مجلة التنويري - العدد الخامس والسادس - العلوم الإنسانية والتنوير

Page 1

‫ﺻﻴﻒ ‪١٤٣٩‬ﻫـ‪ ٢٠١٨/‬ﻡ‬

‫ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ‬


‫ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ‬

‫ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑ َّﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻮ ّﻳﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ّﻳﻴﻦ‬

‫ﳎﻠﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﺍﻟـﺮﺍﺑـﻄـﺔ‬ ‫ﺍﻟـﻌﺮﺑـﻴـﺔ ﻟﻠـﺘـﺮﺑـﻮﻳـﻴـﻦ ﺍﻟﺘﻨـﻮﻳـﺮﻳـﻴـﻦ‬

‫رﺋﻴﺲ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬

‫ﻫﺎﺟﺮ اﻟﻘﺤﻄﺎﻧﻲ‬

‫اﻟﻌﺮاق‬

‫ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﻤﺴﺆول‬

‫ﻋﺒﻴﺪة ﻓﺮج ا ‬

‫ا ردن‬

‫‪ARAB ASSOCIATION FOR ENLIGHTENED MUSLIM EDUCATORS‬‬

‫ﻫﻲ ﻓﻀﺎﺀ‬ ‫ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻳﻊ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ‬ ‫ﻭﻣﻨﺼﺔ ﻣﺴﺘﻘ َّﻠﺔ ﻟﺪﻋﻢ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ‬ ‫ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳّﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻓﻲ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ﻭﺗﻮﻓﺮ‬ ‫ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑ َﻴّﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ ﺁﻟ َﻴّﺔ ﻟﻬﺎ‪.‬‬ ‫ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﻭﺍﻹﻋﻼﻣﻲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻳﻊ ﻭﺗﺴﺎﻋﺪﻫﺎ ﻓﻲ‬ ‫ِّ‬ ‫ﺍﻟﺘﺮﻭﻳﺞ ﻟﺮﺳﺎﻟﺘﻬﺎ‪ .‬ﻛﻤﺎ‬ ‫ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻬﺎ ﺷﺒﻜﺔ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺇﻗﻠﻴﻤ َﻴّﺔ ﻭﺩﻭﻟ َﻴّﺔ‬ ‫ﻟﺒﻨﺎﺀ ﻗﺪﺭﺍﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻭﻧﺸﺮ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ﻭﺗﺤﻮﻳﻠﻪ ﺇﻟﻰ‬ ‫ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬ ‫ﺛﻘﺎﻓﺔ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻳﻊ ﻭﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺸﺘﻐﻠﻮﻥ‬ ‫ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺑـﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﻴﻦ ﻫﻢ‬ ‫َّ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺑﺮﺍﻣﺞ‬ ‫ﺗﺮﺑﻮﻳّﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟ ِﻨﺘﺎﺝ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺩ‬ ‫ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳّﺔ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ﺍﻟﻨﻈﺮﻳّﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺷﺮﺍﺋﺢ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺷﺮﺣﻬﺎ ﻭ‪/‬ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ‬ ‫َ‬ ‫ﺍﻟﻤﻌﺎﺷﺔ ﺍﻟﻴﻮﻣ َﻴّﺔ ﻟﻠﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺇﺩﺧﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ُ‬

‫ﺳﻜﺮﺗﻴﺮة اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬

‫ﻻﻧﺎ اﻟﻤﺠﺎﻟﻲ‬

‫ا ردن‬

‫ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺏﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳﻴﻦ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻌﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺇﺟﺎﺑﺎﺕ‬

‫ﻭﺗﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ‪ ،‬ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ َّﻠﻖ ﺑﺎﻟﻨﻮﺍﺣﻲ‬ ‫ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫ِّ‬ ‫ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳّﺔ ﺃﻭ‬ ‫ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳّﺔ ﺃﻭ‬ ‫ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩﻳّﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳ َﻴّﺔ ﺃﻭ‬ ‫ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳّﺔ‪ ،‬ﻣﻊ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ﺃﺻﻠﺖ ﻟﻜﺮﺍﻣﺔ‬ ‫ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﻫﻢ ﻟﻠﻘﻴﻢ‬ ‫َ‬ ‫ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺀ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻲ َّ‬

‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺣﺮّﻳﺘﻪ ﻭﺣﻘﻮﻗﻪ‪ ،‬ﻭﺩﻋﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﻑ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬ﻭﺇﻟﻰ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ‪ .‬ﻣﻊ ﺗﺒ ّﻨﻴﻬﻢ ﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‬ ‫ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻭﻃﻠﺐ‬

‫ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬ ‫ﻋﻠﻲ رﻣﻀﺎن أﺑﻮ زﻋﻜﻮك‬

‫ﻟﻴﺒﻴﺎ‬

‫ﻳﺎﻣﻦ ﻧﻮح‬

‫ﻣﺼﺮ‬

‫ﻣﻮﻻي ﻣﺤﻤﺪ إﺳﻤﺎﻋﻴﻠﻲ‬

‫اﻟﻤﻐﺮب‬

‫ﻋﺒﺪا اﻟﺠﺒﻮر‬

‫ا ردن‬

‫ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﻬﻢ ﻭﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺗﻬﻢ ﻛﺘﺠﺮﺑﺔ ﺇﻧﺴﺎﻧ َﻴّﺔ ﻣﻔﻴﺪﺓ ﻣﺤﺘﺮﻣﺔ‬ ‫ﻭﻣﻬﻤﺔ‪ ،‬ﺇﻻ‬ ‫َّ‬

‫ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﻇﺮﻓ َﻴّﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻠﺰﻣﺔ‪.‬‬ ‫ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺒﻘ َﻴّﺔ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ‬ ‫َ‬

‫ﻭﺗﺴﻌﻰ ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ‪:‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ‬ ‫ﺗﺒﺎﺩﻝ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﻭﺍﻟﺨﺒﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺮﺅﻯ ﺑﻴﻦ‬ ‫ّ‬

‫ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﺑﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻻﺳﺘﺸﺎﺭﺍﺕ ﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ‪،‬‬

‫ﻭﺗﻨﺴﻴﻖ‬

‫ﻣﻨﺼﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ‬ ‫ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ؛ ﻟﺪﻋﻢ‬ ‫ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻓﺮﻕ ﻋﻤﻞ ﻭﻣﺸﺎﺭﻳﻊ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳّﺔ ﻭﺗﻌﺰﻳﺰ ﺻﻮﺗﻬﺎ‪.‬‬ ‫َ‬

‫اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ وا ﺧﺮاج اﻟﻔﻨﻲ‬

‫أﺳﺎﻣﺔ ﺣﻮراﻧﻲ‬

‫ا ردن‬

‫ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺗ َﻴّﺔ‪ ،‬ﺑﻐﺮﺽ ﺗﻘﻮﻳﺘﻬﺎ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ﺭﺻﺪ ﻭﺟﺮﺩ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻳﻊ ﺍﻟﻤﻨﺴﺠﻤﺔ ﻣﻊ ﻗﻴﻢ ﻭﺭﺅﻳﺔ ﻭﻣﺒﺎﺩﺉ ﻭﺃﻫﺪﺍﻑ‬ ‫ﻟﻠﻌﻀﻮﻳّﺔ‪.‬‬ ‫ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﻣﻌﻬﺎ‬ ‫َ‬ ‫ﺑﻨﺎﺀ ﺷﺮﺍﻛﺎﺕ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴّﻴﻦ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴّﻴﻦ ﻭﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻴﻴّﻦ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﻴّﻴﻦ ﺑﻤﺎ‬

‫اﻟﻤﻮﻗﻊ ا ﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ‬

‫ﺑﺎﺳﻢ ﻧﺼﺎر‬

‫ّ‬ ‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ‪ ،‬ﻭﻗﺪﺭﺍﺗﻬﺎ‬ ‫ﺇﺟﺮﺍﺀ ﺗﻘﻴﻴﻢ ﺷﺎﻣﻞ ﻭﺩﻭﺭﻱ ﻟﺨﻄﺎﺑﺎﺕ‬

‫ﻳﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ ﻭﺃﻋﻀﺎﺋﻬﺎ‪.‬‬ ‫ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ‬

‫ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺭﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺄﻫﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ‪،‬‬ ‫ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺣﻘﺎﺋﺐ ﺗﺪﺭﻳﺒ َﻴّﺔ ﺫﺍﺕ ﻛﻔﺎﺀﺓ ﻋﺎﻟﻴﺔ‪.‬‬

‫ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺭﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻹﻋﻼﻣ َﻴّﺔ ﻭﺍﻹﻋﻼﻧ َﻴّﺔ‪ ،‬ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ‬

‫‪Info@altanweeri.net‬‬ ‫‪www.altanweeri.net‬‬ ‫‪Tel: +9 6 2 6 5 6 8 0 9 9 9‬‬

‫‪2‬‬

‫ﻭﺗﻄﻮﻳﺮ ﻭﺗﺸﺠﻴﻊ ﺧﻄﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﻤﻨﺴﺠﻤﺔ ﻣﻊ ﻣﺒﺎﺩﺉ‬ ‫ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳّﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤ َﻴّﺔ‪.‬‬ ‫ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ‪ ،‬ﺧﺼﻮﺻ ًﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻃﺮ‬ ‫َ‬


‫ﳎﻠﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻮﻳـﲔ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳـﲔ‬ ‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﳌﺰﺩﻭﺝ ﺍﳋﺎﻣﺲ ﻭﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ‪ -‬ﺻﻴﻒ ‪1439‬ﻫـ ‪2018 /‬ﻡ‬

‫‪www.altanweeri.net‬‬

‫ﺍﻟﻔﻬﺮﺱ‬ ‫ُﻣﺒﺘﺪأ اﻟﻜﻼم ‪(4) ..................................................................................................................................‬‬ ‫اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﻨﺤﺎزة ‪ -‬ﻫﺎﺟﺮ اﻟﻘﺤﻄﺎﻧﻲ‬ ‫ُﻛﺘﱠ ﺎب اﻟﺘﻨﻮﻳﺮي ‪(5) ...............................................................................................................................‬‬ ‫ا ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﺪﻳﻦ‪ :‬أﻳﻬﻤﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ ا ﺧﺮ؟ ‪ -‬ﻳﺎﻣﻦ ﻧﻮح‬ ‫اﻟﻌﻠﻮم‬ ‫ﱠ‬ ‫ا ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻟﻌﻠﻢ "اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺒﺸﺮ ﱠﻳﺔ" ‪ -‬ﻣﻮﻻي إﺳﻤﺎﻋﻴﻠﻲ‬ ‫دور اﻟﻌﻠﻮم‬ ‫ﱠ‬ ‫ا ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﺘﻨﻮﻳﺮ‪ :‬أ ﱠﻳﺔ ﻋﻼﻗﺔ؟ ‪ -‬اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻴﺮوك‬ ‫اﻟﻌﻠﻮم‬ ‫ﱠ‬ ‫وﺟﺪﻟﻴﺔ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ‪ -‬ﻳﺎﺳﻴﻦ اﻏﻼﻟﻮ‬ ‫اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺮق واﻟﻐﺮب‬ ‫ﱠ‬ ‫ا ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ‪ -‬ﺳﺎرة اﻟﺨﺸﺎب‬ ‫ﻗﺼﺺ ا ﻧﺒﻴﺎء ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺺ واﻟﻌﻠﻮم‬ ‫ّ‬

‫ﻫﺬهِ ﻟﻴﺴﺖ ﻛِ ﺘﺎﺑﺔ؛ إﻣﺒﺮاﻃﻮر ﱠﻳﺔ اﻟﻨ ﻮر ‪ -‬ﻻﻧﺎ اﻟﻤﺠﺎﻟﻲ‬ ‫ﺣﻮار اﻟﻌﺪد ) اﻟﺠﺪل اﻟﻤﻔﻘﻮد ﺑﻴﻦ ﻓﻜﺮ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ واﻟﻮاﻗﻊ ( ‪............................................‬‬ ‫ﻣﻊ ا ﺳﺘﺎذ اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﻤﺤﺒﻮب ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم اﻟﻤﺤﺒﻮب‬

‫)‪(23‬‬

‫ُﻛﺘﱠ ﺎب اﻟﻌﺪد ‪.................................................................................................................................‬‬

‫)‪(29‬‬

‫واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎت واﻟﻔﻨﻮن ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ؟ ‪ -‬أﺣﻤﺪ زﻫﺎء اﻟﺪﻳﻦ ﻋﺒﻴﺪات‬ ‫ﺑﺎ ﻧﺴﺎﻧﻴﺎت‬ ‫ﻫﺎﻣﺸﻴﺔ اﻻﺷﺘﻐﺎل‬ ‫ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻴﻞ‬ ‫ﱠ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ واﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ‪ -‬ﻋﺰﻳﺰ اﻟﻌﺮﺑﺎوي‬ ‫اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ‬ ‫اﻟﻨﺨﺒﺔ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ؟ ‪ -‬ﺣﻮرﻳﺔ ﻣﺼﻄﻔﻰ أﺣﻤﺪ‬ ‫ا ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ‬ ‫ﻧﺤﻦ" "وﻫﻢ"‪ ...‬ﻛﻴﻒ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ اﻟﻌﻠﻮم‬ ‫ﱠ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ‪ -‬ﻣﺤﻤﺪ ﻳﺎﺳﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺸﺎﻓﻲ‬ ‫ا ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؛ ﻧﻈﺮة‬ ‫اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻌﻠﻮم‬ ‫ﱠ‬ ‫ﱠ‬ ‫ا ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ‪ -‬ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺘﻮﻛﻴﻞ‬ ‫اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﻌﻠﻮم‬ ‫وﻫﻢ اﻟﻤﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻠﻮم‬ ‫ﱠ‬ ‫ﱠ‬ ‫أوﻟﻴﺔ ‪ -‬ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻠﻮش‬ ‫أﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ؛ ﻣﻘﺎرﺑﺔ‬ ‫ﻧﺤﻮ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴـﺎ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﱠ‬ ‫ا ﺳﻼﻣﻴﺔ ‪ -‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﺎن ﻣﺠﺪوﺑﻲ‬ ‫ﻓﻦ اﻟﻨﺠﺎح ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎدة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ‬ ‫ﱠ‬ ‫رواد اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ‪(62) ...................................................................................................................................‬‬ ‫اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬ ‫اﻟﻤﺠﺪد ﻓﻲ اﻟﺪراﺳﺎت‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ أرﻛﻮن؛ ﺻﻮت اﻟﺒﺎﺣﺚ‬ ‫ﱢ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮي ‪(64) ............................................................................................................................‬‬ ‫ﻛﺎرﻳﻜﺎﺗﻴﺮ اﻟﻌﺪد ‪(67) ...........................................................................................................................‬‬ ‫اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻮ ّﻳﻴﻦ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ّﻳﻴﻦ ‪....................................................................‬‬ ‫أﻧﺸﻄﺔ اﻟﺮاﺑﻄﺔ‬ ‫ﱠ‬

‫)‪(68‬‬

‫‪3‬‬


‫مبتدأ الكالم‪ :‬املعرفة املنحازة‬ ‫تقول القصة‪:‬‬ ‫أ‬ ‫«قال ر ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ال�ار من املوت؟ مل ي َ ِ�رْ‬ ‫َّ‬ ‫للسيد البوذا مرة‪ :‬هل تنجو نفوس ب‬ ‫اهب ِ‬ ‫ً‬ ‫جوا�‪ ،‬عىل عادته‪.‬‬ ‫البوذا ب‬ ‫يُ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫يكرر السؤال عينه واكن لك يوم ج�اب‬ ‫لكن الراهب أحل؛ فاكن لك يوم ِ‬ ‫ً‬ ‫ف َّ‬ ‫�لصمت‪ ،‬ت َ‬ ‫َ‬ ‫جوا� عىل هذا السؤال‬ ‫ص�ه‪� .‬د َد ب�لرحيل إذا مل يلق ب‬ ‫ب‬ ‫ح� نفد ب‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫الد� إذا اكنت‬ ‫املص�ي‪ ،‬إذ ي� سبيل ماذا‬ ‫ي‬ ‫�ء ليعيش ي� ي‬ ‫ي‬ ‫يضح بلك َّ ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ال�ار تف� مع أجساهمم؟ إذ ذاك تلك السيد البوذا‪ ،‬وقد أخذته الرأفة‬ ‫نفوس ب‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫بهسم مسموم‪.‬‬ ‫ب�لرجل‪ ،‬قال‪ :‬إن مثلك مكثل رجل ي�ت� من جراء إصابته ٍ‬ ‫ً‬ ‫رسيعا بطبيب إلسعافه‪ ،‬لكن الرجل َ‬ ‫لقد جاء ذووه‬ ‫رفض أن ُي نزَ�ع الهسم من‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫جسمه قبل أن ي ج�اب عىل ثالثة أسئل حيوية‪ :‬أوال‪ ،‬هل اكن الرجل الذي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قص�ا؟ ثو�لثا‪ ،‬هل اكن‬ ‫أصابه رجال أبيض أم أسود؟ ث�نيا‪ ،‬هل اكن طويال أم ي‬ ‫ين‬ ‫املنبوذ�؟ َفع َدل الراهب عن الرحيل!»‪.‬‬ ‫من طائفة بال�امهة أم من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تطرح هذه َّ‬ ‫ت‬ ‫وقد�ا عن قيمة املعرفة‪ .‬هل يه لذا�ا؟ أم‬ ‫وج�ا ي‬ ‫القصة سؤاال ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫لوظيف�ا؟ وهل لملعرفة ا�ياز تا�ا‪ ،‬للسياق‪ ،‬للتجربة‪ ،‬لملنشود؟ ت‬ ‫وم� تصبح‬ ‫املعرفة يغ� ذات ة‬ ‫صل؟‬ ‫قصة بوذا تصبح معرفة ما يغ� ذات ة‬ ‫ب�لعودة إىل َّ‬ ‫صل ي ن‬ ‫ح� يكون لدى‬ ‫ت‬ ‫اللحظة إحلاهحا خ‬ ‫املتلف‪� .‬ت هذا إالحلاح تفقد املعرفة حيادها وتنحاز‬ ‫إىل املطلوب واملنشود من فعل ونتيجة وغرض‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫ت‬ ‫موضوعيا‪ ،‬هل ي�كن لملعرفة أن تكون حمايدة �اما؟‬ ‫لكن‬ ‫َّ أ‬ ‫تأ‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ي�كن القول إن المر أقرب لملستحيل‪ � .‬ي� هذه االستحال من االرتباط‬ ‫ّ‬ ‫التام لملعرفة ب�للغة‪ ،‬إذ ال معرفة دون لغة من حيث َّأن اللغة ه َّ‬ ‫معلية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫م�» للظواهر والوقائع والشياء لج علها ة‬ ‫للتصور والتفكيك ت‬ ‫ّ‬ ‫«� ي ز‬ ‫ت‬ ‫وال� كيب‬ ‫قابل‬ ‫واالستعمال‪ .‬امك أن ال لغة دون ة‬ ‫محول‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ومحول اللغة يه ما احتملته و�تمهل املفردة من الــدالالت بع� ج�ارب‬ ‫استعماهلا وسياق االستعمال ب� إلضافة إىل ُمـراد االستعمال الذي هو‬ ‫أ‬ ‫ً ن‬ ‫َّ‬ ‫القيمية‬ ‫وغا�ته‪ ،‬وقطعا ا�يازاته‬ ‫بطبيعته مرتبط ب�هــداف‬ ‫املستعمل ي‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫والعقائدية‪ .‬ماذا يقول لنا لك ذلك؟‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫نسا� مع الظواهر‬ ‫يقول لنا ذلك أإن املعرفة املتوالدة من الفعل والتفاعل إال ي‬ ‫أ‬ ‫والحداث والشياء يه معرفة منحازة للتجربة والسياق واملنشود‪ .‬وهذا‬ ‫أ‬ ‫ينطبق عىل املعرفة مكحتوى وعىل املعرفة كدوات‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫املعرفية ن�هيك‬ ‫بذلك‪ ،‬يصبح التعويل الاكمل عىل ج�ديد الدوات‬ ‫نً‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫استعار�ا من سياقات َّ‬ ‫رها� مبالغا فيه‪ ،‬و�ن نقارب‬ ‫ثقافية أخرى‬ ‫عن‬ ‫ُّ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫نتا�‪ ،‬الج هل‪،‬‬ ‫إشاكليات بنيوية وعضوية ي� املج تمعات مثل التخلف إال ج ي‬ ‫َّ‬ ‫الثقافية‪.‬‬ ‫االستبداد والفقر املرتبطة ب�للغة ومحو تل�ا‬ ‫ت أ‬ ‫ة‬ ‫مسأل تبيئة العلوم أو أسمل�ا؛ لن ذلك ليس‬ ‫وآمل أال ينرصف الذهن اىل‬ ‫ّ‬ ‫هو املقصود قطعا‪ ،‬بر�ا العكس هو املتضمن!‬ ‫تفر�ا اللغة ومحو تل�ا الثقافيةَّ‬ ‫ال� ض‬ ‫ت‬ ‫املقصود هنا هو االلتفات إىل احلدود ً ي‬ ‫ن َّ‬ ‫املتغ�ة عىل العلوم واملعارف خصوصا العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪ ،‬بي� تت ِسع هذه‬ ‫ّي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعية تنتج‬ ‫لسبب بسيط هو أن العلوم‬ ‫احلدود ي‬ ‫كث�ا مع العلوم الطبيعية‪ٍ .‬‬ ‫غ‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫ث‬ ‫َّ‬ ‫ام� يقية �بتة بثبات خواص املادة والطبيعة‪ ،‬ر� أن هذا الصنف‬ ‫محول ب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫النظر�ت املعتمدة وسطوة ّ‬ ‫املؤسسات‬ ‫من املعارف‪ ،‬أيضا‪ ،‬ال يسمل من �ك‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫املعرفية والثقافية‪ ،‬واملط ِلع عىل ماكبدات شباب العملاء‬ ‫الفكرية وتو ّ�ج تا�ا‬

‫‪4‬‬

‫ن‬ ‫يخ‬ ‫نسا� للعلوم يدرك ذلك‪ ،‬يغ� أنه ليس مج ال احلديث هنا‪.‬‬ ‫والتار� َّ إال ي‬ ‫و� الواسع للعلوم إال َّ‬ ‫نسانية احلديثة عىل نأ�ا املفتاح السحري‬ ‫لذلك فإن تال� ي ج‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫وحل إال َّ‬ ‫الثقافية واملــأزق احلضاري الذي ّ‬ ‫يكبل املنطقة‬ ‫شاكليات‬ ‫فل�م‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫العربية هو ض�ب من تال�ويل ال ي خ�لو من استهسال واستعجال ي�ئس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫املعروف� � املنطقة‪ ،‬نخ‬ ‫و� العديد من املفك ي ن‬ ‫وا�رطت‬ ‫ر�‬ ‫انشغل ب�ذا تال� ي ج‬ ‫ين ي‬ ‫َّ‬ ‫كث�ة ضخ‬ ‫فيه َّ‬ ‫�مت من دور العلوم إال َّ‬ ‫نسانية احلديثة‬ ‫مؤسسات‬ ‫ي‬ ‫أاكد� َّية ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫وحيادية ت‬ ‫تطو� االقتصاد والفنون والعلوم نو�ضة املج تمعات‪.‬‬ ‫أدوا�ا ي� ي‬ ‫آ‬ ‫ي�كن أن نطرح سؤاال الن‪ .‬ماذا ي ج�ب إذن أن نفعل حيال هذا املأزق‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫والعلوم إال َّ‬ ‫الداء ض‬ ‫احل�ي‬ ‫تطو�‬ ‫نسانية‬ ‫وأدوا�ا قد أثبتت جدوى ي‬ ‫كب�ة ي� ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫نكت� ب�ا يكتبه‬ ‫ي� الثقافات املتعددة حول العامل‪ ،‬خصوصا ي� الغرب؟ هل ي‬ ‫ت‬ ‫عنا العملاء من أبناء اللغات املنتجة للعلوم إال َّ‬ ‫وأدوا�ا؟ أم‬ ‫نسانية احلديثة‬ ‫ت أ‬ ‫أ‬ ‫َّ ن‬ ‫نتعل �ن تلك اللغات ونستخدم تلك الدوات ( دون ت��ج ة) بلغ�ا الصل‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫لذاع�ا تّ‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫احلمول‬ ‫الذو�ن ي� فرن‬ ‫ودق�ا من‬ ‫فنحافظ عىل‬ ‫املتأخرة‬ ‫الثقافية ِ‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫�ة‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية الراهنة‪ ،‬عىل القل لغرض ال�م املعا� من التورط ب�ملشلك ؟‬ ‫للغة‬ ‫ة‬ ‫ال� ن� يد عبورها إىل ثقافةٍ أك�ث‬ ‫َّ‬ ‫محول الثقافة ت‬ ‫أم نفرغ املفردة العربية من‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫وصل ب�لعرص وإماك�ت املستقبل؟ كيف السبيل إىل ذلك؟ هل‬ ‫حيوية‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫تع� � � ير� أدوات العلوم إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫نسانية من علل‬ ‫ي�كن للعلوم الطبيعية‪ ،‬أن َّ ي ن ي‬ ‫َّ‬ ‫الثقافة تو�نحها احلدة والدقة واالنتظام املطلوبة؟ وكيف ي�كن للطبيعة‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية أن خ�رجنا من هذا املأزق؟‬ ‫االشتقاقية للغة‬ ‫أ‬ ‫أم نذعن اللتباس الداة وحدودها وقصورها؛ ن‬ ‫كو�ا ليست سوى انعاكس‬ ‫ف‬ ‫اللتباس املوضوع وحدود �منا وقصوره؟‬ ‫***‬ ‫تأ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫غا�ت �سيس‬ ‫ي�اول هذا العدد من مج ل «‬ ‫التنو�ي»‪ ،‬انسجاما مع ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫العربية تلل� ّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫الوظي�‬ ‫التنو� ي ي�‪ ،‬أن يستكشف الدور وال�‬ ‫بوي ي ن�‬ ‫الرابطة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لحد أك� املعارف إالنسانية سياقية و�وال و�ويلية‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫املتحررة من اال�يازات‪ ،‬عىل العلوم‬ ‫أسئل اللحظة‪ ،‬يغ�‬ ‫يطرح العدد‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫وت� السئل نفهسا ب�عركة مف�ضة يب� العلوم إالنسانية والعلوم‬ ‫إالنسانية‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫ومفاضل ي ن‬ ‫َّ‬ ‫ب� ث‬ ‫ويتقص‬ ‫الصنف� من العلوم‪.‬‬ ‫التشغيل لالك‬ ‫ال�‬ ‫الطبيعية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الدينية أمام الدوات ش‬ ‫َّ‬ ‫الت� ي� َّية للعلوم‬ ‫العدد عقبات الثقافة واملعتقدات‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية متسائال عن ما ي�كن أن تقدمه العلوم إالنسانية باليقيني�ا من دمع‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫إشارة وا�ة إىل إحلاح اللحظة‬ ‫والتطرف‪ .‬ي�‬ ‫التعصب‬ ‫إىل املعركة ضد‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الراهنة ي� املنطقة العربية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫َّ ف‬ ‫َّ‬ ‫الزئبقية؟ أم لعلها تعيننا ي� رصاعنا‬ ‫نسانية ي� شباهكا‬ ‫�ل تغرقنا العلوم إال‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫بنسبي�ا وقصورها‪ ،‬عىل القل عىل العبور خطوة واحدة من‬ ‫الوجودي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ضيق الحادية اىل رحابة التعدد والتنوع!‬

‫أ‪.‬هاجر القحطاين‬ ‫رئيس هيئة التحرير‬

‫العراق‬


‫اإلنسانية والدين‪ :‬أيهما مشكلة اآلخر؟‬ ‫العلوم‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬ ‫اإلنسانية حىت‬ ‫برغم مــا أجنــزتــه العلوم‬ ‫َّ‬ ‫الـ ـيـ ــوم يف ت ـف ـك ـيــك الـ ـظ ــاه ــرة ال ــدي ـن ـ َّـي ــة‬ ‫ودراس ـت ـهــا‪ ،‬مل يـكــن بــاسـتـطــاعـتـهــا بـعــد‪،‬‬ ‫أن تـ ـق ــارب امل ـس ـت ــوي ــات األعـ ـم ــق مــن‬ ‫الـظــاهــرة‪ ،‬واملـتـمـ ّثـلــة يف حبــث اإلنـســان‬ ‫عــن مـعـ ً‬ ‫ـى لــوجــوده‪ ،‬وشــوقــه األصـيــل‬ ‫ّ‬ ‫ل ـ ــارت ـ ـق ـ ــاء عـ ـلـ ــى م ـ ـ ــا ّدت ـ ـ ــه‪ ،‬وت ـط ــل ـع ــه‬ ‫ـق أرقـ ـ ــى‪ ،‬وس ـع ـي ــه وراء احل ـق ـي ـقــة‬ ‫ألف ـ ـ ٍ‬

‫‪,,‬‬

‫د‪.‬يامن نوح‬ ‫ب ـ ــاح ـ ــث انـ ـ ـث ـ ــروب ـ ــول ـ ــوج ـ ــي مـ ـصـ ــري‬ ‫ومؤسس صالون قرطبة الثقايف‬

‫مصر‬

‫ـدا�ت القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪ ،‬بدأت‬ ‫مع بـ ي‬ ‫َّ ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫العلوم إالنسانية ي� إدراك ذا�ا بوص�ا‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعية‪ ،‬امك‬ ‫علوما مـ تـما ي ز�ة عن العلوم‬ ‫ّ ف‬ ‫َّ‬ ‫همم ت�ا ي� مقاربة الظاهرة‬ ‫حددت لنفهسا‬ ‫واالج� َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫ت‬ ‫وضع‬ ‫عية من منظور‬ ‫نسانية‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫عملية‪ .‬ومن � َّ‬ ‫ن‬ ‫جية َّ‬ ‫وم� َّ‬ ‫توسعت ي� تناول‬ ‫ت‬ ‫واالج�ع‬ ‫موضوعات االقتصاد والسياسة‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ـا�‪ ،‬ومل ج�ــد ما ي�نهعا من تناول‬ ‫إالنــسـ ي‬ ‫كغ�ها من الظواهر إال َّ‬ ‫ظاهرة ي ن‬ ‫نسانية‬ ‫الد� ي‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫املهمة‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬وجــدت ي�‬ ‫ً ت‬ ‫ـــد ً�‪ -‬ال حدّ‬ ‫–و� ّ‬ ‫موضوع الـ ن‬ ‫ـد� إغ ـراء‬ ‫ي‬ ‫ي تّ‬ ‫ا�اهات احلداثة لتفكيك‬ ‫هلما‪َّ ،‬يت ِفق مع ِ ج‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫لك ما اكن قبلها من َّ أشاكل احلياة ي‬ ‫َّ‬ ‫«بدائية» وال تت ِفق مع روح العرص‬ ‫تبدو‬ ‫«احلديث»‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬اكنت مقاربة العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‬ ‫لــلـ ي ن‬ ‫ـد�‪ ،‬ب�ثابة كرس لالحتاكر التقليدي‬ ‫الذي ض� بته علوم الالهوت عىل دراسة‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫الالهوتيون – ي�‬ ‫«الد�»؛ حيث دأب‬ ‫ي أ‬ ‫اكفة ال يد�ن – وطوال العصور الوسىط‬ ‫ً‬ ‫عــى اعتبار أنفهسم خّ‬ ‫املــول ـ ي ن‬ ‫ـن ح ـرا‬ ‫ب�لتعامل مع مسائل ي ن‬ ‫الد�‪ ،‬وعىل اعتبار‬ ‫ً‬ ‫الد� َّ‬ ‫َّأن ي ن‬ ‫مادة يغ� صاحلة أصال للدراسة‬ ‫َّ‬ ‫الوضعية‪ ،‬حيث ي ن‬ ‫الد� –‬ ‫من قبل العلوم‬ ‫ُ‬ ‫ب�لنسبة ملعتنقيه والهوتييه – هو معىط‬ ‫مفارق‪ ،‬وال ي ج�ــوز التعامل معه بوصفه‬ ‫العمل»‪ ،‬الذي من طبيعة‬ ‫«مادة للبحث‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫�ة‬ ‫مناهه «النقد» و»طــرح الســئ ـ »‪،‬‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫و»فتح االحــامالت»‪ ،‬وهذه املمارسات‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الدي�‪ -‬مع سالمة‬ ‫� العقل‬‫تتعارض ي‬ ‫ي‬ ‫والتسل� الاكمل َّ‬ ‫بصحة املعىط‬ ‫االعتقاد‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫إهل‬ ‫الــديـ ي الــذي يــقـ ِـدم نفسه بصفته ي‬ ‫املصدر‪.‬‬ ‫ب� العلوم إال َّ‬ ‫ومن هنا اكن اللقاء ي ن‬ ‫نسانية‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫«غــر ودي» عــى أقل‬ ‫والــــد�‪ ،‬لقاء‬ ‫ي‬ ‫ًّ ف‬ ‫كث� من‬ ‫تقد�‪ ،‬إن مل يكن عدائيا ي� ي‬ ‫أي‬ ‫آ‬ ‫الحيان‪ .‬فالكمها ينظر إىل الخر ب�عتباره‬ ‫ً ّ‬ ‫�ة‬ ‫ـــد ُد وجــوده‪.‬‬ ‫«مــشــلـ »‪ ،‬أو خــطـرا ي� ِ‬

‫(‪)1‬‬

‫َّ‬ ‫و�لشلك نفسه الــذي مثلت به العلوم‬ ‫ب‬ ‫ن َّ‬ ‫�ة‬ ‫َّ‬ ‫ـد�ن‬ ‫ـد�‪ ،‬مثل الـ ي‬ ‫إالنسانية مشلك لــلـ ي‬ ‫�ة‬ ‫َّ‬ ‫كذلك – كظاهرة ‪ -‬مشلك حقيقية للعلوم‬ ‫�ة ت ّ‬ ‫َّ ف‬ ‫ال� ي�ثلها‬ ‫إالنسانية‪ .‬آ�ا يه طبيعة املشلك ي‬ ‫لك نم�ما للخر؟‬ ‫اإلنسانية‬ ‫«مشكلة» امسها العلوم‬ ‫َّ‬

‫اع ــت ــاد الـــاهـــوت وأهــــه أن يــكــون‬ ‫«املــقــدس» ‪ّ -‬‬ ‫َّ‬ ‫مقدهسم ‪ -‬هــو مصدر‬ ‫ً‬ ‫فبتحول َّ‬ ‫ّ‬ ‫املقدس‬ ‫املعرفة‪ ،‬ال موضوعا هلا‪،‬‬ ‫ن‬ ‫يع� ذلك أنه‬ ‫«موضوع» لملعرفة‪،‬‬ ‫إىل‬ ‫ًٍ‬ ‫ّ يً‬ ‫ت ً‬ ‫صار خاضعا العقل‪ ،‬ال سيدا هل‪� ،‬بعا‬ ‫َّ ً‬ ‫ً‬ ‫لتو ّ�ج ات إالنسان‪ ،‬ال مو ِّ�ج ا هلا‪ ،‬ملكفا‬ ‫أ‬ ‫ب� إلجــابــة عــن الســئ ـ�ة امل ـو َّ�ج ــة هل‪ ،‬ال‬ ‫ف‬ ‫صاحب ّ‬ ‫ة‬ ‫املساءل‪ ،‬ما‬ ‫احلق احلرصي ي�‬ ‫ّ‬ ‫يع� بعبارة أبسط‪ :‬أن َ‬ ‫ن‬ ‫«املقد ُس»‬ ‫يفقد‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫سلطته‪.‬‬ ‫ة‬ ‫الهسل‪ ،‬فإذا ما اكن‬ ‫وليست هذه ب�لخ طوة‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫«النسان» مساءل «املقدس»‪،‬‬ ‫ب إ�ماكن إ‬ ‫ُ َ‬ ‫صار من ب� ٍب أوىل ب إ�ماكنه أن يسائل‬ ‫هكنته‪ /‬قساوسته‪ /‬شيوخه‪/‬حاخاماته‪،‬‬ ‫ن‬ ‫يع� أن يفقد «رجــال الـ ي ن‬ ‫ـد�»‬ ‫وهو ما ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� اكنت ممنوحة هلم‪،‬‬ ‫كذلك سلطا�م ي‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫والقا� ي�ن‬ ‫بصف�م «رعــاة شــؤون هللا»‬ ‫ف أ‬ ‫عىل مصاحله ي� الرض‪ ،‬وبذلك تفقد‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫سلط�ا عىل‬ ‫الدينية» أيضا‬ ‫«املؤسسة‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫ّ لخ ّ‬ ‫ث�‪ ،‬بو�ـ ِـد ا ــط عىل استقامته‪ ،‬ال تعود‬ ‫ش‬ ‫ين‬ ‫يعات‪»-‬قوان� هللا وأحاكمه»‪-‬‬ ‫الت�‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫أحاكما ملزمة قادمة إلينا من الامسء ب�وامر‬ ‫إهلية‪ ،‬بل صار ب إ�ماكن العلوم إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫نسانية‬ ‫ّ‬ ‫وتفتش عن املصدر ت‬ ‫االج� يع‬ ‫أن تبحث‬ ‫ِأ‬ ‫خ‬ ‫والتار� هلا‪ .‬المر نفسه مع «الطقوس»‬ ‫ي ي‬ ‫َّ‬ ‫الدينية والــعــبــادات‪ ،‬حيث تفقد يه‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ماكن�ا املقدسة‪ ،‬وتصبح مج َّرد‬ ‫الخــرى‬ ‫أ‬ ‫ـد� مــوصــوالن لســتــاذي‬ ‫‪ -1‬الشكر والــتــقـ ي‬ ‫الـــفـــاضـــل امل ــس ــت ــش ــار ع ــب ــد الج ــــــواد‬ ‫ي� ي ن‬ ‫ســـــن‪ ،‬الـــذي اســتــفــدت عــن إحــدى‬ ‫حمـ ض‬ ‫الكث� من أفــار هــذا املقال‪.‬‬ ‫ـا�اتــه‬ ‫ي‬

‫‪5‬‬


‫ّ‬ ‫بعي�ا ف� ٍ ت خ‬ ‫أدوات ّ‬ ‫احتياجات ن‬ ‫ر� بعينه‪،‬‬ ‫لسد‬ ‫ٍ‬ ‫طورها إالنسان ِ‬ ‫ي‬ ‫سياق � ي ي‬ ‫نفسية َّ‬ ‫معان َّ‬ ‫خاصة‪ ،‬أو ما شئت‬ ‫أو وسائط‬ ‫ي‬ ‫بشلك رمزي عن ٍ‬ ‫للتعب� ت ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ال� � طرهحا خالل ما ي� يد عن قرن من الدراسات‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫التفس�ات ي‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية ي ن‬ ‫للد�‪.‬‬ ‫وغ�ها‪ ،‬ت ج�علك تدرك َّأن دخول العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‬ ‫التأث�ات ي‬ ‫لك هذه ي‬ ‫نً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ن‬ ‫أاكد�يا رصفا امك قد تظن‪ ،‬وليس‬ ‫الد�‪ ،‬ليس شأ� ي‬ ‫إىل مج ال درتاسة ي‬ ‫ص� دون يغ�مه‪ ،‬ولكنه مسألة‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫واملتخص ي ن‬ ‫الباحث�ن‬ ‫مسأل خ� ّص‬ ‫مج رد‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫الد�ن‬ ‫ال� �تد‬ ‫هلا آ�‬ ‫لتشمل املج تمع أ باكمهل‪ .‬فإذا ما فقد ي‬ ‫رها وأبعادها ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫االج� َّ‬ ‫تفككت لك البنية ت‬ ‫التنظ� ت‬ ‫عية ت‬ ‫ال� قامت‬ ‫‪،‬‬ ‫ع‬ ‫االج�‬ ‫�‬ ‫سلطته‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً ي‬ ‫ي‬ ‫لتنظ� نفسه‪،‬‬ ‫«بدائهل»‬ ‫ينتج‬ ‫أن‬ ‫تمع‬ ‫عىل‬ ‫اما‬ ‫ز‬ ‫ل‬ ‫وصار‬ ‫أساسه‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫املج‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫ة‬ ‫سلسل من التفاعالت الج َّدية – ال�ت‬ ‫وهو ما يدفع ب�ملج تمع تلقائيا إىل‬ ‫ي‬ ‫ليست ئ‬ ‫دا� ًا َّ‬ ‫سملية أو ن�معة‪-‬ليخلق بدائهل بنفسه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫احلساسية املفرطة‪ ،‬ت‬ ‫ب�ذا الشلك ي�كننا أن ف َّ‬ ‫ين‬ ‫«الد�»‬ ‫ال� ينظر ب�ا‬ ‫نت�م‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫– أو لنقل رجال الـ ي ن‬ ‫�ء أخطر عىل‬ ‫ـد�‪-‬إىل العلوم إالنسانية‪ ،‬فال ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتبناها العلوم‬ ‫سلطة القداسة الدينية من هذه النظرة «الوضعية» ي‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ن ف‬ ‫الد�‪� ،‬اذا لدينا إذن عىل الج انب‬ ‫هكذا يبدو المر‬ ‫من زاوية نظر ي‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫المر من زاوية نظر العلوم إال َّ‬ ‫نسانية؟‬ ‫الخر؟ كيف يبدو‬

‫ـدر كبري‬ ‫لـقــد ك ــان بــإمـكــان الـعـلــوم اإلنـســانـ َّـيــة أن ت ـقــارب ب ـقـ ٍ‬ ‫من النجاح ّ‬ ‫الدينية‪،‬‬ ‫الشق االجتماعي اخلارجي من الظاهرة‬ ‫َّ‬ ‫تفس َر‬ ‫وأن تبحث عــن أصــولــه‬ ‫االجتماعية والـتــارخيـ َّـيــة‪ ،‬وأن ِّ‬ ‫َّ‬ ‫وتتتبع تطوره‪ .‬لكنها مل تكن على نفس القدر من‬ ‫أصوله‬ ‫َّ‬ ‫الـنـجــاح فـيـمــا خيـ ّ‬ ‫ـص الـشــق اآلخ ــر‪ ،‬ال ــذايت ال ـفــردي الــداخـلــي‬

‫«مشكلة» امسها الدين‬

‫آ‬ ‫ن ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ف‬ ‫ف‬ ‫الد� ي� ِثل ظاهرة مركبة‪� ،‬و ينقمس ي�‬ ‫عىل الج انب الخر‪ ،‬نج�د ّ أن ي‬ ‫رئيسي ن�‪ّ :‬‬ ‫الشق ت‬ ‫االج� يع بلك ما ي�مل‬ ‫تقس� ممكن‪ ،‬إىل شق ي ن� ّ ي‬ ‫أوسع ي‬ ‫ّ‬ ‫والشق الذا�ت‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫من شت� يعات وطقوس وإلزامات وأبنية مؤسسية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫الداخلية للفرد ّي ن‬ ‫املتد�‪.‬‬ ‫الفردي‬ ‫املع� عن التجربة‬ ‫الروحا�‪ ،‬وهو ِّب‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫كب� من النجاح‬ ‫بقدر ي‬ ‫لقد ّ اكن ب إ�ماكن العلوم إالنسانية أن تقارب ٍ‬ ‫لخ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫الدينية‪ ،‬وأن تبحث عن أصوهل‬ ‫ار� من الظاهرة‬ ‫الشق االج� يع ا ج ي‬ ‫خ‬ ‫وتتتبع تطوره‪ .‬ن‬ ‫تفس أصوهل َّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫والتار� َّية‪ ،‬وأن ِّ َ‬ ‫ي‬ ‫لك�ا مل تكن‬ ‫عية‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫الذا� الفردي‬ ‫عىل نفس القدر من النجاح يف� ي� ّص الشق الخر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الداخل‪ ،‬ف�ا ه طبيعة هذا ّ‬ ‫الداخل؟‬ ‫الشق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫‪6‬‬

‫اإلميان‬

‫َ َ ْ أَ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ َ َ‬ ‫ُ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْع َر ُ‬ ‫اب َآم َّنا ۖ قل ْل ت ْؤ ِم ُنوا َول ٰـ ِكن قولوا أ ْس ْل َنا َو َّلا َي ْدخ ِل‬ ‫« قال ِت‬ ‫ْ إال ي َ� ُان ِ ف ي� ُق ُل ِوب ُ ْ‬ ‫ك» احلجرات ‪14‬‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫الن� (ص) بعض أتباعه من العراب‪ ،‬ي ن‬ ‫والذ�‬ ‫ي� هذه ال َّية‪ ،‬ي�اور ب ي‬ ‫ٌّ‬ ‫ين‬ ‫«ال ي�ان» نفسه‪ ،‬ب� نع�‬ ‫يعتقدون أن‬ ‫«الد�» لك واحد‪ ،‬وأنه هو إ‬ ‫ت َّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫لد�م درجة‬ ‫«الد�» قد �ققت‬ ‫نأ�م يعتقدون أ�م ب�جرد دخوهلم ي�‬ ‫ي‬ ‫ي ث َّ ت ز ً‬ ‫ّ‬ ‫وه أن �ة � يي�ا‬ ‫إ‬ ‫«ال ي�ان»‪ .‬فيوا�ج هم الرسول ب�ذه احلقيقة املهمة‪ ،‬ي‬ ‫ًّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫و»الد�» – الذي هو إالسالم هنا – وأ�ما ليسا‬ ‫«ال ي�ان»‬ ‫ب�‬ ‫ا‬ ‫همم‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫تز ً ت ًّ‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫يع� ذلك‬ ‫«الد�» بوصفه ال�اما اج�عيا‬ ‫التمي� يب�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫شيئا ّواحدا‪ .‬ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وظاهر�‪ ،‬ي ن‬ ‫«ال ي�ــان» الذي هو التجربة الروحية الداخلية‪،‬‬ ‫وب� إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫لخ‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ار� واالج� يع (وملا يدخل إال ي�ان ي� قلوبمك)‪.‬‬ ‫امل� ي ز�ة عن االل�ام ا ج ي‬ ‫ل�ورة االنفصال الاكمل‪ ،‬و ن‬ ‫تع� ب� ض‬ ‫ن‬ ‫ت ز‬ ‫لك�ا‬ ‫الحظ أأن ملكة «م� ي�ة» ال ي‬ ‫ن‬ ‫تع� ب�لساس عدم التطابق الاكمل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫«ال ي�ان» هنا ّب ُ‬ ‫جزء أصيل من طبيعتنا ش‬ ‫الب� َّية‪ ،‬وهو‬ ‫� ف�وم إ‬ ‫يع� عن ٍ‬ ‫ّ‬ ‫املتمثل ف� نز‬ ‫ال�وع الفطري إللنسان –أي إنسان ن‪�-‬و إضفاء ن‬ ‫مع� عىل‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫حياته‪ ،‬والتطلع إىل أفق أر� ومستوى أعىل من احلقائق‪ ،‬واالرتقاء‬ ‫ّ أ‬ ‫ُّ‬ ‫فوق ت‬ ‫ال َّ‬ ‫والتسام هو ما‬ ‫رضية‪ ،‬وهذا التطلع إىل االرتقاء‬ ‫ار�ان املادة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫الروح من التجربة الدينية‪،‬‬ ‫«ال ي�ان»‪ ،‬وهو‬ ‫نسميه إ‬ ‫الداخل ً ي‬ ‫الشق ت ً ي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ب� اكفة التجارب َّ‬ ‫وهو ب�ثابة الج وهر الذي ي� ِثل مش�اك أصيال ي ن‬ ‫الدينية‪،‬‬ ‫ن أ‬ ‫ً‬ ‫الصيل الاكمن وراء نشأة الظاهرة َّ‬ ‫الدينية‬ ‫نسا�‬ ‫وهو أيضا االحتياج إال ي‬ ‫ذا�ا‪ ،‬ووراء ئ‬ ‫ت‬ ‫بقا�ا واستمرارها‪ ،‬عىل عكس لك نبوءات احلداثة بقضاء‬ ‫العمل عىل ي ن‬ ‫الد�‪.‬‬ ‫وهذا الج زء ب�لتحديد – أي إال ي�ان‪ -‬هو ما مل ي�كن للعلوم إال َّ‬ ‫نسانية –‬ ‫ت آ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫مناهها َّ‬ ‫احلالية‪ -‬أن تتعامل معه‪� ،‬ذه العلوم �تنع‬ ‫ح� الن‪ ،‬ووفق‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫الساس‪ -‬عن التعامل مع أي ّ‬ ‫مكو ٍن «فوق‬ ‫ابتداء – امك تعجز من‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫مادي» أو مفارق داخل الظاهرة‪ ،‬حيث تت ِخذ قرارا مسبقا ب�ل َّ‬ ‫رضية‬ ‫ة‬ ‫الدينية‪( ،‬أي اعتبار الظاهرة لكها ذات طبيعة َّ‬ ‫الاكمل للظاهرة َّ‬ ‫أرضية)‬ ‫الدينية َّ‬ ‫َّ‬ ‫عصية‬ ‫همما اكنت الظروف والعوامل‪ ،‬وهو ما ي ج�عل الظاهرة‬ ‫اهل� بشلك اكمل داخل العلوم إال َّ‬ ‫عىل ض‬ ‫نسانية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّ ت آ‬ ‫ت ّ‬ ‫ح� الن أن فت�م الطقوس و�لل‬ ‫فإذا اكن ب إ�ماكن العلوم إالنسانية‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫جذورها ت‬ ‫عية سواء ي� النشأة أو ي� الدور الذي تؤديه‪ ،‬وكذلك‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫اكن ب إ� ن‬ ‫ماك�ا أن ت�م ش‬ ‫االج� َّ‬ ‫الت� يعات‪ ،‬و�لل أصوهلا ت‬ ‫عية وتطورها‬ ‫ف‬ ‫االج�ع وما إىل ذلك‪ ،‬فليس ب إ�ماكن العلوم إال َّ‬ ‫وتكيي�ا ت‬ ‫نسانية – ت‬ ‫ح�‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الروحا�‬ ‫نسا�‬ ‫ي‬ ‫الن‪ -‬أن ت�م جوهر الظاهرة الدينية‪ ،‬أي املكون إال ًي‬ ‫الداخل للتجربة َّ‬ ‫الدينية‪ ،‬وهو ش�ء ليس ب� ض‬ ‫ل�ورة مرتبطا ب�لطقوس‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بعضوية َّ‬ ‫َّ‬ ‫تز‬ ‫وال ش‬ ‫َّ‬ ‫الدينية وال ت‬ ‫الت� يعات وال‬ ‫ح�‬ ‫املؤسسة‬ ‫االلــ�ام‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫املكو�ت‬ ‫�ء من هذه‬ ‫«االعتناق‬ ‫الالهو�» لعقيدة ي‬ ‫ي‬ ‫الد�نة أو أي ي‬ ‫َّ‬ ‫ح�ن‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫للد�‪ ،‬وهو ما ي�كن أن نعنيه ي‬ ‫ذات الطبيعة «االج�عانية» ي‬ ‫َّ‬ ‫«ال ي�ان»‪.‬‬ ‫نتحدث عن إ‬ ‫«الد�» إذن‪ ،‬ومن هذه الزاوية‪ ،‬ي� ّث ُل مشلك�ة‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫حقيقية ب�لنسبة للعلوم‬ ‫نسانية‪ .‬ولكن ملاذا تعجز العلوم إال َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية عن ذلك؟‬ ‫َّ‬ ‫تعجز العلوم إال َّ‬ ‫أسباب رئيسة‪ ،‬يتعلق‬ ‫نسانية عن هذه املقاربة لثالثة‬ ‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫أوهلما بطبيعة الذات‪ ،‬والثا� بطبيعة املوضوع‪ ،‬والثالث بطبيعة ن‬ ‫امل�ج‪.‬‬ ‫ي‬


‫أ‌‪ -‬الذات‬

‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعية‪ ،‬تقع الذات مفارقة‬ ‫ي ج�در بنا أن نالحظ أنه ي� مج ال العلوم‬ ‫ت‬ ‫ال� ت�صد الظاهرة ‪-‬أي‬ ‫ملوضوهعا‪ ،‬الذي هو‬ ‫«الطبيعة»‪ ،‬فالذات ي‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫ظاهرة ت ّ‬ ‫بشلك ما عن املوضوع الذي تدرسه‪،‬‬ ‫ا‪-‬ه مستقل‬ ‫ت� دراس� ي‬ ‫ن ف‬ ‫ٍ َّ ف‬ ‫َّ‬ ‫فتستطيع أن تتمتع بقدر ما من «املوضوعية» ي� التعامل معه‪ ،‬بي� ي�‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال�‬ ‫العلوم إالنسانية‪ ،‬تتطابق الذات مع املوضوع‪ ،‬ب� فع� أن الذات ي‬ ‫ت�صد‪ ،‬ه نفهسا املوضوع‪ ،‬وهنا ممكن إالشاكل � العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ح� يدرس نفسه أن‬ ‫حيث يدرس إالنسان نفسه‪ ،‬وال ي�كن إللنسان ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تعتمد‬ ‫يتمتع ب�لقدر نفسه من «املوضوعية العملية» البسيطة‪ ،‬ي‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعية‪.‬‬ ‫عل�ا العلوم‬ ‫ي‬

‫ب‌‪ -‬املوضوع‬

‫ث ت ً‬ ‫كيبا وتعقيدا‪ّ ،‬‬ ‫كذلك‪ ،‬فالظاهرة إال َّ‬ ‫وأشد‬ ‫نسانية – مكوضوع‪ -‬أك� �‬ ‫أ‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الضيق‪ .‬عىل القل‪ ،‬ال ي�كن حرص‬ ‫تفلتا من‬ ‫«املعرفة فالتقنية» ب�عناها ِ‬ ‫ت ّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫واالج� يع‪ ،‬وال إالمساك‬ ‫نسا�‬ ‫تؤ� ي�‬ ‫ال� ث ِ‬ ‫مسار السلوك إال ي‬ ‫أالعوامل ي‬ ‫ف‬ ‫ب� ٍّي من هذه العوامل ي� أية حلظة مستقال عن يغ�ه من العوامل‪،‬‬ ‫ب� هذه العوامل ن‬ ‫ن�هيك عن ف�م التفاعالت َّ‬ ‫البينية ي ن‬ ‫الال� َّائية‪ ،‬أضف‬ ‫«الرادة إال َّ‬ ‫نسانية» الذي ب إ�ماكنه أن ي ج�عل‬ ‫إىل ذلك وجود عامل إ‬ ‫ن‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫نسا� معلية شبه مستحيل‪ ،‬وهكذا‪،‬‬ ‫صناعة «معادالت» للسلوك إال ف ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫تتعدد مشالكت العلوم إال َّ‬ ‫نسانية ي� تعاملها مع الظاهرة إالنسانية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وهو ما ت� َّجل كذلك ف� در ت‬ ‫ين‬ ‫«الد�»‪.‬‬ ‫ملوضوع معقد مثل موضوع‬ ‫اس�ا‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬

‫جـ ‪ -‬املنهج‬

‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫الحرى ب�ذا التطابق ي ن‬ ‫ب� الذات واملوضوع ي�‬ ‫مع‪ :‬أمل يكن‬ ‫ِ‬ ‫فكر ي‬ ‫ت‬ ‫العلوم إال َّ‬ ‫مشلك�ا‪ ،‬أن يكون هو نفسه نقطة‬ ‫نسانية‪ ،‬الذي اكن هو‬ ‫ت� ّي ز�ها ف ي� تعاملها مع موضوع مثل ي ن‬ ‫الد�‪ ،‬وأن ي ج�علها أقدر عىل إدراك‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الروح «املتجاوز» ي� الظاهرة؟ أمل يكن الوىل‬ ‫نسا�‬ ‫ي‬ ‫هذا الج انب إال ي‬ ‫ة‬ ‫ب�لعلوم إال َّ‬ ‫قر�ا من موضوهعا‪ ،-‬جذور‬ ‫نسانية أن تدرك‬ ‫بهسول ‪ -‬ب�مك ب‬ ‫ة‬ ‫نسانية‪ ،‬دون ت ز‬ ‫الد� ف� الطبيعة إال َّ‬ ‫اخ�اهلا إىل «توظيفات»‬ ‫مسأل ي ن ي‬ ‫معلية ش‬ ‫عية َّ‬ ‫اج� َّ‬ ‫ت‬ ‫مبا�ة؟‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫املبد� ف� العلوم إال َّ‬ ‫نسانية بسبب‬ ‫ي�كن �م ذلك االمتناع والعجز‬ ‫ي ي‬ ‫َّ‬ ‫العمل بشلك عام‪ ،‬والذي‬ ‫الطبيعية عىل الفكر‬ ‫إالشعاع الطا�غ ي للعلوم‬ ‫ّي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫َّ ت‬ ‫متأخر جدا عن العلوم‬ ‫وقت ِ‬ ‫ال� انفصلت ي� ٍ‬ ‫ب‬ ‫أج� العلوم إالنسانية‪ -‬ي‬

‫ف‬ ‫الطبيعية – عىل أن َّ‬ ‫َّ‬ ‫تتمسك ب� نمل� َّ‬ ‫َّ‬ ‫«الوضعية» لتلك العلوم‪ ،‬ي�‬ ‫جية‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫«عملي�ا»‪ ،‬وهو ما اكن اهلاجس السائد املهيمن‬ ‫حماول نم�ا إلثبات‬ ‫عىل العلوم إال َّ‬ ‫مس� ت�ا تقريبا‪ ،‬ومل تفلت من هذا اهلاجس‬ ‫نسانية طوال ي‬ ‫ّ أ‬ ‫ً ف‬ ‫تع� عن ّ‬ ‫التيار العام (كمعال مارسيا إلياد مثال ي�‬ ‫إال استثناءات ال ّب‬ ‫ت يخ أ‬ ‫ِ ث ف‬ ‫ديلي� ي� مج ال اهلرمنيوطيقا)‪.‬‬ ‫ر� ال يد�ن‪ ،‬وويلهم‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تملس هذا اهلاجس الاكمن � العلوم إال َّ‬ ‫ي�كنك أن َ‬ ‫نسانية منذ‬ ‫ي‬ ‫ت ف أ‬ ‫واضع أسس‬ ‫نشأ�ا‪ ،‬ي� ت� ُّمل عبارات «أوجست كومت» أحد أمه‬ ‫ي‬ ‫ّ ً‬ ‫ً‬ ‫متحد ث� عن عمل االجـ تـامع ب�عتباره نوعا من‬ ‫عمل االجـ تـامع احلديث‪،‬‬ ‫يز‬ ‫يز‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫«الف� ي�ء»‪ ،‬أامسها‬ ‫عية»‪ :‬فقد كتب كومت يدافع‬ ‫«الف� ي�ء‬ ‫آ‬ ‫ف� ي�ء َّ‬ ‫عن هذا العنوان قائال‪« :‬إنه لدينا الن ي ز‬ ‫امسوية‪ ،‬ي ز‬ ‫وف� ي�ء َّ‬ ‫أرضية‪،‬‬ ‫كيميائية‪ ،‬ي ز‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وف� ي�ء َّ‬ ‫مياكنيكية أو‬ ‫وحيوانية‪ ،‬وما زلنا ب�اجة إىل‬ ‫نباتية‬ ‫ف‬ ‫نوع آخر من ي ز‬ ‫الف� ي�ء هو ي ز‬ ‫االج� َّ‬ ‫الف� ي�ء ت‬ ‫عية‪ ،‬ت‬ ‫املعر�‬ ‫ح� يكتمل نسقنا‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫وأع� ب� ي ز‬ ‫االج� َّ‬ ‫لف� ي�ء ت‬ ‫عن الطبيعة‪ .‬ن‬ ‫عية‪ ،‬ذلك العمل الذي َّيتخذ من‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫االج� َّ‬ ‫الظواهر ت‬ ‫عية موضوعا للدراسة‪ ،‬ب�عتبار هذه الظواهر من روح‬ ‫والكيميائية والفيسيو َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لوجية نفهسا‪ ،‬من‬ ‫والطبيعية‬ ‫العملية‬ ‫الظواهر‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫للقوان� الثابتة»‪.‬‬ ‫حيث كو�ا موضوعا‬ ‫ي‬ ‫نسانية‪ ،‬أن تقارب من ن‬ ‫ومن هنا‪ ،‬مل يكن ب�ستطاعة العلوم إال َّ‬ ‫مكو�ت‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الج� َّ‬ ‫الظاهرة َّ‬ ‫الدينية‪ ،‬سوى ما أمكن هلا إالمساك به «متلبسا ب� ت‬ ‫عانية»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫اكلطقوس ش‬ ‫الدينية – أي املؤسسات َّ‬ ‫والت� يعات وأبنية السلطة َّ‬ ‫الدينية‬ ‫ف‬ ‫والهكنوت‪-‬لكن جوهر الظاهرة إال ي� َّانية ت‬ ‫ذا�ا‪ ،‬مل يكن ي� متناول العلوم‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية ت‬ ‫ح� هذه اللحظة‪.‬‬

‫خامتة‬

‫غ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫أ�زته العلوم إال َّ‬ ‫نسانية ت‬ ‫الدينية‬ ‫ح� اليوم ي� تفكيك الظاهرة‬ ‫ب�� ما نج‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ودر ت‬ ‫املستو�ت المعق من‬ ‫ستطاع�ا بعد‪ ،‬أن تقارب‬ ‫اس�ا‪ ،‬مل يكن ب�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫الظاهرة‪ ،‬واملتمث ةل ي� ب�ث إالنسان عن ن ً‬ ‫مع� لوجوده‪ ،‬وشوقه الصيل‬ ‫ّ أ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� يه‬ ‫فلالرتقاء عىل مادته‪ ،‬وتطلعه ل ٍفق أر�‪ ،‬وسعيه وراء احلقيقة‪ ،‬ي‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�ء آخر‪،‬‬ ‫ي� مستواها املطلق ي�‬ ‫كننا أن نسم ي�ا ف(هللا) أو نسم ي�ا أي ي‬ ‫أ‬ ‫ن ق‬ ‫وع إالنسان بوجوده‪.‬‬ ‫لك�ا تب� يه الدافع الصيل الاكمن ي� ي‬ ‫والخالص ف ي� السع وراء هذه احلقيقة‪ ،‬والصدق ف ي� ُّ‬ ‫التقرب نم�ا‪ ،‬هو‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ّ ً‬ ‫ف‬ ‫«ال ي�ان» بعينه‪ ،‬وليس إال هذا إال ي�ان حمراك إللنسان‪ ،‬سواء ي� ذلك‬ ‫إ‬ ‫ّ ف‬ ‫ف ف‬ ‫املصل ي� مسجده‪ ،‬وحرقة‬ ‫خ�ة‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫الصو� ي� خلوته ملعرفة هللا‪ ،‬وخشوع ف ي‬ ‫الفيلسوف إللمساك ب�لفكرة‪ ،‬ولوعة الشاعر ي� صناعة بيت الشعر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫التجل‪ ،‬وسكينة ّ‬ ‫الرسام‬ ‫فواح�اق املمثل عىل خشبة املرسح من فرط ف ي‬ ‫ي� حمراب لوحته ت‬ ‫ح� تكتمل‪ ،‬وإخالص العامل ي� مخ بت�ه الكتشاف‬ ‫َّ‬ ‫العملية‪.‬‬ ‫احلقيقة‬ ‫ّ‬ ‫وراء لك هذه التجليات إال َّ‬ ‫نسانية‪ ،‬يدفعنا شوق حارق إىل احلقيقة‪،‬‬

‫وإىل التجاوز واالرتقاء‪ ،‬وإىل رؤية النور‪ ،‬وهذا الشوق احلارق‪ ،‬ليس‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫السع �وها‪،-‬‬ ‫وحتمية‬ ‫الوع بوجود احلقيقة املطلقة‬ ‫إال إال ي�ان –‬ ‫ُّ‬ ‫أ ي ف‬ ‫يف‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ب� الب�‪ ،‬أو ب�لحرى ي� معق‬ ‫الذي ي�تل ماكنه ي� معق وجود لك ي‬ ‫وجود الكون لكه‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫البشرية»‬ ‫اإلنسانية يف التأسيس لعلم «التنمية‬ ‫دور العلوم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬ ‫َّ‬ ‫إن مـ ـ ــا ي ـ ـش ـ ـه ـ ــده ال ـ ـ ـعـ ـ ــامل مـ ـ ــن ت ـ ـ ُّ‬ ‫ـوتـ ــر‬ ‫واضـ ـ ـط ـ ــراب ـ ــات بـ ـشـ ـك ــل غ ـ ــر مـ ـسـ ـب ــوق‪،‬‬ ‫وظ ـ ـهـ ــور أم ـ ـ ــراض جـ ــديـ ــدة هلـ ــا ع ــاق ــة‬ ‫اإلنسانية‪،‬‬ ‫بالنفس البشريَّة والعالقات‬ ‫َّ‬ ‫سيجعل احلــاجــة لعلم التنمية البشريَّة‬ ‫ـل‬ ‫يف ازدي ـ ـ ـ ـ ـ ــاد‪ ،‬م ـ ــا س ـ ـ ـي ـ ـ ــؤدّي ب ـش ـك ـ ٍ‬ ‫م ـب ــاش ــر إىل الـ ـلـ ـج ــوء مـ ــن ج ــدي ــد إىل‬ ‫الـتـطــويــرات احلــديـثــة لـلـعـلــوم اإلنـســانـ َّـيــة‬

‫‪,,‬‬

‫أ‪.‬موالي حممد امساعيلي‬ ‫مدير مركز النجاح والتنمية‬

‫املغرب‬

‫‪8‬‬

‫ف‬ ‫يعت� ما يصطلح عليه ي� وقتنا‬ ‫ب‬ ‫ش‬ ‫الراهن بــ عمل التنمية الب� ية‪ ،‬من‬ ‫ت‬ ‫ال� ت ّ‬ ‫ي� تداوهلا عىل‬ ‫العلوم الج ديدة ي‬ ‫نطاق واسع‪ ،‬سواء من خالل ّ‬ ‫المك‬ ‫ٍ‬ ‫اهلائل من إالصدارات واملنشورات‬ ‫ت‬ ‫ال� ت� ت ُّ� ب�ذا العمل وتبحث فيه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وتعمل عــى تــنز يــل تطبيقاته‬ ‫ّ‬ ‫املتنوعة مــن أجــل رفــع قــدرات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كب�ا من‬ ‫إالنسان وتعليمه عددا ي‬ ‫املــهــارات والتقنيات واملــعــارف‬ ‫خ‬ ‫املتلفة‪ ،‬أو من خــال مسامهة‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫تدريبية‬ ‫هذا العمل ي� بناء حقائب‬ ‫ف ت‬ ‫ي� خ� ّصصات ومواضيع مخ تلفة‪،‬‬ ‫ملساعدة الناس عىل امتالك ّ‬ ‫آليات‬ ‫ت‬ ‫حيا�م‬ ‫لتسي� وإدارة‬ ‫جديدة‬ ‫ي‬ ‫الصعو�ت‬ ‫بشلك أفضل‪ ،‬وموا�ج ة‬ ‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ـ� تقف ي� طريق تقدهمم ي�‬ ‫الـ ي‬ ‫و�احات‬ ‫إ�ازات نج‬ ‫احلياة ومرامكة نج‬ ‫يف�ا‪.‬‬ ‫لقد اكن للعلوم إال َّ‬ ‫بشلك‬ ‫نسانية‬ ‫ٍ‬ ‫ت‬ ‫االجــامع وعمل النفس‬ ‫عــام‪ ،‬وعمل‬ ‫ف‬ ‫لخ‬ ‫كب� ي�‬ ‫عىل وجه ا صوص دور ي‬ ‫أ‬ ‫وضع املعامل الوىل لعمل «التنمية‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫الب� َّية››‪ ،‬حيث نج�د أن الرواد‬ ‫ف‬ ‫ِّ‬ ‫املؤس ي ن‬ ‫الوال�ت‬ ‫س� هلذا العمل ي�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫املـ ّـتــحــدة اكنــت اهـ تـاممـ تـا�ــم ي�‬ ‫أ‬ ‫الســاس وانشغاهلم الرئيس عىل‬ ‫العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪ ،‬ونذكر هنا عىل‬ ‫سبيل املثال ال احلــر‪ ،‬الاكتب‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ـ� الـ شـهـ يـر ديل‬ ‫ـ‬ ‫ـري‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫وامل ـؤِ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫اكرنــيــج ي ‪ ،‬الــذي يصنف عىل أنه‬ ‫من بآ�ء هذا العمل ومن ِّ‬ ‫مؤسسيه‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫الـــذ� كتبوا فيه منذ‬ ‫الوائـــل‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ـا�‪،‬‬ ‫الربعينات من القرن املـ ي‬ ‫مــن خــال كتابه ذائــع الصيت‬

‫‹دع القلق وابــدأ احلياة› الــذي ما‬ ‫آ‬ ‫زالت تباع فيه الف النسخ بع� العامل‬ ‫غر� مرور ث‬ ‫أك� من �خ ي ن‬ ‫س� سنة عىل‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ت�ليفه‪ ،‬امك ي�كن احلديث أيضا عن‬ ‫الدكتور أ�اهام ماسلو مبتكر َّ‬ ‫نظرية‬ ‫ب‬ ‫هــرم االحتياجات إال َّ‬ ‫نسانية الذي‬ ‫ُّ‬ ‫س ب�مسه‪ ،‬والدكتور بأ�اهام معروف‬ ‫َي‬ ‫ب�شتغاهل عىل عمل النفس سواء عىل‬ ‫ق‬ ‫التطبي�‪.‬‬ ‫املستوى النظري أو‬ ‫ي‬

‫ومع ّ‬ ‫تطور هذا العمل أصبح ت‬ ‫االه�م‬ ‫ن‬ ‫تز‬ ‫الثا� من‬ ‫ي� ّايد به من طرف ف الج يل ي‬ ‫واحملا� ي ن� � التنمية ش‬ ‫ض‬ ‫املؤِل ي ن‬ ‫الب� َّية‬ ‫ف�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫من أمثال ي ن‬ ‫كو�‪،‬‬ ‫وا� ي‬ ‫دا� وستيفن ي‬ ‫ت‬ ‫وغ�مه‪،‬‬ ‫يس وجاك اكنفيلد ي‬ ‫بو� يا�ن � ي‬ ‫آ‬ ‫والذ� هلم ت‬ ‫ين‬ ‫بشلك أو ب�خر‬ ‫اه�مات‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ف� العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪ ،‬بل إن اغلب‬ ‫ي‬ ‫مؤّل ت‬ ‫فا�م تقوم عىل دراسة مج موعة من‬ ‫العملية ف� العلوم إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫نسانية‬ ‫النظر�ت‬ ‫ّي‬ ‫ي‬ ‫والعمل عىل وضع تطبيقات هلا من‬ ‫ّ‬ ‫خالل هذه املؤلفات‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫نظر�ت العلوم‬ ‫لقد ط ِر َح سؤال �ويل ي‬ ‫نسانية خ‬ ‫إال َّ‬ ‫التنظ� َّية‬ ‫املتلفة وأفاكرها‬ ‫ي‬ ‫إىل تطبيقات َّ‬ ‫معلية ي�كن االستفادة‬ ‫مـهن ــا‪ ،‬مند زمــن طــويــل‪ ،‬وقــد نج�ـ َـح‬ ‫ن ف‬ ‫الباحث� ي� هذه‬ ‫عــدد حمــدود من‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫العلوم إىل �ويل بعض من هذه‬ ‫غ‬ ‫َّ‬ ‫تطبيقية‪ ،‬ور�‬ ‫النظر�ت إىل أمعال‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫ذلك ظل السؤال ملحا إىل أن ب�ز‬ ‫ف‬ ‫«عمل التنمية ش‬ ‫الب� َّية›› ‪ ،‬والذي ي�‬ ‫َ‬ ‫أك� عمل ربط ي ن‬ ‫ب� العلوم‬ ‫نظري هو ب‬ ‫َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫ونظر�ت تطبيقية مستوحاة‬ ‫نسانية‬ ‫ي‬ ‫ببحث بسيط‬ ‫من هذه العلوم‪ ،‬يو�كن‬ ‫ٍ‬ ‫ف أ‬ ‫عدد هائل‬ ‫ي� ال تن�نت العثور عىل ٍ‬ ‫ال� ت�توي ي ن‬ ‫من املؤّلفات والكتب ت‬ ‫ب�‬ ‫ي‬


‫ّ‬ ‫التفك� وبناء‬ ‫وتغي�‬ ‫دف يت�ا مج موعة من ي‬ ‫ي‬ ‫تطو� الذات ي‬ ‫نظر�ت ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫االج�ع‪،‬‬ ‫ال� أساهسا عمل النفس أو عمل‬ ‫القدرات‬ ‫واملهارات ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫تطبيقية سامهت‬ ‫وال� نج�ح مؤلفو هذه الكتب ي� �ويلها ملواد‬ ‫ي‬ ‫ّآ‬ ‫ف‬ ‫تطو� إالنسان املعارص وجعهل ي�تلك الليات‬ ‫بشلك ي‬ ‫كب� ي� ي‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫و�احه ي� احلياة‪.‬‬ ‫تطو� ذاته نج‬ ‫ال� تساعده ي� ي‬ ‫والوسائل ي‬ ‫َّإن ما شي�ده العامل من تُّ‬ ‫تو� واضطر با�ت بشلك يغ� مسبوق‪،‬‬ ‫ظو�ور أمراض جديدة هلا عالقة ب�لنفس ش‬ ‫الب� َّية والعالقات‬ ‫ف‬ ‫نسانية‪ ،‬سيجعل احلاجة لعمل التنمية ش‬ ‫إال َّ‬ ‫ازد�د‪ ،‬ما‬ ‫الب� َّية ي� ي‬ ‫ّ‬ ‫سيؤدي بشلك ش‬ ‫التطو�ات‬ ‫مبا� إىل اللجوء من جديد إىل‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫احلديثة للعلوم إال َّ‬ ‫حماول االستفادة نم�ا‪ ،‬وبناء‬ ‫نسانية من أجل‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫النفسية‬ ‫نظر�ت جديدة تساعد إالنسان عىل موا�ج ة � ّد ي�ته‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تفرض نفهسا عليه بشلك مضطرد‪.‬‬ ‫واالج�عية ي‬ ‫ً‬ ‫ً ف‬ ‫َ‬ ‫أيضا‪َّ ،‬إن «عمل التنمية ش‬ ‫كث�ا ي�‬ ‫ي�كن القول‬ ‫الب� َّية›› ساعد ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ربط العلوم إالنسانية ٍ‬ ‫بشلك عام بعدد من العلوم الخرى ي‬ ‫العص� إللنسان وطريقة معل الدماغ وأداء‬ ‫هلا عالقة ب�لج هاز‬ ‫بي‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫نظر�ت ت ج�مع ي ن‬ ‫ب� أداء هذه العضاء وال�ج زة‬ ‫الج مس‪ ،‬وذلك بع� ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫النظر�ت ي� العلوم‬ ‫ي� إالنسان‪ ،‬وتعله وإتقانه ملج موعة من‬ ‫ّي‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية‪ ،‬و ي�كن االستدالل هنا ب�ا قام به طبيب جراحة املخ‬ ‫ن‬ ‫يطا� إدوارد ديبونو‪ ،‬صاحب َّ‬ ‫التفك�‪،‬‬ ‫نظرية نأ�اط‬ ‫ي‬ ‫الدكتور بال� ي‬ ‫أو َّ‬ ‫ت‬ ‫وال� استخلهصا من خالل معهل‬ ‫القبعات الست‬ ‫ي‬ ‫للتفك�‪ ،‬ي‬ ‫كجراح للدماغ وطريقة معهل‪ ،‬ودراسته العميقة للعلوم إال َّ‬ ‫ّ‬ ‫نسانية‬ ‫خ‬ ‫املتلفة‪.‬‬

‫سيب� النسان ف� حاجة ئ‬ ‫دا�ة للعلوم إال َّ‬ ‫نسانية ملساعدته عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ق إ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ـ� سيوا�ج ها ي� هذه احلياة سواء اكنت‬ ‫ج�ــاوز املعضالت الـ ي‬ ‫ذات طابع فردي أو �ج‬ ‫اع‪ ،‬فال ي�كن االستغناء عن دور العلوم‬ ‫ي أ‬ ‫نسانية همما ّ‬ ‫إال َّ‬ ‫تطورت العلوم الخرى‪ ،‬وهمما خلقت من الوسائل‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫خ� هو ت�كيبة معقدة من املشاعر‬ ‫املساعدة إللنسان‪ ،a‬لن هذا ال ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫تفك�‬ ‫والعواطف والحاسيس والفاكر‪ ،‬ي�تاج مهعا دوما إلعادة ي‬ ‫أ‬ ‫يعط�ا إللنسان سوى‬ ‫تو�تيب ومسح وبناء ي‬ ‫وتغي�‪ ،‬وهذه الشياء ال ي‬ ‫ً‬ ‫علوم ُّ‬ ‫جزءا من امسها من امسه؛ نإ�ا «العلوم إال َّ‬ ‫نسانية››‪.‬‬ ‫تشتق‬

‫‪9‬‬


‫اإلنسانية والتنوير‪َّ :‬أية عالقة؟‬ ‫العلوم‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬ ‫ف ـ ـ ــال ـ ـ ـن ـ ـ ــص ال ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ــي وع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى ط ـ ـ ــول‬ ‫خ ــريـ ـط ــة ال ـ ـع ـ ــامل اإلسـ ـ ــامـ ـ ــي‪ ،‬م ـ ــا ي ـ ــزال‬ ‫ـس احلـ ـ ـ ــاجـ ـ ـ ــة إىل مـ ـ ـقـ ـ ــاربـ ـ ــات‬ ‫يف أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّ‬ ‫ف ـل ـس ـفـ َّـيــة وســوس ـيــولــوجـ َّـيــة وس ـي ـكــولــوجـ َّـيــة‬ ‫وانـتــربــولــوجـ َّـيــة وتــارخيـ َّـيــة مـعـ َّـمـقــة‪ ،‬تسائل‬ ‫إرثه الفكري الضخم‪ .‬هذا اإلرث الذي‬ ‫رغ ـ ــم امل ـ ـح ـ ــاوالت الـ ـت ــارخي ـ َّـي ــة إلخ ـض ــاع ــه‬ ‫للمساءلة والـنـقــد والـتـجــديــد بـقــي حمافظا‬ ‫ع ـل ــى ص ـن ـم ـ ّي ـت ــه وم ـص ــداق ـي ـت ــه امل ـط ـل ـقــة‬

‫‪,,‬‬

‫احلسن بريوك‬ ‫كاتب وباحث‬

‫املغرب‬

‫ملقاربة موضوع العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‬ ‫ـو�‪ ،‬يقت�ض ي حرص املوضوع‪،‬‬ ‫والــتــنـ ي‬ ‫ّ‬ ‫وحمــددات تناوهل ودراســتــه‪ .‬فالعلوم‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية فمك�وم بصيغة الج مع‪ ،‬مفتوح‬ ‫َّ ف‬ ‫ّ‬ ‫� علوم‬ ‫عىل تشعبات بك�ى وعامة‪ .‬ي‬ ‫ت‬ ‫االجــام يع ب�القتصادي‬ ‫يتقاطع يف�ا‬ ‫خ‬ ‫والــتــار�‪،‬‬ ‫ـ�‬ ‫والــســي فـ ي‬ ‫ـاس‪ ،‬والــنــفـ ي‬ ‫ي ي‬ ‫ن‬ ‫ماع‪.‬‬ ‫ا�‬ ‫فالج غر ي‬ ‫والقانو�‪ ،‬الفردي ب�لج ي‬ ‫أي‬ ‫َّ‬ ‫أو لنقل لك البــعــاد إالنــســانــيــة‪،‬‬ ‫ب�عتبارها علوما « حمورها إالنسان‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال ي ن‬ ‫خر� عىل‬ ‫و�اه‬ ‫وسلوكه ج�اه ذاته ج‬ ‫واالج� َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫عية‬ ‫النفسية‬ ‫املستو�ت‬ ‫اكفة‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫‪1‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫التنو�‬ ‫والسياسية واالقتصادية» ‪ .‬أما ي‬ ‫العقل‬ ‫تقد� للنشاط‬ ‫من حيث هو ي‬ ‫ي‬ ‫املستقل‪ ،‬ب�ا يسمح بتجاوز القصور‬ ‫أ‬ ‫ت ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫الذا� و� ير�‬ ‫تي‬ ‫العقل من الغالل ي‬ ‫ف‬ ‫قد �ول دونه و�م العامل‪ .‬وكحركة ال‬ ‫أ‬ ‫تفس� للظواهر مل بي�هن عليه‬ ‫تقبل ب�ي ي‬ ‫ن َّ ّ‬ ‫تفس� ي ج�علها‬ ‫بطريقة م�‬ ‫جية منظمة‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫مقبول لدى الج ميع أي تتخذ طابعا‬ ‫ّ‬ ‫كونيا‪ .‬وعليه من ض‬ ‫ال�ورة التأكيد عىل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫س� ِكز أساسا عىل‬ ‫أن تناول املوضوع ي‬ ‫ت أ� يث� العلوم إال َّ‬ ‫نسانية ف ي� الفكر الدي�ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ولرثه‪ ،‬ومدى ّ‬ ‫أمه َّية هذه‬ ‫ومساءل�ا هل إ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الدينية لدى‬ ‫العلوم ي� نإ�رة التجربة‬ ‫ف‬ ‫إالنسان ي� حدود العقل وحده‪ ،‬إن‬ ‫َّ‬ ‫الاكنطية‪.‬‬ ‫جاز لنا استعارة هذه العبارة‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫امك أنه ال بد من التأكيد أيضا عىل أن‬ ‫ف‬ ‫التنو�ي ال ي ج�ب �مه ب�عتباره‬ ‫الفكر‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫ت ف‬ ‫ن‬ ‫الهو�‪� ،‬و ال‬ ‫دي�‪/‬‬ ‫ي‬ ‫ندا للك ما هو ي‬ ‫يقترص عىل التجربة َّ‬ ‫الدينية فقط‪ .‬بل‬ ‫حر ًا ّ‬ ‫ُي ّعد فك ًرا ّ‬ ‫ضد لك أشاكل الفكر‬ ‫ً‬ ‫ق‬ ‫�غ ئ‬ ‫ا�‪ ّ ،‬يأ� اكنت منابعه؛‬ ‫ي‬ ‫الوثو� الدو ي‬ ‫لوجية‪ ،‬أو َّ‬ ‫دينية اكنت‪ ،‬أو ايدو َّ‬ ‫َّ‬ ‫عملية‬ ‫أو يغ�ها‪.‬‬ ‫ف ف‬ ‫التنو� كنقيض‬ ‫لك ال نسقط ي� �م‬ ‫ي‬ ‫و ي‬ ‫ت ف‬ ‫ن‬ ‫ـد�‪ ،‬والـــذي حــى ي� التجربة‬ ‫لـ أـلـ ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الوروبية مل يكن يف�ا حركة ضده‪،‬‬

‫‪10‬‬

‫وإ�ا ّ‬ ‫ن‬ ‫الكنس هل‪ .‬واحتاكره‬ ‫التفس�‬ ‫ضد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫من قبل رجال الكنيسة لغـراض يغ�‬ ‫دينية ت� ٍّد من َّ‬ ‫َّ‬ ‫حرية إالنسان واستعماهل‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫لعقهل‪ ،‬هلذا � ِــدد مقاربة املوضوع ي�‬ ‫نقطت� ّ‬ ‫عام ي ن‬ ‫ين‬ ‫ت� مها‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬تناول ت أ�ثـ يـر العلوم إال َّ‬ ‫نسانية عىل‬ ‫ن ف‬ ‫العر�‪-‬‬ ‫أورو� والعامل‬ ‫الدي� ي�‬ ‫الفكر‬ ‫ب‬ ‫بي‬ ‫ي ّ ت ف‬ ‫ت‬ ‫تنمي�ا حسّ‬ ‫ســـام‪ ،‬وأمهي�ا ي�‬ ‫إال‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫املساءل والنقد‪ ،‬والفكر احلر املستقل‬ ‫ّ‬ ‫تطرف ُّ‬ ‫ضد أي ُّ‬ ‫وتعصب‪.‬‬ ‫ث�نيا‪ :‬الوقوف عند ّ‬ ‫أمه ّية لك من العمل‬ ‫َّ ف ف‬ ‫الطبيع والعلوم إالنسانية ي� �م العامل‬ ‫ي‬ ‫والـــذات‪ .‬وخطر الــوقــوع ف� نز‬ ‫م�لقات‬ ‫ي‬ ‫إاليديو َّ‬ ‫لوجية‪.‬‬

‫اإلنسانية والفكر‬ ‫‪ -1‬العلوم‬ ‫َّ‬

‫أ‪ -‬ت أ� يث� العلوم إال َّ‬ ‫نسانية عىل الفكر‬ ‫ن أ‬ ‫ورو�‪:‬‬ ‫الدي� ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫ظ‬ ‫ورو�‪ ،‬أمرا‬ ‫مل‬ ‫يكن �ور حركة ي‬ ‫التنو� ال ف ب ي‬ ‫ف ًّ‬ ‫َّ‬ ‫� حركة‬ ‫ج�ائيا أملته ظروف حتمية‪ .‬ي‬ ‫نتجت عن «انتشار املعرفة َّ‬ ‫العملية‪ ،‬فعىل‬ ‫أ‬ ‫ح� اكن الناس ف� ض‬ ‫ين‬ ‫املا� يسملون ب�مور‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫نً‬ ‫كث�ة ارتاك� إىل سلطة أرسطو والكنيسة‬ ‫ي‬ ‫تّ‬ ‫آ‬ ‫اال�اه الج ديد هو االقتداء ب�راء‬ ‫أصبح ج‬ ‫العملاء»‪ .2‬وهذا االنتشار لملعرفة العمليةَّ‬ ‫أ‬ ‫مستو�ت‬ ‫سيكون هل ت� يث� عىل مخ تلف‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫العملية هذه تدل‬ ‫احلياة‪ ،‬إال أن املعرفة‬ ‫َّ ت ت‬ ‫ال� ج�مع العمل‬ ‫عىل �ج يع‬ ‫احلقول العملية ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الفلس�‬ ‫نسا�‪ ،‬بل والفكر‬ ‫الطبيع إ‬ ‫وال ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫معوما‪ .‬وهو أمر يطرح سؤال ماهية هذه‬ ‫العلوم؟ وهل للعلوم إال َّ‬ ‫نسانية دور يف�ا؟‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫التنو� ارتبطت ب�ربع‬ ‫�ن املعلوم أن حركة ي‬ ‫‪ -1‬حممد حممد قامس « مدخل إىل الفلسفة‬ ‫« دار نال�ضة العربية‪ ،‬يب�وت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪ ،2001‬ص ‪.75‬‬


‫ف‬ ‫ة‬ ‫حراكت بك�ى اكن هلا أ ث‬ ‫مرحل العرص الوسيط‪.‬‬ ‫الكب� ي� القطع مع‬ ‫ال� ي‬ ‫وه حركة نال�ضة‪ ،‬واحلركة إال َّ‬ ‫والصالح ن‬ ‫الدي�‪ ،‬ث� الدراسات‬ ‫نسانية‪ ،‬إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال� َّ‬ ‫(خاصة حركة النقد مع أواكم)‪ ،‬هذه احلراكت ت‬ ‫اهتمت‬ ‫ة‬ ‫التجريبي‬ ‫ُّ‬ ‫َّ ي ت‬ ‫العملية اكنت ج�عل‬ ‫ب� إلنسان معوما‪ .‬ولك هذا يدل عىل أن احلركة‬ ‫أ‬ ‫نسانية ف� تَّ‬ ‫الساس‪ ،‬الذات إال َّ‬ ‫مناح�ا‪ .‬ولكنه ت‬ ‫اه�م وإن‬ ‫ش�‬ ‫حمورها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫َّ ف‬ ‫ورو�‪ ،‬فإن‬ ‫اكن ِ‬ ‫يؤكد الدور الذي لعبته العلوم إالنسانية ي� ي‬ ‫التنو� ال ب ي‬ ‫َّ‬ ‫الك�ى‬ ‫الكب� اكن من نصيب العمل‬ ‫الطبيع أوال‪ ،‬فالثورة العملية ب‬ ‫الدور ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� َّهمدت هلذا العرص الج ديد يه الثورة «الغاليلية»‪ ،‬كثورة خلخلت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫والدي� معا‪ ،‬أي الفكر الذي ساد العصور السابقة‪،‬‬ ‫العمل‬ ‫الفكر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫طاليس‪ ،‬بل أزالت‬ ‫«فالثورة الغاليلية ألغت لكيا العمل الرسطو‬ ‫ي‬ ‫َّ أ‬ ‫َّ‬ ‫‪3‬‬ ‫َّ‬ ‫رسطوطاليسية من أساهسا وشكت بداية جديدة فعال»‬ ‫شاكلية ال‬ ‫إال‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫التنو�‪ .‬وقد ال ي ج�وز لنا قطعا أن نتحدث ب�ملع� الدقيق عن‬ ‫‪ ،‬لعرص‬ ‫ي‬ ‫َّ ف‬ ‫علوم إنسانية ي� بداية هذا العرص‪ ،‬لكن ذلك ال ي�نع من التأكيد‬ ‫ف‬ ‫عىل حضورها ّ‬ ‫والعمل آنذاك اكن يشمل لك‬ ‫الفلس�‬ ‫وأمه تي�ا‪ .‬فالفكر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي خ َّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫الدراسات ت‬ ‫ت‬ ‫وال�‬ ‫عية‬ ‫والتار�ية والقانونية والج غرافية والنفسية‪ ،‬ف ي‬ ‫ً‬ ‫الحقا ب�لعلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪ .‬و�ج يع الفالسفة ي ن‬ ‫الذ� حاولوا �م‬ ‫ستعرف‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫نظر��م املتلفة‪.‬‬ ‫الذات إالنسانية‪ ،‬اهتموا ب ج�انب من هذه العلوم ي� ي‬ ‫َّ‬ ‫فشلك ذلك بوادر أوىل فل�م إالنسان من جوانب َّ‬ ‫ت‬ ‫نفسية واج�عية‪،‬‬ ‫شّ‬ ‫سياسية تو� ي خ‬ ‫يؤ� عىل ما هو سيوسيو ج ت خ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ر�‬ ‫ر� َّية‬ ‫وحقوقية‪ ،‬ما ِ‬ ‫ي‬ ‫لو� ًو� ي ي‬ ‫ت‬ ‫وه دراسات َّأسست الحقا للعلوم‬ ‫وسياس بل وان� بو ج ي‬ ‫لو� أيضا‪ .‬ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫ملع� الدقيق للملكة‪ .‬و�ج يهعا أدت دورا ّ‬ ‫نسانية ب� ن‬ ‫همما ي� شن� الفكر‬ ‫ال� اكنت َّ‬ ‫َّ ت‬ ‫مبنية عىل أهواء‬ ‫املستن�‪ ،‬ووا�ج ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التفس�ات الكنسية أ ي‬ ‫أ‬ ‫«البابوات» وعىل اكفة الصعدة‪ .‬هكذا ولنه بعدما «حصلت الثورة‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫وهيوج� ت ن‬ ‫ونيو�‪.‬‬ ‫لبن�‬ ‫ي� مج ال العلوم عىل يد غاليلو ودياكرت وكبلر و ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫المور عىل حاهلا ف� ّ‬ ‫بقية القطاعات الخرى‪.‬‬ ‫مل يعد بعد ممكنا أن تظل‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العملية ستستدع ثورة َّ‬ ‫َّ‬ ‫سياسية‪،‬‬ ‫دينية وثورة‬ ‫ب� نع� آخر؛ إن الثورة‬ ‫َّ ي‬ ‫ً‬ ‫وذلك لك يصبح ّ‬ ‫املستو�ت‪ ،‬فال يبدو مخ تال‬ ‫التطور متساوقا عىل اكفة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪4‬‬ ‫وال أعرج ن�قصا‪».‬‬ ‫ن أ‬ ‫َّ‬ ‫ورو� هذا مل يكن ليحصل دون احلركة‬ ‫إن إصالح الفكر‬ ‫الدي� ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫الد� أن ي� ّرر الج نس ش‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫الب�ي إىل‬ ‫العملية‪ « ،‬فإذا اكن أحد‬ ‫أهداف ي أ ِ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫وال�وات خ‬ ‫حد مستطاع من أغالل الطماع ال ن� َّنية ش‬ ‫واملاوف‪،‬‬ ‫أبعد ٍ‬ ‫ت َّ‬ ‫َ‬ ‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الد� ب�ع� آخر جديد» ‪،‬‬ ‫فإن‬ ‫العمل �كن من أن يساند ي‬ ‫الفكر ُّ ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الكنس لصاحل يد� خال من‬ ‫الدي�‬ ‫خاصة ي� التخلص من الفكر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫إضافات ش‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� كبلت‬ ‫الب� َّية والتأويالت الناقصة ي‬ ‫وغ� العقالنية ي‬ ‫التنو� هنا عىل أنه حركة‬ ‫العقل‪ .‬ولكن ال ي ج�ب كذلك أن يؤخذ‬ ‫ي‬

‫دي�‪ ،‬ظ‬ ‫وإ�اره ف� عالقة رص َّ‬ ‫فالصالح ن‬ ‫الغية للك ما هو ن‬ ‫الدي�‬ ‫اعية‪ .‬إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫لد� عالقة قطيعة ت� َّمة‪ ،‬ن‬ ‫ورو� مل ي ج�عل العالقة ب� ي ن‬ ‫وإ�ا سىع إىل‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫تصحيحية للك ما شاب هذا ي ن‬ ‫الد� من خ�ريفات وأوهام‬ ‫بلورة حركة‬ ‫ً‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫التار� الذي َّمر به‪« .‬فالعمل بدون‬ ‫شب� َّية‪ ،‬جاءت نتاجا لملسار‬ ‫ي‬ ‫َّ ف‬ ‫الد� أعرج عاجز‪ ،‬ي ن‬ ‫ين‬ ‫يتخبط ي� الظالم»‪ .6‬هذه‬ ‫والد� بدون عمل أىمع‬ ‫َّ‬ ‫ئ‬ ‫الظملات ت‬ ‫ال� تتجل ف ي� ي ن‬ ‫الشعا�ي املنخور من جوهره‪،‬‬ ‫الطقوس‬ ‫الد�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫د� ن ن‬ ‫إذن ف�ركة إالصالح ن‬ ‫الدي� سعت لبناء ي ن‬ ‫كو� متساحم ي خ�رج‬ ‫عقال� ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الناس من الظالم إىل النور‪ ،‬هذا النور الذي سيكون للعمل قيمة بك�ى‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ستع�‬ ‫ال� ت� ت ّ� ب� إلنسان‬ ‫ي� إشعاعه‪ .‬فعمل السياسة كحد العلوم ي‬ ‫السياسية‪ ،‬من سطوة الكنسية فتصبح سلطة َّ‬ ‫َّ‬ ‫زمنية‪.‬‬ ‫بتحر� السلطة‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ ًّ‬ ‫ن‬ ‫تدب� أمور الناس شأ� إنسانيا مدنيا وليس إهليا‬ ‫وسص� مهعا شأن ي‬ ‫ي‬ ‫الهوتيا‪ .‬وهو فعل بدأت بوادره مع «مكيافل» ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتوجت مع اسبيوزا‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫«رسال ف� الالهوت والسياسة» والذي ُّ‬ ‫ة‬ ‫يعد أعظم‬ ‫العظ�‬ ‫ي� مؤلفه‬ ‫ي‬ ‫أي‬ ‫ف‬ ‫والعامل معا‪ .‬إضافة إىل ب�وز الفكر‬ ‫ورو�‬ ‫كتاب ي‬ ‫تنو�ي ي� الفكر ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫الوضع مع «أوغست كونت» الذي حاول دراسة الظواهر إالنسانيةَّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ئ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫نتا�‪،‬‬ ‫من‬ ‫ة‬ ‫واحلق‬ ‫ة‬ ‫الطبيعي‬ ‫العلوم‬ ‫قته‬ ‫حق‬ ‫ا‬ ‫�‬ ‫اقتداء‬ ‫ة‬ ‫وضعي‬ ‫دراسة‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫عل�ا ي� بناء علوم تدرس عىل املنوال نفسه الظواهر‬ ‫أمكن االع�د ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫ت‬ ‫نسانية‪ .‬وهكذا فالظاهرة الدينية يه الخرى ّ‬ ‫سي� التعامل مهعا‬ ‫َّ ت‬ ‫اس�ا دراسة ت� ي خ‬ ‫وضعية؛ أي در ت‬ ‫َّ‬ ‫نقدية �ت اعتبار أن‬ ‫ر� َّية‬ ‫بطريقة‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫والتعب�ات املج تمعية‪،‬‬ ‫التار�ية واالستعماالت الثقافية‬ ‫«الظروف‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫وحب�ا عن‬ ‫ال� شوهت ولوثت هذه التجربة الفطرية‬ ‫(الد�) ج‬ ‫يه ي‬ ‫َّ‬ ‫ثأ‬ ‫ي آ‬ ‫الناس وغطت جوهرها ووضعت ق‬ ‫وف�ا طبقات من الراء والو�ن‬ ‫ف‬ ‫والخ رافات‪ ،‬وذلك من أجل بت� ي� السلطة والرغبة ي� املنفعة»‪ ، 7‬فاكن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن أي مصلحة واعتبارات َّ‬ ‫اما أن يدرس الفكر ن‬ ‫ذاتية‪،‬‬ ‫الدي�‬ ‫لز‬ ‫ي‬

‫زكر�‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬العدد‬ ‫‪ -2‬ب� ت�اند راسل « حمكة الغرب» ت ‪ .‬فؤاد ي‬ ‫‪ ،365‬ج ‪ . 2‬يوليو ‪ / 2009‬ص ‪.126‬‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ورو�» دار الطليعة للطباعة والن�‬ ‫‪ -3‬ها� صاحل « مدخل إىل ي‬ ‫التنو� ال ب ي‬ ‫ّ‬ ‫العقالني ي ن� العرب‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ / 2005 ،1‬ص ‪.132‬‬ ‫ورابطة‬ ‫‪ -4‬ش‬ ‫ها� صاحل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.137‬‬

‫ش‬ ‫انشتا� « ي ن‬ ‫ين‬ ‫الد� والعمل أال يتفقان؟ « ت‪ ،‬رمسيس �اتة‪ ،‬مج ةل‬ ‫‪ -5‬بال�ت‬ ‫إال ي�ان‪ ،‬العدد ‪1‬و‪ ،2016 ،2‬العراق ‪ /‬ص‪.57‬‬ ‫ين‬ ‫انشتا�‪ ،‬املرجع السابق‪ .‬ص ‪.50‬‬ ‫‪ -6‬بال�ت‬ ‫ة أ‬ ‫زه�‪ ،‬مقال عىل مج ل ال ي�ان‪ ،‬العدد ‪1‬و‪ 2016 ،2‬العراق ‪/‬‬ ‫‪ -7‬خويلدي ي‬ ‫ص ‪.425‬‬

‫هكذا ورغم التح ّفظ عن التأكيد على فكرة وجود علوم‬ ‫إنسانية يف بداية عصر التنوير‪ ،‬إال َّ‬ ‫اإلنسانية‬ ‫أن العلوم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اإلنسانية كــان هلــا الفضل الكبري يف التأثري‬ ‫والــدراســات‬ ‫َّ‬ ‫على الفهم الدقيق والصحيح للفكر الديين األورويب‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫السل�‪ .‬فبدأ العمل ف ي� مقاربة ي ن‬ ‫الد� من خالل‬ ‫دراسة تستند إىل العقل ي‬ ‫اج� َّ‬ ‫حقول َّ‬ ‫عملية ت‬ ‫ن‬ ‫الدي� الذي يتناول الظواهر‬ ‫عية ت�تبط بعمل النفس‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫النفسية‪ ،‬تو� ير� ي ن‬ ‫الد� الذي يبحث ي� أشاكهل‬ ‫الدينية من الناحية‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫الدينية‪ّ � ،‬‬ ‫التار� َّية واملمارسات َّ‬ ‫نظرية املعرفة ي� ي ن‬ ‫ي‬ ‫كنظرية تسىع‬ ‫الد�‬ ‫ف‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الد�ن‬ ‫إىل �م نسبية احلقيقة الدينية وصالحي�ا‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫ي‬ ‫ميتاف� يقيا ي‬ ‫ت‬ ‫وال� تنظر ف ي� فكرة هللا‪ .‬فال ي�كن دراسة ي ن‬ ‫الد� دون هذه املج االت‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العملية حسب «ارنست ت�ولتش»‪ ،‬أحد بأ�ز ممثل فلسفة ي ن‬ ‫الد�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫غ‬ ‫َّ‬ ‫إنسانية‬ ‫ب�ملانيا‪ .‬هكذا ور� التحفظ عن التأكيد عىل فكرة وجود علوم‬ ‫ف‬ ‫نسانية والدراسات إال َّ‬ ‫التنو�‪ ،‬إال َّأن العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‬ ‫ي� بداية عرص‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التأث� عىل فال�م الدقيق والصحيح للفكر‬ ‫الكب� ي� ي‬ ‫اكن هلا الفضل ي‬ ‫ن أ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي�ر هذا التحفظ هو أن مثال «عمل النفس‬ ‫ورو�‪ .‬وما ب ِ‬ ‫الدي� ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫ب� ن‬ ‫«كوند�ك» ب ز�من‬ ‫ملع� الصحيح مل ينشأ حقيقة إال بعد «لوك» و‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫طويل‪ .‬وذلك عىل الر� من نأ�ما َّهمدا الطريق أمام نشأته‪ ،‬ن‬ ‫ومع� ذلك‬ ‫بعبارة أخرى أن هذا العمل مل ينشأ حقيقة إال بعد أن اهتدى الباحثون‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف ن‬ ‫ت‬ ‫ال� تقول إنه من املمكن‬ ‫ي� �اية المر إىل الفكرة التية‪ ،‬ي‬ ‫وه تلك ي‬ ‫َّ‬ ‫«موضوعية» بدل‬ ‫بل من الواجب أن تدرس حاالت الشعور دراسة‬ ‫أن تدرس دراسة ش خ‬ ‫‪8‬‬ ‫«� َّ‬ ‫صية»؛ أي حسب و�ج ة نظر شعور الفرد »‬ ‫أ‬ ‫‪ ،‬وقس عىل ذلك ف� �ج يع العلوم إال َّ‬ ‫خ�ة‬ ‫نسانية‪ ،‬فاستقالل هذه ال ي‬ ‫أ‬ ‫ي َّ‬ ‫ّ ً ً‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫متأخرا نوعا ما عن املراحل الوىل لفكر‬ ‫وموضع�ا كعلوم مستقل جاء ِ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫�غ‬ ‫النوار‪ ،‬لكن ذلك ال يل دورها ي� َّ‬ ‫و�ديد وتصحيح‬ ‫هممة‬ ‫التنو� ج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الفكر ن‬ ‫الوضع‬ ‫ورو� والامسح للفكر‬ ‫الدي�‪ ،‬بل وعملنة احلياة ب�لعامل ال‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫لخ ف‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫القروسط‬ ‫ا� والسطوري‬ ‫واملد� أن َّينت� عىل حساب الفكر أ ا ر ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫القد�‪ .‬إذ ظل الفالسفة ة‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الغاليلية‬ ‫طيل هعد النوار الذي بدأ ب�لثورة‬ ‫َّ ت ً‬ ‫ّ‬ ‫هيدا للعلوم إالنسانيةَّ‬ ‫ت‬ ‫وتوج مع القرن ‪18‬م‪ ،‬هلم اه�مات شكت �‬ ‫ّ‬ ‫نسانية‪ -‬هلا َّ‬ ‫معوما‪ ،‬ما يسمح ب�لقول نإ�ا اكنت ‪-‬أي العلوم إال َّ‬ ‫فاعلية‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والتنو� ن‬ ‫الدي� عىل الخ صوص‪.‬‬ ‫التنو�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ب�لغة ال ّمه َّية ي� ي‬ ‫ي‬

‫ـدر كبري‬ ‫لـقــد ك ــان بــإمـكــان الـعـلــوم اإلنـســانـ َّـيــة أن ت ـقــارب ب ـقـ ٍ‬ ‫من النجاح ّ‬ ‫الدينية‪،‬‬ ‫الشق االجتماعي اخلارجي من الظاهرة‬ ‫َّ‬ ‫تفس َر‬ ‫وأن تبحث عــن أصــولــه‬ ‫االجتماعية والـتــارخيـ َّـيــة‪ ،‬وأن ِّ‬ ‫َّ‬ ‫وتتتبع تطوره‪ .‬لكنها مل تكن على نفس القدر من‬ ‫أصوله‬ ‫َّ‬ ‫الـنـجــاح فـيـمــا خيـ ّ‬ ‫ـص الـشــق اآلخ ــر‪ ،‬ال ــذايت ال ـفــردي الــداخـلــي‬

‫ن ف‬ ‫ب‪ -‬العلوم إال َّ‬ ‫العر�‪:‬‬ ‫نسانية والنص‬ ‫الدي� ي� العامل ب ي‬ ‫ي‬

‫أ‬ ‫ال َّ‬ ‫وروبية‪ ،‬يف� ي خ� ّص ت‬ ‫االه�م ب�لنص ن‬ ‫الدي�‪ .‬قد‬ ‫التجربة‬ ‫ي‬ ‫ّإذا اكنت ً‬ ‫ن‬ ‫وه تسىع إىل التحليل والنقد‬ ‫كرست عقودا بل وقرو� من الزمن‪.‬‬ ‫الدي� املسيح‪ -‬ال� يودي‪ .‬ومن منطلقات ّ‬ ‫ة‬ ‫واملساءل للخطاب ن‬ ‫متعددة‬ ‫ِ‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬

‫‪12‬‬

‫آ‬ ‫لوجية تو� ي خ‬ ‫ّ‬ ‫لوجية وسيكو َّ‬ ‫فلسفية وسوسيو َّ‬ ‫َّ‬ ‫تقنو‪-‬علوية‪،‬‬ ‫والن‬ ‫ر� َّية‪ .‬بل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫سالم‪ ،‬مل ي�ظ ب�ذا االه�م‬ ‫الدي� ي� العامل‬ ‫فإن النص‬ ‫العر�‪ -‬إال ي‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫الكب�‪ .‬فالنص ن‬ ‫سالم‪ ،‬ما ي ز�ال‬ ‫ي‬ ‫الدي� وعىل طول خريطة العامل إال ي‬ ‫ي‬ ‫لوجية وسيكولوجيةَّ‬ ‫فلسفية وسوسيو َّ‬ ‫َّ‬ ‫ف ي� ّ‬ ‫مقار�ت‬ ‫أمس احلاجة إىل‬ ‫ب‬ ‫ت ِ‬ ‫لوجية تو� ي خ‬ ‫وان� بو َّ‬ ‫ر� َّية َّ‬ ‫معمقة‪ ،‬تسائل إرثه الفكري الضخم‪ .‬هذا إالرث‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫الذي غر� احملاوالت ي خ‬ ‫ب�‬ ‫لملساءل والنقد‬ ‫التار� َّية إلخضاعه‬ ‫والتجديد ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫الصنمية ت‬ ‫ال� َّكرهسا‬ ‫صنميته ومصداقيته املطلقة‪ .‬هذه‬ ‫حمافظا عىل‬ ‫أ‬ ‫يخ ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫قف�اء ي ن‬ ‫ي‬ ‫التار�‪� .‬نذ‬ ‫املستبدة ً بع� مساره‬ ‫السياسية‬ ‫الد� والنظمة‬ ‫ي ف‬ ‫«حركة» عملاء الالكم (عمل الالكم) وصوال إىل الفكر الرشدي ي�‬ ‫أ‬ ‫الندلس عرفت احملاوالت املعقلنة للفكر ن‬ ‫سالم موا�ج ة‬ ‫الدي� إال أ ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف أ‬ ‫النصوص والحاديث‪ .‬ما‬ ‫ومقاومة واغتياال إلمعال العقل ي� ت�ويل‬ ‫ً‬ ‫الد� إىل أن ق‬ ‫دا�ة ق‬ ‫يب� حمصورا ف ي� ئ‬ ‫لتفك� ف ي� ي ن‬ ‫الف�‪ ،‬وما‬ ‫َّأدى ب� ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫الدي�‬ ‫ي خ�دم أجندة‬ ‫ي‬ ‫السياس فقط‪ ،‬فصنفت مؤلفات عدة حول َّالنص ف ي‬ ‫العلوم إالنسانية مل تبلور ي�‬ ‫وأخذت بدورها صفة القداسة‪.‬‬ ‫وإذا اكنت أ‬ ‫ظ‬ ‫رو� العرص احلديث‪،‬‬ ‫تف�ة القرون الوسىط ب�لشلك الذي �رت فيه ب� ب‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫الدي� حي�ا أمر‬ ‫وضعية‪ ،‬فإن احلديث عن ثأ� هلا عىل الفكر‬ ‫كعلوم‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫مج حف‪ .‬إذ أنه ح� با� خلدون الذي يعد أحد َبأ�ز املمه يد� لعمل‬ ‫ت‬ ‫االج�ع ف� نظريته حول العمران ش‬ ‫الب�ي‪ ،‬مل �ظ عنده الظاهرة‬ ‫ت ي‬ ‫ّ أ‬ ‫َّ‬ ‫الدينية ب�لقسط املهم والوفر‪ ،‬اللهم تناوهل كفقيه وليس مكؤرخ أو عامل‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫فلس� قام بدور‬ ‫اج�ع‪ ،‬بل يو�كن القول إن با� رشد من منظور‬ ‫ّي‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫لخ‬ ‫ن‬ ‫سالم �و العقلنة‪ .‬أما احملاوالت‬ ‫ي‬ ‫الدي� إال ي‬ ‫كب� ي� َّ ت ي‬ ‫السع ب� تطاب ّ ي‬ ‫متأخ‬ ‫ستأ�‬ ‫ال�‬ ‫ة‬ ‫التجديدي‬ ‫صدمة االستعمار وبداية‬ ‫مع‬ ‫أي‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫رة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ن ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ووع جديد‪ ،‬يه الخرى مل تستطع ج�اوز‬ ‫ة‬ ‫العربي‬ ‫ضة‬ ‫تشكيل ال�‬ ‫ال� وضهعا العمل ي ق‬ ‫الف�‪ .‬إضافة إىل البوادر ت‬ ‫الخ طوط ت‬ ‫ال� جاء ب�ا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫ش‬ ‫االست�اق ب ت‬ ‫أك�‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫بشلك ب‬ ‫وال� مل تكن نز� يت�ة ومستقل ٍ‬ ‫ي‬ ‫الغر� ت ي‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫وال� كرست‬ ‫التجارب إال‬ ‫عرف�ا ف�ة �ضأواخر القرن ن‪20‬م ي‬ ‫سالمية ي‬ ‫ال� أ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫الدي� معوما‪ ،‬يغ� أنه‬ ‫نوعا ما لرصاع يب� دعاة الصولية وراف ي الفكر‬ ‫ي‬ ‫ال ي�كن إناكر بعض الدراسات ت‬ ‫ال� دفعت بسؤال إالسالم ومساءلته‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫َّ ت‬ ‫تعت� موجة‬ ‫�و المام وفتحته عىل‬ ‫وال� ب‬ ‫احلقول العملية إالنساني آة ي‬ ‫ن‬ ‫العقال� ف ي� ي ن‬ ‫سالم ال ًن نتيجة هلا‪ .‬وهذا‬ ‫والتفك�‬ ‫البحث‬ ‫الد� إال ي‬ ‫ي‬ ‫ي َّ‬ ‫ن‬ ‫العر�‪ً ،‬ما‬ ‫خصوصا ب�لعامل‬ ‫سالم‬ ‫يسمح ب�لقول إن النص‬ ‫الدي� إال ً ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫لوجي ًا تو� ب ي ي خ‬ ‫ونفسي ًا ت‬ ‫وأن� بو ّ‬ ‫ّ‬ ‫سوسيو ّ‬ ‫ر� ّيا‪،‬‬ ‫لوجيا‬ ‫زال يعيش ج�ربة مساءلته‬ ‫ين‬ ‫سواء من لدن ب� ي ن‬ ‫غربي�‪ ،‬والدليل عىل ذلك االنتشار‬ ‫حث� عرب أم‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� تع� ب�قل البحث ي� لك‬ ‫البحوث‬ ‫الكب� ملراكز‬ ‫ي‬ ‫والدراسات ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫عامليا‪ ،‬ما دفع ب�لبعض‬ ‫ما هو‬ ‫إسالم‪ ،‬وأيضا االه�م ي‬ ‫ي‬ ‫الكب� ب� إلسالم غ‬ ‫أصبح َّ‬ ‫‪.‬ر� أن هذا ت‬ ‫االه�م‬ ‫ـام»‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫«عمل‬ ‫عن‬ ‫ث‬ ‫يتحد‬ ‫أنه‬ ‫إىل‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫الصوليةَّ‬ ‫الج ديد مل ي ج�د الطريق مفروشا ب�لورود فقد اصطدم ب�حلراكت‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫سالم عن فال�م التقليدي الذي ت َّ� ي�‬ ‫ال� ت�‬ ‫فض إخراج النص إال ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يلقاها من طرف‬ ‫الوح‪ .‬إضافة إىل‬ ‫العصور الوىل لظهور‬ ‫املقاومة ف ي‬ ‫ال� ي ّ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫تفضل احملافظة‪ ،‬تو�ى ي� ال�م الج ديد‬ ‫السلطات‬ ‫السياسي ًة ي ِ‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫عية ت‬ ‫الدي� ت�ديدا شل� َّ‬ ‫ال� ال �رج عن إالطار الدي�ن‬ ‫سلط�ا‪ ،‬ت‬ ‫للفكر ن‬ ‫ي‬ ‫ت ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫للكتب َّ ت‬ ‫ال� تقرأ ّ إالسالم‬ ‫مصادر�ا‬ ‫�‬ ‫ابة‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫هلذا‬ ‫ي‬ ‫العملية ي‬ ‫ي‬ ‫ًّ ت خًّ‬ ‫القروسط ّ‪ً ،‬‬ ‫ّ ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫املفك ير� ال‬ ‫سوسيولوجيا وسيكولوجيا و� ير�يا وان� بولوجيا‪ .‬ت�الحقة ِ‬ ‫العادي ن�‪ ،‬ن‬ ‫وإ�ا من الج هات ت‬ ‫تّ‬ ‫ال� خ� ش� نا�يار النسق‬ ‫ت� من الناس‬ ‫ّي‬ ‫ي‬ ‫الفكري الذي ِّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫السياسية ‪ -‬وليس‬ ‫الدينية أو‬‫سلط�ا‬ ‫تؤسس عليه‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ن ف‬ ‫ن‬ ‫والدي� ي� هذا الصدد‪� .‬ع أ�ما‬ ‫السياس‬ ‫غريبا أيضا أن يتحالف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫دوراك� « قواعد ن‬ ‫امل�ج ف ي� عمل ت‬ ‫ي‬ ‫االج�ع» ت‪ ،‬حممود قامس‪ ،‬م حممد بدوي‪،‬‬ ‫‪ -8‬اميل‬ ‫ن‬ ‫مكتبة مطبعة ال�ضة املرصية ‪ / 1974.‬ص ‪.94‬‬


‫َّ ف‬ ‫يبدو ان ف� رصاع معلن إال َّأن ن‬ ‫محيمية ي� الخ فاء‪ ،‬والكمها‬ ‫بي�ما عالقة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫آ‬ ‫الخر‪ِّ .‬‬ ‫احلال‬ ‫العر�‬ ‫نسان‬ ‫ال‬ ‫لوضع‬ ‫ل‬ ‫فاملتأم‬ ‫الطرف‬ ‫ار‬ ‫ر‬ ‫استم‬ ‫يغذي‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫و�د‬ ‫يكتشف أن‬ ‫الدي�‪ ،‬بل ي ج‬ ‫هناك شحاجة ماسة لديه لتجديد الفكر ن ي‬ ‫ً ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫دي� ي�� والعرص‪ .‬يغ� أن هذا التحالف يب� االستبداد‬ ‫م‬ ‫قبوال ل� أٍ‬ ‫ي‬ ‫والفكر الصــول َّقوض فرص إنتاج خطاب ن‬ ‫دي� منفتح ومتساحم‬ ‫أي‬ ‫أ‬ ‫ي َّ ف‬ ‫ن‬ ‫الخرى‪ ،‬ي ن‬ ‫وب� املذاهب الدينية ي� ما بي�ما‪،‬‬ ‫ومتحاور مع ال يد�ن‬ ‫كر�ة‪ .‬وه مشلك�ة‬ ‫سالم من أن ي�يا حياة ي‬ ‫ي‬ ‫العر�‪ -‬إال ف ي‬ ‫وحرم الفرد ب ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ستجعل العلوم إالنسانية ي� البلدان العربية مرفوضة‪ ،‬وسي� تعليمها‬ ‫َّ‬ ‫قصد ًأيضا‪ ،‬فطريقة تدريس هذه العلوم ما‬ ‫بطرق‬ ‫الكسيكية جدا‪ً ،‬وعن ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ز‬ ‫ّ‬ ‫«� عامل اهلدر مج اال مستباحا لتدخ ًل إاليديولوجيات‬ ‫ت ز�ال‬ ‫والتح�ات‬ ‫ي‬ ‫‪ 9‬ف‬ ‫أ ي ف‬ ‫غالبا ما ت� ِّكز عىل تدريس ت� ير�خ‬ ‫والهواء ي� موضوهعا ذاته » ‪ َّ ،‬ي‬ ‫� أ‬ ‫ت ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذه العلوم وبعض املعارف العامة والعالم والتيارات‪ ،‬دون أن � ِكن‬ ‫ة‬ ‫وغ�ها من ّ‬ ‫ّ‬ ‫آليات‬ ‫والنقد‬ ‫واملساءل والشك ي‬ ‫الفرد من آلي تات التحليل َّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� �دم‬ ‫التحليل االج� يع‬ ‫للظواهر‪ .‬ئإن العلوم إالنسانية يه العلوم ي‬ ‫ًّ‬ ‫أي فكر يغ� َّ‬ ‫دا�ا‪ ،‬وهو ما جعلها يغ� مرغوبة‪ .‬فلوالها‬ ‫عقليا‬ ‫حمصن‬ ‫وسياسية وعمليةَّ‬ ‫َّ‬ ‫ما حدث ما حدث ف� الغرب من ت� ّوالت دينيةَّ‬ ‫ي‬ ‫ّ ً‬ ‫َّ‬ ‫مرحبا ب�ا ب�لشلك الصحيح‪ ،‬واملقبول‬ ‫واقتصادية‪ .‬هكذا لن أيكون‬ ‫ض‬ ‫ويصبح‬ ‫ل�ورة ي� ُّر ب إ�صالح الفرد‬ ‫الذي يصلح الفرد‪،‬‬ ‫«ولن إالصالح ب� ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ ‪10‬‬ ‫الفرنس إدغار موران‪ .‬فإن‬ ‫ر‬ ‫املفك‬ ‫حسب‬ ‫‪،‬‬ ‫«‬ ‫ا‬ ‫ذاتي‬ ‫ِ ق ي‬ ‫هكذا إصالحا‪ّ ،‬‬ ‫ًّ ف‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫العر� تب� إماكنية وجوده همدورة‬ ‫فكر� ي�‬ ‫تكو� الفرد املستقل ي‬ ‫العامل ب ّي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتطرف الذي يولده‬ ‫وغ� مرغوب يف�ا‪ ،‬ما ي ز� يد من حدة التعصب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الفراغ ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫غياب للحرية واالستقاللية‪.‬‬ ‫و�‬ ‫وانب‬ ‫ا‬ ‫اكفة‬ ‫‪،‬عىل‬ ‫الذا�‬ ‫لج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ٍ ف‬ ‫م ب�لشباب ي� أتون موا�ج ات ال‬ ‫الروح الذي ي�‬ ‫و�لخ صوص الفراغ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫هد�م ن‬ ‫�ج‬ ‫لك تقوم وتستمر‪،‬‬ ‫تاج‬ ‫�‬ ‫اعة‬ ‫«لك‬ ‫أن‬ ‫حصيح‬ ‫ا‪،‬‬ ‫م�‬ ‫يدركون‬ ‫روحية ي َّ‬ ‫َّ‬ ‫مرجعية َّ‬ ‫َّ‬ ‫وأخالقية‬ ‫ورمزية‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ب� إلضافة إىل العمل والتقنية إىل‪11‬أطر ّ ُ‬ ‫ش‬ ‫تشك سندا روحيا مع �ط أن‬ ‫تكون مصدر ًتواصلها وإهلاهما »‪،‬‬ ‫َّ ِ ن‬ ‫تَّ‬ ‫ن‬ ‫يتأ�‬ ‫ال‬ ‫أمر‬ ‫وهو‬ ‫‪.‬‬ ‫الكو�‬ ‫و‬ ‫�‬ ‫جه‬ ‫ويت‬ ‫يكون متفاعال مع روح العرص‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫العملية نز‬ ‫َّ‬ ‫ملساءل‬ ‫إال ب�‬ ‫ال� ي�ة والج ادة‪ ،‬وذلك هل بوادر أمملوسة حاليا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫ليب� َّالية لتحصينه ضد املقاول الصو َّلية‪ ،‬ت‬ ‫ي‬ ‫�ج‬ ‫وال�‬ ‫ات‬ ‫إىل‬ ‫تاج‬ ‫�‬ ‫لكن ُه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫و�ديد للفكر‬ ‫تنصب نفهسا حارسة للحقيقة‬ ‫الدينية‪ .‬ولنه ال ن�ضة ج‬ ‫ق‬ ‫«إ�ان بقدرة الوع إال ن‬ ‫نسا� عىل إدراك الواقع ب�ريةَّ‬ ‫ور� ب�لفرد دون ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي َّ ف‬ ‫َّ‬ ‫وإبداعية‪ ،‬واستيعابه ب�ا فيه من ت�اث وجدة ي� الوقت نفسه‪ ،‬أي‬ ‫ت‬ ‫بقدرته عىل االرتفاع فوق احلداثة وال�اث‪ ،‬فوق إاليديو ّ‬ ‫لوجيات‪ .‬وفوق‬ ‫التقاليد من أي نوع‪ ،‬وإذا اكن هذا الوع مستحيال فليس هناك أيةَّ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫التغي� والتجديد الذي عليه‬ ‫للتغي� وال التجديد‪ .»12‬هذا‬ ‫إماكنية‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫َّ‬ ‫أن ي� َّس بنية الوع ن‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫العالقة ف بذهنية إالنسان ب ي‬ ‫ي‬ ‫الدي� ت خ ُّ‬ ‫ورواسبه َّ‬ ‫وال� ّ‬ ‫ت‬ ‫تعد مصدر لك تعصب و�لف‪ .‬إن �م إالسالم بشلك معقلن‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫لبلدان إالسالمية‪ ،‬فال يكون اه�م‬ ‫يبدو نأنه ينمو ب�لغرب أك� منه ب� ت ً‬ ‫َّ‬ ‫املقار�ت الغربية هل‪.‬‬ ‫املسمل� ب� إلسالم ودراسته‪ ،‬إال اه�ما ب�قاربة‬ ‫ب‬ ‫ي ُّ‬ ‫َّ‬ ‫أك� وعىل نطاق واسع‪ ،‬أنه‬ ‫بشلك‬ ‫املسمل‬ ‫الفرد‬ ‫ة‬ ‫فاعلي‬ ‫عدل‬ ‫يدل‬ ‫وما‬ ‫ب‬ ‫ف� ندوة أقيمت «باك�ي» ت�ت شإ�اف «جاك دريدا» و»جيا�ن‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫فاثيمو» حول ي ن‬ ‫الد� قال «جاك دريدا» ‪ « :‬ن�سف لعدم وجود أي‬ ‫ف‬ ‫أ ف‬ ‫التحض� َّية‪ ،‬ي� الوقت الذي‬ ‫مسمل بيننا‪ ،‬عىل القل ي� هذه الج لسة‬ ‫ي‬ ‫يتع� علينا فيه‪ ،‬أن ّ‬ ‫ن‬ ‫َّ ي ن‬ ‫أنظار� إىل إالسالم»‪ 13‬إن اكن ني� هذا عن‬ ‫نوجه‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ر� إال ّ‬ ‫فاعلي�م ي� ت‬ ‫ش�ء إ�ا ني� عن غياب لملفك ي ن‬ ‫االه�م‬ ‫سالمي ي ن� أ وعدم‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫الدي� والدراسات َّ‬ ‫الدينية ولو اكن المر يتعلق ب�ا�م ن‬ ‫ب�حلقل ن‬ ‫الدي�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫األيديولوجية‬ ‫اإلنسانية ومزنلقات‬ ‫‪ -2‬العلم الطبيعي والعلوم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫ّ أ‬ ‫ساسية للعقل ش‬ ‫ال َّ‬ ‫الب�ي يه أن ي ج�عل‬ ‫بو� «إحدى املهام‬ ‫يقول اكرل ب‬ ‫ف ً‬ ‫ن‬ ‫وما لنا‪ .‬وتلك ّ‬ ‫هممة العمل»‪،14‬لكن هل يع�ن‬ ‫الكون الذي �يا فيه م�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫عمل؟ أو ب�لحرى هل لك ما هو‬ ‫هذا أن العقل ينتج فقط ما هو ي‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ق‬ ‫احلقي�؟ إذا سلنا‬ ‫وحقي�؟ أال ينتج العقل والعمل يغ�‬ ‫عمل دقيق‬ ‫أ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ب�ن العمل ليس سوى «فاعلية جزئية من فاعليات العقل وصناعة ال‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تنمو ت ز‬ ‫الفاعليات‬ ‫عقل متاكمل يتاح فيه للك‬ ‫و�‬ ‫دهر إال ي� سياق تطور ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والرمزية‪ ،‬أن َّ‬ ‫الذهنية الخرى إاليديو َّ‬ ‫َّ‬ ‫تتكور وتنمو‬ ‫واالعتقادية‬ ‫لوجية‬

‫ف‬ ‫ف‬ ‫العر�‪ ،‬الدار‬ ‫الثقا�‬ ‫مصط� « إالنسان املهدور « املركز‬ ‫‪ -9‬جحازي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫البيضاء – املغرب‪ ،‬ط ‪ / 2005 ،1‬ص ‪.191‬‬ ‫ت‬ ‫�ج‬ ‫نسك « � ة ي‬ ‫كر� عبد‬ ‫‪ -10‬ادغار موران‪ ،‬حوار أجراه معه «لورانس ب� ي‬ ‫الرمحان‪ ،‬مج ةل االستغراب‪ ،‬العدد ‪ ،8‬السنة ‪ / 2017 ،3‬ص ‪.33‬‬ ‫ف‬ ‫العر�‪ ،‬الدار البيضاء ‪-‬‬ ‫‪ -11‬غليون ب�هان « اغتيال العقل» املركز‬ ‫ي‬ ‫الثقا� ب ي‬ ‫املغرب‪ ،‬ط ‪ /2012 ،6‬ص ‪.26‬‬ ‫‪ -12‬غليون ب�هان‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.285‬‬ ‫ن ف‬ ‫ن‬ ‫اهلالل وحسن‬ ‫الد� ي� عاملنا» ت‪ ،‬حممد‬ ‫‪ -13‬جاك دريدا‬ ‫وجيا� فاتيمو « ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا�‪ ،‬دار توبقال للن�‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ / 2004 ،1‬ص ‪.13‬‬ ‫العمر ي‬ ‫لخ‬ ‫ن‬ ‫ول‪ ،‬عامل املعرفة‪،‬‬ ‫‪ -14‬ب‬ ‫بو� اكرل « أسطورة إالطار» ت ي�� طريف ا ي‬ ‫العدد ‪ / 2003 ،292‬ص ‪.69‬‬

‫‪13‬‬


‫ف‬ ‫العمل بل إنتاجات‬ ‫ي� الوقت ذاته»‪ . 15‬وإذا اكن العقل ال ينتج فقط‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫متعددة‪ ،‬فكيف ي�كن للعمل أن يتجاوز هذه إالنتاجات يغ� املرغوب‬ ‫وأ�ز ذلك السقوط ف� نز‬ ‫م�لقات إاليديو َّ‬ ‫يف�ا؟‬ ‫لوجية‪ ،‬ب�يث يصبح العمل‬ ‫ي‬ ‫ب ً‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي خ�دم أهدافا يغ� عملية‪ .‬أي ال ي� ِقق بأ�ز �وط العملية وهو �ط‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫القيم‪ ،‬هذا احلياد الذي وإن اكن ممكنا بشلك‬ ‫املوضوعية أو احلياد‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ّ ف‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعية واحلقة لطبيعة موضوهعا‪ .‬فإنه ي�‬ ‫كب� عىل مستوى العلوم‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الك�ى‬ ‫العلوم إالنسانية يبدو حياد الباحث بأ�ز املشالكت املعرفية ب‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫الطبيعية تسمح للباحث‬ ‫تعان�ا هذه العلوم‪ ،‬فإذا اكنت العلوم‬ ‫ال� ي‬ ‫أ ي‬ ‫َّ‬ ‫ب�ن يكون مستقال عن موضوع دراسته الذي هو املادة‪ ،‬فإن العلوم‬ ‫َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية ال تت�ك هامش هذه املسافة للباحث ت‬ ‫االج� يع الذي يتجل‬ ‫ف‬ ‫ي� إالنسان ذاته أو وعيه أو سلوكه الذي هو نتاج وعيه أيضا‪ .‬فتكون‬ ‫نسانية ث‬ ‫أك� عرضة للوقوع ف� نز‬ ‫العلوم إال َّ‬ ‫م�لقات يغ� َّ‬ ‫وأ�زها‬ ‫عملية ب‬ ‫ي‬ ‫إاليديو َّ‬ ‫كتفك� تنبع ش�عيته من «استجابة العقل حلاجات‬ ‫لوجية‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العملية والتقنية‪ .‬أي من الرد عىل مطالب ال‬ ‫أخرى‪ ،‬يغ� احلاجات‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ن ف‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ماك�ا ي� الساحة العملية‪ ،‬وإ�ا ي� الساحة االج�عية – السياسية‪-‬‬ ‫ج�د‬ ‫الثقافية َّ‬ ‫َّ‬ ‫العامة»‪ .16‬فتفتقد بذلك العلوم إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫املوضوعية‬ ‫نسانية شل�ط‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫بطرق عدة بأ�زها‬ ‫وهو ش�ط حاول املنظرون هلذه أللعلوم تالفيه ٍ‬ ‫نسانية ودر ت‬ ‫موضعة الظاهرة إال َّ‬ ‫اس�ا كشياء خارجة عن ذات الباحث‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫لو�»‬ ‫امك ذهب إىل ذلك «إميل‬ ‫دوراك�» ي� قواعد امل�ج السوسيو ج ي‬ ‫�ة‬ ‫ومن قبهل «أغست كونت»‪ .‬فعىل مستوى هذه املشلك إالستمولوجيةَّ‬ ‫نسانية‪ ،‬فالتعامل مع َّ‬ ‫الطبيعية والعلوم إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫يمكن الفرق ي ن‬ ‫املادة‬ ‫ب� العلوم‬ ‫ً‬ ‫ال� ليست وعيا تسمح لعامل الطبيعة أن ال يسقط َّ‬ ‫ت‬ ‫ذاتية وانفعاالته‬ ‫ي‬ ‫ن ً‬ ‫العمل خدمة‬ ‫عل�ا إال �درا عندما يكون اهلدف من ب�ثه‬ ‫وعواطفه ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫أجندة معينة يغ� عملية‪ .‬عىل عكس عامل إالنسان �و ي ج�د نفسه جزءا‬

‫إذا مـ ــا ح ــاول ـن ــا الـ ــربـ ــط بـ ــن ه ـ ــذه امل ـش ـك ـل ــة ال ـ ــي تـ ـع ــاين مـنـهــا‬ ‫ال ـع ـلــوم اإلن ـســانـ َّـيــة مبـســألــة تــأثــرهــا عـلــى فـهــم الـفـكــر الــديــي‪،‬‬ ‫ف ــإن املـعــرفــة ال ــي سـتـنـتـجـهــا تـبـقــى نـسـبـ َّـيــة وغ ــر خــالـيــة دائـمــا‬ ‫م ــن إم ـكــانـ َّـيــة ال ـس ـقــوط يف ال ــذات ـ َّـي ــة واإلي ــدي ــول ــوج ـ َّـي ــة‪ ،‬ومحـلـهــا‬ ‫خل ـل ـف ـ ّي ــات ال ـب ــاح ــث ال ـ ــذي قـ ــد ي ـص ـعــب ع ـل ـيــه الـ ـتـ ـحـ ـ ّرر مـنـهــا‬

‫ت‬ ‫من موضوعه وال مج ال للحياد‪ ،‬ت‬ ‫ح� وإن �رى ذلك وسىع إليه؛ إذ‬ ‫نسانية « اكلعلوم ي ز‬ ‫ليست العلوم إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫الكيميائية دراسة لوقائع‬ ‫الف� ي� َّئية‬ ‫خارجية عن الناس وقائع عامل َّ‬ ‫َّ‬ ‫يتوجه إليه فعهل‪ .‬نإ�ا ب�لعكس من ذلك‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ال� �ييه والتحوالت ي‬ ‫دراسة هلذا الفعل نفسه ولبنيته والتطلعات ي‬ ‫‪-15‬غليون ب�هان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.193‬‬ ‫‪ -16‬غليون ب�هان املرجع نفسه ن ص ‪.491‬‬

‫‪14‬‬

‫ً‬ ‫خ‬ ‫‪17‬‬ ‫َّ‬ ‫وع‪.‬‬ ‫ي�ضع هلا» ‪ .‬هكذا تكون الظاهرة إالنسانية وعيا والذي يتناوهلا ي‬ ‫ن‬ ‫تعا� نم�ا العلوم إال َّ‬ ‫وإذا ما حاولنا الربط ي ن‬ ‫ب� هذه املشلك�ة ت‬ ‫نسانية‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫ال� ستنتجها ق‬ ‫ب� ة‬ ‫ت‬ ‫سأل ت أ� يث�ها عىل ف�م الفكر ن‬ ‫تب�‬ ‫الدي�‪ ،‬فإن فاملعرفة ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫واليديو َّ‬ ‫إماكنية السقوط � َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لوجية‪،‬‬ ‫وغ� خالية دا�ا من‬ ‫الذاتية إ‬ ‫نسبية ي‬ ‫ي‬ ‫ومحلها لخ ّ‬ ‫لفيات الباحث الذي قد يصعب عليه ّ‬ ‫التحرر نم�ا ويتناول‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫العملية خارج ن‬ ‫ميدا�ا‪،‬لن ش‬ ‫«م� َّ‬ ‫الظاهرة َّ‬ ‫وعية العمل ن�بعة ب�لضبط من‬ ‫أنه ي�فض أن يكون إيديو َّ‬ ‫لوجية»‪.18‬‬ ‫ً‬ ‫معوما ي�كن القول‪:‬‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫َّ ف‬ ‫ورو� ساعدت عىل �م الخ طاب‬ ‫ أن العلوم إالنسانية ي� املج ال ال ب ي‬‫ة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫والعقلية‪ ،‬أما‬ ‫النقدية‬ ‫لملساءل‬ ‫املسيح – يال�ودي وأخضعته‬ ‫الدي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ف‬ ‫سالم‪ ،‬فإن هذه التجربة ما ت ز�ال معيشة‪ ،‬ر�‬ ‫العر� – إال ي‬ ‫ي� العامل ب ي‬ ‫َّ‬ ‫حقيقية لذلك‪ ،‬هذه‬ ‫العوائق‪ .‬لكن الواقع يكشف عىل وجود رغبة‬ ‫ال� ال ّبد من ت� ن‬ ‫الرغبة ت‬ ‫صي�ا من قبل �ج ات تؤمن ب�لفكر احلر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫املتشدد والفكر االستبدادي‪.‬‬ ‫صول‬ ‫ِ‬ ‫خشية أن يكبحها الفكر ال ي‬ ‫َّ ت‬ ‫َّ‬ ‫و� ّنب فكرة جعل العمل‬ ‫بنسبية العلوم إال‬ ‫ ض�ورة إالقرار‬‫نسانية‪ ،‬ج‬ ‫ن ف‬ ‫والد� ي� رصاع ال ي�كن معه إقامة أي جسور للحوار والتواصل‪.‬‬ ‫ي‬

‫نسانية َّ‬ ‫أمه َّية بك�ى للعلوم إال َّ‬ ‫ السع احلثيث إىل إعطاء ّ‬‫خاصة والعلوم‬ ‫أ ي‬ ‫الخرى َّ‬ ‫عامة ف ي� ف�م الفكر ن‬ ‫سالم‪ .‬وهذا لن يكون دون‬ ‫ال‬ ‫الدي�‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الباحث� يف�ا‪.‬‬ ‫وتكو�‬ ‫إعادة النظر ي� طرق وأدوات تدريهسا‪،‬‬ ‫أ‬ ‫نطك‪ ،‬م حممد‬ ‫‪-17‬غولدمان‬ ‫لوسيان « العلوم إالنسانية والفلسفة « ت‪ ،‬يوسف ال ي‬ ‫أ‬ ‫ب�ادة‪ ،‬املج لس العىل للثقافة‪ / 1996 ،‬ص ‪.59‬‬ ‫‪ -16‬غليون ب�هان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.194‬‬


‫وجدلية التغيري‬ ‫التنوير بني الشرق والغرب‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬ ‫وه ـ ـ ـ ــذا ح ـ ـ ــال ال ـ ـع ـ ـل ـ ــوم اإلن ـ ـسـ ــانـ ـ َّـيـ ــة‬ ‫م ــن داخ ـ ــل ال ـب ـل ــدان اإلس ــام ـ َّـي ــة‪،‬‬ ‫ف ـهــي َّإمـ ــا م ـنــاض ـلــة وواعـ ـي ــة مبـهـ ّـمـتـهــا‬ ‫وإمـ ـ ــا حم ــاف ـظ ــة وم ـت ــواط ـئ ــة‬ ‫الـ ـت ــارخي ـ َّـي ــة‪ّ ،‬‬ ‫خل ــدم ــة اس ـت ـق ــرار األوض ـ ـ ــاع‪ ،‬وبــال ـتــايل‬ ‫دوام ال ـ ـع ـ ــاق ـ ــات وامل ـ ـ ـصـ ـ ــاحل ن ـف ـس ـه ــا‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫ياسني اغاللو‬ ‫كاتب وباحث يف الفلسفة‬

‫املغرب‬

‫يُ‬ ‫يث� عنوان «العلوم إال َّ‬ ‫والتنو�»‪،‬‬ ‫نسانية‬ ‫ي‬ ‫ً َّ‬ ‫شغف السؤال‪ ،‬خصوصا وأن والدة هذه‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫عل�ا ب�لج مع جاءت‬ ‫ـ� نتلك ي‬ ‫العلوم الـ ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫متأخرة ‪ -‬هناك من ي ج�عل ميالدها يتحدد‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ب�لقرن التاسع ع� وهناك من ج�عل‬ ‫َّ ف‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫علوم‬ ‫متقدمة وموجودة ب�‬ ‫لقوة ي� ٍ‬ ‫بع�ا ِ‬ ‫ّ‬ ‫يؤخر استقالل ض‬ ‫بع�ا‪-‬‬ ‫سابقة وهناك من ِ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ولو سألنا العلوم إالنسانية‪« :‬عمل االج�ع»‬ ‫ث‬ ‫و»االن�وبولوجيا» ‪...‬‬ ‫و»عمل النفس»‬ ‫ف‬ ‫التنو�‪ ،‬ولو صاحبنا أوغست‬ ‫ودورها ي�‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫كونت ب�عتباره رائــدا للسوسيولوجيا‪،‬‬ ‫وسيغموند فــرويــد مكـ ِّ‬ ‫ـس للتحليل‬ ‫ـؤسـ ٍ‬ ‫ف‬ ‫لي� ت‬ ‫س�اوس ب�عتباره رائد‬ ‫ي‬ ‫النفس‪ ،‬ولكود ي‬ ‫الدرس ت‬ ‫لو� ومالمسته شمل�وع‬ ‫االن�وبو يج‬ ‫ن‬ ‫التنو� بشلك ش‬ ‫لوجد� أنفسنا نسلك‬ ‫مبا�‪،‬‬ ‫ي أٍ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫شاف‬ ‫الطريق الصعب ي� ال�س‬ ‫جواب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫عن الخ َّ‬ ‫التنو�‪ .‬ولكن‬ ‫النظرية لعرص‬ ‫لفية‬ ‫ي‬ ‫ماذا لو ولج نا رحاب الفلسفة وصاحبنا‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫نقت� ثآ�ر ش‬ ‫التنو�؟‬ ‫م�وع ي‬ ‫الفالسفة و�ن ي‬ ‫أال نكون غـ ن‬ ‫ـادر� مج ال العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‬ ‫ودخلنا رحبة الفلسفة‪ ،‬إذا ما امتطينا هذا‬ ‫السؤال وسلكنا منحاه؟‬ ‫أ ة ت‬ ‫ال� طرحناها سابقا إىل‬ ‫تدفعنا السئل ي‬ ‫والتنو�»‪ ،‬ونكون‬ ‫طرح موضوع «الفلسفة‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫جدال ت� ي خ‬ ‫ر� ّي ًا حول جدليةَّ‬ ‫لتال ج� ّنبنا‬ ‫ب� ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ومس العلوم إالنسانية ب�لعملية؟ وما نسبة‬ ‫َّ‬ ‫العلوم إال َّ‬ ‫نسانية إىل العلوم احلقة؟ وما‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫مدى دقة العلوم احلقة؟ أليست العلوم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إنسانية تو� ت ّ� ب�جاالت ب� َّثية‬ ‫احلقة نفهسا‪،‬‬ ‫وظواهر ت� ُّم إالنسان؟‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫إن رجل الفلسفة ال ي ج�ــد حرجا وهو‬ ‫بي�‬ ‫يتعامل مع سيغموند فرويد ومعه ي‬ ‫وبي� ت‬ ‫و� ّر إىل‬ ‫الكس�‪ ...‬كفالسفة ي ج‬ ‫بورديو ي‬ ‫ّ ن َّ‬ ‫املفك ير�‪ .‬إن دارس الفلسفة‬ ‫رحبته لك ِ‬ ‫َّ‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫التار� َّية‪ ،‬ولو كنا‬ ‫ال يتخل عن أدواره‬ ‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫التخصصات‪ .‬غرضنا هنا ليس‬ ‫ي� زمن‬ ‫احلديث عن الفلسفة والعلوم إال َّ‬ ‫نسانية‬ ‫َّ‬ ‫احلقة‪ ،‬و ّ‬ ‫لكننا ن�دف إىل طرح‬ ‫والعلوم‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ش‬ ‫ي َّ ت‬ ‫ال�‬ ‫التنو� ي� رحبته‬ ‫م�وع‬ ‫ي‬ ‫التار�ية ي‬

‫أ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫متعددة‪ ،‬خصوصا‬ ‫ت�توي ب� ن�ــار‬ ‫معرفية ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ف‬ ‫نسانية ي� مقابل‬ ‫وأن استعمال العلوم إال‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫يث� ي� نفوسنا نوعا من‬ ‫العلوم احلقة ي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫املوضوع‬ ‫التأفف؛ نظرا لغياب االكتفاء‬ ‫ي‬ ‫ت ُ‬ ‫ة‬ ‫الــ� ت َّقدم هلذه‬ ‫للدالل والتحديدات‬ ‫ي‬ ‫العلوم‪.‬‬ ‫ف‬ ‫لقد حصل ووقــع الناس ي� اضطراب‪،‬‬ ‫نتيجة االلتباس الذي حصل ف� ن‬ ‫أذها�م‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫التنو�‪ .‬هلذا فكر‬ ‫وقلو�م بصدد فم�وم‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التنو� ومعلوا عىل‬ ‫الفالسفة ي� منطق‬ ‫ي‬ ‫ت�ديد داللته ورمس حدوده‪ ،‬وذلك ب�ساءلة‬ ‫التنو�؟ حصيح َّأن ش‬ ‫التنو� هو‬ ‫م�وع‬ ‫ما‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫الوجه‪ :‬دينيةَّ‬ ‫َّ‬ ‫متعددة‬ ‫س�ورة � ير�ية‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وفكرية وسياسية وعملية‪ ،‬إال أن الفلسفة‬ ‫ت يخ ً ف‬ ‫ّ‬ ‫متعددة‬ ‫أ�ز �‬ ‫رفعت ما نج‬ ‫ر� ّيا ي� مج االت ِ‬ ‫أ‬ ‫ّ ف‬ ‫ن‬ ‫تدش� عرص للنوار‬ ‫ولك ما اكن يصب ي� ي‬ ‫_ وعـ بـره ت َّ� ت�ديد ة‬ ‫دالل جامعة ملا هو‬ ‫التنو�‬ ‫التنو�؟ ب�ذا التدقيق صار منطق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ًّ أ‬ ‫كونيا كقــى ما وصلت‬ ‫يفرض نفسه‬ ‫نسانية ف� ت‬ ‫إليه إال َّ‬ ‫نظر�ا إللنسان والكون‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫املسمل�‬ ‫والخ الق‪ .‬ولكن ما عالقتنا �ن‬ ‫التنو�؟ وما نصيبنا فيه‬ ‫ب�كتسبات عرص‬ ‫ي‬ ‫ومنه؟‬ ‫َّ‬ ‫لقد ت� ّيأت الظروف َّ‬ ‫واملوضوعية‬ ‫الذاتية‬ ‫أ‬ ‫ور� لتحقيق العديد من‬ ‫للغرب ال‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ت ّ‬ ‫ـ� مكنته من‬ ‫إال نج�ـــازات والــثــورات ًالـ ي‬ ‫تدر� ّيا من الظالم إىل‬ ‫القطع واالنتقال ي ج‬ ‫أ‬ ‫النور‪ ،‬هذا الخـ يـر وإن بدا لنا عىل أنه‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫التنو�‬ ‫س�ورة‪ .‬إن‬ ‫وضعية‬ ‫وحال إال أنه ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫امك يقول امانويل اكنط ي� مقالته ش‬ ‫امل�ورة‬ ‫التنو�؟ «هو خروج‬ ‫بعنوان «ما هو‬ ‫ي‬ ‫إالنسان من القصور الذي ي�جع إليه هو‬ ‫ذاتــه‪ .‬القصور هو عدم قــدرة املــرء عىل‬ ‫ف‬ ‫الغ�‪ .‬يكون‬ ‫استخدام �مه دون قيادة ي‬ ‫ً‬ ‫هذا القصور راجعا إىل الذات‪ ،‬إذا اكن‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫سببه ال يمكن ي� غياب فال�م‪ ،‬بل ي�‬ ‫غياب العزم والج ــرأة عىل استخدامه‬ ‫ت‬ ‫الغ�! ‪ ، super aude‬ج�ـ ّـرأ‬ ‫دون قيادة ي‬ ‫ف‬ ‫لخ‬ ‫عىل استخدام �مك ا اص! هذا إذن‬

‫‪15‬‬


‫أ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫التنو�‪ ».1‬المر يتعلق امك يقول الستاذ املصدق بعملية أو‬ ‫هو شعار‬ ‫ي‬ ‫تّ ف‬ ‫ش‬ ‫ُّ‬ ‫س�ورة ي� ي� إطارها ن� العمل واملعرفة املستندة إىل العقل‪ ،‬والتحرر‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫مخ‬ ‫من الحاكم املسبقة واملعتقدات املستندة إىل تلف أشاكل السلطة‪.‬‬ ‫مس�ة من النقاشات‬ ‫التعب� َّية عن‬ ‫نضجت هذه الصيغة‬ ‫التنو� بعد ي‬ ‫ي‬ ‫ّ ي ّ‬ ‫ش‬ ‫متعددة متعلقة ب�وقف إالنسان من‬ ‫واملج ادالت‪� ،‬لت ي‬ ‫قضا� ومج االت ِ‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫ض‬ ‫واملا� ومكتسباته‪.‬‬ ‫ومستجداته‪،‬‬ ‫حا�ه‬ ‫ي‬ ‫ف آ‬ ‫ت‬ ‫الصناعية وما ر ق‬ ‫يز‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫اف�ا من �ديث ي� الالت‬ ‫بعد الثورة‬ ‫ال�‬ ‫والتجه�ات ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫متعددة‪ ،‬مرورا ب� إلصالح الدي� مع ن‬ ‫مار� لو� وجان‬ ‫اقتحمت مج االت ِ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫االقطاع ورفع‬ ‫والطاحة ب�لنظام‬ ‫اكلفان‪ ،‬وصوال إىل الثورة الفرنسية إ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ور� قد دشن‬ ‫شعارات «حرية‪ ،‬مساواة‪ً ،‬إخاء» ‪...‬يكون الغرب ال ب ي‬ ‫لعرص جديد‪ ،‬الذي راح منطلقا عىل أسس جديدة‪ .‬ولكن ما طبيعة هذه‬ ‫أ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ال� ت� ُّد ن‬ ‫ث‬ ‫ّ‬ ‫السس ت‬ ‫احلدا�‬ ‫التفك�‬ ‫ط‬ ‫�‬ ‫واملتنور‪ ،‬قبل أن نبحث حظنا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يف�ا ن‬ ‫وم�ا؟‬ ‫ن‬ ‫«حي� أعود إىل اسبنوزا‬ ‫عن هذا السؤال ي ج�يبنا حممد أركــون قائال‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ودياكرت (وأرى) ماذا فعال ي� القرن السابع ع�؟ (أرى أن) ما فعاله‬ ‫الذاتية للعقل ش‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الب�ي وللذات‬ ‫االستقاللية‬ ‫ال ُي َّقدر بثمن؛ لقد أعطيا‬ ‫تز ً‬ ‫ت‬ ‫الب� َّية بعد أن ت ز‬ ‫ش‬ ‫اعا من ب� ثن‬ ‫ان�عوها ان�‬ ‫الالهو�‬ ‫ا� العقل‬ ‫القروسط‪».2‬‬ ‫أ ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫متعلق بتنصيب العقل ي� َّ‬ ‫خارجية‬ ‫القمة‪ ،‬وفك ارتباطه ب�ي سلطة‬ ‫المر ِ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫تعطل فعاليته وقدراته‪ .‬وهذا ليس ب�لمر املتاح والهسل‪ ،‬لنه يتطلب‬ ‫ِ‬ ‫ّ ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫جرأة وتشبعا بقيمة احلرية‪ ،‬واعتبار العقل أعدل قسمة موزعة ب�لتساوي‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫و�داد هذه َّ‬ ‫ين‬ ‫ب� الناس‪ .‬ت ز‬ ‫املهمة تعقيدا وخطورة ي� مج تمعات �ارصها‬ ‫ثك�ة الخ طوط احلمراء و»التابوهات» والسلط الخ َّ‬ ‫ارجية ت‬ ‫ال� ت�اقب معل‬ ‫ً ي ً‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫العقل و� ُّد استعماالته‪ ،‬خصوصا عندما تكون خطوطا وحدودا مقدسة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫الوضاع ن‬ ‫عند� ف� بلداننا إال َّ‬ ‫ال ي ت‬ ‫سالمية‪ .‬هذه‬ ‫شأن‬ ‫متأخرة‬ ‫ال� ن�ضت ِ‬ ‫ي‬ ‫خ�ة ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫وه �ط عىل سواحل أغلب شواطئنا‪.‬‬ ‫عىل طلقات ب‬ ‫الد� ب�ت الروبية ي‬ ‫ُّ‬ ‫ة‬ ‫فاكنت الصدمة‪ ،‬عندما انكشف لنا جحم التأخر والعزل عن العامل‪.‬‬ ‫التنو� ؟‪ ،‬ت��ج ة‪ ،‬إامسعيل املصدق‪ ،‬ص‪.2 .‬‬ ‫‪ -1‬امانويل اكنط ‪ ،‬ما هو ي‬

‫‪16‬‬

‫ة‬ ‫َّ‬ ‫الفرنسية عىل مرص (‪1798‬م)؛ امك يقول حممد معارة‬ ‫احلمل‬ ‫اكنت‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫املرصي�‪ .‬لقد‬ ‫«�ثابة الزلزال الذي أحدث صدمة حضارية لدى‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫لخ‬ ‫َّ‬ ‫شا�ت صدمة اللص الذي نبه صاحب الدار عىل ا لل البنيوي‬ ‫ب‬ ‫ئ‬ ‫القا� ف� نز‬ ‫امل�ل الذي يعيش فيه‪ ».3‬هذا الخ لل يمكن ف ي� املفارقة ال�ت‬ ‫ي‬ ‫ت َّ ي ت‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ت� بص و�ارص� إىل يومنا هذا يب� منظومة دينية إسالمية ما فتأت‬ ‫ّ‬ ‫نَّ‬ ‫َّ‬ ‫والعقالنية‪ ،‬وواقع متخم ب�ظاهر التأخر والالعقل عىل‬ ‫تتغ� ب�لعقل‬ ‫التفك� ونظرة إالنسان لذاته وللكون وللخالق‪.‬‬ ‫مستوى السلوك نو�ط‬ ‫ي‬ ‫ف� هذا السياق ب�زت عىل الساحة إال َّ‬ ‫سالمية مج موعة من الج هود‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫نخ‬ ‫واملشاريع‪ ،‬استأنفت النظر والبحث حماول اال�راط واملسامهة ي�‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫احلضارية ش‬ ‫أغل�ا إىل أن ما حصل من‬ ‫املس�ة‬ ‫ي‬ ‫للب� َّية‪ ،‬دون أن تنتبه ب‬ ‫نً‬ ‫ن‬ ‫كو� لج هود متعاقبة ازدهرت أحيا� هنا‪،‬‬ ‫تنو� أو حداثة هو نج‬ ‫إ�از ي‬ ‫ي نً‬ ‫وأحيا� هناك‪.‬‬ ‫غ‬ ‫ومرجعيات وأســس املشاريع نال� َّ‬ ‫ّ‬ ‫ضوية‬ ‫ر� اختالف منطلقات‬ ‫َّ أ‬ ‫ت َّ ف‬ ‫صالحية‪ ،‬إال نأ�ا ت‬ ‫َّ‬ ‫تع�ف ب�ا �قق ي� الضفة الخرى من الغرب‬ ‫إال‬

‫ميكن القول َّ‬ ‫دائما غاليا سواء على‬ ‫إن مثن التغيري يكون ً‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وهذا ما‬ ‫مستوى خلخلة البىن الفكريَّة أو‬ ‫َّ‬ ‫اجلدلية بني «العلوم» واإلديولوجيا‪.‬‬ ‫حييلنا على العالقة‬ ‫َّ‬

‫أ‬ ‫ق‬ ‫و� ي� العلوم‪ .‬وراحت الج هود تتواىل لالستفادة‬ ‫ال‬ ‫ور� ودور الفلسفة ب‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫لتحس�‬ ‫املناه املعارصة ي� دراســة الظواهر ونقل الخ بــرات‬ ‫من‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫وتطو�‬ ‫جودة املؤسسات ال� بوية والتعليمية‪ ،‬و�ديث مضامي�ا‬ ‫ي‬ ‫نم�ا�ج ا‪ .‬ت َّ‬ ‫َّ‬ ‫و� إحداث أقسام ب�لج امعات لدراسة «العلوم إالنسانية»‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ث‬ ‫متع�ا ف� بعض البلدان إال َّ‬ ‫و»الفلسفة» ت‬ ‫سالمية‬ ‫ال� ً ما زال تعميمها ِ ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫االج�ع‪ ،‬خ‬ ‫لتق� تعارضا ن‬ ‫تعت�ها خطرا ي� ِّدد نسيجها ت‬ ‫ت‬ ‫بي�ا‬ ‫ال� ب‬ ‫و� ت ز�هلا ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫وب� ة‬ ‫ال� ِ ّ‬ ‫(الفلسفة) ي ن‬ ‫املل ي ت‬ ‫تنصب نفهسا حارسة هلا‪.‬‬ ‫والق� ي‬ ‫ن‬ ‫قصد�‬ ‫الكب� من كبوتنا‪ .‬إذ بعدما‬ ‫هنا مربط الفرس‪ ،‬وهذا هو الج زء ي‬ ‫ف� الفقرات السابقة الوقوف بشلك َّ‬ ‫مبسط وخاطف عىل دور الفلسفة‬ ‫ي أ‬ ‫َّ‬ ‫وأكـ ن‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫ـد� عىل البعد‬ ‫التنو� وعرص احلداثة‪،‬‬ ‫وع‬ ‫مل�‬ ‫ة‬ ‫النظري‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫وال‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يخ ت‬ ‫نسا� دون إقصاء مسامهات مخ تلف الثقافات‬ ‫التار� وال� ي‬ ‫امك للفكر إال ي‬ ‫ي‬ ‫زكر�‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪،365‬‬ ‫‪ -2‬ب� ت�اند راسل « حمكة الغرب» ت ‪ .‬فؤاد ي‬ ‫ج ‪ . 2‬يوليو ‪ / 2009‬ص ‪.126‬‬ ‫ة‬ ‫الكتا�ت السياسية‪ ،‬ي‬ ‫تقد� حممد معارة‪ ،‬سلسل كتاب‬ ‫‪ -3‬حممد عبدة‪،‬‬ ‫ب‬ ‫الدوحة ‪ ،32‬ص‪.7.‬‬


‫واحلضارات‪ .‬يوا�ج نا هذا الواقع الذي يعيش ت� ُّزق ورصاع الخ يارات‬ ‫لي� َّالية مرو ًرا ب أ�خرى ت‬ ‫اش� َّ‬ ‫اكية‪ ،‬وأخرى‬ ‫واملنطلقات ‪ -‬من إديولوجيا ب‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫سلفية‪ ،‬وصوال إىل إديولوجيا منغلقة قاتل‪ .‬بع� هذه إالديولوجيات‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫مخ‬ ‫التفك� وأشاكل مج َّ‬ ‫نكون نتنقل ي ن‬ ‫تمعية ت ز�داد‬ ‫ب� �اذج تلفة من أ�اط‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّإما انغالقا مع هذه إاليدولوجيا‪ ،‬وانفتاحا مع الخرى ‪ -‬من مج تمعات‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ومتوجسة ج�اه الخر‬ ‫واحدية البعد‬ ‫مضيافة ومتساحمة‪ ،‬إىل أخرى‬ ‫ِ‬ ‫خ‬ ‫املتلف‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت خًّ‬ ‫ال� انفصلت ن‬ ‫الم ت‬ ‫ع�ا مخ تلف العلوم‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫إذا اكنت الفلسفة � ير�ي‬ ‫ي‬ ‫ً ف ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫ث‬ ‫نسانية‪ ،‬وإذا كنا ال نج�د هلا أ�ا ي� بعض البلدان إالسالمية‪ ،‬فإن‬ ‫حضورها ف� ب� ق� البلدان من داخل الج امعات والفضاء العموم ق‬ ‫يب�‬ ‫أ ي ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫دون ث‬ ‫خلخل ن‬ ‫الب�‬ ‫الر�دي ي�‬ ‫ال� املرجو ب�ملقارنة مع دور الفلسفة ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الفلس� ي� مخ تلف‬ ‫ويال� الدرس‬ ‫ور�‪.‬‬ ‫الثقافية ِ‬ ‫ي‬ ‫املتلكسة ي� الغرب ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫سالمية مج موعة من العراقيل‪ ،‬ق‬ ‫ويب� تعاملنا مع ت� ي خ‬ ‫البلدان إال َّ‬ ‫ر�‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫انتقائي ًا‪ ،‬و�دده التو�ج ات إالديو َّ‬ ‫ّ‬ ‫يفس‬ ‫الفلسفة‬ ‫لوجية للدول‪ .‬وهذا ما ِّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� مارس�ا أطراف معينة ب�مس السلطة‬ ‫مخ تلف أشاكل املضايقات‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫للدول أو �مس سلطة ّ‬ ‫َّ‬ ‫السياس)‬ ‫املقدس (لحصاب إالسالم‬ ‫الرمسية‬ ‫ة ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫عىل الفكر ّ‬ ‫والعقال�‪ .‬ونذكر ي� هذا الصدد حمامكة «نرص حامد‬ ‫احلر‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫املفكر «همدي عامل»‪...‬‬ ‫أبوزيد»‪ ،‬واغتيال «فرج فوده»‪ ،‬واغتيال ِ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ ت خ‬ ‫خ‬ ‫رو�‪ ،‬ال ي�لو من‬ ‫ولكن‪ ،‬قد يقول قائل إن � ير� الفلسفة ي� الغرب ال ب ي‬

‫ّ‬ ‫ث‬ ‫ملك ًفا َّ‬ ‫عس�ة؟‬ ‫التنو� واحلداثة اكن‬ ‫ومر ب�خاضات ي‬ ‫هذه املضايقات و�ن ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ال ي�كن لشخص عاقل أن ينكر هذا المر‪ ،‬ب�يث سيتذكر املضايقات‬ ‫عىل ب�روخ اسبينوزا الذي شن� بعض كتبه ب�مس مستعار‪ ،‬وحمامكة العامل‬ ‫«غاليل» وإحراق «جيوردانو ب�ونو» و»اكرل ماركس» الذي ق�ض‬ ‫ً ي‬ ‫ً ّ ً‬ ‫هار� متنقال من هنا إىل هناك‪ .‬ولكن هل يكون هذا‬ ‫جزءا من حياته ب‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫التغي�‬ ‫الفلس� الذي ال ي�كن ج� ّنبه؟ ي�كن القول إن ث�ن‬ ‫قدر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التفك� ً ي‬ ‫ئً‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫يكون دا�ا غاليا سواء عىل مستوى خلخل الب� الفكرية أو االج�عية‪،‬‬ ‫وهذا ما ي�يلنا عىل العالقة الج َّ‬ ‫دلية ي ن‬ ‫وه‬ ‫ب� «العلوم» إ‬ ‫والديولوجيا‪ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ ت‬ ‫البنيوية شمل�وع اكرل‬ ‫التوس� ي� قراءته‬ ‫ال� عالج ها لويس‬ ‫ي‬ ‫إالشاكلية ي‬ ‫يز‬ ‫ب� َّ‬ ‫ماركس‪ ،‬عندما ربط َّ‬ ‫والتمي� ي ن‬ ‫هممة الفلسفة ب�مس احلدود‬ ‫املثالية‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫واملادية سواء عىل مستوى العلوم أو الفلسفة هذه ال ي ت‬ ‫تص�‬ ‫ال� ي‬ ‫خ�ة ي‬ ‫ً ًّ‬ ‫ثور�»‪.‬‬ ‫ب� ّهم ت�ا هذه «سالحا ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫خ�‪ ،‬نكون قد وصلنا إىل نقطةٍ مفادها‪ ،‬أن لك فكر‬ ‫ب�ذا الالكم ال ي‬ ‫أ‬ ‫ً َّ‬ ‫ينخرط وال ينفلت من إالديولوجيا‪ ،‬خصوصا وأن هذه الخـ يـرة ال‬ ‫تكشف عن نفهسا – نإ�ا ال ت�فع يدها لترصخ ة‬ ‫قائل‪ :‬ن‬ ‫«أ� إديولوجيا»‪.‬‬ ‫َّ ف‬ ‫َّ‬ ‫� َّإما‬ ‫وهذا حال العلوم إالنسانية من داخل البلدان إالسالمية‪ ،‬ي‬ ‫ة‬ ‫خ‬ ‫التار� َّية‪ّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫وإما حمافظة ومتواطئة لخ دمة‬ ‫مناضل وواعية ب� ّهم ت�ا‬ ‫أ‬ ‫لتال دوام العالقات واملصاحل نفهسا‪.‬‬ ‫استقرار الوضاع‪ ،‬ب‬ ‫و� ي‬

‫‪17‬‬


‫قصص األنبياء بني النص والعلوم اإلنسان ّية‬

‫‪,,‬‬ ‫ـديــن الـعــاقــل عليه أن يتعامل‬ ‫املـتـ ِّ‬ ‫مـ ــع الـ ـقـ ـص ــص ال ـ ـق ـ ــرآين بـ ـشـ ــيء مــن‬ ‫االحـ ـ ـت ـ ــرام ملـ ــا يـ ـق ـ ّـدم ــه اإللـ ـ ــه ل ـع ـقــل‬ ‫اإلنـســان‪ ،‬وأن يضع يف اعتباره َّ‬ ‫أن‬ ‫اإلله هو مصدر الدين ومصدر العلم‬ ‫أيضًاَ‪ ،‬وأن استكشاف اإلنسان للعامل‬ ‫وحبثه املستم ّر عــن َّ‬ ‫األدلــة والــراهــن‬ ‫ه ــو إرادة اهلل وتـكـلـيـفــه لـلـبـشــر‪ ،‬فــا‬ ‫مي ـك ــن أن يـ ـك ــون هـ ـن ــاك تـ ـض ــارب‪،‬‬ ‫ـريــة‪.‬‬ ‫بــن الـنــص وتــراكــم املـعــرفــة الـبـشـ َّ‬

‫‪,,‬‬

‫سارة اخلشاب‬ ‫كاتبة ورسامة‬

‫مصر‬

‫‪18‬‬

‫العقل أستطيع بناء‬ ‫بكث� من الج هد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ـا� ليس هلــا ب�هــان‬ ‫إجــــا�ت عــن قــضـ ي‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫عمل‪ ،‬فضال عن فصل‬ ‫وا� أو إثبات‬ ‫ي‬ ‫ة ض َّ‬ ‫ين‬ ‫تع� عن لك‬ ‫وتكو�‬ ‫أسئل وا�ة مت ّسقة ِّب‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫تتعلق ب�ذه القضية‪،‬‬ ‫ال� ِ‬ ‫أفاكري ًاملتلطة ي‬ ‫َّ‬ ‫القضا� غيبية أو‬ ‫خصوصا إن اكنت تلك‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫لك�‪ ،‬وبعد إ�ام هذه‬ ‫فلسفية أو جودية‪ .‬و ي‬ ‫عقل‪ ،‬بي�ر وجــدا�ن‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫املهمة الشاقة عىل ي‬ ‫ين‬ ‫املدافع�‬ ‫جا�ت عند‬ ‫ت�تيب وتنسيق إال ب‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫عن ي ن‬ ‫حد سواء‪،‬‬ ‫الد�‪،‬‬ ‫واملناهض� هل عىل ٍ‬ ‫ت أ‬ ‫َّ‬ ‫الكمها مرتب العقل‪ ،‬ض‬ ‫حا� الذهن‪� ،‬ل‬ ‫ف‬ ‫�جل منقطع‬ ‫�ه ابتسامات السخرية من‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ُّ ف‬ ‫عل� أشعر ن‬ ‫ي ّ‬ ‫ن‬ ‫أحيا� ب�لتأخر ي�‬ ‫النظ�‪ ،‬مما ي ج� ي‬ ‫بعض أنشطة العقل‪.‬‬ ‫جر ُ‬ ‫بت قبل تف�ة أن أطرح َّ‬ ‫َّ‬ ‫قضية عدم‬ ‫َّ‬ ‫ذكر قصة موىس ويوسف‪ -‬عىل الصورة‬ ‫ن‬ ‫املوجودة ف� املصحف ‪ -‬ف� ي خ‬ ‫الفرعو�‬ ‫التار�‬ ‫ي‬ ‫ش ي‬ ‫ي‬ ‫عىل خ‬ ‫ص ّي ن‬ ‫متد� وآخر ال يوافق عىل‬ ‫�‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫فكرة ي ن‬ ‫الد�‪ ،‬أجاب ال َّول برسعةٍ تو�تيب‬ ‫َّ‬ ‫وكذب واستعالء وقد‬ ‫كفر‬ ‫قوم‬ ‫اعنة‬ ‫ر‬ ‫الف‬ ‫أن‬ ‫أ‬ ‫النبياء‪ ،‬ولذلك َّكذبوا عىل ي خ‬ ‫التار�‬ ‫لفظوا‬ ‫القصت�‪ّ ،‬أما الثا�ن‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫نسا� ومل يذكروا‬ ‫ض َّ ي‬ ‫إال ي‬ ‫أقر ّ‬ ‫قطعي ًا‪َّ ،‬أن ن‬ ‫فقد َّ‬ ‫مع� هذا يو� أن‬ ‫َّ‬ ‫النصوص الدينية اكذبة أو تشغل عقول‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ساط� ت‬ ‫ح� ينشغلوا ب�ا‬ ‫العامة ب�واية ال ي‬ ‫عن إمعال العقل‪.‬‬ ‫ف‬ ‫نبي� ي�وي الدكتور رشدي البدراوي ي�‬ ‫أ‬ ‫ي خ َّ‬ ‫ـار�» أن‬ ‫كتابه «قصص النبياء والــتـ‬ ‫ن‬ ‫ب� إرسائيل ب�لنسبة للفراعنة‬ ‫حادثة خروج ي‬ ‫اكنت ببساطة مج َّرد خروج ملج موعة من‬ ‫العبيد من أرض مرص‪ ،‬وخالف ّ‬ ‫حاد ي ن‬ ‫ب�‬ ‫امللك وشاب تم� ِّور من هؤالء العبيد َّأدى‬ ‫ف‬ ‫حادث مؤمل‪ّ ،‬مما‬ ‫إىل موت هذا امللك ي�‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫وحماول حموها من‬ ‫القضية‬ ‫دفع نسهل إلخفاء‬ ‫ذاكرة الشعب‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الدينية‬ ‫ت َع ُّد قصص النبياء ي� النصوص‬ ‫التفس�ات ب�ا‬ ‫وتفس� تا�ا‪ ،‬ومقارنة تلك‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫كشفته العلوم إال َّ‬ ‫نسانية والبيولوجية من‬ ‫ف‬ ‫أك ـرث‬ ‫القضا� ثإ�رة ي� تساؤالت التيار‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫العربية‪،‬‬ ‫إالحلــادي احلديث ي� املنطقة‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫التخل عن‬ ‫ولذلك قد يتطلب منا المر‬ ‫ي‬

‫ن ً‬ ‫نز‬ ‫هت� طلبا للحقيقة‪.‬‬ ‫ال�اع من الج ي‬ ‫ٌ‬ ‫ن�؟‬ ‫نوح؛ صانع أم ب ي‬ ‫ف� سياق العلوم إال َّ‬ ‫كث�ا ما‬ ‫نسانية‪ ،‬ي‬ ‫يُ‬ ‫ة‬ ‫أسئل عن حقيقة حدوث طوفان‬ ‫ط ِر َحت‬ ‫ف ت يخ أ‬ ‫تدم�‬ ‫أعظم ي� �‬ ‫ر� الرض ّمما أدى ًإىل ي‬ ‫الب�‪،‬هل ن‬ ‫فقد� أنواعا شب� يةَّ‬ ‫أقوام من ش‬ ‫ف‬ ‫ال نعمل ن‬ ‫ع�ا شيئا ي� هذا احلدث الج لل؟‬ ‫وماذا عن مدى ّ‬ ‫تطور صناعة السفن عند‬ ‫ت ُ ش ًّ‬ ‫ش ف‬ ‫َّ‬ ‫الب� ي� حقبة زمنية بعيدة ج�عل ب� ي�‬ ‫ً‬ ‫واحدا أو مج موعة ة‬ ‫قليل من ش‬ ‫الب� (نوح‬ ‫وأوالده) يصنعون سفينة ضخ‬ ‫�مة تستوعب‬ ‫ن‬ ‫هذا ّ‬ ‫واحليوا�ت‪،‬‬ ‫المك اهلائل من الطيور‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫وعن مدى معرفة ب�ي مثل نوح ي� هذا‬ ‫ن‬ ‫احليوا�ت‬ ‫الوقت البكر من العامل أصناف‬ ‫ق‬ ‫�ج‬ ‫و� ي� الاكئنات‪ ،‬فضال عن هعا‪.‬‬ ‫والطيور ب‬ ‫أ‬ ‫تاك�ت ال ة‬ ‫سئل حول َّ‬ ‫امك ث‬ ‫كيفية معرفة نوح‬ ‫بطقس سوف ي�دث بعد مئةٍ ش‬ ‫وع� ي�ن‬ ‫ً‬ ‫عاما يه ّمدة صنعه للسفينة؛ امك استتج‬ ‫ن ف‬ ‫َّ‬ ‫الدينية‪،‬‬ ‫الباحث� ي� النصوص‬ ‫أغلب‬ ‫ي‬ ‫وهل هلذا عالقة بعرص االنهصار الذي تال‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫العرص الج ليدي للرض‪ ،‬حيث ي� ِج� عملاء‬ ‫َّ‬ ‫ث‬ ‫لو�‪ ،‬أن ظ�ور إالنسان العاقل‬ ‫االن�وبو أ ج ي‬ ‫ً‬ ‫الصانع للدوات اكن مصاحبا لتلك احلقبة‬ ‫َّ‬ ‫الزمنية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ـرح آخــر همـ ّـم‪ ،‬يـ ت ّـم التساؤل عن‬ ‫و� طـ‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الب� الـ تـ� ذ ِكـ َـرت ف� َّ‬ ‫أمعار ش‬ ‫قصة نوح‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الباحث�‬ ‫فقد ت�اوح معر نوح عند أغلب‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الدينية بـ ي ن‬ ‫ـ� التسعمائة‬ ‫ي� النصوص‬ ‫مس� عاما‪ ،‬نبي� َّ‬ ‫والتسعمائة والخ ي ن‬ ‫امتد معر‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫أل� عام‬ ‫جده‬ ‫«متشاوحل» إىل أك� من ي‬ ‫ف‬ ‫قضية ّ‬ ‫تقريبا‪� ،‬ل هلذا مدلول عىل َّ‬ ‫التطور‬ ‫لو� إللنسان نخ‬ ‫ّ‬ ‫متوسط‬ ‫وا�فاض‬ ‫البيو ج ي‬ ‫ن‬ ‫احلال؟!‬ ‫معره من هذا العرص إىل عرص�‬ ‫ي‬ ‫َق ِب َل املدافعون عن ي ن‬ ‫الد� معلومة امتداد‬ ‫ف‬ ‫معر النسان عن َّ‬ ‫احلال ي� حقبة‬ ‫املعدل‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫بكث� من ال�حاب‪ ،‬بي� مل يتقبلوا‬ ‫«نوح» ي‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫أبدا ت‬ ‫وح� عرص� هذا ولو �ج ل واحدة‬ ‫ن ف‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫شعور�‬ ‫يس� ن�‬ ‫نظرية‬ ‫من‬ ‫دارو�‪� ،‬ل ّي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫القد�ة‬ ‫ب�لراحة ج�اه‬ ‫التفس�ات والحاكم ي‬ ‫ي‬ ‫عىل النص‪ ،‬عن إمعال العقل؟ والج رأة‬


‫ُتـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ُّـد ق ـ ـ ـصـ ـ ــص األنـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـي ـ ـ ــاء يف ال ـ ـ ـن ـ ـ ـص ـ ـ ــوص ال ـ ــديـ ـ ـن ـ ـ َّـي ـ ــة‬ ‫وت ـف ـس ــراهت ــا‪ ،‬ومـ ـق ــارن ــة ت ـل ــك ال ـت ـف ـس ــرات مب ــا ك ـش ـف ـتــه ال ـع ـلــوم‬ ‫اإلن ـ ـس ـ ــان ـ ـ َّـي ـ ــة وال ـ ـب ـ ـيـ ــولـ ــوجـ ـ َّـيـ ــة م ـ ــن أك ـ ـث ـ ــر ال ـ ـق ـ ـضـ ــايـ ــا إثـ ـ ـ ـ ــارة يف‬ ‫ت ـ ـس ـ ــاؤالت الـ ـتـ ـي ــار اإلحلـ ـ ـ ــادي احلـ ــديـ ــث يف امل ـن ـط ـق ــة ال ـع ــرب ـ َّـي ــة‬

‫لطرح السؤال؟‬ ‫ن ُ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫تكتف َّ‬ ‫الامسوية‪ ،‬وإ�ا ذ كرت‬ ‫قصة نوح ب�النتشار فقط ي� لك الكتب‬ ‫مل ِ‬ ‫ف‬ ‫مخ‬ ‫ث‬ ‫القد�ة‪ ،‬ككتاب‬ ‫القصة ي� عديد من طوطات وآ�ر احلضارات آ ي‬ ‫نز‬ ‫«الك�‬ ‫العظ�» عند الصابئة مثال‪ ،‬ومه إىل الن ي�يون ذكرى‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الغارق� ب�لطوفان � مناسبة «أبو اهلريس»‪ ،‬نبي� ّ‬ ‫ين‬ ‫القصة لكها‬ ‫موت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ظ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫رمزية عند بال�ائي ي� ولكن هذا ال ي�نع وجودها ي� ثقاف�م‪ ،‬بي� �ر‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لشخصية نوح وهو الرجل‬ ‫«زيوسودرا» ي� احلضارة السومرية معادال‬ ‫ً‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫الت� الخ دوم إللهل‪ ،‬والذي َّقرر أن ينقذ خاصته وبعضا من احليوا�ت‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ف� سفينة عندما َّقررت الهلة إهالك ش‬ ‫ت‬ ‫«أوتونبش�»‬ ‫الب� َّية‪ ،‬وكذلك‬ ‫في‬ ‫َّ ف أ‬ ‫َّ‬ ‫الكث�‪.‬‬ ‫و� السطورة‬ ‫ة‪،‬‬ ‫البابلي‬ ‫احلضارة‬ ‫�‬ ‫وغ�ها ي‬ ‫الفارسية «أهرمن»‪ ،‬ي‬ ‫َّ ي‬ ‫ي‬ ‫لك هذا قد ن‬ ‫يع� أن هناك شيئا ما قد حدث فعال‪ ،‬ولكن ما هو‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫�ديدا؟ علينا أن نبحث‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫القرآ� ذاته مل يذكر أي‬ ‫مالحظ�ا هنا‪ ،‬أن النص‬ ‫نقطة أخرى علينا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ش�ء عن نز�ول الوح عىل نوح عن طريق َملك أو عن طريق رسالة‬ ‫ن ي‬ ‫ي‬ ‫َ​َْ َ ْ َ َْ َ ْ ْ ُْ َ‬ ‫اص َن ِع الفلك»‪ ،‬ت�اما امك قاهلا‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ا‬ ‫وإ�‬ ‫ألواح‪،‬‬ ‫أو‬ ‫ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ​َْ َ َ َ ُّ ُِ َ َ ْ َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫عن أم موىس‪ «َ :‬وأوحينا ِإل أ ِم موس َ أن َّأر ِض ِع ِيه «‪ ،‬وامك قاهلا أيضا‬ ‫ْ‬ ‫ح َر ُّب َك إ َل َّ‬ ‫الن ْحل أ ِن ت ِ خ‬ ‫عن النحل‪َ :‬‬ ‫«وأ ْو َ ٰ‬ ‫ال َب ِال ُب ُي تًو�»‪،‬‬ ‫ا� ِذي ِم َن ِج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫َّ‬ ‫ج� يل نز�ل عىل ِ ّأم موىس أو النحل‪،‬‬ ‫ومن يغ� املتوقع أن يكون ً ب‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫«الوح» هنا شيئا آخر؟ هل اكنت صناعة السفينة فكرة‬ ‫يع�‬ ‫ي‬ ‫�ل َّ ي‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫مفكرة؟ وهل خلدت‬ ‫عبقرية طرأت عىل عقل نفس‬ ‫إنسانية صافية ِ‬ ‫ًّ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ذكرى هذه النفس ي� الكتب الامسوية واحلضارات ب�عتبارها «نبيا»‪،‬‬ ‫نً‬ ‫ة‬ ‫لسلسل‬ ‫«إنسا�» صنع أداة عظيمة إللنقاذ‪ ،‬اكنت بداية‬ ‫أم ب�عتبارها‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫لخ‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫مه‬ ‫من فنون الصناعات ا اصة ب� إل�ار طورت عقل الب� ية‪ ،‬بعد � ِ‬ ‫ة‬ ‫تغ�ها؟‬ ‫حلال املناخ وقرب ّي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الب� َّية إىل أن ت� ّول َّ‬ ‫ت�يل النفس ش‬ ‫ك�ا الجيال‬ ‫القصة إىل أسطورة � ي‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫لتث� خ� ّيالت الطفال‪ ،‬ولكن مثل هذا امليل‬ ‫ي�‬ ‫الليال الباردة ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الفطري للراحة والمان الذي نشعر ِبه عند خ� ُّيل البعيد الج ميل يغ�‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫احلتم ي�‬ ‫احملتمل‪ ،‬ال يصلح إلجابة العقل عن أسئلته أو تشككه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫أ ف‬ ‫َّ‬ ‫الدينية‪ ،‬فالمور ي� الواقع ال �دث هكذا كسطورة عالء‬ ‫النصوص‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫الد� واملصباح السحري‪ ،‬وإ�ا للكون سننه وقوانينه‪ ،‬تهعد هللا ي�‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫النص‬ ‫و� اعتقادي أن هذه‬ ‫القرآ� ذاته‪ ،‬نأ�ا ال َّي‬ ‫تتغ� وال تتبدل‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫الكو� املنتظم الذي أراده‬ ‫القصص قد حدثت �ن هذا السياق‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫هللا‪ ،‬امك أن ّي ن‬ ‫ب�ء‬ ‫املتد� العاقل عليه أن يتعامل مع القصص القرآ�‬ ‫ِ‬ ‫ي ي َّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫من ت‬ ‫االح�ام ملا يقدمه إالهل لعقل إالنسان‪ ،‬وأن يضع ي� اعتباره أن‬ ‫ً‬ ‫إالهل هو مصدر ي ن‬ ‫الد� ومصدر العمل أيضا‪ ،‬وأن استكشاف إالنسان‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫املستمر عن ال ة‬ ‫اه� هو إرادة هللا وتلكيفه ش‬ ‫وال� ي ن‬ ‫ّ‬ ‫للب�‪،‬‬ ‫للعامل بو�ثه‬ ‫دل ب‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫فال ي�كن أن يكون هناك تضارب‪ ،‬يب� النص و�امك املعرفة الب� ية‪.‬‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫للك�ما‪،‬‬ ‫ال أدعو هنا ملقارنة النص ب�لعمل أو العكس وإ�ا إىل فتح الفاق ي‬ ‫ف‬ ‫فر�ا ي�مل‬ ‫يس� الكمها ي� طريقه دون احلمك عىل كذب هذا أو ذاك؛ ب‬ ‫أن ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫العمل عن كيفية عيش إالنسان ي�‬ ‫الكث� من الكشف‬ ‫لنا املستقبل ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العصور املاضية‪ ،‬وكيف طور لغته وحياته وتغلب عىل مشالكته وصنع‬ ‫أ‬ ‫ف ً‬ ‫الدوات وأبدع الفنون‪ ،‬و بر�ا محل لنا املستقبل أيضا �ما أمعق ملا‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أرشد� كشف العلوم فل�م ي ن‬ ‫بشلك‬ ‫ور�ا‬ ‫�مهل رسائل النص إلينا‪ ،‬ب‬ ‫الد� ٍ‬ ‫ّ ن ت‬ ‫نقرر �ن‪ � ،‬ير� النصوص‬ ‫أفضل وليس هدمه‪ ،‬بر�ا ي�دث هذا عندما‬ ‫ت‬ ‫ِ ف‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫مع� للنص‪.‬‬ ‫ـر� العلوم من �م ي‬ ‫من حمك ما لدينا من عمل‪ ،‬و�ـ ي‬

‫‪19‬‬


‫إمرباطورية ُّ‬ ‫النور‬ ‫هذ ِه ليست ِكتابة؛‬ ‫َّ‬ ‫الب ُ‬ ‫حث َعن َمعىن‬ ‫‪َ -1‬‬

‫‪,,‬‬ ‫هــل نــرى الـعــامل عـلــى حقيقته‪ ،‬أم‬ ‫تشبه‬ ‫أ ّنـنــا نبتكر ص ــور ًة مــز ّيـفــة لـلــواقــع ُ‬ ‫ع ـق ـل ـن ــا الـ ـبـ ــاطـ ــن؟ أو ‪ -‬مب ـع ــى آخـ ــر‪-‬‬ ‫ه ـ ــل ن ـ ـ ــرى ال ـ ـع ـ ــامل عـ ـلـ ــى ح ـق ـي ـق ـتــه‬ ‫أم ك ـم ــا حن ـ ـ ُّ‬ ‫ـب أن ن ـ ـ ــراه؛ مبـ ــا ي ـت ــواف ــق‬ ‫م ـ ــع مـ ـص ــاحلـ ـن ــا ومـ ـعـ ـتـ ـق ــداتـ ـن ــا وأح ــامـ ـن ــا‬ ‫وع ــادات ـن ــا ورغ ـبــات ـنــا وط ـمــوحــات ـنــا‪ ...‬اخل؟‬

‫‪,,‬‬

‫النا املجايل‬ ‫شاعرة وكاتبة‬

‫األردن‬

‫‪20‬‬

‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أدرك ت�ــامــا‪ ،‬أن الــســؤال‪ :‬ملــاذا ت�مس؟‬ ‫رج عن سياق املنطق ّأوال‪ّ ،‬‬ ‫ي خ� ُ‬ ‫والفن ث�نيا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والشغف ث�لثا‪ ،‬واحلـ ّ‬ ‫ـواس رابعا وخامسا‬ ‫ٌ‬ ‫ش‬ ‫وعا�ا؛ أل َّن َ‬ ‫مال غاية أعىل من‬ ‫ابتاكر الج ِ‬ ‫البحث عن ن‬ ‫مع�‪.‬‬ ‫غايةِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫إذا‪ ،‬ما الذي أخوض فيه هنا؟‬ ‫نز ُ‬ ‫ن‬ ‫الف� دور «املفعول‬ ‫أ�ع عن الج مال ي‬ ‫ف‬ ‫جــدار ي�‬ ‫بــه» املنصوب ب� إلطـــار عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫غرفة الطعام‪ ،‬وأعيد هل حقه بتناول وجبة‬ ‫ة‬ ‫الطاول مثل ّ‬ ‫«فاعل»‬ ‫العشاء أمام‬ ‫أي غ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والــرؤ�‪ ،‬ر� يإ�ــا�ن‬ ‫ش‬ ‫مرفوع ب�الست�اف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ َّ‬ ‫ا� للفن‪،‬‬ ‫دور ي ج‬ ‫تاملطلق ب�ن الدعوة إىل ٍ‬ ‫إ� ب ي‬ ‫خ�الف مبدأ «الفن من أجل الفن»‪،‬‬ ‫الفرنس جيل‬ ‫لكن أمل يفعل الفيلسوف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫دولــوز(‪ )1995-1925‬المر نفسه‪ ،‬عندما‬ ‫َ‬ ‫طو� َّئية البحث‬ ‫طالب بنقل الفلسفة من ب‬ ‫ّز‬ ‫ح� أدوات البحث؟‬ ‫عن احلقيقة إىل ِي ِ‬ ‫َّ‬ ‫نّ‬ ‫واحلــقــيــقــة‪ ،‬أن فــكــرة الج ــمـ ّـال الــف ّـ ي‬ ‫املعل‪/‬‬ ‫الفاعل‪ /‬القائد‪ /‬املزارع‪ /‬املفكر‪ِ /‬‬ ‫الفيلسوف‪ /‬الطبيب الج ّراح‪ /‬املهندس‪/‬‬ ‫‪...‬الخ ‪ ،‬لفت يإل�ا َّ‬ ‫البلجيك رينيه‬ ‫الرسام‬ ‫ي‬ ‫مــاغــريــت(‪ ،)1967-1898‬عندما قال‪:‬‬ ‫خ‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫� ٍء آخر يغ�‬ ‫يج‬ ‫«�ب أن ي�دم الرمس أي ي‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ال� ن�غب ب�ختبارها‬ ‫الرمس»؛ ي‬ ‫وه املقول ي‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫ـول رسيعة عىل ثــاث حمطات‪،‬‬ ‫عـ بـر جـ ٍ‬ ‫لنقرر‬ ‫أو لوحات رمسها رينيه ماغريت‪ِ ّ ،‬‬ ‫بعدها إن اكن الج ــمــال الــف ـن يّ يصلح‬ ‫ة ثّ‬ ‫ومؤ�ة قادرة‬ ‫فاعل‬ ‫لالستخدام بوصفه َّقوة ِ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫عىل رصــد و�ليل الظواهر‪ ،‬واقــراح‬ ‫َّ‬ ‫احللول هلا‪ ،‬أم أن علينا التعامل معه‬ ‫ب�نطق العصفور َّ‬ ‫امللون والقفص‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وســواء اكن طرحنا قابال للتطبيق أو‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫للنسيان‪ ،‬فــإن مسؤو ّليتنا � ـ تِّـم َعلينا‬ ‫ـاب‬ ‫أن نــنــتــر لــلــجــمــال ع ــى حــس ّـ ِ‬ ‫البشاعة‪ ،‬ولن ي�دث هذا إال إذا اتفقنا‬ ‫عــى ض�ورة اســت ـهن ــاض َّمهــة ض‬ ‫«� يــر‬ ‫مــــم وج ــه الــعــامل‪.‬‬ ‫الــفــن»؛ إلعــــادة ت� ي‬

‫وقبل أن ننتقل ف� جولتنا تلك‪ُّ ،‬‬ ‫أود‬ ‫ي ت‬ ‫ن‬ ‫أن� قصدت ج�اهل التعريف‬ ‫إالشارة إىل ي‬ ‫بس�ة ّ‬ ‫البلجيك رينيه ماغريت‪،‬‬ ‫الرسام‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ َّ‬ ‫ُ‬ ‫لنــه ليس مدار البحث بل لوحاته أو‬ ‫ن‬ ‫نسا�؛ ثالث‬ ‫ج‬ ‫أحياته املهمومة َّ ب�ملأزق إال ي‬ ‫نم�ا عىل وجه الدقة‪.‬‬ ‫‪ -2‬املشكلة‪« ...‬خيانة ُّ‬ ‫الص َور؛‬ ‫هذا ليس غليونا»‬

‫ف‬ ‫ي� (‪ )1929-1928‬رمس رينيه ماغريت‬ ‫أ‬ ‫لوحته «خــيــانــة ّ‬ ‫ســلــوب‬ ‫الــصــور» ب�‬ ‫ٍ‬ ‫الكسيك‪ ،‬جعلها تبدو أقرب ما تكون إىل‬ ‫ي‬ ‫الصورة الفوتوغر َّ‬ ‫وه عبارة عن رقعة‬ ‫ة‪،‬‬ ‫افي‬ ‫يت‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫لفرنسية‪:‬‬ ‫يتوسطها غليون‪ ،‬وكتب � ت�ا ب�‬ ‫«هذا ليس ن‬ ‫غليو�»‪.‬‬ ‫كيف نستطيع أن «نقرأ» (الـ ّ‬ ‫ـصــورة ‪/‬‬ ‫ف ّ‬ ‫َّ‬ ‫«التحريضية»‬ ‫ظل العبارة‬ ‫اللوحة) ي� ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ـور�لــيــة‬ ‫الـــي أحــرجــنــا ب�ــا ممـ ِـثــل الــسـ ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫البلجيكية؟‬ ‫ت َّ أ‬ ‫أ‬ ‫تق�ح أن الشياء ليست امك‬ ‫القراءة الوىل‬ ‫ت ُّ‬ ‫عل�ا‬ ‫ال� يدلنا ي‬ ‫تبدو عليه‪ ،‬ي‬ ‫وه القراءة ي‬ ‫ت ّ‬ ‫«ماغريت» نفسه وهــو يقول م� ِك‪:‬‬ ‫«الغليون ش‬ ‫ال� ي�‪ .‬مل يتوقفوا عن انتقادي‪،‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬هل تستطيعون حشوها ب�لتبغ؟‬ ‫نّإ�ا صورة‪ .‬لذا‪ ،‬إذا ُ‬ ‫كتبت ت� َت ت‬ ‫لوح�‪:‬‬ ‫ي‬ ‫(هذه ليست ن‬ ‫غليو�) هل كذبت؟»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ّ ف‬ ‫فاملتأمل ي� اللوحة يــدرك ببساطة‪ ،‬أن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ماغريت مل يكذب‪ ،‬وأن الصورة ‪ -‬أي‬ ‫ٌ ُخ َ‬ ‫ينتم إىل‬ ‫«متلق» ال‬ ‫صــورة‪ -‬كيان‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫جنس الكيان الصل‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫لتفس� هذه الظاهرة ‪ -‬الخ لط‬ ‫حماول‬ ‫و�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫بـ ي ن‬ ‫ـ� الصورة والص ــل‪ -‬ي�ى الفيلسوف‬ ‫ز‬ ‫(‪/)1970-1872‬‬ ‫نلك�ي ب� ت�اند راسل‬ ‫إال ي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫(ما وراء ن‬ ‫املع� واحلقيقة) أننا–�ج يعا‪ -‬نبدأ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫«الواقعية الساذجة»؛ أي من عقيدة‬ ‫من‬ ‫َّ أ‬ ‫أن الشياء يه ما تبدو عليه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫اءة ث�نية نخ�ل ُص إىل أننا ال نستطيع‬ ‫و� قر ٍ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الظاهر بشلك ق‬ ‫حقي� واكمل‪ ،‬ولكن‪:‬‬ ‫رؤية‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬


‫ً‬ ‫ّ ش‬ ‫والنسان يتوق‬ ‫� ٍء ن� ُاه ي خ� ف ي� خلفه شيئا آخر‪ ،‬إ‬ ‫عندما قال‪ « :‬لك ي‬ ‫خ ف‬ ‫ت� وراء ما ي�اه»‪.‬‬ ‫عىل الدوام إىل رؤية ما ي� ي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫أميل إىل القراءة ت‬ ‫ال� تقول‪ ،‬إن فكرة إالنسان عن العامل‬ ‫إال أن ن ي�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫مقترصة‪� ،‬سب‪ ،‬عىل ما يشاهده أمامه‪ ،‬وأن ما ي�اه ي� الواقع ليس‬ ‫ث‬ ‫أك� من انعاكس لنفسه وأفاكره ومعتقداته وخياالته الخ ّ‬ ‫اصة‪ ،‬حيث‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تطرح اللوحة السؤال الورطة‪ :‬هل ن�ى العامل عىل حقيقته‪ ،‬أم أننا‬ ‫ً‬ ‫مزيفة للواقع ُ‬ ‫صورة ّ‬ ‫تشبه عقلنا الباطن؟ أو ‪ -‬ب� نع� آخر‪ -‬هل‬ ‫نبتكر‬ ‫ن‬ ‫ُّ‬ ‫ن�ى العامل عىل حقيقته أم امك �ب أن ن�اه؛ ب�ا يتوافق مع مصاحلنا‬ ‫ومعتقداتنا وأحالمنا وعاداتنا ورغباتنا وطموحاتنا‪ ...‬الخ ؟‬ ‫ً‬ ‫ً ًّ‬ ‫ً َّ‬ ‫« أن يكون ّ‬ ‫خاصا به‪ ،‬وليس ظاهرا‬ ‫الفن ظاهرا‪ ،‬إذا‪ ،‬فإن هل ظاهرا‬ ‫أ ن‬ ‫ملا� «هيغل» (‪.)183-1770‬‬ ‫ب�تا»؛ ي‬ ‫بتعب� الفيلسوف ال ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متعددة‪ ،‬ونظرتنا ش‬ ‫الب� ّية حمدودة ومن‬ ‫الصورة خادعة‪ ،‬وهلا ي‬ ‫زوا� ِ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫عل�ا والتالعب ب�ا‪ ،‬وال نبذل – ي� املقابل‪ّ -‬أية �ج ود‬ ‫السل ي‬ ‫التأث� ي‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫رؤي�ا ة‬ ‫احلقي�‪ ،‬أو ت‬ ‫زوا� أخرى؛‬ ‫لرؤية الشياء عىل شلكها‬ ‫اكمل أو من ي‬ ‫ي‬ ‫أُّ‬ ‫ن‬ ‫فذة واحدة» ب�سب رينيه‬ ‫«لنه من الهسل أن تنظر إىل العامل من � ٍ‬ ‫ماغريت‪ ،‬وهذه ِ ّ‬ ‫ت‬ ‫وتداعيا�ا ه مشلك�ة ش‬ ‫الب� ّية والسبب‬ ‫احملص ةل‬ ‫ي‬ ‫ُ آ‬ ‫ف‬ ‫ح� الذي نعيشه الن‪.‬‬ ‫ح� الذي ِعشناه‪ .‬الج ي‬ ‫الرئيس ي� الج ي‬ ‫وقبل أن ت‬ ‫اخ�ال مشلكتنا بـ «خيانة ّ‬ ‫يع�ض أحدمك عىل ت ز‬ ‫الصور»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫فلنتذكر َّأن الصورة ّ‬ ‫القابل للقياس ّ‬ ‫المك ي�‪-‬‬ ‫وه‬ ‫الفنية أو ظاهرها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ً‬ ‫ت ُ‬ ‫ن ف‬ ‫أحيا�‪� ،‬ا ب�لمك ب�لفــار واملبادئ‬ ‫بشلك أو ب�خــر‪ -‬خ�ــون غالبا أو‬ ‫ٍ‬ ‫لوجيات والرغبات والعادات والتقاليد ‪...‬الخ‬ ‫واليديو ّ‬ ‫وه‬ ‫‪،‬‬ ‫والعقائد‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫القابل للقياس؟‬ ‫النسبية يغ�‬ ‫السبب ‪ « ...‬ابن اإلنسان »‬ ‫‪ّ -3‬‬

‫ت‬ ‫لوحة ب ن‬ ‫عطف‬ ‫لرجل ب� ٍ‬ ‫«ا� إالنسان» ق(‪ )1964‬عبارة ُعن ت«بور� يه» ئ ٍ‬ ‫َ‬ ‫أسود َّ‬ ‫سور‬ ‫وقبعة‬ ‫مستد�ة‪ ،‬و�يص أبيض‪ ،‬يقف �ت ٍ‬ ‫ي‬ ‫امسء غا�ة وأمام ٍ‬ ‫ّ‬ ‫اللغزوية‬ ‫منخفض ال ي�جب البحر‪ ،‬لكن انتظروا؛ لن تي�كنا صاحب‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫نستمتع ب� شمل�د دون أن َّ‬ ‫يدس لنا «عقبة»‬ ‫الفنية «رينيه غاريت»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫أك� مساحة ممكنة من‬ ‫تغط ب‬ ‫ي‬ ‫صغ�ة ب�جم تفاحةٍ خ�اء طازجة ي‬ ‫و�ج ه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫بعنوا�ا الالفت وتف ت‬ ‫الكث� من‬ ‫«املستفزة» ثأ�رت‬ ‫اح�ا‬ ‫اللوحة‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫القراءات‪ ،‬م�ا؛ اعتقاد ض‬ ‫بع�م أن عنوا�ا قد يكون مستمدا من‬ ‫َّ‬ ‫ا� إالنسان هو آدم عليه السالم‪ ،‬ما يقود إىل ن‬ ‫إال نج�يل‪ ،‬أي َّأن ب ن‬ ‫مع�‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ّ ت‬ ‫ال� حذ ُره نم�ا‪ ،‬بدليل‬ ‫ي‬ ‫يش� إىل استمرار خطيئته ب� لك الفاهكة احملر ًمة ي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫تد�ا‪ ،‬وهناك أيضا ما َّملح إليه ماغريت‬ ‫�‬ ‫ال�‬ ‫ة‬ ‫العرصي‬ ‫املالبس‬ ‫ي ي ي‬

‫يع� لك هذا؟ وكيف نستطيع بت� ي� إطالق وصف َّ‬ ‫ن‬ ‫«السبب» عىل‬ ‫ماذا ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لوحةٍ رمسها فنان قال منذ البداية إن ّ‬ ‫الرمس ال ينشغل ب� ّلرمس فقط؟‬ ‫أ‬ ‫أّ‬ ‫نخ ُ‬ ‫تلف ف� و�ج ات َّ‬ ‫النظر؛ لننا ال‬ ‫المر ب�ذه البساطة؛ نأ� وأنت �‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫صاحب ُمعتقد ي خ�تلف مع أحصاب‬ ‫ن�ى المور بنفس الطريقة‪ .‬لك‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أّ‬ ‫ُ‬ ‫املعتقدات الخرى؛ لن العامل الذي يصبو إىل إخضاعه ملصلحته‪،‬‬ ‫آ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ي خ�تلف عن العامل الذي ي�اول الخرون تطويعه‪ ،‬كذلك الدول ولك‬ ‫القوى العظىم‪.‬‬ ‫ب�ختصار‪:‬‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ْأن َت ت� ُ‬ ‫در دم‪ ،‬ي� ش� يك‪ ،‬لنك � َس ُب الوردة ف� يدي‪َّ ،‬‬ ‫بندقية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫وأحس ُب دمك‪ ،‬ماء‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫‪ّ -4‬‬ ‫احلل ‪« ...‬إمرباطوريّة ُّ‬ ‫النور»‬

‫ُ‬ ‫ن ف‬ ‫ما زال الج مال ن يّ‬ ‫يقود� ي� هذه املغامرة‪ ،‬منذ القبض عىل‬ ‫الف�‬ ‫ف‬ ‫الصور‪ :‬هذا ليس ن‬ ‫الب� َّية ف� (خيانة ُّ‬ ‫غليو�)‪ ،‬ش‬ ‫مشلك�ة ش‬ ‫وت� ي�ها ي�‬ ‫ي‬ ‫ا� إالنسان)‪ ،‬إىل هذه نال�اية ت‬ ‫(إم� ّ‬ ‫( بن‬ ‫اطورية‬ ‫لعامل عنوانه ب‬ ‫املق�حة ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫النور)‪.‬‬ ‫ف� واحدة من أ�ج ل لوحات رينيه ماغريت ث‬ ‫َّ‬ ‫شاعرية‬ ‫وأك�ها‬ ‫ي‬ ‫اطورية ُّ‬ ‫«إم� ّ‬ ‫«إم� ّ‬ ‫اطورية النور»‪ ،)1950(/‬يقول‬ ‫الضوء» أو‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ّ ُ ش َّ ن ً‬ ‫وذجا للتعايش ي ن‬ ‫الج مال ن يّ‬ ‫ب�‬ ‫يقدم للب� ية أ�‬ ‫الف� ملكته؛ إذ ِ‬

‫ع ــامل «مــاغــريــت» اُملـتـخـ َّـيــل‪ ،‬أو مــديـنـتــه الـفــاضـلــة يـقـتــرح‪/‬‬ ‫ـف واحــد أو‬ ‫تـقـتــرح علينا إمـكــانـ َّـيــة مجــع األض ــداد حتــت سـقـ ٍ‬ ‫مس ــا ٍء واحـ ــدة؛ الـلـيــل وال ـ ّن ـهــار‪ .‬الـعـتـمــة وال ـُّـن ــور‪ .‬الـ َّـسـكـيـنــة‬ ‫ـدرج ــات‬ ‫ـر َز «ت ـ ّ‬ ‫وال ـغـ َـضــب‪ ،‬وال يـنـســى يف لــوحـتــه إن يـ ـ ِ‬ ‫ال ـ ـ ُّـض ـ ــوء»؛ يف إش ـ ـ ــار ٍة مـ ـن ـ ُـه إىل ِّ‬ ‫االتـ ـجـ ــاهـ ــات ال ــوس ـط ـ ّي ــة‬

‫‪22‬‬

‫املتلفة»‪ ،‬فاللوحة ف� ف‬ ‫املتناقضات أو «الـ ُّـرؤى خ‬ ‫السفل‬ ‫نص�ا‬ ‫في‬ ‫ي‬ ‫عبارة عن ش‬ ‫شارع هادئ‪،‬‬ ‫ليل‬ ‫ٍ‬ ‫م� ٍد ّي‬ ‫لبيوت أنيقة وادعة تغفو ّ ي� ٍ‬ ‫ف� ُّ‬ ‫الضوء قيل� ّ‬ ‫بتدرجاته وظالهل عىل املاكن‪ ،‬أما نصف اللوحة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ّ ف‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫لامسء ُمثق ةل ب� ُّلس ُحب‪.‬‬ ‫اري‬ ‫�‬ ‫د‬ ‫م�‬ ‫و‬ ‫�‬ ‫العلوي‬ ‫ٍ‬

‫ة‬ ‫يق� ت‬ ‫الفاضل ت‬ ‫امل َّ‬ ‫عامل «ماغريت» ُ‬ ‫ح‪/‬تق�ح علينا‬ ‫تخيل‪ ،‬أو مدينته‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫امسء واحدة؛ الليل‬ ‫إماكنية �ج ع الضداد �ت ٍ‬ ‫سقف واحد أو ٍ‬ ‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫نّ‬ ‫وال�ار‪ .‬العتمة والنور‪َّ .‬‬ ‫السكينة والغضب‪ ،‬وال ّينىس ي� لوحته إن‬ ‫ت‬ ‫الضوء»؛ ف� إشارة ُ‬ ‫«تدرجات ُّ‬ ‫بي� َز ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوسطية‪،‬‬ ‫اال�اهات‬ ‫منه إىل ِ ج‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫وهو ينقل لنا هذه املفارقة يك نتمكن من ملس سقف أحالمنا‬ ‫ّ‬ ‫العال‪ ،‬حيث أن إالنسان يغ� قادر عىل إدراك أو قبول ما ي ج�ههل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫هل نستطيع �ج ع التناقضات (الفاكر‪ ،‬واملعتقدات‪ ،‬والعادات‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫عامل واحد؟‬ ‫والرغبات‪ ،‬و‪...‬الخ ) ي� ٍ‬ ‫أ‬ ‫نعم‪ ،‬نأ� وأنــت‪ّ ،‬‬ ‫الرجل وامل ـرأة‪ ،‬الخــذ والعطاء‪ ،‬الشيخوخة‬ ‫ّ‬ ‫والضعف‪،‬الفرح واحلزن‪ّ ،‬‬ ‫القوة ّ‬ ‫والط ة‬ ‫وال�‪ّ ،‬‬ ‫فول‪ ،‬الخ ي� ش ّ‬ ‫الضحك‬ ‫ُ‬ ‫والباكء‪ ،‬احلياة واملوت‪.‬‬ ‫ضد ن� داخلنا‪ ،‬حيث َّيتخذ ّلك ّ‬ ‫ن� ُن ‪ � ،‬ش� يك‪ ،‬ن�مل ّ‬ ‫ضد ُ‬ ‫معناه‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ َّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومتعدد يت ِسع للجميع؟‬ ‫كون فسيح‬ ‫ِ‬ ‫ِمن ضده؛ فملاذا نضيق ِبنا ي� ٍ‬


‫ِحوار العدد‬

‫اإلنسانية؛‬ ‫تنوير العلوم‬ ‫َّ‬

‫اجلدل املفقود بني فكر التنوير والواقع‬ ‫مع رئيس جملس أمناء الرابطة العربية للتربويني التنويريني‬

‫ِّ‬ ‫املفكر واألكادميي‪:‬‬

‫الدكتور املحبوب عبدالسالم‬

‫تقدمي وحوار‪ :‬عبداهلل اجلبور‬ ‫تقدمي‪:‬‬

‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫اكد�‬ ‫السودا� الدكتور‬ ‫سعينا ي� هذا احلوار مع ِ‬ ‫ي‬ ‫املفكر وال ي ي‬ ‫ف‬ ‫التفك� ن‬ ‫الدي�‪ ،‬إىل معاينة‬ ‫تنو�‬ ‫ي‬ ‫و� سبيل ي‬ ‫احملبوب عبدالسالم‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ب� ر َّ‬ ‫ش‬ ‫م� َّدية التناظر ي ن‬ ‫ن‬ ‫تنو�‬ ‫التفك�‬ ‫ادياكلية ً أ ي‬ ‫ومساع ُّ ي‬ ‫الدي� أ ف ي‬ ‫ي‬ ‫ال� �هنت ت� ي خ‬ ‫ر� ّيا ب� ن�ا ن‬ ‫َّ‬ ‫امل�ج والداة ي� التقدم‬ ‫الثقافة‬ ‫الدينية ت ي ب‬ ‫ت خ فّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫نسا�‪ ،‬حيث إن تقدم الشعوب و�ل�ا‪ ،‬ما زال‬ ‫احلضاري إ‬ ‫وال ي‬ ‫ً‬ ‫ت كَّ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ال� ش ت ماضيا‬ ‫يقاس ّب�دى اه� ًهما بثقافة ً ي‬ ‫التنو� الفكري‪ ،‬ي‬ ‫حا�ا ومستقبال أفضل للشعوب و إلل َّ‬ ‫وستشك ض‬ ‫نسانية‪.‬‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫فكرية َّ‬ ‫غنية‪،‬‬ ‫و�ربة‬ ‫ي�تاز ضيف احلوار ب خ� ب�ة‬ ‫كب�ة ج‬ ‫ي‬ ‫أاكد� َّية ي‬ ‫َّ‬ ‫العملية‬ ‫اكتس�ا من خالل البحث والــدراســة‪ ،‬وعـ بـر املواقع‬ ‫ب‬ ‫ال� شغلها‪ ،‬ب� إلضافة إىل معايشته مدرسة سياسيةَّ‬ ‫َّ‬ ‫والعملية ت‬ ‫ي‬ ‫تّ‬ ‫الفكرية خ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫املتلفة‪.‬‬ ‫ال�اهات‬ ‫إسالمية حميطة ب� ج‬

‫أ‬ ‫ن ف‬ ‫يساعد� ي� استجداء احللول والخ يارات ال ثك�‬ ‫لك ما سبق اكن‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ث‬ ‫تنو� املعرفة الدينية بع� االست�ر المثل للعلوم‬ ‫جدوى ي� ي‬ ‫ف‬ ‫نسانية احلديثة ومن ث ّ� حمـ ة‬ ‫ال َّ‬ ‫توظي�ا للبحث عن إجابة‬ ‫ـاول‬ ‫إ َّ ت ت ّ‬ ‫ت‬ ‫التنو� من مستوى املعرفة‬ ‫ال� �كننا من �ويل أفاكر‬ ‫ي‬ ‫للكيفية ي‬ ‫مستوى الثقافة ب�ا ه معرفة متداول‪.‬ة‬ ‫إىل‬ ‫ي‬

‫كـيــف يـعـِّـرف الــدكـتــور املـحـبــوب عـبــدالـســام نفسه‬ ‫لق ّراء َّ‬ ‫جملة التنويري؟‬

‫ن‬ ‫نو� من العامل‬ ‫�ن من عرب‬ ‫التخوم‪ ،‬نقع عىل الطرف الج ب قي‬ ‫العر�‪ ،‬لكن نقوم ف ي� قلب إفريقيا‪ ،‬موصو ي ن‬ ‫وغر�ا‪،‬‬ ‫ل� شب��ا ب‬ ‫نبي‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫العر� بع� مرص و�قنا بع� البحر‬ ‫امك �ن‬ ‫ي‬ ‫متفاعل� مع �لنا ب ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫عام�ن‬ ‫ن‬ ‫ة‪.‬‬ ‫العربي‬ ‫ة‬ ‫ز�‬ ‫ا‬ ‫إىل‬ ‫محر‬ ‫ال‬ ‫لج‬ ‫لك� بصفة خاصة ولدت قبل ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ين‬ ‫ـا�‪ ،‬ونشأت ي� مدينة امدرمان‬ ‫من العقد‬ ‫الست� للقرن املـ ي‬ ‫أ‬ ‫لخ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تعرف ب��ا العامصة الشعبية للسودان‪ ،‬إذ اكنت ا رطوم‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� يفصلها ن‬ ‫َّ ت‬ ‫ع�ا �ر النيل‪ ،‬منذ الهعد ال� يك‬ ‫العامصة الرمسية ي‬

‫لونيالية‪ .‬و ُ‬ ‫ث َّ� الهعد بال� ن‬ ‫يطا�‪ ،‬مدينة ذات مالحم كو َّ‬ ‫لدت وقد‬ ‫ي‬ ‫وملا َّ‬ ‫خرج االستعمار منذ �خ سة أعوام‪ّ ،‬‬ ‫تفتح وعينا اكنت معظم‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫حد كب� ب�كتسباته‪ ،‬فدرستُ‬ ‫ي‬ ‫ذكر�ته قد أ ا�حت‪ ،‬وإن نعمنا إىل ٍ ي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫جيدة وبيد أساتذة‬ ‫املراحل الولية والوسىط والثانوية عىل ج‬ ‫مناه ِ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫حسنوا التدريب والتأهيل العمل ت‬ ‫َّ‬ ‫وال� بوي‪ � ،‬اخــرت ي�‬ ‫غ ي‬ ‫الج امعة أن أدرس الفلسفة‪ ،‬ر� شيوع رغبة دراسة الطب والعلوم‬ ‫لدى أجيالنا‪ ،‬أو دراسة القانون أو اللغات ت‬ ‫ح� تضمن همنة‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫التخصص الذي‬ ‫بص�ة إىل ذلك‬ ‫التخرج‪ ،‬فقد ذهبت عىل‬ ‫بعد‬ ‫تً‬ ‫ي ّ‬ ‫غ‬ ‫املبكر أن السودان سيواجه ح�‬ ‫ينطوي عىل مغامرة‪ ،‬ور� إدراىك ِ‬ ‫ف‬ ‫إشاكالت ف� َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اهلوية ي ن‬ ‫إفريقية وعربية‪ ،‬وإشاكالت ي� الو�ج ة‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫أ ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫نظر� اكلذي توفره‬ ‫وعملانية‪ّ ،‬مما يتطلب ت�هيال‬ ‫إسالمية‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ُّ‬ ‫التخصص الرغبة ي�‬ ‫دو� لدى اختيار هذا‬ ‫الفلسفة‪ ،‬فقد اكن ي� ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫وه‬ ‫العودة إىل الج امعة للتدريس‪ ،‬أو ب�لحرى‬ ‫البقاء يف�ا �اما‪ ،‬ي‬ ‫َّ‬ ‫طويل من ت� ي خ‬ ‫ة‬ ‫ر� ت خ� جر�‪ ،‬إذ جذب�ن‬ ‫رغبة مل تتحقق إال بعد أعوام‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫سياسي ًا ف ي� الج امعة‪ ،‬ت‬ ‫ح� توليت منصب‬ ‫ونشطت‬ ‫العمل العام‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ت‬ ‫الطال�‪ � ،‬ملا بدأت التخصص ي� عمل االج�ع‬ ‫رئيس اال�اد‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ب ج�امعة ب�ريس الثالثة عام ‪ُ ،1987‬‬ ‫كنت ذا ب� ٍع جيد ي� الصحافة‬ ‫ّ‬ ‫َّ ة ف‬ ‫ش ف‬ ‫العر�‪ ،‬مج ةل‬ ‫وعىل الفور بدأت الن� ي� نخأفضل مج ل ي� العامل ب ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليوم السابع ت‬ ‫ال� اكنت ض ّ‬ ‫اللبناني ي ن�‬ ‫الصحفي ي ن�‬ ‫ت� �بة من أفضل‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫و�لطبع اكنت سنوات ب�ريس‬ ‫يو�أس � ير�ها الستاذ بالل‪ ،‬ب‬ ‫ال� وافقت ّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫اللبنانية وما بعدها وتوافد‬ ‫شدة احلرب‬ ‫الست‪ ،‬أ ي‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫الثل ال بك� من املثق ي ن‬ ‫ف� العرب إىل فرنسا‪ ،‬ت‬ ‫ح� أصبح يطلق‬ ‫َّ‬ ‫وخ�ة ال‬ ‫عىل ب�ريس عامصة الثقافة‬ ‫العربية‪ ،‬يه سنوات معرفة ب‬ ‫أ ت‬ ‫تضاىه ب�ي ج�ربة أخرى‪.‬‬ ‫ً ف‬ ‫ب�لعودة إىل السودان توليت أل َّول مرة ف� ت‬ ‫حيا� منصبا ي� إالدارة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ـد� ًا لـ ئ‬ ‫ـار� بــوزارة الثقافة‬ ‫ـدا�ة إالعــام الخ ـ يج‬ ‫حيث أصبحت مـ ي‬ ‫ين‬ ‫ّ‬ ‫لعام�‪ ،‬قبل أن أعود إىل العمل الفكري فتفرغت‬ ‫والعــام‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫وه مؤسسة تع� بتشجيع‬ ‫لتأسيس هيئة المعال الفكرية‪ ،‬ي‬ ‫الكتابة ت‬ ‫وال��ج ة ش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املهتم ي�ن‬ ‫السوداني ي�ن‬ ‫والن� لدى ش� ي�ة من‬

‫‪23‬‬


‫بقضا� الفكر والتأصيل إالسالم‪ ،‬حيث تأ�حت ل هذه ت‬ ‫الف�ة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫القرآنية‪ ،‬وه ال�ت‬ ‫البحث والكتابة ي� مج ــاالت الدراسات‬ ‫ي َّ ي‬ ‫َّ‬ ‫حف ن‬ ‫ي‬ ‫لتقد� أطروحة للدكتوراة بعنوان القراءات التقليدية‬ ‫زت�‬ ‫ي‬ ‫واحلداثية للقرآن دراسة مقارنة‪ُ .‬‬ ‫َّ‬ ‫كتبت أول كتاب يل عام ‪1982‬‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫السودانية)‪ �َّ ،‬أصدرت دراسة عن َّ‬ ‫َّ‬ ‫قضية‬ ‫بعنوان (� ير� املرأة‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫جنوب السودان‪ ،‬شن�ت ي� حلقات � صدرت ي� كتاب بعنوان‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫السودا�)‪ ،‬ث َّ� ت��ج ت كتاب (احلج‬ ‫( فصول ي� حريق الج نوب‬ ‫ي‬ ‫اال� ي ز‬ ‫ل� َّية ش‬ ‫واملع�) للدكتور عل ش� ت‬ ‫‪ :‬املنسك ن‬ ‫ون� ُت‬ ‫يع� من نج‬ ‫ت ي‬ ‫ً‬ ‫كتا� عن ج�ربة حمك إال ّ‬ ‫سالمي ي ن� بعنوان (احلركة‬ ‫قبل بضع أعوام ب‬ ‫َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫ئ‬ ‫السودانية دا�ة الضوء وخيوط الظالم )‪ ،‬وبسبب من‬ ‫سالمية‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ويث� نقاشا‬ ‫تعقد ًالظاهرة واستمرارها إىل اليوم‪ ،‬ثأ�ر هذا الكتاب ي‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ومتشعب الرؤى‪.‬‬ ‫متعدد الج وانب‬ ‫وحوارا ِ‬ ‫ك ــان لـلـعـلــوم اإلن ـســان ـ ّيــة أث ــر حـقـيـقــي وف ــاع ــل يف ت ـغ ـ ّيــر الـفـكــر‬ ‫اإلنسانية يف‬ ‫الديين يف أوروبــا؟ هل حي ّقق تدريس العلوم‬ ‫َّ‬ ‫العربية ‪ -‬بأدواته التقليديّة ‪ -‬األهداف املرج ّوة منه؟‬ ‫املنطقة‬ ‫َّ‬

‫ت‬ ‫غشي�ا موجة من الفكر احلر‪ ،‬أعىل من شأن العقل‬ ‫أورو�‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫حضارية حامسة � ي خ‬ ‫فالب� يةَّ‬ ‫َّ‬ ‫التار�‪ ،‬ش‬ ‫والنسان واكن فا�ة لدورة‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ك ن�ا تستأنف من جديد بعبارة با� خلدون‪ ،‬فاكن الفكر يقارب‬ ‫ف‬ ‫ة ّ‬ ‫لو� قد‬ ‫لك موضوع ب�وح‬ ‫فالنسان ي� عمل البيو ج‬ ‫متقدمة‪ ،‬إ‬ ‫متفائل ِ‬ ‫ة يت ّ‬ ‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫خ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫جل‬ ‫تطور من مخ لوقات أد�‪،‬‬ ‫والتار� ي� تقدم ح� تبلغ الدول � خي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الد�لكتيك فال ي�ى ي‬ ‫التار�‬ ‫هللا ي� الفلسفة‬ ‫املثالية‪ ،‬أو ينقلب ي‬ ‫ّ ً‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫الشيوعية وما عىل الطليعة إال أن‬ ‫تقد ّميا ي��ض ي �و الج ّنة‬ ‫إال‬ ‫ّ‬ ‫ِت ف‬ ‫و�لسياسة‬ ‫اال�اه‪ .‬ي� هذا املناخ اكن املج تمع �لعمل‬ ‫تدفع بذات ج‬ ‫ت ً ب َّ ب أ‬ ‫الوربيةَّ‬ ‫ن‬ ‫يتحرر من ي ن‬ ‫َّ‬ ‫الد� نفسه ‪ -‬و�ديدا املسيحية‬ ‫الد�‪ ،‬و ًلكن ي‬ ‫ت‬ ‫ قد � َّرر َ‬‫املتحرر‪ ،‬ت‬ ‫ح� من سلطة الكنيسة‬ ‫وفتح آفاقا إللنسان‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الهكنوتي ي ن�‪ .‬بل إن إالصــاح ن‬ ‫ورجــال الـ ي ن‬ ‫الدي�‬ ‫الرمسي ي ن�‬ ‫ـد�‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الورو� اكن الفتح الول ّ‬ ‫لتقدم الفكر و�ـ ّـرره ّ‬ ‫وتطور العلوم‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َّ ف‬ ‫الد�قر َّ‬ ‫َّ‬ ‫وإكسا�ا منظومة‬ ‫اطية‬ ‫والنسانية‪،‬‬ ‫الطبيعية إ‬ ‫و� إصالح ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫خالقية ورسوخ أعر فا�ا عىل ت ز‬ ‫الق� ال َّ‬ ‫االل�ام ب�ملواثيق والهعود‪.‬‬ ‫ي‬

‫‪24‬‬

‫ف‬ ‫لكن العامل إالسالم َّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية ما ت ز�ال ي� أزمة ت�سك‬ ‫عامة واملنطقة‬ ‫ت ي‬ ‫بخ ق‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫نا�ا ت‬ ‫القردية» حيث ينمسخ إالنسان‬ ‫املرحل «‬ ‫ح� � ّ ِرر من‬ ‫�‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫مناه‬ ‫مقلدا امك ي� يك القرآن‪ ،‬فنحن نج�لب ي� العلوم االنسانية‬ ‫جً‬ ‫عل�ا الزمن وموضوعات ت ج�اوزت ّ‬ ‫لندرهسا للطالب تلقينا‬ ‫فع� ي‬ ‫َ‬ ‫يز‬ ‫أحسن‬ ‫والتحر�‪ ،‬ولذلك‬ ‫ث� امتحان صوري يعتمد عىل احلفظ‬ ‫أ‬ ‫الخوة ِّ‬ ‫مؤسسو الرابطة عندما وضعوا ملكة تال� ّ‬ ‫بوي ي ن� إىل جانب‬ ‫ّ‬ ‫املفك ي ن‬ ‫للتنو�‬ ‫التنو� ّي ي ن�‪ ،‬فالسؤال الذي يواجه‬ ‫ملكة‬ ‫ر� كيف ي�كن ي‬ ‫ي ً‬ ‫أ‬ ‫ً تز ً‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫الق� الخالقية‪ ،‬لدى � ي�ة‬ ‫أن يصبح فكرا ّوسلواك وال�اما ًبنسق ي‬ ‫ف ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الدي� ب�عتباره‬ ‫واسعة من املتعل ي ن�‪ ،‬و�ديدا ي� ج�ديد الفكر‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الساس العظم للك إصالح نو�ضة‪.‬‬ ‫ـريــة يف املـنـطـقــة الـعــربـ َّـيــة‬ ‫مــن خ ــال جتــربـتـكــم الـبـحـثـ َّـيــة وال ـف ـكـ َّ‬ ‫وأوروبـ ــا‪ ،‬كـيــف ميـكــن لـنــا اسـتـثـمــار املـنــاهــج الـعـلـمـ َّـيــة اإلنـســانـ َّـيــة‬ ‫األوروبية يف العقل العريب‪ ،‬خصوصًاًَا العقل الديين؟‬ ‫َّ‬

‫َّ‬ ‫الغربية يه بعض من واقع احلداثة الذي ي� ّس لك فاعل‬ ‫املناه‬ ‫ج‬ ‫ن ف‬ ‫إنسا� ي� املج ال احليوي الذي غطته العوملة اليوم‪ ،‬فلن نكون‬ ‫ي‬ ‫ت تأ‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫ا�‪ ،‬بل �ن منذ االستعمار �ت � يث�‬ ‫ب�عزل عن‬ ‫إشعاهعا الال� ي‬ ‫ن‬ ‫نقص أبعاده امك يقول مالك‬ ‫هذا إال‬ ‫شعاع عىل �و ال نستطيع ّأن ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫ن�‪ ،‬ي� مقالته عن (إنتاج املب� ي� واملست� يق� وأ�ه عىل‬ ‫ب ن�‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫الفكر إال ً ي‬ ‫سالم ًاملعارص)‪ ،‬فالجيال الج ديدة ي� العامل ب ي‬ ‫ن‬ ‫نسا�‪ ،‬من‬ ‫تنفتح طوعا وكرها عىل أحدث مسامهات العقل إال‬ ‫ي ف‬ ‫ها�ماس‪ ،‬امك ينفتح ت‬ ‫ميشيل فوكو ت‬ ‫املس�لكون املتخمون ي�‬ ‫وح� ب‬ ‫فاملناه‬ ‫العر� عىل آخر املنتوج املادي ويستمتعون ب خ� ي�اته‪،‬‬ ‫ج‬ ‫العامل ب ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫العر� حول‬ ‫الغربية مشتبكة مع احلوار الذي يدور أ اليوم ي� العامل ّ ب ي‬ ‫الد�قر َّ‬ ‫الدي� ت‬ ‫والصالح ن‬ ‫وح� الدب والفنون‪ ،‬وقدم بعض‬ ‫اطية إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫كبار املفك ير� العرب مشاريع لقراءة ال�اث وأخرى الست�اف‬ ‫َّ‬ ‫الغربية‪ ،‬مع استثناءات اكنت‬ ‫املناه‬ ‫املستقبل اعتمدت تب�هما عىل ج‬ ‫َّ‬ ‫تنشد إالبداع‪ .‬لكن همما يكن من ش�ء‪ ،‬ظلت هذه ت‬ ‫االج�ادات‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ومعزول عن التداول الواسع وعن النقد ونقد النقد‪.‬‬ ‫حمارصة‬


‫ما هو تأثري معرفة املسلمني بالعلوم احلديثة يف خلق ّ‬ ‫توجهات‬ ‫تنويريَّة جديدة داخل بنية الفكر الديين؟‬

‫أ‬ ‫ً ف ت‬ ‫منذ الطهطاوي اكن ت�ثـ يـر العلوم احلديثة ووقهعا ظاهرا ي� �ريك‬ ‫ن ن‬ ‫التفك� ن‬ ‫املسمل� وا�ط بواقهعم واكن‬ ‫الدي� لدى‬ ‫الج مود الذي خلف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي تخّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫وراء سؤال شكيب أرسالن؛ ملاذا �لف املسملون وتقدم يغ�مه؟ �ا‬ ‫يعرف بعرص نال�ضة العر� الذى م�ض عليه ث‬ ‫أك� من قرن‪ ،‬هو منتوج‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫مبا� ملعرفة العلوم احلديثة‪ ،‬فإذ خلبت أنوار احلضارة اللباب أو‬ ‫أ‬ ‫ت ّأ‬ ‫ف‬ ‫أمصت مدافهعا الامسع‪ ،‬اكن �مل العقول الطويل ي� سؤال أرسالن‬ ‫ً ّ‬ ‫العر�‪ ،‬ومن ث� اكن االهتداء لتلك‬ ‫يوشك‬ ‫أن يكون ًفعال تلقائيا للعقل ب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أور� ولكن‬ ‫ن�‪( :‬لقد استبدت ب‬ ‫ج‬ ‫املناه أمرا مفتاحيا‪ ،‬وامك يقول مالك ب� ب ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫فأ� ماكمن تلك القوى وكيف يترصف مسمل أو‬ ‫استبدت‬ ‫بقو�ا)‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫ً ن ً‬ ‫ّ‬ ‫خ� أمةٍ أخرجت للناس لتكون مثاال وأ�وذجا‬ ‫عر� يعتقد ب�نه من ي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫تقايس إال َّ‬ ‫نسانية إىل تقدهما وعز�ا بل حري�ا واح�اهما لكرامة‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫إالنسان ّ‬ ‫التنو� َّية‬ ‫وحر ي�ته وحرماته‪ .‬ي�كن القول‪ ،‬إذن‪ ،‬إن التو�ج ات ي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ث‬ ‫العر� ه �رة ي ن‬ ‫عامل�؛ صدمة االستعمار‬ ‫منذ أك� من قرن ي� العامل ب ي ي‬ ‫امل�)‪،‬‬ ‫امل�) وعلومه عىل املستعمر‬ ‫ث� أفاكر املستعمر (بكرس‬ ‫(بفتح ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ةً‬ ‫ال ن‬ ‫ة‬ ‫فغا� ّ‬ ‫طويل‪ ،‬وتمليذه الول حممد‬ ‫رحل‬ ‫حركه االستعمار ليشق‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ور� الذى جاء به املستعمر‪ ،‬امك أن أختيار‬ ‫عبده‬ ‫حرك عقهل الفكر ال ً ب ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ا�)‬ ‫صفة الفاكر ب‬ ‫اللي�الي أة فعنوا� ّ هلذه املرحل من قبل ( بال�ت حور ي‬ ‫ث‬ ‫التنو�‪.‬‬ ‫تعب� عن ذلك ال� ي� ِ‬ ‫هو ي‬ ‫بث ي‬

‫كيف َّ‬ ‫اإلنسانية املسامهة يف صناعة خطاب ديين‬ ‫يتسنى للعلوم‬ ‫َّ‬ ‫حــداثــي ي ـتــاءم واملـقـتـضـيــات الـعـقــد ّيــة لــاجـتـمــاع اإلســامــي‬ ‫املعاصر من دون أن يتأ ّثر ّ‬ ‫مبسلمات الفرد املتديّن؟ اجلزء اآلخر‬ ‫ِّ‬ ‫املتمم من السؤال هو‪ :‬كيف ميكن للمفكر الديين العصري‬ ‫ِّ‬ ‫حفظ الروح املعنويَّة لدى الناس‪ ،‬بل وتقوميها؟‬

‫أ‬ ‫انتبه مالك ب ن� ن� ف� ثالثينيات القرن ض‬ ‫املا� إىل الفاكر امليتة‬ ‫بي ي‬ ‫ي‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ت‬ ‫سالم وتقعده عن النظر الصحيح والعمل‬ ‫ال‬ ‫تسمم العقل إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الصاحل‪ ،‬وأغل�ا ر خ‬ ‫اس لدى ذوي نز‬ ‫َّ‬ ‫يدلوجية ي ن‬ ‫الذ� حاولوا‬ ‫ال�عة اال‬ ‫ب‬

‫ت� ّثل إالسالم ف� �ج اعة وإيدلوجيا ش‬ ‫سياس لملنافسة عىل‬ ‫وم�وع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫السلطة أو ت‬ ‫حياز�ا ب� َّ‬ ‫املرحل عندما‬ ‫لقوة‪ ،‬ومثل سيد قطب ق ّ�ة هذه‬ ‫قال َّإن إالسالم ال يعرف إال ي ن‬ ‫نوع� من املج تمعات‪ ،‬املج تمع املسمل‬ ‫َّ‬ ‫جنسية املسمل ىه عقيدته‪ ،‬وإن االسالم هو‬ ‫اهل‪ ،‬وإن‬ ‫واملج تمع الج ي‬ ‫خّ‬ ‫ئ‬ ‫ة‬ ‫وه ب�لطبع أفاكر تنسف قوا� الدول احلديثة امك رسها‬ ‫احلضارة‪،‬أ ي‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ور� وامك قلد�ا املج تمعات العربية إالسالمية‪ .‬ومثل‬ ‫الفكر ال ب ي‬ ‫ة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫املبكرة ال� أرساها حممد عبده عندما‬ ‫ذلك ب�لطبع ردة عن املرحل ِ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫واعت� رسال إالسالم ي� جوهرها‬ ‫قرأ يإ�انه ب�ضواء العرص وعلومه ب‬ ‫ة‬ ‫تعب� عن نضج ش‬ ‫مرحل إال َّ‬ ‫نسانية‪ ،‬قبل أن يضيف‬ ‫الب� َّية وبلو�غ ا‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫الوح والعقل‪ .‬الن أدركت‬ ‫حممد إقبال مسامهته الباهرة عن‬ ‫ي أ‬ ‫ت ّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫املج تمعات العربية أن املوجة الثالثة من اليدلوجيا وال� مثل�ا‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫سالموية قد بلغت أفق الفشل وال بد من قراءة جديدة ي� ضوء‬ ‫إال‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫سالم‪.‬‬ ‫تقدم ج‬ ‫مناه العلوم إالنسانية وتقدم البحث ي� ال�اث إال ي‬ ‫نادى حممد عبده واألفغاين وغريهم‪ ،‬إىل العودة للتراث إلحياء‬ ‫التجريبية‪ ،‬هذا التيار التجديدي‬ ‫والعلمية‬ ‫العقالنية‬ ‫األفكار‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وقتها أصيب مبحاولة َوأده‪ .‬الـســؤال‪ :‬هــل ميكننا الـيــوم العودة‬ ‫والعلمية؟‬ ‫العقالنية‬ ‫إىل التراث إلحياء األفكار‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫منذ إالمام حممد عبده إىل اليوم أصبح تال�اث ث‬ ‫أك� ث� ًاء‬ ‫ب�الكتشافات الج ديدة خملطوطات عظيمة اكنت مج ة‬ ‫هول أو يغ�‬ ‫منشورة‪ ،‬ث� ّ‬ ‫ين‬ ‫مناه البحث ت ز‬ ‫الباحث�‪ ،‬ث ّ�‬ ‫و�ايد أعداد‬ ‫بتطور ج‬ ‫ف‬ ‫االه�م ب� إلسالم َّ‬ ‫بكثافة ت‬ ‫الوال�ت‬ ‫خاصة بعد حادثة‬ ‫سبتم� ي� ي‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ال َّ‬ ‫مريكية‪ ،‬وتواىل تصاعد القاعدة ث� انفجار الدواعش‪،‬‬ ‫ة‬ ‫شامل تلل�اث من ب� ي ن‬ ‫حث� ذوي‬ ‫إضافة شمل�وعات قراءة‬ ‫ف‬ ‫قدرة ت‬ ‫واج�اد‪ ،‬ث� انبثاق مدارس ي� قراءة تال�اث ونقده‪،‬‬ ‫ن ف‬ ‫ونقد عىل ذلك النقد‪ ،‬فبالنسبة إىل تال�اث اليوم �ن ي�‬ ‫َّ ف‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫حداثية‬ ‫تتفتح‪� ،‬ن قراءة معارصة أو‬ ‫حال دع مائة زهرة‬ ‫ف‬ ‫للقرآن‪ ،‬إىل ت‬ ‫َّ‬ ‫العربية أو الفلسفة‬ ‫اج�اد مبدع ي� الفلسفة‬ ‫ت ف‬ ‫إال َّ‬ ‫سالمية‪ ،‬إىل اج�اد ي� الفقه وعمل النفس واالقتصاد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اكنت إىل هعد قريب وجـ�ة حمافظة مقلدة‪ ،‬ث� يه اليوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بنحو مل ي خ�طر‬ ‫جريئة ِ‬ ‫متقدمة ث ِ‬ ‫مؤ�ة عىل أجيال املستقبل ٍ‬ ‫ً‬ ‫مطلقا عىل ب�ل بآ� ئ�م‪ .‬أمر آخر همم هو أن ت‬ ‫االه�م ب� تل�اث‬ ‫نً‬ ‫ًّ ّ ً‬ ‫إالسالم مل يكن ف� ض‬ ‫خاصا وليس هو‬ ‫شأ� إسالميا‬ ‫املا�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ت ّ‬ ‫كذلك اليوم‪ ،‬لكن التجاوز �جل عىل مستوى الخر؛ إذ مل‬ ‫ة‬ ‫ش‬ ‫ين‬ ‫املوصول ب�لقوة‬ ‫االست�اق‬ ‫الباحث� مهوم‬ ‫تعد تسيطر عىل‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫االج�اد اليوم ي� غالبه منفتح ومش�ك‬ ‫واالستعمار‪ ،‬ولكن‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫مسمل� يب� �قي ي� وغربي ي�‪ ،‬حصيح أنه‬ ‫وغ�‬ ‫ب�‬ ‫مسمل� ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ليس بم�أ مطلقا من الغرض ولكنه ث‬ ‫َّ‬ ‫أك� َّ‬ ‫وموضوعية‪.‬‬ ‫عملية‬

‫‪25‬‬


‫ّ‬ ‫ركـ ــز أغ ـل ــب امل ـفـ ّـكــريــن الــدي ـن ـ ّيــن امل ـعــاصــريــن ع ـلــى اجل ــوان ــب‬ ‫السلبية يف الفكر الديين‪ ،‬واهنمكوا يف التأشري على األخطاء‬ ‫َّ‬ ‫والسلب ّيات‪ ،‬ومل ينجزوا بشكل واضــح مشاريع إجيــابـ َّـيــة‪ .‬إىل أي‬ ‫العقالنية‬ ‫حـ ّـد تــرى الـعـمــل اإلجي ــايب ضــرور ّيــً للتوفيق بــن‬ ‫َّ‬ ‫والتدين؟‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫تال�اث امك ذكرت اكن همجورا مج هوال لدى غالب النخبة احلديثة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫إال من َّ ة‬ ‫قل تأ�حت هلم ظروف امليالد والنشأة ي� كنف العمل‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫العائل أو البيئة‪ ،‬ث ّ� ملا بدأت الغزوة‬ ‫التقليدي ب�سباب من‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية واملج تمعات املسملة ثو�رت‬ ‫تؤ� عىل املج تمعات‬ ‫املعارصة ث ِ‬ ‫تناقضات احلداثة واملعارصة والتجديد أمام �ج ود التقليد ورسوخ‬ ‫ين‬ ‫الباحث�‬ ‫الخ رافة وعزل املرأة وشيوع االستبداد‪ ،‬بدأت طائفة من‬ ‫ّ‬ ‫ر� تبحث ف� ت‬ ‫واملفك ي ن‬ ‫الــراث ويــسـ تـر يع انتباهها أن جذور‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الزمة تقبع هنالك‪ .‬ث� جاءت منعطفات ف� ي خ‬ ‫هز�ة‬ ‫التار� مثل ي‬ ‫ي‬ ‫ال� ّ‬ ‫حز�ان ‪ ،1967‬ث� الثورة إال َّ‬ ‫انية ‪ ،1979‬ث ّ� حادثة ‪11‬‬ ‫سالمية إ ي‬ ‫ي ف‬ ‫وال َّ‬ ‫سالمية‬ ‫أم�اك‪ ،‬لكها وضعت املج تمعات العربية ّإ‬ ‫سبتم� ي� ي‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫يؤ� إىل‬ ‫أمام �دي الوجود وأسئلته‪ .‬اكن طبيعيا‬ ‫عندئذ أن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ث‬ ‫ال� ت‬ ‫السلبيات ت‬ ‫مس�ته‬ ‫ان�ت بنا إىل املأساة‪ � ،‬أستأنف البحث ي‬ ‫وضوعية ث‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الوطنية‬ ‫أك� بعد أن خابت التجارب‬ ‫ليقرأ تال�اث ب�‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫وأ� ب�حثون كبار إىل الج وانب إال َّ‬ ‫اكية‪ ،‬ش‬ ‫واالش� َّ‬ ‫َّ‬ ‫نسانوية‬ ‫والقومية‬

‫‪26‬‬

‫أ‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫لملرحل ت‬ ‫مرحل‬ ‫تل االكتشاف ث�‬ ‫ال�‬ ‫ف ي� تال�اث مثال‪ ،‬ث ّ� ن� ت ي�‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫مرحل توليف املشاريع‬ ‫املوضوعية‪ ،‬ث�‬ ‫مرحل القراءة‬ ‫النقد‪ ،‬ث�‬ ‫ة‬ ‫والتنظ� للواقع امك فعل العروي والج با�ي‬ ‫املتاكمل لقراءة تال�اث‬ ‫ي‬ ‫عل حرب‪.‬‬ ‫وامك استدرك ي‬ ‫عل�م ي‬ ‫املعرفية تطغى‬ ‫األيدولوجية احلادَّة واإلكراهات‬ ‫ما زالت الزنعة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫على خطاب اإلسالم ّيني التقليديّني‪ ،‬وما زالت تغيب فيها‬ ‫التأمل والتفكري ا ّحلــر اجلــاد الــذي يعاين املشكالت ّ‬ ‫وحيللها‬ ‫روح ُّ‬ ‫وتأمل‪ ،‬ومبوازاة ذلك ترفض قطاعات عديدة‬ ‫ويدرسها بعناية ّ‬ ‫م ـن ـهــم أيـ ــة حم ــاول ــة إلث ـ ــارة اس ـت ـف ـهــامــات م ـعـ ّـم ـقــة حـ ــول ال ـت ــراث‬ ‫اإلنسانية التقليديَّة دور‬ ‫واالجتماع اإلسالمي‪.‬هل للعلوم‬ ‫َّ‬ ‫يف هــذه األزمــة؟ كيف تستشرفون مستقبل هــذا اخلطاب يف‬ ‫اإلنسانية التقليديَّة؟‬ ‫ظل العلوم‬ ‫َّ‬

‫أ‬ ‫انتبه مالك ب ن� ن� ف� ثالثينيات القرن ض‬ ‫املا� إىل الفاكر امليتة‬ ‫بي ي‬ ‫ي‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ت‬ ‫سالم وتقعده عن النظر الصحيح والعمل‬ ‫تسمم العقل إ‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫وأغل�ا راس لدى ذوي نز‬ ‫َّ‬ ‫يدلوجية ي ن‬ ‫الذ� حاولوا‬ ‫ال�عة اال‬ ‫ّالصاحل‪ ،‬ب‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫�ج‬ ‫سياس لملنافسة عىل‬ ‫ت�ثل إالسالم ي� اعة وإيدلوجيا وم�وع‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫السلطة أو ت‬ ‫حياز�ا ب� َّ‬ ‫املرحل عندما‬ ‫لقوة‪ ،‬ومثل سيد قطب ق ّ�ة هذه‬


‫قال َّإن إالسالم ال يعرف إال ي ن‬ ‫نوع� من املج تمعات‪ ،‬املج تمع املسمل‬ ‫َّ‬ ‫جنسية املسمل ىه عقيدته‪ ،‬وإن االسالم هو‬ ‫اهل‪ ،‬وإن‬ ‫واملج تمع الج ي‬ ‫خّ‬ ‫ئ‬ ‫ة‬ ‫وه ب�لطبع أفاكر تنسف قوا� الدول احلديثة امك رسها‬ ‫احلضارة‪،‬أ ي‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ور� وامك قلد�ا املج تمعات العربية إالسالمية‪ .‬ومثل‬ ‫الفكر ال ب ي‬ ‫ة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫املبكرة ال� أرساها حممد عبده عندما‬ ‫ذلك �‬ ‫لطبع ردة عن املرحل ِ‬ ‫ب أ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫واعت� رسال إالسالم ي� جوهرها‬ ‫قرأ يإ�انه ب�ضواء العرص وعلومه ب‬ ‫ة‬ ‫تعب� عن نضج ش‬ ‫َّ‬ ‫الب� َّية وبلو�غ ا مرحل إالنسانية‪ ،‬قبل أن يضيف‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫الوح والعقل‪ .‬الن أدركت‬ ‫حممد إقبال مسامهته الباهرة عن‬ ‫ي أ‬ ‫ت ّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫املج تمعات العربية أن املوجة الثالثة من اليدلوجيا وال� مثل�ا‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫سالموية قد بلغت أفق الفشل وال بد من قراءة جديدة ي� ضوء‬ ‫إال‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫سالم‪.‬‬ ‫تقدم ج‬ ‫مناه العلوم إالنسانية وتقدم البحث ي� ال�اث إال ي‬ ‫ك ـيــف مي ـكــن ل ـل ـع ـلــوم اإلن ـس ــان ـ َّـي ــة أن حت ـ ـِّـرر ال ـع ـقــل الــديــي‬ ‫حتد من حتركه؟ وأين‬ ‫اإلسالمي من الوصاية والعادات اليت ّ‬ ‫ت ـت ـلـ َّـخــص ال ـت ـح ـ ّـدي ــات وامل ـع ـ ّـط ــات ال ــي ت ــواج ــه ع ـم ـلـ َّـيــة تـنــويــر‬ ‫التفكري الديين بالنسبة للمسلم املعاصر؟‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أصال َّ‬ ‫َّ‬ ‫مؤسسة عىل الشك والسؤال واالختبار‬ ‫االنسانية‬ ‫العلوم‬ ‫ئ‬ ‫ث‬ ‫نتا� منفتحة‬ ‫والتجربة أو بال�هان واملنطق‪ � ً ،‬يه ذات ج‬ ‫َّ‬ ‫حوارية وليست مغلقة ن� َّائية وفقا ملا اكن ّ‬ ‫يسميه املسملون العمل‬ ‫ت ً‬ ‫كب�ة‪ ،‬وه ف� ي خ‬ ‫ن‬ ‫التار�‬ ‫الظ� ويولونه‬ ‫اه�ما ويضعون هل ماكنة ي‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫االور� � ِثل بداية مرحل العقل وختام هعد الخ رافة‪ .‬أما العقل‬ ‫بي‬ ‫إالسالم إذا ت� َّرر من إرص ّ‬ ‫مؤسسات تال�اث واالغالل ال�ت‬ ‫ي‬ ‫تضهعا عىل العقل وتكبهل ب�ــا‪ ،‬ليوافق أدب القرآن الداىع‬ ‫ف‬ ‫والتد� فإن العلوم إال َّ‬ ‫نسانية املعارصة وقد ب�ثت ي�‬ ‫للتفكر‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫ونتا�ها مع تقدم التجربة‬ ‫تال�اث‬ ‫مناهها ئج‬ ‫الغر�‪ً � ،‬تقدمت ج‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫َّ ت‬ ‫هائال من التحدي ي ن‬ ‫ب� أن يكون أو‬ ‫نسانية �مل قدرا إليه‬ ‫إال‬ ‫نز‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫وب� أن ينفتح ملوا�ج ة‬ ‫ال يكون‪ ،‬يب� أن ي ج�مد وي�وي يو�ول‪ ،‬أ ي‬ ‫أسئل العرص ويتفاعل ّ‬ ‫ة‬ ‫ويتقدم‪ .‬واقع المر أن العقل املسمل ما‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫ين‬ ‫املسمل� اليوم‪ ،‬والبد‬ ‫ي ز�ال جامدا متخلفا امك هو واقع مج تمعات‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫مرحل احلداثة‪ ،‬امك‬ ‫مرحل التجديد إىل‬ ‫نلل�ضة الج ديدة من ج�اوز‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫مرحل التجديد‪.‬‬ ‫مرحل إالحياء إىل‬ ‫ج�اوز حممد إقبال من قبل‬

‫حتـ ّـدث ـنــا يف وق ــت س ــاب ــق ح ــول م ـنــاهــج الـتـثـقـيــف ال ــدي ــي يف‬ ‫العربية‪ ،‬وأنت أكادميي ِّ‬ ‫متخصص يف هذا‬ ‫التعليمية‬ ‫املؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية اليت حتتاجها‬ ‫اجلزئية املتعلقة بالعلوم‬ ‫َّ‬ ‫املجال‪ ،‬ما هي َّ‬ ‫مـنــاهــج الـثـقــافــة اإلســامـ َّـيــة يف املــراحــل الـتـعـلـيـمـ َّـيــة املختلفة؟‬ ‫هل حيتاج الفكر اإلسالمي اليوم إىل فلسفة الدين ً‬ ‫مثال؟‬

‫ين‬ ‫السبع� من القرن‬ ‫لقص� يعود إىل منتصف العقد‬ ‫منذ وقت ليس ب� ي‬ ‫َّ ف‬ ‫ض‬ ‫مناه‬ ‫املا�‪ ،‬بدأت مج هودات إلدراج مادة الثقافة إالسالمية ي� ج‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫العربية‪ ،‬اكن ّ‬ ‫يومئذ ت ز�ويد الطالب‬ ‫بعض الج امعات‬ ‫اهلم املسيطر ٍ‬ ‫أ‬ ‫اهلدامة)‪ ،‬ومه يعنون ف� الغالب املدّ‬ ‫(الفاكر ّ‬ ‫ب�ا يعينه ملوا�ج ة‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الشيوع الذي ا�از إليه بعض أبناء مج تمعات العرب‬ ‫املاركس‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫لخ‬ ‫ن‬ ‫القوم االش�اىك ا ‪.‬‬ ‫العملا� والفكر‬ ‫ور�ا الفكر‬ ‫واملسمل�‪ ،‬ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫و�لرصاعات السياسية‬ ‫ذلك العمل اكن موسوما بدوافع ايدلوجية ب‬ ‫املشتدة يومئذ ي ن‬ ‫ب� النارصية والسعودية‪ ،‬إضافة إىل ظالل كثيفة‬ ‫من احتشادات احلرب الباردة تغط لك ذلك تو� ّده ب� تّ‬ ‫لتو�ات‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وإذ جاء إالعداد ّ‬ ‫ملادة الثقافة إال َّ‬ ‫سالمية متخمة بعنارص يغ�‬ ‫مناهها ّ‬ ‫َّ‬ ‫موضوعية وبدوافع يغ� َّ‬ ‫َّ‬ ‫وماد ت�ا‬ ‫وغ�‬ ‫عملية‪ ،‬اكنت ج‬ ‫فكرية ي‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫ضعيفة مل ي�يأ هلا الطا� الج يد من الساتذة‪َّ .‬‬ ‫تكررت تلك التجربة‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ً ف‬ ‫ت‬ ‫ال� ومست‬ ‫أتقريبا ّ ي� السودان ومل تنفع إالسالم امك مل �ارص الفاكر ي‬ ‫ب� ن�ا هدامة‪ ،‬قبل أن شن�د ة‬ ‫جول ث�لثة أو رابعة من التجارب‬ ‫الخ ائبة بسبب رصاعات السياسة وبؤس االيدلوجيا‪ .‬اليوم شن�د‬ ‫أ‬ ‫ّ ف‬ ‫ة‬ ‫ين‬ ‫اكد�‬ ‫واملدرب�‬ ‫جول جديدة ي�ثلها ي� الغالب ذوو فالتأهيل ال ي ي‬ ‫مناه البحث احلديثة ي ن‬ ‫ويع� ي� ذلك ما شأ�ت إليه من‬ ‫عىل ج‬ ‫ث‬ ‫توال الكشوفات وتاك� املصادر‪ .‬لكن ال بد إل نج�از إعادة موضعة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫اكد�ية من ب�ث ي�صد التجربة املاضية‪،‬‬ ‫املناه ال ي‬ ‫إالسالم ي� ج‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نتا�ها ث� ال بد من تاكمل الج هود بع� مؤ�رات ومؤسسات‬ ‫ويقوم ئج‬ ‫ومنا� جديدة لتحدي ما هو املفيد والصاحل للطالب والباحث‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫الــذي يعينه عىل االج�اد ويسمح هل ب�رتياد آفــاق جديدة‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫الذاتية للدكتور املحبوب عبد السالم‪:‬‬ ‫من السرية‬ ‫َّ‬ ‫التعليم‪:‬‬ ‫كلية اآلداب قسم الفلسفة جامعة القاهرة يف اخلرطوم عام ‪.1981‬‬ ‫خترج يف َّ‬ ‫َّ‬ ‫السياسية من جامعة كاردف ( بريطانيا) ‪.1893‬‬ ‫حصل على دبلوم يف العلوم‬ ‫َّ‬ ‫املعمقة (‪ )A.E.D‬يف علم االجتماع من جامعة باريس الثالثة‬ ‫حصل على دبلوم الدراسات َّ‬ ‫عام ‪َّ 1989‬‬ ‫الشرقية واإلفريقية‬ ‫القرآنية املقارنة مبعهد الدراسات‬ ‫سجل للدكتوراه يف الدراسات‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫جامعة لندن عام ‪.2004‬‬

‫العمل اإلعالمي والصحفي‪:‬‬ ‫أسس صحيفة ألوان عام ‪ 1984‬يف اخلرطوم وترأس القسم الثقايف فيها إىل العام ‪.1985‬‬ ‫‪َّ -‬‬

‫السودانية ‪.1986‬‬ ‫ رئيس قسم األخبار يف جريدة الراية‬‫َّ‬ ‫ عمل يف َّ‬‫جملة اليوم السابع يف باريس منذ العام ‪ 1986‬إىل العام ‪.1990‬‬ ‫‪ -‬نشر سلسلة مقاالت يف جملة العامل اللندن ّية منذ عام ‪.1987‬‬

‫ نـشــر عــددا مــن املـقــاالت عـلــى فـتــرات مـتـفـ ِّـرقــة يف جــريــدة احلـيــاة الـلـنــدنـ َّـيــة وجــريــدة الـشــرق األوســط‬‫وجريدة القدس‪.‬‬

‫العملية‪:‬‬ ‫اخلربات‬ ‫َّ‬ ‫العربية للتربويّني التنويريّني‪.‬‬ ‫ يشغل حاليا منصب رئيس جملس األمناء يف الرابطة‬‫َّ‬

‫السودانية ‪.1992-1990‬‬ ‫ مدير إدارة اإلعالم اخلارجي‪ -‬وزارة اإلعالم والثقافة‬‫َّ‬ ‫ مدير مكتب األمني العام للمؤمتر الشعيب العريب واإلسالمي ‪.1996-1992‬‬‫‪ -‬األمني العام هليئة األعمال الفكريَّة ‪.2000-1996‬‬

‫واألمريكية ‪.2013-2009‬‬ ‫األوروبية‬ ‫مقدمة يف دراسة اإلسالم» يف عدد من اجلامعات‬ ‫ حماضر يف مادة « ّ‬‫َّ‬ ‫َّ‬

‫‪28‬‬


‫هامشية االشتغال باإلنسان ّيات واالجتماع ّيات‬ ‫ما تعليل‬ ‫َّ‬ ‫والفنون يف الوطن العريب؟‬ ‫َّ‬ ‫ملخص‬

‫‪,,‬‬ ‫وه ـ ــذا حـ ــال ال ـع ـل ــوم اإلن ـس ــان ـ َّـي ــة مــن‬ ‫داخ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـب ـ ـ ـلـ ـ ــدان اإلسـ ـ ــامـ ـ ـ َّـيـ ـ ــة‪،‬‬ ‫ف ـهــي َّإمـ ــا م ـنــاض ـلــة وواعـ ـي ــة مبـهـ ّـمـتـهــا‬ ‫وإمـ ـ ــا حم ــاف ـظ ــة وم ـت ــواط ـئ ــة‬ ‫الـ ـت ــارخي ـ َّـي ــة‪ّ ،‬‬ ‫خل ــدم ــة اس ـت ـق ــرار األوض ـ ـ ــاع‪ ،‬وبــال ـتــايل‬ ‫دوام ال ـ ـع ـ ــاق ـ ــات وامل ـ ـ ـصـ ـ ــاحل ن ـف ـس ـه ــا‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫نّ‬ ‫تــــد� املــانــة والــعــوض املــادي‬ ‫ُي َــع ُّــد‬ ‫ي‬ ‫املشتغل� العرب ب� إل ّ‬ ‫ين‬ ‫نسانيات‬ ‫لــدى‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫واالج�عيات والفنون حــال إشاكلية‪.‬‬ ‫ة ُ ضّ ُ أ‬ ‫السباب ت‬ ‫ال�‬ ‫لتفس� هذه احلال‪ ،‬تو�‬ ‫و ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫االج�ع ف� ت� ير�خ‬ ‫ت‬ ‫وزعت املهن ي� اهلرم‬ ‫ي ي‬ ‫ضُّ‬ ‫التح�‪ُ ،‬في َ‬ ‫ستنبط نم�ا قانون لقيمة‬ ‫ت ُ‬ ‫شبهعا‪.‬‬ ‫املهن ب�سب احلاجات‬ ‫الــ� ت ِ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ـا� لتلك‬ ‫ُويعلل ت�ميش الــدور إالنــتـ ج‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫الفئة ب�حتاكر الشؤون إال َّ‬ ‫سلطو�‬ ‫داريــة‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫وحزبيا‪ .‬وت ش َ‬ ‫� ُح‬ ‫دينيا‬ ‫القيمية‬ ‫والشؤون‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ُم َنتجات «املعل‪ ،‬والباحث االج� يع‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والفنان»؛ �ن الول ســادوس همارات‬ ‫ُّ‬ ‫اللغة واملنطق والتفلسف والتخلق ض�ن‬ ‫معطيات العلوم والـ تُـر ثا�ت‪ ،‬ومن ن‬ ‫الثا�‬ ‫ي‬ ‫والنصاف لـ «حوامل َّ‬ ‫اهلوية‬ ‫الدراسة إ‬ ‫ش‬ ‫الع�ة» (اكلقرابة‪ ،‬والج نوسة‪ ،‬والطبقة)‪،‬‬ ‫ـرد�ت والعوامل‬ ‫ومن الثالث إبــداع ال ـ ّ ي‬ ‫السمعية – الــبـ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ـريــة‪ ،‬لتوليد سوق‬ ‫ف‬ ‫لخ‬ ‫ت‬ ‫و� ت�ميش ا ِملهن‬ ‫الس�الك ا يال واملتع‪ .‬ي‬ ‫ة‬ ‫الثالث دالل عىل قصور التحديث‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫هسم ف ي� ُّ‬ ‫التطرف‪.‬‬ ‫ما ُي ِ‬ ‫ضعف املواطنة‪ ،‬وي ِ‬

‫مقد َمة‬ ‫ِّ‬

‫أمحد زهاء الدين عبيدات‬ ‫أستاذ مساعد اللغة العربية واحلضارة اإلسالمية‬ ‫جبامعة ويك فوريست يف الواليات املتحدة‬

‫األردن‬ ‫أ‬ ‫أتوجه ب�لعرفان إىل الستاذ الدكتور حممود حداد‪ ،‬أستاذ‬ ‫يخ‬ ‫الشام‪،‬‬ ‫التار� ب ج�امعة البملند اللبنانية‪ ،‬واملـ تـر ج� أنور‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الغ�‬ ‫النفس والقارئ أمحد‬ ‫واملرشد‬ ‫ي‬ ‫احلمدي‪ ،‬والستاذ عبد أ ي‬ ‫ة ف‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫شديد عىل مطالع�م هذه املقال ي� مراحل عدة من �لي�ا‪،‬‬ ‫ين‬ ‫مشكور� من نصح وتصويب‪.‬‬ ‫وعىل ما قدموه يل‬

‫كيف ي ج�وز بل� َّ‬ ‫يطانية مغمورة مثل جوان‬ ‫رولنغ‪ ،‬مؤِّلفة قصص هاري ت‬ ‫تص�‬ ‫بو�‪ ،‬أن ي‬ ‫ن‬ ‫أغ� من ملكة ب� يطانيا نفهسا؟ وكيف‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫جامعي ي ن� أن ي�صلوا عىل ئز‬ ‫جوا�‬ ‫لساتذة‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫مستشار�‬ ‫ويص�وا‬ ‫نوبل ي� االقتصاد‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تغي�‬ ‫للرؤساء واملــلــوك‪ ،‬فيسامهوا ي� ي‬ ‫أم�كيان‬ ‫االقتصاد‬ ‫العامل؟ وكيف يقتدر ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫مل يمكل الدراسة الج امعية‪ ،‬مثل ِبل غيتس‬ ‫تغي� حياة ش‬ ‫الب� َّية‬ ‫ومارك‬ ‫زوكرب�غ‪ ،‬عىل ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫م ومواقع‬ ‫ب�نتوجا�ما من العتاد ب‬ ‫الــر ج ي‬ ‫ّ‬ ‫التواصل االجـ تـام يع‪ ،‬ومن ث� ي�تلاكن من‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫الموال ما ال ي�تلكه بعض احلكم العظام؟‬ ‫ف‬ ‫تفس� َّ‬ ‫يث�‬ ‫وضعية تلك املهن ي‬ ‫ال شك ي� أن ي‬

‫ف‬ ‫و� املقابل‪،‬‬ ‫الدهشة ويطالب ب�لج واب‪ .‬ي‬ ‫نّ‬ ‫ين‬ ‫املشتغل�‬ ‫تد� املاكنة والعائد لدى‬ ‫فإن ِ ي‬ ‫واالج� ّ‬ ‫العرب ب� إل ّ‬ ‫ت‬ ‫عيات والفنون‬ ‫نسانيات‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫احلاصل� عىل‬ ‫حم�؛ ذلك أن عدد‬ ‫أمر ِّي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫املرصية‬ ‫املعين� ي� احلكومة‬ ‫الدكتوراه‬ ‫آ‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫مثل هو اكل ي�‪ :‬مج موع داك�ة قطاع الزراعة‬ ‫ـر�ء والنقل والتجارة‬ ‫والصناعة والــهـ ب‬ ‫ً‬ ‫والســان هو ‪ 557‬موظفا‪،‬‬ ‫واالقتصاد إ‬ ‫داك�ة قطاع الخ دمات الصحيةَّ‬ ‫ومج موع ت‬ ‫َّ‬ ‫واالج� َّ‬ ‫ت‬ ‫والعــام‬ ‫عية‬ ‫والدينية والثقافة إ‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫يع�‬ ‫َّوالسياحة هو ‪ 712‬موظفا‪ .‬وهذا ي‬ ‫َّ‬ ‫املرصية إىل ب� ي ن‬ ‫حث�‬ ‫أن حاجة احلكومة‬ ‫ّ‬ ‫االج� ّ‬ ‫ف ي� ت‬ ‫والنسانيات تقارب ربع‬ ‫عيات إ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫حاج�ا يإل�م ف� قطاعات َّ‬ ‫وعملية‬ ‫تقانية‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫البطال تتعاظم‬ ‫وإداريــة‪ .1‬بل إن نسب‬ ‫ف‬ ‫واالج� ّ‬ ‫ف� حقول إال ّ‬ ‫ت‬ ‫عيات ي�‬ ‫نسانيات‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫البطال ي ن‬ ‫ب�‬ ‫املغرب؛ حيث تفوق نسبة‬ ‫نظ� ت�ا ي ن‬ ‫ب�‬ ‫خر� هذه احلقول ضعف ي‬ ‫يج ي‬ ‫َّ ف‬ ‫َّ‬ ‫خر� احلقول العملية والتقنية ي� املراحل‬ ‫يج ي‬ ‫َّ ‪ 2‬ف‬ ‫َّ‬ ‫و�‬ ‫الدراسي أة ما بعد املدرسة أالثانوية ‪ .‬ي‬ ‫حال الردن‪ ،‬يبلغ ّ‬ ‫ة‬ ‫احلد القىص للراتب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ر�‪ ،‬ي� أعىل درجات الخ ب�ة‪،‬‬ ‫ساس ش� ّ ي‬ ‫ال ي‬ ‫ب�لنسبة إىل الطبيب خ‬ ‫امل ّ‬ ‫تص ‪ 1482‬دينارا‪،‬‬ ‫والحصاء‪،‬‬ ‫‪ -1‬الج هاز املركزي للتعبئة العامة إ‬ ‫ال ــن ـ شـرة الــســنــويــة إلح ــص ــاء الــعــامــلـ يـ�ن‬ ‫أ‬ ‫ب�حلكومة والقطاع العام‪ /‬المعــال العام‪،‬‬ ‫عـــام ‪( 2015‬مـــر‪ ،)2015 :‬ص ‪،38‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫شوهد ي� ‪ ،2016/6/5‬ي�‪/BPGwdN :‬‬ ‫‪https://goo.gl‬‬ ‫‪ -2‬أمحــد احلليم علم�‪« ،‬املــغــرب بـ ي ن‬ ‫ـ�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أهداف اللفية من أجل التنمية وأهداف‬ ‫والتحد�ت‪،‬‬ ‫التنمية املستدامة‪ :‬املكتسبات‬ ‫ي‬ ‫التقر� ن‬ ‫(الر�ط‪ ،)2015 ،‬ص‬ ‫الوط�‪ »2015‬ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫يف‬ ‫‪ ،21‬شوهد ي� ‪ ،2016/6/5‬ي�‪/ui2OXa:‬‬ ‫‪https://goo.gl‬‬

‫‪29‬‬


‫ّ‬ ‫املعل‪.3‬‬ ‫و‪ 1123‬دينارا ب�لنسبة إىل املهندس‪ ،‬و‪ 898‬دينارا ب�لنسبة إىل ِ‬ ‫ف‬ ‫نّ‬ ‫التعل� وأمثاهلا؟‬ ‫�ا ي‬ ‫تد� همنة ي‬ ‫تفس� ي‬ ‫ً‬ ‫أول‪ :‬الفقه التارخيي لتوزيع املهن يف اهلرم االجتماعي‬ ‫ض أ‬ ‫ت خ‬ ‫ض‬ ‫احلا�؛ لن‬ ‫ر� لنصل إىل‬ ‫من ال�وري أن ننطلق من سياق � خ ي ي‬ ‫بقية ش‬ ‫العرب‪ ،‬مثل َّ‬ ‫الب�‪ ،‬جزء من ت� ير� التفاعل مع بيئة موارد هذا‬ ‫آ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫تتفرع منه ال َّلية ُ‬ ‫الكوكب‪ ،‬وهو التفاعل الذي َّ‬ ‫حددة لقيمة املهن‪.‬‬ ‫امل ِ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫خ‬ ‫و�ورة هذا ّ‬ ‫ض‬ ‫التار�‬ ‫متعددة تقع ي� صلب‬ ‫ي‬ ‫التتبع عىل مراحل ِ‬ ‫التفك� ي ي‬ ‫َّ‬ ‫تعميمية مناسبة‪.‬‬ ‫تقر� قواعد هلا قوة‬ ‫الذي ي�وم ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫بعد تف�ة من العرص الج ليدي الخـ يـر‪ ،‬أي منذ �و ‪ 413500‬سنة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ُّ ف‬ ‫يخ‬ ‫التار�‪،‬‬ ‫التصحر ي� بعض املناطق‪ُ ،‬د ِف َعت‪ ،‬لول َّمرة ي�‬ ‫وشيوع‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫مج موعات ب� ية إىل االنتقال من �ط «الصائد الالقط» إىل �ط‬ ‫ن‬ ‫احليوا�ت ي ن‬ ‫ين‬ ‫لتأم�‬ ‫وتدج�‬ ‫االستيطان‪ ،‬واالشتغال ب ز�راعة النبات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫‪5‬‬ ‫لخ‬ ‫الغذاء‪ ،‬نظرا إىل انتشار الج دب ونقص الصيد ي� اهلالل ا صيب ‪.‬‬ ‫ن‬ ‫وبعد مرور �و ث�انية آالف سنة من ت�ك ن�ط الصيد واللقط واملداومة‬ ‫ز ُّ‬ ‫تعقد ف ي� الفعل ض‬ ‫احل�ي؛ إذ قام ت‬ ‫االج�ع‬ ‫اع‪ ،‬ب�غ‬ ‫عىل االستيطان الزر ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫الب�ي السومري ب� تع�د ب�� جم توزيع العمل يب� أعضائه‪ ،‬ي� شلك‬ ‫كب� تم�اتب الطبقات‪ ،‬ذي قاعدة عريضة ورأس دقيق‪ .‬وهكذا‬ ‫هرم ي‬ ‫نّ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ث‬ ‫تد� ال�وة والسلطة واملاكنة‪،‬‬ ‫يتاك� عدد الناس ي� قاعدة اهلرم‬ ‫من �ج ة ي‬ ‫ً‬ ‫وت�ايد هذه الخ صائص صعودا إىل ق ّ�ة اهلرم‪ .‬وقد شاع اهلرم ق‬ ‫تز‬ ‫الطب� من‬ ‫ي‬ ‫ن ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والفارسية املج اورة‪ ،‬فاكن الفالحون‬ ‫املرصية‬ ‫السومري� ي� املناطق‬ ‫بعد‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫واحلرفيون مثلهم أو فو�م قليال‪،‬‬ ‫والرعاة من منت�ج ي الغذاء ي� القاعدة‪ِ ،‬‬ ‫نً‬ ‫ق تأ‬ ‫ت‬ ‫والعسكريون ي ُ� ِ ّصلون ض‬ ‫ال�ائب من هؤالء‪ ،‬ومن فو�م � ي� أحيا� طبقة‬ ‫الناقل� وامسرسة املنتوجات‪ ،‬ث� ت أ� ت� طبقة ُم َّلك إال ّ‬ ‫ين‬ ‫قطاعيات‬ ‫التجار‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫و� موازا�ا � ي� طبقة الهكنة‬ ‫والقنان والتجارات‪،‬‬ ‫تفس الكون‪،‬‬ ‫ال� ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ ّ‬ ‫َّ‬ ‫والقمرية واتصاهلا ب�حملاصيل والعياد‪،‬‬ ‫الشمسية‬ ‫وتضبط إيقاع املوامس‬ ‫ّ‬ ‫ن ف ت‬ ‫ن ف‬ ‫ّ‬ ‫التفا� ي� �صيل‬ ‫الفالح� ي� الطاعة‪ ،‬وتشجع العسكر عىل‬ ‫تُف� ِغب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫القو�ة‪ .‬وامللك وحاشيته من‬ ‫ود�نته ي‬ ‫ال�ائب من أجل امللك املقدس ي‬ ‫ً‬ ‫ق‬ ‫فو�م �ج يعا‪ ،‬عىل ق ّ�ة اهلرم‪ ،‬يستفيدون من إالنتاج ب�لج اه والسلطان‪.‬‬

‫ق‬ ‫ن ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اهلرمية ب�الرتفاع إىل �ة‬ ‫املنطو� ي� هذه الصيغة‬ ‫عضوية‬ ‫تتناقص‬ ‫ي‬ ‫ث ف‬ ‫ث‬ ‫ّ‬ ‫اهلرم؛ فالفالحون واحلرفيون مه الك�ة الاك�ة ي� القاعدة‪ ،‬ييل�م العساكر‬ ‫ق‬ ‫والتجار ف� الوسط‪ ،‬ث� النبالء والهكنة‪ ،‬ومه ِق َّ ةل ّ ة‬ ‫ّ‬ ‫القل‪ ،‬ومن فو�م امللك‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الواحد الذي ال ش� يك هل ي� ُ‬ ‫يتغ� شلكه‬ ‫امللك‪ .6‬هذا البناء‬ ‫اهلرم قد َّي‬ ‫ي‬ ‫ب� َّ‬ ‫من حيث سعة القاعدة وقدر املسافة ي ن‬ ‫القمة والقاعدة‪ ،‬لكن شلك‬ ‫يتغ� بع� احلضارات‪ ،‬وهذا ما ي ج�عل اهلرم ت‬ ‫االج� يع ظاهرة‬ ‫تال�تيب مل َّي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صناعيا‪ ،‬أو موظف‬ ‫عا�ة للحضارات‪ ،‬فإن تغ ي� الفالح صار عامال‬ ‫ب‬ ‫ً‬ ‫ش ًّ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫مبيعات‪ ،‬وإن �ول العسكري صار �طيا أو جابيا لل�ائب‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫والقطاع َّ‬ ‫يتقمص دور‬ ‫عالم‪ ،‬إ‬ ‫ي‬ ‫احلز� أو إال ي‬ ‫والاكهن قد يتحول إىل ب ي‬ ‫يتحول إىل رئيس حمدود ت‬ ‫ال� كة‪ ،‬وامللك َّ‬ ‫مد� ش‬ ‫الف�ة أو ما شابه ذلك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وال َّ‬ ‫َّ‬ ‫خالقية إلشاكالت اهلرم‬ ‫السياسية‬ ‫ًّ يأ� اكن مدى نقد الفلسفات‬ ‫ين‬ ‫ت‬ ‫االج� يع ومفاسد استغالل فائض القيمة من‬ ‫الاكدح�‪ ،7‬فإن وجود‬ ‫ش ً ًّ‬ ‫ت خًّ‬ ‫َّ ف‬ ‫اهلرم � ير�يا اكن �طا سببيا لظهور الطبقة الثقافية ي� املج تمعات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الوىل‪ .‬فلوال اهلرم ت‬ ‫االج� يع‪ ،‬ملا � َّررت طبقة العسكر من الزراعة‬ ‫ت‬ ‫فتفرغت َّ‬ ‫والرع‪َّ ،‬‬ ‫ملهمات القتال والشوكة‪ .‬ولواله‪ ،‬كذلك‪ ،‬ملا � َّررت‬ ‫ي‬ ‫الرع ليتوافر هلا الوقت ُّ‬ ‫للتفرغ‬ ‫وعصاة‬ ‫الفالحة‬ ‫معول‬ ‫من‬ ‫الهكنة‬ ‫طبقة‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫يؤمن هلم املزارعون �ورا�م الغذائية‪ .‬بو�ا أن الطبقة‬ ‫للتعل‪ ،‬نبي� ِ‬ ‫للتفرغ إل ة‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫املتخصصة‪ ،‬همما صغر جحمها‪ ،‬ال ت�لك الوقت ّ‬ ‫عال‬ ‫الثقافية‬ ‫الغف� من أبناء الطبقة الدنيا أن‬ ‫نفهسا‪ ،‬فقد وجب عىل العدد ي‬ ‫ت ّ‬ ‫يقوموا عىل ت‬ ‫إعال�ا من خالل فائض إالنتاج‪ .‬وحينئذ �كنت الطبقة‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫الثقافية من ُّ‬ ‫س� حرو�ا‬ ‫التفرغ للكتابة‬ ‫وتدو� قصص أقواهما‪ ،‬تو� ي‬ ‫الكتابية‪ ،‬وتقعيد ت‬ ‫وتقن� ش‬ ‫َّ‬ ‫لغا�ا‪ ،‬ي ن‬ ‫ت‬ ‫وااله�م ب�راكت‬ ‫ال�ائع والعقائد‪،‬‬ ‫للنا� ي ن�‪ .‬فن�م‪،‬‬ ‫املوامس وبعض ظواهر الطبيعة‪ ،‬وتدريس هذا لكه ب‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫املشتغل� ب� إل ّ‬ ‫ين‬ ‫القد�ة‪ ،‬ب�لنظر‬ ‫إذا‪ ،‬سبب ب ز�وغ‬ ‫نسانيات ي� العصور ي‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫إىل احتياج اهلرم ت‬ ‫خدما�م‪ ،‬مع نأ�م ال يشتغلون‬ ‫االج� يع املعقد إىل‬ ‫ف‬ ‫ور�ت‪ .‬وال بد من التنبيه إىل أن ثأ� فائض إالنتاج ي� اهلرم‬ ‫ب�ل ـرض ّ ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫االج� يع ش�ط ي�كن اختبار غيابه ي� جل املج تمعات الصائدة الالقطة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ف� تلك‬ ‫ي� أفريقيا وأس�اليا ي� ي‬ ‫بواك� الكشوف الج غرافية الوروبية؛ ي‬ ‫ال� أدرهكا عملاء إالنسان منذ ي ن‬ ‫قرن�‪ ،‬يشيع ت‬ ‫ت‬ ‫االع�د عىل‬ ‫املج‬ ‫تمعات ي‬ ‫ن أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫وتدو� ال يد�ن والعلوم‪،‬‬ ‫واحلفظ‪ .‬امك �لو لغا�م من الكتابة‬ ‫املشا�ة ُ‬ ‫ي ً‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫يفس أمي�م وخلومه من الكتب املقدسة‪ ،‬فضال عن العلوم‪.‬‬ ‫وهذا ِّ‬ ‫ف‬ ‫«� ن� جم إعادة هيلكية الرواتب والعالوات ي� القطاع العام‪ ..‬طالع الج داول وكشوفات‬ ‫‪ -3‬ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫الرواتب الج ديدة»‪ ،‬موقع واكل زاد الردن الإخبارية‪ ،‬ص ‪ ،8-6‬شوهد ي� ‪ ،2016/6/5‬ي�‪:‬‬ ‫‪http://www.jordanzad.com/print.php?id=46424‬‬

‫خت ـت ـف ــي ال ـ ـق ـ ــدرة عـ ـل ــى إعـ ــالـ ــة املـ ـتـ ـفـ ـ ّرغ ــن ألم ـ ـ ــور ل ـي ـســت‬

‫‪p. 322. Spier, Big History and the Future of Humanity (Chichester: Wiley- -4‬‬

‫مـ ــن ضـ ـ ـ ــرورات الـ ـبـ ـقـ ــاء‪ ،‬ك ــال ـع ـل ــوم واإلن ـ ـسـ ــان ـ ـ ّيـ ــات‪ .‬ه ـ ــذا كـلــه‬

‫‪Jared Diamond, Guns, Germs, and Steel: the fates of human societies (New -5‬‬

‫ي ـ ـ ـ ــدل ع ـ ـل ـ ــى أن االش ـ ـ ـت ـ ـ ـغـ ـ ــال بـ ــال ـ ـث ـ ـقـ ــافـ ــة يف ال ـ ـع ـ ـصـ ــور‬

‫‪.derFBlackwell, 2015),‬‬

‫‪York and London: W.W. Norton & company, 1999), p. 16.‬‬

‫‪)-106. Wright, A Short History of Progress (NY: Carroll & Graf Publishers, -6‬‬ ‫‪dlanoR2005), pp. 81(.‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫‪ -7‬ي ن‬ ‫أوج� اكمناك‪ ،‬السس الخالقية لملاركسية‪ ،‬ت��ج ة مج اهد عبد املنعم (القاهرة‪ :‬املركز‬ ‫ت‬ ‫القوم لل��ج ة‪ ،)2011 ،‬ص ‪.36-26‬‬ ‫ي‬

‫‪30‬‬


‫ف‬ ‫منعزل ة‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫قليل العدد‪،‬‬ ‫شفوية‬ ‫للتدو� أن ينمو ي� مج تمعات‬ ‫وما اكن‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫للتعال� أن تظهر ي� مج تمعات‬ ‫اهلرم؛ أي ما اكن‬ ‫خالية من ال�اتب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫املنتجة يف�ا عىل توليد هرم تظهر فيه طبقات عليا‪،‬‬ ‫ال تقوى القوى ِ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ئ‬ ‫الغذا�‪ .‬احلاصل أنه عىل قدر تعقد‬ ‫لغ� ض�ورات إالنتاج‬ ‫متفرغة ي‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫اهلرم ت‬ ‫و�لعكس‪ ،‬عىل قدر‬ ‫االج� يع املناسب‪ ،‬تتعقد الثقافة العليا‪ .‬ب‬ ‫ُّ‬ ‫ة ّ ن أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫غ� لمور ليست من‬ ‫ت� القدرة عىل إعال املتفر ي‬ ‫تسطح هذا اهلرم‪ � ،‬ي‬ ‫وال ّ‬ ‫نسانيات‪ .‬هذا لكه يدل عىل أن االشتغال‬ ‫ض�ورات البقاء‪ ،‬اكلعلوم إ‬ ‫ف‬ ‫القد�ة أمر ي ز� يد أو ينقص‪ ،‬ويوجد أو يعدم من‬ ‫ب�لثقافة ي� العصور ي‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫نتا� لكه‪.‬‬ ‫خالل مدى فاعلية اهلرم االج� يع إال ج ي‬ ‫ً ف‬ ‫َّ ف‬ ‫بواك� ي خ‬ ‫التار� عن َّ‬ ‫فاعلية اهلرم ت‬ ‫االج� يع‪ ،‬يظل حصيحا ي�‬ ‫وما حص ي� ي‬ ‫وه مركز للفتوحات‬ ‫مراحل الحقة‪ .‬واحلديث عن‬ ‫مدينة َالبرصة مثال‪ ،‬ي‬ ‫ّ ن أ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ّ‬ ‫واملتلك ي�ن‬ ‫ن‬ ‫والتجارات ف ي� ي ن‬ ‫القرن� اهلجري ي� الول ي�‪ ،‬يفس �ور النحاة‬ ‫أ‬ ‫الوائل‪ .‬لكن البرصة ليست ه ت‬ ‫املغول‪8‬؛ إذ ّملا زارها‬ ‫ذا�ا بعد الغزو‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫بن‬ ‫ا� بطوطة جعب من غياب الفصاحة‪ ،‬فقال‪« :‬فملا قام الخ طيب به‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫كث�ا ّ‬ ‫فعجبت من‬ ‫جليا‪،‬‬ ‫ب[�ملسجد] إىل الخ طبة ورسدها‪َ ،‬حلن يف�ا حلنا ي‬ ‫الد�‪ ،‬فقال ل‪ :‬إن هذا البلد مل َ‬ ‫ُ‬ ‫وذكرت ذلك ض‬ ‫للقا� جحة ي ن‬ ‫يبق‬ ‫أمره‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ال� إىل أهلها‬ ‫به من يعرف شيئا من عمل النحو [‪ ]...‬هذه البرصة ي‬ ‫ت‬ ‫خطي�ا خطبة الج معة‪ .»9‬والتعليل‬ ‫يق�‬ ‫ب‬ ‫ان�ت ير�سة النحو [‪ ]...‬ال ي‬ ‫َّ ث ف‬ ‫هو تدهور وظائف اهلرم ت‬ ‫االج� يع إالنتاجية وأ�ه ي� الثقافة بعد الغزو‬ ‫املغول‪.‬‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ولقد تفطن ب ن‬ ‫وه فكرة‬ ‫ا� خلدون لج زء من فكرة اهلرم االج� يع‪ ،‬أال ي‬ ‫ف‬ ‫ود�ومة‬ ‫توزيع العمل ي� مثاهل حول رغيف الخ ب ز�‪ .‬فعىل بساطة الرغيف ي‬ ‫َّ‬ ‫همن متعاضدة‪،‬‬ ‫احلاجة إليه عىل املائدة العربية‪ ،‬فإنه ي�تاج إىل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فاحلصاد‪ ،‬فالطحان‪ ،‬فالخ ّباز‪ ،‬فالبائع‪ ،‬ت‬ ‫َّ‬ ‫يص�‬ ‫اكحلراث‪ ،‬فاملزارع‪،‬‬ ‫ح� ي‬ ‫أ‬ ‫�ة‬ ‫‪10‬‬ ‫لقمة سائغة ‪ .‬هذه املهن لكها تسبق حلظة ألك تلك ال لك البسيطة‪،‬‬ ‫ن‬ ‫عىل �و ال يقوى الفرد عىل القيام به وحده عادة‪ .‬فإذا اكن هذا شأن‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الرغيف ي� التعاون عىل توزيع العمل‪� ،‬ا ب�لك ب�نتوجات أعقد‪،‬‬ ‫كدستور إلدارة احلكومات أو مفاعل نووي؟ وهكذا‪ ،‬ي ن‬ ‫فب� الرغيف‬ ‫ّ‬ ‫ينظم شبكة إالنتاج تتموضع املهن ب ج�ميع‬ ‫ووضع مخ طط اقتصادي ِ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫وبناء عليه‪ُ ،‬ي ْ�كن صياغة القاعدة‬ ‫أنواهعا ي� هرم توزيع العمل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫آ‬ ‫ُّ‬ ‫التية‪ :‬عىل قدر تعقد اهلرم االجـ تـام يع تتولد حاجات‪ ،‬وعىل قدر‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫شبعة هلذه احلاجات‪ ،‬تكون‬ ‫الندرة احلقيقية أو املظنونة لملهنة امل ِ‬ ‫قيمة املهنة‪ ،‬ويكون ض‬ ‫ي‬ ‫تعم�‬ ‫التكر� املادي‬ ‫عو�ا من‬ ‫واملعنوي‪ .‬وهذا ي‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫سالم‬ ‫يصح بشأن اهلرم‬ ‫االج� يع السومري ي‬ ‫قد�ا‪ ،‬مرورا ب�هلرم إال ي‬ ‫ف‬ ‫العباس‪ ،‬إىل اهلرم االجـ تـام يع ي� العصور احلديثة‪ .‬وال يشمل هذا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫النا�ة من االحتيال‬ ‫املاكنة‬ ‫أو‬ ‫واملغصوبة‪،‬‬ ‫املرسوقة‬ ‫وات‬ ‫ال�‬ ‫القانون‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫تعاقدية وال تدخل ي� فم�وم العوض‬ ‫والرشوة واالحتاكرات؛ ل ن�ا يغ�‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫البقال‪ ،‬مثال‪ٌ ،‬‬ ‫أمر يقتدر‬ ‫عن المعال‪ .‬بو�ا أن همنة البائع ي� حمالت‬ ‫ّ أ‬ ‫عليه املبتدئ خ‬ ‫وال ّم‪ ،‬فإنك ت ج�د هذه املهنة من ث‬ ‫أك�‬ ‫واملتعل‬ ‫وامل ض�م‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ً ّ‬ ‫ً‬ ‫والتعل�‬ ‫املهن انتشارا وأقلها عوضا وقيمة‪ .‬وهذا عىل خالف الخ ب�ة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫املطلوب� ف� ة‬ ‫حال َّ‬ ‫جراح الدماغ‪ ،‬أو مخ رج الفالم الضخمة‪.‬‬ ‫ين ي‬ ‫ً‬ ‫ّ ف‬ ‫وتفريعا عىل القاعدة َّ‬ ‫املتخصص ي�‬ ‫املبينة آنفا‪ ،‬فن�م ملاذا يفوز الطالب‬ ‫ِ‬

‫ً‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫الطب ب أ�عىل ّ‬ ‫الجور ّ‬ ‫عربيا‪ ،‬مقارنة ب ز�مالئه ممن خ� َّصصوا ي� علوم‬ ‫متوسط‬ ‫ّ‬ ‫أخرى‪ ،‬وذلك لندرة الخ دمة ت ّ‬ ‫عل�ا‪.‬‬ ‫ال� ِ‬ ‫يقدهما الطبيب‪ ،‬وشدة الطلب ي‬ ‫ي ُ‬ ‫َّ‬ ‫لكن إذا اتضحت ّ‬ ‫إشاكلية البحث َّمرة أخرى‪:‬‬ ‫أمهية الطبيب ت ِطل‬ ‫أ‬ ‫ن ف‬ ‫كيف ي ج�وز َّ‬ ‫املذكور� ي� صدر البحث‬ ‫وامل� ِ جم ي ن�‬ ‫للقاصة والساتذة ب‬ ‫ي‬ ‫ّ ف‬ ‫أغ� الناس ث‬ ‫يص�وا من ن‬ ‫تفس� وظيفة‬ ‫وأك�مه نفوذا؟ ال شك ي� أن ي‬ ‫أن ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫مزيد من التعمق‪.‬‬ ‫تلك املهن ي� هرهما االج� يع ال ي�ال ي� حاجة إىل ٍ‬ ‫ثــانـ ًيــا‪ :‬مـعـضـلــة تـقـيـيــم املـشـتـغـلــن بــالـثـقــافــة يف هــرم تــوزيــع‬ ‫العمل العريب‬ ‫ت ف‬ ‫لخ‬ ‫االج�ع ش‬ ‫ال� ُت ِّقدهما هذه العقول إىل ت‬ ‫ت‬ ‫ووظيف�ا ي� دورة‬ ‫الب�ي‬ ‫ا دمة ي‬ ‫َ َ‬ ‫ت‬ ‫العر� املعارص أ ِلف أن يكون‬ ‫االقتصاد‬ ‫العامل؛ آذلك أن االج�ع ب ي‬ ‫ًي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ض‬ ‫معالا للالم‪ ،‬وأن يكون املهندس بناء وصائنا ل�ورات‬ ‫الطبيب ِ ج‬ ‫أ‬ ‫ّ ً‬ ‫مد� المعال مدققا‬ ‫أو‬ ‫ب‬ ‫احملاس‬ ‫يكون‬ ‫وأن‬ ‫وآالت‪،‬‬ ‫أبنية‬ ‫احلياة من‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫املهندس�‪ ،‬وأن يكون أبناء‬ ‫ل بر�ح مستشفيات الطباء ومصانع‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫سقفا ًّ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫عاما ت�بط منه‬ ‫وساد�م من أحصاب السلطة‬ ‫االحتاكري�‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫املذكور�‪ .‬هكذا‬ ‫االختصاصي� الثالثة‬ ‫العطاءات واملشاريع عىل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تقتنع بوظيفته ومنتجاته حصصا مج زية من تدفق‬ ‫توزع السلطة عىل َمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫أموال النفط والسياحة ض‬ ‫واملعو�ت الخ ارجية‪َ .‬ومن ال وظيفة‬ ‫وال� يبة‬ ‫ف‬ ‫هل يُ� َّمش أو يطرد من السوق‪ .‬وال شك ي� أنه ال ي�كن املدنية احلديثة‬ ‫ّ‬ ‫بغ� الخ دمات الج ة‬ ‫ليل للطبيب واملهندس واحملاسب‪ .‬بل إن‬ ‫أن تقوم ي‬ ‫َّ‬ ‫القد�ة نفهسا ما اكنت لتقوم إال ب�ثل هذه املهن ض‬ ‫ال�ورية‪.‬‬ ‫احلضارات‬ ‫ي أ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫العر�‬ ‫لكن ماذا يصنع الديب ِ‬ ‫واملؤرخ والفيلسوف ي� دورة االقتصاد ب ي‬ ‫ّ‬ ‫اهلرم‬ ‫املعارص عىل‬ ‫فاملؤرخ‬ ‫املذكور؟ ف ِ‬ ‫التشخيص السابق‪ ،‬وعىل التوزيع أ ي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫يش�‪ ،‬وال ما يؤوى إليه من البنية‪ ،‬وال ما يؤك‪� .‬ل‬ ‫يقدم ما‬ ‫العر� ال ِ‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫عية ّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫املم�‬ ‫هؤالء‬ ‫والق�؟ لكن‬ ‫املع�‬ ‫مون‬ ‫يقد‬ ‫واالج�‬ ‫ة‬ ‫نساني‬ ‫ال‬ ‫للعلوم‬ ‫نون‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫الثقافة التقليدية ت ِوك للشيخ همنة تقدم مع� الوجود بعوض ال يقارن‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ ف‬ ‫العر�‬ ‫ب�عواض املهن العليا؛ �ذا الشيخ مثال هو الذي ِ‬ ‫يؤذن ي� أذن ب ي‬ ‫ّ‬ ‫ويصل عليه ي ن‬ ‫ين‬ ‫ح� وفاته‪،‬‬ ‫يك�‪،‬‬ ‫ح� ي أولد‪ ،‬ويعقد عقد زواجه أ َّملا ب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫عل�ا؛‬ ‫العر� �خذ معناها من تالوة الشيخ‬ ‫ح� لكن دورة حياة‬ ‫ي ً‬ ‫بي أ‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫خ�ة‪� .‬ن هذا اهلرم االج� يع إذا‪،‬‬ ‫من الصياح الول إىل الغرغرة ال ي‬ ‫ال وظيفة منتجة هلؤالء ت‬ ‫عية والفنيةَّ‬ ‫واالج� َّ‬ ‫ن� للعلوم إالنسانيةَّ‬ ‫املم� ي ن‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ي� دورة االقتصاد؛ ذلك ل ن�م يقومون ب�هنة ليس هلا دور مادي أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ ت‬ ‫متقدمة �فل ب�م‪،‬‬ ‫كث� من العقول إىل بالد ِ‬ ‫معنوي‪ .‬وهذا ُي ِعلل جهرة ي‬ ‫امك فعل ّ‬ ‫حل�‬ ‫الر�ضيات رشدي راشد‪،‬‬ ‫مؤرخ ي‬ ‫والباحث االجـ تـام يع ي‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫�اكت‪ ،‬وفرقة العود ث‬ ‫ة‬ ‫املقبل ِ ّ‬ ‫س نز�ف‬ ‫جل القسام‬ ‫للثال� ّ ب‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ج�ان‪ .‬ست ي‬ ‫ّ‬ ‫العقول ببيان َ‬ ‫منتجات ُ‬ ‫امل ِعل والباحث والفنان‪ ،‬لك عىل حدة‪.‬‬ ‫‪of the Dunn, The Adventures of Ibn Battuta: a muslim traveler of the -8‬‬

‫‪Ross Dunn, The Adventures of Ibn Battuta: a muslim traveler‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫‪ -9‬حممد ن� بطوطة‪ ،‬ة‬ ‫رحل ب ن‬ ‫وعائب‬ ‫ا� بطوطة املامسة �فة النظار ي� غرائب المصار ج‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫أاكد�ية اململكة املغربية‪،)1997 ،‬‬ ‫(الر�ط‪ :‬ي‬ ‫السفار‪� ،‬قيق عبد اهلادي التازي‪ ،‬جم ‪ 2‬ب‬ ‫ص ‪.13‬‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫وا�‪ ،‬جم ‪( 1‬القاهرة‪ :‬دار �ضة‬ ‫عل ي‬ ‫‪-10‬عبد الرمحن ب� خلدون‪ ،‬مقدمة با� خلدون‪� ،‬قيق ي‬ ‫مرص للطباعة ش‬ ‫والن�‪ ،)1979 ،‬ص ‪.337‬‬

‫‪31‬‬


‫ثالثًا‪ :‬بيان وظيفة االشتغال باإلنسان ّيات يف العامل احلديث‬ ‫وتعليل مكانة ِّ‬ ‫املعلم‬

‫ف‬ ‫كب� من َّ‬ ‫جراء خطة توزيع العمل واهلرم‬ ‫ال َجرم أن العرب ي ُّ� مأزق ي‬ ‫َّ ُ‬ ‫ف‬ ‫والق َّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫طرية‪ .‬وهلذا‬ ‫ال� اختطوها لدوهلم ي� عرص التبعية‬ ‫االج� يع ي‬ ‫ّ‬ ‫كث�ة‪ :‬أوهلا عدم إدراك أن همن الطبابة واهلندسة‬ ‫املأزق أسباب‬ ‫َّ ي ث َّ ت ت �ظ أ‬ ‫ف‬ ‫ال� � ب�عواض مرتفعة ي� دورة‬ ‫إ‬ ‫والدارة املالية واالست�رية‪ ،‬ي‬ ‫َّ ت ت َّ‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫ال� �ست‬ ‫العر�‪ ،‬ما يه إال نتاج العقالنية العملية‬ ‫فاالقتصاد ب ي‬ ‫َّ ً ف ي ً ف‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ي� الغرب‪ ،‬ت‬ ‫وال� تبحث �‬ ‫قوان� املادة (ذرة‪ ،‬ج�زيئا‪� ،‬لية‪،‬‬ ‫َّ ي ت ً ش ي ّ ً ي ً‬ ‫نً‬ ‫فاكئنات حية‪ ،‬فاج�عا ب� ي�‪ ،‬فبيئة عامة‪ ،‬فكو� شامال)‪ .‬ومن‬ ‫س�ورات التوصيف والتحليل والفرض واالستكشاف‪،‬‬ ‫خالل ي‬ ‫ّ‬ ‫والنسان‪،‬‬ ‫فاالختبار والتنبؤ‬ ‫والتنظ�‪ ،‬فالنمذجة لعامل املادة إ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫تتولد التطبيقات الطبية واهلندسية والتجارية‪ .‬هذه التطبيقات‬ ‫عل�ا املستشفيات ش‬ ‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫وال�اكت واملصارف‬ ‫ه ما تت�افت ي‬ ‫أ‬ ‫يأ‬ ‫َّ‬ ‫ال� ت‬ ‫أنتج�ا‪ .11‬ولوال َّ‬ ‫الفكرية ت‬ ‫العقلية‬ ‫صول‬ ‫ال‬ ‫دون‬ ‫من‬ ‫عواض‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ب َّ ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الشكية االختبارية املنطقية االستكشافية‪ ،‬ملا أمكن توليد أي عمل‬ ‫وتطبيقا�ا ت‬ ‫ت‬ ‫بتا�‪.‬‬ ‫من هذه العلوم‬ ‫تأ‬ ‫َّ‬ ‫التقانية ال ي� ي�‬ ‫الطبيع الذي أبدع تلك التطبيقات‬ ‫لكن العمل‬ ‫ي‬ ‫ـ�غ وتتطور إال ف� متسلسلة‬ ‫ت‬ ‫وتقنيا�ا ال تـ ب ز‬ ‫من فـراغ؛ فالعلوم‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫طويل من املمارسات املتعاضدة‪ .‬إن العمل ال ي�عرع إال ي�‬ ‫ة‬ ‫منشغل ب�لقراءة‪ ،‬ومتخمة ب� تل�اث ّ‬ ‫املتنوع‪ُ ،‬وم ّ‬ ‫نكبة‬ ‫مج تمعات‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫احلــرة‪ ،‬وم�مكة ي�‬ ‫عىل املكتبات‪ ،‬ومنخرطة ي� املناقشة‬ ‫أ‬ ‫ف ف‬ ‫ت‬ ‫التعل�‪،‬‬ ‫العموم للفاكر‪ ،‬ومج ت�دة إزاء ال�امك‬ ‫التداول‬ ‫املعر� ي� ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫للخر� ي ن� بسوق‬ ‫والتطو� ي� امل بت�ات‪ ،‬ورابطة‬ ‫ومتفرغة لالختبار‬ ‫يج‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫والفنان�‬ ‫والباحث�‬ ‫املعل ي ن�‬ ‫العمل‪ ،‬ومفتخرة ب�لقيام عىل رعاية ِ‬ ‫تّ ف‬ ‫ة‬ ‫املتسلسل ال ي�كن أن ت� ي� مج تمعات‬ ‫عل�م‪ .‬هذه‬ ‫إ‬ ‫والغداق ي‬ ‫ً‬ ‫َت ُ‬ ‫خ‬ ‫ّ‬ ‫ضعف يف�ا القراءة‪ ،‬وال تغدق ماليا عىل الج امعات وامل بت�ات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫وال تسمح ب� َّ‬ ‫ومساءل املسملات‪ ،‬وال تدرب النشء‬ ‫ر‬ ‫التفك‬ ‫رية‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الفنان�‪،‬‬ ‫املعمل� وتنبذ‬ ‫عىل النقد والشك‪ ،‬وفوق ذلك � ِقر همنة‬ ‫أ‬ ‫ص من جاء نم�م ب ج�ديد نظري ب�نه «متفلسف» مخ بول‪ُّ .‬‬ ‫َوت ِ ُ‬ ‫ورس‬ ‫ازدهار تلك املهارات أن «مج تمع املعرفة» هو أحد أهداف اهلرم‬ ‫نتا� ف� احلداثة‪ ،‬إذ إن املعرفة ف� احلداثة َ‬ ‫منتج؛ اكلصيد‬ ‫ي‬ ‫ف إال ج ي ي‬ ‫ف‬ ‫وجل أن أيّ‬ ‫ي� العرص احلجري‪ ،‬والزراعة ي� العرص احلديدي‪ٌّ .‬ي‬ ‫َّ‬ ‫همارة من هذه املهارات يه جوهر ما تقوم به العلوم إالنسانية‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ولقد ظ�ر وصف إال ّ‬ ‫نسانيات ‪ Humanities‬عىل �و مقابل‬ ‫أ‬ ‫َّ ف‬ ‫ن‬ ‫ورو�‪ ،‬لوصف جنس‬ ‫للعلوم‬ ‫الدينية ي� ّ ي‬ ‫بواك� عرص ال�ضة ال ب‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫من ال�اث يغ� متولد عن الكتاب املقدس‪ ،‬بل عن ال�اث‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫والروما�‪ ،‬ث� صار ُي َ‬ ‫قصد ب�لعلوم إال َّ‬ ‫نسانية يف� بعد ما‬ ‫اليو� ن ي�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الطبيعية والدقيقة‪ .‬لكن الوسع أن ُي َ‬ ‫َّ‬ ‫قصد ب�لعلوم‬ ‫يقابل العلوم‬ ‫ت يخ أ‬ ‫َّ‬ ‫َّ �ج ة ‪12‬‬ ‫إالنسانية �ر� الفاكر والصنائع إالنسانية ل ‪ .‬هكذا تتجل‬ ‫ف‬ ‫إال ّ‬ ‫نسانيات ي� ســادوس من احلقول الواسعة يه‪ :‬اللغات‬ ‫ّ‬ ‫اللسانيات‪ ،‬واملنطق وأساليب التواصل‪ ،‬وصورة العامل‬ ‫وعلوم‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫والدي�‬ ‫د�‬ ‫امك تؤطرها العلوم الطبيعية‪ ،‬ومعطيات ال�اث ال ب ي‬ ‫ي‬

‫‪32‬‬

‫ف‬ ‫الفلس� ب(� ن‬ ‫ن‬ ‫ملع� النظري)‪ ،‬وهمارات‬ ‫التفك�‬ ‫والف�‪ ،‬وهمارات‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التفك� القيم ب(� ن‬ ‫العمل)‪ ،‬وهو ما يوجزه الشلك (‪.)1‬‬ ‫ملع�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الشلك (‪)1‬‬ ‫ّ‬ ‫سادوس إالنسانيات‬

‫أ‬ ‫ت ت‬ ‫َّ ف‬ ‫ال ّ‬ ‫إن إال ّ‬ ‫يتفتح ي�‬ ‫ـ� ج�عل إالنسان‬ ‫دبيات الـ‬ ‫نسانيات يه‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫عىل ما وجد عليه نفسه عند امليالد جسداً‬ ‫إنسانيته يز�دة‬ ‫ثً‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫يفس أن إالنسانيات‪ ،‬ي� عرصي‬ ‫ي‬ ‫مغتذ� ومتاك�ا وفانيا‪ .‬وهذا ِ‬ ‫أ‬ ‫ًّ‬ ‫ش ً‬ ‫لتثو� همن الطبابة‬ ‫نال�ضة‬ ‫والتنو� ب� ب‬ ‫ورو�‪ ،‬اكنت �طا أساسيا ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫أحد أن جامعاتنا‬ ‫واهلندسة والتجارة‪ . 13‬وال ي خ� ف� عىل ٍ‬ ‫أ‬ ‫ال ش خ‬ ‫ين‬ ‫الدارس� تلل�اث‬ ‫�ــاص‬ ‫ب�ا «عدد وافر من مثل هؤالء‬ ‫ّ ً‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫كث�ا م�م ال يقوى عىل إمداد العامل‬ ‫الب�ي‬ ‫والعمل»‪ ، 14‬لكن ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ب� ي ن‬ ‫التقنية‬ ‫لقوان� والفرضيات املبتكرة‪ ،‬فضال عن التطبيقات‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫العر�‬ ‫وتفس� هذا الفقر‬ ‫ال� ي�كن أن ُينتفع ب�ا‪.‬‬ ‫ي‬ ‫والتق� ب ي‬ ‫ي‬ ‫العمل ُّ ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعية صنعة‪ ،‬وأن تعل الكشف‬ ‫أن الدربة عىل العلوم‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫العمل صنعة أخرى تقع إالنسانيات ي� مصيمها‪.‬‬ ‫والتطبيق‬ ‫ي ف‬ ‫وأي ش خ‬ ‫مخ‬ ‫ت‬ ‫الر�ضيات‬ ‫�ص يشك ي� هذا فليبحث‪ :‬من هو �ع ي‬ ‫التحليلية‪ ،‬أو التفاضل والتاكمل‪ ،‬أو منطق االستقراء‪ ،‬أو‬ ‫ي ض‬ ‫� (أي الخ طوة التمهيدية للحوسبة)؟‬ ‫أسس املنطق‬ ‫الــر� ي‬ ‫ت‬ ‫الزع�‪ 8« ،‬خ�صصات‬ ‫‪ -11‬يؤكد هذا ما تطلبه وزارة العمل السعودية من همن‪ .‬انظر‪ :‬أحالم ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ر� ي ن�»‪ ،‬جريدة مكة املكرمة‪ ،18/12/2016 ،‬شوهد ي� ‪ ،2018/2/6‬ي�‪:‬‬ ‫تعا� نقص الخ ي ج‬ ‫ي‬ ‫‪http://makkahnewspaper.com/article/587441‬‬ ‫ُ‬ ‫تز‬ ‫‪-12‬لالس�ادة‪ ،‬انظر‪ :‬معاذ نب� عامر‪« ،‬حوار مع د‪ .‬أمحد زهاء ي ن‬ ‫النجمات‬ ‫الد� عبيدات‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫الست يه �ة إالبداع والوصول لغايته‪ ،»...‬مؤمنون بال حدود‪ ،‬يأ�ر‪ /‬مايو ‪ ،2014‬شوهد ي�‬ ‫ف‬ ‫‪ ،2016/6/5‬ي�‪https://goo.gl/ojqRac :‬‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ورو� من‬ ‫‪ -13‬ي�ح واتسون إحياء الفنون والداب السبعة (‪ ،)stra larebil‬ي� عرص ال�ضة ال ب ي‬ ‫وه «النحو‪ ،‬والبالغة‪ ،‬واحلِ جاج»‪ ،‬وعلوم الرابوع (‪،)quadrivium‬‬ ‫خالل علوم الثالوث (‪ ،)muivirt‬ي‬ ‫ق‬ ‫املوسي�»‪ .‬انظر‪Watson, Ideas: A :‬‬ ‫وه «احلساب‪ ،‬وهندسة املــان‪ ،‬والفلك‪ ،‬ونظرية‬ ‫ي‬ ‫‪retePHistory of Thought and Invention from Fire to Freud (New York: HarperCollins,‬‬

‫‪2005), p. 212.‬‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫البلد�ت والعمل‬ ‫‪ -14‬أنطوان زحالن‪« ،‬العمل والسيادة‪ :‬الفاق والتوقعات ي� البلدان العربية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫العر�‪ ،‬السنة ‪ ،43‬العدد ‪( 393‬نو� ب� ‪ ،)1102‬ص ‪.14‬‬ ‫والتكنولوجيا»‪ ،‬املستقبل ب ي‬


‫ف‬ ‫املــفــاهــم نو� ت‬ ‫ـــهـــا؛ م ــن قــبــيــل «الــعــوملــة»‪،‬‬ ‫ي� اب ــت ــار‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫و»الــتــعــد ّديــة الــثــقــافـ ّـيــة»‪ ،‬و»االس ــت ــدام ــة الــبــيــئـ َّـيــة»؟‬ ‫عـ ـ ـل ـ ــى خ ـ ـ ـ ــاف م ـ ـ ــا يـ ـ ـظ ـ ــن بـ ـ ـع ـ ــض ال ـ ـ ـ ـ ــدارس ـ ـ ـ ـ ــن‪ ،‬ال‬ ‫ت ـن ـق ـطــع اإلنـ ـس ــانـ ـ ّي ــات عـ ــن ال ـع ـل ــوم ال ـط ـب ـي ـع ـ َّـي ــة؛ ذل ـ ــك أن‬ ‫ط ـب ـي ـع ـيــات ك ــل ع ـصــر ه ــي الـ ــي ت ـشـِّـكــل «ص ـ ــورة ال ـع ــامل»‬

‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ـ� قامت ب�ــذا المــر يه عىل‬ ‫والج ــواب أن الشخصيات الـ ي‬ ‫التوال‪ :‬دياكرت‪ ،‬وال ت ز‬ ‫يبن�‪ ،‬وجون ستيوارت ِمل‪ ،‬بو� ت�اند رسل‪،‬‬ ‫ي ً‬ ‫ف‬ ‫ومه �ج يعا فالسفة بم�زون ي� إالبستمولوجيا (نظرية املعرفة)‪.‬‬ ‫ـ�‪ ،‬ال تنقطع إال ّ‬ ‫عىل خالف ما يظن بعض الــدارسـ ي ن‬ ‫نسانيات‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫عن ّ العلوم الطبيعية؛ ذلك أن طبيعيات لك عرص يه ي‬ ‫تشك «صورة العامل»‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬اكنت إال ّ‬ ‫نسانيات‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫سالمية واملسيحيةَّ‬ ‫اهللي� والعصور الوسىط إال َّ‬ ‫ن‬ ‫ي� العرص‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ًّ‬ ‫ف‬ ‫ماد� (املاء‪ ،‬واهلواء‪ ،‬والنار‪،‬‬ ‫منخرطة ي� ن�وذج العنارص الربعة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الفــاك السبعة ّ‬ ‫فلكيا‪ ،‬نو�ــوذج المزجة‬ ‫وال ـ تـراب)‪ ،‬نو�ــوذج‬ ‫أ‬ ‫ًّ‬ ‫حيو� (الدم‪ ،‬والبلغم‪ ،‬واملرارة‪ ،‬والسوداء)‪ .‬وقد اكنت‬ ‫الربعة‬ ‫ي‬ ‫هــذه الــامن ذج الطبيعية خلفية ي‬ ‫الكتا�ت‬ ‫لكث� من‬ ‫ب‬ ‫رص�ــة ي‬ ‫ّ‬ ‫نسانية‪ .‬وما يصح بشأن إال ّ‬ ‫إال َّ‬ ‫القروسطية‪ ،‬يصح بشأن‬ ‫نسانيات‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحليل من‬ ‫الذري‬ ‫إالنسانيات احلديثة أيضا ي� ِا�اذها الفكر ِ‬ ‫ي‬ ‫يز‬ ‫ت‬ ‫االج�ع التطوري من البيولوجيا‪ ،‬وعمل النفس‬ ‫الف� ي�ء‪ ،‬وعمل‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫طبيعية ي‬ ‫رص�ة‪.‬‬ ‫خلفيات‬ ‫املعر� من عمل احلواسيب‪ ،‬ولكها‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫وأيقونة العناية ب� إل ّ‬ ‫املعل؛ ذلك أنه هو الغارس‬ ‫نسانيات يه ِ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫الست إلل ّ‬ ‫نسانيات لدى الطلبة ي� املدارس‬ ‫الكدود لملهارات‬ ‫ّ‬ ‫والج امعات طوال مدة قد تصل إىل ست ش‬ ‫ض�ا‬ ‫ع�ة سنة‪ ،‬ي� ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معل ي�م احلميدة‪ ،‬ومت ي ن‬ ‫مستنس ي ن‬ ‫صل�‬ ‫الطلبة‬ ‫خ� خصال ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ب�رواهحــــم‪ ،‬ومــداومـ يـ� عىل تشذيب اعوجا�ج م ب�ستقامة‬ ‫ّ‬ ‫نسانيات ب�لج ة‬ ‫ُ‬ ‫وتدهور حال املعمل هو تدهور إلل ّ‬ ‫مل‪،‬‬ ‫معل ي�م‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ولذلك هناك من يعجب لسلسل من املهارات املفقودة‪ ،‬فيسأل‪:‬‬ ‫ف ت أ‬ ‫لغ�مالوىل‬ ‫ملاذا ال َّيتصفاملسؤولونالعرببـ«الطالقةاللغوية» ي�‬ ‫واليا� ّنيون‪ ،‬مثال‪ ،‬بشأن ت‬ ‫ّ‬ ‫لغا�م؟‬ ‫أو الثانية‪ ،‬امك ّيتصف بذلك‬ ‫الغربيون ب‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫وملــاذا تكون ّأمــات االختصاصات ي� معظم العلوم مؤلفة‬ ‫أ‬ ‫جنبية ف� البداية‪ ،‬ث� ُي ت� جَ� نز‬ ‫َّ‬ ‫ال ّ‬ ‫العربية؟‬ ‫ال� ي� نم�ا إىل‬ ‫ب�للغات‬ ‫ي‬ ‫وملــــاذا ال يــســامه الــعــرب‪ ،‬فــضـ ًـا عــن أن ب زُّ‬ ‫يـــــزوا غ ـ يـرمه‪،‬‬

‫وملاذا َّ‬ ‫تتعجب أنظمة ش‬ ‫َّ‬ ‫العربية من عدم استجابة الناس‬ ‫ال�طة‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫احلكومية؟‬ ‫الطواب� ي� إالدارات‬ ‫املرورية أو االنتظام ي�‬ ‫للتعل�ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫وملاذايتعاركالشباب ي�الج امعات‪،‬وكذلككبارالسن ي� بال�ملا�ت؟‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫جــــــــا�ت الــتــقــريــبـ َّـيــة ع ــن تــلــك الســـئـــ�ة اكل ت ي�‪:‬‬ ‫وال‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫َّ ُ‬ ‫ة‬ ‫حصيل َّ‬ ‫لغوية تم�امكة‬ ‫اللغوية ال ت َنتج إال من خالل‬ ‫إن الطالقة‬ ‫ّ‬ ‫َّ ُ ن ف‬ ‫ومعقدة‪ ،‬تب� ي� الصفوف‪ ،‬من خالل املطالعة املكثفة واملناقشة‬ ‫والنصات؛ وهو أمر ي�تاج إىل سنوات من ي ن‬ ‫تكو� الطلبة‪.‬‬ ‫إ‬ ‫َّ أ‬ ‫إن إنتاج العلوم ي�ر من خالل ت‬ ‫املعرفية للفراد‬ ‫اح�ام امليول‬ ‫أ‬ ‫َّ ً‬ ‫ت‬ ‫الر�ضيات‪ ،‬أو علوم الحياء البحرية مثل‪ ،‬فيسمح للناشئة‬ ‫ج�اه ي‬ ‫ب� ّ‬ ‫املتخرجون ف� �ج ّعيات ّ‬ ‫لتخصص ف ي� هذه احلقول َّ‬ ‫ّ‬ ‫عملية؛‬ ‫ليتجمع‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ ت ُ‬ ‫ج‬ ‫ال� تتابع‬ ‫واملعا�‬ ‫الدور�ت‬ ‫يك ينظموا إصدار‬ ‫ي‬ ‫االختصاصية ي‬ ‫ُ ّ ُ َّ َ‬ ‫الس�ورة ق‬ ‫يلح�ا صدور للكتب‬ ‫الج ديد وت ِقعد‬ ‫املتفق أعليه‪ .‬هذه ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َّ ت‬ ‫املع� و�يمن عىل السوق‪.‬‬ ‫ال� تضع الطر للحقل‬ ‫ي‬ ‫الدراسية ي‬ ‫املفاه� املبتكرة ال ي�كن أن تنتج إال من خالل املرور ب�لخ ي ن‬ ‫طوت�‬ ‫إن‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫السابقت�‪ ،‬أي التمكن اللغوي والتضلع من االختصاصات‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫للوصول إىل املرحل الثالثة؛ أي التفلسف وإبداع امل�وم ذي الج ذور‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫العميقة ي� الواقع‪ ،‬امك نج�د ي� فم�وم «السلوك التطوري إللنسان»‪.‬‬ ‫وق� إالخاء مع‬ ‫إن الطلبة يكتسبون همار آات التعايش البسيطة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫القران والكبار والج نس الخر‪ ،‬من خالل االنضباط ي� الصفوف‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الر� َّ‬ ‫َّ‬ ‫واستخدام ّ‬ ‫ضية‬ ‫طواب� النشطة‬ ‫و�‬ ‫املدرسية ي‬ ‫ي‬ ‫احلمامات‪ ،‬ي‬ ‫والفنية‪ ،‬ومن خالل ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اح�ام الج ي ن‬ ‫نس� ض‬ ‫بع�م بعضا‪،‬‬ ‫والغذائية‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫التعب� عن آر ئا�م والدخول ي� املناظرات والنشطة؛‬ ‫خالل‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫نسا�‪ .‬وهكذا‬ ‫معا� اللطف وهمارات التواصل ً إال ي‬ ‫لتنغرس يف�م ي‬ ‫تي� ب� النشء ب�الرتياض عىل همارات الطالقة لغة‪ ،‬واالختصاص‬ ‫ف ً آ‬ ‫ً ت أ‬ ‫ً‬ ‫وال َّ‬ ‫ح� لكنه ال يعرف يغ�‬ ‫دمية سلواك‪،‬‬ ‫علوما‪ ،‬واالبتاكر م�وما‪،‬‬ ‫آ‬ ‫دمية وال يستسيغ ّإل ّ يإ�ها‪ .‬ش‬ ‫هذه ش‬ ‫ال َّ‬ ‫وال�طة ال ي�كن‬ ‫ال� يعة‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫وال� ن‬ ‫ملا�ت‬ ‫تعل الناس هذه املهارات التعايشية ي� الشوارع ب‬ ‫أن ِ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ن ّ‬ ‫ت‬ ‫املعل‬ ‫عل�ا صغارا عىل يأ�دي‬ ‫املعمل�‪ .‬إن إضعاف ِ‬ ‫إن مل ي� بوا ي‬ ‫ي‬ ‫احلضارية‪ ،‬وأ�اَّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫يف�ض ي إىل إهدار إنسانية إالنسان وحمو ذاكرته‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫املعل‪ ،‬ال َّ‬ ‫يلومن إال نفسه؛ ذلك أنه ي� ب ّ ي� أطفاهل عىل‬ ‫مج تمع ي� ِّمش ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يق� َ‬ ‫َّ‬ ‫اللغوية‪ ،‬والج هل بدال من االستنارة‪،‬‬ ‫العياء بدال من إال ب�نة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫والتوحش بدال من ُحسن الخُ لق‪.‬‬ ‫والتقليد بدال من االبتاكر‪،‬‬ ‫‪ -15‬وهذه إالشاكالت ه امم ِ ّ‬ ‫اه�‬ ‫اه� غرايبة‪ .‬انظر‪ :‬بإ� ي‬ ‫يفصل يف�ا الباحث التنموي بإ� ي‬ ‫ي‬ ‫ف أ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫غرايبة‪ ،‬شارع الردن‪ :‬رؤية إللصالح والتنمية ي� الردن (معان‪ :‬الغد‪.)2011 ،‬‬

‫‪33‬‬


‫رابـ ًـعــا‪ :‬بـيــان وظـيـفــة االشـتـغــال بــاالجـتـمــاعـ ّيــات يف الـعــامل‬ ‫احلديث وتعليل مكانة الباحث االجتماعي‬

‫ت‬ ‫م�وطة ُّ‬ ‫وتطبيقا�ا ش‬ ‫َّ‬ ‫بتطور مباحث‬ ‫الطبيعية‬ ‫مثملا اكنت العلوم‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫إال ّ‬ ‫نسانيات ومؤسسا�ا‪ ،‬تتال� إالنسانيات بتطور العلوم‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫تنظ� املج تمع وإعادة تشلكيه‬ ‫االج�عية؛ فالفاكر حول‬ ‫مساءل ي‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫كث�ة‪.‬‬ ‫خطرة جدا‪ ،‬قد تف�ض ي إىل السجن والتصفية ي� سياقات ي‬ ‫ف‬ ‫نعم‪ ،‬ف�ن ذا الذي اكن ينطق ب�لتسوية ي ن‬ ‫أم�اك‬ ‫ب�‬ ‫البيض والسود ي� ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫بواك� القرن التاسع ش‬ ‫ع�؟ ومن ذا الذي يُ�كن املرأة من املهن‬ ‫ي� ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫َّ‬ ‫املبعو�ن» ي�‬ ‫السياسية‪ ،‬فضال عن أن تكون رئيسة لـ «مج لس‬ ‫ة‬ ‫الع� َّنية؟ ومن ذاك الذي يقول ب�ملساواة ما ي ن‬ ‫الدول ث‬ ‫اهلندوس‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫واملسمل والالأدري ف� القضاء ش‬ ‫والت� يع ي� ب� كستان؟ ومن ذا الذي‬ ‫أ في‬ ‫ّ‬ ‫املتدفق طوال أربعة عقود؟‬ ‫نفطها‬ ‫عن‬ ‫سورية‬ ‫�‬ ‫ِ‬ ‫يسائل نظام السد ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫والقوميات‪ ،‬واملساواة‬ ‫مثل هذه التساؤالت عن وضعية العراق‬ ‫نس�‪ ،‬واحل ـراك ي ن‬ ‫ب� الج ي ن‬ ‫ن‬ ‫ب� الطبقات واملناصب‪ ،‬والتعايش‬ ‫ي ن أ‬ ‫رث‬ ‫بـ يـ� ال يد�ن والطوائف‪ ،‬واحتاكر الــ وات والسلطات‪ ،‬لكها‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫أسئل تُ�ـ ّـهــد هلا إال ّ‬ ‫تتخصص‬ ‫نسانيات‪ ،‬لكن االجـ تـامعـ ّـيــات‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ف� در ت‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫تتخصص ي�‬ ‫عية‬ ‫تغي�ها‪ .‬العلوم‬ ‫اس�ا‪ ،‬بل ي� ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫لخ‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫املقارنة يب� الشعوب‪ ،‬وتتبهعا بع� الزمــان‪ ،‬وكشف ا طاب‬ ‫فّ‬ ‫املتخ� خلف م ـزامع التفوق الاكذبة‪.‬‬ ‫والقيم‬ ‫السلطوي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫االجــامع فليبحث ي� َمــن يكون‬ ‫ومــن يشك ي� فاعلية عمل‬ ‫ب� السلطات» ف� الـ ة‬ ‫ُ‬ ‫امل ِّنظرون «للفصل ي ن‬ ‫ـدول‪« ،‬واملساواة‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫البحثية»‪ ،‬وفكرة «تدخل‬ ‫ـر�ت‬ ‫ب� الطبقات»‪ ،‬وفتح «احلـ ّ ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫احلــذر ي� السوق ومنع الكساد بفرض ض‬ ‫ال�ائب‬ ‫ال ــدول»‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫عىل الغنياء وتوزيهعا من خالل املشاريع التنموية؟ واحلق‬ ‫َّ‬ ‫الفكرية الـ ت‬ ‫التوال‪:‬‬ ‫ـ� َّقدمت الج ــواب يه عىل‬ ‫أن القامات‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫نز‬ ‫�ج‬ ‫س‬ ‫مونتيسكيو‪ ،‬وماركس‪ ،‬وديــوي‪ ،‬وكي�‪ ،‬و فيعم من مؤس ي‬ ‫ِت‬ ‫االج� َّ‬ ‫العلوم ت‬ ‫نتا�‪.‬‬ ‫يستدع ش�ح‬ ‫عية؛ ما‬ ‫منتجا�م ي� اهلرم إال ج ي‬ ‫ي‬ ‫ت َّ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫قد يتبادر إىل الذهن أن العلوم االج� ثعية يه املباحث ث ّي‬ ‫ُ‬ ‫تدرس الرصاعات الثالثة عىل املعرفة وال�وة والسلطة‪ ،‬ومن �‬ ‫ف‬ ‫� العلوم الدارسة لظواهر الثقافة واالقتصاد والسياسة‪ .‬هكذا‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫الثقافية‪ ،‬ت�حيال لاكمل العنارص‬ ‫يكون العنرص الول‪ ،‬أي الظاهرة‬ ‫ف‬ ‫الستة من العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪ ،‬ض‬ ‫و� ً ب� هلا ي� �ج ةل العالقات مع علوم‬ ‫االقتصاد والسياسة ض�ن السياق الــتـ ي خ‬ ‫ـار�‪ .16‬وهذا اختصار‬ ‫ي‬ ‫مقبول‪ ،‬لكن ينب�غ طرح ُّ‬ ‫َّ‬ ‫التحليلية‪،‬‬ ‫تصور أمعق‪ ،‬من الناحية‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ض‬ ‫تل�ابط الثقافة ب� ثل�وة والسلطة �ن وحدات � َّ‬ ‫ليلية أصغر‪.‬‬ ‫ة‬ ‫عية‪ ،‬ف� صياغة ت‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫وبديل‪ ،‬تدرس بنية‬ ‫مق�حة‬ ‫إن العلوم‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫املج تمع من خالل روابط التجمع‪ ،‬أو أسس االق�ان‪ ،‬أو حوامل‬ ‫وفعاليا�ا‪ .‬وهذا ت‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫د�‪ 17‬ش‬ ‫ت‬ ‫مستلهم من ِغ نز‬ ‫اق�اح‬ ‫اهلوية الج امعة‬ ‫ور�‪.18‬‬ ‫أ‬ ‫ب� ت‬ ‫مق�حات ّ‬ ‫املؤس ي ن‬ ‫ط� النقاش ي ن‬ ‫س�‪ ،‬أي‬ ‫ويعيد هذا النموذج ت� ي‬ ‫أ‬ ‫ودورهكا�‪ ،‬ت‬ ‫واملق�حات الج َّ‬ ‫ي‬ ‫زئية القل ش�رة‪ .‬وامك‬ ‫وفي�‬ ‫ماركس ب‬

‫‪34‬‬

‫َّ‬ ‫هو معلوم‪ ،‬ركز ماركس عىل رصاع الطبقات واهليمنة عىل مصادر‬ ‫َّ‬ ‫الفردية داخل ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫املؤسسات‪ ،‬وأكد‬ ‫العقالنية‬ ‫في�‬ ‫إالنتاج‪ ،‬نبي� بأ�ز ب‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫‪19‬‬ ‫ي‬ ‫وجل‬ ‫دورهكا� التعاون احلاصل ي� املج تمع ممثل ب�قتسام‬ ‫العمل ‪ٌّ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫أن لك هذه املق�حات عنارص ذات فعل ي� يد أو ينقص ي� سياقات‬ ‫ن ّ‬ ‫متباينة‪ .‬لكن ماذا عن رصاع القوميات؟ وكيف � ِلل الصدوع الطو َّلية‬ ‫ب� الج ي ن‬ ‫ال� ت خ�ـ تـرق �ج يع املج تمعات من خالل التفاوت ي ن‬ ‫ت‬ ‫نس� أو‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫االج� ّ‬ ‫ين‬ ‫نظر�ت هؤالء ت‬ ‫عي ي ن� الكبار لن يفيد‪،‬‬ ‫ب� الجيال؟ إن خلط ي‬ ‫لوجود مساحة خالية من التعليل‪ ،‬امك ّ‬ ‫ينبه الفيلسوف بنغه‪ .20‬ولذلك‪،‬‬ ‫ً ّ‬ ‫آ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫فالنموذج ال ت ي� يعرض تصورا أدق‪ ،‬يظهر ي� تشك املج تمع من خالل‬ ‫تهسل ُّ‬ ‫تكتل ش‬ ‫االج�ع ي ن‬ ‫الب�‪ ،‬أو ُقل روابط ت‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ّ ت‬ ‫ب�‬ ‫حوامل اهلوية ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الك�ى‬ ‫الف ـراد؛ ب�يث ي�اول هذا النموذج مسح رقعة‬ ‫الشطر� ب‬ ‫ج‬ ‫الح�الت الرصاع أو احلياد أو التعاون ت‬ ‫ت‬ ‫االج� يع‪ .‬عندئذ ّتتضح وظيفة‬ ‫ف‬ ‫االج�ع � اهلرم االجـ تـامع‪ ،‬وينجل رس ت�ميشه ّ‬ ‫عربيا‪.‬‬ ‫الباحث ت ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫اهلوية ف� ش‬ ‫ع�ة حوامل‪ ،‬تظهر بدءا من العالمات‬ ‫ي�كن‬ ‫حرص حوامل أ ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وان� ًاء ب�ل ثك� خفاءً‬ ‫تغي�ا عىل إالنسان‪ ،‬ت‬ ‫ن‬ ‫للع�‪ ،‬والعرس ي‬ ‫ال ثك� ب�وزا ي‬ ‫أ‬ ‫َّ أ‬ ‫تغي�ا‪ .‬ش‬ ‫ين‬ ‫اهلوية ب� ن�ا أول ما ُ ي�ى‬ ‫الباحث� مظاهر‬ ‫وي�ح بعض‬ ‫والهسل ي‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�‬ ‫من إالنسان‪ُ ،21‬فيعرف لونه‪ ،‬سوادا أو بياضا‪ ،‬عن ُبعد �و‬ ‫ةً‬ ‫من دون ّ‬ ‫سنه‪ ،‬فإذا ت‬ ‫طفول أو رشدا‪ ،‬فإذا‬ ‫اق�ب ب�نت سنه من جحمه؛‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ت ً‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ازداد اقــر با� ب�نت معامل جسده وعرف جنسه؛ ذكرا أو أن�‪ ،‬فإذا‬ ‫أ‬ ‫اق�ب بقدر ث‬ ‫ت‬ ‫أك� ب�نت ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية ُفع ِرف إن اكن من القارب‬ ‫هويته‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫أو الغراب‪ ،‬فإذا � َّرك عن قرب ب�نت قدراته الج سدية من حصول‬ ‫اقتدار أو إعاقة‪ ،‬فإذا تملك ُعرفت لغته وقوميته‪ ،22‬وإذا ت‬ ‫اس�سل ظ�رت‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫اليديو َّ‬ ‫لوجية‪ ،‬وإذا ُع ِرفت طبيعة معاشه ُع ِرف مستواه‬ ‫اختياراته‬ ‫ق‬ ‫الطب�‪ ،‬وإذا حصل السؤال عن هماراته ُعرفت همنته من عدهما‪ ،‬ح�ت‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ِ ً‬ ‫ُ خش‬ ‫الع ش�ة ظ�رت امست �صيته؛ لطفا أو وجوما أو عدوانية‪.‬‬ ‫إذا طالت ِ‬ ‫ن ت‬ ‫(ب�وت‪ :‬الدار‬ ‫لرست�‪� ،‬ليل النظم الدولية ي‬ ‫‪ -16‬حول ميالد هذه العلوم‪ ،‬انظر‪ :‬يإ�انويل وو ي‬

‫العربية للعلوم‪ ،)2015 ،‬ص ‪.22-19‬‬ ‫‪ -17‬ن‬ ‫ت‬ ‫غد�‪ ،‬عمل ت‬ ‫االج�ع‪ ،‬ت��ج ة ي ز‬ ‫أنتو� نز‬ ‫(ب�وت‪ :‬املنظمة العربية لل��ج ة‪،)2005 ،‬‬ ‫فا� الصياغ ي‬ ‫ي‬

‫ص ‪.743-643 ،523 ،461-361 ،252‬‬ ‫ُ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ح� قال إن موضوعات‬ ‫‪ -18‬استلهمت هذا التشخيص من صيغةٍ أصغر أوردها ر� ي‬ ‫ن‬ ‫ئن‬ ‫نسا� تتحدد ب�ا هو مكتوب عىل بطاقة هويتة أي «االمس والعمر والج نس‬ ‫فلسفة الاك� إال ي‬ ‫والج نسية ي ن‬ ‫والد� واملهنة»‪ .‬انظر‪Nicholas Rescher, Human Interests (Stanford: :‬‬ ‫‪Stanford University Press: 1990), p. 2.‬‬ ‫ن‬ ‫جيد�‪ ،‬الرأامسلية والنظرية ت‬ ‫أنطو� نز‬ ‫االج�عية احلديثة‪ ،‬ت��ج ة أديب شيش (دمشق‪:‬‬ ‫‪-19‬‬ ‫ي‬ ‫اهليئة العامة السورية للكتاب‪ ،)2008 ،‬ص ‪.442‬‬ ‫‪otnoroT02-Mario Bunge, Social Science under Debate (Toronto: University of‬‬ ‫‪Press, 1998), p. 66(.‬‬

‫‪Peter Reuell, “What’s in a Face?,” Harvard Gazette, 11/10/2013, accessed -21‬‬

‫‪on 5/6/2016, at: https://goo.gl/bNv7FB.‬‬ ‫ن أ‬ ‫ة‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫ا�‬ ‫‪ -22‬بشأن صل اللغة ب�لقومية‪ ،‬انظر‪ :‬يإ�نست غيل�‪ ،‬المم والقومية‪�� ،‬ج ة مج يد الر ي‬ ‫(دمشق‪ :‬دار املدى‪ ،)1999 ،‬ص ‪.63-62‬‬


‫وأمهية حوامل َّ‬ ‫االج�ع ش‬ ‫َّ‬ ‫الب�ي‪ ،‬ب�عتباره ت ج� ّم ًعا ي ن‬ ‫اهلوية هذه أن ت‬ ‫ب� فرد‬ ‫ت تُ ّ‬ ‫ة‬ ‫وفرد ث‬ ‫ال� � ِكن من‬ ‫فأك�‪ ،‬هو حماول الستكشاف الخ صائص الج امعة‬ ‫ت ي ن أ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫و�نب الخ ئ‬ ‫سا�‪ .‬وال ي�كن االق�ان يب� الفراد‬ ‫االق�ان وتبادل املنافع ج‬ ‫ف‬ ‫ال� ّ‬ ‫َّ ت‬ ‫إال ب� ُّ‬ ‫تكون �ج اعات‪� ،‬جتمعات‪،‬‬ ‫لتعرف إىل حوامل اهلوية ي ِ‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ب‬ ‫فشعو� بك�ى؛ ي‬ ‫وه‪ ،‬عىل التمثيل‪� ،‬ج ل ثمن الدوا� املتقاطعة‪ ،‬أو ي‬ ‫ً‬ ‫ئ‬ ‫ض‬ ‫العرق‪ ،‬فالج يل‪ ،‬فالج نوسة‪،‬‬ ‫ي�وي بع�ا بعضا‪ ،‬ابتداء بدا�ة القرابة‪ِ � ،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ان�اءً‬ ‫فاليديولوجيا‪ ،‬فالطبقة‪ ،‬فاملهنة‪ ،‬ت‬ ‫َّ‬ ‫فالقومية‪،‬‬ ‫�دى القدرة الج سمية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫لشخصية‪.‬‬ ‫ب�‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫اهلو�ت‪،‬‬ ‫كب� يكون حامال ملعظم هذه ّ ي‬ ‫ولك إنسان منخرط ي� مج تمع ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ومتنق ًال ي ن‬ ‫التحرك من ئ‬ ‫ّ‬ ‫نطاقا�ا‪ .‬وهكذا ت ّ‬ ‫دا�ة أضيق إىل أخرى‬ ‫ي�‬ ‫ب�‬ ‫ت ت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬ ‫الدوا�‬ ‫ال� �وي‬ ‫ب‬ ‫أك� نم�ا � ي‬ ‫تو�ا تقريبا‪ ،‬وصوال إىل َّالدا�ة العا�ة ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫العرق الواسع‪ ،‬وال�ثل‬ ‫لكها‪ .‬فالتجمع عىل أساس القرابة مقدم عىل ِ‬ ‫َّ ً‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫يل‪ ،‬والتقارب ي� الج يل يقدم‬ ‫العر� بر�ا يكون مقدما عىل التقارب الج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫امل ِس ُّن ب�حلديث إىل ُ‬ ‫غالبا عىل التشابه ف� الج نس (إذ ي أ�نس ُ‬ ‫امل ِس َّنة‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫يش�ه جنسا)‪ ،‬والتقارب‬ ‫ويعزف عن الولد‬ ‫ي‬ ‫الصغ� عىل الر� من أنه ب‬ ‫أ‬ ‫يُ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫الصح الج سدي يفتح التشارك ي� معوم النشطة (وإال �رم العاجز‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫اممرس�ا)‪ ،‬والتجاذب ف� ا نس َّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫مقدم عىل االختالف ي�‬ ‫ع�ا من‬ ‫ي لج‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫اللغة ن‬ ‫أحيا� (قد ينجذب ت‬ ‫الف� إىل الفتاة وإن ع ُس التواصل اللغوي‬ ‫أ‬ ‫لو�؛ ث‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫لك�ة‬ ‫بي�ما)‪ ،‬والتقارب اللغوي قد ي� ِون من االختالف اليديو ج ي‬ ‫تَ‬ ‫املش�اكت ي ن‬ ‫فكر�‪ ،‬واالختالف‬ ‫ب� أبناء اللسان الواحد وإن تفاوتوا ّ ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫لو� قد ُيقدم عىل التفاوت ق‬ ‫الطب� (قد يتعاون ّي ن‬ ‫الفق�‬ ‫اليديو ج‬ ‫املتد� ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ت ف ث‬ ‫مع ّي ن ن‬ ‫يعط‬ ‫املتد� ي‬ ‫الغ�‪ ،‬وإن تفاو� ي� ال�وة)‪ .‬وعىل العكس‪ ،‬قد ي‬ ‫ِ‬ ‫ب� ِ َ‬ ‫التشابه ف ي� املنصب أو املهنة‪ ،‬امك ي ن‬ ‫عال ير�ضيات هندي ن‬ ‫وصي�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ُ ي‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫لو�‪ ،‬وهكذا إىل أن نصل إىل آخر أسس‬ ‫أولوية عىل التفاوت اليديو ج‬ ‫ي‬ ‫ّ ن أ‬ ‫ف‬ ‫ّ ت‬ ‫ال� قد تف�ض ي إىل‬ ‫التجمع يب� الفراد‪ ،‬وهو التشابه ي� الشخصية ي‬ ‫املصادقة‪ ،‬ال ث‬ ‫أك�‪ .‬وليست هذه احلوامل حمدودة ش‬ ‫بع�ة‪ ،‬بل ي ج�وز‬ ‫ف‬ ‫الع�ة‪ � ،‬هذا النموذج‪ ،‬ث‬ ‫أن يضاف يإل�ا‪ ،‬لكن هذه احلوامل ش‬ ‫أك�ها‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫للتجمعات ش‬ ‫ّ‬ ‫الب� َّية‪.‬‬ ‫ش�وال‬ ‫ت خ�وض حوامل ّ‬ ‫االج� ّ‬ ‫عية تلك‪ ،‬ثالثة ت‬ ‫ت‬ ‫اح�الت من الرصاع‬ ‫اهلوية‬ ‫ّ‬ ‫والثقافيات‪ .‬فإذا ض� بنا‬ ‫واحلياد والتعاون عىل ثال�وات والسلطات‬ ‫احلوامل ش‬ ‫ّ‬ ‫الع�ة ّ‬ ‫والثقافيات‪ ،‬ب� ت‬ ‫ح�الت‬ ‫بفعاليات ثال�وات والسلطات‬

‫أسئلة علم االجتماع هي أسئلة عن البىن العميقة للسلطة‬ ‫والـثــروة واملكانة كما ت ِّ‬ ‫ـويــة العشرة‪ .‬ومقاومة فتح‬ ‫ُشكلها أســس اهلـ َّ‬ ‫النقاش حول حوامل اهلويَّة وتطبيقاهتا هي الس ّر يف ضعف‬ ‫الـعـلــوم االجـتـمــاعـ َّـيــة يف ال ـعــامل ال ـعــريب وهــامـشـ َّـيــة الــدارســن هلا‬

‫الرصاع واحلياد والتعاون‪ ،‬فإننا نصل إىل ي ن‬ ‫اح� ًال من ت‬ ‫تسع� ت‬ ‫اح�الت‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫االق�ان‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬ي�تاز هذا النموذج ب�ملزج ي ن‬ ‫واحلركية‬ ‫ب� الثبات‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫معا‪� ،‬و ث�بت من �ج ة �ديد حوامل صلبة ت‬ ‫يق�ن الفراد عىل أساهسا؛‬ ‫أ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ت‬ ‫و� ُّمعات َّ‬ ‫الف ـراد عائالت قر َّ‬ ‫عرقية‪ ،‬ومعارف‬ ‫شك‬ ‫ابية‪ ،‬ج‬ ‫حيث ي ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لغا�ت جنسية‪،‬‬ ‫جيلية‪ ،‬وفضاءات متطابقة الج نوسة أو متجاذبة ي‬ ‫قومية‪ ،‬ومذاهب أيديو َّ‬ ‫وأندية من القدرة أو إالعاقة‪ ،‬ودوال َّ‬ ‫لوجية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ونقا�ت حرفيذة‪ ،‬وطبقات من ثال�وة والنفوذ‪ ،‬وصداقات وأندية ي� يل�ا‬ ‫ب‬ ‫إماك�ت ت‬ ‫التقارب الشخص‪ .‬فو� الوقت ذاته‪ ،‬تكون ن‬ ‫االق�ان بناءً‬ ‫ي ي‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ض‬ ‫بغا��ا من ال�وة والسلطة والثقافة‪،‬‬ ‫عىل هذه التكتالت امل�وبة ي‬ ‫ً‬ ‫ض‬ ‫ث‬ ‫التكو�‬ ‫وامل�وبة ب�حـ تـامالت التعاون واحلياد والتصارع‪ ،‬نوعا من‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫واحلركية والسيالن الذي يعرس �ديده أو ج�ميده عىل حال‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫كث�ا من إالشاكالت الناقصة ي� نال�ذج الباكرة‬ ‫ي ُ�ل هذا النموذج ي‬ ‫َّ‬ ‫لعمل ت‬ ‫احلتمية والج واب عن �ج يع‬ ‫الالكسيك‪ ،‬ولكنه ال َّيد يع‬ ‫االج�ع‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫اح�الت السلوك ت‬ ‫ت‬ ‫التسع� تم�وكة‬ ‫االج� يع؛ ذلك أن التفصيالت‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫مخ‬ ‫زما�ا ن‬ ‫التجريبية للك حال صوصة � ن‬ ‫َّ‬ ‫وماك�ا‪.‬‬ ‫للدراسة‬ ‫ي‬ ‫املتنوعة تشتغل حوامل ّ‬ ‫اهلوية تو� ّو ت‬ ‫االح�الت ّ‬ ‫ض�ن هذه ت‬ ‫ال�ا‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ف‬ ‫إ�از‪ :‬قد تكون ّ‬ ‫ي‬ ‫سيدة عربية سوداء راشدة متعملة‬ ‫�‬ ‫هنا‬ ‫هل‬ ‫مث‬ ‫ج‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫نسوية‪ ،‬ومنحدرة من طبقة عامل‪،‬ة‬ ‫للغة أجنبية‪ ،‬ومتحزبة ف� حركة ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وحم�فة همنة احملاماة وذات ش خ‬ ‫�صية مرحة‪ ،‬ف� ة‬ ‫ت‬ ‫حال «تصادم ي� املاكنة‪،‬‬ ‫آي‬ ‫ف‬ ‫يّ‬ ‫شام أشقر‪،‬‬ ‫سياس» ي� الن ذاته مع‬ ‫وتعاون اقتصادي‪ ،‬وحياد‬ ‫ي‬ ‫ّ ف‬ ‫َّ‬ ‫ومتحزب ي� حركة سلفية حمافظة‪ ،‬ومنحدر من طبقة‬ ‫وحيد اللغة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫وحم�ف ملهنة ت�قيق كتب الـ تـراث‪ ،‬وذي ش خ‬ ‫ا�‪ ،‬ت‬ ‫الر ض‬ ‫�صيةّ‬ ‫ُملك‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ ف‬ ‫احملامية ي� بلد خلي�ج ي لتخليصه من مخ الفة‬ ‫جافة‪ ،‬لكنه يقصد تلك‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫مرورية‪ .‬ولك أن ّ‬ ‫تتأمل �ج ةل ت‬ ‫االح�الت ي ت‬ ‫ال� تقع ي� رقعة‬ ‫رسعة‬ ‫الكث�ة ي‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫تب� السبب‬ ‫الشطر� لالح�الت‬ ‫ج‬ ‫التسع�‪ .‬هذه االح�الت املتاك�ة ِي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫نز‬ ‫املاركس للطبقات اكفيا‬ ‫الذي ال ي ج�عل الطرح‬ ‫لتفس� تفجر ال�عات‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الع َّ‬ ‫رقية والقومية والدينية والج نوسية والفردية وسواها‪.‬‬ ‫والتحوالت ِ‬ ‫ّ ن ف‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫املاركسية دفع مفك ير� ي� الفلسفات «ما بعد‬ ‫النظرية‬ ‫هذا العجز ي�‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العرق‪ ،‬وخرافة‬ ‫احلداثية» إىل ردة فعل معاكسة والقول ب�سطورية ِ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫التعليل‬ ‫تمع‪ .‬لكن حل هذا العجز‬ ‫ي‬ ‫القومية‪ ،‬وأن الج نوسة اختالق مج ي‬ ‫ن‬ ‫ليس القول ب�ركزية رصاع الطبقات وال اال�ياز املطلق إىل العنارص‬ ‫أ‬ ‫الفردية والثقافية‪ ،‬بل الصوب أننا ال نتحدث عن فاعلية حامسة هلرم‬ ‫أ‬ ‫واحد هو الطبقة‪ ،‬بل فعاليات ش‬ ‫ع�ة أهرامات متفاوتة ال جحام والقوة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫للتجمع ش‬ ‫ّ‬ ‫الب�ي؛ فتتداخل لكها ي�‬ ‫ي خ�تص لك هرم نم�ا بصيغةٍ ما‬ ‫ّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمان واملاكن َّ‬ ‫املعي ي ن‬ ‫ت‬ ‫عية‪ ،‬وقلا نلحظها‬ ‫السببية‬ ‫ن� إلحداث‬ ‫ّ‬ ‫لشدة تشابهكا وخفاء عنارصها‪ .‬فف� سياق الوظائف َّ‬ ‫الدينية يكون قول‬ ‫ي‬ ‫املف� أدىع لالعتناق من قول احلكومة‪ ،‬فو� ة‬ ‫ت‬ ‫حال �ج ال الوجه وامكل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الطبقية‪ .‬والشلك‬ ‫نس من املاكنة‬ ‫الج سد يكون هذا أوقع ي� السياق الج‬ ‫ي أ‬ ‫ض‬ ‫ةً‬ ‫ت‬ ‫حال من تنافس عدد من الهرامات االج�عية حلوامل‬ ‫(‪ )2‬يو�‬ ‫ف‬ ‫ت ف‬ ‫َّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫َّ‬ ‫السببية ت‬ ‫بتفاو�ا ي� احلجم تتفاوت ي�‬ ‫عية‪ ،‬لكن‬ ‫اهلوية عىل‬ ‫َّ‬ ‫َّ ف‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫حصيل الرصاع واحلياد والتعاون ي ن‬ ‫ب�‬ ‫و� نال�اية‪ ،‬إن‬ ‫التنوع والفاعلية‪ .‬ي‬ ‫ت ُ‬ ‫َّ‬ ‫املندم عىل أرض الواقع‪.‬‬ ‫ال� ت ِنتج تفاصيل اهلرم‬ ‫ج‬ ‫حوامل اهلوية يه ي‬

‫‪35‬‬


‫َّ‬ ‫اهلوية يظل ة‬ ‫إن املج تمع من دون ت�ليل حوامل َّ‬ ‫لعدد ُسك ن ي�‬ ‫كتل امصء ٍ‬ ‫أ‬ ‫ت�م ت ج� ّمعات َّ‬ ‫َيعرس ف�مه‪ .‬ومن دون ف ُّ‬ ‫اهلوية ال ي�كننا أن ندرك أن الفراد‬ ‫ح�‪ ،‬بل مه حاالت من ّ‬ ‫التحول ّ‬ ‫ال ينأرسون ف ي� ت ج� ّمعات اهلوية ت‬ ‫والتقبل‬ ‫والتعاون‪ .‬فالشاب ّ‬ ‫يتحول إىل الشيخوخة‪ ،‬والذكورة ال تنضج إال‬ ‫ّ أ‬ ‫بتقبل النوثة‪ ،‬ورفيع املاكنة ال ينجح إال ب�لتعاون مع البسطاء‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫الشلك (‪)2‬‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫اهلوية عىل‬ ‫عية حلوامل‬ ‫تنافس الهرامات‬ ‫االج� َّ‬ ‫َّ‬ ‫السببية ت‬ ‫عية‬

‫االج� َّ‬ ‫احلاصل أن العلوم ت‬ ‫ث‬ ‫املتكو�ة؛‬ ‫عية تدرس �ج يع هذه الفعاليات‬ ‫َ‬ ‫ً ت ً‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫اهلو�ت وأ�اط‬ ‫ب ز�وغا‪ ،‬و� ُّوال‪،‬‬ ‫واختفاء‪َ .‬ومن ق ِو َي عىل طرح سؤال َّ ي‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مساء ةل احلامك‪ :‬كيف َحك؟ وملاذا َملك؟ �ا‬ ‫التجمع صار قادرا عىل‬ ‫ُ‬ ‫صالحية حزبه‪ ،‬ونبل قبيلته املالكة‪َّ ،‬‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫م� َّ‬ ‫وحصة‬ ‫وعية انقالبه‪ ،‬ودرجة‬ ‫االج�ع ه ة‬ ‫لملستعمر؟ ة‬ ‫َّ‬ ‫أسئل عمل ت‬ ‫أسئل‬ ‫العقدية‪ ،‬ودوام تبعيته‬ ‫مزامعه‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫رث‬ ‫شكها أسس اهلويةَّ‬ ‫ن‬ ‫عن الب� العميقة للسلطة والـ وة واملاكنة امك ت ِ‬ ‫الع�ة‪ .‬ومقاومة فتح النقاش حول حوامل َّ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫وتطبيقا�ا يه الرسّ‬ ‫اهلوية‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ت َّ‬ ‫ين‬ ‫الدارس� هلا‪.‬‬ ‫وهامشية‬ ‫العر�‬ ‫ي� ضعف العلوم االج�عية ي� العامل ب ي‬ ‫فدراسة ئ‬ ‫احملا�ة‬ ‫دا�ة القرابة تفضح أنظمة التعيينات وارتاكزها عىل ب‬ ‫ً‬ ‫ق‬ ‫تعري مزامع ّ‬ ‫َّ‬ ‫واحملسوبية بدال من الكفاءة‪ .‬ودراسة العرق ّ‬ ‫العر�‬ ‫التفوق‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫املتوسط ِ احلسا� للذاكء والكدّ‬ ‫ّ‬ ‫لبعض الج ماعات‪ ،‬نظرا إىل تساوي‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لج ميع العراق بتوافر التنشئة والفرص املتاكفئة‪ .‬وفقه طبيعة الجيال‬ ‫َ أ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قو�ء للعجزة يو�نع احلؤول‬ ‫ي�نع‬ ‫استعباد الكبار للصغار تو�ميش ال ي‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ز‬ ‫التعال‬ ‫دون أخذ حـ يـ�مه املناسب‪ .‬وتعقل الج نوسة ي� يــل يم�اث‬ ‫ي‬ ‫ال� ما فتئت احلداثة بت�ر�ن‬ ‫ت‬ ‫الذكوري ُوي ِع ي ن� عىل ي‬ ‫تفج� طاقات املرأة ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫�ض‬ ‫إ�ازه يف�ا‪ .23‬ومسح‬ ‫ب�ا ي�كن املرأة نج‬ ‫مدى القدرة الج سمية للسكن يف ي‬ ‫ف‬ ‫إىل ت‬ ‫وت�م القوميةَّ‬ ‫ين‬ ‫املعوق� واستدما�ج م ي� جع ةل إالنتاج‪ .23‬ف ُّ‬ ‫اح�ام‬ ‫آ‬ ‫ي َ ُ� ُّد من دعاوى التعال يو�فز عىل التعاون مع ّ‬ ‫قوميات ال ي ن‬ ‫خر�‪ .‬وفقه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫اليديولوجيا يضهعا عىل ِ َمك االختبار؛ ومن ث ّ� ال تعود مزامع مطلقة‬

‫‪36‬‬

‫ُ‬ ‫عري احتاكر‬ ‫يؤمن ب�ا‬ ‫ب‬ ‫أحصا�ا فال يقبلون ًهلا مناقشة‪ .‬ودراسة الطبقة ت ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ثال�وات وسوء توزيهعا‪ ،‬فضال عن عرس احلراك االج� يع من أسفل‬ ‫ّ‬ ‫اهلرم إىل أعاله‪ ،‬والعكس‪ .‬ومسح أنواع ا ِمل َهن َي ُ� ُّد ب�علومات متعلقة‬ ‫ال� تقاوم ُّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫االج� يع‬ ‫ال� تسجن احلراك‬ ‫التكيف‪ ،‬وتلك ي‬ ‫ب أ�ملناصب ي‬ ‫ً‬ ‫تقد� املنافع َّ‬ ‫اف َّ‬ ‫خاصة ب�ا‪ ،‬بدال من ي‬ ‫العامة‪ .‬والتحليل العام‬ ‫ب�عر ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫للشخصية يدفع املرء إىل اكتشاف آفات نفسيته‪ ،‬وإىل �ورة ال� يض‬ ‫وجل أن للك حامل من حوامل َّ‬ ‫اهلوية فئة‬ ‫عىل سلواكت يفتقر يإل�ا‪ .‬ئ ت ٌّي‬ ‫ُ ّ‬ ‫العمل‪ .‬أو قل إن‬ ‫مستفيدة من الوضع القا� �انع من فتح النقاش‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫وال َّ‬ ‫َّ‬ ‫الكب� َّ‬ ‫بوية‪ ،‬والذكورية‪ ،‬وأولوية الامكل‬ ‫والعنرصية‪،‬‬ ‫للقبلية‪،‬‬ ‫االنتشار ي‬ ‫والتك�ُّ‬ ‫ّ‬ ‫القوم‪ ،‬والتعصب العقيدي‪،‬‬ ‫الصح والج سدي‪ ،‬واالستعالء‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫ق‬ ‫الشخص‪ ،‬لكها عوائق ت�نع‬ ‫احلر� املغلق‪ ،‬واالنغالق‬ ‫والتكتل‬ ‫الطب�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الباحث ت‬ ‫االج� يع من ي‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫صالحية للجماعات‬ ‫تقد� منتجاته إال‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫ومركزية اشتغاهلا ب�فتضاح‬ ‫عية‬ ‫و� سياق الج هل ب�لعلوم‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫والسلطوية‪،‬‬ ‫تغي� الدوار ثال� َّوية‬ ‫التجمد‬ ‫القيم والرهاب من ي‬ ‫ّي‬ ‫آ‬ ‫كث� من ال ب�ء العرب عىل نصح َب ِن ي�م ب�حلذر‬ ‫يشدد ي‬ ‫ال غرابة أن ِ‬ ‫ف‬ ‫�ة‬ ‫املواطن�ن‬ ‫تص� رذي ـ امتناع‬ ‫من الخ ــوض ي� السياسة‪ .‬وهكذا ي‬ ‫ي‬ ‫ت َّ ُ ً‬ ‫عن املسامهة ف� إدارة الشأن ّ‬ ‫العام والعلوم االج�عية عرفا مقبوال‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ي�‬ ‫ال�‬ ‫النظام‬ ‫سياسات‬ ‫رمس‬ ‫�‬ ‫ميع‬ ‫ا‬ ‫يشارك‬ ‫أن‬ ‫وبــدال من‬ ‫لج‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫صغ�‪،‬‬ ‫والتعل� والصحة‪ ،‬تسند هذه املهمات املعقدة لكها إىل رهط ي‬ ‫ي‬ ‫ُّ ف‬ ‫أو إىل حامك ِّ‬ ‫وتعسفه ي� احتاكر‬ ‫متفرد ُيضل الج ميع بضيق أفقه‬ ‫تعب� عن مقدار التنمية‬ ‫القرار‪ .‬وهذه إالشاكالت‪ ،‬من دون شك‪ ،‬ي‬ ‫الرتبت� ‪ 199‬و‪ 144‬عىل «املـ ش‬ ‫ين‬ ‫‪ -23‬تقع الــدول العربية عىل ذيل تال�تيب بـ ي ن‬ ‫ـؤ�‬ ‫ـ�‬ ‫ـ� الج ي ن‬ ‫العامل للفجوة بـ ي ن‬ ‫نس�»‪ ،‬انظر‪Forum, Global Gender Gap Report :‬‬ ‫ي‬ ‫‪2016, accessed on 5/6/2016, at: https://goo.gl/3b4CXM. World Economic‬‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫(السكوا) وجامعة‬ ‫لغر� آسيا إ‬ ‫‪ -24‬ملسح ِك ي�‪ ،‬انظر‪ :‬اللجنة االقتصادية واالج�عية ب ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫(ب�وت‪ ،)2014 :‬ص ‪ ،10‬شوهد ي�‬ ‫الدول العربية‪ ،‬إالعاقة ي� املنطقة العربية‪ :‬حملة عامة ي‬ ‫ف‬ ‫‪ ،2018/2/6‬ي�‪https://goo.gl/RxpTjD :‬‬


‫أ‬ ‫ت َّ ت‬ ‫العر�؛ إذ إن قدرة املج تمع ب�رسه عىل‬ ‫ال� نج‬ ‫أ�زها العامل ب ي‬ ‫االج�عية ي‬ ‫ت ت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ال� � ِدد مقدار التقدم‬ ‫إنصاف لك حامل ّمن حوامل اهلوية يه ي‬ ‫ّ ف‬ ‫والتحديث الذي حققه ذلك املج تمع‪ُّ .‬‬ ‫اهلو�ت ي� اهلرم‬ ‫ورس إنصاف ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫التجمعات الصغرى فيه‪.‬‬ ‫نصف حلراك‬ ‫االج� يع للحداثة أنه هرم ُم ِ‬ ‫الج� ّ‬ ‫عيات تظهر ف ي� الباحث ت‬ ‫إن أيقونة العناية ب� ت‬ ‫االج� يع؛ ذلك أنه‬ ‫ُ ّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫لتغ�‬ ‫االس�الك‬ ‫امل ِبلغ ملستجد املعطيات عن ثآ�ر عالقة‬ ‫املدي� ب� ّي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫خ‬ ‫الساك�‪ ،‬واملدافع عن حقوق الطفال‬ ‫املنا�‪ ،‬والشارح ل ث�ر االنفجار‬ ‫ف ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫االج� يع‬ ‫التعل�‪ .‬وأقصد ب�لباحث‬ ‫متعددة من‬ ‫ي� اختيار أ�اط ِ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫ذلك ُ‬ ‫ّ‬ ‫املوضوع عن التجمعات الب� ية �ن‬ ‫املشتغل ب�لتنقيب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫�ج يع حوامل َّ‬ ‫اهلوية ش‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫جامعيا‬ ‫حصافيا أم أستاذا‬ ‫الع�ة‪ ،‬سواء أاكن‬ ‫ت‬ ‫ً ف‬ ‫أم موظفا ي� مؤسسة ب�ثية‪ .‬وال غرابة أن ج�د الدول النفطية العربية‬ ‫ُّ‬ ‫االج� ّ‬ ‫ت‬ ‫عي ي ن� ال يكفون عن‬ ‫َج ِزعة من هبوط أسعار النفط‪ ،‬مع أن‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ض‬ ‫ا�‬ ‫التنبيه إىل اق�اب نضوبه‪ .‬امك ج�د مرص قلقة ّمن تناقص أالر ي‬ ‫َّ‬ ‫الساكنية متفطنون هلذه الوضاع‪.‬‬ ‫دارس الج غرافيا‬ ‫الزراعية‪ ،‬مع أن‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫إن ت�ميش الباحث االجـ تـام يع معلية استغناء َّمعن ُ ي� َجــع يإل�م ي�‬ ‫أ‬ ‫فالمراء ال ي خ� ّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫تصون بعلوم البيئة‪،‬‬ ‫عية؛‬ ‫اهلو�ت‬ ‫فقه حوامل َّ ي‬ ‫أ‬ ‫االج� ّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫عيون مه‬ ‫الصحية‪ ،‬والباحثون‬ ‫والعسكر جاهلون ب�لوضــاع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫املتخصصون ب�ــذه المــور‪ .‬وال ي�كن الــدول العربية أن تتقدذم‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫واحملاسب�‪،‬‬ ‫واملهندس�‬ ‫ب�القتصار عىل توظيف حشود من الطباء‬ ‫ث‬ ‫عىل ّ‬ ‫الباحث�ن‬ ‫أمه تي�م‪ ،‬بل ي ج�ب أن يكون بقدر هؤالء أو أك� عدد من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫املمو ي ن‬ ‫ل� ي� �ج يع الفروع ت‬ ‫عية‪ ،‬ب�يث ي ج�لسون مع أحصاب القرار‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫الطاول ت‬ ‫يشخص الطبيب العالج‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫ذا�ا ليصفوا هلم العالج امك ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـال النفقات‪.‬‬ ‫و�ــري املهندس معلية‬ ‫يج‬ ‫ي‬ ‫التصم�‪ ،‬يو� ِطط املـ ي‬ ‫ـد� املـ ي‬ ‫والبديل من ذلك هو ت�ك حوامل َّ‬ ‫اهلوية ش‬ ‫الع�ة من دون دراسة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫وال إصالح ق‬ ‫تطبي�‪ ،‬وهو ما ي ج�عل املج تمع � ة‬ ‫وعشوا�‬ ‫حال �و خ ِف ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫كث�ة امم ن�اه � احلروب ال ّ‬ ‫العربية اليوم‪.‬‬ ‫هلية‬ ‫تف�ض ي إىل صدامات ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الضد من تلك احلــال‪ ،‬ال جعــب كيف تكون إلل ّ‬ ‫نسانيات‬ ‫عىل‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ ف‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫واالج�عيات وظيفة أساسية ي� دورة إالنتاج وسوق الفــار ي�‬ ‫أ‬ ‫الدول املتقدمة‪ ،‬وهو ما ّيتضح من التقارب من حيث العواض‬ ‫واالج� ّ‬ ‫ب� أساتذة إال ّ‬ ‫ين‬ ‫ت‬ ‫عيات وأساتذة العلوم الطبيعية‬ ‫نسانيات‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫احلال‪ ،‬يقع ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫متوسط‬ ‫و� هذه‬ ‫والتقنية أي� الج امعات ال يم�كية مثال‪ .‬ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫رواتب الستاذ املساعد املستجد � املعدالت التية‪ :‬أستاذ ي خ‬ ‫التار�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫‪ 57‬ألــف دوالر؛ أستاذ دراســات الج نوسة والعـــراق والثقافات‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ 62‬ألفا؛ أستاذ الحياء ‪ 63‬ألفا؛ أستاذ علوم احلاسوب ‪ 2583‬ألفا‪.‬‬ ‫أ‬ ‫حصائية‪ ،‬يكون ّ‬ ‫بو�سب هذه إال َّ‬ ‫متوسط رواتب الستاذ املستجد‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫التخصصات ‪ 69‬ألفا‪ ،‬وهو قريب من متوسط رواتب‬ ‫ي� �ج يع‬ ‫َّ‬ ‫واالج� ّ‬ ‫أساتذة إال ّ‬ ‫ت‬ ‫احلداثية‬ ‫عيات‪ .26‬وهكذا‪ ،‬فإن الشعوب‬ ‫نسانيات‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫القوم‪ ،‬والتفوق‬ ‫العر� ‪-‬‬ ‫ملساء ةل التفاوت‬ ‫متعطشة‬ ‫القارئة نال�مة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫َّ‬ ‫الدينية‪ ،‬واالحتاكر االقتصادي‪،‬‬ ‫الطب�‪ ،‬والنجاة‬ ‫الذكوري‪ ،‬والنبل‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫الدارس� حلوامل اهلوية الع�ة‪.‬‬ ‫�ء دور‬ ‫ي‬ ‫واهليمنة السياسية‪ .‬وهنا ي ج ي‬ ‫ّ‬ ‫بغ� سد حاجات مج تمع املعرفة من منتجات‬ ‫هذا الدور ال يكتمل ي‬

‫ّ‬ ‫املع�‪ُ ،‬وم ّ‬ ‫إال ّ‬ ‫معل قواعد اللغة لتجلية ن‬ ‫نساني ي ن�؛ من‬ ‫در‬ ‫س املنطق‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫لضبط االستدالالت‪ ،‬وأساتذة اللغات لالقتدار عىل مطالعة مؤلفات‬ ‫آ‬ ‫ّ‬ ‫ومعل ي خ‬ ‫التار� لدراسة ذاكرة ش‬ ‫ال ي ن‬ ‫خر�‪،‬‬ ‫الق� لتفتيح‬ ‫الب�‬ ‫ية‪ ،‬وأساتذة ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫الذهان عىل الخ يارات الخ َّ‬ ‫لقية املتاحة‪ُ ،‬‬ ‫الفلسفي ي ن� ي ن‬ ‫وامل َن ِّظ ي ن‬ ‫الذ�‬ ‫ر�‬ ‫ب� لك ما سبق ف� ن�اذج بك�ى ت� ّتب ض‬ ‫ّ‬ ‫يؤّلفون ي ن‬ ‫التصورات‪.‬‬ ‫فو�‬ ‫ي‬ ‫خــامـ ًـســا‪ :‬مــزلــة ال ـف ـنــون بــن اإلن ـســان ـ ّيــات واالج ـت ـمــاع ـ ّيــات‬ ‫وبيان مهنة الفنان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ـهــم‪ :‬مــا صـــ�ة‬ ‫بر�ــــا يــتــســاءل بــعـ ض‬ ‫الــفــنــان‪ ،‬أديـــبـــا ورســامــا‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ ً‬ ‫ـا‪ ،‬ب�ــجــال إالنــســانـ ّـيــات واالجـ تـامعـ ّـيــات؟ ي ن‬ ‫وأ�‬ ‫وموسيقارا وممــثـ‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫نـــتـــا�؟ والج ــــواب اكل ت ي�‪:‬‬ ‫تتموضع تلك املــهــن ي� اهل ــرم إال‬ ‫ج ي‬ ‫ّ أ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫سطورية الساذجة‪ ،‬أو‬ ‫القصة ال‬ ‫ال� خرجت عن‬ ‫إن املج تمعات ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التفس� الحــادي‪ ،‬أو امللحمة‬ ‫الطائفية احملروسة ب�ـ ّـراس‬ ‫الرسدية‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫احلزبية امللفقة‪ ،‬مل يعد ف‬ ‫يك� خياهلا دوام االجـ تـرار ّ‬ ‫َّ‬ ‫لقصة واحدة‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ُد ِحضت ت‬ ‫حبك�ا‪ ،‬وارتيب ي� ن� تاي�ا‪ .‬لذلك أصبحت‬ ‫بداي�ا‪ ،‬ونقضت‬ ‫َّ‬ ‫هذه املج تمعات ف ي� جوع شديد ن‬ ‫الرسدية‬ ‫تفس�‬ ‫لملع�‪ ،‬ت�وم إعادة ي‬ ‫أ‬ ‫َّ ُ‬ ‫واالج�ع واملعاش الفردي‪ .‬وهذا ف‬ ‫ت‬ ‫خ�‪،‬‬ ‫الكونية للغز الكون‬ ‫امل�وم ال ي‬ ‫للرسد�ت؛ فمل تعد القصص املكتوبة والرسوم‬ ‫أي املعاش‪ ،‬ينبوع دافق‬ ‫ّي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والفالم ً‬ ‫حكرا عىل رسد البطل السطوري ومشاحنات‬ ‫واملرسحيات‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ش‬ ‫الرستقر ّ‬ ‫ن‬ ‫اطي ي�‪ ،‬بل صارت املرأة تطلب قصصا عن معا�ا النسوي‬ ‫ً‬ ‫همندسة ومد� ًة‪ ،‬وغدا الولد ت‬ ‫َّ‬ ‫تس�عيه قصص تستجيب ت‬ ‫العمرية‪.‬‬ ‫اله�ماته‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف ّ‬ ‫رسد�ت ت‬ ‫تس�ع ت‬ ‫العمل‬ ‫اه�همم ب�لخ يال‬ ‫ّأما املتعلون‪ِ � ،‬دث عن ّ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الطو� ّوية‪ .‬لك إنسان منخرط ف� حوامل َّ‬ ‫اهلوية يطلب‬ ‫واالختالقات‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫ّ‬ ‫هو�ته تلك‪ ،‬فيتعاطف مستلذا‬ ‫من الفنون أن � ِتع واحدا أو أك� من ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ب�شعار وقصص عن القران والغيار‪ .‬وصنعة الديب من عامل الفنون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫تقدم إشباعا هلذه احلاجات وإمتاعا هلذه الرغبات ي� سوق إالبداع‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الدب ت‬ ‫واس�الكه‪ ،‬فإن صنعة اختالق العوامل‬ ‫امك ب ز�غت احلاجة إىل إنتاج‬ ‫ً ت ً تأ ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً أ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫البرصية (رامس‪ ،‬و�ثيال‪ ،‬و� يث�ا صوتيا‪ ،‬وصناعة للفالم) قد‬ ‫السمعية‬ ‫أ‬ ‫ف ت‬ ‫َّ‬ ‫الرسدية بلك مقاصدها َّ‬ ‫الفنية‬ ‫صارت أداة الديب ي� ج�سيد هذه العوامل‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫ورع�ا‪ ،‬بو� ت‬ ‫ت‬ ‫ومأساوي�ا‪،‬‬ ‫زلي�ا‬ ‫املتقابل؛ أي ب ج�ماهلا وقبحها‪،‬‬ ‫وبغواي�ا ب‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫وصد�ا العمل‪ .‬وهكذا حدث ت�ازج جعيب ي ن‬ ‫ب� همنة الرسد‬ ‫وخيالي�ا‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ةً‬ ‫حال من‬ ‫التصو�ي من خالل الفالم صار‬ ‫التصو�‪ ،‬لن الرسد‬ ‫وهمنة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وطريقة للهروب من سأم العامل القا�ئ‬ ‫ّ‬ ‫حاالت خلق العوامل التفصيلية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وإشاكالته إلنتاج عامل بديل ث‬ ‫أك� مطابقة لطموحات إالنسان وخياالته‬ ‫املثىل‪ .‬ض‬ ‫ُ‬ ‫و�ن هذه الورشة الضخمة‪ ،‬صارت احلاجة إىل توزيع العمل‬ ‫‪/cCHBPP “Tenured/Tenure-Track Faculty Salaries, 2015-16,” -25‬‬ ‫‪.accessed on 5/6/2016, at: https://goo.gl‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫‪ -26‬يشذ أستاذ المعال التجارية واملرصفية ب�اتب أعىل من املعدل‪ ،‬أي ‪ 011‬آالف‬ ‫لملستجد‪ ،‬لكنه ال ُيفلح ف� إزاحة متوسط الرواتب ً‬ ‫بعيدا معا ي�صل عليه أساتذة العلوم‬ ‫ِ ي‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫واالج�عية الطبيعية من أعواض ل�م الك�ة الاك�ة‪.‬‬ ‫إالنسانية‬

‫‪37‬‬


‫أ‬ ‫ن أ ّ أ‬ ‫فالخص (مثل ئ‬ ‫القا� ي ن� عىل الداء‬ ‫الفنان� الخص‬ ‫ب إ� ي ج�اد أصناف من‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫والتمثيل ت ز‬ ‫وال� ي ن‬ ‫ي� والعزف) أمرا ال بد منه‪ .‬وبناء العوامل الرسدية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫تصو�ا ًّ‬ ‫فمليا‪ ،‬مزروع ف ي� استلهام العلوم ت‬ ‫كتابة أو ي ً‬ ‫وتنويعا�ا‬ ‫االج�عية‬ ‫ف‬ ‫يخ‬ ‫التار�ية من أعراق وجنوسة وطبقات ومعتقدات‪ .‬وال شك ي� أن‬ ‫ًّ‬ ‫ق‬ ‫واملوسي� واملسلسالت‪،‬‬ ‫نسبيا سوق الغناء‬ ‫العر� تنتعش فيه‬ ‫العامل ب‬ ‫أ‬ ‫تُ ّ‬ ‫ي ن‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫والفالم عىل � ٍو أقل‪ .‬لكن ال �ال هذه الصناعة � ِكز عىل جوانب‬ ‫راقصة أو َّ‬ ‫شبقية ال ُتشبع الج وع ن‬ ‫ملع� الوجود‪ ،‬وهو ما ي ج�علها حمدودة‬ ‫التحر� ن‬ ‫ي‬ ‫الدي� والتسفيه‪ ،‬ملا يف�ا من‬ ‫وعل�ا استشاكالت‬ ‫الج مهور‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫ي ت‬ ‫إعراض عن ي‬ ‫كث�ا من الج يل‬ ‫تقد�‬ ‫الق� املبتكرة لج مهورها‪ .‬ولذلك‪ ،‬ج�د ي‬ ‫أ‬ ‫ًي أ‬ ‫َّ‬ ‫وق� بديعة‪.‬‬ ‫العر� الج ديد ب‬ ‫من�را ب�لفالم الجنبية؛ ملا يف�ا من �ج ال ي‬ ‫بي‬

‫بـ ـغـ ـي ــاب اخلـ ـصـ ــوبـ ــة اإلن ـ ـسـ ـ َّـيـ ــة املـ ـنـ ـ ِتـ ـج ــة لـ ـلـ ـجـ ـم ــالـ ـ ّي ــات وحـ ـص ــول‬ ‫ال ـق ـم ــع لـ ـلـ ـه ــو ّي ــات امل ـت ـف ـِّـن ـن ــة يف م ـع ــاش ـه ــا ت ـض ـم ــر وظ ـي ـف ــة ال ـفــن‬ ‫يف اهل ـ ــرم االج ـت ـم ــاع ــي وم ـع ـه ــا ال ــوظ ـي ـف ــة اإلن ـت ــاج ـ َّـي ــة ل ـل ـف ـنــان‪.‬‬

‫أ‬ ‫َّ‬ ‫نسانية ت ز ُ‬ ‫ف� سياق ُّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫عية‬ ‫ـو�ت‬ ‫تفجر الفــار إال‬ ‫و�اح اهلـ َّ ي‬ ‫ً‬ ‫ي أ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫والمعــال الفنية‪ ،‬فإن مسلاك واحدا ي ج�مع هذه املباحث؛ أال‬ ‫ز أ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫الفاكر إال َّ‬ ‫نسية‪ ،‬وال تثار‬ ‫وهو الخ يال‪� .‬ن دون الخ يال ال بت�غ‬ ‫َّ‬ ‫شكوك البحث ت‬ ‫النظرية‪ .‬ومن‬ ‫والطبيع وال ن�اذ�ج ما‬ ‫االج� يع‬ ‫ي‬ ‫َّ ت ً‬ ‫ث‬ ‫ورمز�ته وعوامله العجائبية‪� ،‬رينا‬ ‫يص� الخ يال‪ ،‬ب ج�مالياته‬ ‫ي‬ ‫ّ� ي‬ ‫ف آ‬ ‫ض ًّ‬ ‫َّ‬ ‫إنسانية إالنسان وانطالق فكره ي� الفاق‪ .‬وهذا‬ ‫ور� لتعميق‬ ‫� ي‬ ‫ث أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫والس�ة ي� توسيع خيال‬ ‫أمر متصل «بثورة احلقوق» وأ� الدب ي‬ ‫ن آ‬ ‫ف‬ ‫ال ي ن‬ ‫خر�‬ ‫القارئ؛ وذلك بتمكينه من وضع نفسه ي� موضع معا�ة‬ ‫ف‬ ‫اختال�م عنه‪ .27‬إن اهلرم ت‬ ‫أو أفراهحم‪ ،‬ومن ث� ف ّ‬ ‫االج� يع‬ ‫ت�م‬ ‫ُّ‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ف�‪ ،‬وذلك رس تعطشه ملنتجات الفنان‪.‬‬ ‫ي‬ ‫احلدا� هرم ملج تمع ّ� ي ي‬ ‫ت‬ ‫الروا�ت‬ ‫ال� تت� ّبع عىل إنتاج‬ ‫ي‬ ‫ومن ي‬ ‫املث� لالنتباه أن الشعوب ي‬ ‫ال� تت� بع عىل ت‬ ‫ت‬ ‫اس�الهكا أيضا‪ .‬وتعليل الظاهرة‬ ‫والفنون يه ي‬ ‫ً‬ ‫نأ�ا مج تمعات قامت ب إ�نضاج الروح إال َّ‬ ‫نسية يف�ا‪ُ ،‬م ِنتجة فائضا‬ ‫ين‬ ‫الاكدح� من أهل‬ ‫من الوقت لالستمتاع ب�لفنون‪ ،‬عىل خالف‬ ‫ُّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ن ت‬ ‫ت‬ ‫تعزز قدر�ا عىل‬ ‫� ِ‬ ‫الفاقة‪ .‬بو�ا أ�ا م�عة ب�لتعل والقراءة‪ ،‬ي‬ ‫إنتاج الخ يال ت‬ ‫واس�الكه‪ .‬وبغياب الخ صوبة إال َّ‬ ‫املنتجة‬ ‫نسية ِ‬ ‫ّ‬ ‫املتفننة ف� ش‬ ‫ّ‬ ‫معا�ا تضمر‬ ‫للجماليات وحصول القمع ّ ي‬ ‫للهو�ت ِ ي‬ ‫االج�ع ومهعا الوظيفة إال َّ‬ ‫وظيفة الفن ف ي� اهلرم ت‬ ‫نتاجية للفنان‪.‬‬ ‫ي‬

‫‪38‬‬

‫التكاملية بني اإلنسان ّيات واالجتماع ّيات‬ ‫سادسا‪ :‬العالقات‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫وال ـف ـن ــون وان ـع ـك ــاس ــات غ ـيــاهبــا ع ـلــى امل ـت ـط ـِّـرف ــن وس ــوق‬ ‫العمل وسريورة التحديث‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ ف‬ ‫املعل والباحث والفنان ي�ل إشاكال سال فيه‬ ‫إن‬ ‫التأمل ي� ث�لوث ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كث� يسأل عن ماهية «املثقف»‪ .‬واحلــق أن املثقف‪ ،‬وإن‬ ‫ح� ي‬ ‫ب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫خ‬ ‫شعر�‪ ،‬ال ي�رج عن أن‬ ‫اكن قائدا حزبيا أو داعية دينيا أو متمردا‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫متفر ًعا (أو متحول) من حرفة املعمل أو الباحث االج� يع‬ ‫يكون ّ ِ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫واست�ر � َّ‬ ‫ث‬ ‫أرضية العلوم‬ ‫الثقا� فالحة‬ ‫أو الفنان؛ ذلك أن شغهل‬ ‫ي‬ ‫ُ ّ يّ‬ ‫َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية واملطالب ت‬ ‫االج�عية والفنون‪ .‬أو قل إن املثقف هو دارس‬ ‫ت ت ف‬ ‫نسانيات الستة‪ ،‬وحوامل ّ‬ ‫اهلوية ش‬ ‫ألراكن إال ّ‬ ‫الع�ة‪ ،‬و�ظهرا�ا ي�‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال َّ‬ ‫رضية‬ ‫واحلسية‪ .‬وعىل قدر نزا�راع املثقف ي� هذه‬ ‫دبية‬ ‫الفنون‬ ‫ث ً ّ تأ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ت ز�داد فالحته �را يو�تد � يث�ه‪ ،‬وعىل قدر انفصاهل ع�ا �داد هامشيته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لملعل والباحث والفنان يه‪ ،‬تقريبا‪،‬‬ ‫إن موضوعات املهن الثالثة ِ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ينفر‬ ‫الفاكر ومطالب إالنصاف والفنون‪ .‬وعىل خالف فال�م الذي ِ‬ ‫ُّ‬ ‫«التوجه التجاري» ومعلية تسليع املهن‪ ،28‬فالصواب أنه ما من‬ ‫من‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫نتا�‪.‬‬ ‫ّنشاط اج� يع ي�رج عن التموضع داخل اهلرم االج� يع إال ج ي‬ ‫َّ‬ ‫واملنطقية والفلسفيةَّ‬ ‫َّ‬ ‫اللغوية‬ ‫احل َرف تعرض املهارات‬ ‫إن منتجات هذه ِ‬ ‫ت‬ ‫والقيمية ُومـ َ‬ ‫َّ‬ ‫نــ�؛ ما يفسح إلنصاف‬ ‫ـدارســة الــراث‬ ‫العمل إ‬ ‫ي‬ ‫وال ي‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫الف�‪ .‬ولذا ال تكون همن‬ ‫حوامل اهلوية الع� ُة‪ ،‬و�قيق إالبــداع ي‬ ‫أ‬ ‫شبع سوق الــرض ورات ال َّو ّلية لملجتمع‪ ،‬امك‬ ‫هذا الثالوث صنعة ت ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫شبع حاجات زائدة‬ ‫تفعل الطبابة واهلندسة‬ ‫ي‬ ‫والتجار�ت‪ ،‬بل إ�ا ت ِ‬ ‫ن‬ ‫رض‬ ‫عىل البقاء احليوي واملعاش ال ـ وري‪ ،‬لك�ا الزمة ملج تمع املعرفة‬ ‫ت‬ ‫والنسان املعارص لملجتمع احلديث‪ ،‬الذي‬ ‫اهلو�ت‪ .‬إ‬ ‫وال�فيه ّ وحراك ّ ي‬ ‫َّ‬ ‫يتضور لفك أرسار الطبيعة‪ ،‬وال‬ ‫ال يتعطش حلمكة الشعوب‪ ،‬وال‬ ‫ف‬ ‫تنقدح ي� ذهنه الشكوك واالنتقادات‪ ،‬العاجز عن الشعر والرسد‬ ‫نن‬ ‫والتف�‪ ،‬واملناقشة والتحليل والتخيل‪ ،‬والنمذجة والتفلسف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ال يكون عضوا فاعال � مج تمع املعرفة ت‬ ‫ـو�ت‪.‬‬ ‫وال�فيه وحراك اهلـ ّ ي‬ ‫ي‬ ‫واالج� ّ‬ ‫فو� سياق ت ج�فيف واحة إال ّ‬ ‫ت‬ ‫عيات والفنون‪ ،‬ال غرابة‬ ‫نسانيات‬ ‫ي ت‬ ‫ُّ ف‬ ‫َ‬ ‫�ج‬ ‫الشع�‪ ،‬ال‬ ‫أو‬ ‫احلكوم‬ ‫يه‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫‪،‬‬ ‫العر�‬ ‫العامل‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫التطر‬ ‫د‬ ‫�‬ ‫أن‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫بي ف‬ ‫أت ف‬ ‫ُ‬ ‫املعل والباحث والفنان؛ ج�ل‬ ‫ي� ي� ي� الغالب إال من خارج مج االت ِ‬ ‫َ‬ ‫خر� ّ‬ ‫ّ‬ ‫القبليةَّ‬ ‫الطواغيت‬ ‫املؤسسات العسكرية أو‬ ‫العرب مه من ي ج ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫إ� با�ا‬ ‫ال� ت�نع التعددية‪ ،‬وتعيب االع�اف ب�لخطاء‪ ،‬فضال عن ي ج‬ ‫ي‬ ‫متطرفو العرب من خارج احلكومات‪،‬‬ ‫دوام السمع والطاعة‪ .‬أما‬ ‫ِّ‬ ‫فتجد ض‬ ‫بع�م من ّلكيات الطبابة (مثل يأ�ن الظواهري)‪ ،‬أو من لكيات‬ ‫‪ 29‬ف‬ ‫و� هذه احلــاالت‪ ،‬ال يفتقد‬ ‫اهلندسة (مثل خالد شيخ حممد) ‪ .‬ي‬ ‫‪Nature: A History of Violence and Humanity (New York: Penguin Books, -27‬‬ ‫‪.184-873 .pp ,)2102 Steven Pinker, The Better Angels of Our‬‬

‫اه� حسن‪« ،‬العلوم إالنسانية ودور الج امعة‪ :‬ربط الج امعة ب�لسوق أم ربط‬ ‫‪ -28‬ي‬ ‫مس� بإ� ي‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫الج امعة ب�ملج تمع؟»‪ ،‬مج ل شؤون اج�عية‪ ،‬العدد ‪( 105‬ربيع ‪ ،)2010‬ص ‪.16-15‬‬ ‫”?‪Diego Gambetta et al., “Why Are there so Many Engineers among Islamic Radicals‬‬

‫‪29- European Journal of Sociology, vol. 50, no. 2 )August 2009(, pp. 201-230.‬‬


‫ً‬ ‫ُّ ق ف‬ ‫ّ‬ ‫تفو�م ي� الج امعات‪ ،‬امك نأ�م ليسوا‬ ‫املتطرفون نباهة العقل؛ نظرا إىل‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫اختصاصا�م‬ ‫مص�‬ ‫بعيد� عن بعض منجزات احلداثة؛ ل ن�ا من ي‬ ‫ُّ ف‬ ‫ّ ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫التقنية‪ .‬لكن كشف اللغز عن جانب من تطر�م يتمثل ي� افتقاد‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫روحية من مثلث الفاكر‬ ‫السالك� ي� طريق العنف لدربة‬ ‫هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫واملطالب والفنون ت ِع ي� أرواهحم عىل التبص بتعقد الواقع‪ .‬إن �ج ل‬ ‫ت�م ت� ي خ‬ ‫واالج� ّ‬ ‫ف� ب� إل ّ‬ ‫املتطر ي ن‬ ‫ت‬ ‫عيات والفنون حرهمم من ف ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ر� َّانية‬ ‫نسانيات‬ ‫ن أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ُّ‬ ‫الحاكم ش‬ ‫ال� َّ‬ ‫معا� اللفاظ‪ ،‬وظروف تبدل‬ ‫عية ومقاصدها‪ ،‬و� ُّول‬ ‫ي‬ ‫ب� املتناقضات‪ ،‬والتعامل مع خ‬ ‫امل ي ن‬ ‫الق�‪ ،‬وهمارة التوليف ي ن‬ ‫الف�‪ ،‬والقدرة‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ئ‬ ‫خ‬ ‫ث‬ ‫ّ‬ ‫عىل �يل املسكوت عنه‪ ،‬ونقد املورو�ت يغ� املتوا�ة مع العرص‪.‬‬ ‫ّإن املهارات املذكورة ال تغيب عن ِّ ن ف ت‬ ‫سالم‪ ،‬امك‬ ‫املتعم يق� ي� ال�اث ّ إال ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫البالغي ن� ّ‬ ‫لتعدد ن‬ ‫ّ‬ ‫املعا�‪ ،‬أو طلب املتلك ي ن� للتأويل‬ ‫يتجل ذلك ي� فقه‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫يخ‬ ‫ين‬ ‫املعارص� قد نبت زرهعم‬ ‫املشا�‬ ‫كث�ا من‬ ‫املنط�‪ .‬وال مراء ي� أن ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫واالج� ّ‬ ‫الفكري � خصيب إال ّ‬ ‫ت‬ ‫عيات؛ امك هو الشأن ب�لنسبة‬ ‫نسانيات‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وكث� ن� يغ�مها‪ .‬وال شك � أن ة‬ ‫حال االنقطاع‬ ‫والكواك�‬ ‫الطهطاوي‬ ‫إىل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫َّ ف‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� مارس�ا الدول العربية ي� مرحل العوملة مل‬ ‫ُعن العلومً ال�اثيةً ي‬ ‫ت ِنتج َ‬ ‫ّ‬ ‫اممرسة حداثية‪ ،‬بل أفرغت املدارس والج امعات من إالنسانيات‬ ‫ث‬ ‫ن ت ث‬ ‫واالج� ّ‬ ‫ت‬ ‫واحلدا� دفعة واحدة‪.‬‬ ‫ا�‬ ‫عيات والفنون من حيث‬ ‫ي‬ ‫الشلك� ال� ي‬ ‫ي َّ ف‬ ‫العر� ُم ت َ�ع ب�ملاضوية‪� ،‬و‪ ،‬عىل‬ ‫وعىل خالف ما يقال من أن ي‬ ‫التعل� ب ي‬ ‫ف أ‬ ‫ّ‬ ‫خ‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫العكس من ذلك‪ ،‬ي� ن� ٍي عن التار�؛ ذلك أن معرفة التار� يه‬ ‫َّ ت َّ‬ ‫ة‬ ‫شكت ض‬ ‫املا� وقادت إىل ض‬ ‫احلا�‪.‬‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫معرفة ب ج�مل العالقات السببية ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫السببية إىل ُّ‬ ‫التعرف إىل الصول‬ ‫وهكذا‪ ،‬تف�ض ي مطاردة السالسل‬ ‫خ َّ ت ّ‬ ‫ف‬ ‫العربية إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫سالمية وموقهعا ي� العوملة‪.‬‬ ‫ال� شكت احلضارة‬ ‫التار�ية ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫فن�م ًإذا ملاذا ال ُي َ‬ ‫املعل والباحث والفنان ي� العامل‬ ‫فسح املج ال لثالوث ِ‬ ‫العر� إال ب أ�قــدار ضعيفة؛ وليس ذلك أل ّن ّ‬ ‫العامة عازفة ن‬ ‫ع�م أو‬ ‫أ بي‬ ‫ة ن ف‬ ‫أّ‬ ‫العر�‬ ‫االقتصاد‬ ‫دورة‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫سب‪،‬‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫ع�‬ ‫غافل‬ ‫احلكومات‬ ‫لن‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫َّ ف‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫كب� م�ا عىل ج�ن ب�م‪ ،‬ولن هرم السلطة ي� عرص‬ ‫مركبة ي� جزء ي‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫التبعية ئ‬ ‫ت‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫قا� عىل إناكرمه‪ ،‬ولن أشاكال من الثقافة التعصبية ت�عرع‬ ‫ّ ن ف‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫وامللكي ي� ي�‬ ‫العسكري ي ن�‬ ‫غيا�م أيضا‪ .‬فأحصاب السلطان من‬ ‫ي� ب‬ ‫ِ‬ ‫حاجة ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ماسة إىل ض�ورات املهن َّ‬ ‫واهلندسية‬ ‫الطبية‬ ‫ليس�وا‬ ‫والتجارية ِّي‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫الدول احلديثة؛ ومن ث ّ� ن‬ ‫بتوف� العواض َّ‬ ‫املالية‬ ‫شؤون‬ ‫فإ�م يقومون ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫واملعنويةَّ‬ ‫لملشتغل� ب�ذه املهن‪ ،‬وهو ما يدفع الذكياء ُ‬ ‫ين‬ ‫امل ِ�ج ِد ي�ن‬ ‫التخصصات‪ .‬وهكذا ق‬ ‫ّ‬ ‫تب�‬ ‫من صغار الطلبة إىل التسابق إىل هذه‬ ‫أ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ف َ َ تَ‬ ‫ّ‬ ‫والكد‬ ‫ك� الذاكء‬ ‫التعل متو ِ�ج ة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫الفئة الضعف من الطالب ي� مل ي‬ ‫واالج� ّ‬ ‫إىل حقول إال ّ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫مضطرة يغ� مخ تارة؛‬ ‫عيات والفنون‪،‬‬ ‫نسانيات‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫الفاعل � هذه احلقول من ت‬ ‫قدر�ا‬ ‫المــر الــذي ي ج� ِفف العقول‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ ف‬ ‫بداعية ي� دورة االقتصاد عىل إنتاج الفاكر واملطالب والفنون‪.‬‬ ‫إال‬ ‫آ‬ ‫«�اهدون» لرصف ئ‬ ‫أبنا�م عن‬ ‫فن�م‪ ،‬أيضا‪ ،‬السبب الذي ي ج�عل ال ب�ء ي ج‬ ‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫السياسية أو الفنون‪ ،‬ولو اكنوا‬ ‫التخصص ي� دراسة الفلسفة أو العلوم‬ ‫خت‬ ‫ف‬ ‫عاشق� هلا ب ّ‬ ‫ين‬ ‫وم� ي ن‬ ‫ز� يف�ا‪� ،‬م ي خ�شون عىل أوالدمه الفاقة إذا �رجوا‬ ‫آ‬ ‫ة ‪َ 30‬‬ ‫ف‬ ‫ال� ث‬ ‫ّ‬ ‫التخصصات ت‬ ‫تك� البطال فيه ا‪ .‬ون ِ يع الن السبب الذي‬ ‫ي� تلك‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫العر� ي� عرص العوملة متدهورة‬ ‫جعل قيمة الستاذ‬ ‫امع ب ي‬ ‫ي‬ ‫املدرس أو الج ي‬

‫ً‬ ‫أ‬ ‫تتاك� حوادث تْ‬ ‫للستاذ ض‬ ‫إىل درك أسفل؛ إذ ث‬ ‫و� به‪ ،‬فضال‬ ‫ش� الطالب‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫التعليمية‪.‬‬ ‫العملية‬ ‫الصف ّية وضبط‬ ‫الكب� عن إدارة الغرفة ِ‬ ‫عن جعزه ي‬ ‫ّ‬ ‫الك�ى عندما نعرف أن بعض ش‬ ‫النا� ي ن� العرب صار‬ ‫وتتجل املأساة ب‬ ‫ّ‬ ‫َيقنع بطباعة ألف نسخة من العنوان الواحد املتعلق ب�لثقافة ملج مل‬ ‫شّ‬ ‫الوطن العر�‪ ،‬وهو ن�و ث‬ ‫وثالث� ن‬ ‫ين‬ ‫مؤ� مرعب‬ ‫ثال�ئة‬ ‫مليو�‪ .‬وهذا ِ‬ ‫بي‬ ‫َّ أ‬ ‫ف‬ ‫ب�سب ي ز‬ ‫العربية للفاكر واملطالب‬ ‫م�ان العرض والطلب ي� السوق‬ ‫أ‬ ‫والفنون‪ .‬أما من �ج ة الطلب‪ ،‬فالمر فم�وم من خالل �ج هور ال يلهث‬ ‫من أجل حاجات املعرفة ت‬ ‫اهلو�ت‪ ،‬بل يلهث ي ن‬ ‫لتأم�‬ ‫وال�فيه ومطالب ّ ي‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫كث�ا من الساتذة‬ ‫ال�ورات‬ ‫احليوية‪ .‬وأما من �ج ة العرض‪ ،‬فتجد ي‬ ‫الج ّ‬ ‫العمل طوال عقود من العمل إال‬ ‫امعي ي ن� ال ينتجون من البحث‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫واملاجست�‪ .‬وكيف ال يكون المر كذلك‬ ‫ما كتبوه ي� رسائل الدكتوراه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ َ‬ ‫ف‬ ‫و� لك صف‬ ‫وعدد ي‬ ‫كب� من املواد الدراسية يوك إىل الستاذ الواحد‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫عدد هائل من الطالب‪ ،‬فال يفرغ من تصحيح امتحا��م إال أثناء‬ ‫التدريس الذي يوضع‬ ‫التال‪ .‬فإذا عرفنا قدر العبء‬ ‫حلول أ االمتحان ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫امع وتفاهة العواض املمنوحة‪ ،‬عرفنا أن إجازات‬ ‫فيه الستاذ الج ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫ّ‬ ‫البح�‪ ،‬والزماالت احلولية ي� مراكز ال ب�اث وامل بت�ات‪،‬‬ ‫التفرغ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫امليدانية‪ ،‬يه من المور النادرة إال للقليل نم�م‪ .‬لك هذا‬ ‫والسفار‬ ‫أ‬ ‫يفس انعدام الوقت والدمع َ‬ ‫َّ‬ ‫العملية؛ فامك أن‬ ‫الالزم ي ن� لتوليد ال ب�اث‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫الوالدة ال خ�رج من عدم‪ ،‬و�تاج إىل التلقيح‪ ،‬وإىل ت‬ ‫الف�ة الالزمة‬ ‫واالج� ّ‬ ‫ن�‪ ،‬فإن إالنتاج ف� إال ّ‬ ‫لنمو الج ي ن‬ ‫ت‬ ‫عيات والفنون ال‬ ‫نسانيات‬ ‫ي‬ ‫ي خ�رج من عدم‪ ،‬أي من دون الدمع املال‪َ ،‬‬ ‫واحل َبل الفكري ب�راجعة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫المعــال السابقة‪ ،‬وتوصيف الظواهر ومسحها‪ ،‬والقيام ب�لفرض‬ ‫أ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫والنقاد‪.‬‬ ‫واالختبار‪ ،‬وبناء ن�اذج العلوم والفنون بتداوهلا مع القران‬ ‫ث‬ ‫ت خ ُّ‬ ‫ت‬ ‫ـدا� من خالل التفاوت‬ ‫وح� ي�كن �يل وضع همن املج تمع احلـ ي‬ ‫يخ‬ ‫التعل�‬ ‫التار�‪ ،‬فإنه ال أحد‪ ،‬تقريبا‪ ،‬يتساءل ب ج� ّدية عن غياب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫اململوكية‪ ،‬وال عن ة‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫الباحث� وضعف‬ ‫قل‬ ‫الدول‬ ‫املدرس الثانوي ي�‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ين‬ ‫الفنان� آنذاك‪ ،‬لسبب بسيط‪ ،‬هو أن الدول ما قبل احلديثة مل تكن‬ ‫ت‬ ‫والنتاج العمل ن‬ ‫واجبا�ا‬ ‫والف� واجبا من‬ ‫التعل�‬ ‫تعت�‬ ‫العموم إ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي ًّ‬ ‫‪31‬‬ ‫َّ‬ ‫و�ملثل‪ ،‬فإن‬ ‫إالنتاجية‪ ،‬وال قامس هرميا من أقساهما لتوزيع العمل ‪ .‬ب‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العر� يه‬ ‫لثال� ِ‬ ‫املعل والباحث والفنان ي� عاملنا ب ي‬ ‫اهلامشية الوظيفية ي‬ ‫ضُّ‬ ‫التح�‬ ‫َع َرض من أعراض ضعف التحديث‪ ،‬وشلك من أشاكل‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مهية‪ ،‬ألن احلداثة ف� صيغة ة‬ ‫ال ّ‬ ‫دول‬ ‫املنقوص‪ .‬هذا التعليل ي� غاية‬ ‫ي‬ ‫الرفاهية ئ‬ ‫قا�ة عىل ُّ‬ ‫َّ‬ ‫توسع الطبقة الوسىط وتفعيل املواطنة‪ .‬ولقد‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫مثل‪ ،‬إن ما ُ‬ ‫استحدث من وحدات ي� لكيات العلوم الطبيعية والتطبيقية ي� جامعة‬ ‫‪-30‬‬ ‫دمشق سنة ‪ 2010‬ز� يد بنسبة ‪ 75‬ف� املئة عىل ما ُ‬ ‫استحدث ف ي� لكيات العلوم ت‬ ‫االج�عية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫العر� السادس للتنمية الثقافية‪ :‬التاكمل املفقود ي ن‬ ‫التعل�‬ ‫ب�‬ ‫التقر�‬ ‫والنسانية‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫والبحث‬ ‫العمل وسوق العمل والتنمية ي� الدول العربية ي‬ ‫(ب�وت‪ :‬مؤسسة الفكر ب ي‬ ‫ي‬ ‫‪ ،)2013‬ص ‪.155‬‬ ‫ق� ب�ملدارس ما فوق مرحلة‬ ‫امللتح ي ن‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫‪ -31‬ب�سب استقصاء أحد‬ ‫الباحث�‪ ،‬مل يكن ي� يد عدد ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الكتاتيب ي� مرص عىل ألف طالب سنة ‪758‬هـ‪1356/‬م‪ ،‬انظر‪ :‬حممد العناقرة‪ ،‬املدارس‬ ‫أ‬ ‫ف� مرص ف� عرص ة‬ ‫دول املماليك (القاهرة‪ :‬املج لس العىل للثقافة‪ ،)2015 ،‬ص ‪.246-245‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫‪39‬‬


‫َّ‬ ‫ين‬ ‫والمــارات‬ ‫وال‬ ‫قطاعي�‪ ،‬بإ�ن تنافس املمالك إ‬ ‫تنبه بعض امللوك إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫افي� ت‬ ‫ال َّ‬ ‫والفنان� والج غر ي ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫وامل��ج ي ن�‬ ‫املهندس�‬ ‫وروبية‪ ،‬لمهية �ويل‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫الذ� صاروا ب� ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫والفنية ُي ِد ِّرون عىل ممو يل�م أضعافا‬ ‫البحثية‬ ‫نشط�م‬ ‫يخ أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ُ ُّ‬ ‫ورو� منذ‬ ‫امم اكن القنان ي ِدرونه ي� القرون الوسىط‪ .‬والتار� ال ب ي‬ ‫افية ن‬ ‫عرص االكتشافات الج غر َّ‬ ‫فالتنو� فاحلداثة‪ ،‬ث� ّي ب�ذا‬ ‫وال�ضة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ُّ‬ ‫خ‬ ‫التوجه‪ .32‬وأحد أرسار تدهور املمالك إال َّ‬ ‫سالمية عىل �وم القرن‬ ‫ف‬ ‫نُ‬ ‫السادس ش‬ ‫َّ‬ ‫ع�‪ 33‬هو‬ ‫أورو� ي� ت�ويل‬ ‫التنافسية مع‬ ‫فقدا�ا القدرة‬ ‫ب‬ ‫ين‬ ‫واالج� ي ن‬ ‫كب� من إال ي ن‬ ‫ت‬ ‫والفنان�‪ ،‬وهو الج يش‬ ‫عي�‬ ‫نسي�‬ ‫«جيش» ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫أورو� من توسيع الطبقة الوسىط و�سيس املج امع العملية‪.‬‬ ‫الذي مكن‬ ‫ب‬ ‫س�ورة ي خ‬ ‫العوملية َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫احلالية‪.‬‬ ‫ين� إىل مآالته‬ ‫واحلديث عن ي‬ ‫التار� ب ي‬ ‫الغر� ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ز‬ ‫وإ�ابيا‪.‬‬ ‫العر� احلديث ال ي�ال ينفعل ب�ملركزية الغربية سلبيا ي ج‬ ‫والعامل ب ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ال� احتكرها‬ ‫ويك� أن نعمل أن فك أرسار‬ ‫ي‬ ‫ال�وة والسلطة واملعرفة ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫الغرب طويل هو ما مكن دوال مثل ي ن‬ ‫الص� واهلند‪ ،‬ومن قبلهما‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫التبعية‪ .‬واقتدارها عىل ذلك اكن‬ ‫التحرر من‬ ‫واليا�ن‪ ،‬من‬ ‫روسيا‬ ‫ب‬ ‫ًّ‬ ‫ش ً‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫اهلو�ت االج�عية قومية‪ ،‬وجنوسية‪،‬‬ ‫م�وطا ب�ل�وض بتنشيط حراك ي‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ش ئ‬ ‫ف‬ ‫لوجية‪ ،‬وسواها‪ .‬وال غرابة ي� أن ال�ا� العظىم من‬ ‫وطبقية‪ ،‬وأيديو‬ ‫ّ‬ ‫ّ ت‬ ‫التعليمية‬ ‫ال� مل تستفد من خصخصة القطاعات‬ ‫الشعوب العربي فة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫كب�‪َّ ،‬‬ ‫فملا فقدت المل ي� ّ‬ ‫التحرر والوحدة‬ ‫والثقافية وقعت ي� مأزق ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأقال�‪ ،‬وقبائل‪،‬‬ ‫الفرعية من طوائف‪،‬‬ ‫والتقدم‪ ،‬صارت الــوالءات‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومشبعا ن‬ ‫وحراكت ّ‬ ‫لملع�‪.‬‬ ‫متطرفة عنيفة‪ ،‬خيارا مقبوال ُم ِنتجا للقيمة‬ ‫أ‬ ‫االج� َّ‬ ‫امل�سك للفاكر واملطالب ت‬ ‫ولعهل اتضح للقارئ أن النسيج ت‬ ‫عية‬ ‫ف‬ ‫مواط� الـ ة‬ ‫ـدول احلديثة � َّ‬ ‫ن‬ ‫والفنون هو النسيج الذي ض ّ‬ ‫ي�‬ ‫رسدية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫عومليا‪ً .‬‬ ‫ورسدية التعاون ّ‬ ‫التعايش ّ‬ ‫يص� االشتغال‬ ‫حمليا‪،‬‬ ‫وبناء عليه‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫واالج� ّ‬ ‫بنسيج إال ّ‬ ‫ت‬ ‫الدول‬ ‫عيات والفنون واجبا من واجبات‬ ‫نسانيات‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫الدول ذاته إىل‬ ‫لتخل عنه‪ ،‬سارع نسيج‬ ‫احلديثة‪ ،‬ح� إذا قامت ب� ي‬ ‫ّ‬ ‫واالج� ّ‬ ‫التحلل‪ .‬إن وضاعة االشتغال ب� إل ّ‬ ‫ت‬ ‫عيات والفنون يه‬ ‫نسانيات‬ ‫نُ ً‬ ‫ة ‪34‬‬ ‫َّ‬ ‫التبعية ومقاومة التحديث‪ ،‬ما ينفع خَ�با ضئيل‬ ‫َع َرض من أعراض‬ ‫اهلوية من املعرفة ت‬ ‫ت�بعة لقوى بك�ى ت�نع حوامل َّ‬ ‫والنصاف‪.‬‬ ‫وال�فيه إ‬

‫‪40‬‬

‫ّ‬ ‫ف‬ ‫لملتحك ي ن� ي� دورة االقتصاد‪،‬‬ ‫كب�‬ ‫ِ‬ ‫السياس‪ ،‬وهــذا ت�ديد ي‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا سيخرج الناس ت‬ ‫مع� ي ن‬ ‫عل�م‬ ‫ض� أن ال ض� يبة تفرض ي‬ ‫َّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫شعبية ت� َنح هلم ب�لقدر ذاته‪ ،‬وهذا ي� ِفز عىل إالصالح‬ ‫بغ� سلطة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫نً‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫والتغي�‪ ،‬فــيـوِلــد فــنــو� تــرح املــعــا�ة والشظف واالغــــراب‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫الالعقال�‪ ،‬والخ رافة‬ ‫والتفك�‬ ‫اللغوية‪ ،‬واملغالطة‬ ‫والفو�‬ ‫تاك� اهلذر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تمعة أسلوب َت ُّ‬ ‫صور العامل بوضوح‬ ‫والتفس�‬ ‫الالعمل‪ ،‬فتجدد مج‬ ‫ي‬ ‫ّ ي َّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫وعقالنية وواقعية؛ إذاك � ِاجع إالنسانيات واالج�عيات الثقافات‬ ‫ت َّ‬ ‫ّ‬ ‫اثية‪ ،‬وتقارن ن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وتبدل‬ ‫الدينية‬ ‫بي�ا‪ ،‬فتفتح سبل النجاة‬ ‫ال�‬ ‫والروحية‪ِ ،‬‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الطقوس الذي يتخذ صكواك للغفران‪ ،‬لينقلب‬ ‫لو�ت من النفاق‬ ‫الو ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ت� ي ز‬ ‫و�‬ ‫ك�ا عىل الصدق والعمل الصاحل ونبذ إال َحن‪ ،‬وتبكيتا‬ ‫ِ‬ ‫لملستبد ي أ ن�‪ .‬ي‬ ‫ُ‬ ‫صور ن‬ ‫رسد�ت وفنون ت ّ‬ ‫سبيل هذه الثورة الروحية‪ ،‬ب ز‬ ‫معا�ة النبياء‪،‬‬ ‫ت�غ ّ ي‬ ‫ِ‬ ‫ومعالنية ق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتصو ي ن‬ ‫وحمكة‬ ‫وعذا�ت التقوى‪.‬‬ ‫الف�اء‪ ،‬وحرقة الشك‪،‬‬ ‫ف�‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ُت ِع ي ن� عىل بناء املواطن الصاحل؛ ف ج ُ‬ ‫الدول احلديثة‪ ،‬من‬ ‫�ل إجراءات‬ ‫التدو� ومنع اهلدر وحفظ ال ـرث وات واملؤسسات‪ ،‬يستلزم‬ ‫تعل�ت‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن ً ّ ً يف‬ ‫التعل� الثانوي الج اد عىل القل‪ .‬وال ي�كن‬ ‫حدود‬ ‫�‬ ‫ا‬ ‫متعل‬ ‫إنسا�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫امل ة‬ ‫الغا�ت؛ نظ ًرا إىل قصور خ‬ ‫الوع‬ ‫وانعدام‬ ‫يل‬ ‫بتلك‬ ‫إقناع الج َ هول‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطبيعية ي� عامل التمدن ن‬ ‫التق� املعقد ب�لنسبة إىل شبه‬ ‫بدورات املوارد‬ ‫لتعل� ّ‬ ‫دا�ة انتباه إالنسان ي للسياسات االقتصاديةّ‬ ‫أّ‬ ‫تتوسع ئ‬ ‫م‪ .‬ب‬ ‫و� ي‬ ‫ال ي‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القيمية والذوقية‪،‬‬ ‫العادل‪ ،‬والتحوالت‬ ‫السياسية‬ ‫الصائبة‪ ،‬والقرارات‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫الطائفية والعرقيةَّ‬ ‫ّ‬ ‫ل� ب�العتبارات‬ ‫وهو المر الذي سيجعل املواطن ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الوع والذاكرة ي ج�عل املواطن َحم َّصنا‬ ‫إىل مراتب دنيا‪ .‬أ إن نضوج ي‬ ‫لخ‬ ‫َّ‬ ‫من اهلوجات اليديو َّ‬ ‫لوجية والخ طابة الطائفية وأغاليط ا رافة‪.‬‬ ‫املعارض� إلنصاف حوامل َّ‬ ‫ْ‬ ‫ين‬ ‫اهلوية أن يعملوا أن دوام انتفاهعم‬ ‫وحس ُب‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫والتجارية احلديثة إ�ا هو ش‬ ‫َّ‬ ‫ثب�ر املهن َّ‬ ‫م�وط بدوام‬ ‫واهلندسية‬ ‫الطبية‬ ‫نسانيات ّ‬ ‫االج� ّ‬ ‫خصوبة إال ّ‬ ‫وري ت‬ ‫عيات والفنون‪ .‬ولقد ب�هنت أحداث‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫القذا� مل ينفعه نفطه‪ ،‬وال السد منعه‬ ‫العر� والثورة املضادة أن‬ ‫ي‬ ‫الربيع ب ي‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫توزيع العمل ي� هرم‬ ‫جيشه‪ ،‬وال‬ ‫مبارك حته استخباراته؛ ذلك أن َ‬ ‫نً‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫العقال� ال يلبث أن ي�ار عىل أحصابه‪ .‬أوليس الظمل مؤذ�‬ ‫اج� يع‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ب خ�راب العمران امك بَّن�نا ب ن‬ ‫ا� خلدون؟ خالصة القول‪ ،‬عىل قدر �ديث‬ ‫ّ‬ ‫املج تمع وخروجه من َّ‬ ‫التبعية‪ ،‬يشتد طلب السوق عىل همارات سادوس‬ ‫نسانيات ومعارفه‪ ،‬وعىل مطالب حوامل َّ‬ ‫اهلوية ش‬ ‫إال ّ‬ ‫الع�ة‪ ،‬وعىل‬ ‫ً‬ ‫ت�فيه الفنون أيضا‪ .‬وعىل قدر إشباع هذا الطلب تكون قيمة ُم ِنتجيه‬ ‫وفنان�‪ ،‬ويكون َ‬ ‫ين‬ ‫و� ي ن‬ ‫ين‬ ‫ي‬ ‫التكر� املادي‬ ‫عو ض�م من‬ ‫حث�‬ ‫من‬ ‫معمل� ب‬ ‫ت ت ّ‬ ‫ال� حققت‬ ‫واملعنوي‪ .‬وال مصادفة أن تكون هذه ي‬ ‫الس�ورات يه ذا�ا ي‬ ‫ت َّ‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫أ�ح تطبيق لدول الرفاه‪.‬‬ ‫سكند� ّفية‬ ‫ب�ا الدول إال‬ ‫حداث�ا فقدمت نج‬

‫خامتة‪:‬‬ ‫ال ـث ـمــن ال ـب ــاه ــظ لـت ـهـم ـيــش اإلن ـس ــان ـ ّي ــات واالج ـت ـم ــاع ـ ّي ــات‬ ‫والفنون عرب ّياًا‬ ‫ّ‬ ‫الطبيع‪،‬‬ ‫لو ُ ِســح إللنسانيات واالجـ تـامعــيــات والفنون ب�لنمو‬ ‫ي‬ ‫لقامت ب ج� ة‬ ‫َّ‬ ‫الروحية إللنسان‬ ‫التغي�ات بشأن الكينونة‬ ‫مل من‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫االجــما يع‪ .‬إن هــذه املباحث‪:‬‬ ‫م للهرم‬ ‫ـر� والنظام ب‬ ‫الــعـ ب ي‬ ‫الـــر ج ي‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ُّ‬ ‫والتفوق الذكوري‪،‬‬ ‫العر�‬ ‫النفس لوهــام التفاوت‬ ‫تقلق الركون‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫‪The Wealth and Poverty of Nations (New .York: Norton -32‬‬ ‫تسلط الضوء عىل مظامل نظام توزيع العمل‪ ،‬فتطالب‬ ‫وه أمــور ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫‪276 .p ,)1999 ,David Landes,‬‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫الذك‬ ‫دود‬ ‫الك‬ ‫ويطالب‬ ‫واملناصب‪،‬‬ ‫ـور‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫�‬ ‫ملساواة‬ ‫�‬ ‫النساء‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪ -34‬جورج صليبا‪ ،‬العلوم إالسالمية وقيام نال�ضة الوروبية‪ ،‬ت��ج ة حممود‬ ‫والفالح� ب�ا عند أهل املدن من ن‬ ‫ن‬ ‫هلؤالء‬ ‫وتص�‬ ‫‪.‬‬ ‫مغا�‬ ‫البدو‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫(ب�وت‪ :‬الدار العربية للعلوم � شن�ون‪ ،)2011 ،‬ص ‪.322‬‬ ‫حداد ي‬ ‫ف‬ ‫االجــامع ش‬ ‫ت‬ ‫الب�ي‪.‬‬ ‫فنون وأفــام تـ شـرح احتجا�ج م ومواق�م من‬ ‫(ب�وت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫تمع‬ ‫اكت‪،‬‬ ‫�‬ ‫حل�‬ ‫‪-35‬‬ ‫املج‬ ‫العر� املعارص ي‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫بي‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫الطب� واالحــتــار االقتصادي واالستبداد‬ ‫تــعـ ّ ِـري م ـزامع النبل‬ ‫العربية‪ ،)1984 ،‬ص ‪.459‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫تب� ‪ -‬العدد ‪-24‬املج لد السادس‪ -‬ربيع ‪ ،2018‬عملا أن دورية ّ ي ن‬ ‫*املصدر‪ :‬دورية ّ ي ن‬ ‫العر� لل ب�اث و دراسة السياسات‪.‬‬ ‫تب� تصدر عن املركز ب ي‬


‫العربية بني التنوير والتقليد‬ ‫اجلامعية‬ ‫النخبة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬ ‫َّ‬ ‫إن ال ـت ـنــويــر كــاخ ـت ـيــار ف ـك ــري وث ـقــايف‬ ‫ي ـت ـط ـ َّـل ــب مـ ـن ــا ال ـ ــوق ـ ــوف لـ ــوقـ ــت حمـ ـ َّـدد‬ ‫م ــن أج ــل مــراج ـعــة مــواق ـف ـنــا وأف ـكــارنــا‬ ‫وثـ ـقـ ــافـ ـتـ ـنـ ــا ال ـ ـ ــي ال تـ ـسـ ـتـ ـطـ ـي ــع جتـ ـ ــاوز‬ ‫املاضي واالنغمار فيه بأسلوب مسج‪.‬‬ ‫فــالـتـنــويــر هــو ره ــان الـتـقـ ّـدم احلقيقي‬

‫‪,,‬‬

‫عزيز العرباوي‬ ‫كاتب وباحث‬

‫املغرب‬

‫َّ‬ ‫ال يستطيع أي أحــد الج ــزم ب�لقول إن‬ ‫َّ‬ ‫إ�ــاب‬ ‫جامعاتنا‬ ‫العربية قــادرة عىل نج‬ ‫َّ‬ ‫مثقفة قادرة عىل نّ‬ ‫تب� ثقافة نقديةَّ‬ ‫نخ�ب‬ ‫ً ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ت�ر سياسة‬ ‫حقيقية ً ال تنافق أحدا وال ب ِ‬ ‫أو ق ـرارا مج حفا‪ .‬وال يقدر أحد منا أن‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫تغي� هذا‬ ‫يد يع أنه قادر عىل الدفع �و ي‬ ‫الوضع العر� دون أن ّ‬ ‫يضح ب�لعديد‬ ‫بي‬ ‫ي َّ أ‬ ‫من مكتسباته ومصاحله الشخصية؛ لنه‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والتعليمية‬ ‫السياسية‬ ‫يعرف أن السلطة‬ ‫ّ ة ف‬ ‫ف‬ ‫متوغل ي� املج تمع لكه‪،‬‬ ‫ي� عاملنا‬ ‫العر� ِ‬ ‫بي‬ ‫و�لتال ف� �ج يع ّ‬ ‫مؤسساته‪ ،‬ت‬ ‫وح� الج امعة‬ ‫ب ي ي‬ ‫ومراكز البحوث‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العال ب خ� ي� أو هو‬ ‫إن القول إن تعليمنا‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أ ف‬ ‫عىل القل ي� سكته الصحيحة هو قول‬ ‫أ َّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫مج انب للصواب‪ ،‬لن جامعتنا‬ ‫ت‬ ‫ض ف‬ ‫املــا� ي�‬ ‫ما زالــت �ــن إىل أساليب‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫َّ‬ ‫وخاصة ف� ّ‬ ‫لكيات الداب والعلوم‬ ‫التعل�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫�غ‬ ‫إال َّ‬ ‫ت‬ ‫ـ� ينب ي أن تكون مراكز‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ة‪،‬‬ ‫نساني‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫وحرية االختيار والبحث‬ ‫للبحث العمل‬ ‫ين أ‬ ‫للسف الشديد مل تعدْ‬ ‫والبــداع‪ ،‬لك�ا‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫لتلق� وإ�ج اد‬ ‫تتجاوز تقنيات‬ ‫التعل� ب� ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الطالب ي� التدريس التقليدي واحلفظ‬ ‫أ‬ ‫وإرجــاع املـ َّ‬ ‫صاح�ا (الستاذ)‪.‬‬ ‫ـادة إىل‬ ‫ب‬ ‫ن ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫�ء إ�ا يدل عىل أن‬ ‫وإن دل هذا عىل ي‬ ‫مثل هذه ّ‬ ‫اللكيات مل تستطع أن تتجاوز‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫والتلق� والتدريس‬ ‫رها�ا عىل التقليد‬ ‫احل� واللوحة‪،‬‬ ‫ب�لطبشورة واملمسحة‪ ،‬أو ب‬ ‫أ‬ ‫وك ن�ا ّ‬ ‫َّ‬ ‫تعليمية من زمن ي‬ ‫قد� أو‬ ‫مؤسسات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫عىل القل ما زالت � ُّن إليه‪.‬‬

‫التنوير‪ :‬عصر العقل والنقد‬

‫التار� َّ‬ ‫لقد اكن عرص العقل حقبة ف� ي خ‬ ‫شد َد‬ ‫ي‬ ‫يف�ا الفالسفة عىل العقل ب�عتباره أفضل‬ ‫ة‬ ‫وسيل ملعرفة احلقيقة‪ .‬وقد بدأت حقبة‬ ‫عرص العقل ف� أوائل القرن السابع ش‬ ‫ع�‬ ‫ي‬ ‫واستمرت ت‬ ‫َّ‬ ‫ح� أواخر القرن‬ ‫امليالدي‪،‬‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫الثامن عــر املــيــادي‪ .‬امك يسم عرص‬ ‫َّ‬ ‫العقالنية‪.‬‬ ‫التنو�‪ ،‬أو عرص‬ ‫العقل بعرص‬ ‫ي‬

‫وقــد ش�ــل زمعــاء العرص ّ‬ ‫عــدة فالسفة‬ ‫يز‬ ‫ّ‬ ‫فرنسي ي ن� مثل‪:‬‬ ‫املارك� دو كوندرسيه‪،‬‬ ‫ورينيه دياكرت‪ ،‬ودينيس ديدرو‪ ،‬وجان‬ ‫جــاك روس ــو ‪ ،‬وف ـولــتـ يـر‪ ،‬والفيلسوف‬ ‫إال نج� ي ز‬ ‫ل�ي جون لوك‪.‬‬ ‫ت ً ً‬ ‫كب�ا عىل‬ ‫اعتمد زمعاء عرص العقل اع�دا ي‬ ‫ن‬ ‫العمل‪ ،‬بتشديده عىل التجريب‬ ‫امل�ج‬ ‫ي‬ ‫واملالحظة الدقيقة‪ .‬ولقد أحدثت هذه‬ ‫ف‬ ‫احلقبة ّ‬ ‫تطورات َّ‬ ‫هممة عديدة ي� مج االت‪،‬‬ ‫ش‬ ‫الـــتـــر ي�‪ ،‬وعـــم الفلك‪،‬‬ ‫مــثــل‪ :‬عــم‬ ‫ز‬ ‫والف� ي�ء‪ .‬وقام‬ ‫والكيمياء‪ ،‬ي‬ ‫والر�ضيات‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫فالسفة عرص العقل بتصنيف املعرفة ي�‬ ‫َّ‬ ‫العملية‪ .‬امك‬ ‫موسوعات‪ ،‬وبتأسيس املعاهد‬ ‫ن‬ ‫اكن الفالسفة يؤمنون ب إ� َّ‬ ‫ماكنية تطبيق امل�ج‬ ‫العمل عىل دراســة الطبيعة إال َّ‬ ‫نسانية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫واستكشفوا بعض املواضيع ي� تال� بية‪،‬‬ ‫والقانون‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والسياسة؛ وها�ج وا‬ ‫الطغيان‪ ،‬والظمل االجـ تـام يع‪ ،‬والخ رافات‬ ‫الكث� من أفاكرمه‬ ‫والج هل‪ .‬وقد أهسم‬ ‫ي‬ ‫ن أ‬ ‫ف‬ ‫مريكية والفرنسيةَّ‬ ‫ال َّ‬ ‫الثورت�‬ ‫ي� اندالع‬ ‫ي‬ ‫ف� أواخــر القرن الثامن ش‬ ‫ع� امليالدي‪.‬‬ ‫ي‬ ‫التنو� ت‬ ‫ال�‬ ‫فلسفة‬ ‫الت‬ ‫ز‬ ‫وما‬ ‫اكنت‬ ‫لقد‬ ‫و‬ ‫ي ي‬ ‫تعتمد عىل العقل وتؤمن به وبقدرته عىل‬ ‫ت‬ ‫خلق مزيد من إالبداع و�قيق نوع من‬ ‫ش أ‬ ‫ّ‬ ‫الوع‬ ‫التطور‬ ‫العمل نتيجة مبا�ة لزمة ي‬ ‫ي‬ ‫أور� منذ عام ‪ 1680‬ت‬ ‫ت‬ ‫ح�‬ ‫ـ� هـ َّـزت ب‬ ‫الـ ي‬ ‫أ‬ ‫‪ 1715‬امك ف‬ ‫وص�ا مـ ّ‬ ‫الفرنس‬ ‫ـؤرخ الدب‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫بول هازار‪ ،‬مل تتبلور ب�لفعل إال ي� فرنسا‬ ‫ً‬ ‫ين‬ ‫ب� ‪ 1745‬و‪ ،1785‬حيث أخذت طابعا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وللتعصب‬ ‫ـاد� للهكنوت‬ ‫عملانيا مــعـ ي‬ ‫الدي�‪ ،‬وصبغة َّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫عقالنية تنسف‬ ‫مادية‬ ‫أ ي‬ ‫ّ‬ ‫الفاكر املتخلفة والخ ر َّ‬ ‫افية ن‬ ‫وت� سيطرة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫يقية‪« ،‬وتعط الو َّ‬ ‫يز‬ ‫امليتاف� َّ‬ ‫لوية للتجربة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫أساسية‪ ،‬إضافة إىل ما‬ ‫لتكرس العمل قيمة‬ ‫ِّ‬ ‫محلته من رؤية جديدة للسلطة والقانون‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫وحقوق إالنــســان‪ .‬ومــع أن ت�ثـ يـرهــا ي�‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫سياسة ّ‬ ‫املؤسسات اكن ي� البداية ضعيفا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫السياسية‬ ‫النظرية‬ ‫نج�حت ت�اما ي� بلورة‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫� مل �دث ثورة‪،‬‬ ‫لدى النخبة املثقفة‪ .‬ي‬

‫‪41‬‬


‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫احلرية‬ ‫لك�ا أنضجت الخ طاب الثوري الذي طرح يق� جديدة‪ ،‬مثل‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫الفرنسية الحقا‪ .»1‬ي ن‬ ‫ال� ستكون أساس شعارات الثورة‬ ‫فأ�‬ ‫نواملساواة ي‬ ‫ف‬ ‫لو�‬ ‫�ن اليوم من‬ ‫ي‬ ‫التنو�؟ وكيف نتجاوز‪ ،‬ي� زمن التطور التكنو ج ف ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫والتق�‪ ،‬أساليب تعليمية عفا ع�ا الزمن؟ وهل ب�قدور� ي�‬ ‫والعمل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫املا� أن بن�ح ماكننا‬ ‫إىل‬ ‫حلن�‬ ‫�‬ ‫عة‬ ‫متشب‬ ‫أو‬ ‫ة‬ ‫قد�‬ ‫ات‬ ‫عقلي‬ ‫ظل‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫نخ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫املدرس والتمليذ املج �د؟ أم أن‬ ‫و�رج من عقلية ًالشيخ واملريد‪ ،‬أو ِ‬ ‫زمننا ما زال بعيدا وعلينا االنتظار ت‬ ‫ح� وقت آخر؟‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫يتطلب منا الوقوف لوقت َّ‬ ‫حمدد من‬ ‫وثقا�‬ ‫التنو� اكختيار فكري‬ ‫إن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ال� ال تستطيع ت ج�اوز ض‬ ‫وأفاكر� وثقافتنا ت‬ ‫املا�‬ ‫أجل مراجعة مواقفنا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫احلقي�‪ ،‬يقول‬ ‫فالتنو� هو رهان التقدم‬ ‫واالنغمار فيه ب�سلوب مسج‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫«إن ُّ‬ ‫واملع� الج وهري ي خ‬ ‫الباط� ن‬ ‫ن‬ ‫لتار� العامل‪،‬‬ ‫التقدم هو القانون‬ ‫لت�‪:‬‬ ‫فو ي‬ ‫ي‬ ‫أّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ئن‬ ‫س� أحواهل و�كينه من‬ ‫لن إالنسان اك� عاقل‪ ،‬والعقل يدعوه إىل � ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� ت�ذيب الخالق‪،‬‬ ‫احلياة السعيدة‪ .‬يتجل هذا ي� العلوم والفنون‪،‬‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ن ف‬ ‫ف‬ ‫و� انتشار التجارة والصناعة»‪ .2‬فال يتحقق‬ ‫و� إصالح‬ ‫ي‬ ‫القوان�‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫تنو� الفكر واالبتعاد ما أمكن‬ ‫التقدم أبدا دون إمعال العقل‪ ،‬ب‬ ‫لتال ي‬ ‫و� ي‬ ‫ت‬ ‫والبداع‪.‬‬ ‫التفك� من العمل‬ ‫عن لك ما ي�نع ملكة‬ ‫واالج�اد إ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫العربية مل تعد تؤمن‬ ‫حقيقة‪ ،‬وليس مراء‪ ،‬نقول إن أغلب النخب‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫لخ‬ ‫َّ‬ ‫الثنائية ال�ت‬ ‫تفكر ب�نطق ب‬ ‫الر� وا سارة‪.‬‬ ‫ب� ي‬ ‫لتغي� اليوم‪ ،‬ل نّ�ا أصبحت ِ‬ ‫ي‬ ‫ت ّ‬ ‫قد � ِقق هلا البقاء أو الفناء‪ .‬ولذلك يصعب أن نج�د لدى هذه النخب‬ ‫ف‬ ‫تطو� املج تمع ونقد سلواكته‬ ‫قناعات ب�لتضحية من أجل‬ ‫ي‬ ‫التفك� ي� ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫وب�ء من احلرسة‪،‬‬ ‫وأفاكره الخ رافية أو عىل القل ي‬ ‫تنب�ه يإل�ا‪ .‬بل‪ ،‬إننا ي‬ ‫ً‬ ‫لخ‬ ‫وتكرس‬ ‫أن هناك بعضا من هذه النخب ما ز‬ ‫الت تؤمن ب� رافة ّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫الشعوذة وتدافع ن‬ ‫الفكرية من‬ ‫قناعا�ا‬ ‫مستمدة‬ ‫ع�ا بلك الوسائل‬ ‫َّ‬ ‫تال�اث الفكري ن‬ ‫الدي� البعيد لك البعد عن ي ن‬ ‫احلقيقية‪.‬‬ ‫الد� وتعاليمه‬ ‫ي‬ ‫وإنه ليحز ف� النفس أن تعيش نخ�بنا الج َّ‬ ‫امعية عىل هذا الومه معتقدة‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫نأ�ا ت�افظ عىل ي ن‬ ‫الد� شو�ائعه‪ ،‬نبي� يه �اربه من حيث ال تدري‪.‬‬ ‫فعن أي تنو� َّ‬ ‫نتحدث عند مثل هؤالء؟‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫التنو� ي ن‬ ‫لتال ال ي�كننا أن نفصل‬ ‫قر� للحرية الفكرية والسياسية‪ ،‬ب‬ ‫إن ي‬ ‫و� ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫خ�ة ي ن‬ ‫ين‬ ‫ب� ي ن‬ ‫التنو� الذي ي�تبط‬ ‫عناو� االنتفاضات‬ ‫العربية ال ي‬ ‫وب� فكر ي‬ ‫ت نً ً‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ب�حلرية ويق�ن ب�ا اق�ا� ب�رزا عىل اكفة الصعدة‪ .‬يقول يت�اسون‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أخالقا ّ‬ ‫مدنية أو َّ‬ ‫عامة َّ‬ ‫ن‬ ‫دينية من يغ� موقف جدي من‬ ‫«إن� ال أعرف‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪3‬‬ ‫ز‬ ‫احلرية» ‪ .‬امك أن االقتصادي إال نج� يل�ي آدم مسيث الذي جعل ملذهبه‬ ‫ً ئً‬ ‫َّ‬ ‫احلرية مفاده‪( :‬دعه يعمل‪ ،‬تا�كه ي�ر)‪.‬‬ ‫قا�ا عىل‬ ‫االقتصادي شعارا‬ ‫ّ ً ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لخ‬ ‫واحلرية أساس العقد ت‬ ‫االج� يع حمددا ي� ذلك أمه مبادئه ا اصة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫«إن� ت‬ ‫أع�ف ب� ن‬ ‫يقول اكنط‪ :‬ن‬ ‫ن� ال أ�م جيدا هذا القول الذي ي� ّدده‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ف� فرض مثل هذا لن‬ ‫�ا للحرية‪،‬‬ ‫قوم عقالء‪ :‬هذا شعب ليس � ضج‬ ‫ً أ‬ ‫ي ن ً‬ ‫َّ‬ ‫ت أ� ت� َّ‬ ‫�ا للحرية إن‬ ‫احلرية مطلقا‪ ،‬ولنه ال ي�كن أن يكون إالنسان � ضج‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫احلرية من قبل»‪ .4‬ق‬ ‫َّ‬ ‫مل يكن قد عرف َّ‬ ‫أساسيا لدى‬ ‫للحرية موطنا‬ ‫وتب�‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫لتال لدى الفكر ّ‬ ‫املج تمع ّ‬ ‫و� هذا‬ ‫احلر ب‬ ‫احلر ومن ي�ثهل ي‬ ‫خ� �ثيل‪ .‬ي‬ ‫و� ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نخ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إالطار نتساءل‪ :‬هل فعال لدينا �ب جامعية ومثقفة حقيقية ي�ك�ا‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫أن نَّ‬ ‫تتب� هذا الطرح دون مركب نقص أو خ� ّوف من تبعات ذلك؟‬

‫‪42‬‬

‫سؤال التراث الديين ومنطق الثابت واملتح ّول‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن ّالتشكيك ف� ّ‬ ‫نو�‬ ‫املؤسسات الدينية‪ ،‬ارتبط مع ِ‬ ‫مفكري عرص الت ي‬ ‫ي‬ ‫ّ ف‬ ‫ّ‬ ‫الدينية ي� عبادة ما يشاؤون وما يعتقدون‪ .‬تقول‬ ‫احلرية‬ ‫ب�ستدعاء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التنو� بشدة‬ ‫مفكرو عرص‬ ‫ســوزان ب�ــذا الخ صوص‪« :‬لقد سىع ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫املنظم � حمـ ة‬ ‫إىل احلـ ِّـد من َّ‬ ‫ّ‬ ‫للد� ُ‬ ‫السياسية ي ن‬ ‫ـاول للحد من‬ ‫القوة‬ ‫ي‬ ‫ن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نو� هل عالقة مع‬ ‫املتعصبة» التساحم‬ ‫الدينية‬ ‫احلــروب‬ ‫الدي� للت ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ت� ي ز‬ ‫ّ‬ ‫ك� احلركة عىل احلرية الشخصية‪ .‬هذا امل�وم يقول إن هللا أو‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫للب� ّ‬ ‫وأن ش‬ ‫ال ّ‬ ‫حرية‬ ‫ساسية‬ ‫للب� لك احلقوق‬ ‫الطبيعة قد منحت‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫المر بقوهلا‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫«شد َد هؤالء‬ ‫الترصف دون تقييد � يع‪ .‬شت� ُح سوزان‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ـر الفرد‪ .‬للفر ِاد‬ ‫الفالسفة عىل أن احلكومة ال سلطة ّهلا عىل �ـ ي ِ‬ ‫ق‬ ‫السياسية ش‬ ‫ال� َّ‬ ‫َّ‬ ‫عية‬ ‫حقو�م‪ ،‬و�ج يع الناس سواسية امك أن السلطة‬ ‫ُ‬ ‫ّ ً‬ ‫ُ ن‬ ‫وه جم ب�ة عىل أن تكون ُ َم ِث ةل لرغبته»‪.5‬‬ ‫تب� عىل موافقة الشعب ي‬ ‫وجد� ّأن هنالك ث‬ ‫ن‬ ‫وإذا ما ّ‬ ‫التنو� من ي ن‬ ‫أك� من‬ ‫الد�‪،‬‬ ‫تتبعنا موقف‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫وتيار وموقف‪ ،‬ف�نالك من دون شك تيار ّ‬ ‫ا�اه فكري ّ‬ ‫مياكنيك‬ ‫مادي‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ملحد ي� ّثهل ف� فرنسا بشلك ّ‬ ‫داملب�‪ ،‬وهلفثيوس‪،‬‬ ‫خاص فالسفة أمثال ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ودو ت‬ ‫المي�ي‪ ،‬وهنالك ّ‬ ‫ربو� (‪ )emsiéd‬قال به‬ ‫أو‬ ‫مؤل‬ ‫عقل‬ ‫ار‬ ‫تي‬ ‫بي‬ ‫ّ ي‬ ‫تن‬ ‫ملناه‬ ‫نيو�‪ ،‬وهو مذهب ي�ى أن هللا ال سبيل إىل معرفته إال ب� ج‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫اصة ما ّمساه َّ ة‬ ‫العقلية‪ ،‬ب خ‬ ‫و� َّ‬ ‫َّ‬ ‫وأن هللا ِّ‬ ‫مصمم الكون‬ ‫العل العظىم الوىل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وواضــع نظامه‪ .‬وقد وظف هذا التصور عملاء الـ ي ن‬ ‫ـد� والفكر عىل‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫املماثل ي� ي ن‬ ‫الد�‬ ‫السواء‪ ،‬فاستعمهل السقف جوزيف بتلر ي� كتابه‪:‬‬ ‫الد� نزّ‬ ‫والد� نزَّ‬ ‫ين‬ ‫امل�ل‪ ،‬وحاول بال�هنة عىل ّأن مبادئ ي ن‬ ‫ب� الطبيع ي ن‬ ‫امل�ل‬ ‫ي‬ ‫متشا�ان ب�ا ف‬ ‫للك�ما‪ .‬امك‬ ‫ومج رى الطبيعة‬ ‫ب‬ ‫يك� إلثبات صانع واحد ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لت� وروسو ي� نقدمها لملسيحية الاكثوليكية‪،‬‬ ‫استعمل هذا املذهب فو ي‬ ‫ً ً‬ ‫ب خ َّ ف‬ ‫ُّ‬ ‫الربو� تيارا غالبا عىل‬ ‫ويعت� التيار‬ ‫التعصب‪.‬‬ ‫اصة ي� موضوع‬ ‫و�‬ ‫ب‬ ‫بي‬ ‫أ‬

‫ّ‬ ‫تصور النخب ي ن‬ ‫للد�‪ ،‬لننا نقرؤه عند مخ تلف فالسفة ومفكري‬

‫‪ -1‬املوسوعة العملية‪ :‬املعرفة‪ ،‬رابط املقال‪D%9B%8D%/gro.aferam.www//:sptth :‬‬ ‫‪D%A8%9D%88%9D%68%9D%AA%8D%48%9D%7A%8D%_1B%8D%5B%8‬‬ ‫‪.1B%8‬‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫صبح‪ ،‬ي� فلسفة ي‬ ‫التار�‪ ،‬مؤسسة الثقافة الج امعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪،5791 ،‬‬ ‫‪ -2‬أمحد حممود‬ ‫ي‬ ‫ص‪.57 .‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ورو� ي� القرن الثامن ع�‪�� ،‬ج ة‪ :‬حممد غالب‪ ،‬دار احلداثة‪،‬‬ ‫‪ -3‬بول هازار‪ ،‬الفكر ال ب ي‬ ‫يب�وت‪ ،‬لبنان‪( ،‬د‪ -‬ت)‪ ،‬ص‪.18 .‬‬

‫‪ -4‬املرجع السابق نفسه‪ ،‬ص‪.542 .‬‬ ‫تأ‬ ‫العمل»‪ ،‬موقع‪ :‬نأ�‬ ‫التفك�‬ ‫التنو� عىل تطور‬ ‫«�ثـ يـر عرص‬ ‫‪ -5‬وليد سايس‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫أصـ ّـدق العمل‪ ،‬بــتــار�‪ 21 :‬غشت ‪ ،2016‬رابــط املوقع‪.com/?p=16638 :‬‬ ‫‪http://ibelieveinsci‬‬


‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫إ� تل�ا أو أملانيا‪ .6‬إن‬ ‫وكتاب عرص‬ ‫التنو� سواء ي� فرنسا أو نج‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫املفكر إىل الوقوف عىل َّ‬ ‫أمهية‬ ‫التفك� ي� مثل هذا المر يقود ِ‬ ‫ي‬ ‫�غ‬ ‫والتفك� النقدي الــذي ينب ي عىل النخب‬ ‫العمل‬ ‫البحث‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫الج َّ‬ ‫امعية أن تعمل عليه وتنتج ي� إطاره أفاكرا ومعرفة جديدة‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والرجعية‬ ‫واملتطرفة‬ ‫التقليدية‬ ‫خ�تلف لك االختالف عن الرؤية‬ ‫ِّ‬ ‫ال� تدعو إىل ت‬ ‫َّ ت‬ ‫ت‬ ‫تعال� ي ن‬ ‫االج�اد‬ ‫ال� ال تنطبق مع ي‬ ‫الد� احلقيقية ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والعملية البارزة‪.‬‬ ‫الفكرية‬ ‫الشفافية‬ ‫والبداع ي� إطار من‬ ‫والخ لق إ‬ ‫َّ ف‬ ‫ف نّ‬ ‫تب�‬ ‫كب�‬ ‫لقد اكن للعلوم إال‬ ‫نسانية ي� الغرب دور ي‬ ‫ي‬ ‫وأساس ي� ي‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫اس� َّ‬ ‫التحول عىل‬ ‫وعملية لخ لق نوع من‬ ‫ونقدية‬ ‫فكرية‬ ‫اتيجية‬ ‫ف‬ ‫مستوى الفكر ن‬ ‫وأ�ــاط احلياة ي� عرص اكنت الكنيسة تسيطر‬ ‫ف أ‬ ‫َّ ف‬ ‫ش‬ ‫وكب�ة‪ ،‬حيث ب�ز ي� الفق‬ ‫صغ�ة ي‬ ‫�ء وتتحك ي� لك ي‬ ‫عىل لك ي‬ ‫يغ� من التعاط مع الفكر ن‬ ‫الدي�‬ ‫آنذاك فكر نقدي استطاع أن ِّي‬ ‫أ ي‬ ‫ي‬ ‫وسيطرته عىل أساليب احلياة وبيع الوهــام إىل الناس ب�مس‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫نخ‬ ‫و�مس ي ن‬ ‫اللك ي�‬ ‫املفكر‬ ‫هللا ب‬ ‫الد�‪ .‬فلوال جرأة ِ‬ ‫بي‬ ‫الغر� وا�راطه ي‬ ‫ّ‬ ‫موجة البحث العمل ومج با�ة الفكر ن‬ ‫واملتطرف‬ ‫املتحجر‬ ‫الدي�‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ّي‬ ‫ّ‬ ‫املتشدد الذي يستمد سلطته من مقوالت‬ ‫ب�قيقته وحماربة فكره‬ ‫ِ‬ ‫دينية‪ ،‬ملا اكن ّ‬ ‫بعيدة لك البعد عن ما ّ‬ ‫سنه هللا من ش�ائع َّ‬ ‫للتقدم‬ ‫َّ‬ ‫املستو�ت وجود‪ .‬ولذلك‪ ،‬علينا‬ ‫الذي حققه الغرب عىل �ج يع‬ ‫ي‬

‫ّ‬ ‫حقيقة‪ ،‬أن نج�ابه ن‬ ‫يستمد ش� ّ‬ ‫فكر� ن‬ ‫عيته‬ ‫الدي� املتغطرس والذي‬ ‫ي‬ ‫من مقوالت َّ‬ ‫دينية ما نزأ�ل هللا ب�ا من سلطان واعتبارها مج ّرد‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫اج�ادات شب� َّية قد تصيب وقد خ�ـ�ئ ‪ .‬ومن دون ذلك لن‬ ‫أ‬ ‫نتطور ولن َّ‬ ‫المــام‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫خاصة وأن بعض رجال ي ن‬ ‫الد�‬ ‫نتقدم إىل‬ ‫الذ� يعتقدون ن‬ ‫ين‬ ‫[أ�م معصومون من الخ طأ‪ ،‬وأن لك ما يقولونه‬ ‫ال يدخهل الباطل من ي ن‬ ‫ب� يديه وال من خلفه] ما زالوا يسيطرون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫سذاج�م‬ ‫عىل الساحة ويتحكون ي� رقاب الناس ويستغلون‬ ‫ال� نزأ�هلا هللا ت‬ ‫َّ ش‬ ‫ت‬ ‫و�ج لهم ب� ي ن‬ ‫وأ�‬ ‫لد� وتعاليمه احلقيقية و�ائعه ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫واحلب من‬ ‫تعت� التساحم والتعايش والسالم‬ ‫وال� ب‬ ‫ب�ا رسولنا‪ ،‬ي‬ ‫أمه ئ‬ ‫مباد�ا‪ .‬من دون ذلك يصعب علينا مبارحة ماكننا أو ت‬ ‫ح�‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫إ�اد طريق سالكة �و ّ‬ ‫العمل والفكري‪ .‬إن‬ ‫التطور‬ ‫التفك� ي� ي ج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫وأساس ي�‬ ‫كب�‬ ‫ال� هلا دور ي‬ ‫ي‬ ‫الكرة ي� ملعب النخب الج امعية ي‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫وتب� السؤال والفكر‬ ‫توجيه الطلبة ودفهعم إىل البحث‬ ‫ي‬ ‫العمل ي‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫يعت� الوسيل الوحيدة �و التقدم والتطور‪.‬‬ ‫النقدي الــذي‬ ‫ب‬ ‫‪ -6‬الزواوي بغورة‪« ،‬موقف من التنو�»‪ ،‬موقع ّ‬ ‫مؤسسة مؤمنون بال حدود‪ ،‬مقال منشور‬ ‫ي‬ ‫يخ‬ ‫سبتم� ‪ ،2016‬رابط املقال‪9D%/selcitra/moc.nuonimom.www//:ptth :‬‬ ‫بتار�‪8 :‬‬ ‫ب‬

‫‪%8D%48%9D%7A%8D%-68%9D%58%9D%-18%9D%28%9D%88%9D%58%‬‬ ‫‪.1634-1B%8D%A8%9D%88%9D%68%9D%AA‬‬

‫‪43‬‬


‫«حنن» و ُ‬ ‫الطائفية؟‬ ‫اإلنسانية يف فهم‬ ‫«هم»‪ ...‬كيف تساعدنا العلوم‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬

‫ها أنت ي� سيدى وها هو جارك‬

‫األنثروبولوجيا بوصفها علمًاَ لإلنسان‬ ‫قضية‬ ‫فــإهنــا تــدخــل أي ـض ـًاَ يف مـعــاجلــة َّ‬ ‫ـوي ــة االن ـت ـمــاء ال ــدي ــي؛ إذ‬ ‫ال ــدي ــن وه ـ َّ‬ ‫بــاسـتـطــاعــة االن ـثــروبــولــوجــي الـكـشــف‬ ‫ّع ـمــا مي ـكــن أن يـعـلــق بــالــديــن مــن‬ ‫ث ـق ــاف ــة‪ ،‬ومب ـ ـقـ ــدوره ال ـف ـصــل ب ــن مــا‬ ‫ه ــو ث ـق ــايف ومـ ــا ه ــو ديـ ــي خب ــرت ــه يف‬ ‫ف ـهــم اجل ــان ــب املـ ـق ـ َّـدس م ــن ال ـث ـقــافــة‪.‬‬

‫إذا ن‬ ‫َّ‬ ‫العرقية أو‬ ‫قضا� مثل‬ ‫أرد� أن فن�م ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال َّ‬ ‫املذه�‬ ‫قليات ي� العامل‪ ،‬أو ال ـراع‬ ‫بي‬ ‫والثـــين ‪ ،‬وكــذا حقيقة ّ‬ ‫التنوع ش‬ ‫الب�ي‬ ‫إ ف ي‬ ‫والثقا� اهلائل‪ ،‬فعلينا أن نبدأ من القاعدة‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫البسيطة‪�« :‬ن» «ومه»؛ الذات والخر‪.‬‬ ‫ن‬ ‫يعت� تال� ي ز� ي ن‬ ‫ب� الـ»�ن» و»مه»‬ ‫وال شك ب‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫َّ‬ ‫يلت� فردان‬ ‫احلقيقة الوىل‬ ‫للعرقية‪ ،‬فعندما ي‬ ‫َّ أ‬ ‫َّ‬ ‫ـإن أوىل املعلومات ت‬ ‫ال�‬ ‫لملرة الوىل‪ ،‬فـ‬ ‫آ‬ ‫ي�كن أن ي ج�مهعا أحدمها عن الخر يه‪ :‬من‬ ‫أنت؟ومن ي ن‬ ‫أ� أنت؟ ومها سؤالن كفيالن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫عندئذ يعرف‬ ‫العرقية‪.‬‬ ‫ب�لكشف عن اهلوية‬ ‫ٍ‬ ‫آ‬ ‫َّ ت‬ ‫الك نم�ما كيف يترصف ج�اه الخــر‪ .‬بل‬ ‫ف‬ ‫يبدأ الك نم�ما ي� إدراك ذاته عندما يدرك‬ ‫َّ‬ ‫العرقية ي ن‬ ‫ب� ي ن‬ ‫فرد�‪،‬‬ ‫االختالف‪ .‬وهكذا تبدأ‬ ‫ن ث‬ ‫وحضارت�‪.‬ن‬ ‫ن‬ ‫ث� ي ن‬ ‫تمع�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫اعت�‪ � ،‬مج ي‬ ‫ب� �ج ي‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ويظهر مبدأ «�ن» و»مه» ي� حاالت‬ ‫ف‬ ‫و� عالقات الج ــوار‪،‬‬ ‫اهلياج االجـ تـما يع‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫القبلية ال َّ‬ ‫التجمعات َّ‬ ‫ّ‬ ‫فريقي ي ن‬ ‫ة‪،‬وب�‬ ‫وداخل‬ ‫ف‬ ‫املسمل�ن‬ ‫ن‬ ‫وب�‬ ‫ي‬ ‫السود والبيض ي� أمرياك‪ ،‬ي‬ ‫ّن ف‬ ‫وب�ن‬ ‫واهلنود‬ ‫والصيني� ي� املوريشيوس‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫يك�‬ ‫الهم ـرا واالوروم ــو ي� أثيوبيا‪ .‬إذ ي‬ ‫ذكر ت‬ ‫االن�ء القبل ت‬ ‫ح� يبدأ حوار الذات‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫سمليا‪ ،‬وقد َّ‬ ‫والخر الذي يبدأ ّ‬ ‫يتطور إىل‬ ‫ت ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ت ز ت‬ ‫عيا من‬ ‫الــ� تتجل اج�‬ ‫تمعركة الــما ي� ي‬ ‫ق‬ ‫خ‬ ‫عر�‬ ‫ـاس ي‬ ‫�صيص فرص معل عىل أ أسـ ٍ‬ ‫والتعل�‪،‬‬ ‫إىل الـنز اع حول حقوق الرض‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫القومية‪ ،‬والتمثيل‬ ‫واســتــخــدام اللغة‬ ‫الــســيــاس‪ ،‬وحـ َّ‬ ‫ـريــة الــعــقــيــدة‪ ،‬وحفظ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وأخ�ا حقّ‬ ‫العرقية واحلمك ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اهلوية‬ ‫الذا�‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫املص� واالنفصال‪ ،‬امك هو احلال‬ ‫تقر�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫حــال جنوب الــســودان؛ حيث ت�َّ‬ ‫ي�‬ ‫تسييس الثقافة واستغالهلا منذ تطبيق‬ ‫ة‬ ‫املقفول ت َّ‬ ‫و�‬ ‫االستعمار لسياسة املناطق‬ ‫فصل ش‬ ‫املسيح‬ ‫ال�ل املسمل عن الج نوب‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫فتشكت الـــ»�ــن» و «مه» ي� شلك‬

‫‪,,‬‬

‫حورية مصطفى أمحد‬ ‫أستاذة يف معهد البحوث والدراسات‬ ‫األفريقية جامعة القاهرة‬

‫مصر‬

‫‪44‬‬

‫أنت أفضل منه‬ ‫ن‬ ‫وأغ� وأقوى وأومس ‪....‬‬

‫الول والتابع لسنوات ت‬ ‫ح� ت َّ� االنفصال‪.‬‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫َّ‬ ‫ت ف‬ ‫الذا� ي� مقابل الخر‪،‬‬ ‫لك ّيتحقق َّ ي‬ ‫الوع ّ ي‬ ‫و ي‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫االتصال‬ ‫فال بد أن يتوفر حد أد� من ِ‬ ‫ن ن‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ب� «�ن» و»مه» ي� احمليط االج� يع‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وامتالك احلـ ّـد ال ند� من التفاعل مع‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وسالليا‪ .‬هذا‬ ‫ودينيا‬ ‫ثقافيا‬ ‫املــــا ي ز� ي ن�‬ ‫ن‬ ‫التفاعل بـ ي ن‬ ‫ـ� الـ «�ــن» و»مه» ليس‬ ‫ـا�‪ ،‬نإ�ــا هو‬ ‫من نــوع‬ ‫التفاعل االنــدمـ ج ي‬ ‫ئ ف‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫تفاعل قا� ي� حدود مسافة حاصل بي�ما‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ت َّ ت‬ ‫يؤسس هلا‬ ‫تعرف ب�‬ ‫ملسافة االج�عية‪ ،‬ي‬ ‫ِّ‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫الناس يو�ســون هلا ثقافيا‪ ،‬وقد يفعلو�ا‬ ‫نً‬ ‫ًّ‬ ‫أحيا� الختالف اللسان واللون‬ ‫الشعور�‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ب�عتبارمها بأ�ز أبعاد االختالف ظ�ــورا‬ ‫آ‬ ‫وال� يبدأ عندها ِ تّ خ‬ ‫ت‬ ‫ا�اذ مسافة مع الخر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وه تظهر ي� أبسط أشــال التفاعل‬ ‫ي‬ ‫اليوم‪ ،‬عندما ي ج�تمع رجل أبيض وآخر‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫أفري� أسود ي� أي وسط للتفاعل‪ ،‬هنا‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫تبدأ «�ــن» و»مه» ي� الصعود إىل‬ ‫إالدراك بع� نظرات التساؤل والريبة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وال� َّ‬ ‫ت‬ ‫حد االزدراء‬ ‫تتطور لدى البعض إىل ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫من جانب البيض‪ ،‬ث َّ� الخ ــوف والقلق‬ ‫من مج ـ َّـرد التالمس العفوي‪ .‬وقليل مه‬ ‫ّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫الـ ي ن‬ ‫عية‬ ‫ـذ� يتخطون تلك املسافة‬ ‫ويــكــرون احلــواجــز للولوج إىل عامل‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫لو� املرن احملايد‪.‬‬ ‫الخر وأوهلم ال ثن�وبو ج‬ ‫االج� َّ‬ ‫واملسافة ت‬ ‫عية تلك يه سبب ونتيجة‬ ‫ن‬ ‫ملبدأ الـ»�ن» و»مه»‪ ،‬فالناس يصنعون‬ ‫اج� َّ‬ ‫مسافات َّ‬ ‫عية بـ ي ن‬ ‫ثقافية ت‬ ‫ـ� ض‬ ‫بع�م‬ ‫ف‬ ‫ف� دراسة‬ ‫البعض أثناء التفاعل العادي‪ ،‬ي‬ ‫االج� َّ‬ ‫تصو� وقياس املسافة ت‬ ‫عية قام‬ ‫عن‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ب�ا الطالب ي� أحد الج امعات ب�مرياك‬ ‫آ‬ ‫والخر ّ‬ ‫ّاتضحت َّ‬ ‫بقوة عندما‬ ‫قضية الذات‬ ‫ئ‬ ‫التلقا�‬ ‫قــام الطالب بدراسة التفاعل‬ ‫ي‬ ‫ف� ت‬ ‫اكفي� ي� الج امعة تو�ديد املسافة ال�ت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي خ�تارها الناس من قطاعات مخ تلفة ي�‬ ‫الج امعة للتفاعل مع ض‬ ‫بع�م البعض‬ ‫خــال وقــت الــغــذاء‪ ،‬وقــامــوا بتحديد‬ ‫هو�ت مخ تلفة هلؤالء الناس ب�يث ّ‬ ‫توصلوا‬ ‫ّي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫إطار‬ ‫إىل أن‬ ‫الناس ي�يلون إىل التفاعل ي� َّ ٍ‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫ومذه�‪ ،‬وقد استنتجوا أن‬ ‫وثقا�‬ ‫عر�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬


‫َّ‬ ‫إن ه ـ ـ ــذه امل ـ ـسـ ــافـ ــة االج ـ ـت ـ ـمـ ــاعـ ـ َّـيـ ــة ب ـ ــن ال ـ ـ ـ «حن ـ ــن»‬ ‫و «هـ ـ ـ ــم» تـ ـصـ ـن ــع ش ـ ـك ـ ـ ًـا ممـ ـ ـ ّي ـ ــزًا لـ ـكـ ــل مج ـ ــاع ـ ــة وجت ـع ـل ـه ــا‬ ‫مـنـغـلـقــة ال تـسـمــح ب ــاالس ـت ـع ــارة م ــن اخل ـ ــارج‪ ،‬وال تـسـمــح‬ ‫ب ــاخـ ـت ــراق هـ ــذا احل ـص ــن ال ـث ـق ــايف إال يف أض ـي ــق احلـ ــدود‬

‫ن ً ض ُّ ً‬ ‫ة غ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫طبيع�ا ب�عتبارها ماك�‬ ‫العزل ر�‬ ‫احلياة ي� الج امعة ت�يل إىل‬ ‫ي� نأ�سا‬ ‫من مخ تلف �ج ات العامل ومن مخ تلف الثقافات ي ن‬ ‫والذ� من املمكن‬ ‫أ‬ ‫الفاكر يو�دث ثال�اء الفكري‪ ،‬لكن بدت َّ‬ ‫قضية الذات‬ ‫أن يتبادلوا‬ ‫آ‬ ‫ض غ‬ ‫والخر وا�ة ر� ذلك‪.‬‬ ‫ً ّزً‬ ‫ن‬ ‫االج� َّ‬ ‫عية ي ن‬ ‫َّإن هذه املسافة ت‬ ‫مم�ا‬ ‫ب� الـ»�ن» و»مه» تصنع شالك ي‬ ‫ت‬ ‫و�علها منغلقة ال تسمح ب�الستعارة من الخ ــارج‪ ،‬وال‬ ‫للك �ج اعة ج‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫تسمح ب� ت‬ ‫الثقا� إال ي� أضيق احلدود‪ .‬ي� ّتد هذا‬ ‫خ�اق هذا احلصن‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫يخ‬ ‫لتار� طويل تضع فيه لك �ج اعة حدودا َّ‬ ‫ثقافية من اختالف اللسان‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وعادات الطعام ‪ -‬من ي� لك مع من‪ ،-‬واختالف الزي‪ ..‬الخ من عنارص‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ت ت‬ ‫ف‬ ‫صعبا َّ‬ ‫بتغ� خريطة‬ ‫الثقا�‬ ‫التغ�‬ ‫خاصة يف� يتعلق ّي‬ ‫ال� ج�عل ُّي‬ ‫ي‬ ‫الثقافة ي‬ ‫َّ آ‬ ‫كيا�ا الخ اصّ‬ ‫الخر‪ .‬وبذا ت�افظ لك �ج اعة عىل ن‬ ‫العقل وجعهل يتقبل‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫والقصاء‬ ‫وع االستبعاد االج� يع إ‬ ‫و�ارس دون أن تشعر أو ح� عن ي‬ ‫آ‬ ‫الثقافية الخ َّ‬ ‫َّ‬ ‫لل ي ن‬ ‫اصة تلك‪ ،‬وبذا‬ ‫خر� َّممن ال ي�ملون نفس املقومات‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫تتكون ئز‬ ‫االج� يع‪.‬‬ ‫راك� الـ»�ن»و «مه» ي� الوسط‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ويعد االستعمار هو املستفيد ال بك� من قضية «�ن» «ومه»‪� ،‬و‬ ‫ّ‬ ‫ف ف‬ ‫ق‬ ‫والطائ�‪ ،‬و� هذا حدث وال حرج‪ ،‬فلك‬ ‫العر�‬ ‫مؤ� ين�ان الرصاع‬ ‫ِج ج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ركن ت ّ� استعماره ف� القارة إال َّ‬ ‫فريقية شي�د عىل ذلك‪� ،‬ا يه معازل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ال� ت‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫وغ�مه من القبائل‬ ‫لو‬ ‫و‬ ‫الز‬ ‫عزل‬ ‫ا‬ ‫ف�‬ ‫�‬ ‫أفريقيا‬ ‫السود ي� جنوب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫االفريقية ف� أماكن َّ‬ ‫َّ‬ ‫خاصة بعيدة عن مستوطنات البيض يف� عرف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ب� أل ب� تر�ايد « الفصل العنرصي»‪ .‬ولقد اكن ال ّ‬ ‫يس�ون‬ ‫وروبيون ومه ي‬ ‫ّ ً ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ف� ف‬ ‫عقليا مفاده‬ ‫زح�م املظفر بع� القارات ي�ملون ي� رؤوهسم بم�را‬ ‫ي‬ ‫َّأن الفضل ف� نج�اهحم ي�جع إىل ّ‬ ‫ودي�م ت‬ ‫أنظم�م ن‬ ‫تفوق ت‬ ‫وثقاف�م‪ .‬واكنت‬ ‫ت ي َّ أ‬ ‫َّ‬ ‫وال ثن�وبو َّ‬ ‫االستعمارية ب�ملعطيات‬ ‫لوجية ت� ّد احلراكت‬ ‫املعرفة االج�عية‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تساعدها عىل تنفيذ م�وهعا‪ ،‬وعىل بت� ي� م�وعي�ا‪ .‬ومن تلك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بّ‬ ‫ت‬ ‫ال� أهلت لالستعمار عىل أساس قاعدة «�ن»‬ ‫امل�رات الفكرية أ ي‬ ‫ف‬ ‫«ا�دور» ي� القرن السابع امليالدي‪ ،‬ن‬ ‫و»مه» ما ذكره السقف ي ز‬ ‫حي�‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أورو� ي� ِدد درجة تقدهما‪ ،‬فملكا‬ ‫قال» إن قرب الشعوب أو بعدها عن‬ ‫ب‬ ‫ّ ً‬ ‫ن‬ ‫اكنت املسافة بعيدة ملكا اكن اال�طاط والتدهور احلضاري مؤكدا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫وأن الناس ي ن‬ ‫الذ� يعيشون ي� أماكن ن�ئية مه سالالت غريبة الخ لقة‬ ‫َّ‬ ‫حيث تبدو وجوههم بال أنوف»‪ ،‬والغريب أن هذا الوصف اكن‬ ‫آ ف‬ ‫من ض�ب خياهل‪ .‬لكن هكذا ت� ّ خ‬ ‫ست َّ‬ ‫قضية الذات والخر ي� أذهان‬

‫ف ّ‬ ‫أ‬ ‫ال ّ‬ ‫وروبي ي ن� منذ وقت بعيد ‪ .‬وانظر إىل عنرصية مونتسكو ي� مؤلفه‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫ين‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫م� أن أدافع عن حقنا‬ ‫ال� ي� روح‬ ‫القوان�‪ ،‬حي� قال» إذا طلب ي‬ ‫تّ‬ ‫خ‬ ‫أور� بعد أن أخضعت‬ ‫املكتسب ب��اذ الزنوج عبيدا لنا‪ ،‬إن شعوب ب‬ ‫أ ّ ن ت‬ ‫لك‬ ‫ساكن‬ ‫أمرياك الصلي ي�‪ ،‬مل � بد أمن أن تستعبد شعوب أفريقيا ي‬ ‫ف‬ ‫تستخدهما ي� استغالل لك هذه القطار الفسيحة‪ ،‬والشعوب املذكورة‬ ‫ما ه إال �ج اعات سوداء ش‬ ‫الب�ة من أ�خ ص القدم إىل ق َّ�ة الرأس‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫فطسا فظيعا‪ ،‬وال ي�كن لملرء أن ّ‬ ‫يتصور أن هللا سبحانه‬ ‫وأن�ا أفطس‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫طيبة‬ ‫فوتعاىل ذا احلمكة السامية قد وضع روحا‪ ،‬وعىل الخص روحا ِ‬ ‫ي� داخل جمس حالك السواد»‪ ،‬ومل ي خ�تلف الفيلسوف أرسطو عن‬ ‫َّ‬ ‫ذلك ّ‬ ‫املت�� ن� أي يغ� ن‬ ‫اليو� ي ن‬ ‫التوجه العنرصي‪ ،‬ن‬ ‫ني� من‬ ‫حي� قال» إن ب ب ي‬ ‫جنس ن‬ ‫أد�‪ ،‬وأنه من الصواب ّ‬ ‫عل�م‪ ،‬واستئصال ت‬ ‫شأف�م‬ ‫شن‬ ‫احلرب ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ت ق‬ ‫قا�م‪ ،‬وأن ن‬ ‫واملت� ب� ي ن� عبيدا»‪.‬‬ ‫واس�‬ ‫اليو� ّني ي ن� ولدوا أحرارا‪ ،‬ب‬ ‫آ ف‬ ‫َّ‬ ‫واهلوية وعالقة الذات ب�لخر ي� هذا العامل يغ� املتجانس‬ ‫الغ� ّية‬ ‫إن ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لو�‬ ‫هلو موضوع خاص لل ثن�وبولوجيا ال شك‪ .‬إذ ت�وق لل ثن�وبو يج‬ ‫َّ ن‬ ‫«�ن» «ومه»‪ ،‬إنه حقهل الخ صيب ومائدته ش‬ ‫ال� َّية‪،‬‬ ‫كث�ا قضية‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫اليوم‬ ‫ع‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫االج‬ ‫التفاعل‬ ‫أشاكل‬ ‫للك‬ ‫استه‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫يلتقطها‬ ‫ي ّ ي‬ ‫ش‬ ‫املبا� من خالل ما يقوهل الناس‪ ،‬وما يفعلونه‪ ،‬وما صنعوه من مخ لفات‬ ‫آ‬ ‫ثأ‬ ‫َّ‬ ‫مادية ت�امكت بع� ي خ‬ ‫َّ‬ ‫لو� يدرك أن الذات والخر ال‬ ‫التار�‪ ،‬فالن�وب فو ج ي‬ ‫تعىط مرة واحدة بل نأ�ا عالقات � ّ‬ ‫تكون مستمر‪ ،‬فاللغة‪ ،‬والقرابة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مومية ت‬ ‫ال َّ‬ ‫وال�اتب ت‬ ‫ئ‬ ‫والشعا�‬ ‫ساط�‬ ‫والعالقات‬ ‫االج� يع والسياسة وال ي‬ ‫ت‬ ‫تع� عن معل ال ينقطع داخل لك مج تمع من أجل �ديد الذات‬ ‫ّب‬ ‫ِآ‬ ‫والخر‪.‬‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫َّ‬ ‫لوجية هلو من أ�ج ل ث‬ ‫ال ثن�وبو َّ‬ ‫وأك�‬ ‫إن معرفة الخر عىل الطريقة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫المعال ث� ًاء إللنسان‪ ،‬و�م ذاته واحلياة من حوهل و�مه عن هللا‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أ ث‬ ‫مريك لزوجته يصف يف�ا‬ ‫�ا ىه‬ ‫ب‬ ‫خطا�ت بواس الن�وب فو ج ي‬ ‫لو� ال ي‬ ‫َّ‬ ‫مشاعره بعد دراسته إللسكيمو ي� جزر ب� ي ن‬ ‫ف�‪ ،‬يقول يف�ا» إن هذه‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫يفكر ذات ت� يث� ال يقدر بثمن‪ ،‬وإن الثقافات‬ ‫الرحل ب�لنسبة يل إكنسان ِ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫لكها أمور َّ‬ ‫نسبية‪ ،‬وإن ش َّ‬ ‫ال� والخ ي� ب�لنسبة لي إنسان نإ�ا يمكنان‬ ‫ت ً‬ ‫ت‬ ‫وال� أجدها أو ال أجدها هنا �اما امك هو احلال‬ ‫داخل‬ ‫ثقافة قلبه هو‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫ال�ء ملج تمع هممش‬ ‫ي� وسطنا �ن»‪ ،‬ولعل‬ ‫بواس اكن منصفا بعض ي‬ ‫ن أ‬ ‫الباحث� المرياكن‪.‬‬ ‫عىل يغ� عادة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫لوجيا ليست سببا � خلق الـ»�ن»و»مه»‪ ،‬بل ه َّ‬ ‫وال ثن�وبو ّ‬ ‫قضية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ ث‬ ‫العملية ش‬ ‫لو� ي�تلك ي ز‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫املبا�ة‬ ‫م�ة توليد املعرفة‬ ‫أزلية‪ ،‬لكن الن�وبو ج ي‬ ‫للحياة ت َّ‬ ‫اليوم من خالل مالحظاته‬ ‫االج�عية عىل مستوى ّ التفاعل َّ ي‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫كب� فإن هذا هو املاكن الذى �لق‬ ‫حد ي‬ ‫وم�جيته ي� املعايشة‪ ،‬وإىل ٍ‬ ‫ق‬ ‫االج� َّ‬ ‫َّ‬ ‫العرقية ويعاد خل�ا من خالل املواقف واملوا�ج ات ت‬ ‫عية‬ ‫فيه‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫ين‬ ‫ب� مخ تلف االنـ تـامءات‪ .‬والن�وبولوجيا َّ‬ ‫تتقص الطرق ت‬ ‫ال� يعرف‬ ‫ّ ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ويفكرون حول‬ ‫ويدرك ب�ا الناس العالقات العرقية‪ ،‬كيف يتلكون‪ِ ،‬‬ ‫أ‬ ‫�ج ت‬ ‫ال ثن�وبو ّ‬ ‫لوجي ي ن� أنفهسم ينتمون‬ ‫اعا�م وخصائهصا البارزة‪ ،‬امك أن‬ ‫ن‬ ‫ن ف‬ ‫إىل �ج اعات َّ‬ ‫عرقية أي أ�م ي� إطار الـ»�ن» و»مه» أيضا‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لقضا� الذات والخر‪ ،‬نإ�ا يعيد‬ ‫لو� ب�ستمرار دراسته‬ ‫وال ثن�وبو ج‬ ‫ي‬ ‫س لوجودها عندما يطلق العنان ألتباهعا أن ّ‬ ‫ويكرر و� ِ ّ خ‬ ‫يتحدثوا عن‬ ‫ِّ ي‬ ‫ئ ب ف‬ ‫ث‬ ‫مخ‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫تقار� أو‬ ‫أنفهسم ب�عتبارمه‬ ‫تلف�‪ � ،‬هو يقوم بن� ج‬ ‫ي‬ ‫نتا� �ثه ي� ي‬

‫‪45‬‬


‫وت� ّ خ‬ ‫ف�داد املعرفة والكشف ت‬ ‫مقاالت ت ز‬ ‫س الفوارق ف� املدراكت ش‬ ‫الب� َّية‬ ‫ي‬ ‫َّ ن‬ ‫ويتأكد «�ن» و «مه» ب�ستمرار‪.‬‬ ‫أزلية َّ‬ ‫بو� غ� أن ّ‬ ‫وسنة َّ‬ ‫قضية َّ‬ ‫التنوع َّ‬ ‫كونية ليست من صنع عملاء‬ ‫ف‬ ‫إالنسان‪ ،‬إال َّأن ض‬ ‫يشو�ا النقص وعدم‬ ‫بع�م سامه ي� صناعة فوارق ب‬ ‫أ‬ ‫نً‬ ‫ف‬ ‫ال ثن�وبو ّ‬ ‫لوجي ي ن� تهسم ي� خلق‬ ‫كتا�ت‬ ‫إالنصاف‪،‬‬ ‫فأحيا� ما اكنت ب‬ ‫ن أ‬ ‫َّ ف‬ ‫ث‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫لو� «ادوارد يل�»‬ ‫هوة‬ ‫يطا� والن�وبو ج ي‬ ‫عرقية‪� ،‬ا هو املست�ق بال� ي‬ ‫َّ‬ ‫يقول إن ‪ :‬العرب شعب شديد االعتقاد ب�لخ رافات‪ ،‬وليس ن‬ ‫بي�م من‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫مه ث‬ ‫ت‬ ‫الكث� من خرافا�م‬ ‫أك� اعتقادا ب�لخ رافات من شعب مرص‪ ،‬وإن ي‬ ‫ً‬ ‫آ‬ ‫ُّ‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫لو�‬ ‫تشك‬ ‫ِ‬ ‫جزءا من دي�م ‪ .‬مثل هذه الراء ال� صدرت من أن�وبو ج ي‬ ‫ثَّ ف‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫العر�‬ ‫قد ًأ�ت ي� رؤية الغرب لل�ق‪ ،‬وما تبع ذلك من اعتبار ال�ق ب ي‬ ‫َّ‬ ‫واهلوية ي ز‬ ‫ت�بعا للغرب يفتقر إىل االستقالل‬ ‫املم�ة‪ ،‬وهو كيان ي ج�ب أن‬ ‫آ‬ ‫أك� َّ‬ ‫هوة ي ن‬ ‫ب� الذات والخر‬ ‫ي خ�ضع لسيطرة الغرب‪ ،‬وبذلك اكنت ب‬ ‫ش‬ ‫ّ ش‬ ‫ت‬ ‫االست�اق الذي قام‬ ‫ال� بدأ عندها عرص‬ ‫يه ‪ :‬هوة ال�ق والغرب ض ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عقالنيون مساملون‪،‬‬ ‫الغربي ي ن�‬ ‫عنرصية وا�ة نم�ا أن‬ ‫معاي�‬ ‫عىل ي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫حقيقية بدون شكوك‬ ‫منطقيون قادرون عىل امتالك يق�‬ ‫لي� ّاليون‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫أو أوهام‪ ،‬نبي� ال�قيون –العرب‪ -‬ال ي�لكون أي من هذه الصفات‬ ‫ف‬ ‫الثقا� الذي يعمل عليه أ ث‬ ‫َّ‬ ‫فتتعمق‬ ‫لو�‬ ‫احلميدة‪ .‬إنه التنميط‬ ‫ي‬ ‫الن�وبو ج ي‬ ‫آ‬ ‫ً ن ً‬ ‫ّ‬ ‫اهلوة ي ن‬ ‫ب� الذات والخر‪ ،‬وقد يكون تنميطا �قصا يغ� منصف‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ّ ف‬ ‫ة‬ ‫الـ»�ن» و»مه»‪ ،‬ي ن‬ ‫ين‬ ‫فالد� ب�ثابة احلصن‬ ‫مسأل‬ ‫همم ي�‬ ‫والد� بعد‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫إللحساس ب�الن�ء لدى الفراد والطوائف‪ ،‬فقد ارتبط ي ن‬ ‫مر‬ ‫الد� عىل ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫يخ‬ ‫التار� ب�لوع ب� َّ‬ ‫َّ‬ ‫يؤ� عىل العالقات يب�ن‬ ‫هلوية‬ ‫القومية‪ ،‬وإحداث ما ث ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫غلبيات وال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫قليات‪ .‬وإذا اصطبغ ب�لصبغة السياسية فإنه يهسم ي�‬ ‫ف‬ ‫يز�دة حدة الرصاع ث‬ ‫أك� من إهسامه ي� بناء السالم‪ ،‬مثال ذلك الرصاع‬ ‫َّ ف‬ ‫ف‬ ‫واملسمل� ي� اهلند ي ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫وب� الشيعة والسنة ي� العراق‬ ‫ب� اهلندوس‬ ‫ف‬ ‫وب� بال�تستانت والاكثوليك � يأ�لندا ش‬ ‫و� كستان‪ ،‬ي ن‬ ‫ال� َّلية‪.‬‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫والـ ي ن‬ ‫ـد� اكن واحــدا من أدوات اال�ياز العنرصى لدى الشعوب‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫َّ ت‬ ‫املسيحية‪ ،‬وامتثلت‬ ‫ال� اعتنقت‬ ‫ال�‬ ‫اكنت �ى قأن الشعوب ي‬ ‫الغربية ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫لتعال� الكنيسة �ثل أر� أشاكل احلياة إال َّ‬ ‫نسانية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫وقد ب�زت قضية «�ن» و»مه» عائقا أمام لك دعوات النبياء‬ ‫عل�م ف�ا مه قوم نوح يعلنون ذلك بشلك ي‬ ‫رص�‬ ‫صلوات هللا‬ ‫وسالمه َ َ ي َّ َّ َ ُ َ ُ َ َ َ ْ‬ ‫ن َ َ نَ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫قائل�» وما �اك اتبعك ِإل ال ِذ ي� ه أر ِاذلنا ب� ِدي الرأ ِي» هود‪.27:‬‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫حي� اشتدَّ‬ ‫َّ‬ ‫احملمدية «صىل هللا عليه وسمل»‪ ،‬ن‬ ‫امك اكن عائقا أمام الدعوة‬

‫‪46‬‬

‫ة‬ ‫ينتم يإل�ا صاحب الدعوة وهو‬ ‫عىل قبائل العرب أن تسودمه قبيل ي‬ ‫ًّ‬ ‫ة‬ ‫مدرك� سوى ت‬ ‫العاملية‪ ،‬ن‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫ذوا�م قبليا‪،‬‬ ‫لك�م مل يكونوا‬ ‫الرسال‬ ‫صاحب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫والسالم‬ ‫ومل يكن هؤالء يتوقعون أ�م سوف يسودون العامل ب�تباعه‪ .‬إ‬ ‫آ‬ ‫َّ‬ ‫الكر� قد َّ‬ ‫عال َّ‬ ‫ي‬ ‫نص عىل أن‬ ‫قضية الذات والخر‪ ،‬فإذا اكن القرآن‬ ‫ج‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫خ� أمة أخرجت للناس‪ ،‬فإنه ي� الوقت ذاته ينص عىل‬ ‫املسمل� مه ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الد� ن�ت‬ ‫أحصاب‬ ‫إىل‬ ‫النظرة‬ ‫م‬ ‫نظ‬ ‫وبذلك‬ ‫»‬ ‫الد�‬ ‫�‬ ‫اه‬ ‫ر‬ ‫إك‬ ‫ال‬ ‫أنه «‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال ثن�وبولوجيا ف‬ ‫عملا إللنسان ن‬ ‫أيضا ف� معالج ة َّ‬ ‫قضية‬ ‫فإ�ا تدخل‬ ‫بوص�ا‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫َّ‬ ‫وهوية ت‬ ‫االن�ء ن‬ ‫ين‬ ‫لو� الكشف‬ ‫الد�‬ ‫الدي�؛ إذ ب�ستطاعة االن�وبو ج ي‬ ‫ي‬ ‫ـد� من ثقافة‪ ،‬بو�قدوره الفصل ي ن‬ ‫ّعا ي�كن أن يعلق ب�لـ ي ن‬ ‫ب� ما هو‬ ‫ف‬ ‫دي� ب خ��ته ف� ف�م ا انب َّ‬ ‫املقدس من الثقافة‪ .‬سوف‬ ‫لج‬ ‫ثقا� وما هو ن ي ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ أ‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫دخيل‪ ،‬وإىل‬ ‫سالمية ب�فاكر‬ ‫يعرف إىل أي مدى � ّملت العقيدة إال‬ ‫ثقافية بع� ت� ي خ‬ ‫الشعا� ب�مارسات َّ‬ ‫ئ‬ ‫ر� طويل واقتنع‬ ‫أي مدى اختلطت‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ب�ا الناس ومارسوها واس�لكوها ثقافيا‪ ،‬ب�يث كونت تلك الفاكر‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الدينية‪،‬‬ ‫لكث� من الفرق‬ ‫السلوكية البناء‬ ‫املتنوعة واملمارسات‬ ‫الثقا� ي‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وخليلية‪،‬‬ ‫شازلية‬ ‫وحامدية‬ ‫وقادرية‬ ‫تيجانية‬ ‫صوفية بفر�ا ‪:‬‬ ‫فاكنت‬ ‫ق‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫وغ�ها‪ ،‬واكنت‬ ‫واكنت شيعة بفر�ا‪ :‬إامسعيلية وصفوية‬ ‫واث� ع� ية ي‬ ‫ي ف أ‬ ‫لخ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� فرعت ي� الصل‪ ،‬واكن للك‬ ‫سلفية و�ج ادية ‪ ..‬ا ف من الفرق ي‬ ‫ثأ‬ ‫ّ‬ ‫فرقة أتباع ّ‬ ‫ومؤيدون ي� إطار عام وال ي ز�الون مخ ي ن‬ ‫لو�‬ ‫ٍ‬ ‫تلف�‪ .‬والن�وبو ج ي‬ ‫ـ� لك تلك‬ ‫بطريقته وبعمق مالحظاته وتفصيلها ب إ�مــانــه‬ ‫أن يـ ي‬ ‫ّ‬ ‫ف ف‬ ‫التشكت ويظهر أمعق ما يف�ا وسبب اختال�ا ي� ضوء عالقات‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫فإن ّ‬ ‫التنوع مطلوب‪ ،‬بل‬ ‫وأخ�ا وليس آخرا‪،‬‬ ‫الـ «�ن» و «مه»‪ .‬ي‬ ‫هو ّ‬ ‫كونية تشمل لك املوجودات‪ ،‬هذا ّ‬ ‫سنة َّ‬ ‫التنوع من أرسار الج مال‬ ‫ن َّ‬ ‫تستق� إال عىل ّ‬ ‫والغ� َّية لتحقيق التاكمل‬ ‫الكو�‪ .‬إن احلياة ال‬ ‫التنوع ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ي� التفاعل ي ن‬ ‫ش� يطة أن ت ّ‬ ‫ب� الذات والخــر ي� إطار « لتعارفوا»‬ ‫الذي يستتبعه تبادل الخ ب�ات واملنافع وإشباع احلاجات واالستفادة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من ثال�وة ت‬ ‫امل�امكة من الخ ب�ات ش‬ ‫الب� َّية‪ ،‬ب�ا ي� ِذب إالنسان يو�كنه‬ ‫ف‬ ‫تد�‬ ‫من �م ذاته أوال‪ ،‬واملطلوب أ منه ومعرفة خالقه من خالل ّ َّب‬ ‫خلقه‪ ،‬وليس ّ‬ ‫التنوع تلل� ي ز� وال َّ‬ ‫نع أن‬ ‫فضلية والـراع‪ .‬ي ج‬ ‫و�ب أن ي‬ ‫ّ‬ ‫مستقبل ش‬ ‫والتخل عن رواسب‬ ‫الب� َّية مرهون ب�الحـ تـرام‬ ‫املتبادل ف ي‬ ‫أ‬ ‫التمي� ق‬ ‫التعصب املذه�‪ ،‬مع الخذ � االعتبار ت‬ ‫ّ‬ ‫يز‬ ‫اح�ام‬ ‫العر� أو‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ بي‬ ‫آ‬ ‫ّ‬ ‫كونية ض� َّ‬ ‫التعد ّدية والــذات والخــر كسنة َّ‬ ‫وريــة الستقامة احلياة‪.‬‬


‫موضوعية)‬ ‫اإلنسانية (نظرة‬ ‫الوطن العريب والعلوم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬ ‫تـ ــواجـ ــه الـ ـعـ ـل ــوم اإلنـ ـس ــان ـ َّـي ــة يف‬ ‫العربية عـ ّـامـ ًـة ع ــددًاَ من‬ ‫كلياتنا‬ ‫َّ‬ ‫ـدءا‬ ‫امل ـش ـك ــات يف ت ــدري ـس ـه ــا‪ ،‬بـ ـ ً‬ ‫م ــن طـ ــرق ال ـت ــدري ــس وحـ ــدود‬ ‫الـنـقــاش‪ ،‬إىل مستوى الطالب‬ ‫ومـ ــدخـ ــات وخمـ ــرجـ ــات ال ـت ـع ـ ّـلــم‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫حممد ياسر عبد الشايف‬ ‫كاتب‬ ‫مصر‬

‫عندما تدخل من البوابة الرئيسة لج امعة‬ ‫ت‬ ‫َّ ف‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫العباسية ي� القاهرة ج�د‬ ‫ع� ش�س ي�‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫طرقا واسعة قد ملها طالب وطالبات‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫تنتم يإل�ا خ� ّصصات‬ ‫وال� ي‬ ‫لكية الداب‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫االجــامع‪،‬‬ ‫(عــم النفس‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬عمل‬ ‫أ‬ ‫ال ثن�وبولوجيا‪ ،‬ي خ‬ ‫وغ�ها‬ ‫التار�‪ ،‬الج غرافيا) ي‬ ‫أ‬ ‫من القسام(‪ )1‬و لكن موضوعنا هنا العلوم‬ ‫أ‬ ‫َّ ت‬ ‫ال� تقترص عىل هذه القسام‬ ‫إالنسانية ي‬ ‫وسنش� يإل�ا بـ»العلوم إال َّ‬ ‫نسانية» أو‬ ‫(‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫«العلوم االج�عية» ي� هــذا املقال)‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫وليس ي ج�مع هؤالء الطالب ي� يوهمم الول‬ ‫ف‬ ‫ي� الج امعة يغ� إحساهسم ب�لصغر أمام‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫التخصصات الخرى‪� ،‬م جاءوا لتحصيل‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫«عد�ة الفائدة» �م ال‬ ‫ال�ادة العليا‬ ‫ي‬ ‫لد�م‬ ‫ينتمون لفصيل «العملاء»‪ ،‬وليست ي‬ ‫ة ف‬ ‫التعي�ن‬ ‫ضئيل – ي�‬ ‫فرصة – همما اكنت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كـوالكء نيابة ي� أحــد احملــامك ليتقاضوا‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫اللوف املؤلفة‪ ،‬ولن تستطيع همار تا�م أن‬ ‫تدخلهم صفوف الـــ»‪ »Business‬وقطاع‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫الموال ومه ي�ملون ش�ادة الداب والعلوم‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية‪ ،‬ولن يستطيعوا احلصول عىل‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الدبلوماس كذلك‪� .‬م‬ ‫وظائف ي� السلك‬ ‫ي‬ ‫مكن تَّ خ‬ ‫ين‬ ‫الشياط� أولياء‪ ،‬قد «خرسوا‬ ‫ا�ذوا‬ ‫خرس نًا� ً‬ ‫مبينا‪».‬‬ ‫ف‬ ‫امع ي� الوطن‬ ‫و قد جاء ًنظام القبول الج ّ ة ي‬ ‫ُ‬ ‫العر� قاطبة ي ز‬ ‫َ‬ ‫ل� يد ي ن‬ ‫الط� بل‪ ،‬فتقبل أعداد‬ ‫بي‬ ‫آ‬ ‫لكيات الداب والعلوم إال َّ‬ ‫كب�ة ف� ّ‬ ‫نسانية‪،‬‬ ‫تي ي‬ ‫خ‬ ‫ز‬ ‫َّ‬ ‫و� َّصص هلا أقل يم�انية‪ ،‬دون مراعاة‬ ‫ً‬ ‫العمل للطالب وما إذا اكن قادرا‬ ‫لملستوى‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫عىل العمل الدؤوب ي� هذه العلوم‪ ،‬ودون‬ ‫االستيعابية َّ‬ ‫ّ‬ ‫لللكية‪،‬‬ ‫مراعاة كذلك للقدرة‬ ‫وأقــى عــدد للطالب ي�كن أن يسمح‬ ‫أ‬ ‫ت ف‬ ‫للساتذة الج ّ‬ ‫اله�م ي� الطالب‪.‬‬ ‫امعي ي ن� ب�‬ ‫َّ‬ ‫و قــد ت�ت ــب عــى هــذا نــوع مــن النظرة‬ ‫نسانية َّ‬ ‫«الدونية» للعلوم إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫عامة‪ ،‬أو‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ّ‬ ‫عــى القـــل �ـــوف مــن دخــول ساحة‬ ‫العلوم إال َّ‬ ‫عل�ا ياكد يكون‬ ‫نسانية‪ ،‬والطلب ي‬ ‫ت‬ ‫معدوما‪ .‬لذلك ج�د معظم الطالب ي ن‬ ‫الذ�‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫خ� ّصصوا ي� هذه املج ــاالت قد خ� َّصصوا‬

‫أ‬ ‫درجا�م مل ّ‬ ‫ت‬ ‫تؤهلهم ّ‬ ‫لللكيات‬ ‫بدون رغبة لن‬ ‫ِ‬ ‫العملية‪ ،‬أو ألن مواردمه مل تسمح َّ‬ ‫َّ‬ ‫(مالية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لخ‬ ‫َّ‬ ‫جسدية‪ ...،‬إ )‪ ،‬و النتيجة متوقعة‪:‬‬ ‫هــروب من الــواقــع وعــدم املــذاكــرة أو‬ ‫العمل مع َّ‬ ‫اللكية وعدم ت‬ ‫االه�م ب�لدراسة‬ ‫أو يغ� ذلك امم ن�اه من هؤالء الطالب‪.‬‬ ‫أ‬ ‫العربية بعد ذلك َّ‬ ‫َّ‬ ‫لتتذمر‬ ‫تو� ت ي� احلكومات‬ ‫ـر� هذه ّ‬ ‫اللكيات‬ ‫من عدم جدوى خـ ي ج ي‬ ‫أ‬ ‫العمل يف�ا؛ لنه –‬ ‫وعدم جدوى البحث‬ ‫ي‬ ‫امك ي�ون – ال يوجد عائد من إالنفاق عىل‬ ‫آ‬ ‫الداب والعلوم إال َّ‬ ‫نسانية يتوافق‬ ‫طالب‬ ‫مع حاجات املج تمع‪.‬‬ ‫ومــشــلـ�ة هــذه الــلـ ّـيــات هلــا جانبان‪،‬‬ ‫وسنحاول النظر للك نم�ا عىل حدة‪.‬‬

‫مشكالت التدريس يف كل ّيات‬ ‫اآلداب والـ ـعـ ـلـ ــوم اإلنـ ـس ــان ـ َّـي ــة‪:‬‬ ‫َّ ف‬ ‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫نسانية ي� لكياتنا‬ ‫تواجه العلوم إال‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫عامة عــددا من املشالكت ي� تدريهسا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بدءا من طرق التدريس وحدود النقاش‪،‬‬ ‫إىل مستوى الطالب ومدخالت ومخ رجات‬ ‫ّ‬ ‫التعل‪ .‬ومشالكت التدريس هلا دور ش‬ ‫مبا�‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ًّ ف‬ ‫أساسيا ي�‬ ‫ـا� و تلعب دورا‬ ‫عىل الــنـ ج‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫نلخهصا ي� ‪:‬‬ ‫مستوى الطالب و ي�كن أن ِ‬ ‫أ‬ ‫ عدم االهـ تـامم ب�عضاء هيئة التدريس‪،‬‬‫وعــدم مراعاة الج هد املبذول من عضو‬ ‫هيئة التدريس‪ ،‬ومنحهم مرتبات ب خ�سة‬ ‫ّ ف‬ ‫َّ‬ ‫العربية مبلغ‬ ‫ف� بعض البلدان‬ ‫جدا‪ ،‬أ ي‬ ‫ين‬ ‫أربع� سنة‬ ‫امع بعد‬ ‫تقاعد الستاذف الج ي‬ ‫َّ‬ ‫من التدريس ي� ّلكيات العلوم إالنسانية ال‬ ‫يتجاوز ‪ 50‬دوال ًرا ف ي� ش‬ ‫ال�ر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ يـ ّ‬‫ـؤدي هــذا طبعا إىل خلق جــو من‬ ‫أ‬ ‫امع‪،‬‬ ‫عدم الرضا من جانب الستاذ الج ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫املرصية‪:‬‬ ‫‪ -1‬جريدة الهرام‬

‫‪.2922551/sweN/ge.gro.marha.etag//:ptth‬‬ ‫ف‬ ‫‪ /xpsa‬ت َّ� الوصول ي� ‪2018/4/13‬‬

‫‪47‬‬


‫ّ ّ‬ ‫ف‬ ‫يؤ� عىل مخ رجات‬ ‫ب‬ ‫لتال عدم بذل الج هد املطلوب ي� التدريس مما ث ِ‬ ‫و� ُّ ي‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ومستو�ت الطالب ‪.‬‬ ‫التعل‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ ّ‬‫تعدد ثقافات وروافــد لكيات الداب والعلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪ ،‬والذي‬ ‫ّ‬ ‫يؤدي بدوره إىل خلق مناخ تنافس يغ� حص ف� ّ‬ ‫اللكية‪ ،‬وكذلك عدم‬ ‫ي آي‬ ‫ي‬ ‫تقي� لكيات الداب والعلوم إال َّ‬ ‫التجانس ي ن‬ ‫نسانية‬ ‫ب� اللكيات ّمما ي ج�عل ي‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫معاي� العمل � ّ‬ ‫اللكية ً‬ ‫أمرا شبه مستحيل‪.‬‬ ‫كلك أو �ديد ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫حلل هذه املشلك�ة ‪ :‬فصل بعض أقسام ّ‬ ‫لكيات‬ ‫ آو من احللول املعمول ب�ا ِ‬‫الداب ض ّ‬ ‫ّ‬ ‫و�ها إىل ّ‬ ‫لكيات أخرى مثل فصل لكية املكتبات واملعلومات‬ ‫ضّ‬ ‫لكية تال� بية أو إالعالم أو احلاسبات إال ت‬ ‫و�ها إىل ّ‬ ‫لك�ونية ت‬ ‫ح�‪ ،‬امك‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫السعودية وليبيا ولبنان واملغرب‬ ‫هو احلال ي� بعض الج امعات ي�‬ ‫أ‬ ‫املق�حة‪ :‬ت‬ ‫وتونس‪ .‬ومن احللول ت‬ ‫اق�اح املج لس العىل للجامعات‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الداب � مرص إىل ّلكيات آداب ّ‬ ‫بتقس� ّ‬ ‫ولكيات‬ ‫لكيات‬ ‫ي� مرص‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫اج� َّ‬ ‫لغات ّ‬ ‫ولكيات علوم ت‬ ‫عية ض ّ‬ ‫(ت� لك القسام املذكورة سابقا ما عدا‬ ‫الفلسفة)(‪.)3‬‬ ‫أ‬ ‫العداد الضخمة للطالب مع املصادر املتاحة‪ً ،‬‬ ‫سواء‬ ‫ عدم تناسب‬‫ن‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫من ن�حية اعــامدات مصادر تعمل اكفية‪ ،‬أو من �حية نسبة عدد‬ ‫الطالب إىل عدد أعضاء هيئة التدريس‪ ،‬فف� ي ن‬ ‫ح� تفخر الج امعات‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ال َّ‬ ‫مريكية العريقة بنسبة أعضاء هيئة تدريس إىل الطالب ال تتجاوز‬ ‫ت‬ ‫َّ ف‬ ‫حكومية ي� مرص (جامعة القاهرة) ت�لك‬ ‫‪ ،10:1‬ج�د أفضل جامعة‬ ‫نسبة أعضاء هيئة تدريس إىل طالب تبلغ ‪ 31:1‬و تقل النسبة عن‬ ‫آ‬ ‫ذلك ف� ّ‬ ‫لكيات الداب(‪.)4‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ ق‬ ‫مناه العلوم إال َّ‬ ‫بشلك يضع اتفا�ا مع اليدولوجيا‬ ‫نسانية‬ ‫تصم�‬ ‫‬‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ج َّ ً‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫والتفك�‬ ‫�ء؛ مما يعوق حركة إالبداع‬ ‫ي‬ ‫الدينية والسياسية أوال قبل لك ي‬

‫ت‬ ‫وال� يه أساس هذه العلوم إىل جانب النقاشات والبحث‬ ‫والنقد‪ ،‬ي‬ ‫املستمر‪.‬‬ ‫االج� َّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫عية‪ ،‬فالعلوم ت‬ ‫ ومشلكتنا هنا ليست مع أسملة العلوم ت‬‫عية‬ ‫– عىل سبيل املثال – ي ج�ب أن ت أ�خذ ف� االعتبار الطبائع خ‬ ‫املتلفة‬ ‫ف ي‬ ‫لخ‬ ‫ئ‬ ‫للك منطقة ولك عرص‪ .‬املشلك�ة تمكن ي� التطبيق ا اط هلذه الفكرة‬ ‫َّ‬ ‫«إن أسملة العلوم إال َّ‬ ‫و تقييد العلوم إال َّ‬ ‫نسانية ال‬ ‫نسانية ب�لسياسة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تّ‬ ‫وغا�ته‬ ‫تعطل دور العقل بل � ِثل مقاصد‬ ‫الوح وقيمه ي‬ ‫ي ج�ب أن ِ‬ ‫ي‬ ‫تّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫والمعار‬ ‫نسا� والبناء إ‬ ‫وتدرس و� ِثل اه�م ي‬ ‫الوح فوهو الفرد واملج تمع إال ي‬ ‫يز‬ ‫َّ‬ ‫احلضاري» (من‬ ‫العامل للفكر‬ ‫إسالمية املعرفة»‪ :‬املهعد‬ ‫«الوج� ي�‬ ‫ي‬ ‫سالم‪ ،‬بترصف)‪.‬‬ ‫إال ي‬ ‫ انعدام شبه ت� ّم لدراسات قياس حاجات ّ‬‫مؤسسات املج تمع من‬ ‫ر� ي ن� من حيث العدد ومن حيث املهارات املطلوبة؛ َّمما ّأدى إىل‬ ‫الخ ي ج‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ب� ما يتطلبه سوق العمل ي ن‬ ‫ظ�ور ج�وة ي ن‬ ‫فتتحول العلوم‬ ‫املناه(‪.)4‬‬ ‫وب� ج‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫إال َّ‬ ‫مناه تدرس و�فظ وينجح يف�ا الطالب � يتجهون‬ ‫نسانية ًإىل ج‬ ‫َّ‬ ‫للعمل بعيدا ن‬ ‫وتتحول العلوم بدورها‬ ‫عبء اقتصادي‬ ‫ع�ا ليتحولوا إىل‬ ‫ٍ‬ ‫عبء م�ن�ج ي تو� بوي‪.‬‬ ‫إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫نسانية َّ‬ ‫تعل� العلوم إال َّ‬ ‫عامة‪ ،‬من حيث مستوى‬ ‫ ضعف املدخالت ي� ي‬‫أ‬ ‫الطالب‪ ،‬خ‬ ‫َّ‬ ‫وامل َّصصات املالية للرواتب وال ب�اث‪ ،‬وحري ب�حلكومات‬ ‫ّ‬ ‫خ‬ ‫توفر املدخالت الالزمة قبل أن تسأل ي ن‬ ‫«أ� املرجات؟» فنظامنا‬ ‫أن ِ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫التعليم وال� بوي يضع احلوافز لدفع الطالب إىل العلوم التطبيقية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫التخرج‪ .‬وضعف‬ ‫عل�ا أعىل املاكفآت أثناء الدراسة وبعد‬ ‫ويضع ي‬ ‫املرجات ّ‬ ‫املدخالت يـ ّ‬ ‫املرجات وضعف خ‬ ‫ـؤدي إىل ضعف خ‬ ‫يؤدي‬ ‫َّ‬ ‫هامشية العلوم‬ ‫إىل ضعف املدخالت وهكذا‪ ،‬والنتيجة‪ :‬مج تمع ي�ى‬ ‫ً‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية وضعف احلاجة يإل�ا قياسا إىل يغ�ها(‪.)5‬‬

‫من أصل أربع وستني دوريَّة مصريَّة تصدر عن اجلامعات‬ ‫االجتماعية‬ ‫البحثية املختلفة‪ ،‬واحدة فقط للعلوم‬ ‫واملراكز‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وأخ ـ ــرى ل ـك ـل ـيــات اآلداب جب ــام ـع ــة ع ــن مش ــس جبـمـيــع‬ ‫علمية أو ّ‬ ‫متعلقة بعلوم اآلثار‪.‬‬ ‫أقسامها؛ وباقي الدوريّات‬ ‫َّ‬

‫‪2-Unpblished PhD thesis, Yarmouk University, Irbid, Jordan‬‬ ‫‪-ulty Members in relation to their satisfaction and moral spirit,‬‬ ‫‪and Training in Kuwait as seen by the administrators and fac‬‬ ‫‪the management of the General Authority for Class Education‬‬ ‫‪Degree of administrative difficulties in Al-Otaibi. Sanhat.)2007(.‬‬

‫‪48‬‬

‫آ‬ ‫الداب والعلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪:‬‬ ‫عل‪ ،‬ض�ن الج ودة بلكيات‬ ‫‪ -3‬د‪ .‬أسامة السيد حممود ّ ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫اال�ــاهــات احلديثة ي� املكتبات واملعلومات‪ ،‬جم‪،15‬‬ ‫ج�ــارب‬ ‫وإشاكليات‪ .‬ج‬ ‫ع‪(30‬يوليو ‪ ،)2008‬ص‪.200:195‬‬ ‫ّ‬ ‫إحصائيات وأرقام عن الج امعة‪ ،‬جامعة القاهرة‪https://cu.edu.eg/:‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪ar/page.php?pg=contentFront/sectionData.php&sectionId=105‬‬ ‫ف‬ ‫ت(� الوصول ي� ‪).2018/4/14‬‬ ‫‪ -5‬سعد البازع‪ ،‬علومنا إال َّ‬ ‫نسانية إىل ي ن‬ ‫أ�‪ ،‬مارس ‪.2010‬‬ ‫ي‬


‫اإلنسانية‪:‬‬ ‫مشكالت البحث العلمي يف العلوم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫مرصية تصدر عن الج امعات‬ ‫دوريــة‬ ‫وست�‬ ‫من أصل أربع‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫البحثية املتلفة‪ ،‬واحدة فقط للعلوم االج�عية وأخرى‬ ‫واملراكز‬ ‫آ‬ ‫ق‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫و� ي�‬ ‫للكيات الداب ب ج�امعة ّ عـ يـ� � آس ب ج�ميع أقساهما؛ ب‬ ‫الدور�ت َّ‬ ‫عملية أو متعلقة بعلوم ال ث�ر‪ .‬أي أن نسبة إالنتاج‬ ‫ّي‬ ‫ث ف‬ ‫البح� ي� هذه العلوم يساوي ‪ 23/1‬أو ما يساوي ‪ 3‬ب�ملائة من‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ف‬ ‫العمل ي� مرص(‪ .)6‬و هذا يو� جحم الاكرثة‬ ‫البحث‬ ‫إنتاج‬ ‫موع‬ ‫مج‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫أسبا�ا وأرى أ�ا تمكن ي�‪:‬‬ ‫ال� ي ج�ب أن ننظر ي� ب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫سد جعز ّ ي ن‬ ‫مع�‬ ‫انعدام وجود ب ّ� جام ب� �ةثية طويل املدى �دف إىل ِ ٍ‬ ‫ن‬ ‫أو الوصول حلل مشلك ت‬ ‫بذا�ا‪ .‬فإذا نظر� اليوم إىل عدد املشاريع‬ ‫ً‬ ‫َّ ت ّ‬ ‫َّ‬ ‫ح�ا عىل ورق مثل ئ‬ ‫العربية‬ ‫دا�ة املعارف‬ ‫ال� ظلت ب‬ ‫البحثية ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� مل ت َ� النور ح� الن‪ ،‬وجد� مدى القصور ي� البحث ي�‬ ‫ي‬ ‫هذه العلوم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الب�وقر َّ‬ ‫اطية عىل مراكز ال ب�اث املوجودة عامة‪ ،‬ومراكز‬ ‫سيطرة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫اكد� َّية � مراكز�ن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫البحث‬ ‫العمل االج�عية فخاصة‪ .‬فاحلر ي�ت ال ي ض ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وجل‪ .‬و‬ ‫العربية ضائعة‪ ،‬والج مود ي� املواضيعف البحثية ّوا� ّي‬ ‫َّ‬ ‫البحثية‬ ‫لنأخذ مدراء مراكز البحوث مكثال‪� ،‬دراء املؤسسات‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال ّمع ال ينتخبون ن‬ ‫وإ�ا ّ‬ ‫يعينون عىل مرأى ومسمع من‬ ‫ي� الغالب‬ ‫ن أ‬ ‫ت َّ‬ ‫والنا� أن هؤالء‬ ‫الباحث� والساتذة‪ ،‬وال ت�ى نم�م أي تعليق‪.‬‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫(المضاء‬ ‫يعت�ون إدارة املراكز البحثية مثل إدارة البنوك إ‬ ‫املدراء ب‬ ‫ن ت‬ ‫العمل‬ ‫عىل ورق واستالم املراسالت)‪ .‬و� ج� ذلك اختناق البحث‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن ف‬ ‫و تشويه مسعة ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫الباحث� ي� العلوم‬ ‫خص مسعة‬ ‫املؤسسات وعىل‬ ‫ي‬ ‫ة أ‬ ‫ف‬ ‫نسانية‪ ،‬وتصو�مه � وسائل إالعالم ة‬ ‫إال َّ‬ ‫كعال عىل الدول‪ ،‬ي�خذون‬ ‫ي ي‬ ‫ر بات�م دون أن يعملوا!‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫امعية ضعيف ّ‬ ‫املستوى العمل ّ‬ ‫العام للرسائل الج َّ‬ ‫جدا إال ي�‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ث‬ ‫فالنا� قليل يّ‬ ‫‪.‬‬ ‫البح�‬ ‫نتاج‬ ‫ال‬ ‫قل‬ ‫هذا‬ ‫فوق‬ ‫و‬ ‫حاالت ن�درة‪،‬‬ ‫وسء‬ ‫إ‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َّ ف‬ ‫وتست�ي صور عدم نز‬ ‫ش‬ ‫ي� آن‪.‬‬ ‫العر�‬ ‫العملية ي� وطننا‬ ‫ال�اهة‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ثً‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫و�ــد بأ�ــا� رسقت وينال‬ ‫كث�ة‪ ،‬بل ج‬ ‫�ــاالت رسقة ال ب�ــاث ي‬

‫ق‬ ‫سار�ا ب�ا ش�ادات َّ‬ ‫عملية‪ ،‬و هذا أمر مخ ٍز‪ .‬ي�كن أن ي�جع هذا‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫العر� الذي ال ي ز�ال يعتقد ب�ن البحث‬ ‫لل�م فالقارص لملجتمع ب ي‬ ‫العمل � العلوم إال َّ‬ ‫نسانية ت�ف(‪.)7‬‬ ‫ي ي‬ ‫خ‬ ‫سيطرة العادات البالية عىل أفراد املج تمع‪ ،‬حيث ي�شون التعاون‬ ‫َّ ف‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫امليدانية – َّإما لقناعة‬ ‫خاصة � مج ال البحوث‬ ‫الباحث� –‬ ‫مع‬ ‫ئ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫املبحوث� بعدم أمهية آرا�م ال� ي�كن أن ي� يو�ا البحث‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫لخ ف‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫العمل‪ ،‬أو و�م من التعرض لي مساءل أو العقاب‪ .‬وفوق‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫العربية ملراكز ب�وث الرأي العام‪ ،‬حيث‬ ‫ذلك افتقار الدول‬ ‫يصعب احلصول عىل موافقات إلنشاء هذه املراكز‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يعا� ّ‬ ‫حال الباحث‪ :‬ف�و ن‬ ‫ة‬ ‫أشد ن‬ ‫املعا�ة‪ ،‬لدرجة أنه َّ‬ ‫هممش ت�ميشا‬ ‫ي‬ ‫ت ًّ‬ ‫َّ ف‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫وخاصة ي� العلوم‬ ‫العربية‬ ‫امع ي� الدول‬ ‫�ما‪ .‬فقد أصبح الج ي‬ ‫نسانية ي ج�ري وراء الساعات إال َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫ضافية أو ي�اول أن يكتب‬ ‫ف‬ ‫إضــا� � ّكنه من سدّ‬ ‫َّ‬ ‫حصفية؛ للحصول عىل أجـ ٍـر‬ ‫مقاالت‬ ‫ي ي‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫َّ (‪)8‬‬ ‫احتياجاته الساسية ‪ .‬وهذا ي�دث دون أن تبدي حكوماتنا‬ ‫ّ‬ ‫�ة ف‬ ‫ة‬ ‫ف�‬ ‫إ�اد حل هلذه‬ ‫أي امتعاض‪ ،‬ن�هيك عن‬ ‫حماول ي ج‬ ‫املشلك ‪ .‬ي‬ ‫الوقت الذي أثبتت الدراسات فيه أن العوائد هلا ثأ� ش‬ ‫مبا� عىل‬ ‫ن (‪ )9‬ت‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫انتاجية‬ ‫العر� ال ي�صل‬ ‫ي‬ ‫الباحث� ‪ ّ ،‬ج�د الباحث ي� الوطن ب ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫التكر�‬ ‫يك� لسد حاجاته‪� ،‬هيك عن أشــال‬ ‫عىل راتـ‬ ‫ـب ي‬ ‫خ‬ ‫والتقد� املتلفة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫جيدة أو‬ ‫اعتبار فال ب�اث إالنسانية من تسقط املتاع‪ ،‬فال ب�اث – ِ‬ ‫ّ‬ ‫سيئة – � العلوم إال َّ‬ ‫الدور�ت‬ ‫نسانية ال خ�رج من عىل ورقات‬ ‫ّي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫العربية ال ن‬ ‫تع� ب�لرصف املادي عىل‬ ‫المكبيو�‪ .‬والدول‬ ‫أو أ�ج زة‬ ‫ئ أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫نتا� ال ب�اث‬ ‫هذه ال ب�اث‪ ،‬وال تتعب نفهسا ي� االستفادة من ج‬ ‫االج� َّ‬ ‫عية‪ ،‬فتطبيق ب�ث ت‬ ‫ت‬ ‫نتا�ه وما ي�كن أن‬ ‫اج� يع ومناقشة ئج‬ ‫يستفاد نم�ا‪ ،‬ض�ب من ض�وب الخ يال‪.‬‬ ‫ن ف‬ ‫َّ‬ ‫الباحث� ي� العلوم‬ ‫العربية‬ ‫ونسأل هنا‪ :‬ملاذا ال تولك حكوماتنا‬ ‫يتأ‬ ‫خ‬ ‫لخ‬ ‫واالج� َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫ت‬ ‫عية إىل دراسة ا طط املتلفة و� يث�ها عىل‬ ‫نسانية‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫املناخ ت‬ ‫نعط‬ ‫والسياس عىل الفراد �‬ ‫االج� يع‬ ‫ي‬ ‫الدول؟ ملاذا أال َّ ي‬ ‫ي َّ‬ ‫ن‬ ‫أي قيمة للباحث االجـ تـام يع أو لبحثه؟ إن ال�ضة الوروبية‬ ‫ّ‬ ‫ار� ث‬ ‫عل�ا جاليليو و ت ن‬ ‫بدأت ب� ت ن‬ ‫نيو�‪،‬‬ ‫لو� وفلسفته قبل أن ي�ل ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫�ل نتعل؟‬ ‫‪ -6‬انظر بنك املعرفة املرصي‪ slanruoj/tseug/bew/ge.bke.www//:ptth :‬ت(�‬ ‫ف‬ ‫الوصول ي� ‪).8102/4/41‬‬ ‫ال� تواجه البحث العمل ف� الوطن العر�‪ GYVMJ1/lg.oog :‬ت ّ‬ ‫ت‬ ‫)�‬ ‫ي ي‬ ‫بي‬ ‫‪ -7‬املشالكت ي‬ ‫ف‬ ‫الوصول ي� ‪.)8102/4/41‬‬ ‫العز� التميم‪ ،‬من املسؤول عن أزمة البحث العمل ف� العلوم إال َّ‬ ‫‪-8‬عبد ي ز‬ ‫نسانية‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ت َّ ف‬ ‫العر�؟‬ ‫واالج�عية ي� الوطن ب ي‬ ‫‪hcraeseR .L ,rewohsoH ,.A ,atpuG ,.R .M ,noxiN ,.Y ,nehC -9‬‬ ‫‪naciremA .ydutS yrotarolpxE nA :ytlucaF gnitnuoccA fo ytivitcudorp‬‬ ‫‪.0102 yraurbeF .611:101.pp 2.oN ,3V ,noitacudE ssenisuB fo lanruoJ‬‬

‫‪49‬‬


‫امليثولوجيا والتراث‬

‫‪,,‬‬ ‫َّ‬ ‫إن األس ـطــورة نـســق مـعــريف وإنـســاين‬ ‫ال ي ـق ـيــي ل ـك ـ ّن ـ ُـه ذو مح ــول ــة ت ــارخي ـ َّـي ــة‬ ‫أساسية يف صرح‬ ‫وتراثية جتعله لبنة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫امل ـع ــرف ــة وال ـف ـك ــر اإلن ـس ــان ـ ّي ــن‪ ،‬ع ــاوة‬ ‫ع ـل ــى م ــوق ـع ــه امل ـ ـهـ ـ ّـم ض ـم ــن الـ ـت ــراث‬ ‫اإلسـ ــامـ ــي م ــن م ـن ـط ـلــق ِّات ـص ــال ـ َّـي ــة‬ ‫الـفـكــر اإلس ــام ــي ون ـظ ــره اإلن ـس ــاين‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫عصام عبدوس‬ ‫باحث يف الفكر اإلسالمي وقضايا مقارنة األديان‬

‫املغرب‬

‫‪50‬‬

‫أ‬ ‫تعد امليثولوجيا أو الســطــورة*‪ 1‬من أمه‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫املعرفية ت‬ ‫ال� استعصت عىل فال�م‬ ‫النساق‬ ‫ي‬ ‫الباحث�‪َّ ،‬‬ ‫والع َّ‬ ‫ن‬ ‫وتعددت‬ ‫كث� من‬ ‫ملية عند ي‬ ‫ِ‬ ‫َّ ي ّ ز ً ّ ً‬ ‫الدراسات حوهلا ت‬ ‫ح� غطت حـ يـ�ا همما‬ ‫ف‬ ‫املعر� إالنــسـ نـا�‪َّ ،‬‬ ‫وتنوعت‬ ‫من إالنتاج‬ ‫ي ً ُّ ي‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫منطلقات دراس�ا تبعا لتعدد خلفيات‬ ‫الــدارسـ ي ن‬ ‫ـ� هلــا‪ ،‬ال ي خ�ـ فـى عىل الج ميع ما‬ ‫أواله الفكر الغر� هلذا ّ‬ ‫املكون من تدقيق‬ ‫ِ‬ ‫بي‬ ‫ودراسة (أمعال لكود ف‬ ‫لي� ت‬ ‫وغ�ه)‪،‬‬ ‫ش�اوس ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫هذا املبحث إال ن‬ ‫نسا�‬ ‫ي� مقابل ما قوبل به‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف ت‬ ‫سالم‬ ‫من توجس ورفض ي� ال�اث ف إال ي‬ ‫ومــن ذلــك ما يالحظ ب ج�ــاء ي� ّأمــات‬ ‫ُّ ٌ َ َّ َ‬ ‫التفاس� إال َّ‬ ‫ج‬ ‫كون‬ ‫واملعا�‪ ،‬توجس ت‬ ‫سالمية‬ ‫ي‬ ‫نتيجة ة‬ ‫حال من ثقافة االنقطاع‪َّ ،‬‬ ‫تكرست‬ ‫ف‬ ‫كب� ي�‬ ‫مع مــرور الزمن أذاكهــا غياب ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الركيو َّ‬ ‫لوجية‪.‬‬ ‫ميدان ال ب�اث‬ ‫ن أ‬ ‫ف‬ ‫نسا� للسطورة ال ي خ� ف�‬ ‫ي� سياق البعد إال ف ي‬ ‫يخ‬ ‫التار�*‪ � 2‬احلضارة إال َّ‬ ‫نسانية‬ ‫ما ملكون‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫وكيفية‪ ،‬امك ال يغيب ما طرحَ‬ ‫مكية َّ‬ ‫امكية َّ‬ ‫من ت� َّ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫الفاصل ما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫من تساؤالت حول العالقة‬ ‫أ‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ن�اية السطورة وبداية التار� من منطلق‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫تضادمها أو انسجاهمما ي� الوظيفة والبعاد‪،‬‬ ‫ه إشــاالت معيقة َّ‬ ‫قضت مضجع بأ�ز‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫املهتم ي ن� ب�ذا املج ال‪ ،‬ولعل بأ�زمه املفكر‬ ‫السوري فراس السواح الذي نذر نفسه‬ ‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫التخصص الدقيق الذي‬ ‫للبحث ي� هذا‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫كتا�ته الرصينة �ت‬ ‫تلكل ب إ�حدى بأ�ز ب‬ ‫أ‬ ‫عنوان» مغامرة العقل الوىل» مع ما‬ ‫صــاحـ َ‬ ‫ـب هــذا الكتاب مــن انتقادات‬ ‫فً‬ ‫اعت�ته ي‬ ‫رص�ا ي� وضع أسس نقد الفكر‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫الدي� تبعا ملوضوعه الصــل الــذي هو‬ ‫ي أ‬ ‫أساط� (سومر‬ ‫و�لتحديد‬ ‫ساط� ب‬ ‫ي‬ ‫دراسة ال ي‬ ‫و�بل وآشور)‪.‬‬ ‫وأاكد ب‬ ‫ّ‬ ‫الثقافة ت‬ ‫شك ن‬ ‫وال�اث إال ّ‬ ‫اك�‬ ‫سالميان وال‬ ‫ثّ‬ ‫التأث� والــتــأ� ببعض ما‬ ‫عرضة لفعل ي‬ ‫أ‬ ‫عل�ما من معارف المم السالفة وما‬ ‫ورد ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫صاحب ذلك من ِا�امات مبطنة قرنت‬ ‫بـ ي ن‬ ‫ـ� بعض ما جاء به الرسول صىل هللا‬ ‫أ‬ ‫ف أ‬ ‫عليه وسمل ب�ا جاء ي� ال يد�ن الخــرى‪،‬‬

‫أ‬ ‫وك َّن لسان احلــال ب ز‬ ‫الن� صىل هللا‬ ‫ين� ب ي‬ ‫ـر�ة االقتباس َّممن سبقه‬ ‫عليه وسمل ب ج�ـ ي‬ ‫لتكو� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الد� الج ديد‪ ،‬وما زالت مثل هذه‬ ‫أ‬ ‫الطروحات سارية التداول عند بعض‬ ‫ً‬ ‫ين‬ ‫الباحث�‪ ،‬خصوصا بعد االكتشافات‬ ‫ت‬ ‫اك بعض نم�ا ما ورد‬ ‫املتوالية‬ ‫ٍ‬ ‫لنصوص � ي‬ ‫ف ي� القرآن ي‬ ‫الكر�‪ ،‬مثال (قصة الطوفان)‪،‬‬ ‫أ‬ ‫لي�ز َّ‬ ‫بشدة موقع السطورة من تال�اث‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ً‬ ‫ً ًّ‬ ‫بعدما اكن مستبعدا أصبح إشاكال ملحا‬ ‫َّ ت‬ ‫يبحث عن إجابة َّ‬ ‫وفكرية خ�رج‬ ‫عملية‬ ‫أ‬ ‫تال�اث من مأزق االقتباس من السطورة‬ ‫ّ‬ ‫ب�ا يه خيال وخرافة‪ ،‬أما إن دللنا عىل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بعدها ي خ‬ ‫التار� فنكون قد حققنا شيئا من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫واملعر�‬ ‫احلجا�‬ ‫النفاذ من َّكوة الضعف‬ ‫ي‬ ‫ج ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫وال�هنة القاطعة‬ ‫املعر�‬ ‫إىل الفق‬ ‫الرص� ب‬ ‫ي‬ ‫صالية الفكر إال ن‬ ‫عىل ّات َّ‬ ‫نسا� ن‬ ‫وغ� تال�اث‬ ‫ي‬ ‫َّ ف‬ ‫إالسالم ب�عتباره حلقة َّ‬ ‫ومفصلية ي�‬ ‫هممة‬ ‫ي‬ ‫هذا الفكر‪.‬‬ ‫أ‬ ‫‪*-1‬الســطــورة حاكية َّ‬ ‫مقدسة ب� نع� نأ�ــا تنتقل من‬ ‫جيل إىل جيل ب�لرواية ف‬ ‫الش� َّية‪ّ ،‬مما ي ج�علها ذاكرة‬ ‫ت ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫وحمك�ا‬ ‫وعادا�ا وطقوهسا‬ ‫ال� �فظ قيمها‬ ‫الج ماعة ي‬ ‫أ‬ ‫وتنقلها للجيال املتعاقبة وتكسوها القوة املسيطرة عىل‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫و�ء الكتابة لتلعب دور احلافظ للسطورة‬ ‫النفوس‪ ،‬ج ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫الامسوية‬ ‫من التحريف ب�لتناقل) موسوعة ال يد�ن‬ ‫ّ‬ ‫القد�ة‪ ،‬دار‬ ‫والوضعية‪ ،‬ميثولوجيا‬ ‫وأساط� الشعوب ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫اللبنا�‪ ،‬يب�وت ‪1994‬م‪ ،‬ص‪.)25:‬‬ ‫الفكر‬ ‫ي‬ ‫ا� خلدون‪« :‬أما بعد فإن فن ي خ‬ ‫ت‬ ‫‪*-2‬يقول ب ن‬ ‫ال�‬ ‫التار� من الفنون ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والجيال ّ‬ ‫وتشد إليه الراكئب والرحال‪ ،‬وتسمو‬ ‫تتداوهل المم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫إىل معرفته السوقة والغفال‪ ،‬وتتنافس فيه امللوك والقيال‪،‬‬ ‫ف‬ ‫وتتساوى ف ي� �مه العملاء والج ّهال‪ ،‬إذ هو ف ي� ظاهره ال ي ز� يد‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عىل أخبار عن ال ي�م والدول‪ ،‬والسوابق من القرون الول‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫القوال‪ ،‬ض‬ ‫وت�ب يف�ا المثال‪ ،‬وتطرف ب�ا الندية‬ ‫تنمو يف�ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لخ‬ ‫إذا ّ‬ ‫غصا االحتفال‪ ،‬وتؤدي لنا شأن ا ليقة كيف تقلبت ب�ا‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحوال‪ ،‬واتسع للدول يف�ا النطاق واملج ال‪ ،‬ومعروا الرض‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ن ّ‬ ‫تّ ن‬ ‫و� ب�طنه نظر‬ ‫ح� �دى ب�م االر�ال‪ ،‬وحان م�م الزوال‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ئ‬ ‫ّ‬ ‫بكيفيات‬ ‫ومباد�ا دقيق‪ ،‬وعمل‬ ‫و�قيق‪ ،‬وتعليل للاكئنات‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫وأسبا�ا معيق‪� ،‬و لذلك أصيل ي� احلمكة عريق‪،‬‬ ‫الوقائع‬ ‫ب‬ ‫وجد� أ�ن ّ‬ ‫يعد ف ي� علوهما وخليق» ب ن‬ ‫(ا� خلدون ‪808‬هـ ‪،‬‬ ‫ي ب‬ ‫ديوان املبتدأ والخ ب� ف� ت� ي خ‬ ‫ر� العرب والعجم ومن عارصمه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫من ذوي الشأن ال بك�‪� ،‬قيق‪ :‬خليل �ادة‪ ،‬دار الفكر‬ ‫أ‬ ‫يب�وت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1988 ،‬هـ‪ ،‬عدد الجزاء‪ 1:‬ص‪.)6:‬‬


‫األسطورة والتاريخ‪:‬‬

‫غ‬ ‫يخ‬ ‫ـر� من كـرث ة الشكوك الـ ت‬ ‫التار� َّية‬ ‫ـ� أثـ يـرت حول القيمة‬ ‫عىل الـ‬ ‫ً‬ ‫ن ي َّ أ‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫الباحث� عد السطورة مصدرا من مصادر‬ ‫كث�ا من‬ ‫ساط�‪ ،‬إال أن ي‬ ‫لل ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫يخ ف‬ ‫و� هذا الصدد يذكر الباحث حممد خليفة حسن ي� كتابه‬ ‫التار�‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫يخ‬ ‫ت‬ ‫القد�‪ »:‬ب�ن التشابه ي ن‬ ‫الشع� ي‬ ‫ب� وظيفة‬ ‫السطورة‬ ‫والتار� أ ي� ال�اث َّ ب ي‬ ‫وطبيعة ي خ‬ ‫التار� والسطورة أدى إىل خلق عالقة َّ‬ ‫ين‬ ‫ثنائية ي ن‬ ‫الطرف�‪،‬‬ ‫ب�‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫لعمل واحــدة‪ ،‬يو�جع التشابه إىل عدة‬ ‫فبدا المر وك ن�ما و�ج ان‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫يخ‬ ‫َّ‬ ‫والتار� ي� ت ّ�‬ ‫الوظيفية‪ ،‬فإن الك من السطورة‬ ‫نواح‪ :‬من الناحية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫القد�ة‬ ‫ال‬ ‫النشاط‬ ‫وتدو�‬ ‫نسا�‬ ‫ال‬ ‫النشاط‬ ‫بتسجيل‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫ساط� ي‬ ‫هل‪ ،‬فال ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫خ ي‬ ‫آ‬ ‫ي‬ ‫والتار� أيضا ما هو إال حاكية‬ ‫والنسان‪،‬‬ ‫ما يه إال قصص عن الهلة إ‬ ‫ً‬ ‫التار� إالهل أو ي خ‬ ‫حديثا عن ي خ‬ ‫عن إالنسان َّ‬ ‫التار�‬ ‫تضمنت بعض فصوهلا‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ع� بقصص الوح والنبياء ّ‬ ‫َّ‬ ‫والقد ي ن‬ ‫ن‬ ‫يس�‪ ،‬ومن الناحية‬ ‫املقدس‬ ‫الذي ي‬ ‫ي يخ أ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعية‪ ،‬فإن طبيعة لك من التار� والسطورة نستمده من ذلك‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫التار� ب�لواقع والسطورة ب�لخ يال‪ ،‬واحلقيقة أن ي خ‬ ‫القطع � بط ي خ‬ ‫التار�‬ ‫ب‬ ‫َّ أ‬ ‫ً ًّ‬ ‫ليس لكه وصفا واقعيا للحقيقة أو للحادثة‪ ،‬امك أن السطورة ليست لكها‬ ‫خياال‪.»3‬‬ ‫ّزً‬ ‫ّ أ‬ ‫أ َّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وكن‬ ‫ح�ا متداخال ال ي�كن فصل‬ ‫يرصح ب� ن�ما معا ِ‬ ‫يشكن ِي‬ ‫الباحث ِ‬ ‫آ‬ ‫الواحد عن الخر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫خ أ‬ ‫للسطورة ن‬ ‫من ي ن أ ة ت‬ ‫كو�ا أوردت‬ ‫التار�‬ ‫ب� خالمثل ي‬ ‫ال� قد ًتدل عىل البعد َّ ي ي‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫حقيقية‪ ،‬من أمثال اعتبار‬ ‫أامسء أ�اص اكنوا يوما ما اكئنات شب� ية‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫واقعة ار�ال «جلجامش ي� رحلته إىل غابة الرز وقتهل العفريت‬ ‫�خ‬ ‫با�› ه مج رد ت�و� ة‬ ‫لرحل أحد امللوك من ب�بل إىل لبنان الستقدام‬ ‫ي‬ ‫‹ ي أي‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫الرحل جعلته‬ ‫ال� أضيفت إىل هذه‬ ‫أخشاب الرز‪ ،‬ولكن ي‬ ‫الز�دات ي‬ ‫ش‬ ‫�خ‬ ‫�ر‬ ‫غابة‬ ‫حارس‬ ‫‹‬ ‫با�‬ ‫«‬ ‫العفريت‬ ‫قتل‬ ‫ا‬ ‫يقدم عىل أمور خارقة نم�‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الرز‪.»4‬‬ ‫إذ أن احلدث ف� ة‬ ‫أصل ومنشأه حقيقة وواقع معاش ّ بإ�ن تف�ة َّ‬ ‫زمنية‬ ‫ي‬ ‫غا�ة ‪.‬‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫ف� هذا السياق يقول فراس السواح‪« :‬إن ال خ‬ ‫يخ‬ ‫التار� ّي ي ن�‬ ‫�ــاص‬ ‫ي أ‬ ‫خ‬ ‫والحداث ي خ‬ ‫س ف� الذاكرة الج َّ‬ ‫التار� َّ‬ ‫معية إللنسان‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫بشلك عام‪ ،‬ال ت� ي‬ ‫ٍ‬ ‫وج�ة من الزمن‪ ،‬ال تلبث بعدها أن ش‬ ‫القد� إال تف�ة ي ز‬ ‫ي‬ ‫يتغ�‬ ‫تتال� أو َّي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ف� دراستنا لنص دمار مدينة أور السومرية‪،‬‬ ‫و�ج ها‬ ‫بفعل السطورة‪ ،‬ي‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫التار� ومن �ج ل �ابطا�ا‬ ‫رأينا كيف � ان�اع هذه احلادثة من سيا�ا ي ي‬ ‫َّ‬ ‫لو�‪ ،‬فالنص مل يذكر أي معلومات‬ ‫الواقعية‪ ،‬ونقلت إىل املستوى امليثو ج ي‬ ‫ّ‬ ‫عن َّ‬ ‫ي خ َّ ت‬ ‫ال� قادت‬ ‫املقدمات‬ ‫هوية الج يش الغازي‪ ،‬وال عن ِ‬ ‫التار�ية ي‬ ‫َّ‬ ‫واستباح�ا‪ ،‬بل ف‬ ‫ت‬ ‫اكت� بوصف الدمار الذي حل‬ ‫إىل حصار املدينة‬ ‫ت‬ ‫ال� قامت ب�ا إهلة املدينة وإهلها من أجل‬ ‫ب�ملدينة‪،‬‬ ‫واحملاوالت تاليائسة ي‬ ‫َّ آ‬ ‫ف‬ ‫‪5‬‬ ‫فالروا�ت‬ ‫تدم� أور »‪،‬‬ ‫ي‬ ‫إقناع مج مع الهلة ب�ل�اجع عن قرارمه ي� ي‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫كث�ا عن احلقيقة ‪.‬‬ ‫أصبغت عىل احلدث طابعا‬ ‫ي‬ ‫رسمد� دون أن تبتعد ي‬ ‫«إن� ُ‬ ‫ف‬ ‫لي� ت‬ ‫ش�اوس ب�لقول‪ :‬ن‬ ‫عىل ذات املنوال ِّ‬ ‫لست‬ ‫يرصح ف لكود ي‬ ‫ً‬ ‫ي ي خُ ّ‬ ‫َّ‬ ‫بعيدا عن االعتقاد ب أ�نه � مج تمعاتنا الخ َّ‬ ‫اصة‪ ،‬قد حل التار� حمل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫امليثولوجيا‪ ،‬وإنه يقوم بنفس الوظيفة‪ ،‬وإنه ي� املج تمعات دون مستوى‬ ‫أ‬ ‫الرشيف واحملفوظات ت‬ ‫ت‬ ‫ال� توجد‬ ‫لد�ا أشاكل‬ ‫وال� توجد ي‬ ‫ي‬ ‫الكتابة ي‬

‫لدينا‪ ،‬يكون هدف امليثولوجيا هو أن تضمن بقدر إالماكن أن يظل‬ ‫ض‬ ‫ة‬ ‫وا� يغ� ممكن ب� ض‬ ‫حلا�‬ ‫الصل فالقرب الاكمل امك هو‬ ‫املستقبل شديد‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫و�لنسبة لنا‪ ،‬عىل لك حال‪ ،‬فإن املستقبل ي ج�ب أن يكون‬ ‫واملا�‪ ،‬ب‬ ‫ئً ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دا�ا مخ تلفا بل ث‬ ‫ض‬ ‫احلا�‪ ،‬وبعض االختالف يعتمد‬ ‫وأك� اختالفا عن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫السياسية‪ ،‬ولكن ومع ذلك فإن الثغرة املوجودة‬ ‫ب�لطبع عىل تفضيالتنا‬ ‫ت ق‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫والتار� ي�كن اخ�ا�ا من خالل‬ ‫حد ما يب� امليثولوجيا‬ ‫ي� عقولنا إىل ٍ‬ ‫ة ً‬ ‫دراسة مصادر ي خ‬ ‫التار� خ‬ ‫منفصل ت�اما‬ ‫املتلفة وإدراهكا ليس ب�عتبارها‬ ‫عن امليثولوجيا‪ ،‬ولكن عىل نأ�ا استمرار هلا‪.»6‬‬ ‫َّ ن ً‬ ‫يخ أ‬ ‫ش‬ ‫إذا أن من التداخل ي ن‬ ‫الكث�‪ ،‬إذ‬ ‫ب�‬ ‫يتب�‬ ‫ال�ء ي‬ ‫ي‬ ‫التار� والسطورة ي‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ال ي�كن ج�اوز أحدها أثناء التنقيب ي� حقب زمنية ماضية‪ ،‬وال ي�كن‬ ‫خ أ‬ ‫لل ي ت‬ ‫ال� ال يستبعد قياهما عىل‬ ‫التار�‬ ‫التسل� ب�‬ ‫كذلك إال‬ ‫ي‬ ‫ساط� ي‬ ‫لبعد ي ي‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫�ء من حيثياته‪ ،‬وهو ما سأحاول البحث فيه‬ ‫دي� مل‬ ‫ٍ‬ ‫يصلنا ي‬ ‫مستند ي‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫من خالل احملور ال ي�‪.‬‬

‫األسطورة وفهم التراث‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫بعقالنية‬ ‫واملدو ن�ت‬ ‫احلال اليوم أننا ب�اجة إىل إعادة قراءة تلل�اث‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫املفس ن� ت‬ ‫ت‬ ‫لدواع عدة‪:‬‬ ‫وامل��ج ي ن�‪،‬‬ ‫واح�ام بعيدا عن أقوال ِّ ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ أ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫أوال‪ :‬رغبة منا ف ي� تصفح أوراقنا ب�نفسنا لجل أن نتول ب�نفسنا �م‬ ‫نب� ّ‬ ‫ر�نا تو�اثنا‪ ،‬فال ق‬ ‫ت� ي خ‬ ‫ين‬ ‫مرد ي ن‬ ‫وجامع� ما قيل� إلينا من يغ� ن�‬ ‫د� هلا‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫خ‬ ‫َّممن ليس هلم ة‬ ‫صل ب�ذه الرض وهذا ي‬ ‫يقدمون لنا ت�اثنا‬ ‫التار�‪ ،‬ومن ِ‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫حدود� وما ينب�غ‬ ‫ن‬ ‫ويقولون لنا من �ن وكيف كنا وما شأننا‪ � ،‬ما يه‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫جانبا من ن‬ ‫أن نكون ف ي� ض‬ ‫حا� ن� ومستقبلنا‪ ،‬وبذلك َّ‬ ‫دور�‬ ‫نتحمل‬ ‫ين‬ ‫املطالب� به‪.‬‬ ‫العمل واحلضاري‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تسط�ها تطالبنا يه‬ ‫ث�نيا‪ :‬تسليمنا ب�ن هناك مقاصد أراد الولــون‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الخرى ب� ة‬ ‫َّ‬ ‫حاول ف�مها والتفريق ن‬ ‫بي�ا ي ن‬ ‫وب� الخ رافات‪ ،‬خاصة عندما‬ ‫تلت� مع مقوالت مصادر اعتقاداتنا َّ‬ ‫ق‬ ‫املقدسة‪ ،‬فتلك املقوالت‬ ‫نج�دها ّ ي‬ ‫أ‬ ‫اه� ب� ن‬ ‫دو�ت الو ي ن‬ ‫مل تسطر عبثا‪ ،‬وليس من أحد ت َّ‬ ‫ل� ممن قطن هذه‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ أ ت‬ ‫ف‬ ‫وأقر ب� ن�ا خ� ت ز�ن علوما ومعارف راقية ي� غاية ال ّمه ّية‬ ‫املنطقة‪ ،‬إال‬ ‫ف ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وخبا� ما زال العمل يتخبط يف�ا وهو ي� حلته‬ ‫وتتحدث عن أرسار‬ ‫ي‬ ‫احلديثة‪.»7‬‬ ‫املج ال اكن رحبا ت ن‬ ‫وتفك� فل�م احمليط والعامل‪ ،‬وذلك‬ ‫الخ�اع أ�اط عيش ي‬ ‫ن ً‬ ‫ة‬ ‫مكتمل‪.‬‬ ‫إهل مل تصلنا حيثياته‬ ‫قد يكون �بعا من ٍ‬ ‫قبس ي‬ ‫أ‬ ‫يخ ف‬ ‫الشع�‪ ،‬ي ن‬ ‫ع� للدراسات والبحوث‬ ‫والتار� ي� تال�اث‬ ‫‪-3‬خليفة حسن حممد ‪ ،‬السطورة‬ ‫بي‬ ‫واالج� َّ‬ ‫إال َّ‬ ‫ت‬ ‫عية‪ ،‬مرص‪ ،‬ص‪. 27:‬‬ ‫نسانية‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫‪ -4‬أبو السعود صالح ‪ ،‬قصة الطوفان ي� نصوص السطورة والتوراة والقرآن‪ ،‬مكتبة النافذة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫الج ي ز�ة الطبعة الوىل ‪2010‬م‪ ،‬ص‪. 11-10 :‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والد� ن�ت ش‬ ‫السطورة ن‬ ‫امل� ّقية‪ ،‬دار عالء‬ ‫‪ -5‬السواح فراس‪،‬‬ ‫واملع�‪ ،‬دراسات ي� امليثولوجيا ي‬ ‫ت‬ ‫الد� ش‬ ‫ين‬ ‫للن� والتوزيع وال��ج ة‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2001‬ص‪. 109:‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫والعالم‬ ‫لي�‪ ،‬السطورة واملع�‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة وزارة الثقافة إ‬ ‫‪ -6‬ش�اوس لكود ي‬ ‫أ‬ ‫بغداد‪-‬العراق‪ ،‬الطبعة الوىل‪ 1986 :‬ص‪.64 :‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الثقافية‬ ‫‪ -7‬السطورة توثيق حضاري‪ ،‬قمس الدراسات والبحوث ي� �ج عية التجديد‬ ‫أ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫عية‪ ،‬دار كيوان‪ ،‬ط‪:‬الوىل ‪ ،2009‬ص‪.14:‬‬

‫‪51‬‬


‫أ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫خلد�ا لنا المم‬ ‫ال�‬ ‫إن اعتبار السطورة‬ ‫ب‬ ‫وأضار�ا من املكو�ت ي‬ ‫العربية َّ‬ ‫خاصة ش‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ال�ق نم�ا‬ ‫ال� استوطنت ربوع املنطقة‬ ‫السابقة ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫يقت�ض النظر إىل»ال�اث الد� نظرة ات َّ‬ ‫مد خيوط‬ ‫صالية تسىع إىل ِ‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫لخ‬ ‫ض‬ ‫ض‬ ‫الوصل ي ن‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� �قد‬ ‫الدة‬ ‫ا‬ ‫النفس‬ ‫«عن‬ ‫والكشف‬ ‫واملا�‬ ‫احلا�‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫َّ ف‬ ‫انفصالية‪ ،‬ت ج�عل ي ي خ‬ ‫حا�»‪ّ ،‬أما النظرة ت‬ ‫َّ‬ ‫ف ي� لك ض‬ ‫التار�‬ ‫�‬ ‫ة‬ ‫اجعي‬ ‫ال�‬ ‫ت ي‬ ‫و�علنا ن�تبط ب�اضينا بقدر ما‬ ‫ب�مته ينتظم حول القطيعة املعارصة‪ ،‬ج‬ ‫َّ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ننفصل عنه‪ ،»8‬لذا وجب الخ وض ف ي� مع�ك ي‬ ‫التار� يف� تعلق منه‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫عملي ًا ب�ملنظومة تال� َّ‬ ‫ربطا ّ‬ ‫ّ‬ ‫اثية‬ ‫املعني ي ن�‬ ‫وحيثيا�ا وربط‬ ‫ب�لسطورة‬ ‫إال َّ‬ ‫سالمية‪.‬‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫مء إالسالم من‬ ‫يستنكر سيد � ن ي�‬ ‫التجاهل ًاملم�ج للك ما سبق ج ي‬ ‫ًّ‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ل�ء‬ ‫ويرصح أن‪ »:‬قراءة‬ ‫منطلق كونه‬ ‫ي‬ ‫أسطور� أخرافيا ال يصلح ي‬ ‫يخ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫القد� دون الســطــورة‪ ،‬أمر يغ� �م العملية‪ ،‬ب�حتساب‬ ‫التار�‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المثل للفكر وواقعه ف� مراحهل اال َّ‬ ‫بتدائية‪ ،‬عندما‬ ‫السطورة السجل‬ ‫ي‬ ‫تفس� الوجود من حوهل‪ ،‬يو�اول قراءة الواقع ت‬ ‫االج� يع‬ ‫اكن ي�اول ي‬ ‫أ‬ ‫وتغي�ه‪ ،‬هذا ب�لطبع مع ما تنقهل لنا السطورة من بامصت وانطباعات‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ أ أ‬ ‫النفس الج َّ‬ ‫عل�ا‪ ،‬ونقول �ج‬ ‫اعية لن السطورة ال ي�كن لحد أن‬ ‫ماعية‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ة أ‬ ‫ّ تأ ف ف‬ ‫ن‬ ‫وأحيا� – املنشأ‬ ‫هول الصل واملؤلف‪ -‬بل‬ ‫َّيد يع حق �لي�ا‪،‬‬ ‫� مج‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫يخ‬ ‫والتار�‪ ،‬ن�هيك عن ن‬ ‫كو�ا ثقافة أجيال متعاقبة ظلت ج�رح يف�ا‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫ال� و�ت � ت‬ ‫وتعدل‪ ،‬هذا مع ت‬ ‫عاملي�ا ت‬ ‫امل�رة عىل االنتقال‬ ‫ِ‬ ‫قدر�ا ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫التكيف خارج ن‬ ‫اهلائل عىل ّ‬ ‫وط�ا‬ ‫وإماك� ت�ا‬ ‫بع� حدود الزمان واملاكن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ ف‬ ‫مخ‬ ‫وبعيدا عن ن‬ ‫َّ‬ ‫زم�ا‪ ،‬لتظل حية لدى شعوب الفة تتبناها ي� أزمنة‬ ‫مخ الفة‪.9‬‬

‫وحياًا أور َد العديد من األحــداث اليت‬ ‫القرآن باعتباره‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫زمنية غابرة‪ ،‬وكثريًا ما كان هناك تقاطع بني‬ ‫توثق حلقب َّ‬ ‫اخل ــر ال ـقــرآين ون ـظــره يف املـيـثــولــوجـيــا واألس ــاط ــر الـســالـفــة‪.‬‬

‫ً‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يخ‬ ‫إذا يقت�ض إال ب�ار ف� ت‬ ‫والتار� ي‬ ‫القد�‪ ،‬ووضعه‬ ‫مع�ك السطورة‬ ‫المر‬ ‫ض ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ـام‪ ،‬وإمعال عمل‬ ‫العمل الوا� ي� عالقته ب� تل�اث إالسـ‬ ‫ي� إطاره‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫يخ‬ ‫التار� ب�باحثه خ‬ ‫املتلفة ي� دراسة هذا الشأن‪ ،‬فالقرآن ب�عتباره وحيا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫توثق حلقب َّ‬ ‫ت‬ ‫وكث�ا ما اكن‬ ‫زمنية‬ ‫غا�ة‪ ،‬ي‬ ‫ال� ِ‬ ‫أورد العديد من الحداث ن ي‬ ‫بأ‬ ‫ف‬ ‫هناك تقاطع ي ن‬ ‫ساط� السالفة‪.‬‬ ‫ب� الخ ب�‬ ‫ونظ�ه ي� امليثولوجيا وال ي‬ ‫القرآ� ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫تقس�ت ثالث ملراحل ت� ي خ‬ ‫ر� َّية تهسم‬ ‫يتحدث فراس السواح عن ي‬ ‫أ‬ ‫السطورة ف� الكشف ن‬ ‫ع�ا‪ ،‬وهذه املراحل يه‪:‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ال َّ‬ ‫لوهية‪.‬‬ ‫الرسمدية السابقة عىل فعالية‬ ‫*‬

‫‪52‬‬

‫ن‬ ‫ين‬ ‫والتكو�‪.‬‬ ‫الكوزموغو�‪ ،‬أي زمن الخ لق‬ ‫* الزمن‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫والتنظ�‪.‬‬ ‫* زمن الصول‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ثُّ‬ ‫والتأ� هلذه املراحل‪.11‬‬ ‫وتعطينا النيوما إيليش‪ 10‬وصفا ب�لغ احليوية‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫ي�‬ ‫ال� اكنت‬ ‫سالم «لدينا َّ حديث ِّب‬ ‫الفكر إال ي‬ ‫يع� عن حال المكون ُ َ ي‬ ‫أ‬ ‫عل�ا اللوهة‪ ،‬قبل أن تتجل من خالل فعل الخ لق‪ ،‬فقد س ِئل رسول‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫وسمل‪(:‬أ� اكن هللا قبل أن ي خ�لق خلقه ؟ فأجاب‪:‬‬ ‫هللا صىل هللا عليه‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫اكن ي� معاء‪ ،‬ما فوقه هواء وما �ته هواء‪ ،‬وخلق عرشه عىل املاء) ‪....12‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫كر�ة تـ شـرح الحــوال الثالثة املتعاقبة لللوهة‪ ،‬من‬ ‫ولدينا آية ي‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫الكوزموغ� إىل ي‬ ‫التار�‪َ ،‬نقرأ ي� سورة هود‪﴿ :‬‬ ‫الرسمدية إىل الزمن‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ي أَ ْ َ ف َّ َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫َو ُه َو َّال ِذي َخل َق َّ‬ ‫ات والرض ِ ي� ِستةِ أ ي� ٍم وكن عرشه عل‬ ‫الس َم َاو ِ‬ ‫ُ ُ َ ُّ ُ َ‬ ‫أ‬ ‫َ ً‬ ‫ف‬ ‫َْ‬ ‫ال ِاء ِل َي ْبل َو ْك أي ْ‬ ‫ك أ ْح َس ُن َعل﴾‪� 13‬نذ الزل‪ ،‬مل تكن سوى الذات‬ ‫أ‬ ‫والرض ف� َّ‬ ‫إال َّهلية واملاء خ‬ ‫ستة ّ يأ�م‪،‬‬ ‫امللوق‪ ،‬ث َّ� خلق هللا السموات‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وبعد الخ لق يبدأ ي خ‬ ‫الكب� ي ن‬ ‫ب�‬ ‫التار�‪،‬‬ ‫وهدفه زج إالنسان ي� االمتحان ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫وال� ﴿ ِل َي ْب ُل َو ُ ْك أ ُّي ْ‬ ‫الخ ي� ش ّ‬ ‫ك أ ْح َس ُن َعل﴾ ي� انتظار ن�اية الزمان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تدم� الكون ش‬ ‫وح� الناس �ج يعا إىل بر�م من‬ ‫يوم القيام الذي شي�د ي‬ ‫َّ ف‬ ‫أجل احلساب‪ ،‬لقد خلق هللا إالنسان ووهبه احلرية ي� االختيار‬ ‫ب� الخ ي� ش‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫اللذ� ت� ز‬ ‫ا�ا بعد عصيان إبليس وخطيئة آدم‪﴿ :‬‬ ‫وال�‪،‬‬ ‫َ ي َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ ْ يَ َ َ ي فُ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َّ َ َ َْ‬ ‫ونف ٍس وما سواها* فألمها ج�ورها وتقواها* قد افلح من زكها* وقد‬ ‫َّ‬ ‫فإن حركة ي خ‬ ‫َخ َ‬ ‫التار� تدور حول حمور‬ ‫اب َم ْن َد َّس َاها﴾‪ ، 14‬من هنا‬ ‫َ‬ ‫والنسان والشيطان‪ ،‬فملكا ط�غ الشيطان قوما فزاغت‬ ‫قوامه‪ :‬الرمحن إ‬ ‫ّ‬ ‫ـذ� من عند بر�ــم ي�دمه‬ ‫ب‬ ‫قلو�م عن معرفة هللا وعبادته‪ ،‬جــاءمه نـ ي‬ ‫ن‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫متكرر‪:‬‬ ‫إىل جادة الصواب‪ ،‬ويتابع �ر� إالنسان باكمهل وفق �ط ِ‬ ‫رسال امسوية _ هداية ‪ ...‬الخ ‪ ،‬وقد يتبع الرسالة‬ ‫ة‬ ‫هداية _ غواية _‬ ‫َ ُ‬ ‫ف‬ ‫﴿و َ​َما ك َّنا‬ ‫الامسوية ي� حال استمرار العصيان عقاب امسوي َعاجل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ُم َع ِّذب ي نَ� َح تَّ� َن ْب َعث َر ُســوال﴾‪َ ، 15‬‬ ‫﴿وك ِّمن ق ْر َيةٍ أ ْهلك َن َاها ج َ‬ ‫� َاء َها‬ ‫َ‬ ‫َ أْ ُ َ ِ َ َ تً َ ْ ُ ْ َ ُ َ ‪ْ َ َ َ 16‬‬ ‫َ َ ُ ْ ُ َ ‪17‬‬ ‫﴿و َما أ ْهلك َنا ِم ْن ق ْر َيةٍ ِإال لا من ِذرون﴾‬ ‫ب�سنا بيا� أو ه قا ِئلون﴾ ‪،‬‬ ‫أ‬ ‫‪ -8‬بنعبد العال عبد السالم ‪ ،‬ميثولوجيا الواقع‪ ،‬دار توبقال ش‬ ‫للن�‪ ،‬الطبعة الوىل ‪،1999‬‬ ‫ي‬ ‫ص‪.27:‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫‪ -9‬ن‬ ‫القم� سيد ‪ ،‬السطورة وال�اث‪ ،‬املركز املرصي لبحوث احلضارة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬ ‫ي‬ ‫الثانية ‪ ،1999‬ص‪.26 :‬‬ ‫ف‬ ‫‪-10‬تعت� هذه امللحمة إىل جانب ملحمة جلجامش‪ ،‬من أقدم وأ�ج ل املالمح ي� العامل‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫اللف ن‬ ‫القد�‪ ،‬ي خ‬ ‫فتار� ت‬ ‫ي‬ ‫الثا� قبل امليالد‪ ،‬أي قبل ألف و�خ سمئة سنة‬ ‫مطلع‬ ‫إىل‬ ‫يعود‬ ‫ما‬ ‫كتاب�‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫الع�انية‪.‬‬ ‫هوم�وس‪،‬‬ ‫وتدو� أسفار التوراة ب‬ ‫تقريبا من إلياذة ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫‪ -11‬أنظر السواح فراس ‪ ،‬السطورة واملع�‪ ،‬ص‪.95-94-93- :‬‬ ‫س� تال�مذي‪ ،‬الباب‪ :‬ومن سورة هود‪ ،‬قر� احلديث ‪ ،3109‬نن‬ ‫‪ -12‬نن‬ ‫س� ب ن‬ ‫ا� ماجة‪ ،‬ب�ب‪ :‬يف�‬ ‫ق‬ ‫أنكرت الج همية‪ ،‬ر� احلديث‪ ،182 :‬مسند أمحد‪ ،‬حديث‪ :‬بأ� ي ن‬ ‫العقيل لقيط ب ن� عامر‬ ‫رز�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫املنتفق‪ ،‬ر� احلديث‪.16188 :‬‬ ‫‪ -13‬سورة هود‪ ،‬آية‪. 7 :‬‬ ‫آ‬ ‫‪ -14‬سورة الشمس‪ ،‬ل ي�ت‪. 10-7 :‬‬ ‫‪ -15‬سورة إالرساء‪ ،‬آية‪. 15 :‬‬ ‫أ‬ ‫‪ -16‬سورة العراف‪ ،‬آية‪. 3 :‬‬ ‫‪ -17‬سورة الشعراء‪ ،‬آية‪. 208 :‬‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُْ َ َ َْ َْ ُْ َ َ َ‬ ‫﴿و ِتلك القرى أهلكن‬ ‫اه َّلا ظ ُلوا َو َج َعل َنا ِ ُل ْهل ِ ِك ْم َم ْو ِع ًدا﴾ ‪.‬‬ ‫ي خ َّ ف‬ ‫ين‬ ‫والتكو�‬ ‫سالم والذي ابتدأ ب�لخ لق‬ ‫املقدس ي� النطاق إال‬ ‫التار�‬ ‫ي‬ ‫ف تّ‬ ‫ت‬ ‫ظ‬ ‫لخ‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ا�اه ال�اية حيث تقوم‬ ‫يس� ي� ج‬ ‫و�ور املوت و� يا� ا ي� وال�‪ ،‬ي‬ ‫القيامة واحلساب‪ ،‬وهذا اختبار ملدى الـ ت ز‬ ‫ـ�ام إالنسان ب� َّ‬ ‫ملهمة‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫الرض كخليفة للخالق‪ ،‬وما هذا التقاطع ي ن‬ ‫ب�‬ ‫املوكول إليه عىل‬ ‫أ‬ ‫ت ّ‬ ‫ت ّ‬ ‫ونظ�ه إال‬ ‫الر�ط‬ ‫سالم إال ج� ٍل من ج�ليات ب‬ ‫السياق السطوري ي‬ ‫ي‬ ‫ت ُ‬ ‫الذي أودعه هللا ف ي� الكون منذ خلقه إىل أن ن‬ ‫يف�‪ ،‬حيث مل خ�ل‬ ‫آ‬ ‫الكر�ة َ‬ ‫َ َّأمة وعرص من‬ ‫﴿و َما‬ ‫تع� عنه الية ي‬ ‫وح ّ بر� ن ي�‪ ،‬وهو ما ِّب‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫َ ُ ُ ً َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫أ ْهلك َنا ِم ْن ق ْر َي ٍة ِإال َلا ُم ْن ِذ ُرون﴾‪ 20‬وقوهل تعاىل ﴿ورســا قد‬ ‫ص ْم َع َل ْي َك َو َ َّ َك َّ ُ‬ ‫َق َص ْص َن ُ ْ‬ ‫اه َع َل ْي َك ِم ْن َق ْب ُل َو ُر ُس ًل َ ْل َن ْق ُص ْ ُ‬ ‫الل‬ ‫َْ‬ ‫ُم َوس ت ِك ي� ًما﴾‪. 21‬‬ ‫َّ أ‬ ‫ف‬ ‫لقد أصبحت احلاجة َّ‬ ‫إشاكلية السطورة ي�‬ ‫ماسة اليوم إىل طرح‬ ‫وماكن�ا ف� ي خ‬ ‫يخ‬ ‫ت‬ ‫التار� َّ‬ ‫العربية إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫وكيفية‬ ‫سالمية‪،‬‬ ‫التار� َّية‬ ‫الذاكرة‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ر� وإرث حضاري و�اث اج� يع‪،‬‬ ‫التعامل مهعا‬ ‫ٍ‬ ‫مكصدر � ي أ ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و� منأى‬ ‫ساط�‪ :‬ل�ا قتل للذاكرة‪،‬‬ ‫بعيدا عن فكرة الرفض لل ي‬ ‫َّ أ‬ ‫أ‬ ‫يت‬ ‫و�اهل‬ ‫عن موقف التصديق‪ ،‬لنه إلغاء لرمزية السطورة ج‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لخ‬ ‫ّ‬ ‫التسل� ب�طروحات ال ثن�وبولوجيا وعمل‬ ‫صوصي ت�ا‪ ،‬من دون‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫وال� ت�مل‬ ‫النفس والدب الرتباهطا ب� َّصوصية تلك العلوم‪ ،‬ي‬ ‫الج انب ي خ‬ ‫التار�‪ ،‬وهذا ما يتطلب من ّ‬ ‫ين‬ ‫املؤر ي ن‬ ‫احملدث�‬ ‫خ� العرب‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫مقار�ت َّ‬ ‫نقدية ت� َّ‬ ‫ليلية ذات بعد‬ ‫دراسة السطورة انطالقا من‬ ‫ب‬ ‫‪19 18‬‬

‫أ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ن‬ ‫مستجدة ت� ِكز عىل استخالص دالالت السطورة‬ ‫إنسا� ورؤية‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫َّ ف‬ ‫يخ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫التار� َّية‪ ،‬وبذلك‬ ‫مضامي�ا‬ ‫احلضارية و�م‬ ‫معطيا�ا‬ ‫و�ديد‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫ًّ‬ ‫ف ت خ‬ ‫حضار�‬ ‫سالم بعدا‬ ‫ي‬ ‫العر� إال ي‬ ‫فقط تغدو السطورة ي� � ير�نا ب ي‬ ‫حية‪ ،‬وليست َّ‬ ‫مادة خام تناقلها الرواة جّ‬ ‫وسلها إال ّ‬ ‫وذاكرة َّ‬ ‫خباريون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ودو ن�ا ّ‬ ‫املتأخرون‪ ،‬من دون أن ي�اولوا التعامل مهعا‬ ‫املؤرخون ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫إبداعية ت‬ ‫ليشك‬ ‫كطاقة‬ ‫ح ينطلق من رمزية السطورة ِ‬ ‫و�اث ً ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫لخ‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫متم�ا حلمته ا يال ونسيجه العاطفة‬ ‫ي� ثقافتنا اليوم �ا� ي‬ ‫فكر� ي‬ ‫ت‬ ‫ومصدره بت� ي� الوجود وفرض الذات و� ّدي الواقع‪.22‬‬ ‫َّ أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫وإنسا� ال ن‬ ‫يقي�‬ ‫معر�‬ ‫نسق‬ ‫سطورة‬ ‫ال‬ ‫ّمما سبق ي�كن القول إن‬ ‫ي‬ ‫ف ي‬ ‫ي‬ ‫ة ت ي خ َّ ت َّ ت‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫أساسية ي� رصح املعرفة‬ ‫اثية ج�عهل لبنة‬ ‫لكن ُه ذو محول �ر�ية و�‬ ‫ّ ض‬ ‫ت‬ ‫والفكر إال ّ ن‬ ‫سالم‬ ‫نساني ي�‪ ،‬عالوة عىل موقعه املهم �ن ال�اث إال ي‬ ‫ن‬ ‫ّ َّ‬ ‫نسا�‪.‬‬ ‫سالم ي‬ ‫من منطلق ِاتصالية الفكر إال ي‬ ‫ونظ�ه إال ي‬

‫‪ -18‬سورة الهكف‪ ،‬آية‪. 58 :‬‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫‪ -19‬السواح فراس‪ ،‬السطورة واملع�‪ ،‬ص‪. 103 :‬‬ ‫‪ -20‬سورة الشعراء‪ ،‬آية‪. 208 :‬‬ ‫‪ -21‬سورة النساء‪ ،‬آية‪. 163 :‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫السطورة وكتابة ي خ‬ ‫سعيدو� �نرص ي ن‬ ‫التار� ‪ ،‬مج ةل عامل الفكر‪ ،‬السطورة‪،‬‬ ‫الد�‪ ،‬فكرة‬ ‫‪-22‬‬ ‫ي‬ ‫العدد‪ ،4 :‬املج لد ‪ 40‬بأ� يل – يونيو ‪،2012‬الكويت‪ ،‬ص‪. 259 :‬‬

‫‪53‬‬


‫اإلنسانية‬ ‫الطبيعية والعلوم‬ ‫وهم املفاضلة بني العلوم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬ ‫ـاســة لـتــذويــب‬ ‫أن ـنــا ال ـيــوم يف حــاجـ ٍـة مـ ّ‬ ‫املـ ـف ــاضـ ـل ــة الـ ـق ــائـ ـم ــة ب ـ ــن ال ـع ـل ـمــن‬ ‫وذل ـ ـ ــك ب ـت ـك ــري ــس ثـ ـق ــاف ــة االع ـ ـتـ ــراف‬ ‫وال ـ ـت ـ ـك ـ ــام ـ ــل امل ـ ـ ـع ـ ـ ــريف‪ ،‬وذل ـ ـ ـ ــك ألن‬ ‫ال ـ ـظـ ــواهـ ــر بـ ــأنـ ــواعـ ـهـ ــا ظ ـ ــواه ـ ــر م ــرك ـب ــة‪،‬‬ ‫وبــالـتــايل فمعاجلتها لــزام ـًاَ تقتضي أن‬ ‫ّ‬ ‫تكون مركبة‪ ،‬وهــو األمــر الــذي لن‬ ‫يـتـحـ َّـقــق إال بـتـكــامــل ك ــا الـعـلـمــن‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫حممد متوكيل‬ ‫أستاذ الفلسفة والفكر اإلسالمي‬

‫املغرب‬

‫‪54‬‬

‫لقد عرف مج ال املعرفة إال َّ‬ ‫نسانية منذ القدم‬ ‫ت ً‬ ‫ب� مج ي ن‬ ‫اذ� ي ن‬ ‫كب� ي ن�؛ ومها مج ال العلوم‬ ‫ج� ب‬ ‫ال� ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إالنسانية ومج ال العلوم الطبيعية‪ ،‬أو ما‬ ‫َّ ش‬ ‫ال�ء الذي‬ ‫سيعرف يف� بعد ب�لعلوم احلقة‪ ،‬ي‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫مفاضل ن‬ ‫املفاضل‬ ‫بي�ما‪ ،‬لكن هذه‬ ‫نتج عنه‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫التار�ية‪،‬‬ ‫اختلفت ب�ختالف احلقب‬ ‫فنجدها مع العرص ن‬ ‫اليو� ن ي� مالت لصاحل‬ ‫العلوم إال َّ‬ ‫و�لخ صوص الفلسفة‪،‬‬ ‫نسانية ب‬ ‫مــع لك مــن «ســقــراط» «أفــاطــون»‬ ‫«أرسطو» ‪ ،...‬إىل درجة أن «أفالطون»‬ ‫َّ‬ ‫ف� ّ‬ ‫مهورية»‬ ‫أمه كتاب هل وهو كتاب «الج‬ ‫ي‬ ‫َّ أ‬ ‫ذهب إىل أن النسب إلدارة شؤون الناس‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫وسياس�م نإ�ا هو احلامك الفيلسوف؛ لنه‬ ‫أ‬ ‫العمل ب�لخ ي� ش‬ ‫وال�‪ ،‬ونفس ش‬ ‫ال�ء حدث‬ ‫ي‬ ‫ت َّ ف‬ ‫ين‬ ‫املسمل�‪ ،‬وذلك ما �جل ي�‬ ‫مع الفالسفة‬ ‫و»ا�ن‬ ‫ب‬ ‫ا�» ب‬ ‫كتا�ت فالسفته أمثال «الفار ب ي‬ ‫ن‬ ‫و»ا� سينا»‪.‬‬ ‫رشد» ب‬ ‫َّ‬ ‫إىل جــانــب ذلــك نج� ــد أن التحوالت‬ ‫أ‬ ‫َّ ت ت َّ ف‬ ‫ورو�‬ ‫ال� �ت ن ي� الج انب ال ب ي‬ ‫الج ذرية ي‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫خالل القرن ‪71‬م‪ ،‬إ�ا �ت ب�لدور الج بار‬ ‫«فلت�» «‬ ‫الذي لعبه فالسفة كبار أمثال ي‬ ‫ديــدرو» و»مونتسكيو» و»ديــارت»؛‬ ‫ّ‬ ‫جلهم ي ج�مع ي ن‬ ‫ين‬ ‫التكو�‬ ‫ب�‬ ‫هؤالء وإن اكن‬ ‫ن ف‬ ‫والتكو� ي� مج ال العلوم‬ ‫الطبيع‬ ‫العمل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إالنسانية (الفلسفة خصوصا)‪ ،‬إال أن‬ ‫ف‬ ‫أث‬ ‫الفلس� هو الذي لعب الدور البارز‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫يخ أ‬ ‫ف‬ ‫ورو�‪ .‬يغ� أننا‬ ‫تغي� حركة‬ ‫ي� ي‬ ‫التار� ال ب ي‬ ‫اليوم ن�ى حركة ارتــداد حيث أصبحت‬ ‫ّ‬ ‫حمط خ‬ ‫س َّ‬ ‫العلوم إال َّ‬ ‫كث�‬ ‫نسانية‬ ‫رية عند ي‬ ‫من الناس‪ ،‬ف� الوقت الذي ّ‬ ‫تبجل فيه‬ ‫ِ‬ ‫َّ ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة ت‬ ‫ال� جاءت ي�‬ ‫ال‬ ‫هذه‬ ‫العلوم احلقة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫الصل ي� سياق حماول إالجابة عن سؤال‬ ‫السيطرة عىل العامل‪ ،‬سواء العامل املادي أو‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعية سعت‬ ‫نسا�‪ ،‬فالعلوم‬ ‫العامل إال ي‬ ‫بع� ت‬ ‫ين‬ ‫القوان�‬ ‫ومناهها للكشف عن‬ ‫آليا�ا‬ ‫ج‬ ‫ّ ف‬ ‫املتحكة ي� الوجود من أجل السيطرة‬ ‫ِ‬ ‫وتسخ�ه لصاحل إالنسان الذي اكن‬ ‫عليه‬ ‫ي‬ ‫غ ّ‬ ‫ة‬ ‫وه‬ ‫قم�ورا‪ ،‬ر� أن الغاية‬ ‫هذه تبدو نبيل‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫البدا�ت الوىل‪ ،‬لكن رسعان‬ ‫كذلك منذ‬ ‫ي‬

‫ة‬ ‫ّ‬ ‫النبيل إىل أداة‬ ‫ستتحول تلك الغاية‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫تدم� وهتك وفتك للعامل مقابل تغول‬ ‫ي‬ ‫إالنــســان‪ .‬ت�ى ما سبب هــذه املفاضلة‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫جوهرية‬ ‫املفاضل حقيقة‬ ‫بي�ما؟ هل‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫اض‬ ‫ي�‬ ‫العمل� أم أ�ــا مصطنعة لغ ـر ٍ‬ ‫مفاضل ئ‬ ‫ة‬ ‫قا�ة‬ ‫عل�ما؟ ث َّ� هل يه‬ ‫خارجة ي‬ ‫ترسبَ‬ ‫عىل أسس َّ‬ ‫عملية أم نأ�ا مج ّرد ومه َّ‬ ‫وع نم�م؟‬ ‫للناس دون ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ئ‬ ‫النتا� ت‬ ‫ال� حق تق�ا العلوم احلقة عىل‬ ‫إن‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫مستوى املوضوع ن‬ ‫والنتا�‪ ،‬لعبت‬ ‫وامل�ج‬ ‫ج‬ ‫ً ً‬ ‫كب�ا ف� خلق ّ‬ ‫ب� العلوم إال َّ‬ ‫هوة ي ن‬ ‫نسانية‬ ‫دورا ي ي‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫مفاضل‪،‬‬ ‫لتال خلق‬ ‫والعلوم‬ ‫الطبيعية ب‬ ‫و� ي‬ ‫ش‬ ‫ال�ء الذي دفع الناس لمليل إىل العلوم‬ ‫َّ ي‬ ‫احلقة عىل حساب العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪ .‬لكن‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫حي� َّ‬ ‫ن‬ ‫نتأمل الظاهرة ي� العمق نج�د أن‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫املفاضل ليس هو‬ ‫الرئيس ي�‬ ‫املتحك‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ما حدث عىل مستوى املوضوع وامل�ج‬ ‫ت ّ‬ ‫ئ‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعية من‬ ‫والنتا�‪ ،‬نإ�ا ما �ققه العلوم‬ ‫ج‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫منافع َّ‬ ‫مادية ش‬ ‫مبا�ة للفراد‪ ،‬فنحن نعمل أن‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫وعية القول ب� َّ‬ ‫م� َّ‬ ‫الطبيعية‬ ‫فضلية العلوم‬ ‫عىل العلوم إال َّ‬ ‫نسانية نإ�ا يه من الطبقة‬ ‫ً‬ ‫واج� ّ‬ ‫متوسطة املستوى ّ‬ ‫ثقافيا ت‬ ‫عيا‪ ،‬هذه‬ ‫أ‬ ‫ّ ّ‬ ‫خ�ة ت‬ ‫ال� ف ي� الغالب تبحث معا ي� ِقق هلا‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫آنية ش‬ ‫منفعة َّ‬ ‫ومبا�ة‪ ،‬ث ّ� من ن�حية أخرى‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫إن هذه الطبقة ي� الغالب تبحث عن‬ ‫ت‬ ‫واالج� يع ملا تعيشه من‬ ‫الخ الص املادي‬ ‫ق‬ ‫� ٍر وحرمان‪ ،‬ولذلك نج�دها تتعامل مع‬ ‫ً‬ ‫منفعيا ّ‬ ‫ّ‬ ‫فتوجه أبناءها للعلوم‬ ‫املوضوعات‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫احلقة مع اس�زاء ب�لعلوم إالنسانية ب� ب�رات‬ ‫ً ف‬ ‫َّ‬ ‫الصحة أمال ي� الخ الص‬ ‫ال أساس هلا من‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫و� ذلك لكه تسامه‬ ‫الرسيع مما تعيشه‪ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫املفاضل‪.‬‬ ‫وع ي� تكريس‬ ‫بوعَّ أو بدون ي‬ ‫ي‬ ‫العمل� إ�ان‬ ‫ة‬ ‫ين‬ ‫املفاضل املصنوعة يب�ن‬ ‫ث� إن‬ ‫ّ‬ ‫تتقوى داخل املج تمعات ت‬ ‫ال� يشعر يف�ا‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الفرد ب�اجة لوضع اعتباري ّ‬ ‫مادي ي� ِقق‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫املفاضل‬ ‫تمع‪ .‬امك أن‬ ‫هل االعــراف املج ي‬ ‫التداول‬ ‫املصطنعة تتقوى داخل املج ال‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫والتنظ� ت�فا ال طائل من‬ ‫الذي ي�ى الفكر‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫واملغف يل�‪.‬ن‬ ‫ورائه‪ ،‬وأنه من اختصاص احلم�‬


‫َّ‬ ‫إن املـفــاضـلــة ال ـيــوم هــي حتــت طـلــب ال ــدول ال ــي تــريــد ألفــرادهــا‬ ‫اخلـضــوع‪ ،‬وتــريــد قـتــل ال ــروح اإلبــداعـ َّـيــة ملواطنيها لـضـمــان مصاحلها‪،‬‬ ‫عملية توعويَّة أن تؤدي إىل ضياع مصاحلها‬ ‫ألن من شأن أي‬ ‫َّ‬ ‫ـادي ــة‪ ،‬هـ ــذه األخ ـ ــرة الـ ــي غ ــالـ ـبـ ـًاًَا م ــا ختـلـخــل‬ ‫ال ـس ـي ــاس ـ َّـي ــة واالقـ ـتـ ـص ـ َّ‬ ‫بــالـفـكــر ال ـن ـقــدي الـ ــذي ه ــو االبـ ــن ال ـشــرعــي لـلـعـلــوم اإلن ـســانـ َّـيــة‪.‬‬

‫َّ‬ ‫ة‬ ‫املفاضل اليوم نإ�ا ه ت�ت طلب القوى الر َّ‬ ‫أامسلية‬ ‫ومن ن�حية أخرى‪ ،‬إن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تقنية ّ‬ ‫ة‬ ‫تؤدي الوظائف ش‬ ‫ّ‬ ‫عامل َّ‬ ‫ت‬ ‫والتقنية‪،‬‬ ‫املبا�ة‬ ‫ال� ت�غب من �ج ة ي� ٍيد‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫إنسانية ّ‬ ‫جراء الج شع‬ ‫مآس‬ ‫الوع ب�تا �لقه من ٍ‬ ‫وكذا كبح لك قوة من شأ�ا ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫خ‬ ‫ال� من ن‬ ‫َّ‬ ‫أ ن َّ‬ ‫ت‬ ‫شأ�ا أن �لق رجة مج تمعية تؤدي إىل فقدان‬ ‫وال�نية‪ ،‬أو ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫وهيمن�ا‪.‬‬ ‫سيطر�ا‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫ال� ت� يد لفرادها الخ ضوع‪،‬‬ ‫إن املفاضل اليوم يه �ت طلب الدول ي‬ ‫أ‬ ‫تو� يد قتل الروح إال َّ‬ ‫ملواطن�ا ضل�ن مصاحلها‪ ،‬لن من شأن أي‬ ‫بداعية‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬هذه‬ ‫السياسية‬ ‫توعوية أن تؤدي إىل ضياع مصاحلها‬ ‫معلية‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫اال� ش‬ ‫ال ي ت‬ ‫ال� غالبا ما خ�لخل ب�لفكر النقدي الذي هو ب ن‬ ‫ال� يع للعلوم‬ ‫خ�ة ي‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ً ف‬ ‫ة‬ ‫ين‬ ‫العمل�‬ ‫املفاضل ليست جوهرا ي�‬ ‫من خالل ما سبق نكتشف أن‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والصــل ف خ‬ ‫�ــاف ذلك‪ ،‬إذ املعرفة ي� أعىل‬ ‫عل�ما‪ّ ،‬أما‬ ‫بل أدخلت ي‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫النظر�ت العملية إ�ا يه نتاج تاكمل‬ ‫مستو� ت�ا‪ ،‬أي ما يتعلق ب إ�نتاج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫مص� العلوم إالنسانية واملمارسة‬ ‫ال� يه من ي‬ ‫لك من املمارسة النظرية ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫االختبارية ت‬ ‫مص� اممرسة العلوم الطبيعية‪ ،‬وذلك‬ ‫التجريبية‬ ‫ال� يه من ي‬ ‫ي ف‬ ‫العمل» من‬ ‫ما ّقرره «غاستون ب�شالر» ي� كتابه «منطق االكتشاف‬ ‫يف‬ ‫خالل ت أ� كيده عىل ض�ورة احلوار الج دل ي ن‬ ‫ب� العقل والتجربة ي� بناء‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫العملية‪.‬‬ ‫املعرفة‬ ‫ة ف‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫موضوعية ال‬ ‫أسباب‬ ‫أحيا� من‬ ‫املفاضل ي� احلقيقة ن�بعة‬ ‫مع ذلك فإن‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ص�‪ ،‬نذكر من بي�ا ما حققته العلوم‬ ‫ي�كن إناكرها‪ ،‬وهذه عند املتخص ي‬ ‫َّ‬ ‫احلقة من «موضعة» أي نأ�ا استطاعت دراسة املوضوعات دراسة‬ ‫أ‬ ‫ت ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال� ج�عل لك‬ ‫موضوعية تبتعد عن الذاتي أة ولو ب�قدار‪ ،‬هذه الخـئ يـرة ي‬ ‫ال� َّ‬ ‫اممرسة َّ‬ ‫ج ت‬ ‫يتوصل يإل�ا‬ ‫عملية دون جدوى؛ لن لك الخ الصات‬ ‫والنتا� ي‬ ‫ف‬ ‫تظل مج َّرد إحساسات ومشاعر َّ‬ ‫فردية ال قيمة هلا ي� ميدان العمل‪ .‬إن‬ ‫املوضعة هذه ه ما مل تستطع العلوم إال َّ‬ ‫نسانية – وإن اكنت يغ� مطالبة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫بذلك‪ -‬بلو�غ ا‪ ،‬أي أن موضعة الظواهر إال َّ‬ ‫نسانية ما زالت عقبة أمام تقدم‬ ‫ال� بذلت داخل مج ال السوسيو ّ‬ ‫ت‬ ‫لوجية‬ ‫هذه العلوم‪ ،‬وإن اكنت الج هود ي‬ ‫َّ ف‬ ‫وزع� نز‬ ‫ي‬ ‫«إ�يل‬ ‫ال�عة الوضعية ي� العلوم‬ ‫من طرف لك من ي‬ ‫دوراك�» ي‬ ‫ف‬ ‫إال َّ‬ ‫ين‬ ‫وآخر�‪ ،‬ال ي�كن إناكرها ي� هذا الباب‪.‬‬ ‫نسانية «أكست كونت»‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫حد ما‪،‬‬ ‫املفاضل‬ ‫موضوع آخر ي ج�عل هذه‬ ‫ث� هناك سبب‬ ‫مقبول إىل ٍ‬ ‫ي‬ ‫ً ّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫تب� ت‬ ‫ن‬ ‫لذا�ا نم�جا صارما ي�ك ن�ا من‬ ‫وهو أن العلوم احلقة استطاعت أن ي‬

‫ّ‬ ‫ف‬ ‫بشلك صارم يو�نع لك تدخل للذات ي� موضوع‬ ‫التعامل مع‬ ‫املوضوعات ٍ‬ ‫غ َّ‬ ‫در ت‬ ‫اس�ا ‪ -‬ر� أن التداخل مستبعد ما دام الدارس واملدروس ليسا من‬ ‫َّ‬ ‫جنس واحد ‪ -‬هذا الوضع الذي مل تستطع العلوم إالنسانية بلوغه‪ ،‬فالعلوم‬ ‫ٍ‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية مطبوعة ب�لتداخل ي ن‬ ‫ب� الذات الدارسة وموضوع الدراسة‪ ،‬هذا‬ ‫ّ‬ ‫أ َّ‬ ‫َّ‬ ‫متعذرة؛ لن موضوع العلوم‬ ‫التداخل ي ج�عل‬ ‫إماكنية تطبيق نم�ج صارم ِ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫واع‬ ‫ومتغ�‪ ،‬هذه الوضعية ج�عل هممة الباحث ي�‬ ‫ِي‬ ‫إالنسانية موضوع ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫العلوم إال َّ‬ ‫عس�ة‪ .‬فإذا اكن العامل ي� ميدان العلوم احلقة هل قدرة‬ ‫نسانية ي‬ ‫تفس العالقة ي ن‬ ‫و�لتال الوصول إىل ي ن‬ ‫ب�‬ ‫يفس‬ ‫قوان� ث�بتة ِّ‬ ‫عىل أن ِّ‬ ‫الظواهر فب ي‬ ‫أ‬ ‫ئ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫والنتا�‪ ،‬فإنه � العلوم إال َّ‬ ‫نسانية عاجز عن ذلك فيب� أمامه‬ ‫السباب‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ين‬ ‫خيار ف�م الظاهرة ت ز‬ ‫بنتا� ي�كن االستفادة نم�ا‪.‬‬ ‫و�ويد‬ ‫الباحث� ج‬ ‫ً َّ‬ ‫ت ّ‬ ‫ئ‬ ‫ة ت‬ ‫ين‬ ‫نتا�‪ ،‬العلوم‬ ‫املفاضل قد ج�د بت� ي� تا�ا يف� � ِقق‬ ‫وأخ�ا إن‬ ‫ي‬ ‫للعمل� من ج‬ ‫ئ َّ ز َّ‬ ‫ت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫تتم� ب�لدقة‬ ‫نتا� ي‬ ‫احلقة ونتيجة «لملوضعة» وامل�ج استطاعت أن � ِقق ج‬ ‫ّ‬ ‫ال� َّ‬ ‫َّ‬ ‫ئج ت‬ ‫يتوصل‬ ‫والكونية‪ ،‬فال ي�كن أن ّيد يع أحد أن‬ ‫والثبات‬ ‫النتا� ف ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫طبيع مثال ي� أمرياك يغ� مقبول ي� املغرب أو‬ ‫موضوع‬ ‫اسة‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫يإل�ا ي�‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫زماكنية‪.‬‬ ‫نتا�‬ ‫السينيغال أو الكويت أو ي� أي بقعة من بقاع العامل‪ ،‬نإ�ا ج‬ ‫َّ‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬ ‫َّ ف‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫نتا�‬ ‫� ج‬ ‫ي� مقابل ذلك نج�د أن ج‬ ‫نتا� العلوم إالنسانية ال زماكنية‪ ،‬ي‬ ‫َّ‬ ‫كونية أي نأ�ا تظل َّ‬ ‫تعوزها الدقة َّي ز‬ ‫املستمر امك نأ�ا يغ� َّ‬ ‫ّ‬ ‫خاصة‬ ‫لتغ�‬ ‫وتتم� ب� ي‬ ‫ً‬ ‫مع�‪ ،‬إال ما اكن صاحلا لالستفادة‪ ،‬أما أن يعتمد ّ‬ ‫مان وماكن َّ ي ن‬ ‫مكفس‬ ‫ب ز� ٍ‬ ‫َّ‬ ‫فذلك ض�ب من املستحيل‪ ،‬واحلقيقة أن ذلك سبب ش‬ ‫مبا� لخ‬ ‫َّ‬ ‫صوصية‬ ‫ومناه العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‪.‬‬ ‫موضوعات ج‬ ‫ف أ‬ ‫ّ‬ ‫خ� ينب�غ أن ّ‬ ‫نسجل هنا‪ ،‬أن االختالف احلاصل ي ن‬ ‫ب� موضوع‬ ‫و� ال ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الطبيعية وموضوع العلوم إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫الطبيع ما‬ ‫من‬ ‫عل‬ ‫�‬ ‫ة‬ ‫نساني‬ ‫العلوم‬ ‫ج‬ ‫ئ ي‬ ‫ت� ّدثنا عنه سواء عىل مستوى املوضوع أو ن‬ ‫النتا�‪ .‬ث� ي ج�د‬ ‫امل�ج أو‬ ‫ج‬ ‫ة‬ ‫من ض‬ ‫املفاضل وإن انطلقت من هذه‬ ‫ال�وري إعادة التأكيد عىل أن‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫حس مش�ك‬ ‫ال� تنطلق من ٍ‬ ‫االعتبارات املوضوعية ‪� -‬ا ب�لك ب� بمل�رات ي‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫وه أنه ال ي�كن أن‬ ‫حمكوم ب�ملنفعة ‪ -‬تظل يغ� مقبول‪ ،‬ف ب�ج أة بسيطة ي‬ ‫عمل� مع نأ�ما مخ ي ن‬ ‫ب� ي ن‬ ‫نفاضل ي ن‬ ‫تلف� ي� الصل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫هساما�ما لك من‬ ‫واالع�اف هلما ب إ�‬ ‫للك ب�اكنته‬ ‫ليبق‬ ‫احلل ي� شأن �تفظ ٍ‬ ‫موقعه ف� بناء خ‬ ‫� َّ‬ ‫صية الفرد واملج تمع‪ .‬فالفرد العمل ن‬ ‫التق� منفردا‪ ،‬من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫خطا� يغ� مستعد فل�م خ‬ ‫املتلف لن ذهنه ت� ّكب َّ‬ ‫بثنائية‬ ‫شأنه أن ينتج لنا‬ ‫ب‬ ‫ًّ‬ ‫ف‬ ‫مستعدا لولوج ب�ب‬ ‫الصحيح والخ طأ‪ ،‬وهذا النموذج يكون ي� الغالب‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫والتعصب وقد يصل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد إالرهاب‪ ،‬امك أن العامل ي� ميدان العلوم‬ ‫التطرف‬ ‫ّ‬ ‫خت‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية إن مل ينفتح عىل العلوم احلقة من شأنه أن يظل مج رد �مينات‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ ت‬ ‫وفاعلية‪.‬‬ ‫تعط لقوهل َّقوة‬ ‫وفرضيات تعوزها جج‬ ‫احملا�ة بال�هانية املنطقية ي‬ ‫ال� ي‬ ‫املفاضل ئ‬ ‫ة‬ ‫إننا اليوم ف� حاجةٍ ّ‬ ‫ين‬ ‫القا�ة ي ن‬ ‫العمل� وذلك‬ ‫ب�‬ ‫ماسة لتذويب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫بتكريس ثقافة االع ـ ت‬ ‫ـر�‪ ،‬وذلــك لن الظواهر‬ ‫ـ‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫امل‬ ‫والتاكمل‬ ‫اف‬ ‫ـر‬ ‫ً ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫لتال �عالج ت�ا لزاما تقت�ض ي أن تكون مركبة‪،‬‬ ‫و�‬ ‫ب�نواهعا ظواهر مركبة‪ ،‬ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ت‬ ‫ين‬ ‫العمل�‪ .‬امك أن �قيق‬ ‫وهو المــر الــذي لن يتحقق إال بتاكمل الك‬ ‫ت ً ش ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مبا�ا وتطبيقا واعيا من طرف‬ ‫ذلك التذويب يقت�ض ي كذلك اع�افا‬ ‫واملقررات الدر َّ‬ ‫ّ‬ ‫اسية‪ ،‬وكذا عىل‬ ‫الــدول‪ ،‬وذلك عىل مستوى الـ بـر جام‬ ‫ة‬ ‫مستوى إالعــام واملج ــال العام‪ ،‬فاملفاضل الواقعة اليوم وإن اكنت‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ً ف‬ ‫ّ‬ ‫الطراف املج َّ‬ ‫لتذوي�ا‪ .‬فالعلوم‬ ‫تمعية‬ ‫� تتطلب تدخال من لك‬ ‫ومها‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫كو� معل نقدية واحدة‪.‬‬ ‫إالنسانية والعلوم احلقة ي� �ضة أي مج تمع ج ي‬

‫‪55‬‬


‫أولية‬ ‫حنو سوسيولوجيـا أمازيغية؛مقاربة َّ‬ ‫مدخ ــل‪:‬‬

‫‪,,‬‬ ‫ـاس ــة إىل إعـ ــادة‬ ‫حن ــن ال ـي ــوم يف ح ــاج ــة م ـ َّ‬ ‫الـنـظــر يف الـســوسـيــولــوجـيــا املـغــربـ َّـيــة وض ــرورة‬ ‫األخذ بعني االعتبار ما ميكن أن نسميه‬ ‫الـســوسـيــولــوجـيــا األمــازيـغـ َّـيــة‪ ،‬أي أنـنــا أمــام‬ ‫ض ــرورة النقد الـبـ ّنــاء لـتــاريــخ السوسيولوجيا‬ ‫بشكل‬ ‫وملفاهيمها يف دول مشال أفريقيا‬ ‫ٍ‬ ‫ع ـ ــام مـ ــع االنـ ـطـ ــاقـ ــة مـ ــن األن ـ ـ ــا ع ــوض‬ ‫اآلخـ ــر‪ ،‬وإلعـ ــادة حتــديــد مــوضــوع ومـفــاهـيــم‬ ‫السوسيوجليا مبزيد من َّ‬ ‫واملوضوعية‪.‬‬ ‫الدقة‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬

‫حممد عليلوش‬ ‫كاتب وباحث‬

‫املغرب‬

‫‪56‬‬

‫َّ‬ ‫إن َّأول ســـؤال يــتــبــادر إىل الــذهــن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والذي ي�كن طرحه انطالقا من العنوان‬ ‫ن‬ ‫« �ــو سوسيولوجيا أمازيغية»‪ ،‬هو‪:‬‬ ‫هل ي�كننا احلديث عن سوسيولوجيا‬ ‫َّ‬ ‫أمازيغية؟ ومــاذا يقصد بذلك؟ ولكون‬ ‫أ‬ ‫هذه ال ة‬ ‫سئل ت‬ ‫بذا�ا تطرح وتفرض بدورها‬ ‫َّ‬ ‫خاصة‬ ‫إالقــــرار بــوجــود سوسيولوجيا‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫�غ‬ ‫لتال ب�ملج تمع المازي ي ‪.‬‬ ‫ب�لمــازيــغ‪ ،‬ب‬ ‫و� ي‬ ‫آ‬ ‫وماذا عن لك ما يوجد الن من دراسات‬ ‫أ‬ ‫َّ ف‬ ‫مازيغية ي� دول ت�ازغا‬ ‫حول املج تمعات ال‬ ‫ش(�ل إفريقيا) ت‬ ‫أ�ــزت من لدن‬ ‫والــ� نج‬ ‫يأ‬ ‫ب�حــثـ ي ن‬ ‫ـ� ســواء من المــازيــغ أنفهسم أو‬ ‫يغ�مه؟ أال ي�كن هلا أن تكون نواة أوىل لبناء‬ ‫أمازيغية ئ‬ ‫قا�ة ت‬ ‫َّ‬ ‫بذا�ا؟ وماذا‬ ‫سوسيولوجيا‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫عن لك ما أنتجه المازيغ عن حضار�م‬ ‫آ‬ ‫والنسان ث� حول الخــر؟‬ ‫وعن املج تمع إ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫نأ�ا فعال ة‬ ‫أسئل تفرض علينا �ن المازيغ‬ ‫ت‬ ‫حم ـ ة‬ ‫لــتــال �ليل‬ ‫و�‬ ‫ـاول إالجــابــة عـهن ــا‪ ،‬ب‬ ‫يّ‬ ‫لك فن�م كذلك ما نتوخاه من‬ ‫مغزاها‪ ،‬و ي‬ ‫ـاول م ـنّ‬ ‫هذه السوسيولوجيا‪ ،‬وحمـ ة‬ ‫ت‬ ‫مكه�ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ب�ــذا الج انب وكمــازي ـغ ي ‪ ،‬أود أن أطرح‬ ‫هذا املوضوع للنقاش‪ ،‬ت‬ ‫وأ�ــىنَّ أن تعىط‬ ‫ّ‬ ‫يستحق من عناية قصد الدراسة‬ ‫هل ما‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫بشلك‬ ‫وذلك ل�م املج تمعات المازيغية‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫حصيح‪ ،‬وكذلك إالنسان المازي�غ ي وثقافته‬ ‫ف‬ ‫الغنية‪ .‬ولتقريب الفكرة ث‬ ‫َّ‬ ‫أك� ال ّبد ي�‬ ‫البداية أن فن�م ماذا يقصد ب�لسوسيولوجيا‬ ‫ّ‬ ‫عـــام‪ ،‬ومــا هــو موضوعه كعمل؟‬ ‫ـل‬ ‫بــشـ ٍ‬

‫مــاذا يقصد بالسوسيولوجيا؟ ومــا هو‬ ‫موضوعه كعلم؟‬ ‫أ َّ‬ ‫َّ‬ ‫«ر�ون ارون « ب�ن عمل‬ ‫لقد أكد الفيلسوف ي‬ ‫ً أ‬ ‫ئً‬ ‫االج�ع َّي ز‬ ‫ت‬ ‫دا�ا عن‬ ‫يتم� أساسا ب�نه يبحث‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫نفسه‪ ،‬وأن ث‬ ‫ين‬ ‫أك� النقاط اتفاقا ي ن‬ ‫املشتغل�‬ ‫ب�‬ ‫ت‬ ‫به ه صعوبة �ديد عمل ت‬ ‫االج�ع‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ي ت‬ ‫ي ج�عل �ديد تعريف دقيق للسوسيولوجيا‬

‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫الباحث� يتباينون‬ ‫أمرا صعبا‪ ،‬امك أن جل‬ ‫ف� ت�ديد تعريف خـ ّ‬ ‫ـاص هلــذا العمل‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وهذا راجع أساسا إىل طبيعة هذا العمل‪،‬‬ ‫يخ‬ ‫التار� َّية ت‬ ‫ال� ي�تبط ب�ا‬ ‫وكذلك للجذور‬ ‫ي ت أ ثَّ‬ ‫منذ نشأته إىل يومنا هذا‪ ،‬حيث �� عمل‬ ‫أ‬ ‫كب� من الفالسفة‬ ‫االجـ تـامع ب�فــار عدد ي‬ ‫أ‬ ‫سواء من ّ‬ ‫مؤسسيه الوائل كسان سيمون‬ ‫واكيست كونط واكرل ماركس وإميل‬ ‫أ َّ‬ ‫دوراك� أو ب ن‬ ‫ي‬ ‫ا� خلدون إىل يغ�مه‪ ،‬امك ت� ث�‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� طرأت‬ ‫كذلك عمل االج�ع ب� ي‬ ‫لتغ�ات ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫عىل املج تمعات إالنسانية خاصة ي�‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال َّ‬ ‫العمل ي�‬ ‫وروبية‪ ،‬ث ّ� ب� نمل�ج‬ ‫املج تمعات‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫لك تف�ات التار�‪ ،‬إال أنه ي�كن القول إن‬ ‫أ‬ ‫عمل ت‬ ‫االج�ع ب�لساس هو ذلك العمل الذي‬ ‫يعمل عىل دراسة إالنسان واملج تمع دراسة‬ ‫عملية تعتمد عىل ن‬ ‫ليلية َّ‬ ‫ت� َّ‬ ‫العمل‪،‬‬ ‫امل�ج‬ ‫ي‬ ‫ولك ما يقتضيه هــذا ن‬ ‫امل�ج من أسس‬ ‫وقواعد وأساليب ف ي� البحث‪ .‬ت‬ ‫واه�م عمل‬ ‫ت‬ ‫االج�ع ب� إلنسان واملج تمع ي ج�عهل يتداخل‬ ‫مع فروع أخرى من فروع العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‬ ‫ت‬ ‫اكالن� بولوجيا والسيميولوجيا والفلسفة‬ ‫َّ‬ ‫والسيلكوجيا واالركيولوجيا‪ ،‬إال أن ي ز‬ ‫امل�ة‬ ‫أ‬ ‫ال� ت ج�عل عمل االجـ تـامع ث‬ ‫ال َّ‬ ‫ساسية ت‬ ‫أك�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫أمهية هو أنــه يــدرس املج تمع كلك ي�‬ ‫وتغ�ه‪ ،‬ويدرس إالنسان من خالل‬ ‫ثباته ّي‬ ‫ش‬ ‫عالقته ب�ملج تمع؛ أي أنه ث‬ ‫أك� �وال من‬ ‫َّ أ‬ ‫نسانية الخــرى‪ ،‬وكونه كذلك‬ ‫العلوم إال‬ ‫ً ت ًّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ح� أن‬ ‫عملا �ليليا يدرس املج تمع‪ ،‬ي� ي‬ ‫االج�عيةَّ‬ ‫دراسة املج تمع والظواهر والنظم ت‬ ‫بشلك ف‬ ‫قد�ة قدم إالنسان‬ ‫فلس�‪ ،‬دراسة ي‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫التفك�‬ ‫يؤكد ب�ن‬ ‫نفسه(‪ )1‬وهذا ب�لفعل ما ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫االج�ع َ‬ ‫ت‬ ‫الزم إالنسان منذ وجوده ال ّول‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وهنا فإننا � ن‬ ‫عرص� اليوم والذي أصبحت‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫فيه احلياة االج�عية معقدة ومتشابكة‬ ‫حيث أصبحت حياة إالنــســان ت�تبط‬ ‫تّ‬ ‫ا�اهات ّ‬ ‫نظرية ف ي� عمل ت‬ ‫املعط‬ ‫االج�ع ‪ .‬د عبد الصمد‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫–عامل املعرفة العدد ‪44‬‬


‫أ‬ ‫االج�ع ث‬ ‫ب�لج انب ت‬ ‫أك� من الج وانب الخرى‪ ،‬وهذا ما يدعو‪ ،‬بطبيعة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التفك� من جديد ي� دور السوسيولوجيا‪ ،‬وكذلك‬ ‫احلال‪ ،‬إىل ض�ورة‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫وظيفة هذا العمل من داخل العمل نفسه ومن خالل نظرته �و املج تمع‪،‬‬ ‫ّ أ‬ ‫الوىل فيقصد ب�ا تطو� العمل نفسه والنقد ت‬ ‫الذا� خملتلف الج هود‬ ‫أما‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الر�‬ ‫ال� بذلت عىل‬ ‫ي‬ ‫الصعيد� النظري وامل�ن�ج ّ ي وذلك من أجل ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫القوان�‬ ‫أك� من الكفاءة والدقة ي� الوصول إىل‬ ‫ب�ذا العمل إىل درجة ب‬ ‫إماكنية التنبؤ ب�سار العمل ذاته‪ ،‬وكذلك املج تمع إالنسا�ن‬ ‫َّ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫عية مع‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫اج� َّ‬ ‫الذي هو ب�ثابة حقل العمل‪ .‬والوظيفة الثانية � وظيفة ت‬ ‫عية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال� يقوم ب�ا العمل ملج تمع َّ ي ن‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫مع� من �م‬ ‫وال� يقصد ب�ا ث�ج يع الدوار ي‬ ‫ي‬ ‫تٍ‬ ‫وتفس�ه‪ �ّ ،‬تناول مشالكته والتخطيط لدراس�ا وتناول احللول‬ ‫واقعه‬ ‫ي‬ ‫بشلك عام أو خاص‪.‬‬ ‫املمكنة ٍ‬ ‫ـازيغية؟‬ ‫مــاذا عن السوسيولوجيا األمـ َّ‬

‫ت ف‬ ‫االج�ع ي� كونه ي� ت ّ� بدراسة‬ ‫إذا ما حاولنا تدقيق وحرص وظيفة عمل‬ ‫ً‬ ‫الس�ورة ي خ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫لتال ي�� أساسا بدراسة‬ ‫املج تمع إ‬ ‫التار� َّية‪ ،‬ب‬ ‫والنسان بع� ي‬ ‫و� ي‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫البناء االج� يع ب�ا فيه لك الظواهر االج�عية‪ ،‬وإذا ما حاولنا كذلك‬ ‫أ‬ ‫االع�د عىل هذا التعريف واالنطالق من احلاجة َّ‬ ‫ت‬ ‫املاسة إىل ت�سيس‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫�غ‬ ‫عمل ت‬ ‫و�نب الخ لط الذي وقع‬ ‫اج�ع أمازي ي وذلك لتوضيح‬ ‫الرؤ� ج‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫الذ� خ‬ ‫ا�ذوا هلم مذهبا ن‬ ‫وم�جا خ� ّ‬ ‫و�حثون ب�ا يف�م ي ن‬ ‫ريبيا‬ ‫فيه كتاب ب‬ ‫أ‬ ‫لتال‬ ‫حيث ينسبون الشياء إىل يغ� أصلها وإىل يغ� أهلها‪ ،‬ب‬ ‫و� ي‬ ‫ّ‬ ‫أ �غ‬ ‫يكرسون الج هل ويطمسون احلقائق‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫املتعلقة ً ب� إلنسان المازي ي‬ ‫ظ‬ ‫خ‬ ‫الذي ارتبط ت� ير�ه شب�ل افريقيا‪ .‬فقد �ر فعال ب�ملغرب مثال منذ‬ ‫ّ‬ ‫السبعينات ّكتاب ومؤلفون كعبد هللا العروي وحممد عابد الج با�ي‬ ‫والديو َّ‬ ‫لوجية‬ ‫وحممد جسوس‪ ،‬واشتغلوا يف� ّمسوه ب�لفكر‬ ‫العر� إ‬ ‫بي‬ ‫معت� ي ن� ّأن ن‬ ‫َّ‬ ‫وط�م كذلك يدخل ض�ن هذا‬ ‫العربية والعقل‬ ‫العر� ب‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫أّ‬ ‫العر�‪ ،‬ويتجاهلون ب�ن هناك فكرا آخر‪ ،‬ي�تاج إىل بناء‬ ‫الفكر‬ ‫َّ أ‬ ‫بيأ‬ ‫ف‬ ‫�غ‬ ‫َّ‬ ‫والديولوجية المازيغية‪ .‬هذا ي� الوقت الذي‬ ‫وهو الفكر المازي ي إ‬ ‫أ‬ ‫المازي�غ‬ ‫اكنت فيه هناك دراسات ب‬ ‫أ�زت‬ ‫وأ�اث نج‬ ‫حول املج تمع ف ق ي‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫لخ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫و� ب� ي�‬ ‫من لدن كتاب غربي ي ن� وأروبي ي ن�‪ ،‬ب� صوص ي� املغرب ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ّ ت‬ ‫ال� قام ب�ا الباحث دفيد‬ ‫مناطق �ازغا اكلدراسات االن�وبولوجية ي‬

‫بد من‬ ‫فلكي ترى السوسيولوجيا‬ ‫األمازيغية النور‪ ،‬ال ّ‬ ‫َّ‬ ‫إجياد حل ألزمة اإلنسان األمازيغي‪ ،‬وبالتايل املجتمع‬

‫برد االعتبار حلياته وثقافته ولتارخيه‪ ،‬وكذلك‬ ‫األمازيغي ِّ‬ ‫إديولوجية مزيفة‪.‬‬ ‫أن تنسب األمــور ألهلها دون أي‬ ‫َّ‬

‫كيلن�‪ ،‬ث ّ� الدراسات الكو ّ‬ ‫لونيالية‬ ‫مونتمكري هارت‪ ،‬وكذلك ارنست ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫الفرنسيون اكلكولونيل جيورج سبيملان‪ ،‬وكذلك الباحث‬ ‫ال� قام ب�ا‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫اميل لووست‪ ،‬امك أنه ال بد من إالشارة إىل أن هناك من املفك ي ن‬ ‫ر� من‬ ‫ّ أ‬ ‫أ‬ ‫المازي�غ ‪ ،‬إذا ما ن‬ ‫الخذ ي ن‬ ‫أرد�‬ ‫بع� االعتبار املكون‬ ‫أشار إىل ض�ورة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫يخ‬ ‫التأر� للسوسيولوجيا � املغرب مثل عبد ي لخ‬ ‫طي�‪ ،‬والذي ي�ى‬ ‫ًي‬ ‫الكب� ا ب ي‬ ‫ّزً‬ ‫ف‬ ‫للتنظ� ت‬ ‫االج� يع ي� املغرب‪ ،‬امك اعتمد عىل‬ ‫ح�ا ضعيفا‬ ‫أن هناك ي‬ ‫ي‬ ‫للتأر� للسوسيولوجيا ف� املغرب نم�ا مقياس لغوي‪� ،‬ث‬ ‫ث�انية مقاييس ي خ‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫واملوضوع‪.‬‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫صعبا‪ ،‬أن ت‬ ‫َّ‬ ‫أمازيغية امك هو‬ ‫نع�ف ب�ن هناك سوسيولوجيا‬ ‫ويبدو‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫سالم؛ عىل حد قول الاكتب‬ ‫احلال للسوسيولوجيا ي�‬ ‫العر� إال ي‬ ‫العامل ب ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫القضية السوسيو َّ‬ ‫ّ‬ ‫لوجية ‪� -‬وذج الوطن‬ ‫الد� يمل ي� مؤلفه‪:‬‬ ‫عبد الصمد ي‬ ‫ّ‬ ‫كتا�ت سوسيولوجيةَّ‬ ‫العر�‪ -‬ولكن ما ي�كن أن نؤكده هو وجود ب‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ُّ‬ ‫�غ‬ ‫تستمد ّ‬ ‫تصورها النظري ّ‬ ‫َّ‬ ‫وآليات تبلورها من املج تمع المازي ي ‪،‬‬ ‫أمازيغية‬ ‫ّ‬ ‫وإذا ما ن‬ ‫اعت� أن‬ ‫عد� إىل ما أشار إليه عبد الصمد ي‬ ‫الد� يمل حيث ب‬ ‫َ‬ ‫َّ أ‬ ‫ت ف‬ ‫سالم‬ ‫االج�ع ي� العامل‬ ‫املرجعية الساسيذة لظهور عمل‬ ‫العر� إال ي‬ ‫بي‬ ‫ن‬ ‫«ال�ا�ة خ‬ ‫مونتا�‬ ‫لروب�‬ ‫واملزن» ي‬ ‫اكنت سنة ‪ 1930‬مع صدور كتاب ب ب‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫لكونه ّأول أطروحة سوسيو ّ‬ ‫لوجية حول املغرب‪ ،‬وعرفت حماول تطبيق‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫(الظه� بال� ب�ي) أي خالصة سوسيو َّ‬ ‫استعمارية‪ ،‬حيث ت�ى أن‬ ‫لوجية‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫هميمن� عىل‬ ‫الذ� اكنوا‬ ‫هناك رصاعا يب� بال� با�ة‬ ‫ي‬ ‫املضطهد� والعرب ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫لتحر� بال� ب� من اضطهاد العرب‪،‬‬ ‫�ء وهذا طرح استعماري‬ ‫ي‬ ‫لك ي‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫و�لتال ال ّبد أن ي� ت� خ‬ ‫َّ‬ ‫االستعمارية‪ ،‬وتطبيق هذه‬ ‫الدول‬ ‫امللص وهو‬ ‫بأ ي‬ ‫ّ ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫الطروحة يتجل ي� � يي� بال� ب� عن سلطة العرب‪ .‬ولكن السؤال‬ ‫ّ‬ ‫العر�؟ وملاذا ال ي�كن القول إن‬ ‫املطروح هنا ما عالقة بال� با�ة ب�لعامل ب ي‬ ‫هذا الكتاب وهذه السنة ‪ 0391‬ت ّ‬ ‫للظه� االستعماري‬ ‫تؤرخ كذلك ي‬ ‫وال� ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال َّ‬ ‫ساسية لظهور عمل ت‬ ‫االج�ع المازي�غ ي ي�‬ ‫لـ ‪ 61‬يأ�ر‪ ،‬ب� ن�ا املرجعية‬ ‫ّ أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫عام ب�ن السوسيولوجيا ي� بالد ت�ازغا ش(�ل‬ ‫بشلك‬ ‫بالد �ازغا‪ ّ .‬وأرى ٍ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫وه ‪ )1 :‬السوسيو‬ ‫افريقيا) ث ِ‬ ‫تؤ� يف� أا مج موعة من العنارص ي‬ ‫لوجيا ي‬ ‫آ‬ ‫�غ‬ ‫ت‬ ‫ال� ينتجها الخر ب�ا‬ ‫ينتجها املج تمع المازي ي نفسه‪ )2 .‬السوسيولوجيا ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫مازيغية‬ ‫الغر�‪ )3 .‬املج تمعات ال‬ ‫العر� إ‬ ‫وال ي‬ ‫سالم والعامل ب ي‬ ‫فيه العامل ب ي‬ ‫ف‬ ‫ي� بالد ت�ازغا‪.‬‬ ‫ومن خالل هذه العنارص نج�د َّأن هناك عالقة ي ن‬ ‫ب� ما ي�كن تسميته‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫الغر�)‬ ‫(العر� ث�‬ ‫مازيغية وسوسيولوجيا الخر‬ ‫ب�لسوسيولوجيا ال‬ ‫بي‬ ‫بي‬ ‫ّ ثّ أ‬ ‫ت‬ ‫عالق�ما؟‬ ‫تؤ� الوىل عىل الثانية وما‬ ‫منذ زمن بعيد‪ .‬فإىل أي ٍ‬ ‫حد ِ‬ ‫أ‬ ‫َّ ف‬ ‫إ�ــاح معل‬ ‫وكيف ي�كن بإ�از دور السوسيولوجيا المازيغية ي� نج‬ ‫آ‬ ‫حسا�ا؟ وكذلك مدى استفادة هذه‬ ‫سوسيولوجيا الخر إ بل�ازها عىل‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫َّ ت‬ ‫ال� ما زالت مل تعرف إىل يومنا‬ ‫ال ي‬ ‫خ�ة من السوسيولوجيا المازيغية ي‬ ‫هذا النور كعمل ئ‬ ‫ومفاه� َّ‬ ‫قا� بذاته هل ي ن‬ ‫وكنسق‬ ‫خاصة‬ ‫قوان� وقواعد‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫ٍ أ َّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ره� ب�ل�ميش‬ ‫فكري خاص؟ ولن غياب السوسيولوجيا المازيغية ي‬

‫‪57‬‬


‫أ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫القومية‬ ‫الذي يعانيه إالنسان المازي�غ ي ‪ ،‬وكذلك ت� يث� السياسات‬ ‫أ‬ ‫َّ ف‬ ‫َّ ت‬ ‫مازيغية ي� بالدمه من‬ ‫ال� مورست عىل املج تمعات ال‬ ‫إ‬ ‫والديولوجية ي‬ ‫�غ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لتال نسب لك ما هو أمازي ي إىل ما‬ ‫لدن دعاة القومية العربية‪ ،‬ب‬ ‫و� ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫مازيغية النور‪ ،‬ال بد من‬ ‫فلك ت�ى السوسيولوجيا ال‬ ‫هو عر�‪،‬‬ ‫وهلذا ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بي أ‬ ‫المازي�غ � ِدّ‬ ‫�غ‬ ‫لتال املج تمع‬ ‫يج‬ ‫إ�اد حل لزمة إالنسان المازي ي ‪ ،‬ب‬ ‫ي ب‬ ‫و� ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫خ‬ ‫االعتبار حلياته وثقافته و ي‬ ‫لتار�ه‪ ،‬وكذلك أن تنسب المور لهلها دون‬ ‫أي إديو َّ‬ ‫لوجية مزيفة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ أ‬ ‫ومعوما أال ي�كن لنا احلديث عن عمل ت‬ ‫خاص ب�لمازيغ؛ نظرا‬ ‫اج�ع‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫يقطنو�ا وكذلك ن‬ ‫ت‬ ‫الثقا� ورصيدمه‬ ‫مورو�م‬ ‫لغ�‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫لشساعة املساحة ي‬ ‫أ‬ ‫ت خ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫احلضاري؟ ولعراقة � ير� المازيغ أولصمودمه أمام لك التيارات ي‬ ‫ين‬ ‫الفينيقي� والرومان إىل‬ ‫هو� ت�م بع� لك الزمنة من‬ ‫حاولت طمس ّ ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وال ّ ث‬ ‫خ�ة عن أصل‬ ‫العرب‬ ‫وروبي ي ن�‪ �َّ ،‬ماذا عن دور االكتشافات ال ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫ئن‬ ‫الاك� الب�ي ومعره من خالل الدراسات الركيولوجية احلديثة‪ ،‬ي�‬ ‫ف‬ ‫و�لتال التشكيك � َّ‬ ‫ي خ َّ‬ ‫ماهية أغلب العلوم‬ ‫تغي� احلقائق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التار�ية‪ ،‬ب ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫إالنسانية ب�ا يف�ا عمل االج�ع؟ فعال لقد أصبح من ال�وري إعطاء هذا‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫يستحق من َّ‬ ‫أمهية وذلك لتأسيس سوسيولوجيا المازيغ‬ ‫املوضوع ما‬ ‫تأ‬ ‫ف‬ ‫(‪ ،)Tawsmadal amazigh‬امك أننا ي� الوقت نفسه ب�اجة إىل �سيس‬ ‫أ‬ ‫عمل النفس المازي�غ ي (‪ )Tawsmadal amazigh‬وعمل السياسة‪ ،‬إىل ما‬ ‫ت‬ ‫ال� ت� ت ّ� بدراسة إالنسان واملج تمع وكذلك‬ ‫هنالك من علوم إالنسان ي‬ ‫احلضارات والثقافات ت‬ ‫اكالن� بولوجيا والسيميولوجيا‪.‬‬

‫أ َّ‬ ‫«ب� بورديو» ب�ن عمل االجـ تـامع هو‬ ‫يش� الفيلسوف‬ ‫الفرنس ي‬ ‫وامك ي‬ ‫ي‬ ‫عمل املشالك وذلك ب�لرجوع ملوضوعه الذي ي�اهن عىل مقاربة الواقع‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫لتال فإن ظ�ور أية‬ ‫االج� يع والذي ال ي خ�لو ب�لطبع من مشالك‪ ،‬ب‬ ‫و� ي‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ت َّ ت‬ ‫ال� تؤدي بدورها إىل‬ ‫سوسيولوجيا ي�تبط بتفا� مشالك اج�عية ي‬ ‫أ‬ ‫نش� كذلك إىل كون السوسيولوجيا يه عمل الزمة‬ ‫ب�وز أزمة‪ ،‬وهنا ي‬ ‫ئً ف‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫دا�ا ي� ب� ٍث دا� عن الذات‪ ،‬امك أشار بورديو أيضا‪« :‬عىل‬ ‫وأ�ا‬ ‫أ‬ ‫االج�ع أن ّ‬ ‫عمل ت‬ ‫ت‬ ‫لتال‬ ‫ال� أنتجها» ب‬ ‫ِ‬ ‫و� ي‬ ‫يوجه إىل نفسه تلك السلحة ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الفرنسية سنة ‪ 1789‬يه‬ ‫إماكنية النقد ونقد النقد‪ .‬فإذا اكنت الثورة‬ ‫َّ‬ ‫ظ‬ ‫أرو�‪ ،‬فإننا قد نقول إن بداية عمل ت‬ ‫ت‬ ‫اج�ع‬ ‫بداية �ور عمل اج�ع ب ي‬ ‫�غ‬ ‫مغر� قد اكنت فعال مع ظ�ور ظ� ي� ‪ 16‬ماي ‪ 1930‬حيث‬ ‫بي‬ ‫أمازي ي‬ ‫أ‬ ‫ظ‬ ‫�غ‬ ‫املغر�‬ ‫بي‬ ‫اكنت هذه السنة يه بداية �ور أزمة إالنسان المازي ي‬ ‫ة‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫عية حيث جاء كـرض ورة إلحــداث حمامك‬ ‫العدال‬ ‫من حيث‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫لتال �ورة رد االعتبار هلذا االنسان وكذلك‬ ‫عرفية أمازيغية‪ ،‬ب‬ ‫و� ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ال� َّ‬ ‫وحماول حل الزمة ت‬ ‫يتخبط يف�ا‪ ،‬هذا بغض‬ ‫لعرافه ولثقافته‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫النظر ّمعا اكنت ّ‬ ‫َّ‬ ‫استعمارية‬ ‫هداف‬ ‫القوات‬ ‫الفرنسية تسىع من ورائه ك ٍ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫وسياسية‪ .‬وفعال فإن أزمة ‪ 16‬يأ�ر ‪ 1930‬قد تكون يه بداية انطالق‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫املغربية‪ ،‬إن‬ ‫أمازيغية ض�ن السوسيولوجيا‬ ‫أو ب�وز سوسيولوجيا‬ ‫ت‬ ‫اكنت هناك فعال هذه السوسيولوجيا؟ وذلك لدراسة و�ليل ما يعانيه‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫اج� َّ‬ ‫المازي�غ من مشالك ت‬ ‫عية مرتبطة ب�رض ش�ل أفريقيا‪.‬‬ ‫إالنسان‬ ‫ي‬

‫‪58‬‬

‫ودفاعاًا عنها‬ ‫أمازيغية‬ ‫من أجل سوسيولوجيا‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫املغربية بع�‬ ‫إذا ما حاولنا قراءة ما كتب عن السوسيولوجيا‬ ‫ت خ‬ ‫النام عرف ظ�ور سوسيولوجيا‬ ‫� ير�ها‪ ،‬نج�د َّأن املغرب البلد ف ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫االستعمارية‪ ،‬وذلك‬ ‫محال�ا‬ ‫عل�ا فرنسا ي�‬ ‫استعمارية‪ ،‬ركزت ي‬ ‫ً‬ ‫املغر� سعيا للسيطرة عليه‪ ،‬فعملت هذه‬ ‫لدراسة املج تمع‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ئ‬ ‫نتا� مغلوطة عن حقيقة املغرب؛ لن‬ ‫السوسيولوجيا عىل إعطاء ج‬ ‫ً‬ ‫غ‬ ‫استعمار�‪ ،‬ولكن ر� ذلك فقد سامهت هذه‬ ‫هاجهسا اكن أساسا‬ ‫ّي‬ ‫ة ف‬ ‫بصفة ّ‬ ‫َّ‬ ‫إشاكلية ف ي� عمل ت‬ ‫عامة‬ ‫اج�ع دول ت�ازغا‬ ‫املرحل ي� بإ�از‬ ‫ٍ‬ ‫بصفة ّ‬ ‫خاصة‪ّ ،‬أما بعد االستقالل فقد ظ�رت‪ -‬امك شأ� ن�‬ ‫واملغرب ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫سابقا‪ -‬حماوالت تسىع أساسا وحسب ما تدعو إليه‪ ،‬التحرر من‬ ‫لوجية الكو ّ‬ ‫الفرنسية فركزت عىل ن‬ ‫َّ‬ ‫أوهام السوسيو ّ‬ ‫امل�ج‬ ‫لونياية‬ ‫ً‬ ‫لخ ن ف ف‬ ‫لدو� ي� �م الواقع‪ ،‬وهو نم�ج فعال قد يقود بنا إىل احلقيقة‬ ‫ا ً ي‬ ‫الباحث� السوسيو ي ن‬ ‫ين‬ ‫لوج�‪ -‬إن مل‬ ‫شيئا ما‪ ،‬إال أن ا�نزالق أغلب‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫أقل جلهم‪ -‬وراء إالديو ّ‬ ‫لوجية امل�قية‪ ،‬فانطلقوا من حقيقة ليست‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫عل�ا أفاكرمه و�اليلهم بعيدا معا‬ ‫حقيقة أصال‪ ،‬فبدأوا ينسجون ي‬ ‫ف‬ ‫املغر� الذي أغلب ساكنه أمازيغ مع‬ ‫هو واقع ي� حياة املج تمع‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫وجود العرب كذلك‪َّ ،‬‬ ‫فأدى ب�م هذا اال�نزالق إىل ض‬ ‫فو� وتشتت‬ ‫ف‬ ‫ال� يسىع عمل ت‬ ‫ت َّ ت‬ ‫االج�ع إىل‬ ‫ي� التحليل‪ ،‬فغابت‬ ‫احلقيقة االج�عية أ ي‬ ‫ئ‬ ‫ظ‬ ‫ظ‬ ‫نتا� مغلوطة ل ن�ا ت� بط املغرب ب�لخ ليج‬ ‫إ�ارها‪ ،‬ب‬ ‫لتال �ور ج‬ ‫و� ي‬ ‫و� ش‬ ‫َّ ت‬ ‫ال�‬ ‫لــرق‪ ،‬فأصبحت الدراسات‬ ‫العر� ب‬ ‫بي‬ ‫السوسيولوجية ي‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بنوع من‬ ‫تدخل �ن ما يسىم ب�لسوسيولوجية املغربية‪ ،‬تت‬ ‫صف ض ٍ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫الغموض؛ ل ن�ا مل تنطلق من حقيقة الواقع‪ ،‬امك نأ�ا تصنف �ن ما‬ ‫لوجية العامل العر� أو سوسيو َّ‬ ‫يسىم بسوسيو َّ‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫لوجية‬ ‫ب‬ ‫املغرب ب ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫و ن‬ ‫لتال �ن اليوم‬ ‫لكو�ا دراسات مؤطرة ب� ِ ج�اهات «الخر»‪ ،‬ب‬ ‫و� ي‬ ‫ف‬ ‫ف� حاجة َّ‬ ‫َّ‬ ‫املغربية‬ ‫ماسة إىل إعادة النظر ي� السوسيولوجيا‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫الخذ ي ن‬ ‫بع� االعتبار ما ي�كن أن نسميه السوسيولوجيا‬ ‫و�ورة‬ ‫أ‬ ‫مازيغية‪ ،‬أي أننا أمام ض�ورة النقد ّ‬ ‫البناء ي خ‬ ‫َّ‬ ‫لتار� السوسيولوجيا‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫بشلك عام مع االنطالقة من‬ ‫وملفاهيمها ي� دول ش�ل‬ ‫أفريقيا ٍ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ومفاه� السوسيولج يا‬ ‫ولعادة �ديد موضوع‬ ‫ال ن� عوض الخر‪ ،‬إ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫وبرص� العبارة أننا أمام ض�ورة‬ ‫واملوضوعية‪.‬‬ ‫ب�زيد من الدقة‬ ‫أ‬ ‫تأ‬ ‫تخ ّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ص‬ ‫وال� تكون كفرع أ �ص ي‬ ‫ف�سيس السوسيولوجيا المازيغية ي‬ ‫ّ‬ ‫مازيغي ي ن�‬ ‫والنسان ال‬ ‫لو� ي� ت ّ� ب�ملج تمع إ‬ ‫ي� احلقل السوسيو ج ي‬ ‫أ‬ ‫�غ‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫عية ذات املنشأ المازي ي ‪ .‬نإ�ا سوسيولوجيا‬ ‫و�لظواهر‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫مازيغية ف� ش�ل أفريقيا‪ ،‬وضدّ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫جاءت أساسا ل�م احلضارة ال‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫فعال ض�وريةَّ‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وه‬ ‫فالسوسيولج يا االستعمارية الغربية أو امل�قية‪ ،‬أ ي‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫وال� بدأ يف�ا إالنسان المازي�غ ي يتصاحل‬ ‫ي� الوضعية الراهنة ي‬ ‫ين‬ ‫الباحث�‬ ‫مع ذاته وبدأ يعرف حقيقة أمره‪ ،‬وهلذا فإننا ندعو‬ ‫ّ‬ ‫السوسيو ّ‬ ‫يستحق من دراسة‬ ‫لوجي ي ن� إىل إعطاء هذا املوضوع ما‬ ‫ً‬ ‫موضوعية سعيا لتأسيسه كفرع وكعمل ئ‬ ‫َّ‬ ‫وكنسق فكري‪.‬‬ ‫قا� بذاته‬ ‫ٍ‬


‫على سبيل اخلتم‬ ‫َّ‬ ‫وال� ت‬ ‫ة ت‬ ‫عنون�ا‬ ‫إن ما ي‬ ‫أرم إليه من وراء هذه السطور القليل ي‬ ‫بعنوان ضخ‬ ‫�م ي�تاج إىل صفحات وإىل كتب‪ ،‬هو ثإ�رة موضوع‬ ‫ور�ا قد يكون هذا املقال بداية للحديث عن‬ ‫طاهل النسيان ب‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫أمازيغية‬ ‫التفك� من أجل �سيس سوسيولوجيا‬ ‫ض�ورة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫�غ‬ ‫كعمل نسىع من ورائه �ج ع لك ما هل عالقة ب�ملج تمع المازي ي‬ ‫االج� َّ‬ ‫و�ل الظواهر ت‬ ‫عية املرتبطة به إكنسان هل بامصت عىل‬ ‫بج‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لتال إماكنية زعزعة �ج يع العلوم إالنسانية‪،‬‬ ‫وجه البسيطة‪ .‬ب‬ ‫و� ي‬ ‫ف‬ ‫والتفك� ي� توجيه السؤال َّمرة أخرى إلعادة البناء من‬ ‫ي‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأعود أسأل من جديد ما الذي نتوخاه من السوسيولوجيا‬ ‫ن‬ ‫ً ف‬ ‫ف‬ ‫ي� الوقت الراهن؟ وهل �ن فعال ي� حاجة إىل سوسيولوجيا‬ ‫ض ًّ ف‬ ‫َّ‬ ‫ور� ي� الــوقــت ال ـراهــن أن تـ ت ّـم‬ ‫أمازيغية؟ أليس � ي‬ ‫دراســة ابستمولوجيا لعمل االجـ تـامع بشلك عام‪ ،‬وما ّ‬ ‫يسم‬ ‫ٍ‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫بشلك خاص؟ أسئل تب� بدورها‬ ‫ب�لسوسيولوجيا املغربية ٍ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مكفاتيح للدخول إىل موضوعنا ولن السؤال ي� العلوم‬ ‫أ ّ‬ ‫االنسانية ق‬ ‫ة‬ ‫يب� ث‬ ‫أك� َّ‬ ‫َّ‬ ‫خلخل‬ ‫أمهية من الج واب‪ ،‬لنه ي�كننا من‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫لتال البحث‬ ‫الفاكر والتشكيك ي� املعلومات السابقة‪ ،‬ب‬ ‫و�ً ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� لك حلظة‪� .‬ملوا �ج يعا للبحث عن‬ ‫والنبش من جديد ي‬

‫َّ‬ ‫بصفة‬ ‫أمازيغية وسط ت�اامكت عمل االجـ تـامع‬ ‫سوسيولوجيا‬ ‫ٍ‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫عامة إن اكنت هناك ت�اامكت؟ ونقوم بتصنيف و�صيص‬ ‫لك ما ت ّ� �ج عه من بأ�اث ف ي� ش�ل أفريقيا أو ما ّ‬ ‫يسميه‬ ‫ف أ‬ ‫أ‬ ‫المازيغ ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تقع يف�ا‬ ‫بـ»�ازغا»‪ .‬دون اال�نزالق ي� ال‬ ‫خطاء ي‬ ‫َّ أ َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫أرم إليه‬ ‫املفاه�‬ ‫القومية إ‬ ‫ي‬ ‫والديولوجيات القومية لن ما ي‬ ‫من خالل هذا املوضوع تصحيح ما ي�كن تصحيحه‪ ،‬ث�َّ‬ ‫إالق ـرار بوجود إنسان أمازي�غ ي ‪ ،‬اكن وما زال يقطن ش�ل‬ ‫و�لتال فل�م ودراســة لك املشالك الـ تـ� َّ‬ ‫تتخبط‬ ‫أفريقيا‪ ،‬ب ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫تعت� من‬ ‫نم�ا هذه‬ ‫وال� اكنت وما زالت ب‬ ‫البقعة املباركة‪ ً ،‬ي‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫لتال‬ ‫بأ�ز أطماع ب� ي� العامل؛ نظرا ملوقهعا‬ ‫االس�اتي�ج ي ‪ ،‬ب‬ ‫و� ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫إ�اد حلول مناسبة‪ ،‬وجب �م هذه املج تمعات‬ ‫إماكنية ي ج‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫وكذلك �م إالنسان المازي�غ ي ‪ ،‬أي ض�ورة تدقيق ما يكتب‬ ‫وما ينجز من دراسات حول هذه املج تمعات وعدم الخ لط‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ب� ما تفرزه احلدود الج غر َّ‬ ‫ين‬ ‫والعرقية وما � ّدده‬ ‫واللغوية‬ ‫افية‬ ‫أ‬ ‫نسانية ت‬ ‫السياسية‪ .‬وماذا عن العلوم إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫بلكي�ا؟ ث َّ�‬ ‫الطماع‬ ‫إىل أي ّ‬ ‫حد ي�كن اعتبار السوسيولوجيا كعمل هو املفتاح‬ ‫أ‬ ‫الســاس واملدخل الرئيس لدراسة ب� ق� العلوم إال َّ‬ ‫نسانية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫وإماكنية ت‬ ‫َّ‬ ‫وتنمي�ا مع احلرص‬ ‫محاي�ا‬ ‫عل�ا‬ ‫ب‬ ‫لتال احلمك ي‬ ‫و� ي‬ ‫ّ‬ ‫التطو� والتطور؟ أال ي�كن اعتبار اليوم السوسيولوجيا‬ ‫عىل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ّأم ــا العلوم بــدل الفلسفة ت‬ ‫الـــي ب ــدأت ي� الـ تـراجــع؟‬ ‫ي‬

‫‪59‬‬


‫اإلسالمية‬ ‫فن النجاح من خالل مادة التربية‬ ‫َّ‬

‫‪,,‬‬ ‫َّ‬ ‫اإلسالمية‬ ‫أن الدعوة إىل التوحيد يف الثقافة‬ ‫َّ‬ ‫تعين الـثــورة على كــل أنــواع االستعباد من‬ ‫خضوع اإلنسان لإلنسان‪ ،‬سواءكان صاحلًاَ أو‬ ‫ولـ ّيـًاَ أو ســاحــرًاَ أو مـشـعــوذًاَ أو أم ــرًاَ‪ ،‬وتـعــي أيـضـًاَ‬ ‫التحرر من األساطري واألعراف واخلرافات اليت‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ا ّت ـخ ــذه ــا ال ـب ـعــض ي ـق ـي ـن ـا‪ ،‬وج ـع ـل ـهــا خـصــوصـ َّـيــة‬ ‫ـوي ــة وهـ ــي عــام ـلــة عـلــى‬ ‫مي ـتــح م ـن ـهــا قـ ـ َّـوة وه ـ َّ‬ ‫هنــش جـســد املـجـتـمــع‪ .‬الـتــوحـيــد إذن يـســاوي‬ ‫ـري ـ ــة س ـب ـيــل ال ـن ـج ــاح والـ ـتـ ـفـ ـ ّوق‪.‬‬ ‫احل ـ ــر ّي ـ ــة‪ ،‬واحل ـ ـ َّ‬

‫‪,,‬‬

‫عبد الرمحان جمدويب‬ ‫أسـ ـ ـتـ ـ ــاذ الـ ـتـ ـعـ ـلـ ـي ــم ال ـ ـثـ ــانـ ــوي‬

‫املغرب‬

‫‪60‬‬

‫ة ف‬ ‫مقال ي� جريدة �ج َّوية‬ ‫بعدما نـ شـرت‬ ‫أمه َّية مادة تال� بية إال َّ‬ ‫حول ّ‬ ‫سالمية‪ ،‬ن‬ ‫عاتب�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫أحد الصدقاء قائال‪ :‬ماذا حققت العلوم‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية بصفة عامة؟ وما يه إالضافة‬ ‫ال� ت‬ ‫منح�ا للشعوب إال َّ‬ ‫ت‬ ‫سالمية؟ أال ي ج�در‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫بنا اتباع ن�ج الغرب ي� االهـ تـامم ب�لعلوم‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والتقنية؛ لتحقيق ن�ضة � ّ ِر نر�‬ ‫التجريبية‬ ‫ُّ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫والتسول والتخلف؟‬ ‫البطال‬ ‫من حـ ّ ِـر‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫حي�ا أدركت أننا حقا نبخس هذه العلوم‬ ‫ً‬ ‫نسانية) ت‬ ‫(العلوم إال َّ‬ ‫قيم�ا �ج ال منا‪ ،‬ال‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫احلضارية‬ ‫مردودي ت�ا‬ ‫تواضعا من حيث‬ ‫والثقافية ت‬ ‫وال� َّ‬ ‫َّ‬ ‫واالج� َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫والسياسية‪،‬‬ ‫عية‬ ‫بوية‬ ‫الرد ب�ستقراء رسائل النجاح ودعا�ئ‬ ‫فاكن ّ‬ ‫مقرر تال� بية إال َّ‬ ‫التفوق من خالل َّ‬ ‫سالمية‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫للسنة الوىل ث�نوي إعدادي ي� املغرب‪.‬‬

‫أ‬ ‫املوت(النشأة الوىل)‪ ،‬قال‬ ‫ البعث‬‫بعد َ ْ َ ْ ْ أَ‬ ‫َ​َ‬ ‫ال َّول * َب ْل ُ ْه ف‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫ِ ي�‬ ‫َسبحانه» أفْع ِيينا ِب�لل ِق ِ‬ ‫َ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ل ْب ٍس ِّم ْن خل ٍق َج ِد ٍيد «‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ إنبات النبات ج�سيدا لقدرة هللا عىل‬‫ْ‬ ‫إعادة إحياء ت‬ ‫املو� ث‬ ‫وبع�م‪َ « :‬ونَ زَّ�ل َنا ِم َن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ات َو َح َّب‬ ‫الس َم ِاء َم ًاء ُّم َب َارك فأ َنبتنا ِب ِه َجن ٍ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫َْ‬ ‫ال ِص ِيد «‬

‫و� ن‬ ‫ بناء الامسء ت ز‬‫يي�ا أهون عىل هللا من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بعث إالنسان» أف ْل َينظ ُروا إل َّ‬ ‫الس َم ِاء‬ ‫ِ َ‬ ‫َ قَ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ف ْو ُ� ْم ك ْيف َب َن ْي َن َاها َوز َّي َّن َاها َو َما َلا ِمن‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ُ​ُ‬ ‫وج «‬ ‫فر ٍ‬ ‫أ‬ ‫بال‪،‬قال‬ ‫�‬ ‫وإرساؤها‬ ‫رض‬ ‫ال‬ ‫ ت�ديد‬‫لج‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫هللا سبحانه‪َ « :‬وال ْر َض َم َد ْد نَ� َها َوألق ْي َنا‬ ‫اس «(‪ )5‬ت ز‬ ‫وال� ي ن‬ ‫ِف ي َ�ا َر َو ِ يَ‬ ‫ي� سليل إالتقان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتأمل والتفكر دعوة‬ ‫وحفيده‪ ،‬والنظر‬ ‫ف‬ ‫ِّ‬ ‫نّ ن‬ ‫العقل ي� احلجاج بدل‬ ‫‪ -1‬بــال ـع ـقــل ن ـس ـمــو وحن ــق ــق ذات ـنــا للناشئة لتتب� امل�ج ي‬ ‫ّ‬ ‫وندافع عن هويّتنا‬ ‫والتعصب والسباب‬ ‫الركون إىل العنف‬ ‫من‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫«روي َّأن �ج اعة من كفار قريش تلكوا والج ـــدال ب�ــا ال ي ـ عن لباقة املؤمن‪.‬‬ ‫ف‬ ‫أ� ب ن� خلف‪« :‬أال‬ ‫ي� إناكر البعث‪ ،‬فقال ب ي‬ ‫َّ‬ ‫ت�ون إىل ما يقول َّ‬ ‫ـريـ ــة‬ ‫حممد» إن هللا يبعث ‪ -2‬اإلحـ ـ ـس ـ ــاس بـ ـطـ ـع ــم احلـ ـ َّ‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ص�ن شعور ال يضاهى‬ ‫املو�»‪ �َّ ،‬قال‪ :‬والالت والعزى ل ي‬ ‫أ‬ ‫ً ً‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫إليه ولخامصنه‪ ،‬فأخذ عظما ب�ليا ج�عل وتتحقق هذه القيمة من خالل مدخل‬ ‫يفتته بيده‪ ،‬ويقول لرسول هللا صىل هللا ت ز‬ ‫والخـــاص»‪ ،‬قال‬ ‫ال�كية «التوحيد إ‬ ‫عليه وسمل ي‪ّ �:‬‬ ‫حممد‪ ،‬تأ�ى هللا ي� ي ي� هذا‬ ‫ر� هللا عنه»لقد ّكنا أذالء ّ‬ ‫ض‬ ‫فأعز ن�‬ ‫معر ي‬ ‫بعدما َّ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫تفتت؟»‬ ‫هللا ب� إلسالم‪ ،‬فإذا ابتغينا ّ‬ ‫بغ� هللا‬ ‫العزة ي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أذلنا هللا»‪ ،‬فالتوحيد ّ‬ ‫العمل يغزو العامل‪َّ ،‬‬ ‫وهر‬ ‫عزة النفس ج‬ ‫يتقدم‪ ،‬وال ي�به ملن‬ ‫ت‬ ‫ت خ� ّلف‪ ،‬والعقل ن�صيته ومقوده‪ ،‬والعقل املعبودات من يغ� هللا‪ ،‬و�قيق للكرامة‬ ‫الب� َّية‪ ،‬وامتالك َّ‬ ‫وسيل االستدالل واحلجاج واملنطق‪ ،‬فلك ش‬ ‫ة‬ ‫لقوة الشكيمة إذ ال‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫يخ ن‬ ‫مص�ك‬ ‫والوص� خ�ـ شـى سيطرة أحد‪ ،‬وال ي�تبط ي‬ ‫ا�‬ ‫التجري�‬ ‫أحــاور‬ ‫والتار� أي‬ ‫بي‬ ‫ي أ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التسلح ب�ل ة‬ ‫َّ‬ ‫العقلية ب�حــد‪ ،‬فأمرك لكه موكول إىل هللا يقلبه‬ ‫دل‬ ‫والوضع‪ ،‬ال ّبد من‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫زبونية‬ ‫كيف يــشــاء‪ ،‬ال وســاطــة‪ ،‬وال‬ ‫ك�ط لتحقيق النجاح‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وال حمسوبية وال صكوك غفران تقدم‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ي� املقطع الول من سورة»ق» يعلنا هللا‬ ‫ّ‬ ‫أ� ب ن� خلف‬ ‫تعاىل كيف ن�د عىل أمثال ب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫تفس� ب ن‬ ‫العظ�‪.‬‬ ‫كث� ي‬ ‫ا� ي‬ ‫ب�الستناد إىل املشــــــاهد وامللحوظ واملتفق ‪ -1‬ي‬ ‫تفس� القرآن ي‬‫آ‬ ‫عليه‪ :‬فاهلل الذي خلق إالنسان ّأول َّ‬ ‫مرة ‪ )5-4-3-2( -‬ال ي�ت من سورة «ق» من ‪ 6 :‬إىل ‪51‬‬ ‫قادر عىل‪:‬‬


‫ف‬ ‫للو�ج اء‪ ،‬وال رشوة توضع ي� يد مسؤول عن مضض ‪.‬فمك من إنسان‬ ‫ي خ�ــاف الج ن ي خ‬ ‫و�ــاف ي ن‬ ‫ين‬ ‫واملشعوذ� ويصيبه الرعب‬ ‫الع� والسحرة‬ ‫ً‬ ‫ليال‪ ،‬ي خ‬ ‫و�اف من قطع رزقه وهالك نسهل‪ ،‬وهذا ي ن‬ ‫ع� الضعف والبعد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫واليق� فيه‪.‬‬ ‫عن النجاح الذي ي�ققه االعتصام ب�هلل والتوك عليه‬ ‫َّإن الدعوة إىل التوحيد ف� الثقافة إال َّ‬ ‫سالمية ن‬ ‫تع� الثورة عىل لك‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫أنــواع االستعباد من خضوع إالنسان إللنسان‪ ،‬سواء اكن صاحلا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشعوذا أو أمـ يـرا‪ ،‬ن‬ ‫ُّ‬ ‫التحرر من‬ ‫وتع� أيضا‬ ‫أو و ّليا أو ساحرا أو‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ال� تّ خ‬ ‫لخ‬ ‫ت‬ ‫ا�ذها البعض يقينا‪ ،‬وجعلها‬ ‫ال ي‬ ‫ساط� والعراف وا رافات ي‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ن َّ‬ ‫َّ‬ ‫عامل عىل ن�ش جسد املج تمع‪.‬‬ ‫وه‬ ‫خصوصية ي�تح م�ا قوة وهوية ي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتفوق‪.‬‬ ‫واحلرية سبيل النجاح‬ ‫احلرية‪،‬‬ ‫التوحيد إذن يساوي‬

‫‪ -3‬التخطيط نــراس هنتدي به يف ظلمة احلرمان‬ ‫حق االختيار ِّ‬ ‫من ِّ‬ ‫لنحقق النجاح‬

‫َّ‬ ‫ن ف‬ ‫يعا� ي� دراسته ويتأل ويبحث عن الرشد‬ ‫كث� من أبنائنا اليوم‬ ‫ي‬ ‫يأ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� قد �ول دون القدرة عىل‬ ‫لكن ما من مج يب‪ ،‬ومن السباب ي‬ ‫ت‬ ‫هن‬ ‫ت‬ ‫التحصيل‪ :‬إمهــال التخطيط للدراسة مكـ ـ ٍـج � ب ــوي يس�دف‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫تّ خ‬ ‫ض‬ ‫احلا� ن‬ ‫لتج� ث�اره ي� املستقبل تو� ت ي� بعض‬ ‫ا�ــاذ إجـراءات ي�‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫دروس تال� بية إال َّ‬ ‫املعضل ب إ�دراج درس‬ ‫سالمية لتجيب عن هذه‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫النبوية بشق ي�ا الـ ّ‬ ‫ـري والج هري‪ ،‬فاكنت املناسبة‬ ‫خاص ب�لبعثة‬ ‫ف ت‬ ‫ت‬ ‫لتنبيه الناشئة وتوعي�ا بــدور التخطيط ي� �قيق النجاح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ويتمظهر التخطيط ي� هذا الدرس من خالل‪:‬‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫بيض�ا‪ ،‬إذ َّ‬ ‫حفاظا عىل ت‬ ‫برسية‬ ‫خ�صيص القارب ب�لدعوة قبل الج هر ب�ا‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫وبعلنية الفكرة بعد ذلك(‬ ‫يب� الرسول صىل هللا عليه وسمل �ج اعته‪،‬‬ ‫الدعوة ي‬ ‫أ‬ ‫لج هر فوق الصفا) يكسب النصار الج دد‪ ،‬وما اكن الرسول صىل هللا عليه‬ ‫وسمل يقدم عىل خطوة خالل دعوته إال من بعد التخطيط هلا والتشاور‬ ‫ن أ‬ ‫مع أحصابه (بناء املسجد‪ /‬املؤاخاة ي ن‬ ‫املهاجر� والنصار‪ /‬الوثيقة )‪.‬‬ ‫ب�‬ ‫ي‬

‫العشوائية والتيه‬ ‫‪ -4‬حتديد األهداف وقاية من‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫الخذ � ألسباب َّ‬ ‫سنة بر� َّنية ي ج�ب علينا ت‬ ‫االج�اد يف�ا‪ ،‬وليس ت‬ ‫االع�د‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫عليه؛ ففاقد اهلدف يفقد إالرادة ت‬ ‫ح�‪ ،‬وفاقد إالرادة ب� ٍق ي� احلضيض‬ ‫َّ‬ ‫البعد عن َالنجاح‪ ،‬وقد علنا َ هللا تعاىل ذلك من خالل‬ ‫بعيد لك‬ ‫َ فَ َ ْ تُ ْ نَّ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ً َ َّ ُ ْ َ ْ َ َ تُ ْ َ ُ َ‬ ‫قوهل تعاىل‪{:‬أ� ِسب� أ�ا خلقناك عبثا وأنك ِإلينا ل �جعون}«(‪)6‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫قيمة رصد الهداف ورمسها‪ ،‬فاهلدف حاصل ي� الخ لق‪ ،‬وليس المر‬ ‫َّ‬ ‫عشوائي ًا امك ّ‬ ‫ّ‬ ‫النبوية تإ�ام‬ ‫يتخيل البعض‪ ،‬واهلدف مثال من البعثة‬ ‫ت ّأ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ماكرم الخالق‪ ،‬قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل»إ�ا بعثت ل ِ�م‬ ‫أ‬ ‫ماكرم الخــاق(‪ ،)7‬يو� ِ ّصل التمليذ هذه احلقيقة من خالل وعيه‬ ‫ب�ا ت َّ� تدارسه من خالل مدخل االستجابة «العبادة غاية الخ لق»‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ف� لك حلظة‬ ‫فاهلدف من الخ لق هو العبادة‪ ،‬والعبادة‬ ‫سلوك ي‬ ‫يوم ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫و�ماطة‬ ‫يستطيع إالنسان أن ي� ِقق العبادة( ب�البتسامة ي� وجه أخيه‪ ،‬ب إ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫الذى عن الطريق‪ ،‬وليس فقط ب�لركون ي� املسجد ليل ن�ار)‪ ،‬امك أن‬

‫اهلدف من شت� يع أراكن إالسالم ث�بت ي خ�دم َّ‬ ‫ويعط�ا‬ ‫هممة االستخالف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن ف‬ ‫ّ‬ ‫ـرر إلثقال اكهل املسمل بعادات ت�خذ‬ ‫مع� ي� نفهسا‪ ،‬وإال فال مـ أ ب ِ‬ ‫تعم� الرض (فغاية الزاكة مثال زرع بذور َّ‬ ‫احملبة‬ ‫من وقته وتلهيه عن ي‬ ‫والقضاء عىل الفقر وحفظ الكرامة‪ ،‬واهلدف من الصيام تعويد املسمل‬ ‫ن َّ‬ ‫ة‬ ‫ش‬ ‫�ء‬ ‫عىل ب‬ ‫الص� ُوإيقاد شعل إالحساس ب�لفقراء)‪ ،‬فإ�ا قدر هللا لك ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫هلدف وغاية سواء اكنت جلية ِبينة أو خفية مضمرة‪.‬‬ ‫بقدر‪ ،‬شو�عه ٍ‬

‫ـأس ــي ب ــرس ــول اهلل ص ـلــى اهلل عـلـيــه وسـلــم‬ ‫‪ -5‬ال ـت ـ ّ‬ ‫بلسم األرواح ونافذة النجاح‬

‫أ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بس� ال ُنبياء والرسل‬ ‫إن هدف بناء‬ ‫الشخصية املسملة ي ج�عل االقتداء ي‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ ْ َ َ َ ُ ْ ف‬ ‫مص� ي ن‬ ‫الد�‪ ،‬قال هللا تعاىل» لقد كن ل‬ ‫الل أ ْس َوة َح َس َنة‬ ‫ك ِ ي� َر ُس ِول ِ‬ ‫من ي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِلن كن ي�جو الل واليوم ال ِخر وذ كر الل ك ِث ي�ا «الحزاب ‪ .12‬بل‬ ‫ً ت ًّ‬ ‫ً‬ ‫بو� واستئناسا ب� ن�ج رسول هللا صىل هللا عليه‬ ‫ي ج�عل االقتداء مقصدا � ي‬ ‫ف‬ ‫وسمل ي� التعامل مع املواقف الصعبة والبحث عن احللول املج دية‪،‬‬ ‫ّ أ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ج ف‬ ‫احملقق لهدافه‪.‬‬ ‫طبيعيا لبناء إالنسان السوي‬ ‫ومدخال‬ ‫النا� ي� حياته ِ‬

‫م ـ ــادة ال ـت ــرب ـي ــة اإلس ــام ـ َّـي ــة ك ـن ـم ــوذج م ــن ب ــن ال ـع ـلــوم‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬نافذة مفتوحة على ٍ‬ ‫قيم ِّ‬ ‫متكن اإلنسان من‬ ‫َّ‬ ‫والتقدم هبا إىل األمام دون تردّد وال خوف‪،‬‬ ‫شحن نفسه‬ ‫ُّ‬ ‫تبقى فقط ضــرورة القدرة على استنباط هذه املهارات‬ ‫وتنبيه الناشئة إىل ّ‬ ‫أمهيتها ودورهــا يف املــدرســة واحلياة‪.‬‬

‫‪-6‬العبادات أريج املؤمن وزاده الذي ال ينضب‬

‫ة‬ ‫واحليلول ن‬ ‫ت‬ ‫تس�دف العبادات ت ز�كية النفس إال َّ‬ ‫بي�ا ي ن‬ ‫وب�‬ ‫نسانية‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ئ‬ ‫ش‬ ‫االج� َّ‬ ‫ت‬ ‫عية واحلــد من نأ� َّنية الــذات ي� السلوك‬ ‫مبا�ة الج ــرا�‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ّ‬ ‫والــتـ ّ‬ ‫نتيجت�‪:‬‬ ‫ـه إىل‬ ‫ـرفــات‪ ،‬وتقوية احلــس الج ــمـ ي‬ ‫ـاع وتــنـ ي‬ ‫ ت� بية الوجدان‬‫ن‬ ‫نسا� ّ‬ ‫العام‬ ‫ النفع إال ي‬‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ذا�‬ ‫وال شك أن‬ ‫النجاح ينطلق أ من وجــدان إالنــســان كعامل ّ ي‬ ‫ّ ف‬ ‫َّ‬ ‫ليحقق‬ ‫يغيب ي� بعض الحيان لك العوامل‬ ‫املوضوعية؛ ِ‬ ‫ي�كن أن ِ‬ ‫ن‬ ‫التعم� واالستخالف‪.‬‬ ‫نــســا� العام املرتبط بقانون‬ ‫النفع إال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ب� العلوم إال َّ‬ ‫مادة تال� بية إال َّ‬ ‫سالمية كنموذج من ي ن‬ ‫نسانية‪ ،‬ن�فذة‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫ُّ‬ ‫والتقدم ب�ا إىل المام‬ ‫مفتوحة عىل ي ٍق� ت� ِكن إالنسان من �ن نفسه‬ ‫دون ت� ّدد وال خوف‪ ،‬ق‬ ‫تب� فقط ض�ورة القدرة عىل استنباط هذه‬ ‫ف‬ ‫املهارات وتنبيه الناشئة إىل ّ‬ ‫أمه تي�ا ودورهــا ي� املدرسة واحلياة‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫ر ّواد التنوير‬ ‫حممد أركون؛ الباحث املجدد يف الدراسات االسالمية‬ ‫ّ‬ ‫إعداد عبداهلل اجلبور‬ ‫معرفية‪:‬‬ ‫سرية‬ ‫َّ‬

‫ّ‬ ‫املفكر حممد أركون الذي ذكرته ئ‬ ‫دا�ة معارف أكسفورد للعامل‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫إالسالم احلديث‪ ،‬ب�عتباره ّ‬ ‫إسالم معارص‪� .‬و‬ ‫مفكر‬ ‫أمه ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫طليع ي� مج ال علوم إالسالم ودراساته‪ ،‬من‬ ‫ر‬ ‫مفك‬ ‫هلا‬ ‫ب�لنسبة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ومناه علوم االج�ع والدراسات‬ ‫حيث أنه‬ ‫يستخدم لك معارف ج‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ّف ف ت‬ ‫إال َّ‬ ‫نسانية ويوظ�ا ي� �ليل إالســام؛ المرالذي مكنه من‬ ‫ف‬ ‫العر� املعارص‪،‬‬ ‫إحداث انعطافة ي‬ ‫كب�ة ي� مسار الفكر النقدي ب ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫و� مسار الدراسات إالسالمية ودراسات ال�اث‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫معه ارتفعت جرعة النقد ي� مقاربة ظواهر الفكر‪ّ � ،‬ست‬ ‫أ‬ ‫ت ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ال� ظلت‪ ،‬لزمنة‬ ‫اليقينيات أو‬ ‫مساحة عريضة من‬ ‫املسلاتف ي‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫التفك� واملساءل‪ ،‬أي ي� حمك املمنوعات‪،‬‬ ‫منطقة‬ ‫طويل‪ ،‬خارج‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫وبل َغته» مل ُتعد ت� َس ُب فقط ض�ن الال ُمفكر فيه‪ ،‬ن‬ ‫وإ�ا ض�ن‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫و� ّرأ عىل ت‬ ‫سدن�ا من هكنة احلقيقة ي ن‬ ‫الذ�‬ ‫املمتنع‬ ‫التفك� فيه‪ ،‬ج‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ ً‬ ‫ز� العقل الرثدوكس‪ ،‬فاكن أشبه ب�لفدا�ئ‬ ‫َّ‬ ‫اسا لخ ي ن‬ ‫تنصبوا حر‬ ‫ي‬ ‫ي أ‬ ‫ّ‬ ‫لتحر� احملتل من الرض‪ ،‬واملأخوذ من‬ ‫الذي يفتح الطريق‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫احلق كرها وغصبا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ومعه‪ ،‬دخلت الــدراســات إال َّ‬ ‫سالمية طــور‬ ‫ازدهــار م�ن�ج ي‬ ‫ت ف‬ ‫ت‬ ‫ـال يغ� مسبوق منذ انطالق�ا ي� القرن‬ ‫وموضوعا� وإشـ ي‬ ‫ي‬ ‫العربية ب�لفكر الغر� ت‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫ذرو�ا‬ ‫الع� ي ن�‪ ،‬وبلغت عالقة الثقافة‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫املفك ي ن‬ ‫ر�‬ ‫ي� التفاعل‪ .‬قد يكون حممد أركون أك� من اتصل من ِ‬ ‫ين‬ ‫الغر� احلديثة واملعارصة‪.‬‬ ‫العرب‬ ‫واملسمل� بتيارات الفكر ب ي‬ ‫أرىس حممد أركــون ت‬ ‫َّ‬ ‫«ال ّ‬ ‫اس� َّ‬ ‫التطبيقية»‬ ‫سالميات‬ ‫اتيجية إ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫معرفية تم�ابطة ي�‬ ‫مك�وع فكري ي ج�يب عن ثالث حاجات‬ ‫ميدان الدراسات إال َّ‬ ‫سالمية‪:‬‬ ‫تأ‬ ‫عمل مستقل‪،‬‬ ‫اس ي‬ ‫‪ -1‬تغطية احلاجة إىل �سيس ميدان در ي‬ ‫«ال ّ‬ ‫سالميات»‪.‬‬ ‫أطلق عليه إ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫املعر� وامل�ن�ج ي الذي توقف‬ ‫‪ -2‬تغطية احلاجة إىل ج�اوز الفق‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫االست�اق‪.‬‬ ‫عنده‬ ‫ف‬ ‫‪ -3‬تــوفــر احلــاجــة إىل ُع َّ‬ ‫ـــدة اشتغال َّ‬ ‫عملية جــديــدة ي�‬ ‫ي‬ ‫ن ف‬ ‫ّ‬ ‫الـــدارســـن ي� هذا‬ ‫إالســامــيــات‪ ،‬عــن طــريــق انــفــتــاح‬ ‫ي‬ ‫املعرفية الـ تـ� ش� ت‬ ‫د�ا العلوم إالنسانيةَّ‬ ‫َّ‬ ‫املج ــال‪ ،‬عىل الثورة‬ ‫ني‬ ‫ت َّ ف‬ ‫ش‬ ‫الــعــر ي ن�‪.‬‬ ‫الــثــا� مــن الــقــرن‬ ‫النصف‬ ‫عــيــة ي�‬ ‫واالجــام‬ ‫ي‬

‫‪62‬‬

‫ف‬ ‫اكبيل الج ز ئا� َّية‪،‬‬ ‫ولد ًحممد أركون عام ‪ ،1928‬ي� منطقة‬ ‫ي‬ ‫جبلية َّ‬ ‫اعية َّ‬ ‫رو�‪ ،‬وه منطقة زر َّ‬ ‫ت�ديدا ف ي� بلدة ت� ي ن‬ ‫قبلية‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫التار� ش‬ ‫يخ‬ ‫َّ‬ ‫لل�ل‬ ‫االحتالل‬ ‫تتابع‬ ‫من‬ ‫الر�‬ ‫أمازيغية‪ ،‬عىل‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫إال ق‬ ‫َّ‬ ‫السياسية‬ ‫اكبيل بقيت خارج السلطة‬ ‫فري�‪ ،‬إال أن منطقة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بسبب االنغالق الج غر فا� للقرية الج َّ‬ ‫بلية وارتفاهعا الذي يصل‬ ‫ي‬ ‫إىل (‪ )1200‬تم� عن مستوى سطح البحر‪.‬‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫مازيغية ليست هلا حروف جهاء‪،‬‬ ‫أمازيغية‪ ،‬واللغة ال‬ ‫املنطقة‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫لغة ليست مدونة‪ ،‬لكها شفاهية‪ ،‬عندما بلغ السادسة من معره‪،‬‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫فرنسية مج اورة للبلدة‪ ،‬عندها انتقل‬ ‫التحق أركون ي� مدرسة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الشفاهية امك يقول أركون‬ ‫شفاهية إىل مكتوبة‪ ،‬الثقافة‬ ‫من لغة‬ ‫«� ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫عفوية‪ ،‬من‬ ‫أشياء‬ ‫ب�‬ ‫تدم‬ ‫ة‪،‬‬ ‫واقعي‬ ‫طريقة‬ ‫عىل‬ ‫العقل‬ ‫�‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ت ب‬ ‫ي‬ ‫َ​َّ‬ ‫ّ‬ ‫والتحليل»‪ ،‬تعل أركون‬ ‫التعل�‬ ‫دون أن تتلقاها عن طريق‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الفرنسية‪ ،‬ث� ي� معر إحدى ع� سنة تعل العربية‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫انتقل للدراسة ي� جامعة الج ز ئا�‪ ،‬خ� َّص َص ي� أ دراسة اللغة‬ ‫ت ش‬ ‫ّ‬ ‫َّ ت‬ ‫العر�‪.‬‬ ‫ال� اكنت تسم وق�ا �ادة اللغة والدب ب ي‬ ‫العربية ي‬ ‫أ‬ ‫الدب وليس الفكر‪ ،‬الفكر انتقل إليه ب�ختياره؛ امك يقول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ت خ� َّرج ف� الج امعة ومعل بعمر ش‬ ‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫ع� ي ن� سنة أستاذا للغة‬ ‫ي‬ ‫ف� مدرسة ث� َّ‬ ‫نوية ب�لقرب من الج ز ئا� العامصة‪ ،‬ث� انتقل سنة‬ ‫ي‬ ‫‪ 1956‬إىل ب�ريس واستوطن يف�ا ب�فقة أصدقاء الفكر ّ‬ ‫واهلم‬ ‫ف‬ ‫تز‬ ‫ش ت‬ ‫حن�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫القوم أمثال فران�‪ ،‬فانون‪ ،‬ي‬ ‫يع�‪ ،‬وحسن ي‬ ‫وعل � ي‬ ‫وغ�مه‪.‬‬ ‫… ي‬ ‫ت خ َّ ف‬ ‫اللغة‬ ‫قمس‬ ‫�‬ ‫ت�بع دراسته ب ج�امعة السوربون‪ ،‬حيث �رج‬ ‫ي‬ ‫ّ ً‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫مدرسا‬ ‫العربية ب‬ ‫وآدا�ا عام ‪ .1969‬ف ي� بداية السبعينات ث ّأصبح ِ‬ ‫ف ي� جامعة ليون‪ ،‬وبعدها ي� جامعة ب�ريس‪ � ،‬انتقل منذ‬ ‫عام ‪ 1980‬إىل جامعة السوربون لتدريس شعبة ت� ي خ‬ ‫ر� الفكر‬ ‫تً‬ ‫صو� مج ِّد ًدا ف� الدراسات إال َّ‬ ‫سالمية‪.‬‬ ‫سالم‪ ،‬حيث أصبح‬ ‫ي‬ ‫إال ي‬


‫ّ‬ ‫مهمة أركون يف‪:‬‬ ‫متثلت َّ‬ ‫‪ -1‬كــتــابــة ت� ي خ‬ ‫ر� الــفــكــر إالســـــام كــتــابــة نــقـ َّ‬ ‫ـديــة تو� َّ‬ ‫ليلية‬ ‫في‬ ‫املـــعـــر� احلــــامك لــذلــك الــفــكــر‪.‬‬ ‫تــنــرف إىل بــيــان الــنــظــام‬ ‫ي‬ ‫�غ‬ ‫سالممنخاللتفكيكأطرهالدو َّائيةاحلامكة ب‬ ‫والاك�ة‪.‬‬ ‫‪ -2‬نقدالعقل إال ي‬

‫ن‬ ‫‪ -3‬إعــــادة االعــتــبــار إىل ت‬ ‫والــعــقــا�‪،‬‬ ‫الـــــراث إالن ــس ــان ــوي‬ ‫يً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وهمـــمـــشـــا‪.‬‬ ‫مــــن حـــيـــث الج ــــانــــب الــــــذي اكن همـــمـــا‬ ‫َّ‬ ‫الفكرية الشديدة عىل احلاجة إىل إعــادة االعتبار‬ ‫‪ -4‬إالضــاءة‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫موقعية املتخيل واملج از واملدهش ي� الثقافة والفكر ي� � ير� إالسالم‪.‬‬

‫التدشي� لـ إـ�ســام وقـــراءة ّ‬ ‫ن‬ ‫التأسيس‬ ‫نصه‬ ‫الــعــودة إىل الهعد‬ ‫ي‬ ‫ف ي‬ ‫ف‬ ‫هن‬ ‫ي‬ ‫مـــعـــر� ومــــ ــــيج ي جــديــد‪.‬‬ ‫الــــكــــر�) ي� ضــــوء‬ ‫(الــــقــــرآن‬ ‫ي‬ ‫تز‬ ‫ّ‬ ‫املتكررة إىل وجوب القطيعة مع النظرة‬ ‫‪ -5‬الدعوة‬ ‫االخ� َّالية إىل‬ ‫ِ ت ت‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الثقا� والفكري املكتوب‪،‬‬ ‫التعب�‬ ‫ـ� �رصه ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫� أاث إالســام الـ ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫التعب�ات‬ ‫تستدم ي� ذلك تال�اث لك‬ ‫شامل‬ ‫تو�سيس نظرة جديدة‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫ّ‬ ‫ً ت خ ّ ً‬ ‫ف‬ ‫عل�ا درســا � ير�ــيــا وقــراءة‪.‬‬ ‫الش� َّية وغـ يـر املكتوبة‪ ،‬وتنكب ي‬

‫ّ ف‬ ‫امل�ج الذي اعتمد عليه الدكتور أركون ف� ت�قيق ش‬ ‫ن‬ ‫م�وعه يتمثل ي�‬ ‫ي‬ ‫العملية احلديثة واملعارصة الخ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫اصة بعلوم إالنسان‬ ‫املناه‬ ‫االع�د عىل ج‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫الدينية‪ ،‬خصوصا‪ .‬ويشمل ذلك‬ ‫معوما‪ ،‬ودراسة ال يد�ن والنصوص‬ ‫يخ أ‬ ‫ت‬ ‫التار� وال ثن�وبولوجيا‪ ،‬والفيلولوجيا‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬وعمل اج�ع‬ ‫علوم‬ ‫املعرفة‪ ،‬وعمل النفس االجـ تـامع‪ ،‬وأركيولوجيا املعرفة‪ ،‬والتفكيكيةّ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫والسيميائيات‪ ،‬واهلرمنيوطيقا‪ ،‬وسىع من خالل نقده للعقل‬ ‫اللغوية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫التفك� فيه» أو «الالمفكر فيه»‪،‬‬ ‫سالم إىل جعل «املستحيل‬ ‫ي‬ ‫إال ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫التفك� فيه داخل‬ ‫ومها من مصطلحات أركون الساسية‪ ،‬شيئا ي�كن‬ ‫ي‬ ‫التفك�‬ ‫سالم املعارص‪ .‬ويقصد أركون بـ «املستحيل‬ ‫ي‬ ‫ساحة الفكر إال ي‬ ‫ض‬ ‫سالم‬ ‫فيه» و»الالمفكر فيه»‪� ،‬ن رؤيته‪ ،‬أنه لك ما أحذفه الفكر إال ي‬ ‫اه�ماته منذ القرن الثالث ش‬ ‫دا�ة ت‬ ‫من ئ‬ ‫ع� عىل القل‪ ،‬ب�يث أصبحت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الشياء ت‬ ‫ال� يستحيل‬ ‫ال� ي�كن‬ ‫التفك� يف�ا أقل ي‬ ‫ي‬ ‫بكث� ت من الشياء ي‬ ‫ي‬ ‫التفك� يف�ا‪ .‬وهذا ب� ِّد ذاته دليل عىل � ّجر هذا الفكر وانغالقه‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ي� املعتقدات الج امدة واملغلقة‪ ،‬ومن هنا جاءت �ورة النقد‪.‬‬ ‫حاول أركون زحزحة ش‬ ‫وعية إال َّ‬ ‫امل� َّ‬ ‫سالمية وتفكيهكا من خالل تفكيك‬ ‫مصادر وأسس القانون ش‬ ‫ت‬ ‫ال�ع‪ ،‬أي أصول ي ن‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫الد� أوأصول الفقه‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫املفكرون املسملون ة‬ ‫طيل القرون الثالثة الوىل عىل تشكيلها‪،‬‬ ‫اضطلع ِ‬ ‫وال� َّ‬ ‫جسدت ف� ن‬ ‫ت‬ ‫والتفس�‬ ‫سالم عىل التحليل‬ ‫حي�ا قدرة العقل إال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ة‬ ‫نز‬ ‫ين‬ ‫ت‬ ‫القوان� املقدسة‬ ‫اعت�ت يف� بعد‪ ،‬ب��ل‬ ‫وال� ب‬ ‫واالستقراء واالستنباط‪ ،‬ي‬ ‫غ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫واالج� َّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫تغي� الظروف ي‬ ‫عية‪.‬‬ ‫التار� َّية‬ ‫ال� ال ي�كن‬ ‫مناقش�ا‪ ،‬ر� ي‬ ‫واملعصومة ي‬ ‫َّ أ‬ ‫َّ أ‬ ‫لو�‬ ‫عل�ا أن تتسلح ب�سلحة التحليل‬ ‫ي�ى أركون أن الجيال‬ ‫ي‬ ‫السوسيو ج ي‬ ‫ّ‬ ‫أ رث‬ ‫ـو�‪ ،‬حيث أن هذا السالح؛ يغذي الفكر‬ ‫واللغوي والن ـ وب ـولـ ج ي‬

‫و� ّبيه‪ ،‬يو� ّك ن�ا من قراءة النصوص بطريقة ث‬ ‫َّ‬ ‫اكتشافية‪ ،‬يو� ِّمل‬ ‫أك�‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ـؤر ف‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫امل‬ ‫الباحث‬ ‫يل‪:‬‬ ‫ف�‬ ‫ل‬ ‫تتمث‬ ‫ة‪،‬‬ ‫جي‬ ‫م�‬ ‫همام‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫الفكر‬ ‫�‬ ‫خ‬ ‫إ‬ ‫ِ ي‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫يب�كيف َّأنإمعال خ‬ ‫أوال‪:‬ينب�غ عليه أن ّ ي ن‬ ‫امليالووظيفتهتتغلباليوم‪،‬امك ي�‬ ‫‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫الفيلو�‪.‬‬ ‫ا� أو‬ ‫املؤرخ‬ ‫المس عىل معل العقل ي ج‬ ‫الوضع الذي ي�ارسه ِ‬ ‫ج ي‬ ‫اال� ب ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ ث�نــيـ ًـا‪ :‬ينب�غ عليه أن َّ‬‫العمليات املــتــكـ ّ ِـررة‬ ‫يتتبع ويـــدرس‬ ‫ي‬ ‫الــــي يعيد ه ــذا خ‬ ‫ت‬ ‫املــيــال إنــتــاج نفسه بــواســطـ تـهــا‪ ،‬ويستمر‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫الــــتــــار� لملجتمعات‪.‬‬ ‫الــتــأثــر ي� املـــســـار‬ ‫هــكــذا ي�‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫ث ً‬ ‫لــثــا‪ :‬ينب�غ عليه أن يــدخــل نم� َّ‬ ‫جية التعقلن والعقلنة‪،‬‬ ‫ �‬‫ي‬ ‫ُت َ‬ ‫هق‬ ‫ّ‬ ‫ســــــام الــــذي ِ�ك‬ ‫الــــعــــر�‪ -‬إال‬ ‫ويــطــبــ ــا عـــى املج ـــــال‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ن�ــبــا لــلــقــوى الــعــمــيــاء الخ ــاص ــة ب�لــســيــكـولــوجــيــة الج ــمــاعــيــة‪.‬‬ ‫ي�دف أركون من خالل هذه املسارات إىل تشكيل معرفة بعيدة‬ ‫ض‬ ‫لملا�‪ ،‬وتنتبه إىل‬ ‫عن االنغالق‪ ،‬تستوعب املكتسبات إال ي ج� َّابية‬ ‫ي‬ ‫ت َّ‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫ال� يسىع يإل�ا‬ ‫احلا�‪،‬‬ ‫إ�ازات‬ ‫نج‬ ‫وت�قب املستقبل‪ ،‬إن هذه أاملعرفة أي‬ ‫ت‬ ‫لخ‬ ‫وه‬ ‫تقف موقف العداء ج� تاه ا داع ومعليات السطرة والدلج ــة‪ ،‬ي‬ ‫تسىع جاهدة من أجل �قيق التطابق ي ن‬ ‫ب� الواقع واملمارسة والقول‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫املـــعـــر� يــســتــبــعــد‪ ،‬ال بــل ي�فــض‬ ‫كــذلــك‪ ،‬إن هـــذا الــهن ــج‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫النسبية‪ ،‬ويــقــوم ب�ــقــاربــة َّ‬ ‫َّ‬ ‫نقدية‬ ‫الحـــام املطلقة ليغوص ي�‬ ‫للعقل إالســـام تضعه ف� إطــار الــتـ ي خ‬ ‫ـار�ـ َّـيــة‪ ،‬وليس خــار�ج ــا‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫كتا�ت حممد أركون ي� طليعة النصوص املسامهة ي� إالصالح‬ ‫ستظل ب‬ ‫أ ق‬ ‫ف‬ ‫ن ف‬ ‫ن‬ ‫و� إعادة هذا ي ن‬ ‫والروحا�‬ ‫خال�‬ ‫الدي� ي� إال‬ ‫الد� إىل موقعه ال ي‬ ‫سالم‪ ،‬تي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وال ي ن‬ ‫ت�ع إللرهاب ب ّ‬ ‫نسا�‪ ،‬بعيدا عن �ويهل إىل أيديولوجيا ش‬ ‫ّ‬ ‫وت�ر القيام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إ ي‬ ‫ف‬ ‫وال َّ‬ ‫َّ‬ ‫سالمية‪.‬‬ ‫ة‬ ‫العربي‬ ‫تمعات‬ ‫�‬ ‫اليوم‬ ‫سائد‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫ار‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫به‪ ،‬عىل‬ ‫املج‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫اهلوامش‪:‬‬

‫َّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫نقاشية نظمها مركز دراسات الوحدة‬ ‫والنسان‪ ،‬حلقة‬ ‫املفكر والباحث إ‬ ‫*حممد فأركون ِ‬ ‫َّ‬ ‫العربية ي� يب�وت عام ‪.2011‬‬ ‫* َّ‬ ‫مؤسسة حممد أركون للسالم ي ن‬ ‫ب� الثقافات‪.gro.nuokra-noitadnof//:ptth :‬‬

‫َّ‬ ‫إسالمية معارصة‪.‬‬ ‫قضا�‬ ‫* حوارات عبد الج بار‬ ‫الرفاع وحممد أركون‪ ،‬مج ةل ي‬ ‫ي‬ ‫َّ ّ‬ ‫تنو� الكويت ‪/lg.oog//:sptth‬‬ ‫*‬ ‫«التنو� إرث املستقبل» ندوة فكرية‪ ،‬نظمها مركز ي‬ ‫ي‬ ‫‪.GQ9WHU‬‬ ‫ر� َّية الفكر العر� إالسالم‪ ،‬ت��ج ة ش‬ ‫*حممد أركون‪ ،‬ت� ي خ‬ ‫القوم‪-‬‬ ‫ها� صاحل‪ .‬مركز إال ن�اء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫يب�وت ‪.1986‬‬ ‫ن‬ ‫سالم املعارص؟‪،‬‬ ‫التفرقة إىل فصل املقال‪ :‬يأ� هو الفكر إال ي‬ ‫*حممد شأركون‪ ،‬من فيصل ق‬ ‫السا�‪ -‬يب�وت ‪.1993‬‬ ‫ت��ج ة ها� صاحل‪ .‬دار‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫ال ْن َس َنة ف� الفكر العر�‪ ،‬ت��ج ة ش‬ ‫السا�‪ -‬يب�وت‬ ‫ها� صاحل‪ .‬دار‬ ‫*حممد أركون‪ ،‬نز�عة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫‪.1997‬‬ ‫الدي�‪ :‬كيف فن�م إالسالم اليوم؟‪ ،‬ت��ج ة ش‬ ‫قضا� ف ي� نقد العقل ن‬ ‫ها� صاحل‬ ‫*حممد أركون‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫‪.1998‬‬ ‫الدي�‪ ،‬ت��ج ة ش‬ ‫التفس� املوروث إىل ت�ليل الخ طاب ن‬ ‫ها� صاحل‪ ،‬دار‬ ‫*حممد أركون‪ ،‬من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الطليعة‪ -‬يب�وت ‪.2001‬‬

‫‪63‬‬


‫مكتبة التنويري‬ ‫فلسفة التنوير‬

‫الثقافة‬ ‫ف‬ ‫ي� هذا الكتاب‪ ،‬ي�ى واحد‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫النقدي ي ن�‬ ‫الباحث�‬ ‫من بأ�ز‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫املرجعي ي� ي� القرن الع� ي ن�‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫أن ث�ــة قــاامس مــشـ تـراك ي ج�مع‬ ‫َّ‬ ‫بـ ي ن‬ ‫الفكرية‬ ‫ـ� شـ تـى الــروافــد‬ ‫ُّ ف‬ ‫ت‬ ‫الــ� تصب ي� ذلــك التيار‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫التار� احلامس وهو «عرص‬ ‫ي ي‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫التنو�»‪ .‬يو� ِلل املؤِلف بعض املالحم البارزة ي� أفاكر أفالطون‬ ‫ي‬ ‫وأرسطو ودياكرت وسبينوزا وال ت ز‬ ‫يبن� وفرانسيس بيكون وجون لوك‬ ‫وب�لك ب ز‬ ‫وه�در وغوته وشيلر‬ ‫لت� وروسو وديدرو ي‬ ‫وهو� وهيوم وفو ي‬ ‫ي ي‬ ‫ً‬ ‫الك من هؤالء الفالسفة التنو� ّي ن� استمدَّ‬ ‫خ‬ ‫ولسينغ؛ يو�لص إىل أن‬ ‫ي ي‬ ‫�غ ت‬ ‫و�ديدها‬ ‫بعض أفاكره ّممن سبقوه أو عارصوه‪ ،‬لكنه أعاد صو ا ج‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫واالج� يع‪.‬‬ ‫التار�‬ ‫أحيا�‪ -‬لتناسب سيا�ا‬ ‫جوهرية‬ ‫بصورة‬ ‫‬‫ٍ‬ ‫ي ي‬ ‫ـو� ّيـ ي ن‬ ‫ـ� لتخرج الفلسفة من‬ ‫وتــضــافــرت �ج ــود هــؤالء الــتــنـ ي‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫احلقي� بوص�ا ّقوة‬ ‫دا�ة الفكر املج ـ َّـرد وتعيدها إىل وضهعا‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫والتعرف إليه‪.‬‬ ‫ن�شطة خالقة ي�كن من خالهلا معرفة العامل‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أملا�‬ ‫اكس�ر (‪)1945-1874‬؛‬ ‫املؤلف هو إرنست‬ ‫ي‬ ‫فيلسوف ي‬ ‫مثال ف ي‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫امتاز ّ‬ ‫بتبحره ي� �ج يع حقول املعرفة‪ ،‬معل أستاذا للفلسفة ي�‬ ‫ف‬ ‫جامعات ب� ي ن‬ ‫ل� وهامبورغ وفرانكفورت‪ ،‬ث� ي� جامعة أكسفورد ث�‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫جامع� بيل وكولومبيا � الوال�ت ّ‬ ‫املتحدة‪ .‬أصدر ش‬ ‫ت‬ ‫ع�ات‬ ‫ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والر�ضيات تو� ي خ‬ ‫َّ‬ ‫ر� الفلسفة‬ ‫املؤلفات‬ ‫املرجعية عن فلسفة العلوم ي‬ ‫أ‬ ‫خ‬ ‫ث‬ ‫ّ‬ ‫وفلسفة ي‬ ‫التار� وفلسفة الج مال والفلسفة الن�وبولوجية وفلسفة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫اه�‬ ‫ال ي‬ ‫ساط� واللغة والشاكل أالرمزية واملعرفة‪ .‬أما امل� ج� بإ� ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫أبو ش‬ ‫ه�ش �و أستاذ الدب احلديث املشارك ي� جامعة‬ ‫ف أ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫فلسط�‪ .‬ي�مل ش�ــادة الدكتوراة ي� الدب من‬ ‫يب�زيت ي�‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫جامعة ب� يل� احلرة‪ .‬صدر هل العديد من الدراسات وال��ج ات‪.‬‬ ‫الــــكــــتــــاب صـــــــدر عـــــــام ‪ 2018‬عـــــن املــــركــــز‬ ‫أ‬ ‫الــــــعــــــر� لــــــ� ب�ــــــاث ودراســــــــــة الـــســـيـــاســـات‪.‬‬ ‫بي‬

‫‪64‬‬

‫ّ‬ ‫ظلت مفردة (الثقافة) واحدة‬ ‫من ث‬ ‫َّ‬ ‫إشاكلية عىل‬ ‫أك� املفردات‬ ‫صعيد ف‬ ‫امل�وم والتطبيقات‪ ،‬امك‬ ‫ّ‬ ‫َّ ت‬ ‫ة‪-‬ال�‬ ‫ظلت الدر‬ ‫اسات الثقافي ي‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫معرفيا تتداخل فيه‬ ‫تعد حقال‬ ‫أ‬ ‫ال ثن�وبولوجيا والسوسيولوجيا‬ ‫تأ ي خ أ‬ ‫واللغو�ت‬ ‫ر� الفـــار‬ ‫و�‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫احلكومية ّ‬ ‫املؤس َّ‬ ‫َّ‬ ‫ساتية – ميدان ج�اذب مل‬ ‫والفللكور والسياسات‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية احملتدمة فيه ب خ‬ ‫َّ‬ ‫و� ّ‬ ‫اصة بعد احلرب‬ ‫ي خ�ف صدى املعارك‬ ‫ة‬ ‫وسيل من وسائل ّ‬ ‫القوة النامعة‬ ‫العاملية الثانية وحيث ب�تت الثقافة‬ ‫ً‬ ‫ف ي� احلرب الباردة ث ّ� انقلبت سالحا من أسلحة العوملة ت‬ ‫ال� تسىع‬ ‫ي‬ ‫َّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لتوسيع نطاق الر ّ‬ ‫عل‬ ‫أامسليات‬ ‫الرمزية املدمعة ب�صنعات مادية ت ي‬ ‫املتفوقة تو� ِ ّ خ‬ ‫ت‬ ‫االقتصاد�ت ّ‬ ‫َّ‬ ‫العاملية‪.‬‬ ‫سطو�ا عىل الساحة‬ ‫س‬ ‫شأن‬ ‫ّي‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً ت خ ً‬ ‫ُي ُّعد هذا الكتاب ب�ثا � ي‬ ‫لوجيا‬ ‫لوجيا ‪ -‬ثأن�وبو‬ ‫ر� ّيا‪ -‬سوسيو‬ ‫ّ ً ف‬ ‫مركبا ي� فم�وم الثقافة‪ ،‬وهو ت��ج ة لكتاب (الثقافة) املنشور عن‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫يطا� ذائع‬ ‫جامعة بيل المريكية العريقة عام ّ‪ 2016‬للاكتب بال� ي‬ ‫ن‬ ‫و�حث‬ ‫أد� وفيلسوف ب‬ ‫فالصيت يت�ي إيغلتون‪ ،‬وهو �قد ومنظر ب ي‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية وسياسات الثقافة‪ .‬شن� إيغلتون‬ ‫ي� حقل الدراسات‬ ‫َّ‬ ‫العديد من الكتب والدراسات ّ‬ ‫املهمة ُتو� ج� ض‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫بع�ا إىل‬ ‫لطفية الدليم‪ ،‬وه اكتبة ت‬ ‫العربية ّ‬ ‫ّ‬ ‫وم��ج ة‬ ‫نقلت الكتاب إىل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كب� من الدراسات الفكريةّ‬ ‫عر ّ‬ ‫غز�ة إالنتاج‪ ،‬صدر هلا عدد ي‬ ‫اقية ي‬ ‫والثقافية ت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القصصية‪.‬‬ ‫الروا�ت واملج موعات‬ ‫وال��ج ات‪ ،‬ب� إلضافة إىل ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ج�ــب إالشـــارة هنا‪ ،‬إىل أن كتاب (الثقافة) هــذا‪ ،‬والــذي‬ ‫صـــدر بــدايــة الــعــام ‪ 2018‬عــن دار املــــدى‪ ،‬هــو كتاب‬ ‫ّ‬ ‫ّي ز‬ ‫ومــتــمــ� عــن كــتــاب آخ ــر ش‬ ‫مستقل‬ ‫نـــره إيــغــلــتــون من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫العربية أيضا‪.‬‬ ‫قبل بعنوان «فــكــرة الثقافة» تو� ج� إىل‬


‫اإلسالمويَّة والسعي إىل احلداثات البديلة‬ ‫َّ‬ ‫والسع إىل‬ ‫سالموية‬ ‫«ال‬ ‫كتاب إ‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫احلـ ث‬ ‫ـدا�ت البديل» والصادر‬ ‫ـوم تلل��ج ة‬ ‫عــن املــركــز الــقـ‬ ‫أ‬ ‫ي �غ‬ ‫‪ ،2018‬من ت�ليف ب�روز اري‬ ‫تـ بـر ي ز�ي‪ ،‬تو��ج ــة أمحد حممود‪.‬‬ ‫ة‬ ‫رســــــال‬ ‫الــــكــــتــــاب هـــــو‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫الــــــي تــقــدم‬ ‫الـــدكـــتـــوارة‬ ‫ي‬ ‫�غ‬ ‫تـــــر ي ز�ى‪ ،‬لج ــامــعــة اكليفورنيا‪.‬‬ ‫ب�ــا امل ـؤلــف ب�ـــروز ـــارى ب‬ ‫ب�ــســب امل ـؤلــف‪،‬فــإنــه بتفنيد الــصــورة الــشــائــعــة ملــعــاداة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ســامــوي ي ن‬ ‫«حـــر� ضــد احلــداثــة»‪،‬‬ ‫ــ� للغرب ب�عتبارها‬ ‫إال‬ ‫ب‬ ‫ة َّأ‬ ‫ض‬ ‫تــو� هــذه الــرســال ب�ن التحديث وحمــااكة الغرب معليتان‬ ‫أ‬ ‫ّزت‬ ‫ّ‬ ‫ت ّ‬ ‫ساس‬ ‫اج�عيتان اقتصاديتان وسياستان ممـ يـ��ن ‪.‬وسؤاهلا ال ي‬ ‫ّ‬ ‫اج� َّ‬ ‫سالموية حركة ت‬ ‫عية‬ ‫هو ما إذا اكن ب� إلمــان اعتبار إال‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ز‬ ‫َّ‬ ‫سياسية لبناء ن�ط‬ ‫مم� للحداثة ي�كن إدراك‬ ‫أورو� عىل �و ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ت ّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية خ‬ ‫َّ‬ ‫املتلفة‪.‬‬ ‫بشلك مخ تلف ي� املواضع‬ ‫د‬ ‫احملــد‬ ‫يه‬ ‫ل‬ ‫ج�‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫يدلوجية‪،‬‬ ‫يتكون الكتاب مــن ث�انية فــصــول‪ :‬احلقائق إال‬ ‫املـ ض‬ ‫السلفية والج ــذور إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫سالمية للحداثة‪ ،‬ما‬ ‫واحلــا�‪،‬‬ ‫ـا�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫سالموية‪ ،‬الشتات املسمل ي� أمرياك‬ ‫بعد احلداثة ظو�ــور إال‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫للعاملوية‪ ،‬ش‬ ‫ش‬ ‫ش َّ‬ ‫م�وع أسملة‬ ‫الغر�‬ ‫ال�لية‪ ،‬م�وع السملة والنقد ب ي‬ ‫سالمية والساخطون عليه‪،‬مصت ش‬ ‫الج مهورية إال َّ‬ ‫ال� يعة‪،‬عبد‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫سملة‪،‬وأخ�ا ي�ــاول إالجابة عن‬ ‫الكر� رسوش ومـ شـروع ال‬ ‫ي‬ ‫ّ ف‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫لخ‬ ‫السؤال املهم ي� ا ــا�ــة‪ :‬هل احلداثة إالسالموية ممكنة؟‬

‫مــن اخلــوارزمــي إىل ديـكــارت‪ ،‬دراس ــات يف‬ ‫تاريخ الرياضيات الكالسيك ّية‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يلخص هذا الكتاب عقودا‬ ‫من البحث الدؤوب ف� ت� ي خ‬ ‫ر�‬ ‫ي ّ‬ ‫الر�ضيات‪ ،‬اختار املؤِلف‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫لخ‬ ‫ن‬ ‫ــــوارزم‪،‬‬ ‫عملت�‪ :‬ا‬ ‫فيه م ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫مخ ـ تـرع الج ـ بـر ي� بداية النتاج‬ ‫ض ف‬ ‫� ي� العرص الوسيط‪،‬‬ ‫الـ ي‬ ‫ـر� ي‬ ‫ّ‬ ‫ومؤسس‬ ‫ودياكرت‪ ،‬الفيلسوف ِ‬

‫َّ‬ ‫التحليلية ف� بداية العرص احلديث‪َّ ،‬‬ ‫ليتتبع خطوة‬ ‫اهلندسة‬ ‫ي‬

‫ف‬ ‫ب خ�طوة ّ‬ ‫الر�ضيات املعروفة آنذاك؛ الج ب�‬ ‫املفاه� ي� فروع ي‬ ‫تطور أ ي‬ ‫ض‬ ‫َّ‬ ‫واحلساب‪ ،‬وال ت‬ ‫البحثية‬ ‫ري�تياك‪ ،‬واهلندسة‪،‬ويو� نشوء التقاليد‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ت�عرعت نو�ت يف�ا‪.‬‬ ‫واملذاهب املتتالية‪ ،‬وصل�ا ب�ملج تمعات ي‬ ‫شن� مركز دراســات الوحدة العربية هذا الكتاب الذي يقع‬ ‫ف ي� ‪ ،780‬بداية العام ‪ ،2018‬بدمع من مدينة امللك عبد ي ز‬ ‫العز�‬ ‫ً‬ ‫قيمة‬ ‫للعلوم والتقنية‪ ،‬نظرا إىل ما ي�مهل هذا الكتاب من ٍ‬ ‫للعامل� ف� ت� ي خ‬ ‫َّ‬ ‫عملية‪ ،‬وإىل ما ي� ّثهل من مرجع ال ن‬ ‫ر�‬ ‫غ� عنه‬ ‫ين ي‬ ‫ٍ‬ ‫نظرية املعرفة ‪ -‬إالبستمولوجيا ‪ -‬فو� فلسفة تو� ي خ‬ ‫العلوم‪ ،‬فو� َّ‬ ‫ر�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫للر� ي ن‬ ‫ضي� أنفهسم ي ن‬ ‫الذ�‬ ‫الر�ضيات عىل وجه التحديد؛ بل ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫ث‬ ‫كث� من الحيان ب�عرفة‬ ‫يعملون أن تقدم بأ�ا�م مرتبط ي� ي‬ ‫ّ أ‬ ‫واملفاه� وأدوات وضهعا موضع التطبيق‪ ،‬و ّ‬ ‫لعامة‬ ‫تطور الفاكر‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫املثقف� العرب‪ ،‬ي ن‬ ‫الفعل‬ ‫االطالع عىل إالهسام‬ ‫الذ� ي�غبون ي� ِ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫العربية ‪ -‬عىل مدى ث�انية قرون‪.‬‬ ‫للر�ضيات املكتوبة ب�للغة‬ ‫ي‬

‫حالة األزمة‬ ‫َّ أ‬ ‫العربية لل ب�اث‪،‬‬ ‫صدر عن الشبكة‬ ‫ة أ‬ ‫لف�ن‬ ‫كتاب « حال الزمــة « لملؤ ي‬ ‫ن‬ ‫بوردو�‪،‬‬ ‫ز�مونت ب�ومان واكرلو‬ ‫يج‬ ‫ي‬ ‫ج� ‪.2018‬‬ ‫وهو من ت��ج ة جحاج أبو ب‬

‫أ‬ ‫ة‬ ‫سلسل‬ ‫ي� ت ي� هــذا الكتاب بعد‬ ‫ال ــس ــي ـ ة‬ ‫ت‬ ‫الـــــي صـــــدرت عن‬ ‫ـول‬ ‫ي‬ ‫الــشــبــكــة الــعــربـ َّـيــة للفيلسوف‬ ‫أ‬ ‫والستاذ ب ج�امعة «ليدز» بال� َّ‬ ‫ت‬ ‫ز�مونت‬ ‫االج�ع البولندي‬ ‫وعامل‬ ‫يطانية‪ ،‬ي ج‬ ‫أ‬ ‫بتعريف ملصطلح «الزمــــة»‪،‬‬ ‫ب�ومــــان (‪ .)2017 - 1925‬ويــبــدأ‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ويكشف عن الشــال‬ ‫ـ� تواجه زمننا‬ ‫ِ‬ ‫املتنوعة لخطر املشالكت الـ ي‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫وبـــوردو�‪.‬‬ ‫املتغ�‪ ،‬حيث ي� ِلل املج تمع الراهن من منظور ب�ومــان‬ ‫ّي‬ ‫ي‬ ‫َّ أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫الغر�‬ ‫تف�ض الطروحة الرئيسة هلذا‬ ‫ال� تواجه العامل ب ي‬ ‫الكتاب‪ ،‬أن الزمة ف ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ليست أزمة مؤقتة‪ ،‬بل ه عالمة ة‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫االقتصادية‬ ‫املنظومت�‬ ‫تغ� معيق ي�‬ ‫دال عىل ّي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫عية ب أ�رسمها‪ ،‬امك أن ث‬ ‫واالج� َّ‬ ‫ت‬ ‫بوردو�‬ ‫اكرلو‬ ‫يفرس‬ ‫وهنا‬ ‫‪،‬‬ ‫طويال‬ ‫أمدا‬ ‫ستدوم‬ ‫رها‬ ‫آ�‬ ‫ي‬ ‫ويصور تف�ة ة‬ ‫أزمة احلداثة وما بعد احلداثة‪ّ ،‬‬ ‫فاصل عصيبة من «خلو العرش»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ز�مونت ب�ومان رؤى جديدة ي� إطار نظريته عن املج تمع السائل‪.‬‬ ‫يقدم ي ج‬ ‫يف� ِ‬ ‫ت‬ ‫ن ئ‬ ‫احلال الذي‬ ‫ا� هلذا الكتاب هو �ليل أصيل وجديد للوضع ي‬ ‫إن اهلدف ال� ي‬ ‫ة‬ ‫ُّ‬ ‫الدول‬ ‫الغر�‪ ،‬ويشتمل ذلك عىل جوانب مخ تلفة‪ :‬من أزمة‬ ‫ي�ر به املج تمع ب ي‬ ‫َّ‬ ‫الد�قر َّ‬ ‫اللي� َّالية الج ديدة‬ ‫التمثيلية‪ ،‬ومن‬ ‫اطية‬ ‫احلديثة إىل ي‬ ‫ي‬ ‫االقتصاد�ت ب‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫لقضا�‬ ‫مث�‬ ‫إىل‬ ‫ي‬ ‫ماه�ي؛ إنه �ليل ي‬ ‫التحول املتواصل عن املج تمع الج ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫املج تمع السائل‪ ،‬وحماول ل�م احلا� ح� نستعد لملستقبل؛ إنه قاموس‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫أصيل‪.‬‬ ‫ملفردات الزمــة‪ ،‬إذ يناقش لك املوضوعات املرتبطة ب�ا مناقشة‬

‫‪65‬‬


‫واال� ي ز‬ ‫َّ‬ ‫والفرنسية»‪.‬‬ ‫ــلــ� َّيــة‬ ‫نج‬ ‫َّ‬ ‫ُويضيف «أن أحداث الربيع‬ ‫العر� من سنة ‪ 2011‬اىل‪2013‬‬ ‫وما بر ي ق‬ ‫مفا� ٍء‬ ‫اف�ا من‬ ‫صعود ج‬ ‫ٍ‬ ‫للحراكت إالسالمية املتطرفة‬ ‫ت‬ ‫م ب�تابعة‬ ‫قد زادت من تَاهــام ي‬ ‫هذه احلراكت و� ّ ِري جذورها‬ ‫ومنطلقا�ا َ‬ ‫الع ِق َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫يدية‪،‬‬ ‫الفكرية‬

‫املشكالن األساسيان يف نظريَّة املعرفة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫نظرية‬ ‫املشالكن الساسيان ي�‬ ‫ن‬ ‫يطا�‬ ‫املعرفة للفيلسوف بال� ي‬ ‫ـو�‪ ،‬واللذان‬ ‫النمساوي اكرل بـ ب‬ ‫ف‬ ‫يتموضعان ي� حمور هذا الكتاب‬ ‫مها مشلك االستقراء؛ إنه عىل‬ ‫غ‬ ‫الر� من أننا ال نستطيع مالحظة‬ ‫ســوى عــدد حمــدود من الوقائع‬ ‫َّ‬ ‫العينية‪ ،‬فإن العمل يطرح إقرارات‬

‫ّلكية يغ� َّ‬ ‫مقيدة‪ ،‬ومشلك التأريف «‪ »Demarcation‬الذي يتساءل‬ ‫ق‬ ‫حول الفصل ي ن‬ ‫بو� حل ي ن‬ ‫هذ�‬ ‫ب� العمل إال ي‬ ‫ي� والالعمل‪ .‬ي�اول ب‬ ‫مب� ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫ت‬ ‫ال� ينادي ب�ا ي� القابلية للتكذيب‪ ،‬إذ ي ج�ادل‬ ‫املشلك� بنظريته ي‬ ‫ّ‬ ‫ف� أن العمل ال ّي ز‬ ‫ت‬ ‫يتم� عن الالعمل َّ‬ ‫بقابلي�ا‬ ‫نظر�ته للتحقق بل‬ ‫بقابلية ي‬ ‫ي‬ ‫للتكذيب‪ ،‬وأن االستدالل الذي يُ�ــارس ف� العمل ليس استقرائياًّ‬ ‫ي‬ ‫ث ش ف‬ ‫ًّ‬ ‫استنباطيا؛ فالعمل ال يبدأ من مالحظات � ي�ع ي� تعميمها‪،‬‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ويقار�ا بتخمينات جريئة‪.‬‬ ‫كث�ون‪ ،‬بل يبدأ ب�شالك‬ ‫امك يف�ض ي‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الكث� من‬ ‫يشمل املشالكن الساسيان ي� نظرية املعرفة بــذور‬ ‫ي‬ ‫َّ ف‬ ‫ف‬ ‫ال� ّبع� ن‬ ‫ت‬ ‫حمددة ي� كتابه‬ ‫بو� الحقا بصيغة‬ ‫ع�ا ب‬ ‫احلجج احملت� ب�ا ي‬ ‫العمل (‪)The Logic of Scientific Discovery‬‬ ‫منطق الكشف‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫مرت�‪ .‬وهلذا فإنه معل أساس للك‬ ‫الذي احت ف ي� به ي‬ ‫كث�ا وعــرب ي‬ ‫يخ‬ ‫ت‬ ‫ونظر�ته‪.‬‬ ‫ناه العمل نفسه‬ ‫بو�‪،‬‬ ‫ّي‬ ‫وبتار� العمل وفلسفته‪ ،‬بو� ج‬ ‫هم� باكرل ب‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫املـــــــر ج� نج�ـــيـــب احلـــصـــادي‪،‬‬ ‫لــلــعــربــيــة‬ ‫نــقــل ال ــك ــت ــاب‬ ‫ش‬ ‫وصـــــــــدر عــــــن دار جـــــــــــداول لــــلــــنــــر ‪.2018‬‬

‫املتطرفة يف الوطن العريب‪:‬‬ ‫احلركات‬ ‫َّ‬ ‫اإلسالمية ِّ‬ ‫اجلذور الفكريّة والتح ّول إىل العنف واإلرهاب‬

‫ش ف‬ ‫والن� ي� بـ يـروت‪ ،‬كتاب‬ ‫صدر عن املؤسسة العربية للدراسات‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية‬ ‫العر�‪ :‬الج ذور‬ ‫الوطن‬ ‫«احلراكت إالسالمية املتطرفة ي�‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫عل حمافظة‪.‬‬ ‫والتحول إىل العنف إ‬ ‫والرهــاب» للباحث الدكتور ي‬ ‫أ‬ ‫مدخل عن إالســـام والص ـولـ َّـيــة والــتــطـ ّـرف‪ ،‬تتوزع أمعال‬ ‫بعد‬ ‫الــكــتــاب ٍ عــى ثــاثــة فــصــول‪ :‬الج ـــــذور الــفــكـ َّ‬ ‫ـريــة للحراكت‬ ‫السلفية الج ــهـ َّ‬ ‫السلفية ف� الــوطــن ال ــع ــر�‪ ،‬ت� ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ـاديــة إىل‬ ‫ـــول‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫والرهــــاب‪ ،‬واحلـــراكت إالســامــيــة املتطرفة‪ :‬إىل يأ�؟‬ ‫العنف إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫تعريفية عن الكتاب‪ « :‬ثأ�ر ت‬ ‫ستاذ‬ ‫اه�‬ ‫يقول الاكتب ي� نبذة‬ ‫م‪ ،‬ك ٍ‬ ‫ي‬ ‫در ُس َم َساق ت� ي خ‬ ‫ر� الفكر إالسالم احلديث لطلبة الدراسات ُ‬ ‫ُي ّ‬ ‫العليا‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫خ‬ ‫َ َّ‬ ‫ف ي� قمس ي‬ ‫س‬ ‫التار� بلكية ال ظداب ي� فالج امعة الردنية بعمان تيارات ما َّ ي‬ ‫ب� َّ‬ ‫ورها ي� السبعينات من القرن الفائت‪ .‬حيث‬ ‫لصحوة إالسالمية منذ �‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عا�ا ت‬ ‫مس� ت�ا من خالل مؤلفات د ت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسي ي ن� وند َو ِتا�م‬ ‫تتبعت ي‬ ‫وقاد�ا أ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫وترص�ا�م وبيا��م‪ .‬ومل أتوان عن قراءة الكتب وال ب�اث املنشورة‬ ‫ف‬ ‫سالمية ب�للغات العربيةَّ‬ ‫العملية عن ظاهرة الصحوة إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي� املج الت‬

‫‪66‬‬

‫َ شَ َ ْ‬ ‫ن ف‬ ‫لفات وخطب ن‬ ‫وبيا� ٍت ي�‬ ‫وبيا� ٍ َت وفتاوى‬ ‫�ت ُه من مؤ‬ ‫َو�جَ ْ ع ما ن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫�ته ُّ‬ ‫والطالع عىل ما ن ش َ‬ ‫الصحف ِمن أنباء‬ ‫مواقع عىل شبكة إالن�نت‪ ،‬إ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫خالل‬ ‫عر�‬ ‫قطر‬ ‫لك‬ ‫�‬ ‫عن نشاط هذه الج ماعات‬ ‫الس ِت‬ ‫السنوات ِ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خ�ة‪ ،‬وما رصده الباحثون عن هذه النشاطات من بداية قرِننا هذا»‪.‬‬ ‫ال ي‬ ‫ف‬ ‫الكتاب يقع ي� ‪ 524‬صفحة‪ ،‬وهو من إصــدارات العام ‪.2018‬‬

‫نقد املفاهيم‬ ‫ف‬ ‫الثقا� للكتاب» ش‬ ‫للن�‬ ‫عن «املركز‬ ‫ي‬ ‫و التوزيع الدار البيضاء‪ /‬يب�وت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لملفكر‬ ‫صدر كتاب «نقد‬ ‫املفاه�» ِ‬ ‫ي‬ ‫ويعال فيه‬ ‫املغر� عبد هللا العروي‪ ،‬ج‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوضوع‪،‬‬ ‫قضا� التعددية‪ ،‬والعمل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ة‬ ‫وذل ــك �ــن سلسل إصـــدارات‬ ‫وصف»مفاه�»‪.‬‬ ‫عل�ا النقاد‬ ‫أطلق ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫خ‬ ‫التار�‪ ،‬والتأصيل‬ ‫يواصل املؤِلف من خالل نقده املرتكز عىل التحليل‬ ‫ي ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫املفاهيم للحداثة عـ بـر التخلص من الســئـ�ة الزائفة والتعامل مع‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اليومية‪ ،‬حيث‬ ‫الثقافية‬ ‫الفلسفية وفق املمارسة‬ ‫واملفاه�‬ ‫املصطلحات‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫تقد�ه للكتاب إىل أن «املنطق إذن هو نتيجة التطور‪� ،‬ا‬ ‫يش� ي� ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫مسأل‪ .‬العمل املوضوع ال يل�غ‬ ‫ن‬ ‫املوضوع‪ ،‬ي� لك‬ ‫م� هنا‪ ،‬هو العمل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي� ي‬ ‫ف‬ ‫كب� من هذا حمفوظ ي�‬ ‫ما سبقه من ميثولوجيا وفلسفة وثيولوجيا‪ .‬قدر ي‬ ‫ف‬ ‫املفردات ت‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫والشاكليات»‪.‬‬ ‫وال�اكيب والصور والرموز‪ ،‬ي�‬ ‫االه�مات إ‬ ‫تأ ّ ف أ‬ ‫ف‬ ‫الوضاع ت‬ ‫ال� يعيش يف�ا‬ ‫املفاه� من �مهل ي�‬ ‫تفك� «العروي» ي�‬ ‫وينطلق ي‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫وب�ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫القرن�‬ ‫املنرصم�‪ ،‬حيث انقطعت الصل بي�م ي‬ ‫ي‬ ‫العر�‪ ،‬خالل ي‬ ‫العامل ب ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫احلرية والدولة‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫التفك� ي�‬ ‫الثقا�‪ ،‬وحيث يصبح‬ ‫املوجه لل�اث‬ ‫ي‬ ‫املنطق ِ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫خ‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫والعقالنية مناسبة الستيعاب ي‬ ‫الكو�‪،‬‬ ‫يؤطر احلا�‬ ‫التار� الج ديد الذي ِ‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫يخ‬ ‫وذلك ر� االستمر َّ‬ ‫ّ‬ ‫ملرجعية‬ ‫التار� َّية احلافظة لظواهر ال عالقة هلا ب�‬ ‫ارية‬ ‫يخ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫واالج� َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫والسياسية‬ ‫عية‬ ‫الفلسفية‬ ‫النظرية‬ ‫واملرجعية‬ ‫الواقعية‪،‬‬ ‫التار� ّية‬ ‫ن‬ ‫ال� �ن مطالبون ب� ت‬ ‫ت‬ ‫عرف�ا‪.‬‬ ‫الضابطة والناظمة حملتوى‬ ‫ي‬ ‫املفاه� الج ديدة ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يذكر أن‪ ،‬عبد هللا‬ ‫مغر�‪ ،‬انشغل ب�لسياسة لبضع‬ ‫مؤرخ ِ‬ ‫العروي‪ِ ،‬‬ ‫ومفكر ب ي‬ ‫ّ ً‬ ‫سنوات ث� ت�هكا متفرغا للفكر والتدريس‪ ،‬وهو من مواليد ‪ 1933‬من مدينة‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫أغ� ش‬ ‫أزمور املغربية‪ ،‬ن‬ ‫كب� من املؤلفات‪.‬‬ ‫املغر�‬ ‫امل�د‬ ‫والعر� ٍ‬ ‫بعدد ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫الثقا� ب ي‬


67


‫أنشطة الرابطة العربية للتربويني التنويرييني‬

‫ندوة حواريّة للدكتور عامر احلايف يف األردن‪:‬‬ ‫عـــقـــد مـــركـــز حــايــة‬ ‫ب�ل ـ شـراك ــة مــع الرابطة‬ ‫الــعــربـ َّـيــة ت‬ ‫لــلــر ّ‬ ‫بــوي ي ن‬ ‫ــ�‬ ‫التنو� ّي ي ن� ‪ ،‬يوم الخ ميس‬ ‫ي‬ ‫‪ 25‬يــنـ يـا� ‪ ،2018‬أوىل‬ ‫التنو�ي‬ ‫فعاليات صالون‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫حوارية للدكتور‬ ‫بع� ندوة‬ ‫ف‬ ‫احلــــا� بعنوان‪:‬‬ ‫عــامــر‬ ‫ي‬

‫ت‬ ‫ج�ـــــديـــــد الخ ـــــطـــــاب الــــــديــــــين ي ‪ ،‬ملــــــــاذا؟ وكـــيـــف؟‬ ‫أ‬ ‫املد� التنفيذي‬ ‫افتتح الندوة وأدارهــا ً الستاذ عبدهللا الج بور ي‬ ‫ملركز حاكية‪ ،‬مستعرضا ت� ي خ‬ ‫ر� َّية ت ج�ديد الخ طاب والفكر ن‬ ‫الدي�‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫إالسالم‪ ،‬مع طرح التساؤالت املتعلقة َّ‬ ‫بعملية ج�ديد الخ طاب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫لخ‬ ‫ن‬ ‫الــديـن ي ‪ ،‬وملــاذا نج� ِــدد ا طاب الــديـ ي ‪ ،‬ومن الــذي تقع عىل‬ ‫ق‬ ‫عات�م هذه املسؤو َّلية؟ وهل الخ طاب ن‬ ‫الدي� قابل للتجديد؟‬ ‫ي‬ ‫َّ ت ّ‬ ‫َّ‬ ‫التنو� ّي ي ن�‬ ‫احلوارية ُع ِق َدت ب� ّقر الرابطة‬ ‫الندوة‬ ‫العربية لل� بوي ي ن� ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف ي� العامصة معان‪ ،‬ض‬ ‫واملهتم ي ن�‪.‬‬ ‫كب� من الشباب‬ ‫وح�ها عدد ي‬ ‫العربية للتربويّني التنويريّني تلتقي‬ ‫الرابطة‬ ‫َّ‬ ‫وزير التربية والتعليم األردين‪:‬‬

‫قام أعضاء من املكتب‬ ‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫التنفيذي للرابطة‬ ‫التنو� يي�‪،‬ن‬ ‫تلل� ي ن‬ ‫بوي�‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫الثال�ء ‪ 20‬مارس ‪،2018‬‬ ‫ب ز� ي�رة إىل وزارة تال� بية‬ ‫أ‬ ‫الردنـ َّـيــة‪ ،‬ق‬ ‫الت�‬ ‫والتعل�‬ ‫ي‬ ‫ـال الدكتور‬ ‫خالهلا مــعـ ي‬ ‫ت‬ ‫وز� ال� بية‬‫معر الــرزاز ي‬

‫‪68‬‬

‫أ‬ ‫والتعل� السبق‪ -‬حيث جرى االتعريف ب�لرابطة من حيث النشأة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تقوم بتنفيذها‪ ،‬خصوصا‬ ‫واملأسسة ب� إلضافة إىل بال� جام والنشطة ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫التنو�ي ت‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫بقضا� تال� بية‬ ‫ال� ت� ت ّ�‬ ‫مج ةل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والتعل� ي� العامل ب ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املستقبلية‪،‬‬ ‫ب� إلضافة إىل استعراض خطة معل الرابطة ومشاريهعا‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املستقبلية‪.‬‬ ‫وسياسا�ا‬ ‫والتعرف عىل تو ّ�ج ات وزارة تال� بية‬ ‫َّ أ‬ ‫املد� التنفيذي للرابطة‪ ،‬عىل َّ‬ ‫أمهية‬ ‫امك أكد الستاذ عبيدة فرج هللا‬ ‫ي‬ ‫أ ف‬ ‫العمل ت‬ ‫املش�ك مع الوزارة ب�عتبارها الفاعل الول ي� منظومة تال� بية‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫املد�‬ ‫والتعل� ي� الردن‪ ،‬وأعرب عن‬ ‫ي‬ ‫استعداد منظمات املج تمع ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫والتعل� ّملد يد العون ش‬ ‫وال�اكة للوزارة‪.‬‬ ‫بية‬ ‫ال�‬ ‫ال‬ ‫�‬ ‫الناشطة‬ ‫ي مج‬ ‫ي‬ ‫تدريب «املواطنة احلاضنة للتن ّوع الثقايف والديين» ‪:‬‬

‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫بدمع من الرابطة‬ ‫ّ‬ ‫تلل� ّ‬ ‫التنو� ي ي ن� ‪،‬‬ ‫بوي ي ن�‬ ‫ي‬ ‫عقد مركز حاكية لتنمية‬ ‫املج تمع املـ ن‬ ‫ـد� ب�لتعاون‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫أد�ن‪ ،‬ب��نمج ــا‬ ‫مع مركز ي‬ ‫تــدريــبــيــا «املــواطــنــة‬ ‫ف‬ ‫الثقا�‬ ‫احلاضنة للتنوع‬ ‫ي‬

‫والدي�»؛ وهو ب� ن� جم تدري� يساعد الشباب عىل ف�مهم ت‬ ‫ن‬ ‫لذوا�م‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ب� ن‬ ‫للخر تو� ي ز‬ ‫ف� احلوار والتفاعل احلضاري ي ن‬ ‫و�مهم‬ ‫مكو�ت‬ ‫آ‬ ‫املج تمع ف� سياق احلياة َّ‬ ‫العامة‪ ،‬واعتبار ش‬ ‫ال�اكة مع املواطن الخر‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫غ‬ ‫ف‬ ‫والدي� إ ن‬ ‫ن‬ ‫ث� جزءا من معلية بناء‬ ‫الثقا�‬ ‫عىل الر� من اختالفه‬ ‫ي‬ ‫وال ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الذات َّ‬ ‫ال ّ‬ ‫الفردية واملج َّ‬ ‫ردنية ّمعان‪،‬‬ ‫أق� ي� العامصة‬ ‫تمعية‪ .‬التدريب ي‬ ‫يخ‬ ‫تدري� واحد لك أسبوع‪.‬‬ ‫بتار� ‪ 2018/3/13‬وملدة ش�ر‪ ،‬بواقع يوم‬ ‫بي‬ ‫عملا َّأن َّ‬ ‫أد�ن قامت ب إ�عداد ن‬ ‫التدري� هلذا بال� ن� جم‬ ‫امل�اج‬ ‫مؤسسة ي‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫لخ‬ ‫نس العتوم‪.‬‬ ‫الذي قدمته لك من الستاذة سارة ا شاب والستاذة � ي‬


‫ندوة حواريّة مع ّ‬ ‫املفكر السوري حممد شحرور‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫أقامت الرابطة‬ ‫ّ‬ ‫تلل� ّ‬ ‫التنو� ي ي ن�‪،‬‬ ‫بوي ي ن�‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫الــــثــــا�ء ‪ 24‬نــيــســان‬ ‫ف‬ ‫‪ ،2018‬ي� ّ‬ ‫مقر الرابطة‬ ‫أ‬ ‫ال َّ‬ ‫ردنية ّمعان‪،‬‬ ‫ب�لعامصة‬ ‫َّ‬ ‫نــدوة حــواريــة للدكتور‬ ‫ش‬ ‫حممد �ــرور تناول يف�ا‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫املدنية‬ ‫الــــدول‬ ‫مـ فـهــوم‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ـد� ش‬ ‫الـ ت‬ ‫الب�ي‪ ،‬امك‬ ‫ـ� َّأسهسا الرسول واكنـ‬ ‫ـت بداية للحمك املـ ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن ّ ف‬ ‫ق‬ ‫تطبي�ا‬ ‫ونتا�ها عند‬ ‫تناول أسس م�‬ ‫جيته ي� ت�ويــل النص ئج‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ال� � ُّص الفكر ن‬ ‫َّ ت‬ ‫تمع‪.‬‬ ‫عىل بعض‬ ‫ي‬ ‫الدي� املج ي‬ ‫ي‬ ‫القضا� الج دلية ي‬ ‫أ‬ ‫افتتح الــنــدوة الســتــاذ عبيدة فــرج هللا الرئيس التنفيذي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫َّ‬ ‫العملية‬ ‫س�ته‬ ‫ملفكر السوري‪ ،‬ومستعرضا ي‬ ‫معرفا ب� ِ‬ ‫للرابطة؛ ِ‬ ‫ش‬ ‫ث‬ ‫َّ‬ ‫وإ�ــازاتــه‪ � ،‬قــام الدكتور�رور بعرض قـراءتــه املعارصة‬ ‫نج‬ ‫ت ت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وال� �كن من الوصول يإل�ا ب�الع�د عىل اللسانيات‬ ‫للنص‪ ،‬أي‬ ‫َّ‬ ‫احلديثة والرضية املعرفية املعارصة‪ .‬وقد حوت هذه الملحة‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫تتألف من ن‬ ‫عل�ا نم�جيته ت‬ ‫الســس ت‬ ‫امل�ج‬ ‫الــ�‬ ‫الــ� تقوم ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وامل�ج الفكري ّ‬ ‫املتبع ف� التعامل مع نز‬ ‫اللغوي ن‬ ‫احلك�‪.‬‬ ‫الت� يل‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫ال ــن ــدوة حــرض هــا عـــدد كــبـ يـر مــن الــشــبــاب واملــهــتـ ّـمـ ي ن‬ ‫ـ�‬ ‫ن ف‬ ‫ـو� الــديــن ي ‪ ،‬امك أجــاب الدكتور‬ ‫والــفــاعــلـ ي‬ ‫ـ� ي� مج ــال الــتــنـ ي‬ ‫ش‬ ‫�ة‬ ‫ت‬ ‫حمــمــد �ـــــرور ع ــى أس ــئــ احل ــض ــور واســتــفــســارا�ــم‪.‬‬ ‫ن ــدوة “الـفـكــر اإلســامــي الـتـنــويــري وحتـ ّـديــات الـعـصــر”‬ ‫يف تونس‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫نظمت الرابطة‬ ‫ّ‬ ‫ت ّ‬ ‫ن‬ ‫التنو� ي ي� ندوة‬ ‫لل� بوي ي ن� ي‬ ‫سالم‬ ‫بعنوان‬ ‫“الفكر إال ّ ي‬ ‫ت‬ ‫ـو�ي و�ــــــد ي�ت‬ ‫ال ــت ــن ـ ي‬ ‫الــعــر” ب�لــتــعــاون مع‬ ‫مــركــز دراســــة إالســـام‬ ‫والد�قر ّ‬ ‫اطية‪ ،‬السبت ‪12‬‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫نز‬ ‫مايو‪ ،2018‬ب�ل النوفو�ل‬

‫ف‬ ‫للد�قراطية ي� تونس‪ ،‬والاكتب‬ ‫شواكت رئيس املهعد‬ ‫العر� ي‬ ‫بي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫الشوا� ‪/‬‬ ‫وسل�ن‬ ‫وأستاذ‬ ‫ي‬ ‫القوما�‪ ،‬ي‬ ‫التفك� إال ي‬ ‫سالم حممد ف ي‬ ‫أ ي‬ ‫سالم العىل‪.‬‬ ‫أستاذ سابق ب ج�امعة الزيتونة و عضو ي� املج لس إال ي‬ ‫الــراب ـطــة ت ـش ــارك يف مــؤمتــر الـنـهـضــة ال ـعــربـ َّـيــة؛ جتــديــد‬ ‫الرسالة احلضاريَّة‪:‬‬

‫شـــاركـــت الــرابــطــة‬ ‫الــعــربـ ّـيــة لــلـ تـر بـ ّ‬ ‫ـويـ ي ن‬ ‫ـ�‬ ‫ّ ن ف‬ ‫تنظ�‬ ‫ـو� يـ ي‬ ‫ـ� ي� ي‬ ‫الــتــنـ ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫وإقامة مؤ�ر “ال�ضة‬ ‫َّ ت‬ ‫ة‬ ‫الرسال‬ ‫العربية؛ ج�ديد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫احلضارية” الذي نظمته‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية‬ ‫منظمة نال�ضة‬ ‫للد�قر َّ‬ ‫اطية والتنمية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫و� ش‬ ‫ال َّ‬ ‫لـــراكـــة مــع مكتبات‬ ‫ب�عــايــة الج ــامــعــة‬ ‫ردنـــيـــة ب‬ ‫أ‬ ‫َّ ف‬ ‫العر�‬ ‫بــروت ومنتدى‬ ‫الج امعة المـ يـركــيــة ي� ي‬ ‫الفكر أ ب ي‬ ‫ّ ن ف‬ ‫َّ ت ّ‬ ‫ـ� ي� الردن‪.‬‬ ‫والرابطة‬ ‫ـو� يـ ي‬ ‫العربية لل� بوي ي ن� الــتــنـ ي‬

‫واكن لرئيس مج لس أمــنــاء الـرابــطــة الــدكــتــور احملبوب‬ ‫عبدالسالم مشاركة ّقيمة بورقة ب� ّثية محلت عنوان ش‬ ‫(م�وع‬ ‫ت‬ ‫االس�اتيجيات والسياسات)‪،‬‬ ‫ن�ضة عربية إنسانية؛‬ ‫ّ‬ ‫ب� إلضافة ملشاركة الفريق التنفيذي للرابطة ب�ختيار املفك ي ن‬ ‫ر�‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫املتخص ي ن‬ ‫ص� ب�لفكر ن‬ ‫الدي� ليشاركوا ي� الج زء ال بك� من‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ن ف‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫الدي� ي� املنطقة‬ ‫املؤ�ر املتعلق ب إ�صالح الفكر‬ ‫ي‬ ‫املـ ت‬ ‫ـؤ�ــر الــذي عقد عــى مــدار يــومـ ي ن‬ ‫ـ� (‪ )26،25‬بأ� يــل‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ال ّ‬ ‫املفك ي ن‬ ‫ر�‬ ‫ردنية ‪� ،‬ج ع نخ�بة من كبار‬ ‫‪ ،2018‬ي� العامصة‬ ‫ّ‬ ‫والناشط� وممثل املج تمع املـ ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫ـد� واحلكومة‬ ‫والباحث�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫لتقد� ت‬ ‫لخ ّ‬ ‫ي‬ ‫مق�ح‬ ‫العر�؛‬ ‫والقطاع ا اص من الردن ُّوالعامل ن ب ي‬ ‫“ال�ضة” والذي يستمد ّ‬ ‫شمل�وع ن‬ ‫مكو�ته من دراسة معيقة‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫“ال�ضة” خ‬ ‫و�ـــارب ن‬ ‫املتلفة ي� العامل‪.‬‬ ‫وشامل لخ بــرات ج‬

‫بتونس العامصة‪ .‬الندوة ت‬ ‫االدريس من‬ ‫ال� أدارها الدكتور حمرز‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َّ ت ّ‬ ‫التنو� ّي ي ن� ‪ ،‬و� ّدث يف�ا لك من السيد‬ ‫الرابطة‬ ‫العربية لل� بوي ي ن� ي‬ ‫ف‬ ‫وز� الشؤون الدينية ي� تونس سابقا‪ ،‬والسيد خالد‬ ‫من�‬ ‫ي‬ ‫التليل ي‬ ‫ي‬

‫‪69‬‬


‫ﺍﳌﺆﺳﺲ ﻭﺍﳌﺮﺟﻊ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻟﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﻫﺪﺍﻳﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻭﻟﻠﺒﺸﺮ َﻳّﺔ‪ ،‬ﻭﺑﻪ ﺧﺘﻤﺖ ﺍﻟﻨﺒ ّﻮﺍﺕ‪.‬‬ ‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﺺ ِّ‬ ‫ﺟﺴ َﺪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﳏﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﰲ ﺳ َّﻨﺘﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﱘ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ﻛﺒﻘﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮ َﻳّﺔ‬ ‫ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻔﻴﺪﺓ ﳏﺘﺮﻣﺔ‬ ‫ﺗﺮﺍﺙ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻭﺗﺎﺭﳜﻬﻢ ﻭﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍ‪‬ﻢ ﻫﻲ ﲡﺮﺑﺔ‬ ‫َّ‬ ‫ﻭﻣﻬﻤﺔ‪ ،‬ﺇﻻ ﺃ‪‬ﺎ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ﻇﺮﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻏﲑ ﻣﻠﺰﻣﺔ‪.‬‬ ‫ﳏﻜﻮﻣﺔ ﺑﺄ‪‬ﺎ ﻧﺎﻗﺼﺔ‪َّ ،‬‬ ‫ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﰲ ﻓﻬﻤﻬﻢ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺴﲑﺓ ﻭﺍﳊﺪﻳﺚ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺙ‪ ،‬ﻭﳜﺘﻠﻒ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﰲ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍ‪‬ﻢ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ‬ ‫ﻇﺮﻭﻓﻬﻢ ﻭﻋﻠﻮﻣﻬﻢ‪ .‬ﻭﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﳛﺘﻜﺮ ﺃﻭ ﳛﺼﺮ ﺃﻭ ﻳﻘﺼﺮ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻩ ﻭﻳﻜ ِّﻔﺮ ﻣﻦ ﺳﻮﺍﻩ؛ ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ‬ ‫ﻓﺮﺩ‪ ،Ý‬ﺃﻭ ﻓﺌﺔ‪ ،‬ﺃﻭ َّﺃﻣﺔ‪.‬‬ ‫ﺗﺮﺍﺛﻴﺔ‬ ‫)ﺩﻳﻨﻴﺔ‬ ‫ﺗﺪﻋﻲ ﺍﺣﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺗﻌﻄﻲ‬ ‫ﻭﻣﺬﻫﺒﻴﺔ( ﻭﻣﻨﺎﻫﺞ َّ‬ ‫ﺗﻔﺮﻕ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﺧﺴﺮﻭﺍ ﺍﻟﻜﺜﲑ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺼﺒ ّﻴﺎﺕ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ّ‬ ‫ﺑﻘﻴﺔ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ‪.‬‬ ‫ﺣﻖ ﺍﻟﺘﺴﻠﻂ ﻭﻓﺮﺽ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ َّ‬ ‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻮﺣﻴﺪ‬ ‫ﻣﺘﻨﻮﺭﺓ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺍﳊﻀﺎﺭﺓ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ﺗﺸﺘﺪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﺇﱃ ﻳﻘﻈﺔ ﻭ‪‬ﻀﺔ ِّ‬ ‫ﺍﳌﺘﻄﺮﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺎﺭﺳﻪ ﺍﻟﻐﻼﺓ ﻭﺍﳉﻬﻠﺔ‪.‬‬ ‫ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻭﺗﺰﻛﻴﺘﻬﻢ ﻭﲪﺎﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ‬ ‫ِّ‬

‫ﻭﺃﺻﻠﺖ ﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺣﻘﻮﻗﻪ ﻭﺣﺪﻭﺩﻩ‪.‬‬ ‫ﻫﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﱵ ﺃﺳﺴﺖ ﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺣﺮﻣﺔ ﺍﳊﻴﺎﺓ‪ّ ،‬‬ ‫ﻫﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﱵ ﺩﻋﺖ ﺇﱃ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﻑ ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﻭﺍﳊﻮﺍﺭ ﻭﺍﳊﻜﻤﺔ ﻭﺍﳉﺪﻝ ﺑﺎﻟﱵ ﻫﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﻭﺃﻛﺪﺕ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺎﻻﺧﺘﻼﻑ‪.‬‬ ‫ﻫﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﱵ ﺃﺳﺴﺖ ﳊﺮﻳﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﰲ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺣﻘﻪ ﰲ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﺣﺼﺮ ﺣﺴﺎﺑﻪ‬ ‫ﻋﻨﺪ ﺍﷲ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻵﺧﺮﺓ‪.‬‬ ‫ﻫﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﱵ ﺃﻣﺮﺕ ﺑﻄﻠﺐ ﺍﳊﻖ ﺑﺎﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺘﺪﺑﺮ ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ‬ ‫ﻭﺍﻻﻫﺘﺪﺍﺀ ﺑﺎﻵﻳﺎﺕ ﻭ‪‬ﺖ ﻋﻦ ﻃﻠﺐ ﺍﳊﻖ ﺑﺎﻻﻧﻘﻴﺎﺩ ﳌﺎ )ﻭﺟﺪﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺁﺑﺎﺀﻧﺎ ( ﻭﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ ﻟﻠﻜﱪﺍﺀ ﻭﺍﻟﺴﺎﺩﺓ‪.‬‬ ‫”ﻛﻠﻤﺔ ﺳﻮﺍﺀ“ ﺍﻟﱵ ﳓﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﰲ ﺃﺷﺪ ﺍﳊﺎﺟﺔ ﳍﺎ ﻟﺘﺒ ّﻨﻴﻬﺎ‬ ‫ﻫﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﱵ ﺩﻋﺖ ﺇﱃ ﺇﳚﺎﺩ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﺍﳌﺸﺘﺮﻙ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﺪ ‪‬ﺎ ﺇﱃ ﺍﷲ ﻭﺣﺪﻩ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻻ ﻧﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺃﺭﺑﺎﺑﺎ ﻳﻜﻔﺮ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻋﻨﺪ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ‬ ‫ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻨﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻧﺸﻬﺪ ﻟﺒﻌﻀﻨﺎ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ‪.‬‬ ‫ﻫﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﱵ ﺩﻋﺖ ﻻﺳﺘﻨﻬﺎﺽ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺘﺪﺍﻓﻊ ﻭ ﻟﻠﺘﺂﻟﻒ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﺍﻻﻧﺴﺠﺎﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺘﺄﺻﻴﻞ‬ ‫ﺍﳉﻬﺎﻟﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ﻟﻼﻧﺪﻓﺎﻉ ﻟﻠﺼﺪﺍﻡ ﻭﺍﳌﻌﺎﺩﺍﺓ‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫ﺍﻟﺮﺍﺑﻄـﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴـﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻮﻳﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳﻴﻦ‬ ARAB ASSOCIATION FOR ENLIGHTENED MUSLIM EDUCATORS

An Independent space and platform which supports the active institutions and projects in the field of religious enlightenment, that have educational and training programs, in the MENA region. The Association provides technical and media support for these institutions and projects, it also helps them to promote their mission. On an other face it provides a regional and international relations network to build their capacities in making and spreading the enlightened speech to transform it into a public culture. The word Educators refers to the institutions, projects, and individuals that develops effective educational programs, which aims to deliver the enlightening materials to the different segments of the society, through holding trainings, and internalizing them in the everyday culture of the individual and the society. The word Enlightened refers to the muslims who look for presenting a new answers for the questions and challenges of today. Either related to the beliefs, or the political, economic, educational, and civilizational aspects. While depending on the enlightenment values, which the Qur'an emphasized on, which established the foundations for human dignity, freedom, and rights. It called for the meeting and dialogue between the mankind. This was for the deep thinking, asking, and seeking for truth and wisdom, while recognizing the Muslims’ heritage and history as a beneficial, respected, and important human experience. However - as any other human experience - it is locative and noncommittal.

The association aims to: Exchanging experiences and visions between the members, arranging the efforts, and giving advices for them; Establishing working teams, and specialized projects for supporting the educational enlightened platforms, and amplifying their voices; Making an annual comprehensive evaluation for the members’ speeches, and capacities, for the purpose of enhancing them; Observing and counting the compatible projects with the values, vision, principles, and aims of the association and to contact them; Building partnerships with local, regional, and international interested institutions, and individuals, thus contributing to achieving the association targets; Working on improving the levels of trainings in the field of education and enlightening, through developing a high efficiency training materials and programs; Contributing in improving the quality of producing advertising and media materials, to enhance and improve the speeches of religious enlightenment, which is compatible with the association principles, especially in the educational frames.

71


‫ﻣﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ؟‬ ‫"ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ"‪...‬‬ ‫ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺘﻠﻚ ﺍﳉﺮﺃﺓ ﻟﻴﺴﺄﻝ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ‪..‬‬ ‫ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺘﻠﻚ ﺍﻟﺸﻐﻒ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﺇﺟﺎﺑﺎﺕ ﺃﺻﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻣﻨﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺧﱪﺓ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﺻﺎﺩﻗﺔ‪ ،‬ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ‬ ‫ﻣﺘﺮﺍﻛﻤﺔ‪..‬‬

‫"ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ"‪...‬‬ ‫ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺘﻠﻚ ﺭﻭﺡ ّ‬ ‫ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﺍﳌﺴﺘﻤﺮ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻭﺍﻟﻨﻀﺞ ﻭﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﺬﺍﺕ‪..‬‬

‫"ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ"‪...‬‬ ‫ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﲣﻴﻔﻪ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻜﺎﰲ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺎﻥ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ‪ ،‬ﲝﻴﺚ‬ ‫ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﻭﻣﻌﺘﻘﺪﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ‪..‬‬

‫"ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ"‪...‬‬ ‫ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﲔ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻪ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ ﺍﳌﻨﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺧﱪﺗﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺑﲔ‬ ‫ﺇﻣﻼﺀﺍﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﺍﳌﺪﻋﻮﻣﺔ ﺑﺎﻟﻀﻐﻂ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﺜﻘﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﳜﻲ‪..‬‬

‫"ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ"‪...‬‬ ‫ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻓﺾ ﺍﻹﳝﺎﻥ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭ ﺃﺧﺮﻯ‪،‬‬ ‫ﻭﺇﳕﺎ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﺋﻞ ﻣﺴﻠﻤﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻓﻬﻮ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﲢﻮﻝ ﻭﺗﻄﻮﺭ‬ ‫ﻣﺴﺘﻤﺮ‪..‬‬

‫"ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ"‪...‬‬ ‫ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﳎﺘﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺇﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﺎﳌﺴﺆﻭﻟﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺇﺣﺴﺎﺳﻪ‬ ‫ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﱄ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﺎﻟﺪﻭﻧﻴﺔ ‪..‬‬

‫"ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ"‪...‬‬

‫ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻻﺅﻩ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻭﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﻓﻘﻂ‬ ‫ﻣﻌﺎ‪ً..‬ﺍ‬ ‫ﻓﺎﻟﻮﻻﺀ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﻹﳝﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ً‬ ‫‪www.Altanweeri.net‬‬ ‫‪info@Altanweeri.net‬‬

‫‪Amman - Jordan - P.O.Box: 2464, Zip Code: 11910‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.