��ي ك��ن��ت ع��ل��ى رأس��ه��ا‪ ،‬ف��ي عقد‬ ‫اتفاق مع احلكومة الليبية اجلديدة يضمن‬ ‫حق سالح اجلو فى مواصلة استخدام قاعدة‬ ‫س�لاح اجل��و األم��ري��ك��ي مب��ي��دان وي�ل�اس‪ ،‬وال��ذي‬ ‫ي��ق��ع ع��ل��ى م��ق��رب��ة م��ن ط��راب��ل��س ف��ي ل��ي��ب��ي��ا‪ ،‬وكنت‬ ‫س��ع��ي ً��دا بشكل خ���اص‪ ،‬أن ت��ك��ون مسئولية التفاوض‬ ‫ح��ول اتفاقية القاعدة العسكرية واالتفاقية املرافقة‬ ‫لها ح��ول امل��س��اع��دات االق��ت��ص��ادي��ة م��ع احل��ك��وم��ة الليبية‬ ‫اجل��دي��دة كانت بني ي��دي صديقى القدمي هنري فيالر‪،‬‬ ‫ورغم صعوبة هذه املفاوضات‪ ،‬لم أكن أستغرب أنّها انتهت‬ ‫بعقد اتفاقيات بني الواليات املتحدة واحلكومة الليبية‬ ‫مرض للطرفني‪.‬‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫إال أنه ال يسعني إال أن أضع تأكيد ًا كبير ًا على القاعدة‬ ‫ال��ع��س��ك��ري��ة ف���امل���ي���زات اإلس��ت��رات��ي��ج��ي��ة ل��ق��اع��دة وي�ل�اس‬ ‫والترتيبات االقتصادية ب�ين البلدين كانت أق��ل أهمية‬ ‫من العالقات السياسية بني الواليات املتحدة وليبيا‪ ،‬وفي‬ ‫الصراع بني الشيوعية واحلرية تكتسي األمور العسكرية‬ ‫بطبيعة احل���ال أهمية ألن��ه ينبغي على العالم احل��ر أن‬ ‫يضمن ع��دم تعرضه للغزو من ط��رف ال��ق��وات الشيوعية‪،‬‬ ‫ول��ك��ن ع��ل��ى امل����دى ال��ط��وي��ل سيحسم ال���ص���راع ف��ي عقول‬ ‫ً‬ ‫رج�لا بحكمة‬ ‫الرجال‪ ،‬وال��والي��ات املتحدة محظوظة بأن‬ ‫وف��ط��ن��ة ه��ن��ري ف��ي�لار ميثلها ف��ي وض���ع أس���اس���ات عالقة‬ ‫صداقة حميمة بني بلدنا والشعب الليبي‪.‬‬

‫بقلم‪ :‬توماس ك‪ .‬فينالتر‬


‫‪74‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫مذكرات‬

‫على منت كونستتيوشن‬ ‫في الطريق إلى طرابلس‬ ‫خرجنا من روم��ا على منت طائرة امللحق اجل��وي‪ ،‬وبعد ثالث‬ ‫الساحلي املنخفض الطويل‬ ‫ساعات ونصف الساعة بَ َدا اخلط‬ ‫ّ‬ ‫لشمالي إفريقية يتب َّدى في األف��ق‪ ،‬وبعد وق��ت قصير كنَّا قد‬ ‫حلّقنا فوق أج��واء جزيرة بانتاليريا ‪ Pantelleria‬احلصينة‬ ‫زم ��ن احل ��رب وص �خ��ور مل� �ب ��ادوزا ‪ Lampedusa‬اخل �ض��راء‪،‬‬ ‫واآلن أوشكت رحلتنا اجلوية السريعة فوق َّ‬ ‫جلة البحر األبيض‬ ‫املتوسط ال��زرق��اء تُ�ش��ارف على نهايتها عندما شرعت مدينة‬ ‫طرابلس تتضح معاملها من بعيد‪.‬‬ ‫لكي نصل من الواليات املتحدة األمريكية إلى ليبيا أبحرنا على‬ ‫م�تن ال�ب��اخ��رة «كنستتيوشن» ‪ Constitution‬التابعة خلط‬ ‫التصدير إلى «نابل» ‪ ،Naples‬ثم تابعنا رحلتنا بالقطار حتى‬ ‫وصلنا إلى روما‪ ،‬حيث كان امللحق اجلوى التابع للسفارة قد قام‬ ‫بالترتيبات الالزمة لنقلنا جواً إلى مقصدنا‪.‬‬ ‫لقد كان من غير املعتاد أ ْن تقوم طائرة من سالح اجلو بنقل‬ ‫موظف من وزارة اخلارجية‪ ،‬صحبة أفراد أسرته‪ ،‬إلى منصبه‬ ‫شاءت أ ْن تتغ ّير تلك العادة‪.‬‬ ‫اجلديد‪ ،‬لكن الظروف‬ ‫ْ‬ ‫لقد كانت الظروف توجب األخذ بعني االعتبار فى هذه املرة أ ْن‬ ‫يكون الوصول األول وصوالً متم ِ ّيزاً ألول وزير مفوض أمريكي‬ ‫فوق العادة‪ ،‬إلى أول دولة مستقلة ظهرت على التراب اإلفريقي‬

‫فى أعقاب احلرب العاملية الثانية؛ فقد رأى توماس ك‪ .‬فنليتر‬ ‫‪ Thomas K. Finlette‬ال��وزي��ر املسئول ع��ن س�لاح القوات‬ ‫اجلوية‪ ،‬في واشنطن بشكل كامل احلاجة إلى دخول مناسب‪،‬‬ ‫وسمح بهذا االستثناء الذي صار قاعدة متَّبعة‪.‬‬ ‫وبينما كنا نستعد للهبوط في إفريقية التي ستكون مق ّراً إلقامتنا‬ ‫مل� � َّدة سنتني أو ث�لاث س �ن��وات ق��ادم��ة‪ ،‬وغ�م��رن��ا كلّنا إحساس‬ ‫باملغامرة ونحن في قمرة الطائرة‪ :‬زوجتي تامارا ‪،Tamara‬‬ ‫وابننا دمييتري ‪ Dimitri‬وعمره تسعة أعوام‪ ،‬وابنتنا ساندرا‬ ‫‪ Sandra‬وعمرها ستة أع��وام ونصف‪ ،‬واملمرضة النرويجية‬ ‫كيرسنت يورغنسن ‪ Kirsten Jorgensen‬والتي كانت تعمل‬ ‫لدينا وأنا في منصبي القدمي فنحن مقبلون على شىء مجهول‬ ‫أو غير مألوف ينتظر معظم املسافرين‪ ،‬ولكن ملّا اقتربنا من‬ ‫تأجل بسبب أعمال‬ ‫ليبيا ازدادت توقعاتنا؛ أل َّن وصولنا قد ّ‬ ‫العنف التي نتجت عن االنتخابات في طرابلس؛ فمخاض ميالد‬ ‫دولة ال ميكن أن يت ّم دون إراق��ة دم��اء؛ لذلك هزت املظاهرات‬ ‫علي أ ْن أنتظر حلني‬ ‫وأعمال الشغب احلكومة الفتية‪ ،‬واقتُرح َّ‬ ‫ت��وف��ر العناية ال�لازم��ة للممثل الدبلوماسي ل�ل��والي��ات املتحدة‬ ‫األمريكية‪.‬‬ ‫ولم تكن هنالك مسألة مربكة في نقاشات املنتصرين في احلرب‬ ‫العاملية الثانية أكثر من مستقبل هذا اجلزء القفر الكبير من‬ ‫تبددت‬ ‫الصحراء والذي عرف باملستعمرة اإليطالية «ليبيا» فقد ّ‬ ‫أحالم موسولينى ‪ Mussolini‬الكبيرة والتي متثلت في رغبته‬


‫فى حتويل البحر األبيض املتوسط إلى «بحرنا»‪ ،‬أي إلى بحر‬ ‫إيطالي؛ كما كان في عهد الرومان؛ فقد كان حترير ذلك اإلقليم‬ ‫اجل��دب ذى األهمية اإلستراتيجية م��ن ب��راث��ن اإلمبراطورية‬ ‫الفاشية ر َّكز االنتباه على ما كان في احلقيقة تراباً عربياً‪ ،‬كما‬ ‫أشد االهتمام في‬ ‫أثارت مسألة تخلّصه النهائي من االستعمار‬ ‫ّ‬ ‫ال��دول العربية‪ ،‬فما من أحد كان يتن ّبأ في نهاية الصراعات‪،‬‬ ‫بالرغم من ذلك‪ ،‬أ َّن احلل النهائي بالنسبة لسكان تلك املنطقة‬ ‫التي لفحتها حرارة الشمس سيكون بقرار من األمم املتحدة في‬ ‫‪ 17‬نوفمبر ‪1949‬م فيقضى بأ ّنَه يجب أ ْن تكون ليبيا دولة ذات‬ ‫سيادة كاملة‪.‬‬ ‫وأ َّما مسألة استعداد الشعب الليبي للحكم الذاتي بعد قرون من‬ ‫احلكم األجنبي تبقى مسألة جدل ال طائل منه اليوم‪ ،‬واحلقيقة‬ ‫هي أ ّنَه إثر جدل كثير ومتحيص للمقترحات األخرى‪ ،‬أصدرت‬ ‫األمم املتحدة ق��راراً مفاده أ َّن التجربة يجب أ ْن تُوضع موضع‬ ‫التنفيذ في أَ َج ٍل أقصاه ‪ 1‬يناير ‪ .1952‬ولكسب أسبوع‪ ،‬أ ُ ْع ِل َن‬ ‫استقالل اململكة الليبية املتحدة ليلة االحتفال بعيد امليالد ( ‪24‬‬ ‫ديسمبر ) من عام ‪1951‬م‪ ،‬وأضيف عضو جديد ألسرة «دول‬ ‫ما بعد احلرب» املتزايدة‪.‬‬ ‫واألمم املتحدة بمِ ُثُل احلرية واحلكم الذاتي لديها قد ساندت‬ ‫بقوة هذا العمل‪ .‬إضافة إلى ذلك كانت هنالك مصلحة أمريكية‬ ‫حيوية في إقامة قاعدة جوية في ليبيا‪.‬‬ ‫لكن لسنا متأكدين مم��ا إذا ك��ان األم��ري�ك�ي��ون ع�م��وم�اً أو في‬

‫احلقيقة شعب أي دول��ة من دول التحالف‪ .‬لديهم أدن��ى فكرة‬ ‫عن قلّة املمتلكات‪ ،‬املنقولة أو العينية‪ ،‬التي كانت بحوزة هذه‬ ‫الدولة اجلديدة‪.‬‬ ‫من الصعب‪ ،‬في احلقيقة‪ ،‬أ ْن نتخ َّيل مملكة تنطلق بتحديات‬ ‫جسام مثل التي تواجه ليبيا في ميالدها؛ لكونها كانت أكثر‬ ‫مناطق شمال إفريقية تخلّفا بسبب األع �م��ال القمع َّية التي‬ ‫مارستها اإلمبريالية اإليطالية فقد بلغت نسبة األمية فيها‬ ‫نحو ‪ 90%‬بني شرائح الشعب الليبي ال��ذي ال يتجاوز عدده‬ ‫مليونا وربع املليون نسمة؛ ولم يكن يوجد سوى ‪ 16‬ليبيا يحملون‬ ‫شهادات جامعية‪ ،‬وهذا ال ميكن أ ْن يشكل أساساً جيداً ميكن‬ ‫أ ْن نبني عليه هيئة إداري��ة‪ ،‬كما كانت وطأة الفقر – وما تزال‬ ‫– شديدة وعلى مقربة من أسفل السلم االقتصادي‪ ،‬كان دخل‬ ‫الفرد ال يبلغ س��وى ‪ 30‬دوالراً في السنة‪ ،‬وكانت املواصالت‬ ‫تقتصر فعلياً على طرق القوافل عدا الطريق السريعة الساحلية‬ ‫حوالي ألف ونيف من األميال وبعض التفرعات القليلة‪ ،‬وكانت‬ ‫األوبئة منتشرة‪ ،‬فاحلثار (مرض التراخوما) وحده كان يصيب‬ ‫أع��داداً كبيرة من الضحايا‪ ،‬وأم��ا الوفيات بني األط�ف��ال فقد‬ ‫بلغت ‪ 3‬من بني كل عشرة أطفال‪ ،‬وهو ما بات يعادل النسبة‬ ‫العالية للمواليد‪ ،‬وكان مستوى املعيشة منخفضاً ج ّداً إلى حد أنّ‬ ‫العديد من األهالي كانوا يعيشون على سعرات حرارية تتراوح‬ ‫بني ‪1500‬و‪ 1800‬في اليوم ويصرفون ‪ % 80‬من دخلهم على‬ ‫الطعام‪.‬‬


‫‪76‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫مذكرات‬

‫لم يكن السكان يعانون من وط��أة احلياة البائسة فحسب‪ ،‬بل‬ ‫كان نصف مساحة ليبيا مسرحا للمعارك في احل��روب‪ ،‬وكان‬ ‫العديد من مدنها خراباً‪ ،‬فقد كانت الكتائب املسلَّحة للحلفاء‬ ‫ودول احمل��ور جتول وتصول على طول الساحل حيثما َو َج��دت‬ ‫الطائرات املقنبلة من اجلانبني أهدافها وأمكنها العثور على‬ ‫العدو‪ ،‬وكان الليبيون الذين لم يكن لهم حول وال قوة يشاهدون‬ ‫سادتهم اإليطاليني يندحرون أمام فيلق إفريقيا بإمرة اجلنرال‬ ‫رومل ‪ Rommel‬بينما كانت التنظيمات العسكرية البريطانية‬ ‫والفرنسية تستولي على إدارة املناطق احملتلّة‪ ،‬ولم يكن هنالك‬ ‫من يرغب في إصالح اخل��راب‪ ،‬فما من أحد كان يعلم مصير‬ ‫ليبيا املستعمرة اإليطالية‪ ،‬كما أنّ الليبيني أنفسهم والذين َ‬ ‫أض ّر‬ ‫بهم الفقر ال ميكنهم البتّة إصالح الدمار الذي خلّفته احلرب‪.‬‬ ‫فهل كانت هنالك ث��روات طبيعية ميكن أ ْن مت ّكن هذا الشعب‬ ‫علي مباشرة رئيسى‬ ‫من احلياة؟ ذلك هو السؤال الذي َط َر َحه ّ‬ ‫ه ��اري إس‪ .‬ت��روم��ان ‪ Harry S. Truman‬عندما تلقّيت‬ ‫نبأ تنصيبي سفيراً‪ ،‬فقد قمت بالزيارة الّتى جرت بها العادة‬ ‫للرئيس ف��ي مكتبه بالبيت األب�ي��ض قبل توجهى لتولى مهام‬ ‫منصبى‪ ،‬واكتشفت أنّ لديه معلومات هامة عن املنطقة‪ ،‬قال‬ ‫الرئيس معلّقاً وهو يرفع رأسه عن األوراق واخلرائط املوجودة‬ ‫على املكتب‪ :‬يبدو املظهر هزي ً‬ ‫ال‪ ،‬وربمّ ��ا ُو ِجَ��دت معادن‪ ،‬ورمبا‬ ‫نفط‪ ،‬وقد تذ ّكر جتاربه اخلاصة ك ُم ْسهِ م في شركة تكساس‬ ‫النفطية قبل ذهابه إلى فرنسا في احلرب العاملية األولى‪ ،‬وهذا‬ ‫الرأي العابر الذي ع ّبر عنه الرئيس ترومان من أنّ ظهور النفط‬ ‫ق��د يجعل ال�ص�ح��راء ت��زده��ر ي��وم�اً م��ا‪ ،‬وه��و ذات��ه م��ا ع ّبر عنه‬ ‫علي أن أجمع معلومات‬ ‫الليبيون أنفسهم‪ ،‬وفي غضون ذلك كان ّ‬ ‫اقتصادية كثيرة قدر املستطاع ّ‬ ‫وأطلع على إج��راء املسوحات‬ ‫اجلغرافية عن املعادن‪ ،‬وتشجيع زيارات اخلبراء الذين بإمكانهم‬ ‫أن يسهموا في فهم أفضل إلمكانيات ليبيا‪.‬‬

‫علي لألسف أن أتفق‬ ‫واس�ت�ن��اداً إل��ى دراس��ات��ي اخل��اص��ة‪ ،‬ك��ان ّ‬ ‫ً‬ ‫مع الرئيس على أن االقتصاد الليبي كان ضعيفا بشكل يدعو‬ ‫إلى الشفقة؛ فلم تكن هنالك صناعات إال إذا أمكننا أن نعتبر‬ ‫استخالص امللح من البحر أو جمع قطع احلديد من مخلفات‬ ‫العتاد احلربي نوعاً من الصناعة‪ ،‬وفى املجال الزراعى بالرغم‬ ‫من كثرة أشجار النخيل وانتشارها في كل مكان‪ ،‬ف��إن امل��ادة‬ ‫املصدرة الوحيدة هى احللفاء التي كانت تُستخدم في صناعة‬ ‫الورق اجليد‪ ،‬وصناعة األوراق النقدية‪ ،‬ويتمثل املصدر اآلخر‬ ‫للدخل من العملة الصعبة فى بيع زيت الزيتون‪ ،‬وبعض اجللود‪،‬‬ ‫وال �ف��راء‪ ،‬وال�ص��وف وكمية قليلة من سمك التونا‪ ،‬واإلسفنج‪،‬‬ ‫وأشجار القوارص (احلمضيات)‪.‬‬ ‫وك��ان��ت ليبيا تشتهر بكونها س�لّ��ة ال �غ��ذاء إلم�ب��راط��وري��ة روم��ا‬ ‫القدمية‪ ،‬ولكنها في الوقت احلاضر لم تكن توفر سوى محاصيل‬ ‫شحيحة من الشعير والقمح في السنوات العادية‪ ،‬وم ّرة كل ثالث‬ ‫سنوات كانت احملاصيل الزراعية ال تفي لس ّد حاجة السكان‪،‬‬ ‫وب��دون املساعدات اخلارجية املباشرة أو االستثمار األمريكي‬ ‫في السلع واخلدمات في قاعدة هويلس ‪ Wheelus‬اجلوية‬ ‫على مقربة من طرابلس‪ ،‬لم تكن ليبيا تأمل في أن توجد كوحدة‬ ‫اقتصادية‪.‬‬ ‫وإذا كان االقتصاد الليبي دون العادي‪ ،‬فكذلك كانت احلنكة‬ ‫السياسية ل��دى السكان الليبيني‪ ،‬ونتيجة للسياسة الفاشية‬ ‫الثابتة ل��م يكن يُسمح لليبي اب��ن البلد أن يصعد للسلطة أو‬ ‫يكتسب جتربة تهيئ الشعب حلكم نفسه بنفسه‪ ،‬فأي تشجيع‬ ‫لهؤالء الذين يطمحون يوماً ما في حكم أنفسهم بأنفسهم كان‬ ‫أمراً ال يخطر على بال‪ ،‬وبالتالي لم يكن هناك أناس مدربون‬ ‫جاهزون لبناء الهيكلة السياسية التي قررتها األمم املتحدة‪،‬‬ ‫وبنا ًء على ذلك كان يوجد بالكاد فهم بدائي ملا ميكن أن يكون‬ ‫عليه الشكل البرملاني للحكومة أو نظام احلكم ال��ذي أقرته‬


‫املنظمة الدولية لليبيا‪.‬‬ ‫إن التسمية النوعية (ليبيا) كانت معروفة لدى الشعوب القدمية‬ ‫ولكنها لم تظهر أبداً على اخلرائط اإلفريقية احلديثة حتى قام‬ ‫املستعمرون اإليطاليون في الثالثينيات بتوحيد املنطقة حتت‬ ‫سيطرتهم ألغراض إدارية‪ ،‬فقد ّ‬ ‫مت توحيد ثالث مناطق متفاوتة‬ ‫كانت فيما مضى تحُ كم كثالثة أقاليم منفصلة (وهي طرابلس‪،‬‬ ‫وبرقة‪ ،‬وفزان) مت دمجها معا في َو ْحدة حكومية واحدة لتك ّون‬ ‫املستعمرة الفاشية لليبيا‪ ،‬وقد بقيت تلك املناطق موحدة بشكل‬ ‫شرعي مبوجب قرار صدر عن األمم املتحدة عام ‪1949‬م‪ ،‬وهو‬ ‫جسد مفهوم الدولة الليبية كحكومة ملكية دستورية‬ ‫القرار الذي ّ‬ ‫مستقلة‪ ،‬وب�ه��دف درء اخل�ط��ر ال��داخ�ل��ي املتمثل ف��ي التعصب‬ ‫ِحت اململكة الليبية املتحدة برملاناً‬ ‫اإلقليمي املسبب للتف ّكك ُمن َ‬ ‫واحداً‪ ،‬ودستوراً واحداً‪ ،‬وملكاً واحداً‪ ،‬كما ُعينّ مجلس للوزراء‬ ‫لتسيير شئون الدولة كأي مجلس وزراء فى أي نظام فيدرالي‪،‬‬ ‫وأم ً‬ ‫ال في تنمية الشعور بالتضامن الوطني بني أفراد الشعب‪،‬‬ ‫اختار املتح ّكمون في أقدار ليبيا الزعيم السنوسي السيد محمد‬ ‫ضد الهيمنة اإليطالية‪ ،‬ليكون أول ملك‬ ‫إدريس‪ ،‬رأس املقاومة ّ‬ ‫لكل الليبيني‪.‬‬ ‫أم��ا كيف أصبحت ال��دول��ة الناشئة ف��ي ع��ام ‪ 1949‬دول��ة تامة‬ ‫السيادة في زم��ن قصير ال يتجاوز عامني فهذه حكاية جهود‬ ‫مكثفة بذلها مفوض األمم املتحدة أدريان بيلت ‪Adrian Pelt‬‬ ‫وكوكبة مخلصة من مساعديه‪ ،‬وعند إنشاء مملكة فاعلة من‬ ‫العدم تقريباً‪ ،‬واج��ه ه��ؤالء كل الصعوبات الطبيعية التي ميكن‬ ‫تخ ّيلها ب ْدءاً من إقامة مؤسسات سياسية أولية ومروراً بتأسيس‬ ‫آلية مؤقتة وصوالً إلى إطالق مركبة الدولة في رحلتها املستقلة‪،‬‬ ‫وق��د حت ّملت األمم املتحدة مسئولية كبيرة ال سابق لها‪ ،‬ولكن‬ ‫املهمة انتهت اآلن‪ ،‬وحصلت ليبيا أخيراً على حريتها السياسية‪،‬‬ ‫وحتقّق في األخير حلم االنتخابات احلرة واحلكومة النيابية‪.‬‬

‫ونقلت الصحافة اإلي�ط��ال�ي��ة بسخرية ل��م تتمكن م��ن إخفائها‬ ‫التطورات اجلارية في مستعمرتها السابقة حتت عناوين تنذر‬ ‫بالسوء‪« :‬ستة عشر قتي ً‬ ‫ال وم��ائ��ة جريح ف��ي منطقة طرابلس‬ ‫ً‬ ‫ذهبوا ضح ّية انتخاب ‪ 55‬شخصا ملجلس ال �ن��واب»‪ ،‬ولكن إذا‬ ‫كان الساخرون يتوقعون أن اململكة الوليدة ستسقط قبل أن تقف‬ ‫على قدميها فإن آمالهم قد خابت؛ بعد أن ُمن َِى حزب املؤمتر‬ ‫الوطني املعادي للغرب‪ ،‬وال��ذي ك��ان ينادي بقيام دول��ة وحدوية‬ ‫بهزمية نكراء‪ ،‬وف��وز ح��زب االستقالل ال��ذي ك��ان يفضل‪ ،‬حتت‬ ‫شكل حكومة فيدرالية‪ ،‬استمرار االستفادة االقتصادية والعالقات‬ ‫السياسية التي كانت قد ب��دأت في ظل اإلدارت�ي�ن العسكريتني‬ ‫البريطانية والفرنسية‪ ،‬ك��ان ه��ذا االخ�ت�ي��ار ال��ذي ق��ام ب��ه نحو‬ ‫‪ 140000‬من الناخبني ذوى األهلية (الذكور الذين جتاوزوا سن‬ ‫‪ 21‬عاماً‪ ،‬سليمني وغير ُمدانني) والذين م ّثلوا عينات العمليات‬ ‫الدميقراطية ألول مرة‪ ،‬وعند وجود بعض حاالت العنف فقد مت‬ ‫إخمادها بدون تدخل القوات األجنبية بل من طرف رجال البوليس‬ ‫الليبي أنفسهم مستخدمني الغاز املسيل للدموع والطلقات النارية‪،‬‬ ‫وفي استعراض مشهدي لالنضباط أحلقوا هزمية نكراء بجماعة‬ ‫من املتمردين املسلحني من أهاليهم الذين أثارتهم هزمية زعماء‬ ‫أحزابهم في االنتخابات؛ فحاولوا االستيالء على السلطة بالقوة‪.‬‬ ‫وبعزمية وسرعة وفعالية‪ ،‬قامت احلكومة وعمرها لم يتجاوز‬ ‫شهرين فقط بنفي احمل ّ��رض على الشغب بشير باي سعداوي‪،‬‬ ‫وقدمت ليبيا بذلك دلي ً‬ ‫ال مشجعاً على‬ ‫بالطائرة إلى القاهرة‪ّ ،‬‬ ‫قدرتها على معاجلة شئونها الداخلية؛ فلم تكن هنالك حاجة‬ ‫ملزيد م��ن االن�ت�ظ��ار‪ ،‬وف��ي ي��وم ‪ 27‬م��ن فبراير م��ن ع��ام ‪1952‬‬ ‫باشرت منصبى‪.‬‬ ‫بينما كنا نحلّق باجتاه طرابلس من جهة البحر‪ ،‬كنا ننظر بدهشة‬ ‫للمدينة وهي تنهض بسرعة من الشاطئ املنبسط لتأخذ شكل‬ ‫الفيالت احلديثة املرتبة بعناية‪ ،‬ومجموعة من القباب البيضاء‬


‫‪78‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫مذكرات‬

‫واملآذن التي كانت تمُ ّيز املدينة القدمية‪ ،‬وبشكل عشوائي انتشرت‬ ‫بعض أشجار النخيل ذات السعف الذي يُشبه الريشة أو منفضة‬ ‫الغبار إل��ى جانب بعض احل��دائ��ق‪ ،‬وعلى ط��ول اجلهة املواجهة‬ ‫للماء كان هنالك شارع أنيق ومنتزه تُز ّينه ثالثة فنادق كانت متثل‬ ‫ذروة ازدهار الوجود الفاشي في البالد‪ ،‬كما كان هنالك حاجزان‬ ‫لألمواج رقيقان‪ ،‬أحدهما ينطلق من جوار القلعة القدمية‪ ،‬ويحمي‬ ‫مرفأ السفن‪ ،‬ولكن خارج ضواحي هذه الطائفة املتحضرة بشكل‬ ‫واضح كانت متتد املنطقة النائية للقفر التي متتد بال حدود وتبينّ‬ ‫بوضوح أن العاصمة طرابلس وعاصمة اململكة تبدو مج ّرد واحة‬ ‫في الصحراء‪.‬‬ ‫وعند اقترابنا من قاعد هويلس اجلوية التابعة للواليات املتحدة‪،‬‬

‫والتي تقع على مسافة سبعة أميال خارج املدينة‪ ،‬حلّقت لتح ّيتنا‬ ‫بعض الطائرات النفاثة‪ ،‬وملا هبطنا إلى األرض رأينا حرس الشرف‬ ‫ّ‬ ‫اصطف ملصافحتنا‪ ،‬ومنذ النظرة األولى لقاعد هويلس إلى‬ ‫الذي‬ ‫آخرها‪ ،‬كان الرهان األمريكي على هذه القطعة من التراب األجنبي‬ ‫ميثل أكبر اهتمامات هذه البعثة وأحد أهم مواضيع املناقشات في‬ ‫أعمالي اليومية مع احلكومة الليبية‪.‬‬ ‫قام العقيد فريد أو‪ .‬إيزلي (االبن) ‪ .Fred O Easley, Jr‬الذي‬ ‫كان قائد وحدة القاعدة في ذلك الوقت‪ ،‬باستقبال فريقنا حتت‬ ‫سماء ربيع ليبيا املعتدل املنعش‪ ،‬وكان بصحبته القائم باألعمال‬ ‫األمريكي مؤقتاً‪ ،‬الس ِ ّيد أندرو جي‪ .‬لينتش ‪Andrew G. Lynch‬‬ ‫ونيابة عن وزارة اخلارجية الليبية ق ّدم لنا سليمان اجلربي‪ ،‬أو وزير‬


‫احل��رب وأح��د أف��راد عائلة مرموقة في البالد مظاهر احلفاوة‬ ‫والتكرمي‪ ،‬وأوضح لنا أن كبار املسئولني اآلخرين ما زالوا غائبني‬ ‫ّ‬ ‫وتعذر عليهم احلضور من‬ ‫أو منشغلني كثيراً على إثر االنتخابات‪،‬‬ ‫أجل استقبال أكثر حفاوة‪ .‬وبالرغم من ذلك ّ‬ ‫مت حجز مواعيد لي‬ ‫لكي اتّصل بأعضاء احلكومة بكل ح ّرية‪ ،‬كما مت ترتيب مقابلة مع‬ ‫امللك فوراً‪ .‬اجتهنا إلى فندق الودان (وقد ُس ّمي باسم حيوان جبلي‬ ‫موطنه ليبيا)‪ ،‬حيث ُحجز لنا ثالثة غرف نوم وحجرة جلوس‪ .‬ولم‬ ‫نكن نعرف أن هذا املق ّر الصغير املطل على البحر والذي يقع في‬ ‫العلوي وال��ذي لم مير وق��ت طويل منذ أن مت إخ�لاء ناد‬ ‫الطابق‬ ‫ّ‬ ‫للضباط البريطانيني منه‪ ،‬سيكون مقر إقامة البعثة األمريكية ألكثر‬ ‫من سنة قادمة‪.‬‬


‫‪080‬‬ ‫‪80‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫أمكنة لها تاريخ‬

‫ساللة باتوس‬ ‫وقصة انتقـــــــام فرتيما‬


‫ُس ّميت بنغازي بـ»هيسبيرايديس» في العهد اإلغريقي عند تأسيس (املدن اخلمس في شرق ليبيا ‪..)Pentapolis‬‬ ‫وتذكر كتب التاريخ أن هيسبرايديس تعني «آلهة الغروب الثالثي»‪ :‬إيجل ‪ ،Aegle‬وإيرثيا ‪ ،Erytheia‬وهيسبيريا‬ ‫‪ ،Hesperia‬ورمبا ُأشتق اسم بنغازي من األخيرة هيسبيريا‪ ،‬والالتي كن يحرسن شجرة التفاح الذهبي الذي ينعكس‬ ‫لتكون ذلك‬ ‫بريقه وأشعته على األفق عند التقاء السماء بالبحر‪ ،‬فتظهر الشمس النائمة بلونها البرتقالي اجلذاب‬ ‫ّ‬ ‫الغروب الرائع‪ .‬ويعتقد البعض أن الشجرة هي شجرة برتقال ذهبي وليس تفاح ًا ذهبي ًا‪ ،‬وأعتقد أن هذا اخلطأ سببه‬ ‫لون الشمس البرتقالي عند الغروب كما ذكرت أعاله‪ ..‬تذكر كتب التاريخ أيض ًا أن شجرة التفاح الذهبي هذه تقع في‬ ‫ليبيا في أقصى الغرب بالقرب من جبال األطلس‪.‬‬ ‫وأرج��و أن ال تختلط عليك األم��ور عزيزي ال��ق��ارئ‪ ...‬وتستهجن كلمة «ليبيا في أقصى الغرب بالقرب من جبال‬ ‫ً‬ ‫كافة كانت ُتسمى بـ»ليبيا»‪ .‬إالّ أنه ليست هناك أية تأكيدات عن مكان هذه الشجرة في‬ ‫األطلس» حيث قارة أفريقيا‬ ‫لدي هو أن ليبيا كانت حتظى في العالم القدمي ببساتني غنّ اء ُوصفت بأنها‬ ‫واملوثق‬ ‫املؤكد‬ ‫األساطير األغريقية‪ ،‬ولكن‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫«آخر جنّ ات الله على األرض»‪ ،‬وبأن بنغازي كان يشقها نهر «الليث» الشهير‪ ،‬الذي ُيسمى أيضا بنهر «النسيان»‪ ،‬حيث‬ ‫كان كل من يشرب من مياهه العذبة ينسى نفسه ويغرق في عالم احلوريات واملوسيقى وسحر املكان‪.‬‬

‫يونس الهمالي‬


‫‪82‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫أمكنة لها تاريخ‬

‫ألن بنغازي ُسميت ب»هوسبيرايديس» فاعتقد شخصياً أن‬ ‫األساطير كانت تقصد بأن شجرة التفاح الذهبي تتواجد في‬ ‫بنغازي فع ً‬ ‫ال‪ ،‬حيث زارها هرقل بحثاً عن التفاح الذهبي‪ ،‬إال أن‬ ‫ذلك «ضاع في الترجمة ‪ »Lost in translation‬من اليونانية‬ ‫القدمية إلى اللغات احلية‪ ،‬فعند بحثي في هذا املوضوع وجدت‬ ‫بعض التناقضات هنا وهناك‪.‬‬ ‫هرقل بحث عن شجرة التفاح الذهبي هذه في كل أرجاء املعمورة‬ ‫‪ ...‬وفي رحلة بحثه وصل إلى مصر وهناك اعتقله الفراعنة‬ ‫ّ‬ ‫فقطع ال�س�لاس��ل وح ��رر نفسه‬ ‫ورب �ط��وه بالسالسل الضخمة‬ ‫فخافوا منه وتركوه في حال سبيله‪ ...‬جاء إلى هيسبيرايديس‬ ‫(بنغازي) في طريقه لقطف ثالث تفاحات ذهبية أخذها معه‬ ‫إلى مليكه في اليونان‪ .‬نظر إليها امللك اليوناني وأُعجب بها‬ ‫ولكنه لم يعرف م��اذا يفعل بها فأمر هرقل ب��أن يُعيدها إلى‬ ‫مكانها‪.‬‬ ‫هكذا هي األساطير اليونانية اجلميلة لم تأب إال بالتمازج مع‬ ‫ليبيا لنشارك اليونان في أساطيرها‪ ،‬فقد عشق اليونانيون‬ ‫بالدنا جلمالها واخضرار مراعيها ومياهها العذبة رغماً من‬ ‫ت�ع��دد ج��زره��م واخ �ض��رار أراض ��ي ب�لاده��م‪ ،‬فبحثوا ع��ن كافة‬ ‫الذرائع والوسائل فتدخلت أساطيرهم ومعتقداتهم ليجدوا لهم‬ ‫موطئ قدم في بالدنا‪ ...‬فلجؤوا إلى اآللهة عندهم لتنصحهم‬ ‫بالسفر إل��ى ب�لاد املطر «ليبيا» فاختلطت األساطير بالواقع‬ ‫وسببت حقيقة في سفرهم إلى ليبيا حيث أنشؤوا املدن اخلمس‬ ‫‪ Pentapolis‬التي سيأتيكم ذكرها بعد قليل‪.‬‬ ‫هذا جزء بسيط أيها الليبيون من تاريخكم العريق الذي لم يخ ُل‬ ‫من املالحم األسطورية والواقعية‪ ،‬وبجمال املراعي اخلضراء‬ ‫ونهر الليث الذي وجدوا أثاره في بنغازي خالل حقبة اإلحتالل‬ ‫اإليطالي لليبيا‪ ...‬واعتقد أنه يقع خلف مقبرة سيدي عبيد‬ ‫حيث تتواجد أثار مدينة هيسبيرايديس‪.‬‬ ‫عبر التاريخ‬ ‫ف��ي الواجهة املقابلة لشواطئنا على املتوسط تقع حضارات‬ ‫الرومان واإلغريق والفينيقيني‪ ،‬وعليه لم يكن هناك ب ّ ٌد من أن‬ ‫تتعرض ليبيا للغزو على مر التاريخ‪.‬‬ ‫ومع أن ليبيا تعرضت للغزوات املتكررة من املستعمرين‪ ...‬إال‬ ‫أن كافة هذه احلضارات سادت ثم بادت بعد أن ذابت بالكامل‬ ‫في املجتمع السكاني الليبي واندثرت في ليبيا‪ ،‬مبعنى أن ليبيا‬ ‫لم تُصبح جزءاً من اليونان‪ ،‬وال جزء من إيطاليا‪ ،‬وال جزءا من‬ ‫تركيا‪ ،‬وال جزءا من احلضارات األخرى املتعددة مثل الوندال‬ ‫وغيرهم‪ .‬لن جتد من هذه احلضارات اآلن إ ّال أطاللها في شكل‬ ‫مباني أثرية‪ ...‬نقوش وزخارف وميادين مصارعة‪.‬‬ ‫لم يبق منهم اآلن إ ّال ذكريات طغيانهم ومهازل حكمهم وتفاهة‬ ‫عقولهم إن لم نقل غباءهم املصبوغ بالبالهة والتيه في عالم‬ ‫العظمة املصطنع الذي يناسب نرجسيتهم القميئة‪ ...‬هكذا ال‬ ‫يتعلم املستعمرون والطغاة من التاريخ؟‪..‬‬ ‫خطأ تاريخي‬ ‫أوالً لتصحيح بعض األمور التاريخية يجب أن نوضح للقارئ بأن‬ ‫هناك خطأ تاريخي وجغرافي في نفس الوقت‪ ،‬فترجمة كلمة‬ ‫برقة خطأ‪ ...‬ر ّكزوا معي قلي ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫الدليل يكمن في تسمية املدن اخلمس ‪:Pentapolis‬‬ ‫سوسة‪ :‬أبولونيا ‪.Apolonia‬‬


‫شحات ‪ -‬معبد زيوس‬


‫‪084‬‬ ‫‪84‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫أمكنة لها تاريخ‬

‫رأس الهالل‬ ‫شحات‪ :‬قيريني أو قورينا ‪.Cyrene‬‬ ‫توكرة‪ :‬توكايرا ‪.Teucheira‬‬ ‫بنغازي‪ :‬هيسبيرايديس ‪ ،Hesperides‬وفيما بعد بيرينيسي‬ ‫أو باإليطالية بيرينيتشي ‪.Berenice‬‬ ‫برقة (املرج حاليا)‪ :‬بركا ‪.Barca‬‬ ‫وعليه ف��إذا سمينا اإلقليم (برقة) يجب أن نُسميه بالالتينية‬ ‫‪ Barca‬ألن هذا اإلسم هو اسمها الالتيني‪ ،‬أما إذا تبنّينا اسم‬ ‫اإلقليم بالالتينية كما هو اآلن ‪ Cyrenica‬فيجب أن نسميه‬ ‫بالعربية بترجمة اسمه وهي قورينا أو شحات بدالً من «برقة»‪،‬‬ ‫ورمبا سيتم نُطق اإلقليم بـ»إقليم قورينيا» بدالً من «إقليم برقة»‪.‬‬ ‫أعتقد أن الرومان هم الذين سموا اإلقليم قورينيا ‪،Cyrenica‬‬ ‫التسمية املُعتمدة حاليا أصبحت خط ًأ شائعاً مقبوالً اآلن‪،‬‬ ‫وال أعتقد أنه سيحدث تغيير في االسمني العربي والالتيني‪.‬‬ ‫ولكن أردت التنويه والتصحيح بأن اسم برقة ليس سيرانايكا‬ ‫‪.Cyrenica‬‬ ‫جاءت تسمية املدينة بـ»قيريني» أو «قوريني» لتخليد احلورية‬ ‫ق��وري �ن��ي ‪ Cyrene‬ت �ل��ك ال �ف �ت��اة رائ �ع��ة اجل��م��ال‪ ،‬اب �ن��ة امل�ل��ك‬ ‫هابسيسوس ملك الالبيتس‪ ،‬وهم السكان اليونانيون القدامي‬ ‫ال��ذي��ن حتكي عنهم األساطير اليونانية بأنهم ك��ان��وا يقطنون‬ ‫في وادي البنيوس ‪ Peneus‬في جبل البيليون ‪ Pelion‬في‬ ‫اليونان‪ .‬حتكي األساطير أن قوريني اجلميلة كانت من البشر‬ ‫ولكن قلبتها اآللهة إلى حورية لتعيش أبد الدهر‪.‬‬

‫البداية‬ ‫العام ‪ 638‬قبل امليالد كان بداية لسبع سنوات عجاف عانت‬ ‫منها م��دن وج��زر اليونان م��ن قحط وج�ف��اف ل��م ي��روه سابقاً‪،‬‬ ‫خاصة جزيرة ثيرا (جزيرة سانتوريني) اآلن‪ ،‬بينما البالد التي‬ ‫يسمونها «املطر» (ليبيا) كانت تكاد تغرق من غ��زارة األمطار‬ ‫املوسمية حتى أن موقع مدينة امل��رج قبل تأسيسها كان يشبه‬ ‫اجل��زي��رة بعد هطول األم�ط��ار في فصل الشتاء‪ ،‬حيث حتيط‬ ‫املياه بهذا املوقع من كافة اجلوانب‪ ...‬وستأتيكم هذه املعلومة‬ ‫فيما بعد عندما نتطرق لتأسيس مدينة برقة (امل��رج) حالياً‪.‬‬ ‫اجتمع أعيان جزيرة ثيرا في اليونان ‪ ،‬إليجاد حل للجزيرة‬ ‫التي تزايد عدد سكانها في نفس الوقت الذي كانت تعاني فيه‬ ‫من شح في األمطار ونقص في احملاصيل الزراعية وتضعضع‬ ‫في اقتصادها‪ .‬وعليه قرروا أن يستعينوا باآللهة لترشدهم إلى‬ ‫حل لهذه الكارثة‪ .‬قاموا بزيارة كاهن الوحي في جزيرة دلفي‬ ‫اليونانية ليتوسط لهم باالتصال مع اآللهة أبوللو‪ .‬أخبرهم أبوللو‬ ‫عن طريق الكاهن الوسيط بأن هناك منطقة فيها ينابيع من‬ ‫املياه املتدفقة العذبة‪ ،‬تقع في بالد املطر «ليبيا»‪ .‬حيث ميكنهم‬ ‫هناك بناء مدينتهم اجلديدة‪.‬‬ ‫خ��رج ‪ 200‬من شباب «جزيرة ثيرا» املغامرين بسفنهم وعلى‬ ‫رأسهم قائدهم «باتوس» أول ملوك شحات (قيرين) في ليبيا‪،‬‬ ‫وبعد رحلة استغرقت عدة أيام أرست سفنهم في خليج مببه أو‬ ‫رحبوا‬ ‫مرمره‪ .‬هناك التقوا بالسكان الليبيني األصليني الذين ّ‬


‫حلورية قوريني تخنق أسد ًا بينما اآللهة ليبيا‬ ‫تتوجها بوضع تاج على رأسها‪.‬‬ ‫بهم‪ .‬حت� ّ�دث باتوس عن محنة جزيرتهم وع��ن نصيحة اآللهة‬ ‫ابوللو لهم بأن هناك منطقة في ليبيا غنية باملراعي اخلضراء‬ ‫وباملياه املتدفقة من ينابيع تصب من مرتفات تلك املنطقة‪.‬‬ ‫وبالرغم م��ن ك��رم الليبيني ف��ي ذل��ك ال��زم��ان وترحيبهم بهؤالء‬ ‫ال��زوار الشباب‪ ،‬إال أنهم شعروا بالغيرة واخل��وف على إحدى‬ ‫مدنهم اجلميلة التي تشبه أوصافها ما ذك��ره ه��ؤالء الشباب‪،‬‬ ‫وهي مدينة (إيراسا) أي مدينة «درنة حاليا» فهي أيضا تتمتع‬ ‫بشالالت مياه وتتمتع مبراعي خضراء وخيرات كثيرة‪ .‬وعليه‬ ‫ق��رروا أن ينقلوا ضيوفهم في ظ�لام الليل الدامس إل��ى موقع‬ ‫يشبه مدينة «إيراسا» لكي ال يروا تلك املدينة اجلميلة‪ ،‬ولكن‬ ‫عليهم أن يؤسسوا مدينة جديدة في املوقع اجلديد‪ ،‬وكان موقع‬ ‫مدينة شحات‪.‬‬ ‫حطوا ال��رح��ال ف��ي تلك املنطقة‪ ...‬وبالفعل وج��دوا ينبوعان‬ ‫يتدفقان باملياه العذبة‪ ،‬وهنا ص��اح دليلهم الليبي قائال‪ :‬هنا‬ ‫أيها اليونانيون ميكنكم أن تُقيموا‪ ...‬حيث هنا توجد قطعة من‬ ‫اجلنّة‪.‬‬ ‫ل��م يمُ ��ان��ع ال�ل�ي�ب�ي��ون األص �ل �ي��ون م��ن م �ص��اه��رة ه ��ؤالء ال�ش�ب��اب‬ ‫فزوجوهم من بناتهم منعاً للحروب واخلصومات في املستقبل‪.‬‬ ‫واستمرت العالقات بشكل جيد في عهد باتوس األول إلى أن‬ ‫توفي؟‪.‬‬ ‫خلفه إبنه أرسيسيلوس األول ‪ ،Arcesilaus I‬وال��ذي بدأت‬ ‫الهجرات اليونانية في عهده تتوارد على املنطقة‪ ،‬وعليه باشر‬

‫أبولونيا‬


‫‪086‬‬ ‫‪86‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫أمكنة لها تاريخ‬

‫طبرق كما تبدو من امليناء‬ ‫في توزيع األراضي عليهم مما سبب في نهب أراضي السكان‬ ‫األصليني‪ .‬بطبيعة احلال اغتاظ الليبيون من ذلك ولم يكن لهم‬ ‫بد من اللجوء إلى فرعون مصر (أبرايس ‪ ،)Apries‬الذي ل ّبى‬ ‫طلبهم بإرسال حاميات عسكرية من مصر في عام ‪ 570‬قبل‬ ‫امليالد‪ ...‬إ ّال أن هذه احلاميات ُهزمت من قبل اليونانيني في‬ ‫مدينة إيراسا (درنة)‪.‬‬ ‫بعد ذلك حكم أرسيسيلوس الثاني الذي كان قاسياً فضاً‪ ،‬حتى‬ ‫أنه لُقّب بـ»أرسيسيلوس القاسي»‪ ،‬وكان قاسياً حتى على أشقائه‬ ‫الذين ف ّروا هاربني من مدينة قيرين (شحات) بعد أن ضاقوا به‬ ‫ذرعاً‪ ،‬وأسسوا مدينة برقة (‪( )Barca‬املرج) احلالية‪ .‬وبعد أن‬ ‫شجعوا الليبيني في املنطقة على‬ ‫استقروا في املدينة اجلديدة ّ‬ ‫االنتفاضة ضد «أرسيسيلوس القاسي» هذا وبالفعل جتمعت‬ ‫لدى الليبيني قوات ضخمة قامت مبهاجمة قوات «أرسيسيلوس‬ ‫القاسي» وأزهقت أرواح حوالي ‪ 7000‬في مدينة قوريني‪ .‬وبعد‬ ‫أن مت اغتيال امللك أرسيسيلوس القاسي خلفه ابنه باتوس‬ ‫الثالث امللقب بـ»باتوس األعرج»‪.‬‬ ‫رف��ض باتوس األع��رج طلب اآللهة بتقسيم السكان إل��ى ثالث‬ ‫قبائل ليعيشوا في سالم‪ ،‬فانتفض األهالي ضده ألنه لم يستمع‬ ‫لنصيحة اآللهة‪ ،‬ففر هارباً من قصره في قيرين‪.‬‬ ‫في املنفى شجعته أمه املستبدة امللكة فيريتيما ‪Pheretima‬‬ ‫ألن يحشد ج�ي�ش�اً ج �ب��اراً م��ن ج��زي��رة س��ام��وس ‪ Samos‬في‬ ‫اليونان ليُعيد ملكه من جديد‪ ،‬وبالفعل متكن باتوس األعرج من‬ ‫حشد جيش جبار بعد أن وعدهم بأن مينحهم أراضي زراعية‬ ‫في منطقة اجلبل األخضر‪ .‬وهكذا انتصر على خصومه وأعاد‬ ‫ملكه واستقر ف��ي قصره ( ف��ي مدينة شحات ‪ -‬قيرين) من‬ ‫جديد‪ .‬وعندما استقرت له األمور قام بحملة انتقام شنيعة ضد‬


‫أنقاض يوسبريدس بالزيعية‬

‫حدائق هيسبريدس ‪ -1892-‬لوحة لفريدريك اليتون‬

‫أعدائه‪ .‬إ ّال أنهم أعادوا تنظيم صفوفهم وانقضوا عليه وعلى‬ ‫جنوده ففر هارباً إلى مدينة برقة (املرج) حيث يحكم صهره امللك‬ ‫املُسمى االزير ‪ .Alazir‬ولكن اآللهة كانت قد نصحت «باتوس‬ ‫األعرج» بأن ال يدخل أرضاً حتيط بها املياه من كل جانب‪ ،‬فلم‬ ‫يأبه لذلك ألنه أعتقد أن تلك األرض كانت قورينا (شحات)‬ ‫ألنها كانت تتمتع بأمطار غزيرة فتحيط بها الينابيع‪،‬‬ ‫ناسياً أن املرج خالل فصل الشتاء كانت تكاد تغرق في‬ ‫املياه فتحيط بها من كل جانب حتى تصبح جزيرة ولو‬ ‫لوقت قصير‪ .‬وعليه متكن القورينيون بعد فترة من‬ ‫قتله هو وصهره امللك األزير ‪ Alazir‬عندما كانا‬ ‫يسيران في أحد شوارع مدينة برقة (املرج)‪.‬‬ ‫النهاية‬ ‫جن جنون امللكة فيريتيما ملقتل ابنها‪ ،‬فاجتهت تطلب‬ ‫مساعدة قوات الفُرس الذين كانوا يحكمون مصر‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬فقامت بإغراء حاكم مصر امللك‬ ‫(أريانديس ‪ ،)Aryandes‬الذي استجاب ملطلبها‪...‬‬ ‫فوافق وأرسل جيشاً تدعمه قوات بحرية متكنت بعد‬ ‫حصار طويل من االنتصار على القورينيني‪ .‬وهكذا‬ ‫حققت امللكة فيريتيما ُمرادها وانتقمت من قاتلي إبنها‬ ‫باتوس األعرج‪ ،‬فعلقت أعدائها على حيطان مدينة املرج‬ ‫وأمرت بتقطيع أوصال زوجاتهم أمام أعينهم‪ .‬ولم ينج من‬ ‫ذلك إ ّال الذين كانت لهم عالقات طيبة مع عائلة باتوس امللكية‪،‬‬ ‫وبعضهم مت تهجيرهم إلى بعض اجلزر اليونانية‪ ،‬إال أن فيريتيما‬ ‫نالت جزاءها حيث ماتت في طريق عودتها إلى مصر بداء لم ميهلها‬ ‫ال‪ ،‬ومات معها الكثيرين من جنودها الذين قتلت منهم أعداداً‬ ‫طوي ً‬ ‫كبيرة في الطريق بعد أن مت سلبهم من مقتنياتهم وحتى ثيابهم‪.‬‬


‫‪88‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫تقنية‬

‫إعداد‪ :‬امرؤ القيس‬

‫مايكروسوفت تعلن عن هاتف جديد سعره ‪ 20‬دوالراً‬ ‫محسنة م��ن هاتفها‬ ‫أعلنت ش��رك��ة م��اي�ك��روس��وف��ت ع��ن نسخة‬ ‫ّ‬ ‫التقليدي «نوكيا ‪ ،»105‬وذل��ك بعد النجاح ال��ذي حققه اجليل‬ ‫األول‪ ،‬متتاز بسعرها االقتصادي الذي ال يتعدى ‪ 20‬دوالراً‪.‬‬ ‫وقالت مايكروسوفت على مدونتها اخلاصة بهواتفها الذكية إن‬ ‫«نوكيا ‪ »105‬والنسخة التي تدعم شريحتي اتصال منه «مثاليان‬ ‫للراغبني في اقتناء هاتف محمول أو ألولئك الذين يحتاجون‬ ‫هاتفا احتياطيا ميكن االعتماد عليه للسفر واملرح»‪.‬‬ ‫وأض��اف��ت الشركة أن «نوكيا ‪ »105‬اجل��دي��د يبني على النجاح‬ ‫الذي حققه سلفه الذي‬ ‫حاز على جائزة أفضل‬ ‫ه� ��ات� ��ف ت� �ق� �ل� �ي ��دي ف��ي‬ ‫مسابقة جمعية ‪GSM‬‬ ‫خ�ل�ال «م��ؤمت��ر اجل��وال‬ ‫ال � � �ع� � ��امل� � ��ي» ‪MWC‬‬

‫‪ ،2014‬ويجلب العديد من التحسينات لتمكني املستخدمني من‬ ‫حتقيق املزيد‪ ،‬على حد تعبيرها‪.‬‬ ‫وميتاز هاتف مايكروسوفت اجلديد بقدرته على تخزين حتى‬ ‫‪ 2,000‬جهة اتصال‪ ،‬إضافة إلى جودة الصوت احملسنة‪ ،‬وبفضل‬ ‫بطاريته اجلديدة القابلة للتبديل‪ ،‬ميكن التحدث بالهاتف ملدة ‪15‬‬ ‫ساعة‪ ،‬والتي تصل لـ‪ 35‬يوما من وضع االستعداد‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق ببقية مواصفات الهاتف‪ ،‬فإنه يقدم شاشة ‪LCD‬‬ ‫بقياس ‪ 1.4‬بوصة‪ ،‬ويعمل مبنصة «سيرس ‪.« 30+Series‬‬ ‫وت�ع�ت��زم مايكروسوفت‬ ‫ط � ��رح «ن ��وك� �ي ��ا ‪»105‬‬ ‫اب �ت��دا ًء م��ن ه��ذا الشهر‬ ‫ف��ي األس� ��واق ال�ع��امل�ي��ة‪،‬‬ ‫ب�ث�لاث��ة أل� ��وان‪ ،‬األب�ي��ض‬ ‫واألسود واألزرق‪.‬‬


‫غوغل تكشف عن جهاز حماية بحجم بطاقة ‪Micro SD‬‬ ‫أع �ل �ن��ت م �ج �م��وع��ة ‪ ATAP‬ف ��ي غ ��وغ ��ل (اخ� �ت� �ص ��ار ل�لاس��م‬ ‫‪ ،)Advanced Technology And Projects group‬عن‬ ‫جهاز ‪ ،Project Vault‬لتقدمي حماية وسرية عاليتني في حجم‬ ‫شريحة الذاكرة اخلارجية ‪.Micro SD‬‬ ‫وتوفر شريحة ‪ Project Vault‬حماية وأماناً للجهاز املُدخل به‬ ‫في شكل شريحة ‪ ،Micro SD‬وميكن مث ً‬ ‫ال أن توفر تشفيرا قويا‬ ‫لرسائل الدردشة‪ ،‬عن طريق إضافة املزيد من مستويات التحقق‬ ‫واألمان‪.‬‬ ‫وتعتبر شريحة ‪ Project Vault‬شريحة ‪ Micro SD‬تقليدية‬ ‫(بسعة ‪ 4‬غيغابايت)‪ ،‬لكنها تقدم احلماية واألمان‪ ،‬وال حتتاج ألي‬ ‫برامج للتعريف‪ ،‬ولكنها تعمل على أي جهاز يحمل منفذ ‪Micro‬‬ ‫‪ ،SD‬سواء كان هاتف‬ ‫أندرويد‪ ،‬أو حاسوب‬ ‫وي �ن��دوز‪ ،‬أو حاسوب‬ ‫ماكنتوش‪.‬‬ ‫وت��ت��م��ت��ع ال �ش��ري �ح��ة‬ ‫ب� � �ن� � �ظ�� ��ام ت� �ش� �غ� �ي ��ل‬ ‫مخصص لها يسمى‬ ‫‪RTOS‬‬ ‫(‪(Real‬‬ ‫‪Time Operating‬‬ ‫‪ ،System‬م � ��زود‬ ‫ب � �ق� ��درات ت�ش�ف�ي��ري��ة‬

‫عالية‪ ،‬وميكن عبر الشريحة إق��ام��ة محادثات عالية التشفير‬ ‫والسرية بني شخصني يتمتعون باخلدمة‪ ،‬عن طريق قناة سرية‬ ‫مشفرة بني اجلهازين‪.‬‬ ‫ويطمح ‪ Project Vault‬إلى القضاء على كلمات املرور متاماً‪،‬‬ ‫حيث سيملك ‪ Project Vault‬تقنية تتعلم سلوك وع��ادات‬ ‫املستخدم أثناء استخدامه لهاتفه‪ ،‬ومن ثم ميكن حتديد إذا ما‬ ‫كان املستخدم احلقيقي هو من يستخدم اجلهاز‪ ،‬وفي هذه احلالة‬ ‫لن يتم طلب كلمات املرور في أي من املواقع أو اخلدمات‪.‬‬ ‫وتستطيع الشريحة التعرف على إذا ما كان شخص آخر يستخدم‬ ‫اجل �ه��از‪ ،‬وتشير غ��وغ��ل إل��ى أن ه��ذه التقنية أق��وى م��ن كلمات‬ ‫املرور التقليدية بـ‪ 10‬مرات‪ ،‬وقامت غوغل بتوفير حزمة تطوير‬ ‫ال�ب��رم�ج�ي��ات اخل��اص��ة‬ ‫ل �ل �م �ط��وري��ن‪ ،‬ليتسنى‬ ‫للمطورين التعرف على‬ ‫املشروع اجلديد بشكل‬ ‫أوضح وأفضل‪.‬‬ ‫وس��ت��ق��وم غ ��وغ ��ل في‬ ‫البداية بتوفير اخلدمة‬ ‫ل�لأع�م��ال وال �ش��رك��ات‪،‬‬ ‫ول� �ك ��ن ل� ��م ت �ع �ل��ن ع��ن‬ ‫ميعاد توفرها رسمياً‬ ‫في أيدي املستخدمني‪.‬‬


‫‪90‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫تقنية‬

‫خيبة‬ ‫الهاكر‬ ‫الروسي‬ ‫حذرت شركة برمجيات أمنية من فيروس‬ ‫جديد من ساللة «الفدية»‪ ،‬إسم الفيروس‬ ‫«ترولداش» «‪ ،»Troldash‬وتبني أنه حتى‬ ‫الهاكر الروسي ميكن املساومة معه‪.‬‬ ‫«الفدية» «‪ »Ransomware‬هي فصيلة‬ ‫ف ��اي ��روس ��ات ال��ت��ي ت �ق �ف��ل امل�ل�اف ��ات في‬ ‫حاسوبك ومتنعك من استخدامهم حتى‬ ‫تدفع للمجرمني الذين وراء هذا االعتداء‪.‬‬ ‫ال �ب��اح �ث��ة «ن��ات��ال �ي��ا ك��ول �ي��زوف��ا» وض�ح��ت‬ ‫بالتفصيل فايروس «‪ ،»Troldash‬الذي‬ ‫اكتشفت حديثاً‪ ،‬ومبجرد أن يصيب هذا‬

‫ال �ف �ي��روس ج �ه��از احل ��اس ��وب‪ ،‬سيعطيك‬ ‫«‪ »Troldash‬عنوان بريد إلكتروني من‬ ‫أجل االتصال بالهاكر من أجل دفع الفدية‪.‬‬ ‫ق��ال��ت ال�ب��اح�ث��ة «ن��ات��ال �ي��ا»‪« ،‬ف��ي ح�ين أن‬ ‫املهاجمني ف��ي معظم األح �ي��ان يحاولون‬ ‫إخ� �ف ��اء ه��وي��ات �ه��م وجت� �ن ��ب أي ات �ص��ال‬ ‫مباشر‪ ،‬إلى أن الهاكرز الذين يستخدمون‬ ‫«‪ »Troldash‬على ضحاياهم يزودونهم‬ ‫ب �ع �ن��وان ب��ري��د إل �ك �ت��رون��ي‪ ،‬وم ��ن ث��م تبدأ‬ ‫امل ��راس�ل�ات ل�ل�م�ط��ال�ب��ة ب��ال �ف��دي��ة وإم�ل�اء‬ ‫أسلوب الدفع»‪.‬‬

‫وتتم اإلصابة بـ»‪ »Troldash‬عن طريق‬ ‫البريد اإللكتروني‪ ،‬وذل��ك مبجرد حتميل‬ ‫ما هو على اإلمييل‪ ،‬يكون قد مت تشفير‬ ‫امللفات التي على جهازك قبل أن يوضع‬ ‫امللف الذي به التعليمات لدفع الفدية‪.‬‬ ‫تنكرت الباحثة «ناتاليا كوليزوفا» بصفة‬ ‫إح��دى ضحايا «‪ »Troldash‬واتخذت‬ ‫اس ��م «أول� �غ ��ا» ‪ ،Olga‬وع �ن��دم��ا اتصلت‬ ‫بالهاكر‪ ،‬تلقت رداً أل�ي�اً بتعليمات لدفع‬ ‫‪ 250‬ي ��ورو للحصول ع�ل��ى امل �ل �ف��ات م��رة‬ ‫أخ��رى‪ ،‬لكنها اتصلت مرة أخ��رى مطالبة‬ ‫برسالة أكثر إنسانية‪ ،‬وكذلك املزيد من‬ ‫التفاصيل حول كيفية دفع األم��وال‪ ،‬فرد‬ ‫عليها الهاكر‪ ،‬وعرض قبول ‪ 12000‬روبل‪،‬‬ ‫وذلك أقل بحوالي ‪ ،15٪‬وقالت ناتاليا أن‬ ‫كل ما ميكنك فعله في مثل حالة كهذه هو‬ ‫املساومة‪.‬‬ ‫ف��ي نهاية امل �ط��اف قبل ال��رج��ل املجهول‬ ‫بـ‪ 7000‬روب��ل‪ ،‬أي ‪ 50٪‬أق��ل من الطلب‬ ‫األول‪ .‬وأض ��اف ��ت «ن��ات��ال��ي��ا»‪« ،‬رمب� ��ا لو‬ ‫كنت ق��د واص�ل��ت امل�س��اوم��ة‪ ،‬لتمكنت من‬ ‫احلصول على خصم أكبر»‪.‬‬ ‫ف��اي��روس��ات م��ن ف�ص�ي�ل��ة «ال��ف��دي��ة» هي‬ ‫مشكلة بالنسبة للعديد من الضحايا في‬ ‫جميع أن�ح��اء ال�ع��ال��م‪ .‬أح��د الفايروسات‬ ‫من ه��ذه الساللة‪،»Cryptolocker« ،‬‬ ‫قيل إنه أصاب أكثر من ‪ 250.000‬جهاز‬ ‫كمبيوتر حول العالم‪.‬‬


‫غوغل تطور تقنية تقيس عدد السعرات الحرارية للطعام‬ ‫ذكر أحد الباحثني في غوغل أن الشركة تعمل حالياً على تطوير‬ ‫تقنية جديدة‪ ،‬تعمل على حساب ع��دد السعرات احل��راري��ة في‬ ‫ال�ط�ع��ام‪ ،‬ع��ن ط��ري��ق ال�ت�ق��اط ص��ورة للوجبة امل ُ��راد‬ ‫تناولها‪.‬‬ ‫وذك ��ر كيڤن م�ي��رف��ي‪ ،‬ال�ب��اح��ث ف��ي شركة‬ ‫غوغل واملتخصص في مجاالت الذكاء‬ ‫ال�ص�ن��اع��ي‪ ،‬ف��ي ح��دث “‪Rework‬‬ ‫‪”Deep Learning Summit‬‬ ‫ف� ��ي والي � � ��ة ب ��وس� �ط ��ن األس� �ب���وع‬ ‫املاضي‪ ،‬أن إمكانية مسح الطعام‬ ‫ع �ب��ر ك��ام �ي��را ال �ه��ات��ف ال��ذك��ي‪،‬‬ ‫س �ت �ك��ون م �ف �ي��دة ب �ش �ك��ل ك�ب�ي��ر‬ ‫للمستخدمني‪.‬‬ ‫وق� � ��ال أن اخل� ��وارزم � �ي� ��ة ال �ت��ي‬ ‫س �ت �ط��وره��ا غ��وغ��ل ل �ع �م��ل ه��ذه‬ ‫ال �ت �ق �ن �ي��ة‪ ،‬س �ت �ع �ط��ي امل �س �ت �خ��دم‬ ‫متوسط لعدد السعرات‪ ،‬إال أن من‬ ‫املمكن أن حتتمل هذه التقنية اخلطأ‬ ‫حتى نسبة ‪.20%‬‬ ‫وي �ش �ي��ر ك�ي�ڤ��ن إل ��ى أن ت�ق�ن�ي��ات ال��ذك��اء‬ ‫االصطناعي املتطورة‪،‬‬ ‫واخلوارزميات‬

‫املتقدمة‪ ،‬ستستخدم قدرات عالية لتحديد نوع الطعام املوجود‬ ‫في الصورة امللتقطة‪.‬‬ ‫وت�ت�ي��ح التقنية اجل��دي��دة ح �س��اب ع��دد ال�س�ع��رات‬ ‫احلرارية املوجودة في طبق الطعام‪ ،‬عن طريق‬ ‫التقاط صورة له‪ ،‬ومن ثم ستقوم التقنية‬ ‫بفحص ومعاجلة الصورة‪ ،‬للتعرف على‬ ‫نوع الطعام‪ ،‬ومن ثم إعطاء املتوسط‬ ‫ال �ع��ام ل �ع��دد ال �س �ع��رات احل��راري��ة‬ ‫املوجودة داخل الوجبة‪ ،‬وال يتطلب‬ ‫أن تكون الصورة امللتقطة للطعام‬ ‫عالية الدقة‪.‬‬ ‫وت� ��دع� ��ى ال��ت��ق��ن��ي��ة اجل���دي���دة‬ ‫“‪ ،”Im2Calorie‬ول��ن تكون‬ ‫هي األولى من غوغل بهذا النوع‪،‬‬ ‫ح�ي��ث ك��ان��ت تعمل س��اب�ق�اً على‬ ‫تقنيات للتعرف على معلومات‬ ‫م��ن ال �ص��ور‪ ،‬وه��ي التقنيات التي‬ ‫م��ن املتوقع أن تظهر ف��ي خدماتها‬ ‫مستقبال‪ ،‬خاصة أن الشركة أطلقت‬ ‫خ��دم��ة ج��دي��دة م��ؤخ��را خ��اص��ة بالصور‬ ‫حت��ت اس ��م ‪Google‬‬ ‫‪.Photos‬‬


‫‪92‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫رياضة‬

‫البرغوث‬ ‫الثالثية ‪« ..‬كالكيت ثاني مرة»‬

‫فريق كان همه في بداية املوسم هو السعي بقوة للحصول على مركز‬ ‫متقدم في سلم الدوري بعد االنطالقة الصاروخية لغرميه ريال مدريد‪،‬‬ ‫فإذا به ينقلب فجأة إلى بطل تاريخي حاصدا ثالثة ألقاب دفعة واحدة !‬ ‫م ��ا ال��س��ر وراء ه� ��ذا االن��ق�ل�اب‬ ‫املفاجىء في فريق برشلونة الذي‬ ‫كان في شهر يناير املاضي مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫فرق‬ ‫فريق‬ ‫مهدد باالفتراس من ٍ‬ ‫كانت تنتظر الفرصة بفارغ الصبر‬ ‫لإلجهاز عليه‪ ،‬واالن�ت�ق��ام لهزائم‬ ‫ثقيلة منيت بها في مواسم سابقة‬ ‫على يديه ؟‬ ‫السر رمبا أفصح عنه أحد مشجعي‬ ‫برشلونة في نهائي الشامبيزليغ ليلة‬ ‫السادس من يونيو عندما حمل في‬ ‫املدرجات الفتة قماشية يظهر فيها‬ ‫األرجنتيني ليونيل ميسي بصورة‬ ‫البطل ال�ك��ارت��ون��ي»س��وب��رم��ان» ‪..‬‬ ‫ال��رج��ل اخل ��ارق ال��ذي ليس لقوته‬ ‫حدود !‬ ‫هذا التناص بني ميسي وسوبرمان‪،‬‬ ‫ك �م��ا ع��ب��رت ع �ن��ه ال�لاف �ت��ة ال�ت��ي‬ ‫سعدت بها جماهير البالوغرانا‬ ‫في النهائي األوروبي‪ ،‬له ما يبرره‪،‬‬ ‫فلوال ال�ب��رغ��وث م��اك��ان لبرشلونة‬ ‫أن يحصد الثالثية‪ ،‬ول��وال مهارة‬ ‫ه��ذا ال�لاع��ب االستثنائي ماكان‬ ‫للكتالونيني االحتفال مرات ومرات‬ ‫بهزمية ف��رق ال��وزن الثقيل وعلى‬ ‫رأسهم الفريق امللكي ريال مدريد‪.‬‬ ‫حتى منتصف املوسم كان ميسي‬ ‫تائها‪ ،‬ال ي��دري م��اذا يصنع داخل‬ ‫املستطيل األخ �ض��ر‪ ،‬ورمب ��ا ك��ان‬ ‫يجهل حتى الطريقة التي سيستعيد‬ ‫بها مستواه‪ ،‬فاملشاكل مع مدربه‬ ‫بدأت حينذاك تطفو على السطح‪،‬‬ ‫وتنذر برحيل الالعب عن القلعة‬

‫الكتالونية‪.‬‬ ‫دون سابق إن��ذار رجع ميسي إلى سابق عهده‪ ،‬وجت��ددت حساسيته مع‬ ‫الكرة إلى درجة أذهلت املراقبني الذين وقفوا عاجزين عن تفسير هذه‬ ‫الظاهرة الكروية الفريدة التي ما‬ ‫انفكت تُسحر وتبهر‪.‬‬ ‫لطاملا فاز بهذه اجلائزة‬ ‫ت��وال��ت ان�ت�ص��ارات برشلونة حتى‬ ‫ان � �ت� ��زع ال� � �ص�� ��دارة م� ��ن غ��رمي��ه‬ ‫امل� ��دري� ��دي‪ ،‬وم �ض��ى ب �ث �ب��ات نحو‬ ‫منصة التتويج ببطولة الليغا‪ ،‬وعلى‬ ‫الضفة األخ��رى سار الفريق بقوة‬ ‫في حصد النتائج األوروبية مطيحا‬ ‫بفرق ثقيلة كان في مقدمتها بايرين‬ ‫ٍ‬ ‫ميونيخ‪ ،‬وب��ات بالتالي على بضع‬ ‫خطوات من الظفر بالشامبيزليغ ‪.‬‬ ‫ف ��ي اجل �ب �ه��ة ال �ث��ال �ث��ة ك���ان قتاله‬ ‫ش��رس��ا م��ن أج ��ل خ�ط��ف ال�ك��أس‬ ‫األسبانية‪ ،‬ولم يكن احلصول عليها‬ ‫باألمر الهني‪ ،‬فهناك فريق صعب‬ ‫يدعى أتليتكومدريد سيواجهه في‬ ‫النهائي‪ ،‬لكن كل صعب يتفتت حتت‬ ‫أقدام ميسي إذا كان حاضر الذهن‬ ‫واللياقة‪.‬‬

‫مشجع برشلوني يفصح عن سر تفوق فريقه‬ ‫املذهل عبر الفتة قماشية‬

‫املراقبون وقفوا عاجزين عن تفسير ظاهرة ميسي‬ ‫‪ ..‬وقدرته على استعادة مستواه بسرعة قياسية‬ ‫كل صعب يتفتت حتت أقدام ميسي إذا كان حاضر‬ ‫الذهن واللياقة‬

‫هدف تاريخي‬ ‫ل� �ق ��د ت� �ب� �خ ��رت خ� �ط ��ط امل�� ��درب‬ ‫سيموني ف��ي محاصرته أو حتى‬ ‫التقليل من خطورته‪ ،‬عندما أخرج‬ ‫كبير السحرة ما في جعبته من‬ ‫خدع وفن مسجال هدفا خرافيا‪،‬‬ ‫اتفقت ك��ل لغات العالم على أنه‬ ‫ه��دف تاريخي‪ ،‬بل أن حتى العلم‬ ‫دخل على خط تفسير ذلك الهدف‬ ‫ع �ن��دم��ا ت���رك م ��ا ي��زي��د ع ��ن ‪50‬‬ ‫هدفا سجلها ميسي خالل املوسم‬ ‫احلالي‪ ،‬ومتسك بدراسة الهدف‬ ‫األول في نهائي الكأس‬



‫‪94‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫رياضة‬

‫لقد قامت شبكة «‪ »ESPN‬العاملية من خالل قسم العلم الرياضي بدراسة‬ ‫الطريقة التي سجل بها الالعب األرجنتيني هدفه‪.‬‬ ‫كانت املفاجأة أن ميسي ميتلك القدرة على رفع سرعته من صفر إلى‬ ‫‪ 19.5‬ميل في الساعة خالل ‪ 2.73‬ثانية فقط‪ ،‬وثاني شيء قدرته على‬ ‫عمل ‪ 3‬مراوغات خالل ‪ 1.2‬ثانية‪.‬‬

‫كل لغات العالم اتفقت على تاريخية‬ ‫هدفه في شباك أتليتكومدريد‬ ‫تفسر علميا هدفه في‬ ‫شبكة « «‪ّ ESPIN‬‬ ‫نهائي الكأس األسبانية األخيرة‬

‫ضد احملاصرة‬ ‫دخلت الكأس األسبانية إلى خزائن النادي الكتالوني قبل إسبوع واحد فقط‬ ‫من النهائي األوروبي الذي سيواجه فيه برشلونة السيدة العجوز»يوفنتوس»‬ ‫كان الفريق اإليطالي منتشيا بفوز صريح على الغرمي التقليدي لبرشلونة‬ ‫«ريال مدريد»‪ ،‬وكان ميني النفس باستعادة أمجاد غابرة في الشامبيزليغ‪،‬‬ ‫والرجوع من برلني بالكأس الغالية‪ ،‬لذا لم يكن أمام مدربه سوى استعارة‬ ‫املنهج اإليطالي القدمي في مراقبة أب��رز العبي الفريق اخلصم وشل‬ ‫فاعليته‪ ،‬وكانت اخلطة تقتضي التركيز فقط على ميسي‪ ،‬والسعي بكافة‬ ‫الطرق ملنعه من التسجيل‪ ،‬لكن هل كان يعلم ماسيمليانو اليغري أن املهارات‬ ‫الفردية الفائقة مليسي تقتضي محاصرة الالعب باثنني أو رمبا حتى‬ ‫أربعة‪ ..،‬هل كان يدري أن احلضور الطاغي للبرغوت األرجنتيني سيجعل‬ ‫من برشلونة فريقا يلعب بـ ‪ 12‬أو ‪ 13‬العبا‬ ‫لقد سقط اليغري في الفخ الذي هيأه له أنريكي‪ ،‬ولم يستطع بخطته‬ ‫العقيمة النيل من عطاء ميسي‪ ،‬أو االستفادة من خدمات فيدال وبيرلو‬ ‫وبوجبا‪ ،‬الذين كلفهم باحملاصرة‪ ،‬في بناء الهجمات‪ ،‬ألن املسألة باختصار‬ ‫تكمن في القدرة اخلارقة مليسي الذي لم يكترث ألمر احملاصرة ‪ ،‬وظل‬ ‫يتالعب مبحاصريه الثالثة مبهارة فردية منقطعة النظير أثارت عاصفة‬ ‫من التصفيق هزّت أركان امللعب األوملبي في العاصمة األملانية برلني‪.‬‬ ‫سقط اليوفنتوس في امتحان احملاصرة تاركا مليسي االحتفال بنخب‬ ‫الثالثية « بطولة ال��دوري‪ ،‬كأس امللك األسباني‪ ،‬بطولة أوروب��ا» صحبة‬ ‫رفيقته على اإلفطار بعد ساعات من انتهاء املباراة‪.‬‬ ‫وبات على أولئك املشككني في قدرة البرغوث على استعادة مستواه مراجعة‬ ‫سيرة الالعب الكروية‪ ،‬وقراءة األرقام القياسية التي حققها في تسجيل‬ ‫األهداف‪ ،‬أو في احلصول على البطوالت بعيون فاحصة ومتسائلة‪ ،‬فهناك‬ ‫ماينبغي قراءته عن هذا الالعب الذي ينقصه فقط التتويج بكأس العالم‬ ‫حتى يكتمل عقد اإلجنازات عنده‪ ..‬فمن هو ميسي ؟‬ ‫اإلجابة تقتضي بالتأكيد الرجوع إلى سيرة الالعب‪ ،‬والتوقف عند أبرز‬ ‫محطاتها‪ ،‬وهناك فائض من اإلجنازات واألرقام القياسية احملققة التي‬ ‫يصعب حصرها في هذه املساحة‪ ،‬ولكن نستطيع هنا اإلشارة إلى بعضها‬ ‫تاركني للقارىء العزيز فرصة التلذذ بالبحث عن بعضها اآلخر في مواقع‬ ‫ومدونات عديدة تخصصت في رصد كل شاردة وواردة تخص الالعب‪.‬‬

‫الكافي لدفع تكاليف عالج حالته‪ ،‬البالغة ‪ 900$‬شهر ًيا‪.‬‬ ‫استقطب ميسي انتباه كارلوس ريكساش‪ ،‬املدير الرياضي لنادي برشلونة‪،‬‬ ‫الذي سمع مبوهبته عبر اتصال من أقارب مليسي‪،‬كانت نتائجه األولى‬ ‫أن سافرت عائلته إلى إسبانيا‪ ،‬حيث عرض موهبته على إدارة النادي‪،‬‬ ‫فأذهلهم إلى درجة أنهم عرضوا على العائلة االنتقال إلى إسبانيا مقابل‬ ‫التكفل مبصاريف عالجه‪ .‬وكانت ه��ذه اخلطوة بداية خ��وض الالعب‬ ‫لتجربة االحتراف عبربوابة فريق شباب برشلونة‪.‬‬

‫املولد والنشأة‬ ‫ولد ميسي في ‪ 24‬يونيو سنة ‪ 1987‬جنوب مدينة روساريو‪ ،‬في مقاطعة‬ ‫«سانتا في»‪ ،‬باألرجنتني‪ ،‬لوالدين هما خورخي هوراسيو ميسي (مواليد‬ ‫‪ ،)1958‬الذي كان يعمل في أحد املصانع‪ ،‬وسيليا ماريا كوتشيتيني التي‬ ‫كانت تشتغل عاملة نظافة‪.‬‬ ‫تنحدر عائلة والده من أصول إيطالية‪ ،‬وبالتحديد إلى مدينة أنكونا‪ ،‬التي‬ ‫هاجر منها جده‪ ،‬أجنيلو ميسي‪ ،‬سنة ‪ .1883‬لديه شقيقان أكبر منه سنًا‬ ‫هما رودريغو وماتياس وكذلك أخت‪ ،‬تُدعى ماريا سول‪.‬‬ ‫في سن اخلامسة‪ ،‬بدأ ميسي لعب كرة القدم لنادي محلي يدربه والده‬ ‫خورخي يسمى غراندولي‪ ،‬و في عام ‪ ،1995‬انتقل إلى نيولز أولد بويز‬ ‫في مدينة روساريو‪ ،‬مسقط رأسه‪.‬‬ ‫أُكتشف في ربيعه احل��ادي عشر أنه يعاني من نقص هرمونات النمو‪،‬‬ ‫وأظهر نادي ريفر بليت رغبته في ضمه‪ ،‬لكن إدارت��ه افتقرت إلى املال‬

‫مسيرة اإلجنازات‬ ‫ميكن اعتبار يوم ‪ 14‬ديسمبر ‪ 2000‬يوماً تاريخاً في تاريخ نادي برشلونة؛‬ ‫ففي ذلك اليوم جنح السكرتير الفني للنادي في توقيع أول عقد مع الفتى‬ ‫األرجنتيني ابن األثني عشر ربيعاً‪ ،‬حيث مت االتفاق املبدئي بينهما ومت‬ ‫تدوين العقد على منديل طعام‪،‬‬ ‫لعب ميسي أول مباراة رسمية له مع الفريق األول في مباراة ودية ضد‬ ‫جوزيه مورينيو عندما كان يدرب بورتو في ‪ 16‬نوفمبر ‪( 2003‬بعمر ‪16‬‬ ‫سنة و ‪ 145‬يوم)‪.‬‬ ‫بعد أقل من عام على تلك املباراة‪ ،‬استدعاه املدرب فرانك ريكارد ليلعب‬ ‫ألول مرة في الدوري ضد إسبانيول في ‪ 16‬أكتوبر ‪( 2004‬بعمر ‪ 17‬سنة‬ ‫و ‪ 114‬يوم)‪ ،‬ويصبح بالتالي ثالث أصغر العب يلعب مع صفوف الفريق‬ ‫األول وأصغر العب يلعب مع برشلونة في الدوري اإلسباني (رقم قياسي‬ ‫حطمه زميله بويان كركيتش في سبتمبر ‪.)2007‬‬

‫هل كان يعلم اليغري أن احلضور الطاغي‬ ‫للبرغوث األرجنتيني سيجعل من‬ ‫برشلونة فريق ًا يلعب بـ ‪ 12‬أو ‪ 13‬العب ًا‬ ‫سقط اليوفنتوس في امتحان احملاصرة‬ ‫تاركا مليسي االحتفال بنخب الثالثية‬ ‫ريفربليت يغض الطرف عن ضمه ‪..‬‬ ‫والسبب يعود إلى فاتورة العالج‬


‫حاصد اجلوائز‬

‫يرجح الكثيرون أن بداية ليونيل ميسي احلقيقية كانت عندما سجل‬ ‫هدفه األول أمام الباسيتي‪ ،‬وذلك بعد متريرة من قبل الالعب رونالدينيو‬ ‫ليسددها ميسي كرة ساقطة فوق حارس املرمى‪ ،‬وبهذا الهدف أصبح‬ ‫ميسي أصغر العب في تاريخ برشلونة يسجل هدفاً في الدوري اإلسباني‪،‬‬ ‫وهو بعمر ‪ 17‬سنة و ‪ 10‬أشهر و ‪ 7‬أيام‬ ‫قال ميسي عن مدربه السابق ريكارد‪« :‬لن أنسى أبدا حقيقة أنه وراء بدء‬ ‫مسيرتي‪ ،‬وأنه وضع ثقته بي حني كنت في السابعة أو السادسة عشرة‬ ‫فقط»‪.‬‬ ‫في ‪ 16‬سبتمبر‪ ،‬أعلن برشلونة‪ ،‬للمرة الثانية في غضون ثالثة أشهر‪،‬‬ ‫جتديده لعقد ميسي حتى شهر يونيو من عام ‪2014‬؛ وفي هذه املرة‬ ‫ُحسبت أجرته كأجرة العب أساسي في الفريق األول‪.‬‬ ‫حصل ميسي على اجلنسية اإلسبانية في ‪ 26‬سبتمبر سنة ‪،2005‬ليتمكن‬ ‫بالتالي من اللعب ألول مرة في أول موسم له في الدوري اإلسباني‪ .‬وكانت‬ ‫أول مباراة له على أرض ملعب الكامب نو في دوري أبطال أوروبا بتاريخ‬ ‫‪ 27‬سبتمبر من نفس العام‪ ،‬ضد نادي أودينيزي اإليطالي‪.‬‬ ‫في موسم ‪ ،07-2006‬فرض ميسي نفسه كالعب أساسي للفريق األول‪،‬‬ ‫بتسجيله ‪ 14‬هدفاً في ‪ 26‬مباراة‪.‬‬ ‫في ‪ 11‬مارس ‪ ،2007‬شهد الكالسيكو ميسي في قمة مستواه‪ ،‬بإحرازه‬ ‫هاتريك وأصبح وقتذاك أول العب‪ ،‬منذ إيفان زامورانو (لريال مدريد‬ ‫في موسم ‪ ،)95-1994‬يسجل هاتريك في الكالسيكو‪ ،‬كما أصبح أصغر‬ ‫العب في التاريخ يحقق هذا األمر‪ .‬وبقرب نهاية املوسم بدأ بهز شباك‬

‫خصومه أكثر فأكثر؛ فتمكن من تسجيل ‪ 11‬هد ًفا من أصل ‪ 14‬في‬ ‫الدوري للموسم في آخر ‪ 13‬مباراة‪.‬‬ ‫ضمن موسم ‪ ،08-2007‬سجل ميسي خمسة أهداف في غضون أسبوع‬ ‫ليقود برشلونة إلى املراكز األربعة األولى في الدوري اإلسباني‪.‬‬ ‫ُرش��ح ميسي جلائزة احت��اد الالعبني احملترفني «تشكيلة العام في فئة‬ ‫الهجوم» وأظهر استطالع للرأي أجري على اإلنترنت حلساب صحيفة‬ ‫ماركا اإلسبانية‪ ،‬أن معظم املعجبني صوتوا مليسي كأفضل العب في‬ ‫العالم‪ ،‬حيث حصل على ‪ 77%‬من األصوات ز‬ ‫بعد رحيل رونالدينيو عن النادي‪ ،‬ورث ميسي قميصه الرقم ‪10‬في ‪1‬‬ ‫أكتوبر ‪ ،2008‬خالل مباراة دوري أبطال أوروبا ضد شاختار دونيتسك‪،‬‬ ‫سجل ميسي هدفني في الدقائق السبع األخيرة‪ ،‬بعد نزوله بدي ً‬ ‫ال لتييري‬ ‫هنري‪ ،‬ليقلب نتيجة ‪ 1-0‬إلى فوز ‪ 1-2‬لبرشلونة‬ ‫بعد الفوز بكأس السوبر األوروب ��ي لعام ‪ ،2009‬أك��د م��درب برشلونة‬ ‫جوسيب غوارديوال بأن ميسي أفضل العب رآه في حياته‪.‬‬ ‫يوم ‪ 18‬سبتمبر ‪ ،2009‬وقع ميسي عقداً جديداً مع برشلونة‪ ،‬جاري حتى‬ ‫عام ‪ 2016‬مع وضع بند بشرط جزائي بقيمة ‪ 250‬مليون يورو‬ ‫ت ّوج ميسي بجائزة الكرة الذهبية‪ ،‬في ‪ 1‬ديسمبر ‪ ،2009‬بسحق أقرب‬ ‫منافسيه‪ ،‬أال وهو الوصيف كريستيانو رونالدو‪ ،‬بفارق كبير لم يحدث‬ ‫في تاريخ هذه اجلائزة‪ ،‬وهو أربعمائة وثالثة وسبعون صوتاً مقابل ‪233‬‬ ‫صوتاً‪ .‬بعد ذلك نقلت مجلة فرانس فوتبول قول ميسي‪« :‬أه��دي هذه‬ ‫اجلائزة لعائلتي‪ ،‬والتي كانت حاضرة دائماً عندما كنت بحاجة لها وشعرت‬


‫‪96‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫رياضة‬

‫أحياناً أنهم أكثر عاطفة مني»‪.‬‬ ‫في ‪ 21‬أغسطس ‪ ،2010‬سجل ميسي هاتريك في أول��ى بدايته لهذا‬ ‫املوسم في الفوز بنتيجة ‪ 0-4‬على إشبيلية في كأس السوبر اإلسباني‪،‬‬ ‫ليساعد برشلونة على تأمني أول ألقاب هذا املوسم ‪.‬‬ ‫في ‪ 19‬سبتمبر ‪ ،2010‬تعرض ميسي إلصابة في الكاحل بسبب تدخل‬ ‫متعمد من مدافع أتلتيكو مدريد توماش أويفالوشي في الدقيقة ‪ 92‬من‬ ‫مباراة اجلولة الثالثة على ملعب فيسينتي كالديرون‪ .‬ألول وهلة كان يخشى‬ ‫أن ميسي تعرضه لكسر في الكاحل‪ ،‬والذي كان ميكن أن يبعده عن املالعب‬ ‫ملدة ال تقل عن ستة أشهر‪ ،‬لكن أظهر التصوير بالرنني املغناطيسي في‬ ‫اليوم التالي أنه تعرض اللتواء في األربطة الداخلية واخلارجية لكاحله‬ ‫األمين فقط‪.‬‬ ‫فاز ميسي بجائزة الكرة الذهبية عام ‪ ،2010‬متفوقاً على زمالئه ببرشلونة‬ ‫تشافي وإنيستا‪ ،‬وقد ترشح ميسي للجائزة للعام الرابع على التوالي ‪.‬‬ ‫ت ّوج ميسي بجائزة أفضل العب في أوروبا ‪ ،2011‬بتفوقه على كل من‬ ‫زميله في الفريق تشافي هيرنانديز وكريستيانو رون��ال��دو الع��ب ريال‬ ‫مدريد‪ .‬وت ّوج أيضاً بجائزة كرة فيفا الذهبية ‪ 2011‬بتفوقه مجددا على‬ ‫زميله في الفريق تشابي وكريستيانو رونالدو‪ .‬و بفوزه بكرة الفيفا الذهبية‬ ‫مجددا‪ ،‬أصبح ميسي رابع العب يحرز ثالث كرات ذهبية‪ ،‬بعد يوهان‬ ‫كرويف‪ ،‬ميشيل بالتيني وماركو فان باسنت وثاني العب يفوز بكرة الفيفا‬ ‫الذهبية للمرة الثالثة على التوالي‪ ،‬بعد ميشيل بالتيني (ومع ذلك‪ ،‬اثنتني‬ ‫من جائزة الكرة الذهبية التي حصل عليهما هي كرة الفيفا الذهبية‪ ،‬التي‬ ‫فاز بها مرتني على التوالي)‪.‬‬ ‫في ‪ 20‬مارس ‪ 2012‬أصبح ميسي الهداف التاريخي لبرشلونة بعد أن‬ ‫أحرز هاتريك في مرمى غرناطة في بطولة الدوري اإلسباني متجاوزاً‬ ‫سجل‬ ‫سيزار الفاريز صاحب ‪ 232‬هدفا مع النادي‪ .‬وفي الثالث من أبريل‪َّ ،‬‬ ‫ميسي هدفني بركالت الترجيح ضد نادي ميالن خالل ربع نهائي إياب‬ ‫دوري أبطال أوروبا‪ ،‬كاس ًرا رقمه القياسي اخلاص‪ ،‬ليكون بذلك الالعب‬ ‫سجل ‪ 12‬هد ًفا خالل موسم‬ ‫الوحيد إلى جانب رود فان نيستلروي الذي َّ‬ ‫واحد لدوري أبطال أوروبا‪ ،‬كما سمحت له هذه األهداف أن يُعادل رقم‬ ‫وسجل ‪ 14‬هد ًفا خالل بطولة أوروب َّية واحدة‬ ‫جوزيه ألتافيني الذي سبق‬ ‫َّ‬ ‫خالل موسم ‪63–1962‬‬ ‫سجل هد ًفا ضد نادي مالقا ليتفوق بذلك على جيرد‬ ‫وفي الثاني من مايو َّ‬ ‫مولر ويحطم رقمه القياسي (‪ 67‬هد ًفا خالل موسم ‪ )73–1972‬بثمانية‬ ‫سجل أهداف في التاريخ خالل موسم‬ ‫وستني هد ًفا ليُصبح بذلك أفضل ُم ّ‬ ‫وسجل ‪ 4‬أه��داف أخ��رى في ‪ 5‬مايو ليرفع‬ ‫واح��د في أوروب��ا‪ .‬ث � َّم ع��اد‬ ‫َّ‬ ‫رصيده إلى رقم غير مسبوق وهو ‪ 72‬هدف‪ .‬وفي ‪ 25‬مايو عاد ميسي‬ ‫ليُسجل مجد ًدا في نهائي كأس ملك‬ ‫إسبانيا‪ُ ،‬م�س��اع�دًا برشلونة على‬ ‫الفوز بكأسهم اإلسباني السادس‬ ‫والعشرين‪ ،‬راف ًعا رصيد أهدافه‬ ‫ف��ي ج�م�ي��ع امل �ن��اف �س��ات إل���ى ‪73‬‬ ‫هد ًفا‪ ،‬كما أنهى ميسي هذا املوسم‬ ‫بصفته أف�ض��ل مسجلي االحت��اد‬ ‫األوروبي لكرة القدم للمرة الرابعة‬ ‫على التوالي‪ ،‬بأربعة عشرة هد ًفا‪.‬‬

‫عنوان دائم لفرح برشلونة‬ ‫ثالثي برشلونة املرعب ميسي ـ نيمار ـ سواريز‬

‫مستمعا لنصائح مدربه السابق غوارديوال‬

‫في سنة ‪ 2005‬كان جزءاً من الفريق الذي فاز ببطولة كأس العالم للشباب‬ ‫حتت ‪ 20‬سنة في هولندا‪ ،‬حيث فاز بالكرة الذهبية واحل��ذاء الذهبي‬ ‫بتسجيله في املباريات األربع األخيرة لألرجنتني وإحرازه ما مجموعه ستة‬ ‫أهداف في البطولة‪.‬‬ ‫لعب أول مباراة دولية كاملة في ‪ 17‬أغسطس سنة ‪ 2005‬ضد منتخب‬ ‫املجر في سن الثامنة عشر‪ .‬نزل‬ ‫كبديل في الدقيقة ‪ ،63‬لكنه طرد‬ ‫في الدقيقة ‪ 65‬بعد أن رأى احلكم‪،‬‬ ‫ماركوس ميرك‪ ،‬أنه نطح املدافع‬ ‫فيلموس فانتشاك‪ ،‬الذي كان يقوم‬ ‫بسحب قميص ميسي‪ .‬وكان هذا‬ ‫القرار مثيرا للجدل وادعى مارادونا‬ ‫أيضاً إن هذا القرار متعمد (‪-187‬‬ ‫‪ )188‬وع��اد ميسي للفريق ي��وم ‪3‬‬ ‫سبتمبر بخسارة األرجنتني ‪0-1‬‬ ‫ضمن تصفيات كأس العالم خارج‬ ‫أرضه أمام الباراغواي‪ .‬وقال قبل‬ ‫امل�ب��اراة‪« :‬ه��ذه إع��ادة ألول ظهور‪،‬‬ ‫ف��األول��ى كانت قصيرة قلي ً‬ ‫ال» ثم‬ ‫خاض أول مباراة له مع األرجنتني‬

‫أول مباراة يلعبها ضد بورتو البرتغالي بعمر الستة‬ ‫عشر عندما كان يدربه مورينيو‬

‫معاملنتخب‬ ‫ظهر ميسي ألول مرة مع منتخب‬ ‫األرجنتني حتت‪ -20‬سنة في شهر‬ ‫يونيو عام ‪ ،2004‬في مباراة ودية‬ ‫ضد الباراغواي‪.‬‬

‫أصغر العب في التاريخ يسجل هاتريك ‪ ..‬وغوارديوال‬ ‫يقول عنه بأنه أفضل العب رآه في حياته‬


‫ضد هولندا في مونديال البرازيل‬ ‫ال حدود ملهاراته الفردية‬

‫ضد منتخب البيرو‪ ،‬وبعد املباراة وصف بيكرمان ميسي بأنه «جوهرة»‪.‬‬ ‫في ‪ 28‬مارس سنة ‪ ،2009‬في التصفيات املؤهلة لنهائيات كأس العالم‬ ‫ضد فنزويال‪ ،‬ارتدى ميسي القميص رقم ‪ 10‬ألول مرة مع األرجنتني‪.‬‬ ‫وكانت هذه املباراة الرسمية األولى لدييغو مارادونا كمدرب لألرجنتني‪.‬‬ ‫فازت األرجنتني بنتيجة ‪ 0-4‬في املباراة وبافتتاح ميسي التسجيل‬ ‫ف��ي ‪ 17‬ن��وف�م�ب��ر ‪ ،2010‬سجل‬ ‫ميسي هدفاً في اللحظة األخيرة‬ ‫ضد املنافس األمريكي اجلنوبي‬ ‫البرازيل بعد مجهود فردي ليساعد‬ ‫فريقه ب��ال�ف��وز بنتيجة ‪ 0-1‬في‬ ‫مباراة ودية‪،‬‬ ‫ه � ��ددت اإلص���اب���ة ال��ت��ي أب �ع��دت‬ ‫ميسي عن اللعب ملدة شهرين في‬ ‫نهاية موسم ‪ 06-2005‬وج��وده‬ ‫في كأس العالم لعام ‪ .2006‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬مت اختيار ميسي في منتخب‬ ‫األرجنتني للبطولة ف��ي ‪ 15‬مايو‬ ‫‪ .2006‬كما أن��ه لعب ف��ي امل�ب��اراة‬ ‫األخ��ي��رة ق�ب��ل ك ��أس ال �ع��ال��م ضد‬ ‫املنتخب األرجنتيني حتت ‪ 20‬سنة‬

‫ملدة ‪ 15‬دقيقة‪ ،‬ومباراة ودية ضد أنغوال ملدة ‪ 64‬دقيقة‪ ،‬كما كان قد شهد‬ ‫فوز األرجنتني في املباراة االفتتاحية ضد ساحل العاج من مقاعد البدالء‪.‬‬ ‫في املباراة التالية ضد صربيا واجلبل األسود‪ ،‬أصبح ميسي أصغر العب‬ ‫ميثل األرجنتني في كأس العالم عندما دخل كبديل ملاكسي رودريغيز في‬ ‫الدقيقة ‪ .74‬صنع هدف هرنان كريسبو في غضون دقائق من دخوله‬ ‫املباراة وسجل أيضا الهدف األخير‪ ،‬ليفوز منتخب بالده بنتيجة ‪،0-6‬‬ ‫مما يجعله أصغر هداف في البطولة وسادس أصغر هداف في تاريخ‬ ‫كأس العالم‪.‬‬ ‫لعب ميسي مع األرجنتني في مونديال ‪ 2010‬املباراة االفتتاحية أمام‬ ‫نيجيريا بأكملها‪ ،‬وساعد زمالءه في تقدمي الفرص السانحة للتسجيل على‬ ‫طبق من ذهب ‪ . .‬في املباراة الثالثة واألخيرة من مرحلة املجموعات كان‬ ‫ميسي القائد لألرجنتني في مباراة الفوز ‪ 0-2‬على اليونان‪ ،‬مرة أخرى كان‬ ‫مركز نقطة لعب األرجنتني وكان رجل املباراة‪.‬‬ ‫انتهت بطولة كأس العالم لألرجنتني بخسارة ‪ 0-4‬أمام أملانيا في الدور‬ ‫الربع نهائي‬ ‫في مونديال البرازيل ‪ 2014‬قاد املنتخب األرجنتيني إلى النهائي أمام‬ ‫املانيا‪ ،‬وفقد اللقاء بنتيجة ‪ 1‬ـ ‪ 0‬لكنه لم يفقد التتويج بجائزة أفضل العب‬ ‫في البطولة ‪.‬‬ ‫بعد أيام يخوض ميسي جتربة جديدة مع املنتخب األرجنتيني‪ ،‬وهي كأس‬ ‫أمريكا اجلنوبية املعروفة اختصارا «بكوبا أمريكا» وهناك آمال كبيرة‬ ‫معقودة عليه للظفر بهذه البطولة ‪.‬‬ ‫األعمالاخليرية‬ ‫في عام ‪ 2007‬أنشأ ميسي مؤسسة ليو ميسي‪ ،‬وهي مؤسسة خيرية‬ ‫تساهم في تأمني التعليم والرعاية الصحية لألطفال‪.‬‬ ‫في مقابلة مع موقع معجبني‪ ،‬قال ميسي‪« :‬إكتسابي القليل من الشهرة‬ ‫اآلن أتاح لي الفرصة ملساعدة الناس الذين هم بحاجة لها حقا‪ ،‬وخاصة‬ ‫األطفال»‪.‬‬ ‫تدعم مؤسسة ليو ميسي تشخيص األطفال األرجنتينني الذين يعانون‬ ‫من ظروف صحية من خالل تقدمي العالج في إسبانيا وتشمل التكاليف‬ ‫‪:‬النقل واإلقامة والطبابة‬ ‫ف��ي ‪ 11‬م� ��ارس ‪ 2010‬مت ت�ع�ي�ين م�ي�س��ي س �ف �ي��راً ل �ل �ن��واي��ا احلسنة‬ ‫لليونيسيف‪،‬وذلك بهدف دعم حقوق الطفل‪ .‬ويتم دعم ميسي في هذا‬ ‫البرنامج من قبل ن��ادي برشلونة‪ ،‬ال��ذي يتمتع أيضاً بعالقة قوية مع‬ ‫اليونيسيف‪.‬‬ ‫في مارس ‪ ،2010‬صنفته مجلة فرانس فوتبول على قمة قائمة أغنى‬ ‫العبي كرة القدم في العالم‪ ،‬بتسعة‬ ‫وعشرين مليون جنيه إسترليني في‬ ‫اجلمع ب�ين اإلي� ��رادات اآلت�ي��ة من‬ ‫الرواتب‪ ،‬املكافآت واألرب��اح خارج‬ ‫امللعب‪.‬‬ ‫في أبريل ‪ ،2011‬اختير ميسي في‬ ‫«ت��امي ‪2011 »100‬ـ قائمة املجلة‬ ‫السنوية» ألكثر األشخاص تأثيراً‬ ‫في العالم‪ .‬أيضا في أبريل ‪،2011‬‬ ‫أط�ل��ق ميسي صفحة الفيسبوك‬ ‫وخ�ل�ال س��اع��ات قليلة حصدت‬ ‫صفحته أك �ث��ر م��ن س�ت��ة ماليني‬ ‫معجب‪ ،‬صفحة الفيسبوك خاصته‬ ‫لديها أكثر من ‪ 37‬مليون معجب‬ ‫حتى أغسطس ‪.2012‬‬

‫في التتويج بالكرة الذهبية لعام ‪ 2009‬يسحق‬ ‫رونالدو بفارق كبير من األصوات‬

‫حطم رقم مو ّلر القياسي وأصبح أفضل مسجل‬ ‫في التاريخ األوروبي‬


‫‪98‬‬

‫على سطح األرض‬

‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬

‫بلد العميان‬ ‫(‪)2 – 2‬‬ ‫عبدالمنعم المحجوب‬ ‫التقت النخب الغرب ّية على هذا التصور‪ ،‬ليس فقط في النصوص‬ ‫األدب�ي��ة الشعرية وال��روائ�ي��ة‪ ،‬ب��ل وف��ي الكتابات األنثروبولوجية‬ ‫والتوصيفات اإلثنوغرافية األول��ى التي ش ّكل املختلف والغريب‬ ‫دافعاً عظيماً الستمرارها وانتشارها‪ .‬وهي كتابات غالباً ما ننجح‬ ‫في قراءتها كنصوص قصصية أو كمذكرات شخصية للرحالة‬ ‫واملستكشفني‪ .‬لقد كان تأثير هذا التصور واضحاً على تأسيس‬ ‫مفهوم «اآلخ��ري��ة» وحت��وي��ل وج��ود اآلخ��ر إل��ى م��وض��وع للمعرفة‬ ‫لدى الدارسني الغربيني‪ ،‬بعيداً عن املك ّونات الفعلية التي أنتجته‬ ‫ك��ذات مغايرة تنتمي إلى بنية نفسية واجتماعية غير متطابقة‬ ‫مع الدارسني الذين يأخذون بدورهم موقعاً مغايراً بالنسبة له‪،‬‬ ‫ويتحركون كذوات تنتمي إلى بنيات أخرى منفصلة؛ أي يتعامل‬ ‫معهم‪ ،‬باختصار‪ ،‬كآخر‪.‬‬ ‫إن م �ج��رد االن �ط�لاق‬ ‫ف� ��ي ع �م �ل �ي��ة حت��وي��ل‬ ‫اآلخ� ��ر إل� ��ى م��وض��وع‬ ‫للمعرفة‪ ،‬على قاعدة‬ ‫غ��راب��ت��ه واخ��ت�ل�اف��ه‪،‬‬ ‫هو ممارسة مزدوجة‬ ‫س��ال��ب��ة‪ .‬إن� ��ه إح�ل�ال‬ ‫ل�ل�ت�ج��ري��د ب �ع �ي��داً عن‬ ‫ال�ت�ك��وي��ن االج�ت�م��اع��ي‬ ‫ف� ��ي رؤي� � ��ة اآلخ� � ��ر ـ�ـ‬ ‫املوضوع نفسه‪ ،‬وهي‬ ‫رؤي� ��ة ي �ت��م إق �ص��اؤه��ا‬ ‫وع��زل �ه��ا ك�ي�م��ا ي�لائ��م‬ ‫ت��ول�ي��د م�ع��رف��ة اآلخ��ر‬ ‫امل��س��ب��ق��ات امل �ش��وب��ة‬ ‫بالتخييل التي مت تصورها وتوضيع اآلخر في إطاره‪ ،‬وهذه العملية‬ ‫تنبني أساساً على االرتياب في كون اآلخر قادراً على استخالص‬ ‫رؤيته اخلاصة حول العالم واألشياء والوجود واآلخرين‪ ،‬أي أنها‬ ‫تعتمد على االعتقاد بتفوق ّية الذات‪ ،‬ودونية وقصور اآلخر الذي‬ ‫عليه‪ ،‬بهذا املعنى‪ ،‬أن يتح ّول إلى موضوع للمعرفة‪ ،‬أن يتحول إلى‬ ‫كيان سلبي يتم التقاطه‪ ،‬وأخيراً عليه أن يقبل بتحويله إلى كلمات‪.‬‬ ‫في مونولوج استعالئي يعتقد «نونيز» أنه هبة السماء لبالد العميان‪،‬‬ ‫وكان حتويل هذه القرية إلى مملكة خاصة به أول األفكار التي‬ ‫تراوده‪ ،‬إنه ال يكتفي مبداهمة عزلتهم‪ ،‬ومحاولة تغيير مفاهيمهم‬ ‫وما تب ّثه األشياء لهم من دالالت‪ ،‬بل ويقرر منذ البدء أن يقفز إلى‬ ‫النتيجة التي تؤكد تفوقه وفرادته‪ :‬احلكم‪.‬‬

‫العميان ليسوا سوى موضوع للرؤية‪ ،‬والوافد هو من يرى‪ ،‬وأكثر‬ ‫من ذلك فإنهم ال يرون‪ ،‬ويجهلون معنى استخدام هذه احلاسة‪.‬‬ ‫ملاذا البصر؟ ألنه احلاسة التي مت ّدنا بأولى اجلسور التي نحتاجها‬ ‫مع العالم وم��ع اآلخ��ر‪ .‬ه��ذا مشترك بني البشر جميعاً بالرغم‬ ‫اختالف خصوصياتهم‪ ،‬لكن لنص ّعد هذا االختالف إلى درجته‬ ‫القصوى‪ ،‬لنجعل االختالف عضوياً‪ ،‬يالمس التركيب الفسيولوجي‬ ‫وأداء احلواس‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن املعتقدات واللغة واألمنيات واحمليط‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هل سيتوقف االنسان عن أن يصبح انسانا في مجتمع ح ّولته‬ ‫كارثة محل ّية إل��ى مغاير كلياً للعالم؟ إن «نونيز» ي��رى في ذاته‬ ‫أهلية بشرية يفتقدها أهالي هذه القرية‪ ،‬فيسلّم تلقائياً بدونيتهم‬ ‫وعدم جدارتهم باحلياة كما يشاؤون‪ ،‬لذا يقرر أن يتقدم لتنويرهم‬ ‫وإخراجهم من عتمتهم الطبيعية‪ ،‬ولكنه قبل ذلك يتقدم أيضاً‬ ‫ل �ي �ح �ك �م �ه��م‪ ،‬ل �ي �ك��ون‬ ‫سيداً لهم‪ .‬فما الذي‬ ‫ي� �ح ��دث؟ إن س��وي �ت��ه‬ ‫ت �ت �ح��ول إل� ��ى م ��رض‪،‬‬ ‫وعيناه تصبحان ورماً‬ ‫الب��د م��ن استئصاله‪،‬‬ ‫وكلماته غير املفهومة‬ ‫ل� �ي� �س ��ت س� � ��وى ه ��ذر‬ ‫ع�ق��ل ل��م ينضج بعد‪،‬‬ ‫إنهم مكتفون بذاتهم‪،‬‬ ‫أص� �ح ��اء‪ ،‬ال ي�ع��رف��ون‬ ‫الفقر‪ ،‬ال يعانون من‬ ‫األم�� � � � ��راض‪ ،‬ل �ي �س��وا‬ ‫ع�ن�ي�ف�ين‪ ،‬ي�ح�ي��ون في‬ ‫انسيابية وتكامل مع‬ ‫الطبيعة‪ ،‬وتشكلت لديهم على م��دى أج�ي��ال متتابعة معتقدات‬ ‫ومعرفة وعالجات وحتى أساطير وحكايات تروى لألطفال‪ .‬بكلمة‬ ‫واح��دة‪ ،‬في ب�لاد العميان «ثقافة» مساملة‪ .‬وعندما تشعر هذه‬ ‫القرية باحلرج الذي لم يكن سوى صورة ساذجة عن اخلطر الذي‬ ‫يتهددها‪ ،‬ال تبادر بإقصاء الغريب أو احتجازه‪ ،‬القرية عوضاً عن‬ ‫الدفاع‪ ،‬تقرر احتواء الغريب‪ ،‬وتقترح عالجه باستئصال ورمني‬ ‫ب��ارزي��ن ف��ي أعلى رأس��ه‪ .‬تقرر سمل عينيه‪ .‬بذلك فقط تهيئ‬ ‫النخراطه في مجتمعها‪ ،‬وتساعده على االندماج في ثقافتها‪ .‬هذا‬ ‫العالج املرعب سيدفعه بالطبع إلى الفرار‪ ،‬متخلياً عن مملكته‬ ‫االفتراضية‪ ،‬وعن حبيبته‪ ،‬تاركاً وراءه ثقافة متوحدة بذاتها‪ ،‬غير‬ ‫آبهة بعالم لم تره‪.‬‬



‫‪100‬‬ ‫األحد ـ العدد ‪19‬‬ ‫‪ 14‬يونيو ‪2015‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.