ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث
ﻳﺮﻓﺪ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻨﺨﺒﺔ ﻣﻦ ا ﺻﺪارات اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ecdh
ŲŬ
ğėķĘŬǤė
اﻟﻤﺎﻟﺢ ﺗﻤﻠﻴﺢ ا(ﺳﻤﺎك أﺣﺪ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﻤﻄﺒﺦ اﻟﺸﻌﺒﻲ ا ﻣﺎراﺗﻲ اﻟﻤﻤﻴﺰة ،وﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺧﺒﺮة وﻣﻬﺎرة ﻓﻲ اﻟﺘﺬوق ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن »اﻟﻤﺎﻟﺢ« - اﻟﺬي ﻳﺤﺘﺎج ﻟﻤﺪة ﺷﻬﺮ إﻟﻰ ﺷﻬﺮﻳﻦ إﻟﻰ أن ﻳﺼﺒﺢ ﺟﺎﻫﺰاً ﻟDﻛﻞ ً - ﻟﺬﻳﺬا ﻋﻨﺪ ﺗﺬوﻗﻪ ،وﻳﻘﻮل اﻟﺬواﻗﺔ إﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻗﺪم ﻛﻠﻤﺎ زادت ﻟﺬﺗﻪ . ﺗﻘﻮم اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﺎﻟﺢ ﻓﻲ ا ﻣﺎرات ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻄﻴﻊ اﻟﺴﻤﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﺮأس واﻟﺬﻳﻞ وﺗﻘﺴﻴﻤﻬﺎ إﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ ،ﺛﻢ إﺣﺪاث ﺿﺮﺑﺎت ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﻟﺤﻤﻬﺎ ﻻﺳﺘﻴﻌﺎب اﻟﻤﻠﺢ أوان ﻓﺨﺎرﻳﺔ وإﺿﺎﻓﺔ اﻟﺨﺸﻦ ،ﺛﻢ وﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ٍ اﻟﻠﻴﻤﻮن اﻟﺤﺎﻣﺾ ،ووﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﻌﺪ إﺣﻜﺎم إﻏﻼﻗﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ا(ﻏﺸﻴﺔ ﻟﻤﻨﻊ دﺧﻮل اﻟﻬﻮاء وا(ﺗﺮﺑﺔ. وﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎع ﺑﺴﺮ ﺧﻠﻄﺔ اﻟﺘﻮاﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ اﻟﻤﺎﻟﺢ ﻣﺬاﻗﻪ اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻬﺮ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ا ﻣﺎرات اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وأﻫﻤﻬﺎ »دﺑﺎ«.
ﺑﺮزة ﺗﺮاث
ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺼﻘﺎرة واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻳﺤﻈﻰ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺼﻘﺎرة واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻟﺪى أﻫﻞ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻤﻜﺎﻧﺔ ﻣﺘﻤﻴﺰة ،وﻗﺪ ﻏﺪا رﻣﺰا ً ﻟﺤﻀﺎرﺗﻬﻢ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺮﺟﻮﻟﺔ وﺻﻮن اﻟﺒﻴﺌﺔ واﻟﺮﻓﻖ ﺑﺎﻟﻄﻴﺮ واﻟﺤﻴﻮان؛ ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺎت اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻴﺰت اﻟﻌﺮب ﻣﻨﺬ ﻗﺪﻳﻢ اﻷزﻣﺎن . وﻳﻌﺪ ﻣﻌﺮض أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﺼﻴﺪ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ،اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻀﻴﻔﻪ ﺳﻨﻮﻳًﺎ ﻣﺮﻛﺰ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﻤﻌﺎرض ﺗﺤﺖ رﻋﺎﻳﺔ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي ﺻﻘﺎري اﻹﻣﺎرات ،وﺑﺪﻋﻢ ﻣﻦ ﻟﺠﻨﺔ إدارة اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت واﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻓﻲ إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ ،وﺑﺘﻨﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﻧﺎدي ﺻﻘﺎري اﻹﻣﺎرات -اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﻤﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻴﻬﺎ أﺳﻠﺤﺔ اﻟﺼﻴﺪ وﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ورﻳﺎﺿﺎت اﻟﻬﻮاء اﻟﻄﻠﻖ واﻟﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ورﺣﻼت اﻟﺴﻔﺎري واﻟﻔﻨﻮن واﻟﺘﺤﻒ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت وأﻧﺸﻄﺔ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺗﺮاث دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ. و ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر ،وﺑﺘﻮﺟﻴﻬﺎت ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮر رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،ﻳﺸﺎرك ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮض اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﺼﻴﺪ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ »أﺑﻮﻇﺒﻲ ،«2015واﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎم ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ 9إﻟﻰ 12ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ اﻟﺤﺎﻟﻲ ،وﺗﺄﺗﻲ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر ﺣﺮص ﺳﻤﻮه ﻋﻠﻰ دﻋﻢ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﻹﺣﻴﺎء واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻷﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات ،اﺳﺘﻤﺮارا ً ﻟﻠﻨﻬﺞ اﻟﺬي أرﺳﻰ أﺻﻮﻟﻪ إﻧﻪ ﻋﺮس ﺗﺮاﺛﻲ ﻛﺒﻴﺮ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺰﻳﺎرة ،ﻧﻠﻘﺎﻛﻢ ﻫﻨﺎك ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮ. اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ ﺑﺈذن اﻟﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن » ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه » ﻣﻦ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻗﻴﻢ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻛﺎﻟﻌﺎدات
واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻷﺧﻼق وﻣﺎدﻳﺔ ﻛﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ اﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ. وﻳﺸﺎرك اﻟﻨﺎدي ﻓﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻌﺮض ﺑﺠﻨﺎح ﻣﺘﻤﻴﺰ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﺗﺤﻜﻲ ﻟﻠﺰاﺋﺮﻳﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﺮاث اﻟﻤﺤﻠﻲ وﺗﻌﻴﺪﻫﻢ إﻟﻰ ﻋﺒﻖ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ اﺑﻦ اﻹﻣﺎرات ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻤﻜﺎن واﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻋﺮوض إدارات وأﻗﺴﺎم وﻣﺮاﻛﺰ اﻟﻨﺎدي وﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻨﻮن. ﺧﺎﺻﺎ وﻳﻌﺮض ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻠﻨﺎدي رﻛ ًﻨﺎ ً ﻋﻦ ﺻﻮر اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ ﺑﺈذن اﻟﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن، ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﺮض آﺧﺮ اﻹﺻﺪارات اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻣﻦ دواوﻳﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻤﺤﻘﻘﺔ وﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ وﻋﺮض أﻋﺪاد ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺮاث. أﻣﺎ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻨﺎدي ﻓﺴﺘﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ وﺗﻌﺮﻓﻬﻢ ﺑﺘﺮاث اﻟﺪوﻟﺔ وﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺴﻴﺪات ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ اﻟﻼﺋﻲ ﻳﻌﺮﺿﻦ ﻣﺸﻐﻮﻻﺗﻬﻦ اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ واﻟﻤﺄﻛﻮﻻت واﻟﺤﻠﻮى اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ. ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﻗﺮﻳﺔ ﺑﻮذﻳﺐ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﻘﺪرة ﺗﻌﺮﻳﻔًﺎ ﻋﻦ أﻧﺸﻄﺘﻬﺎ وﺗﻮزع اﺳﺘﻤﺎرات اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ أﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ﺑﻮذﻳﺐ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ ﻋﺎم 2010واﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻠﺪوﻟﺔ أﺑﻄﺎﻻً واﻋﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت ﻗﻔﺰ اﻟﺤﻮاﺟﺰ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﻘﺪرة
146
ﺑﺮزة ﺗﺮاث
ﺛﻘﺎﻓﺎت
»أوﻟﻴﻨﺪا ﺑﻴﺠﺎ« ﺷﺎﻋﺮة ﺳﺎو ﺗﻮﻣﻲ إﺑﺮﻧﺴﻴﺐ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻄﺮح اﻟﺴﺆال ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ ﻋﻠﻰ إﻧﺴﺎن ﻋﺮﺑﻲ :ﻫﻞ ﺗﻌﺮف دوﻟﺔ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ إﺳﻤﻬﺎ »ﺳﺎو ﺗﻮﻣﻲ إﺑﺮﻧﺴﻴﺐ« São Tomé-e-Príncipe؟ ﻏﺎﻟ ًﺒﺎ ﺳﺘﻜﻮن اﻹﺟﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ .وإذا ﻛﺎن اﻟﺴﺆال :ﻫﻞ ﺗﻌﺮف اﻟﺸﺎﻋﺮة أوﻟﻴﻨﺪا ﺑﻴﺠﺎ؟ ﻓﻼ ﺷﻚ ﻓﻲ أن اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﺑﻬﺎ ،وﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ ﺗﻜﻮن؟ أوﻟﻴﻨﺪا ﺑﻴﺠﺎ ((olinda bejaﺷﺎﻋﺮة وﻗﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻣﻮاﻟﻴﺪ ﻋﺎم1949م ﻓﻲ ﺳﺎو ﺗﻮﻣﻲ إﺑﺮﻧﺴﻴﺐ ،ﺑﻘﺮﻳﺔ اﺳﻤﻬﺎ ﻛﻮدا ﻟﻮﺑﻲ ((GUADALUPEﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﺷﻤﺎل اﻟﺒﻼد .ﻓﺘﺤﺖ أوﻟﻴﻨﺪا ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻓﻲ ﺑﻠﺪﻫﺎ ﺣﻴﺚ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﺨﻀﺮاء واﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن وﻻ زال ﻋﻨﻮان ﺑﻠﺪﻫﺎ ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺑﻠ ًﺪا ﺳﺎﺣﻠ ًﻴﺎ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز .إﻧﻪ ﺑﻠﺪ ﺻﻐﻴﺮ ﻣﻜﻮن ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺮﺗﻴﻦ ﻣﻨﻔﺼﻠﺘﻴﻦ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ اﻟﺒﻌﺾ .ﻛﺎﻧﺖ أوﻟﻴﻨﺪا ﻣﻌﺠﺒﺔ داﺋ ًﻤﺎ ﺑﻮﻃﻨﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺸﻮق ﻟﺴﻤﺎع ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺠﺪات واﻟﻌﺠﺎﺋﺰ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻬﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮة، ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻬﺎ ،ﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ اﻹﺑﺪاع. ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺧﻠﻘﺖ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻋﺎﻟ ًﻤﺎ ً ﺗﺨﺘﺰل أوﻟﻴﻨﺪا ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ ﻛﻞ ﻫﻤﻮم اﻟﻮﻃﻦ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ واﻻﻧﺘﻤﺎء وﻫﻲ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺳﺨﺖ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﺮد ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻲ ﻣﺤﻮ ذﻟﻚ اﻟﻌﻤﻖ. اﺗﺨﺪت أوﻟﻴﻨﺪا ﻣﻦ اﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻣﺎدة أدﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﺎ ﻳﺠﻴﺶ ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮﻫﺎ ،ﻓﻌﺒﺮت ﻋﻦ اﻟﺤﺐ وﻋﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة واﻟﻔﻘﺮ .ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻘﺎم ﻟﻢ ﻳﻄﻞ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﻫﺎ ،ﻓﺴﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺳﺎﻓﺮت إﻟﻰ اﻟﺒﺮﺗﻐﺎل ﻣﻦ أﺟﻞ إﺗﻤﺎم اﻟﺪراﺳﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻮرﺗﻮ ﺣﻴﺚ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ إﺟﺎزة ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻲ .وﺑﺎﻟﻤﻮزاة ﻣﻊ دراﺳﺘﻬﺎ ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺘﺎ ًﺣﺎ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﻏﻞ ﺑﻌﻤﻖ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ،اﻧﻄﻼﻗًﺎ ﻣﻦ ﺑﻮدﻟﻴﺮ ،وﺟﻮن ﺟﺎك روﺳﻮ ،وﻓﻴﻜﺘﻮر ﻫﻮﻏﻮ .ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻣﻮﻫﺒﺔ أوﻟﻴﻨﺪا اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ أﻛﺜﺮ ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﺑﺎﻷدﺑﻴﻦ اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻲ واﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ،ﻓﺒﺪأت ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ أﺷﻌﺎر ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻮﻃﻦ اﻟﺬي ﺳﻜﻦ ﻗﻠﺒﻬﺎ.
ﻓﻴﺼﻞ رﺷﺪي@
وﺣﻴﻦ ﺻﺎرت أﺳﺘﺎذة رﺑﻄﺘﻬﺎ ﻋﻼﻗﺎت ﻣﺘﻤﻴﺰة ﻣﻊ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ اﻟﺬﻳﻦ أﺣﺒﻮﻫﺎ واﺣﺘﺮﻣﻮﻫﺎ ﻷﺧﻼﻗﻬﺎ وﻟﻌﻠﻤﻬﺎ. ﺳﻨﺤﺖ ﻟﻬﺬه اﻟﺸﺎﻋﺮة آﻓﺎق واﺳﻌﺔ ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ اﻟﺒﺮازﻳﻞ اﻟﺘﻲ رﺑﻄﺘﻬﺎ ﺑﻬﺎ ﻋﺪة ﺷﺮاﻛﺎت ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،ﻛﻤﺎ زارت ﺳﻮﻳﺴﺮا وﺑﻠﺪان أﺧﺮى. ﻛﺘﺒﺖ أوﻟﻴﻨﺪا ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻛﺜﻴﺮة ،ﻟﻌﻞ أﺷﻬﺮﻫﺎ ﻗﺼﻴﺪة »ﻣﻦ ﻧﻜﻮن؟« اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﺘﺸﺒﺖ ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻪ ،ﻟﻘﺪ ﻋﺒﺮت أوﻟﻴﻨﺪا ﻋﻦ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻐﻴﺮﻫﺎ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻪ ،وﺗﻄﺮﻗﺖ ﻟﺘﻴﻤﺎت ﻻ ﻳﻔﻘﻬﻬﺎ ﻏﻴﺮ أﺑﻨﺎء اﻟﺒﻠﺪ .وﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻬﺎ ﺗﻠﻚ أرادت أن ﻳﻜﻮن اﻟﺴﺆال اﻟﻮﺟﻮدي ﺧﻴﺮ ﻣﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺑﻠﺪﻫﺎ ،ﺗﻘﻮل: ﻣﻦ ﻧﻜﻮن؟ /اﻟﺒﺤﺮ ﻳﻨﺎدﻳﻨﺎ /ﻧﺤﻦ ﺳﻜﺎن اﻟ ُﺠﺰر /ﻧﺠﻠﺐ ﻳﺄﻳﺪﻳﻨﺎ اﻟﻤﻠﺢ واﻟﺰﺑﺪ /ﻧﻐﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺰوارق /وﻧﺮﻗﺺ ﻓﻲ اﻟﻀﺒﺎب /ﻧﺤﻦ اﻟﺼﻴﺎدون – اﻟﻤﻼﺣﻮن /أﻳﻦ ﺗﺨﺘﻔﻲ أرواﺣﻨﺎ؟ /ﻓﻬﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮوﻓﺔ /ﺧﺎﺻﺔ ﻧﺤﻦ ﺷﻌﺐ اﻟﺠﺰﻳﺮة. ﻟﻘﺪ ﺑﺤﺜﺖ أوﻟﻴﻨﺪا ﻋﻦ ﻣﻦ ﻳﺸﻌﺮ ﺷﻌﻮرﻫﺎ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺣﺘﻰ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺒﺮ ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ،ﺑﻞ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ﺟﻨﺴﻴﻦ أدﺑﻴﻴﻦ آﺧﺮﻳﻦ ﻫﻤﺎ اﻟﺮواﻳﺔ واﻟﻘﺼﺔ .وﻣﻦ أﺷﻬﺮ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ دﻳﻮان »Tendê » Bôﻋﺎم 1992م ،ودﻳﻮان » »leve leveﻋﺎم 1993م ،وﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ «Dias de Regresso 15» :ﻋﺎم 1994م ،وﻓﻲ اﻟﻘﺼﺔ: » «pé –de- perfumeﻋﺎم 2004م. ﻣﺎ ﺗﺰال أوﻟﻴﻨﺪا ﺳﻔﻴﺮة اﻟﺸﻌﺮ ﻟﺪوﻟﺔ ﺳﺎو ﺗﻮﻣﻲ ﺑﺮﻧﺴﻴﺐ ،ﺗﺘﺄﻟﻖ ﺑﻘﻠﻤﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ أﺣﺎﺳﻴﺲ وﻣﺸﺎﻋﺮ اﻟﻄﻴﺒﻴﻦ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺑﻠﺪﻫﺎ ،ﺗﺤﺎول أن ﺗﻮﺻﻞ ﺷﻌﺮﻫﺎ إﻟﻰ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،إﻧﻬﺎ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ أﺣﺎﺳﻴﺲ وﻣﺸﺎﻋﺮ ﺑﻠﺪ اﺳﻤﻪ »ﺳﺎو ﺗﻮﻣﻲ إﺑﺮﻧﺴﻴﺐ« *ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
145
ﻓﻨﻮن اﻟﻘﻮم إﻟﻰ اﻷﻣﺮ ﻳﻨﺪﺑﻬﻢ ﻧﺪﺑًﺎ أي دﻋﺎﻫﻢ وﺣﺜﻬﻢ ،وﻳﺮﺟﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ أن ﻟﻔﻈﺔ اﻟﻬﺘﺎف )ﻫﻮ...ﻫﻮ( ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺗﻌﻠﻴﻠﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻔﻈﺔ اﻟﺠﻼﻟﺔ ﻣﻜﺮرة وﻗﺪ ﻣﺪوا وأﻃﺎﻟﻮ اﻟﻀﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺎء ﻓﺼﺎرت ﺗﺴﻤﻊ اﻟﻠﻬﻮ ...اﻟﻠﻬﻮ ،ﺛﻢ اﺧﺘﺼﺮت إﻟﻰ ﻫﻮ.... ﻫﻮ ،ورﺑﻤﺎ أﻳﻀﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻧﻌﻢ...ﻧﻌﻢ، ﺣﻴﺚ أن ﻓﻲ ﻟﻬﺠﺔ اﻟﺸﺤﻮح ﻓﺈن )ﻫﻮ( ﻳﻌﻨﻲ ﻧﻌﻢ. أﻣﺎ اﻵن ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﻳﺆدى ﻓﻲ اﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﺘﺮﺣﻴﺐ ﺑﻘﺪوم ﺷﻴﺦ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻟﻠﺰﻳﺎرة أو ﻣﻦ ﺳﻔﺮ ،أو إذا ﻗﺪم ﺿﻴﻒ أو ﻣﺜﻼ ،ﻛﻤﺎ زاﺋﺮ ذو ﺷﺄن ﻛﺸﻴﺦ ﻗﺒﻴﻠﺔ أﺧﺮى ً ﻳﺆدى ﻓﻲ اﻷﻓﺮاح اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺰواج. وﻻ ﻳﺤﺪد ﻋﺪد ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺆدﻳﻦ وﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ أن ﻻ ﻳﻘﻞ اﻟﻌﺪد ﻋﻦ ﺳﺒﻌﺔ أو ﺧﻤﺴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ وﻻ ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻟﻄﺒﻮل ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ وﻻ ﻳﺸﺘﺮك اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﺑﻪ. وﻃﺮﻳﻘﺔ أداﺋﻪ أن ﻳﻘﻒ ﺷﺨﺺ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ وﻳﺴﻤﻰ )اﻟﻨﺪﻳﺐ أو اﻟﻨﺪاب( وﻳﻠﺘﻒ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﺒﻘﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ داﺋﺮة ﺗﺴﻤﻰ اﻟﺴﻴﺮﺣﻲ واﻟﺼﻴﺪري واﻟﺮواح واﻟﺴﻴﺮوي
ﻳﻄﻠﻖ اﻟﺸﺤﻮح ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺪﺑﺔ أﺳﻤﺎء ﻋﺪة وﻓﻘًﺎ ﻟﻮﻗﺖ أداﺋﻬﺎ ،ﻓﻠﺪﻳﻬﻢ )اﻟﺴﻴﺮﺣﻲ( وﻗﺪ ﺟﺎءت اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﻣﻦ وﻗﺖ اﻟﻤﺴﺮاح وﻫﻮ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺮوف ﻣﺤﻠ ًﻴﺎ ،و)اﻟﺼﻴﺪري( وﻫﻮ ﻓﻲ وﻗﺖ اﻟﺼﺪور ﺑﻌﺪ اﻟﻀﺤﻰ واﻟﻈﻬﻴﺮة ،وﻫﻨﺎك أﻳﻀً ﺎ )اﻟﺮواح( وﻫﻮ وﻗﺖ اﻟﻌﻮدة ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل واﻟﺬﻫﺎب إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺎزل وأﺧﻴ ًﺮا )اﻟﺴﻴﺮوي( وﻫﻮ ﻟﻴﻼ ﺗﺮدﻳﺪ اﻟﻨﺪﺑﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺰﻣﺖ اﻟﻤﺴﻴﺮ ً ﻟﻴﻼ( ﺳﻮاء ﻟﻠﻘﺘﺎل أو اﻟﺼﻴﺪ أو اﻟﺘﺮﺣﺎل إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ )ﺗﺴﺮي ً أﺧﺮى . وﺗﻌﺘﺒﺮ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺸﺤﻮح ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻤﺎﺿﻴﻬﺎ اﻟﻌﺮﻳﻖ وﺗﻌﺘﺰ ﺑﻪ وﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻪ وﺗﺤﺮص ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻤﺮار ﻗﻴﺎم اﻟﻨﺶء ﺑﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ورﺛﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻄﻘﻮس واﻟﻔﻨﻮن واﻵداب اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا
144
ﻧﺪﺑﺔ اﻟﺸﺤﻮح
)اﻟﻜﺒﻜﻮب( وأول ﻣﺎ ﻳﻘﺎل ﻓﻲ اﻟﻨﺪﺑﺔ ﻫﻮ اﻻﻋﺘﺰاز ﺑﺎﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻓﻴﻘﻮل )أوﻻد ﺷﺤﻮح( ،وﻳﻜﻮﻧﻮن أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ﺣﻠﻘﺔ داﺋﺮﻳﺔ وﻳﺒﺪأ اﻟﻨﺪاب ﺑﻨﺪاء اﻟﻌﺰوة ،وﻳﺮدد اﻵﺧﺮون ﻋﺰوﺗﻬﻢ ﺧﻠﻔﻪ ﺑﺼﻮت ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮﻟﺔ واﻟﻘﻮة ،وﻳﺮدد اﻟﻤﻠﺘﻔﻮن ﺣﻮﻟﻪ ﺑﺼﻮت ﻋﺎل )ﻫﻮ....ﻫﻮ( وﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة ﻳﻔﺎﺧﺮ اﻟﺸﺤﻮح ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ وﻟﻬﺎ ﻗﻮاﻋﺪ وأﻋﺮاف ﻧﻈﻤﺖ ﻣﻨﺬ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺰﻣﺎن ،وﻟﻘﺪم ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة وﻣﺎ ﻗﺪ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ واﻟﻔﺪاء ،ﺻﺎر ﻟﻬﺎ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺠﻴﺪ ﻟﺪى اﻟﺸﺤﻮح ،ﺣﻴﺚ أن اﻹﺧﻼل ﺑﺄي ﻗﺎﻋﺪة ﻣﻦ ﻗﻮاﻋﺪﻫﺎ ﻗﺪ ﻳﺆدي إﻟﻰ ﺣﺪوث اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ واﻟﻤﺸﺎﺟﺮات ﻣﻊ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻬﻢ، ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺟﺐ أن ﻳﻘﻮم اﻟﻨﺪﻳﺐ )وﻫﻮ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﺼﻮت اﻟﻌﺎﻟﻲ واﻟﻤﺴﻤﻮع( ﺑﺘﻐﻄﻴﺔ ﻓﻤﻪ ﺑﻜﻔﻪ اﻷﻳﺴﺮ ،وﻳﺮﻓﻊ ﺳﺎﻋﺪه اﻷﻳﻤﻦ وﻛﻔﻪ ﻣﻘﺒﻮض ،ﺛﻢ ﻳُﻄﻠﻖ ﺻﻮﺗﻪ ﺑﺎﻟﻨﺪﺑﻪ ﺻﺎﺋ ًﺤﺎ ...ﺷﻮ ..ﺣﻮح ..اﻟﺸﺤﻲ اﻟﻤﻬﻴﻮب ...واﻫﻮ ..دو ..ﺷﻮ ..ﺣﻮح ..وﻳﻜﺮر ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻋﺪة ﻣﺮات ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮد ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮدﻳﺪه ﺑﺼﻮت آﺧﺮ وﻫﻮ ...ﻫﻮ ...ﻫﻮ ...ﻫﻮ ،وﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﻨﺪﻳﺐ اﻟﻤﺎﻫﺮ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺘﻼﻋﺐ ﺑﺎﻟﺼﻮت ودرﺟﺎﺗﻪ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ واﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺔ ﻋﻨﺪ أداء اﻟﻨﺪﺑﺔ. وﻳﺆدي اﻟﺸﺤﻮح اﻟﻨﺪﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﺋﻢ أﻳﻀً ﺎ وذﻟﻚ ﺗﻜﺮﻳ ًﻤﺎ ﻟﻠﻤﻀﻴﻒ وﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻬﺎ ﺑﻄﻘﻮس ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪ اﻹﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻲ اﻟﻮﻻﺋﻢ ،وﻣﻦ اﻟﻀﺮوري ﻋﻨﺪﻫﻢ أن ﻳﻜﻮن رأس اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ ﻋﻠﻰ إﻧﺎء اﻟﻄﻌﺎم ،ﻓﺈذا اﻧﺘﻬﻮا ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم وﻗﺒﻞ أن ﻳﻐﺴﻠﻮا أﻳﺪﻳﻬﻢ اﺟﺘﻤﻊ ﻛﻞ ﻋﺸﺮة ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻛﺒﻜﻮب ،وﺑﻌﺪﻫﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﻛﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﺎﻟﻨﺪب وﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺸﻜﺮ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺪﻋﻮة وإﺳﻤﺎع أﺻﻮاﺗﻬﻢ اﻟﻰ ﻛﻞ اﻟﺠﻴﺮان واﻟﺤﻲ ﻟﻺﻗﺮار ﺑﻔﻀﻞ وﻛﺮم اﻟﺪﻋﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺷﻜﺮﻫﻢ وﻋﺮﻓﺎﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻞ
ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﺗﺴﻤﻴﻪ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺸﺤﻮح )اﻟﻨﺪﺑﺔ( ،وﻫﻲ ﻣﻦ ﻓﻨﻮن اﻟﺸﺤﻮح وﻣﻦ ﻋﺎدات ﺳﻜﺎن اﻟﺠﺒﻞ ،وﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻧﺪاء ﺧﺎص ﺑﻬﻢ ﻟﻠﻌﺰوة واﻟﺘﻔﺎﺧﺮ وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺜﻨﺎء وإﻇﻬﺎر اﻟﺸﻜﺮ واﻟﺘﺒﺠﻴﻞ ﻟﻠﻤﻀﻴﻒ أو اﻟﺰاﺋﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮاء ،وﻫﻲ أن ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﺣﻮل ﺷﺨﺺ ﻳﺴﻤﻰ )اﻟﻨﺪاب( ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺴﻤﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﺣﻮﻟﻪ ﺑـ)اﻟﻜﺒﻜﻮب( وﻳﺒﺪأ ﺑﺎﻟﻨﺪاء ﻋﺎﻟ ًﻴﺎ ﺑﺠﻤﻠﺔ )أوﻻد ﺷﺢ( ،وﻛﺎن ﻓﻦ اﻟﻨﺪﺑﺔ ﻳﺆدى ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﻬﺪف إرﻫﺎب اﻟﻌﺪو وﻋﻨﺪ ﻛﺴﺐ اﻟﻤﻌﺎرك ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺮوب ﺣﻴﺚ
ﻳﻌﺘﺰون ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﻟﻴﻜﻮن ذﻟﻚ داﻓ ًﻌﺎ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺒﺴﺎل ﻓﻲ اﻟﺤﺮب ﺛﻢ ﻳﺒﺪأون ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻬﺠﻮم واﻟﺤﺮب. وﻟﻠﺸﺤﻮح أﻣﺎﻛﻦ ﻋﺪﻳﺪة ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻤﻨﻔﺾ ،أي ﻳﺘﻢ ﻋﻨﺪﻫﺎ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﻨﺪﺑﺔ وإذا ﻣﺎ ﺣﻘﻖ اﻟﺸﺤﻲ أي ﻧﺼﺮ ﻗﺎم ﺑﺎﻟﻨﺪﺑﺔ، وﻳﻘﻮل اﻟﺒﻌﺾ إن ﻟﻔﻆ اﻟﻨﺪﺑﺔ ﻣﻦ ﻓﺼﻴﺢ اﻟﻠﻐﺔ وﻛﺬﻟﻚ ﻳﺆﻛﺪ اﻟﺒﻌﺾ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺎدات اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﻔﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﻨﺪب أي ﻳﻨﺪب اﻹﻧﺴﺎن ﻗﻮ ًﻣﺎ إﻟﻰ أﻣﺮ أو ﺣﺮب أو ﻣﻌﻮﻧﺔ أي ﻳﺪﻋﻮﻫﻢ إﻟﻴﻪ ﻓﻴﻨﺘﺪﺑﻮن ﻟﻪ ،أي ﻳﺠﻴﺒﻮن وﻳﺴﺎرﻋﻮن ،وﻗﻮﻟﻨﺎ ﻧﺪب
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
143
ﻓﻨﻮن
ﺳﺮور ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻜﻌﺒﻲ
ﻧﺪﺑﺔ اﻟﺸﺤﻮح ﻧﺪاء اﻟﻌﺰوة واﻟﺘﻔﺎﺧﺮ واﻟﺘﺒﺠﻴﻞ
142
ﻧﺪﺑﺔ اﻟﺸﺤﻮح
ﻓﻦ ﺧﺎص ﺑﻘﺒﻴﻠﺔ ﻋﺮﻳﻘﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻹﻣﺎرات اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ وﺳﻜﺎن اﻟﺠﺒﺎل، ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺸﺤﻮح اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺼﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﻏﻴﺮﻫﺎ وﻻ زاﻟﺖ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ ً اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻛﺎﻟﺰواج واﻟﺰﻳﺎرات واﻟﺘﺮﺣﻴﺐ ﺑﺎﻟﻀﻴﻒ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت.
اﻟﺴﺒﺐ وراء إﻟﺤﺎح ﻋﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺻﻞ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ووﻇﻴﻔﺘﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ وﻟﻬﺬا ﻛﺎﻧﺖ أﻃﺮوﺣﺔ )ﻓﻼدﻳﻤﻴﺮ ﺳﻜﺎﻟﻴﻜﺎ( اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت واﻟﻮاﻗﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ذات أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﺮى ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل؛ وﻫﻲ أﻃﺮوﺣﺔ ﺗﻨﺒﻨﻲ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ وﺣﺪات ﻣﻌﺠﻤﻴﺔ ،ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻤﻌﺠﻤﻴﺔ ﺗﻘﺎﺑﻞ أﺟﺰاء ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ ،وﻟﻬﺬا ﻓﺈن ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺣﺪات اﻟﻤﻌﺠﻤﻴﺔ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺻﻮر ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺨﺎرج ﻋﻦ ﺳﻴﺎق اﻟﻠﻐﺔ، وﻫﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﻟﻮاﻗﻊ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. وﻟﻬﺬا ﺳﻨﺠﺪ أن اﻟﺼﺮاع اﻟﻠﻐﻮي ﻳﺘﺄﺳﺲ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺮاﻋﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،إذ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺼﺮاع اﻟﻄﺒﻘﻲ ﻣﺜﻼ أن ﻳﺨﺘﺰل ﻓﻲ اﻟﺼﺮاع ﻣﻦ أﺟﻞ ﻛﻠﻤﺔ ،وﺿﺪ ﻛﻠﻤﺔ أﺧﺮى ،ورﺑﻤﺎ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ آراء ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ ﺑﺎﺧﺘﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺮواﺋﻲ ،وﻛﺬﻟﻚ أﻟﺴﻨﻴﺔ أﻟﺘﻮﺳﻴﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة؛ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻳﻄﺎﺑﻖ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻼﻣﺎت، ﻓﺄﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﻨﺎﻇﺮ اﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺗﺒﺎدﻟﻲ؛ ﻓﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮن اﻟﻌﻼﻣﺔ ﺗﻮﺟﺪ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ،إﻻ أﻧﻨﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻘﺮ أن اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻓﻲ أﺻﻠﻬﺎ ﻧﺴﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻴﻄﺎت اﻟﻤﻌﺘﻘﺪﻳﺔ أو ﺑﺎﻟﻌﻮاﻟﻢ اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﺎق اﻷﻗﻮال اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ أﺣﻴﺎﻧﺎً. وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈن اﻟﻜﻠﻤﺎت واﻟﻤﻔﻬﻮﻣﺎت إﻧﻤﺎ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ وﻫﺬا ﻣﺎ ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ اﻟﻠﻐﻮﻳﻮن ﻓﻲ ﺷﺘﻰ اﻟﻌﺼﻮر؛ ذﻟﻚ ﻷن اﻟﻔﻜﺮة ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪ روﺑﻴﺮ ﻣﺎرﺗﺎن )ﻫﻲ ﻓﻜﺮة ﺑﻨﻴﺔ ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻟﺒﺸﺮي ﻛﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷﻟﺴﻦ وﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت اﻟﺴﻄﺤﻴﺔ( ،وﻟﻬﺬا ﻓﺈن اﻟﻠﻐﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻫﻲ ﻧﻈﺎم ،ﻫﻲ ﺷﻲء ﻣﺠﺮد ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ،و ﻳﺴﺘﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺠﺴﺪ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﻠﻜﺎً ﻋﺎﻣﺎً ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺗﺘﻜﻠﻤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ،ﻟﺬﻟﻚ ذﻫﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻐﻮﻳﻴﻦ أﻧﻬﺎ ﺷﻲء ﻏﻴﺮ ﻣﺎدي ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ﻧﻈﺎم ﻣﻦ اﻟﻘﻮاﻋﺪ ،وأن اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﺎدي اﻟﻮﺣﻴﺪ ﺑﻬﺎ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻃﺎرﺋﺎ وﻋﺮﺿﻴﺎ اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﻨﺤﻮ، وﻟﻬﺬا ﻛﻠﻪ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﺒﺮ أن ﻛﻼم اﻟﻌﺼﺮ – وﻧﻘﺼﺪ ﻫﻨﺎ اﻟﻜﻼم اﻟﻴﻮﻣﻲ -إﻧﻤﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة وﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إن ﻫﻨﺎك ﻧﻈﺎﻣﺎً ﻟﻐﻮﻳﺎً ﻗﺎﺋﻤﺎً ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻪ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻛﻼم اﻟﺸﺒﺎب أو اﻷﻃﻔﺎل أو ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﺑﺘﻜﺎر )اﻟﻤﻔﻬﻮم( اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ )ﺗﺸﻮﻣﺴﻜﻲ( )اﻹﺑﺪاع( ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻔﻀﻲ ﺑﻨﺎ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﻴﻦ )اﻟﻜﻠﻤﺎت( و)اﻟﻔﻜﺮ( اﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ )اﻟﻤﻔﻬﻮم(،
ﻓﻬﻮ ﻳﻔﺘﺮض أن اﻟﻤﺮء ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻨﺤﻮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﻪ ﻻ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أﺟﺪاده ،وﻫﻮ ﺑﻬﺬا ﻳﻘﺪم ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻓﺮدﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﺠﺴﻴﺪ ﻧﻈﺎم اﻟﻠﻐﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﻓﺘﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻫﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻔﺮد ﺑﻌﻴﻨﻪ وﻣﺎ ﻳﻌﻨﻴﻪ ﻣﻨﻬﺎ )اﻟﻤﻔﻬﻮم( ﺧﺎص ﺑﻪ أﻳﻀﺎً ،وﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ اﻣﺘﻼك ﻻ ﺗﻨﻔﺼﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ )أﻧﺎ( وﺑﻴﻦ )ﻛﻠﻤﺎﺗـ( ـﻪ ،و)ﻣﻔﻬﻮﻣـ( ـﻪ. وﻟﻬﺬا ﻓﺈن اﻟﻠﻐﺔ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻤﺎ ﺗﺒﺪو ﺿﻤﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻠﻐﻮي وإﻻﱠ ﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻜﻞ ﺟﻴﻞ ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ وأﺳﻠﻮﺑﻪ ﻓﻲ إﺑﺪاﻋﻬﺎ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ اﻟﻔﺮد ﺑﺎﻟﻨﻈﺎم اﻟﻤﺠﺮد وﻫﻮ ﻣﺎ ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ دو ﺳﻮﺳﻴﺮ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﺋﻴﺘﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة )ﻧﻈﺎم اﻟﻠﻐﺔ /اﻟﻜﻼم اﻟﻔﺮدي( ،وﻣﺎ ﻳﻌﻨﻴﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻐﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺮد اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ وﻋﻼﻗﺔ ذﻟﻚ ﺑﺈﺑﺪاع ﺗﺸﻮﻣﺴﻜﻲ ﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ واﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،وﻟﻬﺬا ﻓﺈن اﻷﺟﻴﺎل ﻻ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺎم ﺑﻘﺪر اﺷﺘﻐﺎﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﺑﺪاع اﻟﺬي ﺳﻴﺆﺳﺲ ﻣﻌﺠﻤﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ *ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻤﻴﺎءُ ،ﻋﻤﺎن
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
141
ﺳﻴﻤﻴﺎء
اﻟﻠﻐﺔ ﺗﺘﻜﻠﻢ أم ﻧﺤﻦ؟
د.ﻋﺎﺋﺸﺔ اﻟﺪرﻣﻜﻲ @
)اﻟﻠﻐﺔ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻲ ،ﺗﻤﺘﻠﻜﻨﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻲ أﻣﺘﻠﻚ اﻷﺻﻮات ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﻓﻤﻲ ،وﻟﻜﻦ أﺣﺪاً ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﻜﻠﻢ( إﻧﻬﺎ إﺣﺪى ﻣﻘﻮﻻت )اﻟﻠﻐﺔ ﺗﺘﻜﻠﻢ( اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻓﻜﺮة اﻟﺘﻨﺎﻓﺾ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺮﺿﻬﺎ ﻟﻮﺳﺮﻛﻞ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﻋﻨﻒ اﻟﻠﻐﺔ(، واﻟﺘﻲ ﺗﺘﺄﺗﻰ ﻓﻲ ﻣﺮاﺣﻞ ﺳﺖ ﺗﺒﺪأ ﺑﺄن اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﻠﻌﺐ اﻟﺤﺮ ﻟﻠﻐﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻧﺘﺎج ﺳﻴﻄﺮة اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ أداة ،ﺛﻢ أن اﻟﻠﻐﺔ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻲ ،اﻟﻠﻐﺔ ﺗﺘﻜﻠﻤﻨﻲ وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺤﻨﻲ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ،وﻫﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﻣﻦ رﺑﻘﺔ اﻟﻠﻐﺔ ،ﺛﻢ ﻛﻼﻣﻲ ﻓﺎرغ، وﺑﻌﺪﻫﺎ أﻧﺎ أﺗﻜﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺔ إﻟﻰ أن ﻳﺼﻞ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ إﻟﻰ )أﻧﺎ أﺗﻜﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ( ،وﻫﻨﺎ ﻳﺼﺒﺢ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ذﻟﻚ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﺤﻠﻢ ﺑﻪ ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻟﺴﻨﻴﺔ ،ﻷﻧﻪ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ أداة. وﺑﻬﺬا ﻓﺈﻧﻨﺎ إذا ﻣﺎ ﺣﺎوﻟﻨﺎ ﺳﺒﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎ أو اﻟﻜﻼم ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺳﻠﻮﻛﺎ وﺑﻴﻦ اﻟﻤﻔﻬﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮﻧﻬﺎ اﻟﻬﺪف اﻟﻌﺎم واﻷﺳﻤﻰ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت ،وﻣﺎ ﻳﺘﺒﻊ ذﻟﻚ ﻣﻦ إﺷﻜﺎﻻت واﻟﺘﺒﺎﺳﺎت ﻋﺎﻣﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﻼﻗﺔ اﻟﻜﻼم ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ وﻛﻴﻒ ﻧﺠﻌﻞ اﻟﻠﻐﺔ ﺗﻤﺜﻴﻼً ﻟﻤﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﻗﻮﻟﻪ ،ﻓﺈن ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻌﻴﺪ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ )اﻟﻤﻔﻬﻮم( اﻟﺬي ﻳﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻜﻼﻣﻲ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻠﻐﻮي. وﻷن )اﻟﻤﻔﻬﻮم( ﺑﻨﻴﺔ ذﻫﻨﻴﺔ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻟﺘﺼﻨﻴﻒ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ أو اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺠﺮﻳﺪ اﻋﺘﺒﺎﻃﻲ ،ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺘﺼﻮره ﺻﻮرا ً ذﻫﻨﻴﺔ ﻟﺸﻲء ﻣﺤﺪد ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ أي )ﻋﺎﻟﻢ اﻷﺷﻴﺎء( ،أو اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﻌﺎﻟﻢ اﻷﺣﺎﺳﻴﺲ واﻟﺘﺨﻴﻼت ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر )اﻟﻤﻔﻬﻮم( وﺣﺪة ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﻔﺮد ،أو اﻟﺠﻮﻫﺮ، أو اﻟﻤﻮﺿﻮع ،أو اﻟﻤﺤﺴﻮس ،وﻫﻲ وﺣﺪة ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺿﻤﻦ
140
اﻟﻠﻐﺔ ﺗﺘﻜﻠﻢ أم ﻧﺤﻦ؟
ﺗﻤﺜﻴﻼت ذﻫﻨﻴﺔ ﻟﻸﺷﻴﺎء ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﱢﻦ ﻣﻦ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺎت. وﺑﻬﺬا ﻓﺈن اﻟﻤﻔﻬﻮم ﻫﻨﺎ ﻟﻪ دﻻﻟﺔ ﻣﺮﺣﻠ ّﻴﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺰﺣﺰﺣﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﺪﻓﻊ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ إزاﺣﺔ اﻟﻐﻤﻮض أو اﻻﺿﻄﺮاب ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺿﺒﻂ اﻟﺪﻻﻟﺔ و ﺗﻔ ّﺮدﻫﺎ وﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﻴﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﺒﻴﻴﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ )اﻟﻤﺪﻟﻮل( اﻟﺬي ﺳﻴﺸﻜﻞ ﺗﺤﺪﻳﺎً ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﺳﺘﺤﺪاث اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻴﺪ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﺪوال، وﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﺪﻟﻮﻻت ﻣﻌﻠﱠﻠﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪة ﻓﻲ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺟﻮﻫﺮ )اﻟﻜﻠﻤﺔ( و)اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ(. ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﻤﺎ وﺿﺢ دو ﺳﻮﺳﻴﺮ ﻓﺈن اﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﺪال ﻟﺘﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻟﻮل ،واﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ اﻋﺘﺒﺎﻃﻴﺔ ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻃﺎﺑﻊ اﻟﻌﻠﻴﱢﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺘﻘﺎت اﻟﻤﻮﻟﺪة ﺑﻔﻀﻞ اﻟﻘﻮاﻟﺐ اﻟﺼﻮرﻳﺔ اﻟﻤﺤﺪدة دﻻﻟﻴﺎ ،وﻳﺄﺧﺬ اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻣﺴﺎرا ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎً إذ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻟﻮل )اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﻔﻬﻮم( ﻟﻴﺤﺪد اﻟﺪال اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺻﻮرة اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ )أي اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ( ،وﺳﻨﺠﺪ أن اﻟﻌﻠ ﱢﻴﺔ أﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺮﻛﻨﻴﻦ .وﻟﻬﺬا ﻓﺈن أﻫﻢ اﻟﺮواﺑﻂ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﻴﻦ )اﻟﻜﻠﻤﺔ( و)اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ( ﻫﻨﺎ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺘﻀﻤﻨﺔ ﺑﺎﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻢ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻤﺎ؛ ذﻟﻚ أن اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻳﺘﻢ وﺿﻌﻪ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﻗﻮاﻋﺪ ﺗﻮﻟﻴﺪ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻊ ﺿﺮورة ﻣﺮاﻋﺎة ﻗﻴﻮد ﺻﺎرﻣﺔ ﻟﺴﻼﻣﺔ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻗﺪ ﻳﺘﺴﺎﻫﻞ اﻟﻠﻐﻮي إزاءﻫﺎ أﺛﻨﺎء ﺻﻴﺎﻏﺔ اﻟﻜﻠﻤﺎت واﻟﺘﺮﻛﻴﺒﺎت ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. وﻟﻮ ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ )اﻟﻤﻔﻬﻮم( و)اﻟﻜﻠﻤﺔ( ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ اﻟﻮاﻗﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻨﻪ ﻫﻮ اﻟﻤﺮﺟﻊ واﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﺬي ﻳﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،وﻟﻌﻞ ذﻟﻚ ﻫﻮ
ﻣﺎ اﻟﺨﺒﺮ ،ﺛﻢ ﻗﺘﻞ أﺳﻴﺮه ،وﻋ ّﺮج ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻋﺠﻮز ﻗﺘﻠﻬﺎ ،وﺣ ّﻤﻞ ﻗﺎﻓﻠﺘﻪ ﻣﻦ ﻛﻬﻒ اﻟﻤﺘﻮﺣﺸﻴﻦ وﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ .ﻟﻜﻨﻪ وﺟﺪ ﻣﺎﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ إﺑﻞ ﻗﺪ ﺿﺎع ،وذﻫﺐ أﻫﻠﻪ، واﻧﻘﻄﻌﺖ أﺧﺒﺎرﻫﻢ ،ﻓﺨﺮج ﻣﻜﺒﺎً ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﻳﺒﺤﺚ وﻳﺴﺄل، وﻟﺪﻳﻪ ﻣﺜﻘﺎل ﻣﻦ ذﻫﺐ ،ﻓﻠﻘﻲ إﻣﺮأة ﺳﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ إﺑﻠﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إن أﻋﻄﻴﺘﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻘﺎل أرﺷﺪﺗﻚ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﻋﻄﺎه ﻟﻬﺎ .ﻗﺎﻟﺖ إﻟﻲ ﻛﻞ رواح ﺷﻤﺲ ﺑﻤﻞء ﻟﻪّ : ﻟﺪي ﺣﻤﺎﻣﺘﺎن ﻗﻤﺮﻳﺘﺎن ﺗﻌﻮدان ّ أﻓﻮاﻫﻬﻤﺎ ﻣﻦ وﺑﺮ اﻹﺑﻞ ،ﻗﺎدﻣﺘﺎن ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ. واﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﻋﺎدﺗﺎ ﺑﺎﻟﻮﺑﺮ ،ﻓﺴﺎر ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺔ ،وﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻪ وأﺑﻨﺎﺋﻪ وﻗﺪ ﺳﺨّﺮﻫﻢ اﻟﺮاﻋﻲ ﻟﺮﻋﻲ اﻹﺑﻞ ،ﻳﻀﺮﺑﻬﻢ وﻳﻌﺬﺑﻬﻢ، ﻓﺄدﻧﻰ ﻣﻨﻪ اﻷب ﺑﻌﻴﺮﻳﻦ وﻫﻮ ﻧﺎﺋﻢ ،وﺷﺪ رﺟﻠﻴﻪ ﻷﺣﺪﻫﻤﺎ ،وﻳﺪﻳﻪ ﻟﻠﺜﺎﻧﻲ ،وﺿﺮﺑﻬﻤﺎ ،ﻓﺎﻧﺸﻄﺮ اﻟﺮاﻋﻲ ﺷﻄﺮﻳﻦ ،وذﻫﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺄﺳﺮﺗﻪ ودواﺑﻪ وﻋﺎد إﻟﻰ أﻫﻠﻪ. ﻫﺎﺗﺎن اﻟﺤﻜﺎﻳﺘﺎن ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ ﺗﻄﻔﺤﺎن ﺑﻪ ﻣﻦ ﻏﺮاﺋﺒﻴﺔ وﻣﺒﺎﻟﻐﺔ وﺗﻬﻮﻳﻞ ،إﻻ أﻧﻬﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮان ﻣﺪى ﺣﻀﻮر واﺳﺘﺤﻀﺎر ﺳﻴﺮة اﻟ َﺠ َﻤﻞ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ وﺗﻌﺎﻟﻘﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﻌﻄﻴﺎت اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺤﻴﻼن إﻟﻰ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﻤﺴﺘﻠﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﻴﺮة اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. اﻟﺠ َﻤﻞ ﻓﻲ ا(ﻣﺜﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ َ
ﻋﻄﻔﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻘ ّﺪم ،ﻇﻞ اﻟﺠﻤﻞ ﺣﺎﺿﺮا ً ﺑﺘﺮاﺛﻪ اﻟﺰاﺧﺮ ،وﻫﺬا
ﻣﺎ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻨﻪ ﺑﺠﻼء اﻟﻌﺎدات اﻟﻘﻮﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮارﺛﻬﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻦ أﺳﻼﻓﻪ ،وﺗﻢ ﺗﻀﻤﻴﻦ ﺳﻴﺮة اﻟﺠﻤﻞ وﺻﻔﺎﺗﻪ وأوﺻﺎﻓﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﺎل واﻟﺤﻜﻢ اﻟﻤﺴﺘﻘﺎة ﻣﻦ ﻧﻈﺮة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﺠﻤﻞ ،وﻳﻀﺮﺑﻮن ﻓﻲ ذﻟﻚ أﻣﺜﺎﻻً ﺳﺎرت ﺑﻬﺎ اﻟﺮﻛﺒﺎن وﺗﻨﺎﻗﻠﺘﻬﺎ اﻷﺟﻴﺎل ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وزﻣﺎن ،وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ «:إﻟﻴ ْﻦ ﺗﺒﺮك اﻟﻨﺎﮔﻪ ا ْﻋﻞ ذروﺗﻪ« ،أي ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺮك اﻟﻨﺎﻗﺔ ﻋﻠﻰ ذروﺗﻬﺎ( ،وﻳﻀﺮب ﻓﻲ اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺗﺤﻘﻘﻪ ،و«إﺑﻞ اﻧﻴﺮزﻳﮓ« ،وﻳﻀﺮب ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﻴﺄس ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻲء ،ﻷن إﺑﻞ »اﻧﻴﺮزﻳﮓ« ،وﻫﻲ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﻦ ،ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎً ﺟﻮدا ً وﻻ ﻋﻨﻮةً، وﻣﺜﻞ«اﻟﺒﻞ ﻣﺎ ﺗﻮﻛﻞ ﻳﻜﻮن اﻟﮕﺪا ِﻣﻲ ﻣﻨﻪ« أي أن اﻹﺑﻞ ﻻ ﺗﺄﻛﻞ إﻻ اﻟﻤﺘﻘﺪم ﻣﻨﻬﺎ ،وﻳﻀﺮب ﻓﻴﻤﻦ ﻳﻨﺘﻘﺪ أﻫﻞ اﻟﻔﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس، و«اﻟﻠﻲ ﻳﻌﺮف ﺻﻨﻌﺔ ﺟﻤﻠﻮ ﻣﺎ ﻳﻄﻴﺤﻮ« ،أي ﻣﻦ ﻳﻌﺮف ﺳﺠﻴﺔ ﺟﻤﻠﻪ ﻟﻦ ﻳﻄﺮﺣﻪ أرﺿﺎً ،وﻳﻀﺮب ﻓﻲ ﻣﻦ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ أو ﻳﺴﻮﺳﻪ ،وﻣﺜﻞ »ﺟـ َـ ْﻤﻞ اﻟﺪﻫﺮ إﻟﻰ ﺑ ّﺮك ﻟﻚ ارﻛﺒﻮ« ،أي ﻣﻄﻴﺔ اﻟﺪﻫﺮ إن أﻧﺎﺧﻬﺎ ﻟﻚ ﻓﺎرﻛﺒﻬﺎ ،وﻳﻀﺮب ﻓﻲ ﺿﺮورة ﻣﻮاﻛﺒﺔ اﻟﻈﺮف، وﻳﻠﺨّﺼﻮن ﺗﻌ ّﺪد اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ واﻫﺮب« ،ﻛﻤﺎ ﺗﻢ ﺗﻀﻤﻴﻦ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺜﺎل وارﻛﺐ »أﺣﻠﺐ واﺷﺮب ْ ْ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻔﺼﻴﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ ﺟﺰءا ً ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻣﺜﻞ »ﻻ ﻧﺎﻗﺔ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ وﻻ ﺟﻤﻞ« ،ﻣﺎ ﻳ ّﻨﻢ ﻋﻦ ﻗﻮة وﻣﺘﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ واﻻﺳﺘﻌﻤﺎل
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
139
ﺣﺒﺎل اﻟﺤﻴﺎة » اﻟﻬﺠﻦ« ﻗﻮم ﺿﺎرﺑﻮن ﻓﻲ اﻟﺒﺪاوة ،وﻟﻬﻢ ﺻﻔﺎت وﺳﻤﺎت ﻳﺘﻤﻴﺰون ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ. اﻟﺠ َﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ َ
وﺗﺤﻔﻞ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺤﻮﻟﻴﺔ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻋﻦ وﻇﻴﻔﺔ اﻟﺠﻤﻞ ودوره ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻢ واﻟﺤﺮب ،وﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ دروب اﻟﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺨﺘﺰن اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ واﻟﻐﺮاﺋﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺘﺪاول ﻋﺒﺮ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺸﻔﻮﻳﺔ ،وﺗﺮوﻳﻬﺎ اﻷﻣﻬﺎت واﻟﺠﺪات ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻣﻊ اﻷﻃﻔﺎل ﻗﺒﻞ اﻟﻨﻮم ،وﻗﺪ ﻧ ُِﺴﺠﺖ ﺧﻴﻮط ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻣﻦ واﻗﻊ اﻻرﺗﺒﺎط اﻟﻮﺛﻴﻖ ﻟﻠﺠﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺒﻲ، وﻫﻲ ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺗﻄﺒﻌﻬﺎ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻓﻲ إﺣﺎﻟﺔ ﺿﻤﻨﻴﺔ إﻟﻰ دﻻﻟﺔ اﻟﻤﻌﻨﻰ، وﻣﻨﺒﻊ اﻻﺳﺘﻠﻬﺎم ،اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻈﻢ ﺿﻤﻦ اﻟﺴﻴﺎق اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﻤﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﺎءات ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﻣﻔﺘﻮح أﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﻧﺴﻴﺞ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﻄﺎﻓﺤﺔ ﺑﺎﻟﺮﻣﺰﻳﺔ واﻟﻘﻴّﻢ ،ﻛﻤﺎ أﻓﺴﺢ اﻟﻤﺠﺎل أﻣﺎم اﻟﺮواة ﻟﻠﺘﺠﻨﻴﺢ ﺑﺨﻴﺎﻻﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﻮاﻟﻢ ﻣﻜﺘﻨﺰة ﺑﺎﻟﺼﻮر اﻟﻐﺮاﺋﺒﻴﺔ ﻋﻦ ﻋﻮاﻟﻢ اﻓﺘﺮاﺿﻴﺔ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﻦ ﻓﺮط ﺧﻴﺎل اﻟﺮاوي ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﺎ ﺗﺮﻣﺰ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺒﻨﺎﻫﺎ وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ إﻟﻰ ﻗﻴﻤﺔ أﺧﻼﻗﻴﺔ ﻣﺴﺘﺨﻠﺼﺔ ﻣﻦ ﺗﺠﺎرب ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ وواﻗﻌﻴﺔ أو ﺣﺘﻰ اﻓﺘﺮاﺿﻴﺔ ﻣﺆداﻫﺎ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﺗﺠﺎرب اﻟﻤﺎﺿﻲ ،واﻟﺘﺴﻠﻴﺔ واﻟﺘﺮﻓﻴﻪ، وﺷﺤﺬ ﻫﻤﺔ اﻟﺴﺎﻣﻊ ودﻋﻮﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﻠّﻲ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﻴﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﻧﺒﻴﻞ، وﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﻫﺬا اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﺜّﻞ اﻟ َﺠ َﻤﻞ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺨﺼﺐ اﻟﺬي ﻏﺬى اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺮدات واﻟﻤﻌﺎﻧﻲ واﻟﻘﻴﻢ، وﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﺑﺮز اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻧﺬﻛﺮ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻮﻟﺪ ورﺋﻴﺲ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ» ،اﻟﺮاﺟﻞ)اﻟﺮﺟﻞ( واﺟﻤﻞ وﻟﻐﺰال«، »اﻟﺮﻓﻘﺔ« وﺷﻴﺦ اﻟﺪﺷﺮة )اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ( ،اﻟﺮاﺟﻞ اﻟﺬي اﺳﺘﻌﺎد اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ واﻹﺑﻞ ،اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وول )وﻟﺪ( ﺷﻴﺦ اﻟﺪﺷﺮة إﻟﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﻄﺮﻳﻔﺔ ،اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ،اﻟﻤﺴﻠّﻴﺔ.
ﻳﻮم ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻌﺔ ﺟﻤﺎل ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻠﺤﺎ ﻟﻠﺒﻴﻊ ﻓﺴﻘﻂ وﻟﺪ ﻣﻦ أﻋﻼﻫﺎ وأﺧﺬ ﻳﺒﻜﻲ؛ ﻓﺄﺧﺬه رﺋﻴﺲ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ووﺿﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﺨﺬﻳﻪ وأﺳﻜﺘﻪ ﺛﻢ ﺣﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﻪ وذﻫﺐ ﺑﻪ. وﻟﻜﻦ اﻟﻮﻟﺪ ﻟﻢ ﻳﺰل ﻳﺒﻜﻲ ﺑﻜﺎءا ً ﺷﺪﻳﺪا ً ،وﺑﻌﺪ أن ﻗﻄﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻗﺼﻴﺮة ﺗﻬﺎوى ﺟﻤﻠﻪ ﻣﻴﺘﺎ ﻓﺤﻤﻞ اﻟﻄﻔﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﺴﺎدس ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎت ﺑﻌﺪ ﺧﻄﻮات ﻓﺎﻟﺨﺎﻣﺲ إﻟﻰ أن ﺑﻘﻲ ﻟﻬﻢ ﺟﻤﻞ واﺣﺪ!! ﺣﺎر رﺋﻴﺲ »اﻟﺮﻓﻘﺔ« ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ أن ﻳﻌﻮدوا إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻹﺣﻀﺎر ﺟﻤﺎل ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻘﻲ اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻮﻟﺪ وﺣﺪﻫﻤﺎ أﻣﺮه اﻟﻮﻟﺪ أن ﻳﻀﺮب ﺷﺠﺮة ﻛﺎﻧﺖ أﻣﺎﻣﻪ ﺑﻌﺼﺎه ﻳﻤﻴﻨﺎ وﻳﺴﺎرا ﺛﻢ ﻳﻌﻮد .وﻟﻤﺎ ﺿﺮب اﻟﺸﺠﺮة وﻓﺘﺢ اﻷﻛﻴﺎس وﺟﺪﻫﺎ ﻣﻌﺒﺄة ذﻫﺒﺎ ﻣﻜﺎن اﻟﻤﻠﺢ ﻓﻔﺮح اﻟﺮﺟﻞ واﻏﺘﺒﻂ. ﻗﺎل ﻟﻪ اﻟﻮﻟﺪ أﻧﺎ ﻣﺮﺳﻞ إﻟﻴﻚ ﻣﻦ رﺑﻚ وﻫﺬا ﺟﺰاء ﺻﺒﺮك وﺗﺤﻤﻠﻚ ،واﻵن اذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻹﺣﻀﺎر ﺟﻤﺎل أﺧﺮى ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ذﻫﺒﻚ وﺗﺘﺼﺮف ﻓﻴﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﻠﻮ ﻟﻚ. اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ
ﺗﻘﻮل ﺣﻜﺎﻳﺔ »اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي اﺳﺘﻌﺎد اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ واﻹﺑﻞ« إن ﻗﺮﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎ ﺑﻌﺜﺖ ﻗﺎﻓﻠﺔ اﺧﺘﻔﺖ وﻻ ﻳﻌﻮد ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺨﺒﺮ واﺣﺪ ،ﻓﺒﻌﺜﺖ ﻗﺎﻓﻠﺔ أﺧﻴﺮة ،وﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺮﺟﺎل اﻷﺷﺪاء إﻧﻪ ﺳﻴﺬﻫﺐ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺮف ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ،ﻓﺴﺎرت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻟﻴﺎﻟﻲ وأﻳﺎﻣﺎً إﻟﻰ أن ﻧﺰﻟﺖ ﻗﺮب ﻗﺮﻳﺔ ﻓﺮﺑﻄﻮا ﺧﻴﻠﻬﻢ وأﻃﻠﻘﻮا دواﺑﻬﻢ اﻷﺧﺮى ﺗﺮﻋﻰ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺄﺧﺮ اﻟﻠﻴﻞ اﺳﺘﻴﻘﻆ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺋﻦ ّ ﻳﻔﻚ اﻟﺨﻴﻞ ﻣﻦ ﻣﺪارﻛﻬﺎ ،ﻓﺨﺎﺗﻠﻪ ﺣﺘﻰ أﻣﺴﻚ ﻋﻨﻘﻪ وأوﺛﻘﻪ ،وﺳﺄﻟﻪ ﻣﻦ أﻧﺖ؟ وﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ؟ وﻣﻦ
أﻳﻦ أﺗﻴﺖ؟ أﺟﺎب :أﻧﺎ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻮﺣﺸﻴﻦ ،ﻧﻘﻄﻊ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮاﻓﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ،وﻧﺄﻛﻞ اﻟﺒﺸﺮ. ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻪ :وﻛﻴﻒ ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎﺑﻚ؟ أﺟﺎب:أﺣﺪﻫﻢ ﻳﺄﺗﻲ إذا ﺻﻔﺮت ﻟﻪ ﺗﺼﻔﻴﺮة واﺣﺪة ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﺗﺼﻔﻴﺮﺗﺎن ،واﻟﺜﺎﻟﺚ ﺛﻼث ﺗﺼﻔﻴﺮات. ﻓﺄﻃﻠﻖ ﻟﻪ ﻗﺪﻣﻴﻪ ،وﺳﺎﻗﻪ إﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻴﻤﻮن ،وﺻﻔﺮ ﻣﺮة ﻓﺠﺎء اﻷول وﺣ ّﺰ رأﺳﻪ ﻋﻦ ﻋﻨﻘﻪ ،وﺻﻔﺮ اﺛﻨﺘﻴﻦ ﻓﺈذا اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﻌﻮد ﺗﻘﺼﻒ ﺛﻤﻦ اﻟﺼﺒﺮ ﻓﻌﺎﺟﻠﻪ وﻗﻄﻊ رأﺳﻪ ،ﺛﻢ ﺻﻔﺮ ﺛﻼث ﻣﺮات ﻓﺴﻤﻊ ﺻﻮت ّ ﺗﻘﻮل ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻮﻟﺪ ورﺋﻴﺲ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ أن ﺳﺒﻌﺔ رﺟﺎل ﺳﺎﻓﺮوا ذات اﻟﺠﺬوع واﻷﺷﺠﺎر وإذا ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻓﺄﻃﺎر رأﺳﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﺮف
138
اﻟﺠَ َﻤ ُﻞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺔ
اﻟﺠ َﻤ ُ ﻞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺔ َ » رﻣﺰﻳﺔ اﻻﺳﺘﻠﻬﺎم ودﻻﻟﺔ اﻟﻤﻌﻨﻰ «
ﻣ ّﻨﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر@
ﻳﺮﺗﺒﻂ اﻟﺠﻤﻞ ارﺗﺒﺎﻃﺎً وﺛﻴﻘﺎً ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﻪ »ﻓﺎرس« اﻟﺤﺮب اﻟﻤﻐﻮار ،و«ﺳﻔﻴﻨﺔ اﻟﺼﺤﺮاء« اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻮب اﻟﻔﻴﺎﻓﻲ واﻟﻘﻔﺎر ،وﺗﺘﺤ ّﻤﻞ اﻟﻌﻨﺎء واﻟﻤﺸﻘﺔ ﺑﺼﺒﺮ و َﺟﻠَﺪ ،وﻳﻘﺪّ م ﺑﻌﺾ ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﺗﺼﻮراً ﺧﺼﺒﺎً ﻟﻠﺤﻴﺎة ورؤﻳﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻷﻛﺜﺮ اﻟﺘﺼﺎﻗﺎً ﺑﻮﺟﺪاﻧﻪ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺴﺞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺒﻄﻮﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮوﻳﻬﺎ اﻷﻣﻬﺎت واﻟﺠﺪات ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻣﻊ أﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ﻟﺸﺤﺬ ﻫﻤﻤﻬﻢ وﺗﻨﻤﻴﺔ ﻣﺪارﻛﻬﻢ وﺗﺮﺑﻴﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﻢ اﻷﺻﻴﻠﺔ واﻟﻤﺜﻞ اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺻﺪق ووﻓﺎء وأﻣﺎﻧﺔ واﻧﺘﺼﺎ ٍر ﻟﻠﻤﻈﻠﻮم..وﺗﺮوﻳﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﺎء واﻟﻤﺸﻘﺔ واﻟﺼﺒﺮ واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤ ّﻤﻞ.
ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ﻣﺜّﻞ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﻞ اﻟﺒﺪو اﻟﺮ ّﺣﻞ ،ﺳﻼح ﺣﺮب ،ووﺳﻴﻠﺔ ﻣﻌﺎش وﺣﻴﺎة ﻓﻲ ّ واﻟﺘﺮﺣﺎل .ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺤﻤﻠﻮن أﺛﻘﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻇﻌﻨﻬﻢ إﻟﻰ ﺑﻠﺪ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺑﺎﻟﻐﻴﻪ إﻻ ﺑﺸﻖ اﻷﻧﻔﺲ ،وﻳﺴﺘﻔﻴﺪون ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﻌﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮة ،وﻻ ﺗﺘﻢ ﻓﺘﻮة اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ إﻻ إذا ﻛﺎن ﻟﻪ ﺟﻤﻞ ﻋﺘﻴﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺪة ﺟﻴﺪة، وﻟﻠﺠﻤﻞ وﻇﺎﺋﻒ ﻣﺘﻌﺪدة ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎق اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ »اﻟﻤﻨﻴﺤﺔ« )وﻫﻲ اﻹﻋﺎرة ﻟﻐﺮض اﺳﺘﻐﻼل اﻟﻠﺒﻦ ﺧﺎﺻﺔ( ،ﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﺒﺎق ،واﻟﺪﻳﺔ ،وﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻌﻴﺎرا ً ﺟﻮﻫﺮﻳﺎً ﻓﻲ اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ أو اﻟﻨﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﺮوب ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ،ﻓﺈذا ﺳﻴﻘﺖ إﺑﻞ إﺣﺪى اﻟﻘﺒﻴﻠﺘﻴﻦ اﻟﻤﺘﺤﺎرﺑﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﻃﺮف اﻷﺧﺮى ،ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﺆﺷﺮا ً واﺿﺤﺎً ﻋﻠﻰ ﻫﺰﻳﻤﺘﻬﺎ .ﻛﻤﺎ ﺗﺴﻤﻰ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﻬﻦ اﻟﻨﺠﻌﺔ واﻟﺮﺣﻴﻞ ﺧﻠﻒ اﻹﺑﻞ ﺑـ«أﻫﻞ اﻹﺑﻞ« ،أي ﻣﻼّﻛﻬﺎ ،وﻳﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﺘﻮﺻﻴﻒ ﻣﻄﺎﺑﻘﺎً ﻟﺤﺎﻟﻬﻢ وﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﻢ ،ﻷﻧﻬﻢ ،ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة، اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
137
ﺣﺒﺎل اﻟﺤﻴﺎة » اﻟﻬﺠﻦ«
136
اﻟﺠَ َﻤ ُﻞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺔ
ﺑﻤﺤﺒﺔ
ا6ﻫﺎزﻳﺞ
ﺣﺎﻻت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺼﻮت إﻣﺎراﺗﻲ ﺗﻘﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺮي
ا(ﻫﺎزﻳﺞ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻦ ﻟﻪ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻋﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻹﻣﺎرات ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص ،واﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﻮم. وﻗﺪ ﻟﻌﺒﺖ اﻷﻫﺎزﻳﺞ دو ًرا ﺑﺎرزًا ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ، ﻷﻧﻬﺎ أﻃّﺮت ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺣﻴﺎة اﻷﺟﺪاد وﺣﺎﻻﺗﻬﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ -ﻣﻦ ﻓﺮاق واﺷﺘﻴﺎق وﺣﻤﺎس وﺣﺰن وﺣﺎﺟﺔ وﺗﻔﺎؤل وأﻣﻞ – ﻛﻤﺎ ﻋﺒﺮوا ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻤﻂ ﻣﺘﻨﺎﺳﻖ وﻣﺮﺗﺠﻞ وﺗﻠﻘﺎﺋﻲ ،ﺻﺎر ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﻋﺮﻓًﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴًﺎ وﺟﺰءا ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺘﺮاث. واﻷﻫﺎزﻳﺞ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻷﻧﺎﺷﻴﺪ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﻐﻨﺎة ،ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪ اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻟﻠﺼﻮت ﻣﻦ دون أن ﻳﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﺗﺪﺧﻞ أي آﻻت إﻳﻘﺎﻋﻴﺔ أو ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ،وﻫﻲ ﺗﺘﻨﻮع ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺑﺘﻨﻮع اﻟﺒﻴﺌﺔ واﺧﺘﻼف ﻧﻤﻂ ﻣﻌﻴﺸﺔ أﻫﻠﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺸﺘﺮك ﻓﻲ أن ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ داﺋ ًﻤﺎ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وﻇﺮوﻓﻬﺎ وﻣﻨﺎﺳﺒﺎﺗﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﺣﻈﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﺑﺮواج ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ أوﺳﺎط اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،ﻟﺘﻜﺮار اﻟﺴﻔﺮ ﻋﺒﺮ اﻟﺒﺤﺎر وﻣﺎ ﻋﺎﻧﺎه اﻟﺒﺤﺎرة وأﻫﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﻟﻮﻋﺎت ﺗﻮدﻳﻊ واﺷﺘﻴﺎق واﺳﺘﻌﺪاد ﻣﺘﻜﺮر ﻟﻠﺮﺣﻴﻞ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﺑﺮز ﻣﺎ ﻳﻬﺰج ﺑﻪ اﻟﺒﺤﺎرة اﻹﻣﺎراﺗﻴﻮن ﻟﻠﺘﺨﻔﻴﻒ واﻟﺘﺮوﻳﺢ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ وﺑﺚ روح اﻟﺤﻤﺎس واﻟﻌﻤﻞ واﻟﺘﺤﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ: ﻻ ﺗﺮﻛﺐ اﻟﻐﻮص ﻻ ﻳﺎ وﻟﺪ واﻷم ﻣﺤﺰوﻧﺔ ﻻ ﺗﺤﺴﺐ اﻟﻐﻮص ﻟﻘﻤﺔ ﻋﻴﺶ ﻣﺪﻫﻮﻧﺔ ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺰﻳﻦ ﻋﻦ ﺑﺎﻟﻪ وﻋﻦ ﻋﻴﻮﻧﻪ واﻟﺰاﺟﺮة دوم ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻚ وﺑﻴﻨﻪ . وﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﺗﺮدﻳﺪ اﻷﻫﺎزﻳﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺎرة ،ﺑﻞ ﺣﺘﻰ إن أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ﺣﻴﻦ ﻳﺒﺮﺣﻬﻢ اﻟﺸﻮق واﻟﺤﻨﻴﻦ ﻵﺑﺎﺋﻬﻢ أﺛﻨﺎء ﺗﻐﻴﺒﻬﻢ ﻓﻲ رﺣﻠﺔاﻹﺑﺤﺎر -ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﺒﻠﻮن ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ وﻳﻬﺰﺟﻮن ﺑﺮوح ﺑﺮﻳﺌﺔ وﻣﻔﺮدات ﻃﻔﻮﻟﻴﺔ اﺳﺘﻌﻄﺎﻓﺎ ﻟﻠﺒﺤﺮ ﻟﻴﻌﺠﻞ ﺑﻌﻮدة آﺑﺎﺋﻬﻢ.
وﻳﺤﺪﺛﻨﺎ اﻟﺤﺎج ﺧﻤﻴﺲ اﻟﺤﺎرب ﻣﺴﺘﺤﻀ ًﺮا ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺤﻤﻞ ،ﻳﻘﻮل» :ﻛﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻧﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﻗﻮﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ رب اﻟﻌﺒﺎد وﺑﺤﺮ اﻟﺒﻼد ﺣﻴﺚ ﻛﻨﺎ ﻧﻨﻄﻠﻖ ﺑﺎﺣﺜﻴﻦ ﻋﻦ اﻟﺮزق ،ﻛﻨﺎ ﻧﻤﺮ ﺑﺄﻳﺎم ﻻ ﻧﺠﻠﺐ ﻓﻴﻬﺎ أي ﺷﻲء ،ﻓﻜﻨﺎ ﻧﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﻗﻬﺮﻧﺎ وأﻟﻤﻨﺎ وﺗﻌﺒﻨﺎ واﺷﺘﻴﺎﻗﻨﺎ ﺑﺘﻠﻚ اﻷﻫﺎزﻳﺞ .وﻻ أﺧﻔﻴﻚ ﺑﺄن ﻟﻬﺎ وﻗ ًﻌﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ ﺣﻴﺚ ﻛﻨﺎ ﻧﺘﺮﺟﻢ ﺣﺎﻟﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﻔﺮدات أﻫﺰوﺟﻴﺔ ،وﺣﺘﻰ ﺣﻴﻦ ﻧﺪﻋﻮ اﻟﻠﻪ ﺑﺄن ﻧﻌﻮد إﻟﻰ أﺳﺮﻧﺎ ﺳﺎﻟﻤﻴﻦ ﻣﺤﻤﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﺮزق ﻛﻨﺎ ﻧﺮدد اﻟﺪﻋﺎء ﺑﺼﻮرة أﻫﺎزﻳﺞ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ »أﻧﺎﺷﻴﺪ« اﻟﻐﺮض ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺨﻔﻴﻒ اﻟﻀﻐﻮﻃﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﺮاء اﻟﺒﺤﺮ وأﻫﻮاﻟﻪ ،وﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧُﻌﺪه ﻓ ًﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﻴﻮم ،وﻟﻜﻨﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﻛﺎن ﻧﻤﻂ ﺣﻴﺎة؛ ﻓﺤﻴﻦ ﻧﻔﺮح ﻧﻬﺰج وﺣﻴﻦ ﻧﺤﺰن أﻳﻀً ﺎ »ﻧﻬﺰج«، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎﻻﺗﻨﺎ ﻛﺎن ﻟﻸﻫﺎزﻳﺞ ﺣﻀﻮر ،وﻛﺎﻧﺖ أﻫﺰوﺟﺔ أو ﻳﺎ ﻣﺎل ﻫﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻧﺮدده«. ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﺗﺼﻒ أم ﺧﻠﻴﻔﺔ -اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﺖ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺰراﻋﻴﺔ واﻟﺠﺒﻠﻴﺔ -أن اﻷﻫﺎزﻳﺞ وﺳﻴﻠﺔ ﻳﻠﺠﺄ إﻟﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ أﺣﺎﺳﻴﺴﻪ ﻓﺮ ًﺣﺎ ﻛﺎﻧﺖ أم ﺣﺰﻧًﺎ ،وﻟﻬﺎ ارﺗﺒﺎط ﺑﺤﻴﺎة اﻷﻃﻔﺎل ﺣﻴﺚ ﻳﺠﻤﻠﻬﺎ ﺻﻮت وﻋﻔﻮﻳﺔ اﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﺘﺮدﻳﺪ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬت أﻫﺎزﻳﺞ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ﻛﻠﻴﻠﺔ اﻟﻨﺼﻒ ﻣﻦ ﺷﻌﺒﺎن ،ﻟﻌﺒﺖ اﻷﻫﺎزﻳﺞ دو ًرا ﻓﻲ ﺗﻮﺻﻴﻞ اﻟﻤﻔﺮدات اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺒﺤﺘﺔ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ اﻷﻃﻔﺎل ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺴﻠﻴﺔ ،وﺗﺮدف أم ﺧﻠﻴﻔﺔ» :أﺗﺬﻛﺮ إﺣﺪى اﻟﺴﺎﺋﺤﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺖ ﻟﺰﻳﺎرة ﻣﻌﺮض ﺗﺮاﺛﻲ أﻗﻤﻨﺎه ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﻴﻮم اﻟﻮﻃﻨﻲ ،43وأﺧﺒﺮﺗﻨﻲ أﻧﻬﺎ ﺗﺤﺐ ﺳﻤﺎع اﻷﻫﺎزﻳﺞ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وﺗﺤﻔﻆ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻟﻔﻆ اﻟﻜﻠﻤﺔ وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺗﺘﻔﺮغ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﻔﺮدات ورﻏﻢ اﻟﻤﺸﻘﺔ إﻻ أﻧﻬﺎ ﺗﺠﺪ ﻣﺘﻌﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ،ﻟﺬا ﻓﺎﻷﻫﺎزﻳﺞ ﻫﻲ إﺣﺪى اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﺛﻘﺎﻓﺔ وﻫﻮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻦ وﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻧﻘﻠﻬﺎ إﻟﻰ أﺑﻨﺎﺋﻨﺎ وأﺣﻔﺎدﻧﺎ اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
135
ﻋﻠﻮم وﺗﺎرﻳﺦ
ﻣﺼﺪ ًرا وﺛﺎﺋﻘ ًﻴﺎ ﻫﺎ ًﻣﺎ ﻟﺤﻀﺎرات اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. أﺳﺎﺳﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻓﻦ اﻟﺤﻔﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺘﺎم وﻧﺸﺄت ﻓﻜﺮة اﻟﻌﻤﻠﺔ ً ﺑﺎﻟﻌﻼﻣﺎت أو اﻟﺮﻣﻮز ﻓﻲ إﺷﺎرة إﻟﻰ اﺳﻢ ﺷﺨﺺ أو ﺗﻌﺒﻴ ًﺮا ﻋﻦ دﻳﺎﻧﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ .ﻛﻤﺎ أن اﻷﺷﻜﺎل أو اﻟﺮﻣﻮز وﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻤﺤﻔﻮرة ﺗﺒﻴﻦ وﺗﻌﻜﺲ اآﻟﻬﺔ اﻟﻤﻌﺒﻮدة واﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ُﺳ ﱠﻚ ﻓﻴﻪ أو اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي أﻣﺮ ﺑﺴﻜﻬﺎ أو ﺳﻜﺖ ﺑﺎﺳﻤﻪ وﻟﻤﻌﺒﻮده اﻟﺬي ﻳﺘﻴﻤﻦ ﺑﻪ أو ﻳﻌﺒﺪه .ﻋﻠﻰ أﻧﻪ وﻟﻘﺮون ﻋﺪﻳﺪة ﻗﺒﻞ اﺧﺘﺮاع اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻠﻊ ﺗُﺒﺎع وﺗُﺸﺘﺮى ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻤﻘﺎﻳﻀﺔ أو اﻟﻤﺒﺎدﻟﺔ. وﻗﺪ ﺑﺪأ ﺳﻚ ﻗﻄﻊ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻴﻮﻧﺎن ﻓﻲ ﺣﻮاﻟﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ق.م .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأت ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻨﻘﻮش ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺤﺘﻜﺮ إﺻﺪارﻫﺎ وﻛﺎن ﻟﺰا ًﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﻀﻊ رﻣﺰﻫﺎ اﻟﺨﺎص ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻮد .وﻫﻜﺬا أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺷﻌﺎرات وﻣﻌﺘﻘﺪات اﻟﺪول اﻟﺘﻲ أﺻﺪرﺗﻬﺎ وﺗﺆﻛﺪ اﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺘﻬﺎ وﻛﻴﺎﻧﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﺠﺎرة. ﻓﻲ أول اﻷﻣﺮ ﻏﻠﺐ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺎرات واﻟﺮﻣﻮز اﻟﻤﻀﺮوﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻊ اﻟﻌﻤﻠﺔ ،وﻇﻞ ﺳﺎﺋ ًﺪا ﺣﺘﻰ ﻣﺠﻰء اﻻﺳﻜﻨﺪر اﻟﻤﻘﺪوﻧﻲ ﻋﺎم 333ق.م ،ﻓﻜﺎن أول ﺣﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺗﻈﻬﺮ ﺻﻮرﺗﻪ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻮد .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﺻﻮر اﻻﺳﻜﻨﺪر ﻟﻢ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻮد ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﺑﺼﻮرة ﻣﺒﺎﺷﺮة وواﺿﺤﺔ ﺑﻞ ﻣﺘﻤﺜﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﺒﻮد ﻫﺮاﻛﻠﻴﺲ .وﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮت ﺻﻮرﺗﻪ ﺑﻜﻞ وﺿﻮح ﻟﻢ ﺗﻮﺿﻊ إﻻ ﺑﻌﺪ إﻋﻄﺎء ﺧﻠﻔﺎﺋﻪ ﺻﻔﺔ اﻷﻟﻮﻫﻴﺔ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ﻋﺎم 323ق.م .وﻣﻊ ﺣﻠﻮل اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﻟﻮﺣﺎت ﻓﻨﻴﺔ راﺋﻌﺔ واﻧﺘﺸﺮت ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أرﺟﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺎﻟﺬات أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻨﻘﻮد ﻋﻤﻠﺔ ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ رﺳﻤﻴﺔ ﺗﺤﻤﻞ اﺳﻢ اﻟﺪوﻟﺔ وﺧﺎﺗﻤﻬﺎ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﺿﻤﻦ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻨﻘﺪ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺪول اﻟﺬي ُﻋﺮف ﺑـ »ﻧﻮﻣﻮس«. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﻚ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺳﻬﻠﻪ وﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﺪة ﻓﻜﺎن اﻟﻔﻨﺎن ﻳﻨﺤﺖ
134
ﻋﻠﻢ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت
اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺮوﻧﺰ أو اﻟﻤﻌﺪن ،ﺛﻢ ﺗﻮﺿﻊ ﻫﺬه اﻟﻘﻄﻌﺔ اﻟﻤﻨﺤﻮﺗﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ وﺗﻮﺿﻊ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ اﻟﻤﻌﺪن اﻟﻤﺮاد ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﻋﻤﻠﺔ وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك وﺟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻗﺪ ﺗﻢ ﺻﻨﻌﻪ إذا ﻣﺎ ﻃﺮق اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻓﻮق اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺑﺜﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ .وﻳﻮﺿﻊ ﻓﻮق ﻗﻄﻌﺔ اﻟﻤﻌﺪن اﻟﻤﺮاد ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﻋﻤﻠﺔ ﺧﺘﻢ آﺧﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﻮرة ﻣﻨﺤﻮﺗﺔ ﺛﻢ ﻳﻄﺮق ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺨﺘﻢ ﻣﻦ أﻋﻠﻰ ﻟﺘﺘﻜﻮن ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻋﻤﻠﺔ ذات وﺟﻬﻴﻦ. وﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻌﺎدن ﻳﺘﻢ ﺗﺴﺨﻴﻨﻬﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻄﺮق ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ،ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﻓﻜﺎﻧﺎ ﻳﻄﺮﻗﺎن وﻫﻤﺎ ﺑﺎردان ﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﻤﺎ .وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻛﺎن اﻟﻤﻌﺪن ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻃﺮق ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻼﺣﻆ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻮال وﺟﻮد إﻃﺎرﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻮاﺣﺪة .أﻣﺎ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﻮرة وﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮﺑﻊ ﻋﻤﻴﻖ ﻛﺎن ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻧﺰﻻق اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻄﺮق ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻣﻊ ﻣﺮور اﻟﻮﻗﺖ أﺻﺒﺤﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺗﺰﺧﺮف ﺑﺨﻄﻮط وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﺣﺘﻮت اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرة ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ
وﻗﺪ أﺻﺒﺢ اﻟﺘﻤﺴﺎح رﻣ ًﺰا ﻟﻤﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ إﺻﺪارات اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻤﻦ ﻋﺼﺮ أﻏﺴﻄﺲ ﻧﻔﺴﻪ ُﺳﻜﱠﺖ ﻋﻤﻠﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﻮرة رأس أﻏﺴﻄﺲ ﻣﺘﺠﻬﺔ إﻟﻰ اﻟﻴﻤﻴﻦ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻈﻬﺮ ﻳﻈﻬﺮ ﺗﻤﺴﺎح ﻳﺴﺒﺢ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﻴﻤﻴﻦ. أﻣﺎ ﻛﺒﻴﺮة رﺑﺎت ﻣﺼﺮ إﻳﺰﻳﺲ ﻓﻘﺪ اﺣﺘﻠﺖ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﺻﻮر ﺑﻌﺾ اﻹﺻﺪارات ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻫﺎدرﻳﺎن اﻟﺬي ﺻﺪرت ﻓﻲ ﻋﻬﺪه ﻋﻤﻠﺔ ﺑﺮوﻧﺰﻳﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺗﻤﺜﺎﻻ ﻧﺼﻔ ًﻴﺎ ﻟﻺﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻣﺘﻮ ًﺟﺎ ﺑﺄوراق ً اﻟﻐﺎر ،ﻳﺘﺠﻪ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﻴﻤﻴﻦ وﺑﺠﻮاره اﻟﻨﻘﻮش اﻟﻤﻌﺘﺎدة ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻬﺮ ﺗﻤﺜﺎل إﻳﺰﻳﺲ ﻣﻀﻄﺠﻌﺔ ،ﺗﺘﺠﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﻴﺴﺎر وﺗﺴﺘﻨﺪ ﺑﺬراﻋﻬﺎ اﻷﻳﻤﻦ إﻟﻰ ﺳﻠﺔ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺴﻨﺎﺑﻞ اﻟﻘﻤﺢ .وﻳﻘﻒ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻓﻮق ﻗﺎﻋﺪة ﻃﺎﺋﺮ اﻷﻳﺒﺲ اﻟﻤﺼﺮي ،رﻣﺰ ﺗﺤﻮت ورﻣﺰ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮة ﻣﺘﻤﺜﻼ ً اﻟﺮوﻣﺎن ﻟﻤﺼﺮ ﺣﻴﺚ ﻣﻘﺮ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﻮرة اﻹﻟﻪ ﺗﺤﻮت ،واﻷﻟﻬﺔ اﻟﻤﺒﺠﻠﺔ ﻣﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ إﻳﺰﻳﺲ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻲ ﺑﻠﺪ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﻮﻓﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻲ ﺳﻠﺔ اﻟﻘﻤﺢ. وﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻫﺎدرﻳﺎن أﺻﺪرت روﻣﺎ ﻋﻤﻠﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﻮرة اﻹﻟﻪ ﻧﻴﻠﻮس ﻣﻀﻄﺠ ًﻌﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻴﻤﻴﻦ ،وﻫﻮ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﻋﻠﻰ أﺑﻲ اﻟﻬﻮل ﻣﻤﺴﻜًﺎ ﻓﻲ ﻳﺪه اﻟﻴﻤﻨﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻫﻮر ،وﻓﻲ اﻟﻴﺴﺮى ﻗﺮن اﻟﺨﻴﺮات ،ﻓﻮق اﻟﻘﺮن ﻳﺼﻌﺪ ﻃﻔﻞ وأﻣﺎﻣﻪ ﻃﻔﻞ آﺧﺮ ﻳﻤﺴﻚ ﺑﺜﻌﺒﺎن ﺛﻢ ﻃﻔﻞ ﺛﺎﻟﺚ ﻳﺘﺴﻠﻖ ﻓﺮس اﻟﻨﻬﺮ ﺧﻠﻒ ﻧﻴﻠﻮس ﻳﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺰﻫﻮر وﺧﻠﻔﻪ ﻳﻈﻬﺮ ﺗﻤﺴﺎح .وﻳﺤﻤﻞ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻵﺧﺮ ﺻﻮرة ﻫﺎدرﻳﺎن واﻟﻨﻘﻮش اﻟﻤﻌﺘﺎدة. ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻌﺔ أﺧﺮى أﺻﺪرﻫﺎ ﻫﺎدرﻳﺎن أﻳﻀً ﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﺗﺸﺨﻴﺺ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻓﻲ ﺻﻮرة اﻣﺮأة ﻣﻀﻄﺠﻌﺔ ﺗﺘﺠﻪ ﻟﻠﻴﺴﺎر ،ﺗﻤﺴﻚ ﺑﻴﺴﺮاﻫﺎ أوراق اﻟﻌﻨﺐ وﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﺳﻠﺔ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻘﻤﺢ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻤﺴﻚ ﻓﻲ ﻳﻤﻨﺎﻫﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﺎﺑﻞ اﻟﻘﻤﺢ ،وﺗﺘﻨﺎﺛﺮ أرﺑﻊ ﺳﻨﺎﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ ﻋﻨﺪ أرﺟﻠﻬﺎ.
ﻟﻤﺼﺮ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺂﻟﻬﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻮرة اﻟﺘﻤﺴﺎح واﻷﻳﺒﺲ رﻣﺰي اﻟﻘﻮة واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ إﻳﺰﻳﺲ رﺑﺔ اﻷﻣﻮﻣﺔ واﻟﻌﻠﻢً ، واﻟﻮﻓﺮة واﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺮاﻗﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ أرض اﻟﻨﻴﻞ واﻟﻔﻴﻀﺎن ،وﻫﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻮﻃﻦ اﻟﻠﻮﺗﺲ واﻟﺰﻫﻮر ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﻮق ﻫﺬا وذاك اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﻠﻘﻤﺢ اﻟﺬي ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ ﻟﺸﻌﺐ روﻣﺎ.
وﻓﻲ ﻗﻄﻌﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻳﻈﻬﺮ ﺗﺸﺨﻴﺺ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى وإن ﻓﺴﺮت أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻋﻠﻰ إﻧﻬﺎ إﻳﺰﻳﺲ واﻗﻔﺔ ﺗﻤﺴﻚ ﻓﻲ ﻳﺪﻫﺎ اﻟﻴﺴﺮى ﺻﻨﺪوق اﻟﺘﻘﺪﻣﺎت اﻟﺬي ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻪ ﺛﻌﺒﺎن ،ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻬﺮ ﻳﺘﻜﺮر ﻇﻬﻮر ﺗﺸﺨﻴﺺ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ واﻗﻔﺔ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﻴﺴﺎر ،ﺗﻌﻠﻮ رأﺳﻬﺎ زﻫﺮة اﻟﻠﻮﺗﺲ ،وﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻳﺪﻫﺎ اﻟﻴﻤﻨﻰ ﺳﻠﺔ اﻟﺨﻴﺮات وﻓﻲ اﻟﻴﺴﺮى ﻃﺎﺋﺮ اﻷﻳﺒﺲ. ﻫﻜﺬا ﻋﺒﺮت اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻋﻦ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺮوﻣﺎن ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻤﻼت ُﻋﺮف ﻋﻠﻢ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت ﻣﻨﺬ وﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ﻛﻔﺮع ﺧﺎص ﻗﺎﺋﻢ ﺑﺬاﺗﻪ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻵﺛﺎر. وﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺟﺎء ﺗﻤﻴﺰت ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ ﺧﻀﻮﻋﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﻋﻤﻠﺔ ﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﺑﻤﻮﺟﺐ ُﻋﺮف أو ﻗﺎﻧﻮن ،واﻟﻜﻠﻤﺔ ﻟﺤﻜﻢ اﻟﺮوﻣﺎن ﺑﻨﻈﺎم ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﻧﻮﻣﻮس ﻧﻘﺪي ﻣﻨﻔﺮد ﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ وﺗﻌﻨﻲ دﺳﺘﻮ ًرا أو ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ وﺣﺘﻰ »ﻧﺎﻣﻮﺳﺎ ». ﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ً ﻋﻦ ا)ﻏﺮاض اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻳﻬﺘﻢ ﻋﻠﻢ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت ﺑﺪراﺳﺔ أﺷﻜﺎل واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻣﻦ وراء اﻟﻌﻤﻠﺔ وﺗﻄﻮرﻫﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر ﻣﻨﺬ أن اﺑﺘﺪاع ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم ﺑﺪأت ﺑﺸﻜﻞ ﺣﻠﻘﺎت أو ﻗﻀﺒﺎن أو ﺳﺒﺎﺋﻚ ﻣﻌﺪﻧﻴﺔ ﻣﺪﻣﻮﻏﺔ ﺑﺮﻣﻮز أو ﺻﻮر ﺗﻌﻄﻴﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ إﻟﻰ أن ُﺳﻜﱠﺖ ﻧﻘﻮ ًدا ﻓﻲ ﺣﻮاﻟﻲ 700ق.م ،وﻣﺎ ﻃﺮأ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻄﻮرات ﻓﻨﻴﺔ وﻣﺎدﻳﺔ ﺧﻼل اﻟﻘﺮون اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺘﺎرﻳﺦ. وﺗﻜﻤﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺳﺠﻼ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ً ﻟﻬﺬه اﻟﻌﺼﻮر ﻓﻬﻲ ﻏﺎﻟ ًﺒﺎ ﻣﺎ ﺗﻌﻜﺲ أﺣﺪاﺛ ًﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ أو اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ أو اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .وﻧﻈ ًﺮا ﻻﻧﺘﺸﺎرﻫﺎ اﻟﻮاﺳﻊ ﺑﻴﻦ ﻃﺒﻘﺎت ﺗﻌﻤﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻟﻺﻓﺎدة ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ،وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺗﻀﺮب ﻣﻦ ﻣﻮاد ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﺑﺄﺣﺠﺎم ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻟﺬا ﻣﻘﻴﺎﺳﺎ ﻟﻠﻤﺴﺘﻮى اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻓﻬﻲ ﺗﻤﺜﻞ ً ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺗﺪﻫﻮ ًرا أو إزدﻫﺎ ًرا ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﺘﺒﺮ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺮآة ﻟﻠﻌﻘﻴﺪة ﻟﺪى ﺷﻌﺐ ﻣﻌﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﺳﺠﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻮر ﻟﻶﻟﻬﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻮز اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ. وﻣﺠﻤﻞ اﻟﻘﻮل أن اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت ﺗﻌﺘﺒﺮ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
133
ﻋﻠﻮم وﺗﺎرﻳﺦ
ﻋﻠﻢ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻼت ﻧﺎدرة! ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺮﻛﺔ
ﻫﻲ ﻣﺼﺮ ،أم اﻟﺪﻧﻴﺎ وﺣﺎﺿﺮة اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ارﺗﺒﻂ أول ﻇﻬﻮر ﻟﻠﻌﻤﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺨﻀﻮﻋﻬﺎ ﻟﻼﺣﺘﻼل اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻤﺪﻫﺶ أن ﺳﻠﻄﺎت اﻻﺣﺘﻼل ﻓﺴﻜﺖ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺠﻞ اﻟﺤﻀﺎرة ﱠ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻐﻨﻰ ﺑﻤﺂﺛﺮﻫﺎ وﺗﺮى ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد رﻣ ًﺰا ﻟﻠﺨﻴﺮ اﻟﻮﻓﻴﺮ واﻟﺠﻤﺎل واﻟﺘﻤﻴﺰ. أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺼﺮ وﻻﻳﺔ روﻣﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎم 30ق.م، وأوﻛﺘﺎﻓﻴﺎن أول ﺣﺎﻛﻢ روﻣﺎﻧﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻘﻮﻟﺔ اﻟﺸﻬﻴﺮة » :ﻟﻘﺪ أﺿﻔﺖ ﻣﺼﺮ إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ».
132
ﻋﻠﻢ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت
ﺗﻤﻴﺰت ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ ﺧﻀﻮﻋﻬﺎ ﻟﺤﻜﻢ اﻟﺮوﻣﺎن ﺑﻨﻈﺎم ﻧﻘﺪي ﻣﻨﻔﺮد ﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻷﻏﺮاض اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻣﻦ وراء اﺑﺘﺪاع ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم .وﻗﺪ ﺳﻤﻴﺖ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺼﺎدرة واﻟﻤﺘﺪاوﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ إﺑﺎن اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺴﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺳﻤﺢ ﺑﻘﻴﺎم دور ﺳﻚ ﻋﻤﻠﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ ﻣﻣﺪن ﻏﻴﺮ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ .وﻗﺪ ﺣﻤﻠﺖ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺴﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺻﻮ ًرا أو ﺗﺠﺴﻴﺪات ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻣﺼﺮ وآﻟﻬﺘﻬﺎ وﻣﺪﻧﻬﺎ. ﻛﺎﻧﺖ أوﻟﻰ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﻤﻌﺒﺮة ﻋﻦ ﻣﺼﺮ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ أﺻﺪرﻫﺎ أﻏﺴﻄﺲ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ إﺗﻤﺎم ﺳﻴﻄﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد وﺗﻤﻴﺰت ﺑﺎﻟﻨﻘﺶ اﻟﻤﻮﺿﺢ ﻟﺬﻟﻚ .واﺣﺘﻔﻞ أﻏﺴﻄﺲ ﺑﻨﺠﺎﺣﻪ ﻓﻲ ﺿﻢ ﻣﺼﺮ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إﺻﺪار ﻋﻤﻠﺔ ﻧﻘﺶ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻋﺒﺎرة ﺗﻌﻨﻲ أن ﻣﺼﺮ ﺗﺤﺖ اﻟﺴﻴﻄﺮة اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺣﺮص ﻋﻠﻰ أن ﺗﺤﻤﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺻﻮرة اﻟﺘﻤﺴﺎح » اﻹﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ » اﻟﻤﻌﺒﻮد اﻷﺷﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ أن ﻣﺼﺮ ورﻣﺰﻫﺎ اﻟﺘﻤﺴــﺎح ﺗﺤﻜﻢ ﺑﺄﻳـﺪي روﻣﺎﻧﻴﺔ .وﻳﻈـﻬﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠـــﺔ اﻟﻨــﻘﺶ ﻣﻌﻨــﺎه »ﻗﻴﺼﺮ اﻟﻤﺒﺠﻞ اﻟﺴﻌﻴﺪ «.
ﻟﻜﻞ ﻓﻨﺎن ﻣﺼﺪر إﻟﻬﺎم ﻣﻌﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺒﻠﻮر ﻓﻜﺮة ﻋﻤﻞ ﻣﺎ ،ﻣﺎ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻟﻠﻤﺪارس ﻛﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. أﺑﺮز ﻣﺼﺎدر إﻟﻬﺎﻣﻚ؟ اﻟﺒﺤﺚ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺮﺷﺪﻧﻲ وأﻓﻜﺎري اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻣﺼﺪر اﻟﻬﺎﻣﻲ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺘﻚ اﻟﻔﻨﻴﺔ؟ واﻟﺨﻮض ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻷرض واﺻﺮاري ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻀﻲ ﻗﺪ ًﻣﺎ أﻧﺎ ﺟﻨﺪي ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻃﻦ ،أﻋﺘﺰ وأﻓﺘﺨﺮ ﺑﺎﻧﺘﻤﺎﺋﻲ ﻟﺪوﻟﺔ اﻻﻣﺎرات ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ رﺳﺎﻟﺘﻲ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻃﻤﺢ اﻟﻴﻬﺎ ،وﺗﻢ ﺟﻤﻊ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ورﺳﺎﻟﺘﻲ أوﺟﻬﻬﺎ ﻷي ﺷﺨﺺ ﻛﺎن داﺧﻞ اﻟﺒﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺤﻤﺮاء ﻟﻴﺘﻢ اﻟﺪوﻟﺔ إن ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻪ أي ﺟﺪﻳﺪ أو ﻋﻤﻞ ﻳﺨﺪم وﻃﻨﻪ ﻓﻠﻴﺘﻘﺪم ﺗﺠﻨﻴﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺎﻣﺎت وﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ إﻟﻰ أﻋﻤﺎل ﺗﻌﻜﺲ إﻣﻜﺎﻧﻴﺎت أﺑﻨﺎء وﻻ ﻳﺒﺨﻞ ﻋﻠﻰ وﻃﻨﻪ ﺑﺸﻲء ،وﻛﺬﻟﻚ أﺗﻤﻨﻰ أن ﺗﺼﻞ ﻓﻜﺮﺗﻲ اﻹﻣﺎرت اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ ﻓﻲ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺨﺎﻣﺔ واﻷﻟﻮان ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎل ورﺳﺎﻟﺘﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻟﻴﻌﺮف أن دوﻟﺘﻨﺎ اﻻﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ ،وأﻧﺎ ﻣﻔﺘﻮن ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻠﺪ ﺣﻀﺎرة وﺗﺎرﻳﺦ ﺑﺒﻠﺪي ﻣﻦ ﺟﺒﺎل وﺻﺨﻮر وآﺛﺎر. أﻗﻤﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرض ،ﻛﻴﻒ وﺟﺪت إﻗﺒﺎل اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻦ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻀﻮﺋﻲ؟ اﻹﻗﺒﺎل اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮي ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى، وﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻘﻴﺎس رﺑﻤﺎ ﺻﻌﺒﺔ ﻷن ﻛﻞ إﻣﺎرة ﻟﻬﺎ روادﻫﺎ وﺣﻀﻮرﻫﺎ ،وﻟﻜﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ﻫﻨﺎك ﺣﻀﻮر وإﻗﺒﺎل ﺟﻴﺪ ،ورﻏﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺎش ﺣﻮل اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﻨﻲ وﻫﺬا دﻟﻴﻞ وﻣﺒﺸﺮ ﺧﻴﺮ. ﻫﻞ ﺗﻌﺘﻘﺪ أن ﻟﻼﻋﻼم دو ًرا ﻓﻲ إﺑﺮاز اﻟﻔﻨﺎن؟ أﻛﻴﺪ ﻟﻺﻋﻼم دور أﺳﺎﺳﻲ وﻣﻬﻢ وﺑﺎرز ،وﻟﻜﻦ اﻷﺑﺮز ﻫﻮ اﻟﻤﺪارس ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻨﺒﻐﻲ إدﺧﺎل ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻔﻦ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
131
ﻓﻨﻮن
ﺷﺎرك ﻓﻲ ﺑﺎزار اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﺑﻤﺮﻛﺰ أﻛﺴﺒﻮ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻋﺎم 1984واﻗﻌﻲ ،وﻫﺬا ﺗﻮﻓﻴﻖ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل وﻣﻌﺮﺿﻲ اﻟﺒﺎﻧﻮش اﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻋﺎﻣﻲ 1983و 1994واﻟﻤﻌﺮض ﻣﻤﺎرﺳﺘﻲ ﻟﻬﺬا اﻟﻔﻦ اﻟﻨﺒﻴﻞ اﺳﺘﻄﻌﺖ أن أﺑﺮز وأﻧﺠﺢ وأﺗﻤﻜﻦ اﻷول ﻟﻠﻔﻨﻮن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﺸﺒﺎب دول ﻣﻦ إﺟﺮاء ﻫﺬه اﻟﺘﻮﻟﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮل ﻋﻨﻬﺎ وﻟﻜﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺪﻳﺪ . ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون ،واﻟﻤﻌﺮض اﻟﺪوري اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﺪول ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون ﻟﻮﺣﺎت اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻔﺎﺋﺢ ٌ ﻋﺎم ،1994وﺑﻴﻨﺎﻟﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺎم 1995وﻣﻬﺮﺟﺎن دﺑﻲ ﻟﻔﺘﺖ اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺘﻚ ﻟﻠﺘﺴﻮق 1996وﻣﻌﺮض اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻋﻴﻮن ﻓﻨﺎﻧﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﻌﻠﺐ واﻷدوات اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ اﻟﻤﺘﺼﺪﻳﺔ اﻟﺒﺎﻟﻴﺔ ،ﻫﻞ ﻟﻚ أن اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ 1998وﻣﻌﺮض اﻟﻴﻮم اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟـ 29ﺑﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﺮاث ﻋﺎم ﺗﺤﻜﻲ ﻟﻨﺎ ﻗﺼﺔ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻴﺎر؟ 2001وﻣﻌﺎرض اﻟﻜﻮﻳﺖ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ اﻟﺴﺎدس واﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﺜﺎﻣﻦ ﻟﻴﺴﺖ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أدﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻷدوات اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ واﻟﺘﺎﺳﻊ ،وﻣﻌﺮض اﻟﻔﻨﻮن اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﻋﺎم 1988وﺑﻴﻨﺎﻟﻲ اﻟﻤﺘﺼﺪﻳﺔ اﻟﺒﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻲ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪي أﻋﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ ﻋﺎﻣﻲ 1988و ،1994وﺑﻴﻨﺎﻟﻲ اﻟﺮﻳﺎض ﻋﺎم اﻟﻤﺄﺧﻮذ ﻣﻦ اﻟﺰوارق اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وأﻋﻤﺎل ﻣﻦ ﻗﻄﻊ اﻟﻔﺨﺎر 1989وﺑﻴﻨﺎﻟﻲ ﺑﻨﻐﻼدﻳﺶ ﻋﺎم .1995 اﺳﺘﻄﻌﺖ أن أﺧﻠﻖ ﻟﻮﺣﺎت ﻓﻨﻴﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻣﻤﺎ ﻳﺪل أن ﺑﻼدﻧﺎ دوﻟﺔ اﻻﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺣﻀﺎرة وﺷﻮاﻫﺪ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻚ أﻋﻤﺎل ﻣﻴﺰت ﺗﺠﺮﺑﺘﻚ ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﻮﻟﻴﻔﻚ ﺑﻴﻦ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ إﻇﻬﺎر ﻫﺬه اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ. اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ واﻟﺼﻮرة ،ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ. أﻧﺎ اﺑﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ وﺣﻴﺎﺗﻲ وﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﺌﺔ اﻹﻣﺎرات ،واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺮأﻳﻚ ﻫﻞ وﺻﻠﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ؟ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ اﻟﺨﻼﺑﺔ ،ﻓﻔﻴﻬﺎ اﻟﺒﺤﺮ واﻟﺴﺎﺣﻞ واﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺼﺤﺮاء أﻛﻴﺪ ﻟﻠﻔﻦ دور ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻳﺼﺎل اﻟﻔﻜﺮة ،واﻟﻔﻦ ﻫﻮ أﺳﺎس اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺠﺒﺎل ،ﻓﻜﺎن ﻻﺑﺪ أن أﺗﻄﺒﻊ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﺪي ﺑﻌﺾ واﻟﺤﻀﺎرة واﻟﻔﻨﻮن اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻔﻦ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ إﻳﺼﺎل اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻌﺎﻟﻤﻲ وﻟﻴﺲ ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ.
130
ﻋﺒﻴﺪ ﺳﺮور اﻟﻤﺎس
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
129
ﻓﻨﻮن
ﻣﺆﺳﺲ ﺟﻤﻌﻴﺔ ا ﻣﺎرات ﻟﻠﻔﻨﻮن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ
ﻋﺒﻴﺪ ﺳﺮور اﻟﻤﺎس:
أﺳﺘﻠﻬﻢ أﻓﻜﺎري ﻣﻦ ﺗﺮاث اﻻﻣﺎرات ُ ﺣﺎوره -ﻋﻤﺮ ﺷﺮﻳﻘﻲ
اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ ﻋﺒﻴﺪ ﺳﺮور اﻟﻤﺎس ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻔﻦ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ اﻻﻣﺎراﺗﻲ ،ﺗﺨ ّﺮج ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻋﺎم 1979م وﻫﻮ ﻣﺆﺳﺲ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﻔﻨﻮن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ ،وﻣﺸﺮف ﻓﻲ ﻣﺮﺳﻢ رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻠﺠﻤﻌﻴﺔ. أﻗﺎم ﻋﺸﺮات اﻟﻤﻌﺎرض اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﻌﺎرض اﻟﺘﺼﻮﻳﺮﻳﺔ ،ﺷﺎرك ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻌﺎرض ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﻔﻨﻮن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ داﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ وﺧﺎرﺟﻬﺎ.
128
ﻋﺒﻴﺪ ﺳﺮور اﻟﻤﺎس
واﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻷرﺷﻔﺔ ﻣﻮاد اﻟﺘﺮاث اﻹﻋﻼﻣﻲ اﻟﻮرﻗﻴﺔ واﻟﺴﻤﻌﻴﺔ واﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮﻫﺎ وﺳﺎﺋﻞ آﻟﻴﺔ ﻟﺘﺒﻮﻳﺐ اﻟﻤﺎدة اﻷرﺷﻴﻔﻴﺔ وﺳﺮﻋﺔ إﺳﺘﺮﺟﺎﻋﻬﺎ. وﺗﻌﺪد أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﺮﺿﻬﺎ وﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ. ﺗﺮاﺛﻨﺎ وا ﻋﻼم اﻟﻌﺮﺑﻲ
إن ﻣﻮﻗﻔﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث ،إﻧﻌﻜﺎس ﻟﻤﻮﻗﻔﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ وﻋﻼﻗﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﺤﺎﺿﺮﻧﺎ .وﻣﺪى ﺗﺄﺛﻴﺮه ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻬﺎت ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ .ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل )ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم( ،إن إﻋﻼﻣﻨﺎ ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﺗﺮاﺛﻨﺎ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻌﺎرض واﻟﺰاﺋﺮ .ﺗﻄﻮف ﻛﺎﻣﻴﺮاﺗﻪ ﺑﺼﺤﻮن اﻟﺠﻮاﻣﻊ وردﻫﺎت اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ وﺷﻮاﻫﺪ اﻟﻤﻮاﻗﻊ اﻷﺛﺮﻳﺔ .وﺗﻨﻘﻞ ﻣﻴﻜﺮوﻓﻮﻧﺎﺗﻪ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﺸﻌﺒﻲ وﺷﻌﺮﻧﺎ اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮري ،وﻫﻠﻢ ﺟﺮا .ﻟﻜﻦ ﻏﺎﻟ ًﺒﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻢ ذﻟﻚ دون ﺗﻌﻤﻴﻖ وﻋﺮض ﻟﻤﺂﺛﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻗﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻷﺷﻤﻞ .اﻟﺬي ﻳﻌﻴﻦ اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺬوﻗﻪ واﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻪ .ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻛﺎﻓ ًﻴﺎ ذﻟﻚ اﻟﻌﺮض اﻟﺴﻠﺒﻲ واﻟﺰﻳﺎرات اﻟﻤﺘﻌﺠﻠﺔ ﻟﺘﺮاﺛﻨﺎ .ﻻﺑﺪ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﺎوز اﻟﻜﺎﻣﻴﺮا واﻟﻤﻴﻜﺮوﻓﻮن .ﻟﻜﻲ ﻧﻨﻔﺪ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ وراء ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث .وﻧﺴﺘﺨﻠﺺ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﺟﻮﻫﺮ ﻧﻘﻮﺷﻪ وﻧﺼﻮﺻﻪ وأﺻﻮاﺗﻪ وأﻧﻐﺎﻣﻪ وأﻃﻼﻟﻪ .ﺑﺤﻴﺚ ﻋﻠﻴﻨﺎ إﻋﺎدة إﻛﺘﺸﺎف ﺗﺮاﺛﻨﺎ
اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ .ﻟﻜﻲ ﻧﻜﺘﺸﻒ اﻟﺘﺮاث اﻟﻔﺎرﺳﻲ واﻟﺘﺮﻛﻲ واﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻲ واﻟﺒﺮﺑﺮي واﻟﻄﻮراﻧﻲ .ﻗﺼﺪ اﻛﺘﺸﺎف أﺳﺮارﻫﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﺳﺘﺨﺪام ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻟﻤﺘﻌﺪدة .ﻓﻘﺪ ﻋﺠﺰﻧﺎ ﻋﻦ ﺗﻔﺠﻴﺮ اﻟﺸﺤﻨﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺗﺮاﺛﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ .ﻟﻜﻮﻧﻨﺎ ﺣﺮﻣﻨﺎه ﺣﻘﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻮار ﻣﻊ ﺗﺮاث اﻷﺧﺮﻳﻦ *ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
ﺗﻮاﺻﻴﻒ ﺑﻘﺮة »ﺷﻮﻳﻨﻪ« ،ﻟﺒﻨﻬﺎ ﺗﺸﺮﺑﻪ ،وﺳﻤﻨﻬﺎ ﻟﻘﺮوﻧﻬﺎ ﺷﻮﻳﻨﻪ :اﺳﻢ اﻣﺮأة ،ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﺮة. أي إن ﺑﻘﺮة »ﺷﻮﻳﻨﻪ« ،ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻠﺒﻨﻬﺎ ﻳﻘﺪّ م ﻟﻬﺎ ﻟﺘﺸﺮﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﺗﺼﻔﻴﺘﻪ ،وﺳﻤﻨﻬﺎ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻟﺘﻠﻤﻴﻊ وﻣﺴﺢ ﻗﺮوﻧﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮن ﻓﻲ أﺣﺴﻦ ﻫﻴﺌﺔ. ﺗﺤﺴﻔﺎً ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﺜﻞ ﺳﺎﺑﻘﻪ ،وﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻈﺎﻫﺮة ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،وﻫﻮ ﻳﻀﺮب ّ اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﻻ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻪ ﺑﺮﻏﻢ ﺗﻌﺒﻚ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻋﻠﻴﻪ.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
127
رؤﻳﺎ
ﺗﻔﺠﻴﺮ اﻟﺸﺤﻨﺔ اBﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث
د .ﻧﺎدﻳـﺔ ﺑﻠﻜﺮﻳﺶ@
اﻟﻘﺮون .ﻓﻤﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺗﺎرﻳﺦ ﻛﺜﻴﺮة ﻫﻲ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺸﺎﺋﻜﺔ اﻟﺘﻲ اﻟﺤﺮﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺘﻴﻦ ،اﻷوﻟﻰ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ. أﺛﺎرﺗﻬﺎ ﻣﺠﻠﺔ ــ ﺗﺮاث ــ واﻟﺘﻲ ﺗﺘﺒﻌﻨﺎ وﻣﺎ أﻧﺪر ﻣﺎ ﺗﻄﺮق اﻹﻋﻼم إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﻬﻤﺎ أﻏﻠﺒﻬﺎ .ﺗﻌﺪ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺘﺮاث ﻫﻞ ﻋﺠﺰﻧﺎ ﻋﻦ ﺗﻔﺠﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺪﻳﺚ .ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﺎﻹﻋﻼم اﻟﻌﺮﺑﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﻫﻢ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﻟﺠﺘﻬﺎ اﻟﻤﺠﻠﺔ ﺿﻤﻦ أﺣﺪ اﻟﺸﺤﻨﺔ ا6ﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻟﻠﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ .إن ذاﻛﺮة اﻹﻋﻼم اﻟﻘﺼﻴﺮة ﺗﻠﻚ ،ﺗﺘﻌﺎرض ﺑﺼﻮرة ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﺮاﺛﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺤﺎورﻫﺎ وﺑﻌﺾ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻼﺣﻘﺔ ﻣﻊ ﻛﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺘﻬﺎ. وا6ﺳﻼﻣﻲ .ﻟﻜﻮﻧﻨﺎ ﺣﺮﻣﻨﺎه اﻟﺒﻌﻴﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻪ اﺧﺘﻠﻔﺖ اﻵراء اﻟﺘﻲ ﻋﺎﻟﺠﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﻋﻼم واﻟﺘﺮاث ،إﻟﻰ أن وﺻﻠﺖ ﺣﻘﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻮار ﻣﻊ ﺗﺮاث اﻟﻘﺮﻳﺐ اﻟﻠﺼﻴﻖ ﺑﺬاﻛﺮﺗﻪ .وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل )ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺳﺒﻖ( إن اﻹﻋﻼم ﻓﻴﻤﺎ ا)ﺧﺮﻳﻦ ؟ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ؛ إذ ﻳﺨﺺ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ،ﻳﺤﺠﺐ ﻋﻨﺎ ﻣﺎ ﻓﻀﻼ ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻋﻠﻰ ﻳﺮى اﻟﺒﻌﺾ أن ﻟﻺﻋﻼم ً ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻴﻪ .ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﺴﺮف اﻟﺘﺮاث .ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻳﺴﺠﻞ ﺗﺎرﻳﺦ ﺣﺎﺿﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﺮض ﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ أﻗﻞ إﻟﻴﻪ. ﻟﺤﻈﺔ ﺑﻠﺤﻈﺔ .ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاث إن ﺣﻜﻤﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻻ ﺗﺴﻔﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن )ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﻌﻴﻦ( ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻺﻧﺪﺛﺎر .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻹﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺚ أن ﺗﻄﺮح إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻗﺘﻔﺎء ﻣﺴﺎر رﺣﻠﺘﻪ ﻋﺒﺮ اﻟﺰﻣﻦ ،واﻟﻠﻘﻄﺎت اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﺗﺎرﻳﺨﻲ وﺣﻀﺎري أﺷﻤﻞ .ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻤﻖ اﻟﺴﺮﻳﻌﺔ ﺗﻔﺮغ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﺘﻪ. إدراﻛﻨﺎ ﻟﻘﻴﻤﺔ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث وﻣﻐﺰاه .أﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺴﻠﺒﻲ، ﻓﻴﺮى أﺻﺤﺎﺑﻪ أن اﻹﻋﻼم ) ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ( ﻣﻌﺎد ﻟﻠﺘﺮاث .ﻟﻜﻮن ﺗﺮاث ا ﻋﻼم إﻧﺸﻐﺎﻟﻪ اﻟﺪاﺋﻢ ﺑﺎﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺮاﻫﻨﺔ ﻳﺪﻣﺮ اﻟﺮواﺑﻂ ﻣﻊ اﻟﻤﺎﺿﻲ .إن ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﻋﻼم ) ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻴﺪﻳﺎ( ،ﻫﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺨﺎﺋﻠﻲ وذاﻛﺮة اﻹﻋﻼم ) ﺑﺤﻜﻢ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ( ذاﻛﺮة ﻗﺼﻴﺮة ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺬي ﻳﺠﻤﻊ ﻳﻮﻣ ًﻴﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺒﻊ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﻀﺐ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر 40ﺳﻨﺔ .أﻣﺎ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ 1900م ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺛﻘﺐ واﻟﺘﺴﺠﻴﻼت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .إن ﻟﻺﻋﻼم ﺗﺮاﺛﻪ اﻟﺨﺎص اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ أﺳﻮد .ﻟﺬا ﻧﺮى اﻹﻋﻼم ﻳﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺮﻳﺐ .اﻟﺬي ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻜﻢ اﻟﻬﺎﺋﻞ ﻣﻦ أﺷﺮﻃﺔ اﻟﻔﻴﺪﻳﻮ وأﻓﻼم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﻮاﻓﺮ ﻟﻪ ﻣﺎدﺗﻪ ﻣﻦ أرﺷﻴﻒ ﺗﺴﺠﻴﻼﺗﻪ .واﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﻞ ﺗﻜﺮار وأرﺷﻴﻒ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﻮرﻗﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر واﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎت .إن ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻳﻤﺜﻞ ذﺧﻴﺮة ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ .ﻓﻬﻲ ﻛﺎﻟﻨﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻐﺬى ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ. وﻳﺆدي ﻗﺼﻮر اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻫﺬا ،إﻟﻰ ﺗﺸﻮه ﻋﻼﻗﺔ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ .ﻳﻔﺴﺮ ذﻟﻚ ﺳﺮ اﻹﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ واﻧﺒﻌﺎج اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻓﻲ ذﻫﻨﻪ .اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﺎﻷرﺷﻔﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺘﺮاث اﻹﻋﻼﻣﻲ اﻟﻀﺨﻢ. ﻟﻘﺪ ﺳﺪ اﻹﻋﻼم ﺑﺬاﻛﺮﺗﻪ اﻟﻤﺤﺪودة اﻟﻘﺼﻴﺮة اﻟﻤﺪى اﻟﻄﺮﻳﻖ وﻛﺬﻟﻚ ﺑﻀﺮورة رﻗﻤﻨﺘﻪ .ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﺟﺎﻫ ًﺰا ﻛﻤﺎدة ﻃﻴﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻠﻘﻴﻪ .ﻳﻌﻮﻗﻪ ﻋﻦ رؤﻳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺼﺤﻴﺢ اﻟﻤﻤﺘﺪ ﻋﺒﺮ ﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻟﻤﺘﻌﺪدة .ذات ﺳﻌﺔ اﻟﺘﺨﺰﻳﻦ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ.
126
ﺗﻔﺠﻴﺮ اﻟﺸﺤﻨﺔ ا3ﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث
ﻓﻲ ..وﻟﻴﻜﻢ ﻳﺠﺮ ..اﻟﻨ ّﻤﺎ وﺻﺎﺑﺮ ع اﻟﻠﻲ ّ وﻧﺨﺘﻢ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮل ..واﻟﻨﻮر ﻳﻜﻮن ..ﻋ ﱠﻤﺎ ﻧﺴﺘﺄذن ﻧﻘﻮم ..وﺑﺮﺿﻮ إن ﻗﺴﻢ ..ﻧﺘﻠﻤﺎ« ﺧﻮف وﻗﻠﻖ ﺷﺨﺼﻲ:
ﺣﺪث ﻫﻨﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻣﻊ ﺗﺮاث أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺤﺪي ﻟﻠﺼﻴﺎدﻳﻦ ﺑﺠﻨﻮب ﻏﺮﺑﻲ ﺑﺤﻴﺮة اﻟﺒﺮﻟﺲ ،إذ ﻳﺨﺘﻔﻲ ﺣﻔﺎﻇﻪ ﺑﺘﻐﻴﺐ اﻟﻤﻮت أو اﻟﻤﺮض وﺿﻌﻒ اﻟﺬاﻛﺮة ،وﻳﻌﺎﻧﻲ اﻵن ﻫﺬا اﻟﻔﻦ رﻣﻘﻪ اﻷﺧﻴﺮ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﻟﻔﻈﻪ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺤﻮﺳﺐ اﻟﺮﻗﻤﻲ ،واﻟﺬي اﺳﺘﺒﺪل ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ ﺑﺄﻏﺎن أﺧﺮى ،وﺑﻤﻮﺟﺎت ﻣﻦ اﻟﺘﻬﺠﻴﺮ اﻟﻤﻌﻨﻮي ﻷﺟﻴﺎل ﻣﺘﻼﺣﻘﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث اﻟﻔﻨﻲ اﻟﺒﺪﻳﻊ ،وﻧﺒﺪأ ﻓﻲ ﻟﻮم أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺣﻴﻦ ﻧﺮى ﻏﺰو ﺗﻠﻚ اﻷﻏﻨﻴﺎت اﻟﻤﻮﺑﻮءة واﻟﺘﻲ
ﺗﺤﻤﻞ ﺟﺮﺛﻮﻣﺔ اﻟﺘﻠﻮث اﻟﺴﻤﻌﻲ ،ﻓﻨﺘﺤﻮل ﻣﻦ ﺷﻌﺐ ﻟﻪ ﺗﺮاﺛﻪ ﻣﻊ اﻟﺤﺪي واﻟﻨﻤﻴﻢ واﻟﻤﻮال إﻟﻰ ﺷﻌﺐ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ ﺗﺮاﺛﻪ اﻟﺸﻌﺒﻲ وﻻ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻗﺮﻳﺐ ﺳﻮى »اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت« ،وﺗﻠﻚ ﻃﺎﻣﺔ ﻻ ﻓﻜﺎك ﻣﻨﻬﺎ ،ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﻧﻐﻔﻞ ﻋﻦ ﻛﻨﻮز ﺗﺮاﺛﻨﺎ اﻟﺸﻌﺒﻲ. ﺑﻘﻰ أن أﻧﻮه أن ذﻟﻚ اﻟﻤﻘﺎل ﻣﺆﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺠﻴﻼت وﻣﻘﺎﺑﻼت ﺑﻘﺮﻳﺔ »ﺑﻬﺎرﻳﻒ« أﺳﻮان ،ﻣﻊ »ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺢ«» ،وﻋﻢ اﻟﺴﻴﺪ أو ﻋﻤﺮ« ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﻴﻦ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻗﺮاءة ﺷﺨﺼﻴﺔ وﺑﺤﺚ ﺷﺨﺼﻲ ﺣﻮل ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ ،ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ،وﻻ أﻧﻜﺮ ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﻛﺘﺎب »ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ« ﻟﺠﻤﺎل ﻣﺤﻤﺪ وﻫﺒﻲ ﺑﻨﺎء أﺳﺎس ﻟﻬﺬا اﻟﻤﻘﺎل ،وﻣﻌﻈﻢ ﻣﺎ ورد ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎل ،ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻤﺎ ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺑﻪ »أﺑﻮ ﻋﻤﺮ« أو ﺟﺎء ﻓﻲ »ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ« ﻟﻮﻫﺒﻲ ،ﻫﺬا ﻣﻦ ﺑﺎب رد اﻟﺤﻖ ﻷﻫﻠﻪ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
125
ﻓﻨﻮن »ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﺎ رﻳﺖ ﻻ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ ﻻ ﻧﺼﺎرى.. ورﻳﻘﻚ اﻟﻌﺴﻞ ..ﺑﻞ ُﺳﻜﺮ اﻟﻌﺼﺎرى.. ﻣﺪﻳﺖ ﻟﻠﺮﻣﺎن أﺟﻨﻲ وﻋﻴﻮﻧﻲ ﺑﺼﺎرى.. ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺎﺳﺘﻮاش أﺧﻀﺮ ..ﺟﻨﻴ ُﺘﻪ ﺧﺴﺎرة« ﺑﻞ ﺗﺮاه ﻳﺼﺮح ﺑﻌﺸﻘﻪ ﺑﻼ ﻣﻮارﺑﺔ ،وﻳﻘﺮ ﺑﻤﺎ ﺗﻠﺒﺴﻪ ﻣﻦ ﺣﺐ اﻟﻤﺮأة ﻣﻨﺬ ﺻﻐﺮه ﺑﻼ ﺧﺠﻞ، ﻳﻘﻮل: »ﻣﻦ ﺻﻐﺮ ﺳﻨﻲ ..وﺣﺐ اﻟﺒﻨﺎت ﻣﻴﺮاﺳﻲ.. أﻧﺎ اﻟﻌﺎﺟﻴﺒﻦ ف اﻟﺴﻤﺤﺔ ..ﻋﻘﻠﻬﺎ اﻟﺮاﺳﻲ.. ﻣﻦ وﻳﻦ إﻧﺘﻲ ﻳﺎ اﻟﻠﻲ ..ﺟﻨﺒﻴﻜﻲ ﺣﺮاﺳﻲ.. ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ أﻧﺎ ف اﻟﻌﺪوة ..ﻣﺴﻘﻂ ..راﺳﻲ«
ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﺟﻠﺴﺔ اﻟﻨﻤﻴﻢ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻛﺒﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻬﻮ ﻛﻤﺎ ﺑﺪأﻫﺎ ،وﺣﺪه ﻣﻦ ﻳﺄذن ﺑﻨﻬﺎﻳﺘﻬﺎ وﻻ ﻳﻐﻔﻞ ﺷﻜﺮ اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ وﻻ اﻟﺴﺎﻣﺮﻳﻦ، وﻳﻘﻄﻊ اﻟﻮﻋﺪ ﺑﺘﻜﺮار اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻣﻌﻬﻢ
وﻫﻜﺬا ﻳﺴﻘﻂ ﺻﺮﻳﻊ ﻫﻮاه ،وﻻ ﻳﻔﻠﺢ ﻣﻌﻪ ﻏﻴﺮ ﻃﺒﻴﺐ اﻟﻤﺤﺒﺔ ﻻ ﻃﺒﻴﺐ اﻟﺠﺴﺪ ،ﻳﻘﻮل: ﻛﻨﺖ راﻛﺐ اﻟﻮاﺑﻮر.. »إﻣﺒﺎرح ف اﻟ ِﻌﺼﻴـــﺮُ ... ﺟﺎﺑﻮا ﻟﻲ دﻛﺘﻮر ....ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻲ ﺟﺒﻞ اﻟﻄﻮر.. ﻗﺎل ﻟﻲ ﻣﺎ ﻓ ﱠﻴﺎاااا ﺟﺮح ...وﻻ ﻋﻈﻢ ﻣﻜﺴﻮر... أﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﺐ اﻟﺒﻨﺎت ﻣ ّﻴﺖ ..ﻣﻴﺖ ﻗﻮي وﻣﻘﺘﻮل«
ﺷﻖ ﺻﺪره ﻣﻼه ﻋﻠﻮم وأﺳﺮار.. ﺟﺒﺮﻳﻞ ّ أﻓﺘﻜﺮوﻫﺎ ﻓﻀﺎﻳﻞ اﻷرﺑﻌﺔ اﻷﺣﺮار.. أﺑﻮ ﺑﻜﺮ وﻋﻤﺮ وﻋﺜﻤﺎن ﻣﻊ اﻟﻜﺮار« وﻳﻘﻮل ﻛﺬﻟﻚ: »ﺻﻠﻮا ع اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻠﻲ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﺒ ًﻴﺎ ﻣﺘﻠﻮ.. اﻟﻘﺮآن ﻧﺰل ﻟﻴﻪ واﻟﺼﺤﺎﺑﻪ ﺑﻴﺘﻠﻮ.. ﻧﺒﻲ ﺿﻤﻦ اﻟﻐﺰال وﻛﻞ اﻟﻜﺘﺐ ﺷﻬﺪت ﻟﻮ.. راﺣﺖ رﺿّ ﻌﺖ أوﻻدﻫﺎ وﻋﺎدت ﻟﻮ«
ﻛﻤﺎ ﺗﺮى ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺸﺪوه اﻟﺤﻨﻴﻴﻦ إﻟﻰ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﺑﻨﺎء اﻟﺴﺪ ،وﻣﺎ ُﻋﺮف ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺑﺎﻟﺘﻬﺠﻴﺮ ﻷﻫﻞ اﻟﻨﻮﺑﺔ ،ﻓﻴﺮﺻﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻠﺔ اﻟﻄﺒﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺼﺮي، وﻳﺴﺠﻠﻬﺎ؛ ﻓﻴﻘﻮل: »اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﻠﻲ اﻟﻌﺒﺎد راﺣﻮ ﻟﻮ.. ﺷﺪّ وا وﻻد ﻋﻘﻴﻞ أول ﻋﺮب ﻓﺮﺣﻮا ﻟﻪ.. ﻗﺎﻟﻮا اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ إﺣﻨﺎ ﻣﺎ ﺑﻨ ُﺤﻮ ﻟﻪ.. ﻷن اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻻزم اﻟﻤﺴﺘﺸﺎرﻳﻦ ُﺣﻮﻟﻪ«
ﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﻨﻤﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ وﻻ ﻳﻤﻜﻦ إﻏﻔﺎل اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻓﻲ ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ ﻟﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ ،دوﻧﻤﺎ ﺗﻮﻗﻒ ،وﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ اﻟﺠﻠﺴﺔ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻛﺒﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮاء، أن ﻧﺴﻤﻴﻪ »اﻟﻤﺪﻳﺢ اﻟﻨﺒﻮي« ،إذ ﻳﺒﺪو ﺷﺨﺺ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ وأﺧﻼﻗﻪ ﻓﻬﻮ ﻛﻤﺎ ﺑﺪأﻫﺎ ،وﺣﺪه ﻣﻦ ﻳﺄذن ﺑﻨﻬﺎﻳﺘﻬﺎ ،وﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻻ ﻳﻐﻔﻞ ﺷﻜﺮ وﺳﻴﺮﺗﻪ وﺻﺤﺎﺑﺘﻪ ﺣﺎﺿﺮة ﺑﻘﻮة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز ،اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ وﻻ اﻟﺴﺎﻣﺮﻳﻦ ،وﻳﻘﻄﻊ اﻟﻮﻋﺪ ﺑﺘﻜﺮار اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻣﻌﻬﻢ، ﻳﻘﻮل: ﻳﻘﻮل: »وﺣﻠﻔﺖ ﺑﻤﻦ ذﻛﺮ ..ف ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺳﻮرة ..ﻋ ﱠﻤﺎ »ﺻﻼة اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﺳﻴﺪ اﻷﺑﺮار..
124
ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ ...
ﻋﺎم ،إﻻ أن ﻗﺼﻴﺪة اﻟﻨﻤﻴﻢ ،ﺻﺎﻟﺖ وﺟﺎﻟﺖ ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﺎدة ﺣﻴﺎة ﻟﻠﻘﺼﻴﺪة أو ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻨﻤﻴﻢ ،وﻳﺒﺪأ ﻛﺒﻴﺮ اﻟﺴﻦ ﺑﺘﺤﻴﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮر واﻟﺤﻀﻮر ،وﻛﺬﻟﻚ ﺣﻴﻦ ﺗﺼﻞ اﻟﺠﻠﺴﺔ إﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ ﻳﺨﺘﺘﻤﻬﺎ اﻷﻛﺒﺮ ﺳ ًﻨﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺘﺤﻴﺔ وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺘﺒﺮﻳﻜﺎت ﻓﻲ اﻷﻓﺮاح، وﻳﻔﺘﺘﺢ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﺼﻼة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ وﻣﺪﺣﻪ ،اﺳﺘﻤﻊ ﻟﻪ ﻳﻘﻮل.: »ﺻﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻮل ﻃﻪ اﻟﺤﺒﻴﺐ اﻟﻤﺮﺿﻲ.. ﻣﻼ اﻟﻌﺮش واﻟﻠﻮح واﻟﺴﻤﺎ واﻷرض.. أﺿﻌﺎف وأﺿﻌﺎف اﻟﺴﻨﻦ واﻟﻔﺮض.. ﺗﻐﺸﺎك ﻳﺎ اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻧﻀﻴﻒ اﻟﻌﺮض«
ﺟﻠﺴﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﺠﺎرة،ﺛﻢ اﺗﺨﺬت ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﺎدة ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﺗﺒﺪأ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻨﻤﻴﻢ ﺑﺘﺤﻴﺔ اﻟﺴﺎﻣﺮﻳﻦ وأﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﻀﻴﻒ ،ﺛﻢ ﺗﻄ ّﻮف ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﺘﺠﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻓﺨﺮه ﺑﻘﺒﻴﻠﺘﻪ واﻟﻨﺴﺐ إﻟﻴﻬﺎ ،اﺳﺘﻤﻊ ﻟﻪ ﻳﻘﻮل: »ﻧﺤﻨﺎ وﻻد ُﻋﻘﻴﻞ أﻏﻠﺐ ﺳﻌﻴﻨﺎ ﺣﻤﺎل.. ﻓﺮﺳﺎن ﻧﺴﻨﺪ اﻟﺮﺣﻞ اﻟﺘﻘﻴﻞ ﻟﻮ ﻣﺎل.. ﻓﻲ اﻟﺠﻮد واﻟﻜﺮم ﺑﺤ ًﺮا ﻳﻐﻄﻲ رﻣﺎل.. وﺗﺸﻬﺪ ﻟﻴﻨﺎ ﺟﻴﺮاﻧﻨﺎ ﻳﻤﻴﻦ وﺷﻤﺎل«
اﻟﻨﻤﻴﻢ وأﻏﺮاﺿﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﺴﻴﻄﺮ اﻟﻤﺮأة ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻣﻔﺎﺗﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺎت ﺗﺄﺳﺲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎم اﻷول ﺑﻐﺮض اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ واﻟﺴﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﻤﻴﻢ ،ﻓﻴﺄﺗﻲ ﺣﻀﻮرﻫﺎ ﻃﺎﻏ ًﻴﺎ ﻋﻤﺎ ﺳﻮاه ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ،ﻳﻘﻮل:
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
123
ﻓﻨﻮن وﻏﺎﻟﺐ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻨﻤﻴﻢ ،ﺗﺒﺪأ ﺑﺸﺎﻋﺮﻳﻦ ﻳﺘﻨﺎﻓﺴﺎن ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، وﻳﺴﺘﻌﺮﺿﺎن ﻗﺪرﺗﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻻرﺗﺠﺎل واﺳﺘﺨﺪام اﻟﻠﻐﺔ ﺑﻜﻞ زﻳﻨﺘﻬﺎ وأﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ،وﺗﻄﻮﻳﻌﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺘﻄﻮﻳﻊ اﻟﻤﺮن اﻟﺬي ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻠﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ أن ﻳﺨﻮض ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷﻣﻮر .و ﻳﻘﻮل اﻟﺮﻳﺲ »أﺑﻮ ﻋﻤﺮ« –ﻓﻲ ﻟﻘﺎءﻧﺎ اﻟﻤﺴﺠﻞ ﻣﻌﻪ واﻟﻤﺸﺎر إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎل اﻟﺴﺎﺑﻖ» :-وﻳﻨﺠﺮ وراه اﻟﺸﻌﺮاء ﻳﺘﻨﺎﻓﺴﻮن ﺣﺘﻰ ﻃﻠﻮع اﻟﻔﺠﺮ ،وﺳﻂ اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﻀﺎﺣﻚ واﻟﺼﻬﻠﻠﺔ ،ﻳﺤﻴﻮن ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻛﻞ ﺷﺎﻋﺮ ﺑﺎﻟﺤﺮارة اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪ روح اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ«. »ﻗﺮﺷﻲ واﻟﺪك ..وﻛﻤﺎن واﻟﺪﺗﻚ ..ﻗﺮﺷﻴﺎ وغ اﻟﺠﻮد واﻟﻜﺮم ..واﺧﺪاع اﻟﺨﻠﻖ ..ﻧﺸﻴﺎ ﻣﻦ ﻧﻮر ﺧﻠﻘﺘﻚ ..أﻧﺖ ﻳـــــﺎك ..ﻣﻨﺘﺸﻴﺎ ﺷﻤﺴﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ..ﻗﻤﺮا ﺑﻀﻮي ..ﻋﺸﻴﺎ« وﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﻮﺿﺢ د .ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ» :واﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎراة اﻟﺠﻤﻬﻮر« ،وﻫﻮ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ ﻣﺒﺎراة ﻟﻤﺎ ﺗﺘﺨﺬه اﻟﺠﻠﺴﺔ ﻣﻦ ﻃﺎﺑﻊ اﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ واﻟﻤﺴﺎﺟﻠﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻳﺨﺴﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﻌﻔﻪ ﻋﻘﻠﻪ ﺑﺎﻟﺴﺠﺎل ،وﻳﺰﻳﺪ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ» :وﻗﺪ ﺗﻤﺘﺪ اﻷﻏﻨﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺴﻬﺮة ،وﻫﻢ ﻳﺴﻤﻮن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﻨﻤﻴﻢ ،وﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎراة ﻋﺒﺎرة ﺟﺮ اﻟﻨﻤﻴﻢ ،أي اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء«.. ﻫﻜﺬا ﺗﺠﻲء ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ارﺗﺠﺎﻟﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ. »أﻧﺎ ﻣﻦ ﺻﻐﺮي ..ﻣﺎﺳﻚ اﻟﻘﻠﻢ ..واﻟﻜﺮاﺳﺔ وﻣﻦ ﺟﻬﺖ اﻟﺠﻤﺎل ..ﻣﺎ ﺧﺪاﻫﻮ ..وراﺳﺔ ﻧﺰﻟﺖ اﻟﻬﺮم ..وﻣــــﺮت ﻋﻞ ..اﻟﺪراﺳـــﺔ ﺗﺴﻌﻴﻦ ﺳﺮب ﻃﻴﺮان ..ﻓﻮﻗﻴﻬﺎ ..ﺣﺮاﺳﺔ« أﺻﻠﻪ واﻧﺘﺸﺎره وﺗﻔﺎﻋﻴﻞ ﺑﻨﺎﺋﻪ
ﻳﺠﻤﻊ ُﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﺤﺚ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ أو اﻫﺘﻢ ﺑﻪ ،ﺑﺄن اﻟﻔﻦ ﻟﻴﺲ ﻣﺼﺮﻳًﺎ ﺑﺎﻷﺳﺎس ،إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻟﻔﻦ ﺷﻌﺒﻲ ﺷﻌﺮي ﺳﻮداﻧﻲ ﻳﺴﻤﻰ »اﻟﺤﺮدﻟﻮ« اﻟﻤﻨﺘﺸﺮ ﺑﻴﻦ ﻗﻮاﻓﻞ إﺑﻞ اﻟﺘﺠﺎرة ﺑﻴﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ »دراو« واﻟﻤﺪن اﻟﺴﻮداﻧﻴﺔ ،وﻗﺎم ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ »اﻟﻌﻘﻴﻼت« و«اﻟﻌﺒﺎﺑﺪة« وﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺖ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرة ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﺗﺄﺛﺮﻫﺎ وﺗﻤﺴﻜﻬﺎ ﺑﺄﺻﻮﻟﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ ﺣﻮل ﺣﺪاء اﻹﺑﻞ ،ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﻓﻲ اﺳﺘﺮاﺣﺎﺗﻬﻢ ﺑﺄﺳﻮان أو ﺣﻼﻳﺐ وﺷﻼﺗﻴﻦ. وﻳﻌﺰى اﻟﻔﻀﻞ اﻷﻛﺒﺮ إﻟﻰ »اﻟﻌﻘﻴﻼت« ﺣﻴﻦ ﻣﺰج رﺟﺎﻟﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﻓﻦ »اﻟﺤﺮدﻟﻮ« و»اﻟﻤﺮﺑﻌﺎت« ،ﻟﺘﺘﻢ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻓﻦ ﻣﺼﺮي ﺟﺪﻳﺪ ﻫﻮ ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ ،واﻟﺬي ﻳﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ زﺟﻞ اﻟﻤﻄﺎرﺣﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،وﻣﻌﺘﻤ ًﺪا
122
ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ ...
ﻋﻠﻰ اﻷوزان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﺮ ،واﻟﺘﻲ ﻳﺠﻲء أﺷﻬﺮﻫﺎ ﻣﻌﺘﻤ ًﺪا ﻋﻠﻰ ﺑﺤﺮ اﻟﺮﺟﺰ أو اﻟﻜﺎﻣﻞ أو داﻣ ًﺠﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻟﺘﻜﻮن اﻟﺘﻔﻌﻴﻠﺔ اﻟﻤﺤﻮﻛﻤﺔ ﻟﻠﺠﻠﺴﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺒﻬﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺘﺒﺎرون ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء أو اﻟﺰﺟﺎﻟﻴﻦ ﺑﺎﻟﻨﻤﻴﻢ. ﻳﻘﻮل ﺟﻤﺎل وﻫﺒﻲ» :ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ رﺟﺰ ﻋﺮﺑﻲ ﺻﻤﻴﻢ ﻳﺨﺘﻠﻂ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺑﻮزن اﻟﻜﺎﻣﻞ،وﻳﺴﺒﻖ ﺗﻔﻌﻴﻼت ﻛﻞ ﺷﻄﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﻘﻄﻊ زاﺋﺪ ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن ،واﻟﺒﺤﺮ اﻟﺸﻌﺮي ﻟﻮزﻧﻪ) :ﻓﻌﻠﻦ ﻣﺘﻔﺎﻋﻠﻦ ..ﻓﻌﻮﻟﻦ ..ﻓﺎﻋﻠﻦ(« .وﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎل اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﻦ ارﺗﺒﺎط اﻟﻔﻦ ﺑﺎﻷﻣﻜﻨﺔ، ﻓﻬﻜﺬا ﺳﺎﻫﻢ اﻧﺘﺸﺎر ﻣﺤﻄﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺣﺎت ﻋﻠﻰ ﻃﻮل ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ،ﺑﻴﺌﺔ ﺧﺼﺒﺔ ﻟﺘﻨﺎﻣﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ،وﺻﺒﻐﺔ ﺑﺼﺒﻐﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻟﻮﻧﻬﺎ اﻟﺨﺎص ﺑﻬﺎ. وﻛﺎن ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺑﺪاﻳﺔ ﻛﻞ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻨﻤﻴﻢ أن ﺗﺒﺪأ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ واﻟﻌﻴﻦ ،وﻫﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﻣﻊ اﻟﻤﻮال اﻟﻤﺼﺮي ،واﻟﻤﺆﺻﻞ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺘﻴﻦ ﻟﺨﺼﻴﺼﺔ اﻟﺤﺰن ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﻤﺼﺮي ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻦ رواد ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ
ارﺗﺒﻂ اﻟﻨﻤﻴﻢ ﺑﺎﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻤﺼﺮي، ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻴﻼت واﻟﻌﺒﺎﺑﺪة وﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ،وﻻ ﻳُﻌﺮف اﺳﻢ أﺳﺴﻪ ﺑﺬاﺗﻪ ،ﻟﻜﻦ اﺷﺘﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﻛﺜﻴﺮون ،ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻴﺪ اﻟﻤﺼﺮي إﻣﺎ »اﻟﻤﻄﺮب« ،وإﻣﺎ »اﻟﺸﺎﻋﺮ« ،وﻣﻦ أﺷﻬﺮﻫﻢ) :ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻦ واﻟﻠﻴﺜﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺒﻲ ،وﻋﺒﺪه أﺣﻤﺪ ﻋﻮض ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻴﻼت ﺑﺎﻟﻨﻮﺑﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،واﻟﺒﻌﺾ ﻳﺴﻤﻴﻪ »ﻋﺒﺪه أﺑﻮ ﺣﺪﻳﺪة« ،وﻳﻌﺰى إﻟﻴﻪ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ وﺗﺠﺪﻳﺪ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻪ ،وﻟﺸﻬﺮﺗﻪ ﺗﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﻧﺴﺒﺘﻪ إﻟﻴﻬﺎ .وإﻟﻴﻬﻢ ﻳﻌﻮد اﻷﺛﺮ ﻓﻲ ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﻨﻤﻴﻢ ﻋﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻷﺧﺮى ﻗﺮﻳﺒﺔ اﻟﺸﺒﻪ ﻣﻨﻪ ﻣﺜﻞ )اﻟﻘﺮﻳﺾ ،اﻟﻤﻮﺷﺢ، واﻟﺪوﻳﺐ ،واﻟﻤﻮال ،واﻟﻤﺮﺑﻊ ،(..وﺣﺮﺻﻮا ﻋﻠﻰ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ﺳﻤﺖ ﺧﺎص وﺑﻨﺎء ﺷﻜﻠﻲ ﻳُﻌﺮف ﺑﻪ ﻋﻤﺎ ﺳﻮاه ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ. »اﻣﺒﺎرح اﻟﻌﺼﺮ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺣﻠﺔ اﻟﻜﺸﺎف.. ﻛﻴﻒ أوﺣﻞ أﻧﺎ واﻷرض ﺗﺤﺘﻲ ﻧﺸﺎف.. ﺟﻮز اﻟﺨﺪود ﺑﺮﺗﻘﺎل ﺟﻮز اﻟﺨﺪود ﻛﺸﺎف ﻳﺎ ﺑﺨﺖ اﻟﻠﻲ أرى وﻳﺎ ﺣﺴﺮة اﻟﻠﻲ ﻣﺎ ﺷﺎف«
ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻌﺠﻢ واﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻣﺨﺘﺎر ﺳﻌﺪ ﺷﺤﺎﺗﺔ
ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻣﻘﺎل ﺳﺎﺑﻖ ﻧﺒﻬﺖ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ –ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ- ﻧﺎﻗﻮﺳﺎ اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻀﺮ ﻓﻲ أﻗﺼﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ،وﻛﻴﻒ ﻳﺪق ﻟﻨﺎ ً ﻟﻠﺨﻄﺮ ،ﻳﻨﺒﻪ ﻧﺤﻮ ﺿﻴﺎع ﺗﺮاﺛﻨﺎ اﻟﺸﻌﺒﻲ واﻟﺸﻔﺎﻫﻲ ﻣﻨﻪ، واﻟﻤﺮﺗﺠﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻨﻪ ،ﻓﻼ ﻋﻴﻦ اﻧﺘﺒﻬﺖ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻘﺪر اﻟﻤﻼﺋﻢ ،وﻻ ﻳﺪ ﺑﺎﺣﺚ ﻣﺨﻠﺺ اﻣﺘﺪت ﻟﺘﻨﻘﺐ ﻓﻴﻪ وﻋﻨﻪ ،وﻫﻨﺎ ﺳﺄﺗﺎﺑﻊ آﻣﻼً أن ﻳﻨﺘﺒﻪ أﺣﺪ اﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﻔﻦ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻟﻬﺬا اﻟﻔﻦ اﻟﻤﺘﺂﻛﻞ، وﻣﺘﻌﺠ ًﺒﺎ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺪر اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﺼﺎدر ﻟﻬﺬا اﻟﻔﻦ ،وﺳﺄﻃﺮح ﺿﻤﻨ ًﻴﺎ ﺳﺆاﻟﻲ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻔﻨﺎ اﻟﺮﺳﻤﻲ واﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮي ﻣﻦ ﺗﺮاﺛﻨﺎ اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ ،ﻓﻤﻦ ﻳﺪري؟ ﻟﻌﻞ أﺣﺪﻫﻢ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﻗﺒﻞ ﻓﻮات اﻷوان، ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻧﺤﺴﺮ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ وﻛﺎد ﻳﺨﺘﻔﻲ ﻟﻸﺑﺪ ﻣﻊ أﺟﻴﺎل ﺟﺪﻳﺪة ﻻ ﺗﻌﺮف ﻋﻨﻪ إﻻ أﻃﻼل اﻟﻘﻮل واﻟﺤﻜﺎﻳﺔ.
ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺎدة اﻟﻔﻌﻞ )ﻧ ﱠﻢ( ،وﻫﻲ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻇﻬﺮه وأﻋﻠﻨﻪ ﺣﻴﻦ ﻧﻘﻮل »ﻧ ﱠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ«، وﺣﺴﻨﻪ إذ ﻧﻘﻮل» :ﻓﻼن ﻧ ّﻢ ﻛﻼﻣﻪ«. وﻟﻠﻜﻼم ﺑﻤﻌﻨﻰ زَﻳﻨﻪ ّ وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﻤﻴﻢ ﻫﻮ اﻟﻤﻌﻠﻦ واﻟﻤﻈﻬﺮ ﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﺎ، ﻣﻌﺘﻤ ًﺪا ﻋﻠﻰ زﻳﻨﺔ ﻟﻔﻈﻴﺔ .ﻛﻤﺎ زاد اﻻﺷﺘﻘﺎق ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺸﻴﻮع واﻹﻏﺮاء .وﻋﻠﻴﻪ ﻳﺄﺗﻲ اﻻﺷﺘﻘﺎق »ﻧﻤﻨﻢ« ﺑﻤﻌﻨﻰ زﺧﺮف وزﻳﻦ وﻧﻘﺮش اﻟﺸﻲء وأﻏﺮى ﺑﻪ ،إذ ﻓﻲ ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎره -ﻣﺠﺎزًا -ﻏﻮاﻳﺔ اﻟﻘﻮل ،ﻓﺤﻴﻦ ﻳﺒﺪأ ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻨﻤﻴﻢ وﻗﺎﺋﻠﻪ ،ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻐﺮي اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﻤﺘﺎﺑﻌﺘﻪ وﻣﺠﺎراﺗﻪ ﺣﻴﻦ ﻳﺤﺎول أن ﻳﺮد ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ أﻛﺜﺮ زﺧﺮﻓًﺎ وﺟﻤﺎﻻ. ﻛﻤﺎ ورد ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ ﻣﻌﻨﻰ »اﻟﻐﻨﻰ« ،وﻫﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺄوﻳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻐﻨﻰ اﻟﻠﻔﻈﻲ ﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﻤﻴﻢ وﻗﺎﺋﻠﻪ ،إذ ﻳﺘﻌﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ زﺧﺮﻓﺔ أﺷﻌﺎره وزﻳﻨﺘﻬﺎ اﻟﻠﻔﻈﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ »اﻟﺜﺮاء« اﻟﻠﻔﻈﻲ ﻓﻲ ﻗﺎﻣﻮﺳﻪ اﻟﻠﻐﻮي ،ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻄﻮل زﻣﻦ اﻟﺠﻠﺴﺔ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺎﺗﻪ. أﻣﺎ ﻣﺼﻄﻠﺢ »اﻟﻨﻤﻴﻢ« ﻓﻴﺒﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﻌﺠﻤﻴﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺘﺮاﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل اﻟﻤﻨﻤﻖ ﻟﻔﻈﻴًﺎ، واﻟﻤﺘﺪاول ﺑﺰﻳﻨﺘﻪ اﻟﻠﻔﻈﻴﺔ ﺗﻠﻚ ،ﻟﻠﺒﻨﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺒﺎ ًﻋﺎ ﻃﻮال »ﺟﻠﺴﺔ اﻟﻨﻤﻴﻢ« ،وﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﺒﺎﺣﺚ ﺟﻤﺎل وﻫﺒﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻨﻤﻴﻢ ﻃﺒﻌﺔ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻨﻬﻀﺔ » :1997وﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻗﺪ اﺷﺘﻖ ﻣﻦ ﻧﻤﻨﻢ اﻟﺸﻲء أي زﺧﺮف اﻟﺸﻲء وﺑﺮﻗﺸﻪ ،واﻟﻤﻨﻤﻨﻢ :اﻟﺸﺊ اﻟﺬي ﻛﺜﺮت ﻧﻘﻮﺷﻪ وزﻳﻨﺘﻪ ﻓﻔﻲ ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ ﻳﺤﺎول ﻛﻞ ﺷﺎﻋﺮ أن ﻳﻜﻮن إﺑﺪاﻋﻪ ﺑﻠﻴﻐﺎ وﻣﻌﺒﺮا وﻣﺰﺧﺮﻓﺎ ﺑﺎﻟﻤﻔﺮدات واﻟﻤﺤﺴﻨﺎ« ،ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻋﺸﺮون ﻳﻮم ﻓﻲ اﻟﻨﻮﺑﺔ« د .ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ» :ﻫﻮ ﺷﻌﺮ ﺗﻠﻘﺎﺋﻲ ﻳﻘﺮأ ﻻ ﻳﻨﻘﻞ«. »ﺟﺮ اﻟﻨﻤﻴﻢ« ..ﻓﻦ ﺷﻌﺒﻲ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز
ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﻌﺠﻤﻲ أو اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ ﻟﻠﻨﻤﻴﻢ ،وﺑﻤﻄﺎﻟﻌﺔ ﻣﺎ ﻛُﺘﺐ ﺣﻮﻟﻪ أو ﺑﺎﻋﺘﻤﺎد ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻨﺎ ﻣﻊ اﻟﺮﻳﺲ »أﺑﻮ ﻋﻤﺮ«، اﻟﺘﻲ أﺷﺮﻧﺎ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎل اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻨﻤﻴﻢ وﺣﻔﻼﺗﻪ ﻓﻲ ﻧﺴﺠﺘﻬﺎ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻣﺎ ﻳﻨﺪرج ﺗﺤﺖ اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ »ﺟﺮ اﻟﻨﻤﻴﻢ« ،إذ ﻳﺒﺪأ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺎﻟﻘﻮل ارﺗﺠﺎﻻ ﻣﺨﻠﻮﻃًﺎ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ واﻟﻔﺼﻴﺤﺔ ،ﻓﻴﻐﺮي اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺴﺠﺎل ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ رﺑﻤﺎ ﺗﻤﺘﺪ ﻟﻠﻔﺠﺮ ،وﻳﻤﻜﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﻴﺎل ﻻﺣﻘﻪ، »وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ ﺑﺮﻳﺪك ﻳﺎ وﻟﻴﺪ اﻟﺨﺎﻟﺔ.. ﻗﻠﺒﻲ ﺑﻴﺤﻦ ﻟﻴﻚ واﻟﻨﻔﺲ ﻟﻴﻚ ﻣﻴﺎﻟﺔ.. ﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺸﺎ زاﻳﺮ ﻟﺒﻴﺘﻨﺎ ﺗﻌــﺎﻟﻰ.. ﻓـــﺮﺻﺔ ﻟﻠﻘﺎ وﺗﺸﺮح ﻷﻣﻲ اﻟﺤﺎﻟﺔ«
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
121
ﻓﻨﻮن
اﻟﻨﻤﻴﻢ..
ﻓﻦ ﻏﻮاﻳﺔ اﻟﻘﻮل
120
ﻓﻦ اﻟﻨﻤﻴﻢ ...
اﻟﺒﺎرودي أﺑﻮ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ
»ﺗﺮى ﻣﻦ ﻗﺎل ﻟﺸﻮﻗﻲ إﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﺮف ﺑﻮﻻﻳﺘﻪ ﻳﻨﺼﺐ وﻟﻲ ﻋﻬﺪ؟! إن إﻣﺎرة ﺷﻮﻗﻲ ﻳﺮى ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ،أن أوﻟﻰ ﻣﻤ ّﻬﺪات ﺣﺘﻰ ّ وا)ﻫﻢ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ ﻣﺎرون ﻣﻬﺰﻟﺔ ﺳﺠﻠﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻓﻬﻲ ﺳﺨﺎﻓﺔ ﺛﻮرة اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺟﺎءت ﻋﺒﻮد ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﺘﻴﻦ ﺑﻠﻘﺎء؛ ﻓﻜﻞ ﺷﻲء ﻳﻮ ّرث إﻻ اﻟﻌﻠﻢ .ﻫﺬا ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺼﺮي ﻣﺤﻤﻮد ﻛﻼم رﺟﻞ ﻻ أﺟﺪ ﻟﻪ ﻧﻌﺘًﺎ ،وﻳﺒﺪو أن ﺳﺎﻣﻲ اﻟﺒﺎرودي ) .(1904 – 1839ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺘﺎ ًﺑﺎ ،ﺗﻠﻜﻢ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﻌﻤﺮ ﻫﻮ اﻟﺬي أﻧﻄﻖ ﺷﻮﻗﻲ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻨﻬﻀﻮﻳﺔ اﻟﻌﺮوﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ »ﻇﻞ اﻟﺸﻌﺮ رﻛﻴﻜًﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﻘﻮل ،ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ رﺿﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﻬﺬﻳﺎن واﻟﻬﺬر«. ﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﺤﻤﻮد ﺳﺎﻣﻲ اﻟﺒﺎرودي ،ﻓﺄﻗﺎل واﻟﺘﻲ ﺮه، ﺗﺘﻌﻤ ﻛﺎﻧﺖ ّ إﺟﻤﺎﻻ: ً وﻳﻘﻮل ﻋﺒﻮد ﻓﻲ ﺷﻌﺮ ﺷﻮﻗﻲ ﻋﺜﺮﺗﻪ ،وﻧﻬﺾ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﻛﺒﻮﺗﻪ«. »ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺷﻮﻗﻲ ﻣﻨﺒﻮﺷﺔ ﻣﻦ أﺿﺮﺣﺔ ﻣﺎرﺳﻬﺎ ﺑﻘﻮة وﻣﻼءة ﻓﻲ وﻳﺤﺴﻢ ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد أﻣﺮه ﺗﺠﺎه ﺗﻘﻴﻴﻢ ﻣﻌﺎ؛ ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺒﺎرودي ﺑﺎﻟﻘﻮل »إذا ﺳ ّﻤﻴﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﻘﺪﻣﺎء ،ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻟﺬي ﻳﻌﺜﺮون ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ً ﻣﺪاﻓﻦ ﺟﺒﻴﻞ واﻷﻗﺼﺮ«. ﻳﻮﻣﺎ ﻣﺤﻠﻴّﺔ اﻟﺮاﺋﺪ زﻋﻴﻢ ﻣﺪرﺳﺔ ،ﻓﻼ ﻧﻘﻮل إﻻّ اﻟﺤﻖ، ﻳﻌﺮف ﻗﻠﻤﻪ ً ﻛﻤﺎ ﺣﻤﻞ ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ﻋﻠﻰ أﻣﻴﻦ ﻧﺨﻠﺔ ﻓﻬﻮ اﻟﻤﻮﻃّﺊ ﻻﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺻﺒﺮي وﺷﻜﻴﺐ ﻛﺎن ﺑﻞ ﻘﺔ، ﻴ ﺿ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ّ ﻗﺎﺋﻼ إن ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ وﺳﻌﻴﺪ ﻋﻘﻞ ﻣ ًﻌﺎً ، أرﺳﻼن وأﺣﻤﺪ ﺷﻮﻗﻲ وﺧﻠﻴﻞ ﻣﻄﺮان »ﻳﻔﻮﻗﺎن اﻷﻣﻴﺮﻛﺎن ﻓﻲ اﻹﻋﻼن« .ﻋﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﺨﻂ ،ﻋﺮوﺑ ًﻴﺎ وﺣﺎﻓﻆ إﺑﺮاﻫﻴﻢ وﺗﺎﻣﺮ اﻟﻤﻼط وودﻳﻊ وﺣﺪﺛﻨﻲ ﺷﺨﺼ ًﻴﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﻋﻘﻞ ..وﻏﻴﺮﻫﻢ«. ﺑﺠﻮارﺣﻪ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻣﺘﺠﺎو ًزا اﻟﺮاﺣﻞ ﻣﻴﺸﺎل ﺳﻠﻴﻤﺎن ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺰور وﻳﺆﻛﺪ ﺗﺼﻮر ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ﻫﺬا ،اﻟﻨﺎﻗﺪ ﻟﻠﻄﺎﺋﻔﻴﺔ اﻟﺒﻐﻴﻀﺔ، ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻴﻨﺔ واﻷﺧﺮى ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﻤﻌﺮوف د .ﺷﻮﻗﻲ ﺿﻴﻒ، ﻓﻌ ً ﻼ وﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻗﺮﻳﺘﻪ ﻋﻴﻦ ﻛﻔﺎع )ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ﻣﻨﻄﻘﺔ إذ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺒﺎرودي »أﺑﻮ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺟﺒﻴﻞ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ( ﻋﻦ أن ﻧﺎﻗﺪﻧﺎ ﻗﺎل ﻟﻪ اﻟﺤﺪﻳﺚ« ،و« ُﻣﺤﺮره ﻣﻦ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ إن »ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻘﻞ ﺷﺎﻋﺮ ﻋﻮاﺻﻒ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ وﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﻐﺜﺔ«، اض ﺮ واﻷﻏ اﻟﺴﻘﻴﻤﺔ، ً ُﻣﺼ ّﻨﻌﺔ ،وﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻨﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ رﻣﺰﻳًﺎ .إﻧﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي أﻟّﻔﻪ ﻋﻨﻪ ،وﺣﻤﻞ ﻋﻨﻮان: ﻻ ﻣﺒﻬﺮج، ﺷﻜﻠﻲ ﺑﺴﻴﻠﻮﻓﺎن ﻣﺘﻨﺒﻲ ﻣﺸ ّﻮﻩ ،وﺑﻀﺎﻋﺘﻪ ﻣﻐﻠّﻔﺔ »اﻟﺒﺎرودي راﺋﺪ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ« .وﻫﺬه ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن دم ﻓﻴﻬﺎ ،وﻻ ﻋﺼﺐ ﻋﺎﻓﻴﺔ«. ﺗﺘﻜ ّﺮس ﻧﺴﻘًﺎ ﺑﻴﻦ أوﻟﻮﻳﺔ أﻧﺴﺎق اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ واﻟﻨﻘﺪﻳﺔ واﻟﻄﺮﻳﻒ أن ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻦ اﻧﺘﻘﺪﻫﻢ ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد دوﻧﻤﺎ ﻫﻮادة ،اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ً ﻇﻠﻮا ﻳﺤﺘﺮﻣﻮﻧﻪ ،وﻳﺘﺄﺑّﻮن ﻣﺠﺎﺑﻬﺘﻪ ،ﻷﻧﻪ ،وﻛﻤﺎ ﻗﺎل أﺣﺪﻫﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة. »ﻻ ﻳﻨﻘﺪ اﻷدب إﻻّ ﺑﻤﺜﻠﻪ ،ﻓﻨﻘﺪه أدب ﺑﺤﺎﻟﻪ ،أﺳﻠﻮﺑًﺎ ورو ًﺣﺎ واﻷﻫﻢ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﺘﻴﻦ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ،ﺗﻠﻜﻢ وﺗﺸﺒﻴﻬﺎت ووﺻﻔًﺎ«؛ وﻷن اﻷدب ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻋﺒﻮد ﻧﻔﺴﻪ »ﻻ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﻨﻬﻀﻮﻳﺔ اﻟﻌﺮوﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌ ّﻤﺮه ،واﻟﺘﻲ ﻣﺎرﺳﻬﺎ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ إﻻ ﺑﻨﻘﺪ ﻻ ﻫﻮادة ﻓﻴﻪ ،وأن ﻣﻬﻤﺔ اﻟﻨﺎﻗﺪ ﻛﻤﻬﻤﺔ ﺑﻘﻮة وﻣﻼءة ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻣ ًﻌﺎ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮف ﻗﻠﻤﻪ اﻷﺛﺮي ،ﻳﻨﺒﺶ اﻟﻘﻨﺎﻃﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاب ،ﻟﻴﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺜﺎل أﻛﻠﻪ ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻣﺤﻠ ّﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﺿ ّﻴﻘﺔ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﺨﻂ ،ﻋﺮوﺑ ًﻴﺎ اﻟﺼﺪأ«. ﻓﻌﻼ وﻣﻤﺎرﺳﺔ. ﺑﺠﻮارﺣﻪ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻣﺘﺠﺎوزًا ﻟﻠﻄﺎﺋﻔﻴﺔ اﻟﺒﻐﻴﻀﺔً ، ﻣﺜﻼ ،اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤ ًﺪا ،وﻫﻮ اﺑﻦ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ وﻻ ﻧﻨﺴ ّﻴﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺰار ﻗﺒﺎﻧﻲ ،اﻟﺬي ﻧﺼﺤﻪ ﻧﺎﻗﺪﻧﺎ ،ﺑﻀﺮورة ﺳ ّﻤﻰً ، ّ اﻟﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﺸﺒﻴﻬﺎت اﻟﺴﺎذﺟﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺮه ،وأﻻّ ﻳﻘﻠّﺪ أﺣ ًﺪا اﻟﻤﺎروﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن؛ ﻛﻤﺎ ﺳ ّﻤﻰ اﺑﻨﺘﻪ ﻓﺎﻃﻤﺔ ،ﻣﺎ أﻟّﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺎش وأﻧﻪ ﻋﺒﻮد، ﻣﺎرون ﺗﻠﻤﻴﺬ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻔﺨﺮ ﻛﻴﻒ ﻧﻔﺴﻪ، ﺣﺘﻰ اﻟﻤﺘﻌﺼﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﻃﺎﺋﻔﺘﻪ ،وأﺛﺎر اﺳﺘﻬﺠﺎن ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﻋﺼﺮه ﺑﺎﻟﻘﻮل» :ﺣﻴﻦ ﻳﺴﺄﻟﻨﺎ ﺳﺎﺋﻞ :وأﻧﺘﻢ ﻳﺎ ﺷﻌﺮاء اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻄﻮاﺋﻒ أﻳﻀً ﺎ .أﻣﺎ ﻫﻮ ،ﻓﺒﻘﻲ ﻛﺎﻟﻄﻮد ﻏﻴﺮ ﻧﺎدم ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺎره، اﻟﻤﻤﺘﺪة ﻣﻦ ﻋﺎم 1940ﺻﻌﻮ ًدا إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ،ﻣﻦ ﻫﻮ ﻫﺬا وﻏﻴﺮ ﻫﻴّﺎب ﺑﺎﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻦ ذﻟﻚ .وﻛﻢ ﻧﺤﺘﺎج ﻓﻲ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﻘ ّﻴﻢ آﺛﺎرﻛﻢ ،وﻳﺰن اﻟﺮﻳﺶ اﻟﻨﺎﺑﺖ ﻓﻲ أﺟﻨﺤﺘﻜﻢ ،ﻫﺬه اﻷﻳﺎم ،إﻟﻰ رﺟﺎل ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻪ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻤﺎ وﻳﺪ ّوزن اﻷﻧﺴﺠﺔ اﻟﻄﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻨﺎﺟﺮﻛﻢ؟ ﺳﻨﻘﻮل ﻟﻪ ﺑﻼ أدﻧﻰ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ دﻧﻴﺎﻧﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﺗﺮ ّدد» :ﻛﺘﺒﻨﺎ ﺷﻌ ًﺮا ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ،وﻋﻠﻰ ّ ﻣﺤﻚ ﻫﺬه *ﺷﺎﻋﺮ وﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺴﻨﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﻤﺎردة ﺑﺮﻳﻨﺎ أﻗﻼﻣﻨﺎ ،وﺗﺮﻛﻨﺎ أﺳﻤﺎءﻧﺎ«.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
119
ﻗﻠﺐ اﻟﻜﻼم
ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ..ﺟﺎﺣﻆ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ
أﺣﻤﺪ ﻓﺮﺣﺎت@
ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺠﺎﺣﻆ ) 768 – 775م( أوذﻳﺴﺔ ﻋﺼﺮه ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﺒﻨﺎت ،ﺑﻞ ﺧﻨﻖ ﻛﻞ ﻣﻮﻟﻮد ﻏﻴﺮ ﻧﺒﻴﻪ ،وإﻟﻴﻚ ﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ واﺣ ًﺪا اﻟﻜﻼم واﻷدب واﻟﺸﻌﺮ واﻟﻨﻘﺪ وﻓﻘﻪ اﻟﻠﻐﺔ ،واﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﻮع اﻟﺤﻜﻲ: ﻣﺎن اﻟﻌﻮاﻃﻒ واﻟﺸـﻌﻮر واﻟﻨﻈﻢ ،واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺮواﻳﺔ ،واﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻟﺤﻜﻤﺔ ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ ﻳﺎ ﻧﻬﺮ ﻛﺖ اﻟﺘﻬﺎﻣﻪ اﻟﻜﺘﺐ ،وﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﻮع ،ﻟﻴﻞ ﻧﻬﺎر. ّي ﻣﻦ اﻟﺘﻮﻗﻒ واﻟﻤﺴﻴﺮ ﻣﻦ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺴـﻴﻞ اﻟﻘﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن راﺋﺪﻧﺎ اﻷدﺑﻲ واﻟﺸﻌﺮي واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﻠﻐﻮي واﻟﻨﻘﺪي اﻟﻌﻤﻼق ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ) ،(1962 – 1886ﻫﺬا أﻣﺎ ﺣﻴﻦ ﻳﺜﻮر ﺑﺮﻛﺎﻧﻬﺎ ،وﺗﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﺗﻘﻊ ﻋﻴﻨﻬﺎ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ اﻟﻌﺮوﺑﻲ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺮح ،ﻓﻴﻨﻬﺾ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺜﻤﻪ ﻓﺘﻘﻮل: ﺻﻴﺮ ﻳﺠ ّﻦ ﺟــــﻨﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ أﻋﻤﺎﻗﻲ أﻋــﺎ أﺳﻠﻮﺑﻪ اﻟﻠﻮذﻋﻲ اﻟﺴﺎﺧﺮ ،واﻟﺬي ﻻ ﻳﺼﺪر ﻓﻴﻪ ،إﻻ ﻋﻦ ﻳﻀﺞ ﺣـــــﻨﻴﻨﻬﺎ وﻋﻠﻰ ﺟﻔﻮﻧﻲ رﺳﻢ أﺣـ ﻻم ّ وﺗﺒﺼﺮ ،وﻧﺰاﻫﺔ وﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ،ﻫﻲ ﻧﺘﺎج ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ ﺧﺎﻟﺺ ﻣﻌﺮﻓﺔ ّ و«ﻳﺠﻦ« ﻣﻮﺿﻊ »ﻳﺠﻦ«، »ﻳﻀﺞ« ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﻴﺔ اﻟﻨﺎدرة واﻟﻬﺎﺿﻤﺔ ﻵداب اﻟﺸﻌﻮب وﺛﻘﺎﻓﺎﺗﻬﺎ ،ﻓﻠﻮﻻ أﻧﻬﺎ وﺿﻌﺖ ّ ّ ّ »ﻳﻀﺞ« ﻟﺘﻐ ّﻴﺮت اﻟﺼﻮرة .ﻟﻜﻦ »ﺷﺎﻋﺮة اﻟﻠﻴﻞ« ﻗﻠّﻤﺎ ﺗ ُﺤ ّﻤﻞ ﺷﺮﻗًﺎ وﻏﺮﺑًﺎ. ّ وﻣﺎرون ﻋﺒﻮد اﻟﻤﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺗﺮاﺛﻪ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،واﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ ﻋﺒﺎراﺗﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻄﻴﻖ ،ﻛﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻤ ّﺪ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ، ﺣﺘﻰ اﻟﻌﻈﻢ ،ﻛﺎن أﻳﻀً ﺎ ﺣﺪاﺛﻮﻳًﺎ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز ،واﻋﺘﺒﺮت أﻃﺮوﺣﺎﺗﻪ ﻻ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻮﺟﻮد«. اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ،ﺑﻼ ﺟﺪال ،ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﻨﻘﺪوﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﻟﻢ ﻳﺴﻠﻢ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺎر ﻣﻦ ﻗﻠﻢ ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ،ﻻ ﺷﻮﻗﻲ ﺧﺼﻮﺻﺎ وأﻧﻪ ﻛﺎن أول ﻣﻦ ﺗﺼ ّﺪى ﻟﺮﻳﺎدة وﻻ ﺣﺎﻓﻆ وﻻ اﻟﻌﻘﺎد وﻻ اﻟﺮاﻓﻌﻲ وﻻ ﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ وﻻ ﺟﺒﺮان اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ، ً ﺷﻌﺮاء اﻟﺤﺪاﺛﺔ ،ﻣﻦ أﻣﺜﺎل ﺑﻠﻨﺪ اﻟﺤﻴﺪري وﻧﺎزك اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ وﻻ ﻧﻌﻴﻤﺔ وﻻ ﺧﻠﻴﻞ ﻣﻄﺮان وﻻ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﺮوي وﻻ أﺣﻤﺪ ﻣﺜﻼ ﻓﻲ اﻟﺼﺎﻓﻲ اﻟﻨﺠﻔﻲ وﻻ اﻟﺠﻮاﻫﺮي وﻻ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻘﻞ وﻻ ﻧﺰار وﺑﺪر ﺷﺎﻛﺮ اﻟﺴﻴﺎب وﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب اﻟﺒﻴﺎﺗﻲ .ﻗﺎل ً اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺤﻴﺪري ،ﺑُﻌﻴﺪ ﺻﺪور دﻳﻮاﻧﻪ اﻷول» :ﺧﻔﻘﺔ اﻟﻄﻴﻦ« ﻗﺒﺎﻧﻲ .اﻟﻮﺣﻴﺪ ،رﺑﻤﺎ ،اﻟﺬي ﻧ ّﻮﻩ ﻋﺒﻮد ﺑﺸﻌﺮه ،وإن ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ) 1946رﻳﺎدة اﻟﺤﻴﺪري ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻫﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺎدﻟﺔ ﻧﺴﺒﻲ ،ﻛﺎن ﻋﻤﺮ أﺑﻮرﻳﺸﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ أﺧﺬ ﻋﻠﻴﻪ إﻛﺜﺎره ﻣﻦ »ﻣﺎ« ﻗﺎﺋﻼ» :ﻫﺬا اﻹﻛﺜﺎر ﻣﻦ »ﻣﺎ« ﻻ ﻳﻌﺠﺒﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﻌﺮك .ﻳﺎ اﻷﺳﺒﻘﻴﺔ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ(» :أﺷﻬﺪ أن دﻳﻮان ﺑﻠﻨﺪ اﻟﺤﻴﺪري »ﺧﻔﻘﺔ اﻟﺰاﺋﺪة ً ﻳﻘﺼﻮن ﻓﻴﻪ اﻟﺰاﺋﺪة ﻓﻮر ﺷﻌﻮرﻫﻢ ﺑﻬﺎ«. اﻟﻄﻴﻦ« أﺣﻔﻞ ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻣﻦ دواوﻳﻦ اﻟﺸﺒﺎب ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ؛ وﻟﻌﻠﻪ اﺑﻨﻲ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ّ ﻋﻠﻰ أن ﻧﻘﺪه ﻟﻠﻜﺒﺎر ،ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮ ﻓﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﺗﺤﻠﻢ ﺑﻪ ﺑﻐﺪاد«. ﻳﺤﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻋﻠﻰ ﺗﻤﺜّﻠﻬﺎ .ﻟﻜﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﺼ ّﺪى ﻋﺒﻮد ﻟﺪﻳﻮان اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻧﺎزك اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ» :ﻋﺎﺷﻘﺔ ﺗﺠﺎرﺑﻬﻢ إﻳﺠﺎﺑﻴﺎت ﻋﺪﻳﺪةّ ، ﻣﺜﻼ ،ﻋﻠﻰ رأﻳﻪ ﻓﻲ أن ﺑﺪاﻳﺔ أﺣﻤﺪ ﺷﻮﻗﻲ »ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎردة، ﻇﻞً ، ّ ﻗﺎﺋﻼ» :ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻮان ﺷﻌﺮ وﺣﻜﻲ ،وﻫﺬا ﻧﺎﺷﺊ اﻟﻠﻴﻞ« ً 1947 - ﻋﻦ ﺷ ّﺪة ﺣﺴﺎﺳﻴﺘﻬﺎ؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻘﻮل ﻛﻞ ﺷﻲء ،وأﻻّ ﺛﻢ اﻟﺘﻬﺐ ﺷﻌﺮه ،ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ ﺣﺎﻓﻆ اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻣﻠﺘﻬ ًﺒﺎ ﺛﻢ ﺗﺨﺒّﺊ ﺷﻴﺌًﺎ؛ وﻟﻬﺬا ﺗﺠﺪ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ أﺧﺖ ﻟﻬﺎ ﺑﺮد« .ﻛﻤﺎ أﺧﺬ ﻣﻌﻠﻘًﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻮﻗﻲ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻟﺪﻳﻮان أﻣﻴﻦ ﻧﺨﻠﺔ ﻏﻴﺮ ﻧﺠﻴﺒﺔ .رﺑﻤﺎ ﻗُﻠﺖ ﻟﻲ :وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻜﻮن اﻟﻤﻮاﻟﻴﺪ ،وﻫﺬه ﺑﻬﺬه اﻷﺑﻴﺎت: ﺳ ّﻨﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،وﻗﺪ ﻧ ّﺒﻪ إﻟﻰ ﻫﺬا أﺑﻮ ﺗﻤﺎم ،وﻛﺬﻟﻚ زﻋﻢ اﺑﻦ ﻫﺬا وﻟﻲ ﻋﻬﺪي وﻗ ّﻴﻢ اﻟﺸﻌﺮ ﺑﻌـــــــﺪي ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﻗﺎل ﺷﻌ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﻋﺒﺪ ﻟﻌﺒﺪي اﻟﺮوﻣﻲ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺄﺧﺎﻟﻔﻬﻤﺎ ،وأرى أن ﺷﺮاﺋﻊ اﻟﻔﻦ ﺗﺴ ّﻮغ وأد
118
ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد ..ﺟﺎﺣﻆ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ
ﺿﻔﺔ اﻟﺮأي
ﺷﻜ ًﺮا »رﻳﺘﺸﻲ« ﻗﺮأت ﻗﺼﺔ ﻟ ُﻤﺴ ّﻦ اﺳﺘﺮاﻟﻲ اﺳﻤﻪ »دون رﻳﺘﺸﻲ« ،ﻋﻤﺮه 85 ﻋﺎ ًﻣﺎ ،ﻳﻌﻴﺶ ﺑﺠﻮار ﺟﺴﺮ ﻣﻴﻨﺎء ﺳﺪﻧﻲ ،ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﻨﺤﺪر ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺨﻄﻮرة اﺳﻤﻪ »ﺟﺎب« .وﻳُﻌﺮف ﺟﺎب ﺑﺄﻧﻪ أﺷﻬﺮ ﻣﻮﻗﻊ ﻟﻼﻧﺘﺤﺎر ﻓﻲ اﺳﺘﺮاﻟﻴﺎ. أﻣﻀﻰ رﻳﺘﺸﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ إﻗﻨﺎع ﻓﺎﻗﺪي اﻷﻣﻞ واﻟﺮاﻏﺒﻴﻦ ﺑﺎﻻﻧﺘﺤﺎر ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ رأﻳﻬﻢ واﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، وﺗﺨﺼﺺ ﻓﻲ إﺳﺪاء اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ إﻟﻴﻬﻢ ﻟﻴﻘﻨﻌﻬﻢ ﺑﺄن اﻟﺤﻴﺎة ﺟﻤﻴﻠﺔ وأﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻓﻔﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد »اﻷﻣﻞ«. وﺣﺴﺐ ﻛﻼم أﻫﻠﻪ ﺗﻤﻜﻦ »رﻳﺘﺸﻲ« ﻣﻦ إﻧﻘﺎذ ﺣﻴﺎة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 500ﺷﺨﺺ. ﺗﻮﻓﻲ رﻳﺘﺸﻲ ﻓﻲ ﻣﺎﻳﻮ ،2012ﻟﻜﻨﻪ ﻻ زال ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺬوﻗﻮن ﺣﻼوة اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎد اﻟﻴﺄس أن ﻳﻘﻮدﻫﻢ إﻟﻰ ﺣﺘﻔﻬﻢ. أﺗﺄﻣﻞ اﻟﺒﻌﺾ ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻄﻲ ،وأﺟﺪ ﻛﻤﻴﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﺗﺠﺎه اﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻧﻜﺮه ﺑﻌﻀﻨﺎ اﻟﺒﻌﺾ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﺻﺮﻧﺎ أﻳﻀﺎً »أﺑﻌﺪ« ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀﺎً. ﻗﻠﺔ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ زاﻟﻮا ﻳﺤﺎوﻟﻮن إﻗﻨﺎع اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎر اﻟﺼﺤﻴﺢ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﻨﻮن اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ،ﺣﺘﻰ أن ﻧﻘﺎﺷﺎﺗﻨﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻹﺛﺒﺎت ﻣﻦ ﻫﻮ اﻷﻛﺜﺮ ﺛﻘﺎﻓﺔ ،وﻟﻴﺴﺖ ﻟﺘﺼﺤﻴﺢ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺧﺎﻃﺌﺔ أو ﻹﺿﺎﻓﺔ ﻣﻌﺎرف وﺧﺒﺮات ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﻄﺮف اﻵﺧﺮ. أﺻﺒﺢ ﻫﺪﻓﻨﺎ »اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ« وﻟﻴﺲ »اﻟﻤﺤﺒﺔ« ،ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻳﻘﻮل» :اﻟﻠﻬﻢ ﻧﻔﺴﻲ« ،ﻣﻦ دون إﻟﺘﻔﺎت إﻟﻰ ﻫﻤﻮم اﻵﺧﺮﻳﻦ وﻣﺂﺳﻴﻬﻢ وﺣﺎﺟﺎﺗﻬﻢ. ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮأت ﻗﺼﺔ رﻳﺘﺸﻲ ﺗﻌﺠﺒﺖ ،وﺗﺴﺎءﻟﺖ» :ﻫﻞ ﻫﻮ أﻣﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ أن ﻳﻤﻀﻲ ﺷﺨﺺ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ إﻋﺎدة اﻷﻣﻞ ﻷﺷﺨﺎص ﻻ ﻳ ّﻤﺘﻮن ﻟﻪ ﺑﺼﻠﺔ وﻻ ﻳﺮﺟﻮ ﻣﻨﻬﻢ أي ﻣﺼﻠﺤﺔ أو ﻓﺎﺋﺪة؟«
ﺷﻴﻤﺎء اﻟﻤﺮزوﻗﻲ@
ﻃَ َﺮ َق رﻳﺘﺸﻲ ﻋﻘﻠﻲ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ أﻳﻘﻈﻨﻲ وﺟﻌﻠﻨﻲ أﻛﺘﺸﻒ أن ﺗﺴﺎؤﻟﻲ ﻫﻮ »ﻏﻴﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ« ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ أن ﻣﺤﺒﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻪ واﺣﺘﺮام ﻛﻴﺎﻧﻪ ﻫﻲ اﻟﺸﻲء اﻟﻤﺴﺘﻨﻜﺮ ،أﻣﺎ اﻟﺘﻘﻮﻗﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺬات واﻟﻠﻬﻔﺔ ﺧﻠﻒ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻫﻲ اﻟﺸﻲء اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ. ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ »رﻳﺘﺸﻲ« ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﻟﻢ ﻳﻤﺖ ﺑﻌﺪ ،ﻓﻄﺎﻟﻤﺎ أن ﻗﺼﺘﻪ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻨﺘﺸﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ،وﻻ ﺗﺰال ﺗﻮﻗﻆ اﻟﻤﺰﻳﺪ واﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺈذا ً ﻫﻮ ﻻ زال ﻣﺴﺘﻤ ًﺮا ﺑﺈﻳﺼﺎل رﺳﺎﻟﺘﻪ. أﺗﺬﻛﺮ ﻗﺼﺔ ﺣﺪﺛﺖ أﻣﺎﻣﻲ ﺧﻼل ﺟﻠﻮﺳﻲ ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ ،ﻛﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻌﻢ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺎﺗﺐ اﺑﻨﻬﺎ ﻷﻧﻪ و ﱠﺟﻪ ﻛﻠﻤﺎت ﻣﺘﻮاﺿﻌﺔ اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻠﻨﺎدل ،ﻗﺎﻟﺖ» :ﻣﺎ ﺗﺴﺘﺤﻲ ﺗﺘﻠﻔﻆ ﺑﻬﺬه اﻷﻟﻔﺎظ؟« ُ ﺑﻨﺼﺮ ،ﻷﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻐﻴﻆ ﻣﻦ اﺑﻨﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻨﺎدل ﻛﺒﻴﺮا ً ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺮ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﺼﺪﻣﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺬي ﻳﺤﺮك ﺗﻮﺑﻴﺨﻬﺎ ﻻﺑﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻛﻤﻠﺖ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ» :ﻫﺬا اﻟﺬي ﺳﻴﺤﻀﺮ ﻟﻨﺎ اﻟﻄﻌﺎم ،اﻵن ﻗﺪ ﻳﺘﺄﺧﺮ أو ﻗﺪ ﻳﻀﻊ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﻲ ﻃﻌﺎﻣﻨﺎ«! ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﻲ اﺑﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﺣﺘﺮام اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﺗﺮﺑﻄﻨﺎ ﺑﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ،وﻟﻴﺲ اﺣﺘﺮام اﻹﻧﺴﺎن ﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻪ. ﻣﺜﻞ ﻗﺼﺔ رﻳﺘﺸﻲ ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ ﻷن ﻧﻐﻴﺮ ﺷﻴﺌﺎً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻓﻲ ذواﺗﻨﺎ وﺳﻠﻮﻛﻴﺎﺗﻨﺎ وﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺘﻨﺎ ﻷﺑﻨﺎﺋﻨﺎ ،ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻘﺪر أﻫﻤﻴﺔ أن ﻧﻤﺘﻠﻚ ﻣﺒﺎدئ ﻋﻈﻴﻤﺔ. ﺷﻜ ًﺮا رﻳﺘﺸﻲ *ﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
117
ﻣﻦ ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب ﻳﺰﻳﺪ وﺣﺒﺎﺑﺔ
اﻋﺘﺎدت اﻟﻌﺮب ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺺ اﻟﻌﺸﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻬﺮ ﺑﻬﺎ ﺷﻌﺮاؤﻫﻢ دون ﻣﻮارﺑﺔ أو ﺧﺠﻞ ورددوا ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻗﻴﺲ ﻣﺠﻨﻮن ﻟﻴﻠﻰ وﺗﻨﺎﻗﻠﻮا دواوﻳﻦ ﻋﻨﺘﺮة ﻋﺎﺷﻖ ﻟﻴﻠﻰ
اﻟﺸﺊ اﻟﻤﺆﻛﺪ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ ﻫﻮ اﻟﻤﻮت اﻟﻤﺄﺳﺎوي ﻟﻠﺤﺒﻴﺒﺔ أﻧﺎرﻛﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﻣﺒﺮاﻃﻮر ﺑﺎﻟﺪﻓﻦ ﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﻠﺔ إﺳﻤﻨﺘﻴﺔ وﺗﻢ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻟﺤﻜﻢ أﻣﺎم أﻋﻴﻦ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ. آﺧﺮ ﺷﻬﺪاء اﻟﻐﺮام اﻟﻤﺤﺒﻮن ﺑﻬﻢ ﻣﺲ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮن ورﻫﺎﻓﺔ اﻟﺤﺲ واﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ،ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﻌﺎﺷﻖ ﺷﺎﻋ ًﺮا ﻳﻬﻴﻢ ﻋﺸﻘًﺎ ﺑﺼﺒﻴﺔ ﻳﺮاﻫﺎ ﺗﻜﺒﺮ أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻴﻪ ،ﻳﺮاﻗﺒﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺪ وﻳﻌﺸﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ دون أن ﻳﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﺮﻳﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﺸﺎﻋﺮه ،إﻧﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أدﻳﻢ اﻟﺬي ﻋﺸﻖ اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻣﻨﻬﻠﺔ واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻠﻜﻬﺎ اﻣﺮأة ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺴﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺟﺎرﻳﺘﻬﺎ ﻓﺄرﺳﻠﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺎب ﻟﺘﺘﻌﻠﻢ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﻫﻨﺎك ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ﻋﻠﻲ وأﺣﺒﻬﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﻟﻄﻠﺐ ﻳﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﺳﻴﺪﺗﻬﺎ رﻓﻀﺖ ﻟﺴﺒﺐ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮوف ﻓﻠﺠﺄ ﻋﻠﻲ إﻟﻰ زوﺟﺔ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﻟﺘﺴﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج ﻣﻦ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ وﻟﻜﻨﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻬﻠﺔ ﻗﺪ ﺗﺰوﺟﺖ وﻏﺎدرت ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ،ﺣﺰن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻠﻲ وﻣﺎت ﺑﻌﺪ ﺧﺮوﺟﻬﺎ ﺑﺜﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻟﻴﻠﻘﺐ ﺑﺂﺧﺮ ﺷﻬﺪاء اﻟﻐﺮام. ﻟﻴﻠﻰ ا(ﺧﻴﻠﻴﺔ اﻋﺘﺎدت اﻟﻌﺮب ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺺ اﻟﻌﺸﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻬﺮ ﺑﻬﺎ ﺷﻌﺮاؤﻫﻢ دون ﻣﻮارﺑﺔ أو ﺧﺠﻞ ورددوا ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻗﻴﺲ ﻣﺠﻨﻮن ﻟﻴﻠﻰ وﺗﻨﺎﻗﻠﻮا دواوﻳﻦ ﻋﻨﺘﺮة ﻋﺎﺷﻖ ﻟﻴﻠﻰ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﺘﺎدوا أن ﺗﺠﻬﺮ اﻣﺮأة ﺑﻌﺸﻘﻬﺎ ،أن ﺗﻜﺴﺮ
116
ﻗﺼﺺ اﻟﻌﺸﺎق
ﻓﻲ ﺑﻼط اﻟﺤﻜﺎم واﻟﺨﻠﻔﺎء ﺗﻜﺜﺮ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻐﺮام، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺸﺘﺪ اﻟﺼﺮاﻋﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وﺗﻜﺜﺮ اﻟﻔﺘﻦ واﻟﻤﺆاﻣﺮات ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺤﺐ ﺿﺮورة ﻣﻠﺤﺔ ﻟﺘﺠﻤﻴﻞ وﺟﻪ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﺗﺒﺮز ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻋﺸﻖ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻠﻚ وﺟﺎرﻳﺘﻪ ﺣﺒﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ أﺳﺮﺗﻪ ﺑﺴﺤﺮ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وﺻﻮﺗﻬﺎ وﻋﺬوﺑﺔ أﺷﻌﺎرﻫﺎ ،ﺗﺨﺒﺮﻧﺎ اﻟﺮواﻳﺎت أﻧﻪ ذات ﻳﻮم ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺨﺘﻠﻲ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﺮ ﺑﻨﺎه ﺧﺼﻴﺼﺎ ﻟﻬﺎ ،ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻤﺮﺣﺎن وﻳﻠﻌﺒﺎن ﻓﺮﻣﺎﻫﺎ ﺑﺤﺒﺔ ﻋﻨﺐ ً وﻫﻲ ﺗﻀﺤﻚ ﻓﺸﺮﻗﺖ وﻣﺎﺗﺖ ﻣﻦ ﻓﻮرﻫﺎ ،وﻳﺒﺪو أن ﻳﺰﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﺼﺪق ﻣﻮﺗﻬﺎ اﻟﻔﺠﺎﺋﻲ وأﺻﺎﺑﺘﻪ ﺣﺎﻟﺔ ﻧﻜﺮان ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳﺠﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮارﻫﺎ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﺘﻨﺖ ﺟﺜﺘﻬﺎ ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺪﻓﻨﻬﺎ ،وﻋﺎد إﻟﻰ ﻗﺼﺮه إﻻ أﻧﻪ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻣﺮض وﻣﺎت ﺑﻌﺪ أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮ ًﻣﺎ ﺣﺰﻧًﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻴﻮد اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ وﺗﺘﻐﻨﻰ ﺑﺎﺳﻢ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ ،إﻧﻬﺎ ﻟﻴﻠﻰ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﻤﻮﻫﻮﺑﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻗﺼﺺ اﻟﺤﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻗﻠﻬﺎ اﻟﻌﺮب ،أﺣﺒﺖ ﻟﻴﻠﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ واﻟﻔﺎرس ﺗﻮﺑﺔ ﺑﻦ اﻟﺤﻤﻴﺮ اﻟﺨﻔﻘﻲ اﻟﺬي ﺑﺎدﻟﻬﺎ ﺣﺒٍّﺎ ﺑﺤﺐ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻃﻠﺒﻬﺎ ﻟﻠﺰواج رﻓﺾ واﻟﺪﻫﺎ ﻛﻌﺎدة اﻟﻌﺮب ﺣﻴﻦ ﻳﺬاع ﺧﺒﺮ اﻟﺤﺐ وز ّوﺟﻬﺎ ﻟﺮﺟﻞ آﺧﺮ ﻻ ﺗﺤﺒﻪ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﻧﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ وﻓﺎرﺳﻬﺎ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺎت ﺗﻮﺑﺔ رﺛﺘﻪ ﻟﻴﻠﻰ ﺑﺄﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻟﺮﺛﺎء ،وﻣﺎﺗﺖ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺮه ،ﻟﻴﻜﻮن ﻗﺒﺮه آﺧﺮ ﻣﺎ رآت ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ. أﻣﻴﺮة اﻟﻌﺸﻖ اﺑﻨﺔ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﺷﻘﻴﻘﺔ ﺧﻠﻴﻔﺔ ،وﻋﻤﺔ ﻟﺸﻘﻴﻘﻴﻦ ﺗﻮﻟﻮا اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،إﻧﻬﺎ اﻷﻣﻴﺮة ﻋﻠﻴﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﻤﻬﺪي اﻟﺘﻲ ﺳﺮت ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻬﺎ دﻣﺎء اﻟﻤﻠﻮك ﻣﻤﺰوﺟﺔ ﺑﺎﻟﻌﺸﻖ اﻟﺬي ﺗﻐﻨﺖ ﺑﻪ وﻧﻈﻤﺘﻪ ﺷﻌ ًﺮا، أﺣﺒﺖ ﻋﻠﻴﺔ ﺧﺎد ًﻣﺎ ﻷﺧﻴﻬﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻫﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻳﺪﻋﻰ ﻃﻞ ،وﺟﻬﺮت ﺑﻌﺸﻘﻬﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻫﺎ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ ﺷﻘﻴﻘﻬﺎ ﺑﺎﻷﻣﺮ أﻣﺮ ﺑﺤﺠﺐ ﻃﻞ وﻣﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻮه ﺑﺎﺳﻤﻪ ،ﻓﺰادﻫﺎ اﻟﻤﻨﻊ ﻋﺸﻘًﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﺮﺿﺖ ﻓﺄﺷﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺧﻮﻫﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺨﺼﻬﺎ ﺑﺤﺒﻪ ورﻋﺎﻳﺘﻪ ووﻫﺒﻬﺎ ﻃﻞ
ﺷﺎه ﺟﻬﺎن ﻋﻠﻰ ﻋﺮش اﻟﻄﺎووس
اﻟﻐﺎﺑﺔ ﻓﺘﺼﻞ ﺗﺴﻴﺒﻲ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﻋﺪﻫﺎ وﻫﻨﺎك ﺗﺮى أﺳ ًﺪا ﻓﺘﻬﺮب ﻣﻨﻪ وﺗﺨﺘﺒﻰء ،أﺛﻨﺎء ﻫﺮﺑﻬﺎ ﻳﻘﻊ ﻏﻄﺎء رأﺳﻬﺎ ،ﻳﺼﻞ ﺑﻴﺮﻣﻮس وﻳﺮى ﻏﻄﺎء رأس ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﻓﻢ اﻷﺳﺪ ﻓﻴﻈﻦ أﻧﻪ أﻛﻠﻬﺎ ﻓﻴﺨﺮج ﺳﻴﻔﻪ وﻳﻄﻌﻦ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺗﺮى ﺗﺴﻴﺒﻲ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﺤﺒﻴﺒﻬﺎ ﻓﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ وﺗﻄﻌﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻟﻴﻤﻮت اﻟﻌﺎﺷﻘﺎن وﺗﺨﻠﺪ ﻗﺼﺘﻬﻤﺎ. ﺳﻠﻴﻢ وأﻧﺎرﻛﻴﻞ ﻛﺜﺮت اﻷﻗﺎوﻳﻞ واﺧﺘﻠﻔﺖ اﻟﺮواﻳﺎت ﺣﻮل ﻗﺼﺔ ﻋﺸﻖ اﻷﻣﻴﺮ ﺳﻠﻴﻢ اﺑﻦ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﻤﻐﻮﻟﻲ أﻛﺒﺮ وورﻳﺚ ﻋﺮﺷﻪ واﻟﻔﺘﺎة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ أﻧﺎرﻛﻠﻲ ،ﻗﺎﻟﻮا ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﺋﻌﺔ ﻫﻮى وﻗﻊ اﻷﻣﻴﺮ اﻟﻌﺎﺷﻖ أﺳﻴﺮ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻗﺎﻟﻮا ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻼط أﺑﻴﻪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻬﻴﻢ ﺑﻬﺎ ﻋﺸﻘًﺎ ﻓﺘﻤﻠﻜﺘﻪ اﻟﻐﻴﺮة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﻘﺼﺔ ﺣﺒﻬﺎ ﻻﺑﻨﻪ، رواﻳﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻟﻘﺼﺔ ﺣﺐ ﺗﺎﻫﺖ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ وﺧﻠﺪ أﺑﻄﺎﻟﻬﺎ ،وﻟﻌﻞ
ﻟﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻓﻴﻠﻢ ﻋﻦ ﺗﺮﻳﺴﺘﺎن واﻳﺰوﻟﺪا
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
115
ﻣﻦ ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب ﻣﻊ ﻧﺪاء اﻟﻮاﺟﺐ ،ﻟﻴﺘﺤﻮل ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻪ إﻟﻰ ﻧﺒﻀﺎت ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻛﻤﺎ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﺟﻤﻌﻬﻤﺎ. ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ﺗﻔﻘﺪ ﻣﻌﻬﺎ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﺊ ،ﻓﺎﻋﻠﻢ أﻧﻚ وﻗﻌﺖ ً ﻋﺸﻘﺎ ﻓﻲ ﺷﺮك اﻟﻌﺸﻖ اﻟﻤﻤﻨﻮع ،ﻋﺸﻖ ﻳﺮﻓﻀﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺗﺠﺮﻣﻪ اﻟﻤﻮت اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﻴﻦ ﺗﺮﻳﺴﺘﺎن وإﻳﺰوﻟﺪا ،ﻋﻨﺪﻣﺎ وﻗﻊ ﺑﻴﻦ ﺣﺪاﺋﻖ ﺑﺎﺑﻞ اﻟﻐﻨﺎء وﻟﺪ ﺣﺒﻬﻤﺎ ،ﺗﺮﺑﻴﺎ ﻣﻌﺎ وﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻟﻔﺎرس اﻟﻤﻜﻠﻒ ﺑﺤﺮاﺳﺔ ﻋﺮوس ﺧﺎﻟﻪ ﻣﻠﻚ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﻲ ﺣﺐ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﺠﻤﺎل ﻧﺎدر وﻛﺄﻧﻬﻤﺎ اﻧﻌﻜﺎس ﻵﻟﻬﺔ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺠﻤﺎل ﻋﻠﻰ وﺟﻤﺎﻻ ،اﻟﻌﺎﺷﻘﺎن ﺑﻴﺮﻣﻮس ً اﻷﻣﻴﺮة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﻜﺮت ﺷﺨﺼﻴﺘﻬﺎ واﺳﺘﺒﺪﻟﺖ اﺳﻤﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻷرض ،ﻛﺒﺮا وﻛﺒﺮ ﺣﺒﻬﻤﺎ ﻓﺰادﻫﻤﺎ أﻟﻘًﺎ آﺧﺮ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺘﺸﻒ اﻟﻌﺎﺷﻘﺎن ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻳﻜﻮن اﻵوان ﻗﺪ وﺗﺴﻴﺒﻲ اﻟﻠﺬان ﺗﻨﺴﺐ ﻟﻬﻤﺎ أﺳﻄﻮرة ﻟﻮن ﺛﻤﺎر اﻟﺘﻮت ،واﻟﻠﺬان ﻓﺎت ﺑﻌﺪ أن ﺗﻤﻜﻦ اﻟﻌﺸﻖ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻴﻬﻤﺎ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﺗﻤﺎم ﺧﻠﺪ ﻗﺼﺔ ﻋﺸﻘﻬﻤﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ اﻟﻌﻈﻴﻢ داﻧﺘﻲ ﻓﻲ راﺋﻌﺘﻪ إﻳﺰوﻟﺪا زواﺟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻚ إﻻ أن ﻋﺸﻘﻬﺎ ﻟﺘﺮﻳﺴﺘﺎن ﻳﻈﻞ ﺣﺎﺿ ًﺮا اﻟﻜﻮﻣﻴﺪﻳﺎ اﻹﻟﻬﻴﺔ ،ﺗﺒﺪو ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻘﺼﺔ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎﺗﻬﺎ ﻣﻌﺘﺎدة وﺗﺴﺘﻤﺮ ﻋﻼﻗﺘﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺰﻳﺞ ﻓﺮﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﺔ واﻷﻟﻢ واﻹﺣﺴﺎس وﻣﺄﻟﻮﻓﺔ إﻧﻬﺎ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ ﻳﺤﻮل رﻓﺾ اﻷﻫﻞ دون ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ إﻟﻰ أن ﺗﻜﺘﺸﻒ ﻋﻼﻗﺘﻬﻤﺎ وﻳﻨﺘﻬﻴﺎن ﻣﻌﺎ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﻔﺠﻌﺔ ،ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺣﻠﻤﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء ﻣ ًﻌﺎ ﻟﻸﺑﺪ وﺗﺘﻮﻳﺞ ﻗﺼﺔ ﺣﺒﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺰواج، وﻟﻜﻦ ﺗﻈﻞ ﻗﺼﺔ ﺣﺒﻬﻤﺎ ﻣﺼﺪ ًرا ﻟﻺﻟﻬﺎم ﻓﻴﻘﺪم ﻓﺎﺟﻨﺮ ﻋﻨﻬﻤﺎ وﻛﻌﺎدة اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﺘﺮف ﺑﻮﺻﺎﻳﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻟﻘﺎءات واﺣﺪا ﻣﻦ أروع أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻓﻲ أوﺑﺮا ﺗﺤﻤﻞ اﺳﻤﻴﻬﻤﺎ )ﺗﺮﻳﺴﺘﺎن اﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﺮﻳﺔ ،وﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم ﻳﺘﻮاﻋﺪان ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻘﺎء ﻓﻲ وإﻳﺰوﻟﺪا(. رﺳﺎﺋﻞ ﺣﺐ ﻗﺼﺺ اﻟﺤﺐ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺗﺨﻠﺪ أﺑﻄﺎﻟﻬﺎ ،وأﻳﻀً ﺎ اﻟﻌﻈﻤﺎء ﻳﺨﻠﺪون ﻗﺼﺺ ﻋﺸﻘﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻷﺷﻬﺮ ﺑﻴﺎر أﺑﻴﻼر ﺣﻴﻦ ﺳﺠﻞ ﻗﺼﺔ ﺣﺒﻪ اﻟﻤﺄﺳﺎوﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب أﻟﻔﻪ ﻳﺤﻜﻲ ﻓﻴﻪ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ أﺳﻤﺎﻫﺎ )ﻗﺼﺔ ﺑﺆﺳﻲ( ،أﺣﺐ أﺑﻴﻼر ﺗﻠﻤﻴﺬﺗﻪ أوﻟﻮز إﺑﻨﺔ أﺧﻲ ﻓﻠﻴﺒﺮ ﻗﺲ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﻧﻮﺗﺮدام وأﻗﺎم ﻣﻌﻬﺎ ﺟﻤﻴﻼ ﻓﺘﺰوﺟﺎ ﺳ ٍّﺮا ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ ﻓﻠﻴﺒﺮ ﻗﺎم ً ﻃﻔﻼ ﻋﻼﻗﺔ أﺛﻤﺮت ً ﺑﺎﺳﺘﺌﺠﺎر ﺑﻠﻄﺠﻴﺔ اﻗﺘﺤﻤﻮا ﻣﻨﺰل اﺑﻴﻼر وﺧﺼﻮه ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺄﻟﻮز ،اﻓﺘﺮق اﻟﻌﺎﺷﻘﺎن ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻮاﻗﻌﺔ وﺗﺤﻮل اﺑﻴﻼر إﻟﻰ راﻫﺐ وﻛﺬﻟﻚ دﺧﻠﺖ أوﻟﻮز اﻟﺪﻳﺮ ﻛﺮاﻫﺒﺔ وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ
ﻗﺒﺮ أﺑﻼر وإﻟﻮاز
114
ﻗﺼﺺ اﻟﻌﺸﺎق
ﺗﺎج ﻣﺤﻞ -اﻟﻬﻨﺪ
وﺟﻮه إﻣﺎراﺗﻴﺔ
اﻟﺰوج اﻟﻌﺎﺷﻖ
ﻳﻘﻮﻟﻮن اﻟﺰواج ﻣﻘﺒﺮة اﻟﺤﺐ ،وأن ﻧﻴﺮان اﻟﺤﺐ ﺗﻬﺪأ ﺑﻌﺪ اﻟﺰواج ،ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻓﻲ أﻗﺼﻰ اﻟﺸﺮق ﻳﻘﻒ ﺻﺮح ﻣﻌﻤﺎري ﺿﺨﻢ ﻣﻜﺬﺑًﺎ ﺗﻠﻚ اﻹدﻋﺎءات، إﻧﻪ ﺗﺎج ﻣﺤﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺤﻔﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻨﺎﻫﺎ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻐﻮﻟﻲ ﺷﺎه ﺟﻬﺎن ﺗﺨﻠﻴ ًﺪا ﻟﺬﻛﺮى زوﺟﺘﻪ »ﻣﻤﺘﺎز ﻣﺤﻞ«اﻟﺘﻲ أﻧﺠﺐ ﻣﻨﻬﺎ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻃﻔﻼ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﺔ اﻟﺤﺐ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺷﺎه ﺟﻬﺎن ﻓﻲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻟﺘﻘﻰ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻣﻤﺘﺎز ﻣﺤﻞ ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﺤﻔﻼت وﺗﻌﻠﻖ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻬﺎ ،ﻟﻴﺘﺰوﺟﺎ ﺑﻌﺪ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﻟﻘﺎﺋﻬﻤﺎ ﻫﺬا وﻳﺴﻄﺮان ﻣ ًﻌﺎ ﻗﺼﺔ ﺣﺐ ﻧﺎدرة ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﻤﻮت اﻟﺬي اﺧﺘﻄﻒ اﻟﺰوﺟﺔ ﻣﻤﺘﺎز ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ أن ﻳﻀﻊ ﺣﺪا ﻟﻬﺎ ،ﻟﻴﻌﻴﺶ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺷﺎه ﺟﻬﺎن ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻟﺬﻛﺮى ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ،ﻣﺨﻠﺪا ﻗﺼﺔ ﺣﺒﻬﻤﺎ ﺑﺬﻟﻚ ً اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺮاﺋﻊ اﻟﺬي ﻳﻘﻒ ﺷﺎﻫﺪا ﻋﻠﻰ أن ﻗﺼﺺ اﻟﺤﺐ اﻟﺼﺎدﻗﺔ ﻻ ﺗﻤﻮت
اﻟﻔﺎرس ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﻻ ﻳﻜﻒ اﻟﺤﺐ ﻋﻦ ﻃﻴﺸﻪ ،ﻳﻠﻬﻮ ﻛﻄﻔﻞ ﻣﺸﺎﻏﺐ ﺑﻘﻠﻮب اﻟﻌﺸﺎق، ﻳﻄﻠﻖ ﺳﻬﺎﻣﻪ ﺑﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﺑﺊ ﺑﺄﻳﺔ ﻣﺤﺎذﻳﺮ ،ﻟﻴﺼﻴﺐ ﻗﻠﺐ ﻓﺎرس ﻟﻢ ﻳﻌﺮف اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ وﻣﻬﺎرﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎرك ،إﻧﻪ اﻟﺴﻴﺮ ﻻﻧﺴﻠﻮت أﺣﺪ أﻣﺮاء اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﻤﺴﺘﺪﻳﺮة واﻟﻤﻘﺮب إﻟﻰ اﻟﻤﻠﻚ آرﺛﺮ ،ﻟﻢ ﻳﺘﺼﻮر ﻻﻧﺴﻠﻮت ﻳﻮ ًﻣﺎ أن ﺗﺘﺤﻮل ﺻﺪاﻗﺘﻪ ﻟﻠﻤﻠﻚ آرﺛﺮ إﻟﻰ ﻋﺪاء وإﺧﻼﺻﻪ ﻟﻪ إﻟﻰ اﺗﻬﺎم ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺣﺴﺒﺎﻧﻪ أن ﻳﻘﻊ أﺳﻴ ًﺮا ﻟﺤﺐ ﻏﻮﻳﻨﻔﻴﺮ زوﺟﺔ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺘﻲ أﺣﺒﺘﻪ ﺑﺪورﻫﺎ ،ﺣﺎوﻻ اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﻓﻠﻢ ﻳﺰﻳﺪﻫﻤﺎ اﻟﺒﻌﺪ إﻻ ﻋﺸﻘًﺎ ،اﻧﻬﺰم اﻟﻔﺎرس اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻬﺰم ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻣﺎم ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻌﺸﻖ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻗﺼﺘﻬﻤﺎ ﻣﻌﺎ اﻟﺘﻲ أﻟﻬﻤﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷدﺑﺎء ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻴﻜﺘﺒﻮا ﻋﻦ ﻓﺎرس اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ اﻟﺬي ﻋﺸﻖ وﺧﺮج ﻣﻦ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ﻣﻄﺎر ًدا ﺛﻢ ﻋﺎد ﻟﻴﻌﺘﺰل اﻟﺤﻴﺎة وﻳﺼﺒﺢ راﻫ ًﺒﺎ ﻓﻲ دﻳﺮ ﺻﻐﻴﺮ وﻳﻤﻮت ﺑﻌﺪ أن ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻤﻮت ﻣﻌﺸﻮﻗﺘﻪ ﺑﻮﻗﺖ ﻗﺼﻴﺮ. اﻟﻌﺸﻖ اﻟﻤﻤﻨﻮع ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤﻮل اﻟﻌﺸﻖ إﻟﻰ ﻣﻌﺎﻧﺎة ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ،و ﻳﺼﺒﺢ اﻻﻗﺘﺮاب ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب ،واﻻﺑﺘﻌﺎد ﻣﻮت ﺑﻄﻲء ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﺎرض ﻧﺪاء اﻟﻘﻠﺐ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
113
ﻣﻦ ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ﻣﺰﺟﺖ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وا(ﺳﻄﻮرة
ﻗﺼﺺ اﻟﻌﺸﺎق ﻣﺮ اﻟﻌﺼﻮر أﻟﻬﻤﺖ ا(دﺑﺎء واﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻋﻠﻰ ّ ﻫﻮﻳﺪا اﻟﺤﺴﻦ
ﺗﺨﺘﻠﻒ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﺸﻌﻮب ،وﺗﺘﺒﺎﻳﻦ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ، وﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﺤﺐ ﺑﺠﻨﻮﻧﻪ ،وﺟﻤﻮﺣﻪ ،وﻧﺰﻗﻪ واﺣﺪً ا وﻣﺘﺸﺎﺑ ًﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وزﻣﺎن ،وﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﻌﺼﻮر ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك دو ًﻣﺎ ﻗﺼﺺ ﺣﺐ ﺧﺎﻟﺪة ،ﺧﻠﺪت أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ وﺣﺠﺰت ﻟﻬﻢ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻣﺘﻤﻴ ًﺰا ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وأﻟﻬﻤﺖ اﻷدﺑﺎء واﻟﺸﻌﺮاء وﺻﻨﺎع اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ.
112
ﻗﺼﺺ اﻟﻌﺸﺎق
ﻫﻨﺎك ﻳﺎ واﻟﺪى أرﻳﺪﻫﺎ ﻫﻨﺎ إﻟﻰ أن ﻧﺒﺘﺖ ﻟﻲ ﺟﺬور ﻛﺠﺬورﻫﻢ ﺣﻴﻦ ﻣﺎت ﺟﺪي! ﺗﺘﻮاﻟﻰ اﻟﺼﻮر وﻗﺪ ﻋﺎدت ﺑﻲ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺰﻣﻦ إﻟﻰ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ، أﻣﺘﺺ رﺣﻴﻘﻬﺎ ،ﻳﻨﻌﺸﻨﻲ ﻋﺒﻘﻬﺎ وﻳﻤﺘﻌﻨﻲ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ. ﻣﻦ ﻣﻨﺎ ﻻ ﻳﺤﻦ إﻟﻰ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ وﻻ ﻳﻬﻴﻢ ﺑﻌﺸﻘﻬﺎ ،وأﻳﺔ رﺣﻠﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺤﺒﻚ ﻣﻦ زﻣﻨﻚ اﻟﻤﺜﻘﻞ إﻟﻰ زﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎرة اﻷوﻟﻰ؟! ﻛﺄﻧﻲ ﻃﻔﻞ ﻣﺬﻋﻮر ﻳﻘﺘﻠﻪ اﻟﺨﻮف ،أي ﺣﻀﻦ ﻳﻠﻮذ ﺑﻪ ﻏﻴﺮ ﺣﻀﻦ أم ﺣﻨﻮن ﺗﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﺧﻮﻓﻪ وﺗﺸﻌﺮه ﺑﺎﻷﻣﺎن ،واﻟﻘﻂ اﻷﻋﻮر ﺑﻴﻦ أﻧﻴﺎﺑﻪ ﺑﻄﺔ ﻣﻘﻠﻴﺔ وﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﻋﻴﺎل وﻧﺴﺎء ﺟﺎﺋﻌﻮن .ﺗﻠﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻘﻄﺔ ﻛﺎﺗﺒﻨﺎ اﻟﻌﺎﺷﺮة. »ﻳﻬﺮع اﻟﻨﺎس إﻟﻰ اﻟﻄﻌﺎم ﻛﻤﺎ ﺗﻬﺮع اﻟﻔﺮاﺷﺎت إﻟﻰ اﻟﻨﻮر، واﻷﺳﻤﺎك إﻟﻰ اﻟﻄﻌﻮم ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻔﺮش ﺟﺪي ﻣﺎﺋﺪﺗﻪ ﺗﻤﺘﺪ أﻟﻒ ﻳﺪ إﻟﻰ ﻃﻌﺎﻣﻪ وﻳﺤﻠﻮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻮاﺋﺪ ﺟﺪي ﺟﻠﺲ وﺣﻴ ًﺪا ﺻﺎﻣﺘًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻄﺒﺔ ﺑﻴﺘﻨﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮة«. أوﻫﻤﻨﻲ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﻲ اﻟﻠﻘﻄﺔ ) (11أن اﻟﺠﺪ ﺟﺪي وأن اﻟﻤﺴﻄﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﻤﺴﻄﺒﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة أﻣﺎم ﺑﻴﺘﻨﺎ. »اﻟﺘﻘﺖ ﻋﻴﻨﺎي ﺑﻌﻴﻨﻴﻬﺎ ،وﻧﺴﻴﺖ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻲ ﻛﻤﺎ ﻧﺴﻴﺖ اﻟﻄﻔﻠﺔ واﻧﺴﻠﻠﻨﺎ ﻣ ًﻌﺎ ﻃﻔﻼن ﻳﻠﻌﺒﺎن )ﻋﺮﻳﺲ وﻋﺮوﺳﺔ( ،ﻟﻮ ﻧﺴﻴﻨﺎ اﻟﺰﻣﻦ ﻓﺘﺴﺘﻤﺮ ﻟﻌﺒﺘﻨﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ!« ﻣﻦ أﺟﻮاء اﻟﻠﻘﻄﺔ ).(12 ﻻ أﻧﺴﻰ ﻳﻮم دﺧﻮل اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻷول ﻣﺮة إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ ،ﻣﺎ ﻟﻨﺴﻴﺎﻧﻪ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ .ﻳﻮﻣﻬﺎ اﻧﺴﺤﺒﺖ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻓﺠﺎﺋﻴًﺎ ﻣﻦ ﻋﺼﺮ إﻟﻰ ﻋﺼﺮ. ﻟﻠﻪ در اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﻘﺪ ﻃﺎر ﺑﻲ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻣﺮ ِﻏ ًﻤﺎ ﺳﺎﻋ َﺔ اﻟﺰﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻮدة ﻋﻘﻮ ًدا إﻟﻰ اﻟﻮراء ﻳﻮم أن ﺻﻌﻘﺖ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻓﻰ ﺷﺨﺼﺎ ﻻ ﻳﺪرى ﻋﻦ ﺧﺼﺎﺋﺼﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻮﻣﻬﺎ اﻷول ﺑﻘﺮﻳﺘﻨﺎ ً ﺻﻌﻘﺖ )ﻋﺪﻳﻠﺔ( ﺑﻘﺮﻳﺔ ﻛﺎﺗﺒﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻘﻄﺔ )!(13 ﻓﻲ اﻟﻠﻘﻄﺔ ) (14أﻋﺎد اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎدرة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺪرﻧﺎ ﺑﻬﺎ أﻃﻔﺎﻻ ،وﺗﻨﺪر ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺑﻘﺮﻳﺘﻨﺎ ﻳﻮم ﺿﺒﻂ ﻣﻦ ﻛﻨﺎ ﻧﻈﻦ ً ﺑﻪ ﺧﻴﺮا ﻓﻲ وﺿﻊ ﺣﻤﻴﻤﻲ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﺧﺎدﻣﺔ ﻟﺰوﺟﺘﻪ ﺟﻤﺎﻻ إﻏﺮﻳﻘﻴﺎ! اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ً وﺗﺘﻨﻔﺲ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﺑﺎﻟﺬﻛﺮﻳﺎت .ﻳﻮم أن ﻫﺒﻂ أول ﺟﻬﺎز ﺗﻠﻴﻔﺰﻳﻮن ﺑﻘﺮﻳﺘﻨﺎ )أﺑﻴﺾ وأﺳﻮد( ﻛﺎن ﻋﺠﻴﺒﺔ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ .ﺑﻴﺖ ﺻﺎﺣﺒﻪ أﺻﺒﺢ ﻗﺒﻠﺔ ﻟﻠﻜﺒﺎر واﻟﺼﻐﺎر .أي ﺷﻲء ﻛﺎن ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ وﻗﺘﻬﺎ إﻟﻰ أن ﻃﻤﺴﻪ ﻃﻤﺴﺎ ﺟﻬﺎز ﺗﻠﻴﻔﺰﻳﻮن ﻣﻠﻮن ﻟﺸﺨﺺ آﺧﺮ! ً ﻻ أدرى ﺳﺮ اﻧﺘﺸﺎر أﺳﻤﺎء اﻟﺸﻬﺮة وﻗﺖ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻲ، وﻛﻠﻬﺎ أﺳﻤﺎء ﻻذﻋﺔ ﺳﺎﺧﺮة ﻣﺮ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ .ﺗﻠﺴﻊ أﺻﺤﺎب ﻣﻦ أﻃﻠﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﺳﻠﻴﻄﺔ ﺗﺰﻳﺢ أﺳﻤﺎءﻫﻢ اﻷﺻﻠﻴﺔ إﻟﻰ داﺋﺮة اﻟﻨﺴﻴﺎن .ﻛﻢ ﻣﻦ ﻧﻮادر ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ﻫﺬه اﻷﺳﻤﺎء ،أﺣﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ اﻟﻘﺼﺔ رﻗﻢ ) (23ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺜﺎﻗﺒﺔ.
ﻓﻲ أﺣﺎﻳﻴﻦ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪة ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻳﺄﺗﻴﻨﺎ اﻟﻨﻴﻞ ﺑﺠﺜﺔ ﻃﺎﻓﻴﺔ .ﺣﻴﻦ ﻳﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺈﻧﻬﺎء ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ ﻳﺄﻣﺮ اﻟﻌﻤﺪة أن ﺗُﺘﺮك إﻟﻰ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﻨﻘﺼﻪ اﻷﻋﺒﺎء ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ اﻟﻘﺼﺔ رﻗﻢ )(24 ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻦ أﻳﺪﻳﻨﺎ. أود ﻟﻮ ﻋﺮﺟﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻗﺼﺺ اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ .ﻟﻜﻨﻰ وﺟﺪت أن ﻣﺎ أﺷﺮت إﻟﻴﻪ ﻳﻜﻔﻰ ﻟﺘﺸﻮﻳﻖ اﻟﻘﺎرئ ﻟﻘﺮاءة ﻫﺬه اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ وﻳﺰﻳﺪ، ﻟﻜﻨﻰ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أﻻ أﻋﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﻧﻌﻲ اﻹﺷﺎﻋﺎت وﻣﺮوﺟﻴﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻻﺣﺘﺮاﻓﻴﺔ .أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺗﺨﻠﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﻗﺮﻳﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ، ﻓﺘﻠﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻣﻦ إﻣﻼءات ﻓﺮاغ ﻣﻮﺳﻤﻲ زراﻋﻲ ﻃﻮﻳﻞ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻜﺎﺗﺐ وﺿﻊ ﻗﺮﻳﺘﻪ ﺗﺤﺖ ﻣﺠﻬﺮه اﻟﺨﺎص أن ﻳﻔﻮﺗﻪ ﻫﺆﻻء وﻣﺎ ﻳﺼﻨﻌﻮن ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺼﻴﺎد ﻣﺎﻫﺮ أن ﻳﻔﻮﺗﻪ ﺻﻴﺪ ﺳﺎﻧﺢ!
ﻓﻲ اﻟﺪﻓﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ اﻟﻘﺼﺔ ) ،(6أﺣﺪ ﺻﺎﻧﻌﻲ وﻣﺮوﺟﻲ اﻹﺷﺎﻋﺎت أﻗﺎم اﻟﻘﺮﻳﺔ وﻟﻢ ﻳﻘﻌﺪﻫﺎ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺠﻠﺲ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻮﺑﺮي ﻳﻤﺘﺺ رﺣﻴﻖ ﻗﺼﺐ اﻟﺴﻜﺮ وﻳﻠﻘﻲ ﺑﻤﺼﺎﺻﺘﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﺎء اﻟﺠﺎري. وﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻜﺎﺗﺐ ﻳﻨﺴﺦ أرواح اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ أن ﻳﺘﻐﺎﺿﻰ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮوح اﻟﺴﺎﺧﺮة اﻟﻤﺘﺄﺻﻠﺔ ﻓﻲ وﺟﺪاﻧﻨﺎ ،ﻓﻔﻲ ﻣﺘﻮاﻟﻴﺘﻪ رﻗﻢ ) (11ﻳﻀﺤﻜﻨﺎ ﺣﺘﻰ اﻻﺳﺘﻠﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺬى ﻳﺤﻜﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻧﻔﺴﺎ ﺛﻢ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺎدل اﻟﺘﺎﺋﺐ اﻟﺬي ﻗﺘﻞ ﺗﺴ ًﻌﺎ وﺗﺴﻌﻴﻦ ً اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻪ ،ذﻟﻚ اﻟﻠﺺ اﻟﺘﺎﺋﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﻠﺲ ﺑﻴﻦ ﻣﺴﺘﻤﻌﻲ ﻟﺼﺎ ﺣﺘﻰ ﺛﺎر اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺬي ﻳﺸﻴﺮ ﻣﺮات وﻣﺮات إﻟﻰ اﻟﺬي ﻛﺎن ً اﻟﺮﺟﻞ ووﻗﻒ زاﻋﻘًﺎ» :واﻟﻠﻪ ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺣﺮاﻣﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺘﻮر أﻛﺘﺮ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﻗﺮد!« ،ﺛﻢ ﻳﻘﺴﻢ أﻻ ﻳﺼﻠﻲ ﺛﺎﻧﻴﺔ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
111
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ﻛﻨﺖ أرى اﻟﺒﺤﺮ اﺳﺘﻌﺎدة ﺗﺮاث اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺴﻌﻴﺪ ﻧﺠﻢ
ﻣﺎ إن ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﻘﺎرئ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ اﻟﻘﺼﺼﻴﺔ )ﻛﻨﺖ أرى اﻟﺒﺤﺮ( ﻟﻸدﻳﺐ أﺷﺮف اﻟﻌﻮﺿﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﻓﻲ ذﻫﻨﻪ ﺻﻮرة اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ،وﺗُﻨﻘﺶ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻪ ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﻧﻘﺸً ﺎ ﻳﺴﺘﻌﺼﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﻴﺎن .ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ اﻟﻌﻮﺿﻲ ﻣﺎﺿﻲ اﻟﻘﺮﻳﺔ وﺗﺮاﺛﻬﺎ ،ﺑﺄﻳﺎﻣﻬﺎ اﻟﺮﺗﻴﺒﺔ اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺔ اﻟﻤﻜﺮورة ،وﻧﺎﺳﻬﺎ اﻟﺒﺴﻄﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺎدون ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺪى ﺣﺪود ﻗﺮﻳﺘﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﺮ ،وﻳﺼﻌﺐ أن ﻳﺤﺪث ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺮﻗﺒﻪ ﻋﻴﻦ ﻓﺘﻨﻜﺸﻒ اﻷﺳﺮار وﺗﺘﻀﺢ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ.
ﻓﻲ اﻟﻠﻘﻄﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﺟﺪﺗﻨﻲ أﺟﺮى ﻣﺬﻋﻮ ًرا، اﻟــﻘــﺮﻳــﺔ ﺑــﻬــﻮاﺟــﺲ اﻟــﺨــﻮف وﺿﺤﺎﻟﺔ ﺗﺼﺐ ﻋﻠﻲ اﻟﺴﺨﺎﺋﻢ ،ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا :ﻣﺎ اﻟﺘﺼﻮرات وﺗﺴﻠﻂ اﻟﻐﺮاﺋﺰ اﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ؛ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺠﺰار اﻟﻠﺤﻴﻢ اﻟﺬي ﻻ ﻣﺘﻨﻔﺴﺎ ﻓﺈن اﻟﻐﺮاﺋﺰ اﻟﺘﻲ إذا ﻣﺎ وﺟﺪت ً ﻣﻦ اﻟﻘﺎرئ ﻳﻨﺘﻬﻲ إن ﻣﺎ أدرك ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ .ﻳﺄﻛﻠﻨﻲ اﻟﺨﻮف ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﺮﺻﺪﻫﺎ ﺛﻢ ﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺮﺻﺪ اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ اﻟﻘﺼﺼﻴﺔ ﻋﻠﻰ زوﺟﺔ ﺗﺼﻮرﺗﻬﺎ ﺿﺤﻴﺔ ﻟﺮﺟﻞ ﻻ ﻳﻌﺮف ﺑﻞ ﻳﻄﻴﺮ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ ﺳﺮﻳ ًﻌﺎ ﻟﻴﻄﺮق ﻛﻞ أذن )ﻛﻨﺖ أرى اﻟﺒﺤﺮ( ﻟfدﻳﺐ ﻏﻴﺮ ﺗﻘﻄﻴﻊ اﻟﻠﺤﻮم! وﻳﺘﺪاوﻟﻪ ﻛﻞ ﻟﺴﺎن. ﻓﻲ اﻟﻠﻘﻄﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺣﻠﻤﺖ ﺑﻬﺪاﻳﺎ ﺧﺎﻟﻲ ﺑﻠﻐﺔ ﻣﻘﺘﺼﺪة رﺷﻴﻘﺔ ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﺘﻘﻌﺮ، أﺷﺮف اﻟﻌﻮﺿﻲ ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺎدم ﻣﻦ وراء اﻟﺒﺤﺎر ،وﺑﻴﺘﻨﺎ ﻳﺘﻬﻴﺄ وﻻ ﺗﺸﻐﻠﻚ ﺑﺰﺧﺎرﻓﻬﺎ ﻋﻦ ﺟﻮاﻫﺮﻫﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﺻﻮرة ذﻫﻨﻪ ﻓﻲ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﻟﻘﺪوﻣﻪ ﻋﻠﻰ أﺣﺴﻦ ﺻﻮرة ﻣﻤﻜﻨﺔ .ﺗﺴﺮع اﺷﺮف اﻟﻌﻮﺿﻲ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ﺑﻠﻐﺔ ﻛﻤﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺑﻲ اﻟﺨﻴﺎﻻت ﻣﻊ ﺣﻜﺎﻳﺎت أﻣﻲ ﻋﻨﻪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﺸﻐﻞ ﺑﺈﻳﺼﺎل اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ أﻗﺮب ﻃﺮﻳﻖ ُ وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺬوﺑﺔ واﻧﺴﻴﺎﺑﻴﺔ ورﻗﺔ ،ﻟﻐﺔ ﻛﺎﺗﺐ ﻛﺎﻧﺖ ،وﺗﻨﻘﺶ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻪ ﻳﺒﻜﻲ أﺑﻲ ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻤﺎذا ﻳُﺒﻜﻴﻪ؟! ﻧﻘﺸﺎ ﻳﺴﺘﻌﺼﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﻘﻄﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ،ﺑﻠﻲ ﺣﺬاﺋﻲ وﻗﺪ ﻛﻨﺖ ً ﻳﻌﺮف ﻣــﺎذا ﻳﻜﺘﺐ وﻛﻴﻒ ﻳﻜﺘﺐ ،ﻟﻐﺔ ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻬﺎ أﻗﺬف اﻷﺣﺠﺎر ﻛﻤﺎ أﻗﺬف ﻛﺮة ،وﻛﺎن ﻻ ﻣﻤﺘﻌﺔ وﻣﺤﺘﻮى ﻣﺎﺗﻊ ،وﻣﺎ اﻟﻔﻦ إن ﻟﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﻴﺎن ﺑﺪ ﻣﻦ ﺷﺮاء آﺧﺮ .اﻷﺳﻄﻮري واﻟﺪ زﻣﻴﻠﻲ ﻳﻜﻦ ﻣﺎﺗ ًﻌﺎ ،وﻣﺎ اﻷدب إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ واﺣﺔ ﺧﺠﻼ! ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺎﺳﻪ وأﻧﺎ أﺗﻮارى ً ﻇﻠﻴﻠﺔ ﻧﻬﺮب إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺠﻴﺮ اﻟﺤﻴﺎة؟ ﻓﻲ اﻟﻠﻘﻄﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ :ﻛﺮﻫﺖ ﻣﺎﻛﻨﺖ أﺣﺐ، وﺑﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻓﻲ أﺟﻮاء اﻟﻘﺮﻳﺔ ،ﻓﺈﻧﻨﻲ أﺣﺐ أن ﻛﺮﻫﺖ اﻟﻌﺴﻠﻴﺔ ،وﺣﺮﻣﺖ ﻃﻌﻤﻬﺎ اﻟﺮاﺋﻊ أﺻﻒ ﻫﺬه اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ ﺑﺸﺠﺮة اﻟﺘﻮت اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺣﻴﻦ ﻋﺮﻓﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﺋﻌﺘﻬﺎ! ﻛﻠﻤﺎ ﻫﺰزﺗﻬﺎ أﺗﺤﻔﺘﻚ ﺑﻤﻌﺴﻮل ﺛﻤﺎرﻫﺎ. ﻃﻔﻼ ﺻﻐﻴ ًﺮا رﺑﻴﻌﻲ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ؛ ﻓﻲ اﻟﻠﻘﻄﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ :اﺳﺘﻘﺒﻠﺖ ﻗﺒﻠﺔ اﻟﺒﻜﺎرة ،وﻳﺎ ﻟﻠﺒﻜﺎرة! ﻃﻌﻢ اﺳﺘﺤﻠﺖ ً ﻣﻊ ﻗﺮاءة اﻟﻠﻘﻄﺔ اﻷوﻟﻰ ُ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﺟﻤﺎل وﺣﻨﺎن ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻣﺨﻤﻠﻴﺔ ﺗﻨﺴﺎب إﻟﻴﻪ ،ﻻ ﻳﻌﺮف ﻻ ﻳﻨﺴﻰ ،وﺷﻌﻮر ﻻ ﻳﻐﻴﺐ ،وزﻣﻦ ﺗﻠﺘﻘﻄﻪ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺘﻘﺎط ﻛﺎﻣﻴﺮا ﻛﻨﻬﻬﺎ ،وﻻ ﻳﺪرك أﻏﻮارﻫﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻄﻴﺮ ﺑﻪ إﻟﻰ أﺟﻮاء ﺳﺤﺮﻳﺔ ﺗﻔﻘﺪ ﻟﺼﻮرة ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻓﺘﺄﺳﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﺎ ﺑﻘﻴﺖ اﻟﺼﻮرة! اﻷرض ﺟﺎذﺑﻴﺘﻬﺎ واﻟﻌﺎﻟﻢ ﺿﺠﻴﺠﻪ ،ﻓﺘﻨﻘﺶ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ﻧﻘﺸً ﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻘﻄﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻳﻌﺎﻳﺮﻧﻲ أﻗﺮاﻧﻲ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ وﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﺪي، أﻓﺮ إﻟﻰ واﻟﺪي ﺷﺎﻛﻴًﺎ ﻓﻴﺨﺒﺮﻧﻲ أن ﺟﺬوري ﻫﻨﺎك .ﻻ أرﻳﺪﻫﺎ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴًﺎ ﻳﺘﻴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻣﺎن.
110
ﻛﻨﺖ أرى اﻟﺒﺤﺮ
ﻛﺘﺎب إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ إﺻﺪار اﻷﺣﻜﺎم ،ﺣﻴﺚُ ﻳُﻌﺘﺒﺮ ﺎب ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺠﻤﺤﻲ »ﻃﺒﻘﺎت ﻓﺤﻮل اﻟﺸﻌﺮاء« اﻳﺔ وﻛﺎن ﺗﺸﻜﻞ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﻨﻘﺪي ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ،ﻛﺎن اﻟﻨﺤﻞ ﻟﻪ اﻟﺴﺒﻖ ﻓﻲ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺷﺒﻬﺔ ﺤﻞ واﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ ﺗﺪوﻳﻦ ِ ﺣﺘﻰ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺘﻰ ﻻ ﻳﻄﺎﻟﻪ اﻻﻧﺘﺤﺎل. ﺑﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ »اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻴﻦ اﻟﻀﻮء اﻟﺬوق واﻟﻤﻨﻬﺞ اﻟﻌﻠﻤﻲ« ،ﻳﺴﻠّﻂ ﻮء ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻐﻴﺔ ﻦ ﺗﻤﻴﺰ ﻓﻜﺮة ﻋﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻴﺰ ﺣﻴﺚُ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺮب ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺼﻮرُ ،ﺚُ ﻓﻲ ﻧﺠﺪ ﺛﻼث ﻣﺮاﺣﻞ ﻳُﻘ ّﺪﻣﻬﺎ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻲ اﻟﻤﺨﺎض( ﻫﺬا اﻟﺨﺼﻮص؛ اﻷوﻟﻰ )ﻣﺮﺣﻠﺔ ( وﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﻘﺪ ذاﺗ ًﻴﺎ ﻓﻜﺎن اﻟﺸﻌﺮ ءاء ﻧﺼﻮﺻﻬﻢ ﻳﻤﺎرﺳﻮن رﻗﺎﺑﺔ ذاﺗﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻢ اﻟﺰواﺋﺪ وأﺷﻌﺎرﻫﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺸﺬﻳﺐ ﺪ وﺗﻘﻮﻳﻢ اﻻﻋﻮﺟﺎج ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻮي ﻋﻤﻮد اﻟﻘﺼﻴﺪة وﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻤﺤﻜﻢ واﻟﺼﻴﺎﻏﺔ اﻟﺠﻴﺪة ،وﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ )ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻹرﺗﺪاد( ﻛﺎن اﻟﻨﻘﺪ ﻳﺤﻴﻞ إﻟﻰ »رؤﻳﺔ ﻓﻨﻴﺔ« ﺗﻀﻴﻖ وﺗﺘﺴﻊ ﺣﺴﺐ ﻗﻮى اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻨﻔﺴﻲ واﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﺘﺼﻞ ﺑﺤﺲ اﻟﺼﻴﺎﻏﺔ واﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﻤﻨﺸﻮدة ،أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ )ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻌﺖ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ ﻟﺘﺸﻤﻞ اﻟﻨﺜﺮ أﻳﻀً ﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻓﺘﻮﺳ ْ اﻟﻨﻀﺞ( ّ ﻳﻌﺪ اﻟﺬوق أو اﻟﻔﻄﺮة ﻣﺼﺪر اﻟﻨﻘﺪ ،ﺑﻞ ﻇﻬﺮت ﻣﻨﺎﻫﺞ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ اﻷﺻﻮل اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ إﺻﺪار اﻷﺣﻜﺎم ،وﻫﻨﺎ -ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺑﺎﻟﺬات -ﻇﻬﺮت ﻷول ﻣﺮة »اﻟﻤﺪارس اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ«. ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ »رواﻳﺔ اﻟﺸﻌﺮ :ﻫﻮاﻳﺔ أم اﺣﺘﺮاف« ،ﻳﻨﻈﺮ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻤﺸﺎﻓﻬﺔ واﻟﺘﺪﻳﻦ ،وإﺷﻜﺎﻟﻴّﺔ اﻟﻬﻮﻳّﺔ
ﻋﻨﺪ رواة ِ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺪارﺳﻴﻦ اﻟﻤﺤ ّﺪﺛﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺔ واﻟﺮواة .وﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻳﺘﻨﺎول »ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﺪارﺳﻴﻦ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﺄوﻳﻞ« ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺳﻌﻲ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻨﻘﺪي اﻟﻘﺪﻳﻢ إﻟﻰ ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺻﺪ أﺑﺮز اﻟﻤﺴﺎﻟﻚ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻟﻠﻨﺺ ِ ﻌﺮي. واﻟﺘﺄوﻳﻞ ،واﻟﻨﻈﺮة ّ اﻟﺸ ّ ﻛﻞ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺻﺪ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻨﻘﺪ ﻋﻨﺪ ﱟ ﻣﻦ اﺑﻦ ﻗﺘﻴﺒﺔ واﺑﻦ ﺳﻼم اﻟﺠﻤﺤﻲ واﻟﺠﺎﺣﻆ وﻗﺪاﻣﺔ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ،وﻣﻦ ﺛ ّﻢ اﻟﻤﻮازﻧﺔ ﺑﻴﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻘﺎد .وﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻷﺧﻴﺮ ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺟﺪﻟﻴّﺔ اﻟﺘﺮاث ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ واﻟ ُﻤﺘَ َﺤﻘﱠﻖ ،ﻣﻨ ّﻮ ًﻫﺎ إﻟﻰ ﻏﺮﺑﺔ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺤﻜّﻢ اﻷﻫﻮاء واﻷذواق واﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ،دون أن ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻣﻔﺎﺿﻠﺔ ﻋﺎدﻟﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺮاء واﻷﺟﻴﺎل .وﻳﺘﺴﺎءل اﻟﻤﺆﻟﻒ ﺧﺘﺎ ًﻣﺎ ،ﻫﻞ ﻣﺎزال اﻟﺘﺮاث ﻣﻤﻜ ًﻨﺎ؟ُ ،ﻣﺤﺎوﻻً اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺳﺐ ﺿﻮء »اﻟﺼﺮاع اﻟﺨﻔﻲ« ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث ﻛﺸﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل ّ اﻟﻤﺎﺿﻮي اﻟﺬي ﻳﻨﻤﻮ ﻓﻴﻨﺎ ،وﺑﻴﻦ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻛﺄﻓﻖ وﻛﻨﺘﺎ ٍج ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،ﻟﻴﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘ ٍﺔ ﻣﻔﺎدﻫﺎ أ ّن اﻟﺘﺮاث ﻣﺎزال ﻣﻤﻜ ًﻨﺎ وﻣﻤﺘ ٍّﺪا ﻓﻲ ﺗﺮﺑﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ،ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺪا ذﻟﻚ ﺧﺎﻓﺘًﺎ ،ﻣﺆﻛّ ًﺪا أ ّن ﻣﻨﻄﻖ اﻟﺴﻴﺮورة اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﺠﻤﺎﻟ ّﻴﺔ ﻳﻘﺘﻀﻲ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻤﻮروﺛﺔ ،ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ إﻟﻐﺎؤﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،ﻷﻧﻬﺎ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺗ ُﻌﺘﺒﺮ »ﻓﻌﻞ ﺗﺄﺳﻴﺲ«
ﺗﻮاﺻﻴﻒ اﻟﺒﺴﺮ ﻳﺘﻌ ّﻠﻖ ،واﻟﺨﺸﺎش ﻳﻄﻴﺢ اﻟﺒﺴﺮ :ﻫﻮ اﻟﺮﻃﺐ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﻀﺞ ﻣﺒﺎﺷﺮةً ،وﻳﻜﻮن ﺻﻠﺒﺎً ﻣﺎﺋﻼً إﻟﻰ اﻟﺼﻔﺮة أو اﻟﺤﻤﺮة ﺣﺴﺐ ﺻﻨﻒ اﻟﻨﺨﻠﺔ. اﻟﺨﺸﺎش :ﻫﻮ اﻟﺮﻃﺐ اﻟﺘﺎﻟﻒ ﻓﻲ اﻟﻌﺬق ،ﻓﻬﻮ ﻳﻨﺸﻒ وﻳﺠﻒ وﻳﻘﻞ وزﻧﻪ ﺛﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﻳﺴ ّﻤﻮﻧﻪ اﻟﺨﺸﺎش. وﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،أن اﻟﺒﺴﺮ أو اﻟﺮﻃﺐ اﻟﺠﻴﺪ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﺨﻠﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺮديء اﻟﻨﺎﺷﻒ أو اﻟﺨﺸﺎش ﻓﻴﺘﺴﺎﻗﻂ. وﻳﻀﺮب ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻷﺻﻞ واﻟﻨﺴﺐ اﻟﻄ ّﻴﺐ واﻟﺬي ﻻ ﺗﻐ ّﻴﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﻈﺮوف.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
109
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻘﺪي ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب آﻟﻴﺎﺗﻪ وإﺷﻜﺎﻻﺗﻪ ﻋﻤﺎد اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻮﺳﻰ
ﻓﻲ ﻣﺆﻟﻔﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪ »اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻘﺪي ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ،آﻟﻴﺎﺗﻪ وإﺷﻜﺎﻻﺗﻪ« ،اﻟﺼﺎدر ﺿﻤﻦ ﻣﻨﺸﻮرات اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ 2014م ،ﻳﺆﻛّﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ واﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ رﺷﻴﺪ اﻟﺨﺪﻳﺮي أنّ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻨﻘﺪي ﻛﺎن ﺣﺎﺿ ًﺮا ﺑﻜﻞ ﺳﻠﻄﺘﻪ ﻣﻨﺬ ِ اﻟﺸﻌﺮ ّﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑ ّﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،رﻏﻢ ﺧﺼﻴﺼﺘﻪ اﻟﻤﻌﻴﺎرﻳﺔ اﻟﺬوﻗﻴﺔ واﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ،إذ ﻛﺎن ﻳﻜﺘﻔﻲ اﻟﻨﻘﺎد آﻧﺬاك ﺑﻨﻘﺪ اﻟﺒﻴﺖ ِ ﻌﺮي اﻟﺸ ّ اﻟﻤﻨﻔﺮد أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻻﻟﺘﻔﺎف ﺣﻮل اﻟﻨﺺ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ .ﻣﺎ أدّى ،ﻣﻊ ﻇﻬﻮر اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻮاﻓﺪة ﻋﺒﺮ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ،إﻟﻰ ﺣﺪوث ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺼﺮاع ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث واﻟﺤﺪاﺛﺔ ،وﻛﺎن اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻷﺳﺎﺳﻲ واﻷﺑﺮز ﻓﻲ اﻷزﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﺟﻠ ّﻴ ًﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻨﻘﺪي اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ.
وﻟﻌﻞ إﺷﻜﺎﻟ ّﻴﺔ اﻷﺻﻞ واﻻﻣﺘﺪاد ،ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻤﺆﻟﻒ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻃﻲ ﻣﻊ وﻟﻌ ّ ﻓﻌ ﻓﻌﻞ اﻟﺤﺪاﺛﺔ وﻃﺮﺣﻪ ﻛﻤﻘﻮﻟﺔ ﻓ ّﻨﻴﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮﻳﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﻣﻘﻮﻟﺔ زﻣﻨﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﻌﻤﻞ اﻷدﺑﻲ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﻸﺳﻠﻮب وﻟﻴﺲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻛﺘﺐ ﻓﻴﻪ، اﻋ وﺧﻴﺮ دﻟﻴﻞ ﻣﺎ ﻧﺠﺪه ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ أو اﻷﻣﻮي وﺧ ﻓﻲ ﺗﻤﺜﻴﻠﻬﺎ ﻟﻔﻌﻞ اﻟﺤﺪاﺛﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻣﺎ أ ّدى إﻟﻰ ﻧﺸﻮء »ﺟﺪل ﺣﺎد ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺳﻠﻄﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ دﻋﺎﺋﻤﻬﺎ وﻫﻴﺎﻛﻠﻬﺎ ،وﺑﻴﻦ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺛﻮ ﺛﻮرة ﻋﻠﻰ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ واﻟﺘﺠﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ رؤ رؤﻳﺘﻬﺎ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﺔ ﻷﺷﻜﺎل اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﻦ وﺟﻮده ﻋﺒﺮ ﺳﻴﺮورة اﻟﺰ اﻟﺰﻣﻦ«. اﻟﻜ اﻟﻜﺘﺎب ،اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ 110ﺻﻔﺤﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ،ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣ ٍﺔ وﺧ وﺧﻤﺴﺔ ﻓﺼﻮل وﺧﺎﺗﻤﺔ؛ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻷ ّول وﻋﻨﻮاﻧﻪ »اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻘﺪي واﻟﻤﻌﻨﻰ ِ واﻟ اﻟﺸﻌﺮي« ،ﻳﺘﻨﺎول اﻟﻤﺆﻟﻒ اﻟﺮؤى اﻟﺠﻤﺎﻟ ّﻴﺔ وﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻠﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺴ اﻟﺴﻴﺎﻗﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻣﻦ ﺛ ّﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ أﺑﺮز أﺳﺒﺎب ﺑﺮوز اﻟﻨﻘﺪ، ِ ٍ ﻓﻜ ﻓﻜﺎن ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﻟﻤﻀﻤﻮن اﻟﺸﻌﺮي ﻛﻨﺸﺎط ﻣﻮاﻛﺐ وﻣﻮاز ﻟﻔﻌﻞ اﻹ اﻹﺑﺪاع ،رﻏﻢ اﺳﺘﻨﺎده ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ إﻟﻰ أواﻟﻴﺎت ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻛﺎﻟﺬوق واﻟﺸﻌﻮر واﻟﻔﺤﻮﻟﺔ واﻹﻗﻮاء واﻟﺘﺄﺛﺮ وﻏﻴﺮﻫﺎ .وﻣﻊ ﺑﺰوغ ﻧﻘﺎد ﻣﻦ ﻣﺜﻞ اﺑﻦ ﻗﺘﻴﺒﺔ واﻟ ِ واﺑ واﺑﻦ ﺳﻼم اﻟﺠﻤﺤﻲ أﺻﺒﺢ ﻟﻤﺘﻠﻘﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻗﻮاﻋﺪ وﻣﻨﺎﻫﺞ ﻳﻠﺠﺄ
108
اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻘﺪي ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب
ﺧﻮاﻃﺮ ﺷﺎﻋﺮ
ﻳﻮﻣﻴﺎت »ﻋﻠﻲ ﺳﻔﺮ « )إذا ﺻ ّﺤﺖ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻷﻛﻮان اﻟﻤﻮازﻳﺔ ،ﻓﺈن دﻣﺸﻖ اﻵن ﻓﻲ اﻟﻜﻮن اﻟﻤﻮازي ،ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ اﻟﻄﺮﻗﺎت ،واﻟﺸﻬﺪاء ﻳﺘﺎﺑﻌﻮن ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،وﻧﺘﺮﻗّﺐ ﻟﺤﻈﺔ اﺻﻄﺪام ﻛﻮﻧﻨﺎ ﺑﻜﻮﻧﻨﺎ اﻟﻤﻮازي… وﻗﺪ ﺣﺪث ،ﻧﻌﻴﺸﻪ اﻟﺴﻮري ﻋﻠﻲ ﺳﻔﺮ ﻓﻲ ﻗﺮاءة اﻟﻮاﻗﻊ، اﻵن( .ﻫﻜﺬا ﻳﻤﻀﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮ ّ أي ﻋﻠﻰ رﻏﻢ أن اﻟﻮاﻗﻊ ﻫﻨﺎك ﻗﺪ ﻓﺎق ﻓﻲ واﻗﻌﻴﺘﻪ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺰ ّ ﻣﺨﻴﺎل ﻋﻦ ﺗﺨ ّﻴﻞ ﺧﻴﺎﻻﺗﻪ ،ﻓﺎﻟﺠﻤﻴﻊ )ﻣﻮﺗﻰ وأﺷﺒﺎه ﻣﻮﺗﻰ( ،ﻣﻌﺎً، أﺷﺒﺎح ﺗﻄﻴﺮ ﺑﻼ ﺣﺴﻴﺐ وﻻ رﻗﻴﺐ ﻓﻲ وﻃﻦ )ﻛﺎن ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺠﻨﺔ، ٌ )ﻛﻞ ﻫﺬا اﻷﻟﻢ(؟ ﻓﺒﺎت ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺠﺤﻴﻢ( ،ﻓﺄﻧّﻰ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﺤ ّﻤﻞ ّ ﺷﻌﺮي ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺧﺎص وﻟﻐﺔ ﻫﺬه اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻤﺒﺜﻮﺛﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ّ ﺧﺎﺻﺔ وﺣﻨﻴﻦ ﺧﺎص ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﺑﻜﺎء ﻋﺎم) :ﻳﻮﻣﻴﺎت ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ/ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻳﺔ اﻟﺴﻮري( ،ﺗﺄﺧﺬك ّ ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﺤﺮﻳﻖ ّ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻧﺤﻮ ﺗﺒﻴﺎن ﻣﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺷ ّﺮ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﻔﻜﺎك اﻟﺤﻞ ﻣﻨﻪ ،وﻣﺎ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﺘﻌﺎﻳﺶ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻜﺎن ّ اﻷﺻﻮب ﻫﻮ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻣﻀﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺴﺎب ﺑﺮوح ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ أي اﻟﺴﻮرﻳﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻻ ﻳﺘﺒﺎﻳﻦ ﻋﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ ﺧﻴﺎﻻت ّ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ﻳُﻌﻤﻞ آﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﺼﻮﻳﺮ اﻟﺮﻏﺎﺋﺐ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ اﻟﻐﺮاﺋﺐ. ّ وﻓﻲ ﻏﻀﻮن ﻫﺬه اﻟﻴﻮﻣﻴﺎت )اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ( ،ﻧﺴﺘﻄﻠﻊ ﺧﻄﺎﺑﺎً ﻣﻌﺮﻓﻴﺎً أﺳﻰ ﻻ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﻴﺄس ،ﻓﻘﺪ راح اﻟﻴﺄس ﻣﻠﺆه اﻷﺳﻰ ،ﻟﻜﻨﻪ ً ﻓﻲ ﻃﻴﺮاﻧﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﺠﻬﻮل ،ﻳﻘﻮل )ﺳﺄﺣﺪﺛﻚ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻲ ،ﻻ ِ ﺗﺒﻚ أرﺟﻮك( ،وﻻ ﻳﺪﻋﻮ ﻛﺬﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﻘﻨﻮط ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺒﺎح اﻟﻘﻨﻮط اﻟﺤﺐ( ﻛﻞ ﻟﻐﺎت ﻣﺴﺎﺣ ًﺔ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺮ ،ﻛﺄن )اﻣﺮأة ﺗﺘﻘﻦ ّ ّ ﻟﻜﻦ )ﺗﻔﻘﺪ اﻟﻌﺸﺎق( ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﻔﺮح ،ﻓﻘﺪ ﺻﺎر ﺳﻘﻒ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،ﻏﺮﻓﺘﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮة ،ﻻ ﻳﻀ ّﻢ ﺳﻮى )ﻃﻴﻮ ٍر ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ وﻧﺎر(، ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﻜﻮن اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ إﻻ ﻧﺎﻗﺼﺔ ،ﻣﻦ اﻟﻜﺎﻣﻴﺮات اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة )ﺑﺤﺮﻛﺔ ﻣﺘﻘﻨﺔ( :ﻋﻤﺮﻧﺎ ﻧﺎﻗﺺ. أﻫ ّﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻴﻮﻣﻴﺎت ،أن اﻟﻤﻮت ﺻﺎر ﺷﺎﺋﻌﺎً ﻣﺒﺘﺬﻻً )ﻛﺄورام ﻋﻴﻨﻴﻚ( ،ﻣﻤﺮورا ً ﻣﻊ ذﻟﻚ )اﻛﺘﺒﻮا وزِﻳﺪوا( ،ﺻﺎر أﻳﻘﻮﻧ ًﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻛﻞ اﻟﺠﺪران ِﻏﺮﺑﺎن( ،وﻣﻊ أﻧﻪ ﻳﻘﻮل )ﻧﺤﻦ ﻣﻦ دون ﺗﻔﺮﻗﺔ )ﻋﻠﻰ ّ
ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ @
ٍ ﺿﻔﺎف ﻣﻦ أﺟﺴﺎد اﻟﺸﻬﺪاء( ،ﻛﻤﺎ أن )اﻟﻘﺒﺮ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر ﻧﺨﺘﻨﻖ /ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺎﻫﺪة( ،إﻻ أﻧﻪ ﻳﻘﻮل )ﺗﻌﺮﻓﻮن ﻣﻮاﺻﻔﺎت اﻟﺤﻤﻘﻰ( ،وأﻧﻨﻲ ﻣﺠﺮد )ﻛﺎﺋﻦ ﺻﻐﻴﺮ ﻣﻔﻄﻮر ﻋﻠﻰ أﺣﻼم ﺑﻌﻴﺪة( ،ﺛﻤﺔ رﺳﺎﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ ،أن )اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺮﻳﺐ( ،ﻟﻜﻦ )اﻟﻨﺴﻴﻢ ﺛﻘﻴﻞ( ،وﻻ ﺷﻲء ﻏﻴﺮ اﻟﺴﻮاد )وإن ﻓﺎﺗﻜﻢ ﺷﻲء ﻓﻬﻮ أﺳﻮد(. ﻛﻞ ﺷﺠﺮة ،ﻛﺎن ﻟﺰاﻣﺎً وﻣﻊ ﺷﻴﻮع ورﻗﺔ اﻟﻤﻮت اﻟﺘﻲ ﺗﻴﻨﻊ ﻓﻲ ّ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻤﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ واﻟﻀﺤﻚ اﻟﻬﺎزل ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻬﺮ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻳﻘﻮل )أرواﺣﻜﻢ أﻃﻴﺎﻓﻜﻢ، اﻟﺤﺐ ﻓﻴﻚ( ،ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻨﺎك ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺄدوات اﻟﻘﺘﻠﺔ( ،ﻓﻘﺪ )ﻫﺪأ ّ ﺛﻤﺔ ﺷﻬﻮة ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﺬاﻛﺮة ،ﻓﻼ ﻳﺪري اﻟﻔﺮق )ﺑﻴﻦ ﻋﺴﻠﻚ وﻋﺴﻞ اﻟﻤﻮت( ﺣﻴﺚ )اﻷﺳﻮد ﻋﺮش اﻟﻠﺬة( ،ﻓﻴﻨﺎدي )أﻣﻀﻲ ﺣﺎﻓﻴﺎً إﻟﻰ ﻗﺒﺮ ﺣﻔﺮﺗ ُﻪ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻲ /وأﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻮﻋﺪ اﻟ ِﻘﻄﺎف(، ﺛﻢ ﺳﺎر )ﺑﺨﻄﻮات ﺑﻄﻴﺌﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء( ،ﻣﺮددا ً أﺳﺎه اﻟﺠﻤﻴﻞ )ﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﻟﻴﻞ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ رﺣﻴﻢ(. ّ وﻣﻊ أن ﻋﻠﻲ ﺳﻔﺮ ﻳﻘﺴﻢ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﻳﻮﻣﻴﺎت ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ( ،إﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ: )ﻓﻘﻂ أﻳﻘﻆ ﻫﺬا اﻟﻨﺎﺋﻢ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم /اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﻔﻰ( ،إﻻ أﻧﻪ ﻧﺺ اﻟﻔﺠﻴﻌﺔ( ،وﻳﺨﺘﻤﻪ ﻳﺴﺒﻘﻪ ﺑﻜﻠﻤﺔ )ﺗﻜﺘﺐ دون ﻗﺮار ﻣﺴ ّﺒﻖ ّ ﻣﺖ ،ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ،ﻛﻴﻒ أﺑﻘﻴﺘﻨﻲ ﺣﻴﺎً؟( ،ﻟﻴﻀﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻜﻠﻤﺔ )ﻟﻘﺪ ّ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻓﺎﻟﺸﻌﺮ ﺧﻴﻂ ﻳﺘﺮدد ﺑﻴﻦ اﻟﻔﺠﻴﻌﺔ واﻟﻤﻮت ،ﻟﺴﺎن ﻣﻘﻄﻮع ﻻ ﻳﻨﻲ ﻳﺘﻜﻠﻢ وإن ﺑﻠﻐﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ ﻋﻦ ﺑﻠ َﻮى اﻟﻜﺎﺋﻦ، وﻫﻲ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻤﻮت ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،ﻓﺎﻟﻘﺎﺗﻞ أﺑﻜﻢ ﻻ ﻳﺘﺬﻛّﺮ وﻻ ﻳﻌﺮف أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻨﺒﺎح ،ﻫﻮ )اﻟﺨﻮف ﻣﻴﺎ ٌه ﻏﺎزﻳﺔ( ،واﻟﻨﺼﺤﻴﺔ )أﻻ ﺗﺮى ﺷﺮوخ ﻗﻠﺒﻲ؟( اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺸﺎﺋﻊ ،ﻓﻴﺮدﻳﻪ ﻗﺘﻴﻼً: اﻟﺠﻨﺎس ﻫﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻳﻘﻠﺐ ّ َ )ﻳﺤﺘﻔﻠﻮن ،وأﺧﺘﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ،ﻛﺜﺮة اﻟﺰﻫﻮر واﻟﻮرود اﻟﻴﻮم، ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺒﺮة ،رﻓﻘﺎً ﺑﻨﺎ ،ﻫﻨﺎ ﺳﻮرﻳﺎ(! *ﺷﺎﻋﺮ وﻣﺘﺮﺟﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
107
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ أﻧﺖ دون إﺧﻮاﻧﻚ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﺑﻘﺎء اﺳﻤﻲ اﻷﻣﺮ اﻟﺜﺎﻟﺚ أن اﻟﻤﻜﺎن ﻳﺘﺠﻠّﻰ ﻣﺤ ّﻤ ًﻼ ﻣﻀﻴﺌًﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻲ«. ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﺳﻄﻮرﻫﺎ ﺑﺒﻌﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻳُﻼﺋﻢ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،وﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺸﻴﺮ إﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ روﻣﺎﻧﺴﻴﺘﻬﺎ ﺣﺎدة ﻫﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﻔﻖ اﻟﺬي ﺗﻘﻄﻌﻪ ﻋﻠﻴﺎء ﺑﺴﻴﺎرﺗﻬﺎ ا)وﻟﻰ ﻋﺐء ﻣﻘﺎوﻣﺔ وﺣﺎﺳﻤﺔ :إﻣﺎ أن ﺗﺤﺐ ،وإﻣﺎ أن ﺗﻜﺮه ،وﻻ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ إﻟﻰ وادي اﻟﺤﻠﻮ ،إذ ﺗﻘﻴﻢ ّ ذﻛﺮى ﺪ ﻠ وﺗﺨ اﻻﺣﺘﻼل، وﺳﻄﻴﺔ ﻋﻨﺪﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﺬﻳﺒﺔ. ﺗﻮاﺷ ًﺠﺎ ﺑﻴﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻔﻖ وﻧﻔﻘﻬﺎ اﻟﺨﺎص إﻧﻬﺎ اﻣﺘﺪاد ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ أﺑﻴﻬﺎ اﻟﻘﻮي اﻟﺬي اﻟﻤﻘﺎوﻣﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﺿﻠﻮا اﻟﺬي اﻧﻄﻔﺄت أﺿﻮاؤه. ﻳﺠﺎﺑﻪ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﺑﻼ ﻣﻬﺎﺑﺔ ،واﻟﻮاﻗﻌﻲ اﻟﺬي ﺿﺪ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ا6ﻧﺠﻠﻴﺰي ﻳﺤﺐ اﻟﺴﻤﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﺆﻟﺆ ،واﻟﺮوﻣﺎﻧﺴﻲ اﻷﻣﺮ اﻟﺮاﺑﻊ أن ﺷﺠﺮة اﻟﻐﺎف )اﻟﻐﺎﻓﺔ( ﻟﻬﺬه اﻟﺒﻼد اﻟﺬي ﻳﺤﺎور ﻣﻮﺟﺔ اﻟﺒﺤﺮ إذ ﺗﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮه ﺗﺤﺘﻞ ﺟﺰ ًءا ﻣﻌﺘﺒ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺮواﺋﻲ، »ﻣﻮﺟﺔ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ،ﻓﻴﺤﺎورﻫﺎ ﻛﺎﻟﻤﻌﺘﺎد« ،ﻓﻲ ﻓﻬﻲ ﺋﺆﺛﺚ اﻟﺴﺮد اﻻﻓﺘﺘﺎﺣﻲ ،إذ ﻳﺠﻠﺲ ﻟﻐﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﺗﺬﻛّﺮ ﺑﻠﻐﺔ روﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﻧﺴﺠﻬﺎ ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻟﺜﻮار اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺮروا أن ﻳﻔﻌﻠﻮا ﺷﻴﺌًﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﻮد دروﻳﺶ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ» :ﻟﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﺘﺬﻣﺮ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻤﺤﺘﻞ وﻫﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻮﺟ ٌﺔ ﺿﻴﻌﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ« ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ وﻋﻲ ﻋﻠﻴﺎء ،ﻷﻧﻬﺎ اﻟﻤﺘّﻜﺄ واﻟﻤﻼذ، وﻷﻧﻬﺎ اﻷﺻﻞ اﻟﺬي ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻴﻪ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ وﺑﻄﻠﺔ اﻟﺮواﻳﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻋﻠﻴﺎء ﺑﻨﺖ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ اﻟﻐﺎﻓﻲ. ﺗﺄﺛﻴﺚ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺮواﺋﻲ اﻷﻣﺮ اﻟﺨﺎﻣﺲ أ ّن اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺮواﺋﻲ اﻟﻮاﻗﻌﻲ اﻟﻤﺨﺘﺼﺮ ﻗﺎﺑﻠﻪ ﻳﺒﺪو ﺑﻨﺎء اﻟﻔﻀﺎء ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﺄﻟﻮﻓًﺎ ﻟﻠﻘﺎرئ ﻓﻲ ﺟﻮاﻧﺐ ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻨﻪ ،ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﺑﺮاءة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ )وادي اﻟﺤﻠﻮ( اﻧﻔﺘﺎح ﻇﺎﻫﺮ ﻟﻠﻤﻜﺎن ،إذ ﺗﻨﻘﻠﺖ اﻷﺣﺪاث ﺑﻴﻦ أﻣﻜﻨﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، واﻟﻨﻘﺎء واﻟﺮاﺣﺔ واﻟﻠﻘﺎء اﻷول ،واﻟﺒﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺚ وﻓﻀﺎءات ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ،وأﺣﺪﺛﺖ ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎﻃﺐ ﺑﻴﻦ ﻋﻨﺼﺮي أﻣﻜﻨﺔ أﻟﻔﻬﺎ اﻟﻤﺮء ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .ﻏﻴﺮ أن ﺛﻤﺔ أﻣﻮ ًرا ﻻ ﺑﺪ اﻟﺘﺄﻃﻴﺮ اﻟﺮواﺋﻲ ،واﺳﺘﻨﺪت إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺎﻃﺐ ﻓﻲ ﺳﺮد أﺣﺪاﺛﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺟﺮى ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺮة ووادي اﻟﺤﻠﻮ واﻟﻘﺎﻫﺮة وﻟﻨﺪن ﻣﻦ ﻣﻼﺣﻈﺘﻬﺎ: ﻗﺒﻞ زﻣﻦ اﻟﺴﺮد اﻻﻓﺘﺘﺎﺣﻲ ،ﻣﻤﺎ وﻟّﺪ إﺛﺎرة ﻧﺘﺠﺖ ﻋﻦ دوران اﻷﻣﻜﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﺋﺤﺔ، اﻷﻣﺮ اﻷول أ ّن اﻟﺘﺄﺛﻴﺚ ﺑﺎﻟﺮ ﺤﺔ، اﻟﻤﺤﺼﻮر. اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻪ اﻟﺮواﻳﺔ ﺮﺑﻴﺔ أﺧﻴ ًﺮا ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻘﻮل ﺑﺈﻳﺠﺎز :إ ّن اﺣﻞ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻨﺬ رواﻳﺎت اﻟﺮ ﺣﻞ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻏﺎﺑﺶ ﻗ ّﺪﻣﺖ ﺤﺎ،ﺎ، اﻷردﻧﻲ ﻏﺎﻟﺐ ﻫﻠﺴﺎ ،ﻳﺒﺪو واﺿ ًﺤﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ رؤﻳﺔ وﻃﻨﻴﺔ ﺣﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ راﺋﺤﺔ ﻳﻖ ﻗﻮﻣﻴﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ،ﻓﻲ ﺛﻮب رواﺋﻲ ﻋﻠﻴﺎء، ﺣﺎوﻳﺔ اﻟﻘﻤﺎﻣﺔ أﻣﺎم ﻣﻨﺰل ﺎء، ﻗﺸﻴﺐ ،ﻳﻔﻴﺪ ﻣﻤﺎ أﻧﺠﺰﺗﻪ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ وﺣﺮﻳﻖ ﺳﻔﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ،ﻏﻴﺮ أن ﻓﻲ ﺑﻨﺎء زﻣﻦ رواﺋﻲ ﻻﻓﺖ ،وﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ أﻫﻢ اﻟﺮواﺋﺢ ﻫﻲ راﺋﺤﺔ ﻴﻞ ﻣﺎ أﻧﺠﺰﺗﻪ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻔﻀﺎء أﺟﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﺘﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻴﺎء ﻣﻦ ﺟﻞ اﻟﺮواﺋﻲ ،ﻣﻌﺘﻤﺪة ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺤﺪث ﻋﻠﻰ اﻟﺪفء واﻻرﺗﺪاد ﻟﻠﻄﻔﻮﻟﺔ. ﺗﺪاﻋﻴﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ وأﺣﻼﻣﻬﺎ وﻛﻮاﺑﻴﺴﻬﺎ وذﻛﺮﻳﺎﺗﻬﺎ ،وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺑﺎﻟﻀﺠﻴﺞ اﻷﻣﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ أ ّن اﻟﺘﺄﺛﻴﺚ ﺞ ﻃﺮق ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺤﺪث اﻟﺬي ﻳﺠﺮي ،ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ء ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻳﻌﻄﻲ ﻣﻌﻈﻤﻪ ،داﺧﻞ وﻋﻲ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،وﻳﻔﻴﺾ اﻟﻨﺸﺎط ﺣﺮﻛﺔ واﻧﺴﺠﺎ ًﻣﺎ ﺑﻴﻦ ط ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرئ ﻟﻐﺔ ﻣﺤﻤﻠﺔ ﺑﺼﻮرة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي اﻟﺒﺸﺮي ﻓﻴﻬﺎ ،واﻟﻨﺸﺎط ي وراﺋﺤﺔ اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﻪ ﻋﻠﻴﺎء.
106
راﺋﺤﺔ اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ
ﻓﺎﻟﺪﻣﻮع ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻄﺮ ﺗﻐﺴﻞ اﻟﻘﻠﻮب.
ات اﻟﺴﺮد اﻟﺮواﺋﻲ ﻣﺪى رﺣ ًﺒﺎ ﻟﻼﺳﺘﺬﻛﺎر ت واﻟﻜﻮاﺑﻴﺲ واﻟﺘﺪاﻋﻴﺎت واﻷﺣﻼم ﺲ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ واﻟﻬﺬﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻦ ﻋﻠﻴﺎء اﻟﻤﺘﻤﺮدة وﺣﻠﻢ اﻟﻤﻄﺮ ﻳﻔﺘﺢ ﻋﺎ ًﻣﺎ .وﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺨﻴﺎر اﻟﻔﻨﻲ ﺢ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﺎء ﻋﺐء اﻟﺴﺮد ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻄﺒﺎﻋﻲ اﻟﺒﺎب واﺳ ًﻌﺎ ﻟﻤﻞء اﻟﻔﻀﺎء ﻲ ﻋﺒﺮ أﻓﻌﺎﻟﻬﺎ وذﻛﺮﻳﺎﺗﻬﺎ وأﺣﻼﻣﻬﺎ وﻛﻮاﺑﻴﺴﻬﺎ، ﻣﻦ اﻟﺮواﺋﻲ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﻓﻴﻀً ﺎ ﻦ وﺣﺘﻰ ﻋﺒﺮ ﻫﺬﻳﺎﻧﻬﺎ ،وﻫﻲ ﺗﺒﺪو ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﺠﺮي اﻻﺳﺘﺬﻛﺎرات اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ ،وأﺣﺪاﺛ ًﺎ ﻻ ي أدوارﻫﺎ اﻣﺮأة ﻗﻮﻳﺔ ،أﺣﺴﻨﺖ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﺧﺘﻴﺎر ﻓﻲ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺰﻣﻨﻲ اﻟﻤﺤﺪد ،ﺑﻞ ﻲ اﺳﻤﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ رﻣﺰ ﻟﻠﻌﻠﻮ واﻟﺮﻓﻌﺔ )ﻣﺜﻠﻤﺎ دواﺧﻞ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت. ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺬﻳﺒﺔ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻌﺬاب إﻟﻰ اﻟﻌﺬوﺑﺔ، اﻟﺰﻣﻦ ﻫﺬا ﻇﻞ ﻓﻲ إ ّن اﻻﺳﺘﺬﻛﺎر ﻫﻨﺎ، ﻦ وﻣﺜﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﺎﻓﺔ ﺗﻤﻨﺢ اﺳﻤﻬﺎ ﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺧﻴﺎر، اﻟﻮاﻗﻌﻲ اﻟﻘﺼﻴﺮ ،ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻣﺠﺮد ، اﻟﻐﺎﻓﻲ(. اﻟﺴﺮد ﺑﻞ اﺳﺘﺮاﺗﺠﻴﺔ ﻣﻦ اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت د إن ﺻﻮرة ﻋﻠﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﻋﺒﺮ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ( اﻟﺮواﺋﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ )راﺋﺤﺔ ( ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺣﻠﻤﻬﺎ وﺣﻠﻢ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ آﻟﻴﺎت ﻧﺼﻴﺔ ذﻛﻴﺔ ،ﺗﻤﻜّﻨﻬﺎ ﻦ أﺑﻴﻬﺎ )وﻫﻤﺎ ﺣﻠﻤﺎن ﻣﺨﺘﻔﺎن( ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ واﻟﺰﻣﻦ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﺑﻴﻦ اﻟﺰﻣﻦ اﻻﺳﺘﺬﻛﺎري ﻦ وﺟﻮه ﻣﺘﻌﺪدة ،أﺑﺮزﻫﺎ اﻟﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺋﺪ اﻷﺣﻴﺎن اﻟﺤﺎﺿﺮ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺑﺪا ذﻟﻚ ﺟﻠﻴًﺎ ﻓﻲ ﺧﺮوﺟﻬﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺬﻛﺎر، ﺗﺤﺖ اﻟﻤﻄﺮ ،ﻟﻴﻌﺎﻧﻖ اﻟﻤﻄﺮ ﺟﺴﺪﻫﺎ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻨﻮع ﻓﻲ ﻃﺮق اﻻﺳﺘﺬﻛﺎر ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻣﺨﺘﺮﻗًﺎ اﻟﻌﺒﺎءة ،ﻓﻲ رﻣﺰﻳﺔ ﻣﻬﻤﺔ ،ﺗﺮﻳﺪ أن اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ( )راﺋﺤﺔ رواﻳﺔ ﺪ ﺗﻌ ّ اﻟﺮواﻳﺔ ،ﻓﺘﺴﺠﻠﺒﻪ ﺣﻴ ًﻨﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺣﺎدﺛﺔ ﺗﻘﻮل اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ أن اﻟﻠﺒﺎس ،ﻣﻬﻤﺎ أو ﻣﻮﻗﻒ أو ﺳﻴﺎق ﻟﻐﻮي أو راﺋﺤﺔ ،ﻣﻤﺎ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮرة ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻏﺎﺑﺶ ،ﻛﺎن ﺷﻜﻠﻪ ،ﻻ ﻳﻌ ّﻮق اﻟﻮﻋﻲ ،ﻷن اﻟﻮﻋﻲ/ ﻳﻤﻨﺢ ﻃﺮق ﻋﺮض اﻻﺳﺘﺬﻛﺎرات ﺗﻨﻮ ًﻋﺎ اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ داﺋﺮة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻄﺮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﻳﺼﻞ ،وﻫﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺒ ّﺮئ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻐﻨﻰ. اﻟﻌﺒﺎءة ﻣﻤﺎ ﻳﺤ ّﻤﻠﻬﺎ دﻋﺎة اﻟﺘﺤﺮر ﻣﻦ أوزار وا6ﻋﻼم ،اﻟﺸﺎرﻗﺔ، وﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﻟﻨﺎ اﻟﺮواﺋﻴﺔ إﻟﻤﺎﺣﺎت اﻟﺘﺨﻠﻒ ،وﺗﻔﺼﻢ اﻟ ُﻌﺮى ﻏﻴﺮ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺑﻴﻦ 2008م ،واﺣﺪة ﻣﻦ ﺳﺮدﻳﺔ ،ﻓﻲ أﺛﻨﺎء اﻟﺴﻴﺎق اﻟﺮواﺋﻲ ،ﻟﺘﻌﻮد ﺷﻜﻞ اﻟﻠﺒﺎس واﻟﺘﺤﺮر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﻣﻦ ﺛ ّﻢ إﻟﻰ إﺿﺎءﺗﻬﺎ ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺪرك أ ّن اﻟﺮواﺋﻲ اﻟﺮواﻳﺎت ا6ﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ. إذا ّ دق ﻣﺴﻤﺎ ًرا ﻓﻲ اﻟﺠﺪار ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺗﻘ ّﺪم ﻣﻘﻮﻟﺘﻬﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ إن اﺧﺘﺮاق اﻟﻤﻄﺮ ﻟﻠﻌﺒﺎءة ﻫﻨﺎ أﻳﻀً ﺎ ،ﻓﻴﻪ اﻟﺮواﻳﺔ ،ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺒﻄﻞ أن ﻳﺸﻨﻖ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺟﻨﻮح ﻧﺤﻮ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻋﺒﺆﻫﺎ أﻗﻞ ﺑﺒﺮاﻋﺔ ﻓﻨﻴﺔ ﻻﻓﺘﺔ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ)ﻛﻤﺎ ﻧﻘﻞ أﺣﺪ اﻟﺸﻜﻼﻧﻴﻴﻦ اﻟﺮوس، ﺛﻘﻼ ﻣﻦ أﻋﺒﺎء اﻟﻴﻔﺎﻋﺔ واﻟﺸﺒﺎب واﻟﻨﻀﺞ، ً وﻫﻮ ﺗﻮﻣﺎﺷﻔﺴﻜﻲ ﻋﻦ ﺗﺸﻴﺘﻨﻮف( ،وﻗﺪ وﻟﻌﻞ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻏﺎﺑﺶ أرادت أن ﺗﺸﻴﺮ ﻣﻦ ّ ﺗﻢ اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﺮات ﻣﺘﻌﺪدة، ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﺤﺪث إﻟﻰ ﺣﻨﻴﻦ ﻻ ﻳﻨﻀﺐ إذ ﺗﺬﻛﺮ ﻋﻠﻴﺎء ﻛﻴﻒ ﺟﻠﺲ اﻟﺜﻮار ﺗﺤﺖ أﻗﻞ ﺗﻘﻴﻴ ًﺪا ،وﻫﻮ أﻣﺮ ﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﻴﺪة ،أو ّ اﻟﻐﺎﻓﺔ ،وﻳﺨﺘﻔﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺒﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﺮد ﻟﻴﻈﻬﺮ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﺷﺎرت إﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻬﺎ ﺑﻌﻨﻮان »اﻟﻌﺒﺎءة« ،ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻀﻞ اﻟﻤﺰارع ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ﻇﻬﻮ ًرا إﺷﺎرﻳًﺎ ﻏﺎﻣﻀً ﺎ ،أو ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﺎء اﻟﻌﺎﺷﻘﺔ ﺑﻌﺾ ﻗﻮﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﺿﻴﻬﺎ ،وﻻ ﻳﺒﺪو اﻟﻌﺸﻖ ﻏﻴﺮ ﻛﺎف ،وﻟﻜﻦ ﻗﺼﺘﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﺪاﻫﺎ ،إذ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﻴﺎء ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺿﻌﻔًﺎ ،إذ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺣﻴﻬﺎ :ﺟﺮح ﻋﺒﺪ ﻟﺘﻌﻄﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎل ـ دﻓ ًﻌﺎ ﻟﻠﺒﻼء ـ ﻓﺘﺠﺪ ﻣﺰار ًﻋﺎ آﺧﺮ :ﻟﻘﺪ ﻣﺎت اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺬي ﻓﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻀﻮﻋﻪ ﻟﻮﻃﺄة اﻟﺴﺎﺋﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻓﻀﻞ ،دون ﺿﺠﻴﺞ ،ﻟﻴﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻳﻜﻤﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻌﺪه ،وﻟﻜﻦ ﻓﻀﻞ وﺟﺮح ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺬي ﻗﺎده إﻟﻴﻪ ﺛﺄر ﻗﺪﻳﻢ وﻃﻤﻊ ﺟﺪﻳﺪ .وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈ ّن أﻫﻼ ﻟﺤﻤﻞ ﻋﺐء اﻹرث ﻟﻢ ﻳﻤﺖ وﺣﺪه ،ﺑﻞ ﻣﺎﺗﺖ أﺣﻼﻣﻪ ﺑﺎﻟﺰواج ﻣﻦ ﺧﻄﻴﺒﺘﻪ »ﺷﺎﻫﻴﻨﺎ« اﻧﺘﺼﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺮاﺣﻬﺎ اﻟﻤﺘﻮاﻟﺪة ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ً اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻈﺮه ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ ،ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺒﻜﻲ ﻋﻠﻴﺎء ﻟﺘﻐﺴﻞ ﻗﻠﺒﻬﺎ /ﻟﻠﺘﻄﻬﻴﺮ اﻟﺜﻘﻴﻞ اﻟﺬي أﻟﻘﺎه واﻟﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻴﻬﺎ» :ﻗﺎل ﻟﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ ذات ﻳﻮم:
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
105
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
راﺋﺤﺔ اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ ﻟﻌﺒﺔ اﻟﺰﻣﻦ ﻓﻲ ﻓﻀﺎء ﻣﻔﺘﻮح د .ﻳﻮﺳﻒ ﺣﻄﻴﻨﻲ
ﺗﻌﺪّ رواﻳﺔ )راﺋﺤﺔ اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ( ﻟﻠﺪﻛﺘﻮرة ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻏﺎﺑﺶ ،اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ داﺋﺮة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻹﻋﻼم ،اﻟﺸﺎرﻗﺔ2008 ،م ،واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺎت اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪّ م ﻣﻘﻮﻟﺘﻬﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺑﺒﺮاﻋﺔ ﻓﻨﻴﺔ ﻻﻓﺘﺔ ،إذ ﺗﻨﺴﺮب أﻓﻜﺎرﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ، دون أن ﺗُﺸﻌﺮ اﻟﻘﺎرئ ﺑﺜﻘﻞ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻳﻘﻊ اﻟﺮواﺋﻲ ﻓﻲ ﺷﺮﻛﻬﺎ ،ﻓﻴﻨﺘﺞ ﻟﻐﺔ إﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺗﻌ ّﻮق اﻟﺴﺮد اﻟﺮواﺋﻲ.
إذ ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﻤﺮء ﻣﻦ ﻗﺮاءة اﻟﺮواﻳﺔ ﻳﻜﺘﺸﻒ أن د.ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻗﺪ ﻓﺘﺤﺖ آﻓﺎق اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺮواﺋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺛﻼث ﻧﻮاﻓﺬ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﻨﻔﺘﺢ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻃﻨﻲ ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺸّ ﺮع اﻟﻨﺎﻓﺬة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻷﺟﻤﻞ. ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﺳﻄﻮرﻫﺎ اﻷوﻟﻰ ﻋﺐء ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻻﺣﺘﻼل، وﺗﺨﻠّﺪ ذﻛﺮى اﻟﻤﻘﺎوﻣﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﺿﻠﻮا ﺿﺪ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻟﻬﺬه اﻟﺒﻼد ،ﻏﻴﺮ أ ّن ﻣﻌﺮﻛﺔ أﺧﺮى ﺗﺨﻮﺿﻬﺎ اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﺒﺴﺎﻟﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات ،وﻫﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻮازن اﻟﺴﻜﺎﻧﻲ ،وﺗﻘﺘﺮح ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ إﻗﺎﻣﺔ ﻣﺸﺎرﻳﻊ وﻃﻨﻴﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺎءة اﻟﻤﻮاﻃﻦ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻼﺗﻬﺎم ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﻔﻌﻞ واﻟﺘﻄﻔﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻀﺎرة .وإذ ﺗﺘﺬﻛﺮ ﻋﻠﻴﺎء ﺑﻜﺎء اﻟﻤﻌﻠﻤﺎت وﻋﻴﻮﻧﻬﻦ اﻟﺪاﻣﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ ﺣﺰﻳﺮان ﻋﺎم 1967م ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻨﻜﺄ ﺟﺮ ًﺣﺎ ﻏﺎﺋ ًﺮا ﻓﻲ ﺿﻤﻴﺮ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ ﻧﻜﺒﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ،اﻟﺘﻲ ﻣﺎ زال اﻟﻌﺮب اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻮن ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﺼﻮل ﻣﺄﺳﺎﺗﻬﺎ ،وإذ ﺗﻘ ّﺪم ﺻﻮرة ﻻﻧﺪﻓﺎع اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻌﺮﺑﻲ )وﻣﻨﻬﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ( ﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﺿﺤﺎﻳﺎ ﺗﺴﻮﻧﺎﻣﻲ ﺗﺆﻛﺪ أن ﺑﻨﺎء اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻳﻜﺘﻤﻞ ﻓﻲ اﻣﺘﺪادﻫﺎ اﻟﻘﻮﻣﻲ واﻹﻧﺴﺎﻧﻲ. ﻟﻌﺒﺔ اﻟﺰﻣﻦ ﺗﻘﻮم ﻟﻌﺒﺔ اﻟﺰﻣﻦ ﻓﻲ »راﺋﺤﺔ اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ« ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻨﺎد إﻟﻰ زﻣﻦ واﻗﻌﻲ ﻻ ﻳﺘﻌﺪى أﻳﺎ ًﻣﺎ ﻗﻀﺘﻬﺎ ﻋﻠﻴﺎء ﻃﺮﻳﺤﺔ اﻟﻔﺮاش ،ﺑﻌﺪ اﻟﺮواﻳﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﺒﺪو اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﺠﺘﻤ ًﻌﺎ ﻋﺮﺑﻴًﺎ ﻟﻪ ﻋﺎداﺗﻪ ﺗﻌﺮﺿﻬﺎ ﻟﻤﻄﺮ ﺷﺪﻳﺪ ،أورث ﺟﺴﺪﻫﺎ ﺑﺮ ًدا وﺿﻌﻔًﺎ وﺣﻤﻰ ،وأورث وﺗﻘﺎﻟﻴﺪه اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﺟﺬوره اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﺧﺮاﻓﺎﺗﻪ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ، واﻧﺘﻤﺎءه اﻟﻤﻜﺎﻧﻲ ،ﻓﺜﻤﺔ ﺣﺐ وإﻳﻤﺎن وإﺧﻼص وﺣﺴﺪ واﻧﺘﻘﺎم وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ .وﻳﺘﺠﻠّﻰ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻗﻒ واﻹﻟﻤﺎﺣﺎت اﻟﺴﺮدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺞ ﺑﻬﺎ اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﻦ وﻃﺄة اﻟﺴﺎﺋﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺐ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻣﻦ ﺧﺮاﻓﺔ ﺗﺘﺴﺮب ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﺨﻠﺠﺎت اﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﻘﻠﻮب اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻨ ّﻴﺔ ﺷﺠﺮة اﻟﻐﺎف ﺑﺎﻟﻤﻌ ّﻮذﺗﻴﻦ ،وﻣﻦ ﺳﻴﺎﻗﺎت ﺳﺮدﻳﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﻌ ًﺪا اﺟﺘﻤﺎﻋ ًﻴﺎ ﻣﺤﻠﻴًﺎ ،ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﻤﺤﻜﻴﺔ واﻷﻟﻌﺎب واﻷﻏﺎﻧﻲ واﻷﺷﻌﺎر. وﻣﻦ أﺟﻞ أن ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ أﻋﻈﻢ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ إﻋﻄﺎء اﻟﻠﻐﺔ ﺑﻌ ًﺪا اﺟﺘﻤﺎﻋ ًﻴﺎ ﺗﻠﺠﺄ إﻟﻰ اﻹﺣﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺪ ﺻﺪى ﻟﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ؛ ﻋﺒﺮ اﻹﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ ﺛﻘﻔﺘﻬﺎ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ. وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺒﺪو أ ّن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻘﺮاﺋﻴﺔ ﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺮواﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻘﻂ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻛ ّﻮﻧﺘﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺷﺎرﻛﺖ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ ﻗﺼﺎﺋﺪ وأﻏﺎن ﻣﺎ ﺗﺰال ﺗﺴﺘﺬﻛﺮﻫﺎ ،ﺑﻞ وﺗﻔﻲء إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ أرﻗﺘﻬﺎ اﻟﻬﻤﻮم ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻔﻲء إﻟﻰ ﻋﺬﻳﺒﺔ ،وراﺋﺤﺔ ﺗﻤﺮﻫﺎ وﻟﺒﻨﻬﺎ وﺳﻤﻨﻬﺎ.
104
راﺋﺤﺔ اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
اﻟﻬﻮاﻣﺶ: .1اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻀﻠﻪ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ أﻗﺴﺎﻣﻪ ،ﺗﺤﻘﻴﻖ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺎزﻣﻲ ،ط 1دار اﻟﺸﺮﻳﻒ اﻟﺮﻳﺎض 1413ﻫـ :ص .100 .2اﻟﻤﺼﺪر ﻧﻔﺴﻪ :ص .231 .3ﻓﻨﺪو ،ﺳﺎﻟﻲ ،دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ط 1ﻣﺮﻛﺰ اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ 2001م ،ص .59 .4اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ص .33 .5ﻋﺒﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ،اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،ط اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ 2000م ،ص .65 ،64 .6اﻟﺸﺎﻣﻲ ،ﺻﺎﻟﺢ أﺣﻤﺪ ،اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،ص .148 ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻔﺎروق ﻋﻤﺮ ﻓﻲ دﺑﻲ
ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﻬ ّﻢ ﺗﺮﻳﻨﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ اﻟﺨﻠﻘﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﺑﺮزﻫﺎ :اﻟﺘﻮاﺿﻊ واﻟﺒﺴﺎﻃﺔ، ﺑﺎﻟﺤﺲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ّ ﺗﺘﺼﻞ ّ وﺣﺴﻦ اﻟﺴﻤﺖ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ وﺟﻤﺎل اﻟﺸﻜﻞ واﻻﺗﺰان ،وإذا ﻛﺎن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ ﺻﻔﺎت ﻋﺎﻣﺔ؛ ﻓﺈ ّن اﻷﻣﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻓﻲ إﻧﺴﺎن ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻣﺎزال ﻣﺤﺎﻓﻈًﺎ – إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ – ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻤﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وإ ّن اﻟﺬي ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ وﻳﻌﺮﻓﻪ ﻋﻦ ﻗﺮب ﻟﺘﻨﻄﺒﻊ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ واﻟﻄﻴﺒﺔ وﺣﺴﻦ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ. وﻛﻤﺎ ﻳﺘﻤﺘﻊ إﻧﺴﺎن اﻹﻣﺎرات ﺑﺼﻔﺎت أﺧﻼﻗﻴﺔ ﻣﺴﺘﻤﺪة ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺮم واﻷﻧﻔﺔ وﺑﺴﺎﻃﺔ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ، ﺣﺐ اﻟﻮﻃﻦ ﻓﺈﻧّﻪ ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻛﻠّﻪ ﻟﺪﻳﻪ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺼﺎدﻗﺔ ﻓﻲ ّ واﻻﻧﺘﻤﺎء إﻟﻴﻪ ،ﻳﻀﺎف إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺗﻮ ّﺟﻬﻪ اﻟﺼﺎدق ﻧﺤﻮ ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻮﺣﺪة واﻟﺘﻌﺎون وﺧﺪﻣﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﺴﻌﻲ إﻟﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮه. وﻟﻌﻞ ﻣﻦ اﻷﺧﻼق اﻟﺤﻤﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤ ّﻴﺰ ﺑﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ ّ واﻟﻬﺪوء وﻟﻴﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ ،واﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻵﺧﺮﻳﻦ ،وأذﻛﺮ ﻫﻨﺎ ﺣﺎدﺛﺔ ﺣﺪﺛﺖ أﺛﻨﺎء ﺳﻔﺮي ﻟﻴﻼً ،وﻗﺪ ﺗﻌﻄﻠﺖ ﺑﻲ اﻟﺴﻴﺎرة ﻓﻲ ﻋﺘﻤﺔ اﻟﻠﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﺨﺪﻣﺎت ،وإذا ﺑﺄﺣﺪ اﻟﺸﺒﺎب ﻳﻮﻗﻒ ﺳﻴﺎرﺗﻪ راﻏﺒًﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻲ ،ﻓﺠﻠﺐ اﻷدوات اﻟﻼزﻣﺔ ﻣﻦ وﺑﻜﻞ ﻣﺤﺒﺔ وﺗﻘﺪﻳﺮ ﺷﻜﺮﺗﻪ ﺳﻴﺎرﺗﻪ ،وﻗﺎم ﺑﺈﺻﻼح اﻟﺴﻴﺎرة ﺑﻨﻔﺴﻪ ّ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﻴﻌﻪ ،وﺗﺄﺛﺮت ﺑﻬﺬه اﻟﺮوح اﻟﻄ ّﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺼﺪر إﻻّ ﻣﻦ إﻧﺴﺎن ﻛﺮﻳﻢ. وأﻫ ّﻢ ﻣﺎ ﻳﻤ ّﻴﺰ ﻫﺬا اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻫﻮ اﻟﻮﺳﻄﻴﺔ واﻻﻋﺘﺪال،واﻧﺘﻬﺎج اﻟﺴﺒﻞ اﻟﻤﻌﺘﺪﻟﺔ ﻓﻲ
اﻟﻤﻮاﻗﻒ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث واﻷﺷﺨﺎص ،ﻣﻊ اﻟﺤﺮص اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆون اﻵﺧﺮﻳﻦ ،وﻫﺬا ﻛﻠّﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺮﻳ ًﺒﺎ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء أﻣﺘﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻳﺤﻤﻞ ﻫﻤﻮﻣﻬﻢ وﻗﻀﺎﻳﺎﻫﻢ، وﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻧﺘﻤﺎﺋﻪ اﻟﻘﻮي إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وإﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ
ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻓﻲ أﺑﻮﻃﺒﻲ اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
103
ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻨﻮر -اﻟﺸﺎرﻗﺔ
ﻣﻦ ﻫﻮﻳﺘﻪ ووﺟﻮده واﺳﺘﻤﺮاره ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت ﻇﻞ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮات اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،وﻣﺎ ﺟﻠﺒﺘﻪ ﺗﻴﺎرات اﻟﺘﻲ ﻳﻮاﺟﻬﻬﺎ ﻓﻲ ّ اﻟﺘﻐﺮﻳﺐ واﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﺪﻳﺎت ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ. ﻛﻞ أوﺟﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ وﻳﺸﻜّﻞ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ أﺳﺎس ّ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ،وﻧﺠﺪ أﻧّﻪ ﻣﻐﺮوس ﺑﻘﺪر ﻛﺎف ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﻔﺮدﻳﺔ دون ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻹﻋﻼن ﻋﻨﻪ ﺑﺼﻮت ﻋﺎل ﺑﻮﺻﻔﻪ وﺟ ًﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ).(3 وﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻔﻄﺮة اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮف أﺧﻼﻗًﺎ ﻋﺮﺑﻴﺔ أﺻﻴﻠﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺮم وإﻏﺎﺛﺔ اﻟﻤﻠﻬﻮف وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻋﺎﻣﻼً ﺣﺎﺳ ًﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻴﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺨﻴﺮﻳﺔ ،ﺳﻮاء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺪاﺧﻠﻲ أو اﻟﺨﺎرﺟﻲ ،وﻳﻜﻔﻲ أن ﻧﺸﻴﺮ ﻫﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺻﺪر وﻳﺼﺪر ﻋﻨﻪ ﻣﻦ دﻋﻢ وﻣﺴﺎﻋﺪات وﻣﻌﻮﻧﺎت ﻻ ﺗﺤﺼﻰ ﻟﻨﺼﺮة اﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ ﻓﻲ اﻷرض ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﻏﻴﺮﻫﻢ ،وﻟﻮ اﺣﺘﻜﻤﻨﺎ إﻟﻰ اﻷرﻗﺎم -وأﻣ ٌﺮ ﻫﻮ ﻣﺘﻌﺬر ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻘﺎم -ﻟﺘﺮاءت ﻟﻨﺎ ﺻﻮرة ﺑﻴﻀﺎء ﻧﺎﺻﻌﺔ اﻟﻤﺆﺗﻤﺮات واﻟﻨﺪوات واﻟﻤﺤﺎﺿﺮات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أﺳﻬﻤﺖ دور ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻹﺷﺎدة ،وﺗﺠﻠﺐ اﻻﺣﺘﺮام ،وﺗﻐﺮي ﺑﺎﻟﺘﻘﻠﻴﺪ. اﻟﻨﺸﺮ واﻟﻤﻌﺎرض اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب ﻓﻲ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻜﺘﺎب اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻧﺸﺮه ،ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺟﻬﻮد اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﺨﻴﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن. ) (1اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻤﺘﻌ ّﻠﻖ ﺑﻤﺒﺎدئ اﻟﺪﻳﻦ إ ّن اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ واﻟﺴﻌﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﻟﻬﻮ ﻣﻦ أﺳﻤﻰ وإن ﻣﻦ أﻫ ّﻢ اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻮﻋﻲ اﻟﻐﺎﻳﺎت وأﻋﻈﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺎت ،وﻳﺪرك اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻫﺬا اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎم واﻟﻌﺎﻟﻲ ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﻟﻠﺒﻌﺪ اﻟﻤﻌﻨﻰ وﻳﻌﺪه ﺟﺰءا ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ ﻣﻦ ﻫﻮﻳﺘﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ،اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺣﻀﻮر ﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ،وﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﻤﻨﺎﻫﺞ ً اﻟﺪراﺳﻴﺔ ،واﺳﺘﻄﺎع ﻫﺬا اﻟﻤﺪ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﻋﻘﻮل ووﺟﺪان وﻫﻮ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ﺑﻘﺼﺪ ووﺳﻄﻴﺔ واﻋﺘﺪال. وﻗﺮاءة واﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺠﺎ ّدة ﺑﺸﺄن ﻫﺬا ﻋﺸﺮات اﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﻄﻼب واﻟﻄﺎﻟﺒﺎت ،وﻫﺬا ﻫﻮ أﻛﺒﺮ اﻟﻨﺠﺎﺣﺎت اﻟﺠﺎﻧﺐ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﺗﺸﺪﻳﺪ اﻹﻣﺎرات ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺎس اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻤﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ).(5 ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻀﻤﺎن اﻟﺘﻮﺣﺪ اﻟﺪاﺋﻢ ﻣﻊ ﻫﻮﻳﺔ اﻟﺸﻌﺐ، وﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﻟﺸﻌﺒﻬﺎ ﺗ ّﻢ ﺗﺮﺳﻴﺦ اﻷﺳﺲ ) (2اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻤﺘﻌ ّﻠﻖ ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ ﻛﻞ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت ،ﻓﻤﺜ ًﻼ اﻟﻤﺒﺪأ وا(ﺧﻼق اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻠﺒﻨﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ّ
اﻷول ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻫﻮ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻣﻮاﻃﻨﻲ اﻟﺪوﻟﺔ وﻓﻖ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻘﻮﻳﻤﺔ ،وﺗﺮ ّدد اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﺮﻫﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ﺻﺪى ﻫﺬا اﻟﻤﺒﺪأ ).(4 وﻗﺪ ازداد اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﺼﻮرة ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻹﻣﺎرات، ﻓﺎﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻟﻠﻌﺒﺎدات واﻟﻤﻌﺎﻣﻼت وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺎﺋﺮ واﻷﻋﻤﺎل اﻟﺨﻴﺮﻳﺔ أﻣﺮ ﻣﻼﺣﻆ ،ﻛﻤﺎ أﺳﻬﻢ اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻗﺪر ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﻋﻲ ،وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي أدى إﻟﻰ زﻳﺎدة ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺳﻄﻴﺔ واﻻﻋﺘﺪال ،وﻏﺮس اﻟﻤﺒﺎدئ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﺗﺄﻛﻴﺪ اﻟﻌﺒﺎدات واﻟﻤﻌﺎﻣﻼت واﻟﻤﻌﺎﻧﻲ وﻟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻋﺪت ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ، اﻷﺧﻼﻗﻴﺔّ ، واﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻹذاﻋﺎت واﻟﻘﻨﻮات اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ،ووﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻟﻤﻘﺮوءة ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺠﻼت واﻟﺼﺤﻒ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
102
اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ دوﻟﺔ ا3ﻣﺎرات
ﻟﻢ ﻳﻔﺼﻞ اﻹﺳﻼم ﺑﻴﻦ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ واﻟﻤﺒﺎدئ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ؛ ﻷ ّن ﻟﻠﻌﺒﺎدات ﺗﺄﺛﻴ ًﺮا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ ﺳﻠﻮك اﻟﻤﺴﻠﻢ وﺣﺮﻛﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻛﻤﺎ أ ّن اﻷﺧﻼق ﻫﻲ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ارﺗﻘﺎء اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻟﻜﻤﺎل واﻟﺠﻤﺎل اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪه اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻣﺪح اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ – وﻫﻮ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻜﻤﺎل اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ -ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ اﻟﻌﻈﻴﻢ. وﺣﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻳُﺮﺗﻘﻰ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﺸﺮع ،ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺣﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺗﺼﻌﻴﺪ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻻﺗﺠﺎه اﻟﺨﻴّﺮ ،وإ ّن ﺣﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ ﻳﻤﺜﻞ اﻟﺬروة ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت اﻟﺒﺎﻃﻦ).(6 وﻧﻈﺮة ﺳﺮﻳﻌﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﻤ ّﻴﺰ ﺑﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ دوﻟﺔ اBﻣﺎرات أﺻﺎﻟﺔ وﺗﺠﺪﻳﺪ د .ﺑﻦ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻄﺎﻫﺮ
إنّ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺜﺎﻗﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﺠﺘﻤﻊ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات وإﻟﻰ إﻧﺴﺎﻧﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻤﻠﺘﺰم ﺑﻤﻮروﺛﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺰاﺧﺮ ،ﺗﻌﻜﺲ ﻟﻨﺎ ﺻﻮرة ﻃ ّﻴﺒﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺠﻤﺎل ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﺬﻛﺮ واﻹﺷﺎدة ،وﻫﻲ ﺻﻮرة ﻣﺸﺎﻫﺪة ﻗﺪ ﻳﺸ َﺬ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻘﻠﻴﻞ ،وﻟﻜ ّﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻹﻃﺎر اﻟﻌﺎم اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺗﺸﻤﻞ ﻗﻄﺎ ًﻋﺎ ﻋﺮﻳﻀً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ذوي اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻄﻴﺒﺔ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ أﺻﺎﻟﺘﻬﺎ وﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ اﻷﺻﻴﻞ.
ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ ﺻﻮرة اﻹﻧﺴﺎن وﻫﻴﺌﺘﻪ وﻇﺎﻫﺮه ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻛﺎﻣ ًﻨﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ وﺑﺎﻃﻨﻪ ،وإن ﻫﺬا اﻷﺧﻴﺮ ﻫﻮ اﻟﻤﻔﻀّ ﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺤﻴﺢ اﻟﺬي اﻟﻌﻘﻼء؛ ﻷﻧّﻪ ﻳﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﻤﺒﺎدئ اﻟﺘ ّﺪﻳﻦ ّ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻋﻨﻪ أﺧﻼق اﻟﻤﺴﻠﻢ وﺳﻠﻮﻛﻴﺎﺗﻪ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ،وﻫﺬا اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺒﺎﻃﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻊ ﻋﻦ اﻟﻔﻄﺮة اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﻫﻮ ﺟﻤﺎل اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻘﻞ واﻟﺠﻮد واﻟﻌﻔﺔ واﻟﺸّ ﺠﺎﻋﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪه اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ«:إ ّن اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي ﻟﻠ ُﺨﻠُﻖِ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ واﻹﻳﻤﺎن واﻟﺘﻘﻮى أﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي ﻟﻠ َﺨﻠْﻖِ وﻫﻮ اﻟﺼﻮرة اﻟﻈﺎﻫﺮة«) .(1وﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺠﻤﺎل
اﻟﺒﺎﻃﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﻮرة اﻟﻈﺎﻫﺮة ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻛﺒﻴﺮ وإن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ذات ﺟﻤﺎل ،ﻓﺘﻜﺴﻮ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﻤﻬﺎﺑﺔ واﻟﺤﻼوة ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ اﻛﺘﺴﺒﺖ روﺣﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻔﺎت«).(2 وﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﺴﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤ ّﻴﺰ إﻧﺴﺎن اﻹﻣﺎرات ﻗﺮﺑﻪ ﻣﻦ ّ اﻟﻔﻄﺮة ،ﻓﻬﻮ ﻗﻠﻴﻞ اﻟﺘﺄﺛ ّﺮ ﺑﺎﻟﻤﺆﺛﺮات اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ إذا ﻣﺎ ﻗُﻮرن ﺑﻐﻴﺮه ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت أﺧﺮى ،ﻓﻤﺎزال ﻣﺤﺎﻓﻈًﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻤﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ إﻟﻰ ﺣ ّﺪ ﻛﺒﻴﺮ ،وﻟﻢ ﻳﻌﺮف اﻧﺤﺮاﻓﺎت ﻓﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻮاﻓﺪة ،ﻛﻤﺎ أ ّن اﻋﺘﺰازه ﺑﻤﻮروﺛﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻳﺸﻜّﻞ ﺟﺰ ًءا أﺳﺎﺳ ًﻴﺎ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
101
ﻃﻮل اﻟﺴﻴﺮ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل : وﻗﺪ أﻋﺴﻒ اﻟﺨﺮق اﻟﻤﻬﻴﺐ اﻋﺘﺴﺎﻓﻪ ﺑﺨﺮﻗﺎء ﻣﻦ ﺳﺮ اﻟﻬﺠﺎن ﻋﻔـــــــﻨﺠﺞ ﻣﺒﻴﻨﺔ ﻋﺘﻖ اﻟﺤـــﺮﺗﻴﻦ وﺧﻄــﻤﻬﺎ ﻳﺒﺎري اﻟﺴﻨﺎن ﻏﻴﺮ أن ﻟﻢ ﻳــﺰﺟﺞ ﻋﺠــﻤﺠﻤﺔ روﻋــﺎء زﻳﺎﻓﺔ اﻟﺴﺮي أﻣﻮن ﻛﺒـﺮج اﻷﻧـــﺪري اﻟﻤــﺮزج
اﺧﺘﻠﻒ اﻟﻨﻘﺎد ﺣﻮل ﻫﺬا اﻟﺸﺒﻪ أو ﻫﺬه اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة اﻟﺘﻲ دأب ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﻮن ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﻳﺮاﻫﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺘﻤﺎﺛﻞ اﻟﺒﻴﺌﻲ واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ ﻣﻦ ﺑﺪاوة وﺷﻐﻒ ﻋﻴﺶ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎﻧﻌﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ً
داﻟﻴﺘﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻣﻄﻠﻌﻬﺎ : ﻓﺰﻳﺎدة ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺠﺰﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎﻛﻲ ﻟﻐﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ أﺛﺎر اﻟﻬﻮى ﺳﺠﻊ اﻟﺤﻤﺎم اﻟﻤــﻐﺮد اﻟﺘﻲ ﺟﺎء ﺑﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺿﺮورة ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻟﻺﺗﻴﺎن ﺑﻬﺎ، وأرﻗﻨﻲ اﻟﻄﻴﻒ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻃـــﺮد ﻧﻼﺣﻆ أن اﻷﺑﻴﺎت ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺟﺪا ﻣﻦ ﻗﻮل اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ : وﻣﺴﺮى ﻧﺴﻴﻢ ﻣﻦ أﻛﻴﻨﺎف ﺣﺎﺋﻞ وﻗﺪ اﻏﺘﺪي واﻟﻄﻴﺮ ﻓـــﻲ وﻛﻨﺎﺗﻬﺎ وﺑﺮق ﺳﻘﻰ ﻫﺎﻣﻴﻪ ﺑﺮﻗﺔ ﺛﻬـــﻤﺪ ﺑﻤﻨﺠــﺮد ﻗﻴﺪ اﻷواﺑـــﺪ ﻫــــﻴﻜﻞ ﻓﺒﺖ أﻗﺎﺳﻲ ﻟﻴﻠــــﺔ ﻧﺎﺑﻐــــــﻴﺔ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ ﻫﻢ اﻟﺴﻠﻴـــــﻢ اﻟﻤﺴﻬﺪ ﺛﻢ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﺒﻜﺎء ﻋﻠﻰ اﻷﻳﺎم اﻟﺨﻮاﻟﻲ : ﻓﺈﻣﺎ ﺗﺮﻳﻨﻲ ﺧـﻤﺮ اﻟﺸﻴﺐ ﻟﻤـــﺘﻲ أورد أﺳﻤﺎء ﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﺜﻞ )ﺣﺎﺋﻞ ،ﺑﺮﻗﺔ ﺛﻬﻤﺪ( وأﺻﺒﺤﺖ ﻧﻀﻮا ﻋﻦ ﺷـﺒﺎب ﻣﺒﻬﺞ ﺣﻴﺚ ﺑﻜﺎﻫﺎ ﻣﻊ إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮﻫﺎ وﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ ﺑﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻓﻘﻂ ﻧﻮع ﻣﻦ ﻓﻴﺎرب ﻳﻮم ﻗـﺪ رﺻـﺪت ﻇـــﻌﺎﺋﻨﺎ ﺗﻘﻤﺺ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻨﺘﺮة ﺑﻦ ﺷﺪاد. ﺑﺄﺑﻄﺢ ﺑﺮث ﺑﻴﻦ ﻗــﻮز وﺣــﺸﺮج ﺷﻐﻒ أم ﻣﻤﺎﻧﻌﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ؟
وﻫﻨﺎ ﻧﻼﺣﻆ أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻴﺴﻢ اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : أﻻ رب ﻳــﻮم ﻟﻚ ﻣﻨﻬـــﻦ ﺻـــﺎﻟﺢ وﻻ ﺳــــﻴﻤﺎ ﻳـﻮم ﺑــﺪارة ﺟـﻠﺠﻞ ﺑﻞ إﻧﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻌﺮاء ﺗﻤﺴﻜًﺎ ﺑﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺪم ﻣﺜﻞ زﺟﺮ اﻟﻐﺮاب واﻋﺘﺒﺎره ﻣﺆذﻧًﺎ ﺑﺎﻟﺒﻴﻦ واﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﺣﻴﺚ ﻧﺮى اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﺎوﻳﺔ وﻟﺪ اﺷﺪو اﻟﺘﻨﺪﻏﻲ ﻳﺒﺪأ ﻣﺪﻳﺤﻴﺘﻪ اﻟﻤﻌﺮوﻓﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ : ﺻﺎح اﻟﻐﺮاب ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺒﻴﻦ ﻣﻦ ﺳﻠﻤﻪْ ﻣﺎ ﻟﻠﻐﺮاب وﻟﻲ دق اﻹﻟﻪ ﻓــــﻤﻪْ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻋﻨﺘﺮة ﺑﻦ ﺷﺪاد اﻟﻌﺒﺴﻲ ﻓﻲ ﺗﺤﻤﻴﻞ اﻟﻐﺮاب اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻣﺄﺳﺎة اﻟﻔﺮاق ورﺣﻴﻞ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﻗﻮل ﻋﻨﺘﺮة : ﻇﻌﻦ اﻟــﺬﻳﻦ ﻓـــﺮاﻗﻬﻢ أﺗـﻮﻗــﻊ وﺟﺮى ﺑــﻴﻨﻬﻢ اﻟﻐـــﺮاب اﻷﺑﻘـﻊ ﻛﻤﺎ إن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ وﻟﺪ رازﻛﺔ اﻟﻌﻠﻮي اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ 1731م ﻓﻲ
100
ﻳﻘﻈﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ
اﺧﺘﻠﻒ اﻟﻨﻘﺎد ﺣﻮل ﻫﺬا اﻟﺸﺒﻪ أو ﻫﺬه اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة اﻟﺘﻲ دأب ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﻮن ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﻳﺮاﻫﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺘﻤﺎﺛﻞ اﻟﺒﻴﺌﻲ واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ ﻣﻦ ﺑﺪاوة وﺷﻐﻒ ﻋﻴﺶ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎﻧﻌﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻮاﻋﻴﺔ أو ﻏﻴﺮ اﻟﻮاﻋﻴﺔ ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺎء ﻟﻐﻮي وﺛﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﺑﻌﻴﺪة ﺟﻐﺮاﻓﻴًﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﺸﺮق ﻟﺘﺠﻨﺐ اﻟﺬوﺑﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻲ وﻫﻮ ﻣﺎ وﻟﺪ ﻫﺬه اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺮﻗﺖ اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن واﻹﻧﺴﺎن. ﺑﻞ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﺬﻫﺐ ﺑﻪ اﻟﺤﻤﺎس اﻟﻰ اﻋﺘﺒﺎر ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ ﻧﺠﺖ ﻣﻦ ﻋﺼﻮر اﻻﻧﺤﻄﺎط ﺣﻴﺚ ﻣﺜﻠﺖ اﻟﻘﺮون اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺘﺮة ازدﻫﺎر ﺛﻘﺎﻓﻲ وﻓﻜﺮي. ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﺮى ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻘﺎد أن اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮون اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻛﺎن ﻣﺠﺮد ﻧﺴﺦ وإﻋﺎدة اﻧﺘﺎج ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺳﺒﺐ وﺟﻴﻪ؛ ﻓﺠﺎء ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺸﻮﻫﺔ ﻷﻧﻪ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﻮرة ﻟﻠﻮاﻗﻊ واﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ وﻟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻫﻮ ﺻﻮرة ﻣﺸﻮﻫﺔ ﻻ ﺗﺤﺘﺮم اﻟﺰﻣﺎن وﻻ اﻟﻤﻜﺎن وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻴﺊ إﻟﻰ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻧﺘﺎج وﻧﻘﻞ أﻣﻴﻦ ﻟﻮاﻗﻌﻬﺎ ﺑﺤﻠﻮه وﻣﺮه وآﻣﺎﻟﻪ وأﺣﻼﻣﻪ *ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﺣﻴﺚ ﺑﺪأ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑﺎﻟﺘﺒﺮم ﻣﻦ ﻃﻮل اﻟﻠﻴﻞ وﻇﻼﻣﻪ وذﻛﺮ اﻟﻨﺠﻮم وﻫﺬا ﻣﻦ ﻣﻤﻴﺰات اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ،ﺑﻞ إن ﺑﻴﺘﻪ :ﻓﻴﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﻟﻴﻞ ﻻ ﻳﺰول ﻛﺄﻧﻤﺎ /ﺗﺸﺪ ﻫﻮادﻳﻪ إﻟﻰ ﻫﻀﺒﺘﻲ إج ،ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻋﻦ ﻗﻮل اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ :ﻓﻴﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﻟﻴﻞ ﻛﺄن ﻧﺠﻮﻣﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﻐﺎر اﻟﻔﺘﻞ ﺷﺪت ﺑﻴﺬﺑﻞ. ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻛﺮ ﺗﻄﺎول اﻟﻠﻴﻞ وذﻛﺮ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻧﻴﻪ ﻣﻦ ﻫﻢ ،ﻳﻌﺮج ﻋﻠﻰ ذﻛﺮ أﻇﻌﺎن وﻣﻨﺎزل ﻗﻮﻣﻪ ﺟﺮﻳًﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎدة اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻴﻦ ﻗﺎﺋﻼ: وذﻛﺮة أﻇﻌﺎن ﺗﺮﺑﻌﻦ ﺑﺎﻟﻠــــﻮى ﻟﻮى اﻟﻤﻮج ﻓﺎﻟﺨﺒﺘﻴﻦ ﻣــــﻦ ﻧـﻌﻒ دوﻛﺞ إﻟﻰ اﻟﺒﺌﺮ ﻓﺎﻟﺤﻮاء ﻓﺎﻟـــﻔﺞ ﻓﺎﻟــﺼﻮى ﺻﻮى ﺗﺸﻞ ﻓﺎﻷﺟﻮاد ﻓﺎﻟﺴﻔﺢ ﻣﻦ إج
ﻣﻨﺎزل ﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﺴـــﺮور ﻣﺤــــﺎﻟﻔﻲ ﺑﻬﺎ ﻫﻲ ﻋﻨﺪي ﺑﻴﻦ ﺳﻠﻤــﻰ وﻣﻨﻌﺞ ﺛﻢ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ذﻛﺮ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ذاﻛ ًﺮا ﺗﺒﺎرﻳﺤﻪ وأﺷﻮاﻗﻪ ﻣﺴﺘﻌﻤﻼ ﻋﺒﺎرات ﻣﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺪم : وﻓﻲ اﻟﻈﻌﻦ ﻣﺠـــــــﻮال اﻟــــﻮﺷﺎح ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺻﺒـــــﻴﺮ ﺣﻴــﺎ ﻓـــﻲ ﺑـــــﺎرق ﻣﺘﺒـــﻮج ﻓﺪﺑﺖ ﺣﻤﻴﺎ اﻟﺸﻮق ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ واﺻﻄﻠﺖ ﺗﺒـــــﺎرﻳﺢ إﻻ ﺗـــﻮد ﺑﺎﻟﻨـــﻔﺲ ﺗــــﻠﻌﺞ ﻋﺸــــﻴﺔ ﻻ أﺳﻄــــﻴﻊ ﺻـــﺒﺮا وﻻ ﺑـــﻜﺎ ﻓﺄﺷــﻔﻲ ﻏﻠـــﻴﻠﻲ واﻟﺒﻜﺎ ﻣـــﻔﺰع اﻟﺸﺠﻲ ﺛﻢ ﻳﺠﻴﻰء ﻋﻠﻰ ذﻛﺮ ﻧﺎﻗﺘﻪ ﺑﻌﺪ ذﻛﺮ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻷﺑﺪﻳﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻴﻦ ﺣﻴﺚ ﻳﺼﻔﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮة وﺗﺤﻤﻞ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
99
اﻟﻮﻗﺖ ﺗﻤﺎﻫﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻊ اﻟﺴﻜﺎن اﻷﺻﻠﻴﻴﻦ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻧﺎﻃﻘًﺎ ﺑﺎﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ،واﻗﺘﺼﺮ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺸﻌﺎﺋﺮ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﺴﻜﺎن ،ﻫﺬا ﻗﺒﻞ ﻗﺪوم ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺑﻨﻲ ﺣﺴﺎن اﺑﺘﺪاء ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ،ﻫﺬه اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻫﺎﺟﺮت ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﺮو ًرا ﺑﻤﺼﺮ وﻟﻴﺒﻴﺎ وﺗﻮﻧﺲ واﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻧﻬﺎﺋﻴًﺎ ﻓﻲ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ ﺣﺎﻣﻠﺔ ﻣﻌﻬﺎ ﻟﻐﺘﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺼﺮﻓﺔ وﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ وﻋﺎداﺗﻬﺎ اﻟﻤﺸﺮﻗﻴﺔ. ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺑﺪأ اﻟﺘﻤﺎزج اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﻠﻐﻮي ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺎ أﻧﺘﺞ اﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﺤﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻤﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ أﻏﻠﺒﻬﺎ واﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ﺑﺪرﺟﺔ أﻗﻞ ،وﺻﺎﺣﺐ ذﻟﻚ اﻫﺘﻤﺎم ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻮاﻓﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪد أو ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺴﻜﺎن اﻷﺻﻠﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻠﻘﻔﻮا اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻮاﻓﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﺘﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻓﻲ دراﺳﺔ ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺬي اﻋﺘﻨﻘﻮه ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻘﺮون، ﻟﻜﻦ ﺣﺎﺟﺰ اﻟﻠﻐﺔ ﻛﺎن ﻳﻤﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻋﻠﻮﻣﻪ. ﻋﻨﺪ اﻛﺘﻤﺎل اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ،وﺑﻤﺎ أن اﻟﺸﻌﺮ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺑﺪأ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺪرﺟﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ،ﺣﺘﻰ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻣﻘﺮرات اﻟﻤﺤﺎﺿﺮ )اﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ( ﺗﺤﻔﻴﻆ اﻟﻤﻌﻠﻘﺎت اﻟﻌﺸﺮ وﻻﻣﻴﺔ اﻟﻌﺮب ﻟﻠﺸﻨﻔﺮة وﻻﻣﻴﺔ اﻟﻌﺠﻢ ﻟﻠﻄﻐﺮاﺋﻲ ﻟﻸﻃﻔﺎل ﻓﻲ ﺳﻦ اﻟﻌﺎﺷﺮة .وﻣﻦ ﺛﻢ ﺑﺪأت أﺟﻴﺎل ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻜﺒﺎر ﺑﺎﻟﻈﻬﻮر ﺗﺒﺎ ًﻋﺎ اﺑﺘﺪاء ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ. اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة اﻟﻤﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ
ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﺸﻜﻞ واﻟﻬﻴﻜﻞ وﻓﻲ اﻷﻏﺮاض واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﺠﺰﻟﺔ، ﻛﻤﺎ ﻧﻼﺣﻆ اﻟﺸﺒﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻷﻏﺮاض اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ اﻷﻃﻼل واﻟﺒﻜﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﺎر وذﻛﺮ اﻟﻨﺎﻗﺔ واﻟﺮﺣﻴﻞ واﻟﻔﺨﺮ ﺑﺎﻟﻘﺒﻴﻠﺔ وﻣﺂﺛﺮﻫﺎ ،ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﺒﻴﺌﻲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ واﻟﺘﺸﺒﻴﻪ اﻟﺤﺴﻲ ﻣﻊ ﻋﺪم اﻻﻟﺘﺰام ﺑﻤﻮﺿﻮع واﺣﺪ ﻓﻲ اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺮي ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺪاﻋﻰ اﻷﻓﻜﺎر ﺗﺪاﻋﻴًﺎ ﺣ ًﺮا ،وﻳﺘﺠﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﻴﻦ اﻷﻃﻼل واﻟﻈﻌﺎﺋﻦ واﻟﺼﺤﺮاء واﻟﻨﺎﻗﺔ واﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻟﻴﺒﻘﻰ ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﺳﺎﺋ ًﺪا ﻗﺒﻞ أواﺧﺮ اﻟﺴﺘﻴﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﻨﺼﺮم. ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ دور ﻓﻲ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﻠﻤﺢ اﻟﺒﻴﺌﻲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻟﺘﺸﺎﺑﻪ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺔ ﻣﻊ ﺑﻴﺌﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻃﺎﺑﻊ اﻟﺒﺪاوة واﻟﺘﺮﺣﻞ واﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻧﻌﺪام ﺳﻠﻄﺔ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ واﻟﺤﺮوب اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ وﻣﺎ ﻳﺘﺒﻊ ذاﻟﻚ ﻣﻦ ﻋﺼﺒﻴﺎت وﺗﺸﺮذم. ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ وﻟﺪ اﻟﻄﻠﺒﺔ اﻟﻴﻌﻘﻮﺑﻲ اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ 1850 ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﺟﻴﻤﻴﺘﻪ: ﺗﻄﺎول ﻟﻴﻞ اﻟــﻨﺎزع اﻟـــﻤﺘﻬﻴﺞ أﻣﺎ ﻟﻀﻴﺎء اﻟﺼﺒﺢ ﻣﻦ ﻣﺘـــﺒﻠﺞ وﻻ ﻟﻈﻼم اﻟﻠﻴـﻞ ﻣﻦ ﻣﺘﺰﺣــﺰح وﻻ ﻟﻨﺠﻢ ﻣﻦ ذﻫﺎب وﻻ ﻣﺠﻲ ﻓﻴﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﻟﻴﻞ ﻻ ﻳﺰول ﻛــﺄﻧﻤﺎ ﺗﺸﺪ ﻫﻮادﻳﻪ إﻟﻰ ﻫﻀﺒﺘﻲ إج
ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻴﺰة اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺒﻌﺖ ﻫﺬا اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺸﻌﺮي ﻫﻮ اﻟﺘﺄﺛﺮ ﻫﻨﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﺘﻠﻘﻲ اﻟﻘﺼﻴﺪة إﻻ أن ﻳﻈﻨﻬﺎ ﻣﻦ إﻧﺘﺎج أﺣﺪ اﻟﺸﺪﻳﺪ – إن ﻟﻢ ﻧﻘﻞ – اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة اﻟﻤﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻴﻦ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻀﻤﻮن وﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺴﺒﻚ؛
98
ﻳﻘﻈﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
اﻟﻮﺿﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻌﺮﻓﻪ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ اﻟﺬي ﻇﻞ ﻣﺘﺪاوﻻ ﻟﻌﺪة ﻗﺮون ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﺟﺰاء اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﺗﺤﺘﻔﻆ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﻄﺮ ﻋﺮﺑﻲ ،ﺑﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻓﻴﻪ ،ﺑﺘﺮاﺛﻬﺎ اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ اﻟﺨﺎص اﻟﺬي ﻳﻌﻜﺲ ﺗﻨﻮع ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث وﺗﻌﺪده وﻏﻨﺎه .وﻓﻲ إﻃﺎر ﻋﺪم اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ، اﻟﺬي ﺗﻜﺮس ﻣﻨﺬ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻬﻀﺔ ،ﺑﻘﻲ ﺗﺪاول ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻨﺎﺋﻴﺔ ﻣﻌﺰوﻻ وﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮوف ﻟﺪى ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻘﻄﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻮاﺣﺪ. وﻟﺬﻟﻚ وأﻣﺎم ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺎت ﺟﺰء ﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺘﻠﻒ واﻟﻀﻴﺎع. ﺻﺤﻴﺢ ﻗﺪ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﻗﻄﺎر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ )وﺧﺎﺻﺔ ﻣﺼﺮ( ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ واﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ ﻣﻦ داﻓﻊ ﻋﻦ ﻫﺬا »اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮر« ،أو ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،وﻋﻤﻞ ﺑﺠﺪ وﺷﻐﻒ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻊ ﺑﻌﺾ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث واﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻪ وﻃﺒﻌﻪ .ﻟﻜﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻤﺪاﻓﻌﻴﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﻀﻄﻠﻊ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻣﻦ ﻟﺪن ﻛﻞ اﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ واﻟﻐﻴﻮرﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ )ﻣﺆﺳﺴﺎت وأﻓﺮادا( ،ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻤﺎ ﻳﻤﺜﻠﻪ أو ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻨﻪ .ﺻﺤﻴﺢ ،أﻳﻀﺎ، ﻧﺠﺪ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎ وﺑﺪاﻳﺔ اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت ،واﻟﺠﻤﻌﻴﺎت واﻟﻤﺠﻼت ،،،ﻟﻜﻦ زﺧﻢ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث وﻏﺰارﺗﻪ وﺗﻌﺪده وﺗﻨﻮﻋﻪ ،ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﻮﻓﺮ ﻏﻴﺮ ذي ﺟﺪوى ﻟﻨﻘﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﻣﻦ »اﻟﻐﻴﺎب« إﻟﻰ اﻟﺤﻀﻮر ،ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ أو اﻟﺘﺴﺠﻴﻞ اﻟﺼﻮﺗﻲ واﻟﺼﻮري. أرى أﻧﻪ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﻧﺸﺎز ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺑﺎﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻤﺘﻄﻮرة ﺑﺄﺷﻜﺎل ﺗﺮاﺛﻬﺎ وﺻﻮره اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻳﻜﻔﻲ أن ﻧﺰور أي ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻟﻤﺠﻠﺲ ﺑﻠﺪي أورﺑﻲ ،ﻣﺜﻼ ،ﻟﻨﺠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ أﻣﺎم ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺘﺮاﺛﻲ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺳﻮاء ﺗﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت وﻗﺪ ﻧﻘﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺒﻮع ،أو اﻟﺘﺴﺠﻴﻼت اﻟﺼﻮﺗﻴﺔ واﻟﺼﻮرﻳﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ * أﻛﺎدﻳﻤﻲ وﻧﺎﻗﺪ -اﻟﻤﻐﺮب
ﺷﻐﻒ أم ﻣﻤﺎﻧﻌﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ؟
ﻳﻘﻈﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ اﻟﺤﺴﻴﻦ وﻟﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ@
ﻻ ﺗﺴﻌﻔﻨﺎ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎوﻻت اﻷوﻟﻰ ﻻﺳﺘﻨﺒﺎت اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ ،ﻫﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻟﺘﻲ ُوﻟﺪت ﻣﻦ رﺣﻢ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب واﻷﻣﺎزﻳﻎ اﻣﺘﺰج وﺗﺠﺎﻧﺲ ﻋﺒﺮ ﻣﺜﺎﻗﻔﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻓﺮﺿﺘﻬﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ وإﻛﺮاﻫﺎت اﻟﻮاﻗﻊ. وﻣﻊ أن ﺑﺪاﻳﺎت ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ إﻻ أن اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻤﻜﺘﻤﻠﺔ ﻣﻌﻨﻰ وﻣﺒﻨﻰ اﻟﺘﻲ دوﻧﺖ اﺑﺘﺪاء ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ أن ﻫﺬا اﻟﻨﻀﺞ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ إرﻫﺎص ﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻋﻤﺮت ﻗﺮوﻧﺎ ﻋﺪة.
ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻼﺣﻆ أن ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻣﺎﻟﺖ ﺳﺮﻳﻌﺎ إﻟﻰ ﻣﺤﺎﻛﺎة أو إﻋﺎدة إﻧﺘﺎج اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﻤﺮﻛﺰ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﻨﺤﺎول ﻫﻨﺎ ﺑﺴﻄﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮون اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ وأوﺟﻪ اﻟﺸﺒﻪ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ. ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎل ﺷﻌﻮب اﻟﻤﻐﺮب اﻟﻌﺮﺑﻲ؛ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ ﺧﻠﻴﻄًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب واﻷﻣﺎزﻳﻎ واﻷﻓﺎرﻗﺔ ،وإن ﻛﺎن اﻹﻧﺴﺎن اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ ﻣﺴﺘﻘﻼ ﺑﻠﻬﺠﺎﺗﻪ وﻋﺎداﺗﻪ؛ ﻓﺈن اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﻧﺴﺎن ً ﺑﻘﻲ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻲ اﻣﺘﺰﺟﺎ ﻟﻐﻮﻳًﺎ وﺛﻘﺎﻓ ًﻴﺎ ﻟﻴﺸﻜﻼ ﻣﺎ ﻳﻌﺮف اﻟﻴﻮم ﺑـ )اﻟﺒﻴﻈﺎن( اﻟﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﺤﺴﺎﻧﻴﺔ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻬﺠﺮات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻟﻜﻦ وﻣﻊ ﻣﺮور
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
97
ﻣﺪارات
اﻟﺘﺮاث ،اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ )(2/1 وﺻﻞ إﻟﻴﻨﺎ ﺟﺰء ﻣﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ـ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻜﺘﻮﺑﺎ، ﻛﻤﺎ اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻴﻨﺎ ﺟﺰء أﻫﻢ ﺷﻔﺎﻫﻴﺎ .ﺗﻢ ﻧﻘﻞ ﺟﺰء ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ .وﻫﺬا اﻟﻨﺰر اﻟﻴﺴﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ اﻟﺬي وﺻﻠﻨﺎ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﻠﻤﻮس أﻧﻪ ﻛﺜﻴﺮ ،وﻻ ﻳﻘﻞ أﻫﻤﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺪوﻳﻦ. ﻻ أﺣﺪ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻤﺎري ﻓﻲ ﻏﺰارة اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻜﺘﻮب واﻟﺸﻔﺎﻫﻲ .ﻓﻤﺎ وﺻﻠﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﻳﺘﻌﺪى ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن .ﻛﻤﺎ أن اﺗﺴﺎع اﻟﺮﻗﻌﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ،ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﺴﻲ ،ﻣﻊ إدراج ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻗﺮون ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺟﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ،،،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻛﻔﻴﻞ ﺑﺈﺑﺮاز أﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﻛﻤﺎ وﻛﻴﻔﺎ. ﻳﺘﺼﻞ ﻗﺴﻂ ﻫﺎم ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺬي وﺻﻠﻨﺎ ﻣﻜﺘﻮﺑﺎ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﺔ .وﻣﺎ اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ .ﻛﺎن ﻟﻬﺬا اﻟﺘﻤﺎﻳﺰ ،ﺑﻴﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺘﻴﻦ ،دوره اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺪوﻳﻦ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث ﻣﻊ إﺑﻘﺎء آﺧﺮ ﻣﻨﻪ رﻫﻴﻦ اﻟﺘﺪاول اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ واﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻠﺖ اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ إﻟﻰ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻇﻞ اﻹﻗﺪام ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻤﻜﺘﻮب اﻟﻤﺨﻄﻮط إﻟﻰ ﻣﻄﺒﻮع ﻳﺘﺮﻛﺰ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﺔ. أﻣﺎ اﻟﻤﺨﻄﻮط اﻟﻤﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻜﺎن ﺣﻈﻪ ﺳﻴﺌﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻄﺒﻊ ﻣﻨﻪ ﺳﻮى اﻟﻘﻠﻴﻞ .ﺑﻤﻌﻨﻰ آﺧﺮ أن اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻄﺒﻊ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻧﺼﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻤﺜﻼ ﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﻗﺘﻬﺎ ) أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،وﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ( ﺗﺮاﻫﺎ ﻣﻬﻤﺔ وﺿﺮورﻳﺔ ﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﻮﺟﺪان اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﻬﻤﻮم اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. أدى ﻫﺬا اﻟﺘﻤﺎﻳﺰ اﻟﺜﺎﻧﻲ إﻟﻰ إﻗﺎﻣﺔ ﻣﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ
96
اﻟﺘﺮاث ،اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ )(1/2
د .ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻘﻄﻴﻦ@
ﻃﺒﻌﻪ ﺣﺴﺐ أﻫﻤﻴﺘﻪ وأوﻟﻮﻳﺘﻪ .وﻛﺎن اﻟﺘﺮدد ﻓﻲ ﻃﺒﻊ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﺑﻞ إﻟﻰ ﻣﻌﺎرﺿﺘﻬﺎ .وﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪه ﻣﻦ اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ واﻟﻘﺼﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺧﻴﺮ ﻣﺜﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ .وﺣﺘﻰ داﺧﻞ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﺔ ﺗﻢ اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ أﻧﻤﺎط وﺗﺼﻮرات ﺧﺎﺻﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﻧﻘﻞ ﻛﻞ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻣﻴﻮﻻﺗﻬﺎ واﺗﺠﺎﻫﺎﺗﻬﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ أو اﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ. ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ إﻟﻰ أن ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻤﻜﺘﻮب ـ اﻟﻤﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺗﺤﻜﻤﺖ ﻓﻴﻪ ﻋﻮاﻣﻞ ﻣﺘﻌﺪدة ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻤﺪى ﺣﻀﻮر ﻫﺬا اﻟﻤﺨﻄﻮط ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﻤﺜﻠﻪ ﻣﻦ ﻓﻜﺮ ﺗﻤﻴﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﻨﺨﺒﺔ ﻟﻀﺮورة ﺗﻘﺘﻀﻴﻬﺎ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺋﺪة .ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﺤﻀﻮر ،ﻧﺠﺪ أن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻮﻓﺮة ﻓﻲ اﻟﺨﺰاﻧﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ .وذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﻛﻮن اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻞ إﻣﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻨﻬﺐ أو اﻟﺸﺮاء إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺧﻼل ﻓﺘﺮات زﻣﺎﻧﻴﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ .وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻴﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﻨﺨﺒﺔ ﻛﺎن ﻳﺘﻤﺜﻞ ﺑﺼﻮرة ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻔﻜﺮي اﻟﻐﺎﻟﺐ .وﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﺮر ﺑﺪون ﻣﻐﺎﻻة أن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺻﻮره وأﺷﻜﺎﻟﻪ ،ﻣﻤﺎ ﻧﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻠﻒ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ،ﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﻃﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ .وأن ﻣﺎ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »اﻟﺘﺮاث« اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻗﻠﻴﻞ ﺟﺪا ﺑﺎﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ ﺗﺎرﻳﺦ إﻧﺘﺎﺟﻪ وﺟﻐﺮاﻓﻴﺘﻪ .وﻳﻜﻔﻲ ﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻣﺎ ﻧﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ أن ﻧﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺴﺎرد اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ واﻟﻤﺤﻔﻮﻇﺔ ﺑﻬﺎ ،ﻟﻨﺠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ أﻣﺎم ﺗﺮاث ﻫﺎﺋﻞ ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ اﻟﻌﺮب ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺮﺟﺎﻋﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻦ اﻷﺷﻜﺎل ،أواﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻌﻪ وﺗﻮﻓﻴﺮه ﻟﻠﻘﺎرئ اﻟﻌﺮﺑﻲ. وﻳﺸﺘﺮك ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﻣﺎ اﺗﺼﻞ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﺔ واﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء. إذا ﻛﺎن ﻫﺬا ﺣﺎل اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻜﺘﻮب اﻟﻤﺨﻄﻮط ،ﻓﺈن
ﺣﻲ ﺑﺨﺒﺮ ﻣﺠﺮن وﻧﻈﻢ ﻓﻨﻮﻧﻪ »ﺣﺴﻮﻧﻪ« ﻟﻲ ﻗﺎل ﻓﻲ ﻧﻮﻓﻞ وﻓﻲ ّ اﻟــﻌــﺎم ﻳﺎﻫﻢ وآزﻣـــﻮا ﻳﺤﻈﻮﻧﻪ ﻗ ـ ّﻔــﺎ وﻛــﻠــﻬــﺎ اﻟــﻨــﺎس ﻳﺘﺮ ّﻳﻮﻧﻪ ﻣﺎ ﻫــﻮب ل اﻟﻠﻪ ﻛﻠﻪ ﻳﺴ ّﻮوﻧﻪ وﻟﻮ ﻫﻮه واﻳﺪ ﺣﺴ ّﺒﻮه ﻃﺸﻮﻧﻪ ﻓﻘﻴﺮﻫﻢ ﻟــﻲ ﻛــﺪّ ﺑ ْﻴﺤﺴﺪوﻧﻪ ﺣﺘﻰ اﻟﻨﺼﺎرى ا ْﻋﻔﺪوا ﻓﻰ ﻣﻮﻧﻪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻇﻬﺮ رقٍ وﺑ ْﻴﺤﻔﺮوﻧﻪ و»اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ« م اﻟﻜﻴﻒ ﺣﻤﺮ ﻋﻴﻮﻧﻪ اﻟــﺪار ﺣﻜﻤﺖ وآزﻣــﺖ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ ﺳــﻮ ّوا ﻣــﺪارس أوﻧـ ّﻬــﻢ ﻳﻘﺮ ّوﻧﻪ وﻗﺼﺘﻪ ﻣﺪﻫﻮﻧﻪ ﻟﺒﺲ اﻟﻘﻤﻴﺺ ّ وﺧــﻼف ﻟﻮ ﻳﺒﻐﻮن ﻣﺎ ﻳﺮوﻣﻮﻧﻪ وﻗﺘﻚ ﺗﻐ ّﻴﺮ ﻫﻮب ﻟﻰ ﺗﺤﻴﺪوﻧﻪ دﻧﻴﺎ ﻏﺪت ﺷﺎ اﻟﺨﻴﻞ ﻟﻲ ﻣﻌﻨﻮﻧﻪ اﻷرض ﻓﻮق وﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﻣﺴﻜﻮﻧﻪ وﺗﺎﻟﻲ زﻣــﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﺑ ْﻴﻘﻮدوﻧﻪ ﻻ ﺷــﻲ ﺷــﻮر وﻻ ﻧﻈﺮ ﻳﺮﺟﻮﻧﻪ واﺣــﺪ ﻣﻘﻄّﻒ رﻣﺴﺘﻪ ﻣﻜﻨﻮﻧﻪ ﻟــﻲ ﻣــﺎ ﻳــﺒــﻮﻧــﻪ ﻻزم ﻳﺴﺒ ّﻮﻧﻪ وﺧــﺎﻳــﻠــﺖ ﺑــــﺮاّقٍ ﺗﻠﻆ ﻣﺰوﻧﻪ ﻣﺒﺨﻮت ﻟﻲ دﻳﻨﻪ ﻳــﺮوم ﻳﺼﻮﻧﻪ
ﺷــﺎﻋــﺮ ﻣــﺮﺗّــﺐ ﻟﻠﻘﺼﻴﺪ أﻣﺜﺎل ﺻﺎدق ﺟﻮاﺑﻪ ﻟﻲ رﻣﺲ ﻣﺎ ﻋﺎل اﻟﺸﻴﺦ واﻟــﻠّــﻰ ﻣــﺎ ﻋﻨﻪ ﺳﺎل ﻻ ﻳــﺎب ﺧﻴﺮ وﻻ ﻃــﺮي ﺑﺄﻓﻌﺎل ﻟــﻜــﻦ ﻳــﺒــﻐــﻮﻧــﻪ زﻳـــــﺎدة ﻣــﺎل ﻳﺼﺐ ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﻴﺎل وﻟﻮ ﻫﻮ ّ ﻳﺘﻌﺐ وﻣﻘﺼﻮده ﻳﺴﺎﺗﺮ ﺣﺎل واﻟــــﺪار ﺧ ـﻠّــﻮﻫــﺎ ﻟــﻌــﺐ ﻳـ ّﻬــﺎل ﻟﻲ ﻣﻦ ﻇﻬﺮ ر ّدوا ﻋﻠﻴﻪ رﻣﺎل وﺟﻬﻪ ﻗﺒﻴﺢ ﺗﻘﻮل وﺟــﻪ ﺳﺒﺎل اﺳﺘﺨﺪﻣﻮﻫﻢ واﻣﺴﻜﻮا ﻟ ْﻌﻴﺎل واﻟﻔﺮخ ﻣﻦ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﺒﺲ ﺳﺮوال ﻣﺤﺴﻦ وﻣﻦ ورأ ﻋﻠﻌﺎل رأﺳــﻪ ّ ـﺺ اﻟﺴﺒﻖ واﻟﻤﺮﺳﺎل ﺧﻔّﻖ وﻗـ ّ ﺗــﺘــﺒــﺪّ ل اﻟــﺤــﺮﻣــﻪ ﺷــﺮا اﻟــﺮﻳّــﺎل ﻣــﺘــﻮﻟّــﻤــﻪ وﺗــﻄــﺎﻟــﻊ اﻟﻤﺤﻴﺎل واﺑﻠﻴﺲ ﻋﻨﺪه ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻋ ّﻤﺎل وﺑ ْﻴ ّ ﺤﻂ ﻓﻲ راﺳــﻪ ﺧﻄﺎم ﺣﺒﺎل ــﻢ ﻫــﻮﺷــﻪ ﻇــﺎﻫــﺮﻫــﺎ ﻳــ ّﻮال ﺑَــ َﺘ ّ ﻣﺎ ﺗ ْﻌﺮﻓﻪ ﻫﻨﺪي واﻻ ﻣﻦ اﻟﺼﻮﻣﺎل وﻳــﻨ ـ ّﻘــﻠــﻮﻧــﻪ ﺷــﻲ ﻟــﻮ ﻣــﺎ ﻗــﺎل ﻟﺠﺒﺎل ع اﻟﺮوس ﻳﺴﻘﻰ واﺣﺪرت ﺠﺒﺎل ﻣﺠﺎل ﺗ ّﻤﺖ وﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﻀﻴﻊ ﺠﺎل
ﻫﻮاﻣﺶ ﺗﻮﻟﻰ • ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪاﻟﺨﺎﻟﻖ ﺣﺴﻮﻧﺔ ،أﻃﻮل ﻣﻦ ﺗﻮﻟﻰ رﺋﺎﺳﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،إذ ﻮﻟﻰ رﺋﺎﺳﺘﻬﺎ ﻣﺪة ﺗﻘﺘﺮب ﻣﻦ اﻟـ 20ﻋﺎﻣﺎ ،ﻣﻨﺬ 1952م ﺣﺘﻰ ﻋﺎم 1972م ،وﻟﺪ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻫﺮة ﻓﻲ أﻛﺘﻮﺑﺮ 1898م ،وﺗﻮﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻓﻲ 20ﻳﻨﺎﻳﺮ 1992م ،ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻨﺎﻫﺰ 94ﻋﺎ ًﻣﺎﺎ.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
95
ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺮاء
ﺣﺴﻮﻧﻪ« »ﻻ ﻓﺎدﻧﺎ ﻧﻮﻓﻞ وﻻ ّ
ﻳﺮوﻳﻬﺎ ﻟﻜﻢ أﺑﻮ ﺧﺎﻟﺪ
94
ﺣﺴﻮﻧﻪ« »ﻻ ﻓﺎدﻧﺎ ﻧﻮﻓﻞ وﻻ ّ
وﻓﺪ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺠﻴﺮة ﻋﺎم 1964
ﺣﺴﻮﻧﺔ) ،(1أﻣﻴﻦ ﻋﺎم ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪول ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻻ ﻳﺘﻮﻓّﺮ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﻦ زار اﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ ّ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﺳﺒﻖ إﻣﺎرات اﻟﺴﺎﺣﻞ ،دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة إﻻ ﺑﻌﺾ أﺑﻴﺎت ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ: اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺣﺎﻟ ًﻴﺎ ،ﻋﺎم 1964م ﺑﻌﺪ ﺗﻜﻠﻴﻔﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺮؤﺳﺎء واﻟﻤﻠﻮك اﻟﻌﺮب ﺧﻼل ﻗﻤﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎم ،اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺑﻴﺾ ﻟﻲ ﺑﻌﺪ ﻳﻄﺮوﻧﻪ ﻻ ﻳـــﺎب ﺧﻴﺮ وﻻ ذﺑﺢ ر ّﻳﺎل ﻟﻺﺷﺮاف ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﺗﻠﻚ اﻹﻣﺎرات ودراﺳﺔ ﺳﺒﻞ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺣـــــــﺴﻮﻧﻪ اﻟﻤﻌﻮﻧﺎت ﻟﻬﺎ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺎﻧﻲ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺤﺮﻣﺎن ﻓﻲ ﻻ ﻓﺎدﻧﺎ ﻧﻮﻓﻞ وﻻ ّ ﻇﻞ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﺧﻴّﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻘﻮ ًدا ﻃﻮﻳﻠﺔ. وﻻ ﻳﺎﺗﻨﺎ ﻗﻮات ﻋـــﻨﺪ ﺟﻤﺎل وﻗﺪ اﺳﺘﻘﺒﻠﻪ ﺣﻜّﺎم اﻹﻣﺎرات وﺷﻌﺒﻬﺎ اﺳﺘﻘﺒﺎﻻت ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺣﺘﻰ أﻧﻬﻢ رﻓﻌﻮا اﻟﺴﻴﺎرة اﻟﺘﻲ أﻗﻠّﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﻄﺎر دﺑﻲ ﻋﻠﻰ أﻛﺘﺎﻓﻬﻢ وﻗﺪ اﻧﺘﺸﺮت ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة وﺗﻨﺎﻗﻠﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻰ ﺗﺮﺣﻴﺒﺎ ﺑﻪ؛ ﻛﻮن زﻳﺎرﺗﻪ ﺗﻤﺜّﻞ وﺳﻴﻠﺔ إﻧﻘﺎذ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﺮاﺛﻦ أﺧﺮى ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ واﻧﺘﻘﺎدﻫﺎ ﻟﺪور اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻋﺪم ً اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ،وﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ اﻷﺷﻘﺎء اﻟﻌﺮب ﻗﻴﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪور اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ ﻣﻨﻬﺎ وﻫﻮ اﻟﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ وﻃﺮد اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ ﻣﻦ إﻣﺎرات اﻟﺴﺎﺣﻞ. وزﻋﻤﺎﺋﻬﻢ ،وﺧﺎﺻﺔ ﺟﻤﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ. زار ﺣﺴﻮﻧﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻹﻣﺎرات واﻟﺘﻘﻰ ﺑﺸﻴﻮﺧﻬﺎ وﺷﺮح ﻟﻬﻢ وﻗﺪ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺷﺎﻋﺮ آﺧﺮ ﻣﻊ ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺠﺮن اﻟﻜﺘﺒﻲ، ﺗﺤﺮك اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻧﺤﻮﻫﻢ ووﻋﺪﻫﻢ ﺑﺈرﺳﺎل وﻓﺪ رﺳﻤﻲ وﻫﻮ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ ﺟﻤﻌﻪ ﺑﻮﻋﻮﻳﺎ اﻟﺸﺎﻣﺴﻲ واﻟﻤﻠﻘّﺐ ّ ﺗﻘﻞ ﺟﺰاﻟﺔ وﺟﺮأ ًة ﻋﻦ ﻗﺼﻴﺪة وﻓﻌﻼ وﺻﻞ إﻟﻴﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﺑـ»اﻟﺨﻠﻴﻔﻲ« ،ﻓﻘﺎل ﻗﺼﻴﺪة ﻻ ّ ﻟﺪراﺳﺔ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﻢ وﻃﻠﺒﺎﺗﻬﻢ ﻛﺎﻣﻠﺔً . ذﻟﻚ ﺑﻔﺘﺮة ﻓﻲ ﻋﺎم 1965م ،اﻟﻮﻓﺪ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﺑﺮﺋﺎﺳﺔ ﺳﻴﺪ ﻧﻮﻓﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺠﺮن ،ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ: ّ ﻣﺴﺎﻋﺪ اﻷﻣﻴﻦ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﺠﺎﻣﻌﺔ ،وزار اﻟﻮﻓﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻹﻣﺎرات وﺣﺼﺮ اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ واﻟﻀﺮورﻳﺔ ﻟﻬﺎ. ﻏﺎدر ﺳ ّﻴﺪ ﻧﻮﻓﻞ اﻹﻣﺎرات ﺑﺪراﺳﺘﻪ ﺗﻠﻚ وﻗ ّﺪﻣﻬﺎ ﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﺪوره ﺑﺮﻓﻌﻬﺎ ﻟﻠﺮؤﺳﺎء اﻟﻌﺮب وﺗﻤﺖ اﻟﻤﻮاﻓﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ واﻋﺘﻤﺎدﻫﺎ وﺗﻮﻓﻴﺮ اﻷﻣﻮال اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬﺎ، ﻓﺒﺪأت ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﻮﻧﺎت ﺗﺼﻞ ﻟﻺﻣﺎرات وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻠﻬﺎ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﻛﺎﻟﻄﺮق واﻟﻤﻴﺎه واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺼﺤﺔ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺄﺛﺮﻫﺎ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ اﻟﻤﻮاﻃﻦ اﻟﻌﺎدي اﻟﺬي ﻛﺎن ﻫ ّﻤﻪ ﻣﻨﺤﺼ ًﺮا وﻗﺘﻬﺎ ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻦ :اﺳﺘﻘﻼل اﻹﻣﺎرات وﺗﻮﻓﻴﺮ اﻷﺳﺎﺳﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻨﻬﺎ .وﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻨﺘﻈﺮه ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻟﺰﻳﺎرة ﻣﺴﺆوﻟﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺤﺪث ﻣﻤﺎ أﺛﺎر ردود ﻓﻌﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮاء .وﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺷﺎﻋﺮ ﺷﻌﺒﻲ ﻣﻌﺮوف ﻳﺴﻤﻰ ﻣﺠﺮن اﻟﻜﺘﺒﻲ ،ﻗﺎل ﻗﺼﻴﺪة ﻳﻨﺘﻘﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺿﺂﻟﺔ ﻣﺎ ﺗﻢ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ
ﺗﺮاث اﻟﺴﺮد
اBﻳﻐﻮ اﻟﻤﺘﻀﺨﻢ أﻛﺜﺮ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺮﺣﺖ ﻋﻠﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺮوت واﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺑﻌﺪ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻲ ﻓﻲ ورﺷﺔ آﻓﺎق ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺮواﺋﻴﺔ ،ﺗﺼﺐ ﻓﻲ ﻓﻜﺮة ﻛﻴﻒ ﻗﺒﻠﺖ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻴﻬﺎ رﻏﻢ ﺗﻜﺮس اﺳﻤﻲ ﻋﺮﺑﻴًﺎ ﻛﺮواﺋﻲ ﻣﻌﺘﺮف ﺑﻪ. ﻻ ﻳﺠﺪ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﻣﺒﺮراﺗﻪ إﻻ ﻓﻲ واﻗﻊ أدﺑﻲ ﻣﺘﺨﻢ ﺑﺎﻷﻧﺎ اﻟﻤﺘﻮرﻣﺔ ﻛﻮاﻗﻊ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﻜﺘّﺎب اﻟﻌﺮب ،ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻛﻞ ﻛﺎﺗﺐ أﻧﻪ ﻗﺎرة ﻟﻮﺣﺪه ،ﺑﻤﻘﺪوره اﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﺬاﺗﻪ .ﻓﺎﻟﻤﻌﻘﻮل أن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ،وﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎج ﻟﺘﺘﻄﻮر إﻟﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ واﻟﻜﺘﺎﺑﻴﺔ واﻟﻘﺮاﺋﻴﺔ ،وﻫﻮ ﺗﻄﻮر ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺟﺒﻞ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ-ﺑﻮﺟﻪ ﻋﺎم -ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ﺗﻘﺒﻠﻪ. ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﻲ ﺿﺪ ﻓﻜﺮة اﺣﺘﻜﺎك اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺒﻌﻀﻬﻢ ،ﺿﺪ ﻓﻜﺮة اﺣﺘﻜﺎﻛﻢ ﺑﺸﺨﻮﺻﻬﻢ وﻟﻴﺲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻘﺮاءة ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎً. ﻓﻲ ﺑﻴﺮوت ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ أو ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ أو دﺑﻲ أو اﻟﻘﺎﻫﺮة أو أي ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ زرﺗﻬﺎ ،اﻛﺘﺸﻔﺖ أن اﻟﻨﺎدر ﻫﻮ ﻗﺮاءة اﻟﻜﺘّﺎب ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ .اﻟﻨﺺ اﻟﺠﻴﺪ ﻛﺎﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺠﻴﺪ ﻻ ﻳﻠﻘﻰ اﻟﺮواج اﻟﻼﺋﻖ، ﺑﺴﺒﺐ ﻃﻐﻴﺎن ﻇﺎﻫﺮة اﻟﺠﻮاﺋﺰ ﻋﻠﻰ اﻹﻋﻼم اﻟﻌﺮﺑﻲ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻃﻐﻴﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺎدي اﻟﻤﺴﺘﻤﺪ ﺟﻞ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ وﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻪ ﻣﻦ اﻹﻋﻼم ﻻﻏﻴﺮ. اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ورش اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أو ﻓﻲ دورات ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﻮع ﻻ ﻳُﻨﻘﺺ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻜﺎﺗﺐ أو ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺰﻳﺪ وﻳﺜﺮي ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أﻧﻬﺎ إﺛﺮاء ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﻜﻞ. أن أﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪه اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﻦ ورش ﻛﻬﺬه ،أﻧﻪ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻀﻄ ًﺮا ﻟﻠﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ أﻧﺎه اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن-ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻨﺪي -ﻣﺘﻀﺨﻤﺔ ﺑﻨﺤﻮ ﻏﻴﺮ اﻋﺘﻴﺎدي ،ﺗﺨﻠﻴﻪ ﻫﺬا ﻳﻤﻨﺤﻪ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ رؤﻳﺔ وﺟﻬﻪ ﺑﻼ ﻣﺎﻛﻴﺎج. اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻷي ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ،ﺗﺤﺘﺎج دو ًﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﺼﻘﻞ ،ﻟﻴﺲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻘﺮاءة ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ أﻳﻀً ﺎ ﺑﺎﻻﺣﺘﻜﺎك أﻳﺎ ﻛﺎن. ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري أن ﺗﻀﻴﻒ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺷﻴﺌًﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻟﻦ ﺗﻨﻘﺺ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺷﻴﺌًﺎ.
ﺳﻤﻴﺮ ﻗﺴﻴﻤﻲ@
ﺷﺎرﻛﺖ ﻟﺤﺪ اﻵن ﻓﻲ ورﺷﺘﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ :ورﺷﺔ اﻟﺒﻮﻛﺮ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺘﻴﻦ، وورﺷﺔ آﻓﺎق اﻷوﻟﻰ ﻣﺆﺧ ًﺮا ،أﻛﺜﺮ ﻣﺎ اﺳﺘﻔﺪﺗﻪ ﻫﻮ اﻟﺼﺪاﻗﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة واﻹﺻﻐﺎء إﻟﻰ أﺻﻮات أﺧﺮى ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﺻﻮﺗﻲ .ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻢ ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎدي أن ﻳﻘﺮأ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻴﻮن أﺧﺮى ﻏﻴﺮ ﻋﻴﻨﻴﻪ ،وأن ﻳﺼﻐﻲ ﻷﺻﻮات ﻫﻲ ﻗﺒﻞ اﻟﻮرﺷﺔ وﺑﻌﺪﻫﺎ أﻳﻀً ﺎ أﺻﻮات ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻪ اﻹﺻﻐﺎء ﻟﻬﺎ ،إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺸﻲء ﻓﻌﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻓﺤﺴﺐ. ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،أﻣﻠﻚ داﻓ ًﻌﺎ آﺧﺮ ﻟﻠﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ورش اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،داﻓﻊ ﺗﺜﻘﻴﻔﻲ إن أردت دﻗﺔ أﻛﺜﺮ؛ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻮاﻗﻊ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺑﻠﺪان اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻮرﺷﺔ ،ﻓﻠﻄﺎﻟﻤﺎ ﺷﻐﻠﻨﻲ ﻫﺎﺟﺲ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺎﻳﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ،ﻣﻦ دون أن ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ أﻧﻨﻲ ﻏﻴﺮ ﻛﺘﺎﺑﺎت ّ ﻣﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﻜﺘّﺎب اﻷﻛﺒﺮ ﺳﻨﺎ ،ﻟﻜﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻲ ﺑﻬﺆﻻء ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺪرﺟﺔ ﻣﻦ ﺑﺎب أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺪ أرﺟﻮ اﻟﺪﻫﺸﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ اﻟﻜﺘّﺎب ﻣﻦ ﺟﻴﻠﻲ. اﻟﻮﻫﻢ اﻟﺬي ﻳﺮاد ﺗﺜﺒﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﻗﻮاﻣﻴﺲ اﻟﻮﺻﻒ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘّﺎب اﻟﻌﺮب ،أن اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫﻲ أﺟﻴﺎل »اﻟﻜﺘّﺎب اﻟﻜﺒﺎر« ،ﻗﺪ أﺟﺎري ﻫﺬا اﻟﻮﻫﻢ ﻣﻦ ﺑﺎب أﻧﻬﻢ ﻛﺒﺎر ﻓﻲ اﻟﺴﻦ ﻓﺤﺴﺐ ،ﻓﻘﺮاءاﺗﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮة ﺗﺆﻛﺪ ﻟﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ، ﻣﺨﻴﺎﻻ ً وﻫﻲ أن ﺟﻴﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﺘّﺎب اﻟﻌﺮب أﻛﺒﺮ ﻣﻮﻫﺒﺔ وأوﺳﻊ ﻋﻤﻼ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻹﺻﺪارات. وأﺟﻮد ً أﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ رأس اﻟﻬﺮم-إن وﺟﺪ ﻫﺮم ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ -ﻫﻲ ﻣﺎ ﺟﻌﻠﺖ ﺑﻌﺾ ﺷﻴﻮخ اﻟﺮواﻳﺔ ﻳﺸﺤﺬون أﻗﻼﻣﻬﻢ ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﻟﻴﻜﺘﺒﻮا ﻣﺪاﺋﺢ ﻣﻄﻮﻟﺔ ﻓﻲ ّرواﻳﺎت اﻟﺠﻮاﺋﺰ ً رواﻳﺎت أﺟﻮد وﺋﺪت ﺑﺴﺒﺐ اﺳﺜﻨﺎﺋﻴﺘﻬﺎ. أﻗﺮأ ﻣﺜﻼ ﻣﺆﺧ ًﺮا ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺗﺘﺤﺪث ﻓﻴﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﺘﻬﺎ ﻋﻦ أﻫﻢ ﻋﺸﺮ رواﺋﻴﻴﻦ ﻋﺮب ﺷﺒﺎب ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺮاﻫﻦ ،ﻓﺄﻛﺘﺸﻒ أن ﻫﺆﻻء ﺣﺼﺎدي ﺟﻮاﺋﺰ ،وﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮق اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻟﻴﺴﻮا إﻻ ّ ﻣﻘﺼﻴﺔ رواﺋﻴﻲ اﻟﻤﻐﺮب اﻟﻌﺮﺑﻲ رﻏﻢ ﻣﻮﻗﻌﻬﻢ اﻟﺴﺮدي اﻟﻤﺘﻘﺪم ﻋﺮﺑ ًﻴﺎ! *رواﺋﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
93
ﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ
وﻗﺪ ﻧﺠﺤﺖ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ ﻛﻤﺎ وﺛﻘﻬﺎ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ﻓﻲ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻔﻜﺮ اﻻﺳﺘﺒﺎﻗﻲ ﻟﺪى ﻗﺎريء ﺗﻌ ّﻮد ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎﻫﺪة ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻓﻼم وﻳﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﻣﺆﺷﺮ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ وﻣﻦ ﻳﻀﻄﻠﻊ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺠﻮم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .ﻓﺘﺴﻨﺪ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ إﻟﻰ ﻧﺠﻢ أو ﻧﺠﻤﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺤﻔﺰ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ آﻟﻴﺔ إﻟﻰ اﺳﺘﺒﺎق اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻗﺒﻞ وﻗﻮﻋﻬﺎ ،وﻫﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺣﺘﻤﻴﺔ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻄﻠﻴﻦ، ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺎﻋﺪت ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ اﻟﻈﺮوف اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ )اﻟﻔﻘﻴﺮ /اﻟﻐﻨﻲ( ،أو اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ )اﻟﺸﻬﻢ /اﻟﻮﺿﻴﻊ( ،أو اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ )اﻟﺠﺎﻫﻞ /اﻟﻤﺘﻌﻠﻢ(. ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻪ ﺑﺪ .وﻫﻮ ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻤﻞ اﻟﺒﻄﻞ ﻣﻊ اﻟﺒﻄﻠﺔ ﻓﻲ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺻﻴﻎ اﻟﺘﻼﻗﻲ ،ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺪت ﻣﺴﺎﺣﺎت اﻻﻓﺘﺮاق ،واﺗﺴﻌﺖ اﻟﻬﻮة ﺑﻴﻦ اﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ،ﻃﻮال اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ اﻷوﻟﻰ. وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎب )اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ( اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ وﻗﺪ وﻗﻊ ﻓﻲ ﻫﻮى ﻓﺘﺎة »اﻟﻴﺎزﻳﺔ« واﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ أﺳﺮة أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ .ورﻏﻢ اﻟﻔﻮارق اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أو اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﺻﻤﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻫﺪﻓﻪ وﺗﺤﻄﻴﻢ ﻛﻞ اﻟﻌﻘﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮض ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻻﻗﺘﺮان ﺑﺎﻟﺒﻄﻠﺔ )اﻟﻴﺎزﻳﺔ( اﻟﺘﻲ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻗﺪ ﺳﺎﻋﺪﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻫﺪﻓﻪ. ﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻀﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺻﻮرة اﻻﺑﻦ اﻷﺻﻐﺮ )اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ( اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺼﻨﻌﻬﺎ
92
اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ واﻟﻴﺎزﻳﺔ
ﻫﻮ – ﻣﺜﻞ أي ﻣﺨﺮج – ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺪرﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﻨﻄﻖ ﺑﺪﻻﻟﺘﻬﺎ» :ﻓﻬﻮ ﺷﺒﻴﻪ ﺷﻜﻼ ،وأﻛﺜﺮﻫﻢ وﺳﺎﻣﺔ، إﺧﻮاﻧﻪ ،ﺑﻞ أﺟﻤﻠﻬﻢ ً وأﻧﻀﺮﻫﻢ ﻟﻮﻧًﺎ ،وأﻗﻮاﻫﻢ ﺟﺴ ًﻤﺎ« ﻻ ﺷﻚ أن اﻟﺼﻮرة ﺗﻀﻢ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻜﻨﻪ ،أﺷﺎر إﻟﻰ ﺷﻘﻴﻘﻴﻪ اﻷﻛﺒﺮ واﻷوﺳﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﺑﺮ وﻳﻀﻌﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻈﻞ ،وﻟﻜﻦ ﺗﺪاﻋﻴﺎت اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺑﻌﺪ ﻣﺮض اﻟﺸﻘﻴﻘﻴﻦ اﻷﻛﺒﺮ واﻷوﺳﻂ ﺗﻔﻀﻲ إﻟﻰ ﺗﺄﻣﻞ ﻣﺎذا ﺑﻘﻲ ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻪ ،ﺣﻘًﺎ ﻣﺎزال اﻟﺸﻘﻴﻘﺎن أﺣﻴﺎء ،ﻟﻜﻦ اﻷب ﻓﻘﺪ اﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺷﻔﺎﺋﻬﻤﺎ واﻷﻣﻞ ﻣﻌﻘﻮد ﻋﻠﻰ اﻻﺑﻦ اﻷﺻﻐﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺸﺆون اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ. ﺛﻢ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺑﺎﻟﺼﻮرة إﻟﻰ »ﻛﺎدر« آﺧﺮ وﻫﻮ ﻣﺸﻬﺪ »اﻟﻴﺎزﻳﺔ« وﺳﻂ ﺻﻮﻳﺤﺒﺎﺗﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم اﻟﻜﺎﻣﻴﺮا ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺌﺮ وﻟﻢ ﺗﺘﺮﻛﻬﺎ اﻟﻜﺎﻣﻴﺮا إﻻ ﺑﻌﺪ اﻧﺼﺮاﻓﻬﺎ واﺧﺘﻔﺎﺋﻬﺎ ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺘﻬﺎ واﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻫﻮ ﻋﺬوﺑﺔ اﻟﻤﻼﻣﺢ وﻏﻤﻮض اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻤﺘﺮﻗﺮﻗﺔ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ» : وإذ ﺑﻮﺟﻬﻬﺎ ﻳﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻜﺎن ﻧﻮ ًرا وﺑﻬﺠﺔ ،وإذا ﺑﺎﻟﻌﻘﻴﻠﻲ ﻳﺮﻛﺰ ﻧﻈﺮه ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺒﻬﻮﺗ ًﺎ وﻣﻌﺠ ًﺒﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﻔﺘّﺎن« ،ﻓﻠﻘﺪ ﻋﺸﻖ »اﻟﻴﺎزﻳﺔ« رﻏﻢ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﻣﺮض ﺷﻘﻴﻘﻴﻪ وﻛﺄﻧﻬﺎ أﺷﺒﻪ ﺑﻠﻌﻨﺔ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ،ﻟﻜﻦ ﺳﻄﻮة اﻟﺤﺐ ﻻ ﺗﻨﺼﺖ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﺤﺎذﻳﺮ *ﻛﻠﻴﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ – ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻷزﻫﺮ
اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ
ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ واﻟﻴﺎزﻳﺔ د .ﻫﻨﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ ﻣﺤﻔﻮظ @
ﻻ ﺟﺪال ﻓﻲ وﺟﻮد ﺗﻔﺎﻋﻞ وﺗﺄﺛﻴﺮ ﻣﺘﺒﺎدل ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺺ اﻷدﺑﻲ واﻟﻔﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ )اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ(، وﻗﺪ اﺳﺘﺜﻤﺮ اﻟﻤﺒﺪﻋﻮن واﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ. وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ، ﻓﺈن اﻧﻌﻜﺎﺳﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮرة اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻳﺆدي إﻟﻰ إﻧﺘﺎج ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑـ »اﻟﺼﻮرة اﻟﺴﺮدﻳﺔ« وﻫﺬه اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ واﻟﻴﺎزﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮﺗﻬﺎ ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺮاث ﻓﻲ ﻋﺪد ﻳﻨﺎﻳﺮ 2015 ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ أﻗﺮب ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ) ،( Close upأو اﻟﺼﻮرة ﻋﻦ ﻗﺮب.
ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻋﻦ ﻏﻴﺮه ﻫﻮ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ .ﻓﻔﻲ ﻣﺸﻬﺪ اﻻﻗﺘﺮاع ﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﻳﻤﺘﻄﻴﻬﺎ اﻻﺑﻦ ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻪ إﻟﻰ » اﻟﻴﺎزﻳﺔ « ﻳﻘﺪم ﻣﻮﺛﻖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر راﺷﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﺻﻒ اﻟﺘﻔﺼﻴﻠﻲ ﻓﻴﻘﻮل «:ﻗﻒ ﺧﻠﻒ ﺣﻈﻴﺮة اﻟﻨﻮق ،وﻧﺎدي ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻮق واﺣﺪة واﺣﺪة؛ ﻟﺘﺄﻛﻞ ﻣﻦ وﻋﺎﺋﻚ ،ﻓﺄﺧﺬ »اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ« :ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﺼﻔﺮاء و»ﻳﺸﺎﺷﻲ« ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن ،ﻣﻦ وراء اﻟﺤﻈﻴﺮة ﺣﺘﻰ ﺣﺎﻣﺖ اﻟﺤﻈﻴﺮة ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ »اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ« ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻘﺖ ﺑﺤﺎﺋﻂ اﻟﺤﻈﻴﺮة ،وﺳﻘﻄﺖ دوﻧﻪ ،ﻓﺘﺮﻛﻬﺎ وأﺧﺬ ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮى وﻫﻲ اﻟﺸﻘﺮاء ،ﻓﺤﺎﻣﺖ اﻟﺠﺪار وﺳﻘﻄﺖ أﻳﻀً ﺎ دون اﻷﻛﻞ ،ﻓﺘﺮﻛﻬﺎ وأﺧﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻈﻴﺮة ﻣﺜﻞ ﺳﺎﺑﻘﺘﻬﺎ ،وﻗﺎم ﺑﺎﻟﻨﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﺤﻤﺮاء واﺳﻤﻬﺎ »ﺻﻴﺪح« وﻗﺎم »ﻳﺸﺎﺷﻲ« ﻟﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺣﺎﻣﺖ اﻟﺤﺎﺋﻂ ،ووﺻﻠﺖ ﻋﻨﺪه ،وأدﻟﺖ ﺑﺮأﺳﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻋﺎء ﻟﺘﺄﻛﻞ ﻣﻨﻪ .ﻓﺮح اﻷب ﺑﺬﻟﻚ وﻗﺎل ﻻﺑﻨﻪ :ﻫﺬه اﻟﺒﻜﺮة اﻟﺤﻤﺮاء ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺨﺪﻣﻚ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻮﺻﻠﻚ إﻟﻰ ﻣﻦ أﺧﺬت ﻟﺒّﻚ وﻋﻘﻠﻚ، وﺳﺘﻮﺻﻠﻚ إﻟﻰ »اﻟﻴﺎزﻳﺔ«. وﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮوف أن اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻻﻓﺘﺘﺎﺣﻲ ﻓﻲ ﻛﻼﺳﻴﻜﻴﺎت اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻒ اﻟﺘﺪرﻳﺠﻲ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺴﺘﻬﺪف ﻫﺬا اﻹﺟﺮاء إﺑﻄﺎء إﻳﻘﺎع اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،واﻟﻈﻬﻮر اﻟﺘﺪرﻳﺠﻲ ﻟﻤﺴﺮح اﻷﺣﺪاث اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ ﻟﻤﺤﺔ ﻣﻮﺟﺰة ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة وﺳﻂ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻘﺎﺣﻠﺔ واﻋﺘﻤﺎدﻫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻸ واﻟﻤﺮﻋﻰ وآﺑﺎر اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻹﺑﻞ وﻫﺬا ﻣﺎ ﻧﺮاه ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻻﻓﺘﺘﺎﺣﻲ ﻟﻘﺼﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ» :ﻓﻲ أﺣﺪ ﻣﻀﺎرب اﻟﺒﺎدﻳﺔ ،وﻓﻲ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺰﻣﺎن ﻋﺎش أﺣﺪ ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ﻣﻊ أوﻻده وأﻫﻠﻪ ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻹﺑﻞ ذات اﻟﺴﻼﻻت اﻷﺻﻴﻠﺔ ﻣﺜﻞ ﺳﻼﻟﺔ اﻟﻔﺤﻞ اﻟﻤﺴﻤﻰ » ﺷﻬﺒﺎر«؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻹﺑﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ﻫﻲ رأس ﻣﺎل اﻷﻏﻨﻴﺎء واﻟﺸﻴﻮخ وﻋﻼﻣﺔ اﻟﻘﻮة واﻟﺴﻴﺎدة ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮاﻋﻲ اﻹﺑﻞ ﻣﻮزﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ،ﻛﺬﻟﻚ آﺑﺎر اﻟﻤﻴﺎه اﻻرﺗﻮازﻳﺔ )اﻟﻤﻮارد( ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺑﺌﺮ ﻣﺎء أو ﻃﻮي ،اﻋﺘﺎد أﺑﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﺸﻴﺦ وﻫﻢ ﺛﻼﺛﺔ أن ﻳﺮووا إﺑﻠﻬﻢ ﻣﻨﻪ داﺋﻤﺎ«.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
91
ﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ
90
اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ واﻟﻴﺎزﻳﺔ
ﻳﻘﻮل ﺟﺎﺑﺮ» :ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﻃﻮﻟﻨﺎ واﺣﺪ، وﻣﺸﻴﺘﻨﺎ واﺣﺪة ،ﻧﺤﺐ ﻃﻌﺎ ًﻣﺎ واﺣ ًﺪا ،ﻧﺄﻛﻞ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ واﺣﺪة، اﻟﻴﻤﻨﻰ وﺣﺪﻫﺎ ﺗﺘﺤﺮك ،وﻧﻨﺰع ﻛﺘﻮف اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﺑﺎﻷﺳﻨﺎن، وﻧﺼﻒ اﻟﻜﺒﺪ ﻧﻴﺌًﺎ، وﻧﺄﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﻜﻠﻴﺘﻴﻦ واﻟﻄﺤﺎل َ ﻓﻲ ﺻﻐﺮﻫﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻓﺾ اﻟﺴﻴﺮ ﺧﻠﻒ اﻟﺒﻐﻠﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻐﻴﻄﺎن، ﺗﻌﺎﻓﺮ ﻛﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﻓﺨﺬﻳﻬﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻦ اﻟﺒﻬﻴﻤﺔ، وﺗﺬﻫﺐ ﻟﻸرض راﻓﻌﺔ رأﺳﻬﺎ ﻛﺎﻧﻬﺎ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ ،ﻟﻢ أرﻫﺎ ﻳﻮ ًﻣﺎ ﺗﻠﻌﺐ ﻣﻊ ﻓﺘﻴﺎت اﻟﺪار ،وﺣﻴﻦ داﻫﻤﻬﺎ ﻗﻄﺎر اﻷﻧﻮﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮاﻫﻘﺔ ،ﻇﻠﺖ ﺗﺨﺒﺊ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻦ ﻋﻤﺘﻬﺎ ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻛﺎﻣﻠﻴﻦ ،وﺣﻴﻦ ﺗﻠﻄﺦ ﺛﻮﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪم اﻟﻔﺎﺳﺪ ،ﻗﺎﻟﺖ ﻷم ﻣﺸﻬﻮر: »ﻛﻨﺖ ﺑﺪﺑﺢ«. ﺻﺮﻋﺖ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﺗﻌﺎرﻛﺖ ﻣﻊ ﻧﺼﻒ ﻓﺘﻴﺎن »دار اﻟﺮﻣﺎد«، ْ ْ وزﻣﺠﺮت ﻗﺒﻀﺘﻬﺎ ﻓﻲ وﺟﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﻮي اﻟﺴﻘﺎ، أﺑﻮ ﺣﺴﻴﻦ، ْ ﺣﺘﻰ ﻓﻘﺪ وﻋﻴﻪ وﻇﻨﺖ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﺤﺮم أﻧﻪ ﻗُﺘﻞ ،ﺣﺎول أﻋﻤﺎﻣﻲ ﺗﺄدﻳﺒﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﺮب أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ،وراﻫﻨﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻌﺘﺬر إذا ﻗﻴﺪوﻫﺎ ﺑﺎﻟﺤﺒﺎل ﻓﻲ اﻟﺰرﻳﺒﺔ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﻦ ﺑﻼ ﻃﻌﺎم ،ﻓﻜﺎن ﺻﻮﺗﻬﺎ اﻷﺟﺶ ﻳﺰﻋﺞ ﻣﻨﺎﻫﻤﻢ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻋﻠﻰ ﻣﺪار ﻧﺤﻮ أﺳﺒﻮع وﻫﻲ ﺗﻌﺎﻳﺮﻫﻢ ﻗﺎﺋﻠﺔ» :ﻳﺎ ﻋﻤﻲ ﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻳﺎ ﺧﺮا اﻟﻤﺴﺎري )اﻟﺘﺮع( ،ﻳﺎﻋﻤﻲ رﻳﺎض ﻳﺎ واﻛﻞ ﻗﻮﺗﻲ ،ﻳﺎ ﻋﻤﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﻳﺎ اﻟﻠﻲ ﻗﺘﻠﺖ اﻟﻤﺮه ،ﺑﻜﺮا اﻟﻌﻮد ﻳﺸﺪ ،ﺑﻜﺮا اﻟﺮﺑﺎط ﻳﺤﻞ ،ﺑﻜﺮا اﻟﺒﻼﻳﺎ ﺗﺤﻄﻜﻢ ﺧﻠﺨﺎل«. وﺣﻴﻦ اﺷﺘﺪ ﻋﻮدﻫﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﺖ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ رﺑﻴ ًﻌﺎ ،ﺑﻮﺟﻪ ﻻ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ وﺟﻬﻲ إﻻ ﺑﺨﻔﻴﻒ ﺷﻮارﺑﻲ ،وﺟﺴﺪ ﻫﺎﺋﻞ اﻟﻄﻮل واﻟﻌﺮض ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎ اﻟﻠﻪ – أﻧﺎ وﻫﻲ – ﻣﻦ ﺻﺨﺮة ﻓﻲ أﻗﺎﺻﻲ اﻟﺠﺤﻴﻢ. ﻛﺎن اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺮاﻏﺒﻮن ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺒﺔ ﻳﺮﺗﻌﺪون ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ إﻣﺎ ﻗﺪ أﺷﺒﻌﺖ أﺣﺪﻫﻢ ﺿﺮﺑًﺎ ،أو ﻣﺰﻗﺖ ﻟﺤﻤﻬﻢ ﻧﻬﺸً ﺎ ،أو أرﻋﺒﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺧﻮﻓًﺎ ﻓﻔﺮوا ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون ﻟﻸذى أن ﻳﺴﺘﻤﺮ ،وﺣﻴﻦ اﺗﻔﻖ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻬﺎ ،أﻋﻄﻮﻫﺎ ﻟﻌﻴﺪ ،ﺷﺎب ﻣﻜﺴﻮر اﻟﻬﻤﺔ ،ﻗﻠﻴﻞ اﻟﻤﺎل ،ﻣﻀﻌﻀﻊ اﻟﺒﻨﻴﺎن، ﻣﻴﺰﺗﻪ اﻟﻮﺣﻴﺪة ،اﻧﺘﻤﺎؤه ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻷم ﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﻳﻘﺔ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻄﺤﻨﻬﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ. »ﻋﺮﻓﺖ آﻣﻮن ﺑﺎﻷﻣﺮ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻓﻲ وﺿﺢ اﻟﻨﻬﺎر ﻳﺘﺎﺑﻊ ﺟﺎﺑﺮ: ْ إﻟﻰ ﻋﻴﺪ ﻓﻲ ﺣﻘﻠﻪ ﻋﻨﺪ أرض اﻟﺴﺒﺨﺔ ،وأﻣﺎم اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ» :ﻟﻮ ﻧﺼﻴﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ دﻳﻞ اﻟﻌﺠﻞ ﻳﺒﻘﻰ ﻧﺘﻔﻖ« ،أﺟﺒﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﺰع ﻣﻼﺑﺴﻪ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻛﻲ ﺗﺮاه ،ﺛﻢ أﻣﺮﺗﻪ ﻓﺘﻐﻄﻰ، واﺗﻔﻘﺖ ﻣﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺳﻮف ﺗﺴﺘﻤﺮ ﺧﻤﺴﺔ وأرﺑﻌﻴﻦ ﻋﺎ ًﻣﺎ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎم واﻟﻜﻤﺎل«. ﺗﺰوﺟﺖ آﻣﻮن ،وأﻧﺠﺒﺖ ﻋﻮﻳﺲ وروﺑﻲ واﻟﺰﻳﻨﻲ وﻓﻜﻴﻬﺔ
ﻓﻴﻤﺎ ﻣﺎت ﻟﻬﺎ ﺿﻌﻒ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد ،وﺑﻌﺪ إﻧﺠﺎب ﺛﻼﺛﺔ ذﻛﻮر ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﻦ ،ﺑﺪأت اﻟﺤﺮب. ﻳﻘﻮل ﺟﺎﺑﺮ» :ﺟﺎءت ﻟﺪارﻧﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮ اﻟﻄﺎﺣﻮن وﻋﻴﻨﻬﺎ ﺗﻄﻖ ﺑﺎﻟﺸﺮر ﻟﺘﻘﻮل ﻟﻲ )ورﺛﻲ ﻓﻴﻦ ﻳﺎ ﺟﺎﺑﺮ؟( ،وﺣﻴﻦ أﻓﻘﺖ ﻣﻦ اﻟﺼﺪﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺔ ﺣﻴﺎﺋﻬﺎ أن ﺗﻄﻠﺐ ﻣﺎ ﻳﻌﻴﺮﻧﺎ ﺑﻪ اﻟﻨﺎس ،أﻧﻮرث إﻧﺎﺛ ًﺎ ﻳﺬﻫﺒﻮن ﺑﺄﻣﻮاﻟﻨﺎ ﻟﺤﺠﻮر ٍ ﺑﻴﻮت أﺧﺮى؟ واﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻜﻮن ،ﻧﻬﺮﺗﻬﺎ ﺑﺄن »اﻟﺮﺿﻮة« ﺗﻜﻔﻴﻬﺎ، ﻓﻄﻤﻌﺖ أﻛﺜﺮ ،ﻓﻄﺮدﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ ﺿﺮﺑًﺎ ،ﻓﻜﺮرت اﻟﺰﻳﺎرة ْ اﻟﻤﻔﻌﻤﺔ ﺑﺎﻟﻐﻀﺐ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ﻗﻤﺮﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺟﺎءﺗﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﻴﻄﺎن وﻫﻲ ﺗ ُﻀﻤﺮ ﺷ ًﺮا«. ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻫﻲ اﻟﺼﺪام اﻟﻜﻮﻧﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻘﻴﻘﻴﻦ، ﻓﺠﺎﺑﺮ اﻟﺬي ﺗﺤﺼﻦ ﺑﺠﺒﺮوﺗﻪ ،أﻣﺎم آﻣﻮن اﻟﺘﻲ ﺗﺪرﻋﺖ ﺑﺎﻟﻘﻬﺮ ،وﺣﻴﻦ ﻫﻢ ﺟﺎﺑﺮ أن ﻳﻀﺮﺑﻬﺎ ﻟﻠﻤﺮة اﻷﻟﻒ ،ﻛﺎﻧﺖ »اﻟﻔﻬﺪة« ﺗﺜﺐ ﻣﻦ اﻷرض ﺣﻴﺚ ﺗﺠﻠﺲ ﻟﺘﻈﻬﺮ ﺑﻜﺎﻣﻞ ﻋﻨﻔﻮاﻧﻬﺎ ﻓﻲ وﺟﻪ أﺧﻴﻬﺎ اﻟﻤﺬﻛﺮ واﻟﻤﻔﻀﻞ ،ﻟﺘﺘﻼﺣﻢ ﻛﺘﻠﺘﺎن ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ اﻟﻤﺸﺪود ﻋﻠﻰ أﻋﺼﺎب اﻟﻐﻀﺐ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﺗﺘﺼﺎرع ﺻﺨﺮﺗﺎن ﻣﻦ أﻗﺎﺻﻲ اﻟﺠﺤﻴﻢ ﻓﻲ اﻷرض اﻟﺒﺮاح ،ﺣﺘﻰ أن ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻌﻨﻔﻮاﻧﻪ ُﺻﺪم ﻟﻬﺬه اﻟﺠﺮأة اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ،وﺣﻴﻦ ﻃﻮح ﻳﺪه ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ﻟﻴﺼﻔﻌﻬﺎ ،ﺧﺎرت ﻗﻮاه ،ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ. ﻛﺎﻧﺖ »آﻣﻮن« ،ﺗﺪرك ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪه ﻣﻦ اﻟﻤﻠﺤﻤﺔ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺮﻳﺪ ﻣﺎﻻ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺘﺴﺎوى اﻟﺮؤوس ،رأس ﻳﺮﺗﺪي ً ﻋﻤﺎﻣﺔ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ورأس ﺗﻐﻄﻴﻪ »ﺷﺮﺧﺔ اﻟﻨﺴﺎء« ،وﺣﻴﻦ ﻫﻮى ﻟﻴﺼﻔﻌﻬﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻫﺒﻄﺖ ﺑﻴﻦ ﻓﺨﺬﻳﻪ اﻟﻌﻈﻴﻤﻴﻦ ،وﻓﻲ ﻳﺪﻫﺎ »ﺷﺮﺷﺮة« ،ﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺬﻛﻮرﺗﻪ وﺗﻀﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﺼﻞ وﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻳﻠﻤﻊ اﻟﻔﻮز اﻟﻮﺷﻴﻚ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر دم اﻟﺬﻛﻮرة اﻟﺬي ﺳﻴﺴﻴﻞ اﻵن. ﻧﺠﺎ ﺟﺎﺑﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺮﻓﺴﺔ ﻣﻦ ﺑﻐﻠﺘﻪ اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺎوﻟﺖ إدراك ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ،ﻓﺪﻓﻌﺖ آﻣﻮن إﻟﻰ اﻷرض ﺳﺎﻗﻄﺔ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺰ ﻧﺼﻞ »اﻟﺸﺮﺷﺮة« ﺳﺎق ﺟﺎﺑﺮ ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻦ اﻟﺮﻛﺒﺔ ،وﺣﻴﻦ رأت آﻣﻮن اﻟﺪم »ﻳﺸﻠﺐ« ﻣﻦ ﺳﺎﻗﻴﻪ ،وﻳﺴﻘﻂ ﻣﺘﺄﻟ ًﻤﺎ ،ﻇﻨﺖ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ »ﺳﺎوت اﻟﺮؤوس« ﺑﻔﻌﻠﺘﻬﺎ ،ﻓﺘﺠﺎﻫﻠﺖ ﺳﻘﻄﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض، وأﻃﻠﻘﺖ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء زﻏﺮودة ،اﻧﺨﻠﻊ ﻟﻬﺎ ﻗﻠﺐ ﻛﻞ ﻣﺬﻛﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻷرﺑﻌﺔ ﻋﻘﻮد ،وﺣﻤﻠﻬﺎ ﺟﺎﺑﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺧﻤﺴﺔ وأرﺑﻌﻴﻦ ﻋﺎ ًﻣﺎ ،ﺣﺘﻰ دﻓﻨﻬﺎ ﺑﻴﺪﻳﻪ ،ﺛﻢ أﺧﻴ ًﺮا ﺧﻠﻊ أرﺑﻌﺔ أﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﺬﺋﺐ ﻛﺎن ﻳﺮﺑﻄﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺮواﻟﻪ ﻟﻴﻞ ﻧﻬﺎر ،ﺗﺠﻨ ًﺒﺎ ﻟـ»ﺿﺮﺑﺔ ﻏﺎدرة« ﻣﻦ ﺷﻘﻴﻘﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﺳﻮى إن »اﻟﺮوس ﺗﺘﺴﺎوى«
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
89
ﺿﻮء آﺧﺮ
اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﺳﺠﻦ اﻟﺒﺪن ﺧﻤﺴﺔ وأرﺑﻌﻮن ﻋﺎ ًﻣﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرك ﻳﺎ »آﻣﻮن« ،ﺧﻤﺴﺔ وأرﺑﻌﻮن ﻋﺎ ًﻣﺎ ﺗﻠﺨﺺ ﻛﻞ دﻗﻴﻘﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻌﻢ اﻟﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺪن ،ﺣﺘﻰ ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ» :ﻳﺒﺪو أن ﻣﺎ أﺧﺒﺮﺗ ْﻨﺎ ﺑﻪ أ ﱡم ﻣﺸﻬﻮر ﻃﻮﻻ وﻋﺮﺿً ﺎ، ﺻﺤﻴﺢ ،وأن اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ ﺗﻀﺎرﻳﺲ اﻟﺠﺒﺎل ً ﻫﺬه اﻷﻧﺜﻰ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﺎﻫﺎ واﻟﺪﻫﺎ دون اﻛﺘﺮاث ﺑﺎﺳﻢ إﻟﻪ ﻓﺮﻋﻮﻧﻲ ﻣﺬﻛﺮ ،ﻳﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻻ ﺗﻤﻮت«. ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﺣﺎ ًرا ﻛﺄن اﻟﻌﺎم ﻳﻨﺸﻮي ﻛﺒ ُﺪﻩ ﻓﻲ اﻟﻮاﺣﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻰ اﻟﻔﻴﻮم ،ﺟﻠﺴﺖ »أم ﺟﺎﺑﺮ« ﺗﺤﻀﻦ وﻟﻴﺪﻫﺎ، وﺗﺘﺤﺴﺲ ﺟﻨﻴﻨﻬﺎ ،وﺗﺮﻓﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة اﻟﺸﻨﻴﻌﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪرك ﺑﺤﺲ اﻷﻧﺜﻰ اﻟﻤﺨﻀﺮﻣﺔ ،أن ﻓﻲ أﺣﺸﺎﺋﻬﺎ »ﺑﻨﺖ ﺣﻮا«. ﺣﻴﻦ ﻋﻀﺖ »أم ﺟﺎﺑﺮ« ﻋﻠﻰ ﻋﻮد اﻟﻘﺼﺐ اﻟﺠﺎف ﻟﺘﻜﺘﻢ ﺻﺮاﺧﻬﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻜﻴﻬﺔ وﻓﻮزﻳﺔ وﺻﻔﻴﺔ ﻳﺴﺎﻋﺪن أم ﻣﺸﻬﻮر ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ رأس اﻟﺠﻨﻴﻦ اﻟﻘﺎدم ﺑﺎﻧﺪﻓﺎع. ﺗﻘﻮل اﻟﻌﺠﻮز اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻄﺖ اﻟﻤﺎﺋﺔ» :ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﻌﻴﺎل اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻨﺒﻌﺞ ﺟﻤﺎﺟﻤﻬﻢ إن ﺿﺎق اﻟﻤﻨﻔﺮج ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻓﻮﻋﺔ ﺑﺎﻟﻄﻠﻖ ،ﻛﺄﻧﻬﺎ »ﻋﻴﺎر« ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺤﺸﺎ إﻟﻰ ﺑﺮاح اﻟﺪﻧﻴﺎ ،واﻟﻠﻪ وﺣﺪه ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺳﻴﺼﻴﺐ«. وﺿﻌﺘﻬﺎ ﺻﻔﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻗﻄﻊ اﻟﺤﺒﻞ اﻟﺴﺮي ﺑﺤﺠﺮي ﺻﻮان ﻻﻣﻌﻴﻦ ﻣﺼﻘﻮﻟﻴﻦ ،ﺗﺤﺖ »ﻣﺎﺟﻮر« ﻟﻠﻌﺠﻴﻦ ﻓﻲ أﺳﻔﻠﻪ ﺛﻘﺐ ،ﻳﺘﺴﺮب ﻣﻨﻪ ﻫﻮاء أﻏﺴﻄﺲ اﻟﻠﻌﻴﻦ ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﺘﻬﺎ اﻟﻨﺴﻮة ﻟﻴﺼﻠﺤﻦ ﺷﺄن اﻷم اﻟﺘﻲ اﻧﺨﺮﻃﺖ ﻓﻲ ﻧﻬﻨﻬﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ،ﻓﻴﻤﺎ اﻟﻨﺴﻮة ﻳﺠﻤﻌﻦ »اﻟﺨﻼص« وﻳﺘﻤﺘﻤﻦ ﺑﻌﺒﺎرات اﻟﻌﺰاء» :أﻫﻲ ﺗﺨﺪم أﺑﻮﻫﺎ ،وﺗﺮاﺿﻲ أﺧﻮﻫﺎ«. ﻛﺎﻧﺖ أم ﻣﺸﻬﻮر ،اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺖ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﻬﺎﻧﺔ واﻟﺴﺤﺮ واﻟﺘﻮﻟﻴﺪ ،ﺗﻤﺴﺢ وﺟﻪ »أم ﺟﺎﺑﺮ« وﻫﻲ ﺗﺪرك اﻟﻤﺄﺳﺎة، ﻓﻘﺮﻳﻨﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﺠﺎور وﺿﻌﺖ ﺛﻼﺛﺔ ذﻛﻮر ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﻦ ﻛﻀﺮﺑﺎت رﺻﺎص ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺷﺎءت اﻟﻤﻘﺎدﻳﺮ أن ﺗﺨﺮج »ﻃﻠﻘﺔ ﺟﺎﺑﺮ« ،وﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻃﻠﻘﺔ »ﻓﺸﻨﻚ« ﻣﺪﻣﻮﻏﺔ ﺑﺎﻷﻧﻮﺛﺔ ،ﻛﻌﺎ ٍر ﻻ ﻣﻔﺮ ﻣﻨﻪ. أﻣﺎ واﻟﺪﻫﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺘﺮث ،ﺻﺪق زوﺟﺘﻪ ﺣﻴﻦ ﺻﺎرﺣﺘﻪ» :اﻟﺒﻄﻦ
88
اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﺳﺠﻦ اﻟﺒﺪن
أﺣﻤﺪ ﻣﺤﺠﻮب
ﺷﺎﻳﻠﺔ ﺑﺖ« ،ﻓﺎﻧﻐﻠﻘﺖ أﺑﻮاب وﺟﻬﻪ ،وﻇﻞ ﻳﺪﻋﻮ ﺑـ»ﻋﻴﺎر ﻛﻼف ﺣﻲ« ﻳﻤﻨﻊ ﻋﻨﻪ »ﻋﺎر اﻷﻧﻮﺛﺔ« .وﻣﺎ إن أﺧﺒﺮه ﺷﻌﺒﺎنّ ، اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ اﻟﻨﻤﺎم ،ﺑﺎﻷﻧﺜﻰ ﺣﺘﻰ ﺗﻐﺒﺮت روﺣﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ »ﻓﺸﻞ اﻟﻄﻠﻘﺔ«. ﺑﺪﻻ وﺣﻴﻦ ﺗﺴﺎءل اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﺳﻢ اﻟﻤﻮﻟﻮدة ﻛﻲ ﻳﻨﺎدوﻧﻬﺎ ﺑﻪ ً ﻣﻦ »اﻟﺴﺨﺎﻣﺔ« ،ﻧﻈﺮ ﻷﻗﺮب ﻣﺠﺎﻟﺴﻴﻪ وﻛﺎن ﻣﻬﻨﺪس اﻟﺮي، ﻓﺴﺄﻟﻪ» :ﻣﺎﺗﻘﻮﻟﻨﺎ اﺳﻢ ﺣﻠﻮ ﻟﻠﻤﻮﻟﻮد؟« ،ﻛﺎن اﻟﻤﻬﻨﺪس ﻋﺎﺋ ًﺪا ﻣﻮﻫﻮ ًﻣﺎ ﺑﺄﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ،ﻗﺎل ﻟﻮاﻟﺪ اﻷﻧﺜﻰ» :اﻧﺘﻮ ﺑﺘﺴﻤﻮا آﻣﻮﻧﺔ ،وده ﻣﺆﻧﺚ ،آﻣﻮن إﻟﻪ ﻋﻈﻴﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻮ وﻟﺪ ﺳﻤﻮه آﻣﻮن«. ﻛﺎد اﻷب أن ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ »آﻣﻮﻧﺔ« ﻟﻜﻨﻪ وﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺨﺠﻞ ﻣﻦ اﻷﻧﻮﺛﺔ ،وأﻣﺎم »أﻓﻨﺪي« ﻗﺪ ﻻ ﻳﺪرك »ﻋﺎر اﻟﻤﺆﻧﺚ« ،ﻗﺎل ﻟﻪ ﺑﺼﻠﻒ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻹﻫﺎﻧﺔ» :ﻧﺴﻮاﻧﺎ ﻣﺎ ﺑﺘﻀﺮﺑﺶ ﻓﺸﻨﻚ«، ﺛﻢ ﻧﺎدى أن ﻳﺴﻤﻰ اﻟﻤﻮﻟﻮد »آﻣﻮن ﺑﺘﺎع اﻟﻔﺮاﻋﻴﻦ« ﻓﻴﻤﺎ اﺑﺘﺴﻢ اﻟﻤﻬﻨﺪس راﺿﻴًﺎ ﺑﺸﺪة ﻋﻦ اﻻﺳﻢ اﻟﺬي ذﻛّﺮه ﺑﺄﺳﺎﻃﻴﺮ اﻷﺳﻼف. ﻳﺤﺐ ﺟﺎﺑﺮ أن ﻳﺤﻜﻲ ﻋﻦ »آﻣﻮن« ،ﻓﺮﻏﻢ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻣﻌﻬﺎ وﻣﻊ زوﺟﻬﺎ )ﻋﻴﺪ ﻣﻌﺒﺪ( ،إﻻ أن ﻟﻤﻌﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﺑﺮ ﺗﺨﺒﺮك ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻞ دﻓﻴﻨﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﺟﻞ وﻗﺮﻳﻨﺘﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء إﻻ اﻟﺬﻛﻮرة. ﻟﻮ ﺟﺪك ﺣﻠﻖ ﺷﻨﺒﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﺷﺒﻪ ﻣﻴﻦ؟ ﺳﺘﻲ آﻣﻮن وﻫﻲ ﻟﻮ ﻟﺒﺴﺖ ﺻﺪﻳﺮي وﻋﺒﺎﻳﺔ وﺷﺎﻟﺖ ﺳﻼح ورﻛﺒﺖ اﻟﻔﺮس؟ ﺗﺒﻘﻰ ﺷﺒﻬﻚ ﺗﻤﺎم أﻫﻲ ﺳﺘﻚ دي ﻃﻮل ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺑﺘﺤﺎرﺑﻨﻲ ﻋﺸﺎن ﺗﺎﺧﺪ اﻟﺸﻨﺐ وﺗﺸﻴﻞ اﻟﺴﻼح وﺗﺮﻛﺐ ﻓﺮس وﺳﻂ اﻟﺮﺟﺎﻟﺔ ،ﻣﺎ ﺗﺒﺼﻠﻬﺎش دﻟﻮﻗﺘﻲ ،دا اﻟﺰﻣﻦ ﺣﻨﺎﻫﺎ ،ﺑﺺ ﻟﻬﺎ زﻣﺎن واﻧﺖ ﺗﻌﺮﻓﻬﺎ ،وﻟﻮ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ ﻛﻮﻳﺲ ﻫﺎﺗﺨﻄﻒ روﺣﻚ ،وﺗﺎﺧﺪ ﺷﻨﺒﻚ وﺗﻤﺴﻚ ﺳﻼﺣﻚ وﺗﺮﻛﺒﻚ ﺣﺼﺎن ﻟﻮ ﻗﺪرت.
زاﻟﺖ ﻣﻮﺟﻮدة ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ﺟﻨ ًﺒﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ اﻟﺒﻘﺎﻻت واﻟﻤﺘﺎﺟﺮ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. وﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ﺑﻞ ﺣﻮل اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ ﺑﺈذن اﻟﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن أﺟﺰاء ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ أراﺿﻲ اﻟﺨﺘﻢ إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ زراﻋﻴﺔ ُﻣﻨﺤﺖ ﻟﻸﻫﺎﻟﻲ ﺑﻬﺪف ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻲ أراﺿﻴﻬﻢ، ﻓﺄﻧﺸﺌﺖ اﻟﻤﺰارع ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد ﺷﻤﺎل اﻟﺨﺘﻢ وﺟﻨﻮﺑﻬﺎ وأﺻﺒﺤﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺰارع ﺗﺸﻜﻞ اﻟﻴﻮم ﺣﺎﺿﺮة زراﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻮاﺿﺮ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻌﺎﻣﺮة. أﻣﺎ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻘﺪ ﺗﺄﺳﺴﺴﺖ ﻓﻲ ﺗﺴﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻳﺤﻜﻲ أﺣﺪ اﻟﺮواة ﻗﺼﺔ ﺑﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻳﻘﻮل » :ﻛﺎن اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﻓﻲ اﺳﺘﻀﺎﻓﺔ أﺣﺪ أﻓﺮاد ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺰﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺄدﺑﺔ ﻏﺪاء ،وﻗﺎل ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺄدﺑﺔ إﻟﻰ أﺣﺪ أﻫﺎﻟﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺘﻢ» :ﻳﺎ ﻓﻼن ،زاﻳﺪ ﺑﻨﻰ ﻟﻨﺎ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻳﻘﺼﺮ« ،ﻓﺼﻤﺖ ﻓﻲ اﻟﺨﺰﻧﺔ« .ﻓﺮد ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ» :اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻣﺎ ّ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،وﺑﻌﺪ ﻳﻮم واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺄدﺑﺔ ،أﻣﺮ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﺒﻨﺎء ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﺨﺘﻢ ،وﻗﺎل ﻟﻪ» :ﻳﺎ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺳﻮف أﺑﻨﻲ ﻟﻜﻢ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻳﺪﻳﺪة ،ﺳﺘﻨﻈﺮون إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع ﺗﺤﺘﻜﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﺪرﻫﻢ« ،ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﻋﻠ ّﻮ وارﺗﻔﺎع ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺑﻨﻴﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،وأﻫﻞ اﻟﺨﺘﻢ ﺣﺎﻟﻴًﺎ ﻳﻘﻴﻤﻮن ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،وﻗﺪ ﺗﺤﻮﻟﺖ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ إﻟﻰ أﻃﻼل ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻻ زال ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻣﺤﺘﻔﻈﻴﻦ ﺑﺒﻴﻮﺗﻬﻢ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﺮﻣﻴﻤﻬﺎ).(16 ﻫﺬه ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،اﻟﺬي أﻛﺮم اﻟﻤﻮاﻃﻦ ورﻓﻊ ﻗﺪره وﺷﺄﻧﻪ ووﻓﺮ ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ ،وﻟﻢ ﻳﺄل ﺟﻬ ًﺪا ﻓﻲ ذﻟﻚ ودون ﺗﻔﺮﻗﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺤﺖ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺗﻮﻃﻴﻦ اﻟﺒﺪو ﻓﻲ ﻣﻮاﻃﻨﻬﻢ اﻷﺻﻠﻴﺔ وﻟﻢ ﻳﻔﺮغ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ أﻫﻠﻬﺎ ،ﻓﻜﺒﺮت اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ وازدﻫﺮت وأﺻﺒﺤﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻴﻮم ﺷﻮاﻫﺪ ﺣﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﻓﻌﺎل زاﻳﺪ وﺳﻴﺎﺳﺘﻪ اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ
درا إ ﺳﺎت ﻣﺎ ر ا ﺗﻴﺔ
.5 .6
.7
.8 .9
.10
.11 .12
*ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات اﻟﻬﻮاﻣﺶ: .1ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻘﻄﺮي اﻟﺨﻴﻠﻲ. .2ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺒﺎرك ﺳﻴﻒ اﻟﻤﻨﺼﻮري. .3ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﻏﻨﻴﻢ ،ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ اﻻﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .14 اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻻﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،دار اﻟﻜﺘﺎب .15 اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ،اﻟﻌﻴﻦ ،دوﻟﺔ اﻻﻣﺎرات ،ط ،2001 ،1ص .103 .4ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻘﻄﺮي اﻟﺨﻴﻠﻲ ،وﺧﺮﻳﻄﺔ ﺗﻮﺿﺢ .16 ﻣﺼﺎدر اﻵﺑﺎر ،ﺑﻠﺪﻳﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ. .13
اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ. وﻳﻦ اﻟﻄﺮوش؟ ،ذﻛﺮﻳﺎت ﺗﺮوﻳﻬﺎ ﺻﺒﺤﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺟﺎﺑﺮ اﻟﺨﻴﻠﻲ ،إﻋﺪاد :ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻨﺰوري ،ﺗﺤﺮﻳﺮ :ﺷﻴﺨﺔ اﻟﺠﺎﺑﺮي، دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،ﻫﻴﺌﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ /ط،1 ،2014ص.20 د .راﺷﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،دﻳﻮان ﺑﻦ وﻗﻴﺶ ) اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ وﻗﻴﺶ اﻟﻈﺎﻫﺮي( ،ﺑﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻻﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ط ،2012 ،1ص.85 84- ﻋﻤﺎن :ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف أﻳﺎم زﻣﺎن. دوﺟﺎت ،ﻓﺮوت ،ﺻﻮاﻟﻴﻦ ،ﺟﻤﻊ اﻟﻤﻔﺮد دوج ،ﻓﺮت ،ﺻﺎﻟﻮن وﻫﻲ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺴﻴﺎرات اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن. ﻋﻴﺎش ﻳﺤﻴﺎوي ،اﻟﺸﺠﺮة :اﻟﺤﻀﻮر واﻟﺘﺼﻮرات ،دراﺳﺔ ﻣﻴﺪاﻧﻴﺔ ﺗﻮﺛﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺮاث أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﻫﻴﺌﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺘﺮاث ،ط.159 ،2009 ،1 اﻟﺴﻴﺪ :اﻟﺸﺎرع أو اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻫﺰع ﻣﺮﺧﺎن :اﻟﻬﺰع ﻫﻮ اﻟﻤﺮﺗﻔﻊ اﻟﺮﻣﻠﻲ .وﻣﺮﺧﺎن اﺳﻢ أﺣﺪ اﻷﺷﺨﺎص وﻳﺪﻋﻲ ﻣﺮﺧﺎن وﻗﺪ ﺳﻤﻲ ﻫﺬا اﻟﻬﺰع ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻓﺄﺿﻴﻒ إﻟﻴﻪ وﻫﻮ ﻣﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ أﺑﻮﻇﺒﻲ – اﻟﻌﻴﻦ وﻳﻠﻲ ﻏﺎﻓﺔ دﻫﺎن. أﻋﺬب اﻷﻟﻔﺎظ ﻓﻲ ذاﻛﺮ اﻟﺤﻔﺎظ ،ﺟﻤﻊ وﺗﺤﻘﻴﻖ :ﺣﻤﺎد اﻟﺨﺎﻃﺮي ،ط ،2002 ،1ج.3 اﻟﻜﻨﺪي ﺑﻦ ﻣﺼﺒﺢ اﻟﻜﻨﺪي وآﺧﺮون ،دﻳﻮان ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺞ ،ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ط ،1999 ،1ص.40 ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻘﻄﺮي اﻟﺨﻴﻠﻲ ،ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ. اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
87
دراﺳﺎت إﻣﺎراﺗﻴﺔ وﻓﻲ ﺻﻮرة ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﻤﺘﺪة ،ﻳُﻮرد اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺑﻠﻴﺪ اﻟﻤﺮر اﻟﺨﺘﻢ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة ﻳﺪﻋﻮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﻨﻌﺪم ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺮاﻋﻲ وﺗﺼﺒﺢ أرﺿً ﺎ ﻗﻔﺮة ﻻ ﺗﻬﺒﻂ ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ اﻷﻣﻄﺎر وﻳﻬﺠﺮﻫﺎ اﻟﺒﺪو .ﻟﻨﻜﺘﺸﻒ أن ﺳﺒﺐ ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻫﻮ ﻏﻴﺮة اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺘﻢ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺸﻬﻮرة ﺑﻜﺜﺮة اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت واﻟﻤﺮاﻋﻲ .ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ذﻟﻚ):(13 ﻳﻌﻞ اﻟﺨﺘﻢ ﻳﻨﻌﺪم ﻫــــﺮﻣﻪ وﻣﻜﺮاﻳـــــﻪ ﻳﺎزم ﻣـﺤﻞ ﻣﺎ ﺗﺸ ّﺘﻲ ﻓﻴﻪ ﺑـﺪواﻧﻲ اﻧﺸﺪ ﻋﻦ اﻟﺒﺪو ﻋﺎد ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺒــﺪو ﺣﺎﻳﻪ إﻻّ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺷﺪْ ﻩ ﻗﻠﺒﻲ وﻋـــ ّﻨﺎﻧﻲ وذﻛﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺞ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ اﻟﺨﺘﻢ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻪ ﻓﻘﺎل):(14 واﻣـــــﻄﺮت ْ وﻳﺎ ﻣﺎ ﺣــﻼ ﻟﻲ ﻣ ْﻨﻪ ﻫﻠّﺖ اﻟﺠﺪح ﻓﻲ ارﻛﻮدﻫﺎ واﺻﺒﺢ ﺑﻬﺎ ﻗﻮس ْ ﺗﺴــــﻘﻲ ﺑﻨﺎدرﻫـــﺎ وﺗـــــﺴﻘﻲ ﻏﺒﻴﺒﻬﺎ واﻟﺒﺪو ﺗﺼﺒﺢ ﺗﺸﺮب اﻟﻐﺪر ذودﻫـﺎ اﻟﺨــــﺘﻢ ﺗﺴﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﻈﻔﺮه إﻟﻰ ﺳﺎﺣﻞ ْ ﻋﻠﻰ ﺑﻮﻇﺒﻲ ودﺑﻲ رﺑّﻲ ﻳــﻘﻮدﻫـــﺎ اﻟﺨﺘﻢ ﻓﻲ رؤﻳﺔ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن
ﻣﻊ ﺗﻮﻟﻲ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ -ﺑﺈذن اﻟﻠﻪ -اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ ﺣﻜﻢ إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻋﺎم 1966م ،ﺑﺪأ -رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ-
ﻫﺬه ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن رﺣﻤﻪ ا ،nاﻟﺬي أﻛﺮم اﻟﻤﻮاﻃﻦ ورﻓﻊ ﻗﺪره وﺷﺄﻧﻪ ووﻓﺮ ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻬﺪا ﻓﻲ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ ،وﻟﻢ ﻳﺄل ً ذﻟﻚ ودون ﺗﻔﺮﻗﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺤﺖ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ رﺣﻤﻪ ا nﻓﻲ ﺗﻮﻃﻴﻦ اﻟﺒﺪو ﻓﻲ ﻣﻮاﻃﻨﻬﻢ ا)ﺻﻠﻴﺔ
86
اﻟﺨﺘﻢ ..ﺑﻮاﺑﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ
ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ ﺧﻄﻂ اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻹداري واﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ واﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ رؤﻳﺘﻪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﻫﻲ ﺗﻮﻃﻴﻦ اﻟﺒﺪو ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺗﻮاﺟﺪﻫﻢ اﻷﺻﻠﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﺰع اﻷرض ﻣﻦ أﻫﻠﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻳﻈﻞ أﻫﻠﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ وﻧﻘﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺨﺪﻣﺎت إﻟﻴﻬﻢ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻇﻬﺮت ﻓﻜﺮة إﻧﺸﺎء اﻟﻘﺮى واﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻌﻴﻦ. ﻇﻬﺮت ﻓﻲ اﻟﺨﺘﻢ أول ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺳﻜﻨﻴﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻓﻲ أواﺋﻞ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻤﻰ ﺷﻌﺒﻴﺔ اﻟﺸﺒﻴﺼﻲ ،ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺒﻴﺼﻲ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺟﻨﻮب اﻟﺨﺘﻢ .وﻳﻘﻮل أﺣﺪ اﻟﺮواة ﻋﻦ ﺑﺪاﻳﺎت ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ «:ﻧﻔﺬت ﻟﻨﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺳﻜﻨﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﺟﺪﻳ ًﺪا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ،ﻓﻜﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺮ ﻣﻊ ﺣﻼﻟﻨﺎ ،واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أﺻ ّﺮت ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺴﻜﻨﻰ اﻟﺒﻴﻮت ،ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ وﺿﻌﻨﺎ ﺑﻌﺾ أﻏﺮاﺿﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻮت وذﻫﺒﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺼﺎدر اﻟﺒﻴﺖ ﻋ ّﻨﺎ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺞ ﺗﻌ ّﻮدﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﻮت ،وﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة أﻗﻤﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ وﺗﺮﻛﻨﺎ ﺣﻴﺎة اﻟﺼﺤﺮاء ،إﻻ ﻓﻲ وﻗﺖ اﻟﺸﺘﺎء ووﻗﺖ اﻹﺟﺎزات ﻛﻨﺎ ﻧﻈﻬﺮ ﻟﻠﺒﺮ«).(15 وﻗﺪ ﺻﺎﺣﺐ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﺴﻜﻨﻴﺔ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ﻟﻠﺨﺪﻣﺎت اﻟﻤﺮاﻓﻘﺔ ﻛﺎﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ واﻟﺼﺤﻴﺔ واﻷﺳﻮاق وﻏﻴﺮﻫﺎ ،ﻓﻈﻬﺮت أول ﻣﺪرﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﺘﻢ وﺗﺤﻮﻟﺖ اﻟﻴﻮم إﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﺘﻢ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻜﺒﺎر ،وأﻟﺤﻖ ﺑﻬﺎ ﺳﻜﻦ ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ واﻟﻤﻌﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺟﻠﺒﺘﻬﻢ ﺣﻜﻮﻣﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻻ زاﻟﺖ آﺛﺎر ﻫﺬا اﻟﺒﻨﺎﻳﺎت ﺻﺎﻣﺪة ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ،ﺗﺨﺘﺰل ﺣﻜﻤﺔ ورؤﻳﺔ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﻓﻲ ﻧﺸﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس وﺗﺬﻟﻴﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﻘﺒﺎت أﻣﺎم ذﻟﻚ .ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮت أول ﻋﻴﺎدة ﻃﺒﻴﺔ وأول ﻣﺠﻤﻊ ﺗﺠﺎري وﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻛﺎﻛﻴﻦ ﻻ
ﻗﺎﺋﻼ: إﻻ أن اﻻﺑﻦ رد ﻋﻠﻴﻪ ً ﻳﺎ ﺑﻮي ﺷﻮف اﻟﺒﺪو ﻳﺒﺮي اﻟﻬﺎﻳﺲ وﻏﺰﻻﻧﻬﻢ ﺗﺰﻫﻲ ﺑﻐﻴﺮ ﻟﺒﺎﻳﺲ وﻳﻜﺮﻣﻮﻧﻚ واﻟﻘـــــــﻠﻮب ﻧﻔﺎﻳﺲ وﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﻃﻠﻘﺔ ﺑﻼ ﺣــــﺎﻳﺶ
ﻣﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺘﻢ
أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﻌﻴﻦ ،ﻳﺼﻒ ﻓﻴﻬﺎ »ﻏﺎﻓﺔ دﻫﺎن« ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺘﻢ ﻧﺒﻜﻲ وﻟﻊ وﻧْﺠ ّﺮ ﺑﺄﻟﺤــــﺎن اﻟﺘﻲ ﻛﺎت ﻣﺤﻄﺔ ﻇﻞ واﺳﺘﺮاﺣﺔ ﻟﻘﻮم أﺣﺒﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ »ﻫﺰع وﻳﻼه ﻣﻦ ﻓﺮق اﻟﻤﻀــــــﺎﻧﻴﻦ ﻣﺮﺧﺎن« ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻵﺑﺎر اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء اﻟﺨﺘﻢ ،ﻳﻘﻮل ﻓﻲ اﻣﺴﺖ ﻣﻨﺎزﻟــﻬﻢ واﻷوﻃﺎن ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ):(7 ﻗﻔﺮه ﻋﻘﺐ ﻣــﺎ ﺳﺎﻓﺮ اﻟﺰﻳﻦ ﺷﻠّـــﻮ ﻇﻌ ْﻨﻬﻢ ﻳﺒﻐﻲ ﻋــﻤـﺎن ﺑ ْﻨﺰورﻫﻢ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺳﻤـــﺤﺎن وﺗْـــــﻮﻛّﻠﻮ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣــــــــﺠﻔّﻴﻦ)(8 ﺣﺘﻰ ﺑـــﻜﻞ اﺳﺒﻮع ﻳــﻮﻣﻴﻦ ﺗـــﻮﻛﻠّﻮا وﻗــﺖ اﻟﻤــــــﺴ ّﻴﺎن اﻟﻤﺮر ﻳﺪﻋﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺘﻢ! »دوﺟﺎت«و»ﻓﺮوت«و«ﺻــﻮاﻟﻴﻦ«)(9 و«اﻟﺠﻴﺐ« ﻳﻠّﻲ ﻣــﺎ ﻟﻪ أﺛﻤﺎن ر ّوح ﻣـــــــــﺴــــﻮ ّم رﻳــــــﺎﻋﻴﻦ ﻣ ّﺮوا ﻋﺼﻴﺮ »ﺑﻐـــﺎﻓﺔ ادﻫﺎن« ﻫـــــﻢ ﻋﺠﻠﻴﻦ )(10 وﺗْﺮ ّﻳﺤ ْﻮ ﻟـــﻮ ْ رﻛْﺒ ْﻮا وﺳ ّﻮى اﻟﺠـــﻮ دﺧّــــﺎن واﻟﺴــــﻮاق ﻃــــﺮﺑﻴﻦ)(11 ﺑﺎﻟﺴﻴﺪ ّ ﻣﺎ وﻗّﻔﻮا ﻓﻲ » ﻫﺰع ﻣـﺮﺧﺎن« ﻫﻠﻬﻦ ﻣــــــﻦ اﻟﻤﺼﻨﻊ ﻣﻨ ّﺠﻴﻦ)(12 واﻟﺰﻳﻦ ﻣﺴﺘﺎﻧﺲ وﻃﺮﺑــــــﺎن ﻳﻤﺸﻲ دﻟــــــﻊ وﻣــــﻜ ّﺤﻞ اﻟﻌﻴﻦ اﻣﺴﻰ وﻗﺎم اﻟﺼـﺒﺢ ﻓﺮﺣــــﺎن وﺑــــﺠﺎﻧﺒﻪ ﺟـــــﻤﻊ اﻟﻤـــــــﺰاﻳﻴﻦ ﻳﻜﺮﻣﻮﻧﻚ واﻟﻘﻠﻮب ﻧﻔﺎﻳﺲ ﺗْﻮادﻋ ْﻮا ﺣـﻴﻦ اﻟﻔــﺠﺮ ﺑـــــﺎن وﺗــ ْـﻔ ّﺮﻗ ْﻮا ﺑﻴـــﻦ اﻟﺒــــﻼدﻳـــــــــﻦ ﻟﻴﻼ وﻗﻤﺮﻫﺎ، ﻋﺸﻖ اﻟﺒﺪوي ﺻﺤﺮاءه ﺑﻜﺜﺒﺎﻧﻬﺎ وﻣﺮاﻋﻴﻬﺎ وﺑﻨﺠﻮﻣﻬﺎ ً وﺗْﻨﺎوﻟ ْﻮا ﻣـﻦ ﻛـﻞ ﺑﺴﺘـــــــﺎن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﺬﻣﺮ ﻣﻦ ﺳﻜﻨﻰ اﻟﺼﺤﺮاء؛ ﻓﻬﻮ اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺬي ُﺟﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ ﺷﻘﺎﺋﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮاه ﺷﻘﺎ ًء ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﻬﺎ. اﻟــﻘﻴﻆ واﻟﻬﻤﺒـــــــﺎ ﻣــــﻊ اﻟﺘﻴﻦ وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ﻳﺮوي أﺣﺪ اﻟﺮواة ﻗﺼﺔ ﺷﻔﻬﻴﺔ ﺗﺘﺪاوﻟﻬﺎ اﻷﻟﺴﻨﺔ، واﻧﺎ ﻋﻘﺒﻬﻢ ﺻــﺮت وﻟﻬـــــﺎن رﺟﻼ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺤﻀﺮ وأﻧﺠﺒﺖ ﻣﻨﻪ ﻣﻠﺨﺼﻬﺎ أن إﺣﺪى اﻟﻨﺴﺎء ﺗﺰوﺟﺖ ً واﻟﻠّﻲ ﺑﻌـﺪ ﺣــــﻮﻟﻲ ﻣﻘﻴﻤﻴﻦ وﻟ ًﺪا ،ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻤﻞ اﻟﺰوج ﻣﺸﺎق اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻌﺎد إﻟﻰ دﻳﺎره ،وذات ﻳﻮم ﻃﻠﺐ ﻗﺎﺋﻼ: ﻣﻦ اﺑﻨﻪ أن ﻳﻘﻀﻲ اﻟﻌﻴﺪ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ،وﺟﺎء اﻻﺑﻦ ﻓﺄﻧﺸﺪ اﻷب ً ﻳﺎ زﻳﻦ ﻋﻴﺪ اﻟﺤﻀﺮ ﻳﻮم ﻳﻌـــــﻴﺪ ﻏﺰﻻﻧﻬﻢ ﺗﺸﺒﻪ ﻣﻬﻮر اﻟﺴﻴﺪ وﻣﺮﻓﻮق ﻣﺎ ﺳﺎر ﻋﻨﺪ اﻟﺮﻛﺎب ﻳﻘﻴﺪ
درا إ ﺳﺎت ﻣﺎ ر اﺗﻴﺔ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
85
دراﺳﺎت إﻣﺎراﺗﻴﺔ ﺗﺘﺼﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻘﻬﺎ اﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺔ ﺑﻤﺴﺘﻮى اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ اﻟﻤﺎﻟﺤﺔ ﻧﻤﻞ ،ﺑﻮ ﻧﻐﺎﻟﺔ ،ﺑﺪع ﺳﺤﻤﻲ. اﻟﻤﺨﺘﻠﻄﺔ ﺑﻤﺎء اﻟﺒﺤﺮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺴﺮب ،وﺗﺘﺼﻞ ﺳﻠﺴﻠﺔ وﻳُﻼﺣﻆ ﻣﻦ أﺳﻤﺎء اﻵﺑﺎر اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﺑﻴﻦ أﺳﻤﺎء أﺷﺨﺎص ﺳﺒﺨﺎت اﻟﺨﺘﻢ ﺑﺴﺒﺨﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﻬﻢ ،وأﺳﻤﺎء ﺣﻴﻮاﻧﺎت ﻛﺒﺪع اﻟﻌﻨﺰ وﺑﺎﻟﻀﺒﺎ وﻏﻴﺮﻫﺎ. وﺗﺘﻤﻴﺰ ﻓﻲ ﻣﻈﻬﺮﻫﺎ اﻟﻌﺎم ﺑﻐﻄﺎﺋﻬﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻲ اﻟﻤﺘﺸﻜﻞ ﻣﻦ أﻣﻼح ذاﺋﺒﺔ ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ واﻟﺨﺸﻨﺔ ،ﺗﺴﺘﻨﺪ ﻓﻮق ﻗﺎﻋﺪة أم اﻟﺒﻨﺎدق وﺑﻮذﻳﺐ ﻣﻦ أﻋﺬب ﺗﻠﻚ ا{ﺑﺎر ﻃﻴﻨﻴﺔ ﻣﻮﺣﻠﺔ. ﺗﺬﻛﺮ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺸﻔﻬﻴﺔ ﺑﻌﺾ اﻵﺑﺎر اﻟﺸﻬﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺨﺘﻢ ﻟﻤﻴﺰة وﻧﻈ ًﺮا ﻻرﺗﻔﺎح اﻷﻣﻼح اﻟﺬاﺋﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﺎت ﺗﺮﺑﺘﻬﺎ وﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ أو ﻣﻴﺰات اﺧﺘﺼﺖ ﺑﻬﺎ ،ﻣﻦ أﻫﻤﻬﺎ ﺑﺌﺮ أم اﻟﺒﻨﺎدق ،اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻼﺳﺘﻐﻼل اﻟﺰراﻋﻲ وﻻ ﺗﻨﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ إﻻ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت ﻣﻨﻄﻘﺘﻬﺎ ﺑﻤﻨﺎخ ﻣﻌﺘﺪل ،وﺑﻬﺎ ﻋﺮاﻗﻴﺐ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ وأرﺿﻬﺎ اﻟﻌﺸﺒﻴﺔ واﻟﻄﺤﺎﻟﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻤﻞ اﻟﻤﻠﻮﺣﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻬﺮم واﻟﺸﻠﻴﻞ رﻣﻠﻴﺔ ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻣﺎؤﻫﺎ ﻟﻠﺸﺮب ،وﻓﻴﻬﺎ ﺑﺌﺮ أﺧﺮى ﻣﺎﻟﺤﺔ واﻷﺛﻞ واﻟﺴﻌﺪ).(3 ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻣﺎؤﻫﺎ ﻟﻠﺪواب واﻟﻄﺒﺦ واﻟﻐﺴﻴﻞ ،أي ﻣﺮوى ﻟﻠﻘﺒﺎﺋﻞ، ﻛﻤﺎ ﻋﻤﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ أﻫﺎﻟﻲ اﻟﺨﺘﻢ ﻓﻲ اﻟﻐﻮص ،وﺑﻌﻀﻬﻢ اﺗﺠﻪ إﻟﻰ وﻓﻴﻬﺎ أﻳﻀً ﺎ ﺷﺠﺮة ﻏﺎﻓﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ »ﻋﻮد اﻟﻌﺶ« ﻳﻘﻴﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ وﻏﻴﺮﻫﺎ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ راﻓﻖ اﻟﺸﻴﻮخ. ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻟﻐﻨﻢ ،وﻳﺤﺘﻤﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﺮﻋﺎة ﻣﻦ ﺣﺮارة اﻟﺸﻤﺲ).(6 وﻣﻦ اﻵﺑﺎر اﻟﻬﺎﻣﺔ اﻷﺧﺮى ﺑﺌﺮ »ﺑﻮذﻳﺐ« ﻋﺬب اﻟﻤﻴﺎه ،وﻗﺪ ﺳﻜﻨﺖ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ واﻟﻨﺎس ،واﺳﺘﻤﺪت ﺑﻮذﻳﺐ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ آﺑﺎر اﻟﻤﺎء ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﻀﺎرة اﻟﻤﻜﺎن ﺗﻤﻴﺰت ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺘﻢ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺑﺎﻧﺘﺸﺎر آﺑﺎر اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ رؤﻳﺔ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﺬي أﻧﺤﺎء ﺑﺎدﻳﺘﻬﺎ اﻷرﺑﻊ ،وﻫﻲ أﺳﺎس ﺣﻀﺎرة اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﻷن اﻟﺴﻜﺎن ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ إﻟﻰ أﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ ،ﺗﺸﻬﺪ ﺳﻨﻮﻳًﺎ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ ،اﻟﻤﻬﺘﻢ ﺑﺠﻤﻴﻊ اﻟﺮﻳﺎﺿﺎت اﻧﺘﺸﺮوا ﺣﻮﻟﻬﺎ وﻋﻤﺮوا اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ. ﻛﻌﺎدة اﻟﺒﺪو ﻓﻲ إﻃﻼق أﺳﻤﺎء ﻋﻠﻰ آﺑﺎر اﻟﻤﻴﺎه ،ﺣﻤﻠﺖ ﻛﻞ ﺑﺌﺮ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﺨﻴﻞ ،وﻫﻮ أﺣﺪ أﻫﻢ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ. اﺳ ًﻤﺎ ،ﻓﻤﻦ ﻋﺎدات اﻟﺒﺪو ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ إذا ﺣﻔﺮوا ﺑﺌ ًﺮا ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﺣﻔﺮوﻫﺎ ﻹﻃﻼق اﺳﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻣﻌﻠ ًﻤﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ﻳﺘﻐﻨﻮن ﺑﺎﻟﺨﺘﻢ ﻳﺠﺘﺬب أﻫﻞ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻟﻠﺴﻜﻦ أو ﻟﻠﺸﺮب ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺌﺮ ﺗﺤﻤﻞ اﺳﻢ وردت اﻟﺨﺘﻢ وﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﻌﺮاء، ﻣﻦ ﺣﻔﺮﻫﺎ أو اﺳﻢ ﻋﻨﺼﺮ ﺧﺎرﺟﻲ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻛﺎﺳﻢ ﺷﺠﺮة أو وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮع وﺻﻒ رﺣﻠﺔ اﻻﺻﻄﻴﺎف اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻣﺎدة ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،أو اﺳﻢ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺗﺴﻜﻦ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ ،إﻟﻰ اﻟﻌﻴﻦ ،ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﺘﻢ ﻣﺤﻄﺔ اﺳﺘﺮاﺣﺔ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ أو ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن ﻧﻔﺴﻪ . . .وﻫﻜﺬا ،وﻣﻦ أﻫﻢ آﺑﺎر اﻟﻤﺎء اﻟﻘﻮاﻓﻞ. اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء اﻟﺨﺘﻢ: ﻣﻦ أﺑﺮز ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ،ﻗﺼﻴﺪة )رﺣﻠﺔ اﻻﺻﻄﻴﺎف( ،ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ آﺑﺎر ﺷﻤﺎل اﻟﺨﺘﻢ):(4 ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ وﻗﻴﺶ اﻟﻈﺎﻫﺮي اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﻬﺎ ﻋﺎم 1959م ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﺣﻤﻴﺮﻳﺮ :ﻳﻘﻊ ﻏﺮب اﻟﺨﺘﻢ ﻳﺴﻜﻨﻪ ﺣﻴﺎة ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﻨﺎﺧﺮ ﻣﺴﺆوﻻً ﻋﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺷﺮﻃﺔ ﺟﺴﺮ اﻟﻤﻘﻄﻊ. اﻟﺨﻴﻠﻲ ،وﺻﻐﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﻘﻄﺎﻣﻲ اﻟﻤﺮر ،ﺑﻮذﻳﺐ :ﻳﺴﻜﻨﻪ ﺑﺨﻴﺖ ﺗﺪور اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺣﻮل رﺣﻠﺔ اﺻﻄﻴﺎف ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺑﻦ ﻣﻄﺮ ﺑﻦ ﻫﻮاش ،ﻃ ّﺒﻮن :ﻳﺴﻜﻨﻪ ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ ﺑﺼﺎﻟﺔ، ﺑﻦ ﺣﻤﺪ وﺟﻤﻌﺔ ﺑﻦ اﻟﻮري ،ﺑﺪع ﺳﻌﻴﺪ ،ﺑﻮ ّ ﺑﻮﺻﻴﻨﻴﺔ :ﻳﺴﻜﻨﻪ ﺣﻴﺎة ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻫﻮاش اﻟﺨﻴﻠﻲ، ﺑﺪع ﻋﻠﻲ ،دﻫﺎن ،ﺑﻮ ذﻳﺐ ،ﺑﺪع ﻣﺮﺧﺎن ،اﻟﺤﻠﻮى، ﺟﻤﺠﻴﻢ ،أﺑﻮ ﻣﺮداه ،أم ﻋﻮد ،ﺑﺮﻣﺎ ،راﺑﻴﺔ. آﺑﺎر ﺟﻨﻮب اﻟﺨﺘﻢ)(5 اﻟﺸﺒﻴﺼــﻲ ،ﺑﺪع اﻟﻌﻮاﻣﺮ ،ﺑﺤﻴﺮان ،أم اﻟﻘــﺮد ،ﻋﻮد اﻟﻬﻮى ،ﺷﺮﻗﺎن ،ﺑﻮﺳﺒﻂ ،اﻟﻤﻘﺎﻳﻞ ،أم اﻟﺒﻨﺎدق ،ﺑﺪع ﻣﺴﻔﺮ ،اﻟﺠﺘﻴﻪ ،ﺑﺎﻟﻀﺒﺎ ،ﺑﺪع ﻋﻘﺎل ،ﺑﺪع ﺧﻠﻔﺎن ،ﺑﺪع ﺟﺮش ،ﺑﺪع ﺣﺎرب ،ﺑﻞ ﻛﻼب ،دﻫﺎن ،اﻟﺼﻼل ،ﺧﺜﺮق، ﺑﻮ ﻳﻮاﺑﻲ ،ﺑﺪع اﻟﻌﻨﺰ ،ﻋﻮد اﻟﻬﻮا ،ﺑﺪع اﻟﻌﻮاﻣﺮ ،ﺑﻦ
84
اﻟﺨﺘﻢ ..ﺑﻮاﺑﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ
ﺻﺤﺮاء اﻟﺨﺘﻢ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺘﻢ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻴﻮم ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺻﺤﺮاء اﻟﺨﺘﻢ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻤﻞ اﻟﺠﺰء اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻣﻦ ﺻﺤﺮاء أﺑﻮﻇﺒﻲ) ،اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻈﻔﺮة( ،وﺗﻀﻢ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻴﻦ أﺑﻮﻇﺒﻲ واﻟﻌﻴﻦ ،وﻫﻲ ورﻣﺎح واﻟﺴﺎد. اﻟﺨﺘ َﻢ واﻟﺨﺰﻧ َﺔ َ ﺗﻘﻊ اﻟﺨﺘﻢ ﺿﻤﻦ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻐﺮاﻓ ًﻴﺎ »اﻟﻈﻔﺮة« ،وﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻫﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻛﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺮق ﻣﻦ »ﺳﺒﺨﺔ ﻣﻄﻲ« ﺑﻴﻦ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل وﺑﻴﻦ اﻟﺮﺑﻊ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ،وﺗﻀﻢ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت ﻋﺪة ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺤﺪودة وﻫﻲ »اﻟﻄﻒ« ،و»اﻟﺨﺘﻢ« ،و»ﺑﻴﻨﻮﻧﺔ« ،و»اﻟﺮﻣﻠﺔ اﻟﻄﻒ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب ،ﻟﺬﻟﻚ ﻋﺎدة ﻣﺎ اﻟﺤﻤﺮاء« ،وﺗﺠﺎور اﻟﺨﺘ ُﻢ ﱠ ﺗﺬﻛﺮان ﻣﺘﺠﺎورﺗﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺸﻔﻬﻴﺔ ﺧﻼل اﻟﺼﻴﻒ؛ ﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﺗﺮﺑﺘﻬﺎ ووﺟﻮد اﻷﺷﺠﺎر اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ واﻟﻤﺮاﻋﻲ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ أراﺿﻲ اﻟﻄﻒ ﻣﺴﺘﻨﻘﻌﺎت وﺳﺒﺨﺎت ورﻣﺎﻟﻬﺎ أﻣﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﻠﻮن اﻷﺑﻴﺾ وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻨﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ أﺷﺠﺎر، ﻓﻔﻀﻞ اﻟﺒﺪو اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ أﻳﺎم اﻟﺸﺘﺎء ﻟﻠﻄﺎﻓﺔ ﺟﻮﻫﺎ).(1 ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﺨﺘﻢ
اﺳﺘﻮﻃﻨﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺘﻢ ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻨﻘﻠﻮن ﺑﻴﻦ ﻣﺮاﻋﻴﻬﺎ وآﺑﺎرﻫﺎ ،ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻗﺒﻴﻠﺔ آل ﺑﺎﻟﺨﻴﻞ ﺑﻔﺮوﻋﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺎﻟﻬﻮاوﺷﺔ واﻟﻜﻼﺛﻤﺔ واﻟﻘﻄﺎرة ،وﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻤﻨﺎﺻﻴﺮ ﻛﺒﻦ دﻟﻴﻮي واﻟﻤﻄﺎوﻋﺔ واﻟﻘﻄﺎﻣﻲ وﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﻮاﻣﺮ واﻟﺮﻣﻴﺜﺎت)،(2 وﻳﺸﻜﻠﻮن ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﻘﺒﻠﻲ ﻟﺒﺎدﻳﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ. ﻣﻬﻦ أﻫﻞ اﻟﺨﺘﻢ
ﺗﺸﺒﻪ ﻣﻬﻦ أﻫﻞ اﻟﺨﺘﻢ ﻣﻬ َﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻓﻲ اﻻﻣﺎرات ﺳﺎﺑﻘًﺎ ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻜﺪون اﻟﺼﺨﺎم واﻟﺜﻤﺎم وﻳﺒﻴﻌﻮﻧﻪ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،أو ﻳﺒﻴﻌﻮن اﻟﻤﻠﺢ ﻓﻲ أﺳﻮاق اﻟﻌﻴﻦ وأﺑﻮﻇﺒﻲ. وﻗﺪ راﺟﺖ ﻓﻲ اﻟﺨﺘﻢ ﺗﺠﺎرة اﻟﻤﻠﺢ، ﻧﻈ ًﺮا ﻻﻧﺘﺸﺎر اﻟﺴﺒﺨﺎت ﻓﻲ أراﺿﻴﻬﺎ، ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺜﺒﺎن اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ، ﻣﺸﻜﻠﺔ أﺣﻮاﺿً ﺎ ﻣﺴﺘﻄﻴﻠﺔ ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
8383
دراﺳﺎت إﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻛﺄس اﻟﻘﺪرة ﻓﻲ ﺑﻮذﻳﺐ
ﻣﺤﻄﺔ ﻋﺒﻮر اﻟﻘﻮاﻓﻞ
درا إ ﺳﺎت ﻣﺎ راﺗﻴﺔ
اﻟﺨﺘﻢ..ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻮاﺑﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮري@
ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺨﺘﻢ أﻫﻤﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ؛ ﻓﻬﻲ ﺗﻀﻢ ﺑﻴﻦ ﺛﻨﺎﻳﺎ رﻣﺎﻟﻬﺎ وﺗﺤﺖ ﻇﻼل أﺷﺠﺎرﻫﺎ ﺣﻜﺎﻳﺎت ورواﻳﺎت ﺗﺨﺘﺰل ﺟﺰ ًءا ﻣﻬ ًﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻷﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤ ًﺮا ﻟﻌﺒﻮر ﻗﻮاﻓﻞ اﻹﺑﻞ واﻟﻤﻜﺎري اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﺑﻴﻦ أﺑﻮﻇﺒﻲ واﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺷﺎﻗﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻈﺮوف اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﺗﺒﺪأ رﺣﻼﺗﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺼﻴﻒ ﺣﺎﻣﻠًﺔ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر إﺑﻠﻬﺎ ﻣﺘﺠﻬﺔ ﺑﻬﻢ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻘﻴﻆ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻮﻓﺮ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ واﻷﻓﻼج وﺑﺴﺎﺗﻴﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ واﻟﻤﺎﻧﺠﻮ ،ﻓﺎﻟﺨﺘﻢ إذًا ﺑﻮاﺑﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺸﺮق وﻣﻔﺘﺎح ﻋﺒﻮرﻫﺎ إﻟﻰ ﻫﻨﺎك.
ﺗﻘﻒ »اﻟﺨﺘﻢ« ﺷﺎﻣﺨﺔ ﻛﺸﺎﻫﺪ ﺣﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺮاﻗﺔ ﻣﺎﺿﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ وأﺻﺎﻟﺘﻪ ،وﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮر ﺣﺎﺿﺮﻫﺎ اﻟﻤﺰدﻫﺮ .وﻳﻜﺎد ﻧﺎﻇﺎرﻫﺎ ﻳﺘﻨﺴﻢ ﺑﻴﻦ ﻃﺮﻗﺎﺗﻬﺎ ﻋﺒﻖ اﻟﻤﺎﺿﻲ وﻳﻠﻤﺲ أﺻﺎﻟﺔ اﻟﻨﺎس. وﺑﻴﻮﺗﻬﺎ َ ﺗﻘﻊ اﻟﺨﺘﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﺑﻴﻦ أﺑﻮﻇﺒﻲ واﻟﻌﻴﻦ ،ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻷوﻟﻰ 80ﻛﻢ ،وﻋﻦ اﻷﺧﻴﺮة 75ﻛﻢ ،وﻫﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺘﻘﺎء وﺗﻮﺳﻂ، اﻟﺨﺘﻢ ﻟﻠﻤﻘﻴﻆ واﻟﻄﻒ ﻟﻠﺸﺘﺎء ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺘﻨﻮع ﺑﻨﻴﺎﻧﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﻮت واﻟﻤﺘﺎﺟﺮ ،واﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،وﺗُﺸﺘﻬﺮ ﺑﺎﻧﺘﺸﺎر ﺗﻀﻢ اﻟﺨﺘﻢ ﺑﻴﻦ رﻣﺎﻟﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳ َﺪ ﻣﻦ آﺑﺎر اﻟﻤﻴﺎه واﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ، اﻟﻐﺎﺑﺎت وﻣﺰارع اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻟﻬﺎ وﺟﻨﻮﺑﻬﺎ .وﺗﺮوي اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺸﻔﻬﻴﺔ أن ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﺗﻔﻀﻴﻞ اﻟﺒﺪو ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻟﻺﻗﺎﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ 82
اﻟﺨﺘﻢ ..ﺑﻮاﺑﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ
واﻟﻠﺆﻟﻮء؛ وﻗﺪ اﻋﺘﺒﺮت اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺟﺰءا ﻻ »ﺗﺎﻟﺒﻮت« ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻮﻣﺔ اﻟﻬﻨﺪ ﻋﻘﺪ اﺗﻔﺎﻗﻴﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻊ ﻳﺘﺠﺰأ ﻣﻦ إﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺘﻬﺎ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ اﻧﺪﻻع اﻟﺸﻴﻮخ ﻋﺮﻓﺖ ﺑﺎﺳﻢ »اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎت اﻟﻤﺎﻧﻌﺔ« .واﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﻟﺒﺪء ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﺑﻴﻦ اﻷﺳﻄﻮل اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ وأﺳﻄﻮل ﻓﻲ ﺗﻮﻗﻴﻌﻬﺎ ﻓﻌﻠﻴﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ،1892وأﺟﺒﺮت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻜﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮاﺳﻢ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﻗﻮات ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ،اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ ﻋﻘﺪ أﻳﺔ اﺗﻔﺎﻗﻴﺎت أو إﻗﺎﻣﺔ ﻋﻼﻗﺎت ﻣﻊ أي دوﻟﺔ وﻛﺬﻟﻚ اﺷﺘﻌﺎل اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻧﺰاﻋﺎﺗﻬﺎ أﺟﻨﺒﻴﺔ ﺳﻮى ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ،واﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﺳﺘﻘﺒﺎل وﻛﻼء ﻣﻘﻴﻤﻴﻦ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮة ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ ،وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻴﻦ ﻷي دوﻟﺔ ﻋﻠﻰ أراﺿﻴﻬﻢ ،وﻋﺪم اﻟﺘﻨﺎزل ﻋﻦ أراﺿﻲ ﺑﻼدﻫﻢ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس واﻟﻘﻮاﺳﻢ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻔﺠﺮ اﻟﺨﻼﻓﺎت ﺑﻴﻦ ﺑﺄي ﺷﻜﻞ إﻻ ﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ وﺣﺪﻫﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﻒ ﺑﻬﺬه اﻟﻘﻴﻮد اﻟﻘﺒﻴﻠﺘﻴﻦ ،اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ﺗﺪﻣﻴﺮ إﺣﺪى اﻟﻘﻄﻊ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﻄﺮت ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺌﻮن اﻟﻤﺸﻴﺨﺎت اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎم 1834اﻧﺘﻘﺎﻣﺎ ﻟﺸﺮف اﻟﻘﻮاﺳﻢ وﻣﺎ ﻃﺎﻟﺖ ﺟﺰءا ﻣﻦ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ .وﻟﻢ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻧﺼﻮص ﻫﺬه اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎت ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺪى ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻘﻂ، ﺣﺪث ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ أﻳﺪي اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻴﻦ.. ﺑﻞ ﻧﺼﺖ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻰ ورﺛﺘﻬﻢ وﻣﻊ ازدﻳﺎد ﺣﺪة اﻟﻤﺸﺎﺣﻨﺎت اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ وﺧﻠﻔﺎﺋﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ ،دون ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﺗﻤﻜﻦ اﻟﻤﻘﻴﻢ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺪة ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﺴﺮﻳﺎﻧﻬﺎ ،واﻋﺘﺒﺮت أﺑﺪﻳﺔ.. »ﺑﻮﺷﻬﺮ« اﻟﻜﺎﺑﺘﻦ »ﻻﻫﻴﻨﻞ« ﻋﺎم 1835 ﺑﻤﺮور ا)ﺣﺪاث واﻧﺪﻣﺎج وﻳﺮى اﻟﺪﻛﺘﻮر »أﺣﻤﺪ زﻛﺮﻳﺎ اﻟﺸﻠﻖ« أن آل دﻋﻮة اﻟﺸﻴﺦ »ﺷﺨﺒﻮط ﺑﻦ ذﻳﺎب اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺎﻟﻔﺎت ﻧﻬﻴﺎن« زﻋﻴﻢ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس إﻟﻰ »ﺑﺎﺳﻴﺪو« ﻧﻬﻀﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻗﻮﺗﺎن ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﺗﺨﻠﺼﺖ ﻓﻌﻠﻴﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺪول اﻷوروﺑﻴﺔ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﻟﺪﻓﻊ اﻟﺘﻌﻮﻳﻀﺎت اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﻬﺎ اﻷﺳﻄﻮل ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺘﻤﺜﻼن ﻋﺮﺑﻴﺘﺎن اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎت ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ذروة ﻣﺎ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ،وﻟﻜﻲ ﻳﺼﻞ ﻳﺎس ﺑﻨﻲ وﺻﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﻨﻔﻮذ واﻟﺘﺤﻜﻢ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻣﻌﻪ إﻟﻰ ﺣﻞ ﻧﻬﺎﺋﻲ ﻟﻠﻨﺰاع ،وﺻﺎدف وﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻘﻮاﺳﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ وﺑﺸﻜﻞ ﻣﻄﻠﻖ، ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ وﺟﻮد زﻋﻴﻢ اﻟﻘﻮاﺳﻢ اﻟﺸﻴﺦ وﻋﺎﺷﺖ اﻟﻤﺸﻴﺨﺎت ﻓﻲ ﻋﺰﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ »ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﺻﻘﺮ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ« ﻓﻲ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ورﻏﻢ أن اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎت ﺿﻴﺎﻓﺔ اﻟﻤﻘﻴﻢ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ،اﻟﺬي وﺟﺪﻫﺎ ﻟﻢ ﺗﻀﻤﻨﻬﺎ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ،ﻣﺘﻌﻤﺪة، ﻓﺮﺻﺔ ﻟﺘﺴﻮﻳﺔ اﻟﻨﺰاع ﺑﻴﻦ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ﻧﺼﺎ ﺻﺮﻳﺤﺎ ﺗﺘﻌﻬﺪ ﻓﻴﻪ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ واﻟﻘﻮاﺳﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺮف ﺑﺎﻟﻬﺪﻧﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻟﻤﺸﻴﺨﺎت ،إﻻ أن ﺗﻨﺎزﻟﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﻋﺎم .1835وﻗﺪ ﻧﺠﺤﺖ ﺑﺸﻜﻞ واﺿﺢ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪ ﺿﻤﻨﻴﺎ وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻧﺘﺎﺋﺞ إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﺷﺠﻌﺖ اﻟﻤﻘﻴﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺳﺘﺘﻮﻟﻰ ﻋﻤﻠﻴﺎ ﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ إرﺳﺎل ﻣﺒﻌﻮﺛﻪ »ﻛﻤﺒﻞ« ذﻟﻚ ﻳﻌﺪ ﻋﺮﻓﺎ ﻗﺎﺋﻤﺎ ﺗﻤﺎرﺳﻪ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻋﺎم 1843ﻹﺑﺮام ﻫﺪﻧﺔ ﺑﺤﺮﻳﺔ أﺧﺮى ﻟﻀﻤﺎن ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ، ﻟﻤﺪة ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر أن ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﻌﻤﺎﻧﻲ 1853ﻗﺒﻞ إﺑﺮام ﻣﻌﺎﻫﺪة ﺳﻼم داﺋﻢ – ﻛﻤﺎ أﺳﻤﺘﻬﺎ -ﺗﺸﻜﻞ ﺧﻂ اﻟﺪﻓﺎع ﺿﻤﻨﺘﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ،وﻫﺪﻓﺖ اﻷول ﻋﻦ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ إﻟﻰ إﻳﻘﺎف اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺧﻼل اﻟﻬﻨﺪ ..وﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا ﻓﺘﺮة ﺻﻴﺪ اﻟﻠﺆﻟﺆ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﻃﻮال ﺳﺘﺔ اﻟﺤﺪ ،ﻓﻔﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ أﺷﻬﺮ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ. اﻋﺘﻤﺪت ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻹﺣﻜﺎم ﻗﺒﻀﺘﻬﺎ وﻫﻜﺬا ،اﻧﺘﻬﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻤﺘﻮﺗﺮة ﻣﻊ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺴﻼم اﻟﺒﺤﺮي وﻓﺾ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺎﺳﺔ »ﻓﺮق ﺗﺴﺪ« ،ﻓﻬﻞ ﺳﺘﻨﻘﻠﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ واﺳﺘﻘﻼل اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻓﻲ إدارة ﺷﺌﻮﻧﻬﺎ ﻟﻴﺘﺤﻮل اﻟﻤﻮﻗﻒ إﻟﻰ »ﻓﺮق ﺗﺨﺴﺮ«؟ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺳﻨﻌﺮﻓﻪ أﺛﻨﺎء اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ..وﻟﻜﻦ ﻣﻊ ازدﻳﺎد ﺗﺪﺧﻼت اﻟﻘﻮى اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﺮﺿﻨﺎ ﻟﺮﺣﻠﺔ ﺗﺄﺳﻴﺲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﻓﻲ ﺷﺌﻮن اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ،اﻗﺘﺮح اﻟﻤﻘﻴﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻣﺸﺎرﻛﺎت ﺗﺎﻟﻴﺔ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
81
ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ
اﺗﻔﺎﻗﻴﺎت إﻧﺠﻠﺘﺮا اﻟﻤﺎﻧﻌﺔ
ﻟﻨﻬﻀﺔ إﻣﺎرات اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻌﺪ ﻋﺎم 1718أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻬﻴﺄة ﻟﻈﻬﻮر ﻛﻴﺎﻧﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺑﻤﺮور اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻨﺎء أﺣﻼف ﻗﻮﻳﺔ رﺳﻤﺖ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺳﺎﻫﻤﺖ ﻓﻲ ﺗﺄﺳﻴﺲ دول اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ .وﻛﺎن اﻟﻘﻮاﺳﻢ ﻫﻢ اﻟﻘﻮة اﻷﺑﺮز آﻧﺬاك ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﻟﻬﻢ ﻛﻴﺎﻧﻬﻢ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﻓﻲ »ﺟﻠﻔﺎر« ،واﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺑﻨﺎء ﻗﻮة ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﺗﺠﺎرة ﻣﺴﻘﻂ وﺗﻬﺪﻳﺪ ﻣﻼﺣﺘﻬﺎ .وﻣﻊ ﺗﻄﻮر اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻗﺮر اﻹﻣﺎم »أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ« ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻘﻮاﺳﻢ ،ﻓﻬﺎﺟﻤﺘﻬﻢ ﺳﻔﻨﻪ ﻓﻲ »دﺑﺎ« ﻋﺎم ،1758وﻓﺸﻠﺖ ﻗﻮاﺗﻪ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻗﺘﺤﺎم »رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ« ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ .وﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻧﺠﺤﺖ ﻗﻮات اﻟﻘﻮاﺳﻢ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺠﻮﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ »اﻟﺮﺳﺘﺎق« ﻋﺎم ،1763اﻷﻣﺮ اﻟﺬي أدى ﺑﺎﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ إﻟﻰ ﻋﻘﺪ اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ »راﺷﺪ ﺑﻦ ﻣﻄﺮ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ« ،واﻟﺬي اﻋﺘﺮف ﻓﻴﻪ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﻪ ﻋﻦ ﻋﻤﺎن. وﺑﻤﺮور اﻷﺣﺪاث واﻧﺪﻣﺎج اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺎﻟﻔﺎت ﻧﻬﻀﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻗﻮﺗﺎن ﻋﺮﺑﻴﺘﺎن ﺗﺘﻤﺜﻼن ﻓﻲ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس، اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺤﺪر ﻣﻨﻬﺎ آل ﻧﻬﻴﺎن ،واﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﺖ ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺴﻔﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﺗﺸﻤﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺘﻴﻦ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺘﻴﻦ ﺣﺎﻟﻴﺎ ﺑﺎﺳﻢ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ ودﺑﻲ. وﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻘﻮاﺳﻢ اﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺖ ﺑﺨﺒﺮﺗﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻗﻮة ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺗﺨﻄﺖ اﻟﺨﻠﻴﺞ ووﺻﻠﺖ إﻟﻰ أﻋﻤﺎق اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻟﻬﻨﺪي، وراﺣﺖ ﺗﺘﺤﺪى اﻷﺳﺎﻃﻴﻞ واﻟﺴﻔﻦ
80
اﺗﻔﺎﻗﻴﺎت إﻧﺠﻠﺘﺮا اﻟﻤﺎﻧﻌﺔ ﻟﻨﻬﻀﺔ إﻣﺎرات اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ
د .واﺋﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺪﺳﻮﻗﻲ
اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ وﺗﻮاﺟﻬﻬﺎ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ وﻋﺰم ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺻﻤﺘﻬﺎ وﻣﺮﻛﺰ ﻗﻮﺗﻬﺎ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ.. وﻣﻊ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﻋﻤﺪت ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺸﺘﻰ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ إﻟﻰ ﻗﻄﻊ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻬﻨﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ،وﻛﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎل ﺳﺎﺑﻖ أﻧﻬﺎ ﺣﺎوﻟﺖ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺰﻋﻤﺎء اﻟﺨﻠﻴﺞ وأﻣﺮاء اﻟﻬﻨﺪ ﺑﻌﺪ ﻏﺰو ﻣﺼﺮ ﻋﺎم ،1798ﻓﻠﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ إﻧﺠﻠﺘﺮا اﻟﺤﺼﻮل آﻧﺬاك ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ .وﻟﺤﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻋﻘﺪت اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻣﻊ ﻋﻤﺎن اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﻊ اﻟﻘﻮاﺳﻢ ،ﺑﻬﺪف إﺑﻌﺎد أﻳﺪي ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﻦ اﻟﺨﻠﻴﺞ وﺣﻤﺎﻳﺔ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻮاﺻﻼﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻬﻨﺪ، وﻗﺎﻣﺖ ﺑﺤﻤﻠﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻛﺒﻴﺮة اﺳﺘﻬﺪﻓﺖ اﻟﻘﻮاﺳﻢ ﻓﻲ رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ ،وﻛﺎن ﻫﺠﻮﻣﻬﺎ ﻗﺎﺳﻴﺎ ﻓﻲ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ،1809ﻓﺄﺣﺮﻗﺖ ﺳﻔﻨﻬﻢ ودﻣﺮت ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ إﺧﻀﺎع اﻟﻘﻮاﺳﻢ ﻓﻌﺎدت ﻣﺮة أﺧﺮى ﺑﺤﻤﻠﺘﻴﻦ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪﻫﻤﺎ اﺣﺘﻼل رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ ﻓﻲ دﻳﺴﻤﺒﺮ ،1819وﻓﺮﺿﺖ ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺎه اﻟﺨﻠﻴﺞ ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﺗﻌﺰﻳﺰﻫﺎ ﺑﻤﻌﺎﻫﺪة ﻣﻊ اﻟﺸﻴﻮخ ﻋﺎم 1820ﻟﻀﻤﺎن ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻤﻼﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ.. ﻛﺎن اﻟﺴﻜﺎن ﻳﻘﻄﻨﻮن ﻓﻲ ﻗﺮى ﺻﻐﻴﺮة ﻣﺘﻨﺎﺛﺮة ،وﺑﻨﻮا ﺣﺼﻮﻧﺎ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﺠﻤﻊ اﻟﺴﻜﺎﻧﻲ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ،أﻣﺎ ﻋﻤﺎد اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻓﻜﺎن ﺻﻴﺪ اﻟﺴﻤﻚ
أوراق ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ
ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻧﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ؟! ﺧﻠﻞ ﺑﺎﻟﻎ ،ﻓﺘﺄﺗﻲ ﻳﺸﻮب ﻧﻈﺮﺗَﻨﺎ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ٌ ﻣﺤﻤﻠﺔ ﺑﻤﻬﺎﺑﺔ وﺗﻘﺪﻳﺲ ﻳﻤﻨﻌﺎن -أو ﻳﺤﺪان -ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ دراﺳﺔ ﻣﻨﺼﻔﺔ وﻣﺤﺎﻳﺪة ﻷﺣﺪاﺛﻪ .ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺘﺼﻨﻴﻒ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﺘﺄرﻳﺦ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻢ وﻣﻨﺎﻫﺠﻪ وأدواﺗﻪ. ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻳﺘﻢ وﺻﻔﻨﺎ ﺑﺄﻧﻨﺎ أﻣﺔ ﻣﺎﺿﻮﻳﺔ؛ ﺷﻌﻮب ﺗﺘﻮﻫﺞ ذاﻛﺮﺗﻬﺎ ﺑﺄﺣﺪاث اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻫﻮ وﺻﻒ ﻳﺮاد ﺑﻪ اﺗﻬﺎﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻒ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ وﻋﺪم اﻻﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ،وﻓﻲ رأﻳﻲ ﻟﻮ أن ﻫﺬا اﻟﻮﺻﻒ ﻛﺎن ﺻﺤﻴ ًﺤﺎ ﻟﻜﺎن ﺣﺎل اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أﻓﻀﻞ، وﻟَ َﻤﺎ اﻧﺘﺸﺮتْ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺼﺮاﻋﺎت ﻛﺎﻟﻨﺎر ﻓﻲ اﻟﻬﺸﻴﻢ ،وﻫﻲ ﺻﺮاﻋﺎت ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻠﻬﺎ ﻣﻜﺮرة ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﺴﺒﺐ أو اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ ﺣﺮوب ﻣﺪوﻧﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺘﻔﺼﻴﻞ ﻳﺸﺎﺑﻪ واﻗﻊ اﻟﻴﻮم ﺑﺪرﺟﺔ ﻣﺬﻫﻠﺔ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ واﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﺤﻀﺮﻫﺎ وﻟﻢ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ دراﺳﺘﻬﺎ ،وﻟﻮ أﻧﻬﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﻟﻤﺎ ﺗﻢ ﺗﻜﺮار اﻷﺧﻄﺎء. ﻓﻌﻼ ﻧﻘﺮأ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ دون وﻋﻲ أو ﻓﻬﻢ ،وﻛﻤﺎ ﻟﻜﻨﻨﻲ أﺧﺸﻰ أﻧﻨﺎ ً ﻗﺎل اﻟﺮواﺋﻲ واﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ» :ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺘﺬﻛﺮون اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﺤﻜﻮم ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺈﻋﺎدﺗﻪ«. وأﻋﺘﻘﺪ أن ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻴﻮم ،وﻫﻮ إﻋﺎدة ﻟﻠﻄﺎﺋﻔﻴﺔ واﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ واﻟﻀﻴﻖ ﻣﻦ اﻵﺧﺮ ،وﻫﻲ ﺷﺮارات ﺳﺒﻖ وأن وﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ ،وﻟﻜﻦ -ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ -ﻟﺪى اﻟﺒﻌﺾ ﺟﻬﻞ ﻣﻄﺒﻖ ﻟﺬا ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺈﻋﺎدة ﻧﻔﺲ اﻷﺣﺪاث. ﻟﻸدﻳﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ رأي ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻳﻘﻮل» :اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺳﺨﻴﻒ ﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻪ إن ﻛﺎن ﻳﻌﻴﺪ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻷن ذﻟﻚ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻟﻠﻨﺎس وﻋﻈﺎً وﻻ إﺻﻼﺣﺎً«. ﻣﺮة أﺧﺮى أﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻧﻈﺮة ﻗﺎﺻﺮة وﻏﻴﺮ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ أو ﻏﻴﺮ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ أو ﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻔﻬﻢ ﺳﺒﺐ دراﺳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وأﻳﻀً ﺎ ﻻ ﻧﺪرك اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻬﺎم ،وإذا ﺗﻢ دراﺳﺘﻪ ﻓﺈن اﻟﺬي
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ@
ﻳﺘﻢ ﻣﺠﺮد ﺳﺮد ﻟﻸﺣﺪاث ﻛﻘﺼﺔ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻔﻼﻧﻲ ﻻ أﻛﺜﺮ وﻻ أﻗﻞ ،وﻳﺘﻢ اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﺤﺪث ﻧﻔﺴﻪ ،أو ﺑﻤﻌﻨﻰ أدق ﻻ ﻳﺘﻢ دراﺳﺔ واﻗﻊ وﺗﺴﻠﺴﻞ اﻟﺤﺪث وﺗﺒﻌﺎﺗﻪ وﻣﺎ ﻧﺘﺞ ﻋﻨﻪ أو ﻣﺎ أﺳﺲ ﻟﻪ ،أو ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﺑﻦ ﺧﻠﺪون» :إن اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮه ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ اﻹﺧﺒﺎر ،وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻨﻪ ﻧﻈﺮ وﺗﺤﻘﻴﻖ« .وﻫﺬا اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ ،ﻧﻈﺮة ﺳﻄﺤﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ وأﺛﺮ ﻣﺎﺛﻼ ﺣﺘﻰ أﺣﺪاﺛﻪ ﻋﻠﻰ واﻗﻌﻨﺎ اﻟﻴﻮم ،وﻗﺪ ﺗﺠﺪ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻘﺼﻮر ً ﻓﻲ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ أﻗﺴﺎم اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت واﻟﻤﻌﺎﻫﺪ اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ أو ﻓﻲ أﻗﺴﺎم اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ. ﻫﻨﺎك ﻣﺪارس ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻠﻨﺺ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ وﻛﺄﻧﻪ ﺛﺎﺑﺖ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻴﺘﻢ رﻓﺾ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻨﻈﺮ أو دراﺳﺔ أي ﺟﻮاﻧﺐ ﻟﻠﺤﺪث أو أﺳﺒﺎب وﻗﻮﻋﻪ ،أو ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر ﻓﻠﺴﻔﻲ أو ﺳﻴﺎﺳﻲ أو اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺮون أن ﻣﺎ ﺗﻢ ﻧﻘﻠﻪ ﻟﻨﺎ وﻣﺎ وﺻﻠﻨﺎ ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ أي ﺗﺄوﻳﻼت أو ﺷﺮوح ،واﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة أن ﻳﺘﻢ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻣﺼﺎدر اﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﻓﻲ دﻳﻨﻨﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻔﺮض ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﺘﻈﻬﺮ ﻓﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮى رﻏﻢ أن ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺷﺮاﺋﺢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻣﻜﻮﻧﺎت ﻣﺘﻌﺪدة ،ﻫﻮ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ ﻣﺬاﻫﺐ أو ﻗﻮﻣﻴﺎت ﻟﻜﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻢ ﺛﻘﺎﻓﺔ وﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وإرث ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ. ﻫﻨﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻗﺪ أﺣﺪث ﺷﺮﺧًﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺮر ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أو ذاك ،واﻟﺬﻧﺐ ﻻ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وإﻧﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﺗﻨﺎ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﺼﻔﺔ اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ روح ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،واﻟﻤﻄﻠﻮب اﻟﻴﻮم وﺑﺈﻟﺤﺎح إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ أدوات وﻃﺮق دراﺳﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ *ﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
79
أﻳﺎم زﻣﺎن وﻳﺤﻄّﻮن )ﻧﻘﻴﺸﺔ( ﻓﻮق ﻓﻲ ﻧﺺ اﻟﺠﺒﻬﺔ ﻫﻞ ﻛﺎن واﻟﺪ اﻟﻌﺮوس ﻳﻄﻠﺐ اﻟﻤﻬﺮ أو ﺧﻂ ﻋﺮﺿﻲ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ ﺑﺪاﻟﻬﺎ .وﺣﻂ ﻻﺑﻨﺘﻪ؟ ﻳﺤﻄّﻦ اﻟﺰﻋﻔﺮان ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺮ اﻟﺮاس ﻋﻠﻰ أﺧﻮ وإﻻ ﻣﻬﺮ ﻳﻄﻠﺐ اﻟﺸﻬﻢ( اﻟﻤﻌﺜﻮر)ﻏﻴﺮ اﻟﺤﺮﻳﺮ ّوه ﻫﻲ ﻣﺜﻞ اﻟﺸﻮرﺑﺔ ﺷﻜﻞ ﺧﻂ ﻓﻲ اﻟﻤﻔﺮق .وﺗﻠﺒﺲ »اﻟﻜﻮﺷ ّﻴﻪ« ﺷﻤﺎ )اﻟﺸﻬﻢ اﻟﻠﻲ ﻓﻴﻪ ﺧﻴﺮ( ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺐ وﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺤﺒﺔ اﻟﺤﻤﺮا وﻟﻲ ﻋﻨﺪﻫﺎ »ﺷﻐﺎب« وإﻻ »ﻣﺮﻳّﻪ« ﺗﻠﺒﺴﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً .ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺒﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮﻳّﺎل .ﻳﺴﺄﻟﻮن وﻗﺮﻓﺔ وﺣﻠﺒﺔ وﻓﻠﻔﻞ )ﻣﻌﻠﻘﺎت ذﻫﺒﻴﺔ( وﻛﻨﺎدﻳﺮ ﺟﺪﻳﺪة .واﻷﻛﻞ ﻋﻨﻪ .واذا ﻋﺮﻓﻮه وﻋﺮﻓﻮا أﻫﻠﻪ وأﻧﻪ رﻳّﺎل اﺳﻮد وﺳﻜﺮ وﺳﻤﻦ ﺑﻠﺪي ،ﻳﺴ ّﻮون ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲ اﻟﻬﺮﻳﺲ واﻟﺨﺒﻴﺺ وﻟﺪ رﻳّﺎل ﻳﺰ ّوﺟﻮﻧﻪ .واﻟﻮاﺣﺪ ﻳﺮﻳﺪ ﺳﻌﺎدة وﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ اﻟﻤﺮﺑّﻲ ﻟﻤﺪة واﻟﻔﻮاﻳﻞ .وﻧﻬﺎر اﻟﻌﻴﺪ اﻟﻌﻮد ﻳﺬﺑﺤﻮن ﺑﻨﺘﻪ ،ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻬﺮ ﺣﺮام ﻋﻠﻴﻚ .ﻟﻜﻦ ﺷﻴﻔﺔ 40ﻳﻮﻣ ًﺎ أو ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣ ًﺎ أو وﻳﺸﻮون اﻟﺬﺑﺎﻳﺢ .وﻳﺘﻌﺎزﻣﻮن وﻳﺴﻠﻤ ّﻮن ع اﻟﻤﻌﺮس ﺑﺘﻜﻮن زﻳﻨﻪ وﻫﻮ ﻳﻌﺮف اﻧﻲ أﻧﺎ اﻟﻔﺮﻗﺎن ﻟﻲ ﺣﺬاﻫﻢ ﻛﻠﻬﻢ. ﺑﻠﺘﻘﻴﻪ ﺑﺎﻟﺰﻳﻦ وﻫﻮ ﻻزم ﻳﻠﺘﻘﻴﻨﻲ ﺑﺎﻟﺰﻳﻦ .أﻗﻞ .وﻫﺬي ّ ﺗﻨﻈﻒ اﻟﺒﻄﻦ، ﺣﺘﻰ ا)ﻋﺼﺎب ﺗﻔﻴﺪﻫﺎ ﺷﻮ اﻷﻛﻼت ﻟﻲ اﻟﻠﻲ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺴ ّﻮوﻧﻬﺎ أول ﺷﻮ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻠّﻲ ﻳﺠﻴﺒﻮﻧﻬﺎ أول ﻟﻠﻌﺮوس؟ وﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮدة اﻟﺤﻴﻦ؟ ﻳﺠﻴﺒﻮن ﺷﻐﺎب ،ﻣ ّﺮﻳﻪ 2 ،ﻛﻨﺪوره و 2ﺛﻮب ﻛﻞ ﺷﻲ ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻮد .ﻧﺴ ّﻮي اﻟﻌﻴﺶ و 2ﺷﻴﻠﺔ .وﻣﻦ ﺗﺘﺰوج اﻟﺒﻨﺖ ﻟﺒﺴﺖ اﻟﺒﺮﻗﻊ. واﻟﺨﺒﺰ واﻟﻬﺮﻳﺲ ،وﻛﻞ ﺷﻲ ﻛﺎن ﻣﺘﻮﻓﺮ. وأول ﻣﻦ ﺗﺒﻠﻎ ﺗﻠﺒﺲ اﻟﺒﺮﻗﻊ .وﻳﻘﻮﻟﻮن ﻣﺎ ﻳﻨ ّﻮر وﺟﻪ اﻟﺒﻨﺖ إذا اﻟﺮﺟﺎل ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻄﺮﺷﻮن دﺑﻲ وأﺑﻮﻇﺒﻲ وﻳﺠﻴﺒﻮن ﻛﻞ ﺷﻲء .وﻫﺬا ﻣﺎ ﻟﺒﺴﺖ اﻟﺒﺮﻗﻊ .وﻳﺠﻴﺒﻮﻧﻬﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﺮس ﺑﻜﻢ ﻳﻮم ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻴﺮ، أﻛﻠﻨﺎ أول وﻫﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﻐ ّﻴﺮ ﺷﻲ .ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻮﺟﻮد ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺑﻔﻀﻞ واﻟﺤﺮﻳﻢ ﻳﺘﺴﺎﻋﺪن ﻓﻲ ﺧﻴﺎﻃﺔ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﻌﺮوس ،واﻟﻤﻌﺮس ﻧﻔﺲ اﻟﻠﻪ اﻟﻘﺮص واﻟﻌﻴﺶ وروب اﻟﺒﻮش واﻟﻬﻮش واﻟﺨﺒﺰ واﻟﻬﺮﻳﺲ اﻟﺸﻲء ﻧﺨﻴﻂ ﻟﻪ اﻟﻜﻨﺪورة واﻟﻌﻘﻢ واﻟﻄﺮﺑﻮش. واﻟﻌﺼﻴﺪ واﻟﺒﻼﻟﻴﻂ واﻟﻠﻘﻴﻤﺎت. واﻟﻌﺮوس ﺗﺼﺒﺢ ﻣﺜﻞ اﻟﺨﺎﻟﺪﻳّﺔ ﺑﺜﻮب وﻛﻨﺪوره وﺷﻐﺎب وﻣﺮﻳّﻪ، وﻓﺮﺷﻮا ﻟﻬﺎ ﻣﻄﺮح وﺟﻠّﺴﻮﻫﺎ ،وﺟﺎءن اﻟﺤﺮﻣﺎت وﺳﻠّﻤﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻢ ﻳﻮم ﻛﺎن اﻟﻌﻴﺪ ﻋﻨﺪﻛﻢ؟ وﻋﻘّﺖ اﻟﺒﺮﻗﻊ وﺷﺎﻓ ّﻨﻬﺎ. 3أﻳﺎم اﻟﻌﻴﺪ اﻟﺼﻐﻴﺮ )ﻋﻴﺪ رﻣﻀﺎن( وأرﺑﻌﺔ أﻳﺎم اﻟﻌﻴﺪ اﻟﻌﻮد )ﻋﻴﺪ اﻷﺿﺤﻰ( .ﻣﺜﻞ ﻫﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣﺎ اﺧﺘﻠﻒ ﺷﻲء. ﻛﻢ ﻳﻮم ﻛﺎن اﻟﻌﺮس ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ؟ اﻷرﺑﻌﺎء واﻟﺨﻤﻴﺲ ﺑﺲ ،وﻧﻬﺎر اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻳﺴﺮح اﻟﻤﻌﺮس ﺑﺤﺮﻣﺘﻪ. ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻠﻘﺎء ﻧﺸﻜﺮ اﻟﻮاﻟﺪة ﻛﻨﻮﺷﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎتﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ أﻫﻠﻬﺎ ،وﺻﺒﺎح اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻳﻈﻬﺮوﻧﻬﺎ اﻟﺤﺮﻣﺎت، اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﻠﻪ ﻳﻄ ّﻮل ﺑﻌﻤﺮك وﻣﺸﻜﻮرة واﻟﻤﻌﺮس ﻣﺎ ﻳﺸﻮﻓﻬﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺮﻳﻢ .ﻋ ّﺪﻟﻮﻫﺎ اﻟﺼﺒﺢ وزﻳّﻨﻮﻫﺎ وﻓﺮﺷﻮا اﻟﻤﻄﺮح وﻇﻬﺮت اﻟﻌﺮوس وﺟﻦ اﻟﺤﺮﻳﻢ وﺑﺎرﻛﻦ ﻟﻬﺎ ،وإذا ﻻﺑﺴﻪ اﻟﺒﺮﻗﻊ ﻋﻘّﻮه ﻋﻨﻬﺎ وﺷﺎﻓ ّﻨﻬﺎ اﻟﺤﺮﻳﻢ وﺗﺨﺮﻃﻔﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻦ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك .واﻟﺤﺮﻳﻢ ﻣﺎ ﻳﺸﻮﻓ ّﻨﻬﺎ ﻗﺒﻞ ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﺼﺒﻮﻏﺔ ﺑﺎﻟﻨﻴﻞ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻗﺒﻞ اﻟﻌﺮس ،وإذا ﻣﺎ ﺷﺎﻓ ّﻨﻬﺎ اﻟﺤﺮﻳﻢ ﻧﻬﺎر اﻟﺠﻤﻌﻪ ﻣﺎ ﺗﺴﺮح .وﻧﻬﺎر اﻟﺨﻤﻴﺲ ﺗﺘﺤ ّﻨﺎ ﺣ ّﻨﺎ ﺑﺪو .ﻣﺎ ﺷﻲ ﻧﻘﻮط ﻋﻨﺪﻧﺎ ،وأﻣﻬﺎ أو اﻟﺤﺮﻣﻪ اﻟﻠّﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻴﺮ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻨﻲ ﺑﻬﺎ .واﻟﺤﺮﻣﺔ اﻟﻠﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻴﺮ ﻳﺎﺧﺬون ﺑﺮﻗﻌﻬﺎ وﻳﺒﺮﻗﻌﻮن ﺑﻪ اﻟﻌﺮوس. ﻛﻴﻒ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻦ اﻟﺤﺮﻳﻢ اﻟﺰﻋﻔﺮان؟ ﻳﺤﻄّﻦ اﻟﺰﻋﻔﺮان اﻟﻤﻌﺠﻮن ﻋﻠﻰ وﺟﻮﻫﻬﻦ ﺗﺤﺖ اﻷذﻧﻴﻦ وﻧﺎزل ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺧﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﺨ ّﺪ ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻴﻦ.
78
ﻛﻨﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﻪ اﻟﺤﻤﻴﺮي
و»اﻟﺸﻴﻠﻪ ﻧﻴﻞ« ،وإذا ﻣﺎ أﺻﺒﺢ اﻟﻤﻌﺮس ﻣﺨﻀّ ﺐ ﺑﺎﻟﻨﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ وارﻛﻀﻮا اﻟﺒﻮش ﻋﻠﻰ ﺷــﺎرة ،وﺗﻜﻮن وزار وﺳﻔﺮه ﻟﻠﺴﺎﺑﻖ ﻣﻌﺮس( .أﻣﺎ اﻟﻤﻌﺮس ﻧﺨﺪم ﻟﻪ ﻛﻨﺪوره وﻣﺮاﻳﺮ وﻗﺮن اﻟﻌﺠﻞ )اﻟﻔﺎﺋﺰة( ،وﻳﺒﺎﺗﻮن ﻳﺮزﻓﻮن .واﻟﺼﺒﺎح ﺳﺮﺣﺖ اﻟﻌﺮوس ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ وأﻫﻠﻪ. واﻟﻄﺮﺑﻮﺷﻪ. وﺗﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ: ﻛﻢ ﻳﻜﻮن اﻟﻤﻬﺮ ﻣﺎل اﻟﻌﺮوس؟ ﻛﻨﺪورة اﻟﻐﺎﻟﻲ ﻣــﻦ ﺑﺎﻳﺴـــ ّﻮﻳﻬﺎ ﺣﺴﺐ اﻟﻤﻘﺪره ﺣﺪ ﻳﻌﻄﻲ 100روﺑﻴﻪ وﺣﺪ 200روﺑﻴﻪ واﻟﻠﻲ رﺑﺎﻋﺘﻪ ﻋﺠﻠﻴﻦ وﻗﺮن اﻟﻌﺠﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻮي ﻳﺪﻓﻊ 400روﺑﻴﻪ ،واﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﻘﻮل: ﻫﺐ ﻫﻀﻴﻤﻪ واﻟﺤﺮﻳﻢ ﻳﺨﺪﻣﻦ اﻟﻤﺮاﻳﺮ وﻗﺮن اﻟﻌﺠﻞ .أﻧﺎ ﺑﻨﻔﺴﻲ أﺧﺪﻣﻬﻦ إن ﺳﺎق اﻷرﺑﻊ ْأول .ﺣﺘﻰ اﻟﻄﻮاﻗﻲ ﻧﺨﺪﻣﻬﻦ .أول ﻧﺨﺪم اﻟﻜﻨﺪوره واﻟﻄﺎﻗﻴﺔ وﻳﻐﻴﺐ ﻣﺎ ٍل ﻳﺎب اﻷﺟﻮاد ﻟﻠﺮﺟﺎل ﺑـ 70روﺑﻴﺔ ،وﻫﺬا ﻣﻦ ﺷﻐﻞ اﻟﺤﺮﻳﻢ. )وﻳﻘﺼﺪ ﺑﺎﻷرﺑﻊ ،ارﺑﻌﻤﺎﺋﺔ روﺑﻴﺔ .وﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮي ت ﻗﻼ ّ و4 ﻋﻴﺶ ﺟﻮاﻧﻲ أﻣﺎ ﻣﻴﺮ اﻟﻌﺮس ،ﻳﺠﻴﺒﻮن أﻫﻞ اﻟﻤﻌﺮس 4 أن اﻟﻤﻌﺮس وأﻫﻠﻪ ﻟﻮ دﻓﻌﻮا ﻣﻬ ًﺮا ارﺑﻌﻤﺎﺋﺔ روﺑﻴﺔ ﻓﻬﺬا ﻻ ﻳﻬ ّﻢ ٍ ﺑﻌﺮوس ﺟﻤﻴﻠﺔ(. ﺗﻤﺮ ﻣﻴﻨﺎو ،وﻣﻄﻴﺮح )ﺗﺼﻐﻴﺮ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻄﺮح أي ﻟﺤﺎف ﻗﻄﻨﻲ ﻣﺎ دام ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻟﻨﺎ ﻣﺤﻠﻲ( وﺑﺮﻧﻮﺻﻴﻦ .وﻋ ّﺮﺳﺖ اﻟﺤﺮﻣﻪ .وذﺑﺤﻮا ﻟﻬﻢ ﻧﺎﻗﺔ ﻋﻮده إﻻ ﻓﻲ وﻗﺖ زاﻳﺪ ﻛﺜﺮ اﻟﺨﻴﺮ وزاد اﻟﻤﻬﺮ وإﻻ اﻟﻌﺮب ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺸ ّﻮف )أي ﻋﺠﻮز( أو أرﺑﻊ ذﺑﺎﻳﺢ وﻏ ّﺪوا ﺟﻴﺮاﻧﻬﻢ وﻋﺸّ ﻮﻫﻢ ،ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺷﻲ.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
77
أﻳﺎم زﻣﺎن
ﻛﻢ ﺗﺬﺑﺤﻮن ذﺑﺎﻳﺢ ﻟﻠﻤﺮأة ﻳﻮم ﺗﻮﻟﺪ ﻟﻠﻔﺮح ﺑﺴﻼﻣﺘﻬﺎ؟ اﻟﺒﻨﺖ .وإذا ﺻﻠﺤﺖ ﻟﻬﺎ وﻋﺠﺒﺘﻬﺎ ،ﺟﺎؤوا اﻟﺮﺟﺎل وﺧﻄﺒﻮﻫﺎ. ﻧﺬﺑﺢ 2أو 3ذﺑﺎﺋﺢ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺘﻬﺎ أﻳٍّﺎ ﻛﺎن وﻟﺪا ً أو ﺑﻨﺘﺎً .ﻧﺬﺑﺢ ﻳﻮم واﻟﺒﻨﺖ ﻣﺎ ﻟﻬﺎ ﺷﻮر .وﺧﻄﺒﻮﻫﺎ ﻋﻨﺪ وﻟﻴﻬﺎ وﺑﺪون ﻣﺎ ﺗﺸﻮف ﺗﻜ ّﻤﻞ ﺳﺒﻌﺔ أﻳﺎم وﻳﺴ ّﻤﻮﻧﻬﺎ »اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ«. اﻟﻌﺮﻳﺲ .وﺣﺘﻰ ﻟﻮ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﻧﻌﺮﻓﻪ واﻟﻌﺮوس ﻣﺎ ﺗﺸﻮف اﻟﻌﺮﻳﺲ. ﻓﻲ أي ﻋﻤﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺰوج اﻟﺒﻨﺎت؟ إذا ﺻﻠﺢ ﻷﺑﻴﻚ وأﻫﻠﻚ واﻟﺒﻨﺖ ﻋﺠﺒﺘﻬﻢ ﺧﻄﺒﻮﻫﺎ .وﺟﺎﺑﻮا »ﺻﺮار« )ﻣﺎ ﻳﺠﻤﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﺊ وﻳﺸ ّﺪ وﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش( وﻳﻜﻮن ﻓﻴﻪ ﺣﺪ ﻳﺘﺰ ّوﺟﻦ ﺻﻐﺎر وﺣﺪ ﻛﺒﺎر واﻟﻜﺘﺒﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ. ﺣﻮاﻟﻲ 20ﻗﻄﻌﺔ ﻗﻤﺎش ،واﻟﻌﺮوس ﻟﻬﺎ ﻗﻄﻌﺘﺎن وﺛﻮﺑﺎن وﻗﻄﻌﺔ ﺑﺎﻳﺴﻮﻳﻬﺎ؟ ﻛﻨﺪورة اﻟﻐﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺷﻴﻠﺔ .وﺗﺎﺧﺬﻫﻦ اﻟﺤﺮﻳﻢ اﻟﻀﺤﻰ ،وﺣﺪه ﺗﺎﺧﺬ اﻟﺜﻮب ووﺣﺪة ّ اﻟﻤﺎﺿﻲ؟ ﻓﻲ واﻟﻌﺮس اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺗﻴﺒﺎت اﻟﻜﻨﺪورة ،وﺧﺎﻃﻮﻫﻦ ،ﻛﻞ وﺣﺪه ﺗﺨﻴﻂ ﻗﻄﻌﺔ ،وﻳﻮم ﻳﺠﻮن أول اﻷم ﺗﺰور أﻫﻞ اﻟﺒﻨﺖ وﺗﺘﻘﻬﻮى ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑﺪون ﻣﺎ ﺗﻘﻮل ﻟﻬﻢ اﻟﻤﻌﺎرﻳﺲ ﻟﺒﺴﺘﻬﻦ اﻟﻌﺮوس ،ﺑﺲ ﻗﻄﻌﺘﻴﻦ ﺛﻮب وﻛﻨﺪورة ﻣﺎ ﺷﻲ ،ﺑﺲ ﺗﺸﻮف اﻟﺒﻨﺖ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻣﺎ ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ وﺗﻘﻬ َﻮت وﺷﺎﻓﺖ ﺷﻲ ﻏﻴﺮ) .وﻳﺎ ﺣﻼﺗﻪ ﻳﻮم اﻟﻜﻨﺪورة »أم ﺗﻴﻠﻪ« واﻟﺜﻮب »ﻧﻴﻞ«
76
ﻛﻨﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﻪ اﻟﺤﻤﻴﺮي
ﺑﻴﻪ اﻟﻌﻴﺪ أول ﻧﻔﺮح ﺑﻪ وﻟﻪ ّ
ﻣﺤﻞ اﻟﺴﺮ ،وﺑﺲ وﺑﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ اﻟﻤﻄﺤﻮﻧﻪ داﺧﻞ ،ﻟﻴﻦ ﻳﻤﺘﻠﻲ ّ ﻳﺼﺢ. ﻫﻞ ﻫﻨﺎك أﻏﺎﻧﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻃﻔﺎل اﻟﺼﻐﺎر وﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ؟ ﻫﻴﻪ ﻧﻌﻢ ﺷﻲ. ﺷﻮ ﺗﻘﻮﻟﻮن؟ ﻧﻘﻮل ﻟﻪ: ﻫﻮﻫﻮﻫﻮ ارﻗﺪ ﻳﺎ وﻟﻴﺪي ارﻗـــﺪ ﺳﺒﻌﺔ ﺻﻘﻮر داﺧـــﻞ اﻟـــــﻬﻮر ﺣــــﺪﱟ ﻳـــﻘﻌﺪ وﺣـــﺪﱟ ﻳﺜــــﻮر ﻟـــﻲ ﻟـــﻲ ﻳـــﻼ ْ ﻟﻲ ﻳـــﻼ ْ ﻳــﻼ ْ ﻳﺎ ﻧﺎﻳﻢ اﻗﻌﺪ ﺑﺴﻚ ﻣﻦ اﻟﻨــــﻮم ﻗﻢ ﺻﻞ اﻟﻈﻬﺮ واﻓﺴﺮ اﻟﺤـــﻠﻮم رﻣﺴﺔ اﻟﻮﻟﻴﻒ ﺗﺒﺮي اﻟﻬﻤـــــﻮم ﺿﺤﻜﺘﻪ ﺗﺸﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﺰغ اﻟﻨﺠﻮم وﻫﻨﺎك ﻏﻨﻮات واﻳﺪ ﻏﻴﺮ وﻳﺒﻐﻦ وﻗﺖ ﻟﻴﻦ أذﻛﺮﻫﻦ.
اﻧﺰﻳﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﻋﻴﺎد ﻛﻴﻒ ﻛﻨﺘﻮا ﺗﻘﻀﻮن اﻟﻌﻴﺪ أﻳﺎم زﻣﺎن؟ اﻟﻌﻴﺪ أول ﻧﻔﺮح ﺑﻪ وﻟﻪ ﺑﻴّﻪ ﻣﺐ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﻴﻦ .اﻟﻌﻴﺪ ﻫﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣﺎ ﺣﺪ ﻳﻌﺮﻓﻪ .اﻟﺒﻨﺎت اﻟﺤﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮن ﻓﻲ اﻟﻌﻴﺪ .أول اﻟﺒﻨﺎت ﻳﻈﻬﺮن وﻳﻐ ّﻨﻦ ﻋﻠﻰ »اﻟﻤﺮﻳﺤﺎﻧﻪ« أو »اﻟﺪرﻓﺎﻧﻪ« .واﻟﻤﺮﻳﺤﺎﻧﻪ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺣﺒﻞ ﻣﻌﻠّﻖ ﺑﻴﻦ ﺟﺪﻋﺘﻴﻦ )أي ﺣﻄﺒﺘﻴﻦ( وﺟﻨﺒﻬﻦ ﺟﺪﻋﺘﻴﻦ ،وﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺟﺪﻋﺘﻴﻦ ﻳﺤﻄّﻮن ﺣﺒﻠﻴﻦ ﻳﻘﺎﺑﻠﻬﻢ ﺣﺒﻼن أﻳﻀً ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪﻋﺘﻴﻦ اﻷﻣﺎﻣﻴﺎت ،وﺗﺮﻛﺐ ﺑﻨﺘﺎن ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺒﻞ وﻳﻘﺎﺑﻠﻬﻤﺎ ﺑﻨﺘﺎن وﻛﻞ ﺑﻨﺖ ﺗﺸﺒﻚ رﺟﻠﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺒﻨﺖ اﻟﻠﻲ ﺟ ّﺪاﻣﻬﺎ وﻳﺒﺪأن ﻳﻐ ّﻨﻦ واﻟﻤﺮﻳﺤﺎﻧﻪ ﺗﺸ ّﻂ ) ﺗﺘﺤ ّﺮك( ﻟﻸﻣﺎم واﻟﺨﻠﻒ وﺑﺴﺮﻋﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﭼﺬﻳﻪ. وﻳﻮم ﻳﺼﺒﺢ ﺻﺒﺎح اﻟﻌﻴﺪ ،اﻟﺒﻨﺎت ﻟﻜْﺒﺎر ﺟ ّﺪﻟﻦ اﻟﺮوس )اﻟﺸﻌﺮ( وﺗﺰﻋﻔﺮن ﺑﺎﻟﺰﻋﻔﺮان وﺗﻌ ّﺪﻟﻦ ،وﻟﺒﺴﻦ اﻟﻜﻨﺪوره اﻟﻴﺪﻳﺪه .ﺣ ّﺪ ﻋﻨﺪه وﺣ ّﺪ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه .ﻣﺜﻞ »ﺑﻮﻃﻴﺮه« وﺣﺪ »ﻫﻨﺪي« )أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ( واﻟﻠّﻲ ﻋﻨﺪه ﺧﻴﺮ ﻳﺴ ّﻮي ﺛﻮب وﻛﻨﺪوره ،وﺗﻌ ّﺪﻟﻦ وﺳﺮﺣﻦ ﻳﺘﻤﺮﻳَﺤﻦ ) اﻟﺒﻨﺎت( وﻟﻔﺮوخ )اﻷوﻻد ( ﻳﺤﻮرﺑﻮن )ﻳﺮزﻓﻮن أي ﻳﻐ ّﻨﻮن( ﻋ ّﺪاﻟﻬﻦ وﻫﻦ ﻳﺘﻤﺮﻳَﺤﻦ .واﻟﺤﺮﻣﺎت ﻳﺘﺰاورن وﻳﺴﻠﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ وﻳﺘﻘﻬﻮﻳَﻦ .وﻫﺬا اﻟﻌﻴﺪ ﻣﺎﻟﻨﺎ.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
75
أﻳﺎم زﻣﺎن ﻗﻤﺎش ﺻﻐﻴﺮة )ﻗﻤﺎط( .وﺳ ـ ّﻮوا ﻟﻬﺎ »اﻟﺤﺮﻳﺮ ّوة« وﺣ ّﺪ ﻳﺴ ّﻤﻴﻬﺎ »اﻟﺮﺷﻮﻓﻪ«، وذﺑﺤﻮا ﻟﻬﺎ اﻟﺘﻴﺲ وﻛﻠﺖ اﻟﻠﺤﻢ .ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ ﻓﻴﻚ دﻫﻮن ﻻ ﺗﺎﻛﻠﻴﻦ ﻟﺤﻢ. ﻳﻘﺼﻮن اﻟﺴ ّﺮ ﺷﻮ ﻳﺤﻄّﻮن ﻟﻪ ﻳﻮم ّ ﻣﻦ اﻷدوﻳﺔ؟ ﻳﺤﻄّﻮن ﻟﻪ »ﺻﺒﺮه« )ﻧﻮع ﻣﻦ اﻷدوﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻨﺒﺎﺗﻴﺔ( .وﺑﻌﺪﻳﻦ ﻳﻨﺨﻠﻮن رﻣﺎد وﻳﺨﻠﻄﻮﻧﻪ ﻣﻊ »اﻟﺼﺒﺮه« وﺗﻜﻮن ﻣﻄﺤﻮﻧﻪ ،وﻳﻀﺮﺑﻮن ﺗﻤﺮه ﻓﻲ ﻣﺎء )أي ﻳﻌﺠﻨﻮﻧﻬﺎ( ،وﻳﻨﻄّﻌﻮن اﻟﻄﻔﻞ، )أي ﻳﻐ ّﺮوﻧﻪ ﻓﻲ ﻓﻤﻪ( وﻳﺴ ّﻤﻮن ﻫﺬا »ﺗﻨﻄّﻴﻊ«. ﺷﻮ ﻓﺎﺋﺪة اﻟﺘﻨ ّﻄﻴﻊ؟ ﻋﺸﺎن ﻳﺎﻛﻞ ﻋﻘﺐ وﻋﺸﺎن ﺑﻄﻨﻪ ﻳﻌﻘﻲ )ﻳﻤﺸﻲ( ،وأ ّول ﻣﺎ ﻳﻄﻴﺢ زاد اﻟﻄﻔﻞ وﻳﻨﺰل ﻣﻦ ﺑﻄﻦ اﻟﻴﺎﻫﻞ ﻫﺬﻳﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻳﺴ ّﻤﻮﻧﻪ »ﻋﻘﺎ« .وﻋﻘﺎه ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻪ ،ﻳﻄﻴﺢ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ ﻳﻨﻄّﻌﻮﻧﻪ .ﻷن اﻟﻨﻄﻮع ﻳﻨﻈّﻒ ﺑﻄﻦ اﻟﻴﺎﻫﻞ .وﻋﻘﺐ ﻳﺮﺿﻌﻮﻧﻪ ﻣﻦ أﻣﻪ .وﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺣﻠﻴﺐ ﻗﻮاﻃﻲ .واﻷم ﺗﺼﺒﺢ ﺑﺨﻴﺮ وﻳﻄﻌﻤﻮﻧﻬﺎ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺪﻫﻦ واﻟﺤﺮﻳﺮ ّوﻩ واﻟﻘﺮص واﻟﺪﻫﻦ وﺗﺎﻛﻞ ﻛﻞ ﺷﻲ.
ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ -دﻳﺴﻤﺒﺮ 1961
وﺧﺘّﻨﻮه وﻟ ّﺒﺴﻮه ﻟﺒﺎس زﻳﻦ ،وذﺑﺤﻮا اﻟﺘﻴﺲ وﺳ ّﻮوا اﻟﻬﺮﻳﺴﻪ وﻗﺴﻤﻮا ﻋﻠﻰ ﺟﻴﺮاﻧﻬﻢ وﻳﺴ ّﻤﻮﻧﻪ »ﻃﻠﻮع« ﻳﻌﻨﻲ ﻃﻠﻊ ﻣﻦ ّ اﻷرﺑﻌﻴﻦ أي ﻛ ّﻤﻞ أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً. أول ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻳﻮم ﻳﻜ ّﻤﻞ اﻟﻄﻔﻞ أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﻳﺴ ّﺒﺤﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﻏﺴﻮل ﻗﺪم ﺣﺪ ﻣﻦ أﻫﻠﻪ ،ﻫﻞ ﻫﺬا ﺻﺤﻴﺢ؟ ﻧﻌﻢ ﻫﺬا ﺻﺢ ،ﻳﺠﻴﺒﻮن اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺴﻨﺎﻓﻲ اﻟﻠّﻲ ﻓﻴﻪ ﺧﻴﺮ وﻳﻐﺴﻠﻮن رﻳﻠﻪ ﻓﻲ وﻋﺎء وﻳﺴ ّﺒﺤﻮن ﺑﻪ واﻟﻤﻌﺮوف واﻟﺸﺠﺎع ّ اﻟﻴﺎﻫﻞ .وﻫﺬا ﻳﺘﺒﺎرﻛﻮن ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺸﺒﻬﻪ اﻟﻴﺎﻫﻞ ﻳﻮم ﻳﻜﺒﺮ.
ﺷﻮ ﻫﻲ اﻟﺤﺮﻳﺮ ّوة ،وﻫﻞ ﻟﻬﺎ ﻓﺎﺋﺪة؟ إذا اﻟﺘﻬﺐ ﺳ ّﺮ اﻟﻴﺎﻫﻞ ﻛﻴﻒ ﻳﻌﺎﻟﺠﻮﻧﻪ؟ ﻣﻦ وﺗﺘﻜﻮن »رﺷﻮﻓﻪ« ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮﻳﺮوه ﻫﻲ ﻣﺜﻞ اﻟﺸﻮرﺑﺔ وﻧﺴ ّﻤﻴﻬﺎ ﻳﺬ ّرون ﻋﻠﻴﻪ »ﺻﺒﺮه« ،وﻳﻮم ﻳﻨﺘﻘﻒ ﻳﺎﺧﺬون ﻃ ّﻌﺎﻣﺔ )ﻧﻮاة( ﺗﻤﺮة اﻟﺤﺒﺔ اﻟﺤﻤﺮا وﻗﺮﻓﺔ وﺣﻠﺒﺔ وﻓﻠﻔﻞ اﺳﻮد وﺳﻜﺮ وﺳﻤﻦ ﺑﻠﺪي ،ﻣﻦ ﺻﻨﻒ »اﻟﻔﺮض« وﻳﺤﻄّﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺮ .وﻳﺬ ّرون »اﻟﺼﺒﺮه« وﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ اﻟﻤﺮﺑّﻲ ﻟﻤﺪة 40ﻳﻮﻣﺎً أو ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً أو أﻗﻞ .وﻫﺬه ﺗﻨﻈّﻒ اﻟﺒﻄﻦ ،ﺣﺘﻰ اﻷﻋــﺼــﺎب ﺗﻔﻴﺪﻫﺎ. واﻟﺤﺮﻣﻪ ﻓﻲ اﻷرﺑﻌﻴﻦ اﻷوﻟــﻰ ﻣﻦ ﺗﺸﻞ اﻟﻘﺮﺑﻪ وﺗﻮرد اﻟﻮﻻدة أﻳﺎم أ ّولّ ، اﻟﻄﻮي وﺗﺘﺮﺳﻬﺎ وﺗﺸﻠّﻬﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ. وﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺒﻨﺖ ﻣﻦ ﺗﺮﺑّﻲ ﻣﺎ ﺗﻘﺪر ﺗﻘﻮم ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ. اﻧﺰﻳﻦ اﻟﻄﻔﻞ ﻣﻦ ﻳﻜ ّﻤﻞ 40ﻳﻮم ﺷﻮ ﺗﺴ ّﻮون ﻟﻪ؟ ﻣﻦ ﻳﻜ ّﻤﻞ اﻷرﺑﻌﻴﻦ ﺳ ّﺒﺤﻮه وﺣﺴ ّﻨﻮه
74
ﻛﻨﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﻪ اﻟﺤﻤﻴﺮي
ﻧﺮﺣﺐ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻠﻘﺎء ﺑﺎﻟﻮاﻟﺪة ﻛﻨﻮﺷﻪ ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ ،وﻧﺮﺟﻮ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ أن ﺗﺨﺒﺮﻳﻨﺎ ﻋﻦ اﺳﻤﻚ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ؟ أﻧﺎ ﻛﻨﻮﺷﻪ ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﻪ اﻟﺤﻤﻴﺮي ،ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻦ. ﻣﻤﻜﻦ ﺗﺨﺒﺮﻳﻨﺎ ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻜﻢ ﻗﺒﻞ وﻛﻴﻒ ﻛﻨﺘﻮا ﻋﺎﻳﺸﻴﻦ زﻣﺎن أول؟ اﻟﻠﻪ ﻳﻄ ّﻮل ﻋﻤﺮ زاﻳﺪ )ﺗﻮﻓﻲ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ 2 ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2004م( اﻟﻴﻮم وﻫﺬاك اﻟﻴﻮم ﻛﻨﺎ ﻋﺎﻳﺸﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﺪاوة .ﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ »ﺣﻔﻴﺮ« وﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ »اﻟﻌﺸﻮش« ﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ »اﻟﻤﺮﻣﻮم« ﺗﺒﻊ دﺑﻲ .وﺑﻌﺪﻳﻦ ر ّدﻳﻨﺎ ﻋﻠﻰ »اﻟﻌﻴﻦ« ﺗﺒﻊ أﺑﻮﻇﺒﻲ .وﻃ ّﻮل ﻋﻤﺮ زاﻳﺪ ﺳ ّﻮى ﻟﻨﺎ اﻟﺒﻴﻮت وﺳ ّﻮى ﻟﻨﺎ اﻟﺨﻴﺮ وﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﻮﻓﻮن ﻋﺎﻳﺸﻴﻦ ﺑﺨﻴﺮ وﺑﻨﻌﻤﺔ وﺳﻬﺎﻟﺔ. ﻛﻴﻒ ﻛﻨﺘﻮا ﻋﺎﻳﺸﻴﻦ زﻣﺎن أول ﻓﻲ اﻟﺒﺮ؟ ﻛﻨﺎ ﻋﺎﻳﺸﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮ .ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﻧﻨﻔﺶ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺼﻮف ،واﻟﺼﺒﺢ ﻧﻐﺰﻟﻪ )اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺼﻮف( .وﻧﻮرد اﻟﻤﺎء وﻧﺮ ّوي »اﻟﻘﺮﺑﺎت«) ،ﻣﻔﺮدﻫﺎ ﻗﺮﺑﺔ وﻛﺬﻟﻚ ﺗُﺠﻤﻊ ِﻗ ـ َﺮب( ﻟﻜْﺒﺎر ،وﻧﺴﻘﻲ اﻟﺒﻮش واﻟﻬﻮش وﻧﺠﻴﺐ اﻟﺤﺰﻣﺔ ﻋﻠﻰ رؤوﺳﻨﺎ )ﺣﺰم اﻟﺤﻄﺐ(، وﻧﺴ ّﻮي ﻏﺪاﻧﺎ رواﺣﻨﺎ )ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ( ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺧﺪم. ﻣﺎ ﺣﺪ ﺧﺪم ،ﻣﻦ ﺗﻌﻄﻦ )ﺗﺼﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﻈﻬﺮ( اﻟﺤﺮﻣﻪ ،وﻫﻲ ﺟﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻮي ﺷﺎﻟّﻪ اﻟﻘﺮﺑﻪ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ ﺣﻄّﺖ اﻟﻘﺮﺑﺔ وﻣ ّﻴﺤﺖ ﺟﺎﺑﺖ اﻟﺤﺰﻣﺔ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ وﺳ ّﻮت ﻏﺪاء ﻋﻴﺎﻟﻬﺎ وﺷﻠّﻠﺖ اﻟﺒﻴﺖ وﺧ ّﻤﺖ اﻟﺮﻣﺎد .ﻫﺬي ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ .واﻟﺮﺟﻞ ﻳﻄﻨﻒ اﻟﺮﻛﺎب )ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻻﺑﻞ( ،وﻳﺼﺨّﻢ )ﻳﺤﺮق اﻟﺤﻄﺐ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺨّﺎم أو اﻟﻔﺤﻢ( وﻳﺤﻄﺐ وﻳﻄﺮش )أي ﻳﺴﺎﻓﺮ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻟﻘﻤﺔ اﻟﻌﻴﺶ( .ﻫﺬه ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ أ ّول ،واﻟﺤﺮﻣﺔ ﺗﺤﻤﻞ وﺗﺮﺑّﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ. ﻣﺎ ﺷﻲ دﺧﺎﺗﺮ ﻋﻨﺪﻧﺎ. ﻣﺎ ﺣﺪ ﻳﻮﻟّﺪ ﺣﺪ ﻋﻨﺪﻧﺎ
ﻣﻦ ﻳﻮﻟّﺪ اﻟﺤﺮﻣﻪ أ ّول ﻓﻲ اﻟﺒﺮ؟ ﺣﺪّ ﻣﻦ أﻫﻠﻬﺎ وإﻻ ﺣﺮﻳﻢ؟
زاﻳﺪ
ﺳ ّﻮى ﻟﻨﺎ اﻟﺒﻴﻮت وﺳ ّﻮى ﻟﻨﺎ اﻟﺨﻴﺮ وﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﻮﻓﻮن ﻋﺎﻳﺸﻴﻦ ﺑﺨﻴﺮ وﺑﻨﻌﻤﺔ وﺳﻬﺎﻟﺔ
ﻳﻮﻟّﺪﻫﺎ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .اﻟﺤﺮﻳﻢ ﺑﺲ ﻳﻤﺴﻜ ّﻨﻬﺎ وﻳﻜﻮﻧﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ .ﻣﺎ ﻳﻮﻟّﺪﻧّﻬﺎ. ﻣﺎ ﺣﺪ ﻳﻮﻟّﺪ ﺣﺪ ﻋﻨﺪﻧﺎ .ﺗﻘﺒﺾ ﻓﻲ اﻟﻴﺪﻋﺔ ﺟﺎﻟﺴﻪ ،واﻟﺤﺮﻣﺎت ﻣﺎﺳﻜﺎﺗ ّﻨﻬﺎ ﻟﻴﻦ ﻳﻄﻴﺢ اﻟﻄﻔﻞ ،ﺑﻔﻀﻞ اﻟﻠﻪ ،وﻃﺎح اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ،واﻟﺤﺮﻳﻢ ﻳﻘﺒﻀﻦ وﻳﻘﺼﻮﻧﻪ وﻳﻌﺼﺒﻮن اﻟﺴﺮ اﻟﻮﻟﺪ ّ ّ وﻳﺴ ّﺒﺤﻮﻧﻪ وﻳﻜ ّﻨﻮﻧﻪ وﻳﻠﻔّﻮﻧﻪ ﺑﻘﻄﻌﺔ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
73
أﻳﺎم زﻣﺎن أﺳﺮة ﺑﺪوﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺑﺎن -ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 1962
ﻛﻨﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﻪ اﻟﺤﻤﻴﺮي:
ﻓﻲ وﻗﺖ زاﻳﺪ ﻛﺜﺮ اﻟﺨﻴﺮ وزاد ا6ﻣﺎن وإﻻ اﻟﻌﺮب ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺷﻲ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ اﻟﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث
أُﺟﺮي ﻫﺬا اﻟﻠﻘﺎء ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﻣﺎرس ﻋﺎم 2000ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﺒﺎﺣﺜﺎت ﺑﻤﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث. ﻟﻘﺎؤﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد ﻣﻊ إﺣﺪى اﻟﺴﻴﺪات اﻟﻤﻮاﻃﻨﺎت واﻟﺮاوﻳﺎت اﻟﺨﺒﻴﺮات ﺑﺎﻟﻌﻼﺟﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وﺣﻴﺎة اﻷﺳﺮة ،وﻛﺬﻟﻚ ﺣﻴﺎة اﻷﺳﺮة وﺗﻨﺸﺌﺔ اﻟﻄﻔﻞ واﻟﺨﻄﻮﺑﺔ واﻟﺰواج وأﻓﺮاح اﻷﻋﻴﺎد أﻳﺎم زﻣﺎن. ﺳﻨﻜﻮن ﺿﻴﻮﻓًﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻠﻘﺎء ﻟﺪى اﻟﻮاﻟﺪة ﻛﻨﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ اﻟﺤﻤﻴﺮي ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ. 72
ﻛﻨﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﻪ اﻟﺤﻤﻴﺮي
اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ وﻫﻲ )ﺳﻴﺮة اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺒﺪرﻧﺎر أﺑﻮ زﻳﺪ اﻟﻬﻼﻟﻲ واﻟﻨﺎﻋﺴﺔ وزﻳﺪ اﻟﻌﺠﺎج، وﺣﺮب اﻟﺒﺴﻮس اﻟﻜﺒﻴﺮ ،وﺗﻐﺮﻳﺒﺔ ﺑﻨﻰ ﻫﻨﺎك ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻠﺤﺔ ﻟﺮﻓﺪ ﺑﻦ اﻟﻨﻬﺮوان ﺑﻦ ﻃﻴﺒﻮش ﺑﻦ ﻗﻴﺒﻮش( ﻫﻼل ورﺣﻴﻠﻬﻢ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﻐﺮب وﺣﺮوﺑﻬﻢ ﻧﺼﻮص ا)دب اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﺟﺰ ًءا ﺗﺄﺛﺮت ﺑﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ ﻓﺨﺼﺼﺖ ﻟﻠﻬﻼﻟﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﺰﻧﺎﺗﻲ ﺧﻠﻴﻔﺔ ،ودﻳﻮان اﻟﻌﺮب ﺑﺎﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ وﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﺗﺒﺪأ ﻣﻦ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻤﺴﻤﻴﺔ ،وﻗﺼﺔ اﻷﻣﻴﺮة ذات اﻟﻬﻤﺔ، اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ إﻟﻰ اﻟﺴﺎدس ﻣﻤﺎ أﺗﺎح ﻟﻨﺎ ﻟﻤﺲ ﻣﺪى وﺳﻴﺮة اﻟﺠﺎزﻳﺔ اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ ،وﺳﻴﺮة ﻋﻨﺘﺮة ﺑﻦ رﺻﻴﻦ وﻣﻨﻬﺠﻲ ﻋﻠﻤﻲ ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺸﺎﻗﻬﺎ ﺷﺪاد ،وﺳﻴﺮة اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﺒﺮس .إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺳﻴﺮ ﺷﻌﺒﻴﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ وﻟﻜﻦ وﻣﺘﻤﺎﺳﻚ وأﻗﺮب إﻟﻰ وﻣﺪﻣﻨﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد أﺟﻴﺎل ﻋﺪﻳﺪة ،ﻋﺒﺮ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﺮواة اﻟﺬﻳﻦ ﺧﻠﺒﺖ اﻟﺴﻴﺮة ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺧﺰاﺋﻦ اﻟﻜﺘﺐ ﺑﻤﺨﻄﻮﻃﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ اﻟﻜﻤﺎل ﻗﺪر اﻟﺠﻬﺪ، أﻟﺒﺎﺑﻬﻢ ﻓﻤﻨﺤﻮﻫﺎ أﻋﻤﺎرﻫﻢ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻳﺆدون ﺗﺤﺘﺎج ﻟﻤﻦ ﻳﺘﺼﺪر ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ودراﺳﺘﻬﺎ، أﻟﻢ ﻳﺤﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻨﺮى رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺄن ﻳﺼﻴﺮوا وﻗﺪ ﺑﺪأت أوﻟﻰ ﺛﻤﺮات ﻫﺬا اﻟﺠﻬﺪ ﻓﻲ وﻃﻨﻨﺎ ﻣﺮﻛ ًﺰا 6ﺣﻴﺎء ﻣﻦ رواة اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﺖ ﺣﻴﻦ أﺿﻄﻠﻊ ﺑﻪ أﺳﺘﺎذي ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮر اﻟﺘﺮاث ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ اﻵﺑﺎء ﻓﻲ ﻇﺮوف اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ رﺟﺐ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ؟ أﺗﻴﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻠﻤﺘﻠﻘﻲ اﻹﺻﻐﺎء واﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ اﻟﻨﺠﺎر اﻟﺬي أﻫﺪى اﻟﻌﺮب ﺳﻴﺮة ﻋﻠﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺨﻼب ،ﻓﻜﺎن ﻓﻌﻞ اﻷداء اﻟﺰﻳﺒﻖ ﻣﺤﻘﻘﺔ وﻣﺪروﺳﺔ ﻣﺰودة ﺑﺸﺮوح ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻠﻬﺎم ﺗﺮاث اﻟﺴﻴﺮة ﻟﻠﻤﻔﺮدات اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ وﺑﻬﻮاﻣﺶ ﺗﺮﺑﻂ ﺑﻴﻨﻬﺎ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﺗﻮاﺻﻠﻪ اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ ﺑﻮاﺳﻄﺔ وﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺼﺮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ،وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ أن ﻳﻮاﻓﻴﻨﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﻨﺠﺎر ﺑﺒﻘﻴﺔ اﻟﻤﻼﺣﻢ واﻟﺴﻴﺮ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺤﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﺸﺎرﻛﻴﻬﻢ وﺑﻬﺪف ﺗﻘﻮﻳﺔ إﺣﺴﺎﺳﻬﻢ ﺑﺘﺤﻘﻴﻘﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﻐﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت وﻟﻜﻦ اﻟﻘﺪر ﺑﻬﻮﻳﺘﻬﻢ ووﺣﺪﺗﻬﻢ .ﻛﻤﺎ ﺗﺼﺪﻳﺖ إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻓﺠﻌﻨﺎ ﻓﻴﻪ دون ﻣﻘﺪﻣﺎت ،إذ ﺑﻪ ﻳﺼﻌﺪ ﻓﺠﺄة إﻟﻰ رﺣﺎب ﺳﻴﺮة ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ذي ﻳﺰن ﺣﺴﺐ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ اﻟﺮﻓﻴﻖ اﻷﻋﻠﻰ ،ﻣﺨﻠﻔﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ – وﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ أﻧﺎ ﺑﺎﻟﺬات – ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺎت ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻨﺺ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻜﺘﺎب وﺟ ًﻌﺎ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻪ اﻷﻣﻞ ﻓﺘﺼﺪﻳﺖ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺴﻴﺮ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻔﺎﺷﻮش ﻓﻲ أﺣﻜﺎم ﻗﺮاﻗﻮش .واﻟﻴﻮم اﻟﻀﻤﻴﺮ اﺳﺘﻜﻤﺎﻻ ﻟﻠﺤﻠﻢ اﻟﺬي ﻋﺒﺪه ﻟﻨﺎ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺪﻋﻮ ﻟﻀﺮورة اﺣﺘﻀﺎن اﻟﺪﻋﻮة ﻹﻧﺸﺎء ﻣﺮﻛﺰ ً اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺠﺎر وﺣﻠﻢ ﺑﻪ ﻣﻌﻨﺎ اﻟﺤﻜﺎء اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺧﻴﺮي ﺷﻠﺒﻲ ﻓﺎﺳﺘﻜﻤﻠﺖ ﻹﺣﻴﺎء ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﺬي ُ ﻳﻬﺪف إﻟﻰ اﻟﺤﻠﻢ ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ ودراﺳﺔ ﺳﻴﺮة ﻓﺘﻮح اﻟﺒﻬﻨﺴﺎ اﻟﻐﺮاء ﻋﻠﻰ أﻳﺪي ﺟﺎﻧﺐ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ إﺛﺎرة اﻫﺘﻤﺎم أﻛﺒﺮ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺸﻬﺪاء وﺗﻢ ﻧﺸﺮﻫﺎ ﺿﻤﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﺠﻮاﺋﺰ ﺑﻌﺪ ﻟﺪى أﺑﻨﺎء ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻤﺘﺮوك ﻣﻘﺼﻮرا ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺔ ﻣﻦ ﻓﻮزﻫﺎ ﺑﺠﺎﺋﺰة ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﺮاث اﻟﻘﺼﺼﻲ اﻷوﻟﻰ ﻋﺎم 2012م اﻟﺪارﺳﻴﻦ وراء أﺳﻮار اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ،وإﻟﻰ ﺗﺠﺪﻳﺪ اﻻﻧﺸﻐﺎل ﻟﺪى ﺑﻬﻴﺌﺔ ﻗﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺒﻌﻬﺎ ﺳﻴﺮة ﻓﺘﻮح ﻣﺼﺮ اﻟﻤﺤﺮوﺳﺔ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ واﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ اﻟﻌﺮب ﺑﻤﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺳﻴﺪي ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص وﻫﻰ ﺳﻴﺮ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺗﺆﻛﺪ أن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎد ﻗﺮن ﻋﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺣﺼﺮ اﻟﻔﻜﺮ ﺑﺎﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﺘﻮح ﻣﺼﺮ ﻟﻢ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ دون اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻳﻘﻈﺔ أن ﻳﺠﻌﻠﻪ ﺑﻌﻴﺪا ً ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻦ اﻷذﻫﺎن. واﻧﺘﺒﺎه واع ﺑﺪور اﻟﺸﻌﺐ ﻓﻲ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﺑﻄﻮﻻت ﻫﺬا اﻟﺤﺪث وﻟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﺮوع » ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺴﻴﺮ وﻳﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺗﺼﻮر اﻟﺴﻴﺎق اﻟﻌﺎم ﻟﻠﺤﺪث اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ وﻳﺴﺪ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ« أن ﻧﺸﻴﺮ إﻟﻰ أن أﺣﺪ أﺑﺮز ﺣﻮاﻓﺰﻧﺎ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻟﻔﺠﻮة اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﻋﺠﺰ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻋﻦ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع /اﻟﺤﻠﻢ ﻟﻠﺨﺮوج إﻟﻰ اﻟﻨﻮر ﻫﻮ ﻣﺎ ﻟﻤﺴﻨﺎه ﺳﺪﻫﺎ وﺑﻌﺚ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﻬﻴﻜﻞ اﻟﻌﻈﻤﻲ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻠﺤﺔ ﻟﺮﻓﺪ ﻧﺼﻮص اﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺎﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻋﻠﻤﻲ وﻣﻨﻬﺠﻲ رﺻﻴﻦ '/ /Â " ±Ù وﻣﺘﻤﺎﺳﻚ اﻟﺠﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ اﻟﻤﺼﺎدر ﻋﻦ أﺣﺪاث وﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻔﺘﺢ وأﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﻜﻤﺎل ﻗﺪر اﻟﺠﻬﺪ. اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻤﺼﺮ. ﺛﻢ ﺗﻮاﻟﻰ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﻤﺒﺬول وﺗﺼﺪﻳﺖ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت أﻟﻢ ﻳﺤﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻨﺮى ﻓﻲ وﻃﻨﻨﺎ ﻣﺮﻛ ًﺰا ﻹﺣﻴﺎء ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﺳﻴﺮة ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻀﻤﻨﺖ ﻗﺮاءة ﺟﺪﻳﺪة ﻷﺑﻄﺎل اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ؟ ﻛﻦ واﻗﻌﻴًﺎ واﻃﻠﺐ اﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ!
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
71
إﺿﺎءة
ﻧﺤﻮ إﺣﻴﺎء ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻇﻞ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر وﺣﺘﻰ وﻗﺖ ﻗﺮﻳﺐ، ﺧﺎرج اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ اﻷدﺑﻴﺔ أو اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ أو اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺤﻆ ﺑﺎﻋﺘﺮاف اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺑﺎت ﺑﺮﻏﻢ ﻛﻮﻧﻪ ﺟﺰ ًءا ﻗﺼﺼﺎ ﻫﺎﻣﺸﻴًﺎ ،Marginalﻻ ﻳﺆﺑﻪ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث ،أدﺑًﺎ أو ً ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ أو ﺑﻌﻴﺪ ﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻋﺮﺑﻲ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﻔﺮاغ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺑﺪت اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺳـﺪ ﻫﺬا اﻟﻔﺮاغ ﻣﺎﺳﺔ .ذﻟﻚ أن اﻣﺘﺪاده ﻳﻨﺬر ﺑﺨﻄﺮ ﻣﺆﻛﺪ ﻳﺤﺪق ﺑﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ ﻣﺎﺿﻴﻬﺎ وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﻳﺰداد اﻷﻣﺮ وﻃﺄة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺘﺒﻴﻦ أن ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻫﺘﻤﺎم واﺳﻊ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر ﻫﺬه اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت واﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺟﺰءا ﻣﺤﻮرﻳًﺎ ﻣﻦ ﻫﻮﻳﺔ اﻷﻣﺔ وﺛﻘﺎﻓﺔ أﻓﺮادﻫﺎ .ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻷﺳﺎس ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ ﻟﻠﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻷدب واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺗﻀﻊ ﺿﻤﻦ أﻫﺪاﻓﻬﺎ وﻫﻤﻮﻣﻬﺎ .ﺟﻤﻌﻬﺎ وﺻﻮﻧﻬﺎ وﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ وﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ وإﻧﺸﺎء ﻣﺮﻛﺰ ﻹﺣﻴﺎء وﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ودار اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺑﻤﺼﺮ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻜﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻷورﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻫﻲ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻫﻤﻴﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ دراﺳﺘﻬﺎ ﻣﻦ زواﻳﺎ ﻣﺘﻌﺪدة .ﻓﻤﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ إﻧﻬﺎ ﺗﻌ ّﺒﺮ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﻔﺌﺎت اﻟﻤﻄﺤﻮﻧﺔ واﻟﻤﻬﻤﺸﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ أو ﺗﺄﻟﻴﻔﻬﺎ أو رواﻳﺘﻬﺎ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﻬﺬه اﻟﻔﺌﺎت ﻋﺒﺮ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻞ ،ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ أو اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻌﻜﺴﻪ ﻟﻨﺎ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻴﺔ اﻟﺸﻔﺎﻫﻴﺔ واﻟﻤﺪوﻧﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﺴﻴﺮ .وﻫﺬه اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ
70
ﻧﺤﻮ إﺣﻴﺎء ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ
د .ﻋﻤﺮو ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﻨﻴﺮ
وﻇﺎﺋﻒ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ وﻇﺎﺋﻒ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻧﻘﻴﺲ ﺑﻬﺎ ﻣﺪى ﺗﻄﻮره ،وﻣﺪى ﺛﺒﺎﺗﻪ أو ﺗﻐﻴﺮه .ﻫﺬا إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ أﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺪرس ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺴﻴﺔ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻤﻨﺘﺠﺔ ﻟﻬﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻧﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻇﺮوف ﻫﺬه اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت وﻃﺒﺎﺋﻌﻬﺎ وﻋﺎداﺗﻬﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ .وﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻧﺘﻠﻤﺲ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ؛ أو ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺑـ )اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺜﺎﻟﺚ( ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ أي اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻨﻔﺴﻲ واﻟﻮﺟﺪاﻧﻲ ورؤﻳﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﺘﺎرﻳﺨﻬﺎ وﻟﺬاﺗﻬﺎ وﻟﻠﻜﻮن واﻟﻈﻮاﻫﺮ واﻷﺣﺪاث ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ. اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻛﻤﻜ ّﻮن أﺳﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﻣﻜ ّﻮﻧﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ودورﻫﺎ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ، وﺑﻠﻮرة اﻟﻬﻮﻳﺔ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻫﻮ ﻣﻮﺿﻮع ﺑﺎﻟﻎ اﻷﻫﻤﻴﺔ .ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ،إذ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﺛﻨﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻳﻠﻌﺒﻪ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ واﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﺑﻠﻮرة اﻟﻬﻮﻳﺔ ﻟﻜﻞ ﺷﻌﺐ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب .ﻻ ﺑﻞ أﺣﺪ أﻫﻢ اﻟﻤﺮﻛﺒﺎت اﻷوﻟﻰ واﻷﺳﺎﺳﻴﺔ وﻟﺬا ،ﻣﺎ ﻳﻬﻤﻨﺎ أﻛﺜﺮ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ :ﻛﻴﻒ ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻪ وﻧﻮﻇﻔﻪ ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﻫﻮﻳﺘﻨﺎ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ؟ ِ اﻟﻤﺎﺿﻴﻴﻦ ﺷﻬﺪا وﻻدة اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﺜﻴﺮ ﻟﻼﻧﺘﺒﺎه أن اﻟﻘَﺮﻧﻴﻦ ﺑﻄﺒﺎﻋﺔ ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻃﺒﻌﺎت ﻣﻨﺘﻘﺼﺔ راﺟﺖ ﺑﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻓﺌﺎت اﻟﺸﻌﺐ ،وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﻃﺒﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ وﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ إﻋﺎدة إﺣﻴﺎء ودراﺳﺔ وﺗﺤﻘﻴﻖ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع إﻟﻰ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻷﺻﻠﻴﺔ :ﻗﺼﺔ ﺳﻴﺮ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ وﻣﺤﺎرﺑﺘﻪ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻬﻀﺎم ،وﻓﺘﻮح اﻟﻴﻤﻦ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑﺮأس اﻟﻐﻮل، وﻗﺼﺔ اﻟﺰﻳﺮ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب وﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻺﻣﺎم ﻋﻠﻲ اﻟﻔﺎرس اﻟﻤﻬﺎب ،وﺳﻴﺮة اﻟﻌﺮب اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ،وﻗﺼﺔ دﻳﻮان اﻷﻳﺘﺎم ،وﻗﺼﺔ ﻗﺘﻞ اﻷﻣﻴﺮ دﻳﺎب ،وﺳﻴﺮة ﺑﻨﻰ ﻫﻼل ﻓﻲ ﻗﺼﺔ
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ رﺑﻴّﻊ اﻟﻘﺘﺒﻲ:
ﻛـــــﺎن ﻗـــﻮﻟـــﻚ ﻛـــﻠّـــﻪ اﺻـــﺪاﻗـــﻲ ﺑــﺎﺣــﻚ اﻟــﻠــﻪ ﺗــﺴــﺠــﻊ اﻟـــﻮﻧّـــﻪ)(1 ﻻ ﻳـــﻠـــﻴـــﺞ وﻻ ﺑـــﻌـــﺪ ﻻﺟـــﻲ وﻻ ﻣـــﻘـــﺎم اﻟـــــــﺪار ﻫـــﺎوﻧّـــﻪ ﻗــﻠــﺒــﻲ ﺗــــﻮﻟّــــﻊ ﺑـــﺎﻻﺷـــﻮاﻗـــﻲ ﺑــــﺎح ﻣـــﺎ ﻓـــﻲ اﻟـــﻴـــﻮف ﺧــﺎﻓ ـ ّﻨــﻪ ﻣــــﺎ ﻳـــﻔـــﻴـــﺪه ﻃــــﺐ وﻋـــﻼﺟـــﻲ ﻻ وﻻ ﻣـــــﺎﻳـــــﺎت ﻳــﻄــﻔــ ّﻨــﻪ ﻏــﻴــﺮ ﺷـــﻮﻓـــﻪ ﻣـــﺎﻟـــﻲ اﻟــﺴــﺎﻗــﻲ ﺣــﻴــﻦ ﻣـــﺎ ﻃــــﺎر اﻟــﻐــﺸــﺎ ﻋ ـ ّﻨــﻪ ﻳــﺎ »ﻣــﻌــﻴــﻮف« اﻟــﺼــﺪر ﻗــﺪ ﺿﺎﻗﻲ ﻣــــﻦ ﺧــــﻮ ّﻳــــﻚ ﻟــــﻲ ﻣــﺸــﺎﻛــ ّﻨــﻪ وا ْﻋـــــﺒـــــﺮات اﻟـــﻌـــﻴـــﻦ ﻫـــ ّﺮاﻗـــﻲ ع اﻟــــﻮﺟــــﻦ واﻟــــﺨــــﺪ ﺳــﺎﻗــ ّﻨــﻪ ﻟـــﻲ ﻣــﻬــﺮﻧــﻲ ﻣــﻬــﺮ اﻻوراﻗــــــﻲ واﻟـــــﻮﺳـــــﻢ ﻳـــﻮﻓـــﻲ ﻣــﻌــﺮﻗــ ّﻨــﻪ ذاك ﻟــﻲ ﻓــﻲ اﻟــﻘــﻠــﺐ ﻣﺸﺘﺎﻗﻲ ﻻ ﻧـــﺴـــﻴـــﺘـــﻪ وﻻ ﺑـــﻨـــﺎﺳـــ ّﻨـــﻪ واﻟـــﺴـــﺒـــﺐ ﺧـــﺎﻳـــﻠـــﺖ ﺑـــ ّﺮاﻗـــﻲ ﺳــــــــﺎري ورﻋـــــــــﻮده ْﻣــــﺪﻧّــــﻪ ٍ ﺳـــﻌـــﺪ ﻣــــﻦ ﺳـــﺎﻓـــﺮ ﺑــﺘــﻮﻓــﺎﻗــﻲ ـــﻲ ﺧــ ّﻨــﻪ ﻓـــــﻮق ﻣـــﺮﻛـــﺐ ﺧــــﺎﻟـ ٍ ﺑـــﺎﻳـــﻨـــﺎﺣـــﻲ ﻃـــــﺮف ﻟــﺸــﺮاﻗــﻲ ﻳـــﺨـــﻒ واﻟـــــﺪﻳـــــﺮه ﻣـــﺠـــﺪﻧّـــﻪ ) (1ﺗﻨﻄﻖ اﻟﻘﺎف واﻟﺠﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﻄﺮ اﻷول ﺟﻴ ًﻤﺎ ﻗﺎﻫﺮﻳﺔ.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
69
ﺷﻌﺮاء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ
ijķŸ źŹťŀ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺷﻜﻮى ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ رﺑﻴّﻊ اﻟﻘﺘﺒﻲ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻌﻤﻼن ﻓﻲ اﻟﺪﻣﺎم ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻋﺎم 1957م ،ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف:
»ﺑــﻮﺣــﻤــﻴــﺪ« اﻟــﻘــﻠــﺐ ﻣـــﺎ ﻻﻗــﻲ
ﺑــــ ّﻴــــﺢ ﺑــــﺴــــﺪﱟ ﻣـــﻐـــﺒـــ ّﻨـــﻪ)(1
ﻧـــــﺎح وﺗــــﻮﻳّــــﻊ م اﻻﺷــــﻮاﻗــــﻲ
وﻧـــــــﺎ َوح اﻟــــﻮرﻗــــﺎ ﻋــﻠــﻰ ﻓ ـ ّﻨــﻪ
ﻳــﺸــﺘــﻜــﻲ ﻣـــﻦ ﻛــﺜــﺮ ﻟــﻔْــﺮاﻗــﻲ
واﻟـــﺒـــﺤـــﺮ ﻗـــــــ ّﻮﻩ ْﻣــﺠــﺴــ ّﻨــﻪ
واﻟــــﻮﺻــــﻞ ﻣـــﻦ دوﻧـــــﻪ اﻏــﻼﻗــﻲ
ـــــﻮي ﻫــــﺐ ْﻣـــﻮاﺣـــ ّﻨـــﻪ ﻧـــــﺰو ﻣـ ٍ
آه ﻳــــﺎ ﻣــــﻦ ونّ ﻣــﻌــﺘــﺎﻗــﻲ
ٍ ـــــــﺪرك واﻟـــــﻌـــــﻮق ﺳـــﺎﺑـــ ّﻨـــﻪ ﻣـ
ﻓـــﻲ اﻟـــﺪﺧـــﺎﺗـــﺮ ﻣـــﺎ ﻟـــﻪ ﻋــﻼﺟــﻲ
ﻏــﻴــﺮ ﻟــﻲ ﻛـــﺎن اﻟــﺴــﺒــﺐ ﻣــﻨــﻪ)(2
ﺑــــﺎت دﻣــــﻊ اﻟــﻌــﻴــﻦ ﻫـــ ّﺮاﻗـــﻲ
..........................................
ﻣــــﻦ ذﻛـــــﺮ داره وﻣــﺸــﺘــﺎﻗــﻲ
واﻟــــﻮﻃــــﻦ ﻟــــﻲ ﻓـــﻴـــﻪ ﻣــﺰﻫــ ّﻨــﻪ
ــــــﺎري ﻟــــﻲ ﻣـــﺎﻟـــﻲ اﻟــﺴــﺎﻗــﻲ ﻃـ ٍ
ﺑـــﺎﻟـــﻤـــﻌـــﺎﻧـــﻲ ﻗـــﺎﻃـــﻊ اﻟــﻬــ ّﻨــﻪ
ﺑــــﻮ ﻳــــﺪاﻳــــﻞ ﺳـــﻤـــﺮ واﻃـــﻼﻗـــﻲ
ﻟـــﻮ َو َرد ع اﻟـــﻌـــﺪّ ﻳــﺴــﻘ ـ ّﻨــﻪ
ﻣــﺴــﻜــﻨــﻪ ﻓـــﻲ ﻃــــﺮف ﻟــﺸْ ــﺮاﻗــﻲ
ﻣـــﻮﻗـــﻊٍ ﻳــﺸــﺒــﻪ ﻋــﻠــﻰ اﻟــﺠــ ّﻨــﻪ
ﻳــﻌــﻠــﻬــﻢ ﻳـــﺴـــﻘـــﻮن ﺑــــ ّﺮاﻗــــﻲ
واﻟـــﺴـــﺤـــﺐ ورﻋــــــــﻮده ﻣـــﺪﻧّـــﻪ
ﺗــﺼــﺒــﺢ اﻟـــــﻐـــــﺪران ﻫـــ ّﺮاﻗـــﻲ
ﻣـــﻦ ﻓــﻀــﺎﻳــﻞ ﻟـــﻲ ﻟـــﻪ اﻟــﻤــ ّﻨــﻪ
واﻟـــﻌـــﺸـــﺐ ﺗـــﺎﻳـــﻪ ﺑــــﺎﻻوراﻗــــﻲ
رب ﻣـــﺴـــﻮﻧّـــﻪ ﻣـــــﻦ ﻓـــﻀـــﻞ ﱟ
) (1ﺗﻨﻄﻖ اﻟﻘﺎف ﻓﻲ اﻟﺸﻄﺮ اﻷول ﺟﻴ ًﻤﺎ ﻗﺎﻫﺮﻳﺔ. ) (2ﻋﻼﺟﻲ :ﺗﻨﻄﻖ اﻟﺠﻴﻢ ﻫﻨﺎ ﺟﻴ ًﻤﺎ ﻗﺎﻫﺮﻳﺔ أﻳﻀً ﺎ.
68
ﻣﻦ رواﺋﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ
©ƁDž ŵǂ ŹŨª ــﻲ ﻳـــﺎ ﻣــﺮﺣــﺒــﻴــﻦ ﺑـــﺸـــﻮف ﻟـــﻮ َﻫـ ّ ﺗــﺮﺣــﻴــﺐ م اﻟـــﺨـــﺎﻃـــﺮ ووﻟـــﻬـــﺎن ﻋـــﻠـــﻰ ﻋـــــﺪد ﻣــــﺎ ﺗـــﻤـــ ّﺮ ﺗــﻤــﺸــﻲ وﻋــﻠــﻰ ﻋـــﺪد ﻣــﺎ ﺗْــﻄــﻴــﺢ اﻻوﻃــــﺎن وﻋـــﻠـــﻰ ﻋــــﺪد رﻳــــﺢ اﻟــﺸــﻤــﻄــﺮي وﻋــﻠــﻰ ﻋـــﺪد ﻣــﺎ ﺗــﺸــﻮف اﻷﻋــﻴــﺎن وأﻋــــــــﺪاد ﻣــــﺎ ﺑــﺘــﺴــﻴــﺮ وﺗــﺠــﻲ واﻋـــــــﺪاد ﻣـــﺎ ﻧــــﻮد اﻟــﻔــﺠــﺮ ﺑــﺎن واﻋـــــــﺪاد ﻣـــﺎ ﺑـــﺎﻟـــﻜـــﻮس ﺗـــﺬري واﻋــــــﺪاد ﻗــﻄــ ٍﺮ م اﻟــﺴــﺤــﺐ ﻻن ﺣــﻲ ﻣـــﻦ ﻋــﻘــﺒــﻬــﺎ ﺗــ ّﻤــﻴــﺖ ﻫـــﺐ ّ ودﻣـــــﻮع ﻋــﻴــﻨــﻲ ﻓــــﻮق اﻷوﺟــــﺎن ﻛـــﺎن اﻟـــﺴـــ َﻮل ﻣـــﺎ ﻳـــﺎب ﻟـــﻲ ﺷﻲ ﺷـــــﻲ ﻣــــﺎ ﻟــــﻪ اﺛـــﻤـــﺎن ﺑـــﺴـــﻮم ﱟ اﻏـــﺒـــﻲ وﺷـــــــﻲ ـــــﻲ ﺑــــﻴــــﺎن ّ ﱟ ﺷـ ﱟ وﺣـــﺘـــﻰ ذﻟـــﻮﻟـــﻲ ﺑــﻨــﺖ ﻇــﺒــﻴــﺎن وﻓـــﻲ ﺧـــﺎﻃـــﺮي ﻛــﺎﻧــﻪ ﻃـــﺮى ﺷﻲ ﺑـــﺮﻗـــﺪ ﻫــﻴــﺎﻫــﺎ ﺗــﺤــﺖ ﻟـــ ْﻐـــﺪان
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
67
ﺷﻌﺮاء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ
ﻣﻦ رواﺋﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ 66
©ĮƀĽŨėª اﻟـــﺴـــﻴـــﺢ ﺧـــــــﺎزت ﻟــــﻪ ﺣــﻼﺗــﻪ وﻣــــﻦ اﻟـــﻌـــﺮب ﻃـــﺎﺑـــﺖ ﻣــﻴــﺎرﻳــﻪ ﻫـــﻠْـــﻜَـــﺖ ﻋــــــﺪوده ﻣـــﻦ ﻣــﻬــﺎﺗــﻪ ﻏـــﺐ اﻟــﺒــﻴــﺖ ﻃــﺎرﻳــﻪ واﻟـــﻜـــﻮس ّ ﺣـــــــﺪّ ﻧــــﻴــــﺎ ﻳـــﺒـــﻐـــﻲ ﺑـــﻴـــﺎﺗـــﻪ اﻟــﻔــﻠــﻲ ﻏﺮﺑﻴﻪ وﺣــــﺪّ ﺳــﻜــﻦ ع ْ ﻃـــﻠـــﺒـــﺖ رﺑـــــــﻲ ﺑــــﻘــــﺪراﺗــــﻪ ٍ ﻓــــــﺮض ﻧــﺼ ـﻠّــﻴــﻪ ﻋـــﻠـــﻰ ﻋـــــﺪد ﻣــــﻦ ﻣــــﺮﻋــــ ٍﺪ ﺳـــــﻮد ا ْﻣـــﺰﻧـــﺎﺗـــﻪ ﻛـــﻨـــﻴـــﻒ وﺑـــــﺮوﻗـــــﻪ ﺗــﻼﻇــﻴــﻪ ﻳــــــﻮم اﻟــــﻤــــﺒــــ ّﺮج ﺑــﻐْــﻔــﻼﺗــﻪ ﻫـــﺎﻳـــﻊ وﻛـــــﻞ اﻟــــﻨــــﻮم ﻏــﺎﻓــﻴــﻪ ﻳــﺴــﻘــﻲ »اﻟـــﻴـــﻔـــﺮ« وﻣـــﻮﻳـــﺮداﺗـــﻪ وﻋــﻠــﻰ »اﻳــــﺪ ّﻳــــﻪ« وﻳـــﻦ ﻧﺒﻐﻴﻪ وﻋــﻠــﻰ »اﻟــﻤــﺤــﺎذف« وﺑْــﺪاﻋــﺎﺗــﻪ و«ﺧـــﺒـــﻲ« ﻳﻨﻮﺑﻴﻪ و»اﻟــــﻨــــﻮف« ﱟ وﺧْــــﻼف ﻳــﺴــﺠــﻲ ع » ْﺣــﺪﺑــﺎﺗــﻪ« واﻟــﺴــﻴــﺢ ﻳــﻌــﻞ اﻟـــﻴـــﻮد ﻳﺴﺠﻴﻪ ﺗــــﻴــــﺮي أوﻃـــــﺎﻧـــــﻪ واﻧــــﺰﻻﺗــــﻪ ﻫـــ ّﻤـــﺎل ﻟـــﻲ ﻣـــﺎ وﻗــــﻒ ﻳــﺎرﻳــﻪ وﺗـــﺮﺟـــﻊ وﻃــــــﻮره واﺷـــﺮﻫـــﺎﺗـــﻪ وﻳـــﺸـــ ّﻮق اﻟــــﺮ ّوﻳــــﺪ ﻟـــﻲ اﻳّــﻴــﻴــﻪ ﻋــﻴــﻦ اﻟــﻐــﻀــﻲ زﻳــــﻦ اﻧــﺴــﻌــﺎﺗــﻪ ﺑـــﻮ ﻣــﻀــﻤــ ٍﺮ زان اﻟــﺤــﻘــﺐ ﻓﻴﻪ ﻳــــﻠّــــﻲ ﻳــــﺮ ّﺣــــﺐ ﻣــــﻦ ﺑــﻬــﺎﺗــﻪ وﻳــــﺒـ ّ ـــﺶ ﻳـــــﻮم ﻳـــﺸـــﻮف ﻻﻓــﻴــﻪ
ﻣﻦ رواﺋﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ
وﻓﺎﺗﻪ أﺻﻴﺐ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ٍ ﺑﻤﺮض ﻋﻀﺎل ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﻟﻢ ﻳﺸﻒ ﻣﻨﻪ ،ﻛﻤﺎ أﺻﻴﺐ ﺑﺪا ٍء ﺟﻠﺪي أﺛ ّﺮ ﻋﻠﻰ ﻟﻮن ﺟﻠﺪه رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،وﻇﻞ ﻃﺮﻳﺢ ﻓﺮاﺷﻪ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات، اﻧﺘﻘﻞ ﺑﻌﺪﻫﺎ إﻟﻰ رﺣﻤﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﻓﻲ »اﻟﻬ َﻴﺮ« ﺑﺘﺎرﻳﺦ 25ﻓﺒﺮاﻳﺮ ،2015ﻓﺮﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ رﺣﻤﺔ واﺳﻌﺔ أﻏﺮاﺿﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ
ﺗﺘﺮﻛﺰ أﺷﻌﺎر اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ اﻟﻜﺘﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﺰل ،وﻳﻜﺎد اﻟﻐﺰل ﻳﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ آﺛﺎره اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﺸﻜﺎوى، وﻻ ﻏﺮو ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻐﺰل ﻫﻮ اﻟﻤﺎدة اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﻄﺮب ﻟﻬﺎ اﻟﻨﺎس وﻳﻔﻀﻠﻮن ﺳﻤﺎﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻫﻨﺎك اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﻐﺰﻟﻴﺔ اﻟﻤﺸﻬﻮرة ﻟﺸﺎﻋﺮﻧﺎ واﻟﺘﻲ ﻣﺎ زال اﻟﻨﺎس وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻳﺮ ّددوﻧﻬﺎ داﺋ ًﻤﺎ ،وأﺷﻬﺮ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ »اﻟﻮﻫﻲ« وﻫﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻟﻪ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻗﺼﻴﺪة ّ اﻟﺨﺴﻤﻴﻨﻴﺎت اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻊ أﻫﻠﻪ وﻫﻢ ﻳﻘﻀﻮن ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﻫﻨﺎك .وﻗﺪ ﺟﺎءﻫﻢ ﻗﻮم ﻣﻊ ﺣﻼﻟﻬﻢ وإﺑﻠﻬﻢ ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻬﺪف وﻫﻮ اﻟﺮﻋﻲ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻄﻘﺔ »اﻟﺠﺮي« ﺑﺮأس اﻟﺨﻴﻤﺔ ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﻤﻮﺳﻢ اﻟﺮﻋﻲ اﻟﺠﻴﺪ ﻓﺘﻜﻮن ﻣﺮاﻋﻴﻬﺎ ﺧﻀﺮاء ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺳﻢ اﻷﻣﻄﺎر وﻟﺘﺼﺒﺢ ﻗﺒﻠﺔ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﻮاﺷﻲ واﻹﺑﻞ ﻹﺳﺘﻐﻼل ﻣﺮاﻋﻴﻬﺎ .وﻛﺎن ﻣﻊ اﻟﻘﻮم اﻣﺮأة ﻳﺸﻬﺪ »اﻟﻮﻫﻲ« ﻓﻘﺎل اﻟﻜﻞ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ وﻃﻴﺒﺔ أﺧﻼﻗﻬﺎ وﻛﺮﻣﻬﺎ وﺗﺴﻤﻰ ّ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻓﻴﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺮ ّدد ﺣﺘﻰ اﻵن، واﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ:
ﻳﺎ ﻣﺮﺣﺒﻴﻦ ﺑﺸﻮف »ﻟــ ْﻮﻫﻲ« ﺗﺮﺣﻴﺐ م اﻟﺨﺎﻃﺮ ووﻟــــﻬﺎن ﻋﻠﻰ ﻋﺪد ﻣﺎ ﺗﻤﺮ ﺗﻤـــــﺸﻲ وﻋﻠﻰ ﻋﺪد ﻣﺎ ﺗﻄﻴﺢ اﻻوﻃﺎن إﻟﻰ آﺧﺮ اﻟﻘﺼﻴﺪة أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻜﺎوى ﻓﻘﺪ ﺗﺸﺎﻛﻰ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ رﺑﻴﻊ اﻟﻘﺘﺒﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻣﺎم ﻋﺎم1957م ،ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺎﻛﻰ ﻣﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻬﻴﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ واﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻫﻨﺪي وﻏﻴﺮه ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء. ﻟﻘﺎﺋﻲ ﻣﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ
اﻟﺘﻘﻴﺖ ﻣﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻋﺎم 1999م ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻬﻴﺮ وﻛﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﺼﺤﺔ ﺟﻴﺪة وﺑﺮﻓﻘﺘﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻬﻴﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ .وﻗﺪ ﺗﺤﺪث ﻟﻲ ﻋﻦ ﺳﻴﺮة ﺣﻴﺎﺗﻪ وﺳ ّﺠﻠﺖ ﻣﻌﻪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪه اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ .وﻛﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﻀﻴﺎﻓًﺎ ﻛﺮﻳ ًﻤﺎ ﻣﺤ ّﺒﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻟﻄﻴﻔًﺎ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ،وﻓﻲ ﻋ ّﺪﻩ ﻟﻠﻘﺼﻴﺪ وﺳﺮده ﻟﻠﻘﺼﺺ وﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻤﺎﺿﻲ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
65
ﺷﻌﺮاء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ
ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ
ﻟﻢ ِ ﺗﺄت اﻟﻤﻮﻫﺒﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻟﺸﺎﻋﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﻓﺮاغ ،ﻓﻜﻤﺎ ذﻛﺮت ﻛﺎن ﻫﻨﺎك واﻟﺪه وﻋ ّﻤﻪ ﺷﻌﺮاء ﻣﻌﺮوﻓﻴﻦ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎش ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ دو ٌر ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﻌﻠّﻘﻪ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﺛﻢ ﻗﻮﻟﻪ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻓﻲ اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت واﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺸﻌﺒﻴﻴﻦ اﻟﻤﻌﺮوﻓﻴﻦ أﻣﺜﺎل ﺑﻦ ﺣﻠﻮه واﻟﺮﻓﻴﺴﺎ واﻟﺨﻴﺎل وﺑﻦ ﻗﻨﺶ وﺑﻦ ﺣﻠﻴﺲ وﻏﻴﺮﻫﻢ ،وﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻫﻼل اﻟﻈﺎﻫﺮي وﻣﻄﺮ ﺑﻦ ﺧﺎدم وﻋﻴﺪ اﻟﻈﺎﻫﺮي وﺑﻦ ﺣﻢ وﻏﻴﺮﻫﻢ ﻛﺜﻴﺮون .وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻔﻄﺎﺣﻞ أﺷﺪ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﺪراﺗﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻓﻜﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻳﺤﻔﻆ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﺷﻌﺎرﻫﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ ﻣﻨﻬﻢ أو ﻳﺮوﻳﻬﺎ أﻫﻠﻪ وأﺻﺤﺎﺑﻪ ورﻓﺎﻗﻪ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺎﺗﻬﻢ وأﺳﻔﺎرﻫﻢ .ﻛﻤﺎ أن اﺑﺘﻌﺎد اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻦ أﻫﻠﻪ وﻋﻤﻠﻪ ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ ﺑﻌﻴﺪة وﻓﺮاﻗﻪ ﻋﻨﻬﻢ أﺛ ّﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺘﻪ وﻓﻜﺮه ﻓﺠﺎدت ﻗﺮﻳﺤﺘﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ وﻗﺎل اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺷﻌﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ اﻟﺤﻨﻴﻦ واﻟﺸﻮق إﻟﻰ اﻟﻮﻃﻦ واﻷﻫﻞ واﻷﺣﺒﺎء .وﻣﺜﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻗﺼﺎﺋﺪه اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﻬﺎ أﺛﻨﺎء ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺪﻣﺎم ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺼﺎﺋﺪه اﻷﺧﺮى ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة »داس«. وﻗﺪ أﺛ ّﺮت ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻋﺪة ﻋﻮاﻣﻞ ﺑﻴﺌﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻛﺎن ﻟﻬﺎ دو ٌر ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻋﻴﺔ أﺷﻌﺎره وﻗﺼﺎﺋﺪه. وﻛﻤﺎ ذﻛﺮت ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺒﻌﺪ واﻟﻔﺮاق أﻫﻢ ﻫﺬه اﻟﻤﺆﺛﺮات اﻟﺘﻲ
64
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ
ﺻﻘﻠﺖ ﻣﻮﻫﺒﺘﻪ وﻗﺎل ﺣﻴﻨﻬﺎ أﻓﻀﻞ ﻗﺼﺎﺋﺪه ،ﻛﻤﺎ أن ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺪاوة واﻟﺘﻨﻘّﻞ ﺧﻠﻒ اﻟﻜﻸ واﻟﻤﺮﻋﻰ ﻛﺎن ﻟﻪ أﺛ ٌﺮ ﻛﺒﻴﺮ أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮﻫﺒﺔ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻓﻲ اﻷﻣﻜﻨﺔ اﻟﺘﻲ زارﻫﺎ وﺳﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻼل ﻓﺘﺮات اﻷﻣﻄﺎر واﻟﺮﻋﻲ ﻣﺜﻞ واﻟﺨﺒﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﺎﻋﺪي وإﻳﺪﻳﻪ واﻟﺬﻳﺪ وﺑﺒﺎﺗﻪ وﻓﻠﺞ اﻟﻤﻌﻼ ّ واﻟﻴﻔﺮ واﻟﻤﺤﺎذف واﻟﺴﻴﺢ وﻏﻴﺮﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ أﺛ ٌﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺻﻘﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻮﻫﺒﺔ ﻓﻲ إﺑﺪاﻋﺎﺗﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻓﻘﺎل ﻗﺼﻴﺪة ﻓﻲ »اﻟﺴﻤﺮة« وﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻤﻮ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻮح واﻟﺮﻣﺎل واﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺰة ﻛﺒﻴﺮة ﻟﺪى اﻟﺒﺪوي ،إذ ﺗﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ أوراﻗﻬﺎ وﺛﻤﺮﻫﺎ إﺑﻠﻪ وأﻏﻨﺎﻣﻪ ،وﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻛﻈﻞ ﻓﻲ أوﻗﺎت اﻟﺤﺮ اﻟﺸﺪﻳﺪ ،ﺧﺎﺻﺔ أﺛﻨﺎء رﺣﻼﺗﻪ وﺳﻔﺮاﺗﻪ ﻋﻠﻰ إﺑﻠﻪ أو ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﻋﻰ ﺣﻼﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء .أﻣﺎ اﻟﻤﻄﺮ واﻟﺤﻴﺎ ﻓﻜﺎن ﻟﻪ دو ٌر ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ أﺷﻌﺎره وﻫﻨﺎك أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺮ واﻟﻐﻴﺚ وﻳﺘﻤﻨﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻄﻮﻟﻪ ﻋﻠﻰ دﻳﺎره واﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺒﻬﺎ وﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ أﻫﻠﻪ وأﺣﺒﺎﺋﻪ .وﻳﻼﺣﻆ ﻓﻲ أﻏﻠﺐ ﺷﻌﺮه ﻗﻮة اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ وﺳﻼﺳﺔ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﺪون ﺗﻜﻠ ٍّﻒ ﻳﺬﻛﺮ .ﻛﻤﺎ أن اﻟﻤﻔﺮدات اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وأﺳﻤﺎء اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ واﻟﻤﻮاﺿﻊ واﻻﻣﺎﻛﻦ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﻬﺎ ﻗﺼﺎﺋﺪه وﺗﻜﺎد ﻻ ﺗﻘﺮأ ﻗﺼﻴﺪة ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪة إﻻ وﺗﺮى ﻓﻴﻬﺎ اﺳﻢ ﻣﻮﺿﻊ أو ﻣﻮرد أو ﻣﻜﺎن ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻋﺒﺮه اﻟﺸﺎﻋﺮ أو ﻣ ّﺮ ﻋﻠﻴﻪ أو ﺳﻜﻦ ﻓﻴﻪ .وﻳﺪل ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ارﺗﺒﺎط ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن وﺣﺒﻪ ﻟﻠﻤﻨﺎﻃﻖ واﻟﻤﻮاﺿﻊ اﻟﺘﻲ ﻋﺎش ﻓﻴﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﻳﺮى ﻓﻴﻬﺎ ذﻛﺮى ﻷﺣﺒﺎﺑﻪ وأﺻﺪﻗﺎﺋﻪ وأﻫﻠﻪ.
أن ﻳﻔﺮح ﺑﺬﻟﻚ ،ﻟﻢ ﻻ وﻫﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﺮف اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ ﻗﺼﻴﺪة ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺼﻌﺒﺔ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة داس ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ: اﻟﻠﻪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺻﺎﻫﺮ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﻮﻣﺘﻪ ،ﻓﺄﺑﻰ إﻻ أن ﻳﻌﻤﻞ آون ﻣﻦ ﺣﺎلٍ ﺑﺪاﻧﻲ ٍ ﺷﺨﺼﻲ ﻟﻪ ،ﺛﻢ أوﻛَﻞ وﺣﺎرس ﻣﻌﻪ ،ﻓﻼزﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻛﻤﺮاﻓﻖ ٍ ﻓﻲ »داس« ﻣﺎﺧﺬ ﻣﺪّ ة ﺷﻬﻮر إﻟﻴﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ وﺣﺪة ﺣﺮاﺳﺔ ﻗﺼﺮ اﻟﻌﻴﻦ آﻓ ّﺰ ﻟﻮ ﻧﻮﻣﻲ ﻏﺸﺎﻧﻲ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻗﻠﻌﺔ اﻟﻤﺮﺑﻌﺔ واﻟﺠﺎﻫﻠﻲ .وﻗﺪ ﻋﻤﻞ ﻫﻨﺎك رﺣﻤﻪ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻃﺮى ﻟﻲ زﻳﻦ ﻟﺨْﺼﻮر اﻟﻠﻪ ﻟﻤﺪة ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ،ﺛﻢ ﺗﻘﺎﻋﺪ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ، ﺣ ّﺒﻪ ﻣﺸ ّﻴﺪ ﻟﻪ ﻣﺒﺎﻧﻲ واﺳﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻧﺸﺌﺖ وﺳﻂ اﻟﺤﺸﺎ ﺑﺎنٍ ﻟﻪ ﻗﺼــﻮر اﻟﻤﺴﺎﻛﻦ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »اﻟﻬﻴﺮ« ،ﻓﻔﻀّ ﻞ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺴﻘﻂ رأﺳﻪ ﺑﻴﻦ أﻫﻠﻪ وﻋﺸﻴﺮﺗﻪ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻟﻪ ﺑﻴﺘًﺎ ﻫﻨﺎك وأﻗﺎم وﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻠﻢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ دﻓّﺔ اﻷﻣﻮر ﻓﻲ إﻣﺎرة ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ وأﺑﻨﺎﺋﻪ وﺑﻨﻲ ﻋﻤﻪ ،وﻇﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »اﻟﻬ َﻴﺮ« أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻛﺤﺎﻛﻢ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ أﻏﺴﻄﺲ ﻋﺎم 1966م ،ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺣﺘﻰ وﻓﺎﺗﻪ.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
63
ﺷﻌﺮاء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪه اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ واﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎقٍ واﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ. ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء ﻛﺎن ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻳﻌﻮد ﻣﻊ أﻫﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻘﺮوا ﺑﺪاﻳ ًﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﻮي »ﻟ ْﻴﻔﺎر« ﻓﻲ ﺟﻬﺔ اﻟﺸﺮق ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟ َﻬ َﻴﺮ ،ﻓﻌﺎش ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻫﻨﺎك ﺳﻨﻴﻦ ﺻﺒﺎه ﺑﻴﻦ أﺷﺠﺎر ﻏﺎف »زاﺧﺮ« ،وﻃﻮي »ﻟﻴْﻔﺎر« و»اﻟ َﻬﻴَﺮ« ،ﻣﻊ أﺑﻨﺎء ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ، واﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ أﻏﻠﺒﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﺣﺎﻛ ًﻤﺎ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺧﻼل اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت ﻛﺤﺮس ٍ ٍ ﺧﺎص ﻟﻪ ،أو ﻣﺮاﻓﻘﻴﻦ ﻟﻪ ﻓﻲ واﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، رﺣﻼﺗﻪ اﻟﺒﺮﻳﺔ وﻣﻘﺎﻧﻴﺼﻪ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ. ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﺰوﺑﻴﺘﻪ ﻛﺜﻴ ًﺮا ،إذ أﻧﻪ ﻛﺎن ﺷﺎﻋ ًﺮا رﻗﻴﻘًﺎ ﻣﺤﺎﻓﻈًﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎدات أﻫﻠﻪ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﻢ ،ﻓﺘﺰ ّوج رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ واﺳﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ ﻃﻮي »ﻟﻴْﻔﺎر« ﻣﻊ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﻪ وﺟﻤﺎﻋﺘﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻗﺘﺐ ،وﻗﺪ رزق ﻣﻦ زﻳﺠﺘﻪ ﺗﻠﻚ ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻴﻦ واﻟﺒﻨﺎت وﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻪ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﻌﻴﻮف.
ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ ﺑﺤ ًﺮا إﻟﻰ اﻟﺪﻣﺎم ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﺎم 1957م ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،وﻗﺪ ﻋﻤﻠﻮا ﻫﻨﺎك ﻓﻲ ﺷﺮﻛﺔ »أراﻣﻜﻮ« ﺑﺎﻟﻈﻬﺮان ﻟﻔﺘﺮة ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻄﻮﻳﻠﺔ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺮق ﻟﺸﺎﻋﺮﻧﺎ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻪ ﻫﻨﺎك .وﻛﺎن ﺑﺮﻓﻘﺔ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺘﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻬﻴﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ دري اﻟﻜﺘﺒﻲ ،واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ رﺑﻴﻊ اﻟﻘﺘﺒﻲ ﻣﻦ اﻷﻓﻼج ﺑﺴﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن. وﻗﺪ ﻗﺎل ﻳﻮﻣﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﻗﺼﻴﺪة ﻳﺸﻜﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺎﻟﻪ وﻫﻮ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻜﻨﻜﺮي )اﻟﺮﻣﻞ اﻟﺤﺠﺮي( إﻟﻰ أﻣﺎﻛﻦ اﻟﺒﻨﺎء ﻓﻲ اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻫﻮ وﺟﻤﺎﻋﺘﻪ ،ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ: ﺣﻄّﻴﺖ ﺣﺎﻟﻲ ﺣﺎل ﺑﻴﺪار ﻧﻄّﺎر وآﺳﻮق اﻟﻤﺤﺎﻓﻴﺮ ﻣﻦ ﻋﻘﺐ ﻣﺎﻧﺎ ﺑﻮﻧﻲ ﺧﻴﺎر ﻋﻨﺪ اﻟﻐﻀﻲ ﺑﻮﺳﻦٍ ﺻﻐﻴﺮ إﻻ ﻋﻠﻰ أﻫﻞ اﻟﻮ ّد ﺻ ّﺒﺎر واﻟﻠﻪ ﻳﻔ ّﺮي ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮ إﻟﻰ آﺧﺮ اﻟﻘﺼﻴﺪة
ﻋﻤﻞ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ »ﻛ ّﺪ اﻟﺮﻛﺎب« أي اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻹﺑﻞ ،وﻳﺬﻛﺮ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ أﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﻘﻠﻮن اﻟﺤﻄﺐ و)اﻟﺜﻤﺎم( وﻫﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﺸﺎﺋﺶ اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﻤﻌ ّﻤﺮة واﻟﺘﻲ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺳﻢ اﻷﻣﻄﺎر وﺗﺄﻛﻠﻬﺎ اﻷﻧﻌﺎم ﺑﺸﺮاﻫﺔ ،واﻟﺼﺨﺎم )اﻟﻔﺤﻢ( ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻘﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻌﻴﻦ واﻟﺒﺮﻳﻤﻲ ودﺑﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺒﻴﻌﻮﻧﻪ ﻫﻨﺎك ﺛﻢ ﻳﺮﺟﻌﻮن ﺑﺎﻷرز واﻟﻄﺤﻴﻦ واﻟﻘﻬﻮة واﻟﻤﻠﺢ واﻟﺪﻫﻦ إﻟﻰ أﻫﻠﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ،وﻗﺪ ذﻛﺮ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ أﻧﻪ ذﻫﺐ إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺿﻨﻚ وﺣﻔﻴﺖ ﺑﺴﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻹﺑﻞ ﺑﻘﺼﺪ اﻟﺘﺠﺎرة وﺷﺮاء اﻟﺘﻤﻮر وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻫﻨﺎك ،وﺑﻴﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ واﻟﺒﺮﻳﻤﻲ ودﺑﻲ. وﺧﻼل ﺳﻨﻮات اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﻣﺎ ﺳﺒّﺒﺘﻪ ﻟﻺﻣﺎرات واﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﺪول اﻟﻤﺠﺎورة ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺎت ﺗﻤﺜّﻠﺖ ﻓﻲ اﻧﻘﻄﺎع اﻟﻮاردات ﻣﻦ أﻛﻞ وﻏﻴﺮه ،ﺣﺼﻠﺖ ﻣﺠﺎﻋﺔ وأﺻﺒﺢ اﻟﻜﻞ ﻓﻘﻴ ًﺮا ﻣﺤﺘﺎ ًﺟﺎ ،وﺳﻤﻴّﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات ﺑﺴﻨﻮات اﻟﻘﺤﻂ واﻟﺠﻮع ،وﺗﻘ ّﺪر ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﺑﻨﻬﺎﻳﺎت اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ .وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺪ ﻫﺎﺟ َﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ إﻟﻰ دول اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻃﻠ ًﺒﺎ ﻟﻠﺮزق واﻟﻤﻜﺴﺐ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺄﺗﻮن ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ﻷﻫﻠﻬﻢ وأﺑﻨﺎﺋﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ وﻓﻌﻼ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻌﻮن واﻟﻤﺴﺎﻋﺪةً . ﺣﺰم ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ أﻣﺘﻌﺘﻪ وﺗﻮ ّﺟﻪ ﺑﺮﻓﻘﺔ ﺑﻌﺾ أﺑﻨﺎء
ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺎﻛﻰ ﻣﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ رﺑﻴﻊ اﻟﻘﺘﺒﻲ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻧﺜﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ أﺷﻌﺎره. وﻟﻢ ﺗﻄﻞ إﻗﺎﻣﺔ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻣﺎم ﻓﺮﺟﻊ ﻫﻮ وزﻣﻼؤه إﻟﻰ وﻃﻨﻬﻢ واﻟﺸﻮق واﻟﺤﻨﻴﻦ ﻳﺠ ّﺮﻫﻢ إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻘﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ وإﻟﻰ أﻫﻠﻬﻢ وذوﻳﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﺤ ّﻤﻠﻮا ﻓﺮاﻗﻬﻢ اﻟﻤ ّﺮ. وﺑﻌﺪ رﺟﻮﻋﻪ ﺑﻔﺘﺮة ،وﻇﻬﻮر ﺷﺮﻛﺎت اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﻂ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﻗﺮر ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻣﻊ زﻣﻼﺋﻪ اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻰ ﻫﻨﺎك ﻟﻠﻌﻤﻞ واﻛﺘﺴﺎب اﻟﺮزق ،ﻓﻌﻤﻞ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة داس ﻟﻤﺪة ﺳﻨﺘﻴﻦ ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ، وﺣﺴﺎس ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎل أﻳﻀً ﺎ وﻛﻌﺎدﺗﻪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ وﺑﺼﻔﺘﻪ ﺷﺎﻋﺮ رﻗﻴﻖ ّ
ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ
62
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ
« Ù,# » Ê Î' ÛÂ -$# -( pØ © ¤Ù±# e Ð' /
أول اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺳﻤﺮة اﻟﻤﻘﻴﺎل
ﻳﺬﻛﺮ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ أﻧﻪ ﻗﺎل اﻟﺸﻌﺮ وﻋﻤﺮه ﻻ ﻳﺘﻌ ّﺪى 13ﻋﺎ ًﻣﺎ ،وﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺮﺣﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺑﻞ ﻟﻴﺰور أﻧﺴﺒﺎءه وﺷﻘﻴﻘﺘﻪ اﻟﻤﺘﺰوﺟﺔ ﻫﻨﺎك ،وﻗﺪ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ”ﺷﺠﺮة اﻟﺴﻤﺮ“ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺄوي إﻟﻴﻬﺎ وﻳﻘﻀﻲ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﻗﻴﻠﻮﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﺮ اﻟﻬﺠﻴﺮ ﺧﻼل ﺳﻔﺮاﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺨﺮﻳﻒ إﻟﻰ ﻫﻨﺎك ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻬﺎ ورﺟﻊ إﻟﻰ ﻣﻘﺮه ﻓﻲ اﻟﻬﻴﺮ ،وﻫﻮ ﻓﻲ ﻗﺎﺋﻼ: أﺷ ّﺪ اﻟﺸﻮق اﻟﻴﻬﺎ ً ﻋﺴﺎك ﻳﺎ »ﺳﻤﺮة« اﻟﻤﻘﻴﺎل ّ ﺳﺤﺎ ّﺑﺔ ﺗﻤﻄﺮ وﺗﺴﻘﻴﻚ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﻮﻃﻦ ﻣﺎرﻳﺖ ﺷﺮواك ﻧﻮﻣﻪ ﺗﻬ ّﻨﻰ ﻟﻲ رﻗﺪ ﻓﻴﻚ اﻟﺰﻳﻦ رﻳﺘﻪ راﺗﻊ ْﺣﺬاك ﺻﺒﺢ وﻣﺴﺎء ﺷﻮﻓﻪ ﻳﻤﺎﺳﻴﻚ واﻟﻴﻮم ﻗﻔّﻴﻨﺎ ودﻋﻴﻨﺎك ﻳﻌﻠّﻨﺎ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ﻧﻄﺮﻳﻚ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﻳﺪﻋﻮ ﻟﺸﺠﺮة اﻟﺴﻤﺮ ﻫﺬه ﺑﺎﻟﻤﻄﺮ اﻟﻬﻤﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﺴﻘﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺮوى ،ﻓﺘﻜﺒﺮ ﻇﻠّﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻧﺎم ﻓﻴﻬﺎ أﻳﺎم اﻟﺤﺮ، وﻗﺪ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ » ﺳﻤﺮة اﻟﻤﻘﻴﺎل« أي ﺳﻤﺮة اﻟﻘﻴﻠﻮﻟﺔ .وﺗﻌ ّﺪ ﻫﺬه
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
61
ﺷﻌﺮاء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ ﻣﺮاﺑﻊ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻛﺎﻧﺖ أﻳﻀً ﺎ ﻣﻤ ًﺮا ﻟﻌﺒﻮر اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ واﻟﺒﺮﻳﻤﻲ ،وﻗﺪ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻴﻬﺎ وﺑﻘﺮﺑﻬﺎ ﻣﻮاﻗﻊ وﻣﻌﺎرك وﻣﺂﺳﻲ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻗﺪ ﻫﻴﺄ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ أن ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ،ﻓﻴﺘﺰوج ﻣﻦ إﺣﺪى أﺳﺮﻫﺎ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ،وﺧﻼل ٍ ﻋﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﺗﺼﺒﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻨﺎﺋﻴﺔ ،ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،ﻓﺘُﺒﻨﻰ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺴﺎﻛﻦ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻟﻤﺪارس واﻟﻤﺴﺘﻮﺻﻔﺎت وﺗﻮزع ﻓﻴﻬﺎ اﻷراﺿﻲ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،ﻟﺘﻐﺪو إﺣﺪى أﻫﻢ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ واﻻﻣﺎرات ﻋﺎﻣﺔً. وﻟﺘﺼﺒﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺟﺎذﺑ ًﺔ ﻷﺑﻨﺎء اﻟﺒﺎدﻳﺔ اﻟﻤﻨﺘﺸﺮﻳﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ،أو ﻣﻦ ﺑﻘﻴﺔ ﺑﻮادي اﻹﻣﺎرات ،ﻓﻴﺰداد ﻋﺪد ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ وﺗﺼﺒﺢ »اﻟ َﻬﻴَﺮ« ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺸﻬﻮرة ﺑﻤﻮﻗﻌﻬﺎ اﻟﺤﺼﻴﻦ ﻓﻲ أﺣﻀﺎن اﻟﺒﺎدﻳﺔ. إن ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﻌﺪد أﻳﻬﺎ اﻷﻋﺰاء ،ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ. إﻧﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ. ﻧﺸﺄﺗﻪ
وﻟﺪ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻣﻌﻴﻮف ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻗﺮﻳﺔ ”اﻟﻤﺪام“ وﻗﺮﻳﺔ ”اﻟﺸﻮﻳﺐ“ وﻫﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻮاﻗﻌﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺔ »اﻟ َﻬ َﻴﺮ« ،وﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﺳﻢ »ﻟ ْﻴﻮﻳ ْﺪﻳَﻪ« ،وﻋﻠﻰ ﻣﻮرد ﻣﺎء ﻳﺴﻤﻰ
60
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ
»اِﻳﺪﻳّﻪ« ،واﻟﺬي ﺗﻌﺒﺮه اﻟﺒﻄﺤﺎء اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ »اﻟﺸﻮﻳﺐ« ﺻﻮب ﻣﻨﺎﻃﻖ »اﻟﻤﺪام« ﺛﻢ »اﻟﻔﺎﻳﺔ« ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ »ﻃﻮي اﻟﻤ ّﺮﻩ« ﺛﻢ ﻣﻨﻄﻘﺔ ”اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ“ ﺛﻢ اﻟﺘﻼل اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻻ .وﻳﻘ ّﺪر ﺗﺎرﻳﺦ وﻻدﺗﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﺤﺮ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ً ﻋﺎم 1925م ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﺷﻬﺎدات ﻣﻴﻼد ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ وﻻدﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺮ وﻓﻲ ﺳﻴﺢ »اﻳﺪﻳّﻪ« ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮت. ﻳﺪﻋﻰ واﻟﺪ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻣﻌﻴﻮف ،ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﻃﺎﺋﻔﺔ »اﻟﻤﺼﺎﺟﺮة« اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ .وﻳﺘﺮﻛّﺰ وﺟﻮد ﻫﺬه اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »اﻟ َﻬﻴَﺮ« ﺑﺎﻟﺬات .وﻫﻢ ﻣﻦ ﺧﻴﺮة رﺟﺎل ﺑﻨﻲ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ اﻷﺧﻼق واﻟﻌﺎدات اﻟﺒﺪوﻳﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ. ﻋﺎش ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻓﻲ اﻟ َﻬ َﻴﺮ واﻟﻤﺪام وﻣﺘﻨﻘﻼ ﻣﻊ أﻫﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ ً واﻟﺸﻮﻳﺐ واﻟﺬﻳﺪ وﻓﻠﺞ اﻟﻤﻌﻼ، اﻟﺸﺘﺎء واﻷﻣﻄﺎر إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﺎﻋﺪي واﻟﺤﻤﺮاﻧﻴﺔ ﻓﻲ »ﺳﻴﺢ اﻟﺠﺮي« ﺑﺮأس اﻟﺨﻴﻤﺔ ،ﻳﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ اﻟﻤﺎء واﻟﻜﻸ واﻟﻌﺸﺐ. ﻗﻠﻴﻼ وﺑﺪأ ﻳﺘﺬ ّوق اﻟﺸﻌﺮ وﻳﻘﺮﺿﻪ ،ﺗﻌﻠّﻖ ﺑﻪ وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺒﺮ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ً ﺧﺎﺻ ًﺔ وأﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺧﺼﺒﺔ ،ﻓﻴﺬﻛﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ أن واﻟﺪه وﻋ ّﻤﻪ ﻛﺎﻧﻮا ﺷﻌﺮاء ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﺳﺎري واﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻄﺮ ﺑﻦ ﻣﻌﻴﻮف اﻟﻜﺘﺒﻲ وﻗﺒﻠﻬﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﻐ ّﺮد ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻗ َﻨﺶ اﻟﻤﺴﻌﻮدي اﻟﻜﺘﺒﻲ ،وﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻤﻌﺮوﻓﻴﻦ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻬﺆﻻء أﺷ ّﺪ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻋﺮﻳﺘﻪ ﺗﻠﻚ.
ŽŐŴijĶũŤē İļēij į
أﻋﺰاﺋﻲ اﻹﺧﻮة واﻷﺧﻮات ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺔ »ﺗﺮاث« ،ﺳﻨﺄﺧﺬﻛﻢ ﻣﻌﻨﺎ اﻟﻰ ﺷﺎﻋ ٍﺮ ﻣﻦ رﺑﻮع اﻟﺒﺎدﻳﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻣﻦ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﺣﻴﺚ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺤﻤﺮاء وأﺷﺠﺎر اﻟﻐﺎف اﻟﺨﻀﺮاء اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺰارع ﻋﻠﻰ ﻣﺪ اﻟﺒﺼﺮ. ﺳﺂﺧﺬﻛﻢ ﻣﻌﻲ إﻟﻰ ﺑﻘﻌ ٍﺔ ﻟﻬﺎ ذﻛﺮى ﻋﺰﻳﺰة ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪت زواج اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺎت اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ .إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺑﻮة اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻋﻴﺪان اﻟﻐﺎف ،واﻟﺘﻲ اﻋﺘﺎد اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم أن ﻳﻄﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﻋﻴﺪان زاﺧﺮ« ،ﻓﻬ ّﻴﺎ ﺑﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ”اﻟ َﻬ َﻴﺮ“ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺒﻊ ﻓﻲ ﺷﻤﺎل ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ وﺑﻤﺎ ﻳﻘﺎرب 35ﻛﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻤﺘﺠﻬﺔ ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ دﺑﻲ .ﻟﻘﺪ اﺧﺘﻠﻄﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﺑﺎﻟﺒﺪاوة ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﺗﺮى اﻟﻔﻠﻞ واﻟﺒﻴﻮت اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺗﻨﺤﺸﺮ ﺑﻴﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﻐﺎف أو ﻓﻲ أﻋﺎﻟﻲ اﻟﺘﻼل اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ ،ﺗﺮى ﺣﻈﺎﺋﺮ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ،أو ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻹﺑﻞ اﻟﺴﺎﺋﺒﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺎزل واﻟﻤﺰارع.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
59
ﺷﻌﺮاء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ
أﺟﺎد ﻓﻲ اﻟﻐﺰل واﻟﺸﻜﺎوى
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ
ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻬَ َﻴﺮ 58
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ
وﻳﺨﻠﻘﻮﻧﻬﺎ ﺗﻤﻠﱡﺤﺎً واﺳﺘﻈﺮاﻓﺎً ،واﺳﺘﺠﻼﺑﺎً ﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻗُ ﱠﺮاء وﻣﺴﺘﻤﻌﻴﻦ ،وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻃﺮاﺋﻒ وﺣﻜﺎﻳﺎت ﺗﺴﻠﻴﺔ ﺗ ُﺮ َوى ﻟﺘﻤﻀﻴﺔ ٍ ﻃﺮف ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ اﻟﻄﻮﻳﻞ ،أو ﺳ ّﺪ ﻓﺮاغ ﻃﻮﻳﻞ ﺑﻴﻦ وﻗﺘﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر ،وﻗﺪ ﺷﺎع ذﻟﻚ وﻛﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺧﺎﺻﺔ. أﺟﻠﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﺻﻮت ﺻﻔﻴﺮ اﻟﺒﻠﺒﻞ اﻟﻤﻨﺴﻮﺑﺔ ﻓﺈذا َ ﻇﻠﻤﺎً إﻟﻰ اﻷﺻﻤﻌﻲ ،وﻗﺪ ﻇُﻠ َﻢ ﻣﻌﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،ﻟﻢ ﺗﺠﺪﻫﺎ »ﻣﺴﺘﺼﻌﺒﺔ« ﻛﻤﺎ وﺻﻔﻬﺎ اﻟﻨﻮاﺟﻲ ،ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺑﺄﺻﻌﺐ ﻣﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ وﻣﻌﻠﻘﺎﺗﻪ، وﻣﻴﺎﺳﻢ اﻟﺼﻨﻌﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎدﻳﺔ ﻟﺬي ﻧﻈﺮ ،وﻗﺪ اﻋﺘُﻤ َﺪ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺎت اﻟﻠﻔﻆ وﺗﺘﺎﺑﻊ اﻟﺼﻮت اﻟﻮاﺣﺪ وﺗﻜﺮاره ،ﻓﻀﻼً ﻋﻦ أﻏﻼط ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻌﺮوض ،ﻓﺄي ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﻣﻨﺬ اﻟﻤﻄﻠﻊ: ﺻﻮت ﺻﻔﻴﺮ اﻟﺒﻠــــﺒﻞِ ُ ﻗﻠﺐ اﻟﺜﻤﻞِ ﻫــــــ ﱠﻴﺞ َ اﻟﻤﺎء واﻟﺰﻫـــــــﺮ ﻣﻌﺎً ِﻣﻦ ُﻏ ْﻨﺞ ِ ﻟﺤﻆ اﻟـ ُﻤﻘَﻞِ وأﻧﺖ ﺣﻘﺎً ﺳﻴــــــﺪي َ وﺳﺆددي وﻣﻮﻟﻰ ﻟﻲ وﻛﻢ وﻛﻢ ﺗَــــــ ﱠﻴﻤﻨـﻲ ﻏُـــﺰ ﱢﻳ ٌـﻞ ﻋﻘــﻨﻘــﻞِ
ﻗﻄﻔﺖ ﻣـــــﻦ وﺟﻨﺘﻪ ُ ﺑﺎﻟﻮﻫﻢ ور َد اﻟـــﺨﺠﻞِ وﻗﻠﺖ ﺑﺴــــﺒﺴﺒﺴﺘﻨﻲ ﻓﻠـــــــﻢ ﻳﺠﺪ ﺑﺎﻟﻘﺒﻞِ وﻗــــــــــﺎل ﻻﻻﻻ ﻟﻼ وﻗــــﺪ ﻏﺪا ﻣﻬﺮوﻟﻲ؟ وﻗﺪ ﻧﻤﺮ ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ وﺧﺒﺮﻫﺎ ﻟﺪى اﻟﻨﻮاﺟﻲ ﻓﻲ »ﺣﻠﺒﺔ اﻟﻜﻤﻴﺖ« أو ﻓﻲ »إﻋﻼم اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺎ وﻗﻊ ﻟﻠﺒﺮاﻣﻜﺔ ﻣﻊ ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس« ﻟﻺﺗﻠﻴﺪي )ت 1100ﻩ( ،أو ﻓﻲ »ﻣﺠﺎﻧﻲ اﻷدب ﻣﻦ ﺣﺪاﺋﻖ اﻟﻌﺮب« ﻟﻠﻮﻳﺲ ﺷﻴﺨﻮ )ت1927ﻩ( ،ﻓﻨﺒﺘﺴﻢ وﻧﻘﻠﺐ اﻟﺼﻔﺤﺎت ﺑﻌﺪﻫﺎ وﻧﻨﺴﺎﻫﺎ ،ﻏﻴﺮ أن ﻟﻠﺤﻜﺎﻳﺔ ُﻣﻌﺠﺒﻴﻦ و ُﻣﺮﻳﺪﻳﻦ ورواة ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺑﻴﻨﻨﺎ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ ،ﻓﻴﺮددون اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ،وﻳُﺮ ﱢوﺟﻮن ﻟﻬﺎ ،ﻓﺘُـﻘ َﺒﻞ ﻣﻨﻬﻢ وﺗ ُﺴﺘﻈ َﺮف وﺗ ُﺴﺘﻤﻠَﺢ ،وﺗﻨﻘﻠﻬﺎ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺎت ،وﺗﺘﺮدد ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺮﻛﺎت اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ اﻟﺸﺒﻜﺔ اﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺗﻴﺔ. إنﱠ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺮاث اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻻ ﻳﺼﺢ اﻷﺧﺬ ﺑﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ،دون أن ﻧﺘﺤ ﱠﺮى دﻗﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت أو أﺧﺒﺎر، ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺼﺢ ﻣﻦ ﺣﻮادث اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﺑﻤﺎ ﻳﻘﺒﻠﻪ اﻟﻌﻘﻞ وﻣﻨﻄﻖ اﻷﺷﻴﺎء * أﺳﺘﺎذ اﻷدب اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ،اﻟﻌﺮاق
ﺗﻮاﺻﻴﻒ اﻟﺒﻌﻴﺮ ﺑﻌﻴﺮ اﻟﺸﻴﻮخ ،واﻟﻌﺼﺎ م اﻟﻮادي اﻟﺒﻌﻴﺮ :اﻟﺠﻤﻞ. ﻫﺬا ﻣﺜﻞ ﺑﺪوي ﻗﺪﻳﻢ ،ﻗﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن أﺣﺪ اﻟﺮﻋﺎة ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺎً اﻵن إﻻ ﻗﻠﻴﻼً .وﻫﻮ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﺠﻤﻞ اﻟﺬي أرﻛﺒﻪ ،ﻫﻮ ﻣﻠﻚ ﻟﻠﺸﻴﺦ ،وﻟﻴﺲ ﻟﻲ ،واﻟﻌﺼﺎ اﻟﺘﻲ أﺿﺮﺑﻪ ﺑﻬﺎ ،ﻗﻄﻌﺘﻬﺎ ﻣﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﻮادي اﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻲ ،ﻓﺈن اﻧﻜﺴﺮت اﻟﻌﺼﺎ ،ﻓﺎﻟﻮادي ﻣﻤﻠﻮ ٌء ﺑﺎﻷﺷﺠﺎر واﻟﻌﺼﻲ ،وإن ﻣﺎت اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻬﻮ ﻟﻠﺸﻴﺦ، وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أﺧﺴﺮ ﺷﻴﺌﺎً .ﻃﺎﻟﻊ اﻟﻤﺜﻞ »اﻟﺒﻌﻴﺮ م اﻟﺴﻴﺢ ،واﻟﻤﺸﻌﺎب م اﻟﺴﺪره« ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺮف. ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻳﻀﺮب ذ ّﻣﺎً ﻓﻲ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ أﻣﻮال ﻏﻴﺮه ﺑﺪون رأﻓﺔ أو ﻣﺒﺎﻻة أو اﻫﺘﻤﺎم ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻠﻜﻪ.
'/ /Â " ±Ù
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
57
اﻟﻮراق
ﺻﻮت ﺻﻔﻴﺮ اﻟﺒﻠﺒﻞ
د .ﻣﻘﺪاد رﺣﻴﻢ @
ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻐﻴﺮك ﻓﻼ ﻧﻌﻄﻴﻚ ﻟﻬﺎ ﺟﺎﺋﺰة ،وإن ﻧﺴﺐ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻨﻮاﺟﻲ )ت ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ﻧﻌﻄﻴﻚ زﻧﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻓﻴﻪ، 859ﻩ( ﺣﻜﺎﻳﺔ إﻟﻰ اﻷﺻﻤﻌﻲ ﻓﻲ ﻗﺎل :ﻗﺪ رﺿﻴﺖ«. أﺟﻠﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ إذا َ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﺣﻠﺒﺔ اﻟﻜﻤﻴﺖ« )ص(172-170 وﻳﺴﺘﺮﺳﻞ اﻟﻨﻮاﺟﻲ ﻓﻲ ﺳﺮد ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻓﻘﺎل» :إن ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻛﺎن ﻳﺤﻔﻆ ﻗﺼﻴﺪة ﺻﻮت ﺻﻔﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ،وﻋﻨﺪه ﻣﻤﻠﻮك ﻳﺤﻔﻆ اﻟﺒﻠﺒﻞ اﻟﻤﻨﺴﻮﺑﺔ ﻇﻠﻤ ًﺎ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن اﻷﺻﻤﻌﻲ اﻟﺬي أﻧﺸﺪ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ »اﻟﻤﺴﺘﺼﻌﺒﺔ« ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﻴﻦ ،وﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﺛﻼث ﻣﺮات ،إﻟﻰ ا)ﺻﻤﻌﻲ ،وﻗﺪ ُ ﻠﻢ ﻇ َ ﺣﻔﻈﻬﺎ وﻻ اﻟﻤﻤﻠﻮك وﻻ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ،ﻓﻴﻀﻄﺮ وﻛﺎن ﺑﺨﻴﻼً ﺟﺪا ً ﻓﻜﺎن اﻟﺸﺎﻋﺮ إذا أﺗﺎه ﺑﻘﺼﻴﺪة ﻗﺎل ﻟﻪ :إنْ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻣﻌﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،إﻟﻰ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﻮﻋﺪه ﻓﻴﻬﺐ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻣﻄﺮوﻗﺔ ﺑﺄنﱠ أﺣﺪا ً ِﻣــ ﱠﻨﺎ ﻳﺤﻔﻈﻬﺎ ،ﻧﻌﻠﻢ ﻟﻢ ﺗﺠﺪﻫﺎ »ﻣﺴﺘﺼﻌﺒﺔ« ﻳﺘﻌﺮﻓﻪ ﺑﻌﺪ ،زﻧﺔ ﻗﻄﻌﺔ ﻋﻤﻮد ﻣﻦ رﺧﺎم أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻚ ﻓﻼ ﻧﻌﻄﻴﻚ ﻟﻬﺎ ﺟﺎﺋﺰة ،ﻛﻤﺎ وﺻﻔﻬﺎ اﻟﻨﻮاﺟﻲ ،ﻛﺎن ﻗﺪ ﻧﻘﺸﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ )اﻷﺻﻤﻌﻲ اﻟﻤﺘﻨﻜﺮ( وإن ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﺤﻔﻈﻬﺎ ﻓﻨﻌﻄﻴﻚ وزن ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺑﺄﺻﻌﺐ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﻪ» ،ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻊ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ إﻻ أن أﻋﻄﺎه ﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ،ﻓﻴﻘﺮأ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﻌﺮ زﻧﺘﻬﺎ ذﻫﺒﺎً ،ﻓﻨﻔﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺧﺰاﻧﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ،ﻓﺄﺧﺬ اﻷﺻﻤﻌﻲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻓﻴﺤﻔﻈﻬﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ أول اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ وﻣﻌﻠﻘﺎﺗﻪ واﻧﺼﺮف«! ﻣﺮة ،وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ أﻟﻒ ﺑﻴﺖ .وﻳﻘﻮل وﻟﻴﺴﺖ ﺑﻨﺎ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ إﻧﻜﺎر وﺟﻮد ﻫﺬا ﻋﻠﻲ ﻓﺈﻧﻨﻲ أﺣﻔﻈﻬﺎ، ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ أﺳﻤﻌﻬﺎ ﱠ اﻻﺗﻔﺎق ﺑﻴﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ وﻣﻤﻠﻮك وﺟﺎرﻳﺔ ،أو ﻓﻴﻨﺸﺪﻫﺎ ﺑﻜﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮل :وﻫﺬا وﺟﻮد ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺧﺎرق ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﻌﺎدات، اﻟﻤﻤﻠﻮك أﻳﻀﺎً ﻳﺤﻔﻈﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺳﻤﻌﻬﺎ ﻓﻴﺤﻔﻆ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻣﻦ ﺳﻤﺎع ﻣﺮة واﺣﺪة اﻟﻤﻤﻠﻮك ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ ،وﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻴﺤﻔﻈﻬﺎ وﻳﻘﺮأﻫﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮل اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ :وﻫﺬه وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻟﻒ ﺑﻴﺖ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺴﺘﻌﺼﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ وراء اﻟﺴﺘﺮ ﺗﺤﻔﻈﻬﺎ أﻳﻀﺎً ،وﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘﻬﺎ ﺛﻼث ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻧﺪﻳﻤﻪ وﺟﻠﻴﺴﻪ اﻷﺛﻴﺮ اﻟﻤﺘﱠﺸﺢ ﺑﺎﻟﻨﻘﺎب ،وﻳﺴﺘﺴﻬﻞ ﻣﺮات ﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ وﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،وﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻠﻮك ،إﻓﺮاغ ﺧﺰﻳﻨﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺷﺎﻋﺮ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻗﺼﻴﺪة ،ﻟﻜﻲ ﻓﺘﻘﺮأﻫﺎ ﺑﺤﺮوﻓﻬﺎ .وﻳﻨﺰل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﻐﻴﺮ ﺷﻲء .وﻛﺎن اﻷﺻﻤﻌﻲ ﻳﺒﺮ ﺑﻮﻋﺪه )!( ،دون أن ﻳﺤﺘﺞ ﻋﻠﻴﻪ أﺣﺪ ،ﻓﻜﻞ ﻫﺬا ﻣﻤﺎ ﻻ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺎﺋﻪ وﻧﺪﻣﺎﺋﻪ ﻓﻨﻈﻢ أﺑﻴﺎﺗﺎً ﻣﺴﺘﺼﻌﺒﺔ وﻧﻘﺸﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻣﻨﺎ ﻛﺒﻴﺮ ﻋﻨﺎء ،وﻟﻬﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ أﻣﺜﺎل ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮ أﺳﻄﻮاﻧﺔ ،وﻟﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻼءة وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﺑﻌﻴﺮ ،وﻟﺒﺲ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ دون أن ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪﻳﻬﺎ إﻟﻰ ﺟﻮﺧﺔ ﺑﺪوﻳﺔ ﻣﻔﺮﺟﺔ ﻣﻦ وراء وﻣﻦ ﻗﺪام ،وﺿﺮب ﻟﻪ ﻟﺜﺎﻣﺎً إدراك اﻟﺼﺤﺔ. ﻟﻢ ﻳﺒﻴﻦ ﻣﻨﻪ ﻏﻴﺮ ﻋﻴﻨﻴﻪ ،وﺟﺎء إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ وﻗﺎل :إﻧﻲ وأﻇﻦ ﻇﻨﺎً ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻴﻘﻴﻦ ،اﻋﺘﻤﺎدا ً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ اﻃﻠﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻣﺘﺪﺣﺖ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻘﺼﻴﺪة ،ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ أﺧﺎ اﻟﻌﺮب ،إن ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﺼﺎدر ،أن ﻣﺆﻟﻔﻴﻬﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﺴﺠﻮن اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت
56
ﺻﻮت ﺻﻔﻴﺮ اﻟﺒﻠﺒﻞ
ارﺗﻴﺎد اwﻓﺎق ﻛﺴﻮة اﻟﻜﻌﺒﺔ ﺗﺤﺪث اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ ﻋﻦ ﻛﺴﻮة اﻟﻜﻌﺒﺔ واﻟﻤﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﺑﻴﺎن ﻣﻔﺮداﺗﻬﺎ، ﻓﺬﻛﺮ أن ﻣﺼﺮوﻓﺎت اﻟﻜﺴﻮة ،اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﺮف ﻣﻦ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ وﻗﺘﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻠﻎ 4450ﺟﻨﻴﻬﺎً.وﻣﻤﺎ ورد ﻓﻰ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن» :إن اﻟﻜﺴﻮة ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺼﻨﻊ ﻓﻰ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺳﻨﻮﻳﺎً ،وﻋﻨﺪ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﻮﻛﺐ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺷﻬﺮ ذى اﻟﻘﻌﺪة ،ﻳﺤﻀﺮه ﺟﻨﺎب اﻟﺨﺪﻳﻮي أو ﻣﻦ ﻳﻨﻮب ﻋﻨﻪ ،وﻳﻨﺘﻬﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﻮﻛﺐ إﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺴﻠﻢ ﻓﻰ ﻣﺠﻠﺲ ﻳﻌﻘﺪ ﻓﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻰ ﺣﻀﻮر أﻣﻴﺮ اﻟﺤﺞ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ« وﻛﺎن أول ﻣﻦ ﻛﺴﺎ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ »اﻟﺨﻴﺰران« أم اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ »ﻫﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ« ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻓﻲ ﺣﺠﻬﺎ ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻨﺒﻲ ،وﺻﺎرت ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺳﻨﺔ اﻟﻤﻠﻮك واﻟﺴﻼﻃﻴﻦ ،وﺑﻴﻦ اﻟﻤﻘﺼﻮرة اﻟﻤﺒﻨﻴﺔ واﻟﺸﺒﻜﺔ اﻟﻨﺤﺎﺳﻴﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻃﺮﻗﺔ ﺳﻌﺘﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﺔ أﻣﺘﺎر .وﻓﻲ إﺣﺪى زواﻳﺎﻫﺎ ﻛﺮﺳﻲ ﻣﻮﺿﻮع ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺼﺤﻒ ﺷﺮﻳﻒ ﻛﺒﻴﺮ أﻫﺪاه إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ اﻟﺤﺠﺎج ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺜﻘﻔﻲ. وﻳﺬﻛﺮ اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ أن ﺳﻘﻒ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻗﺔ ﻣﻤﻠﻮء ﺑﺜﺮﻳﺎت اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ إﺣﺪى وﺛﻼﺛﻮن ﻣﺮﺻﻌﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎس واﻟﺰﻣﺮد واﻟﻴﺎﻗﻮت .وﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻋﻠﻰ ﺟﺪار اﻟﻤﻘﺼﻮرة ﺣﺠﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺎس ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻤﺮﺻﻊ، وﻫﺬا اﻟﺤﺠﺮ ﻓﻲ ﺣﺠﻢ ﺑﻴﻀﺔ اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺼﻐﻴﺮة، وﻳﻘﺪرون ﺛﻤﻨﻪ آﻧﺬاك ﺑﺜﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ، وﻳﺴﻤﻮن ﻫﺬا اﻟﺤﺠﺮ ﺑﺎﻟﻜﻮﻛﺐ اﻟﺪري ﻟﺸﺪة ﺗﺄﻟﻘﻪ وﻋﻈﻴﻢ ﺳﻨﺎﺋﻪ وﺑﻬﺎﺋﻪ ،وﻛﺎن ﻗﺪ أﻫﺪاه ﻟﻠﺤﺠﺮة اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ »أﺣﻤﺪ ﺧﺎن اﻷول«. وﻳﻘﺪر اﻟﻤﺆﻟﻒ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻣﻦ ﺟﻮاﻫﺮ وﺷﻤﻌﺪاﻧﺎت ذﻫﺒﻴﺔ وﻣﻜﺎﻧﺲ ﻣﻦ اﻟﻠﺆﻟﺆ ،واﻟﻤﺼﺎﺣﻒ اﻟﻤﺮﺻﻌﺔ، ﻓﻲ زﻣﻦ رﺣﻠﺘﻪ ﻣﻨﺬ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ،ﺑﺤﻮاﻟﻲ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﺟﻨﻴﻪ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
55
Û($ Ú/Øp£#
ً ً دﻗﻴﻘﺎ ﻟﻤﻜﺔ وﺻﻔﺎ ﺗﻀﻤﻨﺖ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ وﻣﺸﺎﻋﺮﻫﺎ وآﺛﺎرﻫﺎ وﺗﺨﻄﻴﻄﻬﺎ وﺗﺎرﻳﺦ ﺣﺮﻣﻬﺎ اﻟﺸﺮﻳﻒ
ﺗﺮﻓﻊ ﻋﺒﺎرات اﻟﺴﻼم إﻟﻰ ﺳﺪة ﺳﻴﺪ اﻷﻧﺎم. وأﺷﺎر اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ إﻟﻰ ﻧﻈﺎﻓﺔ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وإﻟﻰ ﻣﺴﺎﺟﺪﻫﺎ وﻣﻜﺘﺒﺎﺗﻬﺎ ، وأﺷﺎر اﻟﻰ أﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺣﺪاﺋﻖ ﻛﺜﻴﺮة ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺴﻮر ،وﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﺑﻮاب ﻫﻲ :اﻟﺒﺎب اﻟﻤﺠﻴﺪي، واﻟﺒﺎب اﻟﺸﺎﻣﻲ ،وﺑﺎب اﻟﻜﻮﻓﺔ ،وﺑﺎب اﻟﻌﻨﺒﺮﻳﺔ ،واﻟﺒﺎب اﻟﻤﺼﺮي، وﺑﺎب ﻗﻮﻳﺔ ،وﺑﺎب اﻟﻌﻮاﻟﻲ ،وﺑﺎب اﻟﺠﻤﻌﺔ ،وﻣﻨﺎخ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺻﺤﻲ ﺟﺪا ً. وﻗﺪ زار اﻟﺨﺪﻳﻮي ورﻛﺒﻪ اﻟﺒﻘﻴﻊ وﻣﺴﺠﺪ ﻗﺒﺎء ،وﺻﻠﻰ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺮم اﻟﻨﺒﻮي ،وﺑﻌﺪﻫﺎ ﺳﺎﻓﺮ إﻟﻰ ﺗﺒﻮك ﻋﺒﺮ ﻗﻄﺎر اﻟﺤﺠﺎز ،وﻣﺮ ﺑﻤﺤﻄﺔ اﻟﻌﻼ وﻣﺪاﺋﻦ ﺻﺎﻟﺢ ،ودﺧﻞ ﻇﻬﺮ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ اﻟﻜﻮرﻧﺘﻴﻨﺔ »اﻟﻤﺤﺠﺮ اﻟﺼﺤﻲ« ﻓﻲ ﺗﺒﻮك وﺑﻘﻲ ﺑﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ أﻳﺎم .وﻣﻦ ﺗﺒﻮك وﺻﻞ ﻣﺤﻄﺔ ذات اﻟﺤﺞ ،ﺛﻢ ﻣﺤﻄﺔ ﻗﻄﺮاﻧﺔ ،وﻣﺤﻄﺔ اﻟﺪرﻋﺎ، وﻣﺤﻄﺔ ﺗﻞ ﺷﻬﺎب ،ووادي ﻧﻴﺴﺎن ،ﺛﻢ ﻣﺤﻄﺔ ﺣﻴﻔﺎ ،ﺛﻢ اﺗﺠﻪ اﻟﻘﻄﺎر إﻟﻰ اﻟﻤﻴﻨﺎء ،ﻓﺮﻛﺐ اﻟﺨﺪﻳﻮي اﻟﺰورق ،ﻟﻴﺮﻛﺐ اﻟﻤﺤﺮوﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤ ّﺮﻛﺖ ﻣﺴﺎء اﻷﺣﺪ 23ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺳﻨﺔ 1911م ،ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ إﻟﻰ
54
رﺣﻠﺔ ﺣﺞ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ
اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﻟﻴﺼﻞ اﻟﺨﺪﻳﻮي اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺻﺒﺎح اﻟﺜﻼﺛﺎء 25ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺳﻨﺔ 1911م. اﻟﺤﺠﺮة اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ
وﻣﻦ أﻃﺮف ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ،ﻣﺎ ﺟﺎء ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺼﻮرة اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻮي ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس اﻷﺻﻔﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ُﺻﻨﻌﺖ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ »ﻗﺎﻳﺘﺒﺎي« ﺳﻠﻄﺎن ﻣﺼﺮ ،وﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻤﻘﺼﻮرة اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ،وﻫﻲ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﺗﻮﻓﱢﻲ ﻓﻴﻪ اﻟﺮﺳﻮل ،ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،وﻳﺬﻛﺮ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن »ﻧﻮر اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﻮد« ﺑﻠﻐﻪ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 557ﻫـ أن اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺪون ﻟﺴﺮﻗﺔ ﺟﺜﻤﺎن اﻟﻨﺒﻲ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺈﺣﺎﻃﺔ ﺑﻨﺎء اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺑﺒﻨﺎء آﺧﺮ ﻧﺰل ﺑﺄﺳﺎﺳﻪ إﻟﻰ أﻋﻤﺎق ﺑﻌﻴﺪة ،ﺛﻢ ﺻﺐ اﻟﺮﺻﺎص ﻋﻠﻰ داﺋﺮة ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻨﺎوﻟﻪ ﻳﺪ اﻟﺰﻣﺎن.
ارﺗﻴﺎد اwﻓﺎق
ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﺮى اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﺠﺮدوا ﺑﺎﻟﻤﺮة ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻼ ﻳﻜﺎدون ﻳﺸﻌﺮون ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻗﺪ ﺗﻐﻠﺐ وﺟﺪاﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﻮدﻫﻢ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻟﺒﺎﺳﻬﻢ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻄﺎﻫﺮ اﻟﻨﻘﻲ ﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮادي اﻟﺬي ﻳﺮدد ﺻﺪى أﺻﻮاﺗﻬﻢ واﺑﺘﻬﺎﻻﺗﻬﻢ إﻟﻰ واﺟﺪ اﻟﻮﺟﻮد ،إﻟﻰ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻌﺒﻮد ،ﺛﻢ ﻳﻌﻮد إﻟﻴﻬﻢ ﺻﺪى ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻓﻴﺤﺪث ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻫﺰة ﺗﺪق ﻟﻬﺎ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،وﺗﻀﻄﺮب ﻣﻨﻬﺎ أﻓﺌﺪﺗﻬﻢ ﺧﺸﻴﺔ ﻣﻦ رب اﻷرﺑﺎب« اﻟﺠﺪار اﻟﺸﺮﻗﻲ ،وﺑﻌﺪﻫﺎ ﻃﺎف ﺣﻮل اﻟﻜﻌﺒﺔ وزار ﻣﻘﺎم اﻟﺨﻠﻴﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ. وﻣﺴﺎء اﻻﺛﻨﻴﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻓﻲ ذي اﻟﺤﺠﺔ ﻃﺎف ﺑﺎﻟﻜﻌﺒﺔ واﺳﺘﻌﺪ ﻟﻠﺨﺮوج إﻟﻰ ﻋﺮﻓﺎت ﺻﺒﺎح ﻳﻮم اﻟﺘﺮوﻳﺔ ،وﻫﻮ ﺑﻤﻼﺑﺲ اﻹﺣﺮام راﻛ ًﺒﺎ ﺟﻮاده ،وﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ رﺟﺎل ﻣﻌﻴﺘﻪ وﺣﺎﺷﻴﺘﻪ ،ﻓﻮﺻﻠﻬﺎ ﻓﻲ وﻇﻞ واﻗﻔًﺎ ﻣﻊ ﻛﺒﺎر رﺟﺎل دوﻟﺘﻪ وﺟﻤﻮع اﻟﺤﺠﻴﺞ، اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻇﻬ ًﺮا ّ ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺮ اﻟﻨﺎس ﻓﻨﻔﺮوا ﻣﻌﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻤﺰدﻟﻔﺔ ،وﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﺼﺒﺢ ﻧﺰل ﻓﻲ ﻣﻮﻛﺒﻪ إﻟﻰ ﻣﻨﻰ ﻓﺮﻣﻰ ﺟﻤﺮة اﻟﻌﻘﺒﺔ ،وذُﺑﺤﺖ اﻷﺿﺎﺣﻲ ﺑﺤﻀﻮره ،وﺗﺤﻠﻞ ﻣﻦ إﺣﺮاﻣﻪ ،ﺛﻢ ﻧﺰل إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﺑﻤﻮﻛﺐ ﺣﺎﻓﻞ وﻣﻌﻪ أﻣﻴﺮﻫﺎ ،ﻓﺼﻠﻴﺎ اﻟﻌﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺤﺮم اﻟﺸﺮﻳﻒ. رﺣﻠﺔ ﻋﺒﺮ ﻗﻄﺎر اﻟﺤﺠﺎز
وﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ ،رﻛﺐ اﻟﺨﺪﻳﻮي وﻣﻦ ﻣﻌﻪ اﻟﻤﺤﺮوﺳﺔ إﻟﻰ اﻟﻮﺟﻪ »وﻫﻲ ﻣﻴﻨﺎءء اﻷﺣﻤﺮ، ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﻞ ﺑﻼد اﻟﺤﺠﺎز ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﺮ، وﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺟﺪة ﺷﻤﺎﻻً ﺑﻤﺴﺎﻓﺔ 240ﻣﻴﻼ،ً، ﻓﻮﺻﻞ ﺟﺪة ﺑﻌﺪ ﻳﻮم واﺗﺠﻪ ﺑﺮا ً إﻟﻰ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﺒﺪاﻳﻊ ﻟﻠﺬﻫﺎب إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﺒﺮ ﺳﻜﺔ ﺣﺪﻳﺪ اﻟﺤﺠﺎز. ﻓﻔﻲ ﻣﺴﺎء 6ﻳﻨﺎﻳﺮ اﺳﺘﻘﻞ اﻟﻘﻄﺎر ﻣﻦ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﺒﺪاﻳﻊ ﻣﺘﺠ ًﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ،وﺗﻮﻗﻒ اﻟﻘﻄﺎر ﻋﻨﺪ اﻟﻐﺮوب ﻓﻲ ﻣﺤﻄﺔ ﻫﺪﻳﺔ ﺣﻴﺚ ﻗﻄﻌﺖ اﻟﺴﻴﻮل ﺟﺴﺮ اﻟﺴﻜﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﺤﻄﺔ
اﻟﺠﺪاﻋﺔ ،وﺑﻌﺪ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﺗﻢ اﻹﺻﻼح وﺗﺤ ّﺮك اﻟﻘﻄﺎر إﻟﻰ اﻟﺠﺪاﻋﺔ ووادي اﻟﻨﻌﺎم وﻣﺤﻄﺔ ﻋﻨﺘﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﺤﻔﻴﺮة وﺑﺎت اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﻬﺎ ،وﻣﺎ زﻟﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﺮرﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﺬي أﺣﺪﺛﺘﻪ اﻟﺴﻴﻮل ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺮ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ﺑﻨﺤﻮ ﺧﻤﺴﺔ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮات. وﻫﻨﺎك ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﻗﺒﺔ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺣﻤﺰة -رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -ﺛﻢ أﻫﻠﺔ ﻣﺂذن اﻟﺤﺮم اﻟﺸﺮﻳﻒ .وﻋﻨﺪﻫﺎ أﺧﺬت اﻷﻋﻨﺎق ﺗﺘﻄﺎول ،واﻷﺑﺼﺎر ﺗﺘﺠﺎول ﻓﻲ ﻫﺎﺗﻴﻚ اﻷرﺟﺎء ،ﻣﺴﺘﻄﻠﻌﺔ أﻧﻮار اﻟﻘﺒﺔ اﻟﺨﻀﺮاء، ﺣﺘﻰ إذا ﺗﺠﻠّﺖ ،ﻟﻨﺎ ﻓﺨﺎﻣﺘﻬﺎ اﻣﺘﻸت اﻟﻘﻠﻮب أﻓﺮا ًﺣﺎ ،واﻟﺼﺪور اﻧﺸﺮا ًﺣﺎ ،واﻟﻌﻴﻮن ﻗﺮة ،واﻷﻓﺌﺪة ﻣﺴﺮة ،وزاوﻟﺖ اﻷرواح أن ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ ،وﺗﻄﻴﺮ ﻣﻦ ﺟﺴﻮﻣﻬﺎ ،إﻟﻰ ﻧﻮر اﻷﻧﻮار ،وﺳﻴﺪ اﻷﺑﺮار، وﻣﺼﺪر ﺳﻌﺎدة اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﺼﺎر ،ﻟﻮﻻ أن اﻟﺠﺴﻮم ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ،ﻧﺎﻫﻀﺔ ﺑﺮﻛﺎﺑﻬﺎ ،ﺿﺎرﺑﺔ أﺑﺎط واﺑﻮرﻫﺎ ،ﻣﻬﻠﻠﺔ، ﻣﻜﺒّﺮة ،داﻋﻴﺔ ﻣﻠﺒﻴﺔ. ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة
ودﺧﻞ اﻟﻘﻄﺎر ﻣﺤﻄﺔ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﺑﻌﺪ اﻟﻌﺼﺮ ﻗﺼﺪ اﻟﺨﺪﻳﻮي اﻟﺤﺮم وﺻﻠﻰ اﻟﻤﻐﺮب وﻗﻀﻰ ﻛﻞ ﺻﻠﻮاﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وﻗﺎم ﺑﺈﻧﺎرة ﻗﻨﺎدﻳﻞ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻛﻞ ﻣﺴﺎء وإﻃﻔﺎﺋﻬﺎ ﺻﺒﺎﺣﺎً ﺧﻼل ﻣﺪة وﺟﻮده -ﻟﻌﻄﻞ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء وﻗﺘﻬﺎ -وﻫﻨﺎﻟﻚ وﻗﻔﺖ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺬي ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻫﺬا اﻟﺠﻼل وﻫﺬه اﻟﻌﻈﻤﺔ ،ﻓﻜﻨﺖ ﺗﺮى اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺑﺨﺸﻮﻋﻪ ،واﻟﻄﺮف ﺑﺪﻣﻮﻋﻪ ،واﻟﻠﺴﺎن ﺑﺨﻀﻮﻋﻪ،
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
53
ﺧﻄﻴﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﻗﺔ ﻳﺼﻮر اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﻋﺮﻓﺎت ﺗﺼﻮﻳ ًﺮا ﺑﺎر ًﻋﺎ، »ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺤﺮك اﻟﻤﺤﻤﻼن اﻟﻤﺼﺮي واﻟﺸﺎﻣﻲ إﻟﻰ ﻣﻨﺤﺪر ﺟﺒﻞ اﻟﺮﺣﻤﺔ ،وﻳﺼﻌﺪ ﺧﻄﻴﺐ ﻋﺮﻓﺔ ﺑﻨﺎﻗﺘﻪ ،وﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻗﺎﺿﻲ ﻣﻜﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ،إﻟﻰ ﺻﺨﺮة ﻓﻲ ﺻﺪر ﻫﺬا اﻟﺠﺒﻞ ،وﻳﺨﻄﺐ ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺧﻄﺒﺔ ﻳُﻌﻠّﻢ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ ،وﻳﻜﺜﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎء واﻟﺘﻠﺒﻴﺔ ،وﻣﻦ دوﻧﻪ ﻣﺒﻠﻐﻮن ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﻨﺎدﻳﻞ ﻳﺸﻴﺮون ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﻠﺒﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻮاﻗﻔﻴﻦ دون اﻟﺼﺨﺮة ،ﻓﻴﻬﺘﻒ اﻟﺠﻤﻴﻊ» :ﻟﺒﻴﻚ اﻟﻠﻬﻢ ﻟﺒﻴﻚ«. وﻳﺼﻒ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﻤﺘﻠﺌﺔ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﺼﺎدﻗﺔ اﻟﻔﻴﺎﺿﺔ واﻟﺘﻀﺮع اﻟﺨﺎﻟﺺ ﺑﻘﻮﻟﻪ» :ﻓﻴﺎ ﻓﻮﺻﻞ إﻟﻰ ﺑﺎب اﻟﺤﺮم اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻓﺠﺮ ﻳﻮم اﻟﺨﻤﻴﺲ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻲ ذي اﻟﺤﺠﺔ ،وﺻﻠﻰ اﻟﺼﺒﺢ ﻣﻊ إﻣﺎم اﻟﺤﺮم ،ﺛﻢ ﻃﺎف ﻃﻮاف اﻟﻘﺪوم ،وﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﺴﻌﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﺼﻔﺎ واﻟﻤﺮوة ،ﺣﻴﺚ اﺻﻄﻒ اﻟﺤﺠﺎج ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﺟﻨﺎﺳﻬﻢ ،ﻓﻴﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ،ﻛﻨﺖ ﺗﺮى ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻤﻠﻴﻚ اﻟﻔﺨﻴﻢ وﻻ ﻋﺮش ﻳﻘﻠﻪ ،وﻻ ﺗﺎج ﻳﻈﻠﻪ ،وﻗﺪ ﺗﺠﺮد ﻋﻦ ﻓﺨﺎﻣﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻞ ﻋﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ ،وﺳﻌﻰ ﺑﻴﻦ ﻳﺪى اﻟﻠﻪ ﺳﺒﻌﺔ أﺷﻮاط ،وأدى ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﻰ اﻟﺤﺮم اﻟﺸﺮﻳﻒ ،وأي ﻣﻜﺎن ﻓﻰ أﻃﺮاف اﻟﻤﺴﻜﻮﻧﺔ ﻻ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﺴﻄﺤﻪ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮ أﻟﻒ ﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻳﺤﺘﺸﺪ إﻟﻴﻪ زﻣﻦ اﻟﺤﺞ ﻓﻰ وﻗﺖ واﺣﺪ ﻧﺤﻮ ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮس ،واﻟﻜﻞ ﻳﺪﻋﻮن اﻟﻠﻪ ﺑﻘﻠﺐ واﺣﺪ وﻟﺴﺎن واﺣﺪ«. وﺑﻌﺪ اﻟﺴﻌﻲ ﻗﺼﺪ اﻟﺨﺪﻳﻮي دار اﻹﻣﺎرة اﻟﺘﻲ أﻋﺪت ﻟﺘﻜﻮن ﻣﻜﺎن إﻗﺎﻣﺘﻪ ﻣﺪة وﺟﻮده ﻓﻲ ﻣﻜﺔ، وﻫﺬه اﻟﺪار ﻛﺎن ﻗﺪ ﺑﻨﺎﻫﺎ »ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ« واﻟﻲ ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ 1228ﻫـ ﻟﺘﻜﻮن ﻣﻘ ًﺮا ﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺤﺠﺎز. وﺻﺒﺎح اﻟﺴﺒﺖ ،ﺧﺎﻣﺲ ذى اﻟﺤﺠﺔ ،ﻗﺎم اﻟﺨﺪﻳﻮي ﺑﺰﻳﺎرة اﻟﻤﻌﻼة »اﻟﻤﻌﻠﻰ« ،وزﻳﺎرة اﻟﻤﺤﻤﻞ اﻟﻤﺼﺮي ،وﺑﻌﺪ اﻟﻐﺮوب زار ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺮام، وﻓﺘﺢ ﺑﺎﺑﻪ ﺣﻴﺚ أوﻗﺪ اﻟﺸﻤﻮع وﺻﻠﻰ رﻛﻌﺘﻴﻦ ﻓﻰ اﻟﻘﺒﻠﺔ ،وﻣﺜﻠﻬﻤﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﺪار اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ وإﻟﻰ
52
رﺣﻠﺔ ﺣﺞ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ
ارﺗﻴﺎد اwﻓﺎق
واﺣﺘﻮى اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻠﻰ ﺑﺤﻮث ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ اﻟﻤﻜﻲ واﻟﻤﺪﻧﻲ وﻋﻤﺎرﺗﻬﻤﺎ ،وﻣﺎ ﻃﺮأ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺗﻄﻮر ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء واﻟﻌﻤﺎرة ،ووﺻﻒ دﻗﻴﻖ ﻟﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ رآﻫﺎ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻣﻨﺬ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ،وﺑﺤﻮث ﻓﻘﻬﻴﺔ ﻋﻦ أﺣﻜﺎم اﻟﺤﺞ. واﻟﻜﺘﺎب ﻳﺤﺘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻒ واﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎت واﻟﻤﺸﺎﻫﺪات ﻓﻲ اﻟﺤﺞ ﺳﻨﺔ 1327ﻫﺠﺮﻳﺔ ،اﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺄﺳﻠﻮب ﺟﺰل ﺟﻤﻴﻞ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﻤﻴﺰ ﻋﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻮﺿﻮع ،وﻗﺪ اﺳﺘﻌﺎن اﻟﻤﺆﻟﻒ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺨﺮاﺋﻂ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﺈﻋﺪادﻫﺎ اﻟﻠﻮاء ﻣﺤﻤﺪ ﺻﺎدق ﺑﺎﺷﺎ ،ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻃﻬﺎ اﻟﻠﻮاء إﺑﺮاﻫﻴﻢ رﻓﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ، وﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺮواد اﻷواﺋﻞ ﻓﻲ ﺗﺼﻮﻳﺮ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ وﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ.
ﺻﻮر اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻪ اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻣﻦ أﺧﻄﺎر اﻟﺬﻫﺎب وا6ﻳﺎب ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺘﺘﺐ ا)ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺎز
أداء ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ،وﻫﺬه اﻷﻣﻨﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮدد ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻋﺎم إﻟﻰ آﺧﺮ ﺣﺘﻰ ﺣﺴﻢ أﻣﺮه ،وﻋﺰم ﻋﻠﻰ أداء اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ﺳﻨﺔ 1327ﻫـ-1909م ،وﻓﻲ ﺻﺤﺒﺘﻪ واﻟﺪﺗﻪ وﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﻣﻴﺮات اﻷﺳﺮة اﻟﻤﺎﻟﻜﺔ. وﻗﺪ ﺑﺪأت اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺑﺘﺤﺮك اﻟﻤﻮﻛﺐ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﺻﺒﺎح ﻳﻮم 29ذى اﻟﻘﻌﺪة ﺳﻨﺔ 1327ﻫـ ﻣﻦ ﺳﺮاي اﻟﻘﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﺤﻄﺔ ﻣﺼﺮ ﺣﺘﻰ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ اﻟﺴﻮﻳﺲ ،ﺣﻴﺚ اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻟﻤﺤﺮوﺳﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﻮﺻﻠﺖ ﻣﻴﻨﺎء وﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺆرخ ﻟﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻳﻘﻮل ﺟﺪة ﻇﻬﺮ اﻟﺜﻼﺛﺎء ﻏﺮة ذي اﻟﺤﺠﺔ. اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ :إن ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ ﺧﺪﻳﻮي ﻣﺼﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮق ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ »وﻣﺴﺎء اﻟﻴﻮم ذاﺗﻪ اﻣﺘﻄﻰ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﺟﻮاده ،واﺗﺠﻪ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
51
ﺗﻌﺪ
اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ ﻷداء ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ﺳﻨﺔ 1327ﻫـ1909 -م ،ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ إﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،ﺧﺎﺻﺔ وأﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻢ اﻟﺘﺄرﻳﺦ ﻟﻬﺎ وﺗﻮﺛﻴﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب »اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ« ،اﻟﺬي ﺻﺪر ﻋﺎم 1910م، وﻛﺘﺒﻪ اﻷدﻳﺐ واﻟﻤﺆرخ اﻟﻤﺼﺮي ﻣﺤﻤﺪ ﻟﺒﻴﺐ اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ ،وﻫﻮ ﻣﻤﻦ ﺻﺤﺒﻮا اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻣﻊ ﻋﺪد ﻣﻦ ﻛﺒﺎر رﺟﺎل اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺆرخ اﻟﻤﻌﺮوف أﺣﻤﺪ ﺷﻔﻴﻖ ﺑﺎﺷﺎ ،وأﺣﻤﺪ ﺧﻴﺮي ﻧﺎﻇﺮ اﻷوﻗﺎف، واﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺎﻛﺮ وﻛﻴﻞ ﻣﺸﻴﺨﺔ اﻷزﻫﺮ اﻟﺸﺮﻳﻒ. وﻗﺪ ﻗﺺ اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ ﺑﺄﺳﻠﻮب ﺷﻴﻖ ،ووﺻﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﻣﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﺪﻳﻮي وﻣﻦ ﻣﻌﻪ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺟﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﻋﻦ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ وﺷﻮارﻋﻬﺎ ورواﺷﻴﻨﻬﺎ وﻣﺎﺋﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ وﺻﻒ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ وﻣﺸﺎﻋﺮﻫﺎ وآﺛﺎرﻫﺎ وﺗﺨﻄﻴﻄﻬﺎ وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ وﺗﺎرﻳﺦ ﺣﺮﻣﻬﺎ واﻟﺰﻳﺎدة ﻓﻴﻪ ،ﻣﻊ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺮم اﻟﻨﺒﻮي اﻟﺸﺮﻳﻒ واﻟﺰﻳﺎدة ﻓﻴﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺪث ﻋﻦ ﺣﻜﻢ اﻷﺷﺮاف ﺑﻤﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ.
وﻣﻦ ﺑﺮاﻋﺔ اﻟﻤﺆﻟﻒ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﻤﺘﺎﺑﻌﺔ وﺛﻴﻘﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ وﺛﻘﺖ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ ،ﺑﻞ ﺿﻢ ﻛﺘﺎﺑﻪ دراﺳﺔ ﻳُ َﻌ ّﺪ اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ أﻫﻢ ﻛﺘﺐ اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺘﻲ ﺻﺪرت ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ؛ اﻟﺤﺞ ﺑﻴﻦ ﻣﺼﺮ واﻟﺤﺮﻣﻴﻦ ﻣﻄ ّﻮﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم وﺑﻌﺪه ،ووﺻﻔًﺎ ﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮب وﻋﺸﺎﺋﺮﻫﺎ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﻦ أدب اﻟﺮﺣﻼت، ﻓﻬﻮ ً وﻧﻈﺎم اﻟﻘﻮاﻓﻞ وأﺧﻼق وﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻬﺎ ،وأﻓﺎض ﻋﻦ ﺟﺪة واﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺈﻧﻪ وﺛﻴﻘﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﺠﺎز ﻓﻲ ﱠ اﻟﺠﻤﺎﻟﺔ وأﻏﺎﻧﻲ اﻟﺤﺠﺎج اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ، ﻣﻄﻠﻊ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،ﺣﺸﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﺆﻟﻒ واﻟﺤﺮم اﻟﻨﺒﻮي وﺣﻤﺎم اﻟﺤﺮم ،واﻟﻜﻌﺒﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ وﺷﻜﻠﻬﺎ ،واﻟﻜﺴﻮة واﻟﻤﺤﻤﻞ ،واﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺸﺮﻳﻔﻴﻦ. اﻷﻗﺼﻰ ،واﻵﺛﺎر ﻓﻲ ﻣﻨﻰ ،وﻧﻈﺎم اﻟﻘﻮاﻓﻞ، وﻗﺪ اﺷﺘﻬﺮ اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ اﻟﺬي ﺗُﻮﻓﱢﻲ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﺳﻨﺔ 1357ﻫـ1938 -م، ﺑﻜﺜﺮة أﺳﻔﺎره ورﺣﻼﺗﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻛﺜﻴﺮ اﻷﺳﻔﺎر ﺷﻐﻮﻓًﺎ ﺑﺎﻟﺮﺣﻠﺔ ،واﻟﺠ ّﻤﺎﻟﺔ وﻃﺒﺎﻋﻬﻢ وﻣﻼﺑﺴﻬﻢ وأﻟﻮاﻧﻬﻢ وﺷﺪوﻫﻢ أﺛﻨﺎء اﻟﺴﻴﺮ ﻣﺤ ٍّﺒﺎ ﻟﻠﺘﻨﻘﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﻼد ،وﺳﺠﻞ ﻣﺸﺎﻫﺪاﺗﻪ ﻓﻲ ﻋﺪة ﻛﺘﺐ ،ﻣﻨﻬﺎ :وأﻏﺎﻧﻲ اﻟﺤﺠﺎج. »اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ« ،و»رﺣﻠﺔ اﻟﺼﻴﻒ إﻟﻰ أورﺑﺎ« ،د ﱠون ﻓﻴﻪ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻫﻨﺎك، ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪه أﺛﻨﺎء ﺳﻴﺎﺣﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻨﻤﺴﺎ وأﻟﻤﺎﻧﻴﺎ وﺑﻠﺠﻴﻜﺎ وروﺳﻴﺎ .وأﻣﺎﻛﻦ وﺟﻮدﻫﺎ ،وﻋﺪد أﻓﺮادﻫﺎ ،وﻋﻦ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ اﻟﺴﻜﺎن ﻓﻲ ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺑﻬﻤﺎ ،وﻛﺎﻧﻮا أﺧﻼﻃﺎ ﻣﻦ و»رﺣﻠﺔ إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ« ،و»اﻟﺮﺣﻠﺔ إﻟﻰ أﻣﺮﻳﻜﺎ«. وﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻓﻲ »اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ« ﺑﻴﻦ أدب اﻟﺮﺣﻠﺔ وﻛﺘﺎﺑﺔ أﺟﻨﺎس ﺷﺘﻰ ﻣﻦ اﻟﻬﻨﺪ وﺟﺎوة وﺑﺨﺎرى واﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ واﻟﻴﻤﻦ، اﻟﺘﺎرﻳﺦ ووﺻﻒ اﻵﺛﺎر ،وﻫﻮ ﻣﺎ أﻋﻄﻰ اﻟﻜﺘﺎب أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة وﻗﺪ وﺻﻞ ﻫﺬا اﻟﺨﻠﻂ إﻟﻰ أزﻳﺎﺋﻬﻢ وﻟﻐﺎﺗﻬﻢ ،ﻓﻴﺘﻜﻠﻤﻮن ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻪ ﺣﻮى ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﺑﻠﻐﺔ ﻳﻜﺜﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺸﻮ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎت ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻣﺸﻮﻫﺔ أو ﻓﺎرﺳﻴﺔ أو ﺗﺮﻛﻴﺔ. ورواﺋﻊ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ.
50
رﺣﻠﺔ ﺣﺞ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ
ارﺗﻴﺎد اwﻓﺎق ﻳُ ﻨﴩ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﳌﺮﻛﺰ اﻟﻌﺮيب ﻟﻸدب اﻟﺠﻐ ﺮاﰲ "ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق" -أﺑﻮﻇﺒﻲ -ﻟﻨﺪن اﻟﺬي ﻳﺮﻋﺎه اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺴﻮﻳﺪي
َ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻤﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻗﺒﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﺗﻮﺛﻖ
رﺣﻠﺔ ﺣﺞ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ ﺳﺠﻠﻬﺎ اﻟﺒﺘﻨﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ« ّ أﺣﻤﺪ أﺑﻮ زﻳﺪ
وﺟﻬﺔ ﺳﻔﺮ وﺟﻬﺔ ﺳﻔﺮ
ﺳﻔﻴﻨﺔ ..ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺋﻂ اﻟﺒﻬﺠﺔ! ﻣﺄﺧﻮ ًذا ﺑﺎﻟﺒﻬﺠﺔ ،ﻛﻨﺖ أﻧﺘﺤﻲ رﻛﻨﺎ ﻷراﻗﺐ اﻟﻮﺟﻮه ،أﺣﺒﺒﺖ اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ ﻛﺜﻴﺮا ،أﺗﺎﺑﻊ ﺣﺮﻛﺔ اﻷﺷﻴﺎء واﻷﺷﺨﺎص دون أن ﻳﺮوﻧﻲ؛ ﻓﻴﻤﻨﺤﻨﻲ ﻫﺬا أرﻳﺤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻤﻌﻦ ،واﻟﺘﻘﺎط اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ» .ﻳﺎ ﺣﺎﺟﺔ ﻳﺎ زﻳﻨﺔ ..ﻧﻮرﺗﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ!« أﻧﺸﻮدة اﻟﻤﺴﺎء ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪار اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ،ﺗﺘﻨﺎﻗﻠﻬﺎ أﻓﻮاه ﻋﺪد ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ،رﺟﺎل وﻧﺴﺎء ﻛﺜﺮ ،ﻳﺘﺤﻠﻘﻮن ﺣﻮل ﺳﻴﺪة ﺗﺮﺗﺪي اﻷﺑﻴﺾ .ﺑﻴﺎض ﺷﺎﻫﻖ ﻳﻠﺘﻒ ﺑﻪ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻨﺤﻴﻞ ،وﻫﻮ أﺑﻴﺾ أﻳﻀﺎ ،ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﻧﻮر ﻳﺼﺪر ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﻀﺌﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺳﻂ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻟﻠﺪار اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﺗﻠﺘﻤﻊ اﻟﻨﺠﻮم ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺼﺎﻓﻴﺔ. اﻟﺪار ﺑﻴﺖ رﻳﻔﻲ ﻗﺪﻳﻢ ،ﻧﺼﻒ إﻓﺮﻧﺠﻲ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺣﻮاﺋﻂ ﺑﻨﻴﺖ ﺑﺎﻟﻄﻮب اﻷﺣﻤﺮ ،وﺳﻘﻔﻪ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺨﺮﺳﺎﻧﺔ، وﻟﻪ درج ﻳﻌﻠﻮ ﺑﻪ ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺠﻮار ،ﻟﻜﻨﻪ ﺑﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﻤﻂ اﻟﺬي ﺑﻨﻴﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺪور :ﺑﺎﺣﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﺗﺼﻄﻒ اﻟﻐﺮف ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻬﺎ وﺷﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻲ ﺻﺪرﻫﺎ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ،ﺗﻜﻮم اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻨﺤﻴﻞ ﻟﻠﺠﺪة ،ﻛﻨﺖ ﻣﺄﺧﻮذا ﺑﺎﻟﻤﺸﻬﺪ ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻨﻲ أﺣﺒﻬﺎ ﻓﻘﻂ وأﺣﺐ أن أراﻫﺎ ﻓﺮﺣﺔ؛ اﻹﺛﺎرة ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺄﺗﻲ –رﺑﻤﺎ -ﻣﻦ أﺣﻼم رﺣﻠﺔ اﻟﻐﺪ :ﺳﺄﺳﺘﻘﻞ ﺳﻴﺎرة ﻋﻤﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،أو رﺑﻤﺎ اﻟﺴﻴﺎرة اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ أ ّﺟﺮوﻫﺎ ﻟﺘﻘﻞ اﻟﻌﺪد اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺮﻛﺐ ،ﺣﺘﻰ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻛﻨﺖ أﻓﺎﺿﻞ داﺧﻠﻲ ﺑﻴﻦ أن أﺳﺘﻘﻞ ﺳﻴﺎرة ﻋﻤﻲ وأﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺸﺎﻫﺪ اﻟﻄﺮﻳﻖ وﺑﻘﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﺪة ،أو أن أرﻛﺐ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﻴﻜﻮن ﻣﺮح ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻨﻲ وﺑﻴﻦ أﺑﻨﺎء ﻋﻤﺘﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﻤﻌﻨﻲ ﺑﻬﻢ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺮ أﻳﻀﺎ ،ﺳﻴﻜﻮن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻃﻮﻳﻼ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﺪﻟﺘﺎ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ اﻟﺸﺮق ﺣﻴﺚ ﺳﺘﻘﻠﻊ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﻴﻨﺎء اﻟﺴﻮﻳﺲ ،ﺣﺎﻣﻠﺔ ﻣﻌﻬﺎ ﺟﺪﺗﻲ؛ ﻟﺘﻐﻴﺐ ﺷﻬﺮا أو أﻗﻞ ﻗﻠﻴﻼ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻌﻮد ﺣﺎﻣﻠﺔ ﻣﻌﻬﺎ »اﻟﻄﺎﻗﻴﺔ« اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻟﻤﺬﻫﺒﺔ ،وﺟﻠﺒﺎﺑﺎ ﺟﺪﻳﺪا ،ورﺑﻤﺎ ﺣﺬاء
48
ﺳﻔﻴﻨﺔ ..ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺋﻂ اﻟﺒﻬﺠﺔ!
ﺷﺮف@ ﻣﺤﻤﻮد ﻣﺤﻤﻮد ﺷﺮف
أﻳﻀﺎ ،وﺳﺄﺗﺒﺎﻫﻰ ﺑﻬﺬه اﻷﺷﻴﺎء أﻣﺎم اﻷوﻻد ﻓﻲ اﻟﺤﺎرة ذات ﺻﺒﺎح ﻣﻀﻲء .ﻟﻮ أﻧﻬﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻛﺮة ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻼﻋﺐ اﻟﺘﻲ أﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن؛ ﺳﺄﻛﻮن ﻣﻠﻚ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻟﻴﺲ اﻟﺤﺎرة ﻓﻘﻂ! ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع اﻟﻀﻴﻘﺔ اﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮة ﻛﻴﻔﻤﺎ اﺗﻔﻖ ،ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﻨﺼﺮم ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻠﺘﻘﻂ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ أن ﺣﺪﺛﺎ ﺷﺒﻴﻬﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪار ،أو ﺗﻠﻚ ،ارﻓﻊ ﺑﺼﺮك ﻗﻠﻴﻼ ﺗﺠﺎه اﻟﺤﺎﺋﻂ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻟﻠﻤﻨﺰل ،ﻟﻮ أﻧﻚ أﺑﺼﺮت رﺳﻤﺎ ردﻳﺌﺎ ﻟﺠﻤﻞ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺴﻨﻮات ،ﻟﻮ ﺷﺎﻫﺪت رﺳﻤﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺮداءة ﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ،أو ﻟﻄﺎﺋﺮة ،وﺣﺘﻰ ﻟﻮ أﻧﻚ ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﻘﺮاءة ،وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﻘﺮأ اﻟﻌﺒﺎرة» :ﺣﺞ ﻣﺒﺮور وذﻧﺐ ﻣﻐﻔﻮر«؛ ﺳﺘﻌﺮف أن أﺣﺪﻫﻢ أو إﺣﺪاﻫﻦ ﻳﻤﺮ ﺑﻨﻔﺲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺟﺪﺗﻲ .أﺑﻲ رﻓﺾ أن ﻳﺮﺳﻢ »اﻟﻨﻘّﺎش« ﺑﺎﻟﺠﻴﺮ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﻮم ﻋﻠﻰ ﺟﺪارﻧﺎ ،اﻛﺘﻔﻰ ﺑﺄن ﻳﻌﻴﺪ ﻃﻼء اﻟﺒﺎﺣﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ،ﺑﺪون ﺳﻔﻴﻨﺔ ،أو ﺟﻤﻞ ،وﻏﻀﺒﺖ. ﻃﻮال اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ اﻟﺴﻮﻳﺲ ﻛﻨﺖ أﺣﺎول ﺣﺴﺎب اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﻲ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻲ ﺟﺪﺗﻲ ﺑﻌﺪ اﻧﻔﻀﺎض اﻟﺴﻬﺮة أن أﻋﺪﻫﺎ ﻟﻬﺎ ،وﻫﻞ ﺳﺘﺴﻤﺢ ﺑﺸﺮاء ﻛﻞ اﻟﻬﺪاﻳﺎ أم ﻻ ،ﺷﺎﻫﺪت أﻧﺎﺳﺎ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﺴﻠﻤﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻳﺄﺗﻮن ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج وﻳﺬﻫﺒﻮن ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻴﻬﺎ ،ﻳﻀﻐﻄﻮن ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻫﺎ ،وﺗﻘﺒﻠﻬﺎ اﻟﻨﺴﻮة ،وﻫﻲ ﺗﻀﻊ ﻳﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺟﻴﺒﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺳﻼم! ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ وﻫﻲ ﺗﻔﺮش اﻟﻨﻘﻮد ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮﻫﺎ :ﻫﺬه »اﻟﻨﻘﻄﺔ«! ﻛﻨﺖ ﺣﺘﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻦ ﻻ أﻋﺮف »اﻟﻨﻘﻄﺔ« إﻻ ﻓﻲ اﻷﻓﺮاح ،ﻧﺬﻫﺐ ﻟﻠﻌﺮﻳﺲ وﻧﻌﻄﻴﻪ ﺟﻨﻴﻬﺎ أو ﻧﺼﻒ اﻟﺠﻨﻴﻪ؛ ﻫﺪﻳﺔ اﻟﻌﺮس .اﻵن ﻋﺮﻓﺖ أن اﻟﺠﻨﻴﻪ و رﺑﻊ اﻟﺠﻨﻴﻪ أﻳﻀﺎ ﻳﺪﻓﻌﻮﻧﻪ ﻟﻠﺬي ﻳﺬﻫﺐ ﻟﻠﺤﺞ .ﺗﻠﻚ أزﻣﻨﺔ ﺗﺼﻨﻊ ذاﻛﺮﺗﻲ ..وأﺣﺒﻬﺎ! *ﺷﺎﻋﺮ وإﻋﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
ﻟﺒﻴﺖ ﻃﻬﻮر اﻟﺴﺎح واﻟﺸــﺮﻓﺎت أرى اﻟﻨﺎس أﻓﻮاﺟﺎ وﻣﻦ ﻛﻞ ﺑﻘﻌﺔ إﻟﻴﻚ اﻧـــﺘﻬﻮا ﻣﻦ ﻏﺮﺑﺔ وﺷﺘﺎت ﺗﺴﺎووا ﻓﻼ اﻷﻧﺴﺎب ﻓﻴﻬﺎ ﺗـﻔﺎوت ﻟﺪﻳﻚ وﻻ اﻷﻗﺪار ﻣﺨﺘـــــﻠﻔﺎت
وﻳﺮوي أن أﺑﺎه ﻟﺠﺄ إﻟﻰ ﺣﻴﻠﺔ ﻣﺎﻛﺮة ﻟﻠﻬﺮب ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺄزق، ﺣﻴﺚ أﻗﻨﻊ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﺑﺄﻧﻪ ذاﻫﺐ ﻣﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﺤﺞ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﺮﻛﺐ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺑﻨﻬﺎ« ﻓ ّﺮ ﻣﻨﻪ واﺧﺘﺒﺄ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل أﺣﺪ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ، ُ وﻟ ّﻤﺎ ﻋﺎﺗﺒﻪ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﺑﻌﺪ أن رﺟﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ ،اﻋﺘﺬر ﻟﻪ ﺷﻮﻗﻲ ﻗﺎﺋﻼ» :ﻛﻞ ﺷﻲء إﻻ رﻛﻮب اﻟﺠﻤﺎل ﻳﺎ أﻓﻨﺪﻳﻨﺎ« ،وﻋﺰز اﻋﺘﺬاره ً ﺑﺄن ﻧﻈﻢ ﻟﻪ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة »إﻟﻰ ﻋﺮﻓﺎت اﻟﻠﻪ« ،ﺗﻬﻨﺌﺔ ﺑﺎﻟﺤﺞ وﺗﺮﺣﻴﺒﺎً ﺑﺎﻟﻌﻮدة ،وﻫﻲ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻟﺤﻨﻬﺎ رﻳﺎض اﻟﺴﻨﺒﺎﻃﻲ ﺛﻢ ﻳﺨﺎﻃﺐ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻗﺎﺋﻼ: وﻏﻨﺘﻬﺎ ﻛﻮﻛﺐ اﻟﺸﺮق أم ﻛﻠﺜﻮم اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻬﻠﻬﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ: اذا زرت ﺑﻌﺪ اﻟﺒﻴﺖ ﻗﺒﺮ ﻣﺤﻤــﺪ اﻟﻰ ﻋﺮﻓﺎت اﻟﻠﻪ ﻳــــــﺎ ﺧﻴﺮ زاﺋﺮ وﻗﺒﻠﺖ ﻣﺜﻮى اﻷﻋﻈﻢ اﻟﻌﻄـــــﺮات ﻋﻠﻴﻚ ﺳﻼم اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻋـــــﺮﻓﺎت وﻓﺎﺿﺖ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻊ اﻟﻌﻴﻮن ﻣﻬﺎﺑﺔ وﻳﻮم ﺗﻮﻟﻲ وﺟﻬﺔ اﻟﺒﻴــﺖ ﻧـﺎﺿﺮا ﻷﺣﻤــــــــﺪ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﺘﺮ واﻟﺤﺠﺮات وﺳﻴﻢ ﻣﺠﺎل اﻟﺒﺸﺮ واﻟﻘﺴﻤـﺎت وأﺷﺮق ﻧﻮر ﺗﺤﺖ ﻛـــــﻞ ﺳــﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ أﻓﻖ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺎز ﻣــﻼﺋﻚ وﺿﺎء أرﻳــــﺞ ﺗﺤﺖ ﻛــــﻞ ﺣـﺼﺎة ﺗﺰف ﺗﺤﺎﻳﺎ اﻟﻠـــــــﻪ واﻟﺒــﺮﻛﺎت ﻓﻘﻞ ﻟﺮﺳﻮل اﻟﻠــﻪ ﻳﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﺮﺳﻞ ﻟﺪى اﻟﺒﺎب ﺟﺒﺮﻳﻞ اﻷﻣﻴﻦ ﺑــﺮاﺣﻪ أﺑﺜﻚ ﻣﺎ ﺗــــــﺪري ﻣـــﻦ اﻟﺤﺴﺮات رﺳﺎﺋﻞ رﺣﻤﺎﻧﻴـــــــــﺔ اﻟﻨﻔﺤﺎت ﺷﻌﻮﺑﻚ ﻓﻲ ﺷﺮق اﻟﺒﻼد وﻏــﺮﺑﻬﺎ وﻓﻲ اﻟﻜﻌﺒﺔ اﻟﻐﺮاء رﻛﻦ ﻣــﺮﺣﺐ ﻛﺄﺻﺤﺎب ﻛﻬﻒ ﻓﻲ ﻋﻤﻴﻖ ﺳــــﺒﺎت ﺑﻜﻌﺒﺔ ﻗﺼــــﺎد ورﻛﻦ ﻋﻔــــﺎت ﺑﺈﻳﻤــﺎﻧﻬﻢ ﻧــــﻮران ذﻛﺮ وﺳــﻨﺔ وزﻣـﺰم ﺗﺠﺮي ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻨﻴـــﻚ أﻋﻴﻨﺎ ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟــﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﻚ اﻟﻈﻠـــــﻤﺎت ﻣﻦ اﻟﻜﻮﺛﺮ اﻟﻤﻌﺴﻮل ﻣﻨﻔﺠﺮات وﻗﻞ رﺑـــﻲ وﻓﻖ ﻟﻠـﻌﺰاﺋﻢ أﻣــﺘﻲ ﻟﻚ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺎرب اﻟﺤﻨﻴﻒ ﺟﻤﻌﺘﻬﻢ وزﻳﻦ ﻟــــﻬﺎ اﻷﻓﻌــــﺎل واﻟﻌـﺰﻣﺎت
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
47
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
أﺷﻬﺮ أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺤﺞ
ﻗﺼﻴﺪة
»إﻟﻰ ﻋﺮﻓﺎت ا`«
اﻋﺘﺬر ﺑﻬﺎ أﻣﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮاء ﻋﻦ ﻫﺮوﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ أﺣﻤﺪ أﺑﻮزﻳﺪ
ﻛﺎن أﻣﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮاء أﺣﻤﺪ ﺷﻮﻗﻲ ،ﺿﻤﻦ ﺣﺎﺷﻴﺔ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ ﻋﻨﺪ اﺳﺘﻌﺪاده ﻟﻠﺴﻔﺮ ﻷداء ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ﻋﻠﻢ 1909م ،ﻟﻜﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﺣﺘﺎل ﻟﻠﺘﺨﻠﻒ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺴﻔﺮة واﻟﻬﺮوب ﻣﻨﻬﺎ ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ اﻟﺘﺨﻠّﻒ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ، ﺛﻢ اﻋﺘﺬر ﻟﻠﺨﺪﻳﻮي ﺣﻴﻦ ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ ،ﻓﻘﺒﻞ اﻋﺘﺬاره ﻟﻤﻜﺎﻧﺘﻪ ﻋﻨﺪه. وﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻳﺮوﻳﻬﺎ ﺣﺴﻴﻦ ﺷﻮﻗﻲ اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »أﺑﻲ ﺷﻮﻗﻲ« ﻳﻘﻮل» :وﻣﻦ ﻣﻘﺎﻟﺐ ﺷﻮﻗﻲ ﺗﺨﻠﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺎز ﻟﺘﺄدﻳﺔ ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ﻣﻊ وﻟﻲ ﻧﻌﻤﺘﻪ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ ،وﻛﺎن ﺷﻮﻗﻲ ﻫﻮ ﺷﺎﻋﺮ ﺑﻼﻃﻪ«.
46
ﻗﺼﻴﺪة »إﻟﻰ ﻋﺮﻓﺎت ا«e
َﺻﺒ ﱠﻴﺔ ﺑ ِﺤـ ﱠﻨﺔ ﻧِﺰﻟِﺖ ﻋﺎااااااا وﺻﺒ ﱠﻴﺔ ﺑ ِﺤـ ﱠﻨﺔ ع اﻟﺒﺎﺧﺮة َ َﺻﺒ ﱠﻴﺔ ﺑ ِﺤ ﱠﻨـﺔ ﻣﺸ ّﻮﻗﺔ) (9ﻋﺎاااااااا ع اﻟﻨﺒﻰ وراﻳﺤﺔ َﻣ َﺤــ ﱠﻨﺔ ﺻﺒﻴﺔ ﺑﻌﻨﺎدي ﻓﻮق ﺟﺒﻞ ﻋﺎاااا ﻋﺮﻓﺎت ﺻﺒﻴﺔ ﺑﻌﻨﺎدى )(10 ﺻﺒﻴﺔ ﺑﻌﻨﺎدي ﻣﺸَ ﱠﻮﻗَﺔ ﻋﺎااااااا ع اﻟﻨﺒــﻲ وراﻳـــﺤﺔ ﺑﻼدي إدوﻧﺎ اﻟﻮﺻﻴﻔﺔ ﻳﺎ اﻟﻠﻰ زُرﺗﻮا اﻟﻨﺒﻲ أدوﻧﺎ اﻟﻮﺻــﻴﻔﺔ)(11 إدوﻧﺎ اﻟﻮﺻﻴﻔﺔ ﻓﺎﻃﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻦ ﺷَ ﺮﻗَـﺔ وراﺧﻴﺔ اﻟﻘﻄﻴﻔﺔ إدوﻧﺎ اﻷﻣﺎرة ﻳﺎ زاﻳﺮﻳـــﻦ اﻟﻨــــﺒﻲ إدوﻧﺎ اﻷﻣــــﺎرة إدوﻧﺎ اﻷﻣﺎرة ﻓﺎﻃﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻦ ﺷﺮﻗﻪ وراﺧﻴﺔ اﻟﺴﺘﺎرة
ﺳﺎﻛﻨﺔ اﻟﺠﺒﺎلِ ﻓﺎﻃﻴﻤﺔ ﺗﻘﻮل ﻳﺎ أﺑﺎﻳﺎ وﺳﺎﻛﻨﻪ اﻟﺠـﺒﺎل ﺳﺎﻛﻨﻪ اﻟﺠﺒﺎلِ واﻟﻠﻲ أ ِﺣ ُﺒﻪ ﻳﺎ ﺑﻨﺘﻲ ﻳﺠﻴــﻨﻲ ﻳﻼﻟﻲ وﺣﺴﻦ واﻟﻤﺸﺎﻳﺦ واﻟﻨﺒﻲ ﺷﻮف ﻋﻴﺎﻟﻚ ﺣﺴﻦ واﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﺣﺴﻦ واﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﻳﺎ ﺣﺴﻦ روح وﻗﻮﻟﻪ ِﻣ َﻌ ﱢﺠـﻞ وراﻳـــﺢ ﺣﺴﻦ واﻟﻬﺮﻳﺪي واﻟﻨﺒﻲ ﺷﻮف ﻋﻴﺎﻟﻚ ﺣﺴﻦ واﻟﻬﺮﻳﺪي ﺣﺴﻦ واﻟﻬﺮﻳﺪي ﻳﺎ ﺣﺴﻦ روح وﻗﻮﻟﻪ ِﻣ َﻌ ﱢﺠـﻞ ﻫَــﻴﻴﺠﻲ )(12 ورﻳﺲ اﻟـــﺒﺎﺧﺮه ﻗــــﺎل ﻫﺎت ﻳــَﺪﱠك ﺧﺪﺗـﻜﻢ ﻃﻴﺒﻴﻦ ﻋﻘــﺒﺎل ﻣـــــﺎ أ ُردﱠك ورﻳﺲ اﻟﻐﻠﻴﻮن ) (13ﻗﺎل ﻫﺎت أﻳﺪك ﺧﺪﺗﻜﻢ ﻃﻴﺒﻴﻦ ﻋﻘـــﺒﺎل ﻣــــﺎ أﺟﻴﺒﻚ ﻳﺎ ﻋﻴﻦ اﻟﺤﻤﺎﻣﺔ ﻳﺎ ﻧــﺒـــﻲ ﻳﺎ ﻧﺒﻰ ﻳﺎ ﻋﻴﻦ اﻟﺤــــﻤـﺎﻣﺔ وﺳﻠﱠﻢ َﻋﻠﻴﺎ َﻣﺪ َﻳﺪﱡ ﻩ اﻟﻴﻤﻴﻦ َ ﻳﺎ ﻋﻴﻦ اﻟـــﺜُﺮﻳﺎ ﻳﺎ ﻧﺒـــــﻲ ﻳﺎ ﻧﺒﻰ ﻳﺎ ﻋﻴﻦ اﻟﺜُــﺮﻳﺎ )(14 َﻣﺪ ﻳَﺪﱡ ﻩ اﻟﻴﻤﻴﻦ وﻗﺎﻟﻲ اﻟﺴﻼﻣﺔ
ﻫﻮاﻣﺶ: .1ﺗﻬﻮن اﻟﺘﻘﻴﻠﺔ :ﻳﻬﻮن ﺗﻌﺐ وﻣﺸﻘﺔ اﻟﺴﻔﺮ ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻨﺒﻰ )ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ(. .2ﻓﺎﻃﻴﻤﺔ :اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﻨﺒﻲ )ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ(. .3ﺟﻮﻟﻚ :أﺗﻮا ﻟﻠﺰﻳﺎرة واﻟﺤﺞ. .4ﺣﻠﻴﻤﺔ ﺗﻠﻒ :اﻟﻤﻘﺼﻮد ﻫﻨﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﺣﻠﻴﻤﺔ اﻟﺴﻌﺪﻳﺔ ﻣﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺒﻲ )ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ(. .5ﺗﺪﻓﺪف :أي ﺗﺪﻓﺌﻪ وﺗﺤﺮﺳﻪ إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻗﺼﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﻰ إﻟﻴﻪ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺟﺒﺮﻳﻞ وأﺗﻰ إﻟﻰ اﻟﺴﻴﺪة ﺧﺪﻳﺠﺔ وﻗﺎل زﻣﻠﻮﻧﻲ دﺛﺮوﻧﻲ. .6ﻳﺎ ﺑﻼل :إﺷﺎرة ﻟﺴﻴﺪﻧﺎ ﺑﻼل ﻣﺆذن اﻟﺮﺳﻮل )ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ(. .7ﺗﻜﺴﺎت ﺑﺮاﻳﺔ :اﻟﻤﻘﺼﻮد ﻫﻮ اﻟﻘﻮاﻓﻞ اﻟﺬاﻫﺒﺔ ﻟﻠﺤﺞ واﻟﺘﻲ ﺗﻀﻊ راﻳﺎت ﺑﻴﻀﺎء.
.8 .9 .10 .11 .12 .13 .14 .15 .16
ودورﻫﺎ ﻳﻤﻴﻦ ﻳﺎﻟﻠـﻰ زورﺗﻪ اﻟﻜﻌﺒﺔ ودورﻫـــﺎ ﻳـــــﻤﻴﻦ ودورﻫﺎ ﻳﻤــــﻴﻦ وﺻــﻠﻴﻠﻚ رﻛﻌﺘﻴﻦ ﻓﻰ ﺣــﺠﺮ أﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ودورﻫﺎ ﺷﻤﺎل ﻳﺎ اﻟﻠﻰ زورﺗﻪ اﻟﻜـﻌﺒﺔ وزورﻫـــﺎ ﺷــــﻤﺎل ودورﻫﺎ ﺷــﻤﺎﻟﻰ وﺻــﻠﻴﻠﻚ رﻛﻌﺘﻴﻦ ﻓﻰ ﺣﺠﺮ اﻟﺘﻬﺎﻣﻰ )(15
ﻳﻨﺎدى اﻟﻤﻨﺎدى ﻓﻮق ﺟﺒﻞ ﻋﺮﻓﺎت ﻓﻮق ﺟﺒﻞ ﻋﺮﻓﺎت ﻳﻨﺎدى اﻟﻤـﻨﺎدى روﺣﻮا ﻳﺎ ﺣﺠﺎج ﺑﻠﻐــﺘﻮا اﻟﻤـــﺮاد ﻓﻮق ﺟﺒﻞ ﻋﺮﻓﺎت ﻳـﻨﺎدى ﻋــﻄﻴﺔ روﺣﻮا ﻳﺎ ﺣﺠﺎج زﻳﺎرة ﻫـــــــﻨﻴﺔ ﺧُﺪ أﺑﻴﺾ )ِ (16وﻟِﻔﱡـــﻪ ﻋﻨﺪ َﺣ َﺮم اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺎ َﻣﺤــﻼه ﻓـــﻲ ﻟِ ْﺒﺴـــــُﻪ ﺧُﺪ أﺑﻴﺾ و ِِﺷــﻴﻠُﻪ ﻋﻨﺪ ﺣـــــَ َﺮم ﺤﻠﻰ ﻏَﺴــــﻴﻠُﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﻳـﺎ ﻣـــــــَ َ
دار ﺑﻴﻬﻢ ﻳﺎ ﺣﺞ ﺳﻴﺪ :اﻟﻤﻘﺼﻮد ﻫﻨﺎ اﻟﻤﻮف اﻟﺬي ﻳﺸﺮف ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺎﺋﺮ اﻟﺤﺞ ﻣﻊ أﻓﻮاج اﻟﺤﺠﺎج. ﻣﺸﻮﻗﺔ :أى ﻣﺸﺘﺎﻗﺔ ﻟﻠﺞ وزﻳﺎرة اﻟﻨﺒﻲ )ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ(. ﺻﺒﻴﺔ ﺑﻌﻨﺎدي :ﺻﺒﻴﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻣﺘﺰوﺟﺔ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ذﻫﺒﺖ ﻟﻠﺤﺞ واﻟﺰﻳﺎرة أدوﻧﺎ اﻟﻮﺻﻴﻔﺔ :أى ﺻﻒ ﻟﻨﺎ أرض اﻟﺤﺠﺎز اﻟﺘﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﻌﺒﺔ وﻗﺒﺮ اﻟﺮﺳﻮل. ﻣﻌﺠﻞ ﻫﻴﻴﺠﻰ :ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻗﺮﻳ ًﺒﺎ ﻟﻠﺰﻳﺎرة. رﻳﺲ اﻟﻐﻠﻴﻮن :اﻟﻤﺴﺌﻮل ﻋﻦ اﻟﻤﺮﻛﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﻞ اﻟﺤﺠﺎج. ﻋﻴﻦ اﻟﺜﺮﻳﺎ :اﻟﻨﺠﻮم. ﺣﺠﺮ اﻟﺘﻬﺎﻣﻰ :اﻟﺼﻼة رﻛﻌﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺣﺠﺮ ﺳﻴﺪﻧﺎ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﺎﻟﻜﻌﺒﺔ اﻟﻤﺸﺮﻓﺔ. ﺧﺪ أﺑﻴﺾ :اﻟﻤﻘﺼﻮد ﻣﻼﺑﺲ اﻹﺣﺮام اﻟﺒﻴﻀﺎء.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
45
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد ﺗُﻬﻮن اﻟﺘﻘﻴﻠﺔ إن َﻣﺪَ ﺣـﺖ ووووو اﻟﻨﺒﻲ ﺗﻬﻮن اﻟﺘﻘﻴﻠﺔ)(1 ﻣﻦ اﻟﺸﺮق ﺟﻮﻟَﻚ ﻓﺎﻃﻴﻤﺔ ) (2ﺗﻘﻮل ﻳﺎ أﺑﺎﻳﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮق ﺟﻮﻟﻚ)(3 ﻣﻦ اﻟﺸﺮق ﺟﻮﻟﻚ ﺿَ ﱠﻴﻌﻮا ﻣﺎااال ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﺸﺎن ﺿﻲ ﻧﻮرك وأﻧﺎ ع اﻟ َﻤﺨَﺪﱠ ة ِﺣﻠﻤﺖ ﺣﻠﻤﻲ وﻓﻰ اﻟﻠﻴﻞ وأﻧﺎ ع اﻟﻤﺨَﺪﱠ ة وأﻧﺎ ع اﻟ َﻤﺨَﺪﱠ ة ﺣﻠﻤﺖ ُز ْرﺗﻮووو اﻟﻨﺒﻰ وزادت اﻟ َﻤ َﺤ ﱠﺒﺔ وﻻ ﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ أﻳﺪي ﻋﺸﻘﺘﻪ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ وﻻ ﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ أﻳﺪي وﻻ ﻣﺎﻟﻰ ﻓﻰ أﻳﺪى وﺣﻠﻤﺖ ﻳﺎ ﺳﻴﺪى وﻻ ﻣﻌﺎﻳﺎ ﺗﺠﺎرة ﻋﺎﺷﻘﺔ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ وﻻ ﻣﻌﺎﻳﺎ ﺗﺠﺎرة اﻟﻨﺒﻲ ﻛﻔﺎﻳﺎﻧﻲ اﻟﺰﻳﺎرة
ﺣﻠﻴﻤﺔ ﺗِــﻠِــﻔُـﻪ ﻣﺎ وﻟﺪﺗﻪ آﻣﻨﺔ أﻣﻴﻨﺔ وﺣﻠﻴﻤﺔ ﺗِﻠِﻔُﻪ)(4 ﺣﻠﻴﻤﺔ ﺗِﻠِﻔُﻪ ﻳﺎ ِﻣﻠﻮﻛﻲ اﻟﺴﻤﺎ ﻣﺎ َﺟ ﱠﻴﺎه ﺗِ ِﺰﻓُﻪ ﺣﻠﻴﻤﺔ ﺗِﻠَﻔﻠِﻒ ﻣﺎ ِوﻟْ ِﺪﺗُﻪ آﻣﻨﺔ آﻣﻴﻨﺔ وﺣﻠﻴﻤﺔ ﺗِــﻠَـﻔـﻠِﻒ ﺣﻠﻴﻤﺔ ﺗِـﻠَـﻔْـﻠِـﻒ ﻳﺎ ِﻣﻠﻮ ِﻛﻲ اﻟﺴﻤﺎ ﻣﺎ َﺟ ﱠﻴﺎه ﺗِـﺪَ ﻓْـ ِﺪف )(5 ﻛﺎن اﻟﻜﻮن ِﻣﻀَ ﻠﱢﻢ ﻗﻮم ﻳﺎ ﺑﻼل)(6 وأدﱢن ﻓﻲ ﻛَ ْﺮم اﻟ ِﻤ َﻌﻠﱢﻢ ﻛﺎن اﻟﻜﻮنِ ﺧﺎﻳﻒ ﻗﺒﻞ ﻧﻮري اﻟﻨﺒﻲ ،،،ﻛﺎن اﻟﻜﻮنِ ﺧﺎﻳﻒ
ŲƀűdžĭǂġŨė ƁŰĘŘč ŲŬ أﻧﺎ أﻣﺪح ﺑﻼﺷﻲ وأﻗَﻀﱢ ﻰ ﻋﻤﺮي وﻛُﻠُﻪ دا أﻧﺎ أﻣﺪَح ﺑﻼﺷﻲ أﻧﺎ أﻣﺪَح ﺑﻼﺷﻲ اﻟﻠﻲ َﺳ َﻌﺎﻟُﻪ »اﻟ ُﺒ َﺮﻋﻰ« وﻻ ﺣﺼﻼﺷﻰ أﻧﺎ أﻣﺪح ﻣﺤﻤﺪ أﻗَﻀﱢ ﻲ ﻋﻤﺮي وﻛﻠﻪ دا أﻧﺎ أﻣﺪَح ﻣﺤﻤﺪ أﻧﺎ أﻣﺪح ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻠﻲ ﺳﻌﺎﻟﻪ اﻟﺒﺮﻋﻲ وﻛﺎن ُﻣ ﱠﻮﻟَﺪ أﻧﺎ أﻣﺪح ﺣﺒﻴﺒﻰ وأﻗَﻀﱢ ﻲ ﻋﻤﺮي وﻛُﻠﻪ دا أﻧﺎ أﻣﺪَح ﺣﺒﻴﺒﻲ أﻧﺎ أﻣﺪح ﺣﺒﻴﺒﻲ اﻟﻠﻲ َﺳ َﻌﺎﻟُﻪ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺒﺮﻋﻲ وﻣﺎت ﻓﻲ ِ
44
أﻏﺎﻧﻲ اﻟ َﺘ ْﺤﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ
وﺗﺎﻛﺴﺎت ﺑﺮاﻳﺔ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ ﻋﺎااا وﻋﺮﻓﺎت ﻣﺎ ﺗﻜﺴﺎت ِﺑﺮاﻳﺔ )(7 ﻣﺎ ﺗﻜﺴﺎت ﺑﺮاﻳﺔ واﻟ ِﻤﻄَ ﱢﻮف وع اﻟﻘﻮل ﻳﺎ ﻋﺸﺎق وراﻳـــﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﺴﺎت ﺑﺰﻳﻨﻪ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ ﻋﺎااااا وﻋﺮﻓﺎت ﻣﺎ ﺗﻜﺴﺎت ﺑﺰﻳــﻨﺔ ﻣﺎ ﺗﻜﺴﺎت ﺑﺰﻳﻨﺔ واﻟ ِﻤﻄَ ﱢﻮف وع اﻟﻘﻮل ﻳﺎ ﻋﺸﺎق ﻧﺒـــﻴﻨﺎ وﻳﺎ ﺣﺞ ﺳﻴﺪ ﻳﺎ ﻏﻔـــﻴﺮ دار دار ﺑﻴﻬﻢ ﻳﺎ ﺣﺞ ﺳﻴــــﺪ)(8 وﻳﺎ ﺣﺞ ﺳﻴﺪ ِدﻟِﻨﻰ ﻋﺎااااااا ع اﻟﺪروب دى ﻏُﺮ َﺑﺔ وﺗِﺸَ ـ ﱢﻴـﺐ
اﻟﻤﻮاﺻﻼت اﻟﺘﻰ ﻳﺴﺘﻘﻠﻬﺎ اﻟﺤﺎج واﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺘﻰ ﺗﻮاﺟﻬﻪ أﺛﻨﺎء اﻟﺮﺣﻠﺔ ،ووﺻﻒ ﻟﺤﺎل أﻫﻠﻪ وﺷﻮﻗﻬﻢ إﻟﻴﻪ أﺛﻨﺎء ﻏﻴﺎﺑﻪ. وﺳﻤﻰ ذﻟﻚ اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎء ﺑﺎﻟﺘﺤﻨﻴﻦ ﻷن اﻟﻨﺎس ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻟﻠﻤﺴﺎﻓﺮ ﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺎج )ﺣﺞ ﻣﺒﺮور وذﻧﺐ ﻣﻐﻔﻮر ،واﻟﻠﻪ ﻳ َﺤ ﱢﻨـﻦ ﻋﻠﻴﻚ( ﻷن اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻓﻰ اﻟﻤﺎﺿﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻗﺔ ﺟ ًﺪا وﻳﻤﺮ اﻟﺤﺎج ﺑﺼﻌﻮﺑﺎت ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻦ ﺗﻘﻠﺒﺎت ﺟﻮﻳﺔ ) درﺟﺔ ﺣﺮارة ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ أو ﻣﻨﺨﻔﻀﺔ -ﻋﻮاﺻﻒ رﻣﻠﻴﺔ – ﺳﻴﻮل ( أو ﻗُﻄﱠﺎع ﻃﺮق أو ﻗﻠﺔ اﻟﺰاد أو اﻻزدﺣﺎم اﻟﺬى ﻳﺰداد أﺛﻨﺎء أداء اﻟﻤﻨﺎﺳﻚ، ﻓﻴﺤﺘﺎج اﻟﺤﺎج ﻟﻤﻦ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪه ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮاﻗﻒ وﻷن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻨﺸﻐﻠﻮن ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻓﻼ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﻤﺴﺎﻋﺪة إﻻ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﺳﻤﻴﺖ أﻳﻀً ﺎ ﺗﺤﻨﻴﻦ ﻟﻤﺎ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻨﻴﻦ ﻟﺰﻳﺎرة اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ وﺣﻨﻴﻦ ﻟﻠﻤﺴﺎﻓﺮ ﻣﻦ أﻫﻠﻪ إﻧﺘﻈﺎ ًرا ﻟﻌﻮدﺗﻪ، وﺣﻨﻴﻦ ﻣﻨﻪ ﻷﻫﻠﻪ أﻳﻀً ﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻐﺮق ﺷﻬﻮ ًرا ﻛﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. وﺗﺤﻜﻰ ﻧﺼﻮص اﻟﺘﺤﻨﻴﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﺳﻴﺮة
اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣﻨﺬ وﻻدﺗﻪ ووﺟﻮده ﻓﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﺴﻴﺪة ﺣﻠﻴﻤﺔ اﻟﺴﻌﺪﻳﺔ ،وﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺒﻨﺎﺗﻪ وﺧﺎﺻ ًﺔ اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ ،وﺗﺤﻜﻰ أﻳﻀً ﺎ ﻋﻦ رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ ووﺳﻴﻠﺘﻬﺎ واﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺘﻰ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺤﺎج ،وﺗﺼﻒ أﻳﻀً ﺎ ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞ ﻋﺮﻓﺎت واﻟﻄﻮاف ﺑﺎﻟﻜﻌﺒﺔ اﻟﻤﺸﺮﻓﺔ وﺷﺮب ﻣﺎء زﻣﺰم ورﺟﻢ إﺑﻠﻴﺲ ،وﻋﻦ ﻓﺮﺣﺔ أﻫﻞ اﻟﺴﻤﺎء واﻟﻜﻮن ﻛﻠﻪ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ،وﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻏﺎﻧﻰ ﺗﻐﻨﻴﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﺣﻜﺎه ﻣﻦ أدى ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ﻣﻦ أﻫﻠﻬﻦ أو ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺮﻳﺔ ،وأﺛﻨﺎء اﻟﻐﻨﺎء ﺗﻨﻬﻤﺮ اﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ أﻋﻴﻨﻬﻦ ﺷﻮﻗًﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ، وﻗﺪ ﺗﻮارﺛﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ﺗﻠﻚ اﻷﻏﺎﻧﻰ ﻣﻦ اﻟﺠﺪات ﻋﺒﺮ أﺟﻴﺎل ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ وﻻزاﻟﺖ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻜﺒﻴﺮات ﻓﻰ اﻟﺴﻦ ﺗﺤﻔﻆ ﺗﻠﻚ اﻷﻏﺎﻧﻰ وﺗﻐﻨﻴﻬﺎ ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ *ﺑﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻣﺼﺮ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
43
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
ﻓﻈﻬﺮت اﻟﺴﻴﺎرة اﻟﺘﻰ ﺗﻨﻘﻞ اﻟﺤﺠﺎج إﻟﻰ ﻣﻜﺎن اﻟﺒﺎﺧﺮة أو اﻟﻄﺎﺋﺮة ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻘﺮﻳﺔ وﺧﺎرﺟﻬﺎ وﻏﺎﻟ ًﺒﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن »ﻓَﺘَﺔ ﺑﺎﻟﻠﺤﻢ« واﻟﺬﻳﻦ اﻟﺘﻰ ﻳﺴﺘﻘﻠﻮﻧﻬﺎ إﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻇﻠﺖ ﻳﺤﻀﺮون ﻟﻠﺴﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎج واﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻌﻮدﺗﻪ ﺳﺎﻟ ًﻤﺎ ،وﻓﻰ اﺣﺘﻔﺎﻻت وﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﺤﺞ إﻟﻰ وﻗﺘﻨﺎ ﻫﺬا ﻟﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻰ ﻧﻔﻮس اﻟﻤﺴﺎء ﺗﻘﺎم ﻟﻴﻠﺔ إﻧﺸﺎد دﻳﻨﻰ وﻳُ َﻘ َﺪم ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺮاب »اﻟﺸﺮﺑﺎت« اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ،ﻓﻴﻘﻮﻣﻮن ﺑﺎﻟﺘﺠﻤﻊ ﻟﺘﻮدﻳﻊ وﻳﺴﺘﻤﺮ وﻓﻮد اﻷﻫﻞ واﻟﺠﻴﺮان ﻟﻠﺴﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎج ﻷﻳﺎم ﻛﺜﻴﺮة اﻟﺤﺠﺎج وﻳﺬﻫﺒﻮن ﻣﻌﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرات ﺣﺘﻰ ﻣﻜﺎن اﻟﺒﺎﺧﺮة واﻟﻄﺎﺋﺮة ،وﻳﻘﺪم اﻟﺤﺎج ﻟﻠﻀﻴﻮف اﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﺘﻰ أﺣﻀﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷراﺿﻰ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ »ﺳﺒﺢ – ﻣﺼﺎﺣﻒ – ﻃﺎﻗﻴﺔ وﻳﻀﻌﻮن اﻟﺮاﻳﺎت اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻓﻮق اﻟﺴﻴﺎرات – ﺟﻠﺒﺎب أﺑﻴﺾ – ﻣﺴﻚ – ﺳﻮاك« وﻫﻢ ﺗﻴﻤ ًﻨﺎ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ اﻟﺬى ﻳﻌﻮد ﻋﻠﻴﻬﻢ واﻟﺒﺮﻛﺔ ﻳﻌﺘﺒﺮون ذﻟﻚ ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻛﺔ ،وﻳُ َﺤ ﱡﻴﻮﻧَﻪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ. ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ »ﺑ ُﻌﻮده ﻳﺎ ﺣﺞ« وﻳﺮد ﻋﻠﻴﻬﻢ وﺑﻌﺪ ﺳﻔﺮ اﻟﺤﺠﺎج ﻳﻘﻮم اﻷﻫﻞ ﺑﺘﻨﻈﻴﻒ »اﻟﺘﺤﻨﻴﻦ« ﻫﻲ ﺗﻠﻚ »ﻋﻘﺒﺎل اﻟ َﺤﻀْ َﺮة ﻋﻨﺪﻛﻢ« اﻟﺒﻴﻮت ودﻫﺎﻧﻬﺎ ﺑﺄﻟﻮان زاﻫﻴﺔ وﺑﻴﻀﺎء ا)ﻏﺎﻧﻲ اﻟﻤﻨﻐﻤﺔ ذات وﻛﺎن ﻟﻠﻨﺴﺎء دور ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻠﺔ وﻳﺮﺳﻤﻮن ﻋﻠﻰ ﺟﺪران اﻟﻤﻨﺎزل ﻣﻦ اﻷﻣﺎم اﻟﺘﻰ اﻟﻬﺎدئ ا6ﻳﻘﺎع ﻓﻴﻘﻤﻦ ﺑﺈﻋﺪاد ﻣﺎ ﻳﻠﺰم اﻟﺤﺎج ﻣﻦ ﻃﻌﺎم رﺳﻮﻣﺎت ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ وﺳﻴﻠﺔ اﻟﺴﻔﺮ اﻟﺘﻰ ﻳﺴﺘﻘﻠﻬﺎ اﻟﺤﺎج ﺳﻮاء ) ﺟﻤﻞ – ﻃﺎﺋﺮة ﺗﻐﻨﻴﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ وﻗﺖ وﺷﺮاب ،وﻳﻘﻤﻦ أﻳﻀً ﺎ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﻧﺴﺎﺋﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ وﻫﻰ اﻟﻐﻨﺎء ﻟﻠﺤﺠﺎج وﻳﻄﻠﻖ – ﺑﺎﺧﺮة( وأﻳﻀﺎ رﺳﻢ ﻟﻠﻜﻌﺒﺔ اﻟﻤﺸﺮﻓﺔ ﺗﻮدﻳﻊ اﻟﺤﺠﺎج أو أﺛﻨﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ »أﻏﺎﻧﻰ اﻟﺘﺤﻨﻴﻦ«. واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ،وﻳﻜﺘﺒﻮن ﻓﻮق اﻟﺠﺪار ﻏﻴﺎﺑﻬﻢ ﻓﻰ رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ اﺳﻢ اﻟﺤﺎج واﺳﻢ زوﺟﺘﻪ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺮﻓﻘﺘﻪ، وﺳﻤﻴﺖ ﻋﻮدﺗﻬﻢ ﺑﻌﺪ أو أﻏﺎﻧﻰ اﻟﺘﺤﻨﻴﻦ وﻫﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﻌﺪون ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ﺑﻌﺪ رﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﻬﺎ ﻟﻤﺎ اﻻﺳﻢ ﺑﻬﺬا ﻫﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﻤﻨﻐﻤﺔ ذات اﻹﻳﻘﺎع اﻟﻌﻮدة. اﻟﻬﺎدئ واﻟﺘﻰ ﺗﻐﻨﻴﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻰ وﻗﺖ وﺑﻌﺪ ﻋﻮدة اﻟﺤﺎج ﻣﻦ اﻟﺮﺣﻠﺔ ،ﻳﻘﻮم أﻫﻠﻪ ﺣﻨﻴﻦ ﻟﺰﻳﺎرة ا)راﺿﻲ ﺑﺈﻋﺪاد إﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﻛﺒﺮى ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ وﺣﻨﻴﻦ ﻟﻠﻤﺴﺎﻓﺮ ﺗﻮدﻳﻊ اﻟﺤﺠﺎج أو أﺛﻨﺎء ﻏﻴﺎﺑﻬﻢ ﻓﻰ رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ أو ﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻬﻢ ،وﻳﻌﺒﺮ ذﻟﻚ اﻟﻐﻨﺎء ﻓﻴﻘﻮﻣﻮن ﺑﺬﺑﺢ »ﺟﻤﻞ – ﻋﺠﻞ – ﺧﺮاف« ﻣﻦ أﻫﻠﻪ اﻧﺘﻈﺎ ًرا ﻟﻌﻮدﺗﻪ ﻋﻦ اﻟﺸﻮق واﻟﺤﻨﻴﻦ ﻟﺰﻳﺎرة اﻷراﺿﻰ وﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﺪﻣﺎء ﻓﻰ رﺳﻢ ﻛﻔﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ووﺻﻒ ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ ووﺳﻴﻠﺔ اﻟﺠﺪران ،وﻳُ َﻌﺪ اﻟﻄﻌﺎم ﻟﺘﻘﺪﻳﻤﻪ ﻟﻠﻀﻴﻮف
42
أﻏﺎﻧﻲ اﻟ َﺘ ْﺤﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
41
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
ا ﻳﺤﻨﻦ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎﺣﺎج
أﻏﺎﻧﻲ اﻟ َﺘ ْﺤﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ@
ﻳﻌﺪ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﻮاﺳﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﻔﻞ ﺑﻬﺎ أﻫﻞ اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻟﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ دﻳﻨﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﻬﻰ اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺘﻤﻞ ﺑﻬﺎ أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم وﺗﻜﺘﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻓﺮﺣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻢ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺮى أن أﻫﻞ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ﻳﺴﺘﻌﺪون ﻷداء ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ ﺑﺸﻬﻮر. وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﺤﺞ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻓﻲ اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت ﻳﺆدى ﺑﻘﻮاﻓﻞ ﻣﻦ اﻹﺑﻞ واﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ َ ﺗﺘﺤﺮك ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺔ اﻟﺤﺎج ﻟﺘﻨﻘﻠﻪ اﻟﻰ ﻣﻜﺎن رﻛﻮب اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻋﻠﻰ ﺷﻮاﻃﻰء اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺣﻤﺮ ﺛﻢ إﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺗﺴﺘﻐﺮق ﺣﻮاﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﺷﻬﻮر ذﻫﺎﺑًﺎ وإﻳﺎﺑًﺎ ، وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺪون اﻟﻌﺪة واﻟﺰاد اﻟﻼزم ﻟﻠﺮﺣﻠﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻄﻮر ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﺳﺮﻳ ًﻌﺎ ﻓﻈﻬﺮت وﺳﺎﺋﻞ ﻣﻮاﺻﻼت ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻠﺔ أﻣ ًﺮا ﻳﺴﻴ ًﺮا .
40
أﻏﺎﻧﻲ اﻟ َﺘ ْﺤﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ
أﻫﺮع ﻟﻤﻨﺪرة اﻟﻨﺴﺎء ،ﻓﺄﺟﺪ ﻧﻔﺲ اﻟﻄﻘﺲ ،اﻟﻤﺒﺎﺧﺮ وﺻﻮاﻧﻲ اﻟﺸﺮاب ،واﻷﻧﺎﺷﻴﺪ ﻻ ﻳﻘﻄﻊ ذﻟﻚ ﺳﻮى وداع أو اﺳﺘﻘﺒﺎل أﺣﺪ اﻟﻤﻬﻨﺌﻴﻦ ،اﻟﺪﻫﺸﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ أﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﺣﻴﻦ ﻋﻼ ﺻﻮت اﻹﻧﺸﺎد واﻟﻤﺪﻳﺢ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﻜﻲ ﻋﻦ ﻣﺸﺎق اﻟﺮﺣﻠﺔ ،وﻓﺮﺣﺔ رﻛﻮب ﻣﻮﺻﻼ ً اﻟﻮاﺑﻮر أو »اﻟﻘﻄﺮ« اﻟﺬي ﻳﻘﻄﻊ ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺤﺠﺎج إﻟﻰ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﻜﻞ ﺷﻌﺎﺋﺮ اﻟﺤﺞ واﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ﺑﺎﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ،واﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ زﻳﺎرة اﻟﻨﺒﻲ وﺗﻘﺒﻴﻞ اﻷﻋﺘﺎب، وﻓﻲ اﻹﻧﺸﺎد ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻌﻴﺮة ﻳﺤﺪث اﻟﻌﺠﺐ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺪاﺧﻞ أﺻﻮات اﻟﻤﻨﺪرﺗﻴﻦ ،ﻓﺼﺎرﺗﺎ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﻜﻤﻞ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﻌﻀً ﺎ ،ﻳﻨﺸﺪ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﺘﻬﻤﻬﻢ اﻟﻨﺴﺎء ،ﺛﻢ ﻳﻌﻠﻮ ﺻﻮت اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻴﻬﻤﻬﻢ اﻟﺮﺟﺎل وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻫﻨﺎك اﺗﻔﺎق ﻣﺒﺮم ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﺳﻜﺎن »اﻟﻤﻨﺪرﺗﻴﻦ« وﻟﻜﻦ اﻟﺒﺪاﻳﺔ داﺋ ًﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﻨﺴﺎء ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺪأ اﻣﺮأﺗﺎن ﺑﺼﻮت راق ﻣﻨﻐﻢ ﻋﺎل ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺤﻨﺠﺮة ﺑﻌﺒﺎرة» :ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ« ﻣﻊ ﻣ ّﻂ ﻟﻔﻈﺔ »اﻟﻠﻲ« وﺗﻄﻮﻳﻞ اﻟﻮاو واﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ »اﻧﻮﻋﺪ« ﻓﺘﻜﺮر اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺼﻮت ﺟﻴﺎش ﻋﻤﻴﻖ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺼﺪر :ﻳﺎ ﻫﻨﺎه ..اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ،ﺛﻢ ﺗﻘﻮم اﻟﻤﺮأﺗﺎن ﺑﻐﻨﺎء ﻣﻘﻄﻊ آﺧﺮ واﻟﻨﺴﻮة ﺗﻘﻤﻦ ﺑﺘﺮدﻳﺪ آﺧﺮه..ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺘﺎﻟﻰ: اﻟﻤﺮأﺗﺎن :أﻧﺎ أﻣﺪح ﻣﺤﻤﺪ واﻟﺤﺴﻦ واﻟﺤﺴﻴﻦ واﻟﻘﺎﺳﻢ أﺣﻤﺪ /ﺑﻠّﻎ اﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ ﻳﺎ رب زﻳﺎرة ﻣﺤﻤ ْﺪ /ﻣﺪﻳﺢ ﺑﺎﺷﺘﻴﺎق أﻧﺎ ﻣﺎ أﻣﺪح إﻻ اﻟﻨﺒﻰ /ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ َﻫﻨﺎ ْه اﻟﻨﺴﺎء) :ﺗﺮددن( ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻤﺮأﺗﺎن :ﻳﺎ ﻟﻴﻠﺔ إن ﺑﺮزوا ..وﺑﺎﺗﻮا ﻟﺒﺮة /وﺑﺎت ﻗﻠﺒﻲ ﻓﻰ ﺣﻨﻴﻦ ..وﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ /ﻳﺮﺟﻌﻮا ﺳﺎﻟﻤﻴﻦ ..ﺑﻨﺼﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﻪ /ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻨﺴﺎء) :ﺗﺮددن( ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻤﺮأﺗﺎن :وإن ﺟﺒﺖ ﺣﺒﻴﺒﻰ ﻳﺎ واﺑﻮر /وإن ﺟﺒﺖ ﺣﺒﻴﺒﻰ/ ﻻﻛﻨﺴﻚ ..وأرﺷﻚ وﺑﺎﻟﺸﻤﻊ أﻗﻴﺪك /ﻣﺮوق ﺑﺨﻮﺧﺔ ..ﻳﺎ ﺑﺤﺮ/ ﻳﻤﺴﻚ ﻋﻜﺎر وﻻ رﻳﺢ ﺑﺪوﺧﺔ /ﺗﺤﺖ ﻳﺎ ﺑﺤﺮ ﻣﺮوق ﺑﺨﻮﺧﺔ /ﻻ ّ اﻟﻘﻠﻮع أﺑﻮ ﺷﺎل وﺟﻮﺧﺔ /ﻓﻰ راﺑﻎ ﻧﻮى اﻹﺣﺮام وﻟﺒﺲ اﺣﺘﺮاﻣﻪ/ ﻳﺎ ﻳﻮم اﻟﻬﻨﺎ ﻳﻮم ﺧﻠﻮه ﻳﺤﻞ اﺣﺮاﻣﻪ /ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻨﺴﺎء) :ﺗﺮددن( ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻤﺮأﺗﺎن :ﻳﺎ ﻓﺮح ﻗﻠﺒﻰ ..ﻳﻮم ﻃﻠﻮع اﻟﺠﺒﻞ /واﻟﺨﻄﻴﺐ ..ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻞ ،واﻟﻤﺒﻠﻎ ..ﻳﺮﻗﻰ /ﻳﺎ ﻓﺮح ﻗﻠﺒﻰ ..ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻨﻔﺮة /وﻓﺮﺣﺖ ﻋﻴﻮﻧﺎ ..وﻧﺰﻟﻨﺎ ﺑﻔﺮﺣﺔ /وﻓﻮﺗﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ..اﻟﻌﻠﻤﻴﻦ /ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻨﺴﺎء) :ﺗﺮددن( ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻤﺮأﺗﺎن :ﻛﺎن اﻟﻘﻤﺮ ﻻﻳﺢ ..ﻳﻮم دﺧﻮﻟﻨﺎ ﻣﻨﻰ وﻧﺼﺒﻨﺎ اﻟﺨﻴﺎم
ودﺑﺤﻨﺎ اﻟﺪﺑﺎﻳﺢ /واﻓﺘﻜﺮﻧﺎ اﻟﻌﻴﺎل ..وﺑﻘﻰ اﻟﺪﻣﻊ ﺳﻴﺎل /وﺑﻌﺪ ﺗﻼت أﻳﺎم ..ﺣﻤﻠﻨﺎ ﻟﻤﻜﺔ /وﻃﻔﻨﺎ ﻃﻮاف اﻟﻮداع ..وﺑﺮزﻧﺎ /واﻟﺠﻤﺎل ﺣﻤﻠﻨﺎ ..وﻋﻠﻰ أﺑﻮ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺳﺮﻧﺎ /ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻨﺴﺎء) :ﺗﺮددن( ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻤﺮأﺗﺎن :وﺻﻠﻨﺎ ﻗﺒﺔ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ..واﻷﻋﺘﺎب زﻣﺮد /ﺣﻮل ﻣﻘﺎم اﻟﻨﺒﻰ ﻗﺎل اﻟﻄﻮاﺷﻰ /..ﻓﻴﻦ ﻳﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ /زوروا اﻟﻨﺒﻰ زوروا.. واﻃﻠﺒﻮا اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ /ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻨﺴﺎء) :ﺗﺮددن( ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه ﻛﻞ ﻫﺬا وﻋﻘﻠﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﺑﺪﻫﺸﺔ وﻓﺮح ،رﺑﻤﺎ ﻣﻨﺬ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ أﺣﺒﺒﺖ اﻟﻐﻨﺎء واﻟﺸﻌﺮ ،وﺻﻨﻌﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻣﻬﻤﻼ ﻷﻋﻴﺶ ﻣﻌﻪ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﻴﻜﺮﻓﻮﻧًﺎ ﺑﺪاﺋﻴًﺎ ﻛﺎن ﻛﻮﺑًﺎ ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴًﺎ ً ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻮق اﻟﺴﻄﻮح أو ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻏﻴﺮي ﻷﺑﺪأ ﻛﻞ ﻣﺴﺎء وﺻﻠﺘﻲ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎء وإذاﻋﺔ أﺧﺒﺎر ﺣﺎرﺗﻨﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺪاﻓﺌﺔ! وﻣﻨﺬ اﻷﻳﺎم اﻷوﻟﻰ ﻟﺬﻫﺎب اﻟﺠﺪ واﻟﺠﺪة ﻟﺮﺣﻠﺘﻬﻢ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ﻳﻀﺞ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ واﻟﻨﺸﺎط اﺳﺘﻌﺪادا ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﺎج واﻟﺘﻤﺎس اﻟﺒﺮﻛﺔ واﺳﺘﻨﺸﺎق راﺋﺤﺔ اﻟﺤﺒﻴﺐ ،ﻓﺘﻘﻮم اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺘﻨﺠﻴﺪ اﻟﻔﺮش ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ وﺷﺮاء ﺑﻌﺾ اﻷﻏﻄﻴﺔ ذات اﻷﻟﻮان اﻟﺒﻬﻴﺠﺔ ،وﺗﻘﺸﺮن اﻟﺠﺪران وﻳﺄﺗﻲ اﻟﻨﻘﺎش ﻟﻴﻄﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄﻟﻮان زاﻫﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻤﻌﻦ ﻓﻲ إﻇﻬﺎر ﻣﻬﺎرﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻬﺮﻧﻲ ﺷﺨﺼﻴﺎ وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪاﺋﻴﺔ! وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻃﻌﻢ اﻟﻄﺰاﺟﺔ؛ اﻟﺠﻤﻞ واﻟﺒﺎﺧﺮة ،واﻟﻜﻌﺒﺔ اﻟﻤﺸﺮﻓﺔ وﺣﺎج ﺑﻤﻼﺑﺲ اﻹﺣﺮام ﻳﺮﻓﻊ ذراﻋﻴﻪ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء وﻋﺒﺎرات ﺷﻬﻴﺮة ﻣﺜﻞ» :ﺣﻤﺪ اﻟﻠﻪ ع اﻟﺴﻼﻣﺔ ﻳﺎ ﺣﺎج ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ« و«ﺣﺞ ﻣﺒﺮور وذﻧﺐ ﻣﻐﻔﻮر« . وﺣﻴﻦ ﻳﻘﺘﺮب ﻣﻮﻋﺪ ﻋﻮدﺗﻬﻢ ،ﺗ ُﻌﻠﻖ اﻟﻔﻮاﻧﻴﺲ وﻟﻤﺒﺎت اﻟﺠﺎز »ﻧﻤﺮة «10ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺪرﺗﻴﻦ ﺗﺤﺴ ًﺒﺎ ﻻﻧﻘﻄﺎع اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،وﻳُﺰﻳّﻦ أﻣﺎم اﻟﺒﻴﺖ ﺑﺄﻓﺮع اﻟﻮرق واﻟﻠﻤﺒﺎت اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ .اﻵن ﻓﻘﻂ ﻋﺮﻓﺖ ﻛﻴﻒ ﻛﺎن أﻫﻠﻨﺎ ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﻗﺪر اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺔ إﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺎدرﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﻊ دﻫﺸﺘﻲ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎﺗﻬﻢ اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪت ﺷﻌﺎﺋﺮ اﻟﺤﺞ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻋﺒﺮ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن ﻛﺎﻟﺤﻠﻢ أردد أﻧﺸﻮدﺗﻬﻢ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ :وﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻲ اﻧﻮﻋﺪ ..ﻳﺎ ﻫﻨﺎه ..وأﻧﺪﻫﺶ ﺣﻴﻦ أﺳﻤﻊ ﺻﻮت اﻟﻨﺴﻮة ﻳﺮددن وراﺋﻲ ﺑﺸﻮق ﺟﺎرف :وﻳﺎ ﻫﻨﺎه! *ﺷﺎﻋﺮة وﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﺴﺮح ،ﻣﺼﺮ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
39
ﻓﻀﺎء آﺧﺮ
ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ،ﻳﺎ ﻫﻨﺎه ﻛﻠﻤﺎ ﺣﺎن ﻣﻮﻋ ُﺪ اﻟ ّﺤﺞ ،ﻳﻐﺸﻰ ذاﻛﺮﺗﻲ ذﻟﻚ اﻟﺠﻮ اﻷﺳﻄﻮري اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺼﻨﻌﻪ أوﻟﺌﻚ اﻟﺒﺴﻄﺎء ﻓﻴﺨ ّﻴﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻜﺎن ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻠﻪ وﻣﻨﻤﻨﻤﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺗﺰال ﻣﺤﻔﻮرة ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ذاﻛﺮﺗﻲ ﻓﻴﻤﻨﺢ روﺣﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﺗﻤﺎﺋﻤﻬﺎ وﻳﻄﻠﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢِ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺸﺔ واﻟﻔﺮح ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺘﻄﺎﻟﻌﻬﺎ ﺑﺪون ﻣﻌﺎﻳﺸﺘﻪ! ﻟﺤﻈﺎت اﻟﻐﺮوب ،وﺣﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺤﻘﻞ ﻋﺎﺋﺪة ﻣﻦ ﻣﺮاﻋﻴﻬﺎ ،ﻣﻤﻠﻮءة اﻟﺒﻄﻮن ،راﺿﻴﺔ واﻟﺸﻔﻖ ﻳﻐﺰو اﻟﺴﻤﺎء وﻃﻮاﺑﻴﺮ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل واﻷﻃﻔﺎل ﺗﺘﺠﻪ ﻧﺤﻮ ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻲ اﻟﺪﻗﻬﻼوﻳﺔ اﻟﻨﺎﺋﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺟﺰر اﻟﻤﻮز ﺗﻔﻮح ﻣﻨﻬﻢ رواﺋﺢ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻳﺨﺘﻠﻂ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺴﻚ وراﺋﺤﺔ اﻟﻠﺒﻦ واﻟﺨﺒﺰ اﻟﻄﺎزج ﺗﻜﺎد ﺗﺰﻛﻢ أﻧﻔﻲ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺪفء واﻟﻔﺮح واﻟﺸﺠﻦ واﻟﻐﻤﻮض اﻟﺬي ﺗﻠﻒ اﻟﺠﻤﻮع ﺧﺎﺻﺔ وﻫﻢ ﻳﻬﻤﻬﻤﻮن ﺑﺄﻧﺎﺷﻴﺪ ﺗﻠﻬﺐ وﺟﺪاﻧﻬﻢ وﻋﺒﺎرات ﻓﻴﺎﺿﺔ ﺑﺎﻟﺤﻨﻴﻦ واﻟﺸﻮق »اﻟﻠﻪ ﻳﺤﻨﻦ ِ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﺣﺎﺟﺔ ..اﻟﻠﻪ ﻳﺤﻨﻦ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﺣﺎج« ﻓﺘﺨﺮج ﻣﻦ إﺣﺪى اﻟﻨﺴﺎء زﻏﺮدة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺗﺮﻗﺺ ﻣﻌﻬﺎ ﻗﻠﻮب اﻟﺠﻤﻴﻊ! »راﻳﺢ أزور اﻟﻨﺒﻲ« أو »ﺟﺎي ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ« ﻫﻜﺬا ﻛﺎن اﻟﺤﺞ ﻋﻨﺪ أﻫﻞ ﻗﺮﻳﺘﻲ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن إﻃﻼق ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﻤﺠﺎزﻳﺔ اﻟﻨﻮراﻧﻴﺔ ﻛﻔﻴﻼ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺴﺎﻣﻊ أن اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ذاﻫﺐ ﻷداء ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ، ً ﻓﺎﻟﺤﺞ ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺳﻮى زﻳﺎرة اﻟﻨﺒﻲ واﻟﺼﻼة ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺮه اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻃﻤ ًﻌﺎ ﻓﻲ ﺷﻔﺎﻋﺘﻪ وﺗﻘﺮﺑًﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻣﻪ وﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻄﻔﺊ ﺗﻮق ﻟﻬﻴﺐ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺘﺠﻬﺔ إﻟﻴﻪ وإﻟﻰ أﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ وﻋﺘﺮﺗﻪ اﻟﻜﺮام. اﻵن وﺑﻌﺪ ﻣﺮور أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻘﻮد ﻣﺎ زﻟﺖ أﺗﺬﻛﺮ ﺗﻘﺎﺳﻴﻢ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻘﺎدﻣﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،ﺑﻴﺖ ﺟﺪي ﺣﻴﻦ ﻧﻮى اﺻﻄﺤﺎب ﺟﺪﺗﻲ ﻷداء اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ،وﻗﺪ اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻐﺮب واﻟﻌﺸﺎء ،زوار اﻟﺤﺠﺎج ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻟﺰوار اﻟﻨﺒﻲ! وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻣﺆﻧًﺎ ﻛﺎﻷرز واﻟﻜﻌﻚ واﻟﺠﺒﻦ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﻔﻊ اﻟﺤﺠﺎج
38
ﻳﺎ ﻫﻨﺎه اﻟﻠﻰ اﻧﻮﻋﺪ ،ﻳﺎ ﻫﻨﺎه
ﺻﻔﺎء اﻟﺒﻴﻠﻲ@
ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻬﻢ ،وﻣﺎ زﻟﺖ أﺗﺬﻛﺮ وﻗﻮف أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻔﺘﻴﺎن ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﻢ وﻧﺤﻦ اﻟﺼﻐﺎر ﻧﻤﻸ اﻟﻤﻜﺎن ﺣﺮﻛﺔ وﻟﻬ ًﻮا وﻓﺮ ًﺣﺎ ،وﺑﻌﺪ اﻟﺴﻼﻣﺎت واﻟﺘﺒﺮﻳﻜﺎت ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻤﻬﻨﺌﻮن ،ﻳﺠﺘﺎزون اﻟﻌﺘﺒﺔ واﻟﺴﻼﻟﻢ واﻟﻄﺮﻗﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﻤﻔﻀﻴﺔ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺒﻴﺖ، ﻳﻜﻮن ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺮﺟﺎل أﻛﺒﺮ أوﻻد اﻟﺤﺎج وﻛﺎن ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺤﻆ أﻧﻪ أﺑﻲ ،ﻛﺎن ﻳﺮﺣﺐ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل وﻳﺴﻠﻤﻬﻢ ﻟﺸﺒﺎب اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ وﻓﺘﻴﺎﻧﻬﺎ ﻟﻴﻮﺻﻠﻮﻧﻬﻢ ﺣﻴﺚ ﺟﺪي اﻟﺤﺒﻴﺐ ﺟﺎﻟﺲ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ »اﻟﻤﻨﺪرة« اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ وﻫﻰ »ﺣﺠﺮة اﻟﻀﻴﻮف« ﺑﺄراﺋﻜﻬﺎ اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﻤﺰﻳﻨﺔ ﺑﺴﺠﺎﺟﻴﺪ اﻟﺼﻮف ذات اﻷﻟﻮان اﻟﺰاﻫﻴﺔ ،أﻣﺎ أﻣﻲ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻮﻛﻠﺔ ﺑﺎﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻨﺴﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﻣﻀﻴﺎﻓﺔ ،ﺗﺸﻤﺮ ﻋﻦ ﺳﺎﻋﺪﻳﻬﺎ اﻟﻼﻣﻌﻴﻦ اﻟﻤﺒﺘﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺎء دو ًﻣﺎ ﻣﻦ أﺛﺮ اﻟﻄﺒﻴﺦ اﻟﺬي ﻫﺮﻋﺖ أو أﺣﺪ إﺧﻮﺗﻲ أو ﺗﻔﻮح راﺋﺤﺘﻪ اﻟﺸﻬﻴﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻮج ُ أﺑﻨﺎء أﻋﻤﺎﻣﻲ ﻓﻨﻨﺎدﻳﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮن ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ،ﻓﺘﺘﻠﻔﺢ ﺑﺈﻳﺸﺎرﺑﻬﺎ وﻫﻰ ﺗﻤﺴﺢ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ ﻣﻼﺑﺴﻬﺎ وﺗﻠﻢ ﺧﺼﻼت ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﺘﻲ ﻏﺎﻓﻠﺘﻬﺎ واﻧﺴﺪﻟﺖ واﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ وﻋﺒﺎرات اﻟﺘﺮﺣﻴﺐ ﺗﺘﺪاﻓﻊ ﻣﻦ ﻓﻤﻬﺎ واﻟﻨﺴﺎء ﺑﺪورﻫﻦ ﻳﻬﻨﺌﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ذﻫﺎب ﺣﻤﺎﺗﻬﺎ »ﺟﺪﺗﻲ« ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻊ اﻟﺪﻋﺎء ﺑﺄن ﺗﻨﺎﻟﻬﺎ ﻫﻰ اﻷﺧﺮى ﺑﻌﺪ أن ﺗﺰوج اﻟﺒﻨﺎت واﻟﺒﻨﻮن. اﻧﻘﺴﻢ اﻟﻤﻬﻨﺌﻮن إﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻟﻠﺮﺟﺎل واﻵﺧﺮ ﻟﻠﻨﺴﺎء، وﻛﻨﺖ ﻻ أﺳﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﺮار ،أدور ﻛﺎﻟﻔﺮاﺷﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺮﺟﺎل وﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﺴﺎء ،ﻛﻨﺖ أﺷﻢ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺨﻮر اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎﺧﺮ واﻟﻤﺘﺼﺎﻋﺪ إﻟﻰ ﺳﻤﺎء »اﻟﻤﻨﺪرة« ﻓﺄﺻﻨﻊ ﻣﻨﻪ أﺷﻜﺎﻻً وأﻋﻴﺶ ﻣﻌﻬﺎ اﻟﺪﻫﺸﺔ ،أرى اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺮﺻﻮﺻﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻷراﺋﻚ و»اﻟﻜﻨﺐ« اﻟﺒﻠﺪي اﻟﻤﺤﺸﻮ ﺑﺎﻟﺼﻮف أو ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﺘﻮﺳﺪون اﻟﺤﺼﺎﺋﺮ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻧﺒﺎت »اﻟﺴﻤﺎر« اﻟﻤﺰرﻛﺸﺔ ﺑﺮﺳﻮﻣﺎت وأﺷﻜﺎل ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ،وﻳﺘﻜﺌﻮن ﻋﻠﻰ »ﻣﺴﺎﻧﺪ« ﻣﻠﻮﻧﺔ ،ﺗﺪور ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺻﻮاﻧﻲ اﻟﺸﺮاب اﻟﻤﻌﻄﺮ ،وﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻛﻮب وآﺧﺮ ﺗﻨﻄﻠﻖ اﻷﻧﺎﺷﻴﺪ،
أﺳﻮاق اﻟﻌﺮب واﺳﺘﺜﻤﺎر ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ
اﻋﺘﺎد اﻟﻌﺮب ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم إﻗﺎﻣﺔ اﻷﺳﻮاق ﺧﻼل ﺷﻬﻮر اﻟﺴﻨﺔ ،ﻳﺘﻨﻘﻠﻮن ﺑﻴﻨﻬﺎ ،وﻳﺤﻀﺮوﻧﻬﺎ ﻟﻠﺒﻴﻊ واﻟﺸﺮاء ،وإﻇﻬﺎر اﻟﻤﺂﺛﺮ واﻟﻤﻔﺎﺧﺮ .وأﺷﻬﺮ ﻫﺬه اﻷﺳﻮاق وأﻋﻈﻤﻬﺎ » ﻋﻜﺎظ « وﻫﻮ ﻣﻜﺎن ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺋﻒ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎم – ﻋﻠﻰ أﺻﺢ اﻷﻗﻮال- ﻓﻲ أول ذي اﻟﻘﻌﺪة ،وﺗﺴﺘﻤﺮ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً .وﺳﺒﺐ ﺷﻬﺮﺗﻬﺎ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﺣﺮص اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺷﺘﺮاك ﻓﻴﻬﺎ واﻟﻘﺪوم ﻣﻦ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء اﻟﺠﺰﻳﺮة ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﻮاق اﻷﺧﺮى ﻣﻘﺼﻮرة – ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة – ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮب اﻟﻤﻘﻴﻤﻴﻦ إﻟﻰ ﺟﻮارﻫﺎ.
وﺗﺮﺟﻊ أﻫﻤﻴﺔ »ﻋﻜﺎظ« إﻟﻰ اﻟﺪور اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻷدﺑﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻬﺾ ﺑﻪ ،ﻓﻤﻦ ﻛﺎن ﻟﻪ أﺳﻴﺮ ﺳﻌﻰ ﻓﻲ ﻓﺪاﺋﻪ ،وﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻣﻨﺎﻓﺮة أو ﺧﺼﻮﻣﺔ ارﺗﻔﻊ إﻟﻰ اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ .وﻛﺎن أﻧﺎس ﻣﻦ ﺗﻤﻴﻢ ﻳﻤﺜﻠﻮن ﻫﺬه اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،وﻣﻨﻬﻢ اﻷﻗﺮع ﺑﻦ ﺣﺎﺑﺲ .وﻛﺎن اﻟﺸﻌﺮاء ﻳﺘﺒﺎرون ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺄﺷﻌﺎرﻫﻢ ،وﻗﻴﻞ إن اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺴﺒﻊ اﻟﺸﻬﻴﺮة اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻘﺎت إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻘﺖ ﺑﻬﺎ ﻟﻴﺮاﻫﺎ ﻣﻦ ﻳﺤﻀﺮ اﻟﻤﻮﺳﻢ ﻣﻦ ﺷﻌﺮاء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ .ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﻟﺨﻄﺒﺎء ﻳﺘﻨﺎﻓﺴﻮن ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﺮض ﺑﻴﺎﻧﻬﻢ وﻓﺼﺎﺣﺘﻬﻢ .وﻗﺪ ﺧﻄﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻗ ُُﺲ ﺑﻦ ﺳﺎﻋﺪة اﻹﻳﺎدي ﺧﻄﺒﺘﻪ اﻟﻤﺸﻬﻮرة. وﻋﻨﺪ اﻧﺘﻬﺎء ﺳﻮق »ﻋﻜﺎظ« ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﻳﺘﻮﺟﻬﻮن إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻓﻴﻘﻔﻮن ﺑﻌﺮﻓﺎت ﻟﻘﻀﺎء ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ ،ﺛﻢ ﻳﺮﺟﻌﻮن إﻟﻰ ﺑﻼدﻫﻢ، وﻳﺬﻛﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ اﻟﻌﺮب أن اﻟﻌﺮب ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻴﻤﻮن ﻓﻲ أﻫﻞ ذو اﻟﺤﺠﺔ أﺗﻮا ﺳﻮق »ﻋﻜﺎظ« إﻟﻰ آﺧﺮ ذي اﻟﻘﻌﺪة ،ﻓﺈذا ّ
»ذي اﻟﻤﺠﺎز« وﻫﻲ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ »ﻋﻜﺎظ« ﻓﻴﻈﻠﻮن ﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻣﻦ ذي اﻟﺤﺠﺔ وﻫﻮ ﻳﻮم اﻟﺘﺮوﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺘﻮﺟﻬﻮن إﻟﻰ »ﻣﻨﻰ« ﺣﻴﺚ ﻳﺤﻀﺮون ﺳﻮق »ﻧﻄﺎة« ﺑﺨﻴﺒﺮ ،وﺑﻌﺪﻫﺎ ﻳﺘﻮﺟﻬﻮن إﻟﻰ ﺳﻮق » َﺣ ْﺠﺮ« ﻳﻮم ﻋﺎﺷﻮراء إﻟﻰ آﺧﺮ اﻟﻤﺤﺮم. أﻣﺎ ﺳﻮق »دوﻣﺔ اﻟﺠﻨﺪل » ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻨﺰﻟﻮﻧﻬﺎ أول ﻳﻮم ﻣﻦ رﺑﻴﻊ اﻷول .وﻣﻦ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﺳﻮق » َﻫ َﺠﺮ« ﺑﺎﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،وﺳﻮق » ُﻋﻤﺎن » وﺳﻮق » اﻟ ُﻤﺸَ ﻘﱠﺮ« وﺳﻮق »ﺻﺤﺎر« ،وﺳﻮق »اﻟﺸﱠ ْﺤﺮ« ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻴﻦ ُﻋﻤﺎن وﻋﺪن، ُ وﺳﻮق »ﻋﺪن أﺑّ ْﻴﻦ« ،وﺳﻮق »ﺻﻨﻌﺎء« وﺳﻮق »ﺣﻀﺮﻣﻮت«، وﺳﻮق »ﻣﺠ ﱠﻨﺔ« اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ،وﺳﻮق »ﺣﺒﺎﺷّ ﺔ« .ﻓﻜﻞ ﻫﺬه اﻷﺳﻮاق ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮارﻳﺨﻬﺎ ﻣﺤﺪدة ،وإن اﺧﺘﻠﻔﺖ ﻣﻮاﻗﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻇﻠﺖ ﻫﺬه اﻷﺳﻮاق ﺗﻘﺎم ﺑﻌﺪ ﻇﻬﻮر اﻹﺳﻼم ،ﻓﻘﺪ ﺑﻘﻴﺖ »ﻋﻜﺎظ« ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻘﻮل اﻟﻤﺼﺎدر ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ 129ﻫـ ،وﺑﻘﻴﺖ ﺳﻮق » ُﺣﺒﺎﺷﺔ » ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ 197ﻫـ. اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
37
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد اﻟﻤﻔﺮوﺷﺎت ،أو ﻣﻦ اﻟﺼﻮف ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ﺣﻨﺎﺑﻞ ﻣﻘﺼﺺ ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻠﻔﺮش ،وﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﻞ ﺷﻖ أﺟﺮﺑﻪ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ﻣﺨﺎﻟﻲ، وأﺣﺪﺗﻬﺎ ﻣﺨﻼة ،ﻳﻮﺿﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ اﻟﺮاﻛﺐ ﻣﻦ ﻣﺮاﻓﻖ ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﻔﺮش أرض ﺷﻘﻲ اﻟﺸﻘﺪف ﺑﺎﻟﻤﺮاﺗﺐ واﻟﻠﺤﻒ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ، ﺑﺤﻴﺚ إذا أراد اﻟﺮاﻛﺐ أن ﻳﻨﺎم ،ﻧﺎم ﺑﺮاﺣﺔ ﺗﺎﻣﺔ ،وﻗﺪ ﻳﺘﻮﺳﻂ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ راﻛﺐ ﺛﺎﻟﺚ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻘﻴﻦ ،ﻳﺴﻤﻲ اﻟﻤﻜﺎن ) اﻟﻮﺳﻚ ( وﻋﻠﻲ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﺸﻘﺪف ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻮاﺟﻬﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺮاﻛﺐ إﻟﻲ داﺧﻠﻪ ﻳﺨﺎط ﻣﻜﺘﻼن ﺻﻐﻴﺮان ﻣﺨﺮوﻃﺎ اﻟﺸﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺺ ،وﻳﻮﺿﻊ ﺑﺪاﺧﻠﻬﺎ أوﻋﻴﺔ اﻟﻤﺎء ،واﻟﻐﺎﻟﺐ ﻧﻮع ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺴﻤﻲ اﻟﺮﺑﻌﻲ ،ﻳﺘﻨﺎول ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻘﺪف اﻟﻤﺎء ﻟﻠﺸﺮب ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ ،وﺳﻘﻒ اﻟﺸﻘﺪف اﻟﻌﺎدي اﻟﻤﻜﻮن ﻣﻦ أﻋﻮاد اﻟﺸﻮﺣﻂ ﻳﻠﺒﺲ ﻋﺎدة ،ﺑﺎﻟﺨﻴﺶ ﺛﻢ ﺑﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﺳﺘﺎﺋﺮ«. ﻳﺬﻫﺐ اﻟﺒﻌﺾ إﻟﻲ وﻳﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻋﻤﺎل ﻟﻬﻢ ﻹرﻛﺎب أﻫﻞ ﻣﻜﺔ وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺸﻘﺎدف اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻬﺎ ،واﻟﻤﺸﻲ ﺧﻠﻔﻬﺎ ،إﻟﻲ أن ﻳﺼﻠﻮا اﻟﻘﻮل ﺑﺄن ﻓﻜﺮة ﻟﻘﺪ ﺑﺮع أﻫﻞ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى إﻟﻰ اﻟﻤﺨﻴﻤﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ ،وﻛﺎن أﺻﻌﺐ ﻗﺪﻳﻤﺔ، اﻟﺸﻘﺎدف ﺳﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺸﻘﺎدف ،اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﻳﻮاﺟﻬﻮﻧﻪ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ، ﻋﺪت ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﻬﻦ ورﺑﻤﺎ ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻲ ﻋﺼﻮر ﻫﻮ وﻋﻮرة اﻟﻄﺮق ،ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺟﺒﻠﻴﺔ واﻟﺤﺮف اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﻤﻮاﺳﻢ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ا6ﺳﻼم ،ﺣﻴﺚ ﻏﻴﺮ آﻣﻨﻪ ،وأﻳﻀً ﺎ ﻧﻘﺺ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﺴﻘﻴﺎ اﻟﺤﺞ واﻟﻌﻤﺮة ،وﻗﺪ ﺑﺮع أﻫﻞ اﻟﺤﺮف اﻟﺤﺠﺎج واﻟﺪواب اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﻌﺮب ﻛﺎن واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﻫﻞ ﻣﻜﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﻊ ﻧﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ رﻏﻢ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﻮﻗﺎت واﻟﺼﻌﺎب ﻛﺎن ﻫﻢ اﻟﺸﻘﺎدف ،اﻟﻨﻮع اﻷول ﻧﻮع ﺑﺴﻴﻂ ،ﻳﺴﻬﻞ اﻟﻤﺤﻤﻞ واﻟﻬﻮادج ،ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺎج اﻷول ﻫﻮ اﻟﺮﻛﻮب ﻋﻠﻲ ﻇﻬﻮر اﻹﺑﻞ ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ ،وﺟﻠﺐ ﻋﻨﺎﺻﺮه ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺣﻤﻞ اﻟﻬﺪاﻳﺎ إﻟﻲ ﺑﻴﺖ ﻣﻨﺸﺪﻳﻦ اﻟﺮاﺣﺔ ،وﻻ ﻳﻬﻤﻬﻢ ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ أﺧﺸﺎب اﻟﻨﺨﻴﻞ ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻛﺎن ﻳﺼﻤﻤﻪ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻐﺮﻗﻪ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ،ﺣﻴﺚ اﻟﺤﺮام اn اﻟﻨﺠﺎرون اﻟﻤﺨﺘﺼﻮن ﻓﻲ ﺑﺴﺎﻃﺔ ﺷﺪﻳﺪة ،ﻻ ﻛﺎن ﺳﻴﺮ اﻹﺑﻞ وﺋﻴ ًﺪا ﺑﻄﻴﺌًﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻣﺮﻳ ًﺤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻠﻴﻪ أي زﻳﻨﺎت أو زﺧﺎرف أو ﻟﻤﺴﺎت إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺗﺴﺘﻐﺮق ﻣﺎ ﻓﻨﻴﺔ وﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﻐﻠﺐ ﻧﻔﻌﻪ ﺑﻴﻦ ﻋﺸﺮة أﻳﺎم إﻟﻲ أﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﻳﻮ ًﻣﺎ ،وﻛﺎن ﻋﻠﻲ ﺗﺰﻳﻨﻪ وزﺧﺮﻓﺘﻪ ،أﻣﺎ اﻟﻨﻮع اﻵﺧﺮ ﻓﻘﺪ ﻟﻴﻼ ،وﻓﻲ ﻃﺮﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر ،أﻣﺎ إذا اﻟﺴﻴﺮ أﻣﺎ ً اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻠﻤﺴﺎت ﺑﻌﺾ ﻋﻨﻲ اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﻤﻜﻲ ﺑﺰﺧﺮﻓﺘﻪ ،وﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻪ ﺣﻤﻴﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻜﺎن اﻟﻤﻘﻴﻞ ﻓﻲ أﺣﺪي اﻟﻤﺤﻄﺎت اﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮة ﻓﻲ واﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ )اﻟﻤﻠﻜﻚ( ﻋﻠﻲ ﺷﻜﻞ ﻣﺰﺧﺮف اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻼﺳﺘﺮاﺣﺔ وإراﺣﺔ اﻹﺑﻞ واﻟﺪواب. راﺋﻊ اﻟﻤﻨﻈﺮ ﻣﺤﺒﺐ ﻟﻠﻨﻔﺲ ،وﺳﺘﺎرﺗﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ أﻣﺎ ﻣﻦ وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻧﻘﻮل إن ﻗﻮاﻓﻞ اﻟﺸﻘﺎدف ،ﺗﻌﺪ ﺗﺠﺴﻴﺪا ﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ، اﻟﺠﻮخ أو اﻟﻤﺨﻤﻞ ﻣﻔﺼﻠﺔ ﻋﻠﻲ ﻣﻘﺎس اﻟﺸﻘﺪف ،وﻣﺤﻼة ﺑﺸﺮﻳﻂ اﻣﺘﺪت ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ 1400ﻋﺎم ،ﺷﻬﺪت ﺧﻼﻟﻬﺎ أﺣﺪاﺛﺎ وﻣﺘﻐﻴﺮات، ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ ﻟﺰﺧﺮﻓﺘﻬﺎ ،أﻣﺎ اﻟﺤﺒﺎل اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺪ ﻫﻲ ﻣﻨﺬ أن ﻧﺸﺄت اﻟﻤﺤﺎﻣﻞ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻘﻂ أن ﻧﺘﺼﻮر ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺒﺎل )اﻟﻤﺮس( ﺣﻴﺚ ﺗﺸﺪ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻘﺎدف ﻋﻠﻲ أﺳﻨﻤﺔ اﻟﺠﻤﺎل. ﻣﺠﺮد ﻣﻬﻨﺔ ﻟﺠﻠﺐ اﻟﺮزق ،ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﻓﺘﺮات اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﺑﻞ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻣﺸﺮوع ﺛﻘﺎﻓﻲ وﻣﻌﺮﻓﻲ ﻛﺒﻴﺮ ،ﻟﻪ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺑﺎﻟﺸﻘﺎدف ﺟﻮاﻧﺒﻪ وﺛﻘﺎﻓﺘﻪ وﻣﻬﻨﻴﺘﻪ ،وﻳﺤﺘﺎج إﻟﻲ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ وإﻣﺎﻃﺔ أﻣﺎ ﻋﻦ أﺟﻮاء اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺑﺎﻟﺸﻘﺎدف ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻹﺑﻞ ،ﻓﻜﺎن اﻟﻠﺜﺎم ﻋﻨﻪ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ دارت اﻟﻌﺠﻼت وﻃﻮت اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ،وﻗﺮﺑﺖ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻬﺎ ﻳﺒﺪأ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﺷﻮال ،ﺛﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﺔ اﻟﺨﺼﻮص اﻷﺑﻌﺎد ،واﻗﺘﺤﻤﺖ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﺞ ﻋﻤﻴﻖ ،وﻣﻊ اﻗﺘﺤﺎﻣﻬﺎ ﻃﻮت ﻣﻌﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻳﻮم اﻟﺘﺮوﻳﺔ ،ﻓﻴﺄﺧﺬ اﻟﻤﻄﻮﻓﻮن ﻓﻲ ﺗﺠﻬﻴﺰ اﻹﺑﻞ اﻟﻤﺤﻤﻠﺔ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﺸﻘﺎدف ،اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﺣﺘﻰ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ﺑﺎﻟﺸﻘﺎدف وأدواﺗﻬﺎ ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ،اﻟﻬﺠﺮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ 36
اﻟﺸﻘﺎدف اﻟﻤﻜﻴﺔ
اﻟﻨﺒﺶ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
ﻧﺴﺘﻌﻴﺪ ﻣﻦ ذاﻛﺮة اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻟﻠﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺤﺠﺎز ذﻛﺮﻳﺎت ﺣﺎﻓﻠﺔ ﻟﻤﺎ ﻋﺮف ،ﺑﺎﻟﺸﻘﺎدف ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ذﻛﺮﻳﺎت ،ﻳﺨﺘﻠﻂ ﻳﺬﻫﺐ اﻟﺒﻌﺾ إﻟﻲ اﻟﻘﻮل ﺑﺈن ﻓﻜﺮة اﻟﺸﻘﺎدف ﻗﺪﻳﻤﺔ ،ورﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﻤﺨﻴﻠﺔ. ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﻋﺼﻮر ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﻤﺤﻤﻞ واﻟﻬﻮادج ،ﻓﻲ ﺣﻤﻞ اﻟﻬﺪاﻳﺎ إﻟﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺮام، ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺸﻘﺎدف ؟ وﻳﺮي ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ أن اﻟﺸﻘﺎدف ﻫﻲ اﻣﺘﺪاد ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻟﻤﺮاﻛﺐ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﻮﺳﻴﻂ ،أن اﻟﺸﻘﺪف ﻣﺮﻛﺐ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﻬﻮدج ،اﻟﻬﻮادج اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ أﺣﺪث ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ وأوﺳﻊ وأﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻪ اﻟﻌﺮب ،وﻛﺎن ﻳﺮﻛﺒﻪ اﻟﺤﺠﺎج إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺮام ﺗﺼﺎﻣﻴﻤﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ واﺗﺴﺎﻋﻬﺎ ،وﺻﻔﻬﺎ اﺑﻦ ﺟﺒﻴﺮ ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻪ )اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﻮﺳﻴﻂ ،ﻣﺎدة ﺷﻘﺎدف ص ،( 488وﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ اﻟﺸﻬﻴﺮة إﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ﻷداء ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ وﺻﻔًﺎ دﻗﻴﻘًﺎ ﻓﻘﺎل ﻗﺒﺔ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،ﻣﻦ أﻋﻮاد وأﻏﺼﺎن اﻷﺷﺠﺎر واﻟﻨﺨﻴﻞ ،أﻧﻬﺎ » أﺷﺒﺎه اﻟﻤﺤﺎﻣﻞ ،وأﺣﺴﻦ أﻧﻮاﻋﻬﺎ اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻷﺷﺎﻛﻴﺰ ﺗﻠﻒ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ،وﺗﻜﺴﻮ ﺑﻘﻤﺎش ﺳﻤﻴﻚ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺶ ) ﺷﻲء ﻛﺎﻷدﻳﻢ ﺗﻮﺛﻖ ﺑﻪ اﻟﺴﺮوج اﻟﺴﻔﺮﻳﺔ وﻣﺠﻠﺪة ﻣﺘﺴﻌﺔ ( واﻟﻘﻄﻦ ،وﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻟﺮواﺣﻞ ،ﻟﻨﻘﻞ اﻟﺤﺠﺎج ﻳﺼﻞ ﻳﻮﺻﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻻﺛﻨﺎن ﺑﺎﻟﺤﺒﺎل اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ،وﺗﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﻴﺮ ،وﻟﻬﺎ ﻃﻮﻟﻪ إﻟﻰ 150ﺳﻢ ،وﻋﺮﺿﻪ 130ﺳﻢ ،أﻣﺎ ارﺗﻔﺎﻋﻪ ﻓﻴﺼﻞ إﻟﻰ أذرع ﻗﺪ ﺣﻔﺖ ﺑﺄرﻛﺎﻧﻬﺎ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻈﻠﺔ ،ﻓﻴﻜﻮن اﻟﺮاﻛﺐ 120ﺳﻢ ،وﻳﺸﺘﺮط وﺟﻮد اﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﻛﺎب ﻓﻲ اﻟﺸﻘﺪف ﻋﻠﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﻋﺪﻳﻠﻪ ﻓﻲ ﻛﻦ ﻣﻦ ﻟﻔﺢ اﻟﻬﺎﺟﺮة ،وﻳﻘﻌﺪ ﻣﺴﺘﺮﻳ ًﺤﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺘﻴﻦ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻤﻴﻞ ،وﻳﺴﻘﻂ أﺛﻨﺎء اﻟﺴﻴﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻠﻰ وﻃﺄﺋﻪ ،وﻣﺘﻜﺌًﺎ وﻳﺘﻨﺎول ﻣﻊ ﻋﺪﻳﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ ﻣﻦ زاد وﺳﻮاه، ﻃﺮﻓﻴﻪ ﺳﺮﻳﺮان ﺻﻐﻴﺮان ﻳﺼﻨﻌﺎن ﻣﻦ اﻷﻋﻮاد ،وﻳﻨﺴﺞ ﺑﺴﺎﻃﻬﻤﺎ وﻳﻄﺎﻟﻊ ﻣﺘﻰ ﺷﺎء اﻟﻤﻄﺎﻟﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺤﻒ أو ﻛﺘﺎب ،وﻣﻦ ﺷﺎء ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻒ أو اﻟﻘﻄﻦ ،ﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮل اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻧﺤﻮ 130ﺳﻢ ،أن ﻳﻼﻋﺐ ﻋﺪﻳﻠﻪ ﺗﻔﻜ ًﻬﺎ واﺟﻤﺎ ﻣﺎ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻻﻋﺒﻪ ،وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ وﻋﺮﺿﻪ 60ﺳﻢ ،واﻟﻬﺪف ﻣﻨﻪ ﺗﻤﻜﻴﻦ اﻟﺤﺎج ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺮﺧﺎء أو ﻣﺮﻳﺤﺔ ﻣﻦ ﻧﺼﺐ اﻟﺴﻔﺮ ،وأﻛﺜﺮ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻳﺮﻛﺒﻮن اﻹﺑﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻮم واﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺮاﺣﻠﺔ وﻫﻲ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﻪ. أﺣﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻴﻜﺎﺑﺪون ﻣﻦ ﻣﺸﻘﺔ ﺳﻤﻮم اﻟﺤﺮ ﻏ ًﻤﺎ وﻣﺸﻘﺔ « ،وزاد ﻋﻠﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﺻﻒ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ،ﻣﺤﻤﺪ رﻓﻴﻊ ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻘﺎدف أأﺟﺮ ﺸ ﻋﻨﻬﺎ » ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻛﺮﺳﻴﻴﻦ ﺑﻄﻮل اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻤﺘﻤﺪد ﻣﺘﻤﺎﺛﻠﻴﻦ، ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻞ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮف دون اﻷﺧﺮ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﻠﺤﺎن ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻘﺎدف ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻔﻨﺎدق ﻟﻠﺸﺪ واﻟﺮﺑﻂ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ ،وﻳﻌﻠﻮ ﻛﻞ ﻗﺴﻢ ﻗﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ﻋﻠﻲ ﻇﻬﻮر اﻹﺑﻞ ،ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﺘﻮﻳﻪ ﺷﻜﻞ ﻧﺼﻒ داﺋﺮة ﻣﻦ أﻋﻮاد اﻟﺸﻮﺣﻂ اﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﺜﻨﻲ ،ﺑﺤﻴﺚ اﻟﺸﻘﺪف ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺮاﺣﺔ واﻟﺘﺮﻓﻴﻪ ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ إذا رﺑﻂ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﺎﻟﺤﺒﺎل ﺷﻜﻞ اﻟﻘﺴﻤﺎن ﻗﺒﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﺘﻮﻓﺮة ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ،ﻟﺬا ﻟﻴﻼ ،وﻗﺪ ﻳﺴﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺘﺮ ﻟﻠﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ ﻧﻬﺎ ًرا ،واﻟﺒﺮد ً ﻛﺎﻧﺖ أﺟﺮة اﻟﺠﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺸﻘﺪف ،أﻣﺎ ﻳﺘﻐﺎﻟﻲ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﺴﺘﺮ ،وﻳﻜﻮن اﻟﺴﺘﺎر ﻋﻠﻰ أﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ أﺟﺮة ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ،أو ﺑﺄﺟﺮة وﻧﺼﻒ ﻣﻦ أﺟﺮ اﻟﺸﻘﺪف أﺑﺴﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ) ﺣﻨﺎﺑﻞ ﻫﻨﺪي ( ﺟﺮي وﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدي ،ﻷﻧﻪ ﺛﻘﻴﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺣﻤﻠﻪ ﻛﻞ ﺟﻤﻞ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻘﺪف ﺧﻴﺰران ،وﻛﺎن أﻫﻞ ﻣﻜﺔ ﻳﺠﻬﺰون ﻫﺬه اﻟﺸﻘﺎدف ﻟﻨﻘﻞ اﻟﺤﺠﺎج واﻟﺰوار ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻟﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ،وﻗﺪ أﺷﺎر إﻟﻲ ذﻟﻚ اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ واﻟﻤﺴﺘﺸﺮق ﺳﻨﻮك » إﻟﻲ أن اﻟﺤﺠﺎج ﻳﺬﻫﺒﻮن ﻟﺰﻳﺎرة ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،وﻧﻮه إﻟﻲ أن ﻫﺬه اﻟﺰﻳﺎرة ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺤﺞ ،وﻛﺎن ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻄﻮف ،أن ﻳﻌﺪ اﻟﺘﺮﺗﻴﺒﺎت ﻟﻬﺬه اﻟﺰﻳﺎرة ،وذﻟﻚ ﺑﺎﺳﺘﺌﺠﺎر اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﺰودة ﺑﺎﻟﺸﻘﺎدف ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﺸﺮاء اﻟﻤﻔﺎرش واﻟﺤﻨﺎﺑﻞ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺿﻊ ﻓﻮق اﻟﺸﻘﺎدف ،ﻟﻠﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺷﺮاء اﻷﻏﻄﻴﺔ واﻟﻔﺮش اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
35
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
ﻇ ّﻠﺖ ﺣﺘﻰ ﺳﺒﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ
اﻟﺸﻘﺎدف اﻟﻤﻜﻴﺔ آﺧﺮ اﺑﺘﻜﺎرات ﻋﺼﻮر اﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر ا ﺑﻞ
ﺧﻠﻒ أﺣﻤﺪ ﻣﺤﻤﻮد أﺑﻮزﻳﺪ
ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ ﻳﻜﺘﻨﻔﻬﺎ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة واﻟﺘﻌﺐ ،ﻛﺎن اﻟﺤﺎج ﻳﻘﻄﻊ آﻻف اﻟﻜﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮات ،ﻋﺒﺮ رﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاء ،وﻋﺒﺮ ﺷﻬﻮر اﻟﺰﻣﺎن ،وﻣﻊ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﻀﻨﻴﺔ وﺳﻂ رﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻤﻠﺘﻬﺒﺔ ،وﺷﻤﺴﻬﺎ اﻟﺤﺎرﻗﺔ ،ﻓﻜﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ وﺳﻴﻠﺔ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﺠﻠﻮس ،ورﺑﻤﺎ اﻟﻨﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺗﺤﻤﻴﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ ﺣﺮارة اﻟﺸﻤﺲ وﻟﻬﻴﺒﻬﺎ ،وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ،ﻓﺼﻨﻊ ﻣﻦ اﻷﺧﺸﺎب اﻟﻬﻮادج ،ﻟﻮﺿﻌﻬﺎ ﻋﻠﻲ ﻇﻬﻮر اﻹﺑﻞ ،ﻣﻊ إﻣﻜﺎن إرداف وﺣﻤﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻋﻠﻲ إﺛﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﺪرج اﻟﺰﻣﻨﻲ ،ﻛﺎن وﺟﻮد واﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺸﻘﺎدف ،ﺧﺎﺻﺔ ﻟﺪى ﺣﺠﺎج وزوار ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺮام ،ﻟﻠﺘﻨﻘﻞ ﻓﻲ رﺑﻮع اﻟﺤﺠﺎز ﺑﻴﻦ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ،وﺟﺪة واﻟﻄﺎﺋﻒ ،ﺣﻴﺚ ﺷﺎع اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺸﻘﺎدف ،ودام إﻟﻰ زﻣﺎن ﻗﺮﻳﺐ ،ﺛﻢ اﻧﻘﺮﺿﺖ ﻣﻊ زﺣﻒ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻮﺻﻼت اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ ،ﻣﻦ ﺳﻴﺎرات وﻗﻄﺎرات وﻃﺎﺋﺮات.
34
اﻟﺸﻘﺎدف اﻟﻤﻜﻴﺔ
وﻳﻘﻮل ﻋﻦ إﺑﻠﻪ : ﺑﺎﺗﺖ ﺛﻼث ﻣﻨﻰ ﻣﻦ ﺛﻢ واﺣــﺪة ﺑﺬي اﻟﻤﺠﺎز ﺗﺮاﻋﻲ ﻣﻨﺰﻻ زﻳﻤﺎ
ﺑــــﻤﻨﻰ ﺗﺄﺑﺪ ﻏﻮﻟﻬﺎ ﻓﺮﺟﺎﻣﻬﺎ دﻣ ّﻦ ﺗﺠﺮم ﺑﻌﺪ ﻋﻬﺪ أﻧﻴﺴﻬﺎ ﺣ ّﺠﺞ ﺧَﻠﻮن ﺣﻼﻟﻬﺎ وﺣﺮاﻣﻬﺎ
ﻓﻬﻮ ﻫﻨﺎ ،ﻳﺬﻛﺮ ﺗﻮ ّﺣﺶ اﻟﺪﻳﺎر ﺑﻤﻨﻰ ﺑﻌﺪ ﻋﻬﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻜﻨﻮن ﺑﻬﺎ، اﻟﻘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻴﺒﺖ وﺣﻼﻟﻬﺎ وﻫﻲ اﻟﺸﻬﻮر اﻟﺤﻞ ،وﻫﻲ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﺷﻬﺮ ،وﺣﺮاﻣﻬﺎ وﻫﻲ وﻳُﻘﺴﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ زﻫﻴﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﻰ ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ُﻣﺰﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ اﻟﺸﻬﻮر اﻟﺤﺮم ،وﻫﻲ أرﺑﻌﺔ أﺷﻬﺮ ،رﺟﺐ وذو اﻟﻘﻌﺪة وذو اﻟﺤ ّﺠﺔ ﺗﻨﺰل ﺑﻨﺠﺪ ﺷﺮﻗﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ،ﻓﻲ ﻣﻌﻠﻘﺘﻪ ،وﻳﺬﻛﺮ اﻟﻄﻮاف واﻟﻤﺤﺮم ،أ ّﻣﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻣﺮؤ اﻟﻘﻴﺲ ﺑﻦ ﺣﺠﺮ وﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻛﻨﺪة ﺣﻮﻟﻪ ُﻣﺸﻴﺮا ً إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺶ وﺟﺮﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻨﻮه ،ﻓﻴﻘﻮل : اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺤﺰن ﻟﻔﺮاق ﻣﻜّﺔ واﻟُﻤﺤﺼﺐ ،ﻓﻴﻘﻮل : ﻓﺄﻗﺴﻤﺖ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي ﻃﺎف ﺣﻮﻟﻪ أﺷﺖ ﻓﻠﻠﻪ ﻋﻴﻨﺎ ﻣﻦ رأى ﻣﻦ ﺗﻔﺮق ّ رﺟﺎل َﺑ َﻨﻮ ُه ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ وﺟﺮﻫﻢ ُﻤﺤﺼﺐ وأﻧﺄى ﻣﻦ ﻓﺮاق اﻟ ِ و ﻳُﺸﻴﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻛﻠﺜﻮم ،ﻓﻲ ﻣﻌﻠﻘﺘﻪ إﻟﻰ اﻷﺑﻄﺢ ﺑﻤﻜّﺔ ،وﻳﺬﻛﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﻴﻢ ،وﻫﻮ ﻣﻦ اﻷوس ﺑﻴﺜﺮب ،ﻓﻲ وﻳﻔﺨﺮ ﺑﻘﻮﻣﻪ إذا ﺿﺮب اﻟﻌﺮب ﺧﻴﺎﻣﻬﻢ ﺑﺎﻷﺑﻄﺢ ﺑﻤﻜّﺔ ﻓﻴﻘﻮل :ﺷﻌﺮه ﻣﻨﻰ ،ﻓﻴﻘﻮل : دﻳﺎر اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ وﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻰ ﻗـــﺼﺪَ وﻗﺪ ﻋﻠِ َﻢ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻣﻦ َ ﺗــــﺤﻞ ﺑﻨﺎ ﻧـــــﺠﺎء اﻟـــﺮﻛﺎﺋﺐ ُﺒﺐ ﺑﺄﺑـــﻄﺤﻬﺎ ُﺑﻨﻴﻨﺎ إذا ﻗ ٌ ﺗﺮاءت ﻟﻨﺎ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﺗﺤﺖ ﻏﻤﺎﻣﺔ أ ّﻣﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻟﺒﻴﻴﺪ ﺑﻦ رﺑﻴﻌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺮي ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺸﺮق ﺑﺪا ﺣﺎﺟﺐ ﻣﻨﻬﺎ وﺿﻨﺖ ﺑﺤﺎﺟﺐ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،ﻓﻴﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﻠﻘﺘﻪ ﻣﻨﻰ ،واﻷﺷﻬﺮ اﻟﺤﺮم ،ﻓﻴﻘﻮل : وﻟـــﻢ أرﻫﺎ إﻻّ ﺛﻼﺛﺎً ﻋــــﻠﻰ ﻣﻨﻰ ﻋﻔﺖ اﻟﺪﻳﺎر ﻣﺤﻠﻬﺎ ﻓـــﻤﻘﺎﻣﻬﺎ وﻋﻬﺪي ﺑﻬﺎ ﻋﺬراء ذات ذواﺋﺐ اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
33
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد أﺑﻴﺎت ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة ﻳﺮﺛﻴﻪ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ : ﺛﻢ ﻟﻠﺨﻴﺮ ﻫـــﺎﺷﻢ وﺳﺎﻗﻲ اﻟﺤﺠﻴﺞ ّ وﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎف ذﻟﻚ اﻟﺴ ّﻴﺪ اﻟﻔﻬﺮ ﻳﻄﻮى زﻣﺰﻣﺎً ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻘﺎم ﻓﺄﺻـﺒﺤﺖ ﺳﻘﺎﻳﺔ ﻓﺨﺮاً ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ذي ﻓﺨﺮ
اﻟﻜﻌﺒﺔ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻌ ّﻠﻘﺎت
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻫﻢ ،وذﻟﻚ ﻟﻘﺪوﻣﻬﻢ وذﻛﺮ ﺷُ ﻌﺮاء ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم ﱠ اﻟﺤﺞ ﺣﻴﺚ اﻟ ُﻤﻠﺘﻘﻰ اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ ﻋﻜﺎظ ﻟﻤﻜّﺔ ،وﻻرﺗﻴﺎدﻫﻢ ﻣﻨﺎﻃﻖ ّ وﻏﻴﺮه ﻣﻦ أﺳﻮاق اﻟﻌﺮب ،وﻛﺎﻧﺖ اﻵﻣﺎل ﺗﺪاﻋﺐ ﻣﺸﺎﻫﻴﺮﻫﻢ؛ ﻟﻴﺄﺧﺬ ﺷﻌﺮﻫﻢ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ ﺟﻮف اﻟﻜﻌﺒﺔ وﻳﺼﺒﺢ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻘﺎت. وﻣﻦ اﻟﺸُ ﻌﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻨﻮا ﺑﺬﻛﺮ اﻟﺤﺞ وﻣﺎ ﻳﺘّﺼﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪ، اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺬﺑﻴﺎﻧﻲ ،وﻳﻨﺴﺐ إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ ذُﺑﻴﺎن اﻟﻐﻄﻔﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﻴﺴﻴﺔ ،وﺗﺴﻜﻦ ﺷﺮق اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻪ ﻳﻌﺘﺬر ﻟﻠﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ اﻟ ُﻤﻨﺬر وﻳﺴﺘﻌﻄﻔﻪ ﺣﺎﻟﻔﺎً ﺑﻤﻦ أﻣﻦ اﻟﻄﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﺮم ﺗﻤ ّﺮ ﺑﻪ رﻛﺒﺎن ﻣﻜّﺔ : واﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟﻌﺎﺋﺬات اﻟﺴﻴﺮ ﺗﻤﺴﺤﻬﺎ ُرﻛﺒﺎن ﻣﻜّﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻐﻴﻞ واﻟﺴﻌﺪ
و ﻋﻨﺪ ﻇﻬﻮر دﻋﻮة اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وآﻟﻪ ،ﺧﺎف ﻋ ّﻤﻪ أﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ أن ﺗﻠﺤﻖ ﻗﺮﻳﺶ و اﻟﻌﺮب ﺑﻪ وﺑﻘﻮﻣﻪ اﻷذى ،ﻓﻘﺎل ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ّﻮذ ﻓﻴﻬﺎ ﺑ ُﺤﺮﻣﺔ ﻣﻜّﺔ ،راﻓﻀﺎً أن ﻳﺴﻠّﻢ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ وﻟﻌﻞ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة أﺟﻤﻊ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وآﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻬﻠﻚ دوﻧﻪّ ، ﻗﺼﻴﺪة ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم ﺿﻤﺖ ذﻛﺮ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻣﻜّﺔ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم وﻫﻲ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻼﻣﻴّﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﺘﻲ أوردﻫﺎ اﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻨﺒﻮﻳّﺔ ،واﺣﺘﻮت ﻋﻠﻰ ذﻛﺮ اﻟﺒﻴﺖ واﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد واﻟﺼﻔﺎ واﻟﻤﺮوة وﺣ ّﺠﺎج اﻟﺒﻴﺖ واﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ،ﻛﻌﺮﻓﺔ واﻟﻤﺰدﻟﻔﺔ وﻫﻮ ﻳﻜﺮر ﻫﺬا اﻟﺤﻠﻒ ﻓﻲ اﻋﺘﺬاره أﻳﻀﺎً ﻟﻠﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ اﻟ ُﻤﻨﺬر، وﻫﻲ ﻣﻦ ﺑﺪﻳﻊ اﻋﺘﺬاراﺗﻪ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل : وﻣﻨﻰ واﻟﺠﻤﺮة اﻟﻜُﺒﺮى .وﻣﻦ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ : ﺣﻠﻔﺖ ﻓﻠﻢ أﺗﺮك ﻟﻨﻔﺴﻚ رﻳﺒﺔ ُ وﻟ ّﻤﺎ رأﻳﺖ اﻟﻘـــــﻮم ﻷود ﻓﻴــــﻬﻢ وﻫﻞ ﻳﺄﺛﻤ َﻦ ذو أﻣﺔ وﻫﻮ ﻃﺎﺋﻊ ﻛﻞ اﻟ ُﻌﺮى واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ وﻗﺪ ﻗﻄﻌﻮا ّ ﺑﻤﺼﻄﺒﺤﺎت ﻣﻦ ﻟﺼﺎف وﺛﺒﺮة ﺑﺮب اﻟﻨﺎس ﻳﺰرن إﻻﻻ ﺳﻴﺮﻫﻦ اﻟــــﺘﺪاﻓﻊ ﺛ ّﻢ ﻳﺄﺧﺬ ﻓﻲ ﺗﻌﺪاد ﻣﻌﺎﻟﻢ ﻣﻜّﺔ وﻣﺸﺎﻋﺮﻫﺎ ﻣﺘﻌﻮذا ً ّ ﻗﺎﺋﻼ : ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺷﻌﺚ ﻋﺎﻣﺪون ﻟﺤ ّﺠﺘﻪ ﻓﻬﻢ ﻛﺄﻃﺮاف اﻟ َﺤ ِﻨ ﱠﻰ ﺧـﻮاﺿﻊ ﻛـــﻞ ﻃﺎﻋﻦ ﺑﺮب اﻟﻨﺎس ﻣـــﻦ ّ أﻋﻮذ ّ ـــﻠﺢ ﺑـــﺎﻃﻞِ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺴﻮء أو ُﻣ ّ واﻟﻨﺎﺑﻐﺔ ﻫﻨﺎ ،ﻳﺤﻠﻒ ﺑﺎﻟﻨﻮق اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﻫﺎ وﺗﻘﻄﻊ اﻟ ِﻔﻴﺎﻓﻲ وﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﺣﻖ اﻟﺒﻴﺖ ﻣـﻦ ﺑﻄﻦ ﻣﻜّﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺞ ،ﺗﺘﺪاﻓﻊ ﻣﺪاﻓﻌﺔ ،وﻗﺪ أﺿﻤﺮﻫﺎ ﻃﻮل اﻟﺴﻴﺮ ،وﻋﻠﻰ وﺑﺎﻟﻠﻪ إنّ اﻟﻠﻪ ﻟﻴـﺲ ﺑـــــﻐﺎﻓﻞ اﻹﺑﻞ أُﻧﺎس ﺷﻌﺚ ﻣﻐﺒﺮون ﻳﻘﺼﺪون اﻟﺤﺞ .وﺗﺸﺘﻤﻞ ﻗﺼﻴﺪة وﺑﺎﻟﺤﺠﺮ اﻟ ُﻤــﺴﻮد إذ ﻳﻤــــﺴﺤﻮﻧﻪ أُﺧﺮى ﻟﻠﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺬﺑﻴﺎﻧﻲ ،ﻋﻠﻰ أﺑﻴﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻳُﺬﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ وﺻﻒ رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ،وﻳﺬﻛﺮ اﻟﻤﻮاﺿﻊ اﻟﺘﻲ ﻣ ّﺮ ﺑﻬﺎ ،وﻳﻌﺘﺬر إذا اﻛﺘﻨﻔﻮه ﺑﺎﻟﻀﺤﻰ واﻷﺻﺎﺋﻞ ﻟﺼﺎﺣﺒﺘﻪ; ﻷﻧّﻪ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﻣﻘ ّﺪﺳﺔ ﻻ ﻳﺤﻞ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻬﻮ اﻟﻨﺴﺎء، وﻣﻮﻃﺊ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﺨﺮ رﻃــﺒﻪ ﻓﻬﻮ ﻋﺰم ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ أو اﻟﺤﺞ ،ﻓﻲ رﻛﺐ ﻣﻦ إﺑﻞ ﻳﺮﺟﻮن اﻟﺒ ّﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﺣﺎﻓﻴﺎً ﻏﻴﺮ ﻧـــﺎﻋﻞ واﻟﻤﻌﺮوف ،وﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ :إ ّن إﺑﻠﻪ ﺑﺎﺗﺖ ﻟﻴﺎﻟﻲ اﻟﺘﺸﺮﻳﻖ، وأﺷﻮاط ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮوﺗﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺼـــﻔﺎ اﻟﺜﻼث وﻧﻔﺮت ﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ إﻟﻰ ﺳﻮق ذي اﻟﻤﺠﺎز .ﺗﻠﺘﻤﺲ ﻟﻬﺎ وﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺻﻮرة وﺗﻤــــﺎﺛﻞ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﻓﻲ اﻟﺰﺣﺎم ،واﻷﺑﻴﺎت ﻫﻲ ﻛﺎﻟﺘﺎﻟﻲ: ﺣﺞ ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻪ ﻣــﻦ ﻛــﻞ راﻛﺐ وﻣﻦ ّ ﻗﺎﻟﺖ أراك أﺧﺎ رﺣﻞ وراﺣﻠﺔ وﻣﻦ ﻛﻞ ذي ﻧﺬر وﻣﻦ ﻛﻞ راﺟﻞ ﺗﻐﺸﻰ ﻣﺘﺎﻟﻒ ﻟﻦ ﻳﻨﻈﺮﻧﻚ اﻟﻬﺮﻣﺎ وﺑﺎﻟﻤﺸﻌﺮ اﻷﻗﺼﻰ واﻟﻤﻨﺎزل ﻣﻦ ﻣﻨﻰ ِ ﻳـــــﺤﻞ ﻟﻨﺎ ّ ﺣﻴﺎك ُو ّد ﻓﺈﻧﺎ ﻻ ﻟﻬﻮ اﻟﻨﺴﺎء وإن اﻟﺪﻳﻦ ﻗﺪ ﻋﺰﻣﺎ وﻫـــﻞ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻣﻦ ُﺣﺮﻣﺔ وﻣﻨﺎزل ﻣﺸﻤﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺧﻮص ﻣﺰﻣﻤﺔ وﺑﺎﻟﺠﻤﺮة اﻟﻜُﺒﺮى إذا ﺻــــــﻤﺪوا ﻟﻬﺎ ﻧﺮﺟﻮ اﻹﻟﻪ وﻧﺮﺟﻮ اﻟﺒ ّﺮ واﻟﻄﻌﻤﺎ ﻳـﺆﻣــــﻮن ﻗﺬﻓﺎً رأﺳﻬﺎ ﺑﺎﻟﺠﻨﺎدل
32
رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ ﺷﻌﺮﻳًﺎ
ﻋﻄﺎرد ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ زﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﻨﺎة ﺑﻦ ﺗﻤﻴﻢ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺠﻴﺰ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺲ ﻳﺨﺎف ﻣﻨﻪ ﺷﻲء ﻣﺎ َﻋﻤ َﺮ وﻳﻤﺪح اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺴﺎﻓﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ أُﻣ ّﻴﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ، ﺑﺎﻟﺤﺞ ﻣﻦ ﻋﺮﻓﺔ ،وﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل أوس اﺑﻦ ﺗﻤﻴﻢ اﻟﺴﻌﺪي: ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ،ﻟﺴﻘﺎﻳﺘﻪ ورﻓﺎدﺗﻪ وﺣﻔﺮه زﻣﺰم ،ﻓﻴﻘﻮل : ﻻ ﻳﺒﺮح اﻟﻨﺎس ﻣـﺎ ﺣ ّﺠﻮا ُﻣــﻌﺮﻓﻬﻢ ﻓﺄي ﻣﻨﺎﻗﺐ اﻟﺨـــــﻴﺮات ﺣــــﺘﻰ ُﻳﻘﺎل أﺟﻴﺰوا آل ﺻــﻔﻮاﻧﺎ ﻟــﻢ ﺗﺸﺪد ﺑﻪ ﻋـــــﻀﺪا وﻓﻲ ﻣﻜّﺔ أﻗﺎم ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺳﻘﺎﻳﺔ أﻟﻢ ﺗﺴﻖ اﻟﺤﺠﻴﺞ وﺗﻨﺤﺮ زﻣﺰم ﻟﻠﺤﺠﻴﺞ ﺑﻌﺪ ﺣﻔﺮه ﻟﺒﺌﺮ زﻣﺰم اﻟــــﻤــﺪﻻﺑﻪ اﻟـــــﺮﻓــﺪا و ﻳﺮوي اﺑﻦ اﺳﺤﺎق أﻧّﻪ ﻗﻴﻞ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﺣﻴﻦ أﻣﺮ وزﻣـــــﺰم ﻣـــﻦ أروﻣﺘﻪ ﺑﺤﻔﺮ زﻣﺰم: وﺗﻤﻸ ﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺣــــﺴﺪا ﺛﻢ أد ُع ﺑﺎﻟﻤﺎء اﻟﺮوي ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺪر ّ وﻗﺎل ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺑﻦ ﻏﺎﻧﻢ ﻋﻦ ﺳﻘﺎﻳﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ ،و ﻫﻲ َﺳﻘﻲ ﺣﺠﻴﺞ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗ َﺒﺮ اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
31
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
ﻛﻤﺎ وردت ﻓﻲ أﺷﻌﺎر ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ا ﺳﻼم
ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﺷﻌﺮ ًﻳﺎ رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ ً أﻳﻤﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻤﻴﻊ ﺣﺴﻦ
ﺷﻐﻠﺖ ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ اﻟﺸﻌﺮاء ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﻌﺼﻮر ،واﺣﺘﻠﺖ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﻢ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،وﻗﺪ ﺗﻨﻮﻋﺖ أﺳﺎﻟﻴﺐ ﺗﻨﺎوﻟﻬﻢ ﻟﻬﺬا اﻟﺮﻛﻦ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم. وﻳﺤﻤﻞ ﺗﺎرﻳﺦ اﻷدب أﺑﻴﺎﺗﺎً ﻋﻦ اﻟﺤﺞ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺑﻌﺜﺔ اﻟﻨﺒﻰ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،ﻓﻤﻦ اﻟﻤﻌﺮوف أن ﺣﺞ ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺮام ﻛﺎن ﻳﺤﺘﻞ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﺪى اﻟﻌﺮب ﻗﺒﻞ ﻧﺰول اﻹﺳﻼم ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻋﺒﺪة اﻷوﺛﺎن ،وﻛﺎﻧﺖ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﺒﻴﺖ وإﻃﻌﺎم اﻟﺤﺠﻴﺞ واﻟﺴﻘﺎﻳﺔ واﻟﺴﺪاﻧﺔ ﺷﺮﻓﺎً ﺗﺘﺴﺎﺑﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ،وﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺘﻰ ﻧٌﻘﻠﺖ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﺗﻠﻚ اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺘﻰ ﻗﺎﻟﻬﺎ »ﻣﻀﺎض ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث« ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻓﻘﺪت ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ »ﺟﺮﻫﻢ« ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ﻓﻰ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺤﺠﻴﺞ:
وﻗــﺎﺋﻠﺔ واﻟـــﺪﻣﻊ ﺳـــﻜﺐ ﻣﺒـــــﺎدر وﻗﺪ ﺷﺮﻗﺖ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﺤﺎﺟﺮ ﻛﺄن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺠﻮن إﻟﻰ اﻟﺼﻔﺎ أﻧﻴﺲ وﻟـﻢ ﻳﺴﻤﺮ ﺑﻤﻜّﺔ ﺳــــﺎﻣﺮ ﺑﻠـــﻰ ﻧﺤـــﻦ ﻛـــﻨﺎ أﻫـــﻠﻬﺎ ﻓــﺄزاﻟﻨﺎ ﺻﺮوف اﻟﻠﻴﺎﻟﻰ واﻟﺠﺪود اﻟﻌـﻮاﺛﺮ وﻛ ّﻨﺎ وﻻة اﻟﺒــﻴﺖ ﻣﻦ ﺑﻌـــــﺪ ﻧـﺎﺑﺖ ﻧﻄﻮف ﺑﺬاك اﻟﺒﻴﺖ واﻟﺨﻴﺮ ﻇﺎﻫﺮ ﻓﺴ ّﺤﺖ دﻣﻮع اﻟﻌــــﻴﻦ ﺗﺒﻜﻰ ﻟﺒﻠﺪة ﺑــﻬﺎ ﺣـﺮم آﻣﻦ وﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤـــﺸﺎﻋﺮ وﺗﺒﻜﻰ ﻟﺒﻴﺖ ﻟـــﻴﺲ ﻳﻮذى ﺣــﻤﺎ ُﻣﻪ ﻳـﻈـﻞ ﺑﻪ أﻣﻨﺎً وﻓﻴﻪ اﻟﻌـــــﺼﺎﻓﺮ ّ واﻟﻮاﻗﻊ أ ّن ﺷﻌﺮ ﻗﺮﻳﺶ ﻗﺪ ﺧﻠّﺪ ﻣﺴﻤﻴﺎت اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ وﺑﻌﺾ اﻷﻣﺎﻛﻦ واﻟﻤﻨﺎزل ،ﻣﻤﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻤﻜّﺔ اﻟ ُﻤﻜ ّﺮﻣﺔ أو ﻳﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺧﻠّﺪ اﻟﺸُ ﻌﺮاء اﻵﺧﺮون اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﺞ وﺗﺘﺼﻞ ﺑﻪ .ﻓﻔﻲ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﻘ ّﺪﺳﺔ ﻛﺎن ﺻﻔﻮان ﺑﻦ ﺟﻨﺎب ﺑﻦ ﺷﺠﻨﺔ ﺑﻦ
30
رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ ﺷﻌﺮﻳًﺎ
واﻟﻤﻌﺎرف. وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ اﻟﺤﺎج ﻗﺒﻞ ﺳﻨﻮات ﻋﻨﺪ ﻋﻮدﺗﻪ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻫﺪاﻳﺎ ﻳﺸﺘﺮﻳﻬﺎ ﻓﻌﻼ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ أو اﻷردن أﻣﺎ ﺣﺎﻟ ًﻴﺎ ﻓﻴﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ أﻏﻠﺐ اﻟﺤﺠﺎج ﺷﺮاء ﻫﺬه اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻃﻦ ﻷﻧﻬﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺻﻴﻨﻴﺔ وﻣﺘﻮﻓﺮة ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺴﻌﺮ وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻼ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺤﺎج ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺸﻘﺔ ﺣﻤﻠﻬﺎ وﻧﻘﻠﻬﺎ وﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﻤﺴﺎﺑﺢ وﺳﺠﺎدات اﻟﺼﻼة واﻟﻤﺴﻮاك واﻟﻌﻄﻮر اﻟﺰﻳﺘﻴﺔ وإﺳﺪاﻻت اﻟﺼﻼة اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻄﻲ اﻟﺮأس ﻟﻠﻨﺴﺎء واﻟﻘﺒﻌﺎت اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻟﻠﺮﺟﺎل »اﻟﻄﺎﻗﻴﺔ اﻟﻤﺨﺮﻣﺔ« وﻫﻲ ﻣﺸﻬﻮرة وﻣﻌﺮوﻓﺔ وﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﺤﺎج ﺑﺎرﺗﺪاﺋﻬﺎ ﻟﻌﺪة أﺷﻬﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ إﺷﺎرة إﻟﻰ أﻧﻪ ﻗﺪ أدى اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ وﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺘﻬﺎﻧﻲ ﻟﻪ ﺑﻌﺒﺎرة »ﺣﺞ ﻣﺒﺮور« ﻛﻠﻤﺎ ﻟﻤﺤﻮه ﻳﻀﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ. أﻣﺎ ﻫﺪاﻳﺎ اﻟﺼﻐﺎر ﻓﻬﻲ ﻣﻤﻴﺰة ،اﻟﺬﻛﻮر ﻳﺤﺼﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻼﺑﻴﺔ اﻟﻤﻄﺮزة وﻓﻮﻗﻬﺎ اﻟﺼﺪﻳﺮي اﻟﻤﺬﻫﺐ وﻳﻀﻊ ﻃﺎﻗﻴﺔ ﻣﻠﻮﻧﺔ وﻣﺰرﻛﺸﺔ واﻟﺒﻨﺎت ﻳﺮﺗﺪﻳﻦ اﻷﺛﻮاب اﻟﻤﻘﺼﺒﺔ وﺗﻮزع ﻋﻠﻴﻬﻦ اﻷﺳﺎور واﻟﺴﻼﺳﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪر أﺻﻮاﺗًﺎ ﺗﻨﻌﺶ اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺮوح ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺤﺮﻛﺖ اﻟﻄﻔﻠﺔ وﺗ ُﻔﺎﺧﺮ ﺑﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﻗﺮﻳﻨﺎﺗﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﺪة وﺗﺨﻀﺐ أﻳﺪي اﻟﺼﻐﻴﺮات ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء ﻋﻨﺪ ﻋﻮدة اﻟﺤﺠﻴﺞ أﻳﻀً ﺎ. ﺗﺰﻳﻴﻦ اﻟﺒﻴﻮت
اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ اﻟﻤﺘﺒﻊ ﻓﻲ ﺗﺰﻳﻴﻦ ﺑﻴﻮت اﻟﺤﺠﺎج ﻫﻮ ﺗﻌﻠﻴﻖ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ وﻗﺼﻔﺎت ﺷﺠﺮة اﻟﺴﺮو واﻟﻴﺎﻓﻄﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻈﻬﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ اﻟﺤﺠﺎج
واﻟﺘﻤﻨﻲ ﻟﻪ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﺣﺠﻪ ﻣﺒﺮو ًرا وﺳﻌﻴﻪ ﻣﺸﻜﻮ ًرا ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﻤﻨﺰل ﻓﻜﺎن اﻟﻨﺎﻇﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻳﻌﺮف أن ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻋﺎد أﻫﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎر اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ،وﻫﺬا اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻫﻮ ﺗﻴﻤ ًﻨﺎ ﺑﻬﺠﺮة اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻗﺪ اﺳﺘﺒﺪل اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻣﺆﺧ ًﺮا ﺑﻘﺼﻔﺎت اﻟﺴﺮو. وﻣﻤﺎ ﺗﻨﺸﺪه اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﺎج وﺧﺼﻮﺻﺎ اﻹﻧﺎث ﻣﻨﻬﻢ: ﺣﺠﻴﻨﺎ وﻧﻠﻨﺎ ..ﺑﺸﺮوا أﺣﺒﺎﺑﻨﺎ ..ﺣﺠﻴﻨﺎ وﻧﻠﻨﺎ ع اﻟـﺮﻣﻞ ﺗﻤﺸــــﻲ ..ﻣـــﺎ أﺣﻼك ﻳﺎ ﺣﺠﺔ ع اﻟﺮﻣﻞ ﺗﻤﺸــــــﻲ ..ﺣـــــﻨﺔ وﻧــــﻜﺸﻪ زﻳﻨــــــﻮا دارﻧـــــﺎ ..ﺣـــــﻨﺔ وﻧــــــﻜﺸﻪ ﻣﺎ أﺣــﻠﻰ ﺣـــﻠﻘﻬﺎ ..ﻣــــــﻊ ﺑﻴﺎض ﻋﻨﻘﻬﺎ ﻣﺎ أﺣــــــﻠﻰ ﺣـــــــﻠﻘﻬﺎ ..ﻟﻠﻲ ﺧــــﻠﻘﻬﺎ وﻗﻔـــــﺔ ﻣــــــﺤﺮﻣﺔ ..ﻟﻠــــﻲ ﺧـــــﻠﻘﻬﺎ أﻣﺎ ﻋﻦ أﻫﻢ اﻷﻛﻼت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ إﻋﺪادﻫﺎ ﺑﻌﺪ ذﺑﺢ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﻋﺎدة ﻣﻦ اﻟﺨﺮاف ﻓﻴﻌﺪ اﻟﻤﻨﺴﻒ واﻟﻤﺴﺨﻦ واﻟﻤﻔﺘﻮل وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻘﺪم اﻟﺤﻠﻮى اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﻨﺎﻓﺔ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻴﺔ واﻟﺒﻮرﻣﺔ واﻟﻨﻤﻮرة. وﺑﻌﺾ اﻟﺤﺠﺎج ﻳﺤﻤﻞ ﻛﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺎء زﻣﺰم ﺗﺼﺐ ﻟﻠﻤﻬﻨﺌﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﻨﺎﺟﻴﻦ ﻗﻬﻮة ﺻﻐﻴﺮة اﺳﺘﺠﻼﺑﺎ ﻟﻠﺒﺮﻛﺔ وﻻ ﻳﻨﺴﻰ اﻟﺤﺎج أن ﻳﺮﺳﻞ ﻛﻤﻴﺔ أﻛﺒﺮ ﻟﻠﻤﺮﺿﻰ ﺑﺄﻣﺮاض ﺧﻄﺮة ﻣﻦ اﻟﺠﻴﺮان واﻟﻤﻌﺎرف ﻋﻤﻼ ﺑﻘﻮل اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﻳﻢ« ﻣﺎء زﻣﺰم ﻟﻤﺎ ﺷُ ﺮب ﻟﻪ« واﻷﻗﺎرب ً *رواﺋﻴﺔ وﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
29
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
ﺣﺠﻴﻨﺎ وﻧﻠﻨﺎ ..ﺑﺸﺮوا أﺣﺒﺎﺑﻨﺎ
ﻃﻘﻮس اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ
ﻓﻲ وداع واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﺎج ﺳﻤﺎ ﺣﺴﻦ@
اﺣﺘﻔﻆ ﺟﺪي ﺑﺄﺳﻮرة ذﻫﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺛﻌﺒﺎن ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﺟﺪﺗﻲ، ورﻏﻢ ﺣﺎﺟﺘﻪ اﻟﻤﺎﺳﺔ ﻟﻠﻤﺎل -ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﻌﻴﺶ وﺣﻴﺪً ا وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺑﻪ اﻟﻌﻤﺮ أرذﻟﻪ -إﻻ أﻧﻪ ﺻﻤﻢ أن ﻳﻨﻔﺬ وﺻﻴﺔ ﺟﺪﺗﻲ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﻄﻂ أن ﺗﺒﻴﻌﻬﺎ وﺗﺆدي ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ﻣﻦ ﺛﻤﻨﻬﺎ ،وﻫﻜﺬا ﺳﺎﻓﺮ ﺟﺪي إﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﺆدي اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺟﺪﺗﻲ.
رﻏﻢ ﻛﻞ اﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ إﻻ أن اﻟﺤﺞ ﻟﺒﻴﺖ اﻟﻠﻪ ﻻ زال ﻟﻪ ﻃﻘﻮﺳﻪ وﻋﺎداﺗﻪ ،وﻻ زال اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻳﺤﺮﺻﻮن ﻋﻠﻰ وداع اﻟﺤﺠﻴﺞ واﻧﺘﻈﺎر ﻋﻮدﺗﻬﻢ واﻟﺘﻠﻬﻒ ﻟﺘﻠﻘﻲ اﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﻌﻮدون ﺑﻬﺎ وﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻮﻧﻬﻢ ﺑﻄﻘﻮس ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻣﻊ ﺗﻐﻴﺮ اﻟﺰﻣﻦ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻹﺟﻼل واﻟﺘﻘﺪﻳﺲ ﻟﻬﺬه اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ﻓﻲ اﻻﺳﻼم. اﻟﺘﺤﻨﻴﻦ أو اﻟﺘﺤﻨﻴﻨﺔ
ﻫﻮ اﻟﻐﻨﺎء ﻓﻲ وداع ﻣﻦ ﻳﻨﻮي أداء ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺮام ،وﻳﻌﻨﻲ اﻟﻐﻨﺎء ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻴﻘﻮم ﺑﻪ اﻟﻤﻮدﻋﻮن ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ وﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺴﻔﺮ ،وﺗﺪور اﻟﻨﺴﻮة ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء ﻟﻜﻲ ﺧﺼﻮﺻﺎ -ﻳﺪﻳﻬﺎ وﺗﻨﻘﺶ اﻟﺤﻨﺎء أﻳﻀً ﺎ ﻋﻠﻰﺗﺨﻀﺐ اﻟﺤﺎﺟﺔ ً ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ ،وﺗﻔﻌﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﻗﺮﻳﺒﺎﺗﻬﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮات واﻟﺼﻐﻴﺮات ،وﺗﺮﺗﺪي اﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻣﻦ رأﺳﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﺧﻤﺺ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ ﻟﺘﻮﺣﻲ أﻧﻬﺎ ﺗﻨﻮي اﻟﺤﺞ وﺗﺠﻠﺲ ﻓﺮﺣﺔ ﻣﺴﺘﺒﺸﺮة وﺳﻂ ﺟﺎراﺗﻬﺎ وﻗﺮﻳﺒﺎﺗﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮددن اﻷﻧﺎﺷﻴﺪ واﻷﻏﺎﻧﻲ وﻣﺎﻳﻌﺮف ﺑـ »اﻟﺘﺤﻨﻴﻦ« ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎﻳﻠﻲ : ﺣﺠﻨﺎ ﻃﺎح اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﻳﺪه ﻛـﻴﻠﻪ ﻳــــﺎ رب ﺗﺮده ﺳــﺎﻟﻢ ﻟﻬﺎﻟﻌـﻴﻠﺔ ﺣﺠﻨﺎ ﻃﺎح اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﻳﺪه ﺷﺮﺑﻪ ﻳﺎ رب ﺗﺮده ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﻫﺎﻟﻐـﺮﺑﺔ ﺣﺠﻨﺎ ﻃﺎح اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﻳﺪه اﺑﺮﻳﻖ ﻳﺎ رب ﺗﺮده ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﻫﺎﻟﻄﺮﻳﻖ ﻧﺎﻣﻮا ﻧﺎﻣﻮا ﻳﺎ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﺎ ﺗﻨﺎم ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺮ زﻣﺰم ﻧﺼﺒﻮا اﻟﺨﻴﺎم 28
ﻃﻘﻮس اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ
ﻣﺮق ﻫﺎﻟﺒﺪوي ﻣﺘﻮﺷﺢ ﺑﻠﺜﺎم ﻫﺬا ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ع ﺑـــــــــﻴﺮ زﻣـــــﺰم ﺗــــﻮﺿﻰ اﻟــﺮﺳﻮل ﻓـــﻲ اﺑـــــــﺮﻳﻖ اﻟﻔﻀﻪ ﻣـــــﻊ اﻟﺒــــﻨﻮر ﺣـــــــﺠﻲ ﻳﺎ ﺣــــﺠﻪ رﻳﺤﺘﻚ رواﻳــــــﺢ ﻣـــــــــﻦ ﻧﻮر اﻟﻨـــﺒﻲ ودم اﻟــــــــﺬﺑﺎﻳﺢ ﺣﺠﻲ ﻳﺎ ﺣﺠﻪ رﻳﺤﺘﻚ ﻣﻠﻴﺤﻪ ﻣﻦ ﻧﻮر ﻣﺤﻤﺪ ودم اﻟﺬﺑﻴﺤﻪ ﻣﻦ ورا اﻟﻜﻌﺒﻪ دوري ﺣﺠﻪ ﻳـﺎام ﺷــــﻌﻮر رﺑﻲ ﻻ ﻳﻐـــﻨﻴﻨﻲ وﻻ ﻳــﻐﻴﺒﻨﻲ ﺷـــــــﻬﻮر ﻣﻦ ورا اﻟﻜﻌﺒﻪ ﻃـــﻮﻓﻲ ﻳـــﺎم اﻟــــــﺤﺰام رﺑﻲ ﻣﺎ ﻳﺠﻴﺐ ﻋﺎﻗﻪ وﻻ ﺗﻐﻴﺒﻲ زﻣــــــــﺎن ﻣﻦ ورا اﻟﻜﻌﺒﻪ ﻃـــﻮﻓﻲ ﻳﺎام اﻟﻬـــــــﻴﺒﺎت رﺑﻲ ﻣﺎ ﻳﺠﻴﺐ ﻋﺎﻗﻪ وﻻ ﺗﻐﻴﺒﻲ ﺳــــﺎﻋﺎت ﺑــــﻴﻌﻲ ﺣــــﺎﺟﺎﺗﻚ ﻳـــﺎﻟﻠﻪ ﻳــــﺎ ﺣـــﺠﻪ واﻣﺸـــﻲ ﺧـﻄـــﻮاﺗﻚ ع ﺑـــﻼد ﺣــﺠﺎﺗﻚ ﺑﻴﻌﻲ ذﻫﺒﺎﺗﻚ ﻳﺎﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺣﺠﻪ ﺑﻴﻌﻲ دﻫﺒﺎﺗﻚ ﻣﺤﻤﺪ ﻃﻼﺑﻚ واﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺣﺠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻃـﻼﺑﻚ ﻫﺪاﻳﺎ اﻟﺤﺠﻴﺞ
ﻳﺨﺮج اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻮن إﻟﻰ أﻃﺮاف اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎرات واﻟﺤﺎﻓﻼت اﺳﺘﻘﺒﺎﻻ ﻟﻮﻓﻮد اﻟﺤﺠﻴﺞ ﺑﻌﺪ أداﺋﻬﻢ ﻟﻔﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ وﺗﺘﺴﻢ ﻣﺮاﺳﻢ ً اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﺢ واﻟﻐﻨﺎء ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ وﺑﺘﻮزﻳﻊ اﻟﺤﻠﻮى ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﻟﻲ وﺗﻨﺤﺮ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ أو ﺧﻼل أﺳﺒﻮع ﻣﻦ ﻋﻮدة اﻟﺤﺎج إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ وأﻫﻠﻪ وﺗﻘﺎم اﻟﻮﻻﺋﻢ وﻳﺪﻋﻰ ﻟﻬﺎ اﻷﻫﻞ
وﻫﻨﺎك ﺑﺎب واﺳﻊ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﺴﻮداﻧﻲ ﻳﻌﺮف ﺑﺎﻟﻤﺪاﺋﺢ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎﻓﺤﺘﻪ وﺗﻘﺒﻴﻠﻪ ﺳﺎﺋﻠﻴﻪ اﻟﺪﻋﺎء«. اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺴﻮداﻧﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻮﻟﻰ ﺟﻤﻌﻬﺎ وﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ وﺗﻮﺛﻴﻘﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺪارﺳﻴﻦ .ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﺘﻢ إﻟﻘﺎء وإﻧﺸﺎد اﻟﻤﺪاﺋﺢ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ وﻟﻴﻤﺔ ﻟﻠﻮداع وراﻳﺔ ﻟﻼﻧﺘﻈﺎر ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ وﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ) ﻟﻴﻠﻴﺔ( اﻷوﻟﻴﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ وﺗﺰدﻫﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص وﻳﻘﻮل ﻋﻠﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺮﻫﺎﻧﺔ ،ﻣﻦ ﻟﻴﺒﻴﺎ ،إن ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﺗﻮدﻳﻊ اﻟﺤﺎج ﻋﻨﺪ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﻤﻮﻟﺪ اﻟﻨﺒﻮي اﻟﺸﺮﻳﻒ. ﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ إﻋﺪاد وﻟﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل اﻟﺤﺎج ﻟﻠﻤﻮدﻋﻴﻦ ،وﻧﺼﺐ راﻳﺔ ﺑﻴﻀﺎء ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺎج ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻼل وﻧﺠﻤﺔ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء وﺗﻈﻞ ﻣﻨﺼﻮﺑﺔ إﻟﻰ ﺣﻴﻦ ﻋﻮدﺗﻪ ،وﻣﺮاﻓﻘﺔ اﻟﺤﺠﺎج إﻟﻰ اﻟﻤﻴﻨﺎء أرز وأﻋﻼم ﺧﻀﺮاء ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ وأﻛﺪت أﻧﻴﺴﺔ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺴﻌﺪون ،ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،أﻧﻪ ﻗﺒﻞ أن أو اﻟﻤﻄﺎر ﻣﻦ ﻗﺒﻞ رﺟﺎل اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ واﻟﻨﺴﺎء أﺣﻴﺎﻧﺎ ،وﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻳﻐﺎدر اﻟﺤﺎج اﻟﻤﻨﺰل ﺛﻤﺔ ﻃﻘﻮس ﺗﻤﺎرﺳﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮى ،إذ ﻳﺪار اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ اﻟﺬﺑﺢ واﻟﺘﻮدﻳﻊ ﺑﺎﻟﻀﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻓﻮف. اﻷرز ﺣﻮل رأﺳﻪ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ،وﻳﺘﺼﺪق ﺑﺬﻟﻚ وﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺗﻮدﻳﻊ ﺑﻌﺜﺔ اﻟﺤﺞ ﺑﺼﻮرة رﺳﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻮﻻة أو ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ دﻓ ًﻌﺎ ﻟﻠﺒﻼء .ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺸﺮ اﻷﻋﻼم اﻟﺨﻀﺮاء اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﻴﻦ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻃﺮاﺑﻠﺲ وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﺬا ﺟﺎرﻳﺎ .ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﻮح اﻟﻤﻨﺎزل رﻣﺰا ﻟﻠﺨﻴﺮ ،وأﻣﺎرة ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺎب أﺣﺪ أﻓﺮادﻫﺎ أن ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺎج أﺛﻨﺎء ﻏﻴﺎﺑﻪ ﻳﻈﻞ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎ وﻻ ﻳﻘﻔﻞ أﺑﺪا ،وﻫﺬا ﻟﻠﺤﺞ .وﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻴﻤﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮى ﻋﻤﻞ ﻣﺠﺴﻢ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﺧﺎص ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﻃﺮاﺑﻠﺲ. ﻟﺮب اﻷﺳﺮة اﻟﻐﺎﺋﺐ ،وإﻟﺒﺎﺳﻪ اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد ﻟﺒﺴﻬﺎ ،وﺗﻮﺿﻊ ﺑﺠﺎﻧﺐ أدوات ﻣﻬﻨﺘﻪ ،ﻲ وﻓﻲ ﻫﺬا ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻟﻘﺪرﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻐﺎﻟﺒﺔ ﻛﻌﻜﺘﺎن ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﺤﺎج ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ﺑﻌﻮدﺗﻪ. ﺗﺸﺒﺜﻬﻢ ﻋﻦ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺎ وﻓﻴﻪ وﺟﻊ اﻟﻔﺮاق وﻣﻘﺎوﻣﺘﻪ، ﺗﻮدﻳﻊ اﻟﺤﺎج ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺑﺸﻜﻞ وﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن ،أﻛﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺰي أن ﺗﻮ أﻳﻀً ً ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻷﻫﻞ واﻷﻗﺎرب واﻟﺠﻴﺮان وأﻫﺎﻟﻲ اﻟﻤﺤﻠﺔ، وﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﺮﻣﺰ وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺴﻨﺠﻖ ،وﻫ ﺗﺒﺮع وﺗﻜﺎﻓﻞ ﻓﻲ ا(ردن ردن ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ ،واﻟﺒﻴﺎرق .وﻳﻘﺎل ﻓﻲ ﺗﻮدﻳﻊ اﻟﺤﺠﺎج أﻏﺎﻧﻲ ﺣﻜﻤﺖ اﻟﻨﻮاﻳﺴﺔ: وﻣﻦ اﻷردن ،ﻗﺎﻟﺖ ﻤﺖ اﻟﺘﻮدﻳﻊ ﺗﻘﺪﻳﺲ ﻟﻠﻘﻴﻢ اﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ »ﻣﻦ ﻋﺎدات اﻟﺘﻜﺎﻓﻞ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ،وﻓﻲ اﻟﺘﻮد اﻵﺧﺮﻳﻦ .وﻣﻦ اﻟﻌﺎدات اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺈﻛﺮام اﻟﻨﺎس واﺣﺘﺮام اﻵﺧﺮ ﺑﺎﻟﺤﺞ أن ﻳﻘﻮم اﻷﻫﻞﻞ واﻷﻗﺮﺑﺎء ﺗﺘﻢ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻄﻌﺎم ﻫﻲ إﻋﺪاد اﻟﻜﻌﻚ اﻟﺒﻴﺘﻲ ،وﻫﻲ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻟﻠﺤﺎج، ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻴﻄﺔ ﻣﺎدة ﻏﺬاﺋﻴﺔ ﻟﻸﻛﻞ ﺧﻼل اﻟﺴﻔﺮ اﻟﻄﻮﻳﻞ ،ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻠﻰ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ وﺿﻊ ﻛﻌﻜﺘﻴﻦ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﻄﺮز وﻣﺰرﻛﺶ وﺗﻌﻠﻖ وﺗﻜﻠﻔﺘﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﺳﻴﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ وﺗﺘﺮك ﻟﻴﻌﻮد اﻟﺤﺎج ﻟﻴﺄﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ. اﻟﺘﻲ ﺳﻴﺠﻠﺒﻬﺎ أﻳﻀً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺮاء اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻟﺘﻲ ﻣﻌﻪ ،وﺗﺘﻔﺎوت اﻟﻤﺒﺎﻟﻎ وﻓﻖ ﻗﺪرة ﻎ ﻫﺪﻳﺔ ﺗﻜﻠﻔﺘﻬﺎ ﻋﺎﻟﻴﺔ، اﻟﻤﺎﻧﺢ ،أو رﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺪﻳﺔ اﻟﻤﺮﺟﺤﺎﻧﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﺎن ﻓﺎﻟﺬي ﻳﺪﻓﻊ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻛﺒﻴﺮا ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺤﺎج ﺿﻤﻨﻴﺎ أوﺿﺢ ﻓﻬﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﻮد اﻟﺮﺣﺒﻲ وﻣﻦ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن ،أوﺿ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ ﺟﻠﺐ ﻫﺪﻳﺔ ﻣﺤﺮزة«. ﺤﺮزة«. اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﻋﻤﺎن ﻫﻲ »ﻧﺼﺐ أن ﻣﻦ أﺣﺪ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺤ اﻟﻤﺮﺟﺤﺎﻧﺔ« ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺤﺎج ﻟﻠﺴﻔﺮ ﻳﻠﻴﻪ ﻧﺼﺐ اﻟﻤﺮﺟﺤﺎﻧﺔ ﺛﻢ اﻧﺘﻈﺎر ﻋﻋﻮدة اﻟﺤﺎج ﻣﻦ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ. ﻓﺮﻗﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ ﻟﻬﻨﺪ وﺗﻨﺼﺐ اﻟﻤﺮﺟﺤﺎﻧﺔ ﻣﻦ ﻳﻮم ﺧﺮوج اﻟﺤﺎج ﻣﻦ اﻟﺤﻲ وﺗﺤﺪث ﺻﻬﻴﺐ ﻋﺎﻟﻢ ﻋﻦ ﻋﺎدات اﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ ذي اﻟﺤﺠﺔ .وﻟﺬﻟﻚ وﺗﺒﻘﻰ ﺣﺘﻰ ﻳﻮم اﻟﺘﺎﺳ اﻟﻬﻨﺪ ،ﻓﻔﻲ ﻳﻮم اﻟﺴﻔﺮ ﻳﺨﺮج اﻟﺤﺎج ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﺗﻨﺼﺐ اﻟﻤﺮﺟﺤﺎﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ داﺧﻞ ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺎج إذا ﻓﻲ ﻣﻮﻛﺐ ،إﻣﺎ ﺳﺎﺋﺮا ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺪﻳﺎ اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻲ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﺘﺴﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺎن ،أﻣﺎ إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻗﺪﻣﻴﻪ أو راﻛﺒﺎ ﺳﻴﺎرة أو ﻋﺮﺑﺔ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ أو ﺣﺎﻓﻠﺔ، ﻣﻜﺎن ﻣﻨﺎﺳﺐ ﻓﻴﺘﻢ ﻧﻧﺼﺒﻬﺎ ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﺮﺟﺤﺎﻧﺔ، ﻟﻠﺘﻮدﻳﻊ أو اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ،ﻳﺤﺮص وﺳﻮاء ﻛﺎن اﻟﻤﻮﻛﺐ ﻮدﻳﻊ أي اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺜﺮ ﻓﻴﻬﺎ أﺷﺠﺎر اﻟﺴﺪر واﻟﻨﺨﻴﻞ. ﺑﻌﺾ أﻫﺎﻟﻲ اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﻄﺎء ﺣﺼﺎن أﺑﻴﺾ، وﺑﻌﺪ أن ﺗﻨﺼﺐ ﻳﺒﻳﺒﺪأ اﻷﻃﻔﺎل ﺑﺎﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺗﺴﺒﻘﻪ ﺴﺒﻘﻪ ﻓﺮﻗﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﻠﺔ واﻟﻤﺰﻣﺎر ،وﻳﺤﻴﻂ واﻟﺘﺄرﺟﺢ ﻣﻦ ﻳﻮم إﻟﻰ ﻳﻮم ﺑﺎﻟﺤﺎج أﻫﺎﻟﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ وﻳﺤﺮص ج
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
27
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
ﻃﻘﻮس »اﻟﺪوﺧﻠﺔ« ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ
ﺣﻮل اﻟﻤﺪرﻫﺔ وﻳﻨﺸﺪون وﻗﺪ ﻋﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎﻗﻮس: »ﻳﺎ ﻣﺪرﻫﺔ ﻳﺎ ﻣﺪرﻫﺔ ..ﻣﺎل ﺻﻮﺗﺶ واﻫﻲ« »ﻗﺎﻟﺖ أﻧﺎ واﻫﻴـــــﺔ وﻣﺎ ﺣـــــﺪ ﻛﺴﺎﻧﻲ.. ﻛﺴﻮﺗﻲ رﻃﻠﻴﻦ ﺣـــﺪﻳﺪ واﻟﺨﺸﺐ رﻣﺎﻧﻲ« وأﺿﺎف ﻣﺴﻌﺪ «:ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺷﺨﺺ ﻟﻪ ﺳﻤﺎت »اﻟ ُﻤ َﺴﺒِﺢ« ،ﻓﻴﻨﺸﺪ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻣﺎ ﻳﻨﺸﺪه« «:ﻳﺎ ُﻣﺒﺸﺮ ﺑﺎﻟﺤﺞ ﺑﺸﺎرﺗﻚ ﺑﺸﺎرةِ ..ﻫﻨ َﻴﺖ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺣﺎﺟﻨﺎ ﻓﺰت ﺑﺎﻟﻐﻔﺮان ..زرت ﻗﺒﺮ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ وﺗﻠﻤﺲ اﻷرﻛﺎن ..واﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻮل .ﻳﺎ ﻣﻦ ﺳﻤﻊ ﻳﺼﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻌﺪﻧﺎﻧﻲ«.
ﺗﻌﻨﻲ ﻛﻠﻤﺔ »اﻟﺪوﺧﻠﺔ« ﻓﻲ ﻟﻬﺠﺔ أﻫﻞ اﻟﻘﻄﻴﻒ ﺑﺎﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ »اﻟﻘﻔﺔ« ،وﻫﻲ وﻋﺎء ﻣﻦ اﻟﺨﻮص ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ اﻟﻤﺰارع ﻟﺤﻔﻆ اﻟﺘﻤﺮ ،وﻫﻲ أﺷﺒﻪ ﺑـ»أﺻﻴﺺ« ﻟﺰراﻋﺔ ﺣﺒﻮب اﻟﺸﻌﻴﺮ ،ﺗﻤﻸ ﺑﺎﻟﻄﻴﻦ واﻟﺴﻤﺎد ،ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻤﻮ ﺑﺴﺮﻋﺔ وﺗﺴﻘﻰ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻧﻤﻮﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻮم اﻟﻌﻴﺪ. وﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ دول اﻟﺨﻠﻴﺞ ﺗﺴ ّﻤﻰ اﻟﺪوﺧﻠﺔ »اﻟﺤﻴﺔ ﺑﻴﺔ«، وﻳﻘﺎل إن أﺻﻠﻬﺎ »اﻟﺤﺠﻲ ﺑﻴﺠﻲ« أي اﻟﺤﺎج ﺳﻴﻌﻮد ،أو أﻧﻬﺎ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺤﺠﺔ وﻫﻲ اﻟﻘﻔﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ اﻷﻃﻔﺎل ﻟﺰراﻋﺔ اﻟﺒﺬور. وﻛﺎن ﻳﻮم رﻣﻲ »اﻟﺪواﺧﻞ« أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻌﻴﺪ أو اﻟﻌﺮس ،ﻳﻨﺘﻈﺮه اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ أن زرﻋﻮا اﻟﺪواﺧﻞ ﺑﺎﻟﺮﻳﺤﺎن أو اﻟﺤﺐ اﻟﺸﻤﺴﻲ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ذي اﻟﻘﻌﺪة وﺳﻘﻮﻫﺎ ﻛﻞ ﻳﻮم ،وﻋﺮﺿﻮﻫﺎ ﻟﻠﺸﻤﺲ. وﺑﻌﺪ ﻏﺪاء ﻇﻬﺮ اﻟﻌﻴﺪ ﻳﻠﻘﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻌﺪ وﺿﻊ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻲ ﺗﺠﻠﺐ اﻟﺴﻤﻚ ،وﻳﻘﻒ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﻒ ﻟﻴﺸﻬﺪوا اﻷﻃﻔﺎل ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻴﺔ رﻣﻲ اﻟﺪواﺧﻞ
اﻟﻄﺒﻞ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب
وﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب ،ﻗﺎل أﺣﻤﺪ ﺣﻔﻀﻲ إﻧﻪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻮادي ﺗﺨﺘﻢ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻟﻠﺤﺎج وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ. اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟﺰراﻋﺔ وﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻮاﺷﻲ ،وﺣﺴﺐ اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺤﺎج ،ﺗ ُﺒﻨﻰ ﺧﻴﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﻀﻴﻮف ،وﺗﻘﺎم اﻟﻮﻻﺋﻢ ﻟﻠﻤﻬﻨﺌﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺪاﺋﺢ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺴﻮداﻧﻴﺔ أﺟﻮاء ﺗﻜﺘﺴﻴﻬﺎ اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﻠﻨﻴﺔ واﻟﻤﺒﺎﻟﻎ ﻓﻴﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،ﺣﻴﺚ وﻣﻦ اﻟﺴﻮدان ،ﻳﻘﻮل إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ اﻟﻔﺤﻴﻞ إن إﻧﺸﺎد اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﻌﻀﻬﺎ أﺟﻮاء اﻟﺮﻗﺺ ﺑﺤﻀﻮر دﻗﺎت اﻟﻄﺒﻞ وﻧﻔﺨﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﺑﺮز ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﺤﺞ ﺑﺎﻟﻤﺪاﺋﺢ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، اﻟﻤﺰﻣﺎر واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ .وﻟﻔﺖ إﻟﻰ أن ﻫﺬه اﻟﻄﻘﻮس ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وأﺷﻜﺎل اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﺸﻔﻬﻲ ،وﻓﻨﻮن وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ إﻟﻰ اﻻﻧﺪﺛﺎر ،ﺣﻴﺚ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻣﺮاﺳﻢ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﻓﻲ ﺗﻼوة اﻟﻘﺮآن أداء اﻟﻌﺮوض .ﻓﺎﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﻤﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ ﻗﺪﻳﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺪاﺋﺢ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، وﺗﺄدﻳﺔ اﻷﻣﺪاح اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ وﻛﻠﻤﺎت ﻟﻠﻔﻘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻆ واﻹرﺷﺎد ﺣﻴﺚ وﺻﻒ اﻟﺸﻌﺮاء ﺳﻔﺮﻫﻢ ﻟﻤﻜﺔ وﺷﻮﻗﻬﻢ ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻨﺒﻲ،
26
اﺣﺘﻔﺎﻻت ﺗﻮدﻳﻊ واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﻴﺞ
ﻣﺪﻳﻨﺔ زﺑﻴﺪ ﻋﺎدات ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﺎج ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺗﺰﻳﻴﻦ اﻟﺨﻴﻮل واﻣﺘﻄﺎؤﻫﺎ واﻟﺮﻗﺺ ﺑﻬﺎ وﻋﻠﻴﻬﺎ واﻟﺮﻗﺺ ﺑﺎﻟﺴﻴﻮف وﻓﺮش اﻟﺪﻳﺒﺎج وإﻗﺎﻣﺔ اﻟﻤﺪارة وﻏﻴﺮﻫﺎ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن أﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺮش اﻟﺒﻴﻮت ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷﺑﻴﺾ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ رش اﻟﺠﺪران اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻠﻤﻨﺰل، وﺗﻐﻴﻴﺮ ﻓﺮش اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﻔﺮش ﺟﺪﻳﺪ اﺳﺘﻌﺪادا ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻤﻬﻨﺌﻴﻦ ﻟﻠﺤﺎج ﻣﻦ ﺷﺮاء اﻟﺬﺑﺎح اﻟﺤﻴﺔ وﻧﺼﺐ اﻟﻤﺨﺪرة واﻟﺰﻳﻨﺔ واﻟﺮﻗﺼﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﻠﻄﺒﻮل« وﻣﻦ أﺑﺮز ﻃﻘﻮس اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﺎج اﻟﻌﺎﺋﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ٬ﺗﻘﻠﻴﺪ اﻟﻤﺪرﻫﺔ »اﻟﻤﺮﺟﻴﺤﺔ« ٬وﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺬﻟﻚ ﺻﻨﻌﺎء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ٬إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺪن اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ٬ﺣﻴﺚ ارﺗﺒﻂ ﻫﺬا اﻟﻄﻘﺲ ﺑﺄﺣﺪ أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم وﻫﻮ ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ٬ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻌﺮف اﻟﻤﺪرﻫﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ إﺣﺪى اﻟﺘﺴﺎﻟﻲ واﻷﻟﻌﺎب ﻋﻨﺪ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺴﻴﻦ .وﻳﻌﻮد ﺗﻘﻠﻴﺪ اﻟﻤﺪرﻫﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﻟﻔﺘﺮات ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺟﺪا ً ٬ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺪ ﺗﻌﺒﻴ ًﺮا ﻋﻦ ﻓﺮﺣﺔ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﻌﻮدة ﺣﺠﺎﺟﻬﻢ ﻋﻘﺐ ﺗﻌﺮﺿﻬﻢ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺎب واﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ﺧﻼل ﺳﻔﺮﻫﻢ وﺗﻨﻘﻠﻬﻢ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻮاﺻﻼت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺣﻴﻨﺬاك ﻷداء ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ.
ﻛﻤﺎ ﺗﺴﻤﻰ »ﻣﺪرﻫﺔ اﻟﻌﻮدة« ٬ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺤﺎج ﺑﻄﻘﻮس ﺗﺒﺪو ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺴﻠﻴﺔ ٬وﻫﻲ ﺗﺒﺪأ ﻋﻘﺐ ﻋﻴﺪ اﻷﺿﺤﻰ ﺑﻴﻮﻣﻴﻦ أو ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم »ﺧﻼل أﻳﺎم اﻟﺘﺸﺮﻳﻖ« ﺑﻐﺮض ﺗﺸﻮﻳﻖ اﻟﺤﺎج ﻟﻠﻌﻮدة إﻟﻰ أﻫﻠﻪ وﻣﺤﺒﻴﻪ ٬إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻛﺮه ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ واﻟﺪﻋﺎء ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻌﻮدة ﺳﺎﻟﻤﺎً. وﻳﻘﻮل اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ أﺣﻤﺪ ﻣﺴﻌﺪ »ﺗﺸﻬﺪ اﻟﻤﺪرﻫﺔ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ٬ﻣﺜﻞ :إﻟﻘﺎء اﻷدﻋﻴﺔ٬ اﻟﻤﻮاﻟﺪ ٬اﻟﺮﻗﺼﺎت ٬اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ٬ وﺑﺎﻷﺧﺺ أﻏﺎﻧﻲ أو ﺗﻐﺎرﻳﺪ اﻟﻤﺪرﻫﺔ ٬ﻋﻘﺮ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ ٬إﻃﻼق اﻷﻟﻌﺎب اﻟﻨﺎرﻳﺔ ٬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ﺗﺰﻳﻴﻦ اﻟﻤﺪرﻫﺔ ﺑﻜﺴﻮة ﺗﺴﻤﻰ »ﻛﺴﻮة اﻟﺤﺞ« ٬وﻫﻲ ﻣﻼﺑﺲ اﻹﺣﺮام ﻳﺘﻢ اﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﺎ ﺑﻤﻼﺑﺲ اﻟﺤﺎج ﻧﻔﺴﻪ ٬وﺗﻨﺸﺮ ﻫﺬه اﻟﻤﻼﺑﺲ ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺪة اﻟﻤﺪرﻫﺔ ﻣﻊ أدوات زﻳﻨﺘﻪ :اﻟﻌﻤﺎﻣﺔ واﻟﺠﻨﺒﻴﺔ )اﻟﺨﻨﺠﺮ اﻟﺬي ﻳﻠﺒﺴﻪ اﻟﻴﻤﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﺼﺮه( واﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ٬ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺸﺮ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﻤﺮأة اﻟﺤﺎﺟﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻣﻼﺑﺲ ﻋﺮﺳﻬﺎ ٬إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أدوات زﻳﻨﺘﻬﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺼﻮﻏﺎت اﻟﻔﻀﻴﺔ واﻟﺬﻫﺒﻴﺔ وﺑﻌﺾ اﻟﻮرود واﻟﺮﻳﺤﺎن وﻏﻴﺮﻫﺎ«. وﺑﺤﺴﺐ ﻣﺴﻌﺪ ﻳﺘﺠﻤﻊ اﻟﺠﻴﺮان واﻷﻫﻞ واﻷﻗﺎرب واﻷﺻﺪﻗﺎء
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
25
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
اﻟﺪﻳﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﻄﻘﺲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﺞ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ ،أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﻌﺎدات اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﻠﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ ،اﻟﻮﺟﻴﺰ ﻓﻲ ﻋﺎدات وﻣﺮاﺳﻴﻢ اﻟﺤﺠﻴﺞ ،اﻟﺤﺞ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،واﻹرث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﻔﻜﺮي ﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ وﻋﻴﺪ اﻷﺿﺤﻰ.
إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ،ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻤﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ ﺑﻌﻴﻮن ﻣﻐﺮﺑﻴﺔ، اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﻟﻄﺮق اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ. ﻛﻤﺎ ﻧﺎﻗﺶ اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ أﻳﻀً ﺎ :ﻃﺒﻴﻌﺔ وﻣﻈﺎﻫﺮ اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﺼﻮﻣﺎل ،ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺟﺎزان ،إﻃﺎر ﻣﻨﻬﺠﻲ ﻟﺘﻮﺛﻴﻖ اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺞ ،اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻷردن، اﻟﺤﺞ ﻋﻘﻴﺪة وﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻓﻮﻟﻜﻠﻮرﻳﺔ ،ﺳﺮدﻳﺔ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟ َﺤ ﱢﺠ ﱠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﻫﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ أﻏﻨﻴﺔ ﺗَ ْﺤ ِﻨﻴْﻦ اﻟﺤﺠﺎج ،اﺣﺘﻔﺎء اﻟﺤﺞ واﻷﺿﺤﻴﺔ ﻓﻲ واﺣﺔ ﺑﺮاك اﻟﻤﺸﺎرﻛﻮن رﺻﺪوا اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺞ ﻓﻲ )ﺟﻨﻮب ﻟﻴﺒﻴﺎ( ،ﻣﻦ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺔ ،اﻟﺤﺞ ﻣﻦ اﻟﻄﻘﺲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ,ﻓﻤﻦ اﻟﻴﻤﻦ ﻳﻘﻮل أﺣﻤﺪ اﻟﻐﺰي »ﺗﻮارﺛﺖ
24
اﺣﺘﻔﺎﻻت ﺗﻮدﻳﻊ واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﻴﺞ
اﻟﺴﺒﺤﺔ وﻣﺎء زﻣﺰم ..ﻫﺪاﻳﺎ اﻟﺤﺠﻴﺞ (ﺣﺒﺎﺋﻬﻢ
وﻓﻲ ﺳﻴﺎق دور ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﺘﺮاث اﻟﺤﻀﺎري ﻟﻸﻣﺔ، ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﻌﻠﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻻدن ﻟﻠﻌﻠﻢ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺑﺘﻨﻈﻴﻢ ﻣﻠﺘﻘﻰ دوﻟﻲ ﻟﺘﻮﺛﻴﻖ اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺞ ،ﺑﻬﺪف رﺻﺪ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺞ؛ وذﻟﻚ ﻟﻠﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ واﻻﺧﺘﻼف ﺑﻴﻦ ﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ وﻃﺮاﺋﻖ إﺑﺪاﻋﻬﺎ ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ دول :اﻟﻤﻐﺮب ،اﻟﺴﻮدان ،اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،اﻷردن ،اﻟﻬﻨﺪ، اﻟﺼﻮﻣﺎل ،ﻟﻴﺒﻴﺎ ،ﻟﺒﻨﺎن ،ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن ،اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ، ﺳﻮرﻳﺔ ،اﻟﻴﻤﻦ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ. واﻫﺘﻤﺖ ﻣﺤﺎور اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﺑﺮﺻﺪ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺞ )اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺎج وﺗﻮدﻳﻌﻪ -اﻷﻛﻼت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ -ﻋﺎدات دورة اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﻮاﻛﺒﺔ ﻟﻌﻴﺪ اﻷﺿﺤﻰ -اﻻﺳﺘﻌﺪادات اﻟﻤﻨﺰﻟﻴﺔ...إﻟﺦ( ،وﻓﻨﻮن اﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ واﻷداء )اﻷﻏﺎﻧﻲ واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ -اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻷﻣﺜﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ -اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ -اﻷﻗﻮال اﻟﻤﺄﺛﻮرة -اﻟﻤﺮاﺳﻢ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وﺟﺪارﻳﺎت اﻟﺤﺞ -اﻷزﻳﺎء -اﻟﺰﻳﻨﺔ -اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ...إﻟﺦ(. وﺗﻀﻤﻨﺖ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :ﺗﺮاث اﻟﺤﺞ ﻓﻲ وﺳﻂ وﻏﺮب اﻟﺴﻮدان ،ﻋﺎدات ﺗﻮدﻳﻊ واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﺎج ﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،رؤﻳﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺞ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻘﺪس واﻟﻤﻮروث اﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ،اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻻﻟﻴّﺔ واﻟﺠﻤﺎﻟﻴّﺔ ﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴّﺔ ّ اﻟﺒﺤﺮﻳﻨﻲ ،ﻃﻘﻮس اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﻣﻦ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ ّ ّ
ارﺗﺒﻄﺖ اﻟﺴﺒﺤﺔ ﺑﺤﺠﺎج ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺮام، ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺮص اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻋﻠﻰ ﺷﺮاء ﻛﻤﻴﺎت ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ ﻟﺬوﻳﻬﻢ ﺧﻼل رﺣﻠﺔ اﻟﻌﻮدة ﻟﻌﺪة أﺳﺒﺎب ﻣﻨﻬﺎ : ﺧﻔﺔ اﻟﻮزن وروﻋﺔ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ ﻛﻤﺎ أن أﺳﻌﺎرﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻛﻢ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻘﻄﺐ اﻫﺘﻤﺎم ﻓﺌﺔ ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ .ﻛﻤﺎ أن ﻫﻨﺎك ﻧﺴﺒﺔ ﻻ ﺑﺄس ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻳﺸﺘﺮون ﻛﻤﻴﺎت ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺒﺢ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﺑﻼدﻫﻢ . واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﻠﺒﻪ اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻣﻦ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ رﻏﻢ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﻴﻊ أﻧﻬﺎ ﺻﻨﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﻴﻦ، ﻟﻜﻦ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺟﻠﺒﻬﺎ ﻣﻦ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺤﺖ ﻋﺮﻓًﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋ ًﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ . ﻛﻤﺎ أن ﻣﺎء زﻣﺰم ﻫﻮ اﻵﺧﺮ ﻗﺎﺳﻢ ﻣﺸﺘﺮك ﺑﻴﻦ ﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﺤﺠﻴﺞ ،ﻳﺤﺮص اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻠﻪ واﻟﻌﻮدة ﺑﻪ إﻟﻰ ﻋﻤﻼ ﺑﻼدﻫﻢ وإﻫﺪاء ﻛﻤﻴﺎت ﻣﻨﻪ ﻟﻸﻫﻞ واﻷﺻﺪﻗﺎء ً ﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻨﺒﻮي اﻟﺸﺮﻳﻒ »ﻣﺎء زﻣﺰم ﻟﻤﺎ ﺷﺮب ﻟﻪ«
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
23
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ آﺧﺮ وﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻔﺮﺣﺔ
اﺣﺘﻔﺎﻻت ﺗﻮدﻳﻊ واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻣﺤﻤﺪﻋﻮﻳﺲ
ﺗﻮﺟﺪ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل ﺑﻤﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ وﻋﻴﺪ اﻷﺿﺤﻰ ،وﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﻣﻦ ﺑﻴﺌﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى وﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ وﻣﺠﺘﻤﻊ إﻟﻰ آﺧﺮ ،وﻫﺬه اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮع واﻟﺜﺮاء واﻹﺑﺪاع ،وﺗﻬﺪف ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ إﻟﻰ إﺑﺮاز اﻟﺒﻬﺠﺔ ﺑﻘﺪوم ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ واﻟﻌﻴﺪ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻘﻮم اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت واﻟﻔﻨﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺎﺣﺐ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺤﺞ واﻟﺬﻫﺎب واﻟﻌﻮدة ،ﻣﺜﻞ :ﻣﻮﻛﺐ اﻟﺤﺎج ،وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻮدﻳﻊ واﻻﺳﺘﻘﺒﺎل وﻣﺎ ﻳﺼﺎﺣﺒﻬﻤﺎ ﻣﻦ إﺑﺮاز »ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﺤﺎج« اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ أداء اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ.
22
اﺣﺘﻔﺎﻻت ﺗﻮدﻳﻊ واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﻴﺞ
ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻘﺔ واﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺠﺎج ا6ﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ﺗﻮاﺟﻪ ﱠ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ، واﻗﺘﺮان ﻣﻐﺎدرﺗﻬﻢ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻔﻜﺮة ﻣﻐﺎدرة اﻟﺤﻴﺎة ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﺸﻬﺪ ﺗﻮدﻳﻌﻬﻢ ﻣﺆﺛ ًﺮا ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،ﻓﺈن ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮغ ﻣﻘﺼﺪﻫﻢ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﻠﱠﻒ ا)ﻣﺮ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ
ﺣﻔﻆ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻟﻦ ﻳﺼﻴﺐ إﻻﱠ ﻣﺎ ﻛُﺘﺐ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻐﻴﺐ .اﻟﺜﺎﻧﻲ: إن اﻟﺘﺮدد واﻟﺘﺨ ﱡﻮف اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻏﺎﻟ ًﺒـﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﻘﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺤﺒﻬﻢ أو ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﻢ؛ ﻟﺪوره اﻟﻤﺤﻮري ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ .وﺣﻴﻦ ﻳﻜﻮن اﻟﺤﺎج ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﺗﺎم ﺑﺄن اﻟﺘﻜﺎﻓﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ﺳﻴﻀﻤﻦ ﻟﻬﻢ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺑﻪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳُﺒﻌﺪ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻋﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮه ،وﻳﻌﺰز ﻓﻲ داﺧﻠﻪ اﻹرادة ﺻﻠﺒﺔ. ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء ﻣﺎ ﻳﻘﺘﺮب ﻣﻦ اﻟﻘﺮن ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺞ ﻗﺪﻳ ًﻤـﺎ ،ﻓﺈن ﻳﺴﺮت ﻋﻠﻰ اﻟﺤ ﱠﺠﺎج ﺗﺄدﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ،ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ أﻣﻮ ًرا ﻛﺜﻴﺮ ًة ﱠ رأﺳﻬﺎ :ﺗﻮاﻓﺮ ﺑُﻨﻰ ﺗﺤﺘﻴﺔ راﻗﻴﺔ ،وﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ،وﺷﺒﻜﺎت اﺗﺼﺎل ﻣﺘﻄﻮرة ﺑﻔﻌﻞ اﻻﻧﺘﻌﺎش اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،واﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ،واﻟﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺠﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ دﻋﻢ ﻣﺆﺳﺴﺔ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ﻟﻸﻋﻤﺎل اﻟﺨﻴﺮﻳﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻓﺮ ﻓﺮص اﻟﺤﺞ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ وﺧﺎرﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻘﺔ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ. وﻫﺬا ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺆﻛﺪ أن ﺗﻐ ﱡﻴﺮ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﻴﺎة وﺗﻄﻮرﻫﺎ ،ﻟﻢ ﻳﺆﺛﺮا ﺳﻠﺒًـﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﻘﻴﻢ اﻷﺻﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻹﻣﺎرات وﻗﻴﺎدﺗﻪ اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ
.2
.3 .4 .5 .6 .7 .8 .9 .10 .11
اﻟﻬﻮاﻣﺶ .1اﻧﻈﺮ اﻻﻗﺘﺒﺎﺳﺎت اﻟﺘﻲ أوردﻫﺎ اﻟﻜﺎﺗﺒﺎن :ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ آل ﺷﻴﺒﺎن.12 ،
وﻓﺎﻟﺢ اﻟﻘﺜﺎﻣﻲ ﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻣﺘﺨﺼﺼﻴﻦ أ ﱠرﺧﻮا ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة، وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﻬﻤﺎ :ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﺞ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻣﺤﻔﻮف ﺑﺎﻟﻤﺨﺎﻃﺮ، ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ ،ع ،12394ﻟﻨﺪن 3 ،ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ .2012 ﺷﻴﺨﺔ اﻟﻐﺎوي :اﻟﺤﺞ :ذﻛﺮﻳﺎت ﺧﺎﻟﺪة ﻟﺪى اﻟﺮﻋﻴﻞ اﻷول ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات )ﺗﺤﻘﻴﻖ( :وﻛﺎﻟﺔ أﻧﺒﺎء اﻹﻣﺎرات )http// www.warm.ae/ar/news/emirates)، 14ﻳﻨﺎﻳﺮ .2005 اﻧﻈﺮ :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴﻪ. اﻧﻈﺮ :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴﻪ. اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴﻪ. أﺣﻤﺪ ﻳﺤﻴﻰ :اﻟﺤﺞ ﻗﺪﻳ ًﻤـﺎ :وداع َﻣ ْﻦ ﻻ أﻣﻞ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺮﺟﻮع )ﺗﺤﻘﻴﻖ( ،ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻟﺒﻴﺎن ،دﺑﻲ 11 ،أﻛﺘﻮﺑﺮ .2014 اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴﻪ. اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴﻪ. ﺷﻴﺨﺔ اﻟﻐﺎوي :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴﻪ. اﻧﻈﺮ :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴﻪ. اﻧﻈﺮ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬه اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ :أﻣﻴﺮة ﻋﺒﺪ اﻟﺤﺎﻓﻆ :ﻋﻮدة اﻟﺤ ﱠﺠﺎج »ﻣﻄﺮاش« اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت )ﺗﺤﻘﻴﻖ( ،ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ، اﻟﺸﺎرﻗﺔ 18 ،أﻛﺘﻮﺑﺮ .2013 ﺷﻴﺨﺔ اﻟﻐﺎوي :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴﻪ.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
21
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد -$# (,( &/ ' Ð p° ¤Ù±# ' pØ © ¤Ù±#
اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺪﻳﺎر
اﻟﻬﺪي ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻠﺤﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ ﻓﻲ ﺿﻮاﺣﻲ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ«) ،(8رﻏﺒ ًﺔ ﻓﻲ ﻧﻴﻞ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﺟﺮ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ،وﻣﺎ ﻳﺸﺎﺑﻬﻪ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ﻗﺪ ﻳُﻮﻛﻞ ﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ .وﺑﺎﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ أداء ﻣﻨﺎﺳﻚ ﻛﻞ ﺳﻌﻦ ﻣﺎء زﻣﺰم؛ ﻟﻴﺸﺮب ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻬﻨﺌﻮن اﻟﺤﺞ ،ﺗُﻌ ﱠﺒـﺄ ﻓﻲ ﱢ ﺑﺎﻟﻌﻮدة ،وﺗُﺸﺘﺮى اﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﻤﺘﻮاﻓﺮة ،وﻣﻨﻬﺎ :ﺳﺠﺎﺟﻴﺪ اﻟﺼﻼة ،واﻟﻤﺴﺎﺑﺢ، واﻟﻐﺘﺮ ،واﻟﻤﺴﺎوﻳﻚ ،واﻟﺤﻨﺎء ،واﻟﺘﻤﺮ .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻫﺪاﻳﺎ اﻷﻃﻔﺎل ،وﻣﻨﻬﺎ: اﻟﺨﻮاﺗﻢ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،واﻷﺳﺎور ،واﻟﻘﻼﺋﺪ ،وﺗﻮﺿﻊ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻓﻲ »اﻟﻮزار« اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺤﺎج ﻓﻴﻪ أﻣﺘﻌﺘﻪ. إﺿﺎءات ﺧﺘﺎﻣﻴﺔ
ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻘﺔ واﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺤ ﱠﺠﺎج اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ،واﻗﺘﺮان ﻣﻐﺎدرﺗﻬﻢ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻔﻜﺮة ﻣﻐﺎدرة اﻟﺤﻴﺎة ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﺸﻬﺪ ﺗﻮدﻳﻌﻬﻢ ﻣﺆﺛ ًﺮا ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،ﻓﺈن ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮغ ﻣﻘﺼﺪﻫﻢ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﻠﱠﻒ اﻷﻣﺮ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ .وﻫﺬا ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ أﻣﻮر ﻋﺪة ،أﻫﻤﻬﺎ أﻣﺮان ،اﻷول :ﻗﻮة اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ واﻟﺘﺰام ﺗﺄدﻳﺔ اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ وأﺳﺮﻫﻢ اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﻮﻫﺎ وراءﻫﻢ ﻓﻲ
20
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ا3ﻣﺎراﺗﻴﺔ
ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ رﺣﻠﺔ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺪﻳﺎر ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺧﺮﻳﻄﺘﻬﺎ ،واﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﺳﺎﺑﻘﺘﻬﺎ .وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻮن اﻹﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ ﻟﻠﺮﺣﻠﺔ اﻟﺸﺎﻗﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﺗﺘﺼﻒ ﺑﺎﻟﻘﻮة؛ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ أﺻﻴﻠﺔ )اﻟﺰﻣﻮل( ،ﻓﺈن اﻟﺘﻌﺐ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﻧﺎل ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺼﻴﺒًـﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﺴﻴﺮ، اﻵن ،ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ ،ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﻟﻰ رﺣﻠﺔ اﻟﺬﻫﺎب. وﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺈن ﺑﻌﺾ اﻟﺤ ﱠﺠـﺎج ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺒﻴﻌﻬﺎ، وﻓﻲ ﻫﺬا ﻳﻘﻮل اﺑﻦ ﺛﺎﻧﻲ » :ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ أداء ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ،ﻳﺒﻴﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻫﺬه اﻹﺑﻞ ،ﻓﻴﺴﺘﻔﻴﺪون ﻣﻦ أﺳﻌﺎرﻫﺎ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ ﻫﻨﺎك ،وﻳﻌﻮدون ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺟﺪة إﻟﻰ اﻟﺪﻣﺎم ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺒﺤﺮون ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ دﺑﻲ«) ،(9وﻫﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻴﺴﻴﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﻜﺘﺒﻲ) ،(10وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻫﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺮأﻓـﺔ ﺑﺎﻹﺑﻞ اﻟﺘﻲ أﻧﻬﻜﺘﻬﺎ رﺣﻠﺔ اﻟﻤﺠﻲء إﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ. وﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻳﺘﻄﻮع ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺪور »اﻟﻤﻄﺮاش«) ،(11أو »اﻟﻤﺒﺸﱢ ﺮ« اﻟﺬي ﻳﻌ ﱢﺮﻓﻪ اﺑﻦ ﺛﺎﻧﻲ ﺑﻘﻮﻟﻪ» :ﻫﻮ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ُ ﻳﺰف ﺑﺸﺮى وﺻﻮل ﻗﻮاﻓﻞ اﻟﺤﺠﺎج إﻟﻰ أرض اﻟﻮﻃﻦ ،واﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ أﻫﺒﺔ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﻴﺮ ،وﺗﺪﻓﻌﻪ ﺣﻤﺎﺳﺘﻪ إﻟﻰ أن ﻳﻜﻮن أﺳﺮع ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻘﻮاﻓﻞ؛ إذ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﻘﺘﺮب ﻳﺘﻌﺮف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺮﻳ ًﻌـﺎ ،ﻓﻴﻄﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ،وﻳﻨﺎدي ﻓﻲ اﻷﻫﺎﻟﻲ أن اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ )اﻟﻔﻼﻧﻴﺔ( ﻗ ﱠﺪر اﻟﻠﻪ ﻟﻬﺎ اﻟﻮﺻﻮل ﺳﺎﻟﻤﺔ ﻏﺎﻧﻤﺔ، وﻣﻦ ﻛﺎن ﻟﻪ ﻏﺎﺋﺐ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻓﻠﻴ ُﺠﺪ ﺑﻤﺎ ﻗﺴﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺒﺸﱢ ﺮ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻳﺮﺗﻀﻲ ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ«) .(12وﻟﺤﻈﺔ ﺳﻤﺎع اﻟﺨﺒﺮ ،ﺗﺴﻮد ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻔﺮح ،ﻓﻴﺴﺘﻌﺪ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻟﻼﺳﺘﻘﺒﺎل، وﺗُﺰﻳﱠﻦ ﻣﺪاﺧﻞ ﺑﻴﻮت اﻟ ُﺤ ﱠﺠﺎج ﺑﺴﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ ،وﺗُﺮﻓﻊ اﻟﺮاﻳﺎت ﻓﻮق أﺳﻄﺤﻬﺎ .وﻳﺒﺪأ ﺗﻮاﻓُﺪ اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ إﻟﻰ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ؛ ﻟﻠﺘﻬﻨﺌﺔ ﺑﺎﻗﺘﺮاب اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺪﻳﺮة
2004 ] ( # ÛÂ pØ © Ð ÃÙ$¢ ¤Ù±# /( #
ﺧﻤﺴﺔ أﺷﻬﺮ ﺗﻘﺮﻳ ًﺒـﺎ ،ورﺑﻤﺎ ﻟﻦ ﻳﺮوﻫﻢ أﺑ ًﺪا ،إذا ﻗـ ﱠﺪر اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﻳﻨﻘﻀﻲ اﻷﺟﻞ .وﻟﻬﺬا ،ﻧﺠﺪ اﻟﺤ ﱠﺠﺎج ﻳﺘﺮﻛﻮن اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ،وﻳﺆ ﱢﻣﻨﻮن ﻏﻴ َﺮ ﻗﻠﻴﻞٍ ﻣﻦ اﻷﻃﻌﻤﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻷُﺳﺮﻫﻢ ،وﻛﺄﻧﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ إﻟﻴﻬﺎ ﻻﺣﻘًـﺎ. اﻻﻧﻄﻼق
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﺗﺤﺮص ﻋﻠﻰ وﺟﻮد »دﻟﻴﻞ« ﻣﻌﻬﺎ ،ﺧﺒﺮ اﻟﻄﺮﻗﺎت ﻋﺒﺮ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﺣﻔﻆ أﻣﺎﻛﻦ ﺗﻮاﻓﺮ اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻴﻬﺎ ،وﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑـ »اﻟ ﱢﺪﻳـﺮة« ،وﻫﻲ اﻟﺒﻮﺻﻠﺔ ﻓﻲ ﺿﺒﻂ اﺗﺠﺎه اﻟﺤﺮﻛﻪ ﺑﺪﻗﺔ ﺗﺎﻣﺔ .وﻳﺼﻒ اﺑﻦ ﺛﺎﻧﻲ ﺧﺮﻳﻄﺔ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ واﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ» :إن اﺗﺠﺎه اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻓﻲ أراﺿﻲ اﻹﻣﺎرات ﻳﻜﻮن َﺻﻮب اﻟﻐﺮب ﻓﻲ ﻣﺴﺎر ﻣﺄﻟﻮف ﻟﻸﻫﺎﻟﻲ ﻳﺼﻠﻮن ﻋﺒﺮه إﻟﻰ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷراﺿﻲ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﺣﻮاﻟﻲ ﻋﺸﺮة أﻳﺎم ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ .وﻗﺪ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻷﻫﺎﻟﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ وﻣﺎ ﺟﺎورﻫﺎ ،ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻳﻮاﺻﻠﻮن ﺳﻴﺮﻫﻢ ﻣﺮو ًرا ﺑﺎﻷراﺿﻲ اﻟﻘﻄﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺠﻨﻮب )ﺳﻠﻮى( ،ﺛﻢ ﻳﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺴﻴﺮ إﻟﻰ اﻹﺣﺴﺎء )اﻟﻬﻔﻮف ﺣﺎﻟﻴٍّـﺎ( ﺑﺎﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،ﺛﻢ إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺮﻳﺎض، وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة .ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻳﻨﻄﻠﻘﻮن إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻣﺮو ًرا ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ »اﺑﻴﺎر ﻋﻠﻲ« وﻓﻴﻬﺎ ﻳﻐﺘﺴﻠﻮن وﻳﺸﺮﺑﻮن ،وﻳُﺮ ﱡوون اﻹﺑﻞ ،وﻳﺘﺰودون ﺑﺎﻟﻤﺎء؛ ﻷن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ »اﺑﻴﺎر ﻋﻠﻲ« إﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ، ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻬﺎ ﻣﺎء .وﺑﻌﺪ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﻌﺪادات ،ﻳﺤﺮﻣﻮن وﻳﻤﺘﻨﻌﻮن ﻋﻦ اﻟﺼﻴﺪ ﺑﻜﺎﻓﺔ أﻧﻮاﻋﻪ .ﺛﻢ ﻳﺘﻮﺟﻬﻮن إﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ،ﻣﻮاﺻﻠﻴﻦ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺻﺒﺎ ًﺣـﺎ وﻣﺴﺎء؛ ﻟﻴﻜﺴﺒﻮا اﻟﻮﻗﺖ ﺣﻴﺚ ﻳﺼﻠﻮن ﻣﻜﺔ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﺸﺮ ﻣﻦ ذي اﻟﺤﺠﺔ«) .(5وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻠﻴﻠﻴﺔ ﻟﻬﻢ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ اﻟﻘﻤﺮ؛ ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻏﻴﺮ ﻣﻜﺘﻤﻞ )ﻟﻴﺲ ﺑﺪ ًرا( ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺮﺗﺎﺣﻮن ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح ،ﺛﻢ ﻳﻮاﺻﻠﻮن ﺳﻴﺮﻫﻢ؛ داﻣﺴـﺎ. ﻷن ﻋﺪم اﻛﺘﻤﺎﻟﻪ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﻈﻼم ﻳﻜﻮن ً وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌﺮض ﻓﻴﻪ اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﻟﻠﺴﻄﻮ أﺣﻴﺎﻧًـﺎ ،ﻧﺠﺪ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ ﻗﺮى اﻟﺒﺪو ﺗﻘﺪم أﻳﺔ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻟﻬﺎ ،ﻛﺄن ﺗﺴﺘﺒﺪل ﺑﺎﻹﺑﻞ اﻟﻤﺘﻌﺒﺔ اﻹﺑﻞ اﻟﻘﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ
ﻣﻘﺎﺑﻞ أﺟ ٍﺮ ﻳُﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ إن َ ﻟﺪﻳﻬﺎ ،وﺗﻮﻓﺮ ﻟﻬﻢ دﻟﻴﻼً ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﻬﻢ دﻟﻴﻞ ،أو ﻳﻜﻮن دﻟﻴﻠﻬﻢ أﺻﺎﺑﻪ ﻣﻜﺮوه. ﻓﻲ أﺛﻨﺎء أداء اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ
ﻛﺎن أﻫﻞ »اﻟﻔﺮﻳﺞ« وﺷﻴﻮخ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻳﺪرﻛﻮن أن اﻟﻤﺆوﻧﺔ ـ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﻬﺎ اﻟﺤﺎج ﻷﺳﺮﺗﻪ ﻗﺒﻞ اﻧﻄﻼق اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ـ ﻟﻦ ﺗﺼﻤﺪ ﻃﻮﻳﻼً ،وﻟﻬﺬا ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺤﺮون اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﻢ ،وﻳﻤﺪوﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﺪﻋﻢ اﻟﻤﺎدي واﻟﻤﻌﻨﻮي ﻣﻄﻠﻘًـﺎ .وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ،ﻳﻘﻮل اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻧﺎﺻﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ دﻟﻮان اﻟﻜﺘﺒﻲ» :ﻛﺎن ﺷﻴﻮخ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻳﺴﺎﻋﺪون أﻫﻞ اﻟﺤﺠﺎج اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ،وﻳﻘﺪﻣﻮن ﻟﻬﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن إﻟﻴﻪ ،وﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات ﺗﺴﻤﻰ »اﻟﺒﺮوة« وﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻄﺤﻴﻦ واﻟﻌﻴﺶ واﻟﻠﺤﻢ واﻟﺘﻤﺮ واﻟﺴﻤﻦ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ«) ،(6اﻧﻄﻼﻗًـﺎ ﻣﻤﺎ ﻳُﺸﺒﻪ اﻟﻌﻬﺪ ،ﺣﻴﻦ ﻗﻴﻞ ﻟﻠﺤﺎج وﻫﻮ ﻳﻮدﻋﻬﻢ» :ﺳﻴﺮ ،وﺗﻮﻛﻞ ،اﻟﻠﻪ ﻳﺤﻔﻈﻚ«)،(7 وﻳُﻌ ﱡﺪ ﻣﻠﺰ ًﻣـﺎ ﻟﻬﻢ .ﻫﺬا اﻟﺘﻜﺎﻓﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻛﺎن ﻛﺎﻓ ًﻴـﺎ ﺑﺄﻻﱠ ﻳﺼﺮف ذﻫﻦ اﻟﺤﺎج ،ﻓﻲ أﺛﻨﺎء أداء ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ ﺟﻤﻴﻌﻬـﺎ ،إﻟﻰ اﻟﻘﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺣﺎل أﺳﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺑﻪ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﻴﺆدي ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﻚ ﻋﻠﻰ أﻛﻤﻞ وﺟﻪ. اﻟﺤﺠﺎج اﻹﻣﺎراﺗﻴﻮن ﻳﺼ ﱢﺮون ﻋﻠﻰ أداء ﺑﻌﺾ وﻗﺪ ﻛﺎن ُ أي ﺣﺎج اﻟﺮاﺣﺔ اﺳﺘﻌﺪا ًدا اﻷﻣﻮر ـ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﱡ ﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻌﻮدة ـ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻋﻴﺪ اﻷﺿﺤﻰ؛ اﻟﺤﺠﺎج ﺣﺮﻳﺼﻴﻦ ﻋﻠﻰ ذﺑﺢ إذ ﻳﻘﻮل اﻟﻜﺘﺒﻲ» :ﻛﺎن ُ
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
19
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
18
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ا3ﻣﺎراﺗﻴﺔ
тАл тАк┬а # ! ├О' } "3┬в -$# -( , p├Ш ┬й ┬д├Щ┬▒# p# /#тАмтАм
тАля▒а┘Ая║Ф я╗Уя╗Уя╗▓тАм тАля║Ся║Оя╗Яя╗дя║╕я║╕ я▒ая╗Ш я║ФтАм тАля▒ая╗ая║Ф я║Оя╗ЯтАм тАля╗гя╗Ья╗ая▒ая▒ая╗ая╗ая║ФтАм тАля╗зя╗Фя║┤я╗мя║О я╗ЬтАм тАл╪зя╗Яя║оя║гя╗ая║Ф я╗Ф я║ОтАм тАл┘Ия╗Ыя║Оя╗зя║Ц ╪зя╗Я я╗ая║ФтАм тАля╗Ыя║ОтАм тАл┘Пя╗Ля╗дя╗Ц ╪зя╗Яя╗Фя╗┤я║Оя╗Уя╗▓ ┘И╪зя╗Яя╗Шя╗Фя║О╪▒ я╗Яя║дя╗о╪зя╗Яя╗▓ я║зя╗дя║┤┘Ая║Ф ╪гя║╖я╗мя║отАм тАля╗гя║Шя╗о╪зя║╗я╗ая║ФтАк ╪МтАмя╗│я╗Шя╗Дя╗Мя╗мя║О ╪зя╗Яя║д я▒ая║ая║О╪м я╗Ля╗ая╗░ ┬╗╪зя╗Яя║оя╗Ыя║О╪и┬лтАм тАл┘Ия╗ля╗▓ ╪зя╗╣я║Ся╗Ю я╗Ля╗ия║к ┘Оя╗г ┘Тя╗ж я╗│я╗дя╗ая╗Ъ ╪зя╗Яя╗дя║О┘Д я╗Яя║мя╗Яя╗ЪтАк╪МтАмтАм тАл┘Ия╗Чя║к я║Чя╗дя║Шя╗Дя╗▓ ╪зя╗Яя╗ия║┤я║О╪б я╗ля║м┘З ╪зя╗Яя║ая╗дя║О┘Д ┘Ия╗│я║┤я╗┤я║отАм тАл╪зя╗Яя║оя║Яя║О┘Д я╗Ля╗ая╗░ ╪гя╗Чя║к╪зя╗гя╗мя╗втАк .тАмя╗Уя║И╪░╪з я║Яя║О╪б я╗гя╗оя║│я╗в ╪зя╗Яя║дя║ЮтАм тАля╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя║╕я║Шя║О╪б я╗│я╗Ья╗оя╗зя╗о┘Ж я╗Ля║оя║┐я║Ф я╗Яя╗ая║┤я╗┤я╗о┘Д ╪зя╗Яя║ая║О╪▒я╗Уя║ФтАк╪МтАмтАм тАл┘И╪е╪░╪з я║Яя║О╪б я╗гя╗оя║│я╗в ╪зя╗Яя║дя║Ю я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя║╝я╗┤я╗Т я╗│я╗Ья╗оя╗зя╗о┘ЖтАм тАля╗Ля║оя║┐я║Ф я╗Яя╗ая╗мя╗┤я║Р ╪зя╗Яя║╕я╗дя║▓ ╪зя╗Яя╗Шя║Оя║Чя╗Ю ┘И╪зя╗Яя╗Мя╗Дя║╢ ╪зя╗Яя║м┘КтАм тАля╗╗ я╗│я║оя║гя╗втАк ╪МтАмя╗Ля╗╝┘И╪й я╗Ля╗ая╗░ ╪зя╗Яя║ия╗Дя╗о╪▒╪й ╪зя╗Яя║Шя╗▓ я║Чя╗о╪зя║Яя╗ктАм тАля╗ля║Жя╗╗╪б я╗Уя╗▓ ╪гя║Ыя╗ия║О╪б ╪зя╗Яя║┤я╗┤я║о я╗Яя╗┤я╗╝┘Л я║Ся╗Фя╗Мя╗Ю ╪зя╗Яя╗оя║гя╗о╪┤ ╪зя╗Яя╗дя╗Фя║Шя║оя║│я║Ф я╗Ыя║Оя╗Яя╗Ая║Тя║О╪╣тАм тАл┘Ия╗Пя╗┤я║оя╗ля║ОтАк .тАмя╗Яя╗в я║Чя╗дя╗ия╗К ╪зя╗╖я╗гя╗о╪▒ ╪зя╗Яя║┤я║Оя║Ся╗Шя║Ф ┘Ия╗Пя╗┤я║оя╗ля║О я╗гя╗ж ╪зя╗Яя║Шя╗о я▒бя║Яя╗к я╗Ля╗ия║ктАм тАл╪зя╗Яя╗дя║ая║Шя╗дя╗К ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪зя║Чя╗▓ я╗Яя╗ая║дя║ЮтАк ╪МтАмя║Ся╗Ю я╗Ыя║Оя╗зя║Ц я║гя║Оя╗У ┘Ля║░╪з я╗Чя╗оя╗│┘С┘Н┘Ая║О я╗Яя╗ая╗дя╗Ая╗▓ я╗Ч┘Пя║к ┘Ля╗г┘Ая║ОтАм тАля╗Уя╗▓ ╪г╪п╪з╪б ╪зя╗Яя║оя╗Ыя╗ж ╪зя╗Яя║ия║Оя╗гя║▓ я╗гя╗ж ╪г╪▒я╗Ыя║О┘Ж ╪зя╗╣я║│я╗╝┘ЕтАк ╪МтАм┘Ия║│я╗┤я║┤я║Шя╗Мя║о╪╢ я╗ля║м╪зтАм тАл╪зя╗Яя╗Фя║╝я╗Ю я╗Ля║Тя║о ╪зя╗Яя║м╪зя╗Ыя║о╪й ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗┤я║ФтАк :тАм╪зя╗Яя║Шя║дя╗Ая╗┤я║о╪з╪ктАк╪МтАмтАм тАл┘И╪зя╗╗я╗зя╗Дя╗╝┘ВтАк ╪МтАм┘Ия╗Уя╗▓ ╪гя║Ыя╗ия║О╪б ╪зя╗Яя╗Фя║оя╗│я╗Ая║ФтАк ╪МтАм┘И╪зя╗Яя╗Мя╗о╪п╪йтАм тАл╪ея╗Яя╗░ ╪зя╗Яя║кя╗│я║о╪йтАк.тАмтАм тАл╪зя╗Яя║Шя║дя╗Ая╗┤я║о╪з╪ктАм
тАля║Ч┘Пя╗Мя╗Шя║к ╪зя╗Яя╗ия╗┤я▒ая║Ф я╗Яя╗ая║дя║Ю я╗гя╗ия║м ╪зя╗╖я╗│я║О┘Е ╪зя╗╖┘Ия╗Яя╗░ я╗гя╗жтАм тАл╪▒я╗гя╗Ая║О┘Ж я║гя╗┤я║Ъ я╗│я║Тя║к╪г ╪зя╗Яя╗дя║о╪б я║Ся║░я╗│я║О╪▒╪й ┘И╪зя╗Яя║Шя╗Шя║О╪бтАм тАл╪зя╗Яя║ая╗┤я║о╪з┘Ж ┘И╪зя╗╖я╗ля╗Ю ┘И╪зя╗╖я║╗я║кя╗Чя║О╪б ┘И╪зя╗Яя╗дя╗Мя║О╪▒┘Б╪ЫтАм тАля╗Яя╗║я╗Ля╗╝┘Ж я╗Ля╗ж ╪▒я╗Пя║Тя║Шя╗к я╗Уя╗▓ я║Чя║Д╪пя╗│я║Ф я╗ля║м┘ЗтАм тАл╪зя╗Яя╗Фя║оя╗│я╗Ая║ФтАк ╪МтАм┘Ия╗Гя╗ая║Р ╪зя╗Яя╗Мя╗Фя╗о я╗гя╗дя╗ж ╪гя║│я║О╪б ╪ея╗Яя╗┤я╗ктАк╪МтАмтАм тАл╪г┘И ╪гя║зя╗Дя║Д я║Ся║дя╗Шя╗к╪Ы я║гя║Шя╗░ я╗╗ я╗│я║к╪▒я╗Ыя╗к ╪зя╗Яя╗оя╗Чя║ЦтАм тАля╗Уя╗┤я║Шя║о┘Г ╪гя║г ┘Ля║к╪з ╪п┘И┘Ж ┘И╪п╪зя╗Ля╗ктАк ╪МтАм╪г┘И я╗│я║Шя║о┘Г я╗Уя╗▓ я╗Чя╗ая║РтАм тАл╪г┘К ╪ея╗зя║┤я║О┘Ж я╗Зя╗Ря╗┤я╗ия║Ф я╗гя║ОтАк .тАм┘Ия╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя╗дя╗Шя║Оя║Ся╗ЮтАк ╪МтАмя╗Ыя║О┘ЖтАм тАля▒втАм тАля╗ля║Жя╗╗╪б я╗│я║Шя║ая╗дя╗Мя╗о┘Ж я╗Уя╗▓ я║Ся╗┤я║Шя╗к я║Чя║Тя║О ┘Ля╗Л┘Ая║О я╗Ч┘Пя║Тя╗┤я╗ЮтАм тАл╪зя╗зя╗Дя╗╝я╗Чя╗к я╗гя╗о я▒в╪пя╗Ля╗┤я╗жтАк ╪МтАм┘Ия╗гя║Шя╗дя╗ия╗┤я╗ж я╗Яя╗к ╪зя╗╖я║Яя║отАм
тАл┘И╪зя╗Яя║Ья╗о╪з╪итАк ╪МтАм┘И╪зя╗Яя╗Мя╗о╪п╪й я║│я║Оя╗Я ┘Ля╗д┘Ая║ОтАк.тАмтАм тАл┘Ия╗│я╗Мя╗о╪п ╪зя╗Яя╗дя╗о╪зя╗Гя╗ж я╗гя║дя╗дя║к я║Ся╗ж я╗гя║Оя╗│я║к я║Ся╗ж я║Ыя║Оя╗зя╗▓ я║Ся║Оя╗Яя║м╪зя╗Ыя║о╪й ┘И╪зя║╗я╗Ф┘Ля║ОтАм тАл╪зя╗Яя║Шя║ая╗мя╗┤я║░╪з╪к я╗Яя╗ая║дя║ЮтАк ╪МтАмя╗Уя╗┤я╗Шя╗о┘ДтАк┬╗ :тАмя╗Ля║О╪п ┘Л╪й я╗гя║О я╗│я║ая╗мя║░ ╪зя╗Яя║дя║ая║О╪м я╗Чя║Оя╗Уя╗ая║Ф я╗Ыя║Тя╗┤я║о╪йтАм тАля╗гя╗ж ╪зя╗╣я║Ся╗ЮтАк ╪МтАмя║Яя║░╪б я╗гя╗ия╗мя║О я╗Яя║оя╗Ыя╗о╪и ╪зя╗Яя╗ия║┤я║О╪б ┘И╪зя╗Яя║оя║Яя║О┘ДтАк ╪МтАм┘Ия║Яя╗дя╗Ю я╗│я║дя╗дя╗ЮтАм тАл╪зя╗Яя║дя╗Дя║РтАк ╪МтАмя╗Уя╗┤я╗дя║О я║Чя║ия║Шя║║ ╪г╪▒я║Ся╗Мя║Ф я║Я┘Ря╗дя║О┘Д я║Ся║дя╗дя╗Ю ╪зя╗Яя╗Дя╗Мя║О┘Е ┘И╪зя╗Яя║░╪з╪п я╗гя╗жтАм тАля╗гя║ия║Шя╗ая╗Т ╪гя╗зя╗о╪з╪╣ ╪зя╗Яя╗дя║Ж┘ЖтАк ╪МтАмя╗гя║Ья╗ЮтАк :тАм╪зя╗Яя║Шя╗дя║отАк ╪МтАм┘И╪зя╗╖╪▒╪▓тАк╪МтАмтАм тАл┘И╪зя╗Яя╗дя║Оя╗Яя║в )╪зя╗Яя║┤я╗дя╗Ъ ╪зя╗Яя╗дя╗дя╗ая║в(тАк ╪МтАм┘И╪зя╗Яя╗Мя╗о╪з┘ДтАм тАл)╪зя╗Яя║┤я╗дя╗Ъ ╪зя╗Яя╗дя║ая╗Фя▒ая╗Т(тАк ╪МтАм┘И╪зя╗Яя║┤я╗дя╗жтАк ╪МтАм┘И╪зя╗Яя╗Мя║┤я╗ЮтАк.тАмтАм тАл┘Ия╗гя╗дя║О я╗│я║дя╗дя╗ая╗о┘Ж я╗гя╗Мя╗мя╗втАк :тАм╪зя╗Яя║┤я╗Мя╗ж )┘Ия╗Ля║О╪б я╗гя╗жтАм тАл╪зя╗Яя║ая╗ая║к я║Ч┘Пя╗оя║┐я╗К я╗Уя╗┤я╗к ╪зя╗Яя╗дя║О╪б(тАк ╪МтАм┘Ия║Ся╗Мя║╛ ╪зя╗Яя║Тя╗ия║О╪п┘ВтАм тАл╪зя╗Яя║ия╗Фя╗┤я╗Фя║Ф ╪зя╗Яя║Шя╗▓ я║Чя╗Шя╗▓ ╪зя╗Яя║д я▒ая║ая║О╪м я║зя╗Дя║о я╗Ч┘Пя╗Дя▒ая║О╪╣тАм тАл╪зя╗Яя╗Дя║оя╗│я╗ЦтАк ╪МтАм┘Ия║Чя╗дя╗Ья▒вя╗ж я╗гя╗ж ╪зя╗Яя║╝я╗┤я║к┬л)тАк .(2тАм╪гя╗гя║ОтАм тАл╪зя╗╣я║Ся╗ЮтАк ╪МтАмя╗Уя╗┤я║ая╗дя╗Мя╗о┘Ж я╗Яя╗мя║О ╪г┘И╪▒╪з┘В я║╖я║ая║о ╪зя╗Яя║┤я╗дя║отАк╪МтАмтАм тАл┘Ия╗│я╗Шя╗оя╗гя╗о┘Ж я║Ся╗Дя║дя╗ия╗мя║ОтАк ╪МтАм┘Ия╗Ля║ая╗ия╗мя║О)тАк(3тАм╪Ы я╗Яя║Шя╗Шя╗о┘ЙтАм тАля║Ся╗мя║О ╪зя╗╣я║Ся╗Ю я╗Ля╗ая╗░ ╪зя╗Яя╗дя║┤я╗┤я║о я╗Гя╗оя╗│я╗╝┘ЛтАк .тАм┘Ия╗Чя║Тя╗Ю ╪зя╗Яя║Тя║к╪бтАм тАля║Ся║Оя╗Яя╗дя║┤я╗┤я║о я╗Уя╗▓ я║Яя╗дя║Оя╗Ля║О╪ктАк ╪МтАмя║Чя║Шя║Дя╗Яя╗Т я╗Ыя╗Ю ┘И╪зя║гя║к╪йтАм тАля╗гя╗ия╗мя║О я╗гя╗жтАк :тАмя║зя╗дя║┤я║Ф я╗Ля║╕я║о ╪ея╗Яя╗░ я╗Ля║╕я║оя╗│я╗ж ╪▒я║Яя╗╝┘ЛтАм тАл┘И╪зя╗гя║о╪г╪йтАк ╪МтАмя╗Уя╗┤я╗дя║О я╗│я╗Ья╗о┘Ж я╗Ля║к╪п ╪зя╗╣я║Ся╗Ю я╗гя╗ж я╗Ля║╕я║оя╗│я╗жтАм тАл╪ея╗Яя╗░ я║зя╗дя║┤я║Ф ┘Ия╗Ля║╕я║оя╗│я╗жтАк ╪МтАмя╗│я║ая║о┘К я╗Яя╗ая║дя║ая║О╪мтАм тАл┘И╪п╪з ┘М╪╣ я╗гя║Жя║Ы я▒вя║о)тАк(4тАм╪Ы я╗Уя╗мя╗в я╗Яя╗ж я╗│я║о┘Ия╗зя╗мя╗в я╗Чя║Тя╗Ю я╗гя║о┘И╪▒тАм
тАл╪зя╗Яя╗Мя║к╪п тАк 191тАмя║│я║Тя║Шя╗дя║Тя║о тАк2015тАмтАм
тАлтАк17тАмтАм
ﻣﻠﻒ اﻟﻌﺪد
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة اBﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﺤﻀﻴﺮات ،واﻻﻧﻄﻼق ،وأداء اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ،ﺛﻢ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺪﻳﺎر
د .إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﺣﻤﺪ ﻣﻠﺤﻢ @
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ اﻟﺤﺞ ـ ﻗﺒﻞ ﺗﻮﺣﻴﺪ أﺟﺰاء اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،وإﻋﻼن ﻗﻴﺎﻣﻬﺎ ﻓﻲ 23ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 1932ـ ﻣﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻟﺠ ﱠﻤـﺔ؛ ﻓﺒﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻏﻴﺎب اﻟﺒﻨﻰ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻗﺎت ﻣﻌ ﱠﺒﺪة ،واﺳﺘﺮاﺣﺎت ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺷﺮاء ﻣﺎ ﻳﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺮﺣﻠﺔ ،وﻏﺎﻟ ًﺒـﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻘﻄﺎع اﻟﻄﺮق اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﺎﻟﺒﻮن ﺑﺪﻓﻊ »أﺗﺎوات« ﻟﻘﺎء اﻟﻤﺮور ،أو ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﺴﻠﺐ).(1
16
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ا3ﻣﺎراﺗﻴﺔ
ijĴŕŨė ŞũŬ
ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎل وﺗﻮدﻳﻊ اﻟﺤﺠﻴﺞ
ﻃﻘﻮس اﻟﺸﻌﻮب
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ا ﻣﺎراﺗﻴﺔ اﺣﺘﻔﺎﻻت ﺗﻮدﻳﻊ واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻃﻘﻮس اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ ﻓﻲ وداع واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﺎج ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﺷﻌﺮ ًﻳﺎ رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺞ ً آﺧﺮ اﺑﺘﻜﺎرات ﻋﺼﻮر اﻟﺤﺞ ﻋﻠﻲ ﻇﻬﻮر ا ﺑﻞ أﺳﻮاق اﻟﻌﺮب واﺳﺘﺜﻤﺎر ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ أﻏﺎﻧﻰ اﻟ َﺘ ْﺤ ـﻨﻴﻦ ﻓﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ﻗﺼﺔ أﺷﻬﺮ أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺤﺞ رﺣﻠﺔ ﺣﺞ ﺗﻮﺛﻖ ﻟﻠﺤﻴﺎة ﺑﻤﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻗﺒﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم
ĸŕŀ ĞűſĴǬėŸ ĞťŬ ħĘĩĭĚ ĘěĬĸŬ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﺧﻤﻴﺲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻈﺎﻫﺮي )اﻟﻜﺎس(*
ﻣﺮﺣﺒﺎ ﺑﺤﺠﺎج ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ
ﻣــﺮﺣــﺒــﺎ ﺑــﻘــﺪوﻣــﻜــﻢ ﻳــﺎ ﻣﺠﺒﻠﻴﻨﺎ
ﻧﺜﻨﻲ اﻟﺘﺮﺣﻴﺐ واﻟــﻠــﻪ ﻧﺴﺘﻌﻴﻨﻪ
ﻟــﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻋــﺎدﻛــﻢ ﻳــﺎ اﻟﺰاﻳﺮﻳﻨﺎ
ﻣﺮﺣﺒﺎ ﻋــﺪّ اﻟــﺤــﺮم ﻟــﻲ زاﻳﺮﻳﻨﻪ
وﻋــﺪّ ﻣﺎ ﺗﺨﺸﻊ ﻗﻠﻮب اﻟﻄﺎﻳﻔﻴﻨﺎ
وﻋــﺪّ ﻣﺎ ﺑﺎ ْﻗﺪاﻣﻜﻢ ﻟﻲ واﻃﻴﻴﻨﻪ
وﻋــﺪّ ﻣﺎ ﺻﻮت اﻟﺤﺠﻴﺞ ْﻣﻮادﻋﻴﻨﺎ
ﺣ ـ ّﺠــﻮا اﻷﻛــــﺮام واﻟــﻠــﻪ ﻃﺎﻳﻌﻨﻴﻪ
وﻳﻌﻞ ﻳﻘﺒﻞ ﺣ ّﺠﻬﻢ ﻳﺎ ﺳﺎﻣﻌﻴﻨﺎ
ـﻢ ﻓــﺮض ْﻣﺼﻠّﻴﻴﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺮم ﻳﺎ ﻛـ ّ
ﻣﺤﺮﻣﻴﻦ وﻳــﺪّ ﻋــﻮن وﺧﺎﺷﻌﻴﻨﺎ
ﻳﻌﻞ ﻳﻘﺒﻞ ﺣ ّﺠﻬﻢ ﻟــﻲ ﻃﺎﻟﺒﻴﻨﻪ
ﻳﺴﻤﻊ ا ْدﻋــﺎﻳــﻪ ﻳﻠﻲ ﻟــﻪ ﻣﺪّ ﻋﻴﻨﺎ
ﺧﺎﺻﺔ ،وﺗﻌﻨﻲ *واﺣﺪ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺠﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺎ ّﻣﺔ واﻹﻣﺎرات ّ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﻜﺎس اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻟﻘ ًﺒﺎ ﻟﻪ ﻋﻨﺪ ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ »اﻟﻮﺳﻴﻢ أو اﻟﺸﺎب اﻟﻔﻄﻦ اﻟﺬﻛﻲ« ،وﻟﺪ اﻟﻜﺎس ﻓﻲ ﺑﻠﺪة اﻟﺠﻴﻤﻲ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﻋﺎم 1925ﻋﻠﻰ أﻗﺮب ﺗﻘﺪﻳﺮ ،وﻏﺎدر ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ إﻟﻰ رﺣﻤﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﺎم 1996م) .ﻣﻦ دﻳﻮان اﻟﻜﺎس اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ،إﻋﺪاد وﺗﺤﻘﻴﻖ د .راﺷﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ(
14
ﺷﻌﺮ
тАлтАк┬Ъ├Щ . ├Г# . p├Щ # ┬│ (┬Ж ┬П# ├Ъ ├Н ├О┬Ю ├Р├Ш┬к┬О ┬Ъ├Щ┬Т ┬П# ├Р├Г # /├Н kтАмтАм
тАл╪зя╗Яя╗дя║ия║Шя╗ая╗Фя║Ф я╗гя║Ья╗Ю ╪зя╗Яя╗Ья║Шя║Р ╪зя╗Яя╗дя║ия║╝я║╝я║Ф я╗Яя╗дя╗о╪зя║┐я╗┤я╗КтАм тАл╪зя╗Яя║╝я╗┤я║к ┘И╪зя╗Яя║ия╗┤я╗Ю ┘И╪зя╗Яя╗Ря╗о╪╡ ┘И╪зя╗Яя╗мя║ая╗ж ┘Ия╗Пя╗┤я║оя╗ля║ОтАм тАл╪ея║┐я║Оя╗Уя║Ф ╪ея╗Яя╗░ я╗Ля║о╪╢ я╗гя║ая╗дя╗оя╗Ля║Ф я╗гя╗ж ╪зя╗╣я║╗я║к╪з╪▒╪з╪ктАм тАл╪зя╗Яя║Тя╗┤я║Мя╗┤я║Ф я║Ся║Оя╗Яя╗ая╗Ря║Шя╗┤я╗ж ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗┤я║Ф ┘И╪зя╗╗я╗зя║ая╗ая╗┤я║░я╗│я║ФтАм тАля╗Яя╗оя║гя║к╪й ╪зя╗Яя║Тя║дя╗о╪л ╪зя╗Яя║Тя╗┤я║Мя╗┤я║Ф ┘И я╗Ыя║Шя╗┤я║Тя║О╪к я║Чя╗оя║┐я║дя╗┤я║ФтАм тАля╗Ля╗ж ╪гя╗зя║╕я╗Дя║Ф ╪зя╗Яя╗оя║гя║к╪й ┘И╪зя╗Яя╗дя║┤я║Оя║Ся╗Шя║О╪к ╪зя╗Яя║Тя╗┤я║Мя╗┤я║ФтАм тАл╪зя╗Яя║Шя╗▓ я║Чя╗ия╗Ия╗дя╗мя║О я║зя╗╝┘Д ╪зя╗Яя╗Мя║О┘ЕтАк ╪МтАмя╗Ыя╗дя║О я║│я╗┤я║╕я║Шя╗дя╗ЮтАм тАл╪зя╗Яя║ая╗ия║О╪н я╗Ля╗ая╗░ я╗гя╗Мя║о┘Ия║┐я║О╪к я║зя║Оя║╗я║Ф я╗гя╗ж ╪зя╗Яя║╝я╗о╪▒тАм тАл┘И╪зя╗Яя╗ия║╕я║о╪з╪к ┘Ия╗Ля║о┘И╪╢ ╪зя╗Яя╗Фя╗┤я║кя╗│я╗о ╪зя╗Яя║Шя╗▓ я║Чя║Тя║о╪▓тАм тАля╗зя║╕я║Оя╗Гя║О╪к ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘КтАк.тАмтАм
тАля║Ся║Шя║о╪з╪л ╪зя╗╗я║Яя║к╪з╪птАк ╪МтАмя╗Ыя╗дя║О ╪гя╗зя╗к я╗│я║дя╗Ия╗░ я║Ся║Оя╗ля║Шя╗дя║О┘ЕтАм тАля╗Ыя║Тя╗┤я║о ┘И╪ея╗Чя║Тя║О┘Д я╗гя║Шя║░╪зя╗│я║к я╗гя╗ж я╗Чя║Тя╗Ю ╪гя╗Ля║к╪з╪п я╗Ыя║Тя╗┤я║о╪йтАм тАля╗│я║дя╗Ия╗░ я║Яя╗ия║О╪н ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘КтАм тАля║Ся║Ия╗Чя║Тя║О┘Д ┘И╪зя╗ля║Шя╗дя║О┘Е я╗Ыя║Тя╗┤я║о я╗гя╗ж ┘Ия╗гя║Шя║░╪зя╗│я║к╪й я╗гя╗ж ╪зя╗Яя╗дя║╕я║О╪▒я╗Ыя╗┤я╗ж ┘И╪зя╗Яя║░┘И╪з╪▒ я╗Уя╗▓тАм тАля╗гя║ия║Шя╗ая╗Т ╪зя╗╖я╗зя║╕я╗Дя║ФтАк ╪МтАмя╗Ыя║оя╗│я║Оя║┐я║Ф ╪зя╗Яя║╝я╗┤я║ктАм тАл╪▓┘И╪з╪▒ ╪зя╗Яя╗дя╗Мя║о╪╢ я╗Яя╗ая╗дя║╕я║О╪▒я╗Ыя║ФтАм тАл┘И╪зя╗Яя║оя╗│я║Оя║┐я║О╪к ╪зя╗Яя║Шя╗Шя╗ая╗┤я║кя╗│я║Ф ╪зя╗╖я║зя║о┘ЙтАк ╪МтАмя╗Ыя╗оя╗зя╗к я╗│я║Шя╗┤я║втАм тАл┘И╪зя╗╗я║│я║Шя╗дя║Шя║О╪╣ я║Ся║Оя╗Яя╗Фя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║О╪к ╪зя╗Яя╗Фя║оя║╗я║Ф ╪гя╗гя║Оя╗гя╗мя╗в я╗Яя╗Шя╗Ая║О╪б я║Чя║ая║оя║Ся║Ф я╗Уя╗Мя║Оя╗Яя║ФтАм тАл╪зя╗Яя║Шя╗▓ я╗│я╗Шя║кя╗гя╗мя║ОтАм тАл┘Ия╗гя║Ья╗дя║о╪й я╗Ля╗ая╗░ я╗гя║к┘Й ╪г╪▒я║Ся╗Мя║Ф ╪гя╗│я║О┘ЕтАк ╪МтАмя╗ля╗▓ я╗Ля╗дя║отАм тАл╪зя╗Яя╗дя╗мя║оя║Яя║О┘ЖтАм
тАля╗Чя╗┤я╗дя║Ф ╪зя╗Яя║дя║к╪лтАм
тАля╗ля║м╪з ╪зя╗╗я╗ля║Шя╗дя║О┘Е ╪зя╗Яя║м┘К я║Чя╗оя╗Яя╗┤я╗к ╪е╪п╪з╪▒╪й ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘К я║Ся║Оя╗Яя╗Фя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║О╪к ╪зя╗Яя╗дя║╕я║О╪▒я╗Ыя║ФтАм тАля╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя╗дя╗Мя║о╪╢ ╪зя╗Яя║к┘Ия╗Яя╗▓ я╗Яя╗ая║╝я╗┤я║к ┘И╪зя╗Яя╗Фя║о┘Ия║│я╗┤я║Ф ╪ея╗│я╗дя║Оя╗з┘Ля║О я╗гя╗ия╗мя║О я║Ся╗Шя╗┤я╗дя║ФтАм тАл╪зя╗Яя║дя║к╪л ╪зя╗Яя╗Ья║Тя╗┤я║о ╪зя╗Яя║м┘К я╗│я╗Мя╗ия╗░ я║Ся║Шя║╕я║ая╗┤я╗К ╪зя╗Яя║оя╗│я║Оя║┐я║О╪ктАм тАл┘И╪зя╗Яя╗Фя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║О╪к ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗┤я║Ф ┘И╪зя╗╖я╗зя║╕я╗Дя║Ф ╪░╪з╪к ╪зя╗Яя║╝я╗ая║ФтАм
тАл╪зя╗Яя╗Мя║к╪п тАк 191тАмя║│я║Тя║Шя╗дя║Тя║о тАк2015тАмтАм
тАлтАк13тАмтАм
тАлтАк─┤┼▓─╜┼д─УтАмтАм тАлтАкkтАмтАм тАл тАк┬Ъ├Ш ( # ┬Н ├Щ├Г# ┬Ъ├В ├Р' ┬Щ ├Щ┬З pтАмтАм тАл┬ЮтАк %┬З├К┬П ├Ш ├Ъ ├О# ├ОтАмтАм тАлтАкkтАмтАм
тАл╪гя╗ля║к╪з┘Б ╪зя╗Яя╗дя╗Мя║о╪╢ ┘И╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘КтАм тАля║Чя╗оя║Ыя╗┤я╗Ц ╪зя╗Яя║Шя║о╪з╪лтАм
тАл╪зя╗Яя║Ья╗Шя║Оя╗Уя║Ф ╪зя╗Яя║╕я╗Мя║Тя╗┤я║Ф ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪зя║Чя╗┤я║ФтАк ╪МтАм┘Ия║Чя╗Фя║Оя║╗я╗┤я╗Ю ╪зя╗Яя║Шя║о╪з╪л ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪зя║Чя╗▓тАм тАля║Ся║╕я╗Ья╗Ю я╗гя╗оя║Ыя╗Ц я╗гя╗ия║Оя║│я║Р я╗Яя╗ая║ая╗дя╗мя╗о╪▒ ╪зя╗Яя╗Мя║О╪п┘К ┘И╪зя╗Яя║Тя║Оя║гя║Ья╗┤я╗жтАм тАл┘И╪зя╗Яя║к╪з╪▒я║│я╗┤я╗ж ╪зя╗Яя╗Шя║О╪пя╗гя╗┤я╗ж я╗гя╗ж ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪к ┘И╪гя╗зя║дя║О╪б ╪зя╗Яя╗Мя║Оя╗Яя╗втАм тАл╪зя╗Яя║о╪зя╗Пя║Тя╗┤я╗ж я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя║Шя╗Мя║о┘Б я║Ся║╕я╗Ья╗Ю я╗Ля╗ая╗дя╗▓ я╗Ля╗ая╗░ я║Ыя╗Шя║Оя╗Уя║Ф ┘Ия║Чя║О╪▒я╗│я║жтАм тАл╪зя╗Яя║╕я╗Мя║Р ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪зя║Чя╗▓тАк ╪МтАмя║│я╗┤я╗Ья╗оя╗зя║О┘Ж я║гя║Оя║┐я║оя╗│я╗ж я║Ся╗Шя╗о╪й я╗Ля║Тя║о ╪▒я╗Ыя╗жтАм тАл╪зя╗Яя╗Ья║Шя║Р ╪зя╗Яя║╝я║О╪п╪▒╪й я╗гя╗ж ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘К ┘И╪зя╗Яя╗Шя║оя╗│я║Ф ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗┤я║ФтАк ╪МтАм╪зя╗Яя║м┘КтАм тАля║│я╗┤я║╕я╗Ря╗Ю я╗гя╗оя╗Чя╗Мя║О я╗гя╗мя╗дя║О я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя║ая╗ия║О╪нтАк ╪МтАмя║Чя║Дя╗Ыя╗┤я║к╪з я╗гя╗ж ╪зя╗Яя╗Шя║Оя║Ля╗дя╗┤я╗жтАм тАля╗Ля╗ая╗░ ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘К я╗Ля╗ая╗░ ╪гя╗ля╗дя╗┤я║Ф ╪зя╗Яя╗дя╗Дя║Тя╗оя╗Ля║О╪к ┘И╪зя╗Яя╗Ья║Шя║Р я╗Уя╗▓тАм тАля║Чя╗оя║╗я╗┤я╗Ю ╪▒я║│я║Оя║Ля╗Ю ╪зя╗Яя║Шя║о╪з╪л ┘Ия║гя╗Фя╗Ия╗мя║О ╪ея╗Яя╗░ ╪зя╗╖я║Яя╗┤я║О┘Д ╪зя╗Яя╗Шя║О╪пя╗гя║ФтАк╪МтАмтАм тАл┘И╪ея╗Яя╗░ ╪зя╗Яя║ая╗дя╗┤я╗К я║│я╗о╪з╪б ╪п╪зя║зя╗Ю ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪к ╪г┘И я║зя║О╪▒я║Яя╗мя║ОтАк ╪МтАм┘Ия╗│я║кя╗Ля╗втАм тАля╗ля║м┘З ╪зя╗Яя╗дя║╕я║О╪▒я╗Ыя║Ф ╪зя╗Яя║Ья╗Шя║Оя╗Уя╗┤я║Ф ┘Ия║Яя╗о╪п я╗гя╗Дя║Тя╗оя╗Ля║О╪к я╗гя║оя╗Ыя║░ ╪▓╪зя╗│я║ктАм тАля╗Яя╗ая║к╪▒╪зя║│я║О╪к ┘И╪зя╗Яя║Тя║дя╗о╪лтАк ╪МтАмя║Ся╗дя║О я╗Яя╗к я╗гя╗ж я║Яя╗мя╗о╪п я╗Ыя║Тя╗┤я║о╪й я╗Уя╗▓тАм тАля║Чя║к┘Ия╗│я╗ж ┘Ия║Чя║┤я║ая╗┤я╗Ю ╪зя╗Яя╗Ья║Ья╗┤я║о я╗гя╗ж ╪зя╗Яя╗дя╗Мя║О╪▒┘Б я╗Ля╗ж ╪зя╗Яя║Шя║о╪з┘ВтАм тАл╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪зя║Чя╗▓тАк .тАм┘Ия║Чя║╕я╗дя╗Ю ╪зя╗Яя╗дя╗Дя║Тя╗оя╗Ля║О╪к ╪п┘И╪з┘Ия╗│я╗ж я║╖я╗Мя║оя╗│я║Ф ┘Ия╗Ыя║Шя║Тя║О┘ЛтАм тАл╪г╪пя║Ся╗┤я║Ф ┘И╪зя╗Яя╗Мя║кя╗│я║к я╗гя╗ж ╪зя╗╣я║╗я║к╪з╪▒╪з╪к я║гя╗о┘Д ╪зя╗Яя╗ая╗Ря║Ф ┘И╪зя╗Яя║Ья╗Шя║Оя╗Уя║ФтАм тАл┘И╪зя╗Яя║Шя║О╪▒я╗│я║ж ┘И╪зя╗Яя║Шя║о╪з╪л я║Ся║ая║Оя╗зя║Р ╪ея║╗я║к╪з╪▒╪з╪к я║зя║Оя║╗я║Ф я║Ся║Оя╗Яя║Тя╗┤я║Мя║О╪ктАм
тАлтАк12тАмтАм
тАля║Чя║Шя╗о╪зя╗Уя╗Ц ╪гя╗ля║к╪з┘Б я╗гя╗Мя║о╪╢ ╪зя╗Яя║╝я╗┤я║к ┘И╪зя╗Яя╗Фя║о┘Ия║│я╗┤я║Ф я╗Уя╗▓ ╪ея║Ся║о╪з╪▓ я║╗я╗о╪▒╪йтАм тАля╗гя║╕я║оя╗Чя║Ф я╗Ля╗ж ╪зя╗Яя║Шя║о╪з╪л ╪зя╗Яя╗оя╗Гя╗ия╗▓ ┘И╪зя╗Яя╗дя║дя║Оя╗Уя╗Ия║Ф я╗Ля╗ая╗┤я╗ктАк ╪МтАмя╗гя╗К ╪гя╗ля║к╪з┘Б ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘КтАм тАл╪зя╗Яя╗дя║Шя╗дя║Ья╗ая║Ф я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя║Шя╗Мя║оя╗│я╗Т я║Ся║о╪дя╗│я║Шя╗к ┘И╪▒я║│я║Оя╗Яя║Шя╗к ┘И╪зя╗╖я╗ля║к╪з┘Б ╪зя╗Яя║Шя╗▓ я╗│я║┤я╗Мя╗░тАм тАл╪ея╗Яя╗░ я║Чя║дя╗Шя╗┤я╗Шя╗мя║ОтАк ╪МтАм┘И╪зя╗Яя║Шя╗Мя║оя╗│я╗Т я║Ся║Оя╗Яя╗оя║│я║Оя║Ля╗Ю ╪зя╗Яя║Шя╗▓ я╗│я╗Мя║Шя╗дя║кя╗ля║О ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘К я╗Яя║Шя║дя╗Шя╗┤я╗ЦтАм тАл╪гя╗ля║к╪зя╗Уя╗к я╗Уя╗▓ ╪ея║гя╗┤я║О╪б ╪зя╗Яя║Шя║о╪з╪л ┘Ия║Чя║оя║│я╗┤я║ж ╪зя╗Яя╗мя╗оя╗│я║Ф ╪зя╗Яя╗оя╗Гя╗ия╗┤я║Ф я╗Уя╗▓ ╪гя╗Ля╗дя║О┘ВтАм тАл╪зя╗Яя╗ия║Оя║╖я║Мя║Ф ┘И╪зя╗Яя║╕я║Тя║О╪итАк ╪МтАм┘И╪зя║│я║Шя╗Шя╗Дя║О╪и ╪зя╗Яя╗ия║Оя║╖я║Мя║Ф ┘И╪зя╗Яя║╕я║Тя║О╪и я╗гя╗ж ╪зя╗Яя║ая╗ия║┤я╗┤я╗жтАм тАля╗Яя╗╝я╗зя╗Ая╗дя║О┘Е ╪ея╗Яя╗░ я╗гя║о╪зя╗Ыя║░ ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘К ┘Ия╗ля╗о я╗гя║О я╗зя║ая║в я╗Уя╗┤я╗к ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘К ╪ея╗Яя╗░ я║гя║ктАм тАля╗Ыя║Тя╗┤я║о я╗гя╗ж я║зя╗╝┘Д я╗гя║О я╗Яя╗дя║┤я╗ия║О┘З я╗гя╗ж ╪ея╗Чя║Тя║О┘Д я╗гя║Шя║░╪зя╗│я║к я╗гя╗ж ╪зя╗Яя║ая╗дя╗мя╗о╪▒ я╗Ля║Тя║отАм тАл╪зя╗Яя║к┘И╪▒╪з╪к ╪зя╗Яя║┤я║Оя║Ся╗Шя║Ф я╗Ля╗ая╗░ я╗гя║Шя║Оя║Ся╗Мя║Ф я╗Уя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║Оя║Чя╗к ┘И╪гя╗зя║╕я╗Дя║Шя╗ктАк ╪МтАмя║Ся╗дя║О я╗│я║Жя╗Ыя║ктАм тАля╗зя║ая║О╪н я║Чя╗ая╗Ъ ╪зя╗Яя╗дя╗ия║Оя║╖я╗В я╗Уя╗▓ ┘Ия╗зя║╕я║о я║Ыя╗Шя║Оя╗Уя║Ф ╪зя╗Яя║Шя║о╪з╪л ╪зя╗Яя╗оя╗Гя╗ия╗▓ ┘И╪зя║│я║Шя╗ая╗мя║О┘ЕтАм тАл╪пя╗╗я╗╗я║Чя╗к ╪зя╗Яя╗оя╗Гя╗ия╗┤я║Ф ┘И╪зя╗Яя║Шя║оя║Ся╗оя╗│я║Ф ╪зя╗Яя╗Шя╗┤я╗дя║ФтАк ╪МтАм┘Ия╗ля╗о я╗гя║О я╗Ыя║О┘Ж ┘И╪зя║┐я║дя║О┘Л я╗Уя╗▓тАм тАля║Чя╗Фя║Оя╗Ля╗Ю я╗Ля║кя╗│я║к я╗гя╗ж ╪гя║Ся╗ия║О╪б ╪зя╗Яя║ая╗ия║┤я╗┤я║О╪к ╪зя╗╖я║зя║о┘Й я╗гя╗ж ╪▒┘И╪з╪п ╪зя╗Яя╗дя╗Мя║о╪╢тАк╪МтАмтАм тАл┘И╪ея╗Чя║Тя║Оя╗Яя╗мя╗в я╗Яя╗ая╗дя║╕я║О╪▒я╗Ыя║Ф ┘И╪зя╗╗я║│я║Шя╗дя║Шя║О╪╣ я║Ся║Оя╗Яя╗Фя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║О╪к ╪зя╗Яя║Шя╗▓ я╗│я╗Шя╗о┘Е я║Ся╗мя║О ╪зя╗Яя║ия║Тя║о╪з╪бтАм тАл╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗┤я╗о┘Ж ╪зя╗Яя╗дя╗ия║Шя║┤я║Тя╗о┘Ж я╗Яя╗ая╗ия║О╪п┘К я╗Ля╗ая╗░ я╗гя║к┘Й ╪гя╗│я║О┘Е ╪зя╗Яя╗дя╗мя║оя║Яя║О┘Ж ╪зя╗╖я║┐я║ия╗втАм тАля╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя╗дя╗ия╗Дя╗Шя║Ф ╪зя╗Яя║м┘К я╗│я╗Мя╗ия╗▓ я║Ся╗Мя║Оя╗Яя╗в ╪зя╗Яя║╝я╗┤я║к ┘И╪зя╗Яя╗Фя║о┘Ия║│я╗┤я║Ф я║Ся╗оя║╗я╗Фя╗мя╗дя║О я╗гя╗жтАм тАл╪гя╗ля╗в я╗гя╗Ья╗оя╗зя║О╪к я║Чя║о╪з╪л ╪зя╗Яя╗дя╗ия╗Дя╗Шя║Ф ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗┤я║Ф ┘Ия╗Яя╗┤я║┤я║Ц ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪к ┘Ия╗гя╗ия╗Дя╗Шя║ФтАм тАл╪зя╗Яя║ия╗ая╗┤я║Ю я╗Уя╗Шя╗ВтАм
тАл┬╗я╗зя║О╪п┘К я║Чя║о╪з╪л ╪зтАк3тАмя╗гя║О╪▒╪з╪к┬л я╗│я║╕я║О╪▒┘Г я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя╗дя╗Мя║о╪╢ ╪зя╗Яя║к┘Ия╗Яя╗▓ я╗Яя╗ая║╝я╗┤я║к ┘И╪зя╗Яя╗Фя║о┘Ия║│я╗┤я║Ф тАк13тАмтАм
' pÙ # ³
واﻟﺒﻼﻟﻴﻂ ،واﻟﻘﻬﻮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻛﻼت اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻬﺎ واﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻫﻞ اﻹﻣﺎرات ﻗﺪﻳﻤﺎ ﻛﻌﻨﺎﺻﺮ ﻏﺬاﺋﻴﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ. واﻋﺘﺎد ﻓﺮﺳﺎن ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﺳﺘﻌﺮاﺿﺎت ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻻﻓﺘﺔ ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺔ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻃﻮال أﻳﺎم اﻟﻤﻌﺮض .ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﺮض ﻗﺴﻢ اﻟﺴﺒﺎﻗﺎت اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻣﺤﻤﻼً – ﻗﺎرﺑﺎً -ﺗﺮاﺛﻴﺎً ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻠﺰﻣﺎت اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻌﺪ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻨﺎدي ﻧﻤﻮذﺟﺎً ﻟﺒﻴﺖ اﻟﻌﻴﻦ واﻟﺤﻀﻴﺮة واﻟﺮﻛﻦ اﻟﺒﺤﺮي ﻟﻌﺮض ﺷﺒﺎك اﻟﺼﻴﺪ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ورﻛﻦ اﻟﻄﻮاش اﻟﺬي ﻳﻌﺮض ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر أﻧﻮاع اﻟﻠﺆﻟﺆ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﻃﺮﻳﻘﺔ وأدوات وزن اﻟﻠﺆﻟﺆ ﺑﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺧﺎﺻﺔ، ﻣﻊ ﻣﺸﺎرﻛﺔ أﻣﻬﺎت اﻟﻤﺸﻐﻞ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﺑﻌﺮض ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ ِ اﻟﺤ َﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻛﺎﻟﺘﻠﻲ واﻟﺤﻴﺎﻛﺔ. وﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻨﺎدي أرﻛﺎﻧًﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ :ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ،إدارة اﻷﻧﺸﻄﺔ ،رﻛﻦ اﻟﻄﻮاش وﻏﺎزل ِﺷﺒﺎك اﻟﺼﻴﺪ ،ﻗﺮﻳﺔ ﺑﻮذﻳﺐ ﻟﻠﻘﺪرة ،إﺳﻄﺒﻼت ورﺳﺎن، وﺣﺪة اﻟﺒﺤﻮث اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ،واﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ.
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
11
ĴŲĽŤē
' Ù . Ã# . pÙ # ³
وﻣﺮاﻛﺰ اﻟﻨﺎدي وﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺗﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻨﻮن. وﺗﺸﻤﻞ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻟﻤﺰﻣﻌﺔ ﺿﻤﻦ ﻣﻌﺮض اﻟﺼﻴﺪ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﺷﻂ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﺘﻤﻴﺰة ،اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺟﺬﺑﺖ أﻋﺪا ًدا ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ رواد اﻟﻤﻌﺮض ﻋﺒﺮ دوراﺗﻪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻨﺬ اﻧﻄﻼﻗﻪ ﻗﺒﻞ 13ﻋﺎﻣﺎ ،ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت: ﻧﻤﺎذج ﺣﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺌﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﺔ وﺑﺤﺮﻳﺔ وزراﻋﻴﺔ وﺟﺒﻠﻴﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻢ إﻟﻘﺎء اﻟﻀﻮء ﺑﺸﻜﻞ ﺣﻲ وﻣﺒﺎﺷﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺣﻴﺎة اﻷﺟﺪاد ووﺳﺎﺋﻞ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷرض ﻗﺒﻞ ﻣﺌﺎت وآﻻف اﻟﺴﻨﻴﻦ ،وﻛﻴﻒ ﻃﻮﻋﻮا ﻣﻔﺮدات اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺘﻬﺎ وﻧﺪرﺗﻬﺎ ،ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻴﺼﻨﻊ ﺗﻮاﺻﻞ وﺑﻘﺎء ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى أﺣﻘﺎب زﻣﻨﻴﺔ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮت دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺑﺸﻜﻠﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ. ﺳﺘﺸﻤﻞ ﻋﺮوض اﻟﺠﻨﺎح اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻋﺮوﺿً ﺎ ﻷﺑﺮز اﻟﺤﺮف اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ، وأﻫﻤﻬﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻔﻦ ﺑﺄﺣﺠﺎﻣﻬﺎ واﺳﺘﺨﺪاﻣﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺳﻮاء ﻟﻠﺼﻴﺪ أو اﻟﺘﺠﺎرة أو اﻟﻐﻮص ﻋﻠﻰ اﻟﻠﺆﻟﺆ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻞ اﻟﺸﺒﺎك ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺑﻬﺎ وزن وﺑﻴﻊ اﻟﻠﺆﻟﺆ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﻳﻌﺮف ﺑﺎﻟـ » اﻟﻄﻮاش« ،وﻫﻮ ﺗﺎﺟﺮ اﻟﻠﺆﻟﺆ اﻟﺬي ﻳﺸﺘﺮﻳﻪ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺒﺤﺮ اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ﻗﺪﻳﻤﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮم ﺑﺒﻴﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﺘﺠﺎر اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺎﻓﺮون ﻓﻲ رﺣﻼت ﺑﻌﻴﺪة إﻟﻰ ﻣﻴﺎه اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﺳﻮاﺣﻞ اﻟﻬﻨﺪ. وﻫﻨﺎك اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺻﻨﻊ أدوات ﺗﻌﻴﻦ اﻻﻧﺴﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﺆون ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮف ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ،ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺧﻴﻮط اﻟﺘﻠﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ أﻗﺪم اﻟﺤﺮف اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ،وﻃﺮق ﺣﻔﻆ اﻟﻄﻌﺎم، وﺻﻨﺎﻋﺔ ﻣﻨﺘﺠﺎت اﻟﻨﺨﻴﻞ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟـ »ﺳﺪو« ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ 10
pÙ # ³ ' ÛÂ Ú Î# Î
ﻣﺼﺪر دﺧﻞ ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻻﺳﺮ ووﺳﻴﻠﺔ ﻟﻌﻤﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻼل ﺑﺄﺣﺠﺎﻣﻬﺎ واﺳﻤﺎﺋﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،و»اﻟﺴﺮود« اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺒﺴﻂ ﺗﺤﺖ اﻷﻃﻌﻤﺔ ﺑﺪﻳﻼ ﻋﻦ اﻟﺴﻔﺮة اﻟﺘﻲ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﺑﺸﻜﻠﻬﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ .ﺗﻘﻮم ﺑﺘﺠﻤﻴﻊ اﻟﺨﻮص .وﻛﺎﻟﻌﺎدة ،ﺳﻴﻜﻮن زوار ﺟﻨﺎح ﻧﺎدي اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ اﻟﺼﻴﺪ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻊ اﻟﻀﻴﺎﻓﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ وﻃﺮق اﻟﻄﻬﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﻣﺬاﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟﺸﻬﻴﺔ ،ﻋﺒﺮ ﺗﻘﺪﻳﻢ أﺻﻨﺎﻓﻬﺎ اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻋﻠﻰ رواد اﻟﺠﻨﺎح ،ﺣﻴﺚ ﺳﻴﺘﻢ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻠﻘﻴﻤﺎت
»ﻧﺎدي ﺗﺮاث ا3ﻣﺎرات« ﻳﺸﺎرك ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮض اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﺼﻴﺪ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ 13
тАлтАк┬Ъ├К┬Ж ┬Щ . ├Ы├В p├Щ # ┬│ (# -┬О ├Ш┬й "3┬в ├П $ ├Р┬Ж ┬к+тАмтАм тАл┬ЮтАк ┬│ (# ├Ы├В ├Ъ ├О# ├ОтАмтАм
тАля╗Уя╗▓ я╗ля║м╪з ╪зя╗╣я╗Гя║О╪▒ тАк ╪МтАм┘Ия║Ся║Шя╗оя║Яя╗┤я╗мя║О╪к я║│я╗дя╗о ╪зя╗Яя║╕я╗┤я║ж я║│я╗ая╗Дя║О┘Ж я║Ся╗ж ╪▓╪зя╗│я║к ╪в┘ДтАм тАля╗зя╗мя╗┤я║О┘Ж я╗гя╗дя║Ья╗Ю я║╗я║Оя║гя║Р ╪зя╗Яя║┤я╗дя╗о ╪▒я║Ля╗┤я║▓ ╪зя╗Яя║к┘Ия╗Яя║Ф ╪▒я║Ля╗┤я║▓ я╗зя║О╪п┘К я║Чя║о╪з╪лтАм тАл╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪ктАк ╪МтАмя║Чя║ая║о┘К ╪зя╗╗я║│я║Шя╗Мя║к╪з╪п╪з╪к я║гя║Оя╗Яя╗┤я║О я╗Ля╗ая╗░ я╗Чя║к┘Е ┘Ия║│я║О┘В ╪п╪зя║зя╗ЮтАм тАл╪г╪▒┘Ия╗Чя║Ф я╗зя║О╪п┘К я║Чя║о╪з╪л ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪к я╗гя╗ж ╪гя║Яя╗Ю ╪зя╗Яя╗дя║╕я║О╪▒я╗Ыя║Ф ╪зя╗Яя╗дя║Шя╗дя╗┤я║░╪й я╗Яя╗ая╗ия║О╪п┘КтАм тАля║┐я╗дя╗ж я╗Уя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║О╪к ╪зя╗Яя╗ия║┤я║ия║Ф ╪зя╗Яя║Ья║Оя╗Яя║Ья║Ф я╗Ля║╕я║о╪й я╗гя╗ж ╪зя╗Яя╗дя╗Мя║о╪╢ ╪зя╗Яя║к┘Ия╗Яя╗▓тАм тАля╗Яя╗ая║╝я╗┤я║к ┘И╪зя╗Яя╗Фя║о┘Ия║│я╗┤я║Ф ┬╗╪гя║Ся╗оя╗Зя║Тя╗▓тАк ╪М┬л2015тАм┘И╪зя╗Яя║Шя╗▓ я║│я║Шя╗Шя║О┘Е я╗Уя╗▓ я╗гя║оя╗Ыя║░тАм тАл╪гя║Ся╗оя╗Зя║Тя╗▓ ╪зя╗Яя╗оя╗Гя╗ия╗▓ я╗Яя╗ая╗дя╗Мя║О╪▒╪╢тАк ╪МтАмя╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя╗Фя║Шя║о╪й я╗гя╗ж тАк 9тАм╪ея╗Яя╗░ тАк 12тАмя║│я║Тя║Шя╗дя║Тя║отАм тАл╪зя╗Яя║дя║Оя╗Яя╗▓тАк ╪МтАмя║Чя║дя║Ц ╪▒я╗Ля║Оя╗│я║Ф я╗гя╗дя║Ья╗Ю ╪зя╗Яя║дя║Оя╗Ыя╗в я╗Уя╗▓тАм тАл╪зя╗Яя╗дя╗ия╗Дя╗Шя║Ф ╪зя╗Яя╗Ря║оя║Ся╗┤я║ФтАк ╪МтАм╪▒я║Ля╗┤я║▓ я╗гя║ая╗ая║▓ ╪е╪п╪з╪▒╪й я╗зя║О╪п┘КтАм тАля║╗я╗Шя║О╪▒┘К ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪ктАк ╪МтАм╪зя╗Яя║╕я╗┤я║ж я║гя╗дя║к╪з┘Ж я║Ся╗ж ╪▓╪зя╗│я║к ╪в┘ДтАм тАля╗зя╗мя╗┤я║О┘ЖтАк ╪МтАм┘Ия╗│я╗ия╗Ия╗в ╪зя╗Яя║дя║к╪л ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗▓ ╪зя╗Яя╗Ая║ия╗в ╪зя╗Яя║м┘КтАм тАля║│я║Шя║╕я╗мя║к┘З ╪зя╗Яя╗Мя║Оя║╗я╗дя║Ф ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪зя║Чя╗┤я║Ф я╗зя║О╪п┘К я║╗я╗Шя║О╪▒┘КтАм тАл╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪ктАк ╪МтАмя║Ся║кя╗Ля╗в я╗гя╗ж я╗Яя║ая╗ия║Ф ╪е╪п╪з╪▒╪й ╪зя╗Яя╗дя╗мя║оя║Яя║Оя╗зя║О╪ктАм тАл┘И╪зя╗Яя║Тя║о╪зя╗гя║Ю ╪зя╗Яя║Ья╗Шя║Оя╗Уя╗┤я║Ф ┘И╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗┤я║Ф я╗Уя╗▓ ╪гя║Ся╗оя╗Зя║Тя╗▓тАк.тАмтАм тАл┘Ия║Чя║Дя║Чя╗▓ ╪зя╗Яя╗дя║╕я║О╪▒я╗Ыя║Ф я╗Уя╗▓ ╪ея╗Гя║О╪▒ я║гя║о╪╡ я║│я╗дя╗о ╪зя╗Яя║╕я╗┤я║жтАм тАля║│я╗ая╗Дя║О┘Ж я║Ся╗ж ╪▓╪зя╗│я║к ╪в┘Д я╗зя╗мя╗┤я║О┘Ж я╗гя╗дя║Ья╗Ю я║╗я║Оя║гя║РтАм тАл╪зя╗Яя║┤я╗дя╗о ╪▒я║Ля╗┤я║▓ ╪зя╗Яя║к┘Ия╗Яя║Ф ╪▒я║Ля╗┤я║▓ я╗зя║О╪п┘К я║Чя║о╪з╪лтАм тАл╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪к я╗Ля╗ая╗░ ╪пя╗Ля╗в я╗Ыя║Оя╗Уя║Ф ╪зя╗Яя╗Фя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║О╪к ╪зя╗Яя║Шя╗▓тАм тАля║Чя║┤я╗Мя╗░ я╗╣я║гя╗┤я║О╪б ┘И╪зя╗Яя╗дя║дя║Оя╗Уя╗Ия║Ф я╗Ля╗ая╗░ ╪зя╗Яя║оя╗│я║Оя║┐я║О╪ктАм тАл╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗┤я║Ф я╗╖я║Ся╗ия║О╪б ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪ктАк ╪МтАм╪зя║│я║Шя╗дя║о╪з╪▒╪з ┘Л я╗Яя╗ая╗ия╗мя║Ю ╪зя╗Яя║м┘КтАм тАл╪г╪г╪▒я║│я╗░ ╪гя║╗я╗оя╗Яя╗к ╪зя╗Яя╗дя╗Ря╗Фя╗о╪▒ я╗Яя╗к я║Ся║И╪░┘Ж ╪зя╗Яя╗ая╗к ╪зя╗Яя║╕я╗┤я║жтАм тАл╪▓╪зя╗│я║к я║Ся╗ж я║│я╗ая╗Дя║О┘Ж ╪в┘Д я╗зя╗мя╗┤я║О┘Ж ┬╗ я╗Гя╗┤я║Р ╪зя╗Яя╗ая╗к я║Ыя║о╪з┘З┬лтАм тАля╗гя╗ж я║Чя╗Мя║░я╗│я║░ я╗гя╗ия╗Ия╗оя╗гя║Ф я╗Чя╗┤я╗в ╪зя╗Яя╗дя║Оя║┐я╗▓ ╪зя╗Яя╗дя╗Мя╗ия╗оя╗│я║ФтАм
тАля╗Ыя║Оя╗Яя╗Мя║О╪п╪з╪к ┘И╪зя╗Яя║Шя╗Шя║Оя╗Яя╗┤я║к ┘И╪зя╗╖я║зя╗╝┘В ┘Ия╗гя║О╪пя╗│я║Ф я╗Ыя║Оя╗Яя║оя╗│я║Оя║┐я║О╪к ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗┤я║Ф ╪зя╗╖я║╗я╗┤я╗ая║ФтАм тАл╪зя╗Яя╗ия║Оя║Ся╗Мя║Ф я╗гя╗ж ╪зя╗Яя║дя╗Ая║О╪▒╪й ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗┤я║Ф ┘И╪зя╗╣я║│я╗╝я╗гя╗┤я║ФтАк.тАмтАм тАл┘Ия║Чя╗дя║Ья╗ая║Ц я╗гя║╕я║О╪▒я╗Ыя║Ф ╪зя╗Яя╗ия║О╪п┘К я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя║к┘И╪▒╪з╪к ╪зя╗Яя║┤я║Оя║Ся╗Шя║Ф я╗Уя╗▓ я║Яя╗ия║О╪н я╗гя║Шя╗дя╗┤я║░тАм тАля╗Ля║Тя║О╪▒╪й я╗Ля╗ж я╗Чя║оя╗│я║Ф я║Чя║о╪зя║Ыя╗┤я║Ф я╗гя║Шя╗Ья║Оя╗гя╗ая║Ф я║Чя║дя╗Ья╗▓ я╗Яя╗ая║░╪зя║Ля║оя╗│я╗ж я╗Ля╗ж я╗Гя║Тя╗┤я╗Мя║ФтАм тАл╪зя╗Яя║Шя║о╪з╪л ╪зя╗Яя╗дя║дя╗ая╗▓ ┘Ия║Чя╗Мя╗┤я║кя╗ля╗в ╪ея╗Яя╗░ я╗Ля║Тя╗Ц ╪зя╗Яя╗дя║Оя║┐я╗▓ ┘И╪зя╗Яя║дя╗┤я║О╪й ╪зя╗Яя║Шя╗▓ я╗Ыя║О┘ЖтАм тАля╗│я╗Мя╗┤я║╕я╗мя║О ╪зя║Ся╗ж ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪к ┘Ия║Чя╗Мя║оя╗Уя╗мя╗в я╗Ля╗ая╗░ я║Чя╗Фя║Оя║╗я╗┤я╗Ю ╪зя╗Яя╗дя╗Ья║О┘Ж ┘И╪зя╗Яя║дя║о┘БтАм тАл╪зя╗Яя║Шя╗Шя╗ая╗┤я║кя╗│я║Ф ╪зя╗Яя║╕я╗Мя║Тя╗┤я║Ф ╪зя╗Яя╗Шя║кя╗│я╗дя║Ф я╗Уя╗Ая╗╝┘Л я╗Ля╗ж я╗Ля║о┘И╪╢ ╪е╪п╪з╪▒╪з╪к ┘И╪гя╗Чя║┤я║О┘ЕтАм
тАл╪зя╗Яя╗Мя║к╪п тАк 191тАмя║│я║Тя║Шя╗дя║Тя║о тАк2015тАмтАм
тАлтАк9тАмтАм
ĴŲĽŤē
b b ' ( Ù . Ã# . pÙ # ³ (# (# .p# Û ªÙ Í ' %½±Ø 'l 2 Ú Í Î
ﺗﺄﻛﻴﺪا ﻋﻠﻰ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻤﻮروث اﻟﻤﺤﻠﻲ ً
»ﻧﺎدي ﺗﺮاث اBﻣﺎرات« ﻳﺸﺎرك ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮض اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﺼﻴﺪ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ
ﻻ ﻳﺰال ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،ﻳﻮاﺻﻞ ﺟﻬﻮده اﻟﻤﺴﺘﻤﺮة ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاث اﻵﺑﺎء ﺔ، واﻷﺟﻴﺎل ،وﺗﻮﺻﻴﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ أﺑﻬﻰ ﺣﻠﺔ، ﻟﻤﻮروث اﻟﻤﺤﻠﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺜﻠﻬﺎ اﻟﻤﻮروث ﻫﻢ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺷﻌﻮب اﻷرض اﻟﺬﻳﻦ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس ﻛﻞ أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات ،وﻏﻴﺮﻫﻢ ﻳﺒﺎدﻟﻮن اﻟﺸﻌﺐ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺣﺒﺎ ﺑﺤﺐ ،وﺗﻘﺪﻳﺮاً ﺑﺘﻘﺪﻳﺮ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻼﺣﻈﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﺒﺮ اﻟﺸﻐﻒ اﻟﺘﺮاث اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﺿﻴﻔﺎً داﺋﻤﺎً وﻣﺘﺄﻟﻘﺎً اﻟﻤﺘﻨﺎﻣﻲ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﻔﺮدات وﻋﻨﺎﺻﺮ ﺘ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ واﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ واﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ.
8
»ﻧﺎدي ﺗﺮاث ا3ﻣﺎرات« ﻳﺸﺎرك ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮض اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﺼﻴﺪ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ 13
ĞŔŹűŬ ĞƀŜĘšĤ ĞƀĤėĸĠ
ﺗﺼﺪر ﻋﻦ: ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث -ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ
øijĴŕŨė ŸķĸĭŬŸ ĊėĸŕŀŸ ęĘDžġŤ
94
ﻛﺘﺎب اﻟﻌﺪد )وﻓﻘﺎً ﻟﺘﺮﺗﻴﺐ اﻟﻨﺸﺮ( أﺣﻤﺪ اﻟﺴﻌﺪاوي ،اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ ﺑﻦ ﻃﻨﺎف ،د.إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻣﻠﺤﻢ ،ﻣﺤﻤﺪﻋﻮﻳﺲ ،ﺳﻤﺎ ﺣﺴﻦ ،أﻳﻤﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻤﻴﻊ ﺣﺴﻦ ،ﺧﻠﻒ أﺣﻤﺪ ﻣﺤﻤﻮد أﺑﻮزﻳﺪ ،ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ ،ﺻﻔﺎء اﻟﺒﻴﻠﻲ ،ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻲ ،ﻣﺤﻤﻮد ﺷﺮف ،أﺣﻤـﺪ أﺑﻮ زﻳﺪ ،د.ﻣﻘﺪاد رﺣﻴﻢ ،د.راﺷﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،د.ﻋﻤﺮو ﻣﻨﻴﺮ ،ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،د.واﺋﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺪﺳﻮﻗﻲ ،ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮري ،أﺣﻤﺪ ﻣﺤﺠﻮب ،د.ﻫﻨﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ ﻣﺤﻔﻮظ ،ﺳﻤﻴﺮ ﻗﺴﻴﻤﻲ ،د.ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻘﻄﻴﻦ ،اﻟﺤﺴﻴﻦ وﻟﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ ،د.ﺑﻦ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻄﺎﻫﺮ ،د .ﻳﻮﺳﻒ ﺣﻄﻴﻨﻲ ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،ﻋﻤﺎد اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻮﺳﻰ ،اﻟﺴﻌﻴﺪ ﻧﺠﻢ ،ﻫﻮﻳﺪا اﻟﺤﺴﻦ ،ﺷﻴﻤﺎء اﻟﻤﺮزوﻗﻲ، أﺣﻤﺪ ﻓﺮﺣﺎت ،ﻣﺨﺘﺎر ﺳﻌﺪ ﺷﺤﺎﺗﺔ ،ﻧﺎدﻳﺔ ﺑﻠﻜﺮﻳﺶ ،ﻋﻤﺮ ﺷﺮﻳﻘﻲ ،ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺮﻛﺔ ،ﺗﻘﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺮي ،ﻣ ّﻨﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ،د.ﻋﺎﺋﺸﺔ اﻟﺪرﻣﻜﻲ ،ﺳﺮور ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻜﻌﺒﻲ ،ﻓﻴﺼﻞ رﺷﺪي.
اﳌﴩف اﻟﻌﺎم
ƁŔŸķĺŭŨė ĴŭĬč Ĵŀėķ ùij ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ
ŲſĴŨė ĊǟŔ ĴƀŨŸ اﻻﺧﺮاج واﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻏﺎدة ﺣﺠﺎج
اﳌﻮﻗﻊ ﻋﲆ اﻹﻧﱰﻧﺖ: www.mags.ae
ﻋﻨﺎوﻳﻦ اﳌﺠﻠﺔ : Ø # . 2 Û ¸/ - p (# Ù # '2 'waleedalaa@hotmail.com : Ø # Øp
132
'00971556929190 :%Ø / 026666130 :Ä + ' p( } : Ø©/ # ".Õ marketing@cmc.ae +971 56 3150303
اﻻﺷﺘﺮاﻛﺎت : #.p# ¢ Ð' Âç# /)+ 100 : 'è #. %¢ Âç# b b Õ($# / (+ 150 : #.p# %¢ Õ($# - (+ 150 .)+ 200 #.p# ¢
} Ø©/ -&3 é# Û ¸/
02 4145050 : Â 8002220 : ÛÍ (# )É # +971 02 4145000 : £# Ð' " 3# distribution@admedia.ae
اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
7
اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت ﻟﻤﺤ ijĴŕŨė ğĘſŹġĭŬ ĞƀĠėķĘŬđ ğĘļėķij
82
اﻟﺨﺘﻢ ..ﺑﻮاﺑﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ
ﺗﻘﻒ »اﻟﺨﺘﻢ« ﺷﺎﻣﺨﺔ ﻛﺸﺎﻫﺪ ﺣﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺮاﻗﺔ ﻣﺎﺿﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ وأﺻﺎﻟﺘﻪ ،وﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮر ﺣﺎﺿﺮﻫﺎ اﻟﻤﺰدﻫﺮ .وﻳﻜﺎد زاﺋﺮﻫﺎ ﻳﺘﻨﺴﻢ ﺑﻴﻦ ﻋﺒﻖ اﻟﻤﺎﺿﻲ وﻳﻠﻤﺲ أﺻﺎﻟﺔ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺎﻟﺨﺘﻢ ﺑﻮاﺑﺔ ﻃﺮﻗﺎﺗﻬﺎ وﺑﻴﻮﺗﻬﺎ َ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺸﺮق وﻣﻔﺘﺎح ﻋﺒﻮر اﻟﻘﻮاﻓﻞ إﻟﻰ ﻫﻨﺎك.
90 94
اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ واﻟﻴﺎزﻳﺔ
101
ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺮاء :ﻻ ﻓﺎدﻧﺎ ﻧﻮﻓﻞ وﻻ ﺣﺴﻮﻧﻪ! ّ
97 100
ﻳﻘﻈﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ دوﻟﺔ ا6ﻣﺎرات
104 108 110
راﺋﺤﺔ اﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ ﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻏﺎﺑﺶ ،اﻟﺰﻣﻦ ﻓﻲ ﻓﻀﺎء ﻣﻔﺘﻮح اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻘﺪي ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ،آﻟﻴﺎﺗﻪ وإﺷﻜﺎﻻﺗﻪ ﻛﻨﺖ أرى اﻟﺒﺤﺮ ،اﺳﺘﻌﺎدة ﺗﺮاث اﻟﻘﺮﻳﺔ
112 120 128 132 136 142
أﺷﻬﺮ ﻗﺼﺺ اﻟﻌﺸﺎق ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻤﻴﻢ :ﻓﻦ ﻏﻮاﻳﺔ اﻟﻘﻮل أﺳﺘﻠﻬﻢ أﻓﻜﺎري ﻣﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﺳﺮور اﻟﻤﺎس: ُ ﺗﺮاث اﻻﻣﺎرات اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت؛ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻼت ﻧﺎدرة اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺔ ﻧﺪﺑﺔ اﻟﺸﺤﻮح؛ ﻧﺪاء اﻟﻌﺰوة واﻟﺘﻔﺎﺧﺮ واﻟﺘﺒﺠﻴﻞ
أﺳﻌﺎر اﻟﺒﻴﻊ 2 Ø 10 É - Ù 800 Ï ( Î $ - p . ÎØ Ø/ # - 2 Ø 10 Ø / # Ù # $((# - )+ 10 : p (# Ù # 'è b '(250 Ï / # - ,ÙÎ 5 ' - " Ø 200 Ð(Ù# - p . ÎØ ÐØ # $ ÙÍ æ $((# - Ù# 100 Ø / - Ù# 5000 Ï Î # - ,ÙÎ
b 20 Ù ½(# $((# - Ï ÎØ ÐÙ $Â - ÎØ 2500 Ë # - Ï ÎØ Ù(° ,# Ù Í/ # Ø /,( # - ÙÍ Í 4 Ù Ù$# Ø Ù+ ( # - (+ . 2. 5 pÎ . Ù Ù'æ p (# Ø2/# - . /Ø 4 Û . .æ 2 ". - Í Â 7 Ø/ - ,ÙÎ 3 ÙÍ Ø - Ï ÎØ
6
ķĸĭŭŨė ŲŬ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد 1# äÙ Ð' Ä$ £ . # ) /( " à 3# Ù ±# + ¹(# p $ + ¹' ,$( ' Û Û+. ] ¢ 1# ( '. Ê Î' Ð'. 0 ¢} " à 2 . pÊ(# Î(# *¦, , # © 1# Áp, ] p è åÎ,Í ¥ ÎÍ . . µØ Ã# } Ð' - / " à 2 . # Ø / b ),# &pÊÍ ]& # ¦,# # ) /' Î( Ù'3 è 'æ Ã$'
Û # Ù ±# Ù # 2 à 2 . + ¹Î # !$ ÛÃ Ø .ÐÙ($ (# /ÃÍ Û µØ Ã# !$ /( . Í ' Ð " Ê . Ø / . # , # '3' Ä$(# ¦+ Û p Í 0 ¢æ Ù'3 è ".p# Ð' p . Ù # ".p# )¹ ' Û ٠# ]pÎ,# . ]Ï æ . ]ÐØ # . ]Ï / # . ] ½(# . 'è ,Î'. ]Ð(Ù# . ] Ø / . ] Ø / # . ]Ï ( e . ]Ï Î # ] Ù Ù#. ]" '/ # .
]Û # ±# Û # /´/' p Í ( ] '. ÐÙ $Â. %Ù Ã Í %ÊÎ Û # Ê /(# # 3 )+} Ð' p . ³ Í. .& ã ' % É ÎØp(# . ' Û #  Û ٠# ' 1#.æ ($# ±Î eØ Ê# ,Î' ] (ÙÉ /´/( p # %Ã Ø Î# %ÊÎ Û # ]Ï '© & Ø} Ð Ú Ù( # ÄÙ Î °/Î p# /#
58
ŪĔĘěšŨė Ċėĸŕŀ ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻬَ َﻴﺮ
ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺘﺒﻲ Ð Á/Ù ' ±# )¹ ' 1$ 1½ Ø "ª½# Ø
ÛÂ . ¼ 2. ]0. ±# -Ù$Ø ] Ø ±# Û # ÐØ/°
Ø Û # pÙ /# Ø ±# (# /+ "ª½# Ï Â !#¥ pØp # Î+. ] ±# Û , ( Ï/$µÃØ. Î# ,# Î# " © ' Í ±# /,±(# Ù#ª½# pã Ê# Ð' + ,°}. ] ,# Ï/ Ø. ,Í. h Ø - Ø # Û ¢.-
pÙ É ÙÎÙ( ¢ Ä Î' Û ,# É Û # «Û+/# » h ' Ù# (±# Ì Î(# ÛÂ Ï 'pÎ ÐØ ± # Ï Ê# . Î+ ±# %  Ï/µÊØ -$+}
Ð' Í / . Ù ±# 3 # Ù$( # , ¢ ÐÙ # Û , Ù Ð' Â}. .ª# . / £# /Ê . %à # ä±Î % . æ Ù e ' ,° Û Ê$# ¦+ Ú } pÉ. . Ù´ (# ÐÙÎ # Û ٠æ ] / # . p$# pØ © ª ( # ÌØ Â ÌØ Ð 2000 & .Û$ (# Û,ñ# # ÌÙ / # , . ±' Û $ (# * ±Î . ] Ù,# ± ÛÊ $Í ] 'è ° ª Î'. Ù ÌÙ / " ' ÛÂ. "/ Í Ï/ÎÃ# ÛÂ. ]Û # p( } Ð ÐØ/° Ð Á/Ù ' ±# 1$ Á Í. ]%Ù # . ¢ à # . .ª # pÍ ^ / ±# pÍ ' Û$Ù ± # Ï ÎÃ# . Í. ]¤Ø # Ú/ Û # / (# } Ú¦# Ù$Ù ± # Ï/ÎÃ$# 'è Ù ( Õ' (# . pÙ :)Ù(Î# )Ù(Î# 1$ Á Í. ] 'è Ð' -# ( } )¹ ' ),$ Ø ."/Ê# Ø /¼ ÐÂ Ê Î' Û ÙÂ Ê . Ù£Ø Ù ½ #/ !#¦ p # Ð(µ Ø . ÙÉ ±# Û ¸/ } / . % /Ê# / ' )+} 0p ]) £# h 2 Ê(# Ð' Ù # . ÐتÙ((# Ø .© 1#  ´è . p# . / # .
. b'. Ù£# 1$ ) Ê$Í
5
2015 ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ191 اﻟﻌﺪد
72 ůĘŬĹ ūĘſč
ﻣﺎن6ﻓﻲ وﻗﺖ زاﻳﺪ ﻛﺜﺮ اﻟﺨﻴﺮ وزاد ا وإﻻ اﻟﻌﺮب ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺷﻲ °/Î p# /# Î# Ú. ÐÙ # ÎØp' ÛÂ , Ù Ð' , ¢ Î# %ÊÎ . ]Ï '© & Ø} Ð Ú Ù( # ÄÙ Î
æ Ù Ð' Í / . Ù ±# 3 # Ù$( # Â}. .ª# . / £# /Ê . %à # ä±Î % . e Û Ê$# ¦+ Ú } pÉ. . Ù´ (# ÐÙÎ # ÛÂ Ù æ ª ( # ÌØ Â ÌØ Ð 2000 & ' ,°
Û $ (# * ±Î . ] / # . p$# pØ © .Û$ (# Û,ñ# # ÌÙ / # , . ±'
اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت ﻟﻤﺤ ijĴŕŨė ijĴŕŨė ğĘſŹġĭŬ ĸŶŁŨė ģėĸĠ 8
ﻣﺎرات« اBﻣﺎرات« Bﻣﺎ ﺗﺮاث اB اB ﺗﺮاث »ﻧﺎدي ﺗﺗﺮ ﻳﺸﺎرك ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮض اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﺼﻴﺪ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ 13
ijĴŕŨė ŞũŬ ŞũŬ 15
ﻃﻘﻮس اﻟﺸﻌﻮب
8
ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎل وﺗﻮدﻳﻊ اﻟﺤﺠﻴﺞ ﺗﺘﻌﺪد اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل ﺑﻤﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ وﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﻣﻦ ﺑﻴﺌﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى وﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ وﻣﺠﺘﻤﻊ إﻟﻰ آﺧﺮ ،وﻫﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻹﺑﺪاع ،ﺗﻬﺪف إﻟﻰ إﺑﺮاز اﻟﺒﻬﺠﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ واﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺘﻮدﻳﻊ اﻟﺤﺎج واﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻌﻮدﺗﻪ ﻣﻦ أداء اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ. 16
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ا ﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻟﺤﺞ ﺤﺞ اﻟﺤ
22
اﺣﺘﻔﺎﻻت ﺗﺗﻮدﻳﻊ واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻔﺎﻻت ﺘﻔﺎ ﺣﺘﺘﻔ ﺣﺘﻔ ااﺣﺘ
28
ﻃﻘﻮس اﻟاﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ ﻓﻲ وداع واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﺎج ﻘﻮس ﻃﻘﻮ ﻃﻘ ﻃ
30
ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﺷﻌﺮ ًﻳﺎ اﻟﺤﺞ ﻟﺤﺞ ﺤﺞ رﺣﻠﺔ اﻟﺤ ﺣﻠﺔ ﻠﺔ ررﺣﻠ ً
34
اﻟﻌﺮب واﺳﺘﺜﻤﺎر ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ ﺳﻮاق اﻟﻌ أﺳﻮاق أأﺳﻮ
37
ﻜﺎرات ﻋﺼﻮر اﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر ا ﺑﻞ اﺑﺘﻜﺎرات ﺘﻜﺎ ﺑﺘﻜ آﺧﺮ اﺑﺘ آﺧﺧﺮ
40
أﻏﺎﻧﻲ اﻟ َ ﻟﺘﺘ ْﺤ ـﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ اﻟﺘ ﻏﺎﻧﻲ ﻧﻲ أﻏﺎ أﻏ
أﺷﻬﺮ أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺤﺞ ﻗﺼﺔ أﺷﻬ ﺷﻬ ﺼﺔ 46ﻗﺼ رﺣﻠﺔ ﺣﺞ ﺗﺗﻮﺛﻖ ﻟﻠﺤﻴﺎة ﺑﻤﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻗﺒﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﺣﻠﺔ ﻠﺔ 49ررﺣﻠ
4
112
ﻛﺎﻣﻴﺮا
ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ اBﻣﺎراﺗﻲ
ﻋﺒﻴﺪ ﺳﺮور اﻟﻤﺎس ص 128
ﻓﻲ إﻃﺎر ﺳ َﻌﻲ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث إﻟﻰ ﺗﻌﻤﻴﻖ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ااﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻟﺬي ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﻗﻮى ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﺤﺼﻴﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ورﻓﺪ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ اﻟ ُﻤﺜﻞ واﻟﻤﺒﺎدئ واﻟﻘﻴﻢ ،وﻛﻮﻧﻪ أﺣﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ودﻳﻤﻮﻣﺘﻪ ،واﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ إﻳﻤﺎن اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺑﻬﺬه اﻷﻫﺪاف ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ َر ْﻏ َﺒ َﺘﻪ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺪراﺳﺎت واﻷﺑﺤﺎث اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟ ُﻤﺘﻤﻴﺰة ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﺸﻮرة ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺗﺎرﻳﺦ وﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻟﺸﻌﺒﻲ وﻛﺬﻟﻚ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ وﺑﻴﺌﺔ اﻹﻣﺎراتِ ،ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ واﻟﻜُﺘﺎب اﻟﺮاﻏﺒﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻟﻨﺸﺮﻫﺎ وﻓﻖ اﻟﺸﺮوط اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: ﺎب ُﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟ َﺤ ْﺠ ِﻢ ﺑﻴﻦ 300-200ﺻﻔﺤﺔ • أن ﻳﻜﻮن اﻟْ ِﻜﺘَ ِ اﻟﻌﻤﻞ ﻗَ ْﺪ ﻧ ُِﺸﺮ ِﻣﻦ ﻗَ ْﺒ ُﻞ أو ﻗُﺪم ﻟِﻠﺤﺼﻮ ِل ﻋﻠﻰ َﺟﺎﺋﺰ ٍة ُ • أﻻ ﻳﻜﻮ َن اﻟﻌﻤﻞ ُﻣﻮﺛﻘﺎ ﺑﺈدراج اﻹﺣﺎﻻت أو اﻟﻬﻮاﻣﺶ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ ُ • أن ﻳﻜﻮ َن • أن ﺗُﻜﺘَ َﺐ اﻟ َﻤﺎد ُة ِﺑﻠُ َﻐ ٍﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺳﻠﻴﻤ ٍﺔ و َرﺻﻴﻨ ٍﺔ ،وأن ﺗﻜﻮ َن َﻣﻄْ ُﺒﻮﻋ ًﺔ و ُﻣ َﺼﺤﺤ ًﺔ ﻟُ َﻐ ِﻮﻳّﺎً ،وﺗُ ْﺮ َﺳﻞ َﻋ ْﺒ َﺮ اﻟﺒﺮﻳﺪ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻟﻠﻤﺮﻛﺰ أو ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻗﺮص ُﻣ ْﺪ َﻣ ٍﺞ ﻳُ ْﺮ َﺳ ُﻞ ﺑﺎﻟﺒﺮﻳﺪ اﻟﻤﻀﻤﻮن اﻟﻜﺎﺗﺐ ُﻣﻠَﺨﺼﺎً ﻟﻌﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﺪود 200ﻛﻠﻤﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻊ ﺳﻴﺮﺗﻪ اﻟﺬاﺗﻴﺔ • ﻳُ ْﺮ ِﺳ ُﻞ ُ ﺗﺤﻜﻴﻢ ﻣﺨﺘﺼ ٌﺔ ﻣﺮاﺟﻌ َﺔ اﻷﻋﻤﺎ ِل وﺗَﻘﻴﻴ ِﻤﻬﺎ وإﺻﺪا ِر ﻗﺮار ﻧِﻬﺎﺋﻲ ﺑِﺸﺄﻧِﻬﺎ. • َﺳﺘَﺘَﻮﻟﻰ ﻫﻴﺌ ُﺔ ٍ اﻟﻜﺎﺗﺐ إﺟﺮا َء اﻟﺘﻌﺪﻳﻞ اﻟﻤﻘﺘﺮح ﻣﻦ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ • ﻳﻠﺘﺰم ُ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻦ • ﻳُﻜﺎﻓﺄ أﺻﺤﺎب اﻷﺑﺤﺎث اﻟﻤﻌﺘﻤﺪة َﻣ ْﺒﻠﻐﺎً ﻣﺎﻟﻴﺎ ﻳﺘﺮاوح ﺑﻴﻦ 3000و 4000دوﻻ ٍر أﻣﺮﻳﻜﻲ .ﻳَﺸْ َﻤ ُﻞ ُ ﻘﻮق اﻟﻨﺸﺮ واﻟﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﻟ ُﻤﺪة َﺧ ْﻤ ِﺲ َﺳ َﻨ ٍ ُﺣ َ ﻮات ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟ َﻌﻘ ِْﺪ اﻟْ ُﻤ ْﺒ َﺮ ِم ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮﻛﺰ واﻟﻤﺆﻟﻒ واﻟﻠﻪ اﻟ ُﻤﻮﻓﻖ
ﻹرﺳﺎل ﻧﺼﻮص اﻟﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ﻋﻠﻰ اﻻﻳﻤﻴﻞ swzr@hotmail.com :
ﻋﺎم ﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ا6ﻣﺎراﺗﻴﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻨﻮﻋﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺪد 191ﺳﺒﺘﻤﱪ 2015
٢٠١٥
اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ اBﻣﺎرات اﻟﺨﺘﻢ..
ﺑﻮاﺑﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ
ﻛﻨﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ اﻟﺤﻤﻴﺮي:
ﻓﻲ وﻗﺖ زاﻳﺪ ﻛﺜﺮ اﻟﺨﻴﺮ وزاد ا6ﻣﺎن
ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻬَ َﻴﺮ
ﻣﻠﻒ
ﻣﻌﻴﻮف ﺑﻦ ﺷﻮﻳﻦ اﻟﻜﺘﺒﻲ
ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ ﻃﻘﻮس اﻟﺸﻌﻮب
ﻓﻲ وداع واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺤﺠﻴﺞ