الصحيح والمعتل من احاديث توحيد المفضل

Page 1



‫الصحيح واملعتل‬ ‫من أحاديث توحيد املفضل‬

‫حمب الدين أنور غين املوسوي‬


‫املعتل من أحاديث توحيد املفضل‬ ‫ّ‬ ‫الصحيح و ّ‬ ‫حمب الدين أنور غين املوسوي‬ ‫دار أقواس للنشر‬ ‫العراق ‪1441‬‬


‫احملتوايت‬ ‫احملتوايت ‪1 ....................................................................‬‬ ‫املقدمة ‪3 ......................................................................‬‬ ‫االول ‪ :‬منهج العرض ‪4 ...................................................‬‬ ‫الثاين‪ :‬الشاهد الشرعي بصحة املضمون ‪4 .................................‬‬ ‫الثالث‪ :‬الرواية واملضمون ‪12 ..............................................‬‬ ‫الرابع‪ :‬آلية عرض املضامني على املعارف الشرعية الثابتة ‪15 ...............‬‬ ‫فصل‪ :‬مقدمة املفضل ‪22 .....................................................‬‬ ‫فصل‪ :‬اجمللس األول ‪27 .......................................................‬‬ ‫مضمون صحيح (‪27 ................................................ )1‬‬ ‫مضمون صحيح (‪28 ................................................ )2‬‬ ‫مضمون صحيح (‪30 ................................................. )3‬‬ ‫مضمون صحيح (‪30 ................................................ )4‬‬ ‫مضمون صحيح (‪39 ............................................... .)5‬‬ ‫مضمون صحيح (‪65 ................................................ )6‬‬ ‫مضمون صحيح (‪67 ................................................ )7‬‬

‫مضمون صحيح (‪71 ................................................ )8‬‬ ‫فصل اجمللس الثاين ‪80 ........................................................‬‬ ‫مضمون صحيح (‪88 ................................................ )9‬‬

‫مضمون صحيح (‪101 ............................................ )10‬‬ ‫فصل اجمللس الثالث ‪115 .....................................................‬‬ ‫جملس الرابع ‪160 .............................................................‬‬ ‫‪1‬‬


‫مضمون صحيح (‪162 ............................................ )11‬‬ ‫مضمون صحيح (‪166 ............................................ )12‬‬ ‫مضمون صحيح (‪176 ............................................ )13‬‬ ‫مضمون صحيح (‪177 ............................................ )14‬‬ ‫مضمون صحيح (‪179 ............................................ )15‬‬

‫خامتة يف خمتصر توحيد املفضل ابملضامني الصحيحة ‪186 ...................‬‬

‫‪2‬‬


‫املقدمة‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‪ .‬احلمد هلل رب العاملني‪ .‬اللهم صل‬ ‫على حممد واله الطاهرين‪ .‬رب اغفر لنا وإلخواننا املؤمنني‪.‬‬ ‫هذا بيان للمضامني الصحيحة من املعتلة من مضامني‬ ‫كتاب " توحيد املفضل"‪ ،‬وهو تطبيق ملنهج العرض على‬ ‫مضامني الكتاب بعرض تلك املضامني على القران‬ ‫والسنّة‪ .‬وألن الكتاب هو رواية واحد فان هذا العمل هو‬ ‫عمل بطريقة تفكيك املضامني يف النص الواحد‪ ،‬اي‬ ‫معاملة كل مضمون خمتلف معاملة خمتلفة من حيث‬ ‫الصحة واالعتالل‪ .‬والن منهج العرض قائم على الرد اىل‬ ‫املعارف الشرعية وقبول احلديث الذي له شاهد منها وهو‬ ‫ما نصفه ابلصحيح وترك احلديث الذي ليس له شاهد‬ ‫منها ونصفه ابملعتل ولعدم شهرة هذا املنهج كان من‬ ‫املناسب الكالم يف امور‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫االول ‪ :‬منهج العرض‬ ‫لتكوين فكرة كاملة عن منهج العرض يرجع مطالعة كتيب‬ ‫" منهج العرض" ‪ " ،‬مدخل اىل منهج العرض" و " رسالة‬ ‫يف حديث العرض"‪ .‬جتدها يف الرابط التايل‪:‬‬ ‫‪https://www.calameo.com/subscriptio‬‬ ‫‪ns/5169014‬‬ ‫الثاين‪ :‬الشاهد الشرعي بصحة املضمون‬ ‫الشيء يف جمال املعرفة له صورته معرفية يف الذهن وله‬ ‫دائرته من العالقة جبهات خمتلفة حسب طبيعة املعىن من‬ ‫اسباب ونتائج واستجابة وانفعال وتفاعل او ما ينتهي اىل‬ ‫ذلك وحنوه من كليات التأثري والتأثر‪ .‬فدائرة املعىن اعم‬ ‫من الدالالت مبا يشمل مجيع العالقات املعرفية بني‬ ‫املعاين‪ .‬ولذلك فانثيال املعاين وختاطرها امور حقيقية اثبتة‬ ‫واقعا ووجداان‪ ،‬وما سبب ذلك اال العالقات االتصالية‬ ‫الرابطة بني املعاين‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫وهذا االتصال املعريف حيقق العلم بصدق املعرفة لذلك‬ ‫كان العرض على الثابت اي املعلوم من مضامني القران‬ ‫والسنة‪ ،‬وكلما كان املضمون او احلقيقة املعرفية حمورية يف‬ ‫الشرع كانت دائرته العالقاتية اكرب وكان الرد اليها اوضح‪،‬‬ ‫ولذلك كان الرد عند االختالف اىل حمكم القران ومتفق‬ ‫السنة النه السبيل الصحيح ملعرفة ما هو متصل من غريه‬ ‫يف ظل االختالف‪.‬‬ ‫احلقيقة املعرفة اخلاصة ابلشيء تتفاوت طبعا بني الناس‬ ‫اال ان معارف الناس خبصوص شيء كلما تقرتب من‬ ‫املركز اي جوهر الشيء وحقيقته تتوحد لذلك فان‬ ‫التفاوت بني الناس خبصوص االشياء ليس يف الدائرة‬ ‫اجلوهرية غالبا وامنا يف الدائرة الطرفية ومن هنا تربز امهية‬ ‫توحيد سبيل املعرفة يف الشرع الن احلقائق واملعرفة ما هي‬ ‫اال جمموعة معارف مكتسبة خبصوص االشياء تعتمد على‬ ‫التعليم أكثر منها على االكتشاف‪.‬‬ ‫هذا االتصال املعريف ليس اعتباطيا وامنا يرجع اىل تداخل‬ ‫معريف وترابط بني احلقائق جبوانب خمتلفة ختتلف ابختالف‬ ‫‪5‬‬


‫وجوه املعرفة الكلية من موضوعات وحمموالت ونسب‬ ‫ومن اشتقاق وقرائن وتفرعات وتوازي وتباعد وتقارب‪.‬‬ ‫وهذا كله ميكن ان نسميه القرابة املعرفية ومن امهها يف‬ ‫اخلطاب القرابة املعنوية بني املعاين‪.‬‬ ‫ان الدائرة املعرفية للمعىن تتداخل مع دوائر اخرى وهذا‬ ‫التداخل هلا اجتاهان؛ اجتاه اجيايب توافقي واجتاه تنافري‪،‬‬ ‫وكال االجتاهني حيقق اشارة معرفية متييزية هي الشاهد‬ ‫املعريف فيشهد للمعارف مبوافقة االجيابية التوافقية و يشهد‬ ‫خبالف املعارف التنافرية‪ ،‬كما ان القرب و البعد ايضا له‬ ‫اثر اشاري متييزي فتشهد املعرفة للمعارف القريبة وال‬ ‫تشهد للبعيدة وهذا ايضا شاهد معريف للمعارف القريبة‪،‬‬ ‫ومن هنا فاملعرفة املعنوية للمعىن تشهد للمعارف القريبة‬ ‫التوافقية بشهادة االتصال و القربة و التوافق ونسبتها‬ ‫تكون من الصدق والعلم‪ ،‬و ال تشهد بذلك للمعارف‬ ‫البعيدة او املعارف القريبة املخالفة‪ .‬فهذا معارف منفصلة‬ ‫ونسبتها تكون من الظن او الكذب ‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫القرب املعريف هو مبعىن من املعاين االتصال عن طريق‬ ‫جهة من جهات املعىن ويكون هذا قواي وواضحا اىل حد‬ ‫العتبة االتصالية اليت حينها ختفت الصلة وتضعف وتكون‬ ‫ظنا ال علما‪ .‬من هنا كلما كانت املعرفة متصلة مباشرة‬ ‫أي ابلدائرة االصلية للشيء وليس بواسطة حلقة اخرى‬ ‫كانت اكثر وثوقا واكثر رسوخا وكلما ابتعدت حلقة‬ ‫االتصال كانت اقل رسوخا و وثقا‪ .‬وأكثر اشكال‬ ‫االتصال قوة هو االتصال االشتقاقي اي االتصال حبلقة‬ ‫املعىن مباشرة مث االتصال االقرتاين اي االرتباط بثالث مث‬ ‫االتصال البعيد وهو االتصال بواسطة اكثر من حلقة‬ ‫وهذا كله هو االتصال املعريف والوثوق املعريف‪ ،‬فاالتصال‬ ‫هو مطلق القرب من دائرة املعىن و اوثقه اقربه من الدائرة‬ ‫اجلوهرية وقوته أي تعدد جوانبه‪ .‬وان للعقل كفاءة عالية‬ ‫يف كشف درجة االتصال والقرب وحجمه لذلك فمن‬ ‫الكفاءة والسرعة الكبري ان حيكم الوجدان على كون‬ ‫املعرفة املعينة قريبة ومتوافقة مع ما يرد اليه ام ال‪ ،‬وهذا هو‬ ‫اساس مبدأ الرد وهو اساس منهج العرض أي عرض‬

‫‪7‬‬


‫املعارف على الثابت منها كعرض احلديث على القران‬ ‫والسنة‪.‬‬ ‫ان لكل معرفة ابعاد من حيث الصورة واملظهر ومن حيث‬ ‫املقدمات واالسباب ومن حيث االفعال و النتائج أي‬ ‫من حيث الوجود ومن حيث التأثر و التأثري‪ ،‬وهذا‬ ‫يتطلب تداخال مع معارف اخرى أي دوائر معرفية اخرى‬ ‫وهذا هو التداخل املعريف الذي هو اساس للشاهد املعريف‪.‬‬ ‫الشاهد املعريف يتعدد بتعدد تلك اجلهات اليت ميكن‬ ‫حصرها بعناوين كلية لكن ال ميكن حصرها أبفراد و‬ ‫مصاديق ألهنا تتكثر بتكثر طبيعة االشياء و تكثرها‪ ،‬اال‬ ‫ان كليتها مؤكدة وامهها االشتقاقات من اهليئة و التأثر و‬ ‫التأثر و الوجود واملقدمات و النتائج‪ ،‬و الذات و الالزم‬ ‫و امللزم وغريها من اشكال الدالالت الواضحة عرفا وهي‬ ‫اوثق الصالت وهناك االتصال االقرتاين و االتصال البعيد‬ ‫املناسبايت‪ .‬وحينما يكون الشاهد املعريف واضحا وقريبا‬ ‫جدا من املعرفة املردود اليها فانه يكون اكثر علمية وكلما‬ ‫كان ابعد و اضعف كان اقل علمية‪ ،‬اال انه دوما حيقق‬ ‫اتصاال مما حيقق ترابط املعرفة و تناسقها وتوافقها وعدم‬ ‫‪8‬‬


‫اختالفها وهذه هي عالمة احلقيقة‪ .‬وقوة الشاهد املعريف‬ ‫هو بتعدد اجلوانب اليت تتصل به املعرفة املعروضة على‬ ‫املعروض عليها‪ .‬فالشاهد املعريف ليس شاهد امكان‬ ‫وجواز وعدم خمالفة الن هذا حاصل يف كل معرفة ال‬ ‫تتداخل مع احملور وال تعارضه‪ ،‬و امنا الشاهد هو شاهد‬ ‫اتصال وانتماء وهو يشمل فقط املعرفة املتداخلة و‬ ‫املتوافقة واليت هلا نفس االجتاه املعريف واما ما يتداخل و‬ ‫خيالف فان الشاهد على خالفه و اما ما ال يتداخل فهو‬ ‫ما ليس له شاهد‪ .‬فالشاهد املعريف املوجب لالتصال‬ ‫املعريف واملوجب للعلم ابالنتماء املعريف هو تداخل معريف‬ ‫مع توافق يف االجتاه والغرض يف النظام املعريف الكلي وكلما‬ ‫تعددت جوانب االتصال قوي العلم والوثوق ابالنتماء‪.‬‬ ‫تبني مما سبق ان الرد يكون للمعارف الشرعية و ليس اىل‬ ‫املنطوق او النص اللفظي بل اىل املعرفة املتكونة خبصوص‬ ‫شيء او عالقة‪ ،‬أي احلكم وهو االهم‪ ،‬فان الشريعة هي‬ ‫جمموعة احكام ومعارفها االساسية عالقاتية حكمية وحىت‬ ‫اطرافها حينما تدرك فامنا تدرك مبا هي يف احكام وهذا‬ ‫ايضا يعطي لوان للشريعة متميز خيتلف عن االعتباط و‬ ‫‪9‬‬


‫االتفاق الذي يقصد الذوات‪ ،‬بل الشريعة هلا تناسق و‬ ‫حمورية ومقاصدية و اجتاه و متيز واضح يف ابعادها‬ ‫االنسانية و االخالقية واملعرفية عموما‪ .‬ولكل معرفة‬ ‫شرعية أي عالقة ابملعىن العام او حكم مبعناه العام فان‬ ‫له دائرة معنوية وهي الدائرة االنتمائية للعناصر املعرفية‬ ‫ومنها ما هو جوهري ذايت ومنا ما هو عرضي عالقايت‪،‬‬ ‫وهذا الدائرة مدركة بوضوح وبتميز وراسخة بقدر رسوخ‬ ‫وحمورية املعرفة اليت يرجع اليها‪ .‬ومن املعارف الشرعية ما‬ ‫هو حموري يف الشرع يرد اليها غريها‪ ،‬وتلك املعارف‬ ‫احملورية عادة ما تكون واضحة جلميع الناس وبينة جبميع‬ ‫تفاصيلها أي جبميع عناصرها املعرفية اجلوهرية والعرضية‬ ‫االساسية والعريضة الفرعية‪ .‬ويف الشرع الشاهد هو‬ ‫تداخل معريف مع توفق يف االجتاه فاذا مل يكن تداخل‬ ‫فهذا يعين عدم الشاهد واذا كان تداخل وابجتاه معاكس‬ ‫أي مع تعارض فهذا شاهد بعدم االنتماء ‪.‬‬ ‫وكما ان املعاين دوائر معرفية فيها املركز والذات و فيها‬ ‫العالقات املظهرية فان الشريعة ايضا هي بصورة دائرة‬ ‫معرفية فيها مركز معريف جوهري حموري و حوله املعارف‬ ‫‪10‬‬


‫االخرى العالقاتية‪ ،‬املظهرية الطرفية‪ .‬والرد الشرعي هو‬ ‫عملية عقلية سريعة يكون ابألساس اىل حمور الشريعة‬ ‫ومركزها املعريف اجلوهري مث اىل املعارف املظهرية الطرفية‬ ‫ومن خالل ما يدرك من تداخل معريف او ال ومن خالل‬ ‫توافق او تعارض حيكم ابلشاهد واملصدق فيحكم بعلمية‬ ‫املعرفة او ظنيته او كذهبا‪ .‬ومن البني جدا ان هذه العملية‬ ‫كفؤة جدا ويسرية جدا لكل من هو عاقل عارف ابللغة‬ ‫وال جمال الفرتاض املوانع النه ال واقعية هلا وهذا ما نراه‬ ‫من كلمات الناس وتعامله مع املعارف‪.‬‬ ‫ان املعارف ينظر اليها يف نفسها و مرة اخرة ينظر اليها‬ ‫ابعتبارها جزء من نظام‪ ،‬وهذا النظام له خصائص معرفية‬ ‫معينة‪ ،‬اذا حققهتا تلك املعرفة كانت منه واذا مل حتققها‬ ‫مل تكن منه‪ ،‬و بقدر حتقيق وظهور تلك اخلصائص و‬ ‫تكاملها يف املعرفة املنتسبة تتميز نسبتها و انتمائها‬ ‫للمعرف ابلضبط كحالة االنتماء االجتماعي البشري كما‬ ‫ان قوة عالقاهتا و كثرهتا و أتثريها ايضا حيد حمورتيها يف‬ ‫املعرفة‪ ،‬فالنظام املعريف كاجملتمع البشري و املعارف اجلزئية‬ ‫فيه كاالفراد‪ ،‬ومن هنا ميكننا ان نصف االنظمة املعرفة‬ ‫‪11‬‬


‫ابهنا جمتمعات معرفية وان املعارف املنتمية اىل نظام اهنا‬ ‫افراد معرفية و ان قوة وحمورية الفرد انتج من فاعليته يف‬ ‫اجملتمع واتثريه‪ .‬واتثر املعرفة فاعليتها تكون برسوخها و‬ ‫مقدار متثيلها للنظام و كثرة تداخلها وعالقاهتا‪ ،‬اذن‬ ‫فمحورية املعرفة يف نظام تعتمد غاليا على قوة متثيلها‬ ‫للنظام أي رسوخها فيه و كثرة عالقتها فيه وحكميتها‬ ‫على غريها حبسب العالقات احلكمية والعرفية يف‬ ‫التداخالت‪ .‬وهذه احملورية هي اليت تعطي للمعرفة املعينة‬ ‫صفة مرجعية يرد اليها غريها واملعارف تتفاوت يف ذلك‪.‬‬ ‫فاملعارف يف نظام ينظر يف قوة ثباهتا يف النظام مث ينظر‬ ‫اىل قوة حموريتها فيها‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬الرواية واملضمون‬ ‫العرض هو عرض معرفة على معرفة‪ ،‬و املعرفة هي كل‬ ‫عبارة مستقلة يف معناه ولذلك فيمكن ان تكون يف النص‬ ‫الواحد اكثر من عبارة مستقلة املعىن هي املضمون‪ ،‬ومن‬ ‫الواضح انه حصول اكثر من مضمون يف نص واحد‪ ،‬كما‬ ‫‪12‬‬


‫ان هذه املضامني ميكن ان ختتلف يف قرهبا او بعدها عن‬ ‫املعارف الثابتة اليت يرد اليها غريها‪ .‬ومن هنا يكون من‬ ‫اجلائز جدا واملنطقي جدا تفكيك النص الروائي اىل‬ ‫جمموعة مضامني وعرض كل مضمون مستقال على‬ ‫املعارف الثابتة واالخذ مبا وفق القران والسنة ورد ما‬ ‫خالفهما ‪.‬‬ ‫وكما انه من اجلائز ان يكون النص كله موضوع على قائله‬ ‫ومكذوب عليه فانه ميكن ان يكون بعض مضامينه‬ ‫موضوعا مكذواب مع صحة أصل النص‪ .‬وكما انه ميكن‬ ‫ان يكون اخللل يف جمموع الرواية فانه ايضا ميكن ان يكون‬ ‫يف زايدة او نقصان لفظ‪ ،‬بل هو الغالب‪ ،‬وكما ميكن ان‬ ‫يكون التغيري املتعمد او غري املتعمد جلميع املضامني فانه‬ ‫ايضا ميكن ان يكون يف بعضها‪ ،‬هذا كله يعطي اساسا‬ ‫عرفيا لتفكيك الرواية و متييز مضامينها و عرض كل‬ ‫مضمون مستقال على املعارف الثابتة‪.‬‬ ‫من هنا يكون واضحا ان النص الواحد ميكن ان يتكون‬ ‫من أكثر من مضمون وانه يصح عرض كل مضمون منها‬ ‫‪13‬‬


‫على املعارف الثابتة فيؤخذ مبا له شاهد منها ويرتك ما‬ ‫ليس له شاهد‪ .‬وهذا ابلضبط ينطبق على الرواية وان‬ ‫كانت العادة بسبب االجتاه السندي اىل التعامل مع‬ ‫الرواية ككل واحد فإما ان تقبل او ترفض وهذا واضح‬ ‫اخلطأ على مجيع الوجوه ألنه حيتمل ان يكون أصل الرواية‬ ‫صحيحا وان التحريف حصل يف جزء وجزء صغري رمبا‬ ‫حرف او كلمة‪ ،‬بل هذا هو الغالب وقد جاءت نصوص‬ ‫كثرية تشري اىل ان حتريف الرواايت حصل يف جزء إبضافة‬ ‫كلمة او نقص اخرى وان كان الكذب برواية كاملة ايضا‬ ‫موجودا‪ .‬ومن هنا يكون من الواضح صحة تفكيك الرواية‬ ‫اىل مضامينها وعرض كل مضمون على حدة مستقال‬ ‫واخذ مبا له شاهد من القران والسنة وترك ما ليس له‬ ‫شاهد منها‪ .‬ان هذا التفكيك للرواية له اسسه العقالنية‬ ‫والعرفية كما ان ظاهر ادلة العرض مشوله ومن الواضح‬ ‫امكان دخول اخللل على جزء من الرواية وان كان أصلها‬ ‫صحيحا بل ان هذا يكثر واالختالفات يف االلفاظ‬ ‫للحديث الواحد شاهد‪ ،‬وحبث الزايدة الروائية واقع يف‬ ‫علم احلديث‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫الرابع‪ :‬آلية عرض املضامني على املعارف الشرعية الثابتة‬ ‫حينما يبلغ االنسان حديث اي مضمون فان هذا‬ ‫املضمون له معىن حكمي (عالقة) ختتص ابملوضوع‬ ‫واحملمول‪ ،‬ويالحظ فيه ثالثة أطراف احملمول واملوضوع‬ ‫والنسبة‪ ،‬وكل واحد من هذه االطراف سواء كان مفردا‬ ‫ام مركبا فان له دائرة معىن يف املعارف الثابتة تكون حاله‬ ‫يف هذه العالقة معروضة عليها‪ .‬طبعا هنا يعامل النص‬ ‫الشرعي من حيث املصدر معاملة واحدة ابعتبار وحدة‬ ‫‪15‬‬


‫املصدر‪ ،‬فيكون النظر اىل املنت بشكل خاص‪ ،‬نعم إذا‬ ‫كان يف املنت اخبار عن حالة تتعلق ابلقائل من االولياء‬ ‫صلوات هللا عليهم فانه ايضا هذا يكون موضوعا للرد‪.‬‬ ‫ان العقل البشري كفوء جدا يف الرد املعريف ككفاءته يف‬ ‫حتصيل املعىن من النص‪ ،‬رغم تعدد جوانب املالحظة‬ ‫واملعاين اليت حتضر عند الرد‪ ،‬وغالبا ما حيصل الرد مباشرة‬ ‫عند تلقي املعىن فيكون هناك قبول او ارتياب او عدم‬ ‫تبني احلال‪ .‬وهذا يعود لسببني اوال كفاءة العقل يف الرد‬ ‫واثنيا رسوخ املعارف الثابتة خبصوص املعارف وخصوصا‬ ‫املعارف الدينية‪.‬‬ ‫بعد سالمة الرتكيب ووضح املعىن وحتصيله بطريقة عرفية‬ ‫عقالنية واضحة حتصل عملية الرد واليت قد حتصل مبشرة‬ ‫ولو تعمد االنسان ورسخ فكرة الرد يف نفسه فان الرد‬ ‫املعريف سيكون مقرتان ابلفهم وسيكون جزء من عملية‬ ‫تقبل املعرفة احملمولة ابلنص‪.‬‬ ‫وال ريب ان هذه ممارسة عقلية فيختلف فيها املبتدئ عن‬ ‫املتمرس وكلما كثرة املمارسة صار االنسان أكثر مترسا‬ ‫‪16‬‬


‫ابلرد حىت يصال اىل قدرة عالية من الرد ال تتخلف اال‬ ‫قليال‪ .‬التخلف الردي حيتاج اىل حتليل ومراجعة وهو شيء‬ ‫وارد حىت عند أكثر املتمرسني ابلرد‪ .‬وعلى كل حال الرد‬ ‫عملية عفوية عرفية عقالئية بسيطة اال انه احياان يلتفت‬ ‫اليها وتعترب واحياان ال يلتفت اليها‪ .‬منهج العرض وتقييم‬ ‫النصوص ابلعرض يعين االلتفات اىل عملية الرد وليس‬ ‫القيام هبا يف الواقع‪.‬‬ ‫وكبيان شارح ملا هو عفوي وجداين فان العقل يدرك‬ ‫ويالحظ ما لديه من معارف خبصوص العالقة بني‬ ‫االطراف يف النص الذي بلغه مسعا او قراءة وهو النص‬ ‫املعروض اي املعرفة املعروضة‪ ،‬فهو نص متلقى ومعرفة‬ ‫متلقاة ونص معروض ومعرفة معروضة‪ .‬وبتعبري معهود هو‬ ‫ما بلغ القارئ او السامع من حديث‪ ،‬فهو حديث مقروء‬ ‫او حديث مسموع او حديث معروض وهو احلديث‬ ‫الذي بلغ القارئ او املستمع‪.‬‬ ‫قد بينت يف منساابت كثرية ان العرض يكون للمعرفة‬ ‫الظنية‪ ،‬وهنا امران االول الظنية للكالم املنقول هلا جهتان‬ ‫‪17‬‬


‫االول ظنية النقل وظنية الداللة‪ ،‬اما ظنية النقل فهي‬ ‫خمتصة ابحلديث ظين الصدور واما آايت القران والسنة‬ ‫املتفق عليها فليست موضوعا للعرض بل هي ما يعرض‬ ‫عليه‪ .‬والغرض هنا اخراج احلديث الظين اىل حالة العلم‬ ‫فيصبح حديثا معلوما ابلتصديق والشواهد‪.‬‬ ‫واما من جهة الفهم فاملعروض ايضا الفهم الظين‪ ،‬فالفهم‬ ‫فهمان فهم قطعي متفق عليه بني املسلمني له أصل عريف‬ ‫وعقالئي ومعريف وفهم ال يتصف بذلك‪ ،‬الفهم املتفق‬ ‫عليه ال يعرض بل هو ما يعرض عليه هو املعرفة املعروض‬ ‫عليها غريها‪ ،‬وامنا العرض للفهم الظين‪ .‬وهذا الفهم الظين‬ ‫قد يكون لنص قطعي كآية او حديث اثبت او لنص‬ ‫ظين كحديث ظين الصدور‪.‬‬ ‫واحلديث هنا عن احلديث اي املضمون الظين صدورا‪،‬‬ ‫واما ابقي االقسام فلها مواضع اخران‪ .‬حينما يبلغنا‬ ‫مضمون ظين الصدور‪ ،‬فإننا واثناء بناء الكالم واستفادة‬ ‫املعىن حيصل استحضار للمعىن و عالقاته و دوائره بشكل‬ ‫امجايل و ملا هو راسخ منه‪ ،‬ومباشرة بعد اكتمال املعىن و‬ ‫‪18‬‬


‫متام عملية الفهم حيصل رد ’يل اىل ما هو معلوم عنه‪ ،‬اي‬ ‫عن العالقة ‪ ،‬اي عن اطرافها من موضوع وحممول وما‬ ‫يتعلق بذلك و يتفرع منه من صفات او شروط او قيود‬ ‫حنو ذلك من اغراض و اساليب‪ ،‬و يف الشريعة يستحضر‬ ‫معرفتان مهمتان يف االعتقادات و االعمال‪ ،‬فإما يف‬ ‫االعتقادات فيستحضر غيبية املعرفة او ظاهريتها و يف‬ ‫االعمال يستحضر لزوم املعرفة ام عدم لزومها‪.‬‬ ‫حينما يبلغ العقل مضمون معني فانه يعرضه على ما‬ ‫يعرف‪ ،‬فان وجد له شاهدا ومصدقا من املعارف اليت‬ ‫عنده سابقا فانه يقر ويذعن ابلنقل والظاهر واال توقف‬ ‫او رفض املضمون‪ .‬ان االصل يف النقل عند العقل هو‬ ‫الظن مهما كان حال النقل اال ان يبلغ درجة االستقالل‬ ‫حبيث يتحقق علم اكيد نقلي واال فان االصل يف النقل‬ ‫الظن‪ ،‬فان وجد شاهدا ومصدقا صار علما واقر واال بقي‬ ‫ظنا‪ .‬واما إذا وجد قرينة خالف النقل فانه يصبح شكل‬ ‫وإذا ثبت عدم الصدور حكم ابنه كذب‪ ،‬فالكذب ال بد‬ ‫فيه من علم وال يكفي الظن‪ .‬فاحلديث اما ان يعلم انه‬ ‫صدق او يعلم انه كذب او يبقى ظنا سواء مشكوكا‬ ‫‪19‬‬


‫الصدق او مشكوك الكذب‪ .‬الشاهد واملصدق املتين‬ ‫املعريف هو الذي جيعل احلديث معلوم الصدق وهو‬ ‫املضمون الصحيح وحديثه احلديث الصحيح‪ ،‬واما غري‬ ‫ذلك فهو مضمون معتل وحديثه حديث معتل‪.‬‬ ‫اشارة‪:‬‬ ‫قال اجمللسي‪ :‬مع أن منت اخلربين شاهدا صدق على‬ ‫صحتهما‪ .‬وأيضا مها يشتمالن على براهني ال تتوقف‬ ‫إفادهتا العلم على صحة اخلرب‪ ) .‬اما قوله ان منت اخلربين‬ ‫شاهدا صدق من حيث تصديق ما فيهما من معارف‬ ‫ابملعارف العقالنية وخلومها مما فيه خمالفة واضحة للثابت‬ ‫من معارف‪ .‬ولكن عرفت انه ال بد من شاهد معريف من‬ ‫املعرفة الشرعية ليثبت االتصال والقرابة املعرفية‪ ،‬وعدم‬ ‫املخالفة والتعارض وكوهنما مصدقة ابملعارف العرفية ليس‬ ‫كافيا يف اخراجهما من الظن اىل العلم فهذا القرائن‬ ‫جتعلها ظن الصدور مع شك ابلصدق وهو ال حيقق‬ ‫العلم‪ .‬واما قوله اهنما يشتمالن على براهني ال تتوقف‬ ‫إفادهتا العلم على صحة فهو ما ذكرته من اشتماهلا على‬ ‫‪20‬‬


‫شروح عقالنية ومعارف عقالنية عرفية مصدقة وهذا وان‬ ‫افاد صدق املعرفة يف نفسها اال انه ال يثبت كوهنا معرفة‬ ‫شرعية وحنن نبحث يف صدق كوهنا معرفة شرعية‪ ،‬فليس‬ ‫كل معرفة صادقة هي معرفة شرعية‪ .‬فكثري يف حياتنا‬ ‫معارف نقلية صادقة اال ان حبثنا كون تلك املعرفة صادرة‬ ‫من الشرع‪ .‬ومن هنا فان كثري من املضامني هنا وان‬ ‫اتصفت مبا تقدم اال اهنا ال حتقق االنتماء الشرعي وال‬ ‫االتصال الشرعي وال شاهد هلا من الشرع كمعرفة صادرة‬ ‫وال يقال انه ما املانع ان يفصل الشرع خلقة كائنات‬ ‫تفصيال دقيقا فان ال مانع من ذلك اال انه ليس هناك‬ ‫شاهد على مثل ذلك من الثابت من الشريعة فانه يكتفي‬ ‫يف مثل ذلك وغري ذلك ابلتلميح واالشارة واالرتكاز‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫فصل‪ :‬مقدمة املفضل‬ ‫‪ .1‬مفضل بن عمر جعفى كوىف) ت‪ :‬ذكره الربقي يف‬ ‫رجال الصادق صلوات هللا عليه‪ ،‬قال ‪:‬املفضل بن‬ ‫عمر اجلعفي‪ ،‬موىل كويف‪ .‬وعده املفيد من شيوخ‬ ‫اّلل (عليه السالم ) وخاصته‬ ‫أصحاب أيب عبد ّ‬ ‫اّلل عليهم) ‪.‬‬ ‫وبطانته وثقاته الفقهاء الصاحلني (رمحة ّ‬ ‫وذكر اجمللسي ان ظاهر االخبار الكثرية علو قدره‬ ‫وجاللته‪.‬‬ ‫‪ .2‬روى حممد بن سنان قال حدثين املفضل بن عمر‬ ‫قال كنت ذات يوم بعد العصر جالسا يف الروضة‬ ‫بني القرب و املنرب و أان مفكر فيما خص هللا تعاىل به‬ ‫سيدان حممدا ص من الشرف و الفضائل و ما منحه‬ ‫و أعطاه و شرفه و حباه مما ال يعرفه اجلمهور من‬ ‫األمة و ما جهلوه من فضله و عظيم منزلته و خطري‬ ‫مرتبته)‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫‪ .3‬فإين لكذلك إذ أقبل ابن أيب العوجاء فجلس حبيث‬ ‫أمسع كالمه فلما استقر به اجمللس إذ رجل من‬ ‫أصحابه قد جاء فجلس إليه فتكلم ابن أيب العوجاء‬ ‫‪22‬‬


‫فقال لقد بلغ صاحب هذا القرب العز بكماله و حاز‬ ‫الشرف جبميع خصاله و انل احلظوة يف كل أحواله‬ ‫فقال له صاحبه إنه كان فيلسوفا ادعى املرتبة‬ ‫العظمى و املنزلة الكربى و أتى على ذلك مبعجزات‬ ‫هبرت العقول و ضلت فيها األحالم و غاصت‬ ‫األلباب على طلب علمها يف حبار الفكر فرجعت‬ ‫خاسئات و هي حسر) ‪ .‬مضمون معتل ظن ال‬ ‫شاهد له‪.‬‬ ‫‪ .4‬فلما استجاب لدعوته العقالء و الفصحاء و‬ ‫اخلطباء دخل الناس يف دينه أفواجا فقرن امسه ابسم‬ ‫انموسه) مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫‪ .5‬فصار يهتف به على رءوس الصوامع يف مجيع‬ ‫البلدان واملواضع اليت انتهت إليها دعوته وعلتها‬ ‫كلمته وظهرت فيها حجته برا و حبرا سهال و جبال‬ ‫يف كل يوم و ليلة مخس مرات مرددا يف األذان و‬ ‫اإلقامة ليتجدد يف كل ساعة ذكره و لئال خيمل أمره)‬

‫ت‪ :‬هذا قول الدهري ‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال‬ ‫شاهد له‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫‪ .6‬فقال ابن أيب العوجاء دع ذكر حممد ص فقد حتري‬ ‫فيه عقلي و ضل يف أمره فكري و حدثنا يف ذكر‬ ‫األصل الذي منشي له مث ذكر ابتداء األشياء و زعم‬ ‫أن ذلك إبمهال ال صنعة فيه و ال تقدير و ال صانع‬ ‫و ال مدبر بل األشياء تتكون من ذاهتا بال مدبر و‬ ‫على هذا كانت الدنيا مل تزل و ال تزال) مضمون‬ ‫معتل ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫‪ .7‬قال املفضل فلم أملك نفسي غضبا و غيظا و حنقا‬ ‫فقلت اي عدو هللا أ حلدت يف دين هللا و أنكرت‬ ‫الباري جل قدسه الذي خلقك يف أحسن تقومي و‬ ‫صورك يف أمت صورة و نقلك يف أحوالك حىت بلغ‬ ‫إىل حيث انتهيت فلو تفكرت يف نفسك و صدقك‬ ‫لطيف حسك لوجدت دالئل الربوبية و آاثر الصنعة‬ ‫فيك قائمة و شواهده جل و تقدس يف خلقك‬ ‫واضحة و براهينه لك الئحة) مضمون معتل ظين‬ ‫ضعيف ال شاهد له‪.‬‬

‫‪ .8‬فقال اي هذا إن كنت من أهل الكالم كلمناك فإن‬ ‫ثبتت لك حجة تبعناك و إن مل تكن منهم فال كالم‬ ‫‪24‬‬


‫لك و إن كنت من أصحاب جعفر بن حممد‬ ‫الصادق فما هكذا ختاطبنا و ال مبثل دليلك جتادل‬ ‫فينا) مضمون معتل ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫‪ .9‬و لقد مسع من كالمنا أكثر مما مسعت فما أفحش‬ ‫يف خطابنا و ال تعدى يف جوابنا و إنه احلليم الرزين‬ ‫العاقل الرصني ال يعرتيه خرق و ال طيش و ال نزق‬ ‫يسمع كالمنا و يصغى إلينا و يتعرف حجتنا حىت‬ ‫إذا استفرغنا ما عندان و ظنننا إان قطعناه دحض‬ ‫حجتنا بكالم يسري و خطاب قصري يلزمنا به احلجة‬ ‫و يقطع العذر و ال نستطيع جلوابه ردا) ت‪ :‬هذا من‬ ‫قول الدهري ‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فإن كنت من أصحابه فخاطبنا مبثل‬ ‫‪.10‬‬ ‫خطابه) مضمون معتل ظن ليس له شاهد‪.‬‬ ‫قال املفضل فخرجت من املسجد حمزوان‬ ‫‪.11‬‬ ‫مفكرا فيما بلي به اإلسالم و أهله من كفر هذه‬ ‫العصابة و تعطيلها فدخلت على موالي ع فرآين‬ ‫منكسرا فقال ما لك فأخربته مبا مسعت من الدهريني‬ ‫و مبا رددت عليهما) ت‪ :‬قوله على موالي اي ايب‬ ‫‪25‬‬


‫عبد هللا صلوات هللا عليخه مضمون معتل ظن ال‬ ‫شاهد له‪.‬‬

‫فقال اي مفضل أللقني عليك من حكمة‬ ‫‪.12‬‬ ‫الباري جل و عال و تقدس امسه يف خلق العامل و‬ ‫السباع و البهائم و الطري و اهلوام و كل ذي روح من‬ ‫األنعام و النبات و الشجرة املثمرة و غري ذات الثمر‬ ‫و احلبوب و البقول املأكول من ذلك و غري املأكول‬ ‫ما يعترب به املعتربون و يسكن إىل معرفته املؤمنون و‬ ‫يتحري فيه امللحدون فبكر علي غدا) مضمون معتل؛‬ ‫ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫فصل‪ :‬اجمللس األول‬ ‫قال املفضل فانصرفت من عنده فرحا‬ ‫‪.13‬‬ ‫مسرورا و طالت على تلك الليلة انتظارا ملا وعدين‬ ‫به فلما أصبحت غدوت فاستؤذن يل فدخلت و‬ ‫قمت بني يديه فأمرين ابجللوس فجلست مث هنض‬ ‫إىل حجرة كان خيلو فيها و هنضت بنهوضه فقال‬ ‫اتبعين فتبعته فدخل و دخلت خلفه فجلس و‬ ‫جلست بني يديه فقال اي مفضل كأين بك و قد‬ ‫طالت عليك هذه الليلة انتظارا ملا وعدتك فقلت‬

‫أجل اي موالي) مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫مضمون صحيح (‪)1‬‬

‫فقال اي مفضل إن هللا تعاىل كان وال شي‬ ‫‪.14‬‬ ‫ء قبله وهو ابق وال هناية له فله احلمد على ما‬ ‫أهلمنا والشكر على ما منحنا فقد خصنا من العلوم‬ ‫أبعالها ومن املعايل أبسناها واصطفاان على مجيع‬ ‫‪27‬‬


‫اخللق بعلمه وجعلنا مهيمنني عليهم حبكمه) ت‪:‬‬ ‫فقال اي االمام صلوات هللا عليه‪ .‬مضمون‬ ‫صحيح؛ علم له شاهد‪.‬‬ ‫فقلت اي موالي أ أتذن يل أن أكتب ما‬ ‫‪.15‬‬ ‫تشرحه و كنت أعددت معي ما أكتب فيه فقال يل‬

‫افعل) مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪.16‬‬

‫مضمون صحيح (‪)2‬‬ ‫‪.17‬‬

‫اي مفضل إن الشكاك جهلوا األسباب و‬

‫املعاين يف اخللقة و قصرت أفهامهم عن أتمل‬ ‫الصواب و احلكمة فيما ذرأ الباري جل قدسه و‬ ‫برأ من صنوف خلقه يف الرب و البحر و السهل و‬ ‫الوعر فخرجوا بقصر علومهم إىل اجلحود و‬ ‫بضعف بصائرهم إىل التكذيب و العنود حىت‬ ‫أنكروا خلق األشياء و ادعوا أن تكوهنا ابإلمهال‬ ‫ال صنعة فيها و ال تقدير و ال حكمة من مدبر و‬ ‫ال صانع) مضمون صحيح؛ علم له شاهد‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫تعاىل هللا عما يصفون و قاتلهم هللا أىن‬ ‫‪.18‬‬ ‫يؤفكون فهم يف ضالهلم و غيهم و جتربهم مبنزلة‬ ‫عميان دخلوا دارا قد بنيت أتقن بناء و أحسنه و‬ ‫فرشت أبحسن الفرش و أفخره و أعد فيها ضروب‬ ‫األطعمة و األشربة و املالبس و املآرب اليت حيتاج‬ ‫إليها و ال يستغىن عنها و وضع كل شي ء من ذلك‬ ‫موضعه على صواب من التقدير و حكمة من التدبري‬ ‫فجعلوا يرتددون فيها ميينا و مشاال و يطوفون بيوهتا‬ ‫إدابرا و إقباال حمجوبة أبصارهم عنها ال يبصرون بنية‬ ‫الدار و ما أعد فيها و رمبا عثر بعضهم ابلشي ء‬ ‫الذي قد وضع موضعه و أعد للحاجة إليه و هو‬ ‫جاهل للمعىن فيه و ملا أعد و ملا ذا جعل كذلك‬ ‫فتذمر و تسخط و ذم الدار و ابنيها فهذه حال هذا‬ ‫الصنف يف إنكارهم ما أنكروا من أمر اخللقة و ثبات‬ ‫الصنعة فإهنم ملا عزبت أذهاهنم عن معرفة األسباب‬ ‫و العلل يف األشياء صاروا جيولون يف هذا العامل‬ ‫حيارى فال يفهمون ما هو عليه من إتقان خلقته و‬ ‫حسن صنعته و صواب هيئته و رمبا وقف بعضهم‬ ‫‪29‬‬


‫على الشي ء جيهل سببه و األرب فيه فيسرع إىل‬ ‫ذمه و وصفه ابإلحالة و اخلط كالذي أقدمت عليه‬ ‫املنانية الكفرة و جاهرت به امللحدة املارقة الفجرة و‬ ‫أشباههم من أهل الضالل املعللني أنفسهم ابحملال )‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫مضمون صحيح (‪)3‬‬ ‫‪.19‬‬

‫فيحق على من أنعم هللا عليه مبعرفته و‬

‫هداه لدينه و وفقه لتأمل التدبري يف صنعة اخلالئق‬ ‫و الوقوف على ما خلقوا له من لطيف التدبري و‬ ‫صواب التقدير ابلداللة القائمة الدالة على‬ ‫صانعها أن يكثر محد هللا مواله على ذلك و يرغب‬ ‫إليه فيالثبات عليه و الزايدة منه فإنه جل امسه‬ ‫يقول لَئِ ْن َش َك ْرمُْت َألَ ِزي َدن مك ْم َو لَئِ ْن َك َف ْرمُْت إِن َع ِ‬ ‫ذاِب‬ ‫ش ِديد) مضمون صحيح له شاهد‪.‬‬ ‫لَ َ‬

‫مضمون صحيح (‪)4‬‬

‫‪30‬‬


‫اي مفضل أول العرب والداللة على الباري‬ ‫‪.20‬‬ ‫جل قدسه هتيئة هذا العامل و أتليف أجزائه و‬ ‫نظمها على ما هي عليه) مضمون صحيح له‬ ‫شاهد‪.‬‬ ‫فإنك إذا أتملت العامل بفكرك و خربته‬ ‫‪.21‬‬ ‫بعقلك وجدته كالبيت املبين املعد فيه مجيع ما حيتاج‬ ‫إليه عباده فالسماء مرفوعة كالسقف و األرض‬ ‫ممدودة كالبساط و النجوم مضيئة كاملصابيح و‬ ‫اجلواهر خمزونة كالذخائر و كل شي ء فيها لشأنه‬ ‫معد و اإلنسان كامللك ذلك البيت و املخول مجيع‬ ‫ما فيه و ضروب النبات مهيأة ملآربه و صنوف‬ ‫احليوان مصروفة يف مصاحله و منافعه ففي هذا داللة‬ ‫واضحة على أن العامل خملوق بتقدير و حكمة و‬ ‫نظام و مالئمة و أن اخلالق له واحد و هو الذي‬ ‫ألفه و نظمه بعضا إىل بعض جل قدسه و تعاىل‬ ‫جده و كرم وجهه و ال إله غريه تعاىل عما يقول‬ ‫اجلاحدون و جل و عظم عما ينتحله امللحدون)‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫نبدأ اي مفضل بذكر خلق اإلنسان فاعترب‬ ‫‪.22‬‬ ‫به فأول ذلك ما يدبر به اجلنني يف الرحم و هو‬ ‫حمجوب يف ظلمات ثالث ظلمة البطن و ظلمة‬ ‫الرحم و ظلمة املشيمة حيث ال حيلة عنده يف طلب‬ ‫غذاء و ال دفع أذى و ال استجالب منفعة و ال دفع‬ ‫مضرة فإنه جيرى إليه من دم احليض ما يغذوه املاء و‬ ‫غذاؤه‬ ‫ذلك‬ ‫يزال‬ ‫فال‬ ‫النبات‬ ‫كيفية والدة اجلنني و غذائه و طلوع أسنانه و بلوغه‬ ‫حىت إذا كمل خلقه و استحكم بدنه و قوى أدميه‬ ‫على مباشرة اهلواء و بصره على مالقاة الضياء هاج‬ ‫الطلق أبمه فأزعجه أشد إزعاج و أعنفه حىت يولد‬ ‫فإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم‬ ‫أمه إىل ثديها و انقلب الطعم و اللون إىل ضرب‬ ‫آخر من الغذاء و هو أشد موافقة للمولود من الدم‬ ‫فيوافيه يف وقت حاجته إليه فحني يولد قد تلمظ و‬ ‫حرك شفتيه طلبا للرضاع فهو جيد ثدي أمه‬ ‫كاإلداوتني املعلقتني حلاجته فال يزال يتغذى ابللنب‬ ‫ما دام رطب البدن رقيق األمعاء لني األعضاءحىت‬ ‫‪32‬‬


‫إذا حيرك و احتاج إىل غذاء فيه صالبة ليشتد و‬ ‫يقوى بدنه طلعت له الطواحن من األسنان و‬ ‫األضراس ليمضغ هبا الطعام فيلني عليه و يسهل له‬ ‫إساغته فال يزال كذلك حىت يدرك فإذا أدرك و كان‬ ‫ذكرا طلع الشعر يف وجهه فكان ذلك عالمة الذكر‬ ‫و عز الرجل الذي خيرج به من جد الصبا و شبه‬ ‫النساء و إن كانت أنثى يبقى وجهها نقيا من الشعر‬ ‫لتبقى هلا البهجة و النضارة اليت حترك الرجل ملا فيه‬ ‫دوام النسل و بقاؤه اعترب اي مفضل فيما يدبر به‬ ‫اإلنسان يف هذه األحوال املختلفة هل ترى مثله‬ ‫ميكن أن يكون ابإلمهال أ فرأيت لو مل جير إليه ذلك‬ ‫الدم و هو يف الرحم أ مل يكن سيذوي و جيف كما‬ ‫جيف النبات إذا فقد املاء و لو مل يزعجه املخاض‬ ‫عند استحكامه أ مل يكن سيبقى يف الرحم كاملوءود‬ ‫يف األرض و لو مل يوافقه اللنب مع والدته أ مل يكن‬ ‫سيموت جوعا أو يغتذي بغذاء ال يالئمه و ال‬ ‫يصلح عليه بدنه و لو مل تطلع له األسنان يف وقتها‬ ‫أ مل يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام و إساغته أو‬ ‫‪33‬‬


‫يقيمه على الرضاع فال يشتد بدنه و ال يصلح لعمل‬ ‫مث كان يشغل أمه بنفسه عن تربية غريه من األوالد)‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫و لو مل خيرج الشعر يف وجهه يف وقته أ مل‬ ‫‪.23‬‬ ‫يكن سيبقى يف هيئة الصبيان و النساء فال ترى له‬ ‫جاللة و ال وقارا قال املفضل فقلت له اي موالي فقد‬ ‫رأيت من يبقى على حالته و ال ينبت الشعر يف‬ ‫وجهه و إن بلغ الكرب فقال ع ذلِ َ ِ‬ ‫ت‬ ‫َّم ْ‬ ‫ك مبا قَد َ‬ ‫اّلل لَيس بِظَ​َّالٍم لِْلعبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫يد فمن هذا الذي‬ ‫َ‬ ‫أَيْدي ُك ْم َو أَن ََّ ْ َ‬ ‫يرصده حىت يوافيه بكل شي ء من هذه املآرب إال‬ ‫الذي أنشأه خلقا بعد أن مل يكن مث توكل له مبصلحته‬ ‫بعد أن كان فإن كان اإلمهال أييت مبثل هذا التدبري‬ ‫فقد جيب أن يكون العمد و التقدير أيتيان ابخلطأ و‬ ‫احملال ألهنما ضد اإلمهال و هذا فظيع من القول و‬ ‫جهل من قائله ألن اإلمهال ال أييت ابلصواب و‬ ‫التضاد ال أييت ابلنظام تعاىل هللا عما يقول امللحدون‬ ‫علوا كبريا‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫و لو كان املولود يولد فهما عاقال ألنكر‬ ‫‪.24‬‬ ‫العامل عند والدته و لبقي حريان اتئه العقل إذا رأى‬ ‫ما مل يعرف و ورد عليه ما مل ير مثله من اختالف‬ ‫صور العامل من البهائم و الطري إىل غري ذلك مما‬ ‫يشاهده ساعة بعد ساعة و يوما بعد يوم و اعترب‬ ‫ذلك أبن من سيب من بلد و هو عاقل يكون كالواله‬ ‫احلريان فال يسرع إىل تعلم الكالم و قبول األدب كما‬ ‫يسرع الذي سيب صغريا غري عاقل مث لو ولد عاقال‬ ‫كان جيد غضاضة إذا رأى نفسه حمموال مرضعا‬ ‫معصبا ابخلرق مسجى يف املهد ألنه ال يستغين عن‬ ‫هذا كله لرقة بدنه و رطوبته حني يولد مث كان ال‬ ‫يوجد له من احلالوة و الوقع من القلوب ما يوجد‬ ‫للطفل فصار خيرج إىل الدنيا غبيا غافال عما فيه أهله‬ ‫فيلقى األشياء بذهن ضعيف و معرفة انقصة مث ال‬ ‫يزال يتزايد يف املعرفة قليال قليال و شيئا بعد شي ء‬ ‫و حاال بعد حال حىت أيلف األشياء و يتمرن و‬ ‫يستمر عليها فيخرج من حد التأمل هلا و احلرية فيها‬ ‫إىل التصرف و االضطرار إىل املعاش بعقله و حيلته‬ ‫‪35‬‬


‫و إىل االعتبار و الطاعة و السهو و الغفلة و املعصية‬ ‫و يف هذا أيضا وجوه أخر فإنه لو كان يولد اتم العقل‬ ‫مستقال بنفسه لذهب موضع حالوة تربية األوالد و‬ ‫ما قدر أن يكون للوالدين يف االشتغال ابلولد من‬ ‫املصلحة و ما يوجب الرتبية لآلابء على األبناء من‬ ‫املكافأة ابلرب و العطف عليهم عند حاجتهم إىل‬ ‫ذلك منهم مث كان األوالد ال أيلفون آابءهم و ال‬ ‫أيلف اآلابء أبناءهم ألن األوالد كانوا يستغنون عن‬ ‫تربية اآلابء و حياطتهم فيتفرقون عنهم حني يولدون‬ ‫فال يعرف الرجل أابه و أمه و ال ميتنع من نكاح أمه‬ ‫و أخته و ذوات احملارم منه إذا كان ال يعرفهن و أقل‬ ‫ما يف ذلك من القباحة بل هو أشنع و أعظم و أفظع‬ ‫و أقبح و أبشع لو خرج املولود من بطن أمه و هو‬ ‫يعقل أن يرى منها ما ال حيل له و ال حيسن به أن‬ ‫يراه أ فال ترى كيف أقيم كل شي ء من اخللقة على‬ ‫غاية الصواب و خال من اخلطإ دقيقه و جليله‪.‬‬

‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫اعرف اي مفضل ما لألطفال يف البكاء من‬ ‫‪.25‬‬ ‫املنفعة و اعلم أن يف أدمغة األطفال رطوبة إن بقيت‬ ‫فيها أحدثت عليهم أحدااث جليلة و علال عظيمة‬ ‫من ذهاب البصر و غريه و البكاء يسيل تلك الرطوبة‬ ‫من رءوسهم فيعقبهم ذلك الصحة يف أبداهنم و‬ ‫السالمة يف أبصارهم أ فليس قد جاز أن يكون‬ ‫الطفل ينتفع ابلبكاء و والداه ال يعرفان ذلك فهما‬ ‫دائبان ليسكتانه و يتوخيان يف األمور مرضاته لئال‬ ‫يبكي و مها ال يعلمان أن البكاء أصلح له و أمجل‬ ‫عاقبة فهكذا جيوز أن يكون يف كثري من األشياء‬ ‫منافع ال يعرفها القائلون ابإلمهال و لو عرفوا ذلك مل‬ ‫يقضوا على الشي ء أنه ال منفعة فيه من أجل أهنم‬ ‫ال يعرفونه و ال يعلمون السبب فيه فإن كل ما ال‬ ‫يعرفه املنكرون يعلمه العارفون و كثريا ما يقصر عنه‬ ‫علم املخلوقني حميط به علم اخلالق جل قدسه و‬ ‫علت كلمته فأما ما يسيل من أفواه األطفال من‬ ‫الريق ففي ذلك خروج الرطوبة اليت لو بقيت يف‬ ‫أبداهنم ألحدثت عليهم األمور العظيمة كمن تراه قد‬ ‫‪37‬‬


‫غلبت عليه الرطوبة فأخرجته إىل حد البله و اجلنون‬ ‫و التخليط إىل غري ذلك من األمراض املتلفة كالفاجل‬ ‫و اللقوة و ما أشبههما فجعل هللا تلك الرطوبة تسيل‬ ‫من أفواههم يف صغرهم ملا هلم يف ذلك من الصحة‬ ‫يف كربهم فتفضل على خلقه مبا جهلوه و نظر هلم مبا‬ ‫مل يعرفوه و لو عرفوا نعمه عليهم لشغلهم ذلك من‬ ‫التمادي يف معصيته فسبحانه ما أجل نعمته و‬ ‫أسبغها على املستحقني و غريهم من خلقه تعاىل‬ ‫عما يقول املبطلون علوا كبريا‪ .‬مضمون معتل؛ ظن‬ ‫ال شاهد له‪.‬‬ ‫انظر اآلن اي مفضل كيف جعلت آالت‬ ‫‪.26‬‬ ‫اجلماع يف الذكر و األنثى مجيعا على ما يشاكل ذلك‬ ‫عليه فجعل للذكر آلة انشرة متتد حىت تصل النطفة‬ ‫إىل الرحم إذا كان حمتاجا إىل أن يقذف ماءه يف غريه‬ ‫و خلق لألنثى وعاء قعرا ليشتمل على املاءين مجيعا‬ ‫و حيتمل الولد و يتسع له و يصونه حىت يستحكم أ‬ ‫ليس ذلك من تدبري حكيم لطيف سبحانه و تعاىل‬ ‫عما يشركون أعضاء البدن و فوائد كل منها‬ ‫‪38‬‬


‫فكر اي مفضل يف أعضاء البدن أمجع و تدبري كل‬ ‫منها لألرب فاليدان للعالج و الرجالن للسعي و‬ ‫العينان لالهتداء و الفم لالغتذاء و املعدة للهضم و‬ ‫الكبد للتخليص و املنافذ لتنفيذ الفضول و األوعية‬ ‫حلملها و الفرج إلقامة النسل و كذلك مجيع‬ ‫األعضاء إذا ما أتملتها و أعملت فكرك فيها و نظرك‬ ‫وجدت كل شي ء منها قد قدر لشي ء على صواب‬ ‫حكمة‬ ‫و‬ ‫زعم الطبيعيني و جوابه‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال‬ ‫شاهد له‪.‬‬ ‫قال املفضل فقلت اي موالي إن قوما‬ ‫‪.27‬‬ ‫يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة ) مضمون معتل ال‬ ‫شاهد له‪.‬‬

‫مضمون صحيح (‪.)5‬‬ ‫فقال ع سلهم عن هذه الطبيعة أ هي‬ ‫‪.28‬‬ ‫شي ء له علم و قدرة على مثل هذه األفعال أم‬ ‫ليست كذلك فإن أوجبوا هلا العلم و القدرة فما‬ ‫‪39‬‬


‫مينعهم من إثبات اخلالق فإن هذه صنعته و إن‬ ‫زعموا أهنا تفعل هذه األفعال بغري علم و ال عمد‬ ‫و كان يف أفعاهلا ما قد تراه من الصواب و احلكمة‬ ‫علم أن هذا الفعل للخالق احلكيم فإن الذي مسوه‬ ‫طبيعة هو سنته يف خلقه اجلارية على ما أجراها‬ ‫عليه) مضمون صحيح‪ .‬له شاهد‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف وصول الغذاء إىل البدن‬ ‫‪.29‬‬ ‫و ما فيه من التدبري فإن الطعام يصري إىل املعدة‬ ‫فتطبخه و تبعث بصفوه إىل الكبد يف عروق دقاق‬ ‫واشجة بينهما قد جعلت كاملصفى للغذاء لكيال‬ ‫يصل إىل الكبد منه شي ء فينكاها و ذلك أن الكبد‬ ‫رقيقة ال حتتمل العنف مث إن الكبد تقبله فيستحيل‬ ‫بلطف التدبري دما و ينفذه إىل البدن كله يف جماري‬ ‫مهيئة لذلك مبنزلة اجملاري اليت هتيأ للماء ليطرد يف‬ ‫األرض كلها و ينفذ ما خيرج منه من اخلبث و‬ ‫الفضول إىل مفايض قد أعدت لذلك فما كان منه‬ ‫من جنس املرة الصفراء جرى إىل املرارة و ما كان من‬ ‫جنس السوداء جرى إىل الطحال و ما كان من البلة‬ ‫‪40‬‬


‫و الرطوبة جرى إىل املثانة فتأمل حكمة التدبري يف‬ ‫تركيب البدن و وضع هذه األعضاء منه مواضعها و‬ ‫أعداد هذه األوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئال‬ ‫تنتشر يف البدن فتسقمه و تنهكه فتبارك من أحسن‬ ‫التقدير و أحكم التدبري و له احلمد كما هو أهله و‬ ‫مستحقه‬ ‫أول نشوء األبدان تصوير اجلنني يف الرحم‬ ‫قال املفضل فقلت صف نشوء األبدان و منوها حاال‬ ‫بعد حال حىت تبلغ التمام و الكمال قال ع أول‬ ‫ذلك تصوير اجلنني يف الرحم حيث ال تراه عني و ال‬ ‫تناله يد و يدبره حىت خيرج سواي مستوفيا مجيع ما‬ ‫فيه قوامه و صالحه من األحشاء و اجلوارح و‬ ‫العوامل إىل ما يف تركيب أعضائه من العظام و اللحم‬ ‫و الشحم و العصب و املخ و العروق و الغضاريف‬ ‫فإذا خرج إىل العامل تراه كيف ينمو جبميع أعضائه و‬ ‫هو اثبت على شكل و هيئة ال تتزايد و ال تنقص‬ ‫إىل أن يبلغ أشده إن مد يف عمره أو يستوىف مدته‬ ‫قبل ذلك هل هذا إال من لطيف التدبري و احلكمة‬ ‫‪41‬‬


‫اختصاص اإلنسان ابالنتصاب و اجللوس دون‬ ‫البهائم‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫انظر اي مفضل ما خص به اإلنسان يف‬ ‫‪.30‬‬ ‫خلقه تشرفا و تفضال على البهائم فإنه خلق ينتصب‬ ‫قائما و يستوي جالسا ليستقبل األشياء بيديه و‬ ‫جوارحه و ميكنه العالج و العمل هبما فلو كان‬ ‫مكبواب على وجهه كذوات األربع ملا استطاع أن‬ ‫األعمال‬ ‫من‬ ‫شيئا‬ ‫يعمل‬ ‫ختصص اإلنسان ابحلواس و تشرفه هبا دون غريه‬ ‫انظر اآلن اي مفضل إىل هذه احلواس اليت خص هبا‬ ‫اإلنسان يف خلقه و شرف هبا على غريه كيف‬ ‫جعلت العينان يف الرأس كاملصابيح فوق املنارة‬ ‫ليتمكن من مطالعة األشياء و مل جتعل يف األعضاء‬ ‫اليت حتتهن كاليدين و الرجلني فتعرتضها اآلفات و‬ ‫يصيبها من مباشرة العمل و احلركة ما يعللها و يؤثر‬ ‫فيها و ينقص منها و ال يف األعضاء اليت وسط البدن‬ ‫كالبطن و الظهر فيعسر تقلبها و اطالعها حنو‬ ‫األشياء‬ ‫‪42‬‬


‫احلواس اخلمس و أعماهلا و ما يف ذلك من األسرار‬ ‫فلما مل يكن هلا يف شي ء من هذه األعضاء موضع‬ ‫كان الرأس أسىن املواضع للحواس و هو مبنزلة‬ ‫الصومعة هلا فجعل احلواس مخسا تلقى مخسا لكي‬ ‫ال يفوهتا شي ء من احملسوسات فخلق البصر ليدرك‬ ‫األلوان فلو كانت األلوان و مل يكن بصر يدركها مل‬ ‫تكن فيها منفعة و خلق السمع ليدرك األصوات فلو‬ ‫كانت األصوات و مل يكن مسع يدركها مل يكن فيها‬ ‫أرب و كذلك سائر احلواس مث هذا يرجع متكافيا‬ ‫فلو كان بصر و مل تكن األلوان ملا كان للبصر معىن‬ ‫و لو كان مسع و مل تكن أصوات مل يكن للسمع‬ ‫موضع تقدير احلواس بعضها يلقى بعضا‪ .‬مضمون‬

‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫فانظر كيف قدر بعضها يلقى بعضا فجعل‬ ‫‪.31‬‬ ‫لكل حاسة حمسوسا يعمل فيه و لكل حمسوس‬ ‫حاسة تدركه و مع هذا فقد جعلت أشياء متوسطة‬ ‫بني احلواس و احملسوسات ال تتم احلواس إال هبا كمثل‬ ‫الضياء و اهلواء فإنه لو مل يكن ضياء يظهر اللون‬ ‫‪43‬‬


‫للبصر مل يكن البصر يدرك اللون و لو مل يكن هواء‬ ‫يؤدي الصوت إىل السمع مل يكن السمع يدرك‬ ‫الصوت فهل خيفي على من صح نظره و أعمل فكره‬ ‫إن مثل هذا الذي وصفت من هتيئة احلواس و‬ ‫احملسوسات بعضها يلقى بعضا و هتيئة أشياء أخر‬ ‫هبا تتم احلواس ال يكون إال بعمل و تقدير من لطيف‬ ‫خبري‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل فيمن عدم البصر من الناس‬ ‫‪.32‬‬ ‫و ما يناله من اخللل يف أموره فإنه ال يعرف موضع‬ ‫قدميه و ال يبصر ما بني يديه فال يفرق بني األلوان‬ ‫و بني املنظر احلسن و القبيح و ال يرى حفرة إن‬ ‫هجم عليها و ال عدوا إن أهوى إليه بسيف و ال‬ ‫يكون له سبيل إىل أن يعمل شيئا من هذه الصناعات‬ ‫مثل الكتابة و التجارة و الصياغة حىت أنه لو ال نفاذ‬ ‫ذهنه لكان مبنزلة احلجر امللقى و كذلك من عدم‬ ‫السمع خيتل يف أمور كثرية فإنه يفقد روح املخاطبة‬ ‫و احملاورة و يعدم لذة األصوات و اللحون املشجية‬ ‫و املطربة و تعظم املئونة على الناس يف حماورته حىت‬ ‫‪44‬‬


‫يتربموا به و ال يسمع شيئا من أخبار الناس و‬ ‫أحاديثهم حىت يكون كالغائب و هو شاهد أو‬ ‫كامليت و هو حي فأما من عدم العقل فإنه يلحق‬ ‫مبنزلة البهائم بل جيهل كثريا مما هتتدي إليه البهائم أ‬ ‫فال ترى كيف صارت اجلوارح و العقل و سائر‬ ‫اخلالل اليت هبا صالح اإلنسان و اليت لو فقد منها‬ ‫شيئا لعظم ما يناله يف ذلك من اخللل يوايف خلقه‬ ‫على التمام حىت ال يفقد شيئا منها فلم كان كذلك‬ ‫إال أنه خلق بعلم و تقدير قال املفضل فقلت فلم‬ ‫صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه اجلوارح فيناله‬ ‫من ذلك مثل ما وصفته اي موالي قال ع ذلك‬ ‫للتأديب و املوعظة ملن حيل ذلك به و لغريه بسببه‬ ‫كما يؤدب امللوك الناس للتنكيل و املوعظة فال ينكر‬ ‫ذلك عليهم بل حيمد من رأيهم و يتصوب من‬ ‫تدبريهم مث إن للذين تنزل هبم هذه البالاي من الثواب‬ ‫بعد املوت إن شكروا و أانبوا ما يستصغرون معه ما‬ ‫يناهلم منها حىت أهنم لو خريوا بعد املوت الختاروا‬ ‫أن يردوا إىل البالاي ليزدادوا من الثواب‬ ‫‪45‬‬


‫األعضاء املخلوقة أفرادا و أزواجا و كيفية ذلك‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف األعضاء اليت خلقت‬ ‫‪.33‬‬

‫أفرادا و أزواجا و ما يف ذلك من احلكمة و التقدير‬ ‫و الصواب يف التدبري فالرأس مما خلق فردا و مل يكن‬ ‫لإلنسان صالح يف أن يكون له أكثر من واحد أ ال‬

‫ترى أنه لو أضيف إىل رأس اإلنسان رأس آخر لكان‬ ‫ثقال عليه من غري حاجة إليه ألن احلواس اليت حيتاج‬ ‫إليها جمتمعة يف رأس واحد مث كان اإلنسان ينقسم‬ ‫قسمني لو كان له رأسان فإن تكلم من أحدمها كان‬ ‫اآلخر معطال ال أرب فيه و ال حاجة إليه و إن تكلم‬ ‫منهما مجيعا بكالم واحد كان أحدمها فضال ال‬ ‫حيتاج إليه و إن تكلم أبحدمها بغري الذي تكلم به‬ ‫من اآلخر مل يدر السامع أبي ذلك أيخذ و أشباه‬ ‫هذا من األخالط و اليدان مما خلق أزواجا و مل يكن‬ ‫لإلنسان خري يف أن يكون له يد واحدة ألن ذلك‬ ‫كان خيل به فيما حيتاج إىل معاجلته من األشياء أ ال‬ ‫ترى أن النجار و البناء لو شلت إحدى يديه ال‬ ‫‪46‬‬


‫يستطيع أن يعاجل صناعته و إن تكلف ذلك مل‬ ‫حيكمه و مل يبلغ منه ما يبلغه إذا كانت يداه تتعاوانن‬ ‫على العمل الصوت و الكالم و هتيئة آالته يف‬ ‫منها‬ ‫كل‬ ‫عمل‬ ‫و‬ ‫اإلنسان‬ ‫أطل الفكر اي مفضل يف الصوت و الكالم و هتيئة‬ ‫آالته يف اإلنسان فاحلنجرة كاألنبوبة خلروج الصوت‬ ‫و اللسان و الشفتان و األسنان لصياغة احلروف و‬ ‫النغم أ ال ترى أن من سقطت أسنانه مل يقم السني‬ ‫و من سقطت شفته مل يصحح الفاء و من ثقل‬ ‫لسانه مل يفصح الراء و أشبه شي ء بذلك املزمار‬ ‫األعظم فاحلنجرة تشبه قصبة املزمار و الرئة تشبه الزق‬ ‫الذي ينفخ فيه لتدخل الريح و العضالت اليت تقبض‬ ‫على الرئة ليخرج الصوت كاألصابع اليت تقبض على‬ ‫الزق حىت جتري الريح يف املزامري و الشفتان و األسنان‬ ‫اليت تصوغ الصوت حروفا و نغما كاألصابع اليت‬ ‫ختتلف يف فم املزمار فتصوغ صفريه أحلاان غري أنه و‬ ‫إن كان خمرج الصوت يشبه املزمار ابآللة و التعريف‬ ‫فإن املزمار يف احلقيقة هو املشبه مبخرج الصوت ما‬ ‫‪47‬‬


‫يف األعضاء من املآرب األخرى‪ .‬مضمون معتل؛ ظن‬ ‫ال شاهد له‪.‬‬ ‫قد أنبأتك مبا يف األعضاء من الغناء يف‬ ‫‪.34‬‬ ‫صنعة الكالم و إقامة احلروف و فيها مع الذي‬ ‫ذكرت لك مآرب أخرى فاحلنجرة ليسلك فيها هذا‬ ‫النسيم إىل الرئة فرتوح على الفؤاد ابلنفس الدائم‬

‫املتتابع الذي لو حبس شيئا يسريا هللك اإلنسان و‬ ‫ابللسان تذاق الطعوم فيميز بينها و يعرف كل واحد‬ ‫منها حلوها من مرها و حامضها من مرها و ماحلها‬ ‫من عذهبا و طيبها من خبيثها و فيه مع ذلك معونة‬ ‫على إساغة الطعام و الشراب و األسنان ملضغ‬ ‫الطعام حىت يلني و تسهل إساغته و هي مع ذلك‬ ‫كالسند للشفتني متسكهما و تدعمهما من داخل‬ ‫الفم و اعترب ذلك فإنك ترى من سقطت أسنانه‬ ‫مسرتخي الشفة و مضطرهبا و ابلشفتني يرتشف‬ ‫الشراب حىت يكون الذي يصل إىل اجلوف منه‬ ‫بقصد و قدر ال يثج ثجا فيغص به الشارب أو ينكي‬ ‫يف اجلوف مث مهى بعد ذلك كالباب املطبق على الفم‬ ‫‪48‬‬


‫يفتحها اإلنسان إذا شاء و يطبقها إذا شاء و فيما‬ ‫وصفنا من هذا بيان أن كل واحد من هذه األعضاء‬ ‫يتصرف و ينقسم إىل وجوه من املنافع كما تتصرف‬ ‫األداة الواحدة يف أعمال شىت و ذلك كالفأس‬ ‫تستعمل يف النجارة و احلفر و غريمها من األعمال‬ ‫الدماغ و أغشيته و اجلمجمة و فائدهتا‬ ‫و لو رأيت الدماغ إذا كشف عنه لرأيته قد لف‬ ‫حبجب بعضها فوق بعض لتصونه من األعراض و‬ ‫متسكه فال يضطرب و لرأيت عليه اجلمجمة مبنزلة‬ ‫البيضة كيما تقيه هد الصدمة و الصكة اليت رمبا‬ ‫وقعت يف الرأس مث قد جللت اجلمجمة ابلشعر حىت‬ ‫صارت مبنزلة الفرو للرأس يسرته من شدة احلر و الربد‬ ‫فمن حصن الدماغ هذا التحصني إال الذي خلقه و‬ ‫جعله ينبوع احلس و املستحق للحيطة و الصيانة‬ ‫بعلو منزلته من البدن و ارتفاع درجته و خطري مرتبته‬ ‫اجلفن و أشفاره أتمل اي مفضل اجلفن على العني‬ ‫كيف جعل كالغشاء و األشفار كاألشراح و أوجلها‬

‫‪49‬‬


‫يف هذا الغار و أظلها ابحلجاب و ما عليه من الشعر‬ ‫الفؤاد و مدرعته‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫اي مفضل من غيب الفؤاد يف جوف الصدر‬ ‫‪.35‬‬ ‫و كساه املدرعة اليت غشاؤه و حصنه ابجلوانح و ما‬ ‫عليها من اللحم و العصب لئال يصل إليه ما ينكيه‬ ‫ء‬ ‫املري‬ ‫و‬ ‫احللق‬ ‫من جعل يف احللق منفذين أحدمها ملخرج الصوت و‬ ‫هو احللقوم املتصل ابلرئة و اآلخر منفذا للغذاء و‬ ‫هو املري ء املتصل ابملعدة املوصل الغذاء إليها و‬ ‫جعل على احللقوم طبقا مينع الطعام أن يصل إىل‬ ‫الرئة فيقتل الرئة و عملها أشراج منافذ البول و الغائط‬ ‫من جعل الرئة مروحة الفؤاد ال تفرت و ال ختتل لكيال‬ ‫تتحري احلرارة يف الفؤاد فتؤدي إىل التلف من جعل‬ ‫ملنافذ البول و الغائط أشراجا تضبطهما لئال جيراي‬ ‫جرايان دائما فيفسد على اإلنسان عيشه فكم عسى‬ ‫أن حيصي احملصي من هذا بل الذي ال حيصى منه و‬ ‫ال يعلمه الناس أكثر املعدة عصبانية و الكبد من‬ ‫جعل املعدة عصبانية شديدة و قدرها هلضم الطعام‬ ‫‪50‬‬


‫الغليظ و من جعل الكبد رقيقة انعمة لقبول الصفو‬ ‫اللطيف من الغذاء و لتهضم و تعمل ما هو ألطف‬ ‫من عمل املعدة إال هللا القادر أ ترى اإلمهال أييت‬ ‫بشي ء من ذلك كال بل هو تدبري مدبر حكيم قادر‬ ‫عليم ابألشياء قبل خلقه إايها ال يعجزه شي ء و هو‬ ‫اللطيف اخلبري املخ و الدم و األظفار و األذن و حلم‬ ‫الفخذين‬ ‫و‬ ‫األليتني‬ ‫فكر اي مفضل مل صار املخ الرقيق حمصنا يف أانبيب‬ ‫العظام هل ذلك إال ليحفظه و يصونه مل صار الدم‬ ‫السائل حمصورا يف العروق مبنزلة املاء يف الظروف إال‬ ‫لتضبطه فال يفيض مل صارت األظفار على أطراف‬ ‫األصابع إال وقاية هلا و معونة على العمل مل صار‬ ‫داخل األذن ملتواي كهيأه اللولب إال ليطرد فيه‬ ‫الصوت حىت ينتهي إىل السمع و ليكسر محة الريح‬ ‫فال ينكي يف السمع مل محل اإلنسان على فخذيه و‬ ‫أليتيه هذا اللحم إال ليقيه من األرض فال يتأمل من‬ ‫اجللوس عليها كما أيمل من حنل جسمه و قل حلمه‬

‫‪51‬‬


‫إذا مل يكن بينه و بني األرض حائل يقيه صالبتها‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫اإلنسان ذكر و أنثى و تناسله و آالت‬ ‫‪.36‬‬ ‫العمل و حاجته و حيلته و إلزامه ابحلجة من جعل‬ ‫اإلنسان ذكرا و أنثى إال من خلقه متناسال و من‬ ‫خلقه متناسال إال من خلقه مؤمال و من أعطاه‬ ‫آالت العمل إال من خلقه عامال و من خلقه عامال‬ ‫إال من جعله حمتاجا و من جعله حمتاجا إال من ضربه‬ ‫ابحلاجة و من ضربه ابحلاجة إال من توكل بتقوميه و‬ ‫من خصه ابلفهم إال من أوجب اجلزاء و من وهب‬ ‫له احليلة إال من ملكه احلول و من ملكه احلول إال‬ ‫من ألزمه احلجة من يكفيه ما ال تبلغه حيلته إال من‬ ‫مل يبلغ مدى شكره فكر و تدبر ما وصفته هل جتد‬ ‫اإلمهال أييت على مثل هذا النظام و الرتتيب تبارك‬ ‫هللا تعاىل عما يصفون الفؤاد و ثقبه املتصلة ابلرئة‬ ‫أصف لك اآلن اي مفضل الفؤاد اعلم أن فيه ثقبا‬ ‫موجهة حنو الثقب اليت يف الرئة تروح عن الفؤاد حىت‬ ‫لو اختلفت تلك الثقب و تزايل بعضها عن بعض‬ ‫‪52‬‬


‫ملا وصل الروح إىل الفؤاد و هللك اإلنسان أ فيستجيز‬ ‫ذو فكرة و روية أن يزعم أن مثل هذا يكون ابإلمهال‬ ‫و ال جيد شاهدا من نفسه يزعه عن هذا القول لو‬ ‫رأيت فردا من مصراعني فيه كلوب أ كنت تتوهم أنه‬ ‫جعل كذلك بال معىن بل كنت تعلم ضرورة أنه‬ ‫مصنوع يلقى فردا آخر فيربزه ليكون يف اجتماعهما‬ ‫ضرب من املصلحة و هكذا جتد الذكر من احليوان‬ ‫كأنه فرد م ن زوج مهيأ من فرد أنثى فيلتقيان ملا فيه‬ ‫من دوام النسل و بقائه فتبا و خيبة و تعسا ملنتحلي‬ ‫الفلسفة كيف عميت قلوهبم عن هذه اخللقة العجيبة‬ ‫حىت أنكروا التدبري و العمد فيها‬ ‫فرج الرجل و احلكمة فيه‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال‬

‫شاهد له‪.‬‬ ‫لو كان فرج الرجل مسرتخيا كيف كان‬ ‫‪.37‬‬ ‫يصل إىل قعر الرحم حىت يفرغ النطفة فيه و لو كان‬ ‫منعضا أبدا كيف كان الرجل يتقلب يف الفراش أو‬ ‫ميشي بني الناس و شي ء شاخص أمامه مث يكون‬ ‫يف ذلك مع قبح املنظر حتريك الشهوة يف كل وقت‬ ‫‪53‬‬


‫من الرجال و النساء مجيعا فقدر هللا جل امسه أن‬ ‫يكون أكثر ذلك ال يبدو للبصر يف كل وقت و ال‬ ‫يكون على الرجال منه مؤنة بل جعل فيه قوة‬ ‫االنتصاب وقت احلاجة إىل ذلك ملا قدر أن يكون‬ ‫فيه من دوام النسل و بقائه‬ ‫وصفه‬ ‫و‬ ‫الغائط‬ ‫منفذ‬ ‫اعترب اآلن اي مفضل بعظم النعمة على اإلنسان يف‬ ‫مطعمه و مشربه و تسهيل خروج األذى أ ليس من‬ ‫حسن التقدير يف بناء الدار أن يكون اخلالء يف أسرت‬ ‫موضع منها فكذا جعل هللا سبحانه املنفذ املهيأ‬ ‫للخالء من اإلنسان يف أسرت موضع منه فلم جيعله‬ ‫ابرزا من خلفه و ال انشزا من بني يديه بل هو مغيب‬ ‫يف موضع غامض من البدن مستور حمجوب يلتقي‬ ‫عليه الفخذان و حتجبه األليتان مبا عليهما من اللحم‬ ‫فتواراينه فإذا احتاج اإلنسان إىل اخلالء و جلس تلك‬ ‫اجللسة ألفى ذلك املنفذ منه منصبا مهيأ الحندار‬ ‫الثفل فتبارك من تظاهرت آالؤه و ال حتصى نعماؤه‬ ‫اإلنسان‬ ‫أسنان‬ ‫من‬ ‫الطواحن‬ ‫‪54‬‬


‫فكر اي مفضل يف هذه الطواحن اليت جعلت لإلنسان‬ ‫فبعضها حداد لقطع الطعام و قرضه و بعضها عراض‬ ‫ملضغه و رضه فلم ينقص واحد من الصفتني إذ كان‬ ‫مجيعا‬ ‫إليهما‬ ‫حمتاجا‬ ‫الشعر و األظفار و فائدة قصهما‪ .‬مضمون معتل؛‬

‫ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫أتمل و اعترب حبسن التدبري يف خلق الشعر‬ ‫‪.38‬‬ ‫و األظفار فإهنما ملا كاان مما يطول و يكثر حىت حيتاج‬ ‫إىل ختفيفه أوال فأوال جعال عدميا احلس لئال يؤمل‬

‫اإلنسان األخذ منهما و لو كان قص الشعر و تقليم‬ ‫األظفار مما يوجد له أمل وقع من ذلك بني مكروهني‬ ‫إما أن يدع كل واحد منهما حىت يطول فيثقل عليه‬ ‫و إما أن خيففه بوجع و أمل يتأمل منه قال املفضل‬ ‫فقلت فلم مل جيعل ذلك خلقة ال تزيد فيحتاج‬ ‫اإلنسان إىل النقصان منه فقال ع إن هلل تبارك امسه‬ ‫يف ذلك على العبد نعما ال يعرفها فيحمده عليها‬ ‫اعلم أن آالم البدن و أدواءه خترج خبروج الشعر يف‬ ‫مسامه و خبروج األظفار من أانملها و لذلك أمر‬ ‫‪55‬‬


‫اإلنسان ابلنورة و حلق الرأس و قص األظفار يف كل‬ ‫أسبوع ليسرع الشعر و األظفار يف النبات فتخرج‬ ‫اآلالم و األدواء خبروجهما و إذا طاال حتريا و قل‬ ‫خروجهما فاحتبست اآلالم و األدواء يف البدن‬ ‫فأحدثت علال و أوجاعا و منع مع ذلك الشعر من‬ ‫املواضع اليت تضر ابإلنسان و حتدث عليه الفساد و‬ ‫الضر لو نبت الشعر يف العني أ مل يكن سيعمى البصر‬ ‫و لو نبت يف الفم أ مل يكن سينغص على اإلنسان‬ ‫طعامه و شرابه و لو نبت يف ابطن الكف أ مل يكن‬ ‫سيعوقه عن صحة اللمس و بعض األعمال و لو‬ ‫نبت يف فرج املرأة و على ذكر الرجل أ مل يكن‬ ‫سيفسد عليهما لذة اجلماع فانظر كيف تنكب‬ ‫الشعر عن هذه املواضع ملا يف ذلك من املصلحة مث‬ ‫ليس هذا يف اإلنسان فقط بل جتده يف البهائم و‬ ‫السباع و سائر املتناسالت فإنك ترى أجسامها جمللة‬ ‫ابلشعر و ترى هذه املواضع خالية منه هلذا السبب‬ ‫بعينه فتأمل اخللقة كيف تتحرز وجوه اخلطإ و املضرة‬ ‫املنفعة‬ ‫و‬ ‫ابلصواب‬ ‫أتيت‬ ‫و‬ ‫‪56‬‬


‫شعر الركب و اإلبطني‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال‬ ‫شاهد له‪.‬‬ ‫إن املنانية و أشباههم حني أجهدوا يف عيب‬ ‫‪.39‬‬ ‫اخللقة و العمد عابوا الشعر النابت على الركب و‬ ‫اإلبطني و مل يعلموا أن ذلك من رطوبة تنصب إىل‬ ‫هذه املواضع فينبت فيها الشعر كما ينبت العشب‬

‫يف مستنفع املياه أ فال ترى إىل هذه املواضع أسرت و‬ ‫أهيأ لقبول تلك الفضلة من غريها مث إن هذه تعد‬ ‫مما حيمل اإلنسان من مؤنة هذا البدن و تكاليفه ملا‬ ‫له يف ذلك من املصلحة فإن اهتمامه بتنظيف بدنه‬ ‫و أخذ ما يعلوه من الشعر مما يكسر به شرته و‬ ‫يكف عاديته و يشغله عن بعض ما خيرجه إليه الفراغ‬ ‫البطالة‬ ‫و‬ ‫األشر‬ ‫من‬ ‫املنفعة‬ ‫من‬ ‫فيه‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫الريق‬ ‫أتمل الريق و ما فيه من املنفعة فإنه جعل جيري جرايان‬ ‫دائما إىل الفم ليبل احللق و اللهوات فال جيف فإن‬ ‫هذه املواضع لو جعلت كذلك كان فيه هالك‬ ‫األسنان مث كان ال يستطيع أن يسيغ طعاما إذا مل‬ ‫‪57‬‬


‫يكن يف الفم بلة تنفذه تشهد بذلك املشاهدة و اعلم‬ ‫أن الرطوبة مطية الغذاء و قد جتري من هذه البله إىل‬ ‫مواضع أخر من املرة فيكون يف ذلك صالح اتم‬ ‫لإلنسان و لو يبست املرة هللك اإلنسان‬ ‫حماذير كون بطن اإلنسان كهيئة القباء‪ .‬مضمون‬

‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫و لقد قال قوم من جهلة املتكلمني و ضعفة‬ ‫‪.40‬‬ ‫املتفلسفني بقلة التمييز و قصور العلم لو كان بطن‬ ‫اإلنسان كهيئة القباء يفتحه الطبيب إذا شاء فيعاين‬

‫ما فيه و يدخل يده فيعاجل ما أراد عالجه أ مل يكن‬ ‫أصلح من أن يكون مصمتا حمجواب عن البصر و‬ ‫اليد ال يعرف ما فيه إال بدالالت غامضة كمثل‬ ‫النظر إىل البول و جس العرق و ما أشبه ذلك مما‬ ‫يكثر فيه الغلط و الشبهة حىت رمبا كان ذلك سببا‬ ‫للموت فلو علم هؤالء اجلهلة أن هذا لو كان هكذا‬ ‫كان أول ما فيه أن كان يسقط عن اإلنسان الوجل‬ ‫من األمراض و املوت و كان يستشعر البقاء و يغرت‬ ‫ابلسالمة فيخرجه ذلك إىل العتو و األشر مث كانت‬ ‫‪58‬‬


‫الرطوابت اليت يف البطن ترتشح و تتحلب فيفسد‬ ‫على اإلنسان مقعده و مرقده و ثياب بدلته و زينته‬ ‫بل كان يفسد عليه عيشه مث إن املعدة و الكبد و‬ ‫الفؤاد إمنا تفعل أفعاهلا ابحلرارة الغريزية اليت جعلها هللا‬ ‫حمتبسة يف اجلوف فلو كان يف البطن فرج ينفتح حىت‬ ‫يصل البصر إىل رؤيته و اليد إىل عالجه لوصل برد‬ ‫اهلواء إىل اجلوف فمازج احلرارة الغريزية و بطل عمل‬ ‫األحشاء فكان يف ذلك هالك اإلنسان أ فال ترى‬ ‫أن كلما تذهب إليه األوهام سوى ما جاءت به‬

‫اخللقة خطأ و خطل‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد‬ ‫له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف األفعال اليت جعلت يف‬ ‫‪.41‬‬ ‫اإلنسان من الطعم و النوم و اجلماع و ما دبر فيها‬

‫فإنه جعل لكل واحد منها يف الطباع نفسه حمرك‬ ‫يقتضيه و يستحث به فاجلوع يقتضي الطعم الذي‬ ‫فيه راحة البدن و قوامه و الكرى يقتضي النوم الذي‬ ‫فيه راحة البدن و إمجام قواه و الشبق يقتضي اجلماع‬ ‫الذي فيه دوام النسل و بقاؤه و لو كان اإلنسان إمنا‬ ‫‪59‬‬


‫يصري إىل أكل الطعام ملعرفته حباجة بدنه إليه و مل‬ ‫جيد من طباعه شيئا يضطره إىل ذلك كان خليقا أن‬ ‫يتواىن عنه أحياان ابلثقل و الكسل حىت ينحل بدنه‬ ‫فيهلك كما حيتاج الواحد إىل الدواء لشي ء مما‬ ‫يصلح به بدنه فيدافع به حىت يؤديه ذلك إىل املرض‬ ‫و املوت و كذلك لو كان إمنا يصري إىل النوم ابلفكر‬ ‫يف حاجته إىل راحة البدن و إمجام قواه كان عسى‬ ‫أن يتثاقل عن ذلك فيدفعه حىت ينهك بدنه و لو‬ ‫كان إمنا يتحرك للجماع ابلرغبة يف الولد كان غري‬ ‫بعيد أن يفرت عنه حىت يقل النسل أو ينقطع فإن من‬ ‫الناس من ال يرغب يف الولد و ال حيفل به فانظر‬ ‫كيف جعل لكل واحد من هذه األفعال اليت هبا قوام‬ ‫اإلنسان و صالحه حمركا من نفس الطبع حيركه لذلك‬ ‫و حيدوه عليه و اعلم أن يف اإلنسان قوى أربعا قوة‬ ‫جاذبة تقبل الغذاء و تورده على املعدة و قوة ماسكة‬ ‫حتبس الطعام حىت تفعل فيه الطبيعة فعلها و قوة‬ ‫هاضمة و هي اليت تطبخه و تستخرج صفوه و تبثه‬ ‫يف البدن و قوة دافعة تدفعه و حتدر الثفل الفاضل‬ ‫‪60‬‬


‫بعد أخذ اهلاضمة حاجتها ففكر يف تقدير هذه‬ ‫القوى األربع اليت يف البدن و أفعاهلا و تقديرها‬ ‫للحاجة إليها و األرب فيها و ما يف ذلك من التدبري‬ ‫و احلكمة فلو ال اجلاذبة كيف كان يتحرك اإلنسان‬ ‫لطلب الغذاء الذي به قوام البدن و لو ال املاسكة‬ ‫كيف كان يلبث الطعام يف اجلوف حىت هتضمه‬ ‫املعدة و لو ال اهلاضمة كيف كان ينطبخ حىت خيلص‬ ‫منه الصفو الذي يغذو البدن و يسد خلله و لو ال‬ ‫الدافعة كيف كان الثفل الذي ختلفه اهلاضمة يندفع‬ ‫و خيرج أوال فأوال أ فال ترى كيف وكل هللا سبحانه‬ ‫بلطف صنعه و حسن تقديره هذه القوى ابلبدن و‬ ‫القيام مبا فيه صالحه و سأمثل لك يف ذلك مثاال‬ ‫إن البدن مبنزلة دار امللك له فيها حشم و صبية و‬ ‫قوام موكلون ابلدار فواحد لقضاء حوائج احلشم و‬ ‫إيرادها عليهم و آخر لقبض ما يرد و خزنة إىل أن‬ ‫يعاجل و يهيأ و آخر لعالج ذلك و هتيئته و تفريقه‬ ‫و آخر لتنظيف ما يف الدار من األقذار و إخراجه‬ ‫منها فامللك يف هذا هو اخلالق احلكيم ملك العاملني‬ ‫‪61‬‬


‫و الدار هي البدن و احلشم هم األعضاء و القوام‬ ‫هم هذه القوى األربع و لعلك ترى ذكران هذه القوى‬ ‫األربع و أفعاهلا بعد الذي وصفت فضال و تزدادا و‬ ‫ليس ما ذكرته من هذه القوى على اجلهة اليت ذكرت‬ ‫يف كتب األطباء و ال قولنا فيه كقوهلم ألهنم ذكروها‬ ‫على ما حيتاج إليه يف صناعة الطب و تصحيح‬ ‫األبدان و ذكرانها على ما حيتاج يف صالح الدين و‬ ‫شفاء النفوس من الغي كالذي أوضحته ابلوصف‬ ‫الشايف و املثل املضروب من التدبري و احلكمة فيها‬ ‫قوى النفس و موقعها من اإلنسان‬ ‫أتمل اي مفضل هذه القوى اليت يف النفس و موقعها‬ ‫من اإلنسان أعين الفكر و الوهم و العقل و احلفظ‬ ‫و غري ذلك أ فرأيت لو نقص اإلنسان من هذه‬ ‫اخلالل احلفظ وحده كيف كانت تكون حاله و كم‬ ‫من خلل كان يدخل عليه يف أموره و معاشه و جتاربه‬ ‫إذا مل حيفظ ما له و ما عليه و ما أخذه و ما أعطى‬ ‫و ما رأى و ما مسع و ما قال و ما قيل له و مل يذكر‬ ‫من أحسن إليه ممن أساء به و ما نفعه مما ضره مث‬ ‫‪62‬‬


‫كان ال يهتدي لطريق لو سلكه ما ال حيصى و ال‬ ‫حيفظ علما و لو درسه عمره و ال يعتقد دينا و ال‬ ‫ينتفع بتجربة و ال يستطيع أن يعترب شيئا على ما‬ ‫مضى بل كان حقيقا أن ينسلخ من اإلنسانية‬ ‫النعمة على اإلنسان يف احلفظ و النسيان فانظر إىل‬ ‫النعمة على اإلنسان يف هذه اخلالل و كيف موقع‬ ‫الواحدة منها دون اجلميع و أعظم من النعمة على‬ ‫اإلنسان يف احلفظ النعمة يف النسيان فإنه لو ال‬ ‫النسيان ملا سال أحد عن مصيبة و ال انقضت له‬ ‫حسرة و ال مات له حقد و ال استمتع بشي ء من‬ ‫متاع الدنيا مع تذكر اآلفات و ال رجاء غفلة من‬ ‫سلطان و ال فرتة من حاسد أ فال ترى كيف جعل‬ ‫يف اإلنسان احلفظ و النسيان و مها خمتلفان متضادان‬ ‫و جعل له يف كل منهما ضراب من املصلحة و ما‬ ‫عسى أن يقول الذين قسموا األشياء بني خالقني‬ ‫متضادين يف هذه األشياء املتضادة املتباينة و قد تراها‬ ‫جتتمع على ما فيه الصالح و املنفعة‬ ‫اختصاص اإلنسان ابحلياء دون بقية احليواانت‬ ‫‪63‬‬


‫انظر اي مفضل إىل ما خص به اإلنسان دون مجيع‬ ‫احليوان من هذا اخللق اجلليل قدره العظيم غناؤه أعين‬ ‫احلياء فلواله مل يقر ضيف و مل يوف ابلعداة و مل‬ ‫تقض احلوائج و مل يتحر اجلميل و مل يتنكب القبيح‬ ‫يف شي ء من األشياء حىت إن كثريا من األمور‬ ‫املفرتضة أيضا إمنا يفعل للحياء فإن من الناس من لو‬ ‫ال احلياء مل يرع حق والديه و مل يصل ذا رحم و مل‬ ‫يؤد أمانة و مل يعف عن فاحشة أ فال ترى كيف وىف‬ ‫اإلنسان مجيع اخلالل اليت فيها صالحه و متام أمره‬

‫اختصاص اإلنسان ابملنطق و الكتابة‪ .‬مضمون‬ ‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫أتمل اي مفضل ما أنعم هللا تقدست أمساؤه‬ ‫‪.42‬‬ ‫به على اإلنسان من هذا املنطق الذي يعرب به عما‬ ‫يف ضمريه و ما خيطر بقلبه و ينتجه فكره و به يفهم‬ ‫عن غريه ما يف نفسه و لو ال ذلك كان مبنزله البهائم‬ ‫املهملة اليت ال خترب عن نفسها بشي ء و ال تفهم‬ ‫عن خمرب شيئا و كذلك الكتابة اليت هبا تقيد أخبار‬ ‫املاضني للباقني و أخبار الباقني لآلتني و هبا ختلد‬ ‫‪64‬‬


‫الكتب يف العلوم و اآلداب و غريها و هبا حيفظ‬ ‫اإلنسان ذكر ما جيري بينه و بني غريه من املعامالت‬ ‫و احلساب و لواله النقطع أخبار بعض األزمنة عن‬ ‫بعض و أخبار الغائبني عن أوطاهنم و درست العلوم‬ ‫و ضاعت اآلداب و عظم ما يدخل على الناس من‬ ‫اخللل يف أمورهم و معامالهتم و ما حيتاجون إىل النظر‬ ‫فيه من أمر دينهم و ما روى هلم مما ال يسعهم جهله‬ ‫و لعلك تظن أهنا مما خيلص إليه ابحليلة و الفطنة و‬ ‫ليست مما أعطيه اإلنسان من خلقه و طباعه‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مضمون صحيح (‪)6‬‬ ‫و كذلك الكالم إمنا هو شي ء يصطلح‬ ‫‪.43‬‬ ‫عليه الناس فيجري بينهم و هلذا صار خيتلف يف‬ ‫األمم املختلفة و كذلك لكتابة العرِب و السرايين‬ ‫و العرباين و الرومي و غريها من سائر الكتابة اليت‬ ‫هي متفرقة يف األمم إمنا اصطلحوا عليها كما‬ ‫اصطلحوا على الكالم فيقال ملن ادعى ذلك أن‬ ‫‪65‬‬


‫اإلنسان و إن كان له يف األمرين مجيعا فعل أو‬ ‫حيلة فإن الشي ء الذي يبلغ به ذلك الفعل و‬ ‫احليلة عطية و هبة من هللا عز و جل له يف خلقه‬ ‫فإنه لو مل يكن له لسان مهيأ للكالم و ذهن‬ ‫يهتدي به لألمور مل يكن ليتكلم أبدا و لو مل تكن‬ ‫له كف مهيئة و أصابع للكتابة مل يكن ليكتب أبدا‬ ‫و اعترب ذلك من البهائم اليت ال كالم هلا و ال‬ ‫كتابة فأصل ذلك فطرة الباري جل و عز و ما‬ ‫تفضل به على خلقه فمن شكر أثيب و من كفر‬ ‫فإن هللا غين عن العاملني) مضمون صحيح له‬ ‫شاهد‪.‬‬

‫فكر اي مفضل فيما أعطي اإلنسان علمه‬ ‫‪.44‬‬ ‫و ما منع فإنه أعطي مجيع علم ما فيه صالح دينه‬ ‫و دنياه فمما فيه صالح دينه معرفة اخلالق تبارك و‬ ‫تعاىل ابلدالئل و الشواهد القائمة يف اخللق و معرفة‬ ‫الواجب عليه من العدل على الناس كافة و بر‬ ‫الوالدين و أداء األمانة و مواساة أهل اخللة و أشباه‬ ‫ذلك مما قد توجد معرفته و اإلقرار و االعرتاف به يف‬ ‫‪66‬‬


‫الطبع و الفطرة من كل أمة موافقة أو خمالفة و‬ ‫كذلك أعطي علم ما فيه صالح دنياه كالزراعة و‬ ‫الغراس و استخراج األرضني و اقتناء األغنام و‬ ‫األنعام و استنباط املياه و معرفة العقاقري اليت‬ ‫يستشفى هبا من ضروب األسقام و املعادن اليت‬ ‫يستخرج منها أنواع اجلواهر و ركوب السفن و‬ ‫الغوص يف البحر و ضروب احليل يف صيد الوحش‬ ‫و الطري و احليتان و التصرف يف الصناعات و وجوه‬ ‫املتاجر و املكاسب و غري ذلك مما يطول شرحه و‬ ‫يكثر تعداده مما فيه صالح أمره يف هذه الدار ‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مضمون صحيح (‪)7‬‬ ‫فأعطي علم ما يصلح به دينه و دنياه و‬ ‫‪.45‬‬ ‫منع ما سوى ذلك مما ليس يف شأنه و ال طاقته‬ ‫أن يعلم كعلم الغيب و ما هو كائن و بعض ما قد‬ ‫كان أيضا كعلم ما فوق السماء و ما حتت األرض‬ ‫و ما يف جلج البحار و أقطار العامل و ما يف قلوب‬ ‫‪67‬‬


‫الناس و ما يف األرحام و أشباه هذا مما حجب عن‬ ‫الناس علمه وقد ادعت طائفة من الناس هذه‬ ‫األمور فأبطل دعواهم ما يبني من خطئهم فيما‬ ‫يقضون عليه و حيكمون به فيما ادعوا عليه فانظر‬ ‫كيف أعطي اإلنسان علم مجيع ما حيتاج إليه لدينه‬ ‫و دنياه و حجب عنه ما سوى ذلك ليعرف قدره‬ ‫و نقصه و كال األمرين فيها صالحه‪ .‬مضمون‬ ‫صحيح له شاهد‪.‬‬

‫أتمل اآلن اي مفضل ما سرت عن اإلنسان‬ ‫‪.46‬‬ ‫علمه من مدة حياته فإنه لو عرف مقدار عمره و‬ ‫كان قصري العمر مل يتهنأ ابلعيش مع ترقب املوت و‬ ‫توقعه لوقت قد عرفه بل كان يكون مبنزلة من قد فىن‬ ‫ماله أو قارب الفناء فقد استشعر الفقر و الوجل من‬ ‫فناء ماله و خوف الفقر على أن الذي يدخل على‬ ‫اإلنسان من فناء العمر أعظم مما يدخل عليه من‬ ‫فناء املال ألن من يقل ماله أيمل أن يستخلف منه‬ ‫فيسكن إىل ذلك و من أيقن بفناء العمر استحكم‬ ‫عليه اليأس و إن كان طويل العمر مث عرف ذلك‬ ‫‪68‬‬


‫وثق ابلبقاء و اهنمك يف اللذات و املعاصي و عمل‬ ‫على أنه يبلغ من ذلك شهوته مث يتوب يف آخر عمره‬ ‫و هذا مذهب ال يرضاه هللا من عباده و ال يقبله أ‬ ‫ال ترى لو أن عبدا لك عمل على أنه يسخطك سنة‬ ‫و يرضيك يوما أو شهرا مل تقبل ذلك منه و مل حيل‬ ‫عندك حمل العبد الصاحل دون أن يضمر طاعتك و‬ ‫نصحك يف كل األمور و يف كل األوقات على‬ ‫تصرف احلاالت فإن قلت أ و ليس قد يقيم اإلنسان‬ ‫على املعصية حينا مث يتوب فتقبل توبته قلنا إن ذلك‬ ‫شي ء يكون من اإلنسان لغلبة الشهوات له و تركه‬ ‫خمالفتها من غري أن يقدرها يف نفسه و يبين عليه أمره‬ ‫فيصفح هللا عنه و يتفضل عليه ابملغفرة فأما من قدر‬ ‫أمره على أن يعصي ما بدا له مث يتوب آخر ذلك‬ ‫فإمنا حياول خديعة من ال خيادع أبن يتسلف التلذذ‬ ‫يف العاجل و يعد و ميين نفسه التوبة يف األجل و‬ ‫ألنه ال يفي مبا يعد من ذلك فإن النزوع من الرتفه و‬ ‫التلذذ و معاانة التوبة و ال سيما عند الكرب و ضعف‬ ‫البدن أمر صعب و ال يؤمن على اإلنسان مع‬ ‫‪69‬‬


‫مدافعته ابلتوبة أن يرهقه املوت فيخرج من الدنيا غري‬ ‫اتئب كما قد يكون على الواحد دين إىل أجل و قد‬ ‫يقدر على قضائه فال يزال يدافع بذلك حىت حيل‬ ‫األجل و قد نفذ املال فيبقى الدين قائما عليه فكان‬ ‫خري األشياء لإلنسان أن يسرت عنه مبلغ عمره فيكون‬ ‫طول عمره يرتقب املوت فيرتك املعاصي و يؤثر العمل‬ ‫الصاحل فإن قلت و ها هو اآلن قد سرت عنه مقدار‬ ‫حياته و صار يرتقب املوت يف كل ساعة يقارف‬ ‫الفواحش و ينتهك احملارم قلنا إن وجه التدبري يف هذا‬ ‫الباب هو الذي جرى عليه األمر فيه فإن كان‬ ‫اإلنسان مع ذلك ال يرعوى و ال ينصرف عن‬ ‫املساوئ فإمنا ذلك من مرحه و من قساوة قلبه ال‬ ‫من خطإ يف التدبري كما أن الطبيب قد يصف‬ ‫للمريض ما ينتفع به فإن كان املريض خمالفا لقول‬ ‫الطبيب ال يعمل مبا أيمره و ال ينتهي عما ينهاه عنه‬ ‫مل ينتفع بصفته و مل تكن اإلساءة يف ذلك للطبيب‬ ‫بل للمريض حيث مل يقبل منه و لئن كان اإلنسان‬ ‫مع ترقبه للموت كل ساعة ال ميتنع عن املعاصي فإنه‬ ‫‪70‬‬


‫لو وثق بطول البقاء كان أحرى أبن خيرج إىل الكبائر‬ ‫الفظيعة فرتقب املوت على كل حال خري له من الثقة‬ ‫ابلبقاء مث إن ترقب املوت و إن كان صنف من الناس‬ ‫يلهون عنه و ال يتعظون به فقد يتعظ به صنف آخر‬ ‫منهم و ينزعون عن املعاصي و يؤثرون العمل الصاحل‬ ‫و جيودون ابألموال و العقائل النفيسة يف الصدقة‬ ‫على الفقراء و املساكني فلم يكن من العدل أن حيرم‬ ‫هؤالء االنتفاع هبذه اخلصلة لتضييع أولئك حظهم‬ ‫منها‬ ‫األحالم و امتزاج صادقها بكاذهبا و سر ذلك‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مضمون صحيح (‪)8‬‬ ‫فكر اي مفضل يف األحالم كيف دبر‬ ‫‪.47‬‬ ‫األمر فيها فمزج صادقها بكاذهبا فإهنا لو كانت‬ ‫كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء و لو كانت‬ ‫كلها تكذب مل يكن فيها منفعة بل كانت فضال‬ ‫ال معىن له فصارت تصدق أحياان فينتفع هبا الناس‬ ‫‪71‬‬


‫يف مصلحة يهتدي هلا أو مضرة يتحذر منها و‬ ‫تكذب كثريا لئال يعتمد عليها كل االعتماد‪).‬‬ ‫مضمون صحيح له شاهد‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف هذه األشياء اليت تراها‬ ‫‪.48‬‬ ‫موجودة معدة يف العامل من مآرهبم فالرتاب للبناء و‬ ‫احلديد للصناعات و اخلشب للسفن و غريها و‬ ‫احلجارة لألرحاء و غريها و النحاس لألواين و‬ ‫الذهب و الفضة للمعاملة و الذخرية و احلبوب‬ ‫للغذاء و الثمار للتفكه و اللحم للمأكل و الطيب‬ ‫للتلذذ و األدوية للتصحح و الدواب للحمولة و‬ ‫احلطب للتوقد و الرماد للكلس و الرمل لألرض و‬ ‫كم عسى أن حيصي احملصي من هذا و شبهه أ رأيت‬ ‫لو أن داخال دخل دارا فنظر إىل خزائن مملوءة من‬ ‫كل ما حيتاج إليه الناس و رأى كلما فيها جمموعا‬ ‫معدا ألسباب معروفة أ كان يتوهم أن مثل هذا يكون‬ ‫ابإلمهال و من غري عمد فكيف يستجيز قائل أن‬ ‫يقول هذا من صنع الطبيعة يف العامل و ما أعد فيه‬ ‫من هذه األشياء اعترب اي مفضل أبشياء خلقت‬ ‫‪72‬‬


‫ملآرب اإلنسان و ما فيها من التدبري فإنه خلق له‬ ‫احلب لطعامه و كلف طحنه و عجنه و خبزة و خلق‬ ‫له الوبر لكسوته فكلف ندفه و غزله و نسجه و‬ ‫خلق له الشجر فكلف غرسها و سقيها و القيام‬ ‫عليها و خلقت له العقاقري ألدويته فكلف لقطها و‬ ‫خلطها و صنعها و كذلك جتد سائر األشياء على‬ ‫هذا املثال فانظر كيف كفى اخللقة اليت مل يكن عنده‬ ‫فيها حيلة و ترك عليه يف كل شي ء من األشياء‬ ‫موضع عمل و حركة ملا له يف ذلك من الصالح ألنه‬ ‫لو كفى هذا كله حىت ال يكون له يف األشياء موضع‬ ‫شغل و عمل ملا محلته األرض أشرا و بطرا و لبلغ به‬ ‫ذلك إىل أن يتعاطى أمورا فيها تلف نفسه و لو كفى‬ ‫الناس كلما حيتاجون إليه ملا هتنئوا ابلعيش و ال وجدوا‬ ‫له لذة أ ال ترى لو أن امرأ نزل بقوم فأقام حينا بلغ‬ ‫مجيع ما حيتاج إليه من مطعم و مشرب و خدمة لتربم‬ ‫ابلفراغ و انزعته نفسه إىل التشاغل بشي ء فكيف‬ ‫لو كان طول عمره مكفيا ال حيتاج إىل شي ء فكان‬ ‫من صواب التدبري يف هذه األشياء اليت خلقت‬ ‫‪73‬‬


‫لإلنسان أن جعل له فيها موضع شغل لكيال تربمه‬ ‫البطالة و لتكفه عن تعاطي ما ال يناله و ال خري فيه‬

‫إن انله ‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫و اعلم اي مفضل أن رأس معاش اإلنسان‬ ‫‪.49‬‬ ‫و حياته اخلبز و املاء فانظر كيف دبر األمر فيهما‬ ‫فإن حاجة اإلنسان إىل املاء أشد من حاجته إىل‬ ‫اخلبز و ذلك أن صربه على اجلوع أكثر من صربه‬ ‫على العطش و الذي حيتاج إليه من املاء أكثر مما‬ ‫حيتاج إليه من اخلبز ألنه حيتاج إليه لشربه و وضوئه‬ ‫و غسله و غسل ثيابه و سقي أنعامه و زرعه فجعل‬ ‫املاء مبذوال ال يشرتى لتسقط عن اإلنسان املئونة يف‬ ‫طلبه و تكلفه و جعل اخلبز متعذرا ال ينال إال ابحليلة‬ ‫و احلركة ليكون لإلنسان يف ذلك شغل يكفه عما‬ ‫خيرجه إليه الفراغ من األشر و العبث أ ال ترى أن‬ ‫الصيب يدفع إىل املؤدب و هو طفل مل تكمل ذاته‬ ‫للتعليم كل ذلك ليشتغل عن اللعب و العبث الذين‬ ‫رمبا جنيا عليه و على أهله املكروه العظيم و هكذا‬ ‫اإلنسان لو خال من الشغل خلرج من األشر و العبث‬ ‫‪74‬‬


‫و البطر إىل ما يعظم ضرره عليه و على من قرب منه‬ ‫و اعترب ذلك مبن نشأ يف اجلدة و رفاهية العيش و‬ ‫الرتفه و الكفاية و ما خيرجه ذلك إليه اختالف صور‬ ‫الناس و تشابه الوحوش و الطري و غريها من احلكمة‬ ‫يف ذلك‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫اعترب مل ال يتشابه الناس واحد ابآلخر كما‬ ‫‪.50‬‬ ‫تتشابه الوحوش و الطري و غري ذلك فإنك ترى‬ ‫السرب من الظباء و القطا تتشابه حىت ال يفرق بني‬ ‫واحد منها و بني األخرى و ترى الناس خمتلفة‬

‫صورهم و خلقهم حىت ال يكاد اثنان منهم جيتمعان‬ ‫يف صفة واحدة و العلة يف ذلك أن الناس حمتاجون‬ ‫إىل أن يتعارفوا أبعياهنم و حالهم ملا جيرى بينهم من‬ ‫املعامالت و ليس جيري بني البهائم مثل ذلك‬ ‫فيحتاج إىل معرفة كل واحد منها بعينه و حليته أ ال‬ ‫ترى أن التشابه يف الطري و الوحش ال يضرها شيئا‬ ‫و ليس كذلك اإلنسان فإنه رمبا تشابه التوأم تشاهبا‬ ‫شديدا فتعظم املئونة على الناس يف معاملتهما حىت‬ ‫يعطى أحدمها ابآلخر و يؤخذ أحدمها بذنب اآلخر‬ ‫‪75‬‬


‫و قد حيدث مثل هذا يف تشابه األشياء فضال عن‬ ‫تشابه الصور فمن لطف بعباده هبذه الدقائق اليت ال‬ ‫تكاد ختطر ابلبال حىت وقف هبا على الصواب إال‬ ‫من وسعت رمحته كل شي ء لو رأيت متثال اإلنسان‬ ‫مصورا على حائط و قال لك قائل إن هذا ظهر هنا‬ ‫من تلقاء نفسه مل يصنعه صانع أ كنت تقبل ذلك‬ ‫بل كنت تستهزئ به فكيف تنكر هذا يف متثال‬ ‫مصور مجاد و ال تنكر يف اإلنسان احلي الناطق ‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مل صارت أبدان احليوان و هي تغتذي أبدا‬ ‫‪.51‬‬ ‫ال تنمي بل تنتهي إىل غاية من النمو مث تقف و ال‬ ‫تتجاوزها لو ال التدبري يف ذلك فإن تدبري احلكيم‬ ‫فيها أن تكون أبدان كل صنف منها على مقدار‬ ‫معلوم غري متفاوت يف الكبري و الصغري و صارت‬ ‫تنمي حىت تصل إىل غايتها مث تقف مث ال تزيد و‬ ‫الغذاء مع ذلك دائم ال ينقطع و لو تنمي منوا دائما‬ ‫لعظمت أبداهنا و اشتبهت مقاديرها حىت ال يكون‬ ‫يعرف‬ ‫حد‬ ‫منها‬ ‫ء‬ ‫لشي‬ ‫‪76‬‬


‫ما يعرتي أجسام اإلنس من ثقل احلركة و املشي لو‬ ‫مل يصبها أمل‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مل صارت أجسام اإلنس خاصة تثقل عن‬ ‫‪.52‬‬ ‫احلركة و املشي و جتفو عن الصناعات اللطيفة إال‬ ‫لتعظيم املئونة فيما حيتاج إليه الناس للملبس و‬ ‫املضجع و التكفني و غري ذلك لو كان اإلنسان ال‬ ‫يصيبه أمل و ال وجع مب كان يرتدع عن الفواحش و‬ ‫يتواضع هلل و يتعطف على الناس‪ .‬أ ما ترى اإلنسان‬ ‫إذا عرض له وجع خضع و استكان و رغب إىل ربه‬ ‫يف العافية و بسط يده ابلصدقة و لو كان ال أيمل من‬ ‫الضرب مب كان السلطان يعاقب الدعار و يذل‬ ‫العصاة املردة و مب كان الصبيان يتعلمون العلوم و‬ ‫الصناعات و مب كان العبيد يذلون ألرابهبم و يذعنون‬ ‫لطاعتهم أ فليس هذا توبيخ ابن أيب العوجاء و ذويه‬ ‫الذين جحدوا التدبري و املانوية الذين أنكروا الوجع‬ ‫األمل‬ ‫و‬ ‫انقراض احليوان لو مل يلد ذكورا و إاناث‬ ‫و لو مل يولد من احليوان إال ذكر فقط أو أنثى فقط‬ ‫‪77‬‬


‫أ مل يكن النسل منقطعا و ابد مع أجناس احليوان‬ ‫فصار بعض األوالد أييت ذكورا و بعضها أييت إاناث‬ ‫ينقطع‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫التناسل‬ ‫ليدوم‬ ‫ظهور شعر العانة عند البلوغ و نبات اللحية للرجل‬ ‫دون املرأة و ما يف ذلك من التدبري‪ .‬مضمون معتل؛‬

‫ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مل صار الرجل و املرأة إذا أدركا تنبت هلما‬ ‫‪.53‬‬ ‫العانة مث تنبت اللحية للرجل و تتخلف عن املرأة لو‬ ‫ال التدبري يف ذلك فإنه ملا جعل هللا تبارك و تعاىل‬ ‫الرجل قيما و رقيبا على املرأة و جعل املرأة عرسا و‬ ‫خوال للرجل أعطى الرجل اللحية ملا له من العز و‬ ‫اجلاللة و اهليبة و منعها املرأة لتبقى هلا نضارة الوجه‬ ‫و البهجة اليت تشاكل املفاكهة و املضاجعة أ فال‬ ‫ترى اخللقة كيف أتيت ابلصواب يف األشياء و تتخلل‬ ‫مواضع اخلطإ فتعطي و متنع على قدر األرب و‬ ‫املصلحة بتدبري احلكيم عز و جل قال املفضل مث‬ ‫حان وقت الزوال فقام موالي إىل الصالة و قال بكر‬ ‫إىل غدا إن شاء هللا تعاىل فانصرفت من عنده مسرورا‬ ‫‪78‬‬


‫مبا عرفته مبتهجا مبا أوتيته حامدا هلل تعاىل عز و جل‬ ‫على ما أنعم به علي شاكرا ألنعمه على ما منحين‬ ‫مبا عرفنيه موالي و تفضل به علي فبت يف ليليت‬ ‫مسرورا مبا منحنيه حمبور مبا علمنيه‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫فصل اجمللس الثاين‬ ‫قال املفضل فلما كان اليوم الثاين بكرت‬ ‫‪.54‬‬ ‫إىل موالي فاستؤذن يل فدخلت فأمرين ابجللوس‬ ‫فجلست فقال احلمد هلل مدبر األدوار و معيد‬ ‫األكوار طبقا عن طبق و عاملا بعد عامل ليجزي الذين‬ ‫أساءوا مبا عملوا و جيزي الذين أحسنوا ابحلسىن عدال‬ ‫منه تقدست أمساؤه و جلت آالؤه ال يظلم الناس‬ ‫شيئا و لكن الناس أنفسهم يظلمون يشهد بذلك‬ ‫قال َذ َّرٍة َخ ْرياً يَ​َرهُ َو َم ْن‬ ‫قوله جل قدسه فَ َم ْن يَ ْع َم ْل ِمثْ َ‬ ‫قال ذَ َّرةٍ َشًّرا يَ​َرهُ يف نظائر هلا يف كتابه الذي‬ ‫يَ ْع َم ْل ِمثْ َ‬ ‫فيه تبيان كل شي ء و ال أيتيه الباطل من بني يديه‬ ‫و ال من خلفه تنزيل من حكيم محيد و لذلك قال‬ ‫سيدان حممد ص إمنا هي أعمالكم ترد إليكم )‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مث أطرق اإلمام هنيئة و قال اي مفضل اخللق‬ ‫‪.55‬‬ ‫حيارى عمهون سكارى يف طغياهنم يرتددون و‬ ‫بشياطينهم و طواغيتهم يقتدون بصراء عمى ال‬ ‫يبصرون نطقاء بكم ال يعقلون مسعاء صم ال يسمعون‬ ‫‪80‬‬


‫رضوا ابلدون و حسبوا أهنم مهتدون حادوا عن‬ ‫مدرجة األكياس و رتعوا يف مرعى األرجاس األجناس‬ ‫كأهنم من مفاجأة املوت آمنون و عن اجملازات‬ ‫مزحزحون اي ويلهم ما أشقاهم و أطول عناءهم و‬ ‫أشد بالءهم يوم ال يغين موىل عن موىل شيئا و ال‬ ‫هم ينصرون إال من رحم هللا قال املفضل فبكيت ملا‬ ‫مسعت منه فقال ال تبك ختلصت إذ قبلت و جنوت‬ ‫إذ عرفت أبنية أبدان احليوان و هتيئتها و إيضاح‬ ‫ذلك‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مث قال أبتدئ لك بذكر احليوان ليتضح لك‬ ‫‪.56‬‬ ‫من أمره ما وضح لك من غريه فكر يف أبنية أبدان‬ ‫احليوان و هتيئتها على ما هي عليه فال هي صالب‬ ‫كاحلجارة و لو كانت كذلك ال تنثين و ال تتصرف‬ ‫يف األعمال و ال هي على غاية اللني و الرخاوة‬ ‫فكانت ال تتحامل و ال تستقل أبنفسها فجعلت‬ ‫من حلم رخو ينثين تتداخله عظام صالب ميسكه‬ ‫عصب و عروق تشده و تضم بعضه إىل بعض و‬ ‫غلقت فوق ذلك جبلد يشتمل على البدن كله و‬ ‫‪81‬‬


‫أشباه ذلك هذه التماثيل اليت تعمل من العيدان و‬ ‫تلف ابخلرق و تشد ابخليوط و تطلي فوق ذلك‬ ‫ابلصمغ فتكون العيدان مبنزلة العظام و اخلرق مبنزلة‬ ‫اللحم و اخليوط مبنزلة العصب و العروق و الطالء‬ ‫مبنزلة اجللد فإن جاز أن يكون احليوان املتحرك حدث‬ ‫ابإلمهال من غري صانع جاز أن يكون ذلك يف هذه‬ ‫التماثيل امليتة فإن كان هذا غري جائز يف التماثيل‬ ‫فباحلري أن ال جيوز يف احليوان‬ ‫أجساد األنعام و ما أعطيت و ما منعت و سبب‬

‫ذلك‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫و فكر اي مفضل بعد هذا يف أجساد األنعام‬ ‫‪.57‬‬ ‫فإهنا حني خلقت على أبدان اإلنس من اللحم و‬ ‫العظم و العصب أعطيت أيضا السمع و البصر ليبلغ‬

‫اإلنسان حاجته فإهنا لو كانت عميا صما ملا انتفع‬ ‫هبا اإلنسان و ال تصرفت يف شي ء من مآربه مث‬ ‫منعت الذهن و العقل لتذل لإلنسان فال متتنع عليه‬ ‫إذا كدها الكد الشديد و محلها احلمل الثقيل فإن‬ ‫قال قائل إنه قد يكون لإلنسان عبيد من اإلنس‬ ‫‪82‬‬


‫يذلون و يذعنون ابلكد الشديد و هم مع ذلك غري‬ ‫عدميي العقل و الذهن فيقال يف جواب ذلك إن هذا‬ ‫الصنف من الناس قليل فأما أكثر الناس فال يذعنون‬ ‫مبا تذعن به الدواب من احلمل و الطحن و ما أشبه‬ ‫ذلك و ال يغرون مبا حيتاج إليه منه مث لو كان الناس‬ ‫يزاولون مثل هذه األعمال أببداهنم لشغلوا بذلك عن‬ ‫سائر األعمال ألنه كان حيتاج مكان اجلمل الواحد‬ ‫و البغل الواحد إىل عدة أانسي فكان هذا العمل‬ ‫يستفرغ الناس حىت ال يكون فيهم عنه فضل لشي ء‬ ‫من الصناعات مع ما يلحقه من التعب الفادح يف‬ ‫أبداهنم و الضيق و الكد يف معاشهم‬ ‫خلق األصناف الثالثة من احليوان‬ ‫فكر اي مفضل يف هذه األصناف الثالثة من احليوان‬ ‫و يف خلقها على ما هي عليه مما فيه صالح كل‬ ‫واحد منها فاإلنس ملا قدروا أن يكونوا ذوي ذهن و‬ ‫فطنة و عالج ملثل هذه الصناعات من البناء و‬ ‫التجارة و الصياغة و اخلياطة و غري ذلك خلقت هلم‬ ‫أكف كبار ذوات أصابع غالظ ليتمكنوا من القبض‬ ‫‪83‬‬


‫على األشياء و أوكدها هذه الصناعات‬ ‫آكالت اللحم من احليوان و التدبري يف خلقها‪.‬‬

‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫و آكالت اللحم ملا قدر أن تكون معايشها‬ ‫‪.58‬‬ ‫من الصيد خلقت هلم أكف لطاف مدجمة ذوات‬ ‫براثن و خمالب تصلح ألخذ الصيد و ال تصلح‬

‫للصناعات و آكالت النبات ملا قدر أن يكونوا ال‬ ‫ذوات صنعه و ال ذات صيد خلقت لبعضها أظالف‬ ‫تقيها خشونة األرض إذا حاولت طلب املرعى و‬ ‫لبعضها حوافر ململمة ذوات قعر كأمخص القدم‬ ‫تنطبق على األرض عند هتيئها للركوب و احلمولة‬ ‫أتمل التدبري يف خلق آكالت اللحم من احليوان حني‬ ‫خلقت ذوات أسنان حداد و براثن شداد و أشداق‬ ‫و أفواه واسعة فإنه ملا قدر أن يكون طعمها اللحم‬ ‫خلقت خلقه تشاكل ذلك و أعينت بسالح و‬ ‫أدوات تصلح للصيد و كذلك جتد سباع الطري ذوات‬ ‫مناقري و خمالب مهيئة لفعلها و لو كانت الوحوش‬ ‫ذوات خمالب كانت قد أعطيت ما ال حتتاج إليه ألهنا‬ ‫‪84‬‬


‫ال تصيد و ال أتكل اللحم و لو كانت السباع ذوات‬ ‫أظالف كانت قد منعت ما حتتاج إليه أعين السالح‬ ‫الذي تصيد به و تتعيش أ فال ترى كيف أعطي كل‬ ‫واحد من الصنفني ما يشاكل صنفه و طبقته بل ما‬ ‫صالحه‬ ‫و‬ ‫بقاؤه‬ ‫فيه‬ ‫ذوات األربع و استقالل أوالدها‬ ‫انظر اآلن إىل ذوات األربع كيف تراها تتبع أماهتا‬ ‫مستقلة أبنفسها ال حتتاج إىل احلمل و الرتبية كما‬ ‫حتتاج أوالد اإلنس فمن أجل أنه ليس عند أماهتا ما‬ ‫عند أمهات البشر من الرفق و العلم ابلرتبية و القوة‬ ‫عليها ابألكف و األصابع املهيأة لذلك أعطيت‬ ‫النهوض و االستقالل أبنفسها و كذلك ترى كثريا‬ ‫من الطري كمثل الدجاج و الدراج و القبج تدرج و‬ ‫تلقط حني تنقاب عنها البيضة فأما ما كان منها‬ ‫ضعيفا ال هنوض فيه كمثل فراخ احلمام و اليمام و‬ ‫احلمر فقد جعل يف األمهات فضل عطف عليها‬ ‫فصارت متج الطعام يف أفواهها بعد ما توعيه‬ ‫حواصلها فال تزال تغذوها حىت تستقل أبنفسها و‬ ‫‪85‬‬


‫لذلك مل ترزق احلمام فراخا كثرية مثل ما ترزق‬ ‫الدجاج لتقوى األم على تربية فراخها فال تفسد و‬ ‫ال متوت فكال أعطي بقسط من تدبري احلكيم‬ ‫اللطيف اخلبري‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫انظر إىل قوائم احليوان كيف أتيت أزواجا‬ ‫‪.59‬‬ ‫لتتهيأ للمشي و لو كانت أفرادا مل تصلح لذلك ألن‬ ‫املاشي ينقل قوائمه يعتمد على بعض فذو القائمتني‬ ‫ينقل واحدة و يعتمد على واحدة و ذو األربع ينقل‬ ‫اثنتني و يعتمد على اثنتني و ذلك من خالف ألن‬ ‫ذا األربع لو كان ينقل قائمتني من أحد جانبيه و‬ ‫يعتمد على قائمتني من اجلانب اآلخر مل يثبت على‬ ‫األرض كما يثبت السرير و ما أشبهه فصار ينقل‬ ‫اليمىن من مقادميه مع اليسرى من مآخريه و ينقل‬ ‫األخريني أيضا من خالف فيثبت على األرض و ال‬ ‫مشى‬ ‫إذا‬ ‫يسقط‬ ‫انقياد احليواانت املسخرة لإلنسان و سببه‬ ‫أ ما ترى احلمار كيف يذل للطحن و احلمولة و هو‬ ‫يرى الفرس مودعا منعما و البعري ال يطيقه عدة رجال‬ ‫‪86‬‬


‫لو استعصى كيف كان ينقاد للصيب و الثور الشديد‬ ‫كيف كان يذعن لصاحبه حىت يضع النري على عنقه‬ ‫و حيرث به و الفرس الكرمي يركب السيوف و األسنة‬ ‫ابملوااتة لفارسه و القطيع من الغنم يرعاه واحد و لو‬ ‫تفرقت الغنم فأخذ كل واحد منها يف انحية مل‬ ‫يلحقها و كذلك مجيع األصناف املسخرة لإلنسان‬ ‫كانت كذلك إال أبهنا عدمت العقل و الروية فإهنا‬ ‫لو كانت تعقل و ترتوى يف األمور كانت خليقة أن‬ ‫تلتوي على اإلنسان يف كثري من مآربه حىت ميتنع‬ ‫اجلمل على قائده و الثور على صاحبه و تتفرق الغنم‬ ‫عن راعيها و أشباه هذا من األمور‬ ‫افتقاد السباع للعقل و الروية و فائدة ذلك‬ ‫و كذلك هذه السباع لو كانت ذات عقل و رويه‬ ‫فتوازرت على الناس كانت خليقة أن جتتاحهم فمن‬ ‫كان يقوم لألسد و الذائب و النمور و الدببة لو‬ ‫تعاونت و تظاهرت على الناس أ فال ترى كيف‬ ‫حجر ذلك عليها و صارت مكان ما كان خياف من‬ ‫إقدامها و نكايتها هتاب مساكن الناس و حتجم عنها‬ ‫‪87‬‬


‫مث ال تظهر و ال تنتشر لطلب قوهتا إال ابلليل فهي‬ ‫مع صولتها كاخلائف من اإلنس بل مقموعة ممنوعة‬ ‫منهم و لو كان ذلك لساورهتم يف مساكنهم و‬

‫ضيقت عليهم‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مضمون صحيح (‪)9‬‬ ‫جعل يف الكلب من بني هذه السباع‬ ‫‪.60‬‬ ‫عطف على مالكه و حماماة عنه و حافظ له ينتقل‬ ‫على احليطان و السطوح يف ظلمة الليل حلراسة‬ ‫منزل صاحبه و ذب الذعار عنه و يبلغ من حمبته‬ ‫لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه و دون‬ ‫ماشيته و ماله و أيلفه غاية األلف حىت يصرب معه‬ ‫على اجلوع و اجلفوة فلم طبع الكلب على هذه‬ ‫األلفة و احملبة إال ليكون حارسا لإلنسان) مضمون‬ ‫صحيح له شاهد‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫له عني أبنياب و خمالب و نباح هائل ليذعر‬ ‫‪.61‬‬ ‫منه السارق و يتجنب املواضع اليت حيميها و خيفرها‬

‫وجه الدابة و فمها و ذنبها و شرح ذلك ) مضمون‬ ‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫اي مفضل أتمل وجه الدابة كيف هو فإنك‬ ‫‪.62‬‬ ‫ترى العينني شاخصتني أمامها لتبصر ما بني يديها‬

‫لئال تصدم حائطا أو ترتدى يف حفرة و ترى الفم‬ ‫مشقوقا شقا يف أسفل اخلطم و لو شق كمكان الفم‬ ‫من اإلنسان يف مقدم الذقن ملا استطاع أن يتناول به‬ ‫شيئا من األرض أ ال ترى أن اإلنسان ال يتناول‬ ‫الطعام بفيه و لكن بيده تكرمه له على سائر‬ ‫األكالت فلما مل يكن للدابة يد تتناول هبا العلف‬ ‫جعل خرطومها مشقوقا من أسفله لتقبض على‬ ‫العلف مث تقضمه و أعينت ابجلحفلة لتتناول هبا ما‬ ‫قرب و ما بعد اعترب بذنبها و املنفعة هلا فيه فإنه‬ ‫مبنزلة الطبق على الدبر و احلياء مجيعا يواريهما و‬ ‫يسرتمها و من منافعها فيه أن ما بني الدبر و مراقي‬ ‫البطن منها وضر جيتمع عليها الذابب و البعوض‬ ‫‪89‬‬


‫فجعل هلا الذنب كاملذبة تذب هبا عن تلك املواضع‬ ‫و منها أن الدابة تسرتيح إىل حتريكه و تصريفه مينة‬ ‫و يسرة فإنه ملا كان قيامها على األربع أبسرها و‬ ‫شغلت املقدمتان حبمل البدن عن التصرف و التقلب‬ ‫كان هلا يف حتريك الذنب راحة و فيه منافع أخرى‬ ‫يقصر عنها الوهم فيعرف موقعها يف وقت احلاجة‬ ‫إليها فمن ذلك أن الدابة ترتطم يف الوحل فال يكون‬ ‫شي ء أعون على هنوضها من األخذ بذنبها و يف‬ ‫شعر الذنب منافع للناس كثرية يستعملوهنا يف مآرهبم‬ ‫مث جعل ظهرها مسطحا مبطوحا على قوائم أربع‬ ‫ليتمكن من ركوهبا و جعل حياها ابرزا من ورائها‬ ‫ليتمكن الفحل من ضرهبا و لو كان أسفل البطن‬ ‫كما كان الفرج من املرأة مل يتمكن الفحل منها أ ال‬ ‫ترى أنه ال يستطيع أن أيتيها كفاحا كما أييت الرجل‬ ‫املرأة‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫أتمل مشفر الفيل و ما فيه من لطيف‬ ‫‪.63‬‬ ‫التدبري فإنه يقوم مقام اليد يف تناول العلف و املاء و‬ ‫‪90‬‬


‫ازدرادمها إىل جوفه و لو ال ذلك ملا استطاع أن يتناول‬ ‫شيئا من األرض ألنه ليست له رقبة ميدها كسائر‬ ‫األنعام فلما عدم العنق أعني مكان ذلك ابخلرطوم‬ ‫الطويل ليسد له فيتناول به حاجته فمن ذا الذي‬ ‫عوضه مكان العضو الذي عدم ما يقوم مقامه إال‬ ‫الرءوف خبلقه و كيف يكون هذا ابإلمهال كما قالت‬ ‫الظلمة فإن قال قائل فما ابله مل خيلق ذا عنق كسائر‬ ‫األنعام قيل إن رأس الفيل و أذنيه أمر عظيم و ثقل‬ ‫ثقيل فلو كان ذلك على عنق عظيم هلدها و أوهنها‬ ‫فجعل رأسه ملصقا جبسمه لكيال يناله منه ما‬ ‫وصفناه و خلق له مكان العنق هذا املشفر ليتناول‬ ‫به غذاءه فصار مع عدم العنق مستوفيا ما فيه بلوغ‬ ‫حاجته‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫انظر اآلن كيف جعل حياء األنثى من‬ ‫‪.64‬‬ ‫الفيلة يف أسفل بطنها فإذا هاجت للضراب ارتفع و‬ ‫برز حىت يتمكن الفحل من ضرهبا فاعترب كيف جعل‬ ‫حياء األنثى من الفيلة على خالف ما عليه يف غريها‬ ‫من األ نعام مث جعلت فيه هذه اخللة ليتهيأ لألمر‬ ‫‪91‬‬


‫الذي فيه قوام النسل و دوامه‪ .‬مضمون معتل؛ ظن‬ ‫له‪.‬‬ ‫شاهد‬ ‫ال‬ ‫فكر يف خلق الزرافة و اختالف أعضائها و شبهها‬ ‫أبعضاء أصناف من احليوان فرأسها رأس فرس و‬ ‫عنقها عنق مجل و أظالفها أظالف بقرة و جلدها‬ ‫جلد منر و زعم انس من اجلهال ابهلل عز و جل أن‬ ‫نتاجها من فحول شىت قالوا و سبب ذلك أن أصنافا‬ ‫من حيوان الرب إذا وردت املاء تنزو على بعض‬ ‫السائمة و ينتج مثل هذا الشخص الذي هو‬ ‫كامللتقط من أصناف شىت و هذا جهل من قائله و‬ ‫قله معرفة ابلبارئ جل قدسه و ليس كل صنف من‬ ‫احليوان يلقح كل صنف فال الفرس يلقح اجلمل و ال‬ ‫اجلمل يلقح البقر و إمنا يكون التلقيح من بعض‬ ‫احليوان فيما يشاكله و يقرب من خلقه كما يلقح‬ ‫الفرس احلمار فيخرج بينهما البغل و يلقح الذئب‬ ‫الضبع فيخرج من بينهما السمع على أنه ليس يكون‬ ‫يف الذي خيرج من بينهما عضو كل واحد منهما كما‬ ‫يف الزرافة عضو من الفرس و عضو من اجلمل و‬ ‫‪92‬‬


‫أظالف من البقرة بل يكون كاملتوسط بينهما املمتزج‬ ‫منهما كالذي تراه يف البغل فإنك ترى رأسه و أذنيه‬ ‫و كفله و ذنبه و حوافره وسطا بني هذه األعضاء‬ ‫من الفرس و احلمار و شحيجه كاملمتزج من صهيل‬ ‫الفرس و هنيق احلمار فهذا دليل على أنه ليست‬ ‫الزرافة من لقاح أصناف شىت من احليوان كما زعم‬ ‫اجلاهلون بل هي خلق عجيب من خلق هللا للداللة‬ ‫على قدرته اليت ال يعجزها شي ء و ليعلم أنه خالق‬ ‫أصناف احليوان كلها جيمع بني ما يشاء من أعضائها‬ ‫يف أيها شاء و يفرق ما شاء منها يف أيها شاء و‬ ‫يزيد يف اخللقة ما شاء و ينقص منها ما شاء داللة‬ ‫على قدرته على األشياء و أنه ال يعجزه شي ء أراده‬ ‫جل و تعاىل فأما طول عنقها و املنفعة هلا يف ذلك‬ ‫فإن منشأها و مرعاها يف غياطل ذوات أشجار‬ ‫شاهقة ذاهبة طوال يف اهلواء فهي حتتاج إىل طول‬ ‫العنق لتتناول بفيها أطراف تلك األشجار فتقوت‬ ‫من مثارها‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫أتمل خلقة القرد و شبهه ابإلنسان يف كثري‬ ‫‪.65‬‬ ‫من أعضائه أعين الرأس و الوجه و املنكبني و الصدر‬ ‫و كذلك أحشاؤه شبيهة أيضا أبحشاء اإلنسان و‬ ‫خص مع ذلك ابلذهن و الفطنة اليت هبا يفهم عن‬ ‫سائسه ما يومئ إليه و حيكى كثريا مما يرى اإلنسان‬ ‫يفعله حىت إنه يقرب من خلق اإلنسان و مشائله يف‬ ‫التدبري يف خلقته على ما هي عليه أن يكون عربة‬ ‫لإلنسان يف نفسه فيعلم أنه من طينة البهائم و‬ ‫سنخها إذ كان يقرب من خلقها هذا القرب و أنه‬ ‫لو ال فضيلة فضله هبا يف الذهن و العقل و النطق‬ ‫كان كبعض البهائم على أن يف جسم القرد فضوال‬ ‫أخرى تفرق بينه و بني اإلنسان كاخلطم و الذنب‬ ‫املسدل و الشعر اجمللل للجسم كله و هذا مل يكن‬ ‫مانعا للقرد أن يلحق ابإلنسان لو أعطي مثل ذهن‬ ‫اإلنسان و عقله و نطقه و الفصل الفاصل بينه و‬ ‫بني اإلنسان يف احلقيقة هو النقص يف العقل و الذهن‬ ‫النطق‬ ‫و‬ ‫إكساء أجسام احليواانت و خلقة أقدامها بعكس‬ ‫‪94‬‬


‫اإلنسان و أسباب ذلك‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال‬ ‫شاهد له‪.‬‬ ‫انظر اي مفضل إىل لطف هللا جل امسه‬ ‫‪.66‬‬ ‫ابلبهائم كيف كسيت أجسامها هذه الكسوة من‬ ‫الشعر و الوبر و الصوف لتقيها من الربد و كثرة‬ ‫اآلفات ألبست األظالف و احلافر و األخفاف‬ ‫لتقيها من احلفاء إذ كانت ال أيدي هلا و ال أكف‬ ‫و ال أصابع مهيأة للغزل و النسج فكفوا أبن جعل‬ ‫كسوهتم يف خلقهم ابقية عليهم ما بقوا ال حيتاجون‬ ‫إىل جتديدها و استبدال هبا فأما اإلنسان فإنه ذو‬ ‫حيلة و كف مهيأة للعمل فهو ينسج و يغزل و يتخذ‬ ‫لنفسه الكسوة و يستبدل هبا حاال بعد حال و له‬ ‫يف ذلك صالح من جهات من ذلك أنه يشتغل‬ ‫بصنعة اللباس عن العبث و ما خترجه إليه الكفاية و‬ ‫منها أنه يسرتيح إىل خلع كسوته إذا شاء و لبسها‬ ‫إذا شاء و منها أن يتخذ لنفسه من الكسوة ضرواب‬ ‫هلا مجال و روعة فيتلذذ بلبسها و تبديلها و كذلك‬ ‫يتخذ ابلرفق من الصنعة ضرواب من اخلفاف و النعال‬ ‫‪95‬‬


‫يقي هبا قدميه و يف ذلك معايش ملن يعمله من الناس‬ ‫و مكاسب يكون فيها معايشهم و منها أقواهتم و‬ ‫أقوات عياهلم فصار الشعر و الوبر و الصوف يقوم‬ ‫للبهائم مقام الكسوة و األظالف و احلوافر و‬ ‫األخفاف مقام احلذاء مواراة البهائم عند إحساسها‬ ‫ابملوت‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫فكر اي مفضل يف خلقة عجيبة جعلت يف‬ ‫‪.67‬‬ ‫البهائم فإهنم يوارون أنفسهم إذا ماتوا كما يواري‬ ‫الناس مواتهم و إال فأين جيف هذه الوحوش و‬ ‫السباع و غريها ال يرى منها شي ء و ليست قليلة‬ ‫فتخفى لقلتها بل لو قال قائل أهنا أكثر من الناس‬ ‫لصدق فاعترب يف ذلك مبا تراه يف الصحاري و اجلبال‬ ‫من أسراب الظباء و املها و احلمري الوحش و الوعول‬ ‫و األايئل و غري ذلك من الوحوش و أصناف السباع‬ ‫من األسد و الضباع و الذائب و النمور و غريها و‬ ‫ضروب اهلوام و احلشرات و دواب األرض و كذلك‬ ‫أسراب الطري من الغرابن و القطاة و اإلوز و الكراكي‬ ‫و احلمام و سباع الطري مجيعا و كلها ال يرى منها‬ ‫‪96‬‬


‫إذا ماتت إال الواحد بعد الواحد يصيده قانص أو‬ ‫يفرتسه سبع فإذا أحسوا ابملوت كمنوا يف مواضع‬ ‫خفية فيموتون فيها و لو ال ذلك المتألت الصحاري‬ ‫منها حىت تفسد رائحة اهلواء و حتدث األمراض و‬ ‫الوابء فانظر إىل هذا ابلذي خيلص إليه الناس و‬ ‫عملوه ابلتمثيل األول الذي مثل هلم كيف جعل طبعا‬ ‫و أذكارا يف البهائم و غريها ليسلم الناس من معرة ما‬ ‫حيدث عليهم من األمراض و الفساد‪ .‬مضمون‬ ‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫فكر اي مفضل يف الفطن اليت جعلت يف‬ ‫‪.68‬‬ ‫البهائم ملصلحتها ابلطبع و اخللقة لطفا من هللا عز‬ ‫و جل هلم لئال خيلو من نعمه جل و عز أحد من‬ ‫خلقه ال بعقل و روية فإن األيل أيكل احليات‬ ‫فيعطش عطشا شديدا فيمتنع من شرب املاء خوفا‬ ‫من أن يدب السم يف جسمه فيقتله و يقف على‬ ‫الغدير و هو جمهود عطشا فيعج عجيجا عاليا و ال‬ ‫يشرب منه و لو شرب ملات من ساعته فانظر إىل ما‬ ‫جعل من طباع هذه البهيمة من حتمل الظمأ الغالب‬ ‫‪97‬‬


‫الشديد خوفا من املضرة يف الشرب و ذلك مما ال‬ ‫يكاد اإلنسان العاقل املميز يضبطه من نفسه و‬ ‫الثعلب إذا أعوزه الطعم متاوت و نفخ بطنه حىت‬ ‫حيسبه الطري ميتا فإذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها‬ ‫فأخذها فمن أعان الثعلب العدمي النطق و الروية‬ ‫هبذه احليلة إال من توكل بتوجيه الرزق له من هذا و‬ ‫شبهه فإنه ملا كان الثعلب يضعف عن كثري مما تقوى‬ ‫عليه السباع من مساورة الصيد أعني ابلدهاء و‬ ‫الفطنة و االحتيال ملعاشه و الدلفني يلتمس صيد‬ ‫الطري فيكون حيلته يف ذلك أن أيخذ السمك فيقتله‬ ‫و يسرحه حىت يطفو على املاء مث يكمن حتته و يثور‬ ‫املاء الذي عليه حىت ال يتبني شخصه فإذا وقع الطري‬ ‫على السمك الطايف وثب إليها فاصطادها فانظر إىل‬ ‫هذه احليلة كيف جعلت طبعا يف هذه البهيمة لبعض‬ ‫املصلحة‬ ‫التنني و السحاب‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد‬

‫له‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫قال املفضل فقلت أخربين اي موالي عن‬ ‫‪.69‬‬ ‫التنني و السحاب فقال ع إن السحاب كاملوكل به‬ ‫خيتطفه حيثما ثقفه كما خيتطف حجر املغناطيس‬ ‫احلديد فهو ال يطلع رأسه يف األرض خوفا من‬ ‫السحاب و ال خيرج إال يف القيظ مرة إذا صحت‬ ‫السماء فلم يكن فيها نكتة من غيمة قلت فلم وكل‬ ‫السحاب ابلتنني يرصده و خيتطفه إذا وجده قال‬ ‫ليدفع عن الناس مضرته‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال‬

‫شاهد له‪.‬‬ ‫قال املفضل فقلت قد وصفت يل اي موالي‬ ‫‪.70‬‬ ‫من أمر البهائم ما فيه معترب ملن اعترب فصف يل الذرة‬ ‫و النملة و الطري فقال ع اي مفضل أتمل وجه الذرة‬ ‫احلقرية الصغرية هل جتد فيها نقصا عما فيه صالحها‬ ‫فمن أين هذا التقدير و الصواب يف خلق الذرة إال‬ ‫من التدبري القائم يف صغري اخللق و كبريه انظر إىل‬ ‫النمل و احتشاده يف مجع القوت و أعداده فإنك‬ ‫ترى اجلماعة منها إذا نقلت احلب إىل زبيتها مبنزلة‬ ‫مجاعة من الناس ينقلون الطعام أو غريه بل للنمل يف‬ ‫‪99‬‬


‫ذلك من اجلد و التشمري ما ليس للناس مثله أ ما‬ ‫تراهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على‬ ‫العمل مث يعمدون إىل احلب فيقطعونه قطعا لكيال‬ ‫ينبت فيفسد عليهم فإن أصابه ندي أخرجوه فنشروه‬ ‫حىت جيف مث ال يتخذ النمل الزبية إال يف نشز من‬ ‫األرض كيال يفيض السيل فيغرقها و كل هذا منه بال‬ ‫عقل و ال روية بل خلقة خلق عليها ملصلحة من هللا‬ ‫جل و عز انظر إىل هذا الذي يقال له الليث و‬ ‫تسميه العامة أسد الذابب و ما أعطي من احليلة و‬ ‫الرفق يف معاشه فإنك تراه حني حيس ابلذابب قد‬ ‫وقع قريبا منه تركه مليا حىت كأنه موات ال حراك به‬ ‫فإذا رأى الذابب قد اطمأن و غفل عنه دب دبيبا‬ ‫دقيقا حىت يكون منه حبيث تناله وثبته مث يثب عليه‬ ‫فيأخذه فإذا أخذه اشتمل عليه جبسمه كله خمافة أن‬ ‫ينجو منه فال يزال قابضا عليه حىت حيس أبنه قد‬ ‫ضعف و اسرتخى مث يقبل عليه فيفرتسه و حيىي‬ ‫بذلك منه فأما العنكبوت فإنه ينسج ذلك النسج‬ ‫فيتخذه شركا و مصيدة للذابب مث يكمن يف جوفه‬ ‫‪100‬‬


‫فإذا نشب فيه الذابب أحال عليه يلدغه ساعة بعد‬ ‫ساعة فيعيش بذلك منه فذلك حيكي صيد الكالب‬ ‫و الفهود و هذا حيكي صيد اإلشراك و احلبائل فانظر‬ ‫إىل هذه الدويبة الضعيفة كيف جعل يف طبعها ما ال‬ ‫يبلغه اإلنسان إال ابحليلة و استعمال اآلالت فيها )‬

‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫مضمون صحيح (‪)10‬‬

‫فال تزدرى ابلشي ء إذا كانت العربة فيه‬ ‫‪.71‬‬ ‫واضحة كالذرة و النملة و ما أشبه ذلك فإن املعىن‬ ‫النفيس قد ميثل ابلشي ء احلقري فال يضع منه)‬ ‫مضمون صحيح له شاهد‪.‬‬ ‫ذلك كما ال يضع من الدينار و هو من‬ ‫‪.72‬‬ ‫ذهب أن يوزن مبثقال من حديد جسم الطائر و‬ ‫خلقته أتمل اي مفضل جسم الطائر و خلقته فإنه‬ ‫حني قدر أن يكون طائرا يف اجلو خفف جسمه و‬ ‫أدمج خلقه و اقتصر به من القوائم األربع على اثنتني‬ ‫و من األصابع اخلمس على أربع و من منفذين للزبل‬ ‫‪101‬‬


‫و البول على واحد جيمعهما مث خلق ذا جؤجؤ حمدد‬ ‫ليسهل عليه أن خيرق اهلواء كيف ما أخذ فيه كما‬ ‫جعلت السفينة هبذه اهليئة لتشق املاء و تنفذ فيه و‬ ‫جعل يف جناحيه و ذنبه ريشات طوال متان لينهض‬ ‫هبا للطريان و كسا كله الريش ليتداخله اهلواء فيقله‬ ‫و ملا قدر أن يكون طعمه احلب و اللحم يبلعه بلعا‬ ‫بال مضغ نقص من خلقة اإلنسان و خلق له منقار‬ ‫صلب جاسي يتناول به طعمه فال ينسحج من لقط‬ ‫احلب و ال يتقصف من هنش اللحم و ملا عدم‬ ‫األسنان و صار يزدرد احلب صحيحا و اللحم غريضا‬ ‫أعني بفضل حرارة يف اجلوف تطحن له الطعم طحنا‬ ‫يستغين به عن املضغ و اعترب ذلك أبن عجم العنب‬ ‫و غريه خيرج من أجواف اإلنس صحيحا و يطحن‬ ‫يف أجواف الطري ال يرى له أثر مث جعل مما يبيض‬ ‫بيضا و ال يلد والدة لكيال يثقل عن الطريان فإنه لو‬ ‫كانت الفراخ يف جوفه متكث حىت تستحكم ألثقلته‬ ‫و عاقته عن النهوض و الطريان فجعل كل شي ء‬ ‫من خلقه مشاكال لألمر الذي قدر أن يكون عليه‬ ‫‪102‬‬


‫مث صار الطائر السائح يف هذا اجلو يقعد على بيضه‬ ‫فيحضنه أسبوعا و بعضها أسبوعني و بعضها ثالثة‬ ‫أسابيع حىت خيرج الفرخ من البيضة مث يقبل عليه فيزقه‬ ‫الريح لتتسع حوصلته للغذاء مث يربيه و يغذيه مبا‬ ‫يعيش به فمن كلفه أن يلقط الطعم و احلب‬ ‫يستخرجه بعد أن يستقر يف حوصلته و يغذو به‬ ‫فراخه و ألي معىن حيتمل هذه املشقة و ليس بذي‬ ‫روية و ال تفكر و ال أيمل يف فراخه ما يؤمل اإلنسان‬ ‫يف ولده من العز و الرفد و بقاء الذكر فهذا من فعله‬ ‫يشهد أنه معطوف على فراخه لعله ال يعرفها و ال‬ ‫يفكر فيها و هي دوام النسل و بقاؤه لطفا من هللا‬ ‫ذكره‬ ‫تعاىل‬ ‫الدجاجة و هتيجها حلضن البيض و التفريخ‬ ‫انظر إىل الدجاجة كيف هتيج حلضن البيض و‬ ‫التفريخ و ليس هلا بيض جمتمع و ال وكر موطأ بل‬ ‫تنبعث و تنتفخ و تقوى و متتنع من الطعم حىت جيمع‬ ‫هلا البيض فتحضنه و تفرخ فلم كان ذلك منها إال‬ ‫إلقامة النسل و من أخذها إبقامة النسل و ال روية‬ ‫‪103‬‬


‫هلا و ال تفكري لو ال أهنا جمبولة على ذلك خلق‬ ‫ذلك‬ ‫يف‬ ‫التدبري‬ ‫و‬ ‫البيضة‬ ‫اعترب خبلق البيضة و ما فيها من أملح األصفر اخلاثر‬ ‫و املاء األبيض الرقيق فبعضه ينشو منه الفرخ و بعضه‬ ‫ليغتذى به إىل أن تنقاب عنه البيضة و ما يف ذلك‬ ‫من التدبري فإنه لو كان نشوء الفرخ يف تلك القشرة‬ ‫املستحفظة اليت ال مساغ لشي ء إليها جعل معه يف‬ ‫جوفها من الغذاء ما يكتفي به إىل وقت خروجه‬ ‫منها كمن حيبس يف حبس حصني ال يوصل إىل من‬ ‫فيه فيجعل معه من القوت ما يكتفي به إىل وقت‬ ‫خروجه منه‪ . .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف حوصلة الطائر و ما قدر‬ ‫‪.73‬‬ ‫له فإن مسلك الطعم إىل القانصة ضيق ال ينفذ فيه‬ ‫الطعام إال قليال قليال فلو كان الطائر ال يلقط حبة‬ ‫اثنية حىت تصل األوىل إىل القانصة لطال عليه و مىت‬ ‫كان يستويف طعمه فإمنا خيتلسه اختالسا لشدة‬ ‫احلذر فجعلت له احلوصلة كاملخالة املعلقة أمامه‬ ‫ليوعي فيها ما أدرك من الطعم بسرعة مث تنفذه إىل‬ ‫‪104‬‬


‫القانصة على مهل و يف احلوصلة أيضا خلة أخرى‬ ‫فإن من الطائر ما حيتاج إىل أن يزق فراخه فيكون‬

‫رده للطعم من قرب أسهل عليه‪ .‬مضمون معتل؛ ظن‬ ‫ال شاهد له‪.‬‬ ‫قال املفضل فقلت إن قوما من املعطلة‬ ‫‪.74‬‬ ‫يزعمون أن اختالف األلوان و األشكال يف الطري‬

‫إمنا يكون من قبل امتزاج األخالط و اختالف‬ ‫مقاديرها املرج و اإلمهال قال اي مفضل هذا الوشي‬ ‫الذي تراه يف الطواويس و الدراج و التدارج على‬ ‫استواء و مقابلة كنحو ما خيط ابألقالم كيف أييت به‬ ‫االمتزاج املهمل على شكل واحد ال خيتلف و لو‬ ‫كان ابإلمهال لعدم االستواء و لكان خمتلفا‬ ‫وصفه‬ ‫و‬ ‫الطائر‬ ‫ريش‬ ‫أتمل ريش الطري كيف هو فإنك تراه منسوجا كنسج‬ ‫الثوب من سلوك دقاق قد ألف بعضه إىل بعض‬ ‫كتأليف اخليط إىل اخليط و الشعرة إىل الشعرة مث‬ ‫ترى ذلك النسج إذا مددته ينفتح قليال و ال ينشق‬ ‫لتداخله الريح فيقل الطائر إذا طار و ترى يف وسط‬ ‫‪105‬‬


‫الريشة عمودا غليظا متينا قد نسج عليه الذي هو‬ ‫مثل الشعر ليمسكه بصالبته و هو القصبة اليت يف‬ ‫وسط الريشة و هو مع ذلك أجوف ليخف على‬ ‫الطائر و ال يعوقه عن الطريان‬ ‫الطائر الطويل الساقني و التدبري يف ذلك‬ ‫هل رأيت اي مفضل هذا الطائر الطويل الساقني و‬ ‫عرفت ما له من املنفعة يف طول ساقيه فإنه أكثر‬ ‫ذلك يف ضحضاح من املاء فرتاه بساقني طويلني‬ ‫كأنه ربيئة فوق مرقب و هو يتأمل ما يدب يف املاء‬ ‫فإذا رأى شيئا مما يتقوت به خطا خطوات رقيقا حىت‬ ‫يتناوله و لو كان قصري الساقني و كان خيطو حنو‬ ‫الصيد ليأخذه يصيب بطنه املاء فيثور و يذعر منه‬ ‫فيفرق عنه فخلق له ذلك العمودان ليدرك هبما‬ ‫حاجته و ال يفسد عليه مطلبه أتمل ضروب التدبري‬ ‫يف خلق الطائر فإنك جتد كل طائر طويل الساقني‬ ‫طويل العنق و ذلك ليتمكن من تناول طعمه من‬ ‫األرض و لو كان طويل الساقني قصري العنق ملا‬ ‫استطاع أن يتناول شيئا من األرضو رمبا أعني مع‬ ‫‪106‬‬


‫العنق بطول املناقري ليزداد األمر عليه سهولة و إمكاان‬ ‫أ فال ترى أنك ال تفتش شيئا من اخللقة إال وجدته‬ ‫على غاية الصواب و احلكمة‪ .‬مضمون معتل؛ ظن‬ ‫ال شاهد له‪.‬‬ ‫انظر إىل العصافري كيف تطلب أكلها‬ ‫‪.75‬‬ ‫ابلنهار فهي ال تفقده و ال جتده جمموعا معدا بل‬ ‫تناله ابحلركة و الطلب و كذلك اخللق كله فسبحان‬ ‫من قدر الرزق كيف فرقه فلم جيعل مما ال يقدر عليه‬ ‫إذ جعل ابخللق حاجة إليه و مل جيعل مبذوال ينال‬ ‫ابهلوينا إذ كان ال صالح يف ذلك فإنه لو كان يوجد‬ ‫جمموعا معدا كانت البهائم تنقلب عليه و ال تنقلع‬ ‫عنه حىت تبشم فتهلك و كان الناس أيضا يصريون‬ ‫ابلفراغ إىل غاية األشر و البطر حىت يكثر الفساد و‬ ‫الفواحش‬ ‫تظهر‬ ‫معاش البوم و اهلام و اخلفاش‬ ‫أ علمت ما طعم هذه األصناف من الطري اليت ال‬ ‫خترج إال ابلليل كمثل البوم و اهلام و اخلفاش قلت‬ ‫ال اي موالي قال إن معاشها من ضروب تنتشر يف‬ ‫‪107‬‬


‫اجلو من البعوض و الفراش و أشباه اجلراد و‬ ‫اليعاسيب و ذلك أن هذه الضروب مبثوثه يف اجلو‬ ‫ال خيلو منها موضع و اعترب ذلك أبنك إذا وضعت‬ ‫سراجا ابلليل يف سطح أو عرصة دار اجتمع عليه‬ ‫من هذه الضروب شي ء كثري فمن أين أييت ذلك‬ ‫كله إال من القرب فإن قال قائل إنه أييت من‬ ‫الصحاري و الرباري قيل له كيف يوايف تلك الساعة‬ ‫من موضع بعيد و كيف يبصر من ذلك البعد سراجا‬ ‫يف دار حمفوفة ابلدور فيقصد إليه مع أن هذه عياان‬ ‫تتهافت على السراج من قرب فيدل ذلك على أهنا‬ ‫منتشرة يف كل موضع من اجلو فهذه األصناف من‬ ‫الطري تلتمسها إذا خرجت فتتقوت هبا فانظر كيف‬ ‫وجه الرزق هلذه الطيور اليت ال خترج إال ابلليل من‬ ‫هذه الضروب املنتشرة يف اجلو و اعرف ذلك املعىن‬ ‫يف خلق هذه الضروب املنتشرة اليت عسى أن يظن‬ ‫ظان أهنا فضل ال معىن له‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال‬

‫شاهد له‪.‬‬

‫‪108‬‬


‫خلق اخلفاش خلقة عجيبة بني خلقة الطري‬ ‫‪.76‬‬ ‫و ذوات األربع هو إىل ذوات األربع أقرب و ذلك‬ ‫أنه ذو أذنني انشزتني و أسنان و وبر هو يلد والدا‬ ‫و يرضع و يبول و ميشي إذا مشى على أربع و كل‬ ‫هذا خالف صفة الطري مث هو أيضا مما خيرج ابلليل‬ ‫و يتقوت مبا يسرى يف اجلو من الفراش و ما أشبهه‬ ‫و قد قال قائلون إنه ال طعم للخفاش و إن غذاءه‬ ‫من النسيم وحده و ذلك يفسد و يبطل من جهتني‬ ‫أحدمها خروج الثفل و البول منه فإن هذا ال يكون‬ ‫من غري طعم و األخرى أنه ذو أسنان و لو كان ال‬ ‫يطعم شيئا مل يكن لألسنان فيه معىن و ليس يف‬ ‫اخللقة شي ء ال معىن له و أما املآرب فيه فمعروفة‬ ‫حىت أن زبله يدخل يف بعض األعمال و من أعظم‬ ‫األرب فيه خلقته العجيبة الدالة على قدرة اخلالق‬ ‫جل ثناؤه و تصرفها فيما شاء كيف شاء لضرب من‬ ‫املصلحة‬ ‫حيلة الطائر أبو منرة ابحلسكة و منفعتها‬ ‫فأما الطائر الصغري الذي يقال له ابن منرة فقد عشش‬ ‫‪109‬‬


‫يف بعض األوقات يف بعض الشجر فنظر إىل حية‬ ‫عظيمة قد أقبلت حنو عشه فاغرة فاها تبغيه لتبتلعه‬ ‫فبينما هو يتقلب و يضطرب يف طلب حيلة منها إذ‬ ‫وجد حسكة فحملها فألقاها يف فم احلية فلم تزل‬ ‫احلية تلتوي و تتقلب حىت ماتت أ فرأيت لو مل أخربك‬ ‫بذلك كان خيطر ببالك أو ببال غريك أنه يكون من‬ ‫حسكة مثل هذه املنفعة أو يكون من طائر صغري أو‬ ‫كبري مثل هذه احليلة اعترب هبذا و كثري من األشياء‬ ‫يكون فيها منافع ال تعرف إال حبادث حيدث أو خرب‬ ‫به‬

‫يسمع‬ ‫النحل عسله و بيوته‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد‬

‫له‪.‬‬

‫انظر إىل النحل و احتشاده يف صنعة العسل‬ ‫‪.77‬‬ ‫و هتيئة البيوت املسدسة و ما ترى يف ذلك من دقائق‬ ‫الفطنة فإنك إذا أتملت العمل رأيته عجيبا لطيفا و‬ ‫إذا رأيت املعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من‬ ‫‪110‬‬


‫الناس و إذا رجعت إىل الفاعل ألفيته غبيا جاهال‬ ‫بنفسه فضال عما سوى ذلك ففي هذا أوضح الداللة‬ ‫على أن الصواب و احلكمة يف هذه الصنعة ليس‬ ‫للنحل بل هي للذي طبعه عليها و سخره فيها‬ ‫ملصلحة الناس اجلراد و بالؤه انظر إىل هذا اجلراد ما‬ ‫أضعفه و أقواه فإنك إذا أتملت خلقه رأيته كأضعف‬ ‫األشياء و إن دلفت عساكره حنو بلد من بلدان مل‬ ‫يستطع أحد أن حيميه منه أ ال ترى أن ملكا من‬ ‫ملوك األرض لو مجع خيله و رجله ليحمي بالده من‬ ‫اجلراد مل يقدر على ذلك أ فليس من الدالئل على‬ ‫قدرة اخلالق أن يبعث أضعف خلقه إىل أقوى خلقه‬ ‫دفعه‬ ‫يستطيع‬ ‫فال‬ ‫كثرة اجلراد انظر إليه كيف ينساب على وجه األرض‬ ‫مثل السيل فيغشى السهل و اجلبل و البدو و احلضر‬ ‫حىت يسرت نور الشمس بكثرته فلو كان هذا مما يصنع‬ ‫ابأليدي مىت كان جتتمع منه هذه الكثرة و يف كم‬ ‫سنة كان يرتفع فأستدل بذلك على القدرة اليت ال‬

‫‪111‬‬


‫يؤدها شي ء و ال يكثر عليها‪ .‬مضمون معتل؛ ظن‬ ‫ال شاهد له‪.‬‬ ‫أمل خلق السمك و مشاكلته لألمر الذي‬ ‫‪.78‬‬ ‫قدر أن يكون عليه فإنه خلق غري ذي قوائم ألنه ال‬ ‫حيتاج إىل املشي إذ كان مسكنه املاء و خلق غري‬ ‫ذي رية ألنه ال يستطيع أن يتنفس و هو منغمس يف‬ ‫اللجة و جعلت له مكان القوائم أجنحة شداد‬ ‫يضرب هبا يف جانبيه كما يضرب املالح ابجملاذيف‬ ‫من جانيب السفينة و كسا جسمه قشورا متاان‬ ‫متداخلة كتداخل الدروع و اجلواشن لتقيه من‬ ‫اآلفات فأعني بفضل حس يف الشم ألن بصره‬ ‫ضعيف و املاء حيجبه فصار يشم الطعم من البعد‬ ‫البعيد فينتجعه فيتبعه و إال فكيف يعلم به و مبوضعه‬ ‫و اعلم أن من فيه إىل صماخه منافذ فهو يعب املاء‬ ‫بفيه و يرسله من صماخيه فيرتوح إىل ذلك كما‬ ‫يرتوح غريه من احليوان إىل تنسم هذا النسيم‪.‬‬

‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪112‬‬


‫كثرة نسل السمك و علة ذلك‬ ‫‪.79‬‬ ‫فكر اآلن يف كثرة نسله و ما خص به من ذلك فإنك‬ ‫ترى يف جوف السمكة الواحدة من البيض ما ال‬ ‫حيصى كثرة و العلة يف ذلك أن يتسع ملا يغتذي به‬ ‫من أصناف احليوان فإن أكثرها أيكل السمك حىت‬ ‫أن السباع أيضا يف حافات اآلجام عاكفة على املاء‬ ‫أيضا كي ترصد السمك فإذا مر هبا خطفته فلما‬ ‫كانت السباع أتكل السمك و الطري أيكل السمك‬ ‫و الناس أيكلون السمك و السمك أيكل السمك‬ ‫كان من التدبري فيه أن يكون على ما هو عليه من‬ ‫الكثرة‬ ‫سعة حكمة اخلالق و قصر علم املخلوقني‬ ‫فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة اخلالق و قصر علم‬ ‫املخلوقني فانظر إىل ما يف البحار من ضروب‬ ‫السمك و دواب املاء و األصداف و األصناف اليت‬ ‫ال حتصى و ال تعرف منافعها إال الشي ء بعد الشي‬ ‫ء يدركه الناس أبسباب حتدث مثل القرمز فإنه ملا‬ ‫عرف الناس صبغه أبن كلبة جتول على شاطئ البحر‬ ‫‪113‬‬


‫فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمى احللزون‬ ‫فأكلته فاختضب خطمها بدمه فنظر الناس إىل‬ ‫حسنه فاختذوه صبغا و أشباه هذا مما يقف الناس‬ ‫عليه حاال بعد حال و زماان بعد زمان قال املفضل‬ ‫و حان وقت الزوال فقام موالي ع إىل الصالة و‬ ‫قال بكر إىل غدا إن شاء هللا تعاىل فانصرفت و قد‬ ‫تضاعفت سروري مبا عرفنيه مبتهجا مبا منحنيه‬ ‫حامدا هلل على ما آاتنيه فبت ليليت مسرورا مبتهجا‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪114‬‬


‫فصل اجمللس الثالث‬ ‫‪115‬‬


‫فلما كان اليوم الثالث بكرت إىل موالي‬ ‫‪.80‬‬ ‫فاستؤذن يل فدخلت فأذن يل ابجللوس فجلست‬ ‫فقال ع احلمد هلل الذي اصطفاان و مل يصطف علينا‬ ‫اصطفاان بعلمه و أيدان حبلمه من شذ عنا فالنار‬ ‫مأواه و من تفيأ بظل دوحتنا فاجلنة مثواه قد شرحت‬ ‫لك اي مفضل خلق اإلنسان و ما دبر به و تنقله يف‬ ‫أحواله و ما فيه من االعتبار و شرحت لك أمر‬ ‫احليوان و أان أبتدئ اآلن بذكر السماء و الشمس و‬ ‫القمر و النجوم و الفلك و الليل و النهار و احلر و‬ ‫الربد و الرايح و اجلواهر األربعة األرض و املاء و‬ ‫اهلواء و النار و املطر و الصخر و اجلبال و الطني و‬ ‫احلجارة و النخل و الشجر و ما يف ذلك من األدلة‬ ‫العرب‬ ‫و‬ ‫لون السماء و ما فيه من صواب التدبري‬ ‫فكر يف لون السماء و ما فيه من صواب التدبري فإن‬ ‫هذا اللون أشد األلوان موافقة و تقوية للبصر حىت‬ ‫أن من صفات األطباء ملن أصابه شي ء أضر ببصره‬ ‫‪116‬‬


‫إدمان النظر إىل اخلضرة و ما قرب منها إىل السواد‬ ‫و قد وصف احلذاق منهم ملن كل بصره االطالع يف‬ ‫إجانة خضراء مملوءة ماء فانظر كيف جعل هللا جل‬ ‫و تعاىل أدمي السماء هبذا اللون األخضر إىل السواد‬ ‫ليمسك األبصار املتقلبة عليه فال ينكي فيها بطول‬ ‫مباشرهتا له فصار هذا الذي أدركه الناس ابلفكر و‬ ‫الروية و التجارب يوجد مفروغا منه يف اخللقة حكمة‬ ‫ابلغة ليعترب هبا املعتربون و يفكر فيها امللحدون‬ ‫يؤفكون‬ ‫أىن‬ ‫هللا‬ ‫قاتلهم‬

‫طلوع الشمس و غروهبا و املنافع يف ذلك‪ .‬مضمون‬ ‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫فكر اي مفضل يف طلوع الشمس و غروهبا‬ ‫‪.81‬‬ ‫إلقامة دوليت النهار و الليل فلو ال طلوعها لبطل أمر‬ ‫العامل كله فلم يكن الناس يسعون يف معايشهم و‬ ‫يتصرفون يف أمورهم و الدنيا مظلمة عليهم و مل‬ ‫يكونوا يتهنون ابلعيش مع فقدهم لذة النور و روحه‬ ‫‪117‬‬


‫و األرب يف طلوعها ظاهر مستغىن بظهوره عن‬ ‫اإلطناب يف ذكره و الزايدة يف شرحه بل أتمل املنفعة‬ ‫يف غروهبا فلو ال غروهبا مل يكن للناس هدوء و ال‬ ‫قرار مع عظم حاجتهم إىل اهلدوء و الراحة لسكون‬ ‫أبداهنم و مجوم حواسهم و انبعاث القوة اهلاضمة‬ ‫هلضم الطعام و تنفيذ الغذاء إىل األعضاء مث كان‬ ‫احلرص يستحملهم من مداومة العمل و مطاولته‬ ‫على ما يعظم نكايته يف أبداهنم فإن كثريا من الناس‬ ‫لو ال جثوم هذا الليل بظلمته عليهم مل يكن هلم هدوء‬ ‫و ال قرار حرصا على الكسب و اجلمع و االدخار‬ ‫مث كانت األرض تستحمى بدوام الشمس بضيائها‬ ‫و حيمى كل ما عليها من حيوان و نبات فقدرها هللا‬ ‫حبكمته و تدبريه تطلع وقتا و تغرب وقتا مبنزلة سراج‬ ‫يرفع ألهل البيت اترة ليقضوا حوائجهم مث يغيب‬ ‫عنهم مثل ذلك ليهدءوا و يقروا فصار النور و الظلمة‬ ‫مع تضادمها منقادين متظاهرين على ما فيه صالح‬ ‫العامل و قوامه‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪118‬‬


‫مث فكر بعد هذا يف ارتفاع الشمس و‬ ‫‪.82‬‬ ‫احنطاطها إلقامة هذه األزمنة األربعة من السنة و ما‬ ‫يف ذلك من التدبري و املصلحة ففي الشتاء تعود‬ ‫احلرارة يف الشجر و النبات فيتولد فيهما مواد الثمار‬ ‫و يتكثف اهلواء فينشأ منه السحاب و املطر و تشتد‬ ‫أبدان احليوان و تقوى و يف الربيع تتحرك و تظهر‬ ‫املواد املتولدة يف الشتاء فيطلع النبات و تنور‬ ‫األشجار و يهيج احليوان للسفاد و يف الصيف حيتدم‬ ‫اهلواء فتنضج الثمار و تتحلل فضول األبدان و جيف‬ ‫وجه األرض فتهيأ للبناء و األعمال و يف اخلريف‬ ‫يصفو اهلواء و ترتفع األمراض و تصح األبدان و ميتد‬ ‫الليل فيمكن فيه بعض األعمال لطوله و يطيب اهلواء‬ ‫فيه إىل مصاحل أخرى لو تقصيت لذكرها لطال فيها‬ ‫الكالم‪.‬‬

‫فكر اآلن يف تنقل الشمس يف الربوج االثين‬ ‫‪.83‬‬ ‫عشر إلقامة دور السنة و ما يف ذلك من التدبري فهو‬ ‫‪119‬‬


‫الدور الذي تصح به األزمنة األربعة من السنة الشتاء‬ ‫و الربيع و الصيف و اخلريف تستوفيها على التمام‬ ‫و يف هذا املقدار من دوران الشمس تدرك الغالت‬ ‫و الثمار و تنتهي إىل غاايهتم مث تعود فيستأنف النشو‬ ‫و النمو أ ال ترى أن السنة مقدار مسري الشمس من‬ ‫احلمل إىل احلمل فبالسنة و أخواهتا يكال الزمان من‬ ‫لدن خلق هللا تعاىل العامل إىل كل وقت و عصر من‬ ‫غابر األايم و هبا حيسب الناس األعمار و األوقات‬ ‫املوقتة للديون و اإلجارات و املعامالت و غري ذلك‬ ‫من أمورهم و مبسري الشمس تكمل السنة و يقوم‬ ‫حساب الزمان على الصحة انظر إىل شروقها على‬ ‫العامل كيف دبر أن يكون فإهنا لو كانت تبزغ يف‬ ‫موضع من السماء فتقف ال تعدوه ملا وصل شعاعها‬ ‫و منفعتها إىل كثري من اجلهات ألن اجلبال و اجلدران‬ ‫كانت حتجبها عنها فجعلت تطلع أول النهار من‬ ‫املشرق فتشرق على ما قابلها من وجه املغرب مث ال‬ ‫تزال تدور و تغشى جهة بعد جهة حىت تنتهي إىل‬ ‫املغرب فتشرق على ما استرت عنها يف أول النهار فال‬ ‫‪120‬‬


‫يبقى موضع من املواضع إال أخذ بقسطه من املنفعة‬ ‫منها و األرب اليت قدرت له و لو ختلفت مقدار عام‬ ‫أو بعض عام كيف كان يكون حاهلم بل كيف كان‬ ‫يكون هلم مع ذلك بقاء أ فال ترى كيف كان يكون‬ ‫للناس هذه األمور اجلليلة اليت مل يكن عندهم فيها‬ ‫حيلة فصارت جتري على جماريها ال تفتل و ال‬ ‫تتخلف عن مواقيتها لصالح العامل و ما فيه بقاؤه‬ ‫االستدالل ابلقمر يف معرفة الشهور‪ .‬مضمون معتل؛‬ ‫ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫استدل ابلقمر ففيه داللة جليلة تستعملها‬ ‫‪.84‬‬ ‫العامة يف معرفة الشهور و ال يقوم عليه حساب‬ ‫السنة ألن دوره ال يستويف األزمنة األربعة و نشو‬ ‫الثمار و تصرمها و لذلك صارت شهور القمر و‬ ‫سنوه تتخلف عن شهور الشمس و سنيها و صار‬ ‫الشهر من شهور القمر ينتقل فيكون مرة ابلشتاء و‬ ‫مرة ابلصيف) مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫فكر يف إانرته يف ظلمة الليل و األرب يف‬ ‫‪.85‬‬ ‫ذلك فإنه مع احلاجة إىل الظلمة هلدوء احليوان و برد‬ ‫‪121‬‬


‫اهلواء على النبات مل يكن صالح يف أن يكون الليل‬ ‫ظلمة داجية ال ضياء فيها فال ميكن فيه شي ء من‬ ‫العمل ألنه رمبا احتاج الناس إىل العمل ابلليل لضيق‬ ‫الوقت عليهم يف بعض األعمال يف النهار و لشدة‬ ‫احلر و إفراطه فيعمل يف ضوء القمر أعماال شىت‬ ‫كحرث األرض و ضرب اللنب و قطع اخلشب و ما‬ ‫أشبه ذلك فجعل ضوء القمر معونة للناس على‬ ‫معايشهم إذا احتاجوا إىل ذلك و أنسا للسائرين و‬ ‫جعل طلوعه يف بعض الليل دون بعض و نقص مع‬ ‫ذلك عن نور الشمس و ضيائها لكيال ينبسط الناس‬ ‫يف العمل انبساطهم ابلنهار و ميتنعوا من اهلدوء و‬ ‫القرار فيهلكهم ذلك و يف تصرف القمر خاصة يف‬ ‫مهله و حماقه و زايدته و نقصانه و كسوفه من التنبيه‬ ‫على قدرة هللا تعاىل خالفه املصرف له هذا التصريف‬ ‫لصالح العامل ما يعترب به املعتربون‪ .‬مضمون معتل؛‬ ‫ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف النجوم و اختالف‬ ‫‪.86‬‬ ‫مسريها فبعضها ال تفارق مراكزها من الفلك و ال‬ ‫‪122‬‬


‫تسري إال جمتمعة و بعضها مطلقة تنتقل يف الربوج و‬ ‫تفرتق يف مسريها فكل واحد منها يسري سريين‬ ‫خمتلفني أحدمها عام مع الفلك حنو املغرب و اآلخر‬ ‫خاص لنفسه حنو املشرق كالنملة اليت تدور على‬ ‫الرحى فالرحى تدور ذات اليمني و النملة تدور ذات‬ ‫الشمال و النملة يف ذلك تتحرك حركتني خمتلفني‬ ‫إحدامها بنفسها فتتوجه أمامها و األخرى مستكرهة‬ ‫مع الرحى جتذهبا إىل خلفها فاسأل الزاعمني أن‬ ‫النجوم صارت على ما هي عليه ابإلمهال من غري‬ ‫عمد و ال صانع هلا ما منعها أن تكون كلها راتبة أو‬ ‫تكون كلها منتقلة فإن اإلمهال معىن واحد فكيف‬ ‫صار أييت حبركتني خمتلفتني على وزن و تقدير ففي‬ ‫هذا بيان أن مسري الفريقني على ما يسريان عليه‬ ‫بعمد و تدبري و حكمة و تقدير و ليس إبمهال كما‬ ‫يزعم املعطلة فإن قال قائل و مل صار بعض النجوم‬ ‫راتبا و بعضها منتقال قلنا إهنا لو كانت كلها راتبة‬ ‫لبطلت الدالالت اليت يستدل هبا من تنقل املنتقلة و‬ ‫مسريها يف كل برج من الربوج كما يستدل هبا على‬ ‫‪123‬‬


‫أشياء مما حيدث يف العامل بتنقل الشمس و النجوم‬ ‫يف منازهلا و لو كانتكلها منتقلة مل يكن ملسريها منازل‬ ‫تعرف و ال رسم يوقف عليه ألنه إمنا يوقف عليه‬ ‫مبسري املنتقلة منها بتنقلها يف الربوج الراتبة كما‬ ‫يستدل على سري السائر على األرض ابملنازل اليت‬ ‫جيتاز عليها أو لو كان تنقلها حبال واحد الختلط‬ ‫نظامها و بطلت املآرب فيها و لساغ القائل يقول‬ ‫إن كينونتها على حال واحدة توجب عليها اإلمهال‬ ‫من اجلهة اليت وصفنا ففي اختالف سريها و تصرفها‬ ‫و ما يف ذلك من املآرب و املصلحة أبني دليل على‬ ‫فيها‬ ‫التدبري‬ ‫و‬ ‫العمد‬ ‫فوائد بعض النجوم‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد‬

‫له‪.‬‬

‫فكر يف هذه النجوم اليت تظهر يف بعض‬ ‫‪.87‬‬ ‫السنة و حتتجب يف بعضها كمثل الثراي و اجلوزاء و‬ ‫الشعريني و سهيل فإهنا لو كانت أبسرها تظهر يف‬ ‫وقت واحد مل يكن لواحد فيها على حياله دالالت‬ ‫يعرفها الناس و يهتدون هبا لبعض أمورهم كمعرفتهم‬ ‫‪124‬‬


‫اآلن مبا يكون من طلوع الثور و اجلوزاء إذا طلعت‬ ‫و احتجاهبا إذا احتجبت فصار ظهور كل واحد و‬ ‫احتجابه يف وقت غري الوقت اآلخر لينتفع الناس مبا‬ ‫يدل عليه كل واحد منها على حدته و ما جعلت‬ ‫الثراي و أشباهها تظهر حينا و حتتجب حينا إال‬ ‫لضرب من املصلحة و كذلك جعلت بنات نعش‬ ‫ظاهرة ال تغيب لضرب آخر من املصلحة فإهنا مبنزلة‬ ‫األعالم اليت يهتدي هبا الناس يف الرب و البحر للطرق‬ ‫اجملهولة و كذلك إهنا ال تغيب و ال تتوارى فهم‬ ‫ينظرون إليها مىت أرادوا أن يهتدوا هبا إىل حيث شاءوا‬ ‫و صار األمران مجيعا على اختالفهما موجهني حنو‬ ‫األرب و املصلحة و فيهما مآرب أخرى عالمات و‬ ‫دالالت على أوقات كثرية من األعمال كالزراعة و‬ ‫الغراس و السفر يف الرب و البحر و أشياء مما حيدث‬ ‫يف األزمنة من األمطار و الرايح و احلر و الربد و هبا‬ ‫يهتدي السائرون يف ظلمة الليل لقطع القفار‬ ‫املوحشة و اللجج اهلائلة مع ما يف ترددها يف كبد‬ ‫السماء مقبلة و مدبرة و مشرقة و مغربة من العرب‬ ‫‪125‬‬


‫فإهنا تسري أسرع السري و أحثه أ رأيت لو كانت‬ ‫الشمس و القمر و النجوم ابلقرب منا حىت يتبني لنا‬ ‫سرعة سريها بكنه ما هي عليه أ مل تكن تستخطف‬ ‫األبصار بوهجها و شعاعها كالذي حيدث أحياان‬ ‫من الربوق إذا توالت و اضطرمت يف اجلو و كذلك‬ ‫أيضا لو أن أانسا كانوا يف قبة مكللة مبصابيح تدور‬ ‫حوهلم دوراان حثيثا حلارت أبصارهم حىت خيروا‬ ‫لوجوههم فانظر كيف قدر أن يكون مسريها يف البعد‬ ‫البعيد لكيال تضر يف األبصار و تنكأ فيها و أبسرع‬ ‫السرعة لكيال تتخلف عن مقدار احلاجة يف مسريها‬ ‫و جعل فيها جزء يسريا من الضوء ليسد مسد‬ ‫األضواء إذا مل يكن قمر و ميكن فيه احلركة إذا حدثت‬ ‫ضرورة كما قد حيدث احلادث على املرء فيحتاج إىل‬ ‫التجايف يف جوف الليل فإن مل يكن شي ء من الضوء‬ ‫يهتدى به مل يستطع أن يربح مكانه فتأمل اللطف و‬ ‫احلكمة يف هذا التقدير حني جعل للظلمة دولة و‬ ‫مدة حلاجة إليها و جعل خالهلا شي ء من الضوء‬ ‫وصفنا‬ ‫اليت‬ ‫للمآرب‬ ‫‪126‬‬


‫الشمس و القمر و النجوم و الربوج تدل على‬ ‫اخلالق‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر يف هذا الفلك بشمسه و قمره و جنومه‬ ‫‪.88‬‬ ‫و بروجه تدور على العامل هذا الدوران الدائم هبذا‬ ‫التقدير و الوزن ملا يف اختالف الليل و النهار و هذه‬ ‫األزمان األربعة املتوالية من التنبيه على األرض و ما‬ ‫عليها من أصناف احليوان و النبات من ضروب‬ ‫املصلحة كالذي بينت و شخصت لك آنفا و هل‬ ‫خيفى على ذي لب أن هذا تقدير مقدر و صواب‬ ‫و حكمة من مقدر حكيم) مضمون معتل؛ ظن ال‬ ‫شاهد له‪.‬‬ ‫فإن قال قائل إن هذا شي ء اتفق أن يكون‬ ‫‪.89‬‬ ‫هكذا فما منعه أن يقول مثل هذا يف دوالب يراه‬ ‫يدور و يسقي حديقة فيها شجر و نبات فريى كل‬ ‫شي ء من آالته مقدرا بعضه يلقى بعضا على ما فيه‬ ‫صالح تلك احلديقة و ما فيها و مب كان يثبت هذا‬ ‫القول لو قاله و ما ترى الناس كانوا قائلني له لو‬ ‫مسعوه منه أ فينكر أن يقول يف دوالب خشب‬ ‫‪127‬‬


‫مصنوع حبيلة قصرية ملصلحة قطعة من األرض أنه‬ ‫كان بال صانع و مقدر و يقدر أن يقول يف هذا‬ ‫الدوالب األعظم املخلوق حبكمة تقصر عنها أذهان‬ ‫البشر لصالح مجيع األرض و ما عليها أنه شي ء‬ ‫اتفق أن يكون بال صنعة و ال تقدير لو اعتل هذا‬ ‫الفلك كما تعتل اآلالت اليت تتخذ للصناعات و‬ ‫غريها أي شي ء كان عند الناس من احليلة يف‬ ‫إصالحه‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف مقادير النهار و الليل‬ ‫‪.90‬‬ ‫كيف وقعت على ما فيه صالح هذا اخللق فصار‬ ‫منتهى كل واحد منهما إذا امتد إىل مخس عشرة‬ ‫ساعة ال جياوز ذلك أ فرأيت لو كان النهار يكون‬ ‫مقداره مائة ساعة أو مائيت ساعة أ مل يكن يف ذلك‬ ‫بوار كل ما يف األرض من حيوان و نبات أما احليوان‬ ‫فكان ال يهدأ و ال يقر طول هذه املدة و ال البهائم‬ ‫كانت متسك عن الرعي لو دام هلا ضوء النهار و ال‬ ‫اإلنسان كان يفرت عن العمل و احلركة و كان ذلك‬ ‫‪128‬‬


‫ينهكها أمجع و يؤديها إىل التلف و أما النبات فكان‬ ‫يطول عليه حر النهار و وهج الشمس حىت جيف و‬ ‫حيرتق كذلك الليل لو امتد مقدار هذه املدة كان‬ ‫يعوق أصناف احليوان عن احلركة و التصرف يف طلب‬ ‫املعاش حىت متوت جوعا و ختمد احلرارة الطبيعية عن‬ ‫النبات حىت يعفن و يفسد كالذي تراه حيدث على‬ ‫النبات إذا كان يف موضع ال تطلع عليه الشمس‬ ‫احلر و الربد و فوائدمها‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد‬

‫له‪.‬‬ ‫‪.91‬‬

‫اعترب هبذا احلر و الربد كيف يتعاوران العامل‬ ‫و يتصرفان هذا التصرف يف الزايدة و النقصان و‬ ‫االعتدال إلقامة هذه األزمنة األربعة من السنة و ما‬ ‫فيهما من املصاحل مث مها بعد دابغ األبدان اليت عليها‬

‫بقاؤها و فيهما صالحها فإنه لو ال احلر و الربد و‬ ‫تداوهلما األبدان لفسدت و أخوت و انتكثت فكر‬ ‫يف دخول أحدمها على اآلخر هبذا التدريج و الرتسل‬ ‫فإنك ترى أحدمها ينقص شيئا بعد شي ء و اآلخر‬ ‫يزيد مثل ذلك حىت ينتهي كل واحد منهما منتهاه‬ ‫‪129‬‬


‫يف الزايدة و النقصان و لو كان دخول أحدمها على‬ ‫اآلخر مفاجأة ألضر ذلك ابألبدان و أسقمها كما‬ ‫أن أحدكم لو خرج من محام حار إىل موضع الربودة‬ ‫لضره ذلك و أسقم بدنه فلم جيعل هللا عز و جل‬ ‫هذا الرتسل يف احلر و الربد إال للسالمة من ضرر‬ ‫املفاجأة و مل جرى األمر على ما فيه السالمة من‬ ‫ضرر املفاجأة لو ال التدبري يف ذلك فإن زعم زاعم‬ ‫أن هذا الرتسل يف دخول احلر و الربد إمنا يكون‬ ‫إلبطاء مسري الشمس يف ارتفاعها و احنطاطها سئل‬ ‫عن العلة يف إبطاء مسري الشمس يف ارتفاعها و‬ ‫احنطاطها فإن اعتل يف اإلبطاء ببعد ما بني املشرقني‬ ‫سئل عن العلة يف ذلك فال تزال هذه املسألة ترقي‬ ‫معه إىل حيث رقى من هذا القول حىت استقر على‬ ‫العمد و التدبري لو ال احلر ملا كانت الثمار ‪0‬اجلاسية‬ ‫املرة تنضج فتلني و تعذب حىت يتفكه هبا رطبة و‬ ‫ايبسة و لو ال الربد ملا كان الزرع يفرخ هكذا و يريع‬ ‫الريع الكثري الذي يتسع للقوت و ما يرد يف األرض‬ ‫للبذر أ فال ترى ما يف احلر و الربد من عظيم الغناء‬ ‫‪130‬‬


‫و املنفعة و كالمها مع غنائه و املنفعة فيه يؤمل األبدان‬ ‫و ميضها و يف ذلك عربة ملن فكر و داللة على أنه‬ ‫من تدبري احلكيم يف مصلحة العامل و ما فيه‪ .‬مضمون‬ ‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫و أنبهك اي مفضل على الريح و ما فيها أ‬ ‫‪.92‬‬ ‫لست ترى ركودها إذا ركدت كيف حيدث الكرب‬ ‫الذي يكاد أن أييت على النفوس و ميرض األصحاء‬ ‫و ينهك املرضى و يفسد الثمار و يعفن البقول و‬ ‫يعقب الوابء يف األبدان و اآلفة يف الغالت ففي هذا‬ ‫بيان أن هبوب الريح من تدبري احلكيم يف صالح‬ ‫األصوات‬ ‫و‬ ‫اخللقاهلواء‬ ‫و أنبئك عن اهلواء خبلة أخرى فإن الصوت أثر يؤثره‬ ‫اصطكاك األجسام يف اهلواء و اهلواء يؤديه إىل‬ ‫املسامع و الناس يتكلمون يف حوائجهم و معامالهتم‬ ‫طول هنارهم و بعض ليلهم فلو كان أثر هذا الكالم‬ ‫يبقى يف اهلواء كما يبقى الكتاب يف القرطاس المتأل‬ ‫العامل منه فكان يكرهبم و يفدحهم و كانوا حيتاجون‬ ‫يف جتديده و االستبدال به إىل أكثر مما حيتاج إليه يف‬ ‫‪131‬‬


‫جتديد القراطيس ألن ما يلفظ من الكالم أكثر مما‬ ‫يكتب فجعل اخلالق احلكيم جل قدسه هذا اهلواء‬ ‫قرطاسا خفيا حيمل الكالم ريثما يبلغ العامل حاجتهم‬ ‫مث ميحى فيعود جديدا نقيا و حيمل ما محل أبدا بال‬ ‫انقطاع و حسبك هبذا النسيم املسمى هواء عربة و‬ ‫ما فيه من املصاحل فإنه حياة هذه األبدان و املمسك‬ ‫هلا من داخل مبا يستنشق منه من خارج مبا يباشر‬ ‫من روحه و فيه تطرد هذه األصوات فيؤدي البعد‬ ‫البعيد و هو احلامل هلذه األرواح ينقلها من موضع‬ ‫إىل موضع أ ال ترى كيف أتتيك الرائحة من حيث‬ ‫هتب الريح فكذلك الصوت و هو القابل هلذا احلر‬ ‫و الربد اللذين يتعاقبان على العامل لصالحه و منه‬ ‫هذه الريح اهلابة فالريح تروح عن األجسام و تزجي‬ ‫السحاب من موضع إىل موضع ليعم نفعه حىت‬ ‫يستكشف فيمطر و تفضه حىت يستخف فيتفشى‬ ‫و تلقح الشجر و تسري السفن و ترخى األطعمة و‬ ‫تربد املاء و تشب النار و جتفف األشياء الندية و‬ ‫ابجلملة إهنا حتيي كل ما يف األرض فلو ال الريح‬ ‫‪132‬‬


‫لذوي النبات و ملات احليوان و محت األشياء و‬ ‫فسدت‬

‫هيئة األرض‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل فيما خلق هللا عز و جل‬ ‫‪.93‬‬ ‫عليه هذه اجلواهر األربعة ليتسع ما حيتاج إليه منها‬ ‫فمن ذلك سعة هذه األرض و امتدادها فلو ال ذلك‬ ‫كيف كانت تتسع ملساكن الناس و مزارعهم و‬ ‫مراعيهم و منابت أخشاهبم و أحطاهبم و العقاقري‬ ‫العظيمة و املعادن اجلسيم غناؤها و لعل من ينكر‬ ‫هذه الفلوات اخلاوية و القفار املوحشة فيقول ما‬ ‫املنفعة فيها فهي مأوى هذه الوحوش و حماهلا و‬ ‫مراعيها مث فيها بعد تنفس و مضطرب للناس إذا‬ ‫احتاجوا إىل االستبدال أبوطاهنم فكم بيداء و كم‬ ‫فدفد حالت قصورا و جناان ابنتقال الناس إليها و‬ ‫حلوهلم فيها و لو ال سعة األرض و فسحتها لكان‬ ‫الناس كمن هو يف حصار ضيق ال جيد مندوحة عن‬ ‫وطنه إذا أحزنه أمر يضطره إىل االنتقال عنه مث فكر‬ ‫يف خلق هذه األرض على ما هي عليه حني خلقت‬ ‫‪133‬‬


‫راتبة راكنة فتكون موطنا مستقرا لألشياء فيتمكن‬ ‫الناس من السعي عليها يف مآرهبم و اجللوس عليها‬ ‫لراحتهم و النوم هلدوئهم و اإلتقان ألعماهلم فإهنا لو‬ ‫كانت رجراجة منكفئة مل يكونوا يستطيعون أن يتقنوا‬ ‫البناء و النجارة و الصناعة و ما أشبه ذلك بل كانوا‬ ‫ال يتهنون ابلعيش و األرض ترتج من حتتهم و اعترب‬ ‫ذلك مبا يصيب الناس حني الزالزل على قلة مكثها‬ ‫حىت يصريوا إىل ترك منازهلم و اهلرب عنها فإن قال‬ ‫قائل فلم صارت هذه األرض تزلزل قيل له إن الزلزلة‬ ‫و ما أشبهها موعظة و ترهيب يرهب هبا الناس لريعوا‬ ‫و ينزعوا عن املعاصي و كذلك ما ينزل هبم من البالء‬ ‫يف أبداهنم و أمواهلم جيري يف التدبري على ما فيه‬ ‫صالحهم و استقامتهم و يدخر هلم إن صلحوا من‬ ‫الثواب و العوض يف اآلخرة ما ال يعدله شي ء من‬ ‫أمور الدنيا و رمبا عجل ذلك يف الدنيا إذا كان ذلك‬ ‫يف الدنيا صالحا للعامة و اخلاصة مث إن األرض يف‬ ‫طباعها الذي طبعها هللا عليه ابردة ايبسة و كذلك‬ ‫احلجارة و إمنا الفرق بينها و بني احلجارة فضل يبس‬ ‫‪134‬‬


‫يف احلجارة أ فرأيت لو أن اليبس أفرط على األرض‬ ‫قليال حىت تكون حجرا صلدا أ كانت تنبت هذا‬ ‫النبات الذي به حياة احليوان و كان ميكن هبا حرث‬ ‫أو بناء أ فال ترى كيف نقصت من يبس احلجارة و‬ ‫جعلت على ما هي عليه من اللني و الرخاوة لتتهيأ‬ ‫لالعتماد‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫و من تدبري احلكيم جل و عال يف خلقة‬ ‫‪.94‬‬ ‫األرض أن مهب الشمال أرفع من مهب اجلنوب فلم‬ ‫جعل هللا عز و جل كذلك إال لتنحدر املياه على‬ ‫وجه األرض فتسقيها و ترويها مث تفيض آخر ذلك‬ ‫إىل البحر فكما يرفع أحد جانيب السطح و خيفض‬ ‫اآلخر لينحدر املاء عنه و ال يقوم عليه كذلك جعل‬ ‫مهب الشمال أرفع من مهب اجلنوب هلذه العلة‬ ‫بعينها و لو ال ذلك لبقي املاء متحريا على وجه‬ ‫األرض فكان مينع الناس من أعماهلا و يقطع الطرق‬ ‫و املسالك مث املاء لو ال كثرته و تدفقه يف العيون و‬ ‫األودية و األهنار لضاق عما حيتاج إليه الناس لشرهبم‬ ‫و شرب أنعامهم و مواشيهم و سقي زروعهم و‬ ‫‪135‬‬


‫أشجارهم و أصناف غالهتم و شرب ما يرده من‬ ‫الوحوش و الطري و السباع و تتقلب فيه احليتان و‬ ‫دواب املاء و فيه منافع أخر أنت هبا عارف و عن‬ ‫عظيم موقعها غافل فإنه سوى األمر اجلليل املعروف‬ ‫من عظيم غ نائه يف إحياء مجيع ما على األرض من‬ ‫احليوان و النبات ميزج األشربة فتلذ و تطيب لشارهبا‬ ‫و به تنظف األبدان و األمتعة من الدرن الذي‬ ‫يغشاها و به يبل الرتاب فيصلح لألعمال و به يكف‬ ‫عادية النار إذا اضطرمت و أشرف الناس على‬ ‫املكروه و به يستحم املتعب الكال فيجد الراحة من‬ ‫أوصابه إىل أشباه هذا من املآرب اليت تعرف عظم‬ ‫موقعها يف وقت احلاجة إليها فإن شككت يف منفعة‬ ‫هذا املاء الكثري املرتاكم يف البحار و قلت ما األرب‬ ‫فيه فعلم أنه مكتنف و مضطرب ما ال حيصى من‬ ‫أصناف السمك و دواب البحر و معدن اللؤلؤ و‬ ‫الياقوت و العنرب و أصناف شىت تستخرج من البحر‬ ‫و يف سواحله منابت العود اليلنجوج و ضروب من‬ ‫الطيب و العقاقري مث هو بعد مركب للناس و حممل‬ ‫‪136‬‬


‫هلذه التجارات اليت جتلب من البلدان البعيدة كمثل‬ ‫ما جيلب من الصني إىل العراق و من العراق إىل‬ ‫الصني فإن هذه التجارات لو مل يكن هلا حممل إال‬ ‫على الظهر لبارت و بقيت يف بلداهنا و أيدي أهلها‬ ‫ألن أجر محلها جياوز أمثاهنا فال يتعرض أحد حلملها‬ ‫و كان جيتمع يف ذلك أمران أحدمها فقد أشياء كثرية‬ ‫تعظم احلاجة إليها و اآلخر انقطاع معاش من حيملها‬ ‫و يتعيش بفضلها‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫و هكذا اهلواء لو ال كثرته و سعته الختنق‬ ‫‪.95‬‬ ‫هذا األانم من و البخار الذي يتحري فيه و يعجز‬ ‫عما حيول إىل السحاب و أوال أوال فقد تقدم من‬ ‫كفاية‬ ‫فيه‬ ‫ما‬ ‫صفته‬ ‫منافع النار و جعلها كاملخزونة يف األجسام و النار‬ ‫أيضا كذلك فإهنا لو كانت مبثوثة كالنسيم و املاء‬ ‫كانت حترق العامل و ما فيه و ملا مل يكن بد من‬ ‫ظهورها يف األحايني لغنائها يف كثري من املصاحل‬ ‫جعلت كاملخزونة يف األجسام فتلتمس عند احلاجة‬ ‫إليها و متسك ابملادة و احلطب ما احتيج إىل بقائها‬ ‫‪137‬‬


‫لئال ختبو فال هي متسك ابملادة و احلطب فتعظم‬ ‫املئونة يف ذلك و ال هي تظهر مبثوثة فتحرق كل ما‬ ‫هي فيه بل هي على هتيئة و تقدير اجتمع فيها‬ ‫االستمتاع مبنافعها و السالمة من ضررها مث فيها خلة‬ ‫أخرى و هي أهنا مما خص هبا اإلنسان دون مجيع‬ ‫احليوان ملا ل ه فيها من املصلحة فإنه لو فقد النار‬ ‫لعظم ما يدخل عليه من الضرر يف معاشه فأما‬ ‫البهائم فال تستعمل النار و ال تستمع هبا و ملا قدر‬ ‫هللا عز و جل أن يكون هذا هكذا خلق لإلنسان‬ ‫كفا و أصابع مهيئة لقدح النار و استعماهلا و مل‬ ‫يعط البهائم مثل ذلك لكنها أعينت ابلصرب على‬ ‫اجلفاء و اخللل يف املعاش لكيال يناهلا يف فقد النار‬ ‫ما ينال اإلنسان عند فقدها و أنبئك من منافع النار‬ ‫على خلقة صغرية عظيم موقعها و هي هذا املصباح‬ ‫الذي يتخذه الناس فيقضون به حوائجهم ما شاءوا‬ ‫يف ليلهم و لو ال هذه اخللة لكان الناس تصرف‬ ‫أعمارهم مبنزلة من يف القبور فمن كان يستطيع أن‬ ‫يكتب أو حيفظ أو ينسج يف ظلمة الليل و كيف‬ ‫‪138‬‬


‫كان حال من عرض له وجع يف وقت من أوقات‬ ‫الليل فاحتاج إىل أن يعاجل ضمادا أو سفوفا أو شيئا‬ ‫يستشفي به فأما منافعها يف نضج األطعمة و دفاء‬ ‫األبدان و جتفيف أشياء و حتليل أشياء و أشباه ذلك‬ ‫فأكثر من أن حتصى و أظهر من أن ختفى‬ ‫الصحو و املطر و تعاقبهما على العامل و فوائد ذلك‪.‬‬

‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف الصحو و املطر كيف‬ ‫‪.96‬‬ ‫يتعاقبان على هذا العامل ملا فيه صالحه و لو دام‬ ‫واحد منهما عليه كان يف ذلك فساده أ ال ترى أن‬ ‫األمطار إذا توالت عفنت البقول و اخلضر و‬ ‫اسرتخت أبدان احليوان و حصر اهلواء فأحدث‬ ‫ضرواب من األمراض و فسدت الطرق و املسالك و‬ ‫أن الصحو إذا دام جفت األرض و احرتق النبات‬ ‫و غيض ماء العيون و األودية فأضر ذلك ابلناس و‬ ‫غلب اليبس على اهلواء فأحدث ضرواب أخرى من‬ ‫األمراض فإذا تعاقبا على العامل هذا التعاقب اعتدل‬ ‫اهلواء و دفع كل واحد منهما عادية اآلخر فصلحت‬ ‫‪139‬‬


‫األشياء و استقامت فإن قال قائل و مل ال يكون يف‬ ‫شي ء من ذلك مضرة البتة قيل له ليمض ذلك‬ ‫اإلنسان و يؤمله بعض األمل فريعوي عن املعاصي‬ ‫فكما أن اإلنسان إذا سقم بدنه احتاج إىل األدوية‬ ‫املرة البشعة ليقوم طباعه و يصلح ما فسد منه كذلك‬ ‫إذا طغى و اشتد احتاج إىل ما ميضه و يؤمله لريعوي‬ ‫و يقصر عن مساويه و يثبته على ما فيه حظه و‬ ‫رشده و لو أن ملكا من امللوك قسم يف أهل مملكته‬ ‫قناطريا من ذهب و فضة أ مل يكن سيعظم عندهم و‬ ‫يذهب له به الصوت فأين هذا من مطره رواء يعم به‬ ‫البالد و يزيد يف الغالت أكثر من قناطري الذهب و‬ ‫الفضة يف أقاليم األرض كلها أ فال ترى املطرة الواحدة‬ ‫ما أكرب قدرها و أعظم النعمة على الناس فيها و هم‬ ‫عنها ساهون و رمبا عاقت عن أحدهم حاجة ال قدر‬ ‫هلا فيتذمر و يسخط إيثارا للخسيس قدره على‬ ‫العظيم نفعه مجيال حممودا لعاقبته و قلة معرفته لعظيم‬ ‫الغناء‬

‫املنفعة‬

‫و‬

‫‪140‬‬

‫فيها‬


‫مصاحل نزول املطر على األرض و أثر التدبري فيه‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫أتمل نزوله على األرض و التدبري يف ذلك‬ ‫‪.97‬‬ ‫فإنه جعل ينحدر عليها من علو ليغشى ما غلظ و‬ ‫ارتفع منها فريويه و لو كان إمنا أيتيها من بعض‬ ‫نواحيها ملا عال املواضع املشرفة منها و يقل ما يزرع‬

‫يف األرض أ ال ترى أن الذي يزرع سيحا أقل من‬ ‫ذلك فاألمطار هي اليت تطبق األرض و رمبا تزرع‬ ‫هذه الرباري الواسعة و سفوح اجلبال و ذراها فتغل‬ ‫الغلة الكثرية و هبا يسقط عن الناس يف كثري من‬ ‫البلدان مئونة سياق املاء من موضع إىل موضع و ما‬ ‫جيري يف ذلك بينهم من التشاجر و التظامل حىت‬ ‫يستأثر ابملاء ذو العز و القوة و حيرمه الضعفاء مث إنه‬ ‫حني قدر أن ينحدر على األرض احندارا جعل ذلك‬ ‫قطرا شبيها ابلرش ليغور يف قعر األرض فريويها و لو‬ ‫كان يسكبه انسكااب كان ينزل على وجه األرض فال‬ ‫يغور فيها مث كان حيطم الزروع القائمة إذا اندفق‬ ‫عليها فصار ينزل نزوال رقيقا فينبت احلب املزروع و‬ ‫‪141‬‬


‫حييي األرض و الزرع القائم و يف نزوله أيضا مصاحل‬ ‫أخرى فإنه يلني األبدان و جيلو كدر اهلواء فريتفع‬ ‫الوابء احلادث من ذلك و يغسل ما يسقط على‬ ‫الشجر و الزرع من الداء املسمى ابلريقان إىل أشباه‬ ‫هذا من املنافع فإن قال قائل أ و ليس قد يكون منه‬ ‫يف بعض السنني الضرر العظيم الكثري لشدة ما يقع‬ ‫منه أو برد يكون فيه حتطم الغالت و خبوره حيدثها‬ ‫يف اهلواء فيولد كثريا من األمراض يف األبدان و‬ ‫اآلفات يف الغالت قيل بلى قد يكون ذلك الفرط ملا‬ ‫فيه من صالح اإلنسان و كفه عن ركوب املعاصي‬ ‫و التمادي فيها فيكون املنفعة فيما يصلح له من دينه‬ ‫أرجح مما عسى أن يرزأ يف ماله‪ .‬مضمون معتل؛ ظن‬ ‫له‪.‬‬ ‫شاهد‬ ‫ال‬

‫انظر اي مفضل إىل هذه اجلبال املركومة من‬ ‫‪.98‬‬ ‫الطني و احلجارة اليت حيسبها الغافلون فضال ال‬ ‫‪142‬‬


‫حاجة إليها و املنافع فيها كثرية فمن ذلك أن تسقط‬ ‫عليها الثلوج فتبقى يف قالهلا ملن حيتاج إليه و يذوب‬ ‫ما ذاب منه فتجري منه العيون الغزيرة اليت جتتمع‬ ‫منها األهنار العظام و ينبت فيها ضروب من النبات‬ ‫و العقاقري اليت ال ينبت مثلها يف السهل و يكون‬ ‫فيها كهوف و معاقل للوحوش من السباع العادية و‬ ‫يتخذ منها احلصون و القالع املنيعة للتحرز من‬ ‫األعداء و ينحت منها احلجارة للبناء و األرحاء و‬ ‫يوجد فيها معادن لضرب من اجلواهر و فيها خالل‬ ‫أخر ال يعرفها إال املقدر هلا يف سابق علمه) مضمون‬ ‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف هذه املعادن و ما خيرج‬ ‫‪.99‬‬ ‫منها من اجلواهر املختلفة مثل اجلص و الكلس و‬ ‫اجلبسني و الزرنيخ و املرتك و التوتياء و الزئبق و‬ ‫النحاس و الرصاص و الفضة و الذهب و الزبرجد و‬ ‫الياقوت و الزمرد و ضروب احلجارة و كذلك ما خيرج‬ ‫منها من القار و املوميا و الكربيت و النفط و غري‬ ‫ذلك مما يستعمله الناس يف مآرهبم فهل خيفى على‬ ‫‪143‬‬


‫ذي عقل أن هذه كلها ذخائر ذخرت لإلنسان يف‬ ‫هذه األرض ليستخرجها فيستعملها عند احلاجة‬ ‫إليها مث قصرت حيلة الناس عما حاولوا من صنعتها‬ ‫على حرصهم و اجتهادهم يف ذلك فإهنم لو ظفروا‬ ‫مبا حاولوا من هذا العلم كان ال حمالة سيظهر و‬ ‫يستفيض يف العامل حىت تكثر الفضة و الذهب و‬ ‫يسقطا عند الناس فال تكون هلما قيمة و يبطل‬ ‫االنتفاع هبما يف الشراء و البيع و املعامالت و ال‬ ‫كان جييب السلطان األموال و ال يدخرمها أحد‬ ‫لألعقاب و قد أعطي الناس مع هذا صنعة الشبه‬ ‫من النحاس و الزجاج من الرمل و الفضة من‬ ‫الرصاص و الذهب من الفضة و أشباه ذلك مما ال‬ ‫مضرة فيه فانظر كيف أعطوا إرادهتم يف ما ال ضرر‬ ‫فيه و منعوا ذلك فيما كان ضارا هلم لو انلوه و من‬ ‫أوغل يف املعادن انتهى إىل واد عظيم جيري منصلتا‬ ‫مباء غزير ال يدرك غوره و ال حيلة يف عبوره و من‬ ‫ورائه أمثال اجلبال من الفضة تفكر اآلن يف هذا من‬ ‫تدبري اخلالق احلكيم فإنه أراد جل ثناؤه أن يرى العباد‬ ‫‪144‬‬


‫قدرته و سعة خزائنه ليعلموا أنه لو شاء أن مينحهم‬ ‫كاجلبال من الفضة لفعل لكن ال صالح هلم يف ذلك‬ ‫ألنه لو كان فيكون فيها كما ذكران سقوط هذا‬ ‫اجلوهر عند الناس و قلة انتفاعهم به و اعترب ذلك‬ ‫أبنه قد يظهر الشي ء الظريف مما حيدثه الناس من‬ ‫األواين و األمتعة فما دام عزيزا قليال فهو نفيس جليل‬ ‫آخذ الثمن فإذا فشا و كثر يف أيدي الناس سقط‬ ‫عندهم و خست قيمته و نفاسة األشياء من عزهتا‬ ‫النبات و ما فيه من ضروب املآرب‪ .‬مضمون معتل؛‬

‫ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف هذا النبات و ما فيه من‬ ‫‪.100‬‬ ‫ضروب املآرب فالثمار للغذاء و األتبان للعلف و‬ ‫احلطب للوقود و اخلشب لكل شي ء من أنواع‬

‫النجارة و غريها و اللحاء و الورق و األصول و‬ ‫العروق و الصموغ لضروب من املنافع أ رأيت لو كنا‬ ‫جند الثمار اليت نغتذي هبا جمموعة على وجه األرض‬ ‫و مل تكن تنبت على هذه األغصان احلاملة هلا كم‬ ‫كان يدخل علينا من اخللل يف معاشنا و إن كان‬ ‫‪145‬‬


‫الغذاء موجودا فإن املنافع ابخلشب و احلطب و‬ ‫األتبان و سائر ما عددانه كثرية عظيم قدرها جليل‬ ‫موقعها هذا مع ما يف النبات من التلذذ حبسن منظره‬ ‫و نضارته اليت ال يعدهلا شي ء من مناظر العامل و‬ ‫مالهيه‬ ‫سببه‬ ‫و‬ ‫النبات‬ ‫يف‬ ‫الريع‬ ‫فكر اي مفضل يف هذا الريع الذي جعل يف الزرع‬ ‫فصارت احلبة الواحدة ختلف مائة حبة و أكثر و أقل‬ ‫و كان جيوز للحبة أن أتيت مبثلها فلم صارت تريع‬ ‫هذا الريع إال ليكون يف الغلة متسع ملا يرد يف األرض‬ ‫من البذر و ما يتقوت الزراع إىل إدراك زرعها‬ ‫املستقبل أ ال ترى أن امللك لو أراد عمارة بلد من‬ ‫البلدان كان السبيل يف ذلك أن يعطي أهله ما‬ ‫يبذرونه يف أرضهم و ما يقوهتم إىل إدراك زرعهم‬ ‫فانظر كيف جتد هذا املثال قد تقدم يف تدبري احلكيم‬ ‫فصار الزرع يريع هذا الريع ليفي مبا حيتاج إليه للقوت‬ ‫و الزراعة و كذلك الشجر و النبت و النخل يريع‬ ‫الريع الكثري فإنك ترى األصل الواحد حوله من‬ ‫‪146‬‬


‫فراخه أمرا عظيما فلم كان كذلك إال ليكون فيه ما‬ ‫يقطعه الناس و يستعملونه يف مآرهبم و ما يرد فيغرس‬ ‫يف األرض و لو كان األصل منه يبقى منفردا ال يفرخ‬ ‫و ال يريع ملا أمكن أن يقطع منه شي ء لعمل و ال‬ ‫لغرس مث كان إن أصابته آفة انقطع أصله فلم يكن‬ ‫خلف‬ ‫منه‬

‫بعض النبااتت و كيف تصان‪ .‬مضمون معتل؛ ظن‬ ‫ال شاهد له‪.‬‬ ‫أتمل نبات هذه احلبوب من العدس و املاش‬ ‫‪.101‬‬ ‫و الباقالء و ما أشبه ذلك فإهنا خترج يف أوعية مثل‬ ‫اخلرائط لتصوهنا و حتجبها من اآلفات إىل أن تشتد‬ ‫و تستحكم كما قد تكون املشيمة على اجلنني هلذا‬ ‫املعىن بعينه و أما الرب و ما أشبهه فإنه خيرج مدرجا‬

‫يف قشور صالب على رءوسها أمثال األسنة من‬ ‫السنبل ليمنع الطري منه ليتوفر على الزراع فإن قال‬ ‫قائل أ و ليس قد ينال الطري من الرب و احلبوب قيل‬ ‫له بلى على هذا قدر األمر فيها ألن الطري خلق من‬ ‫خلق هللا تعاىل و قد جعل هللا تبارك و تعاىل له يف‬ ‫‪147‬‬


‫ما خترج األرض حظا و لكن حصنت احلبوب هبذه‬ ‫احلجب لئال يتمكن الطري منها كل التمكن فيعبث‬ ‫هبا و يفسد الفساد الفاحش فإن الطري لو صادف‬ ‫احلب ابرزا ليس عليه شي ء حيول دونه ألكب عليه‬ ‫حىت ينسفه أصال فكان يعرض من ذلك أن يبشم‬ ‫الطري فيموت و خيرج الزارع من زرعه صفرا فجعلت‬ ‫عليه هذه الوقاايت لتصونه فينال الطائر منه شيئا‬ ‫يسريا يتقوت به و يبقى أكثره لإلنسان فإنه أوىل به‬ ‫إذ كان ه و الذي كدح فيه و شقي به و كان الذي‬ ‫حيتاج إليه أكثر مما حيتاج إليه الطري‪ .‬مضمون معتل؛‬ ‫ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫أتمل احلكمة يف خلق الشجر و أصناف‬ ‫‪.102‬‬ ‫النبات فإهنا ملا كانت حتتاج إىل الغذاء الدائم‬ ‫كحاجة احليوان و مل يكن هلا أفواه كأفواه احليوان و‬ ‫ال حركة تنبعث هبا لتناول الغذاء جعلت أصوهلا‬ ‫مركوزة يف األرض لتنزع منها الغذاء فتؤديه إىل‬ ‫‪148‬‬


‫األغصان و ما عليها من الورق و الثمر فصارت‬ ‫األرض كاألم املربية هلا و صارت أصوهلا اليت هي‬ ‫كاألفواه ملتقمة لألرض لتنزع منها الغداء كما ترضع‬ ‫أصناف احليوان أمهاهتا أ مل تر إىل عمد الفساطيط‬ ‫و اخليم كيف متد ابألطناب من كل جانب لتثبت‬ ‫منتصبة فال تسقط و ال متيل فهكذا جتد النبات كله‬ ‫له عروق منتشرة يف األرض ممتدة إىل كل جانب‬ ‫لتمسكه و تقيمه و لو ال ذلك كيف كان يثبت هذا‬ ‫النخل الطوال و الدوح العظام يف الريح العاصف‬ ‫فانظر إىل حكمة اخلالق كيف سبقت حكمة‬ ‫الصناعة فصارت احليلة اليت تستعملها الصناع يف‬ ‫ثبات الفساطيط و اخليم متقدمة يف خلق الشجر‬ ‫لئن خلق الشجر قبل صنعه الفساطيط و اخليم أ ال‬ ‫ترى عمدها و عيداهنا من الشجر فالصناعة مأخوذة‬ ‫اخللقة‬ ‫من‬ ‫خلق الورق و وصفه‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد‬

‫له‪.‬‬

‫‪149‬‬


‫أتمل اي مفضل خلق الورق فإنك ترى يف‬ ‫‪.103‬‬ ‫الورقة شبه العروق مبثوثة فيها أمجع فمنها غالظ‬ ‫ممتدة يف طوهلا و عرضها و منها دقاق تتخلل تلك‬ ‫الغالظ منسوجة نسجا دقيقا معجما لو كان مما‬ ‫يصنع ابأليدي كصنعة البشر ملا فرغ من ورق شجره‬ ‫واحدة يف عام كامل و الحتيج إىل آالت و حركة و‬ ‫عالج و كالم فصار أييت منه يف أايم قالئل من الربيع‬ ‫ما ميأل اجلبال و السهل و بقاع األرض كلها بال‬ ‫حركة و ال كالم إال ابإلرادة النافذة يف كل شي ء و‬ ‫األمر املطاع و اعرف مع ذلك العلة يف تلك العروق‬ ‫الدقاق فإهنا جعلت تتخلل الورقة أبسرها لتسقيها و‬ ‫توصل املاء إليها مبنزلة العروق املبثوثة يف البدن لتوصل‬ ‫الغذاء إىل كل جزء منه الغالظ منها معىن آخر فإهنا‬ ‫متسك الورقة بصالبتها و متانتها لئال تنهتك و‬ ‫تتمزق فرتى الورقة شبيهة بورقة معمولة ابلصنعة من‬ ‫خرق قد جعلت فيها عيدان ممدودة يف طوهلا و‬ ‫عرضها لتتماسك فال تضطرب فالصناعة حتكي‬ ‫اخللقة و إن كانت ال تدركها على احلقيقة العجم و‬ ‫‪150‬‬


‫خلقه‬ ‫يف‬ ‫العلة‬ ‫و‬ ‫النوى‬ ‫فكر يف هذا العجم و النوى و العلة فيه فإنه جعل‬ ‫يف جوف الثمرة ليقوم مقام الغرس إن عاق دون‬ ‫الغرس عائق كما حيرز الشي ء النفيس الذي تعظم‬ ‫احلاجة إليه يف مواضع أخر فإن حدث على الذي‬ ‫يف بعض املواضع منه حادث وجد يف موضع آخر مث‬ ‫هو بعد ميسك بصالبته رخاوة الثمار و رقتها و لو‬ ‫ال ذلك لتشدخت و تفسخت و أسرع إليها الفساد‬ ‫و بعضه يؤكل و يستخرج دهنه فيستعمل منه ضروب‬ ‫من املصاحل و قد تبني لك موضع األرب يف العجم‬ ‫و النوى فكر اآلن يف هذا الذي جتده فوق النواة من‬ ‫الرطبة و فوق العجم من العنبة فما العلة فيه و ملا ذا‬ ‫خيرج يف هذه اهليئة و قد كان ميكن أن يكون مكان‬ ‫ذلك ما ليس فيه مأكل كمثل ما يكون يف السدرو‬ ‫الدلب و ما أشبه ذلك فلم صار خيرج فوقه هذه‬ ‫املطاعم اللذيذة إال ليستمتع هبا اإلنسان موت‬ ‫الشجر و جتدد حياته و ما يف ذلك من ضروب‬ ‫التدبري‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫‪151‬‬


‫فكر يف ضروب من التدبري يف الشجر فإنك‬ ‫‪.104‬‬ ‫تراه ميوت يف كل سنة موته فتحتبس احلرارة الغريزية‬ ‫يف عوده و يتولد فيه مواد الثمار مث حيىي و ينتشر‬ ‫فيأتيك هبذه الفواكه نوعا بعد نوع كما تقدم إليك‬ ‫أنواع األطبخة اليت تعاجل ابأليدي واحدا بعد واحد‬ ‫فرتى األغصان يف الشجر تتلقاك بثمارها حىت كأهنا‬ ‫تناولكها عن يد و ترى الرايحني تتلقاك يف أفناهنا‬ ‫كأهنا جتئك أبنفسها فلمن هذا التقدير إال ملقدر‬ ‫حكيم و ما العلة فيه إال تفكيه اإلنسان هبذه الثمار‬ ‫و األنوار و العجب من أانس جعلوا مكان الشكر‬ ‫هبا‬ ‫املنعم‬ ‫جحود‬ ‫النعمة‬ ‫على‬ ‫خلق الرمانة و أثر العمد فيه‬ ‫و اعترب خبلق الرمانة و ما ترى فيها من أثر العمد و‬ ‫التدبري فإنك ترى فيها كأمثال التالل من شحم‬ ‫مركوم يف نواحيها و حب مرصوف صفا كنحو ما‬ ‫ينضد ابأليدي و ترى احلب مقسوما أقساما و كل‬ ‫قسم منها ملفوفا بلفائف من حجب منسوجة‬ ‫أعجب النسج و ألطفه و قشره يضم ذلك كله فمن‬ ‫‪152‬‬


‫التدبري يف هذه الصنعة أنه مل يكن جيوز أن يكون‬ ‫حشو الرمانة من احلب وحده و ذلك أن احلب ال‬ ‫ميد بعضه بعضا فجعل ذلك الشحم خالل احلب‬ ‫ليمده ابلغذاء أ ال ترى أن أصول احلب مركوزة يف‬ ‫ذلك الشحم مث لف بتلك اللفائف لتضمه و متسكه‬ ‫فال يضطرب و غشي فوق ذلك ابلقشرة املستحصفة‬ ‫لتصونه و حتصنه من اآلفات فهذا قليل من كثري من‬ ‫وصف الرمانة و فيه أكثر من هذا ملن أراد اإلطناب‬ ‫و التذرع يف الكالم و لكن فيما ذكرت لك كفاية‬ ‫االعتبار‬

‫و‬ ‫الداللة‬ ‫يف‬ ‫محل اليقطني و ما فيه من التدبري و احلكمة‪ .‬مضمون‬

‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف محل اليقطني الضعيف‬ ‫‪.105‬‬ ‫مثل هذه الثمار الثقيلة من الدابء و القثاء و البطيخ‬ ‫و ما يف ذلك من التدبري و احلكمة فإنه حني قدر‬ ‫أن حيمل مثل هذه الثمار جعل نباته منبسطا على‬ ‫األرض و لو كان ينتصب قائما كما ينتصب الزرع‬ ‫و الشجر ملا استطاع أن حيمل مثل هذه الثمار الثقيلة‬ ‫‪153‬‬


‫و لتقصف قبل إدراكها و انتهائها إىل غاايهتا فانظر‬ ‫كيف صار ميتد على وجه األرض ليلقي عليها مثاره‬ ‫فتحملها عنه فرتى األصل من القرع و البطيخ مفرتشا‬ ‫لألرض و مثاره مبثوثة عليها و حواليه كأنه هرة ممتدة‬ ‫و قد اكتنفتها جراؤها لرتضع منها‬ ‫موافاة أصناف النبات يف الوقت املشاكل هلا‬ ‫و انظر كيف صارت األصناف توايف يف الوقت‬ ‫املشاكل هلا من محارة الصيف و وقدة احلر فتلقاها‬ ‫النفوس ابنشراح و تشوق إليها و لو كانت توايف‬ ‫الشتاء لوافقت من الناس كراهة هلا و اقشعرارا منها‬ ‫مع ما يكون فيها من املضرة لألبدان أ ال ترى أنه‬ ‫رمبا أدرك شي ء من اخليار يف الشتاء فيمتنع الناس‬ ‫من أكله إال الشره الذي ال ميتنع من أكل ما يضره‬

‫و يسقم معدته‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف النخل فإنه ملا صار فيه‬ ‫‪.106‬‬ ‫إانث حتتاج إىل التلقيح جعلت فيه ذكورة للقاح من‬

‫غري غراس فصار الذكر من النخل مبنزلة الذكر من‬ ‫احليوان الذي يلقح اإلانث لتحمل و هو ال حيمل‬ ‫‪154‬‬


‫أتمل خلقة اجلذع كيف هو فإنك تراه كاملنسوج‬ ‫نسجا من خيوط ممدودة كالسدى و أخرى معه‬ ‫معرتضة كاللحمة كنحو ما ينسج ابأليدي و ذلك‬ ‫ليشتد و يصلب و ال يتقصف من محل القنوات‬ ‫الثقيلة و هز الرايح العواصف إذا صار خنلة و ليتهيأ‬ ‫للسقوف و اجلسور و غري ذلك مما يتخذ منه إذا‬ ‫صار جذعا و كذلك ترى اخلشب مثل النسج فإنك‬ ‫ترى بعضه مداخال بعضه بعضا طوال و عرضا‬ ‫كتداخل أجزاء اللحم و فيه مع ذلك متانة ليصلح‬ ‫ملا يتخذ منه من اآلالت فإنه لو كان مستحصفا‬ ‫كاحلجارة مل ميكن أن يستعمل يف السقوف و غري‬ ‫ذلك مما يستعمل فيه اخلشبة كاألبواب و األسرة و‬ ‫التوابيت و ما أشبه ذلك و من جسيم املصاحل يف‬ ‫اخلشب أنه يطفو على املاء فكل الناس يعرف هذا‬ ‫منه و ليس كلهم يعرف جالله األمر فيه فلو ال هذه‬ ‫اخللة كيف كانت هذه السفن و األظراف حتمل‬ ‫أمثال اجلبال من احلمولة و أىن كان ينال الناس هذا‬ ‫الرفق و خفة املئونة يف محل التجارات من بلد إىل‬ ‫‪155‬‬


‫بلد و كانت تعظم املئونة عليهم يف محلها حىت يلقى‬ ‫كثري مما حيتاج إليه يف بعض البلدان مفقودا أصال أو‬ ‫وجوده‬

‫عسر‬ ‫العقاقري و اختصاص كل منها‪ .‬مضمون معتل؛ ظن‬

‫ال شاهد له‪.‬‬ ‫فكر يف هذه العقاقري و ما خص هبا كل‬ ‫‪.107‬‬ ‫واحد منها من العمل يف بعض األدواء فهذا يغور يف‬ ‫املفاصل فيستخرج الفضول الغليظة مثل الشيطرج و‬ ‫هذا ينزف املرة السوداء مثل األفتيمون و هذا ينفي‬

‫الرايح مثل السكبينج و هذا حيلل األورام و أشباه‬ ‫هذا من أفعاهلا فمن جعل هذه القوى فيها إال من‬ ‫خلقها للمنفعة و من فطن الناس هلا إال من جعل‬ ‫هذا فيها و مىت كان يوقف على هذا منها ابلعرض‬ ‫و االتفاق كما قال القائلون و هب اإلنسان فطن‬ ‫هلذه األشياء بذهنه و لطيف رويته و جتاربه فالبهائم‬ ‫كيف فطنت هلا حىت صار بعض السباع يتداوى من‬ ‫جراحة إن أصابته ببعض العقاقري فيربأ و بعض الطري‬ ‫حيتقن من احلصر يصيبه مباء البحر فيسلم و أشباه‬ ‫‪156‬‬


‫هذا كثري و لعلك تشكك يف هذا النبات النابت يف‬ ‫الصحاري و الرباري حيث ال أنس و ال أنيس فتظن‬ ‫أنه فضل ال حاجة إليه و ليس كذلك بل هو طعم‬ ‫هلذه الوحوش و حبه علف للطري و عوده و أفنانه‬ ‫حطب فيستعمله الناس و فيه بعد أشياء تعاجل هبا‬ ‫األبدان و أخرى تدبغ هبا اجللود و أخرى تصبغ‬ ‫األمتعة و أشباه هذا من املصاحل أ لست تعلم أن من‬ ‫أخس النبات و أحقره هذا الربدي و ما أشبهها ففيها‬ ‫مع هذا من ضروب املنافع فقد يتخذ من الربدي‬ ‫القراطيس اليت حيتاج إليها امللوك و السوقة و احلصر‬ ‫اليت يستعملها كل صنف من الناس و يعمل منه‬ ‫الغلف اليت يوقى هبا األواين و جيعل حشوا بني‬ ‫الظروف يف األسفاط لكيال تعيب و تنكسر و أشباه‬ ‫هذا من املنافع فاعترب مبا ترى من ضروب املآرب يف‬ ‫صغري اخللق و كبريه و مبا له قيمة و ما ال قيمة له و‬ ‫أخس من هذا و أحقره الزبل و العذرة اليت اجتمعت‬ ‫فيها اخلساسة و النجاسة معا و موقعها من الزروع‬ ‫و البقول و اخلضر أمجع املوقع الذي ال يعدله شي‬ ‫‪157‬‬


‫ء حىت أن كل شي ء من اخلضر ال يصلح و ال يزكو‬ ‫إال ابلزبل و السماد الذي يستقذره الناس و يكرهون‬ ‫الدنو منه و اعلم أنه ليس منزلة الشي ء على حسب‬ ‫قيمته بل مها قيمتان‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد‬

‫له‪.‬‬

‫‪.108‬‬

‫خمتلفتان بسوقني و رمبا كان اخلسيس يف‬

‫سوق املكتسب نفيسا يف سوق العلم فال تستصغر‬ ‫العربة يف الشي ء لصغر قيمته فلو فطن طالبوا‬ ‫الكيمياء ملا يف العذرة الشرتوها أبنفس األمثان و‬ ‫غالوا هبا قال املفضل و حان وقت الزوال فقام موالي‬ ‫إىل الصالة و قال بكر إىل غدا إن شاء هللا تعاىل‬ ‫فانصرفت و قد تضاعف سروري مبا عرفنيه مبتهجا‬ ‫مبا آاتنيه حامدا هلل على ما منحنيه فبت ليليت مسرورا‬

‫‪158‬‬


159


‫فصل جملس الرابع‬ ‫قال املفضل فلما كان اليوم الرابع بكرت إىل‬ ‫‪.109‬‬ ‫موالي فاستؤذن يل فأمرين ابجللوس فجلست فقال‬ ‫ع منا التحميد و التسبيح و التعظيم و التقديس‬ ‫لالسم األقدم و النور األعظم العلي العالم ذي‬ ‫اجلالل و اإلكرام و منشئ األانم و مفين العوامل و‬ ‫الدهور و صاحب السر املستور و الغيب احملظور و‬ ‫االسم املخزون و العلم املكنون و صلواته و بركاته‬ ‫على مبلغ وحيه و مؤدي رسالته الذي بعثه بشريا و‬ ‫نذيرا و داعيا إىل هللا إبذنه و سراجا منريا ليهلك من‬ ‫هلك عن بينة و حييا من حي عن بينة فعليه و على‬ ‫آله من ابرئه الصلوات الطيبات و التحيات الزاكيات‬ ‫الناميات و عليه و عليهم السالم و الرمحة و الربكات‬ ‫يف املاضني و الغابرين أبد اآلبدين و دهر الداهرين‬ ‫مستحقوه‬ ‫و‬ ‫أهله‬ ‫هم‬ ‫و‬ ‫املوت و الفناء و انتقاد اجلهال و جواب ذلك‬ ‫قد شرحت لك اي مفضل من األدلة على اخللق و‬ ‫الشواهد على صواب التدبري و العمد يف اإلنسان و‬ ‫‪160‬‬


‫احليوان و النبات و الشجر و غري ذلك ما فيه عربة‬ ‫ملن اعترب و أان أشرح لك اآلن اآلفات احلادثة يف‬ ‫بعض األزمان اليت اختذها أانس من اجلهال ذريعة إىل‬ ‫جحود اخللق و اخلالق و العمد و التدبري و ما أنكرت‬ ‫املعطلة و املنانية من املكاره و املصائب و ماأنكروه‬ ‫من املوت و الفناء و ما قاله أصحاب الطبائع و من‬ ‫زعم أن كون األشياء ابلعرض و االتفاق ليتسع ذلك‬ ‫القول يف الرد عليهم قاتلهم هللا أىن يؤفكون‬ ‫اآلفات و نظر اجلهال إليها و اجلواب على ذلك‪.‬‬

‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪161‬‬


‫مضمون صحيح (‪)11‬‬

‫‪.110‬‬

‫اختذ أانس من اجلهال هذه اآلفات‬

‫احلادثة يف بعض األزمان كمثل الوابء و الريقان و‬ ‫الربد و اجلراد ذريعة إىل جحود اخلالق و التدبري و‬ ‫اخللق ‪-‬اىل ان قال‪ -‬يلذع العامل أحياان هبذه‬ ‫اآلفات اليسرية لتأديب الناس و تقوميهم مث ال‬ ‫تدوم هذه اآلفات بل تكشف عنهم عند القنوط‬ ‫منهم فيكون وقوعها هبم موعظة و كشفها عنهم‬ ‫رمحة) مضمون صحيح له شاهد‪.‬‬

‫و قد أنكرت املنانية من املكاره و املصائب‬ ‫‪.111‬‬ ‫اليت تصيب الناس فكالمها يقول إن كان للعامل خالق‬ ‫رءوف رحيم فلم حتدث فيه هذه األمور املكروهة و‬ ‫القائل هبذا القول يذهب إىل أنه ينبغي أن يكون‬ ‫عيش اإلنسان يف هذه الدنيا صافيا من كل كدر و‬ ‫لو كان هكذا كان اإلنسان خيرج من األشر و العتو‬ ‫إىل ما ال يصلح يف دين و ال دنيا كالذي ترى كثريا‬ ‫‪162‬‬


‫من املرتفني و من نشأ يف اجلدة و األمن خيرجون إليه‬ ‫حىت أن أحدهم ينسى أنه بشر و أنه مربوب أو أن‬ ‫ضررا ميسه أو أن مكروها ينزل به أو أنه جيب عليه‬ ‫أن يرحم ضعيفا أو يواسي فقريا أو يرثي ملبتلى أو‬ ‫يتحنن على ضعيف أو يتعطف على مكروب فإذا‬ ‫عضته املكاره و وجد مضضها اتعظ و أبصر كثريا‬ ‫مما كان جهله و غفل عنه و رجع إىل كثري مما كان‬ ‫جيب عليه و املنكرون هلذه األمور املؤذية مبنزلة‬ ‫الصبيان الذين يذمون األدوية املرة البشعة و‬ ‫يتسخطون من املنع من األطعمة الضارة و يتكرهون‬ ‫األدب و العمل و حيبون أن يتفرغوا للهو و البطالة‬ ‫و ينالوا كل مطعم و مشرب و ال يعرفون ما تؤديهم‬ ‫إليه البطالة من سوء النشو و العادة و ما تعقبهم‬ ‫األطعمة اللذيذة الضارة من األدواء و األسقام و ما‬ ‫هلم يف األدب من الصالح و يف األدوية من املنفعة‬ ‫و إن شاب ذلك بعض الكراهة فإن قالوا فلم مل يكن‬ ‫اإلنسان معصوما من املساوئ حىت ال حيتاج إىل أن‬ ‫تلذعه هذه املكاره قيل إذا كان يكون غري حممود‬ ‫‪163‬‬


‫على حسنه أيتيها و ال مستحقا للثواب عليها فإن‬ ‫قالوا و ما كان يضره أن ال يكون حممودا على‬ ‫احلسنات مستحقا للثواب بعد أن يصري إىل غاية‬ ‫النعيم و اللذات قيل هلم اعرضوا على امرئ صحيح‬ ‫اجلسم و العقل أن جيلس منعما و يكفى كلما حيتاج‬ ‫إليه بال سعي و ال استحقاق فانظروا هل تقبل نفسه‬ ‫ذلك بل ستجدونه ابلقليل مما يناله ابلسعي و احلركة‬ ‫أشد اغتباطا و سرورا منه ابلكثري مما يناله بغري‬ ‫االستحقاق و كذلك نعيم اآلخرة أيضا يكمل ألهله‬ ‫أبن ينالوه ابلسعي فيه و االستحقاق له فالنعمة على‬ ‫اإلنسان يف هذا الباب مضاعفة فإن أعد له الثواب‬ ‫اجلزيل على سعيه يف هذه الدنيا و جعل له السبيل‬ ‫إىل أن ينال ذلك بسعي و استحقاق فيكمل له‬ ‫السرور و االغتباط مبا يناله منه فإن قالوا أ و ليس‬ ‫قد يكون من الناس من يركن إىل ما انل من خري و‬ ‫إن كان ال يستحقه فما احلجة يف منع من رضي أن‬ ‫ينال نعيم اآلخرة على هذه اجلملة قيل هلم إن هذا‬ ‫ابب لو صح للناس خلرجوا إىل غاية الكلب و‬ ‫‪164‬‬


‫الضراوة على الفواحش و انتهاك احملارم فمن كان‬ ‫يكف نفسه عن فاحشة أو يتحمل املشقة يف ابب‬ ‫من أبواب الرب لوثق أبنه صائر إىل النعيم ال حمالة أو‬ ‫من كان أيمن على نفسه و أهله و ماله من الناس‬ ‫لو مل خياف احلساب و العقاب فكان ضرر هذا‬ ‫الباب سينال الناس يف هذه الدنيا قبل اآلخرة فيكون‬ ‫يف ذلك تعطيل العدل و احلكمة معا و موضع للطعن‬ ‫على التدبري خبالف الصواب و وضع األمور يف غري‬

‫مواضعها‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪165‬‬


‫مضمون صحيح (‪)12‬‬

‫‪.112‬‬

‫و قد يتعلق هؤالء ابآلفات اليت تصيب‬

‫الناس فتعم الرب و الفاجر أو يبتلى هبا الرب و يسلم‬ ‫الفاجر منها فقالوا كيف جيوز هذا يف تدبري احلكيم‬ ‫و ما احلجة فيه فيقال هلم إن هذه اآلفات و إن‬ ‫كانت تنال الصاحل و الطاحل مجيعا فإن هللا عز و‬ ‫جل جعل ذلك صالحا للصنفني كليهما أما‬ ‫الصاحلون فإن الذي يصيبهم من هذا يزدهم نعم‬ ‫رهبم عندهم يف سالف أايمهم فيحدوهم ذلك على‬ ‫الشكر و الصرب و أما الطاحلون فإن مثل هذا إذا‬ ‫انهلم كسر شرهتم و ردعهم عن املعاصي و‬ ‫الفواحش و كذلك جيعل ملن سلم منهم من‬ ‫الصنفني صالحا يف ذلك أما األبرار فإهنم يغتبطون‬ ‫مبا هم عليه من الرب و الصالح و يزدادون فيه‬ ‫‪166‬‬


‫رغبة و بصرية و أما الفجار فإهنم يعرفون رأفة رهبم‬ ‫و تطوله عليهم ابلسالمة من غري استحقاق‬ ‫فيحضهم ذلك على الرأفة ابلناس و الصفح عمن‬ ‫أساء إليهم) مضمون صحيح له شاهد‪.‬‬

‫‪.113‬‬

‫( و لعل قائال يقول إن هذه اآلفات اليت‬

‫تصيب الناس يف أمواهلم فما قولك فيما يبتلون به يف‬ ‫أبداهنم فيكون فيه تلفهم كمثل احلرق و الغرق و‬ ‫السيل و اخلسف فيقال له إن هللا جعل يف هذا أيضا‬

‫صالحا للصنفني مجيعا أما األبرار فلما هلم يف مفارقة‬ ‫هذه الدنيا من الراحة من تكاليفها و النجاة من‬ ‫مكارهها و أما الفجار فلما هلم يف ذلك من متحيص‬ ‫أوزارهم و حبسهم عن االزدايد منها و مجلة القول‬ ‫إن اخلالق تعاىل ذكره حبكمته و قدرته قد يصرف‬ ‫هذه األمور كلها إىل اخلري و املنفعة فكما أنه إذا‬ ‫قطعت الريح شجره أو قطعت خنلة أخذها الصانع‬ ‫الرفيق و استعملها يف ضروب من املنافع فكذلك‬ ‫يفعل املدبر احلكيم يف اآلفات اليت تنزل ابلناس يف‬ ‫أبداهنم و أمواهلم فيصريها مجيعا إىل اخلري و املنفعة‬ ‫‪167‬‬


‫فإن قال و مل حتدث على الناس قيل له لكيال يركنوا‬ ‫إىل املعاصي من طول السالمة فيبالغ الفاجر يف‬ ‫ركوب املعاصي و يفرت الصاحل عن االجتهاد يف الرب‬ ‫فإن هذين األمرين مجيعا يغلبان على الناس يف حال‬ ‫اخلفض والدعة و هذه احلوادث اليت حتدث عليهم‬ ‫تردعهم و تنبههم على ما فيه رشدهم فلو خلوا منها‬ ‫لغلوا يف الطغيان و املعصية كما غال الناس يف أول‬ ‫الزمان حىت وجب عليهم البوار ابلطوفان و تطهري‬ ‫منهم‬ ‫األرض‬ ‫املوت و الفناء و انتقاد اجلهال و جواب ذلك‬ ‫و مما ينتقده اجلاحدون للعمد و التقدير املوت و‬ ‫الفناء فإهنم يذهبون إىل أنه ينبغي أن يكون الناس‬ ‫خملدين يف هذه الدنيا مربءين من هذه اآلفات فينبغي‬ ‫أن يساق هذا األمر إىل غايته فينظر ما حمصوله أ‬ ‫فرأيت لو كان كل من دخل العامل و يدخله يبقون و‬ ‫ال ميوت أحد منهم أ مل تكن األرض تضيق هبم حىت‬ ‫تعوزهم املساكن و املزارع و املعايش فإهنم و املوت‬ ‫يفنيهم أوال فأوال يتنافسون يف املساكن و املزارع حىت‬ ‫‪168‬‬


‫تنشب بينهم يف ذلك احلروب و تسفك فيهم الدماء‬ ‫فكيف كانت تكون حاهلم لو كانوا يولدون و ال‬ ‫ميوتون و كان يغلب عليهم احلرص و الشره و قساوة‬ ‫القلوب فلو وثقوا أبهنم ال ميوتون ملا قنع الواحد منهم‬ ‫بشي ء يناله و ال أفرج ألحد عن شي ء يسأله و ال‬ ‫سال عن شي ء مما حيدث عليه مث كانوا ميلون احلياة‬ ‫و كل شي ء من أمور الدنيا كما قد ميل احلياة من‬ ‫طال عمره حىت يتمىن املوت و الراحة من الدنيا فإن‬ ‫قالوا إنه كان ينبغي أنه يرفع عنهم املكاره و األوصاب‬ ‫حىت ال يتمنوا املوت و ال يشتاقوا إليه فقد وصفنا ما‬ ‫كان خيرجهم إليه من العتو و األشر احلامل هلم على‬ ‫ما فيه فساد الدنيا و الدين و إن قالوا إنه كان ينبغي‬ ‫أن ال يتوالدوا كيال تضيق عنهم املساكن و املعايش‬ ‫قيل هلم إذا كان حيرم أكثر هذا اخللق دخول العامل و‬ ‫االستمتاع بنعم هللا تعاىل و مواهبه يف الدارين مجيعا‬ ‫إذا مل يدخل العامل إال قرن واحد ال يتوالدون و ال‬ ‫يتناسلون فإن قالوا إنه كان ينبغي أن خيلق يف ذلك‬ ‫القرن الواحد من الناس مثل ما خلق و خيلق إىل‬ ‫‪169‬‬


‫انقضاء العامل يقال هلم رجع األمر إىل ما ذكران من‬ ‫ضيق املساكن و املعايش عنهم مث لو كانوا ال‬ ‫يتوالدون و ال يتناسلون لذهب موضع األنس‬ ‫ابلقراابت و ذوي األرحام و االنتصار هبم عند‬ ‫الشدائد و موضع تربية األوالد و السرور هبم ففي‬ ‫هذا دليل على أن كلما تذهب إليه األوهام سوى ما‬ ‫جرى به التدبري خطأ و سفه من الرأي و القول لطعن‬ ‫على التدبري من جهة أخرى و اجلواب عليه‬ ‫و لعل طاعنا يطعن على التدبري من جهة أخرى‬ ‫فيقول كيف يكون هاهنا تدبري و حنن نرى الناس يف‬ ‫هذه الدنيا من عزيز فالقوي يظلم و يغصب و‬ ‫الضعيف يظلم و يسامل اخلسف و الصاحل فقري مبتلى‬ ‫و الفاسق معاىف موسع عليه و من ركب فاحشة أو‬ ‫انتهك حمرما مل يعاجل ابلعقوبة فلو كان يف العامل‬ ‫تدبري جلرت األمور على القياس القائم فكان الصاحل‬ ‫هو املرزوق و الطاحل هو احملروم و كان القوي مينع‬ ‫من ظلم الضعيف و املنتهك للمحارم يعاجل‬ ‫ابلعقوبة فيقال يف جواب ذلك إن هذا لو كان هكذا‬ ‫‪170‬‬


‫لذهب موضع اإلحسان الذي فضل به اإلنسان على‬ ‫غريه من اخللق و محل النفس على الرب و العمل‬ ‫الصاحل احتسااب للثواب و ثقة مبا وعد هللا عنه و‬ ‫لصار الناس مبنزلة الدواب اليت تساس ابلعصا و‬ ‫العلف و يلمع هلا بكل واحد منهما ساعة فساعة‬ ‫فتستقيم على ذلك و مل يكن أحد يعمل على يقني‬ ‫بثواب أو عقاب حىت كان هذا خيرجهم عن حد‬ ‫اإلنسية إىل حد البهائم مث ال يعرف ما غاب و ال‬ ‫يعمل إال على احلاضر من نعيم الدنيا و كان حيدث‬ ‫من هذا أيضا أن يكون الصاحل إمنا يعمل للرزق و‬ ‫السعة يف هذه الدنيا و يكون املمتنع من الظلم و‬ ‫الفواحش إمنا يكف عن ذلك لرتقب عقوبة تنزل به‬ ‫من ساعته حىت تكون أفعال الناس كلها جتري على‬ ‫احلاضر ال يشوبه شي ء من اليقني مبا عند هللا و ال‬ ‫يستحقون ثواب اآلخرة و النعيم الدائم فيها مع أن‬ ‫هذه األمور اليت ذكرها الطاعن من الغىن و الفقر و‬ ‫العافية و البالء ليست جبارية على خالف قياسه بل‬ ‫قد جتري على ذلك أحياان و األمر املفهوم فقد ترى‬ ‫‪171‬‬


‫كثريا من الصاحلني يرزقون املال لضروب من التدبري‬ ‫و كيال يسبق إىل قلوب الناس أن الكفار هم‬ ‫املرزوقون و األبرار هم احملرومون فيؤثرون الفسق على‬ ‫الصالح و ترى كثريا من الفساق يعاجلون ابلعقوبة‬ ‫إذا تفاقم طغياهنم و عظم ضررهم على الناس و على‬ ‫أنفسهم كما عوجل فرعون ابلغرق و خبت نصر ابلتيه‬ ‫و بلبيس ابلقتل و إن أمهل بعض األشرار ابلعقوبة‬ ‫و أخر بعض األخيار ابلثواب إىل الدار اآلخرة‬ ‫ألسباب ختفى على العباد مل يكن هذا مما يبطل‬ ‫التدبري فإن مثل هذا قد يكون من ملوك األرض و‬ ‫ال يبطل تدبريهم بل يكون أتخريهم ما أخروه و‬ ‫تعجيلهم ما عجلوه داخال يف صواب الرأي و التدبري‬ ‫و إذا كانت الشواهد تشهد و قياسهم يوجب أن‬ ‫لألشياء خالقا حكيما قادرا فما مينعه أن يدبر خلقه‬ ‫فإنه ال يصلح يف قياسهم أن يكون الصانع يهمل‬ ‫صنعته إال إبحدى ثالث خالل إما عجز و إما جهل‬ ‫و إما شرارة و كل هذا حمال يف صنعته عز و جل و‬ ‫تعاىل ذكره و ذلك أن العاجز ال يستطيع أن أييت‬ ‫‪172‬‬


‫هبذه اخلالئق اجلليلة العجيبة و اجلاهل ال يهتدى ملا‬ ‫فيها من الصواب و احلكمة و الشرير ال يتطاول‬ ‫خللقها و إنشائها و إذا كان هذا هكذا وجب أن‬ ‫يكون اخلالق هلذه اخلالئق يدبرها ال حمالة و إن كان‬ ‫ال يدرك كنه ذلك التدبري و خمارجه فإن كثريا من‬ ‫تدبري امللوك ال تفهمه العامة و ال تعرف أسبابه ألهنا‬ ‫ال تعرف دخيلة أمر امللوك و أسرارهم فإذا عرف‬ ‫سببه وجد قائما على الصواب و الشاهد احملنة و لو‬ ‫شككت يف بعض األدوية و األطعمة فيتبني لك من‬ ‫جهتني أو ثالث أنه حار أو ابرد أ مل تكن ستقضي‬ ‫عليه بذلك و تنفي الشك فيه عن نفسك فما ابل‬ ‫هؤالء اجلهلة ال يقضون على العامل ابخللق و التدبري‬ ‫مع هذه الشواهد الكثرية و أكثر منها ما ال حيصى‬ ‫كثرة و لو كان نصف العامل و ما فيه مشكال صوابه‬ ‫ملا كان من حزم الرأي و مست األدب أن يقضى‬ ‫على العامل ابإلمهال ألنه كان يف النصف اآلخر و ما‬ ‫يظهر فيه من الصواب و إتقان ما يردع الوهم عن‬ ‫التسرع إىل هذه القضية فكيف و كلما فيه إذا فتش‬ ‫‪173‬‬


‫وجد على غاية الصواب حىت ال خيطر ابلبال شي ء‬ ‫إال وجد ما عليه اخللقة أصح و أصوب منه‪ .‬مضمون‬ ‫معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬ ‫و اعلم اي مفضل أن اسم هذا العامل بلسان‬ ‫‪.114‬‬ ‫اليواننية اجلاري املعروف عندهم قومسوس و تفسريه‬ ‫الزينة و كذلك مسته الفالسفة و من ادعى احلكمة أ‬ ‫فكانوا يسمونه هبذا االسم إال ملا رأوا فيه من التقدير‬ ‫و النظام فلم يرضوا أن يسموه تقديرا و نظاما حىت‬ ‫مسوه زينة ليخربوا أنه مع ما هو عليه من الصواب و‬ ‫اإلتقان على غاية احلسن و البهاء‬ ‫عمي ماين عن دالئل احلكمة و ادعاؤه علم األسرار‬ ‫أعجب اي مفضل من قوم ال يقضون على صناعة‬ ‫الطب ابخلطإ و هم يرون الطبيب خيطئ و يقضون‬ ‫على العامل ابإلمهال و ال يرون شيئا منه مهمال بل‬ ‫أعجب من أخالق من ادعى احلكمة حىت جهلوا‬ ‫مواضعها يف اخللق فأرسلوا ألسنتهم ابلذم للخالق‬ ‫جل و عال بل العجب من املخذول ماين حني ادعى‬ ‫علم األسرار و عمي عن دالئل احلكمة يف اخللق‬ ‫‪174‬‬


‫حىت نسبه إىل اخلطإ و نسب خالقه إىل اجلهل تبارك‬ ‫احلكيم الكرمي انتقاد املعطلة فيما راموا أن يدركوا‬ ‫ابلعقل‬ ‫يدرك‬ ‫ال‬ ‫ما‬ ‫ابحلس‬ ‫و أعجب منهم مجيعا املعطلة الذين راموا أن يدركوا‬ ‫ابحلس ما ال يدرك ابلعقل فلما أعوزهم ذلك خرجوا‬ ‫إىل اجلحود و التكذيب فقالوا و مل ال يدرك ابلعقل‬ ‫قيل ألنه فوق مرتبة العقل كما ال يدرك البصر ما هو‬ ‫فوق مرتبته فإنك لو رأيت حجرا يرتفع يف اهلواء‬ ‫علمت أن راميا رمى به فليس هذا العلم من قبل‬ ‫البصر بل من قبل العقل ألن العقل هو الذي مييزه‬ ‫فيعلم أن احلجر ال يذهب علوا من تلقاء نفسه ‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫‪175‬‬


‫مضمون صحيح (‪)13‬‬ ‫‪ .115‬أ فال ترى كيف وقف البصر على حده‬ ‫فلم يتجاوزه فكذلك يقف العقل على حده من‬ ‫معرفة اخلالق فال يعدوه و لكن يعقله بعقل أقر أن‬ ‫فيه نفسا و مل يعاينها و مل يدركها حباسة من احلواس‬ ‫و على حسب هذا أيضا نقول إن العقل يعرف‬ ‫اخلالق من جهة توجب عليه اإلقرار و ال يعرفه مبا‬ ‫يوجب له اإلحاطة بصفته ) مضمون صحيح له‬ ‫شاهد‪.‬‬ ‫فإن قالوا فكيف يكلف العبد الضعيف‬ ‫‪.116‬‬ ‫معرفته ابلعقل اللطيف و ال حييط به قيل هلم إمنا‬ ‫كلف العباد من ذلك ما يف طاقتهم أن يبلغوه و هو‬ ‫أن يوقنوا به و يقفوا عند أمره و هنيه و مل يكلفوا‬ ‫اإلحاطة بصفته كما أن امللك ال يكلف رعيته أن‬ ‫‪176‬‬


‫يعلموا أ طويل هو أم قصري و أبيض هو أم أمسر و‬ ‫إمنا يكلفهم اإلذعان لسلطانه و االنتهاء إىل أمره أ‬ ‫ال ترى أن رجال لو أتى ابب امللك فقال أعرض علي‬ ‫نفسك حىت أتقصى معرفتك و إال مل أمسع لك كان‬ ‫قد أحل نفسه ابلعقوبة فكذا القائل إنه ال يقر‬ ‫ابخلالق سبحانه حىت حييط بكنهه متعرضا لسخطه‬ ‫‪ .‬ص مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مضمون صحيح (‪)14‬‬ ‫‪( .117‬إن قالوا أو ليس قد نصفه فنقول هو‬ ‫العزيز احلكيم اجلواد الكرمي قيل هلم كل هذه‬ ‫صفات إقرار و ليست صفات إحاطة فإان نعلم‬ ‫أنه حكيم و ال نعلم بكنه ذلك منه و كذلك قدير‬ ‫و جواد و سائر صفاته ) مضمون صحيح له‬ ‫شاهد‪.‬‬ ‫كما قد نرى السماء فال ندري ما جوهرها‬ ‫‪.118‬‬ ‫و نرى البحر و ال ندري أين منتهاه بل فوق هذا‬ ‫املثال مبا ال هناية له و ألن األمثال كلها تقصر عنه‬ ‫‪177‬‬


‫و لكنها تقود العقل إىل معرفته فإن قالوا و مل خيتلف‬ ‫فيه قيل هلم لقصر األوهام عن مدى عظمته و تعديها‬ ‫أقدارها يف طلب معرفته و أهنا تروم اإلحاطة به و‬ ‫هي تعجز عن ذلك و ما دونه‪ .‬فمن ذلك هذه‬ ‫الشمس اليت تراها تطلع على العامل و ال يوقف على‬ ‫حقيقة أمرها و لذلك كثرت األقاويل فيها و اختلفت‬ ‫الفالسفة املذكورون يف وصفها فقال بعضهم هو‬ ‫فلك أجوف مملوء انرا له فم جييش هبذا الوهج و‬ ‫الشعاع و قال آخرون هو سحابة و قال آخرون هو‬ ‫جسم زجاجي يقل انرية يف العامل و يرسل عليه‬ ‫شعاعها و قال آخرون هو صفو لطيف ينعقد ماء‬ ‫البحر و قال آخرون هو أجزاء كثرية جمتمعة من النار‬ ‫و قال آخرون هو من جوهر خامس سوى اجلواهر‬ ‫األربعة مث اختلفوا يف شكلها فقال بعضهم هي مبنزلة‬ ‫صفيحة عريضة و قال آخرون هي كالكرة املدحرجة‬ ‫و كذلك اختلفوا يف مقدارها فزعم بعضهم أهنا مثل‬ ‫األرض سواء و قال آخرون بل هي أقل من ذلك و‬ ‫قال آخرون بل هي أعظم من اجلزيرة العظيمة و قال‬ ‫‪178‬‬


‫أصحاب اهلندسة هي أضعاف األرض مائة و سبعني‬ ‫مرة ففي اختالف هذه األقاويل منهم يف الشمس‬ ‫دليل على أهنم مل يقفوا على احلقيقة من أمرها فإذا‬ ‫كانت هذه الشمس اليت يقع عليها البصر و يدركها‬ ‫احلس قد عجزت العقول عن الوقوف على حقيقتها‬ ‫فكيف ما لطف عن احلس و استرت عن الوهم‪.‬‬ ‫مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫مضمون صحيح (‪)15‬‬ ‫‪ ( .119‬فإن قالوا و مل استرت قيل هلم مل يسترت‬ ‫حبيلة خيلص إليها كمن حيتجب من الناس ابألبواب‬ ‫و الستور و إمنا معىن قولنا استرت أنه لطف عن‬ ‫مدى ما تبلغه األوهام كما لطفت النفس و هي‬ ‫خلق من خلقه و ارتفعت عن إدراكها ابلنظر)‬ ‫مضمون صحيح له شاهد‪.‬‬

‫‪179‬‬


‫فإن قالوا و مل لطف تعاىل عن ذلك علوا‬ ‫‪.120‬‬ ‫كبريا كان ذلك خطأ من القول ألنه ال يليق ابلذي‬ ‫هو خالق كل شي ء إال أن يكون مباينا لكل شي‬ ‫ء متعاليا عن كل شي ء سبحانه و تعاىل‪ .‬فإن قالوا‬ ‫كيف يعقل أن يكون مباينا لكل شي ء متعاليا عن‬ ‫كل شي ء قيل هلم احلق الذي تطلب معرفته من‬ ‫األشياء هو أربعة أوجه فأوهلا أن ينظر أ موجود هو‬ ‫أم ليس مبوجود و الثاين أن يعرف ما هو يف ذاته و‬ ‫جوهرة و الثالث أن يعرف كيف هو و ما صفته و‬ ‫الرابع أن يعلم ملا ذا هو و ألي علة فليس من هذه‬ ‫الوجوه شي ء ميكن للمخلوق أن يعرفه من اخلالق‬ ‫حق معرفته غري أنه موجود فقط) فإذا قلنا و كيف‬ ‫و ما هو فممتنع علم كنهه و كمال املعرفة به و أما‬ ‫ملا ذا هو فساقط يف صفة اخلالق ألنه جل ثناؤه علة‬ ‫كل شي ء و ليس شي ء بعلة له مث ليس علم‬ ‫اإلنسان أبنه موجود يوجب له أن يعلم ما هو و‬ ‫كيف هو كما أن علمه بوجود النفس ال يوجب أن‬ ‫‪180‬‬


‫يعلم ما هي و كيف هي و كذلك األمور الروحانية‬ ‫اللطيفة فإن قالوا فأنتم اآلن تصفون من قصور العلم‬ ‫عنه وصفا حىت كأنه غري معلوم قيل هلم هو كذلك‬ ‫من جهة إذا رام العقل معرفة كنهه و اإلحاطة به و‬ ‫هو من جهة أخرى أقرب من كل قريب إذا استدل‬ ‫عليه ابلدالئل الشافية فهو من جهة كالواضح ال‬ ‫خيفى على أحد و هو من جهة كالغامض ال يدركه‬ ‫أحد و كذلك العقل أيضا ظاهر بشواهده و مستور‬ ‫بذاته‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد له‪.‬‬

‫أما أصحاب الطبائع فقالوا إن الطبيعة ال‬ ‫‪.121‬‬ ‫تفعل شيئا لغري معىن و ال تتجاوز عما فيه متام الشي‬ ‫ء يف طبيعته و زعموا أن احلكمة تشهد بذلك فقيل‬ ‫هلم فمن أعطي الطبيعة هذه احلكمة و الوقوف على‬ ‫حدود األشياء بال جماوزة هلا و هذا قد تعجز عنه‬ ‫العقول بعد طول التجارب فإن أوجبوا للطبيعة‬ ‫احلكمة و القدرة على مثل هذه األفعال فقد أقروا مبا‬ ‫أنكروا ألن هذه يف صفات اخلالق و إن أنكروا أن‬ ‫يكون هذا للطبيعة فهذا وجه اخللق يهتف أبن الفعل‬ ‫‪181‬‬


‫للخالق احلكيم و قد كان من القدماء طائفة أنكروا‬ ‫العمد و التدبري يف األشياء و زعموا أن كوهنا ابلعرض‬ ‫و االتفاق و كان مما احتجوا به هذه اآلايت اليت‬ ‫تكون على غري جمرى العرف و العادة كإنسان يولد‬ ‫انقصا أو زائدا إصبعا أو يكون املولود مشوها مبدل‬ ‫اخللق فجعلوا هذا دليال على أن كون األشياء ليس‬ ‫بعمد و تقدير بل ابلعرض كيف ما اتفق أن يكون‬ ‫و قد كان أرسطاطاليس رد عليهم فقال إن الذي‬ ‫يكون ابلعرض و االتفاق إمنا هو شي ء أييت يف‬ ‫الفرط مرة ألعراض تعرض للطبيعة فتزيلها عن سبيلها‬ ‫و ليس مبنزلة األمور الطبيعية اجلارية على شكل واحد‬ ‫جراي دائما متتابعا و أنت اي مفضل ترى أصناف‬ ‫احليوان أن جيري أكثر ذلك على مثال و منهاج واحد‬ ‫كاإلنسان يولد و له يدان و رجالن و مخس أصابع‬ ‫كما عليه اجلمهور من الناس فأما ما يولد على‬ ‫خالف ذلك فإنه لعلة تكون يف الرحم أو يف املادة‬ ‫اليت ينشأ منها اجلنني كما يعرض يف الصناعات حني‬ ‫يتعمد الصانع الصواب يف صنعته فيعوق دون ذلك‬ ‫‪182‬‬


‫عائق يف األداة أو يف اآللة اليت يعمل فيها الشي ء‬ ‫فقد حيدث مثل ذلك يف أوالد احليوان لألسباب اليت‬ ‫وصفنا فيأيت الولد زائدا أو انقصا أو مشوها و يسلم‬ ‫أكثرها فيأيت سواي ال علة فيه فكما أن الذي حيدث‬ ‫يف بعض أعمال األعراض لعلة فيه ال يوجب عليها‬ ‫مجيعا اإلمهال و عدم الصانع كذلك ما حيدث على‬ ‫بعض األفعال الطبيعية لعائق يدخل عليها ال يوجب‬ ‫أن يكون مجيعها ابلعرض و االتفاق فقول من قال‬ ‫يف األشياء إن كوهنا ابلعرض و االتفاق من قبيل أن‬ ‫شيئا منها أييت على خالف الطبيعة بعرض يعرض‬ ‫له خطأ و خطل فإن قالوا و مل صار مثل هذا حيدث‬ ‫يف األشياء قيل هلم ليعلم أنه ليس كون األشياء‬ ‫ابضطرار من الطبيعة و ال ميكن أن يكون سواه كما‬ ‫قال القائلون بل هو تقدير و عمد من خالق حكيم‬ ‫إذ جعل للطبيعة جتري أكثر ذلك على جمرى و‬ ‫منهاج معروف و تزول أحياان عن ذلك ألعراض‬ ‫تعرض هلا فيستدل بذلك على أهنا مصرفة مدبرة‬ ‫فقرية إىل إبداء اخلالق و قدرته يف بلوغ غايتها و إمتام‬ ‫‪183‬‬


‫عملها تبارك هللا أحسن اخلالقني اي مفضل خذ ما‬ ‫آتيتك و احفظ ما منحتك و كن لربك من‬ ‫الشاكرين و آلالئه من احلامدين و ألوليائه من‬ ‫املطيعني فقد شرحت لك من األدلة على اخللق و‬ ‫الشواهد على صواب التدبري و العمد قليال من كثري‬ ‫و جزء من كل فتدبره و فكر فيه و اعترب به فقلت‬ ‫مبعونتك اي موالي أقر على ذلك و أبلغه إن شاء هللا‬ ‫فوضع يده على صدري فقال احفظ مبشيئة هللا و ال‬ ‫تنس إن شاء هللا فخررت مغشيا علي فلما أفقت‬ ‫قال كيف ترى نفسك اي مفضل فقلت قد استغنيت‬ ‫مبعونة موالي و أتييده عن الكتاب الذي كتبته و‬ ‫صار ذلك بني يدي كأمنا أقرأه من كفي فلموالي‬ ‫احلمد و الشكر كما هو أهله و مستحقه فقال اي‬ ‫مفضل فرغ قلبك و امجع إليك ذهنك و عقلك و‬ ‫طمأنينتك فسألقي إليك من علم ملكوت‬ ‫السماوات و األرض و ما خلق هللا بينهما و فيهما‬ ‫من عجائب خلقه و أصناف املالئكة و صفوفهم و‬ ‫مقاماهتم و مراتبهم إىل سدرة املنتهى و سائر اخللق‬ ‫‪184‬‬


‫من اجلن و اإلنس إىل األرض السابعة السفلى و ما‬ ‫حتت الثرى حىت يكون ما وعيته جزء من أجزاء‬ ‫انصرف إذا شئت مصاحبا مكلوء فأنت منا ابملكان‬ ‫الرفيع و موضعك من قلوب املؤمنني موضع املاء من‬ ‫الصدى و ال تسألن عما وعدتك حىت أحدث لك‬ ‫منه ذكرا قال املفضل فانصرفت من عند موالي مبا‬

‫مل ينصرف أحد مبثله‪ .‬مضمون معتل؛ ظن ال شاهد‬ ‫له‪.‬‬

‫‪185‬‬


‫خامتة يف خمتصر توحيد املفضل ابملضامني الصحيحة‬ ‫املفضل عن اِب عبد هللا عليه السالم انه قال له‪:‬‬ ‫إن هللا تعاىل كان وال شي ء قبله وهو ابق و ال هناية له فله‬ ‫احلمد على ما أهلمنا و الشكر على ما منحنا فقد خصنا‬ ‫من العلوم أبعالها و من املعايل أبسناها و اصطفاان على‬ ‫مجيع اخللق بعلمه و جعلنا مهيمنني عليهم حبكمه‪.‬‬ ‫إن الشكاك جهلوا األسباب واملعاين يف اخللقة و قصرت‬ ‫أفهامهم عن أتمل الصواب و احلكمة فيما ذرأ الباري جل‬ ‫قدسه و برأ من صنوف خلقه يف الرب و البحر و السهل و‬ ‫الوعر فخرجوا بقصر علومهم إىل اجلحود و بضعف‬ ‫بصائرهم إىل التكذيب و العنود حىت أنكروا خلق األشياء‬ ‫و ادعوا أن تكوهنا ابإلمهال ال صنعة فيها و ال تقدير و ال‬ ‫حكمة من مدبر و ال صانع)‬

‫‪186‬‬


‫حيق على من أنعم هللا عليه مبعرفته و هداه لدينه و وفقه‬ ‫لتأمل التدب ري يف صنعة اخلالئق و الوقوف على ما خلقوا‬ ‫له من لطيف التدبري و صواب التقدير ابلداللة القائمة‬ ‫الدالة على صانعها أن يكثر محد هللا مواله على ذلك و‬ ‫يرغب إليه فيالثبات عليه و الزايدة منه فإنه جل امسه يقول‬ ‫لَئِ ْن َش َك ْرمُْت َألَ ِزي َدن مك ْم َو لَئِ ْن َك َف ْرمُْت إِن َع ِ‬ ‫ذاِب لَ َش ِديد)‬ ‫مضمون صحيح له شاهد‪..‬‬ ‫أول العرب و الداللة على الباري جل قدسه هتيئة هذا العامل‬ ‫و أتليف أجزائه و نظمها على ما هي عليه‪.‬‬ ‫سلهم عن هذه الطبيعة أ هي شي ء له علم و قدرة على‬ ‫مثل هذه األفعال أم ليست كذلك فإن أوجبوا هلا العلم و‬ ‫القدرة فما مينعهم من إثبات اخلالق فإن هذه صنعته و إن‬ ‫زعموا أهنا تفعل هذه األفعال بغري علم و ال عمد و كان‬ ‫يف أفعاهلا ما قد تراه من الصواب و احلكمة علم أن هذا‬ ‫الفعل للخالق احلكيم فإن الذي مسوه طبيعة هو سنته يف‬ ‫خلقه اجلارية على ما أجراها عليه‬

‫‪187‬‬


‫الكالم إمنا هو شي ء يصطلح عليه الناس فيجري بينهم و‬ ‫هلذا صار خيتلف يف األمم املختلفة و كذلك لكتابة العرِب‬ ‫و السرايين و العرباين و الرومي و غريها من سائر الكتابة‬ ‫اليت هي متفرقة يف األمم إمنا اصطلحوا عليها كما‬ ‫اصطلحوا على الكالم فيقال ملن ادعى ذلك أن اإلنسان‬ ‫و إن كان له يف األمرين مجيعا فعل أو حيلة فإن الشي ء‬ ‫الذي يبلغ به ذلك الفعل و احليلة عطية و هبة من هللا عز‬ ‫و جل له يف خلقه فإنه لو مل يكن له لسان مهيأ للكالم و‬ ‫ذهن يهتدي به لألمور مل يكن ليتكلم أبدا و لو مل تكن له‬ ‫كف مهيئة و أصابع للكتابة مل يكن ليكتب أبدا و اعترب‬ ‫ذلك من البهائم اليت ال كالم هلا و ال كتابة فأصل ذلك‬ ‫فطرة الباري جل و عز و ما تفضل به على خلقه فمن‬ ‫شكر أثيب و من كفر فإن هللا غين عن العاملني‬ ‫فأعطي علم ما يصلح به دينه و دنياه و منع ما سوى ذلك‬ ‫مما ليس يف شأنه و ال طاقته أن يعلم كعلم الغيب و ما هو‬ ‫كائن و بعض ما قد كان أيضا كعلم ما فوق السماء و ما‬ ‫حتت األرض و ما يف جلج البحار و أقطار العامل و ما يف‬ ‫قلوب الناس و ما يف األرحام و أشباه هذا مما حجب عن‬ ‫‪188‬‬


‫الناس علمه وقد ادعت طائفة من الناس هذه األمور فأبطل‬ ‫دعواهم ما يبني من خطئهم فيما يقضون عليه و حيكمون‬ ‫به فيما ادعوا عليه فانظر كيف أعطي اإلنسان علم مجيع‬ ‫ما حيتاج إليه لدينه و دنياه و حجب عنه ما سوى ذلك‬ ‫ليعرف قدره و نقصه و كال األمرين فيها صالحه ‪.‬‬ ‫فكر اي مفضل يف األحالم كيف دبر األمر فيها فمزج‬ ‫صادقها بكاذهبا فإهنا لو كانت كلها تصدق لكان الناس‬ ‫كلهم أنبياء و لو كانت كلها تكذب مل يكن فيها منفعة بل‬ ‫كانت فضال ال معىن له فصارت تصدق أحياان فينتفع هبا‬ ‫الناس يف مصلحة يهتدي هلا أو مضرة يتحذر منها و‬ ‫تكذب كثريا لئال يعتمد عليها كل االعتماد‬ ‫جعل يف الكلب من بني هذه السباع عطف على مالكه و‬ ‫حماماة عنه و حافظ له ينتقل على احليطان و السطوح يف‬ ‫ظلمة الليل حلراسة منزل صاحبه و ذب الذعار عنه و يبلغ‬ ‫من حمبته لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه و دون‬ ‫ماشيته و ماله و أيلفه غاية األلف حىت يصرب معه على‬ ‫اجلوع و اجلفوة فلم طبع الكلب على هذه األلفة و احملبة‬ ‫إال ليكون حارسا لإلنسان‬ ‫‪189‬‬


‫فال تزدرى ابلشي ء إذا كانت العربة فيه واضحة كالذرة و‬ ‫النملة و ما أشبه ذلك فإن املعىن النفيس قد ميثل ابلشي‬ ‫ء احلقري فال يضع منه‬ ‫اختذ أانس من اجلهال هذه اآلفات احلادثة يف بعض األزمان‬ ‫كمثل الوابء و الريقان و الربد و اجلراد ذريعة إىل جحود‬ ‫اخلالق و التدبري و اخللق ‪-‬اىل ان قال‪ -‬يلذع العامل أحياان‬ ‫هبذه اآلفات اليسرية لتأديب الناس و تقوميهم مث ال تدوم‬ ‫هذه اآلفات بل تكشف عنهم عند القنوط منهم فيكون‬ ‫وقوعها هبم موعظة و كشفها عنهم رمحة‬ ‫قد يتعلق هؤالء ابآلفات اليت تصيب الناس فتعم الرب و‬ ‫الفاجر أو يبتلى هبا الرب و يسلم الفاجر منها فقالوا كيف‬ ‫جيوز هذا يف تدبري احلكيم و ما احلجة فيه فيقال هلم إن‬ ‫هذه اآلفات و إن كانت تنال الصاحل و الطاحل مجيعا فإن‬ ‫هللا عز و جل جعل ذلك صالحا للصنفني كليهما أما‬ ‫الصاحلون فإن الذي يصيبهم من هذا يزدهم نعم رهبم‬ ‫عندهم يف سالف أايمهم فيحدوهم ذلك على الشكر و‬ ‫‪190‬‬


‫الصرب و أما الطاحلون فإن مثل هذا إذا انهلم كسر شرهتم‬ ‫و ردعهم عن املعاصي و الفواحش و كذلك جيعل ملن سلم‬ ‫منهم من الصنفني صالحا يف ذلك أما األبرار فإهنم‬ ‫يغتبطون مبا هم عليه من الرب و الصالح و يزدادون فيه‬ ‫رغبة و بصرية و أما الفجار فإهنم يعرفون رأفة رهبم و تطوله‬ ‫عليهم ابلسالمة من غري استحقاق فيحضهم ذلك على‬ ‫الرأفة ابلناس و الصفح عمن أساء إليهم‬ ‫أ فال ترى كيف وقف البصر على حده فلم يتجاوزه‬ ‫فكذلك يقف العقل على حده من معرفة اخلالق فال يعدوه‬ ‫و لكن يعقله بعقل أقر أن فيه نفسا و مل يعاينها و مل يدركها‬ ‫حباسة من احلواس‬ ‫و على حسب هذا أيضا نقول إن العقل يعرف اخلالق من‬ ‫جهة توجب عليه اإلقرار و ال يعرفه مبا يوجب له اإلحاطة‬ ‫بصفته‬ ‫إن قالوا أو ليس قد نصفه فنقول هو العزيز احلكيم اجلواد‬ ‫الكرمي قيل هلم كل هذه صفات إقرار و ليست صفات‬

‫‪191‬‬


‫إحاطة فإان نعلم أنه حكيم و ال نعلم بكنه ذلك منه و‬ ‫كذلك قدير و جواد و سائر صفاته‬

‫‪192‬‬


193


194


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.