نهاية العالم: صباح زوين، وسلام يا سوريا: سهيلة بورزق

Page 1

‫خارج احلدود‬

‫اخلمي�س ‪ 10‬يناير ‪ 2013‬ـ العدد‪501 :‬‬

‫‪27‬‬

‫نهاية العالم‬ ‫هل هذه احلياة �ستكون كافية ألن ننهي ما نظنه ميكن �إنها ؤ�ه‪ .‬يف أ�ي حال‪ ،‬النهايات والبدايات من‬ ‫لهو بني اجلد واللعب‪ ،‬أ�ي بني ما نظنه جدي ًا وما هو أ� ُ‬ ‫�صل وجودنا‬ ‫أ��سرار احلياة‪ ،‬وكل ما نفعله هو ٌ‬

‫�صباح زوين‬ ‫كنت أنتظر موعد نهاية العالم بخوف ما‬ ‫وبنسيان ما‪ .‬كنت أنتظر هذا التاريخ منذ سنتني‪،‬‬ ‫أي منذ أن أتتنا نبوءة شعب املايا القدمي‪ .‬وهي‬ ‫نبوءة من إحداى روزنامات املايا‪ .‬إحداها أقول‪،‬‬ ‫ألنه كما يبدو‪ ،‬فاملايا كانوا ميلكون أكثر من‬ ‫روزنامة‪ ،‬كما قرأت في مقالة عنهم‪ .‬ويبدو أن‬ ‫اإلعالم الترويجي والصناعي أراد أو أحب أن‬ ‫يختار من بني جميع الروزنامات‪ ،‬ما رآه أكثر‬ ‫من غيره خبر ًا صاخب ًا يد ّر على مصنع الدعاية‬ ‫أموا ًال طائلة من حيث جذب املرء إلى ما هو‬ ‫مثير‪ .‬وهل من إثارة أكبر من تلك التي تتنبأ‬ ‫بنهاية العالم؟!‬ ‫عندما انتشرت تنبؤات نوستراداموس‪ ،‬في‬ ‫أوائل القرن العشرين‪ ،‬انتحر الكثيرون خوفا‬ ‫ويأس ًا‪ .‬لكن يبدو أن اإلنسان في أيامنا هذه‬ ‫تدرب أكثر على الشائعات الكاذبة‪ ،‬أو قسا قلبه‬ ‫وتعقلن عقله أمام الكوارث الطبيعية احلتمية‪،‬‬ ‫ما جعله‪ ،‬إن لم يكن أقل إميان ًا بهذه احلكايات‪،‬‬ ‫فأقله جعله أكثر استعداد ًا الستقبال الدمار‬ ‫النهائي‪ ،‬الستقبال نهاية حياة له وجلميع‬

‫البشرية‪.‬‬ ‫كنت أفكر أحيانا‪ ،‬ولو بشيء من اخلوف‪،‬‬ ‫في املوضوع‪ .‬ظللت أتذكره من حني إلى آخر‬ ‫منذ أن سمعنا به‪ ،‬منذ سنتني‪ .‬خفت في البداية‪،‬‬ ‫ثم نسيته شيئ ًا فشيئ ًا مع مرور الوقت‪ .‬فقط‬ ‫تذكرته اجلمعة ظهر ًا! أي بعد انقضاء ساعة‬ ‫احلسم واخلطر (كنت قد قرأت مرة في تلك‬ ‫املقالة املذكورة آنف ًا أن النهاية ستكون في‬ ‫‪ 21‬ديسمبر ظهر ًا)‪ .‬فرحت أو ًال ألني تخطيت‬ ‫ساعات االنتظار دون انتظار ومن دون خوف‬

‫وبكل نسيان جميل! فرحت ثاني ًا‪ ،‬ألننا جنونا‬ ‫من النهاية اجلماعية‪ ،‬كون النهاية الفردية دائما‬ ‫نظنها مؤجلة وبعيدة زمنيا عن حاضرنا!! فقط‬ ‫عند الساعة الواحدة تذكرت أن النهاية كانت‬ ‫مبدئيا ستكون عند الثانية عشرة ظهر ًا‪ .‬ورحت‬ ‫أراسل أصدقائي على الفايسبوك ألبشرهم بأننا‬ ‫قطعنا مرحلة اخلطر وجنونا بجلدنا مرة أخرى‬ ‫بعد تنبؤات كثيرة مرت بها البشرية منذ آآلف‬ ‫السنني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فرحت ألننا جنونا‪،‬‬ ‫قلت ألحد األصدقاء‪،‬‬

‫عندما انت�شرت تنب�ؤات نو�سرتادامو�س‪ ،‬يف أ�وائل القرن الع�شرين‪ ،‬انتحر‬ ‫الكثريون خوفا وي أ��س ًا‪ .‬لكن يبدو أ�ن ا إلن�سان يف أ�يامنا هذه تدرب أ�كرث‬ ‫على ال�شائعات الكاذبة‪ ،‬أ�و ق�سا قلبه وتعقلن عقله أ�مام الكوارث الطبيعية‬ ‫احلتمية‪ ،‬ما جعله‪� ،‬إن مل يكن أ�قل �إميان ًا بهذه احلكايات‪ ،‬ف أ�قله جعله أ�كرث‬ ‫ا�ستعداد ًا ال�ستقبال الدمار النهائي‪ ،‬ال�ستقبال نهاية حياة له وجلميع الب�شرية‬

‫ألني لم أكن أرغب في أن أغادر وال يزال عندي‬ ‫الكثير مما لم أجنزه بعد‪ .‬فمن غير املريح أن‬ ‫يغادر املرء قبل أن ينتهي من مهماته (التي‬ ‫يظنها مهمات‪ ،‬وفي أي حال ما هَ م األرض‬ ‫الفارغة أو حتى غير الفارغة من مهماتنا‬ ‫الفردية وال حتى اجلماعية!)‪ .‬لكن هل ما تبقى‬ ‫أمام احلياة التي منحت لنا مرة أخرى‪ ،‬أو‬ ‫التي لم تكن قد شارفت على النهاية بعد في‬ ‫أي حال‪ ،‬والتي ال تزال متدنا بطويل أيامها‪،‬‬ ‫هل هذه احلياة ستكون كافية ألن ننهي ما‬ ‫نظنه ميكن إنهاؤه‪ .‬في أي حال‪ ،‬النهايات‬ ‫والبدايات من أسرار احلياة‪ ،‬وكل ما نفعله هو‬ ‫لهوٌ بني اجلد واللعب‪ ،‬أي بني ما نظنه جدي ًا‬ ‫ُ‬ ‫أصل وجودنا‪ :‬اللعب احملض‪ .‬الفلسفة‬ ‫وما هو‬ ‫لعب ذهني‪ .‬األدب لعب إستيتيكي بالكلمات‬ ‫لعب بالشكل‬ ‫(والكلمة سر األسرار)‪ .‬والرسم‬ ‫ٌ‬ ‫واللون‪ .‬والسينما من أجمل ألعاب الصورة‪.‬‬ ‫لعب‬ ‫لعب جتريدي‪ .‬والهندسة‬ ‫والرياضيات‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫لعب بشكل الزمان‪.‬‬ ‫واملوسيقى‬ ‫املكان‪.‬‬ ‫بشكل‬ ‫ٌ‬ ‫لعب باألبدية‪ .‬والتصوير الفوتوغرافي‬ ‫والنحت ٌ‬ ‫لعب بالوهم‪ ..‬إلخ‪ ،‬إلخ‪ .‬‬ ‫واحلب‬ ‫بالوقت‪.‬‬ ‫لعب‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ ‬‬

‫كاتبة‪� ،‬شاعرة ومرتجمة لبنانية‬

‫سالم يا سوريا‬ ‫لي�ست ال�شعوب هي من ال تعمل‪ ،‬لي�ست ال�شعوب هي الغبية‪ ،‬احلكام العرب هم �سبب كل ذرة‬ ‫تخلف‪ ...‬ليتني كنت امر أ�ة بجناحني‪ ،‬كنت �سافرت ٍاىل �سوريا‪ ،‬ونرثت على ر ؤ�و�س الثوار حقول‬ ‫حرية‪ ..‬لكنّني أ�عود و أ�قول �إن احلرية عزيزة وغالية‪ ،‬لذلك فهي ت أ�تي دائما يف �صيغة أ‬ ‫المل‬

‫�سهيلة بورزق‬ ‫حتول إلى رقعة ضيقة‪،‬‬ ‫لنفترض أن العالم‬ ‫ّ‬ ‫أو لنفترض ملرة واحدة أننا نحن أضيق من عني‬ ‫إبرة في تبرير ش ّرنا جتاه اآلخر‪ ..‬لنفترض أن‬ ‫الذي يحدث في سوريا مجرد تراشق أفكار‪ ،‬ال‬ ‫قطرة دم سالت‪ ،‬وال أرواح أزهقت‪ ،‬وال مرحلة‬ ‫جديدة من الظلم والظالم ستأتي‪ ...‬لنفترض‬ ‫أ ّيتها السماء أن الله ال يرى ما يحدث‪ ،‬لذلك‬ ‫فاألجساد الضعيفة حتترق‪ ،‬وينبت منها ورد‬ ‫بعطر الله‪ ...‬ما زلت أشعر أن االفتراض قيمة‬ ‫داللية مرفوعة في ال ّنصب على الشعوب‪ ،‬وقيمة‬ ‫سياسية مع ّتقة بنفاق الساسة واحلكام‪.‬‬ ‫ال أخفي عليكم أ ّنني من كثرة رؤيتي للدماء‬ ‫في سوريا لم أمن منذ أيام‪ ،‬لك ّنني شعرت‬

‫بفائض من ع ّزة النفس أمام إصرار هذا اجليل‬ ‫الثائر على احلياة في شرف وحرية وإنسانية‪،‬‬ ‫كان يلزمني قطعة قماش بيضاء ناصعة‪ ،‬ألختار‬ ‫موحدا بألوان‬ ‫للوطن العربي الكبير علما‬ ‫ّ‬ ‫موحدا تيمنا بالثورات‬ ‫موحدة‪ ،‬ونشيدا وطنيا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التي ستحدث مستقبال في بلدان عربية أخرى‬ ‫ّ‬ ‫الشر صديقا‬ ‫انتهك اإلنسان فيها‪ ،‬وأصبح‬ ‫للحياة في جميع سبلها‪.‬‬ ‫يقينا أنا ال أحلم‪ ،‬وال أريد أن أستفيق من‬ ‫غفوة ثورة الشارع العربي‪ ،‬فال قيمة للوجود بال‬ ‫انتفاضة‪ ،‬وال استمرارية بال عتق‪ ..‬أنا متماسكة‬ ‫اآلن كجبل ومطمئنة من أنّ الشباب العربي‬ ‫مفخرة لنا في صموده‪ ،‬وخوفه على األجيال‬ ‫الالحقة من طاغوت احلكام‪.‬‬ ‫أعترف لكم أنّ احلالة التي نشهدها ال‬ ‫تستدعي أبدا لغة طرزانية‪ ،‬فأنا اآلن أكتب وأنا‬

‫في حالتني متضاربتني بني الهدوء والغضب‪،‬‬ ‫وبني الصراخ وال ّتعجب‪ ،‬وبني امللل من رؤية‬ ‫الوطن العربي مساحة جغرافية مغضوب عليها‬ ‫لو هي خالفت أوامر أمريكا وإسرائيل‪ ،‬وبني‬ ‫تدفق اجلهل واألمية والفقر على أهالي القرى‪،‬‬ ‫وبني داللة وجود احلاكم الفالني في املكان‬ ‫اخلطأ‪ .‬بعض احلكام يستحقون االغتصاب‬ ‫علنا أمام جموع غفيرة من البشر‪ ،‬والتنكيل‬ ‫بهم حتى املوت‪ ...‬ألسنا منوت يوميا خوفا‬ ‫من جبروتهم؟ ألسنا ال جند داللة واحدة لقيمة‬ ‫وجودنا؟ أال نشعر أننا ال نختلف عن أي حيوان‬ ‫أليف؟‪ ..‬معذرة على هذا التشبيه‪ ،‬لكن احلقيقة‬ ‫ُم ّرة أمام ما يتمتع به احلاكم العربي من جاه‬ ‫وسلطان‪ ...‬جميعهم يتعاجلون خارج بلدانهم‬ ‫خوفا على صحتهم من فتك التشخيص العربي‬ ‫اخلاطىء‪ ،‬أليس من العار أن يتركوا بلدانهم‬

‫حتت خط الشك‪ ،‬وميارسون حياتهم العريضة‪،‬‬ ‫والطويلة في أفخر بلدان العالم؟‪ ...‬ليست‬ ‫الشعوب هي من ال تعمل‪ ،‬ليست الشعوب هي‬ ‫الغبية‪ ،‬احلكام العرب هم سبب كل ذرة تخلف‪...‬‬ ‫ليتني كنت امرأة بجناحني‪ ،‬كنت سافرت اٍ لى‬ ‫سوريا‪ ،‬ونثرت على رؤوس الثوار حقول حرية‪..‬‬ ‫لك ّنني أعود وأقول إن احلرية عزيزة وغالية‪،‬‬ ‫لذلك فهي تأتي دائما في صيغة األلم‪.‬‬ ‫املوت حق على جميع البشر‪ ،‬لكن احلياة‬ ‫أحق بنا‪ ...‬لي نبض عربي ال يتوقف عن الغناء‬ ‫في حضرة ال ّثوار‪ ...‬راجعوا آالمكم‪ ،‬وأحبوا‬ ‫أحالمكم‪ ،‬فهي أكثر من قضية‪ ،‬وأكثر من ثورة‪،‬‬ ‫وأكثر من إصرار‪...‬‬

‫كاتبة جزائرية مقيمة يف الواليات‬ ‫املتحدة أ‬ ‫المريكية‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.