ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ěēijēİŀǞē ŮŨ ĚėĭŭĖ ĚżĖĴőŤē ĚėĝšũŤē İŘĴŻ
201 2015
ęİŻİĥŤē ĚżťĩũŤē ĚżĠēĴĝŤē
ﺗﺮاث اKﻣﺎرات
اﻟﺮﻣﺎﻳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺎﻟـ«ﺳﻜﺘﻮن« ﺣﻘﻘﺖ رﻳﺎﺿﺔ اﻟﺮﻣﺎﻳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻧﺘﺸﺎ ًرا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ،ﺳﻮاء ﻣﻦ ﺧﻼل إﻃﻼق اﻟﻨﺎر ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ٣٥ﻣﺘ ًﺮا أو ﻋﺒﺮ ٥٠ﻣﺘ ًﺮا ،وﻫﻲ رﻳﺎﺿﺔ ﺗﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺴﻼح اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻤﻮروث اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻟﻤﺴﻤﻰ »اﻟﺴﻜﺘﻮن« ،وﻣﻦ اﻟﻼﻓﺖ أﻧﻪ ﻳُﺴﻤﺢ ﻟﻠﺮاﻣﻲ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻮﺳﺎدة ﻏﻴﺮ ﺻﻠﺒﺔ وﻏﻴﺮ ﻣﺠﻮﻓﺔ ﻟﺘﺴﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ أﺛﻨﺎء وﺿﻌﻴﺔ »راﻗﺪ«.
أوراق ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ
اﻟﺼﺤﺮاء واﻟﺠﺒﺎل واﻟﺒﺤﺮ ..وﻧﻈﺮﺗﻨﺎ ﻟﻠﺘﺮاث ! أﺻﻮات ﻟﻴﺴﺖ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم ﻻ ﻳﺨﻔﻮن ﻛﺮاﻫﻴﺘﻬﻢ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﺖ ﻟﻠﻤﺎﺿﻲ ﺑﺼﻠﺔ .ﺑﻞ ﻫﻨﺎك ﻣﺆﻟﻔﺎت ﺗﺮى أﻧﻪ ﺛﻤﺔ ﺗﻨﺎﻓﺮا ﺣﺘﻤ ًﻴﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ واﻟﺘﺮاث ،وأﻧﻪ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﺘﻘﺪم إﻻ ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ أي ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ. رﺑﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻟَﺒﺲ ﻟﺪى اﻟﺒﻌﺾ ﺑﻴﻦ ﻣﻔﻬﻮﻣﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺘﺮاث ،وإن ﻛﻨﺖ أرى أن ﻫﻨﺎك ﺧﻠﻄًﺎ ﻣﺘﻌ ﱠﻤﺪا أﻳﻀً ﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺑﻬﺪف ﺗﻤﺮﻳﺮ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮة ﻣﻌﺎدﻳﺔ ﻷي ﻗﻴﻢ وﻣﺒﺎدئ ﻳﺘﻢ اﺳﺘﻠﻬﺎﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث! ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ أﺛﺮ واﺿﺢ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﻴﺮ وﺣﻴﺎة ﺳﺎﻛﻨﻴﻬﺎ ،وﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻊ اﻟﺼﻌﺎب اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻧﺎﺟﺢ .ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص ﻋﺎﻧﻰ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ﻣﻦ ﺛﺎﻟﻮث اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ، وﻟﻜﻨﻬﻢ ﺗﻌﺎﻣﻠﻮا ﻣﻌﻬﺎ وﺗﻐﻠﺒﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺗﺮﻛﻮا ﻟﻨﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻹرث اﻟﻤﺎدي ﻣﺘﺠﻠﻴًﺎ ﻛﺎﻷدوات واﻟﻤﻌﺪات اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻮﻫﺎ ،واﻟﺸﻔﻬﻲ ﻛﺎﻷﺷﻌﺎر واﻟﻘﺼﺺ اﻟﺘﻲ ﺗُﻈﻬﺮ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺼﺒﺮ وﻏﻴﺮﻫﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ. ﻫﺬا اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻟﻤﻜﺎﻧﻲ اﻟﻘﺎﺳﻲ ،ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء واﻟﺒﺤﺮ واﻟﺠﺒﺎل؛ ﻓﻔﻲ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻘﺴﻮة واﻟﺘﺮﺣﺎل ﻓﻲ ﺑﺤﺚ ﻣﻀﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﺎء واﻟﻜﻸ، ﺗﻄﻠﺐ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺘﺮﻋﺎت واﻟﺨﺒﺮات ﻛﻤﻌﺮﻓﺔ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﺮك اﻟﺮﻣﺎل واﻟﺮﻳﺎح وﻧﺤﻮﻫﺎ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻼﺑﺲ ﻣﻦ ﺟﻠﻮد اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،ﺑﻞ ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻢ ﺗﺠﻨﺐ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ ،وﺑﻨﺎء اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﻘﻮﻳﺔ ﺳﻬﻠﺔ اﻟﻔﻚ واﻟﺘﺮﻛﻴﺐ وﺧﻔﻴﻔﺔ اﻟﺤﻤﻞ. أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﺎل وﺳﻬﻮﻟﻬﺎ ﻓﺘﻤﺖ اﻟﺰراﻋﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻬﻨﺔ ﺷﺎﻗﺔ ﺗﻄﻠﺐ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻟﻸدوات اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ واﺑﺘﻜﺎر ﺣﻠﻮل ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﻘﻨﻴﻦ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﻴﺎه ﻟﺸﺤﻬﺎ واﺧﺘﺮاع وﺳﺎﺋﻞ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﺮي ،ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺗﺴﻤﻴﺪ اﻷرض وﻣﺘﻰ ﺗﺘﻢ ،وﻛﻴﻒ ﻳﺘﻢ ﺗﻠﻘﻴﺢ ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺠﺎر ،وﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺸﺮات وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻟﻄﺮق اﻟﺘﻲ ﻛﻔﻠﺖ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺣﻴﺎة اﻟﻜﻔﺎف وﻋﺪم اﻟﻤﻮت ﺟﻮ ًﻋﺎ.
130
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ@
أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺻﻴﺪ اﻷﺳﻤﺎك واﻟﻠﺆﻟﺆ ،وﻫﻲ ﻣﻬﻨﺔ أﻳﻀﺎ ﻣﺘﻌﺒﺔ وﻻ ﺗﻘﻞ ﻣﺸﻘﺔ ﻋﻦ اﻟﺰراﻋﺔ ،اﺳﺘﺨﺪم اﻟﺼﻴﺎدون واﻟﻐﻮاﺻﻮن اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷدوات اﻟﺘﻲ ﺧﻀﻌﺖ ﺑﺪورﻫﺎ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ واﻟﺘﺤﺪﻳﺚ ﻟﺘﺤﻘﻖ أﻛﺒﺮ ﻏﻠﺔ ﻣﻦ ﺻﻴﺪ اﻷﺳﻤﺎك ،ﻣﺜﻞ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺷﺒﺎك ﺧﻔﻴﻔﺔ وﻃﻮﻳﻠﺔ وﻗﻮﻳﺔ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر. ﻳﺮﻳﺪ أﺻﺤﺎب دﻋﻮة اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ اﻟﺘﺮاث أن ﻧﻠﻘﻲ ﺑﻜﻞ ﻫﺬا اﻹرث اﻟﺤﻀﺎري واﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺧﻠﻒ ﻇﻬﻮرﻧﺎ ،ﺑﺪﻋﻮى اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ واﻟﺒﻨﺎء! ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻢ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن اﻟﺸﻔﻘﺔ ،ﻷﻧﻬﻢ ﺑﻨﻮا ﻧﻈﺮﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺜﺮت ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﻔﻘﺮ، وﺗﻌﺜﺮت ﺗﻨﻤﻮﻳًﺎ واﻗﺘﺼﺎدﻳًﺎ ،واﻋﺘﻘﺪوا أن اﻷﻣﺮ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﻌﻠﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﺑﺘﺮاﺛﻬﻢ ،ﻟﺬا ﺻﺒﻮا ﺟﺎم اﻟﻐﻀﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث وﻇﻨﻮا أن اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺮط ﻟﻠﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. إﻧﻬﺎ ﻧﻈﺮة ﺳﻄﺤﻴﺔ ،ﻓﻬﺆﻻء ﻳﻨﺴﻮن أﺛﺮ اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ وﻳﺘﺠﺎﻫﻠﻮن أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻳﺘﺠﺎوزون ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن واﻟﻨﻈﺎم ،وﻳﺘﺠﺎﻫﻠﻮن – رﺑﻤﺎ -أن أي ﺧﻠﻞ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻻ دﺧﻞ ﻟﻠﺘﺮاث ﻓﻴﻪ. أدﻋﻮ ﻫﺆﻻء ﻹﻟﻘﺎء ﻧﻈﺮة ﻓﺎﺣﺼﺔ وﻣﺘﻤﻌﻨﺔ ﻟﻺﻣﺎرات ،ﺑﻼدﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻓﻲ ﺳﻨﻮات ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاءﻣﺔ ﺑﻴﻦ اﻫﺘﻤﺎم ﻛﺒﻴﺮ وﺑﺎﻟﻎ وواﺿﺢ ﺑﺎﻟﺘﺮاث ،وﺑﻴﻦ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺤﻀﺎري ،ﻟﻴﺪرﻛﻮا أن اﻟﺘﻘﺪم واﻻزدﻫﺎر واﻟﻨﺠﺎح ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻹرادة واﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ،وأن اﻟﺘﺮاث ﻛﺎن داﻓ ًﻌﺎ ﻗﻮﻳًﺎ ﻟﻠﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻧﺤﻦ ﻣﻊ اﻟﺘﺮاث ﺑﻜﻞ أﻧﻔﺎﺳﻨﺎ ،وﻧﺤﻦ ﻣﻊ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺘﺤﺪﻳﺚ واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﺑﻜﻞ ﺟﻮارﺣﻨﺎ ،واﻟﻤﻄﻠﻮب ﻣﻦ أي ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ وﻛﻴﻒ ﻳﺒﻨﻲ ﺣﻀﺎرﺗﻪ ﻣﻦ دون ﻫﺰﻳﻤﺔ أو ﻛﺴﺮ ﻟﺘﺮاﺛﻪ *ﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات
ﺧﻮاﻃﺮ
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
اﺳﺘﺸﺮاف اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻧﻮﺻﻒ ﺑﺎﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ إذا ﻗﻠﻨﺎ أن ﻣﺮض اﻟﻤﺎﺿﻮﻳﺔ ﻗﺪ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن َ ﺣﻠﻮﻻ ﻟﻠﺪﻓﻊ ً أﺻﺎب اﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ ،وأن ﺟﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺪﻣﻮن ﺑﻨﺎ إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ﻗﺪ اﻗﺘﺒﺴﻮا ﻫﺬه اﻟﺤﻠﻮل ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،واﻋﺘﻘﺪوا أن اﻟﺤﻞ ﻓﻲ ﺗﻘﻠﻴﺪ واﺳﺘﻨﺴﺎخ ﺗﺠﺎرب ﺳﺎﺑﻘﺔ ،ﻣﻦ دون اﻋﺘﺒﺎر ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﺑﻤﻌﻄﻴﺎﺗﻪ ،واﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻛﻮن ﻫﺬه اﻟﺤﻠﻮل اﻟﻤﺎﺿﻮﻳﺔ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﺑﻴﺌﺘﻪ اﻟﺰﻣﺎﻧﻴﺔ واﻟﻤﻜﺎﻧﻴﺔ أم ﻻ؟ إن ﻧﺠﺎح اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ زﻣﺎﻧﻴﺔ أو ﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﻳﻀﻤﻦ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ﻓﻰ أﺧﺮى .ﻧﻌﻢ ،ﻣﻦ اﻟﺠﻴﺪ أن ﻧﺘﻌﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وأن ﻧﺪرس اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻧﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ اﻟﻔﻮاﺋﺪ ،وﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻻ ﻧﻠﺠﺄ إﻟﻰ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ وﻧﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ واﻹﺑﺪاع ،ﻳﺠﺐ أن ﻻ ﻧﺜﻖ ﻓﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻛﻤﻘﻠﺪﻳﻦ ﻓﻘﻂ وﻧﻔﻘﺪ اﻟﺜﻘﺔ ﻓﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻛﻤﺒﺪﻋﻴﻦ وﻣﻔﻜﺮﻳﻦ، ﻫﺬه ﻧﻘﻄﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ. ﻫﻞ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻃﺮﻳﻖ أﻗﺼﺮ ﻣﻦ اﻻﺑﺘﻜﺎر ،ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮض ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻘﺪم ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻘﻠﺪ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻢ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺒﺘﻜﺮ؟ أﻋﺘﻘﺪ أن ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﻮاﻗﻊ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ واﺑﺘﻜﺎر ﻣﻨﺎﻫﺞ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ﻫﻮ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻷﻗﺼﺮ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺟﻴﺪة ،ﻛﻤﺎ أﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﺬي ﻳﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ دون ﻣﺮاﻋﺎة اﻟﻮاﻗﻊ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻮل ﻷﻳﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ذات ﻗﻴﻤﺔ. ﺗﻴﺎران أﺳﺎﺳﻴﺎن ﻳﺘﻨﺎزﻋﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻴﻮم؛ اﻟﺘﻴﺎر اﻷﺻﻮﻟﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﻴﺔ أﻳﻘﻮﻧﺔ ﻳﺒﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺘﻪ ،واﻟﺘﻴﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﻧﺠﺎح أوروﺑﺎ أﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ ﻳُﺤﺘﺬى ﺑﻪ ،وﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ ﺳﺮ ﻧﺠﺎح أوروﺑﺎ ،وراح ﻳﺒﻨﻰ أﻳﺪﻳﻮﻟﺠﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻮر اﻟﻤﺘﻌﺠﻞ اﻟﺬي ﺗﺠﺎﻫﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻟﻌﻞ أﻫﻤﻬﺎ أن أوروﺑﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺘﻠﻚ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،وأن رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻔﻮن ﻋﺎﺋﻘًﺎ أﻣﺎم ﻗﻄﺎر اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ ﺷﺮع
ﻧﺒﻴﻞ اﻟﻌﻴﺴﻮي@
ﻓﻰ اﻟﺘﺤﺮك ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،وأن ﻫﺬا اﻟﻘﻄﺎر ﻫﻮ اﻟﺬي ﺳﺎر ﺑﺄوروﺑﺎ إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ،وﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ إزاﻟﺔ اﻟﻌﺎﺋﻖ أﻣﺎم اﻟﻘﻄﺎر؛ ﻓﺈزاﻟﺔ اﻟﻌﺎﺋﻖ أﻣﺎم ﻗﻄﺎر ﺧﺮب ﻟﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ،ﻫﺬا إن ﻛﺎن اﻟﻘﻄﺎر ﻣﻮﺟﻮ ًدا ﺑﺎﻷﺳﺎس. وﻫﻜﺬا ﻧﺠﺪ أن اﻟﺘﻴﺎرﻳﻦ ﻳﻨﻈﺮان إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ .اﻟﺘﻴﺎر اﻷﺻﻮﻟﻲ ﻳﺤﻘﻖ ﻧﺠﺎ ًﺣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﻨﺼﻮص وﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺘﻪ ،واﻟﺘﻴﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﻓﺮض رؤﻳﺘﻪ وﻟﻮ ﺑﺎﻟﻘﻮة ﺿﺎرﺑًﺎ ﺑﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﻨﺎس واﻟﻮاﻗﻊ ﻋﺮض اﻟﺤﺎﺋﻂ، وﺣﻼ ﺳﻬﻼ ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻤﻪ اﻷﺻﻮﻟﻲٍّ ، وﻳﺮى ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻧﺘﺼﺎ ًرا ﺳﻴﺎﺳﻴًﺎ ً ﻧﺎﺟ ًﻌﺎ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻣﺤﺎوﻻﺗﻪ ﻓﺮض اﻟﻮﺻﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻷﺧﻼق. وﻫﻜﺬا ﻧﺪور ﻓﻰ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻔﺮﻏﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎوب ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻴﺎرﻳﻦ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺘﺒﺎدﻻن اﻟﻘﻮة واﻟﻀﻌﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﻌﻘﻮد اﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻴﺔ .وﺑﻤﻨﺘﻬﻰ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ ﻳﻜﻮن اﻟﺤﻞ ﻓﻰ أن ﻧﻔﻜﺮ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،وأن ﻳﻘﺪم ﻛﻞ ﺗﻴﺎر ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻦ ﺗﻨﺎزﻻت ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ وﻻ ﻳﺘﻘﺒﻠﻪ ،وﻟﻴﺲ أﺣﺪ اﻟﺘﻴﺎرﻳﻦ ﺑﺄﻗﻞ ﺣﻈٍّﺎ ﻣﻦ اﻵﺧﺮ ﻓﻲ ﻋﺪم ﻣﺮاﻋﺎة اﻟﻮاﻗﻊ وﻣﻌﺎﻧﺪﺗﻪ. ﻟﺴﻨﺎ ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺼﺮاع اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻌﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻒ ،وﻻ ﻧﻤﻠﻚ اﻵن رﻓﺎﻫﻴﺔ اﻟﺘﻔﺮغ ﻟﻠﺘﻨﺎزع وﺗﻔﺮﻳﻎ ﻛﻞ اﻟﻄﺎﻗﺔ ﻓﻴﻪ .ﺗﺄﺧﺮﻧﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم وﻋﻠﻴﻨﺎ اﻵن أن ﻧﺸﺮع ﻓﻰ ﻋﻘﺪ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ وﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ودراﺳﺔ ﻣﻌﻄﻴﺎﺗﻪ ،ﺛﻢ اﻻﻧﻄﻼق ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﻤﻨﻬﺞ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﻘﺒﻠﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ وﻳﺤﻔﻆ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺣﺴﺎﺳﻴﺘﻪ وﻳﺮاﻋﻲ ﺗﺨﻮﻓﺎﺗﻪ .وﻟﻴﺲ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ وﻟﻜﻦ اﻟﺨﻄﻮة اﻷوﻟﻰ ﻫﻲ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ *ﺑﺎﺣﺚ وﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
129
ĊěĎńĿí ﺗﺤﺪﻳﺎت ،وﻳﺘﻀﻤﻦ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻓﻘﺮة » ﺷﻮر« اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪم ﻧﺼﺎﺋﺢ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺧﻮض اﻟﻤﻀﻤﺎر اﻟﺘﺠﺎري وأﺻﺤﺎب اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻟﻴﻮﺳﻊ ﻣﺪارﻛﻬﻢ ﺣﻮل اﻟﺘﺠﺎرة واﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ،ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻘﺪم اﻹذاﻋﺔ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ »اﻟﺮاﻳﺢ« اﻟﺬي ﻳﺘﻀﻤﻦ اﻷﺳﺮة واﻟﺘﺮاث واﻟﺼﺤﺔ واﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺗﻘﺪﻣﻪ ﺳﻤﺎح اﻟﻌﺒﺎر ،وﻳﻌﺮض دراﺳﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ وﻣﻬﻤﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺬه اﻟﺸﺆون .أﻳﻀً ﺎ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ » اﻷﺻﺎﻳﻞ« ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ راﺷﺪ اﻟﺨﺎﺻﻮﻧﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺼﺐ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﻬﺠﻦ وﺳﻼﻻﺗﻬﺎ وﺳﺒﺎﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، وﺣﻮارات ﻣﻊ ﻣﻼﻛﻬﺎ .واﻫﺘﻤﺖ اﻹذاﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻦ اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺒﻴﺌﺎﺗﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﺨﺼﺼﺖ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ »ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻨﺔ« ،ﻳﺴﺘﻀﻴﻒ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺿﻴﻮف ﻳﺤﺎورﻫﻢ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻔﻼﺳﻲ واﻟﻤﻠﺤﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺟﻤﻌﺔ و« ِﻣﺰاﻣﻞ« وﻫﻮ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺷﻌﺮي ﻣﻊ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن وراﺷﺪ ﻏﺎﻧﻢ ،ﻳﺘﻨﺎول ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ واﻷﺷﻌﺎر اﻟﻨﺒﻄﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﻐﻮص ﻓﻲ ﺑﺤﻮر اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﺤﻠﻲ ورﻣﻮزه وﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻳﻘﺪﻣﻪ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن وراﺷﺪ ﻏﺎﻧﻢ .إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﻤﻌﺘﺎدة ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻢ اﻷول وﻫﻲ »ﺻﺒﺎح اﻷوﻟــﻰ« ﻣﻊ ﺳﺎﻟﻢ ﻣﺤﻤﺪ ،و»ﻟﻠﺸﺒﺎب رأي« ﻣﻊ أﺛﻴﺮ ﺑﻦ ﺷﻜﺮ ،و»اﻷوﻟــﻰ ﻣﻊ اﻷوﻟﻰ« ﺗﻘﺪﻣﻪ أم اﻹﻋﻼم ﺣﺼﺔ اﻟﻌﺴﻴﻠﻲ و«ﻣﻴﺎدﻳﻦ« ﻣﻊ راﺷﺪ اﻟﺨﺎﺻﻮﻧﻲ وﻣﺴﻠﻢ اﻟﻌﺎﻣﺮي واﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺤﺪﻳﺚ ﻣﻀﻤﻮن اﻟﻄﺮح ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺘﺘﻨﺎول ﺟﻮاﻧﺐ وﻣﻮاﺿﻴﻊ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻓﻘﺮات ﺟﺪﻳﺪة. وﺗﺮدف اﻟﺒﻨﺎي :اﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أ ّن اﻟﺪورة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺳﻮف ﺗﺘﻨﺎول ﺷﺘﻰ اﻟﻤﻮاﺿﻴﻊ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ وإﺛﺮاء ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟﻔﻨﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻟﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ وﺗﻠﻘﻲ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ أﺑﺮز رواد اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺳﺘﺨﺺ وﺗﻼﻣﺲ ﻣﻮاﺿﻴﻊ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﺗﺠﺴﺪ ﺗﻄﻠﻌﺎت اﻟﺸﺒﺎب وﺗﺴﻤﻊ آراﺋﻬﻢ .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن اﻷوﻟﻰ ﺳﺘﺤﺮص أﻳﻀً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻮف إﻟﻘﺎء اﻟﻀﻮء ﺑﺸﻜﻞ أوﺳﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﻣﻊ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻧﺘﺎج ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺤﺼﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻀﺎف إﻟﻰ رﺻﻴﺪ اﻻﻧﺠﺎزات اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻟﻸوﻟﻰ.
128
إذاﻋﺔ »ا وﻟﻰ« ﻋﻠﻰ ﺗﺮدد 107.4
ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻻﺳﺘﻮدﻳﻮ
وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﺳﺘﻮدﻳﻮ اﻷوﻟﻰ ،ﺗﺆﻛﺪ اﻟﺒﻨﺎي ﺳﻌﻲ »اﻷوﻟــﻰ« وﻫﻲ اﻟــﺬراع اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻟﻤﺮﻛﺰ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ وﻣﻨﺬ اﻧﻄﻼﻗﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﺳﺘﺨﺪام أﺣﺪث اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﻤﺘﻄﻮرة واﻟﻌﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ ،ﻓﻬﻲ داﺋ ًﻤﺎ راﺋﺪة وﺳ ّﺒﺎﻗﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺚ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت واﻟﻤﻀﻤﻮن ،وﺗﻬﻴﺌﺔ ﻣﻨﺼﺎت اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ذﻛﻴﺔ ﻣﺒﺘﻜﺮة وﻟﻐﺔ ﻋﺼﺮﻳﺔ وﺧﺼﻮﺻﺎ ﺟﻴﻞ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺬي ﻣﻊ اﻟﺠﻤﻬﻮر، ً أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺸﺎرﻳﻌﻪ ﺳﺎﺋﺪة ،ﻟﺬا ﺣﺮﺻﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺰوﻳﺪ اﻻﺳﺘﻮدﻳﻮ ﺑﺎﻷﺟﻬﺰة اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻧﺘﺎج وﻋﻠﻰ أﻳﺪي ﺧﺒﺮاء ﻣﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل. ﻓﺮﻳﻖ اﻟﻌﻤﻞ
وﺗﺆﻛﺪ اﻟﺒﻨﺎي أﻧﻬﻢ ﺣﺮﺻﻮا ﻋﻠﻰ رﻓﺪ اﻹذاﻋﺔ ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ اﻟﻮاﻋﺪة اﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﺖ ﺣﻀﻮ ًرا ﻣﻤﻴ ًﺰا ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ وﻳﻤﺜﻞ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﺎ ﻧﺴﺒﺘﻪ % 80ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ دون ﻏﻴﺎب اﻟــﻜــﻮادر اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﻤﺨﻀﺮﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺑﺎع وذراع ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ واﻟﺘﻲ أﺳﻬﻤﺖ ﺑﺪورﻫﺎ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ ﺧﺒﺮاﺗﻬﺎ ﻟﻠﻜﺎدر اﻟﺸﺒﺎﺑﻲ ،وﻫﺆﻻء ﻫﻢ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻤﺠﻬﻮﻟﻮن ،وﺗﻀﻴﻒ :ﻓﺒﻔﻀﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﻪ اﻹذاﻋﺔ ﻣﻦ دﻋﻢ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ وإﺷﺮاف ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻣﻦ ﺳﻌﺎدة ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ دﻟﻤﻮك اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻤﺮﻛﺰ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ ﻹﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث وﺟﻬﻮد اﻟﻜﺎدر اﻹﻋﻼﻣﻲ اﻟﻤﺘﻤﺮس ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺘﺮاﺛﻲ اﻹﻋﻼﻣﻲ ﺗﻤﻜ َﻨﺎ وﻓﻲ ﻏﻀﻮن ﻓﺘﺮة ﻗﺼﻴﺮة ﻣﻦ ﺣﺠﺰ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻨﺎ ﺗﻔﻀﻴﻼ ﻟﺪى ً ﺿﻤﻦ اﻟﻘﻨﻮات اﻟﻌﺸﺮ اﻷﻛﺜﺮ اﻟﻤﺴﺘﻤﻌﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ وﻓﻖ إﺣﺼﺎﺋﻴﺎت أﺟﺮﺗﻬﺎ ﺷﺮﻛﺔ إﺑﺴﻮس اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،وﻫﻲ ﺗﻌﺪ ﺑﺪاﻳﺔ ﻧﺎﺿﺠﺔ وﻣﺘﻤﻴﺰة ﻹذاﻋﺘﻨﺎ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ أﻛﺜﺮ وﺣﺮﺻﺎ وﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻓﺨ ًﺮا ً اﻟﺘﻤﻴﺰ واﻟﺘﻨﻮع واﻹﺑــﺪاع واﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻟﺠﺬب اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻤﻌﻴﻦ ،وﺗﺤﻘﻴﻖ اﻷﻫﺪاف اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺊ اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻷﺟﻠﻬﺎ
ﻓﻲ ﺟﻌﺒﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺮاﻣﺞ وﻣﻔﺎﺟﺂت وﺣﻮل اﻹذاﻋﺔ واﻧﻄﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﻔﺼﻴﻠﻲ وﻣﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻲ »اﻷوﻟﻰ« واﻟﻤﻜﺘﺐ اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻓﻲ دورﺗﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﺗﻘﻮل ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺒﻨﺎي ﻣﺪﻳﺮ إذاﻋﺔ ﻷوﻟﻰ« اﻷوﻟﻰ ﻫﻲ إﺣﺪى ﻣﺒﺎدرات ﻣﺮﻛﺰ ﻣﺮﻛﺰ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ ﻹﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث :إذاﻋﺔ وﻟﻰ ول ﺑﺚ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2014 ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻹﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث ،ﺗﺼﺐ أﻫﺪاﻓﻬﺎ ﻣﻨﺬ أول ﻋﻠﻰ ﺗﺮدد 107 .4ﻓﻲ اﻟﻤﻜﻨﻮن اﻟﺘﺮاﺛﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،ﻓﻔﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ واﻟﻌﺼﺮﻧﺔ أﺻﺒﺢ ﺣﺮﻳﺼﻮن ﻛﻞ اﻟﺤﺮص ﻋﻠﻰ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﻫﻨﺎك ﺗﻮﺟﺲ ﻣﻦ ﻓﻘﺪان اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ،وﻷﻧﻨﺎ ﺼﻮن ﺑﻬﺬا اﻟﻜﻨﺰ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﺣﺮﺻﻨﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻧﺴﻌﻰ ﻹﻳﺼﺎﻟﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺳﻌﺖ اﻹذاﻋﺔ ﻋﻠﻰ أن ﺗﺨﺎﻃﺐ ﻛﺎﻓﺔ ﻓﺌﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻄﺮﺣﻨﺎ دورة ﺑﺮاﻣﺠﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﺳﺐ واﻟﻔﺌﺎت اﻟﻌﻤﺮﻳﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﺗﺼﻠﻬﻢ رﺳﺎﻟﺔ اﻹذاﻋﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ وأﻋﻤﺎرﻫﻢ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﺪورة اﻷوﻟﻰ. ﻣﻮﺳﻢ ﺟﺪﻳﺪ
وﺗﺸﻴﺮ اﻟﺒﻨﺎي إﻟﻰ أن اﻹذاﻋﺔ أﻃﻠﻘﺖ ﺑﺘﺎرﻳﺦ 27ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،2015دورة ﺑﺮاﻣﺠﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﻋﺎم ﻣﻦ اﻟﺘﻤﻴﺰ واﻟﻌﻄﺎء ﻟﺘﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻮﺳ ًﻤﺎ آﺧﺮ وﺗﻜﻤﻞ ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ ﻛﺈذاﻋﺔ وﻃﻨﻴﺔ، إﻃﺎرﻫﺎ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ،وﺗﻮﺳﻊ اﻟﻤﺨﺰون اﻟﺘﻲ وإن ﺗﻨﻮﻋﺖ اﻟﻔﺌﺔ اﻟﻌﻤﺮﻳﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺘﺎﺑﻌﻬﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻃﺎرﻫﺎ ﻏﻨﻴﺎﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻠﻢ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺸﻤﻞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر ﺣﻮل اﻟﺘﺮاث ﺳﻴﻤﺎ ودوﻟﺘﻨﺎ ﺗﻤﻠﻚ ﻛﻨ ًﺰا ﻏﻨﻴً اﻟﺪورة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺑﺮاﻣﺞ ﻟﻢ ﺗﺒﺚ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻢ اﻷول ﻻﻧﻄﻼق اﻹذاﻋﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ ، اﻟﻔﻼﺳﻲ ،اﻟﺬي ﻳﻐﻄﻲ ﻣﻌﺎﻟﻢ إﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻲ »ﺣﻴﺎك ﻓﻲ ﺑﻼدي « ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻖ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ وﻳﺴﺘﻀﻴﻒ ﺷﺨﺼﻴﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ وﺗﺮاﺛﻴﺔ ،وﻳﺴﻠﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻠﻚ ﻣﻌﺎﺻﺮة ،ﻟﻬﺎ ذﻛﺮﻳﺎت ﻓﻲ رﺑﻮع ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ وﺷﺨﺼﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺘﺼﻴﻦ ، ﺳﻴﺎﺣﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أﺗﻴﺤﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻟﺘﺰوﻳﺪ اﻟﻤﺴﺘﻤﻊ ﺑﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻟﻠﻤﺴﺘﻤﻊ ﻓﻘﺮة ﻣﺮاﺳﻠﺔ اﻹذاﻋﺔ ﺑﺎﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺘﻬﺎ ﻠﻘﺔ اﻟﺤﻠﻘﺔ وﻫﻮ ﻣﺎ ت ﻟﺤﻈﺎت اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﺮﺑﺎط ﺑﻴﻦ اﻹذاﻋﺔ واﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺶ ي اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﺻﻮﺗﺎ وﺻﻮرة ،ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻤﻴﺰت إذاﻋﺘﻨﺎ ﺑﺎﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ » اﻟﺘﺎﺟﺮ« ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪواوي وﻳﺘﺨﺬ ﻫﺬا ﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺗﻮﺟ ًﻬﺎ ﺗﺠﺎرﻳًﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺮض اﻟﻤﺸﺮوﻋﺎت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻠﻂ وﻳﺴﻠﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ وﻟﻘﺎءات ﻣﻊ ر ﺗﺠﺎر ﻋﺎﺻﺮوا ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻟﻴﺘﺤﺪﺛﻮا ﻋﻦ ﺗﺠﺎرﺑﻬﻢ وﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ وﻣﺴﻴﺮﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل وﻣﺎ واﺟﻬﻮه ﻣﻦ
ﻤﺒﺮ 2015 ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤ اﻟﻌ
127 12 27
ĊěĎńĿí
ﺛﻴﻤﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺑﺮؤﻳﺔ ﻋﺼﺮﻳﺔ
إذاﻋﺔ »ا4وﻟﻰ« ﻋﻠﻰ ﺗﺮدد 107.4 إﺣﺪى ﻣﺒﺎدرات ﻣﺮﻛﺰ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ Kﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث
ﺗﻘﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺮي
ﻣﻨﺬ اﻧﻄﻼﻗﺘﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ﻓﺠﺮ اﻷول ﻣﻦ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2014م، وﺑﺘﻮﺟﻴﻬﺎت ﻣﻦ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ،وﺗﺠﺴﻴﺪً ا ﻟﺮؤى ﺳﻤﻮه ﻓﻲ اﻟﺴﻌﻲ ﻟﺪﻳﻤﻮﻣﺔ واﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻟﺘﺮاث وﺗﻨﺎﻗﻠﻪ ﻋﺒﺮ اﻷﺟﻴﺎل؛ ﺣﺮﺻﺖ »إذاﻋــﺔ اﻷوﻟــﻰ »أن ﺗﻜﻮن أول إذاﻋــﺔ وﻃﻨﻴﺔ ،ﻣﺤﻠﻴﺔ ،إﻣﺎراﺗﻴﺔ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز ،ﺗﺘﻨﺎول اﻟﻤﻮاﺿﻴﻊ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺼﺮي وﻣﺘﻮازن ﻳﺴﺘﻬﻮي ﺟﻤﻴﻊ ﺷﺮاﺋﺢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،وﺗﺮﺑﻂ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﺤﻠﺔ ﻋﺼﺮﻳﺔ ﺗﻨﺸﺊ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ودﻳﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺒﺎب واﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻹﻃﻼع ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ أﻟﻔﻬﺎ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ،ﻣﺴﺘﻌﻴﻨﺔ ﺑﺄﺣﺪث اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﺘﻨﻘﻞ ﻟﻠﻤﺴﺘﻤﻊ اﻟﺼﻮرة ﻋﺒﺮ اﻟﺼﻮت ﻟﺘﺠﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺮب ﻣﻦ اﻟﺤﺪث. واﺗــﺨــﺬت اﻹذاﻋـــﺔ ﻣــﻦ ﺷﻌﺎرﻫﺎ »ﻣﻨﻜﻢ وﻓﻴﻜﻢ« ﻫﺪﻓًﺎ ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻤﺴﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻹذاﻋﺔ وإﺗﺎﺣﺔ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻃﺮح اﻷﻓﻜﺎر أو اﻟﺘﻌﻠﻴﻖ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻮاﻗﻊ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﺣﺮﺻﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﻴﺰ ﻣﻨﺬ اﻧﻄﻼﻗﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮن ﺑﺬﻟﻚ اﻹذاﻋﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻚ ﺣﺴﺎب »ﺳﻨﺎب ﺷﺎت«.
126
إذاﻋﺔ »ا وﻟﻰ« ﻋﻠﻰ ﺗﺮدد 107.4
ﻣﻘﺎﺑﻞ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻔﺪادﻳﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﺣﺼ ًﺮا ..ﻟﻢ ﻳﻘﻞ أﻳﻀً ﺎ ،إن ﻫﺎرون وﻋﻮض ﻣﻨﻌﺎ ﻋﻨﻪ اﻟﺮي ﺗﺤﺖ اﻟﺴﻼح ﻋﺪة أﺷﻬﺮ ،وﺣﻴﻦ ﻳﺄس ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺼﻮل ،ﺑﺎﻋﻪ ﻟﻠﻤﻐﻔﻠﻴﻦ ﺻﺎﻟﺢ وﻣﺼﻠﺢ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﻋﻮض ﻟﻴﻔﺴﺪ اﻟﺒﻴﻌﺔ. ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺑﺮ أن ﻳﺴﺘﻤﻊ ﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وأن ﻳﺮﺳﻞ أﺑﻮ ﺧﻀﻴﺮ )ﺧﻔﻴﺮه اﻟﺨﺼﻮﺻﻲ( ،إﻟﻰ »ﺳﻴﻼ« ﻟﻴﺤﻀﺮوا ﻳﻌﻘﻮب اﻟﺼﺮاف ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﺪع ،وﻳﺒﻌﺚ ﺑﻤﺤﻤﺪ أﻧﻮر اﻟﺮاﺳﻲ إﻟﻰ اﻟﺠﻌﺎﻓﺮة ﻟﻴﺄﺗﻮه ﺑﺎﻟﻌﻤﻼق »ﺷﻌﺒﺎن وﺳﻴﻠﺔ« ،أﺣﺪ أﻛﺒﺮ ﺻﺎﺋﺪي اﻟﻨﻤﻴﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺮ اﻟﻤﺼﺮي ﻛﻠﻪ. ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺑﺮ أن ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﺮواﻳﺎت أﺧﺮى ،ﻟﺬﻟﻚ ،أﻣﺮ ﺧﻔﺮه أن ﻳﻌﺪوا ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻠﻀﻴﻮف ،وأن ﻳﺠﻤﻌﻮﻫﻢ ﻓﻲ ﺑﺎﺣﺔ واﺳﻌﺔ وﻳﻔﺮدون ﻟﻬﻢ اﻟﺤﺼﻴﺮ واﻟﻮﺳﺎﺋﺪ ،وﻳﻄﻌﻤﻮﻧﻬﻢ ﺣﺘﻰ اﻻﻣﺘﻼء. ﻳﻘﻮل ﺟﺎﺑﺮ«:ﺟﻠﺴﺖ ﺧﻠﻒ ﺻﺤﻦ اﻟﺪار ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب اﻟﺸﺮﻗﻲ، أﺳﺘﻤﻊ ﻟﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻧﻪ ،ﻛﺄﻧﻲ أﺳﻤﻊ إﻟﻰ اﻟﺮادﻳﻮ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ )ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ اﻟﻮﺿﻮح(«. ﻛﺎن ﺻﺎﺑﺮ أول ﻣﻦ ﺑﺪأ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﺣﻴﻦ اﻧﻐﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺒﺎب اﻟﻜﺒﻴﺮ، أﻣﺴﻚ ﺑﺘﻼﺑﻴﺐ رزق وﻫﻮ ﻳﺼﺮخ «:اﻟﺒﺖ ﻋﺮﺟﺖ ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﺒﻬﺎﻳﻢ.. ﺗﻀﺮب ﺑﻨﺖ أﺧﻴﻚ ﺑﺎﻟﻨﺎر ،ﺗﻤﺸﻲ ﻣﻠﻂ ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع ﻳﺎ ﻋﺎﻳﺐ«.. ﻟﻴﺘﺪﺧﻞ ﻫﺎرون ﺳﺎﺣ ًﺒﺎ ﻳﺪ ﺻﺎﺑﺮ ﻣﻦ ﺗﻼﺑﻴﺐ رزق وﻳﻘﻮل«:وﻫﻮ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻠﻲ ﻋﻮر ﺑﻨﺖ أﺧﻮه ،أوﺳﺦ وﻻ راح ﻳﺒﻴﻌﻬﺎ ﻟﻠﻲ ﻛﻠﻮا ورث أﺑﻮﻧﺎ؟«. ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ اﻟﻤﺸﺎﺟﺮة ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻔﺠﺮ ،وﺣﻴﻦ اﻧﻬﺪ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺐ ،ﻛﺎن ﺻﺎﺑﺮ ﻳﻠﻤﻠﻢ ﺛﻮﺑﻪ اﻟﻤﻤﺰق ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﺎرون واﻟﻔﻘﻲ ﻳﺘﺤﺪﺛﺎن ﻋﻦ وﻟﻴﻔﺔ اﺑﻨﺔ أﺧﻴﻬﻢ ،وﺳﻠﻮﻛﻬﺎ اﻟﻤﻌﻮج ،ﻓﻴﻤﺎ أراح رزق رأﺳﻪ اﻟﻤﺸﺠﻮج إﻟﻰ وﺳﺎدة ﺧﺸﻨﺔ ،وﺧﻠﻊ ﻣﻼﺑﺴﻪ اﻟﺴﻔﻠﻴﺔ ﻟﻴﺸﻌﺮ »ﻛﺄﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺪار« .أﻣﺎ ﻣﺼﻠﺢ وﺻﺎﻟﺢ ،ﻓﺎﻟﻠﻪ وﺣﺪه ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻬﻤﺎ ﻳﻨﺎﻣﺎن ﻓﻲ ﺣﻀﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﻌﻀﺎً ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻋﺎﺷﻘﻴﻦ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ
ﺟﻠﺲ ﻋﻮض ﻗﺮب ﺻﺎﻟﺢ ،ﻳﺤﺎول أن ﻳﺮﺗﺐ ﻣﻌﻪ ﺻﻔﻘﺔ ﻟﻠﻐﺪ«:ﻣﺎﻫﻮ اﻧﺖ ﻟﻮ ﺗﻔﺘﺢ دﻣﺎﻏﻚ ﻣﻌﺎﻳﺎ ،ﻫﺎﻧﺎﻛﻠﻬﻢ ،ده أﺗﺨﻦ واﺣﺪ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﺤﻒ، إﻧﺖ ﺣﻄﺖ إﻳﺪك إﻳﺪي ،وﻧﻜﻠﻢ ﻋﻤﻚ ﻋﻠﻰ 3ﻓﺪادﻳﻦ ﻛﻤﺎن ،ﻧﺮﻣﻲ ﻟﻜﻞ ﻛﻠﺒﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺪان ،وﻧﺸﺎرك ﺻﺎﻟﺢ وﻣﺼﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻗﻲ ،وﺗﺒﻘﻰ ﺟﺒﺮت«. اﺳﺘﻤﻊ ﺟﺎﺑﺮ إﻟﻰ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،وﺣﻴﻦ ﻫﺪأ اﻟﻌﺮاك ،ﺧﺮج ﻟﻴﺨﻄﻒ ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﻮم ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻠﻖ ﻣﻨﺎﻣﻪ أﺑﻮ ﺧﻀﻴﺮ وﻫﻮ ﻳﺼﻴﺢ ﻣﻌﻠﻨﺎ ﺑﺪء ﺟﻠﺴﺔ اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ. اﺳﺘﻤﺮت اﻟﺠﻠﺴﺔ ﺳﺒﻊ ﺳﺎﻋﺎت ﻃﻮال ،رواﻳﺔ ﺿﺪ رواﻳﺔ ،وﺣﺪﻳﺚ ﺿﺪ ﺣﺪﻳﺚ ،وأزﻣﺔ ﻣﻔﺘﻌﻠﺔ ،ﺗﻐﻄﻲ ﻋﻠﻰ أزﻣﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻨﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ أﺻﻼ أرض ﻣﻴﺮي )ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ( إﻻ ﺣﻴﻦ ﺻﺮخ ﻳﻌﻘﻮب«اﻷرض ً اﻧﺘﻮ ﺑﺘﺘﺨﺎﻧﻘﻮا ﻋﻠﻰ دﻳﻞ اﻟﻌﺠﻞ؟« ..ذﻫﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﺮﻳﺢ اﻟﻤﺒﺎﻏﺖ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺷﺪد ﺷﻌﺒﺎن وﺳﻴﻠﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻛﻼم اﻟﺼﺮاف«:اﻟﻠﻪ ﻳﺮﺣﻢ ﺟﺪك إﻧﺖ وﻫﻮ ،ﻛﺎن ﺑﻴﻨﺤﺖ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ اﻟﻮﺳﻴﺔ ورا ﺑﻴﺖ اﻟﺠﺎرﺣﻲ، وﻟﻤﺎ ﺷﻨﺎﺑﻪ ﻃﺎﻟﺖ ،ﻫﺒﺶ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﻐﺮﻳﻖ )اﻟﻔﻴﻀﺎن اﻟﻀﺨﻢ(، وﻋﻤﻞ ﺳﺒﻊ رﺟﺎﻟﺔ«. ﻛﺎن اﻟﺤﻮار ﺻﺎد ًﻣﺎ واﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻲ اﺗﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺼﺮاف وﺷﻌﺒﺎن ﻣﻊ ﺟﺎﺑﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﻠﺴﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﺘﺠﻌﻞ أﺷﺪ اﻟﻨﺎر رﻣﺎ ًدا ..وﺣﻴﻦ أدرك اﻟﺠﻤﻴﻊ أي ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺳﻮف ﻳﻘﻌﻮن ﻓﻴﻬﺎ ،ﻗﻀﻰ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﺎﻷﻣﺮ»:اﺑﻨﻚ ﻳﺎرزق ﻳﺎﺧﺪ وﻟﻴﻔﻪ ،وﻋﻮض اﻟﻌﻴﺎر راﺟﻞ ..وﺻﺎﻟﺢ وﻣﺼﻠﺢ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻓﺪان ،وﻳﻜﺘﺒﻮا ﻋﺪم اﻟﺒﻴﻊ إﻻ ﻟﺨﻮاﺗﻬﻢ ،ورﻣﻀﺎن ﻳﺎﺧﺪ ﺑﻴﺖ ،وﺻﺎﺑﺮ ﻧﺺ ﻓﺪان وﺑﻬﻴﻤﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺎرون ﻳﺸﺎرك ﺳﻴﺪ أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻒ ﻓﺪان وﺑﻴﺘﻴﻦ ..واﻟﺒﺎﻗﻲ ﺑﻬﺎﻳﻢ ورﻛﺎﻳﺐ ،ﻳﺘﻘﺴﻢ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺷﻌﺒﺎن وﺳﻴﻠﺔ، وﻳﻌﻘﻮب اﻟﺼﺮاف وﻋﻮض«. ﺧﺮج اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﺻﺤﻦ اﻟﺪار داﺋﺨﻴﻦ ،ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺟﻨﺎه وﻓﻲ رأﺳﻬﻢ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ﻓﻜﺮة واﺣﺪة«:ﻟﻮ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻨﺎ دي ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻤﻴﺮي.. ﻫﺎﻧﻘﻠﻬﻢ اﻟﻌﻤﺪة ﺣﻜﻢ« *ﺷﺎﻋﺮ وﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
ﺗﻮاﺻﻴﻒ ﻌﻤﻌﻢ ﺛﻮر ْﻣ َ ﻓﻬﻢ اﻻﻧﻘﻴﺎد ،ﻓﻬﻬﻢﻢ ﻘﻴﺎد، ﺳﺮﻳﻌﻲ اﻻﻧﻘ ﺎد ﻳﻌﻲ ﺮﻳﻌﻲ ﺮﻳﻌ ﺳﺮﻳ اﻟﺒﻠﻬﺎءء ﺮ اﻷﻗﻮﻳﺎء اﻟ ﻠﻬﺎﺎ اﻟﻤﻌﻤﻌﻢ أي اﻟﺬي ﻳﻠﺒﺲ اﻟﻌﻤﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ .وﻫﻮ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ اﻷﺷﺨﺎص ﻮﻳﺎء ﻛﺎﻟﺜﻴﺮان إﻻ أن اﻟﻔﺎرق ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻠﺒﺴﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﻤﺎﻣ ًﺔ أو ﻏﻄﺎ ٍء ﻋﻠﻰ رؤﺳﻬﻢ. ﻳﻀﺮب ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻼدة واﻟﺒﻼﻫﺔ.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
125
ﺿﻮء آﺧﺮ
ﺣﻜﻤﺖ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺣﻴﻦ ﻳﻠﻌﻠﻊ اﻟﺮﺻﺎص ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات ﻗﺎﺻ ًﺪا اﻟﻠﺤﻢ اﻟﻄﺮي ،ﺳﻴﻌﺮﻓﻮن أن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺗﻠﻮث ﺑﺎﻟﺪم ﺣﺘﻰ اﻟﻌﻨﻖ ،وأن أﻳًﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻻﻳﺼﻠﺢ ﻟﻠﻮﺳﺎﻃﺔ وﻻ ﻃﻠﺐ اﻟﺼﻠﺢ ،وأن ﺳﺒﻊ ﻋﺸﺮة ﻗﺮﻳﺔ ﺑﺠﻮارﻫﻢ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻮﻗﻒ ﺑﺤﺮ اﻟﺪم اﻟﺬي ﻳﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﺣﻴﻦ وﺻﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ،ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﻳﺮﻛﺒﻮا ﺳﺒﻊ ﻧﻮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺎت ،وﻳﺮﺗﺤﻞ ﻛﻞ ﻓﻲ رﻛﺎﺑﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻠﻮن إﻟﻰ »واﺳﻄﺔ اﻟﻌﻘﺪ« ،اﻟﺠﺎﻟﺲ ﻋﻠﻰ رأس ٌ ﺑﻴﺘﻪ ،ورﻳﺚ اﻟﺴﻼﻟﺔ وﻧﺴﻞ »اﻟﻬﻮاﺷﻢ« ،ﻫﻨﺎك ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف »ﺑﺤﺮ ﻳﻮﺳﻒ« ﺣﻴﺚ ﺟﺎﺑﺮ ﻳﺠﻠﺲ وﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻧﻈﺮة ﻋﺘﺐ. ﻛﺎﻧﻮا ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﺧﻮة ،رﺑﺘﻬﻢ اﻟﺴﻨﻮن ﺣﻴﻦ ﻏﺎب اﻷب وﺗﺎﻫﺖ اﻷم ﺑﻴﻦ اﻷﻋﻤﺎم ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ ٍ إرث ﻟﻦ ﻳﺄﺗﻲ أﺑ ًﺪا ..ﻫﻢ ﺑﺘﺮﺗﻴﺐ اﻟﺴﻦ :ﺻﺎﺑﺮ اﻟﺬي ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺠﺒﺎل ﻃﻮﻻً وﻋﺮﺿً ﺎ ،وﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻴﻦ ﺧﻤﺴﺔ وﻣﻦ اﻟﺒﻨﺎت وﺣﻴﺪة اﻟﺪﻫﺮ ﻓﻲ ﺟﻤﺎل ﺳﺎﻗﻴﻬﺎ »وﻟﻴﻔﺔ« ..وﺛﺎﻧﻴﻬﻢ ﺳﻴﺪ أﺣﻤﺪ ،وﻫﻮ اﻟﻤﻔﻀﻞ ﻟﺪى ﻧﺴﺎء ﺧﻤﺲ ﺑﻴﻮت ﻟﻠﺪﻋﺎرة ﻛﺎن ﻳﻤﻸ ﻏﺮﻓﻬﺎ ﺿﺠﻴ ًﺠﺎ ﻟﺴﺖ ﺳﻨﻮات ،ﺣﺘﻰ اﻧﻬﺪت إﺣﺪاﻫﻦ ﺗﺤﺘﻪ ﻓﺴﺠﻨﻪ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻷﻧﻪ »ﻣﺪب« ..أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ﻓﻜﺎن ﺗﻮأم اﻟﺮاﺑﻊ ،ﻓﺤﻴﻦ ﺣﺒﻠﺖ رﺳﻤﻴﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﺤﺮز أﺑﻮ اﻟﻤﻜﻴﺎل ،ﺧﺮج ﻣﻦ رﺣﻤﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﺮاح اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﺻﺎﻟﺢ وﻣﺼﻠﺢ ،ﻓﻜﺎﻧﺎ ﻛﻮﺟﻬﻴﻦ ﻟﻌﻤﻠﺔ واﺣﺪة ،ﻳﺘﺤﺪﺛﺎن ﺳﻮﻳًﺎ، وﻳﺼﻤﺘﺎن ﺳﻮﻳًﺎ ،وﻳﻐﻴﺒﺎن ﻋﻦ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﺴﻜﺮ ﺳﻮﻳًﺎ ..ﻛﺎن ﺻﺎﻟﺢ وﻣﺼﻠﺢ ﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ ﻓﺮﻳ ًﺪا ﻓﻲ اﻟﻐﺒﺎء ،ﻓﺘﺰوﺟﺎ ﺷﻘﻴﻘﺘﻴﻦ ،وﺗﺒﺎدﻻ اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺼﺪر رﺣﺐ ،ﻓﺼﺎر ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ أﺣﺪ ﻋﺸﺮ وﻟ ًﺪا وﻓﺘﺎة ﻻ ﻳﻌﺮف أﺣﺪ ﻣﻦ واﻟﺪ َﻣﻦ. ﺣﻤﻼ ،ﻓﺮزق اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻓﻲ ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻹﺧﻮة اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺒﺎﻗﻮن ،ﻛﺎﻧﻮا أﻛﺜﺮ ً ﻛﺎن ﻧﺠﺎ ًرا ﻋﻔ ًﻴﺎ ورث ﻋﻦ أﺑﻴﻪ ﻣﻬﺎرة اﻹﻧﺠﺎب اﻟﻤﺘﺘﺎﺑﻊ ﻟﻠﺬﻛﻮر ،وﻋﻦ أﻣﻪ ﻳﺄﺳﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺮ ﻛﻠﻪ ،ﻓﺒﺪا ﻳﺘﺤﺮك ﻋﻠﻰ ﻣﻀﺾ ﻟﻠﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺤﻘﻮق اﻟﻤﻬﺪورة ،وﺣﻴﻦ أزﻓﺖ اﻵزﻓﺔ ،ﺧﺮج ﻋﺮﻳﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺪار وﻫﻮ ﻳﺸﻬﺪ اﻟﺨﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ»:اﻟﻠﻪ ﻳﺤﺮﻗﻚ ﻳﺎ آﺑﺎ ..ﺧﻠﻔﺖ ﺧﺸﺐ ﻃﻔﺶ«، ﻳﺎﺋﺴﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺐ ﺳﻮى وﻟﻴﻔﺔ ﺛﻢ رﻓﻊ ﺳﻼﺣﻪ وأﻃﻠﻖ اﻟﻨﺎر ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ً اﺑﻨﺔ ﺻﺎﺑﺮ )ﺣﻠﻴﻔﻪ اﻟﻮﺣﻴﺪ وﺳﻂ اﻹﺧﻮة( ﻟﺘﺴﺘﻘﺮ اﻟﺮﺻﺎﺻﺔ ﻣﺤﻠﻴﺔ
124
ﺣﻜﻤﺖ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ
أﺣﻤﺪ ﻣﺤﺠﻮب@
اﻟﺼﻨﻊ ﻓﻲ ﻛﻌﺒﻬﺎ وﺗﻮرﺛﻬﺎ ﻋﺮ ًﺟﺎ ﺧﻔﻴﻔًﺎ راﻓﻘﻬﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺒﺮ. أﻣﺎ اﻟﺴﺎدس ﻓﻬﺎرون ،وﻣﺎ أدراك ﻣﺎ ﻫﺎرون ،ﻫﻮ ﺗﺎﺟﺮاﻟﻐﻠﺔ ،وﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪﺳﻴﺴﺔ ،اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ »ﺣﻠﺐ اﻟﻨﺎﻣﻮﺳﺔ« ﻃﻤ ًﻌﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻳﻘﻮل اﻻﻗﺪﻣﻮن، إن إﻣﻪ ﺣﻴﻦ ﺣﺒﻠﺖ ﺑﻪ ،رأت ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻬﺎ ﻛﺄن وﻟﻴﺪﻫﺎ ﻳﻄﻌﻤﻬﺎ ﺗﺮاﺑًﺎ ﺣﺘﻰ اﻧﺴﺪت »ﻣﺮاوﺣﻬﺎ«. اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺮﻣﻀﺎن اﻟﻔﻘﻲ ﻛﺎن ﺣﻜﺎﻳﺔ أﺧﺮى ،ﻳﺠﻴﺪ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﻳﻔﻬﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ،وﻳﺤﻔﻆ ﺧﻤﺲ ﻋﺸﺮة ﺳﻮرة ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻗﻄﻊ ﻧﺨﻠﺔ ﺑﺠﻮار ﺗﺮﻋﺔ أﻳﻮب ،وﺻﻨﻊ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻛﺘﺎﺑًﺎ، ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﺒﺎدئ اﻟﺤﺴﺎب واﻟﻠﻐﺔ ،ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺒﻴﺾ واﻟﺨﺒﺰ وﺣﻖ اﻟﺘﻠﺼﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺎء ﺧﻼل رﺣﻠﺔ اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم ﺧﻠﻒ اﻟﻜﺘﺎب. »ﻛﻠﻬﻢ ﻛﻮم وﻋﻮض ﻛﻮم ..ﻛﻠﻬﻢ ﻛﻮم ..وﻋﻮض ﻛﻮم ﺳﺒﺎخ« ،ﻫﻜﺬا ﻛﺎن ﺟﺎﺑﺮ ﻳﺤﻜﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺣﻴﻦ أﺗﻮا إﻟﻰ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻃﺎﻟﺒﻴﻦ اﻟﻨﺼﺢ واﻟﺤﻜﻢ واﻟﺜﺮوة ،ﻳﻘﻮل اﻟﺠﺪ«:ﻛﺎن ﻋﻮض ﻳﺸﺒﻪ ﻛﻼب اﻟﺴﻜﻚ ،ﻋﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﻣﺐ )اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ( ،ﻓﻲ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ اﻛﺘﺸﻔﻮا أﻧﻪ ﻳﺒﻴﻊ ﻣﺴﺎﻣﻴﺮ اﻟﻔﻠﻨﻜﺎت ﻟﻔﺎروق اﻟﺤﺪاد ﻓﻄﺮدوه ..وﺣﻴﻦ اﺳﺘﻘﺮ ﺑﻪ اﻟﻤﻘﺎم ﻓﻲ ﺑﻨﻲ ﺳﻮﻳﻒ ،ﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﻊ دور ﻟﻠﺒﺸﺎوات ،ﻣﺮة ﻛﺨﻔﻴﺮ، وﻣﺮةﻛﺒﺴﺘﺎﻧﻲ ،وﻣﺮات ﻛﻬﻠﻔﻮت ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻔﺘﺎت اﻟﺤﻼل ،ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻨﻬﺐ اﻟﺒﻴﻮت ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ،وﺣﻴﻦ اﻧﻜﺴﺮ ﻋﻮده ﻓﻲ ﻣﺨﺰن اﻟﻐﻼل، وﻋﺮف ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪار ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﻋﻮض ﺑﺄوﻻده ،ﻃﺎر ﺧﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﻤﻘﺮوﻃﺔ اﻻﻓﺮﻧﺠﻲ )ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺪﺳﺎت اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ( ،ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ ﻋﻮض ﻟﻠﻘﻔﺰ ﻓﻲ اﻹﺑﺮاﻫﻴﻤﻴﺔ ،ﻟﻴﺴﺢ أﺣﺪ ﻋﺸﺮ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘ ًﺮا ﺣﺘﻰ اﻟﻼﻫﻮن ،وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﻠﺪﺗﻪ ﺧﺎﺋﻔًﺎ ﻣﺬﻋﻮ ًرا«. ﻋﻠﻰ »ﺑﺤﺮ ﻳﻮﺳﻒ« ﺟﻠﺲ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﻘﺎل أﻛﺒﺮﻫﻢ«:أﺑﻮﻧﺎ ﻣﺎت، واﻟﻮرث ﻣﺘﺎﻛﻞ 10 ،ﻓﺪادﻳﻦ أرض ..و 12ﺑﻬﻴﻤﺔ ﺣﻼﺑﺔ ..و 3ﺑﻴﻮت ﻋﻤﺮاﻧﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ..إﻋﻤﺎﻣﻨﺎ أﻛﻠﻮﻧﺎ ،وﻟﻤﺎ ﻛﺒﺮﻧﺎ ﺧﺪﻧﺎ 3ﻓﺪادﻳﻦ ﻋﻤﻲ، ﻣﺜﻼ ،إن واﻟﺒﺎﻗﻲ ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻠﻪ« .ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺻﺎﺑﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ً أﻋﻤﺎﻣﻪ اﺿﻄﺮوا ﻟﺬﻟﻚ ﻃﻠﺒًﺎ ﻟﻠﺼﻠﺢ ﺑﻌﺪ أن ﺷﺐ أوﻻد أﺧﻴﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻄﻮق ،ﻟﻢ ﻳﻘﻞ أﻳﻀً ﺎ ،أﻧﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻗﺎﻳﺾ اﺑﻨﺘﻪ وﻟﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﻋﺮض زواج،
اﻟﻠﺰم ﺣﻠﻴﺔ ﺗﻠﺒﺲ ﺗﺤﺖ اﻟﺬﻗﻦ ،وﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ اﻷذن إﻟﻰ اﻷذن ،وﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺷﺤﻤﺔ اﻷذن ﺑﻐﻄﺎء اﻟﺮأس .ﻫﺬه اﻟﻘﻄﻌﺔ ﻳﻨﺪر وﺟﻮدﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم .وﻻ وﺟﻮد ﻟﻤﺎ ﻳﻤﺎﺛﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ رﻏﻢ أن اﻷﻗﺮاط اﻻﺳﻜﻨﺪﻧﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ اﻷذن إﻟﻰ اﻷذن. اﻟﻤﺆﺛﺮات اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ أﺳﻬﻤﺖ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ أﺻﻮل ﻫﺬا اﻟﻔﻦ وﺗﻘﺎﻧﺎت ﻣﻌﺎً ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﻄﻮر إﻟﻰ ﺷﻜﻞ اﻟﺴﻮار. ﺻﻨﻌﻪ اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ .ﻓﻬﻨﺎك ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺗﻘﺎﻧﺔ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﻫﻨﺎك ﺷﻌﻮب أﺧﺮى ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻛﺸﻒ ﻋﻦ أﻧﻬﺎ ﺗﻤﺘﻠﻚ أﻧﻤﺎﻃًﺎوﺗﻘﺎﻧﺎت اﻟﺘﻲ درج اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻠﻲ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ،ﺑﻞ وﺗﺄﺛﻴﺮ ﻫﻲ ذاﺗﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﺷﺎﺋﻊ وﻣﺘﻮارث ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻣﺜﻞ ﺷﻌﺒﻲ ﻣﻌﺘﻘﺪات ﺷﻌﺐ ﻣﺼﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺮب اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .وﺑﺪا اﻟﻬﻨﺪ واﻟﺼﻴﻦ .واﻟﻤﺜﻴﺮ أﻛﺜﺮ ،ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻜﺸﻮﻓﺎت اﻟﻤﻮﺛﻘﺔ ،ﺗﻤﺎﺛﻞ ﺣﻠﻲ ﻒ اﻛﺘﺸﻒ ﻗﺒﺮ اﻟﻤﻠﻚ »ﺗﻮت ﻋﻨﺦ آﻣﻮن« ﺳﻜﺎن ﻏﺮب أوروﺑﺎ اﻟﻘﺪﻣﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺗﺴﻤﻴﺔ »اﻟﺴﻠﺖ«، ﻫﺬا اﻷﻣﺮ واﺿ ًﺤﺎﻋﻨﺪﻣﺎ ف اﻟﻤﻌﺮوف أن ﻟﻤﻌﻈﻢ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ وﻣﺎ ﺗﺰال ﺑﻘﺎﻳﺎﻫﻢ ﻓﻲ اﺳﻜﻮﺗﻠﻨﺪا وإﻳﺮﻟﻨﺪا ،ﻣﻊ ﺣﻠﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة أﻳﻀﺎً، ﻓﻲ اﻟﻌﺎم .1922ﻓﻤﻦ إﻟﻰ درﺟﺔ ﺗﻜ ، ﺗﻜﺎد ﺗﻘﻄﻊ ﺑﺄن ﻫﺆﻻء اﺳﺘﻌﺎروﻫﺎ ﺳﺤﺮﻳﺔ ،وﻷﻟﻮاﻧﻬﺎ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ دﻻﻟﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﻴﻴﻦ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﻮا ﺧﻼل ﻮن ﺣﻴﺎة أﻳﻀﺎً .ﻓﺎﻟﺘﺮﻛﻮاز ﻣﺜﻼ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻟﻮن ﺟﺪﻳﺪة ،وﺗﻌﺪ ﺣﻤﺮة اﻟﻌﻘﻴﻖ ﻷﺣﻤﺮ ﺑﻀﻌﺔ ﻗﺮون ﻓﻲ اﻷﻟﻒ اﻷول ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد اﻷﺣﻤﺮ ﻳﻤﺴﻜ ﻳﻤﺴﻜﻮن ﺑﺸﺮاﻳﻴﻦ اﻟﺘﺠﺎرة ﻋﺒﺮ اﻟﺒﺤﺮ دم اﻟﺤﻴﺎة ،وﻳﻌﺒﺮ ﺻﻔﺎء اﻟﻼزورد ﻋﻦ ﺳﻤﺎت ﺳﻤﺎوﻳﺔ ،وﺗﺴﺘﺨﺪم ﻗﻊ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ وﻣﺎ وراءه. اﻟﻘﻮاﻗﻊ ﻞ أﺿﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ أن ﻫﺬه اﻷﻧﻤﺎط ﺗﻤﺘﺪ وﺗﺸﻜﻞ ﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮور، ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ زﻣﻨﻴﺔ واﺳﻌﺔ ﺗﺼﻞ ﻋﻠ ﺷﻜﻞ »أﺑﻮ ﺟﻌﻞ« ﺗﻌﺎوﻳﺬ ﻟﺔ. ﻓﻌﺎﻟﺔ. إﻟﻰ أﻗﺪم اﻟﻌﺼﻮر ،وﺗﻐﻄﻲ ﻣﻜﺎﻧﻴًﺎ ﻴﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ وﻳﺸﺎرك ﻋﺮب اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻋﻘﺪ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻓﻴﻪ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ أواﺳﻂ آﺳﻴﺎ إﻟﻰ ﻣﺴ ﺻﻨﻊ اﻟﺬي ﻟﻠﺘﺮﻛﻮاز اﻟﻘﺪﻣﺎء ﺣﺒﻬﻢ اﻟﻨﺤﺎس ﻛﺒﺪﻳﻞ ﻋﻦ ﻣﻌﺪن اﻟﺬﻫﺐ اﻷﺻﻔﺮ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،وﻳﺸﻤﻞ ﻫﺬا اﻻﻣﺘﺪاد أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑ ﻣﻨﻪ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن أﺷﻜﺎﻻ ﻣﺘﻌﺪدة ،وﻳﻈﻬﺮ ﺷﻜﻞ ﻃﺒﻌﺎًً ،اﻷﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻷﻓﻌﻰ اﻟﻤﻠﺘﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻲ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
123
ŅŎňij وﻣﻨﺬ أﻗﺪم اﻟﻌﺼﻮر ،ﺗﻜﺸﻒ اﻟﻬﺪاﻳﺎ واﻵﺗﺎوات ﻗﻼدة ﻣﻦ أﺣﺠﺎر ﻛﺮﻳﻤﺔ وأﺣﺠﺎر ﻋﺎدﻳﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺮﺟﺎن وﻣﺸﻐﻮﻻت ﻓﻀﻴﺔ ﺗﺴﺘﻠﻬﻢ ﺷﻜﻞ اﻟﻬﻼل. اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ زﻋﻤﺎء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﻤﻠﻮك ﺑﺎﺑﻞ وآﺷﻮر ﻋﻦ أن ﻋﺮب اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺼﻨﻌﻮن اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺸﻴﺮ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻤﺴﻤﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮﻫﺎ ﺟﻴﻤﺲ ﺑﺮﻳﺘﺸﺎرد ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﺸﺮق اﻷدﻧــﻰ اﻟﻘﺪﻳﻢ :ﻧﺼﻮص وﺻﻮر ﻣﺨﺘﺎرة.«1958 ، وﻗﺪ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ دﻟﻴﻞ إﺿﺎﻓﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺪم ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﻠﻲ ﻓﻲ ﺗﻨﻘﻴﺒﺎت ﻣﺪﻓﻦ »ﺟــﺎوان« ﺷﻤﺎﻟﻲ اﻟﻘﻄﻴﻒ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1952وﻓﻲ ﺗﻨﻘﻴﺒﺎت »ﻗﺮﻳﺔ« اﻟﻔﺎو ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺮﺑﻊ اﻟﺨﺎﻟﻲ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم .1979 وأﺷــﺎرت اﻟﺤﻠﻲ اﻟﻤﻜﺘﺸﻔﺔ ،وﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ إﻟﻰ 500ﻋﺎم ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم ،ﻣﻦ ذﻫﺒﻴﺔ وﻓﻀﻴﺔ، إﻟﻰ ﻋﻼﻗﺎت ﺑﺎﻟﻬﻨﺪ وﻓﺎرس واﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ واﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ .وأﺛﺎرت ﻫﺬه اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺒﺪوﻳﺔ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺗﺰال ﺷﺎﺋﻌﺔ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،وﻻﺗﺰال اﻟﺤﻠﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺳﻤﺎت رﻣﺰﻳﺔ ،وﻳﺮﺗﺪﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،واﻋﻴﻦ أو ﻏﻴﺮ واﻋﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻴﻪ أﻧﻮاﻋﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﻔﺎت وﺳﻤﺎت ﺣﻀﺎرات ﻣﻐﺮﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺪم .ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ،ﻳﻤﺎﺛﻞ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻤﻜﺘﺸﻒ ﻓﻲ ﻣﺪﻓﻦ ﻣﻦ رﻣﻮز. »ﺟﺎوان« ) 100ق.م( ﻋﻘ ًﺪاﻣﻜﺘﺸﻔًﺎﻓﻲ ﺷﻤﺎﻟﻲ أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن. ﺳﻤﺎت ﺣﻀﺎرات ﻣﻐﺮﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺪم
ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺛﺮات اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ
ﻓﻲ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺤﺪودﻫﺎ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻟﺪى اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﻴﻦ اﻟﻌﺮب ،ﻻ ﺑﺤﺪودﻫﺎ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ وﻳﺘﺒﻴﻦ ﻣﻦ ﺗﺠﻤﻴﻊ اﻷدﻟﺔ اﻷﺛﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻋﺪة ﻣﻨﺎﻃﻖ ،إﻟﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻓﺤﻮﻟﺘﻬﺎ إﻟﻰ ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة ،ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﺸﺮق ،وﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻊ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﺮاﻛﻢ ﺛﺮوة ﻃﺎﺋﻠﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﻄﺮق اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ وأﻧﺸﻄﺘﻬﺎ اﻹﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ. وﻋﺮف ﺟﻨﻮب ﻏﺮﺑﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻟﺪى اﻟﺮوﻣﺎن ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻴﺪة، إﺣﺴﺎﺳﺎﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﻪ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ وﺟﻮد ﻣﺴﺎﻟﻢ. رﺑﻤﺎ ً وأدﻟﺔ ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﺪوا ﻣﺪﻧﻬﺎ ﻣﺴ ّﻮرة. وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ ﺟﻨﻮﺑﻬﺎ ،ﻣﺼﺪر اﻟﺒﺨﻮر واﻟﻤ ّﺮ، وﺗﺎﺟﺮت أﻳﻀً ﺎﺑﺎﻟﺘﻮاﺑﻞ واﻟﺤﺮﻳﺮ واﻟﻌﺎج وﺑﻀﺎﺋﻊ ﺛﻤﻴﻨﺔ أﺧﺮى ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ وﺑﻠﺪان اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ .وﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺎرة ﺗﺰودت ﻫﺬه اﻟﺒﻠﺪان أﻳﻀً ﺎﺑﺎﻟﺬﻫﺐ واﻟﻨﺤﺎس واﻷﺣﺠﺎر اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻐﻨﻴﺔ. وﺑﻌﻀﻬﺎ ﺟﺎء ﻣﻦ ﺎﺟﻢ
122
ﻓﻦ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺒﺪوﻳﺔ
ﻗﻼدة ﻧﺠﺪﻳﺔ أﺳﻠﻮب ﻧﻈﻤﻬﺎ ﺑﻤﻴﺪاﻟﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺮﻗﻴﻖ واﻟﺘﺮﻛﻮاز ﺗﻘﻠﻴﺪي ﻣﻮروث
وﻟﻬﺬا ﻓﺈن ﻫﺬه اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﻟﺪى اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﻌﺮب، ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺎت وﺷﻌﻮب ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺳﺎدت ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺳﺠﻼﺗﻬﺎ ﻋﻘﻮد وأﺳﺎور وﺧﻮاﺗﻢ وﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ أدوات اﻟﺰﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ ﻋﺼﻮر ﻳﺮﺟﻌﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،أي ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻌﺮوف. أدﻟﺔ ﻣﺜﻴﺮة وﺟﺪﻳﺪة
أﺑﺮز ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻧﻤﻮذﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻴﺪاﻧﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺜﺔ اﻻﺳﺘﺮاﻟﻴﺔ »ﻫﻴﺜﺮ روس« ﻓﻦ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺬي ﻋﺮﻓﺘﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، اﻋﺘﻤﺎ ًداﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺸﻔﺖ ﻋﻨﻪ أﺣﺪث اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﻧﺤﺎء ﻣﻦ أدﻟﺔ ﻣﺜﻴﺮة وﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻀﻤﺎر. ﻗﺒﻞ ﻫﺬه اﻟﻜﺸﻮﻓﺎت ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﻮﻓﺮ ﺳﻮى ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﺎﻣﺔ وﺗﻜﻬﻨﺎت. ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ،ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل ﺣﻔﺮﻳﺎت ﻋﻠﻢ اﻵﺛﺎر ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ،ﻛﺎن ﻳﻬﺘﻢ ﺑﺰﻳﻨﺘﻪ اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ داﺋﻤﺎً. وﺗﺸﻴﺮ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ اﻟﻤﻜﺘﺸﻔﺔ ﻓﻲ ﻛﻬﻒ إﻧﺴﺎن ﺑﻜﻴﻦ ﻣﺜﻼ ،إﻟﻰ أن اﻣﺘﻼك ﻫﺬه اﻷﺣﺠﺎر وارﺗــﺪاء اﻟﺤﻠﻲ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻋﺼﻮر ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻌﺮوف .وﻳﺴﺘﻨﺘﺞ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ﻣﻦ ﻫﺬا ،وﻣﻦ ﻋﺪة دﻻﺋﻞ ﻣﺮاﻓﻘﺔ ،أن اﻟﺤﻠﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺒﻊ ﺛﻼث رﻏﺒﺎت إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ :اﻟﺰﻫﻮ واﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﺎﻟﺜﺮاء واﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺎﻟﺨﺮاﻓﺎت. واﻛﺘﺴﺒﺖ اﻟﺤﻠﻲ أﻫﻤﻴﺔ وﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺗﺒ ًﻌﺎﻷﻫﻤﻴﺔ ﻛﻞ ﻋﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ إﻟﻰ آﺧﺮ .وﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ اﻛﺘﺴﺒﺖ اﻟﺤﻠﻲ ﺷﻜﻞ اﻟﻨﻘﻮد ،وﻋﺮف أن ﻟﻬﺎ دﻻﻟﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﺼﻮر ﻏﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺪم ،ﻛﻤﺎ راﻓﻘﺘﻬﺎ اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﺨﺮاﻓﻴﺔ .وﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن أﻣ ًﺮا ﺷﺎﺋ ًﻌﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ أن ﻧﺠﺪ ﺷﻌﻮﺑًﺎ ﺗﺮﺗﺪي اﻟﺤﻠﻲ ﻛﺘﻌﺎوﻳﺬ ﺗﺤﻤﻲ ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ أو ﻏﻀﺐ اﻵﻟﻬﺔ، اﻋﺘﻘﺎ ًداﻣﻨﻬﺎ أن ﻟﻬﺬه اﻟﺤﻠﻲ ﻗﻮى ﺳﺤﺮﻳﺔ .وﻧﻼﺣﻆ أن ﻫﺬه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ ﻣﺎ
ﻟﻔﻦ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ،واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺨﺎﺻﺔ ،ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺑﺎرزة ﻓﻲ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﻌﺎدات واﻟﺮﻣﻮز اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﺑﺎKﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أدوات اﻟﺰﻳﻨﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
121
ŅŎňij
ﻓﻦ
اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺒﺪوﻳﺔ
ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎت واﻟﺤﻀﺎرات ﻣﺤﻤﺪ اXﺳﻌﺪ
ﻟﻔﻦ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ،واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺨﺎﺻﺔ، ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺑــﺎرزة ﻓﻲ ﻋــﺪد ﻣﻦ اﻟــﺪراﺳــﺎت اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟــﻌــﺎدات واﻟﺮﻣﻮز اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟــﻰ أدوات اﻟﺰﻳﻨﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ .وﻳﺘﺨﺬ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺎت إدوات ﻫﺎدﻳﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ أﻧﻮاع ﺗﺤﺎﻛﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﻠﻲ ﻷﻏﺮاض ﺗﺠﺎرﻳﺔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﺨﺬﻫﺎ ﺑﻌﺾ آﺧﺮ وﺳﺎﺋﻞ ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎت اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ اﻟﻤﻮروﺛﺔ .إﻻ أن أﺑﺮز اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺻﺎدﻓﺘﻬﺎ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،اﻧﺼﺮﻓﺖ إﻟﻰ اﺳﺘﻜﺸﺎف وﺣﻞ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﻟﻐﺎز ﺗﺎرﻳﺦ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ،ﱢ اﻟﻤﺪﻫﺸﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻪ. وﺗﻜﺸﻒ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺎت ﻋﻦ أن ﻫﺬا اﻟﻔﻦ اﻟﻤﺘﻮارث ﺑﺘﻘﺎﻧﺎﺗﻪ وأﺳﺎﻟﻴﺒﻪ ،ﻣﺎ زال ﻳﺤﻤﻞ ً ﺗﻤﺎﺛﻼ ﺻﺎرﺧًﺎ ﻣﻊ ﺣﻠﻲ ﺣﻀﺎرات ﺑﺎدت ﻣﻨﺬ أزﻣﺎن ﺑﻌﻴﺪة.
120
ﻓﻦ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺒﺪوﻳﺔ
رؤﻳﺔ
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
اﻟﻨﻘﺪ ،اﻟ ﱠﺘﺠﺎور واﻟ ﱠﺘ َﺨﻄﱢ ﻲ ﻫﻞ اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻘﺪي اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ ﻧﺘﺎج ﻟـ« ﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﺘﻌﺎﻟﻲ« اﻟﺬي ﻣ ﱠﻴﺰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﻤﺎ وﺻﻔﻪ ﻣﺤﻤﺪ أرﻛﻮن؟ ﺑﻤﻌﻨﻰ أن اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻘﺪي اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﻨﻔﻲ » اﻵﺧﺮ« وﻳﺮﻓﺾ اﻟﺘﺤﺎور ﻣﻌﻪ ،ﻻﺳﻴﻤﺎ أن ﻣﻘﻮﻟﺔ » ﻧﺤﻦ واﻟﻐﺮب« ،ﻣﺎزاﻟﺖ ﻫﻲ اﻟﺴﻤﺔ اﻟﺒﺎرزة ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻃﻲ ﻣﻊ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﻘﺮاءة واﻟﺘﺄوﻳﻞ. ﺗﻨﻄﺮح أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﺎق اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻣﻊ اﻟﻨﻘﺪ ،ﺟﻤﻠ ًﺔ ﻣﻦ اﻹﺷﻜﺎﻻت اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ واﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،ﺧﺎﺻ ًﺔ أن ﻗﻀﻴﺔ » اﻟﺘﺮاث واﻟﻨﻘﺪ« ﺗﺘﺨﺬ ﺛﻼﺛﺔ أﺑﻌﺎد :ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺘﺮاﺛﻲ اﻟﺬي ﺣﺎول اﻟﻨﻘﺎد اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﺗﺮﺳﻴﺨﻪ ﻓﻲ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﺛﻢ ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﻮاﻓﺪ واﻟﻤﺴﺘﻨﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺑﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ رﻏﻢ ﻃﺎﺑﻊ اﻻﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ،ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ،ﺗﺒﺪو ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﺮاث واﻟﻨﻘﺪ ذات ﻃﺎﺑﻊ إﺷﻜﺎﻟﻲ ،ﻣﻠﺘﺒﺲ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ أﻏﻠﺐ اﻟﺪراﺳﺎت راﻫﻨﺎً ،ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻣﻦ وﻃﺄة ﻫﺬا اﻟﺼﺮاع اﻟﺨﻔﻲ. » إن اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻟﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﺮاث ﺗﺘﺤﻮل وﺗﺘﻐﻴﺮ ﺣﺴﺐ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﺗﺠﺎﻫﺎت اﻟﺘﻘﺪم واﻟﺘﻤﺪن واﻟﺘﻄﻮر ،ﻓﻤﻊ ﻛﻞ ﺗﻘﺪم ﺗﺘﺠﺪد اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻟﺪى اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺘﺮاث ،ﻷن ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺪم ﻳﻔﺮض ذﻫﻨﻴﺘﻪ ورؤﻳﺘﻪ ،وﺣﺘﻰ ﺳﻠﻄﺘﻪ وإرادﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻐﻠﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ أي ﻣﻨﻈﻮر ﻣﺨﺘﻠﻒ«) .(1إﻧﻬﺎ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ،رؤﻳﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻛﻨﺘﺎ ٍج ﻟﺠﺪﻟﻴ ٍﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ اﻟﺼﻴﺮورة اﻟﺘﻲ ﻣﻴﺰت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار ﻋﻘﻮد، وﻗﺪ ﻛﻨﺎ أوﻟﻴﻨﺎ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺒﻌﺎً ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻠﻘﻲ واﻟﺴﻴﺎﻗﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﺑﺰوﻏﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ » اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻘﺪي ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ،آﻟﻴﺎﺗﻪ وإﺷﻜﺎﻻﺗﻪ«) ،(2ووﻗﻔﻨﺎ ﻋﻨﺪ أﻫﻢ اﻹﺷﻜﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﺮح أﻣﺎم اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ واﻟﻨﺎﻗﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮاء ﻓﻲ اﺳﺘﻜﻨﺎه أوﻓﺎق اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻗﺪﻳﻤﻬﺎ وﻣﺤﺪﺛﻬﺎ ،وأﻣﺎم ﻫﺬا اﻟﺴﺠﺎل اﻟﻤﺤﺘﺪم ﺑﻴﻦ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﺮاث واﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻛﻨﻮ ٍع ﻣﻦ » اﻹﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ« ﻓﻲ ﻓﻬﻢ وﺗﺄوﻳﻞ وﻗﺮاءة اﻟﻨﺺ اﻷدﺑﻲ ،ﻗﺪ ﺑﺮز ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻨﺎﻣﻲ درﺟﺔ« اﻟﻌﺪاء« ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻨﺬ اﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﺗﻨﺎﻣﻰ أﻛﺜﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻧﺼﺎً وﻣﻨﺠﺰا ً ،ﺣﺎﻻً وﻣﺂﻻً ،رﻏﻢ أن ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،ﻧﺠﺪ ﻟﻬﺎ أﺛﺮا ً ﻓﻲ
رﺷﻴﺪ اﻟﺨﺪﻳﺮي@
ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﻤﺤﺪث» ،وإن ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻘﺮئ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻳﺠﺪ أن ﻣﺎ ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ،اﻟﻴﻮم ،ﻋﻨﻮان« إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ« ،ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻣﺎ ﻋﺎﻟﺠﻪ ﻧﻘﺎدﻧﺎ اﻟﻘﺪاﻣﻰ، ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان ﻣﺸﺎﺑﻪ،ﻫﻮ » اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﻤﺤﺪث« ،ﻣﻊ اﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻬﺞ واﻟﻤﺄﺧﺬ واﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ،ﻳﻔﺮﺿﻪ اﺧﺘﻼف اﻟﻌﺼﺮ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻌﻠﻮم واﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ«).(3 وﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺈن ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ« اﻟﺘﺮاث واﻟﺤﺪاﺛﺔ« ،ﻗﺪ ﻏﻄﺖ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺪرس اﻟﻨﻘﺪي اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف اﻟﺮؤى واﻟﺘﺼﻮرات واﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ، وﻃﺮق اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،إﻻ أن اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،ﻫﻮ أن اﻟﺴﺠﺎل اﻟﻨﻘﺪي ﻣﻤﺘﺪ وﻣﺘﺤﺎور ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺳﺎﻗﻪ اﻟﻨﺎﻗﺪ ﺷﻜﺮي ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺎد ﺣﻴﻦ ﻗﺎل« اﻷدب ،وﻣﻌﻪ اﻟﻨﻘﺪ ،ﻟﻴﺴﺎ ﺣﺼﻴﻠﺘﻴﻦ ﻟﻨﺸﺎط اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻴﻮﻣﻲ ،إﻧﻬﻤﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻴﺎن اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﻤﻤﺘﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ إﻟﻰ ﻓﺠﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،واﻟﺴﺎرح ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ إﻟﻰ آﻓﺎق ﺑﻼ ﺣﺪود ،وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻳﺘﺤﺎوران دوﻣﺎ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺤﺎﺿﺮ ،وﻣﺜﻠﻬﻤﺎ ﻛﻞ ﻛﻼم ﻋﻨﻬﻤﺎ«، وﺗﺄﺳﻴﺴﺎً ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل ،أن اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﻤﺎرس ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ »اﻟﺘﻌﺎﻟﻲ« ﻛﻤﺎ ذﻫﺐ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻔﻜﺮ ﻣﺤﻤﺪ أرﻛﻮ، ُ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺎﻗﺎت اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﻤﺘﺠﺎورة ﻣﻌﻬﺎ واﻟﻤﺘﺤﺎورة ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ«اﻟﺼﺪاﻣﻴﺔ« اﻟﺘﻲ ﻣﻴﺰ ت اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث واﻟﺤﺪاﺛﺔ *ﺷﺎﻋﺮ وﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
ﻫﻮاﻣﺶ: - 1ﻋﺰﻳﺰ اﻟﻌﺮﺑﺎوي ،ﺗﺠﻠﻴﺎت اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ –اﻟﺠﺎﺑﺮي وأرﻛﻮن ﻧﻤﻮذﺟﺎ ،-ﻣﻨﺸﻮرات ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺮاث اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ،ط ،1 ،2013ص .1 - 2رﺷﻴﺪ اﻟﺨﺪﻳﺮي ،اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻘﺪي ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ،آﻟﻴﺎﺗﻪ وإﺷﻜﺎﻻﺗﻪ، داﺋﺮة اﻹﻋﻼم واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ –اﻟﺸﺎرﻗﺔ -ط .2014 ،1 - 3ﻣﺮﻳﻢ ﺣﻤﺰة ،ﻏﻤﻮض اﻟﺸﻌﺮ وﻣﺼﺎﻋﺐ اﻟﺘﻠﻘﻲ ،ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺣﺎب اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﺑﻴﺮوت ،ط ،2010 ،1ص .11
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
119
číŎă اﻟﺮﺷﻴﺪة ﺗﺪﻋﻢ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﻪ وﺗﺸﺠﻊ اﻟﻨﺸﻴﻄﻴﻦ ﻷن ﺟﻬﻮدﻫﻢ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ إﺛﺮاء ﺳﻤﻌﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﺧﺎرﺟ ًﻴﺎ وداﺧﻠ ًﻴﺎ ،وأﻋﺮب ﻋﻦ ﺷﻜﺮه اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻷﺻﺤﺎب اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﻮخ ﻋﻠﻰ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ اﻟﺪاﺋﻢ ودﻋﻤﻬﻢ وﺣﺮﺻﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﺠﻤﻴﻊ. ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺟﻠﺴﺔ اﻟﻘﻤﺔ
ﺣﻮل ﺗﻄﻮر اﻟﻬﻮاﻳﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ ﻣﺜﻠﻤﺎ أﺗﺎﺑﻊ اﻟﺤﻼل اﻵﺧﺮ. وﻫﻮ ﺣﺮﻳﺺ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﻼك ﺳﻼﻻت ﺟﻴﺪة ﻣﻦ اKﻣﺎرات ﻳﻘﻮل أﺑﻮﺳﺎﻟﻢ: اﻹﺑﻞ ،ﻓﻠﺪﻳﻪ ﺑﻌﺾ اﻹﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺤﺪر ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ اﻧﺘﺸﺮت ﻫﻮاﻳﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ وﺟﻤﻊ )ﺻـﻮﻏَـﺎن( اﻟﺸﻬﻴﺮة ﻣﺜﻞ ﺻﻮﻏﺎن ﺑﻮﻛﺸﺔ واﻣﺘﻼك اﻟﺤﻼل ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ وﺻﻮﻏﺎن ﺑﻦ ﻏﻮﻳﺚ وﻛﺬﻟﻚ ﻟﺪﻳﻪ ﺑﻌﺾ اﻹﺑﻞ وﻣﻼﺣﻆ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،وأﺻﺒﺢ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺤﺪر ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ )ﺳ َﺮاب( ﺑﻌﻴﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﺻﺪى واﺳﻊ ،وﺗﺸﻬﺪ ﻃﺤﻨﻮن ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن وﻛﺬﻟﻚ ﺳﻼﻟﺔ ﻟﻬﺎ ً ﺑﻨﺖ ﻓﺮﻳﺪ وﻏﻴﺮﻫﺎ. اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت واﻟﻤﺰادات اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ﺣﻀﻮ ًرا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﺛﻢ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﻼل
وﺣــﻮل أﻫﺪاﻓﻪ ﻣﻦ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺟﻠﺴﺔ اﻟﻘﻤﺔ ﻟﻠﺜﺮوة اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ اﻟﺬي اﺳﺘﻀﺎﻓﻪ ﻓﻲ ﻋﺰﺑﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﻄﺎﺋﺢ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ، ﻳﻘﻮل أﺑﻮ ﺳﺎﻟﻢ :ﻫﺬا اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻫﻮ ﺗﻜﻤﻠﺔ ﻟﻌﺪة ﻣﺰادات وﺗﺠﻤﻌﺎت ﻗﻤﺖ ﺑﺘﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘًﺎ ﻓﻲ ﻋﺰﺑﺘﻲ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺮﻳﺮ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة ﻛﺎن اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻛﺒﻴﺮ وﻣﻤﻴﺰ ،وﺗﻢ ﺗﻄﻮﻳﺮه ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻣﻬﺮﺟﺎﻧًﺎ ﺟﺎﻣ ًﻌﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﺤﺒﻲ وﻣﻼك وﻣﺮﺑﻲ اﻟﺤﻼل ﻓﻲ ﻣﻜﺎن واﺣﺪ ،واﻟﻬﺪف ﻣﻨﻪ دﻋﻢ اﻟﺜﺮوة اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺄﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ،وإﺗﺎﺣﺔ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل واﻻﻃﻼع ﻋﻠﻰ أﺳﺮاره وﻣﺎ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻓﻮاﺋﺪ ،ﻓﺎﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎون واﻟﺘﻌﺎرف ﺑﻴﻦ ﻛﻞ اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ.
وﻳﺸﺘﻬﺮ أﺑﻮﺳﺎﻟﻢ ﺑﻴﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ﺑﻌﺒﺎرﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺮرﻫﺎ داﺋ ًﻤﺎ) :اﻟﻘﺼﺪ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﺛﻢ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﻼل( ،وﻳﻔﺴﺮﻫﺎ ﻟﻨﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﺘﺠﺮﺑﺘﻪ اﻟﻨﺎﺟﺤﺔ واﻟﻤﻤﺘﻌﺔ واﻟﻤﻮﻓﻘﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ،واﻟﺘﻲ أﻓﺎدﺗﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ وﻋﺮﻓﺘﻪ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻼك واﻟﻤﺮﺑﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﺒﺮﻫﻢ ﻣﻜﺴﺒﺎً. وﻳﻨﺼﺢ أﺑﻮ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺮاﻏﺒﻴﻦ ﻓﻲ دﺧﻮل ﻣﺠﺎل اﻣﺘﻼك وﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﻼل ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻟﻠﺒﺪاﻳﺔ ،وزﻳﺎرة اﻟﻤﺮﺑﻴﻦ اﻟﻤﻌﺮوﻓﻴﻦ وأﺧﺬ اﻟﻨﺼﺢ واﻹرﺷﺎد ﻣﻨﻬﻢ وزﻳﺎرة اﻟﻤﺰادات واﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت ﻟﻼﻟﺘﻘﺎء ﺑﺎﻟﻤﺮﺑﻴﻦ واﻟﻤﻼك وﻣﻌﺮﻓﺔ أﺳﻌﺎر اﻟﺤﻼل ،وﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﻨﻮع اﻟﺬي ﺳﻴﻘﻮم ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺘﺮﺑﻴﺘﻪ وﻓﻘًﺎ ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﻟﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺬرﻫﻢ ﻣﻦ ﺳﻼﻻت ﺟﻴﺪة ﻣﻦ اMﺑﻞ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺤﻼل واﻟﻤﻮاﺷﻲ ،ﻳﺨﺼﺺ أﺑﻮ ﺳﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻋﺰﺑﺘﻪ ﻣﻜﺎﻧًﺎ اﻟﺸﺮاء اﻟﻌﺸﻮاﺋﻲ اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﺜﻘﻞ ﻛﻮاﻫﻠﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﺒﺪء ﺑﺄﻋﺪاد ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻻ ﻟﻺﺑﻞ ،وﻋﻦ ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل :ﻟﻺﺑﻞ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﺮى ﻟﺪى اﻟﺒﺪوي وﻻ ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ ﺗﺘﺠﺎوز 50رأﺳﺎً ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺘﺴﺐ اﻟﻤﺮﺑﻲ اﻟﻤﺒﺘﺪيء اﻟﺨﺒﺮة واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻨﻬﺎ وﻋﻦ ﺧﻴﺮاﺗﻬﺎ ،وﻗﺎل :أﺣﺮص ﻋﻠﻰ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ اﻹﺑﻞ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻲ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﺑﺎﻟﻤﺼﺮوﻓﺎت واﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻷﺧﺮى ﻣﺜﻞ اﻷﻋﻼف واﻷدوﻳﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ
118
ﻣﻄﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻏﺎﺷﻢ اﻟﻜﺘﺒﻲ
ﺳﻼﻻت وأﻧﻮاع ﻧﺎدرة وﻳﺤﺪﺛﻨﺎ أﺑﻮ ﺳﺎﻟﻢ ﻋﻦ أﻫﻢ أﻧﻮاع اﻟﺤﻼل اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﺈﻗﺒﺎل واﻫﺘﻤﺎم ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻷﺧﻴﺮة ،ﻳﻘﻮل: ﻫﻨﺎك اﻫﺘﻤﺎم ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﻤﺎﻋﺰ اﻟﺼﻮﻣﺎﻟﻲ ،واﻟﺤﻼل اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ )اﻟﺒﻮرﻏﻮت( واﻟﻤﺎﻋﺰ اﻟﺼﻼﻟﻲ واﻟﺴﻮاﻛﻨﻲ اﻟﺪرﻣﺎﻧﻲ وﻏﻴﺮﻫﺎ. وﺷﺨﺼﻴًﺎ ﻳﻤﺘﻠﻚ أﺑﻮﺳﺎﻟﻢ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﻻت واﻷﻧﻮاع اﻟﻨﺎدرة ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﺷﻲ واﻟﺤﻼل ،وﻳﺆﻛﺪ أﻧﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻳﻤﺘﻠﻚ أﻏﻠﺐ اﻷﻧﻮاع اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﻣﺜﻞ اﻟﺨﺮﻓﺎن اﻟﺸﻴﺮازﻳﺔ واﻟﻤﺎﻋﺰ اﻟﺠﺰﻳﺮي وﻣﺎﻋﺰ اﻟﺤ ّﻮ واﻷﻏﻨﺎم اﻟﺼﻮﻣﺎﻟﻴﺔ واﻟﻤﺎﻋﺰ اﻟﺼﻮﻣﺎﻟﻲ واﻟﺴﻨﺪوان اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ واﻟﺒﺠﻤﻲ ﻏﻮت واﻟﻤﻬﺎ اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ووﻋﻮل اﻟﺒﺮﺑﺮي ﺷﻴﺐ وأﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ أﺧﺮى.
دو ٌر ﻛﺒﻴ ٌﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﻮاﺻﻞ واﻟﺘﻌﺎرف وﺗﺒﺎدل اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮﺑﻴﻦ ،أﺻﺒﺤﺖ اﻵن أﻋﺮف ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻤﺮﺑﻴﻦ وأﻏﻠﺒﻴﺔ ﻣﻼك اﻟﺤﻼل ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ ،وﺑﻌﻀﻬﻢ أﻋﺮﻓﻪ ﺷﺨﺼﻴًﺎ وﺗﻌﺎوﻧﺖ ﻣﻊ اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻫﺬه اﻟﻬﻮاﻳﺔ. اMﻣﺎرات ﺑﻴﺌﺔ ﻣﺸﺠﻌﺔ
وﺣﻮل ﺗﻄﻮر اﻟﻬﻮاﻳﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻳﻘﻮل أﺑﻮﺳﺎﻟﻢ :اﻧﺘﺸﺮت ﻫﻮاﻳﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺻﺪى وﺟﻤﻊ واﻣﺘﻼك اﻟﺤﻼل ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ وﻣﻼﺣﻆ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،وأﺻﺒﺢ ﻟﻬﺎ ً واﺳﻊ ،وﺗﺸﻬﺪ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت واﻟﻤﺰادات اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ﺣﻀﻮ ًرا ﻛﺒﻴ ًﺮا .وﺑﺮزت اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺬي اﻧﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺎﺧﺘﻼف ﺑﻴﺌﺎﺗﻬﺎ اﻟﺒﺪوﻳﺔ واﻟﺠﺒﻠﻴﺔ وﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﺤﻼل ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻟﺒﻴﺌﺎت واﻟﺘﻀﺎرﻳﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻬﺎ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة. وﻳﺮى أﺑﻮ ﺳﺎﻟﻢ أن اﻟﻤﺠﺎل ﻣﻔﺘﻮح ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻣﺸﻴ ًﺪا ﺑﺎﻟﺘﺸﺠﻴﻊ اﻟﺪاﺋﻢ واﻟﻤﺜﻤﺮ اﻟﺬي ﻳﻠﻘﺎه ﻣﺮﺑﻮ اﻟﺤﻼل ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺮﺷﻴﺪة ،وأﺿﺎف :اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻘﻴﺎدﺗﻬﺎ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
117
číŎă
دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات وﻣﺪى اﻧﺘﺸﺎرﻫﺎ واﻟﻄﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وأﺿﺎف :أﻣﺘﻠﻚ ﻣﺎ ﻳﻔﻮق 33ﻧﻮ ًﻋﺎ أﻵن .ﻣﺸﻴ ًﺮا إﻟﻰ أن ﻫﻮاﻳﺘﻪ ﺗﺸﻤﻞ إﺟﺮاء اﻟﺪراﺳﺎت ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ واﻛﺘﺴﺎب اﻟﺨﺒﺮات. اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻣﻊ اﻟﻮﻋﻮل
وﻳﺤﺪد ﺑﻮﺳﺎﻟﻢ ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﺪاﻳﺘﻪ ﻣﻊ ﻫﺬه اﻟﻬﻮاﻳﺔ ﺑﻌﺎم 1998م ،وﻳﻀﻴﻒ :أذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﺑﺪأت ﺑﺎﻣﺘﻼك ﺑﻌﺾ اﻷﻧﻮاع اﻟﻨﺎدرة ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻮل ،وﻛﻨﺖ أﺑﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺪة أﻣﺎﻛﻦ داﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ وﺧﺎرﺟﻬﺎ ،ﻣﺜﻞ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻫﺎﻓﺎﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻴﻦ وﺳﻮﻟﻔﻴﻚ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ، وﻛﺬﻟﻚ ﺑﺪأت ﺑﺎﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺒﻌﺾ أﻧﻮاع اﻷﻏﻨﺎم اﻟﺴﻮﻳﺴﺮﻳﺔ .وﻳﻀﻴﻒ :ﺑﺪأت اﻻﻗﺘﻨﺎء ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺷﺮاء أﻋﺪاد ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺛﻢ ﺣﺮﺻﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻷﻧﻮاع اﻟﺠﻴﺪة ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻷﻧﻮاع اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻟﺪي. وﺣﻮل ﺑﺪاﻳﺎت ﺗﻮاﺻﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﻬﺬه اﻟﻬﻮاﻳﺔ ،ﻳﻘﻮل :ﺑﺪأت ﺑﺎﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻣﻬﺘﻤﻴﻦ آﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت واﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت واﻟﻤﺰادات اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎم ﻟﻠﺤﻼل ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ واﻟﻤﻮاﻗﻊ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺤﻼل وﻣﻨﺘﺪﻳﺎت ﻣﺮﺑﻲ اﻟﺤﻼل اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ 116
ﻣﻄﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻏﺎﺷﻢ اﻟﻜﺘﺒﻲ
اﻟﺸﺎرﻗﺔ -ﺣﺎﻣﺪ ﻣﺤﻤﺪي
ﺗﻌﺪ اﻷﻏﻨﺎم واﻟﻤﺎﻋﺰ ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ ﺣﻴﺎة أﻫﻞ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ،وﻳﺰﺧﺮ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﺤﻠﻲ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺄﺳﻤﺎء وأﻧـــﻮاع وأﻟـــﻮان اﻟﺤﻼل واﻟﻤﻮاﺷﻲ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﺎم واﻟﻤﺎﻋﺰ واﻟﻄﻘﻮس واﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﺘﻲ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﻬﺎ ،ﻣﻨﻬﺎ أن أﻫﻞ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮدون »اﻟﻌﻨﺰ« ﻓﻲ ﻣﻮاﺳﻢ اﻷﻓﺮاح ،وﻻ ﻳﻘﻮدون »اﻟﻨﻌﺠﺔ« أو »اﻟﻜﺒﺶ اﻷدﻏﻢ« -أي ذي اﻟﻮﺟﻪ اﻷﺳﻮد -اﻋﺘﻘﺎدًا اﻷﺳ َﻮد ﻧﺬﻳﺮ ﺷﺆم. ﻣﻨﻬﻢ أن اﻟﻠﻮن ْ ـﺐ ﺗﺮﺑﻴﺔ وﻗــﺪ ﺗــﻮارث أﻫــﻞ اﻹﻣـــﺎرات ﺣـ ﱠ واﻗﺘﻨﺎء اﻟﺤﻼل ،وﻃﻮروﻫﺎ واﺳﺘﺨﺪﻣﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﻄﻴﺎت اﻟﻌﺼﺮ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺑﺎﺗﺖ ﻫﻮاﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻗﻮاﻋﺪﻫﺎ وﻣﺤﺒﻮﻫﺎ وأﺳﻮاﻗﻬﺎ.
وﻳﻌﺪ ﻣﻄﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻏﺎﺷﻢ اﻟﻜﺘﺒﻲ »ﺑﻮﺳﺎﻟﻢ« أﺣﺪ أﺑﺮز ُﻣ ﱠﻼك اﻟﺤﻼل واﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ ﺑﺘﺮﺑﻴﺔ اﻷﻧﻮاع اﻟﻨﺎدرة ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ. ذاع ﺻﻴﺘﻪ واﻧﺘﺸﺮت ﺳﻤﻌﺔ )ﻋﺰﺑﺘﻪ( ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وﺧﺎرﺟﻬﺎ، ﻓﻘﺪ ﺑﺮع ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل وﺑﺬل ﻓﻴﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺪ ﻟﻴﺜﺒﺖ ﻧﺠﺎﺣﻪ ﻛﺄﺣﺪ أﺑﺮز اﻟﻤﻼك واﻟﻤﺮﺑﻴﻦ اﻟﺪاﻋﻤﻴﻦ ﻟﻬﺬه اﻟﻬﻮاﻳﺔ ﻋﺒﺮ اﺳﺘﻀﺎﻓﺘﻪ وﺟﻤﻌﻪ ﻟﻤﺮﺑﻲ اﻟﺤﻼل اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﻴﻦ ﻷﻛﺜﺮ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ﻣﻬﺮﺟﺎن »ﺟﻠﺴﺔ ﻣﻦ ﻣﺮة، ً اﻟﻘﻤﺔ« اﻟﺬي ﻧﻈﱠﻤﻪ ﻓﻲ ﻋﺰﺑﺘﻪ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﻄﺎﺋﺢ ﻓﻲ إﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ أﺧﻴ ًﺮا وﺣﻘﻖ ﻧﺠﺎﺣﺎ ﻻﻓﺘًﺎ. اﻟﺘﻘﻴﻨﺎ ﺑﻮﺳﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻋﺰﺑﺘﻪ ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ وﻣﻼﻣﺢ ﻫﻮاﻳﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ »اﻟﺤﻼل« ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ وﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ. ﺣﻮل ﺑﺪاﻳﺎﺗﻪ ﻣﻊ اﻟﻬﻮاﻳﺔ ،ﻗﺎل :ﻫﻮاﻳﺘﻲ ﻫﻲ ﺟﻤﻊ واﻣﺘﻼك أﺑﺮز وأﻧﺪر أﻧﻮاع اﻟﺤﻼل واﻟــﻤــﻮاﺷــﻲ ،وذﻟــﻚ ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻹﻧﺘﺎج واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ أﻓﻀﻞ اﻟﺴﻼﻻت اﻟﺘﻲ أﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺪى ﻣﻼءﻣﺘﻬﺎ ﻟﺒﻴﺌﺔ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
115
číŎă
ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﺴﻼﻻت وأﻧﺪرﻫﺎ
ﻣﻄﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻏﺎﺷﻢ اﻟﻜﺘﺒﻲ: ﺗﺮﺑﻴﺔ »اﻟﺤﻼل« اﻣﺘﺪاد ﻟﺘﺮاث أﺟﺪادﻧﺎ اXﺻﻴﻞ
114
ﻣﻄﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻏﺎﺷﻢ اﻟﻜﺘﺒﻲ
رؤﻳﺔ
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ
ﻧﻌﻴﺶ
اﻟﻴﻮم ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت ،ﺗﻌﺒﺮ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻋﻦ ﻧﻤﻂ ﺣﻴﺎة وﺳﻠﻮﻛﻴﺎت ﻳﻮﻣﻴﺔ ﻷﻓﺮادﻫﺎ ،وﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺳﻠﻮﻛﻴﺎﺗﻬﻢ وﺗﻔﺎﻋﻼﺗﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻴﻬﺎ ،ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻷﻛﻞ أو اﻟﺸﺮب أو اﻟﻌﻤﻞ أو اﻹﻧﺘﺎج أو اﻻﺳﺘﻬﻼك. وإزاء ﻫﺬا اﻟﺘﻨﻮع ﻓﻲ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت واﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ،ﺗﻨﻮﻋﺖ ﺳﻠﺒﻴﺎت اﺳﺘﻐﻼل اﻟﺒﺸﺮ ﻟﺒﻴﺌﺎﺗﻬﻢ وﻣﻮاردﻫﺎ ،وﻃﺮق ﺗﻔﺎﻋﻼﺗﻬﻢ ﻣﻌﻬﺎ، ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺠﺮف اﻟﺘﺮﺑﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎء ﻣﺴﺎﻛﻦ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺰﻳﻞ أﺷﺠﺎر اﻟﻐﺎﺑﺎت ﻃﻤ ًﻌﺎ ﻓﻲ زراﻋﺔ أراﺿﻴﻬﺎ أو ﺑﻴﻊ أﺧﺸﺎﺑﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺸﻴﺪ اﻟﻤﺼﺎﻧﻊ ﻟﺰﻳﺎدة ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻪ وأرﺑﺎﺣﻪ ...اﻟﺦ .وﻟﺬﻟﻚ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﻣﺸﻜﻼﺗﻨﺎ ،وزاد ﺣﺠﻢ ﻣﺨﺎﻃﺮﻫﺎ ،ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻻ ﻧﻜﻮن ﺳﺒ ًﺒﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺎﺗﻨﺎ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻤﺎرﺳﺎت ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺎت أﺧﺮى. وﻫﺬا ﻣﺎ دﻋﻰ اﻟﺒﻌﺾ ﻟﻠﺘﻌﺠﺐ واﻟﺘﺴﺎؤل ﻋﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻣﻤﺎرﺳﺎﺗﻨﺎ وﺳﻠﻮﻛﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻜﻞ ،وﻫﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﺗﺆﺛﺮ ﻫﺬه اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎت اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس ﻓﻲ دوﻟﺔ أو ﻗﺎرة أﺧﺮى. واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮﻳﻦ ،وﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ أﻧﺖ وﻣﺎ أﻓﻌﻠﻪ أﻧﺎ وﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﻏﻴﺮﻧﺎ ،ﻳﺘﺮاﻛﻢ وﻳﺘﺮاﻛﻢ ﻟﻴﺆدي ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ إﻟﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻧﻌﺎﻧﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻣﻮاﻗﻌﻨﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ وﺣﺪودﻧﺎ وﺛﻘﺎﻓﺎﺗﻨﺎ ،وﻟﻌﻞ اﻟﺘﻐﻴﺮات اﻟﻤﻨﺎﺧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﻬﺪﻫﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺣﺎﻟﻴﺎ ﻟﺨﻴﺮ ﻣﺜﺎل ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ،رﻏﻢ ﻣﺤﻠﻴﺔ أﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ،وﺷﻤﻮﻟﻬﺎ ﻟﻜﻞ اﻟﺒﻴﺌﺎت واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻧﺎﻣﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ أو ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ. ﻧﺤﻦ إذن أﻣﺎم ﺗﻐﻴﺮ ﺛﻘﺎﻓﻲ ،ﻻﺑﺪ أن ﻳﻌﻴﻪ اﻟﺒﺸﺮ ،وأن ﻳﺪرﻛﻮا أن أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﺗﺘﺠﺎوز ﻧﻄﺎق ﺑﻴﺌﺎﺗﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻧﺰرع وﻧﺮﻋﻰ وﻧﺼﻄﺎد وﻧﺼﻨﻊ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺘﻨﺎ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ،ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺗﺄﺛﻴﺮ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺌﺎت اﻷﺧﺮى ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أن ﻧﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ وﺗﻔﻜﻴﺮﻧﺎ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ. وﻟﺬﻟﻚ ﺗﺰداد ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻣﺸﻜﻼﺗﻨﺎ
د .إدرﻳﺲ ﺳﻠﻄﺎن ﺻﺎﻟﺢ@
وﻋﻼج أﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺟﻬﻮد رﺳﻤﻴﺔ ﻟﻠﺪول واﻟﻤﻨﻈﻤﺎت، وﺗﻮﻗﻴﻊ ﻣﻌﺎﻫﺪات وﺳﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻦ وﺗﺸﺮﻳﻌﺎت ،إﻻ أن ﻫﺬه اﻟﺠﻬﻮد ﻟﻦ ﺗﻜﺘﻤﻞ إﻻ ﺑﺘﻨﻤﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،ﺗﺴﻌﻰ ﻟﺒﻨﺎء اﻟﺠﺴﻮر ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺗﻌﺪﻳﻞ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺪرك ﻛﻞ ﻓﺮد أﻧﻪ ﻣﺮﺗﺒﻄًﺎ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﺎﻟﻤﻰ ،وﻟﺪﻳﻪ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﺗﺠﺎه ﻛﻞ أﻓﺮاد اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺗﻨﻌﻜﺲ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﻓﻰ اﺗﺠﺎﻫﺎﺗﻪ وﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻪ وﺳﻠﻮﻛﻴﺎﺗﻪ. وﺗﺎﻛﻴ ًﺪا ﻷﻫﻤﻴﺔ ﺑﻨﺎء اﻟﺠﺴﻮر ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، أﻋﻠﻦ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ اﻟﺪوﻟﻲ ﻣﺒﺎدرة دوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻌﺎم اﻟﻘﺎدم ،2016 ﺑﻌﻨﻮان 2016 :اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻔﻬﻢ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،وﺷﺎرك ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ،ﻛﺎﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻌﻠﻮم ،واﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،واﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. وﺗﺴﻌﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎدرة إﻟﻰ اﻟﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﻤﻄﺮوﺣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،واﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﻤﺤﻠﻲ ،واﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ .وذﻟﻚ ﺗﺄﻛﻴﺪا ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺈن اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪد ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻐﻴﻴﺮﻧﺎ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ وﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻌﺎﻳﺸﻨﺎ ﻣﻌﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﺗ ُﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ إدراﻛﻨﺎ ﻟﻤﺎ ﺗُﺤﺪﺛﻪ ﺳﻠﻮﻛﺎﺗﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻣﻦ اﻧﻌﻜﺎﺳﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ ،ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻐﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺪون أن ﻧﻔﻬﻢ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻻﻧﻌﻜﺎس اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﺮﻛﻪ ﻋﻤﻠﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض. وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ داﺋ ًﻤﺎ ﺟﺰ ًءا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﺤﻞ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﺳﻠﻮﻛﻴﺎت اﻟﻨﺎس وأﻧﻤﺎط ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وﺗﻔﻜﻴﺮﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﺄﺛﻴﺮاﺗﻬﺎ، ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻦ اﻹﻣﻜﺎن اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻜﻼت ،اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺟﻬﻮد اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت واﻟﻤﻨﻈﻤﺎت ﻓﻲ ﺣﻠﻬﺎ *أﺳﺘﺎذ ﻣﺸﺎرك ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻤﻨﻴﺎ ،ﻣﺼﺮ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
113
ŅŎňij ﻣﺒﻠﻎ ﻣﺎﻟﻲ إزاء ﻏﻨﺎﺋﻪ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ إﻟﻤﺎﻣﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ )اﻟﻌﺎ ّﻣﻲ( اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻏﺮب إﻳﺮان ﺑﺠﻤﻴﻊ أﻧﻮاﻋﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﺰل، واﻟﻤﻠﺤﻤﺔ ،واﻟﺜﻨﺎء ،وﻛﺎن ﻫﻮ وأﺑﻮه ﺷﺎﻋﺮﻳﻦ ﺟﻴﺪﻳﻦ. وﻳﺘﺬﻛﺮ ﻫﺬا اﻟﻤﻄﺮب ﺣﺪﺛﺎ ﺟﺮى ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﺻﺪﻳﻘﻪ ،زار ﺧﻼﻟﻪ اﻟﻤﻄﺮب اﻟﻌﺮاﻗﻲ اﻟﺸﻬﻴﺮ »ﺳﻠﻤﺎن اﻟﻤﻨﻜﻮب« ﺻﺪﻳﻘﻪ ذات ﻳﻮم ،وﻗﺪ وﺿﻊ اﻟﺼﺪﻳﻖ )ﺷﺮﻳﻂ ﻛﺎﺳﻴﺖ( ﻟﻌﻠﻮان ،وﻣﺎ إن ﺳﻤﻌﻪ ﺳﻠﻤﺎن ﺣﺘﻰ ﻧﻬﺾ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ،واﻧﺤﻨﻰ اﺣﺘﺮاﻣﺎ ﻟﺼﻮت ﻋﻠﻮان ،ﻗﺎﺋﻼ» :أﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ أن ﻫﺬا ﻏﻨﺎء ﺣﻘﻴﻘﻲ« ،وﻟﻢ ﻳﺨﺘﺼﺮ إﻋﺠﺎب اﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮاﻗﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺤ ّﺪ ،ﻓﻘﺪ ﺳﺎﻓﺮ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ إﻟﻰ إﻳﺮان ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺜﻮرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ) ،(1979وﻋ ّﺒﺮوا ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﻢ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ،وﻏﻨﻮا ﻓﻲ أﺳﻠﻮﺑﻬﺎ ،وﻣﻦ أﺷﻬﺮﻫﻢ –ﻛﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ -اﻟﻤﻄﺮب »داﺧﻞ ﺣﺴﻦ«. »ﺣﺴﺎن إﻛﺰار اﻟﻜﻨﺎﻧﻲ« ،وﻫﻮ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﺳﻤﺎ ﻣﻬ ّﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ أﻣﺎ ّ اﻟﺸﻬﻴﺮ »ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻓﻀﺎﻟﺔ« اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺳﺎﻫﻢ ﻛﺜﻴﺮا ﻓﻲ اﻧﺘﺸﺎرﻫﺎ ﺑﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ وآﻟﺔ اﻟﺮﺑﺎﺑﺔ ،ﻓﻘﺪ وﻟﺪ ﻗﺮب اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻷﺛﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻳﺖ واﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،وﻓﻲ اﻟﻌﺮاق ﻏﻨﺎﻫﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ »ﺳﻠﻤﺎن اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ »اﻟﺸﻮش« ،اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻏﺮﺑﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ،وﻛﺎن ﻳﻜﺘﺐ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﻨﻜﻮب« ،و«داﺧﻞ ﺣﺴﻦ« وﻏﻴﺮﻫﻢ. وﻳﻐ ّﻨﻴﻪ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﺰﻓﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺑﺎﺑﺔ. ﺣﺴﺎن -اﻟــﺬي ﺗﻮﻓﻲ ﻗﺒﻞ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻮات -ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻮح وﻟﺪ »ﻋﻠﻮان اﻟﺸُ َﻮﻳّﻊ« ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻘﺮى اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ،وﻗﺪ ﺣﺼﻞ ّ وﻣﻨﺬ ّ ﺳﻨﻲ ﻣﺮاﻫﻘﺘﻪ أﻋﺠﺐ ﺑﺎﻟﻨﻐﻤﺎت اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ،وﺷﺮع ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء ،اﻟﺘﻘﺪﻳﺮي ﻣﻦ ﻣﻬﺮﺟﺎن »ﻓﺠﺮ« اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ ﻋﺎم 2010ﻓﯽ دورﺗﻪ ﺑﻌﻠﺒﺔ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﺼﻨﺎﻋﺘﻬﺎ وذﻟﻚ اﻟﺮﺑﺎﺑﺔ، آﻟﺔ ﺑﺈﺣﻴﺎء ﻗﺎم ﻛﻤﺎ أﻧﻪ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،وﻫﻮ أﻫﻢ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﻲ إﻳﺮان ،ﻛﻤﺎ زﻳﺖ ﺻﻔﻴﺤﻴﺔ ﻓﺎرﻏﺔ ،وﺑﻀﻊ ﺷﻌﺮات ﻣﻦ ذﻳﻞ اﻟﺤﺼﺎن ،ﻟﯿﻌﺰف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺒﻖ وﻣﻨﺢ ﻟﻮﺣﺎ ﺗﻘﺪﻳﺮﻳﺎ ﻓﻲ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻘﻮﻣﻴﺎت ﻓﻲ ﻃﻬﺮان وﺗﻜﻮن اﻟﻤﺮاﻓﻘﺔ ﻟﻐﻨﺎﺋﻪ ذي اﻟﻨﻐﻤﺎت اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ. ﻓﻲ دورﺗﻪ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺎم .2005 اﻟﺤﻤﺎس روح ﺗﺤﻤﻞ ﻗﺼﺎﺋﺪ وﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺮدد ﻋﻠﻮان ﻓﻲ ﻏﻨﺎﺋﻪ ﺣﺴﺎن ﻓﻲ إﺣﺪى ﻣﻘﺎﺑﻼﺗﻪ أﻧﻪ ﺳﺎﻓﺮ ذات ﻣﺮة إﻟﻰ اﻟﻌﺮاق وﻳﺬﻛﺮ ّ اﻟﻤﻠﺤﻤﻲ واﻟﺸﻬﺎﻣﺔ ،وﺗﺤﺚّ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻠﻲ ﺑﻤﻜﺎرم اﻻﺧﻼق ،ﻓﻜﺎن ﻟﺰﻳﺎرة إﺧﻮﺗﻪ وﺗﻔﻘﺪ أﺣﻮاﻟﻬﻢ ،وﺻﺎدﻓﺖ رﺣﻠﺘﻪ ﺗﻠﻚ ،ذﻛﺮى ﺗﺘﻮﻳﺞ ﺣﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﺤﻔﻞ اﻟﺬي أﻗﻴﻢ ﻟﻬﺬه ﻳﺸﺠﻊ ﺳﺎﻣﻌﻴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،واﻟﺼﺒﺮ ،واﻟﻜﺮم ،واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ،وإﻏﺎﺛﺔ »اﻟﻤﻠﻚ ﻓﻴﺼﻞ« ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق ،وﺷﺎرك ّ اﻟﻤﻈﻠﻮم ،وﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﻈﻠﻢ ،واﻟﻘﻴﺎم ﺑﺼﻠﺔ اﻟﺮﺣﻢ ،واﻋﺘﻤﺎد اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺬﻛﺮى ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺣﻀﺮه ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ واﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮب .وﻗﺪ واﻹﻳﺜﺎر .وﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻟﺸﻌﺮاء ﺳﺒﻘﻮه ﻓﻲ ﺣﺴﺎن ﻫﻨﺎك ﺳﻴﺎرة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﺑﺎﻟﺤﻔﻞ ،ﻏﻴﺮ أﻧﻪ أﻫﺪاﻫﺎ َ أﻫﺪي ّ اﻟﺰﻣﻦ ،وﻛﺎن ﻳﺬﻛﺮ أﺳﻤﺎءﻫﻢ ﺧﻼل اﻟﻐﻨﺎء ،ﻣﺎ ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﻋﺎدة رﺋﻴﺴﻴﺔ ﺑﺪوره إﻟﻰ إﺧﻮﺗﻪ وﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ »اﻟﺸﻮش« ،ﻣﻤﺘﻄﻴﺎ ﺣﺼﺎﻧﻪ. ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﻌﻠﻮاﻧﻲ ﻓﺎﻟﻤﻐﻨﻮن ﺑﺎﺗﻮا ﻳﺬﻛﺮون ﻟﺤﺴﺎن أن ﺷﺎرك ﻓﻲ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺳﺒﻖ ّ اﺳﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣ ّﻴﺎ ﻛﺎن أم ﻣﺘﻮﻓﻴﺎ ،وﻣﺎ ﺳﺎﻫﻢ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻣﻮﺳﻴﻘﻲ ﺳﻨﻮي ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق إﺑﺎن رﺋﺎﺳﺔ آﻟﺔ »اﻟﺮﺑﺎﺑﺔ« ،ﻫﻲ اeﻟﺔ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺮي ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ؛ أﺣﻤﺪ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻜﺮ ) ،(1979-1968وﻗﺪ ﻓﺎز ﻓﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻓﻖ ﻫﺬا اXﺳﻠﻮب ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻌﺎر ﻣﺪوﻧﺔ ،وﻟﻢ ﺣﺴﺎن ﺷﺎرك ﻓﻲ ﻫﺬا ذﻟﻚ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن .وﻛﺎن ّ ﻣﻦ ﻛﺜﻴﺮ وﻳﻌﺘﻘﺪ اﻟﻐﻨﺎء. ﻣﻦ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﻨﺘﻘﻞ اﻟﻴﻮم إﻟﻰ ﺟﻴﻠﻨﺎ ﻟﻮﻻ ﻏﻨﺎء ﻋﻠﻮان اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ أﺳﺘﺎذه »ﻋﻠﻮان اﻟﺸُ ﻮﻳّﻊ«، وﻣﻦ ﺣﺬا ﺣﺬوه. اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ أن ﻷن ﻛِ َﺒﺮ اﻟﺴ ّﻦ وﻇﺮوف ﻋﻠﻮان اﻟﺼﺤ ّﻴﺔ ﺣﺎﻟﺖ وﻳﺸﻴﺮ »اﻟﺸﻴﺦ ﻛﺮﻳﻢ ﺑﺎوي« ،وﻫﻮ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺣﺎﻟﻴﺎ دون ﻣﺸﺎرﻛﺘﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ،ﻓﻄﻠﺐ أﺳﻠﻮب اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ﺑﺈﻳﻘﺎﻋﻪ َ ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﻌﺎزﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ آﻟﺔ اﻟﺮﺑﺎﺑﺔ وﻣﻄﺮﺑﻲ ﻋﻠﻮان ﻣﻦ ﺗﻠﻤﻴﺬه أن ﻳﻨﻮب ﻋﻨﻪ. اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ،ﻓﻲ ﻟﻘﺎء ﺻﺤﻔﻲ إﻟــﻰ ﻋﻼﻗﺘﻪ اﻟﺒﻄﻲء واﻟﺤﺰﻳﻦ ،ﻣﺘﺄﺛﺮ إﻟﻰ ﺣﺴﺎن ،ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ أﺣﻤﺪ ﺣﺴﻦ ﺑﻜﺮ وﺑﻌﺪ ﻓﻮز ّ وﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺑﻌﻠﻮان اﻟﺸُ ﻮﻳّﻊ ،ﻗﺎﺋﻼ إﻧﻪ اﻟﺘﻘﺎه ﻷول ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﻨﻐﻤﺎت اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ أن ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق ،ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ وآﺛﺮ أن ﻣﺮة ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ،وﻛﺎن ﻳﺆ ّﻣﻪ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﻮات ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮ ّددﻫﺎ اXﻣﻬﺎت ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺘﻪ وﻳﻌﻴﺶ ﻫﻨﺎك ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ اﻟﻘﺮوي اﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻛﺎن »ﻋﻠﻮان ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وأﻳﻀﺎ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﺒﺴﻴﻂ إﻟﻰ أن واﻓﺘﻪ اﻟﻤﻨﻴﺔ ﻋﺎم ،2010وﻫﻮ اﻟﺸُ ﻮﻳّﻊ« ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وﻳﺬﻛﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﻛﺮﻳﻢ أن ﻋﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﻣﻬﺮﺟﺎن »ﻓﺠﺮ« اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم أي ﻋﻠﻮا َن ﻛﺎن ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺤﻴﺎء ،ﻳﺮﻓﺾ ﻗﺒﻮل ّ ﻃﻬﺮان إﻟﻰ ﻣﺴﻘﻂ رأﺳﻪ
112
ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ
وﺗُﺼ ّﻨﻒ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻏﺮب إﻳﺮان إﻟﻰ »اﻟﻤﻘﺎم« )أي أﺧﺬت ﻫﺬه اﻵﻟﺔ ﺗﻮاﺻﻞ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ رﻏﻢ ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ( ،و«اﻟﺮﻳﻒ« )أي اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ( ،واﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﻌﺰﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻦ وآﺧﺮ. اﻟﻨﻮع اﻷﺧﻴﺮ ،وﺗﺘﻜ ّﻮن ﻣﻦ ﻣﻘﺎم اﻟـ«ﺣﺠﺎز« ،واﻟـ«ﺑﻴﺎت« ،وﻓﻲ اﻟﺪرﺟﺔ وﮐﺎﻧﺖ اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻗﺪ ﺣﻈﻴﺖ ﺑﺮواج وروﻧﻖ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻳﻨﺨﻔﺾ ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎ رﺑﻊ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ )اﻟﺘﻮن( وﻧﺼﻒ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ،ﻛﺒﻴﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ إﻣﺎرة اﻟﺸﻴﺦ ﺧﺰﻋﻞ اﻟﻜﻌﺒﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ -أي ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت ﻣﺎ ﻳﺨﻠﻖ ﺣﺎﻟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ أي ﻣﻦ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﻨﺼﺮم وإﺑﺎن اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻘﺎﺟﺎري ﻓﻲ إﻳﺮان -ﻓﻜﺎن ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ ،وﻟﻢ ﻳﺸﺒﻬﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ إﻻ ﻏﻤﺎز اﻟـ«ﺷﻮﺷﺘﺮي« ﻓﻲ اﻟﻔﺮق اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﻣﻦ دول ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺷﺘﻰ ﻛﻤﺼﺮ ،واﻟﻌﺮاق ،وﻟﺒﻨﺎن ،ﺗﻔﺪ ﻣﻘﺎم اﻟـ«ﻫﻤﺎﻳﻮن« ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ ،وﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻘﺎﻣﺎت ﺑﻼط اﻟﺸﻴﺦ ﺧﺰﻋﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻗﺎﻣﺔ ﻟﻴﺎل ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ،إﻻ أن ﻧﺠﻤﻬﺎ ﺑﺪأ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﻫﻲ ﻗﺮﻳﺒﺔ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﻘﺎم اﻟﺤﺠﺎز. ﻳﻔﻞ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﻜﻢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﻬﻠﻮﻳﺔ ﻓﻲ إﻳﺮان ،إﻟﻰ أن ﻇﻬﺮ أﻣﺎ آﻟﺔ اﻟﺮﺑﺎﺑﺔ ﻓﻬﻲ اﻵﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺰف اﻟﻴﻮم »ﻋﻠﻮان اﻟﺸُ َﻮﻳّﻊ« ﻓﻲ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ، »اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ« ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻄﺮﺑﻮ اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ،دون آﻟﺔ أﺧﺮى .وﻫﻲ وﻋﺰم ﻋﻠﻰ إﺣﻴﺎء وإﻧﻌﺎش روح ﻫﺬه اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻵﻻت اﻟﻮﺗﺮﻳﺔ ،وﺗﺼﻨﻊ ﻃﺎﺳﺘﻬﺎ ﻣﻦ أﻫﻢ رﻛﺎﺋﺰ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،وﻛﺎن ﻋﻠﻮان ﺧﺒﻴ ًﺮا ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﻣﺎت ﺑﺎﻟﺨﺸﺐ أو ﺑﺎﻟﺼﻔﻴﺢ ،وﺗﻐﻄﻰ ﺑﺠﻠﺪ اﻟﺨﺮوف .اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻏﺮب إﻳﺮان ،اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ واﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ. أﻣﺎ اﻟﻨﻮع اﻟﺼﻔﻴﺤﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻜﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻣﻨﺬ ورﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ أن واﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﻣﺆﺧﺮا ﺗﺴﺠﻴﻠﻬﺎ وﻳﻤﺴﻰ اﻟ ِﻘﺪم ﻟﺪى اﻟﻐﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻟﺘﺼﻞ إﻟﻰ ﺟﻴﻠﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻟﻮﻻ وﺟﻮد ّ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺘﺮاث ﺿﻤﻦ »ﻛَﻠَﻦ« أو »ﻛﺎﻟﻦ«. »ﺣﺴﺎن »ﻋﻠﻮان اﻟﺸُ ﻮﻳّﻊ« ،وﺗﻠﻤﻴﺬه اﻷﺑﺮز ّ ﻣﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻓﻲ ﻳﺸﺒﻬﻬﺎ، ﻣﺎ أو وﺗﻮﺟﺪ ﻫﺬه اﻵﻟﺔ إﻛﺰار اﻟﻜﻨﺎﻧﻲ« ،وﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻤﻦ ﺑﺬﻟﻮا ﻗﺼﺎرى واﻟﺮوﺣﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ ،وﺟﻨﻮب ،وﺟﻨﻮب ﺟﻬﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ إﺑﻘﺎء ﻫﺬه اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ رﻏﻢ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ إﻳﺮان ﺷﺮق أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،وﺷﻤﺎﻟﻬﺎ ،وأﻣﻴﺮﻛﺎ ،وﻣﻨﺎﻃﻖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺎﻧﻮا ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻇﺮوف ﻣﻌﻴﺸﻴﺔ ﺻﻌﺒﺔ، أﺧﺮى ﺑﺎﻻﺳﻢ ذاﺗﻪ أو ﺑﺄﺳﻤﺎء أﺧﺮى .وﻣﺜﻞ وﻗﻠﺔ اﻣﻜﺎﻧﻴﺎت ،وﺗﻬﻤﻴﺶ .ﻓﻬﻲ اﻟﻴﻮم وﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬه اﻵﻟﺔ ذي اﻟﻮﺗﺮ اﻟﻮاﺣﺪ ﻋﺮﻓﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ ﺟﻬﻮد أﻣﺜﺎل ﻫﺆﻻء اﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ ﺑﻘﻴﺖ ﺣﻴﺔ ،وﻗﺪ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ ،ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ اﻵﻻت اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ ﺗﺠﺎوزت اﻟﺤﺪود اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ ﻟﺘﺼﻞ إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ .وﻳﺒﺪو أن اﻟﻌﺮاق ،واﻟﻜﻮﻳﺖ ،واﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺼﻴﺖ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻼﺣﺔ واﻟﺸﻬﺮة وﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﺑﺘﺒﻨﻴﻬﺎ أﺳﻠﻮﺑﺎ ﻟﻠﻐﻨﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻲ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺰﻣﺎن ،ﻫﻲ اﻟﺘﻲ أﺛﺮت ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻄﺮﺑﻴﻦ ﻣﻤﻴﺰﻳﻦ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺪول. ﻓﻲ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺮﺑﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﺛﻢ ﻓﻔﻲ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻗﺪ ﻏ ّﻨﻰ اﻟﻤﻄﺮب اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
111
ŅŎňij
ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻬﻤﻴﺶ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ
ﻣﺮﻳﻢ ﺣﻴﺪري
ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ« ﻣﻦ أﻫﻢ رﻛﺎﺋﺰ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺮوﺣﻲ ﻏﺮب إﻳﺮان ،واﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﻣﺆﺧﺮا ﺗﺴﺠﻴﻠﻬﺎ ﺿﻤﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺜﻘﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ إﻳﺮان ،ﺑﻌﺪ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﻧﺎﺷﻄﻴﻦ ﺛﺛﻘﺎﻓﻴﻴﻦ وﻫﻮاة ﻫﺬه اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺑﺬﻟﻚ وﻣﺘﺎﺑﻌﺎﺗﻬﻢ اﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة، ورﻏﻢ ﻣﺤﺎوﻻت ﻣﻦ دول اﻟﺠﻮار ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻮﺛﻴﻖ ﻫﺬه اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ. وﺟﺎءت ﻧﺸﺄة ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ« ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﺸﺌﻬﺎ وﻣﺆﺳﺴﻬﺎ »ﻋﻠﻮان اﻟﺸُ َﻮﻳّﻊﻊ« ،اﻟﺬي ﻟﻌﺐ دورا ﻣﻬ ًﻤﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻼﺣﻘﺔ ،وإﺣﻴﺎء اﻷﺳﻠﻮب ﻣﻦ آﻟﺔ »اﻟﺮﺑﺎﺑﺔ« أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻫﻲ اﻵﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻓﻖ ﻫﺬا اﻷﺳ اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ﺑﺈﻳﻘﺎﻋﻪ أﺳﻠﻮب اﻟﻌﻠﻮ اﻟﻐﻨﺎء .وﻳﻌﺘﻘﺪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ أن َ اﻟﺒﻄﻲء واﻟﺤﺰﻳﻦ ،ﻣﺘﺄﺛﺮ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﻨﻐﻤﺎت اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮدّدﻫﺎ اﻷﻣﻬﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وأﻳﻀﺎ اﻟﻐﻨﺎء أﺛﻨﺎء اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ،وﻳﻌﻴﺪون ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ إﻟﻰ زﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ ﺗﻜ ّﻮﻧﺖ واﺳﺘﻤ ّﺮت ﻓﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻨﻐﻤﺎت.
110
ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ
ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
اﻟﻐﻤﻮض ﻟﻢ
ﺗﺮوض اﻟﻌﺼﻮر اﻷدﺑﻴﺔ واﻟﺘﻮﺟﻬﺎت اﻟﻔﻨﻴﺔ ﺣﺠﻢ اﻟﺨﻼف ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻟﻐﻤﻮض ،وﻃﺮﻗﻪ ،وأﻫﻤﻴﺘﻪ ،ﺑﻞ ﻇﻠﺖ ﻫﻴﻤﻨﺘﻪ ﻣﻄﺮدة ﻣﻊ اﻷﻳﺎم ،ﻟﻢ ﻳﻤﺴﺴﻬﺎ ﻗﺮح ،وﻻ ﻳﺮﺗﺒﻂ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ وﺷﻌﺮه ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﺣﺎﺿﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻨﺎوب ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻤﻮض واﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ أﻫﻞ اﻟﺒﻼﻏﺔ واﻟﻨﺤﻮ واﻟﻔﻘﻪ ،وﺗﻌﺪدت اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻤﻮض- ﻣﻊ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻟﻔﺮوق ﺑﻴﻨﻬﺎ -ﻓﺘﺠﺪ)اﻟﻤﻌﺎﻇﻠﺔ ،واﻟﺘﻌﻘﻴﺪ ،واﻟﺘﻌﻘﻴﺪ واﻟﻐﺮﻳﺐ واﻟﻤﺸﺘﺮك ،واﻟﺘﻮرﻳﺔ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ( وﻓﻲ اﻟﺘﺮاﻛﻴﺐ ﺗﺠﺪ)اﻹﺑﻬﺎم واﻟﻜﻨﺎﻳﺔ واﻟﺘﻠﻮﻳﺢ واﻟﺮﻣﺰ واﻹﺷﺎرة واﻟﺘﻌﻤﻴﺔ واﻟﻠﻐﺰ(. واﻟﻐﻤﻮض داﺧﻞ-ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﺎ -ﻓﻲ ﻣﺘﻦ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺸﻌﺮ ﺣﻴﻦ رأوه ﺿﺮﺑﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺞ وﺟﻨﺴﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ،أو ﻫﻮ »اﻟﻜﻼم اﻟﻤﺨﻴﱠﻞ« ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺤﻮار ﺣﻮل اﻟﻐﻤﻮض ﻣﺮدودا ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻟﻮﺿﻮح »اﻟﺨﻄﺎب« ﻗﻴﺎﺳﺎ ﻟﻼﻣﺒﺎﺷﺮة رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻛﻮن اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻓﻴﻪ ﻟﻴﺴﺖ أداة ﻟﻠﺘﻮﺻﻴﻞ، وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻮﺿﻮع ﻟﻪ .ورﺑﻤﺎ ﻳﺒﺪو أن » أﺑﻮ ﺗﻤﺎم« ﻛﺎن ﻣﻨﻌﻄﻔﺎ ﻓﺎرﻗﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮة اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﺎﻋﺘﺒﺮه اﻟﻤﺠﺪدون رأس ﺣﺮﺑﺔ ﻟﻬﻢ ،وﻧﻈﺮ ﻟﻪ اﻷﺻﻮﻟﻴﻮن ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﺰﻗﺎ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ اﻟﺴﻜﻮت ﻋﻠﻴﻪ-ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﻨﺤﺎة-؛ إذ دأﺑﻮا ﻋﻠﻰ ﻛﻴﻞ اﻟﻤﺪح ﻟﻠﻮﺿﻮح ،وﺗﺠﺪ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮات اﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮة ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ«أﻣﻦ اﻟﻠﺒﺲ« ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺪري ﻫﻞ اﻋﺘﺒﺮوا ﺣﻀﻮر اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻣﺮدودا ﻟﻘﺪراﺗﻪ اﻟﺒﻴﺎﻧﻴﺔ أم ﻟﻤﺎ ﻇﻨﻮه ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ«اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ« و»اﻟﺸﺮح«. اﻟﻐﻤﻮض دﻋﻮة ﻟﻠﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ،ووﺟﻪ ﻻﻫﺘﺰاز اﻟﺼﻮرة اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﺎرئ ﺣﻮل اﻟﻴﻘﻴﻦ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﻣﺤﺪدة ﺑﻴﻦ اﻟﺪال واﻟﻤﺪﻟﻮل ،ﻓﻴﺘﻌﻠﻖ اﻟﻐﻤﻮض ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻤﺪﻟﻮﻻت ذاﺗﻬﺎ ،ﻻ ِ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻟﻬﺎ .وواﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر ﻓﺘﻨﺔ اﻷدب ،وﺗﺠﺪده ﺑﺎﻟﺪوال اﻟﺪاﺋﻢ .وإذا ﻛﺎن اﻟﻐﻤﻮض-ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺟﻮاﻧﺒﻪ-ﻣﺘﺼﻼ ﺑﺨﻔﺎء اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻠﻢ ﻳﻨﻈﺮ اﻟﺘﺮاث ﻟﻠﻮﺿﻮح ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻴﺰة ،ﻛﻤﺎ أن ﺧﻔﺎء اﻟﻤﻌﻨﻰ-ﻓﻲ ﺣﺪ ذاﺗﻪ-ﻟﻴﺲ وﺳﻴﻠﺔ ﺗﻔﺎﺿﻞ ،ﻓﻼ ﻳﺸﺮف اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻘﻂ ﺑﻌﻠﻮ ﻣﻌﻨﺎه واﻗﺘﺮاﻧﻪ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺪﻧﻮ ﻣﻮﻗﻌﻪ اﻟﻔﻨﻲ ﻟﻮﺿﻮﺣﻪ .ﺷﻬﺪ اﻟﻨﻘﺪ
د .ﻋﻼء اﻟﺠﺎﺑﺮي
اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺣﻮارا ﻃﻮﻳﻼ ،وﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ »اﻧﻜﺸﺎف اﻟﻤﻌﻨﻰ« ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺤﺘﺮي ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ اﻵﻣﺪي ﺗﺤﺪث ﻋﻦ أﺑﻲ ﺗﻤﺎم » ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﻜﻠﻒ« ،وﺻﺎﺣﺐ ﺻﻨﻌﺔ وﻣﺴﺘﻜﺮه اﻷﻟﻔﺎظ واﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻮازﻧﺔ ﻛﺎن »ﻏﻤﻮض اﻟﻤﻌﻨﻰ و«ﺑﻴﺎﻧﻪ« ﻋﺎﻣﻼ ﻓﻲ ﺗﻘﻴﻴﻤﻪ .أﻻ ﺗﺬﻛﺮ ﻗﻮل أﺣﺪﻫﻢ»:إذا ﻛﺎن ﻫﺬا ﺷﻌﺮا ﻓﻜﻼم اﻟﻌﺮب ﺑﺎﻃﻞ«. ﻟﻘﺪ ﻧﻔﺮ اﻟﺘﺮاث ﻣﻦ اﻟﻐﻤﻮض اﻟﻤﺘﻌﻤﺪ ﻟﻠﺘﻌﻤﻴﺔ ﺑﺪﻋﻮى اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ، ﻓﺘﺤﺪﺛﻮا ﻛﺜﻴﺮا ﻋﻦ ﺑﻴﺖ اﻟﻔﺮزدق اﻟﺸﻬﻴﺮ :وﻣﺎ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس إﻻ ﻣﻤﻠﻜﺎ ....وذﻣﻮا اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ-ﺑﺮﻏﻢ ﺣﻤﻠﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ« ﻋﻤﻮد اﻟﺸﻌﺮ -ﻧﻈﺮوا ﻟﻠﻤﺠﺎوزة واﻻﺧﺘﻼف ،دون أن ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ »اﻹﺣﺎﻟﺔ« ﻓﺬﻣﻮا ﻣﺎ ﺳﻤﺎه اﺑﻦ ﻗﺘﻴﺒﺔ »ﻓﺎﺣﺶ اﻻﺳﺘﻌﺎرة«. وﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﻘﺎد ﻗﺎﺑﻌﻴﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﻐﻤﻮض ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ أﺳﺒﺎﺑﻪ ﻓﻴﻘﻮل أﺑﻮ اﻟﻄﻴﺐ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ أﻧﺸﺪ ﻋﻀﺪ اﻟﺪوﻟﺔ وﻛﺎن اﺑﻨﺎ ﻋــــﺪو ﻛﺎﺛﺮاه ﻟﻪ ﻳﺎﺋﻲ ﺣـــــﺮوف أﻧﻴﺴﺎن ﻓﻘﺎل :أﺗﻈﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻤﻤﺪوﺣﻴﻦ؟ ﻫﺆﻻء ﻳﻜﻔﻴﻬﻢ اﻟﻴﺴﻴﺮ، وإﻧﻤﺎ أﻋﻤﻠﻪ ﻟﻚ ﻟﺘﺴﺘﺤﺴﻨﻪ ،أي ﻟﻚ وﻷﻣﺜﺎﻟﻚ« وﻗﺪ ﻣﺎل اﻟﻜﺜﻴﺮون ﻟﻠﻮﺿﻮح ،واﺳﺘﺨﺪﻣﻮا«اﻟﺒﻴﺎن« ﻣﺮادﻓﺎ ﻟﺘﻤﻴﺰ ﻓﻨﻴﺔ اﻟﻜﻼم ،وﻋﻠﻮه .وﻻ ﻳﺒﻌﺪ أن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻗﺪ ﻣﻨﺢ اﻟﻐﻤﻮض ﺻﺒﻐﺔ ﺗﻔﺮد ،ﻣﻦ ﻣﺜﻞ اﺑﻦ اﻷﺛﻴﺮ اﻟﺬي ذﻫﺐ إﻟﯩﺄن اﻟﺘﺮﺳﻞ ﻫﻮ ﻣﺎ وﺿﺢ ﻣﻌﻨﺎه واﻟﺸﻌﺮ ﻣﺎ ﻏﻤﺾ ﻣﻌﻨﺎه؛ ﻷن ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻔﺼﻮﻟﺔ ﻣﺠﺰأة، وﻣﺴﺘﻮى اﻟﺨﻄﺎب ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ رﻓﻴﻊ؛ إذ ﻫﻮ ﻳﺘﺠﻪ إﻟﻰ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ وﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ اﻋﺘﻤﺪ أن ﻳﻠﻄﻒ وﻳﺪق .إن ﺟﻮﻫﺮ اﻷﻣﺮ ﻫﻮ اﻃﺮاد اﻟﺤﻮار ﺣﻮل اﻟﻐﻤﻮض ،وﺗﻌﺪد أوﺟﻬﻪ وﻣﺼﺎدره؛ ﺑﺪءا ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺎظ ﻣﺮورا ﺑﺎﻟﺘﺮاﻛﻴﺐ ،وﺻﻮﻻ إﻟﻰ إﻟﻐﺎز ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺠﺎز .ﻓﻜﺮﺗﻨﺎ ﻫﻨﺎ أن اﻟﻐﻤﻮض ﺣﺎﺿﺮ أﺑﺪا ،ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف اﻟﻌﺼﻮر اﻷدﺑﻴﺔ ،وﻫﻮ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺸﻌﺮ ذاﺗﻪ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
109
ïŎĬĘĿí ùíĎ÷ ņŃ
ﺗﺼﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﺿﻊ ﺑﻴﻀﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﺎب اﻟﺪار وﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮوس أن ﺗﺪوس ﺣﻮاﻟﻲ 05أو 10دﻗﺎﺋﻖ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻛﻞ اﻟﺤﺎﺿﺮات ﻣﻦ رؤﻳﺘﻬﺎ. ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﻜﺴﺮﻫﺎ وﻫﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﺑﻴﺖ اﻟﺰوج ،وﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ أﺧﺮى ﺗﻌﻄﻰ وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺗﻘﻮم اﻟﻌﺮوس وﻫﻲ ﺗﺮﺗﺪي أول ﻟﺒﺎس ﺑﻨﺜﺮ ﻗﻄﻊ اﻟﺰوﺟﺔ ﻛﺄس ﺣﻠﻴﺐ وﺑﻌﺾ ﺣﺒﺎت اﻟﺘﻤﺮ ﻓﺘﺸﺮب ﺛﻼث رﺷﻔﺎت وﻳﻮزع اﻟﺤﻠﻮى واﻟﺴﻜﺮ ﻓﻮق اﻟﺤﺎﺿﺮات وﻳﻘﻤﻦ ﻫﻦ وأﻃﻔﺎﻟﻬﻦ ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻃﻬﺎ. اﻟﺤﻠﻴﺐ واﻟﺘﻤﺮ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﻌﺎزﺑﺎت ﻛﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻔﺄل اﻟﺤﺴﻦ ﻟﻴﻠﺤﻘﻦ ﺑﻬﺎ وﻳﺘﺰوﺟﻦ ،وﻓﻲ وﻻﻳﺎت أﺧﺮى ﺗﺮش اﻟﻌﺮوس ﺑﺎﻟﺴﻜﺮ وﻣﺎء اﻟﺤﻠﻮﻳﺎت واﻟﻤﺄﻛﻮﻻت اﻟﻮرد. ﺗﻌﺮف اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮع ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت ﻛﺎﻓﺔ ،ﻓﻌﻠﻰ ﻏﺮار اﺧﺘﻼف اﻟﻠﻬﺠﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت ﻫﻨﺎك أﻳﻀً ﺎ ﺗﻨﻮع ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺘﺼﺪﻳﺮة أو اﻟﺘﺒﺮاز ﻗﻠﻴﻼ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻴﻦ ﻧﻮع آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺄﻛﻮﻻت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪم ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﺳﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ وﻣﺎ إن ﺗﺪﺧﻞ ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺮﻳﺲ وﺗﺮﺗﺎح ً اﻟﻄﻘﻮس وﻫﻮ »اﻟﺘﺼﺪﻳﺮة« ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق واﻟﺠﻨﻮب اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﻛﺎﻷﻋﺮاس ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب اﻟﺠﺰاﺋﺮي »اﻟﺤﺮﻳﺮة« واﻟﻄﻌﺎم أو »اﻟﺘﺒﺮاز » ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب اﻟﺠﺰاﺋﺮي ،وﻫﻮ أن ﺗﻘﻮم اﻟﻌﺮوس »اﻟﻜﺴﻜﺲ« ﻧﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق »اﻟﺸﺨﺸﻮﺧﺔ« و»اﻟﺸﻮرﺑﺔ ﻓﺮﻳﻚ« ﺑﺎﺳﺘﻌﺮاض ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻠﺒﺖ ﻣﻌﻬﺎ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ ﻫﺬا ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻮﻳﺎت ﻛـ»اﻷﺑﺮاج« »اﻟﺮﻓﻴﺲ« اﻟﺸﺪة اﻟﺘﻠﻤﺴﺎﻧﻴﺔ ،اﻟﻘﻔﻄﺎن ،اﻟﺒﻠﻮزة اﻟﻮﻫﺮاﻧﻴﺔ ،اﻟﻘﻨﺪورة اﻟﻘﺒﺎﺋﻠﻴﺔ ،و»اﻟﻤﺴﻤﻦ« و»اﻟﻤﺒﺴﺲ« و»ﺑﻘﻼوة« و»اﻟﻤﺸﻮك« و»اﻟﺘﺸﺎراك« اﻟﻘﺴﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ،ﻗﻨﺪورة اﻟﻔﺘﻠﺔ .وﻣﻨﻬﻦ ﻣﻦ ﺗﺮﺗﺪي اﻟﺴﺎري اﻟﻬﻨﺪي ،و»اﻟﻤﻘﺮوط« و»اﻟﻘﺮﻳﻮش« وﻏﻴﺮﻫﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻮﻳﺎت واﻟﻤﺄﻛﻮﻻت واﻟﻠﺒﺎس اﻟﻘﻄﺮي واﻟﺠﻼﺑﻴﺎت اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻤﻜﺚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺒﺎس اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻔﺎرق اﻟﻌﺮس اﻟﺠﺰاﺋﺮي 108
ا ﻋﺮاس اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ
ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺗﻮﺿﻊ اﻟﺤﻨﺎء ﻟﻠﻌﺮوس وﺳﻂ أﻫﺎزﻳﺞ وﻣﻮاوﻳﻞ ﻳﻐﻨﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻌﺮوس واﻟﻌﺮﻳﺲ وﻣﻨﻬﺎ: »ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ او ﺑﻴﻚ ﻳﺒﺪا اﻟﺒﺎدي او ﺑﻴﻚ ﻳﺒﺪا اﻟﺒﺎدي واﻟﻠﻲ ﻣﺎ ﺻﻠﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺴﻤﻰ اﻟﺸﺎﻗﻲ ﺗﺮﺑﺢ ﺗﺮﺑﺢ ﻳﺎ اﻟﺮاﺑﺢ و اﻟﻔﺎل ﻗﺎل اﻧﺸﺎء اﻟﻠﻪ. ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻮ ﻳﺎﻻﻣﺎﻋﻠﻴﻪ ﺳﻴﺪﻧﺎ وﺣﺒﻴﺒﻨﺎ وﻳﺮﺑﺢ ﻣﻦ ﺻﻠﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺑﻌﻴﺪة وﻛﺮارﺳﻨﺎ ﻳﺮﻋﺪ ﻫﺬي ﻣﺮﺗﻚ ﻳﺎوﻟﻴﺪي وﻋﺸﺮة ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻦ اﻟﻌﺪو«. وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺼﻼة واﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﺰوﺟﻴﺔ
ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻃﻘﻮس اﻟﺰواج ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ،ﺑﻞ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻣﻊ اﻟﺰوﺟﺔ ﺣﻴﻦ ذﻫﺎﺑﻬﺎ ﻟﺒﻴﺖ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺰوج ﻋﻠﻰ ﺣﺼﺎن أﺑﻴﺾ ﺑﺮﻧﺴﺎ أﺑﻴﺾ » وﻓﻲ وﻻﻳﺎت أﺧﺮى ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺳﻴﺎرة ﻓﺎﺧﺮة وﻫﻮ ﻳﺮﺗﺪي » ً وﺧﻠﻔﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎرات اﻷﺧﺮى اﻟﻔﺎرﻏﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺳﻴﺎرات ﻓﻴﻬﺎ أﻫﻠﻪ وﻳﺤﻤﻞ اﻟﻌﺮوس وأﻫﻠﻬﺎ وﻳﻘﻮم ﺑﺠﻮﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺮوﺳﻪ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﻄﺤﺒﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﺰوج ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ب »اﻟﻜﻮرﺗﺎج« وﻣﺎ إن
ﻣﺎ إن ﺗﺪﺧﻞ ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺮﻳﺲ وﺗﺮﺗﺎح ﻗﻠﻴ ًﻠﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻴﻦ ﻧﻮع آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻄﻘﻮس وﻫﻮ »اﻟﺘﺼﺪﻳﺮة« ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق واﻟﺠﻨﻮب اﻟﺠﺰاﺋﺮي أو »اﻟﺘﺒﺮاز« ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب اﻟﺠﺰاﺋﺮي ،وﻫﻮ أن ﺗﻘﻮم اﻟﻌﺮوس ﺑﺎﺳﺘﻌﺮاض ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻠﺒﺖ ﻣﻌﻬﺎ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ اﻟﺸﺪة اﻟﺘﻠﻤﺴﺎﻧﻴﺔ، اﻟﻘﻔﻄﺎن ،اﻟﺒﻠﻮزة اﻟﻮﻫﺮاﻧﻴﺔ ،اﻟﻘﻨﺪورة اﻟﻘﺒﺎﺋﻠﻴﺔ ،اﻟﻘﺴﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ،ﻗﻨﺪورة اﻟﻔﺘﻠﺔ. وﻣﻨﻬﻦ ﻣﻦ ﺗﺮﺗﺪي اﻟﺴﺎري اﻟﻬﻨﺪي ،واﻟﻠﺒﺎس اﻟﻘﻄﺮي واﻟﺠﻼﺑﻴﺎت اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
107
ïŎĬĘĿí ùíĎ÷ ņŃ
ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺄﺧﺬون ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ »اﻟﻮاﺟﺐ« وﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ أﻟﺒﺴﺔ وﻋﻄﻮر وﻫﺪاﻳﺎ وﺣﻠﻮﻳﺎت ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺻﻨﺎدﻳﻖ ﺧﻀﺮ ورأس ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ. ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺰواج ﻗﺪ ﻳﺘﻔﻖ أﻫﻞ اﻟﺨﺎﻃﺐ واﻟﻔﺘﺎة ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮر ﻛﺎﻟﻤﻬﺮ واﻟﻤﺴﻮﻏﺎت ،وﻻ ﻳﺨﺮﺟﻮن ﻣﻦ ﺑﻴﺖ اﻟﻔﺘﺎة إﻻ وﻗﺪ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ آﺧﺮ ﻟﻠﺰﻳﺎرة ﻛﻲ ﻳﺮدوا ﻟﻬﻢ اﻟﺨﺒﺮ ﺑﺎﻟﻘﺒﻮل أو اﻟﺮﻓﺾ. اﻟﻌﺮس واﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ
ﻓﻲ ﺣﺎل ﺣﺼﻮل اﻟﻘﺒﻮل ﺑﻴﻦ أﻫﻞ اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻤﺮأة ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ أﻫﻞ اﻟﺰوج اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﺪة زﻳﺎرات ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ﻛﻌﻴﺪي اﻟﻔﻄﺮ واﻷﺿﺤﻰ وﻛــﺬا ﻳﻮم اﻟﻤﻮﻟﺪ اﻟﻨﺒﻮي اﻟﺸﺮﻳﻒ ،وﻋﺎﺷﻮراء ورأس اﻟﺴﻨﺔ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎت ،وﻫﻢ ﻣﺤﻤﻠﻴﻦ ﺑﻜﻞ أﺻﻨﺎف اﻟﺤﻠﻮﻳﺎت واﻟﻬﺪاﻳﺎ واﻟﻌﻄﻮر واﻟﻤﻼﺑﺲ ﻟﻠﻔﺘﺎة ،ﺧﺎﺻﺔ إن ﻃﺎﻟﺖ ﻓﺘﺮة اﻟﺨﻄﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻤﺘﺪ ﻟﺴﻨﻮات ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ. ﻳﺒﺪأ ﺗﺤﻀﻴﺮ اﻟﻌﺮس ﻏﺎﻟﺒﺎ ﺑـ«اﻟﺤﻤﺎم« أو »ﺣﻤﺎم اﻟﻌﺮوس« ﻓﻘﺒﻞ ﻳﻮم اﻟﺰﻓﺎف ﺗﺬﻫﺐ اﻟﻔﺘﺎة إﻟﻰ اﻟﺤﻤﺎم ﻣﻊ ﻓﺘﻴﺎت ﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺻﺪﻳﻘﺎﺗﻬﺎ وﻗﺮﻳﺒﺎﺗﻬﺎ ،وﻟﻬﺬا اﻟﺤﻤﺎم ﻃﻘﻮس ﺧﺎﺻﺔ ﻓﺎﻟﻌﺮوس ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺣﺠﺮة 106
ا ﻋﺮاس اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ
اﻟﻤﺎء إﻻ وﻗﺪ أوﻗﺪت اﻟﺸﻤﻮع ،وﻋﻠﺖ أﺻﻮات اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺎﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ، ووزﻋﺖ أﺻﻨﺎف اﻟﺤﻠﻮى ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻫﻦ داﺧﻞ اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺘﻲ ﺟﻲء ﺑﻬﺎ ﺧﺼﻴﺼﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض .ﺛﻢ ﺑﻌﺪه ﺗﺬﻫﺐ اﻟﻔﺘﺎة إﻟﻰ اﻟﺤﻼﻗﺔ أو ﻳﺆﺗﻰ ب« اﻟﻤﺎﺷﻄﺔ« وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺸﻂ ﺷﻌﺮﻫﺎ وﺗﺰﻳﻨﻬﺎ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ أﻧﻮاع اﻟﺰﻳﻨﺔ وﺗﺼﺤﺒﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻴﺖ زوﺟﻬﺎ. ﺑﻌﺪ ﻃﻘﺲ اﻟﺤﻤﺎم ﻳﺄﺗﻲ ﻃﻘﺲ آﺧﺮ وﻫﻮ »اﻟﺤﻨﺎء« وﻫﻲ ﻻزﻣﺔ ﻣﻦ ﻟﻮازم اﻟﻌﺮس اﻟﺠﺰاﺋﺮي وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺧﺼﻮﺻﻴﺎﺗﻬﺎ وﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ، ﻓﻤﺜﻼ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﻳﺆﺗﻰ ﺑﺎﻟﻌﺮوس وﻳﺠﻠﺴﻮﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ وﺳﺎدة ً ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﻣﺰرﻛﺶ ﻓﺎﺧﺮ ،واﻟﻮﺳﺎدة أﻳﻀً ﺎ ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﺑﻴﻀﺎء ﻣﻄﺮزة ،ﺗﺄﺗﻲ اﻣﺮأة ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻦ وﺗﻮﻗﺪ ﺷﻤﻌﺘﻴﻦ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻦ وﺷﻤﺎل اﻟﻌﺮوس وﺗﻌﻄﻴﻬﻤﺎ ﻟﻔﺘﺎﺗﻴﻦ ،ﺛﻢ ﺗﻤﺴﻚ اﻟﻌﺮوس ﻣﻦ ﻛﺘﻔﻴﻬﺎ وﺗﺠﻠﺴﻬﺎ وﺗﻮﻗﻔﻬﺎ ﺳﺒﻊ ﻣﺮات ،وﺳﻂ زﻏﺎرﻳﺪ اﻟﻨﺴﺎء ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺼﺤﻦ أﺑﻴﺾ وﺗﻀﻊ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻨﺎء وﺗﺮﺷﻬﺎ ﺑﻤﺎء اﻟﻮرد ،وﺗﻀﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻒ اﻟﻌﺮوس وﺗﻀﻊ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ ذﻫﺐ ،ﺛﻢ ﺗﻠﻒ ﻳﺪ اﻟﻌﺮوس ﺑﻘﻤﺎش أﺑﻴﺾ ،وﺗﺄﺗﻲ ﺑﺠﻬﺎز اﻟﻌﺮوس اﻟﺬي أﺣﻀﺮه اﻟﺰوج وﺗﻘﻮم ﺑﻌﺮﺿﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺿﺮات ﺑﺪ ًءا ﺑﺎﻟﺼﻴﻐﺔ ،وﻫﻲ اﻟﻤﺴﻮﻏﺎت ﺛﻢ اﻟﻤﻼﺑﺲ واﻷﺣﺬﻳﺔ وﻛﺬا اﻟﻌﻄﻮر وﻏﻴﺮﻫﺎ .
ﻳﻌﺪ اﻟﺰواج أﻫﻢ ﺣﺪث اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﺷﻌﻮب اﻷرض ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،وﻟﺬا ﻛﺎن ﻟﺰا ًﻣﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻪ ﻃﻘﻮس ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ، ﺗﻤﻴﺰه ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻷﺧﺮى ،وﺗﻤﻨﺤﻪ اﻟﺘﻔﺮد ،وﺗﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ إﺑﺮاز ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ،وﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ أن ﻃﻘﻮس اﻟﺰواج وﻣﺮاﺣﻠﻪ ﻟﻴﺴﺖ وﻟﻴﺪة ﺣﻘﺒﺔ زﻣﻨﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﻃﻘﺲ ﻳﻤﺘﺪ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻳﺘﻠﻮن ﺑﺘﻠﻮن اﻷﻋﺮاق واﻟﺒﻴﺌﺎت واﻟﺤﻀﺎرات ،ﻓﺎﻷﻋﺮاس ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺗﺨﺘﻠﻒ اﺧﺘﻼﻓﺎ ﺟﺬرﻳﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﻦ اﻷﻋﺮاس ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﺎﺣﻠﻴﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻋﺮاس ﻓﻲ ﺑﻠﺪان اﻟﻐﺮب ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﺜﻴﻼﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وﻫﺬه اﻷﺧﻴﺮة أﻳﻀً ﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻤﻔﺼﻼﺗﻬﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪأ ﻣﻨﺬ اﻟﺨﻄﺒﺔ وﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ إﻻ ﺑﺎﻧﺘﻬﺎء اﻟﺰواج. وﻛﻐﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻟﻠﺠﺰاﺋﺮ أﻳﻀﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮ وﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﺧﺎﺻﺔ ،ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺤﺎل ﻣﻦ اﻷﺣﻮال أن ﻳﺨﻠﻮ أي ﻋﺮس ﻣﻨﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻷﺧﺮى وﻣﻦ وﻻﻳﺔ ﻷﺧﺮى وﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻷﺧﺮى. ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﻄﺒﺔ واﻟﻘﺒﻮل
ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﻄﺒﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ إﻻ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ، ﻓﻔﻲ ﻣﻌﻈﻢ وﻻﻳــﺎت اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،ﻻ ﻳﻘﺪم اﻟﺸﺎب ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻮح ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺰواج ﻟﻮاﻟﺪﻳﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،وﻫﺬا ﻣﻦ ﺑﺎب اﻻﺣﺘﺮام ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻠﺘﺠﻰء إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺐ ﻟﻪ ﻛﺎﻟﻌﻢ أو اﻟﺨﺎل، أو أﺣﺪ اﻟﻘﺮﻳﺒﺎت ﻛﺎﻟﺠﺪة أو اﻟﺨﺎﻟﺔ وﻳﺸﻲ ﻟﻬﺎ ﺑﺮﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺰواج ،وﻳﺨﺒﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ -إن ﻛﺎن ﻗﺪ اﺧﺘﺎر -ورﺑﻤﺎ ﻳﺘﺮك ذاك ﻟﻸم اﻟﺘﻲ ﻏﺎﻟﺒًﺎ -ﻣﺎ إن ﻳﺒﻠﻎ اﺑﻨﻬﺎ ﺳﻦ اﻟﺰواج -ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺪأ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﻤﺤﻴﺺ واﻟﺴﺆال ﻋﻦ اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺎدﻓﻬﻦ ﺳﻮاء ﻓﻲ ﺗﺠﻤﻌﺎت ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أﺧﺮى ،ﻛﺤﻔﻼت اﻟﺰﻓﺎف واﻟﺨﺘﺎن واﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﻤﻮاﻟﻴﺪ ،أو ﺗﻮﻛﻞ ذﻟﻚ إﻟﻰ »اﻟﺨﺎﻃﺒﺔ«. ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻳﺬﻫﺐ أﻫﻞ اﻟﺨﺎﻃﺐ )اﻷم ،اﻟﺠﺪة ،اﻟﺨﺎﻟﺔ أو اﻟﻌﻤﺔ وﺑﻌﺾ اﻷﺧﻮات( إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﻣﺤﻤﻠﻴﻦ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ اﻟﻬﺪاﻳﺎ؛ ﻓﻔﻲ اﻟﻐﺮب اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﻣﺜﻼ ﻳﺄﺧﺬون ﻣﻌﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﺑـ»اﻟﻤﺼﺮوف« وﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ » اﻟﻘﻬﻮة واﻟﺴﻜﺮ واﻟﺤﻨﺎء واﻟﻤﻜﺴﺮات ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﻔﻮل اﻟﺴﻮداﻧﻲ وﺑﻌﺾ اﻟﺤﻠﻮى وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻀﻴﻒ ﺑﻌﺾ ﻗﻄﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺑﺲ« .وﻓﻲ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﻗﺪ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺎﻃﺒﻴﻦ ﺑﺎﻟﺤﻠﻮى وﺑﺎﻗﺔ ورد ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺤﻠﻮى أو ﺑﺎﻟﻮرد ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ أﺧﺮى ،أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﺠﺰاﺋﺮي وﻫﻮ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺻﺤﺮاوﻳﺔ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟﻜﺮم واﻟﺠﻮد،
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
105
ïŎĬĘĿí ùíĎ÷ ņŃ
ا4ﻋﺮاس اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻃﻘﻮس ﻣﻮروﺛﺔ وﺗﻨﻮع ﺛﻘﺎﻓﻲ
اﻟﺠﺰاﺋﺮ -أﻣﻴﻨﺔ ﺣﺎج داود
إن اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺗﻜﻔﻞ ﻟﻜﻞ أﻣﺔ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ إرﺛﻬﺎ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ،إذ ﻻ أﺣﺪ ﻳﻨﻜﺮ ﻟﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ روﻧﻖ وﺟﻤﺎل وﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ،ﻓﻬﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻷﻋﻤﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﺊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﻲ ﻻ ﺗﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﻫﻮة اﻻﺑﺘﺬال ،ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺸﺒﻪ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدات ﺑﺎﻟﺮوح اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻦ أي ﻋﺎدة اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﺘﻤﻨﺤﻬﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر وﺗﻀﻔﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﺎﻻت ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل وﺗﺤﺮرﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻮد واﻟ َﺒ َﻬﺘﺎن ،ﻓﺘﻐﺪو ﻫﺬه اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ أﻛﺜﺮ إﺷﻌﺎ ًﻋﺎ وأﻛﺜﺮ ﻓﺮ ًﺣﺎ وأﻗﺪر ﻋﻠﻰ إدﺧﺎل اﻟﺴﺮور ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.
104
ا ﻋﺮاس اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ
ﺣﻜﺎﻳﺎت اXﺳﻼف
ﻳﻤﻜﻦ اﻹﺷــﺎرة إﻟﻰ »ﺳﺎﻣﺮ زرﻛﺎﻧﻲ«» ،ﻋﻠﻲ اﻟــﺮﺷــﺪاوي«» ،ﻋﻠﻲ ﺣﺐ اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻟﻬﺎ ﺗﻐ ّﻨﻰ إدرﻳﺲ« ،و«ﺣﺴﻦ اﻟﻤﻌﺸﻮري« ،وﺑﺴﺒﺐ ّ اﻟﻴﻮم اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﻼت اﻟﻔﻨﻴﺔ ،واﻻﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﺨﺎﺻﺔ وﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﻔﻼت اﻷﻋﺮاس واﻟﻔﺮح.
اﻟﻄﻤﺎﻃﻤ ّﻴﺔ ـ ﻳﺎ أﺧﻲ ،ﻫﺆﻻء ﻣﺠﺎﻧﻴﻦ وﻋﺪﻳﻤﻮ اﻹﺣﺴﺎس. ﻗﺎل ﻟﻲ ذﻟﻚ وﻧﺤﻦ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻧﺸﺮة اﻷﺧﺒﺎر اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺧﺒﺮا ً ﻋﻦ ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﺘﺮاﺷﻖ ﺑﺎﻟﻄﻤﺎﻃﻢ )ﻻﺗﻮﻣﺎﺗﻴﻨﺎ (La Tomatinaاﻟﺬي ﻳﻘﺎم ﺳﻨﻮﻳﺎً ﻓﻲ ﺑﻠﺪة ﺑﻮﻧﻴﻮل ﻓﻲ ﺑﻠﻨﺴﻴﺔ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ :ﻟﻤﺎذا؟ وأﺟﺎب ﻃﻮﻳﻼً ﺑﺎﻟﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺘﺒﺬﻳﺮ واﻻﺳﺘﻬﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ وﻟﻤﺎذا ﻻ ﻳﺘﺒﺮﻋﻮن ﺑﻬﺬه اﻷﻃﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ إﻟﻰ اﻟﻔﻘﺮاء وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻟﻴﺘﻨﺎ ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻧﺘﺮاﺷﻖ ﺑﺎﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺪل أن ﻧﺘﺮاﺷﻖ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء. أﺧﺒﺮﺗﻪ أﻧﻪ وﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ،ﺗﻌﻴﺶ آﻻف اﻷﺳﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻘﻴﺮة ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة واﻟﻘﺮى اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻬﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﻊ ﻣﺤﺎﺻﻴﻠﻬﺎ اﻟﺰراﻋﻴﺔ وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ،ﺑﺤﻴﺚ أن إﺣﺪى اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎل ﻋﻦ أﺻﻞ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﺪأ ﺑﻌﺮاك ﺑﻴﻦ ﻓﻼﺣ ْﻴﻦ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻲ ﺗﻨﺰﻳﻞ أﺳﻌﺎر اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ وﻛﺴﺎدﻫﺎ ،ﻓﺎﻧﻘﺴﻤﺖ اﻟﻘﺮﻳﺔ إﻟﻰ ﻓﺮﻳﻘﻴﻦ ﺗﺘﺮاﺷﻖ ﺑﺎﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ،وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ﻣﺮت ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎح ووﻗﻔﺖ ﺗﺘﻔﺮج ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ،ﻋﻨﺪﻫﺎ اﻧﺘﺒﻪ اﻟﻔﻼح اﻟﺒﺎدئ ﺑﻬﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ :ﻫﺬه اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ واﻟﻔﺮﺟﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ أو اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺎﻧﻴﺔ .وراح ﻳﺒﻴﻊ اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻲ أﻛﻴﺎس ﻛﻲ ﻳﺸﺎرﻛﻮا ،ﻓﻮﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ﻣﺎ ﻳﻔﻮق ﻗﻴﻤﺔ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻪ وﻣﺎ ﻟﺪى ﺧﺼﻤﻪ .ﺣﻜﺎﻳﺔ أﺧﺮى ﺗﻘﻮل ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺑﺪأت ﻋﺎم 1945أﺛﻨﺎء اﺣﺘﻔﺎﻻت اﺳﺘﻌﺮاض اﻟﺪﻣﻰ اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺎرك ﺑﻀﻌﺔ ﺷﺒﺎب ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ وراﺣﻮا ﻳﺘﺮاﺷﻘﻮن ﺑﺎﻟﻄﻤﺎﻃﻢ اﻟﺘﻲ أﺧﺬوﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎﻻت ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ ،واﺷﺘﺮك ﻣﻌﻬﻢ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻬﻮر ،وﻓﻲ اﻷﻋﻮام اﻟﻼﺣﻘﺔ ﺻﺎروا ﻳﺄﺗﻮن ﺑﺄﻛﻴﺎس اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻮل ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎً إﻟﻰ ﻓﻘﺮة ﻣﻦ ﻫﺬه اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت ،ﺣﻜﺎﻳﺔ أﺧﺮى ﺗﻘﻮل ﺑﺄن ﺷﺒﺎﺑﺎً ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﺼﺘﻮن إﻟﻰ ﻣﻄﺮب ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﺣﺔ وﻷن ﺻﻮﺗﻪ ﻛﺎن ﻗﺒﻴﺤﺎً ﺟﺪا ً أﺧﺬوا ﻳﺮﻣﻮﻧﻪ
د.ﻣﺤﺴﻦ اﻟﺮﻣﻠﻲ@
وأي ﺑﺎﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ﺛﻢ اﺗﺴﻌﺖ داﺋﺮة اﻟﺘﺮاﺷﻖ ﻟﺘﺸﻤﻞ ﻛﻞ اﻟﻤﺴﺘﻤﻌﻴﻦّ ... ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﺳﻨﻮي وﺻﺎرت ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺗﻘﺎم ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً ﻓﻲ آﺧﺮ أرﺑﻌﺎء ﻣﻦ ﻛﻞ أﻏﺴﻄﺲ وﻓﻲ ﺳﻨﺔ 2013ﺗﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻋﺪد اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﺑـ 22أﻟﻒ وﺑﺒﻄﺎﻗﺔ ﺛﻤﻨﻬﺎ ﻋﺸﺮة ﻳﻮرو ،ﺑﻌﺪ أن وﺻﻞ ﻋﺪدﻫﻢ إﻟﻰ 45أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ،2012ﻳﺤﻤﻠﻮن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﺴﻌﻴﻦ ﺟﻨﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺤﺘﻠﻒ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮن ﻟﺒﻀﻌﺔ ﺳﺎﻋﺎت ﺑﺎﻟﺘﺮاﺷﻖ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺎرب اﻟﻤﺎﺋﺔ ﻃﻦ ﻣﻦ اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ 6ﺷﺎﺣﻨﺎت وﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮاﺳﺔ 500رﺟﻞ أﻣﻦ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺎﻣﺶ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎﻃﺎت اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺤﻔﻼت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ وﻧﺸﺎﻃﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻃﻔﺎل، وﻳﺤﻀﺮﻫﺎ ﻟﻠﺘﻐﻄﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺻﺤﻔﻲ ،وأﺻﺒﺤﺖ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ وﺷﻮارﻋﻬﺎ ﻣﻴﺪاﻧﺎ ﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻓﻼم اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻴﺔ واﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﺑﻌﺪ ان ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﺠﻮرة ،وﻛﻞ ﻫﺆﻻء ﻳﺤﺠﺰون ﻣﺒﻜﺮا ً ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎدق وﻳﻨﻔﻘﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺎﻋﻢ واﻷﺳﻮاق واﻟﻤﻮاﺻﻼت ﻣﻤﺎ أﻧﻌﺶ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺬﻫﻞ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﺮﻳﺔ وﻓﻲ اﻟﻘﺮى اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻬﺎ .ﻋﻠﻤﺎ أن اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻫﻲ اﻷرﺧﺺ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻠ ّﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺒﺎع وﻗﺪ ﺗﺮﻣﻰ إﻻ أﻧﻬﺎ ﺻﺎرت ﻣﺼﺪرا ً ﻟﺘﺤﺮﻳﻚ وﺟﻠﺐ اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻴﻮرو ...ﻓﻬﻞ ﺗﺴﻤﻲ ﻫﺬا ﺗﺒﺬﻳﺮا أم ﺣﺴﻦ اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻋﺒﺮ ﺧﻠﻖ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺗﺮاث ﻳﺠﻠﺐ ﻟﻠﻨﺎس اﻟﺒﻬﺠﺔ واﻟﻤﺎل وﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎرف ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ؟ ﺻﻤﺖ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﻗﻠﻴﻼً ،ﺛﻢ ﻛﺮر ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﻟﻪ ﺳﺎﺑﻘﺎً :ﻟﻴﺘﻨﺎ ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻧﺘﺮاﺷﻖ ﺑﺎﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺪل أن ﻧﺘﺮاﺷﻖ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء *ﻛﺎﺗﺐ ﻋﺮاﻗﻲ – إﺳﺒﺎﻧﻲ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
103
÷čîûáō Ćœčî
ﺧﻮاﺗﻢ ذﻫﺒﻴﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ -اﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ
ﻌﺒﺖ اﻟﺼﺪﻓﺔ دوراً ﻓﻰ اﻛﺘﺸﺎف اeﺛﺎر ﻟﻌﺒﺖ اﻟﻌﻤﻞ ﻗﺎﺋﻤ ًﺎ اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﺑﻤﺼﺮ ،وذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﻤ ﺔ ﺑﺎKﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺳﻴﻊ اﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﻐﺮﺑﻰ ﺑﺎKﺳ ﻰ ﻋﺎم 1910م ﺣﻴﺚ ﺗﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﻳﺎ أﺛﺮﻳﺔ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻰ ﻛﺘﻞ ﺣﺠﺮﻳﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﺑﻘﺎع اﻟﺒﺤﺮ، ﻓﺎﻋﺘﻘﺪ اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ وﻗﺘﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺣﻮاﺟﺰ ﻟxﻣﻮاج أﻧﺸﺄﻫﺎ اﻟﻘﺪﻣﺎء
ﺟﺎﻧﺐ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﺳﻔﻴﻨﺔ اﻟﻘﻴﺎدة ﻷﺳﻄﻮل ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﺸﺮﻗﻲ ﺑﻌﺪ 8ﻛﻢ ﻣﻦ ﺷﺎﻃﻰء أﺑﻮﻗﻴﺮ ،ﻛﻤﺎ زار ﻴﻨﺎء ﻟﻸﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻛﺎﻣﻞ أﺑﻮ اﻟﺴﻌﺪات أﻳﻀﺎً ،وﻗﺎم ﺑﺮﺳﻢ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻤﻮﻗﻊ ﻳﺤﺪد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﺰﻳﺮة » أﻧﺘﻴﺮودس« وﺳﺳﻠﻢّﻢ اﻟﺨﺮﻳﻄﺔ اﻷﺛﺮﻳﺔ وﻣﻴﻨﺎء ﺻﻐﻴﺮا ً وأرﺻﻔﺔ ﺑﺤﺮﻳﺔَ ، ﻟﻠﻤﺘﺤﻒ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. إدارة ا_ﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ
ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ وﺑﻌﺪ ﺗﺄﺳﻴﺲ إدارة اﻵﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﺖ ﺎون ﻣﻊ ﻫﻴﺌﺎت أﻋﻤﺎل اﻟﻤﺴﺢ اﻟﻄﺒﻮﻏﺮاﻓﻰ ﻟﻠﻤﻮﻗﻊ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون وﻣﻌﺎﻫﺪ أﺟﻨﺒﻴﺔ. ﻶﺛﺎر ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺎء ﻓﺘﻢ اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﻟﻤﻌﻬﺪ اﻷوروﺑــﻲ ﻟﻶﺛﺎر ﺑﺘﺤﺪﻳﺪ ورﺳﻢ ﺧﻂ اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﻠﻤﻮﻗﻊ واﻷﻟﺴﻨﺔ ﺰﻳﺮة »اﻧﺘﻴﺮودس«، اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ وﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻮاﻗﻊ أﻃﻼل ﻣﺒﺎن ﻟﺠﺰﻳﺮة إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻛﺘﺸﺎف وﺗﺴﺠﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ 1000ﻗﻄﻌﺔ اﻟﻬﻮل وأﺟﺰاء ﻟﻤﺴﻼت أﺛﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ آدﻣﻴﺔ وﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻷﺑﻲ ﻮل وأوان ﻓﺨﺎرﻳﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺣﻄﺎم ﻔﻴﻨﺔ ﺳﻔﻴﻨﺔ روﻣﺎﻧﻴﺔ ﻗﺮب اﻟﺠﺰﻳﺮة. ﻻﺣﻆ اﻟﻐﻮاﺻﻮن وﺟﻮد أﻃﻼل ﺣﺠﺮﻳﺔ أﻣﺎم ﻗﻠﻌﺔ ﻗﺎﻳﺘﺒﺎي، 102
ا5ﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ
رأس ﻃﻤﺴﺖ ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ اﻟﺰﻣﻦ واﻟﻤﺎء -ﻗﺎع ﺧﻠﻴﺞ اﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﺸﺮﻗﻲ
وﻗﺎﻣﻮ وﻗﺎﻣﻮا ﺑﺮﺳﻢ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺣﺪدوا ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﻮاﻗﻊ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،واﻛﺘﺸﻔﻮا إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻘﻠﻌﺔ ﺗﻤﺜﺎﻻً ﻹﻳﺰﻳ ﻹﻳﺰﻳﺲ ﻓﺎرﻳﺎ ﻳﺮﺟﻊ ﻟﻠﻌﺼﺮ اﻟﻬﻠﻴﻨﻴﺴﺘﻰ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﻌﺾ اﻵﺛﺎر ﺑﺠﻮار ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺣﺎﻟﻴﺎً ﻣﻨﻬ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻤﺜﺎل ﺿﺨﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﻧﻴﺖ اﻷﺣﻤﺮ ﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﺤ ﺑﺎﻟﺤﺠﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻰ ﻳﺮﺟﻊ أﻳﻀﺎً ﻟﻠﻌﺼﺮ اﻟﻬﻠﻴﻨﻴﺴﺘﻰ، وﺗﻮ وﺗﻮاﺑﻴﺖ ﺣﺠﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ آدﻣــﻲ ،وﻋﻤﻼت ﻗﺪﻳﻤ ﻗﺪﻳﻤﺔ ،وﺑﺪوره ﻗﺎم ﺑﻨﺸﺮ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺗﺤﺪد ﻣﻮاﻗﻊ اﻵﺛﺎر ﺑﻤﻨﻄﻘﺘﻰ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ واﻟﺸﺎﻃﺒﻰ ﺑﺎﻷﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ. وﻓﻲ إﻃﺎ إﻃﺎر ﺟﻬﻮد اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق، ﻗﺎم اﻟﻤﺠ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻶﺛﺎر ﺑﺘﻄﻮﻳﺮ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻋﺮض اﻵﺛﺎر اﻟﻐﺎ اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﺑﻜﻮم اﻟﺪﻛﺔ واﻟﻤﺨﺼﺺ ﻟﻬﺎ ﻣﻜﺎن ﺑﻌﺪ اﻟﺪﺧﻮل ﻣﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﻠﻤﺴﺮح اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ وﺗﻢ ﺗﺠﺪﻳﺪﻫﺎ ﻟﺘﻜﻮن ﻣﺘﺤﻔﺎً ﻣﻜﺸﻮﻓًﺎ وذﻟﻚ ﺑﻌﻤﻞ ﻣﺼﺎﻃﺐ ﻗﻮاﻋﺪ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﻘﻄﻊ اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮوﺿﺔ وﺑﻨﺎء ﻗﻮاﻋ اﻟﻤﻨﺘﺸﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ ﻗﻠﻌﺔ ﻗﺎﻳﺘﺒﺎي واﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﺸﺮﻗﻲ ووﻣﻨﻬﺎ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ أﺑﻮاﻟﻬﻮل ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ واﻟﺤﺪﻳﺜﺔ وواﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮ وإﺣﺪى ﻣﺴﻼت اﻟﻤﻠﻚ ﺳﻴﺘﻲ اﻷول وﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺑﻴﺖ
ﻋﻤﻼت ذﻫﺒﻴﺔ -أﺑﻮﻗﻴﺮ
ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻵﺛﺎر ﻟﻤﺘﺎﺣﻒ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،أﻣﺎ اﻵﺛﺎر اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﺘُﻌﺪ ﻣﺘﺤﻔﺎً ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً ﻟﻶﺛﺎر ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺎء. أول ﻣﻦ ﺑﺪأ اﻟﻜﺸﻒ
وﻟﻜﻦ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻵﺛــﺎر واﻟﻤﻌﺎﺑﺪ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺮ ﻓﻘﺪ ﺣﺒﺎ اﻟﻠﻪ ﻣﺼﺮ ﻋﺪ ًدا ﻛﺒﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﻗﺒﺎﻟﺔ ﺳﻮاﺣﻞ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ وﻫﻲ آﺛﺎر ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﻗﺼﻮى ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ. ﻟﻌﺒﺖ اﻟﺼﺪﻓﺔ دورا ً ﻓﻰ اﻛﺘﺸﺎف اﻵﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﺑﻤﺼﺮ ،وذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﻤﻞ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺳﻴﻊ اﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﻐﺮﺑﻲ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻋﺎم 1910م ﺣﻴﺚ ﺗﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﻳﺎ أﺛﺮﻳﺔ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻰ ﻛﺘﻞ ﺣﺠﺮﻳﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﺑﻘﺎع اﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﺎﻋﺘﻘﺪ اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ وﻗﺘﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺣﻮاﺟﺰ ﻟﻸﻣﻮاج أﻧﺸﺄﻫﺎ اﻟﻘﺪﻣﺎء. وﻓﻲ ﻋﺎم 1923م ﻟﻌﺒﺖ اﻟﺼﺪﻓﺔ دورﻫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻﺣﻆ أﺣﺪ اﻟﻄﻴﺎرﻳﻦ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻴﻦ أﻃﻼﻻً ﻏﺎرﻗﺔ أﺛﻨﺎء ﺗﺤﻠﻴﻘﻪ ﺑﻄﺎﺋﺮﺗﻪ ﻓﻮق أﺑﻮ ﻗﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ 30ﻛﻢ ﻣﻦ ﻗﻠﻌﺔ ﻗﺎﻳﺘﺒﺎى ﺷــﺮق اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ، وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺗﺤﻤﺲ ﻟﻬﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع اﻷﻣﻴﺮ ﻋﻤﺮ ﻃــﻮﺳــﻮن ،ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻌﺎن ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻐﻮاﺻﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺮاج رأس رﺧﺎﻣﻴﺔ ﻟﻺﺳﻜﻨﺪر اﻷﻛﺒﺮ وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎً ﻓﺮﻳﺪا ً وﺛﺮﻳﺎً ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ. وﺿﻤﻦ ﻫﺬه اﻵﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﻳﻘﻊ ﻣﻮﻗﻊ أﺑﻮ ﺪرﻳﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻗﻴﺮ اﻷﺛﺮي ﺑﺄﻗﺼﻰ ﺷﺮق ﻣﺪﻳﻨﺔ أﺑﻮ ﻗﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ،وﻳﺮﺟﻊ اﺳﻢ ﻮ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻟﻠﻘﺪﻳﺲ » ﻗﻴﺮ« اﻟﺬي اﺳﺘﺸﻬﺪ ﻰ ﻻﺳﻢ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر »دﻗﻠﺪﻳﺎﻧﻮس« وﺣﺮف اﻻﺳﻢ ﻣﻦ »اﻷب ﻗﻴﺮ« إﻟﻰ »أﺑﻮ ﻗﻴﺮ«. ﻮﻗﻴﺮ ﻳُﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎف اﻵﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ أﺑﻮﻗﻴﺮ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻓﻲ وﻗﺘﻨﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ ،وﻗﺪ ﻧﻘﻠﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮة
آﺛﺎر اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻓﺘﻨﺔ وﺟﻤﺎ ًﻻ وﻗﺪرة ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻄﺎف اﻟﺪﻫﺸﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻮن ﻋﻦ آﺛﺎر اﻟﺒﺮ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ! اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻳﻘﻒ ﻣﺸﺪوﻫﺎ أﻣﺎم ﻛﻨﻮز اﻟﻘﺪﻣﺎء اﻟﺘﻰ ﺗﺤﻔﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﺼﺮ اﻟﻤﺤﺮوﺳﺔ ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻋﻦ آﺛﺎر أﺧﺮى ﻏﺮﻗﺖ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻟﻤﻮج وﺗﻜﻔﻠﺖ اﻟﺼﺪﻓﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﺎ!
ﺧﻮاﺗﻢ ذﻫﺒﻴﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ -اﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ
ﻛﺎن اﻷﻣﻴﺮ ﻋﻤﺮ ﻃﻮﺳﻮن أول ﻣﻦ ﺑﺪأ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ آﺛــﺎر ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ 1933م ،وﻗﺎم ﺑﺈﻫﺪاء اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻤﻜﺘﺸﻔﺔ ﻟﻠﻤﺘﺤﻒ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ وﻛــﺎن أول ﻣﺎ اﻛﺘﺸﻔﻪ رأس رﺧﺎﻣﻴﺔ ﻟﻺﺳﻜﻨﺪر ،وﺗﻮاﻟﺖ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﺿﻮاﺣﻴﻬﺎ اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻷرض وﻣﺎ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻌﺎﺑﺪ واﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻟﻮﺣﺔ ﺟﺮاﻧﻴﺘﻴﺔ ﻟﻠﻤﻠﻚ »ﻧﺨﺘﻨﺒﻮ« وأرﺻﻔﺔ اﻟﻤﻴﻨﺎء وﺟﺪران ﻣﻦ اﻟﻜﺘﻞ اﻟﺤﺠﺮﻳﺔ واﻷرﺿﻴﺎت اﻟﺤﺠﺮﻳﺔ وﻛﺬﻟﻚ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ أﺑــﺪان اﻷﻋﻤﺪة وﺗﻴﺠﺎﻧﻬﺎ وﺗﻤﺎﺛﻴﻞ اﻵﻟﻬﺔ واﻟﻤﻠﻮك وأﻫﻤﻬﺎ ﺗﻤﺜﺎل ﻟﻤﻠﻜﺔ ﺑﻄﻠﻤﻴﺔ ﻓﻰ ﺻﻮرة إﻳﺰﻳﺲ وﺗﻤﺜﺎل ﻟﻺﻟﻪ ﺣﺎﺑﻰ وﺗﻤﺜﺎل ﻟﻺﻟﻪ ﻧﻴﻠﻮس وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ واﻟﻔﻀﻴﺔ واﻟﺒﺮوﻧﺰﻳﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ .وﻫــﻮ ﻣﺎ ﻳﻨﺴﺐ ﻟﻪ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﻮﻗﻊ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻣﻴﻨﻮﺗﻴﺲ« وﺳﺎﻋﺪه ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻮﻗﻊ »ﻫﻴﺮاﻛﻠﻴﻮن« وﻧﺸﺮ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻟﻠﻤﻮﻗﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ 1934م. وﻓﻰ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ اﺳﺘﻜﻤﻞ ﻛﺎﻣﻞ أﺑﻮ اﻟﺴﻌﺪات »اﻟﻐﻮاص« ﻛﺸﻒ اﻟﺴﺘﺎر ﻋﻦ ﻣﻮاﻗﻊ اﻵﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ أﺑﻮﻗﻴﺮ ﻓﻨﺸﺮ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺣﺪد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻮاﻗﻊ ﺣﻄﺎم ﻋﺪد ﻣﻦ ﺳﻔﻦ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن اﻟﺘﻲ ﻛﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﻮاﻗﻌﻬﺎ 1983ـــ 1984م إﻟﻰ
ﻋﻤﻼت ذﻫﺒﻴﺔ -أﺑﻮﻗﻴﺮ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
101
÷čîûáō Ćœčî
ﻓﺘﻨﺔ ﺗﺨﺘﻄﻒ اﻟﺪﻫﺸﺔ
ا_ﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ
ﻫــﺬه اﻟﻤﺮة آﺛــﺎر اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻓﺘﻨﺔ وﺟﻤﺎﻻً وﻗــﺪرة ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻄﺎف اﻟﺪﻫﺸﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻮن ﻋﻦ آﺛﺎر اﻟﺒﺮ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ! اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻳﻘﻒ ﻣﺸﺪوﻫﺎ أﻣﺎم ﻛﻨﻮز اﻟﻘﺪﻣﺎء اﻟﺘﻰ ﺗﺤﻔﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﺼﺮ اﻟﻤﺤﺮوﺳﺔ ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻋﻦ آﺛﺎر أﺧﺮى ﻏﺮﻗﺖ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻟﻤﻮج وﺗﻜﻔﻠﺖ اﻟﺼﺪﻓﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﺎ! ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮم ﻟﻠﻜﺎﻓﺔ أن ﻣﺼﺮ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ﻧﺼﻒ آﺛﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﺳﺮه ﻣﺎ ﺑﻴﻦ آﺛﺎر ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ وﺑﻄﻠﻤﻴﺔ وروﻣﺎﻧﻴﺔ وﻳﻮﻧﺎﻧﻴﺔ وإﺳﻼﻣﻴﺔ.
100
ا5ﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ
رأس ﺳﻴﺮاﺑﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم اﻷﺑﻴﺾ -أﺑﻮ ﻗﻴﺮ
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺮﻛﺔ
َﺣﺼــﺎﺑﻲ
اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻓﺘﺎة ﺟﻠﻔﺎر ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻨﻘﺒﻲ ﺷﺎﻋﺮة وﺑﺎﺣﺜﺔ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات
إﺣﺪى راﺋﺪات اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،وأﺣﺪ أﺑﺮز اﻷﺻﻮات اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺑﺮز ﺻﻴﺘﻬﺎ ﻛﺸﺎﻋﺮة ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ. ﻫﻲ اﻟﺸﻴﺨﺔ ﻋﺰة ﺑﻨﺖ ﺻﻘﺮ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ ،رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ وأﺳﻜﻨﻬﺎ ﺟﻨﺎت اﻟﻨﻌﻴﻢ. ﺗﻤﻴﺰت ﻗﺼﻴﺪﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻔﺮدة اﻟﻌﺬﺑﺔ ،واﻟﺼﻴﺎﻏﺔ اﻟﺴﻠﺴﺔ ،ﻻ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ واﻟﻐﻤﻮض ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺘﺐ اﻟﺸﻌﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﺠﻴﺘﻬﺎ دون ﺗﻜﻠﻒ. ﻣﻦ ﻳﻘﺮأ ﻟﻔﺘﺎة ﺟﻠﻔﺎر ،ﻳﻌﻠﻢ ﺗﻤﺎم اﻟﻌﻠﻢ أﻧﻪ أﻣﺎم ﻗﺎﻣﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺗﻔﺮدت وﻓﺮﺿﺖ ذاﺋﻘﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ. أورد ﻟﻬﺎ اﻷدﻳﺐ اﻟﺮاﺣﻞ ﺣﻤﺪ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻮ ﺷﻬﺎب ﻓﻲ ﻛﺘﺎب »ﺷﺎﻋﺮات ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات« ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب اﻟـ 27ﻗﺼﻴﺪة ،وﺗﻔﻮق ﻋﺪد ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻗﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮات ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب ﻧﻔﺴﻪ ،ﻣﺎ ﻳﺪﻟﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﺰارة ﻧﺘﺎﺟﻬﺎ وﺑﺮاﻋﺔ إﺑﺪاﻋﻬﺎ. اﺷﺘﻬﺮت ﻟﻬﺎ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻋﺪﻳﺪة ،ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻐﻨﻰ ﺑﻪ اﻟﻤﻄﺮﺑﻮن ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﺪاوﻟﻪ اﻟﻨﺎس واﻧﺘﺸﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ. أﺑﺮز ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ ،ﻗﺼﻴﺪة »ﻣﻦ ﺑﺤﺎﻛﻢ واﻧﺘﻪ اﻟﺤﺎﻛﻢ« اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺸﺮت ﺑﺸﻜﻞ واﺳﻊ وﻻ زال اﻟﻨﺎس ﻳﺮددوﻧﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ أﺣﺎدﻳﺜﻬﻢ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ. واﺷﺘﻬﺮت ﻟﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻗﺼﻴﺪة »اﺗﺼﻞ ﺑﻲ ﺗﺴﻠﻢ ﻋﻴﻮﻧﻚ« اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻨﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﻔﻨﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﻴﺤﺪ ﺣﻤﺪ وﻻﻗﺖ ﻧﺠﺎﺣﺎً ﻛﺒﻴﺮا ً. ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﻣﺴﺎﺟﻼت وردود ﻋﺪﻳﺪة ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﺸﺎﻋﺮات ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﻤﻴﺎﺳﺔ ،اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ،واﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺎرف اﻟﺨﺎﺟﺔ. رﺣﻠﺖ ﻋﻦ دار اﻟﻔﻨﺎء ﻓﻲ أﻏﺴﻄﺲ 2014م ﺑﻌﺪ أن ﺗﺮﻛﺖ ﻟﻨﺎ إرﺛﺎً ﺷﻌﺮﻳﺎً ﺳﺘﺤﺘﻔﻆ ﺑﻪ ذاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺮ وﻟﻦ ﺗﻔﺮط ﺑﻪ ﻟﻤﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ أدﺑﻴﺔ وﻣﺎدة ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻓﺎﺧﺮة .رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ وأﺳﻜﻨﻬﺎ ﺟﻨﺎت اﻟﻨﻌﻴﻢ.
ﻳﻮم ﺧﺎﻟﻲ اﻟﺒﺎل
ﻳﻮم ﺧﻠﻲ اﻟﺒﺎل ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻪ ﻫـﺪا ﺑﺖ ﻓﻲ ﺣﻴﺮه ﺑْﻔﻜـ ٍﺮ ﺷــــــﺎردا ﺟ ّﻦ ﻋﻘﻠﻲ ﻳﺎ ﺣﻤﺪ ﻣﻨـﻲ ﻏـــﺪا ﻛﺎﻷﺳﻴﺮ اﻟﻠﻲ ﺑﻘـــﻴﺪ ﻣﺼـــ ّـﻔﺪا ﻛﻨﻲ ﺑْﻐﺮﺑـﻪ وﻻ ﻣﻌﻴ َـﻪ ﺣـــــﺪا ﻟﻴﻦ ﺑﺎن اﻟﺼﺒﺢ واﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﺪا ﻗﻤﺖ اﺻﻠﻲ واﺷﻜﺮ اﻟﻠﻪ واﺣﻤﺪا ﻟﻲ ﺳﻼﻣﺘﻜﻢ ﻧﺬرت اﻟﻬـﺎ ﻓـــﺪا وان ﻧﺬرت اﺑﺼﻮم اﺟﺮه ﻳﺤﻤﺪا ﻳﺎ ﺳـﻼم اﻟﻠﻪ ﺳﻼﻣـﺔ ﻟﻴــــــﻮدا ﻣﺎ ﺗﺸﻮف اﻟﺸﺮ وﺑﻜﻢ ﻧﺴﻌــﺪا ﻣـﺎ ﺗﻔﺮﻗﻨـﺎ ﻃﻮﻳـﻼت اﻟﻤـــــﺪا ﻏﺎﻟﻲ ﻏﺎﻟـﻲ ورﺑـﻚ ﻳﺸﻬـــــﺪا ٍ
ﻋﻴﻨﻲ اﻟﻴﺴﺮى ﺗﺮﻓﺮف ﻣﺎ ﺗﺒﺎت وﻗﻠﺒﻲ اﻟﻤﺸﻐﻮل ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﺛﺒـﺎت ﺑﻴﻦ ﻫﻢ ْوﺑﻴﻦ ﻏـﻢ اﻟﻨﺎﻳﺒــــــﺎت واﻻ ﻛﺎﻟﻤﻨﻔﺎي وﻳﺠﺎﺳﻲ اﻟﺸـﺘﺎت ﻓﻲ ﺳﻜﻮن اﻟﻠﻴﻞ اﺟﺮع ﻟﺤﺴﺮات ﻳﺎ ﻛﻔﻰ اﻟﻠﻪ ﺷﺮ ﺟﻮر اﻟﺤــﺎدﺛﺎت ﻳﻮم ﻣﺤﺒﻮﺑﻲ ﻧــﺠﺎ واﻟﺸﺮ ﻓـﺎت ﺣﺎﻟﻲ اوﻣﺎﻟﻲ ﻟﻌﻴﻨﻪ اﻣــﺴﺨـﺮات ﻋﺎﻟـــﻢ ﺑﺎﻟﺨﺎﻓﻴــﺎت ﻻن رﺑـــﻲ ٍ ﻟﻚ ﻣﻦ اﻻﻋﻤـــﺎق اﻏﻼ اﻻﻣﻨﻴﺎت وﺑﻮﺟﻮدك ﻳﺎﻟـﻀﻨﺎ ﺗﺤﻼ اﻟﺤﻴﺎت ﺣﺒﻜﻢ راﺳﺦ اﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﻤﻤـــﺎت ان ﺣﺒﻚ ﻓﻲ ﺣﻨﺎﻳـﺎ اﻟﺠﺎﻧﺤــﺎت
ﺷﻄﻲ و اﻧﺘﻪ اﻇﻼﻟﻲ اﻧﺖ ّ
راﺣﺘﻲ ﻓﻲ ﺻﻮﺗـﻚ اﻟﻐـــــﺎﻟـﻲ راﺣـﺘـــــﻲ ﻳـﻤـﻔـ ّﺮج اﻟــﻮﻧّــﻪ ﻛﻴﻒ أﻧﺎ أﺳــﻼك واﺗﺴﺎﻟــــــﻲ واﻧـﺖ ﺣ ّﺒـﻲ اﻟﻠّـﻲ اﻣـــﻐ ّﺒـ ّﻨـﻪ واﻟﺴﻨـﻪ ﻣﻨﻮﺗﻲ ﻟـﻲ ﻟـﻚ ﻗـﺪر ﻋﺎﻟـــــﻲ ﻓﻲ ﻣــــــﻘﺎم اﻟﻔـﺮض ّ ﻣﻘـﺎم ﻫــــﻮب م اﻟ ّﺘـﺎﻟـﻲ ﻳـﺎ ﺳـﻌـﺎدة ﻗـﻠـﺐ ﻣﺸـــﺠـ ّﻨـﻪ ﻓـﻲ ٍ أﻧـﺖ ﺷﻄّـــــﻲ واﻧـﺖ اﻇﻼﻟـﻲ واﻟـﻨـﺴـﺎﻳـﻢ ﻟــــــﻲ ﻳـﺤـﻔّـ ّﻨـﻪ ﻫــﻮب ﺟــــﺒﺮ اﺑﻄﻴــــــﺐ واﻧﺖ ﻟﻲ ﻣـــــﺎﻟﻚ ﺣﺸـﺎ ﺑﺎﻟـﻲ ﻧـﺠـﻲ اﻟﻨـﻔــﺲ م اﻷﻧّــﻪ واﻟـ ّﻨـﻪ ﻳﺎ ﻟﺸﺬى ﻳـﺎ ﻧﻔﺤـﺔ اﻟﻬـﺎﻟـﻲ ﻳـﺎ ّ ﻟﺠﻞ ﻋﻴﻨـﻚ ﺻـﺮت ﻣﻨﺸ ّﻨـﻪ ﻓﻴﻚ ﻫﺐ ﻓﻲ ﻏﻴﺮك اﻗـــــﻮاﻟﻲ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
99
aņĀŌĿí dóîŔĄĿí Ľîòă ﻣﻌﻴﻨﺎ ﻟﻪ ﻗﻴﻤﺘﻪ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ،وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ ﺗﻠﻌﺐ دورا ﻓﻲ اﻟﺸﻔﺎء وﻓﻖ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻬﻢ ﻧﻈﺮا ﻟﻠﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ ﺗﺼﻮراﺗﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ. - 6اﻟﺠﻤﻞ وﻃﻘﻮس اﻟﺤﻔﺮ واﻟﺘﻨﻘﻴﺐ
ﻳﺘﻤﺜﻞ أﺑﺮز ﻇﻬﻮر ﻟﻠﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل ارﺗﺒﺎﻃﻪ ﺑﺎﻟﺜﻮب اﻟﺮﻣﺰي ، أو اﻟﻘﺒﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻓﻮق ﻫﻮدج واﻟﻄﻮاف ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ذﻛﺮى اﻟﻤﻮﻟﺪ اﻟﻨﺒﻮي أو اﻷوﻟﻴﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﺧﻼل اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ، ﺣﻴﺚ ﻳﻄﻮف اﻟﺠﻤﻞ ﺣﻮل اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ أو اﻟﻘﺮﻳﺔ ،وﻳﺘﻘﺪﻣﻪ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺸﺪون اﻟﻤﺪاﺋﺢ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺤﺮك اﻟﺠﻤﻮع ﺣﻮل اﻟﺠﻤﻞ، وﻫﻮ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﺷﺎرع إﻟﻰ آﺧﺮ ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻨﺴﻮة ﻓﻲ ﺷﺮﻓﺎت اﻟﺒﻴﻮت ﻳﻄﻠﻘﻦ اﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ وﻳﻨﺜﺮن اﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻣﺜﻞ ﻗﻄﻊ اﻟﺤﻠﻮى أو ﺛﻤﺎر اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ. ﻏﻴﺮ أن اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ ﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﺑﻞ ﻳﺤﻀﺮ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺗﺒﺪو ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻐﺮاﺑﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ ،وﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻋﻤﻖ اﻟﺤﻀﻮر اﻟﺮﻣﺰي ﻟﻠﺠﻤﻞ ،وﻋﻤﻖ ارﺗﺒﺎﻃﻪ ﺑﻄﻘﻮس ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻧﺠﺪه ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻷﺧﺒﺎر ،ﻛﺘﻠﻚ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻓﻖ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻜﻨﻮز اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .أو آﺛﺎر اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ اﻟﻘﺪﻣﺎء ،وﻳُﺴﺘﺨﺪام ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻨﻴﻪ اﻟﺠﻤﻠﻲ. ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻤﺮت رﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﺣﺎﺿﺮة ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،ﻓﺎﻟﻘﻴﻢ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻌﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﻨﺘﻘﻞ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺟﺪﻳﺪ وﻣﺨﺘﻠﻒ ،وﺗﺤﻀﺮ ﻫﻨﺎ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮات اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﻫﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻌﺪ ﻇﻬﻮر اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ، ﺣﻴﺚ ﺑﺪأت ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻠﻮﺟﻮد ﻋﻤﻼت ورﻗﻴﺔ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻋﺼﺮ ﻣﺨﺘﻠﻒ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻌﺒﺮ أﻳﻀﺎ ﻋﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،وﺗﺼﻮرات ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻣﺎزاﻟﺖ ﺣﻴﺔ ،وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺼﻮرات ﺗﻈﻬﺮ رﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﻤﺤﻮرﻳﻬﺎ اﻟﻤﺘﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ،وﻫﻤﺎ اﻷﻣﻦ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ،وﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﺗﻮﺣﺪﻫﻤﺎ واﻧﺪﻣﺎﺟﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻣﺎت ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ اﻷوراق اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ. ﺗﺤﻀﺮﻧﻲ اﻵن ﺻﻮرة اﻟﺠﻨﻴﻪ اﻟﺠﻤﻠﻲ ،اﻟﺬي ﻳُﺴﺘﺨﺪم اﻵن ﻃﻘﺴﻴﺎ ،وﻫﻮ أول ﻋﻤﻠﺔ ورﻗﻴﺔ ﺗﻢ إﺻﺪارﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻳﻮم 5ﻳﻨﺎﻳﺮ ،1899 ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻣﺼﻤﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﺔ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻞ ﻟﻴﻀﻊ ﺻﻮرﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺪارة ،وﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺠﻤﻞ واﺣﺪ ،ﺑﻞ أﺻﺮ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد 98
اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ
ﺟﻤﻠﻴﻦ ،اﻷول ﻓﻲ اﻟﻮﺿﻊ واﻗﻔﺎ ،واﻵﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﺿﻊ ﺑﺎرﻛﺎ ،ﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻮرة اﻟﺠﻤﻞ ﺗﺤﺘﻞ اﻟﻤﺸﻬﺪ ،ﻓﻲ أول ﻇﻬﻮر ﻟﻠﻌﻤﻠﺔ اﻟﻮرﻗﻴﺔ ،وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻐﺮي اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻟﻠﺠﻤﻞ. واﻟﻐﺮﻳﺐ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻮرﻗﻴﺔ اﻧﻘﺮﺿﺖ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ وﻇﺎﺋﻒ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﻌﺪ ﻇﻬﻮر اﻟﺴﻴﺎرات واﻟﺸﺎﺣﻨﺎت ،ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﻤﺖ ﺑﻤﺠﺮد ﻓﻘﺪ وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ،وإﻟﻐﺎء اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﻬﺎ، ﺑﻞ زادت ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ،وراﺣﺖ ﺗﺘﺤﺮك ـ ﻣﺜﻞ اﻟﺠﻤﻞ ـ ﻣﻦ وﺟﻮدﻫﺎ اﻟﻮاﻗﻌﻲ اﻟﻨﻔﻌﻲ إﻟﻰ وﺟﻮد أﺳﻄﻮري ﻳﻀﺎﻋﻒ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ. إن اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ وﻗﺘﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻳﺘﻜﺎﻟﺒﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻨﻴﻪ اﻟﺠﻤﻠﻲ ،وﻳﺮﻓﻌﻮن ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻟﺘﺒﻠﻎ ﻣﺌﺎت اﻷﺿﻌﺎف ،ﺑﻌﺪ أن ذﻫﺒﺖ ﺗﺼﻮراﺗﻬﻢ اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ ﺣﺪا،ﺟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻪ اﻟﺠﻤﻠﻲ ﻋﻨﺼﺮا ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻘﺎم ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻨﻮز اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﺧﺎﺻﺔ آﺛﺎر ﻣﺼﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻗﺪ ﺑﺎﺗﺖ ﺣﻠﻤﺎ ﻳﺮاود اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ،ﺑﻞ ﺻﺎرت ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻰ ،وﻫﻲ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺠﺮى ﻣﺤﺎوﻻت ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ ﻟﻠﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ اﻵﺛﺎر ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ/اﻟﺴﺤﺮة، واﻟﻄﻘﻮس اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﻟﺰﺣﺰﺣﺔ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﻐﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮس اﻟﻜﻨﻮز اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﺗﻤﺘﻠﺊ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ ﺑﻌﻨﺎﺻﺮ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻻ ﻣﺠﺎل ﻟﺴﺮدﻫﺎ اﻵن ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﺠﻨﻴﻪ اﻟﺠﻤﻠﻲ ،واﻟﺬي ﻟﻢ أﺗﻮﺻﻞ إﻟﻰ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻃﻘﺴﻴﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ
ﻫﻜﺬا ﻟﻌﺐ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ دورا ﻛﺒﻴﺮا ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ، أﺛﺮى ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ارﺗﺒﺎﻃﻪ ﺑﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟﻌﻨﻒ ،أم اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ وأﺧﻄﺮﻫﺎ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ، وﻳﻌﻴﺶ اﻟﻔﺮد ﻓﻲ ﻇﻠﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺟﻨﺪﻳﺎ ﺟﺎﻫﺰا ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻟﻠﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎرك ،وﺳﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ اﻟﻀﺮاوة. ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ ﻋﺎﻣﻼً ﻣﻦ ﻋﻮاﻣﻞ وﺣﺪة اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ وﺗﻤﺎﺳﻜﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﺟﺴﺮا ﺗﻌﺒﺮ ﻣﻨﻪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻒ إﻟﻰ اﻟﻼﻋﻨﻒ ،وﻣﻦ اﻟﺸﻘﺎق إﻟﻰ اﻟﻮﺋﺎم. - 5اﻟﺠﻤﻞ وﻃﻘﻮس اﻻﺳﺘﺸﻔﺎء واﻟﺘﻜﻔﻴﺮ
ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮة اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﻤﺮض ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻤﺎدﻳﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﻛﻤﺴﺒﺐ ﻟﻠﻤﺮض ،ﻧﻈﺮا ﻟﻘﺼﻮر اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وﻋﺠﺰ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﻢ اﻟﻄﺒﻴﺔ ﻋﻦ ﻋﻼج أو ﻓﻬﻢ ﺣﺎﻻت ﻣﺮﺿﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺮاض اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮا أﺳﻄﻮرﻳﺎ ﻓﻲ إﻃﺎر ﺗﺼﻮراﺗﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻮي إﻳﻤﺎﻧﺎ ﺑﻘﻮى ﻏﻴﺒﻴﺔ ،ﺗﺘﺪاﺧﻞ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ وﺗﺆﺛﺮ ﻓﻴﻪ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻇﻬﺮت ﻃﻘﻮس اﻻﺳﺘﺸﻔﺎء ،أو اﻟﻌﻼج اﻟﻄﻘﺴﻲ واﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻨﻘﺮض ﺣﺘﻰ اﻵن ،وﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻗﺎﺋﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﻌﺮﻓﻮا اﻟﻌﻼج اﻟﻄﻘﺴﻲ ،وﻛﺎن اﻟﺠﻤﻞ ﻋﻨﺼﺮا ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻃﻘﻮس اﻻﺳﺘﺸﻔﺎء.
ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﻗﺪﻳﻤﺎ إذا » ﻃﺎﻟﺖ ﻋﻠﱠﺔ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻇﻨﻮا أن ﺑﻪ ﻣﺴﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ ،ﻷﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﺣﻴﺔ أو ﻳﺮﺑﻮﻋﺎ أو ﻗﻨﻔﺬا ،ﻋﻤﻠﻮا ﺟﻤﺎﻻ ﻣﻦ ﻃﻴﻦ، وﺟﻌﻠﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻮاﻟﻖ وﻣﻠﺆوﻫﺎ ﺣﻨﻄﺔ وﺷﻌﻴﺮا وﺗﻤﺮا ،وﺟﻌﻠﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ ﺑﺎب ﺟﺤﺮ إﻟﻰ ﺟﻬﺔ اﻟﻤﻐﺮب وﻗﺖ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ، وﺑﺎﺗﻮا ﻟﻴﻠﺘﻬﻢ ﺗﻠﻚ ،ﻓﺈذا أﺻﺒﺤﻮا ،ﻧﻈﺮوا إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻄﻴﻦ ،ﻓﺈذا رأوا أﻧﻬﺎ ﺑﺤﺎﻟﻬﺎ ،ﻗﺎﻟﻮا :ﻟﻢ ﺗُﻘﺒﻞ اﻟﻬﺪﻳﺔ ،ﻓﺰادوا ﻓﻴﻬﺎ ،وإن رأوﻫﺎ ﻗﺪ ﺗﺴﺎﻗﻄﺖ وﺗﺒﺪد ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺎﻟﻮا :ﻗﺪ ﻗﺒﻠﺖ اﻟﻬﺪﻳﺔ ،واﺳﺘﺪﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎء اﻟﻤﺮﻳﺾ ،وﻓﺮﺣﻮا ،وﺿﺮﺑﻮا ﺑﺎﻟﺪف« »«7 ﻳﻈﻬﺮ ﻫﻨﺎ ﺗﺪاﺧﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﻔﻲ اﻟﻤﺴﻜﻮن ﺑﺎﻟﺠﻦ، واﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻜﺴﻮن ﻧﻈﺮة اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،أو ﻻ ﻳﻨﻔﺼﻠﻮن ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﻜﻤﺎ أن اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻏﻴﺎب ﻓﻜﺮة اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺜﺄر اﻟﺸﺨﺼﻲ أو اﻟﻘﺒﻠﻲ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻘﻴﻢ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺠﻦ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻫﻮ اﻵﺧﺮ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺄر ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻘﻴﻢ ،وﻫﻜﺬا ﻟﻢ ﻳﺠﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻞ ﻟﻴﻘﻮم ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، وﻧﺰع اﻟﺸﻘﺎق ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺪﻳﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺆدي ﺑﺪورﻫﺎ إﻟﻰ وﻗﻒ اﻟﻌﻨﻒ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،وﻫﺪر اﻟﺤﻴﺎة. ﻳﻈﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﻫﻨﺎ ﻛﺘﻤﻴﻤﺔ ﺿﺪ اﻟﻤﺮض ،ورﻏﻢ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺟﻤﻼ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ ﺑﻞ ﺟﻤﻼ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ ،إﻻ إن اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻟﻄﻴﻨﻲ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﻗﻮﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻟﻠﺠﻤﻞ ،ﻓﺎﻟﻮﺟﻮد اﻟﺮﻣﺰي ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﻄﻘﻮس، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺻﻨﺎم اﻵﻟﻬﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ـ أو أي ﻣﻦ ُﻋﺒﱠﺎد اﻷﺻﻨﺎم واﻷوﺛﺎن ـ ﻳﻌﺒﺪ اﻟﺤﺠﺮ ﻓﻲ ﺣﺪ ذاﺗﻪ ،ﺑﻞ ﻳﻌﺒﺪ ﺣﺠﺮا
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
97
aņĀŌĿí dóîŔĄĿí Ľîòă واﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻮاﺿﺢ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل »روﺑﺘﺴﻦ ﺳﻤﻴﺖ »ﻫﻮ أن - 4اﻟﺠﻤﻞ واﻟﻄﻘﻮس اﻟﻘﺮﺑﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻫﻮ ﻛﻞ ﺳﻠﻮك ﻳﺘﻘﺮب ﺑﻪ ﻋﺒﺪ إﻟﻰ ﻣﻌﺒﻮده ،وإن ﺑﺎت ﻣﻦ اﻷﺿﺤﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗ ُﻠﺘﻬﻢ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻔﺎرق اﻟﺮوح ،وﺣﻴﻦ ﻻ ﻳﺰال دﻣﻬﺎ اﻟﺸﺎﺋﻊ ﻗﺼﺮ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗ ُﻨﺤﺮ إرﺿﺎء ﻟﻠﺮب ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ وﻟﺤﻤﻬﺎ ﺳﺎﺧﻨﺎ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن ﻛﻼ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻄﻘﺲ ﻛﺎن اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ ﻗﺪﻳﻤﺎ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻄﻘﻮس اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﺷﻴﻮﻋﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﺟﺰءا ﻣﻦ روح اﻟﻀﺤﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺪﻧﻪ .وﻧﺮى ﻫﺎﻫﻨﺎ ﻛﻴﻒ أن ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻃﻘﺴﻴﺎ ﻻ ﻹرﺿﺎء اﻟﻤﻌﺒﻮد ﻓﻘﻂ ،ﻫﺬا اﻟﻄﻘﺲ ﻳﻌﺒﺮ ﺑﺼﻮرة أوﺿﺢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎﺋﺪة ﻋﺎدﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ وﻟﻜﻦ ﻟﺤﻞ ﻛﻞ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻌﻨﻒ واﻟﺠﻮع ،وﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺜﺎق ﺑﻮﺣﺪة اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺒﺎع ،واﻳﻀﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺒﺎع وإﻟﻬﻬﻢ ﺣﻴﺚ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺠﻤﻞ رﻣﺰ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ﻻ ﻋﺒﺎ ﺗﺘﻢ إراﻗﺔ اﻟﺪم ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ ﻧﻔﺴﻪ. واﻟﻌﻨﺼﺮان اﻟﻤﻬﻤﺎن ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻫﻤﺎ ﻧﻘﻞ اﻟﺪم اﻟﺤﻲ إﻟﻰ اﻹﻟﻪ أﺳﺎﺳﻴﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﻘﺮﺑﺎﻧﻴﺔ. ﻳﺤﺘﻔﻆ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻮﺛﻴﻘﺔ ﻣﻔﻴﺪة ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺸﺄن ﻛﺘﺒﻬﺎ » ﻧﻴﻠﻮس« واﺳﺘﻴﻌﺎب اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺪم اﻟﺤﻲ ﻓﻲ ﻟﺤﻢ اﻷﺗﺒﺎع وﻓﻲ دﻣﻬﻢ .وﻳﺘﻢ ﻛﻞ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻤﻴﻼدي ،ﺣﻴﺚ دون وﺻﻔﺎ ﻷﺳﻠﻮب اﻟﻌﺮب ﻓﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﻦ ﺑﺼﻮرة ﺑﺴﻴﻄﺔ وﻣﺒﺎﺷﺮة ،وﻳﺒﺪو ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻄﻘﺲ ﺑﺼﻮرة ﺟﻠﻴﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻘﺮاﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻧﺤﺮ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ ،ﻧﻨﻘﻠﻪ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ روﺑﻨﺴﻦ إن ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﺠﻤﻞ وإن ﻛﺎن ﺛﺎﺑﺘﺎ اﻟﻼﺣﻘﺔ ،ﻃﺮأت ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺪﻳﻼت ﻋﻠﻰ ﻫﺬه ﺳﻤﻴﺖ ،ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ: ﻛﺎن اﻟﺠﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﺘﻢ اﺧﺘﻴﺎره ﻟﻴﻜﻮن أﺿﺤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،اﻟﻘﺴﻮة اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﻘﺪ ﺗﻮارى اﻟﻤﻐﺰى اﻟﻜﺎﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻄﻘﺲ ،إﻻ أن ﺟﻮﻫﺮ اﻟﻄﻘﺲ ﻳﻈﻞ ﻳُﺮﺑﻂ إﻟﻰ ﻣﺬﺑﺢ ﺑﺪاﺋﻲ ﻣﻦ ﺣﺠﺎرة ﺗﻜﻮم ﻓﻮق إﻻ إﻧﻪ وﻓﻖ ﻣﺎ وﺻﻠﻨﺎ ﻣﻦ أﺧﺒﺎر ﻻ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ«5«. ﺑﻌﻀﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮد ﻛﺒﻴﺮ اﻟﻘﻮم اﻷﺗﺒﺎع وﻳﻄﻮف ﺑﻬﺎ ﻋﻤﻮم ﻓﻲ ﺷﺎﺋﻌﺎ ﻛﺎن أﻧﻪ ﻳﺒﺪو ﻟﻘﺪ ارﺗﺒﻂ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺑﻌﻴﺪة ﺑﻔﻜﺮة ﺛﻼث ﻣﺮات ﺣﻮل اﻟﻤﺬﺑﺢ وﻫﻢ ﻳﻨﺸﺪون ﺗﺮاﺗﻴﻞ ﻣﻘﺪﺳﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻀﺮب أول ﺳﻜﻴﻦ ﻓﻲ رﻗﺒﺔ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻘﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻻ اﻟﻘﺪاﺳﺔ وﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺪأت ﻓﻜﺮة اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻣﻊ آﺧﺮ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﺮاﺗﻴﻞ ،وﻳﺴﺎرع ﺑﺎﻟﺸﺮب ﻧﺪري ﻫﻞ ﻛﺎن ﺷﺎﺋﻌﺎ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺰوال ،ﻓﻜﺎن ﻋﺮب ﻋﺺ ﻧﻴﻠﻮس ﻳﺬﺑﺤﻮن إﺑﻠﻬﻢ وﻳﺄﻛﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﺪم اﻟﻤﺘﺪﻓﻖ .ﺛﻢ ﺗﻨﻘﺾ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻛﻠﻬﺎ أم ﻣﺤﺪود، ﻋﺪد ﻓﻲ أم ﻛﺜﻴﺮة ﻟﺤﻤﻬﺎ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻟﻴﺄﻛﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻀﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﻮف وﻳﻠﺘﻬﻤﻮن أﺟﺰاء ﻣﻦ ﻟﺤﻤﻬﺎ ﻧﻴﺌﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﺑﺰوغ أن ﻓﻜﺮة ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﺠﻤﻞ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﺤﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ ﻓﻲ ﻇﺮوف ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ،وﻫﻜﺬا ﻓﺤﺘﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺤﻢ ﺟﻤﻞ ﻧﺠﻤﺔ اﻟﺼﺒﺢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﺪء ﻟﻤﺘﻐﻴﺮات ﻓﺎﺳﺘﻤﺮت ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻓﻴﻪ ﻃﻌﺎﻣﺎ ﻋﺎدﻳﺎ ،وﻛﺎن اﻟﺬﺑﺢ اﻟﺨﺎص اﻟﻄﻘﺲ وﺧﻔﻮت آﺧﺮ ﺷﻌﺎع ﻟﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺷﺮوق اﻟﺒﻌﺾ وﺗﻼﺷﺖ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺎﺋﻞ أﺧﺮى ﻣﺤﺮﻣﺎ ﻓﻴﻪ ،ﻟﻢ ﺗﻌﺪ روح اﻟﺠﻤﻞ ﺗﺴﺘﻮي ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ ﻳﻜﻮن اﻟﺠﻤﻞ ﻗﺪ ﺗﻢ اﻟﺘﻬﺎﻣﻪ ﻋﻦ ﻗﺪﺳﻴﺘﻬﺎ ﻣﻊ روح اﻓﻨﺴﺎن ،وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺘﺘﻨﻔﺴﻪ آﺧﺮه ﻟﺤﻤﺎ وﻋﻈﻤﺎ. ﺗﻢ اﻓﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻤﺎط اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻠﻘﺮﺑﺎن ، وﻟﻢ ﺗﻔﻘﺪ ﻣﻐﺰاﻫﺎ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻷن أﻧﻤﺎط اﻟﻄﻘﻮس ﻛﺎﻧﺖ أﻫﻢ ﻣﻦ أن ﻳﺴﺎء ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ،وﻧﺨﻠﺺ ﻣﻦ ذﻟﻚ إﻟﻰ أن ﺣﻴﺎة اﻟﺠﻤﻞ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻟﻬﺎ ﻧﻔﺲ ﻗﻴﻤﺔ ﺣﻴﺎة أﺣﺪ أﻓﺮاد اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻷﻏﺮاض اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﻛﺤﻴﺎة أﺣﺪ أﻓﺮاد اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺪم ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬاﺑﺢ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﻜﻤﻦ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺮى أن اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻓﺪوا ﻟﻪ ﻃﺎﺑﻊ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ﻻ ﻳُﻀﻔﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻤﺠﺮد ﻧﻮﻋﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻳﻘﻴﻨﺎ أن اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻘﺮﺑﺎﻧﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺑﺪﻳﻼ ﻋﻦ اﻟﻔﺪو اﻵدﻣﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ اﻟﻤﻔﻀﻠﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ﻫﻲ اﻹﺑﻞ اﻷﺳﻴﺮة اﻟﺼﻐﻴﺮة واﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ إذا ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻫﺬه اﻹﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻨﻌﻮن ﺑﺠﻤﻞ أﺑﻴﺾ ﺧﺎل ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻮب«6«.
96
اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ
اﻟﺠﻤﻞ ﻫﻨﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻌﻼﻣﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮﻫﺎ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ آﻳﺔ ﻣﻦ اﻵﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺟﻤﻞ ﺑﻌﻴﻨﻪ ،وﺗﻤﻴﺰه ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺠﻤﺎل ،وﺗﺮﺗﺒﻂ ﺗﻠﻚ اﻵﻳﺔ ﺑﺎﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ،واﻧﺘﻈﺎم ﻧﺴﻠﻪ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﺤﺪد ﻻ ﻳﺤﺪث إﻻ ﻧﺎدرا ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻌﺠﻞ أﺑﻴﺲ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺼﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،واﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺗﻤﻴﻴﺰه ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻼﻣﺎت ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻓﻲ ﺟﺴﺪه ،وﻳﺘﻢ اﺻﻄﻔﺎﺋﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺣﺎﻣﻼ ﻟﺮوح أوزورﻳﺲ إﻟﻪ اﻟﺨﺼﻮﺑﺔ، وﻫﻨﺎ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﺣﻴﺎة اﻟﻌﺠﻞ ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺣﻴﻮاﻧﺎ ﻣﻘﺪﺳﺎ ﺗﺪور ﺣﻮﻟﻪ اﻟﻄﻘﻮس. اﻟﺠﻤﻞ ﻫﻨﺎ ﻓﻮر ﻇﻬﻮر ﻋﻼﻣﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ اﺗﻔﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،ﻳﺘﺤﺮر ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻦ وﺟﻮده اﻟﻨﻔﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ ،وﻳﻔﻘﺪ ﻛﻞ وﻇﻴﻔﺔ ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻟﺠﻤﺎل ﻣﺜﻞ ﻧﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎن أو اﻟﻤﻤﺘﻠﻜﺎت ،وﻳﺼﺒﺢ ﺟﻤﻼ ﺣﺮاﻣﺎ ،وﺗﺒﻠﻎ اﻟﺤﺮﻣﺔ ﺣﺪ ﺗﺤﺮﻳﻢ ﺟﺰ وﺑﺮه ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻟﺠﻤﺎل ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻢ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻴﺰه اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل اﺳﺘﺪﻋﺎء رﻣﺰﻳﺔ اﻟﻄﺎووس أﺟﻤﻞ اﻟﻄﻴﻮر ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل رﺑﻂ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﺮﻳﺶ اﻟﻄﺎووس ﻟﻠﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮة ﻟﻠﺠﻤﻞ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﺟﻤﻼ ﺑﻞ ﺻﺎر ﻃﺎووﺳﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺒﺮ اﻟﺠﺰء وﻫﻮ اﻟﺮﻳﺶ ﻋﻦ اﻟﻜﻞ وﻫﻮ اﻟﻄﺎووس، وﻫﻮ أﻣﺮ ﺷﺎﺋﻊ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻷﺳﻄﻮري واﻟﺴﺤﺮي. إن ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﺠﻤﻞ وإن ﻛﺎن ﺛﺎﺑﺘﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،إﻻ إﻧﻪ وﻓﻖ ﻣﺎ وﺻﻠﻨﺎ ﻣﻦ أﺧﺒﺎر ﻻ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻛﺎن ﺷﺎﺋﻌﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻮم اﻟﻘﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻻ ﻧﺪري ﻫﻞ ﻛﺎن ﺷﺎﺋﻌﺎ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻛﺜﻴﺮة أم ﻓﻲ ﻋﺪد ﻣﺤﺪود ،أم أن ﻓﻜﺮة ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﺠﻤﻞ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻤﺘﻐﻴﺮات ﻓﺎﺳﺘﻤﺮت ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻌﺾ وﺗﻼﺷﺖ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺎﺋﻞ أﺧﺮى ،إذ ﻳﻈﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ وﻓﻖ أﺧﺒﺎر أﻛﺜﻴﺮة وﻫﻮ أﻗﻞ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻦ درﺟﺔ اﻟﻤﻌﺒﻮد
اﻟﻮﺛﻨﻲ اﻟﻤﻘﺪس ،ﺑﻞ وأﻗﻞ ﻗﻴﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻈﻞ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﺣﻴﻮاﻧﺎ ﻋﺎدﻳﺎ .واﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻫﻮ ﻣﺒﺪأ دﻳﺔ اﻟﻘﺘﻴﻞ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ دﻳﺔ اﻟﻘﺘﻴﻞ ﺗﻌﺎدل ﻋﺸﺮة ﺟﻤﺎل ،وارﺗﻔﻌﺖ إﻟﻰ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻤﻞ، وﻳﻨﺴﺐ إﻟﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ رﻓﻊ ﻋﺪد اﻟﺠﻤﺎل إﻟﻰ ﻣﺎﺋﺔ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﺼﺔ ذﺑﺢ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة ،وﻛﻴﻒ اﻣﺘﻨﻊ ﻋﻦ ذﺑﺤﻪ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ ذﺑﺢ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻤﻞ ﺗﻘﺮﺑﺎ ﻟﻺﻟﻪ ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ وﻟﺪه«4» . ﻏﻴﺮ أن اﻧﺤﺪار ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ،ﻟﻢ ﻳﻌﺰﻟﻪ ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻄﻘﻮس ،ﺑﻞ اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﻛﻌﻨﺼﺮ ﻃﻘﺴﻲ ﺑﺎﻟﻎ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻃﻘﻮس ﻛﺜﻴﺮة ﻣﺜﻞ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﻘﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ،أو اﻟﺘﻜﻔﻴﺮﻳﺔ، أو ﻃﻘﻮس اﻻﺳﺘﺸﻔﺎء.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
95
aņĀŌĿí dóîŔĄĿí Ľîòă ﻻ اﻟﻌﻨﻒ ،وﻻ ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ أن اﻟﺠﻤﻞ رﻣﺰ ﻟﻼﺳﺘﺴﻼم ،ﻓﺎﻟﺠﻤﻞ رﻣﺰ ﻣﻦ رﻣﻮز اﻟﻌﺪاﻟﺔ ،واﻟﻌﻨﻒ ﻳﻨﻜﻤﺶ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻌﺪاﻟﺔ. إن رﻣﺰﻳﺔ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﺣﺪود اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺪﻧﻴﻮي، ﺑﻞ ﺗﺘﺠﺎوزه ﻟﺘﻠﺘﺤﻢ ﺑﺎﻟﻤﻘﺪس ،ﻓﻴﻈﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﻮﺻﻔﻪ رﻣﺰا ﻟﻀﻴﺎﻓﺔ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻋﺰ وﺟﻞ ،ﻓﻬﻮ وﻓﻖ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻣﺼﺪر ﻛﻞ ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ وﺧﺼﻮﺑﺔ ،وﻫﻜﺬا ﻳﺘﺪاﺧﻞ اﻟﺠﻤﻞ رﻣﺰﻳﺎ ﻣﻊ ﺷﻌﻴﺮ اﻟﺤﺞ ،ﻟﻴﺘﺴﻊ ﻓﻀﺎءه اﻟﺮﻣﺰي ،وﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻴﻮي ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻳﺸﻤﻞ اﻟﻤﻘﺪس. وارﺗﺒﺎط اﻟﺠﻤﻞ ﺑﺎﻟﻤﻘﺪس ﻛﺎن اﻟﺒﻮاﺑﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ اﻟﺘﻲ دﺧﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺠﻤﻞ ﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻄﻘﻮس ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ.
واﻟﺠﻤﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ اﻷﺣﻼم ،ﻟﻴﻨﺘﺒﻪ اﻟﻨﺎس ﻣﺤﺎوﻟﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ دﻻﻟﺘﻬﺎ وﻓﻖ أوﺿﺎﻋﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﺘﻌﻜﺲ ﺗﺄوﻳﻼﺗﻬﻢ ﻟﻸﺣﻼم ﻣﺎ ﺗﺮﺳﺦ ﺑﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ اﻟﻮاﻋﻴﺔ ،ﺗﺮى ﻣﺎ ﻫﻲ دﻻﻻت اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ ﺗﺄوﻳﻞ اﻟﻌﺮب ﻷﺣﻼﻣﻬﻢ؟ ﻳﻘﻮل اﻟﺪﻣﻴﺮي ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺣﻴﺎة اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻜﺒﺮى» :ﻓﺎﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎم ﺣﺞ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺮام ،وﻣﻦ ﻗﺎد ﺟﻤﻼ ﺑﺨﻄﺎﻣﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻬﺪي رﺟﻼ ٌ ﺿﺎﻻ ،وﻣﻦ رأى ﺟﻤﻼ ﻋﺮاﺑﺎ وﻟّﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﻣﻦ اﻷﻋﺮاب ،وﻣﻦ رأى ﺟﻤﻠﻴﻦ ﻳﻘﺘﺘﻼن ﻓﺈﻧﻬﻤﻜﺎ ﻣﻠﻜﺎن ،وﻣﻦ رأى أﻧﻪ ﻳﺠﺮ ﺟﻤﻼ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻬﺮ ﻋﺪوا ،وﻣﻦ رأى ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺴﻘﻂ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﺟﻤﻞ ﺧُﺸﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ ،وﻣﻦ رأى أن رﻣﺤﻪ ﺟﻤﻞ ﻣﺮض ،وﻣﻦ رأى ﻛﺄﻧﻪ ﺻﺎر ﺟﻤﻼ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ أﺛﻘﺎﻻ ﻣﻦ ﺗﺒﻌﺎت اﻟﻨﺎس ،ورﺑﻤﺎ دل اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎم - 3ﻃﻘﻮس اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻤﻘﺪس ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻜﻦ ،ورﺑﻤﺎ دل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮت ﻷﻧﻪ ﻳﻈﻌﻦ ﺑﺎﻷﺣﺒﺎب ،إﻟﻰ دﺧﻞ اﻟﺠﻤﻞ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻄﻘﻮس ﻣﻦ أوﺳﻊ أﺑﻮاﺑﻪ ﻣﻨﺬ وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ،وﻟﻢ اﻷﻣﻜﻨﺔ اﻟﺒﻌﻴﺪة ،ورﺑﻤﺎ دل ﻋﻠﻰ اﻟﺰوﺟﺔ ،وﻳﺪل ﻳﻜﻦ ﻣﺠﺮد ﻋﻨﺼﺮ ﻃﻘﺴﻲ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﺟﻮﻫﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﺪ وأﺧﺬ اﻟﺜﺄر وﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ، إن اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺴﺮﻳﻌﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻄﻘﺲ ﻛﻠﻪ ،وذﻟﻚ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻌﺒﻮدا ﻣﻘﺪﺳﺎ ورﺑﻤﺎ دل ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺼﺒﻮر ،ورﺑﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺎم ﻣﻦ أﺟﻠﻪ اﻟﻄﻘﻮس. اﻟﺒﻂء ﻓﻲ اﻷﺣﻮال ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺴﺮﻋﺔ ،ورﺑﻤﺎ اﻟﺪﻻﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﺻﻮرة إن » ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻹﺑﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪاﻣﻰ أﻣﺮ دل اﻟﺠﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﺎل )اﻟ ُﺤ ْﺴﻦ( ﻷﻧﻪ ﻣﺸﺘﻖ اﻟﺠﻤﻞ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ اXﺣﻼم ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ ،وﺣﺴﺒﻨﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ دﻟﻴﻼ أن ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻟﻔﻈﻬﺎ ،وﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻵﻳﺔ ،وﺗﺪل اﻟﺠﻤﺎل ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺮك ﻃﻲء ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺒﺪ ﺟﻤﻼ أﺳﻮد .وﻋﻨﺪ وﻓﻮد ﻃﻲء ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎن ﻷﻧﻬﺎ ﺧﻠﻘﺖ ﻣﻦ أﻋﻴﻦ اﻟﺠﺎن، إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﻓﻴﻬﻢ زﻳﺪ اﻟﺨﻴﻞ ،أﺟﺎﺑﻬﻢ اﻟﻨﺒﻲ داﺋﺮة وﻫﻲ اﻟﺠﻤﻞ، رﻣﺰﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ وﺗﺪل ﻋﻠﻰ اﻷرزاق ،واﻟﺠﻤﺎل اﻟﺒﺨﺖ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎﺋﻼ » إﻧﻲ ﺧﻴﺮ ﻟﻜﻢ اﻷﺟﻼء ﻣﻦ اﻟﻨﺎس وأرﺑﺎب اﻷﺳﻔﺎر ﻛﺎﻟﺘﺠﺎر ﻓﻲ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ،اﻟﺪاﺋﺮة ﻣﻦ اﻟﻌﺰى ،وﻻﺗِﻬﺎ ،وﻣﻦ اﻟﺠﻤﻞ اﻷﺳﻮد اﻟﺬي اﻟﺒﺮ واﻟﺒﺤﺮ« »«1 اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺤﻴﺎة اKﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﻌﺒﺪوﻧﻪ ﻣﻦ دون اﻟﻠﻪ« .وﻳُﺬﻛﺮ أن ﻋﻤﺮو ﺑﻦ إن اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺴﺮﻳﻌﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺪﻻﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﺣﺒﻴﺐ أﻏﺎر ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ ﺑﻜﺮ ﻓﺄﺻﺎب ﺟﻤﻼ ﻛﺎﻧﻮا ﺗﺨﻠﺼﺖ وﻗﺪ اﻟﻨﻤﻮذﺟﻴﺔ، ﺻﻮرة اﻟﺠﻤﻞ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ اﻷﺣﻼم ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻳﻌﺒﺪوﻧﻪ ﻓﺄراد إﻏﺎﻇﺘﻬﻢ ﻓﻨﺤﺮه » »«2 اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺮك ﻓﻴﻬﺎ رﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﻞ ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﺸﻜﻠﺘﻴﻦ وﻫﻤﺎ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﻞ ﻛﺎﺋﻨﺎ ﻣﻘﺪﺳﺎ إذن ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎم ﻣﻦ أﺟﻠﻪ اﻟﻄﻘﻮس ﻣﺜﻞ أي ﻣﻌﺒﻮد وﺛﻨﻲ آﺧﺮ، داﺋﺮة اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ،اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻌﻨﻒ واﻟﺠﻮع. اﻟﺤﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻨﻤﻮذﺟﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺗﺨﻠﺼﺖ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ أﺧﺒﺎر ﺗﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ أﻫﻢ ﻣﺸﻜﻠﺘﻴﻦ وﻫﻤﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻌﻨﻒ واﻟﺠﻮع. ﻋﺒﺎدة اﻟﺠﻤﻞ ،واﻟﻄﻘﻮس اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﺎ. ﻓﻲ رﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﻫﻨﺎ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﻣﺪى اﻟﺘﺤﺎم اﻟﺠﻤﻞ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻏﻴﺮ أﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﺳﺘﺸﻔﺎف ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻘﻮس ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺣﺘﻰ أﻧﻪ ﻳﺘﻮﺣﺪ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻻ ﺷﻌﻮره ﻓﻴﺼﻴﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺠﻤﻞ ،واﻷﺳﻤﺎء اﻟﺘﻲ أﻃﻠﻘﺖ ﻋﻠﻲ ﺟﻤﻼ ،وﻳﺼﻴﺮ اﻟﺠﻤﻞ رﻣﺰا ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ ،اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺠﻠﻴﻞ ﻛﺎﻟﻤﻠﻮك ﺑﻌﻀﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻤﺎل ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺘﻘﺪﻳﺮ ﺧﺎص ،وﺗﺮﺗﺒﻂ واﻟﺘﺠﺎر ،أو اﻟﻤﺮأة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،أو اﻟﺰوج اﻟﺒﺎر ﺑﺄﺳﺮﺗﻪ،أو اﻟﺰوج اﻟﻄﻴﺒﺔ .ﺑﻄﻘﻮس اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ اﺟﺘﻨﺎب اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗُﺴﺘﺨﺪم رﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﻫﻨﺎ ،ﺗﻌﻜﺲ ﺗﺼﻮرات واﻗﻌﻴﺔ ،وﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﻓﻲ ﺧﻄﺎﺑﻨﺎ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻌﺎدﻳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﻤﻴﻴﺰه ﺑﺰﻳﻨﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﺜﻞ رﻳﺶ اﻟﻄﺎووس اﻟﻴﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﺻﻮرة اﺳﺘﻌﺎرت ﻣﺘﻮارﺛﺔ وﻣﺎزاﻟﺖ ﺣﻴﺔ وﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﺣﺘﻰ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﺤﺎﻣﻲ. اﻵن ،وﻳﻈﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ رﻣﺰا ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﻘﻮي ،واﻟﻤﺮأة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،واﻟﺤﺎم ﻫﻮ »اﻟﺠﻤﻞ إذا ﻧﺘﺞ ﻋﺸﺮة أﺑﻄﻦ ﻣﻦ ﺻﻠﺒﻪ ،ﻗﺎﻟﻮا :ﺣﻤﻰ ورب اﻷﺳﺮة وﻫﻜﺬا. ﻇﻬﺮه ،ﻓﻼ ﻳﺮﻛﺐ وﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﻣﺎء وﻻ ﻣﺮﻋﻰ .وﻗﺎﻟﻮا وإذا ﻋﺪﻧﺎ ﻟﺪﻻﻻت ﺻﻮرة اﻟﺠﻤﻞ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻨﺪ ﻣﻔﺴﺮي اﻷﺣﻼم ،اﻟﺤﺎم ﻣﻦ اﻹﺑﻞ ،إذا اﻧﻘﻀﻰ ﺿﺮاﺑﻪ ﺟﻌﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ رﻳﺶ اﻟﻄﻮاوﻳﺲ ﻧﺠﺪ ﺻﻮرة اﻟﺠﻤﻞ ﺗﺘﺤﺮك ﺑﻴﻦ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ،ﻓﺎﻟﺠﻤﻞ ﻋﺪو وﺳﻴﺒﻮه ،وﻗﺎﻟﻮا ﺑﻞ اﻟﺤﻤﺎم ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﺞ ﻟﻪ ﻋﺸﺮ إﻧﺎث ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺎت ﻣﻦ أﻋﺪاء اﻟﻌﻨﻒ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﺠﻤﻞ أداة ﻣﻦ أدوات اﻟﻌﻨﻒ ﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻬﻦ ذﻛﺮ ﺣﻨﻰ ﻇﻬﺮه وﻟﻢ ﻳﺮﻛﺐ وﻟﻢ ﻳُﺠﺰ وﺑﺮه وﻳﺨﻠﻰ ﻓﻲ إﺑﻠﻪ ﻣﺜﻞ اﻟﺮﻣﺢ ﻳﻌﻨﻲ ﻣﺮض اﻟﻤﺘﺴﻠﺢ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺮﻣﺢ ،ﻓﺎﻟﺠﻤﻞ رﻣﺰ اﻟﺴﻼم ﻳﻀﺮب ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﻪ ﺑﻐﻴﺮ ذﻟﻚ« »«3
94
اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ
إن اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻮﺣﻲ ﻳﺘﺠﺎوز ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻞ ﺻﻮرﺗﻪ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ ،ﻟﻴﻜﺘﺴﺐ ﻣﻠﻤﺤﺎ ﺳﺮﻳﺎﻟﻴﺎ ،وﻟﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒﺎ أن ﺗﺴﺘﻤﺮ ﺗﻠﻚ ﺑﻬﺎ اﻟﺠﻤﻞ ﺗﺒﺪو أﻋﻤﻖ اﻟﺼﻮرة رﻏﻢ اﻧﺤﺴﺎر ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺒﺮرات اﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻘﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﺪان ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻮﻗﻬﺎ ،ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ أﻳﻘﻮﻧﺔ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ، وﻳﻤﻜﻦ رﺻﺪ ذﻟﻚ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﺷﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻧﻈﺮة ﺷﻲء ﻏﺎﻣﺾ ،وﻻ ﻧﻌﺮف ﻣﻔﺴﺮي اﻷﺣﻼم ﻟﺼﻮرة اﻟﺠﻤﻞ.
ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺒﺮرات اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻮﻗﻬﺎ ، ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻲء ﻏﺎﻣﺾ ،وﻻ ﻧﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﻧﺒﺮرﻫﺎ ﻣﻨﻄﻘﻴﺎ أﺣﻴﺎﻧﺎ ،ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﺑﻤﺸﺎﻋﺮﻧﺎ، وأﺣﺎﺳﻴﺴﻨﺎ. رﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻣﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺗ ـﺮاث ﻫﺎﺋﻞ ﺳــﺮى ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﻨﺎ ،وورﺛــﻨــﺎه ﺑﺘﻠﻘﺎﺋﻴﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﻋﺒﺮ إﺷﺎرات اﻷﺳﻼف ﻓﻲ زﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﺘﺸﻜﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﻧﺒﺮرﻫﺎ ﻣﻨﻄﻘﻴﺎ أﺣﻴﺎﻧﺎ، وﻋﻴﻨﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﺑﻬﺪوء ،ودون ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻌﻘﻞ ،أو ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﺑﻤﺸﺎﻋﺮﻧﺎ - 2 ،اﻟﻼ وﻋﻲ ورﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﻣﻨﻄﻘﻪ اﻟﺤﺴﺎﺑﻲ اﻟﺼﺎرم ،ﻓﻨﻔﺬ اﻟﺠﻤﻞ إﻟﻰ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻮﻗﻮف ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ وأﺣﺎﺳﻴﺴﻨﺎ أﻋﻤﺎﻗﻨﺎ ،واﺳﺘﻘﺮ ﺑﻮﺻﻔﻪ رﻣﺰا ﻛﺒﻴﺮا ﻟﻠﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻞ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﻀﻮره ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ،وﻫﻞ ﻫﻨﺎك ﺣﻠﻢ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﺮدي اﻷﺣــﻼم اﻟــﺬي ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﺪى ﺗﻐﻠﻐﻞ أو ﺟﻤﺎﻋﻲ أو ﻋﺎﻟﻤﻲ إﻻ وﻳﺪور ﻓﻲ ﻓﻠﻚ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻇﻞ ﻏﻴﺒﺔ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ؟ اﻟﻮﻋﻲ .ﺣﻴﺚ ﻳﻔﻘﺪ اﻟﻌﻘﻞ ﺳﻠﻄﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻟﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒﺎ أن ﻳﻤﺘﻠﺊ ﺗﺮاﺛﻨﺎ ﺑﻤﺎدة ﺧﺼﺒﺔ اﻹﻧﺴﺎن ،وﺗﻈﻬﺮ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﻞ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻧﺼﻮص ﺷﻌﺮﻳﺔ، اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻮاﻋﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ إدراك ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻻﺗﺼﺎل وﺳﺮدﻳﺔ ،وأﻣﺜﻠﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ،و اﺳﺘﻌﺎرات ﺑﻴﻦ ﺻﻮر اﻟﻨﻮم وﺻﻮر اﻟﻴﻘﻈﺔ ﻳﺤﺘﺎج ﻫﻮ ﻣﺠﺎزﻳﺔ ﻧﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ، اﻵﺧﺮ إﻟﻰ ﺟﺴﺮ رﻣﺰي ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ. ﺗﺘﺂزر ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻟﺘﺸﻜﻞ ،أو ﺗﺒﻠﻮر ﺻﻮرة
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
93
aņĀŌĿí dóîŔĄĿí Ľîòă ﻟﻘﺪ ﻇﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﻛﻌﻨﺼﺮ ﻃﻘﺴﻲ ﻣﺤﻮري ﻣﻨﺬ أزﻣﻨﺔ ﺑﻌﻴﺪة ،وﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ ذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻄﻘﺴﻲ ﺣﺘﻰ اﻵن .ﻟﻤﺎ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ اﻟﺠﻤﻞ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ رﻣﺰﻳﺔ ﻗﺎدرة ﺣﺘﻰ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎوز اﻟﻤﺘﻐﻴﺮات اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻬﺪﻫﺎ اﻟﻤﺴﻴﺮة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .وﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻟﻠﺠﻤﻞ ﻟﻌﺒﺖ دورا ﻛﺒﻴﺮا ﻓﻲ ﺗﺤﻮﻳﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﺠﺮد ﺣﻴﻮان ﻋﺎدي إﻟﻰ ﺣﻴﻮان ﻃﻘﺴﻲ ،ﻓﺎﻟﺘﺮﻣﻴﺰ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻃﻘﺲ .وﺑﻘﻮة اﻟﺮﻣﺰ ﻳﺘﺤﻮل اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻌﺎدي إﻟﻰ ﺳﻠﻮك ﻃﻘﺴﻲ ،وﻗﺒﻞ أن ﻧﺘﻨﺎول اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻄﻘﺴﻲ ﻟﻠﺠﻤﻞ ،ﻳﺠﺪر ﺑﻨﺎ اﻟﻮﻗﻮف أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ. -اﻟﺠﻤﻞ ورﻣﺰﻳﺔ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ
ﻟﻘﺪ ﺣﻈﻰ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻘﻴﻤﺔ رﻣﺰﻳﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻨﻪ أﻳﻘﻮﻧﺔ ﻟﻠﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ،وﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ
92
اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ
ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ،ﺑﻞ اﺳﺘﻤﺮت ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺼﺤﺮاوي ﻓﻘﻂ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻢ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻲ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺳﻔﻴﻨﺔ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﻫﻲ اﺳﺘﻌﺎرة ﺑﻠﻴﻐﺔ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻗﺪرة اﻟﺠﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎوز ﻗﺴﻮة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻓﻮﺟﻮد اﻟﺠﻤﻞ ﻳﻌﻨﻲ وﺟﻮد اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ أﺷﺪ اﻟﻤﺴﺎﻟﻚ وﻋﻮرة وﻗﺴﻮة ،ﻓﺤﻴﺚ ﺗﻤﺘﺪ اﻟﺮﻣﺎل ﻓﻲ أﻓﻖ ﻻ ﻧﻬﺎﺋﻲ ،ﻳﺤﻀﺮ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺠﻤﻞ ،وﺗﺘﺤﻮل اﻟﺼﺤﺮاء إﻟﻰ ﺑﺤﺮ ﻣﺠﺎزي ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺻﻮرﺗﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ وﺟﻮد اﻟﺠﻤﻞ ،ﻓﺤﻴﺚ ﻳﺘﺤﺮك اﻟﺠﻤﻞ ﺗﺘﺤﺮك اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ. ﻟﻢ ﺗﻘﺒﻞ رﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﺎﻟﻔﻀﺎء اﻟﺼﺤﺮاوي ﻛﺈﻃﺎر ﻟﻬﺎ ،ﺑﻞ اﻣﺘﺪت ﻟﺘﺸﻤﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻬﺎر ،ﻛﻤﺎ أن رﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﻟﻢ ﺗﻘﺒﻞ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وراﺣﺖ ﺗﻔﺮض ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺄﻳﻘﻮﻧﺔ ﻟﻠﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻓﻘﺪ اﻟﺠﻤﻞ ﻗﻴﻤﺘﻪ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻨﻘﻞ اﻟﻨﺎس وﻣﺘﻌﻠﻘﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻧﺠﺤﺖ اﻟﺴﻴﺎرات واﻟﺸﺎﺣﻨﺎت واﻟﻄﺎﺋﺮات ﻓﻲ أﺧﺬ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﻓﻲ ﺳﻠﺒﻪ ﻗﻴﻤﺘﻪ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﺣﺘﻰ اﻵن .ﺑﻞ ﻧﺠﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﺗﺘﻤﺪد وﺗﻨﺘﺸﺮ ﻟﻨﺠﺪﻫﺎ ﺗﺤﻂ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﻧﺼﻮص ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻋﻨﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻣﺎرك اﺳﺘﺮاﻧﺪ، ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ »رﺟﻞ وﺟﻤﻞ« ،ﺣﻴﺚ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﻮﺻﻔﻪ رﻣﺰا ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺜﺮﻳﺔ واﻟﻤﻄﻤﺌﻨﺔ، ﺣﻴﺚ اﻟﺘﺼﺎﻟﺢ أو اﻟﺘﻨﺎﻏﻢ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺧﻼﺻﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻘﺎق واﻟﻨﺰاع اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ. ﻟﻘﺪ ﻇﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺒﺸﺮي ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻛﺎﺋﻨﺎ ﻣﺒﺎرﻛﺎ ،ﺧُﻠﻖ ﻟﻴﻜﻮن ﺳﻨﺪا ﻣﺘﻴﻨﺎ ﻟﻤﺴﻴﺮة اﻹﻧﺴﺎن وﻫــﻲ ﺗﻤﻀﻲ ﻓﻲ أﺷــﻖ ﺷﻌﺎﺑﻬﺎ وﻋــﻮرة ،ﺣﻴﺚ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻤﻤﺘﺪة ،واﻟﺼﺨﻮر اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ. ﻇﻬﺮ اﻟﺠﻤﻞ ﻟﻴﻜﻮن رﻣﺰا ﻟﻠﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺮراﺗﻬﺎ ﺑﻮﺿﻮح ،وﻧﺤﻦ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻰ إﻟﻴﻪ وﻫﻮ ﻳﺮﻓﻊ أﺣﻤﺎﻟﻨﺎ ،وﻳﻌﺒﺮ ﺑﻨﺎ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ،أو ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮاه ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻛﺎﺋﻦ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ،ﻧﺮﻳﺪه زادا ﻓﻴﻠﺒﻲ ،ﻧﺮﻳﺪه ﻣﺎء ﻓﻴﻠﺒﻲ أﻳﻀﺎ. ﻟﻜﻦ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺮﻫﺎ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻨﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ رواﻓﺪ ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻬﺎﺋﻞ واﻟﻤﺴﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﻬﻮ أﺿﺨﻢ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻷﻟﻴﻔﺔ ،ﻫﻮ اﻟﻮﺣﺶ اﻟﻠﻄﻴﻒ اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺮك وﻓﻖ إﻳﻘﺎع ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ،واﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﻮﻗﺎر ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻄﻠﻊ إﻟﻴﻨﺎ أو ﺗﻄﻠﻌﻨﺎ إﻟﻴﻪ. إن اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﺠﻤﻞ ﺗﺒﺪو أﻋﻤﻖ
ﻓﺘﺤﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻤﻴﻊ
ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄة اﻟﻄﻘﻮس اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻧﺠﺤﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻓــﻲ دﺧﻮﻟﻬﺎ ﻛﻌﻨﺼﺮ ﻃﻘﺴﻲ ﺟﻮﻫﺮي أو ﻣﺤﻮري ،ﻧﻈﺮا ﻟﻠﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ واﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻋﻠﻪ ﻣﻊ ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ،واﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﺗﺮﺑﻄﻪ ﺑﻬﺎ ،وﻋﻤﻘﻬﺎ ورﺳﻮﺧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ. واﻟﺠﻤﻞ واﺣــﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻠﻐﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﻴﺮة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء أو ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎرﻓﻬﺎ ،ﻓﺘﺪاﺧﻞ ﺣﻀﻮره اﻟﺪﻧﻴﻮي اﻟﻨﺎﻓﻊ ﻣﻊ ﻧﻈﺮة اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ،ودﺧﻞ ﻓﻲ ﺗﺼﻮرات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻮﺟﻮد اﻟﻔﺮد واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ واﻟﻜﻮن ﺑﺄﺳﺮه ،وﻫﻜﺬا ،ﻟﻢ ﻳﻌﺪ اﻟﺠﻤﻞ ﻣﺠﺮد ﺣﻴﻮان دﻧﻴﻮي ﺑﻞ ﺻﺎر ﺣﻴﻮاﻧﺎ أﺳﻄﻮرﻳﺎ أﻳﻀﺎ ،وﺻﺎر وﺟﻮده ﻻ ﻳﺘﻘﻴﺪ ﺑﺤﺪود اﻟﻮاﻗﻊ ،ﺑﻞ ﻳﺘﺠﺎوزه ﻟﻤﺎ ﻓﻮق اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻓﺎرﺗﺒﻂ ﺑﻤﻌﺘﻘﺪات وﻃﻘﻮس، وﺻﺎر ﺟﺰءا ﻣﻦ ﺗﻮاﺻﻞ اﻟﺪﻧﻴﻮي ﻣﻊ اﻟﻤﻘﺪس.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
91
aņĀŌĿí dóîŔĄĿí Ľîòă
ﻗﻴﻤﺔ رﻣﺰﻳﺔ ﺗﺘﺠﺎوز ﻣﺘﻐﻴﺮات اﻟﻤﺴﻴﺮة اKﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ
رﻣﺰﻳﺔ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ
90
اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ
وﻃﻠﺒﺔ وﻗﺮاء ﻧﺎﺑﻬﻴﻦ وﻣﺘﺬوﻗﻴﻦ ،ﻓﻬﻮ اﻟﻤﺴﺘﻌﺮب اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي اﻟﻜﺒﻴﺮ »آرﺛﺮ ﺟﻮن آرﺑﺮي« ) ،(1969 – 1905اﻟﺬي ﺗﻀﻠّﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺑ ّﺰ ﻓﻘﻬﺎءﻫﺎ اﻟﻜﺒﺎر ،اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ وﻏﻴﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ؛ وﺧﺎض ﻣﻄﻮﻻً ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ – اﻹﺳﻼﻣﻲ؛ ﻛﻤﺎ ﺧﺎض ﻓﻲ ﻋﻤﻮم اﻟﺘﺼﺎﻧﻴﻒ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ اﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ واﻟﻨﺜﺮﻳﺔ .وﻓﻲ أﺛﻨﺎء ﺑﺤﻮﺛﻪ وﺗﻔﺘﻴﺸﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﻤﺘﻮزﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺒﺎت ﻗﻮﻧﻴﺎ وﺑﻮرﺳﺎ واﺳﻄﻨﺒﻮل ،وﻣﻦ ﺛ ّﻢ اﻟﻘﺎﻫﺮة ودﻣﺸﻖ ،ﻋﺜﺮ آرﺑﺮي ﻋﻠﻰ ﻛﻨﺰ ﻧﺼﻮص اﻟﻨﻔﺮي ،وراح ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺼﻤﺖ ﻣﺴﺘﻐﺮق ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1935ﻣﺤﻘﻘﺎً إﻳﺎه ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »اﻟﻤﻮاﻗﻒ واﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺎت« ،وﻧﺎﻗﻼً ﻟﻪ إﻟﻰ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻣﻦ أﺻﻞ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ د .ﻃﺎرق أﺣﻤﺪ اﻟﺤﻠﻮ )» :(1998 – 1925إﻧﻬﺎ أﻋﻈﻢ ﻣﺎ ﻧﻘﻞ ﻣﻦ ﻧﺼﻮص أدﺑﻴﺔ ﺻﻮﻓﻴﺔ إﻟﻰ ﻟﻐﺔ ﺷﻜﺴﺒﻴﺮ .وﻟﻜﻦ ﻣﻊ اﻷﺳﻒ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ اﻟﺪواﺋﺮ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ واﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻬﺎ« .وﻳﻀﻴﻒ إﻧﻪ اﻟﺘﻘﻰ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﻌﺮب آرﺑﺮي ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻤﺒﺮﻳﺪج ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1952ﺣﻴﺚ ﻛﺎن اﻷﺧﻴﺮ ﻳﻌﻤﻞ أﺳﺘﺎذ ﻛﺮﺳﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺳﺮ ﻋﺪم اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻴﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ،ﺑﻞ ﻃﻠﺒﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺎت ﺑﻜﺘﺎب«اﻟﻤﻮاﻗﻒ واﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺎت« ﻟﻠﻨﻔﺮي؛ ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ آرﺑﺮي إﺟﺎﺑﺔ ﻣﺒﻄﻨﺔ ﺑﺴﺨﺮﻳﺔ ﻻذﻋﺔ«:رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺣﻆ اﻟﻨﻔﺮي ذاﺗﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ إﻻّ ﻗ ّﺮاء ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮى ﻧﺼﻮﺻﻪ ،وﻣﺎ أﻧﺪرﻫﻢ ﻓﻲ
زﻣﻨﻨﺎ ﻫﺬا ،ﻧﺪرﺗﻬﻢ ﻓﻲ زﻣﻨﻪ ﻫﻮ..ﺳﻮاء ﺑﺴﻮاء« .ﻓﻌﻠﻖ ﻃﺎرق أﺣﻤﺪ اﻟﺤﻠﻮ ﻗﺎﺋﻼً ﻷﺳﺘﺎذه» :رﺑﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎً ﻳﺎ ﺳﻴﺪ آرﺛﺮ ،ﻟﻜﺎن اﺧﺘﻠﻒ اﻷﻣﺮ ﻣﻌﻚ ،وﻣﻊ اﻟﻨﻔﺮي ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻓﺎﻷﻟﻤﺎن أﻗﺪر ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻷوروﺑﻴﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺎط اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ اﻟﻤﺸﺮﻗﻴﺔ، وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺮﻛﺒﺎً ﺳﺎﺣﺮا ً آﺧﺮ ﻻﻧﻄﻼق ﺧﻴﺎﻟﻬﻢ«. »ﻛﻠﻤﺎ اﺗﺴﻌﺖ اﻟﺮؤﻳﺎ ﺿﺎﻗﺖ اﻟﻌﺒﺎرة« ،ﻋﺒﺎرة ﻗﺎﻟﻬﺎ اﻟﻨﻔﺮي ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻦ »ﻣﻮاﻗﻔﻪ وﻣﺨﺎﻃﺒﺎﺗﻪ« ،ﻓﻄ ّﺒﻘﺖ ﺷﻬﺮﺗﻬﺎ اﻵﻓﺎق ،وﻋﻈﻢ ﺗﺮدادﻫﺎ ﻋﻠﻰ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﺸﻌﺮاء واﻷدﺑﺎء ،ﻣﻔ ّﺠﺮة ﻣﺤﻄﺎت اﻟﻮﺣﻲ واﻹﻟﻬﺎم ﻟﺪى ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻏﻴﺮ ﻫﻴّﺎﺑﺔ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ »ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ« اﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ ﻷﺟﻠﻬﻢ. وﻣﺎ أﺟﻤﻠﻬﺎ اﻧﺴﻜﺎﺑﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻓﻢ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ ،وﻫﻲ ﺗﺨﺘﺰل ،ﻫﻜﺬا ،اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻛﻠﻪ ﺑﺒﻀﻊ ﻛﻠﻤﺎت. ﻓﻲ زﻣﻦ ﺟﻔّﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺼﻮص وﺑﻬﺘﺖ :ﻧﺼﻮص اﻟﺸﻌﺮ ،وﻧﺼﻮص اﻟﻔﻜﺮ واﻟﺘﻔﻠّﺴﻒ وﺳﺎﺋﺮ اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت اﻟﺴﺮدﻳﺔ..ﻋﻨﺪﻧﺎ وﻋﻨﺪ ﻏﻴﺮﻧﺎ أﻳﻀﺎً ،ﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻛﻬﺬا ..أﻳﻬﺎ اﻟﻨﻔﺮي اﻟﻌﻈﻴﻢ ..إﻻّ أن ﻧﻠﺠﺄ إﻟﻰ »ﻣﻮاﻗﻔﻚ« و«ﻣﺨﺎﻃﺒﺎﺗﻚ« ،ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺼﻴﺐ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ وﺻﺎل ﺣﻘﻴﻘﺘﻚ اﻟﻤﺘﺴﺎﻣﻴﺔ، اﻟﻤﻬﻤﻮﺳﺔ ،اﻟﺨﻔﺮة ،وذات اﻟﻘﺪرة اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻘﺎﺑﻞ اﻟﺤﻤﻴﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﻟﻬﻔﺎت اﻟﻨﻔﺲ إﻟﻴﻬﺎ. أﻳﻬﺎ اﻟﻨﻔﺮي :ﺣﻨﺎﻧﻴﻚ ﺳﻴﺪي اﻟﺸﺎﻋﺮ ..ﺣﻨﺎﻧﻴﻚ أﻓﻘﺎً ،وﻣﺮاﺗﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮ، واﻧﺴﻜﺎب ﻧﻔﺲ ﺑﻨﻔﺲ ،ووﺻﻞ ﻓﻠﻮات ﺑﻔﻠﻮات *ﺷﺎﻋﺮ وﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
89
ﻗﻠﺐ اﻟﻜﻼم
اﻟﻨﻔﺮي :ﺿﻐﻂ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻛﻠﻪ ﺑﺒﻀﻊ ﻛﻠﻤﺎت ﺷﺎﻋﺮ ﺻﻮﻓﻲ ﻳﺴﺒﻎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺴﻤﻮ واﻟﺮﻓﻌﺔ ،وأﻧﺎﻗﺔ اﻟﺮوح وﺷﻔﺎﻓﻴﺘﻬﺎ ،وأﺑﻌﺎد اﻟﻨﻈﺎم واﻻﺗﺴﺎق ،ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﺴﺒﻐﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻷﻧﻮار اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺑﻠﻪ ،وﺗﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﺗﺪﻓﻘﺎﺗﻪ ،واﻟﺘﻲ ﺑﺨﻴﺎره ﻗﺪ ﺗﺤﻴﻴﻪ ،أو ﻗﺪ ﻳﺘﺮ ّدى ﺑﻬﺎ ..ﻻ ﻓﺮق ،ﻣﺎ داﻣﺖ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺪﻫﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺗﻌﺮف اﻟﻨﻘﻴﺾ، وﺗﻈﻞ ﺗﺼﻮغ ﻣﻀﻤﻮﻧﺎً آﺗﻴﺎً ﻣﻦ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ،ﻻ ﻳﺴﺒّﺐ وﻻ ﺗﻨﻔﺼﻢ ﻋﻨﻪّ ، اﻟﻘﺴﻤﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻼ ﻋﻘﻞ ،واﻟﻘﻠﺐ واﻟﻼ ﻗﻠﺐ. إﻧﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺠﺒﺎر اﻟﻨﻔﺮي ،اﺑﻦ ﺑﻠﺪة »ﻧﻔﺮ« ﻳﻈﻞ اﻟﻘﺎرىء ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق ،ﺻﺎﺣﺐ »اﻟﻤﻮاﻗﻒ واﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺎت« واﻟﺬي ّ ﻣ ّﻨﺎ ﻳﻘﺮأ ﺑﺘﺠ ّﺪد ﺟﺎذب ﻛﺸﻮﻓﺎﺗﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﻤﺘﻮزﻋﺔ داﺧﻞ وﻋﻲ اﻟﺬات ،ذاﺗﻪ ،وﺧﺎرﺟﻬﺎ. ﻇﻞ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺸﺨﺼﻲ ﺷﺎﻋﺮا ً أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺮي أﻧﻪ ّ ﻣﺠﻬﻮﻻً ،ﻇﻬﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻟﻠﻬﺠﺮة .وﻛﺎن ﻳﺴﻮح ﻓﻲ اﻷﻣﻜﻨﺔ واﻟﻔﻴﺎﻓﻲ ،ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ أﺣﺪ ﺑﻘﺮار ﻣﻨﻪ ،واﻧﺴﺠﺎﻣﺎً ﻣﻊ رﺣﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﻮن ،وﻧﻈﺎم ﺧﻄﺎﺑﻪ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ،واﻟﺬي ﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻦ وراﺋﻪ ﺷﻬﺮة أو ﻣﺠﺪا ً ﺑﺎﻃﻼً ،ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﻧﻈﺮاء ﻟﻪ ﻛﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎر اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﺨﺼﻮﺻﻲ اﻟﻌﺎﻟﻲ ..ﻗﺪﻳﻤﺎً وﺣﺪﻳﺜﺎً .وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻗﻮل اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﺨﺼﻮﺻﻲ اﻟﻌﺎﻟﻲ ﻫﻨﺎ ،ﻓﻸن اﻟﻨﻔﺮي ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺑﺎﻟﺤﻠﻮﻟﻴﺔ ،أو اﻻﺗﺤﺎد ﺑﻴﻦ اﻟﺨﺎﻟﻖ واﻟﻤﺨﻠﻮق ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل أﺑﻮ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﺒﺴﻄﺎﻣﻲ ،ﺛﻢ ﻇﻞ اﻟﻨﻔﺮي أﻣﻴﻨﺎً ﻟﻤﺴﺮح ﺗﺒﻌﻪ اﻟﺤﻼج ﻓﻲ اﻟﻘﻮل واﻟﻨﻬﺞ ﻋﻴﻨﻪ ،ﺑﻞ ّ اﻟﺸﻬﻮد ﻟﺪﻳﻪ ،ﻻ ﻳﺸﻜﻮ ﻣﻦ ﻋﺠﺰ ،وﻻ ﻳﺘﺒ ّﺮم ﻣﻦ ﺻﺒﺮ» :ﻗﺎل ﻟﻲ ﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ،وﻻ ﺧﺎﻟﻄﺖ ﺷﻴﺌﺎً ،وﻻ ﺣﻠﻠﺖ ﻓﻲ ﺷﻲء ،وﻻ ﻣﻦ ﺷﻲء ،وﻻ ﻣﻦ ،وﻻ ﻋﻦ ،وﻻ ﻛﻴﻒ ،وﻻ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل ،أﻧﺎ أﻧﺎ ،أﺣﺪ ﻓﺮد ﺻﻤﺪ وﺣﺪي، وﺣﺪي أﻇﻬﺮت ،وﻻ ﻣﻈﻬﺮ إﻻّ أﻧﺖ«. وﻓﻲ اﺗﺠﺎه ﻧﻮراﻧﻲ ﻋﺎﻣﻮدي ،ﻳﺨﺎﻃﺐ اﻟﺸﻴﺦ رﺑﻪ» :إﻟﻬﻲ أﻧﺖ ،ﻓﻼ أﺷﻴﺎء ﺗﻤﺎﺛﻠﻚ ،وﻻ أﻣﺜﺎل ﺗﺸﺎﻛﻠﻚ ،وﻻ ﺷﻮاﻛﻞ ﺗﺠﺎﻧﺴﻚ«. واﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺤﺠﻢ اﻟﻨﻔﺮي ،ﻫﻮ أﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻗﻤﺔ وﻋﻴﻪ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﺑﺬاﺗﻪ؛ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻪ ،ﻳﻘﺪم ﺷﻌﺮ ﺟﺎذﺑﻴﺔ اﻹرادة ،أوﻟّﻬﺎ ﻳﺮ ّد إﻟﻰ آﺧﺮﻫﺎ ،وآﺧﺮﻫﺎ ﻳﺮ ّد إﻟﻰ أوﻟﻬﺎ ،وﺗﺘﺪﻓﻖ اﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺔ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،وﺑﻤﺎ ﻳﺘﺠﺎوزﻫﺎ ،ﻓﺘﺼﻴﺮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﺪﻳﻪ ،أﺣﻴﺎﻧﺎً ،دون ﻣﻌﺮﻓﺔ
88
اﻟﻨﻔﺮي :ﺿﻐﻂ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻛﻠﻪ ﺑﺒﻀﻊ ﻛﻠﻤﺎت
أﺣﻤﺪ ﻓﺮﺣﺎت@
ﺧﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ وراء ﻇﻬﺮك ﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺐ ،ودم اﻟﻌﺮف » :ﻗﺎل ﻟﻲّ : ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﻔﺔ ،ﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺴﺒﺐ«. اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻫﻨﺎ ﻗﻨﻄﺮة إﻟﻰ اﻟﻐﺎﻳﺎت اﻟﻘﺼﻮى ،ﺗﺴﺘﺤﺚّ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎل ،وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺎورﻫﺎ ﻣﻦ ﻣ ّﺪ اﻟﺸﻮق ﻋﻴﻨﻪ ..وﻳﻈﻞ اﻟﺴﺎﻟﻚ ﻣﺜﻞ اﻟﻨﻔﺮي ،ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻮﺻﻮل أﻳﻀﺎً إﻟﻰ ﻛﻨﻪ اﻟﺬات اﻟﻌﻠﻴﺎ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻗﺘﺮاﺑﻪ ﻣﻨﻬﺎ» :وﻗﺎل ﻟﻲ أﻧﺎ أﻗﺮب إﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،وأﻧﺎ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻻ ﻛﺒﻌﺪ اﻟﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺸﻲء«. وﻣﻨﻪ ﻗﻮﻟﻪ » :وﻗﺎل ﻟﻲ :اﻟﻘﺮب اﻟﺬي ﺗﻌﺮﻓﻪ ﻣﺴﺎﻓﺔ ،واﻟﺒﻌﺪ اﻟﺬي ﺗﻌﺮﻓﻪ ﻣﺴﺎﻓﺔ ،وأﻧﺎ اﻟﻘﺮﻳﺐ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﺑﻼ ﻣﺴﺎﻓﺔ«. ﻟﻐﺔ اﻟﻨﻔﺮي راﻗﻴﺔ ،ﻗﻮﻳﺔ ﺑﻤﺮوﻧﺘﻬﺎ واﻧﻀﺒﺎﻃﻬﺎ .ﻳﺘﻠ ّﺒﺚ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺮط ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وأداﺋﻬﺎ ووﻗﻮﻋﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ .إﻧﻬﺎ ﻟﻐﺔ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ اﻷﺣﺎﺳﻴﺲ، واﺳﺘﻨﻔﺎد آﻳﺎت اﻟﺮؤﻳﺎ واﺣﺘﻤﺎﻻﺗﻬﺎ .وﻫﻲ ﻟﻐﺔ ﻣﺘﺠ ّﺪدة ﻓﻲ ﻛﻞ زﻣﻦ، وﺗﻔﻀﻲ دوﻣﺎً إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ وﻃﺎﻗﺎﺗﻬﺎ .وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ اﺳﺘﻔﺎد ﻣﻦ أﻧﺴﺎﻗﻬﺎ ﻛﺒﺎر ﺷﻌﺮاء اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻌﺮب ،وﻓﻲ اﻟﻄﻠﻴﻌﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ أدوﻧﻴﺲ، اﻟﺬي اﻓﺘﺘﻦ ﺑﺎﻟﻨﻔ ّﺮي أﻳّﻤﺎ اﻓﺘﺘﺎن ،وراح ﻳﺒﺸّ ﺮ ﺑﻪ ،وﻳﻨﺘﻀﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻴﻪ ،ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﺗﻌﻠّﻖ ﺑﺤﺎدﺛﺎت إﺑﺪاﻋﻪ؛ واﻋﺘﺒﺮه واﺣﺪا ً ﻣﻦ أﻋﻤﺪة اﻟﺸﻌﺮ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﻴﻦ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﺗﺮاﺛﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺟﻤﻌﺎء. وإﻟﻰ أدوﻧﻴﺲ ،ﻳﻌﻮد اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻨﻔﺮي ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وإﻃﻼق إﺳﻤﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻛﻮاﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺎت اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻟـ»ﻗﺼﻴﺪة اﻟﻨﺜﺮ« ،وأن ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ،ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ، ﻟﻴﺴﺖ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻏﺮﺑ ّﻴﺔ ﻣﺴﺘﻮردة ،وﻻ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻫﺬا اﻟﺠﺴﻢ اﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﺬي اﻗﺘﺤﻢ ﺗﺮاﺛﻨﺎ اﻷدﺑﻲ أو اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﺑﻞ إن ﻛﺘﺎب »اﻟﻤﻮاﻗﻒ واﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺎت« ،ﻫﻮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٍ ﺛﺒﺖ إﺑﺪاﻋﻲ ﺣﻲ ،ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ ﻋﺎم وﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﻓﺮط ﺣﻀﻮره اﻟﻤﺘﺠﺎوز واﻟﻘﻮي، ﻳﺒﺪو وﻛﺄﻧﻪ ﻛﺘﺐ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ،ﺑﻞ ﻣﻨﺬ ﺳﺎﻋﺎت ،ﺑﻞ ﻣﻨﺬ دﻗﻴﻘﺔ. أﻣﺎ اﻟﻤﻜﺘﺸﻒ اﻷﺳﺎس ﻟﻠﻨﻔﺮي ،واﻟﺬي ﻟﻪ اﻟﻔﻀﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺮب، وﻏﻴﺮ اﻟﻌﺮب ،ﻣﻦ ﺷﻌﺮاء وأدﺑﺎء وﻣﻔﻜﺮﻳﻦ وﺑﺎﺣﺜﻴﻦ ودارﺳﻴﻦ وﻧﻘﺎد
اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻰ ،وﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ أرض ﻣﻮﻋﻮدة، ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ أﻳﻀً ﺎ وﻓﺪت اﻟﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻳﺘﻄﻠﻌﻮن إﻟﻴﻬﺎ. ﻣﻦ اﻟ ُﺰط ،وﻗﺪ أﺗﺖ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﺴﻨﺪ إﻟﻰ ﺑﻼد وإذا ﻛﺎن اﻟﺮﺑﺎ ﻫﻮ اﻟﻤﺪﺧﻞ إﻟﻰ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﻬﻦ اﻟﺸﺎم ﺑﻌﺪ اﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﻴﺴﻴﺮة ﺑﺎﻟﻌﺮاق. اﻟﺘﻲ ﻣﺎرﺳﻬﺎ اﻟﻴﻬﻮد ،ﻓﺈن اﻟﺤﺪادة ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎرك اﻟ ُﺰط ﻣﺜﻞ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﺧﻞ إﻟﻰ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﻲ ﻣﺎرﺳﻬﺎ اﻟﻐﺠﺮ، اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﺼﺪر ﻓﻄﺮﻗﺎت اﻟﺤﺪاد ﺗﻄﻠﻖ ﺷﺮ ًرا واﻟﺸﺮر ﻳﺮﺗﺒﻂ اﻷول ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺣﺎﻓﻈﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﻮروﺛﺎﺗﻬﻢ ،وﻣﺎرﺳﻮا ﺑﺎﻟﺴﺤﺮ وﻗﺮاءة اﻟﻄﺎﻟﻊ ،وﻃﺮﻗﺎﺗﻪ أﻳﻀً ﺎ ﺗﻄﻠﻖ ﻣﻬﻨﻬﻢ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وأﺧﺼﻬﺎ اﻟﺤﺪادة واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ إﻳﻘﺎ ًﻋﺎ ،واﻹﻳﻘﺎع ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻐﻨﺎء .. واﻟﻐﻨﺎء ،وﺑﻌﺾ أﻋﻤﺎل اﻟﺸﺮﻃﺔ. واﻟﺮﻗﺺ. وﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻬﺠﺮي ،أﺛﺎر اﻟ ُﺰط أﻣﺎ ﻋﻦ أﺻﻮﻟﻬﻢ ،ﻓﻘﺒﻞ أن ﻳﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن ﻓﻲ ﺑﻄﺎﺋﺢ اﻟﻌﺮاق ﻣﺘﺎﻋﺐ ﺿﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺗﺮﺗﺐ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدى ،ﻇﻬﺮ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﻗﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﻢ ﺗﻬﺠﻴﺮ ﻗﺴﻢ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ إﻟﻰ ذوو ﺑﺸﺮة داﻛﻨﺔ ،ﻳﺨﺘﻠﻔﻮن ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺤﻬﻢ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺜﻐﻮر ﻣﻊ اﻟﺮوم ،وﻟﺪى ﻏﺰو ﻫﺆﻻء وﻫﻴﺌﺘﻬﻢ وﻟﻐﺘﻬﻢ وأﻋﺮاﻓﻬﻢ ووﺳﺎﺋﻞ ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻢ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ،أﺳﺮوا ﻣﻦ ﻛﺎن ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟ ُﺰط، ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ ..وﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أن ﺗﺘﺎﺑﻊ ﻇﻬﻮرﻫﻢ ﻓﻲ ﻟﻴﺼﻴﺮوا ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﺳﻼف اﻟﻐﺠﺮاﻷوروﺑﻴﻴﻦ. ﺳﻨﻮات ﺗﺎﻟﻴﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺨﻞ ﻣﻦ وﺟﻮدﻫﻢ أﻣﺎ ﻣﻦ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟ ُﺰط ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻇﻠﻮا ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻣﺠﺘﻤﻊ أورﺑﻲ واﺣﺪ. ﻛﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ داﺧﻞ ﺣﺪود اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﺗﻨﻘﻠﻮا ﺑﻴﻦ أﻗﻄﺎرﻫﺎ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺪ دﻫﺸﺘﻬﻢ اﻷوﻟﻰ ﺑﺪأ اﻷوروﺑﻴﻮن ﻳﺘﺴﺎءﻟﻮن ﻋﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﻮم ،ﻣﻦ ﺗﻔﺮﻗﺖ إﻟﻴﻬﺎ ،وﺻﺎروا أﺳﻼف اﻟﻐﺠﺮ اﻟﺸﺮﻗﻴﻴﻦ. ﻫﻢ وﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﻮا ،وﺟﺎءﺗﻬﻢ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻣﺼﺮﻳﻮن .وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻇﻬﺮ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺻﺎرت ﻟﻠ ُﺰط ﺻﻮرة ﻏﻴﺮ ﻃﻴﺒﺔ ،ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر ﻏﻴﺮﻫﻢ اﻟﻤﺴﻤﻰ اﻟﻌﺎم ﻟﻬﺬه اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت ،ﻓﺼﺎر ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ Gipsiesأو ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﺗﺄﻛﺪت ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة ﺑﻤﺮور اﻟﻮﻗﺖ ،وﻣﺎ ﻳﺰال ﻟﻬﺎ Gypsiesوﻓﻲ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ .Gitanes وﺟﻮد ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻐﺮﺑﺎء ﺻﺎدﻗﻴﻦ ﻓﻲ زﻋﻤﻬﻢ ،وﻇﻞ اﻟﺴﺆال ﺣﺎﺋ ًﺮا ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﻤﺎ ﺗﺠﺐ ﻣﻼﺣﻈﺘﻪ أن ﻣﺴﻤﻰ زُط ﺑﺪأ ﻳﺨﺘﻔﻰ ﺗﺪرﻳﺠﻴًﺎ دون إﺟﺎﺑﺔ ﺣﺘﻰ ﺑﺪأ ﻳُﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﻠﺜﺎم ﻟﺘﺤﻞ ﻣﺤﻠﻪ ﻣﺴﻤﻴﺎت أﺧﺮى ،ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﻨﻮ ﺳﺎﺳﺎن ﻣﻨﺬ أﺧﺮﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدى ،اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﻰ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا ﻻ ﻳﻜﺘﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮاﺗﺮ ذﻛﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺧﺎص ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻮد أﺻﻞ اﻟﻐﺠﺮ اﻟﺒﻌﻴﺪ إﻟﻰ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮﻣﻪ، اﻷدب ،وﻫﺆﻻء ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺘﺎﻟﻮن ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟ ُﺰط )اﻟﺠﺖ (Djatوﻗﺒﺎﺋﻞ أﺧﺮى ،ﻛﺎﻧﺖ وﻻ ﻓﺎﻟﻐﺮﺑﻴﻴﻦ ﺳﺒﻘﻮا إﻟﻰ ذﻟﻚ ،اﻟﻤﺎل ﺑﺄﻳﺔ وﺳﻴﻠﺔ وأﻳﺎ ﻛﺎﻧﺖ .أﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻤﻰ ﺗﺰال ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺴﻨﺪ )أﺣﺪ أﻗﺎﻟﻴﻢ ﺑﻼد وإﻧﻤﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪﻳﺚ وﻫﻮ اﻟﻐﺠﺮ ،ﻓﻼ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻟﻪ وﺟﻮد ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﻓﺮت ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ اﻟﻬﻨﺪ اﻵن( .وﺷﻌﺐ اﻟ ُﺰط ﻣﺎ ﻳﺰال ﻟﻪ وﺟﻮده ﻫﺬا ﻣﻦ ﻳﺘﺼﻞ ﻣﺎ أي ﺧﺼﻮﺻﻪ، ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدي ،وإن ﻛﺎن ﺛﻢ ﺷﻮاﻫﺪ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد اﻟﻮاﺿﺢ ﻓﻲ دوﻟﺘﻲ اﻟﻬﻨﺪ وﺑﺎﻛﺴﺘﺎن. اﻟﻌﺮﺑﻲ. ﺑﺘﺎرﻳﺨﻨﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻟﻤﺴﻤﻰ ﻧَ َﻮر وﻣﺴﻤﻰ ﺣﻠﺐ ،وﻫﻤﺎ – ﻣ ًﻌﺎ – ﺑﺪأت أوﻟﻰ اﻟﻬﺠﺮات اﻟ ُﺰﻃﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﺴﻨﺪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻤﻴﻼدي ،واﺳﺘﻘﺮت ﻓﻲ وﻳُﺤﺴﺐ ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ اﻋﺘﻤﺎده ﻓﻲ أﺷﻬﺮ اﻟﻤﺴﻤﻴﺎت اﻟﻔﺮﻋﻴﺔ ﻟﻠﻐﺠﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ. وﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻋﺮﺿﻨﺎ ﻧﺆﻛﺪ أن اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﻰ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻧــﻮاح ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﻀﺒﺔ اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ وﺑﻼد دراﺳﺘﻪ اﻟﻘﺼﻴﺮة اﻟﻤﻔﻴﺪة، ﻫــﺬا ﻻ ﻳﻜﺘﺐ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮﻣﻪ، اﻟﻌﺮاق واﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،ﺣﻴﺚ ﻋﺮﻓﻬﻢ اﻟﻌﺮب ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳــﻼم .وﻟﻜﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻨﺎ ﻋﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﺎدر اXوﻟﻴﺔ؛ ﺳﻮاء ﻓﺎﻟﻐﺮﺑﻴﻮن ﺳﺒﻘﻮا إﻟﻰ ذﻟﻚ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻮﺻﻪ ،أي ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟ ُﺰط ﺗﺒﺪأ ﻓﻰ اﻟﻈﻬﻮر ﺟﻠ ًﻴﺎ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أو اXﺟﻨﺒﻴﺔ؛ اﻟﺘﻲ اﻹﺳﻼﻣﻰ ،ﻓﻘﺪ اﺻﻄﺪم ﺑﻬﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻲ أﻋﻄﺖ ﻣﺼﺪاﻗﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻟﻠﺪراﺳﺔ ،اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺘﺎرﻳﺨﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ .وﻳُﺤﺴﺐ ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﻓﺘﻮح اﻟﻌﺮاق ،ﺛﻢ أﺳﻠﻤﻮا ودﺧﻠﻮا ﻓﻲ وﻻء اﻋﺘﻤﺎده ﻓﻲ دراﺳﺘﻪ اﻟﻘﺼﻴﺮة اﻟﻤﻔﻴﺪة ،ﻋﻠﻰ ﺑﺨﻼف ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺮاﺟﻊ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺗﻤﻴﻢ .وﻛﺎن ﻟﻤﺎ أﺛﺎروه ﻣﻦ ﻣﺘﺎﻋﺐ ﻟﺒﻨﻲ اﻟﻤﺼﺎدر اﻷوﻟﻴﺔ؛ ﺳﻮاء اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أو اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ؛ اﻟﺘﻲ أﻣﻴﺔ داﻓ ًﻌﺎ ﻷن ﻳﻘﻮم ﻫﺆﻻء ﺑﺘﻬﺠﻴﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واXﺟﻨﺒﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻐﺠﺮ أﻋﻄﺖ ﻣﺼﺪاﻗﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻟﻠﺪراﺳﺔ ،ﺑﺨﻼف ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻐﺠﺮ إﻟﻰ ﺳﻮاﺣﻞ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
87
ðøļĿí ĵŎē
ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻐﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ د .ﻋﻤﺮ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻟﻄﻒ
ﻟﻢ ﻳﻳﻬﺘﻢ اﻟﻌﺮب ﻛﺜﻴ ًﺮا ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ ،رﻏﻢ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻐﺠﺮ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ ،وﺗﺄﺛﻴﺮﻫﻢ وﺗﺄﺛﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻰ ﻋﺒﺮ اﻟﺴﻨﻴﻦ ،رﻏﻢ وﺻﻒ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺄﻧﻬﻢ اﻻﺟ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻫﺎﻣﺸﻴﺔ وﻣﻬﻤﺸﺔ. ﺟﻤﺎ وﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻘﻼﺋﻞ اﻟﺘﻲ اﻫﺘﻤﺖ ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ ،ﻛﺎن ﻛﺘﺎب اﻟﻤﺆرخ اﻟﺮاﺣ اﺣﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺎدة ﻛﺤﻴﻠﺔ ،ﻛﺘﺎب »اﻟ ُﺰط واﻷﺻﻮل اﻷوﻟﻰ ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ«، واﻟﺬ واﻟﺬي ﻳﻌﺪ ﻣﺆﻟﻔﻪ أﺷﻬﺮ وأﺣﺪث ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ ﻋﺎﻣ ًﺔ وﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ ﺧﺎﺻﺔ ،ﻓﻘﺎم – ﺑﺨﻼف اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﻧﻌﺮض ﻟﻪ -ﺑﺘﺄﻟﻴﻒ ﻋﺪة دراﺳﺎت ﻋﻨﻬﻢ ،وﻣﻨﻬﺎ »ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻐﺠﺮ وﻣﺄﺛﻮرﻫﻢ اﻟﺸﻌﺒﻲ« ،و»اﻟﻐﺠﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻋﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮﻳﻦ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ واﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ« ،و»اﻟﺠﺎﻣﻮس ورﺣﻠﺘﻪ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻬﻨﺪ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ« ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎم ﺑﺘﺮﺟﻤﺔ ﻛﺘﺎب »اﻟﻐﺠﺮ« ،ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺳﻴﺮ أﻧﺠﻮس ﻓﺮﻳﺰر ،واﻟﻌﻨﻮان ﻣﺼﺮ اﻷﺻﻠﻲ.Sir Angus Fraser: The Gypsies : اﻷﺻ وﻛﺎن اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺎدة ﻛﺤﻴﻠﺔ أﺳﺘﺎذ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻵداب ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﻋﻀﻮ ﻣﺠﻠﺲ اﻹدارة ﻟﻠﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات. ﻣﺠﻠ وﻻﺑﺪ ﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻤﻦ ﻫﻢ اﻟﻐﺠﺮ ،وﻫﻢ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻋﺮﻗﻴﺔ )إﺛﻨﻴﺔ(، وﻻ وﻳﻘﺼﺪ ﺑﺬﻟﻚ أﻧﻬﻢ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﺗﻘﻊ وﻳﻘﺼ ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ؛ ﻷن ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ ،ﻓﺎﻟﻐﺠﺮ – ﺷﺮﻗﻴﻴﻦ وﻏﺮﺑﻴﻴﻦ – ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻟﺪى أﻃﺮاف اﻟﻤﺪن أو ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮى ،ﻳﺮﺗﺤﻠﻮن ﺷﺮﻗ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ آﺧﺮ ،ﻳﻤﺎرﺳﻮن ﻣﻬ ًﻨﺎ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ،وﻳﺘﺤﺎدﺛﻮن – ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ – ﺑﻠﻐﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ ،وﻟﺪﻳﻬﻢ إﺣﺴﺎس ﻗﻮي ﺑﺬواﺗﻬﻢ ،ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻳﺘﺮﻓﻌﻮن ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ ،وﻻ ﺧﺎﺻ ﻳﺘﺰاواوﺟﻮن – ﻛﻘﺎﻋﺪة – ﻣﻌﻬﻢ. ووﻳﺸﻴﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ إﻟﻰ وﺟﻮد أوﺟﻪ ﺷﺒﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻟﻐﺠﺮﻳﺔ وﺑﻴﻦ اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻹﺧﺘﺼﺎص ﺑﻨﻤﻂ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻦ ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟﻴﻬﻮ )ﺷﺎرك اﻟﻐﺠﺮ اﻟﻴﻬﻮد ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎرق اﻟﻬﺘﻠﺮﻳﺔ اﻟﻨﺎزﻳﺔ( ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻮاﺟﺪﻫﻢ ﻓﻲ )ﺷﺎ ﻛﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻧﻈﺮﺗﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﻦ ﺳﻮاﻫﻢ ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﺆﻛﺪون ﻫﻮﻳﺘﻬﻢ وﻳﻌﺘﺰون ﺑﻬﺎ ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ أﺧﺮى ﻳﻬﺮﺑﻮن ﻣﻨﻬﺎ أو ﻳﺘﻬﺮﺑﻮن ،وﻳﻨﺴﺒﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ إﻟﻰ وﻳﻌ ﻏﻴﺮﻫﻢ. ﻏﻴﺮﻫ وﻣﺜﻞ اﻟﻴﻬﻮد ،ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻐﺠﺮ ﻟﻐﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ،أو إﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻮاﻓﺮ ﻟﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ ﻣﻄﺎﻟﻊ 86
ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻐﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺧﻮاﻃﺮ ﺷﺎﻋﺮ
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
دﻧﻴﺎ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﻬﺎﻣﺶ ﻛﺮم ﺻﺎﺑﺮ ،ﻣﻦ اﻟﺮواﺋﻴﻴﻦ اﻟﻤﻤﻴﺰﻳﻦ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻇﻬﺮوا ﺑﻘﻮة ﺑﻌﺪ ﺑﺪاﻳﺎت اﻷﻟﻔﻴﺔ ،وﻗﺪ أﺛﺎر ﻋﻨﺪ ﻇﻬﻮره زوﺑﻌﺔ ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ اﻷول ،وﺣﻜﻢ وﻣﺪاوﻻت رواﺋﻲ ﻣﻔﻄﻮر ،ﻳﻜﺘﺐ ﻋﻦ إﻟﺦ ،وﻫﻮ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا ،وﻣﻦ ﺑﻌﺪه أﻳﻀﺎً، ّ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻬﺎﻣﺸﻴﺔ واﻟﻤﻬ ّﻤﺸﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ رواﻳﺘﻪ اﻷﺧﻴﺮة ﻗﺪ ﺟﻨﺢ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ،ﻓﺮواﻳﺘﻪ )ﻛﻼب اﻟﺴﻜﻚ( ﺗﺪﺧﻞ ﻧﻄﺎق ﻫﺎﻣﺶ اﻟﻬﺎﻣﺶ ،إذ ﻳﺤﺲ ﺑﻬﺎ أﺣﺪ ،ﻣﻦ ﻳﺤﻜﻲ ﻓﻲ ﺳﺘﺔ ﻓﺼﻮل ﻋﻦ ﺷﺨﻮص ﻻ ﺗ ُﺮى ،وﻻ ّ ﻓﺮط ﺿﻌﻔﻬﺎ ﺑﻞ وﻫﺸﺎﺷﺘﻬﺎ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ،وﺳﻂ ﻣﺠﺘﻤﻊ ٍ ﻗﺎس ﻻ ﻳَﺮ َﺣﻢ، وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳُﺮ َﺣﻢ أﻳﻀﺎً ،وﻳﻘﻊ ﻋﺐء ﻫﺬه اﻟﻘﺴﻮة ،ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺒﻴﻦ ،ﻏﻴﺮ اﻟﺮاﺣﻢ وﻏﻴﺮ اﻟﻤﺮﺣﻮم ،ﻏﺎﻟﺒﺎً ،ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ )ﻫﺎﻣﺶ اﻟﻬﺎﻣﺶ(. ﻣﺼﺮي ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻻ ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻬﻢ، ﺷﻌﺒﻲ )ﻛﻼب اﻟﺴﻜﻚ( ،ﻣﺼﻄﻠﺢ ّ ّ وﻫﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺑﻼ ﻗﻴﻤﺔ وﻻ ﻗﻴﻢٍ ﺣﺘﻰ ،ﻓﻤﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﻗﺪ ﻳﻤﻠﻚ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻚ ،وﻣﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﻓﺄﻧّﻰ ﻟﻪ أن ﻳﺘﺤﻠّﻰ ﺑﺄﻳّﺔ ﻗﻴﻢ ،ﻓﻠﻤﻦ، وﻟﻤﺎذا ،وﻛﻴﻒ ،وأﻳﻦ ،إﻟﻰ آﺧﺮ اﻷﺳﺌﻠﺔ .واﻟﺮواﻳﺔ ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ اﻟﺤﺠﻢ ) 150ص( ،ﺗﺪور ﺣﻮل ﺳﺘﺔ ﺷﺨﻮص ،وأﺗﺤﻔّﻆ ﻋﻠﻰ ﻟﻔﻈﺔ )ﺷﺨﻮص( ﻫﻨﺎ ،ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ،ﻓﻬﻢ أﺷﺒﺎه ﺑﺸﺮ ،ﻻ ﻳﻌﻴﺸﻮن ،وﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻬﻢ أﺣﺪ ﺣﻴﻦ ﻳﻤﻮﺗﻮن ،ﻷﻧﻬﻢ أﺻﻼً ﺑﻼ ﺣﻴﺎة ،وﻻ ﻧﺴﺐ ،وﻻ ﺣﺴﺐ ﻃﺒﻌﺎً، اﻟﺸﺨﻮص أو اﻷﺷﺒﺎه ،ﻫﻢ :ﻣﻬﻴﻄﻞ ،ﻣﻬﺒﻮﻟﺔ ،ﺧﻴﺎش ،وﻓﺎء ،ﻋﺮﺑﺠﻲ، ﻧﻌﻤﺔ .ﻛﻤﺎ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻷﻧﻪ ﻳُﻬﺪي اﻟﻌﻤﻞ إﻟﻰ ﻛﻠﺐ وﻗﻂ وﻧﻬﺮ ﺣﺰﻳﻦ، ﻓﺎﻟﻜﻠﺐ واﻟﻘﻂ ﻣﻤﻦ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﻬﺎﻣﺶ ،واﻟﻨﻬﺮ ﺣﺰﻳﻦ ﻷﻧﻪ وﻛﻤﺎ ﻳُﻔﺘ َﺮض ﻳﺴﻘﻲ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،ﻇﺎﻟﻤﻴﻦ وﻣﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ،أﻣﺎ ﺳﻘﺎﻳﺔ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﻬﺎﻣﺶ ﻓﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮ. وﻣﻊ أن ﻛﺮم ﻳﺴﺘﺨﺪم ﺗﻘﻨﻴﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺷﺎﻋﺖ ﻣﻦ أﻳﺎم ﻓﻮﻛﻨﺮ )رواﻳﺔ: اﻟﺼﺨﺐ واﻟﻌﻨﻒ( ،وﻫﻲ ﺗﻜﺮار رواﻳﺔ اﻟﺤﺪث ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﺷﺨﻮص اﻟﺜﺮي اﻟﺬي ﺗﺪور ﻓﻴﻪ وﺣﻮﻟﻪ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﺗﺘﺘﺎﺑﻊ ،إﻻ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ّ ﻣﻊ ﻫﺬه اﻷﺷﺒﺎه ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻚ ﺗﻠﻬﺚ وراءﻫﺎ ،ﻟﺘﺴﺘﻄﻠﻊ ﺑﺘﻠ ّﻬﻒ ﻛﻴﻒ ﺗﻤﻀﻲ ﺑﻬﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،أو ﺗﺪور ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻤﻘﺎدﻳﺮ ،ﻓﻬﻢ ﺑﻼ إرادة ﻣﻄﻠﻘﺎً أي ﺷﻲء ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،ﻷن ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻫﻲ ﺣﻴﺎ ٌة ﻣﻠﺤﻘ ٌﺔ ﻟﻴُﺴﻴّﺮوا ّ
ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ@
ﺑﺂﺧﺮﻳﻦ ذوي ﻧﻔﻮذ وﻃﺎﻗﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻨﻔﻮذ وﺿﻴﻌﺎً واﻟﻄﺎﻗﺔ ﻣﻀﻴﱠﻌﺔ ،ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﻨﺘﻌﺶ دﻧﻴﺎ اﻷﺷﺒﺎه ﺑﺎﻧﺘﻌﺎش دﻧﻴﺎ اﻟﻬﺎﻣﺶ ،ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺠﺮد ﻃﻔﻴﻠﻴﺎت ﺗﻌﺘﺎش ﻋﻠﻰ أوﻟﺌﻚ ،وﺗﻤﻮت ﺑﻤﻮت اﻟﻌﺎﺋﻞ. ﻣﻬﻄﻴﻞ ،أﻫﺒﻞ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻟﺪ أو ﺣﻮل اﻟﺪﻛﺎﻛﻴﻦ ،ﻳﺆ ّدي ﻣﻬﺎﻣﺎً ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻳُﺆ َﺟﺮ ﻋﻨﻬﺎ رﻏﻴﻔﺎً أو ﻛﻮب ﺷﺎي ،وﻳﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻊ ﻗﻄﺔ وﺟﻨﺐ ﺴﺘﻐﻞ داﺋﻤﺎً ﻣﻬﺒﻮﻟﺔ ،وﺳﻂ اﻟﻤﺰاﺑﻞ ،أو ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﻛﺎﻟﺰرﻳﺒﺔ أو أﺳﻮأ ،ﻳُ ّ وﻳُﻀﺮب وﻳُﻬﺎن ،ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ ،أﻳﺎً ﻛﺎن ﺗﺪﻳّﻨﻬﻢ ،ﻟﻜﻦ أﺣﻼﻣﻪ ﻛﺄﺣﻼم اﻟﺼﻐﺎر ،ﺑﺮاءة ﺧﺎﻟﺼﺔ ،ﻓﻼ ﻳﻄﻤﺌﻦ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم. ﻣﻬﺒﻮﻟﺔ ،ﺑﻠﻬﺎء ﻻ ﺗﺪري ﻣﻦ أﻳﻦ ﺟﺎءت ،ﻳﻐﺘﺼﺒﻬﺎ ﻋﺮﺑﺠﻲ ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﻔﻬﻢ أﺻﻼً ﻣﺎ ﻃﻌﻢ اﻟﺤﻴﺎة ،ﺗﻐﻨﻲ »ﻳﺎ ﻏُﺮﺑﺘﻲ ﻳﺎ ﺷﻮق ،ﻳﺎ ﺑﺤﺮ ﻳﺎ ﺗﻈﻞ ﺗﺤﻠﻢ ﻣﺴﺎﻓﺮ« ،وﻳﺘﻮاﻟﻰ اﻏﺘﺼﺎﺑﻬﺎ ،ﻣﻦ ﺧﺮاﺑﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ،ﻟﻜﻦ ّ ﺑﺎﻟﻨﻬﺮ واﻷﺳﻤﺎك وﻧﻮﺑﺎت اﻟﺤﻨﺎن ﻣﻦ أم ﻟﻢ ﺗﺮﻫﺎ. ﺧ ّﻴﺎش ،ﻳﻔﻘﺪ رﺟﻮﻟﺘﻪ وﻳﻔﻘﺪ أﺳﺮﺗﻪ ،وﺗﺒﺪأ زوﺟﺘﻪ ﺑﻴﻊ ﺟﺴﻤﻬﺎ ﻟﺘﻌﻴﺶ. وﻓﺎء ،اﺑﻨﺔ ﺣﺮام ،ﻳﺠﺒﺮﻫﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﻨﺔ ذاﺗﻬﺎ ،ﻣﻬﻨﺔ أﻣﻬﺎ، أﺣﻼﻣﻬﺎ ﺣﻮل ﺟﻨﺎﺋﻦ اﻟﻮرد واﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ .ﻋﺮﺑﺠﻲ ،أﻋﺮج ،ﺗﻤﻮت أﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،وﺗﺒﻮر ﺗﺠﺎرﺗﻪ ،ﻣﻊ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻨﻘﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﺛﻢ ﺗُﺴﺮق ﻋﺮﺑﺘﻪ وﺣﻤﺎره ،ﻳﺴﺘﻐﻠّﻮﻧﻪ داﺋﻤﺎً ،رﺟﺎﻻً وﻧﺴﺎ ًء ،ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻻ ﺷﻲء .وﻧﻌﻤﺔ ،اﺑﻨﺔ ﻋﺎﻫﺮة ،ﺗﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺤﻤﺮاء وﺳﻂ ذﺋﺎب ﺗﺤﺮس ﻏﻨﺎﺋﻤﻬﺎ ،وﺗﺤﻠﻢ داﺋﻤﺎً ﺑﺄﺑﻴﻬﺎ ﻳﻬﺪﻫﺪ أﺣﻼﻣﻬﺎ ،وﻫﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻴﺐ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،إذ ﺗﺮﻋﺎﻫﺎ اﻣﺮأة ﻃﻴﺒﺔ ،وﺗﺰ ّوﺟﻬﺎ ﻣﻦ أﺣﺪ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ،وﺗﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎة اﻟﻬﻨﺎء ،ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ )ﻛﻼب اﻟﺴﻜﻚ(. ﻛﺮم ﺻﺎﺑﺮ ،ﻋﻤﻮﻣﺎً ،ﻳﺮﺗﺎد ﻋﻮاﻟﻢ ﻣﻨﺴﻴﺔ ،ﺗﻤ ّﻴﺰ ﻃﺰاﺟﺔ ﻧﺼﻪ ،وﻣﻬﻤﺎ اﻟﺠﺴﺪاﻧﻲ ﻟﺸﺨﻮﺻﻪ ،إﻻ أﻧﻚ ﺗﺘﻌ ّﺮف ﺗﻌﺘﺮض ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺤﻤﻮل ّ إﻟﻰ أﺷﺒﺎه ﺗﻤﻸ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ،وﻻ ﻧﺮاﻫﺎ ،وﺳﻂ ﺿﺒﺎب ﻣﻀﺮوب ﺑﺄي ﻣﻨﻈﻮ ٍر ﻻ ﺣﻴﺎة! ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،وﻫﻲ ّ *ﺷﺎﻋﺮ وﻣﺘﺮﺟﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
85
ðøļĿí ĵŎē اﻟﻨﺺ /اﻟﺸﺎﻋﺮ ،ﻗﻠﺐ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻣﺤﻮر وﺟﻮدهX ،ن اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ ﻛﺎن ﻣﺴﻜﻮﻧﺎ أن ﻳﻤﺜﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺼﻴﺪة ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ اﻷرﻛــﺎن، واﻟﺬي ﻳﺼﺮح ﺑﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﺮاج ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ اXدﺑﻴﺔ ﻛﻤﺎ أﺳﻠﻔﻨﺎ وﻧﺆﻛﺪ ﻋﻠﻴﻪ،ﻣﻊ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺘﻮاﺷﺠﺔ اﻟﻤﺘﻮﺣﺪة ،اﻟﻀﺎرﺑﺔ ﻓﻲ أﻏﻮار اﻟﺘﻼﻗﺢ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻜﺎن واﻟﺰﻣﺎن ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺔ ﻓﺈن ﺟﻞ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻪ اXدﺑﻴﺔ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺮوﺣﺎﻧﻴﺔ اﻟﺸﻔﻴﻔﺔ ،ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﺨﻴﻂ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ ﺑﺎﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻛﺬا ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻼﺣﻖ اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﻤﺘﺴﻠﻞ ﻋﺒﺮ أﺑﻴﺎت اﻟﻘﺼﻴﺪة ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه ﻫﺬا اﻟﻨﻤﻂ اﻟﺼﻮري اﻟﻤﺸﺒﻊ ﺑﺮوح اﻻﻟﺘﺼﺎق واﻻﻟﺘﺤﺎم ﻳﺄﺗﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺣﺪ /اﻻﻧﺼﻬﺎر ،ﻟﻴﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اXدﺑﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻋﻜﻒ ﻋﻠﻰ إﺻﺪار واﻟﺘﺠﺎور واﻟﺘﻤﺎﻫﻲ ،ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻧﻔﺼﺎل اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺴﺮﻣﺪﻳﺔ ﻣﻊ روح اﻷوﻃﺎن : ﻗﺼﻴﺪة أٌم ﺗُﺴﺘﻮﻟﺪ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻀﺨﻢ » ﻣﻦ رواﺋﻊ ﻟﻜﻨﻬﺎ اﻷوﻃﺎن ﻓﺮﺣﺔ ﻗﻠﺒﻬﺎ *** ﻓﺮﺣﻲ وﺣﺰﻧﻲ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰة ﻟﻠﻌﺸﻖ ،ﻣﻊ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﻤﺜﻞ أﻳﻀﺎ ﻣﺠﺮة أن ﺗﺼﻴﺐ ﻋﻮاﺛﺮا ً )اﻟﺪﻳﻮان ص(21 اﻟﺸﻌﺮ« ،وﻣﺜﺎﻧﻴﻪ ،وﺛﻼﺛﻴﺎﺗﻪ ،ﻣﻦ اﻟﻨﺠﻮم ﺗﺤﻮم ﺣﻮل ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ. ﺗﻠﻚ اﻷوﻃــﺎن اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﺮﻳﺪوﻫﺎ وﻋﺸﺎﻗﻬﺎ ﺛﻢ ﻳﺨﺘﺘﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﺑﺢ اﻟﻐﺮام ورﺑﺎﻋﻴﺎﺗﻪ وﻣﻘﻄﻮﻋﺎﺗﻪ اﻷﺑﺪﻳﻮن اﻟﻤﺘﺮﻋﻮن ﺑﺤﺒﻬﺎ واﻟﻤﺘﺴﺮﺑﻠﻮن واﻟﻮﻋﺪ اﻟﻤﺘﺒﺘﻞ واﻟﻤﺄﻣﻮل ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺎن اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻬﻤﻬﺎ ،واﻟﻌﺎﻣﻠﻮن ﻋﻠﻰ إﺳﻌﺎدﻫﺎ ،وﺗﺤﻮﻳﻞ وﻗﺖ وﺻﺎﻟﻬﺎ واﻗﺘﺮب وﻗﺖ ﻗﻄﺎف اﻟﺜﻤﺮات ﺻﺤﺎرﻳﻬﺎ إﻟﻰ ﺣﻘﻮل ﺧﻀﺮاء ﺷﺎﺳﻌﺔ وﻣﺮوج أو ﻛﺎد ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺷﻴﺪ ﻣﻦ ﻣﺰاﻣﻴﺮ ﺷﻌﺮه ﺑﺮوﺟﺎ ﻋﺎﺑﻘﺔ ﺑﺮوض اﻟﺮﻳﺎﺣﻴﻦ واﻟﺰروع ،واﻟﺤﺎﺋﻜﻴﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﺸﺘﻬﻴﻪ ،ﻓﻬﻨﺎ ﻳﺄﺗﻲ وﻧﺎﻃﺤﺎت ﺳﺤﺎب ﺗﺘﺨﻄﻰ اﻟﻨﺎﻃﺤﺎت اﻟﻤﺎدﻳﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﻤﺘﺠﺴﺪة ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﻌﺎﻣﺮ ﺑﻬﺬا اﻷﻟﻖ ،ﻛﻠﻮﺣﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗﻨﺴﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻟﻴﺒﻠﻎ ﻫﻮ ذروة ﺗﺠﺴﻴﺪه اﻟﻤﻌﻨﻮي واﻟﺤﺴﻲ اﻟﺬي ﻳﻠﻘﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻮال ﻫﺬا اﻟﻨﺴﺞ اﻟﻌﺎﺷﻖ: ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺒﻮح ،واﻟﺘﻲ ﻳﺮوم ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ أﻏﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﺸﻖ ،وﻫﻮ ﻟﻠﺰارﻋﻴﻦ ﺣﻘﻮﻟﻬﺎ وﻣﺮوﺟﻬﺎ *** واﻟﻨﺎﺳﺠﻴﻦ ﻟﻬﺎ ﻧﺪا ًء ﻓﺎﺧﺮا ً اﻟﻔﻨﺎء واﻟﺘﻼﺷﻲ ﻓﻲ روح اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ ﻣﻌﻨﻰ ورﻣﺰا: )اﻟﺪﻳﻮان ص(21 ﻻ أﻓﻖ ﺑﻌﺪ اﻟﻴﻮم ﻏﻴﺮ ﺟﺒﻴﻨﻬﺎ *** رﺳﻤﺖ ﺑﻪ اﻷﻗﺪار ﻧﺼﺮا ﺑﺎﻫﺮا ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺼﻮرة اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻣﺘﺴﻘﺔ ﻣﻊ اﻟﺼﻮر اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺨﻼﺑﺔ وﻣﻮاﻋﺪي ﺷﺘﻰ وﻟﻜﻦ ﻣﻮﻋ ٌﺪ *** ﺧﻠﻒ اﻟﻬﻀﺎب ﻳﻠﻮح ﻓﺠﺮا ﻧﺎﺋﺮا ً اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻖ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ اﻟﻤﻜﺎن ،وﺗﺄﺗﻲ ﻟﺘﺒﻬﺮ وﻟﺘﺼﻨﻊ ﻣﻠﺤﻤﺔ ﺟﺪﻳﺪة )اﻟﺪﻳﻮان ص(27 ﺗﺨﺘﺮق اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺤﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻪ اﻟﻘﺼﻴﺪة وﺗﺆﻃﺮ ﻟﻪ ،ﻫﻨﺎ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻟﻠﻤﺤﺒﻮب وﻋﺪ دﻧﻮ ﻟﻘﺎﺋﻪ ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﺑﺢ ﻋﺸﻘﻪ وﺗﻜﺮس ﻟﻤﻌﺎﻧﻴﻪ اﻟﻔﻴﺎﺿﺔ اﻟﻤﺘﺄﻟﻘﺔ ﺑﺘﺄﻟﻖ اﻟﺼﻮرة ﻣﻊ اﻟﻠﻔﻈﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺑﻌﺪ اﻧﻔﺠﺎر ﺷﻼﻻت روﺣﻪ وﺗﺪﻓﻖ أﻟﻤﻪ اﻟﻤﺘﻔﺮد ،ﻓﻔﺮادة اﻷﻟﻢ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﻤﺘﺴﻌﺔ اﻟﻤﺪى واﻟﻤﻌﻨﻰ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺎور ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﻤﻨﻤﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﻦ ﺗﻔﺮد اﻟﻤﺤﺒﻮب وﻋﻠﻮ ﺷﺄﻧﻪ ،وﻣﺎ اﻟﻤﺤﺒﻮب إﻻ وﻃﻦ ،وﻫﻮ اﻟﻮﻃﻦ أﺑﻴﺎت ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ ﺗﻨﻘﻞ ﺻﻮرة اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻤﺸﺘﻬﺎة واﻟﻤﺤﺒﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺬي ﻟﻮ ﺷﻐﻠﻨﺎ ﺑﺎﻟﺨﻠﺪ ﻋﻨﻪ ،ﻧﺎزﻋﺘﻨﺎ إﻟﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ..أو ﻛﻤﺎ ﻗﺎل واﻟﺨﻴﺎل ﻣﻌﺎ: اﻟﺸﺎﻋﺮ؛ ﻓﺎﻟﺸﻌﺮ ﺑﺪاﻳﺔ وﻧﻬﺎﻳﺔ ،ﻓﻬﻞ ﻛﺎن اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻃﻠﻞ ﻣﻦ ﻟﻠﺼﺒﺢ ﻳﻨﺸﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺮوج ﻃﻼﻗﻪ *** ﻟﻠﻴﻞ ﻳﻄﻮي ﻓﻲ رواه ﻣﺴﺎﻣﺮا أﻃﻼل اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ اﻟﻤﺘﺠﺬرة ﻓﻲ اﻟﻮﺟﺪان ،أم ﻛﺎن ﻳﺮوم ﻷﺻﻴﻠﻬﺎ وﻧﺨﻴﻠﻬﺎ وﻟﻮاﺣﻬﺎ *** ﻋﻨﺪ اﻟﻐﺮوب وﻗﺪ ﺣﻠﻮن ﺳﻮاﺣﺮا أن ﻳﺒﻌﺜﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﺛﺮي ﻟﻨﻘﻒ ﻣﻌﻪ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻤﺘﺒﺘﻞ ﻓﻲ ﻣﺤﺮاﺑﻬﺎ ﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻮادي وﺷُ ﱢﻢ ﺻﺨﻮره *** ﻻ ﺗﻨﺜﻨﻲ ﻟﻠﺴﻴﻞ ﻳﺰﺣﻒ ﻫﺎدرا وﻣﺤﺮاب اﻟﺤﺐ واﻟﻌﺸﻖ اﻟﻨﺒﻴﻞ ﻟﻠﻮﻃﻦ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﺮاع ﻣﺸﻬﻮد ﺑﻴﻦ ﺗﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﻷﻳﺎم ﻃﻮدا ﺷﺎﻣﺨﺎ *** ﻳﺤﻤﻲ ﻣﺴﺎرﺑﻪ وﻳﺪﻓﻊ ﻏﺎﺋﺮا اﻟﺘﺮاث واﻟﺤﺪاﺛﺔ ،ﻗﺪم ﻓﻴﻪ اﻟﺘﺮاث ﻧﻤﺎذج ﺣﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺪد ،رﺑﻤﺎ ﻓﺎﺳﺘﻨﻄﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻦ أﻳﺎﻣﻬﺎ *** وﻟﺮب ﺻﺎﻣﺘﺔ ﺗﻔﻀﻲ ﻧﻮادرا ﻇﻬﺮت ﻓﻲ إﺑﺪاﻋﺎت ﻣﻔﺎرﻗﺔ ﺗﻌﺎﻧﻖ ذات اﻟﻤﻔﻬﻮم ﻣﻦ ﺧﻼل أﺷﻜﺎل ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﻛﺎﻟﻮﻣﻀﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻓﻨﻮن اﻻﺧﺘﺰال اﻟﻘﻮﻟﻲ واﻟﺒﻼﻏﻲ ﻋﻦ أﻣﺴﻬﺎ ﻋﻦ ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻘﺒﻞ*** ﻓﻲ أﻓﻘﻬﺎ آت ﻳﺮن ﻣﺰاﻫﺮا )اﻟﺪﻳﻮان ص(24 *ﻛﺎﺗﺐ وﻧﺎﻗﺪ ﻣﺼﺮي ﻫﺬه اﻟﻤﺸﻬﺪﻳﺔ اﻟﺴﺎردة اﻟﺘﻲ وﻇﻔﺘﻬﺎ اﻟﻘﺼﻴﺪة ،ﻟﺘﻄﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة /اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺮاﺻﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺨﺮ ﺑﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ اﻟﻤﻜﺎن ﻣﺘﻌﺎﻧﻘﺔ ﻣﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻓﻲ ﺗﻮﺣﺪ ،ﻳﻜﺮس ﻟﻠﺤﺎﻟﺔ اﻟﻤﺘﻤﺎﻫﻴﺔ ﺷﻌﻮرﻳﺎ وﻣﺎدﻳﺎ ،ﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻫﻮاﻣﺶ: ﻣﻦ ﺣﺎﻻت اﻟﻮﺟﺪ اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﻤﺸﺒﻊ ﺑﺎﻟﺤﻨﻴﻦ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎط - 1ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ـ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ ـ ص 7ـ دار اﻟﺸﺮوق ـ واﻟﺘﻤﺎزج اﻟﺬي ﺗﺤﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺷﻴﺎء ﻓﻲ روح ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺘﻨﺎﻏﻢ ﺷﻌﺮي ﻏﻴﺮ ﻣﺼﺮ ـ ﻃﺒﻌﺔ أوﻟﻰ ـ 1411ﻫـ 1991 /م ﻣﻔﺘﻌﻞ ،ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻤﻨﻤﺎت /اﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن اﻟﻤﺸﻬﺪ - 2دﻳﻮان ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ ـ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ـ ص11ـ اﻟﺪار اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب. ﻣﻦ وﺣﺪات ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻣﺘﺠﺎورة ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ
84
ٌ ﺐ« »وﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤُ ّ
وذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻮﺟﺪاﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻘﻬﺎ اﻟﻘﺼﻴﺪة ،اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻪ أﻳﻀﺎ إﻟﻰ ﺗﻴﻤﺔ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺨﻄﺎب إﻟﻰ ﺿﻤﻴﺮ اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺟﺎة اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺒﺘﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ إﻟﻰ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ﻣﺒﻴﻨﺎ ﻋﺰﻣﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﻃﺮق أﺑﻮاب اﻟﻤﺤﺒﺔ واﻟﻮﻟﻪ واﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﺒﺬل اﻟﻐﺎﻟﻲ واﻟﻨﻔﻴﺲ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ /اﻟﻮﻃﻦ : ر ﱢدي ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺒﺎﺑﻪ و ُﻋﺮاﻣــﻪ *** وأرﻳﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻞ اﻟﺨﻠﻮد ﻣﺨﺎﻃﺮا ﺗﺠﺪﻳﻪ ﻗﺪ أوﻓﻰ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻳﺎﺗﻪ *** وأﺑﺎح ﻣﺠﺪك ﻣﻬﺠــﺔ وﻧﻮاﻇــﺮا )اﻟﺪﻳﻮان ص(18 ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻀﻤﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻘﺪﻫﺎ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻫﻨﺎ ﺗﺒﻴﻦ ﻣﺎ آل إﻟﻴﻪ ﺣﺎل اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻣﻦ ﺗﻘﺪم ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺮ أﻓﻨﺎه ﻓﻲ ﻋﺸﻖ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ واﻟﺒﺬل ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ ،ﻣﻊ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ذاﺗﻪ اﻟﻤﺘﻮﻟﻬﺔ ﺻﻴﻐﺔ اﻟﻐﺎﺋﺐ اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺎب ذاﺗﻪ وﺗﻼﺷﻴﻪ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة ذات اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ اﻟﻄﺎﻏﻴﺔ ،وﻫﻮ اﻟﺬي رﺑﻤﺎ رﻗﻖ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﻌﺸﻮﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﺷﻖ ،اﻟﺬي ﻳﺘﺤﻮل ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ذاﺗﻪ ﻣﻄﺎﻟﺒﺎ وﻣﺬﻛﺮا ﺑﺎﻟﻤﻘﺎم اﻷﻛﺒﺮ ﻟﺬاك اﻟﻌﺸﻖ ﻓﻲ ذاﺗﻪ وروﺣﻪ ،ﺣﻴﻦ ﻳﻘﻮل ﺑﺒﻼﻏﺔ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ،أﻳﻀﺎ: ٍ ﻳﺎ ﻣﻨﺰل اﻟﺼﺒﻮات ﻛﻢ ﻟﻚ ﻣﻦ ﻳﺪ *** ﻋﻨﺪي ﺳﺄﺣﻔﻈﻬﺎ وﻓﻴﺎ ﺷﺎﻛﺮا )اﻟﺪﻳﻮان ص.(19 ﺣﻴﺚ ﻳﺠﻤﻊ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻛﻞ أﻣﻮر اﻟﻌﺸﻖ واﻟﻐﺮام و اﻟﺘﺪﻟﻪ ﻓﻲ ﺑﻮﺗﻘﺔ واﺣﺪة ﻫﻲ ﺑﻮﺗﻘﺔ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ /اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺮن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻦ اﻟﺒﻴﺖ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻪ أﺳﺎﺳﺎ وﻣﺘﻜﺌﺎ وﻣﺄوى ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﺑﺮﺑﻂ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺤﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﺮن ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ اﻷﻋﻈﻢ اﻟﺬي ﻳﻌﺘﺮف ﺑﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ /اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻟﺼﺎﺣﺒﺔ اﻟﻔﻀﻞ واﻷﻳﺎدي اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻟﻤﺎﻧﺤﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة ،ﻣﻊ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻐﺎﻟﻲ اﻟﺬي ﻳﻘﻄﻌﻪ اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺴﺮﻣﺪﻳﺔ ﻋﺸﻘﻪ واﻋﺘﺮاﻓﻪ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ اﻟﺬي ﺗﻤﺜﻠﻪ اﻷﻳﺎدي اﻟﺒﻴﻀﺎء، ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻋﺸﻖ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﺜﻠﻪ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺒﺎرع ،اﻟﻤﻜﺘﻤﻞ أﻳﻀﺎ ﺑﺬاﺗﻪ: وﻳﻈﻞ ُﺣﺒُ ِﻚ ﺧﺎﻟﺪا ً ﻻ ﻳﻨﺜﻨﻲ *** ﻟﻠﺤﺎدﺛﺎت وإن ﺑﺪون ﻏﻮادرا ً ُ )اﻟﺪﻳﻮان ص(20 ﺣﻴﺚ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻣﺪﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ اﻟﺸﺎﻣﺦ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻌﻮارض واﻟﺨﻄﻮب واﻟﻤﺤﻦ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻐﺪر ﺑﺎﻟﺤﺎل اﻟﻘﺎﺋﻢ وﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺒﺪﻳﻠﻪ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻻ ﻳﺮﺗﻀﻲ ﺑﻀﻤﻴﺮه وﺿﻤﻴﺮ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﻫﺬا اﻻﻋﺘﺮاض ،ﻓﻴﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﻠﻴﻦ اﻟﺬي ﻳﺄﺗﻲ ﺿﻤﻨﻴﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺑﺎﻻﻧﺜﻨﺎء واﻟﺘﻤﺎﻳﻞ ،ودﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻼﺑﺔ اﻟﻤﺴﺘﻤﺪة ﻣﻦ ﻗﻮة رﻣﺰ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ/ اﻟﻮﻃﻦ. ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﺆﻛﺪ ﻓﻴﻪ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺪال أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ اﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﺮﺿﺎ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ واﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﻘﺪر ﺿﺌﻴﻞ ﻣﻦ رﻋﺎﻳﺘﻬﺎ وﻋﻨﺎﻳﺘﻬﺎ ﻟﺸﺨﺼﻪ اﻟﻤﺠﺒﻮل ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻬﺎ ﻣﻦ دون اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﻘﺎﺑﻞ ،وﻻ ﺗﻜﺮﻳﻢ وﻻ اﻧﻔﺮاد ﺑﺤﻖ: ﺣﺴﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﺮﻳﻢ رﻛﻦ داﻓﻲء *** ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻬﺎ أﺻﻔﻮ ﻟﺪﻳﻪ ﺳﺮاﺋﺮا )اﻟﺪﻳﻮان ص(20 ﻫﻨﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺮاﻋﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ واﻟﺘﺤﻠﻴﻖ ﻋﻠﻰ أرﺣﺐ ﻣﺪى ﻣﻦ ﻓﻀﺎء اﻟﻌﺸﻖ واﻟﻐﺮام ،ﺑﺎﺷﺘﻬﺎء ﻫﺬا اﻟﺮﻛﻦ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﻮل ﻫﻨﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻀﻤﻴﺮ اﻟﻐﺎﺋﺐ ﻓﻲ ﻣﺘﻦ أﺑﻴﺎﺗﻪ اﻟﻮاﻣﻀﺔ ،ﻓﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﺮﻛﻦ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻳﻨﻔﺘﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﻣﺎم اﻟﺸﺎﻋﺮ/ اﻹﻧﺴﺎن /اﻟﻌﺎﺷﻖ ،وﻳﺘﺴﻊ ﺑﺮﺣﺎﺑﺔ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻓﻲ ﺿﻤﻴﺮ
ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ وﻟﺪ ﻋﺎم 1930م ﺑﻄﺮاﺑﻠﺲ ،ﻟﻴﺒﻴﺎ ،ﺣﺎﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎدة اﻟﺪراﺳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ودﺑﻠﻮم اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، اﺷﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺲ وﺑﻤﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب وﻋﻴﻦ ﻋﺎم 1962م أﻣﻴﻨﺎً ﻋﺎ ًﻣﺎ ﻟﻠﻤﺠﻠﺲ ،وﺑﻴﻦ ﻋﺎﻣﻲ 64و 1967ﺗﻮﻟﻰ ﻣﻨﺼﺐ وزﻳﺮ اﻹﻋﻼم واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،وﻓﻲ ﻋﺎم 1968ﻋﻴﻦ ﺳﻔﻴ ًﺮا ﻟﻠﻴﺒﻴﺎ ﻟﺪى اﻟﻤﻐﺮب ،ﺛﻢ ﻓﻲ ﻋﺎم 1970ﻋﺎد ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺪاﺧﻞ واﻧﺼﺮف إﻟﻰ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ. ﻟﻪ إﺳﻬﺎﻣﺎت ﻛﺜﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻷدﺑﻴﺔ ،ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم 1974رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻤﺠﻠﺲ إدارة اﻟﺪار اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب ،ﻛﻤﺎ اﻧﺘﺨﺐ أول رﺋﻴﺲ ﻻﺗﺤﺎد اﻷدﺑﺎء واﻟﻜﺘﺎب اﻟﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ،وﻫﻮ ﻣﺆﺳﺲ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﻔﻨﻮن واﻵداب, وأﺣﺪ اﻟﻤﺆﺳﺴﻴﻦ ﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻔﻜﺮ . دواوﻳﻨﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ وﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺐ ، 1980 دﻳﻮان ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ ، 1989ﻗﺪر اﻟﻤﻮاﻫﺐ ، 1990اﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ .1991وﻟﻪ ﺑﻀﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑــﻲ واﻷدب اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻠﻴﺒﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎم ﺑﺘﺮﺟﻤﺔ ﺑﻌﺾ اﻷﻋﻤﺎل اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ﻣﺜﻞ :ﻟﻮرﻛﺎ ، ﻫﻜﺬا ﻏﻨﻰ ﻃﺎﻏﻮر ،اﻟﻔﻨﺎن واﻟﺘﻤﺜﺎل )ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ( ، 1967ﻗﺼﺺ إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ، 1967ﻟﻴﻠﺔ ﻋﻴﺪ اﻟﻤﻴﻼد )ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﺼﺼﻴﺔ( ،1968ﻣﻨﺢ اﻟﻮﺳﺎم اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ ﻛﻤﺎ ﻓﺎز ﺑﺎﻟﺠﺎﺋﺰة اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ .1976
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
83
ðøļĿí ĵŎē
ﺐ« ٌ اﻟﺤ ّ »وﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ُ
ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻄﻴﺔ ﻣﺤﻤﻮد@
ﻳﻘﻮل ﺷﺎﻋﺮ ﻟﻴﺒﻴﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،اﻟﺮاﺣﻞ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ» :اﻷﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻳﺮﺳﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ﻟﻴﻌﺒﺮ ﺑﻪ ﻋﻦ ﻟﺤﻈﺘﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻮاﺟﻪ أﻳﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮﻳﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺘﻪ ،وﻳﺴﺘﻮﻋﺐ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺑﻜﻞ أﺑﻌﺎدﻫﺎ » (1).... وﻟﻴﺲ أﻗﺪر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺮﺣﻬﺎ اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ ﻧﺎﻗ ًﺪا وﻣﺤﻠﻼ وراﺻ ًﺪا ،إﻻ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﻣﻦ ﺷﻌﺮه ،ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﻌﺎﺷﻘﺔ ً »وﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ُﺤ ّﺐ« واﻟﻤﻜﺘﻤﻠﺔ دراﻣ ًﻴﺎ ،وﺗﺼﻮﻳﺮﻳًﺎ ،وﻣﻌﻨﻮﻳًﺎ ودﻻﻟ ًﻴﺎ، ٌ واﻟﺘﻲ ﻳﺴﻮﻗﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل أﺳﻠﻮﺑﻪ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻤﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮوح اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻖ وﺣﺪة اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮي ،واﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺘﻪ اﻟﺘﺎﻣﺔ ،ﻋﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺳﻴﺎق اﻟﻘﺼﻴﺪة دوﻧﻤﺎ اﻹﺧﻼل ﺑﻮﺣﺪﺗﻬﺎ ،وإن ﻗﺎرﺑﺖ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺴﺘﻴﻦ ﺑﻴﺘﺎ ،ﻣﻮزوﻧﺎ ،وﻣﻘﻔﻰ ،وﻣﻤﻨﻬﺠﺎ ﻣﻨﻬﺠﺔ داﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻀﻠﻮع واﻟﺘﻤﻜﻦ واﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ اﻟﻤﺘﻔﺠﺮ ..واﺳﺘﻨﺎدا إﻟﻰ ﺗﺮاث ﺷﻌﺮي ﺗﻠﻴﺪ ﻻﻳﺰال ﻳﻄﺎﻟﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺷﻘﻮق اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺘﺮاث اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻴﻀﺎﻫﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ وﻣﺎ أﺗﺖ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ رﺑﻤﺎ اﺳﺘﻮﻟﺪﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺰﺧﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺒﺮاﻋﺔ اﻟﺘﻲ أﺗﻰ ﺑﻬﺎ اﻷوﻟﻮن.. واﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻦ أﻳﺪﻳﻨﺎ ـ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺟﺪارة ﺗﻤﺜﻴﻠﻬﺎ ﻟﻬﺬا اﻻﺗﺠﺎه، وﺗﻄﺒﻴﻘﺎ ﻋﻤﻠﻴﺎ ﻟﻤﺎ ﻳﺆﺻﻠﻪ اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻪ اﻟﻤﺮﺟﻌﻲ ـ ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺤﻔﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺗﺠﻮد ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ واﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻀﻤﻨﻴﺔ واﻟﺼﺮﻳﺤﺔ ،وﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ﺑﻪ ﻫﺬا اﻟﺰﺧﻢ اﻟﻌﺎرم اﻟﻔﻮﺿﻮي ﻓﻲ إﺣﻜﺎﻣﻪ واﻧﺼﺒﺎﺑﻪ ﻛﺸﻼل ﻫﺎدر ﺑﺄﺣﺎﺳﻴﺲ ﻣﻬﻠﻜﺔ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻐﺮام /اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺘﺒﺲ اﻟﺸﺎﻋﺮ وﺗﻤﻠﻚ ﻋﻠﻴﻪ روﺣﻪ وﺟﺴﺪه ﻣﻌﺎ ،ﻓﻲ ﺻﻮرة ﻣﻦ ﺻﻮر ﻋﺸﻖ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻤﺘﻐﻠﻐﻞ ﺑﺪاﺧﻠﻪ، وﺑﻀﻤﻴﺮه اﻟﺬي ﻳﺘﻤﺎﻫﻰ ﻣﻊ ﺿﻤﻴﺮ اﻟﻮﻃﻦ /اﻷﻧﺜﻰ اﻟﻤﻴﱠﺎدة اﻟﻘﺎﻫﺮة، أي ﺷﻲء؛ ﻓﺎﻗﺘﺮان اﻟﻮﻃﻦ ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﻫﻮ اﻗﺘﺮان اﻟﺘﻲ ﻳﻬﻮن ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺣﺒﻬﺎ ﱡ ﺑﺮﻣﺰ ﺣﻲ وأﻛﺒﺮ ﻣﻦ رﻣﻮز اﻟﺤﻴﺎة؛ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﺴﻜﻮﻧﺎ ﺑﻪ ،ﺑﺤﺴﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺠﺎﺑﺮي ﻓﻲ ﻣﺘﻦ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻟـ » دﻳﻮان ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ« ،ﺣﻴﻦ ﻳﻘﻮل: »وﻷن اﻟﺘﻠﻴﺴﻲ ﻛﺎن ﻣﺴﻜﻮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ اﻷدﺑﻴﺔ ﻓﺈن ﺟﻞ
82
ٌ ﺐ« »وﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤُ ّ
اﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻪ اﻷدﺑﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه ﻫﺬا اﻟﻨﻤﻂ اﻷدﺑﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻋﻜﻒ ﻋﻠﻰ إﺻﺪار ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻀﺨﻢ » ﻣﻦ رواﺋﻊ اﻟﺸﻌﺮ« ،وﻣﺜﺎﻧﻴﻪ ،وﺛﻼﺛﻴﺎﺗﻪ، ورﺑﺎﻋﻴﺎﺗﻪ وﻣﻘﻄﻮﻋﺎﺗﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ«)(2 ﺗﺒﺪو ﻫﻨﺎ ﻋﻼﻗﺔ اﻻﻟﺘﺒﺎس واﻟﺘﻤﺎﻫﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ وﻣﺎ ﻳﻨﻔﻌﻞ ﺑﻪ وﻣﺎ ﻳﻜﺘﺒﻪ ،إﺣﺴﺎﺳﺎ ﺻﺎدﻗﺎ ﻻ ﺗﻐ ﱢﺮﺑﻪ ﺻﻨﻌﺔ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻻ ﺗﺒﻌﺪ ﺑﻪ ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ اﻷﺛﻴﺮ اﻟﻤﺘﺴﺮﺑﻞ ﺑﺤﺐ اﻟﻮﻃﻦ ﻣﺎدﻳﺎ وﻧﻔﺴﻴﺎ ،ﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ وﺗﺎرﻳﺨﻴﺎ ،ورﻣﺰه اﻟﻤﺴﺘﺘﺮ ﺧﻠﻔﻪ ﻓﻲ ﻋﺸﻖ اﻣﺮأة أﺳﻄﻮرﻳﺔ ﻏﻴﺮ وﻗﻒ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ،ﻓﺎﻟﺸﺎﻋﺮ ﻫﻨﺎ ﻳﻔﺘﺘﺢ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﺑﻬﺬا اﻻﺗﻜﺎء ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﺔ » ٌ اﻟﺤﺐ ُ » ﻛﺘﻌﺒﻴﺮ ﻣﺨﺘﺰل دال ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻜﻞ ﺳﻤﺎت اﻟﺘﻔﺮد واﻟﺘﻤﻴﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ّ اﻟﺬي ﺗﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﻪ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﺧﻤﺴﺔ أﺑﻴﺎت ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻳﺄﺗﻲ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺼﻮرة ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ ﺗﻌﻀﺪ ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه اﻟﻤﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ روح اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻷﺻﻴﻞ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺒﺮ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ /ﺻﻮرة ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ اﻟﺒﻨﺎء واﻟﺘﺨﻴﻴﻞ: وﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ُﺤ ﱡﺐ ﺷﺪت ﻗﻴــﺪﻧﺎ *** أم أﻃﻠﻘﺖ ﻟﻠﻜﻮن ﻓﻴﻨﺎ ﻣﺸﺎﻋﺮا ٌ ـﺐ ﺳﺎﻗﻂ ﻧﺨﻠﻬﺎ *** رﻃﺒﺎ ﺟﻨﻴﺎ أم ﺣﺸﻴﻔﺎ ﺿـﺎﻣﺮا ٌ وﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ُﺤ ﱡ )اﻟﺪﻳﻮان ص(18 ﺣﻴﺚ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻼﻏﺔ اﻟﺼﻮرة اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻘﺎﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﻓﻀﺎء ﻧﺼﻪ؛ ﻟﺘﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻻﻟﺘﺼﺎق ﺑﺎﻟﺤﺒﻴﺒﺔ /اﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﺤﺎﻻت ،ﻓﻲ اﻟﺤﺎل وﻧﻘﻴﻀﻪ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻘﺎﺑﻞ ﺑﻴﻦ اﻻﺣﺘﺒﺎس ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺪ ،واﻻﻧﻄﻼق ﻓﻲ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﺠﺎرﻓﺔ ..وأﻳﻀﺎ ﺑﻴﺎن ﻣﺪى اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﻬﺎدرة ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻧﻘﺔ ﻫﺬا اﻟﺮﻣﺰ وذراﺗﻪ ودﻗﺎﺋﻘﻪ، وﻇﻮاﻫﺮه اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﺣﺎل اﻟﺠﻔﺎف وﺣﺎل اﻟﺮﺧﺎء .ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻤﺘﻮﺣﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ﻛﻮﺣﺪة ﻣﺘﻮﺣﺪة ﻋﻠﻰ ذاﺗﻬﺎ ﺑﻤﺴﺤﺔ ﻣﻦ ﺻﻮﻓﻴﺔ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻻﻧﺼﻬﺎر واﻟﺘﺠﻠﻲ اﻟﻮاﻣﺾ،
»ﻛﺎﺗﺐ ﻗﺎﻫﺮي« ﻷن اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ َﻣﻦ أﺗﻮا ﻳُﺴﻤﻰ ٌ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎت ﻣﺼﺮ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ودول اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻗﺮروا اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻴﻬﺎ، واﻟﻤﺆﻟﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ أن اﻷدب ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺘﺮض أن ﻳﻜﻮن ﺿﻤﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻨﻮراﻧﻲ اﻟﺬي ﺗﻠﺠﺄ إﻟﻴﻪ اﻟﺸﻌﻮب أﻣﺎم ﻛﻞ دﻋﺎوى اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ واﻟﺸﻮﻓﻴﻨﻴﺔ واﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ واﻟﻌﺪواﻧﻴﺔ واﻟﻘﺒﻠﻴﺔ .ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺼﺮ ﺑﻌﺾ اﻷدﺑﺎء أن ﻳﻠﻮﺛﻮا ﺑﺄﻗﻼﻣﻬﻢ ﻣﻨﺠ ًﺰا ﺣﻘﻘﻪ أﺟﺪادﻫﻢ ﻣﻨﺬ ﻓﺠﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ؟ ﻫﻞ ﺗﺤﺘﺎج ﺣﺎﻟﺔ اﻹﺳﺘﻘﻄﺎب اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات إﻟﻰ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻄﺐ؟ ﻓﻨﺤﻦ ﻣﺎ زﻟﻨﺎ ﻧﺘﺎﺑﻊ ﻛﺮاﻫﻴﺔ أﺟﻴﺎل اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ ﻟﺒﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً وإﺻﺮار ﺑﻌﻀﺎً ﻋﻠﻰ إدراج أﻗﻼم اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ ﻟﻜﻞ ﺟﻴﻞ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﺟﻴﺎل ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﺗﻤﻴﺰﻫﺎ ،وذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﻨﻰ ّ اﻟﻤﺠﺎﻫﺮة ﺑﻌﺪاﺋﻪ وﻛﺮاﻫﻴﺘﻪ ﻟﻠﺠﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﺴﺒﻘﻪ أو اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ .وﻛﻢ ﺗﻮﻗﻊ اﻟﻜﺜﻴﺮون أن ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻫﺬا اﻹﺳﺘﻘﻄﺎب ﺑﻌﺪ ﺛﻮرة ﻳﻨﺎﻳﺮ 2011 واﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ أﺻﻐﺮ اﻷﺟﻴﺎل ذﻟﻚ اﻟﺬي اﺳﺘﻌﺼﻰ إدراﺟﻪ ﺗﺤﺖ ﻣﺴﻤﻰ ﻣﺎ ﻣﺜﻞ ﺟﻴﻞ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت أو اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت أو اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت أو اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺴﺘﺴﺎﻏًﺎ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﺟﻴﻞ اﻷﻟﻔﻴﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ أو اﻟﺠﻴﻞ اﻷﻟﻔﻴﻨﻲ ﻋﻠﻰ رﻏﻢ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﺼﻘﻪ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺎ. ﻛﻞ اﻟﺘﻮازﻧﺎت واﻟﺬي ﺣﺒﺎه اﻟﺘﺎرﻳﺦ أن ﻳﻠﻐﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺬي ﻗﻠﺐ ّ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻜﺮة اﻟﻤﺠﺎﻳﻠﺔ. ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻤﻌﻨﺎ ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻔﺮدات ﻛﺮة اﻟﻘﺪم وﻫﻲ ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ اﻷدب ،ﺣﺘﻰ إن ﺑﻌﺾ اﻟﻜُﺘﺎب أﺻﺒﺢ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﻳُﺴﻤﻰ أﻟﺘﺮاس اﻟﻜﺎﺗﺐ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺎﺑﻌﻮﻧﻪ ﺑﺎﻵﻻف وﻳﺸﻜﻠﻮن ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻠﺠﺎن اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻟﺘﺄﻳﻴﺪه ﺳﻮاء أﻛﺎن
ﻇﺎﻟ ًﻤﺎ أو ﻣﻈﻠﻮ ًﻣﺎ ..ﻛﺎﺗﺒًﺎ ﺟﻴ ًﺪا أم ردﻳﺌًﺎ ،ﻛﻤﺎ أﺻﺒﺢ ﺑﻌﺾ ﺻﺤﻔﻴﻲ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻳﺘﺎﺑﻌﻮن اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻷدﺑﻴﺔ ﺑﻤﺎﻧﺸﻴﺘﺎت ﻣﺜﻞ »ﻫﺬا اﻟﻜﺎﺗﺐ أﺣﺮز ﻫﺪﻓًﺎ«. إن ﻟﻌﺒﺔ ﻛﺮة اﻟﻘﺪم ﻫﻲ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻌﺒﻴﺔ وﺟﻤﺎﻫﻴﺮﻳﺔ وﻫﻲ اﻷﻗﺮب ﻟﻘﻠﻮب اﻟﺠﻤﻴﻊ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ وﻓﻘًﺎ ﻟﻠﻤﻨﻄﻖ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﻬﺮم وﻟﻴﺴﺖ ﻗﻤﺘﻪ .أي أﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﺮة اﻟﻘﺪم أن ﺗﺴﺘﻌﻴﺮ ﻣﻔﺮدات اﻷدب وأﺳﻠﻮﺑﻪ ورﺣﺎﺑﺘﻪ إذا ﻛﻨﺎ ﻣﺎ زﻟﻨﺎ ﻧﺼﺪق أن اﻷدب ﻫﻮ ﻏﺬاء اﻟﺮوح وﻣﻬﺬﺑﻬﺎ. ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ اﻷدب ﻳﻨﺤﺪر إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺘﻮى وﻳﺴﺘﻌﻴﺮ أدﺑﻴﺎﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺳﺔ أﺣﻴﺎﻧًﺎ وﻣﻦ أﻟﺘﺮاس ﻟﻌﺒﺔ ﻣﺤﺒﻮﺑﺔ وﺷﻬﻴﺮة ﻣﺜﻞ ﻛﺮة اﻟﻘﺪم أﺣﻴﺎﻧًﺎ أﺧﺮى؟ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺴﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻳﻄﻌﻤﻮن ﺧﻄﺒﻬﻢ ﺑﻔﻘﺮات ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ أو ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻘﻮﻻت اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ أو ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺨﺎﻟﺪة ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﺠﻮم ﻛﺮة اﻟﻘﺪم ﻳﺤﺎوﻟﻮن ﻛﺴﺮ ﺣﺪة اﻟﻌﻨﻒ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻬﻮرﻫﻢ اﻟﻌﺮﻳﺾ ﺑﺄن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻫﺎدﺋﻴﻦ وﻣﺜﻘﻔﻴﻦ وﻗﺪوة ﻟﻘﺒﻮل اﻵﺧﺮ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻣﺤﺒﺘﻪ. اﻷدب ﺑﺎﻟﺬات ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺗﻜﺮﻳﺲ اﻻﻧﻘﺴﺎم إﻟﻰ ﻓﺮقٍ ﻣﺘﻨﺎﺣﺮة وﻓﻘًﺎ ﻟﻠﻤﺠﺎﻳﻠﺔ أو ﻟﻠﻘﺒﻠﻴﺔ ،ﻓﺎﻷدب ﻫﻮ اﻟﻤﻨﻮط ﺑﻪ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﺤﻈﺎت ذروﺗﻬﺎ ﻻ ﻟﺤﻈﺎت ﺗﺸﺘﺘﻬﺎ وﺗﻨﺎﺣﺮﻫﺎ واﻷدب اﺳﻤﻪ اﻷدب ﻷﻧﻪ ﻳﺆدب اﻹﻧﺴﺎن وﻳﻬﺬب ﻏﺮاﺋﺰه اﻷوﻟﻰ ﻟﻴﺮﺗﻘﻲ درﺟﺎت أﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﻗﺪ ﺟﺎء ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑﺄﻧﻪ رﻳﺎﺿﺔ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺘﻬﺬﻳﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ،أﻣﺎ اﻟﻼ أدب ﻓﻬﻮ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﺤﺪود اﻟﻠﻴﺎﻗﺔ *رواﺋﻴﺔ ،ﻣﺼﺮ
ﺗﻮاﺻﻴﻒ ﺟﺘﻚ ْﺻﺪﻗﻪ ﻗﺎل ،ﺑﺎزﻧﻬﺎ ْﺻﺪﻗﻪ :أي ﻫﺒﺔ وﻋﻄﻴﺔ- .ﺟﺘﻚ :أي ﺟﺎءﺗﻚ - .ﺑﺎزﻧﻬﺎ :أي ﺳﺄﻗﻮم ﺑﻮزﻧﻬﺎ. أي ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ ﺧﺬ ﻫﺬه اﻟﺼﺪﻗﺔ ،ﻓﻘﺎل ﺳﺄوزﻧﻬﺎ .أي أﻧﻬﻢ ﺗﺼﺪّ ﻗﻮا ﻋﻠﻴﻪ ،إﻻ اﻧﻪ أﺻ ّﺮ أن ﻳﺰن ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺪﻗﺔ ،ﻟﻴﻌﺮف وزﻧﻬﺎ. ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ذ ّﻣﺎً ﻟﻤﻦ ﻳﻌﻄﻰ ﺷﻴﺌﺎً ،ﻓﻴﺸﺘﺮط ﺷﺮوﻃﺎً ،ورﺑﻤﺎ ﻳﺮﻓﻀﻬﺎ ﻟﻌﺪم ﺟﻮدﺗﻬﺎ أو ﻻ ﺗﻜﻔﻴﻪ. وﻫﻮ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺬي ﻳﻘﻮل »ﻃ ّﺮار وﻳﺘﺸ ّﺮط«.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
81
ﺳﻴﻤﻴﺎء
اﻟﺠﻮاﺋﺰ ا4دﺑﻴﺔ وﻛﺮة اﻟﻘﺪم أﺛﻨﺎء ﺗﺤﺮﻳﺮي ﻷﻏﻠﻔﺔ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﺠﻮاﺋﺰ ،أﺟﺪ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﺧﺼﻮﺻﺎ إذا ﻛﺎﻧﻮا ﺣﺎﺋﺰﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﻣﺎﻛﻦ ﻣﻴﻼد اﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ ً ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة ﻛﺒﺮى ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،أو ﺟﺎﺋﺰة ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﻬﻢ اﻷول .وﺑﻌﺪ ٍ ﺑﺤﺚ ﻣﺮﻫﻖٍ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ وﺑﻌﺪ أن أﻗﺮأ أن اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻣﺜﻼً ﻓﺮﻧﻜﻔﻮﻧﻲ دون ذﻛﺮ ﻣﺴﻘﻂ رأﺳﻪ ﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ،أو ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة دون اﻟﺤﺮص ﻋﻠﻰ ذﻛﺮ اﺳﻢ وﻻﻳﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ؛ أﺟﺪ ﺑﻐﻴﺘﻲ ﻓﻲ إﺷﺎرة ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻫﺎﻣﺸﻴﺔ وﻻ ﺗﻌﻨﻲ أﺣ ًﺪا .ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ أﻛﺒﺮ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻷدﺑﻴﺔ ،وأﺗﺤﺪث ﻣﻊ اﻟﻮﻛﻴﻞ اﻷدﺑﻲ ﺑﺸﺄن اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮق أﻋﻤﺎل اﻟﻔﺎﺋﺰ؛ ﻳﻤﺘﻌﺾ إذا ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ ﺟﺬوره، وﻳﺬﻛﺮﻧﻲ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺼﻔﻌﻨﻲ ﺑﺄن ﺟﺬوره ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻔﻼﻧﻲ وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻬﺬه اﻟﻠﻐﺔ ،إﻧﻪ ﻳﻘﻮل َﻟﻚ :ﺑﻬﺬه اﻟﻠﻐﺔ .ﺑﺎﻋﺘﺰاز وازدراء ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺴﺆاﻟﻚ اﻟﺘﺎﻓﻪ. وأﺗﻮﻗﻊ أﻧﻨﺎ ــ ﻧﺤﻦ اﻟﻌﺮب ــ ﻟﻦ ﻧﺤﺼﻞ ﻗﺮﻳ ًﺒﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﻓﻲ اﻵداب ﻣﺮة أﺧﺮى ﺑﻌﺪ ﺣﺼﻮل »ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ« ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﺎم ،1988 ﻓﻨﻮﺑﻞ ﺗ ُﻤﻨﺢ ﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺘﻤﻴﺰ وﻛﺒﻴﺮ ..ﻧﻌﻢ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ أﺑﻌﺪ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻴﺘﻬﺎ ﺗُﻤﻨﺢ ﻟﻤﺸﻬﺪ أدﺑﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮع واﻟﺜﺮاء واﻟﻤﺤﺒﺔ وﻳﻨﺘﺼﺮ ﻟﻘﻴﻢ اﻟﺤﻖ واﻟﺨﻴﺮ واﻟﺠﻤﺎل واﻟﺴﻼم وﻧﺒﺬ اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ واﻟﺸﻮﻓﻴﻨﻴﺔ أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻳﺤﺎول ﺟﺎﻫ ًﺪا اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻟﻬﺬه اﻟﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺸﻮار أدﺑﻲ ﻧﺎﺿﺞ .ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻬﻮد اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎزوا ﻧﻮﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻤﻴﺰون ﺑﻨﺒﺬ اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ واﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻲ ﺑﻞ إداﻧﺘﻪ. ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺸﺠﻮن وأﻛﺜﺮ ﺗﻔﺠﺮت ﺑﻌﺪ ﻣﻮﻗﻔﻴﻦ ،اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷول إﺛﺮ ﻣﺘﺎﺑﻌﺘﻲ ﻟﻺﻋﻼن ﻋﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﻌﺪ أﺻﺪاؤﻫﺎ اﻟﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻫﺰﻳﻤﺔ أﺣﺪ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻧﺘﺼﺎر ﺷﺎرﻛﺖ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﻗﻼم ــ ﺑﻘﺼﺪ أو ﺑﺪون ﺑﻠﺪ ﻋﺮﺑﻲ آﺧﺮ ،وﻣﻊ اﻷﺳﻒ ْ ﻗﺼﺪ ــ ﻓﻲ ﻣﻬﺰﻟﺔ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻷدب إﻟﻰ ﻣﺒﺎراة ﻟﻜﺮة اﻟﻘﺪم ،وﻫﺬه
80
اﻟﺠﻮاﺋﺰ ا دﺑﻴﺔ وﻛﺮة اﻟﻘﺪم
د .ﺳﻬﻴﺮ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ@
اﻷﻗﻼم اﻟﺘﻲ ﺷﺎرﻛﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﻌﺮف ﺟﻴ ًﺪا ﻣﺎ آﻟﺖ إﻟﻴﻪ رﻳﺎﺿﺔ ﻛﺮة اﻟﻘﺪم ﺟﺮاء اﻟﺘﻌﺼﺐ واﻟﺸﻮﻓﻴﻨﻴﺔ ،ﻓﻬﻞ ﻧﻨﺘﻈﺮ ﻗﺮﻳ ًﺒﺎ أن ﻳﻀﺮب اﻟﻤﺒﺪﻋﻮن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎً وﻳﺴﺤﻠﻮا ﺟﻤﺎﻫﻴﺮ اﻟﻘﺮاء ــ ﺣﺎل ﺗﻮﻓﺮ ﺟﻤﺎﻫﻴﺮ اﻟﻘﺮاء ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ــ ﻓﻲ اﻟﻤﻼﻋﺐ ،أﻋﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻠﺘﻘﻴﺎت اﻷدﺑﻴﺔ وﻛﻮاﻟﻴﺲ اﻟﺠﻮاﺋﺰ؟! أﻣﺎ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻵﺧﺮ ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن إﺛﺮ ﻧﺸﺮ ﺣﻮار ﻣﻊ اﻷدﻳﺐ ﺑﻬﺎء ﻃﺎﻫﺮ ﺣﻮل اﻷدب ،ﻓﻘﺎم ﺷﺎﻛ ًﺮا ﺑﺎﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻮراء أﻛﺜﺮ وﺣﻘﻖ ﺳﺒﻘًﺎ ﺟﺪﻳ ًﺪا ﺑﻌﺪم اﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﺎﻟﺸﻮﻓﻴﻨﻴﺔ واﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﺑﻞ أﻳﻀً ﺎ زاد ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ، ﻓﻘﺎل :أﻧﺎ ﻻ أﺣﺐ »أدﺑﺎء رﻳﺶ« ،وﻟﻜﻨﻨﻲ أﺣﺐ أدﺑﺎء اﻟﺼﻌﻴﺪ! وﻫﻨﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺘﺴﺎءل ﻫﻞ ﺛﻤﺔ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﻰ »أدﺑﺎء اﻟﺼﻌﻴﺪ« ..وﻫﻞ ﺛﻤﺔ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﻰ »أدﺑﺎء رﻳﺶ«؟ ورﻳﺶ ﻫﺬه ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ اﻟﺴﺎدة اﻟﻘﺮاء ﻫﻲ ﻣﻘﻬﻰ ﺷﻬﻴﺮ ﺑﻮﺳﻂ اﻟﺒﻠﺪ ﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻴﻪ أدﺑﺎء ﺟﻴﻞ اﻷﺳﺘﺎذ »ﺑﻬﺎء ﻃﺎﻫﺮ«؛ أي ﺟﻴﻞ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ،ﺛﻢ ﺗﻢ ﻣﻨﻊ اﻷدﺑﺎء اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﻣﻦ دﺧﻮﻟﻪ ﻣﻨﺬ وﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ،وﺗﻢ ﺗﺨﺼﻴﺼﻪ ﻟﻸﺟﺎﻧﺐ أو ﻟﻌﻠﻴﺔ اﻟﻘﻮم ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺳﺔ واﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ .ﻓﻬﻞ ﻳﻘﺼﺪ اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﻬﺎء ﻃﺎﻫﺮ ﺑﺄدﺑﺎء ﻣﻘﻬﻰ رﻳﺶ أدﺑﺎء اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت؟! اﻟﻤﺪﻫﺶ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ أن اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﻬﺎء ﻃﺎﻫﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺎش ﻃﻮال ﻋﻤﺮه ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة وﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻴﺪ ،واﺣﺘﻔﺖ ﻛﻞ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﺣﺘﻰ ﺑﻪ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺣﺘﻰ ﺣﺎز ﱠ إﻧﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻋﻨﻪ إن ﻋﺪد ﺟﻮاﺋﺰه ﻳﻔﻮق ﻋﺪد أﻋﻤﺎﻟﻪ اﻷدﺑﻴﺔ .وﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻟﻢ ﺗﺘﺒﻖ ﺟﺎﺋﺰة ﻣﺼﺮﻳﺔ أﻋﻠﻰ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻵن اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻠﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮ أن ﻳﺆﻫﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻷداء اﻟﺸﺨﺼﻲ ﻟﻜﻲ ﻳﺤﻮز ﺟﺎﺋﺰة ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻛﺒﺮى. اﻟﻤﺆﻟﻢ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ أن ﻣﻠﻤﺢ ﺗﺬوﻳﺐ اﻷﻋﺮاق واﻟﻤﻠﻞ واﻟﺠﻨﺴﻴﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﺻﻬﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺑﻮﺗﻘﺔ اﺳﻤﻬﺎ :ﻣﺼﺮ ،ﻫﻮ أﻫﻢ ﻣﻼﻣﺢ ﻫﻮﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ ،واﻟﻤﺆﻟﻢ أﻛﺜﺮ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﺮف ﺟﻴ ًﺪا أﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺣﺘﻰ ﻣﺎ
ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ أﺳﻠﻮ ًﺑﺎ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ إﺛﺮاء ﻟﻮﺣﺘﻬﺎ ﺑﻜﻞ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻔﻞ إﺧﺮاﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻛﻤﻞ وﺟﻪ ،ﻫﺬا اXﺳﻠﻮب ﻫﻮ ﻣﺎ ﻋﺮف ﺑﺘﻴﺎر اﻟﻮﻋﻲ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻛﻞ اXﺣﺪاث ﻣﻦ ذاﻛﺮة اﻟﺮاوي اXدب اﻟﺸﻌﺒﻲ أدب ﻫﺎدف ﻟﻴﺲ أد ًﺑﺎ ﻟﺘﺰﺟﻴﺔ اﻟﻔﺮاغ ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻀﻤﻮن اKﻧﺴﺎﻧﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﺻﺮﺧﺔ ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ اﻟﻀﻤﻴﺮ اKﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ أدﺑﻲ ﻣﺘﻤﻴﺰ ﺿﺪ اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ واﻟﺼﺮاع اﻟﻄﺒﻘﻲ
رﺷﺎﻗﺔ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻔﻨﻲ
وﻟﻢ ﺗﺠﻨﺢ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻓﻲ رواﻳﺔ اﻷﺣﺪاث إﻟﻰ أﺳﻠﻮب اﻟﺮاوي اﻟﻌﻠﻴﻢ اﻟﺬي ﻳﻌﺮف ﻋﻦ ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﻴﺮوي ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎء ،زاوﺟﺖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺻﻴﻐﺘﻬﺎ اﻟﻤﺪوﻧﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻜﺎﺗﺐ دﻛﺘﺮ راﺷﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ﺑﻴﻦ دور اﻟﺮاوي »ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺿﻤﻴﺮ ﻫﻮ« وﺑﻴﻦ رواﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻀﻤﻴﺮ »أﻧﺎ« ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﻮﻧﻮﻟﻮج اﻟﺬاﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ ﺗﺎرة وﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن اﻟﻴﺎزﻳﺔ ﺗﺎرة ،وﻫﺬا ﻳﻌﻄﻲ اﻟﺮوي ﺧﺎﺻﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺮاوي »اﻟﻌﻠﻴﻢ« اﻟﺬي ﻳﺤﻀﺮ ﻧﻜﻬﺔ وﻣﺬاﻗًﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ،ﻳﻤﺴﻚ ﺑﻴﺪه أﻗﺪارﻛﻞ ﺷﻲء ،وﻳﻤﺴﻚ أﻳﻀً ﺎ ﺑﻠﻌﺒﺔ اﻷﺣﺪاث وﺳﻴﺮﻫﺎ ،وﻳﺘﻨﺎول اﻷﺣﺪاث ﺑﺮؤى أﻧﺴﺐ ﻟﺴﺮدﻫﺎ، وﻫﻨﺎك رﺷﺎﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻔﻨﻲ ﻟﻸﺣﺪاث ورواﻳﺘﻬﺎ. ﻓﺎﻟﻤﺰروﻋﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺼﻴﺪﻟﻲ اﻟﻤﺎﻫﺮ اﻟﺬي ﻳﺠﻴﺪ ﺗﺤﻀﻴﺮ اﻟﺪواء ﺑﻨﺴﺒﻪ اﻵﻣﻨﺔ ﻷداء دور ﻣﻄﻠﻮب دون ﺗﺠﺎوز
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
79
÷ŒŀŔĸĬĿí ôœîļă ĶŔûŎ
اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ إﻟﻰ أن ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ أﺳﻠﻮﺑًﺎ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ إﺛﺮاء ﻟﻮﺣﺘﻬﺎ ﺑﻜﻞ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻔﻞ إﺧﺮاﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻛﻤﻞ وﺟﻪ، ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻫﻮ ﻣﺎ ﻋﺮف ﺑﺘﻴﺎر اﻟﻮﻋﻲ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻛﻞ اﻷﺣﺪاث ﻣﻦ ذاﻛﺮة اﻟﺮاوي ،أﺳﻠﻮب اﻟﺘﺬﻛﺮ ﻫﺬا أﺿﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﺘﺨﻴﻞ أﺑﻌﺎ ًدا واﺳﻌﺔ ،ﻓﺎﻧﻜﺴﺮ ﺣﺎﺟﺰ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺘﺮاﺗﺒﻲ »اﻋﺘﺎد ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ أن ﻳﺮﺳﻞ أﺑﻨﺎءه ﻟﺴﻘﻲ اﻹﺑﻞ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎوب ،ﻛﺎن أﺑﻨﺎؤه ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﻣﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻓﺘﺎة ﺗﺴﻤﻰ )اﻟﻴﺎزﻳﺔ( وﻫﻲ اﺑﻨﺔ أﺣﺪ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ أﺧﺮى ﻳﺴﻤﻰ )اﻟﻤﻌﻨﻰ( ،ﻇﻞ اﻟﺠﻤﻞ ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻠﻴﺐ ﻳﻮﻣ ًﻴﺎ.« ... واﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻫﻨﺎ أﻧﻪ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮه ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻓﺘﺮة زﻣﻨﻴﺔ ﻣﺤﺪدة ،ﻛﺄﻧﻪ ﻋﻤﻞ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻳﺴﺘﻠﻬﻢ ﻓﺘﺮة ﻣﺤﺪدة ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﺒﻠﻲ /اﻟﺒﺪوي.ﻟﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ »ﺗﻴﺎراﻟﻮﻋﻲ« ﺟﻌﻞ ﺧﻂ اﻟﺰﻣﻦ ﻣﺘﻜﺴ ًﺮا ﻓﺘﺎرة ﻳﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ 78
اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ
وﻳﺘﺪاﺧﻞ ﻣﻊ اﻟﺤﺎﺿﺮ ،وﺗﺎرة ﻳﺸﻐﻠﻪ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ اﻧﺘﻈﺎر وﺗﺮﻗﺐ.وﻫﻨﺎك اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻵﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺿﻮء ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻪ ﻃﻤﻮح اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ »اﻟﻴﺎزﻳﺔ« ﻓﻬﻨﺎك ﺣﻮار ﻣﺴﺘﻤﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ. واﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ أدب ﻫﺎدف ﻟﻴﺲ أدﺑًﺎ ﻟﺘﺰﺟﻴﺔ اﻟﻔﺮاغ ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻀﻤﻮن اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﺻﺮﺧﺔ ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ اﻟﻀﻤﻴﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ أدﺑﻲ ﻣﺘﻤﻴﺰ ﺿﺪ اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ واﻟﺼﺮاع اﻟﻄﺒﻘﻲ ،ﻓﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻓﻜﺮة إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ أي زﻣﺎن وﻣﻜﺎن، ﻓﺎﻟﻌﻘﻴﻠﻲ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻘﺒﻴﻠﺔ »اﻟﻴﺎزﻳﺔ« اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﺴﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺒﺪوي ،وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺤﻞ ﻫﺬا اﻟﻔﺎرق اﻟﻄﺒﻘﻲ دون اﺗﻤﺎم اﻟﺰواج ،ﺑﻞ وﻣﺒﺎرﻛﺔ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻴﺎزﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﺰواج واﻻﻋﺘﺮاف ﺑﻪ ﻃﺎﻟﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﺤﻘﻖ ﺳﻌﺎدة اﺑﻨﺘﻬﻢ.
ﺗﺮﺳﻢ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻋﻲ وﺧﺎﺻﺔ رﻋﻲ اﻹﺑﻞ ،وﻋﻼﻣﺎت اﻟﻘﻮة واﻟﺴﻴﺎدة ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻹﺑﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ﻫﻲ رأس ﻣﺎل اﻷﻏﻨﻴﺎء واﻟﺸﻴﻮخ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮاﻋﻲ اﻹﺑﻞ ﻣﻮزﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ،وﻛﺬﻟﻚ آﺑﺎر اﻟﻤﻴﺎه اﻻرﺗﻮازﻳﺔ )اﻟﻤﻮارد( ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺑﺌﺮ ﻣﺎء أو ﻃﻮي وﺗﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ اﻟﺘﻼل واﻟﻮدﻳﺎن اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺣﺪود اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻘﺒﻴﻠﺔ. وﺣﻴﻦ ﻳﺪاﻫﻢ اﻟﺤﺐ ﺷﺎﺑًﺎ ﻳﺎﻓ ًﻌﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ، ﻓﺎرﺳﺎ،ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻓﻴﺠﻌﻞ ﻣﻨﻪ ﻣﻼﻛًﺎ ،ﻋﺎﺷﻘًﺎً ، ﻳﺤﺘﻀﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﺻﺪره ،ﻳﻼﻗﻲ أﻫﻠﻪ، أﻧﺎﺳﻪ اﻟﻄﻴﺒﻴﻦ ،ﻓﺎﻟﺘﺂﻟﻒ واﻟﺘﻮاد واﻟﺘﺮاﺣﻢ ﻫﻤﺎ ﻣﻴﺮاث اﻟﺒﺪوي اﻟﻌﻈﻴﻢ.ﻳﺒﻮح اﻟﺸﺎب ﻟﻮاﻟﺪه ﺑﻤﻌﺎﻧﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻓﻲ ﻧﺒﺾ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﺠﺮﻳﺢ ،وﺗﺮﺑﻚ دم اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﻣﻔﺎﺻﻞ ﺟﺴﺪه ،وﻃﺒﻘًﺎ ﻟﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻫﻨﺮي ﺟﻴﻤﺲ: »ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﻣﺎ ﺗﻜﻮن اﻟﺮواﻳﺔ واﻫﺒﺔ ﻟﻨﺎ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ رؤﻳﺔ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺮﺗﻴﺐ ،ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻧﻠﻤﺲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ«. ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ
وﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ ﻫﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ أﺑ ًﺪا ،وﻛﺎن اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﻣﻮﻃﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ »اﻟﻴﺎزﻳﺔ« ﻫﻮ اﻟﺨﻼص ،ﺣﻴﺚ ﺑﺰﻏﺖ ﺷﻤﺲ ﺣﻨﻮن ﻓﻲ ﺳﻤﺎء ﺣﻴﺎﺗﻪ. ودﻋﺖ اﻟﻀﺮورة اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻻﺳﺘﻜﻤﺎل اﻟﻠﻮﺣﺔ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
77
÷ŒŀŔĸĬĿí ôœîļă ĶŔûŎ
اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ واﻟﻴﺎزﻳﺔ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ
ﻳﻘﻮل اﻟﺴﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺟﺎﺳﺘﻮن ﺑﺎﺷﻴﻼر» :إن اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺤﻖ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻄﻠﻖ ﻋﺼﺎﻓﻴﺮ رؤاه ،ﻣﺒﺎرﻛًﺎ ﻃﻴﺮاﻧﻬﺎ اﻟﻤﻼﺋﻜﻲ وﻧﻐﻤﻬﺎ اﻟﻜﻮﻧﻲ ،وﺣﺮﻛﺘﻬﺎ اﻷورﻛﺴﺘﺮاﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺎن ،أﺻﻞ وﻻدة اﻷﺷﻴﺎء«. واﺳﺘﻄﺎع اﻟﺮاوي اﻟﺸﻔﻬﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ »اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ واﻟﻴﺎزﻳﺔ« اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﻬﺎ ووﺛﻘﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﺪﻛﺘﻮر راﺷﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ أن ﻳﺮﺳﻢ »ﺑﻮرﺗﺮﻳﻪ« ﺻﺎدﻗًﺎ ﻟﻠﻤﻜﺎن /اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ دﻓﺄت أﺣﻼم ﺑﻄﻠﻪ »اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ« واﺣﺘﻀﻨﺖ ﺻﺮاﺧﻪ اﻟﻤﻜﺘﻮم ،ﻣﻦ دون زﺧﺎرف ،ﻓﻘﻂ ﺗﺮك ﻟﻔﺮﺷﺎة اﻟﻮاﻗﻊ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻤﺒﺎدرة ﻓﻲ أن ﺗﺮﺳﻢ وﺗﺨﻂ وﺗﻠﻮن ﻣﺎ ﻳﺪور ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺎش ﺗﻀﺎرﻳﺴﻪ اﻟﻮﻋﺮة ،وﻫﻲ ﻓﺮﺷﺎة ﺣﺒﺮﻫﺎ اﻟﺮوح اﻟﻤﺘﻮﺛﺒﺔ ،ورﻣﺎد اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﻨﻬﻚ ،وﻓﺘﺎﻓﻴﺖ اﻷﺣﻼم اﻟﺠﺪﻳﺪة.
76
اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ
واﻹﻳﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ اﻟﻤﺮﺟﺤﺔ ﻟﻴﺼﻞ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻻﺳﺘﺮﺧﺎء اﻟﺘﺎم ،وﻫﻮ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﺸﺒﻪ ﺣﺪ اﻟﺘﺼﻮف أو اﻟﺸﺮﻳﻚ اﻟﻌﺎﺷﻖ ،ﻓﻤﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﻣﺜﻼ ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺬﻫﺐ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻣﻮﺿﻮ ًﻋﺎ ورﻣ ًﺰا ﻓﻲ اﻣﺘﻼك اﻟﺬﻫﺐ ً ﻟﻼﻣﺘﻼك اﻟﻜﺎﻣﻞ واﻟﺪاﺋﻢ ﻟﻜﻞ اﻟﺜﺮوات ،وﻳﺼﺒﺢ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻣﺤﺼﻮ ًرا ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﺠﻢ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻣﻨﻪ .وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺬوات اﻟﻬﻮﻳﱢﺔ ﺳﺘﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻀﻌﻒ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﻤﻮﺿﻮع اﻟﺬي ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻘﻮة ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻓﺎﺗ ًﻨﺎ وﻣﻐﺮﻳًﺎ ﻟﻬﺎ .وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺘﻤﻠﻚ اﻟﺤﺼﺮي ﻓﻲ ﻫﻮى )اﻟﺮﻏﺒﺔ( ﻛﺎﻣﻼ وﻓﻮرﻳًﺎ .وﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻳﺮﻳﺪه اﻟﻮﻟﻬﺎن ً ﻧﻮاﺟﻪ ﻫﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﻧﻤﻄﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﻐﻒ ؛ ﻓﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺪﻣﻦ اﻟﻜﺤﻮل ﻣﺜﻼ، ﻳﻜﻮن اﻷﻣﺮ اﻟﺠﻮﻫﺮي ﻫﻮ اﻟﺸﺮب ﻓﻮ ًرا ،أﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﺷﻖ ً ﻓﺈن اﻷﻣﺮ اﻟﺠﻮﻫﺮي ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ ،ﻫﻮ إﻳﺠﺎد ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ/اﻟﺬي ﻳﺤﺐ، إن ﻛﺎن ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ إﻳﺠﺎده/ـﻬﺎ واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ/ـﻬﺎ ﻓﻮ ًرا ،وإﻻﱠ ﻓﺈﻧﻪ/ ـﻬﺎ ﺳﻴﻠﺠﺄ إﻟﻰ اﻟﺘﺂﻣﺮ واﻟﺤﺴﺒﺎن واﻟﺘﻮﻗﻌﺎت ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﻬﺠﻲ ،وﻓﻲ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺗﺪﻓﻌﻪ/ـﻬﺎ ﻗﻮة اﻟﺮﻏﺒﺔ واﻟﺸﻐﻒ. وﻟﻘﺪ أﺑﺮز ﺳﺎرﺗﺮ ﺧﺎﺻﺔﻓﻲ )اﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ واﻟﻌﺪم( اﻟﻬﻮى اﻟﺸﻐﻮف ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺘﺐ )إن اﻻﻣﺘﻼك ﻫﻮ إرادة ﺗﻤﻠﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ( ؛ ﻓﺎﻣﺘﻼك اﻣﺮأة ﻣﺜﻼ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻳﻌﻨﻲ اﻣﺘﻼك اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ً ﻷن اﻟﻔﺮح اﻟﻨﺎﺟﻢ ﻋﻦ اﻻﻣﺘﻼك ﻳﺸﻊ ﻋﻔﻮﻳًﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ، وإﻧﻤﺎ ﻷن ﻫﺬا اﻻﻣﺘﻼك ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻔﺘﺎح اﻟﻜﻮن ،ﻳﻘﺎﺑﻞ ذﻟﻚ اﻻﻣﺘﻼك ﻣﺜﻼ اﻟﺘﺪﻣﻴﺮي ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺪﻣﻦ ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺗﻌﺎﻃﻰ اﻟﺸﺮاب أو اﻟﺘﺒﻎ ً ﻓﺈن )ردة اﻟﻔﻌﻞ ﺗﺴﺎوي رﻣﺰﻳًﺎ ﺗﺪﻣﻴ ًﺮا اﻣﺘﻼﻛ ًﻴﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﺳﺮه( ـ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺟﻴﺮوم ـ إﻧﻨﺎ إذا أردﻧﺎ أن ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻫ ًﻮا ﻟﻪ أﺑﻌﺎده اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ واﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻟﻠﺬات )اﻟﻔﺮد( ،وﻟﻪ أﺑﻌﺎده اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻠﻪ ،ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻻﺑﺪ أن ﻻ ﻧﻐﻔﻞ دور اﻟﺒﻴﺌﺔ
واﻟﻤﺤﻴﻂ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻏﺒﺎت وﺗﻮﺟﻴﻬﻬﺎ، ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻬﺎ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ إﻻ أﻧﻬﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ارﺗﺒﺎﻃﺎ وﺛﻴﻘﺎ ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻟﺪى اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت وﻟﻌﻞ ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻔﺮق ﺑﻴﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ وآﺧﺮ ؛ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺮﻏﺒﺔ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎت اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻫﻮﻳﺔ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ ،وﻟﻌﻞ ﻫﺬا ﻣﺎ دﻓﻊ ﺟﺎن دوﻓﻴﻨﻴﻮ إﻟﻰ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻓﺼﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﺗﻜ ﱡﻮن اﻷﻫﻮاء ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ( ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان ﻋﺎم أﺳﻤﺎه )اﻷﻫﻮاء اﻟﻤﺘﻮازﻳﺔ(؛ ﻛﺎن أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﻌﻨﻮان )اﻟﺒﺪو وﻧﻘﺺ اﻷﺷﻜﺎل( ،واﻟﺜﺎﻧﻲ )ﺳﺮﻳﺔ اﻟﺤﻀﺮ( ؛ ﺗﺤﺪث ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺴﺎق اﻟﻬﻮوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰ ﻛﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻌﻘﻴﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﻔﺼﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﻛﻞ ﻣﺘﺠﺬر ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﻪ وﺗﻠﻚ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰ اﻟﺬات وﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ واﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ وﺗﻌﻘﻴﺪ اﻟﺼﻮر ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﻟﻠﺮﻏﺒﺎت واﻷﻫﻮاء وﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻷﻣﻮات واﻷدﻳﺎن، واﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ واﻟﻬﻮاﺟﺲ واﻟﻤﺼﺎﺋﺐ واﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،وﻫﻲ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻋﻼﻗﺎت ﻣﺘﺪاﺧﻠﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻷﻫﻮاء واﻟﺮﻏﺒﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺗﻨﻮﻳﻌﺎت ﻋﺪة ﻛـ )اﻟﺤﺐ ،واﻟﺨﻮف ،واﻟﺨﺸﻴﺔ ،اﻟﻮﻗﺎر، واﻟﻘﻠﻖ ،واﻟﺮﻫﺒﺔ واﻟﺮﻏﺒﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ( ﻣﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀً ﺎ أو ﻣﺘﻜﺎﻓﺌًﺎ. وﻟﻬﺬا ﻓﺈن اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮد ﻫﻮى ﻓﻄﺮﻳﺎ وإﻧﻤﺎ ﻫﻮى ﻟﻪ ﺗﺎرﻳﺨﻪ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻧﺠﺪه ﻓﻲ ﺗﺮاﺛﻨﺎ ﺿﻤﻦ أﺑﻌﺎده اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻏﻴﺮ أن ﻣﺎ ﻧﺤﺘﺎﺟﻪ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ دراﺳﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺴﺎق اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺿﻤﻨﻬﺎ اﻷﻫﻮاء ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﻤﺜﻞ ُﻫﻮﻳﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺗﺤﻠﻴﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺎﻗﺎت اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ *ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻤﻴﺎءُ ،ﻋﻤﺎن
ﺗﻮاﺻﻴﻒ اﻟﺠﺪار اﻟﻮﻃﻲ ﱟ ﻛﻞ ْﻳﺤﻮﻣﻪ ﻳْﺤﻮﻣﻪ :ﻳﺘﺨ ّﻄﺎه.اﻟﻮﻃﻰ :ﻣﻦ اﻟﻮﻃﺎء أي اﻟﻤﻨﺨﻔﺾ ﻣﻦ اﻷرض »ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب« . وﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ أن ﺳﻮر أو ﺟﺪار اﻟﻤﻨﺰل ﻣﻨﺨﻔﺾ اﻻرﺗﻔﺎع ،ﻳﻜﻮن ﺳﻬﻼً ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺘﺨﻄّﺎه، واﻟﻮﻟﻮج داﺧﻠﻪ. ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻧﺘﻘﺎد وذ ّم ﻣﻦ ﻻ ﻳﺤﺎﻓﻈﻮن ﻋﻠﻰ أﻋﺮاﺿﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻌﺔ اﻟﺴﻴﺌﺔ.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
75
ﺳﻴﻤﻴﺎء
اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻫﻮى وﻣﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ )اﻟﻠﻤﺲ( ﺗﻘﻮل :ﻓﻮزﻳﺔ اﻟﺪرﻳﻊ ):إن إﺣﺴﺎﺳﻨﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة ﻫﻮ إﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﺒﺮودة ،ﺑﺎﻟﺤﺮارة ،ﺑﺎﻷﻟﻢ ،ﺑﺎﻟﻠﺬة ،ﺑﺎﻟﺪفء،(... ﻫﻲ إذًا ﻣﺸﺎﻋﺮ وأﺣﺎﺳﻴﺲ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﻘﻨﻴﺔ ﺗﺤﺮﻳﻚ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺑﻬﺎ أﻋﻀﺎء اﻟﺠﺴﺪ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ،وﻣﻬﻤﺎ أردﻧﺎ وﺻﻒ اﻹﺣﺴﺎس وإﻧﺘﺎﺟﻪ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﺼﻞ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻳﻘﻴﻨﻲ ﻷن اﻟﺤﺲ ﻛﻤﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﻏﺮﻳﻤﺎس ﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮ ،ﻓﻬﻮ ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺑﺼﻤﺔ أو ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ إﻗﺼﺎء ﻟﻜﻞ ﻋﻘﻼﻧﻴﺔ ،وﻟﻬﺬا ﻓﺈن ﺟﺮﻳﻤﺎس ﻫﻨﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺎ ﻣﻊ ﻣﺒﺪأ اﻟﺤﻴﺎة ذاﺗﻬﺎ. اﻷﻫﻮاء إذًاﺑﻮﺻﻔﻬﺎ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ وﻛﻤﺎ ﻳﺼﻔﻬﺎ ﺟﻴﺮوم روﻧﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ اﺳﻤﻬﺎ؛ ﻟﻴﺴﺖ )اﻛﺘﻔﺎء أو ﻟﺬﱠات أو آراء ،وإﻧﻤﺎ ﻣﻴﻮل أو ﺑﺎﻷﺣﺮى ﺗﺒﺪﻻت ﻓﻲ اﻟﻤﻴﻞ ﻣﻘﺘﺮﻧﺔ ﺑﺎﻟﻠﺬات أو اﻟﻜﺪر( ،وﻟﺬﻟﻚ ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﺼ ﱡﻮر ﻟﻠﺬوات اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻬﻮى وﺗﻔﺎﻋﻠﻪ ﻣﻊ أﻓﻌﺎل اﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ اﻟﻤﻤﺜﻠﺔ ﻟﻪ .وﻟﻌﻞ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﻪ ﻏﺮﻳﻤﺎس و ﻓﻮﻧﺘﻴﻨﻲ ﺣﻮل ﺣﺎﻻت اﻷﺷﻴﺎء وﺣﺎﻻت اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺪﻣﺎ ﻛﺘﺎﺑﻬﻤﺎ )ﺳﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺎت اﻷﻫﻮاء( ﺗُﻈﻬﺮ أن اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻓﻲ اﻟﻬﻮى ﻳﻤﻴﻞ إﻟﻰ أن ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺸﺮﻳﻚ /ذاﺗ ًﺎ ﻟﻠﺬات اﻟﻬﻮﻳﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺼﺪر اﻟﻔﺮﺿﻴﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺄن اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻌﻤﻴﻢ ،ﻣﻦ أﺟﻞ وﺻﻒ ﻫﻮى ،ﻫﻲ ﺑﻨﻴﺔ ﺑﻴﺬاﺗﻴﺔ ،وﻟﻬﺬا ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﻨﻴﺔ ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻏﻴﺮﻳﺔ ﺗﻐﻄﻲ ﺑﻴﺬاﺗﻴﺔ ﻛﺎﻣﻨﺔ ،وﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ )اﻟﺮﻏﺒﺔ( ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻫﻮى ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﺪم ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻣﻮﺿﻮع ،وﺗﺸﺎﻛﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻐﻞ داﺧﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺬوات ﺿﻤﻦ أدوار ﺗﺘﺎﺑﻊ اﻟﻬﻮى، وﻫﻲ أدوار ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻘﺮة ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻜﻮن اﻟﺨﻄﺎﺑﻲ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻬﻮى ،وﻛﻮن اﻟﻬﻮى ﻧﻔﺴﻪ؛ إذ ﻳﺼﺒﺢ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺮﻏﺒﺔ واﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻬﺎ )ﻣﻮﺿﻮ ًﻋﺎ( ﻓﻲ ﺣﺪ ذاﺗﻬﺎ.
74
اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻫﻮى وﻣﻌﺮﻓﺔ
د.ﻋﺎﺋﺸﺔ اﻟﺪرﻣﻜﻲ @
وﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺬات اﻟﻬﻮﻳﱢﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺸﻄﺮ ﻓﻲ ﻫﻮى )اﻟﺮﻏﺒﺔ( إﻟﻰ ذات ﻓﻌﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﻣﺜﺒﺘﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب ،وذات ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺼﻄﻨﻌﺔ اﻟﻬﻮي ﺗﻤﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﺎل اﺳﺘﻘﺒﺎل ﻓﻲ اﻟﺘﻤﻈﻬﺮ اﻟﻬﻮوي اﻟﺬي ﻳﺤﺎول ﱢ اﻟﺬاوت اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﻤﻮﺿﻮع؛ ﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺬي ﻳﺤﺎول اﻟﻬﻮي ﺗﻘﻤﺼﻪ وﺗﻤﺜﻠﻪ أﺛﻨﺎء اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل أو اﻟﺘﺨﻴﻞ أو ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﱡ ﺑﺎﻟﺬوات اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺮﻏﺒﺔ ،وﻟﻌﻞ ﺳﺆال ﻛﻮرﻧﺮﻳﺦ )ﻟﻤﺎذا ﻳﺮﺗﺎح اﻟﻤﻮﻟﻮدون اﻟﺠﺪد ﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﻤﺮﺟﺤﺔ؟( ،ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ وﻣﺘﻌﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ،إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﺼﻮر وإدراك وﺣﺴﺐ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺒﺤﺴﺐ ﻛﻮرﺗﺮﻳﺦ ﻓﺈن ﺣﺮﻛﺎت اﻟﻤﺮﺟﺤﺔ ﺗﻤﻨﺢ اﻟﺮﺿﻊ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻀﺒﻂ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﺪﻫﻠﻴﺰي ،وﻫﻲ ﺑﻬﺬا ﻣﻘﻮﻳﺎ أوﻟﻴﺎً ﻣﺮﻳﺤﺎً وﻣﺮﻏﻮﺑﺎ ﻓﻴﻪ ،ﻷﻧﻪ ﻳﺆدي دو ًرا دﻗﻴﻘًﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﻤﺨﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ. وﻹﺛﺒﺎت ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻛﻮرﺗﺮﻳﺦ ﻳﻘﺎرن ﺑﻴﻦ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺴﻮي واﻟﻄﻔﻞ اﻟﻤﺼﺎب ﺑﻌﺎﻫﺎت ﻓﻲ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻟﺪﻫﻠﻴﺰﻳﺔ واﻟﻠﻤﺴﻴﺔ ،ﻓﻲ أن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺳﻴﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﺿﻄﺮاﺑﺎت ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ وإدراﻛﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﺿﻄﺮاﺑﺎت ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة وﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻢ وﻓﻲ اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ اﻟﺒﺼﺮي واﻟﺤﺮﻛﻲ .وﻟﻬﺬا ﻓﺈن اﻹﺛﺎرة واﻹﻓﺮاز اﻷوﻟﻲ ﻟﻬﺮﻣﻮن اﻻﻛﺘﺌﺎب ،اﻟﻜﻮرﺗﻴﺰول، ﺳﺘﺘﻮازن ﺑﺈﻓﺮاز اﻷﻓﻴﻮﻧﻴﺎت اﻟﺬاﺗﻴﺔ واﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﻬﺪئ اﻟﻨﺎﺟﻢ ﻋﻨﻬﺎ .وﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻓﺈن اﻻﻛﺘـﺌﺎب اﻟﻘﻮي ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺣﺪوث اﻟﺘﺸﺎﺑﻚ. وﻟﻬﺬا ﻓﺈن ﺗﻤﻈﻬﺮات ﻫﻮى اﻟﺮﻏﺒﺔ واﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻫﺬا ﺳﺘﻤﻜﻦ اﻟﺬات اﻟﻬﻮﻳﱢﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺣﺪ )اﻟﺸﻐﻒ( ﺑﺎﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﻤﺴﺘﻬﻮى وﻫﻮ ﺷﻐﻒ ﺑﺎﻟﻤﻄﻠﻖ ،ﻗﺪ ﻧﺠﺪه ﻓﻲ ﺣﻮار اﻟﺬات ﻣﻊ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺮوﺣﻲ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻤﻮﺿﻮع ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻧﺠﺪه ﻇﺎﻫ ًﺮا ﻓﻲ ﻧﻮﺑﺎت اﻟﺒﻜﺎء اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺎب اﻟﻄﻔﻞ ﺣﺘﻰ ﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺬﻫﺎب
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻫﻮاﻣﺶ وإﺣﺎﻻت: - 1اﻧﻈﺮ :ﻋﻤﺮ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻄﺎﻟﺐ :أﺛﺮ اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ ،ﺳﻞ)اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة( ،ع ،86ﻣﻨﺸﻮرات اﻟﺠﺎﺣﻆ ﻟﻠﻨﺸﺮ ،ﺑﻐﺪاد ،1981 ،ص.59 : - 2اﻧﻈﺮ :ﻳﺴﺮى ﺷﺎﻛﺮ :ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮر اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،ج ،2دار اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﺪار اﻟﺒﻴﻀﺎء ،اﻟﻤﻐﺮب ،1978 ،ص.94: - 3اﻧﻈﺮ اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ج ،1ص.98 : Mohammed El Fasi: contes Fasis, C.C.C.N, A - 4 .Rabat, 1988, p: 127 - 5ﻓﺎروق ﺧﻮرﺷﻴﺪ :أدﻳﺐ اﻷﺳﻄﻮرة ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ،ﺳﻞ)ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ( ،ع ،284:اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻨﻮن واﻵداب، اﻟﻜﻮﻳﺖ ،أﻏﺴﻄﺲ ،2002ص.169: - 6اﻧﻈﺮ :ﻳﺴﺮى ﺷﺎﻛﺮ ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ج ،1ص.ص 70 :و174 و.214 - 7اﻧﻈﺮ :ﺷﻮﻗﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻜﻴﻢ :أﺳﺎﻃﻴﺮ وﻓﻮﻟﻜﻠﻮر اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ج ،1ﺳﻞ)ﻛﺘﺎب روز اﻟﻴﻮﺳﻒ( ،ع ،21ﻣﻄﺎﺑﻊ روز اﻟﻴﻮﺳﻒ ،ﻣﺼﺮ، ﻧﻮﻧﺒﺮ ،1974ﺻﺺ.205 204-: - 8اﻧﻈﺮ :ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺨﺮ اﻟﺪﻳﻦ :اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺴﺮدﻳﺔ واﻟﻤﺘﺨﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ،ج ،2رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺮﻗﻮﻧﺔ ﻧﻮﻗﺸﺖ ﻟﻨﻴﻞ
دﻛﺘﻮراه اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻵداب-اﻟﺮﺑﺎط ،اﻟﻤﻮﺳﻢ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ )-1999 ،(2000ﺗﺤﺖ إﺷﺮاف اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺴﺮﻏﻴﻨﻲ ،اﻷوراق391 : .39 -4 - 9اﻧﻈﺮ اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،اﻷوراق.251-120 : - 10اﻧﻈﺮ :ﻳﺴﺮى ﺷﺎﻛﺮ ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ج ،1ص.65 36- : - 11ﻳﺴﺮى ﺷﺎﻛﺮ :أﺟﻤﻞ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮر اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،ﻣﻄﺒﻌﺔ اﻟﻨﺠﺎح اﻟﺠﺪﻳﺪة ،اﻟﺪار اﻟﺒﻴﻀﺎء ،اﻟﻤﻐﺮب ،ط ،2006 ،1ص.113 : - 12ﻳﺴﺮى ﺷﺎﻛﺮ :ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮر اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،ج ،1اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.92 : - 13اﻧﻈﺮ اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ص.61-59 : - 14راﺟﻊ :ﺳﻴﻐﻤﻮﻧﺪ ﻓﺮوﻳﺪ :اﻟﻄﻮﻃﻢ واﻟﻄﺎﺑﻮ ،ﺗﺮ :ﺑﻮﻋﻠﻲ ﻳﺎﺳﻴﻦ ،دار اﻟﺤﻮار ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ ،اﻟﻼذﻗﻴﺔ ،ﺳﻮرﻳﺔ ،ط ،1983 ،1 ص.155 : - 15اﻧﻈﺮ اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ص.160 : - 16ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺨﺮ اﻟﺪﻳﻦ ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ج ،2اﻟﻮرﻗﺔ.221 : - 17اﻧﻈﺮ اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،اﻟﻮرﻗﺔ.404 : - 18ﻧﻔﺴﻪ ،اﻟﻮرﻗﺘﺎن 353 :و.363 - 19راﺟﻊ ﺳﻴﻐﻤﻮﻧﺪ ﻓﺮوﻳﺪ ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.151: - 20اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ص.22 :
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
73
ﺧَﻀْ َﺮا«) ،(17أورﻏﺒﺔ اﻷخ ﻓﻲ اﻟﺰواج ﻣﻦ أﺧﺘﻪ ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺘﻲ »اﻟْ َﺠﺎ ْزﻳَﺔ وﺧُﻮ َﻫﺎ« و«ﻃَ ْﻴﺮ اﻟﻐﺰﻻن«(18). إن اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺰواج ﺑﺎﻟﻤﺤﺎرم ،أوﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ أدﺑﻴﺎت اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ ،وﺗﺤﺪﻳﺪا ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺸﻌﻮب ،ﺑــ«ﺳﻔﺎح اﻷﻗﺎرب« ،ﺗﻌﺪ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ،أﺛﺮا ﻣﻦ آﺛﺎر اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻄﻮﻃﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ ﻇﻬﻮر اﻟﺸﺮاﺋﻊ اﻟﺴﻤﺎوﻳﱠﺔ واﻟﻮﺿﻌ ﱠﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺣﺎوﻟﺖ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ اﻷﺳﺮة أواﻟﻌﺸﻴﺮة أواﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ،اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻼﺣﻢ اﻷﺳﺮي ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،وﻫﻮﺳﻠﻮك ﺑﺪاﺋﻲ /ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻤ ﱢﺪن ﻗﻮﺑﻞ ﺑﻨﻔﻮ ٍر ﻓﻄﺮي واﺷﻤﺌﺰاز ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ اﺟﺘﻬﺪت ﻓﻲ ﺣﻈﺮه ،ﻓﻲ ٍ ﺗﺸﺮﻳﻌﺎت وﺿﻌﻴﺔ ،وذﻟﻚ إﻃﺎر اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ،أوﻋﺒﺮ ﺳ ﱢﻦ ﻟﻤﺎ ﻳﺘﺮﺗﱠﺐ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ أﺿﺮا ٍر ﻓﺎدﺣ ٍﺔ ﺑﺎﻷﺳﺮة ،ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ وﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ وﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ) ،(19وﺗﺤ ّﻮل ﻫﺬا اﻟﺤﻈﺮ ﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ ،إﻟﻰ ﻟﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﻬﻴﱡﺐ اﻟﺬي ﻗﺎد إﻟﻰ اﻟﻘﻀﺎء ﺷﺒﻪ اﻟﺘﺎم ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة ،وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮى ﺑﻌﺾ اﻟﺮواﺳﺐ اﻟﻤﺒﺜﻮﺛﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺮﻳ ٍﺢ أوﻣﻀﻤﺮٍ ،ﻓﻲ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ أﺳﺎﻃﻴﺮ وﺣﻜﺎﻳﺎت ،ﻓﻨﺤﻦ »ﻧﻌﺮف ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﻲ 72
اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﻧﻤﻮذﺟﺎ
ﻣﺮ ﺑﻬﺎ إﻧﺴﺎن ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﺠﺎﻣﺪة واﻷدوات اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﻟﻨﺎ ،وﻋﺒﺮ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻓﻨﻪ ودﻳﺎﻧﺘﻪ وﻧﻈﺮﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة، ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﺼﻠﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻣﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة أوﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻤﺤﻔﻮﻇﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺘﺮﻫﺎت واﻟﺨﺮاﻓﺎت ،وﻣﻦ ﺧﻼل رواﺳﺐ ﺗﻔﻜﻴﺮه ﻓﻲ ﻋﺎداﺗﻨﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻧﺎ ﻧﺤﻦ«)(20؛ رواﺳﺐ ﻇﻠﺖ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ رؤى وﺗﺼﻮرات وأﻧﺴﺎق ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ أﺧﺮى ﺑﺎﺋﺪة ،ﻏﺎﺋﺼﺔ راﺑﻀﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻖ اﻟﺬﻫﻨﻲ واﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ. وﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﺤﺎذﻳﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻮﺟﺒﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻠﻮن اﻟﺘﺮاﺛﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻟﻌﺐ دورا أﻋﻤﻖ ﻓﻲ إﻏﻨﺎء اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،ووﺳ ِﻤﻬﺎ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺪد واﻟﻐﻨﻰ ،ﺳﺎﻫﻤﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة أوﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،ﻓﻲ إﺛﺮاء اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﻔﻨﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،وذﻟﻚ ﺑﻤ ﱢﺪﻩ ﺑﻤﻌﻴﻦ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻨﻀﺐ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر واﻟﺮﻣﻮز واﻟﺪﻻﻻت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، اﺳﺘﻤﺪت ﻣﻘﻮﻣﺎﺗﻬﺎ وﻣﻴﻜﺎﻧﻴﺰﻣﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﻫﻲ ﻛﻤﺎ ﻧﻌﻠﻢ ،ﺑﻴﺌﺔ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻐﻨﻰ ،ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ وﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وﻃﺒﻴﻌﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ…ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﻋﻼﻗﺎت ﻣﻌﻘﺪة. وﻧﺤﻦ وإن ﻛ ّﻨﺎ ﻧﺴﻠّﻢ ﺑﻀﺮورة إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﻤﻮروث ﻛﺸﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،إﻻ أﻧﻨﺎ ﻧﻘﺮ ﻣﻊ ذﻟﻚ، ﺑﻀﺮورة ﺗﺤﻴﻴﺪه دون اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮه أوﺗﻬﻤﻴﺸﻪ ،ﻧﻈﺮا ﻟﻤﺎ ﻳﻜﺘﺴﻴﻪ ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺔ ﻗﺼﻮى ،ﻓﻬﻮﻳﻤﺪﻧﺎ ب«ﻣﺴﺘﺤﺜﺎت« ﺗﺮاﺛﻴﺔ وﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ، ﺗﺴﻌﻒ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ رﺳﻢ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،وﻧﻈﺮﺗﻪ إﻟﻰ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﻜﻮن واﻟﻮﺟﻮد ،إﺑﺎن ﻣﺮاﺣﻞ زﻣﻨﻴﺔ ﻏﺎﺑﺮة *ﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
وإﻟــﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻫــﺬه اﻟــﺴــﺮود اﻟﺘﻲ اﺧﺘﻠﻂ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﺎﻷﺳﻄﻮري ،ﺳﺎﻫﻤﺖ ﺣﻜﺎﻳﺎت أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ ﻓﻲ إﻋﻄﺎء ﺻﻮرة ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﺮأة ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ ﻳﻨﻈﺮون إﻟﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮة ﻣﻠﺆﻫﺎ اﻟﺸﻚ واﻻرﺗﻴﺎب ،وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ُوﺟﺪت اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺮوﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻮرت ﺗﺼﻮرا ﺳﻠﺒﻴﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﺮأة، ﺗﺒﺪوﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺣﻤﻘﺎء ﺧﺮﻗﺎء ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻟﻬﺎ وﺑﻴﺘﻬﺎ وزوﺟﻬﺎ .وﻣﻦ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﺘﻲ ﺣﺒﻠﺖ ﺑﻬﺬا اﻟﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻦ واﻟﺘﺼﻮرات ﻧﺬﻛﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻻ اﻟﺤﺼﺮ :ﻧﺼﻮص«اﺣﺴﺎﻳﻦ اﻟﺤﺪاد«)(8و«اﻟﺮاﺟﻞ و ْﻣ َﺮاﺗ ُﻮ«) (9و«زوﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻳﻒ«) (10و«ﻟﻼﻓُﻮﻓُﻮﻳَﺎ أوﻟـ َ ﱠﻼ َﻏ ﱡﻨﻮ«)(11 و»أﻫﻠﻬﺎ أﺣﻤﻖ ﻣﻨﻬﺎ«)(12 وﻧﻈﺮا ﻟﺤﻤﻘﻬﺎ وﺗﻤﺮدﻫﺎ وﻛﻴﺪﻫﺎ ،ﻓﻘﺪ رأت ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺸﻌﺐ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﺑﺄن اﻟﻤﺮأة ﻋﺎﻣﺔ، واﻟﺰوﺟﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﺘﺸﺪد ﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﺎ ،واﻟﺼﺮاﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ .وﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻋﻜﺴﺖ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻧﺬﻛﺮ ﺣﻜﺎﻳﺔ »ﻣﻦ اﻟ ْﻨ َﻬﺎ ْر اﻷ ﱠو ْل ﻛَﻴْ ُﻤﻮتْ اﻟ ُﻤ ْﺶ]اﻟﻘﻂ[«(13). ﻟﻘﺪ ﺣﺎول اﻟﺸﻌﺐ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻫﺬه اﻟﺴﻠﻮﻛﺎت اﻟﺸﺎذة ﻟﻠﻤﺮأة ﺑﻜﻮﻧﻬﺎ ﺧﻠﻘﺖ ﻣﻦ ﺿﻠﻊ أﻋﻮج، ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺮاه ﻳﺪﻋﻮ ،وﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ،إﻟﻰ اﻟﺤﺬر ﻣﻨﻬﺎ ،واﻟﺤﺰم ﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﺎ .إﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺼﺪﻓﺔ أن ﻳﺼ ّﺪر اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺨﺎﻟﺪ »أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ« ﺑﺄﺑﻴﺎت ﺗﺪﻋﻮإﻟﻰ اﻟﺤﺬر ﻣﻦ اﻟﻤﺮأة: ﻻ ﺗﺄﻣﻨﻦ إﻟﻰ اﻟﻨﺴﺎء ....وﻻ ﺗﺜﻖ ﺑﻌﻬﻮدﻫﻦ ﻳﺒﺪﻳﻦ و ّداً ﻛﺎذﺑﺎً ....واﻟﻐﺪر ﺣﺸﻮﺛﻴﺎﺑﻬﻦ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﻳﻮﺳﻒ ﻓﺎﻋﺘﺒﺮ ...ﻣﺘﺤﺬراً ﻣﻦ ﻛﻴﺪﻫﻦ أوﻣﺎ رأﻳﺖ أﺑﺎك آدم ....ﺧﺎرﺟﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﻦ
ﺣﺮﻣﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻣﺠﺘﻤﻊ ذﻛﻮري ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز ﻧﻈﻢ أﺷﻌﺎرا ،وﻗﺺ ﻣﺮوﻳﺎت ،وﻧﺴﺞ ﺣﻜﻤﺎ وأﻣﺜﺎﻻ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻛﺮﺳﺖ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺪوﻧﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺮأة ﻛﻜﺎﺋﻦ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﺛﺎﻧﻮي ﻳﺤﺘﺎج ﻣﻨﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻄﻒ واﻟﺤﺮص واﻟﻀﺒﻂ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ إﻋﺎدة اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻛ ّﻮن ﺻﻮرة ﻧﺎﺗﺌﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﺮأة ،وإﻋﺎدة ﻗﺮاءﺗﻪ، وإﺧﻀﺎﻋﻪ ﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻐﺮﺑﻠﺔ ،وذﻟﻚ ﺑﻐﻴﺔ ﺗﻘﻮﻳﻢ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟﻔﺎﺳﺪة واﻟﻘﻴﻢ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜ ّﺮس روح اﻹﻗﺼﺎء ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ. ب -ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻘﺮاﺑﻴﻦ:
ﻣﺎ دام ﻟﻠﺘﺮاث ﻫﺬه اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﻓﻲ وﺟﺪان اKﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻋﻘﻠﻪ ،ﻓﻘﺪ ﺑﺎت ﻣﻦ اﻟﺒﺪﻫﻲ أن ﻳﺘﻢ اﺳﺘﻠﻬﺎﻣﻪ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اXدﺑﺎء ،ﺳﻮاء ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻘﺼﺔ أم اﻟﻤﺴﺮح أم اﻟﺸﻌﺮ ،ﻣﻨﻄﻠﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا ﻣﻦ وﻋﻲ ﻣﻌﻴﻦ ﺑﻬﺬا اﻟﺘﺮاث وﺑﺄﻫﻤﻴﺘﻪ
اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،إذن ﻛﻮن ﺻﻮرة ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﺮأة ﻣﻠﺆﻫﺎ اﻟﺸﻚ واﻻرﺗﻴﺎب ،وﻫﻮأﻣﺮ ﻋﺎﺋﺪ ﺑﺎﻷﺳﺎس إﻟﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻮاﻋﺚ اﻟﺘﻲ ﺣﺪت ﺑﺮاوي اﻟﺸﻌﺐ إﻟﻰ أن ﻳﺴﻠﻚ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺞ ﻓﻲ ﻧﺴﺞ ﺣﻜﺎﻳﺎت ﺗﻬﺠﻮاﻟﻨﺴﺎء ،وﺗﺪﻋﻮإﻟﻰ اﻟﺘﺄﻟﻴﺐ ﺿﺪﻫﻦ واﻟﺤﺬر ﻣﻨﻬﻦ ،ﺑﻞ وﺣﺘﻰ اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻴﻬﻦ ،ﺟﺴﺪﻳﺎ أوﻣﻌﻨﻮﻳﺎ .إن ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة اﻟ ُﻤﺸَ ْﻴ ِﻄﻨﺔ ﻟﻠﻤﺮأة اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﺳﺎﻫﻤﺖ ﻓﻲ ﺗﻬﻤﻴﺸﻬﺎ وإﻗﺼﺎﺋﻬﺎ ،واﻟﺘﺸﻜﻴﻚ ﻓﻲ أﻫﻠﻴﺘﻬﺎ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺗﺒﻴﺢ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ أن ﺗﻘﺼﻴﻬﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ وﺛﻘﺎﻓﻴﺎ ،وﺗﺼﺎدر ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺎ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ
وﻫﻮﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﻄﻘﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰال اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺴﺮدﻳﱠﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻣﺤﺘ ِﻔﻈَﺔ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻔﻲ ﺳﺒﻴﻞ دﻓﻊ اﻟﺸ ﱢﺮ ،واﺳﺘﺪرار اﻟﺨﻴﺮ، واﺳﺘﺮﺿﺎء اﻹﻟﻪ واﺳﺘﻤﺎﻟﺘﻪ) ،(14ﺗﻠﺠﺄ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺤﻜﺎﺋﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻗﺮﺑﺎنٍ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ أﺿﺤﻴﺔ ،ﺗُﻘ ﱠﺪم ﻓﻲ ﺷﻜﻞ »وﻟﻴﻤ ٍﺔ ﻗﺮﺑﺎﻧﻴ ٍﺔ« ﺗُﺪﻋﻰ إﻟﻴﻬﺎ اﻷﺳﺮة أواﻟﻌﺸﻴﺮة ،ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻷﺿﺤﻴ ِﺔ ﻓﻲ ﻫــﺬا اﻟﺴﻴﺎق اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻤﻌﻘﺪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻌﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﺠﺪر ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن أﻻ ﻳُﺘ َﺨﻠﱠﻒ ﻋﻨﻪ ،وإﻻ ُﺣﺮِم اﻟﺨﻴﺮ «و«ﻧﺺ ْرﻃَـ ْـﻞ« ﻣﺜﻼ، ﻛﻠﱠﻪ) ،(15ﻓــ« ْرﻃ َْﻞ ْ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﺳﻤﻴﻬﻤﺎ ،ﻳﻘﻮﻻن ﻷﻣﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻣﺎﺗﺖ ﻣﺎﺷﻴﺘﻬﻢ ،وﺑﺎرت ﻓﻼﺣﺘﻬﻢ ،وﺑــﺎدت ﺛﺮوﺗﻬﻢَ » :را ْه ﻗَﺎﻟﱢﻴ َﻨﺎ َوا َﺣ ْﺪ اﻟ ﱠﺮا َﺟ ْﻞ ِدﻳ ُﺮوﺑَ ْﺮﻛُﻮﻛ َْﺶ]ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع ﺎش ]ﺣﺘﻰ[ﻳْﺠِﻴ ُﻜ ْﻢ اﻟ ْﺰ َر ْع ِﻏﻴ ْﺮ اﻟﻜﺴﻜﺲ[ ﺑَ ْ اﻛﺶ]ﺑﻜﺜﺮة[«)(16 ﻳَﺘْ َﺮ ْ
اﻟﺘﺰوج ﺑﺎﻟﻤﺤﺎرم: ج- m
وﺷﻴﻄﻨﺔ اﻟﻤﺮأة وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻘﺮاﺑﻴﻦ ﻟﻴﺲ ﻫﻤﺎ اﻟﻔﻌﻼن اﻟﺒﺪاﺋﻴﺎن اﻟﻠﺬان ﻗﺼﺼﻨﺎ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﻤﺎ ،ذﻟﻚ أﻧﻪ اﻛﺘﻨﺰ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻻ ﻳﺰال َ ذﻟﻚ ،ﺑﻤﻤﺎرﺳﺎت وﺛﻨﻴﺔ أﺧﺮى أﻫﻤﻬﺎ اﻟﺘﺰوج ﺑﺎﻟﻤﺤﺎرم .وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺳﻌﻲ »ﻻﻟﱠﺔ ﺧ َْﻼﻟَﺔ اﻷب إﻟﻰ اﻟﺘﺰ ﱡوج ﺑﺎﺑﻨﺘﻪ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮﻣﺎ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ َ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
71
ﻫﺬه اﻟﻮﻗﻔﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة واﻟﻤﻘﺘﻀﺒﺔ ،ﻋﻠﻰ إﺛﺎرة ﺑﻌﺾ ﻫﺬه اﻟﻈﻮاﻫﺮ، ﻣﻨﻄﻠﻘﻴﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻘﺼﺼﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻫﻤﺖ ،ﺗﺼﺮﻳﺤﺎ أوﺗﻠﻤﻴﺤﺎ أورﻣﺰا ،ﻓﻲ ﺑﻠﻮرﺗﻬﺎ وﺗﺮﺳﻴﺨﻬﺎ، اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ وﺛﻘﺎﻓﻴﺎ. أ -ﺷﻴﻄﻨﺔ اﻟﻤﺮأة:
ﺣﺎزت اﻟﻤﺮأة ،وﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻜﺎﻧﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ وﻧﻔﺴﻴﺘﻪ ،وﺣﻴﻜﺖ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺣﻜﺎﻳﺎت وأﺳﺎﻃﻴﺮ وﻣﺮوﻳﺎت ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺧﺎﻟﺪة، وﺿﺮﺑﺖ ﺑﻬﺎ وﻟﻬﺎ ،أﻣﺜﺎل وﺣﻜﻢ ﺻﺎﻏﺖ ﻋﺒﺮﻫﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺗﺼﻮراﺗﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﺴﻠﻜﻴﺎت اﻟﻤﺮأة وﻫﻲ ﺗﻤﺎرس دورﻫﺎ ﻛﺄم أوﺟﺪة أوزوﺟﺔ أوﻋﺸﻴﻘﺔ اﻟﻘﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ وإن اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷدوار أواﺑﻨﺔ .ﺑﻴﺪ أن ّ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪت ﻟﻬﺎ اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،إﻻ اﻧﻪ أوﻟﻰ دورﻫﺎ اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،وأﺣﺎﻃﻪ ﺑﻬﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ واﻟﺘﻬﻮﻳﻞ ،ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﻳﺴﻬﻤﺎ ﻣﺎ راج ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ واﻟﺴﺎﺣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻣﻦ ﻗﺼﺺ ﻋﺸﻖ اﻧﺤﺪر ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻋﻦ أﺻﻞ ﺷﺮﻗﻲ ،ﻗﺼﺺ اﺷﺮأﺑﺖ ﻟﻬﺎ اﻷﻋﻨﺎق ،وﺗﻴﻘﻈﺖ ﻟﺴﻤﺎﻋﻬﺎ اﻵذان ﻗﺒﻞ اﻷذﻫﺎن ،ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺮى اﻟﻜﺒﺎر ﻗﺒﻞ اﻟﺼﻐﺎر ،ﻳﻬﺮﻋﻮن ﻟﺴﻤﺎع ﻗﺼﺔ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ اﻟﻤﻠﻮح وﻟﻴﻠﻰ اﻟﻌﺎﻣﺮﻳﺔ، وﻳﺘﺎﺑﻌﻮن ﻓﻲ اﻧﻔﻌﺎل واﺿﺢ أﺳﻄﻮرة »إﻳﺴﻠﻲ« و«ﺗﺴﻠﻴﺖ« ،اﻟﺘﻲ
70
اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﻧﻤﻮذﺟﺎ
ﻳﻘﺎم ﻟﺘﺨﻠﻴﺪﻫﺎ ﻣﻮﺳﻢ »إﻳﻤﻠﺸﻴﻞ« ،ﻫﺬا ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻌﺸﻖ اﻟﻤﺴﺘﻤﺪة ﻣﻦ اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﺨﺎﻟﺪ »أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ«. وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺾ ﻗﺼﺺ اﻟﻐﺮام ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺎﻟﻔﺮاق ،ﻓﺈن أﻏﻠﺒﻬﺎ ﻛﺎن ﻳﺘ ﱠﻮج ﺑﺎﻟﺰواج ،وﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻔﻌﻞ ﺗﺘﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻤﺮأة ،ودورﻫﺎ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻷﺳــﺮة ،اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜّﻞ اﻷﺳــﺎس اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻜﻴﻦ)(1 ﻟﻘﺪ ﺗﺮددت أﺻﺪاء اﻟﺤﺐ ﻛﺜﻴﺮا ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻋﻤﻮﻣﺎ، وﻓﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻜﺎﻳﺔ »ﻫﺐ ﻳﺎ رﻳﺢ واﻧﺰل ﻳﺎ ﻧﺪى«) ،(2ﺧﻴﺮ ﻧﻤﻮذج ﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ،ﺣﻴﺚ ﻧﺠﺪ اﺑﻦ اﻟﻮزﻳﺮ واﺑﻨﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺮﺗﺒﻄﺎن ﻋﺒﺮ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺸﻖ ﻗﻮﻳﺔ .ﻟﻘﺪ أﺟﺒﺮ اﻟﺤﺒﻴﺒﺎن ﺑﺴﺒﺐ اﻷﻋﺮاف اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ،ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻤﺎن ﺣﺒﻬﻤﺎ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي أدى إﻟﻰ ﻣﺮض اﻟﻔﺘﺎة ،وﺟﻨﻮن اﺑﻦ اﻟﻮزﻳﺮ. واﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺤﺒﺔ ،ﻓﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،ﺗﻘﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﻤﻴﺎء أوﺻﻤﺎء ،ﻓﻬﻲ ﻣﺜﻼ ،ﻗﺪ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﺣﺒﺎﺋﻞ ﺣﺐ ﺷﺨﺺ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻫﻞ ﻣﺎدﻳﺎ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮﻣﺎ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ »اﻟﻜﻲ ﺑﺎﻟﺴﻜﻴﻦ«) ،(3أوأﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﺷﺮﻳﺤﺘﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮاﻟﺤﺎل ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻻﺑﻦ اﻟﺼﻴﺎد ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ »اﻟ ُﺤﻮﺗﺔ اﻟﺠﻨﻴّﺔ«) ،(4ﺣﻴﺚ ﻧﺠﺪه ﻳﺤﺐ اﺑﻨﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﺄن ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺑﺎب اﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻼت .ﻟﻜﻦ اﻟﺤﺐ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺤﻜﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻻ ﻳﻌﺮف ﺷﻴﺌﺎ اﺳﻤﻪ اﻟﻤﺤﺎل ،ذﻟﻚ أن اﺑﻦ اﻟﺼﻴﺎد اﺳﺘﻄﺎع ،وﺑﻔﻀﻞ ﺗﺪﺧﻞ ﻗﻮى داﻋﻤﺔ/ﺧﺎرﻗﺔ ،ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺣﻠﻤﻪ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ اﻟﺰواج ﺑﻤﻦ ﻳﺤﺐ. وإذا ﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺒﺔ ﻳﻨﺠﺤﻮن ﻓﻲ اﻟﻈﻔﺮ ﺑﻤﻦ ﻳﺤﺒﻮن ،ﻓﺈن اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ،وﻷﺳﺒﺎب اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ أواﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أودﻳﻨﻴﺔ ،ﻳﻔﺸﻠﻮن ﻓﻲ ذﻟﻚ، ﺑﻞ وﻳﻜ َﺮﻫﻮن أﺣﺎﻳﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج ﺑﻤﻦ ﻻ ﻳﺤﺒﻮن ،وﻫﻢ ﻣﻊ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﺴﺘﺴﻠﻤﻮن ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺼﺮون ﻋﻠﻰ اﻻﻟﺘﻘﺎء ،ﻻﺟﺌﻴﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﻜﻴﺪ واﻟﺤﻴﻠﺔ ،و«ﻣﺤﻮر اﻟﻜﻴﺪ داﺋﻤﺎ ﻫﻮاﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﺰوج واﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺤﺒﻴﺐ ،وﻧﺠﺎح اﻟﻤﺮأة داﺋﻤﺎ أﻛﻴﺪ ﻓﻲ اﺳﺘﻐﻔﺎل زوﺟﻬﺎ واﻟﻜﻴﺪ ﻟﻪ«) .(5واﻟﻜﻴﺪ ﻫﻨﺎ ﻳﻠﺒﺲ ﻟﻜﻞ ﺣﺎل ﺷﻜﻞ ،وﻟﻜﻞ ﻣﻘﺎم ﻟﻮن ،ﻓﻬﻮﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺣﻴﻠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن أي ﺷﻲء أووﺳﻴﻠﺔ ﺗﻮﺻﻞ اﻟﻌﺎﺷﻘﺔ إﻟﻰ ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ ،وﺗﻌﺪ ﺣﻜﺎﻳﺎت »ﺑْ ُﻬﻮتْ اﻟﻨﺴﺎء« و«ﻃﺎﺋﺮ اﻟﺤﻜﻤﺔ« و»دﻫﺎء اﻣﺮأة«)(6ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﺣﺘﻔﺎء ﺑﺎﻟﻜﻴﺪ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺤﺘﻀﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻘﺎم. ﻟﻘﺪ ﻛﺎن إذن ﻟﺒﻌﺾ اﻻﻧﺤﺮاﻓﺎت اﻟﺘﻲ وﺳﻤﺖ ﺳﻠﻮك ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ أﺛﺮه ﻓﻲ اﻗﺘﺮاﻧﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺤﻴﺔ واﻟﺸﻴﻄﺎن .وﻗﺪ ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﺘﻘﺪ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﺎ رددﺗﻪ ﺑﻌﺾ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺨﺮاﻓﺎت ﻣﻦ أن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻫﻮاﻟﺬي وﺳﻮس ﻟﺤﻮاء ﻣﻦ ﻓﻢ اﻟﺤﻴﺔ ﺑﺄن ﺗﺄﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻤﺤﻈﻮرة ،وﺑﺄﻧﻪ أﻳﻀﺎ ﻫﻮاﻟﺬي أﻏﻮى زوﺟﺘﻲ ﻧﻮح وﻟﻮط وأوردﻫﻤﺎ ﻣﻮارد اﻟﻬﻼك ،ﺑﺠﻌﻠﻬﻤﺎ ﻳﺨﺘﺎران اﻟﺸﺮك ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ(7).
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻧﻘﺪ اﻟﺘﺮاث
اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﻧﻤﻮذﺟ ًﺎ ﺣﻤﻴﺪ اﻟﺠﺮاري@
ﻳﺸﻜﻞ اﻟﺘﺮاث أﺣﺪ اﻟﻤﺮﺗﻜﺰات اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺣﺠﺮ اﻟﺰاوﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ واﻟﻮﺟﺪاﻧﻴﺔ ﻟﻜﻞ اﻟﺸﻌﻮب ،ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ و اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .و ﻫﻮ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ذﻟﻚ ،ﻣﻜﻮن ﻣﺤﺪد ﻟﻬﻮﻳﺘﻬﺎ وﺷﺨﺼﻴﺘﻬﺎ .إﻧﻪ ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﻴﻦ اﻟﺬي ﺗﻔﺰع إﻟﻴﻪ اﻷﻣﺔ ،و ﺧﺎﺻﺔ زﻣﻦ اﻟﻬﺰاﺋﻢ و اﻻﻧﻜﺴﺎرات ،ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﻣﺠﺪ ﻏﺎﺑﺮ ،و ﻣﺎض زاﻫﺮ ﻳﻌﻮﺿﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﻨﻘﺺ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺸﻌﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺤﺎﺿﺮ ،زﻣﻦ ِاﻻﻧﻜﺴﺎرات واﻟﻬﺰاﺋﻢ. واﻟﺘﺮاث ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻀﺮ ﻓﻲ إﻧﺘﺎﺟﺎت أدﺑﺎﺋﻨﺎ وﺷﻌﺮاﺋﻨﺎ وﻣﻔﻜﺮﻳﻨﺎ ﻓﺤﺴﺐ، وإﻧﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻀﺮ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻧﺠﺘﺮح ﻣﻦ ﺳﻠﻮﻛﺎت وأﻓﻌﺎل وﻣﻌﺘﻘﺪات وﺗﺼﻮرات ،ﻟﻬﺬا ﻓﺈﻧﻜﺎر ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻴﺸﻨﺎ اﻟﻤﺎدي واﻟﺬﻫﻨﻲ واﻟﺮوﺣﻲ ﻳﻌﺪ ﺿﺮﺑﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺎﺑﺮة اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺼﻤﺪ ﻃﻮﻳﻼ أﻣﺎم اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻄﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻌﻴﺶ. وإدراﻛﺎ ﻷﻫﻤﻴﺘﻪ وﺧﻄﺮه ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﻜﺮا وﺳﻠﻮﻛﺎ ،أﺣﻴﻂ اﻟﺸﻖ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻣﻨﻪ ،ﺑﻜﻞ ﺻﻨﻮف اﻹﺟﻼل ﻣﻜﻮن اﻟﺘﺮاث ،وﻻﺳﻴﻤﺎ ّ واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟﺬي وﺻﻞ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن درﺟﺔ اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻻﻗﺘﺮاب ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﺠﺮﻳﺢ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ أﺛﺎر ﺣﻔﻴﻈﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ واﻷدﺑﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء. وﻣﺎ دام ﻟﻠﺘﺮاث ﻫﺬه اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﻓﻲ وﺟﺪان اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻋﻘﻠﻪ ،ﻓﻘﺪ ﺑﺎت ﻣﻦ اﻟﺒﺪﻫﻲ أن ﻳﺘﻢ اﺳﺘﻠﻬﺎﻣﻪ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻷدﺑﺎء ،ﺳﻮاء ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻘﺼﺔ أم اﻟﻤﺴﺮح أم اﻟﺸﻌﺮ ،ﻣﻨﻄﻠﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا ﻣﻦ وﻋﻲ ﻣﻌﻴﻦ ﺑﻬﺬا اﻟﺘﺮاث وﺑﺄﻫﻤﻴﺘﻪ ،وﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺘﻨﺰﻫﺎ، واﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ اﻷدﺑﻲ ﺑﻌﺪا إﻧﺴﺎﻧﻴﺎ ﻗﻤﻴﻨﺎ ﺑﺘﺤﻮﻳﻠﻪ إﻟﻰ »ﻋﻤﻠﺔ« أدﺑﻴﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻋﺎﺑﺮة ﻟﻠﺤﺪود واﻟﻠﻐﺎت واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت. وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﻘﺼﻮى اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ،ﻣﻌﻴﺸﻴﺎ وﺛﻘﺎﻓﻴﺎ وﻓﻨﻴﺎ ،ﻓﺈن اﻟﻤﻮروث اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﻨﻪ، ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ﻛﻠﻪ ﻷن ﻳﻜﻮن ﻣﻨﻄﻠﻘﺎ ﻷي ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻧﺼﻲ ،وذﻟﻚ ﻻﺳﺘﻀﻤﺎر ﺑﻌﺾ ﻧﺼﻮﺻﻪ اﻟﺤﻜﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻢ واﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ واﻟﻮﺛﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ وإن ﻋﻔﺎ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺰﻣﻦ ،ﻓﻬﻲ ﻣﺎ ﺗﺰال ﺣﺎﺿﺮة وﻓﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻼوﻋﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،وﻣﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ ﺑﻠﻮرة وﺗﻜﺮﻳﺲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻗﻴﻢ اﻟﺘﻬﻤﻴﺶ واﻹﻗﺼﺎء ﻓﻲ ﺣﻖ ﻓﺌﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻦ ﺿﻤﻨﻬﺎ اﻟﻤﺮأة .واﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﺤﻀﺮة ﻫﻬﻨﺎ ﻛﺜﻴﺮة ﺟﺪا ،وﺳﻨﻌﻤﻞ ﺧﻼل
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
69
ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺗﺠﺪﻳﺪ أﺑﻲ ﺗﻤﺎم اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﻨﺼﻪ اﻟﻤﺠﺪد ،وﻻ ﺑﺮدوده اﻟﻤﻔﺤﻤﺔ «:وﻟﻢ ﻻ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل؟« أو »اﺋﺘﻨﻲ ﺑﺮﻳﺸﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺎح اﻟﺬل« ..وإﻧﻤﺎ ﺑﻤﺨﺘﺎرات ﺷﻌﺮﻳﺔ »اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ« ﻳﺜﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ أن اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻫﻮ ﻣﻜﻤﻦ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ. وﻗﺪ ﺳﺎد اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي اﻟﻨﻘﺎش ﻋﻠﻰ أي اﻟﺸﻌﺮاء أﻛﺜﺮ ﺗﻤﻴ ًﺰا؛ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ وأﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي ،ﻟﻠﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺴﻤﺖ اﻟﻨﻘﺎد إﻟﻰ ﻣﺘﺤﻴﺰ وﻣﻨﺼﻒ ،وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﻣﻮازﻧﺔ اﻵﻣﺪي ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي ووﺳﺎﻃﺔ اﻟﺠﺮﺟﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ وﻏﻴﺮه ..وﻣﻦ اﻟﻼﻓﺖ أن اﻟﺸﻌﺮاء ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﻘﻠﻠﻮن ﻣﻦ ﻣﻨﺠﺰ ﻫﺬه دﻋﻮة إﻟﻰ ﻗﺮاءة ﻣﻨﺠﺰﻧﺎ ﻣﻦ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻓﺤﻴﻦ ﺳﺌﻞ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻗﺎل» :أﻧﺎ وأﺑﻮﺗﻤﺎم ﺧﻼل ﻋﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻋﻴﻦ ﺛﺎﻟﺜﺔ، ﺣﻜﻴﻤﺎن ..واﻟﺒﺤﺘﺮي ﺷﺎﻋﺮ« ﻓﻠﻄﺎﻟﻤﺎ اﻧﺘﺼﺮ ﻛﺎﺗﺐ ﻟﻤﻨﻬﺠﻪ ﻣﻌﺎرك أدﺑﻴﺔ 4ﺳﺒﺎب ﻓﻨﻴﺔ ﻟﻤﻨﻬﺞ أﺣﺒﻪ ..ﻟﻜﻦ أن ﺗﻮﺿﻊ أو ٍ وﻣﻊ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ – ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﻤﻠﺔ ﻛﻞ اXﻃﺮاف ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة واﺣﺪة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم – ﻓﻘﺪ اﺷﺘﺪت اﻟﻤﻌﺎرك اﻷدﺑﻴﺔ ﻷﺳﺒﺎب ﻓﻨﻴﺔ ﻓﻌﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻣﺴﺘﺪﻳﺮة ﻳﺴﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ اﻧﻜﺐ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﺒﺎرودي وﺷﻮﻗﻲ ﻋﻠﻰ إﺣﻴﺎء ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻓﻬﺬا ﺑﺴﺘﺎن ﻣﺘﻨﻮع اﻟﻨﺺ وإﻋﺎدﺗﻪ ﻟﻤﻜﺎﻧﺘﻪ ،ﻛﺎن اﻟﻌﻘﺎد واﻟﻤﺎزﻧﻲ ﻳﺤﺎوﻟﻦ رﺑﻂ اﻟﻨﺺ ﺑﺎﻟﻌﺼﺮ وﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻧﺎﻫﻴﻚ وﻟﻴﺲ ﺷﺠﺮة واﺣﺪة..وﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻋﻦ اﻟﺼﺮاع اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﻴﻦ رﺑﻴﺐ اﻟﻤﻠﻮك ﺷﻮﻗﻲ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ» :ﻋﺼﻔﻮر واﺣﺪ وﺑﻴﻦ اﺑﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻌﻘﺎد ،ﻫﺬا ﻏﻴﺮ ﺻﺮاع ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺮﺑﻴﻊ« أو ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ اﻷﺟﻴﺎل واﻟﻤﺠﺎﻳﻠﻴﻦ .وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻫﻨﺎ أن ﻧﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮب» :ﻣﻦ ﺗﺨﺼﺐ ﺗﺨﻴﺮ« »اﻟﺪﻳﻮان ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻨﻘﺪ« ﻟﻠﻌﻘﺎد واﻟﻤﺎزﻧﻲ، و«ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻔﻮد« ﻟﻠﺮاﻓﻌﻲ. أﻣﺎ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎدت ﺗﺘﻮارى ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﻌﻘﺎد ﻣﻤﺜﻼً ﻟﻨﺺ اﻟﻌﻤﻮدي وﻋﺒﺪاﻟﺼﺒﻮر وﺣﺠﺎزي ﻣﻤﺜﻠﻴﻦ ﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﺘﻔﻌﻴﻠﺔ. وﻣﻊ ﺳﻴﺎدة اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ وﻛﺜﺮة اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎت وﺗﻮﻓﺮ اﻟﻌﻘﻮل اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ وﻛﺜﺮة اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﺨﻼﻓﻴﺔ ﺗﻄﻮرت ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺎرك أو اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺎت ﺗﻄﻮ ًرا رﺻﺪﺗﻪ ﻛﺘﺐ ﻋﺪة ﻣﻨﻪ» :ﻣﻌﺎرك أدﺑﻴﺔ« ﻟﻤﺤﻤﺪ ﻣﻨﺪور )دار ﻧﻬﻀﺔ ﻣﺼﺮ( .و«ﻣﻌﺎرك أدﺑﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ وﻣﻌﺎﺻﺮة« ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﺷﺮاره )دار اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻠﻤﻼﻳﻴﻦ( ،و«اﻟﻤﺴﺎﺟﻼت واﻟﻤﻌﺎرك اﻷدﺑﻴﺔ« .ﻷﻧﻮر اﻟﺠﻨﺪي )دار اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﻄﺒﻌﺔ
68
ﻣﻌﺎرك اﻟﺨﺎﻟﺪﻳﻦ
اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ 2008م(. أﻣﺎ ﻛﺘﺎب ﻣﻨﺪور ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻣﻌﺎرﻛﻪ اﻷدﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻋﺼﺮه وﻛﺘﺎﺑﻪ ،وﻻ ﻳﻨﻲ ﻳﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻣﺬﻫﺒﻪ اﻟﻨﻘﺎد وﻣﻨﺎﺑﻌﻪ وأﺳﺎﺗﺬﺗﻪ، وﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻣﻌﺎﻛﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻷدب واﻟﻨﻘﺪ ﺑﻞ ﻳﺘﻨﺎول اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻨﻮن، ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﻮﻗﻔﻪ ﺣﺎﺟﺰ اﻟﺰﻣﻦ ﻓﻴﻘﺎرن ﺑﻴﻦ ﺷﻌﺮاء ﻋﺼﺮه وﺳﺎﺑﻘﻴﻬﻢ ﺑﻤﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ ،أﻣﺎ ﻛﺘﺎب ﺷﺮارة ﻓﻬﻮ ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ أﻧﺘﻬﺰ ﻫﺬه اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻠﺪﻋﻮة إﻟﻰ إﺗﺎﺣﺘﻪ ﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﻘﺮاء؛ إذ إﻧﻪ ﻳﺘﻨﺎول ﺑﺎﻟﺪرس واﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺳﺒﻊ ﻋﺸﺮة ﻣﻌﺮﻛﺔ وآراء ﻣﻦ ﻋﺎﺻﺮوﻫﺎ؛ ﻣﺆﻳﺪﻳﻦ وﻣﻌﺎرﺿﻴﻦ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺮض ﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﺸﻌﺮ ﺛﻢ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺛﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، وﻳﺬﻫﺐ إﻟﻰ ﻛﺒﺎر اﻟﺸﻌﺮاء أﻣﺜﺎل اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ وﺷﻮﻗﻲ وﺟﺒﺮان ،وﻣﺎ أﺛﻴﺮ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرك، وﻳﺘﻨﺎول اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻣﺜﻞ ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻤﺮأة واﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ واﻟﻔﺼﺤﻰ، أﻣﺎ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻷدﺑﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ وأزﻣﺘﻪ .وﻳﺄﺗﻲ ﺛﺎﻟﺚ اﻟﻜﺘﺐ وﻫﻮ ﻛﺘﺎب أﻧﻮر اﻟﺠﻨﺪي اﻟﺬي ﻳﻨﺎﻗﺶ ﺳﺒ ًﻌﺎ وﺧﻤﺴﻴﻦ ﻣﻌﺮﻛﺔ أدﺑﻴﺔ وﻳﺤﺪد اﻟﺠﻨﺪي إﻃﺎرﻫﺎ اﻟﺰﻣﻨﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻷوﻟﻰ ،وﻳﻨﺤﻮ ﺑﻔﻬﺮﺳﺘﻬﺎ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺟﻴﺪة ﻓﻘﺪ ﻗﺴﻢ اﻟﻜﺘﺎب إﻟﻰ ﺳﺒﻌﺔ أﺑﻮاب ،ﻳﻀﻢ ﻛﻞ ﺑﺎب ﻋﻨﻮاﻧًﺎ ﻋﺎ ٍّﻣﺎ ،ﺛﻢ ﻳﺪرج ﺗﺤﺘﻪ اﺳﻢ اﻟﻔﺼﻞ واﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻴﻪ؛ ﻓﻤﺜﻼ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺒﺎب اﻟﺴﺎدس ﺑﻌﻨﻮان» :ﻣﻌﺎرك اﻟﻔﻜﺮ واﻟﺤﻀﺎرة« وﻳﻀﻢ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻗﻀﻴﺔ ﻓﺮﻋﻴﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ :اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ واﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻤﺪﻧﻲ، وﻳﻌﺮض ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺮأي اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﺪﺳﺘﻮري ﻋﺒﺪاﻟﺮازق اﻟﺴﻨﻬﻮري ،ورد ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻴﻦ. ﻫﺬه دﻋﻮة إﻟﻰ ﻗﺮاءة ﻣﻨﺠﺰﻧﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻋﻴﻦ ﺛﺎﻟﺜﺔ ،ﻓﻠﻄﺎﻟﻤﺎ اﻧﺘﺼﺮ ﻛﺎﺗﺐ ﻟﻤﻨﻬﺠﻪ أو ﻟﻤﻨﻬ ٍﺞ أﺣﺒﻪ ..ﻟﻜﻦ أن ﺗﻮﺿﻊ ﻛﻞ اﻷﻃﺮاف ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة واﺣﺪة ﻣﺴﺘﺪﻳﺮة ﻳﺴﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻓﻬﺬا ﺑﺴﺘﺎن ﻣﺘﻨﻮع وﻟﻴﺲ ﺷﺠﺮة واﺣــﺪة ..وﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﻤﺜﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ: »ﻋﺼﻔﻮر واﺣﺪ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺮﺑﻴﻊ« أو ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﺮب» :ﻣﻦ ﺗﺨﺼﺐ ﺗﺨﻴﺮ«
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻣﻊ ﻣﺠﻲء اKﺳﻼم ﺑﺪا اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻦ أﻓﻜﺎر وﻣﺒﺎدئ ،ﺑﻴﻦ ﻫﺠﻮﻣﺎ دﻋﻮة اKﺳﻼم واﻟﺮاﻓﻀﻴﻦ ﻟﻬﺎ ،وﻟﺌﻦ ﺑﺪا اXﻣﺮ ً ﻻذﻋﺎ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﺰﺑﻌﺮي وﻛﻌﺐ ﺑﻦ زﺑﻴﺮ؛ ﻓﻘﺪ وﺻﻞ ﻓﻲ ً ﻋﺎم اﻟﻮﻓﻮد إﻟﻰ ِﺣﺠﺎج ﻫﺎدئ ﻣﻨﻄﻘﻲ ﺑﺼﻌﻮد اXﻣﻮﻳﻴﻦ ﺳﺪة اﻟﺤﻜﻢ ﺻﺎرت ﻣﺴﺎﺟﻼت اﻟﺸﻌﺮاء ﻓ ً ّﻨﺎ ﺑﺬاﺗﻪ ،أﺷﻬﺮ ﻓﻦ ﺷﻌﺮي ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ، ﻗﺼﺼﺎ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻓﺮق ﺗﻤﻴﻢ اﻟﺪاري اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻜﻲ ً ﺰي ﻫﺬا إﻟﻰ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ وداﺧﻠﻬﺎ ،وﻟﺌﻦ ُﻋ َ ﺳﺒﺐ ﺳﻴﺎﺳﻲ؛ ﻓﺈن ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻟﺒﺸﺮ اﻟﻄﺎﻣﺤﺔ إﻟﻰ اXﺟﻤﻞ واXﻓﻀﻞ ﺳﺒﺐ أﻋﻠﻰ
وﻧﺺ ﺣﺴﺎن ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ اﻟﻤﺮﺗﺠﻞ اﻟﺬي ﻣﻄﻠﻌﻪ: إن اﻟﺬواﺋﺐ ﻣﻦ ﻓﻬﺮ وأﺧﻮﺗﻬﻢ ﻗﺪ ﺑﻴﻨﻮا ﺳﻨﺔ ﻟﻠﻨﺎس ﺗﺘﺒﻊ وﻋﻠﻰ ﺗﺒﺎﻋﺪ ﻛﺎن اﻟﻘﺮاء ﻳﺘﺨﺬون ﻣﻦ ﺧﺒﺮﺗﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﺣﻜﺎﻣﺎ ﻟﺘﻔﻀﻴﻞ ﺷﻌﺮاء ﻛﻤﺎ ﻓﻀﻞ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ اﻣﺮىء اﻟﻘﻴﺲ ،وﻓﻀﻞ اﻟﻔﺎروق ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب زﻫﻴﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﻰ. ﻓﻦ اﻟﻤﺴﺎﺟﻼت
وﺑﺼﻌﻮد اﻷﻣﻮﻳﻴﻦ ﺳﺪة اﻟﺤﻜﻢ ﺻﺎرت ﻣﺴﺎﺟﻼت اﻟﺸﻌﺮاء ﻓ ٍّﻨﺎ ﺑﺬاﺗﻪ، أﺷﻬﺮ ﻓﻦ ﺷﻌﺮي ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻓﺮق ﺗﻤﻴﻢ اﻟﺪاري ﺰي اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻜﻲ ً ﻗﺼﺼﺎ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ وداﺧﻠﻬﺎ ،وﻟﺌﻦ ُﻋ َ ﻫﺬا إﻟﻰ ﺳﺒﺐ ﺳﻴﺎﺳﻲ؛ ﻓﺈن ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻟﺒﺸﺮ اﻟﻄﺎﻣﺤﺔ إﻟﻰ اﻷﺟﻤﻞ واﻷﻓﻀﻞ ﺳﺒﺐ أﻋﻠﻰ، وإﻻ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺘﺼﺮ رﺟﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس ﻫﻮ ﺟﺮﻳﺮ ﺑﻦ ﻋﻄﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻜﺒﺮى، ﺑﻨﺼﻪ اﻟﻤﺄﺧﻮذ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ اﻟﺸﺎرع – وﻗﺘﺌﺬ – ﻟﻠﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻳﻬﺠﻮه ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻣﻊ اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﻨﻤﻴﺮي.. واﻟﻼﻓﺖ ﻫﻨﺎ أن اﻟﺸﺎﻋﺮﻳﻦ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﻴﻦ رﺑﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺻﺪاﻗﺔ ﺗﺼﻞ ﺣﺪ أن ﻳﺮﺛﻲ ﺟﺮﻳ ُﺮ اﻟﻔﺮزدق ﺣﻴﻦ ﻣﺎت ،واﻟﻼﻓﺖ أن اﻟﺸﻌﺮاء ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﺮﻓﻮن ﻟﻤﺘﻔﻮﻗﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﺒﻖ واﻟﺘﻤﻴﺰ ﻛﻤﺎ ﺷﻬﺪ اﻷﺧﻄﻞ ﻟﺠﺮﻳﺮ وﻟﻠﻔﺮزذق.
ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻘﺪ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ
ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻘﺪ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻋﺼﺮ اﻟﺸﻌﺮ ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﻤﺜﻠﻪ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز؛ ﻓﻘﺪ ﺻﺎر اﻷﻣﺮ ﺻﺮا ًﻋﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﻟﺬي ﻳﺮى ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺎس اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻓﻴﻤﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﺮى أن ﺧﻄﺎه ﻫﻲ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،وﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮ ﻣﻔﻠﻖ إﻻ وارﺗﻄﻢ ﺑﻨﻘﺎد ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ أﻟﻔﺖ اﻟﻜﺘﺐ ،وﻣﺎ أﺑﺮز ﻋﻤﻮد اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
67
ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻘﻮل ﺑﺎﻃﻤﺌﻨﺎن أن ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺎرك ﺿﺎرﺑﺔ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ ﺣﺪ ﺿﺮب ﻗﺒﺔ ﻓﻲ أﻛﺒﺮ ﺳﻮق واﻻﺳﺘﻤﺎع ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻣﺮاﺟﻌﺔ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﻲ إﻟﻰ ﻛﻞ أﻓﻀﻞ اﻟﺸﻌﺮاء واﺧﺘﻴﺎر اﻷﻓﻀﻞ ,وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻜﻤﺖ ﻓﻴﻬﺎ زوﺟﺔ اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ ﻟﻌﻠﻘﻤﺔ اﻟﻔﺤﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺎرك واﻟﻠﻘﺎءات ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺳﻴﺎدة ﻟﻐﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻮز ،وﻗﺪ ﻋﻠﻠﺖ ﺣﻜﻤﻬﺎ ﺑﺄﺳﺒﺎب ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ، ﻣﻌﻴﺎرﻳﺔ »اﻟﻔﺼﺤﻰ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ اﻵن« وﻛﺎن ﻣﻦ ﻓﻴﻤﺎ ذﻫﺐ اﻹﺧﺒﺎرﻳﻮن إﻟﻰ أن اﻟﺴﺒﺐ ﻫﻮ ﺿﻌﻒ أﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ارﺗﻘﺎء اﻟﻔﻦ اﻟﺸﻌﺮي وذﻳﻮﻋﻪ واﻧﺘﺸﺎره اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ اﻟﺠﻨﺴﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﻔﺤﻞ – ﻫﺬا إن ﻓﻲ أرﺟــﺎء اﻟﺠﺰﻳﺮة ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ ،ﻓﻌﺮف اﻟﻨﺎس ﺻﺤﺖ اﻟﻤﺮوﻳﺔ ذاﺗﻬﺎ -ﻓﻘﺪ ُروي أ ﱠن اﻣﺮأ اﻟﻘﻴﺲ ﻟﻤﺎ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻋﻨﺘﺮة واﻟﺨﻨﺴﺎء واﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ وﻗﻮاﻋﺪ ﻛﺎن ﻋﻨﺪ ﺑﻨﻲ ﻃَﻲء ز ﱠوﺟﻮه ﻣﻨﻬﻢ أم ﺟﻨﺪب وﺑﻘﻲ اﻟﻨﺺ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻋﻤﻮده دون ﻗﺎﻋﺪة ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ،أو ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﺎ ﺷﺎء اﻟﻠﻪ ،و َﺟﺎء ُه ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻋﻠﻘﻤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪة ﺗﻮﺟﻴﻬﺎت ﻧﻈﺮﻳﺔ. اﻟﺘﱠﻤﻴﻤﻲ و ُﻫﻮ ﻗﺎﻋ ٌﺪ ﻓﻲ ﺧﻴﻤﺘﻪ ،وﺧﻠﻔ ُﻪ أم ﺟﻨﺪب ﻫﺎ ﻫﻮ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺬﺑﻴﺎﻧﻲ ﻳﺠﻠﺲ ﺗﺤﺖ ﻗﺒﺔ ﺣﻤﺮاء؛ ﻓﺘﻨﺸﺪه اﻟﺨﻨﺴﺎء: ﻓﺘﺬاﻛ َﺮا اﻟﺸﻌﺮ …ﻓﻘﺎل اﻣﺮؤ اﻟﻘﻴﺲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﻣﻊ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﻄﻠﻌﻬﺎ: ِ ﺑﻌﻴﻨﻚ ا ْم ﺑﺎﻟﻌﻴﻦِ ﻋ ﱠﻮا ُر – ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻗﺬى ُ ﺧَﻠﻴﻠ ﱠَﻲ ُﻣ ﱠﺮا ﺑِﻲ َﻋﻠﻰ أ ّم ُﺟ ْﻨﺪَ ِب ﺧﻠﺖ ﻣ ْﻦ اﻫﻠ َﻬﺎ اﻟﺪﱠ ا ُر ﻓﺖ ا ْذ ْ ا ْم ذ ﱠر ْ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم – ُﻘـــــــﺾ ﻟُ َﺒﺎﻧ ِ َﺎت اﻟـــــ ُﻔﺆَا ِد اﻟ ُﻤ َﻌ ﱠﺬب ﱢ ﻧ ﻛﺄنّ ﻋﻴﻨﻲ ﻟﺬﻛﺮا ُه إذا َﺧﻄَ َﺮ ْت اﺷﺘﺪت اﻟﻤﻌﺎرك اXدﺑﻴﺔ ﻳــﺴﻴﻞ ﻋﻠَﻰ اﻟﺨﺪﱠ ﻳﻦِ ﻣﺪرا ُر ُ ﻓﻴﺾ ٌ Xﺳﺒﺎب ﻓﻨﻴﺔ ﻛﺈﺣﻴﺎء اﻟﻨﺺ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻋﻠﻘﻤﺔ: رﺑﻂ أو ﻟﻤﻜﺎﻧﺘﻪ، وإﻋﺎدﺗﻪ ِ َﺐ َذ َ ﻫﺒﺖ ﻣ َﻦ اﻟ ُﻬﺠﺮانِ ﻓﻲ ﻏَﻴ ِﺮ َﻣﺬﻫ ٍ ﻓﻴﻘﻮل :ﻟﻮﻻ أن »اﻷﻋﺸﻰ« أﻧﺸﺪ ﻗﺒﻠﻚ ،ﻟﻔﻀّ ﻠﺘﻚ ﻋﻠﻰ ﻛـﻞ ﻫَــــــﺬا اﻟ ﱠﺘ َﺠ ّﻨﺐ اﻟﻨﺺ ﺑﺎﻟﻌﺼﺮ وﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺷﻌﺮاء ﻫﺬه اﻟﺴﻨﺔ .وﻫﻨﺎ ﻳﻐﻀﺐ ﺣﺴﺎن ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ؛ َوﻟــﻢ ﻳـَﻚُ ﺣــ ّﻘﺎً ّ ﻓﻴﺴﺘﻨﺸﺪه اﻟﻨﻌﻤﺎن ﻓﻴﻘﻮل: ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ اﻟﺼﺮاع ﻛﻞ ﻣﻨﻬ َﻤﺎ ﻓﻲ وﺻﻒ ﻧﺎﻗﺘﻪ وﻓﺮﺳﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻫﺬا ﻏﻴﺮ ﺻﺮاع ﻟﻨﺎ اﻟﺠﻔﻨﺎت اﻟﻐﺮ ﻳﻠﻤﻌﻦ ﻓﻲ اﻟﻀﺤﻰ واﺳﺘﻄﺮ َد ﱞ اﻧﺘﻬﻴﺎ ﺗﺤﺎﻛﻤﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺤﻜﻤﺖ ﻟﻌﻠﻘﻤﺔ ﺑﺎﻟﺠﻮدة وأﺳﻴﺎﻓﻨﺎ ﻳـــﻘﻄﺮن ﻣﻦ ﻧﺠﺪة دﻣــﺎ اXﺟﻴﺎل واﻟﻤﺠﺎﻳﻠﻴﻦ واﻟﺴﺒﻖ .ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻣﺮؤ اﻟﻘﻴﺲ :ﺑﻢ ﻓﻀﻠﺖ ﺷﻌﺮه ﻓﻴﺤﺪد ﻟﻪ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ ﻣﻮاﻃﻦ ﺿﻌﻔﻪ :إﻧــﻚ ﻗﻠﺖ: ﻋﻠﻲ ﺷﻌﺮي؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻷن ﻓﺮس اﺑﻦ ﻋﺒﺪة أﺟﻮد )اﻟﺠﻔﻨﺎت( وﻫﻲ ﻣﻦ ﺟﻤﻊ اﻟﻘﻠﺔ ،واﻷﺣﺴﻦ ﻟﻮ ﻗﻠﺖ ﻣﻦ ﻓﺮﺳﻚ !ﻗﺎل :وﺑﻤﺎذا ؟ ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻚ زﺟﺮت ،وﺿﺮﺑﺖ ﺑﺴﻮﻃﻚ .وﻫﻲ )اﻟﺠﻔﺎن( ﻟﻜﺜﺮة اﻟﻌﺪد .وﻗﻠﺖ) :ﻳﻠﻤﻌﻦ( )ﻓﻲ اﻟﻀﺤﻰ( أي ﺗﻠﻤﻊ ﻓﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﻓﻲ وﺻﻒ ﻓﺮﺳﻪ :ﻓـﻠﻠــﺴﺎق أﻟـﻬـﻮب وﻟﻠـﺴﻮط درة وﺿﺢ اﻟﻨﻬﺎر ،وﻟﻮ ﻗﻠﺖ )ﻳﺒﺮﻗﻦ( )ﻓﻲ اﻟﺪﺟﻲ( ﻟﻜﺎن أﺑﻠﻎ ﻷن اﻟﻀﻴﻮف وﻟﻠــﺰﺟﺮ ﻣﻨــﻪ وﻗـﻊ أﺧﺮج ﻣﻬﺬب ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ أﻛﺜﺮ ﻃﺮوﻗًﺎ .وﻗﻠﺖ أﻳﻀً ﺎ) :أﺳﻴﺎﻓﻨﺎ( وﻫﻲ ﺟﻤﻊ ﻗﻠﺔ وﻟﻮ أﻣﺎ ﻋﻠﻘﻤﺔ ﻓﻘﺎل: ﻗﻠﺖ )ﺳﻴﻮﻓﻨﺎ( ﺟﻤﻊ ﻛﺜﺮة ﻟﻜﺎن أﻓﻀﻞ .وﻗﻠﺖ )ﻳﻘﻄﺮون دﻣﺎ( أي ﻓـﺄدرﻛــﻬﻦ ﺛـﺎﻧﻴــﺎ ﻣــــﻦ ﻋﻨﺎﻧﻪ ﺗﺴﻴﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻄﺮات اﻟﺪم .وﻟﻮ ﻗﻠﺖ )ﻳﺠﺮﻳﻦ( ﻟﻜﺎن أﻓﻀﻞ ﻓﺠﺮﻳﺎن اﻟﺪم ﻳﻤــﺮ ﻛـــﻤﺮ اﻟــﺮاﺋﺢ اﻟﻤﺘـﺤﻠﺐ دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮة اﻟﻘﺘﻠﻰ ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء. اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻦ ﻣﺒﺎدئ وأﻓﻜﺎر
ﻓﻔﺮﺳﻪ أﺟﻮد ﻣﻦ ﻓﺮﺳﻚ ؛ ﻷﻧﻪ ﻗﺪ أدرك اﻟﺨﻴﻞ ﺛﺎﻧﻴًﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ أن ﻳﻀﺮﺑﻪ ﺑﺴﻮط أو ﻳﺤﺮك ﺳﺎﻗﻴﻪ !!ﻓﻘﺎل اﻣﺮؤ اﻟﻘﻴﺲ :ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺄﺷﻌﺮ وﻣﻊ ﻣﺠﻲء اﻹﺳﻼم ﺑﺪا اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻦ أﻓﻜﺎر وﻣﺒﺎدئ ،ﺑﻴﻦ دﻋﻮة اﻹﺳﻼم ﻣﻨﻲ ،وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻪ واﻣﻘﺔ )ﻣﺤﺒﺔ وﻋﺎﺷﻘﺔ( ﻓﻄﻠﻘﻬﺎ ﻓﺨﻠﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻠﻘﻤﺔ؛ واﻟﺮاﻓﻀﻴﻦ ﻟﻬﺎ ،وﻟﺌﻦ ﺑﺪا اﻷﻣﺮ ﻫﺠﻮ ًﻣﺎ ﻻذ ًﻋﺎ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﺰﺑﻌﺮي وﻛﻌﺐ ﻓﺴﻤﻲ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻔﺤﻞ. ﺑﻦ زﺑﻴﺮ؛ ﻓﻘﺪ وﺻﻞ ﻓﻲ ﻋﺎم اﻟﻮﻓﻮد إﻟﻰ ِﺣﺠﺎج ﻫﺎدئ ﻣﻨﻄﻘﻲ ،وﻟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻆ أن اﻻﺧﺘﻼف ﻫﻨﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﺷﻌ ًﺮا ،وﻟﻜﻦ ﺗﻔﻮق ﺷﺎﻋﺮ ﺗﻔﻮق ﻗﺒﻴﻠﺔ وإﻋﻼء ﻟﺬﻛﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﺳﺘﻄﺎع ﺑﻜﻼﻣﻪ أن ﻳﺰﻳﻦ ﻣﺒﺎدﺋﻪ وﻳﺠﻌﻠﻬﺎ أﻗﺮب ﻟﻠﻨﺎس، أﻣﺎ اﻟﺨﺼﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻃﺮﻓﺎﻫﺎ ﺷﻌﺮاء ﻓﻬﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أن ﺗﻌﺪ ،ﻓﻘﺪ وﻳﻤﻜﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﻧﺺ اﻟﺰﺑﺮﻗﺎن ﺑﻦ ﻋﺪي اﻟﺬي ﻣﻄﻠﻌﻪ: ﻛﺎﻧﺖ وﻻدة ﺷﺎﻋﺮ ﻣﻔﺨﺮة ﻟﻠﻘﺒﻴﻠﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ،وﻣﻦ ﻧﺤﻦ اﻟﻜﺮام ﻓﻼ ﺣﻲ ﻳﻌﺎدﻟﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﺑﺪا أن ﺗﻔﻮق ﺷﺎﻋﺮ ﻫﻮ ﺗﻔﻮق ﻗﺒﻴﻠﺔ وإﻋﻼء ذﻛﺮﻫﺎ ﻟﻸﺑﺪ ،وﺗﻄﻮر ﻣﻨﺎ اﻟﻤﻠﻮك وﻓﻴﻨﺎ ﺗﻨﺼﺐ اﻟﺒﻴﻊ
66
ﻣﻌﺎرك اﻟﺨﺎﻟﺪﻳﻦ
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﺗﻄﻮرت ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻨﺎ ﻣﻮﺳﻮﻋﺎت أدﺑﻴﺔ أو ﺷﻌﺮﻳﺔ أو دﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺮواﺑﻂ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ )ﻣﺪاﺧﻞ اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﻌﺠﻤﻴﺔ ﻣﺜﻼ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب( .وأﻋﺘﺒﺮ ﻫﺬا ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻨﻴﻨﻲ ﺑﺎﻟﺮواﺑﻂ .ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﺑﻂ ﻇﻠﺖ ﺧﺎرﺟﻴﺔ ،أي أﻧﻬﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻓﻬﺎرس ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺪﺧﻮل إﻟﻰ اﻟﻨﺺ .ﻟﻜﻦ اﻟﺮواﺑﻂ اﻷﻫﻢ ﻫﻲ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺠﻨﺒﻨﺎ اﻟﻘﺮاءة اﻟﺨﻄﻴﺔ، وﺗﺠﻌﻞ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻨﺺ أﻛﺜﺮ .وﻳﻤﻜﻦ ﻗﻮل اﻟﺸﻲء ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ »اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ« ﻣﺜﻼ .ﻓﻬﻲ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻔﻬﺎرس اﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ ،أو اﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ،،، وﺑﺎﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﻤﺆﻟﻒ ،وﺑﺈﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﺒﺤﺚ ...ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺺ ﻳﻈﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرﺗﻪ اﻟﻮرﻗﻴﺔ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻀﻄﺮ إﻟﻰ »ﻗﺮاءة« اﻟﻨﺺ ﺧﻄﻴﺎ إﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﻘﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﻌﺪ أو اﻟﺘﻮرﻳﻖ. إن ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻨﺺ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﺮواﺑﻂ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ أو اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ إﻋﺎدة ﻃﺒﻊ اﻟﻨﺺ ﺑﺼﻴﻐﺔ »اﻟﻮورد«، وﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻟﺮواﺑﻂ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻧﺠﺪ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻟﻸﺳﻒ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﺤﺤﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﻣﺤﺪودة ﺟﺪا. ﻳﺘﻄﻠﺐ اﻻﻧﺘﻘﺎل إﻟﻰ ﺗﺮﻗﻴﻢ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﻀﺎﻓﺮ ﺟﻬﻮد اﻟﻤﺤﻘﻖ واﻟﻤﺮﻗﻢ .ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﻤﺤﻘﻖ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻨﺺ وﻣﺪى ﺻﺤﺘﻪ ،ﻳﺄﺗﻲ دور اﻟﻤﺮﻗﻢ ﻟﻴﺴﻬﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﺑﺎﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻣﺘﻮاﺋﻤﺎ ﻣﻊ اﻟﻮﺳﻴﻂ اﻟﺠﺪﻳﺪ .وﺑﻤﺎ أن ﻛﻠﻴﺎت اﻵداب ﻣﺎ ﺗﺰال ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻨﺺ »اﻟﻮرﻗﻲ« ،وﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﺪراﺳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺈدﻣﺎج اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻛﺎن ﻟﺰاﻣﺎ اﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﻠﻰ ﻣﺪارس اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﻴﺎت ﻟﻼﺷﺘﻐﺎل ﻣﻌﺎ ﺑﻬﺪف اﻻﻧﺘﻘﺎل إﻟﻰ ﺗﺮﻗﻴﻢ اﻟﻨﺺ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ، واﻹﻗﺪام ﻋﻠﻰ دﺧﻮل اﻟﻨﺺ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺮﻗﺎﻣﺔ ،ﻣﻦ ﺧﻼل إﻧﺘﺎج اﻷدب اﻟﺮﻗﻤﻲ. ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق ﻟﺘﺮﻗﻴﻢ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻫﻮ اﻟﺬي ﺳﺒﻘﻨﺎ إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ .وإذا ﻟﻢ ﻧﻨﺠﺢ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ اﻟﻤﺤﻘﻖ اﻟﻤﺮﻗﻢ ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺎت اﻵداب ﺑﻬﺪف ﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ،ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ،إﻳﺠﺎد ﺟﺴﻮر ﺑﻴﻦ ﻛﻠﻴﺎت اﻵداب وﻣﺪارس اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﻴﺎت وﻣﻌﺎﻫﺪﻫﺎ ﺑﻬﺪف دﺧﻮل ﻋﺼﺮ اﻟﺮﻗﺎﻣﺔ اﻟﺬي ﻫﻮ رﻫﺎن اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ *ﺑﺎﺣﺚ أﻛﺎدﻳﻤﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
ﻣﻌﺎرك اﻟﺨﺎﻟﺪﻳﻦ ٌ ﺗﺮاث وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ أﺣﻤﺪ ﺳﺮاج
»ﻓﻀّ ﻠﺖ زوﺟﺔ اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ ﻋﻠﻘﻤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪة ﻋﻠﻴﻪ ..وﺗﺮﻛﺖ أﻣﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮاء ﻟﻠﻔﺤﻞ« »ﺳﻴﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﺻﻔﻊ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ« »اﺑﻦ ﺧﺎﻟﻮﻳﻪ رﻣﻰ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﺑﺪواة ﺷﺠﺖ رأﺳﻪ« »ﺳﺒﺐ اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ ﺑﻴﻦ ﺳﻴﻒ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻫﻲ ﻣﻜﺎﺋﺪ دﺑﺮﻫﺎ ﺣﺴﺎد اﻟﺸﺎﻋﺮ« »اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻛﺎن ﻋﺎﺷﻘًﺎ ﻟﺨﻮﻟﺔ أﺧﺖ ﺳﻴﻒ اﻟﺪوﻟﺔ« ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﺖ ﻟﻨﺎ أﺛ ًﺮا ﺧﺎﻟﺪً ا – ﻟﻢ ﻧﻬﺘﻢ ﺑﻪ – واﻫﺘﻤﻤﻨﺎ ﺑﺎﻟﻐﺒﺎر ،ﺑﺎﻟﻐﺒﺎر ﻓﻘﻂ. وﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺟﺮى ﻣﻊ اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﺟﺮى ﺑﻴﻦ ﺟﺮﻳﺮ واﻟﻔﺮزدق واﻷﺧﻄﻞ؛ إذ ﺗﺤﻔﻞ ﻧﺼﻮص ﻧﻘﺎﺋﻀﻬﻢ ﺑﺘﺎرﻳﺦ ﺛﺮي وﺑﺄداء ﻟﻐﻮي ﻣﺎﺗﻊ؛ ﻓﻜﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎن أﺳﺘﺎذًا ﻓﻲ درﺑﻪ »ﺟﺮﻳﺮ ﻳﻐﺮف ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ..واﻟﻔﺮزدق ﻳﻨﺤﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺨﺮ« ،وﻟﻘﺪ ﺟﻬﺪ اﻟﻘﺪﻣﺎء أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺟﻤﻊ اﻟﺨﺼﻮﻣﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ واﻟﻨﻘﺎﺋﺾ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻟﻜﻨﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ إﺧﺮاﺟﻬﺎ اﻵن وﻗﺮاءﺗﻬﺎ وﺻﻮﻻً ﻟﻠﺠﻮﻫﺮ، وﺑﺤﺎﺟﺔ أﻛﺜﺮ إﻟﻰ ﺗﻮﺛﻴﻘﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﺷﺮاره» :ﺗﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وﻛﻞ زﻣﺎن« وﻫﻲ »ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻹﻧﺘﺎج ،وﻧﻘﺪ اﻹﻧﺘﺎج ،ورد اﻟﻨﻘﺪ« وﻫﻲ »ﺗُﺮد إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻴﺎء؛ اﻟﻤﺰاج واﻟﺬوق واﻻﺗﺠﺎه«. ﻓﻜﻴﻔﻴﺔ ﺣﺪوث ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺎرك ،وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻧﻘﺴﺎم اﻟﻨﺎس ﺣﻮﻟﻬﺎ ،وﻃﺮاﺋﻖ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﻌﺘﻘﺪه أو ﻣﺸﺮوﻋﻪ أو دواﻓﻌﻪ ،ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ رﺻﺪ وﺗﻮﺛﻴﻖ ودراﺳﺔ.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
65
ﻣﺪارات
اﻟﺘﺮاث ،اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ )(3/3
د .ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻘﻄﻴﻦ@
ﺗﻄﻠﺒﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺮوز ﻋﻠﻢ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ )اﻷﻏﺎﻧﻲ ـ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷرب .(...أو أن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﻠﺠﺄ إﻟﻰ ﻃﺒﻊ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻤﺎرﺳﻪ ،ﺑﻬﺪف ﺟﻌﻞ ﻗﺮاءة اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺨﻄﻮط اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ،إذا ﻛﺎن اﻟﻜﺘﺎب ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻴﺴﺮ ،ﺑﻬﺪف ﻗﺮاءﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻠﻘﺮاءة ﻣﻦ ﻟﺪن اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺎدي ،إﻻ ﻋﻠﻤﺎء ﺗﺸﺒﻌﻮا ﺑﻘﺮاءة اﻟﻮرق .وﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻳﻨﺴﺤﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺘﺮاث ،وﻓﻬﻤﻪ ،واﻻﺗﺼﺎل ﺑﻤﻨﺎﺑﻌﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺗﻤﺜﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻠﻮم اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﺼﻮﻳﺮﻫﺎ وﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻗﺎﺑﻠﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ...ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ ﻇﻬﻮر ﻋﻠﻢ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺄﺳﺒﺎب ﻟﻠﺘﺪاول ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺸﺒﻜﻲ. ﻳﻔﺮض اﻟﻮﺳﻴﻂ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻨﺺ )اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺮﻗﺎﻣﺔ. إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻣﺘﻼك اﻟ ُﻤﺮﻗﱢﻢ ﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻋﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ أو اﻟﺤﺪﻳﺚ( .ﻓﻜﻤﺎ أن اﻟﻮرق ﻓﺮض ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻨﺺ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺧﻄﻴﺔ ﻗﺮاءة اﻟﻨﺺ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ،ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻣﺘﻼﻛﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ دﻗﻴﻘﺔ ﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻓﻴﻬﺎ اﻷوراق ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﺴﻠﺴﻞ ،ﻳﻔﺮض اﻟﻮﺳﻴﻂ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻟﺘﻮاﺻﻞ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪام ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﺘﻌﺪدة اﻷﺑﻌﺎد ﺗﺘﻼءم ﻣﻊ اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﺪم اﻟﺒﺮﻣﺠﻴﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺺ إﻻ ﻣﺎ ﻧﺮاه ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﺗﺒﻌﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻓﻲ ﺟﺴﺪ اﻟﻨﺺ ﺑﺎﻟﺘﺪرج ﻣﻦ اﻷﻋﻠﻰ إﻟﻰ اﻷﺳﻔﻞ، ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ أو ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ،أو اﺑﺘﺪاع ﺑﺮﻣﺠﻴﺎت ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻨﻘﺮ ﻋﻠﻰ »اﻟﻤﺼﻌﺪ« اﻟﺠﺎﻧﺒﻲ ﺗﺴﻬﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺼﻮص ﺑﻬﺪف ﻗﺮاءﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺸﺎﺷﺔ .وﺑﻤﺎ أن ﻫﻨﺎك ﻳﺘﻄﻠﺐ اﻻﻧﺘﻘﺎل إﻟﻰ ﺗﺮﻗﻴﻢ ﻟﻠﺼﻔﺤﺔ )ﻟﻨﺴﻤﻪ »اﻟﺘﺼﻌﻴﺪ«( ،أو ﻣﻦ ﺧﻼل اﻧﻔﺼﺎﻻ ﺑﻴﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻷدﺑﻴﺔ وﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﻀﺎﻓﺮ »اﻟﺘﻮرﻳﻖ« اﻟﺬي ﻳﻔﺮض ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻻﻧﺘﻘﺎل إﻟﻰ »اﻟﻼﺣﻖ« ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻨﻘﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺆﺷﺮ ﻳﻨﻘﻠﻨﺎ اﻟﺨﻄﺎب واﻟﻨﺺ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺟﻬﻮد اﻟﻤﺤﻘﻖ واﻟﻤﺮﻗﻢ .ﻓﺈذا إﻟﻰ ﺻﻔﺤﺔ أﺧﺮى. اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻓﻲ ﺑﺮاﻣﺠﻨﺎ ﻛﺎن اﻟﻤﺤﻘﻖ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻨﺺ ﻟﻘﺪ ﻓﺮض اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة وﻣﻘﺮراﺗﻨﺎ اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺗﺮﻗﻴﻢ اﻟﻨﺺ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ .ﻟﻬﺬا وﻣﺪى ﺻﺤﺘﻪ ،ﻳﺄﺗﻲ دور اﻟﻤﺮﻗﻢ ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب ،ﻣﻨﺬ اﻟﺴﺒﺐ ﻧﺠﺪ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻨﺺ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻴﺴﻬﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﺑﺎﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﺗﻘﻨﻴﺔ »اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺘﺮاﺑﻂ« اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ أي ﻧﺺ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ُﻋﻘﺪ )ﺑﻨﻴﺎت ﻧﺼﻴﺔ( ﻳﺘﺼﻞ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻻ ﺗﺘﻌﺪى ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻨﺺ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻣﺘﻮاﺋﻤﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺑﻮاﺳﻄﺔ »رواﺑﻂ« ،ﺗﻴﺴﺮ ورﻗﻴﺎ .وﻫﺬا اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻨﺺ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻮﺳﻴﻂ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﺑﺎﻟﻨﻘﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻟﻼﻧﺘﻘﺎل ﺑﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻼﺋﻢ ﻣﻊ اﻟﻮﺳﻴﻂ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻷﻧﻪ ﻳﻔﺮض ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﺤﺎﺳﻮب أو اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ أو اﻟﻬﺎﺗﻒ اﻟﺬﻛﻲ ،ﻣﻜﻮﻧﺎت اﻟﻨﺺ .وﺑﺪون ﺗﻮﻇﻴﻒ ﺗﻘﻨﻴﺔ اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺘﺮاﺑﻂ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ، اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺤﻮل ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ ﺧﻄﻴﺔ :أي ﺗﺼﻔﺤﻪ أو ﻗﺮاءﺗﻪ إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺣﺎﺋﻠﺔ دون ﻗﺮاءة اﻟﻨﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ. ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره »ﻛﺘﺎﺑﺎ« ﻟﻪ ﺑﺪاﻳﺔ وﻧﻬﺎﻳﺔ .وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻬﻮ ﺳﻴﻘﺮأ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪم ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺗﻮﻇﻴﻒ ﺗﻘﻨﻴﺔ اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺘﺮاﺑﻂ ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻻﻧﻄﻼق ﻣﻦ اﻟﻔﻬﺎرس اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ اﻟﻤﺤﻘﻘﻮن إﻟﻴﻪ ﺑﺼﻴﻐﺔ »اﻟﺒﺪف« ﻣﺜﻼ ﺣﺴﺐ اﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻴﻪ. إن ﻗﺮاءة اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﺼﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ ،ﻷﻧﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻼﺋﻤﺔ ﻣﻊ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﺤﻘﻖ ﻟﺘﻜﻮن ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ رواﺑﻂ ﺧﺎرﺟﻴﺔ، اﻟﺸﺎﺷﺔ ،ﺗﺪﻓﻊ اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاء اﻟﻌﺮب إﻟﻰ ﺗﻔﻀﻴﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻠﻤﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﻨﻘﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻠﺪﺧﻮل إﻟﻰ اﻟﻨﺺ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ. اﻟﻮرﻗﻲ ﻷن اﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻘﺮاءة ﻋﺴﻴﺮة ﺟﺪا ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﻷﻣﺮ اﻋﺘﻤﺎد رواﺑﻂ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻨﺺ ﻟﻼﻧﺘﻘﺎل ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺎﺷﺔ ،وﻻﺳﻴﻤﺎ ﺣﻴﻦ ﻳﻜﻮن اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺘﻜﻮﻧﺎ ﻣﻦ ﻋﺪة ﻣﺠﻠﺪات ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﺎﺻﺮه وﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ.
64
اﻟﺘﺮاث ،اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ )(3/3
أﻧﺠﺰﺗﻪ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺲ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺪم ﻋﻠﻰ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻴﻦ ،ﻓﻘﺪ ﺷﺮﻋﻮا ﻓﻲ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺜﺮ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺴﻜﺎﻧﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ،أﺿﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﺘﺰاﻳﺪ ﺑﺎﻷدب اﻟﺤﺪﻳﺚ وﺑﺎﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺮف اﻟﻴﻮم ﺑﻌﻠﻢ » اﻷﻟﺴﻨﻴﺔ » ،ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﻛﺰون ﺑﺼﻮرة أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ودراﺳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻋﻠﻮم اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻓﻘﻬﻬﺎ. ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻬﻮﻳﻚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ؟ ﻳﺴﺘﻬﻮﻳﻨﻲ ﺗﺮاث اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ واﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ واﻟﻔﺎراﺑﻲ واﺑﻦ رﺷﺪ ﻫﺬه
اﻷﺳﻤﺎء ﻣﻊ ﻛﻢ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء اﻷﺧﺮى ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﺠﺮد ﻧﻘﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﻴﻮﻧﺎن، ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺒﺪﻋﻴﻦ وﻣﺆﻟﻔﻴﻦ وﺷﺎرﺣﻴﻦ أﻳﻀً ﺎ وﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺸﺮح ﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻧﻔﺘﺎح اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﻻ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺸﺮح ﻣﺠﺮد اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ وﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻖ ﻓﻜﺮ ﺟﺪﻳﺪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﻨﻲ ﻗﺪرة ﻫﺬه اﻟﺤﻀﺎرة ﻓﻲ اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻤﻌﺎرف اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن اﻟﺸﺮح ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻷﻧﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻌﺒﻴﺮه ﻋﻦ اﻵﺧﺮ، وﻋﻦ إﺑﺪاع اﻟﺬات أﻛﺜﺮ ﻣﻦ إﺑﺪاع اﻵﺧﺮ ..ﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﻮات اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺠﺎورون ﻣﻊ ﻣﻌﺎﺻﺮﻳﻨﺎ اﻷﺣﻴﺎء .ﻫﻢ ﻣﻠﻚ ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ أﻣﺜﺎل ﺷﻴﻜﺴﺒﻴﺮ ،وﻫﻴﺮاﻗﻠﻴﻄﺲ ،وﺳﻘﺮاط ،وأﻓﻼﻃﻮن ،ودﺳﺘﻴﻮﻓﺴﻜﻲ وﺗﻮﻟﺴﺘﻮي ،وﺑﻮﺷﻜﻴﻦ .ﻓﺎﻷﺳﻤﺎء واﻷﻋﻼم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﻜﻞ ﻣﺎ أﺑﺪﻋﺘﻪ ﻣﻦ ﻓﻜﺮ وﺗﺮﺑﺔ ﺟﻮاﻧﻴﺔ وﻃﺎﻗﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ وﻓﻜﺮﻳﺔ وﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ،ﻫﻲ ﺻﺮح ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ
ﻗﺎل ﺟﻴﻨﺎدي ﺟﻮرﻳﺎﺗﺸﻜﻴﻦ إن اKﻣﺎرات إﺣﺪى اﻟﺪول اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮق اXوﺳﻂ، ﻻﻓ ًﺘﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺸﻬﺪه ﻣﻦ ﻧﻬﻀﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﺣﻜﻤﺔ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﺬي ﺣﻤﻞ ﻟﻘﺐ »ﺣﻜﻴﻢ اﻟﻌﺮب« .وﺑﻤﺎ ُﻋﺮف ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻣﺘﻮازﻧﺔ وﺣﺐ ﻟﺸﻌﺒﻪ ،وﺣﺮص ﻋﻠﻰ ﻧﻬﻀﺘﻪ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
63
číŎă ﻣﻨﺪوب ب اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺪوﻟﻲ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ أﻟﻔﻲ ﺷﺒﻪ ﺟﺎءوا ﻣﻦ ﺑﻠﺪان ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﺼﺮ و ﻪ ﻦ وﻓﻠﺴﻄﻴﻦ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺨﻠﻴﺞ وﺳﻮرﻳﺎ ﻞ ﺑﺘﺸﻜﻴﻞ وﺗﻤﺨﺾ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺻﺪور ﻗﺮار ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ واﻷﻋﻤﺎل ﻟﺸﻌﻮب اﻟﺸﺮق ﻓﻲ 9ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 1920م. ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﻚ »ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ اﻷرﺷﻴﻔﺎت اﻟﺮوﺳﻴﺔ«؟ اﻟﻜﺘﺎب ﻳﺮﺻﺪ اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻦ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ واﻟﺪوﻟﺔاﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ ﻴﺎ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺮﻳﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻊ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﻣﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻬﻢ ﺳﻔﻦ ﻲ ﻓﻲ ﻢ ﻃﺮدﻫﻢ اﻟﺨﻠﻴﺞ ،أو أن ﺗﻮﺟﺪ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻗﻮة ،وﺣﺎوﻟﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻃﻲء اﻟﻘﻄﺮﻳﺔ واﻟﺒﺤﺮﻳﻨﻴﺔ وﺷﻮاﻃﻲء أﺑﻮﻇﺒﻲ. وﺗﺼﺎﻋﺪ اﻟﺨﻼف ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻴﻦ واﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ،ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻤﺎ ﺗﺮاه ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮاﺗﻬﺎ وﻧﻔﻮذﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺮى اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ أن اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻣﺘﺪاد ﻟﺪﺟﻠﺔ واﻟﻔﺮات وﺷﻂ اﻟﻌﺮب وأﻧــﻪ ﺿﻤﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻧﻔﻮذﻫﺎ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﺣﺔ وأﺑﻮ ﻇﺒﻲ واﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻳﺪﻓﻌﻮن أﻣﻮاﻻً ﻃﺎﺋﻠﺔ ﻟﻸﺗﺮاك ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻓﻲ آﺧﺮ ﻋﻬﺪه ﻓﺎﺳ ًﺪا ،ﺧﺎر ًﺟﺎ ﻋﻠﻰ أﺧﻼق اﻹﺳﻼم وأﺧﻼق اﻟﻤﺤﺎرﺑﻴﻦ ،ﻣﺘﻮرﻃًﺎ ﻓﻲ ﻓﺴﺎد أﺧﻼﻗﻲ وﻣﺎﻟﻲ ﻛﺒﻴﺮ. ﻛﻴﻒ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻹﻣﺎرات اﻟﻴﻮم ؟ اﻹﻣﺎرات إﺣﺪى اﻟﺪول اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ وﺗﺸﻬﺪ ﻧﻬﻀﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﺣﻜﻤﺔ اﻟﻤﻐﻔﻮرﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﺬي ﺣﻤﻞ ﻟﻘﺐ »ﺣﻜﻴﻢ اﻟﻌﺮب« .وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﺣﺮﻳﺼﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﻀﺘﻪ ،وﺑﺎدﻟﻪ اﻟﺸﻌﺐ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﺘﻮازﻧﺔ ،ﻣﺤ ًﺒﺎ ﻟﺸﻌﺒﻪ، ً ﺣ ًﺒﺎ ﺑﺤﺐ. ﻟﻘﺪ زرت اﻹﻣﺎرات وﺷﺎﻫﺪت ﻫﻨﺎك ﻧﻈﺎﻣﺎ ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺎ ﻣﺘﻄﻮرا ،وﻧﻈﺎﻣﺎ ﺻﺤﻴﺎ ﻣﺘﻘﺪﻣﺎ ،وإﻧﻔﺎﻗﺎ ﺣﻜﻮﻣﻴﺎ داﻋﻤﺎ ﻟﻨﺸﺎﻃﺎت اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﺘﻘﻨﻲ .واﺑﻨﺘﻲ ﺗﻘﻴﻢ ﻫﻨﺎك ﺣﻴﺚ ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ إﺣﺪى ﺷﺮﻛﺎت اﻟﺒﺘﺮول اﻟﺮوﺳﻴﺔ اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ وﻫﻲ ﺗﺠﻴﺪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﺗﺴﻌﻰ ﻷن ﺗﻜﻮن ﻣﺴﺘﻌﺮﺑﺔ ﻣﺜﻞ واﻟﺪﻫﺎ .وﻣﻨﺬ ﻋﺎﻣﻴﻦ اﻟﺘﻘﻴﺖ ﺑﻮزﻳﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻟﺒﺤﺚ آﻓﺎق اﻟﺘﻌﺎون اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﻴﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻮﺳﻜﻮ واﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ وﻛﺎﻧﺖ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ وﻧﺴﻌﻰ ﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎت ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﻘﺒﻠﺔ. ﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﺮوﺳﻲ واﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﻐﺮﺑﻲ ؟ ﻻﺑﺪ أن ﻧﻌﺘﺮف أن اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻛﺎن ﻣﻌﻠ ًﻤﺎ وراﺋ ًﺪا وﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ 62
ا_ﻣﺎرات إﺣﺪى اﻟﺪول اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق ا وﺳﻂ
اﻗﺘﺪى ﺑﻪ اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﺮوﺳﻲ .إذ إن اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ »دو ﺳﺎﺳﻲ« اﺳﺘﻄﺎع ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻬﺬﻳﺒﻴﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻄﺮﺳﺒﻮرج اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪت ﻟﻼﺳﺘﺸﺮاق ﻓﻲ روﺳﻴﺎ ،وﺗﺨﺮج ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ﺗﻼﻣﻴﺬ ﻋﻈﺎم ﻣﻦ أﻣﺜﺎل: ﺟﺮﺟﻴﺲ ،ودﻳﻤﺎﻧﺞ ،وﺷﺎروﻣﻲ .وﺗﻘﻮم ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻵن ﺑﺪور ﻓﻌﺎل وﻧﺸﻂ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻻﺳﺘﺸﺮاق واﻟﺪراﺳﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻗﻴﺎم اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ دار اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ ﻟﺪﻋﻢ دواﺋﺮ اﻟﻤﻌﺎرف ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ. وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ أن اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﻐﺮﺑﻲ أداة ﻟﺒﺴﻂ ﻫﻴﻤﻨﺔ اﻟﻐﺮب اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮق وﺑﺚ روح اﻟﺘﻐﺮﻳﺐ وﺗﻘﺒﻞ ﻗﻴﻢ اﻟﻐﺮﺑﻴﻴﻦ وﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ وﻫﻴﻤﻨﺔ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﺪان اﻟﺸﺮق؛ ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ أﻣﺎم اﻟﻐﺮﺑﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ذﻫﺒﻲ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ أﻫﺪاﻓﻬﻢ ﺳﻮى اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮق ﻣﻦ ﺧﻼل ﻓﻬﻢ أوﺿﺢ وأﻓﻀﻞ ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ ﻟﻠﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺪ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻌﻨﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ااﻟﺤﻞ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﻐﺮﻳﺐ واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮر أﻛﻤﻞ ﻟﺜﻘﺎﻓﺘﻪ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، وإدراك أﻓﻀﻞ ﻟﻸﻓﻌﺎل واﻻﻧﻔﻌﺎﻻت واﻟﺘﻴﺎرات اﻟﺘﻐﻴﻴﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ ،ورﻏﻢ ﺻﻌﻮﺑﺎت ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺒﺮى وﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻲ ﻧﺸﻮء اﻟﺘﺂﻟﻒ واﻟﺘﻨﺎﻏﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﻐﺮب وﺟﺰء آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﻘﻊ ﺑﺠﻮاره ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﺣﻴﻮﻳﺔ وﻳﺴﺘﺤﻖ ذﻟﻚ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ. أﻣــﺎ اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﺮوﺳﻲ ﻓﺒﻌﻴﺪ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ وﻳﺮﻛﺰ اﻟﻴﻮم ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻣﺄزق اﻟﻤﺎدﻳﺔ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﻫﻤﺸﺖ اﻟﻘﻴﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، وﺗﺤﺪﻳ ًﺪا اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﻟﺮوﺣﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ وﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻫﺪوء وﺑﻼ ﺿﺠﻴﺞ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻋﻼء ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻢ ،وﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﺳﺘﺤﺪاث ﺗﻘﻨﻴﺎت وﻋﻠﻮم وأﻓﻜﺎر ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻔﺘﺢ وﻟﻮ ﺑﺎﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎؤل أﻣﺎم ﺣﺎﻟﺔ اﻹﺣﺒﺎط اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ واﻟﺘﺸﺎؤم واﻟﻜﻮارث ،وﻣﻨﻄﻖ اﻟﻘﻮة اﻟﻐﺎﺷﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺜﻢ ﺑﺜﻘﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺪر اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺟﻤﻌﺎء. ﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ واﻗﻊ اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﻴﻮم واﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﻘﺪﻳﻢ ؟ واﻗــﻊ اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﻴﻮم ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻋﻦ واﻗﻊ اﻻﺳﺘﺸﺮاق ﺳﺎﺑﻘًﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻐﻴﺮت ﻇﺮوف اﻟﺤﻴﺎة ،وأﺻﺒﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻗﺮﻳﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺘﻘﺪم اﻟﺘﻘﻨﻲ اﻟﻬﺎﺋﻞ اﻟﺬي
ﻛﻴﻒ ﺑﺪأت ﻋﻼﻗﺘﻚ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ؟ ﺟﺌﺖ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻟﺰﻳﺎرة واﻟﺪي اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ ﻟﻤﻴﺎه اﻟﻨﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮرة ،ﺷﻤﺎل اﻟﺪﻟﺘﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وﻟﻤﺴﺖ ﻋﻦ ﻗﺮب أﺻﺎﻟﺔ ﻣﻌﺪن اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻤﺼﺮي وﻛﺮﻣﻪ ﻓﻘﺮرت ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺐ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﺧﻼل اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت واﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ازدﻫﺎرﻫﺎ وﺗﺄﻟﻘﻬﺎ ﻓﻘﺮرت اﺳﺘﻜﻤﺎل دراﺳﺎﺗﻲ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻋﻦ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﺧﻼل اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻟﻨﺎﺻﺮﻳﺔ واﻧﻔﺘﺢ اﻟﻤﺠﺎل أﻣﺎﻣﻲ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺸﻜﻞ أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎ ًﻋﺎ وﻗﺮرت اﻟﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮ. ﻛﻴﻒ ﺗﻘﻴﻢ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺑﻴﻦ روﺳﻴﺎ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ؟ ﻋﻘﺐ ﺛﻮرة أﻛﺘﻮﺑﺮ 1917م ،أﻋﻠﻨﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻴﺔ ﻋﻦ ﺗﺨﻠﻴﻬﺎ ورﻓﻀﻬﺎ اﻟﺠﺎزم ﻟﻠﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻟﻠﻘﻴﺼﺮﻳﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ،وﻛﺸﻔﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻸ اﻻﺗﻔﺎﻗﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻣﻨﻬﺎ اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ » ﺳﺎﻳﻜﺲ – ﺑﻴﻜﻮ » ﻓﻲ ﻣﺎﻳﻮ 1916م، واﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻔﺮض ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ واﻟﻨﻔﻮذ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ. وﻻﺷﻚ أن أﺣﺪ أواﺋــﻞ ﻣﺮاﺳﻴﻢ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻴﺔ ،اﻟﺬي ﻳﻜﺘﺴﺐ أﻫﻤﻴﺔ ﻗﺼﻮى ﺑﻬﺬا اﻟﺼﺪد ،ﻫﻮ اﻟﻨﺪاء اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ »إﻟﻰ ﻛﻞ اﻟﻜﺎدﺣﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤﻲ روﺳﻴﺎ واﻟﺸﺮق« ﻟﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻫﺬا اﻟﻨﺪاء إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﺗﺪاوﻟﺘﻪ اﻷﻳﺪي ،ﺑﻞ و ُﻋﻠﻖ ﻓﻲ ﺑﺮاوﻳﺰ ﻋﻠﻰ ﺟﺪران اﻟﺒﻴﻮت ،واﻋﺘﺒﺮه ﻛﺜﻴﺮون ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺧﻄﺎب ﻣﻦ ﻟﻴﻨﻴﻦ ﻟﻠﺰﻋﺎﻣﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳﺮﺷﺪﻫﻢ إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﻤﻞ .وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ رﻗﻢ 544ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻷرﺷﻴﻔﻴﺔ اﻟﻤﺘﻜﺎﻣﻠﺔ اﻟﻤﻌﻨﻮﻧﺔ ﺑـ« ﻣﺠﻠﺲ دﻋﺎﻳﺔ وأﻋﻤﺎل ﺷﻌﻮب اﻟﺸﺮق« واﻟﻤﺤﻔﻮﻇﺔ ﺗﺤﺖ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﻟﻠﺤﺰب اﻟﺸﻴﻮﻋﻲ اﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻲ ﺗﻮﺟﻬﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻴﺔ ﺑﻨﺪاء إﻟﻰ ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﺸﺮق واﻟﻌﺮب واﻟﻬﻨﻮد واﻟﻔﺮس واﻷﺗﺮاك اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺎﺟﺮ وﺣﻮش أوروﺑﺎ اﻟﺠﺸﻌﺔ ﺑﺮءوﺳﻬﻢ وﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻬﻢ وﺑﺤﺮﻳﺘﻬﻢ وأوﻃﺎﻧﻬﻢ ،ﻟﻤﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ ،ﻛﻲ ﻳﺴﻘﻄﻮا ﻣﺤﺘﻠﻴﻬﻢ وﻣﺴﺘﻌﺒﺪﻳﻬﻢ .وﺗﻀﻤﻦ اﻟﻨﺪاء أﻳﻀً ﺎ » :ﻣﻜﺘﻮب ﻋﻠﻰ راﻳﺘﻨﺎ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺷﻌﻮب اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﻀﻄﻬﺪة ،ﻳﺎ ﻣﺴﻠﻤﻲ روﺳﻴﺎ ! ﻳﺎ ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﺸﺮق ! ﻧﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﻜﻢ اﻟﺘﻌﺎﻃﻒ واﻟﻤﺴﺎﻧﺪة ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺠﺪﻳﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ..ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮﻧﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﻜﻢ أﺻﺤﺎب ﺑﻠﺪاﻧﻜﻢ ! ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﻨﺎء ﺣﻴﺎﺗﻜﻢ ﺑﺄﻧﻔﺴﻜﻢ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﻜﻢ، وﺑﻤﺎ ﻳﻨﺎﺳﺒﻜﻢ ! أﻧﺘﻢ ﺗﻤﻠﻜﻮن اﻟﺤﻖ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﻷن ﻣﺼﻴﺮﻛﻢ ﺑﻴﻦ أﻳﺪﻳﻜﻢ«. ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺘﻮي اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاد ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻧﻌﻘﺎد ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺷﻌﻮب اﻟﺸﺮق ﻓﻲ أذرﺑﻴﺠﺎن ﻓﻲ ﺧﺮﻳﻒ 1920م وﺷﺎرك ﻓﻲ ﻫﺬا
ﺟﻴﻨﺎدي ﺟﻮرﻳﺎﺗﺸﻜﻴﻦ ﻣﺴﺘﺸﺮق روﺳﻲ ﻣﻦ ﻣﻮاﻟﻴﺪ ﻋﺎم 1945م ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ إرﻛﻮﻧﺴﻚ ﻓﻲ ﺳﻴﺒﻴﺮﻳﺎ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ،ﺗﺨﺮج ﻓﻲ ﻣﻌﻬﺪ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻮﺳﻜﻮ اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﻋﺎم 1969م ،ﻳﻌﻤﻞ ﺣﺎﻟ ًﻴﺎ أﺳﺘﺎذًا ﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻠﺪان اﻟﺸﺮق اﻷدﻧﻰ واﻷوﺳﻂ ﺑﻤﻌﻬﺪ ﺑﻠﺪان آﺳﻴﺎ وأﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﻮﺳﻜﻮ. ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻮﺳﻜﻮ ﻋﺎم 1975م ﺑﻌﻨﻮان »اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻨﺎﺻﺮﻳﺔ« ،وﻋﻠﻰ دﻛﺘﻮراه اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﺎم 1996م ﺑﻌﻨﻮان »ﻧﺸﺄة اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ واﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﻈﺮوف اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ )1914 1841-م(«. ﻋﻤﻞ ﻣﺘﺮﺟ ًﻤﺎ ﻋﺴﻜﺮﻳًﺎ ﻣﻊ اﻟﺨﺒﺮاء اﻟﺴﻮﻓﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ وﻧﻈﻴﺮ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﺧﻼل ﺣﺮب اﻻﺳﺘﻨﺰاف ُﻣﻨﺢ ﻧﻮط اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﻌﺴﻜﺮي ﻣﻦ اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ. ﻋﻤﻞ ﻣﺪﻳ ًﺮا ﻟﻠﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺮوﺳﻲ ﻟﻠﻌﻠﻮم واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ )2005 – 2000م(. ﻣﻦ أﺑﺮز ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻪ »ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ اﻷرﺷﻴﻔﺎت اﻟﺮوﺳﻴﺔ«» ،اﻟﻬﺠﺮة اﻟﺮوﺳﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ وﺗﻮﻧﺲ«» ،اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ«، »ﻣﺼﺎﺋﺮ اﻟﻼﺟﺌﻴﻦ اﻟﺮوس ﻓﻲ ﻣﺼﺮ«» ،ذﻛﺮﻳﺎت ﻣﺘﺮﺟﻢ ﺳﻮﻓﻴﺘﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻬﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ«» ،ﺻﻔﺤﺎت ﻣﻦ اﻟﺤﻮار اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺮوﺳﻲ اﻟﻤﺼﺮي«.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
61
číŎă
ﻗﺎل إن اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻫﻮ ﺳﺮ ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ
اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق اﻟﺮوﺳﻲ ﺟﻴﻨﺎدي ﺟﻮرﻳﺎﺗﺸﻜﻴﻦ:
اMﻣﺎرات إﺣﺪى اﻟﺪول اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اXوﺳﻂ ﺣﺎوره – ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ
ﻗﺎل اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق اﻟﺮوﺳﻲ ﺟﻴﻨﺎدي ﺟﻮرﻳﺎﺗﺸﻜﻴﻦ إن اﻹﻣﺎرات إﺣﺪى اﻟﺪول اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ ،ﻻﻓ ًﺘﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺸﻬﺪه ﻣﻦ ﻧﻬﻀﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﺣﻜﻤﺔ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﺬي ﺣﻤﻞ ﻟﻘﺐ »ﺣﻜﻴﻢ اﻟﻌﺮب« .وﺑﻤﺎ ُﻋﺮف ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻣﺘﻮازﻧﺔ وﺣﺐ ﻟﺸﻌﺒﻪ ،وﺣﺮص ﻋﻠﻰ ﻧﻬﻀﺘﻪ. وأﺿﺎف :ﺟﻮرﻳﺎﺗﺸﻜﻴﻦ :ﻟﻘﺪ زرت اﻹﻣﺎرات وﺷﺎﻫﺪت ﻫﻨﺎك ﻧﻈﺎ ًﻣﺎ ﺗﻌﻠﻴﻤ ًﻴﺎ ﻣﺘﻄﻮ ًرا ،وﻧﻈﺎ ًﻣﺎ ﺻﺤ ًﻴﺎ ﻣﺘﻘﺪ ًﻣﺎ ،وإﻧﻔﺎﻗًﺎ ﺣﻜﻮﻣ ًﻴﺎ داﻋ ًﻤﺎ ﻟﻨﺸﺎﻃﺎت اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﺘﻘﻨﻲ. وﻳﺤﻈﻰ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم ﺧﺎص ﻣﻦ ﺟﻮرﻳﺎﺗﺸﻜﻴﻦ اﻟﺬي ﻳﻌﻤﻞ أﺳﺘﺎ ًذا ﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻠﺪان اﻟﺸﺮق اﻷدﻧﻰ واﻷوﺳﻂ ﺑﻤﻌﻬﺪ ﺑﻠﺪان آﺳﻴﺎ وأﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﻮﺳﻜﻮ .وﻟﻪ ﻣﺆﻟﻒ ﻫﺎم ﺑﻌﻨﻮان »ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ اﻷرﺷﻴﻔﺎت اﻟﺮوﺳﻴﺔ« اﺳﺘﻌﺮض ﺧﻼﻟﻪ اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻦ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ.
60
ا_ﻣﺎرات إﺣﺪى اﻟﺪول اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق ا وﺳﻂ
وﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﻟﻠﻨﺺ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺗﺎرﻳﺨﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻠﻤﺢ اﻹﺑﺪاع اﻟﺴﺮدي اﻟﺬي ﻳﺤﺮك اﻷﺣﺪاث ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﻓﻲ ﺳﺮود أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ ﻛﺬﻟﻚ :ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻲ رؤﻳﺎ أﺣﺪ اﻟﻤﻠﻮك ﻳﺘﻢ اﺳﺘﺪﻋﺎء اﻟﻜﻬﻨﺔ وأﻫﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻫﺎ، وﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﻮي اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻮءة ﻣﻔﺰﻋﺔ ﻳﺘﺤﺮك ﻋﻠﻰ إﺛﺮﻫﺎ اﻟﻤﻠﻚ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟ ٍﺔ ﻻﺗﻘﺎء ﻫﺬه اﻟﻨﺒﻮءة ،ﻟﻜﻨﻪ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﻳﻔﺸﻞ، ﻓ ُﻴﻨﻔﺬ اﻟﻘﺪ ُر ﺳﻬﺎﻣﻪ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻻﺗﻘﺎﺋﻬﺎ .وﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻮﻋﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ ﺗﻜﻮن اﻷرض ﺑﺴﺎﻃﺎ ﻣﺴﻄﺤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن »ﺗﻨﻘﻠﺐ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ«، ﻛﻤﺎ أن اﻟﻜﻮاﻛﺐ ﺗﺘﺤﻮل ﻃﻴﻮرا ﻟﻮﻧﻬﺎ أﺑﻴﺾ ﺗﺨﻄﻒ اﻟﻨﺎس وﺗﻠﻘﻴﻬﻢ ﺑﻴﻦ ﺟﺒﻠﻴﻦ ،ﺛﻢ ﻳﻀﻴﻖ اﻟﺠﺒﻼن ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أن أﻃﺮاف اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻤﻢ ﺟﺒﻞ ﻗﺎف ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻬﺎ ،وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻛﺎن ﻳﻨﻈﺮ ﻟﻠﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣﺰﻳﺠﺎ أﺳﻄﻮرﻳﺎ ﻏﺎﻣﻀﺎ وﻣﻬﻴﺒﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ وﻃﻠﺴﻤﺎﺗﻪ وﻣﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﻄﺐ واﻟﻬﻨﺪﺳﺔ واﻟﺤﺴﺎب واﻟﺼﻴﺪﻟﺔ واﻟﺤﻜﻤﺔ أﻳﻀً ﺎ. اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ أﻓﻖ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻬﺪﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪى اﻟﻮﻋﻲ ﻛﺜﻴﺮة وﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻨﻬﺎ ﺳﻮى ﺑﺎﻟﻠﺠﻮء ﻟﻠﺘﺼﻮرات اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ ،ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ ﻹﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺘﻨﺎ ﺑﻌﻴﻦ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﺴﺮدي أو دراﺳﺔ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ، وﺗﻜﻮن اﻟﻤﺤﺼﻠﺔ ﻫﻲ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺘﺼﻮرات اﻟﻘﺪﻣﺎء وأﻓﻜﺎرﻫﻢ اﻟﻤﺆﻃﺮة ﺑﺂﻓﺎق اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻫﻢ. ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻣﻮس: رﺋﻴﺴﺎ ﻋﻨﺪ ﻫﺮم :ﻟﻌﺒﺖ ﻓﻜﺮة اﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت دو ًرا ً اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ اﻟﻘﺪﻣﺎء ،وﻣﻸت ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﻢ إﻟﻰ درﺟﺔ أن اﻹﻋﺪاد
ﻟﻬﺬه اﻟﺤﻴﺎة ﻛﺎن ﻳﺒﺪأ ﻋﺎﻣﺔ واﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺷﺮخ ﺷﺒﺎﺑﻪ ،وﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻀﻤﺎﻧﺎت ﻟﻠﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺸﻴﻴﺪ ﻣﻘﺒﺮة ﻣﻨﻴﻌﺔ اﻟﺠﻮاﻧﺐ ...وﻟﻴﺴﺖ اﻷﻫﺮام ﺳﻮى ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺘﻄﻮر ،اﻟﺬي ﺧﻀﻌﺖ ﻟﻪ ﻣﻘﺎﺑﺮ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ اﻟﻘﺪﻣﺎء ...وﻳﻔﺴﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻧﺘﻘﺎل اﻟﻤﺼﺮي ﻣﻦ ﻃﺮاز اﻟﻤﻘﺒﺮة اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻣﺼﻄﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻄﺮاز اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻫﺮم ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ اﻟﺸﺎﻣﻞ ،اﻟﺬي ﻃﺮأ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﻠﻚ وﻗﺪﺳﻴﺘﻪ، اﺑﺘﺪاء ﻣﻦ ﻋﺼﺮ زوﺳﺮ .إذ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺎﻟﺠﻬﻮد اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﻬﺎ ﻣﻠﻮك اﻷﺳﺮﺗﻴﻦ اﻷوﻟﻰ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺷﻄﺮي ﻣﺼﺮ ،واﻟﻤﺤﺎوﻻت اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ اﻟﺘﺠﺄ إﻟﻴﻬﺎ أﻫﻞ اﻟﺪﻟﺘﺎ ﻟﺘﺤﻄﻴﻢ ﻫﺬه اﻟﻮﺣﺪة ،ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ ﺣﺮوب ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻃﻮال ﻗﺮون ﺛﻼﺛﺔ ) ٣٢٠٠إﻟﻰ ٢٩٠٠ق.م( ،وﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻋﺮف زوﺳﺮ أن اﻟﺼﺨﺮة اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻄﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺤﺎوﻻت ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻮﺣﺪة ،ﻫﻲ ﻧﻔﻮر أﻫﻞ اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻣﻦ ﺳﻴﺎدة ﻣﻠﻚ ﺷﻤﺎﻟﻲ ،واﺳﺘﻤﺎﺗﺔ أﻫﻞ اﻟﺪﻟﺘﺎ ﻓﻲ رﻓﺾ ﺳﻴﺎدة ﻣﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب ،ﻓﺄﻋﻠﻦ زوﺳﺮ أﻟﻮﻫﻴﺘﻪ وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل أو إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ،ﺑﻞ ﻫﻮ إﻟﻪ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺴﻤﺎء ،رﺿﻲ أن ﻳﻨﺰل إﻟﻰ اﻷرض ﻟﻴﺤﻜﻢ أﻫﻠﻬﺎ ،وﻟﻦ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ اﻵﻟﻬﺔ ﺣﻴﻦ ﻳﻤﻮت ،وأﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ اﺳﻢ »زوﺳﺮ« )أي اﻟﻤﻘﺪس( و«ﻧﺘﺮﺧﺖ« )أي ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﺆﻟﻪ( .وﺗﻜﻤﻠﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻤﺼﻄﺒﺔ أﺳﻠﻮﺑﺎ ﻣﻌﻤﺎرﻳﺎ ﻻ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻺﻟﻪ اﻟﺠﺎﻟﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﺮش ﻣﺼﺮ ،ﻓﺎﻧﺘﻘﻞ اﻟﻤﺼﺮي إﻟﻰ اﻟﻬﺮم ،اﻟﺬي ﻳﺘﻔﻖ ﻓﻲ ﺗﺴﺎﻣﻘﻪ إﻟﻰ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء وﺿﺨﺎﻣﺘﻪ ﻣﻊ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪة«. )ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ.ﺗﺤﺮﻳﺮ :ﺳﻤﻴﺮ أدﻳﺐ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة، اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ ٨٣٢ ،٢٠٠٠ ،ـ (٨٣٤ *ﻧﺎﻗﺪ وﺷﺎﻋﺮ ﻣﺼﺮي
ﺗﻮاﺻﻴﻒ ﺑﻴﺘﻪ ﺑﺎﻟﺸﺒﺎط ،وﻋﻨﺰه ﻓﻲ اﻟﺮﺑﺎط اﻟﺸﺒﺎط :اﻟﺤﺒﻞ اﻟﺬي ﻳﺮﺑﻂ ﺑﻪ ﻣﺪﺧﻞ أي ﺷﻲء ﺑﺪﻳﻼً ﻋﻦ اﻟﻘﻔﻞ- .اﻟﺮﺑﺎط :اﻟﺤﺒﻞ اﻟﺬي ﺗﺮﺑﻂ ﺑﻪ اﻟﺪاﺑﻪ ﻟﺘﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ. أي أن ﺑﻴﺘﻪ ﻣﻐﻠﻖ ،و»ﻣﻌﺰﺗﻪ« ﻣﺮﺑﻮﻃﺔ ﻓﻲ ﺣﻈﻴﺮﺗﻬﺎ ،وﻫﺬا دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﺨﻠﻪ ﻓﻼ ﺿﻴﻒ ﻳﺰوره ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻪ وﻻ ﻟﺤﻢ أو ﻏﻴﺮه. أﺣﺪ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻣﻪ ﻣﻦ ٍ وﻳﻀﺮب ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ ذ ّم اﻟﺒﺨﻴﻞ.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
59
ﻧﺎﻓﺬه ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﻜﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻣﺎ اﻟﺬي ﻧﻘﺮأه ﺣﻴﻦ ﻧﻄﺎﻟﻊ ﻛﺘﺒﻪ؟ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻫﻮ أن ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻫﻲ ﺳﺮد واﻗﻌﻲ ﻻ ﻳﺤﻜﻤﻪ اﻟﺨﻴﺎل، ﻳﻌﺮض ﻣﺎ ﻣ ّﺮ ﻣﻦ وﻗﺎﺋﻊ وأﺣﺪاث ﻓﻲ اﻷزﻣﺎن اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻧﺸﻬﺪﻫﺎ ،وأن ﺳﺮد اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻟﻪ ﻣﻨﻬﺠﻴﺎت وﺿﻮاﺑﻂ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺴﻤﻴﺔ »ﻋﻠﻢ«. ﻟﻜﻦ إﻟﻰ أي ﺣﺪ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻟﻤﺎ وردﻧﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﺗﺄرﻳﺨﻴﺔ؟ وﻫﻞ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﺗﺤﻴﺰات اﻟﻤﺆرخ وﺗﺼﻮرات اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﺿﻤﻨﻬﺎ؟ ﻫﻞ إﻋﺎدة إﻧﺘﺎج اﻷﺣﺪاث ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﺠﻨﺐ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﺄوﻳﻞ اﻟﻨﺸﻄﺔ اﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ representationﺣﺘﻰ إن ﻛﺎن اﻟﺘﺄرﻳﺦ ﻳﺘﻨﺎول ﺣﻴﺎة اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻧﻔﺴﻪ؟ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺎؤﻻت ﻛﺒﻴﺮة ﻳﺪور ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺟﺪل ﻧﺸﻂ ﻣﻨﺬ ﻓﺘﺮة ﺑﻴﻦ ﻣﺪارس اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺴﺮدﻳﺔ أﻳﻀﺎ، وﻻ ﻳﻄﻤﻊ ﻫﺬا اﻟﻤﻘﺎل ﻓﻲ ﺣﺴﻢ أي ﻣﻨﻬﺎ .ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻘﻨﺎ أن ﻧﺘﺄﻣﻞ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﺎدة اﻟﺘﻲ ﻧﺘﻨﺎوﻟﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ »اﻟﺘﺎرﻳﺦ« ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺨﺘﻠﻂ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺨﺮاﻓﻲ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻌﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا .ﻛﻴﻒ ﻗﺪم ﻟﻨﺎ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ؟ وإﻟﻰ أي ﺣﺪ ﻧﺤﻦ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻟﻌﻤﻠﻴﺎت إﻋﺎدة ﻧﻈﺮ وﺗﻨﻘﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ وﺻﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﺂرﻳﺦ ﻟﻠﻤﺎﺿﻲ ﺑﻜﻞ ﺗﺼﻨﻴﻔﺎﺗﻪ؟ اﻟﻔﻘﺮة اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ ﻛﺘﺎب »ﺣﺴﻦ اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺼﺮ واﻟﻘﺎﻫﺮة« ﻟﻺﻣﺎم ﺟﻼل اﻟﺪﻳﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ: ﻗﺎل ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ :اﻟﺬي ﺑﻨﻰ اﻷﻫﺮام ﺳﻮرﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻬﻮق ﺑﻦ ﺷﺮﻳﺎق ﻣﻠﻚ ﻣﺼﺮ ،وﻛﺎن ﻗﺒﻞ اﻟﻄﻮﻓﺎن ]ﻃﻮﻓﺎن ﻧﻮح[ ﺑﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ؛ وﺳﺒﺐ ذﻟﻚ أﻧﻪ رأي ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻪ ﻛﺄن اﻷرض اﻧﻘﻠﺒﺖ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ ،وﻛﺄن اﻟﻨﺎس ﻫﺎرﺑﻮن ﻋﻠﻰ وﺟﻮﻫﻬﻢ ،وﻛﺄن اﻟﻜﻮاﻛﺐ ﺗﺴﺎﻗﻄﺖ ،وﻳﺼﺪم ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﺑﺄﺻﻮات ﻫﺎﺋﻠﺔ .ﻓﺄﻏﻤﻪ ذﻟﻚ وﻛﺘﻤﻪ .ﺛﻢ رأى ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻛﺄن اﻟﻜﻮاﻛﺐ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻧﺰﻟﺖ إﻟﻰ اﻷرض ﻓﻲ ﺻﻮرة ﻃﻴﻮر ﺑﻴﺾ ،وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺨﻄﻒ اﻟﻨﺎس وﺗﻠﻘﻴﻬﻢ ﺑﻴﻦ ﺟﺒﻠﻴﻦ ﻋﻈﻴﻤﻴﻦ ،وﻛﺄن اﻟﺠﺒﻠﻴﻦ اﻧﻄﺒﻘﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻛﺄن اﻟﻜﻮاﻛﺐ اﻟﻨﻴﺮة ﻣﻈﻠﻤﺔ؛ ﻓﺎﻧﺘﺒﻪ ﻣﺬﻋﻮرا ﻓﺠﻤﻊ رؤﺳﺎء
58
اﻟﺘﺎرﻳﺦ
د.أﻳﻤﻦ ﺑﻜﺮ
اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻋﻤﺎل ﻣﺼﺮ ...ﻓﺄﺧﺬوا ﻓﻲ ارﺗﻔﺎع اﻟﻜﻮاﻛﺐ، وﺑﺎﻟﻐﻮا ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺼﺎء ذﻟﻚ ،ﻓﺄﺧﺒﺮوا ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻄﻮﻓﺎن .ﻗﺎل :أو ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻼدﻧﺎ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﻧﻌﻢ وﺗﺨﺮب وﺗﺒﻘﻰ ﻋﺪة ﺳﻨﻴﻦ .ﻓﺄﻣﺮ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺑﺒﻨﺎء اﻷﻫﺮام ،وأﻣﺮ ﺑﺄن ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﺴﺎرب ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻨﻴﻞ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﺑﻌﻴﻨﻪ ...وﻣﻸﻫﺎ ﻃﻠﺴﻤﺎت وﻋﺠﺎﺋﺐ وأﻣﻮاﻻ ووﺧﺰاﺋﻦ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ، وزﺑﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ اﻟﺤﻜﻤﺎء ،وﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ وأﺳﻤﺎء اﻟﻌﻘﺎﻗﻴﺮ وﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ وﻣﻀﺎرﻫﺎ ،وﻋﻠﻢ اﻟﻄﻠﺴﻤﺎت واﻟﺤﺴﺎب واﻟﻬﻨﺪﺳﺔ واﻟﻄﺐ ،وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻔﺴﺮ ﻟﻤﻦ ﻳﻌﺮف ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﻢ وﻟﻐﺎﺗﻬﻢ) .اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ، ﺣﺴﻦ اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺼﺮ واﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺤﻤﺪ أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة ،دار إﺣﻴﺎء اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.(70 ،1967 ، ﻳﺤﺎول اﻟﻨﺺ اﻟﺴﺎﺑﻖ اﻟﻮﺻﻮل ﻟﺴﺒﺐ ﺑﻨﺎء اﻷﻫﺮام ،اﻟﺘﻲ أﺻﺎﺑﺖ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻤﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺸﺔ واﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻹﺟﻼل واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ. وﻛﻲ ﻧﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻨﺼﻮص ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺪاﻳﺔ أن ﻧﺒﻌﺪﻫﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وأﻫﻠﻪ ،ﻓﻼ ﻧﺘﺴﺎءل ﻣﺜﻼ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺳﻮرﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻬﻮق ﻫﺬا؟ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ وﺣﺴﺐ أن ﻧﺤﺎول ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﺘﺼﻮرات اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ اﻟﻤﻤﺘﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺞ ﺑﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻋﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺎت ﺗﻄﻮره. اﻟﻨﺺ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ وﻋﻲ ﻣﺤﻜﻮم ﺑﺎﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ ،وﻟﻬﺬا ﻟﻢ ﻳﻨﻈﺮ ﻟﻸﻫﺮام ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﻐﺎﻳﺮ ﻷﻣﺔ ﻟﻢ ﻳﺼﻠﻬﺎ ﺧﺒﺮ اﻟﻄﻮﻓﺎن ،ﺑﻞ ﺣﺎول ﺗﻔﺴﻴﺮ وﺟﻮد اﻷﻫﺮام ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮة دﻳﻨﻴﺔ ﺣﺎﻛﻤﺔ ﻫﻲ أن اﻷرض ﻛﻠﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻢ إﻏﺮاﻗﻬﺎ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻤﺜﻞ وﺟﻮد اﻷﻫﺮام ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻌﻀﻠﺔ ﻓﻲ ﻗﺼﺔ اﻟﻄﻮﻓﺎن ،إذ رﺑﻤﺎ أﺷﺎر وﺟﻮد اﻷﻫﺮام ﻗﺒﻞ اﻟﻄﻮﻓﺎن ﻛﻤﺎ ﻳﺮى اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ ،إﻟﻰ وﺟﻮد اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻴﻬﺎ ،ﺑﻤﺎ أن اﻟﻄﻮﻓﺎن ﻟﻢ ﻳﻬﺪﻣﻬﺎ، ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻨﻔﻲ اﻟﻘﺼﺔ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﺑﻨﺎء اﻷﻫﺮام ﻫﻮ اﻟﻨﺠﺎة ﺑﺎﻷﺣﻴﺎء ،ﺑﻞ ﺗﺘﺤﻮل اﻷﻫﺮام ﺑﺤﺴﺐ اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺴﺎﺑﻖ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎﻓﺊ اﻟﻤﺼﺮي ﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻧﻮح ،ﻟﻜﻦ اﻷﻫﺮام ﻟﻢ ﺗﻬﺪف ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة، ﺑﻞ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻮم اﻟﻘﺪﻣﺎء وأﺧﺒﺎرﻫﻢ وﺣﻜﻤﺘﻬﻢ.
ūĶdžĚ ŷŨĘňĸŰ ĘŬDž ĴŕŨė
وﺑﻌﺪﻣــﺎ ﺳـﻤﻊ اﻟﻜﺎس ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺸـﺎﻋﺮة ﻣــﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ ﻓﻲ ذ ّم ﻃﻮي ﻛﻮاﻛﺐ وﻫﻮ اﻟﺬي ﻣﺪﺣﻪ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﻗﺎل:
اﻟــــــﻌــــــﺪّ ﻣــــــﺎ ﻧـــــﺮﺿـــــﺎﻟـــــﻪ ْﺑــــــــﺬ ّم ﻋـــــﻠـــــﻴـــــﻪ ﺑـــــ ْﻨـــــﺸـــــ ّﻴـــــﺪ ﻣــــﺨــــ ّﻴــــﻢ وﺑــــﺎﻧــــﺤــــﻔــــﺮه ﻟــــــﻮ ﻳـــﻘـــﻄـــﺮ اﻟــــــﺪم ـــﻢ ﺑــــﺎﻧــــﻴــــﺐ ﻟــــــﻪ ﻋــــــ ّﻤــــــﺎل م اﻟــــﻜـ ّ ـــﻢ ﺑــــﺎﻳــــ ْﻨــــﻄــــﻮي ﻳـــــﺎﻟـــــﻪ ﻣــــــﻦ اﻟــــﻴـ ّ وان داﺳـــــــﻪ اﻟــــــﻄــــــ ّﺮاش ﻣـــــﺎ اﻫـــﺘـــﻢ وﻣـــــﺎﻫـــــﺎ «ﻛــــــﻮاﻛــــــﺐ» ﻣـــــﺎ ﺑـــ َﻴـــ ْﻌـــﺪم
ﻳــــــﺎ راﻋــــــــــﻲ اﻟــــﻌــــﻴــــﻦ اﻟـــﺜـــﻠـــﻴـــﻠـــﻪ ــــــﺴـــــــﻼح و ْرﺟـــــــــــــــــﺎلٍ ﺻـــﻤـــﻴـــﻠـــﻪ ﺑـ ْ ـــــــﺼـــــــﻒ ﻣــــــﺎ ﺣــــــــﺪّ ٍ ﻳــﺤــﻴــﻠــﻪ ّ وﺑْ واﻟـــــــﺮﻣـــــــﻞ ﻟــــــﻲ وﺳـــــﻄـــــﻪ ﻧــﻬــﻴــﻠــﻪ ﺳــــﻤــــﻴــــﺖ واﻟــــــﺨــــــﺪﻣــــــﻪ ﻋـــﻤـــﻴـــﻠـــﻪ ﻳــــﺴــــﺠــــﻲ وﻻ ﻳــــﺸــــﻜــــﻲ ﻋــﻀــﻴــﻠــﻪ ـــــﻬـــــﻞ اﻟـــﻤـــﺨـــﻴـــﻠـــﻪ ّ وﻋـــــﻠـــــﻴـــــﻪ ﺑـــــ ْﺘ
ŮĠŸ ĸŔĘŁŨė ęėŹĩĚ ƁĬ Dž
وﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﺖ ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺎس إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزه ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ:
ﺗـــــــﻢ ﺣـــــــﻲ ﺑـــــﺠـــــﻮاب اﻟــــﺸــــﺎﻋــــﺮ ْو ّ ّ ِ واﻟـــــــﻌـــــــﺪّ ﻣــــــﺮﻓــــــﻮقٍ ﻣـــــﻦ اﻟـــــــﺬ ّم ﺳــــﺎﻣــــﺤــــﻨــــﻲ ﻻ درى وﻻ أﻋـــﻠـــﻢ ْـــــﺤـــــﺴـــــﺒـــــﻪ ﻋــــــــﺪّ ٍ ﻣــــﻬــــﺮدم واﺗ ّ ﺛـــــــﺮ ﻳــــ ّﻤــــﺘــــﻪ ﻣــــــﻦ ﺣـــــــﻮض زﻣــــــﺰم ﺳــــﺤــــﺐ ا ْردم ﺑــــــﺎ ْدﻋــــــﻲ ﻋــــﺴــــ ّﻨــــﻪ ٍ ﻳــــﻠــــﻴــــﻦ ﻳــــﻈــــﻬــــﺮ ﻋــــﺸــــﺒــــﻪ ازْﻣــــــــﻢ ﻳـــــﻠّـــــﻲ ﻋــــﻠــــﻴــــﻪ اﻟــــــﺰﻳــــــﻦ ﻳــﻨــﻌــﻢ وان ﻛــــــــﺎن ﺑــــ ْﺘــــﺸــــ ّﻴــــﺪ ﻣـــﺨـــ ّﻴـــﻢ اﻟــــﻜــــﻢ ﺑــــﺘــــﻴــــﺐ ﻟــــــﻪ ﻋــــــ ّﻤــــــﺎل م ّ اﻃْــــــــــــﺮوك واﺟـــــــــﻒ ﺗـــﻨـــﺜـــﺮ اﻟــــــﺪم ﺑــــــﻤــــــﺸــــــ ّﻮ ٍك ﺿــــــﺮﺑــــــﻪ ﻣـــﺴـــ ّﻤـــﻢ إﻻ ﺧـــــﺎﻳـــــﻒ ان اﻟـــــﺸـــــﻲ ﻳـــﺠـــﺪم وﻳْـــــﻬـــــ ْﺒـــــﻄَـــــﻪ اﻟـــــﺤـــــﺎﻓـــــﺮ وﻳــــﻨــــﺪم ـــﺴــــﻠــــﻢ وﻳـــــــﻘـــــــﻮل ﻇـــــ ّﻬـــــﺮﻧـــــﻲ وﺑـ ْ إﻻ ﻗــــــــــﺪر ﻓـــــﻴـــــﻪ ﻧْـــــﺘـــــﻮﺛّـــــﻢ ﻻ ﺗـــﺤـــﺴـــﺒـــﻪ ﻋـــــــــــــــــــﺪّ ٍ ﻣــــﻮﻟّــــﻢ ﻳـــــــﺎ ﻛـــــــــﺎن ﻳـــــﺎﻟـــــﺸـــــﺎﻋـــــﺮ ﻣـــــﻌـــــ ّﺰم ﺑـــﻨـــﻌـــﻢ ﺣــــﺘــــﻰ ﻧــــﺤــــﻦ ﻫــــــﻮﻳــــــﺎك ّ ﻫـــــــــﺬا وﺻــــــﻠــــــﻰ اﻟــــــﻠــــــﻪ وﺳـــــﻠّـــــﻢ
ﻳـــــــﺎ ﻣـــــﺮﺣـــــﺒـــــﺎ ﺑـــــــﻪ ﻋـــــــــﺪّ ﺟـــﻴـــﻠـــﻪ ﻳـــــــﻦ داﻣـــــــﻨـــــــﺎ ﻧــــــﻘــــــﺪر ﺑـــﺤـــﻴـــﻠـــﻪ إﻧّـــــــــــﻪ ﻋــــﻠــــﻴــــﻪ ﻟْــــــﻜــــــﻢ دﻟـــﻴـــﻠـــﻪ وآﺷــــــــــــــﻮف ﺳــــــﻜّــــــﺎﻧــــــﻪ ﺟـــﻠـــﻴـــﻠـــﻪ وﻟـــــــﻲ ﻳـــﺴـــﻜـــﻨـــﻪ زرع اﻟـــﻴـــﻤـــﻴـــﻠـــﻪ ﺗــــﺴــــﺠــــﻴــــﻪ ﻳــــــــﺎرﺑــــــــﻲ ﻣـــﺨـــﻴـــﻠـــﻪ اﻟــــﻨــــﺒــــﺖ ﻣــــــﻦ ﻏــــﻴــــﺮ اﻟـــﻴـــﻠـــﻴـــﻠـــﻪ اﻟـــــــﻐـــــــ ّﺮ ﻣـــــــﺴـــــــ ّﻮد اﻟــــﻴــــﺪﻳــــﻠــــﻪ ﻣـــــﺎ ﺷـــــــﻮف ﻣـــــﻦ ﺻـــــﻮﺑـــــﻲ ﻋــﻀــﻴــﻠــﻪ ﺗْـــــــــــــﺮوم ﻳـــــــﺎ ذرب اﻟـــﻔـــﻌـــﻴـــﻠـــﻪ ﻧــــــﻬــــــﺎر ﺣـــــــﺎﺿـــــــﺮت اﻟــــﻮﻫــــﻴــــﻠــــﻪ ﺗــــﻠــــﺤــــﻖ ﻳـــــﻠـــــﻮ ﻣــــــﺎﻟــــــﻚ ﺗـــﺒـــﻴـــﻠـــﻪ وﻻ ﺗْـــــﺸـــــﻮف ﻓـــــﻲ ﻫــــــــﻮره ﻧــﻐــﻴــﻠــﻪ واﻟـــــــــــــــﺮزم ﻣـــــــﺎ ﻳــــــﻘــــــﺪر ﻳـــﻬـــﻴـــﻠـــﻪ ﻣــــــﺎرﻳــــــﺖ ﻓــــــﻲ ﺣـــــﻔـــــﺮه ﻓــﻀــﻴــﻠــﻪ واﻧْــــﻴــــﻴــــﻪ وﻧْـــﻘـــــــﻄّـــــــــــﻊ ﻇــﻠــﻴــﻠـــــﻪ وﻋـــــﻠـــــﻴـــــﻪ ﺑــــــﺘــــــﻌــــــﺪّ ل ﻣـــﺠـــﻴـــﻠـــﻪ ﻗـــــــــــﻢ ﻫـــــــــــﺎت ﺑْــــﺮﻳــــــــــــــﺎلٍ ﺻــﻤــﻴــﻠــﻪ ﺑــــﻨــــﻴــــﺐ ﻟــــــﻪ ﻣــــــﻦ ﻛــــــﻞ ﺟــﺒــﻴــﻠــﻪ ﻋــــﻠــــﻰ اﻟــــﻨــــﺒــــﻲ ﺧــــﻴــــﺮ اﻟـــﻔـــﻀـــﻴـــﻠـــﻪ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
57
ĜŤėŹŤ žŹŌ وﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻗﺎﻟﻬﺎ اﻟﻜﺎس ﻓﻲ ﻃﻮي ﻛﻮاﻛﺐ ﻳﻤﺪﺣﻬﺎ:
ﺗــــﺴــــﻘــــﻮن ﻳــــــﺎ ﻧـــــﺰﻟـــــﺔ «ﻛــــــﻮاﻛــــــﺐ»
ﻋــــﺴــــ ّﻨــــﻜــــﻢ ﻓـــــــﻲ ﺧـــــﻴـــــﺮ ﺑـــﺎﻗـــﻴـــﻦ
ﻳــــﻌــــﻞ اﻟــــﻤــــﻄــــﺮ ﻳــــﺴــــﻘــــﻲ وﻃــــﺎﻛــــﻢ
ﻳــــﻨــــﻬــــﻞ ﻳــــــــﻮم اﻟــــــﻨــــــﺎس ﻫـــ ْﻴـــﻌـــﻴـــﻦ ّ
ﻳــــﺒــــﻄــــﻲ وﻻ ﻳـــــ ْﻴـــــﺒـــــﺲ ﺛـــــﺮاﻛـــــﻢ
وﻣـــــــﻦ اﻟـــــﻐـــــﺪﻳـــــﺮ ﻧـــــــــــﺮ ّوي ْﺳـــﻨـــﻴـــﻦ
ﻣــــــﺎرﻳــــــﺖ ﻓــــــﻲ اﻟـــــــﺪﻳـــــــﺮه ﺷــــﺮاﻛــــﻢ
اﻧـــــﺘـــــﻮ ْﺻــــــــــﺪام اﻟـــــﻠّـــــﻲ ﻣــﺼــﻴــﻌــﻴــﻦ
واﻟــــــﺤــــــﻤــــــﺪ ﻟـــــﻠـــــﻪ ﻟـــــــﻲ ﻋـــﻄـــﺎﻛـــﻢ
ﺳــــﻴــــﺪ اﻟـــــــﻌـــــــﺬارى ﺑـــــﻮ ﺻــــﺒــــﺎً زﻳــــﻦ
ęĘġŕdž Ũ Ļėij ŷĚėĸŘ ƁŔėķ ﻫﻨﺎ ﺗﺮد اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزه ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐ ّﺮد اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻔﺎن ﺑﻦ ﺧﺼﻴﺒﻪ رﺣﻤﻬﻤﺎ اﻟﻠﻪ ،واﻟﺬي ﻗﺎل:
ﻳــﻌــﻠــﻪ ﻋــﻠــﻰ «رﻛْــــﻨــــﻪ» وذﻳــــﻚ اﻟــﺪﻳــﺮه
ﻳــﺤــﻒ ﻗﻄﻴﺮه وﻋــﻠــﻰ «ﻛـــﻮاﻛـــﺐ» ﻣـــﺎ ّ
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ:
راﻋــــــــﻲ »ﻏـــــــﺮاﺑـــــــﻪ« داس ﻟـــ ْﻌـــﺘـــﺎب ﻣــــﻠــــﻘــــﺎي ﻓــــــﻲ ﻟْــــﻜْــــﺘــــﺎب اﻟــــــﺨــــــﻮر ٍ ﻳــــﻌــــﻞ اﻟـــــﺮﻋـــــﺪ ﻟـــــﻲ ﺑـــــــﺎت ﻧــــ ّﺤــــﺎب اﻷﺻـــــــــﻼب» ﻣــــﻦ «رزم ﻧــــﻘــــﺮه» ﻟـــﻴـــﻦ « ْ وﺷــــﻤــــﺎل ﻣــــﻦ «ﻧـــــــــﺰوه» و«ﻟــــ ْﻬــــﺒــــﺎب» ﻳـــﻌـــﻞ «اﻟــــﺠــــﺮﻳــــﻦ» ﻳْـــﺼـــﻴـــﺒـــﻪ ْﺣـــﻴـــﺎب ــــﺐ ﻓــــﻲ ﻟــ ْﺤــﺴــﺎب وإﻻ «ﻛـــــﻮاﻛـــــﺐ» ﻫـ ْ ﻋـــــﺴـــــﺎ ﻋـــــــﺮﺷّ ـــــــﺎ ﻳـــــــــــﺎزم ﺗْـــــــــﺮاب ﻏـــــ ّﺜـــــﺖ ﺛـــﻠـــﻴـــﻞ اﻟــــﻌــــﻴــــﻦ وا ْﻫـــــﺘـــــﺎب ـــــــــــﺎس ﻳــــــﺜــــــ ّﻨــــــﻮن اﻟــــــﺘــــــﺮ ّﺣــــــﺎب ٍ ﻧـ ﺣــــﺎﻣــــﻦ ﻋـــﻠـــﻴـــﻪ ﻃْــــــــــﻮال اﻷ ْرﻗــــــــــﺎب ﻳـــﻌـــﻠـــﻪ ﺳــــﻘــــﻲ ﻣــــــﻦ زود ﺳــــ ّﺤــــﺎب 56
ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة اﻟﺘﻮﻳﻬﻴﺔ
و ّرد ﺣـــــﻜـــــﻲ ﻣــــــﺎﻟــــــﻪ دﻟــــﻴــــﻠــــﻪ ﻋـــــــﺎﺛـــــــﺮ وﻣـــــﺴـــــﻘـــــﺎﺗـــــﻪ ﻣـــﻠـــﻴـــﻠـــﻪ واﻟـــــــﺒـــــــﺮق ﻟــــــﻲ ْﻣـــــــﻨـــــــ َﻮر ﺷــﻌــﻴــﻠــﻪ وﻳـــــــﻠـــــــﻮ ﻣـــــﺒـــــﻌـــــﺪ ﻧـــﺴـــﺘـــﺨـــﻴـــﻠـــﻪ وع «رﻛـــــﻨـــــﻪ» ﻣـــــﺎ ﻳـــ ْﻴـــﺒـــﺲ ﻫــﻤــﻴــﻠــﻪ ﺣـــــﻮﻟـــــﻴـــــﻦ ﻣـــــــﺎ ﻳـــــ ْﻴـــــﺒـــــﺲ وﺷـــﻴـــﻠـــﻪ ـــــــﺲ ﻟــــــﻮ ﺗـــﺒـــﻄـــﻲ ﻣــﺤــﻴــﻠــﻪ ﻫــــــﺐ ﺧـ ّ ﻣـــــــﺎﻓـــــــﻲ ﻣــــﻌــــﺎﻣــــﻠــــﻬــــﺎ ﻓـــﻀـــﻴـــﻠـــﻪ وﻣـــــــــﻦ اﻟـــــﻔـــــﺠـــــﺮ ﺻــــــ ّﺒــــــﺢ ﻓـــﻠـــﻴـــﻠـــﻪ وﺗْــــــﺠــــــﻴــــــﻚ دﻟّــــــﺘــــــﻬــــــﻢ ﻋـــﻴـــﻴـــﻠـــﻪ ور ّدن ﻋــــﻠــــﻰ زﻳــــــــﻦ اﻟـــﻤـــﺠـــﻴـــﻠـــﻪ ـــــﻢ ﻳــــــــــﺎزم ﻇــﻠــﻴــﻠــﻪ وﻣــــــــﻦ اﻟــــــ َﻴــــــ َﻨـ ْ
ŲſijǓ ŹǬė ęķij ﺣـــــــﻲ ﺑـــــﻬـــــﺒـــــﻮب اﻟـــــــﻜـــــــﻮس ﻻﻳـــــﺐ ﻣــــــﻦ وﻃـــــﻨـــــﻲ ﻣــــــﺎ ﻫــــــــﻮب ﻫـــﺎﻳـــﺐ ﻳــــــﺎ ﺑــــــﻮ ﻏــــﻨــــﻴــــﻢ اﻟـــــﺤـــــﻖ ﺻـــﺎﻳـــﺐ ﻋــــــﻦ ﻻ ﺗــــــﺼــــــﺪﱢ ق ﻫــــــﺎ اﻟــــﻜــــﺬاﻳــــﺐ ﻣـــــﺎ ﻳــــﺠــــﻮز ﻋــــﻘــــﺐ اﻟـــــﺰﻳـــــﻦ ﺧـــﺎﻳـــﺐ اﻟـــــــــــﻮد ﻣـــــــﻦ ﻳـــــــــﻮم اﻟــــﺼــــﺤــــﺎﻳــــﺐ واﻟـــــــﻠـــــــﻲ ﻳــــــــﻘــــــــ ﱡﺮون اﻟــــﻜــــﺘــــﺎﻳــــﺐ ﻣــــــﺎ اﻳّـــــــــﻲ ﻋــــﻠــــﻰ ﺷَ ـــــــﺪ اﻟــــﺮﻛــــﺎﻳــــﺐ ﺗـــــﺴـــــﻮﻗـــــﻪ أﻧـــــــﺴـــــــﺎم اﻟــــﻬــــﺒــــﺎﻳــــﺐ ﻳــــــﺎ وﻳــــــــﻞ ﻟــــــﻲ م اﻟــــــــــﻮد ذاﻳــــــﺐ ﺑــــﺄﺣــــﺴــــﺎﻧــــﻜــــﻢ ﻳــــــــﻮم اﻟـــﺤـــﺴـــﺎﻳـــﺐ ــــﺴــــﻤــــﺮ اﻟــــﻬــــﺪاﻳــــﺐ أﻗــــــﻔــــــﻮا ﺑــــ ِﻤ ْ أﻗــــــﻔــــــﺎ وﻻ ﺣــــــﺎﺗــــــﺎ اﻟــــﻌــــﺘــــﺎﻳــــﺐ ﻳـــــــــﻮم ﻋــــــ ّﺰﻣــــــﻮﻟــــــﻪ ﺑـــﺎﻟـــﻨـــﻬـــﺎﻳـــﺐ اﻟـــــﺼـــــﺒـــــﺢ ر ﱡدوﻟــــــــــــــــــﻪ ﻧـــــﺪاﻳـــــﺐ ﻣـــــــﺎ ﻋـــــﺠـــــﻠـــــﻮا ﻫـــــــﻞ ﺑــــﺎﻟــــﻄــــﻼﻳــــﺐ ﻛــــــــﺎد إن أﻳّـــــﻴـــــﺒـــــﻮﻧـــــﻪ ﻏـــﺼـــﺎﻳـــﺐ واﻟـــــــﻴـــــــﻮم ﻣــــــﺎ ﻗـــــﺮﺑـــــﻪ ﺣـــﺴـــﺎﻳـــﺐ ﻟــــــﻮ ﻃـــــــ ّﺮﺷـــــــﻮا ﺻـــــﻮﺑـــــﻪ ﺧـــﺒـــﺎﻳـــﺐ ﻣـــــــﺎ ﻳـــــــــــ ّﻮل اﻟــــــﻘــــــﺮﻃــــــﺎس ﻏــــﺎﻳــــﺐ دوﻧـــــــــــﻪ ﺑـــــﺤـــــﺮ ﺳـــــــــــ ﱠﻮى ﻏـــﺸـــﺎﻳـــﺐ وإن ﺳـــــــــ ﱠﻮت اﻟـــــﻤـــــﻮﻳـــــﻪ ﺳــــﻮاﻳــــﺐ ﻣـــــــﺤـــــــﺮوز ﻳـــــــﺎزﻳـــــــﻦ اﻟــــــــ ﱠﺬواﻳــــــــﺐ ﻋــــﻠــــﻴــــﻚ م اﻟـــــﻤـــــﻌـــــﺒـــــﻮد ﺣــــﺎﻳــــﺐ
ﻟـــــﻲ ﻣـــــﻦ وﻃــــﻨــــﻜــــﻢ ﻳـــــﺎ اﻟــﻤــﺤــﺒــﻴــﻦ ﻳـــــﺎ اﻟــــﻠــــﻪ ﺗـــﺨـــﻠﱢـــﻲ »زاﻳــــــــــﺪ« ﺳــﻨــﻴــﻦ ﺷــــﺘــــﻘــــﻮل ف دروب اﻟــــﻤــــﻮدﻳــــﻦ ﻳــــــﺎ ﻟـــﻴـــﺘـــﻬـــﻢ ﺑـــــﺎﻟـــــﺤـــــﺎل دارﻳــــــــﻦ ﻟـــــﻮ اﻧـــــﺘـــــﻮا ﻗـــﺒـــﻠـــﺘـــﻮا ﻣــــ ﱢﻨــــﻴــــﻪ دﻳــــﻦ ﻋــــــﺎﻳــــــﺎ ﺑــــﻠــــﻴــــﻠــــﻲ واﻟـــﻤـــﺠـــﻴـــﻨـــﻴـــﻦ ﺷــــــﺎﻓــــــﻮه ﺑــــﻴــــﻦ اﻟــــﻘــــﻠــــﺐ واﻟـــﻌـــﻴـــﻦ ﻳـــﺴـــﻄـــﻲ ﻋـــﻠـــﻴـــﻚ اﻣــــﺒــــﻴــــﻦ ﺿــﻠــﻌــﻴــﻦ وﻳـــــﺴـــــﻢ ﺣـــــﺎﻟـــــﻚ ﺳـــــﺎﻋـــــﻪ وﺣـــﻴـــﻦ ﻣــــﺒــــﻴــــﻮح ﻟــــــﻮ ﺑــــﻴــــﻬــــﺎﺟــــﺮ ﺳــﻨــﻴــﻦ ﻓـــــﺄﻫـــــﻞ اﻟــــــﻤــــــﻮده ﺳــــــﻴــــــﺮوا ﺑـــﺰﻳـــﻦ ﻧـــــــــﺎس ﻋـــــﻠـــــﻰ ﻻﻣـــــــــــﺎه ﺷَ ـــﻔـــﺠـــﻴـــﻦ وﻻ ﺧــــــــﺎف إﻧــــــــﻪ ﺧـــــﺒـــــﺮه ﻳــﺒــﻴــﻦ ﻣـــــﺎ ﺷــــــــــــﺎوروا واﺣـــــــــﺪ وﻻ اﺛـــﻨـــﻴـــﻦ ﻣـــــﺎ ﻳـــــــﻮه ﻳـــــــﻮم اﻟـــــﻨـــــﺎس ﻫـــ ْﻴـــﻌـــﻴـــﻦ ﻟـــــــﻲ ﻋـــــﻨـــــﺪﻧـــــﺎ ﻻﺑـــــــــﻪ وذرﺑــــــﻴــــــﻦ ﻟــــــﻮ ﺣـــــــ ّﻮﻟـــــــﻮا ﺑــــﻤــــﻬــــﺎت ﺗـــﺎﺟـــﻴـــﻦ ﻳــــــــــﺎزم ردوده ﻋــــﺴــــﺮ وﻣـــﺤـــﻴـــﻦ ﻃــــــﺮوﺷــــــﻬــــــﻢ ﻣــــــﺎﻳــــــﺖ أﻣـــﺒـــﺸـــﻴـــﻦ وﻻ ﻳـــــﻔـــــﺮح ﻗـــــﻠـــــﻮب اﻟــــﻤــــﺤــــﺎزﻳــــﻦ وﻣـــــــﻦ دوﻧـــــــــﻪ ﺣـــــﺼـــــﻮن ودﻛــــﺎﻛــــﻴــــﻦ روﻓـــــــــــﻮا ﻋــــﻠــــﻰ ﺑــــــﻮ ﻳـــــــــــﺎدلٍ زﻳــــﻦ ﻋـــــﻦ رﺑـــــﻌـــــﺔ اﻟـــــﻠـــــﻲ ﻓــــﻴــــﻚ ﻋـــﻮﻓـــﻴـــﻦ ــــــــﻢ وﻳــــﺎﺳــــﻴــــﻦ وﺣـــــــــــــﺮوف ﻣـــــــﻦ ﻋـ ّ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
55
ĸſijėĴĭŨė ĢƀǓũŬ Şƀļ Ęſ وﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻗﺎﻟﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﺧﺮت ﻓﻲ ﺳﻜﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ »اﻟﻨﺨﺮه« ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻴﻦ ودﺑﻲ ،واﺷﺘﺎﻗﺖ إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺒﺮﻳﺔ:
ﻳــــــﺎ ﺳــــﻴــــﻒ ﻣــــﻠﱢــــﻴــــﺖ اﻟـــــﺤـــــﺪادﻳـــــﺮ وﻻ ﺷـــــﻮف ﻟــــﻲ ﻓــــﻲ اﻟــــــــﺪار ﻣـــﺼـــﺮوف ﻣـــﻠّـــﻴـــﺖ م »اﻟــــﻨــــﺨــــﺮه« و»اﻟــــﺨــــﻮﻳــــﺮ« وﻣـــــﻦ ﻋـــــﺰر ﻧــﻔــﺴــﻲ ﻟِـــﺤـــﺠـــﻨـــﻲ ﺣـــﻮف ﻓـــــﻲ اﻟـــﻠـــﻴـــﻞ روﺣـــــــﻲ ﺗـــــ ْﻨـــــﺪري ﻃــﻴــﺮ ﻋــــــــﺪب وﻃـــــﻮف ﻛـــــﻢ ﺷـــــ ّﺮﻓـــــﺖ ﻓـــــﻲ ٍ ﺗـــﻘـــﻄـــﻊ ﻋــــﻠــــﻰ دروب اﻟـــﻤـــﺼـــﺎدﻳـــﺮ ﻣــــــــــ ّﺮﻩ رزوم وﻣــــــــــــ ﱠﺮﻩ ﺷــــــﺮوف ﻫـــــﺎت اﻟـــﻀـــﻌـــﻦ ﻣــــﻦ ﻏـــــﺮب »ﻟِــﻴــﺤــﻴــﺮ« إن ﭼــــــــﺎن ﺑــــــ ْﺘــــــﺴــــــ ّﻮون ﻣــــﻌــــﺮوف اﻟـــــﻠـــــﻪ ﻳــــﻌــــﺎوﺿــــﻨــــﺎ ﻋــــــــﻮض ﺧــﻴــﺮ ﺗـــﺴـــﻘـــﻲ اﻟــــﺒــــﻄــــﺎﻧــــﺔ ﻋــــﻘــــﺐ ْﺣــــﻔــــﻮف ـــــﻦ ﺻــﻐــﻴــﺮ وﻳــــﺴــــﻘــــﻲ ﻋــــﻠــــﻰ ﺑــــــﻮﺳـ ٍ ﻟـــــﻲ ﻣـــــﻦ ﻣـــﺸـــﻲ ﻣـــــﺎ ﻫــــــﻮب ﻣـــﺰﻏـــﻮف ﺑـــــــﺎﻟـــــــﺮوف ﺳـــــﻴـــــﺮه ﻳـــــــﻮم ﺑـــ ْﻴـــﺴـــﻴـــﺮ ﻳـــــﻮﻃـــــﺄ اﻷراض ﺑــــﺜــــﻘــــﻞٍ وروف ﻳـــــﻮﻃـــــﺄ ﻋــــﻠــــﻰ اﻷرض ﺑْـــﺘـــﺠـــﺎدﻳـــﺮ ﺑـــــــﻮ ﻳـــــــــــﺎدل ﻣــــﺜــــﻨــــﻲ وﻣــــــﺮﺿــــــﻮف ﻣـــــﻴـــــﻠـــــﻴـــــﻞ ﺣــــــﻠــــــﻮ اﻟـــــﺘـــــﺤـــــﺪﻳـــــﺮ وﻣـــــﻌـــــﻜـــــﺮش ﻣــــــﺎ ﻟِــــﺤــــﺠــــﻪ ﺣـــﻔـــﻮف ﻋـــــــــــﻮده رﺑـــــــــﺎ ﺣـــــﻠـــــﻮ اﻟــــﺘــــﻤــــﺰﻳــــﺮ ﻣـــــﻬـــــﻀـــــﻮم وﻣـــــــﻌـــــــﺰل وﻣــــﻨــــﺼــــﻮف رﺑــــــــﻲ ﺗَــــــــ َﺤــــــــ ْﺮزه م اﻟــــﺘــــﺠــــﺎدﻳــــﺮ ــــــــﺲ ﻓــــﻲ ﻗـــﻮﻟـــﻪ ْﺣـــــﺮوف ﻟــــﻲ ﻣــــﻦ َر َﻣـ ْ
54
ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة اﻟﺘﻮﻳﻬﻴﺔ
ǝťŨė وﻗﺎﻟﺖ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺒﺮت وﺗﻘ ّﺪم ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻤﺮ:
ﻳـــــﺎ اﻟـــﻜـــﺒـــﺮ ﭼــــــﺎن ﺑـــﺎﺗـــﻴـــﺒـــﻚ أﻣـــﺴـــﺎل ﻻﻣــــــــــﺎك ﺧــــﻠّــــﺘــــﻨــــﻲ ﻋــــﻠــــﻰ اﻟــــﺤــــﺎل ﭼـــــــﻦ ﺑــــﺤــــﺸــــﺎﻳــــﻪ ﺿَ ـــــــــﻮ ﺗـــﻨـــﻬـــﺎل وﭼـــــﺎﻧـــــﻚ ﻣـــــﻌـــــ ﱠﺰم ﺑـــــﻲ َع ﻛـــــﻞ ﺣـــﺎل ﺧــــﻠــــﻨــــﻲ ﺳــــﻨــــﺔ ﺑـــــــﺎﻓـــــــ ﱢﺮي اﻟــــﺒــــﺎل ﻧـــــــــﺎس ﻛـــــﺮاﻣـــــﺘـــــﻬـــــﻢ ﺑـــــﺎﻷﻓـــــﻌـــــﺎل اﻗـــــﻨـــــﺎدﻫـــــﻢ م اﻟـــــﺸـــــﺎﻣـــــﻲ وﻫــــــﺎل ﻳــــﻌــــﻞ اﻟــــﺴــــﺤــــﺐ ﻟـــــﻲ ﺑـــــــﺎت ﻫــــ ﱠﻤــــﺎل
ﻳـــــ ّﻨـــــﺐ وﻻﻟــــــــــﻲ ﻓــــﻴــــﻚ ﻣــــﺼــــﺮوف وأﺷــــــــــﻮف ﻣـــﻠـــﺤـــﺞ ﻗـــﻠـــﺒـــﻲ ﺣـــﺴـــﻮف واﻟـــــــــــــﺮاس ﭼــــﻨــــﻪ ﺿــــــــﺮب ﺑـــﺴـــﻴـــﻮف ﺑــــﺎﻟــــﻠــــﻪ ﻋـــﻠـــﻴـــﻚ ﺑــــﺤــــﺎﻟــــ ّﻴــــﻪ روف وﺟــــــــﺪوى »اﻟــــﺒــــﻄــــﺎﻧــــﺔ« ودي أﻟــــﻮف وﻏــــﻴــــﺮ اﻟــــﺼــــﻴــــﺎﻧــــﻲ ﻳــــــــــ ّﺮوا ﺳـــﻔـــﻮف وﻋــــــﺰاﻣــــــﻬــــــﻢ ﻟـــﻠـــﻀـــﻴـــﻒ ﻣــــﺮﺿــــﻮف ﻳـــﺴـــﺠـــﻲ اﻟــــﺒــــﻄــــﺎح وﺗــــــــــﺎزم ﺗـــــﺰوف
ŪſĘļ śĸŁŨė ǣdžſŸ ĢŜĸŀ وﻫﺬه ﻗﺎﻟﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﻣﻄﺎر ،ﻓﺮﺣﺎً ﺑﻬﺎ:
ﺷـــــﺮﻓـــــﺖ وإﻟـــــــــﻰ اﻟــــــﺸّ ــــــﺮف ﺳـــﺎﻳـــﻞ ﻗــــــﻢ ﺷـــــــﻮف ﻳــــــﺎ ﺣـــﻠـــﻴـــﻮ اﻟــــﻴــــﺪاﻳــــﻞ ﻟــــــﻲ ﺷـــﻴـــﻔـــﺘـــﻪ ﺗـــــﺒـــــﺮي اﻟــــﻌــــﻼﻳــــﻞ ﺧــــــــــﺪّ ﻩ ﺷــــــــﺮا ﺑــــــــﺮق اﻟـــﻤـــﺨـــﺎﻳـــﻞ ﺣــــــــﺮزﺗــــــــﻪ ﺑـــــــــــﺮب اﻟــــﻔــــﻀــــﺎﻳــــﻞ ﻟــــــﻲ ﻣــــــﻦ ﻗــــــــﺮا ﻛـــــﺘـــــﺎب اﻟـــــﺪﻻﻳـــــﻞ ﺣـــــﻴـــــﺎﻳـــــﻴـــــﻦ ﻋـــــﺪاﻳـــــﻞ ﻳــــــــﺎ ﺑــــــــﻮ ٍ ﻋـــــــــــﻮده رﺑـــــــــﺎ واﻟــــــــﻌــــــــﻮد ﻣــــﺎﻳــــﻞ
ﺟــــــــﺮي م اﻟـــﺒـــﻄـــﺎح ــــﺴـــــﺒـــــﻪ ٍ َوأَﺗـــــﺤـ ﱢ ﻳــــــﺎ ﺑــــــﻮ ﺛــــﻨــــﺎﻳــــﺎ ﻫــــــــﻮب ﻃــــﻔﱠــــﺎح وﺗــــﺸــــﻔــــﻲ ﺟـــــﺮﻳـــــﺢ ﺻــــــــﻮب وﻃــــــﺎح ﺷــــــﺮوى اﻟـــﻘـــﻤـــﺮ ﻟــــﻲ ﻓــــﻲ اﻟـــﺴـــﻤـــﺎﺷـــﺎح ـــــــــﺮب ﻋــــﻮﻓــــﻴــــﻦ وِﺷـــــﺤـــــﺎح ﻋــــــﻦ ﻋـ ٍ ﻧــــــــــﻮره ﻳــــﺸــــﺎﺑــــﻪ ﻧــــــــﻮر اﻷﺻـــــﺒـــــﺎح واﻟـــــﻨـــــﻬـــــﺪ ﻛــــــ ّﻨــــــﻪ ﺷـــــــــﻮب ﺗــــﻔــــﺎح ـــــﻢ واﻟــــــــﺼــــــــﺪر ﻣـــﻨـــﺴـــﺎح ﻣــــــﻬــــــﻀّ ـ ٍ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
53
ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة اﻟﺘﻮﻳﻬﻴﺔ
śĘĭűŬ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻗﺎﻟﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻀﺮ اﻟﺸﻴﻮخ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻋﺎم 1955ﺳﺒﺎﻗﺎً ﻟﻠﻬﺠﻦ وﻓﺎزت ﻓﻴﻪ ﻧﺎﻗﺔ ﻟﻠﺸﻴﺦ ﻫﺰاع ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن اﻷول )ﻣﺘﻮف ﻋﺎم1958م ( وﺗﺴﻤﻰ »ﻣﻨﺤﺎف«:
ﺗــــ َﻴــــﺎ َﻣــــﻌــــﺖ ﻟِـــــ ْﻤـــــﻠُـــــﻮك اﻷﺷْ ــــــــــــ َﺮاف وﺗْـــــﻴـــــﺎﻣـــــﻌـــــﺖ ﻣـــــــﻦ ِﻛـــــــــﻞ ﻗـــﺒـــﻴـــﻠـــﻪ اﻟـــــﺴـــــﻌـــــﻪ ﻋــــﻨــــﺪﻫــــﺎ ﻃـــﻮﻳـــﻠـــﻪ ﻳــــــﻮم ﺧـــﻄّـــﻔـــﺖ م اﻟـــﺴـــﻴـــﺢ اﻻﻧــــﺼــــﺎف ﻻن ﱢ ﻗـــــﺎﻣـــــﺖ ﺗِــــــ َﻐــــــ ْﺮﻳَــــــﻒ ﺑـــﺎﻟـــ ﱢﺘـــﻐـــﺮﻳـــﺎف وِﺗــــــ َﻔــــــﺎﺧــــــﺘــــــﺖ ﻋــــﻨــــﻬــــﺎ اﻟــــﺪﺑــــﻴــــﻠــــﻪ ﻛـــــــﻢ ﺣـــــــﺎﻳـــــــﻞٍ ﻣــــﻄــــﻌــــﻮﻣــــﻪ آﻻف ﻓـــــــﻲ اﻟـــــﺴـــــﻴـــــﺢ ﺳــــﻘّــــﺘــــﻬــــﺎ ﻣـــﻠـــﻴـــﻠـــﻪ رﻛــــﻴــــﺒــــﻬــــﺎ ﻻ ْاﺻـــــــﻠَـــــــﻒ وﻻ راف ِو ْﻣــــــــــــﻦ اﻟــــــﻮﻃــــــﻦ ﻋـــــﻨـــــﺪه دﻟـــﻴـــﻠـــﻪ ورﻛــــﻴــــﺒــــﻬــــﺎ ﻣـــــﻦ اﻟــــﻜــــﻴــــﻒ ﻣـــــﺎ ﺷــــﺎف وﻻ ﺑَـــــــــﺪّ ﺗَـــــــــﻪ ﻣــــﻨــــﻬــــﺎ ﻋـــﻀـــﻴـــﻠـــﻪ ـــــﺴـــــﻮي ﺑَـــــــﻪ اﺻـــــــﺮاف ﻳــــــ َﺤــــــ ْﺮ َز َﻫــــــﺎ اﻟــــﻠــــﻪ ﻣـــــﻦ اﻟــﻔــﺸــﻴــﻠــﻪ واﻟــــــﺤــــــﻮل ﺑِـــــ ْﺘ َ ـــــــــــﺎم َزﺑْــــــــــــﻦ ﻣــــــﻦ ﺧــــﺎف ﻳـــــــ َﺤـــــــ ْﺮ َز َﻫـــــــﺎ اﻟـــــﻠـــــﻪ ﺑـــﺎﻟـــﻔـــﻀـــﻴـــﻠـــﻪ ﻧـــــﺎﻗـــــﺔ إﻣـ ٍ ﺣـــــﻆ ﺑـــــﻮ ﺧـــﻠـــﻴـــﻔـــﻪ ِم اﻟـــــﻌـــــﺮب ﻃـــﺎف ﻋـــــــــــــﺎدات واﻟـــــــــﻌـــــــــﺎده ﺟـــﻤـــﻴـــﻠـــﻪ1 ــــــﺴــــــﻊ ﻳـــﺪﻳـــﻠـــﻪ ﻳــــــﺎ ﻣــــــﻦ ﻳــــﺒــــﺸﱢ ــــﺮ زﻳــــــــﻦ اﻷزﻻف اﻟـــــــﻐـــــــ ْﺮ ﻟـــــــﻲ ﻳِــــــ ْﻨ َ ﻳــــــﺎ ﻣــــﺮﺣــــﺒــــﺎ ﻳــــــﺎ َﺣـــــــﻲ »ﻣــــﻨــــﺤــــﺎف« وإن ﺻــــ ﱠﺒــــﺤــــﺖ ﻣـــــﺎ ُﻫـــــــﺐ ﻣـــﻠـــﻴـــﻠـــﻪ2 ـــــــــﻒ ﺣــــــــ ﱟﺮ ﺷَ ــــــــــــ ّﺮف وﺷــــــﺎف وإن ﺻــــ ّﺒــــﺤــــﺖ ﺗـــﻤـــﻄـــﻲ اﻟـــﻴـــﺪﻳـــﻠـــﻪ ﻳــــــﺎ ﺷَ ـ ّ ﺧَـــــﻄَـــــﺎﻣـــــﻬـــــﺎ ﻟـــــﻠـــــﻘـــــﻮد ﻣـــﺴـــﻌـــﺎف ﻋــــــــــ ﱠﻦ ﻣــــــــﺎ ﺗــــﻴــــﻬــــﺎ اﻟــــﻌــــﻤــــﻴــــﻠــــﻪ3 »ﺑــــــﻮ ﻓــــــﺎﺧــــــﺮة« ﻳـــــﺎ زَﺑــــــــﻦ ﻣـــــﻦ ﺧـــﺎف ذﺧـــــــﺮى »ف« ﻟـــــ ْﻮﻗـــــﻮت اﻟـــﻄـــﻮﻳـــﻠـــﻪ 4 ٍ ــــــــﻮت ﺟـــﻤـــﻴـــﻠـــﻪ5 أﺿـــــﻔـــــﻮا ﻋــــﻠــــﻰ اﻟـــــ ﱠﺮﻛﱢـــــﻴـــــﺐ ﺑـــﻠْـــﺤـــﺎف ﺷــــــــــــﺎﻻت وﺑـــــــــﺸـ وارﻓــــﻘــــﺘــــﻬــــﺎ ﻣــــــﻦ َﺣــــــــﺶ اﻷﻃـــــــــﺮاف ة وﻻ ﺗـــﻨـــﻄـــﻌـــﻢ َﺑـــــــ ْﻴـــــــ ٍﺪ ﺑـــﺨـــﻴـــﻠـــﻪ6 ــــــــﺖ ﻣـــــﺎ ﻫــــﺎف وارﻋـــــــــــــﻮا ﺑــــﻬــــﺎ ﻋــــﺸــــﺐ اﻟـــﻴـــﻠـــﻴـــﻠـــﻪ7 ْ َﺣــــــﺸّ ــــــﻮا ﻋـــﻠـــﻴـــﻬـــﺎ َﺟـ ﻳـــــﺎ »وﻟـــــــــﺪ ﺳـــــﺎﻟـــــﻢ« ﻳـــــ ّﻨـــــﻚْ أوﻻف ﻟــــــﻲ ﻧـــــﺸّ ـــــﺮوﻫـــــﻦ ﻓــــــﻲ اﻟــــﺪﺑــــﻴــــﻠــــﻪ8
52
ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة اﻟﺘﻮﻳﻬﻴﺔ
ﺟﺎرﺗﻪ ،وﻟﻤﺎ وﺻﻠﺖ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﻟﺸﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﺄﺛﺮ ﺑﺬﻟﻚ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ راﺿﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺎس ،ﻟﻢ ﻻ وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮف ﻣﺎ ﻳﺆول إﻟﻴﻪ إﻃﺎﻟﺔ اﻟﺸﻜﺎوى واﻟﻤﺮادات واﻟﻠﻮم ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ، ﻓﺮ ّدت ﻋﻠﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺎس رﺣﻤﻬﻤﺎ اﻟﻠﻪ ،ﺑﻘﺼﻴﺪة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﻬﺪئ ﻣﻦ روﻋﻪ وزﻋﻠﻪ ،وﺗﻤﺪح ﻃﻮي »ﻛﻮاﻛﺐ« وﺗﺜﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ وﺗﻌﺘﺬر ﻋﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻓﻴﻪ ،ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺮف أن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺎس ﻳﻔﻀّ ﻞ ﻫﺬا اﻟﺒﺌﺮ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮه ﻣﻦ اﻵﺑﺎر ،وﺑﺬﻟﻚ اﻣﺘﺼﺖ ﻏﻀﺐ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺎس وأدﺧﻠﺖ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﺴﺮور ،وﻫﺬا ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺣﻜﻤﺔ ﻣﻨﻬﺎ رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ ،ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺲ ﻫﺪﻓﻬﺎ اﻟﻨﺰاع ﻋﻠﻰ أﻣﻮر ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖ ذﻟﻚ ﻓﺎﻟﻤﺸﺎدات اﻟﻜﻼﻣﻴﺔ وزﻳﺎدة ﺗﺄﺟﻴﺠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮدود واﻟﻤﻬﺎﺗﺮات ﺗﺨﻠّﻒ اﻟﻌﺘﺐ واﻟﺒﻐﺾ واﻟﺤﻘﺪ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس وﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻨﻪ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ اﻟﺠﻤﻴﻊ وﺗﺤﺘﺮم ﺟﻴﺮاﻧﻬﺎ وﺗﻘ ّﺪر اﻟﺒﻌﻴﺪ واﻟﻘﺮﻳﺐ. ﻳﻘﻮل اﻟﺮاوي راﺷﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ ﺑﺎﻟﺤﺎﻳﻤﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮي ) (78ﻋﺎﻣﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻟﺘﻘﻴﺖ ﺑﻪ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻟﻴﺎﻟﻲ اﻟﺸﺘﺎء ﻓﻲ ﻓﺒﺮاﻳﺮ ﻋﺎم 2011ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻪ وﻣﺰرﻋﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ أﺑﻮ ﻫﺮﻣﻪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺿﻤﻦ أﻓﻀﻞ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻫﻮ ﺣﺎﻓﻆ ﺟﻴﺪ وﺛﻘﺔ ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﺷﻌﺎرﻫﺎ وﻣﻨﺎﺳﺒﺎﺗﻬﺎ ،ﻓﻴﻘﻮل :إن اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺴﻦ وﻻ ﺗﺘﺬﻛﺮ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ إﻻ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،وﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺗﺬﻛﺮﻫﺎ إذا أﻋﻄﻴﺘﻬﺎ ﺑﺪاﻳﺔ ﻃﺮف اﻟﻘﺼﻴﺪة ،وﻳﻘﻮل ﻋﻨﻬﺎ »أﻧﻬﺎ ﺗﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ زﻣﺎن ﻃﻮﻳﻞ وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﻬﻤﻨﺎ اﻟﺤﻴﺎة ﻧﺤﻦ وﺟﺪﻧﺎﻫﺎ ﺗﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ وﺗﻌﻠّﻤﻨﺎه ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻴﺚ ﻛﻨﺎ ﺟﻴﺮان ﻷﻫﻠﻬﺎ وﺑﺬﻟﻚ أﻏﻠﺐ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ ﻛﻨﺖ أﺣﻔﻈﻬﺎ«.
اﻟﺘﺤﺴﻒ واﻷﺳﻒ ﻋﻠﻰ زﻣﺎﻧﻬﺎ ﻳﺎ ﺳﻴﻒ ،ﻳﺎﻟﻠّﻲ ،وﻏﻴﺮه ﺑﺎﻻﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ّ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺒﺮت ﻓﻤﺜﻼً ﺗﻘﻮل »ﻳﺎﻟﻜﺒﺮ ﻛﺎن ﺗﺠﻴﻚ أﻣﺴﺎه« ،وﺗﻘﻮل »ﺧﻠّﻮﻧﻴﻪ ﻗﻠﺐ ﺗﻮﻟّﻊ ﺑﺎﻟﻮﻧﻴﻦ« ،أو »اﻟﺒﺎرﺣﻪ ﺣﺎﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﻒ «،وﺗﻘﻮل »آه ﻣﻦ ٍ ﺑﺖ ﺑﻮزا ﻫ ّﻢ« وﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻧﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة واﻟﺤﺴﺮة ّ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺎﻋﺚ ﻷﺷﻌﺎرﻫﺎ وﺷﻜﻮاﻫﺎ وﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ أن اﻟﺸﻌﺮ ﻻ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﻟﻤﺠﺮد ﺷﻌﺮ وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻜﺒﺮ واﻟﻮﺣﺪة وﻓﺮاق اﻷﻫﻞ واﻷﺣﺒﺎب اﻷﻋﺰاء اﻟﺬﻳﻦ أﺛﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺎﺋﻬﺔ ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻫﺎ ﺗﻨﺎﺟﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻷرض واﻟﻤﻜﺎن واﻟﻤﻄﺮ وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺨﻔّﻒ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺠ ّﻴﺎﺷﺔ اﻟﺤﻨﻮﻧﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﺔ اﻟﺘﻲ أﻓﺮﻏﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺔ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ وﻫﻢ ﻳﻌﺎﻧﻮن اﻟﻴﺘﻢ ﻓﻲ اﻟﻔﺎﻗﺔ وﺷﻈﻒ اﻟﻌﻴﺶ اﻟﺬي ﻣ ّﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻫﻲ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ رﻳﻌﺎن ﻋﻤﺮﻫﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻳﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ أﺷﻌﺎرﻫﺎ ﻛﻠﻬﺎ .ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺤﻴﺪ ﻋﻦ اﻻرض اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﺘﻤﺪح ﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﺖ ﺑﻬﺎ وﺑﺈﻣﻜﺎن ﻗﺎرئ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ أن ﻳﺮى ذﻟﻚ واﺿﺤﺎً ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ. وﻓﺎﺗﻬﺎ:
ﻻزﻣﺖ ﺷﺎﻋﺮﺗﻨﺎﻓﺮاﺷﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺒﺮت ﻛﺜﻴﺮا ً ،ﺣﺘﻰ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب 120ﻋﺎﻣﺎً ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﻘﺪ ذاﻛﺮﺗﻬﺎ إﻻ ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺑﺴﻨﺘﻴﻦ ﻓﻘﻂ ،واﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻰ ﺑﺎرﺋﻬﺎ ﻓﻲ 2012/12/11رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ
أﻏﺮاﺿﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ
ﻟﻮ اﻃﻠﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺷﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أن أﻏﻠﺐ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ أﺳﻠﻮب واﺣﺪ أﻻ وﻫﻮ أﺳﻠﻮب اﻟﻤﻨﺎﺟﺎة ﻓﺄﻏﻠﺐ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ ﺗﺒﺪأﻫﺎ ﺑﺤﺮف اﻟﻨﺪا »ﻳﺎ« ،ﻓﺘﻘﻮل ﻳﺎﻟﻜﻮس ،ﻳﺎ زﻳﻦ ،ﻳﺎﻟﻐﺮ،
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
51
ľëîòĸĿí àíĎĬė اﻟﺴﻮﻳﺪي )ﻓﺘﺎة اﻟﻌﺮب( واﻟﺸﺎﻋﺮة ﻋﻔﺮاء ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻨﻬﻦ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮى ﻗﻮة ﺷﻌﺮﻫﺎ وﺟﺰاﻟﺘﻪ ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﺮأ أو ﺗﻜﺘﺐ ﺣﺴﺐ ﺷﻬﺎدة اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺣﺎرب اﻟﻌﻤﻴﻤﻲ، ﻓﻬﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺣﺮﻓﺎً واﺣﺪا ً وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ وﺗﺤﻔﻈﻪ ﻋﻦ ﻇﻬﺮ ﻗﻠﺐ. إن ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺎﺟﺴﺎً ﻟﻬﺎ ﻓﺘﻘﻮﻟﻪ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺗﺮﻏﺐ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺤﻔﻈﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ ﻟﻤﺠﺮد اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻘﻂ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﺑﺴﺒﺐ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻓﻼ .ﻓﻤﺜﻼ ﻟﻢ ﺗﻘﻞ ﻓﻲ اﻟﻐﺰل أﺑﺪا ً ،وإﻧﻤﺎ ﻣﺪﺣﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ أﺧﻼﻗﻬﻦ وﺟﻤﺎﻟﻬﻦ وﻫﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻹﻃﺮاء اﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﻤﺤ ّﺒﺐ ﻟﻤﻦ ﺗﺤﺘﺮﻣﻬﻦ وﺗﺮى ﻓﻴﻬﻦ اﻷﺧﻼق اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ واﻟﺠﻤﺎل اﻹﻟﻬﻲ اﻟﻜﺎﻣﻞ. ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﻘﻂ اﻷﻣﻄﺎر وﻳﻨﺒﺖ اﻟﺤﻴﺎ واﻟﻌﺸﺐ وﺗﺨﻀّ ﺮ اﻷرض وﺗﻌﻴﺶ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ واﻟﺤﻼل اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻪ وﺗﻤﻠﻜﻪ ،وﻫﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﺒﺎري اﻟﺬي أﻧﺸﺄ ﻫﺬا اﻟﻐﻴﻢ وأﻧﺰﻟﻪ ﻣﻄﺮا ً ﻋﻠﻴﻬﻢ .ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﺗﻔﺮح ﻛﺜﻴﺮا ً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﺗﻴﻬﺎ اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺴﻌﻴﺪة ﻓﺘﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ وﺗﻬﻴﺾ ﻗﺮﻳﺤﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﻞ إﺧﻮاﻧﻬﺎ أو أﺣﻔﺎدﻫﺎ ﻣﻦ إﺣﺪى اﻟﺴﻔﺮات ﻓﺘﻘﻮل ﻓﻴﻬﻢ ﻗﺼﻴﺪا ً .ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺎزت
50
اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ اﻟﻤﻬﻴﺮي
ﻧﺎﻗﺔ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻓﻲ ﻋﺎم 1950ﻓﻲ ﺳﺒﺎق ﻟﻺﺑﻞ أﻗﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ وﺳﺒﻘﺖ ﻟﻪ ﻧﺎﻗﺔ ﺗﺴﻤﻰ »ﻣﻨﺤﺎف« ﻗﺎﻟﺖ ﻗﺼﻴﺪة ﻓﻲ ذﻟﻚ وﺗﻌﺪ ﻗﺼﻴﺪﺗﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺴﺒﻖ ووﺻﻒ اﻹﺑﻞ اﻟﻔﺎﺋﺰة ﻓﻲ اﻟﺴﺒﺎﻗﺎت، واﻟﺬي اﺳﺘﻤﺮ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ .وﻗﺪ ﺣﻔﻈﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺎرﻳﺦ ﻫﺬه اﻟﺴﺒﺎﻗﺎت واﺳﻢ اﻟﻨﺎﻗﺔ واﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻮخ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻣﻤﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﻛﺒﻮن ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻹﺑﻞ ،ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺑﺬﻟﻚ ﺳﺠﻼً ﻳﻘﺮأ أﻣﺎﻣﻨﺎ وﺗﺎرﻳﺨﺎً اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎً وﺛ ّﻘﺘﻪ رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﺑﺸﻌﺮﻫﺎ ﻫﺬا. ﻟﻢ ﺗﺘﺸﺎك ﻣﻊ اﻟﺸﻌﺮاء أﺑﺪاً واﻟﺪﻟﻴﻞ اﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺄﺧﺬ اﻟﺸﻌﺮ ﻛﻤﻬﻨﺔ ،أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺸﺎك ﻣﻊ اﻟﺸﻌﺮاء أﺑﺪا ً ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﻬﻢ وﻫﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻬﺎ وﻳﻘ ّﺪروﻧﻬﺎ إﻻ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺨﺎﻃﺒﻮﻫﺎ ﺷﻌﺮﻳًﺎ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﺗﺤﻔّﻈﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ،وأن ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻗﻮل اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺸﻜﺎوى .إﻻ أﻧﻬﺎ ﺣﻴﻦ اﺿﻄﺮت ﻟﻘﻮل اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أرادت أن ﺗﺸﻬﺮه ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺷﻌﺮﻫﺎ واﻟﺬي ﺗﻌ ّﺪﻩ ﻣﻨﺒﺮ ﺻﻮﺗﻬﺎ وﺗﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﺳﻴﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ،ﻓﺤﺪث أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺒﻬﺎ ﻣﺎء ﻟﻄﻮي أو ﺑﺌﺮ ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻳﺴﻤﻰ »ﻛﻮاﻛﺐ« وﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻓﻲ ذ ّﻣﺔ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ذﻛﺮه ﺑﻌﻀﻬﻢ وﻣﺪﺣﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺠﺒﻬﺎ ذﻟﻚ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻢ ﻛﻢ ﻫﻮ ﺻﻌﺐ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻣﻴﺎه ﻫﺬا اﻟﺒﺌﺮ ﻟﻺﻧﺴﺎن واﻟﺤﻴﻮان ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻗﺼﻴﺪة وﺗﺠ ّﻨﺒﺘﻪ ﻋﻨﺪ دﻋﺎﺋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻄﺮ اﻟﻌﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎدﻳﺔ .إﻻ أن أﺣﺪ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻤﻌﺮوﻓﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻏﺒﺎت اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻗﺎم ﺑﻤﺪﺣﻪ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ واﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ وﻫﻮ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﻜﺎس ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻠﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ ،إﺣﺘﺮاﻣﺎً ﻟﻬﺎ ،ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ
أﺑﻨﺎﺋﻪ ﺳﻴﻒ وﺳﻌﻴﺪ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات، ﺟﺎء ﺧﺒﺮ وﻓﺎﺗﻪ إﻟﻴﻬﻢ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻓﺘ َﻴﺘﻢ اﻷﺑﻨﺎء واﻟﺒﻨﺎت وﻫﻢ ﻣﺎ زاﻟﻮا ﺻﻐﺎرا ً ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗﺮﺑﻴﺔ وﻏﺬاء، ﻓﺘﻌﻬﺪت ﺷﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﺑﺘﺮﺑﻴﺔ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ واﻟﺘﻌﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﺑﺤﻜﻢ ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻔّﻞ ﺑﺘﺮﺑﻴﺘﻬﻢ واﻻﻋﺘﻨﺎء ﺑﻬﻢ ﺧﺎﻟﻬﻢ اﻟﻤﺮﺣﻮم ﻏﺪﻳّﺮ ﺑﻦ ﺟﻤﻌﺔ ،ﻓﻌﺎش ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺒﻴﺖ ﻓﻴﻨﺘﻘﻞ ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﻠﻬﻢ وﺗﺮﺣﺎﻟﻬﻢ، وﻓﻀﻠﻮا اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ وﻓﻲ »اﻟﺨﺼﻮب«، و«ﺑﻮ ﻫﺮﻣﺔ« ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء واﻟﻨﺰوح إﻟﻰ ﻧﺨﻴﻠﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺼﻴﻒ. ﻓﻜﺒﺮ اﻷﺑﻨﺎء واﻟﺒﻨﺎت وﺗﺰوﺟﻮا ﻓﺎﺳﺘﻘﺮت ﻣﻊ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ وﻋﻮاﺋﻠﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ، وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ إﻧﺸﺎء اﻟﻤﺴﺎﻛﻦ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وﺗﻮﻟﻰ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳــﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻣﻤﺎ ﻫﻴﺄ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﺣﻴﺎة ﻛﺮﻳﻤﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻤﻌﺎﻧﺎة واﻟﺘﻨﻘﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﺮاري واﻟﺼﺤﺎري ﺳﻌﻴﺎً وراء اﻟﻌﻴﺶ
ﺷﺎﻋﺮة اﻟﻌﻴﻦ ا4وﻟﻰ
إﻧﻬﺎ ﺷﺎﻋﺮة اﻟﻌﻴﻦ اﻷوﻟﻰ ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻇﺎﻫﺮ ًة ﻓﻲ اﻻﻋﻼم ﺑﺎﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﻳﻨﺎﺳﺐ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﺸﺎﻋﺮات ،ﺑﺴﺒﺐ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺮارﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺒﺮت وﺗﻘ ّﺪم ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻤﺮ .ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﺮأ وﺗﻜﺘﺐ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻴﻘﺘﻬﺎ ،ﻓﺎﺷﺘﻬﺮ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻛﺜﻴﺮا ً ﺑﺴﺒﺐ ﻗﻮﺗﻪ وﺟﺰاﻟﺘﻪ وأوﺻﺎﻓﻬﺎ ،وﺗﻐ ّﻨﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎ واﻟﻤﻄﺮ واﻟﻤﻨﺎﻃﻖ واﻵﺑﺎر ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ وﻛﺬﻟﻚ ﺑﺎﻹﺑﻞ واﻷﺣــﺪاث اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﺗﻔﺎﻋﻠﻬﺎ ﻣﻌﻬﺎ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻣﺎدة وﺻﻔﻴﺔ وﺧﺒﺮﻳﺔ ﻳﺘﻨﺎﻗﻠﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ آﺧﺮ ﻟﺘﺼﻞ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻹﻣﺎرات ﺑﺎﺳﻢ ﺷﺎﻋ ٍﺮ ﻣﺠﻬﻮل ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﺮف ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺤﻔﻆ ﺷﻌﺮﻫﺎ.
واﻟﺮزق اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺼﺪره ﺣﻼﻟﻬﻢ وأﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺎﺷﻴﺔ وإﺑﻞ وﻧﺨﻴﻞ ﻓﺄﻧﺠﺒﻮا اﻷﺣﻔﺎد واﻟﺤﻔﻴﺪات وﻋ ّﻮﺿﻮﻫﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺐ وﺣﻴﺎة اﻟﺸﻘﺎء اﻟﺘﻲ ﻣ ّﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺎب زوﺟﻬﺎ وواﻟﺪﻫﻢ اﻟﺬي ﻧﻬﺒﻪ اﻟﻤﻮت ﻋﻨﻬﻢ وﻫﻢ ﻣﺎ زاﻟﻮا ﺻﻐﺎرا ً. ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ واﻟﺸﻌﺮ
ﺗﻌ ّﺪ ﺷﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮات اﻹﻣﺎرات اﻟﻘﺪﻳﺮات وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ أن اﺳﻤﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮوف ﻛﺜﻴﺮا ً ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻹﻣﺎرات اﻻ أن ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ ﻣﻨﺘﺸﺮة ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎقٍ واﺳﻊ ﺣﺘﻰ أن ﺑﻌﺾ اﻟﺮواة ﻳﺤﻔﻈﻮﻧﻬﺎ وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن اﻟﻘﺎﺋﻞ ،وﻫﺬه ﻋﺎدة ﻣﺘﺬ ّوﻗﻲ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻓﻬﻢ ﻳﺤﻔﻈﻮن اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺰل واﻟﺠﻤﻴﻞ ،وﻻ ﻳﻬﺘﻤﻮن ﺑﺎﺳﻢ ﻗﺎﺋﻠﻪ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻬﻤﻬﻢ ﺣﻔﻈﻪ وإﻧﺸﺎده أﻣﺎم اﻵﺧﺮﻳﻦ. وﺑﺮﻏﻢ أن ﺷﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﻟﻢ ﺗﺤﺰ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﺷﻬﺮة ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺎﻋﺮات أﻣﺜﺎل ﻋﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﻠﻴﻔﺔ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
49
ľëîòĸĿí àíĎĬė
ﻳﺴﻤﻰ »ﺗﻮﻳﻪ« ،ﻓﻘﺎم اﻟﻨﺎس ﻳﻨﻌﺘﻮﻧﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺑﻘﻮم »ﺗﻮﻳﻪ« .ﻓﺎﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻼن اﻟﺘﻮﻳﻬﻲ ،وأﻣﺎ اﻟﻤﺮأة ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮن ﻋﻨﻬﺎ »ﺗﻮﻳﻬﻴﺔ« ،وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻤﻰ ﺷﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﺑﺎﺳﻢ »ﻣﻮزة اﻟﺘﻮﻳﻬﻴﺔ« ،وﻫﻮ اﻻﺳﻢ اﻟﺬي اﺷﺘﻬﺮت ﺑﻪ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف ﺑﻪ ﺣﺘﻰ وﻓﺎﺗﻬﺎ. أﻣﺎ واﻟﺪﻫﺎ ﻓﻬﻮ اﻟﻤﺮﺣﻮم ﺟﻤﻌﺔ ﺑﻦ ﺿﺎﻋﻦ ﺑﻦ ﻫﻨﺪي اﻟﻤﻬﻴﺮي ،ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ آل ﺑﻮﻣﻬﻴﺮ اﻟﻜﺮام اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻘﺮوا ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم وﻟﺪﻳﻬﻢ أﻣﻮال وﻧﺨﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﻌﺘﺮض ،ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرب اﻟﻌﻤﻴﻤﻲ .وﻟﺸﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﻣﻮزة ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﺧﻮان ﻣﻨﻬﻢ ﺧﻤﻴﺲ ﺑﻦ ﺟﻤﻌﺔ ﺑﻦ ﺿﺎﻋﻦ ﺑﻦ ﻫﻨﺪي اﻟﻤﻬﻴﺮي اﻟﺬي اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ دﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﺗﺰوج اﻣﺮأة ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻗﺘﺐ واﺳﺘﻘﺮ ﻓﻲ دﺑﻲ وأﻧﺠﺐ ﻋﺪدا ً ﻣﻦ اﻷﺑﻨﺎء واﻟﺒﻨﺎت ،وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﻌﺮوف ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻤﻴﺲ ﺑﻦ ﻫﻨﺪي اﻟﻤﻬﻴﺮي ،وﻋﻠﻴﻪ ﺗﻜﻮن ﺷﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ ﻋﻤﺘﻪ. أﻣﺎ أﺧﻮﻫﺎ اﻵﺧﺮ ﻓﻴﺪﻋﻰ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺟﻤﻌﺔ وﻫﻮ واﻟﺪ اﻟﻮﺟﻴﻪ اﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻄﺒﻴﺐ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻋﻘﻴﺪة ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻬﻴﺮي رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ. وﻟﻬﺎ أﺧﻮان آﺧﺮان ﻳﺪﻋﻴﺎن ﺣﻤﺪ وﻏﺪﻳّﺮ ،ﺗﻮﻓﻴﺎ وﻟﻢ ﻳﺨﻠﻔﺎ أﺣﺪا ً، وأﺧﺘﺎن ﻛﺬﻟﻚ. أﻣﺎ أﻣﻬﺎ ﻓﺘﺪﻋﻰ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﺘﻴﺞ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ وﻫﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺮﻣﻴﺜﺎت اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻄﻨﻮن ﻓﻲ »اﻟﺴﻤﺤﻪ« ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرب اﻟﻌﻤﻴﻤﻲ) 70ﻋﺎﻣﺎً( ،واﻟﺬي ﻗﺎل أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮﻫﺎ ﻓﻲ 48
اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ اﻟﻤﻬﻴﺮي
ﺣﻴﺎﺗﻪ ،إذ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻮﻓﺎة ﻗﺒﻞ وﻻدﺗﻪ .ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن أﺧﻮال ﺷﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ ﻫﻢ رﻣﻴﺜﺎت. وﻳﺬﻛﺮ اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺒﻜﺮ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺣﺎرب اﻟﻌﻤﻴﻤﻲ )75ﻋﺎﻣﺎً( ،أن واﻟﺪﺗﻪ ﻣﻮزة وﻟﺪت ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »اﻟﺨﺼﻮب« اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻮرد ﻣﺎء ﻋﺬب ﻳﻌﻴﺶ ﻋﻠﻴﻪ اﻷﻫﺎﻟﻲ ،وﺳ ّﻤﻴﺖ اﻟﺒﺌﺮ ﺑﺎﺳﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺼﺒﺔ واﻟﺘﻲ ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ اﺳﻤﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺧﻀﺮاء وﺧﺼﺒﺔ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺳﻢ اﻷﻣﻄﺎر ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء واﻟﺮﺑﻴﻊ واﻟﺨﺮﻳﻒ .وﺗﻘﻊ اﻟﺨﺼﻮب ﺟﻬﺔ اﻟﻐﺮب اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻬ َﻴﺮ .أﻣﺎ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ وﻻدﺗﻬﺎ ﻓﻴﻘ ّﺪره أﺑﻨﺎؤﻫﺎ وأﺣﻔﺎدﻫﺎ ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺎﺿﻲ أي ﻓﻲ ﻋﺎم 1895م ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً إﺑﺎن ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺣﺎﻛﻢ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻷﺳﺒﻖ ،وﻳﺬﻛﺮ أﻧﻬﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻌﺪ ﻋﻤﺮ ﻃﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ﺣﺪود 120ﻋﺎﻣﺎً رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ. ﻋﺎﺷﺖ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻊ أﻫﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ »ﺑﺮاق« وﻇﻠﻴﻤﺎ ،وﻟﺨﺼﻮب، وﺑﺪع اﻟﻤﻐ ّﻨﻲ وأﺑﻮ ﻫﺮﻣﻪ ،وﻓﻲ اﻟﺼﻴﻒ ﻳﺤﻀﺮون إﻟﻰ اﻟﻌﻴﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﺰارﻋﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﺳﻦ اﻟﺰواج ﺗﻘ ّﺪم إﻟﻴﻬﺎ أﺣﺪ أﺑﻨﺎء ﻗﺒﻴﻠﺔ »آل ﺑﻮﻋﻤﻴﻢ« اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﻃﺎﺋﻔﺔ » اﻟﺤﻮاﺿﺮ«، وﻫﻮ اﻟﺴﻴﺪ ﺣﺎرب ﺑﻦ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺣﺎﺿﺮ اﻟﻌﻤﻴﻤﻲ ،ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻪ اﻟﻠﻪ أن ﻳﺘﺰوﺟﻬﺎ وﻳﻨﺠﺐ ﻣﻨﻬﺎ. وﺗﻌﺪ أﺳﺮة »اﻟﺤﻮاﺿﺮ« ﻣﻦ رﻋﺎﻳﺎ إﻣﺎرة دﺑﻲ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻴﻤﻮن ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺟﻤﻴﺮا ،وﻫﻢ رﺟﺎل ﻣﻌﺮوﻓﻮن وﻣﻘﺘﺪرون وﻟﺪﻳﻬﻢ ﺳﻔﻦ ﻟﻠﻐﻮص ،وﻗﺪ اﺳﺘﻘﺮ اﻟﻤﺮﺣﻮم ﺣﺎرب ﺑﻦ ﺳﻴﻒ وزوﺟﺘﻪ ﺷﺎﻋﺮﺗﻨﺎ ﻣﻊ أﻫﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ »ﻟﺨﺼﻮب« و«ﺑﺮاق » ،وﻇﻞ ﻋﻠﻰ اﺗﺼﺎل ﺑﺄﻫﻠﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﺮا ،ﻓﺎﻧﻀﻢ إﻟﻰ ﻣﻬﻨﺔ اﻟﻐﻮص ﻓﻲ اﻟﺮﺑﻊ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﻊ أﺧﻴﻪ اﻟﻤﺮﺣﻮم ﺧﻤﻴﺲ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﺣﺎﺿﺮ ،ﻓﻌﻤﻠﻮا ﻏﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻗﺮﻳﺒﻬﻢ ﺿﺎﺣﻲ ﺑﻦ ﺗﻤﻴﻢ وﻇﻠﻮا ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ﺧﻼل ﻣﻮﺳﻢ اﻟﻐﻮص .وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻮدون اﻟﻰ أﻫﻠﻬﻢ ﻓﻲ دﺑﻲ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﻮد اﻟﺴﻴﺪ ﺣﺎرب ﺑﻦ ﺳﻴﻒ إﻟﻰ زوﺟﺘﻪ ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ وأوﻻده ﻓﻲ اﻟﺒﺮ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ودﺑﻲ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺳﻜﻨﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ رزﻗﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﻌﺪد أرﺑﻊ ﺑﻨﺎت وإﺑﻨﻴﻦ. وﻓﻲ أﺣﺪ ﺳﻔﺮات اﻟﺰوج ﺣﺎرب إﻟﻰ اﻟﻐﻮص وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻋﻤﺎر
وﻓﻲ دﺑﻲ ﻫﻨﺎك اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻋﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﺴﻮﻳﺪي واﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ )ﻓﺘﺎة اﻟﻌﺮب( ،واﻟﺸﺎﻋﺮة ﻫﺪاﻳﺔ ﻣﺘﻮﻓﺎة ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮات اﻟﻠﻮاﺗﻲ اﺧﺘﻔﺖ أﺳﻤﺎؤﻫﻦ ﻟﺴﺒﺐ أو ﻵﺧﺮ ،ﻛﻤﺎ أن ﻫﻨﺎك اﻟﺸﺎﻋﺮة ﺻﺎﻟﺤﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﺒﺎرك ﻣﻦ رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ واﻟﺸﺎﻋﺮة آﻣﻨﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﺴﻦ ﻣﻦ أم اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ . أﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻬﻨﺎك اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺑﻄﻲ اﻟﻤﺰروﻋﻲ )(1980-1890 وﻫﻲ اﺑﻨﺔ ﻋﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻤﻴﺲ اﻟﻤﺰروﻋﻲ اﻟﺬي ﻋﺎﺻﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺞ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ وﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة ﻗﺪﻳﺮة وﻗﺪ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ أﺣﺪ أﻋﺪادﻧﺎ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻠﻒ. أﻣﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻷﺧﺮى واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺪ ﻋﻤﻴﺪة اﻟﺸﺎﻋﺮات ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺣﺘﻰ ٍ ﺳﻨﻮات ﻗﺮﻳﺒﺔ واﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ اﺳﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ أي ﻓﺮد ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻦ وﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ وﺑﻌﺾ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻹﻣــﺎرات اﻷﺧــﺮى ،ﻓﻬﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ اﻟﻤﻬﻴﺮي واﻟﻤﻠﻘﺒﺔ ﺑﺎﻟﺸﺎﻋﺮة »اﻟﺘﻮﻳﻬﻴﺔ«.وﻫﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺘﻔﻲ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻠﻔﻨﺎ اﻟﺸﻌﺮي ﻟﻬﺬا اﻟﻌﺪد. ﻣﻦ ﻫﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ :
ﻫﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ ﺑﻦ ﺿﺎﻋﻦ ﺑﻦ ﻫﻨﺪي اﻟﻤﻬﻴﺮي ،وﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ اﺳﻤﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ »ﺑﻴﺖ ﻫﻨﺪي« ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ آل ﺑﻮﻣﻬﻴﺮ اﻟﻜﺮام .وﻳﺬﻛﺮ اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرب اﻟﻌﻤﻴﻤﻲ أن أﺣﺪ ﻛﺒﺎرﻫﻢ وﻳﻜﻮن أخ أو اﺑﻦ ﻋﻢ ﺟﺪﻫﻢ ﺿﺎﻋﻦ ﺑﻦ ﻫﻨﺪي ﻛﺎن
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
47
ľëîòĸĿí àíĎĬė
»اﻟﺘﻮﻳﻬﻴﺔ« ُﻋﺮﻓﺖ ﺑﺎﺳﻢ ّ
اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ اﻟﻤﻬﻴﺮي ﻋﻤﻴﺪة ﺷﺎﻋﺮات اﻟﻌﻴﻦ
ŽŐŴijĶũŤē İļēij į
46
ﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺮﺟﺎل ،وإﻧﻤﺎ ﺗﻌﺪّ اه إﻟﻰ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮات ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل اﻷدﺑﻲ اﻟﻮاﺳﻊ؛ ﻓﺒﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺟﻴﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮات اﻟﺸﻌﺒﻴﺎت ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ اﻟﻼﺗﻲ ﻻ ﻳﺘﺴﻊ اﻟﻤﺠﺎل ﻟﺬﻛﺮ أﺳﻤﺎﺋﻬﻦ ،ﻓﻘﺪ اﺷﺘﻬﺮت ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺷﺎﻋﺮات ﻣﻌﺮوﻓﺎت ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﻦ ﻓﺘﺮات اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ واﻟﺘﻲ ﺣﺪّ دﻧﺎﻫﺎ ﺑﻔﺘﺮة اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وأﺻﺒﺤﺖ أﺷﻌﺎرﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻟﺴﺎن ،ﻓﺘﻤ ّﻴﺰت ﻛﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﺸﺎﻋﺮة ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺗﺘﺮدّد أﺷﻌﺎرﻫﺎ وأﺑﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺑﻴﻦ اﻷﻫﺎﻟﻲ واﻟﺮواة .ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻫﻨﺎك اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻋﻔﺮاء ﺑﻨﺖ ﺳﻴﻒ اﻟﻤﺰوﻋﻲ ﻣﻦ أﺑﻮﻇﺒﻲ وﻗﺒﻠﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﺸﻬﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ،وﻫﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻋﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺷﻤﻼن ) ﻣﺘﻮﻓﺎه (1925واﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺘﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮة روﺿﺔ اﻟﻔﻼﺣﻴﺔ )ﻣﺘﻮﻓﺎة ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ( ،واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ إﻻ اﺳﻤﻬﺎ وﻋﺪد ﻣﺤﺪود ﻣﻦ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻏﻴﺮﻫﻦ اﻟﻜﺜﻴﺮات اﻟﻼﺋﻲ ﻟﻢ ﻧﺴﻤﻊ ﺑﻬﻦ أو ﻧﻘﺮأ ﻟﻬﻦ ﻣﻤﻦ ﻟﻢ ﺗُﺤﻔﻆ أﺷﻌﺎرﻫﻦ.
اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ اﻟﻤﻬﻴﺮي
اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ إﻋﺎدة إﻧﺘﺎج اﻟﺼﻮرة اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﺒﺪاﺋﻲ ،اﻟﺬي ﻳﻘﺪس اﻟﺤﺠﺮ واﻟﺸﺠﺮ ،وﻳﻌﺒﺪ اﻟﺒﻘﺮ واﻟﺒﺸﺮ، وﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺨﺮاﻓﺔ ،وﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻮﻫﻢ ،وﻳﻨﺘﺸﻲ ﺑﺎﻟﺒﻄﻮﻻت اﻟﺰاﺋﻔﺔ، وﻳﺮﻗﺺ ﻟﻠﻨﺎر اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ،وﻳﺮدد اﻟﺘﺮاﺗﻴﻞ اﻟﻄﻮﻃﻤﻴﺔ، وﻳﻨﺸﺪ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﻤﻬﻴّﺠﺔ ﻟﻠﺸﻬﻮة ،وﻳﻘﺘﻨﻊ ﺑﺎﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﻤﻠ ّﻮﺛﺔ ﻟﻠﻔﻄﺮة واﻟﻤﺨ ّﺪرة ﻟﺤﺎﺳﺔ اﻟﻮﻋﻲ واﻹدراك واﻟﺘﻤﻴﻴﺰ .وﻏﻴﺮ ﺧﻔﻲ ﻣﺎ ﺗﺴﺒﺒﻪ ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة اﻟﻜﺎرﻳﻜﺎﺗﻮرﻳﺔ اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ اﻟﺼﺎدﻣﺔ ﻣﻦ ﺗﺰﻳﻴﻒ ﺗﺎم ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷﻣﺔ ،وﻣﻦ ﺗﺸﻮﻳﻪ ﻛﺒﻴﺮ ﻟﺼﻮرﺗﻬﺎ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ وﻟﺠﺬورﻫﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،وﻣﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺧﻄﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺜﻼت أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻫﻮﻳﺘﻬﻢ وﻷﺳﺲ اﻧﺘﻤﺎﺋﻬﻢ ،إﻟﻰ درﺟﺔ ﺗﺠﻌﻞ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﺗﻔﻘﺪ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻜﻨﻮزﻫﺎ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ،وﺗﻘﺘﻨﻊ ﺑﺈﺣﺪاث ﻗﻄﻴﻌﺔ ﻣﻊ ﺗﺮاﺛﻬﺎ ،وﺑﺬﻟﻚ ﺗﻌﻴﺶ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻻﻏﺘﺮاب اﻟﻬﻮﻳﺎﺗﻲ اﻟﺤﺎد ،ﺣﻴﺚ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ ﺟﺬورﻫﺎ وأﺻﻮﻟﻬﺎ أو اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ رﺻﻴﺪﻫﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺮى ﻓﻴﻪ ﺳﻮى ﻃﻘﻮس اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﻓﻠﻜﻠﻮرﻳﺔ ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﺳﻮى ﻟﺘﻜﻮن ﻣﺎدة اﺳﺘﻌﺮاﺿﻴﺔ ﻣﺘﺤﻔﻴﺔ ﺳﺎذﺟﺔ ،أو ﻣﻨﺘﺠﺎ اﺳﺘﻬﻼﻛ ًﻴﺎ ﺑﺴﻴﻄًﺎ ﻣﻌ ٍّﺪا ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﻔﺮﺟﺔ وﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ واﻟﺘﺮﻓﻴﻪ ،أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺎرﻳﺨﺎ وإﻧﺠﺎزات وﻣﻌﺮﻓﺔ ،أو رﺻﻴ ًﺪا ﺻﺎﻟ ًﺤﺎ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻮﻋﻴﺔ واﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ،وﻻ ﺗﺮى ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻮى ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ ﻣﺘﺠﺎوزة ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻻﻋﺘﺰاز ﺑﻬﺎ أو ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﻛﺄداة ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ أو ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء اﻟﺤﺎﺿﺮ وﺗﺸﻜﻴﻞ ﺻﺮح اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. وﻟﻬﺬه اﻷﺳﺒﺎب ﻳﻨﺒﻐﻲ دﻣﺞ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺿﻤﻦ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﻪ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻷﺧﺮى ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻋﺒﺮ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺗﺤﻘﻴﻘﺎ ﻟﻠﺪﻳﻤﻮﻗﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﺪﻳﻤﻮﻗﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ) ،(3ﻓﺎﻟﻜﻞ اﻟﻴﻮم ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ إﺻﻼح اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻷﺟﻬﺰة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،وﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ ﺗﺨﻠﻴﻖ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وإﻟﻰ
ﺗﻄﻬﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺴﺎد واﻻﺳﺘﺒﺪاد وﻣﻦ ﻛﻞ اﻻﻧﺤﺮاﻓﺎت .واﻧﺴﺠﺎﻣﺎ ﻣﻊ ﻣﺸﺮوع ﻫﺬا اﻹﺻﻼح اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ ،وﺗﻌﻤﻴﻤﺎ ﻟﺮوﺣﻪ وﺟﻮﻫﺮه، ﻳﺠﺐ إﺣﺪاث إﺻﻼح ﻣﻮاز ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻳﺴﺘﻬﺪف اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻣﻤﺜﻼ ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺐ .ﻓﺈذا ﻛﺎن ﺻﻮت اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﺤﺰﺑﻴﺔ وﻣﻄﻠﻮﺑﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، وﺿﺮورﻳﺎ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﺟﻬﺰة اﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴﺔ واﻟﻨﻴﺎﺑﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﻤﻔﺮوض أن ﺗﻜﻮن ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺐ ﻫﻲ أﻳﻀﺎ ﻣﻬﻤﺔ ،وذﻟﻚ ﺑﺄن ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻬﺎ اﻟﻘﻨﻮات اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ أﺑﻮاﺑﻬﺎ وﺷﺎﺷﺎﺗﻬﺎ ،وأن ﺗﺤﺘﺮﻣﻬﺎ اﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺘﺮم ﺻﻮت ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺐ وﺗﻌﻈﻤﻪ وﺗﺴﺘﺠﺪﻳﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻴﺔ. *أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث ،اﻟﻤﻐﺮب
ﻫﻮاﻣﺶ - 1ﺗﻮاﻓﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﺮب أﻓﻮاج ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻬﺪوا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﺤﻤﻠﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ،ﺑﻌﺪ أن درﺳﻮا ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻧﻤﺎط اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ ،وأﻟﻔﻮا ﻛﺘﺒﺎ وﻧﺸﺮوا ﻣﻘﺎﻻت وأﺑﺤﺎﺛﺎ ﻣﺪﻋﻮﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ،ﻧﺬﻛﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل :إدﻣﻮﻧﺪ دوﺗﻲ – ﻫﻨﺮي ﺑﺎﺳﻴﻪ –وﻳﺴﺘﺮ ﻣﺎرك – ﺟﻮن ﺑﻴﻴﺮ روﺳﻲ اﻟﺬي أﻟﻒ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 25ﻛﺘﺎﺑﺎ ﺣﻮل اﻟﻄﻘﻮس واﻻﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ. - 2إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺣﺎج ﻋﺒﺪي.اﻟﻔﻠﻜﻠﻮر واﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .اﻟﻤﺪى اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ. اﻟﻌﺪد .156اﻟﺴﺒﺖ 17ﺗﻤﻮز .2004دﻣﺸﻖ ص23: - 3اﻧﻈﺮ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ.ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﺄﺛﻮرات اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ.ﺳﻨﺔ 14ﻋﺪدان .56-55ﻗﻄﺮ.ﻳﻮﻟﻴﻮ-أﻛﺘﻮﺑﺮ.1999
ﺗﻮاﺻﻴﻒ ﺟﺮاده ﻓﻲ اﻟﻴﺪ ،وﻻ أﻟﻒ ﻃﺎﻳﺮه ﻃﺎﻳﺮه :أي ﻃﺎﺋﺮة .وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن ﺟﺮادة واﺣﺪة ﻓﻲ ﻳﺪي ﺧﻴ ٌﺮ ﻟﻲ ﻣﻦ أﻟﻒ ﺟﺮادة ﻃﺎﺋﺮة ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ اﻹﻣﺴﺎك ﺑﻬﺎ .وﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﺗﻌﺒﻴﺮاً ﻋﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﺠﺮاد. ﻳﻀﺮب ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ ﺗﻔﻀﻴﻞ اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺎﺋﺐ وإن ﻛﺎن ﻗﻠﻴﻼً.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
45
ﺿﻮء آﺧﺮ
اﺑﺘﺰاز ا_ﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮاﺛﻪ ﺣﻈﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﻨﺬ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﻐﺮﺑﻴﻴﻦ ،وﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ اﻧﺠﺬاب وﺑﺆرة إﺷﻌﺎع ﻣﺘﻮ ّﻫﺠﺔ ﺗﺴﺘﻘﻄﺐ اﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ ،وﺗﺘﺠﻪ ﻧﺤﻮه اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ واﻟﺪراﺳﺎت اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ واﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،ﺗﺤ ّﺮﻛﻬﺎ ﺧﻠﻔﻴﺎت وأﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺗﻮﺟﻬﻬﺎ أﻫﺪاف وﻣﻘﺎﺻﺪ ﻣﺘﻌﺪدة. ﻓﺘﻔﻜﻴﻚ ﺷﻔﺮات اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻗﺮاءة اﻟﺮﻣﻮز اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﻄﻘﻮس واﻹﺑﺪاﻋﺎت واﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ -ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ أﻣﺮه -اﺳﺘﺒﻄﺎن ﻟﻠﺰﻣﻦ وﻧﺒﺶ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة وﻛﺸﻒ ﻟﻠﺨﻠﻔﻴﺎت اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺎت اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ واﻻﺧﺘﻴﺎرات اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ اﻟﺮﺻﻴﺪ اﻟﻬﻮﻳّﺎﺗﻲ واﻟﺤﻀﺎري ﻟﻜﻞ أﻣﺔ .وﻣﻦ ﺷﺄن ﻫﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﺒﺎﻟﻎ ﻓﻴﻪ ،ﺗﺴﻬﻴﻞ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻻﺧﺘﺮاق ،وﺗﻴﺴﻴﺮ اﻟﻤﺮور إﻟﻰ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺠﻤﻌﻲ ﺑﻐﺎﻳﺔ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس أو ﺗﻜﺮﻳﺲ اﻟﺘﺪﺟﻴﻦ ﻟﻠﻌﻘﻮل .إذ ﻳﺘﻢ اﺧﺘﺮاق ﺟﻬﺎز اﻟﻤﻨﺎﻋﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻟﻴﺴﻬﻞ ﻧﺨﺮ اﻷﺳﺲ وﺗﻘﻮﻳﺾ اﻟﺪﻋﺎﺋﻢ اﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺒﻨﻴﺎن اﻟﺤﻀﺎري واﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻟﻸﻣﺔ ﺑﻘﺼﺪ ﺗﺤﻄﻴﻤﻬﺎ وﺗﺪﻣﻴﺮﻫﺎ ،ﻓﺘﺼﺒﺢ اﻟﺠﺒﻬﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﺣﻴﻨﺌﺬ ،ﺑﺪون ﺣﺼﺎﻧﺔ ﺗﺤﻔﻈﻬﺎ أو ﺗﻘﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻴﺮوﺳﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻮاﻓﺪة .ﻓﺘﺘﺸﻜﻞ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﻟﻼﺳﺘﺴﻼم واﻻﺳﺘﻌﺪاد اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻟﻠﺘﺒﻌﻴﺔ ﻟﻶﺧﺮ، وﺗﺼﻴﺮ ﻣﻬﻴﺄة ﺑﻄﻮاﻋﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﻼب ،وﻓﺎﻗﺪة اﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺬات .وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻹرادة ﺟﻮﻫﺮ اﻟﻨﻮاﻳﺎ واﻟﻤﺨﻄﻄﺎت اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﻫﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ إﺛﺮ اﻟﺤﻤﻼت اﻟﻜﻠﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﻌﺼﻮر .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻼد اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ وﻣﺎ ﺗﺰال ﺣﺮﻳﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺨﻴﺮ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻛﺄداة وﻇﻴﻔﻴﺔ ﺿﻤﻦ ﻣﺨﻄﻄﺎﺗﻬﺎ ،وﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻇﻴﻔﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮه وأﺷﻜﺎﻟﻪ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮﻳﺔ واﻟﻄﻘﻮﺳﻴﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﺨﺪم ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ وﻳﺤﻘﻖ أﻃﻤﺎﻋﻬﺎ وأﻫﺪاﻓﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﺑﻌﺪﻣﺎ أدرﻛﺖ دوره اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻧﺔ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ﻟﻠﺸﻌﻮب ،اﻟﺸﻲء اﻟﺬي دﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﺧﺘﺮاﻗﻪ وﺗﺸﻮﻳﻪ ﻣﻌﺎﻟﻤﻪ وﻃﻤﺲ ﻣﺤﺘﻮاه اﻟﺮوﺣﻲ واﻟﻔﻜﺮي واﻟﺤﻀﺎري، وﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻀﺨﻴﻢ ﻋﻴﻮﺑﻪ وﺗﺰﻛﻴﺔ ﻛﻞ اﻟﻄﻔﻴﻠﻴﺎت اﻟﻌﺎﻟﻘﺔ ﺑﻪ .وﻟﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺴﺨﻴﺮ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎري اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟﻠﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ
44
اﺑﺘﺰاز ا5ﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮاﺛﻪ
د .ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺪاد اﻟﺤﺮاق@
ﻳﻌﻴﺪ إﻧﺘﺎج ﻧﻔﺲ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻻﻧﺘﻬﺎزﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ اﻟﺪراﺳﺎت اﻻﺳﺘﺸﺮاﻗﻴﺔ) (1اﻟﺘﻲ ﻣﻬﺪت اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﺤﻤﻼت اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻟﻠﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﺳﺎﺋﺮ ﺑﻠﺪان اﻟﺠﻨﻮب .ﻓﺎﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ وﻣﺎ ﺗﺠﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﻄﻴﺎت ،وﻣﺎ ﺗﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﺼﻮص ووﺛﺎﺋﻖ وﺣﻘﺎﺋﻖ ورواﻳﺎت ،ﺗﻤﻜّﻦ ﻣﻦ اﺑﺘﺰاز اﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮاﺛﻪ، وﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻐﻼﻟﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﻨﻘﻂ ﺿﻌﻔﻪ وﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻔﻜﻴﺮه وﻧﻤﻂ ﻋﻴﺸﻪ وﻣﺴﺘﻮاه اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ .ﻓﻜﻢ ﻣﻦ دارس ﻏﺮﺑﻲ ﻣﺪﻋﻮم ﻣﻦ ﺟﻬﺎت رﺳﻤﻴﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ أو ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ« ﺻﺎر ﻳﻮﺟﻪ ﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻋﺎدات وﻃﺒﺎﺋﻊ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻓﻲ اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ«)(2 وذﻟﻚ ﺧﺪﻣﺔ ﻟﻠﻤﺸﺮوع اﻻﺳﺘﻌﻤﺎري اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻈﻢ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻋﻮاﺻﻒ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ اﻟﺴﺎﻋﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﻤﻴﻴﻊ اﻟﻬﻮﻳﺎت وﻃﻤﺲ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﻮب ،وإﻟﻰ اﺧﺘﺮاق ﻣﻨﻈﻮﻣﺘﻬﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﻘﻴﻤﻴﺔ ،وإﻟﻰ إﻓﻘﺎدﻫﺎ اﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ رﺻﻴﺪﻫﺎ اﻟﺤﻀﺎري ،وﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺠﺮد ﺳﻮق اﺳﺘﻬﻼﻛﻴﺔ ﻟﻠﻨﻤﻮذج اﻟﻘﻴﻤﻲ واﻟﻔﻜﺮي اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﺗﺘﻢ ﻋﻮﻟﻤﺘﻪ وﺗﺴﻮﻳﻘﻪ ﺑﻜﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ. وﻟﻬﺬا ﻻ ﻳﺠﻮز إﻏﻔﺎل ذﻟﻚ اﻟﺤﺮص اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﺒﺪﻳﻪ اﻟﺪارﺳﻮن اﻟﻐﺮﺑﻴﻮن ﻓﻲ إﻗﺒﺎﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﻜﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮه ،وﻓﻲ ﺗﻔﺎﻋﻠﻬﻢ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻊ اﻟﻄﻘﻮس اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .ﻓﻘﺪ ﺳﺎﻋﺪﻫﻢ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﺮاق ﻋﺎدات اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﺗﺸﻮﻳﻪ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ ،ودﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ إﻓﺮاغ ﺗﺮاﺛﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻤﻮﻟﺘﻪ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ،وإﻓﻘﺎده ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ وروﺣﻪ ودوره اﻟﺮﻳﺎدي ﻓﻲ رﺑﻂ اﻷﺟﻴﺎل ﺑﻤﺎﺿﻴﻬﺎ وﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ،وإﻟﺒﺎﺳﻪ ﻏﻄﺎء ﻓﻠﻜﻠﻮرﻳﺎ ﻓﺮﺟﻮﻳﺎ ﻻ ﻏﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﺳﻮى اﻹﻣﺘﺎع واﻟﺘﺴﻠﻴﺔ واﻹﺛﺎرة ودﻏﺪﻏﺔ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ وﺗﺨﺪﻳﺮ اﻟﻌﻘﻮل .ﻛﻤﺎ ﻋﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼق ﻗﻴﻢ ﺷﺎذة واﺑﺘﺪاع وﻇﻮاﻫﺮ ﻏﺮﻳﺒﺔ ،وﻧﺴﺒﻮﻫﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﺘﺒﺮﻳﺮ اﺗﻬﺎﻣﻬﻢ ﻟﺤﻀﺎرﺗﻨﺎ ﺑﺎﻟﺴﺬاﺟﺔ واﻟﺘﻮﺣﺶ واﻟﺘﺤﺠﺮ واﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ .ﺑﻞ أدى ﺑﻬﻢ ﻣﻜﺮﻫﻢ وﺗﺨﻄﻴﻄﻬﻢ اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ إﻟﻰ إﺣﻴﺎء ﻃﻘﻮس اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ اﻟﻤﻌﺒﺮة ﻋﻦ درﺟﺔ ﻗﺼﻮى ﻣﻦ اﻟﺘﺨﻠﻒ واﻟﺮﺟﻌﻴﺔ اﻟﻌﻘﺪﻳﺔ واﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ .واﺧﺘﺰﻟﻮا
Í Ëí ¡ ì ¥ ﻫﻮاﻣﺶ: *اﻟﺼﻮر ﻣﻦ رﺣﻠﺔ اﻟﺴﻴﺮ وﻟﻔﺮﻳﺪ ﺳﻴﺜﺠﺮ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﻌﺒﻮر اﻟﺮﺑﻊ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﺸﺮق ﺑﻴﻦ ﻋﺎم 1945م اﻟﻰ 1949م واﻟﺬى ﺳﻤﺎه ﻣﺮاﻓﻘﻮه آﻧﺬاك ﺑﺈﺳﻢ )ﻣﺒﺎرك ﺑﻦ ﻟﻨﺪن( - 1ﺷﻔﻴﻖ ﻋﺒﺪ اﻟﺠﺒﺎر اﻟﻜﻤﺎﻟﻲ :اﻟﺸﻌﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺪو) ،ﺑﻴﺮوت :ﻛﺘﺐ ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ ،(2002 ،ص .20 - 2ﻣﻜﻲ اﻟﺠﻤﻴﻞ :اﻟﺒﺪو واﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق) ،ﺑﻴﺮوت :دار اﻟﺮاﻓﺪﻳﻦ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ ،(2005 ،ص .133 - 3ﻋﺪﻧﺎن اﻟﻌﻄﺎر :ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟــﺰواج اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ :اﻟﺒﺪوي واﻟﺮﻳﻔﻲ واﻟﺤﻀﺮي )دﻣﺸﻖ :دار ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ ،د .ت ،(.ص .26 - 4أﻟﻮﻳﺰ ﻣﻮزﻳﻞ :ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،رﺣﻼت وﻣﻐﺎﻣﺮات ﻓﻲ ﺷﻤﺎل ﺟﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮب ،1915-1908ﻋﺒﺪ اﻹﻟﻪ اﻟﻤﻼح )ﺗﺮﺟﻤﺔ() ،أﺑﻮ ﻇﺒﻲ: ﻫﻴﺌﺔ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺘﺮاث ،(2010 ،ص .250 ،249 - 5وﻳﻠﻔﺮﻳﺪﻓﻴﺴﺠﻴﺮ :رﺣﻠﺔ إﻟﻰ ﻋﺮب أﻫﻮار اﻟﻌﺮاق ،ﺧﺎﻟﺪ ﺣﺴﻦ اﻟﻴﺎس )ﺗﺮﺟﻤﺔ() ،ﺑﻴﺮوت :اﻟﺪار اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻤﻮﺳﻮﻋﺎت،(2006 ، ص .306
- 6ﺟﻮﺳﺎن وﺳﺎﻓﻴﻨﻴﺎك» :أﻋﺮاف ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻔﻘﺮاء ) ،«(2ﻣﺤﻤﻮد ﺳﻼم زﻧﺎﺗﻲ )ﺗﺮﺟﻤﺔ( ،ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﺮب ،اﻟﺠﺰء ،12 ،11اﻟﺴﻨﺔ ) 27ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ دﻳﺴﻤﺒﺮ ،(1992ص .267 - 7ﺟﻤﺲ ﺑﻜﻨﻐﻬﺎم :رﺣﻠﺘﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﺮاق ﺳﻨﺔ ،1816ﺳﻠﻴﻢ ﻃﻪ اﻟﺘﻜﺮﻳﺘﻲ )ﺗﺮﺟﻤﺔ( ،اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ )ﺑﻐﺪاد :ﻣﻄﺒﻌﺔ أﺳﻌﺪ ،(1968 ،ص .292 ،291 - 8ﻫﺸﺎل ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺨﺮﻳﺼﻲ :ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺷﻤﺮ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ وﺗﺤﻠﻴﻞ، )ﺑﻴﺮوت :دار اﻟﺴﺎﻗﻲ ،(1998 ،ص .39 - 9وﻳﻠﻴﺎم ب .ﺳﻴﺒﺮوك :ﻣﻐﺎﻣﺮات ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ،ﻋﺎرف ﺣﺪﻳﻔﺔ وﻧﺒﻴﻞ ﺣﺎﺗﻢ )ﺗﺮﺟﻤﺔ() ،دﻣﺸﻖ :دار اﻟﻤﺪى ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ،(2006 ، ص.115 ،114 - 10دﻳﻜﺴﻮن :ﻋﺮب اﻟﺼﺤﺮاء) ،ﺑﻴﺮوت :دار اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ،(1996 ، ص .116 ،115 - 11ﻟﻮﻳﺲ .اﺛﺒﻴﺘﻴﺎ دي ﻣــﻮرس :اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﺼﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻣﺄﻣﻮرﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﺮق :ﺗﺮﻛﻴﺎ..ﺳﻮرﻳﺔ..اﻟﻌﺮاق ..ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ،ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻌﻤﻴﺮ )ﺗﺮﺟﻤﺔ() ،اﻟﺮﻳﺎض :دارة اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ، ،(1428ص .257 ،256
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
43
ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟ ُﻨﺒﻞ
أﻧﻪ ﺳﻴﺨﻮذق ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺴﻴﻒ إن ﻟﻢ ﻳﺤﻀﺮوا ﻟﻪ اﺑﻨﻪ ﻟﻴﻘﺘﻞ أﻣﺎﻣﻪ .ﻷن اﺑﻨﻪ ﻛﺎن ﻗﺪ أﻗﺪم ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ ﺟﺎر ﺧﻴﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﻤﺄة ﺷﺠﺎر أﺣﻤﻖ وﻗﻊ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ .ﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﻣﺤﺎوﻻت أﻓﺮاد ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻹﺧﻔﺎء اﻟﺸﺎب ﻓﻲ ﺛﻨﻲ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻦ ﻋﺰﻣﻪ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﺆﻛﺪ ﺟﺪﻳﺘﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺮﻳﻊ .ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﻗﺎم اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﻮد اﻟﺴﻮﻳﻂ ،اﻟﺬي ﺗﺴﻠّﻢ اﻟﻤﺸﻴﺨﺔ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻋﻤﻪ ﺑﻌﺎﻣﻴﻦ، ﺑﺈﻣﺴﺎك اﻟﺸﺎب وﻗﺘﻠﻪ أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻲ أﺑﻴﻪ ،وﻫﻜﺬا ﺗ ّﻢ إرﺿﺎء اﻟﺸﺮف اﻟﻘﺒﻠﻲ. أﻣﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﺟﺪﻋﺎن اﻟﺴﻮﻳﻂ ،اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﻴﺨﺔ ﻓﻲ ﺿﻔﻴﺮ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﻮد ﻓﻘﺪ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻋﻠﻤﻪ أن أﺣﺪ أﻓﺮاد ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ ﻗﺪ أﻗﺪم ﻋﻠﻰ إﻃﻼق اﻟﻨﺎر وﺟﺮح واﺣ ًﺪا ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﻄﻴﺮ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺠﺎوره ﻓﻲ اﻟﺨﻴﻤﺔ )ﻗﺼﻴﺮه( آﻧﺬاك .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻘﺒﻴﻠﺘﻴﻦ ،ﻣﻄﻴﺮ وﺿﻔﻴﺮ، ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻓﻲ ﻋﺪاء ﻣﻔﺘﻮح ،إﻻ أن اﻟﺸﻴﺦ ﺟﺪﻋﺎن أﺣﻀﺮ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺬﻧﺐ أﻣﺎﻣﻪ وﻫﻮى ﺑﺴﻴﻔﻪ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ﻓﻘﺘﻠﻪ .ﻛﺎن ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ أﺛﺮه اﻟﺬي اﻧﺘﺸﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺪو ﻛﻮﻣﻴﺾ اﻟﺒﺮق ﻟﺴﺎﻋﺘﻪ ،وﺻﺎر اﺳﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﺟﺪﻋﺎن ،ﻛﺤﺎم ﻟﻠﺸﺮف اﻟﺒﺪوي ،ﻣﺸﻬﻮ ًرا ﻛﺎﺳﻢ ﺳﻠﻔﻪ ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ)(10
42
اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ
ﻳُﻮرد اﻷﺳﺒﺎﻧﻲ دي ﻣﻮرﻳﺲ ﻗﺼﺔ ﺗﻮﺿﺢ اﻟﻨﺒﻞ اﻟﺒﺪوي، ﻓﻴﺬﻛﺮ أن ﻓﺘﻰ ُﻣﺤﺎرﺑﺎً ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ إﺣﺪى اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ُﻣﻬﺮة ذاﺋﻌﺔ اﻟﺼﻴﺖ ،أﻋﺎرﻫﺎ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم ﺿﻴﻔًﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺻﺪﻳﻘﻪ ،ﻓﺄﻋﺠﺐ ﻫﺬا اﻟﻀﻴﻒ ﺟ ًﺪا ﺑﻬﺎ ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﺑﺠﻨﻮن ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ أن ﻳﺒﻴﻌﻪ إﻳﺎهُ ،ﻣﻘﺪ ًﻣﺎ ﻟﻪ ﻛﻞ إﺑﻠﻪ وﻣﺎﺷﻴﺘﻪ وﺟﻤﻴﻊ ﺛﺮوﺗﻪ ،ﻟﻜﻦ ﻛﻞ اﻟﻌﺮوض اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ ذﻫﺒﺖ ﻫﺒﺎ ًء ،إﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺮة ﻣﻄﻠﻘًﺎ .أﻣﺎم ﻫﺬا اﻟﺮﻓﺾ اﻟﺤﺎزم ﺑﺎت اﻷﺻﺪﻗﺎء اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻓﻲ ﻋﺪاء ﻋﺎرم ،وذﻫﺐ اﻟﻀﻴﻒ إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ ﻳﺤﻠﻢ دو ًﻣﺎ ﺑﺎﻣﺘﻼك »ﻫﺒﺔ اﻟﺮﻳﺢ« ﺗﻠﻚ .ﺑﻌﺪ ﻣﺮور ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن ﻣﺤﺎرب ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻳﺴﻴﺮ ﻓﻲ إﺣﺪى اﻷﻣﺴﻴﺎت ﻣﻤﺘﻄﻴًﺎ ُﻣﻬﺮﺗﻪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﻴﺮات اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ اﻷﻏﺼﺎن أﺻﻮات أﻧﻴﻦ ﺗﻄﻠﺐ اﻟﻨﺠﺪة ،وﻛﺎن ﻫﻨﺎك رﺟﻞ ﻣﺮﻳﺾ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻘﻴﺎم ﻋﻠﻰ رﺟﻠﻴﻪ ،ﻓﻨﺰل اﻟﻔﺎرس ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻟﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻤﺮﻳﺾ ،ﺗﺎرﻛًﺎ ُﻣﻬﺮﺗﻪ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻪ ،ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻬﺾ اﻟﺠﺮﻳﺢ ﻓﻮﺛﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﻔﺮس ﺑﻘﻔﺰة واﺣﺪة ،واﻧﻄﻠﻖ ﻣﺴﺮ ًﻋﺎ ﺑ ُﻤﻬﺮة اﻟﻤﺤﺎرب اﻟﻘ ﱢﻴﻤﺔ. ﻓﺼﺎح اﻟﻔﺎرس ﺑﺎﻟﻠﺺ :ﺗﻮﻗﻒ ﺗﻮﻗﻒ ،اﺳﻤﻊ ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻚ، ﻗﺎﺋﻼ ﻓﺄﺟﺎب اﻟﻠﺺ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ :ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ؟ ،ﻓﺮد اﻟﻔﺎرس ً ﻻ ﺗﻘﻞ ﻷﺣﺪ ﻣﺎ ﺣﺪث .ﻷﻧﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻟﻦ ﻳﺮﻏﺐ أي ﺑﺪوي ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻟﻠﻤﺤﺘﺎج .ﻛﺎن اﻷﺛﺮ اﻟﺬي ﺗﺮﻛﻪ وﻗﻊ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻬﺎرب ﻗﻮﻳًﺎ ﻓﻨﺰل ﻋﻦ ﺻﻬﻮة اﻟﻤﻬﺮة وﻗﺎدﻫﺎ ﻣﻦ رﺳﻨﻬﺎ ﻟ ُﻴﺴﻠﻤﻬﺎ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ).(11
ﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺨﻴﻢ ،وﻋﺮف ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﻬﺎ وﻣﺴﻠﻜﻬﺎ أﻧﻬﺎ اﻣﺮأة ذات ﺷﺄن ،وﻛﺎن اﻟﻈﻼم ﻗﺪ أﺧﻔﻰ ﺑﻴﺘﻬﺎ اﻟﺮث ،ﺳﺄﻟﻬﺎ إن ﻛﺎن ﻋﻨﺪﻫﺎ إﺑﻞ ﻟﻠﺒﻴﻊ، ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ :ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪي إﻻ ﻧﺎﻗﺔ واﺣﺪة ،واﻟﻘﻄﻌﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻋﻰ اﻟﺒﻌﻴﺪة .وﺑﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺼﻨﻊ اﻟﻘﻬﻮة ﻗﺪﻣﺖ إﻟﻴﻪ ﺣﻠﻴ ًﺒﺎ .ﻗﺎل اﻟﺘﺎﺟﺮ :ﻟﻘﺪ ﻗﺪﻣﺖ ﻣﻦ ﺳﻔﺮ ﺷﺎق ،ﻓﻬﻞ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﺧﻴﻤﺔ أﺧﺮى أرﺗﺎح ﻓﻴﻬﺎ وأﻧﺎم .وﺣﺴﺐ ﺷﺮﻋﺔ اﻟﺒﺪو ،ﻓﺈن اﻟﻄﺎرق اﻟﻤﺴﺎﻟﻢ ﻳُﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻄﻠﺐ اﻟﻤﺒﻴﺖ ﻓﻲ أي ﺧﻴﻤﺔ ،ﻏﻴﺮ أن اﻟﻤﺒﻴﺖ ﻓﻲ ﺧﻴﻤﺔ واﺣﺪة ﻣﻊ اﻣﺮأة ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺠﻮزًا أﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﻻﺋﻖ .أﺟﺎﺑﺖ :ﻋﻨﺪي ﺧﻴﻤﺔ أﺧﺮى أﻧﺎم ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﺒﻘﻰ أﻧﺖ ﻫﻨﺎ .وﻓﻲ ﻏﻀﻮن ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ ﻋﺎدت وﻣﻌﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ اﻟﺴﺎﺧﻦ اﻟﻤﻐﻤﻮر ﺑﺎﻟﻤﺮق ،ﻗﺎل اﻟﺘﺎﺟﺮ ﺑﻌﺪ أن أﻛﻞ ،ﻟﻘﺪ أﻛﻠﺖ ﻣﺜﻞ ﺳﻠﻄﺎن ﻳﺎ أم اﻟﺠﻮد .وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺧﻴﻤﺔ أﺧﺮى ﻓﻨﺎﻣﺖ »ﺑﺎﻟﺜﻠﺞ واﻟﺒﺮد ﺗﺤﺖ رﺣﻤﺔ اﻟﻠﻪ« ،وﻟﻤﺎ ﻋﺎدت ﺻﺒﺎ ًﺣﺎ رأى اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻣﻼﺑﺴﻬﺎ اﻟﻤﺒﺘﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻓﺘﻌﺠﺐ أوﺿﺤﺖ ﻟﻪ أن اﻟﺨﻴﻤﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ أﻗﺮﺑﺎؤﻫﺎ ﺗﻘﻊ وراء اﻟﺘﻞ ،وﻟﻘﺪ ﻣﻄﺮت اﻟﺴﻤﺎء ﻏﺰﻳﺮة وﻫﻲ ﻋﺎﺋﺪة«. ﻟﻜﻨﻪ ﺗﻔﺤﺼﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر ،وارﺗﺎب ﺑﻔﻘﺮﻫﺎ .وﺑﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺒﻘﻰ ﺧﻴﺎﻣﻬﻢ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻟﻠﻀﻴﻮف ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺤﻖ ﻟﻪ أن ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺿﻴﺎﻓﺘﻬﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ أن ﻳﺠﺮح ﻛﺒﺮﻳﺎءﻫﺎ ،ﻓﻄﻠﺐ أن ﺗ ُﻌﻴﺮه ﻧﺎﻗﺘﻬﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺣﻤﻼ ﻣﻦ اﻟﺤﻨﻄﺔ .ﻗﺎﻟﺖ وﻳﺢ ﻟﻲ، ﻳُﺮﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ ً ﻟﻘﺪ ﻧﻔﻘﺖ ﻧﺎﻗﺘﻲ ﻟﻴﻠﺔ أﻣﺲ .إن اﻣﺮأة أﻗﻞ ﺷﺄﻧًﺎ ﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ُﻣﻠﺰﻣﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ،أﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺘﻘﺮ إﻟﻰ ﻃﻌﺎم آﺧﺮ ﺗُﻘﺪﻣﻪ ﻟﻠﻐﺮﻳﺐ ،ﻓﻘﺪ ذﺑﺤﺖ ﻧﺎﻗﺘﻬﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﺣﻔﺎﻇًﺎ ﻋﻠﻰ ُﺳﻤﻌﺔ ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﺸﻴﺦ).(9 ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮ
ﺗﻔﺨﺮ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ،ﺑﺎﻟﺴﻤﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ ﺑﻔﻀﻞ ﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ﻟﻠﻘﺼﻴﺮ ،ﻓﻘﺪ اﺷﺘﻬﺮ رﺟﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل .وﻳﺘ ّﻢ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﺲ ُﺳﻤﻌﺔ وﺷﺮف اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ،وﻳﺮوي دﻳﻜﺴﻮن أﻧﻪ »ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،اﺳﺘﻞ ﻋﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﻮد اﻟﺴﻮﻳﻂ ،ﺷﻴﺦ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻀﻔﻴﺮ ،ﺳﻴﻔﻪ وﻫﺪد
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
41
اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ اﻟﻐﺮﺑﺎء ،وﻳﺮﺣﺐ ﺑﺎﻟﻀﻴﻒ وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﺮﻓﻪ) .(5ﻓﺄي ﺷﺨﺺ ﻳُﺪﻋﻰ وﻳُﻘﺪم ﻟﻪ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﻤﺄوى .وﻳﺘﻌﺪى ﻛﺮم اﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﺣﺪود اﻟﻀﺮوري ،ﻓﺼﺎﺣﺐ اﻟﺨﻴﻤﺔ ﻳُﻘﺪم ﻟﻀﻴﻔﻪ أﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه، وﻳﺤﺪث أﺣﻴﺎﻧًﺎ أن ﻳﺬﺑﺢ رﺟﻞ ﻓﻘﻴﺮ آﺧﺮ ﺷﺎة ﻟﺪﻳﻪ ﻟﻜﻲ ﻳُﻄﻌﻢ ﺿﻴﻔﻪ دون أن ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻀﻴﻒ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺤﺠﻢ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ .وﻳﺤﺮص اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻋﻠﻰ إﻛﺮام اﻟﻀﻴﻒ واﺣﺘﺮاﻣﻪ ،واﻟﺒﺪوي اﻟﺠﺎﺋﻊ ﻳﺘﻘﺎﺳﻢ وﺟﺒﺘﻪ اﻟﻔﻘﻴﺮة ﻣﻊ ﻏﺮﻳﺐ ﺟﺎﺋﻊ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ) .(6ﺑﻞ إن ﺿﻴﺎﻓﺔ اﻟﺒﺪوي واﺟﺒﺔ ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﻌﺎدﻳﺔ .واﻟﻜﺮم ﺣﺘﻰ ﺑﻴﻦ اﻷﻋﺪاء، ﻓﻴﺬﻛﺮ ﺟﻤﺲ ﺑﻜﻨﻐﻬﺎم أن اﻟﺸﻴﺦ ﻏﻀﺒﺎن ﺷﻴﺦ اﻟﺴﻮﻳﺐ ﻣﺎ إن ﺳﻤﻊ
40
اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ
ﺑﺄﻧﺒﺎء ﻫﺮب اﻟﺸﻴﺦ ﺛﻮﻳﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﺗﺠﺮده ﻣﻦ ﻣﺸﻴﺨﺔ اﻟﻤﻨﺘﻔﻖ ،واﻗﺘﺮاﺑﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺘﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻧﻬﺾ وأﺣﻀﺮ ﻛﻞ اﻟﺒﺎرزﻳﻦ ﻣﻦ أﺗﺒﺎﻋﻪ ،وﺳﺎر دﺧﻴﻼ ﻋﻨﺪ ﻋﺪوه ،اﻟﺬي ﺑﺬل ﺟﻬﻮ ًدا ً ﻟﻤﻼﻗﺎﺗﻪ .وأﻣﻀﻰ ﺛﻮﻳﻨﻲ زﻣ ًﻨﺎ ﻣﻀﻨﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳُﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﻏﻀﺐ ﺑﺎﺷﺎ ﺑﻐﺪاد ،اﻟﺬي ﺟﺮد ﺛﻮﻳﻨﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ أﻣﻼﻛﻪ ،وﺑﺘﺄﺛﻴﺮ ﻏﻀﺒﺎن اﺳﺘﻌﺎد ﺛﻮﻳﻨﻲ ﻛﺎﻣﻞ ﺳﻠﻄﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺸﻴﺨﺘﻪ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻇﻠﺖ اﻟﻌﺪاوة اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺘﻔﻖ واﻟﺴﻮﻳﺐ ﻗﺎﺋﻤﺔ) .(7وﻗﺪ ﻧﺰل ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ ﺑﺮﻛﺔ ،وﻫﻮ ﻣﻦ آل ﺑﺮﻳﻚ ﻣﻦ ﺷﻤﺮ ،ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺖ ﻛﻀﻴﻒ ،ﻓﻼﺣﻆ ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎت أﻫﻠﻪ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻃﻌﺎم ﻓﻘﺎم إﻟﻰ ﺑﻌﻴﺮه اﻟﺬي ﺟﺎء راﻛ ًﺒﺎ ﻋﻠﻴﻪ وذﺑﺤﻪ وﻗﺪﻣﻪ ﻟﻬﻢ ،ﺛﻢ ذﻫﺐ دون أن ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌًﺎ).(8 ﻳﺮوي وﻳﻠﻴﺎم ﺳﻴﺒﺮوك ﻗﺼﺔ ﺗﻮﺿﺢ ﻣﺪى اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻛﺮم اﻟﻀﻴﺎﻓﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ،ﻳﻨﻘﻠﻬﺎ ﻋﻦ أﺣﺪ اﻟﺒﺪو ﻳُﺪﻋﻰ ﺳﺮﺣﺎن ،ﻗﺎل ﻟﻪ» :ﻣﺎت ﺷﻴﺦ ﻏﻨﻲ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ أن ﻳﺨﻠﻒ ﻋﻘﺒًﺎ ،وأﺧﺬت أرﻣﻠﺘﻪ ﺗﻔﺘﻘﺮ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺮاﻓﻖ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﻨﻘﻠﻬﺎ ،ﻏﻴﺮ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺼﺐ ﺧﻴﻤﺘﻬﺎ وﺣﺪﻫﺎ ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ اﻟﺨﻴﺎم اﻷﺧﺮى ،ﻓﻠﻮ ﺳﻜﻨﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻟﻜﺎن ﻣﻦ وﺟﺐ ﻛﻞ ﻏﺮﻳﺐ ﻟﻪ ﺷﺄن أن ﻳﺰور أرﻣﻠﺔ اﻟﺸﻴﺦ ،وﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻲ أن ﺗُﻘﺪم ﻟﻪ اﻟﺸﺮاب واﻟﻄﻌﺎم. ﻛــﺎن ﺣﻠﻴﺐ ﻧﺎﻗﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺧﺬﻫﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻋﻰ ،وﺗﺮﻛﺒﻬﺎ ﻋﺎﺋﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻪ .وﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻟﻴﺎﻟﻲ اﻟﺸﺘﺎء اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﻗﺪم ﺗﺎﺟﺮ ﺟﻮال ﻻﺑﺘﻴﺎع اﻹﺑﻞ ،وﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﻤﺘﻬﺎ ﻣﺼﺎدﻓﺔ
Í Ëí ¡ ì ¥ ﻓﺤﻤﻠﺘﻪ واﻋﺘﻠﺖ ﻧﺎﻗﺔ وﻫﺮﻋﺖ ﺑﻬﺎ ﻟﻠﻘﺎء اﻟﻔﺘﻴﺎن اﻟﻌﺎﺋﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﺎء. واﻟﻨﺴﺎء ﻳﺨﺮﺟﻦ ﻋﺎﻣﺔ وﻣﻌﻬﻦ ﻗﺮﺑﺔ ﺻﻐﻴﺮة ،ﺣﻴﻦ ﻳﻜﻮن ﻟﺪﻳﻬﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ أﻃﻔﺎل ِﻋﻄﺎش ،أو ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﺘﺰﻣﻦ إﻋﺪاد ﻃﻌﺎم ﻟﻠﺠﺎﺋﻌﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ، ﻷن اﻹﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻗﺮب اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻤﺘﻠﺌﺔ ﺗﺘﺤﺮك ﺑﺒﻂء؛ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﻄﻲ ﻧﺎﻗﺔ أن ﺗﻤﻸ ﻗﺮﺑﺘﻬﺎ ﻣﻦ أول ﻓﺘﻰ ﺗﺼﺎدﻓﻪ ،وﺗﻌﻮد ﺳﺮﻳ ًﻌﺎ ،وﻫﻜﺬا ﻣﺎ إن ﺻﺎدﻓﺖ اﺑﻨﺔ اﻟﺸﻴﺦ أول ﻓﺘﻰ ،وﻗﺎل ﻟﻬﺎ أن ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ردت ﻋﻠﻴﻪ» :إن اﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﺗﺒﻐﻴﻪ وﻳﺤﻤﻞ اﻟﻤﺎء ﻣﺘﻮاﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻒ ﻣﻊ اﻟﻤﻈﺎﻫﻴﺮ« .وﻗﺪ ﺗﻜﺮر اﻟﻌﺮض وردت ﻋﺪة ﻣﺮات ﺣﺘﻰ وﻗﻊ ﻧﻈﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻳﺴﻮق أﻣﺎﻣﻪ اﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ اﻹﺑﻞ ﻳﺤﻤﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻗﺮﺑﺘﻴﻦ ﻛﺒﻴﺮﺗﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﺳﺘﻴﻦ ﻟﺘ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ وﻫﻮ أﺧﻒ ﺟﺎﻟﺴﺎ .ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺑﻠﻬﺠﺔ اﻟﺮﺟﺎء» :اﻋﻄﻨﻲ ﺑﻌﺾ ً ﺣﻤﻼ ﻛﺎن اﻟﻔﺘﻰ ً اﻟﻤﺎء« .ﻓﺮد اﻟﻔﺘﻰ» :ﻟﻘﺪ ﺻﺎدﻓﺖ ﺷﺒﺎﻧًﺎ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ،أﻓﻠﻢ ﻳﻘﺪم ﻟﻚ أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻤﺎء؟ ﻓﺈذا ﻟﻢ ﺗﻨﺎﻟﻲ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎء ،ﻓﻠﻦ ﺗﻨﺎﻟﻴﻬﺎ ﻣﻨﻲ!« .وﻋﻨﺪﺋﺬ أﺧﺮﺟﺖ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺮﻏﻴﻒ اﻟﺸﻬﻲ ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ اﻟﻔﺘﻰ ﻣﺸﺘﻬﻴًﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻔﺘﺎة رﻣﺖ ﺑﻪ إﻟﻰ ﻛﻠﺐ ﻛﺎن ﻗﺮﻳ ًﺒﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ» :ﻟﻦ أﺷﺮب ﻣﻤﺎ ﻋﻨﺪك، وأﻧﺖ ﻟﻦ ﺗﺄﻛﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻤﺎ ﻋﻨﺪي ﺑﻌﺪ اﻵن!« .وﻋﻨﺪﺋﺬ ﻧﺰل اﻟﻔﺘﻰ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﻞ وﺻﺐ ﻟﻠﻔﺘﺎة اﻟﻤﺎء ،ﺳﻮى أﻧﻬﺎ رﻓﻀﺘﻪ ،وﻟﻤﺎ زارﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء أﻋﺮﺿﺖ ﻋﻨﻪ وﻣﻀﺖ ﻣﺒﺘﻌﺪة).(4 ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻀﻴﺎﻓﺔ
ﻳُﻌﺮف اﻟﺒﺪوي دو ًﻣﺎ ﺑﻜﺮم اﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﻟﻠﺠﻴﺮان وأﺑﻨﺎء اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
39
ﻳﻨﻄﻮي ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻫﺪ اﻹرادي ﺑﺨﻴﺮ ﺧﺎص ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺧﻴﺮ ﻋﺎم ،أي ﺑﺬل اﻟﻨﻔﺲ واﻟﻤﺎل واﻷﻫﻞ ﻟﻐﺮض أﺳﻤﻰ ،وﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻌﺪل ،وﺗﻘﻮﻳﺔ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺨﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. ﻳﺜﻴﺮ اﻻﻧﺘﺒﺎه أن اﻟﺒﺪويً ، رﺟﻼ ﻛﺎن أو اﻣﺮأة ،ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ واﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ﻳﺘﺼﺮف ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﺣﻮاﻟﻪ ﺗﺠﺎه أي ﻣﻮﻗﻒ ﻧﺒﻴﻞ ﺑﻌﻔﻮﻳﺔ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ. ، وﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﻦ اﻟﺒﺬل اﻟﻤﺎدي واﻟﻤﻌﻨﻮي دون اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ، ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺷﻴ ًﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻄﺎء واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻧﺼﺮف ﻋﻨﻪ ﺑﻌﻔﻮﻳﺔ أﻳﻀً ﺎ ،إﻧﻬﺎ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻴﻬﻢ ،وﻫﻲ ﺷﺄن ﻋﺠﻴﺐ ﻳﺆﻛﺪه اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻌﺎش .وﻳﻈﻞ اﻟﺒﺪوي ً رﺟﻼ ﻣﺴﺘﺤﻘًﺎ ﻛﻞ اﻻﺳﺘﺤﻘﺎق ﻟﻼﺣﺘﺮام واﻻﻧﺠﺬاب واﻟﺘﻮدد ﻧﺤﻮه) .(1وﻟﻬﺬا ﻧﺮى روح اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ واﻟﺜﺄر واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻤﺎل واﻟﻨﻔﺲ أﻛﺜﺮ وﺿﻮ ًﺣﺎ وأﺛ ًﺮا ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺪو).(2
ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﺐ
ﻳُﻤﺜﻞ اﻟﺤﺐ رﻣﺰا ً ﻟﻠﺒﺬل واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺪو ،ﻓﺎﻟﺨﺒﺰ ﺗﺮف ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ دﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻬﺎ وﺑﺬﻟﻬﺎ .وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻫﺪﻳﺔ ﻏﺎﻟﻴﺔ ﺗ ُﻘﺪﻣﻬﺎ اﻟﻔﺘﺎة ﻟﺤﺒﻴﺒﻬﺎ ً ﻳﻜﻮن ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺨﺒﺰ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻮرة ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺎة »دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻮل اﻟﺨﻄﺒﺔ«) .(3وﻳﺬﻛﺮ أﻟﻮﻳﺰ ﻣﻮزﻳﻞ رواﻳﺔ ﺗﺤﻜﻲ ﻋﻦ أن اﺑﻨﺔ أﺣﺪ اﻟﺸﻴﻮخ أﺣﺒﺖ روﻳﻠ ًﻴﺎ ﻓﻘﻴ ًﺮا .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺎل اﻟﺘﻌﻨﻴﻒ واﻟﺘﻘﺮﻳﻊ ﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻇﻠﺖ ﻋﻠﻰ وﻓﺎﺋﻬﺎ ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﺬي وﻗﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ. وﻗﺪ ﺻﺎدف أن ﻧﺼﺒﻮا ﺧﻴﺎﻣﻬﻢ وﺳﻂ ﻣﺮﻋﻰ ﺧﺼﺐ ،ﻟﻜﻨﻪ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﻤﺎء ،ﻓﻜﺎﻧﺎ ﻳُﻌﺎﻧﻴﺎن اﻟﻈﻤﺄ أﺣﻴﺎﻧًﺎ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻤﻜﺎن ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻧﺎﺋﻴﺔ وﻏﻴﺮ ﻣﺄﻣﻮﻧﺔ ﻓﻼ ﻳﺬﻫﺐ ﻟﺠﻠﺐ اﻟﻤﺎء إﻻ اﻟﺸﺒﺎن، وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺣﺒﻴﺐ اﺑﻨﺔ ﺷﻴﺦ اﻟﻌﺸﻴﺮة .وﻗﺪ ﻇﻠﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺗُﻤﺴﻚ ﻋﻦ ﺷﺮب اﻟﻤﺎء ﻃﻮال ﻳﻮﻣﻴﻦ ،ﻟﺘﺪﺧﺮ ﺣﺼﺘﻬﺎ ﻓﺘُﻘﺪم ﻟﻪ ﻃﺒﻘَﺎ ﺷﻬﻴًﺎ ﺗﻘﺎﺑﻠﻪ ﺑﻪ ﻋﻨﺪ ﻋﻮدﺗﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ وﻟﻮح اﻟﺤﺮاس ﻋﻦ ﺑُﻌﺪ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎدﻳﻞ اﻟﻤﻌﻘﻮدة ﻋﻠﻰ رؤوس اﻟﺮﻣﺎح إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻋﻮدة اﻟﻔﺘﻴﺎن ﺑﺎﻟﻘﺮب اﻟﻤﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﻤﺎء ،أﺳﺮﻋﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺑﺈﻋﺪاد اﻟﻌﺠﻴﻦ ،وأﺿﺎﻓﺖ إﻟﻴﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻦ ،وﻫﻴﺄت ﻣﻨﻪ رﻏﻴﻔًﺎ ﺻﻐﻴ ًﺮا ﻃﻴﺐ اﻟﻤﺬاق،
38
اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ
Í Ëí ¡ ì ¥
ﻳُ ﻨﴩ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﳌﺮﻛﺰ اﻟﻌﺮيب ﻟﻸدب اﻟﺠﻐ ﺮاﰲ »ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق« -أﺑﻮﻇﺒﻲ -ﻟﻨﺪن اﻟﺬي ﻳﺮﻋﺎه اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺴﻮﻳﺪي
اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ ﻏﺎزي ﻋﻠﻲ ﻋﻔﻴﻔﻲ د .ﻋﻠﻲ ﻏﺎزي ﻋﻔﻴﻔﻲ د.ﻋﻠﻲ
ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﺮﻳﺮ
أﻣﻨﺎ اﻟﻐﻮﻟﺔ ،وﺣﻜﺎﻳﺔ ُ ﺷﻮ َرﻟﻲ ﻓﻲ
أﺷﺮف أﺑﻮ اﻟﻴﺰﻳﺪ @
ﻃﻔﻮﻟﺘﻨﺎ ﻛﺜﺮت اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻋﻦ أﻣﻨﺎ اﻟﻐﻮﻟﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻒ وراء ﻛﻞ ﻋﻤﻞ ﺷﺮﻳﺮ. ﻓﺎﻷﻃﻔﺎل ﻳﺨﺘﻔﻮن ...ﻷن أﻣﻨﺎ اﻟﻐﻮﻟﺔ ﺧﻄﻔﺘﻬﻢ ،واﻟﺼﻴﺎدون ﻻ ﻳﻌﻮدون ...ﻷن أﻣﻨﺎ اﻟﻐﻮﻟﺔ أﻏﺮﻗﺘﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺮ ،واﻷﺻﻮات اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺰ اﻷﺑﻮاب ﻓﻲ ﻟﻴﻞ اﻟﺸﺘﺎء ...ﻣﺼﺪرﻫﺎ ﺧﺮﺑﺸﺎت أﺻﺎﺑﻊ أﻣﻨﺎ اﻟﻐﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺑﻮاب. وﻷن اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺛﻤﺎر ﺷﺠﺮة ﻋﻤﻼﻗﺔ ﺑﺤﺠﻢ ﻛﺮة اﻷرض وﻟﻬﺎ ﺟﺬور ﺗﻤﺘﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ أﻣﺔ ،ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ وأن أﺟﺪ ﻣﺜﻴﻼ ﻟﻬﺬه »اﻟﻐﻮﻟﺔ« ﻓﻲ آداب اﻟﺸﻌﻮب اﻷﺧﺮى ،وﻟﺬﻟﻚ أﻋﺎد ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻃﻮﻗﺎي ،اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﺘﺘﺎر ،رواﻳﺔ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻏﻮﻟﺔ أﺧﺮى ،ﻫﻲ ﺷُ ﻮ َرﻟﻲ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﺾ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﺑﺎت ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر ﺿﺤﺎﻳﺎﻫﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺘﻠﻬﻢ ﺿﺤﻜﺎ ،إذ أن ﺳﻼﺣﻬﺎ ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ أﺻﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻏﺪغ ﺿﺤﻴﺘﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻠﻘﻰ ﺣﺘﻔﻪ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﻀﺤﻚ! ﻣﺨﻠﺐ ﻟﻠﺒﺮ ِد ،وﻗﺒﻀ ٍﺔ ﻟﻠﺠﻮع ،وذراﻋﻴﻦ ﻟﻠ ُﻴﺘْﻢ ،وﺻﺮاع ﻣﻊ ﺑﻴﻦ ٍ ٍ اﻟﺼﺒﻲ »ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺗﻮﻗﺎي« ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة، وﻋﻲ ﱡ ﺻﺮاخ ُﻣ َﺮﺑﻴﺔ ﻋﺠﻮز ،ﻳﺒﺪأ ُ ﻓﻲ 26أﺑﺮﻳﻞ 1886وﻗﺪ ﺗﻮﻓﻲ أﺑﻮه ﻗﺒﻞ أن ﻳﺸﻌﺮ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﺑﺤﻨﺎﻧﻪ .ﺗُﺴﻠﻤﻪ اﻟﻌﺠﻮز اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺑﺘﺮﺑﻴﺘﻪ وﻫﻮ ﻳﺘﻴﻢ إﻟﻰ ﻋﺎﺋﻠﺔ أﺧﺮى ،وﻳﻨﺘﻘﻞ إﻟﻰ ِ ﻛﻨﻒ أﺳﺮة ﺛﺎﻟﺜﺔ ،وﻫﻜﺬا ،ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺑﻴﻪ ﻋﻤﺘُﻪ، وﻟﻴﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻛﻮﺷﻼﻓﻮﺗﺶ ﺣﻴﺚ وﻟﺪ ،إﻟﻰ أﺗﺸﻴﻞ ﺣﻴﺚ ﻧﺸﺄ ،وﻛﻴﺮﻻي ﺣﻴﺚ ﻋﺎش ،وﻗﺎزان ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﻘﺮ ،ﺗﻤﻀﻲ ﺣﻴﺎة ﺷﺎﻋﺮ اﻟﺘﺘﺎر ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺗﻮﻗﺎي ،ﺻﻌﺒﺔ وﻣﺘﻘﻠﺒﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ـ ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺮﻫﺎ ـ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻷﺣﺪاث وﻣﺜﻠﻤﺎ ﻗﻀﻰ اﻟﺤﻄﺎب اﻟﺘﺘﺮي ﻋﻠﻰ وﺣﺶ ﺷﻮراﻟﻲ ،ﺳﺄﻇﻞ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺠﺴﺎم ،ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻨﻪ ﺷﺎﻋﺮ أﻣﺘﻪ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،وﻫﻮ اﻟﺬي رﺣﻞ ﻣﺒﻜﺮا ﻓﻲ ﻣﺼﺎدر أﺧﺮى ﻟﻠﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أﻣﻜﻦ اﻟﻘﻀﺎء ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻣﻨﺎ اﻟﻐﻮﻟﺔ رﺑﻴﻊ ،1913ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﻳﻮم ﻣﻮﻟﺪه ﻋﻴ ًﺪا ﺳﻨﻮﻳﺎ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺗﺘﺎرﺳﺘﺎن. * ﺷﺎﻋﺮ ورواﺋﻲ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﻧﻌﻮد ﻟﺤﻜﺎﻳﺘﻨﺎ ،وﺑﻤﺎ أن ﻛﻞ وﺣﺶ ﻟﻪ ﺻﻴﺎده ،ﻓﻜﻞ ﻏﻮﻟﺔ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ
36
ﻳﻬﺰﻣﻬﺎ ،ﺻﺤﻴﺢ أن اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ »اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ« ﻟﻢ ﺗﺪﻟﻨﻲ ـ ﺣﺘﻰ اﻵن ـ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﻬﺰم أﻣﻨﺎ اﻟﻐﻮﻟﺔ ،إﻻ أن اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺘﺘﺮﻳﺔ ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻘﺬ، وﻫﻮ اﻟﺤﻄﺎب اﻟﺸﺎب اﻟﺬي دﺧﻞ اﻟﻐﺎﺑﺔ ،ﻟﻴﻮاﺟﻪ ﺷﻮراﻟﻲ! ﻓﻔﻲ اﻟﻐﺎﺑﺔ اﻟﺴﻮداء اﻟﻮاﺳﻌﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻤﺮح اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ، وﺗﻠﻬﻮ اﻟﻔﺮاﺋﺲ ﻗﺒﻞ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ اﻟﻤﺤﺘﻮم ،أﺗﻰ اﻟﺸﺎب ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﺄﺳﻪ ،ﺗﺪق ﺧﻄﻮاﺗﻪ ﺑﺎب اﻟﻠﻴﻞ ،وﻳﺨﺘﺮق ﺻﺪاﻫﺎ ﻗﻠﺐ اﻟﻈﻼم، ﻟﻴﺘﺴﺎءل ﺣﻴﻦ ﺑﺪا ﻟﻪ ﻣﺎ ﺑﺪا إن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺷﺒﺤﺎ أو ﻟﺼﺎ أو وﺣﺸﺎ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺨﻠﻮق اﻟﻜﺎﺋﻦ أﻣﺎﻣﻪ ﻣﺸﻮﻫﺎ وﻗﺒﻴﺤﺎ ،ﺗﻠﻤﻊ ﻋﻴﻨﺎه ﺑﻨﻈﺮة ﺷﺮﻳﺮة ﺗﺘﺄﺟﺞ ﺗﺤﺖ ﺟﺒﻬﺔ ﺳﻮداء. ﻟﻢ ﻳﺮﻫﺐ اﻟﺤﻄﺎب اﻟﺸﺠﺎع اﻟﻤﺸﻬﺪ ،وﺑﺎت ﻫﻤﻪ أن ﻳﺒﻄﻞ ﺳﻼﺣﻬﺎ، ﺑﻌﺪ أن ﻋﺮف أﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻷﺳﻄﻮرة اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻜﻮن ﻋﻨﻬﺎ وﺗﻘﺘﻞ ﺿﺤﺎﻳﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻏﺪﻏﺔ: »أﻧﺎ ﻣﻦ اﻋﺘﺎدت ﻗﺘﻞ اﻟﻨﺎس ﺑﺪﻏﺪﻏﺘﻬﻢ، ﻓﻜﻞ إﺻﺒﻊ ﻣﻦ أﺻﺎﺑﻌﻲ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻣﺨﻠﻮق ﻟﻴﺰﻳﺪ اﻷﻟﻢ، ﻓﻬﻴﺎ ﺑﻨﺎ ﻧﻠﻌﺐ ﻣ ًﻌﺎ«. أوﻫﻤﻬﺎ اﻟﻔﺘﻰ ﺑﺄﻧﻪ رﺿﻲ ،وﻟﻜﻦ اﺷﺘﺮط أن ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﺟﺬع اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻜﺒﻴﺮة ،وﺣﻴﻦ وﺿﻌﺖ ﺷﻮراﻟﻲ /أﻣﻬﻢ اﻟﻐﻮﻟﺔ /أﺻﺎﺑﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻖ ﻟﺘﺴﺘﻄﻴﻊ ﺣﻤﻞ اﻟﺸﺠﺮة ،دق اﻟﻔﺘﻰ وﺗﺪا وﺿﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺸﻖ ،ﻓﺨﺮج اﻟﻮﺗﺪ ،وأﻃﺒﻖ اﻟﺸﻖ ﻋﻠﻰ أﺻﺎﺑﻊ ﺷﻮراﻟﻲ!
أﻣﻨﺎ اﻟﻐﻮﻟﺔ ،وﺣﻜﺎﻳﺔ ُ ﺷﻮرَﻟﻲ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
35
أم ﻛﻠﺜﻮم -ﻟﺘﺮﺗﻤﻲ ﻓﻲ ﺣﻀﻨﻪ وﻫﻮ ﻳﻠﻔﻆ أﻧﻔﺎﺳﻪ اﻷﺧﻴﺮة. ﻓﺘﺎة ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ
إن اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ أﻣﻨﻴﺔ ﻋﺰﻳﺰة ﻳﺼﺒﻮ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﺷﺎب، ﻓﻠﻴﺘﻨﺎ ﻧﺨﻠﺪ ﺷﻬﺪاءﻧﺎ اXﺑﺮار ﻓﻲ اKﻣﺎرات ﻓﻲ ﻗﺼﺺ ﻓﻨﻴﺔ وﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ
ﻓﻲ رد ﻓﻌﻞ ﺳﺮﻳﻊ وﺣﺎزم ﻗﺮرت ﻋﺰﻳﺰة أﻣﻴﺮ - وﺗﻤﺜﻴﻼ ً إﺣﺪى راﺋﺪات اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ إﻧﺘﺎ ًﺟﺎ إﻧﺘﺎج ﻓﻴﻠﻢ ﻋﻦ ﺣﺮب ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻴﻨﺎﻫﺎﺑﺎﻟﻨﻜﺒﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻤﻜﻨﺖ »إﺳﺮاﺋﻴﻞ« ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺤﻮاذ ﻋﻠﻰ اﻷرض وﺗﺄﺳﻴﺲ دوﻟﺘﻬﺎ اﻟﻤﺸﺒﻮﻫﺔ ،ﻋﺮض اﻟﻔﻴﻠﻢ ﺑﺎﺳﻢ )ﻓﺘﺎة ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ( ﻓﻲ اﻷول ﻣﻦ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ 1948م ،أي ﺑﻌﺪ أﻗﻞ ﻣﻦ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﻣﺄﺳﺎة ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ،وﻗﺪ أﺧﺮﺟﻪ وﻟﻌﺐ ﺑﻄﻮﻟﺘﻪ ﻣﺤﻤﻮد ذو اﻟﻔﻘﺎر -زوج ﻋﺰﻳﺰة أﻣﻴﺮ -واﻟﻤﻄﺮﺑﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﺳﻌﺎد ﻣﺤﻤﺪ وﺣﺴﻦ ﻓﺎﻳﻖ. ﻧﺤﻦ ﻫﻨﺎ أﻣﺎم أول ﻓﻴﻠﻢ ﻳﺮﺻﺪ ﻗﻀﻴﺔ وﻃﻨﻴﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ،ﻓﺮأﻳﻨﺎ ﻛﻴﻒ ﻳﺒﺬل اﻟﻌﺮب واﻟﻔﺴﻠﻄﻴﻨﻴﻮن اﻟﺪﻣﺎء اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻌﺪو اﻟﻤﻐﺘﺼﺐ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻃﻴﺎر ﻣﺼﺮي ﻳﺸﺎرك ﻓﻲ اﻟﺤﺮب ﻓﺘﺴﻘﻂ ﻃﺎﺋﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ،ﻟﻨﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ أﺟﻮاء اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ وﻧﻀﺎﻟﻬﺎ اﻟﺪؤوب ﻟﻄﺮد اﻟﻤﺤﺘﻞ رﻏﻢ ﺳﻘﻮط اﻟﺸﻬﺪاء ﺑﻜﺜﺮة ﻋﻠﻰ أﻳﺪي اﻟﻤﻐﺘﺼﺒﻴﻦ. ﺷﻬﻴﺪ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﺎﻣﻞ
إﻧﻪ اﻟﺰﻋﻴﻢ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﻤﻌﺮوف )1908 /1874م( اﻟﺬي ﻗﺎوم اﻻﺣﺘﻼل اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﺑﻄﺎﻗﺘﻪ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﺤﻖ أن ﺗﻨﺘﺒﻪ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ إﻟﻰ ﻛﻔﺎﺣﻪ وﻧﻀﺎﻟﻪ ،ﻟﻴﺘﻘﻤﺺ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟﻤﺤﺎﻣﻲ أﻧﻮر أﺣﻤﺪ ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻢ )ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﺎﻣﻞ( ﻟﻠﻤﺨﺮج أﺣﻤﺪ ﺑﺪرﺧﺎن ،وﻗﺪ ُﻣﻨﻊ ﻋﺮض اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻷﻧﻪ ﻳﺪﻳﻦ اﻻﺣﺘﻼل اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻟﻤﺼﺮ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻋﺮض ﻓﻲ 14دﻳﺴﻤﺒﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ 1952م ،ﺑﻌﺪ أن أﻃﺎح ﺿﺒﺎط ﻳﻮﻟﻴﻮ ﺑﺎﻟﻤﻠﻚ ﻓﺎروق وﻗﺮروا ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻻﺣﺘﻼل واﻗﺘﻼﻋﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﺬور. ﺻﺤﻴﺢ أن ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﺎﻣﻞ ﻣﺎت ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﺮض وﻫﻮ ﻓﻲ رﻳﻌﺎن اﻟﺸﺒﺎب ) 34ﺳﻨﺔ(، ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﻧﺎل ﻟﻘﺐ ﺷﻬﻴﺪ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻋﻦ ﺟﺪارة، إذ ﻇﻞ ﻳﻌﻄﻲ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﻮﻃﻦ ﻣﻦ ﺻﺤﺘﻪ وأﻋﺼﺎﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻏﺪر ﺑﻪ ﺟﺴﺪه وﺧﺎرت ﻗﻮاه ورﺣﻞ وﻫﻮ ﻳﻬﻤﺲ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺼﺮ. ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﻬﺮ ﻧﻔﺴﻪ -دﻳﺴﻤﺒﺮ 1952م ﺣﻘﻖ ﺣﺴﻴﻦ ﺻﺪﻗﻲ ﻓﻴﻠﻢ )ﻳﺴﻘﻂاﻻﺳﺘﻌﻤﺎر( وﻟﻌﺐ ﺑﻄﻮﻟﺘﻪ ﻣﻊ ﺷﺎدﻳﺔ وﻣﺤﻤﻮد اﻟﻤﻠﻴﺠﻲ وزﻫﺮة اﻟﻌﻼ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺪور أﺣﺪاث اﻟﻔﻴﻠﻢ ﺣﻮل اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺜﺎﺋﺮ اﻟﺬي ﻳﺤﺎرب
34
اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
اﻻﺣﺘﻼل اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻓﻴﺴﻘﻂ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺸﻬﺪاء دﻓﺎ ًﻋﺎ ﻋﻦ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻦ. أرض ا4ﺑﻄﺎل
)إﻟﻰ أوﻟﺌﻚ اﻷﺑﻄﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺮﺳﻮن ﺣﺪودﻧﺎ وﻳﺴﻬﺮون ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺔ وﻃﻨﻨﺎ ﻧﻬﺪي ﻫﺬا اﻟﻔﻴﻠﻢ( ..ﻫﻜﺬا ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻓﻴﻠﻢ )أرض اﻷﺑﻄﺎل( وﻗﺪ راﻓﻖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺻﻮت ﺣﻤﺎﺳﻲ ﻣﺘﺮع ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل .اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻣﻦ إﺧﺮاج ﻧﻴﺎزي ﻣﺼﻄﻔﻰ وإﻧﺘﺎج وﺑﻄﻮﻟﺔ ﺟﻤﺎل ﻓﺎرس اﺑﻦ اﻟﻨﺠﻢ ﻋﺒﺎس ﻓﺎرس ،وﻗﺪ ﺷﺎرﻛﺘﻪ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﻛﻮﻛﺎ وﻋﺒﺎس ﻓﺎرس ﻧﻔﺴﻪ. ﺗﺪور أﺣﺪاث اﻟﻔﻴﻠﻢ اﻟﺬي ﻋﺮض ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ 27أﺑﺮﻳﻞ 1953م ﺣﻮل ﻛﻔﺎح اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻻﺳﺘﺮداد ﺣﻘﻮﻗﻪ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ ،ﺣﻴﺚ أﺿﺎءت اﻟﺸﺎﺷﺔ ﺑﻨﻮر اﻟﺸﻬﺪاء ودﻣﺎﺋﻬﻢ اﻟﺘﻲ وﻫﺒﻮﻫﺎ ﻓﺪاء ﻟﻮﻃﻨﻬﻢ اﻟﻐﺎﻟﻲ .وأﻇﻨﻬﺎ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أن ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻓﻴﻠﻢ ﻫﺬه اﻟﻌﺒﺎرة )ﺻﻮرت اﻟﻤﻨﺎﻇﺮ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻴﺎدﻳﻦ اﻟﻘﺘﺎل ﺑﻔﻠﺴﻄﻴﻦ /اﻟﻤﺸﺮف اﻟﻌﺴﻜﺮي ﻳﻮزﺑﺎﺷﻲ م .غ(. أﻣﺎ اﻟﻔﻴﻠﻢ اﻟﻤﻮﻓﻮر اﻟﺼﻴﺖ )رد ﻗﻠﺒﻲ1957 /م( ﻟﻠﻤﺨﺮج ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ ذو اﻟﻔﻘﺎر ﻓﻘﺪ أوﺟﻌﻨﺎ اﺳﺘﺸﻬﺎد رﺷﺪي أﺑﺎﻇﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺑﺴﺒﺐ اﻷﺳﻠﺤﺔ اﻟﻔﺎﺳﺪة ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺮدد ﺻﻮﺗﻪ ﻓﻲ ذاﻛﺮة أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ﻟﻴﺸﻌﻞ ﻣﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺑﺎﻟﺴﺨﻂ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻋﺘﺪى ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺑﺄي ﺷﻜﻞ ﻣﻦ اﻷﺷﻜﺎل! ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻌﺪ اﺳﺘﺸﻬﺎد ﻋﻤﺮ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻢ )ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻨﺎ رﺟﻞ1961 /م( ﻟﻠﻤﺨﺮج ﺑﺮﻛﺎت ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻋﺸﻖ اﻟﻮﻃﻦ وﻛﻴﻒ ﻳﻔﺪي اﻹﻧﺴﺎن ﺣﺮﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﺑﺮوﺣﻪ وﻫﻮ ﻳﻘﺎوم اﻻﺣﺘﻼل. أﻣﺎ ﻓﻴﻠﻢ )ﻃﺮﻳﻖ اﻷﺑﻄﺎل1961 /م( ﻟﻠﻤﺨﺮج ﻣﺤﻤﻮد إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻓﻴﺮﺻﺪ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﻄﺎﺣﻨﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮب واﻟﻌﺼﺎﺑﺎت اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وﻓﻘﺎ ﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﻔﻴﻠﻢ ،وﻳﺤﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺸﻬﺪاء ﺣﻔﺎوة ﺑﺎﻟﻐﺔ ،وﻗﺪ ﻟﻌﺐ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﺷﻜﺮي ﺳﺮﺣﺎن وﻫﻨﺪ رﺳﺘﻢ وﻋﻤﺎد ﺣﻤﺪي وﺻﻼح ذو اﻟﻔﻘﺎر. اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ أﻣﻨﻴﺔ ﻋﺰﻳﺰة ﻳﺼﺒﻮ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﺷﺎب ،ﻓﻠﻴﺘﻨﺎ ﻧﺨﻠﺪ ﺷﻬﺪاءﻧﺎ اﻷﺑﺮار ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻗﺼﺺ ﻓﻨﻴﺔ وﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ *رواﺋﻲ وﻧﺎﻗﺪ ﻣﺼﺮي
أﻓﻼﻣﺎ ﻣﺘﻰ ﻧﺸﺎﻫﺪ ً واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ رﺑﻤﺎ ﻷن ﻣﺼﺮ ﻛﺎﻧﺖ إن اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﻴﻦ ﺟﻮاﻧﺤﻬﺎ ﻃﺎﻗﺎت إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ وﻣﺴﻠﺴﻼت ﺗﺮﺻﺪ ﻗﺼﺺ أﻫﻞ ﻋﻘﺪ ﻣﻨﻜﻮﺑﺔ ﺑﺎﻻﺣﺘﻼل اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ،ﻓﻠﻤﺎ ّ ﺟﺒﺎرة ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﻟﻬﺎم اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻋﺸﻖ اﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﺘﻌﺎﻟﻮا ﻧﺠﻮب ﺷﻬﺪاء اKﻣﺎرات اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪﻣﻮا اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت أﻗﺪم اﻟﻤﺨﺮج اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺳﺮﻳ ًﻌﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻻﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻓﻴﻠﻢ )ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻳﻮﺑﻲ( أرواﺣﻬﻢ دﻓﺎﻋﺎ ﻋﻦ وﻃﻨﻬﻢ ﻟﻨﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ أﻫﻢ اﻷﻓــﻼم اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟــﺬي ﻋــﺮض ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟــﻰ ﺑﺴﻴﻨﻤﺎ ﻛﻮزﻣﻮ اﻟﻐﺎﻟﻲ؟ إن ﻓﻴﻬﻢ ﺷﺒﺎﺑﺎ أﺟﻮاء اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ وﺻﻮرة اﻟﺸﻬﻴﺪ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻓﻲ 14ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ﻋﺎم 1941م ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ. ﻓﻲ )دﻟﻴﻞ اﻷﻓﻼم ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﺜﻞ اﻟﻮرود اﻟﻴﺎﻧﻌﺔ ﻳﺘﻜﺌﻮن ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺺ ﺑﺎﻟﻐﺔ اKﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ( ﻟﻠﻤﺆرخ واﻟﻨﺎﻗﺪ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ا4ﻳﻮﺑﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﺤﻤﻮد ﻗﺎﺳﻢ. ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ أﺣﺴﻦ إذا واﻟﺮﻫﺎﻓﺔ ﺗﺆﻛﺪ اﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ أن أول ﻓﻴﻠﻢ رواﺋﻲ ﺗﻘﺎﺳﻢ اﻷدوار اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻴﺔ اﻟﺸﺎﺷﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺑﻲ ﻛﺎن )ﻓﻲ ﺑﻼد ﺗﻮت ﻋﻨﺦ آﻣﻮن( اﻟﺬي ﺑﺪر ﻻﻣﺎ -وﻫﻮ ﻣﻤﺜﻞ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻟﻤﻊ ﺑﻘﻮة ﻓﻲ أﺧﺮﺟﻪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ اﻟﻤﺨﺮج اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ ﻓﻴﻜﺘﻮر ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة -وﺑﺪرﻳﺔ رأﻓﺖ وﻣﺤﻤﻮد اﻟﻤﻠﻴﺠﻲ روﺳﻴﺘﻮ ﻋﺎم 1923م ،ﺛﻢ ﻣﻀﻰ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن وﺑﺸﺎرة واﻛﻴﻢ وأﻧﻮر وﺟﺪي وﻏﻴﺮﻫﻢ ،وﻣﻦ ﻳﻨﺘﺠﻮن وﻳﺨﺮﺟﻮن اﻷﻓﻼم اﻟﺼﺎﻣﺘﺔ ،ﺛﻢ وﺛﺒﻮا أﺳﻒ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮد ﺑﺎﻟﻤﺮة ،وﻟﻢ ﻳﺮه أﺣﺪ إﻟﻰ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﻋﺎم 1932م ﺣﻴﻦ أﻗﺪم اﻟﻤﺨﺮج ﻣﺤﻤﺪ ﻛﺮﻳﻢ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،ﻟﻜﻦ ﻗﺼﺘﻪ ﺗﻮﺿﺢ ﻛﻴﻒ ﻗ ﱠﺪم اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن واﻟﻌﺮب ﻋﻠﻰ إﻧﺠﺎز ﻓﻴﻠﻢ )أوﻻد اﻟﺬوات( اﻟﺬي ﻟﻌﺐ ﺑﻄﻮﻟﺘﻪ ﻳﻮﺳﻒ وﻫﺒﻲ أرواﺣﻬﻢ وأﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﺪاء ﻟﻠﻮﻃﻦ ﺿﺪ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎوﻟﻮا اﻻﺳﺘﻴﻼء وأﻣﻴﻨﺔ رزق. ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪس. )ﺳﻼﻣﺔ( اﻟﺬي أﺧﺮﺟﻪ ﺗﻮﺟﻮ ﻣﺰراﺣﻲ وﻋﺮض ﻓﻲ ﻋﺎم دارت اﻷﻓﻼم اﻟﺘﻲ ﻋﺮﺿﺖ ﻃﻮال ﻓﺘﺮة اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻓﻴﻠﻢ ّ ﺣﻮل اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻣﺸﻜﻼت اﻟﻌﺸﺎق وﻟﻮﻋﺔ اﻟﻤﺤﺒﻴﻦ1945 ،م ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻳﺤﻴﻰ ﺷﺎﻫﻴﻦ ﻳﻘﺮر اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺟﻴﺶ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ وﻟﻢ ﺗﻌﺮف اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ أي أﻓﻼم وﻃﻨﻴﺔ ﺗﺮﺻﺪ أﺣﻮال اﻟﻜﻔﺎح ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ أﻋﺪاء اﻟﻮﻃﻦ ،وﻳﺘﻌﺮض ﻟﻺﺻﺎﺑﺔ ﻓﺘﻬﺮع إﻟﻴﻪ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﺳﻼﻣﺔ -
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
33
اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
ﻣﺘﻰ ﻧﺮى ﻗﺼﺺ ﺷﻬﺪاء اMﻣﺎرات ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ؟ ﻧﺎﺻﺮ ﻋﺮاق@
ﺳﻴﻈﻞ ﻋﺸﻖ اﻟﻮﻃﻦ واﺣﺪً ا ﻣﻦ أﻧﺒﻞ ﺣﺎﻻت اﻟﻌﺸﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﻌﺼﻮر ،وﺳﻴﺒﻘﻰ اﻟﻤﻮت دﻓﺎ ًﻋﺎ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﻏﺎﻳﺔ ﻳﺘﻤﻨﺎﻫﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻨﺒﺾ ﻗﻠﺒﻪ وﻳﺮﺗﻌﺶ ﺑﺤﺐ اﻟﻮﻃﻦ ،وﻗﺪ ﺗﻔﻨﻦ اﻟﻤﺒﺪﻋﻮن ﻓﻲ ﺳﺮد ﻗﺼﺺ اﻟﺸﻬﺪاء ﻓﻲ رواﻳﺎﺗﺎﻫﻢ وﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ وأﺷﻌﺎرﻫﻢ ،وﻟ ّﻤﺎ ﻋﺮف اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻳﺘﻠﻮ -ﺑﺎﻟﺼﻮرة - ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻋﻦ أﺑﻄﺎل ﻗﻀﻮا ﻧﺤﺒﻬﻢ دﻓﺎ ًﻋﺎ ﻋﻦ ﺣﺮﻣﺔ وﻃﻨﻬﻢ وﺷﺮﻓﻪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ،ﻓﻨﺎﻟﻮا ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺸﻬﺎدة وﺗﻤﺘﻌﻮا ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ اﻟﺨﺎﻟﺪ .ﻟﺬا ﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﻲ أن ﺗﻘﺪم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أﻓﻼ ًﻣﺎ ﻣﻬﻤﺔ ﺗﺘﻨﺎول ﺳﻴﺮ ﺷﻬﺪاء اﻟﻮﻃﻦ ،ﺳﺄﺗﺤﺪث ﻋﻦ أﻫﻤﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺴﺆال :ﻣﺘﻰ ﻧﺸﺎﻫﺪ أﻓﻼ ًﻣﺎ وﻣﺴﻠﺴﻼت ﺗﺮﺻﺪ ﻗﺼﺺ ﺷﻬﺪاء اﻹﻣﺎرات اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪﻣﻮا أرواﺣﻬﻢ دﻓﺎﻋﺎ ﻋﻦ وﻃﻨﻬﻢ اﻟﻐﺎﻟﻲ؟ إن ﻓﻴﻬﻢ ﺷﺒﺎﺑﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻮرود اﻟﻴﺎﻧﻌﺔ ﻳﺘﻜﺌﻮن ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺺ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﺮﻫﺎﻓﺔ إذا أﺣﺴﻦ ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟﻔﻀﻴﺔ.
32
اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
ƁōěŰ ĸŕŀ
ƁĠėķĘƼŬǨė łƼƀĩŨė د .إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﺣﻤﺪ ﻣﻠﺤﻢ ﻟﻠﺸﱠ ﺠﺎﻋــــــــــــــﻪْ اﻟﻠﻪْ َﺧﻠَﻘْﻨــــــــــــﺎ واﻟﻮﻃــــ ْﻦ ،ﻧَﻔْـــــــــــ ِﺪي ﺑـ ُﻤ َﻬ ْﺠﻨـــــــﺎ ﻣﺎ ﻧِ ِ اﻟﻤــــــــﻮت ،واﺣــﻨــﺎ ﻬـــــــــﺎب ِ ِﻃﻔﻠَﻨــــــــــﺎ ﻳَـﺮﻋـِ ـــــــــﺐ َﻋــ ِﺪ ْوﻧــــﺎ ْ ــــــــــــﺮب َﻫﻠْﻨـــــــﺎ ،وِﻋـِـ ْﺰﻧــــــﺎ اﻟ َﻌ ْ ِﻫـــــــﻢ ،ﻳﻌﻨـــــــــﻲ ِ ﻧﺼـــ ْﺮﻧــــــﺎ ﻧﺼﺮ ْ ْ ـــــــــــــــﻮم َدﻋــﺎﻧــﺎ ٍ واﻟ َﻴﻤــــــــــ ْﻦ ﻳُ ُﻗﻠْــ َﻦُ :ﻋـــﻮﻧـ َــــــﻚْ ﻳﺎ ﻳ َﻤـ ﱠﻨــــــــــــــﺎ ــــــــــــــﻢ َﻓ ِﺨﺮﻧــــــﺎ ﺷُ َﻬـــــــــﺪاﻧﺎ ُﻫ ْ ِ أوﺳــــﻤـــــ ْﺔ ِﻋــــــــــــ ﱢﺰ ﻟْ َﻮﻃَــــ ﱠﻨـــــﺎ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
31
ﻧﺮﺧﺺ ﻟﻚ اﻷرواح وﻧﺴﻮم اﻵﺟﺎل واﻋﺘﻰ اﻟﺤﺼﻮن ﻧﻬﺪﱠ ﻫﺎ ﻫﺪ زﻟــﺰال راﻳﺎﺗﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ واﻟﻌﺰ ﺗﺨـــــــﺘﺎل ﻫﻢ ﻟﻠﺤﺮوب وﻟﻠﻌﺰم ﺟﻨﺪ ورﺟﺎل ﻧﻮرد ﺣﻴﺎض اﻟﻤﻮت وﻧﺨﻮض اﻻﻫﻮال ﻣﻦ د ﱢﻣﻨﺎ واﻋﻘﺪ ﻣﻊ اﻟﻨﺼﺮ اﻵﻣــــــــــﺎل ﺑﺪأت اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑﺄﺳﻠﻮب اﻟﻨﺪاء ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ» :ﻳﺎ ﺟﻴﺸﻨﺎ اﻟﺒﺎﺳﻞ«، واﻧﺘﻬﺖ ﺑﺄﺳﻠﻮب اﻟﻨﺪاء ،أﻳﻀً ـﺎ ،ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ» :ﻳﺎ ﺟﻴﺶ اﻟﻮﻃﻦ« ،وﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻤﺜﻼً ﺑﺎﻟﻀﻤﻴﺮ اﻟﻤﺘﺼﻞ )ﻧﺎ( ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﺟﻴﺶ اﻟﻮﻃﻦ ،وﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي روت دﻣﺎء ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺜﺮى ،وﻫﻨﺎ، ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻌﻞ اﻷﻣﺮ ) َر ْو( اﻟﺬي ﻳﺘﻜﺮر ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻷول واﻷﺧﻴﺮ ﻣﺆﻛ ًﺪا أن ﺗﻀﺤﻴﺔ أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات ﻣﻦ أﺟﻞ ﻧﺼﺮة اﻟﺤﻖ ﻟﻦ ﺗﺘﻮﻗﻒ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻣﺒﺎدئ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻫﺪﻓﻬﺎ رﻓﻊ راﻳﺎت اﻟﻨﺼﺮ ﻟﻸﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻮﺻﻒ ﺟﻴﺶ اﻹﻣﺎرات ﻫﻮ ﺟﻴﺶ ﻛﻞ اﻟﻌﺮب ،وأن اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﺸﻬﺪ أﻧﻪ ﻣﺎ ﺧﺎض ﺣﺮﺑًـﺎ إﻻﱠ ورﻓﻊ راﻳﺎت اﻟﻨﺼﺮ ﻓﻴﻬﺎ ،وأن اﻟﺸﻬﺎدة ﺳﺘﺰﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﺠﻴﺶ ﻗﻮة وﺗﺼﻤﻴ ًﻤـﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻀﻲ ﺣﺘﻰ اﻟﻨﺼﺮ اﻟﺬي ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺣﺘ ًﻤـﺎ ﻟﻜﻞ َﻣ ْﻦ ﻳﺮوم ﻧﺼﺮة اﻟﺤﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﻃﻞ .وﻫﺬا اﻟﺠﻴﺶ ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ اﻣﺘﻼﻛﻪ اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻟﻠﺒﻄﻮﻟﺔ ،ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ ﺣﺮب ﺑﺮﻳﺔ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻷﺳﻮد ،وﻓﻲ ﺣﺮب ﺟﻮﻳﺔ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟﺼﻘﻮر؛ ﻷن اﻟﺘﺪﺧﻞ اﻟﺴﺮﻳﻊ ﻟﻨﺠﺪة أﻫﻠﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ،ﻳﺜﺒﺖ أن ﺷﻌﺐ اﻹﻣﺎرات ﻻ ﻳﻨﺎم أي ﺗﺄﺧﻴﺮ ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺪث ﻋﻠﻰ ﺿﻴﻢ أﺻﺎب اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وإن ﱠ ﺳﻴﻘﻮد إﻟﻰ اﻟﺘﻤﻨﻲ واﻟﺤﺴﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﺎت ،وﻟﻬﺬا ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻗﺎﻣﻮس ﻫﺬا اﻟﺠﻴﺶ ﻛﻠﻤﺔ »ﻟﻴﺖ« أو ﻛﻠﻤﺔ »ﻟﻮ« ﻣﻄﻠﻘًـﺎ .وﻫﻜﺬا ،ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﺎء اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻋﻠﻰ أﺳﻠﻮب اﻟﻨﺪاء )ﻳﺎ ﺟﻴﺸﻨﺎ اﻟﺒﺎﺳﻞ /ﻳﺎ ﺟﻴﺶ اﻟﻮﻃﻦ(، واﻷﻣﺮ ) َر ْو( ﻣﺆﻛ ًﺪا أن اﻟﺠﻴﺶ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻛﺎن وﻣﺎ ﻳﺰال ،وﺳﻴﺒﻘﻰ ﻧﺼﻴ ًﺮا ﻟﻠﺤﻖ ،ورﻣ ًﺰا ﻣﻦ رﻣﻮز اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،وأن ﺣﺠﻢ اﻟﺘﻀﺤﻴﺎت ﻟﻦ ﻳﺜﻨﻲ ﻋﺰﻳﻤﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻨﺼﺮ ،ورﻓﻊ راﻳﺔ اﻟﻤﺠﺪ واﻟﻌﺰة. ﻟﻘﺪ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﻲ أﻟﻘﻴﺖ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻞ ﻋﺎﻣﺔ أو إﻋﻼﻣﻴﺔ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺘﺴﻊ اﻟﻤﺠﺎل ﻹﻳﺮادﻫﺎ، إﻟﻰ أﻏﻨﻴﺎت ﺗﺘﻌﺎﺿﺪ ﻣﻊ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻹﻧﺴﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﺬي ﻳﺤﻔﻞ ﺗﺎرﻳﺨﻪ اﻟﻌﺮﻳﻖ ﺑﺎﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ،واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻷرض واﻹﻧﺴﺎن ،ﻓﻴﻔﺨﺮ ﺑﺎرﺗﻘﺎء أرواح ﺷﻬﺪاﺋﻪ إﻟﻰ ﻋﻠﻴﻴﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻜﻞ َﻣ ْﻦ ﻳﻠﺒﻲ ﻧﺪاء اﻟﻮﻃﻦ ،وﻳﺼ ﱠﺪ اﻷﻋﺪاء وﻳﻜﺴﺮ أﻧﻮف ﻏﻄﺮﺳﺘﻬﻢ اﻟﺒﻐﻴﻈﺔ؛ ﻟﻴﻌﻮد اﻟﺤﻖ إﻟﻰ أﺻﺤﺎﺑﻪ ،وﺗﺒﻘﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺗﻨﻌﻢ ﺑﺎﺳﺘﻘﺮارﻫﺎ * أﻛﺎدﻳﻤﻲ أردﻧﻲ ﻣﺘﺨﺼﺺ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺎت اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ
30
اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ
اﻟﻬﻮاﻣﺶ: - 1اﻧﻈﺮ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺼﺤﻔﻲ اﻟﺬي ﻛﺘﺒﻪ ﻣﺮاد ﻳﻮﺳﻒ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻻﺗﺤﺎد ﺣﻴﺚ أورد ﻣﻘﺘﻄﻔﺎت ﻣﻨﻬﺎ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ 11 ،ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ .2015 - 2ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻏﻠﻴﻄﺔ اﻟﻤﻬﻴﺮي ﻳﻨﻌﻰ ﺷﻬﺪاء اﻹﻣﺎرات ﺑـ« ﻗﻮة أﺳﻮد«، ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ ،اﻟﺸﺎرﻗﺔ 7 ،ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،2015وﻗﺪ ﺳﺠﻠﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺼﻮﺗﻪ ،اﻧﻈﺮ: (https://www.youtube.com/watch?v=H66PNmPM5Aw)، 5 .ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
- 3أﻟﻘﺎﻫﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺼﻮﺗﻪ ،اﻧﻈﺮ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻛﺎﻣﻠﺔ: (https://www.youtube.com/watch?v=-Y4jPkm9MzA)، 7 .ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
- 4أﻟﻘﺎﻫﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺼﻮﺗﻪ ،اﻧﻈﺮ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻛﺎﻣﻠﺔ: (https://www.youtube.com/watch?v=PbKFTwfWcag)، 7 .ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
- 5أﻟﻘﻰ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺼﻮﺗﻪ ،ﺛﻢ ﻏﻨﺘﻬﺎ ﻓﺮﻗﺔ دﺑﺎ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ،اﻧﻈﺮ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻛﺎﻣﻠﺔ: (https://www.youtube.com/watch?v=00xTYW_0kEo)، 17 .ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
- 6ﻧﻈﺮ :اﻻﺗﺤﺎد 9 ،ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،2015واﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑﺈﻟﻘﺎء اﻟﺸﺎﻋﺮ: (https://www.youtube.com/watch?v=q2FxIVzXafQ)، 6 .ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
واﻧﻈﺮ اﻟﻘﺼﻴﺪة ُﻣﻐﻨﺎة ﺑﺼﻮت اﻟﻔﻨﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻴﻒ: (https://www.youtube.com/watch?v=I9V3Xz34Jck)، 15 .ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015
ﺻ ﱢﺒﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺳـﻤﻮم اﻟﻌـــــــﺎﺻﻔﻪ ﺳﻮﻗﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ واﻣﻄﺮي ﻧــــﺎر اﻟﻔﻨﺎ ﻳﺎ ﺻﻘﻮرﻧﺎ ﻃﻴﺮي وﻫــِﺪﱢ ي واﺿــــــﺮﺑﻲ ﺧﺎوا ﺑﻬﺎ ﺣﺰم اﻟﺮﻳﺎض وأﺑﻮﻇــــﺒﻲ وﺧﺰاﻣﻬﺎ ﺑﻮﺧـﺎﻟﺪ اﻟــــــﺤ ﱢﺮ اﻷﺑـــــــﻲ ﻣﺎ ﻳﺬﻫﻞ اﻟﺸﻴﺒﺎن وﻳﺸـﻴﺐ اﻟﺼﺒﻲ ﻏﻴﺮي ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟـﻤﻨﺎﻳﺎ واﻏـــــــــﻀﺒﻲ
ﺑﺪأ اﻟﺠﻴﺶ اKﻣﺎراﺗﻲ ﻣﺴﻴﺮة ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻗﻮﻳّـﺎ؛ Xﻧﻪ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻻﺗﺤﺎد ً ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺷﻌﺐ اKﻣﺎرات اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺼﻠﻮن ﺑﺘﺎرﻳﺦ ﻋﺮﻳﻖ ﻓﻲ اﻟﺘﺂﻟﻒ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻟﻮﻃﻨﻲ، واﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳﻜﺒﺪوا أﻋﺘﻰ اﻟﻘﻮى اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ـ اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت إﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻏﺎزﻳﺔ ـ ﺧﺴﺎﺋﺮ ﻓﺎدﺣﺔ
ﻓﺎﻟﻠﻪ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ٍ ﻣﻌﺘﺪ وﺳﺎﻟﺐ ﻟﻠﺤﻖ ،وﻫﺬه اﻟﻄﺎﺋﺮات اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻴﺮ ﻛﺎﻟﺼﻘﻮر ﻓﻲ اﻟﺠﻮ؛ ﻹﻋﺎدة اﻟﺤﻘﻮق إﻟﻰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ،ﺗﻀﺮب أﻫﺪاﻓﻬﺎ ﻣﻠﺤﻘﺔ ﺑﻬﺎ ﺧﺴﺎﺋﺮ ﻓﺎدﺣﺔ ،ﺗﺒﺪو ﻗﺬاﺋﻔﻬﺎ ﻣﻄ ًﺮا ﻣﻦ ﻧﺎر ﻳﺘﺴﺎﻗﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ،وﺗﺴﺘﻌﻴﻦ ﻫﺬه اﻟﻄﺎﺋﺮات ﺑﺎﻟﺠﻴﻮش اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺤﻮ ﻫﺆﻻء ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮد إﻟﻰ اﻟﺤﺪ اﻟﺬي ﻳﻐ ﱢﻴﺐ ﻋﻘﻞ اﻟﻜﻬﻮل ﻣﻨﻬﻢ ،وﻳﺠﻌﻞ ﺷﻌﺮ اﻟﺼﺒﻲ ﻣﻜﺴ ٍّﻮا ﺑﺎﻟﺸﻴﺐ .وﻳﺸﻴﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ إﻟﻰ ﺗﺤﺎﻟﻒ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ذﻛﺮه ﺻﺎﺣﺐ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ،ﻣﻊ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ذﻛﺮه ﺧﺎدم اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ اﻟﺸﺮﻳﻔﻴﻦ اﻟﻤﻠﻚ ﺳﻠﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ، ﻣﻦ أﺟﻞ إﻋﺎدة اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ إﻟﻰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ،وﻛﺴﺮ ﺷﻮﻛﺔ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ.
ﺟﻴﺸﻨﺎ اﻟﺒﺎﺳﻞ
وﻋﺒﱠﺮت ﻗﺼﻴﺪة »ﺟﻴﺸﻨﺎ اﻟﺒﺎﺳﻞ« ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻲ اﻟﺨﻮار ﻋﻦ أﺳﻤﻰ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻟﻮﻃﻨﻲ؛ إذ ﺟﻌﻞ ﺷﻌﺐ اﻹﻣﺎرات ﻣﺘﻮﺣ ًﺪا ﻣﻊ اﻟﺸﻬﺪاء ﻓــﻲ :اﻟﺒﺴﺎﻟﺔ ،واﻟﺸﺮف، واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،واﻟﻤﺠﺪ ،واﻟﻌﺰ .وﻟﻜﻦ اﻟﻔﺎرق اﻟﻮﺣﻴﺪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ أن اﻟﺸﻬﺪاء ﻛﺎﻧﻮا ﻫﻢ اﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ إﻟﻰ ﺟﻨﺎت اﻟﺨﻠﺪ اﻟﺘﻲ وﻋﺪﻫﻢ اﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ):(6 ﻳﺎ ﺟﻴﺸﻨﺎ اﻟﺒﺎﺳﻞ ﻣﻦ ﻋﺮوﻗﻨﺎ َر ْو ﻣﻮت اﻟﺸﺮف ﻓﻲ ﺷَ ﻔﱠﻚ ﻳـــــــــﺰﻳﺪﻧﺎ ُﻗ ْﻮ ﻧﺤﻨﺎ أﺳﻮد اﻟ َﺒﺮ وﺻﻘﻮ ٍر ﻓﻲ اﻟ َﺠ ْﻮ واﻟـــــﻤﻮج ﻓﻲ ﺑﺤﺮ اﻟﻮﻏﻰ ﻧَﺸﻌﻠﻪ ﺿَ ْﻮ ﻣﺎ ﻧﺮﻛﺰ اﻷﻋﻼم إﻻﱠ ﻋـــــــﻠﻰ اﻟ ﱠﻨ ْﻮ ورﺟﺎﻟﻨﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺑﻐﻴﺮ اﻟﻨﺼـــــــــﺮ َﺟ ْﻮ ﻗﺎﻣﻮﺳﻨﺎ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻳﺎ »ﻟﻴﺖ« ،أو »ﻟ ْﻮ« وﻧﻘﻮل :ﻳﺎ ﺟﻴﺶ اﻟـــــــــﻮﻃﻦ إوردْ ،و َر ْو ﺑﺪم ﻓﻲ اﻟﻮﻏﻰ ﻟﻠﻮﻃﻦ ﺳﺎل ﻧﻔﺨﺮ ٍ ﻧﺤﻴﺎ ﺑﻌ ﱠﺰك ،واﻻﱠ ﻧﺴﺘﺸـــــﻬﺪ اﺑــــــﻄﺎل
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
29
ﺣﺪث؛ ﻷن ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻹﻧﺴﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻟﻦ ﺗﺘﻐﻴﺮ):(4 ﻣﺎ ﻳﺒﺎت اﻟﺜﺎر وﻋﻠﻰ اﻟﺜﺄر ،أﻳﻀً ـﺎ ،ﻳﺤﺚﱡ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻬﻴﺮي ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ »ﻣﺎ ﻳﺒﺎت اﻟﺜﺎر« ﻣﺎ ﺛﻨﺎﻧﺎ اﻟﻤﻮت أو ردﻧﺎ اﻟﺨﻄﺮ ﻣﺴﺘﺜﻤ ًﺮا ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺻﺎﺣﺐ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن، ﻧﺤﺮق اﻟﻴﺎﺑﺲ وﻛﻞ ﻋﻮ ٍد ﺧﻀــﺮ وداﻋ ًﻴـﺎ إﻟﻰ ﺳﺮﻋﺔ اﻟﺮد ﺑﺄﻗﺼﻰ ﻗﻮة ﻣﻤﻜﻨﺔ):(3 ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺮاﻫﻴﻦ وﻋـــﺒﺮ ﻣﺎ ﻳﺒﺎت اﻟﺜﺎر ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﺤﺮار ﻫﺬا ﻫﻮ ﻃﺒﻊ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ذﺧـــﺮ واﻟﺸﻬﻴﺪ اﻟﻠﻲ رﺣﻞ ﻟﻪ ﺧﻴﺮ دار إن ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﻣﺤﺎل اﻧﱠﺎ ﻧـــــﻌﻮد أﺑﺸﺮوا ﺑﺎﻟﺜﺎر اﻟﻠﻲ ﻳﺘﺒﻌﻪ ﺛــﺎر وان ﻟﺠﺎ اﻟﻤﻈﻠﻮم ﻋﻦ ﺣﻘﻪ ﻳﺬود ﻟﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﺪﻣﻲ ﻣﺨﺎﻟﺒﻬﺎ اﻟﻌـﺪا ِﻓﺎﻟﻔﺪا واﻟﺘﻀﺤﻴﺎت و ِﻓﺎﻟﺼﻤﻮد واﻟﻠﻪ ان دﻣﺎه ﻣﺎ ﺳﺎﻟﺖ ﺳﺪى ﻟﻸﺧﻮ واﻟﺠﺎر ،واﻓﻌﺎﻟﻪ ﺷﻬــــﻮد واﻟﻌﺪا ﻣﻠﺒﻮﺳﻬﻢ ﺛﻮب اﻟﺮدى ﻫﺬا اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،ﻫﻮ أﺣﺪ ﺗﺠﻠﻴﺎت اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻟﻮﻃﻨﻲ؛ ﻷن اﻟﻮﻃﻦ ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ اﻟﺤﺮة ،ﻻ ﻳﺘﺄﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﺜﺄر ﻣﻤﺎ ﺣﺪث ﻟﻬﺎ ،وﻋﻠﻰ ﻗﺪر اﻷذى اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ اﻟﺪاﺋﺮة اﻷﻛﺒﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺠﻴﺶ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﺴﺆوﻻً ﺑﻔﻌﻞ واﻟﻐﺪر اﻟﺬي أﺻﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ،ﺳﻴﺄﺗﻲ اﻟﺮ ﱡد ﻗﺎﺳﻴـﺎ ﺑﺤﻴﺚ راﺑﻄﺔ اﻟﺪم واﻟﺪﻳﻦ واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻋﻦ اﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ﻣﻌﻬﺎ وﻧُﺼﺮﺗﻬﺎ. ٍّ وﺳﻴﺮﺗﺪون ﻳﺠﺮدﻫﻢ ﻣﻦ ﻗﻮﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﻔﺘﻜﻮن ﺑﻬﺎ؛ إذ ﺳﺘُﻘﺘﻠﻊ ﻣﺨﺎﻟﺒﻬﻢ، ﺳﻤﻮم اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﺛﻮب اﻟﻤﻮت اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻬﻢ ،أﻣﺎ اﻟﺸﻬﺪاء اﻟﺬﻳﻦ رﺣﻠﻮا إﻟﻰ اﻟﺪار وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻋﺬوﺑﺔ ﻛﻠﻤﺎت ﻗﺼﻴﺪة »ﺳﻤﻮم اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ« ،وإﻳﻘﺎﻋﺎﺗﻬﺎ اﻷﺧﺮة ،ﻓﺈن اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻛﺮﻣﻬﻢ ﺑﺨﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ. اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ واﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ذﻳﺎب ﺑﻦ ﻏﺎﻧﻢ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻔﻴﺾ ﻏﻀﺒًـﺎ ،وﺗﺘﻮ ﱠﻋﺪ اﻷﻋﺪاء ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻮق ﺗﻮﻗﻌﺎﺗﻪ):(5 اﻟﻠﻪ أﻛﺒﺮ واﻟﺼﻼه ﻋﻠﻰ اﻟﻨــــــﺒﻲ ﻣﺎ ﺛﻨﺎﻧﺎ اﻟﻤﻮت ﺟﻴـــــــﻮش ﺣﺎرﻗﻪ ٍ وان ﻣﺎ ﻛﻔﻰ ﻫﺒﻲ وﺗﺠﺴﺪ ﻗﺼﻴﺪة ﺣﺴﺎن اﻟﻌﺒﻴﺪﻟﻲ »ﻣﺎ ﺛﻨﺎﻧﺎ اﻟﻤﻮت« ﺻﻮت اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻘﺼﻲ ﺟﺬور اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ،واﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ اﻋﻘﺎﻟﻬﺎ ﺳﻠﻤﺎن ﻧﺠـــﺪ أﺑﻮ ﻓــــﻬﺪ 28
اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ
إﻧﻨﺎ ﻟﻠﻪ ﻳــــﺎ داري ،واﻧﱠــــــــــﺎ ﻗـــﻠﺐ ﻟﻚ ﺗـــــﻌ ﱠﻨـﺎ ﻛﻞ ﻳﺎ وﻃﻨﺎ ﱢ ٍ ٍ ﻛﻢ ﺷﻬﻴﺪ ﻣﻦ ﺷﺮف دﻣﻪ ﺗــﺤ ﱠﻨـﺎ ِﻓﺎﻟﺸﻬﻴﺪ و ِﻓﺎﻟﻔﻘﻴﺪ و ِﻓــــﺎﻟﺠﺮﻳﺢ ﻟﻪ رﺟﻌﻨﺎ ِف اﻟﻤﺼﺎب و ِﻓﺎﻟﻄﺮﻳﺢ ﻟﻮ ﻳﺴﻴﺢ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﻠﻲ ﻳﺴﻴﺢ ﺿــﻤﺘﻪ ﺟﻨﺎت ﻣﺎ ﺿﻤﻪ ﺿـــﺮﻳﺢ
أرض ﺑﺄﺑﻄﺎل وﺟﻨـــــــﻮد اﻓﺨﺮي ﻳﺎ ْ ﺻﺎﻧﻮا اﻟﺪﻳﺮه وﺟﺒﺎل وﺣـﺪود ﺑﺮب اﻟﺴﻤﺎ ﺑﻜﻞ اﻟﻌــــــﻬﻮد ﻧﻘﺴﻢ ﱢ ﺣﻘﱢﻬﻢ ﺑﺎﻗﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﺠـــﻮد ذادوا ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﻃﻮل اﻟﺴﻨﻴﻦ اﻟﺒﻮاﺳﻞ واﻷﺷﺎوس ﻏﺎﻧﻤـــﻴﻦ ﺛﺎرﻧﺎ ﻣﺎ ﻳﻀﻴﻊ واﻟـــﻮﻋﺪ اﻟﺜﻤـــــﻴﻦ ﻳﺎ ﺷﻌﺐ زاﻳﺪ ﺗَﺮاﻛُﻢ ﻣﻨﺼﻔﻴﻦ
إن اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻮﻃﻦ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ ﻣﺎت ،ﺑﻞ إن ﺣﻴﺎة أﻗﻮى وأﺳﻤﻰ ﻣﻦ اﻷوﻟﻰ ﻛﺘُﺒﺖ ﻟﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟﻘﺒﺮ ﻫﻮ ﻋﻮدة إﻟﻰ رﺣﻢ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺬي ﻗﺎم اﻟﺸﻬﻴﺪ ﺑﺎﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻛﺮاﻣﺘﻪ .أﻣﺎ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻟﺖ وﺗﺤﻨﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﺜﺮى ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗ ُﻀﺎف إﻟﻰ دﻣﺎء أﺧﺮى ﻋﺒﱠﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻋﻦ ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﻮﻃﻦ وﺗﻀﺤﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ رﻓﻌﺘﻪ وﻋﺰﺗﻪ وﻟﻬﺬا ،ﻓﺈن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻏﻠﻴﻄﺔ اﻟﻤﻬﻴﺮي ،ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ »ﻗﻮة أﺳﻮد« ﻧﺠﺪه ﻳﺨﺎﻃﺐ أرض اﻹﻣﺎرات ﻣﻄﺎﻟﺒًـﺎ إﻳﺎﻫﺎ ﺑﺄن ﺗﻔﺨﺮ ﺑﻬﺆﻻء اﻷﺑﻄﺎل ،وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻧﺠﺪه ﻳُﻘﺴﻢ ،ﺑﺼﻮت أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﺟﻤﻴ ًﻌـﺎ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺄر ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء):(2
ﺷﻌﺐ زاﻳﺪ
ﻗﻮة أﺳﻮد
ﻛﺎن اﻟﺸﻬﺪاء ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺒﻮاﺳﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ أرض اﻟﻮﻃﻦ وﺷﻌﺒﻪ ،وﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن اﻟﻮﻓﺎء ﻟﻠﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ رﺋﻴﺴـﺎ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﻮا ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ ،ﻳﻐﺪو اﻟﺜﺄر ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء اﻟﻐﺎدرﻳﻦ ﻫﺪﻓًـﺎ ً ﻣﻦ أﻫﺪاف أﺑﻨﺎء اﻟﻮﻃﻦ؛ إذ ﻳﻜﻮن اﻟﺜﺄر ﺗﺠﻠﻴًـﺎ ﻟﻺﻧﺼﺎف؛ ﻓﻤﺎ ﺣﺪث ﻟﻬﺆﻻء اﻟﺸﻬﺪاء ﻛﺎن ﻏﺪ ًرا ،وﻟﻴﺲ إﺛﺮ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟﻐﺎدر ﻳﺠﺐ أن ﻳﻨﺎل ﺟﺰاءه .وﻳﻨﺺ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﻤﻘﺘﺮن ﺑﺎﻹﻧﺼﺎف ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ »ﺷﻌﺐ زاﻳﺪ«؛ ﻷن ﺟﻴﺶ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺗﺄﺳﺲ ،ﺑﺼﻮرة رﺳﻤﻴﺔ ،ﻣﻊ ﻗﻴﺎم دوﻟﺔ اﻻﺗﺤﺎد ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
27
أدرك اKﻣﺎراﺗﻲ ﻣﺒﻜ ًﺮا أن اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﺮد ﻛﻴﺪ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ﻫﻮ اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺬي ﺳﻴﻘﻮد ﺣﺘﻤ ـﺎ إﻟﻰ ﺗﻤﺎﺳﻚ وﻃﻨﻲ، ً ﻓﺘﺸﻜﻞ ﺣﻠﻒ اﻟﻘﻮاﺳﻢ ﻣﻦ ﱠ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﻴﻦ ﺗﺸﻜﻞ رأس ﻣﺴﻨﺪم ودﺑﻲ ،ﺛﻢ ﱠ ﺣﻠﻒ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ﻛﺄﻛﺒﺮ ﻗﻮة ﺑﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﺿﻤﺖ ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺖ ﻗﻴﺎدﺗﻬﺎ آل ﺑﻮ ﻓﻼح ﺑﺰﻋﺎﻣﺔ آل ﻧﻬﻴﺎن
وﻟﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺠﻴﺶ ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻓﺈن اﻟﺘﺰام اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺤﻞ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ وﺿﻌﻪ ﺗﺤﺖ ﺗﺼﺮﻓﻬﺎ؛ ﻓﻔﻲ ﺣﺮب أﻛﺘﻮﺑﺮ 1973م، أوﻗﻔﺖ اﻹﻣــﺎراتُ ﺗﺼﺪﻳ َﺮ اﻟﻨﻔﻂ إﻟﻰ اﻟﺪول اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻹﺳﺮاﺋﻴﻞ ،وﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن: »اﻟﻨﻔﻂ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻴﺲ ﺑﺄﻏﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﺪم اﻟﻌﺮﺑﻲ«، ﺑﻌﺰة اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻷﺻﻴﻞ وﻛﺮاﻣﺘﻪ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﺨﺬ ﻗﺮاره ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎ ٍل ﺑﻐﻀﺐ أو رد ﻓﻌﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮى اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،و ُوﺿﻊ اﻟﺠﻴﺶ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻋﻠﻰ أﻫﺒﺔ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﺗﺤﺴ ًﺒـﺎ ﻟﻠﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺘﺎل إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ أﺷﻘﺎﺋﻪ اﻟﻌﺮب إذا ﻣﺎ ﻃُﻠﺐ ﻣﻨﻪ ذﻟﻚ .وﻓﻲ أﻋﻘﺎب اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،ﺷﺎرك اﻟﺠﻴﺶ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،ﻓﻲ أول ﻣﻬﻤﺔ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ،ﻋﺎم 1977م ﺑﻮﺣﺪة ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻫﺪﻓﻬﺎ ﺣﻔﻆ اﻟﺴﻼم إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻗﻮات ﻋﺮﺑﻴﺔ أﺧﺮى. إن اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺒﻄﻮﻻت اﻟﺠﻴﺶ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،وﻳﺼﻌﺐ ﺳﺮدﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎل ﻛﻬﺬا .وﻗﺪ ﺟﺎء اﻧﻀﻤﺎم اﻟﺠﻴﺶ اﻹﻣﺎراﺗﻲ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ اﻟﺬي ﺗﻘﻮده اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ؛ ﻹﻋﺎدة اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻴﻤﻦ إﺛﺮ اﻧﻘﻼب اﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ،وﺗﻌﺮﻳﺾ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻴﻤﻨﻲ ،وأﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ إﻟﻰ اﻟﺨﻄﺮ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﺪﺧﻞ إﻳﺮان ﻟﻠﻌﺐ أدوارﻫﺎ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ اﻟﻤﻌﻬﻮدة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .وﻛﺎن ﻧﻴﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ) (45ﺟﻨﺪﻳٍّـﺎ إﻣﺎراﺗ ٍّﻴـﺎ ﺷﺮف اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻲ 4ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2015م ﻣﺤﺮﺿً ـﺎ ﻟﻠﺸﻌﺮاء ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺑﻄﻮﻟﺔ اﻟﺠﻴﺶ ،واﻟﺘﺬﻛﻴﺮ ﺑﺤﻖ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻷﻣﺔ وﻗﻀﺎﻳﺎﻫﺎ اﻟﻤﺼﻴﺮﻳﺔ ،وأن اﺳﺘﻘﺮاء اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أن ﻣﺎ ﺣﺪث ﺳﻴﻘ ﱢﺮب ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺮ ،وﺳﻴﺰﻳﺪ اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ﻋﺰﻳﻤ ًﺔ وﺷﺠﺎﻋﺔ وﺻﻼﺑﺔ
26
اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ
وﺗﻤﺎﺳﻜًـﺎ؛ ﻷن اﻟﺘﺰاﻣﻬﻢ ﺗﺠﺎه اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻣﻘـﺪس اﻟﻌﺮب وﻧُﺼﺮة ﻗﻀﺎﻳﺎﻫﻢ اﻟﻌـﺎدﻟﺔ ،أﻣ ٌﺮ ٌ وﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻤﺴﺎوﻣـﺔ ﻋﻠﻴـﻪ أﺑ ًﺪا. ﺻﻮت اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ
ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ اﻷﻗﻮى ﺧﺼﻮﺑﺔ وﺗﻌﺒﻴ ًﺮا ﻋﻦ ُﻣﺼﺎب اﻟﻮﻃﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﻛُﺘﺒﺖ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺼﻴﺤﺔ ،وﻟﻌﻞ ﻫﺬا ﻳﻌﻮد إﻟﻰ أﺳﺒﺎب ﻛﺜﻴﺮة ،أﻫﻤﻬﺎ ،اﻷول :ﻗﺪرة اﻟﻜﻼم ﺑﺎﻟﻠﻬﺠﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﺷﻌﺮ ﻳﻨﻘﻞ اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺠﻴﱠﺎش ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﺒﺎﺷﺮة .وﻟﻴﺲ ﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬا أن اﻻﻧﻔﻌﺎل ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﻔﻦ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺷﻌﺮاء ﺗﻤﺮﺳﻮا ﻋﻠﻰ أن ﻳﻜﻮن اﻻﻧﻔﻌﺎل ﻣﺤﺮﻛًـﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺨﻼﻗﺔ. اﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻗﺪرة اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻓﻜﺮة أن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻫﻮ ﺻﻮت اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﺷﻌﺮ؛ ﻟﻴﺠﺴﺪ ﻧﻴﺎﺑـﺔ ﻋﻨﻬﻢ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻜﻠﻲ: اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ وﻣﺎ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻘﻮق وواﺟﺒﺎت، واﻻﻧﺘﻤﺎء ﻟﻠﻮﻃﻦ ،واﻟﻮﻻء ﻟﻠﻘﻴﺎدة اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ. اﻟﺜﺎﻟﺚ :ﻗﺪرة اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻛﻼم ﻳﺘﺪاوﻟﻪ اﻟﺸﻌﺐ ﺗﻌﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﻫﺬا ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أوﻟﻰ ،وﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻮل إﻟﻰ »ﺷﻼﱠت« ﻗﺪ ﻳﺆدﻳﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻧﻔﺴﻪ أو ﻓﻨﺎﻧﻮن آﺧﺮون ،أو إﻟﻰ أﻏﻨﻴﺎت ﻳﺆدﻳﻬﺎ ﻣﻄﺮﺑﻮن ﻣﺤﺘﺮﻓﻮن ﻳُﺴﺘﻤﻊ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻴﺮددﻫﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮ واﻟﺼﻐﻴﺮ ،ﻫﺬا ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى. ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ »ﻋﻈﱠﻢ اﻟﻠﻪ أﺟﺮك ﻳﺎ وﻃﻦ« ،ﻧﺠﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻠﻄﺎن ﻣﺠﻠﻲ ﻣﺨﺎﻃ ًﺒـﺎ وﻃﻨﻪ اﻹﻣﺎرات ﻣﻌﺰﻳٍّـﺎ):(1 ﻋﻈﱠﻢ اﻟﻠﻪ أﺟ ْﺮ ﺣــــﺰﻧﻚ ﻳﺎ وﻃﻦ
ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ أﻛﺒﺮ ﻗﻮة ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺧﺎﺿﺖ ﺿﺪ اﻟﻨﻔﻮذ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺣﺮوﺑًـﺎ ﻃﺎﺣﻨﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ أﻗﻮاﻫﺎ ﻓﻲ 3دﻳﺴﻤﺒﺮ 1819ﻟﻠﻤﻴﻼد ﺣﻴﺚ ﻫﺎﺟﻤﺖ اﻟﻘﻮات اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ إﻣﺎرة رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ ﺗﺤﺖ ﻏﻄﺎء ﻛﺜﻴﻒ ﻣﻦ ﻧﻴﺮان اﻟﻤﺪاﻓﻊ اﺳﺘﻤﺮ ﻟﻌﺪة أﻳﺎم ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺼﻤﻮد اﻟﺒﻄﻮﻟﻲ ﻟﻸﻫﺎﻟﻲ، ﻓﻘﺪ ﺧﺴﺮوا أروا ًﺣـﺎ زﻛﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮة ،وﻛﺎن ﺻﻤﻮدﻫﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻳﺠﺒﺮ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺪ ﻣﻌﺎﻫﺪات ﻣﻌﻬﻢ. ﺛﻢ ﺗﺸﻜﱠﻞ أﻳﻀً ـﺎ ﺣﻠﻒ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس اﻟﺬي ﻳﻌﺪ أﻛﺒﺮ ﻗﻮة ﺑﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﺿﻤﺖ ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺖ ﻗﻴﺎدﺗﻬﺎ آل ﺑﻮ ﻓﻼح ﺑﺰﻋﺎﻣﺔ آل ﻧﻬﻴﺎن ،وﺑﻬﺬه اﻟﻘﻮة ﺑﺪأت اﻟﺨﻄﻰ اﻷوﻟﻰ ﺗﺘﺴﺎرع ﻧﺤﻮ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺬي ﻳﺤﻘﻖ أﻗﺼﻰ أﻧﻤﺎط اﻟﻘﻮة واﻟﻤﻨﻌﺔ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أوﻟﻰ، وﻳﺮد ﻛﻴﺪ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ واﻟﻤﺘﺂﻣﺮﻳﻦ إﻟﻰ ﻧﺤﻮرﻫﻢ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴـﺔ. ﻗﺒﻞ إﻋﻼن ﻗﻴﺎم دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻓﻲ 2دﻳﺴﻤﺒﺮ ،1971ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻴﻦ ،أﻗﺪﻣﺖ إﻳﺮان ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻼل اﻟﺠﺰر اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ
اﻟﺜﻼث )أﺑﻮ ﻣﻮﺳﻰ ،وﻃﻨﺐ اﻟﺼﻐﺮى ،وﻃﻨﺐ اﻟﻜﺒﺮى( ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮﻧﺎ ﺑﺎﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ ﺗﻔﻜﻚ دوﻟﺔ اﻟﻴﻌﺎرﺑﺔ ﻟﻺﻗﺪام ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ. اﻗﺘﻀﺖ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ـ ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ـ أﻻﱠ ﺗﻠﺠﺄ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻠﻘﻮة؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻓﻲ ﻃﻮر ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ،وأن إﺛﺎرة اﻷزﻣﺎت ﺳﺘﺆدي إﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ ،وأن اﻟﻄﺮق اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ اﻟﻬﺎدﺋﺔ ،ﺳﺘﺆدي إﻟﻰ ﺣﻞ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﻊ دوﻟﺔ ﺗﺮﺑﻄﻬﺎ ﺑﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺠﻮار. ﻟﻘﺪ ﺑﺪأ اﻟﺠﻴﺶ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﺴﻴﺮة ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻻﺗﺤﺎد ﻗﻮﻳٍّـﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺷﻌﺐ اﻹﻣﺎرات اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺼﻠﻮن ﺑﺘﺎرﻳﺦ ﻋﺮﻳﻖ ﻓﻲ اﻟﺘﺂﻟﻒ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻟﻮﻃﻨﻲ ،واﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳﻜﺒﺪوا أﻋﺘﻰ اﻟﻘﻮى اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ـ اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت إﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻏﺎزﻳﺔ ـ ﺧﺴﺎﺋﺮ ﻓﺎدﺣﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﻟﻴﻦ ﺑﺼﻌﻮد اﻷرواح اﻟﺰﻛﻴﺔ إﻟﻰ ﺑﺎرﺋﻬﺎ ،ﻣﺎ دام اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻷرض واﻷﻫﻞ ﻣﻄﻠﺒًـﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻨﺎزل ﻋﻨﻪ.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
25
ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ د .إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﺣﻤﺪ ﻣﻠﺤﻢ
إن اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي اﺳﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷرض ﻗﺒﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 2500ﺳﻨﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد ،وأﻗﺎم اﻟﻤﺴﺘﻮﻃﻨﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻛﺎن ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻮﻃﻦ راﺳﺨًـﺎ ﻓﻲ ذﻫﻨﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺮف اﻟﺰراﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ اﻻﺳﺘﻘﺮار ،وﺻﻬﺮ اﻟﻨﺤﺎس اﻟﺬي ﻣﻜﱠﻨﻪ ﻣﻦ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻷدوات اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ أداء أﻣﻮره اﻻﻋﺘﻴﺎدﻳﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟ ِﺤ َﺮاب ،واﻟﺴﻴﻮف اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻣﻊ أﻏﻠﻔﺘﻬﺎ ،ورؤوس اﻟﺴﻬﺎم اﻟﻔﺘﺎﻛﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻫﺬه اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻳﺠﻨﻲ ﻣﻦ ﺧﻴﺮﻫﺎ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﱢﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﺑﻌﺰة وﻛﺮاﻣﺔ .وﻗﺪ أﻗﺎم ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﺗﺤﺎﻟﻔﺎت ﻣﻊ ﻗﺒﺎﺋﻞ أﺧﺮى؛ ﻟﻴﻘﻮى ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺨﻄﺮ ﺿﺪ أي اﻋﺘﺪاء ﻣﻮ ﱠﺟﻪ إﻟﻰ أرﺿﻪ وأﻫﻠﻪ ﺣﺘﻰ إذا ﻗﻔﺰﻧﺎ ﺗﺎرﻳﺨ ٍّﻴـﺎ إﻟﻰ ﻋﺎم 1507ﻟﻠﻤﻴﻼد ،وﻫﻮ زﻣﻦ وﺻﻮل اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻴﻴﻦ إﻟﻰ ﺳﻮاﺣﻞ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺛﻢ ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻫﺮﻣﺰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻧﺠﺪه ﻳﻘﺎوم ﻫﺆﻻء ﺑﺸﺮاﺳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻋﺪم اﻟﺘﻜﺎﻓﺆ ﻓﻲ اﻟﻌﺘﺎد ﺑﻴﻦ اﻟﻄﺮﻓﻴﻦ.
وﻓﻲ ﻋﺎم 1600ﻟﻠﻤﻴﻼد إﺛﺮ ﺗﻨﺎﻣﻲ اﻟﻨﻔﻮذ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ ،اﺳﺘﻄﺎع اﻹﻣﺎراﺗﻲ أن ﻳﻘﺎﺗﻞ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻴﻌﺎرﺑﺔ وﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ إﻟﺤﺎق ﻫﺰاﺋﻢ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻴﻴﻦ ،وﻟﻜﻦ ﺗﻔﻜﻚ ﻗﻮة اﻟﻴﻌﺎرﺑﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻔﺮس ﻳﺴﺘﻐﻠﻮن ﻫﺬه اﻷوﺿﺎع ﻟﻠﺘﺨﺮﻳﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﻓﻮﺻﻠﻮا إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺮﻳﻤﻲ ﺣﻮاﻟﻲ 1738ﻟﻠﻤﻴﻼد ،وﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﺪﻣﻴﺮ اﻟﻘﻼع واﻟﺤﺼﻮن ﻓﻴﻬﺎ، وﻟﻜﻦ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺘﻲ واﺟﻬﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻷﻫﺎﻟﻲ دﻓﻌﺘﻬﻢ ﻟﻠﻌﻮدة ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺟﺎؤوا ،واﺳﺘﻤﺮت ﻣﺤﺎوﻻﺗﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﺘﻰ ﻃُﺮدوا ﻧﻬﺎﺋﻴٍّـﺎ ﻋﺎم 1743ﻟﻠﻤﻴﻼد. ﻟﻘﺪ أدرك اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﺣﻮﻟﻪ أن اﻷﻃﻤﺎع ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺚ ﺑﺄﻣﻦ وﻃﻨﻪ ﺳﺘﺒﻘﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ ذﻫﻦ َﻣ ْﻦ ﻳﻨﺎﺻﺒﻪ اﻟﻌﺪاء ،وأن اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﺮد ﻛﻴﺪ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ﻫﻮ اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺬي ﺳﻴﻘﻮد ﺣﺘ ًﻤـﺎ إﻟﻰ ﺗﻤﺎﺳﻚ وﻃﻨﻲ ،وﻫﻜﺬا ،ﺗﺸﻜﱠﻞ ﺣﻠﻒ اﻟﻘﻮاﺳﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﻴﻦ رأس ﻣﺴﻨﺪم ودﺑﻲ،
24
اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ
ﺑﺪأت ﻓﺼﻮل اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺗﺰاﻣ ًﻨﺎ ﻣﻊ اﺳﺘﻌﺪاد ﺣﻜﺎم ﺷﺎرﻓﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ووﻗﻒ ﻛﺎﻟﻄﻮد اﻟﺸﺎﻣﺦ ﻋﻨﺪ اﻹﻣــﺎرات ﻹﻋــﻼن اﺗﺤﺎد اﻟﺪوﻟﺔ وﻗﻴﺎم اﻟﻜﻴﺎن ﺳﺎرﻳﺔ اﻟﻌﻠﻢ راﻓﻀً ﺎ إﻧﺰاﻟﻪ ،ﻓﺄﻣﻄﺮه اﻟﻤﻐﺘﺼﺒﻮن اﻹﻣــﺎراﺗــﻲ اﻟﻮﻟﻴﺪ ،واﻟـــﺬي ﺟــﺎء ﺑﻌﺪ ﻣﺨﺎض ﺑﻨﻴﺮاﻧﻬﻢ اﻟﺠﺎﺋﺮة ﺣﺘﻰ ﺧ ّﺮ ﺷﻬﻴ ًﺪا وروى ﺑﺪﻣﺎﺋﻪ ﻋﺴﻴﺮ ،وﺑﻌﺪ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻘﺎءات واﻟﻤﺸﺎورات اﻟﻄﺎﻫﺮة ﺗﺮاب اﻟﺠﺰﻳﺮة ،واﺿﻄﺮ اﻟﺒﺎﻗﻮن ﻟﻼﺳﺘﺴﻼم واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت ﺑﺸﺄن اﻟﻮﺣﺪة ،وﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻟﻘﻮات اﻻﺣﺘﻼل وﻫﻢ :ﺣﻨﺘﻮش ،ﺣﺴﻦ ﻏﺮة ،وﻓﻲ ﻏﻤﺮة اﻧﺸﻐﺎل ﺣﻜﺎم اﻹﻣﺎرات ﻋﻠﻲ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﺒﻴﺪ ،ﻣﺤﻤﺪ وﺗﺄﻫﺒﻬﻢ ﻹﻋــﻼن ﻫــﺬا اﻟﺤﺪث اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﻠﻲ ﺻﺎﻟﺢ ،ﻋﻠﻲ ﻣﺤﺴﻦ ﻣﺤﻤﺪ ،ﺛﻢ أﻓﺮج واﻟﻨﺒﺄ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻟﻢ ﻳﺮق ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ اﻟﺠﻠﻞ ﻋﻨﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ وﻋﺎدوا ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ ﻃﺎﺋﺮة ﻟﻠﻤﺘﺮﺑﺼﻴﻦ اﻹﻳﺮاﻧﻴﻴﻦ ﻓﺠﺎﺳﻮا ﺧﻼل اﻟﺪﻳﺎر اﻟﺼﻠﻴﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺪوﻟﻴﺔ إﻟﻰ دﺑﻲ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﻄﺎﻗﺔ وأﺛﺎروا اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻬﺎ وﺑﻴﻦ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ ﺣﻔﺎوة ﻛﺒﻴﺮة ﻟﺪى اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ وأﻧﺰﻟﻮا ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﺋﺮاﺗﻬﻢ ﻣﻨﺸﻮرات ﺗﺄﻣﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﺧﻤﻴﺲ ،اﻟﻌﻤﺮ 16ﺳﻨﺔ ،اﻟﻮاﻟﺪ اﻟﻤﻄﺎر ﻓﻲ 25دﻳﺴﻤﺒﺮ 1971م. أﻫﺎﻟﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﺑﺎﻻﺳﺘﺴﻼم اﻟﺘﺎم واﻟﺨﻀﻮع ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﺧﻤﻴﺲ واﻟﻮاﻟﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻫﺎﻻ، اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﻘﻮات اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ ،وﻗﺪ ﻗﻮﺑﻞ ذﻟﻚ أخ ﻷرﺑﻌﺔ أوﻻد وﻫﻮ أﺻﻐﺮﻫﻢ ﺳ ًﻨﺎ ،ﻣﺴﺆول ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻄﻞ رواﺋﻲ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺮﻓﺾ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻣﻦ أﻫﺎﻟﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،ﻋﻦ ﻣﺮﻛﺰ ﻃﻨﺐ ،اﻟﺮﻗﻢ ،190درس ﻋﻠﻰ ﻓﻲ رواﻳﺔ )ﺳﻬﻴﻞ( ﻳﺴﺮد اﻟﻜﺎﺗﺐ واﻟﺮواﺋﻲ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺎت دوﻧﻬﺎ ﻓﺮﺳﺎن ﻣﺮﻛﺰ ﺷﺮﻃﺔ »اﻟﻤﻄﻮع« وﻫﻮ ﻓﻲ ﺳ ّﻦ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻄﺎﺑﻮر ﻗﺼﺔ اﻟﺠﺰﻳﺮة وذادوا ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺿﻬﺎ ﻓﻲ وﺟﻪ وأﻛﻤﻞ دراﺳﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺔ »اﻟﺤﻮﻳﻼت« ﺣﺘﻰ ذﻟﻚ اﻟﺸﻬﻴﺪ اﻟﻤﻐﻮار ،وﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻧﺸﺄﺗﻪ اﻟﻌﺪو اﻟﻐﺎﺷﻢ ،وﻣﻊ اﺳﺘﻤﺮار اﻟﻄﻠﻘﺎت اﻟﺼﻒ اﻟﺜﺎﻟﺚ ،زاول ﻣﻬ ًﻨﺎ ﻋﺪﻳﺪة ،واﻧﻀﻢ إﻟﻰ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ أﺳﺮﺗﻪ وﻣﺤﻴﻄﻪ ﻓﻲ رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ اﻟﻨﺎرﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺑﻮاﺳﻞ اﻹﻣﺎرات واﻟﻤﻐﺘﺼﺒﻴﻦ ﻓﺮﻗﺔ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،ﺛﻢ ﺷﺮﻃﺔ رأس اﺑﺘﺪا ًء ﻣﻦ ﺧﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ إﻟﻰ اﻹﻳﺮاﻧﻴﻴﻦ ،وﺗﻼﺣﻖ اﻷﺣــﺪاث وﺗﻄﻮر اﻟﺨﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﻠﻢ ﺑﺎﻻﻟﺘﺤﺎق ﺑﻬﺎ ،ﻗﻴﺎم اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺑﺎﻟﺬات ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ اﻟﺤﺪﺑﺔ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻘﺘﺎﻟﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺊ واﻟﺠﺎﺋﺮ وﻟﻢ ﻳﻤﻬﻠﻪ اﻟﻘﺪر ﻟﻼﻟﺘﺤﺎق ﺑﺎﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ إﺣﺪى ﻗﺮى اﻟﻤﻨﻴﻌﻲ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻹﻣﺎرة رأس ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻗﺮر اﻟﺒﻄﻞ اﻟﺸﻬﻴﺪ أن اﻟﺘﻲ ﺣﺠﺰ ﻓﻴﻬﺎ رﻗﻢ .190 اﻟﺨﻴﻤﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻋﺎش اﻟﺸﻬﻴﺪ وأﻫﻠﻪ ﻓﻲ ﺑﺴﺎﺗﻴﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ وزاوﻟﻮا ﻣﻬﻨﺔ اﻟﺰراﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺠ ّﻤﻊ ﻫﻮ وزﻣﻼؤه ﺣﻮل ﺳﺎرﯾﺔ ﻋﻠﻢ رأس ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺪر ﻋﻴﺸﻬﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ. اﻟﺨﯿﻤﺔ دﻓﺎ ًﻋﺎ ﻋﻦ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻓﺼﻼ اﺳﺘﻌﺮض ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻘﻊ اﻟﺮواﻳﺔ ﻓﻲ ً 12 وﺣﻘﻬﺎ اﻟﺸﺮﻋﻲ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻣﺎم اﻟﻄﺎﺑﻮر ﺳﻴﺮة اﻟﺸﻬﻴﺪ وﻣﺴﻴﺮﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﻼد اﻟﻐﺎﺻﺒﻴﻦ ﺳﻮى ﺗﺼﻌﻴﺪ اﻟﻤﻮﻗﻒ وﺗﺄﺟﻴﺞ وﺣﺘﻰ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ،ﻛﻤﺎ ﺗﺨﻠّﻞ ﻋﺮﺿﻪ ﻧﻴﺮان اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ وإﻣﻄﺎر اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻣﺒﺎﺣﺜﺎت اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻴﻦ ﻣﻊ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰﻫﻢ ،ﺑﻮاﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺻﺎص اﻟﻄﺎﺋﺶ، وﻗﻄﻌﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳﺒﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ ﻗﻴﺎداﺗﻬﻢ اﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﺑﺘﻌﻄﻴﻞ ﺟﻬﺎز ﺣﻜﺎم رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ وﻣﺎ دار ﻓﻲ ﻛﻮاﻟﻴﺲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻮم ﺣﻮل إﺛﻨﺎﺋﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﺠﺰر اﻟﻄﻨﺒﻴﺔ واﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﺼﺎﻟﺢ إﻳﺮان اﻟﻼﺳﻠﻜﻲ. وﻣﻊ ﻣﺮور اﻟﻮﻗﺖ وأﻣﺎم إﺻﺮار اﻟﺠﻨﻮد اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻤﻮد ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻣﺎدﻳﺔ. واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ أرﺿﻬﻢ ووﻃﻨﻬﻢ ﻃﻠﺐ اﻟﻐﺰاة اﻟﺘﻔﺎوض ﻣﻊ ﺑﻮاﺳﻞ ورﻛﺰ اﻟﻄﺎﺑﻮر ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻮل اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺣﺘﻼل اﻹﻳﺮاﻧﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة دون ﺟﺪوى ،ورﻓﺾ اﻟﺸﻬﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ إﻧﺰال ﻋﻠﻢ ﺑﻼده ﻣﻦ ﻟﺠﺰﻳﺮة ﻃﻨﺐ ﻓﻲ 30ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 1971م ،وﻣﺎ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﻪ ﻣﻦ إرﺟﺎف وﺗﺮوﻳﻊ ﺳﺎرﻳﺘﻬﺎ ،ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻣﺎم اﻟﻤﻐﺘﺼﺒﻴﻦ ﺳﻮى اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ ﺗﺼﻌﻴﺪ ﻟﻠﺴﻜﺎن ﻟﺪﻓﻌﻬﻢ إﻟﻰ اﻻﺳﺘﺴﻼم واﻻﻧﻘﻴﺎد ﻟﻠﻤﻄﺎﻟﺐ اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ. اﻟﻤﻮﻗﻒ واﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ إﻃﻼق اﻟﻨﺎر ﺳﺎﻋﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻘﻮات إن ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﺗﺴﺮد ﻓﻲ اﻟﻮﻗﻊ ﻣﻠﺤﻤﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ وﺑﻄﻮﻟﻴﺔ ﺧﻠّﺪت ﻣﺂﺛﺮ اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺠﻨﻮد ﻛﻮﻣﺎﻧﺪوز وﻣﻈﻠﯿﯿﻦ ﻻﻗﺘﺤﺎم اﻟﻤﺒﻨﻰ ،ﻹﻧﻘﺎذ أﺑﻄﺎل اﻹﻣﺎرات ،ووﺛﻘﺖ ،ﺗﺎرﻳﺨ ًﻴﺎ ،ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﺪوان اﻹﻳﺮاﻧﻲ اﻟﻐﺎﺷﻢ، ﻟﻘﻲ أرﺑﻌﺔ وﻋ ّﺮت زﻳﻒ ادﻋﺎءاﺗﻬﻢ اﻟﻮاﻫﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻋ ّﺒﺮت ﻋﻦ ﺧﺼﺎل ﻓﺮﻳﺪة وﻣﺰاﻳﺎ اﻟﻤﻮﻗﻒ وﺗﺮﺟﻴﺢ ﻛﻔﺔ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺌﺔ ً أﺻﻼ ،وﻗﺪ ّ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺼﺮﻋﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺠﻨﻮد اﻹﻣﺎراﺗﯿﯿﻦ ﻣﻊ ﻗﺎﺋﺪ إﻳﺮاﻧﻲ ﺑﺮﺗﺒﺔ رﻓﻴﻌﺔ ﺗﺤﻠّﻰ ﺑﻬﺎ ﻓﺎرس اﻹﻣﺎرات اﻟﺒﺎﺳﻞ ،ﻣﻦ ﻋﺰة وﺷﻤﻮخ وإﻗﺪام، ﺟﻨﺮال ،وﻗﺪ ر ّد اﻟﻐﺰاة ر ًدا ﻋﻨﻴﻔًﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺑﺈﻃﻼق ﻗﺬاﺋﻒ زوارﻗﮭﻢ اﻟﺬي ﺗﺘﺠ ّﺪد ذﻛﺮاه ﻛﻞ ﻋﺎم ﻓﻲ ﻟﻔﺘﺔ ﻛﺮﻳﻤﺔ وﺑﺎدرة ﻃﻴﺒﺔ وﻓﺎ ًء ﻣﻦ دوﻟﺔ اﻟﻮﻓﺎء ﻷﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ،وإﺣﻴﺎ ًء ﻟﺬﻛﺮاﻫﻢ وﺗﻤﺠﻴ ًﺪا ﻟﺴﻴﺮﺗﻬﻢ اﻟﻌﻄﺮة اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ ،ﻣﻤﺎ أﻧﻬﻚ ﻗﻮى اﻟﺠﻨﻮد اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ،ﻓﺠﺮح ﻣﻨﻬﻢ اﺛﻨﺎن. ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ أدرك اﻟﻔﺎرس اﻟﺸﻬﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ أن اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻌﺎدﻟﺔ وﺗﺜﻤﻴ ًﻨﺎ ﻟﺘﻀﺤﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ ،وﺗﺨﻠﻴ ًﺪا ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﻳﻦ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
23
ﻇﻞ ﻳﻘﺎوم إﻟﻰ آﺧﺮ رﻣﻖ
ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ
ﺷﻬﻴﺪ اMﻣﺎرات ا4ول ﻣ ّﻨﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر
ﻧﺴﺞ ﺟﻨﻮد اﻹﻣﺎرات اﻟﺒﻮاﺳﻞ ﻋﺒﺮ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺪوﻟﺔ ﺻﻮرة ﻣﺸﺮﻗﺔ وﺑﺮاﻗﺔ ﺳﻄﺮوا ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﻄﻮﻻﺗﻬﻢ اﻟﺨﺎﻟﺪة وﺑﺴﺎﻟﺘﻬﻢ وﺗﻔﺎﻧﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻮﻃﻦ واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺣﻮزﺗﻪ اﻟﺘﺮاﺑﻴﺔ. ﻗﺼﺔ اﻟﺠﻨﺪي اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﺧﻤﻴﺲ ،ﺷﻬﻴﺪ اﻟﻌﻠﻢ ،ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻈﻼل ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺴ ّﺠﻞ اﻟﺤﺎﻓﻞ وﺗﻨﻴﺮ ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ واﻹﻗﺪام ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن أول ﺷﻬﻴﺪ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺪوﻟﺔ ﻇﻞ ﻳﻘﺎوم إﻟﻰ آﺧﺮ رﻣﻖ ﺣﺘﻰ ﺧ ّﺮ ﺻﺮﻳ ًﻌﺎ دﻓﺎ ًﻋﺎ ﻋﻦ ﺳﻴﺎدة ﺟﺰﻳﺮة ﻃﻨﺐ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻠﺘﻬﺎ إﻳﺮان ﻓﻲ 30ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 1971م، راﻓﻀً ﺎ اﻟﺘﺤﺎور ﻣﻊ اﻟﻤﺤﺘﻠﻴﻦ اﻹﻳﺮاﻧﻴﻴﻦ. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﻋﺎدﻳًﺎ ﻛﻤﺎ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻳﺎم اﻷﺧﺮى ،وﻟﻢ ﻳﻤﺾ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻮﺗﻴﺮة اﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ واﻟﺮوﺗﻴﻦ اﻟﻤﻌﺘﺎد ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺤﻤﺎة اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺴﺎﻫﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ أﻣﻨﻪ واﺳﺘﻘﺮاره اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺛﻐﻮره ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة ﻃﻨﺐ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء اﻟﻤﻐﺘﺼﺒﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺴﻠّﻠﻮن ﻟﻼﻧﻘﻀﺎض ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ أﺳﻌﻔﺘﻬﻢ اﻟﻔﺮﺻﺔ.
22
ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ ﺷﻬﻴﺪ ا_ﻣﺎرات ا ول
وﻳﺤﺘﻔﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻲ اﻟﺨﻮار ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ )ﻳﺎ ﺟﻴﺸﻨﺎ اﻟﺒﺎﺳﻞ( ﺑﺎﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ وﻣﺎ ﺣﻘﻘﺘﻪ ﻣﻦ اﻧﺘﺼﺎرات ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ، وﻳﻘﻮل: ﻳﺎ ﺟــﻴﺸﻨﺎ ِ اﻟﺒﺎﺳــﻞ ﻣﻦ ﻋــﺮوﻗــﻨﺎ َر ْو ﺑﺪم ﻓﻲ اﻟﻮﻏــﻰ ﻟﻠﻮﻃــﻦ ﺳﺎل ﻧﻔﺨــﺮ ٍ ﻣﻮت اﻟﺸﱠ ـــﺮف ﻓﻲ ﺷَ ﻔّـﻚ ﻳﺰﻳﺪﻧﺎ ﻗُــ ْﻮ ﻧﺤﻴﺎ ﺑﻌـــ ّﺰك ..واﻻّ ﻧﺴﺘﺸﻬـﺪ اﺑـــﻄﺎل ﻧﺤﻨﺎ أﺳﻮد اﻟ َﺒﺮ وﺻﻘـﻮر ﻓﻲ اﻟ َﺠـــــــ ْﻮ ﻧﺮﺧﺺ ﻟﻚ اﻷرواح وﻧﺴــﻮم اﻵﺟــــﺎل واﻟﻤﻮج ﻓﻲ ﺑﺤﺮ اﻟـﻮﻏﻰ ﻧَﺸﻌﻠﻪ ﺿَ ـــ ْﻮ واﻋﺘﻰ اﻟﺤﺼﻮن ﻧﻬـــﺪﱠ ﻫﺎ ﻫَــــﺪ زﻟﺰال
ﻟﻘﺪ أذﻛﻰ اﺳﺘﺸﻬﺎد اﻟﺠﻨﻮد اKﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ اﻟﺒﻮاﺳﻞ ﻗﺮاﺋﺢ اﻟﺸﻌﺮاء وأﻟﻬﺐ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ ﻓﻨﺴﺠﻮا ﻗﺼﻴﺪﻫﻢ ﻓﺮادى وﺟﻤﺎﻋﺎت ﺗﺄﺛﺮاً ﺑﺎﻟﻤﻮﻗﻒ وﺗﻔﺎﻋ ً ﻼ ﻣﻌﻪ
اﻟﻄﺎﻫﺮ« اﻟﺘﻲ رواﻫﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ اﻟﻔﻴﺎﺿﺔ وﻗﻴﻢ اﻟﺸﻬﺎدة اﻟﺨﺎﻟﺪة ،وﻗﺪ ﺷﺎرك ﻓﻴﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺘﻴﻦ ﺷﺎﻋﺮا ً وﺷﺎﻋﺮة ،وﻋ ّﺒﺮوا ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﻋﺰة ﺷﻌﺐ وﻣﺠﺪ وﻃﻦ وﺗﻤﺎﺳﻜﻪ وﺗﻼﺣﻤﻪ ﻳﺪا ً واﺣﺪة ﻣﻊ ﻗﻴﺎدﺗﻪ ،وﻗﺪ ذﻫﺐ اﻟﺸﻌﺮاء ﻃﺮاﺋﻖ ﻗﺪدا ً ﻓﻲ ﺗﺼ ّﻮر ﻗﻴﻢ اﻟﺸﻬﺎدة وﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ،ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ ﺷﺮار: ﺟﻴﺸـــﻨﺎ ﻳﻀــﺮب ﻟﻨﺎ أروع ﻣــــﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﺠﺎﻋﻪ واﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﺨﻠﺼـــﻴﻦ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﺰات اﻟﻮﻏــﻰ ﻗـﻮل وﻓﻌـﻞ راﻓـﻊٍ ﻟﻠﻨﺼـﺮ راﻳـــــﺎت وﺟــــﺒﻴـﻦ
وﺗﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻨﻘﺒﻲ : اﻟﺨﺒـﺮ زﻟﺰال وﻳﻬــــ ّــﺰ اﻟﺠﺒـــﻞ إﻟﻰ أن ﻳﻘﻮل: وﻧﺤﻨﺎ ﻣﺎ ﻧﻬﺘــﺰ ﺧ ْﺒﺮوا اﻟﺤﺎﻗﺪﻳﻦ ﻗﺎﻣﻮﺳــــﻨﺎ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ )ﻳﺎﻟﻴﺖ( أو )ﻟَــــ ْﻮ( ﻧﻮرد ﺣﻴﺎض اﻟﻤﻮت وﻧﺨﻮض اﻻﻫــﻮال اﻟﻤﺮاﺟـﻞ ﺗﺮﺳـﻞ اﻟﻘـﻮل ﺑﻔﻌــﻞ وﻟﺪ زاﻳﺪ ﻣﺎ ﺗﻌـ ّﻮد ﻳﺴـــــﺘﻜﻴﻦ وﻧﻘﻮل ﻳﺎ ﺟﻴﺶ اﻟﻮﻃــــــﻦ إ ْورد و َر ْو ﻣﻦ د ّﻣﻨﺎ واﻋﻘــﺪ ﻣﻊ اﻟﻨﺼﺮ اﻵﻣـــــﺎل ﻫﻜﺬا اﺣﺘﻔﻰ ﺷﻌﺮاء اﻹﻣﺎرات ﺑﺸﻬﺪاﺋﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺧﻀﺒﻮا ﺑﺪﻣﺎﺋﻬﻢ ﻟﻘﺪ أذﻛﻰ اﺳﺘﺸﻬﺎد اﻟﺠﻨﻮد اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ اﻟﺒﻮاﺳﻞ ﻗﺮاﺋﺢ اﻟﺸﻌﺮاء وأﻟﻬﺐ اﻟﻄﺎﻫﺮة أرض اﻟﻴﻤﻦ ،وﺳﻄﺮوا ً ﻣﻠﺤﻤﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺒﺴﺎﻟﺔ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ ﻓﻨﺴﺠﻮا ﻗﺼﻴﺪﻫﻢ ﻓﺮادى وﺟﻤﺎﻋﺎت ﺗﺄﺛﺮا ً ﺑﺎﻟﻤﻮﻗﻒ وﺗﻔﺎﻋﻼً واﻹﻗﺪام ﺳﺘﺒﻘﻰ ﺧﺎﻟﺪة أﺑﺪ اﻟﺪﻫﺮ ،وﻫﻲ ،ﺑﺤﻖ ،ﻣﻌﺮاج اﻟﺼﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﻌﻪ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻤﻠﺤﻤﻴﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ »اﻟﻨﺠﻴﺐ ﺟﻨﺎت اﻟﺨﻠﻮد
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
21
وﻗﻔﺎﺗﻬﻢ ﻳﻔﺨﺮ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﻣــــــــﻐﻮار وأﻫﻞ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻬ ّﻴﻦ ﻓﻲ ﻧﺪﻣــــﻬﺎ ﻟﻜﻦ ﻳﺎ اﻟﺤﻮﺛﻲ ﺗﺮى ﺷ ّﺒـــــﺖ اﻟﻨﺎر وﻋﻴﻨﻚ ﺗﺮى اﻟﻔﻼﺣﻲ ﻟـــﻄــــﻤﻬﺎ واﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺗﺮﺗﺎح ﻳﺎ اﻟﻔﺎﺳـــــﻖ اﻟﻀﺎر اﻟﻔﺮس ﺗﺮﻣﻲ ﺑﻚ ورﺑــــﻲ ﻫــــﺰﻣﻬﺎ اﻟﻨﺼﺮ واﻟﺸﻬﺎدة ﻫﻤﺎ ِﻃﻠْﺒﺔ اﻟﺠﻨﺪي اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﻤﻘﺪام اﻟﺬي ﺗﺮك أﻫﻠﻪ وأﺑﻨﺎءه وراءه ﻇﻬﺮﻳﺎً ﻣﻘﺘﺤﻤﺎً أرض اﻟﻮﻏﻰ وﻣﻴﺪان اﻟﺤﺮب واﻟﻘﺘﺎل ﺑﻜﻞ ﺷﺠﺎﻋﺔ وﺑﺴﺎﻟﺔ وﺗﻀﺤﻴﺔ ﺑﺎذﻻً اﻟﻨﻔﺲ واﻟﻨﻔﻴﺲ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ رﻓﻌﺔ ﺑﻠﺪه وﻧﺼﺮة إﺧﻮﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ،وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻘﺮأ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻧﻌﻤﺎن اﻟﻜﻌﺒﻲ)ﻋﻈﻢ اﻟﻠﻪ أﺟﺮك ﻳﺎ وﻃﻦ( ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل: أﺑﺸّ ﺮك ﻳﺎ وﻃﻦ واﻟﻠﻪ اﻟﻌﺰوم ﻛـــﺒﺎر وﻓﻲ ﺷﺪة اﻟﻐﻤﻪ ﺑـﻨﺎ ﺗﻜﺒﺮ اﻟــــــﻬﻤﻪ إﺟﺮاﺣﻨﺎ اﻟﻨﺎزﻓﺎت ﺗﺰﻳﺪﻧﺎ إﺻــــــﺮار وﺷﻬﻴﺪﻧﺎ ﺑﺎﻟﻔـــﺮح ﺗﺴﺘﻘﺒﻠﻪ أﻣــــﻪ اﻷم ﻳﺎﻟﻠﻲ اﺣﺘﻀﻨﺘﻨﺎ ﻳﻮم ﻧﺤﻦ ﺻﻐﺎر اﻟﻴﻮم وﺟﻪ اﻟﺸﻬﻴﺪ ﺗﺰﻋﻔـــــﺮه ﺑﺪﻣــــﻪ أﺑﺸﺮج ﻳﺎ أﻣﻲ ﺗﺮاﻧﺎ ﻟﻠﻮﻃﻦ أﺑـــــﺮار واﻓﻴﻦ ﻟﻪ ﻋﺎﻟﻌﻬﺪ ﻣـﻦ ﻧﺨﻠﻒ اﻟـــــﺬﻣﻪ ﺟﻴﺶ اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺴــﻴﻠﻪ اﻟﺠـــــــــﺮار وإﺣﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﺎل ﺻﻌﺪه ﻧﺪﻋﺲ اﻟﻘــﻤﻪ اﻟﺠﺮح ﺻﺎر وﺳﺎم وأرواﺣـﻨﺎ أﻧـــﻮار ﻣﻦ ﺟﻨﺔ اﻟﺨﻠﺪ ﻋـــﻄﺮ ﻗﺒــﻮرﻧﺎ ﻧﺸــــﻤﻪ إﻣﺎ اﻟﻨﺼﺮ وإﻻ اﻟﺸﻬﺎده ﻣﺎ ﻟﻨﺎ أﻋﺬار واﻟﻤﺠﺪ ﻋــﻬ ٍﺪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻜـــــــﻔﻨﺎ ﻧﺰ ّﻣﻪ
واﻟﻔﺰﻋﺔ ﻟﻠﻤﻈﻠﻮم وﺗﻠﺒﻴﺔ ﻧﺪاء اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺮﺷﻴﺪة ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل: وﻗﻒ اﻟﻄﻮد اﻟﻔﻼﺣﻲ واﺣﺘـــﻤﺎﻫﺎ وﻋﺎدﺗﻪ وﻗﻔﺘﻪ داﻳﻢ ﻳﺤﺘﻤﻴﻬﺎ ﻗﺎل اﺧﻮ ﺷﻤﺎ ﻋﺴﻰ اﻟﻌﺎﺛﺮ ﻓﺪاﻫﺎ واﻟﻠﻪ ان اردﻫﺎ ﻣﻦ ﺧﺎﻃـــﻔﻴﻬﺎ واﻟﻠﻪ ان ﺗﻀﺤﻚ ﻋﻘﺐ ﻣﺪة ﺑﻜﺎﻫﺎ اﻟﺴﻌﻴﺪة ﻣﺎ ﻳﻠﻴﻖ اﻟﺤﺰن ﻓـﻴﻬﺎ و وﻛّﻞ اﻟﻠﻲ ﻣﺎ ﺗﺒﺎﻃﺎ ﻓﺪﻋــــﻮاﻫﺎ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻠﻲ ﻛﻞ ﻋﻠﻴﺎ ﻣﻌــﺘﻠﻴﻬﺎ ﻗﺎل ﺳﻞ ﺳﻴﻮف زاﻳﺪ ﻣﻦ ﺧـــﺒﺎﻫﺎ واﻟﺬﻟﻮل اﻟﻄﻴﺒﻪ ﺷﺪوا ﻋـــﻠﻴﻬﺎ ﻗﺎل ﺗﺒﺸﺮ ﺳﻴــﺪي واﻟﺨﻴﺮ ﻳــــﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﺗﺮد اﻟﺸﺄن ﻓﻴﻜﻢ ﻣﺎ ﻋﻠـــﻴﻬﺎ ﻗﺎل اﺳﻨﻌﻬﺎ واﺳﻨـــــﻊ ﻣــﺎ وراﻫﺎ واﻗﻠﺐ اﻟﺪﻋﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻲ ﻣﺪﻋــــﻴﻬﺎ ﻟﻮﺗﺒﻲ ﻧﻔﺰع ﻟﺠﻴﺒــﻮﺗﻲ ﻣﻌــــﺎﻫﺎ ﻛﻞ ﺻﻌﺒﻪ ﻫﻴﻨﻪ داﻣﻚ ﺗﺒـــــﻴﻬﺎ وأرﺳﻞ اﻟﻠﻲ ﻣﻦ ﺻﻮاﻳﺪﻫﺎ ﻋﺸﺎﻫﺎ اﻟﺤﺮار اﻟﻠﻲ ﺗﻨﻮﻣﺲ ﻣﻨﺘـــــﻘﻴﻬﺎ
وﻳﻘﻮل: ﻧﻔﺘﺨﺮ ﻓﻴﻬﺎ و ﻧﻔﺨﺮ ﺑﺸﻬــــــﺪاﻫﺎ دارﻧﺎ اﻟﻠﻲ ﻛﻞ ﻋﻠﻴﺎ ﺗﻌﺘﻠـــــﻴﻬﺎ ودك ان اﻟﺪار ﻣﺎ ﻳﻌﻴﺶ ف ﺣﻤﺎﻫﺎ ﻛﻮد ﻗﻮﻣﻦ ﻓﺎﻟﻨﻮاﻳﺐ ﺑﺘﺤــﻤﻴﻬﺎ ﺷﻌﺐ ﻓﻴﻚ وﺑﺎﺳـــﻤﻚ ﺗﺒﺎﻫﺎ ﻣﺜﻞ ٍ اﻟﻤﻨﺎﻳﺎ ﻋﻨﻪ ﻟﻮ ﺗﺸﺮد ﻳﺠــﻴﻬﺎ وﻳﻌ ّﺒﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻲ اﻟﻘﺤﻄﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ )وﻃﻦ اﻟﺸﻬﺪاء( ﻋﻦ اﻟﺒﻼد ارواﺣــﻨﺎ ﺗﺮﺧﺺ ﻓـــــﺪاﻫﺎ ﻋﻘّﺐ اﻟﻠﻲ ﻛﻠﻤﺘﻪ ﻓﻴﻬﺎ و ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻫﺒﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ واﻻﺳﺘﻌﺪاد اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﺨﻮض ﻏﻤﺎر اﻟﺤﺮب واﻓﺘﺪاء اﻟﻮﻃﻦ
20
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاﻛﺐ اﻟﺸﻬﺪاء
وﻳﻘﻒ ﺳﻤﻮه وﻗﻔﺔ إﺟﻼل وإﻛﺒﺎر ﻟﻠﺠﻨﻮد اﻷﺑﺮار واﻷﺧﻴﺎر اﻷﻃﻬﺎر وﻗﺪ أﻓﺎض اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﻓﺎض ﺳﻤﻮه ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻌﺰة ﺟﺰاء ﺗﻀﺤﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺳﻄﺮوﻫﺎ ﻓﻲ ﺳﺠﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺄﺣﺮف ﻣﻦ واﻟﻜﺮاﻣﺔ واﻟﺒﻄﻮﻟﺔ واﻟﺸﻬﺎﻣﺔ واﻟﻔﺰﻋﺔ ﻟﻠﺠﺎر وﻧﺼﺮة اﻟﻤﻈﻠﻮم ﺑﻘﺼﺎﺋﺪ ﺷﻔﺎﻓﺔ وﻋﺎﻃﻔﺔ ﺻﺎدﻗﺔ ،ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻧﻮرة اﻟﺮاﺷﺪي: ذﻫﺐ ،وﻳﻘﻮل: ﻣﺎ ﻧﻘﺒﻞ اﻟﻬ ّﻴﻦ وﻻ ﻧﺮد ﻷﻗـــــﺪار ﻟﻜﻢ ﺟﻤﻮع اﻟﺸﻌﺮ ﺗﺮﻓﻊ راﻳﺔ اﻟﻤﺠﺪ اﻟﺘـــﻠﻴﺪ ﻫﺎذي رﻓﻀــﻨﺎﻫﺎ وذي ﻧـــﻠﺘﺰﻣﻬﺎ وأﻓﻌﺎﻟﻜﻢ ﺑﺎﻟﻔﺨﺮ ﺗﺴﻤﻮ ﻓﻲ اﻟﺒﻮادي واﻟــ ُﻤﺪن واﻟﻤﻮت ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ﻟﻨﺎ رﻓﺾ واﻧﻜﺎر واﻟﺸﻌﺐ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﺎء ﻳﻌﺰﻳﻨﺎ وﻫﻮ ﻟﻴﺲ اﻟﻮﺣﻴﺪ أﺳﻼﻓﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤـــﺮب ﻛﻢ ﺳﺎح دﻣﻬﺎ ﻟﻜﻦ ﺑﻜﺖ ﻣﺄرب ﻋﻠﻴﻜﻢ وأﻧﺰﻟﺖ دﻣﻌﺔ ﻋﺪن ﻓﻲ ﻻزم اﻟﺪوﻟﻪ وﻓﻲ ردع ﻟـﺸﺮار ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺘﻮا ﻣﻦ اﻹﻗﺪام واﻟﺒﺄس اﻟــــﺸﺪﻳﺪ ﻓﺮﺻﺔ وﻣﻦ ﻣﺮــﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻏﺘﻨــــﻤﻬﺎ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻄﻌﺘﻮا ﺗﺮﺟﻌﻮن اﻟﺒﺴﻤﺔ ﻟﺸﻌﺐ اﻟـﻴﻤﻦ دارك ﻳﺎ ﺑﻮ ﺳﻠﻄﺎن ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﻠـﺤﺮار ﺷﻌﺐ ﺳـﻌﻴﺪ وأﺻﺒﺢ ﺑﻌﺪ ﻓﻀﻞ اﻟﻠﻪ ﺑﻮﻗﻔﺎﺗﻜﻢ ٍ ﺗﺨــــﺪم ﻗﻴﺎدﺗﻬﺎ وﺗﺨﺪم ﻋـــﻠﻤﻬﺎ واﺳﻘﻴﺘﻤﻮا أﻫﻞ اﻟﻐﺪر ﻛﺄس اﻟﻤﺬﻟﺔ واﻟـﻐـﺒﻦ ﻣﺎﺗﻮا ﻋﻠﻰ واﺟﺐ وﻓﺰﻋﻪ ﻣﻊ اﻟﺠﺎر ﺿﻔﺘﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﺪارﻛﻢ ﻣﺠﺪ ﺟـﺪﻳﺪ أﻋــﻤﺎرﻫﻢ ﺑﺎﻟﻌﺰ رﺑﻲ ﺧـــﺘﻤﻬﺎ وﻟﻢ ﺗﻠﻴﻦ ﻋﺰوﻣﻜﻢ وﻻ ﺷﻜﻴﺘﻮا ﻣــﻦ َوﻫـﻦ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
19
ﻣﻌﺮاج اﻟﺼﻌﻮد إﻟﻰ ﺟﻨﺎت اﻟﺨﻠﻮد
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاﻛﺐ اﻟﺸﻬﺪاء ﻣ ّﻨﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر
ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ اﻷﺻﺪق ﺗﻌﺒﻴﺮاً واﻷﻛﺜﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮاً ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﻤﺘﻠﻘﻴﻦ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات ،واﻷﺳﻬﻞ وﺻﻮﻻً إﻟﻴﻬﻢ واﻟﺘﺼﺎﻗﺎً ﺑﻬﻢ وﻣﻼﻣﺴﺔ ﻟﻮﺟﺪاﻧﻬﻢ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻳﻤﺜّﻞ ﻫﻮﻳﺘﻬﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﺼﺪر ﻓﺨﺮﻫﻢ واﻋﺘﺰازﻫﻢ ،وﻗﺪ ﺳﻄّﺮ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ اﻷﻣﺠﺎد واﻟﻤﺂﺛﺮ وﺧﻠّﺪ اﻟﺒﻄﻮﻻت واﺣﺘﻔﻰ ﺑﺎﻷﺑﻄﺎل واﻟﻘﺎدة واﻟﺴﺎﺳﺔ واﻟﺤﻜﺎم، وﻛﺎن ،وﻣﺎ ﻳﺰال ،ﺣﺎﺿﺮاً ﺑﻘﻮة ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﻦ زﻣﻦ اﻟﻔﻬﻴﻢ اﻟﻤﺎﺟﺪي ﺑﻦ ﻇﺎﻫﺮ إﻟﻰ وﻗﺘﻨﺎ اﻟﺮاﻫﻦ ،وﻟﻪ وﻗﻊ وﺗﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس ﻣﺘﻠﻘﻴﻪ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﺮﻳﺒﺎً ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺷﻌﺮاء اﻹﻣﺎرات ﻣﻊ ﺷﻬﺪاء اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻘﻄﻮا دﻓﺎﻋﺎً ﻋﻦ اﻟﺤﻖ واﻧﺘﺼﺎراً ﻟﻠﻤﻈﻠﻮم ﻓﻲ ﺣﺮب ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻴﻤﻦ ،وﺟﺎدوا ﺑﺄرواﺣﻬﻢ ﺳﺨﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ رﻓﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻲ وﻋﺰﺗﻪ وﻛﺮاﻣﺘﻪ. وﻗﺪ اﻧﺒﺮى اﻟﺸﻌﺮاء ﻟﻠﺘﻐﻨﻲ ﺑﺒﻄﻮﻻت اﻟﺸﻬﺪاء واﻻﺣﺘﻔﺎء ﺑﻤﺎ ﺣﻘﻘﻮه ﻣﻦ ﺗﻀﺤﻴﺎت ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﺷﻬﻴﺪ اﻹﻣﺎرات اﻷول ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﺧﻤﻴﺲ ،اﻟﺬي ﺧ ّﺮ دﻓﺎﻋﺎً ﻋﻦ وﻃﻨﻪ وأرﺿــﻪ ،وﻗﺪ أﻟﻬﺐ اﻟﺸﻌﺮاء ﺑﻘﺼﺎﺋﺪﻫﻢ أﺣﺎﺳﻴﺲ اﻟﻨﺎس وأوﻗﺪوا ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ ﺑﻌﺎﻃﻔﺘﻬﻢ اﻟﺠﻴﺎﺷﺔ وﻛﻠﻤﺎﺗﻬﻢ اﻟﺼﺎدﻗﺔ اﻟﻤﻌﺒّﺮة ﻋﻦ ﻓﺪاﺣﺔ اﻟﺨﻄﺐ وﻣﺮارة اﻟﻔﻘﺪ وﻋﻈﻢ
18
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاﻛﺐ اﻟﺸﻬﺪاء
اﻟﻤﺼﺎب ،وﻗﺪ اﺳﺘﺤﺎل اﻟﺤﺪث ﻓﻲ ﻋﻴﻮن اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﻦ اﻟﺤﺰن إﻟﻰ اﻟﻔﺮح ،ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ رﺛﺎﺋﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻟﻼﻓﺘﺨﺎر واﻟﻌﺰة واﻟﻜﺮاﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﻰ أوﻟﺌﻚ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﺸﺠﻌﺎن »ﻋﻴﺎل زاﻳﺪ« ﻧﺤﺒﻬﻢ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ وﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ،ﻳﻘﻮل ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم وﻟﻲ ﻋﻬﺪ دﺑﻲ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة »ﻗﺒﺮ اﻟﺸﻬﻴﺪ«: ﻳﺎ ر ّﻳﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻳﺎﺑﻮ راﺷﺪ ﻳﺎ ﺑﻮ ﺧﺎﻟﺪ وازﻳــﺪ ﻳﺎ ﺷﻴﻮﺧﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺒﺮ ﻣﻦ ﺛﺮى ﻫﺬا اﻟﻮﻃـﻦ ﻳﺎ ﺷﻌﺒﻨﺎ اﻟﻠﻲ ﻋﻦ دروب اﻟﻜﺮاﻣﻪ ﻣﺎ ﻳـــﺤﻴﺪ ﺑﻘﻮل ﻛﻠﻤﻪ ﺑﺎﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮﻛﻢ ﻟِﻤـﻦ ْﻳ َﺤ ّﺴﺐ أﻧّﺎ ﻧﺮﻫﺐ ْﻣﻦ اﻟﻤﻮت ِوﻧْﺨﺎف اﻟ َﻮﻋﻴﺪ واﻟﺴﻴﻒ واﻟﺮﻣﺢ اﻷﺳـــﻦ ِﺣ ّﻨﺎ رﺟﺎل اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ّ ﻧْﻤﻮت واﻟ ﱠﺮاﻳﺔ ﺗﺮﻓﺮف واﻟﻌﺪو ﺣﺎﻟﻪ زﻫﻴــــﺪ ﻣﺜﻞ ﺷﻬﺪاء اﻟﻮﻃﻦ واﻟﻌ ّﺰﻩ اﻟﻠﻲ ﻻ َو ﻟﻦ ﻧﻨﺴﻰ ﻣﻮاﻗﻔﻬﻢ وﻣﺎ ﺧﻄﻮه ﻣﻦ د ّم اﻟـــﻮرﻳﺪ ﻳﻮم ﻟﻪ اﻟﺤﺎﺳﺪ رﻏﻢ أﻧﻔﻪ َذ َﻋـﻦ ﻣﻦ ﻣﺠﺪ ﻓﻲ ٍ
اﻟﺒﻼد وﻣﺎ ﺟﺒﻞ ﻋﻠﻴﻪ أﺑﻨﺎؤﻫﺎ وﺷﻌﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻼﺣﻢ ﺗﺎرﻳﺨﻲ أﺑﺪي ﻣﻊ ﻗﻴﺎداﺗﻬﻢ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ ،ﻓﻜﺎن أﺑﻨﺎؤﻫﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺟﻨﻮدا ً ﻳﺸﺎرﻛﻮن اﺧﻮاﻧﻬﻢ اﻟﻤﺠﻬﻮدات واﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺧﻨﺪق واﺣﺪ وﻳﺘﺴﺎوون ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎم واﻟﻮاﺟﺒﺎت ،ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أﺣﺪ ﻣﺎ أن ﻳﻘﻮل دﻓﻌﻮا ﺑﺎﻟﺸﻌﺐ إﻟﻰ آﺗﻮن اﻟﻘﺘﺎل وأرﺳﻠﻮا أﺑﻨﺎءﻫﻢ ﻟﻠﻤﺼﺎﻳﻒ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻘﻮل ﻧﺤﻦ وﺷﻴﻮﺧﻨﺎ ﻓﻲ ﺧﻨﺪق واﺣﺪ ﻓﺈﻣﺎ اﻟﺸﻬﺎدة أو اﻟﻨﺼﺮ، وﺻﺪق اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم )ﻓﺰاع( ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺛﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻬﺪاء اﻟﻮﻃﻦ : ﻳﺎ رﻳﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻳﺎ ﺑﻮراﺷﺪ ﻳﺎ ﺑﻮﺧﺎﻟﺪ وازﻳـــﺪ ﻳﺎ ﺷﻴﻮﺧﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺒﺮ ﻣﻦ ﺛﺮى ﻫﺬا اﻟﻮﻃـﻦ ﻳﺎ ﺷﻌﺒﻨﺎ ﻳﺎﻟﻠﻲ ﻋﻦ دروب اﻟﻜﺮاﻣﺔ ﻣﺎ ﻳﺤــﻴﺪ ﺑﻘﻮل ﻛﻠﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮﻛﻢ ..ﻟــــــﻤﻦ ﻳﺤﺴﺐ أﻧﺎ ﻧﺮﻫﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻮت وﻧﺨﺎف اﻟﻮﻋﻴﺪ ﺣﻨﺎ رﺟﺎل اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ واﻟﺴﻴﻒ واﻟﺮﻣﺢ اﻷﺳـــﻦ
ﺳﺘﺒﻘﻰ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺷﺎﻣﺨﺔ ﺻﺎﻣﺪة أﺑﻴﺔ ﺑﻜﻞ ﺗﻨﺎﺳﻘﻬﺎ اﻟﺪﻳﻤﻐﺮاﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﺮاﻫﻨﻮن ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ أﺛﺒﺖ أﻧﻪ أﻛﺜﺮ ﺻﻤﻮ ًدا ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻬﻢ ،وﺳﻴﺒﻘﻰ اﻟﺸﻬﻴﺪ رﻣ ًﺰا ﻳﺴﺘﻨﻬﺾ ﻫﻤﻢ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﻮاﻗﻌﻬﻢ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺒﻼد وﺻﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ أي ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻋﺒﺜﻴﺔ ﻟﺒﺚ اﻟﻔﺮﻗﺔ واﻟﺸﻘﺎق ،وﺳﻴﺒﻘﻰ أﺷﻘﺎؤﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ واﻟﺨﻠﻴﺞ ودول اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ،أﻋﻀﺎء ﻓﻲ ﺟﺴﺪ واﺣﺪ إن اﺷﺘﻜﻰ ﻣﻨﻪ ﻋﻀﻮ ﺗﺪاﻋﻰ ﻟﻪ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺠﺴﺪ. ﻻ ﻧﻘﻮل إﻻ اﻟﺨﻠﻮد ﻟﻠﺸﻬﺪاء ،واﻟﻨﺼﺮ ﻟﻠﻮﻃﻦ وﺳﻨﺮدد داﺋ ًﻤﺎ وأﺑ ًﺪا :اﻟﻠﻪ، اﻟﻮﻃﻦ ،رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﺸﻬﻴﺪ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺒﺎرك
ﺳﻴﻒ ﻏﺒﺎش
إﻟﻰ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ: ﺣ ّﻨﺎ ﻧﺠﻴﺪ ﻧﺤﻘﻖ اﻹﻧﺠﺎز ﺑﺎﻟﻔــــﻜﺮ وﻧــــﺠﻴﺪ ﻧﺮدع ﻫﻞ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻳﺎﻟﻴﻦ اﺗﺤﻴﺪ ﻋﻦ درب اﻟﻔﺘﻦ اﻟﻬﻤﺔ اﻟﻌـــــــﻠﻴﺎ ﻟﻨﺎ ..واﻟﻌﺰم واﻟﺮأي اﻟﺤﻤﻴﺪ وﻧﻘﺪم اﻟﻔﺰﻋﺔ ﻟﻮﺟﻪ اﻟﻠﻪ وﻻ ﻧــــﺮﺟﻮ ﺛـــﻤﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻟﻮ ﻓﻘﺪﻧﺎ ﻣﻦ أﺷﺎوﺳﻨﺎ ﻓﻘــــــﻴﺪ ﻣﺎ ﻧﻨﺘﻬﻲ وﻟﻮ ﻧﻬﺎﻳﺔ درﺑﻨﺎ ﻗـــــــﺒﺮ وﻛــــﻔﻦ واﺧﺘﺘﻢ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﻣﻤﺘﺪﺣﺎ اﻟﺸﻬﺪاء ﺑﺎﻟﻘﻮل:
ﻟﺒﻼدﻛﻢ ﺳﻄﺮﺗﻢ اﻷﻣﺠﺎد ﺑﺎﻟﻔﻌـــﻞ اﻟﻤﺠـﻴﺪ ﺗﻔﺎﺧﺮي ﻳﺎ أﻣﺔ اﻹـﺴﻼم واﺷــــــﻬﺪ ﻳﺎ زﻣﻦ أﺷﺮف ﻗﺒﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﺮﺳﻞ واﻷﻧﺒﻴﺎء ﻗﺒﺮ اﻟﺸﻬﻴﺪ وأﻋﺰ وأﻧﺒﻞ ﺗﻀﺤﻴﺔ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻷﺟﻞ اﻟﻮﻃﻦ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
17
اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ا zواﻟﻮﻃﻦ ﺳﺮور ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻜﻌﺒﻲ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻹﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﻌﻬﻮد واﻟﻤﻮاﺛﻴﻖ اﻟﺴﻤﺔ اﻟﺘﻲ رﺑﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن – ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه -أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ،ﻳﻜﻮن اﻻﺻﻄﻔﺎف إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺸﻘﻴﻖ اﻟﻘﺮﻳﺐ واﻟﺼﺪﻳﻖ واﻟ ُﻤﻌﺎﻫﺪ ،ﺳﻤﺔ أﺧﻼﻗﻴﺔ ﻻ ﻣﺰاﻳﺪة ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻮاﺑﺖ اﻟﺘﻰ ﻻ ﺗﺤﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻨﻔﺲ اﻷﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺪ ﻳﺪ اﻟﻌﻮن واﻟﻨﺼﺮة ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺘﻤﻪ اﻟﻮاﺟﺐ واﻟﺸﺮف .ﻟﺬا ﻓﺈن ﺳﺎﺣﺎت اﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ اﻟﺸﻘﻴﻖ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﺧﺎﺿﻬﺎ اﻟﻘﺎدة ﺳﻌ ًﻴﺎ وراء اﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻹﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺣﺎل ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻤﺪ ﻳﺪ اﻟﻌﻮن ﻓﻲ أي ﻣﻦ اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﺸﻘﻴﻖ ﻣﻦ أﺷﻘﺎﺋﻪ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻳﺪ اﻟﻌﻮن واﻟﻤﺴﺎﻧﺪة اﻟﺘﻲ أ ِﻣﻠﻬﺎ ُ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات واﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻹﺳﺘﺠﺎﺑﺔ واﻟﻨﺼﺮة اﻟﻔﻮرﻳﺔ. وﻷن ﻣﻴﺎدﻳﻦ اﻟﻘﺘﺎل ﻟﻴﺴﺖ إﻻ ﻟﻠﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺬﻫﺒﻮن ﺣﺎﻣﻠﻴﻦ أرواﺣﻬﻢ ﻋﻠﻰ أﻛﻔﻬﻢ ،ﻣﻠﺒﻴﻦ ﻧﺪاء واﺟﺒﻬﻢ ،وﻃﺎﻋﺔ ﻟﺮﺑﻬﻢ ووﻻة أﻣﻮرﻫﻢ ،ﻓﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮا ﻃﻼب دﻧﻴﺎ أو ﻣﻨﺎﻓﻊ أو أﺳﻼب ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ذﻫﺒﻮا ﻟﻴﺴﺘﻌﻴﺪوا ﻣﺎ ﺳﻠﺒﻪ اﻟﻤﻌﺘﺪون ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻤﻦ ﻣﻦ ﻛﺮاﻣﺔ وﻋﺰة وأرض ،وﻧﺼﺮة ﻟﻠﺪﻳﻦ وإﻋﻼء ﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺤﻖ ،وﻟﻬﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻬﺎدة ﻣﻦ اﻟﻠﻪ واﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌﻴﻦ. أول ﺷﻬﺪاء اﻟﻮﻃﻦ
ﻓﻲ اﻟﻤﻮﻋﺪ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻗﺮرت ﻓﻴﻪ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻧﺴﺤﺎب ﻗﻮاﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﺑﺼﻔﺔ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ﻋﺎم 1971م ،وﻗﺒﻴﻞ ﻗﻴﺎم اﻻﺗﺤﺎد ﺑﺄﻳﺎم ﻗﻠﻴﻠﺔ، ﺳﺎرﻋﺖ إﻳﺮان إﻟﻰ إﺣﺘﻼل اﻟﺠﺰر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺜﻼث اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة؛ ﻃﻨﺐ اﻟﺼﻐﺮى وﻃﻨﺐ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ إﻣﺎرة رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ ،وأﺑﻮﻣﻮﺳﻰ ﻓﻲ إﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،وادﻋﺖ ﺗﺒﻌﻴﺘﻬﺎ ﻟﻬﺎ، وذﻟﻚ ﻟﻤﻮاﻗﻌﻬﺎ اﻹﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻮاﺑﺔ ﻣﻀﻴﻖ ﻫﺮﻣﺰ ،وﺻﺎرت اﻟﺠﺰر اﻟﺜﻼث ﻣﺴﺮ ًﺣﺎ ﻻﻋﺘﺪاء ﻏﺎﺷﻢ ﻋﻠﻰ اﻷرض اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻮﻃﻦ إﻻ أن ﻫﺒﻮا ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ أرﺿﻬﻢ -وﻫﻢ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺪ إﻻ ﻋﻠﻰ اﻷﺻﺎﺑﻊ وﺑﻤﺎ ﺗﻮﻓﺮ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﺎدق ﻓﺮدﻳﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﺼﺪي ﻟﺠﺤﺎﻓﻞ اﻹﺣﺘﻼل اﻹﻳﺮاﻧﻲ -ﻓﻜﺎن أن ﺗﻀﻤﺨﺖ أرض اﻟﻮﻃﻦ ﺑﺪﻣﺎء أول ﺷﻬﻴﺪ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻓﻲ 1971/11/30م وﻫﻮ اﻟﻌﺮﻳﻒ ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ ﺧﻤﻴﺲ ،ﻟﻴﻜﻮن اﻟﻨﺒﺮاس اﻟﺬي اﺗﺒﻌﻪ أﻫﻞ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﺑﺬل أرواﺣﻬﻢ رﺧﻴﺼﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ وﺗﻠﺒﻴﺔ ﻧﺪاء اﻟﺤﻖ ووﻟﻲ اﻷﻣﺮ. وﻗﺪ ﺗﻮاﻟﻰ ارﺗﻘﺎء ﺷﻬﺪاء اﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ أﻛﺘﻮﺑﺮ ﻋــﺎم م 1977م ارﺗﻘﻰ اﻟﺸﻬﻴﺪ ﺳﻴﻒ ﻏﺒﺎش اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻦ أواﺋﻞ ﻣﺆﺳﺴﻲ أرﻛﺎن وزارة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ وإداراﺗﻬﺎ وﺣﺎﻣﻠﻲ راﻳﺔ 16
اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ا iواﻟﻮﻃﻦ
رﺳﺎﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ،ﺣﺘﻰ ﻗﺎل ﻋﻨﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ» :إﻧﻪ ﻣﺜﺎل ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﻤﺴﺆول وواﺣﺪ ﻣﻦ ﺧﻴﺮة اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻤﻦ ﺟﺎﻫﺪوا وﺳﻌﻮا إﻟﻰ ﺧﻴﺮ اﻟﻌﺮب ووﺣﺪة ﻛﻠﻤﺘﻬﻢ وﺗﻀﺎﻣﻨﻬﻢ«. وﻓﻲ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻣﻦ ﻓﺒﺮاﻳﺮ ﻋﺎم 1984م ارﺗﻘﻰ اﻟﺸﻬﻴﺪ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺒﺎرك ﺳﻔﻴﺮ اﻟﺒﻼد ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ ،اﻟﺬي اﻏﺘﺎﻟﺘﻪ ﻳﺪ اﻟﻐﺪر ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ أﺑﻮ ﻧﻀﺎل اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ. ﻟﻴﻜﻮﻧﺎ أول اﻟﺴﺎﺋﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺷﻬﺪاء اﻟﺤﻖ واﻟﻮاﺟﺐ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ااﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻣﻨﺬ إﻧﺸﺎﺋﻬﺎ؛ وﻫﻲ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺿﻤﺖ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺪاء ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺸﺎرﻛﺎﺗﻬﺎ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﻨﺪاء ﻧﺼﺮة اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻮﻃﻦ واﻟﺼﺪﻳﻖ؛ ﻓﻘﺪ ارﺗﻘﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺪاء ﻣﻨﺬ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻗﻮات اﻟﺮدع اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ ،1979 – 1976 وﻓﻲ ﺣﺮب ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﺧﻼل ﺣﺮب اﻟﺨﻠﻴﺞ ،1991/1990وﻓﻲ أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن وﻏﻴﺮﻫﻢ. وﻫﺎ ﻫﻲ اﻹﻣﺎرات ﺗﻘﺪم ﻓﻠﺬات أﻛﺒﺎدﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﺮب ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻴﻤﻦ ﻣﻦ ﺑﺮاﺛﻦ اﻟﺤﻮﺛﻲ واﻟﻤﺸﺮوع اﻟﺼﻔﻮي اﻟﺬي ﻳﻬﺪف إﻟﻰ ﺗﻄﻮﻳﻖ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ واﺑﺘﻼﻋﻬﺎ ﺑﻌﺪ إﺷﻌﺎل ﻛﻞ ﺟﺰء ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻨﺎر اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻻﻗﺘﺘﺎل واﻟﺘﻤﺰق اﻟﺪاﺧﻠﻲ. وﻗﺪ راﻫﻦ اﻟﺨﺎﺋﺒﻮن ﻋﻠﻰ أن دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺑﺤﺠﻤﻬﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮ وﺑﻌﺪد ﻣﻮاﻃﻨﻴﻬﺎ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺪول اﻷﺧﺮى ﻟﻦ ﺗﺘﺤﻤﻞ أﻋﺪاد اﻟﺸﻬﺪاء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺗﻘﻮن ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻤﻌﺎرك ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ،وﺳﻮف ﻳﻮﻫﻦ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻋﺰﻳﻤﺔ ﻗﻮاﺗﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﻓﻲ أداء واﺟﺒﺎﺗﻬﺎ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ أراﺿﻲ اﻟﻤﻌﺎرك ،وﻗﺪ ﻳﺆدي إﻟﻰ اﻧﺴﺤﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﻣﻊ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،إﻷ أن ﻫﺆﻻء ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻛﻨﻪ ﻫﺬه
ĸŕŀ *śĸŁġĠ ŦƀŜ Ǯ ĜૠŲĚ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺮور ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻜﻌﺒﻲ ﺑـــﻦ ﻛــﻌــﺐ ﻟـــﻲ ﻓــﻴــﻚ ﺗــﺘــﺸــﺮف ﻳـــﺎ ﺣــﻈــﻴــﻆ اﻟـــﺤـــﻆ ﺑـــﻚ ﺷــﺮف واﻟــــﻤــــﻌــــﺰة دوم ﻃـــﺎرﻳـــﻬـــﺎ ﺑــــﻦ ﻛـــﻌـــﺐ أول وﺗــﺎﻟــﻴــﻬــﺎ ﻟـــﻴـــﺖ ﻛــــﻞ ﻗـــﻠـــﻮﺑـــﻨـــﺎ ﺗــﻨــﺰف ﺑــﺎﻟــﻔــﻼﺣــﻲ ﺳــﻴــﺮ واﺗــﻐــﺮﻳــﻒ واﻟــــﻌــــﺪا ﻫـــﺎ اﻟــــــﺪار ﻣـــﺎ ﺗﻴﻬﺎ دارﻧــــــــﺎ ﺷـــﺠـــﻌـــﺎن ﺗــﺤــﻤــﻴــﻬــﺎ إن رﻣــﻴــﺘــﻮا ﻣــــﻮل ﻣـــﺎ ﺗﻨﻜﻒ ﺣــﻜــﻤــﻜــﻢ ﻣـــﻦ ﺗـــﺎﻟـــﺪ ﻣﺨﻠﻒ ﻻ وﻻ ﻓـــــﻲ ﺷـــــﻲ ﻳــﺜــﻨــﻴــﻬــﺎ ﻃـــﺎﻋـــﺘـــﻦ ﺑــــﺎﻟــــﺮوح ﻧــﻔــﺪﻳــﻬــﺎ
* ﻓﻲ رﺛﺎء اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﺳﺮﺣﺎن ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻜﻌﺒﻲ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
15
اﻟﺘﻲ ﺗﻴﺘﻤﺖ وﻛﻞ زوﺟﺔ ﺗﺮﻣﻠﺖ ،اﻟﻠﻬﻢ أﻧﺰل ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺻﺒﺮا ً وﻗﻮة ﻣﻦ ﻗﻮﺗﻚ، ﻳﺎ أرﺣﻢ اﻟﺮاﺣﻤﻴﻦ« .ﻧﺤﻦ أﺷﺪ أز ًرا وﺛﺒﺎﺗًﺎ ،وﻧﺤﻦ رﻫﻦ إﺷﺎرة أوﻟﻲ اﻷﻣﺮ. وأﺗﻤﻨﻰ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻬﻦ ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻔﺎء ﺑﻴﻮم اﻟﻤﺮأة أو اﻷم أو اﻷﺳﺮة زاوﻳﺔ ﺗﺤﺎﻛﻲ ﻫﺬه اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺣﺪ ﺑﻴﻦ اﻷﻟﻢ واﻟﻔﺨﺮ ﻓﻴﻐﻠﺐ ﺣﺐ اﻟﻮﻃﻦ ﻛﻞ ﺣﺐ. ﻟﻴﺘﻨﻲ ﻫﻨﺎك
ﺷﻬﺪاء اﻟﻮﻃﻦ ﻣﻨﺎ وﻓﻴﻨﺎ وﻣﺜﻠﻨﺎ وﻣﺜﻠﻬﻢ ﺣﺐ اﻹﻣﺎرات ﻓﻴﻨﺎ ﻟﻘﺪ ذﻫﺒﻮا ﺧﺎرج ﺣﺪود أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻠﻢ ﺗﺒﺮق ﻓﻲ ﻣﺂﻗﻴﻬﻢ ﺳﻮى وﻗﻔﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻨﺪ ﻣﺸﺎرف اﻟﻤﺠﺪ ،ﻫﻨﺎك ﺗﻘﻒ ﻫﺎﻣﺎﺗﻬﻢ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﺮاه اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻘﺪ ﺳﺠﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﻄﻮره ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﻛﺒﺸﺮى ﻧﺠﻢ ﺳﻬﻴﻞ .ﻫﺆﻻء ﺷﻬﺪاء ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺰﻳﻒ ﻳﻮﻣﺎً ﻓﻜﻞ ٍ ﺑﻴﺖ ﺗﺒﺎرك ﺑﻬﻢ ﻳﺴﺘﺒﺸﺮ اﻟﻴﻮم ﺑﻐﻴﺎﺑﻬﻢ إﻟﻰ أن ﻳﺠﻤﻌﻬﻢ رب ﻛﺮﻳﻢ .أﺗﺸﺮف أن ﺗﻘﺎﺳﻤﺖ ﻣﻌﻬﻢ ﻫﻮﻳﺔ وﻃﻦ، ﻟﻘﺎء ﻣﺸﺮف ﻋﻨﺪ ٍ وﺗﻨﻔﺴﺖ ﻣﻌﻬﻢ ﻫﻮاء ﺑﻼدي ،وﺣﺮﻛﺖ وﺟﺪاﻧﻨﺎ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﻌﺮاء ،وﺿﺤﻜﻨﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﻜﺎت وﺗﺪاوﻟﻨﺎ ﺗﺒﺮﻳﻜﺎت ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ورﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻬﻨﺌﺔ ﺑﺎﻷﻋﻴﺎد ،وﻣﺜﻠﻨﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﺘﻈﺮون رواﺗﺒﻬﻢ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ وﻳﺪﻓﻌﻮن ﻓﻮاﺗﻴﺮ اﻟﺘﻴﻠﻔﻮن وﻳﺒﺪﻟﻮن زﻳﺖ ﺳﻴﺎراﺗﻬﻢ ...وﻳﺴﺘﺄذﻧﻮن ﻣﻦ دواﻣﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤﺮض أﺑﻨﺎؤﻫﻢ ،ﺗﺨﺘﺒﺊ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﻬﻢ ﺻﻮر أﺑﻨﺎﺋﻬﻢ وأﺧﻮاﺗﻬﻢ وزوﺟﺎﺗﻬﻢ ...ﻧﺤﻦ ﻫﻢ ﺑﻜﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ وإن ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻏﻴﺎﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻓﺮا ٍغ وﻓﺠﻮة ﻳﻤﻸﻫﺎ ﺣﺐ رب اﻟﻌﺰة ﻋﻨﻬﻢ: اﻟﻮﻃﻦ ...ﻫﻢ ﻧﺤﻦ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ وﻧﺤﻦ ﻫﻢ ...ﻣﻌﺎً ﻧﺤﻦ ﻣﻦ ﻗﺎل ُ » ِﻣ َﻦ اﻟْ ُﻤ ْﺆ ِﻣ ِﻨﻴ َﻦ ِر َﺟ ٌﺎل َﺻ َﺪﻗُﻮا َﻣﺎ َﻋﺎ َﻫ ُﺪوا اﻟﻠﱠ َﻪ َﻋﻠَ ْﻴ ِﻪ ﻓَ ِﻤ ْﻨ ُﻬ ْﻢ َﻣ ْﻦ ﻗَﻀَ ﻰ ﻧَ ْﺤ َﺒ ُﻪ َو ِﻣ ْﻨ ُﻬ ْﻢ َﻣ ْﻦ ﻳَ ْﻨﺘَ ِﻈ ُﺮ َو َﻣﺎ ﺑَ ﱠﺪﻟُﻮا ﺗَ ْﺒ ِﺪ ًﻳﻼ« .وﻫﺬا وﻓﺎء ﺑﺎﻟﻨﻴﺔ واﻟﻌﻤﻞ. ذات ﻣﺴﺎء ﺳﺄﻟﺖ اﺑﻦ اﺧﺘﻲ اﻟﺬي ﺗﺪرب ﻟﻠﺘﻮ ﻓﻲ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﻓﻘﺪ أﺧًﺎ ﺷﺎﺑًﺎ ﻓﻲ ﺣﺎدث ﺳﻴﺮ :ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻃﻠﺒﻮا ﻣﻨﻚ اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻲ اﻟﻴﻤﻦ؟ ﻓﺮد ﺑﺒﺴﺎﻟﺔ :ﻧﺤﻦ ﻟﻬﺎ ﺧﺎﻟﻮة ،ﻳﻌﻨﻲ ﻟﻮ ﺣﺪ ﻫﺠﻢ ﻋﻠﻴﻚ أﻧﺎ ﺑﺎوﻗﻒ ﺑﺪون ردة رﺟﺎﻻ ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻟﺤﻈﺔ ﻓﻌﻞ ،ﻣﺜﻼً؟ وﻛﻢ زادﻧﻲ ذﻟﻚ ﻓﺨ ًﺮا واﻋﺘﺰازًا؛ ﻟﻘﺪ أﻧﺠﺒﻨﺎ ً اﻟﻨﺪاء ﻟﻴﻘﻮﻟﻮا ﺑﺼﻮت رﺟﻞ واﺣﺪ» :ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ إﻣﺎرات«
14
ﺷﻬﺪاء ا_ﻣﺎرات
ﺗﻀﺤﻴﺎت ﻏﺎﻟﻴﺔ
وﻋﻦ اﻟﺸﻬﺎدة وارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺑﺎﻟﻮﻃﻦ ﻳﻘﻮل اﻷﺳﺘﺎذ ﺳﻌﻴﺪ ﺣﻤﺪان ﻣﺪﻳﺮ ﺟﺎﺋﺰة اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻟﻠﻜﺘﺎب: »ﻧﻌﻮد إﻟﻰ ﻗﻴﺎم دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ودور اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ،واﻟﻤﺒﺎدرات اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻣﻦ زﻣﺎن ،ﺧﻼل ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ .ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺑﻌﺪ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻬﻢ ﺟﺪا وﺑﻌﺪ ﺗﻄﻮﻋﻲ أﻳﻀً ﺎ ،وﻣﻦ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﺤﻤﺘﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺪوﻟﻴﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ داﺋ ًﻤﺎ ﺗﻤﺪ ﻳﺪ اﻟﻌﻮن ،ﻳﺪ اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻜﻞ اﻟﺸﻌﻮب واﻷﻗﺮب اﻟﻌﺮب« .وأﺷﺎر ﺣﻤﺪان إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﺘﻀﺤﻴﺎت اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﻗﺎﺋﻼ» :ﻟﻜﻦ أﻏﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻤﻠﻜﻪ اﻟﻮﻃﻦ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻫﻮ اﻹﻧﺴﺎن ،أن ﺗﻘﺪم اﻟﺪم ،اﻹﻧﺴﺎن ﻫﻮ أﻏﻠﻰ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﺑﺘﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﻃﻦ ،ﻣﻦ أﺟﻞ اﻷﻣﺔ وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ،وﺣﺮاﺳﺔ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ« ،ﻣﺘﻤﺜﻼ ﺑﻤﻘﻮﻟﺔ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ زاﻳﺪ وزﻳﺮ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ» :أن اﻷﺟﻴﺎل ﻟﻦ ﺗﺮﺣﻤﻨﺎ إذا ﻟﻢ ﻧﻘﻒ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻤﺸﺮف«. وﻳﺘﺎﺑﻊ ﺣﻤﺪان» :ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻫﻮ ﺗﺎرﻳﺦ وﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﺼﻨﻊ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ،ﺳﻴﺬﻛﺮﻫﺎ ﺟﻴﻞ وأﺟﻴﺎل، ﺳﻴﺬﻛﺮ ﻫﺆﻻء اﻟﻜﻮﻛﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺪاء اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪﻣﻮا أرواﺣﻬﻢ ،ﺳﻴﺬﻛﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﻼﺣﻢ اﻟﺬي ﺣﺪث ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻴﺎدة وﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺐ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮى أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻤﻮ ﻟﻴﻼ ﺣﻜﺎم اﻹﻣــﺎرات ،ﻓﻲ ﺟﻮﻻﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺮت ً وﻧﻬﺎ ًرا وﺻﻠﻮا ﺧﻼﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ وﻛﻞ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺷﻬﻴﺪ، ﻫﺬا اﻟﺘﻼﺣﻢ واﻟﺘﺮاﺑﻂ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺗﺼﻨﻊ ﺗﺮﺳﻴﺨًﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﻬﻮﻳﺔ .ﻫﺬا اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻗﺪم أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ﻟﻠﻮﻃﻦ ،ﻫﺬا اﻟﺘﻼﺣﻢ ﻟﻬﺬه اﻟﻬﻮﻳﺔ ،اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻮﻃﻦ ،ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻧُﺼﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻫﺬا اﻟﺸﻬﻴﺪ أو اﻟﺠﻨﺪي اﻟﺬي ﺳﺎر ﻟﻠﺠﻨﺪﻳﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﺗﺸﻌﺮ أﻧﻪ رﻣﺰ ﻛﺒﻴﺮ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮى ﺷﺎرة اﻟﻌﺴﻜﺮي ﻋﻠﻰ ﺻﺪورﻫﺆﻻء اﻷﺑﻄﺎل ،ﺗﺠﺪ أن ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺻﻨﻌﺖ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ،راﻓﻘﺘﻬﺎ ﻣﺒﺎدرات ﺻﺪرت ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﺳﻮاء ﻋﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻻﺗﺤﺎدﻳﺔ أو ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ أو ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻘﺪم اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ واﻹﺟﻼل ﻟﻠﺸﻬﻴﺪ«
ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ إﻣﺎرات
اﺳﺘﻬﻠﺖ اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮل» :ﻫﻜﺬا أرى اﻟﺸﻬﺪاء« ،واﺿﺎﻓﺖ» :ﻣﺬ ﻋﺮﻓﻨﺎ أﻧﻔﺴﻨﺎ وأﺳﻤﺎءﻧﺎ وﺣﺮﻗﺖ أرﺟﻠﻨﺎ اﻟﺮﻣﻀﺎء وﺗﺴﻠﻞ ﻋﺮﻗﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﺰﻣﻦ وﺻﻴﻒ اﻟﻮﻃﻦ ،وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﺮف ﻏﻴﺮ اﻹﻣﺎرات ﺣﺒﻴ ًﺒﺎ ﻧﺤﻴﺎ وﻧﻤﻮت ﻣﻦ أﺟﻠﻪ .ﻓﻌﻠﻤﻨﺎ ﻋﻴﺎﻟﻨﺎ أن »اﻟﺪم اﻟﺬي ﻳﺠﺮي ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ وأن اﻟﺮوح اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﺾ ﺑﻬﺎ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ وﻧﺤﺐ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻬﻮاه أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻟﻴﺴﺖ روﺣﻨﺎ« وﻋﻠﻤﻨﺎﻫﻢ ﺣﺐ اﻟﺨﻴﺮ وﻋﻤﻠﻪ ﺑﻨﻔﺲ أدوات اﻟﻤﺤﺒﺔ اﻟﺘﻲ وﻇﻔﻬﺎ اﻟﺒﺎﻧﻲ اﻟﻤﺆﺳﺲ ﻓﻴﻨﺎ وﻓﻲ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﻮب اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء ﻧﺪاء اﻟﻮﻃﻦ ﻗﻠﻨﺎ :ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ إﻣﺎرات ،ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ ﺑﻮﺧﺎﻟﺪ ...ﻓﺸﺪ اﻟﺸﺒﺎب ﻋﺰﻣﻬﻢ وﻋﺎﻧﻘﻮا أﻣﻬﺎﺗﻬﻢ و اﺣﺘﻀﻨﻮا زوﺟﺎﺗﻬﻢ ووﻋﺪوا أﺑﻨﺎءﻫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻔﺮ واﻟﻬﺪاﻳﺎ وﺳﺎروا ﻣﻠﻮﺣﻴﻦ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ راﻳﺔ اﻟﺸﻬﺎدة واﻟﻨﺼﺮ ﺗﺎرﻛﻴﻦ وراءﻫﻢ ﺷﻮارع اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﺧﺎﻟﺪة ،ﺛﻢ ﻋﺎدوا وﻗﺪ ﻃﻮى ﺟﺴﺪﻫﻢ ﻋﻠ ٌﻢ ﻧﺮﻓﻌﻪ ﻋﺎﻟﻴًﺎ ﻟﻴﺤﺘﻀﻨﻬﻢ ﺗﺮاب أﺟﺪادﻫﻢ اﻟﻐﺎﻟﻲ ...وﻫﺎﻫﻢ ﻳﺮﻗﺪون ﺑﺴﻼم وﻗﺪ ﻓﺎﺿﺖ أرواﺣﻬﻢ ﺗﻠﺒﻴ ًﺔ ﻟﻨﺪاء اﻟﻮﻃﻦ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ٍ ﺑﺼﻮت واﺣﺪ: ﺑﺎﻟﻤﺜﺎﺑﺔ واﻟﻐﻔﺮان ،ﻓﻘﺪ وﻗﻔﻮا وﻗﻔﺔ رﺟﻞٍ واﺣﺪ وﻗﺎﻟﻮا أﺑﺸﺮ ﻳﺎ ﺑﻮ ﺧﺎﻟﺪ ...ﻧﺤﻦ ﻋﺼﺎك اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺼﺎك! ﻟﻘﺪ أﺛﺒﺘﻮا ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ أن أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات أﺳﻌﺪ وأﻗﺮب ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺼﻮرون ،وﻋﻨﺪ ﺗﻠﺒﻴﺔ اﻟﻮاﺟﺐ ﻻ ﺟﺪل ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﺪﻣﻮن ﻓﻬﻢ ﻻ ﻳﻬﺎﺑﻮن اﻟﻤﻮت أﺑﺪا ً ﺣﻴﻦ ﻳﺪﻧﻮ وﻳﻘﺘﺮب .وﻋﻨﺪﻫﺎ أرى اﻟﺨﻨﺴﺎء وﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ اﻷزور ﺗﺘﺤﺎوران ﺑﺒﺴﺎﻟﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﺘﺘﺒﺎﻫﻰ أم اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻠﻮﻃﻦ ...إن ﺷﺠﺎﻋﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺻﻤﺘﻬﺎ وﺑﻮﺣﻬﺎ دﻟﻴﻞ ﻗﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ أن اﻹﻣﺎرات ﺗﺠﺮﺑﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻇﺎﻫﺮة ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ وﻃﻔﺮة ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت وﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎء أرﻓﻊ ﻳﺪي إﻟﻰ ﺳﻘﻒ اﻟﺴﻤﺎء وﻧﺠﻮاي اﻟﺪوﻟﻴﺔً . ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ» :أن ﻳﺮﺣﻢ ﻛﻞ رو ٍح ﻓﺎﺿﺖ إﻟﻰ ﺑﺎرﺋﻬﺎ وأن ﻳُﺼﺒﺮ ﻛﻞ ﻋﻴﻦ ل وﻟﻴﺪﻫﺎ و ﻞ أم ﻓﻘﺪت و ﻴ وﻛﻞ م ﺣﺴﺮة و ﻞ ﺗﻨﻬﺪ ﺮ ﺑﺑﻜﺖ ووﻛﻞﻞ ﺻﺪ ٍر ﻬ اﻷﻃﻔﺎل وﻛﻞ
ﺸﻬﺪاء واﻻﺳﺘﺸﻬﺎد«. اﻟﺤﺐ أوﻻ وﻟﻴﺲ ﺷﻲء آﺧﺮ ﻏﻴﺮ اﻟﺤﺐ ﻓﻲ اﻟﺸﻬﺪاء وﻋﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد أﻛﺪ اﻟﺮواﺋﻲ أﺑﻮاﻟﺮﻳﺶ» :ﺣﺐ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ﺑﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻫﻮ ﺛﻘﺎﻓﺔ ،واﻷدب ﺟﺰء ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻻ ﺪ ﻴﺔ وﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﻘﺮﻳﺐ أن ﺗﻔﺮز ﻟﺪﻳﻨﺎ أﻋﻤﺎل أدﺑﻴﺔ ودراﻣﻴﺔ ﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، وﻣﺴﺮﺣﻴﺔ ﺗﺪﺧﻞ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻓﻲ إﻳﻘﺎع وﻧﺨﺎع ﻫﺬه وﺗﺘﻼﻣﺲ ﻣﻊ اﻟﻮﺟﺪان اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﺬي اﺷﺘﻌﻞ ﺣﺒﺎ ﻟﻬﺆﻻء واﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﻟﺸﻬﺪاء ،ﻷن اﻟﺤﺐ ﻫﻮ اﻟﺬوﺑﺎن ﺑﺎﻵﺧﺮ ﻌﺎد ﻋﺎﻳٔﺸﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ﺷﻬﺎدﺗﻨﺎ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ ،ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻬﺪاء اﻵن ﻫﻢ رﻣﻮزﻧﺎ وﺷﻬﺎدﺗﻨﺎ وﻣﺜﺎﻟﻨﺎ اﻟﺬي ﻧﺘﺤﺪى ﺑﻪ ﺳﻮاء ﻓﻲ ﺳﻠﻮﻛﻨﺎ وﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻊ اﻵﺧﺮ وﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻨﺎ ،أﻧﺎ أﻋﺘﻘﺪ أن اﻷﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﺎراﺗﻲ ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﺑﺎﻵﺧﺮ ،ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ﻏﻴﺮ اﻹﻣﺎ ﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻋﻠﻰ أرض اﻹﻣــﺎرات ،ﻳﺠﺐ أن ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺛﻘﺎﻓﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن ،ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ :ﻣﺬ ﻋﺮﻓﻨﺎ أﻧﻔﺴﻨﺎ اﻹﻣﺎرات ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺎﻣﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﺴﻠﻊ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ واﺣﺪة، إﻧﺴﺎن واﺣﺪ وﺛﻘﺎﻓﺔ واﺣﺪة ،ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ وأﺳﻤﺎءﻧﺎ وﺣﺮﻗﺖ أرﺟﻠﻨﺎ اﻟﺮﻣﻀﺎء وﺗﺴﻠﻞ ﻋﺮﻗﻨﺎ ﻫﺬه اﻷرض ،ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ واﺣﺪة وﺟﻴﻨﺎﺗﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ واﺣﺪة«. ﻓﻲ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﺰﻣﻦ وﺻﻴﻒ اﻟﻮﻃﻦ ،وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﺮف ﻏﻴﺮ اKﻣﺎرات ﺣﺒﻴ ًﺒﺎ ﻧﺤﻴﺎ وﻧﻤﻮت ﻣﻦ أﺟﻠﻪ
أﻣﻬﺎت اﻟﺸﻬﺪاء
ﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﺸﻬﺪ ﻣﻨﺎ أﺣﺪ ﻧﻐﺒﻄﻬﻢ وﻧﺪﻋﻮ اﻟﻠﻪ ﻟﻬﻢ
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
13
ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد
ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻳﻘﻮل اﻟﺮواﺋﻲ ﻋﻠﻲ أﺑﻮ اﻟﺮﻳﺶ: »ﺷﻬﺪاؤﻧﺎ ﺿﺮﺑﻮا ﻣﺜﺎﻻً ﻋﺎﻟﻴًﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ واﻟﻮﻻء ﻟﻬﺬا اﻟﻮﻃﻦ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺑﺎﻟﺬات ﺳﺠﻠﻮا ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ،ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺮوح رﺧﻴﺼﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻗﻴﺎدة اﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ إﻧﺴﺎن اﻟﻮﻃﻦ. إن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺗﻐﻴﺮت ،ﺣﺘﻰ اﻟﻔﻦ ﺗﻐﻴﺮ، اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ،اﻷﻏﻨﻴﺎت اﻵن ﻋﺎﻟﻴﺔ اﻟﻨﺒﺮة واﺿﺤﺔ ،ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﺪان د .أﻣﻞ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﻬﺪاﺑﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻤﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ .ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺨﺼﺺ اﻟﺪوﻟﺔ ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻟﻠﺸﻬﻴﺪ ،أﻋﺘﻘﺪ د .أﻣﻞ ﻋﺒﺪا اﻟﻬﺪاﺑﻲ: أن ﻫﺬا ﻳﺪﺧﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة وﺗﺎرﻳﺦ ﺿﺮب ﺷﺒﺎب اKﻣﺎرات ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻷن ﻫﺬا اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻟﻢ ﻳﺬﻫﺐ ﻫﻨﺎك ﻟﻴﻘﺎﺗﻞ أﺣ ًﺪا وإﻧﻤﺎ ذﻫﺐ ﻟﻴﺪاﻓﻊ ﻋﻦ أﺣﺪ ،اﻟﻴﻤﻦ أروع اXﻣﺜﻠﺔ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﻨﺪاء وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻔﺮق ،وﻫﺬا اﻟﺸﻬﻴﺪ داﻓﻊ ﻋﻨﺎ اﻟﻘﺮﻳﺐ واﻟﺒﻌﻴﺪ ،ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﻨﺪاء ﻧﺤﻦ أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات ،وﻷﻧﻨﺎ ﻧﻌﺮف ﺟﻴ ًﺪا أن اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻴﻤﻨﻲ ﻟﺪﻓﻊ اﻟﻈﻠﻢ اﻷوﻏﺎد ﻟﻮ أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺬﻫﺐ إﻟﻴﻬﻢ ﺳﻴﺄﺗﻮن إﻟﻴﻨﺎ ﻋﻨﻪ واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺣﺮﻳﺘﻪ وأرﺿﻪ إﻟﻰ ﻫﻨﺎ .ﻫﺬا واﺣﺪ .ﺛﺎﻧ ًﻴﺎ ،ﻧﺤﻦ ﻣﻦ ﻫﺰﻳﻤﺔ 67إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ،اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺤﺲ وﺣﻘﻮﻗﻪ ودﺣﺮ اﻟﻄﻐﺎة وأﻧﺼﺎرﻫﻢ ﺑﺎﻟﻐﺒﻦ واﻻﻧﻜﺴﺎر واﻻﻧﺘﺤﺎر أﻳﻀً ﺎ ،واﻻﻧﺪﺣﺎر ،ﻋﻨﻪ .ﻓﺘﺤﻴﺔ ﺗﻘﺪﻳﺮ واﻋﺘﺰاز ﻟﺠﻴﺸﻨﺎ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻋﺪن ﺑﺒﻨﺪﻗﻴﺔ إﻣﺎراﺗﻴﺔ ،أﻋﻄﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺸﺎﻣﺦ اﻟﻘﻮي اﻟﺬي ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ داﻓ ًﻌﺎ وﺣﺎﻓ ًﺰا. ﺗﺮاب اﻟﻮﻃﻦ وﻋﺰﺗﻪ وﻛﺮاﻣﺘﻪ أﻳﻨﻤﺎ ً ﻣﺤﺪﻗﺎ ،وﻳﻨﺼﺮ اﻟﺤﻖ ﻛﺎن اﻟﺨﻄﺮ أﻣﺎم زﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ وأوﺿﺢ اﻟﺮواﺋﻲ أﺑﻮ اﻟﺮﻳﺶ» :ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﻳﻠﺒﻲ ﻧﺪاء اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﺨﺼﺺ اﻹﻣــﺎرات ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻟﻠﺸﻬﻴﺪ ،ﻓﻬﺬا ﻫﻮ ﺑﻘﻌﺔ ﺗﻨﺎدﻳﻪ« ﻳﻮم ﻛﻞ إﻧﺴﺎن آﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ ،ﻫﻮ إﺣﻴﺎء ﻟﻠﺬاﻛﺮة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﻣﺜﻘﻮﺑﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ذاﻛﺮة ﺣﺎﻓﻈﺔ وﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻀﺎن ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة، وأﺟﻤﻞ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺎت ﻫﻲ ﻫﺬه اﻟﺪﻣﺎء اﻟﺬﻛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻟﺖ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻴﻤﻦ ﻟﻜﻲ ﺗﻌﻴﺪه ﺣﺮا وﺳﻌﻴ ًﺪا وأﺑﻴًﺎ .ﻧﺤﻦ ﻧﺸﻌﺮ اﻵن ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺑﺎﻟﺬات ﺑﺄﻧﻨﺎ أﻣﺎم زﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻓﻜﺮ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻓﻜﺮ ﻣﺴﺘﻨﻴﺮ ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻬﻴﺪ ،ﻓﻜﺮ ﺳﻴﻀﻲء ﺑﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺸﻬﻴﺪ«. وﺗﺎﺑﻊ ﻳﻘﻮل» :ﻳﻜﻔﻲ ﻓﺨﺮا أن ﻧﺠﺪ أﻣﻬﺎت اﻟﺸﻬﺪاء ﻳﻘﻔﻮن أﻣﺎم وﻟﻲ اﻷﻣﺮ ﻟﻴﻘﻠﻦ ﻟﻪ: ﺳﻌﻴﺪ ﺣﻤﺪان 12
ﺷﻬﺪاء ا_ﻣﺎرات
ﻛﻠﻨﺎ ﻣﺸﺮوع ﺷﻬﺎدة ،ﻓﻬﺬه أﻳﻀً ﺎ ﺷﻬﺎدة ﻧﻌﺘﺰ ﺑﻬﺎ ،وﻫﺬا ﺑﻮح ﺟﻤﻴﻞ .ﻧﺤﻦ اﻟﻌﺮب -وﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻛﺈﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ -ﻧﻘﻮل ﻟﻶﺧﺮ اﻟﺬي ﻳﺘﺮﺑﺺ ﺑﻨﺎ وﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ووﺟﺪاﻧﻨﺎ: ﻧﺤﻦ ﻫﻨﺎ ،ﻗﺎدرون ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﺪي ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺸﻌﺎرات اﻟﺼﻔﺮاء ﻣﻦ ﻗﻮة ،ﺗﺒﻘﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ أن اﻟﻌﺮﺑﻲ دﻣﻪ ﻻ ﻳﺮاق ﺑﺎﻟﻤﺠﺎن ،إذا ﻛﺎن ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻬﺬا ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﺣﻞ ﻓﻬﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻣﻦ اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،ﻳﻮم ﺳﺠﻠﻨﺎ اﻟﺸﻬﺎدة ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻴﻤﻦ«. ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺘﻮاﺻﻞ
ورﺑﻂ أﺑﻮ اﻟﺮﻳﺶ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻀﺤﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻗﺪﻳﻤﻪ وﺣﺪﻳﺜﻪ ،ﻳﻘﻮل: »اﻟﻤﺸﻬﺪ ﻣﺘﻼﺣﻢ ﻛﻤﺎ أﻋﻀﺎء اﻟﺠﺴﻢ اﻟﻮاﺣﺪ، اﻟﺸﻬﻴﺪ اﻟﺬي ﺿﺤﻰ ﺑﺮوﺣﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم 71ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺸﻬﻴﺪ اﻟﺬي ﺿﺤﻰ ﺑﺮوﺣﻪ ﻓﻲ ،2015 ﻷن اﻟﺪﻣﺎء واﺣﺪة ﻣﺜﻞ ﻣﺎء اﻟﻨﻬﺮ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻗﻄﺮاﺗﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ،ﻫﻲ ﻣﺘﺪاﺧﻠﺔ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ اﻷرواح ،وﻛﺬﻟﻚ وﺟﺪان اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أن ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﻀﺤﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﺔ وﻻء ﻟﻸرض وﻟﻠﻘﻴﺎدة .ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ﻫﻲ اﻟﺬود ﻋﻦ اﻟﺠﺎر واﻟﺸﻘﻴﻖ واﻟﺼﺪﻳﻖ ،ذدﻧﺎ ﻋﻦ أﻫﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،وﻓﻲ اﻟﺒﻮﺳﻨﺔ واﻟﻬﺮﺳﻚ. اﻹﺣﺴﺎس واﺣﺪ ﺗﺠﺎه اﻹرﻫﺎب ،ﻷﻧﻪ ﺑﻼ دﻳﻦ وﺑﻼ ﻫﻮﻳﺔ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺎب ﺻﺪﻳﻘﻚ أو ﺟﺎرك ﻓﻼ ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻚ أﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﺨﻄﺮ ،ﻷن اﻟﺨﻄﺮ ﻣﻦ اﻹرﻫﺎب واﺣﺪ ،ﻧﺤﻦ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﺄن اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺤﺐ ،ﺻﺤﺮاؤﻧﺎ ﻋﻠﻤﺘﻨﺎ ﻛﻴﻒ ﻧﺤﺐ وﻛﻴﻒ ﻧﻤﺎرس ﻫﺬا اﻟﺤﺐ وﻛﻴﻒ ﻧﻌﻄﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ وﻛﻴﻒ ﻧﺄﺧﺬ اﻟﺤﺐ أﻳﻀً ﺎ. ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺸﻬﺪاء
وأﺿﺎف» :اﻹﻣﺎرات ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺰرﻧﺎ ﻣﺤﺘﻠﺔ أو اﻟﻴﻤﻦ ﻣﺤﺘﻼً، اﻟﻤﺤﺘﻞ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻞ ﺟﺰرﻧﺎ وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻮر واﻟﺸﻌﺎرات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻟﻜﻦ اﻟﻌﺪو واﺣﺪ ،ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﻹرﻫﺎب ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻟﻮن ﻓﻲ أي أرض وﺟﺪ ،ﻧﺤﻦ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات
وﻟﺘﻈﻞ اﻹﻣﺎرات ﺣﺼ ًﻨﺎ ﻣﻨﻴ ًﻌﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺗﺮاﺑﻬﺎ ﻓﻘﻂ ،إﻧﻤﺎ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺗﺮاب وأوﻃﺎن أﺷﻘﺎﺋﻬﺎ اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﻴﻦ واﻟﻌﺮب ﺿﺪ ﻛﻞ اﻷﻃﻤﺎع اﻟﻤﺤﺪﻗﺔ ﺑﻤﻨﻄﻘﺘﻨﺎ وأﻣﻨﻬﺎ واﺳﺘﻘﺮارﻫﺎ«. اﻻﻋﺘﺰاز ﺑﺘﻀﺤﻴﺎت ا4ﺑﻄﺎل
وﺗﻀﻴﻒ اﻟﻬﺪاﺑﻲ» :اﻹﻣﺎرات وﻃﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وﻫﻲ ﺗﻠﺒﻲ اﻟﻨﺪاء ﻟﻠﻘﺎﺻﻲ واﻟﺪاﻧﻲ ،ﺗﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻮق وﺗﺤﻤﻲ اﻟﻤﻈﻠﻮم وﺗﺪﺣﺮ ﻋﻨﻪ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﻈﺎﻟﻢ ،وﻗﺪ ﺿﺮب ﺷﺒﺎب اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ أروع اﻷﻣﺜﻠﺔ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﻨﺪاء اﻟﻘﺮﻳﺐ واﻟﺒﻌﻴﺪ ،ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﻨﺪاء اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻴﻤﻨﻲ ﻟﺪﻓﻊ اﻟﻈﻠﻢ ﻋﻨﻪ واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺣﺮﻳﺘﻪ وأرﺿﻪ وﺣﻘﻮﻗﻪ ودﺣﺮ اﻟﻄﻐﺎة وأﻧﺼﺎرﻫﻢ ﻋﻨﻪ .ﻓﺘﺤﻴﺔ ﺗﻘﺪﻳﺮ واﻋﺘﺰاز ﻟﺠﻴﺸﻨﺎ اﻟﺸﺎﻣﺦ اﻟﻘﻮي اﻟﺬي ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ ﺗﺮاب اﻟﻮﻃﻦ وﻋﺰﺗﻪ وﻛﺮاﻣﺘﻪ أﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺨﻄﺮ ﻣﺤﺪﻗًﺎ ،وﻳﻨﺼﺮ اﻟﺤﻖ وﻳﻠﺒﻲ ﻧﺪاء اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﻘﻌﺔ ﺗﻨﺎدﻳﻪ«. وﺗﺎﺑﻌﺖ» :ﻳﻮم اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻳﻌﺒﺮ أﻳﻀً ﺎ ﻋﻦ اﻋﺘﺰاز اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺮﺷﻴﺪة ﺑﺘﻀﺤﻴﺎت أﺑﻨﺎء اﻟﻮﻃﻦ وﺗﻜﺮﻳ ًﻤﺎ ﻷﺳﺮﻫﻢ؛ ﻟﻮاﻟﺪﻳﻬﻢ وأﺑﻨﺎﺋﻬﻢ وزوﺟﺎﺗﻬﻢ ،وﻳﺜﺒﺖ أن اﻟﺪوﻟﺔ ﻻ ﺗﻨﺴﻰ ﻣﻄﻠﻘًﺎ أﺑﻨﺎءﻫﺎ اﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ اﻷوﻓﻴﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪﻣﻮا أرواﺣﻬﻢ ﻓﺪاء ﻟﻬﺎ وﻣﻦ أﺟﻞ ﻋﺰة اﻟﻮﻃﻦ ،وأﻛﺒﺮ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺣﻀﻮر أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﻮخ ﻓﻲ ﺳﺮادﻗﺎت ﻋﺰاء ﺷﻬﺪاء اﻹﻣﺎرات، ﻫﺬا اﻟﺤﻀﻮر ﺗﻜﺮﻳﻢ ﻣﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻘﺎدة ﻷﺑﻨﺎﺋﻬﻢ اﻟﺸﻬﺪاء اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪﻣﻮا أروع ﺻﻮر اﻟﻔﺪاء ﻟﻠﻮﻃﻦ وﺳﻨﺪ ﻟﺬوﻳﻬﻢ ﺑﺄن وﻃﻨﻬﻢ دو ًﻣﺎ ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﻢ«. ﻧﻬﺞ زاﻳﺪ وﺗﺎﺑﻌﺖ اﻟﻬﺪاﺑﻲ» :أﺧﻠﺺ ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻬﺪاء وﺻﺪﻗﻮا ﻣﺎ ﻋﺎﻫﺪوا اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺳﺎروا ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻬﺞ اﻟﺬي رﺳﻤﻪ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ ﺑﺈذن اﻟﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﺆﺳﺲ اﻻﺗﺤﺎد وﺑﺎﻧﻲ ﻧﻬﻀﺔ اﻹﻣﺎرات .وأﻛﺪ ﻫﺆﻻء اﻷﺑﻄﺎل أن اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ﻫﻮ أﻛﺒﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻹﺧﻼص ﻟﻠﻮﻃﻦ وأﺳﻤﻰ
ﻋﻠﻰ أﺑﻮ اﻟﺮﻳﺶ
ﺷﻬﺪاؤﻧﺎ ﺿﺮﺑﻮا ﻣﺜﺎ ًﻟﺎ ﻋﺎﻟ ًﻴﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ واﻟﻮﻻء ﻟﻬﺬا اﻟﻮﻃﻦ، ﻛﻤﺎ أﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺑﺎﻟﺬات ﺳﺠﻠﻮا ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ اKﻣﺎرات، ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ،ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺮوح رﺧﻴﺼﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻗﻴﺎدة اﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ إﻧﺴﺎن اﻟﻮﻃﻦ
ﻣﺮاﺗﺐ اﻟﻌﺰة واﻟﻤﺠﺪ. وإﺟﻼﻻ وإﻛﺒﺎ ًرا ﻷرواح ً ﻳﻮم اﻟﺸﻬﻴﺪ 30ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ﺟﺎء أﻳﻀﺎ ﺗﺬﻛﻴ ًﺮا اﻟﺸﻬﺪاء اﻟﺬﻳﻦ داﻓﻌﻮا ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ وراﻳﺘﻪ ﻣﻨﺬ ﺗﺄﺳﻴﺲ دوﻟﺔ اﻻﺗﺤﺎد وﺣﺘﻰ اﻵن ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ ﺧﻤﻴﺲ أول ﺷﻬﻴﺪ إﻣﺎراﺗﻲ، واﻟﺬي اﺳﺘﺸﻬﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻴﻮم 30ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ﻋﺎم 1971م ،ﻋﻠﻰ أﻳﺪي ﻗﻮة إﻳﺮاﻧﻴﺔ ﻏﺎﺷﻤﺔ ﺿﺮﺑﺖ ﺑﻤﺒﺎدئ ﺣﺴﻦ اﻟﺠﻮار ﻋﺮض اﻟﺤﺎﺋﻂ، واﺣﺘﻠﺖ -ﻗﺒﻞ إﻋﻼن اﻻﺗﺤﺎد -ﺛﻼﺛ ًﺎ ﻣﻦ ﺟﺰرﻧﺎ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ وﻫﻲ »ﻃﻨﺐ اﻟﻜﺒﺮى وﻃﻨﺐ اﻟﺼﻐﺮى ،وأﺑﻮ ﻣﻮﺳﻰ ،ﻟﺬا ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺴﻄﺮ أﺳﻤﺎء ﻫﺆﻻء اﻷﺑﻄﺎل ﺑﺄﻟﻮاح ﻣﻦ ذﻫﺐ ﻟﺘﻜﻮن ﺧﺎﻟﺪة ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ. وﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺪﻛﺘﻮرة أﻣﻞ اﻟﻬﺪاﺑﻲ :ﻳﺠﺐ أن ﻧﺴﺘﺤﻀﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ذاﻛﺮة اﻟﻮﻃﻦ ﺗﻀﺤﻴﺎت اﻷﺟﺪاد واﻷﺑﺎء واﻟﺸﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻮﻫﺎ ﻟﻠﻮﻃﻨﻨﺎ ،وأن ﻧﺮوي ﺑﻄﻮﻻت ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻬﺪاء ﻷﺑﻨﺎﺋﻨﺎ وﻷﺑﻨﺎﺋﻬﻢ، ﺣﺘﻰ ﻧﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻏﺮس ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻻﻧﺘﻤﺎء واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس وﻗﻠﻮب وﻋﻘﻮل أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻧﻌﻮﻣﺔ أﻇﺎﻓﺮﻫﻢ.
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
11
ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ وﻃﻦ
ﺷﻬﺪاء اMﻣﺎرات
ﻣﺸﺎﻋﻞ ﻧﻮر وﻗﺪوة ﻟxﺟﻴﺎل ﺗﺤﻘﻴﻖ -ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻄﻔﺔ
ً إﺟﻼﻻ ﻷرواح اﻟﺸﻬﺪاء واﻋﺘﺰازًا ﺑﻘﻴﻤﺔ اﻟﺸﻬﺎدة واﺣﺘﻔﺎء ﺑﻴﻮم اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﻣﻦ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ،ﺗﻮﺟﻬﻨﺎ إﻟﻰ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﺳﺎﺗﺬة واﻷدﺑﺎء واﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ، ﻧﺴﺘﻄﻠﻊ آراءﻫﻢ وﻧﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺠﻮل ﻓﻲ ﺧﻮاﻃﺮﻫﻢ ﺣﻮل ﻗﻴﻤﺔ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد وأﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻮﻃﻦ وﺣﻤﺎﻳﺔ أﻫﺪاﻓﻪ. وﻗﺪ اﺳﺘﻬﻠﺖ اﻟﺪﻛﺘﻮرة أﻣﻞ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﻬﺪاﺑﻲ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﻌﺎدة ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﻤﺠﻴﺪة ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﻳﻮم روت دﻣﺎء اﻷﺑﻄﺎل أرض اﻟﻤﺠﺪ واﻟﺸﻤﻮخ« ﻗﺎﺋﻠﺔ» :ﻗﺮار ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ »ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ« أن ﻳﻜﻮن ﻳﻮم 30ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻟﻠﺸﻬﻴﺪ ،واﻋﺘﺒﺎر ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ إﺟﺎزة رﺳﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺟﺎء ﺗﺨﻠﻴﺪً ا ﻷرواح ﺷﻬﺪاء اﻟﻮﻃﻦ وﻋﺮﻓﺎﻧًﺎ ﺑﺘﻀﺤﻴﺎﺗﻬﻢ وﻋﻄﺎﺋﻬﻢ ﻟﻮﻃﻨﻬﻢ وﺗﻜﺮﻳ ًﻤﺎ ﻟﻬﻢ ،ﻛﻮﻧﻬﻢ وﻫﺒﻮا أرواﺣﻬﻢ ودﻣﺎءﻫﻢ ﻓﻲ ﻣﻴﺪان اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻟﺘﻈﻞ راﻳﺔ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺷﺎﻣﺨﺔ ﺧﻔﺎﻗﺔ ﻻ ﺗﻌﻠﻮﻫﺎ ﺳﻮى اﻟﺴﻤﺎء.
10
ﺷﻬﺪاء ا_ﻣﺎرات
ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ وﻃﻦ 11/30 10ﺷﻬﺪاء اKﻣﺎرات ﻣﺸﺎﻋﻞ ﻧﻮر وﻗﺪوة ﻟxﺟﻴﺎل 15ﺷﻌﺮ :ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﻟﻲ ﻓﻴﻚ ﺗﺘﺸﺮف 16اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ا واﻟﻮﻃﻦ 18اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاﻛﺐ اﻟﺸﻬﺪاء 22ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ ،ﺷﻬﻴﺪ اKﻣﺎرات اXول 24اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ 31ﺷﻌﺮ :اﻟﺠﻴـﺶ اKﻣـﺎراﺗﻲ 32ﻣﺘﻰ ﻧﺮى ﻗﺼﺺ ﺷﻬﺪاء اKﻣﺎرات ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ؟
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
9
ĸŕŀ ķĘĩŨė ŖŬ ŷŔĺŜ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻧﻮرة اﻟﺮاﺷﺪي دارك ﻳﺎ ﺑﻮ ﺳﻠﻄﺎن ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﻠﺤﺮار ﺗﺨﺪ م ﻗﻴﺎ د ﺗﻬﺎ و ﺗﺨﺪ م ﻋﻠﻤﻬﺎ ﻣﺎﺗﻮا ﻋﻠﻰ واﺟﺐ وﻓﺰﻋﻪ ﻣﻊ اﻟﺠﺎر أﻋــﻤــﺎرﻫــﻢ ﺑــﺎﻟــﻌــﺰ رﺑــﻲ ﺧــﺘــﻤــﻬــﺎ و ﻗﻔﺎ ﺗﻬﻢ ﻳﻔﺨﺮ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻐﻮ ا ر وأﻫﻞ ا ﻟﻌﻠﻮم ا ﻟﻬ ّﻴﻨﺔ ﻓﻲ ﻧﺪ ﻣﻬﺎ ﻟﻜﻦ ﻳﺎ اﻟﺤﻮﺛﻲ ﺗﺮى ﺷ ّﺒﺖ اﻟﻨﺎر و ﻋﻴﻨﻚ ﺗﺮ ى ا ﻟﻔﻼ ﺣﻲ ﻟﻄﻤﻬﺎ واﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺗﺮﺗﺎح ﻳﺎ اﻟﻔﺎﺳﻖ اﻟﻀﺎر اﻟﻔﺮس ﺗﺮﻣﻲ ﺑﻚ ورﺑﻲ ﻫﺰﻣﻬﺎ
8
120 ĞŔŹűŬ ĞƀŜĘšĤ ĞƀĤėĸĠ
ﺗﺼﺪر ﻋﻦ: ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث -ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ
øijĴŕŨė ŸķĸĭŬŸ ĊėĸŕŀŸ ęĘDžġŤ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻧﻮره اﻟﺮاﺷﺪي ،ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻄﻔﺔ ،... ،ﺳﺮور ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﻜﻌﺒﻲ ،ﻣ ّﻨﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ،د .إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﺣﻤﺪ ﻣﻠﺤﻢ ،ﻧﺎﺻﺮ ﻋﺮاق ،أﺷﺮف أﺑﻮ اﻟﻴﺰﻳﺪ ،د .ﻋﻠﻲ ﻋﻔﻴﻔﻲ ﻋﻠﻲ ﻏﺎزي ،د. ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺪاد اﻟﺤﺮاق ،د.راﺷﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،د.أﻳﻤﻦ ﺑﻜﺮ ،ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ ،د.ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻘﻄﻴﻦ، أﺣﻤﺪ ﺳﺮاج ،ﺣﻤﻴﺪ اﻟﺠﺮاري ،د.ﻋﺎﺋﺸﺔ اﻟﺪرﻣﻜﻲ ،د.ﺳﻬﻴﺮ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻄﻴﺔ ﻣﺤﻤﻮد، ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،د.ﻋﻤﺮ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻟﻄﻒ ،أﺣﻤﺪ ﻓﺮﺣﺎت ،ﻓﺘﺤﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻤﻴﻊ ،ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻨﻘﺒﻲ، ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺮﻛﺔ ،د.ﻣﺤﺴﻦ اﻟﺮﻣﻠﻲ ،أﻣﻴﻨﺔ ﺣﺎج داود ،د.ﻋﻼء اﻟﺠﺎﺑﺮي ،ﻣﺮﻳﻢ ﺣﻴﺪري ،د.إدرﻳﺲ ﺳﻠﻄﺎن ﺻﺎﻟﺢ ،ﺣﺎﻣﺪ ﻣﺤﻤﺪي ،رﺷﻴﺪ اﻟﺨﺪﻳﺮي ،ﻣﺤﻤﺪ اﻷﺳﻌﺪ ،أﺣﻤﺪ ﻣﺤﺠﻮب ،ﺗﻘﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺮي، ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ.
اﳌﴩف اﻟﻌﺎم
ƁŔŸķĺŭŨė ĴŭĬč Ĵŀėķ ùij ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ
ŲſĴŨė ĊǟŔ ĴƀŨŸ اﻻﺧﺮاج واﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻏﺎدة ﺣﺠﺎج
اﳌﻮﻗﻊ ﻋﲆ اﻹﻧﱰﻧﺖ: www.mags.ae
ﻋﻨﺎوﻳﻦ اﳌﺠﻠﺔ : Ø # . 2 Û ¸/ - p (# Ù # '2 'waleedalaa@hotmail.com : Ø # Øp
126
'00971556929190 :%Ø / 026666130 :Ä + ' p( } : Ø©/ # ".Õ marketing@cmc.ae +971 56 3150303
اﻻﺷﺘﺮاﻛﺎت : #.p# ¢ Ð' Âç# /)+ 100 : 'è #. %¢ Âç# b b 150 : #.p# %¢ Õ($# - (+ 150 Õ($# / (+ .)+ 200 #.p# ¢
} Ø©/ -&3 é# Û ¸/
02 4145050 : Â 8002220 : ÛÍ (# )É # +971 02 4145000 : £# Ð' " 3# distribution@admedia.ae
اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2015
7
اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت ﻟ ﺤ
104
ijĴŕŨė ğĘſŹġĭŬ أﻣﻨﺎ اﻟﻐﻮﻟﺔ ،وﺣﻜﺎﻳﺔ ُ ﺷﻮرَﻟﻲ
36 44اﺑﺘﺰاز ا#ﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮاﺛﻪ 58ﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﻜﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ؟ 60ﺟﻮرﻳﺎﺗﺸﻜﻴﻦ :ا5ﻣﺎرات إﺣﺪى اﻟﺪول اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق ا<وﺳﻂ
اﻟﺘﺮاث ،اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ
64 ٌ ﺗﺮاث وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ 65ﻣﻌﺎرك اﻟﺨﺎﻟﺪﻳﻦ 69ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻧﻘﺪ اﻟﺘﺮاث 74اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻫﻮى وﻣﻌﺮﻓﺔ 76ﺗﻮﺛﻴﻖ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ :اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ 80اﻟﺠﻮاﺋﺰ ا<دﺑﻴﺔ وﻛﺮة اﻟﻘﺪم! 82ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻮاﺣﺪ 85دﻧﻴﺎ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﻬﺎﻣﺶ 86ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻐﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ 88اﻟﻨﻔﺮي :ﺿﻐﻂ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻛﻠﻪ ﺑﺒﻀﻊ ﻛﻠﻤﺎت 90اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻄﻘﺴﻲ :رﻣﺰﻳﺔ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺨﺼﻮﺑﺔ 99ﺣﺼﺎﺑﻲ :اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻓﺘﺎة ﺟﻠﻔﺎر 100ا<ﺛﺎر اﻟﻐﺎرﻗﺔ :ﻓﺘﻨﺔ ﺗﺨﺘﻄﻒ اﻟﺪﻫﺸﺔ 103ﻫﻮى )اﻟﻘﻨﺺ( وﻓﻌﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
ا<ﻋﺮاس اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ
104 109اﻟﻐﻤﻮض! 110ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﻠﻮاﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻬﻤﻴﺶ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ 113اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ĞƀĠėķĘŬđ ğĘļėķij 114ﻣﻄﺮ اﻟﻜﺘﺒﻲ :ﺗﺮﺑﻴﺔ »اﻟﺤﻼل« اﻣﺘﺪاد ﻟﺘﺮاث أﺟﺪادﻧﺎ ا<ﺻﻴﻞ
اﻟﻨﻘﺪ ،اﻟﺘﱠﺠﺎور واﻟﺘﱠ َ ﺨ ﱢ ﻄﻲ
119 120اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺒﺪوﻳﺔ :ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎت واﻟﺤﻀﺎرات 124ﺣﻜﻤﺖ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ 126إذاﻋﺔ »ا<وﻟﻰ« :ﺛﻴﻤﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺑﺮؤﻳﺔ ﻋﺼﺮﻳﺔ 129اﺳﺘﺸﺮاف اﻟﻤﺎﺿﻲ 130اﻟﺼﺤﺮاء واﻟﺠﺒﺎل واﻟﺒﺤﺮ ..وﻧﻈﺮﺗﻨﺎ ﻟﻠﺘﺮاث!
أﺳﻌﺎر اﻟﺒﻴﻊ 2 Ø 10 É - Ù 800 Ï ( Î $ - p . ÎØ Ø/ # - 2 Ø 10 Ø / # Ù # $((# - )+ 10 : p (# Ù # 'è
b ÙÍ æ $((# - Ù# 100 Ø / - Ù# 5000 Ï Î # - ,ÙÎ '(250 Ï / # - ,ÙÎ 5 ' - " Ø 200 Ð(Ù# - p . ÎØ ÐØ # $b Ù Í/ # Ø /,( # - ÙÍ Í 4 Ù Ù$# Ø Ù+ ( # - (+ 20 Ù ½(# $((# - Ï ÎØ ÐÙ $Â - ÎØ 2500 Ë # - Ï ÎØ Ù(° ,# . 2. 5 pÎ . Ù Ù'æ p (# Ø2/# - . /Ø 4 Û . .æ 2 ". - Í Â 7 Ø/ - ,ÙÎ 3 ÙÍ Ø - Ï ÎØ
6
ķĸĭŭŨė ŲŬ ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ وﻃﻦ " pØ © Ð ÃÙ$¢ ¤Ù±# /( # '} Ú¦# pÙ,±# &/Ø Ð' ª Ø ,± ¤Ø ' ] ÙÎ . Î' * ( -$# -¹Ã ] #.p# Ùã Ï Ù,Í
.&1971 & (Â/Í Ð' ÐÙ 3 # ÛÂ « Ù(¢ Ð %Ù, )# » Û ' ".} ÌÙ / ÛÂ . ±$# ° ,Í/ Ð' Î pÙ,±$# &/Ø Ù £ Ù(+} % #.
¦+ Î } + Û # #/ # . pÃ# . Ù µ # Ð' Ù # # ¦+
Ø ±(# Ð' pØp # ÛÂ pb ' * Í Ï} %'~Í ' /+. ]),ã 'p Ð /# . µ (# -#/Ê . Ð /# ¦+ Õ' Î / ( Ù($ # . ÙÎÃ# Ï Íè Ï ^Ð /# ¦+ Î } 1$ Ø ¼ Ù# ,±# . Ù µ # Ï & É}. ] 3Ù(# % É Î 2500 Ð' } % É ³ æ *¦+ ÛÂ Ê Ú¦#
b Á pÊÂ ^-Î+¥ ÛÂ 4£
Ð /# &/,Ã' Ï ] Ø ± # Î / (# Č . æ ÙÎ Ð' -Î ' Ú¦# Î# , . ] Ê 2 ÛÎ Û # ª# Á/Ù # . ] d g # ÙÎ !#¦ . ] Ø Ù 2 * /'} } 1$ -ÎÙ Û #
Ð Âp# Ù Ø 1 ^ Ã# & , # .Ô . ] , Ã$¼} ' Ù½ # Ď ª Ê # Ð' -Î (Ø ' + Ù¢ Ð' ÛÎ Ø. ] ,ÙÂ ²Ù Ø Û # ³ æ *¦+ . ' . £# , /' 1$ 0/ÊÙ# ^0 ¢} %ã É ' Ã# Ï Íè ¦+ & É} pÉ.
37
şĘŜǠė ijĘƀĠķė
اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ # # ¢ Ù£ Ú è p+ª# 1$ Ù µ # &/,Ã' Ú/ ÎØ Ø. ]1( } ³ ½# %+æ . " (# . ÃÎ# "¦ Ú} ]& Ù¢
. ( (# ÛÂ Ù£# Í / Ø/Ê . ]"p # ÌÙÊ ,Ù$ b %ã Ê# . ã ± # ÛÂ ] } ' .} Ï 3 ]Ú.p # Ï} * Í2 Ù Ø %Ù Í ÄÉ/' Ú} * -# / } Ð' Ù ÛÂ Á Ø Ø.p #
. ] ¸/ $' Ø/Ã ]% Ê(# Ù Ã # Ï. Ú/Î (# . Ú (# "¦ # Ð' ÛÂ.
Á Í Ù µ # . # Ð' äb Ù° $ Ø 2 ÄÉ/(# Ï Ï Â b Ï~° Û+. ]),Ù ' Ï/ Ù# ' ,Í ] µØ} Ø/à -Î
.¯ (# É /# *p ÕØ Ù
Č & 1# 4Ù£Ø ÍªÃÉ ¥ 1 -$+}. -´ } 1# - /' p Ú} p´ ċ ) ]Û # Ù$£# % / 1# ÐÙÙ# ½ # "/ . Ð'© /+. ] 3Ù($# 1507
Ð' )¼ # 1$ ± 2Õ+ &. ÊØ *p Í ] Ù # ª' + $(' ( ,' .ÐÙÂ # ÐÙ # ÛÂ ÕÂ # &p ]pÎ,# ÛÂ ÛÍ Ø # ¥/ÃÎ# Û' Î 3Ù($# 1600 & ÛÂ.
46
Ù# ' )ã ª+ Ë # Ð' Ð ( Ø. Ù# Í 1# % ÊØ Ï} Û 'è
ŪĔĘěšŨė Ċėĸŕŀ
Û# / Û(Ø # Ê Î' 1# /$ /Â ] Ê Î(# ÛÂ Ø £ $# ´.æ *¦+
اﻟﻌﻴﻦ ﻴﻦ ﻌﻴﻦ ﻋﻤﻴﺪة ﺷﺎﻋﺮات ﻌﻴ
Ï/$½ Ø Ã# $ p (ÙÂ Ù# /É ! Ã Ð #. ]ÐÙÙ# ½ # Û # '. Ê(# Ð #. ] ,ÙÂ Ï/ # . 3Ê# Ù'p /' É. ] 3Ù($# 1738
b pÊ# &3 2 ÛÂ + ¸ Ú Ù,(# ( Î ©/' ±# Ð )#
Ï} -#/ Ú Ø ' "3¢ Ð' Û 'è } pÊ#
'pÎ ÐÙ # ÎØp' ÛÂ + Ê ) Ø # ÛÂ , Ù
. 3Ù($# 1743 & 4Ùã ,Í ċ
] ±# . ±# ÐÙ Ù # Ø ±# , #ªÎ' ÎØ Ú¦#
ÛÂ (ã ÛÂ (ã É 1Ê -Î . Ð'~ # ÛÂ ( æ
# pÙ # pÙ /# $Ù /# Ï}. ] p # - ÎØ Ði d' Ð+¥
"/Ê Í Â . } Ê Ð )# ,Í} ( . ( # , &ph Ê . b - # ª . - /É Ù + ° , ° Â ] , ÊÙ$ 1$ ±#
.ÛÎ . ! ( 1# 4 b(
] , ' ,$ Ã . Ã$ £(# Ù ( 2 p æ . % è !#¦ .
/ÊÙ Ú /ÊÙ Ú¦# Û ( 2 ! ( # /+ ÐØp (# pÙ
. pÙ° # , ÙÉ. 'è -$# 1(
5
اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻮزة ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻌﺔ اﻟﻤﻬﻴﺮي
Ù Ð' / $# ), Â Û# +æ % É Ð' ), , . . . e 1 p (ÙÂ ), 2. ' ( . ] .Ô
2015 ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ193 اﻟﻌﺪد
Ø # Û ê . Ì Î(# . (# . Ù # ,Ùhν . ] , .}.
Î# ,$É Î Ø Ø ¢. ÙÃ . ' + ° Ð' % Ú¦# 'æ
° ) 'è Ì Î' 1 É} 1# % # ¢ 1# Ï ' Ð' c . + ° ºÃ Ø ' pÊ Á Ð )# Ù "/, '
اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت ﻟ ﺤ ijĴŕŨė ğĘſŹġĭŬ ijĴŕŨė ŞũŬ ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ وﻃﻦ
11/30
} Ùã Ï Ù,Í " pØ © Ð ÃÙ$¢ ¤Ù±# /( # p ) Ù pÙ,±# &/Ø /+ (Â/Í 30 &/Ø Ï~ b É 'è #. * ' Ù( Û & % Ð' Ù( © . ÙÎ . Î } Ð /# p,° -#¦ ( Íb  . pb Ù$£ !#¥. ] #.p# Í
' % ÛÂ ÛÎ /# /$# ), Ø ~ Î } ), . ~ Ù µ Ð . ÙÍ Íè . ÙÍp(# . Ø # ÐØ Ù(#
8
ﺷﻌﺮ :ﻓﺰﻋﻪ ﻣﻊ اﻟﺠﺎر
10ﺷﻬﺪاء اKﻣﺎرات ﻣﺸﺎﻋﻞ ﻧﻮر وﻗﺪوة ﻟxﺟﻴﺎل 15ﺷﻌﺮ :ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﻟﻲ ﻓﻴﻚ ﺗﺘﺸﺮف 16اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ا واﻟﻮﻃﻦ 18
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاﻛﺐ اﻟﺸﻬﺪاء
22
ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻬﻴﻞ ،ﺷﻬﻴﺪ اKﻣﺎرات اXول
24اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ 31ﺷﻌﺮ :اﻟﺠﻴﺶ اKﻣﺎراﺗﻲ 32ﻣﺘﻰ ﻧﺮى ﻗﺼﺺ ﺷﻬﺪاء اKﻣﺎرات ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ؟
4
ﻛﺎﻣﻴﺮا ﺗﺮاث
اﻟﺸﺪة اﻟﺘﻠﻤﺴﺎﻧﻴﺔ
أول ﺛﻮب ﺗﺮاﺛﻲ ﻳﺴﺠﻞ ﻓﻲ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ،اXﻋﺮاس اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ص 104
ﻓﻲ إﻃﺎر ﺳ َﻌﻲ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث إﻟﻰ ﺗﻌﻤﻴﻖ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ااﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻟﺬي ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﻗﻮى ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﺤﺼﻴﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ورﻓﺪ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ اﻟ ُﻤﺜﻞ واﻟﻤﺒﺎدئ واﻟﻘﻴﻢ ،وﻛﻮﻧﻪ أﺣﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ودﻳﻤﻮﻣﺘﻪ ،واﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ إﻳﻤﺎن اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺑﻬﺬه اﻷﻫﺪاف ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ َر ْﻏ َﺒ َﺘﻪ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺪراﺳﺎت واﻷﺑﺤﺎث اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟ ُﻤﺘﻤﻴﺰة ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﺸﻮرة ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺗﺎرﻳﺦ وﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻟﺸﻌﺒﻲ وﻛﺬﻟﻚ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ وﺑﻴﺌﺔ اﻹﻣﺎراتِ ،ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ واﻟﻜُﺘﺎب اﻟﺮاﻏﺒﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻟﻨﺸﺮﻫﺎ وﻓﻖ اﻟﺸﺮوط اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: ﺎب ُﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟ َﺤ ْﺠ ِﻢ ﺑﻴﻦ 300-200ﺻﻔﺤﺔ • أن ﻳﻜﻮن اﻟْ ِﻜﺘَ ِ اﻟﻌﻤﻞ ﻗَ ْﺪ ﻧ ُِﺸﺮ ِﻣﻦ ﻗَ ْﺒ ُﻞ أو ﻗُﺪم ﻟِﻠﺤﺼﻮ ِل ﻋﻠﻰ َﺟﺎﺋﺰ ٍة ُ • أﻻ ﻳﻜﻮ َن اﻟﻌﻤﻞ ُﻣﻮﺛﻘﺎ ﺑﺈدراج اﻹﺣﺎﻻت أو اﻟﻬﻮاﻣﺶ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ ُ • أن ﻳﻜﻮ َن • أن ﺗُﻜﺘَ َﺐ اﻟ َﻤﺎد ُة ِﺑﻠُ َﻐ ٍﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺳﻠﻴﻤ ٍﺔ و َرﺻﻴﻨ ٍﺔ ،وأن ﺗﻜﻮ َن َﻣﻄْ ُﺒﻮﻋ ًﺔ و ُﻣ َﺼﺤﺤ ًﺔ ﻟُ َﻐ ِﻮﻳّﺎً ،وﺗ ُ ْﺮ َﺳﻞ َﻋ ْﺒ َﺮ اﻟﺒﺮﻳﺪ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻟﻠﻤﺮﻛﺰ أو ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻗﺮص ُﻣ ْﺪ َﻣ ٍﺞ ﻳُ ْﺮ َﺳ ُﻞ ﺑﺎﻟﺒﺮﻳﺪ اﻟﻤﻀﻤﻮن اﻟﻜﺎﺗﺐ ُﻣﻠَﺨﺼﺎً ﻟﻌﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﺪود 200ﻛﻠﻤﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻊ ﺳﻴﺮﺗﻪ اﻟﺬاﺗﻴﺔ • ﻳُ ْﺮ ِﺳ ُﻞ ُ ﺗﺤﻜﻴﻢ ﻣﺨﺘﺼ ٌﺔ ﻣﺮاﺟﻌ َﺔ اﻷﻋﻤﺎ ِل وﺗَﻘﻴﻴ ِﻤﻬﺎ وإﺻﺪا ِر ﻗﺮار ﻧِﻬﺎﺋﻲ ﺑِﺸﺄﻧِﻬﺎ. • َﺳﺘَﺘَﻮﻟﻰ ﻫﻴﺌ ُﺔ ٍ اﻟﻜﺎﺗﺐ إﺟﺮا َء اﻟﺘﻌﺪﻳﻞ اﻟﻤﻘﺘﺮح ﻣﻦ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ • ﻳﻠﺘﺰم ُ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻦ • ﻳُﻜﺎﻓﺄ أﺻﺤﺎب اﻷﺑﺤﺎث اﻟﻤﻌﺘﻤﺪة َﻣ ْﺒﻠﻐﺎً ﻣﺎﻟﻴﺎ ﻳﺘﺮاوح ﺑﻴﻦ 3000و 4000دوﻻ ٍر أﻣﺮﻳﻜﻲ .ﻳَﺸْ َﻤ ُﻞ ُ ﻘﻮق اﻟﻨﺸﺮ واﻟﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﻟ ُﻤﺪة َﺧ ْﻤ ِﺲ َﺳ َﻨ ٍ ُﺣ َ ﻮات ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟ َﻌﻘ ِْﺪ اﻟْ ُﻤ ْﺒ َﺮ ِم ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮﻛﺰ واﻟﻤﺆﻟﻒ واﻟﻠﻪ اﻟ ُﻤﻮﻓﻖ
ﻹرﺳﺎل ﻧﺼﻮص اﻟﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ﻋﻠﻰ اﻻﻳﻤﻴﻞ swzr@hotmail.com :
ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻨﻮﻋﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺪد 193ﻧﻮﻓﻤﱪ 2015
ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ وﻃﻦ
11/30