عدد خا�ص �سحب منه 30أ�لف ن�سخة
www.alwatan-press.info
مدير النشر :عبد الرحيم أريري ـ العدد531 : اخلميس 08غشت 2013ـ الثمن 5 :دراهم
جرمية فرجوية ضد املغاربة في رمضان بـ 86 مليون درهم
حركة التوحيد واإلصالح سوط «اإلخوان» على حكومة بنكيران
احلمداوي
قراءة من الداخل في تركيبة احلركة وارتباطاتها وهيمنتها على احلزب وبروفيالت قادتها بنكريان
الرئي�س امل�صري املعزول حممد مر�سي
الري�سوين
ملاذا فشل اإلسالميون املغرب في احلكم؟ من االنقالب العسكري إلى سؤال يجيب عنه مفكرون عرب ومغاربة االنقالب اإلخواني
2
أ��صداء
اخلمي�س 08غ�شت 2013ـ العدد531 :
في الصميم املفاتيح األربعة لفتح أقفال حركة التوحيد واإلصالح
عبد الرحيم أ�ريري aririabderrahim@yahoo.fr
هي أربعة أسباب جعلتنا نخصص هذا العدد بالكامل تقريبا حلركة التوحيد واإلصالح: أوال ،إن مركز القرار السياسي في حكومة ما بعد دستور 2011 هو محمد احلمداوي رئيس حركة التوحيد واإلصالح وليس عبد اإلاله بنكيران رئيس احلكومة .فرغم أن دستور 2011أطر العالقة بني السلط وارتقى مبؤسسة رئاسة احلكومة إلى درجة جعلها أحد األعمدة الرئيسية في الهندسة الدستورية ،إال أن «الصندوقراطية» أفرزت حزب ًا أغلبي ًا ال تطبخ قراراته داخل هيآته الظاهرية ،بل تصنع داخل حركة التوحيد واإلصالح ،مما أفرغ الدستور من كل مضامينه التجديدية .فحركة التوحيد و اإلصالح لم تكتف فقط بالتحرك بكل حرية في املجتمع املدني بعناوين دينية «إلنضاج الفاكهة االنتخابية» ألعضاء حزبها في اجلهات والبلديات واملجالس اإلقليمية واجلهوية والبرملانية ،بل وكان لها احلسم في االختيارات الرئيسية ملسؤولي احلكومة (مثال أزمة مالي وأزمة مصر واجلهاد في سوريا) حتى لو كان ذلك على حساب املصالح اجليوستراجتية للمغرب ،إذ انساقت احلكومة وراء موقف اإلخوان املسلمني في مصر أو كانت مترددة إزاء هذه امللفات ،لكون املوقف الرسمي حلركة التوحيد واإلصالح كان موقفا ذيليا وتابعا للتنظيم العاملي لإلخوان املسلمني. ثانيا :هناك توزيع لألدوار بني حركة التوحيد واإلصالح وحزب العدالة وما يقال عن «الفصل والوصل» ليس سوى إجراء منهجي وعملي فقط ،بالنظر إلى غياب أي فصل نهائي ،بل هو تكييف قانوني ذكي لتبرير خرق قانون األحزاب الذي مينع تأسيس األحزاب على أساس ديني ،وبالتالي مت االهتداء إلى اصطالح «الفصل والوصل» حتى يتسنى للمنتسب للحركة وللحزب استعمال القبعة املناسبة في املكان املناسب. ففي مجالس الوعظ وفي املجالس التربوية وفي املساجد تستعمل «قبعة احلركة» .وفي «غزوة الصناديق االنتخابية» تستعمل القبعة احلزبية .بدليل أن كل وزراء العدالة والتنمية هم أعضاء في حركة التوحيد واإلصالح ،بل منهم ثالثة يتقلدون مهام قيادية إما في املكتب التنفيذي أو في مجلس الشورى .كما أن مرشحي «البيجيدي» ال يحصلون على التزكية للمشاركة في االنتخابات إال إذا اجتازوا طقوس «التعميد» BABTEMEفي حركة التوحيد واإلصالح. واحلجة على ذلك أن مجلس النواب احلالي يضم 107نواب «بيجيديني» ،منهم 90 أعضاء في حركة التوحيد واإلصالح (أي ما ميثل 84في املئة من املجموع) علما بأن نفس النسبة كانت تقريبا في الوالية التشريعية لعام ،2002/2007إذ من أصل 42نائبا بيجيديا كان هناك 37منهم قياديون في حركة التوحيد واإلصالح ( 88في املئة).
«الوطن اآلن» في عطلة بعد أن مت اإلعالن خالل األسبوع املاضي عن دخول «الوطن اآلن» في عطلتها السنوية على امتداد شهر غشت ،بدا بأن حرص اجلريدة على اإلخالص ملبدئها آخر ِ الدائم «مواكبة ِ بآخر» واملنخرط في مسؤوليات انشغالها بواجبها اإلعالمي جتاه قرائها كان له رأي آخر .وبذلك ،ارتأت أن تقتص من فترة إجازتها مقابل متديد تواصلها مع القراء ألسبوع إضافي بإصدار هذا العدد اخلاص .وهي املناسبة التي يغتنمها الطاقم الصحافي والتقني واإلداري لـ «الوطن اآلن» من أجل تقدمي أصدق عبارات التهاني للشعب املغربي بحلول عيد الفطر ،مع جتديد متمنيات قضاء عطلة مريحة جسديا ونفسيا ،تتوج ب َن َفس أكثر حيوية وعطاء يجمع األسبوعية وأوفياؤها عند بداية شهر شتنبر املقبل باألكشاك.
ثالثا :ترويج أطر احلركة ملقولة أن من عارض حكومة بنكيران فقد عارض الله! لدرجة أن معظم تدخالت عبد اإلله بنكيران ال تخلو من التشديد على أن الله اختار حزبه لقيادة البالد واختاره حلل أزمات املغرب .ومعنى ذلك أن من «اختاره الله» ال ينبغي أن يتم انتقاده أو معارضته .وهذا هو سر نرفزة بنكيران كلما تناهى إلى علمه خبر مظاهرة أمام البرملان أو احتجاج في قرية أو اعتصام مبعمل ،ألن هؤالء في نظر عضو «مجلس شورى احلركة» يعاكسون إرادة الله ،وال يعاكسون إرادة رجل حكومة منتخب على قاعدة املسؤولية واحملاسبة وال يعاكسون إرادة رجل سياسي قد يصيب وقد يخطئ.. رابعا :التنوع باملغرب أصبح مهددا بالنظر إلى أن حركة التوحيد واإلصالح «تسرطنت» في املجتمع ،مستغلة الفراغ املدني واحلزبي. فاالحتاد االشتراكي مفكك ولم ينهض بعد من صدمة التمزق الداخلي ،وحزب االستقالل خرج جريحا من مؤمتره األخير ،والتجمع الوطني لألحرار منشغل بتبييض ملفات رئيسه وبالهرولة للدخول للحكومة امللتحية ،واحلركة الشعبية باهتة احلضور ،والشيوعيون استمرأوا املناصب السامية ،والدستوريون يبحثون عن طهرانية جديدة ،والنقابات ميتة ،و«البام» حزب بقيادة هجومية لكن بدون قواعد مجتمعية متجذرة. وهنا اخلطر ،إذ أصبح القصر وجها لوجه مع األصوليني ،بل وأصبح هؤالء يتجرأون حتى على املؤسسة امللكية عبر خرجات مسمومة لقياديي احلركة إلميانهم بغياب قوة مجتمعية وسياسية مضادة بإمكانها أن تصد هيمنتهم وحتمي حقوق باقي األفراد واجلماعات.
14
خا�ص
اخلمي�س 08غ�شت 2013ـ العدد531 :
الرئي�س امل�صري املعزول حممد مر�سي
ملاذا فشل اإلسالميون في احلكم؟ �إعداد :بوجمعة أ��شفري كان من النتائج املباشرة لالنتفاضات التي عرفها العالم العربي منذ حادثة محمد البوعزيزي في يناير 2011تسلم اإلسالميني دفة احلكم ليجدوا أنفسهم ،ألول مرة ،في مواجهة مباشرة مع مسؤوليات التدبير احلكومي .حدث هذا في تونس منذ تشريعيات أكتوبر 2011التي أفرزت حتالفا ثالثيا بقيادة حركة النهضة ،وفي املغرب عقب تشريعيات نونبر 2011التي فاز بأغلبيتها حزب العدالة والتنمية .وهو نفس السيناريو الذي حصل بعد رئاسيات يونيو 2012التي قادت اإلخوان املسلمني إلى تسلم الرئاسة مصر. لقد متكنت حركة اإلسالم السياسي بفضل رياح «الربيع العربي» من استعادة اعتبارها بعد سنوات من الوجود التي مازجت فيها بني السرية والعلنية ،وبني الدعوة والسياسة لتصل إلى صدارة املشهد السياسي .قد نختلف أو نأتلف في تقييم هذا التاريخ املفارق للحركات اإلسالمية ،لكن املؤكد أن حكم اإلسالميني من خالل التجارب الثالثة قد فشل في حتقيق «النهضة» املوعودة ،وفي توحيد املجتمع وفي تنزيل الوعود االنتخابية إلى أرض الواقع :سنة من احلكم في مصر انتهت بخروج الشارع املصري وعزل الرئيس ،سنة وثمانية أشهر في تونس استمرت فيها ظاهرة االغتيال السياسي وتعثر فيها مشروع البناء الدستوري ،وسنة وتسعة أشهر في املغرب تصدع فيها التحالف احلكومي مقابل سخط الشارع ودخول املغاربة قاعة انتظار باردة .ولذلك ارتأينا أن نفتح هذا امللف لنستمزج آراء سياسيني ونشطاء وجامعيني لتحليل هذا املسار غير املكتمل ،وللبحث في األسباب املوضوعية لهذا الفشل انطالقا من األسئلة التالية: lهل يرتبط فشل اإلسالميني بطبيعة تصورهم للدميقراطية التي يرى البعض أنهم قد اختزلوها خالل ممارستهم للحكم كمعادل وحيد لصناديق االقتراع ،حيث صارت الشرعية االنتخابية هي سندهم في احلكم كطريق لالستفراد ،وإللغاء املعارضة في التفكير والتدبير .ولذلك أصبح املشترك في خطاب اإلسالميني هو التصريح بأنهم إفراز لصناديق االقتراع ،وبالتالي فأي طعن في احلاكمني وسياساتهم هو طعن في الدميوقراطية؟ lهل يعود ذلك إلى أن هذا التحصن بصناديق االقتراع يخفي إميانهم بأن العملية الدميوقراطية هي مجرد مرحلة انتقالية في نظرهم إلقامة اخلالفة اإلسالمية؟ وإلى أي حد تصدق في هذا السياق أطروحة «دميوقراطية املرة الواحدة» التي صارت تتردد بقوة في توصيف هذه التجربة؟ lأم أن األمر يتمثل في كون هذه احلركات لم تتخلص من عائق جوهري منغرس في تصورهم للسياسة .نقصد أنهم يحكمون الدولة على أساس أنها احلزب أو اجلماعة اإلسالمية ،وأن الرئيس والوزراء مسؤولون أمام اجلماعة ،وحتديدا أمام «املرشد العام» وليس أمام الشعب ومؤسساته الدستورية؟ هذه بعض األسئلة التي نقترحها للنقاش من أجل صياغة توصيف مشترك لسلوك اإلسالميني في احلكم ،ولفهم أهم متظهرات فترة التحول التي تعبرها مجتمعاتنا في هذا التاريخ القصير لكن املكثف داخل لزمن امللتهب ملا يسمى «الربيع العربي» الذي لم جتن الشعوب ثماره بعد.
«اتركوا الغنوشي في سالم أيها التوانسة ..اجلاحدون»! كمال العيادي ملاذا كل هذا الهجوم على راشد الغنوشي اآلن؟... وأي وأي ذنب حتاسبونه عليه؟ ّ وماذا فعل لكم الغنوشي؟ ّ جرم ارتكب في ّ حق الوطن حتى تطالبون برأسه؟ ...أليس ّ هو من عَ َّرف بتونس في كل احملافل الدّول ّية؟ ...أليس هو من حول بلدكم من مج ّرد ّ بوستر للدّعاية السياح ّية إلى صورة تبعث ال ّرعب في قلب السائح اجلبان؟ ...أليس الغنوشي من جعل تونس تتصدّر أخبار وسائل اإلعالم العامل ّية ،حتى وصلت قناة محايدة جدا وبريئة مثل قناة «اجلزيرة» إلى تخصيص فقرة يومية كاملة عن تونس؟... أليس الغنوشي من عاد إليكم من لندن على عجل ،يتع ّثر في ليتحمل املسكني حلافه وج ّبته ّ وحده مسؤولية ستر وجه تونس باحلجاب والنقاب، لتبدو وقورة ويزداد مهرها في بورصة الشيوخ العرب الفحول؟ ...أليس الغنوشي أول زعيم عربي ف ّذ ،بادر هّ و ّ بإرسال بناتكم إلى سوريا الكافرة امللحدة التي تعادي إسرائيل ،كي يجاهدن جهاد ال ّنكاح وميتلكن نصف دينهن السفلي أيضا ،وهو ُم ٌ نس، لك لم يسبق إليه من ِ اإلنس ِإ ٌ ّ هو الذي ال ..وال من صنف اجلنّ جانْ ؟ ...أليس الغنوشي ّ غمز بإشارة ملهمة ومؤثرة لشباب السلفيني الطيبني اخلدومني املخلصني ،حلرق الزوايا التي تدفنون فيها رفات أولياء وصحابة أغلبهم ساهم في اإلساءة ملفهوم اجلهاد وجترمي ذبح املسلم للمسلم منذ فجر اإلسالم..؟؟ هو من باع لكم مؤسسات الدولة أليس الغنوشي ّ لتركيا ولقطر من أجل أن تنتعش سياحة الشيوخ و«الربوخ» في الستر ..والله يا جهلة بالدين ،أوصى بالستر عند املعصية؟؟ ...وماذا تريدون من الغنوشي
أكثر ،وهو الذي يبكي ّ كل ليلة في صالته ألنه لم ينجز ّ كل ما وعد به ،ولم ّ يركع أنف تونس في التراب ،ولم ّ َي ُسمها كل أصناف العذاب والعقاب ،وهي البلد الفاجرة الزنديقة التي تسمح لبناتها مبشاركة الصبيان في نفس فصل الدراسة ،والعياذ بالله ،بل تسمح أن يعمل الرجل ّ ليحل واملرأة في نفس املكتب ،دون أن ترضعه من لبنها لها مشاركته خلوة املكتب؟؟... وماذا تريدون من الغنوشي، وهو الذي يعدكم بتونس سوداء في روعة سواد الليل البهيم الذي تغنى به شعراء فطاحل ،مثل «قل للمليحة في اخلمار األسود» ،وقصيدة «سوداء حبش ّية» ،وووو... هو البطل الهُ مام أوليس ّ حولها إلى ّ أول ماخور الذي ّ حالل للشيوخ احملبني للعفاف واالحتشام والشرف...؟؟ أليس ّ أول من هو راشد الغنوشي ّ أطلق الرصاص على بلعيدكم وبراهمكم قبل اغتيالهما الفعلي بسنتني ،وقال إن البوعزيزي ظلم نفسه ،وطلب املغفرة له في العلن ولعنه في س ّره وبني جماعته وخ ّلص ضميره أمام ر ّبه الذي ال تعرفونه ولن تعرفوه ،ألنه ال يتجلى سوى لألنقياء السبع من اجلماعة ...كفاكم كذبا وتزويرا ...واتركوا الغنوشي ُيتم مهمته املباركة، فتونس لم حتترق كاملة بعد كما تعتقدون ...ومازال فيها لألسف نفس ...ومازالت البذرة الوطنية الكريهة ضاربة في رحمها الولاّ د ...دعوه بر ّبكم يكمل ما بدأ ...ودعوه يكتم هذا الن َفس ...لترتاحوا ...ونك ّبرها ثالثا ...باسمك الله ّم ذبحنا تونس ...وباسمك الله ّم سنسحلها ،ونشوى ما تبقى من مالمحها ... اخلميس األسود 01يوليوز 2013
كاتب تون�سى مقيم بالقاهرة
خا�ص
اخلمي�س 08غ�شت 2013ـ العدد531 :
15
فساد الرؤية العامة لإلسالميني هو من أطاح بعرش حكمهم عندليب احل�سبان سقط اإلسالميون عن سدة احلكم في مصر سقوطا مدويا في سرعته وارتداد ضرباته على مشروعهم السياسي ُ ملف التحقيق املترنح في مناطق «الربيع العربي» ...و ُفتح ٌّ في أسباب هذا السقوط على مصراعيه ليدلي كل بشهادته عن املتسبب في هذا احلادث التاريخي األليم ،وعن هويته الداخلية واخلارجية واألطراف املشاركة ،وعن إخفاقات احلكم اإلسالمي في إدارة الدولة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا .أما أنا فسأشير هنا إلى طبيعة ومصادر البنية املعرفية لفكر اإلسالميني وأثرها على الرؤية العامة ملشروع احلكم اإلسالمي وارتباط هذا بفشل التجربة املُما َرسة... أنا ممن يؤمنون بفساد الرؤية العامة لإلسالميني ،وأراها تتحمل عبء إخفاقهم وفشلهم ..وال أرى اإلخفاقات االقتصادية والسياسية واالجتماعية التي ُسجلت بحق جتربتهم إال انعكاسا لفساد هذه الرؤية ...أو لنقل إنها الدم الفاسد الذي ب ّثوه في برامجهم فسرى بأوصال املجتمع املؤسسية حتى أصابها باملرض ..ألن رؤية ،كرؤية اإلسالميني ،تستند إلى مفاهيم القرن السابع أو العاشر امليالدي ،حتما ستفقد حياتها وحيويتها بفعل الزمن وعوامله املؤكسدة .فاملفاهيم التي تسكن العقل تكبر وتهرم وتشيخ ومتوت ،وإن لم تك ّرم بدفنها تع ِّرض العقل للخ َرف ،حالها كحال خاليا اجلسد حني يعتريها النضوب ويئني املوت ال تعود قادرة على بث احلياة واحلركة في األوصال .وعوضا عن إكرام هذا َ اخل ِرف وفصله عن املمارسة السياسية ،أصر اإلسالميون على اإلبقاء عليه، وتراءى لهم أن بث بعض مفاهيم احلداثة في خطابهم السلفي املاضوي من نوع املدنية ،الدميقراطية ،الشرعية الدستورية، سينجي حكمهم ...ولكنهم ال يعرفون أن رش أفخر العطور الباريسية ال يستطيع أن مينع هبوب الرائحة الكريهة من
امليت ..وهذا ما كان مع اإلخوان حني هبت روائح االستبداد واحلكم السلطوي من القصر الرئاسي املصري يوم نطق مرسي بإعالنه الدستوري ،فاع ُت ِبر في منظومة الفكر املدني ّ وحق عليه حكم الردة احلديث ناطقا بالكفر الدميقراطي، الدميقراطية وهو العزل مبعزل عن اآللية وإشكاليتها إن كانت ثورة شعبية أو انقالبا عسكريا... تناقضات اخلطاب اإلسالمي هي التي هزت كرسي اإلسالميني .فهو تارة خطاب فيزيقي ميارس السياسة في دور الرئاسة وتل أبيب ،ويدير حتالفاتها وصراعاتها الشرسة الشريرة املنفلتة من عقال األخالق ،ويخضع لقوانني التغير ويأمتر بالنسبية ..وتارة أخرى هو ميتافيزيقي يح ّلق في عالم املثل ويأخذ مريديه إلى جنات السموات ،ميارس اخلطابة في املساجد والشوارع وامليادين ،و ُي ِ خضع املطلق والثابت والله لبرنامجه املعروض سياسيا ..هو خطاب بدا قبل احلكم وأثناءه خطابا مدنيا حداثيا ابن املؤسسات والقانون كما سوقه القرضاوي ...وهو بعد سقوط احلكم ظهر خطابا شرعيا مذهبيا ابن الفتاوى والنصوص كما سوقه القرضاوي ذاته ..هو خطاب مرسي للمسلمني قبل احلكم عن اليهودي بأنه حفيد القردة واخلنازير ...وهو خطاب مرسي ذاته عن إسرائيل ،ولكن بعد أن صرح مرسي السياسي بأن إسرائيل اجلارة صديقة ولنا فيها صديق عزيز هو بيريز... ركب اإلسالميون حصان السلطة اجلامح بسرعة جنونية مدفوعة بشبق السلطة ..وربطوا احلصان من خالف بعجلني من زمنني على خالف ...عجل يجر احلصان إلى هناك ،إلى اخلالفة ...وعجل يركض هنا وراء األمم املتحدة ...والفارق بني العجلني فارق حضاري هائل سقط اإلسالميون في جبه.. فكان السقوط املدوي..
ال�سالميون ح�صان ال�سلطة اجلامح ب�سرعة ركب إ جنونية مدفوعة ب�شبق ال�سلطة ..وربطوا احل�صان من خالف بعجلني من زمنني على خالف ...عجل يجر احل�صان �إىل هناك� ،إىل اخلالفة ...وعجل يرك�ض هنا وراء أ المم املتحدة ...والفارق بني ال�سالميون يف العجلني فارق ح�ضاري هائل �سقط إ جبه ..فكان ال�سقوط املدوي..
كاتبة وباحثة أ�نرثبولوجية أ�ردنية
العالم العربي يعوم على «بحر األديان» التي ال مرفأ لها خليل النعيمي ملاذا فشل اإلسالميون في احلكم؟ وملاذا ينجحون؟ العالم تغ ّير .والعا َلم العربي اإلسالمي كذلك .والتغ ُّير التاريخي ،ال يشكل ،في حد ذاته ،حجة على ضرورة فشلهم ،لكنه عامل احلالي ،لم يعد مه ّيئ ًا أساسي« .وضع اإلنسانية» التاريخي ّ ّ لقبول خضوع مطلق «لرقابة أديولوجية» ،حتى ولو كانت «دينية» .واإلسالميون ال يقترحون ،على املستوى السياسي واالجتماعي ،شيئ ًا آخر .احلرية ال ُتخ َتزل بحرية الصالة والصوم ،والتجارة .حرية الشعوب اليوم عديدة ،ومتحركة. وهم ال يعرضون أمام الشعوب إال حريات ساكنة ،وبائتة. إنها نوع من النكوص املطلق الذي ال يفي بحاجة أحد من املواطنني« .احلريات احلديثة» ،ويجب أن نصر على هذا التمييز ،ال تشبه في شيء احلريات اإلنسانية العتيقة ،التي تدافع عنها حركات اإلسالميني السياسية .اليوم ،حتتاج الشعوب إلى حرية املعتقد .وحرية السفر ،وحرية التعبير، وحرية التغيير ،وحرية تشكيل األحزاب ،والنقابات، والنوادي .إنها« ،الشعوب» ،بحاجة إلى حرية الفكر، وحرية اجلسد .حرية املكان ،وحرية الزمان .واإلسالميون ال يعترفون بشيء من هذا .وإن فعلوا ،فال ضامن ملستقبل، وال نعرف ما هي حدودهم احلقيقية للحرية .العا َلم العربي، وبخاصة في املشرق ،متعدد األهواء ،واإلثن ّيات ،واألعراق، والسالالت ،واألديان ،واملذاهب .إنه مجموعة من «امللل ّ تتح ّكم برقاب حق فبأي والنِ حل» ،كما يقول األقدمون. ّ َ العباد املختلفني في كل شيء ،وغير املتجانسني في مجال االعتقاد واملذهب ،حركة سياسية ذات ُب ْعد واحد ،متع ّنتة، وصلبة ،بكل املقاييس اإلنسانية؟ إن ذلك على املستوى واألخالقي ضرب من الهوس واجلنون .وعلى السياسي ّ ّ
ال�سالميون الدين � أش�ن �شخ�صي بحت .فلماذا يريد إ ّ أ�ن ُي ِ ّعمموا ر�ؤيتهم اخلا�صة على الف�ضاء العام؟ ومن أ�عطاهم هذا احلق يف الع�صر احلديث؟ ويف أ�ي دولة على وجه «الكرة املائية» يوجد اليوم َم َث ٌل لهذا الت�ص ُّور الديني العتيق لل�سيا�سة.هم ف�شلوا. و�سيف�شلون .ألن ت�ص ُّورهم مناق�ض حلركة التاريخ
شعوب العالم العربي أن تقاوم هذا التس ّلط الالأخالقي بكل الوسائل واإلمكانيات التي متلكها .ومن احملزن أن العالم، كله ،دخل منذ عقود طويلة ،مرحلة الدولة الوطنية املستقلة، بشكل أو بآخر ،عن االرتباط املباشر بالدين ،وما زال العالم العربي البائس يرزح حتت أغالل الدعاة اإلسالميني من أجل دولة دينية لم تعد تناسب الواقع احمللي ،وال الواقع الكوني ،من أي زاوية نظرنا إليها .في املجتمعات العاملية ثمة دولة ،لها حكومة ،وللحكومة سلطة ،مبرر وجودها االشتغال بالسياسة ،ومهمتها احلفاظ على حقوق املواطن أيا كان دينه ،أو مذهبه ،أو عرقه .وثمة دين .والدين شأن شخصي بحت .فلماذا يريد اإلسالميون أن ُي ِ ّعمموا رؤيتهم ّ اخلاصة على الفضاء العام؟ ومن أعطاهم هذا احلق في العصر احلديث؟ وفي أي دولة على وجه «الكرة املائية» يوجد اليوم َم َث ٌل لهذا التصور الديني العتيق للسياسة. ُّ هذا ال وجود له على وجه األرض .فلماذا ما زال العالم العربي يعوم على «بحر األديان» التي ال مرفأ لها؟ هم فشلوا .وسيفشلون .ألن تصورهم مناقض حلركة التاريخ. ُّ فال يكفي أن تكون الن ّية خالصة ،لتنجح السياسة .السياسة عمل يختص بالفضاء العام دون متييز ،أو إقصاء ،أو إلغاء. واإلنسانية ليست بيضة متجانسة ،وال ميكن أن تحُ َكم إال على أساس التعدد واالختالف .وال ميكن للتصور املذهبي الديني ،مهما كان عميق ًا وخالص ًا ،أن يفي بحاجة احلركة االجتماعية الالمتناهية األبعاد ،واملصائر ،واالختالفات. لنتع َّبد ..ولنترك اآلخرين يعيشون بحرية .والعدل أساس امللك .وال عدل في املطلق .وبخاصة في املطلق الديني احملدد الوجهة والصفة مسبق ًا.
طبيب جراح وروائي �سوري مقيم يف فرن�سا
16
خا�ص
اخلمي�س 08غ�شت 2013ـ العدد531 :
تروتسكية اآللهة �سهيلة بورزق هل ثمة ما ُينصف عروبتنا؟ هل ثمة عالقة بني ما يحدث اآلن من صراعات طائفية باسم الثورة وبني انحالل مدنية عروبتنا؟ ما لم أفهمه هو محاولتنا تأكيد عنصر الذاتية في تشكيل الهوية باسم الدّين! من أين نأتي بهذه املفاهيم التي تعكس صراع التناقض بداخلنا؟ نحن كغيرنا من األمم ،نؤمن بفاعلية العقل ،لكننا ال نستخدمه باملطلق ..نحن متورطون أكثر في قيم العادات والتقاليد التي ورثناها عن أجيال سابقة ،من دون حتديد لها إطار معني. يستطيع اإلنسان الثوري مثال استغالل عقله في الدّفاع عن شرعية ثورته ،ال بالدّين ..الدّين وال ّتدين حلقة حتتاج إلى تنمية منهجها بنفسها ،أل ّنها مقرونة بكتاب مقدّس وال عالقة لها بالس ّياسة. وأنا هنا ال أنتقد الدّين كشكل أو كمضمون ،لك ّنني أدعو إلى محبة ديانة اآلخر في تسيير شؤون البالد .دعوني أر ّكز هنا على همجية املتأسلمني في إدارة ثورتهم ضد ال ّكفار الذين هم من ّ الشعب الواحد ومن البالد الواحدة ويخضعون إلى أساسيات واحدة غير متغ ّيرة ،وأنا واحدة من ال ّكفار امللعون عليهم واملباحة أرواحهم! إنّ انتقاد اآلخر من غير رؤية واضحة يعني الدخول في صراع مع الذات وجتاهلها وهنا ننصب ألنفسنا فخ الفوضى بدل الثورة على فساد معينّ . املتأسلمون يخرجون من ّ كل صوب بثوب التد ّين املتطرف، ويحاولون إغالق شرعيتهم على أنفسهم وحينها فقط تبدأ املعركة ضد مجهول! إ ّنهم يلغون العقل في محاصرتهم له وال قدرة لهم على تقدمي أي منوذج نظري كتجربة معرفية وعلمية لتفعيل االنفتاح في العالم، إ ّنهم يدخلون جنة ظالمية فارغة من أي أسس منطقية ،واألدهى أ ّنهم يتعاطون مع تكنولوجية الكفار بإميان خالص ،غير مدركني أنّ القوة في تنمية العقل وتنوير مداركه وليس في املتاجرة بالدّين. أعتقد أن األصل في الثورة ليس القتل والذبح باسم الله ..الله ليس بحاجة إلينا في شيء لننصره بوحشية وغموض وجنون. ماذا بقي للثورة العربية بعد هذا ال ّتكالب املتط ّرف ،والعودة إلى الظالمية بدل إنتاج فكر بديل ونظريات غير متداولة سابقا للخروج إلى ضوء الله احلقيقي. إنّ موقف التد ّين املتطرف انقالب في حد ذاته ،ال ينظر للحياة كمنهج يحتاج إلى استمرارية في اخللق واإلبداع ..إنّ التد ّين العنيف وليد االستبداد ،وهو مج ّرد كتلة من التناقضات. السماح له بتلويث العقل ..نحن لذلك ال يجب العبث به ،وال يجب ّ نحتاج إلى سلسلة من االنفعاالت الذاتية لتطوير الواقع وليس إلى جتميده .هناك من ال يعرف أ ّنني كنت أرتدي احلجاب في فترة من فترات حياتي ،ودخلت املساجد ،وكنت أحاضر لألخوات عن احليض واجلنس وكيفية معاملة ال ّزوج ..لم تكن األخوات املؤمنات عليهن السالم ،يعشقن أي حديث آخر خارج إطار أجسادهن وعالقتها ّ بال ّرجل ،كنّ منفلتات وغاضبات ومعقدات إال من رحمها ر ّبها ..كنت في سن املراهقة حينها ،أحلم برب رحيم رؤوف ال ُيع ّذب أحدا ..قرأت كتبا كثيرة عن الدين والله وعن جنتهم وعن نارنا ..كنت أقترب إلى السماء أكثر من دون دخول املسجد واجللوس إلى بنات احليض ّ والهوت اجلنس واخلوف من عدم ال ّزواج. بعدها بفترة قررت االرتداد عن دينهم وتعريت متاما وأصبحت لي عادة شعرية بدل حيضهن! هؤالء هم دعاة من يريدون حكم البالد بسلطة قبحهم. ما يستوقفني هنا ليس عجز التد ّين املتطرف على االحتفاظ بجزء مضيء في رأسه ،هناك األخطر ..حني ال نؤمن مبا نكتب ونكذب على قارئ بسيط يبحث عن حريته بني سطورنا ،سنشبه التاريخ الذي ال يسعه املكان وال الوقت لترسيخ ندبه ،حينها سنصاب جميعا بالبالدة. أنا مواطنة بسيطة ،ال دوافع سياسية وال مشكلة دينية لي ،لك ّنني أفهم الثورة على خالف عروبتي ،إ ّنها انفعال إيجابي ألجل التغيير السلمي ،وعلى ال ّرب أن يقرر مشيئة رجاله على األرض.
كاتبة جزائرية مقيمة ب أ�مريكا
دعوين أ� ّ ركز هنا على همجية أ املت��سلمني يف �إدارة ثورتهم �ضد الكفار الذين هم من ّ ّ ال�شعب الواحد ومن البالد الواحدة ويخ�ضعون �إىل متغية ،و أ�نا أ��سا�سيات واحدة غري رّ واحدة من ّ الكفار امللعون عليهم واملباحة أ�رواحهم!
اإلسالميون لن ينجحوا حتى ولو حكموا ألف عام عادل حدجامي ملاذا فشلت جتربة اإلسالميني في احلكم؟ لست أشاطر مضمون هذا السؤال ،إذ أن هناك مسلمات كثيرة فيه ال تبدو لي بديهية .أولها وأهمها كونه يفترض ضمنا أن اإلسالميني كان ميكن أن ينجحوا ،وهذا في منظوري غير وارد متاما وباملطلق .فمهما كانت االعتبارات ،وحتى وإن ظل اإلسالميون ،والدينيون عموما ،مائة ألف سنة في احلكم فلن ينجحوا ،وهذا ما ال يخاجلني فيه الشك نهائيا، بل أستغرب ملن ميكن أن يعتقد العكس إن كان مطلعا على شيء بسيط من دروس التاريخ وأبجديات السياسة. يبدو حكم مثل هذا قطعيا، لكم بيان مبرراته توضح أنه احلكم الوحيد املمكن. ملاذا ال ميكن ولم يكن من املمكن لإلسالميني أن ينجحوا؟ ليس فقط للشواهد التاريخية، حيث ال وجود لدولة دينية واحدة في العالم استطاعت أن تنجح، من اخلالفة الراشدة (حيث مات جميع اخللفاء اغتياال وقتال ألسباب سياسية) ،إلى أفغانستان طالبان وثورة الترابي في السودان التي انتهت إلى التقسيم واقتتال حلفاء األمس اإلسالميني على احلكم اليوم ..على مدى التاريخ ال وجود لدولة دينية واحدة في العالم جنحت ،وأحتدى من يعرض منوذجا واحدا على طول التاريخ وعرضه .وال يناسب هنا أن يقدم بعض الس ّذج منوذج تركيا أو ماليزيا، إذ أن هذه دول علمانية خالصة ال عالقة لها بالدين ،وقد قالها أردوغان نفسه عند زيارته ملصر بعيد تولي مرسي «ال حل إال بالعلمانية» ،فأين هذا اجلانب الديني املزعوم في التجربة التركية أو املاليزية في سياسات هذه الدول؟ هذه دول علمانية خالصة ،تدافع عن مصاحلها اإلستراتيجية بأسلحة اقتصادية وسياسية خالصة ال تعلق لها بالدين من أي وجه كان. لكن األمر يتجاوز ما هو «عملي» كما في النماذج التي قدمنا ليلحق مبا هو مبدئي ،اإلسالميون لن ينجحوا لسبب بسيط جدا ،وهو أن هناك تعارضا في املبدأ بني الدين والسياسة ،وهذا ما بينه املفكرون السياسيون، قدماء ومحدثني ،منذ أقدم العهود .فالسياسة تقوم على
تدبير املمكن في العالقات اإلنسانية بني البشر بحسب ما هو متاح في هذا العالم ،في حني أن الدين هو مجال تدبير املطلق في العالقات بني اإلنسان وآلهته فيما يتجاوز هذا العالم .السياسة تهدف لتدبير شؤون احلياة ،في حني أن الدين يسعى للجواب عن أسئلة املوت .مجال السياسة هو املصلحة التي تقاس كميا واستراتيجيا و«فيزيقيا» ،في حني أن مجال الدين هو األخالق والروحانيات التي تدرك واملجسد، «ميتافيزيقيا» .السياسة مجال تدبير امللموس ّ في حني أن الدين مجال تدبير الغيبي واملج ّرد ...لهذا فصل الفالسفة بني األمرين معتبرين أن الدين يدخل في إطار االختيارات الشخصية لألفراد ،فلكل إنسان احلق في أن يعتقد في ما يشاء بحسب ما يرتضيه تفكيره ووجدانه ،أما السياسة فتدخل في إطار العالقات املشتركة في املجال العام والتي تنظم عالقاتنا في السوق والشارع واإلدارة.. وكل خلط بني املجالني يؤدي إلى كوارث وحروب ومصائب ،بل إن إدخال الدين في السياسة يضر بالسياسة وبالدين معا .وهذا ما نلحظه اليوم في إيران والسعودية مثال ،حيث دفع التدين السياسي (في الظاهر دائما ،ألن هذه الدول في الواقع ال تع ّلق لها بالدين األخالقية ،بل هي دول حكم أسري وطبقي مصلحي خالص) دفع الناس إلى النفور من الدين ،إذ هناك موجات إحلاد غير مسبوقة في هذه الدول اليوم ،ويكفي أن تنظر في األنترنيت لترى بأن أغلب املواقع املناوئة للدين يسيرها مواطنون عاشوا قهر الدولة الدينية. اإلسالميون إذن ليس فقط لم ينجحوا بل لن ينجحوا، وأضرب لكم موعدا بعد ألف سنة لنتأكد .طبعا هذه قناعتي أنا ،وطبعا هناك أناس (وهم األغلبية) لن يقتنعوا بهذا الكالم وسيرغبون في إعادة «اختراع العجلة» ..سيبدو هذا ملن هو مثلي مضيعة للوقت وإخالفا ملوعد تاريخي حاسم، بل سيبدو هذا تراجيديا ومحزنا ومؤسفا .لكن التاريخ حزين ومؤسف بطبيعته ،وإن كان هذا هو الثمن الواجب دفعه (عقود كثيرة ضائعة وضحايا مبئات اآلالف رمبا).. فلسنا منلك شيئا ،فالعالم والتاريخ ال ميشيان وفق إرادتنا نحن.
كاتب وباحث جامعي مغربي
خا�ص
اخلمي�س 08غ�شت 2013ـ العدد531 :
17
نطمح إلى دولة مدنية يكون رجال الدين فيها داخل معابدهم فقط �سوزان �إبراهيم لنعترف أو ًال بأن العالم العربي لم يختبر جتربة دميقراطية حقيقية إال فيما ندر ولفترات زمنية قصيرة تكاد ال تشكل قاعدة انطالق للحديث عنها .الثورة التي انطلقت من تونس وجدت في الناس صدور ًا نضجت بالغضب وحان قطاف صراخها .دول مدنية ظاهري ًا عسكرية في العمق أحادية الرؤية ،تكاد تتماهى قياداتها بالكرسي واحلكم. اإلقصاء الذي مورس ،بكل أشكاله ،على اخلصوم السياسيني وأصحاب الرؤى املختلفة ،واملفكرين واليساريني والليبراليني واملطالبني بدميقراطيات ودول مؤسساتية ،خلق فئة حاقدة راحت تتهيأ لساعة صفر حتملها الرياح املؤاتية ألحالم قدمية. بدأت الثورة من قلب الشعوب ،من وجعهم وجوعهم وحرمانهم ونفاد صبرهم ،تطالب بحقوق وكرامة وبعض شمس ،لكن الفئات املتهيئة في الهامش الظليل لن توفر موجة عاتية وعالية كهذه ،فركبتها. اللصوصية واالنتهازية بدت واضحة في سلوك اإلسالميني منذ البدايات املبكرة .وحني وجدت الشعوب نفسها بني مطرقة اإلسالميني وسندان الديكتاتوريات، ُس في عسله س ُم احلرص على الوصول متسكت بحلم د َ إلى السلطة .وحني تسنموا سدة احلكم ،ويا للغرابة ويا للفاجعة ،استخدموا نفس أساليب الديكتاتوريات من بخبث يرتدي لبوس الدين /الزاد إقصاء وتهميش لكن ٍ املخدر للبسطاء املنتظرين رب ًا يعدل في معاملتهم ..وكانت وقاحتهم غير مسبوقة في ذلك .إذ لم يكد حبر كلمات خطاباتهم وشعاراتهم يجف حتى انقلبوا على كل شيء وحتولوا من قيمني على مصير شعب وأمة إلى مجموعة أو جماعة تقيس الناس بطول حلاهم وسبحاتهم ،وتصدر
دولة اخلالفة التي ينادون بها كانت لزمن و أ�قوام وثقافة واقت�صاد در�ست مظاهرها وانتهت �صالحية موجبات قيامها .الدين جوهر ثابت باملطلق ،واحلياة كرة تدور وتدور ،فتتبدل أ�قوام ومعطيات وعلوم واكت�شافات علمية ...من احلمق تطبيق قواعد املا�ضي الثابت حي املنق�ضي على م�ستقبل متحرك ديناميكي ّ
«فرمانات» التحرمي والتحليل ناسفة عقود ًا من حياة تبدو قمة في املدنية والعلمانية والتواشج االجتماعي قياس ًا مبا سعوا إليه ونشره بني الناس. لم ولن يكون منطقي ًا احلديث عن دميقراطية إسالمية. فعلى الرغم من أن جوهر وروح األديان كلها واحدة ،إال أن رجاالتها وأوصياء الله على األرض (كما يدعون) ال يعترفون بآخر أبد ًا. دولة اخلالفة التي ينادون بها كانت لزمن وأقوام وثقافة واقتصاد درست مظاهرها وانتهت صالحية موجبات قيامها .الدين جوهر ثابت باملطلق ،واحلياة كرة تدور وتدور ،فتتبدل أقوام ومعطيات وعلوم واكتشافات علمية ...من احلمق تطبيق قواعد املاضي الثابت املنقضي حي. على مستقبل متحرك ديناميكي ّ أعتقد أن وصول اإلسالميني إلى مبتغاهم كان مرحلة ضرورية ،لنكشف ضحالة مشروعهم ،هذا إن جاز لنا تسميته باملشروع .ففيما خال كرسي السلطة، لم يتمكنوا حتى اآلن من تقدمي مشروع واضح ومتكامل لدولة يؤسسونها ،ولم نر برامج أو خطط ًا حلل مشكالت معقدة تعاني منها معظم الشعوب العربية من فقر وبطالة وأمية واحترام الفرد وتوفير الفرص على أساس الكفاءة ال الوالءات. من وجهة نظر شخصية أعتقد أن ال دميقراطية حقيقية على األرض ..فثمة دميقراطية األكثرية التي جتعل من الشعب أكثرية وأقلية ...هناك لعبة دميقراطية عبر صناديق االقتراع ..ما نحلم به أكبر وأنبل من لعبة الصناديق وكواليس السياسة ..نطمح إلى دولة مدنية يتمتع فيها اجلميع بحقوق املواطنة وواجباتها في ظل قانون ال أحد يقف فوق سطحه ،يكون رجال الدين فيها داخل معابدهم فقط.
كاتبة و�إعالمية �سورية
األولويات التي أوجبها عليهم الشرع الذي يعتقدونه ،هي التي قضت عليهم مهدي �سلمان
ال�سالم ال�سيا�سي ،قائمة فقط الدميقراطية يف نظر إ على فكرة عدد أ�ن�صاره يف ال�شارع ،ف�إن كان أ�غلبية �صارت ال�صندوق ،و�إن مل يكن �صارت «ال�شرعية»، و�إن كان أ�قلية �صارت «ال�شرع» أ�و «ال�شريعة»... ومثل هذا الفكر الهالمي ال ميكن أ�ن يقب�ض عليه �شيء ،ألنه ال يقول �سوى مبا يحدد م�صلحته
إشكالية اإلسالم السياسي أنه وصل للسلطة في زمن الشعوب ،وليس في زمن االنقالبات ،األمر الذي ح ّد من بسطه لسلطته التي كان يتمناها ،والتي كان يراهن على أنه فيما لو بسطها فع ً ال ،فلن يتمكن أحد من نزعه منها. تتعارض فكرة اإلسالم السياسي مع الدميقراطية ،وال ميكن ألحد أبد ًا أن يرى بعكس ذلك .فاملجتمع اإلسالمي الذي يخطط له اإلسالم السياسي ،ال يؤمن أبد ًا بالتعددية ،وال يؤمن بالرأي اآلخر ،تؤكد على ذلك تشريعات كثيرة تضعه والتنظيمات واجلمعيات التي ّ تنظر له أمام حرج كبير ،فمن احلرية الفردية، إلى حرية االعتقاد ،إلى مبدأ تداول السلطة ،كل ذلك ال ميكن أن يقول أحد بقبول «اإلسالم السياسي» له ،ألنه لو قال بذلك فهو تلقائي ًا يخرج من الفهم الذي يو ّلده وهو «الوالية اإلسالمية» و«إقامة الشرع والشريعة» الذي يرى بأنه هو الصواب الوحيد، بل وفكرة قيام املشروع نفسه مبنية على هذا ،ومبنية على واليتها املطلقة على الناس. كل هذا كان ميكن أن يتمكن للجماعات والتنظيمات اإلسالمية لو أنها قامت في فترة غير هذه الفترة ،غير الفترة التي قامت فيها الشعوب للمطالبة باحلرية والعدالة والكرامة، لذلك فلم يكن لهذه الشعوب في هذه الفترة الصبر على فكر يؤمن بأنه صاحب احلق املطلق ،وأنه من أجل تطبيق هذا احلق املطلق البد من التمهيد لذلك عبر إجراء تغيير تام في بنية النظام الذي جاء بها ليتناسب مع هذه الفكرة ..هذا ما حدث في الثورة اإليرانية التي وضع فيها الفقهاء نظاما بالغ الدقة والتعقيد ،يوحي بدميقراطية ،ولكنها أش ّد ديكتاتورية من أعتى الديكتاتوريات ،أي ديكتاتورية «الفكرة» ،وهذا ما كانت مقبلة
عليه مصر لوال ثورة 30يونيو ،2013حيث ُسئل مرشد جماعة اإلخوان املسلمني السابق مهدي عاكف في إحدى املقابالت إن كان مشروعهم قد استتب ،فقال إن املشروع اإلخواني ال يستتب سوى بأخونة الدولة ،أي أن املشروع ال ميكن أن ينجز سوى بتغيير القوانني لتتناسب وفكرة «الوالية». الدميقراطية في نظر اإلسالم السياسي ،قائمة فقط على فكرة عدد أنصاره في الشارع ،فإن كان أغلبية صارت الصندوق، وإن لم يكن صارت «الشرعية» ،وإن كان أقلية صارت «الشرع» أو «الشريعة» ...ومثل هذا الفكر الهالمي ال ميكن أن يقبض عليه شيء ،ألنه ال يقول سوى مبا يحدد مصلحته .إذ حل ّد اآلن لم يحدّد اإلسالم السياسي فهم ًا واضح ًا للدميقراطية مبا يتناسب و«الشريعة» التي يتبناها ،وال بد لدى دخول هذا التيار في احلراك السياسي أن يقبل باملفهوم الواضح للدميقراطية، ليس مبا هو صندوق االنتخاب فقط ،بل مبا هو أيض ًا حقوق األقليات في دولة مواطنة عادلة ،تكفل لهم أن ينظر لهم القانون على أساس أنهم مواطنون ،ال رعايا أو «أهل ذمة». في اجلانب األخير ،أرى أن فشل اإلسالم السياسي إبان الربيع العربي ،يأتي بسبب ما يقوم عليه .فالشرع الذي تقوم عليه فكرة اإلسالم السياسي ،يوجب عليهم أن ّ ميكنوا لدولتهم قبل التمكني للمواطن فرص العيش ،فانشغل اإلسالميون بأسلمة دولهم ،قبل توفير الفرص الكرمية للمواطنني للعيش.. انشغلوا من جانب بإدخال كوادرهم في الوظائف العامة ،ومن جانب آخر بإعداد قوانني ومواد دستورية يرونها ممكنة لهم ولشرعهم ،قبل أن ينشغلوا باإلنسان ...األولويات التي رأوها والتي أوجبها عليهم الشرع الذي يعتقدونه ،هي التي قضت عليهم.
كاتب وفنان بحريني
18
خا�ص
اخلمي�س 08غ�شت 2013ـ العدد531 :
ثالثة محاور أساسية لرصد فشل اإلسالم السياسي التاريخ. lإن اإلخوان يذكرون املجتمعات «املعربة» بجرح الفتوحات اإلسالمية التي ال تزال تعاني في ال شعور أبنائها اضطهاد الفاطميني والعباسيني واألمويني وتعاليهم على هذه البلدان ،واعتبارهم ملواطنيها رعايا غير كاملي احلقوق .فالدول التي وقعت أسلمتها دون أن تتخلى عن لغتها ،كدول إفريقيا السوداء وآسيا وبالد فارس ،ال تعاني هذا الشرخ التاريخي في هويتها.
كوثر خليل لقد تصدرت حركات اإلسالم السياسي املشهد السياسي بعد الثورات العربية بتمويالت خارجية استغلتها في الدعاية االنتخابية لكن مشروعها باء بالفشل وكان لذلك جوانب عديدة:
- 1هيكليا: lاعتماد هذه احلركات على خطاب ديني تقليدي متشدد في قراءة معاني القرآن وأحكامه حول القضايا اخلالفية جعلها حركات مبتورة عن واقعها. lغيابهم عن احلراك السياسي بسبب النفي والسجن جعلها غير مدركة للتغيير الذي حدث للنخب الفكرية وللمجتمع بشكل أبطأ كما لم تستطع خلق طبقة فكرية تدعمها. lاعتبارهم ألوطانهم جزءا من املشروع ،ال املشروع بكامله ،فهم يؤمنون باخلالفة التي تتكون من مركز للحكم ودول تابعة له سياسيا واقتصاديا. lاقترانهم باإلرهاب الدولي ،وهذا بعيد عن اإلسالم وروح األديان. إن قراءة اإلخوان خلساراتهم ال تخضع ملنظور نقديجدلي ،بل يرون فيها ابتالء من الله ،ولهذا فهم يكررون نقس األخطاء وال يصححون مساراتهم.
- 2تاريخيا: lإن الظاهرة اإلخوانية ظاهرة غريبة عن النسيج االجتماعي للبلدين ،تونس ومصر منوذجا .فتونس لها تاريخ دستوري قدمي بدأ من «دستور قرطاج» إلى «امليزان» في احلكم املرادي إلى «عهد األمان» إلى «مفكري اإلصالح».. فتونس بلد مدني منذ آالف السنني ..كما أن مصر بقاعدتها القبطية ونخبها الفكرية التي لها تقاليد ضاغطة في احلراك الفكري واالجتماعي باإلضافة إلى دور اجليش في احلياة السياسية املصرية .وهذا يجعل من البلدين أرضا طينية للمد اإلخواني .فحصول اإلخوان على أغلبية األصوات في فترة متيزت بفوبيا الفوضى ال يجعلهم جزءا من هذا
- 3واقعيا:
الخوان خل�ساراتهم ال �إن قراءة إ تخ�ضع ملنظور نقدي جديل ،بل يرون فيها ابتالء من اهلل ،ولهذا فهم يكررون نق�س أ الخطاء وال ي�صححون م�ساراتهم
باملزيد من التألق الدراسي ياقوت غزال يتقدم يحيى وجنمة غزال ب أ�حر التهاين ل�شقيقتهما ياقوت البالغة � 8سنوات مبنا�سبة �إحرازها أ�على معدل درا�سي يف امل ؤ��س�سة ،وهي تب�صم على جناح بتفوق �إىل الق�سم الثالث ابتدائي ،متمنيني لها املزيد من العطاء املعريف يف ما تبقى من م�سريتها التعليمية حتى تبلغ ال� أش�ن التي تر�ضاه ،ويتنا�سب مع كل ما ينتظره الوالدان حممد و�سناء ر ؤ�يته يف �شخ�صها عند م�ستقبل أ اليام .كما يغتنم املهنئان الفر�صة أ�ي�ضا لتقدمي الرجاء البنة عمتهما غزالن الربيدي الناجحة بتميز يف ال�سنة الثالثة أ للق�سام التح�ضريية ،و أ�ختها هدى ،وكذلك أ�بناء خاالتهما مغيث الدغاي وحممد وخديجة الطالب ،احلا�صلة على �شهادة الباكالوريا ،ونور الهدى الي�سع وزكرياء الفايق .ثم ابنا عمتهما أ�حمد وكنزة أ�كنيو .دون ن�سيان الكتكوت حممد أ�كنيو حتى ي�سري على النهج ذاته بعد أ�ن ي�شرع ال�سنة املقبلة �إن�شاء اهلل يف ت�سلق أ�دراج التعليم أ الويل.
lسياسيا :يركز مشروع اخلالفة احلكم في بلد معني دون أن ميلك برامج وآليات لتوزيع السلطات في ظل الوضع اجلديد ،فاخلالفة ليست نظاما احتاديا أو فدراليا بل هي نظام وصاية. lاقتصاديا :وإن استطاع اإلخوان التصرف في رؤوس األموال ،إال أنهم عاجزون عن التصرف في الدولة وإدارة دواليبها بل حافظوا على نظام بدائي إقطاعي في احلكم. lالتعليم :اخلوف على املناهج العلمية من التعريب الذي يؤثر على الدقة العلمية ،وهذا مختبر في املناهج أو حذف مواد التفكير كالفلسفة والقضاء على اخليال العلمي والفني. lاجلهاد :يعتبر اجلهاد لديهم ركنا أساسيا ،لكنه حافظ على ابستمياته القدمية ..فما يفعله عمل فني أو جتربة ناجحة في املهجر يكون أكبر أثرا في تقريب الثقافات مما يفعله اجلهاد الذي يظل عامل توتير للجو خاصة إذا استهدف املدنيني. lاملرأة :متثل املرأة في املنظومة اإلخوانية عامل اضطراب ،ولهذا تشمل أغلب الفتاوى احلديثة النساء وأحكامهن بغية إفراغ الدين من قضاياه األساسية. lقانونيا :إن حصولهم على األغلبية البرملانية يجعلهم يتحكمون في الدساتير وفي أجيال قادمة بقوانني مشوهة تقيد احلريات باجلنس والدين والطائفة. لقد كان مسمى «الربيع العربي» إذنا باخلالفة اإلسالمية، لكن العالم تغير بفضل التراكم احلضاري والثورة الرقمية ما يجعل الوعي مكتمال بأن هذه األنظمة أنظمة عميلة تتوسل بالدين لتتحكم في مجتمعاتها.
كاتبة تون�سية
فن احلضرة وموسيقى احلال في املهرجان األول بالصويرة حتت شعار «احلضرة الصوفية ألنسائية هوية وانفتاح» تنظم جمعية املغرب العميق حلماية التراث وجمعية حضارة الصويرة الدورة األولى للمهرجان للحضرة وموسيقى احلال مبدينة الصويرة أيام 15-16-17و 18غشت املقبل. وستعرف هذه الدورة مشاركة العديد من مجموعات احلضرة وموسيقى احلال الوطنية والدولية من باكستان وفرنسا وأستراليا ،باإلضافة إلى حضارات من مختلف مناطق اململكة. ويعد فن احلضرة ،الذي ظهر داخل الزوايا والطرق الصوفية ،من الفنون العريقة باملدن التاريخية املغربية .وتتميز احلضرة النسائية بكونها فنا يقتصر على النساء فقط لها طقوسها ورموزها وأمكنتها ومناسباتها الدينية واالحتفالية واالجتماعية ،حيث تلتقي النساء احلضارات في مثل هذه املناسبات داخل البيوت والزوايا لصلة الرحم وإقامة طقوس األذكار واملديح والتقرب من الله بابتهاالت ودعوات يغلب عليها الطابع الصوفي. وفن احلضرة فن عريق يعود إلى القرن السابع عشر ،وهو يستوحي روحه من الصوفية وتنشد أناشيده في الزوايا واحلضرات ،كما أنه متواجد في املواسم التي تقام حول أضرحة األولياء كل سنة.