الواقيال عامل بني الواقع واخليال
أنور غين املوسوي
الواقيال عامل بني الواقع واخليال أنور غين املوسوي دار أقواس للنشر العراق ر1442
احملتوايت
احملتوايت 1.................................. ................................ املقدمة 3.................................... ................................ فصل :الواقع واخليال والواقيال 5............. ................................ فصل جتسد االعتبارايت 13 .................. ................................ فصل :املعرفة 14 ............................ ................................ فصل :صنعة الرمز 16 ....................... ................................ العوامل املتوازية والعوامل املتداخلة 17 ........... ................................ ابداعية الذهن 19 ........................... ................................ فصل :االنفعال والتحكم 21 ................. ................................ فصل :الواقيال املدعى 23 ................... ................................ فصل يف االحالم 24 ......................... ................................ فصل :الشرود الذهين 25 .................... ................................ فصل :العامل السيرباين 26 .................... ................................ فصل :احلرب السيربانية و الواقيالية واالمن الواقيال 27 ........................ الكتابة االبداعية والتشويق و االندماج 29 ..................................... 1
الواقيال االديب 30 ........................... ................................ انتهى واحلمد هلل 37 ......................... ................................
2
املقدمة بسم هللا الرمحن الرحيم. ال ميكن للبشرية ان تتجاهل التأثري القوي لألمور االعتبارية اليت تنتزعها من املادايت .ان هذا التأثري يف واقعه نظام عميق وواسع وهو من مظاهر تداخل بني االعتبارايت واملادايت والذي يصل احياان اىل حالة حتكم صور االعتبارايت يف االنسان ببلوغ نقاط وسطى بني الواقع واخليال فيصبح االدراك البشري ثالثيا بدل الثنائية املعروفة من واقع وخيال ،بل يف حقيقة االمر لدينا واقع وخيال وواقيال بينهما له صفات من هذا ومن هذا .انه عامل بني الواقع واخليال. 3
هنا حناول تسليط الضوء على عامل الواقيال بشكل خمتصر كمدخل ألحباث اخرى اوسع يف املستقبل وهللا املوفق.
4
فصل :الواقع واخليال والواقيال
أفضل مدخل لفهم الواقع واخليال هو التمييز بني الوجود املكاين والوجود الالمكاين ،واملادي والالمادي. الوجود املكاين ما له حتيز يف اخلارج ومنه مستقل و يسمى اخلارجي و غري مستقل و يسمى اعتباري، ومن الوهم تصور ان االعتباري ليس له مكانية . والالمكاين هو ما ليس له حتيز ومن اشكال الالمكانيات هي املعاين و االدراكات مبا هي وليس مبا تعين وتشري او تصور ،اال اهنا كلها زمانية. 5
املادي هو ما له حتيز مستقل حمسوس ،أي هي اخلارجي مبعىن اخر ،ومن الواضح ان الالمكانيات ليست مادية وامنا هي افعال للعقل ،كما ان االعتبارايت ليست مادية كما هو واضح ،اال ان هناك مكانيان مستقلة غري حمسوسة وهذه المادية ايضا ،فاالحساس هو املميز بني املادي والالمادي. ومن هنا فاملكانيات فيمكن ان تكون مادية والمادية. الواقع هو ترتب زماين للمكانيات املستقلة ،مستقلة او غري مستقلة ،حمسوسة او غري حمسوسة ،اما اخليال فهو ترتب زماين لالمكانيات ،أي للصور و االدراكات و املعاين مبا هي. حينما ندرك االشياء املكانية يف الزمان فهذا هو الواقع والواقع ال ميكن ان يتوقف كما اننا نتعامل 6
معه لكننا ال نوجده ،وهو ما نشعر ان حييط بنا .ولو اردان تبسيط االمر ابالغفال عن االعتبارايت غري املستقلة فان الواقع هو ترتب االشياء املكانية يف عالقات مكانية يف عامل االدراك خالل الزمن ،اي اننا ندرك االشياء املكانية برتتبها املكاين بثبات او تغري خالل الزمن .هذا هو الواقع.
اما اخليال فاننا ندرك ترتبا زمانيا للمعاين و االدراكات نفسها اي صور املدركات مرتتبة يف الزمن ،اي هي حاالت من العالقات بني املعاين و صور االدراكات يف الزمن ومع اغفال املعىن فان اخليال هو ترتيب االشياء الالمكانية وهي صور االشياء ادراكيا يف الزمن وجماله عامل التصور اي
7
الذهن والذي نشعر اننا نتحكم فيه احياان لكن ليس دوما.
فامليز بني الواقعي و اخليال هو ان الواقعي له جتسد مكاين و وجود خارجي بينما اخليال فليس له مكانية و وجوده الذهن ،واذا اردان تعريف الواقع واخليال ابهنما احداث ،فالواقع حدث مكاين خارجي بينما اخليال حدث المكاين ذهين.
والن للمكان منطقية فاننا ال نكون احرارا يف اختياره او تبديله او تغريه وما يقع يثبت وهذا خبالف الالمكانيات فاهنا حرة يف كل ذلك.
8
امليزة املهمة اننا نرى ان الواقع هو احلقيقة وهو امليزان يف التعامل ،ملاذا النه هو املشرتك وهو الذي يراد به عند التخاطب .فهيمنة الواقع على حياتنا بسبب االشرتاك وبسبب التخاطب.
لو صار يف اخليال صفة مشرتكة وكان له هيمنة على ختاطبنا بسبب التعاهد وتفاعلنا فاننا سنسميه حقيقة ايضا اال ان احلقيقة حقا هي العلم و ليس املشرتك ومن هنا تبطل حجية اجلماعة يف اتسيس الدين و االخالق و ان استطاعت حتقيق القانون و العقد و التسامل.
هذه احلالة من اخلفوت و الالمباالة ابخليال و احلالة الشديدة لسيطرة الواقع علينا فيها مناطق للتداخل، 9
حينما يكون هناك اصطناع و فرض لالشرتاك و التعاهد فيكون عنصرا للتخاطب .من اهم صور اهليمنة هي اخلطاب .ولذلك كل شيء جتعل له خطااب فانت حققت له هيمنة وسلطة.
نعم اذا اصبحت االمور اخليالية ذات خطاب صار هلا سلطة و هينمة وصران ننفعل هبا بدل ان نفعلها.
اخليال غالبا هو فعلنا و حتكمنا لكن احياان وبسبب اخلروج عن االشرتاك و اخلطاب الواقعي حيصل سلطة للخيال علينا.
10
هذه احلالة هي الواقيال وهي كلمة اشتققتها من بداية ( واق ع) و هناية ( خ ايل) وهو منطقة وسطى بني صفات الواقع وصفات اخليال فمن جهة له صفات الواقع ومن جهة له صفات اخليال .مبعىن ان االدراك ليس ثنايئا واقع وخيال بل ثالثي واقع وخيال وواقيال. تكمن امهية ادراك الواقيال يف امرين االول حتكمي و الثاين ابداعي ،فالتحكمي ميكن من خالل الواقيال السيطرة على العقول جبعل اخليال حقيقة وهو ما حيصل يف االعالم و غسل االدمغة و الثاين االبداعي وهو ما حيصل يف الكتابة االدبية و يف االلعاب اليت تفرتض اخليال ,وحتقق الواقع االفرتاضي .ومنها التواصل االجتماعي .ان عامل االنرتنت و االثري فهو من عامل الواقيال. 11
فصل :الواقع واحلقيقة ان احلقيقة صفة للمعرفة وهي اعم من الواقع ومن اخليال كما بينا ،والواقيال نظام متعلق ابملادي والالمادي ،وان ما له عالقة ابملادايت والالمادايت هو الواقع وليس احلقيقة ومن هنا كان الواقيال بني الواقع واخليال و ليس بني احلقيقة واخليال وحينما يشري الناس اىل مقابلة احلقيقة ابخليال فاهنم يريدون املقابلة بني الواقع واخليال.
12
فصل جتسد االعتبارايت ال بد من الكف سريعا عن مسالة التمييز بني الذهين و اخلارجي و االعتباري و احلقيقي ،امنا احلقيقة ان كل ما له اسم يف الوجود من االمور الزماكانية له بعده احلقيقي ووجوده احلقيقي وتشيئه التام .التشيؤ التام يف االستقالل الظهوري و يف التاثري و التاثر امور متحققة يف االعتبارايت ولذلك علينا التعامل مع االعتبارايت كاهنا حقائق وكاهنا ذوات.
13
فصل :املعرفة اكثر ما يهمنا كبشر هو الفعل املادي لالشياء والذي منه نستخلص املعرفة به ،واضافة اىل املادية الواقعية فهناك التلقي و التسامل املعريف عن االشياء ومصدره التصديق واالميان ابحلكاية والقول عن الشيء وان مل يدرك ماداي ،فاالميان و التصديق وتلقي حكاية الغري وجتربته من اهم العوامل لتكوين فكرة معرفية عن االشياء بل احياان ان االميان يفوق املادة ابملعرفة و اليقني وهذا ما حيصل عند املتدينني ابلرباهني الباعثة على التصديق حيث ان املنطقية العقالئية ال تقبل ابلتصديق االجوف اخلالية من احلقيقة والشاهد لذلك كانت االتساقية و الشواهد و املصدقات اهم مصادر التصديق ،فما له شاهد ومصدق و اتساق 14
هو حقيقة وغريه ظن .فاالميان بوجه من الوجوه هو حضور وجتسد للمعرفة غري املادية فهو من الواقيال.
15
فصل :صنعة الرمز الرمز من اهم االعمال واالجنازات االنسانية ،وهو يف الواقع ويف كثري من االحيان يعتمد التشابه و التقارب فتعطى للشيء صفات اخرى فيه من يناسبها واصدق اوضاع الرمز حينما يكون الرمز مصدرا حقيقا للصفات املرغوبة ،وهناك اشكال كثرية من الرمز منها االدعائي واالفتعال و الومهي و السحري اال اهنا كلها هلا دور يف توجيه الفكر واحداث نوع من التاثري والتاثر وهو الواقيالية.
16
العوامل املتوازية والعوامل املتداخلة ان القول ابحنصار وجودان على هذا العامل املادي شيء ال ميكن تصديقه ليس فقط عقولنا الناضجة بل حىت االطفال ال يصدقون اننا جمرد هذا الواقع الظاهري بل الشعور بوجود عوامل اخرى هلا انعكاسات منا و هلا انعكاسات فينا امر ال بد منه. ولذلك االنسان ليس فقط يشعر بوجود عوامل موازية لعامله بل يشعر ايضا بتداخل تلك العوامل .أي يشعر بتاثريها فيه بل واتثريها فيها وهو نوع من التحكم املتبادل ابختالف العناصر ،واحلديث عن ذلك ليس فقط مصدره التقليد والتصديق واالميان بل له وقائع و مظاهر ملموسة حمسوسة رمبا ال خيلو
17
وجدان منها .وهذا املعىن العميق الفطري هو الدافع لالميان بوجود هللا تعاىل عادة.
18
ابداعية الذهن االعتبارايت و التصورات الذهنية ليست امورا ال جتسد هلا وال تشيؤ هلا ،بل هي امور متجسده و متشيئة يف املكان والزمان وهلا اثر واقعي و بعد اتثريي وان مل تكن حمسوسة او هلا صورة يف اخلارج. ان الذهن مبدع عظيم يف انتزاع االشياء االعتبارية. ومن اهم العوامل اليت حتيط ابالنسان هو االعتبارايت، واالعتبارايت ليست حمداثت بل هي انتزاعات من الواقع عادة وان كانت احياان معقدة. ان الذهن ليس عملية تصور و تعامل مع االشياء بل هو خلق مستمر للمعرفة ابالشياء و ابداع مستمر لصور االشياء ان الذهن مصنع ال يتوقف للمعرفة ابلالشياء .ان اتثري االعتبارايت على حياتنا 19
احياان يكون اقوى من اتثري املادايت .لذلك دائما حاولت االنسانية ان تعطي بعدا اعتباراي لالشياء أي بعدا اعتباراي.ومبعىن ادفق االنسان دوما يدرك املعىن االعتباري لالشياء و ينتزعه منها الن االعتبارايت موجودة يف اخلارج اال اننا ندركها لكن من دون حس او ملس او استقالل. ان فهم اتثري االعتبارايت هو مدخل مهم لفهم عامل الواقيال الذي هو حقيقة اتثري االشياء غري املكانية علينا .حنن هنا لسنا بصدد بيان سلطة القانون واحلكم بل بيان كيف ان تلك االعتبارايت هلا مكاهنا املادي التاثريي فينا وان كانت غري مادية.
20
فصل :االنفعال والتحكم البشرية ومنذ القدم وبفطرهتا وغرائزها شعرت واسست وصدقت بتاثري وسلطة االعتبارايت و رتبت انفعاالت وخماوف وامال ابلقانون واالحكام والسلطة واعطت ورمزية للحاكم وامهية قصوى للحكم كما ان االداين السماوية رسخت هذا اجلانب وهذه احلقيقة من خالل الطاعة .ان كل هذا النظام الواضح واجللي من الطاعة واالنقياد ملا له سلطة حقيقة وما ليس له سلطة حقيقة هو بفعال الشعور احلقيق ابالنفعال و التفاعل و التاثر مبا هو ليس مادي من االشياء ،بل ميكن القول ان ضعف سلطة االنسان على املادة واحتياجه اىل قدرات كبرية للتعامل معها صار عامله االقرب هو يف االعتبارايت بل صار العامل االعتباري هو املدخل
21
للعامل املادي .ان هذا التفاعل البشرري مع السلطة االعتباري احلقيقية والومهية هو من الواقيال.
22
فصل :الواقيال املدعى حنن حينما نتحدث عن الواقيال فاان نتحدث عن الواقيال احلقيقي ،أي عن االشياء الالمادية اليت هلا اتتثري بقوة اتثري املادايت وهلا حتكم وتفاعل حقيقي معنا ،اال انه والجل اغراض فان اشكاال من الوقيال املدعى الذي يبتىن على الوهم والزيف يتسبب يف حتقيق شكل من الواقيالية غري الواقعية يستميل من هو ضعيف يف ارادته او قليلة املعرفة اال ان هذه احلاالت تزول مع الزمن الن الوقيالية احلقيقة حتتاج اىل ثبوت وقاعدة حقيقة لكي تستمر فال تستمر ابلدعاوى الباطلة.
23
فصل يف االحالم االحالم هي صورة الوعاية من الواقيالية حيث ان ما يدرك وما يرى هي صور وافكار اال اهنا حتقق تفاعال وتثريا وخوفا رمبا يستمر اىل ما بعد اليقضة ان االحالم تعطي مدخال جيدا للواقيالية وفهم اتثريها علينا وهو اتثري االفكار والصور غري املادية على احاسيسنا وتوجهاتنا .االحالم هو من انواع الواقيالية اجلسدية أي اتثري االفكار على اجلسد.
24
فصل :الشرود الذهين ان الشرود الذهين ال خيتلف كثريا عن االحالم فانه يشرتك معه يف التاثري اجلسدي ،فان فصل الفكر عن الواقع هو من التاثري الواقيال لالفكار و بينما االحالم تكون بشكل الارادي فان الشرود الذهين يكون ببداايت واعية وارادية.
25
فصل :العامل السيرباين ان االنرتنيت جمموعة من املعلومات احململة يف مواطن يتمكن االنسان من الوصول اليها عرب االثري أي اهنا يتوصل اليها بشكل غري مادي ،وهذه املعلومات هي معلومات حاهلا كحال ما موجود يف كتاب او مشهد بصري ،اال ان الصفة املهمة يف االنرتنت ان تلك املعارف كثريا ما اتخذ صورة التجسد ولذلك فان التفاعل معها يكون قواي واحياان حقيقيا ،طبعا هذا كله مبعزل عن العامل البشري أي اننا ال نتحدث عن التواصل االجتماعي بل نتحدث عن العامل السيرباين ذاته أي عن املعارف احململة يف االنرنت فاهنا من عامل الواقيالية .ومنها االلعاب االفرتاضية واقراص اخلزن االفرتاضية. 26
فصل :احلرب السيربانية و الواقيالية واالمن الواقيال الواقيال هو عامل ما بني احلقيقة واخليال و يعتمد االفكار يف الوجود و التأثري ،كل استعمال مؤذ للواقيال هو عدوان واقيال ،وكل قصد واقيال لالخالل ابالمن هو حرب واقيالية .العامل االن يعيش حراب واقيالية من خالل ما يلي: احلرب السيربانية التواصل االجتماعي املوجه الذابب االلكرتوين االعالم املوجه غسل االدمغة التسقيط والتشهري 27
املثال السيء للمجموعة املسيء لصورهتم اما الناس االلعاب االفرتاضية الكتبات املوجهة العلمائية املزيفة التطرف والتشدد
ال بد على احلكومات ان تعمل وزارة امن تسمى االمن الواقيال ملواجهة العدوان الواقيال .واخلروقات الواقيالية وال بد من قانون مينع تلك اخلروقات .
28
الكتابة االبداعية والتشويق و االندماج كل حالة اندماج فكري مع اخلارج مبا يسرق اللب و يشغب العقل فهو من الواقيالية ،ومن اشكال هذا التفاعل هو االندماج بقراءة الكتاابت االبداعية اليت تسرح ابلذهن و تنقله اىل عاملها ،لقد اشرت كثريا يف املقاالت االدبية ان اعتماد االدب على نقل القارئ اىل عامل النص ابدوات وعناصر فنية ختلق له واقعا نصيا هو من وقعنة اخليال ،ويف احلقيقة وقعنة اخليال هو تقليد كتايب للواقيال أي انه واقيال ابداعي.
29
الواقيال االديب مجال األدب يكمن يف طريقة التعبري و أسلوب الداللة ،و لكل تعبري أديب قدرة معينة على الكشف عن مجاليات بدرجات خمتلفة ،هذه هي املرتكزات االساسية للنقد التعبريي ،اي البحث الواسع يف اسلوب التعبري االديب ،و ال بد من االشارة انه ال عالقة للنقد التعبريي ابملدرسة التعبريية و امنا هو منهج اسلويب موسع .مما تقدم من امهية طريقة التعبري و الداللة و تدرج جتلي عناصر اجلمال تتبني قلة االمهية يف مبحث املداليل كهدف اساسي ألنه ال يعني املكمن احلقيقي للجمالية االدبية و ايضا تتبني ال واقعية فكرة الوجود التام و الفقدان التام 30
حلقيقة الوجود التدرجي للعناصر اجلمالية يف العمل االديب . ان الواقعية مهمة يف كل معرفة تقريرية و النقد معرفة تقريرية ،و هذه الواقعية حتتاج اىل عنصرين الوضوح و التجريبية ،فما مل يكن هناك وضوح و ما مل يكن هناك قدرة على االستقراء و التجريب فانه ال جمال لبلوغ الواقعية يف النقد ،وال تدخل الكتابة حيز اجلدية و العطاء .ان النقد التعبريي ،برتكيزه على اسلوب التعبري و النظرة الواسعة اىل العنصر االديب ،و االنطالق من امور بينة كالتعبري و االستجابة اجلماليات و املؤثرات اجلمالية من معادالت و عوامل مجالية ،كل ذلك يعطي للنقد التعبريي درجة عالية من الوضوح و التجريبية و االستقرائية .
31
وفق مفاهيم النقد التعبريي فان القراءة يف جوهرها اندماج و عيش يف النص ،و اذا مل يكن النص مقنعا فانه ال تتحقق هذه الغاية .على النص ان حيمل القارئ اليه و ان جيعله يعيشه ،و ال يقال ان اجملاز العال يعرقل ذلك ،بل العكس صحيح امنا اجملاز هو وسيلة لتعظيم طاقة اللغة و النص و اعطائه قدرة اكرب على التأثري و التقريب من نفس املتلقي . الفنون األدبية تعتمد اخليال يف بناءها ،ليس فقط يف ما ترمي اليه من معان ودالالت وامنا يف طريقة التعبري ،و ما االنزايح اال شكل من اشكال التعبري بوساطة اخليال ،اذ ان العالقة االنزايحية خيالية كما هو حال اجملاز ،اذ ريب ان هناك الألفة بني اجملاز و ذهن القارئ ،لذلك ال بد على النص ان يطرح جمازه بشكل واقعي ،طرح اجملاز وهو عالقة خيالية 32
بصورة واقعية هو ( وقعنة اخليال ) ،و وقنعة اشتققناها من كلمة واقعي ،و ميكن وصف حالة حتقيق األلفة للالألفة اليت يتميز هبا اخليال التعبريي ابهنا حالة وقعنة له ،فاخليال اجملازي يف علوه و بعده و الألفته الذهنية حينما ينجح املؤلف يف تقريبه و الباسه ثوب الواقعية و احلقيقية فانه يكون طرحه بصورة واقعية وحقيقية . ان اللغة املتموجة اليت توفرها السردية التعبريية ،و اليت تتناوب بني مفردات و تراكيب توصيلية و اخرى جمازية انزايحية ،يعطيها ميزة ال تتوفر يف الشكلني االخرين من الكتابة ،اقصد السردية القصصية و الشعرية التصويرية ،فاالوىل ليس هلا اال ان توغل يف التداولية و التوصيلية وخت ّفض من جمازها و الثانية ليس هلا اال ان تتعاىل يف اجملاز .و ال يظن 33
ان ذلك خمتص ابلبناء الشكلي اللفظي للنص بل انه ينفذ عميقا اىل اجلذور املعنوية و الداللية و الفكرية له ،اذ ان الكتابة يف كل واحد من تلك االشكال تتصف بتلك الفوارق يف كل مستوى من مستوايهتا املختلفة . لطاملا حتدثنا عن لغة قوية تصل و تنفذ اىل اعماق النفس االنسانية و يف الوقت نفسه حتافظ على فنيتها العالية ،و ميكن ان نرى بوضوح ان السردية التعبريية حتقق هذه الغاية فاهنا ختضع اجملاز و االنزايح ابي درجة كان اىل الواقعية و احلقيقية و القرب ، اهنا مجع حر بني االلفة و الالألفة اهنا جعل الشيء غري األليف أليفا .و رمبا ال احد يستطيع ان يقلل من قيمة االسلوب الذي يتمكن حبرية و ساللة ان
34
جيعل غري املألوف مألوفا ،السردية التعبريية بكل حرية و ساللة حتقق ذلك .
يتجلى الواقيال االديب او وقعنة اخليال ( أي التعامل مع اخليال بواقعية) والذي هو من اساليب الشعر النثري هن جعل اخليال واقعا و العيش فيه و منح احلياة و الرؤية لكل فصوله و كياانته و شخوصه .بتموج تعبريي.
ان التعبريية املتموجة بني الواقعية و اخليالية يف بناء نصوص السرد التعبريية حتقق اللغة اليت تنفذ اىل االعماق مع احملافظة على فنيتها العالية .و من الواضح ان الفهم و التصور الذي يقدم النقد التعبريي عن العناصر اليت يشري اليها كما يف اخليال 35
اجملازي هنا و وقعنته و حتقيق السردية التعبريي لتجليات عالية له و التموج التعبريي ،ميثل درجات عالية من اجلدية و الواقعية يف منهج النقد التعبريي ابدواته االسلوبية التعبريية .كما ان وضوح عدم امكانية بلوغ مثل تلك الدرجات من الظهور و التجلي حلالة وقعنة اخليال يف الشعر التصويري و السرد القصصي ،لضعف جتلي التموج التعبريي فيها يدل بال ريب على التجريبية العالية و االستقرائية البينة يف النقد التعبريية ،مما ميثل اباب واسعا و حقيقيا حنو بناء علمي للنقد االديب .
36
انتهى واحلمد هلل
37
38
39
40