اﳉﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
اﳉﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﺗﺄﻟﻴﻒ رﻓﻴﻖ اﻟﻌﻈﻢ
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ رﻓﻴﻖ اﻟﻌﻈﻢ
رﻗﻢ إﻳﺪاع ٢٠١٤ / ٨٤٤٢ ﺗﺪﻣﻚ٩٧٨ ٩٧٧ ٧١٩ ٨١٣ ٤ : ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ٨٨٦٢ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠١٢ / ٨ / ٢٦ إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره وإﻧﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ ٥٤ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ ،ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ،١١٤٧١اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺎﻛﺲ+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ : ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ : اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhindawi@hindawi.org : املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttp://www.hindawi.org : ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :وﻓﺎء ﺳﻌﻴﺪ. ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺼﻮرة وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ملﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻷﺧﺮى ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. Cover Artwork and Design Copyright © 2016 Hindawi Foundation for Education and Culture. All other rights related to this work are in the public domain.
ﺑﺎﺳﻢ ﷲ ﻧﺒﺘﺪئ وﺑﺎﺳﻢ اﻟﺤﻖ واﻟﻌﺪل واﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻧﺸﻔﻊ وﺑﻌﺪ. ﻓﻘﺪ ﻛﺜﺮ ﰲ ﻫﺬه اﻵوﻧﺔ ﻟﻐﻂ اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻷوروﺑﻴﺔ ﰲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وارﺗﻔﻊ ﺻﻮت املﺮﺟﻔني املﻨﺎدﻳﻦ ﺑﺨﻄﺮﻫﺎ اﻟﻌﺘﻴﺪ ﻣﻦ ﻗﺎدة اﻷﻣﻢ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ وأرﺑﺎب اﻟﺤ ﱢﻞ واﻟﻌﻘﺪ ﰲ دول ُ ﻔﺲ ﻣَ ﻴ ًْﻼ إﱃ ﻗﻴﺪﻫﺎ ،وﰲ اﻟﺪﱠواﻋﻲ داﻋﻴًﺎ إﱃ أوروﺑﺎ ،ﻓﺴﻨﺤﺖ ﱄ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺧﻮاﻃﺮ رأﻳﺖ ﰲ اﻟﻨ ﱠ ِ ﻧﴩ ﻣﺎ اﻧﻄﻮى ﰲ اﻟﺼﺪر ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻟﻌ ﱠﻠﻪ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻓﺎﺋﺪة ﻳﻨﺸﺪﻫﺎ ﻃﻼب اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﻳﺴﻜﻦ إﻟﻴﻬﺎ أﻫﻞ اﻹﻧﺼﺎف ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻗﻮ ٍم ﻓﺄﻗﻮ ُل: ﺗﻤﻬﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺪﻳﻬﻲ ﱠ أن اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻃﺒﻴﻌﻲ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻻﻧﺒﻌﺎﺛﻪ ﻋﻦ ﴐورة اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺬي ﻫﻮ ُ ِ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﺤﺎﺟﺎت ،ﻓﻤﻦ اﻻﺛﻨني ﻳﺠﺘﻤﻌﺎن ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻗﻮام ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ،وأﻏﺮاض اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻋﲆ اﻷﻣﺮ اﻟﺤﻘري إﱃ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت ﻳﺠﺘﻤﻌﻮن ﻋﲆ اﻷﻣﺮ اﻟﻜﺒري ،وﻟﻼﺟﺘﻤﺎع ﻧﻈﺎﻣﺎت ورواﺑﻂ وﻫﻲ اﻟﻌﺼﺒﻴﺎت ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺑني اﻟﺒﴩ ،أﻫﻤﻬﺎ اﻟ ﱠﺮواﺑﻂ اﻟﻌﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﻗﻮﻣً ﺎ ٍ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪ ٍة وﻫﻲ راﺑﻄﺔ اﻟﻌﺸرية أو اﻟﺠﻨﺲ أو اﻟﻮﻃﻦ أو اﻟﺪﱢﻳﻦ، أو أﻗﻮاﻣً ﺎ ﻛﺜريﻳﻦ ﻋﲆ واﻻرﺗﺒﺎط ﺑﻬﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟ ﱠﺮواﺑﻂ أو اﻟﻌﺼﺒﻴﺎت ﻣﻦ ﻣُﺴﺘﻠﺰﻣﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت اﻷوﱃ اﻟﺘﻲ ُ ﺗﻜﺎﻓﺆ اﻟﻘﻮى ﺑني اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﺒﴩﻳﺔ املﺪﻓﻮﻋﺔ ﻳﻘﻮ ُم ﺑﻬﺎ ﻧﻈﺎ ُم اﻟﺒﴩ؛ ملﺎ ﻳﱰﺗﱠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ إﱃ اﻟﺘﻐﺎﻟﺐ ﺑﺤﻜﻢ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﻄﻤﻊ املﻔﻄﻮر ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻳُﺸﺒﻪ ﰲ ﻧﻤﻮه اﻟﻨﺒﺎت اﻟﻘﻮي ﻳُﻬﻠﻚ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﺎت اﻟﻀﻌﻴﻒ؛ وﻟﻬﺬا ﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻬ ﱠﺪدًا ﰲ ﻛﻴﺎﻧﻪ ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻊ اﻵﺧﺮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ذا راﺑﻄﺔ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻣُﺘﻜﺎﻓﺌًﺎ ﻣﻌﻪ ﰲ اﻟﻘﻮة ﺗﺮاﻋﻰ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﱢﺴﺒﺔ ﰲ اﻟﻘﻮﱠة ﺑ َ ني اﻟ ﱠﺮاﺑﻄﺘني ،ﻓﻜ ﱠﻠﻤﺎ اﺗﱠﺨﺬ املﺠﺘﻤﻊ راﺑﻄﺔ أوﺳﻊ ﺗﺤﺘﱠﻢ ﻋﲆ اﻵﺧﺮ أن ﻳﺘﱠﺨِ ﺬَ ﻣﺎ
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﻳُﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﺮاﺑﻄﺔ أو اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ — أي ﻋﺼﺒﻴﺔ اﻟﻌﺸرية — أﺿﻌﻒ ﻣﻦ ﻋﺼﺒﻴﱠﺔ اﻟﻮﻃﻦ أو راﺑﻄﺘﻪ ،ﻓﻼ ﻳﺼﺢﱡ أن ﺗُﻘﺎﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،وﻻ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ أوﺳﻊ ﻣﻨﻬﺎ وﻫﻲ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ،وﻻ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ أﻋﻢ ﻣﻨﻬﺎ وﻫﻲ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﺑﻞ ﻛﻞ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﻋﻨﺪ ﻗﻮ ٍم ﺗُﻘﺎﺑﻞ ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻋﻨﺪ آﺧﺮﻳﻦ إذا ُﻫﺪﱢدوا ﺑﺄﻋﻢ ﻣﻦ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﻢ ،وﻣﺜﺎﻟﻪ ﱠ أن اﻷملﺎﻧﻴني أﻗﻮﻳﺎء ﺑﺈزاء اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻀﻢ إﱃ ﻫﺆﻻء ﻛﻞ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ وﻳﺘﻌﺼﺐ ﻟﻠﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني، ُ وﺗﻜﺎﻓﺌِﻬَ ﺎ أن ﻳﺘﻌﺼﺐ ﻟﻸملﺎﻧﻴني ﻛﻞ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺠﺮﻣﺎﻧﻲ ،وﻳﺘﺨﺬ وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﺘﻌﺎدل اﻟﻘﻮة ً ﺷﻜﻼ أوﺳﻊ ﻣﻦ ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻷول. ﻟﺠﺎﻣﻌﺘﻪ ُﻘﺎس ﻣﺎ ﻫﻮ أﻋ ﱡﻢ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟ ﱠﺮاﺑﻄﺔ وﻫﻲ ﻋﺼﺒﻴﱠﺔ اﻟﺪﻳﻦ ،وﻣﺜﺎﻟﻪ ﱠ وﻋﻠﻴﻪ ﻳ ُ أن اﻟﱰك املﺴﻠﻤني ﺿﻌﺎف ﺑﺈزاء اﻷﻣﻢ املﺴﻴﺤﻴﺔ إذا اﻋﺘﺼﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪﱢﻳﻦ ،ﻓﻼﺑ ﱠﺪ ﻟﺘﻜﺎﻓﺆ ﱠ ﻳﺘﻌﺼﺐ ﻟﻠﱰك ﻛﻞ املﺴﻠﻤني ،وﻫﻨﺎك رواﺑﻂ أﺧﺮى وﻫﻲ اﻟﺮواﺑﻂ ﻗﻮﱠﺗﻬﻢ ﻣﻊ ﻫﺆﻻء ﻣﻦ أن اﻟﻮدادﻳﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺪﻋﻴﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ اﺗﺤﺎد املﺼﺎﻟﺢ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮد ﺑني اﻷﻗﻮام ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﻃﺎرﺋﺔ ﻗﺪ ﺗﺤ ﱡﻞ وﺗﺰول ﺑﺰوال أﺳﺒﺎﺑﻬﺎ اﻟﻌﺎرﺿﺔ ،وأﻣﺎ اﻟ ﱠﺮواﺑﻂ اﻷُﺧﺮى ﻻ ﺳﻴﻤﺎ راﺑﻄﺔ اﻟﺠﻨﺲ واﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﺈﻧﱠﻬﺎ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮد ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﻧﺤﻼﻟﻬﺎ إﻻ ﺑﺎﻧﺤﻼل ُ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺪﱢﻳﻨﻴﺔ ،وﻧﻘﻮل ﺗﻠﻴﻬﻤﺎ ﻫﺬه اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ؛ اﻟﻘﻮم ا ُملﻨﺘﺴﺒني إﻟﻴﻬﺎ ،وﻳﲇ ﻫﺎﺗني ﰲ املﻨﺰﻟﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻧﺎدرة اﻟﻈﻬﻮر ﺑني اﻷﻣﻢ وﻻ ﻳُﻠﺠﺄ ُ إﻟﻴﻬﺎ إﻻ ﺣني اﻟﴬورة اﻟﻘﺼﻮى ،وﻗ ﱠﻞ ﻣﺎ ﺟﻤﻊ اﻟﺪﱢﻳﻦ ﻛﻠﻤﺔ أﻫﻠﻪ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﻢ إﻻ ﰲ ﱠ اﻟﺸﺎذﱢ اﻟﻨﱠﺎدر اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﰲ اﻟﻌﻮاﻃﻒ دُون اﻟﻔﻌﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻳﺘﺄ ﱠﻟﻢ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﻐﺮب ملﺴﻠﻢ اﻟﴩق إذا أُﺻﻴﺐ ﺑﻤﺼﻴﺒﺔ ﻛﱪى ،ﻓﻼ ﻳﺘﻌﺪﱠى ﺗﺄ ﱡﻟﻤﻪ ﻫﺬا داﺋﺮة اﻟﺸﻌﻮر، وﻫﺬا اﻹﺳﻼم ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻊ ﺣﻀﻪ أﻫﻠﻪ ﻋﲆ اﻟﺘﻌﺎون واﻹﺧﺎء ﻛﻤﺎ ﺳﻨ ُ ﱢ ُ ﺒني ﺑﻌ ُﺪ ﻧﺮاﻫﻢ ﻛﺎﻧﻮا أﻗ ﱠﻞ اﻷﻣﻢ اﺟﺘﻤﺎﻋً ﺎ ﻋﲆ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺪﱢﻳﻦ إﻻ ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز ﻋﻬﺪ اﻟﻨﺒﻮة ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﻢ اﺟﺘﻤﺎع ﻋﲆ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺘني أﺑﻲ ﺑﻜﺮ وﻋﻤﺮ ،وﻣﻦ ﺛﻢ أﺧﺬت ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻔﺮق واﻻﻧﻘﺴﺎم وﺣ ﱠﻠﺖ ﻣﺤﻠﻬﺎ اﻟﻌﺼﺒﻴﺎت اﻷﺧﺮى ،ﻓﻠﻢ ﻳﻠﺘﺌﻢ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻟﻬﻢ ﺻﺪع ،وﻟﻢ ﺗﻀﻤﻬﻢ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪﱢﻳﻦ ﺣﺘﱠﻰ ﰲ إﺑﺎن املﺼﺎﺋﺐ اﻟﻜﱪى اﻟﺘﻲ ﺣ ﱠﻠﺖ ﰲ ﺳﺎﺣﺔ اﻹﺳﻼم ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﻣُﻘﺘﻀﺎﻫﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ﻋﲆ راﺑﻄﺔ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻌﻠﻮا ،وﺳﺒﺒﻪ ﺣﻜﻢ اﻷﻓﺮاد اﻟﺬي ﺑﺴﻂ ﻳﺪه اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﺑﻌﺪ دوﻟﺔ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ ﻓﻔ ﱠﺮﻗﻬﻢ ﺑﺘﻔ ﱡﺮق أﻫﻮاء أوﻟﺌﻚ اﻟﺠﺒﱠﺎرﻳﻦ وأذﻫﻠﻬﻢ ﺣﺘﱠﻰ ﻋﻦ أواﻣﺮ دﻳﻨﻬﻢ املﺒني وﻗﺎﻧﻮﻧﻪ اﻟﺠﺎﻣﻊ ملﺼﺎﻟﺢ اﻟﻨﱠﺎس أﺟﻤﻌني. وﻫﺬه اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺛﺎر ﻧﺎرﻫﺎ ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي اﻟﻌﴩ ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ اﻟ ﱠﺮاﻫﺐ ﺑﻄﺮس اﻟﻨﺎﺳﻚ واﻟﺒﺎﺑﺎ أورﺑﺎﻧﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﻤﻊ اﺳﺘﻤﺮار ﻫﺬه اﻟﺤﺮوب ُﻣﺪﱠة ﺗﺰﻳ ُﺪ ﻋﻦ ﺟﻴﻠني ،ﱠ ﻓﺈن املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ أﻧﺸﻂ ﰲ ﺟﻤﻊ ﻛﻠﻤﺔ أﻫﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻹﺳﻼم ،وﻟﻢ ﻳﻌﻬﺪ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻠﻚ 6
اﻟﺤﺮوب اﺟﺘﻤﺎع ﻟﻜﻠﻤﺔ املﺴﻠﻤني ﻛﻤﺎ اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻛﻠﻤﺔ املﺴﻴﺤﻴني ،ﺑﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﻬﺪ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﱠ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻧﻮر اﻟﺪﻳﻦ زﻧﻜﻲ أﻣﻜﻨﻪ ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ وﺟﻤﻴﻞ ﺷﻴﻤﻪ وﺣﺴﻦ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ أن ﻳﺠﻤﻊ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﱢﻳﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺮاء اﻷﺗﺎﺑﻜﻴﺔ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة وﺳﻮرﻳﺔ ﺳﻨﺔ )٥٥٩ﻫ( ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻻﻗﻰ ﻣﻦ ﺟﻴﻮش اﻟﺼﻠﻴﺐ ﴐوب اﻟﻘﻬﺮ وأﴍﻓﺖ دوﻟﺘﻪ ﻋﲆ ﺷﻔﺎ اﻟﺴﻘﻮط ،وﺑﻌﺪ أن أﺧﺬ ﻳُﻜﺎﺗِﺐُ اﻟﻌُ ﺒﱠﺎد واﻟ ﱡﺰ ﱠﻫﺎد ﻣﻤﱠ ﻦ ﻟﻬﻢ ُﺳﻠﻄﺔ ُروﺣﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﻔﻮس اﻟﻌﺎﻣﱠ ﺔ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻣُﺴﺘﻨﺠﺪًا ﺑﻨﻔﻮذﻫﻢ ﻣُﺒﻴﱢﻨًﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ وﺻﻞ إﻟﻴﻪ إﺧﻮاﻧﻬﻢ املﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ اﻟﻀﻨﻚ وﻣﺎ ﻳﺘﻬﺪدﻫﻢ ﻣﻦ ﺧﻄﺮ اﻻﺿﻤﺤﻼل اﻟﻌﺎﺟﻞ ،ﻓﺄﻧﺠﺪه ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺑﻌﺾ أﻣﺮاء اﻟﺠﺰﻳﺮة. ﺑﻞ ﱠ إن ﻫﻨﺎك ﻛﺎرﺛﺔ أﻋﻈﻢ وﻣﺼﻴﺒﺔ أﻛﱪ وأﻋﻢ ﺣ ﱠﻠﺖ ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن ﱠ اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي ﺑﺎﻟﴩق اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﻓﻌﻔﺖ ﺑﻬﺎ آﺛﺎره وﺗﺪاﻋﻰ ﻋﻤﺮاﻧﻪ ،وﺗﻀﺎءﻟﺖ دوﻟﻪُ ، وﻗﴤ ﻋﲆ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﻋﺮوس أﻗﻄﺎره وﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﻠﻜﻪ ،أﻻ وﻫﻲ ﻫﺠﻤﺎت اﻟﺘﺘﺎر اﻟﺬﻳﻦ ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ أﻗﴡ اﻟﴩق ﻓﻐﺰوا املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺨﻴﻠﻬﻢ ورﺟﻠﻬﻢ ،وﻗﺼﺪوا اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ ﺑﻘﻀﻬﻢ ٍ ﻧﺎر ﻳﻠﺘﻬ ُﻢ ﻛ ﱡﻞ ﻣﺎ أﺗﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﴬاء واﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ﺣﺘﻰ وﻗﻀﻴﻀﻬﻢ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻛﺸﻮاظ ﻣﻦ ٍ ﺑﻠﻐﻮا ﺳﻮرﻳﺔ وآﺳﻴﺎ اﻟﺼﻐﺮى ،وإﻟﻴﻚ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﺑﻦ اﻷﺛري ﰲ ﺣﻮادث ﺳﻨﺔ )٦١٧ﻫ( ﰲ ﻣُﻘﺪﱢﻣَ ﺔ ﻛﻼﻣﻪ ﻋﲆ ﻛﺎرﺛﺔ اﻟﺘﺘﺎر؛ ﻟﺘﻌﻠﻢ ﻣﺒﻠﻎ ﻓﻌﻠﻬﺎ ﰲ املﺴﻠﻤني وﻗﺒﻴﺢ أﺛﺮﻫﺎ ﰲ اﻟﺒﻼد ،ﻗﺎل: ﺑﻘﻴﺖ ﻋﺪﱠة ﺳﻨني ﻣ ً ُ ً ﻛﺎرﻫﺎ ﻟﺬﻛﺮﻫﺎ، ُﻌﺮﺿﺎ ﻋﻦ ذﻛﺮ ﻫﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﺳﺘﻌﻈﺎﻣً ﺎ ﻟﻬﺎ ﻟﻘﺪ ُ ُ ُ ﱢ ً ﻓﺄﻧﺎ أﻗﺪم إﻟﻴﻪ ِرﺟﻼ وأوَﺧ ُﺮ أﺧﺮى ﻓﻤﻦ اﻟﺬي ﻳَﺴﻬُ ﻞ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻜﺘﺐ ﻧﻌﻲ اﻹﺳﻼم واملﺴﻠﻤني ،وﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﻬﻮن ﻋﻠﻴﻪ ذﻛﺮ ذﻟﻚ ،ﻓﻴﺎﻟﻴﺖ أُﻣﱢ ﻲ ﻟﻢ ﺗﻠﺪﻧﻲ وﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ ِﻣ ﱡﺖ ُ وﻛﻨﺖ ﻧﺴﻴًﺎ ﻣﻨﺴﻴٍّﺎ ،ﱠإﻻ أﻧﱢﻲ ﺣﺜﱠﻨﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻋﲆ ﺗﺴﻄريﻫﺎ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا وأﻧﺎ ﻣُﺘﻮ ﱢَﻗ ٌ ﻒ ،ﺛ ُ ﱠﻢ رأﻳﺖ ﱠ أن ﺗﺮ َك ذﻟﻚ ﻻ ﻳُﺠﺪي ﻧﻔﻌً ﺎ ﻓﻨﻘﻮ ُل :ﻫﺬا اﻟﻔﻌﻞ ﻳﺘﻀﻤﱠ ُﻦ ذﻛﺮ اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﻌُ ﻈﻤﻰ وا ُملﺼﻴﺒﺔ اﻟﻜﱪى اﻟﺘﻲ ﱠ ﻋﻘﺖ اﻷﻳﱠﺎم واﻟﻠﻴﺎﱄ ﻋﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ،ﻋﻤﱠ ﺖ اﻟﺨﻼﺋﻖ وﺧﺼﺖ املﺴﻠﻤني ،ﻓﻠﻮ ﻗﺎل ﻗﺎﺋ ٌﻞ ﻣُﺬ ﺧﻠﻖ ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ آدم إﱃ ً ﺻﺎدﻗﺎ ،ﱠ ﻓﺈن اﻟﺘﻮارﻳﺦ ﻟﻢ ﺗﺘﻀﻤﱠ ﻦ ﻣﺎ ﻳُﻘﺎرﺑﻬﺎ وﻻ ﻣﺎ اﻵن ﻟﻢ ﻳُﺒﺘﻠﻮا ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ﻟﻜﺎن ﻳُﺪاﻧﻴﻬﺎ. َﺻ َ إﻟﺦ ﻣﺎ و َ ﻒ ﺑﻪ ﻫﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ. وأﻧﺖ ﺗﺮى أﻧﱠﻬﺎ ﺣﺎدﺛﺔ ُﻛﱪى ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻬ ﱢﺪ ُد ﻛﻞ دول اﻹﺳﻼم ﰲ اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ ﺑﺎﻟﺰوال، وﺗُﻨﺬ ُر املﺴﻠﻤني ﺑﺴﻮءِ املﺂل ،وﻗﺪ ﺷﻌﺮوا ﻋﻨﺪ أوﱠل ﺻﺪﻣﺔ ﻣﻦ ﺻﺪﻣﺎت ﻫﺆﻻء اﻟﻬﻤﺞ اﻟﻮﺛﻨﻴني ُ اﻟﻐﺰاة أن ﻻ ﻗِ ﺒَ َﻞ ﻟﻌﺼﺒﻴﺎت اﻟﺪول واﻟﺸﻌﻮب اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻬﻢ ،وﻻ ﻗﻮة ﺗﺼ ﱡﺪ ﺗﻴﱠﺎرﻫﻢ املﺘﺠﻪ 7
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﺻﻮب املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﱠإﻻ ﻗﻮة اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﺘﻲ ﺗُﻘﺎ ِﺑ ُﻞ ﻗﻮﺗﻬﻢ ،وﻟﻢ ﻳ ُﻜﻦ أدﻋَ ﻰ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ملﺜﻞ ﻫﺬا اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻣﺜﻞ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي ﻳﻀ ﱡﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﱡول ا ُملﺘﻔ ﱢﺮﻗﺔ واﻟﻌﺼﺒﺎت ا ُملﺘﻐﺎﻟﺒﺔ ﺑﺤﻜﻢ اﻟ ﱠﺮاﺑﻄﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﻣﻊ ﻫﺬا ﻓﻠﻢ ﻳﺠﻤﻊ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ رأي ،وﻟﻢ ﺗﻘﻞ ﺑﻮﺟﻮب ﱠ اﻟﺴﻌﻲ إﻟﻴﻪ واﻻﻋﺘﺼﺎم ﺑﻪ دوﻟﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول املﺨﺬوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺮأ أﻣﺮاؤﻫﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻬﻢ ا ُملﻨ َ ﱠﺰل ﴿وَاﻋْ ﺘَ ِﺼﻤُﻮا ِﺑﺤَ ﺒ ِْﻞ ِ ﷲ ﺟَ ِﻤﻴﻌً ﺎ و ََﻻ ﺗَ َﻔ ﱠﺮ ُﻗﻮا﴾ ،ﺑﻞ اﻧﻔﺮد ﻛ ﱡﻞ ﻗﻮ ٍم ﺑﻌﺼﺒﻴﺘﻬﻢ ،وزادت ﻛﻞ دوﻟﺔ ﻋﻦ ﺣﻮﺿﻬﺎ ﺑﺴﻼﺣﻬﺎ ﺣﺘﻰ وﻫﻨﺖ ﻗﻮاﻫﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﻓﻌﻞ اﻟﺘﱠﺘَﺎ ُر ﰲ ﻣﻤﺎﻟﻜﻬﻢ ً ﻓﻌﻼ ﻣُﺮوﱢﻋً ﺎ اﻧﺘﻬﻰ ﺑﺎﻟﺘﺴ ﱡﻠﻂ ﻋﲆ أﻛﺜﺮ املﻤﺎﻟﻚ اﻟﴩﻗﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﺑﺰوال اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ.
8
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﳉﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
ﻋﻠﻤﺖ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﺎرئ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﱠ أن اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ وُﺟﻮد اﻟ ﱠﺮواﺑﻂ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ إﻟﺦ ،ﱠ وأن اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺮواﺑﻂ ﺣﻔﻆ اﻟﺘﻮازن ﺑني ﻗﻮى املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ املﻴﱠﺎﻟﺔ إﱃ ا ُملﻐﺎﻟﺒﺔ ﺑﺤﻜﻢ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﻄﻤﻊ ،ﱠ وأن أﻗﻞ ﻫﺬه اﻟﺮواﺑﻂ ﺗﺄﺛريًا ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت راﺑﻄﺔ اﻟﺪﻳﻦ ،ﱠ وأن املﺴﻠﻤني ﻟﻢ ﺗﺠﻤﻌﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺣﺘﻰ وﻻ ﻋﲆ اﻟﺘﻌﺎون ﻋﲆ دﻓﻊ اﻟﻜﻮارث اﻟﻜﱪى اﻟﺘﻲ ﺣ ﱠﻠﺖ ﺑﺒﻼد اﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﻫﺠﻤﺎت أﻫﻞ ﱠ اﻟﺼﻠﻴﺐ واﻟﺘﺘﺎر ،وﻟﻮ اﺟﺘﻤﻊ زﻣﺎن ،ﻷﺗﻮا املﺴﻠﻤﻮن أﻣﺎم أﻣﺜﺎل ﻫﺬه اﻟﺠﻮاﻣﻊ اﻟﻜﱪى ،ﺳﻮاءٌ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ أو اﻵن أو ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ً ﻋﻤﻼ ﺗﺴﺘﺪﻋﻴﻪ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻮﺟﻮد ﻻ ُﺳﺒ َﱠﺔ ﻓﻴﻪ وﻻ ﻣُﺆاﺧﺬة ﻋﻠﻴﻪ ،ﱠإﻻ إذا ﻣُﺤﻴﺖ ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻮﺟﻮد ﻗﻮاﻧني اﻟ ﱠﺮواﺑﻂ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺤﻜﻢ اﻷﺧﻮة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واملﺴﺎواة اﻟﻌﺎﻣﱠ ﺔ ﺑني أﻓﺮاد اﻟﺒﴩ ِ املﻼﺋﻜﺔ ﺑﺨﻠﻖ آﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ وأﻗﻮاﻣﻬﻢ ،وﻻ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا وﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﱠإﻻ إذا اﺳﺘُﺒﺪل اﻟﺒﴩ ٍ ا ُملﻄﻬﱠ ﺮﻳﻦ. ﱠ املﺘﻮﻗﻊ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﺬي إذا ﺗﻘ ﱠﺮر ﻫﺬا ﻓﺎﻋﻠﻢ أن دﻋﻮى اﻟﻘﺎﺋﻠني ﺑﺨﻄﺮ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻳﺮﻳﺪه أوﻟﺌﻚ اﻟﻘﺎﺋﻠﻮن ﻣﺪﻓﻮﻋﺔ ﻣﻦ وﺟﻮه: اﻟﻮﺟﻪ اﻷول :ﱠ أن اﻟﺠﻮاﻣﻊ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻏﺎﻟﺒﺔ ﻋﻨﺪ اﻷﻣﻢ وأﺧﺼﻬﺎ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻟﻬﺬا ﻧﺮى املﺴﻠﻤني ﻗﺪ ﻣ ﱠﺰﻗﻬﻢ اﻷوروﺑﻴﻮن وﺗﺸﺎﻃﺮ ﻣُﻠﻜﻬﻢ اﻟﺪول املﺴﻴﺤﻴﺔ دون أن ﻳﻤﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺪ املﻌﻮﻧﺔ إﱃ ﺑﻌﺾ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؛ ﻟﻐﻠﺒﺔ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ أو اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ُ ﺗﺤﺎﺳ ِﺪ أُﻣﺮاﺋﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ أﻋﻤﺎﻫﻢ ﻋﲆ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﻟﺘﺨﺎذﻟﻬﻢ املﻌﺮوف ا ُملﺘﺄﺗﱠﻰ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﻞ وﺣﺐﱡ اﻟﺬﱠات واﻷﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ﺣﺘﱠﻰ ﻋﻦ اﻻﻋﺘﺼﺎم ﺑﺎﻟﺠﻮاﻣﻊ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﴤ ﺑﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ املﺼﺎﻟﺢ املﺘﺤﺪة ﺑني دول اﻷرض.
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ :ﱠ أن املﺴﻠﻤني وﻟﻮ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ُملﻨﺎﻫﻀﺔ دول أوروﺑﺎ ،ﻓﻼ ﻳﻜﻮن ﱢ ﺑﺤﻖ اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ﺧﻄ ًﺮا ﻋﲆ املﺪﻧﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﺳﻴﺎﺳﻴﱡﻮ املﻐﺮب ،ﺑﻞ ﻳﻜﻮن وﻓﺎء اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ،و ُرﺟﻮﻋً ﺎ إﱃ اﻻﻋﺘﺼﺎم ﺑﺎﻟ ﱠﺮاﺑﻄﺔ اﻟﻌﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﺘﻲ ﻳُﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗُﻘﺎﺑﻞ راﺑﻄﺔ اﻟﺪول املﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺟﺘﺎﺣﺖ أﻏﻠﺐ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼم وﻛﺎﻧﺖ ﺧﻄ ًﺮا ﻛﺒريًا ﻋﲆ ﺣﻴﺎة املﺴﻠﻤني اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،وﻗﺪ أﺑﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﱠ أن ﻗﻮاﻧني اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗﻘﴤ ﻋﲆ اﻟﺸﻌﻮب ﺑﺎﻟﺬود ﻋﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬﺎ واﻟﺬﱠبﱢ ﻋﻦ اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳُﺼﺒﺢ اﻟﺒﴩ ﻛﻠﻪ ﰲ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ِ ﺑﺜﻤﺮات اﻟﺤﻴﺎ ِة ﺳﻮاء. واﻟﺘﻤﺘﱡﻊ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻟﺚ :ﱠ إن اﻟﻘﻮل ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﺗﺤﺎد اﻹﺳﻼم وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﻮﺿﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ أراد واﺿﻌﻮﻫﺎ إﻳﻐﺎر ُ ﺻﺪور اﻷﻣﻢ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴني ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،ﻟﻢ ﺗﺮد ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼم وﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺷﺄن ً أﺻﻼ وﻫﻮ ﺷﺄن اﻟﺪول اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ واﻷﻣﻢ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﰲ ﻛﻞ ﻋﴫ ،وﻋﲆ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻏري ﺳﻴﺎﳼ ﱠ ﱢ اﻟﻈﻦ ﺑﺎﺗﱢﺤﺎد املﺴﻠﻤني ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،ﻓﻤﻨﺸﺄه اﺗﺤﺎد أوروﺑﺎ أن ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ ﻋﲆ اﻛﺘﺴﺎح ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼم واﺳﺘﺒﻌﺎد ا ُملﺴﻠﻤني ،ﻓﻠﻴﺴﻤﻮا اﺗﺤﺎد املﺴﻠﻤني ﺑﺈزاء اﺗﺤﺎدﻫﻢ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺪﻳﻨﻲ أو اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ أو اﻟﴩق واﻟﻐﺮب أو ﻣﺎ ﺷﺎءوا ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء ،أﻓﻠﻴﺲ ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ ُﻛ ﱢﻠ ِﻪ ﱠ أن املﺴﻠﻤني ﻳُﺮﻳﺪون اﻻﻋﺘﺼﺎم ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ُﻛﱪى ﺗُﻘﺎ ِﺑ ُﻞ اﺟﺘﻤﺎع اﻟﺪول املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻋﲆ اﻫﺘﻀﺎم ﺣﻘﻮق اﻷﻣﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ. أن اﻟﺪﱡول اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﻮ ُ ﱠ اﻟﻌﺠﻴﺐ ﱠ اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﲆ املﻤﺎﻟﻚ ﱢغ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ِ اﻟﴩﻗﻴﺔ واﻟﻘﻀﺎء ﻋﲆ ﺣﻴﺎة املﺴﻠﻤني اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻻ ﺗُﺴﻮ ُ َ اﻟﺤﺮص ﻋﲆ ﻫﺬه ﱢغ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺄن ﻳﺤﻤﻮا ﺑﻘﻮﱠة اﻻﺟﺘﻤﺎع واﻟﺘﺂﻟﻒ ذﻣﺎ َرﻫﻢ ،وﻳﺼﻮﻧﻮا ﻣﻦ ﻋﺒﺚ اﻟﻌﺎﺑﺜني اﺳﺘﻘﻼ َﻟﻬﻢ، وأن ﻳُﻨﺎدي ﺳﺎﺳﺘﻬﻢ ﱠ أن ﰲ وُﺟﻮد اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺧﻄ ًﺮا ﻋﲆ أوروﺑﺎ ،وﺑﻌﺒﺎر ٍة أوﺿﺢ ﻋﲆ ﺳﻴﺎﺳﺔ دوﻟﻬﺎ املﻮﺟﱠ ﻬﺔ إﱃ ﺗﺪوﻳﺦ املﻤﺎﻟﻚ اﻵﺳﻴﻮﻳﺔ واﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،وﻻ ﻳﺠ ﱢﻮ ُزوا أن ﻳﻘﻮل إن ﰲ وُﺟﻮد اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ ﺧﻄ ًﺮا ﻋﲆ املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻊ ﱡ املﺴﻠﻤﻮن ﱠ ﺗﺤﻘ ِﻖ اﻟﺨﻄﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻫﺬه واﻧﺘﻔﺎﺋﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺗﻠﻚ. إن ﺳﺎﺳﺔ املﻐﺮب ﻳُﻮﻫﻤﻮن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﱠ ﱠ أن اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺧﻄﺮ ﻋﲆ املﺪﻧﻴﺔ ﻻﺻﻄﺒﺎﻏﻬﺎ ﺑﺼﺒﻐﺔ ،دﻳﻨﻴﺔ ﻣﻊ أﻧﱠﻬﺎ ﺧريٌ ﻋﲆ املﺪﻧﻴﺔ وأرﺟﻰ ﻟﻨﻔﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﻮ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ املﺴﻠﻤﻮن .وإﻟﻴﻚ اﻟﺒﻴﺎن.
10
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
) (1اﻹﺳﻼم واﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ املﻌﻠﻮم ﺑﺎﻟﴬورة ﱠ أن ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺪﱠﻋﻮة إﱃ اﻟﺪﱢﻳﻦ ﻫﻮ رﺑﻂ أﻓﺮاد ﻛﺜريﻳﻦ وأﻗﻮام ﻋﺪﻳﺪﻳﻦ ِﻳﻦ واﺣ ٍﺪ ﻣﺴﻮﻗﺔ ﺑﴬورة املﺸﺎرﻛﺔ ﰲ اﻻﻋﺘﻘﺎد إﱃ ﺑﻌﻘﻴﺪ ٍة واﺣﺪةٍ ،ﻓﺎﻷُﻣﱠ ُﺔ اﻟﺘﻲ ﺗَﺪِﻳ ُﻦ ِﺑﺪ ٍ املﺸﺎرﻛﺔ ﰲ اﻟﻌﻮاﻃﻒ ،وﻫﺬا ﻫﻮ اﻻرﺗﺒﺎط اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺬي ُﻗﻠﻨﺎ إﻧﱠﻪ ﻛﺒﺎﻗﻲ اﻟ ﱠﺮواﺑﻂ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺑني اﻟﺒﴩ ﻣﺎ دام ﻟﻬﻢ دﻳﻦ أو أدﻳﺎن ،واﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻮﺟﻬﺔ ﻛﺒﺎﻗﻲ اﻷدﻳﺎن إﻻ أﻧﱠﻪ ﻳﻤﺘﺎ ُز واﻻﻋﺘﺒﺎر؛ ُ وﻫﻤَ ﺎ ﺗﻨﻮﻳﻬﻪ ﺑﺸﺄن اﻻرﺗﺒﺎط اﻷﺧﻮي ﺑني املﺴﻠﻤني ﻈﺮ ِ ﺑﺄﻣﺮﻳﻦ ﺟﺪﻳﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻨ ﱠ ِ ﺧﺎﺻﺎ ﺛﻢ اﻻرﺗﺒﺎط اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑني اﻟﻨﱠﺎس ﱠ ﻛﺎﻓﺔ ارﺗﺒﺎ ً ارﺗﺒﺎ ً ٍّ اﻷﻣﺮ ﻃﺎ ﻋﺎﻣٍّ ﺎ ،وﻣﻤﱠ ﺎ ﺟﺎء ﰲ ﻃﺎ ِ اﻷوﱠل ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﴿إِﻧﱠﻤَ ﺎ ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨ ُ َ ﻮن إ ِ ْﺧ َﻮ ٌة﴾ ،وﻗﻮﻟﻪ ﴿وَاﻋْ ﺘَ ِﺼﻤُﻮا ِﺑﺤَ ﺒ ِْﻞ ِ اﻹﺛ ْ ِﻢ ﷲ ﺟَ ِﻤﻴﻌً ﺎ و ََﻻ ﺗَ َﻔ ﱠﺮ ُﻗﻮا﴾ ،وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ ﴿ َوﺗَﻌَ ﺎ َوﻧُﻮا ﻋَ َﲆ ا ْﻟ ِ ﱢ ﱪ وَاﻟﺘﱠ ْﻘﻮَىٰ ۖ و ََﻻ ﺗَﻌَ ﺎ َوﻧُﻮا ﻋَ َﲆ ْ ِ َان﴾ ،وﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻨﺒﻮي »املﺴﻠﻤﻮن ﺗﺘﻜﺎﻓﺄ ُ دﻣﺎؤﻫﻢ وﻳﺴﻌﻰ ﺑﺬﻣﱠ ﺘ ِِﻬﻢ أدﻧﺎﻫﻢ وﻫﻢ وَا ْﻟﻌُ ْﺪو ِ َﺎن ﻳ َُﺸ ﱡﺪ ﺑﻌﻀﻪ ً َاﻫﻢ« ،وﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ً ﻳ ٌﺪ ﻋﲆ ﻣَ ْﻦ ِﺳﻮ ُ ﺑﻌﻀﺎ« وﻟﺬا أﻳﻀﺎ »املﺆﻣ ُﻦ ﻟﻠﻤُﺆﻣ ِِﻦ ﻛﺎﻟﺒُﻨﻴ ِ ﺗﻨﺎﺳ َ ﻛﺎﻧﺖ راﺑﻄﺔ اﻟﺘﻌﺎون واﻹﺧﺎء ﻋﻘﻴﺪة ﻣﻦ ﻋﻘﺎﺋ ِﺪ ا ُملﺴﻠﻤني ،وإن َ ﻮﻫﺎ وﻟﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮا ﺑﻬﺎ إﻻ ً ﻗﻠﻴﻼ. وﻣﻤﺎ ﺟﺎء ﰲ اﻷﻣﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ أي ﰲ اﻟ ﱠﺮاﺑﻄﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ ﴿ﻳَﺎ أَﻳﱡﻬَ ﺎ اﻟﻨ ﱠ ُ ﺎس إِﻧﱠﺎ َﺧ َﻠ ْﻘﻨَﺎ ُﻛﻢ ﻣﱢ ﻦ ذَ َﻛ ٍﺮ وَأُﻧﺜ َ ٰﻰ وَﺟَ ﻌَ ْﻠﻨَﺎ ُﻛ ْﻢ ُﺷﻌُ ﻮﺑًﺎ و ََﻗﺒَﺎ ِﺋ َﻞ ِﻟﺘَﻌَ ﺎ َر ُﻓﻮا ۚ إ ِ ﱠن أ َ ْﻛ َﺮﻣَ ُﻜ ْﻢ ﻋِ ﻨ َﺪ ِ ﷲ أَﺗْ َﻘﺎ ُﻛ ْﻢ ۚ َ ﻷﺑﻴﺾ ﻋﲆ أﺳﻮ َد ﱠإﻻ ﻋﺠﻤﻲ وﻻ ﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﲆ إ ِ ﱠن ﷲ َ ﻋَ ﻠِﻴ ٌﻢ َﺧ ِﺒريٌ﴾ ،وﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ» :ﻻ ﻓﻀﻞ ﱟ ﱟ ﺑﺎﻟﺘﻘﻮى«1 . وأﻧﺖ ﺗﺮى ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺎن ﱠ أن اﻹﺳﻼم ﻟﻪ راﺑﻄﺘﺎن؛ راﺑﻄﺔ اﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﱰك ﺑﻬﺎ ﻛﻞ أرﺑﺎب دﻳﻦ ،وراﺑﻄﺔ اﻟﺘﻌﺎون واﻹﺧﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﱠإﻻ أﻧﻪ ﱠ ﺑني ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا ﺎس د َ ُون اﻟﻌﺪوان ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﻌﺎون ﰲ أﻧﱠﻪ ﻋﲆ اﻟﺨري دون اﻟﴩ ،وﻋﲆ اﻟﱪﱢ ﺑﺎﻟﻨ ﱠ ِ ِ ﺑﺠﺎﻣﻌَ ِﺔ اﻹﺧﺎء اﻟﺪﻳﻨﻲ واﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻏري ﻣﻘﺼﻮد ﺑﻪ اﻟﻌﺪوان؛ ﺑﻞ املﺤﺎﺳﻨﺔ ارﺗﺒﺎﻃﻬﻢ واﻹﺣﺴﺎن وﴏﻳﺢُ ﻗﻮﻟﻪ ﺑﺎﻻﺟﺘﻤﺎع وَﻋَ َﺪ ِم اﻟﺘﱠ َﻔ ﱡﺮ ِق ﻣﺤﻤﻮ ٌل ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﺪﻋﻴﻪ ﺣﺎﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع، ﱢ وﻛﻒ اﻷﻳﺪي اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻋﻦ املﺠﺘﻤﻊ ،وﻫﺬا ﴐوري ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻛﻤﺎ ﻣﻦ ﻟﺰوم ﺣﻔﻆ اﻟﺒﻴﻀﺔ أﴍﻧﺎ إﻟﻴﻪ ﰲ اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ. اﻷوروﺑﻲ ﻣﻦ أﻧﱠﻪ أﻓﻀﻞ اﻟﺒﴩ وأﺳﻤﺎﻫﻢ؟! 1أﻳﻦ ﻫﺬا ﻣﻤﱠ ﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪه ﱡ 11
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﺛ ﱠﻢ ﻟﻜﻲ ﻻ ﺗﻜﻮن ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪﱢﻳﻦ ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﻠﻌﺪوان ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ؛ ﺑﻞ وﺳﻴﻠﺔ إﱃ اﻟﺘﺪرج ﰲ ﻣﺪارج اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﰲ أﻋ ﱢﻢ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ وﻫﻲ املﺴﺎواة اﻟﻌﺎﻣﱠ ﺔ ﺑني أﻓﺮاد اﻟﺒﴩ وأﻗﻮاﻣﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ِ ﺴﻦ اﻟﺠﻮار وﺗﺒﺎدُل املﻨﺎﻓﻊ ،واﻷﻋﻤﺎل ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻜﺮاﻣﺔ وﺣُ ِ ﺑﻌﺾَ ،ﻗﺎ َل اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺪﻧﻴًﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،أي ﻣُﺤﺘﺎﺟً ﺎ إﱃ اﻟﺘﱠﻌﺎون ﻣُﻔﺘَﻘِ ًﺮا ﺑﻌﻀﻪ إﱃ ٍ َ ﺗﻌﺎﱃ إرﺷﺎدًا ﻟﻠﻤﺆﻣﻨني إﱃ ذﻟﻚ ﴿ﻳَﺎ أَﻳﱡﻬَ ﺎ اﻟﻨ ﱠ ُ ﺎس إِﻧﱠﺎ َﺧ َﻠ ْﻘﻨَﺎ ُﻛﻢ ﻣﱢ ﻦ ذَ َﻛ ٍﺮ وَأُﻧﺜ َ ٰﻰ﴾ اﻵﻳﺔ. ﷲ ﻗﺒﻴﻞ ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴﻬﺎ اﻹﺳﻼم ،أﻓﻼ ﻳﺮى املﻨﺼﻔﻮن ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﱠ أن اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳُﻮﻫﻢ ﺳﺎﺳﺔ اﻟﻐﺮب اﻟﻌﺎﻟ َﻢ املﺴﻴﺤﻲ ﺑﺨﻄﺮﻫﺎ ﻋﲆ املﺪﻧﻴﺔ إذا ﺑﺼ َ اﺻﻄﺒﻐﺖ ِ ﱢﻳﻦ ﻫﻲ ﺧريٌ ﻟﻠﻤﺪﻧﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﱠأﻻ ﺗﺼﻄﺒﻎ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﺒﻐﺔ 2 ،وأن ﻓﻮﴇ ﺒﻐ ِﺔ اﻟﺪ ِ اﻟﻌﻘﻮل ﻋﻨﺪ اﻟﻄﻮاﺋﻒ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﴍﱞ ﻋﲆ املﺪﻧﻴﺔ ﻣﻊ ﺗﻨ ﱡﻜﺮ ﻧﻔﻮس املﺴﻠﻤني ﻟﻬﺬا املﻜﺮ واﻟﺨﺪﻳﻌﺔ؛ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻌﻬﺪ؛ ملﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻪ دول أوروﺑﺎ ملﻀﺎدﺗﻬﻢ وﻣﻀﺎدة دوﻟﻬﻢ ﻣﻦ ِ ِ ﱡ ﻻﻣﺘﻬﺎن ﺣُ ﻘﻮﻗﻬﻢ وﺳﻠﺐ اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻢ ووطءِ ﺑﺴﺎط ﻣﻠﻜﻬﻢ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻛﺎن. ﺗﻮﺻ ًﻼ ِ اﻟﻠﻬﻢ ﱠ إن املﺴﻠﻤني ﻣﺎ ﻗﺬف ﺑﻬﻢ ﰲ ﻟﺞﱢ اﻟﺤرية ،ووﻗﻒ ﺑﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﺴري ﻣﻊ اﻷﻣﻢ اﻟ ﱠﺮاﻗﻴﺔ َ ﻧﻘﻴﺼ ٍﺔ ﺳﺒﻴﻞ املﺪﻧﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ،وﻛﺸﻒ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑني اﻷﻣﻢ ا ُملﺘﻤﺪﻧﺔ ،ﻓﺮﻣﻮﻫﻢ ﺑﻜ ﱢﻞ ﰲ ِ ﱠ ُ َ واﻟﺨﺮوج ﻋﻦ ﻗﺎﻧﻮﻧﻬﺎ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﺬي وﻧﺎﻟﻮﻫﻢ ﺑﻜ ﱢﻞ ُﺳﻮءٍ إﻻ اﻧﻔﺼﺎم ﻋﺮوة وﺣﺪﺗﻬﻢ اﻟﺪﱢﻳﻨﻴﺔ ِ ﻳَﺮﻣِﻲ إﱃ ﻏﺮض اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﺼﺤﻴﺢ واملﺪﻧﻴﺔ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ،وﻳُﺮﻳﺪ اﻟﺸﻌﻮب ﻋﲆ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﱡ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺤﻴﺎة ﰲ ﻗﻮ ٍم إذا أﻋ ﱡﺰوا ﻟﴬورة اﻟﻘﻴﺎم ﻋﲆ ﺷﺌﻮن اﻟﺤﻴﺎة املﺪﻧﻴﺔ ،وإﻧﱠﻤﺎ ﺟﺎﻧﺒﻬﻢ ،وذادوا ﻋﻦ ﺣﻮﺿﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺪًا ﻋﲆ ﻣﻦ ﻧﺎوأﻫﻢ وأﻗﺴﻄﻮا ﰲ ا ُملﻌﺎﻣﻠﺔ إﱃ ﻣﻦ ﻋﺪاﻫﻢ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳُﺮﻳﺪه اﻹﺳﻼم. ﻣﻦ اﻟ ﱡ ﻈﻠ ِﻢ أن ﻳُﻤﺜﱢﻞ ﺳﺎﺳﺔ املﻐﺮب اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺼﺒﻐﺘﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﰲ ﺻﻮر ٍة ﻮﺳﺔ ﻳُﻨﻜﺮﻫﺎ اﻹﺳﻼ ُم وﻳﺄﺑَﺎﻫﺎ اﻟﻌﺪ ُل واﻟﺘﱠ ُ ُ ﻣﻌ ُﻜ ٍ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ ﻧ َ ﱟ ﺼﻮص اﻟﺪﻳﻦ، ﺎرﻳﺦ وﻻ ﺺ ﻣﻦ ﻧ ُ ِ ﱡ ﻛﻤﺎ رأﻳﺖ وﺣﺴﺒﻚ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺘﺎرﻳﺦ ً دﻟﻴﻼ ﻋﲆ ﱠ ﻳﺤﺾ أﻫﻠﻪ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ أن اﻹﺳﻼم ﻻ ﱠإﻻ ﻟﻴﻜﻮﻧﻮا ﻳﺪًا ﻋﲆ ﻣﻦ ﻧﺎوأﻫﻢ ،وأن ﻳﻘﺴﻄﻮا إﱃ ﻣﻦ ﺳﻮاﻫﻢ وإن اﻓﱰق ﻋﻨﻬﻢ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺎ اﻟﺴﻮء ،ﱠ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮﺷﻴني ﻣﻦ املﴩﻛني ﻛﺎﻧﻮا ﻳ ُﺰو ُر َ ﻟﻢ ﻳُﺒﺎدﺋﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪوان ،وﻳﺮد ﺑﻬﻢ ﱡ ون ﺑﻌﺾ ا ُملﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﻦ ذوي ﻗﺮاﺑﺘﻬﻢ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻼ ﻳﻘﺒﻠﻮن ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻻ ﻳُﺤﺴﻨﻮن إﻟﻴﻬﻢ؛ ملﺎ 2إن ﺣﺰب اﻹﺻﻼح اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺪﱠاﻋﻲ إﱃ إﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳُﺮﻳ ُﺪ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻮﺣﺪة ،وﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴﻬﺎ ملﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﱠﻘﺎ ُر ِب ﺑني ﱡ ﻌﻮب. اﻟﺸ ِ 12
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
ﻋُ ﺮﻓﺖ ﺑﻪ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ ﱢ اﻟﺸ ﱠﺪ ِة ﻋﲆ املﺴﻠﻤني واﻹﴏار ﻋﲆ اﻟﴩك ،ﻓﻨﺰﻟﺖ ﰲ ﺗﻨﺒﻴﻬﻬﻢ إﱃ أن اﻟﺪﱢﻳﻦ ﻻ ﻳﻤﻨ ُﻊ ﻣﻦ اﻹﺣﺴﺎن إﱃ ﻏري أﻫﻠﻪ ،ﻣﺎ داﻣﻮا ﻏري ﻣﻨﺎوﺋﻲ املﺴﻠﻤني ،ﻫﺬه ُ ﱠ اﻵﻳﺔ: ﱠ ﴿ﻻ ﻳَﻨْﻬَ ﺎ ُﻛ ُﻢ ﷲ ُ ﻋَ ِﻦ ا ﱠﻟﺬ َ ﱢﻳﻦ َو َﻟ ْﻢ ﻳ ُْﺨ ِﺮﺟُ ﻮ ُﻛﻢ ﻣﱢ ﻦ دِ ﻳ َِﺎر ُﻛ ْﻢ أَن ﺗَ َﱪ ُ ﱡوﻫ ْﻢ ِﻳﻦ َﻟ ْﻢ ﻳ َُﻘﺎ ِﺗﻠُﻮ ُﻛ ْﻢ ِﰲ اﻟﺪ ِ َوﺗُ ْﻘ ِﺴ ُ ﻄﻮا إ ِ َﻟﻴ ِْﻬ ْﻢ ۚ إ ِ ﱠن ﷲ َ ﻳُﺤِ ﺐﱡ ا ْﻟﻤ ُْﻘ ِﺴ ِﻄ َ ني﴾. وﻫﺬا اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺬي ﻋُ ِﺮ َ ف ﺑﻪ اﻹﺳﻼم وﻧﺒﱠﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﺮآن ﻫﻮ اﻟﺬي ﺳ ﱠﺪ ﻛ ﱠﻞ ﻣﻨﻔ ٍﺬ ﻣﻦ اﻟﺴﻴ ِ اﻷﻏﺮاض ﱢ َﺎﺳﻴﱠ ِﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻔﺴ ُﺪ ﻧﻈﺎم اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وﺗُﻔ ﱢﺮق وﺣﺪة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وﺗُﻠﻘﻲ ﻣَ ﻨَﺎﻓِ ِﺬ ِ اﻟﻌﺪاوة واﻟﺒﻐﻀﺎء ﺑني ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن ،ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ زﻋﻤﺎء اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﰲ اﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺟﻤﻊ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺎﺋﺸﺔ ﰲ اﻟﺒﺴﻴﻂ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﲆ ﻛﻠﻤﺔ اﻹﺳﻼم ﺑﻘ ﱠﻮ ِة اﻹﻛﺮاهِ ،وﻟﻢ ﻳﺴﻌﻬﻢ أن ﺑﴬوب ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻨ َ ِﺖ ﺗُﻠﺠﺌﻬﻢ وﻟﻮ إﱃ اﻟﻬﺠﺮة واﻟﺠﻼء ﻋﻦ ﺑﻼدٍ ﱢﻳﻦ ٍ ﻳُﻌﺎﻣﻠﻮا ﻣُﺨﺎﻟﻔﻴﻬﻢ ﰲ اﻟﺪ ِ ﺑﺴﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﺳﻼم ﺟﻨﺎح ُﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ،وآﺧﺮ ﻣﻦ ﻧﻌﻬﺪ أﻧﱠﻪ ﺣﺎول ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك املﺴﻠﻤني اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ،ﻓﺈﻧﱠﻪ ﱠملﺎ رأى ﺷﻐﺐ املﺴﻴﺤﻴني ﰲ وﻻﻳﺎﺗﻪ اﻷوروﺑﻴﺔ وﺗﻮاﱄ ﺧﺮوﺟﻬﻢ ﻋﻦ اﻟ ﱠ ﻄﺎﻋَ ِﺔ ،وﻋﻠﻢ ﱠ أن ﺑﻘﺎءﻫﻢ ﻋﲆ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﺧﻄ ٌﺮ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﺳﺘﻔﺘﻰ ﻋﴫ ِه ﰲ إﻛﺮاﻫﻬﻢ ﻋﲆ اﻹﺳﻼم ،ﻓﺄﺑﻮا أن ﻳُﻔﺘﻮه ﺑﺬﻟﻚ ،وﻛﺎن ﻣﺎ ﱠ ﺗﻮﻗﻌﻪ ذﻟﻚ ﱡ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﻤﺎءَ ِ ً ﺼﺐ واﻟﺘﱠﻌﺐ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺨﻄﺮ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ ِ ﻓﻀﻼ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻻﻗﺘﻪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻨ ﱠ ِ أﻫﻠﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺰل ﺗُﻼﻗﻴﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺣﻮزﺗﻬﺎ إﱃ اﻵن. ﱠ إن اﻟﺴﻴﺎﺳﻴني وأﻫﻞ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ املﺘﻮﺣﺸﺔ ﰲ أوروﺑﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺟﻔﻮن ﺑﺨﻄﺮ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻻ ﻳﺮون ﱠ اﻟﺨﻄﺮ ﻋﲆ املﺪﻧﻴﺔ واﻟﻌﺒﺚ ﺑﻨﻈﺎم اﻷﻟﻔﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﻮﺣﺪة أن ﻣﻦ ِ ﺑﴬوب ﻣﻦ اﻹزﻻل واﻹﻋﻨﺎت اﻟﺒﴩﻳﺔ اﺿﻄﻬﺎ َد املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﺖ ﻛﻨﻔﻬﻢ ،وإرﻫﺎﻗﻬﻢ ٍ ﻗﺼﺪ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻬﻢ واﺳﺘﺌﺼﺎل ﺷﺄﻓﺘﻬﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وﻳﺮون ﱠ أن ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺮ ﻋﲆ املﺪﻧﻴﱠ ِﺔ وُﺟﻮ َد ﺟﺎﻣﻌﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗُﻌﺎﻣﻞ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﻣُﺨﺎﻟﻔﻴﻬﻢ ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ ﻣُﻌﺎﻣﻠﺔ اﻷﻛﻔﺎء ﰲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،واﻟﻌُ ﴩاءِ ﰲ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺑﻴﺎﻧﻪ ،أﻓﻠﻴﺲ ﰲ ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ رﺟﻮع اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﻬﻘﺮى وﺗﻘﺪﱡم املﺪﻧﻴﺔ إﱃ اﻟﻮراء. ٍّ ﱢ ﺣﻘﺎ ﱠ اﻟﺤﻖ إن ﻫﺬه »اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ« ا ُملﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﻗﻴﻮ ِد اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﻮﺟﺪان وﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻟﴩ واﻟﻌﺪل ﺗُﺸﺒﻪ ﰲ ﺗﺸﻜﻠﻬﺎ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻐﻴﻼن اﻟﻮاردة ﰲ أﺳﺎﻃري اﻷوﻟني ،وﺗُﻤﺎ ِﺛ ُﻞ إﻟﻪ ﱠ ﱢ ﻓﺎﻟﺴﻴ ِ ﱠﻣﺎر وﻗﺘﻠﻮﻫﻢ ﱠ ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني ،ﱢ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ واﻟﻨ ﱠ ِﺎر ﻗﺎﻟﻮا َﺎﺳﻴﱡﻮن إذا ﺳﺎﻗﻮا اﻟﺸﻌﻮب إﱃ اﻟﺪ ِ إﻧﱠﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وإذا وﻃﺌﻮا ﺑﺄﻗﺪاﻣﻬﻢ اﻟﺤﻘﻮق ،واﻣﺘﻬﻨﻮا ﱠ اﻟﴩاﺋﻊ اﺗﻬﻤﻮا اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وإذا أﺧﻄﺌﻮا ﺧﻄﺄ ً ﻳﺠﻠِﺐُ ﻋﲆ ﺑﻼدﻫﻢ اﻟﺪﱠﻣﺎر ،وﻋﲆ دوﻟﺘﻬﻢ اﻟﻌﺎر ﺗﺪ ﱠرﻋﻮا ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺤﻴﺜﻤﺎ ﺳﻨﺤﺖ ﻟﻬﻢ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﻗﺪﻣﻮا أﻣﺎﻣﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ »ﻛﺎﻟﺠﺴﻢ املﺮن« 13
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺸﻜﻞ ﺑﺄﺷﻜﺎل اﻷﻫﻮاء اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﰲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ،وﺗﺪﻋﻮﻫﻢ إﻟﻴﻬﺎ أﻃﻤﺎﻋﻬﻢ ،وﻟﻬﺬا ملﺎ اﺳﺘﺒﺎﺣﻮا ﻟﺠﺎﻣﻌﺘﻬﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ أو املﺴﻴﺤﻴﺔ أو اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﺿﻄﻬﺎد اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ ﻣﻠﻜﻬﺎ ودﻳﻨﻬﺎ وأﻫﻠﻬﺎ ،ورأوا أن ﻳﺄﺗﻮا ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻬﺪ ﻋﲆ اﻟﺒﻘﻴﱠ ِﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴَ ِﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،أﺧﺬوا ﻳﺼﻴﺤﻮن ﺑﺨﻄﺮ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﻤﻬﻴﺪًا ملﻘﺎﺻﺪﻫﻢ ﱠ اﻟﺴﻴﺌﺔ ،وﺗﻜﻔريًا ﻋﻦ إﺟﺮاﻣﻬﻢ إﱃ املﺴﻠﻤني أﻣﺎم اﻟﻌﻘﻼء وأﻧﺼﺎر اﻟﻌﺪل واﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﻼد اﻷوروﺑﻴﺔ ،وﻟﺴﻮف ﻳﻌﻠﻤﻮن أﻧﻬﻢ ﻣُﺨﻄﺌﻮن. ) (2أوروﺑﺎ واﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻧﺄﺗﻲ ﻋﲆ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣُﻨﺎﻫﻀﺔ أوروﺑﺎ ﻟﻠﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،أو ﺑﻌﺒﺎر ٍة أﺻﺢ ﻋﲆ أﺳﺒﺎب اﻟﺴﺒ َِﺐ اﻟﺬي ﻳﺪﻋﻮ ﱠ ﺗﻮﺟﱡ ﻪ اﻷﻓﻜﺎر ﻓﻴﻬﺎ إﱃ ﺗﺪوﻳﺦ املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻧُﺮﻳ ُﺪ اﻹﺷﺎرة إﱃ ﱠ اﻟﺴﺎﺳﺔ ِ ﻧﺤﻮ ﻗﻮﻟﻬﻢ ﺑﺨﻄﺮ اﻷوروﺑﻴني ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ إﱃ اﻟﺘﻤﻮﻳﻪ وﺑﺴﻂ ا ُملﻘﺪﻣﺎت اﻟﻮاﻫﻴﺔ ،ﻣﻦ ِ اﻛﺘﺴﺎح ﺟﺰءٍ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﺘﻌﺼﺐ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻏري ذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﺠﻤﻊ أﻣﺮﻫﻢ ﻋﲆ ِ ﱠ ﻣﻦ املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﺳﻠﺐ اﺳﺘﻘﻼل ﺷﻌﺐ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب ،ﻣﻊ أن املﻌﺮوف ﻋﻨﺪﻫﻢ ﱠ اﻟﺤﻖ أن ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻨﻬﻢ إﱃ ﻣﻊ اﻟﻘ ﱠﻮةِ ،واملﺴﻠﻤﻮن ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﺿﻌﺎف ﻻ ﺗﺤﺘﺎج ﻏﺎرة اﻟﺪول ﻋﲆ أيﱢ ٍ ِ واﻧﺘﺤﺎل اﻷﺳﺒﺎب ﻓﺄﻗﻮل: ﺑﺴﻂ املﻘﺪﻣﺎت ِ اﻋﻠﻢ ﱠ أن اﻷُﻣﻢ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﱠملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﻮﻗﺔ ﰲ أوروﺑﺎ ﺑﻴﺪي اﻟﻜﻬﻨﺔ واملﻠﻮك ﻣﺄﺧﻮذة اﻹرادة ﺑﻘ ﱠﻮ ِة ﻫﺎﺗني اﻟﻔﺌﺘني ،ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻌﺎﻣﱠ ِﺔ أﻫﻞ املﴩق ﻣ ﱠ ُﺴرية ﻏري ﻣُﺨرية ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﱠإﻻ أن ﻋﻤﻞ ﻓﺘُﺠﻴﺐ ،وﺗُ ُ ﺴﺎق إﱃ ﺣﺮب ﻓﺘﺴري ،ﻻ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﲆ ذﻟﻚ وﻻ ﺗﺴﺄل ﺗُﺪﻋﻰ إﱃ ٍ ٍ ري ،وملﺎ ﻗﺪﱠت ﻫﺬه اﻷﻣﻢ ﻗﻴﻮد ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻠﻄﺔ وﺗﻤﺘﱠﻌﺖ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﱠﺔ ،وﺷﺎرﻛﺖ اﻟﺤُ ﱠﻜﺎم ﻋﻦ املﺼ ِ ﺑﺎﻟﺮأي أﺻﺒﺢ اﻟﺤﻜﺎم ﺑﻴﺪ اﻟﺸﻌﺐ ﻻ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﻴﺪ اﻟﺤﻜﺎم ،وﺻﺎر ﱠ اﻟﺴﺎﺳﺔ وأرﺑﺎب اﻟﺤ ﱢﻞ ﻋﻤﻞ ﻳﺄﺗﻮﻧﻪ ،وﻏﺎﱃ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺰاب ا ُملﻐﺮﻗني ﰲ اﻟﺤﺮﻳﱠ ِﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا واﻟﻌﻘ ِﺪ ﻣُﺤﺎﺳﺒني ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ٍ املﻄﺎﻣﻊ ﺑﻮﺟﻮب اﺷﱰاك اﻟﺒﴩ ﻋﲆ اﺧﺘﻼف اﻟﻄﺒﻘﺎت ﰲ ﺣﻘﻮق املﺴﺎواة اﻟﻌﺎﻣﱠ ﺔ وﺳ ﱢﺪ ُﺳﺒ ُِﻞ ِ دُون ُزﻋﻤﺎء اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واملﺎل ،وﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻮﺟﻮب ﻧﺰع اﻟﺴﻼح ﻣﻦ اﻟﺪول أي ﺗﺠﺮﻳﺪﻫﺎ ﻋﻦ ري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺣﺰاب ذات ﺰاع واﻟﺨﺼﺎ ِم وﺗﻌﺪﱢي اﻷﻗﻮام ﻋﲆ اﻷﻗﻮام إﱃ ﻏ ِ ﻛ ﱢﻞ ﻗ ﱠﻮ ٍة ﺗﺪﻋﻮ إﱃ اﻟﻨ ﱢ ِ ُ ِ ُﻀﺎف إﱃ ذﻟﻚ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻳ إﺻﻼح اﻵراء املﻌﺮوﻓﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻬﺪ ﰲ ِ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻮﺟﺪان املﻮﺟﻮدﻳﻦ ﰲ وﻣﺤﺒﱢﻲ ﺧري اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وأﻫﻞ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟ ﱠﺮاﻗﻴﺔ ﰲ ِ اﻟﺤﺬر ﺑﻌني ﻛ ﱢﻞ ﻣﻤﻠ َﻜ ٍﺔ ﻣﻦ ﻣﻤﺎﻟﻚ أوروﺑﺎ ،ﻛ ﱠﻞ ﻫﺆﻻء ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻢ رﺟﺎل اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻷوروﺑﻴﺔ ِ ِ 14
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
ري ﰲ ﱢ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﱠ ِﺔ أو اﻟﺪﱠاﺧﻠﻴﺔ؛ ﻷﻧﱠﻬﻢ ﻗﺎدة اﻷﻓﻜﺎر وﻣﺎﻟﻜﻮا ﻋﻨﺪ اﻹﺗﻴﺎن ﺑﻜ ﱢﻞ ٍ ﻋﻤﻞ ﻛﺒ ٍ ِ أزﻣﱠ ﺔ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﺸﻌﺐ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت أﺣﻴﺎﻧًﺎ إﱃ اﻟﺘﻤﻮﻳﻪ وﻣُﻐﺎﻟﻄﺔ اﻟﺸﻌﻮب ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﰲ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﱠ اﻟﴩق اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ أﻧﻈﺎر اﻟﻘﻮم؛ ﻟﻜﻲ ﻳُﻤﻬﱢ ﺪُوا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﺳﺒﻴﻞ املﻌﺬرة ﰲ ﻏﺎرﺗﻬﻢ ﱡ اﻟﺘﻮﺳ ِﻊ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ، ﺳﺒﺐ ﱠإﻻ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ املﺘﻮﺣﺸﺔ وﺣُ ﺐ اﻟﺸﻌﻮاء ﻋﲆ اﻷﻣﻢ اﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺑﻐري ﻣﺎ ٍ وﻫﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﰲ أﻛﺜﺮ اﻷﺣﻴﺎن ﻟﻨﴩ ﺑﻬﺘﺎﻧﻬﻢ وﺗﺮوﻳﺞ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﻢ؛ ﻷن ﺻﻮﺗﻬﺎ ﻣﺴﻤﻮ ٌع ﻋﻨﺪ ﻋﺎﻣﱠ ِﺔ ﱠ اﻟﺸﻌﺐ وﺧﺎﺻﺘﻪ ،وﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ﺻﻴﺤﺘﻬﻢ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ اﻟﻴﻮم ﰲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻻﺗﺤﺎد اﻹﺳﻼﻣﻲ ،وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻗﻮال ا ُملﻔﱰاة اﻟﺘﻲ ﺗُ ﱢ ﺠﺴ ُﻢ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻷوروﺑﻲ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐُ اﻟﺬﱡﻋﺮ وﺗﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﺤﻴﻄﺔ ﻋﲆ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻷﻣﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ املﺴﻠﻤني ﰲ ﺻﻮر ٍة ِ املﻨﺘﴩة ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﴩق ،واﻟﺘﺠﺎرة روح ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻢ وﻋﻤﺎد ﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ وﻏﻨﺎﻫﺎ وﺳﺒﺐ ﻣﺠﺪﻫﺎ وﻗﻮﺗﻬﺎ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﺤﺎط ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ،ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﻳﻄﺮق ﻣﺴﺎﻣﻌﻬﻢ أﻣﺜﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻴﺤﺔ ﻳﺒﻌﺜﻬﻢ ﺣﺐ املﺼﻠﺤﺔ واﻟﺤﺮص ﻋﲆ املﻨﻔﻌﺔ إﱃ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻤﺎ ﺗﻘﴤ ﺑﻪ ﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎء اﻟﺠﺎﺋﺮ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻟﺨﺼﻮص واﻟﴩﻗﻴني ﺑﺎﻟﻌﻤﻮم. ﻫﺬه ﻫﻲ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻮ ﺣﻜﻮﻣﺎت أوروﺑﺎ إﱃ اﻟﺘﻤﻮﻳﻪ واﻟﺘﻀﻠﻴﻞ وإﻳﻐﺎر ﺻﺪور ﺣني إﱃ ﺣني. اﻟﺸﻌﻮب املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ،وﺗﻔﺠري ﺑُﺮﻛﺎﻧﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﳼ ﰲ املﴩق ﻣﻦ ٍ ﺗﻈﺎﻫﺮ اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﺪوان ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ،وﺗﻮﺟﱡ ﻪ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﻢ ﻧﺤﻮ ﱠ ُ اﻟﴩق أﻣﱠ ﺎ ٍ وﺳﻴﻠﺔ ملﻨﺎﻫﻀﺔ أﻫﻠﻪ وﻣﺸﺎﻛﺴﺘﻬﻢ ﻓﻠﻪ ﺗﺎرﻳﺨﺎن: وﻃﻤﻌﻬﻢ ﰲ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼم ،وﺗﺬ ﱡرﻋُ ﻬﻢ ﺑﻜ ﱢﻞ وﺣﺪﻳﺚ؛ أﻣﱠ ﺎ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﻤ ٌ ٌ ﱡ ﻗﺒﻴﺢ ﻣُﻠﻮ ٍﱠث ﺑﺄدران اﻟﻬﻤﺠﻴﺔ اﻷوﱃ، دﻳﻨﻲ ﺗﻌﺼ ٍﺐ ُﻨﺒﻌﺚ ﻋﻦ ﻗﺪﻳ ٌﻢ ﱟ ٍ ً ﺗﻤﺜﻴﻼ ﻗ ﱠﻠﻤﺎ ﺟﺎء ﻣﺜﻠﻪ وﻣﻨﻪ ﻓﻈﺎﺋﻊ ﺟﻤﻌﻴﱠﺎت اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ وﺗﻤﺜﻴﻞ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل ﺑﻤﺴﻠﻤﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻣﻨﻪ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﻜﻔﺄ ﺑﻬﺎ اﻟﻐﺮب ﻋﲆ اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ اﻹﺳﻼﻣﻲ، وأﺻﲆ أﻫﻠﻪ ﺣﺮﺑًﺎ ﻋﻮاﻧًﺎ ُﻣﺪﱠة ﺗﺰﻳ ُﺪ ﻋﻦ ﺟﻴﻠني ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻗﺼﺪﻧﺎ اﻟﻜﻼم ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ؛ ُ ﻳﺄﻧﻒ ﻣﻦ ﺗﺮدﻳﺪه ﻋﲆ ﱠ اﻟﺴﻤﻊ أﺑﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،وﻳﺄﺑﻰ ﻣﻦ ﻷﻧﻪ ﻃﻮﻳﻞ اﻟﺬﻳﻞ ﻣﺜريٌ ﻟﻠﺸﺠﻮن، ُ ُ اﻟﺨﻮض ﻓﻴﻪ ﻗﻠ ُﻢ اﻟﺤﻜﻴﻢ ،وإﻧﱠﻤﺎ ﻧﺮﻳ ُﺪ أن ﻧﻠِﻢ ﺑﴚءٍ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻪ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻌﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﺘﻤﺪ ِﱡن اﻟﺤﺎﴐ واﺗﺼﺎﻟﻪ ﺑﻤﺒﺪأ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،اﻟﺘﻲ اﺑﺘﺪأ ﻣﻌﻬﺎ ﺿﻌﻒ أﻋﻈﻢ دوﻟﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ اﻷرض وﻫﻲ دوﻟﺔ آل ﻋﺜﻤﺎن. ﱠ إن اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﰲ أوروﺑﺎ ﺗﺒﺘﺪئ ُ ﻣﻦ ﻋﻬﺪ املﺼﻠﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺸﻬري »ﻟﻮﺛﺮ« اﻟﺬي ﻗﺎم ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ ،واﺷﺘﻬﺮت ﻣﻘﺎﻟﺘﻪ ﺑﻌﺪم ﻣﴩوﻋﻴﺔ اﻟﺮﻫﺒﻨﺔ واﻻﻋﱰاف وﺳﻴﺎدة اﻟﺒﺎﺑﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻘﺎﻟﺘﻪ ﻫﺬه أ ﱠو ُل ُﺧﻄﻮ ٍة ﺧﻄﺎﻫﺎ اﻷوروﺑﻴ َ اﻟﺴ ِ ﱡﻮن ﻟﻠﺘﻤ ﱡﻠ ِﺺ ﻣﻦ أﻏﻼل ﱡ ﻠﻄﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻬﺎ »اﻷﻛﻠريوس« ﻓﺎﺳﺘﺨﻀﻊ 15
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﻹرادﺗﻪ اﻟﻨﱡﻔﻮس واﻷرواح ،وﺣﺎ َل ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﱠ اﻟﱰ ﱢَﻗﻲ إﱃ ﻣُﺘﻨﺎوَل املﻌﺮﻓﺔ ﺑﻤﺰﻳﱠ ِﺔ اﻟﺤُ ﱢﺮﻳﱠﺔ واﻟﻌﻠﻢ، ﻧﻌﻢ ﱠ ﺑﻘﺮون ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ إن ﻧﻮر املﺪﻧﻴﺔ ﻗﺪ ﻛﺎن ﻇﻬﺮ ﰲ أوروﺑﺎ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ٍ ﰲ ﻋﻬﺪ ﺷﺎرملﺎن ﻣﻠﻚ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ،ﱠإﻻ أﻧﱠﻪ ﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن اﻧﻄﻔﺄ ﺑﻤﻮت ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻌﻈﻴﻢ، وﻛﺎن ﻳﻠﻤﻊ ﻣﻦ ﺣني إﱃ آﺧﺮ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﺣﺘﻜﺎك اﻟﻐﺮب ﺑﺎﻟﴩق وﻣﺨﺎﻟﻄﺔ اﻷوروﺑﻴني ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ وﰲ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ،ﱠإﻻ ﱠ أن ملﻌﺎﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ وراء ﺣﺠﺐ ﻛﺜﻴﻔﺔ أﻗﺎﻣﻬﺎ اﻟﻜﻬﻨﺔ وزﻋﻤﺎء اﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ،ﻓﻠﻤﱠ ﺎ ﺟﺎء ﻟﻮﺛﺮ ﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻀﺎﻫﺎ ﻫﺘْﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﺤُ ﺠﺐ وﺗﺨﻠﻴﺺ اﻟﻌﻘﻮل ﻣﻦ أﴎ اﻟﺨﻀﻮع اﻷﻋﻤﻰ ﻷرﺑﺎب اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﴎت ﻣﻘﺎﻟﺘﻪ ﴎﻳَﺎن اﻟﻨﱠﺎر ﰲ اﻟﻬﺸﻴﻢ ،ﱠ ﺗﻠﻘﺘﻬﺎ اﻟﻌﻘﻮ ُل ﺑﻤﺰﻳ ٍﺪ َ ُﻮل ،وأﻋﻘﺐ ﻫﺬا اﻹﺻﻼح ﰲ أوروﺑﺎ َ َ اﻟﻘﺒ ِ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻹﺻﻼح اﻟﺴﻴﺎﳼ واملﺪﻧﻲ ،وﻇﻬﺮت ﺛﻤﺮات ﻫﺬا املﺬﻫﺐ ﻋﲆ أﺗﻤﱢ ﻬﺎ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﰲ أواﺳﻂ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻋﲆ ﻋﻬﺪ املﻠﻜﺔ »إﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ،ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺤﺖ ﻫﺬه املﻤﻠﻜﺔ ﻣﻠﺠﺄ اﻟﻔﺎرﻳﻦ ﻣﻦ اﺿﻄﻬﺎد اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻟﺤﺮف واﻟﺼﻨﺎﺋﻊ اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﰲ أﻧﺤﺎء أوروﺑﺎ. ﱢ ﱢ واﻟﻌﺠﻴﺐ ﱠ اﻟﺘﺪﱄ واﻟﱰﻗﻲ ﰲ أوروﺑﺎ ﻛﺎن أول ﻋﻬﺪ أن ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻋﻬﺪ اﻹﺻﻼح ﻓﻴﻤﺎ ﻳُﺠﺎور ﴍﻗﻲ أوروﺑﺎ ﻣﻦ املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﻫﻲ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﰲ ﻋﴫ أﻋﻈﻢ ﻣﻠﻮك اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴني ُﺷﻬﺮة وأﺷﺪﻫﻢ ﺻﻮﻟﺔ وﻫﻮ ﱡ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣُﻌﺎﴏًا ﻟﻠﻮﺛﺮ ﻣ ﱢ ُﺆﺳﺲ اﻹﺻﻼح اﻟﺪﻳﻨﻲ ﰲ اﻟﻐﺮب. ﻣﻨﺬ اﻛﺘﺸﻒ ﻛﻮملﺒﻮس أﻣريﻛﺎ ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ دﺑﱠﺖ روح اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑني اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﰲ اﺳﺘﻌﻤﺎر املﻤﺎﻟﻚ اﻟﻘﺎﺻﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ وراء اﻟﺒﺤﺎر ،ﻓﺎﺷﺘﻬﺮ اﻟﱪﺗﻐﺎﻟﻴﻮن ري ﻣﻦ ﺟﺰر املﺤﻴﻂ واﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﺄﺳﻔﺎرﻫﻢ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،واﻛﺘﺸﺎف ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻬﻨﺪ ،واﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﲆ ﻛﺜ ٍ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل واﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ،ﱠ ﻓﺄﺳ َﺲ اﻹﻧﻜﻠﻴ ُﺰ ﴍﻛﺔ اﻟﻬﻨﺪ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﺗﻤﻬﻴﺪًا ﻟﺘﻤ ﱡﻠﻚ ذﻟﻚ اﻟﻘﻄﺮ اﻟﻮاﺳﻊ اﻷﻛﻨﺎف واملﻤﺎﻟﻚ املﺘﻨﺎﺋﻴﺔ اﻷﻃﺮاف ،وﺟﺮى ﻣﺠﺮاﻫﻢ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﻮن واﻟﻬﻮﻻﻧﺪﻳﻮن ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼم ﰲ اﻟﻬﻨﺪ وﺟﺰاﺋﺮ آﺳﻴﺎ وإﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻋُ ﺮﺿﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﻐﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﻌﺪ إذ أﺧﺬ اﻟﻀﻌﻒ ﺣ ﱠﺪ ُه ﻣﻦ املﺴﻠﻤني وﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻬﻢ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷرﺟﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﴍق أوروﺑﺎ ﺗُﻜﺎﻓﺢ دول أوروﺑﺎ وﺗﺬود ﻋﻦ ﺣﻴﺎض اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ ُ ﺗﻨﺒﺖ ﰲ أرض اﻟﻐﺮب ،و ﱠملﺎ ﺑﻘﻮة اﻟﺴﻴﻒ دون اﻻﻧﺘﺒﺎه إﱃ ﻗﻮﱠة اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﺑﺬورﻫﺎ ﻛﺎن ﻋﻬﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ُﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺬي أﻟﻘﻰ اﻟ ﱡﺬﻋﺮ ﰲ ﻧﻔﻮس املﻠﻮك ،وأزﻋﺞ ﺑﺴﻄﻮﺗﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻷوروﺑﻴﺔ ﻋﻦ ﻣﻄﻤﱧ اﻟ ﱠﺮاﺣﺔ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺷﺎرﻟﻜﺎن إﻣﱪاﻃﻮر أملﺎﻧﻴﺎ وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وﻟﻮﻳﺲ ﻣﻠﻚ املﺠﺮ وﻓﺮدﻧﻴﺎﻧﺪ ﻣﻠﻚ اﻟﻨﻤﺴﺎ ،أﺧﺬت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ دو ًرا ﻏري دورﻫﺎ اﻷول ،وﻫﻮ دور اﻻﻧﺤﻄﺎط دور ﻷﺳﺒﺎب :اﻟﺴﺒﺐ اﻷول ﻣﻨﻬﺎ ﻇﻬﻮر ﻓﻜﺮة اﻹﺻﻼح ﻋﻨﺪ اﻷﻣﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ ودﺧﻮﻟﻬﺎ ﰲ ٍ 16
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
ﺟﺪﻳ ٍﺪ ﻣﻦ املﺪﻧﻴﺔ ﺑﺈﻋﻄﺎء اﻟﻌﻘﻞ ﺣﻖ اﻟﺴﻠﻄﺎن ا ُملﻄﻠﻖ ﻣﻊ وﻗﻮف املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ ﺣﻀﻴﺾ املﻬﺎﻧﺔ وﻗﻔﺔ املﺘﻔ ﱢﺮج املﺆذﻧﺔ ﺑﺼﻌﻮ ِد أُوﻟ ِﺌ َﻚ إﱃ أوج املﺠﺪ واﻟﻘ ﱠﻮةِ ،وﻫﺒﻮط ﻫﺆﻻء إﱃ ِ واﻟﻀﻌﻒ ،واﻟﺴﺒﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻨﺢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻌﺾ اﻻﻣﺘﻴﺎزات اﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺔ ﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺘﻲ ﺟﻨﻮى واﻟﺒﻨﺎدﻗﺔ وﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ اﻷول ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،واﻟﺜﺎﻟﺚ :وﻳﺸﱰك ﺑﻪ ﻏريه ﻣﻤﻦ ﺳﺒﻖ ﻣﻦ ﺳﻼﻃني اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴني وﻫﻮ ﴏف ﻗﻮة اﻟﺪوﻟﺔ إﱃ اﻟﻘﺴﻢ اﻷوروﺑﻲ ﻣﻤﺎ ﻳﲇ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ،وإﺿﻌﺎف ﻗﻮﺗﻬﺎ ﰲ إﺧﻀﺎع ﺷﻌﻮب ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ ﻣُﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺪ ِ ﱠوﻟﺔ ﱠإﻻ اﻟﴬر وإﻳﺠﺎد اﻟﻌﻘﺒﺎت ﰲ ري ﻣﻦ ﺟﻨﺪﻫﺎ ﰲ ﺗﻮﻃﻴ ِﺪ دﻋﺎﺋﻢ اﻷﻣﻦ ﰲ ِ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﻘ ﱡﺪ ِم اﻟﺪﱠوﻟﺔ ﰲ أﻧﺤﺎء أُﺧﺮى؛ ﻹﺷﻐﺎل ﻗﺴ ٍﻢ ﻛﺒ ٍ ﺣني ُﴬﻣُﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ املﺴﻴﺤﻴﻮن ﻣﻦ ٍ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻻﻳﺎت وإﺧﻤﺎد ﻧريان اﻟﺜﻮرات املﺘﻮاﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳ ِ ﻵﺧﺮ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم. أﻣﺎ اﻣﺘﻴﺎزات اﻟﻘﻨﺎﺻﻞ ﻓﺈﻧﱠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻵﻓﺔ اﻟﻜﱪى واﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻌُ ﻈﻤﻰ اﻟﺘﻲ ﱠ ﺗﻮﺳﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﺪول إﱃ إرﻫﺎق اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻤﺎ اﺳﺘﺰدﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﻋﻬﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻣﻦ املﻨﺢ واﻻﻣﺘﻴﺎزات اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗُﺨ ﱢﻮ ُل ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﰲ اﻟﴩق ،وﺑﻌﺒﺎر ٍة أُﺧﺮى ﺧﻠﻖ املﺸﺎﻛﻞ اﻟﺘﻲ ﺗُﻤﻬﱢ ُﺪ ﱠ ﻟﻬﻦ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﺘﺴ ﱡﻠ ِﻂ ﻋﲆ ﺣﻤﺎﻳﺔ املﺴﻴﺤﻴني ﺗﺬ ﱡرﻋً ﺎ ﺑﺬﻟﻚ إﱃ ِ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﻨﻮح ُ اﻟﻔ َﺮ ِص ا ُملﻼﺋﻤﺔ ،وﻧﺬ ُﻛ ُﺮ ﻣﻦ ﻫﺬه املﻨﺢ واﻻﻣﺘﻴﺎزات ﻣﺎ أُﻋﻄﻲ ﻟﺪوﻟﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺳﻨﺔ ١٧٤٠ﻣﻦ ﱢ ﺣﻖ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﺴﺲ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﰲ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ. وﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺗﺨ ِﺒ ُ ﱢ اﻟﺘﺪﱄ ﻂ ﰲ دﻳﺠﻮر اﻟﺤرية ﰲ دورﻫﺎ ﻫﺬا؛ أي دور وﺗﺘﴪبُ إﻟﻴﻬﻤﺎ أﻓﺎﻋﻲ اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ واﻻﻣﺘﻴﺎزات واﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﺗﻘﴤ ﻟﺒﺎﻧﺎﺗﻬﺎ واﻻﻧﺤﻄﺎط، ﱠ ﻣﻦ املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ أﻗﴡ اﻟﴩق ،وﺗُﻮاﱄ ﻫﺠﻤﺎﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺜﻐﻮر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻛﺘﻮﻧﺲ واﻟﺠﺰاﺋﺮ وﻃﻨﺠﺔ وﺳﻼ واﻟﻌﺮاﺋﺶ ،ﺳﻌﻰ أﺣﺪ اﻟﺒﺎﺑﺎوات ﺑﺘﺤﺎﻟُﻒ اﻟﺪﱡول اﻷوروﺑﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﺎﺗﺤﺪت ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻤﺴﺎ وﺑﻮﻟﻮﻧﻴﺎ واﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ واﻟ ﱡﺮوﺳﻴﺎ ورﻫﺒﻨﺔ ﻣﺎﻟﻄﺔ وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ )١٠٩٤ﻫ( و)١٦٨٣م( اﺗﺤﺎدًا ﺳﻤﻮه اﻻﺗﺤﺎد ا ُملﻘﺪﱠس ،وﻫﺎﺟﻢ َ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌُ ﺜﻤﺎﻧﻴ َﱠﺔ ﻣﻦ اﻟﱪﱢ واﻟﺒﺤ ﱢﺮ وأ َ ْ ﺻ َﻠﻮا ﺑﻼدﻫﺎ ﺣﺮﺑًﺎ ﺗﺸﻴﺐُ ﻟﻬﺎ اﻟﺮءوس، ﻫﺆﻻء اﻟﺪﱡو ُل ً وﰲ ﻏﻀﻮن ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﱠوﻟﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﺗﻌﺪ ﺑﻬﻤﱠ ﺔ ﺑﻄﺮس اﻷﻛﱪ ﻋﺪوٍّا ﻫﺎﺋﻼ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻳُﻬ ﱢﺪ ُد أوروﺑﺎ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ واﻟﻘﻮﻗﺎز واﻟﱰﻛﺴﺘﺎن وﻓﺎرس وﻛﻞ آﺳﻴﺎ اﻟﻮﺳﻄﻰ وأﻣﺮاﺋﻬﺎ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﺟﺎرف ﻳﻘﴤ ﻋﲆ ﺑﻘﻴﱠ ِﺔ املﻤﺎﻟﻚ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﱠ ٍ ﻳﺘﻴﴪ ﻟﻠﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻬﺎ وﺳﻠﺐ ﺑﺴﻴﻞ ٍ اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ،وأﺧﺬ ﺑﻄﺮس اﻷﻛﱪ ﺑﻤﻨﺎوﺋﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ،وآﺛﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺮﺑًﺎ ﻋَ ﻮَاﻧًﺎ ﻟﻢ ﻳُﺼﺎدﻓﻪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻓﺤﻮﱠل وﺟﻬﺘﻪ إﱃ ﺟﺎرﺗﻬﺎ أي دوﻟﺔ اﻟﻔﺮس ،واﻧﺘﻬﺰ ُﻓﺮﺻﺔ ﺿﻌﻔﻬﺎ واﻧﻘﺴﺎﻣﻬﺎ، ﻐﻮر اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻋﲆ ﺑﺤﺮ ﻓﺘﺠﺎوز ﺟﺒﺎل اﻟﻘﻔﻘﺎس ،واﻛﺘﺴﺢ إﻗﻠﻴﻢ داﻏﺴﺘﺎن وﻛ ﱠﻞ اﻟﺜ ﱡ ِ 17
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ِ اﻟﻬﻤﱠ ِﺔ إﱃ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﲆ اﻟﺨﺮز ،ووﺿﻊ وﺻﻴﱠﺘﻪ املﺸﻬﻮرة اﻟﺘﻲ ﻳُﻮﴆ ﺑﻬﺎ أﺧﻼﻓﻪ ﺑﴫف ِ اﺳﺘﻘﻼل اﻟﺘﺘﺎر ﰲ ﺑﻼد اﻟﻘﺮﻳﻢ وﺗﺪوﻳﺦ املﻤﺎﻟﻚ اﻟﱰﻛﻴﺔ واﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ ،واﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺮﺿﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﺘﺒﻊ ﻗﻴﺎﴏة اﻟ ﱡﺮوس ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻫﺬه اﻟﻮﺻﻴﺔ ﻋﲆ ﻗﺪر ﻣﺎ وﺻﻞ إﻟﻴﻪ ﺟﻬﺪﻫﻢ ،ﻓﺘﻮﻓﻘﻮا ﰲ ﺑﻌﻀﻬﺎ وﻟﻢ ﻳﺘﻮﻓﻘﻮا ﰲ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ،وملﺎ ﻛﺎن ﻋﻬﺪ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ )إﱃ ﺳﻨﺔ ١٧٧٣م( أﺧﺬ اﻟﺮوس ﱢ ﺑﺪس اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﰲ اﻟﻘﺮﻳﻢ وإﻟﻘﺎء اﻟﺸﻘﺎق ﺑني اﻷﻫﺎﱄ ً اﺳﺘﻘﻼﻻ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ﰲ ﻣﻌﺎﻫﺪة ﻗﻴﻨﺎرﺟﺔ اﻟﺸﻬرية ،ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ أن ﺳﻌﻮا ﺑﺎﺳﺘﻘﻼل اﻟﻘﺮﻳﻢ ﻋﻦ ﺗﺮﻛﻴﺎ ﱠ ﺗﻮﺻﻠﻮا إﱃ اﺣﺘﻼل اﻟﻘﺮﻳﻢ واﻣﺘﻼك ﺳﻮاﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺳﻮد اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﺛﻢ اﺗﻔﻘﺖ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة 3 ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ ﺳﻨﺔ )١١٩٤ﻫ١٧٨٠/م( ﻣﻊ إﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻨﻤﺴﺎ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﲆ اﻗﺘﺴﺎم ﺗﺮﻛﻴﺔ أوروﺑﺎ وﺑﻌﺾ ﺟﺰاﺋﺮ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ وإﻗﺎﻣﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﰲ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ﻛﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺒﺰﻧﻄﻴﱠﺔ املﻨﻘﺮﺿﺔ ،وإرﺿﺎء دول أوروﺑﺎ ﺑﴚءٍ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻘﺴﻤﺔ ،ﺗﻨﻔﻴﺬًا ﻟﻮﺻﻴﺔ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﺑﻄﺮس اﻟﻜﺒري ،ﻓﻘ ﱠﺪ َم ﺳﻔريا روﺳﻴﺎ واﻟﻨﻤﺴﺎ إﱃ اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ ﺗﻘﺮﻳﺮﻳﻦ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻮاد ﺗﺘﻀﻤﻦً : )أوﻻ( ﻃﻠﺐ اﻟﺪوﻟﺘني ﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ،وأن ﺗﻀﻊ اﻟﻨﻈﺎﻣﺎت اﻟﻼزﻣﺔ واﻹﺻﻼﺣﺎت املﻮاﻓﻘﺔ ﻟﺤﺮﻳﱠ ِﺔ املﻼﺣﺔ ،وﻧﻘﻞ املﺤﺼﻮﻻت ﻣﻦ ﺛُﻐﻮرﻫﺎ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻣُﺮاﻋﻴﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻷﺻﻮل واﻟﻨﻈﺎﻣﺎت املﻌﻤﻮل ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪ أﻛﺜﺮ اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ) ،ﺛﺎﻧﻴًﺎ( ﻋﺪم ﻣُﺪاﺧﻠﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﰲ ً ُﺴﺘﻘﻼ ﰲ ﺣﻜﻮﻣﺘﻪ) ،ﺛﺎﻟﺜًﺎ( رﻓﻊ اﻟﺠﺰﻳﺔ املﴬوﺑﺔ ﻋﲆ اﻹﻓﻼق أﻣﻮر اﻟﺘﺘﺎر ،واﻋﺘﺒﺎر اﻟﺨﺎن ﻣ واﻟﺒﻐﺪان. وﻗﺪ اﺳﺘﺸﻌﺮت اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻨﻴﱠﺎت اﻟﺮوﺳﻴﺔ اﻟﺴﻴﺌﺔ ،وﻇﻬﺮ ﻟﻬﺎ ﱠ أن ﻫﻨﺎك اﺗﺤﺎدًا ﺑني اﻟﺪوﻟﺘني ﻳُﺮاد ﺑﻪ ﻣﺤﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮد ،ﻓﻌﻘﺪت ﰲ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ﰲ ﻣﺤﺮم ﺳﻨﺔ ﻣﺠﻠﺴﺎ ﻟﻠﻤﺸﻮرة واﻹﻳﺠﺎﺑﺔ ﻋﲆ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳﻦ ،ﻓﺮأى املﺠﻠﺲ ﱠ ً أن اﻟﺪوﻟﺘني )١١٩٧ﻫ( ﺗُﺮﻳﺪان اﻟﺘﺤ ﱡﺮش ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ واﺳﺘﻔﺰازﻫﺎ ﻟﻠﺤﺮب ﻟﺘﻌﺰوا إﻟﻴﻬﺎ ﻧﻘﺾ اﻟﻌﻬﻮد اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ وا ُملﺒﺎدﺋﺔ ﱠ ﻓﻴﻨﻘﻀﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻴﻞ واﻟﺮﺟﻞ ﻣﻊ أﻧﻬﻤﺎ ﻫﻤﺎ اﻟﺒﺎدﺋﺘﺎن ﺑﺎﻟﻌﺪوان ،ﱠ وأن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻌﺪوان، ﴎﻳٍّﺎ ﻋﲆ ﻣُﻬﺎﺟﻤﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻗﺪ أﺧﺬا ﻷﻧﻔﺴﻬﻤﺎ أﻫﺒﺔ اﻟﺤﺮب ﻣﻊ ﱠ أن اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﺗﱢ َﻔ ًﺎﻗﺎ ِ ﱢ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺄﻗ ﱠﺮ املﺠﻠﺲ ﻋﲆ أن ﻳُﺠﺎوﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳﻦ ﺟﻮاﺑًﺎ ﻣُﺤﻜﻤً ﺎ ﻳُﺪاﻓِ ُﻊ ﺑﻪ رﻏﺒﺎﺗﻬﻤﺎ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ 3ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺮوﺳﻴﺎ ﺣﺎرﺑﺖ اﻟﻨﻤﺴﺎ ﻋﲆ ﻋﻬﺪ واﻟﺪة ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ — اﻹﻣﱪاﻃﻮرة ﻣﺎرﻳﺎ ﺗﺮﻳﺰ — ﺣﺮﺑًﺎ ٌ ﺿﻌﻒ ﺷﺪﻳﺪٌ ،وﺣﺎوﻟﺖ ﺑﺮوﺳﻴﺎ أن ﺗُﻐﺮي اﻟﺪوﻟﺔ اﺳﺘﻤ ﱠﺮت ﻧﺤﻮ ﺳﻨﺘني ﺣﺘﻰ أﺻﺎب اﻟﻨﻤﺴﺎ ﻣﻦ ﺟ ﱠﺮاﺋﻬﺎ اﻟﻌﻠﻴﺔ ﺑﺤﺮﺑﻬﺎ أﺛﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﻀﻌﻒ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻣُﺮاﻋﺎ ًة ملﺎرﻳﺎ ﺗﺮﻳﺰ وﻟﻮ ﺣﺎرﺑﺘﻬﺎ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻟﻘﻀﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﺗُﻘﺎﺑﻠﻬﺎ دوﻟﺔ اﻟﻨﻤﺴﺎ اﻵن ﺑﺎﻻﺗﺤﺎد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺮوﺳﻴﺎ. 18
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
رﻳﺜﻤﺎ ُ ﺗﺄﺧﺬُ اﻟﺪﱠوﻟﺔ أﻫﺒﺘﻬﺎ ﻟﻠﺤﺮب ،وأن ﺗُﺒﺎﴍ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﱠ اﻟﺴﺎﻋﺔ أﻣﺮ اﻻﺳﺘﻌﺪاد واﻟﺘﺠﻬﱡ ﺰ ملﺎ ﻋﺴﺎ ُه ﻳﻜﻮ ُن ﺑﻼ ﺗﻮان وﻻ إﻫﻤﺎل ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺟﻮاﺑًﺎ ﺧﻼﺻﺘﻪ :أن اﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳﻦ املﻘﺪﻣني ﻣﻦ ﺳﻔريي اﻟﺪوﻟﺘني املﺤﺒﺘني ﻗﺪ ﻧ ُ ِﻈ َﺮ ﻓﻴﻬﻤﺎ ،وﻗﺪﱠرت اﻟﺪوﻟﺔ ﺳﻌﻲ واﻫﺘﻤﺎم اﻟﺪوﻟﺘني اﻟﺤﺒﻲ ﺑﺎﻹﺻﻼح املﻄﻠﻮب ﱠ ﺣﻖ ﻗﺪره ،وﺳﺘﻨﻈﺮ ﻣﻦ اﻵن ﰲ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻮ ﻣﻨﻬﺎ دوﻟﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﻣﻄﺒﻘﺔ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﻬﻮد اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وأن ﺑﺎدرت اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻫﺬا اﻟﺠﻮاب ﻟﺴﻔريي اﻟﺪوﻟﺘني املﺘﺤﺎﺑﺘني ﻟﺘﻜﻮﻧﺎ واﺛﻘﺘني ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ وﻻ ﺗﺰال ﺣﺮﻳﺼﺔ ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻢ واملﺼﺎﻓﺎة. وﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ اﻟﺪوﻟﺘﺎن ﺑﻌﺪ ﻫﺬا أن أﺷﻬﺮﺗﺎ اﻟﺤﺮب ﻋﲆ اﻟﺪوﻟﺔ ،واﺣﺘ ﱠﻠﺖ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﺑﻼد اﻟﻔﻼخ واﻟﺒﻐﺪان وﺑﺴﺎراﺑﻴﺎ ،ودﺧﻞ اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳﻮن ﺑﻼد اﻟﴫب وارﺗﻜﺐ اﻟ ﱡﺮوﺳﻴﻮن اﻟﻔﻈﺎﺋﻊ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ﰲ ﻗﻠﻌﺔ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ 4 .وﺻﺎرت اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﲆ ﺷﻔﺎ اﻟﺨﻄﺮ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﻞ املﻮت ﻋﲆ إﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻨﻤﺴﺎ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﺗﺴﻌﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﰲ إﺑﺮام اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻊ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ووﺿﻊ ﻣﻌﺎﻫﺪة زﺷﺘﻮي املﻌﺮوﻓﺔ. و ﱠملﺎ أﺧﺬت اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻌﺪ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ﰲ ﻟ ﱢﻢ ﺷﻌﺜﻬﺎ وإﺻﻼح ﺟﻨﺪﻳﺘﻬﺎ ،ﻓﺎﺟﺄﺗﻬﺎ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﺑﺈرﺳﺎل ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن إﱃ ﻣﴫ واﺣﺘﻼﻟﻬﺎ دُون ﺳﺎﺑﻖ ﺳﺒﺐ وﻻ إﻋﻼن ﻟﻠﺤﺮب ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ )١٢١٣ﻫ( ﺳﻨﺔ )١٧٩٨م( ،وﻛﺎن ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻏﺰو اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني ﻟﺴﻮرﻳﺎ ،ﺛ ﱠﻢ ﺟﻼﺋﻬﻢ ﻋﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ اﺗﻔﺎق اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻣﻊ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﲆ إﺧﺮاﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﴫ ،وﺗﻢ ذﻟﻚ ً ﻓﻌﻼ. وﻗﺪ ﻗﻀﺖ أوروﺑﺎ أن ﻻ ﺗﺴﱰﻳﺢ ﻫﺬه اﻟﺪوﻟﺔ وﻻ ﻳﻮﻣً ﺎ واﺣﺪًا ﻣﻦ ﻋﻨﺎء اﻟﺤﺮب ،أو ﺣﺮب ﺷﻌﻮاء ﻳُﻘﴣ ﻋﻠﻴﻬﺎ إذا اﺗﱠ َﻔ َﻘﺖ اﻟﺪﱠوﻟﺔ اﻟ ﱡﺮوﺳﻴﺔ واﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﺳﻨﺔ )١٨٠٧م( ﻋﲆ ٍ ﻳُﻘﻴﻤﺎﻧﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻘ ﱡﺮب ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﻮ ﱢﻟﻴﻪ ﺷﺌﻮن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ، ﻓﻬﺎﺟﻤﺘﺎﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﱪﱢ واﻟﺒﺤﺮ ،ودﻣﱠ ﺮ اﻷﺳﻄﻮل اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻛﻞ املﺮاﻛﺐ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻮاﻗﻔﺔ ﰲ ﻣﺪﺧﻞ ﻣﻀﻴﻖ اﻟﺪردﻧﻴﻞ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﺗُﻬﺎﺟﻢ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﻧﻬﺮ اﻟﻄﻮﻧﺔ ،وﻟﻢ ﻳُ ْ ﻄ َﻔﺄ ﺷﻮاظ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب إﻻ ﺑﻤُﻬﺎﺟﻤﺔ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ، وﺗﻘﻬﻘﺮ ﺟﻴﻮﺷﻬﺎ أﻣﺎﻣﻪ ،و ﱠملﺎ اﺳﺘﻘ ﱠﺮ اﻟﺼﻠﺢ ﺑني اﻟﺪوﻟﺘني ،وﻋُ ﻘﺪت ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻌﺎﻫﺪة ﺗﻠﺴﻴﺖ اﻟﺸﻬرية ﺳﻨﺔ )١٢٢٣ﻫ( ،واﺟﺘﻤﻊ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن واﻟﻘﻴﴫ إﺳﻜﻨﺪر اﻷول ﰲ ﺗﻠﺴﻴﺖ 4ﻗﻠﻌﺔ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻫﺬه ﺑُ ِﻨﻴَﺖ ﰲ ﺑﻠﺪة إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻋﲆ ﱠ ﺿﻔﺔ اﻟﻄﻮﻧﺔ ﺳﻨﺔ )١١٩٥ﻫ( أي ُﻗﺒﻴﻞ وُﻗﻮع ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ،وﺣﺎﴏﻫﺎ اﻟ ﱡﺮوس ُﻣﺪﱠة ﻏري ﻗﻠﻴﻠﺔ ،و ﱠملﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻗﺘﻠﻮا ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد واﻟﻨﺴﺎء أﻟﻔﺎ ،وﻋﺪد اﻟﻨﺴﺎء واﻷوﻻد ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ً واﻷوﻻد وﻛﺎن ﻋﺪد اﻟﺠﻨﻮد ﺛﻼﺛني ً أﻟﻔﺎ وﻟﻢ ﻳﻨﺞُ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﻛﻠﻬﻢ ﺳﻮى ﺷﺨﺺ واﺣﺪ أﻟﻘﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ اﻟﻄﻮﻧﺔ وذﻫﺐ ﻹﺧﺒﺎر اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻤﺎ وﻗﻊ. 19
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
وارﻓﻮرد ،ﱠ اﺗﻔﻘﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻋﲆ اﻗﺘﺴﺎم املﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وأن ﺗﻜﻮن اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ﰲ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺘﱠﺎﺑﻊ ﻟﺮوﺳﻴﺎ أو ﻋﲆ اﻟﺤﻴﺎد ،ﺑﻞ ﻳُﻘﺎ ُل :إﻧﻬﻤﺎ اﺗﻔﻘﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻫﻮ أوﺳﻊ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻵﻣﺎل املﺒﻨﻴﱠﺔ ﻋﲆ املﻄﺎﻣﻊ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳُﺼ ﱢﻮ ُرﻫﺎ ﺧﻴﺎل املﻠﻮك اﻟﻘﺎدرﻳﻦ ،ﻋﲆ ﱠ أن ﻫﺬا اﻻﺗﻔﺎق — وإن واﻓﻖ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن اﻟﻜﺒرية وأﻃﻤﺎﻋﻪ اﻷﺷﻌﺒﻴﺔ — ﱠإﻻ ﱠ ﻣﺮﻛﺰ أن وﺟﻮد اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﰲ ٍ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻛﺎﻷﺳﺘﺎﻧﺔ أو ﻗﺮﺑﻬﺎ أﻣ ٌﺮ ﺟَ َﻠ ٌﻞ ﻻ ﻳﺠﻬﻞ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻋﻮاﻗﺒﻪ اﻟﻮﺧﻴﻤﺔ ﻋﲆ أوروﺑﺎ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، أﻳﻀﺎ ﻟﻬﺬا ﱠ ﺑﻞ وﻋﲆ آﺳﻴﺎ وإﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ً ﻏﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﻮﻋﺪه ﻓﺄﻏﺎظ ذﻟﻚ دوﻟﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺎ، ورأت ﱠ أن اﻻﺿﻄﺮاب اﻟﻮاﻗﻊ ﰲ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ اﻟﻌﻠﻴﱠﺔ ﰲ ﺷﺄن ﺗﻐﻴري ﻧﻈﺎم اﻟﺠﻨﺪﻳﺔ ،وﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻤ ﱡﺮد اﻻﻧﻜﺸﺎرﻳﺔ ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﻴﻢ وﺧﻠﻌﻬﻢ ﻟﻪ ،وﻣﺎ أﻋﻘﺐ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﺳﻠﻴﻢ ٌ ﻓﺮﺻﺔ ﻻ ﺗﻔﻮﱠت ،ﻓﺎﺳﺘﺄﻧﻔﺖ اﻟﺤﺮب ﻣﻊ وﺧﻠﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺼﻄﻔﻰ وﺗﻮﻟﻴﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﻮد، َ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﱠإﻻ أﻧﱠﻪ ﻟﺤﺴﻦ ﺣﻈﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻼﺋﻖ ﻓﱰت ﺑني اﻟﺮوﺳﻴﺎ وﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻹﺧﻼل ﻫﺬا ﺑﺒﻌﺾ ﴍوط ﻣُﻌﺎﻫﺪة ﺗﻠﺴﻴﺖ ،ورأى ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن أن ﻳُﻌﻴﺪ اﻟﻜ ﱠﺮة ﻋﲆ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﻻﺷﺘﻐﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮب ﻣﻊ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ،ﻓﺒﺎدرت اﻟﺮوﺳﻴﺎ إﱃ ﻋﻘ ِﺪ ﱡ ﻠﺢ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻫﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﺘﺘﻔﺮغ اﻟﺼ ِ ﻟﻘﺘﺎل ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ،وأُﻣﻀﻴﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣُﻌﺎﻫﺪة ﺑﺨﺎرﺳﺖ ﺳﻨﺔ )١٨١٢م(. ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺮوب ا ُملﺘﻮاﻟﻴﺔ واﻟﺪﻣﺎء املﺴﻔﻮﺣﺔ ﻟﻢ ﺗﻘﻒ ﺑﻄﻤﻊ اﻹﻣﱪاﻃﻮر إﺳﻜﻨﺪر ﻋﻨﺪ ﺣﺪ؛ إذ ﱠملﺎ أﻋﻴﺎه أﻣﺮ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺪوﻟﺔ وﺗﻨﻔﻴﺬ وﺻﻴﺔ ﺑﻄﺮس اﻷﻛﱪ أﺧﺬ ﺑﺘﺤﺮﻳﺾ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني ﻣﻦ أﻫﺎﱄ املﻮردة ﻋﲆ اﻟﺜﻮرة واﻻﺳﺘﻘﻼل؛ ﻓﺄﻧﺸﺌﻮا ﺟﻤﻌﻴﺔ ﴎﻳﺔ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﰲ »ﺑﻄﺮس ﺑﺮج« ﺑﺮﺋﺎﺳﺔ أﺣﺪ اﻟﻐﺮاﻧﺪوﻗﺎت ،وأﺧﺬت ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺑﻨﴩ ﻣﺒﺎدﺋﻬﺎ اﻟﺜﻮرﻳﺔ وإﻋﺪاد املﻮرة ﻟﺜﻮرة ﻳﺘﻄﺎﻳﺮ ﴍرﻫﺎ ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻼد ،ﺣﺘﻰ إذا ﺗﺨﻤﱠ َﺮت ﰲ اﻟﻨﻔﻮس دواﻋﻲ اﻟﺒﻐﻀﺎء وﻧﻤﻰ ﺣﺐ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻧﻬﺾ أﻫﻞ املﻮرة ﰲ وﺟﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ورﻓﻌﻮا راﻳﺔ اﻟﻌﺼﻴﺎن، وأﻧﺠﺪﺗﻬﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ أﻛﺜﺮ أوروﺑﺎ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﺆﻣﻠﺔ إﺿﻌﺎف اﻟﺪوﻟﺔ وﻣُﺸﺎﻃﺮة ﻣﻤﺎﻟﻜﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ، ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﱡ اﻟﻀﺒﱠﺎط اﻷوروﺑﻴني واﻟﺠﻨﻮد ري ٍ وﺑﻌﺪ اﺳﺘﻤﺮار اﻟﺜﻮرة ُﻣﺪﱠة ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وﺗﻄﻮﱡع ﻋﺪدٍ ﻏ ِ ً أﻳﻀﺎ ُملﺴﺎﻋﺪة اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني ،وﻳﺄس اﻟﺪول ﻣﻦ ﱡ ﺗﻮﺻﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني إﱃ ﻗﻬﺮ اﻟﺪﱠوﻟﺔ ،أرﺳﻠﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﻧﻜﻠﱰا وروﺳﻴﺎ أﺳﺎﻃﻴﻠﻬﻦ إﱃ ﺳﻮاﺣﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎن ﻹرﻫﺎب اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻓﺎﺟﺄت ﻫﺬه اﻷﺳﺎﻃﻴﻞ ﰲ ﻧﺎﭬﺎرﻳﻦ املﺮاﻛﺐ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ واملﴫﻳﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮب ﺑﺪون ﺳﺎﺑﻖ إﻋﻼن ﺑﻬﺎ ودﻣﱠ ﺮﺗﻬﺎ ﺗﺪﻣريًا ،ﺛﻢ أﴏﱠت ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺪول ﻋﲆ اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ ﺑﻮﺟﻮب اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻤﻄﺎﻟﺐ ﺑﺤﺮب اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني وﻣﻨﺤﻬﻢ اﻻﺳﺘﻘﻼل ،ﻓﺄﺑﻰ ذﻟﻚ ﻓﺄﻋﻠﻨﺖ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺮب وﻧﺎﻫﻴﻚ ٍ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﺠﻬﺎد اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻣﻊ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ واﻟﻴﻮﻧﺎن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ ﻫﻲ ﺗﻜﻮن ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﰲ ﺷﺌﻮﻧﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻟﻘﻀﺎء اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﻮد ﻋﲆ ﺟﻨﻮد اﻻﻧﻜﺸﺎرﻳﺔ وﺣﻞ 20
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
ﻣﻌﺴﻜﺮاﺗﻬﻢ ،واﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﺑﺘﻨﻈﻴﻢ ﺟﻨ ٍﺪ ﺟﺪﻳ ٍﺪ ﻋﲆ اﻟﻄﺮاز اﻷوروﺑﻲ ،وﻫﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺑﻌﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺬﻛﻮ ًرا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻘﻮة اﻟﺮوس اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ واﺳﺘﻌﺪادﻫﻢ اﻟﻬﺎﺋﻞ. ﻟﻬﺬا ﻟﻢ ﻳﻘ َﻮ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻋﲆ اﻟﻮﻗﻮف ﰲ وﺟﻪ اﻟﻌﺪو إﻻ ً ﻗﻠﻴﻼ ،ﺛﻢ أﺧﺬ ﺑﺎﻟﺘﻘﻬﻘﺮ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ أدرﻧﺔ ،وﻫﻨﺎك رأت اﻟﺪول ﱠ أن اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ إﻧﻬﺎك ﻗﻮى اﻟﺪوﻟﺔ ﻗﺪ ﺣﺼﻠﺖ ﱠ وأن دﺧﻮل اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺮوﺳﻴﺔ إﱃ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ﺧﻄﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻋﲆ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻦ ُ ﰲ اﻟﴩق واﻟﻐﺮب؛ ﻓﺘﺪاﺧﻠﻦ ﰲ اﻟﺼﻠﺢ ﺑني اﻟﺪوﻟﺘني ﻋﲆ ُﻛﺮ ٍه ﻣﻦ روﺳﻴﺎ ،وأﻣﻀﻴﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣُﻌﺎﻫﺪة أدرﻧﺔ ﺳﻨﺔ )١٨٢٩م( وﻗﺪ ردﱠت اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻫﺎ إﱃ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﱠﺔ ﻛﻞ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻟﺒﻠﻘﺎن. وﻋﲆ ﻋﻘﺐ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب وإﻧﻬﺎك ﻗﻮى اﻟﺪوﻟﺔ وﺟﱠ ﻬﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻜﺮﻫﺎ إﱃ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،واﻧﺘﻬﺰت ُﻓﺮﺻﺔ ﺿﻌﻒ اﻟﺪﱠوﻟﺔ واﺿﻄﺮاب ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،ﻓﻬﺎﺟﻤﺘﻬﺎ ﺑﺤﺠﱠ ﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎم ٍ ﻹﻫﺎﻧﺔ أﻟﺤﻘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻨﺼﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي ،وﻣﺎ زاﻟﺖ اﻟﺤﺮب ﻧﺎﺷﺒﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻣﻦ واﻟﻴﻬﺎ ُ ﺣﻴﺚ ﺑﺴﻄﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻨﺎح ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ إﱃ اﻟﻴﻮم. اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳني ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ )١٨٤٧م( َ رأﻳﺖ أﻳﱡﻬﺎ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﻨﺎء اﻟﺪﱠاﺋﻢ اﻟﺬي ﻻﻗﺘﻪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻣُﻜﺎﻓﺤﺔ أوروﺑﺎ ﻠﺖ ﱠ وﻣُﺼﺎدﻣﺔ اﻟﺪول اﻟﻄﺎﻣﻌﺔ ﰲ ﻣﻠﻚ اﻹﺳﻼم ،ورﺑﱠﻤﺎ ُﻗ َ إن دوﻟﺔ ﺑﻠﻎ ﺑﻬﺎ اﻟﻮﻫﻦ وﺿﻌﻒ اﻟﻘﻮة ﻣﻦ اﻟﺤﺮوب املﺘﻮاﻟﻴﺔ ً ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﺗﻔﺎق اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﻋﲆ اﻗﺘﺴﺎم ﻣﻤﺎﻟﻜﻬﺎ ﻣﻨﺬُ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ وﻟﻢ ﺗﻔﻌﻞ ﻓﻠﻢ ﻫﺬا؟ ﻓﻨﺠﻴﺒﻚ :ﱠ أن ﻟﻬﺬا ﺳﺒﺒًﺎ ﻫﺎ ﻧﺤﻦ ﺑﺎﺳﻄﻮه ﻟﺪﻳﻚ. ﱠ إن اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﱠملﺎ وﺟﱠ ﻬﺖ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﺎ إﱃ اﻟﴩق ورﻏﺒﺖ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ واﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﻘﺎﺻﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﱠوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ﰲ ﻣﻜﺎﻧ َ ٍﺔ ﻣﻦ ُ ُ اﻷﻋﻨﺎق وﻻ اﻟﻘ ﱠﻮ ِة ﻻ ﺗﺘﻄﺎ َو ُل إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻐﺮب ﱠ واﻟﴩ ِق ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻣَ ﻨﻔﺬٌ ﺗﺘﴪبُ ﻣﻨﻪ ﻣﻨﻴﻊ ﻗﺎﺋ ٍﻢ ﺑني ﺗﺘﻨﺎوﻟﻬﺎ اﻷﻃﻤﺎ ُع ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻛﺴ ﱟﺪ ﱠ ِ ٍ ﺟﻴﻮش ﺗﻠﻚ اﻟﺪول اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ إﱃ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼم ﰲ اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ ،ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮت اﻟﺪول إﱃ ﺗﺤﻮﻳﻞ وﺟﻬﺘﻬﺎ إﱃ ﻣﺎ وراء اﻟﺒﺤﺎر ودارت أﺳﺎﻃﻴﻠﻬﺎ ﺣﻮل اﻟﻜﺮة ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ رأس اﻟ ﱠﺮﺟﺎء ﻟﺘﺒﺴﻂ ﺟﻨﺎح ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼم ﰲ اﻟﴩق اﻷﻗﴡَ ، وﺷ َﻐ َﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﺢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺷﺎﻏ ٌﻞ ﻋﻈﻴ ٌﻢ ﻋﻦ ﺗُﺮﻛﻴﺎ ﺣﺘﻰ إذا ﺑﺪأ اﻟﻮﻫﻦ واﻟﻀﻌﻒ ﻳﻈﻬﺮان ﻋﲆ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ وﺳﻨﺤﺖ ﻷوروﺑﺎ ﻓﺮﺻﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ ،ﻇﻬﺮت ﺷﻮﻛﺔ اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺴﻼﰲ ا ُملﻨﺘﴩ ﻣﻦ ﺣﺪود اﻟﻄﻮﻧﺔ إﱃ أﻗﴡ اﻟﺸﻤﺎل ﰲ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ،وذﻟﻚ ﺑﻬﻤﱠ ﺔ ﺑﻄﺮس اﻷﻛﱪ اﻟﺬي ﻧﻬﺾ ﺑﺎﻷﻣﱠ ﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ إﱃ ﻣﻘﺎم اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻧ ُ ً ﻬﻮﺿﺎ ارﺗﺞﱠ ﻟﻪ اﻟﻐﺮب ،وأﺧﺬت ﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﺪﱠوﻟﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﺗُﻨﺎزع اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻮﺣﺪة املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻋﲆ ﻣُﺸﺎﻃﺮة املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وأﻗﺮب ﻣﺎ ﻳﻜﻮن إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺸﺒﻪ ﺑﻤﺮﻛﺰﻫﺎ اﻟﺠﻐﺮاﰲ ﻣُﺮﺗﻔﻌً ﺎ ﻣ ً ُﴩﻓﺎ ﻋﲆ اﻷرض 21
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
إذا اﻋﺘﻼ ﻗﻤﱠ ﺘﻪ اﻟﻨﴪ اﻟ ﱡﺮوﳼ ﺑﺴﻂ ﺟﻨﺎﺣﻴﻪ ﻋﲆ اﻟﴩق واﻟﻐﺮب ،وﻫﻮ ﻣﻄﻤﺢ ﻧﻈﺮﻫﺎ ﰲ آن ،ﻓﻬﺎل اﻟﺪول ذﻟﻚ املﻨﺎزع اﻟﺠﺪﻳﺪ وأﺧﺎﻓﻬﺎ ﻃﻤﻮع اﻟﺮوﺳﻴﺎ إﱃ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ وﻣُﺤﺎوﻟﺔ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﺧﺮوﺟﻬﺎ ﺑﻘ ﱠﻮﺗِﻬﺎ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ إﱃ ﺷﻄﻮط اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ ،وأﻛﺜﺮ ﻣﺎ أﺧﺎف ذﻟﻚ دوﻟﺔ إﻧﻜﻠﱰا ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﱠ وأن اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺤﴫ ﻣﻄﺎﻣﻌﻬﺎ ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ ،ﺑﻞ اﻣﺘﺪﱠت إﱃ اﻟﻬﻨﺪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗُﻬﺪﱢد إﻧﻜﻠﱰا ﻣﻦ ﺟﻬﺎت اﻟﱰﻛﺴﺘﺎن ،وﺗﻨﺎزﻋﻬﺎ اﻟﻨﻔﻮذ ﰲ اﻟﺒﺎﻣﺮ وﻓﺎرس وﺧﻠﻴﺞ اﻟﻌﺠﻢ ،ﻓﻬﺬا ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ُ ﺗﻨﻜﻤﺶ ﻋﻦ اﻟﺘﻄﺎول إﱃ ﺗﺮﻛﻴﺎ ﻣﺎ داﻣﺖ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﴍﻳﻜﺔ ﻣﻌﻬﻦ اﻟﺪول وﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻦ إﻧﻜﻠﱰا ﰲ اﻗﺘﺴﺎم ﻣﻤﺎﻟﻜﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺛ ﱠﻢ ﱠ ﻏرين وﺟﻬﺔ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﻦ ﰲ اﻟﴩق ﺣﻴﺚ ﻋﺪﻟﻦ ﻋﻦ اﻻﺗﺤﺎد ﻋﲆ اﻗﺘﺴﺎم املﻤﺎﻟﻚ اﻟﱰﻛﻴﺔ إﱃ ﱡ ﺗﺮﻗﺐ اﻟﻔﺮص املﻨﺎﺳﺒﺔ ﻻﺧﺘﻄﺎف ﻛ ﱢﻞ ٍ دوﻟﺔ ﻋﲆ ﺣﺪة ﺟﺰءًا ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﺬل اﻟﺠﻬﺪ ﰲ ﻣﻨﻊ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺎوز إﱃ داﺧﻞ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺣﺮب اﻟﻘﺮﻳﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﻨﺸﺆﻫﺎ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣُﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺪول ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﰲ ِ اﻻﻣﺘﻴﺎزات اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻼء ﻋﲆ اﻟﺪوﻟﺔ وﺳﺒﺒًﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺗﺤ ﱡﻜﻚ اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ وإﻟﻴﻚ اﻟﺒﻴﺎن. ﺷﺄن ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖُ ﺗﻨﺎزع ُﻗﺴﺲ اﻟﺮوم ﻣﻊ ﻗﺴﻮس اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﰲ اﻟﻘﺪس ﺳﻨﺔ )١٢٦٠ﻫ( ﰲ ٍ ﺑﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ،وﺗﺼﺪﱠت اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﻟﻼﻧﺘﺼﺎر ﻟﻠﺮوم ﱡ ﺗﻮﺳ ًﻼ إﱃ اﻷﻏﺮاض اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﰲ ﻧﻔﺲ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻧﻘﻮﻻ« إﻣﱪاﻃﻮر اﻟ ﱡﺮوس ،ﻓﺘﺪارﻛﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﺮ وأﺧﺬت ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﺟﺮاء ً ﺳﺒﻴﻼ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻼزم ﰲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ وإﺣﻘﺎق اﻟﺤﻖ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻛﺎن ،وﻟﻢ ﺗﺪع ﻟﻠﺮوﺳﻴﺎ وﻻ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ ﱢ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻧﺼﺎﺑﻪ ﻟﻌﺒﺖ ﻟﻠﺘﺪاﺧﻞ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﺎدث ،و ﱠملﺎ ﻛﺎدت ﺗﺼﻞ إﱃ ﻓﺼﻞ اﻟﻨﺰاع ،ووﺿﻊ ﻳﺪ اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﺑﻘﺴﻮس اﻟ ﱡﺮوم ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺘﻨﻌﻮا ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺬي ﻋﻤﻠﺘﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺗﻌﺪوا ﱡ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻼﺗني ،ﻓﺎﺣﺘﺞ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺳﻔري ﻋﲆ ﺣﻘﻮق اﻟﻼﺗني ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻫﺪﻣﻮا ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ املﺴﻴﻮ ﺑﻮرﻛﻨﻪ ،وﻃﻠﺐ إﱃ اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ ﻋﻤﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ دﻗﻴﻖ ﰲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ، ﻣُﺴﺘﻨﺪًا إﱃ املﻌﺎﻫﺪة ا ُملﻨﻌﻘﺪة ﺑني ﻓﺮﻧﺴﺎ واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺳﻨﺔ )١١٥٦ﻫ( اﻟﺘﻲ ﺗﺨ ﱢﻮ ُل ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ ﱠ ﺣﻖ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﰲ اﻟﴩق. أﻣﱠ ﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻧﻘﻮﻻ« ﻓﻘﺪ اﻏﺘﻨ َ َﻢ ُﻓﺮﺻﺔ اﻧﻘﻼب اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ وارﺗﻘﺎء ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻋﲆ ُ ﺗﺘﻤﺤﺾ ﺑﻪ ﺗﻠﻚ املﻤﻠﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻦ ﻣﻊ اﻃﻤﺌﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أوﺳﱰﻳﺎ ﻟﻮﻗﻮﻓﻬﺎ ﻋﺮش ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﻣﺎ ﺗﴪﺑَﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻘﺐ اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ، ﻣﻮﻗﻒ املﺤﺘﺎط اﻟﺤﺬر ﺑﺈزاء املﺒﺎدئ اﻟﺤُ ﱠﺮة اﻟﺘﻲ ﱠ ُ ُﻀﺎف إﱃ ﻫﺬا اﻟﻨﺰا ُع اﻟﻮاﻗﻊ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﺑني اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ واﻟﺠﺒﻞ اﻷﺳﻮد ﻓﺄوﻋﺰ إﱃ ﺳﻔريه ﰲ ﻳ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ املﺴﻴﻮ »ﺗﺘﻮف« ﺑﺘﺬﻛري اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ ﺑﺎملﺎدة اﻟﻮاردة ﰲ ﻣﻌﺎﻫﺪة )ﻗﻴﻨﺎرﺟﻪ( املﻌﻘﻮدة ﻗﺒﻴﻞ ﻛﺎن ﰲ إﻗﺎﻣﺔ ﺷﻌﺎﺋﺮﻫﻢ ﺳﻨﺔ )١١٩٠ﻫ( اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﺪم ﻣُﻌﺎرﺿﺔ اﻟ ﱡﺮوم ﻣﻦ أي ٍ 22
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﺪس اﻟﴩﻳﻒ وﺑﻴﺖ ﻟﺤﻢ ،ﻓﻘﺪﱠم اﻟﺴﻔري ﺗﻘﺮﻳ ًﺮا إﱃ اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ ﻳﺘﻀﻤﱠ ُﻦ ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﰲ إﻧﺼﺎف ﻗﺴﻮس اﻟﺮوم. ُ ﻓﺄ ﱠﻟﻒ اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ ﻟﺠﻨﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻘﺼﺪ ﻏري اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻷوﱃ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﰲ إرﺿﺎء اﻟﺮوم ﻣﻊ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺎ ﴏﻓﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﰲ ﺟﻼء اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﴏف أﺳﺒﺎب اﻟﻨﻔﻮر، ﺑﻞ اﺳﺘﺄﻧﻒ اﻟ ﱡﺮوم اﻟﺘﻌﺪﱢي ﻋﲆ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ،وأوﻗﻌﻮا ﺑﻬﻢ ﰲ ﻣُﺸﺎﺟﺮة وﻗﻌﺖ ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني، ﻓﺄ ﱠﻟﻒ اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ ﻟﺠﻨﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻣُﺨﺘﻠﻄﺔ ﻣﻦ روم وﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﺑﺮﺋﺎﺳﺔ ﻋﻔﻴﻒ ﺑﻚ ،ﻓﺴﺎﻓﺮت ﻣﻦ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ﺳﻨﺔ )١٢٦٨ﻫ( وﺑﻘﻴﺖ ﰲ اﻟﻘﺪس إﱃ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ،ووﻓﻘﺖ ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني ﺟﻬﺪ اﻹﻣﻜﺎن ،ﻫﺬا ﻣﻊ ِﺷ ﱠﺪ ِة ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻼﻗﻴﻪ اﻟﺪﱠوﻟﺔ ﻣﻦ ﺗﺼﻌﺐ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ واﻟﺮوﺳﻴﺎ وﺗﺸﺒﱡﺚ ﻛﻞ دوﻟﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﻤﺎ ﻳُﻮاﻓﻖ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. ﺳﺒﺐ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب، و ﱠملﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺼﺪ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻧﻘﻮﻻ« ﱠإﻻ اﻟﺤﺮب ﺑﺈﻳﺠﺎد أيﱢ ٍ أﻧﻔﺬ إﱃ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ اﻟﱪﻧﺲ ﻣﻨﺸﻴﻜﻮف ﻷﺟﻞ ا ُملﺨﺎﺑﺮة ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻷﻣﺎﻛﻦ املﻘﺪﺳﺔ ﰲ ِ ﺑﻴﺖ ﻟﺤﻢ واﻟﻘﺪس ﰲ اﻟ ﱠ ﻈﺎﻫﺮ ،وﰲ اﻟﺒﺎﻃﻦ ﻟﻠﺘﺤ ﱡﻜﻚ ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ وﺧﻠﻖ ﺳﺒﺐ ﻟﻠﺤﺮب ،وﺑﻤُﺠ ﱠﺮد وﺻﻮﻟﻪ إﱃ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ أﻇﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺮﻓﺔ واﻟﻐﺮور ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﻓﺆاد أﻓﻨﺪي — ﺑﺎﺷﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ — ﻧﺎﻇﺮ ﱠ وﺗﻮﱃ ﻧﻈﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻋﻦ ﻣُﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ إﱃ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﺳﺘﻌﻔﺎﺋﻪ، ﺑﻌﺪه رﻓﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ. وﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ اﺟﺘﻤﻊ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻧﻘﻮﻻ« ﻣﻊ ﺳﻔري إﻧﻜﻠﱰا ﻟﺪى ﺣﻜﻮﻣﺘﻪ اﻟﺴري ﻃﻮﻳﱠﺘ ِِﻪ ﻣﻦ املﻘﺎﺻﺪ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻫﺎﻣﻠﺘﻮن ﺳﻴﻤﻮر ﱠ وأﴎ إﻟﻴﻪ ﺑﻤﺎ ﰲ ِ ﻣﻈﻬ ًﺮا ﻟﻪ ﴐورة اﺗﺤﺎد دوﻟﺔ إﻧﻜﻠﱰا ﻣﻌﻪ ﻋﲆ اﻗﺘﺴﺎم ﺗﺮﻛﻴﺎ ،ﱠ وأن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻛﺎﻟﺮﺟﻞ املﺮﻳﺾ اﻟﺬي ﺗﺤﺘﱠﻢ اﻟﻴﺄس ﻣﻦ ِﺷ َﻔﺎﺋ ِِﻪ ،ﻓﺄوﱃ ﺑﻬﺎﺗني اﻟﺪﱠوﻟﺘني ا ُملﺒﺎدرة إﱃ اﻗﺘﺴﺎم ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻤﻮت ،وﻳﻘﻮم اﻟﻨﺰاع ﻋﲆ اﻗﺘﺴﺎﻣﻬﺎ ﺑني اﻟﺪول ،وﻋﺮض ﻋﻠﻴﻪ أن ﺗﺄﺧﺬ إﻧﻜﻠﱰا ﻣﴫ وﻛﺮﻳﺪ ،وأن ﺗﻜﻮن اﻟﴫب وﻣﻘﺎﻃﻌﺎت اﻟﺪﱠاﻧﻮب وﺑﻠﻐﺎرﻳﺎ ﺣﻜﻮﻣﺎت ﻣُﺴﺘﻘِ ﱠﻠﺔ ﺗﺤﺖ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ،وإذا دﻋﺖ اﻟﴬورة إﱃ اﺣﺘﻼل ﺟﻨﻮده )أي ﺟﻨﻮد اﻟﺮوﺳﻴﺎ( اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ،ﺗﻜﻮن ﻛﺄﻣﺎﻧﺔ ﰲ ﻳﺪ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺣﻖ اﻟﺘﻤﻠﻚ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ً ﺻﺪﻳﻘﺎ ﱄ ،وإذا ﱠ ﺗﻮﺻﻠﻨﺎ إﱃ اﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ وﻛﺎن ﻣﻤﱠ ﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻟﻪ :إﻧﻲ أﻛﻠﻤﻚ اﻵن ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرك ُ أﺧﺎف ﻣﻤﺎ ﻳﺼﻨﻊ أو ﻳﺮﻳﺪ دوﻟﺘﻚ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ،ﻓﻼ ﺗﻬﻤﻨﻲ اﻟﺒﻘﻴﱠﺔ )ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺪول( وﻻ ﺻﻨﻌﻪ اﻵﺧﺮون )ﻳُﻌ ﱢﺮض ﺑﻔﺮﻧﺴﺎ واﻟﻨﻤﺴﺎ(. ﻓﻜﺎن ﺟﻮاب اﻟﺴﻔري ﻟﻪ :ﱠ إن ﺗﻌﻬﱡ ﺪ ﻫﺬا املﺮﻳﺾ ﺑﺎﻟﻌﻼج واﻻﻋﺘﻨﺎء ﺑﻪ ﺣﺘﱠﻰ ﻳُﺸﻔﻰ ﻣﻦ ﺣﺮب ﺗﺴﻴﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮﺿﻪ وﺗﻌﻮد ﻟﻪ ﻗﻮﺗﻪ ﺧريٌ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎم إﱃ اﻗﺘﺴﺎم ﺗﺮﻛﺘﻪ ،اﻟﺬي ﻳﺠ ﱡﺮ إﱃ ٍ اﻟﺪﻣﺎء أﻧﻬﺎ ًرا. 23
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﺛﻢ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﻔري ﺑﻤﺎ دار ﺑﻴﻨﻪ وﺑني اﻟﻘﻴﴫ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم وزاﻋﺖ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﻘﻴﴫ اﻟﺘﻲ ﺗﻨ ﱡﻢ اﻟﴪ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻣﻦ اﻟﺴري ﺳﻴﻤﻮر، ﻋﻦ ﻣﻘﺎﺻﺪه ﺑني اﻟﺪول ،ﻓﺄﻛﱪن اﻷﻣﺮ ،وﻋ ﱠﺪ اﻟﻘﻴﴫ إﻓﺸﺎء ﱢ وﻟﻜﻦ ﻻ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻓﻴﻪ املﺼﻠﺤﺔ ﰲ ﴍع اﻟﺴﻴﺎﺳﻴني. وملﺎ ﺗﺄ ﱠﻛﺪت ﻋﻨﺪ اﻟﺪول ﻣﻘﺎﺻﺪ اﻟﺮوﺳﻴﺎ أُﻣﻀﻴﺖ ﺑني ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﻧﻜﻠﱰا ﻣُﻌﺎﻫﺪة ﰲ ﻟﻮﻧﺪرة ﺗﻘﺘﴤ ا ُملﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ أﻣﻼك اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺎملﺎل واﻟﺮﺟﺎل. أﻣﻮر ﻳﻄﻮ ُل ﴍﺣﻬﺎ أُﻋﻠﻨﺖ اﻟﺤﺮب اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺑﺪأت ﺑﺎﻟﻌﺪوان وﺑﻌﺪ ٍ ﺑﺎﺣﺘﻼل اﻹﻓﻼق واﻟﺒﻐﺪان وﻣُﻬﺎﺟﻤﺔ اﻷﺳﻄﻮل اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﰲ ﺳﻴﻨﻮب ﻋﲆ ﺣني ﻏ ﱠﺮ ٍة ﻣﻨﻪ وﺗﺪﻣريه ﻛﻠﻪ. ُ وﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﺗﻔﻘﺖ اﻟﺪول اﻟﺜﻼث املﺤﺎرﺑﺔ ﻟﻠﺮوﺳﻴﺎ ﻣﻊ إﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻨﻤﺴﺎ ﻋﲆ أن ﻳﺤﺘ ﱠﻞ ﺑﺠﻴﻮﺷﻪ اﻹﻓﻼق واﻟﺒﻐﺪان إذا اﻧﺠﻠﺖ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ،وﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻧﻀﻤﺖ ﺟﻴﺸﺎ ﻣ ً ﺣﻜﻮﻣﺔ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻣﻊ اﻟﺪول ا ُملﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﺿﺪ اﻟﺮوﺳﻴﺎ وأرﺳﻠﺖ ً ُﺆﻟﻔﺎ ﻣﻦ ١٨أﻟﻒ ﻣُﻘﺎﺗﻞ اﻧﻀﻢ إﱃ ﺟﻴﻮش اﻟﺪول ا ُملﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﻋﲆ ﻗﺘﺎل اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﰲ اﻟﻘﺮﻳﻢ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻧﻀﻤﱠ ﺖ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ دوﻟﺔ اﻟﺴﻮﻳﺪ ،وﻟﻢ َ ﻳﺒﻖ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ وﺑﻌﺪ اﻟﺨﺬﻻن املﺘﻮاﱄ اﻟﺬي أﺻﺎب اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﺮﻳﻢ أﻣﺎم اﻟﺠﻴﻮش املﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ،وﰲ اﻟﺒﻠﻘﺎن أﻣﺎم اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﱠإﻻ اﻟﺘﺴﻠﻴ ُﻢ ﱡ ﱢ املﺘﻮﱄ ﺑﻌﺪ واﻟﻜﻒ ﻋﻦ اﻹﻣﻌﺎن ﰲ اﻟﺤﺮب ،ﻓﺎﺿﻄﺮ اﻹﻣﱪاﻃﻮر إﺳﻜﻨﺪر ﺑﻤﻄﺎﻟﺐ اﻟﺪول، اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻧﻘﻮﻻ« اﻟﺬي ﺗُ ﱢ ﻮﰲ ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب ،إﱃ ﻃﻠﺐ ﱡ اﻟﺼﻠﺢ وا ُملﺴﺎملﺔ ،ﻓﻮﺿﻌﺖ اﻟﺤﺮب أوزارﻫﺎ واﻧﻌﻘﺪ اﻟﺼﻠﺢ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎرﻳﺲ ﺑﺎﻧﻌﻘﺎد ﻣﺆﺗﻤﺮ دوﱄ ﻫﻨﺎك ،أﻣﴣ أﻋﻀﺎؤه ﻋﲆ ﻣﻌﺎﻫﺪة ﺑﺎرﻳﺲ املﻌﺮوﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﱠ ﺗﻜﻔﻠﺖ ﺑﺤﻔﻆ أﻣﻼك اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ﻣﻦ أﻃﻤﺎع اﻟﺮوﺳﻴﺎ، وﺟﻌﻠﺖ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ املﻘﺎم اﻟﺴﻴﺎﳼ املﻄﻠﻮب ﺑني دول أوروﺑﺎ ﻋﲆ ﴍط أن ﺗﺘﻌﻬﱠ ﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺈﺟﺮاء إﺻﻼح ﰲ ﻗﻮاﻧني املﻤﻠﻜﺔ ﻳﻘﴤ ﺑﺘﺤﺴني ﺣﺎل رﻋﺎﻳﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ املﻠﻞ واﻷﺟﻨﺎس، وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ )١٨٥٦م(. اﻧﻘﻀﺖ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ﰲ ﻋﻬﺪ املﺮﺣﻮم اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ املﺠﻴﺪ اﻟﺬي ﺗُﻮﰲ ﻋﻘﺒﻬﺎ وﺗﻮﱃﱠ ﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ،ﻓﺪاﻫﻤﺘﻪ اﻟﺪول ﺑﺎملﻄﺎﻟﺐ اﻟﻜﺜرية اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻣﻲ إﱃ املﺪاﺧﻠﺔ ﰲ ﺷﺌﻮن اﻟﺪوﻟﺔ ،اﻟﺘﻲ أﻗ ﱠﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﺪول ﻋﲆ ﺳﻼﻣﺘﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ اﻟﺘﺎم ﰲ أﻣﻮرﻫﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﰲ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺑﺎرﻳﺲ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن اﻧﻘﻠﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﱢ ﺑﺪس اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﺑﻼدﻫﺎ ﻹﻟﺠﺎﺋﻬﺎ إﱃ اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻋﲆ ِﺻﺤﱠ ﺔ إﻣﺎرة أﻣري روﻣﺎﻧﻴﺎ اﻟﺬي اﺧﺘﺎرﺗﻪ اﻟﺪول ،وﻟﻠﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻤﻄﺎﻟﺐ اﻟﴫﺑﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﺮﻳﺪون اﻻﺳﺘﻘﻼل ا ُملﻄﻠﻖ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺛﻢ ﺑﺘﺤﺮﻳﻚ أﻫﺎﱄ ﻛﺮﻳﺪ ﻟﻠﻨﻬﻮض إﱃ اﻟﺜﻮرة واﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮت اﻟﺪوﻟﺔ إﱃ إﻛﺮاﻫﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﻄﺎﻋﺔ ﺑﻘﻮة اﻟﺠﻨﺪ. 24
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
ٍ وﻧﻀﺎل ﻣُﺴﺘﻤ ﱟﺮ ﺣﺪﺛﺖ اﻻﻧﻘﻼﺑﺎت ﺛﺎﺑﺖ وﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗُﻼﻗﻲ ﻫﺬه اﻟﺨﻄﻮب ﺑﻌﺰ ٍم ٍ ﱢ وﺗﻮﱄ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺮاد ﺛ ﱠﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺸﻬرية واﻟﺨﻄﻮب اﻟﻜﺒرية ﺑﻤﻮت اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺤﺎﱄ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ،وﻗﺎﻣﺖ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﺒﻠﻘﺎن ،وﺷﺒﱠﺖ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻧﺎر اﻟﺤﺮب اﻷﺧرية ﺑني اﻟﺮوﺳﻴﺎ واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،واﻧﻔﺼﻠﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ اﻟﺒﻮﺳﻨﺔ واﻟﻬﺮﺳﻚ واﻟﴫب واﻟﺒﻠﻐﺎر ﺛﻢ اﻟﺮوﻣﲇ اﻟﴩﻗﻲ وﺗﻀﻌﻀﻌﺖ ﻗﻮى اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺗُﺮﻳﺪه أوروﺑﺎ ﻣﻨﺬ ﻗ ﱠﺮرت اﻟﺪول أن ﱠﻻ ﻳُﻬﺎﺟﻤﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣُﺠﺘﻤﻌﺎت ،ﺑﻞ ﻳﻨﺘﻬﺰن ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻔﺮص وﻳﻨﻘﺼﻦ ﻣﻦ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ﻣُﻨﻔﺮدات ،وﻛﺎﻧﺖ ُﻓﺮﺻﺔ ﺿﻌﻔﻬﺎ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﱠ ﻟﻬﻦ ﻋﻘﺐ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ،ﻓﺄﺧﺬت إﻧﻜﻠﱰا ﺟﺰﻳﺮة ﻗﱪص ،واﺣﺘ ﱠﻠﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗُﻮﻧﺲ ﺛ ﱠﻢ اﺣﺘ ﱠﻞ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻣﴫ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ذﻟﻚ ﺣﺘﱠﻰ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻴُﻮﻧﺎن ﻓﺎﻏﺘﺼﺒﺖ ﺗﺴﺎﻟﻴﺎ ،ﺛﻢ أﻗﺎﻣﺖ ﺣﺮﺑﻬﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺨﺬﻟﺖ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻌﺎﻗﺒﺖ اﻟﺪول اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﻗﻬﺮﻫﺎ ﻟﻠﻴﻮﻧﺎن ﺑﻔﺼﻞ ﺟﺰﻳﺮة ﻛﺮﻳﺪ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻛﻞ ﻫﺬه ﺣﻮادث ﻏري ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻬﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﱠﺎس ﻓﻠﻢ ﻧﺮ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻺﺳﻬﺎب ﰲ ذﻛﺮﻫﺎ وﺗﺠﺪﻳﺪ ذﻛﺮى اﻵﻻم ﰲ ﻧﴩﻫﺎ، ﺛﻢ أﻋﻘﺐ ﻫﺬا أﻣﻮر ﰲ ﻣُﻨﺎﻫﻀﺔ أوروﺑﺎ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﺠﻠﻴﻞ واﻟﺤﻘري ﻣﻦ ﺷﺌﻮﻧﻬﺎ اﻟﺪﱠاﺧﻠﻴﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ وﻟﻢ ﺗﺰل ﺗﺘﺠﺪﱠد ﻛﻞ ﻳﻮم ،وﻣﻊ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﱠ ﻓﺈن اﻟﺴﻴﺎﺳﻴني ﻣﻦ أﻫﻞ أوروﺑﺎ اﻟﺤﻖ وﻻ ﻳﺴﺘﺤﻴﻮن ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﱠ ﱢ اﻟﺸﺎﻫﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻜﺬب ﻻ ﻳﺨﺠﻠﻮن ﻣﻦ ُ ﺣﻴﺚ ﻳُﻨﺎدون ﺑﺨﻄﺮ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﺗﺤﺎد اﻹﺳﻼم ،ﻣﻊ ﱠ أن املﺴﻠﻤني ﰲ ﻛﻞﱢ واﻟﺒﻬﺘﺎن، ﱠ ﻧﺎﺣﻴ ٍﺔ ﻣﻦ اﻷرض ﺻﺎروا أﴎى اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ،وأﺻﺒﺤﻮا ﻻ ﺣﻮل ﻟﻬﻢ وﻻ ﻗﻮﱠة إﻻ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ا ُملﻨﺒﻌﺜﺔ ﻋﻦ ﱡ اﻟﺸﻌﻮر دون اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻔﻌﱠ ﺎل ،ﻛﻤﺎ أﺑﻨﱠﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم. ُ ﱠ إن أوروﺑﺎ ﺗﻨﺎﻫﺾ املﺴﻠﻤني ﻣﻨﺬ ﻋﺪﱠة أﺟﻴﺎل ﻛﻤﺎ رأﻳﺖ ،وﺗﻨﻘﺺ ﻣﻦ أﻃﺮاف ﻣُﻠﻜﻬﻢ ﰲ أﻗﻄﺎر اﻷرض ،وﻫﺬه ﺗﺮﻛﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻋﻈﻢ دوﻟﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻣﻊ أوروﺑﺎ ﺷﺎﻫ ٌﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﻫﺬه اﻟﻘﺮﻳﻢ وﻗﻔﻘﺎﺳﻴﺎ وداﻏﺴﺘﺎن وﻃﺎﺷﻘﻨﺪ وﺑﺨﺎرى وﺧﻴﻮى وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﺷﺎﻫ ٌﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﻫﺬه اﻟﻬﻨﺪ واﻟﺴﻨﺪ »ﺑﻠﻮﺟﺴﺘﺎن« وﺟﺰاﺋﺮ آﺳﻴﺎ وإﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻛﺠﺎوى وﺳﻮﻣﻄﺮا وﺳﻨﻐﺎﻓﻮره وﻫﻨﺰوان وزﻧﺠﺒﺎر واﻟﺒﺤﺮﻳﻦ وﻏريﻫﺎ ،وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻣﻊ إﻧﻜﻠﱰا وﻓﺮﻧﺴﺎ وﻫﻮﻻﻧﺪا واﻟﱪﺗﻐﺎل ﺷﺎﻫ ٌﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﻫﺬه إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﴩﻗﻴﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻣﻊ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وإﻧﻜﻠﱰا وﻓﺮﻧﺴﺎ وأملﺎﻧﻴﺎ ﺷﺎﻫ ٌﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﻫﺬه إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ واﻟﻐﺮﺑﻴﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻣﻊ إﻧﻜﻠﱰا وﻓﺮﻧﺴﺎ ﺷﺎﻫﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﻫﺬه إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﻮﺳﻄﻰ واﻟﺴﻮدان املﴫي وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻣﻊ إﻧﻜﻠﱰا وﺑﻠﺠﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ ﺷﺎﻫﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﻫﺬه ﻣﺮاﻛﺶ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ اﻟﺒﻘﻴﱠﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻣﻦ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ وﻣُﻌﺎﻫﺪة أﺑﺮﻳﻞ ﺳﻨﺔ )١٩٠٤م( ﺑني إﻧﻜﻠﱰا وﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﻘﺎﺿﻴﺔ ﺑﺴﻠﺐ اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﺷﺎﻫﺪة ﻋﲆ ذﻟﻚ. 25
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﺎملﺴﻠﻤني ودوﻟﻬﻢ ﻣﻨﺬ أرﺑﻌﺔ ﻗﺮون ﺗﺎ ﱠرة ﻣُﺠﺘﻤﻌﺎت وﺗﺎ ﱠرة ﻣُﻨﻔﺮدات ،وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ وﻻ ﺗﺰال ﺗﺘﺸﺎﻃﺮ ﻣﻠﻚ اﻹﺳﻼم وﺗﻘِ ُ ﻒ ﻷﻫﻠ ِِﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺮﺻ ٍﺪ وﺗﺴ ﱡﺪ ﰲ وُﺟﻮﻫﻬﻢ ﻛ ﱡﻞ ﻣﻨﻔﺬٍ ،وأﻛﺜﺮ ﱠ اﻟﺴﺎﺳﺔ واﻟ ُﻜﺘﱠﺎب اﻟﻐﺮﺑﻴني ﻳُﻨﺬرون اﻟﺒﻘﻴﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ،ﻳُﺠﻬﺰون ﺑﻪ ﻋﲆ اﻟﺒﻘﻴﱠﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﻼل إذ وﺧﻄﺮ ﻋﺼﻴﺐ دوﻟﻬﻢ ﺑﻴﻮ ٍم ٍ ٍ ٍ ﺣﺎن ﻋﲆ زﻋﻤﻬﻢ ﺑﻌﺚ املﺴﺄﻟﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﻣﻦ رﻣﺲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وﻫﻲ املﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎل ﻗﻮﻟﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ وﺗﻌﺮﻳﻀﻬﻢ ﺑﻬﺎ وأﻗﻮاﻟﻬﻢ ﰲ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﻣُﺴﺘﻔﻴﻀﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻋﲆ اﻷﻟﺴﻦ ،ﻓﻤﻦ ﱢ اﻟﻌﺒﺚ اﺳﺘﻘﺼﺎؤﻫﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻌﺠﺎﻟﺔ ،وإﻧﱠﻤﺎ ﻧﻨﻘﻞ ً ملﺘﺄﺧ ٍﺮ ﺟﺎء ﰲ ﻛﺘﺎب »ﻣُﺴﺘﻘﺒﻞ ﻗﻮﻻ واﺣﺪًا ﻣﴫ« ﺗﺄﻟﻴﻒ »املﺴﱰ دﻳﴘ« املﻄﺒﻮع ﺣﺪﻳﺜًﺎ وﻫﻮ ﻗﻮﻟﻪ: وﻣﻦ اﻟﺠﲇ ﱢ ﱠ أن املﺴﺄﻟﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﺗﺤ ﱡﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،وإن ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺤﻞ ﻳﻈﻬﺮ أﻧﻪ ﺑﻄﻲءٌ ﻟﻸﻣﻢ اﻟﺘﻲ ﺗ ﱡ ﺷﻮق ﻷن ﺗﺮى ﻣﴫع ﱧ ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻢ اﻟﱰﻛﻲ واﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﰲ ٍ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻌﻠﻴﻞ ﰲ أوروﺑﺎ )ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ( ﻟﻴﻘﺘﺴﻤﻮا ﻣرياﺛﻪ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وﻟﻜﻦ ﺤﺎل أن ﺗَﱪَأ َ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻴﺴﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ املﺴﺄﻟﺔ ﻣﺮض اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺣﺪٍّا ﻣﻦ ا ُمل ِ اﻟﴩﻗﻴﺔ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﺘﻘ ﱠﻠ ُ ﺺ ﻓﻴﻪ ﻇ ﱡﻞ اﻷﺗﺮاك ﻋﻦ آﺧﺮ أﻣﻼﻛﻬﻢ ﰲ ﻗﺎ ﱠرة أوروﺑﺎ ،وإﻧﱠﻤﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ذا اﻟﺬي ﻳﺨﻠﻔﻬﻢ ﰲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ واﻟﺒﻮﺳﻔﻮر واﻟﺪردﻧﻴﻞ ،وﻛﻠﻤﱠ ﺎ ﺗﺒﺎﻃﺄ ﺣﻞ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﻛ ﱠﻠﻤَ ﺎ زادت ﻓﻮاﺋﺪ إﻧﻜﻠﱰا ﺑﺼﻔﺘﻬﺎ ﻧﺼرية اﻟﺴﻼم اﻟﻌﺎم ،وﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺑﻲ إﱃ ﺑﻴﺎن أﻧﱠﻪ ﻟﻮﻻ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ ﺳﻌﺔ ﻧﻔﻮذ اﻟ ﱡﺮوﺳﻴني ملﺤﻲ اﻷﺗﺮاك إﱃ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻟﻮﺟﻮد ﰲ أوروﺑﺎ ،وﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﻘﻼﻗﻞ املﻨﺘﴩة اﻵن ﰲ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻧﺘﻴﺠﺘﻬﺎ ﻧﺰع ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻘﻴﴫ أو ﻣﺤﻮ آﺛﺎر ﻫﺬه اﻟﻘﻼﻗﻞ ،ﻓﻤﻤﱠ ﺎ ﻻ رﻳﺐ ﻓﻴﻪ ﱠ أن ﺣﺮﺑًﺎ ﺳﺘﻘﻮ ُم ﻳُﻤﺤﻰ ﺑﻬﺎ أﻛﺜﺮ اﻷﺗﺮاك ﻣﻦ أوروﺑﺎ ،وﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﻧﺴﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﱠ أن املﺴﺄﻟﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﻗﺪ اﻧﺤﻠﺖ. ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺪول املﺴﻴﺤﻴﺔ إﱃ اﻻﺗﻔﺎق ﻋﲆ ﺟﻬﺎد ﺛﻢ ﻫﻮ ﻳﺪﻋﻮ ﰲ ٍ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ. املﺴﻠﻤني وﺳﺤﻘﻬﻢ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻳﺴﻤﻌﻪ املﺴﻠﻤﻮن وﻳﺮون أﺛﺮه ﻇﺎﻫ ًﺮا ﰲ وُﺟﻮدﻫﻢ اﻟﺴﻴﺎﳼ اﻟﺬي ﺗُﻜﺎﻓﺤﻪ أوروﺑﺎ ﻣُﻨﺬُ أرﺑﻌﺔ ﻗﺮون ،وﻛﺎدت ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻬﺪ ﺗﺄﺗﻲ ﻋﲆ آﺧﺮه ،وﺗﻤﺤﻮ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮد ﻣﻌﺎملﻪ، ﻓﻤﺎذا ﺻﻨﻊ املﺴﻠﻤﻮن؟ ﻫﻞ ﺧﻄﺮ ﻟﻬﻢ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺧﺎﻃ ُﺮ اﻻﺗﱢﺤﺎدِ اﻹﺳﻼﻣﻲ أو ﻫﺒﱠﺖ ﰲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﱢ ﻟﺒﻌﺾ ﻳﺪ اﻹﺧﺎء وﺗﻨﺎﴏوا ﻋﲆ دﻓﻊ اﻷﻋﺪاء ،وﻫﻞ ﻛﺎن أﻣﺮاؤﻫﻢ ﻋﺎﻃﻔﺔ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻤ ﱠﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ٍ 26
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
اﻟﻜﺒﺎر وﻃﻮاﻏﻴﺘﻬﻢ اﻟﺠﺎﻫﻠﻮن اﻷﻏﺮار ﻳﺘﻨﺎﴏون ﺣني اﺷﺘﺪاد اﻟﺨﻄﻮب وﻳﺘﺼﺎرﺧﻮن ﺣني اﻟﺤﺎﺟﺔ وﻳﺘﺤﺎﺑﻮن ﻋﻨﺪ ﻧﺰول اﻟﻌﺪ ﱢو ﰲ ﺳﺎﺣﺔ أﺣﺪﻫﻢ ﺑﻘﺼﺪ اﻛﺘﺴﺎح ﺑﻼده وﺛ ﱢﻞ ﻋﺮﺷﻪ واﺳﺘﺨﺬاﺋﻪ وﻗﻮﻣﻪ؟ ﻟﺒﻌﺾ ﻛﻼ ،ﺑﻞ ﺑﻠﻎ ﺑﻬﻢ ﺿﻌﻒ اﻟﻌﻘﻮل ،واﻧﺤﻼل اﻟ ﱠﺮاﺑﻄﺔ أن ﻛﺎن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﺪوٍّا ٍ ﻳﱰﺑ ُ ﱠﺺ ﺑﻪ اﻟﺪﱠوا ِﺋ َﺮ ،وﻳُﺴﺎرﻗﻪ ﻧﻈﺮ اﻟﻌﺪ ﱢو اﻟﻐﺎدر أو اﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﺠﺎﻫﻞ ،وﻟﻢ ﻧﻈﻔﺮ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﱠ اﻟﺤﺪﻳﺚ — أي ﻣﻨﺬ ﻧﻬﻮض اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ملﺼﺎدرة املﺴﻠﻤني وﻣﻨﺎوﺋﺘﻬﻢ — ﱠإﻻ ﺑﺎﻟﺸﺎذﱢ اﻟﻨﱠﺎدِ ِر ﻣﻦ اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺘﻲ ﺗُﻨ ِﺒﺊ ُ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻨﺠﺎد أو اﻟﺘﻨﺎﴏ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺘﻌﺪﱠى ﺣﺪ اﻟﻘﻮل ،وﻟﻢ ﻳﱪز ُ ﻣﺴﺎق اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﺿﻌﻒ أُﻣﺮاء ﻧﺴﻮق إﻟﻴﻚ ﺗﻠﻚ اﻷﺧﺒﺎر ﰲ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة إﱃ اﻟﻔﻌﻞ ،وﻫﺎ ﻧﺤﻦ ِ املﺴﻠﻤني واﻧﺤﻼل راﺑﻄﺔ اﻟﻮﺣﺪة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑني ﺣﻜﻮﻣﺎت اﻹﺳﻼم ،ﺑﻞ واﻟﻮﺣﺪة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ً أﻳﻀﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﴤ ﺑﻬﺎ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ملﺎ ﻳُﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﻣﻦ وﺣﺪة اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻣﻲ ﻏﺮض واﺣ ٍﺪ وﻫﻮ ﺗﺪوﻳﺦ املﴩق واﺳﺘﻌﺒﺎد أﻫﻠﻴﻪ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﺸﺘَﻐِ ُﻞ أوروﺑﺎ ﺑﺴﻬﺎﻣﻬﺎ إﱃ ٍ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻋِ ﱠﺪ ِة أﺟﻴﺎل ،وﺣﺴﺒﻚ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﺨﺎذل اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ا ُملﺪارة ﺑﻴﺪ ُ ﺗﺴﺘﻐﻴﺚ ﺑﺄﻣﺮاء املﺴﻠﻤني وﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد ،ﺳﻘﻮط ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﻴﺪ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل وﻫﻲ ٍ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺳﻘﻄﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻴﺪ اﻟﻌﺪو ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ وأﻣريﻫﺎ ﻳ ِ ﻣ ٍ ُﺮﺳ ُﻞ اﻟ ﱢﺮﺳﺎﻟﺔ ﺗﻠﻮ ُﻐﻴﺚ ،وآﺧﺮ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ إﱃ ﺳﻠﻄﺎن املﻐﺮب اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻮﻃﺎﳼ واﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺎﻳﺰﻳﺪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻟﻴﻨﺠﺪاه ري أﻋ ﱠﺪ ُه ﻟﻬﻢ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل ،ﻓﻠﻢ ﻳُﻨﺠﺪه إﻻ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺎﻳﺰﻳﺪ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ وﻳﻨﻘﺬا املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺑﻼءٍ ﻛﺒ ٍ ﻣﺎل ،واﻧﺘﻬﺖ اﻟﺤﺎل ﺑﺴﻘﻮط اﻷﻧﺪﻟﺲ ﱠ ﻛﺎﻓﺔ ﺑﻴﺪ ﺗﻐﻦ ﻋﻦ ﺟﻨ ٍﺪ أو ٍ ﺑﻌﺚ ﺑﻬﺎ إﱃ ﭘﺎﭘﺎ روﻣﺔ ﻟﻢ ِ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل. أﴍﻧﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ إﱃ ﱠ أن وﺟﻮد اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑني دول أوروﺑﺎ واﻟﴩق اﻷﻗﴡ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ وﻋﺪم ﺗﻤﻜﻨﻬﻦ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﲆ ﻣﻤﺎﻟﻜﻬﺎ ﺣﻮﱠل ﻣﻄﺎﻣﻌﻬﻦ إﱃ املﺤﻴﻂ اﻟﻬﻨﺪي ﺑﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﱪﺗﻐﺎﻟﻴني ﻟﻄﺮﻳﻖ رأس اﻟﺮﺟﺎء اﻟﺼﺎﻟﺢ ،ﻓﺎﻧﻜﻔﺄت اﻟﺪول اﻟ ﱠ ﻄﺎﻣﺤﺔ إﱃ اﻟﻔﺘﺢ واﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻷرﺟﺎء ،وأﺧﺬت ﺑﺄﻛﻈﺎم املﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﺣني اﺳﺘﺤﻜﺎم اﻟﻌﺪاوة ﺑني ﱢ ﱠ ﺧﺎﺻﺘِﻬﻢ وﻋﺎﻣﺘﻬﻢ ،و ﱠملﺎ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﺄﻣﺮاء اﻟﻬﻨﺪ ﺳﺒﻞ وﺗﻔﴚ اﻟﺠﻬﻞ واﻟﻔﻮﴇ ﺑني أُﻣﺮاﺋﻬﻢ اﻟﺨﻼص ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول وﺧﺎﺻﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ واﻟﱪﺗﻐﺎل؛ ﻛﺎن أول ﻣﻦ ﺗﻨﺒﻪ ﻣﻨﻬﻢ إﱃ وُﺟﻮب اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻐريه ﻣﻦ ﺳﻼﻃني املﺴﻠﻤني اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﲇ ﻧﺠﺎ ُﺳﻠﻄﺎن ﻣﻠﻴﺒﺎر ﰲ اﻟﻬﻨﺪ ،ﻓﺄرﺳﻞ ً رﺳﻮﻻ وﻣﻌﻪ ﻛﺘﺎب ﻳﻘﻮ ُل ﻓﻴﻪ ﱠ إن املﺮﺣﻮم إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ اﻷول ﺳﻨﺔ )(١١٩١ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣُﺮاد ﻛﺎن أﺳﻌﻒ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﻠﻴﺒﺎر ﺑﺴﻔﻴﻨﺘني ﺣﺮﺑﻴﺘني وﺟﻨﻮ ٍد اﻧﺘﴫت ﻟﻬﻢ ﻋﲆ أﻋﺪاﺋﻬﺎ ﻣﻦ املﺠﻮس وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ )٩٥٠ﻫ( ،وﻳﻄﻠﺐ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺗﺠﺪﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﻀﻞ 27
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﲆ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﻠﻴﺒﺎر ﺑﺈﻧﺠﺎدﻫﺎ اﻵن ﺑﺎملﺎل ﻓﻘﻂ ﻟﺘﺴﺘﻌني ﺑﻪ ﻋﲆ ﻣُﺤﺎرﺑﺔ أﻫﻞ ﺟﻮارﻫﺎ ﻣﻦ املﺠﻮس اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا أﺻ َﻠﻮا اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﲇ ﻧﺠﺎ ﺣﺮﺑًﺎ ﻋﻮاﻧًﺎ ﺑﺪﺳﺎﺋﺲ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ واﻟﱪﺗﻐﺎﻟﻴني ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ املﺎل ،ﻓﻠﻢ ﺗُﺴﺎﻋﺪﻫﺎ اﻷﺣﻮال ﻋﲆ إﺳﻌﺎﻓﻪ ً رﺳﻮﻻ ﺑﻤﺎ ﻃﻠﺐ ،ﺛﻢ ﰲ ﺳﻨﺔ )١١٩٤ﻫ( أرﺳﻠﺖ أﺧﺘﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﺔ ﺑﻴﺒﻲ وﻛﺎﻧﺖ ﺧﻠﻔﺘﻪ ﰲ املﻠﻚ آﺧﺮ إﱃ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ﺗﺴﺘﻨﺠﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ﻋﲆ أﻋﺪاﺋﻬﺎ ،ﻓﺎﻋﺘﺬرت اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺒُﻌﺪ املﺴﺎﻓﺔ ﺑني املﻤﻠﻜﺘني وأﻋﺎدت اﻟﺮﺳﻮل ﻣﺼﺤﻮﺑًﺎ ﺑﻬﺪﻳﱠﺔ ﻧﻔﻴﺴﺔ إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﺔ ﻣﻊ ﺗﻄﻤﻴﻨﻬﺎ ﱠ أن اﻟﺪوﻟﺔ أوﺻﺖ دوﻟﺔ إﻧﻜﻠﱰا واﻟﱪﺗﻐﺎل ﺑﻌﺪم اﻟﺘﻌﺮض ﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻠﻴﺒﺎر ﺑﻤﺎ ﻳُﻘﻠ ُِﻖ راﺣﺘﻬﺎ وراﺣﺔ اﻷﻫﻠني ،ﺛﻢ ملﺎ اﺷﺘﺪت وﻃﺄة اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻋﲆ ﺑﻼدﻫﺎ وأﴍف ﻣُﻠﻜﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﻘﻮط ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١١٩٩وﻟﻢ ﻳُﻨﺠﺪﻫﺎ أﺣ ٌﺪ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻟﻬﻨﺪ ا ُملﺘﺨﺎذﻟني اﺳﺘﻨﺠﺪت ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ً أﻳﻀﺎ ،واﻟﺪوﻟﺔ ﻛﺘﺒﺖ إﱃ واﱄ ﺑﻐﺪاد ﺗﺴﺄﻟﻪ إن ﻛﺎن ﰲ اﻹﻣﻜﺎن إﺳﻌﺎﻓﻬﺎ ﺑﴚءٍ ﻣﻦ اﻟﻨﱠﺠﺪة ،وﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﻟﺘﻠﻚ املﻠﻜﺔ ً وﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺘﻌﻴﺴﺔ ﻣﺎ ﺗُﺮﻳﺪ؛ ﻷن اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺣﺮب داﺋﻤﺔ ﻣﻊ أوروﺑﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ إﻣﺪاد اﻟﻬﻨﻮد ﺑﴚءٍ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة ،وﻟﻮ ﻓﻌﻠﺖ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎدة ﻋﲆ اﻟﻬﻨﺪ إﱃ اﻟﻴﻮم. وﰲ ﺳﻨﺔ )١١٧٩ﻫ( رأى اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺳﻠﻄﺎن املﻐﺮب ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﻋﻘﻼء املﻠﻮك املﺴﻠﻤني وﻓﻀﻼﺋﻬﻢ أن ﻳُﻤﻬﱢ ﺪ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻹزاﻟﺔ أﺳﺒﺎب اﻟﺘﻘﺎﻃﻊ اﻟﻮاﻗﻊ ﺑني املﺴﻠﻤني وأﻣﺮاﺋﻬﻢ ،وﻋﻠﻢ ﱠ أن اﻟﺪﱠوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ وﻫﻲ أﻛﱪ دول اﻹﺳﻼم أوﱃ ﺑﺄن ﻳُﻮﺻﻞ ﺑﻬﺎ ﺣﺒﻞ اﻷﻟﻔﺔ ،ﻓﺄرﺳﻞ إﱃ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ رﺳﻮﻟني وﻣﻌﻬﻤﺎ ﻫﺪﻳﺔ إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺼﻄﻔﻰ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺑﴪوج ﱠ ٌ ﱠ ﻣﺮﺻﻌَ ﺔ وﻣﺎ أﺷﺒﻪ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﻮﺑﻠﺖ ﻫﺪﻳﺘﻪ ﻣﺤﻼ ٍة ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،وﺳﻴﻮف ﻋﺘﺎق ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻴ ٌﻞ ٍ ً ﻣﻮﺳﻮﻗﺎ ﻣﻦ آﻟﺔ اﻟﺤﺮب ﻛﺎملﺪاﻓﻊ واﻟﻘﻨﺎﺑﻞ ﺑﺎﻟﴪور ،وأرﺳﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺮﻛﺒًﺎ ٍ ﱠ ﺧﺎﺻ ٍﺔ ﺑﺎملﺮاﻛﺐ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ املﺮاﻛﺐ اﻟﻘﺮﺻﺎﻧﻴﺔ وإﻗﺎﻣﺔ واﻟﺒﺎرود ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎجُ إﻟﻴﻪ. ﺛ ﱠﻢ ﱠملﺎ وﻗﻌﺖ اﻟﺤﺮب ﺑني اﻟﺮوﺳﻴﺎ واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ُﻣﺪﱠة اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ اﻷول اﻟﺬي ﱠ ﺗﻮﱃ املﻠﻚ ﺑﻌﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣُﺼﻄﻔﻰ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺑﺎدر اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ املﻮﻣﺄ إﻟﻴﻪ ﻓﺄرﺳﻞ إﱃ ﺣﺎﻛﻢ اﻟﺠﺰاﺋﺮ أرﺑﻊ ﺳﻔﻦ ﺣﺮﺑﻴﺔ ﻣﻮﺳﻮﻗﺔ ﺑﺎﻟﻬﺪاﻳﺎ وآﻻت اﻟﺤﺮب ،ورﻏﺐ إﻟﻴﻪ أن ﻳُﺮﺳﻠﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮ إﱃ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ،ﻓﺄﺳﺎء ذﻟﻚ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ور ﱠد ﻋﲆ ﺳﻠﻄﺎن املﻐﺮب ردٍّا ﻗﺒﻴﺤً ﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻤﻨﻌﻪ ذﻟﻚ ﻣﻦ املﴤ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﻘ ﱡﺮ ِب ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ وﻧﴫﺗﻬﺎ ،ﻓﺒﻌﺚ إﱃ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﺳﻔريًا ﻫﻮ ﻣﺤﻤﺪﻳﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻬﺪاﻳﺎ ﻧﻔﻴﺴﺔ وﻛﺘﺎب إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ،ﻓﺒﺴﻂ اﻟﺴﻔري إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺧﱪ إﺳﺎءة ﺣﺎﻛﻢ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،وﻗﺎل ﻟﻪ: 28
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
ﱠ إن ﻣﻮﻻي ﺑﻠﻐﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺑﻌﺾ أن ﻗﻨﺎﺻﻞ اﻟﺪوﻟﺔ املﺤﺎﺑﺔ أن اﻟﺮوﺳﻴﺎ واﻟﻨﻤﺴﺎ اﺗﻔﻘﺘﺎ ﻋﲆ ﻣُﻬﺎﺟﻤﺔ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ وﺳﺤﻖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﺰﻋﻤﻬﺎ اﻟﻔﺎﺳﺪ ﻓﺄﻗﻠﻖ 5ذﻟﻚ ﺧﺎﻃﺮ ﻣﻮﻻي وآملﻪ اﻟﺨﱪ ،ﺛ ﱠﻢ ﻋﻠﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻘﻨﺼﻞ أن دوﻟﺘﻜﻢ اﻟﻌﻠﻴﺔ أﺧﺬت ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺪاد ُملﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﻌﺪو وﺗﻮﻓﺮت ﻋﲆ ﺗﺠﻬﻴﺰ اﻷﺳﺎﻃﻴﻞ وﺗﺤﺼني اﻟﻘﻼع ،ﻓﺄرﺳﻠﻨﻲ ﻟﺘﺒﻠﻴﻐﻜﻢ ﺧﱪ اﺳﺘﻌﺪاده ﻟﻜ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻳُﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ املﻌﻮﻧﺔ ﻟﻴُﻘ ﱢﺪ َم ﻣﺎ ﰲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺴﻪ وﻣﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﻓﺪاء ﻋﻦ ﺣﴬة اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻟﻜﻲ أ ُ ﱢ ﺑني ﻟﻜﻢ أﺳﻔﻪ ﻣﻦ ﺗﻘﺎﻃﻊ ﻣﻠﻮك املﺴﻠﻤني ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺤني؛ ﻷن َ وﻧﺘﻌﺎﺿﺪُ. ﻣُﻌﺎﺿﺪة اﻟﺪول ﻟﻠﺮوﺳﻴﺎ أﴐﱠ ﺑﺎملﺴﻠﻤني ،ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻣﻠﻮك املﺴﻠﻤني ﻻ ﻧﺘﱠﺤِ ُﺪ ﻓﺄﺟﻴﺐ اﻟﺴﻔري ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ،ﱠ وأن اﻋﺘﺒﺎر ﺳﻠﻄﺎن املﻐﺮب ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ: ﱪ وَاﻟﺘﱠ ْﻘﻮَىٰ ﴾ ،اﻟﺬي ﻳُﻮﺟﺐ اﺗﻔﺎق املﺴﻠﻤني وﺗﻌﺎون ﻣﻠﻮﻛﻬﻢ واﺗﺤﺎدﻫﻢ ﻗﺪ ﴿ َوﺗَﻌَ ﺎ َوﻧُﻮا ﻋَ َﲆ ا ْﻟ ِ ﱢ ُﻗﺪﱢر ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺗﻘﺪﻳ ًﺮا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وأن اﻟﺪوﻟﺔ وهلل اﻟﺤﻤﺪ ﻛﺜرية اﻟﺠﻨﺪ وﻻ ﺗﺤﺘﺎج ﻟﻐري املﺎل إذا أُﺷﻬﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺮب ،ﻓﺈذا اﺣﺘﺠﻨﺎ إﱃ ﳾءٍ ﻣﻨﻪ ﻓﻜﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن أن ﻳﻘﺮﺿﻨﺎ. ﻓﺄﺟﺎب اﻟﺴﻔريان ﰲ إﻣﻜﺎﻧﻪ أن ﻳُﻘﺮﺿﻜﻢ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﻛﻴﺲ. ﻓﺎﺳﺘﺼﻐﺮ ﻫﺬا املﺒﻠﻎ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﺳﻠﻄﺎن املﻐﺮب ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﺤﺘﺞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻟﻬﺬا اﻟﻘﺮض؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻋﻘﺪت ﻣُﻌﺎﻫﺪة ﺻﻠﺢ ﻣﻊ اﻟﺮوﺳﻴﺎ وﺳﺎﻓﺮ اﻟﺴﻔري املﻐﺮﺑﻲ ﻣُﻜﺮﻣً ﺎ إﱃ اﻟﺤﺠﺎز، وﻣﻦ ﺛ ﱠﻢ ﺑﻘﻴﺖ اﻟﺼﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ ﺑني اﻟﺪوﻟﺘني ُﻣﺪﱠة اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﺪ املﺬﻛﻮر. ُ ً ﻳﺴﺘﻐﻴﺚ رﺳﻮﻻ إﱃ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ وﰲ أواﺧﺮ ُﻣﺪﱠة اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ أرﺳﻞ أﻣري ﺑﺨﺎرى ُ ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﺪﱢي اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ وﻋﺰﻣﻬﺎ ﻋﲆ اﻛﺘﺴﺎح ﻣُﻠﻜﻪ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻗﺒﻴﻞ ﺳﻘﻮط ﺑُﺨﺎرى ﰲ ﻳﺪ اﻟﺮوس ،وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻘﺮ اﻟﺴﻔري ﰲ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ﺣﺘﱠﻰ وردت اﻷﺧﺒﺎر ﺑﺴﻘﻮﻃﻬﺎ ﺑﻴﺪ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺮوﺳﻴﺔ. ُ وآﺧﺮ ﻣﻦ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﻦ أﻣﺮاء اﻹﺳﻼم اﻟﺬﻳﻦ أرادوا اﻟﺘﻘ ﱡﺮب ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪ آﺧﺮ ﻧﻔﺲ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺮﻏﺶ ﺳﻠﻄﺎن زﻧﺠﺒﺎر ،وذﻟﻚ أﻧﱠﻪ ﻃﻠﺐ أن ﻳﻀﻊ ﺑﻼده ﺗﺤﺖ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ﱠملﺎ أﺧﺬت دوﻟﺘﺎ أملﺎﻧﻴﺎ وإﻧﻜﻠﱰا ﺑﻤُﻀﺎﻳﻘﺘﻪ وﻣُﺤﺎوﻟﺔ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﲆ ﺑﻼده ﻓﻠﻢ ﻳُﻔﻠﺢ ﰲ ﻃﻠﺒﻪ ،وأﻧﻰ ﻳُﻔﻠﺢ واﻟﺪوﻟﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻦ ﺣﺮب اﻟ ﱡﺮوس واﻟﺪول ﻛﻠﻬﺎ ﺗﱰﺑ ُ ﱠﺺ ﺑﻬﺎ اﻟﺪواﺋﺮ ،وﻟﻴﺲ ﺑني ﻣﻠﻮك املﺴﻠﻤني ﻣﺎ ﺑني ﻣﻠﻮك أوروﺑﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎون إذا اﺗﺤﺪت املﺼﻠﺤﺔ وإن اﻓﱰﻗﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﰲ املﻄﺎﻟﺐ واﻟﻐﺎﻳﺎت.
5ﻳﻌﻨﻲ اﺗﺤﺎد إﻣﱪاﻃﻮرة روﺳﻴﺎ ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ واﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻳﻮﺳﻒ إﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻨﻤﺴﺎ وﻗﺪ ﻣ ﱠﺮ ذﻛﺮه. 29
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ُ ﺗﻨﺎﴏ املﺴﻠﻤني وأﻣﺮاﺋﻬﻢ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺈزاء ﺗﻨﺎﴏ ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ رأﻳﻨﺎه ﻣﻦ ً اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ واﺗﻔﺎﻗﻬﺎ ﻋﲆ اﻛﺘﺴﺎح ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼم وإﺻﻼﺋﻬﺎ املﺴﻠﻤني ﺣﺮﺑًﺎ ﻋﻮاﻧﺎ ﰲ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء اﻷرض ﻣﻨﺬ ﺑﺪأت أوروﺑﺎ ﺗﺼﻌﺪ ﰲ ﻣﻌﺎرج اﻟ ﱡﺮﻗﻲ واملﺪﻳﻨﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ إﱃ اﻟﻴﻮم. ﻓﻬﻞ ﻳﺠﻮ ُز ﻟﺴﺎﺳﺔ املﻐﺮب أن ﻳُﺼﻮﱢروا ﻗﻮﻣً ﺎ ﻫﺬا ﺷﺄﻧﻬﻢ ﰲ اﻟﺘﺨﺎذل واﻧﺤﻼل ﻋُ ﺮى اﻻﺗﻔﺎق ﰲ ُ ﻳﻠﺘﻬ ُﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻫﻢ أوﱃ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻮرة وﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ، ﺻﻮ َر ِة ُﻏ ٍ ﻮل إذا ﺗﻀﺎﻣﱠ ﺖ ﻗﻮاه ِ واﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻛﻤﺎ ﺑﻴﱠﻨﱠﺎ ﺷﺎﻫ ٌﺪ ﻋﺪ ٌل. َ ٍّ ﺣﻘﺎ ﱠ ﴗ أن ﺗَ ْﻜ َﺮ ُﻫﻮا َﺷﻴْﺌًﺎ و َُﻫ َﻮ َﺧ ْريٌ َﻟ ُﻜﻢْ﴾ ،إﻧﱢﻲ إن اﻹﻧﺴﺎن إذا أﺣﺮج أﺧﺮج ﴿وَﻋَ َ ٰ أﻋﺘﻘ ُﺪ ﱠ أن ﺳﺎﺳﺔ املﻐﺮب ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ﻗﺪ ﺧﺪﻣﻮا املﺴﻠﻤني أﻛﺜﺮ ﻣﻤﱠ ﺎ ﺧﺪﻣﻮا ﺑﻪ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﻢ اﻟ ﱠ ﻄﺎﻣﻌﺔ وأﻧﺎﻧﻴﺘﻬﻢ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﰲ إﻟﺤﺎﺣﻬﻢ ﺑﺘﻬﻤﺔ املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻟﺘﻌﺼﺐ اﻹﺳﻼﻣﻲ واﻻﺗﺤﺎد اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ذﻟﻚ ،وﻣُﺠﺎﻫﺮﺗﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﰲ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﻴﱠ ِﺔ ﱡ اﻟﺴﻮءِ واﺳﺘﻌﺠﺎﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﴩ اﻟﺬي ﻳُﺮﻳﺪوﻧﻪ ﺑﺪول اﻟﴩق ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم واﻹﺳﻼم ﻋﲆ اﻟﺨﺼﻮص ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎدوا أن ﻳُﻨﺒﻬﻮا ﺑﺬﻟﻚ ﺷﻌﻮر املﺴﻠﻤني ﺑﻘﺼﻮرﻫﻢ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ دﻳﻨﻬﻢ اﻟﺬي ﻳﺄﻣﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون وﻳﺮﺑﻄﻬﻢ ﺑﺮﺑﻂ ﻣﻜﺎن، اﻹﺧﺎء؛ ﻟﻴﻔﺰﻋﻮا إﱃ اﻻﻋﺘﺼﺎم ﺑﻪ ﺟﺰﻋً ﺎ ﻣﻦ ﺟﻴﻮش اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻄﺎردﻫﻢ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ وﻳﻌﻠﻤﻮا ﱠ أن املﺎﴈ ﻛﺎن ﺟﺮﻳﻤﺔ اﺟﱰﻣﻬﺎ أﻣﺮاؤﻫﻢ اﻟﻈﺎملﻮن ا ُملﺴﺘﺒﺪون اﻟﺬﻳﻦ أﺿﻠﻮﻫﻢ ﻋﻦ ري وﺳﺪﱡوا ﰲ وﺟﻮﻫﻬﻢ ﻣﻨﺎﻓﺬ اﻟﻨﻮر اﻟﺬي ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﻨﻪ اﻟﺤﻴﺎة. ُﺳﺒ ُِﻞ اﻟﺨ ِ ﱠ إن ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ اﻵن ﻫﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﺒﺎدُل اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻤﺎ ﺗُﺮﻳﺪه أوروﺑﺎ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺨﺬاء واﻟﺘﻌﺒﱡﺪ ،وﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻤﺎ ﺑﻠﻐﺘﻪ اﻷﻣﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻮة اﻟﺴﻠﻄﺎن واﻟﺒﺴﻄﺔ ﰲ املﻠﻚ ﰲ اﻟﴩق واﻟﻐﺮب ،ﻓﻬﻲ أي ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ إذا ﻇﻨﱠﻬﺎ اﻷوروﺑﻴﻮن ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻼﺗﺤﺎد اﻹﺳﻼﻣﻲ أو ﻋني اﻻﺗﺤﺎد ،ﻓﺈﻧﱠﻤﺎ ﻫﻲ اﺗﺤﺎد ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻮاﺟﺐ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺼﺪر ﱢ ﻣﻜﺎن ﺗﺮﻗﻲ أوروﺑﺎ أﻻ وﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﺮﻳﺔ ،ﻓﺄﻣﱠ ﺎ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻘﺪ ﻧﺸﻄﻮا ﻟﻪ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗُﺴﺎﻋﺪﻫﻢ اﻟﻈﺮوف وﻣﺎ ﻳﻨﻔﺬ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣُ ﺠﺐ اﻻﺳﺘﺒﺪاد ،ﻣﻦ ﻧﻮر املﻌﺮﻓﺔ، وأﻣﱠ ﺎ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻬﻢ ﻳﻨﺸﺪوﻧﻬﺎ ﺣﻴﺜﻤﺎ وُﺟﺪ اﻻﺳﺘﻌﺒﺎد ،ﻻ ﻓﺮق ﰲ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑني اﻟﺪول املﺴﻴﺤﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﻜﻤﺎ ﻧﺮى املﴫﻳني ﻳُﻄﺎﻟﺒﻮن اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﻧﺮى اﻹﻳﺮاﻧﻴني ﻳُﺤﺎرﺑﻮن ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ ،وﻧﺮى اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴني ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺒﺬﻟﻮن ﻣﻊ ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﻢ وﻧﻔﻴﺲ ﻷﺟﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ واﻟﺘﺨ ﱡﻠ ِﺺ ﻣﻦ رﺑﻘﺔ ﻧﻔﺲ ٍ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﻞ ﺟﻬﺪ وﻳُﻔﺎدون ﺑﻜ ﱢﻞ ٍ اﻟﻈﻠﻢ واﻻﺳﺘﺒﺪاد. ﻗﻲ وإﱃ ﻣُﺴﺎﺑﻘﺔ اﻷﻣﻢ املﺘﻤﺪﻧﺔ؟ أﻟﻴﺲ أﻟﻴﺲ ﻫﺬا اﺗﺤﺎد ﰲ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ اﻟ ﱡﺮ ﱢ اﻟﺘﻤﺪن واﻟﺮﻗﻲ ﺿﺪ اﻟﻬﻤﺠﻴﺔ؟ ﻓﺈذا ﻛﺎن املﺴﻠﻤﻮن ﻫﻤﺠً ﺎ ﻣﺘﻌﺼﺒني ،وﺑﻬﺬا ﻳﺼﻤﻬﻢ 30
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
اﻷوروﺑﻴﻮن ،أﻓﻠﻴﺲ ﰲ ﻃﻠﺒﻬﻢ اﻟﺮﻗﻲ وﺗﺮاﻣﻴﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﺻﻔﻮف اﻷﻣﻢ اﻟ ﱠﺮاﻗﻴﺔ املﺘﻤﺪﻧﺔ ﻣﺎ ﻳُﺰﻳ ُﻞ ﻋﻨﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﻮﺻﻤﺔ ،وﻳُﺴﻘِ ُ ﻂ ﺣُ ﺠﱠ ﺔ أﻋﺪاﺋﻬﻢ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻬﻤﺔ؟ ﺑﲆ ﻫﺬا ﱡ اﻟﺤﻖ اﻟﴫاح ،ﻓﻠﻴﻨﺼﻒ اﻟﺴﺎﺳﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﻮن ،وﻟريﺟﻌﻮا ﻋﻤﱠ ﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن. ﻫﻮ ) (3ﻧﺼﻴﺤﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻗﺪ رأى املﺴﻠﻤﻮن ﻣﻤﱠ ﺎ ﺗﻘﺪﱠم ﺑﺴﻄﻪ ﱠ أن اﻟﺬي ﻓﺼﻢ ﻋﺮوة اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ وﻓ ﱠﺮق أﺟﺰاءﻫﻢ وأﻧﺴﺎﻫﻢ ﻣﻌﻨﻰ اﻷﺧﻮة ﰲ دﻳﻨﻬﻢ ﻣُﻨﺬُ ﻗﺮون ﺑﻌﻴﺪةٍ ،إﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﻜﻢ اﻷﻓﺮاد ،أي أﻣﺮاﺋﻬﻢ املﺴﺘﺒﺪﱢﻳﻦ ،ﱠ وأن ٍ اﻻﻧﺸﻘﺎق ﺑني املﺴﻠﻤني إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻻﻧﻘﻴﺎد ﻟﺤﻜﻢ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ دأﺑﻬﻢ اﻟﺘﺨﺎذل ﺣﺘﻰ ﰲ أﺷ ﱢﺪ اﻷوﻗﺎت ﺣﺮﺟً ﺎ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني وﺧﻄ ًﺮا ﻋﲆ ا ُملﺘﻔﺮﻗني ﻛﻤﺎ رأﻳﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻘﺪﱠم ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻋﺪاء ﺗﺘﺸﺎﻃﺮ ﻣﻠﻚ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻼ ﻳﺄﺧﺬُ اﻟﺠﺎر ﺑﻨﺎﴏ ﺟﺎره، وﻻ ﻳﺸ ﱡﺪ املﻠﻚ ﺑﻌﻀﺪ أﺧﻴﻪ ،وﺣﺴﺒﻜﻢ إذا ﺗﺮﻛﺘﻢ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ املﺎﴈ أن ﺗﻨﻈﺮوا إﱃ اﻟﺤﺎﴐ وﺗﻌﺮﻓﻮا ﻣﻨﻪ اﻟﻌﱪ ،وﺗﻠﻤﺴﻮا اﻟﺨﻄﺮ ،ﻓﺈﻧﻜﻢ ﺗﺴﻤﻌﻮن ﻛﻞ ﻳﻮ ٍم ﺑﺎﺗﺤﺎد اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﻼﻧﻴﺔ ﻣﻊ ُ وﺗﻌﺎﻗﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﻼﻧﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﻼﻧﻴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﻼﻧﻴﺔ ﻋﲆ املﺴﺄﻟﺔ اﻟﻔﻼﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﴩق، ﻋﲆ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ أو ﺧﻠﻴﺞ ﻓﺎرس أو اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺣﻤﺮ أو ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم، ﻓﻬﻞ ﺗﺴﻤﻌﻮن ملﻠﻮﻛﻜﻢ ِر ْﻛ ًﺰا؟ أو ﺗﺒﴫون ﻣﻨﻬﻢ رﻣ ًﺰا؟ وﻫﻞ ﺗﺮوﻧﻬﻢ ﻳﺘﻀﺎﻣﻮن ﻋﲆ ﺣﻔﻆ اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻀﺎم ﻏريﻫﻢ ﻋﲆ ﻧﺰﻋﻪ ﻣﻨﻬﻢ واﺳﺘﻌﺒﺎد رﻋﻴﺘﻬﻢ؟ إﻧﱠﻜﻢ ﻻ ﺗﺮون ﻣﻨﻬﻢ ذﻟﻚ وﻻ ﺗﺴﻤﻌﻮن ،ﺑﻞ إﻧﻬﻢ ﻳﺄﺧﺬون ﺑﻜﻢ إﱃ ﻣﻬﺎوي اﻟﺨﻄﺮ وأﻧﺘﻢ ﻻ ﺗﺸﻌﺮون. ﻓﻜ ﱡﻞ ﻣﺼﺎﺋﺒﻜﻢ إﻧﱠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺣﻜﻢ اﻷﺷﺨﺎص وﻣﻮت إرادة املﻼﻳني ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ﰲ إرادة ﺷﺨﺺ ،وﻫﻮ ٌ ﻣﻮت ﻟﻬﻢ أﺟﻤﻌني ،وﺧﺬﻻن ﻳُﺨﺮﺟﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﺼﺎف اﻵدﻣﻴني ،وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻣﻦ ﺷﺄن اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻻ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻌﻘﻞ وﻻ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﺪﻳﻦ. ﱠ إن دﻳﻨﻜﻢ ﻳُﺮﻳ ُﺪ أن ﺗﻜﻮﻧﻮا ﰲ أرﻗﻰ ﻣﻨﺎزل اﻟﺒﴩﻳﺔ وأدﻧﺎﻫﺎ ﰲ اﻟﻮﺟﻮد إﱃ ﻣُﺘﻨﺎول اﻟﻌﻘﻞ، ﱢ ﺑﺎﻟﺤﻖ واﻟﻬﺪاﻳﺔ ،ﻓﺎﺳﻤﻌﻮا ﻣﺎذا ﻓﻠﻢ ﻳﺠﻌﻞ ﺣﺘﻰ ﻟﻸﻧﺒﻴﺎء ُﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ ﻋﲆ اﻹراد ِة واﻟﻌﻘﻮل ﱠإﻻ ﻮل إ ِ ﱠﻻ ا ْﻟﺒ ََﻼ ُغ﴾َ ﴿ ،ﻟ ْﺴ َﺖ ﻋَ َﻠﻴ ِْﻬﻢ ِﺑﻤ َُﺴﻴ ِْﻄ ٍﺮ﴾، ﻳﻘﻮل ﷲ ﻟﻨﺒﻴﻪ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ﴿ :ﻣَ ﺎ ﻋَ َﲆ اﻟ ﱠﺮ ُﺳ ِ ﴿وَﻣَ ﺎ أ َ َ ِﻴﻞ﴾. ﻧﺖ ﻋَ َﻠﻴ ِْﻬﻢ ِﺑ َﻮﻛ ٍ ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا ﻋَ َﻠﻴْ ُﻜ ْﻢ أ َ ُ واﺳﻤﻌﻮا ﻣﺎذا ﻳﻘﻮل ﰲ ﺧﻄﺎﺑﻪ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨني﴿ :ﻳَﺎ أَﻳﱡﻬَ ﺎ ا ﱠﻟﺬ َ ﻧﻔ َﺴ ُﻜ ْﻢ َﻻ َﴬ ُﻛﻢ ﻣَ ﻦ َ ﺿ ﱠﻞ إِذَا ْ اﻫﺘَ َﺪﻳْﺘُﻢْ﴾. ﻳ ُ ﱡ ﻛﻞ ﻫﺬا إﺷﺎرة إﱃ أن ﻻ ﺣﻜﻢ ﻟﻺرادة ﻋﲆ اﻹرادة وإﻧﱠﻤﺎ اﻟﺤﻜ ُﻢ ﻟﻠﻌﻘﻞ واﻟﻮﺟﺪان، ﻓﺤﺮﻳﺔ اﻟﻮﺟﺪان ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳُﻘﺎﺗﻞ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ اﻟ ﱡﺮوس ،وﻗﺎﺗﻞ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﻮن ،وﻛﻞ 31
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
أﻣﻢ أوروﺑﺎ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ أﺳﺎس اﻟﺪﻋﻮة ﰲ دﻳﻨﻜﻢ ،أي اﻟﺘﺒﻠﻴﻎ ﻛﻤﺎ رأﻳﺘﻢ ﰲ اﻵﻳﺎت، وإﻧﱠﻤﺎ أﺿ ﱠﻠﻜﻢ ﻋﻨﻬﺎ وﺗﺮﻛﻜﻢ َﴏﻋﻰ دُوﻧﻬﺎ ﺣﻜﻢ اﻷﻓﺮاد اﻟﺬي ﻫﻮ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ ﻗﺎﺗ ٌﻞ ﻟﻠﻮﺟﺪان ﺧﺎذ ٌل ﻟﻠﻨﻔﻮس ﻣﺎﻧ ٌﻊ ﻣﻦ ﱢ ﺗﺮﻗﻲ اﻟﻌﻘﻮل وﺗﻠﻤﱡ ﺲ ﻃﺮق اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺼﺤﻴﺢ ،ﻓﻠﺘﻌﻠﻤﻮا إذن أن ﺣﻜﻢ اﻷﺷﺨﺎص إذا اﺳﺘﻤ ﱠﺮ ﺳﺎﺋﺪًا ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻮ ﺑﺄﻗﻞ ﺧﻄ ًﺮا ﻋﲆ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺠﻤﺎت اﻷوروﺑﻴني وﺻﺪﻣﺎت اﻟﻔﺎﺗﺤني ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﻤﻬﱢ ﺪ ﻟﻪ داع ﰲ اﻟﻘﺮﻳﺐ اﻟﻌﺎﺟﻞ إﻟﻴﻪ. إذا ﺗﻘ ﱠﺮر ﻫﺬا ﻓﻨﺼﻴﺤﺘﻲ اﻷوﱃ ﻟﻜﻢ ﻫﻲ أن ﺗﻌﻠﻤﻮا ﱠ أن ﺣﻴﺎﺗﻜﻢ اﻷدﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ،وﺣﻴﺎﺗﻜﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻟﻨﻴﺎﺑﻴﺔ ،ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا ﺑﻜﻠﻴﺘﻜﻢ ﻋﲆ ﻃﻠﺐ اﻟﻌﻠﻢ ،ﺟُ ﻮدوا ﺑﺎﻷﻣﻮال ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ املﺪارس ،اﺑﻌﺜﻮا ﺑﺄوﻻدﻛﻢ إﱃ دور اﻟﻌﻠﻢ ﰲ أوروﺑﺎ ،اﺳﺘﻔﻴﺪوا ﺧري ﻣﺎ ﰲ املﺪﻧﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻧﴩ اﻟﻌﻠﻢ ﰲ ﺑﻼدﻛﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ،ﻋﻀﺪوا وﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ ،اﻫﺪﻣﻮا ﻛﻞ ﺣﺎﺟﺰ ﻳﻘﻮ ُم ﰲ ِ ﺳﺒﻴﻞ ِ ﻧﻮاﺑﻐﻜﻢ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ،ﻋﻈﻤﻮا ﻗﺪر ﻋﻠﻤﺎﺋﻜﻢ أﻳﻨﻤﺎ وُﺟﺪوا ،ﱠ ﺗﻮﻓﺮوا ﻋﲆ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ وﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺠﺪ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺮﻗﻲ ،اﻧﺒﺬوا اﻷوﻫﺎم وﻻ ﺗﺴﺘﺴﻠﻤﻮا ﻟﻠﻴﺄس ،وﻟﺘﻘﻢ ﻓﺌﺔ ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺑﻨﻮر اﻟﻌﻠﻢ واملﺪﻧﻴﺔ ﺑﺒﻴﺎن ﻓﻮاﺋﺪ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﻸﻗﻮام اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻨﻜﻢ اﺳﺘﻨﺎرت ِ ﻋﺰﻟﺘﻬﻢ ﺣﻜﻮﻣﺎت اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺤﺮﻛﺔ وﻋﺎﻟﻢ اﻟﻌﻠﻢ ﻛﺄﻫﺎﱄ ﻣﺮاﻛﺶ وﺟﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮب واﻟﱰﻛﺴﺘﺎن وﻏريﻫﻢ ،ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﻳﺴﺘﻨﻜﺮون ﻛﻞ ﻣﺎ أﺗﺎﻫﻢ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻐﺮب ،ﻻ ﻻﻧﺤﻄﺎط ﰲ ﻷﺛﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﰲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ؛ ﺑﻞ ﻟﻀﻌﻒ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ و ﱠﻟﺪه اﺳﺘﺒﺪاد اﻷﻣﺮاء وﻣُﻤَ ﺎﻷة ﻣﺪارﻛﻬﻢ أو ٍ ً أﺟﻴﺎﻻ ﻣُﺘﻮاﻟﻴﺔ ﻛﺎدت ﺗﺬﻫﺐ ﺑﺂﺛﺎر اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ. اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ ﻳُﺤﺎرب اﻻﺳﺘﺒﺪاد ،وﺑﻪ ﻳﻌﺮف ﻛﻞ ﻓﺮد ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺤﻴﺎة وﻣﻌﻨﻰ إرادة اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺴﻼح اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﻜ َﻢ اﻟﺸﺨﴢ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﺎﺋﺪًا وﺣﺮﻳﺔ اﻟﻮﺟﺪان ،ﻓﺘﻌﻠﻤﻮا ﺛ ﱠﻢ ﻗﺎﺗﻠﻮا ِ ﻋﻠﻴﻜﻢ ،ﻣُﺘﺤ ﱢﻜﻤً ﺎ ﻓﻴﻜﻢ ،ﻗﻴﺪوا ﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻜﻢ أﻧﱠﻰ ﻛﺎن ﺟﻨﺴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻨﻴﺎﺑﻲ؛ إذ ﺑﻬﺬا ﺗﺘ ﱡﻢ ﺳﻌﺎدﺗﻜﻢ وﻳﺴﻠﻢ اﺳﺘﻘﻼﻟﻜﻢ وﺗﺄﻣﻨﻮن ﻋﲆ ﺣﻴﺎﺗﻜﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وﺟﻮاﻣﻌﻜﻢ املﻠﻴﺔ ،وﺑﻪ ﺗﺘﻌﺎرﻓﻮن وﺗﺘﺤﺎﺑﱡﻮن ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﰲ أﻳﱠﺎم اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺸﺨﴢ ﺗﺘﻨﺎﻓﺮون وﺗﺘﺒﺎﻋﺪون. واﻋﻠﻤﻮا أن ﺗﺒﺎدل اﻟﻌﻮاﻃﻒ ﺑني اﻟﺸﻌﻮب اﻷوروﺑﻴﺔ ﻫﻮ اﻟﺬي رﻓﻊ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﻢ ﺑني اﻷﻣﻢ وﻧﻔﺦ ﻓﻴﻬﻢ روح اﻟﻘﻮة ،وﻣﺜﺎﻟﻪ إذا ﻧﻬﺾ أﺣﻘﺮ ﺷﻌﺐ أو أﻛﱪه ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب املﺴﻴﺤﻴﺔ ﰲ ﻃﻠﺐ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﺪﺳﺘﻮر أو اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻋﻄﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻤﺔ ﻛﻞ اﻟﻘﻠﻮب ،وﻧﴫه اﻟﺴﺎﺳﺔ وأرﺑﺎب اﻷﻗﻼم ،ﻓﺈذا رأﻳﺘﻢ ﺷﻌﺒًﺎ ﻣُﻨﻜﻢ ﻳُﺤﺎول ﻫﺪم اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺸﺨﴢ وﻳُﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺪﺳﺘﻮرﻳﺔ، ﻓﺎﻋﻄﻔﻮا ﺑﻘﻠﻮﺑﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ واﻧﴫوه وﻟﻮ ﺑﺎﻷﻗﻼم وﻋﲆ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻛﻤﺎ ﺗﺼﻨﻊ اﻷﻣﻢ املﺴﻴﺤﻴﺔ؛ ﻟﻴﻌﻠﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ أﻧﻜﻢ أﺣﻴﺎء ﻣُﺘﻌﺎﻃﻔﻮن ﺗﺮﻳﺪون اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ وﺗﺨﺪﻣﻮن اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟ ﱠﺮاﻗﻴﺔ ،واﻗﺘﺪوا ﰲ ذﻟﻚ ﺑﺸﻌﺐ ﻣﻨﻜﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻞ ﺣﺮﻳﱠﺔ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻘﻮل ﱠإﻻ ﺑﺎﻷﻣﺲ وﻫﻢ 32
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
ﻣُﺴﻠﻤﻮ اﻟﺮوﺳﻴﺎ ،ﱠ ﻓﺈن أﻛﺜﺮ ﺟﺮاﺋﺪﻫﻢ ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ وﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ روح اﻟﺘﻌﻀﻴﺪ ﻟﻠﻌﺜﻤﺎﻧﻴني اﻷﺣﺮار ﰲ ﻃﻠﺒﻬﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺪﺳﺘﻮرﻳﺔ ،وﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻨﻬﻀﺔ املﴫﻳﺔ وﺷﻜﺮ اﻟﻘﺎﺋﻤني ﺑﻬﺎ، وﺑﻄﻠﺐ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺪﺳﺘﻮرﻳﺔ ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ ﻣﺎ ﻳﺪ ﱡل ﻋﲆ ﱠ أن ﻗﻮة اﻟﺤﻨﻮ وا ُملﺸﺎرﻛﺔ ﰲ اﻟﻌﻮاﻃﻒ ﻗﺪ دﺑﱠﺖ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻨﺸﻴﻂ ،وﺳﺘﴪي إﱃ ﻏريه ﻗﺮﻳﺒًﺎ إن ﺷﺎء ﷲ. أن اﻟﴩق ﻟﻠﴩﻗﻴني ﻣﺘﻰ ﱠ ﻫﺬه ﻧﺼﻴﺤﺘﻲ اﻷُوﱃ ،وﻧﺼﻴﺤﺘﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أن ﺗُﻮﻗﻨﻮا ﱠ ﺗﻮﻓﺮ ﻟﺪﻳﻜﻢ ذاﻧﻜﻢ اﻟﴩﻃﺎن وﻫﻤﺎ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﻜﻢ اﻟﻨﻴﺎﺑﻲ ،وأن ﺗﻜﺘﺒﻮا ذﻟﻚ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺎت ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ وﺗﺘﺪارﺳﻮه ﰲ دور ﻋﻠﻤﻜﻢ ،وأن ﺗﻌﻠﻤﻮا ﱠ أن اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ املﺴﻠﻢ واملﺴﻴﺤﻲ واﻟﻴﻬﻮدي ﰲ اﻟﴩق ﻫﻲ وﻃﻦ ﻟﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻓﺘﻨﺎﴏوا ﻣﻊ أﻫﻞ وﻃﻨﻜﻢ واﻋﺮﻓﻮا ﻟﻬﻢ ﺣﻘﻮﻗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻬﺎ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻧﺒﻴﻜﻢ ﷺ وﻗ ﱠﺮرﻫﺎ ﴍﻋﻜﻢ وأرﺷﺪﺗﻜﻢ إﻟﻴﻬﺎ آداب دﻳﻨﻜﻢ ،وﻻ ﺗﺠﻌﻠﻮا ﺳﺒﻴﻼ ﻟﻄﻌﻦ اﻟ ﱠ ً ﻄﺎﻋﻨني أو ﻣُﺆاﺧﺬة املﺴﺎﻛﻨني ﰲ اﻟﺘﻘﺎﻃﻊ ﻣﻊ ﻏريﻛﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ املﻠﻞ إﻟﻴﻜﻢ اﻷﺧﺮى ،وﻛﻮﻧﻮا أوﺳﻊ ﺻﺪ ًرا ﻣﻦ ﻏﻮﻏﺎﺋﻬﻢ وﻣ ﱢ ُﺘﻌﺼﺒﻴﻬﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻟﻜﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺟﻤﻴﻠﻜﻢ، وﻳﺤﻔﻈﻮن ﺟﻮارﻛﻢ ﻣﺘﻰ ﺣﻔﻈﺘﻢ ﺟﻮارﻫﻢ ،وﻻ ﻳﻤﻨﻌﻨﱠﻜﻢ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﻌﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺗُﻬﻢ اﻷوروﺑﻴني وﻏﻠﻮﱢﻫﻢ ﰲ ذ ﱢم املﺴﻠﻤني أن ﺗُﺤﺴﻨﻮا إﱃ أﻫﻞ ﺟﻮارﻛﻢ وﺗﻜﺬﺑﻮا ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﻣُﻔﱰﻳﺎت أﻋﺪاﺋﻜﻢ، ﻓﺴﻴﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﻳﺤﺼﺤﺺ ﻓﻴﻪ اﻟﺤﻖ ،وﻳﻌﱰف اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ ﱠ أن املﺴﻠﻤني ﺧريُ اﻟﻨﱠﺎس ﻣُﻌﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻨﺎس واﺳﺘﻤﺴﺎ ًﻛﺎ ﺑﺎﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ،ﱠ وأن اﻟﴩق ﻣﻨﺒﺖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻷوﱃ ﺳﻴﻜﻮن ﺑﺄﻫﻠﻪ ﻣﺠﻤﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ إﱃ ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ. ﱠ ﻟﺘﻘﻠﻴﺺ إن اﻷوروﺑﻴني ﻳﻘﻮﻟﻮن أوروﺑﺎ ﻟﻸوروﺑﻴني ودوﻟﻬﻢ ﻻ ﺗﺰا ُل ﺗﺪأبُ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ ِ ﻇ ﱢﻞ ﺳﻴﺎدة املﺴﻠﻤني ﻋﻦ آﺧﺮ ﻣﻠﻚٍ ﻟﻬﻢ ﰲ أوروﺑﺎ ،ﻓﻼ ﺣﺮج ﻋﻠﻴﻜﻢ أن ﺗﻘﻮﻟﻮا ﻣﺜﻠﻬﻢ ﱠ إن اﻟﴩق ﻟﻠﴩﻗﻴني ،وأن ﺗﺤﻘﻘﻮا ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﻻ ﺑﺎﻟﺠﻠﺒﺔ واﻟﻀﻮﺿﺎء ﺑﻞ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎس اﻟﻘﻮة ﻣﻦ ﻃﺮق اﻟﻌﻠﻢ ،ﻧﻌﻢ ﻣﻦ ﻃﺮق اﻟﻌﻠﻢ إذ ﻻ ﻗﻮﱠة ﺑﻐري اﻟﻌﻠﻢ ،ﻓﺎﻟﻴﺎﺑﺎن ﰲ أﻗﴡ اﻟﴩق ﺳﺒﻘﺘﻜﻢ ﱠ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ آﻣﺎﻟﻨﺎ ﰲ ﱠ أن اﻟﴩق إﱃ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬه اﻷﻣﻨﻴﺔ ،ﻓﻜﻮﻧﻮا ﻣﺜﻞ أوﻟﺌﻚ اﻟﻘﻮم ﰲ أدﻧﺎه ﻟﻠﴩﻗﻴني وﺗُﺼﺎﻓﺤﻜﻢ أوروﺑﺎ ﻛﻤﺎ ﺻﺎﻓﺤﺖ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻣُﺼﺎﻓﺤﺔ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﻟﻠﺼﺪﻳﻖ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﰲ ٍ ٍ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ. ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻴﻜﻢ وأﻧﺘﻢ ﰲ ﱢ ﻓﻬﻲ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ ﺗﺮوﻳﺞ ﻣﺘﺎﺟﺮﻫﺎ ﰲ اﻟﴩق وأﻧﺘﻢ ﺗﺤﺘﺎﺟﻮن إﻟﻴﻬﺎ ﰲ ﺗﻠﻘﻲ دروس املﺪﻧﻴﺔ ﻋﻨﻬﺎ ،وﰲ أﺧﺬ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﺤﺎﺟﺔ ﻣُﺘﺒﺎدﻟﺔ ﺣﺘﻤً ﺎ ،وﻻ ﻏﻨﻰ ﻟﻠﴩق ﻋﻦ اﻟﻐﺮب وﺑﺎﻟﻌﻜﺲ. وﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻌﻠﻤﻮا ﱠ ِ اﻹﻧﺼﺎف واﻟﻌﺪل اﻻﻋﱰاف ﺑﻔﻀﻞ املﺪﻧﻴﺔ أن ﻣﻦ ٍ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺳﺎﻣﻴ ٍﺔ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻐﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وأن اﻻﺣﺘﻜﺎك اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻬﻀﺖ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ إﱃ 33
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﺤﺴﻮﺳﺎ ﻧﻠﻤﺴﻪ ﺑﺎﻷﻳﺪي ً ً ﺑﺎﻷوروﺑﻴني ﻗﺪ ﻧﻔﻊ اﻟﴩق ﻧﻔﻌً ﺎ ﻣَ ملﺴﺎ ،ﻓﻨﺤ ُﻦ ﻣﺪﻳﻨﻮن ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟ ﱡﺮﻗﻲ اﻟﻌﻘﲇ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ،ﻓﻼ ﻳﻤﻨﻌﻨﺎ ﻋﻨﺖ ﺳﺎﺳﺘﻬﻢ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﻣُﻌﺎﴍﺗﻬﻢ ﺑﺎملﻌﺮوف واﻻﻋﱰاف ﻟﻬﻢ ٍ ﺣﺎﺟﺔ وزﻣﺎن ،وﺑﻌﺪ ﻓﺈﻧﱠﺎ ﰲ ﻣﻜﺎن ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ وﺗﻮﺛﻴﻖ ﻋُ ﺮى اﻟﺼﻠﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻌﻬﻢ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ٍ ﱠ ِ ﻣﻨﻬﻦ ﻋﺎﻣﻠﺘﻨﺎ ﺑﺎملﻌﺮوف وﻣﻬﱠ ﺪَت ﻟﻘﻮ ٍم ﺻﺪاﻗﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ،ﻓﺄﻳﱠﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ إﱃ ﻣﻨﱠﺎ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻻﺳﺘﻘﻼل ﻓﻠﻨﺤﺮص ﻋﲆ ﺻﺪاﻗﺘﻬﺎ ،وﻟﻨﻌﺮف ﻟﻬﺎ ﺻﻨﻴﻌﻬﺎ ،وﻟﻌ ﱠﻞ ﰲ ﻧﻬﻀﺔ ا ُملﺴﻠﻤني اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ وﺣﺮﻛﺘﻬﻢ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ وﺗﴩﺑﻬﻢ روح اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻣﺎ ﻳُﻘ ﱢﺮبُ أوان اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑني ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﴩق واﻟﻐﺮب ،وﻳﺪﻋﻮ اﻟﺪول إﱃ ﻣُﺼﺎﻓﺎة اﻷﻣﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؛ إذ ﻫﺬا أﺑﻘﻰ ﻟﻠﻤﻮدﱠة ،وأدﻋﻰ ﻻﺳﺘﻔﺎدة اﻟﻐﺮب ﻣﻦ اﻟﴩق ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺴﺘﻔﻴ ُﺪ اﻟﻐﺮب ﻣﻦ اﻟﴩق إذا ﱡ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻷﻧﺎﻧﻴﺔ وﺣﺐﱢ اﻷﺛﺮة وﻣُﺼﺎدرة راﻋﻰ ﰲ ﺗﻄﻠﺐ املﺼﻠﺤﺔ ﻗﺎﻋﺪة ﺗﺒﺎدل املﻨﺎﻓﻊ دون اﻷﻣﻢ ﰲ ﺣﻘﻮﻗﻬﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮص ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ املﺘﻤﺪﻧﺔ؛ ﻓﻴﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﻳﻔ ﱢﺮط ﺑﻬﺎ اﻟﴩق اﻟﻌﺮﻳﻖ ﰲ املﺪﻧﻴﺔ وﺣﺐﱢ اﻻﺳﺘﻘﻼل. ) (4ﻧﺼﻴﺤﺔ ﻟﻐري املﺴﻠﻤني ﱠ ﺑﻤﻌﺰل إن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺴريُ إﱃ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺳريًا ﺣﺜﻴﺜًﺎ ﻳﺠﻌ ُﻞ ﺣﻴﺎة اﻷﻣﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ٍ ﺷﻌﺐ واﺣ ٍﺪ ﻣﺎﻧﻌً ﺎ ﻣﻦ ﺗﻮﺛ ﱡ ِﻖ ﻋُ ﺮى اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻋﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎدات ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺗﺒﺎﻳﻦ اﻋﺘﻘﺎدﻳﻦ ﰲ ٍ أو ﻣُﺒﺎﻳﻨًﺎ ﺑني أﻏﺮاﺿﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺳﺒﻖ اﻟﻐﺮب اﻟﴩق ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻬﺪ إﱃ ﻫﺬه اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ، ﱡ ﻳﺤﺲ ﺑﻬﺎ أو ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺛﻘﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻴﻄﺮة اﻟﻐﺮب ،وأﻧﻬﻜﻪ وﺑﺪأ اﻟﴩق ﻃﻮل اﻟﺘﻔ ﱡﺮ ِق واﻻﻧﻘﺴﺎم ،ﻓﻠﻴﺲ املﺴﻴﺤﻲ واﻟﻴﻬﻮدي وﻏريﻫﻤﺎ ﺑﺄﻗ ﱢﻞ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻦ املﺴﻠﻢ إﱃ اﻻﻋﺘﻀﺎد ﺑﺎﻟﻘﻮﻣﻴﺔ وﺗﻮﺛﻴﻖ وﺷﺎﺋﺞ اﻹﺧﺎء اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺪﺧﻮل ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﻊ ﺷﺄن اﻷﻣﻢ وﺗﺤﻮط ﺣﻴﺎة اﻷﻗﻮام اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺴﻮر ﻣﻦ اﻟﻘﻮة. وﻫﺬا ﻣﺎ ﻧُﺮﻳ ُﺪ أن ﻧﻨﺒﱢﻪ إﻟﻴﻪ أﻫﻞ ﺟﻮار املﺴﻠﻤني ﻣﻦ أرﺑﺎب املﻠﻞ اﻷُﺧﺮى ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺟﻤﻌﻬﻢ ﻃﻴﻨﺔ واﺣﺪةٍ ،وﻧﺨﺎﻟﻬﻢ ﻳﺴﻠﻤﻮن ﻣﻌﻨﺎ ﱠ ٍ أن ﻋﺼﻮر اﻟﺠﻬﺎﻟﺔ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ وﻃ ٌﻦ واﺣ ٌﺪ وﺟُ ﺒﻠﻮا ﻣﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﻧﻄﻔﺄ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺼﺒﺎح اﻟﻌﻠﻢ ﰲ أﻳﱠﺎم اﻻﺳﺘﺒﺪاد اﻟﻐﺎﺑﺮ اﻟﺬي ﻃﻤﺲ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﻧﻔﺚ ﰲ املﺴﻠﻤني واملﺴﻴﺤﻴني وﻏريﻫﻢ ﺳ ﱠﻢ اﻟﺘﻌﺼﺐ ﻗﺪ ﻣﴣ أﻣﺮه وذﻫﺐ ُ اﻟﻮﻓﺎق ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ،ﱠإﻻ أﺛ ًﺮا ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﻨﻔﻮس ﻧﺮﺟﻮ أن ﻳُﻌﺎﻟﺠﻪ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻷدواء اﻟﻨﱠﺎﻓﻌﺔ وﻳﺤ ﱡﻞ ﻣﺤﻠﻪ واﻟﺤﺐﱡ وا ُمل َ ﺼﺎﻓﺎ ُة. اﻟﻌﻠﻢ ﻫﻮ رﺳﻮل اﻟﺴﻼم ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،واملﴩق ﻋﲆ اﻟﻘﻠﻮب ،وﻧﺮى اﻟﴩﻗﻴني ﻋﺎﻣﱠ ﺔ ﻗﺪ ﺗﻨﺒﱠﻬﻮا إﻟﻴﻪ وأﺧﺬوا ﺑﺎﻟﺤ ﱢ ﻆ اﻟﻮاﻓﺮ ﻣﻨﻪ وإن ﺗﻔﺎوﺗﻮا ﰲ اﻟﻨﺴﺒﺔ ﺑني اﻟﺴﺎﺑﻖ واﻟﻼﺣﻖ وا ُملﺒﺘﺪئ 34
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
ﱠ رﺣﻴﺐ ﺑﺼﺪر ﻓﻠﻨﺘﻠﻘﺎﻫﺎ ﻣﻦ اﻵن واملﺘﻮﺳﻂ ،وﻣﺎ داﻣﺖ اﻟﺴﻴﺎدة ﻣُﺆ ﱠﻛﺪة ﰲ ا ُملﺴﺘﻘﺒﻞ ﻟﻠﻌﻠﻢ ٍ ٍ اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﺬي ﻻ ﻋِ ﻮج ﻓﻴﻪ ،وﺧري اﻟﺬراﺋﻊ إﱃ ذﻟﻚ ﱠ وﻟﻨﻤﻬﱢ ﺪ ﻟﻬﺎ ﱠ أن ﻳﺴﻤﻊ إﺧﻮاﻧﻨﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ املﻠﻞ اﻷﺧﺮ ﻧﺼﻴﺤﺘﻨﺎ اﻟﺘﻲ أﺳﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﺑﻨﺒ ِﺬ اﻟﺘﻌﺼﺐ وإزاﻟﺔ أﺳﺒﺎب اﻟﺒﻐﻀﺎء واﻟﺘﻨﺎﻓﺮ اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑني املﺴﻠﻤني ،وأن ﻳﺤﻔﻈﻮا ﱠ اﻟﺠﻮار ﱠ ﻜﻦ واﻟﺠﻨﺴﻴﱠ ِﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺣﻖ ِ واﻟﺴ ِ ﺟﻤﻌﻬﻢ وإﻳﱠﺎﻫﻢ وﻃ ٌﻦ واﺣﺪٌ ،وأن ﻳُﻤﻬﱢ ﺪُوا ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻠﴩق ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴريُ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺤُ ﻜ ِﻢ اﻟﺤﺎﺟﺔ ،وأن ﻳﻌﻠﻤﻮا ﱠ أن اﻟﴩﻗﻲ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن دﻳﻨﻪ ﻻ ﻳﻜﻮ ُن ﰲ ﻋﻮاﺋﺪه وأﺧﻼﻗﻪ وﻣﻌﻴﺸﺘﻪ وﺣﻜﻮﻣﺘﻪ ﻏﺮﺑﻴٍّﺎ ﻗﻂ ،وﻻ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻳﻘﺒ ُﻞ أن ﻳﻜﻮن اﻟﴩﻗﻲ ﻏﺮﺑﻴٍّﺎ ﻗﻂ؛ إذ ﱠ ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎدِ ،ﻓﺎﻟﻐﺮﺑﻲ إذا إن اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ أوروﺑﺎ ﻗﺪ ﺻﺎرت أو ﻛﺎدت ﺗَﺼريُ ٍ ﺣﻜﻢ ﰲ ﱠ ﻣﺜﻼ ﻻ ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ا ُملﺸﺎرﻛﺔ ﰲ اﻻﻋﺘﻘﺎد ،ﺑﻞ ﻳﻨ ُ اﻟﴩق ﻣﺴﻴﺤﻴٍّﺎ ً ﻈ ُﺮ إﱃ املﺼﻠﺤﺔ ،وﻫﺬا اﻟﻐﺮب أﺻﺒﺢ ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻬﺪ ﻳﺤ ُﻜ ُﻢ اﻟﻘﺴﻢ اﻷﻛﱪ ﻣﻦ آﺳﻴﺎ وإﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﻓﻬﻞ ﱠ ﺻري املﺤﻜﻮﻣني ﻣﻨﻪ ﻏﺮﺑﻴني ،أي أﻋﻄﺎﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺎ ﻟﻪ وﺟﻌﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ؟ ﻛﻼ، ً ﻣﻨﺰﻟﺔ وأﺑﻌﺪ ﻋﻨﻪ ﻣُﺸﺎﻛﻠﺔ؛ ﻟﺬا ﺗﺮى اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷﺳﺎﳼ ﻟﻜ ﱢﻞ دو َﻟ ٍﺔ ﺑﻞ ﻫﻮ ﻳﻌﺘﱪﻫﻢ أﺣﻂ ﻣﻨﻪ ﻣﺨﺼﻮص ﻻ أوروﺑﻴﺔ ﻻ ﻳﺸﻤﻞ ﺳﻜﺎن ﻣﻤﺎﻟﻜﻬﺎ ﰲ آﺳﻴﺎ وإﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﺑﻞ اﺧﺘﺺ ﻫﺆﻻء ﺑﺤﻜ ٍﻢ ٍ اﻟﺤﻘﻮق ﻋﻨﺪ أﻳﱠ ِﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﴍﻗﻴﺔ ﻳﻤﺘﺎ ُز ﻋﻦ ﺣُ ﻜﻢ املﺎﻟﻚ ﰲ املﻤﻠﻮك ﻣﻊ أن اﻟﴩﻗﻴني ﺳﻮاءٌ ﰲ ِ ﻣﻬﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﻮا ﰲ اﻷدﻳﺎن ،ﻓﺎملﺴﻴﺤﻲ ﰲ ﺣﻜﻮﻣﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻟﻠﻤُﺴﻠﻢ وﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،واملﺴﻠﻢ ﰲ اﻟﺼني ﰲ ﻧﻈﺮ ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﺎ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ﻛﺎﻟﺒﻮذي ﻻ ﻓﺮق ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﰲ ا ُملﻌﺎﻣﻠﺔ؛ إذن ﻓﺎﻟﴩﻗﻲ ﺳﻴﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺎ دام ﺳﻴﺪًا ﰲ ﺑﻼده ،ﻓﻠﻴﻌﺘﱪ ﺑﻬﺬا إﺧﻮاﻧﻨﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﺨﺎﻟﻔﻮﻧﺎ ﰲ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻣﻦ أيﱢ ﻧِﺤ َﻠ ٍﺔ ﱢ واﻟﱰﻗﻲ واﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻛﺎﻧﻮا ،وﻟﻴﺘﺎﻛﺘﻔﻮا ﻣﻊ املﺴﻠﻤني ﻋﲆ املﴤ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﺴريُ إﻟﻴﻬﺎ ﱠ اﻟﴩق ﻛﻤﺎ ﺳﺎر اﻟﻐﺮب ،وﻟﻴﺤﻘﻘﻮا ﺑﺬﻟﻚ آﻣﺎل اﻟﴩق ﰲ ﺑﻨﻴﻪ وﺧري اﻷﻋﻤﺎل ﻣﺎ ﺳﺒﻘﺘﻪ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ اﻟﺼﺎدﻗﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻄﻴﱠﺔ ﺻﺎﺣﺒﻪ اﻹﺧﻼص. ﻛﻠﻤﺘﻨﺎ ﻣﻊ ﺳﺎﺳﺔ أوروﺑﺎ ﺑﻘﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل ﻛﻠﻤﺔ ﻟﺴﺎﺳﺔ أوروﺑﺎ وﻗﺎدة اﻷﻣﻮر ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻌ ﱠﻠﻬﺎ ﺗُﺼﺎدِ ُ ف ﻣﻨﻬﻢ ﻗﻠﻮﺑًﺎ ﱠ ﻣﺤﺾ، ﺑﴩ ري واﻋﻴﺔ ﺗﻨﴫُ ٍ ٍ ﻣﺤﺾ ،ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ٍ اﻟﺤﻖ وﻟﻮ ﻳﻮﻣً ﺎ ،واﻹﻧﺴﺎن ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺨ ٍ ﺑﻞ ﻫﻮ ﻗﺎﺑ ٌﻞ ﻟﻸﻣﺮﻳﻦ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن إﱃ اﻟﺨري أﻗﺮب ﻣﻨﻪ إﱃ اﻟﴩ. ﻳُﻌﻠﻢ ﻣﻤﱠ ﺎ ﺗﻘﺪﱠم ﻛﻠﻪ ﱠ أن اﻟﻔﺮص اﻟﺘﻲ ﺳﻨﺤﺖ ﻟﻠﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﰲ ﻣُﻨﺎﻫﻀﺔ املﺴﻠﻤني واﻗﺘﺴﺎم أﻣﻼﻛﻬﻢ ﰲ اﻟﻘﺎرات اﻟﺜﻼث إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﺒﺒﻬﺎ ﺗﺨﺎذُل ﻣﻠﻮك املﺴﻠﻤني واﻧﻘﻴﺎد اﻷﻣﱠ ﺔ 35
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ُ ﺑﺤﻴﺚ ﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻌﺐ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻻ ﻳﺤﺲ وﻻ ﻳﻌﺘﱪ ﺑﻤﺼﺎﺋﺐ اﻟﺸﻌﺐ ﻟﺤﻜﻢ اﻷﺷﺨﺎص ﱢ اﻟﺤﺲ؛ ﻟﺸﺪة ﻣﺎ ﺗﻮاﱃ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻵﺧﺮ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﺴﻠﻮبُ اﻹراد ِة ﺑﻘﻮة اﻟﺤﺎﻛﻢ املﻄﻠﻖ ،ﺿﻌﻴﻒ وﺟﻪ ،وﻣﻦ ٍ اﻹﺣﻦ واملﺤﻦ ﻣﻦ ٍ وﺟﻪ آﺧﺮ ﻛﺎن ا ُملﺴﺘ ِﺒﺪﱡون ﻣﻦ أُﻣﺮاﺋﻪ ﻳﺤﺠﺒﻮن ﻋﻨﻪ ﻧﻮر املﺪﻧﻴﺔ ٍ ﱠ اﻟﺤﺲ ،ﺷﺄن ﺻﻔﻴﻘﺔ ﻻ ﻳﻨﻔﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﱠإﻻ ﺷﻌﺎ ٌع ﺿﺌﻴ ٌﻞ ﻳﻜﺎد ﻻ ﻳﻨﺒﱢﻪ واﻟﻌﻠﻢ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺑﺤﺠﺐ وﻣﻜﺎن. زﻣﺎن اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ا ُملﻄﻠﻘﺔ ﻣﻊ اﻟﺮﻋﻴﱠ ِﺔ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ٍ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﺣﺘﻜﺎك املﺴﻠﻤني ﺑﺄﻫﻞ املﺪﻧﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ً ﺑﺎﻟﻐﺎ ﻣﺒﻠﻐﻪ اﻵن ﻟﻴﺘﻜﻬﺮﺑﻮا ﺑﺘﻴﱠﺎر اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺠﺎري ﰲ ﺟﺴﻢ املﻤﺎﻟﻚ اﻷوروﺑﻴﺔ ،وﻟﻴﻤ ﱢﺰﻗﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺠﺐ وﻳﻨﺪﻓﻌﻮا إﱃ ﻓﻀﺎء اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻀﺎء اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﻴﺎة ،ﻟﺬا ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗُﺸ ِﺒ ُﻪ اﻟﺨﺪر ﻳُﺼﻴﺐُ اﻟﺠﺴﻢ ،وﻳﻨﺒﱢﻪ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺪﻟﻚ. أﻣﱠ ﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ ﱠ ﺗﻐريت اﻟﺤﺎل ،وﺗﻨﺒﱠﻪ ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﻢ املﺘﺨﺪر رﻏﻢ اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻟﻜﺜرية اﻟﺘﻲ ﻟﺘﻌﻄﻴﻞ ﺣﺮﻛﺘﻪ أوﻟﺌﻚ ا ُملﺴﺘﺒﺪون؛ وذﻟﻚ ﻟﺴﺒﺒني :اﻟﺴﺒﺐ اﻷول اﻧﺪﻓﺎع اﻟﺪول ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ِ ً وﺧﺼﻮﺻﺎ اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﻜﻠﻴﱠﺘِﻬﺎ إﱃ اﻟﴩق ،وﺗﻬﺎﻓﺘﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ وآﺳﻴﺎ ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن املﺎﴈ ُ ﺗﺒﴫ ارﺗﻌﺪت ﻟﻪ ﻓﺮاﺋﺺ املﴩق ،واﻫﺘ ﱠﺰت ﻟﻪ ﺗﻬﺎﻓﺘًﺎ ﺧﺎﻟﻴًﺎ ﻋﻦ ﻛ ﱢﻞ ﱡ ٍ أﻋﺼﺎب املﺴﻠﻤني ﰲ ﻛ ﱢﻞ أﻧﺤﺎء اﻷرض ،ﻓﺸﻌﺮوا ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ املﺤﻴﻂ ﺑﻬﻢ وﺑﻮﺷﻚ ﺳﻘﻮط ﺳﻴﺎدة ﺷﻌﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﺣﺘﱠﻰ ﻋﲆ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺟُ ﺒﻠﻮا ﻫﻢ وأﺟﺪادﻫﻢ اﻟﴩﻗﻴﻮن ﺑﱰاﺑﻬﺎ ،وﺗﻤﺘﱠﻌﻮا ﻛ ﱢﻞ ٍ ﱢ ﺑﺤﻖ اﻟﻘﺮار ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﻋُ ﺮف ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎن. ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ اﺣﺘﻜﺎ ًﻛﺎ واﻟﺴﺒﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ اﺣﺘﻜﺎك املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻷوروﺑﻴني ﺷﺪﻳﺪًا ،ﺳﻮاء ﻛﺎن ﰲ املﻌﺎﴍة وا ُملﺘﺎﺟﺮة أو ﺑﺎﻗﺘﺒﺎس اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻨﻬﻢ ﰲ أوروﺑﺎ وﰲ اﻟﴩق ﻧﻔﺴﻪ ،وﻫﺬا ﻳﺪﻋﻮ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ إﱃ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم واملﺒﺎدئ اﻟﺘﻲ ﻧﻬﺾ ﺑﻬﺎ اﻟﻐﺮب ،وﻫﺬا أﻣ ٌﺮ ﻻ ﻣﺤﻴﺺ ﻋﻨﻪ ﻣﺎ دام ﱠ اﻟﴩ ُق ُﻣﺘﱠ ِﺼ ًﻼ ﺑﺎﻟﻐﺮب ،وﻣﺎ دام اﻟﻌﻠ ُﻢ ﻣُﺸﺎﻋً ﺎ ﺑني اﻷﻣﻢ ،واملﺒﺎدئ ﺗﴪي ﻣﻦ ﻗﻮ ٍم إﱃ ﻗﻮ ٍم ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﻨﺎﻓﻊ وﺗﻘﻠﻴﺪ اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻟﻠﻘﻮي. إذا ﺗﻘﺮ ﻫﺬا ﻓﻘﺪ ﱠ ﺗﻌني ﻋﲆ ﺳﺎﺳﺔ أوروﺑﺎ أن ﻳﻘﺪروا ﻧﻬﻀﺔ املﺴﻠﻤني ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻬﺪ أﺳﺒﺎب ﻗﺎﻫﺮ ٍة وﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻻ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﻗﺪرﻫﺎ ،وﻳﺘﺤﻘﻘﻮا أﻧﻬﺎ ﻧﻬﻀﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ اﻧﺒﻌﺜﺖ ﻋﻦ ٍ اﻟﺘﻌﺼﺐ أو ﻏريه ،واﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ دﻋﺖ اﻷﻣﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ إﱃ املﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ وﻫﺪم أرﻛﺎن اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت املﻄﻠﻘﺔ ﻋﻘﺐ اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ وﴎﻳﺎن ﻣﺒﺎدﺋﻬﺎ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﰲ ﻧﻔﻮس اﻟﺸﻌﻮب؛ ﺗﻘﻠﻴﺪًا ﻟﻠﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني واﻗﺘﺪاءً ﺑﻬﻢ ،ﻫﻲ ﻋﻴﻨﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻮ املﺴﻠﻤني اﻵن إﱃ ﻃﻠﺐ اﻟﺤﺮﻳﱠﺔ، ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺤﻜﻮﻣني ﺑﺤﻜﻮﻣﺎت ﻣﺴﻠﻤﺔ أو ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ،ﻓﻜﻤﺎ ﻳُﻄﺎﻟﺐ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻮن ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪﺳﺘﻮر ،وﻳﺘﻔﺎﻧﻰ اﻹﻳﺮاﻧﻴﻮن ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ وﺗﺄﻳﻴﺪ دﻋﺎﺋﻢ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻨﻴﺎﺑﻲ 36
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
اﻟﺬي ﻧﺎﻟﻮه ﻣﻦ ﱠ اﻟﺸﺎه ﻣﻦ ﺑﻀﻌﺔ ﺷﻬﻮر ،ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺆﻳﺪ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ اﻟﻘﻔﻘﺎس واﻟﻘﺮﻳﻢ وﻛﻞ اﻟﺒﻼد اﻟﺮوﺳﻴﺔ إﺧﻮاﻧﻬﻢ اﻟﺮوﺳﻴني ﰲ ﻃﻠﺐ اﻟﺪﺳﺘﻮر ﻣﻦ ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﻢ املﺴﻴﺤﻴﺔ ،وﻛﺜريٌ ﻣﻨﻬﻢ اﻧﺤﺎز إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺴﻮﺳﻴﺎﻟﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﺮوﺳﻴني؛ ﻣُﻐﺎﻻة ﰲ املﺒﺎدئ اﻟﺤ ﱠﺮة اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺜﺖ ﻓﻴﻬﻢ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ أو اﻻﻗﺘﺪاء واﻟﺠﻮار. واﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ دﻋﺖ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني واﻟﺒﻠﻐﺎرﻳني وﻏريﻫﻢ إﱃ ﻃﻠﺐ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ وﻧﴫﺗﻬﻢ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻄﻠﺐ ﻛﻞ أوروﺑﺎ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﺎﺳﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻮ اﻟﺸﻌﻮب اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ املﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺎﻷﺟﻨﺒﻲ إﱃ ﻃﻠﺐ اﻻﺳﺘﻘﻼل واﻟﺤﺮﻳﺔ وﺗﺄﻣﻞ أن ﺗﺴﻌﻔﻬﻢ أوروﺑﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ً أﻳﻀﺎ. إذن ﻣﺎ داﻣﺖ ﻫﺬه اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ أﺛ ًﺮا ﻣﻦ آﺛﺎر ﱢ اﻟﱰﻗﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣُﻨﻌﻜﺴﺔ ﺻﻮرﺗﻪ ﻋﻦ اﻟﻐﺮب ،واﻟﻐﺮب ﻫﻮ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﰲ ﺑﺚ ﻫﺬه اﻟﺮوح اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ روح اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻻﺳﺘﻘﻼل، ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﲆ ﺳﺎﺳﺔ أوروﺑﺎ أن ﻳﺘﻠﻘﻮا ﺑﺎﻻرﺗﻴﺎح ﻛﻞ ﺧﻄﻮ ٍة ﻳﺨﻄﻮﻫﺎ املﺴﻠﻤﻮن إﱃ اﻷﻣﺎم ﻣﺎ داﻣﻮا ﻳﺤﺬون ﺑﺨﻄﺎﻫﻢ ﺣﺬو اﻷوروﺑﻴني وﻳﻌﱰﻓﻮن ﻷﻫﻞ املﺪﻧﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﱠ اﻟﺴﺒﻖ ﰲ رﻓﻊ راﻳﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻌﻠﻢ. ُ ﱠ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﰲ ﳾءٍ ﻋﻦ ﺷﻌﻮر ﺷﻌﻮر ﻻ إن املﺴﻠﻤني — أﻳﱠﻬﺎ اﻟﺴﺎﺳﺔ — أﻣ ٌﻢ ﻣﺜﻠﻜﻢ أﻫﻞ ٍ ﻏريﻫﻢ إﻻ ﺑﻜﻮﻧﻪ ﱠ أرق وأﺷﺪ اﺳﺘﻌﺪادًا ﻟﻠﺘﺄﺛ ﱡ ِﺮ ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻞ ﺑﻤﺎ أودﻋﻪ ﻓﻴﻪ دﻳﻨﻬﻢ املﺒني ﻣﻦ ﺣﺐﱢ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ وﺣﺐﱢ اﻟﻐري وﺣﺐﱢ املﺤﺴﻨني إﻟﻴﻬﻢ ،ﻓﻌﺎﻣﻠﻮا وﻟﻮ ﺷﻌﺒًﺎ واﺣﺪًا ﻣﻨﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻋﺎﻣﻠﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻷﻣريﻛﻴني أﻳﱠﺎم ﺣﺮوب اﻻﺳﺘﻘﻼل ،وﻛﻤﺎ ﻋﺎﻣﻠﺖ ﻛﻞ دوﻟﻜﻢ اﻟﻴﻮﻧﺎن أﻳﱠﺎم ﻃﻠﺒﻬﺎ اﻻﺳﺘﻘﻼل ،وﻛﻤﺎ ﺗُﻌﺎﻣﻠﻮن ﻛﻞ اﻟﺸﻌﻮب املﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺤﺎول ﻧﻴﻞ اﻻﺳﺘﻘﻼل واﻟﺤﺮﻳﺔ، واﻧﻈﺮوا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻊ ﻧﺎﴏﻳﻪ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻘﻼل وﻣﺎﻧﺤﻴﻪ اﻟﺤﺮﻳﺔ، وﻛﻴﻒ ﻳُﻘﺎﺑﻞ اﻹﺣﺴﺎن ﺑﺎﻹﺣﺴﺎن ،وﻳﺬﻛﺮ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﻋﲆ ﻣﺪى اﻟﺰﻣﺎن. إﻧﱠﻜﻢ ﺗُﻌﺎﻣﻠﻮن املﺴﻠﻤني اﻵن ﺣﻜﻤﺘﻤﻮﻫﻢ أو ﻟﻢ ﺗﺤﻜﻤﻮﻫﻢ ﺑﺎﻟﻘﺴﻮة ا ُملﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﺷﻌﺐٌ ﻣﻨﻬﻢ إﻻ ذﻋﺮﺗﻤﻮه ،وﻟﻢ َ ﺗﺒﻖ دوﻟﺔ ﻣﻦ دوﻟﻬﻢ ﱠإﻻ ﻗﺼﺪﺗﻢ إذﻻﻟﻬﺎ وﺣﺎوﻟﺘﻢ ﻧﺰع اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ،وإذا ﺛﺎر ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﺷﻌﺐٌ ﻣﺴﻴﺤﻲ ﺗﺄ ﱠﻟﺒﺘﻢ ﻟﻨﴫﺗﻪ ﺑﺎﺳﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وإذا ﻧﺎل ﱞ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴﱠ ٍﺔ ُ ٌ ٍ وإرﻫﺎق ﰲ اﻷﻧﻔﺲ وﻫﻀ ٌﻢ ﰲ اﻟﺤﻘﻮق ﻻ اﻷﻣﻮال ﻇﻠ ٌﻢ ﰲ ﺷﻌﺒًﺎ ﻣﺴﻠﻤً ﺎ ﻣﻦ ِ ﺗﺄﺧﺬﻛﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ ،وﻻ ﺗﺪﻓﻌﻜﻢ إﱃ ﻧﴫﺗﻪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وﻣﻊ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﺗﻄﻠﺒﻮن ﻣﻦ املﺴﻠﻤني وداﻋﺔ اﻟﺤﻤﻼن ،وﻃﺎﻋﺔ اﻟﻌﻤﻴﺎن ،ﱠ وإﻻ وﺻﻤﺘﻤﻮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺘﻌﺼﺐ ورﻣﻴﺘﻤﻮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﺘﻬﻢ. ﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﻄﻠﺒﻪ ﻣﻨﻜﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وﻟﻴﺴﺖ ﺳﻴﺎﺳﺘﻜﻢ ﻫﺬه ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻨﺘﺞ ﺗﺄ ﱡﻟﻒ ﻗﻠﻮب اﻷﻣﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ أو ﺗُﺆدﱢي إﱃ ﺑﺴﻂ اﻟﺴﻴﺎدة ﻋﲆ اﻟﴩق اﻹﺳﻼﻣﻲ إﻻ إذا ﻛﻨﺘﻢ ﺗﻈﻨﱡﻮن 37
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأورﺑﺎ
ﱠ أن ﻣﻦ اﻟﻬني اﺳﺘﺨﻀﺎع ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ﰲ اﻟﴩق ﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻐﺮب ﺑﺎﻟﻘ ﱠﻮةِ، وأﺧﺬﻫﻢ ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ ،وأﻋﻴﺬُ ﻋﻘﻼءﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟ ﱠ ﻈ ﱢﻦ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ اﻟﺬي ﺗﻜﻬﺮﺑﺖ ﱠ وأﺣﺲ اﻟﴩق ﻛﻠﻪ ﺑﺜﻘﻞ ﺳﻴﻄﺮة اﻟﻐﺮب ،وأﻧﺎﻧﻴﺔ أﻫﻠﻴﻪ ﻓﻴﻪ أﻋﺼﺎب اﻷﻣﻢ ﺑﻜﻬﺮﺑﺎء اﻟﺤﺮﻳﺔ، اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ،ﻻ ﻓﺮق ﰲ ﻫﺬا اﻹﺣﺴﺎس ﺑني املﺴﻠﻢ واملﺴﻴﺤﻲ واﻟﻮﺛﻨﻲ ﻛﻤﺎ ﻧﻌﻠﻢ وﺗﻌﻠﻤﻮن. ُ ﻧﺼﺤﺖ ﻹﺧﻮاﻧﻲ املﺴﻠﻤني أﻧﺼﺢُ ﻟﻜﻢ أﻳﻬﺎ وﺑﻨﺎء ﻋﲆ ﻫﺬه اﻻﻋﺘﺒﺎرات ﻛﻠﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﱢﻲ ﻛﻤﺎ اﻟﺴﺎﺳﺔ اﻟﻜﺮام أن ﺗُﻮﻗﻨﻮا ﱠ أن املﺴﻠﻢ إﻧﺴﺎ ٌن ﻛﺎﻣ ٌﻞ ﻳﺘﺄﺛﱠﺮ ﺑﻜ ﱢﻞ املﺆﺛﺮات اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺄﺛ ﱠ ُﺮ ﺑﻬﺎ ﻏريه، ﻳﺄﻧﺲ ﺑﻤﻦ ﻳُﺤﺴﻦ إﻟﻴﻪ ،وﻳﻨﻔ ُﺮ ﻣﻤﱠ ﻦ ﻳُﴘء إﻟﻴﻪ ،ﱠ ُ ري وأﻧﻪ وأن املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎدوا ﻋﲆ ﻛﺜ ٍ ري ﻣﻦ ﻣﻤﺎﻟﻚ ﻣﻦ املﻤﺎﻟﻚ ،وﺷﻴﱠﺪوا ﺑﻨﻴﺎن اﻟﺘﻤﺪن اﻹﺳﻼﻣﻲ ،وأدﺧﻠﻮا دﻳﻨﻬﻢ وﺗﻤﺪﻧﻬﻢ إﱃ ﻛﺜ ٍ آﺳﻴﺎ وأوروﺑﺎ وإﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،وﺑﺴﻄﻮ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﻢ ﻋﲆ ﺟﺰءٍ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ اﻷرض ،ﻳﻀﻨﱡﻮن ﺑﺎﻟﺒﻘﻴﱠﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎدة ،وﻳﺤﺮﺻﻮن ﻋﲆ أن ﻻ ﺗﺄﺗﻲ أوروﺑﺎ ﻋﲆ آﺛﺎر ﻣﺠﺪﻫﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻓﻤﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺑﻞ املﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﺗﺬﻫﺒﻮا أﻳﱠﻬﺎ اﻟﺴﺎﺳﺔ ﺑﺤﻴﺎة املﺴﻠﻤني اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ أﻧﺤﺎء اﻷرض؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣُﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ املﺎدﻳﺔ ،واﻟﻔﺮاغ اﻟﺬي ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺮة ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﻳُﺸﻐﻞ ﺑﻐريﻫﻢ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ اﻟﺒﴩ ﱠإﻻ إذا ﺧﻠﻒ ً ﻓﺮاﻏﺎ ﻣﺜﻠﻪ أﻧﺘﻢ أﺣﻮج إﱃ ﺷﺎﻏﻠﻴﻪ ﰲ ﻣﺘﺎﺟﺮﻛﻢ وﺻﻨﺎﺋﻌﻜﻢ ،ﻓﺎﺗﻘﻮا ﷲ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻜﻢ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺘﻬﻮﱡر واﻷﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ﻣﻊ املﺴﻠﻤني ،واﻋﻠﻤﻮا ﱠ أن دﻋﻮاﻛﻢ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﰲ ﻧُﴫة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻧﴩ اﻟﺘﻤﺪن وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺎظ إﻧﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﺄن ﺗُﺴﺎﻋﺪوا اﻷﻣﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﲆ اﻟ ﱡﺮﻗﻲ ﻣُﺴﺎﻋﺪة اﻹﻧﺴﺎن ٍ واﻟﻌﺪل ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻴ ِﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﱠ ِﺔ ﻷﺧﻴﻪ ،وأن ﺗُﺴﻌﻔﻮا املﺤﻜﻮﻣني ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﺑﻤﺎ ُﻫﻢ ﰲ ِ ٍ ﺣﻜﻮﻣﺔ إﺳﻼﻣﻴﱠ ٍﺔ وﺗﴩﱡ ب روح اﻟﻌﻠﻢ واملﺪﻧﻴﺔ ،وأن ﺗﻌﺮﻓﻮا ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺎ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﻛﻞ ﻟﻐري املﺴﻠﻤني ﻣﻦ رﻋﻴﺘﻬﺎ ﺗﺒﻌً ﺎ ﻟﻠﻘﺎﻋﺪة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ املﺤﺘﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ،وﻫﻲ »ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻟﻨﺎ وﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ« ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗﺮون ﻣﻦ إﺧﻼص املﺴﻠﻤني ﻟﻜﻢ ،واﻋﱰاﻓﻬﻢ ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻞ ﻟﺤﺴﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻜﻢ واﻟﺘﻮدد إﻟﻴﻜﻢ ﻣﺎ ﻳﺬﻫﺐ ﺑﺜﻮرة اﻟﻐ ﱢﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﺪور ،وﻳُﺆ ﱢﻟ ُ ﻒ ﺑني اﻟﴩق واﻟﻐﺮب. ﱠ إن املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻬﻨﺪ ﱠملﺎ ﻛﺎن اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻳُﻌﺎﻣﻠﻮﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺴﻮة وﻳﻤﺘﻬﻨﻮن ﺣﻘﻮﻗﻬﻢ اﻣﺘﻬﺎن اﻟﻘﻮي ﻟﺤﻘﻮق اﻟﻀﻌﻴﻒ ﺗﻨ ﱠﻜ ُﺮوا ﻟﻬﻢ ﺗﻨﻜ ًﺮا ﻳﻌﺮﻓﻪ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ،وملﺎ أﺧﺬوا ﻣﻦ ﻋﻬ ٍﺪ ﻏري ﺑﻌﻴ ٍﺪ ﺑﺄن ﻳ ِ ُﺤﺴﻨُﻮا إﻟﻴﻬﻢ ﰲ ا ُملﻌﺎﻣﻠﺔ وﻳﻨﺸﻄﻮﻫﻢ ﻋﲆ اﻟﺴري ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺮﻗﻲ وﻟﻮ ﺑﺒﻂءٍ ،اﻧﻘﻠﺐ ٌ اﻋﱰاف ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﻨ ﱡﻜﺮ إﱃ إﺧﻼص وﺗﻮدد ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻣﺎ ﻳﺮوﻧﻪ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ املﻌﺎﻣﻠﺔ ،وذﻟﻚ املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻞ ،وﻣُﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻺﺣﺴﺎن ﺑﺎﻹﺣﺴﺎن ،وملﺎ ﻛﺎن اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ أﺻﺪﻗﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻳُﺴﻌﻔﻮﻧﻬﺎ ﰲ املﺂزق اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﻛﺎن املﺴﻠﻤﻮن ﰲ اﻟﴩق ﻳُﻘﺪﱢرون ﻗﺪر ﻫﺬه اﻟﺼﺪاﻗﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻴﻼ ﻳُﺆﻳﱢ ُﺪ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ ِر ﱠﻗ ِﺔ ﱡ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ ﻳﻤﻴﻠﻮن ﺑﻜﻞ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ إﱃ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ً ﻌﻮر اﻟﺸ ِ 38
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ أوروﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟
وﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،وإﻧﱠﻤﺎ ﺗﺒﺎﻋﺪت ﻗﻠﻮب املﺴﻠﻤني اﻵن ﻋﻦ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﱠملﺎ اﻧﻘﻠﺒﺖ ﺻﺪاﻗﺘﻬﻢ ﺗﻠﻚ ﱡ وﻳﺤﺲ ﺑﺨﻄﺮﻫﺎ ﻋﻘﻼء اﻷﻣﱠ ﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﰲ إﱃ ﻋﺪاو ٍة ﻳُﻨﻜﺮﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻵن ﻣُﺴﻠﻤﻮ ﺗﺮﻛﻴﺎ، ﻫﺬا دﻟﻴ ٌﻞ ﻋﲆ ﱠ أن املﺴﻠﻤني — ﻛﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ — ﺷﺪﻳﺪوا اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﺗﺼ ﱢﻮ ُروﻧﻬﻢ أو ﺗﺘﺼ ﱠﻮ ُروﻧﻬﻢ أﻳﱠﻬﺎ اﻟﺴﺎﺳﺔ ،ﻓﺨريٌ ﻟﻜﻢ أن ﺗُﺼﺎﻓﺤﻮا ﻫﺬه اﻷﻣﺔ ﻣُﺼﺎﻓﺤﺔ اﻷﺻﺪﻗﺎء ،وﺗُﻘِ ﱢﻠﻮا ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﺪاء ،وﻟﻴﺲ ﰲ ﻫﺬا أدﻧﻰ ﺧﻄﺮ ﻋﲆ ﻣﺼﺎﻟﺢ أُﻣَ ِﻤ ُﻜﻢ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺰﻋﻤﻮن ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ إذا أﻓﺴﺤﺘﻢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻣﺠﺎل ﱢ اﻟﱰﻗﻲ ،وﻟﻢ ﺗﺘﻌ ﱠﺮ ُ ﺿﻮا ﻟﺸﺌﻮﻧﻬﻢ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻮق ً ﺳﻮﻗﺎ ﻏﻨﻴ ًﱠﺔ ملﺘﺎﺟﺮﻛﻢ وﺻﻨﺎﻋﺎﺗﻜﻢ، ﺳريﻫﻢ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ املﺪﻧﻴﺔ واﻻﺳﺘﻘﻼل ﺟﻌﻠﺘﻢ ﻣﻤﺎﻟﻜﻬﻢ واﻟﴩق ﻣﻬﻤﺎ ﱠ ﺗﺮﻗﻰ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﻐﺮب ،واﻟﻐﺮب ﻛﺬﻟﻚ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﴩق ،واملﺴﺘﻘﺒﻞ ﻛﺸﺎف ملﺎ ﰲ ﺛﻨﺎﻳﺎ اﻷﻳﺎم واﻟﺴﻼم .ا.ﻫ.
39