ما الذي يُحبهُ المَوت؟

Page 1

‫قرأءة في ديوأن ألشاعر بوجمعة أشفري‪" :‬ألموتى (ل) يحبون ُّ‬ ‫ألس َكر" (‪)1‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ما ألذي ي ِحبه ألموت؟‬ ‫بقلم ‪ :‬أحمد لطف هللا (قاص وناقد أدبي)‬

‫بوجمعة أشفري‬

‫في أحد نصوص ديوأنه "ليس ألماء وحده جوأبا عن ألعطش"‪ ،‬يقول ألشاعر ألعربي ألكبير أدونيس‪" :‬هنا في هذه ألسرأديب‪ ،‬يلتقي‬ ‫يعبر ألمتنبي‪ُ )...( .‬‬ ‫ألفرأعنة وأليونانيون في أللغة ألفنية‪ ،‬في هذأ أللقاء نشهد كيف "يموت ألموت" كما ّ‬ ‫وخيل َّ‬ ‫إلي كانني أرى شبح كليوباطرة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫سمعت صوتا طالعا من جهته يقول‪" :‬للغامض‪ ،‬وحده‪ُ ،‬أ ْس ِل ُم جسدي"‪ ،‬وصوتا أخر يقول‪ :‬ما أشقى وضوحك‪ ،‬أيها ألموت" (‪.)2‬‬ ‫وأنني‬ ‫أسوق هنا هذأ ألمقطع ألشعري‪ ،‬محاولة مني ألولوج إلى دهاليز ألقصيدة عند ألشاعر بوجمعة أشفري‪ ،‬وفهم ألصوأت ألمنبعثة من‬ ‫سرأديبها‪ ،‬بعدما جرتني متعة ألتذوق لقرأءة هذأ ألديوأن دفعة وأحدة‪ ..‬ولعل ألشهية ألقوية للقرأءة‪ ،‬هي ما أشعر به عادة أمام أعمال أشفري‬ ‫أإلبدأعية وألنقدية على ألسوأء‪ ،‬وهي تعود في نظري‪ ،‬بالنسبة لهذأ ألديوأن‪ ،‬إلى أمرين‪ :‬عذوبة لغته ألشعرية ألمشبعة بمعاجم ألفن وألصورة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يقرب ألقصيدة من ألنص ألسردي‪ ،‬لن ألشاعر‪ ،‬وكما يقول أدونيس‬ ‫ثم ذأك ألنفس ألحكائي ألذي ينفخ لذة ألسترسال في قرأءة ألنص‪ ،‬دون أن ِ‬ ‫دأئما "يبدأ قصيدة دون أن يعرف كيف ُينهيها"‪ ،‬على نقيض ألحكمة ألتي تقول‪" :‬ل تبدأ أمرأ ُ‬ ‫تجهل كيف ُتنهيه" (‪.)3‬‬ ‫ينقسم ديوأن "ألموتى (ل) يحبون ألسكر" إلى قسمين‪ :‬ألول موسوم ِبـ "جمهورية كاليغول"‪ ،‬وألثاني ِبـ "عسل ألرماد"‪ ،‬وقبلهما أستهالل‬ ‫يؤسس للرؤى ألشعرية ألثاوية في هذه ألقصائد‪ ،‬حيث يحدثنا ألشاعر عن ألضوء ألماكر ألذي ّ‬ ‫يتجلى في هياة جسد أنثوي مضاعف‪َ ،‬وت ُ‬ ‫حسم‬ ‫ألذأت ُوتسرع في أتخاذ موضع وموقف إزأء هذأ ألجسد‪/‬ألضوء‪ .‬يقول ألشاعر‪:‬‬ ‫"‪ ...‬أغمض عينيك وأرم جسدك في لجة ألضوء" (ص‪.)11‬‬ ‫إنه إذن صوت أإليروتيكا‪ ،‬ألموضوع ألجمالي ألذي ُيدرك أشفري كل ْ‬ ‫عينه ألثالثة ليفك أ ُ‬ ‫شفرأته‪ُ ،‬وي َسخر ُ‬ ‫لغازه شعريا‪« ،‬تلك ألعين أإلضافية‬ ‫ُ‬ ‫ألتي وهبها ُ‬ ‫عاقبته أإللهة "هيرأ" على كشفه لسرأر ألشهوة ألجنسية عند ألنساء‪ .‬لقد صار بصره‬ ‫أإلله زيوس للشاعر أإلغريقي تيريزياس حين‬ ‫مضاعفا‪ ،‬يرى به ما ورأء ألشياء وألوأقع»‪ ،‬كما أخبرته ألشاعرة دليلة أردأن‪ ،‬ذأت شتاء باريسي (‪.)4‬‬ ‫غير أن بوجمعة على عادته‪ ،‬ل يبالي بنصيحة ألشاعرة دليلة أردأن‪ ،‬ول حتى بغضب أإللهة "هيرأ"‪ ،‬ذلك أنه بعد إيروتيكاه ألولى "أرنب‬ ‫ألغابة ألسودأء" يفتح أبوأب متاهة ألجنس‪ ،‬مقلبا في أورأق كـتاب "ألكاماسوترأ"‪ ،‬مرتقبا إشارأت من جنون ألشعر‪ُ ،‬‬ ‫ترسم ألخطوط ألوأصلة بين‬ ‫تعر ْ‬ ‫أإليروتيكا وألوجود‪ .‬وطبعا ستبدأ ألقصة من أدم‪ ،‬حيث تبوح بطلة قصيدة "أنا ألتي علمتك يا أدم" باول ألسرأر‪ ،‬خاصة وأنها ّ‬ ‫فت في أزمنة‬ ‫مختلفة على كاليغول‪ ،‬رودأن‪ ،‬جياكوميتي‪ ،‬مور‪ ...‬تقول ألقصيدة‪:‬‬ ‫"أدم ألول ليس أصال‪.‬‬ ‫أنا من علمته كيف يفك حروف ألجسد‪،‬‬ ‫وكيف يجلس‪ ،‬وكيف يستوي‪ ،‬وكيف يطعن ويفتك‪ ،‬وكيف ينهض‪.‬‬ ‫أدمي ٌألذي أحبه‪،‬‬ ‫يدخل ألن إلى غرفتي‪،‬‬ ‫‪Héra l'épouse de Zeus‬‬ ‫‪Tirésias‬‬ ‫باحثا عن فرأغ أخر يدفن فيه رأسه‪( "...‬ص‪)11-11 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Les enfants de Saturne‬‬

‫إيروتياك أشفري‬ ‫ال جتعل إملوت ذكرى ر‬ ‫حتُض‬ ‫بشلك تلقايئ عند هناية‬ ‫إلشهوة إجلسدية‪،‬‬ ‫بل تدخل مع إملوت‬ ‫يف عالقة ندية تنبين عىل‬ ‫إلرصإع وإملقاومة‪...‬‬

‫هكذأ إذن نفهم أن ألجسد هو من ّعلم أدم أبجديات أإليروتيكا‪ ،‬وأفعال ألغوأية كلها‪ ،‬ثم عرضها على‬ ‫ّ‬ ‫ألعضاء ألتي ّ‬ ‫ويتمطى‪ ،‬وتنطبق ألنتوءأت على ُّ‬ ‫ألتقعرأت‪ُ ،‬وتغلق‬ ‫تلقفتها‪ ،‬لكي يمتد ألمتالء في ألفرأغ‬ ‫ُ‬ ‫ألتجاويف لتنفتح منابع ألشهوة ألتي تلبس في ألديوأن لبوسا متنوعا‪ ،‬فهي ترتبط بلذأئذ وألم ألوجود‪ .‬إنها‬ ‫مرة شهوة فرحة مرحة‪ ،‬وتارة أخرى حزينة تتدأعى بال لم وألموت‪ .‬ولعلها رغبة مقصودة من ألشاعر‪ ،‬فقد‬ ‫ّ‬ ‫صرح عند صدور عمله أإلبدأعي هذأ إلذأعة فرأنس ‪ ،24‬برغبته تلك قائال عن قصائده أنها «أرتسامات‬ ‫وأرتعاشات فيما بيني وبين ألفضاءأت وألكائنات‪ ،‬إلعطاء أبعاد أخرى ل‪ :‬ألجنس‪/‬ألموت‪ ،‬وخلق توليفة‬ ‫جديدة وغريبة بينهما»‪ .‬وهي فعال توليفة جديدة لنها ّ‬ ‫تقدم صورة متطورة عن أإليروتيكا توظف جميع‬ ‫ألعناصر ألحضارية‪ ،‬فتستنطق ألمرأة عن شهوتها‪ ،‬وهو ما ّ‬ ‫ظل مغيبا على عهود أإليروتيكا ألشعرية ألعربية‬ ‫ألتي كانت منذ أمرئ ألقيس‪ ،‬مرورأ بابي نوأس ذكورية بامتياز‪ ،‬ومن جهة أخرى فإيروتيكا أشفري ل تجعل‬ ‫ألموت ذكرى ُ‬ ‫تحضر بشكل تلقائي عند نهاية ألشهوة ألجسدية‪ ،‬بل تدخل مع ألموت في عالقة ندية تنبني‬ ‫على ألصرأع وألمقاومة‪ ،‬فقد أصبحت ألعالقة بين ألجنس وألموت موطنا للجدل‪ ،‬فهما يتبادلن ألحب‬ ‫وألكرأهية على حد سوأء‪.‬‬ ‫وهو صرأع تنتصر فيه أإليروتيكا دأخل أللغة‪ ،‬ودأخل ذأت ألشاعر‪ ،‬ودأخل ألحياة نفسها‪ ،‬على‬ ‫ألموت‪ .‬إنه «صرأع من أجل هدم دروب ألمحو ألتي ُتعرقل سير ألوجود‪ ،‬بدعوتها لحضور ألموت في كل‬ ‫مرة» (‪.)5‬‬ ‫وهذأ لعمري أخطر ما في ألموت‪ ،‬إنه ليس ُ‬ ‫حدوثه‪ ،‬بل حضوره ُألمربك إليقاع ألحياة‪ ..‬ألموت باعتباره‬ ‫فكرة‪ُ ،‬ي ِ ّ‬ ‫رسخ ألخطاب ألديني أإلسالمي حضورها وأستحضارها‪ ،‬فقد ورد في ألماثور ألنبوي‪" ،‬كـفى بالموت‬ ‫وأعظا"‪ ،‬فهو حسب هذأ ألفكر ألديني موعظة وتحذير من ألحياة‪ ،‬ألتي ينتصر لها‪ ،‬ولبريقها وألقها كل‬ ‫ألشعرأء‪ ،‬بل كل ألمبدعين‪ ،‬أدباء وفنانين‪ .‬ولذلك يؤكد أشفري في أللقاء أإلذأعي سابق ألذكر‪ ،‬أن رؤيته‪،‬‬ ‫تندرج ضمن ألتصوف ألبعيد عن ألنص ألديني‪.‬‬ ‫بعد ذلك نجد عرضا لوصلة إيروتيكية من إحدى عشرة دقيقة‪ ،‬خصص لها ألشاعر ثالث قصائد‬ ‫قصيرة‪ ..‬تبدأ بالصديقات ألغريبات أللوأتي يتسللن إلى مخيلته‪ ،‬ثم تتوحد ألكـثرة في‪:‬‬ ‫"وأحدة جامحة مانحة فمها نهديها فخديها لرأنب ألجساد" (ص‪.)22 :‬‬ ‫ّ‬ ‫يقطع ألشاعر ألنص إلى مفاصل مشهدية‪ُ ،‬‬ ‫تمتح من معين ثقافته ألسينمائية‪،‬‬ ‫في هذه ألوصلة‪ِ ،‬‬ ‫ومعرفته بفن ألفيديو‪ ،‬فعالقته ألمجنونة بالسينما ل تخفى على كل من يعرفه‪ ،‬كما أنه يدعك تلك ألمشاهد‬ ‫بلمسات أل لوأن‪ ،‬حيث يبرز ألحمر ألقاني ألمتقطر من نكـتار ألتوتة على ألشفتين‪ ،‬ليمثل ألبديل عن أحمر‬ ‫ألشفاه‪ ،‬ويقفز على ألقصيدة ألصورة‪ ،‬وهي صورة بالبيض وألسود‪ ،‬أو لنقل ألقصيدة ألقماشة‪ ،‬بلمسات‬ ‫حركية من فرشاة ألشاعر‪ ،‬ألمهووس أيضا بفن ألتصوير ‪ ،La peinture‬وبالفن عموما‪ .‬ألم يكن كـتابه ألول‬ ‫"ألفن بين ألكلمة وألشكل"؟ أليس هو ألمبدع ألذي يقيم ألن في صلب شهوة ألفن‪ ،‬بمدينة ألفنون‬

‫)‪Caligula (le film‬‬

‫)‪Caligula (le film‬‬

‫‪2‬‬


‫بباريس‪ ،‬ويحمل إلينا جنونه أإلبدأعي متسربا إلى ذوأتنا بين ألفينة وألخرى بالبيضاء؟‬ ‫ْ‬ ‫أما قصيدة " ِولدأن بربطة عنق" فهي بيان شعري صريح وصرخة قوية في وجه أعدأء ألحرية‪ ،‬وتنبيه‬ ‫لصيانة ألجسد من ألوقوع في أي نوع من ألقيود‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫"أيتها ألجساد ألناحلة ألمحتفية بسرر بطونها‪،‬‬ ‫ل تصالحي‪...‬‬ ‫ل تصالحي فقه ألقرون ألبائدة وألقرون ألتية‪( "...‬ص‪.)31 :‬‬ ‫تشرد عن غيرها من قصائد ألديوأن ّ‬ ‫ولعل ما يثير في هذه ألقصيدة ألتي ُ‬ ‫وتفكر في أإليروتيكا وأقعيا‪،‬‬ ‫بينما باقي ألنصوص ُت ّ‬ ‫فكر في ألموضوع جماليا‪ ،‬هو تحول أللغة ألشعرية عند أشفري حسب ألمقام‪ ،‬حيث‬ ‫تنتقل من نعومة أإليروتيك إلى صالدة ألحرب وصالفة ألعنف‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫"ويا أيها ألفقهاء‪ ،‬لماذأ كلما َ‬ ‫خرج ْت عليكم أمرأة شاهرة سرة بطنها‪ ،‬تعشقونها في ألسر وتلعنونها في‬ ‫ألجهر؟‬ ‫ولماذأ كلما خلوتم إلى أنفسكم تنهشون ألملذأت بافوأهكم وأعضائكم ألتناسلية؟" (ص‪.)33 :‬‬ ‫أما قصيدة "ألموتى (ل) يحبون ألسكر‪ ،‬فهي ُ‬ ‫تقلب معادلة ما كان ُيسمى بالمسرح ألشعري نحو شعرنة‬ ‫قوية للمسرح‪ ،‬حيث تتفسخ ألجساد على ألخشبة وقاعة ألمسرح‪ ،‬وتذوب في "لجة ألموت"‪ ،‬وتنتهي‬ ‫ألقصيدة بتلك ألحكمة ألعميقة‪:‬‬ ‫"أيقنت أن ألالشعور يمنح ألجمال لمن ل يجلد جسده بسياط ألخالق" (ص‪.)41 :‬‬ ‫هذأ عن ألقسم ألول من ألديوأن وهو يحمل بحق بصمة أإلمبرأطور ألروماني ألدموي كاليغول‪ ،‬إذ إلى‬ ‫جانب قتل ألقيم ألزأئـفة وألخالق ألفتاكة بالجوهر أإلنساني‪ ،‬نجد قتال ذريعا للذكورة وألنوثة على ألسوأء‪،‬‬ ‫وفي ألمقابل إحياء لشيء أسمه إيروتيكا ألجسد‪ ،‬ألجسد ألمتملص من أية هوية‪.‬‬ ‫أما ألقسم ألثاني "عسل ألرماد"‪ ،‬ففي أعتقادي يستدعي وقفة خاصة لكـثافة رؤأه ألشعرية ألحدأثية‬ ‫ألمسنودة بخلفية فكرية فلسفية تتسم بالغنى وألعمق‪ .‬ففي قصيدة "كيمياء أإليمان"‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫غمضت جفوني‬ ‫"أنا كلما أ‬ ‫ُ‬ ‫غدوت رغبة ل تملك‬ ‫ّ‬ ‫إل‬ ‫أن ُت ّ‬ ‫ضلل ألموت‪( "...‬ص‪.)13 :‬‬ ‫ِ‬ ‫وأتذكر هنا ما ورد في ألستهالل‪:‬‬ ‫"أغمض عينيك وأرم جسدك في لجة ألضوء" (ص‪.)11 :‬‬ ‫إذ ل يمكن تضليل ألموت إل بالرتماء في أحضان ألجسد‪ ،‬بالنغماس في ألضوء‪ ،‬بالحتماء باللغة‪،‬‬ ‫بالشعر‪ ،‬ألم يقل أدونيس في ألديوأن ألسالف ذكره‪:‬‬ ‫صحيح ما يقوله ريلكه‪:‬‬ ‫" نبتعد عن أللغة‪،‬‬ ‫بقدر ما نقترب من ألوأقع"‪..‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪Maurizio Barraco‬‬

‫"أيقنت أن إلالشعور‬ ‫مينح إمجلال‬ ‫ملن ال جيدل جسده‬ ‫بس ياط إلخالق"‬

‫جبر علوان‬


‫ويضيف‪ ،‬ودأئما في نفس ألقصيدة‪:‬‬ ‫ألشعر "غوأية"‪ ،‬ألدين "هدأية"‬ ‫ثم يتساءل‪:‬‬ ‫أهناك مكان يتسع لجميع ألرغبات‪،‬‬ ‫غير أللغة؟ (‪. )1‬‬ ‫وفي هذأ ألسياق‪ ،‬يعود بنا أشفري إلى روحانية َ‬ ‫ألنفس ألرومانسي ألحديث‪ ،‬ألذي أ ْحيــى في أوصال ألقصيدة ألعربية تلك أللغة ألباذخة‬ ‫ألرقي ألتي أنماز بها شعر ألرومانسيين‪ ،‬من مثل "كركرأت ألمساء" و"تهتهات ألرفيف" في قصيدة "عينان مغمضتان"‪...‬‬ ‫يقول في نص "عسل ألرماد"‪:‬‬ ‫"سالتني‪:‬‬ ‫بماذأ أخلطك أيها ألرماد؟‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫بالعسل‪."...‬‬ ‫ليس ألرماد موتا كما قد يتبادر إلى ألذهن‪ ،‬فرغم أن كاليغول لم يفكر بحرق روما كما سيفعل نيرون بعده‪ ،‬غير أنه كان يحيا على لذة ألقتل‪،‬‬ ‫وكان ألقتلى‪ ،‬وهم موتى هذأ ألديوأن يغرقون في ألسوأد‪ ،‬ول يحبون ما يحيلهم على حالوة ألحياة‪ ،‬ل يحبون ألسكر‪ ،‬لكن ألرماد يستلذ ألعسل‬ ‫ويرغب فيه‪ ،‬ولعل هذأ هو ألسر في وضع "ل" بين قوسين‪ ،‬في عنوأن هذأ ألديوأن‪ ،‬حتى ُتقرأ ُي ِح ّبون‪ ،‬ول ُي ِح ّبون‪ ،‬فهم ل يحبون ألسكر‪ ،‬لكنهم‬ ‫يحبون ألعسل‪ ،‬وألعسل‪ ،‬أو َألعسيلة أشهى وألذ‪ .‬وحين ُتخلط بالرماد‪ ،‬فهي ُت ُ‬ ‫خلط بمادة ألحياة‪ ،‬فالرماد بحياديته أللونية وألضوئية‪ُ ،‬منفلت‬ ‫عن وضاحة ألبياض‪ ،‬وعتمة ألسوأد‪ ،‬وهو ليس دليال على ألموت‪ ،‬بل هو كما تؤكد رِؤيا ألفينيق‪ ،‬دليل على ألحياة ومصدر للبعث وألنبعاث‪..‬‬ ‫فالرماد هو ألشعر‪ ،‬وألرماد ُ‬ ‫وحده ألقادر على أن يهزم فكرة ألموت‪ .‬يقول ألشاعر في قصيدة "أخر ألكالم ألرما‪...‬د"‪:‬‬ ‫"ليس بين ألرماد وألمجاز سوى ألنحدأر‪..‬‬ ‫(‪)...‬‬ ‫ألرماد يدوم‪.‬‬ ‫هو ألوجه ألذي ل يفنى‪( ".‬ص‪.)17-11 :‬‬ ‫هوأمش‬

‫‪ -1‬نص ألورقة ألتي قدمت بها ببهو ألمسرح ألوطني محمد ألخامس بالرباط‪ ،‬عشية ‪ 23‬يناير ‪ ،2312‬ديوأن ألشاعر‪ :‬بوجمعة أشفري‪ ،‬ألموتى (ل) يحبون َّ‬ ‫ألسكر‪ ،‬ألطبعة ألولى‪ ،2311 ،‬إصدأرأت أمنية‬ ‫لإلبدأع وألتوأصل‪ ،‬ألدأر ألبيضاء‪ .‬ونشر بجريدة ”ألعلم“ ألمغربية (ألملحق ألثقافي)‪ ،‬ألخميس ‪ 5‬أبريل ‪2312‬‬ ‫‪ -2‬أدونيس‪ ،‬ليس ألماء وحده جوأبا عن ألعطش‪ ،‬ألطبعة ألولى‪ ،‬سلسلة كـتاب مجلة دبي ألثقافية‪ ،‬رقم ‪ ،11‬أكـتوبر ‪ ،2332‬دأر ألصدى‪ ،‬دبي‪ .‬ص‪.15 :‬‬ ‫‪ -3‬نفس ألمرجع ألسابق‪ ،‬ص‪.15 :‬‬ ‫‪ -4‬من رسالة للشاعرة ألمغربية ألمقيمة في روما دليلة أردأن إلى ألشاعر بوجمعة أشفري‪ ،‬أثبتها في بورتريهاته ألموسومة بـ " عندما تتكلم ألشفاه"‪ ،‬ألطبعة ألولى‪ ،2334 ،‬مطبعة دأر ألقرويين‪ ،‬ألدأر‬ ‫ألبيضاء‪.‬‬ ‫‪ -5‬أمبارك حسني‪” ،‬ألموتى (ل) يحبون ألسكر“ لشفري بوجمعة‪ :‬ألقفز وألعودة من ألنافذة‪ ،‬جريدة ”ليبيرأسيون“ ألمغربية باللغة ألفرنسية‪ ،‬أإلثنين ‪ 5‬شتنبر ‪.2311‬‬ ‫‪ -1‬أدونيس‪ ،‬ألمرجع ألسابق‪ ،‬ص‪.147-141-144 :‬‬

‫‪Jeune femme au dos nu‬‬

‫‪Les enfants de Saturne‬‬

‫‪4‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.