1
issue (6)- November - 2012
2
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
بيت الشعر
العدد ( )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ليس دفاعا عن القصيدة العمودية قلنا يف افتتاحية العدد األول من هذه املجلة اننا لن ننحاز اىل شكل شعري معني، واكدنا عىل ان هذه املطبوعة لن تكون ناطقة باسم اتجاه شعري بعينه ،واذ تبلغ «بيت الشعر» شهرها السادس فإن رهاننا يظل عىل بقاء هذه املجلة منربا للشعر بينام هو يعرب كل االشكال التي احيته من العمودي اىل النرثي ،ومن الرعوي اىل مابعد الحدايث من دومنا حبس للخيارات الجاملية يف شكل واحد. يف سياق هذا الخيار حاولنا ان نقيم توازنا بني االشكال الشعرية يف اعدادنا الخمسة السابقة ،ولكننا مل نوفق يف جميع املرات ،والسبب يتجاوزنا إىل طغيان امناط الكتابة الشعرية الجديدة من تفعيلة ونرث عىل حساب قصيدة العمود التي يرتاجع حضورها يوما بعد يوم .ونحن هنا نقر بأن ذلك يشكل معضلة كبرية مل يتم الوقوف حيالها يف ادبنا العريب الراهن ،وأهملها النقد رغم ان التنظري حولها يستمر منذ اكرث من ستة عقود .واىل يومنا مل يحسم هذا الجدل لصالح اتجاه بعينه فال الحديث كسب كليا معركة الشعرية وال العمودي القى السالح واعرتف بالهزمية .اننا نعيش وسط حال من تعدد االشكال وتنوع يف الذائقة والرؤى واالحكام واملعايري ،ورغم كل هذا االختالف الصحي والحيوي علينا ان نعرتف بأن سيادة شكل شعري بعينه عىل املنابر ال يعني حكم قيمة ،ال بل العكس فاملوهبة والصدق واالبتكار هي املعايري االساسية للنص ،وهي التي تحكم عىل موقعه من زمنه الحارض واالزمنة الالحقة والسابقة. وألن ليس من مهامت املنرب الشعري تقديم الجواب عىل قلق الشكل ،وان هذا من عمل الشعر نفسه ،وألن املنرب هو منصة للتجارب جميعها وملعب الشعراء فقد افردنا مساحة خاصة يف هذا العدد للقصيدة العمودية ،قدميها وراهنها ،وال ننطلق هنا من رضورة التوازن بني االشكال الشعرية فقط ،وامنا من عميق امياننا بأن الشعرية العربية كل ال يتجزأ ،وان حارضنا الشعري غري مقطوع عن ماضينا بقدر ماهو ذاهب نحو مستقبلنا ،ونجد من الرضورة مبكان التأكيد عىل هذه البديهية ،ليس من اجل الرد فحسب عىل انصار االتجاه الذين يريدون طي صفحة تراثنا الشعري تحت ذريعة دعوات الحداثة ،بل للوقوف باحرتام امام هذا الرتاث الذي نعتز ونفاخر به االمم والشعوب األخرى .فنحن امة شعر ،ولغتنا العربية لغة شعر بامتياز ،وعلينا ان نعرتف بأن أحد أعمدة رصح الشخصية العربية هو الشعر ،الذي استحق تكريم اجدادنا له باعتباره «ديوان العرب» .كام ان الحكم عىل تراثنا الشعري بأنه بات قدميا ،إمنا هو حكم تعسفي ال ينم عن فهم ال للرتاث وال للحداثة ،ولنا يف ذلك مثال الحداثة االوروبية التي مل تنطلق من نفي الرتاث، بل اكدت عىل استمراريته ،فالحداثة مل تكتف بذاتها ،ومل تنطلق من مسلمة ان كل الجديد حديث وكل القديم قديم ،بل اعلت من مكانة الخيال الشعري ،واعتربته واحدا وان تعددت االشكال واختلفت األزمان ،دانتي إىل جوار هومريوس وبودلري، فكل هؤالء قدموا مزيجا جديدا ومدهشا من العنارص نفسها
بشري البكر
تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي نادي تراث اإلمارات
مدير التحرير بشير البكر سكرتري التحرير عبد اهلل أبو بكر التحرير
جهاد هديب رنا زيد
املدير الفني فواز ناظم االخراج والتنفيذ ناصر بخيت
املراسلون
بيروت -فيديل سبيتي الرباط -حكيم عنكر باريس -محمد المزديوي القاهرة -حمزة قناوي روما -حذام الودغيري صنعاء -أحمد السالمي
ديوان العرب 149 - 113 18 23نصوص :يوسف عبد العزيز ،طالل سامل ،حسن شهاب الدين ،ياس السعيدي، سالم ابو جمهور ..ريشة الكالم
أحمد ،الصويري ،رابح ظريف ،عامر معتصم ،مهدي منصور ،عيل جازو ،نزار كربوط أرشف محمد قاسم ،أديب كامل الدين ،غازي الذيبة .محمد العديني ،روجيه عوطة ،أسامء السوافريي ،رنيم ضاهر ،عائشة البرصي ،عاطف الفراية
42 43عبداهلل البردوني ..ج ّواب العصور 49الشعر والنقد ..جدل بيزنطي 54حوار ..عباس بيضون 62حاشية ..حسن نجمي 63مختارات ..عبد امللكيان -بول أوسرت 70قصيدة اآلباء والبنون ..سؤال املرجعية نظري ًا ..صبحي حديدي
www.poetryhouse-ad.ae
127 امرؤ القيس
قراءة حديثة لألثر
املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة 4
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
الغالف:
الواسطي -القرن الثالث عشر ميالدي -لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان
عناوين املجلة االدارة والتحرير: االمارات العربية املتحدة-ابوظبي هاتف+97124916333 : امييلbashir@cmc.ae :
أبوظبي لإلعالم-توزيع الرقم املجاين 8002220 : لالتصال من الخارج +97124145000 فاكس +971 24145050 :
distribution@admedia.ae مسؤول التوزيع :زياد النجار
حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة
المحتويات
155
160
74 80في الشعر ..هرني ميشونيك ،فخري صالح ،ابراهيم الحسن، حوار ..الشاعر االيطايل اليساندرو مويش عبدالله ابوبكر
86 89حسن نجمى ..رشفة األبدية 92ألن غينسبرغ ..أيقونة جيل 95التيجاني بشير ..الصويف املعذب 98تحقيق ..لحظة الكتابة 103شعرية القصة ..البحر يف بريوت 108علي جعفر العالق ..يوتوبيا الشعر
آالن روب غرييه ..روايئ يتحدث عن الشعر والشعراء
سعر النسخة اإلمارات العربية املتحدة 10 :دراهم -اململكة العربية السعودية 10 رياالت -الكويت دينار واحد -سلطنة عامن 800بيسة -قطر 10رياالت مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -مرص 5جنيهات -السودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية -سورية 100لرية -اململكة األردنية الهاشمية ديناران -العراق 2500دينار -فلسطني ديناران - اململكة املغربية 20دره ًام -الجامهريية الليبية 4دنانري -الجمهورية التونسية ديناران -بريطانيا 3جنيهات -سويرسا 7فرنكات -دول االتحاد األورويب 4يورو -الواليات املتحدة األمريكية وكندا 5دوالرات. االشتراكات لألفراد داخل دولة اإلمارات 100 :درهم /لألفراد من خارج الدولة150 : دره ًام -للمؤسسات داخل الدولة 150 :دره ًام /للمؤسسات خارج الدولة
89
93
112 113ديوان العرب ..الشنفرى ،ابن زيدون،أحمد حائط ابيض ..نوري الجراح
شوقي،دوقلة املنبجي،األخطل الصغري،امرؤ القيس،محمد مهدي الجواهري،الشعر الكالسييك يسابق الزمن،القصيدة الكالسيكية يف االمارات،أحمد أمني املدين،القصيدة العمودية..مالحظات افقية.
150ديوان النبط ..محمد عبدالله الربييك ،محمد نور الدين، محمد سعيد املشيخي ،ابراهيم أحمد الشامي ،خالد عيل الشعيبي ،أدب البدو
160 161مركز سلطان بن زايد ..املنصف املزغني 162كاميرا أخبار البيت ..سيف السعدي
54
عباس بيضون
ال فرق بين شعرية الشعر وشعرية النثر
200درهم. issue (6)- November - 2012
5
ُكتاب العدد
20
21
39
2
تخطيطات ُ الكتاب :نارص بخيت
9
11
4
8
.1عبد الرحمن مراد
.10الفاضل ابوعاقلة
• ناقد وشاعر ميني يقيم يف صنعاء صدر له يف الشعر «وجهي والجدار»،و «وطني غائب كأيب».
• صحايف سوداين يقيم يف أبوظبي
ما أخذت ،سليل املاء ،كالليل استيضء بنجومي.
• شاعرة ومرتجمة بني الفارسية والعربية
• شاعرة وصحافية ليبية تقيم يف بنغازي.صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان ينتظرونك.
• شاعر من فلسطني ،صدر له :هروبا من الشعر ،حني أمسك بالفرح، وأرمل السكينة.
• شاعر وناقد مغريب .صدر له يف ْت َع َّ يل وعــد الشعر» ملاذا ْأش َهد ِ السحاب؟»« ،تريـاق».ويف النقد «تح ُّوالت املعنى يف الشعر العريب».
• شاعر وناقد من فلسطني ،يقيم يف االمارات .أصدر ست مجموعات شعرية من بينها «صباحات النسكافيه».
.2مريم حيدري
.3وليد عالء الدين
• شاعر وناقد مرصي يقيم يف ابوظبي،مدير تحرير مجلة «تراث».
.4خلدون عبد اللطيف
• شاعر وكاتب من األردن صدر له ديوان «بني املنزلتني»
.5مهند صالحات
• قاص ومخرج أفالم وثائقية ،يقيم يف ستوكهومل.
.6احمد لوغليمي
• شاعر ومرتجم مغريب يقيم يف ايطاليا.
.7فخري صالح
• ناقد وكاتب من األردن .يعمل يف الصحافة الثقافية املحلية والعربية ،صدر له أكرث من سبعة عرشة كتاباً يف النقد تراوحت بني التأليف والرتجمة.
.8رنا زيد
• شاعرة وصحافية صدر لها ديوان «مالك مرتدد».
.9فيديل سبيتي
• شاعر وصحايف لبناين يقيم يف بريوت.
6
بيت الشعر
.11خلود الفالح
.12عبد اللطيف الوراري
.13محمد الحجريي
• صحايف وكاتب لبناين يقيم يف بريوت.
.14خالد بلقاسم
ناقد من املغرب ،من بني ما صدر له يف حقل النقد :أدونيس والخطاب الصويف ،الكتابة والتصوف عند ابن عريب ،والكتابة وإعادة الكتابة يف الشعر املغريب املعارص.
.15محمد الغزي
• شاعر وناقد وكاتب قصص لألطفال من تونس ،صدر له العديد من املجموعات الشعرية ،منها كتاب املاء كتاب الجمر ،ما أكرث ما أعطي ما اقل
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
.16محمد عريقات
.17سامح كعوش
.18حنني عمر
• شاعرة وروائية جزائرية تقيم يف الجزائر،صدر لها يف الشعر «باب الجنة»،ويف الرواية « حينام تبتسم املالئكة»
.19سعد العبدالله الصويان
• كاتب وباحث سعودي متخصص يف الرتاث يقيم يف الرياض،من بني اصداراته «ذائقة الشعب وسلطة النص»»،فهرست الشعر النبطي» و«حداء الخيل»
وفي الشعر
-20يوسف عبد العزيز -21طالل سامل -22حسن شهاب الدين -23ياس السعيدي -24أحمد الصويري -25رابح ظريف -26عامر معتصم -27مهدي منصور -28عيل جازو -29نزار كربوط -30أرشف محمد قاسم -31أديب كامل الدين -32غازي الذيبة -33محمد العديني -34روجيه عوطة -35أسامء السوافريي -36رنيم ضاهر -37عائشة البرصي -38عاطف الفراية -39محمد عبدالله الربييك -40محمد نور الدين -41محمد سعيد املشيخي -42ابراهيم احمد الشامي -43خالد عيل الشعيبي
شعر وشعراء
بدءا سواء أغاب الشعر عن جائزة نوبل أم أن جائزة نوبل هي التي غابت عن الشعر ،فقد بدا هذا األمر غري ذي بال ،عربيا ،قبل اإلعالن عن فوز الروايئ الصيني مو يان ،فلم يكن أحد من املرشحني ينتمي إىل هذا الحقل من بني األسامء املتداولة .لقد خ ّفت كثريا حدة الجدل حول الجائزة بالقياس إىل سنوات سابقة عندما كان شاعر أو أكرث مرشحا لهذه الجائزة ،يف الوقت الذي كنّا نعلم فيه جميعا أن نوبل ،بكل تكوينها املعريف والثقايف والسيايس ،سينتظر العرب طويال يك يحصلوا عليها مرة أخرى ،فقد انتظرت الصني، بكل ّ قضها وقضيضها 111 ،سنة يك ُيبلغ إليها نبأ الجائزة. لذلك مل يعد أمر نوبل قضية وهذا أفضل ،ألن الشعر عندما ينشغل بذاته وبأزمته فإنه يكون مؤهال ملراجعة نفسه ،هكذا استمرت دور النرش يف إصدار الشعر والكتب التي تدور حوله ،بل إن دار نرش جديدة ظهرت يف رأس الخيمة: نون ،للنرش والتوزيع ،وترشف عليها لجنة عىل رأسها الشيخة نجالء القاسمي ،سفرية االمارات يف اململكة السويدية وكانت اوىل إصداراتها مجموعة شعرية بعنوان« :الهواء ثلثا زجاجتي ..وندميي البحر» للشاعر السوري حنّا حيمو، وذلك يف سياق مرشوع ثقايف واعد منفتح بهويته وثقافته العربية واإلسالمية عىل فضاء كوين يستوعب آخر وآخرين. أيضا ،مل يكن شهر سبتمرب مثمرا عىل صعيد الفعاليات الشعرية ،ال عربيا وال سوى ذلك ،إذ يبدو أن الخريف موسم كتابة الشعر ال قراءته التحرير
ملتقى اإلمارات لإلبداع الخليجي في الشارقة
كشفت األمانة العامة مللتقى اإلمارات لإلبداع الخليجي الذي ينظمه اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات سنوياً عن أنه قد ت ّم تكريس الدورة الثالثة مللتقى الشعر الخليجي التي ستنعقد يف الفرتة من 4إىل 6نوفمرب الحايل. كام أعلنت األمانة يف مؤمتر صحفي عقد يف مقر االتحاد بالشارقة عن أسامء كل من الشعراء والنقاد :جعفر حسن ،وأحمد العجمي ،وإميان أسريي من البحرين، ود .ميساء الخواجا ،وهدى الدغفق ،وعبد الرحمن العمري من السعودية ،ود. حسن مجاد ،وأحمد عبد الحسني ،وطالب عبد العزيز من العراق ،ود .حمود الدغييش ،وعبد الله العرميي ،وسعيدة الفاريس من عامن ،وصالح أحمد غريب، وزكية مال الله ،وعيل مريزا من قطر ،وسامل خدادة ونشمي مهنا وصالح دبشة من الكويت ،وإبراهيم أبو طالب ،وجميل مفرح ،وعلوان الجيالين من اليمن ،ود. طارق ثابت ،ومسعود حديبي ،وبن عزوز عقيل من الجزائر. أما الندوة النقدية املصاحبة فتحمل عنواناً عريضاً حول «القصيدة الحديثة يف الخليج :جذور وآفاق» ،ضمن املحاور الرئيسية :حداثة القصيدة يف الخليج :بحث يف األصول واملالمح ،والقصيدة الحديثة يف الخليج :التح ّوالت واالستجابة ،والقصيدة و االنفتاح عىل األجناس والفنون األخرى ،والقصيدة وهواجس التغيري».
خلود المعال تقرأ في الشارقة
تجربة الشاعرة االماراتية خلود املعال كانت موضوع ندوة وامسية يف منتدى الثالثاء يف بيت الشعر بالشارقة .قرأت الشاعرة يف االمسية تنويعات من شعرها ،وتلت القراءات حوارات حول تجربتها الشعرية ،بحضور عدد من الشعراء والنقاد واإلعالميني واملهتمني ومحمد الربييك مدير بيت الشعر بالشارقة .ويف تقدميه للشاعرة قال الشاعر وسام شيا« :ال ميكن ان اختزل وأوجز تجربتها الرثية بروائع القصائد التي ال تشبه إال ذاتها» وأضاف« :حاولت ان انتقي من معجمها بعض الشواهد للداللة عىل غنى تجربتها فشعرت وكأنني فتحت أمامي باب مد ونافذة مدى؛ فمراكبها مألى بالدر النفيس والوقت ال يتسع لإلبحار أو االنتقاء» .وذكر شيا أن املعال ابنة أم القيوين صدحت بصوتها الشعري يف العديد من املنابر يف مختلف األقطار ممثلة بلدها اإلمارات خري متثيل وحازت جوائز وشهادات تقديرية لعطائها املميز. الشاعرة التي سبق أن صدر لها مجاميع شعرية عدة منها «هنا ضاع مني الزمن» و«أنت وحدك»؛ و«هاء الغائب» ثم «رمبا هنا» ،و«دون أن ارتوي» وجدت تجاوبا الفتا من جمهور األمسية ويف فقرة املداخالت قالت إنها تكتب ألنها تشعر برغبة يف الكتابة وليس لسبب آخر. issue (6)- November - 2012
7
شعر وشعراء حمد خليفة بوشهاب
الموت يغيِّب حسين نصر اهلل
فاضل العزاوي اطروحة دكتوراه
الشاعر العراقي فاضل العزاوي موضوع اطروحة دكتوراة تقدم بها الناقد والباحث العراقي الدكتور محمود خليف الحياين، أستاذ األدب العريب يف جامعة املوصل وصاحب العديد من الكتب النقدية.االطروحة صدرت يف كتاب عن دار نرش غيداء تحت عنوان ‹التأويلية ـ مقاربة وتطبيق: مرشوع قراءة يف شعر فاضل العزاوي›. يدرس الباحث يف هذا الكتاب، تجربة العزاوي التي يقول عنها إنها ذات أشكال متعددة ومتنوعة من منظور النظرية التأويلية، موضحا أنه من أوائل الذين جددوا القصيدة العربية من خالل قصيدة النرث واستخدام الكوالج والتشكيالت الفنية الجديدة يف قصيدة التفعيلة ومزج النرث بالشعر .وهو يرى أن العزاوي أدخل عنارص شكلية وتقنيات متنوعة مل تكن مألوفة يف منت القصيدة العربية ،متجسدة يف التقطيعات الكتابية ،والرقمية، واعتامد اللقطات املبعرثة ،فضال عن تداخل األجناس ،وإفادته من تقنيات الرسد والدراما.
فاضل العزاوي 8
بيت الشعر
حمد بوشهاب ..الشاعر ودوره أقام مركز الشارقة للشعر الشعبي ،أواخر سبتمرب املايض، يف قاعة املؤمترات بالشارقة ،ندوة تكرميية استذكارية للشاعر واألديب واملؤرخ واللغوي اإلمارايت ،حمد خليفة بوشهاب ،مبناسبة مرور عرش سنوات عىل رحيله ،وجاءت بعنوان «الهزار الشادي مبدع الكلمة وسيد الفكرة». بداية ألقى رئيس دائرة الثقافة واإلعالم يف الشارقة عبدالله العويس كلمة أشاد فيها بدور الشاعر الراحل ومكانته اإلبداعية والثقافية ،ذاكرا ً أن آخر أمسية للشاعر كانت يف بيت الشعر يف العام 2002 ،كام رسد مدير مركز الشارقة للشعر الشعبي راشد رشار بعض ذكرياته مع الشاعر الراحل ،ليتبعها بقراءة قصيدة نبطية مؤثرة يف هذه املناسبة ،وذلك عىل اعتبار أن الراحل كان شاعرا وظل كتب شعره بالفصيح والعامي وأبدع يف املجالني ّ معروفا بهام عىل مستوى الخليج العريب وليس دولة االمارات وحدها منذ ما قبل نشوء االتحاد. تال ذلك عرض فيلم وثائقي قصري تناول وعىل نحو عاجل مفاصل مهمة من حياة وإبداع هذا العلم اإلبداعي اإلمارايت . ثم قدم الباحث عيل محمد املطرويش مستشار الرتاث والتاريخ املحيل يف دائرة التنمية السياحية يف عجامن ورقة بعنوان «حمد خليفة بوشهاب . .مالمح النشأة واملوهبة» ،سلط فيها الضوء عىل عائلة الشاعر ،وأن أباه كان تاجر لؤلؤ محباً للشعر واألدب ،مبيناً أنه ولد يف العام 1932يف مدينة عجامن ،ليلحقه والده مبدرسة من مدارس الكتاتيب التي كانت تضطلع بتعليم القرآن الكريم والقراءة والكتابة.
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
رحل يف العاصمة الروسية موسكو الشاعر حسني نرص الله (لبنان) الذي كان أقل أبناء جيله نرشا ً للشعر وزهدا يف الظهور االعالمي مع أنه كان يعمل يف الحقل االعالمي .كتب عنه الشاعر اسكندر حبش يف يومية السفري« :اآلن ميسك بالجوهر .يف رحيله املفاجئ ،يف «منفاه» الرويس األخري .كان يبدو أكرث متاسكاً ،يف تلك البالد ،عماّ كان عليه هنا ،يف هذه املدينة (بريوت) التي نجدها يف مقطع شعري كتبه يف ديوانه «أثاث الروح» ،يقول فيه:
«أنت الذي عاش تحت /جرس الحياة /قرب املياه الغريبة /صانعاً لنفسه كوخاً من نثار األحياء/ وسقفاً من حطامهم /أنت الذي عاش يف ليايل األرق /وأدار وجهه للحائط األعمى /مصغياً إىل السيول يف املمرات /إىل الخطى تبتعد /إىل الضوء يغيب /أنت الذي عاش أيامه ناسكا /وقاسياً كهدوء الحقل /تلتهب اآلن/ وتسيل من عروقك مياه النسيان/ ونسميك الغياب.»..
حسني نرص الله
بول شاوول
نجوم الغانم إلى عضوية مجلس أمناء البوكر
دخلت الشاعرة واملخرجة السينامئية اإلماراتية نجوم الغانم إىل عضوية الجائزة العاملية للرواية العربية املعروفة بالبوكر العربية لدورة ( )2013التي تتزامن مع الدورة السادسة للجائزة وذلك إىل جوار النارش األردين ماهر الكيايل ,والنارش اللبناين – األمرييك ميشال مشبك. وقد أعلن عن ذلك مؤخرا جوناثان تايلور ,رئيس مجلس أمناء الجائزة الذي أبدى عن ترحيبه بثالثة أعضاء جدد يف مجلس أمنائها ينضمون اليه. كام كشف تايلور عن أن هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة هي املؤسسة الراعية للجائزة العاملية للرواية العربية « البوكر» بدءا ً من العام املقبل أيضا. وفضال عن مشاركتها يف إحدى مسابقات مهرجان أبو ظبي السيناميئ الدويل لدورته السادسة التي أقيمت الشهر املايض ،شاركت نجوم الغانم ضمن احتفالية سينامئية بالسينام االماراتية أقامها مهرجان ماملو للسينام العربية أواخر الشهر قبل املايض .ولهذا العام كانت الغانم قد أصدرت ديوانها األخري «أسقط يف نفيس».
شعراء مصر وموسيقيوها في اليوم العالمي «من أجل التغيير»
بول شاوول يُشعل سيجارة في القاهرة هاجمت صحيفة «الحرية والعدالة» التي تتبع جامعة االخوان املسلمني كتاب الشاعر بول شاوول (لبنان) «دفرت سيجارة» الصادر يف طبعة ثانية عن سلسلة «آفاق عربية» -الهيئة املرصية العامة لقصور الثقافة. كام اتهمت الهيئة التابعة لوزارة الثقافة املرصية بإهدار املال العام يف نرش كتب ترض وال تنفع؛ ما يعيد إىل األذهان أزمة نرش رواية «وليمة ألعشاب البحر» حيدر حيدر (سوريا) لدى الهيئة نفسها قبل نحو 12عاماً. حدث ذلك مع أن الشاعر بول شاوول حاول أن يقول يف كتابه هذا إن أشياء بسيطة وصغرية ال نعريها الكثري من االنتباه أصبحت يف الزمن الحديث متثلنا ،كام أصبحت جزءا ً من وجودنا عىل األرض ،وإن املسافة الفاصلة بني اإلنسان واألشياء التي يستخدمها أصبحت أضيق من القدرة عىل التفريق بينهام. يضعنا «دفرت سيجارة» بول شاوول بفكرته الجميلة وتقنيته الشعرية املتقنة أمام جانب من وجوه االختالف بني منطني لقصيدة النرث :اللبناين واملرصي ،فهو ينتمي يف هذا الكتاب أو الديوان ،إىل الكتابة ملء بياض الصفحة، مبا يستلزمها من تقنيات يف الرسد ،واإلمعان يف آلياته، من أجل الوصول إىل القرار يف اللحظة الشعرية ،بينام ما زالت غالبية النصوص املرصية تزاوج ما بني شكل قصيدة التفعيلة بأسطرها املوزعة عىل البياض كخريطة إلزامية للقارئ بالتوقف عن القراءة أو االستمرار فيها، وما ينتج منها من استخدام البياض كبديل لعالمات الرتقيم.
شارك شعراء وموسيقيون مرصيون يف اليوم العاملي للشعر الذي صادف الرابع من اكتوبر املايض تحت عنوان « 100ألف شاعر وموسيقي من أجل التغيري» مبشاركة 110مدن يف العامل. وقد شهد املركز املوسيقي يف وسط القاهرة افتتاح هذا اليوم بالتزامن مع أمسيات للشعر واملوسيقى أقيمت يف اإلسكندرية وبورسعيد وطنطا. وتهدف أنشطة اليوم العاملي للشعر هذا العام إىل اإلعالء من شأن قيم الحرية والعدل واملساواة ،حيث تشتد الحاجة إىل التمسك مبثل هذه القيم اآلن ،وذلك من خالل القراءات الشعرية واملوسيقى. من بني الشعراء املرصيني الذين شاركوا :زين العابدين فؤاد ومحمد آدم وعالء خالد وعاطف عبد العزيز وجرجس شكري وغادة نبيل ونجاة عيل. واختتم االحتفال يف املركز املوسيقي بعرض قدمته فرقة «بهية» التي تقدم يف العادة أغنيات ملغنني وملحنني مرصيني منهم سيد درويش والشيخ إمام عيىس.
نجوم الغانم issue (6)- November - 2012
زين العابدين فؤاد 9
شعر وشعراء أدونيس
هل يصبح «المثقف» ارهابي ًا في اليمن «السعيد»؟
مجدد ًا ..غراس يواجه إسرائيل بـ «ذباب مايو»
أصدر األديب األملاين البارز غونرت غراس ديواناً جديدا ً بعنوان «ذباب مايو» ،ينذر بعودة اشتعال الخالفات السياسية مع إرسائيل مجددا ً ،وذلك بعد شهور من قصيدته الشهرية «ما يجب أن يقال» ،التي انتقد فيها السياسة اإلرسائيلية .وكان غراس قد نرش« :ما يجب أن يقال» يف أبريل املايض ،واتهم فيها إرسائيل بأنها تهدد السلم الدويل «الهش بطبيعته» ،من خالل اعتزامها شن رضبة عىل املنشآت النووية اإليرانية ،كام دان فيها اعتزام بالده بيع غواصات دولفني إلرسائيل ،وطالب األديب الحائز جائزة نوبل يف اآلداب بإخضاع املنشآت النووية يف كل من إيران وإرسائيل لرقابة دولية. ويف الديوان الجديد الذي يضم 87قصيدة ميتدح األديب العاملي يف إحدى هذه القصائد مردخاي فعنونو الخبري النووي اإلرسائييل الذي كان قد حكم عليه بالسجن ملدة 18عاماً بتهمة افشاء أرسار نووية خطرية ،وأطلق رساحه مؤخرا.
أدونيس ..وسام جوقة شرف من فرنسا منحت الدولة الفرنسية وسام جوقة الرشف للشاعر أدونيس تقديرا ً ملساره الشعري والفكري .ففي احتفال أقيم يف دار مريكور دو فرانس -غاليامر سلّم الفيلسوف الفرنيس إدغار موران الشاعر الوسام ممثالً الرئاسة الفرنسية يف حضور جمع من الشعراء والكتّاب الفرنسيني والعرب .وألقى موران يف املناسبة كلمة حيا فيها أدونيس ومام قال فيها« :أعتقد أ ّن من خلفية إنسانية مشرتكة ،يمُ كنني القول إنني أعترب أدونيس طفالً بالنسبة إ ّيل ،أنت ولدت يف العام ،1930وأنا كنت أميض أعوامي العرشة الحاسمة قبل والدتكم... وأكرث ما أحببته يف سريتك هو أنك مثلّث الهويات التي متثلك :سوري ،ولبناين ،وفرنيس ،وهذا يسعدين فعالً ألنني طاملا رفضت أن أع ّرف نفيس حرصا ً ضمن هوية واحدة من هويايت التي ال كوابح لها .وهنا أقول إنّه إىل جانب (هويّاتنا) يمُ كن إضافة واحدة أخرى: املتوسطية ،وهي تجمعنا أيضاً أل ّن من بني أساليف من عاش قرناً كامالً يف ربوع السلطنة العثامنية ،أو مبعنى أوضح يف ذاك الرشق الذي أتيت أنت منه ،هذا الرشق الذي يُشكّل جزءا ً مني». ثم ألقى أدونيس كلمة قال فيها« :يسعدين أن متنحني فرنسا هذا الوسام ،استمرارا ً يف تحقيق رؤيتها لإلنسان والكون والثقافة .وهي رؤية فريدة يف انفتاحها عىل تكويني من أبعاد الذات. اآلخر ،بحيث يبدو كأنه بُع ٌد ٌّ أدونيس ليس أول وآخر الشعراء العرب الذين كرمتهم الدولة الفرنسية بهذا الوسام ،فقد سبقه إليه محمود درويش وعبد اللطيف اللعبي وآخرون
غونرت غراس 10
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
أشار الشاعر والناقد علوان مهدي الجيالين ،أمني لجنة الحقوق والحريات باتحاد األدباء والكتاب اليمنيني ،إىل أن هناك قتالً متعمدا ً للمبدع اليمني والسيام املثقفني والشعراء واألدباء. وأوضح يف ترصيح صحفي ،بأن الدولة ترتك املبدعني ميوتون من الجوع واملرض ،بسبب اإلهامل والتهميش، حيث يعانون مختلف أصناف العذاب بسبب ما وصفه ب»شظف العيش والفاقة» .وأضاف الجيالين « :إذا مل تهتم الدولة برشيحة املبدعني فإنهم نتيجة هذه الظروف سيتحولون إىل إرهابيني ومتطرفني .فاإلرهاب والتطرف بشكل عام ناتج عن اختالل يف وظيفة الدولة تجاه املجتمع، خاصة فئة املثقفني والكتاب .لذا فإن االختالل الثقايف واالقتصادي والفكري واالجتامعي ،يعد من األسباب الرئيسة لإلرهاب والتطرف». واختتم بالقول« :إن الشاعر الشعبي أحمد سليامن الذي يحظى بشعبية كبرية يف البالد ،نراه ميوت يوماً بعد يوم ،كام مات قبله الشاعر محمد الجبيل ،متعفناً يف خيمته بساحة التغيري بصنعاء ،بعد معاناته من مرض الرسطان.
علوان مهدي
درويش
غوته في بيت الشعر بالشارقة
قاضية تمنع البحث عن قبر لوركا
أصدرت إحدى القاضيات يف إسبانيا مؤخرا قرارا منعت مبوجبه البحث عن قرب الشاعر اإلسباين الشهري فيديريكو غارثيا لوركا (- 1898 )1936الذي قتل إبان الحرب األهلية اإلسبانية التي دارت رحاها بني عامي 1936و.1939 آورورا فرنانديز ،وهي قاضية املحكمة الثالثة يف مدينة غرناطة، بجنوب إسبانيا ،قررت حفظ امللف الخاص بالتحقيق حول مكان دفن غارثيا لوركا باعتبار أن هذا «ليس من اختصاص القضاء» ،وبذا أسدلت الستار عىل التحقيق يف مقتل األديب الالمع الشهري أو املكان الذي دفنه فيه جثامنه. وكان القايض بالتاسار غارثون قد أمر عام 2008بفتح تحقيق حول االنتهاكات والجرائم املرتكبة من عام 1936حتى عام ،1975أي إبان فرتة حكم الديكتاتور السابق الجرنال فرانشيسكو فرانكو .غري أنه دخل عىل األثر يف مواجهات مع الكثريين من قيادات اليمني اإلسباين حول قضايا عديدة ،انتهت لصالح اليمني.
«غياب» محمود درويش يحظى بجائزة أميركية رمبا مل تكن سرية الناقد ادوارد سعيد التي حملت العنوان« :خارج املكان» أكرث صعوبة عىل الرتجمة إىل العربية من ترجمة «يف حرضة الغياب» إىل االنجليزية التي هي السرية الذاتية لصديقه الشاعر محمود درويش ،ورمبا حدث ذلك بسبب الشعرية العالية التي حملتها مقاطع كثرية من هذه السرية. مع ذلك حازت الرتجمة اإلنكليزية لكتاب محمود درويش «يف حرضة الغياب» التي أنجزها الشاعر والروايئ العراقي سنان أنطون ،جائزة أفضل ترجمة أدب ّية يف الواليات املتحدة وكندا لعام .2012وتم اإلعالن عن الجائزة التي يقدمها اتحاد املرتجمني األدب ّيني يف الواليات املتحدة ALTAأثناء املؤمتر السنوي الذي أقيم هذه السنة يف مدينة روشسرت مطلع الشهر املايض. وقرأ أنطون مقطعاً من كتاب درويش يف حفلة تسلّم الجائزة التي تبلغ قيمتها خمسة آالف دوالر .وكان «يف حرضة الغياب» قد اختري باإلجامع من لجنة التحكيم من بني 119كتاباً مرتجامً صدرت يف العام السابق. وأشادت لجنة التحكيم باملستوى العايل للرتجمة وباملقدمة والهوامش واملالحظات التي أضافها املرتجم إلضاءة تفاصيل النص وخلفيته الثقافية والتاريخية للقارئ .ويذكر أ ّن هذه أ ّول مرة يفوز بها عمل أد ّيب مرتجم من العربية بهذه الجائزة منذ استحداثها عام .1998وكانت الرتجمة التي صدرت آخر العام املايض عن دار آرشبيالغو يف نيويورك قد حلت أيضاً يف املركز الثاين يف مسابقة جائزة «بني» السنوية للرتجمة يف الواليات املتحدة
كانت حياة ومؤلفات الشاعر األملاين األشهر يوهان غوته ،هي عنوان األمسية التي استضافها بيت الشعر بالشارقة الشهر املايض وشارك فيها الكاتبان :زكريا أحمد والدكتور إبراهيم الوحش. ومام جاء يف ورقة الباحث زكريا أحمد حديثه« :مل يكن من قبيل املصادفة أن تختار أملانيا اسم غوته ليكون علامً عىل معاهدها الثقافية املنترشة يف كل عواصم العامل ،ولتقول إن غوته هو الواجهة الثقافية والحضارية التي تفخر وتعتز بها» ،وقال« :كان غوته وال يزال شخصية استثنائية يف تاريخ الثقافة اإلنسانية ،عندما رآه نابليون هتف :هذا هو اإلنسان اإلنسان ،واعتربه نيتشه اإلنسان السوبر مان ،اإلنسان األسمى الذي يحلم به» .كام أوضح أن غوته كان يسعى ألن يكون عاملياً ومنفتحاً عىل جميع الثقافات واألديان واآلداب أيضاً، وهو أول من استخدم مصطلح األدب العاملي ودعا إليه ،كام كان له اهتامم باألديان والثقافات والفنون الرشقية وخاصة ما يتعلق بالدين اإلسالمي واألدب العريب.
يوهان غوته
لوركا issue (6)- November - 2012
11
شعر وشعراء
جو بدوي ببنية حداثية الكتاب :وحيدا يف امتداد خطاك الشاعر :فاضل الجابر (العراق) النارش :دار فضاءات للنرش والتوزيع -عماّ ن عدد الصفحات 112 :صفحة من القطع املتوسط
احتفاء
خاص بالديوان الثاين للشاعر العراقي فاضل الجابر تستهله دار النرش بتقديم خاص هو «شاعر يلتحف بساطة الصحراء ومطر املفردة، متشحا حاالته الشعرية املتدفقة بغزارة وألق يشيان بشاعر متمكن من صياغة جملته الشعرية ،ينحت بصمت مفتشا عن مالمح نصه الخاصة ،تلك املالمح التي ال تتنكر لكينونته املحلية ،وال تفصله عن قدرة نصه وسعيه يف اتجاه ما هو أكرث إيغاال يف الذات املتفردة ،الباحثة عن نص يحلق أبعد من األمكنة املرئية» ،ونضيف إىل ذلك أيضا« :يف بحثه عن قدرة مخبوءة لديه يف سرب أغوار النص ،يقرش فاضل عوامله املرئية، عله يجد من يرافقه يف طرائق الكشف ،والخوض يف املستور. وعن هذا الكتاب ،وهو الثاين ،لفاضل الجابر قال الشاعر سلطان القييس“ :ما يلفت أن فاضل الجابر استطاع منذ الكتاب الثاين أن ال يشبه أحدا ،كام عملت قصيدته عىل استثامر الرتاث املمتد ،بني الفصيح والنبطي ،فلقد اقتبس يف إحدى قصائده من أيب متام مثال ،ولكنه ض َّمن اقتباسه كام قلنا آنفا إىل ج ِّوه البدوي وبيئته األصيلة ،يف بنية حداثية ال تخلو من الخروج عىل قانون القبيلة”. أما الكاتبة رقية مهدي فكتبت تقول« :يستطي ُع الجابر أ ّن خالصا إال من ُح ِّبه الذّي َ يجرد ََك ِم ْن أتعابِك نصه ً روح ِّ لتدخل َ يحملُه عىل ا ْمتدا ِد وحدتِ ِهَ ،وتع ِب ِه الخاص» ونالح ُظ يف هذا الديوان طريقة توزيع بدأتْ بـ” ُم ْفتَتَ ٍح” ال يحوي سوى فرا ٍغ يغري املتلقي لدخول عاملَ الشاعر ،حامالً تأويل الغالف وصورته التّي اختارها بعناية األلوان وحيلها وأنثويتها ،باإلضافة للمدى الفارع الذي كُتب به العنوان .كل هذه التفاصيل تفضح فراغ املفتتح املتواري خلف شهيته”.
12
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
مرايا الكتابة
الكتاب :مرثية البوح األخري الشاعر :أنس الفياليل (املغرب) النارش :منشورات وزارة الثقافة -الرباط عدد الصفحات 100 :من القطع املتوسط
هذا الكتاب ،بقصائده الواحدة والثالثني ،يشعر القارئ أنه ما كان الشعر إال للكشف عن زيف العامل وتناقضاته ،وهذا يبدو واض ًحا من خالل عناوين القصائد التي حواها الديوان. وما يلفت النظر يف أول وهلة يف هذا العمل الشعري هو تقسيم الشاعر ملرثياته ،حسب التوزيع الشكيل الذي ال يختلف يف املوضوع املوحد ،فكانت األوىل معنونة بـ «مرثية تزخ من بعيد» ،ومتيزت قصائدها بالنفس الطويل ذات الصور الشعرية واالستعارات التخيلية الخاصة ،فيام جاءت املرثية الثانية بعنوان «مرثية الرماد األخري» وهي قصائد تختلف عن القسم األول شكالً وتبقى وفيّة للمضمون الذي سبح فيه الشاعر بخياله يف بحار النهايات ومدار األموات، تاركاً بؤرة ضوء ألمل الصباح ،مقتحماً العمل يف قسمه الثاين بسياقات وصور شعرية ذات نربة قامتة وخاصة ،أما املرثية األخرية فقد اختار لها الشاعر عنوان «مرثية الجمر الثاقب»، وهي قصائد موزعة بني النفس املتوسط وقصيدة الومضة، حيث اختزلت معانٍ عميقة ظلت تداعب خيال القارئ وسطوة قلقه املمتد بلغة الجمر الثاقب يف مرثية شديدة التفصيل والدقة لهذا البوح التي تتداخل فيه أشكال وأنواع البوح التي اشتغل عليها أنس الفياليل يف هذا العمل ،الذي حاول من خالله تقديم صورة قامتة عن واقع شديد الغموض واإلبهام يف بعض األحيان ،وغري خفي يف أحيان أخرى ،هو أشبه ما يكون بواقع الكتابة يف سدمييتها الدنيا واملثىل ،والتي حاورها يف ثنائيتها الضدية يف أشكال مختلفة ومتنوعة يف الكتابة والبوح ،لكن مبضمون وبوح واحد أشبه ما ميكن القول عنه ،بأنه إدانة لفعل الكتابة ومديح لها يف أحيان قليلة أخرى ،خصوصاً يف إهداء الشاعر مجموعته لــ
«كل الكائنات العجيبة يف قبحها وجاملها ،يف هذا الغاب القاحل» ،أو فيام احتوته مجموعته من نصوص معنونة مبرايا الكتابة ،خاصة يف قصائده« :أدونيس» و«محمود درويش» و«شاعر» و«الشاعر الرببري» و«قصيدة قدمية» أو من خالل بعض النصوص األخرى. الجسد وصبواته
الكتاب :يكاد يكون المرئيا الشاعر :مارك سرتاند (الواليات املتحدة) النارش :دار ألفرد نوبف -نيويورك عدد الصفحات 50 :صفحة من القطع املتوسط
يعترب مارك سرتاند ( 88عاما ،جائزة بوليتزر للشعر )1999 أحد أبرز الشعراء األمريكيني األحياء ،ومن املمكن وصفه بأنه مثقف شعري إذ أسهم يف إنتاج حساسية شعرية جديدة يف أمريكا الشاملية مع عدد من الشعراء البارزين ،فضال عن أنه مرتجم ألبرز شعراء أمريكا الجنوبية إىل ح ّد أنه قال مرة ما معناه« :إذا أردت أن تكون شاعرا فعليك أن تقرأ شعراء أمريكا الالتينية» أو ما هو أقرب إىل ذلك. كتابه «يكاد يكون المرئيا» ،يض ّم سبعاً وأربعني قصيدة بالنرث ،ممتدة أفقياً قي شكل أحجيات رسدية ،يتخلّلها حوارات متقطّعة ،ومزق فلسفية من منولوجات مل تكتمل، واستبصارات نفسية مفاجئة ،يعتم ُد سرتاند نربة نوستالجية، مفعمة بالحنني ،تسرتجع مشاهد ملوانئ بعيدة ،وصورا ً لقوارب مهجورة وأشجارا ً هاربة ،كأنمّ ا هي بحث عن طفولة بعيدة نائية ،وفضاءات تشكيلية تذكّر بلوحات فان كوخ، بحسب ما يقول الشاعر عابد اسامعيل (سوريا). رسب التامعاتُ الف ّن ويقول أيضا« :ليس غريباً أن تت ّ التشيكيل إىل نصوص الشاعر الذي درس الرسم أكادميياً يف جامعة ييل ،وخرب تقنياته ومدارسه ،بل إنه نرش كتاباً عن ال ّرسام األمرييك الشهري إدوارد هوبر ،ويف هذا الكتاب يتحدّث سرتاند عن شخوص هوبر ،ويصفهم ٍ بأناس فقدوا كل أمل بالخالص ،ما جعلم يقعون يف ف ّخ االنتظار األبدي ،ال ّ مستقبل بانتظارهم». من أجواء الديوانُ : «كنت قد رأيتهم عند الغسق ،ميشون عىل ّ الشاطئ ،أو يقفون أمام مداخل البيوت ،أو ينظرون
من النّوافذ ،أو يقتفون الحرك َة عش ُ البطيئ َة ّ للظل .إ ّنهم ّ اق الحرية ،ال هم هنا وال هم هناك، ال يف الداخل وال يف الخارج... ني واحد ٍة يستلقون يف أ ّ رستهم ،بع ٍ شاخصة وأخرى مغلقة ،يأملون باصطياد ال ّلحظة األخرية للوعي، وأ ّول النوم ،ليك يسكنوا أرضاً ال يسكنُها ٌ برش». ولعل السمة األبرز يف قصائد سرتاند هي نزوعه للتجريد ،ورسم ّ مشاهد إنسانية تلفّها الوحشة ،عرب استلهام العبثي ،واملفاجئ، وبخاصة إذا عرفنا أن مواضيعه تركّز اإلحساس الدفني بالعجز أمام صبوات الجسد. المرايا إذ تبصر
الكتاب :املرايا ال ترى النور الشاعر :سعيف عيل (تونس) النارش :دار كلمة للتوزيع والنرش (القاهرة) عدد الصفحات 156 :من القطع املتوسط
يكتب الناقد املرصي حسام عبدالعزيز، عن هذا الكتاب« :إن املتأمل يف شاعرية سعيف عيل يدرك أنه بالرضورة ال يقرأ شعرا ً أصم ،بقدر ما يقرأ تنويعات لغوية ال تحقق دورها الوظيفي ،وإمنا يقرأ لوحة تكتمل ألوانها غالبا بريشة من يتصدى لقراءتها». لج، من أجواء الكتاب«:املرآة للذين ال يعرفون املرايا ،بحر ٍ كان قد كتب موجة ال تتكرس إال عىل ردف كتب مدورة ،وعىل غصن ينبت حينا وحينا يعود إىل خبئ األرض ،ليقيس عىل الربيع ثناياه ،و يعلن فسوقه عن الطريق البالغ طرفها صخر ًة مقدم ًة عىل قعر يطري يف أرجائك ،ويجوس يف الكالم القادم من قطعان القريض ،و من أجساد األشجار املبعرثة بعد زلزال خفيف ،لن يكون األمر بسيطا سنعلن أن املرايا مل تقرتف يف كل حياتها غري العمى ،و غري املخاتلة ،و لعب أدوار رديئة عىل حلبات عروض األزياء .املرآة عامء ،ال يليق باألسامء وال يثق برسبال الرؤية ،و ال يحمل ا َّال عصا بيضاء ،يتفقد بها سري الحلم إىل مداره .و يقيس عىل الربيع ثناياه، .فهو املع َّرج عىل كل الترُّ اب». issue (6)- November - 2012
13
شعر وشعراء
الموروث مقروءا بأدوات الحداثة
الكتاب :لعنات مرشقية الشاعر :محمود قرين (مرص) النارش :دار األدهم للنرش والتوزيع
أخطاء القلب البسيطة
الكتاب :أخطاء بسيطة الشاعر :مهدي سليامن (البحرين) النارش :دار مسعى للنرش والتوزيع
عدد الصفحات 120 :صفحة
عدد الصفحات 82 :من القطع املتوسط
جاءت
يف هذا الكتاب يقدم الشاعر محمود قرين تجربة جديدة تستخدم هذه املجموعة الشعرية رابعة ملهدي سلامن، تقنيات الرسد ،وترتكز عىل دراما املشهد الشعري. يف تسعة عرش نصا توزعت عىل أربعة أبواب الديوان هو الثامن يف تجربة محمود قرين ،وهو عبارة عن قصيدة هي :صورة ومخدوشة ،قطعان الهمس السوداء ،كتابة عىل طويلة من ثالثة وأربعني مقطعا تستعيد الرتاث العريب كمرجعية بخار الزجاج ،من دون فائدة. معرفية وروحية يف اآلن نفسه ،بعد أن ظل مطرودا ً من فردوس ميكن القول أن هذه املجموعة هي تجربة ذاتية متكاملة النرثية الجديدة التي بدت يف العديد من مفاصلها متهمة بالتغريب حيث يقوم كل نص من نصوصها عىل ثيمة واحدة ،هي أمر وباحتقار الرموز الحكائية املوروثة والعمل عىل الخفض من شأنها الذاكرة والقلب ،بل هي محاولة لالقرتاب أكرث من القلب ومن تلبية ملعايري ما بعد حداثية. أخطائه وصواباته يف طريقه ليعرف أكرث .وهي من جهة أخرى غري أن اللعنات التي يتوقف أمامها الديوان ،ليست إال فردوسا قد اشتغل عليها الشاعر قرابة الثالثة أعوام املاضية كام ألقى وخالل مفقودا يحاول الشعر استعادته ،عرب رموز للمعرفة اإلنسانية الشاعر بعضا من نصوصها يف أمسيات متفرقة يف البحرين متثيالت الثقافة الرشقية التي تستقطرها التجربة عرب قصة «األمرية والسعودية وليبيا وفرنسا. أنس الوجود واألمرية الورد يف األكامم» .ويبدو الديوان عبارة عن من نصوص الديوان ،ومن أجوائه :رمبا هو قلبي /ولكنني منطقة نادرة يف الثقافة الرشقية تحيلها األدبيات املستقرة ،السيام لست أذكر ُه هكذا /رمبا نحتت قل َب ُه ٌ مسيح ٌ ُ مريض طفلة /أو ٌ أدبيات االسترشاق. الغيم، بذاكر ِة املعجز ِ ات /من الوج ِد أبرأ ُه /هكذا /يشب ُه َ وتتعزز هذه االستعادة بقوة الشعرية املعتدة بطاقاتها الجاملية عرب ُيشب ُه بيتاً من الشع ِر ّ / ضل ..وملّا يد ِّو ُن ُه بعدُ شاعرهُ / ،يشب ُه استكشافات رسدية وتاريخية من خالل صورة األمرية العربية يف ألف الدين» مني / ،فأ ّنبني إخويت / ليلة وليلة ،وكذلك عرب صورتها منترصة ومنهزمة يف الحروب العربية ،اسمي الذي /ضاعَ يف «حص ِة ِ البيت من دون ِه /ول ُه ُ حني ُ العواطف، ذات تأتأيت يف ِ عدت إىل ِ ثم صورتها يف العصور الحديثة عرب مناذج تعبريية متعددة رشقاً وغرباً. ُ ُ / القديم / ،ولكنني لست أعرف ُه هكذا» ذات غبايئ ِ وتتداخل وسط هذه الرسديات مناذج معرفية ذات صبغة إنسانية عمقت عالقاتها بالروحية الرشقية. فواصل للحذف.. شعرية بنعومة آسرة الكتاب :فواصل للحذف الشاعر :جيتون كلمندي -ألبانيا املرتجمة :ياسمني العاين النارش :دار رشقيات -مرص عدد الصفحات 238 :من القطع املتوسط
14
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ما يلفت االنتباه يف تجربة كلمندي هو شغفها العميق بالرغبة يف التعبري عن املشاعر اإلنسانية العميقة :وما هو مقصود بالشغف هنا أن الشاعر يذهب نحو مالمسة الجزيئ من تلك املشاعر يف تفاصيلها الصغرية: وها قد جاء وقت /محيرّ كالبهجة /وال أحد ميكن أن مي ّيز بياضه من سواده /مل نستطع أن نجد أنفسنا /وال أن نراها وال حتى أن نلتقي بها /أو رمبا فقدناها». يلتصق جيتون كلمندي بالشعر فنكاد ال نلمحه مستغرقاً يف مبارشة واقعية يف صور العيش يف بالده ألبانيا ،إذ هو يرسمها
رغبات ومخاوف
خنساء اإلمارات تصدر ديوانها األول
الكتاب :مالك مرتدّد الشاعرة :رنا زيد ( -فلسطني) النارش :منشورات الدار العربية للعلوم نارشون – بريوت
الكتاب :ارتباك الشمس الشاعرة :زينب عامر (االمارات) النارش :دار العامل العريب للنرش والتوزيع
عدد الصفحات 79 :من القطع املتوسط
عدد الصفحات 120 :من القطع الصغري
تكتب رنا زيد« :أيها الغيم املشتهى كل شتاء /ها أنذا أقرتب / ألض َمك /ال تخف /قبلني كورقة خريف ماضية» .يكتب عن ذلك الشاعر راسم املدهون يف يومية الحياة البريوتية« :تأيت (مجموعة رنا زيد) محتشدة برغبة عارمة يف التكثيف .القصيدة عندها تسعى تتأسس عىل ال َرسم ،والشاعرة تأيت إىل مجموعتها الشعرية لبنائية َ األوىل وهي تحمل تجربة حيوية يف التجريب الشعريَ . لعل هذه املسألة بالذات تجعل قصائد رنا زيد «األوىل» تتجاوز كثريا هذه الصفة وتدفعنا للتعامل معها باعتبارها تجربة تحسب لها وعليها بكل املعايري النقدية .ويضيف« :مالك مرتدّد» الفتة عريضة لقصائد «تعبث» يف املساحة الشائكة بني الرباءة مبعناها العام ،وبني قلق عارم ال يخفي نفسه بني سطور وجمل الشعر ،بل هو يتج َول هنا وهناك ، فيمنح القصائد ومينحنا معها متعة قراءة قلق جميل». ويصف رنا زيد يف «مالك مرتدد» بأنها «ابنة تجربة قصيدة النرث العربية عموما ،وهي بهذا املعنى إذ تستفيد من هذه التجربة تنجح يف تحقيق افرتاق بينّ عن مناخات الشعر الفلسطيني «الشائعة» ،أما الشاعر هيثم حسني ،إذ يكتب عن حضور ثيمة «الوحش» ،فيكتب يف القدس العريب اللندنية« :ال تقف عىل الحياد ،وال تقف مبنأى عن صوت›، تأثريات الوحش واالشتياق الخطر إليه ،يف قصيدتها ‹أح ّبي بال ٍ املتوجس بطبيعتها الوحش ّية ،وانسكانها بتلك الطبيعة ترصح للحبيب ّ ّ الغرائب ّية» من حدقة أقرب للمخيلة منها للواقع .قصائده تنتبه للعميق ،أو لتلك املساحة التي تزدحم فيها الذاكرة بالعيش الراهن يف محاكاة شفيفة لألىس ،محاكاة تجعل «اليأس» أليفاً ومفع ًام ببهجة ما، غامضة وتليق بالشعر. يف «فواصل للحذف» شعرية تأخذ القارئ نحو جدل املحليّ والكوين بنعومة آرسة ،فهذا الشاعر األلباين املسكون بحيوية التعبري عن معاناة راهنة يف بالد «محدَدة» وواضحة االسم يحمل يف قصائده روحاً أخرى ال مبالغة يف وصفها بأنها روح إنسانية «عا َمة» ،والالفت هنا أن َ كل قصائد املجموعة كتبت يف السنوات القليلة الفائتة
يحتوي الديوان عىل خمس عرشة قصيدة وزعتها الشاعرة عىل صفحات كتاب بحجم «كتاب الجيب» ،تخترص فيها مترد أنثى أغوتها الحرية الفكرية والتحرض بدالً عن التمدّن وبعيداً عن االبتذال واإلسفاف ،كام جسدت من خالل قصائدها األسئلة الوجودية املباغتة التي تقتحم الخطوط الحمراء ملجتمع تقوقع عىل ذاته بسسب العادة والعرف بالقياس إىل نظرتها الشمولية لإلنسانية ،وحالة من االنتامء إىل العراء املوحش والشاسع. وقد خصصت زينب عامر يف آخر الديوان مساحة نرثية صغرية باحت من خاللها ببعض رشارات متقلبة املزاج بني الحب والفراق واالنتقام واألسئلة التي ال متلك إجابة عن نفسها ،وهي مبثابة رسائل خفيفة للقارئ ،تستوجب دواخله من خاللها وتثري فيها ارتباك ما بعد السؤال ،أو ما بعد اإلجابة. «نحن أغبى من أن َ ندرك أننا أذكياء!!» ..هكذا يصدمك غالف الكتاب الخلفي املقتطف من إحدى نرثياتها يف آخر الديوان ،لتقف أمام مرآة ذاتك وتتساءل :هل نحن أغبياء؟ أم أذكياء؟ أم هي مدارات الغفلة عن ذكائنا أوقعتنا يف دائرة الغباء؟ أم غباؤنا املتعملق الذي يوهمنا أننا أذكياء؟ كام تثري حواس تفكريك وانتامءاتك اإلنسانية يف إحدى قصائدها: ُ وجدت / «متلؤين هبا ًء كالذي أحياه منذ ال أهيل كأهيل /ال الطريق يسري يب /ليس انتهايئ كالذي أبغيه /ال عييش رغيدٌ /ال فق ٌري /ال مدايَ مدايَ /ال التاريخ يغويني /وال ُّ تصيب صوابها». كل احتاماليت ُ سبق لزينب عامر أن شاركت يف مسابقة أمري الشعراء ،2007ولقبها د .عبدامللك مرتاض بخنساء اإلمارات» وحصلت من املسابقة عىل درع «شاعر اإلنسانية»
issue (6)- November - 2012
15
شعر وشعراء
الوطن مجازا وجوازا
الكتاب :تشبه وردا رجيام الشاعر :فرج بريقدار (سوريا) النارش :دار الغاوون عدد الصفحات112 :
كتبت قصائد هذا الكتاب يف سجن صيدنايا يف السنني الخمس األخرية من القرن املايض ،ويف أجواء ما قبل «ربيع دمشق». كتبها وه ّربها لتسبقه إىل حريتها ثم بعد ذلك أفرج عن الشاعر. يف القصائد الست عرشة نجد السجن يف أبشع حاالته ،وأكرثها تكثّفاً ،رمبا ألنها يف أكرثها وضوحاً .يسأل بريقدار يف إحدى قصائده« :ملاذا إذن ال أقول الذي ينبغي /أن ْ يقال؟! /أليس الطغاة طغاةً؟ /بىل… /واملواعي ُد زرقاء /تدنو سامواتها ثم تغيب». تنأى /ولكنها ال ْ تظهر قتامة السجن يف هذه القصائد بقدر الجامل الذي نقرؤه فيها كذلك ،إمنا بكل تناقضاتهام ،الكتاب ميلء بها ،وكل منهام ميعن يف تباعده عن اآلخر ،كلّام تجاورا بني األسطر .قصيدة «شكوى» قد تلخّص بقرصها مكمن الجامل يف هذه القصائد، وهو ما يوصلنا إىل مكمن البشاعة يف حياة السجن« :أحالمي بيضاء /وكم يؤملني /أن أكتبها /يف آخر الليل /بح ٍرب أسودْ». كتب بريقدار قصائده يف املعتقل ،يف ظروف ال نعرف كيف أ ّمن بها قلامً وورقاً ،ثم كيف ه ّربها ،ال نعرف شيئاً عن ظروف وحاالت الكتابة ،إال أن األوطان تظهر يف أكرث حاالتها نصاعة يف أدب يُكتب يف املعتقالت ،هذا إجامالً وهو كذلك هنا .فكرة الوطن تختلف من إنسان آلخر ،من مثقف وشاعر آلخر ،وطاملا أن التسمية تلحق املس ّمى ال تسبقه ،سيكون ما نراه من خارج السجن وطناً ،سيكون عنواناً ضائعاً ،أو محجوباً ،عند من يرونه من داخله ،ليبحثوا من عندهم عن وطن فقدوه ،تاه عنهم، تنسق كل سيكون خليطاً من ذكريات وخياالت وأمنيات وأفكار ّ ذلك ،فتكون فكرة «الوطن» بأنضج وأجمل حاالتها ،وهي التي يجدها املعزول عنها يف املعتقل -كام كان بريقدار -واملنفي منها ،كام هو اآلن يف ستوكهومل .يختم قصيدة «ربيع »1999 باآليت« :فأنا أبحث عن عنوان ضيَّعه الرعيان /وسماّ ه الشعراء مجازا ً وجوازا ً / :وطني». 16
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
جائزة «فويل» للشعراء الناشئين
النارْ ..أسرارُها ،وتأمـــ
باستثناء
نوبل لآلداب السويدية والبوكرمان االنجليزية والغونكور الفرنسية ،وبعض الجوائز األخرى «األقل أهمية» من وجهة نظر عربية ،قلّام انشغل االعالم العريب بجوائز أخرى ،أو سعى إىل التقيص حول فحواها والهدف منها والحقل االبداعي األديب الذي تنشغل به والجمهور الذي تتوجه إليه وكذلك طريقة دعمها وأساليب تقدميها للمجتمع عرب وسائل اإلعالم وتعزيز دورها الرتبوي أو التثقيفي عىل مدار العام. من بني هذه الجوائز جائزة لندنية تدعى «جائزة فويل للشعراء الش ّبان» تتوجه إىل الشعراء الناشئني فقط والناطقني باالنجليزية يف كل البالد االنجلوسكسونية فحسب ،وتدعى جائزة فويل للشعراء الشبّان ما بني ( 11إىل )17ويفوز بها أول خمسة عرش شاعر ناشئ – متسابق ،تبعا لقرار لجنة ومحكِّمة تتألف بالعادة من شعراء إنجليز معروفني ،ويتم إعالن النتائج يف الرابع من كل أكتوبر الذي هو اليوم العاملي للشعر عىل خالف ما أق ّرته اليونسكو يف الحادي والعرشين من كل مارس. وتتوزع الجائزة عىل فئتني ،األوىل منهام ،)31 – 11( :وتتم مكافأتهم باصطحابهم إىل مدارسهم أينام كانت يف اململكة املتحدة فيلقون أشعارهم فيها ويع ّرفون أقرانهم بالجائزة صحبة الشعراء املحكِّمني وإدارة الجائزة من ذوي االختصاص الذين يشجعون التالميذ عىل املشاركة يف مسابقة الجائزة بدءا من هذه السن. أما الفئة األخرية )17 – 14( ،فيقيض الفائزون من بني املشاركني يف هذه الفئة أسبوعا مع الشعراء ولجنة التحكيم ضمن ما يعرف ب«كورس إقامة آفرون» .إىل ذلك ،فإن مئة من املشاركني يف دورة هذا العام عىل سبيل املثال سوف يلقون قصائدهم التي كتبوها مؤخرا يف اليوم العاملي للشعر العام املقبل ،أي اليوم الذي سوف ت ُعلن فيه نتائج الدورة املقبلة. وذلك فضال عن صدور كل تلك القصائد املشاركة يف انطولوجيا
ـــــالتُها الغاضبة
وما الكتابة عن هذه الجائزة هنا في «بيت الشعر» سوى دعوة للتورّط في مسابقة عربية شبيهة تأخذ بعين االعتبار التطور الذي طرأ على القصيدة والشعر العربيين
تحمل اسم «أنطولوجيا». وبحسب املوقع االلكرتوين للجائزة فهي فرصة ألي رسع يف تشكيل سرية كتابية له ،ومنذ شاعر ناشئ إذ ت ّ نشأتها قبل خمسة عرش عاما استهلت الجائزة السرية الذاتية للبعض من الشعراء الذين ينتمون لألصوات االنجليزية وغري االنجليزية املثرية لالهتامم مثل الشاعرة هيلني مورت التي هي اآلن عىل وشك إصدار مجموعتها الشعرية الثانية. ُ لدورة هذا العام ،التي أعلن عن نتائجها يف الرابع من الشهر املايض ،شارك سبعة آالف ووثالمثئة شاعر ناشئ من بريطانيا وجميع أنحاء العامل .ويف حقلها تعترب جائزة فويل للشعراء الش ّبان املسابقة الشعرية األضخم واألكرث أهمية أيضا بحسب ما هو مشهود لها عىل نطاق واسع. وحقيقة األمر فإن ما يثري الغرية بحق ،ليس وجود هذه الجائزة بحد ذاته ،بل هي النتائج التي تتمخّض عنها ،إذ يجد القارئ نفسه أمام سيل من الشعر الطفويل املفاجئ إىل درجة اإلدهاش ،والربيء إىل ح ّد السذاجة أحيانا. وما الكتابة عن هذه الجائزة هنا يف «بيت الشعر» سوى دعوة للتو ّرط يف مسابقة عربية شبيهة تأخذ بعني االعتبار التطور الذي طرأ عىل القصيدة والشعر العربيني. ومن بني هذه النتائج اخرتنا قصيدتني ،ال ب ّد وأن الرتجمة قد أفقدتهام بعضا من روحهام الربيئة ...
النار تعرف
جييس رودريجرز 13سنة -الواليات املتحدة
تعرف النار أرسار الحطب عندما ِّ يدخر تأمالتها الغاضبة. ّ النار تعرف كيف تدف ُء األيدي الباردة ،واألقدام الباردة ،والوجوه الباردة.
تعرف كيف ُت َر ِّق ُص و ُت َر ِّن ُح َ أصوات الليل. تعرف النا ُر كيف ُت َغ ُّص وتطقطقُ ُمحدث ًة جلبةً تحديدا ،عندما َ أنت ال تريدها أخريا ،وليس آخرا ،تعرف النا ُر كيف متوت ،وكيف تزدهر وكيف تلتهب؛ وتعشق ،وكيف تكون جمر ًة تغم ُز ثم باردة ومتحجرة ومسو َّد ًة وصامتة.
اإلطار
سونيا مور 16 ،سنة -انجلرتا
صورة ،ما تزال فوق النافذة البيضاء تجمع جديلتي الصبية إىل ابتسامتها القوية وال َي ِقظة ،يف اإلطار املعدين. نوم أختها إنها تنظر إىل األسفل؛ إىل شكلِ ِ الذي ّ ظل صيفا وشتاء عىل حاله يف الفصول كلها. أسمع ضحكتَها، املرصع بالنجومُ ، ورغم الزجاج ّ رقيق ًة وهادئ ًة ،كالتي يل؛ إنها تركب الريح ،وتناديني باسمي. ّس ،فوق النافذة، أبق ْي ُت هذا َ الرضيح املقد َ ما زال عبارة رسمدية، بظهرها الذي إىل الغرب ،ولهبها الذي يحترض. يجد القارئ نفسه أمام سيل من الشعر الطفويل املفاجئ إىل درجة اإلدهاش ،والربيء إىل ح ّد السذاجة أحيانا ،لكن الخلو من الصنعة إال ما ندر بيت الشعر
issue (6)- November - 2012
17
شعر وشعراء
سالم أبو جمهور
يرسم لوحته بريشة الكالم
من
من يقرأ للشاعر سامل أبو جمهور ديوانه األخري «رسام األمرية» الصادر عن اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات ووزارة الثقافة والشباب وتنمية املجتمع، يذهب بعيدا يف تخيّل شخصيته ،وليس قوله أو قصائده فقط ،ويجد أنه عفوي لدرجة أنه ال يخفي عبارة خلف ِّذب أو ننقلب عىل أخرى ،وصادق لدرجة تجعلنا نُك ُ مقولة «أعذب الشعر أكذبه» .فهو ال يستهوي محسنات اللغة ،وال يشغل نفسه بالبحث عن ألفاظ أو تراكيب من قاموس جديد ،بل يقول عبارته كام هي ،طازجة وصافية، تلتحف الصدق والعاطفة التي متيز أبو جمهور شاعرا وإنسانا ،ويراه يهبط من عىل سلم القصيدة عىل مهله ليقول يف خامتتها حكمته أو مفارقته التي تحمل املعنى والقصيدة بيد واحدة . هناك من يقول إن الشاعر»شاع ٌر حتى يف تقليم أظافره». هذه املقولة تحيل إىل فهم صفة «الفارس» أيضا بطريقة مختلفة بعيدا عن الفهم السائد ،إذ مل تكن تطلق قدميا عىل من يجيد ركوب الخيل ،بل عىل من يتحىل مبكارم األخالق والشجاعة والنخوة .وقياسا عىل ذلك ،ميكن القول إن الشاعر أيضا ليس من يتقن نظم الكالم شعرا ،بل من يستطيع أن يكون شاعرا بكل حاالته ،شاعرا يف جلسته، وشاعرا يف مشيته ،وشاعرا يف نظرته ،وشاعرا حني يقول ويتحدث ويعيش . سامل أبو جمهور من فصيلة الشعراء هذه ،الذين نتلمس يف كل قول وترصف لهم ،صورة الشاعر وهيئته وهالته. وهو الذي شرَ ِب بداوته من فنجان الصحراء ،ووضع دالله عىل طاولة القول ،لتفوح منها رائحة األصالة والهال املقفّى. الحرب إين أكر ُه َ وال أعشقُ ذكراً للنّضالِ 18
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
فتعالوا يك أرى وج َه الرجالِ ُ الخوف سهواً رمبا يستيقظ هذا من خيايل ! بهذا اإليقاع يرسم صوت قصيدته ،فهو شاعر مولع باملوسيقى، لذلك نجد قوافيه تسبق نفسها إىل كل سطر ،لتل ّحن القول، وتستدرج السامع أو القارئ إليها دون عناء .وبالرغم من كون ذلك قد يعترب ميزة للشاعر ،إال أنه يف مواضع أخرى قد ال يخدمه ،خصوصا عندما يعلو وقع اإليقاع عىل صوت الفكرة واملعنى . هذا اإليقاع ،أجاده الكثري من الشعراء ،الذين اخترصوا املسافة بني القصيدة والجمهور ،عندما قدموا لهم الكالم عىل طبق الشعر البسيط وغري املتكلف .كذلك فعل نزار قباين ومظفر النواب وغريهام يف الكثري مام قدموه من قصائد ظلت تحايك نبض الشارع بلغة سهلة وتعابري مبارشة يف وصفها ودالالتها. ويف «رسام األمرية» يسري أبو جمهور عىل ذات تلك الطريق، التي تبدو مساراتها واضحة وبيّنة ،وال تحتاج إىل بوصلة أو الفتات إرشادية عريضة. هكذا تبدو قصيدة أبو جمهور ،خفيفة الظل ،تجر نفسها بنفسها إىل حيث يريد الشاعر .تراقب األشياء من حولها، لتقتنص الواقع بعدسة الشعر ،وتحمله كام هو ،لتوصله إىل القارئ صافيا .كام ال يضيع أبو جمهور يف قصيدته فرصة للسخرية ،أو التهكم ،وال يرىض إال أن يرسم ابتسامة يف ذهن اآلخر املتلقي . بالرســم حتى تســــمعي ال تقنعي ِ صوت الجامل يسيل من فرشايت ٌ صامت لــــن يرتقـــي بالفــن فـنٌّ ُ َ باألصـــوات األلـــوان يخلـــط ال ِ الشعر هو رسم أيضا ،هذا ما يريد قوله الشاعر يف هذين
الكتاب :رسام األمرية الشاعر :سامل أبو جمهور (اإلمارات) النارش :اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات - وزارة الثقافة والشباب وتنمية املجتمع عدد الصفحات 168 :من القطع املتوسط
البيتني ،وهو يحيلنا إىل عنوان مجموعته الشعرية «رسام رسام بالرضورة ،ولكنه ال يرسم بريشة األمرية» ،فالشاعر ّ األلوان ،بل بريشة الكالم .يشري إىل ذلك الشاعر عبدالله السبب يف تقدميه للمجموعة حيث يقول »:للشاعر ريشة ال ميلكها الفنان التشكييل ذاته ،وللشاعر حبكة إبداعية ليست للقاص أو الروايئ أو املرسحية أو السيناريست نفسه ،والشاعر يستطيع أن يكون كل أولئك ،وأن يكون حالة درامية تكنيكية عالية ،فهو املايسرتو بجملته الشعرية الساحرة وهو السيناميئ بلقطته الغريبة األطوار واألطوال ،وهو فالح القصيدة بكل حذافريها واحافريها وأساطريها وواقعيتها» .مضيفا بعد ذلك »:أبوجمهور هو ذلك الشاعر الذي يدرك متى يرسم قصيدته ،ومتى يكتب لوحته ،ومتى ميرسح صورته». هي لوحة الكالم إذا ،يلونها الشاعر بكل ما ميكنه أن يتحفها بالبهاء والضوء والصوت ،ليعلقها عىل أسوار الشعر ،وينصف الفن والذائقة معا . أبو جمهور يف هذه املجموعة ،يبدو شاعرا غري أناين، فهو يبتعد عن هموم الذات ،ويقرتب كثريا من الهم العام ،متحدثا عن قضايا اجتامعية عديدة ،تفرس لنا ذلك «اإليثار» املاثل يف عدد من قصائد هذه املجموعة ،ومنها قصيدة «صحوة الطفل» التي يصف فيها براءة الطفل وكنوزه الفقرية .. أسياد ٌة للطفل غري براءته .. أقضية للطفل غري طفولته .. ال ريب فالدنيا العريضة ال تساوي قطع ًة من لعب ِته كام يتميز يف هذه املجموهة بخضوعه لسلطة الواقع، وعدم ابتعاده عن محيطه ،لذلك نلمس يف شعره ذلك الصدق ،وتلك العفوية التي تتسلل كثريا إيل سطوره
وتتسلق أسوارها لتفرض حضورها يف مساحات القصيدة وطقوسها .وكأن الواقع هو وقود النص الشعري ،والدليل الذي يتبعه الشاعر ليقبض عىل مطلع قصيدته ثم يكتبها بقلمه ولكن بصوت اآلخرين عندما يتعلق األمر بحدث أو قضية تعني الجامعة ال الفرد فقط . هذه الفوارق ،ال نجدها يف «رسام االمرية» حرصا ،بل يف معظم ما أصدره أبو جمهور عرب مسريته الشعرية التي توجها قبل هذا العمل كام ذكرنا بتسع مجموعات منها «روائح النور ،تصاريح ،دكان أمني ،جرس الزجاج ،مالعب البالون ،رجايئ» وغريها .فقد ظل سامل مخلصا لواقعه دون أن يخرج عنه أو يتمرد عليه .يرتقبه وينهل منه فكرته يحب هو .. ليصوغ املعنى كام ّ صورة التاريخ تزداد خياال يف عيون اليوم ال تبدو حقيقةْ ُ قلت : جئت غريباً يا هذا رجا ًء عد كام ِ َ أنت ده ٌر وأنا كليّ دقيقةْ إن للشاعر قدرة عجيبة عىل استيعاب كل ما يدور حوله يف مساحة صغرية ،ولكنها يف نفس الوقت ،ذات دالالت واسعة تعلو وتبتعد ،وتلملم ما تريده يك تجمع نفسها وتتوالد قوال وشعرا .هنا ،نشري إىل قدرة أبو جمهور عىل استيعاب ما حوله ،غري آبه بالتعبري عنه بحرفية شعرية عالية ،النه الحريص عىل حضور عبارته وإن مل ت ُج ّمل كثريا ،فهو يسعى لقول ما يريد ،بعيدا عن التكلف والعناء والحفر عميقا يف أرض الكالم عبدهللا ... issue (6)- November - 2012
19
شعر وشعراء الهواء ثلثا زجاجتي
تاريخ شخصي من الشعر الكتاب :الهواء ثلثا زجاجتي ..وندميي البحر الشاعر :حنا حيمو (سوريا) النارش :دار نون للنرش والتوزيع -رأس الخيمة (االمارات) عدد الصفحات 132 :صفحة من القطع املتوسط
توج
شاعرية القول ومضمونه بالتساوي .إال أن القصائد تتنوع الشاعر السوري املقيم يف العاصمة السويدية أيضاً يف موضوعاتها :فتتوزع ما بني التأمل ،والعبث ،والتوق، ستوكهومل حنا حيمو مسريته مع الشعر مبجموعة والشوق ،واستحضار الذاكرة والحالة اإلنسانية بتأمالت شعرية صدرت مؤخرا ً عن دار نون للنرش والتوزيع يف إمارة يرافقها وفاؤه ألصدقائه الذين تأثر بهم وتأثروا به. رأس الخيمة ،انحاز فيها لقصيدة النرث بعد مسرية طويلة مع قصيدة التفعيلة ،مشتملة عىل ثالثِة وثالث َني نصاً شعرياً تنتمي ويف قراءته للمجموعة يقول الشاعر والناقد سعد اليارسي جميعا لقصيدة النرث ،فاتحاً َ تحت عنوان« :سادن الريح» ،بأن حيمو «اعتم َد عىل مقدر ٍة بذلك طريقاً جديدا ً له مع قصيدة والسينام النرث التي هي بالنسبة إليه أكرث رحاب ًة وأقل قيودا. بَرصيَّ ٍة الفت ٍة ،وهو َمدي ٌن للفوتغراف (ثابتًا) ِّ بعض بُنى قصائد ِه؛ مجته ًدا يف الوفاءِ (سيَّالةً) يف اجرتا ِح ِ و«الهواء ثلثا زجاجتي ..وندميي البحر» هو أيضاً باكورة ِ نص ال َّنرث دون استغراقٍ يف منط َّي ٍة سائد ٍة كتابة لتقنيات الدار إصدارات دار نون للنرش والتوزيع ،والتي استكملتها ِّ حسب لهُ». مبجموعة من اإلصدارات لعدد من الكتاب والشعراء. ومنفِّر ٍة ..وذا مماَّ يُ ُ ويضيف اليارسي كذلك بأن الشاعر قد «سعى يف عناوين انكتبت القصائد يف االغرتاب السويدي وتحديدا ستوكهومل ما ِ ِ ولعل التلقائيَّ َة الحفاظ عىل خصوصيَّ ِة املتونِ َّ ، القصائد إىل بني العامني 2011و.2012وميكن القول أنها تنتمي إىل التأمالت ِ ِ َ خدمت القارئَ – الباديَّة يف نحت بعض هذه العناوينِ قد الشعرية املكثفة ،املتميزة ،مبعنى أنها ليست مجموع ًة من ْ قبل غري ِه – يف ال ُّدخو ِل إىل عا ِمل ح َّنا ِحيمو دو َن كثريِ عنا ٍء. َ النصوص الشعرية القامئة عىل رؤية مغايرة للواقع ،بل هي أكرث وندميي البح ُر» كام جاء عنوان العملِ «الهوا ُء ث ُلثا زجاجتي.. تحمل الكث َري من الرؤى الفلسفية التي استطاع من ذلك ،فهي ُ َ ِ كيب الشاعر أن ينسجها يف بناء القصيدة بطريقته الخاصة ما جعلها ثريًّا متوافقًا مع اشتغاالت الشَّ اع ِر يف اقتفا ِء أث ِر الترَّ ِ امل ِ ُفرط الحساسيَّ ِة؛ والذي عاد ًة ما يكو ُن جمل ًة اسميَّ ًة – مختلفة برؤيتها ولونها وفرادتها ،إذ يحرض الرمز التاريخي ِ ً ً يزيح امل َعنى إىل نقيضه أو والفلسفي بقوة يف نسيج القصائد ،مانحاً إياها جاملي ًة عالية مل إخباريَّة -ال َ طلب ُ فعل فيها ،وال ٌ ِ تأت عىل حساب شاعرية النص أو انسيابيته ،بل إضافة جاملية إىل حدو ِد نهائيت ِه». ويؤكد أن ح ّنا حيمو يف ديوان ِه األ َّو ِل «بالغِ الج ِّديَّ ِة «الهوا ُء رغم التكثيف العايل يف شكل النص وتكنيك بنائه وكتابته. وندميي البح ُر»؛ يعل ُن عن ِشعريَّ ٍة نابض ٍة، ث ُلثا زجاجتي.. هكذا ،ميكن وصف املجموعة الشعرية األوىل لحيمو بأنها َ شخيص ونص وع ُد ُه الخصوبةُ .مث َّ َة تاري ٌخ حملت خصوصية ذاتها ،حيث امتلك صوته الخاص الذي وتلقائيَّ ٍة سائل ٍةٍّ ، ٌّ ٍ أيضً ا ،ورصا ُع ذاكرة ،وراحلونَ ،وحارضو َن سريحلونَ ،وباقو َن ميزه ،فيبدو شاعرا ً واثقاً من أفكاره ورؤاه وأدواته ،وكذلك برزت مقدرته عىل توظيف الصور واالستعارات وأحياناً الطباق حتَّى ال ِّنهاي ِة ..هؤال ِء كلُّهم مثَّلوا شهاد َة الشَّ اع ِر عىل نفس ِه املحموم ِة والجناس ،ما جنب الكثري من القصائد رتابة الوصف والرسد. ِ برضوب القلقِ ؛ وهل الشِّ ع ُر إالَّ قلقُنا ال َّناف ُر؛ كورمٍ ينحاز الشاعر بشكلٍ واضح ملضمون القصيدة وبنائها الفكري يف ال ُّرو ِح ..كورمٍ َجميل!» عىل حساب املوسيقى الشعرية التي تحرض أيضاً يف مواض َع ّ عدة ،بحيث أنها تش ُري إىل شاع ٍر متمكنٍ من أدواته ،ويزاوج بني مهند صالحات 20
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
أعالي القرنفل
االحتفاء بالمكان ومعجمه البصري الكتاب :أعايل القرنفل الشاعر :يوسف املحمود (فلسطني) النارش :األهلية للنرش -عامن واالتحاد العام للكتاب واألدباء الفلسطينيني عدد الصفحات 188 :من القطع املتوسط
ملَن
هذا الصدد« :يقدم لنا يوسف املحمود ما ميكن تسميته شعرا يطل ،ولو نسبيا ،عىل التجارب الشعرية قُ ّدر له أ ْن ّ فسيدرك كتب، أو قصائد يف املحمود ليوسف السابقة حسيا عىل فالحة العامل وتذ ّوقه والولوج فيه يشتغل ريفيا، ّ أي ح ّد تطورت تجربة هذا الشاعر الذي بدا مفاجئا ومباغتا ،بوصفه امتدادا للجسد .وتحرض الطبيعة مبعجمها البرصي إىل ّ إذ أحدث قطيعة معرفية بالكامل مع إرثه الشعري السابق الهائل الذي يح ّول الوجود إىل نشيد إنشاد ،ويرفع املكان عاليا تهب عليه ليؤسس لصوته الخاص عرب واملؤثرات التي كانت ُّ كحلم تتحرك فيه األرض كإله ٍة أ ٍّم يف عقيدة خصب» ،يتجلىّ حفر شعري يجمع تأمالته الخاصة بالحياة والوجود إىل املشاغل ذلك يف طريقة استخدامه ملفردات الحياة اليومية الريفية الجاملية التي بات ينشغل «الشعر الفلسطيني الراهن» بها، وتجليتها لتقع يف القصيدة متاما كام يقع الحلم يف منام ،رمبا دون تقديم أية تنازالت معرفية أو حدسية ،إذا جاز التوصيف ،ألنها تحمل ذاكرة قدمية وروائح. باتجاه شكل شعري آخر للقصيدة ،هو الذي بدأ بالقصيدة بهذا املعنى ميكن للقارئ أ ْن يضيف بدوره إىل ما قال الشاعر وظل وفيّا لها حتى اآلن: املوزونة -التفعيلة ّ - أبو شايب ،أن هذا القول الشعري يف «أعايل القرنفل» يتغزل أريد تلك الوردة /أشتهي أن أطعنها /لو بقلبي /أو بفمي بهذه التفاصيل الريفية اليومية مثلام تتغزل كامريا بتفاصيل املتي ّبس كمنقار الطري / .أشتهي أن أرى دمها /يفور بني يديّ معشوقة تكاد تعرى. /ألشم رائحة القش والرتبا والكواكب /أريد أن أطعنها / خاصة وأ ّن الشاعر املحمود يستفيد من موروث الحكايا القدمية حتى أرى مطلع الشمس يف عنقها /أريد تلك الوردة». التي كانت سائدة يف الريف الفلسطيني ،ولو عىل نحو موارب، لقصيدة يوسف املحمود يف «أعايل القرنفل» اتصال ب« :حداثة» فيخلّصها من فائض الرسد ويُدخلها إىل مطهره الشعري الخاص الشعر العريب بل وب«حداثة» نرثه أيضا ،و َم ْن الكتاب سوف لتخرج من الجهة األخرى مبللة بالندى ،إذا جاز التوصيف. يُدرك اتصال القصيدة بالنرث العريب بنامذجه الراقية ،كالكتاب فالطبيعة هنا ،قصيدة يوسف املحمود ،هي امتداد ملشهد كوين، الكريم ونرث أيب ح ّيان التوحيدي إىل جوار قراءته العميقة للشعر إمنا كام لو أنه قد غ ُِسل مباء شتوة أوىل م ّرت به للت ّو: العريب املعارص ،إىل ح ّد أنه بهذا املعنى ،فإن «أعايل القرنفل» «هذا اسمها /املكتوب بالنايات /والخرز املل ّون والنشيد / هو كتاب مصنوع عن وعي شعري رصني ووعي شخيص بالشعر:
اليو َم أعرف كم ع َّ يل /بأن أهاجر يف الجنون /وكم ع ّ يل بأن أعنّي /تعال أعنّي ع ّ يل /وخذ كل ما ّ ظل مني /تعال كام أنت /بالورد والطيب والخمر / ،واليوسف الحسن / ،ثم تعال أسري عىل املياه /ليك أغادر تأتآيت /حني أذكره أمام البحر / ُ ُ والتفاح / .كم دارت األشجار فيه ورددته الكواكب َ / خوف وكنّي». واالفت لالهتامم يف هذه التجربة أيضا ،هي أن الشاعر يوسف الذبول واالنطفاء كم أسبلت أجفانها األنهار /بني حروفه وتوسلت /يك تتقن الرقص املخاتل والغناء» املحمود ال ينهل «مادة» قصائده من قراءاته املتعدد فحسب،
إمنا يالحظ املرء أن هناك حضورا للبيئة واملكان الفلسطينيني، فيكتب الشاعر زهري أبو شايب عىل الغالف األخري للكتاب يف
بيت الشعر
issue (6)- November - 2012
21
شعر وشعراء مقعد وجدار
الشارع ونبضه
الكتاب :مقعد وجدار الشاعرة أمينة العدوان (األردن) النارش :دار أزمنة للنرش والتوزيع عدد الصفحات 110 :من القطع املتوسط.
بقصائده
التي جاءت قصرية جدا ومكثفة تنترص الشاعرة أمينة العدوان للحياة يف مواجهة املوت ،ومتجد الحرية يف مواجهة األرس ،وترصد االنتهاكات التي تعرض لها األرسى والظروف الالإنسانية التي مروا بها ،سواء وهم يف العزل االنفرادي ،أو تحت التعذيب يف أبشع األمكنة، وترى فيهم الهوية ،والعلم ،والكوفية ،واملقاومة التي تحول دون ضياع الوطن ،واألجنحة التي تحول دون تكسرّ األفق ،واألمن يف وقت الخطر ،والحب الذي يهزم اإلرهاق ،والحياة مقابل املوت واالحتالل واالقتالع واالغتيال ،وتحيي قدرتهم عىل تجاوز املوت البطيء واالغتيال املقصود. يقول األسري يف شعر أمينة العدوان« :أصوم ضد موت وعبودية،
/ووحدها الحرية / ،أعلنت غضبها / ،وأسمع رصختها اآلن» ،ويف الوقت نفسه ،تضع العدوان يف شعرها من الجامليات
الفنية ما يدفع قارئها للتأويل يك يدرك ما وراء كلامتها فتقول عن صيام األرسى تحت عنوان« :مائدته طعامها كالجوع»:
«أصوم 77يوما / ،أسمع السجان / ،يقلد صوت املضغ»/ ، يف املعتقل / ،وجوه صامدة / ،رافضة / ،مرهقة من النظر طويال / ،يف مرآة السجان» .بل وتضيف« :أهو الذي حمل بحار الوطن / ،وأنهاره / ،قامتُه ،أكرث اتساعا :من ضيق الزنزانة» ،وعن «العزل االنفرادي» تقول« :أصوم / ،أحارب هذا االختناق / ،الجدار سامء / ،هواء / ،هواء» ،بل إنها تسرتجع مبدعي املقاومة وشهداءها وتربط بينهم وبني األرسى ،فتقول تحت عنوان« :غسان كنفاين»« :أسمع رصختنا :ضد كائنات
تذوي / ،يف عزلة وصمت املقربة ،أسمع /رصختي ،وأنظر، يدنا تدق الجدار».
وكان يوم األرض من أبرز املناسبات الوطنية الفلسطينية التي توقفت عندها الشاعرة ،أشادت بردود الفعل العربية يف مواجهة
22
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
االحتالل وقالت عن «املسرية املليونية يف يوم األرض»« :الوطن يسري / :ترسانة أسلحة / ،من البرش» ،وترى يف الربيع العريب صوت الوطن العريب املقاوم الذي يعلو ويتقدم بالعريب ويدفعه إىل األمام ،ويحول دون تفتيته ،تقول يف قصيدة حملت العنوان: «تقسيم املدن العربية» :لليد العربية الواحدة / ،أن ال تقطع
أصابعها / ..هناك يف هذه املدن العربية / ،التي تقسم إىل شوارع وأحياء / ،صفحات تضع كتاب تاريخ واحد / ،أوراقا ضد التمزيق». ويف الديوان ،أيضا ،قصائد تجمع بني الخاص والعام ،قصائد ترى يف األب الراحل رمزا للشموخ والعنفوان ،تقول يف قصيدة أخرى بعنوان «إىل أيب»« :جبال عاليا / ،أحاول / ،أن أصعد إليه» ،ثم تسرتجع عباءته ملا فيها من دالالت عز وكربياء وحنان ،وترى يف رحيل األم حرمانا من الطأمنينة والسكينة واأليام الجميلة التي كانت تحظى بها يف حياتها ،وتتوقف عند الفراغ الذي أحدثه فقدها ،واألمل الذي انعكس عىل كل يشء يف وجودها .تقول يف
«أمي هي الغالية« :كل قدوم لها / ،فرح يطري يب / ،إىل األعىل / ،كأنني أجنحة».
يبقى القول أن لغة أمينة العدوان يف «مقعد وجدار» هي لغة شعرية واضحة وسهلة وليست عسرية عىل مخيلة التلقي ،بالطبع كام هي حال لغتها يف أعامل سابقة ،لكنها هنا ،وبسبب هذا الدفق الج ّيش من املشاعر االنسانية أكرث دفئا مثلام أنها أكرث حزنا إىل ح ّد أنه ال مبالغة يف القول بأن هذه اللغة يشعر القارئ بصدى الكلامت التي ترتدد يف مخيلة التلقي. ورمبا ألن تجربة العدوان مل تحظ باهتامم نقدي يف األردن ،فهي نادرة الظهور وأميل إىل العزلة ،فقد اشتمل الكتاب يف نهايته عىل مقالة نقدية يف الديوان أنجزها الناقد سمري الرشيف وحملت العنوان« :الشاعرة أمينة العدوان ..الشارع ونبضه»
نصوص
يوسف عبد العزيز طالل سالم حسن شهاب الدين ياس السعيدي أحمد الصويري رابح ظريف عمار معتصم مهدي منصور علي جازو نزار كربوط أشرف محمد قاسم أديب كمال الدين غازي الذيبة محمد العديني روجيه عوطة أسماء السوافيري رنيم ضاهر عائشة البصري عاطف الفراية issue (6)- November - 2012
23
نصوص
يوسف عبدالعزيز اليرغول
كأفعى ّ يعض الراقصــ َ ني بــصـــوت ِه ويرتكهم رصعى عىل د ّك ِة ال ّليلِ مريض يداوي َ ٌ بالصيح ِة التي االرض ّ كأظالف الرعو ِد عىل ِّ التـل تدب ِ ُّ ّ ولــــكنّه مــن فــــرطِ رق ِتـــ ِه بكـــى َ وأغمض أجفاناً و َغم َغ َم كالــطفلِ
ندامى
ني ٌ ـب بيت مق ّب ٌ ندامـايَ يف الخمســـ ِ يصيح كظه ِر الجنّ تحتي ويخفقُ ُ وســـرو عجو ٌز ٌ ناحل كان يسندُ ال ٌ الظالم تحـــدّقُ ســامء وأفعى يف ِ ٌ وريحانة مغرور ٌة َ فاض عطـــرها ّ الشباك تبيك وتشهقُ فحطت عىل ِ
امرأة 1
عىل حج ٍر تبيك وتطر ُد قلبها الشمس يف عزل ِة الور ِد لريعى رما َد ِ تطيرّ ُ ناراً من مفاز ِة صدرها وترعش كالعصــــفو ِر من شدة الرب ِد مسافر ٌة كالنرس يف ليل نفسها كن مسنون ُة الح ِّد وأســـــيافها يف ال ّر ِ
امرأة 2
لها سوسنٌ يف البال يخفقُ ريش ُه الغيم عىل بي ِتها العايل ٍ كدرع من ِ املوج يف ُك ِّم ثو ِبها وكا َنت تربيّ َ الحلم وتحرس برقاً الح يف ص َّف ِة ُ ِ ُّ ترف عىل الوديــانِ مثل حامم ٍة وتدرج ّ ّجم بيات يف كالظ ِ ُ ِ ملعب الن ِ 24
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
طالل سامل كتابة الصبح الصبح يف روحــي ويعزف ُه من يكتب َ َ الحكايات واالحـــال ُم تر َت ِق ُب عزف ِ الشمس عمراٍ م َّر يف َشفتي من يورث َ تاريخ ُه ٌ تنســكب الحرف مقلة يف ُ ِ األنغـــــام أجمـــــــلهــا أيامه أول ِ القلب تحت َِج ُب تلك التي يف خفايا ِ تلك التي مذ ُ عزفت الــور َد يف ُلغتي ْ طـــــــرب ني كل ُه ُ تناثرت يف حــــن ٍ
شغف تغازل الضو َء واألنســــا َم يف ٍ اللعب العشب يحنو نحو ُه يزهو بها ُ ُ لحن ألـــــــف أمني ٍة أنا هنا ألف ٍ الهــــدب نامت ُ يغا ُر منها املدى ما ِ ْ حملت الروح ما يك َ بصبح ِ يسرتيح ِ َ العنب تلك الشفا ُه قطـــــوفاً خانها ُ وحي يراودين وترجع ُ الشمـــس يف ٍ الحب ما ْ ـحب الس ُ لينتيش ّ عادت هنا ُّ issue (6)- November - 2012
25
نصوص
حسن شهاب الدين ات النابغة آخر ليليَّ ِ األرض َّ جف أد ُميه ٌ ظالم..كجل ِد ِ ُ متوت وتحيا يف يديَّ نجو ُمه كالذئب فوق قصيديت تر َّب َص يب ِ حجيمه شب قلق األوراق َّ ُ ويف ِ ُ ُ ُ نخوضه الكالم وقطعان وكنت ِ الصمت ْاس َ هشيمه تطال بوا ٍد من ِ ُ ْ الوقت حويل عقيمة وكانت مرايا ِ عقيمه فأمث َر عُ ْم ًرا ِمنْ فر ٍاغ ُ صباح ال يؤدِّي كأن َّـه َ ودرب ٍ ليس تفنى رسو ُمه متا ُه ظاللٍ َ ٌ..وباب الليلِ حو َيل مغلقٌ سجني ُ َّ فلم يبقَ يل أف ْـقٌ إيل أحو ُمه ْ كنت ُ وقت ُ أحمل حزنـَها وأحجا ُر ٍ أقيمه جدارا ..وما بيني وبيني ُ
26
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
أرج املدى رج ًّـا بقبض ِة أحريف ُّ بص ْحرا ِء القصي ِدغيو ُمه لتهمي َ ُ وأسترصخ املوىت قبيال..فربمَّ ا رميمه ِمنَ العدم املَنس ِّي َّ هب ُ ِ باب قيام ِة ال أنا..شرُ فة ُالرائني ُ ورقيمه قصي ِد وصويت ..كهف ُـه ُ َ الكالم وطائ ٌر صلصال أشك ِّـ ُل ِ أثيمه ِمنَ الليلِ ..يف األوراقِ حط َّـ ُ الخوف ِ -ظل َّـه ِ أقشرِّ ُ عنهاِ -خيفة َ فتنمو عميقا يف يديَّ وشو ُمه ويل..يف عرا ِء األبجد َّية خيمة ٌ ذئب القصي ِد َو ِر ُميه يلوذ ُبها ُ ْ ْ ضاقت بأحريف إذا اتسعت كالليلِ الخلق فيها كتو ُمه رس َ وباح..ب ِّ ِ َ َّ عزيف الجنِّ يف جنبا ِتها كأن شهاب ْ توالت يف القصي ِد رجو ُمه ٌ
ياس السعيدي حصى المواعيد الهم تاج من ِّ ٍ ماض ُأفت ُِّش عن ٍ الزقزقات البيض عن رسمي وأسأل ِ ُ الروح َ فوق الليلِ أغني ًة ُأبعثرِ ُ َ َعليّ أَ ُ صادف يف أحزانها ُأ ّمي الدمع اسام ٌء تطاردين لصحو ِة ِ أنا املرش ُد يف الاليشء ِمن حلمي ْ أبحرت يف مياه الصمت متتمتي كم ُ الوهم مسافات من قطعت وكم ٍ ِ ما ُصد ْ ِّقت معجزات البوح يف شفتي وال الحجار ُة يوماً ْ أمطرت قومي مل يبقَ الروح يا قلقي ٌ متسع يف ِ وموقدُ الفحم الجرح مل يرتك سوى ِ ِ درب للحناء أسلك ُهُ أجل وال َ ُ ليك أ ِّ باللوم شيب التي ِه خض َب َ ِ ف َّر ْت خيول سنيني من كتائب ِه للسلم سيجنح هذا الوقت متى ُ ِ عىل ضمريي ُّ ُ يخط اللون حرس َت ُه َ الباكون من وشمي غداً سيعرفني وكيف أنىس صال َة الجم ِر يف لغتي وعندها ٌ مدن ْ نامت عىل جسمي ٌ تالوات ُيه ِّر ُبها وهل ستنجو والسهم السهم صدري املساف ُر بني ِ ِ كل املواعي ِد يف آفاقِ وحشتها ْ غابت وظل حصاها يشتهي رجمي متى سيمنحني النعناعُ من دم ِه خرصاً ألطفيء يف أنوار ِه صومي
االوجاع سائر ًة أرى فصوالً من ِ ُ وتبعث رؤيا قحطها باسمي خلفي ُ والقيض يدمي وجه سنبلتي دهران ُ بالغيم فمن يزخرف هذا الصبح ِ واالنكسارات يف قلبي سترت ُك ُه تم أباً ُيطيرِّ ُ أرساباً من ال ُي ِ ُيد ِّث ُر ُ الشك آمايل بحريت ِه ُ ْ أدمنت ض ِّمي وذكريات الرزايا أكلام اخضرَّ َ ٌ طفل يف سهول يدي ُ اليم أوحيت للروح أن ألقيه يف ِّ ِ ناي تصطفي تعبي ُ أحتاج لدغ َة ٍ وقد ُ بالسم أقايض هذا العم َر ِّ ُ وأبحث َ شوك يدثرين اآلن عن ٍ ألن َ سقف انتظار الورد اليحمي
issue (6)- November - 2012
27
نصوص
أحمد الصويري كسر القوافي ُأ َ عيذك من عواقـب مبتداهـا َ قصائدُ بايعتك عىل رضاهـا ُتزغر ُد ُ تحت لحمتها القوافـي فتسبي الياسمني عىل سداهـا ُ وتبلغ ِسدر ًة فـوق الخزامـى َ رسبـل بالبنفسـج منتهاهـا َت تنادي يف األز ّقـة ّ كـل ليـلٍ الصمت ّ يحتل الجباهـا ورمل ّ َ أحييت من ذكرى بكـا ٍء فهل ضامئ َر تسرتيح عىل نداهـا وهل بال ّريح تستوحـي يقينـاً والحداد عىل بكاهـا شموعُ َك ِ وشيت ّ َ بكل صرب النّاس لكـن سيول العجز قد بلغت ُزباهـا أمـاس تناجي الفرقدين علـى ٍ الصخر ال ُيرجى لقاها بروح ّ فلـ ّوح بالغيـاب أل ّم عينـي ً َ ُج ِع ُ لت فداك يـا قلبـا فداهـا ُ َ نسيت يا قلبـي هواهـا تقول: ُ ونبضك ما يزال عىل خطاها عىل األطالل تبيك ّ يـوم كل ٍ فام ُتجزى عيو ُنك عن ظامها تن ّه ْد فالهـوى بحـ ٌر عميـقٌ تدير بـه املبـادئ منتداهـا كأن عليـه لل ّذكـرى نـذوراً ّ ّ تغطي املرشقني وما وفاهـا وميال ٍد عىل كسـر القوافـي يرتجم عن سطوري محتواها ُ 28
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
َ بكانون اسرت ْ احـت شمعتـا ُه ٌ تنحـت فامتطـاهـا وثالثـة ّ عىل أمواجها ُص ْ لبت عصو ٌر طوى الن ُ ّسيان يف قلبي رحاها ٌ ْ أمنيـات باعـت هواهـا إذا فال ْ اليأس اشرتاهـا تحزن إذا ُ ُ الصفصاف هماّ ً َ سواك يشارك ّ بـه اآلال ُم ُتحيـي مبتغاهـا ُ ذكريـات يدغـدغ للقرنفـل ٍ وينيس َّ كل سوسنـ ٍة سناهـا كل نرجسـ ٍة غرامـاً و ُيصيل ّ لحـ ّر ِه طوعـاً دماهـا تُريقُ َ ّ ّاعسـات لـه سبايـا كأن الن ِ وع ُني ّ الشمس مغبـ ٌّر مداهـا َ جناها يستديـ ُر عليـك لكـنْ ٌ العشق مجهول جناها ضحايا ِ تساف ُر والحن َ ني علـى غـر ٍام ّ أضل بك الن َ ثـم تاهـا ّوابض ّ صب ّياً ما تز ُال فكـنْ حليمـاً فكأس الوجد ج ّب ْت ما خالهـا ُ بها األلوان تحني َّ طيـف كل ٍ عىل أقواس غربتـ ِه ِشفاهـا ّ كأن النّاظريـن لهـنّ أل َفـوا جرا َر العطر مخموراً شذاهـا َ سكرت بهنّ يا قلبـي بهـا ًء فلملم ذكريا ِت َ ـك عـن هَ باهـا ْ تئـم صـداها وقِ النّظر ِ ات ال ُي ْ فام للعيـن ُبـدٌّ عـن قذاهـا نيـن كأ ّن َك والهـوى ُخ ّفـا ُح ٍ ْ استقصت ِصباهـا فهل أ ّيامك اب أفقْ يا ُ قلب إ ّنك مـن تـر ٍ يعود ألرضه مهمـا جفاهـا
رابح ظريف رباعيات رجل التيه ني انتظاري ويت ِمه ُ ّ َ قتيال هنا ب َ ملح حلمه سباخ أعيذ الشك من ِ مىض العم ُر يب والشمس خلف غيابه تحنّ ملجراها القـــديم بيــــتمه بعــــيني ..إذ حنّ الظالم لنجمه وتسألني عنّي ..وتقصـــدُ وق َعه ّ الرياح ذكرته لتذكرين ريح الصــبابة باسمه متى نسيت شكيل ُ غريبا عــن الدنيا كأنــي مل أكن ســـوى خـــرب م ٍّر ملبــتدإ م ِّر رسي ولست ّ أحب الليل لكنّ يل به أح ّبة بع َد الليل يحيون يف ّ لهم ما لهذا القلب وهو يخونني ويل ما لهم يف القلب وهو بال صدري أح ّبة لو ّأن الســـنني تك ّلمت ملا نطقت إال لتمنحهم عمري أخدع النّاياتُ .. ُّ سكت لتبد َع ْه كنت وف ّيها إذا مل تج ْد لحنا ومل ِ البهي وترج َعه وإن ضاعت الصحرا ُء تهت بخطويت لرتجع للرمل ّ أنا ها أعـــــددت يا تيه قامتي ألي اتجاه سوف يبدو ألتبعه أه ّيئُ عمري ك َّله النطالقها وأجمع دمعي ك ّله يك أودّعه ُ منك يا حاجتي بعدُ مشيت وح ّررت الخطى من تعاستي ومل أتح ّرر ِ ُ مشيت وعارصت الجنازات ك ّلها وما لبكايئ خلف أمواتها عدُّ ُ مشيت ..وقال الليل أنيّ واقف ومل أمش يف نجد ومل ميش يب وهدُ ولكنّها الصحراء تشهد داخيل بأنيّ مثل التيه ..ليس له حدُّ الشقي عىل شكيل لقد م ّر يوما ما عىل جسدي ظليّ يفتّش يف الطني ّ وكنت عديم الصوت حتّى أد ّلــــه عىل شب ٍه منّي ..فريجع يف وحيل رفعت يدي والعشب فوق أصابعي ول ّو ُ حت واألحجار مصطفة حويل وكنت أرى املوىت وال ّ ظل خلفهم فهل ذاك رسمي أيها الناس أم ظليّ ؟ الحب يا غمدَهم أميش ألسقط من أعىل األح ّبة يف رمــيش عىل ح ّد سيف ّ أحتـــــــــاج ربع دقيقة ألصنع من خويف عىل سيفهم نعـيش وبينهام ُ املنيس يف ح ّد سيفــــــهم سقطت برميش وارتفعت إىل عريش دمي َّ فيا َ ليعلم أهل الوج ِد ّ ..أن صــــبابتي أشـــدُّ منَ الدنيا ..وألطــــف من ِّ عش َ issue (6)- November - 2012
29
نصوص
قتيال هنا ..بني انتظاري ويتــمه أحــــدّث أقامر الطـــــفولة باس ِمه وأسألها كم شـــاب نجـــم لحلمه فتسألني كم شــــاب حلم لنجــــمه بعيني ..يـــــ ّمي حـــدُّ ه حـــدُّ ِّميه لقد قلــــــت لألنهار ملّا تج ّمعت ّ فإن شاءت األنهار ُ املندس يف غيـــم وهمه كنت دليلها إىل خدّي ّ الحب عط َرك يا صبحي وشاو َر أوجاعي الصغري َة يف جرحـي مسا ًء متنّى ّ قمح الطفول ِة ك ّلـــــــــام رأى جوعه يف النّاس ..حنّ إىل قمـحي مي ّر عىل ِ الســــباخ بــــال ملـح ليمنحهم قمح الصباح وعـــــطره ويرتك يل هذي ِّ الحب ال أرى دماً فوق ك ّفي ..بل أرى فو َقها روحي ولكنّني يا خـــنج َر ّ ُ معي عم ٌر يكفي املحب َ يكف جثتهم ق ُرب ني يا عم ُر ويل الكون إن مل ِ أنا قم ُر املــاشني يف ليل يتمهم ويب يا رمال التيه من يتمهم بح ُر نقلت لهم ّ ُ شك األصابع يف يدي وظنّ ظالم الليل أنيّ لــــهم بـــد ُر لقد علقوا يف الصمت منذ منحتهم فمي ..فمتي يا صبح ينطقك الفجر
30
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
عامر معتصم
مهدي منصور
الروح مطفأة
ألندلس سفرٌ ٍ
الروح مطفأة واألغنيات ظمى والقلب يسكب ماء الصرب بينهــام وكل يشء مىض نحو النهاية من قبل البداية ..واألفق الفسيح عمى وأنت ياصاحبي مازلت تحفر يف قــلبي لتزرع يف شــــــطآنه الندما أما سمعت رصاخي وهو محترض يف غــصتي ورأيت الضوء منهدما أما قطفت ذراعي من منابته لكنه بعد حـزن يف الزمـــان منى أما سمعت كثريا صوت عزف دمي أما رقصت عىل اإليقـــاع فيه ،،أما تركتني غارقا يف اليأس ،،منتحرا بالفأس ..مسبرشا بالشمس مبتسام وصاعدا نحو برئ لست أعرفه وساقطا نحو قلب بالحنان ســمى يا صاحبي لست إال شهقة ولدت يف كفة العمر ثم اســـاقطت حلام رحلت عن جسدي يك ال أموت به وعـدت طفال ليك ال أعرف الندما وصحت ..كم صحت ..واأليام تجلدين ورصختي تكشف املســتور واألملا دعني ..أرتب أفكاري وأنرثها فـوق الغام غــامما للذي فهـــام دعني ..أطري كعصفورين من وطني عل الرحيل يزيد الحب بينهــــمـا
ما بني أوراقي ولونِ رشاعي ســحرك املتداعي وطنٌ ملشهد ِ الوهم أسئلتي حن ُني لغتي قطيع ِ والوحي انتباه ال ّراعــــي الناي، ُ ما ُ عدت ذاك األسم َر العر َّيب ُ لست أنا أنا وجهي قناعُ قناعي منقلب عىل متم ّر ٌس باللغ ِو ٌ بخداع الحديث معــ ّم ٌم ســنن ِ ِ ألندلس تسمى ذا ُتنا سف ٌر ٍ شـــعاع وذوا ُتنا يف الليل خـــ ُري ِ مرسح عم ِرنا نرىض ،ونؤمن أن َ حــــطب لذاكــــــر ٍة ونا ُر ير ِاع ٌ تتخشب األحداث من دومينو يهـز ركودهــــا ٌ القاع بقاع ِ حزن ِ دم نروي ،نف ّر ُغ ما َ ترسب من ِ الذكرى ،قصائدنا حدا ُء الناعــي هي من دىن أخرى بريدٌ ل َّف ُه القد ُر الذي قد ًرا أضاع الســاعي أعمى يرى بعصاه ُ أترجم رصت ُ ني ضياعي الرؤيا إىل لغــــتي بع ِ لوال ُّ أخط ملا يكون معي غدًا ما أبعد النجوى وأقصـــر باعي
issue (6)- November - 2012
31
نصوص
رمبا تكون التحية األخرية، األصفى واألرق!
عيل جازو أربع قصائد إلى أماني الزار 1 ال َ مكان تلجأ إليه بعد اآلن ،ال مكان. جسدُك البداية ،جسدُك النهاية: والسالم املعاىف البعيد. للسؤال املرافق ّ النّا ُر املرشد ُة ّ شكوك حامية. يف الدّم محفور ٌة آثا ُر الخيبة ويف عظام ٍ هذا ما يجعل الخطوة مجنَّح ًة ،عادل ًة كالغناء، الصاعد نح َو ال أح ٍد ويف طريقها ّ تحظى بسكين ٍة ملتهبة كالنّدم، َ أسامل التناقض! كجنونٍ يحرق *** ال َ مكان يأوي قلبك ذا الرباعم الخفيفة. أنا مثلك أزحف يف دار الخيبة، يوم ُ ّ أزحف وأغ َر ُم باإلهانة، كل ٍ يف املحنة أتلوى ،أخرف واتعفن، ويف جدوى أو ال جدوى املسعى القاهر املرير! *** أيام ٌ ثقيلة قاسية ها هي ٌ تبصق رمادَها يف وجهك املسكني. تو َّق ْف لحظة ،أرجوك تو َّق ْف: ألق تحية عىل جارك العجوز ِ منذ سنني قاحلة مييش بطيئاً بطيئاً يف الشوارع الضيقة القصرية ذاتها التي تخاصم نفسها ّ كل يوم. 32
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
*** 2
هذه الليلة أيضاً سيجايف النوم عيني وروحي. آه آه! نسيت َ ُ مذاق الكلامت املدهش لقد لكنني أملحها رشيقة حميمة تتعذب وتنجو عرب ثنيات صغرية لستارة تحركها رياح الفجر ومن خلفها تلوح شجرة خرضاء مذهلة. *** 3 ها نحن نتعرف عىل بعضنا، ببطء كريم وبحذر كريم ،مبودة كالزّهد. ُ ات املساء املغرية، يف الظالم امللغز نتبادل إشار ِ يف الظالم املتقدم كميا ٍه تجابه َ الغرق بالغرق. لساعات الغضب النزيه واألرق السامي، نتكلم ونصغي ٍ ُ ات وديعة نتخاطف نظر ٍ إىل شكلِ أصابعنا ذات الظالل الضئيلة، ترتفع، وعيوننا املتعبة ُ ثقيل ًة وحاني ًة ترتفع بيوت سو َّيت باألرض! جه َة ٍ *** 4
آه نعم ونعم ونعم. من العيون ينبغي أن يزهر القمر، السامء التي تكرر عذابات النجوم. ال من ّ ُ فها هي الرغبة قو ّي ٌة وعميقة، إ ّنها تح ّو ُل الخيا َّيل املسحوق إىل منزل الحقيقة الوحيدة املمكنة!
نزار كربوط ظلي كلَّما تبعني ِ وحيد
أضواء املدينة كثرية و الغريب يف األمر أن ظيل وحيد أينام سافرت
أرسار
كلام طالت املسافات يكرب الظل تلك هي حكمة الضوء
أرشف محمد قاسم تمد بساط مواعيدها إىل امرأة أتعبتنى كثرياً وأشعلت القلب شوكاً ْ ومخمل تسافر يف العمر ميعاد حلم ٍ إذا كاد ينأى..وفرحاً ْ مؤجل إذا غبت ُ تسأل عنى النجو َم دت تيهاً عن القلب ْ وإن عُ ُ تغفل متد بساط مواعيدها وترضب صفحاً إذا الوعد ْ أقبل تطرز ثوباً من الياسمني ْ السفرجل ! ومن وجد ما يشتهيه توشوش عنى براعم فل ٍ وتقرأ شعرى بوجه ٍ ْ تهلل
َّ فضاح ال يعرف معنى األرسار
ظلمة
يف رأيس ظالل كثرية ال تحتاج إىل ضوء يك ترسم ظلمتها
فراغات
أوراق ترفض الكلامت لقد ضاقت ذرعا بالفراغات و نقط الحذف
مساء
مساء سعيد
يسافر يف ظلمة الوقت يتجمل بحروف األبجدية الضيقة و مجازات
وحيدة
عبارة عبارة شاردة الذهن تتأمل يف بداية صغرية مل تنضج بعد
هوية
قوس قزح يعيد ترتيب األلوان يبحث عن هوية تليق بالبياض
تصفر لحناً رقيقاً ندياً ْ جدول وينساب من كفها ألف أحبك يا أم روحى وروحى لحن ْ وشعرى بدونك ُ ترمل ِ أقلىِّ يتيم إين عتابك ٌ ْ املؤمل ! بدونك يا حلم عمرى إذا الحب يوماً أراد الحيا َة سيغدو أمرياً مهاباً ْ مبجل
issue (6)- November - 2012
33
نصوص
أديب كامل الدين إشارات األلف إشارة العارفني
إلهي، شمس اإلشار ُة الوحيد ُة التي لها ٌ وقمر هي التي تش ُري إليك. وهي التي ال وجود لها وال حضور قلوب العارفني: إال يف ِ قلوب الذين أبكاهم الفراق، يف ِ وزلزلَهم املنفى، وأغر َقهم الليل، ودفنَهم الحرمان، فامتوا وهم يف حبو ٍر عظيم!
قبل ْأن َ أغرق فيه؟ َ غرق يف أعامقي السحيقة رصت ّ حتّى ُ كل ليلة أموت غريقاً ُ ُ فأحمل ج ّثتي عىل خشبتي الطافية هامئاً دون ْأن يراين أحد، هامئاً لألبد.
إشارة أصحايب
إلهي أولئك الذين جاءوا إىل حفل ِت َك األرض ّية ومل يروا شمساً وال قمراً وال رغيفاً وال بيتاً، بكوا ُث َّم استغاثوا. إذ ُح ّملوا من األملِ أنهاراً، ومن األنها ِر سفناً تائه ًة، إشارة البحر السفن أحالماً وأوهاماً ومن ِ إلهي، َّ يوم كل رب تع ُ ٍ ماذا ُ فعلت الخوف والعبث. تحت جسو ٍر من ِ يك أنفقَ العم َر ك ّله مع البحر؟ أولئك أصحايب وكيف أنجو منه ال أراهم إال باإلشارة وهو الذي ُ يحيط يب السجن بالسجني؟ وال يروين إال بالحرف. كام ُ تحيط جدر ُان ِ أولئك هم أصحايب، كيف أنجو منه أصحايب الذين اكتهلوا بنو ِرك وهو الذي يتع ّرى أمامي وزهدوا فرحني، بألوانه الباذخة زهدوا َِّ بكل يشء وأمواجه الغامضة ِ حتّى بقطر ِة املاء. فأذهب إليه كاملسحو ِر حيناً، ُ وكالضائع حيناً، ِ إشارة الكالم وكاملجنونِ أحياناً أخرى؟ إلهي، كيف أنجو منه الطريق إليك يف ِ وهوالذي َ غرق َّيف
34
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ك ّل ُ مت الشمس لكنّها ْ كانت محكومة بالغروب. وك ّل ُ مت الغروب لكنّه َ كان محكوماً بالفجر. ُث َّم ك ّل ُ مت الفجر لكنّه َ كان مشغوالً بجامله مثل صب ّية تعشقُ للم ّر ِة األوىل. وك ّل ُ مت العشق ُ اكتشفت أ ّنه ال يجيد لكنني الص ِّم وال ُبكم. سوى لغة ُ ُث َّم ك ّل ُ الص َّم وال ُبكم مت ُ لكنّهم رفضوين أستطيع الكالم. حني عرفوا أنني ُ وك ّل ُ مت الكالم ُ الصمت له. فاكتشفت خيان َة ِ وك ّل ُ مت الصمت فعرفت أ ّنه ال ُ ُ يعرف سوى لغة املوت. وك ّل ُ مت املوت ُ فسعدت أل ّنه حدّثني طوي ًال والشمس والفج ِر والعشق. عن النا ِر ِ َّ ُ سعدت ألن املوت نفسه كان يد ّلني عىل ِ مثل سكران يقودين إىل بي ِته
غازي الذيبة
ال أحد
..وال أحد يشبهك طيور الظالم الكالم قليل وقالت يل اآلن عد، واملحابر غافية يف أنني الزجاج فاملرايا تنادي عىل فرس املاء ورب يد من بعيد تشري إليك : وتسهر مع رعشة النهر واألغنيات أأنت املوقع بالشدو القصرية أم أنه الشعر أبيض وترشب نخبا مع املتعبني مسرتسال يف اخرضار الكالم ؟ .. .. وقالت لعودته :مرحبا وال أحد مر بني ارتفاع عمود الظالم يف ظالل الجنون وهذا الغامم الذي فز من حدقات مرحبا أيها الكبش .. الغياب كيف ستوقظ ماء العيون عىل الباب وتأوي اىل مذبح الفجر أرخى حرير الرتدد يف مقلتيك تهبط من ظلك املستدق عىل حائط وكنت تشابه طيفا جريحا الغدر ينئ من اآله يك ال ترى ثم إذا ما تركت الغياب ويك ال تخون وعدت بوقعك .. كان أنينا يفيق عىل الصمت فيك وقالت لعينيه :أيهام اآلن تبرص ويخرج منك إليك أم بيت روحك تلعب فيه طيور قريبا من النور والنار الظالم منهمرا مثل سهم طليق وتهوي عليه طيور املنون. يصب نهاياته يف ضلوع الحريق . ..
وال أحد يشبه املاء فيك أو يشبه االنهامر صدى صوتك البدوي خفيض ورجفتك الرعوية تأخذ نولك يك تنسج الصوت يف خيمة وتذوب عىل رسلها. .. حقل قمح إذن سوف يخدش قلب القصيدة تدخل أنت وحيدا اىل السهل نار املهابة ترفع ياقتها يف قميصك صوت الحديقة آه التوله تدخل حتى تصري الكتابة نقشا ويغدو الكالم رنينا. .. وال أحد يشبه الليل حني تكون وحيدا هامئا ترشد منك الظالل وتختبئ األنهار .. وال أحد يشبه هذا النهار ؟
issue (6)- November - 2012
35
نصوص
محمد العديني طرائق محاكاة
زرت دار املخطوطات مخطوطات كثرية وجدت ٍِ لكنّي مل أجد مخطوطاً أنيقاً كعينيك و مخطوطاً تالفاً كقلبي .
فصل منيس
الشجرة الشامخة تهاب العصافري تهاب مثارها خشية بعض الغربان الدخيلة والثامر الفاسدة البحرية الهاربة من قصف املطر أو ليس اليشء نقيض نفسه ؟ ! فلامذا نغرتب ؟ ملاذا ننفصل ؟ وأي مصري قاحل ينتظرنا ؟
36
بيت الشعر
طريق
يحيا الصواب من خربة الخطأ ومع ذلك ق ّلام تخطئ النحلة طريقها للعسل .
مفارقة
ليس مثة رشق أو غرب الشمعة محايدة لكنهم يطفؤنها مرة كل سنة ليستقبلوا عاماً جديداً ونحن نشعلوها كل يوم لتصفية حسابات قدمية .
الطغاة
إنهم يجرفون أرواحنا اليبقون يف ذاكرتنا غري مخالبهم النتنة آه .....كيف مل أتذكر تلك التفاصيل العبقة لحياة أطفايل ؟
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
روجيه عوطة وصية حالق من باريس يوم يأيت ٌ تحمل فيه املقص بيد واإلبرة بيد وبخيط بني أسنانك تقطب ُندف الدم املنهمرة من عينيك يأيت يوم ٌ تزور فيه الخياطة العمياء ويف جيبك قطعة نقدية فأنت متاما ً مثلها مومياء تعاين من الروماتيزم وتكره الص ّور التذكارية. ... بعد أن غادرت باريس كأي مصاص دماء مصاب بداء السل كتبت وص ّيتي كأي حالق: "أرجوكم ال تلمسوا رأيس األصلع". ... منذ أكرث من سبع سنوات وأنا أنظر يف اإلتجاه نفسه ،حتى بات بإمكان عنقي أن يتحرك دون أي إشارة عصبية ،أن يتحرك باتجاه ناس عىل هذه الرشفة أو تلك .ليسوا بناس، بل شخص واحد ،أتذكر أنه كان بشعر أسود ،عني خرضاء ،نبتة بيده وزهرة بالستيكية بني أسنانه ،أتذكره شخصا ً ال يلني أمام عيني وال يرد
عىل نظرايت املائلة إىل األثداء التي ك ّونت جذعه...تذكرت كانت فتاة ...تذكرت كانت بال عني وال فم وال زهرة بالستيكية كتلك التي تضعها جاريت يف مزهرية من خشب ُبني بائخ ،لتزيني الصالون أو للحفاظ عىل ذكرياتها عن زوج مات ،وعن زوجة ما زالت تكوي قمصانه ّ وتنشف بدالته كلام دعاها إىل ذلك يف الحلم. منذ أكرث من سبع سنوات وأنا أتردد يف تخ ّيل النهاية ،ولكن ها أنا أرمي عيني يف سلة املهمالت وأهرع إىل أقرب مسلخ وأشرتي عينا ً جديدة ً من جثة قبطان بيد واحدة ،ع ّلها ُتريني ما مل أراه يف جلود الناس من وهن وعفونة ،ع ّلها متنحني نعمة إباحة جفون اآلخرين. أهال ً بعني القبطان ،أنا اآلن أحتاج إىل سفينة! ... مظلتك الغارقة يف الدماء تنتظر هطول املطر ال لتغسل سوادها بل لتزيد من عنفها باتجاه الشمس. ... وقوعك يف حب العبة الجمباز لن يغري شيئا ً يف حزنك طي موتك أسهل. بل سيصري ّ ... مرة ً نسيت عمودي الفقري يف رسير مومس عىل الطريق وقفت محدقا ً يف وجوه السائقني
بظرافة سألت إمرأة كثيفة الشعر يف األذنني عن أمي بكل رسور جاوبتني" : السوبرماركت قريبة". ... تيك-تاك انكرس عمودي الفقري فنصحتني بأن أدهنه بطالء األظافر. ... عىل مقعدك املطوي متتأل باإلبر بفتور ،تحرك حاجبيك للوقت ثم برجفة يد من وقع يف الفخ تتعلم النط عىل األرض. ... أمر يف الشارع يرن الهاتف العمومي لن أرد ً إنه حتام القناص
أو شبيهه م ّوظف السنرتال الوحيد. ... أجمل ما للغائب غيابه وأجمل ما للحارض أن يغيب. ... إنزع القبعة عن رأسك إصفع زوربا هذا ال رأس وال قبعة ! ... اآلن عرفت ملاذا يستظرفك الليل ألنك ِمثله تكذبني عىل الغرباء. .. من يبيك يف ساحة الكنيسة؟ املهرج أو املنتحر؟ املنتحرهل مات؟ ال...الزجاج ما زال قاسياًissue (6)- November - 2012
37
نصوص
أسامء السوافريي ترقب
يعرتيني الخوف من غ ٍد يعرف عني ما ال أعرفه ! دون أن أعرفه ! يتحدث نياب ًة عن الحلم بـاسم التاريخ املؤجل ليوم سـيأيت ٍ ريثام يطمنئ القلب وال نخاف !
فلسفة ما ،،
ال جدوى من انهامر الضوء عىل عقولٍ ما زالت تضمر املساء !
موعدٌ أزرق
الغيم يجوب رأيس الحزن يغلق مخارج النجاة مط ٌر ،،مطر يهطل يف دمي ..
أمل
عىل رشفة االنتظار كنت عىل وشك السقوط لوال أن تشبث نظري بـ حافة األمل ..
ٌ زنبقة سوداء
يف الفضاء املخميل األسود تزهر الذاكرة وجوه البارحة ٌ حية ترزق تفاصيل األمس تعود من حيث ال يجب ومن كل ما ال يعقل أنا ما سقيت الليل من وريدي لكنه تفتح عنوة يف دمي !
يحدث أن أبتل بالحنني ُ واعدت زرقة البحر كلام كلام ارتشفت أجاج املدى و سافرت يف امتداد الغياب ذكريايت نوارس من ورق عاطفتي مراكب للغرق وجهٌ عتيقٌ يطفو عينان تنجوان أظنني أنا !
مط ٌر خافت
الكحل األسود الذي وضع بعناية يعيق الدمع من اإلنهامر
38
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
رنيم ضاهر عقد طفولية
نختبئ من عواء الذكرى من موت مشاعرنا الرسيري ننزلق يف مساءات حميمة كأن أجسادنا واجهة الرواح تائهة يسخر منا الوقت من الحب املرتهل من قيئ الخلد يف حفرته املعتمة يف كل يوم من الحكاية أشعر و كأنني صفحة بيضاء ُيعلق عليها القدر عقدا طفولية شهوة عابرة طفال صغريا يصل فجأة وقت إضايف وقت شاغر ال وقت .
طفولتي موضوع إنشاء عبارايت الطينية ُقصاصات ذكريات جد جدي عمالق ضخم يقلع بأسنانه االشجار يحدق يف سامء تثلج دون مقدمات جديت االوىل ُتنجب كقطة بينام يحلم أطفال حفاة بقصص معمرة
أرسد املايض بأفعال ماضية ُمراهقتي ُأرتب شذوذها ُأخبئ ثديني صغريينن حتى ال ينتبه أيب جدي املراهق سكن مع أخيه و أخيه خلف حيطان تدلف رائحة الروث يف الحظرية مل تؤثر عىل نسل العائلة بني قريته و مدينتي عامل من قطط متوء دون إذن و ال تكف عن اصطياد الفرئان
قرب نهاية اللغة
مخارج حروف أمية ريح عىل شكل حلزون عند آخر الحياة ُمدرج للطريان . القصيدة الرابعة عبارات تسقط من سقف البيت أشباح ال تليق بهم ثيايب يخرجون بشخصيايت من الخزانة السوس يتناسل يف الحبوب العث يف ضمريي ُ سأوزع عقدي عىل الفقراء
issue (6)- November - 2012
39
نصوص
َشفا َع ًة لِ َخطايا ال َبشرَ ِ ، عائشة البرصي الريح تر َ اتيل عهو ٍد َمن ِْس ّي ٍة. َفتُعيدُ ُ ُخشو َن ِة الرملِ الرمل عزل ُة ِ ُ أ ْل ِب ُسني ِخ ْر َق َة التص ُّو ِف، األسام ِء، حافي ًة أَدْهَ ُس أشواكاً سرِ ّ ي َة ْ بالشمس، ليس غروباً ما ِ َ وأصيح يف ا ُمل ْط َل ِق : ُ هو الضو ُء ُي َل ْم ِل ُم أهداب ُه ما سرِ ُّ الحيا ِة يف ال َب ْد ِء؟ يف َح َقا ِئ ِب الظ ْل َم ِة لِ َينا َم. ما ِح ْك َم ُة الرمل يف َعد َِم التشا ُب ِه؟ لَ ْي َس َش َفقاً ما يف ُ األ ُف ِق، وماذا َب ْع َد هاو ّي ِة املَ ْو ِت و َم َص ِّب هو ُ َ الرمل َي ْل َعقُ الحج ِر، سيقان َ َ األ َب ِد َّي ِة؟ ُ َف َتتَو َّر ُد الزرقة َخ َجال من َش َغ ِف َفيرَ ُ ُّد الصدى صدا ُه : العاشق. ال سرِ َّ ُي ْخفى عَنْ َصفا ِء الرسي َر ِة، ٌ كثبان .. الحج ِر، أجسادٌ لَ ْم َت ْحترَ ِ ْق َب ْعدُ ِبأَنامِلِ َش ْه َو ٍةَ ،حدِّقي َم ِلياً يف مرايا َ تك الرؤى ُمبا ِي َع ًة بني َي َد ْي ِك . َت ْأ ِ وحش، َت َت َو َّحدُ يف عرا ٍء ُم ٍ ا ْب َت َع َد النها ُر عَنْ َض ْو ِئ ِه. ُت ُ صيخ الس ْم َع لِ َخ ْط ٍو ُم َت َو ِّج ٍس ، ُ جاويف الودْيانِ ال أ ُفقَ َي ْح ُج ُب املا َء عَنْ سرِ ّ ِه. هاث َينْمو َبينْ َ َت ِ َو ُل ٍ َص ْم ٌت أسو ُد َي ْعمي ال َبص َري َة، أحراشاً من َ الخ ْو ِف. توءات الظلم ِة، ال َم َف َّر ِمنْ َت َل ُّم ِس ُن ِ ُ الرمل يف عُ زلت ِه، الطريق ... مسالك لِ َفت ِْح ِ ِ كاهنٌ ُ فيح يلوك صلوا ِت ِه عىل َص ٍ ا ْب َت َل َعتْنا ال َع َت َم ُة، ساخن ٍ
عاطف الفراية من أغاني الغزالة الركض
الغزالة فرت إىل وكر أم الغزاالت إذ ملت الركض يف تيهه.... بينام الشنفرى..ظل يركض وحده. يحدق يف صفحة املاء.. واملاء يقرأ َو ْجدَهْ . الغزالة عائدة _قال همس الرمال له_ 40
بيت الشعر
واسرتدَّهْ . متاهى مع الليل حتى طواه وال فجر يف األفق ينبئ عنها.. تالىش مع الركض..والركض هدّهْ . الغزالة تنأى طوي ًال.. ويغدو األىس للقصيدةِ..والرملِ .. واملا ِء والشنفرى مضجعاً ...ومخدّة.
نداء
تعايل..نسيام ند ّيا كضو ٍء تسامى عىل الضو ِء..
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
الت ََص َق ْت ْأجسادنا بالحدي ِد السياج. األصابع عىل ّتت َت َفت ِ ُ ِ ُ هاو َية الظ ْل َم ِة ْأشهى ِمنَ الضو ِء.... بعد قليلٍ ، َس َت َت َد َّفقُ الهواجس بني األ ْودي ِة ُ املهجور ِة، َس َي ْه ِم ُس ُ الرمل لِ ِظالل ِه: هذه ُ التالل أ ْع ِر ُفها، ليب النوقِ َبينْ َ و َي ْشتا ُقني َح ُ اس ال َبع ِري أَضرْ ِ ورائح ُة الز ْعترَ ِ البرَ يِّ . َت ْح َت َخ ْي َم ٍة ِمنْ َو َب ٍر، الشاي، قاعات الح َط ِب و ُف ِ بني رائح ِة َ ِ ريب َ خلف املشه ِد، تمَ ْتد َيدُ ال َغ ِ النجوم .. مواقع ُت َعد ُِّل ِ ِ ِمنْ لَ ْم َس ِت ِه ا ْنت ََش ْت ٌ نجمة وغا َد َر ْت رسي َر السام ِء. تاهَ ْت ُط ُر ُق ال َع ْو َد ِة َبينْ َ َمسالِ ِك الع ْزلَ ِة، ُ ال َت َم َع ْت عُ ُ يون الليلِ َبينْ َ ُشقوقِ حتى استوى ..ليلك ّيا سالم عليك..سالم عل ّيا سالم عىل ورد ٍة قبلتك وتاهت.. سالم عىل ريحها..ال كل ثاني ٍة يف قصيديَ يبعث ح ّيا
نداء أيضا
تعايل هبوبا خفيفا ليتساقط زهر املشمش مني وأنفخ يف الصور نحوك. فتنثال منك زهور الكون..بكل األلوان
ثناء
فهل يستوي من ميطط رقبته يك ير ِاك.. مبن عينه تنتقي من أعايل الغامم.؟ ( تحية) صباح كام مشمش جاو َز الح َّد يف ٌ اإلحمرار... ُ صباح كام الخوخ فا َر ..وخدُّ ٌ الغزال ِة ....غار. صباح لكم ..كلام داعبت شفتاها ٌ ً فراولة ..أو كام طال عنقُ الغزالة ..حني رأى الصائدين ِقصا ْر
شكرا.. ألنك الندى والصوت حني انداح يف صدري.. وأنك الصدى وأنك املزمار والدفىل وأوراقي.. وكل دفء الكون واملدى
سامء الغزالة
ُ حواليك كثرْ ُ .. البغاث ِ ُ الصقر..لست أحب الزحا ْم وأنا كوكب يف املحالِ ألختار أط ُري إىل ٍ بيت القصي ِد..
الرسومات :أحمد عبد العال 2009 - 1946
الصخ ِر. يات أ ْذهَ لها ُف ُ شرَ ُد َْت ِس ِح ّل ٌ ضول الغربا ِء. ْاختفى ال َقم ُر من شرُ ْ َف ِت ِه رض». حداداَ عىل َم ْو ِت عاملٍ» ُمت ََح ٍ الريح يف الصحرا ِء. ُم َخ َّر ٌم ِردا ُء ِ أجسادٌ ال َم ْر ِئ َّي ٌة َت ْلت َُّف ِبأجسا ِدنا زمن غاب ٍر ، َت ْفت َُح يف ِ أرواحنا نوافذ ٍ َ أصوات أ ّر َقها الحن ُني إىل اآليت: بقايا ٍ املجنون َي ْل َف ُح َ ُ ني هُ َو الرمل بقدم ِ ني، حافيت ِ ُينادي لَ ْيال ُه إىل سرَ ي ِر ال َب ْيدا ِء . ْ الصح ِو ؟ هل َت َح َّس ْس ِت َنقا َو َة ْ َ هل أ ْغر ِاك ُ ْ الرمل باال ْغ ِتسالِ ، عاري ًة ِمنْ َز ْي ِف ال َت َمدُّ نِ ، الصخب والحدي ِد والدخانِ ؟ من ِ َ ْ الناي َو َش ْد ِو هل أ ْد َم ْع ِت لِن ِ ُواح ِ الح َج ِر؟ َ ْ هل َته َّج ْي ِت ِح ْك َم َة ال َب ْد ِء يف أناشي ِد ال َب ْد ِو
َ دون ِذ ْك ِر األسام ِء..؟ ْ ْ هل َج َّر ْب ِت الرص َاخ يف ُمط َل ِق الفر ِاغ؟ ضام ٌر هذا ُ الليل، الريح عىل صد ِر الرتب ِة، لَ ْوال َت َك ُّو ُر ِ الح َج ِر. كاس النجوم يف َصقيلِ َ وا ْن ِع ِ ِ ُ األصوات، ا ْن َك َم َشت ُل َغ ٌة واحد ٌة ال َت ْكفي. ٌ ....بياضات، ال َ صوت َي ْعلو عىل َص ْم ِت الصحرا ِء. َش ّفاَ َف ٌة َمرايا السام ِء، ال ُح ُج َب ب َ وكالم الله. ني ال َبشرَ ِ ِ َخ ِّف ِف َ الخ ْط َو، هنا سرُ َّ ُة الكون، َ تاب األ َزلِ . سرِ ُّ ال َب ِد ِء و ِك ُ ف َت َو ّض ْأ ِبطهار ِة الرملِ ِّ َصل َصال َة ال َغ َج ِر أما َم هذا ال َبها ِء. مأَ ٌ َ /وح ٌ شة /ظ ... رس ٌ اب /فر ٌاغَ /ت َو ّحدٌ ْ ٌ ولروحي ِرداء. أوصاف لِلصحرا ِء ِ َ لَ ْو َع َر َف ِت الصحرا ُء َم ْن َب َع ال َعط ِش،
لَبرَ ِ َئ ْت روحي ِمنْ ُدمَلِ الحيا ِة. ُن ْد َب ُة ضو ٍء أَ ْي َ الزمن، قظ ْت َغ ْف َو َة ِ كام ل ِو أَ ّننا ِمتْنا قليال، َ توابيت املدينة، كام ل ْو ُكنا َخ َّمن ُْت: النص عىل ع َت َم ِت ِه، َس ُأ ْغ ِلقُ َّ سيح ال َّر ْم ُل ِمنْ َبينْ ِ ُ الشقوقِ ، كيَ ْ ال َي َ َت َذ َّك ْر ُت دَرساً يف َ الجبرْ ِ « ال ُي ّأط ُر َما ال ْ أضالعَ لَهُ» َم ْر ِج ِع ّي ٌة سا ِئ َب ٌة و َفر ُاغ َم ْعنى ال َم ْعنى لَهُ. ال ذاكر َة للرملِ ، ال ُو َ األقدام، ثوق يف َمهاوي ِ هَ َّب ُة هوا ٍء عَبرَ َ ْت َم َح ْت آثار َ الكالم. الخ ْط ِو و سا ِئ َب ِ من بعي ٍد َس ِم ْع ُت الصدى ُيعيدُ َصداهُ: مواجع ال رَهْ با ِن َّي َة إال لِل َّر ْملِ يف ِ الصحرا ِء
issue (6)- November - 2012
41
ً نظريا
.
صبحي حديدي .............................................................................................................
الناقد األبكر ،واألكبر
مثة
ما يشبه املس ّلمة التي توافقت ،بعد أن اتفقت ،عليها غالبية ال ُيستهان بها من املشتغلني بالكتابة اإلبداعية يف العامل العريب؛ مفادها أنه مىض زمان النقد املوضوعي الذي يواكب املبدع ،والنقد الحايل ك ّله قائم عىل العصابات وال ُز َمر واملحسوبيات .ويندر أن ُينرش حوار مع شاعر(ة) أو روايئ(ة) ،دون أن يقرتن بهذا الحكم ،الساحق املاحق :أنا ال أعبأ بالنقد العريب السائد ،ألنه ك ّله بال منهج. ّ ويحدث ،غالباً أيضاًّ ،أن دواعي النفاق ،وحفظ خط الرجعة ،تدفع صاحب الحكم ذاته إىل إضافة العبارة السحرية« :طبعاً ،مع بعض االستثناءات القليلة» .ظريفة وماكرة وفاقعة هذه الالحقة ،التي ُيراد لها أن تهبط برداً وسالماً عىل قلوب جميع النقاد دون استثناء؛ ال ليشء سوى ّأن ّ كل ناقد سوف يسارع إىل تصنيف نفسه (من تلقاء نفسه!) يف خانة مخلوقات االستثناءات تلك، رغم ّأن القياس املنطقي البسيط يشري إىل قاعدة ذهبية ،بسيطة بدورها :ما فسد كثريه فقليله فاسد أيضاً ،بالعدوى عىل ّ األقل! والتاريخ األديب ،رشقاً وغرباً يف الواقع ،يع ّلمنا ّأن شيوع هذه املعارك ـ أو هذا النوع الزائف منها ،تحديداً ـ إمنا يشري أ ّوالً إىل وجود أزمة عميقة أخرى ،تتضافر مع أزمات اضطراب األشكال ،وقلق األساليب ،وانفالت األجناس ،وتصارع الت ّيارات ،وائتالف ال ُز َمر ،وتكريس املحسوبيات .إنها األزمة التي ال تضع املبدع يف خندق قتايل ض ّد الناقد هذه امل ّرة ،بل تلك التي تضعهام معاً، يف خندق واحد ،ض ّد القارىء ،وض ّد القراءة .وليس بغري دالالت حاسمة ّ وفضاحة متاماًّ ،أن مفردة «القارىء» ال َت ِرد عىل لسان الشاعر(ة) أو الروايئ(ة) وهام يكيالن السهام للناقد؛ وال َت ِرد ،كذلك ،عىل لسان الناقد وهو ير ّد السهام إىل نحور أصحابها. املتخاصمون يفرتضون ،سلفاً ودون عناءّ ،أن القارىء املسته ِلك العريض إمنا يقع خارج «قوس الرصاع» بني جيوش اإلبداع وجيوش النقد ،وأنه يف الحقيقة ليس رق ًام يف املعادلة «الحربية» الكفيلة برتجيح ك ّفة فريق عىل فريق .أو رمبا ّ ألن املتخاصمني يفرتضون ضمناً ّأن القارىء الجدير بالدخول طرفاً يف الرصاع مل يولد بعد؛ أو ّأن والدته عسرية بالتعريف ،أو قيرصية بالتمنّي، أو هي مؤجلة إىل زمن الحق ال صلة تجمعه بزمن اشتداد الرصاع بني الس ّيد املبدع والس ّيد الناقد :زمن خارج األزمان ،بعبارة أخرى. أين القارىء؟ ماذا يقرأ من إبداع أو نقد ،وملاذا؟ ماذا يشرتي من أصناف البضائع ذاتها ،وملاذا؟ هذه أسئلة نافلة ،أو أسئلة متخلفة ،أو أسئلة ال تتفق أطراف الرصاع عىل أمر قدر اتفاقها عىل تغييبها متاماً من ساحة القتال؛ وكفى الله املبدعني والن ّقاد ّ رش قتال غري محمود العواقب ،حول قارىء غري محمود الصفات! الفاضح أكرث ّأن املبدع الذي يشتم النقد يتناىس هو ّية الناقد حصة لرشاء رواية أو مجموعة شعرية ،فحسب؛ بل يفعل ذلك قبل ،ودون األ ّول ،القارىء ،الذي ال يقتطع من قوته اليومي ّ حاجة إىل ،ما قاله أو سيقوله الناقد عن هذه الرواية ،أو تلك املجموعة الشعرية. ومسألة «قبل» نابعة من حقيقة أننا ال منلك ،بعدُ ،تقاليد االعتامد عىل ما يقوله املنرب الثقايف يف ترشيد خيارات رشاء البضاعة الثقافية املطروحة يف السوق .ومسألة «دون حاجة» تنبثق من حقيقة ّأن أهواء القارىء ،يف اختيار البضاعة ،ال تعتمد بالرضورة عىل نصائح يز ّوده بها النقد من أجل فرز وتقليب البضاعة ،قبل اتخاذ القرار برشائهاّ . ولعل األمر ،يف الجوهر ،يخترصه ميل املستهلك إىل االرتياب يف نوايا اإلعالنات التي تر ّوج للبضاعة ،وألنه نادراً ما ُيلدغ من جحر م ّرتني! وكان الفيلسوف والناقد الفرنيس غاستون باشالر يرضع إىل الله ،صباح مساء ،يك يعينه عىل اكتساب صفة «القارىء» ،ليس بسبب من تواضع كاذب أو تقليل من قيمة التأ ّمل الفلسفي والنقدي حول ظاهرة اإلبداع ،بل إجالالً ملفهوم القراءة ذاتها، واألهم ،بوصفه تحديداً .ف ِل َم ال يتعظ املبدع مبا يقوله الرجل عن قيمة القراءة؟ ولِ َم ال يحتكم إىل القارىء ،يف املقام األ ّول ّ الناقد األبكر ...واألكرب؟
42
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
نقد
البرودني ج ّواب العصور
الماضي يضعف الحاضر
«جوّ اب العصور» هو عنوان المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر اليمني عبدهللا البردوني صدرت عام ،1991وقد حملت عنوان إحدى قصائدها ،التي تتحدث عن شخصية من عموم الشعب
ُتسمى زيد منسوبة إلى إحدى المناطق اليمنية وهي وصاب ،وزيد الوصابي موضوع القصيدة هو عموم الشعب اليمني الذي ظل يكدح وراء لقمة العيش منذ األزل
عبد الرحمن مراد
issue (6)- November - 2012
43
نقد
يستهل الربدوين القصيدة باملرور يف السوق كرمز للوضع االقتصادي الذي يعاين منه ذلك املواطن املسكني «زيد»، وتتحدث عن ضيق ذات اليد ،وعوامل إغراء السوق يف مقابل عجز مضن يف القدرة الرشائية ،وتصف مقاطع القصيدة األوىل مشاهد لعلها تتكرر بصفة شبه دامئة يف الشارع عىل امتداده ،ويتنازع النص ثالثة ضامئر لتأكيد صفة التالزم وواحدية الهم واملعاناة بني «األنا» وبني املتلقي ويتجىل ذلك يف: ما الذي تبتاع يا زيد الوصايب هل هنا سوق سوى هذا املرايب ويف قوله: سوف تلقى سبهم يا ليتهم أحسنوا احدوثة حتى سبايب كل يوم ال ترى ما ترتيض ثم تغيض آبياً أو غري آيب أما األنا الشاعرة فتتجىل بوضوح يف: هل أنا أسمعت حيني فلو صحت هل يستوقف السوق اصطخايب قل ملاذا جئت يا زيد إىل هذه األنقاض؟ أجرت اخرتايب من خالل األمثلة التطبيقية تتجىل «األنا» وتتوارى، وعندما تتجىل تحمل صفات الرافض الذي يطغى عليه الواقع كقوة قهرية تعيقه عن تحقيق آمال ثوريته. وشعور «األنا» بالهزمية أمام هذا الواقع تفرسه بعامل زمني وذلك بالعودة إىل املايض والبدايات األوىل: كنت يف عرص الرباءات بال درهم أهني طعامي ورشايب يف متاه الشنفرى أذهلني عن نداء الجوف دفعي وأنجذايب قلت يا صحراء خذي جمجمتي فأجابت :هاك لييل وذئايب تكشف رؤية الربدوين يف بعدها الزمني والفلسفي اإلرث الحضاري لـ «زيد الوصايب» إذ أن املايض يزحف إىل الحارض ويعيد إنتاج نفسه يف املجتمعات التقليدية كام يرى ذلك «ألفني توفلر» ولعلنا نستشف أن املايض مازال
44
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
يشكل معادلة صعبة مع حارض «زيد الوصايب» ،وهذا يعني توقف دورة الزمن والحضارة وتراجع اندفاعات اإلبداع والتطور اإلنساين.
يا وصايب والدي يحتلني وجهه من داخيل يرخي حجايب
فاالحتالل هنا احتالل زمني ماضوي مازال يشكل مالمح الحارض ويعيد إنتاج نفسه يف أعامق «األنا» وما لبث يرخي الفواصل الزمنية املتسلسلة يف ذاكرة التاريخ مبا يحمله من دالالت ثقافية مازالت جزئياتها تتغلغل يف أسلوب تعاملنا مع واقعنا وثقافتنا العرصية: كلام مريت قالوا :بنت مـــــن؟ من أبوها؟ عنبيس بل شـــــوايب يا طريق البيت هذا أسمي هدى من هدى؟ يا بنت شعسان الربايب أنت يا زيد الذي أشكــيــتــــها بل شكت مأساة أختي و اغرتايب
عبد اهلل البردوني
أو عىل عمرو بن معد يعتدي ويف النص تحليل لواحدية الهم الذي ميتد عرب عصور فيالقيه بسيف غري ناب حضارية متعاقبة فرسه يف بداية النص بدءا ً من عرص الرخاء الذي وصفه بعرص الرباءات مرورا ً بالعرص الجاهيل أو يحث األشرت اآلن أعرتف أنت زيد يا أخا الجرد الكوايب الذي يحمل مدلوله «الشنفري» وانتها ًء بثامنينيات القرن رمبا يسطو عىل موىس الرضا املايض التي بدت املعاناة فيه بشكل أدهى وأفظع وقد أو إىل اإلعدام يقتاد عرايب أسهب الحديث عنها وفرسها باإلرث الثقايف املمتد: أو عىل الصايب يويش تهمة وقلت زيدي خمسة قالت أيب أنت زيد يف سجل الحزب صايب كان أيام الصليحني جايب وسيعزو كلام يعتاده قلت هل هذا ترايث؟ ضحكت من حامقات إىل مرمى صوايب وأضافت وترايث واكتسايب إن عودة الذاكرة إىل املايض اكتشاف للحارض وتفسري لـه كل تلك االنكسارات الحضارية يف املفاهيم واملعتقدات ومن ثم محاولة ترميمه وبنائه وفق رؤية جديدة ومن أوهنت «األنا» الشاعرة يف إعادة صياغة األشياء: هنا كانت اإلحالة التاريخية. انتبه يا زيد قف ..سيارة «فتوح الشام» «شام همدان» «سبأ» «األشرت» «عمرو املنايا واملنى أحىل كعايب بن معد» «موىس الرضا» ذات مضامني ودالالت تحمل خنتني يا زيد كم أضعفتني معاين الحارض وتحاول اكتشافه يف املايض كمكون ثقايف مذ تخريت من املعهد اصطحايب صنع الحارض وذاب بني تفاصيل سويعاته وحركاته باعتبار أال تبدو «األنا» الشاعرة هنا آرصة تجمع بني التاريخ الزمن وعياً لحركة فعل اإلنسان وكثافة معرفية يف الذاكرة والحضارة لتكشف كيف يتحرك املايض يك يضعف الحارض تتجسد يف الفعل الذي يرتبط بالزمان الدال عىل هوية واملستقبل ،لذلك تنكفئ عىل ذاتها وتبدع عاملها وفق اإلنسان الحضارية ،ومن هنا يصبح الفن بديالً للواقع تطلعها وفنيتها وتصورها األكرث تحررا ً: من خالل إحداث تلك الهزات العنيفة يف جدار التاريخ إنني أبدع مني عاملاً ال تالقي فيه محبوا ً وحايب ليس فيه محكوم وال تكشف رؤية البردوني في أي حكم عسكري أو نيايب ولعل امتداد نفس النص « 108بيت شعري» جعل بعدها الزمني والفلسفي الشاعر يفرس الظاهرة من أكرث من وجه تأكيدا ً لفكرته اإلرث الحضاري لـ «زيد وتأصيالً لها: الوصابي» إذ أن الماضي هاك الفني وحدد بيته يزحف إلى الحاضر ويعيد من رىب التاريخ يف أعىل الروايب يف فتوح الشام يثوي قائالً إنتاج نفسه في المجتمعات رد يل أزىك أب أصل انتسايب التقليدية إنه من شام همدان وما يف رباة صعبة نثني ركايب عله اليوم يسمي حمريا أو يبتغي سبأ :من أنت ،سايب issue (6)- November - 2012
45
نقد
نعبئ الريح أشواقاً وأشعارا وإعادة صياغتها ومتطلبات الرؤية الفنية من أجل إحداث التوازن املطلوب بني الذات املتطلعة والواقع املحيط بها :تبدو التجربة الشعرية هنا وكأنها قادرة عىل إعادة تشكيل املوجودات ذات الخصوصية السكونية حتى إنني أبدع مني عـــالـمـــا تنبعث منها الحركة والتمرد فهي تغوص يف املايض ال تالقي فيه محبوا ً وحايب لتكتشف حركة الجذور وتطاولها لتجعلها يف نسق متوحد والربدوين املبدع يرى اإلبداع تفكريا ً تؤطره حاجات املجتمع وصوالً إىل الغاية التي هي مصدر التحوالت التي مع حركة املستقبل ،فامتدادها امتداد عدمي يف مقابل امتداد حركة املستقبل: يحققها الفعل يف املحيط من حوله ويف نفسه كمبدع متمرد عىل إرث ثقايف بات عاجزا ً عن صياغة فكرة قادرة يا كل شوط تطاول لن نقول متى ننهي وكم قطعنا منك أمتار عىل حل إشكاالته وحالت يف الوقت نفسه عن منو الحركة متتد ..منتد ..نصبي كل رابية إىل املستقبل ،وعندما أفرط يف استعادة التاريخ كمعادل وندخل املنحنى والسفح أفكارا ً موضوعي وأسقطه عىل الراهن ،إمنا أراد تعزيز حركة إن ثورية الربدوين يف النص تتجىل يف تثوير املكان ،فهي فكرته إىل املستقبل وكان اختياره عىل أساس انتقايئ، تبدع فيه الحركة والتململ وتخلق فيه مشاعر الثورة مضيفاً إليه فعالً ثقافياً جديدا ً حتى يستطيع تشخيص والتحول كانتصار للحركة وتجاوز لخصوصيته السكونية وفهم قضايا الراهن ليصنع واقعاً جديدا ً متطورا ً يحمل فبدت املوجودات املكانية ذات أبعاد إنسانية تؤكد الفعل معاين العطاء واإلثراء ،تحقيقاً للهوية العرصية التي الثوري كتجديد يرشئب إىل الغد .الحظ أفعال األبيات: تتجسد يف مفهومه كفعل تغيريي متجدد: «نصبى ،ندخل ،نحيل ،نعبئ ،ننصب ،نخرض ،نفور ،ترقى، عامل الربدوين النقي عامل مبدع يخلق عوامل التجدد غري تحتلنا ،نجيش ،تقلبنا ،تكتبنا ،نزكو ،تصوبنا» . مقيد بفكرة مستهلكة معيقة لحركة املستقبل ،إنه عامل املالحظ أنها أفعال تغريية ،ثورية ثم الحظ معموالتها: ثائر عىل كل يشء بحيث تصبح الحياة منتجاً ثرا ً ،غري «كل رابية – املنحنى والسفح أفكارا ً – كل حصاة ،شهوة متكررة أو مجرتة من ظالل املايض بل مفعمة بأسباب االرتقاء الجديد الذي يلبي حاجات الراهن ويتجاوز قيود وصبى – الريح أشواقاً وأشعارا ً» فالصورة الشعرية من املايض ،بينام األفعال تسترشف املستقبل باعتباره فتحاً خالل تفاعلها مع املحيط املكاين تفيض إىل حركة تثويرية حيث تتجسد فاعلية املكان عرب جديدا ً ،يف طياته أحداث متلمل الحركة التثويرية لتفيض إىل دالالت الشباب ،كام أن املفردات ذات التحول. أبعاد داللية وأنزياحية تومي إىل والحركة هنا تجسد هوية الشاعر الفكرة كتجديد تغيريي متغاير ومبدأ التمرد وحضوره الفاعل يف ال مياثل إال الواقع املتحرك بلورة رؤيا شعرية تتمرد عىل اللحظة والطور الحضاري الذي يدل عىل الساكنة يك تبدع آفاقاً جديدة تتأبط الذات أو هوية الذات املعارصة آمال الجامهري التي ترفض أشكال واملتجددة: القهر والظلم واإلذعان: يا كل شوط تطاول لن نقول متى حني تغىش البيوت من أين تأيت ننهي وال كم قطعنا منك أمتارا من رياح كام تروغ الطريدة متتد منتد نصبي كل رابية فأراين حيناً بروقاً وحيناً وندخل املنحنى والسفح أفكارا أنثني غيمة خطاها ونيدة نحيل كل حصاة شهوة وصبى
46
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
عبد اهلل البردوني
ثورية البردوني في النص تتجلى في تثوير المكان، فهي تبدع فيه الحركة والتململ وتخلق فيه مشاعر الثورة والتحول كانتصار للحركة وتجاوز لخصوصيته السكونية
وأوانا أحسني فيضاناً التي ترى يف نفسها برقاً وغيمة وتحس أنها فيضان يطمر املايض ويعيد صياغة املوجودات املكانية واألبيات التالية ميضغ الرمل والشظايا البديدة تؤكد ما ذهبنا إليه: فالردى هنا يعادل العجز والسؤال يف صيغته املركبة قل تريد الهروب مت مرارا ً واملقصود بالصيغة املركبة كام قالها الناقد عبد الودود ونجت يل أراديت والعقيدة سيف الجمع بني التقرير والسؤال يف آن معاً ،يف صيغة واحدة ،وظاهر الصيغة السؤال ومضمونها الفعيل التقرير ،كم مضت يب أغبى املنون املوايض وأنثنت يب أصبى املنايا املعيدة والسؤال يف تلك الصيغة من املميزات األسلوبية عند املعيدات هل طران مردا ً الربدوين وحتى تتضح الصورة نقول إن األبيات السابقة ما عالماتها الوجوه الرديدة من قصيدة بعنوان «ليلة يف صحبة املوت» ،ومطلعها: هاك قاتاً وجرة وجريدة هل سريجعن ما بعثت وكم يل ساعة يا ردى أتم القصيدة بعثات طريفة وتليدة والضمري يف البيت األول يعود عىل الردى الذي أسلفنا هل سأوي الردى هنا؟ أي لحد القول عنه يف األسطر السابقة أنه يعادل العجز ،إذ أن حني تنقض من هنا اللحيدة القصد الفعيل من السؤال «من أين تأيت» هو تغطية مضمونه املقرر فيه بصبغة السؤال «أمن رياح» كام تروغ بيد أن اإلنسان الذي يشكل املحور األسايس يف رؤيا الربدوين الشعرية يظل متأثرا ً باملحيط وباألرث الثقايف الطريدة ،واملضمون كام نالحظ يرمز إىل التغري فالرياح والحضاري الذي يتغلغل يف الذاكرة كامتداد زمني-: يف مدلولها الذهني حركة وكذا الفعل تروغ يف مدلوله حركة والطريدة يف مدلولها حركة ،وكأن تجربته مع الردى تصيح :إظالمي أصول الرثى والضوء فيه حالة غاربة تعادل تجربته مع الحياة وصيغة السؤال ال تحمل املدلول مازال رغم النفط والكهربا القديم لها كاستنكار ،ولكنها تتضمن معنى التمرد إذ أدجى حىش من أمة الحطابة ميكن االستغناء عنها وتصبح العبارة «حني تغىش البيوت تأيت من رياح كام تروغ الطريدة» ،وبذلك يتجىل املعادل «اإلظالم» هنا كمفردة خرجت من مدلولها القامويس لتدل عىل «الجمود» والضوء عىل الحركة الزمنية املتغرية، كرافض للفناء مبعناه الحيس ،الذهني كانتهاء وراغب فيه كتجديد يعيد صياغة الواقع وفق رؤيا األنا الشاعرة ،ومازال اإلنسان رغم تغري املحيط من حوله يشعر بتجذر issue (6)- November - 2012
47
نقد
االنتامء إىل املايض ،كمنظومة متكاملة من القيم واألفكار واألعراف والتقاليد إىل أن تصبح محورا ً يكشف الكثري من اآللية النفسية وطبيعة الفكرة التي تفلسف الراهن: قررت أن أرفع سعر الكرى وأن أنيم األنجم الثاقبة أن تدفع الريح رسوماً عىل مرورها راحلة آيبة وأن تؤدي كل إمياضة رضيبة للطلقة الضاربة وأن يجول املنحنى البساً عاممة كالربوة الالهبة وأن متر الساعة العرش من وجه الضحى ،كالخالة العاتبة أن تخرج األجداث متيش غدا ً وتنثني بعد غد راكبة متيز شعر الربدوين بقدرته عىل اكتناه حقيقة اإلنسان، والتعبري عن شهوته يف التسلط وقهر اآلخر ،وهي حقيقة تاريخية ال ترتبط بالراهن وإمنا ترتبط باملايض كهوية كون اإلنسان صورة مصغرة لقبيلته مبا يختزنه يف الال وعي من قيم ومفاهيم وعادات وتقاليد. وقد انطلق الربدوين من حقيقة تاريخية محاوالً حث اإلنسان ليعيد صياغة واقعه وخلق حضارته بنفسه وفق رؤية شعرية تحاول إحداث عامل توازن بني الواقع والرؤية: يقولون :أدمنت جوب العصور ورافقت أخطارا ً عىل الجبال نعم كان ذاك ،وهذا ،وكان رشايب وقويت غبارا ً وآل لقد أحدث الربدوين رصاعاً بني الرؤيا والواقع لكن الحلم ينهزم وتبقى اإلرادة كأقوى عامل تغيري: أمانيك تبدو كاملية أتسكر والخبز أعىل منال تريد الصدى قبل قرع الطريق دليل اإلرادات ومض الخيال غري أن الربدوين كان يشعر بهزمية الواقع وبرشوطه
48
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
التاريخية الضاغطة عليه ،وكثريا ً ما كان ينفرد برؤياه الخاصة التي غالباً ما تحمل يف أذيالها ضالل الواقع وسوداويته املعتمة: ال تخف يا زيد شيئاً ،ومتى خفت أو قيل رأي الهول اجتنايب جبت عرصا ً بعد عرص وأنا أنت ،مازلت أنا ذاك الوصايب لقد أراد الربدوين من خالل غوصه يف أعامق التاريخ اعتامدا ً عىل ثقافته الواسعة واسقاطاته التاريخية أن يكتشف القيم الحضارية ،ليعيد صياغة الثالثية التي تأسست يف فكره وفنه كأهم مرتكزات املستقبل ،وقد خلقت فيه إخفاقاته شخصية صدامية مع الواقع الذي ما فتئ يعري سوءاته يف جل إصداراته اإلبداعية ومع املوجودات من حوله كدمى حاولت أن تلعب مبصري التاريخ واملستقبل وميكن القول إن الربدوين أو القصيدة الربدونية كانت فكرة متقدمة عىل واقعها ،وقد عجز واقعها عن مواكبتها أو اللحاق بها
تحقيق
الشعر والنقد
إدانة متبادلة وحلول غائبة كثر الحديث مؤخرا عن موضوع غياب النقد ،وابتعاده عن الشعر وعدم مواكبة ما يتم نشره من أعمال شعرية عربية ،ما أنتج حالة من القطيعة ،وتبادل االتهامات بين الشعراء والنقاد ،ثم الدخول في مساحات الجدل الواسعة التي ابتعدت عن ايجاد حلول وأسباب واضحة ،وظلت حاضرة في مكان واحد ال يُ سمع في فضائه سوى صوت االشتباك واللوم والحديث الذي يحاول الكشف عن المسؤول دون جدوى« .بيت الشعر» وقفت عند وجهات نظر الطرفين ،في محاولة الستجالء أسباب تزايد الفجوة بين النقد واإلنتاج الشعري الحديث.
القاهرة -حمزة قناوي
issue (6)- November - 2012
49
تحقيق
ثناء أنس الوجود
«ليست مسؤوليتنا والتقصري ليس م َّنا» ..بهذه العبارة الواضحة ،دافعت ثناء أنس الوجود ،رئيسة قسم اللغة العربية بكلية اآلداب جامعة عني شمس ،عن نُقاد الشعر، ورفضت تحميلهم مسؤولية تراجع دور الشعر وخفوت صوته عىل ساحة األدب .إال انها أكدت عىل واقع غياب نقد الشعر يف الوطن العريب ،بغض النظر عن إلقاء مسؤولية ذلك الغياب عىل كاهل أحد طريف املعادلة: الشعراء أو النقاد. ورأت أن اإلنتاج الشعري نفسه ،وقصيدة النرث تحديدا ً، السبب الرئيس وراء تراجع اإلسهام النقدي ومالحقته ملا يتم طرحه من شعر ،إلرساف شعراء النرث يف الغموض، وبالتايل إخراج منتج ال يجد قبوالً لدى املتلقي ،ويحتاج إىل ثالثة أضعاف الجهد والوقت الالزمني لكتابة نص نقدي تحلييل حول قصيدة من قصائد التفعيلة. تتحرس الدكتورة أنس الوجود عىل «زمن الشعر الجميل»، عىل حد تعبريها ،قائلةً« :حتى عندما َّأسست نازك املالئكة يف الخمسينيات لونًا جدي ًدا من الشعر ،تعارفوا عليه فيام بعد باسم (شعر التفعيلة) ،مل يكن إنتاجها شاذًّا أو غامضً ا ،وال يشوبه االستسهال مثلام يحدث اآلن من قبل أنصاف املوهوبني ،الذين ظنوا أن خلو الشعر من الوزن ميكن أن يعفيهم من أسس أخرى» ،وتستطرد موضحة« :ليك أكتب قصيدة نرث جيدة ال بد أن أكون قد درست الشعر العمودي والتفعييل ،وقرأت منهام مناذج كثرية ،وأستطيع أن أكتب قصيدة عمودية أو تفعيلة، ووقتها عندما أكتب النرث ،سيكون إنتاجي ناض ًجا ،ولكن ما يحدث اآلن غري ذلك».
لكي أكتب قصيدة نثر جيدة ال بد أن أكون قد درست الشعر العمودي والتفعيلي ،وقرأت منهما نماذج كثيرة
50
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
وتنوه أنس الوجود إىل قضية أخرى تؤثر يف الحركة النقدية، وهي أن تراجع نقد الشعر رمبا «يعود إىل تأثري الحركة الشعرية ،مشرية إىل أن الكتابة النقدية التي تعالج النصوص القصصية أو الروائية التي ال ترتبط مبرجعيات بعينها ،أسهل بكثري عن الكتابة التي تعالج نصا شعريًّا؛ بسبب ما ميلكه ًّ الشعر العريب من تراكامت استمرت عىل مدى أكرث من 17قرنًا». وترى أن اإلقدام عىل نقد قصيدة النرث مبثابة مغامرة، وأن النقاد يخشون مخاطر الوقوع يف األخطاء ،خاص ًة مع دخول الشعر إىل الحداثة وقابليته للتامهي مع فنون الصورة ،وقدرته عىل استيعاب األفكار والدالالت ،وما يتمتع به الشعر من اختزال وقابليته الستيعاب الغموض الفني الذي يربر وجوده كفنٍ صعب يحتاج إىل ذائقة وحساسية ال تتوافران لدى الكثري من املتلقني. وتختتم أنس الوجود حديثها لـ«بيت الشعر» برأيها نص ُموا ٍز الصارِم يف قصيدة النرث ،قائلة« :الكتابة النقدية ُّ تلق ،فكيف أكتب للنص األديب ،وقصيدة النرث تعاين أزمة ٍّ نصا موازيًا لنص مل يجد متلقيه؟». ًّ ...................................................................................
محمد عبداملطلب
الناقد محمد عبد املطلب ،أستاذ البالغة بكلية اآلداب جامعة عني شمس ،يربر تراجع إنتاج النقد الشعري مبا اعتربه «استحواذا ً» من الرواية عىل اهتامم الشعراء وال ُنقاد ،وتخيل الكثري من نقاد عن الشعر ،واتجاههم للرواية ،حتى إن ناقدا ً للشعر مثل صالح فضل ،أصبح يكتب نقده اآلن عن الرواية ،وقال« :توجد يف البلدان العربية دراسات شعرية عديدة ،ومعظم املؤمترات والجوائز مخصصة للشعر ،أما يف مرص فاالهتامم يقترص عىل الرواية ،ألنه غال ًبا ما تكتبها امرأة ،وبالتايل تحظى
الشعر والنقد
االهتمام يقتصر على الرواية، ألنه غال ًبا ما تكتبها امرأة، فتحظى باالهتمام ،أما الشعر فيكتبه رجل ويتم تجاهله
ويلفت «البحراوي» إىل أن النقد بصفة عامة ،مل يتأسس بقدر كاف يف الحياة الثقافية الحديثة ،بسبب عدم إتاحة مساحات حقيقية للنرش ،باإلضافة إىل الخلط الدائم بني الناقد والصحفي املتخصص يف الكتابة األدبية ،موضحاً أن نقد الشعر يحتاج بطبيعته إىل التخصص والدراسة التي ال يقدر عليها أحد ،ومل يأخذ النقد يف املنطقة العربية باالهتامم ،أما الشعر فيكتبه رجل ،فيتم تجاهله»! بالتجارب النقدية الغربية ومدارسها املتطورة التي تركت ويرى عبد املطلب أن السينام والتلفزيون ساعدا يف أث ًرا كب ًريا يف حقل النقد عىل مستوى العامل كله. سطوع نجم الرواية عىل حساب الشعر ،بتح ُّول العديد من النصوص الرسدية إىل مسلسالت أو أفالم ،وأن «املتابع ويتفق البحراوي مع عبد املطلب يف أن هناك إنتاجاً نقدياً مكثفاً ،ولكن ال يجد من يهتم به ،مشريا ً إىل أن معظم للحركة الثقافية سيجد أن الشهرة هي التي تجري وراء كُتَّاب الرواية مثل عالء األسواين ومكاوي سعيد وغريهام ،نقاد الشعر أكادمييون ،ال تهتم بهم الصحف ،وال تصدر دراساتهم يف كتب ،وإذا صدرت ال يهتم بها أحد ،حيث أما الشعراء فال أحد يعرف عنهم شيئًا ،فمرص أهملت االهتامم األكرب اآلن بالدوريات والصحف ،وليس بالكتاب. الشعر واللغة ليصبحا يف جانب مظلم» ،ويستشهد عبد أي أنه -باعرتاف النقاد أنفسهم -فإن النقد تأخر عن املطلب مبقولة جابر عصفور« :إننا نعيش زمن الرواية». مواكبة الحركة الشعرية ،حتى أصبح مثل جواد يعجز عن وعىل الرغم من كل ما ذكره عبد املطلب ،فإنه يرى أن جر العربة ،التي باتت ال تعبأ به ،وتنطلق عىل غري هدى، الصورة ليست قامتة متا ًما ،وأن نقد الشعر ليس قليالً، وهو ما يلحظه أيضاً الشاعران رفعت سالَّم ،وعبداملنعم بالعكس يرى أنه رمبا يكون أكرث من الرسد والرواية، رمضان ،حيث يؤكدان أن الحركة النقدية اآلن ،عاجزة عن ولكن املشكلة تكمن يف عدم وصول هذه الدراسات، مواكبة الحركة الشعرية، ويوضح قائال« :تصلني نحو خمس دراسات نقدية يف ومتأخرة عنها ،وإن اختلفت الشعر شهرياً ،فضالً عن أنني شخص ًّيا يصدر يل كتاب يف نقد الشعر كل ستة أشهر ،وهناك إنتاج شعري غزير بعد أسباب كل منهام .حيث معظم نقاد الشعر ثورة 25يناير يف مرص ،وأنا اآلن أعكف عىل قراءة الديوان يرى الشاعر رفعت سالم، أكاديميون ،ال تهتم أن سبب انفصال االشتباك األخري للشاعر حسن طلب». بهم الصحف ،وإذا ...................................................................................النقدي عن الحركة الشعرية ،يكمن يف أن النقاد صدرت دراساتهم ال متابعي الحركة الشعرية سيد البحراوي يهتم بها أحد تأخروا عنها ،وتحولوا إىل الناقد سيد البحراوي ،يرى أن تراجع دور النقد يف الفرتة نقاد تقليديني ال يستطيعون الحالية يعود إىل ما أسام ُه «االنفجار الشعري» الذي مواكبة التجديد الذي قدمه حدث بعد ثورة 25يناير ،ويقول« :أصبحت وسائل الشعراء الجدد ،فيام يتبنى الشاعر عبداملنعم رمضان عرض الشعر كثرية ،ففض ًال عن امليادين ،هناك اإلنرتنت، نفس الرؤية مبنظور مختلف ،وهو أن االضمحالل العلمي، حيث صفحات املواقع والتدوينات ،وصفحات التواصل الذي حدث يف فرتة نصف القرن املاضية ،جعل النقاد االجتامعي ،بينام ال الوقت وال الوسائل متاحة أمام النقد عال ًة عىل الغرب ،ال يستطيعون استظهار كل النظريات ملتابعة هذا االنفجار ،فالنفوس مشغولة بالثورة وإبداعها، النقدية ،ويكتفون بآخرها فقط ،فأصبحت أدواتهم قدمية، وليس هناك وقت للنقد ،كام أن وسائل النرش غري مهتمة عىل الرغم من كونهم ينظّرون بلسان نقدي حديث. بهذا األمر اآلن». issue (6)- November - 2012
51
تحقيق
رفعت سلاّ م
يشري الشاعر واملرتجم رفعت سالَّم إىل أن الحركة الشعرية الجديدة يف الخمسينيات والستينيات تزامنت آنذاك ،مع حركة نقدية قوية ،ورصينة ،وجديدة بالتوازي مع الحركة الشعرية ،أي أن النقاد الذين كتبوا عن رموز جيل الريادة كصالح عبد الصبور والسياب وغريهام ،مل يكونوا من جيل سابق عليهم ،بل من جيل جديد من نقاد جدد يؤمنون بالتجديد الشعري ،بقدر ما يؤمن به الشعراء أنفسهم، مؤكدا ً أن ذلك ما جعل الحركة النقدية تقدم هذه الحركة الشعرية الجديدة تقدميًا واس ًعا وعميقًا ،ومدركًا ألبعادها، وأضاءت هذه الحركة الكثري من النصوص ،وقدمت لها األسس النظرية ،والنقدية ،بحيث أصبح الشعراء والنقاد، رشكاء م ًعا يف هذه التجربة ،ونذكر من بينهم رجاء النقاش ،وعز الدين إسامعيل ،و محمد النويهي ،ولويس عوض ،وعبد القادر القط ،وكثريون غريهم. ويتابع سالَّم« :أما اآلن فالوضع بالغ االختالف ،فالشعراء منذ السبعينيات ،خرجوا عىل التقاليد الشعرية ،السابقة، وقدموا تجارب جديدة خارجة عن املألوف ،لكن الحركة النقدية مل تكن مواكبة لهذه الحركة اإلبداعية ،فوقعت الحركة الشعرية ،بني أيدي نقاد تقليديني ،وعبد القادر القط نفسه وعدد من األكادمييني الذين انتحلوا صفة النقاد ،وبالتايل حدثت فجوة بني اإلبداع الشعري والكتابة النقدية ،ويف كثري من األحيان ،كان النقد يقف موقفًا مناوئًا من التجديد الشعري ،بل يحرض عليه ،بدعاوى كثرية ،سواء أكانت تستند إىل الرتاث أو األخالق ،أو عمود الشعر ،أو أي مربر من هذه املربرات التقليدية. ويضيف سالم« :بل إن النقاد الجدد ،الذين تب ُّنوا فيام بعد هذه التجديدات ،تناولوها من الخارج ،ومل يستطيعوا لعب الدور الذي قام به نقاد الخمسينيات والستينيات، ذلك أن املشكلة تكمن يف تقليدية النقد ،يف مقابل تجرييبية الشعر ،والدليل عىل ذلك أنه حتى اآلن ليس لدينا كتاب واحد رصني ،يتناول قصيدة النرث العربية ،رغم أنها ظهرت يف األدب العريب أواخر الخمسينيات ،عىل يد املاغوط ،وأنيس الحاج ،ثم تبناها شعراء السبعينيات، وبرغم مرور أكرث من 50سنة فإن الكتابة النقدية تفتقر
52
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
الشعراء خرجوا على التقاليد الشعرية السابقة ،وقدموا تجارب جديدة ،والحركة النقدية لم تكن مواكبة لها
إىل كتاب نقدي يصمد للنقاش عىل نحو ما يحدث يف اآلداب األجنبية األخرى. وعن العالقة بني النقد واإلبداع ،يشري سالم إىل أنها ال تؤثر عىل املبدع ،بقدر ما تؤثر عىل املتلقي والجمهور الذي يتلقى التجربة الشعرية ،باعتباره املستفيد األول من الكتابة النقدية ،مضيفاً« :ألن الشاعر سيكتب تجربته هو، برصف النظر عن الرتحيب النقدي بها ،أو رفضها ،ولدينا يف التاريخ العريب أمثلة كثرية ،لكن تخاذل الدور النقدي أدى اآلن إىل أن القارئ ال يدري ما الفرق بني قصيدة النرث وقصيدة التفعيلة ،وملاذا يكتب الشاعر هذه القصيدة؟ وما هو البديل الذي يقدمه الشاعر يف قصيدته عن الوزن؟ فكل هذه األسئلة تقاعس النقد املرصي والعريب عن طرحها بجدية وبحثها برصانة ،وتقدميها للقارئ ،ما صنع فجو ًة بني الشاعر واملتلقي. ويوضح سالَّم أن التحوالت يف الشعر أعمق وأكرث تسارعاً، بأكرث مام يحدث يف الرواية ،مشريا ً إىل أنه كانت هناك حركات شعرية متتالية ،تركت كل منها بصمتها الشعرية املغايرة ،أما بالنسبة إىل الرواية فالحركة الروائية مل يُضف إليها الكثري عىل ما كتبه نجيب محفوظ ،يف تحوالته املختلفة ،وبالتايل فإنه من الصعب عىل ناقد الشعر أن يواكب التحوالت الشعرية الكثرية والعميقة ،حيث كلام توصل إىل تصور معني لتيار شعري ،جاء التيار التايل ليقدم وج ًها مغاي ًرا ،فالشعر يبحث عن املخالفة واملغايرة ،يف حركة دامئة ومستمرة ،بينام النقد يبحث ثبات اإلطار واملالمح الفنية ليتمكن من تصنيف الشعراء.
عبداملنعم رمضان
أما الشاعر عبد املنعم رمضان ،فيشري إىل أن النقد مبا أنه رشا بانهيار التعليم أو تقدمه، علم أيضً ا ،فهو يتأثر تأث ًرا مبا ً وطوال الثالثني عاما األخرية يف مرص ،واجهنا ما هو أبعد
الشعر والنقد
من انهيار التعليم ،إىل التجريف الكامل له ،مضيفاً« :أظن أننا لو نظرنا ألقسام اآلداب العربية وغريها ،سنكتشف أن األساتذة «عىل قياس» ذلك التجريف ،وبالتايل فإن سبب الفجوة بني الشعر والنقد ،كامن يف التعليم وآلته ،التي تراجعت متاماً عىل ما يزيد عن نصف قرن ،طوال حكم مبارك ،وهذا له تأثريه عىل النقد ،فهذا من أبرز أسباب تراجع النقد عامة ليس فقط تراجع النقد الشعري». ويضيف رمضان« :ال نزعم ألنفسنا أن تراجع الشعر، عائ ٌد لرتاجع النقد الشعري ،إمنا تراجع النقد بشكل كبري، وهناك سبب آخر أن الزمن الحديث تطور ،فام يحدث يف سنة واحدة ،كان يستلزم قرناً كامالً فيام سبق ،فام حدث من نهضة يف أوروبا ،وتم استظهارها والتأثر بها يف مرص، يف عرشينينات القرن املايض ،مل يعد يحدث اآلن بنفس املنوال إمنا النظريات األدبية تتتابع يف رسعة شديدة ،ومبا أن نقادنا يريدون أن يكونوا عىل الحد األخري ملا ظهر يف الغرب ،فهم ال يستظهرون كل ما ظهر من نظريات ،إمنا يستظهرون آخرها فقط ،مبا أنهم عالة عىل الغرب ،ومبا أن وترية الزمن تغريت متاماً ،وأصبح الوضع اآلن ال يتيح إعادة إحياء كل ما ظهر يف الغرب ،فأصبح النقد اآلن مشقوقًا نصفني». ويؤكد عبداملنعم رمضان أن أحد شقي النقد ،ما يعرفه مختلف متا ًما عن شقه اآلخر النظري، بالنقد التطبيقي ٌ الذي ينقل مبارشة عام يقوله الغرب ،ويعرف رمضان النقد التطبيقي بالنقد املحكوم عليه بعدم القدرة عىل تطبيق تلك النظريات الحديثة ،ألنهم -حسبام يشري رمضان -مل يتمكنوا من تف ُّهمها متاماً ،مضيفا« :نحن نعيش لحظة نقدية مرتبكة ،نحن مبدعون فقط ،ألن كل الشعوب سواء أكانت متقدمة أم متأخرة ،قادرة عىل إنتاج فنونها ،لكنها عندما تنتقل إىل العلم ،يدخل التقدم يف املوضوع ،والنقد علم ،والشعر والرواية فن سهل،
لدينا نقاد ُمصابون بالفصام.. لسانهم نظري حديث، وأدواتهم قديمة بالية!
ميكن للبالد املتخلفة جدا ً أن تنتج أعظم أشكال الشعر والرواية، لكن تخلفها ال ميكن أن يسمح لها أن تنتج أعظم أشكال النقد، وبالتايل ،فالتق ُّدم يف الشعر ال يستتبعه بالرضورة تقد ٌم يف النقد ومالحقته مستواه الفني ،فنقادنا جميعا ٌ «عيال عىل الغرب» ،وبال استثناء». وعن كيفية االستدالل بأن ما تنتجه الشعوب املتخلفة ،إبداع جيد، يقول رمضان« :النقد يعطي أدوات للنظر ،وميكن أن ترى بها أو ال ترى، املشكلة يف النقد ،أنه عندما يتعامل مع النص ،يستخدم أدواته القدمية ،التي يعرفها ،ويف هذه اللحظة يكتشف الجامل أو عدمه بنفس األدوات ،لكنه عندما ينظّر ينقل لنا أحدث ما يكتب يف الغرب ،فهذا فصام يعانيه النقاد ألن العلم ال ميكن أن يتحقق إال بنظريته األخرية فال ميكن للطبيب أن يعالج مرضاه بأدواته القدمية ،هذا هو العلم الذي يجربك عىل أن تلتمس أحدث األدوات ،لكن املشكلة أن النقاد يرون اإلبداع باألعني القدمية ،ويتكلمون عنه باللسان الجديد ،فال تصدق كالمهم ،ألنه حصيلة لسان وعلم لسان جديد وعلم قديم ،وأحياناً يدلوننا عىل األجمل ،لكنهم يف النهاية حائرون». وقال رمضان إن نقد الشعر أصعب من نقد الرواية ،ألن األخرية تحتمل كل يشء ،فيمكن الدخول إليها من طرق مختلفة ،مثل طريق التاريخ ،وعلم االجتامع وغريهام، وأضاف« :الرواية عبارة عن صندوق له أبواب عدة، أما الشعر فأصعب ،اللغة يف الشعر ليست وسيلة ألداء أغراض كام يف الرواية ،وهي موجودة فيه لذاتها ،حتى لو أدت مها َم ما ،وهي يف الشعر سيدة املهام ،أما يف الرواية فهي تستخدم لغري ذلك ،وبالتايل فالشعر يلزمه نقاد لديهم معرفة تامة بأرسار اللغة ،وهذا متعذر حتى عىل بعض أساتذة اللغة يف الجامعات ،فطريق الشعر طويل وصعب ،وليس مثل الفنون األخرى
issue (6)- November - 2012
53
حوار
عباس بيضون
قصيدة النثر مزيج بين الشعر والنثر عباس بيضون شاعر يشكل عالمة متفردة في المشهد الشعري العربي ،وما يميزه عن مجايليه أنه ثابر خالل عدة عقود على االشتغال بحرفية على قصيدته الخاصة في اللغة والشكل ،تاركا تأثيرات واضحة على أصوات شعرية جديدة .وباالضافة الى منجزه الشعري الثري ( 17مجموعة شعرية) ،فالشاعر ذهب في اتجاه الرواية والنثر
حوار :فيديل سبيتي
54
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
عباس بيضون
اعرف اىل متى سأبقى عىل هذه الحال او اىل أين سيفيض يف السنتني املاضيتني نرشت روايتني يب هذا األمر. هام «مرايا فرانكشتني» و»ألبوم الخسارة» ،ومل تنرش شعرا .هل توقفت رمبا تشعر بأنك أنجزت تراثك الشخيص يف الشعر واآلن حان الوقت لتنجز تراثك النرثي؟ عن كتابة الشعر لصالح الرواية؟ ■ ال اكتب بأي قصد .كل ما يف األمر أنني يف هذه املرحلة ■ ال أدري ما هو السبب الذي يدفعني اىل إختيار كتابة النرث دون الشعر ،لكني يف هذه الفرتة ال أجد دافعا لكتابة أجدين منجذبا لكتابة النرث ،وأشعر بأنني قادر عليه. الشعر ،رمبا يكون لحادث السيارة الذي تعرضت له عالقة بعد تجربة الكتابة النرثية ،ما الفرق بني نوعي الكتابة: باألمر .إذ أنني منذ وقوع تلك الحادثة توقفت تلقائيا عن الشعر والنرث؟ كتابة الشعر. ■ ال أريد أن أقيم مقارنة بني كتابة الشعر والنرث ،رغم أنه لكن كيف ميكن الربط بني الحادثة والتوقف عن كتابة بإمكاين القول إن الشعر فن يقوم عىل اإليعاز واإلشارة الشعر؟ والتلميح ،وما يظهر منه هو رأس جبل الجليد ،مبعنى أن املغمور منه والعميق واملكبوت أكرب وأوسع مام يظهره. ■ ال ميكنني أن أجد الصلة بني الحادثة التي كانت ذات ففي مجموعايت الشعرية عالجت هذا الفن املكتوم تأثري مهم يف حيايت يف السنتني املنرصمتني والتوقف عن واملكبوت وشبه الصامت ،وقد أكون ولو لوقت قد كتابة الشعر ،لكن مثة تواقت بني األمرين .هل من إحتجت اىل كتابة اكرث تبسطا وبوحا وأكرث كالما ،وهذا ما صلة بني األمرين؟ ال أعرف .هل يعني ذلك أين تخليت بت أجده يف الكتابة النرثية .ليس لدي رغبة يف أن أصوغ عن الشعر؟ ال أعرف .هل يعني أين أهملت الشعر؟ ال اعرف أيضا .ما أعرفه أنني أكتب اآلن نرثا ،وكتبي األخرية تصورات نظرية .ال أريد التحدث عن معادلة نظرية بني كانت نرثا« ،مرايا فرنكشتاين» و»ألبوم الخسارة» ،وما أنا الشعري والنرثي. بصدده هو أيضا نرث ،حتى أنني إبتعدت عن قراءة الشعر يف النرث أريد أن أكتب نرثا كالنرث .أظن أن الصحافة أعانتني عىل تجريب النرث وتجريب أساليب النرث ،ليس أيضا لصالح قراءة النرث. يف املقاالت التي أكتبها أسبوعيا فحسب ،بل يف الروايات هل هذا يعني أن هناك إحتامال بأن تتوقف عن كتابة التي كتبتها. الشعر؟ ■ أجل ،قد يكون التوقف عن كتابة الشعر إحتامال أيضا .للنرث متعته الخاصة ،انه ينتهي إىل شعور بان «شعرية هل هناك إغراء ما يدفعك اىل كتابة الرواية وترك الشعر النرث» هي يف املستوى ذاته الذي لشعرية الشعر. جانبا يف هذه املرحلة؟ ■ ال أكتب الرواية أو النرث بداعي إغراء ما ،مبعنى أنه ليس يف األمر حسابات أو مفاضلة بني الشعر والنرث. أنت تعلم كام اآلخرون أنني شاعر أوال ،وما أزال حارضا ال أدري ما هو السبب الذي كشاعر ،وقد أنجزت سبع عرشة مجموعة شعرية ،وهذا بحد ذاته رقم كبري ويجعلني صاحب تراث شخيص يدفعني الى كتابة النثر دون وخاص يف الشعر. الشعر ،لكني في هذه الفترة ال أريد أن أتخىل عن الشعر لكنني ال أحسن كتابته يف هذه املرحلة .وهذا ما كان يحصل معي بإستمرار ،فبعد ال أجد دافعا لكتابة الشعر كل مجموعة شعرية كنت أتوقف عن الكتابة وقتا يطول ويقرص ،ثم حني أعود اىل كتابة الشعر أشعرين كاملبتدئني. وقد مىض حتى اآلن عامان مل أكتب خاللهام الشعر ،وال issue (6)- November - 2012
55
حوار
عىل جاملية الشعر فقط بل وعىل صفات النرث التشاؤمية لكن ال يبدو أنك الوحيد الذي تجذبه الرواية يف هذه اآلونة ،إذ باتت الرواية تأخذ حيزا واسعا يف الكتابة األدبية والناقدة واملشككة .وأكرر ما قلته سابقا بأن قصيدة النرث يف العامل العريب ،وكأن الرواية تحاول أن تنتزع مجدا كان هي غري الشعر بالنسبة يل ،ولذا ال ميكن وضع الشعر وقصيدة النرث يف مواجهة بعضهام وكأنهام يف معركة للشعر؟ جذب للجمهور ،أو مقارنتهام ببعضهام .انا لست ممن ■ أجد أن اإلنرصاف اىل كتابة الرواية يف العامل العريب يفاضلون بني الشعر وقصيدة النرث ،الشعر هو الشعر وله أمر طبيعي ،وهذا ما يحدث أيضا يف جميع انحاء العامل. قواعده وحرفته بينام قصيدة النرث هي نوع قائم بذاته فالرواية فن العرص أو كام يقول لوكاش هي «ملحمة وهي مل توجد لتحل محل الشعر وليست النوع الجديد الربجوازية» .الرواية فن املدينة ،بشكل أو بآخر ،وبالتايل من الشعر ،وهي ليست شعرا باملعنى املطلق للكلمة، تتمكن الرواية من جمع جمهور من القراء مل يعد بل هي مزيج بني الشعر والنرث .فعىل سبيل املثال ال للشعر .فالشعر بات فنا من دون جمهور عىل ما أعتقد ميكن إعتبار قصيدة التفعيلة قصيدة نرثية ،إذ أن لكالهام وهذا يعود لفرط الرتكيب والكثافة واإليعاز والصمت والكبت وفرط التكتم ،كل ذلك يجعل من الشعر فنا غري أسسه وقواعده. جامهريي ،وهذا ليس جديدا عىل الشعر الذي كان دامئا هل ميكننا القول انك تعلن موت الشعر حني تقول أن بال جمهور عريض ،ولكنه اآلن يصل اىل الدرك األسفل يف الشعر بات فنا بال جمهور؟ ■ ال أعلن موته ،ولكن ال يسعني أن أنكر أن الشعر إنرصاف الجمهور عنه. يرتاجع ويتح ّول اىل فن فئوي ،ويخص شيعة من كتاب لكن الشعر الحديث يف أواسط القرن املايض حاول ان وشعراء ،حتى بات يقترص تبادله بني الشعراء أنفسهم، يكون بدوره معربا عن املدينة والحداثة .هل فشل يف وقد ال نجد قراء له من خارج مجموعة هؤالء الشعراء، ذلك ؟ ■ بالطبع فإن لقصيدة النرث الحديثة صلة باملدينة ،ولكني هذا رغم ان الشاعر حني يكتب فإنه يكتب اىل ق ّراء متخيلني اال أنه ليس بالرضورة أن يكون أو يش ّكل هؤالء افرق بني الشعر كفن وبني قصيدة النرث التي أعتربها فنا قامئا بذاته ال عالقة له بالشعر بالرضورة .ألن الشعر يقوم القراء جمهورا .هل هذا يعني موت الشعر؟ بطبيعة عىل الكثافة والتقطري واإليعاز واإلشاراتية والتلميح ،وهذا الحال أنا ال أحب هذا النوع من الشعارات ،لكن بالتأكيد فإن الشعر مل يعد فنا ينتج «نجوما» ،فهو يعود اىل مكانه ال يؤهله ألن يكون فنا جامهرييا .ثم أن هناك امرا آخر، فالشعر كان فن املديح واملباركة للعامل وفن تجميل العامل .األسايس كفن صامت ويعود الشعراء اىل كونهم زهّ اد ونساك ومنتمون اىل شيعة ضيقة وصغرية .وقد يكون هذا أما اآلن فالشعر يتبع النرث ،والنرث فن متشائم وهو فن ّ النقد والتشكيك وكذا هو حال الرواية .رمبا مل يعد محبو ملصلحة الشعر ،فعدم الطلب عىل الشعر قد يجعله غري مرشوط ويتمتع بحرية اكرب. الشعر يجدون يف الشعر ما كانوا علينا أن نتفهم بأن هناك أنواع من يطلبونه من قبل كالغناء واملديح تهم الجمهور العريض ،كام والحفز عىل التفاؤل والتجميل، الكتابة ال ّ هو علم اللغة الذي ال يهتم به اال رمبا اآلن بات الشعر عىل غرار النرث املهتمون باللغة ،وهذا هو حال الشعر. «تقبيحي» متشائم وسلبي. لكن اال تساهم حالة الشعر هذه بإثباط أمل يكن الشعر الحديث متشامئا عزمية الشعراء؟ وتقبيحيا منذ بداياته؟ بالطبع فإن تراجع الشعر يثقل عىل ■ مل يكن الشعر كذلك من البداية، الشعراء الذين يتعاملون مع حالته لكن قصيدة النرث مرتبطة بالنرث وهي هذه بقدر من الضيق والشعور بالغنب تلحق به وتتأثر مبزاياه ،وهي ال تتكل 56
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
عباس بيضون
والحرسة ،وأنا أفهم ذلك .وقد يلجأ الشعراء اىل محاوالت لتبسيط الشعر وتسهيله ما أمكنهم من أجل تحويله اىل فن مقروء وقريب من الجمهور .وإذا فعلوا ذلك فلهم ملء الحق. لكن هناك شعراء يرفضون التنازل وال يقومون بهذه املساومة ،وتبقى الكتابة بالنسبة لهم أمرا خاصا جدا. مبا أننا نتحدث عن حالة الشعر الذي بات يقترص عىل كتّابه ومجموعة صغرية ممن حولهم ،ما هو رأي عباس بيضون الناقد والشاعر مبا يكتبه اليوم الشباب أو شعراء األجيال السابقة املداومني عىل الكتابة؟ ■ ال نزال نجد بني شعراء قصيدة النرث من يثريون إنتباهنا، ومن نجد فيهم جديدا ومن عندهم مغامرة خاصة والذين يتمتعون بحضور شخيص .ال أجد الشعر كشعر يف حال سيئة ،واجده فيام يختص بقصيدة النرث حارضا ومنتجا وحيا. أقصد هل تجد أن ما يكتب من شعر اآلن يعرب عن الحياة املعاشة وأساليبها والتساؤالت التي ترتبها عىل الشباب، كام حاولتم أن تفعلوا كجيل ما بعد الرواد يف إخراج القصيدة من بيانيتها التي أغرقها فيها الرواد يف أواسط القرن املايض؟ ■ أول ما يلفتنا يف نتاج الشباب يف أنحاء العامل العريب أنهم أصحاب مغامرة خاصة وجديدة ،وبانهم يستمدون من صلتهم بعرصهم ومعيشهم وحياتهم وقناعاتهم ما نجده جديدا بالنسبة لنا .وهو لن يكون جديدا لوال انه يتضمن تعبريا جديدا ومعالجة ورؤية جديدتني .وأريد أن أؤكد لك أنه غالبا ما يدهشني الشعراء الشباب الذين يف العادة مل اعرف ألغلبهم إسام من قبل وأكون قد وقعت عىل كتبهم بالصدفة ،ورغم انني أقرأ هذه الكتب قراءة رسيعة اال أنني غالبا ما اجد فيها ما يدهشني. مبا أنك تطرقت اىل شعر الشباب ...نعرف أن إبنتك بانا وإبنك زيك يكتبان الشعر أيضا ،كيف تصف عالقتك بشعرهام ،وكيف تصف من خاللهام عالقة الجيل الشعري الجديد باألجيال السابقة؟ ْ بوغت حني علمت أن زيك يريد أن ينرش كتابا كام ■ ْ بوغت حني علمت ان بانا تكتب .لقد كان إعالنهام عن نفسيهام كشاعرين يف وقت مل أتوقعه ومن دون أن
كان الشعر دائم ًا بال جمهور، ولكنه اآلن يصل إلى الدرك األسفل في انصراف الجمهور عنه
أعاينه يف مراحله .وأريد أن أعرتف بأن اإلثنني مل يقرآين جيدا ،وال أظن أن ما يكتبه كل منهام يخرج من تجربتي ومن مغامريت .أرى أن هناك كتابة تتعلق قبل كل يشء بصاحبها .فهناك فرق كبري ما بني الشعر الذي يكتبه زيك وذاك الذي تكتبه بانا ،هو فرق يتعلق بشخصيتهام وبعالقتهام بالحياة والعامل املحيط وكيف ينظران إليهام، وأعتقد ان املسافة الفاصلة ما بني شعر بانا وزيك هي نفسها الفاصلة ما بني شعر كل منهام عن شعري .وال أظن أن قارئا حصيفا ميكنه أن يلتقط أي إشارات يف شعرهام ميكنها أن تدل يف إتجاه شعري. هل ميكن إسقاط هذه العالقة بني الشاعر األب وأبنائه عىل جيل الشعراء الشباب و»الشعراء اآلباء»؟ ■ ما يرث الشعراء عن الشعراء هو اللغة التي تكون قد عولجت وتطوعت عىل يد جيل كامل ،وال يرثون نصا بذاته .وقد يرثون أيضا النقطة التي يوصل إليها الجيل املايض تجربته الشعرية ،وهي نقطة قد توفر عىل هؤالء الشعراء البدء من جديد او قد تفرض عليهم أن يبدأوا من خارجها .فالشعراء السابقون خاضوا تجربة وف ّروها عىل الجيل الذي تالهم ،وعىل هذا الجيل ان يوصلها اىل نقطة يبدأ منها الجيل الذي سيليه. ُ قد نجد لدى الشعراء الجدد بعض ما أنجز لدى األجيال األخرى وبعض ما صار تراثا يف الشعر ،ولكن بالتأكيد فإن كل شاعر ميلك مغامرته الخاصة .والجيل الشعري ميلك ما يجمع بني أفراده ،فثمة خطاب للشعر يتغري من جيل اىل issue (6)- November - 2012
57
حوار
الذين يبدأون أمرا .وال ميكننا أن ننسب اىل رواد الشعر اللبنانيني صفة أو ميزة أخرى غري أنهم كانوا البادئني يف املرشوع الشعري او الذين بادروا إليه ،فهم ليسوا عاملقة وليسوا شعراء كبارا بالرضورة ملجرد أنهم رواد .وهناك فروقات بني شعراء الرواد أنفسهم يف الشعر الذي كتبوه ويف املكان الذي بدأ منه كل منهم والطريق التي إتبعها. ال يشء يجمع بني هؤالء الرواد ،فحني نقرأ شعراء التفعيلة من بني الرواد ال نجد تقاطعات مشرتكة كالتي تكون عادة بني أبناء الجيل الواحد ،وذلك ألن كل منهم بدأ من محل مختلف. حسنا ،لكن من تعترب أن كونهم رواد ملجرد «مبادرتهم اىل األمر» ما زال عدد كبري منهم سواء من بني األحياء او األموات مكرسا حتى اليوم ،منهم –عىل سبيل املثال ال الحرص -أدونيس وأنيس الحاج ومحمد املاغوط وشوقي أيب شقرا بدر شاكر السياب ...إلخ ■ هذا صحيح ،لكن هناك شعراء من الرواد مل يتم تكريسهم وال ميكن تذ ّكر أسامءهم ،اذا ال بد ان للشعراء الذين ك ّرسوا وما زالوا حتى اليوم أسباب أخرى لتكريسهم غري ريادتهم ،أسباب تتعلق بكل واحد منهم عىل حدا. جيل ،مثة وجهة لكل جيل. لذا ال يسعني أن أتحدث عن الرواد جملة او أن أضعهم أجيال، اىل اء ر الشع تقسيم عىل هل هذا يعني أنك موافق يف خانة واحدة ،فلكل واحد منهم نتاجه وأثره ،لذا كام هو الحال يف تقسيم الشعراء اللبنانيني مثال اىل جيل ميكنني ان أتكلم عنهم واحدا واحدا لو أردت تفصيل الرواد وجيل ما بعد الرواد وجيل الحرب وجيل ما بعد نتاجهم .فأنا ال أجد بني أنيس الحاج وأدونيس ومحمد الحرب...؟ املاغوط ما مي ّكنني من أن أضعهم يف خانة واحدة. ■ ليس بهذه الطريقة .ال أوافق عىل تقسيم الشعراء هؤالء غدوا روادا يف عمر مبكر .أفراد هذا الجيل ،كان عىل اىل خ ّالقني ومخلوقني او اىل رواد وتابعني ،ال أوافق لهم الحق يف اإلكبار ،وذلك يعود بوضوح إىل إنهم كانوا تقسيم الشعراء عىل هذا النحو .لكن باملعنى الزمني ،نعم مؤسيس قصيدة جديدة ،مؤسيس مرحلة ،بحيث غدت فلست انا وحدي من يقول ذلك فجاكوبسون مثال يقول :مكانتهم التاريخية منذ اللحظة األوىل يف حكم املؤكد. «كل جيل جديد يبدأ تناوله للشعر من املطرح نفسه». ولكن مع الزمن مل تعد الريادة كافية وحدها. وهذا املطرح يؤدي اىل إيجاد مناخ واحد لدى الجيل هذا الجيل اختلطت فيه الريادة مع االنجاز مع البيان الواحد ،بحيث اذا ما قرأنا قصائد لشاعر ما ميكننا ان الشعري مع املوقع التاريخي ،يف حني مل يكن االنجاز نتع ّرف بشكل تقريبي عىل الزمن الذي كتب فيه قصيدته الشعري نفسه إ ّال واحدا من عنارص اإلسم الذي بات لهم. أو الجيل الذي ينتمي إليه ،ألننا نجد فيه بصامت هذا ما صنعته األجيال الثانية ليس قليال وصغريا ،كام هو الجيل. سائد .األرجح أن مع شعراء الجيل السبعيني ورمبا لبنانيا عبارة «جيل الرواد» ال تعني يل سوى تصنيف الستيني ،تغري مفهوم الشعر .كان تحوال يف عمق العملية زمني .كلمة «رواد» هي كلمة تاريخية ،فالرواد لغويا هم الشعرية ،بدون مقابل نظري .جيل الرواد قدم عمله 58
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
عباس بيضون
الشعري والنظري ،باعتباره جزءا من عملية تاريخية شاملة ،وكأنهم طليعة ثقافية بديلة ملرشوع متكامل ليس فقط شعريا ،بل تأريخي وثقايف وسيايس. مل يعد الشعر مرشوعا مستقبليا ،أصبح مطلوبا من الشعر أن يكون شعرا بالدرجة األوىل .مل يعد السؤال كم يستطيع الشعر أن يخلق املستقبل والتاريخ والثقافة ،بل كيف له أن يكون شعرا ،ويف الوقت نفسه تعبري حياة. لكن ال بد أن عددا كبريا منهم قد بات ابا روحيا لشعراء جاؤوا يف ما بعد جيل الرواد .حتى أنت يصفك بعض النقاد بأنك أب روحي لعدد كبري من الشعراء الذين يحاولون تقليد صوتك او لغتك او نربتك الشعرية... ■ ال يبدأ الشاعر من شاعر آخر ،قد يتمثل أو ميتص شاعرا آخر ،ولكن ال ميكن للشاعر أن يكون عمله يف الحياة التمثل بشاعر آخر .كل شاعر يريد أن يبقى أو أن يثبت حضوره عليه ان يكون حارضا بنفسه فال نقيسه عىل شاعر آخر أو ننسبه اىل شعر آخر. لنعد اىل شعر عباس بيضون من قصيدة صور اىل الديوان األخري «بطاقة لشخصني» ،كيف ميكن ان يروي الشاعر سرية شعره من القصيدة األوىل حتى اآلن؟ ■ أريد تجنب ان أتح ّول اىل قارىء لنفيس ،أو أكون العمدة يف تقييم شعري او يف وصفه .كل ما أستطيع أن اقوله أنني كتبت قرابة 17مجموعة شعرية ،وعىل القارىء الذيك او املتابع أن مييز عدد القصائد املوجود يف هذه املجموعات ،هل كل مجموعة قصيدة بذاتها ،هل
ما يرث الشعراء عن الشعراء هو اللغة التي تكون قد عولجت وتطوعت على يد جيل كامل وال يرثون نص ًا بذاته
هناك قصيدتان أو ثالث او اربع تتكرر وتتامزج ويعاد إنتاجها .هل هناك اكرث من قصيدة أو من جملة يف هذا الشعر .هل هناك جمل تتامزج وتندمج يف جملة أخرى او يف قصيدة اخرى .هذا ما يرتتب عىل الناقد ان يفعله. هناك شعراء يكتبون قصيدة واحدة ،وهم ليسوا فقراء أو بخالء او فارغني ،ألن من بني هؤالء شعراء كبارا، كسان جان بريس ،الذي حني تقرأ أعامله من أولها إىل آخرها ستشعر أنه يكتب القصيدة نفسها التي تتمدد وتتطاول وتنفجر وتتامزج وتنفتح اىل مساحات جديدة، وهناك شعراء يكتبون اكرث من قصيدة يف خالل مسريتهم الشعرية ،وهذا ال يتعلق بقيمة الشعر بل بأمزجة الشعراء .هناك شعراء يضجرون من قصائدهم وأساليبهم فيتغريون من مجموعة شعرية اىل أخرى وأحيانا من مرحلة اىل أخرى ،وأظن أنني أنتمي اىل املجموعة التي تضجر من نفسها والتي ال متلك طاقة عىل إعادة كتابة جملة سبق أن كتبتها ،أظن أنني من فرتة اىل أخرى أبدأ من جملة جديدة او من قصيدة مختلفة .رغم أن هناك أصدقاء يجدون جذور ما أكتبه يف أول أعاميل .هذا يعود اىل القارىء او اىل الناقد.
issue (6)- November - 2012
59
حوار
عباس بيضون
الشاعر والنص
يف
السنتني املاضيتني نرش عباس بيضون روايتني «مرايا فرانكشتاين» و»ألبوم الخسارة» .أخرج هاتني الروايتني بعدما أنهى عدة شهور يف العالج من آثار الكسور التي سببتها له حادثة صدمه بسيارة يف أحد شوارع بريوت بينام كان ميارس هوايته األثرية ،امليش يف شوارع بريوت. كان لتلك الحادثة آثارها الجسدية والنفسية عىل عباس ولكن كان لها تأثريها عىل كتابته أيضا ،رغم أنه ال صلة مبارشة بني الحادثة والكتابة ،لكنه منذ ذلك الحني مل يكتب الشعر ومل يقرأه حتى ،بل لجأ اىل كتابة النرث غري متأكد مام إذا كان إنرصافه عن الشعر سيكون مؤقتا أو دامئا .املهم أنه يف هذه املرحلة يجد يف النرث مطرحا أكرث رحابة ،متخففا من اإلختصار والكبت والرتميز وسائر املواصفات التي تحتاجها القصيدة يك تكتب .وهذه الحالة تشبه ما جرى معه حني أجرى عملية القلب املفتوح قبل سنوات قليلة وحينها خرج برواية «تحليل دم» وهي روايته األوىل. كأن آالم الجسد تحيل اىل النرث الذي يتسع له ولحقيقيته ،أي اىل األمل املحسوس والواقعي ،بينام يرتك الشعر اىل آالم النفس تلك التي تنفصل عن الجسد يف لحظات الكتابة الشعرية. رغم رواياته الثالث وإنرصافه عن نرش الشعر ،إال أن عباس بيضون ما زال يقدّم كأحد أبرز شعراء جيل ما بعد الرواد يف لبنان ،منذ ستينات وسبعينات القرن املنرصم حتى اليوم،ويف مسريته الشعرية ،التي أصدر خاللها ما يقارب السبعة عرشة مجموعة شعرية ،أرىس بيضون تراثه الشعري الخاص ،ذاك الذي يراه البعض قصيدة واحدة ممتدة ومتناسلة ومتطاولة ومتغرية يف نفس إطارها ،بينام يعتربها البعض اآلخر ومنهم هو نفسه بأنها تجربة قصائد وجمل كثرية ومختلفة يف كل مجموعة شعرية ،اذ أنه كلام أنتهى من مجموعة شعرية وأراد أن يبدأ بأخرى يشعر وكأنه يبدأ من جديد كام يشعر املبتدؤون يف كتابة الشعر ،عىل حد وصفه .لكن إبتداءه الشعر يف كل مرة ال يعني أنه ميكن تفكيك جملة الشاعر الشعرية بسهولة .فجملته مكثفة ومخترصة مكبوتة كاملكبوت الذي تعالجه مشدودة اىل اإلختصار وتخبىء يف عمقها ما يخبئه جبل الجليد أسفل املاء بعدما يخدعنا براسه ّ املطل أعىل املاء. وشعر بيضون متنوع عىل مدى تنوع الجملة الشعرية التي تشكل القصيدة ،ففيها كثري من امللحمية واإلنشادية ،وفيه أيضا جفاف وقسوة وحدة .هو أيضا شعر املوضوع والالموضوع ،البناء والتهديم ،التغني بالجامل وتقبيحه ،شاعر اللغة الحسية واملحسوسة واالنفعالية والعصابية. أصدر عدداً من املجموعات الشعرية والكتب النرثية منها »:الوقت بجرعات كبرية»، «صور»« ،صيد األمثال»« ،مدافن زجاجية»« ،ز ّوار الشتوة األوىل»« ،نقد األمل»،
60
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
عباس بيضون
رغم رواياته الثالث وإنصرافه عن نشر الشعر ،إال أن عباس بيضون ما زال يق ّدم كأحد أبرز شعراء جيل ما بعد الرواد في لبنان ،منذ ستينات وسبعينات القرن المنصرم حتى اليوم
«حجرات»« ،خالء هذا القدح»« ،أشقاء ندمنا»»،ملريض هو األمل»« ،لفظ يف الربد»« ،الجسد بال معلم»« ،شجرة تشبه حطاباً» و»ب ب ب» ،و»بطاقة لشخصني»ُ .ترجمت مجموعاته ومختارات منها إىل الفرنسية ،اإليطالية، اإلنكليزية ،األملانية وغريها. مارس العمل الصحايف منذ شبابه وما زال حتى اليوم يتوىل مسؤولية امللحق الثقايف يف صحيفة «السفري» اللبنانية، وبحسب ما يردد (يف املقابالت التي أجريت معه سابقا) حول اإلشتغال يف الصحافة ،يقول بأنه مل يتوقع من الصحافة سوى أن متنحه املعاش ،لذا تأخر يف أن يتعلم من الصحافة« .كنت أكتب وال اسعى ألي قارئ ،أكتب مقاالت ال تقدم أي تنازالت إلقامة جسور مع قاريء .مع الوقت تع ّلمت تلمس حصة القاريء يف كتابايت ،وتلمست تأثري الرشاكة الجديدة ،فقد بدأت بالتحول اىل النرث ،هذا النرث ّ حرضني عىل كتابة الروايات». ال تستهوي عباس بيضون العالقات ومنها تلك التي قد توفرها له مسؤوليته للملحق الثقايف« ،فالناس سين ّفضون عنك حال إدراكهم عجزك عن التقدم نحو أفق أفضل يف اإلبداع» .عالقاته يبنيها وفقا ملزاجه فربأيه يجب عىل الكاتب أن يبقى فوضويا وعابرا للعالقات االجتامعية ،ألن تحول الكاتب اىل مقام او مركز أمر مضاد للكتابة. ّ «يف العمل األديب ال نعرف متى نسقط .هناك عالقات تنافس مرعبة .واحد فقط ينبغي أن يصل وينبغي أن يسقط االخرون وراءه وأن ال يصلوا .علينا أن نفرح بأنهم تعثرّ وا .علينا أن ننظر بطول بال إىل سقوطهم وإنسحابهم وموتهم األديب ،وأحيانا موتهم الشخيص إذا كان موتهم األديب مستحيال .هذه مهنة عاقة وجنونية». فجة لكن حقيقية ،ال تحتاج اىل وسائط أو أقنعة، رصاحة ّ هو كذلك عباس ،لطيف اىل أقىص الدرجات ولكنه ال يوارب يف رأي وال حتى حني يلجأ اىل نقد نفسه .هذا نتاج عالقته العضوية مبا يكتبه سواء كان نرثا أم شعرا .فحني تجالس عباس بيضون ستتخيل فيه نصه الذي تكون قد قرأته ،وحني تقرأ نصا لعباس سرتى فيه صورة عباس ،هام النص وصاحبه ،كائن واحد ال ينفصم ،وهذا ما يجعل اللقاء معه ميلء باملتعة والرهبة أيضا فيديل...
issue (6)- November - 2012
61
.
حسن نجمي .............................................................................................................
خصصت
وصي ْر ون ُدو ُ جن ُ ُ س ِّ
املجلة األدبية الفرنسية «املَا َغازينْ لِيتِّريي ْر» ،يف آخر عدد لها (أكتوبر ،)2012مل ّفاً حول عالقة الجنون باألَدب (ما َي ْع ِر ُفه األدب عن الجنون) .ويندرج هذا امللف ضمن نظر ٍة شامل ٍة قررت املجلة أَن تشمل بها تباعاً موضوعات ِ منغلق عىل نفسهُ ،يتَحد َُّث عنه –غالباً -من موضوع الجنون ،واملوت ،واآلخر ،ومن داخل املنظور األديب ،أي ما الذي يعرفه األَدب عن ٍ ٍ خارجه ،وبدون تجربة ملموسة ؟ ثم كيف يضع األَدب يف مقدمة ْ املشهَد مناذج تعاين من حالة جنون ،سواء تع َّلق األمر بشعراء و ُكتَّاب أو ؟وتشكلت مقارب ُة هذا امللف عرب أَربع حركات .الحركة الثانية ،اهتمت مبا ع َقدَه ّ ْ الش ْعر من ِص َال ٍت مع الجنون. بشخصيات رسدية مت ََّخيلة ُ طبعاً ،ليست هذه هي املرة األوىل التي َت ِقف فيها هذه املجلة الرصينة عىل موضوع الجنون يف عالقته بالكتابة والفكر .وقد اعتدنا بفضلها روس ْ يلْ ،ب ِريسيِّ ُ ،ڤو ْل ْف ُس ْ ون (مع استحضار مناذج فلسفية أخرى لعل ِنيت َْشه أَشهرها، أن نتحدث عن ِ حاالت هُ و ْل َد ْرلن ،أَ ْر ُطوِ ،ن ْري َڤ ْالُ ،مو َّب َاسانِّ ، َاح ْت ال َعالِ َم اللغوي َّ وص ْري، الشهري ِف ْردين َْان دو ُس ِّ بالشك .).ولكنَّ الجديد يف هذا امللف –بالنسبة إ َّيل عىل األقل -هو حالة الجنون التي ْاجت َ األب الفعيل لِ ِّلسانيات الحديثة والفكر البنيوي ،وهو ُي َن ِّقب عن املزيد من الكلامت الجديدة تحت ظالل الكلامت القدمية ،وعن املعاين وص َف ُه ميشيل فوكو يف «تاريخ الجنون» بانقطاع ْ مط َل ِق لل َع َمل املبتكرة من خالل َق ْلب الحروف وتركيب ٍ كلامت ُأ ْخرى .وذلك يف س َّياق ما َ (ولِ َم الَ؟) كأحد املصادر الرسية للكتابة. َ وص ْري ( ،)F. de Saussure 1913- 1857يف الوطن ال َع َريب ،إِ َّال بأ ْل ِف خري وخريَ .ن ْذ ُك ُره ك َعالِم لساين سويسرْ ي كبري ،وباألساس إِننا ال َن ْذ ُكر دو ُس ِّ َ كمؤسس للبنيوية يف اللسانيات ،دون أن َننْىس إِسهامه بالغ األهمية يف دراسة اللغات الهند-أروبية .وهل ي ْنسىَ أحد ِكتَا َبه الفذ «دروس يف اللسانيات العامة» ( )1916الذي ج َم َعه ونَشرَ َه تالمذته (بعد موته) ،واع ُت َرب من أَهم الكتب التي أَضاءت القرن العرشين .كام وفرت له ع ْنصرُ إِسناد علمي ومعريف ومنهجي ال غنى عنه .نتذكر بالخصوص ،التمييز بني اللغة والكالم ،وبني النظرة الزمنية (ال ّْد َيا ْك ُرونية) والنظرة (السا ْنكرونية) ،والتأكيد عىل الطابع ا ِإللزامي (الت ُّ املؤسسيِ للغة) ،وما إىل ذلك من َّحكمي) للعالمة اللغوية (ما ُس ّمي الحقاً بالعامل َّ ال َّتزَا ُمنية َّ َ مفاهيم ومعطيات نظرية وإجرائية استفادت منها مختلف الحقول املعرفية كالفلسفة ،واألنرثوبولوجيا ،والتحليل النفيس والنظرية األدبية. بحاث لغوية ،جانبية وتفصيلية ُو ِص َف ْت بال َّالعقالنية وص ْري إىل أَ ِ هكذا ،إِىل جانب أَبحاثه املضنية التي ُو ِص َف ْت بالعقالنية ،انرصف دو ُس ِّ والسرِّ ِّ ية واملجانية ،أصابته يف النهاية بالخيبة ،و َقا َد ْته إِىل الهذيان .ومن َث َّم َج َذ َبتْه نهائياً إِىل الحقول املغناطيسية للجنون ،ومن هناك إِىل صم ِت ِه ا ُمل ْط َلق األخري. ُ يومئ ٍذِ ،ق َ يل إِن هَ َذ َ وص ْري مل يكنْ منه بل من اآلخر ،من النّصوص ِّ الش ْعرية التي مل يك ُت ْبها بل كان ُيعيد كتابتها .لقد كان ينشغل يان دو ُس ِّ َ ً َ ثرَ ْ يومياً بالبحث عن القصائد والنصوص القدمية محاوال العثور عىل ما يجعل اللسانيات واألدب يتكلامن َنف َس اللسان .ومن هناك ع (كام قيل ،ولع َّلها عبارة للمدَاعَبة أو الت ََّش ِّفي) عىل ما ُي َق ِّر ُب األَدب من الجنون ! والواقع أَنه ك َّر َس جهداً ووقتاً هائ ًال لِ ُلعبة «األَ َنا ْغ َرا ْم» ،أي َق ْلب الص َوايت الحروف يف الكلمة الواحدة أو يف مجموعة من الكلامت الستخراج املعاين الجديدة ،وذلك عىل أساس األَ ُ وجه األسلوبية والبناء ِّ املمكن .وكان ُيع ِّو ُل يف ذلك عىل استثامر خربته الطويلة يف االشتغال عىل التقنية الشعرية الهند-أروبية ،حيث الن َُّّص َر ِح ٌم لل َّد َوال التي تتيح بنا َء دالالت محجوبة والنهائية ميكن الوصول إليها باستخدام بعض املفاتيح املعجمية والبالغية. َ اف لَع َّل ُه من ُص ْلب العملية األدبية وجوهرها .فاألدب ،كام يؤكد لقد كانت مجرد لعبة لغوية شعرية حركها فضول معريف ،فتحولت إىل إِسرْ َ ٍ ُجو ْر ْج َب َ اطايْ ،قو ٌة ُمزْعجة وحضور قائم عىل مواجهة الشك واالرتجافَ ،ب ْل قادر عىل أن يكشف لنا حقيقة الحياة وإِرساف إِمكانياتها ! آخ ِر ِه ،عىل َّ وص ْري :الذهاب بعيداً يف تجربة مجابهته للغة حتى أمكنه أن يعرث عىل َ الشا ِع ِر يف داخله ،وبالتايل وذلك ،رمبا ،ما عاشه دو ُس ِّ َّ ُ ُ ْ االنزياح أو االنحراف الكامل عن الواقع ،قبل الوصول إىل سرِ ِّ ِه «املهني» .هناك حيث َتحط َم ْت سا َعة ال َعقل. َ َ َ ُ َ ُ ليس الجنون هو الداء الذي ُيتَع َّذ ُر أو ال ُي ْر َجى ِشفاؤه .ما ال ُي ْش َفى هو َغ َبا ُء التأويل الذي استنكره نريڤال بأعىل صوته ،وأدانه أ ْرطو .ومل يسمع أحد ..أو مؤسسة 62
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
مختارات الفنان محسن وزيري
گروس عبد امللکیان
عند آخر نافذة في العالم
ترجمة ـــــ عن الفارسية :مريم حيدري
ُيعد
الشاعر گروس عبد الملكيان( ،مواليد )1980من ابرز االصوات الشعرية الجديدة في ايران ،حيث بدأ
النشر منذ سني المراهقة ،ولكن مجموعته األولى صدرت عام 2001 تحت عنوان «الطائر الخفي» وحصلت في العام نفسه على «جائزة كتاب العام للشعر اإليراني المعاصر» والتي كانت تقدمها مجلة «كارنامة» .وفي عام 2003حصدت قصائده جوائز عدة منها «الجائزة العامة لشعر الشباب اإليراني» .وأصدر ديوانه الثاني عام 2004 بعنوان "االلوان الحائلة للعالم" ،حيث طبع منه تسع طبعات وتم اختياره كأحد الكتب المختارة من قبل جائزة كتاب العام لشعر الشباب اإليراني .ثم أصدر مجموعته الثالثة عام 2011تحت عنوان «السطور تغير أماكنها في الظالم» وطبع منها ثماني طبعات ،وفي نفس السنة اصدر مجموعته الرابعة «الحفر» ،التي أعيد طبعها سبع مرات حتى اآلن .ويدير الشاعر ،حاليا ،قسم الشعر في دار نشر «جشمة» في طهران
issue (6)- November - 2012
63
مختارات
اللقاء املطر الذي مكث أياما طويلة فوق املدينة هطل أخرياً وكنت ستأتني إىل بيتي بعد سنني... عيناي مل تعودا متيزان لون شعرك وال الحنان ،والحزن ،والغضب وال األشياء التي أعددتها يف الخزانة وال الشموع فوق الطاولة... أنا وأنت نسينا الزمن مرات عدة يف املقاهي والشوارع إذ ذاك كان الزمان ينتقم منا. طرقت الباب ِ فتحته، ألقيت التحية ِ ومن دومنا صوت، حضنتني غري أين ملحت ظلك ويديه يف جيبه دخلنا الغرفة وأشعلنا الشموع لكن ال يشء اشتعل الضوء كان يخفي الظالم... ثم جلست فوق الكنبة غطست يف الكنبة ارتعشت يف الكنبة تصببت عرقا يف الكنبة ِ
64
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ُ وكتبت عىل هامش املفكرة خلسة: الحوت الذي يتخبط يف الساحل مل يأت لزيارة أحد. دون عنوان عندما تهب الريح ينهض الرتاب الجالس يف الكريس يدور يف الغرفة يستلقي إىل جانب املرأة ويفكر يف األيام التي كانت له شفاه. الجرح تهرب من اليقظة إىل النوم ترى أثر السوار يؤملك يف يقظتك ويؤملك يف جبهتك أثر الشفاه الخاوية يؤملك مكانك يف الحياة فهو جرح... وعليك أن تحك الجرح تكشط جلده عليك أن تنزع الجلد وتلقيه عىل الكنبة ليصبح بيتك جميال. فالش باك ال وقت لدينا تعايل نحضن بعضنا وغداً إما أقتلك وإما تغسلني أنت املدية يف املاء. بضعة سطور،
كروس عبد الملكيان
الفنانة راشني خرييه
العامل صار بضعة سطور إمنا من األفضل أن يبقى اإلنسان صغريا ومن األفضل أن ال يولد أعيدي هذا الفيلم إىل الوراء إىل أن يتحول املعطف خلف الواجهة إىل منر يركض يف السهول البعيدة إىل أن تعود العكازات إىل الغابة والطيور تعود ثانية إىل األرض... األرض... ال! عودي أكرث من هذا. بال عنوان إىل رسول يونان
ّ ربت عىل كتفي وانفض عني وحديت ما خيط األمل هذا، أن تنفض الثلج عن عاتق رجل الثلج؟ نملة أنا ميت وال يعرف هذا إال أنا وأنت أنت التي تسكبني الشاي يف فنجانك وحسب. متعب أكرث من أن أجلس أخرج إىل الشارع
أصافح أصدقايئ كأن ال يشء حدث لنفرتض أنك تديرين املفتاح يف قفل الباب وقلبك ال ينفتح! أعرف أنني ميت وال يعرف ذلك إال أنا وأنت حيث مل تعودي تقرأين الصحيفة بصوت عال. أنت ال تقرأين وهذا الصمت أصابني بالجنون فأرغب أحيانا أن أتحول إىل منلة ألبني بيتي يف حنجرة ناي ثم تأيت الريح إىل بيتي بالنوطات أو ترفعني من عتمة الرصيف الحجري يف الشارع issue (6)- November - 2012
65
مختارات
وتضعني عىل فستانك األبيض أدرك أنك سرتمينني ثانية بني هذه السطور ،وهذه األيام. هذه األيام يخيفني رشيط من الصور يف أحالمي: حبل يتدىل من السقف ورجل يتدىل من الحبل ظهره يل وال يعرف ذلك إال أنا وأنا أنا الذي يخاف أن يعيد ذلك الرشيط.
أن يترسب هكذا من بني شقوق اآلجر الذي رفعناه واحداً فوق اآلخر. وحده املاء يستطيع أن ينحدر عىل هذا الطريق الطويل من القمة إىل السفح والغابة وبحن ٍو ي ّربد فمنا يف كأس صغري.
قصيدة للحرب انس الرشاش واملوت وفكر بحكاية نحلة تبحث يف حقل األلغام عن غصن زهرة.
إجازة جئت من األشجار ال بد أ ّن ِك ِ ما دمت أتيت بالخريف إىل شعرك مثلام أتيت وجئت من األنهار مادامت األسامك الزرقاء والحمراء تسبح يف صوتك. أحيانا تتحدثني عن الحزن عىل نحو تحيا ّ كل دُماك لتنتحر وأحيانا عندما تطبقني جفنيك العامل كله يصبح حلام أراه مرات كثرية رأيت الثلج يهطل عىل الشباك ليجعل سريك أجمل والغيم رأيته جالسا فوق سطح الدار ليكمل صورة انتظاري... وال تنهض هذه الفراشة من فستانك إال لتجلس عىل حافة القمر. نزلت لخمس دقائق فقط من السد الرتايب
قصيدة للحب هنا خالصة العامل 5\5مساء املوعد الضباب املحطة املطر وقطار إما أن يأيت بك وإما أن يأخذين. فيسوافا شيمبوريسكا وحده املاء يستطيع
66
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
كروس عبد الملكيان
الفنانة راشني خرييه
ومل أسعل إثر القنابل الكيمياوية ونسيت جهة اليمني وجهة اليسار مثلام كنت يف الثالثة من عمري. طلبت من الظالم إجازة لخمس دقائق فقط يك أكتب لك قصيدة حب بال عنوان ليس صوت القلب هذا إنه صوت قدميك؛ تركضني ليال يف صدري فقط يكفي أن تتعبي فقط يكفي أن تقفي! بال نهاية كنا بضعة أشخاص
قتلنا برصاصة واحدة رصاصة مل تطلق أبدا آه يا صحراء بال نهاية! عندما أعانق هذه الوحدة الغريبة أشتاق حتى ألعدايئ ليت أحدا يستهدفني عىل األقل ... عندما ال تكونني ألريك الطاولة عند نهاية املقهى عندما يكون الطائر أربعة حروف من األبجدية وحسب والنافذة ال تتجاوز جدار الفناء أستطيع أن أجلس وشيئا فشيئا أقص سبابتي ُّ
issue (6)- November - 2012
67
مختارات
بول أوستر
أربع قصائد ترجمة -عن اإلنجليزية :وليد عالء الدين
رعوي
يف األرض النائية حيث الطحالب واالنتظار. صغرية كأنها الكلمة التي تنتظر مثلها يف ذلك مثل اآلخرين . عىل هذا النحو فإن الطحلب ما زال بانتظارك. الكلمة هي املشكاة التي تحملها إىل عمق األخرض املعشوشب. حتى الجذور تتحمل بالضياء واآلن صوتك أيضا 68
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ما زال يسافر عرب الجذور لذلك فانه حيثام توجد أشعة تنهمر فأنت أيضا تعرف أنك تعيش موشور وقت األرض تكتكة الحجارة يف فراغات الرثي الهواء الصالح للزراعة يضل الطريق عن الوطن سلك شائك وطريق قد محيت قرعتها تلك الحمى الحارقة يف رئاتنا النطفة أزهرت من البلور أنفاسنا القرمزية شتت أشعتنا لن ميكننا أن نتعرف عىل أنفسنا مرة أخرى
بول أوستر
كام لهب تائه بني أعمدة الضوء نحن أحياناً نستدعى املوت وأحياناً أخرى نزهر حتى وسط لهيب ال ينطفئ مثل هذا. كتابة الحائط ال يشء أقل من ال يشء يف ليل يجيء من العدم ألجل ال أحد يف ليلة ال تأيت. فكل ما يوازي حد البياض إما أنه غري منظور بالنسبة لعني الشخص الذي يشهد. أو أنه كلمة تأيت من حيث ال مكان يف ليلة ذلك الذي ال يأيت. أو رمبا يكون بياض الكلمة قد خربش يف الحائط. معاهدة حشد من العيون عدد ال يحىص يف عمق قاع الشبكية
إنها صورة العظيم عديم الصورة القابع هناك يف الباطن نحن ،املرتزقة نعيش يف الشجر والدبش نقتطع ما تيرس لنا من رزق كنا نجتاز سرياً عىل األقدام ضاربني عىل غري هدي يف العمى تعلمنا فيام بعد كيف نبدي أنفسنا لاليشء. يشء ما مفقود يشء ما ليوجد اسم تتابع عرب غبار تلك التغريات الكثرية ومل يفش رس صوته أبدا كان الجبل هو األثر الذي من خالله استطاع األمل الشهواين أن يصل إىل موطنه. طوال الليل قرأت جروح بريل عىل الجدار الداخيل لبكائك وعيل الحافة الغليظة لطاحونة الصباح إليك مرة أخرى الذي تسلق ِ حيث بدأت عظامي يف قرع طبلة القلب حد التمزق
بول أوستر ليس معروفاً عىل نطاق واسع أن الروايئ األمرييك بول أوسرت يكتب الشعر فقد ذاع صيته كروايئ بارز يف العرشين عاماً األخرية وخصوصاً يف روايته «ثالثية نيويورك» ،إال أن بدايات أوسرت ككاتب كانت مع الشعر حني جاء إىل باريس يف فرتة السبعينات وهناك كتب الكثري من القصائد التي مل تأخذ حظها بسبب طغيان شهرته الروائية ،كام قام برتجمة كبار الشعراء الفرنسسني إىل اإلنجليزية.
issue (6)- November - 2012
69
جدل
قصيدة اآلباء والبنون
سؤال المرجعية يبدو سؤال المرجعية مهما في الوقت الراهن ،في ظل ما يتم طرحه من كتابات تنتمى إلى اتجاهات ومدارس مختلفة ،منها الحديث ،ومنها ما احتفظ بتواصله مع التراث تحت عناون ومضامين متعددة .
خلدون عبد اللطيف
سوا ٌء أكانت املقاربة داخلية أم خارجية ،أي من عمق التجربة الشعرية وجدلية تصوراتها الضمنية أو احتكاماً والسامتية العامة ،ال تخلو الساحة إىل أطرها الشكلية ّ وتقرتب كثريا ً تشف عن فراد ٍة الشعرية العربية من مناذج ّ ُ من توصيف الخصوصية وإقامة مرشوعها الشعري ،مبا يف ذلك بعض املغامرات الفارقة بشكل أو بآخر ،والتي مل تكرس غالباً حاجز التج ّرؤات أثناء دورانها يف فلك وأقل ما يقال بصددها أنها مل تتبلور بع ُد كفاي ًة التجريبّ ، يرس ُخ مسارها أو تتمخّض عن مرشوع جا ٍّد وحقيقي ّ ومرحلتها ،بينام الغالبية ما فتئت تسبح عىل الطرف املقابل يف العتمة بال وجه ٍة محددة أو رؤية واضحة. مثة فئ ٌة أخرى أعلنت متام الرباءة من األب ّوات الشعرية الشعري ،وتب ّنت ن َُسخاً مش ّوهة عن وافرتاقها عن املوروث ّ الحداثة دون أن ت ُعنى بإعادة ال ّنظر أو التدقيق جيدا ً قبل اإلقامة فيها ،فأنجبت ،تداعياً عن ذلك ،نصوصاً مش ّوهة أو ممسوخة مل تبلغ تخوم الشعر وأبعد ما تكون عن مرماه، تو ّرط يف إنتاجها وإفرازها «وهم» املقاربة الحداثية ،ال ظل إعالن تلك الفئة -رصاح ًة أو ضمناً -عن س ّيام يف ّ قطيعتها التامة مع موروث الشّ عر العريب وطالقها منه طالقاً بائناً ،أو يف أحسن األحوال اختزال العالقة معه إىل أضيق ما ميكن بحكم انتامءات التاريخ وارتباطات اللغة.
ضبط املرجعية
يف معرض تناوله للعملية التواصلية ،يذهب رومان جاكبسون إىل التعامل مع املرجعية بوصفها واحدة 70
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
قصيدة اآلباء والبنون
الست إن مل تكن أهمها ،أي كدالّ ٍة من وظائف اللغة ّ تعريفية وحاضنة إخبارية .من هذا املنطلق ،وعطفاً عىل ما متثله اللغة وموقعها وروابطها بالنسبة للشاعر أكرث من سواه ،نستطيع الحديث عن أثر املرجعيات الشعرية يف ثقافته ومعرفته ،إذ يع ّد اختامرها التدريجي واحدا ً من عوامل تكوين رؤيته ونظرته الحاسمة الشعري إىل الوجود ،وتأطري أبرز توجهات مرشوعه ّ وتالمحاته .كام أنها - من ناحية ف ّنية -تصهر شعرية ال ّنص املتك ّون مبرجعيات ومصادر متعددة اكتنزت أصالً بتجارب إنسانية عميقة ،فردية وجمعية .فام من ٍّ شك يف أ ّن تنوع املرجعيات وتباينها وتفاوت أثرها ،مبا تتيحه من إنفتاح عىل ثقافة األنا واآلخر واغتذاء منها ،يراكم القيم املعرفية ويدفع بعيدا ً نحو شحذ الكتابة والتجديد. الشاعر مسكو ٌن بهاجس النبش والتنقيب عن أشباهه الشعريني ومكنوناتهم الشعرية ليستحرضها بافتنان ،عن وعي أو ال وعي ،ويعيد يف ضوئها إنتاج نصه الشعري، وهو يف تقديرنا ما يفسرّ اقرتاب الشاعر العريب املعارص من املرجعيات ضمن سياقات املعرفة ،واتكائه عليها من منظور استلهامي كونها شكّلت رافداً من روافد منظومته وهم الرباءة الثقافية ،وانصهارا ً يف تجربته الشعرية ،وتفاعالً مبارشا ً بيد أ ّن السؤال الذي يطرح نفسه :هل تتجلىّ الحالة معها .آية ذلك منجز القصيدة العربية ،واجرتاحاتها الشعرية العربية بلغة بريئة فعالً من أي مرجعية كل لحظة شعرية وحققت الحقيقية التي استوعبت ّ أي شعرية؟ بصيغة أخرى ،هل يف اإلمكان قراءة ّ استمراريتها يف الوجود. تجربة شعرية -حديثة عىل وجه الخصوص -بعيدا ً مؤخرا ً ،بتنا نلمس انحسارا ً تدريجياً يف ضبط أبرز عن مرجعياتها ومواضعاتها الحقيقية؟ لنعرتف قبالً أن املرجعيات املطروقة تقليدياً هناك مغالط ًة موضوعية وابتسارا ً واستشعارها عىل الساحة ة أعلنت البراءة يف استقراء التجربة الشعرية ثمة فئ ٌ الشعرية العربية ،أي ما هو العربية تاريخياً فحسب مبعزل عن من األب ّوات الشعرية والكتاب ديني مق ّدس (القرآن سياقات أخرى اجتامعية وسياسية الشعري، والموروث ّ املق ّدس) ،وما هو شعري (موروث واقتصادية ،سيَّام وأن الخصوصية ومدارس الشعر العريب والغريب)، سخ ًا مش ّوهة وتبنّت ن ُ َ املرتاكمة ألي تجربة شعرية ممهور ٌة ناهيك عن األسطوري والفكري بعدة مؤثرات حديثة أو تراثية نظري عن الحداثة دون والفلسفي (امليثيولوجيا ،موروث اإلنجذاب إلغراء املرجعيات الكتابية التدقيق جيد ًا قبل العربية الفلسفة الغربية ،وبعض الكربى التي تنطوي بالرضورة عىل اإلقامة فيها األسالمية الس ّيام يف جانبها مو ّرثات جينية .الكتاب ُة الشعري ُة كام الصويف وتصوراتها العرفانية)، ّ أسلفنا استجاب ٌة مبارش ٌة وغري مبارشة مقابل استحقاقات الظرف التاريخي وانفتاح غرف العامل وممراته عىل بعضها أكرث من السابق .عالو ًة عىل احتشاد سواد ال ّنصوص الشعرية بنسيج بوليفو ّين من مؤثرات وفنون أخرى غري ما ذكرناه ،وتفاعل تلك النصوص معها إىل حدود التامهي ،كالسينام واملوسيقى واإلكتشافات العلمية والتجاذبات السياسية واأليدلوجيات...الخ ،وهو ما تحقّق بأث ٍر من سقوط الحدود وانهيارها بني أشكال التعبري الفنية ،مفضياً إىل صعوبة اإلملام بأكرب قدر من الشارد والوارد فيام يكتب ويقال مقارنة باألمس القريب. فال غرو إذا ً ،والحال هذه ،أ ّن اإلحاطة مبا تراكمه الحداثة الشعرية العربية تحليالً ونقدا ً واستقرا ًء عملي ٌة شائكة، منهجي طويل ،لك ّن األصعب وتحتاج إىل مراس ونفس ّ منها واألكرث تعالقاً واشتباكاً هو تقفي واستبطان أثر تتواشج املرجعيات الشعرية التي تكتنف كل تجربة ُ خصوصيتها عىل انفراد،كام فعل العديد من النقاد مثالً الصدد حيال تجربة بدر شاكر السياب أو توفيق يف هذا ّ صايغ.
issue (6)- November - 2012
71
جدل
تناسخاتها قدر املستطاع نفياً لإلحالةٍ ، بجهد يعادل الجهد ،يف أعامقها ،ملرجعية أو أكرث متفاوتة املستوى والنمط كل كتابة شعرية يف لحظتها املبذول يف الكتابة أو يفوقه ،رغم أن ال ّنص والتجربة والبعد التاريخي ،حيث تغدو ّ عموماً يقوالن بخالف ذلك ويدالن عىل نقيضه .يف هذا متثّالً لسابقاتها سواء بوعي ناقص أو كامل .قصيدة اإلتجاه ،تربز رشعية التساؤل ما إذا استطاع عموم الشعراء الجواهري مثالً كانت عرض ًة ألثر املتنبي وعصب ٍة من شعراء العرص العبايس الكبار الذين اكتسب إرثهم الشعري العرب تسخري الطيف الواسع للمرجعيات الكربى يف خدمة ال ّنص والخروج بكتابة مغايرة حقاً ،تأخذ يف أوىل قيمة معيارية ،وشكّل مرجعي ًة أحادي ًة نوعاً ما بالنسبة اعتباراتها رضورة التخلص من عقدة النقص املتمثلة يف لنص الجواهري يف مواضعاته األع ّم ،بذات القدر الذي ّ مجاراة شعرية تلك املرجعيات الكربى ،أم أنهم توقفوا متكّن من أن يصنع للجواهري وقصيدته قيمة معيارية أخرى وجديدة كذلك .نفس الكالم ينسحب يف جزء كبري عند حدود املحاكاة العمياء برصف النظر عن قيمتها منه عىل تجربة متقدمة زمنياً ومفرتقة شكالً ومضموناً وموقعها؟ نتساءل عىل ذات الصعيد ،إن كان للشعراء كتجربة أنيس الحاج ،حيث انجذبت يف شكلها وانتامءاتها من مرجعيات سالبة أو موجبة ،كيف ومن أي موقعٍ يقرأ وبأي مسطر ٍة املرجعية منذ البداية إىل الشعر الفرنيس وأخذت طابعه ،الشاعر العريب ويتحسس قوس مرجعياتهّ ، ّ يحاكمها؟ هل يواصل اكتشافها بوعي وعمقٍ نقدي بغية األمر الذي ك ّرر أنيس تأكيده يف حواره األخري مع مجلة بيت الشعر ،العدد ( )1حزيران ،2012ومل ِ خرقها ،مثالً ،ومامرسة انقطا ٍع وافرتاقٍ منظمٍ عنها؟ يخف ميله الظاهري إليه «أنا متأثر بشعر القرن التاسع عرش الفرنيس وبالشعراء السورياليني وبعض أصدقائهم» ،مضافاً إىل ذلك القصيدة...مرجعية ذاتها األثر املسيحي الذي اتكأت قصيدته النرثية عليه ،وظلّت املفارقة أن الوقوع يف شباك اإلنجذاب إىل مرجعي ٍة ما ّ تغتذي منه ردحاً طويالً .آثرنا التمثيل رسيعاً بهاتني قد يفتح الباب عىل مرصاعيه ويفسح املجال ملرجعيات واملضمون التجربتني املتباينتني شعرياً عىل مستوى الشكل أخرى ثاوية ،مل تكن يف الحسبان ،يك تتحفّز وتتنشّ ط والنكهة ،أل ّن َّ كل واحدة أعادت ترتيب نصوصها بأث ٍر من شيئاً فشيئاً ،استدالالً بوجود خيوط مشرتكة وناظمة يف مرجعيات كربى سابق ٍة عليها ال نكاد نلمس بينها روابط العملية اإلبداعية ككل .يقول أدونيس والحال هذه، مشرتكة ،وعملت من ث ّم عىل إدماج نصوصها الجديدة معبرّ ا ً عن تجربته يف هذا الصدد «أعرتف أنني مل أتعرف بقوة يف مسار الشعرية العربية. عىل الحداثة الشعرية العربية من داخل النظام الثقايف بالكتابة وتكثيفها املرجعيات يف سياق متّصل ،يودي حشد السائد وأجهزته املعرفية .فقراءة بودلري هي التي غريت الشعرية إىل أن تفيض عن معرفتي بأيب نواس وكشفت يل عن ما تعانيه بعض حمولة القصيدة وشعريتها، شعريته وحداثته ،وقراءة ماالرميه الشعرية الكتابات بدليل ما تعانيه بعض الكتابات هي التي أوضحت يل أرسار اللغة ّ ت ت تش من الجديدة الشعرية الجديدة من تشتّت الشعرية وأبعادها الحديثة عند أيب تؤهلها وعشوائية يف املرجعية، متام .وقراءة رامبو ونرفال وبريتون وعشوائية في ألن تصبح عرضة لشحنات المرجعية ،تؤهلها ألن هي التي قادتني إىل اكتشاف التجربة الغموض والالتجانس وأحياناً الصوفية بفرادتها وبهائها» .رمبا يبدو لشحنات عرضة تصبح اإلبهام ،حيث يلجأ أصحابها إىل الكال ُم ساذجاً عىل وقوع الشاعر بني والالتجانس الغموض تقصد التشتت الداليل وتشظية ّ ح ّدي اإلرث الشعري العريب وشعر سوى ليشء ال القصيدة، لغة «اآلخر» القادم من مرجعية ثقافية وأحيان ًا اإلبهام تغييب أثر املرجعية وإخفاء وهوية مختلفة ،لكن ما سبق التنويه
72
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
قصيدة اآلباء والبنون
أنيس الحاج :مرجعية فرنسية
إليه وتشخيص تد ّرجاته يضيئنا يف محاولة تفسري ما هو أعمق من مج ّرد ازدواجية املرجعية أو تع ّددها. فالقصيدة لوح ٌة أو تخطيطات لوجه الشاعر ،يكون لون العينني كل واحدة بلون فيها واحد ،ال ّ يختلف عن األخرى ،وإال خرجت مشوهة بال مالمح صافية وحقيقية .من جهة أخرى ،ال التمسك بخزائن نرى بوجود موانع يف عملية املفاضلة بني ّ بوعي يف تيارات الحداثة ما دام اإلرث أو اإلنخراط ٍ أي سلط ٍة مرجعية تح ّد من الشاع ُر قادرا ً عىل التح ّرر من ّ ابتكار خياالته الخاصة .الشاعر ال يعيش حاالت طويلة األمد من التوازن ،فهو دائم اإلقرتاب والحركة من طرف كل يتيح له اختيار األفضل يف ٍّ إىل آخر كال ّرقّاص ،وهذا ُ منهام ،وما هو جدي ٌر بإثراء اإلنسانية والوجود ،ويفيض بالرضورة إىل اكتامل الذات ،خاص ًة أن املرجعيات يف إطارها األعم ال تتوقف عن التم ُّدد ما َوس َعها ذلك ،يف ظل استمرار التبشري بتحالف األيام القادمة مع قصيدة النرث، وتهيئة مستقبل الشعر العريب لتولّيها وإحتضان سريورتها. خالفاً ملا تع ّرضنا إليه ،مثة دعوات رصيحة للتخلص من املرجعيات الشعرية والخروج عليها باملطلق ،إمياناً بأ ّن القصيدة قادرة عىل توليد وتكوين مقولتها الشخصية وشكلها املميز ،وتحولها بالتايل -إذا جاز لنا التعبري -ألن تكون مرجعية نفسها األوىل واألخرية .تحت عنوان «مالحظات حول الشعر الحي» ،يؤكد الشاعر والكاتب العراقي فاضل العزاوي عىل رؤيته ومقرتحاته املتعلقة بالقصيدة التي يكتبها ،من خالل الدعوة إىل «الخروج عىل أي مرجعية شعرية ،حيث تبتكر القصيدة ذاتها ضمن قولها الخاص والشكل الذي يناسبه» .بغض النظر شعري خالص ،إال أنه عن إمكانية تحقق ذلك من منظور ٍّ رص بعض اليشء ، ويعني ارتهان القصيدة أوالً تص ّو ٌر قا ٌ وآخرا ً بنفسها وصوالً بها إىل اإلنكامش والتكرار آجالً أم نص شعري عاجالً ،وما من شأنه إلغاء فرصة التن ّوع بني ٍّ وآخر.
املرجعية...خيا ٌر ثقايف
يحف بأصغر يحسب للشّ عر أنه ما زال ّ أشيائنا وأبسطها ،ويتيح الفرصة تلو األخرى لتتبع أثره الراهن فيها ،استنادا ً الجمعي الزمني يف املوروث إىل عمقه ّ ّ وانرسابه يف روحية اإلنسان وتضاعيف العرص من جانب ،وبحكم أشكاله التي جانب تفرض التن ّوع وتعدد الهيئات من ٍ آخر ،تارك ًة الباب مفتوحاً عىل محاججات واستحقاقات السجال النقدي.بهذا املعنى ،ليست املرجعية ومزيد من ّ الشعرية مرسحاً لإلستعراض أو ساحة للقتال ،أو حتى شبه ًة تتطلّب إعالن الرباءة منها ،لك ّنها خيا ٌر ثقايف بالدرجة األوىل يرى كثريون أنها -إضاف ًة إىل اختبارات وفض ٍ ٌ مزيد من الحياة - بوعيّ ، استحقاق الكتناه الشّ عر ٍ أختامه ،وحسم الخيارات يف وقت مبكّر ،فهناك شعراء مرجعي، يقيمون صلتهم بالقصيدة وكتابتها عرب قرينٍ ّ ومينح دافعاً لإلخرتاق. ّ بكل ما يرتكه هذا القرين من أث ٍر ُ منيل إىل مقاربة موضوع املرجعية مع عىل صعيد آخرُ ، بعض الدراسات البنيوية حول تناص النصوص .بالتايل، قد نعرث عىل تجربة شعرية تنهل من مرجعية مستقبلية غائبة ،مل تكتمل مالمحها النهائية بعد وغري متزامنة الحضور ،وإكسابها وجودا ً نص ّياً جديدا ً قد يتخطّى تكف عن إنجاب لحظته الراهنة ،خاصة أن البرشية ال ّ ٍ مزيد من الشعراء الحقيقيني ،وأ ّن النصوص الحقيقية ال تستنفد أو يصيبها الوهن والتقادم ،فيام الفرصة متاحة واملجال مفتوح إلنتاج نصوص مغايرة ال تقطع مع اإلرث التاريخي وال حتى مع حارض الحداثة وسريورتها ،بل وذلك قريب مام تح ّدث تقطع مع مرجعية مستقبلية، ٌ عنه إليوت يف «املوروث واملوهبة الفردية» حول املبدع الذي «يرتك أثره ال عىل املسقبل فحسب وإمنا عىل املايض أيضاً» ،وهي أطروح ٌة تنطوي عىل استيهامات ومقاربات مرهقة ،ويحتاج تخ ّمرها ،بال ّ شك ،إىل مزيد من التدقيق واملراجعة والوقت قبل الحكم عليها بشكل قاطع ونهايئ
issue (6)- November - 2012
73
حوار
أليساندرو موشي الشاعر والروائي اإليطالي ّ
أنا اسم لجميع الشعراء الذين قرأتهم أليساندرو موشي شاعر ،روائي ،قصاص ،ناقد أدبي وصحافي ايطالي ،يعيش في ّ ّ َ َ فابريانو .موشي استطاع أن يُ ضلل الموت بجدية طفل يتابع مباراة في كرة القدم، ِ أليساندرو موشي يتناغم والكتابة.شعْ ر هزم الموت بحبه ألمثولته ،بشغفه باإلبداع ّ
وشكالً من اإليجاز ُ افتقِ د في الشعر اإليطالي في السنوات األخيرة ،شعر ينتبه للحيوات الصغيرة الطبيعية، ّ للتسكع المديني ،للحياة الليلية ،لالمرئي ...لألشياء المهملة ،التالل ،الكراسي الحجرية ،األشجار ،الحدائق، َ النكهات...قصيدته َق ِ رسام َط ِبيعَ ةٍ مَ ْيتَة صي َد ُة أمْ ِكنَةٍ ،تحتكم لشروط وجودية بحتة ،مؤثثة بحذق ،كأنه ّ
حوار :أحمد لوغليمي
خرباتنا ،حيث تولد أسطورة األرض ،بالنسبة للكاتب. أريد أن أبدأ معكم هذا الحوار بالحديث عن الشعر، أليساندرو مويش حاصل عىل اإلجازة يف القضاء، اإلنسان من أليساندرو مويش ّ ولكن قبل ذلك لنقرتب من عوامل ّ ومحامي ،لكنه ال ميارس مهنة قضائية .أنا صحايف ومؤلف أليساندرو مويش اإلنسان، خالل عيون مويش .من هو ّ كتب .يعني أنني أقوم بيشء مختلف متاما عن تكويني. الكاتب والشاعر؟ ُ لنعد للشعر .متى بدأت عالقتك بالقصيدة؟ ■ لو مل أكن قد أ ِصبْ ُت مبرض « َغ َرن إيوين» ،يف سن ■ منذ الطفولة ـ طبعا بشكل بدايئ ،ومبهم ـ ،لكنني الثالثة عرشة ،عىل األرجح مل أكن ألكتب شيئا .الكتابة ترميم ،محاولة إلصالح يشء تم اختالسه مني بسبب تلك رشعت يف الكتابة الفعلية يف سن العرشين .حينها كنت أعبرّ عام مل الحالة ،بسب ال َق َدر .اليوم أنا يف ال 43من العمر وبصحة فهمت أن الشعر هو لغتي ،التي بها ُ ُ جيدة ،لكنني أحس توترا وجوديا إزاء كل ما ميثله ال ُملْ ِغز :يكن ميرسا يل التعبري عنه بشكل آخر .الصامت ،املهمل، الوالدة ،األمل ،الزمن ،املوت ...حيايت هي ،شكل من املراقبة الالمريئ ،العاطفة ،قسوة الزمن ،هذا هو ما يعنيني. الشباب الذي يتالىش ،التساؤل والرصد الشعري ،لهذا ،فطريا ،ما املغت ّم عن املعنى النهايئ للحياة أعرفه أكرث وما يعرفني أكرث ،هي الشعر هو لغتي التي والقلق املتزايد يحمالين عىل زراعة مدينتي ،فابريانو (التي ميكنها أن قصائد رغام عني .لكن اإلحساس تكون أية مدينة من مدن إيطاليا)؛ يكن لم عما بها اعبر بالزمن ،كام ع ّرفته ،كان دامئا العامل املديني للامركات ،الوطن عنه التعبير لي ميسرا متاخام ،كام اليزال حاله اآلن ،يف املصطفى لليوباردي ،برحابتها فضاء جغرايف محصور .أعشق الالنهائية يف االزدواج البحري بشكل آخر الشعر الغنايئ ،ليس التجريبي. و»األبينيني». الشكل يتعالق بنظرتنا لألشياء، املكان هو الحقيقة حيث تتلقّح 74
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
نحسه بطريقة يف الوعي واإلدراك .بني ازدواجية التقليدية ■ ما قلته :التوت ّر الوجودي ،الذي ميكن أن ّ يف أي مكان .قد نفكر يف تشيزاري بافيزي والالنغي، والطليعية أنا قطعا إىل جانب تقليدية كوازميودو ،صابا، كابروين ،بريتولوتيش،غاطّو ،يك نبقى يف الشطر األخري من ماركيز واملاكوندو« .إن أردت أن تكون كونيا تحدث عن بلدتك» كان يقول تولستوي .القصيدة تستطيع القرن العرشين اإليطايل. أن تكون محلية وكونية حينام تالمس عنارص األسالف، ما هو الشعر؟ ■ هو لغة ،قبل كل يشء ،لكنه اكتشاف أيضا ملن يكتبه ،اإلناسة ووجودية الكائن البرشي .هذه العنارص تتوافر أيضا يف املحيك الشفهي ،يف شكل من الشعر البدايئ إن لغة عجائبية للتحدث مع أنفسنا ومع عاملنا الخاص الذي أملحت إليه سلفا .رش ٌط للنزوح عن الرتابة اليومية ،صح القول ،توجد يف فابريانو ،حيث أعيش ،ويف بعض بقاع العامل .يتعلق األمر ببيئة ـ أمرية تصنع خلفية كام يف خارج التأريخ واإلخبار .شكل ن ُْسكيِ ّ للحقيقة وللتوفيق منصة مرسح .مكاين مينحني حنكة إدرايك الحيس ويع ّززه. بني ُه َنيْهات َغ َدت كريستاالًُ ،ه َنيْهات نرديها غري قابلة أليساندرو مويش تحتفي بالهوامش وبالتفاصيل للمحو .بافيزي كان يقول بأننا « ال نتذكر األيام ،بل نتذكر قصيدة ّ الهنيهات» .اإلنسان بحاجة ألن يحيك ذاته ،ألن يمُ َ ّيز بني ما الصغرية التي تصنع يف النهاية نواة العامل :اآلكام ،الكرايس يخاله جديرا بالخلود و ما يَ ْعبرُ برسعة ،ما هو جوهر وما الحجرية ،النوافذ ،البحر ،الطرقات ،األزقة ،النكهات... هو محض باطل .حينام يستشعر الحقيقة عىل إهابه ،لن كيف تُ َع ِّرفون قصيدتكم؟ وما أهمية املكان يف األفق يستطيع الشاعر أن ينجو من الكتابة .إنها سلطة تنتفض ،الشعري ملويش؟ ِ حتى ال تضمحل تلك الصورة ـ املثبّتة التي يتغيّى إبقائها ■ سأع ِّرف قصيديت بأنها قصيدة حيك ـ غنائية .قَصي َد ُة أَ ْم ِك َن ِة تَأَ ُّمل ،هي قصيدة توفِّر يل باستمرار نكهات لألبد .كام يحدث يف سينام الكبار ،كام أتصور. وعطور ،لكن أيضا هيوىل األحياء ،التعرجات ،الحدائق، ما الذي يجعل من قصيدة محلية قصيدة كونية؟ الدروب ،األزقة حيث ينشط الخيال وحيث تعرث عىل issue (6)- November - 2012
75
حوار
ذاكرة جمعية .ليس مثة فقط القصيدة ذات املرجعية الذاتية ،بل أيضا تلك التي تتواشج بشكل مبارش مع األشياء والناس .مثلام هو األمر مثال مع إنسانية دار خص ْص ُت لها فصال من ديواين املقبل والذي العجزة التي َّ نشرَ َته مجلة «شعر» اإليطالية لشهري متوز/أغسطس. بعنوان «مقطوعة راقصة ألجل بيريينو» .بيريينو كان مجنونا يتمتع بقدرة رؤيوية خارجة عن املألوف وكان يتح ّدث مع أرواح األموات عرب برئ دار العجزة ،كام كان يفعل روبريتو بينيني يف فيلم فيلّيني «صوت القمر» .ذاك املكان ،تلك البرئ ،ميتلكان شيئا ما شعريا ،قدسيا ومهيبا يف نفس اآلن. أميكننا أن نع ّول عىل الشعر يك نغري العامل واإلنسان؟ ■ ال ،الشعر لن يغري العامل ،لكنه يستطيع أن يغري اإلنسان .لو مل أكتب من يدري ما الذي كنت سأفعله. رمبا مل أكن حتى ألنجو من املرض الذي أصابني منذ الطفولة ،من يدري .وال أعتقد يف وظيفة أهلية للشعر، كام يدعم ذلك الكثريون .الشعر قادر عىل املعرفة واإلدراك دون ادعاء إشارات للخالص .إنه شهادة، وساطة .الشعر ال يكذب ،كام عىل عكسه تفعل الكثري من وسائط االتصال يف مجتمع إيطايل حيث القول اإلذاعي كيف تق ّيمون الشعر العاملي املعارص واإليطايل؟ اصطناعي ،مهيمن وصادح. ■ يف مستوى عال جدا ،خاصة يف العرشين سنة األخرية. ما هو الدور الذي يضطلع به الشعر يف زمننا؟ القيمة النوعية ازدادت ،ويبدو األمر متناقضا مع الكتب ■ ليس مثة دور للشعر ،لألسف .اليوم أكرث من أي وقت التي ال تباع .مثة خمرية وفتنة شائقة لَ َدى األجيال مىض .يف إيطاليا الناس يقرؤون قليال جدا ،والكتاب الجديدة ،أعيد التأكيد عىل رضورة الشعر ،وعىل جدارته الشعري ال يعترب مادة للتسويق حتى من قبل نارشيه بالعرفان .كام أن تنوع الخطاب الشعري غني وفريد .ال أنفسهم ،عىل عكس ما هو عليه األمر يف رشق أوروبا. ميكن االستغناء عنه. الكل يكتب لكن ال أحد يقرأ .وخرب لبضعة أيام عندنا ّ ما الذي ميثله لكم األدب والشعر العريب؟ يجعل من صحيفة يومية إيطالية مهمة كصحيفة «إمتام ■ بليغة جدا هي العالقة مع التاريخ ومع املوت يف التحفة» ترفض نهائيا القراءات يف األعامل الشعرية .يف الثقافة العربية .سجيتان متواشجتان بحميمية .ثم التلفزة ال يُستدعى أبدا شاعر لقراءة قصائده أو للحديث هنالك أيضا حياة وتجربة أدباء املهجر وامل َه َّجرين من عنها .األساتذة ال يعرفون الشعراء املعارصين ويف املدرسة أوطانهم ،الذين يبدون وكأنهم بال وطن بينام يصونون يدرسون القليل جدا من األدب املعارص .الوضع مثبط؛ بداخلهم إحساسا قويا بالهوية ،ال ميكن املساس به .أيضا تسلّط أخبار الحوادث التي تحرتق يف يومها .بينام الشعر الحياة والثورة ،الحياة واملامنعة ملمحان خاصان تتميز حتمي وال مفر منه لألسباب التي ذكرتها ،ولهذا لن ميوت .بهام الثقافة العربية كام ال يحدث يف أي بقعة أخرى من العامل .ومع ذلك ينفتح دامئا أفق آخر أمام الكتاب العرب.
76
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
أليساندرو موشي ّ
سأقول بأنه عندكم يزهر دامئا اعشق الشعر الغنائي يا موت الفنون جميعها» وأنتم ،مثل درويش ،مدين للمرض بروايتك الجميلة الخيال من التامس بالتيامت وأقف التجريبي ليس «عبقرية املرض Il talento della الوجودية ،بشكل مختلف الى جانب تقليدية ،»malattiaكتاب بني قليل من الخيال عام يحدث عندنا ،من حاالت الربع االخير من القرن وكثري من السرية الذاتية حيث تحيك قصة محتملة ،من أوضاع متوثبة، حقيقية التي هي قصتك .مكابدة مرض من اشتباك عضال .االغرتاب العشرين عضال ،األمل ،املستشفيات ،املوت املحدق أيضا محسوس يف األمكنة ويف سيدفعون الطفل البالغ من العمر ثالث ساحات املعركة. أليساندرو مويش هو والذي سنة عرشة ّ إىل تح ّدي املرض واملوت بحبه لبطل عظيم يف كرة القدم، من هم الشعراء الذين خلقوا مويش أو وسموه بشكل جورجيو كيناليا ،مهاجم الالتسيو يف السبعينيات .يف خاص؟ ِ ■ سأرسد دانتي وليوباردي اللذان يتس ّنامن ق ّمة ُسلَّمي ،اعتقادي كل أعاملك بني الشعر والنرث هي مثرة لصدمة وال ميكن أن يكون األمر بخالف هذا الرتتيب .كوازميودو ،املرض وللمعركة ضد املوت .هل حقا صحيح إذا أن الوجع يصنع الكتاب الكبار؟ أونغاريتّي ،صابا ،مونتايل ،كابريوين ،غاتو ،بريتولوتيش، ■ الوجع الجسدي والنفيس من األسباب التي تح ّرض عىل رابوين .هناك أيضا الشعراء األحياء الذين أربط معهم عالقات إبداعية وصداقة لحد اآلن ،كام مقايضات ثقافية .الكتابة ،ولكن سيكون األمر ُمبْتَسرَ ًا اعتبار الوجع عامال بيفيالكوا ،مثال ،الشعراء الرومانيوليني وإمييلياين بالديني ،وحيدا .نكتب لدواع عديدة ،دون أن ننىس أن االصطدام الحاسم مع الكلمة قاس وانتقايئ .مثة أيضا من يعترب أن غوي ّرا ،رونديني .ثم لوي ،باتيس ،بيريسانتي .أقرأ طبعا األجانب .أعشق والكوت ،هيني ،باتريكيوس ،شيمبورسكا .الكتابة عادة سيئة ،كالخمرة والسجائر .نكتب لخوفنا وسمني كل هؤالء الذين قرأتهم وأعدت قراءتهم العديد من املوت ،أو لحنيننا للطفولة ،نكتب بسبب الحرسة مستهل ّ والندم...إلخ .بال شك ،يف حالتي ،كام أكدت يف من امل ّرات ،ألن قراءة واحدة غري كافية عىل اإلطالق. الحوار ،لو مل أصب باملرض ملا أصبحت كاتبا .لهذا أعز بعد تجربته مع املوت كتب الشاعر الفلسطيني محمود َ وأقرب أصدقايئ ال ميكن إال أن يكون طبيبا .نكتب لنكون «هزمتك درويش ،جداريته حيث يخاطب املوت قائال: محبوبني ،أو مفهومني ،أو نكتب بدل أن نحيا .إجامال ،إنها ورطة وستبقى كذلك ،استهالل يستحيل مهامزا .الطفل الذي يفهم أنه قد ميوت يخترب كمدى ال نظري له ،كام كان يرى الرعب يف أعني رفاق مرضه الذين ليك يفلتوا من املوت يبرتون أيديهم وأرجلهم .هذا املشهد الفظيع سيبقى بالنسبة يل هاجسا مستحوذا ،أي رضة نفسية. سأتجاوزها فقط مستغيثا بأمثولتي ،رمز القوة الجسدية: جورجيو كيناليا. باإلضافة إىل «عبقرية املرض» كتبتم رواية «املرت ّحل املقيم» .حكاية عن الحكاية ،رسد متعدد ومركّب ،رسد عن الرسد .من أين يتأتىّ كل هذا الغنى والتعدد ،ومن ينترص يف الرسد :الشاعر أم الروايئ؟
issue (6)- November - 2012
77
حوار
■ أعتقد أن الكتابة اإلنتقائية ،مزورة .ميكن أن نكون شعراء وروائيني يف نفس الكتاب .بإمكاننا أن نكتب ميتارواية أو حيك داخل الحيك .ال ينترص ال الشاعر وال الروايئ .مثة أشياء ميكن إيصالها عرب تدبري مثايل ،وهكذا ينبثق الروايئ ،أشياء أخرى بعنف ،بنزق ونزوة قلب أكرب ،فنصري شعراء .غري أن مثة مضض يف االعرتاف بكاتب مزدوج ،عىل األقل يف إيطاليا .كام لو أن الشعر والرواية جنسان متنافران وقطعا متاميزان .بينام عىل العكس من ذلك هام متداخالن ومتعايشان. أنت أيضا ناقد أديب .ما الذي يضيفه النقد للشاعر والروايئ؟ ■ النقد يتنكّب الدراسة الفيلولوجية حول اللغة ،مع أين حاليا قد تخليت نهائيا عن الكتابة النقدية .ولكنها كتابة تأيت يف املرتبة الثانية ،تحتاج إىل إبداعية اآلخرين. بينام عىل العكس الشاعر والروايئ ..مكتفون بذواتهم اإلبداعية ومنذورون لتقديم أنفسهم ،دون اللجوء إىل كتاب آخرين .لكن هذا ال يعني أن الكاتب املبدع أعىل من الناقد. أسستم جائزة كبرية :الجائزة الوطنية للنرث والشعر ملدينة فابريانو .ملاذا؟ ■ ألنها تسهم يف تنامي القراءة حتى يف وسط غري املشتغلني بها .يف الحقيقة هناك لجنة تحكيم تقنية تختار القامئة النهائية ،ولكن فقط لجنة شعبية مكونة من أشخاص من كل األعامر والرشائح هي من تحدد وتعلن الفائز النهايئ .باإلضافة إىل ذلك ،نخصص كل سنة جائزة ملنجز كاتب إيطايل مرت َجم للغات عدة والذي يسهم يف دعم إيطاليا األدبية يف الخارج. ما هي الكتب التي أثرت أكرث يف مويش؟ ■ «الحرب والسلم» لتولستوي« ،صورة دوريان غري» لويلد« ،املسخ» لكافكا« ،املدن الالمرئية» لكالفينو، «الخليفة» لبيفيالكوا« ،األعامل الشعرية» لديكينسون، «الالنهاية وقصائد أخرى» لليوباردي« ،ديوان» صابا، «عظام الحبّار» ملونتايل« ،محطة إسالندا» لهيمي .وكثريون آخرون..
78
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
الطفل والموت والكرة أليساندرو مويش مبرض َغ َرن يف سن الثالثة عرشة أصيب ّ إِوِي ْن [ sarcoma di Ewingأحد أخطر الرسطانات التي تصيب العظام] ،مرض أودى يف الثامنينات بحياة الكثريين، واضطر معه الطفل إىل التزام املصحات املختصة .يف تلك السن سيخربونه يف مستشفى أنكونا ثم يف بولونيا بأنه سيعيش فقط لثالثة أشهر ـ (مل يتفاجأ ألنه كان قد تسلل بفضول صبي وقرأ البطاقة الطبية املعلقة عىل رسيره) ـ ...ما الذي ميلكه صبي يقولون له ستموت بعد ثالثة أشهر ،سيكون األمر حتام صادما ،بدل أن يلعب مع أقرانه َس ُيضْ طَ ّر ألن يلعب مع املوت .الطفل واملوت وجها لوجه، كيف سيترصف الطفل أمام مأساة كهذه ؟
بإرادته يف الحياة سيبتكر أمنوذجا يتشبث به ويعتربه رصخة املعركة .حبه لجورجيو كيناليا Giorgio Chinaglia أسطورة كرة القدم ،كرمز للصحة والقوة البدنية ،سريافقه وسيتابع بشغف بطوالته قراء ًة ومشاهدةً .سيكتب الطفل رسالة مؤثرة إىل جورجيو كيناليا ،وهو يتأمل صديقه
أليساندرو موشي ّ
جئت من أين ُ
سريجيو الذي انتقل الرسطان من عظامه إىل رئتيه وهو ميوت يف الرسير اآلخر بجواره ،صديقه الذي كان يسميه «رفيق اإلغامء» لشدة ما كانا يتقاسامن حاالت اإلغامء بالتناوب ،أخذ مويش ورقة وقلام ورشع يكتب رسالة لكيناليا ،نعرث عليها يف كتابه «عبقرية املرض» يقول فيها: « جورجيو أرجوك ..أرجوك ال تذهب أنت أيضا ..عىل األقل أنت ال تذهب ،...س ّجل ألجيل هدفا ...أمتعني بواحدة من اري ...إنني ِس َها ِمك ،رشقة من رجلك اليمنى أو بفمك ال ّن ّ أحاول أ ْن أُنْ ِق َذنيِ ...سنلتقي عاجال أم آجال ..إن نظرتُ حويل أرى جثة ..إن بقيت محدقا يف الجريدة أرى بطال يُ َحيِّي الناس أمام نُزله ...األشياء املبتذلة تتالىش ...األشياء املأساوية نحملها بداخلنا...لهذا لن أنساك جورجيو...ألنك يف خريف ... 1983أعني هذا العام أنت معي دون أن تعرف ذلك... أستخف باملوت.»... صديقي املحرتم الذي يعلمني كيف ّ يف الساعات املديدة من الوحدة و األمل ،وكل ليلة قبل أن يخلد للنوم كان يتخيل كيناليا ويتحدث معه .حينام ستتناهى القصة لسمع جورجيو كيناليا سيعوده ،سيعانقة ويداعب وجنته بلطف. رمبا بسبب حبه لكرة القدم ،رمبا بسبب رغبته املتأججة يف محاكاة انتصارات أمثولته مهاجم الالتسيو ،رمبا بسبب إرادته وقوته وتشبثه بالحياة والحلم ،بسبب إبداعيته... املهم أن مويش سيشفى كام يحدث يف األساطري والخرافات، ضمن تسعني حالة مثله مل ينج منها سوى اثنان ،كان مويش أحدهام مع أن وضعه كان ميئوسا منه .حالته سيتم الحديث عنها يف املجالت العلمية العاملية ،حتى أن املستشفيات املختصة يف الرسطان ستهتم بحالته بشكل الفت. ال أحد استطاع أن يفرس شفاءه من مرض مميت ..بقيت الحكاية بالنسبة ألطبائه ضمن مجاهل األرسار ،...وحده الطفل مل يَغ َْش عينيه كَ َدر العقل ،فقد كان رائيا بقلبه... وحده رآى مصريه و َر َس َمه.
جئت من بحر أنكونا املنبسط ومن أرض مل أعرفها كام يجب، من حكاية مكتوبة باسمي تحت فجر ّ مخضب بشمس أغسطس، بني الصخور البحرية وريح امليناء، من منحدر سكة الحديد ومتاهة األزقة التي تفوح بالرطوبة والقرميد. جئت من شكل القمر من سامء واطئة تلطم السفن حينام تندى املدينة من األشغال والقطران يف األوراش، من النجوم الكامدة ألول صيف من أب يشيخ أمام شاشة التلفاز، من أم محبوسة يف فقاعة ابتسامات، يف بيت مرشعة غرفه عىل العراء يقطن تلة الشحارير ال َّال َز َو ْر ِد َّية. الحديقة تنبسط أمام العيون الواقفة، يف نافذة تض ّمد كل الفصل من بريق املنارات وفوانيس الغاز. جئت من إحساس ّ يرن ّ كل صباح مع زقزقات الفجر و ُي َح ِّيي هواء األحياء واألموات الشاحب الذين يحيكون لبعضهم مقالب أمام الصيدلية، الذين يرتاهنون عىل املباريات بينام يعلنون نرشة األخبار يف التلفزيون. أعرفني من هنا، بني من يتحدث ومن يوافق، بني من ينتظر الباص ومن يتذ ّمر. جئت من دقائق النسيم ّ تنفتح عىل الكتب واملجالت مع السلوفان، يف صدريات الصوف النهارية التي تسرت األجساد وترتك الوجوه يف العتمة issue (6)- November - 2012
79
في الشعر
الحياة القصيدة هنري ميشونيك
توجد
حيايت يف قصائدي .قصائدي هي لغة حيايت .فبواسطتها تنقلت من مجهول إىل مجهول .لقد خلقتني أكرث مام خلقتها .وتم التعرف عليها من طرف الذين يقفون إىل جانب اللغة .إىل جانب الحياة مثيل. القصيدة ،بالنسبة يل ال تحيك حكايات .قصائدي هي تكثيف ملعنى حيايت .لذلك فهي تشغل حيزا أقل من باقي عميل لكنها هي من جعلني أترجم التوارة ،مبا أنني مرتجم .هي من جعلني أفكر يف اللغة ،يف القصيدة ،يف الرتجمة كتلك التي أنجزت. القصيدة ،بالنسبة يل ،هي ما يحول الحياة باللغة واللغة بالحياة .إنها مكاين ،وأنا أقتسمه. الحظتم ،لقد تم استدعاء الشاعر .وليس املنظر ،أو املرتجم .وها هم قد جاؤا ثالثتهم .وإضافة إىل ذلك ،رفقة العائلة :زوجة، رفيقة العمل .قال هوغو Hugoأن كل رجل تقف إىل جانبه امرأة تقوم بنصف عمله ،صديق ،شاعر ،سريج مارتان ،ونارش هو ‹›برينار دميارشيز .»Bernard Dumerchezنعم ،كلهم ،ألنني لست أنانيا ،وال أهوى انفصام الشخصية .فكلام كنت مفرداً كلام كنت جمعا. أسجل برسعة :يكون الشاعر شاعراً عندما يجعل ما يقوم به .املنظر هو منظر عندما يفكر يف ما يجهله .واملرتجم هو مرتجم عندما يساعد عىل إدراك ما تقوم به القصيدة وليس فقط ما تقوله .إدراك كل ما تعمل الرتجمة العادية عىل محوه .يحاول الثالثة إيجاد األسئلة التي تخفيها أجوبة املجال الثقايف. إنها عملية غسيل للعالمة-العالمة ،هذه األسطورة األكرب يف حضارتنا ،وعملية غسيل كربى للذات التي تم الخلط بينها وبني «أنا». ً إنها ابتهاج ،واختبار .فنحن ال نكتب إلثارة اإلعجاب أو الغيظ ،بل من أجل الحياة ،من أجل أن يكون الحارض حارضا وليس ماضيا مموهاً يف الحارض .إنها واحدة من أشكال العالقة باللغة والحياة .وهذه العالقة تبدأ فقط عندما نبدع شكال من أشكال الحياة ،ونعيد إبداع ،تغيري اللغة ،و إبداع اللغة هذا يغري شكل الحياة. يف هذه اللحظة تبدأ حرب الحياة – اللغة ضد نظام بعض أشكال الفكر الثقافية :فكر الذات ،أخالقي وسيايس .إذن ،إنها فقط فعل شعري .إال أنها فعل أخالقي أوال. إننا نكتب إلعادة إبداع ،يف كل لحظة« ،حياة إنسانية» ،باملعنى الذي ذهب إليه سبينوزا يف «مقالة سياسية» .أي حياة محددة ليس فقط بالدورة الدموية ،التي نقتسمها مع الحيوانات ،بل بالقوة الحقيقية وبحياة العقل .إنها كلامته كام استعملها هو. ال نحتاج إىل الكثري من الكلامت لنقول عالقتنا بالعامل ،وبذواتنا .واملثال األكرث بساطة ،وهو األول الذي يحرض يف ذهني ،سيكون، من بني أمثلة أخرى ،قصيدة ل «جيوسيب أونغاريتي» :Giuseppe Ungaretti M’illumino D’immenso
80
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
(أتألق بالكرثة) َّ عىل القصيدة أن تنقل العامل ،فهي تنقل عالقتنا بالعامل ،وإال لن تكون شعراً بل شعرنة .بتعبري آخر ،القصيدة هي الوحدة العليا بني اللغة والحياة .كتابة قصيدة هي خلق الحياة. قراءة قصيدة هي اإلحساس بالحياة التي تخرتقنا وبالتغيري الذي تحدثه .أن تفكر وتكتب هو أن تعمل عىل أن تصبح حراًّ ،أي حياًّ .وكل يشء غري ذلك ليس إ َّال تقليداً .ونحن محاطون ومخرتقون ثقافيا ،بالتقليد .بتقليد الفكر ،بتقليد -القصيدة ،بتقليد الفن ،بتقليد األخالق ،بتقليد السياسة ،بتقليد اإلله يف الالهوت السيايس. والتفكري يف العالقة بني الحياة واللغة ،هو بالرضورة تفكري يف القراءة ،يف ماهية القراءة .وما يحدث ،وما ينبغي أن يحدث عند معرفة االختالفات والقيم واملعايري املوجودة بني الكلامت التي تحرر والكلامت التي تسجن ،لن يحدث إ َّال يف األفكار املتلقاة. هنا ،ينبغي وضع السخرية يف املقام األول ،يف مقابل كل الجد بني املزيف و العالمة الفارقة هي :الجديون املزيفون ال يرون أن كل معرفة تنتج الجهل .وأن املعرفة ال ترى أنها أنتجته ،والنتيجة أنها تحول دون معرفته .املعرفة هي صيانة للنظام.
حياة يف اللغة
إذن ماذا تفعل القصيدة؟ القصيدة تخلق القصيدة .وإال ،فإنها ستكون مخدوعة من ذاتها .مخدوعة ،بكل معاين الكلمة .ما هو ذلك؟ إنه ليس رسد قصة ،وليس قول حقيقة ما ،الحقيقة ،أية حقيقة .ال أرى شيئا يتبقى ،وإال فلتخلق لنفسك لغة ،وتعيش حياتك ،حياة لغة .انطالقا من هنا ،يوجد مكان للتفكري يف معنى كلمة «شعر» .وهناك معاين كثرية .يعمل الثقايف عىل خلطها. لكن ما قلته اآلن يختلف كليا عن املعنى املجازي الذي تعنيه كلمة «شعر» .مثلام نتحدث عن الشعر يف غروب الشمس ،الشعر يف اللوحة .قال «مالرميه Mallarméعن القمرElle est poétique, la : ( .»graceإنه شاعري ،هذا ال َّداعر) .ما هو هذا املعنى ،إن مل يكن متجيداً ملشاعر شائعة ،إحساسا قويا وشائعا كان الشعر هو ذلك الجانب يف نفس اآلن ،نستطيع أن نسميه «جاميل» ،يعطي االنطباع بالتوحد مع الالعقالني« ،ضربة نرد» ماالرميه قوى العامل ،كام لو أنك أمام فرجة البحر .إنه أيضاً ،وتحديداً ،وحدة املقدس. التي نعثر فيما وراءها على ينبغي الحذر من هذا املعنى العاطفي الشائع ،القوي والواقعي ألنه مينح االنفعال وهم التفكري .من هنا فهو يحجب حقيقة أننا يف الواقع ال نعرف ما نقول. وهذا أمر متواتر ،من جهة أخرى .والقضية هي العمل عىل االنتباه لذلك. نستطيع أن نسمي هذا اإلحساس «العاطفة الشعرية» .وكلام كان إحساساً واقعياً ،يستطيع كل إنسان الشعور به ،كلام اقتىض متييزه ،كام هو ،عن الشعر ،الذي تخلقه القصيدة. ومن بني كل االنفعاالت والعواطف األخرى ،فإن رسد ووصف انفعال ما ،أو عاطفة ما ،ليس قصيدة .إن ذلك عبارة عن خلط بني الذات واألنا. نستطيع أن نقول إن هذا املعنى العاطفي ،باعتباره تجربة مشرتكة ،هو األول تجريبيا .وبرسعة تطرح مشكلة الخلط من العاطفة الشعرية ،والجهل مباهية كتابة قصيدة ،وقراءة قصيدة ،أي معرفة القصيدة .باختصار ،العاطفة الشعرية مأخوذة باعتبارها شعراً ،تحت املظهر الخادع للتجربة ،والتي تنتج خلطاً ال يعطي سوى الهذر .وتحديداً ألن هذا ما نعتقد أنه شعر. لكن ،عقب ذلك ،يدخل هذا املعنى يف منافسة مع معنى آخر لكلمة «شعر» ،هو املفهوم األكادميي لكلمة «شعر» و حده كام
issue (6)- November - 2012
81
في الشعر
تسجله كل القواميس .هو املامثلة بني الشعر واألبيات الشعرية؛ «فن صناعة البيت» ،تقول القواميس.
املشكل الجاميل
هذا ما يحدث عندما نضع الشعر يف مقابل النرث ،ألننا نضع األبيات الشعرية يف مقابل النرث .فيكون لذلك انعكاس اختالطي، أي الخلط بني النرث .والرسد أو الرواية .يف حني أن أرسطو كان يدرك أن األبيات الشعرية ليست هي الشعر .إذن ،الشعر ليس هو شكل – بيت .ليس هناك ،وجود ل «شكل -قصيدة» ،رغم أنه طيلة قرون من الثقافة كان يتم تلقني الخلط بني األبيات الشعرية والشعر. املشكل الثاين ،وهي نتيجة ملا سبق ،ويزيد الطني بلة ،هو أننا انتقلنا ثقافيا من كتابة البيت الشعري ،كام يقول معجم «ليرتي» ،Littréإىل «الخصائص التي متيز األبيات الشعرية الجيدة ،والتي ميكن أن توجد يف البيت الشعري وخارجه». املشكل الثالث ،وهو ذو طبيعة منطقية :إذا كانت تلك الخصائص «متيز األبيات الشعرية الجيدة» ،كيف ميكن أن «توجد يف البيت الشعري وخارجه؟». واملشكل الجاميل هو أنه حدُّ شكيل .وإذن ،فهي تفرض ثنائية الشكل واملضمون ،اللغة الشعرية واللغة العادية ،والتي تتطور إىل ثنائية أخرى :النافع – النفعي والجامل باعتباره ترفا .كتب سارتر« :الشعراء هم أشخاص يرفضون استعامل اللغة» .لقد قارنا أيضا ثنائية لغة عادية – لغة شعرية إىل التناقض املوجود بني امليش والرقص .كل ذلك ينبني عىل الخلط بني اللغة والعالمة، الذي هو ليس سوى متثيال جزئيا .حتى إن السخرية الخفية يف هذه الوضعية ،أننا اعتقدنا أننا نفكر يف القصيدة ،يف حني أننا نتكلم عن العالمة. غري أن املشكل املنطقي ،هو تلك الخصائص املوجودة يف األبيات الشعرية وخارجها (جاء يف قاموس« :Le petit Larousseما يلمس ،أيها التلميذ ،يدفع إىل التفكري») .وهذا املشكل يؤدي إىل مشكل ثالث :اعرتاف بالفشل بكل املعاين .ألننا عرثنا من جديد ،وباختالف طفيف ،عىل املعنى العاطفي .إن الكليشيه الثقايف هو من يقول بأن الشعر ال ميكن تحديده .بعبارة أخرى، كلام قدسنا الشعر ،كلام قلت معرفتنا مبا نقول .ونكرر هذه األشياء الغامضة بندم. هناك قراءة أخرى ،وأثر آخر لغياب الحد هذا ،فكام نضع الشعر يف مقابل النرث ،نضعه يف مقابل الرواية .ومبا أن الرواية جنس أديب ،فإننا نجعل من الشعر جنساً أدبيا .هذا ما يقوله «كنز اللغة الفرنسية « .»trésor de la langue françaiseلكن الشعر ليس جنساً أدبيا ،فالشعر يضم ،حسب الغرض ،مجموعة من األجناس :الشعر الغنايئ ،الشعر الرسدي ،الشعر املرسحي .ال، الشعر ليس جنساً أدبيا .ينبغي أن نجتهد يف البحث * هرني ميشنيك:شاعر ومرتجم فرنيس واستاذ يف فقه اللغة،تويف يف باريس سنة .2009 ترجمة :محمود عبد الغني
82
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
لحظة مفصلية في تاريخ الشعر العربي فخري صالح
ليس صعود الشكل الروايئ السبب الوحيد الذي يدفع الشعر إىل خلفية املشهد يف الثقافة العربية ،بل مثة أسباب داخلية تتعلق بالشكل الشعري نفسه ،ووصوله إىل لحظة مفصلية من اللحظات التي تصلها األشكال اإلبداعية عىل مدار تاريخها .فالشعر العريب يف الوقت الراهن مير يف حالة من تحلل الشكل ومتزقه وتهلهله ،أي مبا يسميه بعض النقاد «اإلرهاق الجاميل» ،مبعنى أن الخيارات الشكلية والجاملية تضيق ،ويصبح أمام الشكل الشعري طريقان ال ثالث لهام :إما أن يتجدد ،أو يغرق يف العادية واستنساخ الخيارات والكشوفات السابقة التي أصبحت محفوظة ومتداولة وميكن متييزها بسهولة من قبل الشعراء ،ورمبا من قبل القراء أيضا .وما يحدث اآلن هو أن القصيدة العربية ،وبعد رحلة من التجديد يف الشكل اإليقاعي واللغوي ،وكذلك يف طرق مقاربة العامل ،وصلت ما سامه الشاعر اللبناين يوسف الخال «جدار اللغة» ،أي إىل نقطة العقم أو التجدد والتغري الفاصلة .فهي مدعوة إذن إىل إحداث ثورة يف داخلها لتستطيع التعبري عن تجربة الوجود والعامل. لقد مرت القصيدة العربية يف نهايات القرن التاسع عرش وبدايات القرن العرشين ،وعىل أثر االحتكاك بالثقافة الغربية الغازية، بلحظة وعي للذات اللغوية والقومية دفعتها إىل إحياء الشعر العريب القديم ،ثم فتح هذا الشعر عىل تيارات شعرية تهب من جهة الغرب :بارناسية ،ورومانسية ،ورمزية ،وحتى نرثية (فيام أنتجه أمني الريحاين وجربان خليل جربان) ما أفىض يف أربعينيات القرن املايض إىل العمل عىل انتهاك الشكل اإليقاعي ،الذي قاوم التغري حوايل خمسة عرش قرنا من الزمان .وقد ترافق هذا التغري يف الشكل اإليقاعي ،الذي ظل يحتفظ بعنرص اإليقاع الخارجي الذي تستطيع األذن والعني املدربتان التعرف عليه ،مع ثورة جذرية تسقط اإليقاع الخارجي لصالح شكل هجني يتخىل عن اإليقاع ولكنه يحتفظ من تعريف الشعر بالقصدية واستخدام لغة الصور واالستعارة واملجاز ،وحتى توزيع األسطر عىل الصفحة البيضاء لتبليغ القارئ أن ما يقرؤه شعر وليس نرثا .حدث ذلك يف خمسينيات القرن املايض مع ظهور مجلة «شعر» التي فتحت صفحاتها للراغبني يف تجديد الشكل الشعري من خالل التقريب بني لغة الشعر ولغة النرث ،وإن ظلت معظم التجارب الشعرية التي أسهمت يف تجربة «شعر» محافظة عىل الحدود الفاصلة بني الشعر والنرث بوصفهام خطني أسلوبيني متاميزين يف الكتابة ميكن أن نتبني الفارق الواضح بينهام بنظرة عني. لكن ما طرأ يف سبعينيات القرن املايض ومثانينياته هو أن القصيدة العربية أخذت تغذ الخطى نحو هدم الجدار الذي يفصل العوامل الشعرية عن العوامل النرثية ،سواء يف توزيع الكتابة الشعرية عىل الصفحة ،أو ما يسمى «قصيدة الكتلة» ،أو يف التخفف من الصور واالستعارات ،وتخليص القصيدة من شحنة املجاز التي تجعل من الشعر عاملا هيوليا بال مالمح وال ميكن رده إىل أية مرجعيات واقعية. هكذا دخلت القصيدة العربية عرصا جديدا ،يلتحم فيه الشعر بالنرث ،وتغزو التقنيات األسلوبية للرسد عامل قصيدة النرث ،بحيث بدأت الحدود متحي بني األنواع الشعرية واألنواع الرسدية ,لقد وجهت قصيدة النرث ،رغم عدم تجذرها يف واقع القراءة والتداول، وعدم متتعها بجامهريية شعر العمود والتفعيلة حتى هذه اللحظة ،رضبة قاصمة لنظرية األنواع األدبية العربية التي مازالت تتمسك مبراتبية لألنواع واألشكال ع ّفى عليها الزمن .وأظن أن علينا أن نعيد النظر يف تصوراتنا لنظرية األنواع ،التي تبناها مؤرخو األدب العرب يف العرص الحديث ،ألنها ال تصلح حتى للنظر إىل الرتاث األديب العريب القديم الذي يبدو أغنى بكثري من التصنيف التخطيطي الذي وضعه له هؤالء املؤرخون الكساىل الذي نقلوا التصنيف الغريب لآلداب الغربية وطبقوه دون متحيص عىل اآلداب العربية issue (6)- November - 2012
83
في الشعر
الشعراء في زماننا ابراهيم الحسن
الشعراء اثنان ،شاعر يكتب القصيدة ،وشاعر تكتبه القصيدة ،فاألول ذيك ذو ذاتية مقتبسة جاء إيل بوابة الشعر بالصنعة ،والثاين ملهم اعتاد باإللهام والقريحة اإليحاء يف الشعر .والفرق بني الذكاء واإللهام يف الشعر كبري جدا وواضح جدا ،فتاريخ الشعر موصول باملعاين يسرتفدها من خارجها وتبقى العربة يف طرائق العرض وأساليب األداء. غري أن طريقة الشاعر ومقدرته عىل قول الشعر يف يشء ما ،قد تختلف عن مقدرة املرء عىل رشح نفس اليشء رشحا عقالنيا ،فالشعر ليس هدفه الرشوح العملية أو العلمية ،لهذا فالقصيدة ال يجب أن تعني ،بقدر ما يجب أن تكون ،ومن خالل كينونتها نتعرف عىل شخصية القائل .وبعض القصائد تستعيص عىل الشاعر الذيك وال تخضع لثنائية املعني والداللة ،فيصبح الشاعر صنيع اللغة بعد أن كان صانعها ،ويقع أسريا لحركتها اإلبداعية الحرة ،ما يجعل املتلقي يحصل عىل اللغة أجراسا وألوانا وأشكاال بال معنى وبال مضامني ،ومعروف أن اللغة عىل امتداد تاريخها الطويل ،ظلت تتواطأ مع املعاين تحتضنها وتفصح عنها ،غري أنها تستجيب للشاعر امللهم وتخضع له ،ألن املتعة يف قصائده ال تأيت من جهة حضور املعنى ،وإمنا من جهة غياب املعنى واختفائه. والشعراء قد تتشابه إبداعاتهم مع اختالف العصور ،غري أنهم قد يشرتكون يف مصدر ما لإللهام ،والله سبحانه وتعاىل وهب الشاعر نعمة املوهبة وزادها باإللهام ،ما ميكن الشاعر أن يأيت مبا ال يستطيعه اآلخرون ،حيث تتأرجح موهبته بني اإللهام واملقدرة عىل تنسيق الحروف أو مخارج الكالم ،لهذا فالشاعر تولد من فمه اللغة ،ومن اللغة تولد كل األشياء . وشاعر قصيدة النرث ال يقل أهمية عن أخيه شاعر القصيدة العمودية يف هذا املجال ،غري انه عليه أن يتجنب الغموض يف قصائده ليفهمه اآلخرون مبارشة بدل االنشغال عنه بفك رموزه وحكاياته ،وأعني أن يقول ما يفهمه اآلخرون .غري أن أهمية الشاعر امللهم تأيت من خالل تفحصه لذاته الخفية وعبقريته امللهمة تلك التي يتجىل فيها حبه لآلخرين ،ومبا يحمله يف نفسه من تعبري عن طويته الساكنة وموهبته األصيلة ومقدرته املكتسبة ،ألن روحه تنبعث منها القصيدة مبا توضحه الصورة الشعرية ،كأمنا تتجوهر فيها الطقوس والتقاليد ،فيحدق فيها باحثا عام توضحه يف صورة أكرث انسيابية وأكرث توازيا مع فنونها املختلفة يف البالغة والبيان .أما الشاعر الذيك ذلك الباحث عن الرس غالبا ما يعود مبتئسا إذا ما استغلقت عليه نوايا األشياء. ويبدو يل ،أن قدر الشاعر هو أن يعيش يف قلق دائم ،يدفعه هذا القلق إىل التعبري واإلبداع ،فالشاعر أحق الناس بالقلق وباألمل وأقربهم إليه ،ألنه أكرث بحثاً عن الغاية يف شعره ،والبحث إحدى وظائف الشعر املهمة .ولعل الشاعر يف بحثه عن األفضل يحاول أن يخلق إيقاعا متميزا ً يتوازن مع ما يعتمل يف دواخل نفسه ويتحرك مبقدرته ،مع إيقاع بديع لهذا العامل املضطرب . وألن الشاعر مصدره اإللهام ،وألن اإللهام مصدر الهي محض ،غرس يف طبيعة الشاعر عند التكوين قبل الوالدة ،فال بد لشعره أن يكون أشبه بلهب ينبعث من فؤاده ليديفء به اآلخرون ،ال بد لشعره أن يكون ناضجا ال تشوبه شائبة وال افتعال ،ينبع من عني كأنه النطاف الخالص ،والسلسبيل الجاري ،أو يأيت غاضبا هادرا كأنه البحر الهائج ،خاصة يف القصائد ذات املغزى الوطني. والشاعر امللهم هو من يأيت بالشعر املطبوع مثل الشذى األخاذ الذي ينطلق كأشعة الشمس ،أما الشاعر املكتسب شعره بالتعلم والصنعة فهو كمن ينحت يف كومة من رمل ،وكأين أراه كلام تكامل نحته تهدم جانب منه ،فشتان بني هذا وذاك 84
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
الحي ! دفن ّ ُ عبد هللا أبو بكر
قبل
عدة أعوامُ ،أقيمت يف العاصمة عماّ ن ندوة حول الشعر ،حرضها الكثري من الشعراء العرب ،وناقشوا فيها قضايا شعرية عديدة ،وأكرث ما لفت انتباهي يف النقاشات الدائرة يف الندوة هي مقولة أطلقها الشاعر اللبناين محمد عيل شمس الدين يف معرض رده عن سؤال يتعلق مبوضوع ما بعد الحداثة حيث قال إن «ما بعد الحداثة هو ما قبلها». هذه املقولة تحمل الزمن يف كلتا يديها ،وتلملمه لتضعه يف لحظة راهنة ،لتؤكد أن ما سبق إنتاجه ليس رضبا من رضوب االنقراض ،ومل يقع بعد يف حفرة الزمن ولن يقع كذلك ،ما دام الدوران هو حقيقة األرض وبالتايل هو حقيقة الشعر واألدب . شهدنا يف العقود األخرية دعوات كثرية أطلقها عدد من الشعراء العرب تنادي بالقطيعة وذبح الزمن عرب قطعه إىل جزئني ،قدميه وحديثه ،وقد القت هذه الدعوات رواجا كبريا ،بعد أن سار خلفها اإلعالم واحاطها باالهتامم وتجاوز ذلك الدور إىل أن أصبح رشيكا مخلصا لها .وليس الحديث هنا من أجل الدفاع عن املوروث أو التقليل من شأن الحداثة بقدر ما هو محاولة لعرض بعض النقاط التي تتعلق بالحركة الشعرية العربية وبعض األصوات التي انشغلت بهذه القضية . إن أبرز ما يقال يف هذا الشأن إن الحداثة _كمذهب فكري وأديب_ ليست صنيعا عربيا ،فقد تالقفها البعض من الغرب ،واندمج فيها مقلدا ،وتابعا ،بعد أن دعا إليها العديد من الشعراء الغربيني والفرنسيني عىل وجه الخصوص ،كشارل بودلري ،وغوستاف فلوبري ،وماال راميه ،والرويس مايكوسفيك وغريهم .أما بعض الشعراء العرب فقد وجدوا فيها صيدا مثينا ،ميكن من خالله تسليط األضواء عىل أعاملهم وأسامئهم .وقد قادوا االنقالب عىل املوروث تحت هذه املسميات املستوردة من اآلخر ،بعضهم من أجل الرتويج لنفسه ،والبعض اآلخر بدا مقتنعا وحريصا عىل التجديد وإن كان من صنيع اآلخر ،وهذا ما يفسرّ لنا ان بعض االعامل الشعرية لهؤالء جاءت متقنة ومقنعة ،ولكن بعضها اآلخر جاء ضعيفا وركيكا وال يرقى ملستوى األدب والشعر . ال اريد هنا الحديث عن النوايا الشعرية لدى هؤالء ،وال عن تجاربهم الشخصية ،مع أنها جزء من هذا املرشوع «الحداثة» الذي اعتقد أصحابه انه ال ميكن فرضه إال بإقصاء كل ما يخالفه ،وهذا أبرز مأزق تعرض له هذا املرشوع ،فمنذ البداية كان مرشوعا إقصائيا ،بدال من أن يكون إضافة يف تاريخ الشعرية العربية .وإن تناولنا قصيدة النرث كجزء من هذا املرشوع لوجدنا الكثري من دعاتها انساقوا وراء فكر اإلقصاء هذا ،و استهلوا مسريتهم بالدعوة إىل إلغاء جميع األشكال الشعرية األخرى حتى تلك التي مل الحي ! تعش سوى لعقود قليلة ،وباتوا أشبه مبن يريد دفن ّ إن الدافع وراء هذا الحديث ،هو ذلك الجدل الذي ال يزال قامئا حول موضوع الحداثة الشعرية والذي امثر عن انشقاقات وخالفات كثرية ،مل تكن لتصب يف صالح الشعر ،ولعل املقولة الذي أطلقها شمس الدين تربهن عىل أن الشعر ال ميكن وضعه يف القفص ،أو تكبيل حركته ،تبعا لتحوالت الزمن ،وانحارف مساراته .فمن العبث القول إن قصيدة الشطرين العربية أصبحت منتهية الصالحية ،طاملا أنها ُتكتب حتى اليوم بفنيات عالية ،وتبللنا مباء الشعر والكالم ،كام من العبث أيضا إنكار أي عمل أديب أو تجاوزه إن كان يشكل رصيدا إضافيا لخزانة الشعر واألديب العريب عموما ،وهذا ما ينطبق عىل الكثريمن األعامل الشعرية التي ُأدرجت تحت عنوان «قصيدة النرث» issue (6)- November - 2012
85
شعر ورواية
آالن روب غرييه
ُّ ِّ م الش ْعر ء الذين أ ُ ِحب ُّ ُ ه ْ والش َ عرَا ُ صدر قبل سنوات كتاب شيق للروائي وكاتب السيناريو الفرنسي الراحل أالن روب غرييه ،بعنوان»مقدمة لحياة كاتب» .ويتعلق األمر بسلسلة طويلة من المحاضرات التي ألقاها سنة 2003على أمواج «راديو كولتور».وكان البرنامج يتلخص في أن يتحدث الكاتب عن عالقاته مع األدب والكتابة والقراءة ،في حرية تامة .وهنا ،حديثه عن العالقات التي تربطه بالشعر والشعراء
باريس -محمد المزديوي
هذه
املادة األدبية ،هذه النصوص التي ت ُشكّل، يف آنٍ واحد ،كتبي وشخيص ليست فقط محكيات نرثية .أعتقد أن الكثري من الشعراء أيضا أغنوا نصويص الشخصية .ميكن يل أن أذكر ماالرميهMallarme وميشو Michauxوأبولينري Apollinaireوأندري بروتون أي فإنه يوجد، ، Andre Bretonوكثريين آخرين .وعىل ّ يف كثري من األحيان ،يف روايايت ومحكيايت النرثية مقاطع شعرية أُعي ُد كتابَتَها من دون وضعها بني قوسني أُدمجها يف ُج َميل الخاصة .ال ُنقَّاد وامل ُعلِّقون القادمون ،كام يقول ماالرميه ،سيتعرفون ،مبرح ،عىل تتابع الكلامت التي تنتمي ،جليّا ،إىل شاعر ما ،باملعنى الذي يفهمه جان بول سارتر.
شعرية النص
ال أم ّيز كثريا ما بني النرث والشِّ عر ،وأعتقد أنه يوجد ،عىل يك يف الشعر .إننا نض ُع توصيف «رواية» كل حال ،مح ّ عىل غالف الكتاب حني يكون لبُ ْعد الخاليا الرسدية يك ما. متواصل ملح ٍّ ٌ بعض االمتداد ،وإذن يُوجد ُحضو ٌر ُ ولكن ،عىل النقيض ،إذا كانت هذه الخاليا قصرية ،بشكل البدهي أنه الفت ،كام هو الحال لدى ماالرميه ،فإنه من ّ يصعب اعتبار األمر محكيّا .إ ّن ما أردده مبتعة كبرية حني أمتىش ،أو حني أستح ّم أو حني أحلم ،هو قبل كل يشء الشعر ،باملعنى التقليدي للكلمة .بالتأكيد مل يكتشف
86
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
امليل ،وكانوا يعتقدون أن نصويص ال قرايئ األوائل هذا َ تحدثت أن يل سبق لقد شعر. أدنىى شعرية ،من دون ُ عن اهتاممي بعلم وزن الشِّ ْعر ،وهذا االهتامم دفعني إىل نوع من الكتابة الشعرية مختلفا جدا عن ما يتصور ُه الناس حني يتحدثون عن كُتُبي. ُجيب سأقرأ قصيدتني ملاالرميه يُفترَ َ ُض أن إحداهام ت ُ األخرى« :الخالص» ،الخالص األويل الذي حرص ماالرميه عىل وضعه عىل رأس قصائده الكاملة ،حني قام بتجميعها من أجل املعلقني والنقاد القادمني ،و»للعارية امل ُ ْر ِهقة ِ أنت» ،التي ال تحمل عنوانا ،والتي ميكن أن تكون اعرتافا بالفشل مقارن ًة مع األمل الذي يوجد يف الـ»خالص» األويل .إن شئنا... لست أدري عىل وجد كيف تع َّرف ُْت عىل هؤالء الشعراء؟ ُ تاب قرأت ُ ُه كثريا يف طفولتي، التحديد ،رمبا بالصدفة .مثة كِ ٌ وهو مراسالت أالن فورنيي Alain Fournierوجاك ريفيري . Jacques Riviereمل يعد هذا النوع من الكتب استقيت منه بعض االنجذاب يُق َرأ اليو َم ولكني أعتقد أين ُ إىل هذا النص األديب أو إىل ذاك .أعتقد أين عرفت دوبويس شغف هذه Debussyيف هذه املراسالت .ففيها يوجد ُ نفسه بقوة ويثري الشبيبة بالفن واألدب ،الذي يَ ْفرِض َ الذهول ،وميكننا إذن أن نغتذي منها بطريقة غري مبارشة، وسواء كان األمر يف املوسيقى أو يف األدب ،فإن األمر كان، بالنسبة يل ،مفيدا .كان فورنيي وريفيري يُح ّبان الشعراء
أحببت كثيرا أعمال هنري ميشو ُ وكنت دائما أحس ،Michaux ُ بالحزن حين يصدر طبعة جديدة ويتخلص فيها من قصائد سابقة
الذين اختفوا بعض اليشء،مثل ألبري سامني ainAlbert ،Samالذي ال أز ُال قادرا عىل إنشاد بعض قصائده ،وليس ِيل الفُورغ Jules من املستحيل أن يكونا قد تح ّدثا عن ج ْ ، Laforgueالذي قرأته كثريا. وكنت دامئا أحببت كثريا أعامل هرني ميشو ُ ،Michaux ُ أحس بالحزن حني يصدر طبعة جديدة ويتخلص فيها من قصائد سابقة .ت ّم توظيفي يف دار مينوي كمستشار لدي بعض أديب لجريوم لندون ،Jerome Lindonوكانت ّ الصعوبات يف بيع بعض ال ُكتُب ،ليس يف نرش ما ميكن بيعه ،ولكن يف النجاح يف بيع كُتُب ملؤلفني يُع َر ُف عنهم أنهم ال يبيعون ،مثل ناتايل ساروت Nathalie Sarraute وكلود سيمون Claude Simonأو روبرت بينجي . Robert Pingetوهرني ميشو Henri Michauxعىل النقيض كان يَ ْعتَبرِ ُ أ َّن بيع ال ُكتُب فيه يشء من العار .كان أي كتاب تتجاوز مبيعاته ميقت الجمهور .قال يل مرة إن ّ 200نسخة هوـ عىل كل حال ،كتاب رديء .بطبيعة الحال كان يف األمر مبالغة ،ألن ميشو نفسه كان يبيع ُت قصائدَهُ مبجرد أكرث من 200نسخة بكثري .وكان ميق ُ ما أن تحظى بنوع من النجاح ،فكان يتخلص منها .كلام كانت طبعة ثانية لنفس الديوان كلام كانت قصيد ٌة َما
حفظت قصيدة له عن ظهر تختفي فجأة من الديوان. ُ قلب وأنش ْدت ُها أمامه ،مبحض إراديت ،ولكني مل أعد أتذكر عنوانها ،وليس باإلمكان قراءتها ،اآلن ،ألنها اختفت.
بروتون والعني املشؤومة
عرفت أندريه بروتون ، Bretonوقد عاملني بكثري من املودة بعد صدور روايتي «املتلصص» .كان ينتمي لهذه الفئة من الناس التي ال تحب الرواية ،بصفة مبدئية. اثنان من الشعراء الذين أحبهم عبرّ ا عن احتقارهام للرواية :بروتون وفالريي . Valeryمل أتعرف عىل بول فالريي Paul Valeryشخصيا ،ولكنه لعب دورا يف تكويني الشعري .وميكن اعتباره واحدا من اآلباء الرسميني للرواية الجديدة ،وأعتقد أنه كان سيقبل األمر .وقد كان األب الرسمي لـ»تيل كيل»ـ عىل الرغم من أن فيليب سولريز Philippe Sollersادّعى ،الحقاً ،أن مجلته مل تكن لها أي عالقة بسلسلة بول فالريي« :تيل كيل» ،Tel Quelيف الوقت الذي جاءت فيه تسمية املجلة بهذا االسم تكرميا لبول فالريي .أما بروتون فقد قال يل بعد صدور روايتي «املتلصص» بأنها ليست من نوع األدب الذي كان يتمنى أن يكتبه ،ولكن األمر يتعلق بِعالَمٍ ما ،ولديه تقدي ٌر ألي issue (6)- November - 2012
87
شعر ورواية
يشء يُ ِح ُّس فيه بنوع من ال ُق ْرب مع أعامله الخاصة .ومن جهتي أستطيع ،بطبيعة الحال ،إنشاد نصوص بروتون، التي ميكن اعتبارها يف كثري من األحيان نصوصا نرثية. كنت أحبه كثريا ،وقد حفظته نص ُ من بني نصوصه يوجد ّ عن ظهر قلب ،بطول صفحة واحدة ،وهو بعنوان« :فعل كان» .إنه نص جميل يتحدث عن اليأس« .نادجا»ميكن اعتبارها محكيّا عىل الرغم من أن بروتون يرفض ذلك. أتذكر أنه ما أن انتهينا من فيلم « السنة املاضية يف مارينباد» ـ أردنا ،رينيه (املخرح السيناميئ الفرنيس أالن رينيه) وأنا (قام غرييه بكتابة سيناريو الفيلم)، إهداءه إىل أندري بروتون .اعرتفنا بنوع من ال َّديْن تجاه السوريالية ،عموما ،وتجاه أندري بروتون بصفة خاصة. ولهذا فكّرنا ،من البداية ،بأن نعهد إىل بول ديلفو Paul ،Delvauxوهو رسام سوريايل ،بإعداد ديكور الفيلم. عرضنا الفيلم أمام بروتون ،متص ِّو َريْن أن الفيلم سيثري إعجابه ،ولكنه عبرَّ عن مقته .كان من خاصيته الحذ ُر الشدي ُد من الناس الذين يُال ِمسون ميدانَهُ. مل يكن من السهل يف تلك الفرتة عىل املرء أن يكون سورياليا .ملْ أنتَمِ أبدا ً إىل الحركة ،وال إىل أي فصيل صغري يف هذه املجموعة ،ولكني كنت أعرف عن طريق أصدقايئ الذين أُعاشرِ ُ ُهم ،مثل أالن ُجوفَ ْروا ، Alain Jouffroyإىل أي درجة كانت العالقات معه صعبة .وعىل الرغم من عدم الترصيح بأشياء أمامه إال أنه كان يراها. ذات يوم ،وبعد أن زار الرسام برينارد دوفورBernard ، Dufourقال لِ ُجوفَ ْر َوا « :Jouffroyهذا الرجل ميتلك َع ْينا الَ َّمة(مشؤومة) ،كام أ َّن ُرسوماتِ ِه متتلك َع ْينا الَ َّمة». بُع ْيد موت بروتون كان أصدقاؤه عىل وشْ ك أن يُح ِّملوا ّ الرسام دوفور مسؤولية موته ،فقط بسبب هذه «ال َعينْ الالَّ َّمة» .كان يُطْل َُق عىل بروتون لقب « بابا السوريالية». يل لقب بابا الرواية الجديدة ،ولكني أما أنا فقد أطلق ع َّ مل ُأس َّن أبدا فقاعات ،وال قوانني ،ال من أجيل وال من أجل أصدقايئ .أما هو ،ففي املقابل ،مل يتوقف عن
88
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
إطالق األحكام ومنح النقاط الجيدة .أطلق عليه بريفري نصه الذي revertPاسم « :ثاقب تذكرة قرص الرساب» يف ِّ ظهر سنة 1930يف املنشور الجامعي الذي حمل اسم: «الجثة» .كان أندري بروتون يكره ،بشكل ظاهر ،فيلم «السنة املاضية يف مارينباد» Marienbadولهذا السبب مل نكتب بطاقة اإلهداء. أعتقد أن بروتون كان كاتبا مهام جدا ،وكان قبل كل يشء، كاتبا أنيقا .إن نصوصا مثل « ِف ْعل كان» ،نصوص ها ّمةٌ، نصوص ها َّمةٌ، مفتوح وإشكا ٌّيل .توجد حيث املعنى دامئا، ٌ ٌ مثل نصوص بوسويه ،Boussuetوهي ليست مفتوحة وال إشكالية.إنها نصوص ذات نظام إلهي ،ولكنها ربوبية تُعبرِّ عن نفسها بوضوح .أما بروتون فقد كان ربوبية من منط مالئيك .قد نفهم عىل نحو غامض ِقطَعاً من تأويل كالمه .كان ُج َمل املالك ،لكن يتو َّج ُب ،بعد ذلكُ ، ينتمي إىل هذا الصنف من ال ُكتَّاب القريبني جدا مني أكرث مام ينتمي إىل أولئك الذين ميتلكون الحقيقة .حني كان بروتون يُنظِّ ُر كان لديه نزوعٌ ،أحيانا ،إىل أن يبدو َمالِكاً للحقيقة ،ولكن ع َملَ ُه كُلَّهُ ،ولله ال َح ْم ُد ،كان يناقض هذا االدعاء. تعرفت يف نفس املجموعة عىل ميشيل لرييس .Michel Leirisمل أكن قارئا متعصبا له ولكن كتابه « :أفريقيا الشبح» ،ساعد يف عجبت بدرجة أقل بثالثيته La تكويني .أُ ُ regle du jeuو BiffuresوFourbis et ، Fibrillesحيثُ قام لرييسِ ،ب َو ْح ٍي من افتتانه بالتحليل فعل ال يُعتَبرَ ُ يف النفيس ،بعمل تحلييل عىل نفسه ،وهو ٌ نظري من أُ ُمور األدب. إ ّن ما يُؤث ِّ ُر َّيف كثريا ،بالتأكيد ،يف الشِّ ْعر ،هو م ْزج أشياء ملموسة و ُمح َّددَة بِتأمالت غري واضحة ،بل ميكن القول إنها تأمالت غامضة و ُمغلقَة .نَعثرُ ُ عىل هذا املزج يف آن واحد ،يف « ِف ْعل كان» لربوتون ويف قصيدة ماالرميه« ، للعارية امل ُ ْر ِهقة ِ أنت « ،وأعتقد ،أيضا ،أن هذا امل َ ْز َج ِ نجده يف قصيدة «املقربة البحرية» لبُول فالريي ،التي تبدو نهايَتُها برصيّ ًة جدا ،بشكل خاص ،بينام يتعلق األمر بِتأمالت ُمج َّردَة خالصة
نقد
حسن نجمي
ّ تطل كأنها شرفة على األبدية بدأ الشاعر حسن نجمي الكتابة مبكرا ،إذ أصدر ديوانه األول حين كان في الثانية والعشرين من
ُ عمرهِ : اإلمارة أيتها الخزامى» وكان ذلك في العام ،1982فإذا كانت إشارة هنا فهي تتصل بأن «أذى «لك كالحب» كما لو أنه نتاج تلك الخبرة الشعرية في التعامل مع «النص» شعرا ونثرا .لقد تنوع المنجز ّ األدبي لحسن نجمي ما بين الشعر بسبعة كتب ،والدراسة النقدية واليوميات والرواية .هذا الغنى ّ ّ الملحة المبكر في التجربة ومالحظة التحوالت الطارئة على الطبيعة والمكان والجسد والرغبة
والعالية في إعادة صياغة الكون شعريا ،هي من أبرز ما تقصد الشاعر أن يبرزه عبر تفاصيله
جهاد هديب
ِع َوضا
عن مرجعيات شعرية ،األمر الذي يحتاج إىل تفسري يأيت هنا يف تضاعيف السياق ،فإن ما يلحظه املرء يف قصيدة حسن نجمي يف «أذى كالحب» هو أنها زاخرة ب»تقاطعات» لشعريات متجاورة وحديثة ومشهديات تاريخية وغري تاريخية ويومية هامشية وعابرة جعل منها الشاعر مر ّويات شعرية ،أكرث من أنها صور شعرية فقط ،مستفيدا من شعراء معروفني وآخرين كانوا هامشيني يوما ما يف الشعريات الغربية، عىل املستوى التقني الكتايب وطرائق يف التخييل ،أولئك الشعراء الذين جعلوا من الهامش متنا ومن الزائل انتصارا عىل فكرة الغياب األبدي لألشياء واملشاعر االنسانية التي تعرب بقلوبنا كل يوم. وألن الشخص السارد يف قصيدة حسن نجمي هو صوت الفرد ،فقد أصبحت هذه املرويات هي الرسدية الكربى للفرد ذاته ،إذ تعيد كتابة تاريخ الجسد مبا هو عليه من أنه ُعرضة للزوال والفناء لكنه يظل حيا نابضا يف رسديته تلك .مع ذلك ليس الكتاب ،مبا يشتمل عليه من تن ّوع وغنى يف أحوال وتقلّبات املزاج الشعري ،احتفاء
محض بالجسد ،إمنا عرب تذك ّره أو إعادة بنائه من طريق الذاكرة مبا هو مزيج من روح ومادة ،إذا جاز التوصيف، دون أن يكون ذلك كله بعيدا عن أن هذا الكتاب هو مشغل شعري يخترب الشاعر فيه طاقة اللغة وإمكاناتها عىل التعبري واإلحاطة باملخيلة الشعرية ما أمكن إىل ذلك سبيال. *** لجهة صفته ،هو الذي حاز جائزة املغرب للكتاب يف الشعر للعام املايض التي متنحها وزارة الثقافة املغربية، فقد جاء «أذى كالحب» يف ستة أبواب« :يأس مشمس» و«أقىص الغموض» و»جهة الحب» و «قصائد برتقالية» و«يوميات إيطالية» و«جهة الظل» ال فاصل بينها أو ح ّد سواء أكان عىل مستوى املخيلة أم عىل مستوى الصنعة، بل هو افرتاق يف املزاج الذي يجمعها أنها متثل جميعا مشاغل رجل يقف عىل عتبة الخمسني اآلن ويحسن التذكر .و«التذكر الذي يعاقب النسيان» هنا أيضا هو جامع آخر بني القصائد مثلام أنه قد أفىض إىل ذلك املزاج issue (6)- November - 2012
89
نقد
التأمل يف ذوات شعراء آخرين وهو ما جرت اإلشارة إليه مطلع هذه السطور .لكن الشاعر هنا ال يتخىل عن الصمت وال يتنازل عن يأسه املعريف من العامل والحياة نظل نح ّدق يف الغيم». والعيش« :حتى حني نيأس ّ والقصائد بكل ما تتضمنه من صور شعرية هي تعبري عن حالة ذاكرة ثقافية -شعرية وقد امتزجت ،حتى تلك التي تتناول عالقة الرجل باملرأة أو حالة الحب التي مصدرها الشخص السارد يف القصيدة ،أي الشاعر يف آخر األمر ،هي تصب يف االتجاه ذاته إذ يتأمل يف الشعر والصنيع قصائد ّ الشعري ويف شعراء من طراز األرجنتيني خورخي لويس بورخيس واليوناين يانيس ريتسوس.
الشعري عىل األرجح. لكن نربة اليأس هنا هي التي تغلب عىل طابع التذكر ذاك ،ففي «يأس مشمس» مثلام يف «أقىص الغموض»، فإن الصمت يكاد يكون صوت اليأس املد ّوي يف القصائد، قلت: «صار يل يأس مشمس» و»ألن اسمي ليس ألحد ُ / لِ َم ال أتخىل عنه للهاوية» ..إنه اليأس الذي كأنه والعزلة وجها عملة قدمية« :األجمل يف السجن أن نعتزل العامل والناس». هكذا ،يصري الصمت حاضنة لإلحساس بالذات والعامل وموقف منهام أيضا« :الصمت الذي حولك ميكنه أن يسعفك أكرث /لك أن تستمع إىل رصاخك القديم كلّه». غري أن بالغة الصمت لدى حسن نجمي يف هذين البابني أما قصائد «جهة الحب» فهي ،حقا ،نتاج مخيلة تبلغ قمر اكتاملها يف قصيدته «دمعة»« :مل يكن يبيك .مل عالقة حسية ومخيضة وملموسة بامرأة من لحم ودم، يكن يفكر يف البكاء .لك ّن دمع ًة فاجأته .كأنها تأخرت عن وتترسب من هذه املخيلة صور إيروتيكية عديدة: ذروتك كأيّلٍ / .كأن َّ ظل القبلة موعد .كأنها مل تأت مع بكائها القديم .كأنها جاءت تسبق «أر ِاك عالي ًة فأقفز إىل ِ بكاء قادما -كأنها مل تكن دمعة». يزيح عن خد ِّك حمرة الوشاح. ُ لكن اليأس والصمت والعزلة ،بوصفها وأخف ُّ ُّ أستخلصك أخف. / ِ جميعا أحاسيس ومشاعر فردية، إ ّيل». القصائد بكل ما مع وليس ثيامت أو أفكار ،تتداخل وألن هذه القصائد أيضا تتضمنه من صور مشاعر أخرى متناقضة – متآلفة يف يطل عىل هي تأمالت «رجل ّ اآلن نفسه« :هذا التذكر الذي يعاقب شعرية هي تعبير عن الخمسني» ،فهي قامئة عىل فعل النسيان .وهذا االغتباط ييضء وجهي. تذكري أساسا ،ما يعني أنها حالة ذاكرة ثقافية - ّ كأنه وجه ميِّتبال عزاء» هي مشاعر حالة إنسانية يقوم الشعر هنا شعرية وقد امتزجت، معا املوت والغبطة إذ هام يتغذّيان بإحالتها إىل صور بعد أن قامت حتى تلك التي تتناول من حالة غري متصالحة بني التذكّر الذاكرة الشخصية برتميم هذه والنسيان. عالقة الرجل بالمرأة الصور. وإذا كان مزاج «يأس مشمس» يف الوقت نفسه يشعر املرء يؤسس لحالة شعورية محددة وكأنها قصائد جاءت من مخيّلة بنزوع فإن «أقىص الغموض» يبرش اإلحساس بالخواء أو الفراغ الذي يعقب الفراغ من الشاعر حسن نجمي إىل «اللعب» مع «شكل»ين من الجنس حيث «مل يبق ما يُقال» .فتجد هذه القصائد قصيدة النرث العربية والتجريب بهام :السطرالشعري ،ثم اكتاملها يف القصيدتني «رصيف آخر» وسابقتها «أذى كتابة الشعر بالنرث عىل الصفحة بدءا من الهامش وانتهاء الحب. صمت .يف هدو ٍء كالحب»« :يف ٍ شاحب -يبلغان ّ ٍ ّ بالهامش املقابل للصفحة حيث تنبني القصيدة ،هنا ،من الزمن ّ بشغف ّ كتف .يصالن بربو ٍد. حط ْت عىل ٍ ٍ أقل .بيد ِ الجملة فالفقرة ثم الفقرات التالية ..وهكذا. الحب -يؤذيان أحدهام اآلخر». إىل ّ يف الوقت نفسه يعيد «الشاعر» كتابة ذاته من خالل ويف «قصائد برتغالية» يتوقف املرء مطوال عند قصيدة 90
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
أذى كالحب ً
«كازّا دي ماتيوس» .هل هي شعر حقّا؟ أتنتمي إىل قصيدة النرث؟ أم أنها خليط من جنسني آخرين :السرية الذاتية واليوميات؟ أم هي اقتطاع من رواية مكتوبة بنرث حميم ومشهديات رسدية محضة قامئة عىل التذكّر، وتذكِّر بعض اليشء باقتطاعة من روايات الغرائبية السحرية الالتنينية؟. وما يجعل اإلجابة عن أي من هذه األسئلة فعال خ َِطرا بالفعل هو أنها تتأثر بالتأكيد بإرث قرايئ شخيص لدى قارئها ،إرث بات اآلن مزيجا من قراءات شعرية مرتجمة أو غري مرتجمة من ثقافات العامل .لكن مع ذلك ميكن البحث يف اإلجابة عن السؤال الثاين من بني ما هو مطروح يف الفقرة السابقة ،حيث من املمكن القول أنها قصيدة مكتوبة بالنرث وتتفق مع ذائقة قراءة هذا النوع الشعري يف مراحله املتطورة والراهنة ،لكنها قد تكون عىل النقيض من ذلك بالنسبة لقارئ عريب حتى لو كان متعاطفا مع قصيدة النرث. مثة اتجاه يف قصيدة النرث -ال يقترص حضوره عىل الثقافة الغربية وحدها بل حتى يف ثقافات مجاورة مثل الثقافة الهندية – جعل من حضور اليوميات والرسديات بل وحتى املقالة والتي تكون أحيانا ناشفة متاما من أي تشبيه أو استعارة ،جعلها جميعا «رضورة شعرية» لقصيدة النرث ،وهذه التجربة القصيدة «كازّا دي ماتيوس» تنتمي إىل هذا النوع من الجدل الشعري الراهن غري املوجود حتى اآلن يف الثقافة العربية إال متناثرا يف قصائد هنا أو هناك. إنها القصيدة األكرث إثارة للجدل يف «أذى كالحب» ،أو أنها عىل األقل من املمكن أن تكون كذلك لو توفرت اإلرادة الثقافية العربية الحقيقية إلثارة جدل حول قصيدة النرث عربيا دون مواقف مسبقة أكانت إيديولوجية أم ال وتستطيع وبذهن صاف قادر عىل التمييز بني القصيدة التي ت ُكتب خارج الوزن وبأشطر شعرية والقصيدة التي ت ُكتب حقا بالنرث والتي متثّل بحثا جامليا مختلفا متاما
عن القصيدة املوزونة بفرعيها العمودي والتفعيلة والقصيدة التي ت ُكتب مبنأى عن النرث وتنشغل بالشعر أكرث مام تنشغل بالصورة الشعرية. عىل أية حال ،فإذا كانت «يوميات إيطالية» هي استعادة من نوع ما ل»جهة الحب» من حيث مناخاتها وأجوائها ،فإن الباب األخري من الديوان هو األقرب إىل القلب، رمبا ألنها تجعل الشخص السارد يف القصيدة والقارئ يعيشان التجربة ذاتها يف أفق التلقي. يف «يوميات إيطالية ندرة من التشبيهات واالستعارات، تلك التي تجعل القول شعريا« :نتبادل القبالت كام يُتبادَلُ األرسى» ،لكن هناك بناء ملشهدية شعرية متكاملة ،مبعنى أن وحدة البناء األساسية ليس يف الصورة الشعرية بل يف انثياالت جمل تتاىل وفقا ملنطق رسدي خاص بها بل يخص كل قصيدة عىل حدا .لنتأمل هذه االقتطاعة من قصيدة «رخام – هنا يتكلم الحجر» املهداة إىل النحاتة األردنية منى السعودي:
«رخامها ساخن .ميلؤها ضوء الظهرية بالحياة.ظاللها مثلة وتعربها عتمة غزيرة الخمرة .قد غمرتها ذبذبات الشغف فمدت رخام يديها َ إليك». أما يف «جهة ّ الظل» فإن منطق قراءة املايض الشخيص هو املثري لالهتامم بحقّ « :مل نقتسم شيئا غري خوفنا ايل تبادلناه من بعيدَ / . الكلامت التي ف ّكرنا أن نقولها تلك ِ ُ انتعطفت – ومل نقلها / .إحساس بندم صغري .منذئ ٍذ رصت أعرث عىل معنى لصمتي / .أسمع ما يقوله القمر للمياه يف قيعان اآلبار».
أخريا ،فإنه لو أتيح لكاتب هذه السطور أن يعيد تسمية الكتاب القتطع هذه العبارة من قصيدة «العائلة» من باب تطل عىل «جهة الظل» لتكون عنوانا للكتاب« :كأنها رشفة ّ كالحب» رغم جامليته األبدية» بدال من «أذى ّ
issue (6)- November - 2012
91
عالمات
«عواء» ألن غينسبرغ ايقونة جيل
عام 1955كتب الشاعر األميركي آلن غينسبرغ قصيدته الشهيرة "عواء" .تلك القصيدة ،كانت كافية
ً رأسا على عقب في أميركا لتكريس صاحبها وقلب المشهد الشعري والنقدي
محمد الحجيري
أدهشت
قصيدة «عواء» بلغتها الساخطة الصادقة الوسط الثقايف ورمبا السيايس ،وانقسم حولها النقاد ،بعضهم اعتربها «خطبة تقريع مسهبة تك ّن العداء لكل من ال يُشارك الشاعر أصوله اإلجتامعية والجنسية» ،وآخرون أقروا بأنها «استطاعت قلب معايري الشعر األمرييك التقليدي يف الخمسينات» .عبرّ غينسربغ يف قصيدته عن مخاوفه وقلقه وهواجسه من الحرب والتلوث البيئي والقمع ، كان الناطق باسم جيل كامل وأصبح قائدا ً بارزا ً يف حركة «البيتنكس»( ترجمت إىل العربية «الجيل املنهك»، «جيل الرصخة»« ،الجيل الهاميش» إلخ) الشعرية وذلك لقوة قصيدته الساخرة وصوتها ،التي جاءت لتعبرّ متاماً عن املنطق الثوري لهذه الحركة ،وعن نزعتها الرومانسية والراديكالية ضد الحرب ،ومن شاعر ساهم يف تنظيم العديد من التظاهرات امل ُناهضة للحرب الفيتنامية ،ويف الرتويج السرتاتيجية أسامها «نفوذ الزهرة» ،حيث يسعى املتظاهرون من خاللها إىل تعزيز قيم السالم واملحبة والتسامح. «عواء» (ترجمت اىل العربية بطرق مختلفة تراوحت بني «عواء» و«عويل» و«رصخة») وصدرت يف ديوان مع قصائد أخرى عام ،1956وظهرت أكرث من خمسني
92
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
قراءة نقدية يف أكرث من خمسني كتاباً عىل مدى أكرث من نصف قرن .وال تزال القصيدة تستهوي كثريا ً من الشعراء العامليني ،وتحظى برتجامت من هنا وهناك .يف العامل العريب ،هناك أكرث من ترجمة لهذه القصيدة ،من بينها ترجمة مجتزأة للشاعرة اللبنانية أمال نوار نرشت عىل بعض مواقع اإلنرتنت ،وترجمة ألحمد عمر شاهني صدرت عن دار سندباد ،وأخرى للشاعر العراقي الراحل رسكون بولص نرشت يف مجلة «الكرمل» عام 1992 وتستعد «دار الجمل» إلصدارها يف كتاب مع قصائد أخرى .وكان املخرجان روب إبشتني وجيفري فردمان صورا فيلامً عن حكاية «عواء» ،يعترب احتفاء باللغة اىل جانب توثيق حياة الشاعر وقصيدته امللحمية .ويتبدى هذا االحتفاء غري املعهود من هوليوود مبوضوع مثل اللغة والشعر ،يف حوار املدعي العام واستاذ جامعي. إذ يطلب االدعاء العام بكل علياء القانون وسطوته أن يرشح االستاذ مقطعاً من قصيدة .فيجيبه اإلستاذ الجامعي بأدب« :سيدي ،الشعر ال ميكن ان يُرتجم وجسد املمثل اىل نرث .وهذا هو السبب يف كونه شعرا ً»ّ ، األمرييك جيمس فرانكو دور غينسربغ.
قنبلة زمنية
قصيدة «عواء» كأنها أيقونة غينسربغ الذي اشتهر بالقصائد أكرث من الدواوين ،أو هو من الشعراء الذين
ألن غينسبرغ
ارتبطت شهرتهم بإسم قصيدة بعينها، ال بإسم هذا الديوان الشعري أو ذاك. «عواء» أوالً و«قاديش» (االسم كناية عن الصالة اليهودية التي تقام عىل روح املوىت) ثانياً و»أمريكا» ثالثاً ،قصائد من بني مجموعة أعامل غينسربغ الكاملة ،متحورت حولهم معظم الدراسات النقدية التي تناولت تجربته الشعرية وحياته .عىل أن األولوية يف اإلهتامم ظلّت من نصيب «عواء» لـ»كونها الحجر األساس يف تجربة شعرية شاهقة» بحسب الشاعرة اللبنانية أمل نوار ،وتضارع قصيدة «األرض اليباب» إلليوت من حيث أه ِّميَّتها ورمزيَّتها. يف إحدى املقابالت الصحفية عبرّ غينسربغ عن شعوره لحظة كتابته القصيدة« :اعتقدت أين لن أكتب قصيدة، بل ما أردت كتابته فحسب ،من دون خوف ،أطلق العنان ملخيلتي ،أفضح رسيّتي .أخربش سطورا ً سحريّة من ذهني الحقيقي أستخلص فيها حيايت ،وأكتب شيئاً لن يكون يف وسعي عرضه عىل أحد ،أكتب ألُذنِ روحي أنا ،ولقليلٍ من اآلذان الذهبية األخرى» .يف مقدمته املنشورة لطبعة كنت مهتامً برتك 1986يكتب« :من خالل نرش «عواء»ُ ، قنبلة عاطفية زمن ّية وراء جييل ،ال تتوقف عن االنفجار يف الوعي األمرييك .»....كان مؤمناً بأهمية ما يكتب ،لذلك أرسل نسخاً من «عواء» إىل اهت ّم برتويج قصيدته ونفسهَ ، كبار أدباء عرصه. «عواء» القصيدة هي صوت الجامعة املضادة للحرب وأنشودة طويلة مهداة إىل «كارل سولومون» الشاعر الدادايئ املغمور الذي التقاه غينسربغ عام 1948إبّان تلقيه العالج يف أحد مراكز الطب النفيس .كان قد م ّر يف ذلك املصح كام كان قد مر به أيضاً الروايئ جاك كريواك صاحب أشهر عمل روايئ وقتها «عىل الطريق» (أو «يف الطريق» بحسب رأي الباحث وضاح رشارة) ،سيقول يل جعلني أقرر أن أكون غينسربغ «إن تأثري كريواك ع ّ كاتباً» ،وكريواك كان الشخص األول الذي بعث إليه نصحه صديقه يف غينسربغ باملسودات األوىل لـ»عواء»َ . إحدى رسائله باالحتفاظ بعفوية الكتابة وتدفقها من دون شطب وتدقيق .مل ميتثل غينسربغ لنصيحة أحد .أما
سولومون وباعرتاف غينسربغ هو مصدر الوحي املبارش لـ»عواء» ،إذ أن أفكاره ومفاهيمه التقدمية حول ما تقتضيه الطبيعة املعارصة للشعر األمرييك ،كان لها وقعها يف نفس غينسربغ ،وال سيام يف خصوص رضورة توسيع آفاق الشعرية األمريكية ،وترويضها عىل التنفس من رئة الواقع مع كل ما يتطلبه ذلك من جرأة وصدق يف التعبري ،وقدرة وقابلية عىل رفض السائد.
رس القصيدة
كان غينسربغ يكتب الشعر من خالل استلهام مصادر عدة ،فهو بعدما تقرب من البوذية والفلسفات الرشقية، الغنوصيّة والهندوسية والصوفية ،إضافة إىل اهتامماته امليتافيزيقية األخرى ،ألقى محارضات عدة يف الجامعات األمريكية حول موضوع الرياضة التأملية وخصوصاً رياضة «الشاماذا» وأهميتها لكونها وسيلة خارقة الستنهاض وعي الذات واستدراجها إىل الكتابة. مل يشأ غينسربغ لـ»عواء» أن تحقق نجاحها كقصيدة عادية ،لذا حشدها مبرجعيات شخصية ال يعرفها إال املقربون منه .وتتناول مواقف مستقاة من تجربة الشاعر وتجارب جامعته من الشعراء والفنانني وأباطرة موسيقى الجاز ،وفيها إشارات إىل عدد من أصدقائه مثل نيل كاسيدي ،وجاك كريواك ،ووليم بوروز .وتو ِّجه القصيدة نقدا ً للصناعية األمريكيّة وهي مفعمة باإلشارات عن أماكن وبارات ومطاعم ومحطات مرتو معروفة ،وتتطلب ترجمتها الكثري من الجهد لرشح الكثري من هذه االشارات التي قد تتطلب عرشات الصفحات ،وهذا ما يشري إليه الشاعر رسكون بولص قائالً« :هي قصيدة مليئة بأسامء األماكن ،وال ميكن لك أن تفهم هذه األشياء ما مل تذهب إىل سان فرانسيسكو بالتحديد فهي مكتوبة هناك «.
أبيات «عواء» األوىل هي األشهر يف الشعر األمرييك «رأيت َ ُ أفضل العقولِ يف جييل وقد دمرها املعارص: ُ َ يجرجرون أنفسهم الجنون ،يتض ّورون عرا َة و ُمه َْسرتين/ عرب شوارع زنجي ٍة يف الفجر باحث َ ني عن إبر ِة مخ ّد ِر ساخطة»(من ترجمة رسكون بولص). issue (6)- November - 2012
93
عالمات
يشري غينسربغ إىل حال اليأس التي خيّمت عىل نفوس الشبان يف أعقاب الحرب ،وال يقول لنا بوضوح يف بداية القسم األول ما الذي دمرهم ،عىل الرغم من إيراده للكثري من التلميحات .معظم األبيات تبدأ بكلمة «الذين» ،يليها الفعل. يف الجزء الثاين يلفت الشاعر إىل دوافع السخط اإلنساين رش واإلحباط العام لدى الشباب ،إذ يشخّص مصادر ال ّ جميعها ،من البريوقراطية السياسية إىل الخضوع لألعراف والتقاليد ،إىل تفشيّ النزعة املادية يف الفكر وسيطرة التكنولوجيا الحديثة وغريها. يف الجزء الثالث واألخري يحتفي الشاعر بانتصاره عىل «مولوخ» وتحرره من سيطرته عىل هويته العاطفية والجنسية ،ويتصدى لكارل سولومون ،الصديق الحميم لغينسربغ والذي كان نزيالً يف معهد الطب النفيس .ويشري الشاعر إىل هذا املستشفى الخاص باألمراض النفسية بإسم «روكالند» .وهو يعبرّ عن تضامنة مع صديقة برتديد عبارة «أنا معك يف روكالند» أكرث من مرة.
94
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
واستفاد غينسربغ يف هذا الجزء من تأثره بالفن التشكييل، خصوصاً عند الرسام الفرنيس بول سيزان ،فالفجوات بني معاين الكلامت املوضوعة جنباً إىل جنب ،مرتوكة ليكملها القارئ من عنده ،وهي تشبه الفراغ يف اللوحة بني شكل وآخر ،أو بني لون وآخر. تع ّرض ديوان «عواء» للمصادرة عام 1957عىل يد رشطة سان فرنسيسكو ،فضالً عن أنها أدّت إىل محاكمة الشاعر لورنس فريلنغيتي عىل نرش القصيدة ،بتهمة ترويج البذاءة واملجون ،إال أن القايض حكم برباءة الشاعر الذي كان ميلك مكتبة ،وأُحيل غينسربغ نفسه إىل املحاكمة بسبب تلك املجموعة اعرتاضاً عىل ما تضمنته من آراء رصيحة حول قضايا مل َّحة عدة ،وكان لوقوف الجامعات املدافعة عن حرية التعبري إىل جانبه األثر الكبري يف براءته يف املحكمة التي قالت «إن تلك املجموعة الشعرية تناقش قضية اجتامعية مل َّحة ومهمة» ،األمر الذي أدّى إىل السامح بتوزيع «عواء وقصائد أخرى» بعد صدور الحكم القضايئ الخاص بنقض الدعوى القضائية. وال ب َّد من اإلشارة اىل أن كاتب مقدمة هذه املجموعة الشعرية هو وليم كارلوس وليمز ،ومام جاء فيها: «مل أتوقع أبدا ً أن يصبح ألن غينسربغ ناضجاً ويكتب مجموعة شعرية ،لقد أذهلتني قدرته عيل االستمرار والسفر ومتابعة الكتابة ،وكان مدهشاً حتى بالنسبة ا َّيل استمراره يف تطوير فنه وإيصاله اىل الذروة ،واآلن بعد 15 أو 20عاماً ها هو غينسربغ ينبثق بقصيدة مدهشة… لقد عرب الجحيم… هذا مؤكد» ،وأضاف« :عندما كان فتى وكنت أكرث شباباً ،عرفت ألن غينسربغ شاباً يسكن يف باترسون يف نيوجريس حيث ُولد وكرب وكان ابناً لشاعر ذائع الصيت .كان جسدياً ذا بنية نحيلة وكان فكرياً قلقاً بالحياة التي كان يواجهها». بعض النقاد األمريكيني أطلقوا عىل «عواء» مسمى «القصيدة املعجزة» ألنها كانت أشبه ما تكون بحجر الزاوية يف تجربة غينسربغ الشعرية ،ووصفها الناقد بيل مورغان يف كتابه «أنا أحتفي بنفيس» بأنها «القصيدة التي صنعت األسطورة فدخلت ذاكرة األدب الشعبي لحظة والدتها»
ذاكرة الشعر
التيجاني يوسف بشير
الصوفي ً المعذب
التيجاني يوسف بشير شاعر شغل السودان على مدار السنين وجعل ديوانه الوحيد الذي أصدره مثارا للدراسات والقراءة ،ورغم سنين عمره القصيرة فقد استطاع أن ينتج ديوانا ضم قصائد مختارة جمعها وحده ،واختار له اسم «إشراقة» ،فخلدت به وخلد بها
أحمد
من دون أن تبدو عليه أي دالئل لنبوغ أو متيز ،وبعدها التيجاين بن يوسف بن بشري بن اإلمام جزري الكتيايب ،الشاعر السوداىن املعروف انضم التيجاين إىل املعهد العلمي بأم درمان ،الذي يد ّرس الفقه والبالغة وعلوم التوحيد واألدب ،وال يقدم ولد يف بيئه ذات فضل وثقافة دينية محافظة ،وكان مولده يف أم درمان عام 1912م .وانعكست هذه الثقافة العلوم الحديثة مثل الجغرافيا والتاريخ وغريها املتوفرة يف املدارس االبتدائية األخرى التي يدخلها أبناء األرس عىل شعره الصويف. أُ ِ دخل التيجاين الخلوة كبقية أقرانه لحفظ القرآن الكريم الغنية ،وألن املعهد العلمي يقدم خدماته مجاناً ،التحق به التيجاين ملواصلة تعليمه ،ومل يكن غريباً أبدا ً أن يكون والحديث الرشيف ،وليتعلم القراءة والكتابة بأم درمان، نبوغ التيجاين وجل اهتاممه منحرصا بحقل اآلداب دون ولعل ابن يوسف صور الكثري عن الخلوة التي كان العلوم األخرى. يرتادها وصور معها اختالجات نفسه من خالل قصيدة أحب التيجاين املعهد العلمي بسبب اإلهتامم الذي «الخلوة» التي وصف فيها تفاصيل حياة الصبي الذي وجده من أساتذته وعىل رأسهم أبو بكر محمد عيل ينهض متكاسالً ليقطع عليه أيام لهوه ولعبه ويكون تحت رحمة الدروس والحفظ واملسؤولية والشيخ الذي ال عليم وغريه من املعلمني ،وكلهم تركوا بصامت واضحة عىل شخصيته ،وشجعوا كتاباته ووضعوه عىل بداية يرحم .،ويصف التيجاين هذه اللحظات بقوله : هب من نومه يدغدغ عينيه مشيـــحاً بوجهه يف الصباح الطريق. ومىش بارماً يدفع رجلــــــــــــيه ويبيك بقلبه امللــــتاح كان التيجاين مولعاً بالشاعر أحمد شوقي وله رأي واضح ضمخت ثوبه الدواة وروت رأسه من عبـــــريها الفياح يف كتابات حافظ إبراهيم ،ولعل أحد آرائه يف هذا الشأن هو الذي عجل بفصله من املعهد العلمي ،ألنه ذكر يف ومرت مرحلة الصبا بكل بؤسها وصخبها عىل الشاعر issue (6)- November - 2012
95
ذاكرة الشعر
إحدى املناقشات مع زمالئه يف املقارنة بني شوقي وحافظ :الحالة بعد أن أصيب بداء الصدر يف آخر أيام عمره وفرض عليه عزلة إضافية . « إن الفرق بني شعر شوقي والبقية مثل املقارنة بني القرآن وأي كتاب برشي» ،فتم تحوير حديثه هذا بقولهم إذن فإن املرتكز األسايس الذي قاد التيجاين إىل أربع مراحل عقدية يف حياته كام ذكر الناقد عبد الله الشيخ إن التيجاين ذكر أن كتابات شوقي أفضل من القرآن الكريم ،وكان هذا سبب طرده من املعهد العلمي والذي البشري،الذي قال إن التيجاين مر بأربعة أطوار هي :مرحلة اإلميان التقليدي الهادئ ،ومرحلة تزعزع اإلميان نتيجة كان رضبة قاصمة له ولطموحه. وهو ما دفعه ليكتب قصيدته «املعهد العلمي» فيام بعد اطالعه عىل كتب الفالسفة والتي استدل عليها بقصائد «قلب الفيلسوف» و»أنبياء الحقيقة» ،ومرحلة الشك والتي سكب فيها كل وجعه عىل ما حدث حني قال: املجتاح من خالل قصائده «ودعت أميس ،يؤملني شيك، َ َ ف���ي���ك ِم���ن أَس��ب��اب��ه ف��ي��ك َو ال��س��ح��ر الصبي العابد وحرية» ،ومن ثم مرحلة اإلميان الكامل َدع�����ة امل�����دل بِ��� َع���ب���ق���ري شَ ��ب��اب��ه و»الله». من خالل قصيدة «الصويف املعذب» ي��ا َم��ع��ه��دي َو َم���ح���ط َع��ه��د ِص��ب��اي وكان التيجاين يحمل فقره مسؤولية الحال التي وصل ِم���ن دار تَ���ط��� ُرق َع���ن شَ ��ب��اب نابه إليها ويؤكد أنه السبب الرئيس لبؤسه وتعاسته ،وقد ذكر َ َ���ي���ك يف أَق����داره ق��س��م ال��بَ��ق��اء إِل ذلك يف أكرث من موضع يف ديوانه ،حيث قال يف قصيدة َم���ن ش���ا َد َم��ج��دك يف قَ��دي��م كِتابه «ثورة»: َوأَ َ ف��ي��ك ِم���ن ال�� َه��دى آي��ات��ه ف������اض َ حسب قلبي من األســــــى ما أالقـــي َو ِم���ن ال�� َه��وى َوال��س��ح��ر م��لء نِصابه م�����لء ج��ن��ب��ي م����ن ك��ل��ال وأي����ن ثم مييض ليصور الحادثة : وب���ح���س���ب���ي م����ن ح����اج����ة ع���وز فَ��أَع��ي��ذ ناشئة ال��تُ��ق��ى أَن يرجفوا يدفــــع نفســـي إىل فـــــراق وبيـــن بِ��فَ��ت��ى يمَ����ت إِلَ����ي���� ِه يف اح��س��اب��ه رغم بؤسه م ّجد التيجاين الفقر يف كثري من قصائده، م��ا زِل��ت أَك�َب�رَ يف ال��شَ ��ب��اب َوأَغ��تَ��دي إال أن ذلك يعترب حالة من التالطم والتاموج والتقلبات ��ي�ن ب��خ َوي����ا َم��رح��ى بِ�� ِه َوأَروح بَ َ التي عاشها ليتعايش مع فقره ورضورة استمرار الحياة، َ��س��ت أَول كَ��وكَ��ب َح��تّ��ى َرم��ي��ت َول ُ ولعل بعض األمثلة عىل هذا قوله يف قصيدة «قلب من نَ��ف��ث ال�� َزم��ان َع��لَ��ي�� ِه فَ��ض��ل ِشهابه ذهب»:
الفقر والعزلة
يف الوقت الذي يرى فيه الكثري من النقاد أن التيجاين يوسف بشري استطاع أن يتعايش مع فقره ،ويفلسفه تارة ويسخط عليه تارة أخرى ،إال أننا نجد أن الفقر من العوامل األساسية التي أثرت تأثريا ً مبارشا ً عىل نظرة التيجاين للحياة ،ومن ثم التأرجح بني الشك واليقني يف كثري من الحاالت ،هو يف األصل ينطلق من حالة الفقر املدقع التي كان يعيشها والحاجة التي حرمته من تحقيق طموحاته ومواصلة مشواره. ولعل الفقر يفرس الكثري من الضيق والعزلة التي كان يعيشها التيجاين ،وهي التي جعلت صدره ضيقاً ،وازدادت 96
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
أينا لو عدلت يكتنز العامل يف صدره ويف تفكيــــــره؟ أينا يزحم الوجود جناحيه ومتيش الحياة بني ضمريه؟
ويف قصيدة «هوى وفقر»: ويل يف ك��ن��وز ال���روح س��ل��وى وغنية ب��ح��س��ب��ي ال خ��ل��ف ل��دي��ه��ا والم��ط��ل وح��س��ب��ي ال أث���ري���ت م��ن��ه��ا وإن��ن��ي ل��ي�صرف ن��ف�سي ع��ن ن��ض��ارك��م شـغل وانطالقا من هنا ميكننا القول بأن التيجاين عاش حياة مليئة بالتناقضات ،ولعب الفقر فيها دورا ً كبريا ً فهو الذي قاده لإلجتهاد ليتغلب عىل رصفائه ويثبت أفضليته ونبوغه ليتغلب عىل حاجز الفقر داخله ،وعمل ليالً
التيجاني يوسف بشير
أضاف التيجاني ولعل ذلك يعيدنا إىل املحور األسايس يف حياته، أي الفقر الذي جعل الحب بالنسبة إليه ترفا، إلى التراث إذا ما استصحبنا معنا أنفة الشاعر وترفعه عن األدبى السودانى أن ينزلق بنفسه يف مهاوي املقارنة بني وضعني والعربى ديوانا اجتامعيني ،فنمو الحب يف البيئات الفقرية يكون دامئاً مشوباً بالتوجس والدونية خصوصاً إذا كانت رائعا أسماه املحبوبة من طبقة غري التي ينتمي إليها أي «إشراقة» تسمت انسان ،ويف قصيدة «هوى وفقر» يوضح الشاعر به الكثير من بنات نظرته الخاصة لهذا العامل: السودان في حينه َو َحسبي ال أَث َريت ِمنها َوإِنَّني لِ َيرصف نَفيس َعن نضاركم شُ غل َو َه���ل ك��ا َن م��ا أَس��م��و نَ��ض��ارا ً َوفُضة ونهارا ً ليوفر أساسيات معيشته ويبذل جهدا ً أكرب لتثقيف َوم���ا ك���اث َ���روا ال�� ُدن��ي��ا بِ��� ِه َو ُه����م قل نفسه مبا هو متاح من كتب ،ووقف الفقر عائقاً يف طريق َوم��ا َوه��م��وا في ِه ال�� َزم��ان َولَ���م يَ�� َزل تحقيق أمنيته بالذهاب إىل مرص التي ظلت حلام يراوده حتى نهاية عمره ،ولعلنا إذا نظرنا إىل أشعار التيجاين فإن يُ��ق��دس ِم��ن َرح�مان��ه العلم َوال َجهل أكرب رصخة سنجدها يف حرمانه من الوصول إىل هناك. ِس���وى ال�ت�رب َواط��أن��ا ِس��وان��ا فصكه َدن��ان�ير لَ��م يَ��أخُ��ذ بِ��ن��ارصه��ا ال�� َع��دل إشارات الحب ضَ لَلنا َوس��ايَ��رن��ا ِخ��داع��اً َوبَ��ه�� َرج��ا مل يثبت أبدا ً أن التيجاين تعلق بفتاة بعينها وذلك من َونَكب َع��ن نَهــج ال َحقيقة ِم��ن ضلوا عن خالل قصائده التي مل يكن فيها إال إشارات متباعدة أصابه مرض عضال ،فرزح الشاعر تحت وطأة اآلالم وصف حبيبة تارة من القبط الذين يسكنون حي املساملة النفسيه والجسدية والروحية التي ظهرت يف شكل يشء املجاور لحيهم وتارة سودانية وتارة يهودية ،فالتيجاين من الوسواس القهرى يف قصيدته (يؤملنى شكيّ ) ثم يصف شاعر مرهف الحس وبالتأكيد يبقى عاشقاً للجامل أينام حالته املرضيه يف آخر قصيدة كتبها وهو يصارع املوت كان ،وقد ابتعد كثريا ً عن التوصيف الجسدي لألنثى إىل صديقه محمود أنيس بعنوان «فأحتفظها للذكرى» إذ اإلسمية وسام به بعيدا عن الحسيات ،وتجنب اإلشارات تويف عام 1937م عن عمر مل يتجاوز 25عاماً فقط. إىل أنثى أو فتاة بعينها وآثر التعميم والتعمق يف وصف فقد مات شاباً وكتب شعره الرائع هذا وهو صغري مقارنة دالالت الجامل والسري مبحاذات فلسفته له .كام أرسه باملبدعني الذين خاضوا التجارب عرشات السنني.ويؤكد ُحسن «النصارى» الذين كانوا يقطنون حي املساملة أو الشاعر العراقي فالح الحجية يف كتابه شعراء النهضة من خالل عمله يف رشكة «سينجر» التي كانت ترتادها العربية« :التيجاىن يوسف بشري ميتاز بروعة شعره وقوته خالل مختلف الجنسيات ،وظهر ذلك جلياً يف شعره من ومتانته وجزالته ،فإنه برغم قرص سنني عمره التي مل عدد من األبيات املتفرقة التي م ّجد من خاللها حسن تتجاوز الخمس والعرشين سنة أضاف إىل الرتاث األدىب املسيحيات وجاملهن. السوداىن والعرىب ديوانا رائعا أسامه «إرشاقة» تسمت ولقد تعلم الكنائس كم أنف مدل بها وخــــــــد مورد الكثري من بنات السودان يف حينه ،يضم قصائد روعة يف ولقد تعلم الكنائس كم جفن منىض وكم جامل منضد اإلنشاد والبالغة والخيال» بعينها كان التيجاين محباً للجامل ومل يثبت تعلقه بفتاة اعداد الفاضل ابو عاقلة issue (6)- November - 2012
97
تحقيق
الفنان يارس أبو الحرم
لحظة كتابة الشعر
بين اإللهام و اإليهام
تبدو لحظة الخلق الشعري أو ما يحفز لقطتنا الشعرية لالعالن عن نفسها بحرية سهلة عندما نتحدث عنها ،ولكنها في ذات الوقت صعبة أو قد تكون عصية على البوح ،فنعيش أسرى لفلكها فترة من الزمن .قديما فسر الشعراء الشعر بااللهام ،ماذا يقول شعراء اليوم في االجابة على السؤال االشكالي :ما الذي يفجر لقطتك الشعرية؟
تحقيق :خلود الفالح 98
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
لحظة الكتابة
باسم فرات (العراق)
ابتسامة بوذا وحكايا وأيقونات إحدى مميزات الشعر أنه عيص عىل التعريف وبهذا تكون أية محاولة لتعريف وتوضيح السبب يف تفجر اللحظة الشعرية ال يخلو من مغامرة هي أقرب للفشل ،حيث لكل قصيدة ظروف كتابتها وتجربتها وبهذا تختلف أسباب تفجر اللحظة الشعرية من قصيدة إىل أخرى .ورغم مرور أكرث من ثلث قرن عىل محاواليت لكتابة قصيدة (بدأت املحاوالت وأنا يف اإلبتدائية ومازلت أحاول أمالً يف كتابتها) فمرة مشهد ما يفجر هذه اللحظة
وال أستطيع فكاكًا منه حتى أد ّونه يف ذات املكان كام حدث يل يف مدرسة تشاو فوين يات يف كمبوديا ،بينام رؤيتي للساموراي يف قلعة هريوشيام ألول مرة وكانت قصيدة الساموراي تنازعني فلم أنم مام اضطرين لرتك الرسير وتدوينها وذات الحال متا ًما ينطبق عىل قصيديت الرباق يصل إىل هريوشيام ،ولكن بعض القصائد تأيت نتيجة معايشة تامة للحدث أو املكان كام يف متحف السالم يف هريوشيام وبينام يبتسم بوذا وأرضحة تتناسل حكايا وأيقونات ،يف أحيان أخرى تفجر لحظتها عىل مراحل حتى أجد صعوبة يف امتامها بجلسة واحدة أو جلستني وكأن كل مقطع يأىب أن يُكتب مع آخر ،ويصبح عندئذ كل مقطع ابن لحظته الشعرية املتفجرة.تبقى تجارب السفر واالحتكاك بثقافات متعددة ومتنوعة مفج ًرا رئيسيًا للحظة الشعرية يف تجربتي.
مها بكر (سوريا)
ضوء صغير يبدد عتمة كبيرة
لحظة الكتابة لدي ال تحتاج إىل طقوس وتعريفات هي بسيطة وواضحة كالحب أيضاً, ال ت ُنتج بل تبدو وكأنها هب ًة متنحها يل طاقة غري مرشوطة، تأيت وقد أكون أستمع إىل أغنية ٍ ما ،أو وأنا أسقي أشجار الحديقة أو أحضرّ الطعام ألوالدي ،ال أستطيع أن أفصح عنها كام ينبغي يل ،إنني أتذكّرها متاماً وأنىس عندما أريد تدوينها ،تشبه املفاجأة يل أن أكون مستع ّدة لها دامئاً وكص ّياد ألتقط ُكل ما وع َّ يُح ّرضني عىل الكتابة ابتدا ًء من آالمي العظيمة ومخزوين الثقايف املتواضع ومعرفتي بالحياة حتى أبسط التفاصيل, أستخرج الشعر من حركة الناس وعالقتهم يب من الطبيعة ُ واملطبخ الرشير ،من بيوت الجريان وقوانني الحيوانات األليفة ،من الحروب ،الفقر والحب .ت ُسميني ابنتي إيفار
بالفأرة الساحرة التي ت ُنقّب عن الشعر حتى بني أكياس الطحني .ثم أدفع بكل ذلك إىل مخربي الروحي ألشحنها يب و بها ،وهي تتخلّق أي القصيدة من برهة ٍمرك ّبة :تلقائية بذلت يف البوح مفتعلة وهي تستحرض أدواتها بقدر ما ُ من جهد من أجل ِأن تكون هذه الذات الشعرية محققّة التي أعمل عىل إحيائها دامئاً وأج ّنبها قدر املستطاع من الضمور .فالشعر مع مرور الوقت والتجربة يصبح عضوا ً من جسد الكاتب أو الكاتبة ،ويوجب اإلعتناء به كام يُعتنى بالقلب والكبد لتكون روحه حارضة وهي تنسج هذا العامل املح ّرض بإبرة اللغة والخيال وهو يح ّول أي تفصيل مهام كان مقداره إىل طاقة فنية ,جاملية وروحية مبهرة كضوء ٍصغري يُب ّد ُد عتم ًة كبرية.
issue (6)- November - 2012
99
تحقيق
نرص الدين عيل (ليبيا)
100
محمد الفوز (السعودية)
فتح أبواب ونوافذ القصيدة
حنين األشياء في القصيدة
يف حقيقة االمر ...أن اللحظة األوىل أو كام ساسميها يف اعتقادي هي لحظة االنبهار األول بالفكرة،اقصد انبهار الشاعر ذاته مبا ورد اليه من فكرة ،فمن الرضوري جدا ان يكون الشاعر متفاجئا بفكرته مثله مثل القارئ متاما، ولكن يصعب جدا ان يحدد الشاعر حقيقة ماهو الدافع ألن يخط الكلمة األوىل لينهمك يف قصيدته ..ثم ان عامل القصيدة ذاتها اليقترص عىل باب واحد ليفتح ،اعتقد انه باب ،يجب ان تفتح بعده كل النوافذ املحيطة بك، وليك يقرتب الشاعر من لحظة االندفاع األوىل أن صح األمر ،يجب عليه ان مير يف مراحل عديدة أولها التهيئة أو االستعداد لكتابة قصيدة ما ،هذا طبعا لدى الكثري من الشعراء؛ هذا االستعداد الفطري والنفيس لدى الشاعر سيولد لديه مجرى أو لنقل هوة ً يصعب النظر إىل ماتحتويه مختلطة مبشهدية هائلة من الذكريات االنفعالية أو ما يعرف بـاللحظات الجزئية أو املشاهد الساكنة الخاملة التي تتواجد يف لحظة ما لتقع يف منحنى شعوري ،لدي خيال كاتب ما ..وأقول (كاتب ما) مع هذا التقدم املذهل للقصيدة وبنائها ،ان هناك كاتبا يكتب شعرا وهناك شاعر يكتب شعرا ..والفرق واضح ،وهذا ال يعني ان قصيدة معينة ،لكاتب معني التعني شيئا... عىل العكس متاما اآلن أصبحت القصيدة أمرا ملحا جدا قد تكتب عن طريق كاتب وليس شاعر ...ويف الواقع ان االنقضاض عىل سبب ما يجعلك تكتب أو ما يجعلك يف إطار ملا تكتب أو ما ذاك الشعور الذي يجب ان تتفاعل معه يف لحظة لتكتب ،هو يشء يكاد يكون ليس يف املتناول ،واستطيع ان اقول لك ِ ان دافعي الوحيد وما الذي يجعلني اكتب نصا ما؟..هو احساس (كم أود أن اكتب) ..أو مبعنى آخر مايجعلني اكتب هو حاجتي امللحة لكتابة نص.
مثة دهش ٌة مضمر ٌة يف حنني األشياء ،كلام أدرتُ َ فلك الشوقِ تهفو عيني إىل أبعد من ورا ِء الحقيقة ،فالبُ ّد من ٍ ِ الوقت ،وحني تتهادى خطوات ارتباك طويلٍ عىل حافة القصيدة عىل درج ِ ٍ بصمت الفقد نكو ُن منسيني/ونلوذ عاري ،وال يُغلِ ُق أزرا َر اللهف ِة سوى شع ٍر مائلٍ عىل جدار البوح ،كلام أكتب/أجد ذايت دافئة ،وكلام أرته ُن للعزلة ألتقي بالبياض امل ُشع بكريستالة الروح ،ال املسافات وال ال ُح ُجب متنعنا الوصول إىل من ُحب ،والشعر ذلك الباب العظيم ن ّ أنامل خادرة بشهوة الكالم، تفتحه ٌ برباء ٍة متناهيةُ ، أدرك حساسية الكونِ عىل هوامش الكتابة، فأسمو ...أسمو بأجنح ٍة من ورق.
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
محمد خرض (السعودية)
شيء يشبه التفاعل مع كل معطيات الحياة الحقيقة أنها لحظة ظلت عصية عىل فهمي لكني أعتقد عموما أنني أختزل من قراءايت ومشاهدايت يف الحياة ،وما مير يب ما يفجر هذه اللقطة ويصنعها ،العالقة بني كل هذا وعالقتنا مع اللغة ومداها ،مل أكتب سابقا تحت وقع لقطة محددة أو أثر مبارش أو موقف ،لكن مايحدث يشء يشبه التفاعل مع املعطيات كلها إنه يشء يشبه تبادل الخربات أو الحصاد ،وبالتايل تتمخض هذه التفاعالت كلها وقت الكتابة وتكون اللقطة أو الصورة الشعرية ...من جهة أخرى أين نجد هذه اللقطة؟ إنها يف كل مكان لكن الشاعر مع رصيده وقدرته عىل استخدام اللغة ضمن رؤاه هو القادر عىل التقاطها كام يجب.
لحظة الكتابة
ذلك مالحظة أظنها املرجعية الحقيقية لسؤال ..وتتمثل محمود قرين (مرص) ىف االعتقاد ،الذى رمبا يعشش ىف قلوب وعقول الكثري من نحو المزيد من اذدراء الكتابة الشعراء من أن مثة غموضاً البد أن يكتنف العامل الرسى للكتابة ومن ثم تحظى لحظة الخلق الشعري ،مبا تحويه ميثل السؤال مأزقًا فضائحيًّا للشعراء الذين يفتقرون من دوافع ،بيشء ليس قليالً من القدسية واإليهام. إىل القدرة عىل االحتفاظ بطقوسهم اليومية البسيطة. وأظن أننا بشكل أو بآخر ما زلنا نعتقد ىف أن عنرص وأنا مثل كثريين من أقراين ،أزعم أحيانًا أن الشعر يأىت اإللهام يقف خلف ما نكتبه ويعضد سحره األخاذ بالنسبة من الوحدة والتوحد ،ثم أضطر لكتابته ىف حافلة أو ىف لنا عىل األقل ..وخطورة بقاء هذا االعتقاد يعني أننا مازلنا مقهى ،وأحيانًا ما نضطر المتهان بعض األعامل ،التى نؤمن بأن الشعر يوحى به ،وأن الشيطان الذى كان ينفخ أستأذن قارىئ ىف وصفها بالوضاعة ،دون أن أسميها، ىف فم «ذى الزمة» هو نفسه الذى ينفخ ىف أفواهنا حتى ووسط هذه األعامل نكتب أشعا ًرا يبدو هذه اللحظة ..وخطورة استمرار هذا االعتقاد عمرها أطول من أعامرنا ،أو هكذا تتمثل ىف بقاء الشاعر رهن نبوة كاذبة ..ومن أعتقد مدفو ًعا بثقتى ىف الشعر .لذلك ال ثم فإن اعتداده مبا يفعل ،ىف الشعر وخارجه، ميكننى الحديث عن املحفزات الشعرية يأىت عىل خلفية من امتالكه شيئًا من مس أو الطقس الشعري دون خوف من النبوة ..وتنامي هذا االعتقاد خلق لنا شعراء املسؤولية ،أقصد مسؤوليتى األخالقية شبه أميني يعتقدون أن الثقافة واملعرفة من عن احرتام قارئ ال يشغل نفسه برثثرات أدوات تعطيل الفطرة الشعرية املعضدة أمثايل ،ومسوحهم الكهنوتية .أتصور أن كشف بعض هذه الحيوات الرسية الهشة يعنى أننا نستحرض الشيطان الذى بالوحى وفرادة الخلق. يسكن التفاصيل ..وهذا ال يعنى أب ًدا أن مثة أرسارا البد أن وال أظن الشاعر الحديث الذى يؤمن بالبناء االجتامعى ً نخفيها ..فاألمر أهون من ذلك حسبام أتصور .أضيف إىل املتعادل واملتساوى ميكنه أن يؤمن بهذه القناعات،
issue (6)- November - 2012
101
تحقيق
فالسوريالية مثالً ح ّولت الشاعر الذى يعيش عىل جبال الربانس ينتظر شيطانه إىل ساحر فقري مضحك ..بل تحول الشعر إىل الكثري من السخرية باألقانيم وعىل رأسها أقنوم الشاعر نفسه ،وأظن أن التجارب الحضارية الكربى مل تعد ىف حاجة إىل استعادة شعراء الوحي ..فقد كانت التعرية املؤملة التى خلفتها الحروب الكربى آلالم اإلنسان موضع سؤال عميق ظل يضج باألمل والسخرية ..ويبدو أننا نحتاج إىل يشء من هذا الوعي. وقد كان «أبو متام» ،وهو أحد حكامء الشعر العريب، يعتقد دامئًا أن صورة الشاعر منحة «قدرية» ،وهو اعتقاد يشاركه فيه الكثري من الكبار ىف الشعرية العربية ،وال أعلم إذا كان هذا االعتقاد سببًا ىف تواضعه الجم الذى دفعه إىل القول عن أستاذه «البحرتي» عندما ُسئل عنه: «ج ِّيده أفضل من ج ِّيدي ،ورديئى أفضل من رديئه» .بهذا املعنى ميكننا أن نرشع ىف فهم الطقوس الشعرية يف تراثنا اإلنساىن ىف الشعر وغريه ،حيث تتبدى القيمة «الجودة» ىف الكتابة بعيدة عن تصورات الحداثة والقدامة .وتؤكد هذا املعنى فعالية النصوص القدمية وبقاؤها حية حتى اآلن ،ومن يتمثل كتاب «صوت أىب العالء» وأشواق طه حسني لالرتقاء بنرثه ىف قراءة النص إىل مصاف الشعرية يتأكد من ذلك .وبقاء النص ىف التاريخ يعنى أن عنارص
الحادثة ترتبط وثيقًا بامتالك العنارص النسبية للتجويد، فجودة النص هى رس بقائه ،لذلك فإن بورخيس كان يقول «إن كل نص جيد حديث بالرضورة ،حتى لو كان مكتوبًا قبل آالف السنني». من هذه الزاوية يجب أن ننظر إىل حداثتنا وما نزعمه حولها بكثري من التواضع ..فهذا هو ما يدلنا عىل املواقع الصحيحة ألقدامنا ،وأنا بشكل شخيص ،ومن هذا املنظور، ال أتصور أن فهام للمشهد الشعري ميكنه أن يقوم مبعزل عن فهم املايض الذى نطمح للوقوف عىل أطالله ،مايعني ترسيخ املزيد من سوء الفهم. رمبا لهذا السبب تتعاظم العزلة التى وصل إليها الشعر إعالميًا ومجتمعيًا ،ورمبا كان ذلك ترجمة النغالق املسام التي تؤدي إىل سبل التجديد ،لدرجة بات معها الكالم عن النص الجديد يعنى نو ًعا من الهزل ويدفع ملزيد من عدم اإلنصات. وبدت الصورة كام لو كان املجتمع الذى يكتب الشاعر من أجله هو من يقاوم ويرفض بل ويسخر من فكرة التجديد نفسها ..وهو تعبري قاس عن هزمية املرشوع النهضوى وإجهاضه كلية ،بغض النظر عن القيمة التى حاول النص الشعرى ترسيخها.
نعيم عبد مهلهل (العراق)
امللتقطة من لحظتها وأغلبها مصنوعة بالتأمل والتفكري والفائدة من التجربة والذكريات واللحظة الغرامية. يفجر اللحظة الشعرية ولقطتها هاجيس الذي ورثه من عيون أيب من الطفولة من الحياة بوقائع الجمر التي تصنع احالم الحب والخبز والسياسة .فيتشكل وعي املوضوعية وتسقط نجوم التخيل العنوان والشطر االول. وبدون وعي تنثال بقية ما متلك لتسكن تفاصيل الروح ورعشة االصابع!...
قصائد الفيس وعولمته الشعر رؤيا يصنعها الخفي يف الذات الشاعرة .انه صريورة اليشء املميز يف هاجس البرش منذ دمعة آدم عىل موت ولده يف شجاره مع أخيه إىل قصائد الفيس بوك وعوملته. هذا الهاجس ال تصنعه سوى لحظة تسكن الرمض أو نبض يسارع دقات القلب فيأيت الخلق بصورة القصيدة 102
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
شعرية القصة
«ال بحر في بيروت» شعرية مدينة هرب منها البحر ً ً حقيقيا على األقل ،وألن غواية المدينة في بحرها بحرا أعطت بيروت الكتاب ،في زمن كتابة القصة، يستطيع الجميع التواجد على شاطئه لكتابة القصيدة اآلسرة عن البحر.وهنا تكمن مفارقة المدينة التي رأتها غادة السمان بال بحر
رنا زيد
الفنان محمد قدورة
issue (6)- November - 2012
103
شعرية القصة
قد
ِ وجهك امللطّخ باألصباغِ ، تصادف يف مدينة بريوت ،اليوم ،شاعرا ً وحيدا ً لست ُمزيّفة ،لك ّن حزينة ،يا ولست رشيرةِ ، ِ ألنك دمشق األصباغ صارت جلد العامل، وعبثياً ،يجلس مواربةً ،عىل كرسيّه يف املقهى ِ وباريس والصني وكل مكان؛ وألنك من نفوسنا ،ويوم نجد العرصي ،ثم يستدير إليك فجأة ،ليقول« :ال بحر يف ّ جميعاً بحرنا ،يعود ِ إليك بحرك». بريوت» ،الجملة التي تبدو شعرية رصفة ،تحيل إىل مجموعة قصصية ،نرشتها غادة السامن ( ،)1942تحت غالف القصة ،يشبه كثريا ً سوريالية املدينة التي مل تتغيرّ يف نسيجها العمراين التكويني كثريا ً ،يف الوقت الحايل ،إنها عنوان «ال بحر يف بريوت» ،يف العام ،1963وفيها عرش املدينة ذاتها ،لك ْن تتخلل جدران أزقتها الضيّقة ،ثقوب قصص قصرية ،واحدة منها تحمل عنوان املجموعة، املنفي من املدينة ،يف العنوان ،يظهر بطريقة ع ّدة ،والبحر القص العادي ،يك تدخل وفيها تتجاوز السامن هاجس ّ ّ أخرى ،يف غالف املجموعة ،أي لوحة «قيم ذاتية» للفنان يف مناخات شعرية جادة وملتبسة ،حول لغز مدينة البلجييك رينيه مارجريت (رسمها عام ،)1952حيث «بريوت» ،وبحرها املبتور من ذهن بطلة القصة .إن العمل يكاد يكون قصيدة ،تتخلّلها تأتأة ما ،أو وقفات من البحر فيها سامء بديلة من جدران غرفة شخصية ،لكنها زجاجية كام مقاهي بريوت يف القصة ،علب تطل عىل التنفّس الطويل (الحوار ،والتوصيف). البحر ،هي تلخيص لبريوت امل ُعلّقة يف السامء ،واملفتوحة هكذا تنسج السماّ ن صورها عن أسطورة البحر واملدينة عىل البحر ،بريوت املسحورة والساحرة. و»األنا» ،حتى تصل إىل املقطع األخري ،ويكاد يكون هذا رسب إىل من يسري يف هذه املدينة، يل واقعياً ،هناك أمل ما ،يت ّ املقطع قصيد ًة تا ّمة ،وهو عبارة عن املونولوج الداخ ّ األخري للبطلة ،وهي تش ّد العزم ،ماضي ًة يف طريق العودة تفاقمه الثقوب الباقية يف األبنية من زمن الحرب ،أو فجوات القذائف يف الجدران املطلة عىل البحر املكتظ إىل دمشق ،لتعطي حبيبها السابق أمين ،زجاجة عطر، عبّأتها مبياه البحر البريويت ،البحر املقتول ،بعدما دهسته بالعابرين ،والثقوب ذاتها ،ميكنها أن تضيق عىل عابر واحد أمام البحر ،وبريوت قصيدة معاشة. حافلة يف الشارع ،كربهان عىل أنها نجحت يف إيجاد مالذها الفردا ّين أو بحرها ،تقول« :بريوت ،يا حلوة ،يا 104
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ال بحر في بيروت
فالبحر ليس صورة شعرية معجزة ،ال شعرية بريوت ميكنها التحقّق. النص القصيص عىل إن قدرة هذا ّ الروتيني ،يصبح مع القصيص السياق استحضار شعرية «بريوت» كمدينة ّ ّ الصورة املواربة للبحر ملتوياً ،ويتح ّول الهية ودامية وغاوية ،جعلته النص أدبياً ،إىل مكان مزدحم بالجمل يُلخّص وحشة املدينة املستم ّرة، الشعرية الط ّنانة .ومن تصعيد الحالة نزقَها املستمر ،وكر َمها املستمر، الواقعية ،وتضخيمها ،وإدخالها يف مرحلة يف آن واحد ،ملن يعايشها .ت ُركّز من الوهم الخالص ،الوهم الذي يبدو السامن عىل أ َّن غواية املدينة يف أكرث جامالً وإقناعاً من الواقع الرتيب، بحرها ،فتسعى البطلة املتحدثة ومن البحر املشمس ،املتاح للجميع ،تبدأ بأنا الكاتبة ،إىل إقناع أمين برغبتها شعرية «بريوت» كمكان مفتوح عىل السامء والبحر، يف السفر إىل املدينة ،تارك ًة وراءها دمشق ،ومدرسة مكان يُ ّ شك يف أنه مرسوم ،كلوحة وهمية ،بينام تتج ّول الراهبات ،باحث ًة عن الفردوس املفقود لروسو ودانتي، ً الشخصيات يف اللوحة ،متل ّمسة املكان ،ومحاولة التحقّق تقول ألمين ،مستدعي ًة بحرا ً طيوره بيض ،ونظرات تلك من واقعيته. الطيور ،وديعة كالجريان الطيبني ،وقاصدة يف املعنى تجد البطلة نفسها معزولة مقصي ًة عن البحر ،رغم بحرها الذي تسعى إليه« :البحر القديم الذي ليس ديرا ً وصولها إىل املدينة .إن مكانية بريوت ،تخرج كل قسوتها، كبريا ً ،وال امرأة مزيفة.».. فالسور الذي ُوضع عىل طول الشاطئ مينع متاس البحر الصدمة التخ ّيلية الشعرية يف هذا النص ،يف أن صورة مع املدينة ،وكأنه متاس مح ّرم ،يجعل البحر غريباً البحر يشوبها االلتباس ،فحني يجيب أمين البطل بأن: ومنبوذا ً ،وبعيدا ً عن كونه امتدادا ً طبيعياً لألفق ،وامتدادا ً «البحر الذي تتح ّدثني عنه مات منذ زمن بعيد» ،ليثبت حقيقي: غري السامن غادة بحر يصبح ً، ا وإلهي ً، ا لوني لغط وجود البحر أو عدمه ،يجعلها تدخل حال ًة من الوله، ّ «إنه لوحة رمادية مدقوقة يف األفق ،لوحة صلدة ..تتمة فيام يفرتض أنه صورة واقعية ،إذ يطلب منها أن متأل له كهدية العودة زجاج ًة ماء من ذاك البحر ،بحرها املتخ ّيل ألسفلت الشارع ،اهتم الخرباء بجعل لونه أكرث زرقة». إنها تعرتف بطريقة ُمبطّنة بأن املدينة زرقاء بالرضورة، يف بريوت ،يف حال كان موجودا ً. وبالتأكيد ،تأخذنا داللة األزرق إىل املوت ،أو إىل الرساب إ ّن غادة السامن ،تلعب يف هذه القصة لعبة نفسية احرتافية ،فهي تضع سياق األحداث وشخصياتها يف طابع والغياب املاورايئ للبحر ،بريوت كام تقول البطلة عنها: «ج ّنية أسطورية ،تنفث الضباب نحو الجبال ،تتع ّرى من عادي ،فتاة مثقفة ،كالسيكية الشكل ،بجديلة طفولية، ّ تذهب لزيارة أختها يف بريوت ،وتلتقي يف سهرات بريوت غالالتها ،تنبسط مغري ًة مثريةً ،غامضة العري» ،هكذا تلح يف رأس الفاخرة ،األديب (املفرتض) سلامن عزمي ،فتعرث معه تبدو بريوت كام لو أنها يف قصيدة تقليديةّ ، الربي الواصل بني املدينتني، الطريق بعد دمشق، يرتك من ّ التقليدي ،الذي يراقص عىل ما أضاعته مع أمين الشاب ّ ليصل مدينة البحر املفقود ،وتتساءل السماّ ن عىل لسان الفتيات يف جامعة بريوت ،وال يسمح إلخواته اإلناث البطلة ،مستفز ًة مدينة بأكملها« :ت ُرى ،لو هرب البحر مبراقصة أحد .إن سلامن يرتك لها حرية االختيار ،ولذة أي سؤال هذا! إنه االكتشاف وحدها ،إنه يريد للبذرة الطيبة فيها ،أن تنمو ،إىل دمشق ،أكان ميكث فيها طويالً؟»ّ ، بذرة االختالف عن البقية ،فيقنعها ،برضورة أن متأل قارورة بداية لقصيدة طويلة ،فال بد من أ ّن بحرا ً ما ،قد هرب منذ زمن ،من مدينة «دمشق» ،املدينة التي ال ترتك أمام العطر من ماء البحر بنفسها ،لتثبت ألمين أن البحر املتجول فيها ،سوى ملجأ األزقّة للخالص ،أو باألحرى، مل ميت ،وهنا ،يعيد إليها األمل يف أن امل ُتخيّل موجود، issue (6)- November - 2012
105
شعرية القصة
ليس أمام العاشق العابث سوى الهرب إىل علّيتها (جبل التلصص عليه ،إ َّن البحر منقذ قاسيون) ليخفت إيقاع ّ للحب بالرضورة. ّ
قصيدة املدينة
تتصاعد من قصة «ال بحر يف بريوت» مساحات من التوصيف الشعري الالواقعي ،فحجارة املدينة ،التي تشبه جسامً هشّ اً ،قدمياً جدا ً ،مثقوباً ومعطوباً ،أو حديثاً اليوم ُم ّ جدا ً ،بالستيكياً وكرتونياً ،تتح ّول أمام البطلة ،لتتض ّمن فيها قوة سحرية كقوة شخصية «امليدوزا» يف األسطورة اليونانية ،تلك الفتاة التي طارحت اإلله «بوسيدون» الغرام يف حرم معبد اآللهة «أثينا» ،فغضبت عليها وح ّولتها إىل مخلوق بشع ،له أنياب ،وصار شعر امليدوزا، بعدها ،ثعابني متف ّرقة تخرج من رأس ،يتح ّول إىل حجر كل من ينظر إىل عينيه؛ لقد تح ّجرت البطلة يف مكانها ،ال تستطيع مغادرة املدينة البحرية ،وال تستطيع يف الوقت ذاته إيجاد بحرها ،تح ّجرت يف منتصف غنائها لقصيدة املدينة ،وتبني مع هذا التح ّجر شخصيتها سوسيولوجياً وسيكولوجياً ،إنها «بريوت» أعطت األنتلجنسيا الصاعدة، يف زمن كتابة القصة ،بحرا ً حقيقياً عىل األقل ،يستطيع الجميع الوجود عىل شاطئه لكتابة القصيدة اآلرسة عن البحر. وإن كانت السماّ ن استدعت أسطورة «امليدوزا» يف قصتها الشعرية الطابع ،بطريقة جعلت ،فتاة الثعابني ،متتلك
نص يمتلك «ال بحر في بيروت» ٌّ قدرة اكتشاف الواقع ،وتكثيف الشعري ،إنه يرصد معناه ّ ً مدينة منهارة ،من بحر يهجرها في الصباح والمساء
106
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
السطوة ،واألب ّوة األسطورية ،أكرث من األنوثة ،كام يف معناها القديم ،فإن يف بريوت وأبنيتها الحجرية ،اليوم، معنى يقرتب من حضور «امليدوزا» يف الف ّن حني جعلها ً الرسم والنحت ،بعد القرن السادس عرش ،مصدرا ً برصياً للخوف ،وبثّ الرعب يف الناظر إىل هيئتها القاسية عىل األبنية. ال ترتك بطلة القصة بريوت ،حتى تجد نفسها املرسوقة، والقابعة تحت غبار هائل السامكة ،رافقها من املدينة بحاسة الخيول الوحشية، السابقة دمشق« :لن أهربّ ، أش ّم رائحة املاء ،البحر ال بد من أن يكون ،يف مكان ما». الحب النزق ،القابع يف أعامق األنا إن الطائر املُلِ ّح ،طائر ّ يف القصة ،يتزعزع عند وصوله إىل مدينة مفتوحة عىل بيولوجي من أي موروث السهر ،السهر املوروث كام ّ ّ اآلباء إىل األبناء ،حتى اليوم ،يف مدينة بريوت؛ فام تلبث تقصها، الجديلة أن تختفي شكالً عن كتفي البطلة بعد أن ّ حتى تأيت القصة عىل مقطع ،هو أكرث بوهيمي ًة من أجواء الصخب الليلية يف املدينة ،إذ يتقلّص الطائر ّ الدال عىل الحب إىل أن يختفي« :الطري يف أعامقها يحترض ،يهذي، ّ وريشه يتناثر ،يتناثر من فمها وعينيها ،ويختلط بشعرها املجزور املتناثر ،ويستق ّر معه عىل األرض» ،تستمر الصور هنا ،بطريقة حاملة ،وتصف السامن األمل الناتج من التح ّول يف الشخصية ،بأمل وضع املرأة الحامل ،إنها تغرق يف املعنى ،وتح ّول الجمل القصرية إىل ومضات شعرية متحركة ومتطورة ،كام لو أنها تصنع من قصائد ع ّدة، مقطعاً نصياً واحدا ً ،يش ّد ويوجع يف تفاصيله املعتمة: «سوف تظل هنا حتى تجد بريوت البحر». نص ميتلك قدرة اكتشاف الواقع، «ال بحر يف بريوت» ٌّ ً الشعري ،إنه يرصد مدينة منهارة ،من وتكثيف معناه ّ بحر يهجرها يف الصباح واملساء ،وال يظهر إالّ عىل جسد شاب ريايض ،يتلصص عىل ج ْمع ساهر ،كحبيبات ماء ّ تلتصق بالجسد ،إنه عرص من التح ّول يف الطبائع؛ واملدينة التي نسيت بحرها ،تتذكّره يف وجوه أناس يعيشون ُمتخيَّلَه ،مع االنشداد إليه يف صورته الحالية املبتورة عن املدينة .قصيدة وحشية أخرى ،يف القصة ،تتكلّم عن رشه الجدد مع البحر األسفلتي الجديد ،الذي يتعايش ب ُ
ال بحر في بيروت
الفنان سمري الصايغ
استطاعت البطلة أن تقفز عن السور ،وأن متأل قارورة صخوره ذات الطوابق املتعددة واملصاعد الكهربائية: «رماله األسفلتية ،التي انغرست يف جسدها رماحاً طويلة ،العطر الفاخرة؛ لقد صنعت بحرها الخاص ،ومل تبال تتدحرج عليها حافالت متخمة بالناس والعرق وامللل». بنظرات الجالسني أمام البحر ،وخلفهم سيّاراتهم الفارهة، إن البحر هنا ،يكاد يكون عاشقاً خائناً للمدينة ،عاشقاً ال لقد أعادت إىل املدينة بحرها ،قبل أن تعيده إىل ذهنها والحب الحب الحقيقي ،إنه ُمتّه ٌم بالخيانة حقيقياً ومدهشاً ،بحرا ً ال يتقشرّ كالطالء عند االبتعاد عنه ّ يدري معنى ّ مسافة ما« :ملاذا يُس ِّورون البحر هكذا يف بريوت؟ بحري معاً. الذي أبحث عنه ،ال ميكن أن يكون ُمس ّورا ً»( .من القصة)، وميكن أن يضاف إىل هذا املعنى ،أن البحر يهرب وقت شعرية القصة ميكن حذف بعض الكلامت من بعض املقاطع ،يف القصة ،الحروب أيضاً ،لهذا يحرس يف السلم. لتنتج منها مقاطع شعرية ،وهي تصل رغم التطويل الذي لقد ج ّردت غادة السامن مدينة بريوت من أقنعتها، الشخيص ،لكنه ،يف الوقت ذاته نصاً أقرب إىل ُوضعت فيه ،باختزال إضا ّيف ،إذ ال مينع طول ال ُجمل من وكتبت عنها ّ ّ القص ،حني ميتدح شعرية املدينة وغرائبيتها ،إنها مدينة ،مل تختلف الوقوع عىل املعنى الشعري ،وتأثريه يف ثوابت ّ يل ،وحني تتح ّدث النيص تغيب الشخصيات فجأةً ،يف ظلمة التن ّوع املعنوي ،منذ ذاك الوقت كثريا ً يف منحاها الشك ّ ّ ّ متاماً ،مثلام يغيب وجه سلامن ويرتاءى عنوةً ،أمام البطلة ،السماّ ن عن فندق «الريفريا» الشاهق أمام البحر ،وحني تنادي أحد الشبان ،عىل لسان البطلة ،ليمأل قارور ًة من نبي» (كام تصفه القصة). لـ»يعوم يف الظلمة كوجه ّ املاء املالح ،ماء البحر ،فهي أرادت الحديث عن مدينة ال لقد احرتقت البطلة يف أسابيع ،كام مل يحرتق بقية من رصفات البرشية الشكلية ،وال تتع ّمق يف يقطن بريوت باحثاً عن بحرها منذ سنوات ،إنها تلتهم تقتنع سوى بالت ّ املارين بها ،مدينة تشبه دمشق ،وباريس ،والصني ،وكل معنى املدينة ،ولغزها ،ثم ترسمه من جديد يف ُمخ ّيلتها، مكان ،إنها مدينة كقصائد الشعراء الغريبة ،ال ّ تدل عىل وتلصقه بصورة بحر ُمف َرتض ،يتقاطع وصفه الشعري الحقيقة ،لكنها تشري إىل معناها امللتبس ،لذلك يسخر القص الرتيب ،ومع الحدث البديهي املحتمل ،كام مع ّ منها العاديّون وامل ُسطَّحون ،ونصل إىل سؤال :هل البحر، الجندي الواقف عىل شاطئ البحر ،يك يحميه صورة يف ّ يف بريوت مرسوم أم مخلوق؟ ،من امل ُؤكّد أ ّن النتيجة التي من اللصوص« :يض ّم بندقيته ،ويروح ويجيء يف حراسة وصلت إليها البطلة عن شعرية «بريوت» الحزينة الحاملة، فأي البحر» ،تضعنا السامن هنا ،أمام سوريالية املشهدّ ، تنطبق عىل كل مدينة ،عىل الرغم من أن بريوت هي بحر هذا الذي يُحرس من الجنود ،ويمُ نع االقرتاب منه املثال األكرث كشفاً للكذب ،واألكرث قدر ًة عىل التسترّ عليه إال بعد إبراز بطاقة؟ إنه بحر بريوتُ ،مس ّور ،وغري متاح للّمس الشخصاين ،إنه متمنع ،ورافض للجنس البرشي ،أو وإهامله أيضاً ،تقول غادة السماّ ن« :ال بحر يف بريوت، مبني بطريقة تشبه أفكار من مي ّر إىل جانبه ،ففي النهاية للذين ال بحر يف نفوسهم» ّ issue (6)- November - 2012
107
نقد
علي جعفر العالق
يوتوبيا الشعر في زماننا في ديوانه الجديد "ذاهب الصطياد الندى" ،ال يزال الشاعر العراقي علي جعفر العالّق ينحت كتابة
الخاصة ،بقدرما يُ عمّ ق مالمحها الشعرية التي ال ُنخطئ ّ ّ بحة الحزن اإلنساني الرفيع فيها؛ وهي قصيدته
تطل ً َّ ُّ تظل ،بهذا المعنى ،بالغة الكثافة ومُ بة لذلك باستمرار القصيدة التي
ّ عبداللطيف الوراري
تحتشد
عرب نصوص ال ّديوان ،األسئلة القصوى لإلنسان يف مواجهة مصريه وسط موجات الخوف والظلم واالبتعاد القرسي ،وهي تلك التي كل لحظة يفرح بها، يحلم الشعر ،يف ّ أن يعكسها ويُجلّيها بتوقيته هو ،أل ّن هذا هو دوره الحقيقي ،وبه يُعيد إليه شهوة أطرافه التي ينقص منها ضعاف املوهبة، وت ُيسء إليها ُمنغّصاتهم .مصري الشعر من مصري اإلنسان، مصري ُمضاعف تسلك مغامرته ذاتُ الشاعر ضمن الحركة وتظل ت ُقاتل يف دربها املتب ّدلة ـ املتبادلة يف ال ّزمن واملكانُّ ، الحق بأرسه ،يف الخيال والتذكُّر الحقّ ، حتّى يبقى لها ّ واالختالف.
ّذاوت واإلقامة يف املا بني الت ُ
من البدء ،نتلقّى رفيف املغامرة من الدروب الغامئة التي تسلكها ذات الشاعر ،وهي تتعاطى مع أشياء العامل وتُفكّر فيها مبنطقٍ تلتبس فيه الحدود التي يُقيمها الدليل
108
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
وثنائ ّياته ،بشكلٍ يجعل األخرية عاطلة عن حل محلَّها منطق الكتابة، أن تعمل ،ويُ ّ الغائم وامل ُش ّع ،داخل تجربة املا بني التي بها يخت ُّط املعنى مساره ،ويُ ْنشئ فعاليّته يف غفل ٍة من الحدود ،ومن الذّات نفسها. الحيوي بني اإلقامة نكتشف هذا االلتباس ّ والسفر ابتدا ًء من املقتبس الذي ص ّدر به ِ الخوص/ الشاعر عمله« :حني ناولني سلّة العذاب /،وهذا التش ّهي ،لك اس ٌم/ ريّانةً ،قال يل /:لك هذا ُ شبي ٌه بأ ّول هذي البال ِد /أعني :السفر». يف خض ّم عبورات العمل وترحيالته ،نتلقّى صيغاً أخرى من التباس الحدود التي تتامهى مع بعضها اآلخر سواء بني املوت والحياة ،املجاز والحقيقة ،النشوة والعذاب، الدم والحرب ،الجسد والذكرى ،القرب والبعد ،الحضور والغياب ،األسطورة والواقع .يت ُّم ذلك ،من جهة أوىل، داخل سريورة املعنى الذي تجرتحه األنا الشعرية يف عالقتها باملكان املتهاوي الذي يُعاد تشكيله باستمرار، ومبوازاة مع السفر (يف ال إىل) ليالً حيث العالقة املجروحة باألثر تُص ّعد مكبوتها الهاجع يف الروح والذاكرة ،والقابل ألن يُعاش م ّرة أخرى وبصيغٍ تطفح بالحياة والرغبة فيها
علي جعفر العالق
بتسمي ٍة جديدة« :وحيدا ً /،ليس يل ليْ ٌل لنميض /ليلنا اي التي يكرسها اب /إلاّ صحار َ سويّةً /..ال ق ْو َس /النُشّ ْ ٍ وأي أي امرأة تفوح من أصابعي /اآلنَّ ، الوه ُم إىل نص َفينْ ّ /: األكواب..؟» حري ٍة /تش ّع يف ْ وترتيباً عىل ذلك ،يت ُّم داخل الوهم الذي يغرف شعريّته املتوت ّرة من روح اإلنسان التي يسكن الشاعر ويسري معه جنباً إىل جنب ،فيشطر ذاته ،ويُف ّجز دخائله عرب تقنية املرآة التي يصطنعها ويتّخذ منها ذريعة الشبيه (السيموالكر) الذي يُحاوره ويو ّجه إليه الكالم ،أل ّن مثله يف منفاه ال ميلك من سالح إلاّ حريته البيضاء وحزنه الصايف خارجاً للصيد ،أو مواجهاً البحر ،أو ُمصغياً لِلّيل، أو مستد ّرا ً غيوم الذكرى والجسد « :كان كالنا يُغذّي حز َن /صاحبه منذ التقينا بال ٍ قصد /..ومذ /كُسرِ تْ /أيامنا كاملرايا /ذات كارث ٍة /..ومذ /تناااااءتْ /،وغامت بيننا/.. ُ ُ ونفرتق».. الطرق /..ندنو/، يف عامل من مرايا تقرتب وتنأى ،تسكن الذات آخرها وتف ّوض أمرها إليه ،وال يكون هذا اآلخر إال مبدى بُعد الذات عن نفسها ،ومبا يجعلها ،يف اختالفها ،شبيه ًة باآلخر مبقدار ما هي تتجىل وتتوارى ،وتقرتب وتنأى يف آن .ويف هذا املعنى املستأنف باستمرار ،فإ ّن هذا العامل يحكمه العود األبدي الذي ال وجود فيه لليشء إال يف عودته، خارج خطّية الزمان وتق ُّدمه .وباستيهامه ،يصري هذا العود األبدي ـ كام يشري إىل ذلك جيل دولوز ـ كإميان باملستقبل؛ وليس مثل الذات يف الشعر من يُقيم فيه عىل ّ حواف املغامرة والخطر « :هو والل ُّيل /كانا معاً يسهرانْ/ كل إىل و ْجه ٍة/: يذهب ٌّ ويُطيالن عمرهام /بالسه ْر /..ث ُ ّم ُ يذهب الليل لل ّن ْومِ /،والريح تمُ ْيض بقيّة ليلتها /يف أعايل الشج ْر».. تجرتح ذات الشاعر شبي َهها املختلف ،فإ ّن ذلك ما عندما ُ يفتأ يُظْهر كينونتها غري قا ّرة ،بل تتجاوز نفسها باستمرار. يتجسد لنا ذلك يف أكرث من معنى داخل نصوص بعينها ّ مثل «غبطة الحجر» ،و«هذه القصيدة» ،و«يرفو ثياب قصيدته» ،و«ربمّ ا ،»..و«ما بني وهم وآخر» .من معنى أن تتحقّق الذات بالوهم وتعرب يف املا بني ،ومعنى االستمراريّة يف الحياة املحلوم بها يف املجهول ،إىل معنى
أن يكون الشاعر هو آخره يف طريقٍ مل يخترَ ْها أو فاتَتْه لسبب قاهر .ويف قصيد ٍة ال تكتمل ،يتصادى صوت ٍ ٍ األنا مع أصوات جريحة قادمة من القديم والحديث، ومن الرشق والغرب .امرؤ القيس ،أبو العالء املعري، السياب ،محمد عفيفي مطر ،رسكون بولص ،باث ،رامبو، خيمينيث ،جنباً إىل جنب .تذا ُوتٌ يحفر يف جينيالوجيا النصوص ويت ُّم كرتجيع ودوار ال ينتهي .لكن يبقى صوت أيب العالء األضوأ واألبرز للب ّحة العطىش التي فيه ،حيث يتجسد فيه بعد الشبيه ،ويُستدعى كقنا ٍع يف آخر العمل، ّ فيبني عليه الشاعر رؤيته امل ُفارقة التي تسأل ،وت ُواجه وتتّهم عاملاً من القتل والخراب .ال يعود القناع قناعاً ،إنمّ ا شمس هو اآلخر يتح ّول من را ٍء قد ‹انتفضت يف حناياه ٌ من ّ الشك› إىل مج ّرد شاهد تعطّلت رؤياه وعجزت عن يح /:م ّر النبي /عىل هذه الفعل واالستبصار « :قالت ال ّر ُ كل طاغي ٍة /وثناً ،يرتنّح بني ضحاياه/ األرض ثانيةً /فرأى ّ قتيل.».. شمس ُمخضّ بةٌ /أو ْ ُمنتشياً ،ومدى ما ترى الع ُنيٌ / ولست أعرف إن كان أبو العالء يوقظ الشاعر من وهمه، ُ غري أنّه ـ باأليقونة التي يظهر بها ويتط ّهر فيها أيضاً ـ يزيد وعي الشاعر ح ّد ًة وانتباهاً ،ويُطلق معانيه يف رياح ّ الشك والحرية من جديد ،حتّى ال يتكلّس كـ «معتقد جام ّيل» ويسرتخي باالطمئنان إىل الوهم نفسه. يف املقابل ،تخرتق بنية اللغة عالقة جدليّة نلمحها عىل
يبقى صوت أبي العالء األضوأ حة العطشى التي واألبرز للب ّ يتجسد فيه بعد فيه ،حيث ّ كقناع في الشبيه ،ويُستدعى ٍ آخر العمل ،فيبني عليه الشاعر مفارقة التي تسأل، رؤيته ال ُ وتُواجه وتتّهم عالم ًا من القتل والخراب
issue (6)- November - 2012
109
نقد
الدوام ،ت ُعيد التوازن ملا يت ّم داخلها من توت ُّ ٍر واخرتاق. هي عالقة األنا ووعيها امل ُبتهج بجسدها -جسد األنثى حيث يثوي موطن كينونتها الذي يعطر ويتو ّهج .فعىل ‹تقاسيم› الجسد وصنائع األنثى العجيبة التي ت ُحيي الحب وأهواءه امليت وتسكر الغافل ،يُفلسف الشاعر ّ حيت تصري املرأة معادالً لالنطالق إىل الحياة ،كام يش ّد خطابها الالفح إىل املوت متوتّرا ً بني نشوة العذاب وليل املاء الال متناهي« :فال ليْ َل لهذا اللّيْل /إلاّ ليلها ال ّنديانُ/ يبعثُ يف دمي ُر ُسلَهْ .»..فالجسد يصري شبيهاً ،أنا ـ آخر؛ فهو ذات الشاعر ومرآته يف آن ،مماّ يجعل من الجسد َح ْقالً مثريا ً يستيض ُء برمزيّة املاء واستعارات اللغة« :قال لهاِ /: يداك ما أشهاهام /حني مت ّران عىل ُحلْمي /،هذا القاحل /،أو حني تج ّران قطيعاً من غيوم الله ُ األشيب ُ للغرفة /..ما أدر ِ محض صخر ٍة /عاري ٍة اك ما الغرفةُ؟ُ / من دومنا اثنينْ ِ /يُضيئانِ عىل الرسيرِ ،أو يفوحان /عىل الرسي ْر.».. ويف سياقٍ ُموا ٍز ومنبثقٍ عنه ،تتجاوز ذات الشاعر ما هو جمعي يستدعي الوطن فردي ـ شخصا ٌّين فيها إىل ما هو ّ ٌّ ُمشْ بعاً مبفردات التاريخ واألسطورة مثلام يف نصوص «لغ ٌة ٍ وعندئذ يكون مللفوظ الذّات طعم للقطا والحامم»، الصعق .فالشاعر ،وهو ابن واسط الخصيبة ،بقدرما يذكر للوطن نعمته التي لوالها مل يكن شيئاً ،ويتذكّر ما كان يفعله ماء دجلة يف الجسد واألرض من عنفوان به يرتوي الحب والحكمة فيها ،بقدرما نسغ الحياة وترتقي آداب ّ
يتحسرّ عىل ما آل إليه الوطن يف «مهرجان الكراهة» بعد االحتالل وما صاحبه من مأساة حقيقيّة ،كأ ّن أرضه طُويت السجل» ،ويُناديه من قاع خوفه ليك ال يفقد األمل ّ «طي ّ يف حريته العالية الناجمة عن الشعور باالغرتاب والحنني كنت أحميك م ّني/: إىل الوطن املفقود واملحلوم به« :كَ ْم ُ يل ،أعلّقها /عالياً، أمشّ ط أيامك َ البيض /،أغمر أحزانها بال ُح ّ فوق ن ْه ٍر صغريٍ /صغ ْري /وطناً قاسياً /كالحري ْر.».. ولكن «عبثاً ينصبون كامئنهم لل ّندى ..عبثاً يرسقون أسامي الينابيع .»..ذلك ما يجعل الشاعر ،يف متاعه الشحيح ،يبحث عن «قمر ذابل فوق أوروك» ،ويجعل روحه الحائرة تطفح باألمل عرب صريرورة ـ ذاته يف املعنى الذي يتطلّب واجب التذكُّر والحنني ملواجهة العزلة والنسيان ،ومقاومة الشعور بالخوف واليأس وسط أكوام الخراب ،وهو ما نجده يكثّف سريورته يف «مديح الرمل» ،عندما يرصخ من بطن الحوت وينتفض ،مثل اللديغ ،ض ّد ‹الطغاة ،القساة ،الجناة ،الغزاة ،الذئاب. ووراء هذا االنفعال الذي يصطرع بداخل الذّات ويصبغ رؤيتها الوجودية املحفوزة بسخاء األمل ،ما يق ّوي وهم الشاعر ويجعله مستأنفاً باستمرار ،فيصري كرضورة عندما الخاصة ج ّدا ً ،وهي اللغة نسلها من يستيضء بلغة الشاعر ّ بابل وربّاها باملاء وعطّرها بدم األضحيات « :نحن شتّانَ/: ذهب الر ْملِ /،أو فضّ ةُ /القاع يل لغتي /،ولكم لغةٌ /..أنت ُم ُ العذاب.».. باردةً /،وأنا ابن ْ شعرنة الوهم ..دفاعاً عن الشعر
الفنان ضياء العزاوي 110
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
علي جعفر العالق
من ذات إىل ذات -آخر ،ت ُك ّرس نصوص ديوان «ذاهب الصطياد الندى» جهدها الجام ّيل والتياميت دفاعاً عن الوهم وتعمل عىل شعرنته متوتّرا ً ،يف لحظة حادّة من الوعي ،بني الحضور والغياب؛ فام الوهم إلاّ وجه الحقيقة الغائبة التي يذهب إليها الشعر ويلوذ بها ،مثلام تذهب حاولت أن أنا القصيدة وآخرها القرين ،باستمرار« :كم ُ أستدرج ال ّندى /ليك يسيل من شجر ٍة /توشك أن تلفظ خرضتها /األخريةْ.»..
ثنائية املكتوب والشفاهي
ال ّندى هو نسغ الوهم .ذلك الذي ال يزال ُّ يرف عالقاً بالذاكرة ،واملكان ،والجسد ،والكتابة .إنّه ما يجعل الشاعر يواصل البحث يف أسئلة كينونته كأنّه يُصغي إىل «بطْنٍ ُحبْىل» ،ويُح ّرض شعره عىل الغناء والبوح مبا يُبْقي األمل لديه ح ّياً .فالعنوان نفسه يقيم ،أيقون ّياً واستعاريّاً ،يف هذه اللحظة امل ُفارقة من بحث الذات لكينونتها وزمنها العيص واملتفلّت باستمرار ،وهو ما يجعلها تشتبك ّ بآخرها ،وتعود بقصيدتها إىل زمن البدايات األوىل يف صفائها واالندهاش بها. يلح عيل جعفر ملاذا نفهم بهذا املعنى ،يجب أن ُّ العالق ـ بوعيه الشعري والنقدي معاً ـ عىل أنّه يكتب الخاصة به ،القصيدة الصافية .فهي ال تنتمي قصيدته ّ إال له ،وال ت ُذكّر إال به ،عرب لغته هو فحسب .يف فضاء الصفحة امل ُشظّاة واملدبوغة بحرب دمه ورفيف أنفاسه، الخاص للغة ،وبالتايل للشعر ،كنداء يمُ ارس تص ُّوره ّ حيث ترسح متوالياتها كرسب ظباء جافالت يُسمع لها صوت ،وحرشجة ،وإيقاع خافت؛ وحيث يتناوب املعلوم واملجهول ،املقول واللاّ مقول ،الثابت والصدفوي .وهذه ٍ إمكانات/ الصفحة ،املتع ّددة بخطّيتها ،ت ُعطي للبيت تشك ِ ُّالت ال حرص لها من التوقيع الذّايت الذي تخرتقه القوايف ،والتوازيات ،والبياضات ،وأشكال التكرار والرتقيم والتفقري والتقطيع ضمن عمل اللغة وأساليبها املشدودة إىل حركة املعنى ،مثلام إىل عالقات التناظر والرتجيع والتدوير الناشئة عن أعاريض البحور البسيطة (املتدارك أ ّوالً ،ثم الرجز فالرمل والوافر) والبحور املركبة (البسيط
تحديدا ً) .وإذا كانت قصائد الديوان تنتظم يف سياق شعر التفعيلة ـ باستثناء قصيدة نرث بعنوان «ما بني وهم وآخر»ـ إلاّ أنّها ت ُعقِّد الوضعية الوزنية للبيت الحر، وتخرق نظام الوحدات الثالث (العروضية ،النظمية والداللية) ،وت ُعيد بناء القافية وترتيب ثنائية املكتوب والشفاهي داخل القصيدة بر ّمتها .فنحن ،بهذا املعنى، نوعي ،ال واعٍ ،متقطّع و ُم ْدرك بشكْلٍ يُظهر أمام إيقا ٍع ٍّ حاالت الذّات داخل اللغة التي ال ت ُختزل ،هنا ،إىل التواصل واإلعالم الذين ال يهتماّ ن سوى بتجريد الذّات املتكلمة .هكذا ،يبحث الشاعر أفكاره ال عن طريق العقل ،بل عرب فضيلة اإليقاع السليم الذي ينتظر معجزة الكلامت إذ تقع كام يجب ،سواء أكانت طوالً أو جرساً معنى ،وفيام بعد ،تحت مسحة الحزن ،يجد العاطفة أو ً الوارفة التي ت ُطلق األفكار جميعاً. إ ّن القصيدة ـ كام يتص ّورها العالق ـ أه ّم من أن تكون أغنية ،ولن تكون حكاي ًة وال كانت إعالناً يف الصفحة خاص ،غائ ٌم و ُمش ٌّع يف آن. الرابعة .إنمّ ا هي ٌ فني ّ عمل ٌّ ولهذا ،فهي تتطل ُّب م ّنا ـ كق ّراء ومؤ ّولني ـ إصغا ًء من نوع التامس حيث مكمن الضوء ،واملاء خاص يصلنا إىل نقطة ّ ّ والرسيرة ،عرب طرق الوهم الجميل التي نسلكها .ال أن نكون ـ كام يف حكاية يرويها الشاعر األمرييك ألن تيت ـ مثل ذلك الرجل العابر الذي يفزع الصيّاد املستغرق يف وهم جميل أمام نهر صغري يتخيّله طافحاً بهدير األمواج وفضّ ة الزبد ،بعد أن يخربه بأن ال يشء يف النهر ،فيفسد عليه وهمه ويطرد من مياه مخ ّيلته األسامك والنوارس وأجراس القاع الدافقة إىل األبد. إ ّن هذا الوهم الذي تقدحه ذات الشاعر ،وتحرسه مخيّلته مشبوباً مبياه اللغة واإليقاع ،لهو رديف األمل التامس تلك، الذي ينادينا عرب العصور واألزمنة ،من نقطة ّ عند شعراء صنعوا من وهمهم الجميل رضورة أن يكون وتظل الشعر بيننا ،ألجل أن نتطلّع باستمرار إىل الحياةَّ ، قلوبنا قادر ًة عىل االنفعال بها؛ وبالتايل ،يسهم الشعر يف إضاءة جوهر الحياة ويُهيّىء لنا تراثاً ملستقبل مل يأت بعد
issue (6)- November - 2012
111
حائط أبيض
.
ّ الجراح نوري .............................................................................................................
تعويذة خائف (حول الشعر وجدواه)
يخيل
إ ّيل مرات ،أن اإلنسان املعارص أشبه ما يكون بشخص محتجز يف برئ .وما الشعر إال صوت األمل يف ذلك الكائن .والشاعر هو ذلك الصوت الذي يتحدث إىل العامل من ذلك البعد القيص ،من تلك الغيابة التي يف الجب ،حيث كل إنسان ما أن يعي وجوده يف العامل حتى يكتشف حقيقة انه ذلك الشخص األسري ،وليس لديه سوى صوت األمل. ٌ تصويت من سائر يف طريق موحش. قصيديت هي ذلك الصوت ،ومرات تكون القصيد ُة ويكون مثلها كمثل تعويذة خائف من قدر، لكن عالقتي بالكلامت ،وعالقة كلاميت بالرؤى التي تجسدها ،إمنا هي منحرفة ،مورابة ،العبة ،موهمة ببساطتها ،وملتبسة مراراً ،وتشتغل عىل اإليهام .وطوال الوقت اإلبهام خالق الشفافية وابنها. إن ولعي االكرب هو يف التقاط تلك املشاعر الشفافة الهاربة ،املشاعر العصية عىل الفهم ،املشاعر التي تغمر كياننا بالضوء ،لكنها أيضاً املشاعر التي تضعنا أمام حقيقة أن قدر الكائن أن يواجه مبفرده املنظومة األقنومية القاسية للوجود مؤلفة من عالقات الحياة باملوت، واآلىس ،والحب ،واملرح ،والفقدان .وأن يشتبك بكامل كيانه مع العامل ،ليؤلف شعره من دم الحرية ،ومن الشوق الذي ينسج صورتها. رس ال تقوله الكلامت. فالشعر مرة بعد أخرى ،وبال كلل ،صوت الحرية .وهو الجامل األكرث اشتباكاً بها .لكن الشعر أيضاً ٌّ ثالثة أمور لطاملا أثارها السؤال حول قوة الشعر :األول يتعلق باللغة كابتكار يخالف العادي والدارج ،أي أن يكون الشاعر وشعره عىل النقيض من اللغو الرائج ،واالفكار الشائعة ،واألزياء اللغوية السائدة. واألمر الثاين يتعلق مبدى قوة موضوعات هذا االبتكار ،وقدرة لغته عىل خلق قيم جاملية جديدة. واألمر الثالث يتعلق مبوقف الشاعر من الوجود ،وجدوى الشعر. لطاملا شغلتني هذه االسئلة ومعها أسئلة اخرى .ولطاملا امتحنت صربى يف تأملها ،بال أمل يف جواب شاف. لست ممن يأخذون بفكرة أن كل شعر يكتب اليوم تحت يافطة الجديد هو شعر جديد بالرضورة .بل إنني أكاد أرى يف كثري من هذا الشعر نسخا من غريه متفاوتة القيمة .وملا كانت الحياة الشعرية العربية الراهنة تفتقر بصورة مخجلة إىل أسئلة نقدية كاشفة ،فلك أن تتصور يف أي عمى أديب نحن .ويف أي فوىض يعيش الشعر العريب منذ عقود. إمنا ،يف يقيني ،أن الشعر املكتوب باللغة العربية ،اليوم ،يضمر مناطق قوة هائلة ،وهناك يف جغرافيته الواسعة تجارب شعرية ترقى إىل مستويات جاملية رفيعة ،وميكن وصف بعض هذه التجارب بانها حديثة بامتياز .مقابل بحر من الكتابة الشعرية التي ال تصدر عن مواهب كبرية ،لكنها يف الوقت نفسه تعرب عن شغف هذه األمة بالشعر ،وتعلقها به. من الناحية الجاملية أرى أن الشعر العريب استطاع أن يتغري ويجاري العرص بفضل تلك الحيوية التي متتع بها ،عرب مختلف املحطات الكربى من عصور تطوره ،ويف نظري ونظر آخرين ،أن الشعر العريب يف القرن العرشين شهد تطوراً مذه ًال يف تسارعه وشموليته ،ويف استيعابه ملفردات الحداثة .وقد اثبتت الشعرية العربية أنها ليست أقل شأناً أو شأوا وخصوصية من أي ثقافة شعرية ألمة من األمم الحديثة ،رغم فشل املجتمعات العربية عىل صعد مختلفة وأخصها السيايس واالقتصادي .فالروح العربية ،والحيوية اإلنسانية وتوق البرش إىل الجامل والحق والحرية ميد الشعر ببأس ال ينقطع. الشع ُر أخط ُر ما يتيحه قلقُ الروح اإلنسا ِّين من تعبري يف اللغة ،وهو يصدر من مناطق متطرفة ويسلك عند تلك االنحدارات العميقة ِ للشعور يف عالقته بالالشعور .من تلك املزالق الخطرة ُيطرح السؤال حول جدوى وجود اإلنسان عىل هذه االرض؟ إن جدوى الشعر مرتبطة بجدوى الوجود اإلنساين .وإن كنا ال نرى من ذلك الوجود جدوى ،فال جدوى إذن من أي يشء!
112
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
صـحـب الـناس قبلنا ذا ال ّزمانا وعـنـاهـم مـن شأنه ما عنانا بـغـصـة كـ ّلهم منـــــه وتـولـّوا ّ
وإن سـر
بـعـضـهـم أحيانا
ديوان العرب
issue (6)- November - 2012
113
خارج السرب
الشنفرى في «المية العرب»
قصيدة عكس الزمن
ُيعد
ّ الشنْفرى ابرز الشعراء العرب الصعاليك يف فرتة ما قبل االسالم ،الذين عاشوا حياتهم وشعرهم خارج الرسب، ورغم ان الشاعر خلف ديوانا كامال فإن التي بقيت خالدة رغم الزمن وذاع صيتها من قصائده هي «المية العرب» التي زاحمت يف شهرتها املعلقات ،كونها «من بني القصائد املفردات التي ال مثل لها يف الشعر العريب» ،حسب قول املسترشق األملاين كارل بروكلامن عنها ،إِذ ذكر أنها متثل مذهبا شعريا مستقال ،وما الحظه عليها املسترشق األملاين جورج ياكوب من أن «الالمية تختلف عن سائر قصائد الشعر الجاهيل من حيث عدم االلتزام بنظام القصيدة والوقوف عىل األطالل والوصف واملشاهد» ،إِذ يرى أَنه« :عىل حني يجعل الشعر الجاهيل وصف الطبيعة من الجبال والفيايف وغريها غرضا مقصودا لذاته ،يتخذ شاعر الالمية هذا الوصف مبثابة منظر أسايس بهيج لتصوير اإلنسان نفسه وأعامله» حفل األدب العريب بالقصائد الالمية منذ أن عرف الناس الشعر ،ويجمع النقاد عىل انه مل تبلغ قصيدة من هذه القصائد يف شهرتها وذيوعها ما بلغته المية َّ الشنْفرى ،بل مل تحظ قصيدة عربية مبثل ما حظيت به المية العرب من اهتامم سواء يف القديم والحديث .ومن مظاهر أهميتها اهتامم العلامء واألدباء بها ،انه تداولها الرواة ثم تناقلها كثري من العلامء واملؤلفني ثم تواِىل عليها عدد كبري من الرشاح يف رشوح خاصة بها ،ويعترب النقاد انها بلغت هذا املبلغ بفضل ما فيها من «جودة الشاعرية وطرافة املشاهد املصورة ،ووفرة املادة اللغوية التي اغرت العلامء برشحها وإعرابها» وهي أيضا «من خري الشعر الذي ميثل األسلوب الجاهيل ،اسلوب البداوة ،وهذه القصيدة يتغنى بها املتأدبون كام يتغنون بأحداث الشعر أسلوبا ورقة ،وذلك الن روح الخشونة والقوة واألنفة والحامسة ماثلة فيها». سميت بالمية العرب متييزاً لها عن سائر القصائد الالمية يف األدب العريب وقد علل احد العلامء هذه التسمية بقوله: «فكأنها من تأليف العرب مجتمعني ،أو كأن َّ الش ْن َف َرى اسقط عن العرب كلفة الحديث عن أنفسهم وبيان مفاخرهم املتعلقة بالقيم املركوزة يف أنفسهم» .أما زمن إطالق هذه التسمية عليها ،فقديم ولعل أول من أطلق عليها هذه التسمية – إَن صحت الرواية – سيدنا عمر بن الخطاب إِذ قال« :علموا أوالدكم المية العرب فإِنها تعلمهم مكارم األخالق» .وقد رشحها العديد من اعالم االدب العرب مثل بن قتيبة والزمخرشي.
114
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ديوان العرب
أقيموا بني أمــــي ،صدو َر َم ِطيكم الحاجات ُ ، ُ والليل مقـــم ٌر فقد حمــت ويف األرض َمنْأىً ،للكــريم ،عـــن األذى أمـــرئ ـــم ُر َك ،ما باألرض ضيقٌ عىل ٍ لَ َع ْ َ أهــــلون ِ :س ْيدٌ َع َم َّل ٌس ويل ،دونكــم ، ُ ذائع هــم األهـل ال مســـتودعُ الســــ ِّر ٌ ٌّ ٌ باســــل غـــــــري أنني وكل أ ِّيب ، وإن ْ مـدت األيدي إىل الزاد مل أكــــــن َ وماذاك إال َب ْســط ٌة عـــن تفــــضلٍ وإين كفــاين َف ْقدُ مــــن ليس جازياً مشيع، ثالث ُة أصحــاب :فــــــــؤادٌ ٌ ٍ ٌ ـــتوف ،مــن الم ُ ْل ِس ا ُملتُـونِ ،يزينها هَ إذا ّ الســهــمَ ،حن َّْت كأنها زل عنها ُ ُ مبهــــــــياف ُ ،ي َعـشىِّ َسـوام ُه ولســت ٍ بعـــــرس ِه وال جبأ أكـهــى ُمـــــ ِر ِّب ِ وال َخــــــ ِرقٍ هَ ْي ٍق ،كـــأن ُفـــــ َؤاد ُه خــــالف دار َّي ٍة ُ ،مت َغــــــــــــزِّلٍ ، وال ِ ولست ِب َع ٍّ ــــــل شرَ ُّ ُه د َ ُ ُون َخري ِه َّ ُ الم ،إذا انتحــت ولست مبحيار الظ ِ الص َّوان القى مناســــــمي إذا األمع ُز َّ ُ ُأ ِد ُيم ِم َ الجــــوع حتى أ ِميتهُ، طال ِ ُّ األرض يك ال يـــرى ل ُه وأستف ُترب ِ رشب ولوال اجتناب الذأم ،مل ُي ْل َف َم ٌ تقيم يب ولكنَّ نفســــاً ُمر ًة ال ُ وأط ِوي عىل ُ ْ انطوت الخمص الحوايا ،كام القوت الزهي ِد كام غدا وأغدو عىل ِ يح ،هافياً ُ غدا َطاوياً ، يعارض ال ِّر َ فلماَّ لوا ُه ال ُق ُ وت من حيث أ َّم ُه يب الوجو ِه ،كأنها ُم َه ْل َه َل ٌة ِ ،ش ُ ُ حثح َ أو َ الخشرْ َ ُم ث َد ْب َر ُه املبعوث َ ُم َه َّر َت ٌة ُ ،فو ٌه ،كأن ُشدُ وقها َف َض َّج َ ، وض َّج ْت ِ ،بالبرَ َ ِاح ،كأ َّنها وأغضت ،واتىس وا َّت ْ ْ ست به وأغىض َ َشكا وشك ْت ،ثم ارعوى بعدُ وارعوت
ُ ألميل قوم ِســــــواكــم فإين ،إىل ٍ ُ وأرح ُل؛ وشــدت ،لِ ٍ طيات ،مطايا ُ وفيها ،ملن خاف ال ِقــىل ُ ،متعـز َُّل ُ يعقل سرَ َى راغباً أو راهباً ،وهــو ُ ُ جيأل وأرقط ُزهـــلول َوعَـــــرفا ُء لديهم ،وال الجاين مبا َج َّر ُ ،ي ْخ َذ ُل ُ أبسل إذا عـــــرضت أوىل الطرائ ِد القوم أعجل بأعجلهم ،إذ ْأج َش ُع ِ َ ِّ املتفض ُل األفضل َع َلي ِهــــم ،وكان ِب ُحســــنى ،وال يف قــــربه ُم َت َع َّل ُل ُ ُ ٌ عيطل إصليت ،وصفـــرا ُء وأبيض رصائع قد نيطت إليها ،و ِم ْحــ َم ُل ُ ُم َر َّزأ ٌة ،ثكــــىل ،ت ِر ُن و ُتعـــــ ْـ ِو ُل ُم َجــــ َد َع ًة ُسقبانها ،وهـــي ُب َّه ُل ُ يفعل ُيطالعـها يف شـــــأنه كيف َي َظ ُّل به امل ّكـــــــا ُء يعلو و َي ْس ُف ُل، ُ يتكحل يروح ويغدو ،داهـــــناً ، ُ اهتاج ُ ، َّ أعزل ألف ،إذا ما ُرعَته َ هوج ُل هدى الهوجلِ ِ العسيف يهام ُء َ قـــــادح و ُم َف َّل ُل تطــــــاير مــــنه ٌ وأرضب عنه ال ِّذك َر صفحاً ،فأذهَ ُل ُ َّ َع َّ يل ،مـــــن الط ْولِ ،ام ُرؤ ُمتط ِّو ُل ُ ومأكـــــل ُيعـــــاش به ،إال لديِّ ، ُ أتحول عىل الضيم ،إال ريثــــام ُخ ُي َ ُ وتفتل وط ُة مــــاريّ ُتغــــا ُر ُّ ُ أطحــــــل أزل تهــــاداه التَّنا ِئ ُف، وت بأذناب ِّ ُ يخ ُ الش َعــــاب ،وي ْع ِس ُل دعا؛ فأجـــــابته نظـــــــائ ُر ُن َّح ُل بكفي ياسرِ ٍ ،ت َت َق ْل َق ُل داح ِق ٌ َّ َم َح ُ ابيض أرداهُ نَّ َس ٍام ُم َع ِّس ُل؛ ُش ُق ُ ٌ كالحات َو ُب َّس ُل وق ال ِعصيِ ِّ ، َّ ُ وإيا ُه ،ن ْو ٌح َ فوق علياء ،ثك ُل؛ َم َر ُ اميل َعزَّاها ،و َعزَّت ُه ُم ْر ِم ُل ُ أجمل! لص ُرب ،إن مل ينفع الشك ُو ولَ َّ issue (6)- November - 2012
115
خارج السرب
ْ ات ،و ُك ُّلها، َو َفا َء وفاءت با ِدر ٍ ُ وترشب أسآ ِري القطا الك ْد ُر ؛ بعدما ُ وأس َدلَ ْت هَ َم ْم ُت وَهَ َّم ْت ،وابتدرنا ْ ، َف َو َّل ْي ُت عنها ،وهي تكبو لِ َع ْقر ِه كأن وغاها ،حجرتي ِه وحول ُه ني ِمن َشتَّى إلي ِهَ ، تواف َ فض َّمها ُ َف َع َّب ْت غشاشاً ،ث َّم َم َّر ْت كأنها ، وآلف وجه األرض عند افرتاشها ُ وص ُه وأعدل َمنحوضاً كأن ُ فص َ فإن تبتئس بالشنفرى أم قسطلِ َ تيارسن لَ ْح َم ُه ، نايات َط ِريدُ ِج ٍ تنا ُم إذا ما نام ،يقظى عُ ُيو ُنها ، ُ هموم ما تزال َت ُعود ُه وإلف ٍ ُ ْ وردت أصدر ُتها ،ث َّم إنها إذا فإما تريني كابنة ال َّر ْملِ ،ضاحياً فإين ملوىل الصرب ، أجتاب َب َّزه ُ ُ ُوأعد ُم ْأحياناً ،وأغنى ،وإمنا فال َجزَعٌ من ِخل ٍة ُم ِّ تكش ٌف ُ وال تزدهي األجهال ِحلمي ،وال أرى نحس ،يصطيل القوس ربها وليل ِة ٍ ْ ُ وبغش ،وصحبتي دعست عىل غط ٍش ٍ ُ وأيتمت ِو ْل َد ًة فأيمَّ ُت ِنسواناً ، بالغميصا ِء ،جالساً وأصبح ،عني ُ ، فقالوا :لقد هَ َّر ْت ِبليلٍ ِكال ُبنا فلم َت ُك إال نبأ ٌة ،ثم ه َّو َم ْت ْ َ ألبرح طارقاً فإن َي ُك من جنٍّ ، َ ويوم من ِّ يذوب ُلعاب ُه ، الشعرى ، ُ ٍ َن َص ْب ُت له وجهي ،والكنَّ دُو َن ُه وضاف ،إذا ْ الريح ،طيرَّ ْت ٍ هبت له ُ ِّهن والفَلىْ عُ ْهدُ هُ مبس الد ِ بعي ٍد ِّ َ الرتس َ ،ق ْف ٍر قطعت ُه وخرقٍ كظهر ِ وألحقت أوال ُه بأخراه ُ ،موفياً ُ الص ْح ُـم َح ْويل كأ ّنـها َت ُرو ُد األ َرا ِوي ُّ باآلصـالِ َح ْوليِ كأ ّننـي و َي ْر ُكـد َْن َ 116
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
عىل َن َكظٍ ِمماَّ ُيكا ِت ُم ُ ،م ْج ِم ُل ُ تتصلصل رست قرباً ،أحناؤها ُم َت َم ِّه ُل َفا ِر ٌط ِمني َو َش َّم َر ُي ُ بارش ُه منها ُذ ٌ وح ْو َص ُل قون َ أضاميم من َس ْف ِر القبائلِ ُ ،نز َُّل ، ُ كام َض َّم أذواد األصاريم َم ْنهَل ركب ،من ُأ َحاظة ُم ْج ِف ُل الص ْب ِح ٌ ، مع ُّ ناسنُ ُق َّح ُل ؛ بأهْ دَأ ُتنبيه َس ِ العب ،فهي ُم َّث ُل اب دحاها ِك َع ٌ ٌ قبل ُ ، اغتبطت بالشنفرى ُ ْ أطول ! ملا َع ِقــــــــ َري ُت ُه يف أ ِّيهـــــا ُح َّم ُ أول، ِحثاثاً إىل مكروهـــــ ِه َت َت َغ ْل َغ ُ ــــل بع ،أوهي ُ أثقل ِعياداً ،كحمى ال َّر ِ تثوب ،فتأيت ِمن ُت َح ْي ُت ومن ع َُل ُ ُ أتنعل عىل رق ٍة ،أحفـــــــى ،وال الس ْمع ،والحزم ُ أنعل عىل ِمثل قلب ِّ ُ ينال ال ِغنى ذو ال ُب ْعـــ َد ِة املت َب ِّذ ُل ُ أتخيل وال َمــــــ ِر ٌح تحت ال ِغنى ُ سؤوالً بأعقـــــــاب األقاويلِ أمن ُِل ُ يتنبل وأقطعـــــ ُه الاليت بهـــــــا ُ ُسعــــــا ٌر ،وإرزي ٌز َ ،و َو ْج ٌر ،وأفك ُل وعُ د ُْت كام أ ْبد ُ َأت ،والليل أل َي ُل ُ ٌ يسأل مســـــــؤول ،وآخ ُر فريقان : عس ُفرعُ ُل فقلنا :أ ِذ ٌ عس ؟ أم َّ ئب َّ ريع ْأجد َُل يع ،أم َ فقلنا قطا ٌة ِر َ اإلنس َتف َع ُل وإن َي ُك إنســـــاً َ ،ماكها ُ أفاعيه ،يف رمــــــضائ ِه ،تتم ْل َم ُل األتحمي ا ُمل َر ْع َب ُل وال ســـــــرت إال ُّ ترج ُل لبائ َد عن أعـــــــطاف ِه ما َّ الغسل ُم ْح َو ُل له َع َب ٌس ٍ ، عـاف من ْ ُ يعمل ِب َعــــــــا ِملتني ،ظهـر ُه ليس عىل ُق َّن ٍة ُ ،أقعـــــي ِمراراً وأم ُث ُل عَـ َذا َرى َع َل ْي ِهـنَّ الم ُ َال ُء ا ُمل َذ َّي ُـل يح أ ْع َق ُل ِمنَ ُ الع ْص ِم أدْىف َي ْنتَحي ال ِك َ
محاكاة شعرية
شوقي يعارض ابن زيدون إبن زيدون :رسم متخيل
شوقي
املحاكاة
او املعارضة مسألة دارجة جدا يف الشعر العريب، وعرفت يف كافة االزمنة ،وشملت كافة اغراض الشعر ،وحاىك بعض الشعراء شعراء زمانهم ،وتبارزوا معهم شعرا ،سواء يف املديح او الهجاء او السري عىل نفس املنوال ،واملثال الناصع هنا هو جرير والفرزدق.كام ان شعراء آخرين ذهبوا اىل معارضة شعراء من ازمنة غابرة كام هو حال امري الشعراء احمد شوقي الذي حاىك العديد من شعراء الحقب املاضية مثل ابن زيدون ،او...سامي البارودي اليب فراس الحمداين الداللة املعجمية للفظة « املعارضة» لها معان كثرية ،منها :عارضته معارضة يف الرأي إذا خالفته وناقضته .ومنها :جانبته وعدلت عنه ، و قريب من ذلك القول :عارضته مبثل صنيعه أي فعلت مثل فعله وأتيت إليه مبثل ما أىت به .ويتضح من هذه الداللة االخرية معنى املحاكاة والتقليد ليشء سابق . املعارضة بوجه عام قد تكون أثرا أدبيا أو فنيا أو موسيقيا يحايك فيه صاحبه أسلوب أثر سابق .ولكن النقاد يف العرص الحديث اعتادوا عىل ربط كلمة « معارضة « بفن الشعر حتى شاع مصطلح «املعارضات الشعرية « وأصبح يشري إىل فن قائم بذاته انترش يف فرتات مختلفة يف العصور االدبية ،وكان مجاال للتنافس بني الشعراء إلظهار قدارتهم اإلبداعية يف محاكاة بعض القصائد املشهورة التي انترشت بني الناس بسبب جودتها ومتيزها .واملعنى اللغوي لكلمة « معارضة « ال يحمل تخصيصا بشعر أو نرث بل يعني بشكل عام املحاكاة واملجاراة .وقد استعمل النقاد ودارسو االدب يف القديم كلمة « معارضة « قي حلقي الشعر والنرث عىل حد سواء قبل أن تكتسب معناها كمصطلح شعري معروف . و املعارضة الشعرية هي محاكاة قصيدة ألخرى موضوعا ووزنا وقافية مثل معارضة شوقي البن زيدون.
issue (6)- November - 2012
117
محاكاة شعرية ابن زيدون ْ أض َحى التّنايئ َبدي ًال عنْ َتدا ِنينَا، أ ّال َو َقد َ نيَ ،ص ّب َحنا حان ُص ُ بح ال َب ِ ُ هم، مبلغ َمنْ امللبسينا ،بانتز ِاح ُ ِ ُ أَ َّن الز َ ضحكنا َمان ا َّلذي ماز َال ُي ِ ِغ َ يظ ال ِعدا ِمنْ َتسا ِقينا اله َوى فد َع ْوا انح ّل ما َ كان َمع ُقوداً بأَ ْن ُف ِسنَا؛ َف َ ُ َو َق ْد َنك ُ ونَ ،و َما ُيخشىَ َت َف ّر ُقنا، يا َ ليت شع ِري ،ومل ُنع ِت ْب أعاد َيكم، ُ بعدكم إ ّال الوفاء لك ْم مل نعتق ْد ْ ما ح ّقنا أن ُت ِق ّروا ع َ ني ذي َح َس ٍد أس ُت ْس ِلينا َع َوا ِر ُضه، ُكنّا ن َرى ال َي َ ِب ْنتُم َو ِبنّاَ ،فام اب َت ّل ْت َج َوا ِن ُحنَا َنكادُِ ،ح َ َاج ُيك ْم َضامئ ُرنا، ني ُتن ِ ُ َحالَ ْت لِفق ِدك ُم أ ّيا ُمنا ،ف َغد َْت يش َط ْلقٌ من تأ ُّل ِفنا؛ إ ْذ جا ِن ُب ال َع ِ َوإ ْذ هَ صرَ ْ َنا ُفن َ ُون ال َو ْصلِ دانية ل ُيسقَ عَهدُ ُك ُم عَهدُ السرّ ُ و ِر َفام ال َت ْح َس ُبوا َنأ َي ُك ْم َعنّا يغيرّ ُنا؛ َوالل ِه َما َط َل َب ْت أهْ واؤ َنا َب َدالً اسق به يا سارِيَ البرَ ْقِ غا ِد َ القرص َو ِ ُّ َو ْ اسأل هُ نالِ َك :هَ ْل َعنّى َتذك ُرنا الص َبا ب ّل ْغ تح ّي َتنَا نسيم َو َيا َّ َ ْ فهل أرى الدّه َر يقضينا مساع َف ًة َ لك ،ك ّأن ال َّل َه أ ْن َشأ ُه َر ُ بيب ُم ٍ أ ْو َصا َغ ُه َو ِرقاً َم ْحضاًَ ،و َتوج ُه فاه ّية ، إ َذا َتأ ّو َد آ َد ْتهَُ ،ر ِ كانت لَ ُه ّ ْ مس ظرئاً يف أ ِك ّلته، الش ُ حن وجن ِت ِه، كأنمّ ا أثبت َْت ،يف َص ِ ما ضرَ ّ ْأن ْمل َن ُكنْ أكفاءه َ رشفاً، يا َر ْو َض ًة طالَام ْأجن َْت لَ َو ِاح َظنَا و َيا حيا ًة مت ّل ْينَا ،بزه َر ِتهَا، و َيا ن ِعي ًام خط ْر َناِ ،منْ َغضا َر ِت ِه، يك ْإجالالً َو َت ْك ِر َمة؛ لَسنا ُن َس ّم ِ
118
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
طيب ُل ْقيا َنا تجافينَا اب عَنْ َو َن َ ِ للحينْ ِ َناع ِينَا َحينْ ٌَ ،ف َقا َم ِبنَا َ مع الده ِر ال يبىل و ُي ْبلينَا ُحزْناًَ ، ُأنساً ِب ُقر ِب ِه ُم َقد عا َد ُيبكينا ِب ْأن َن َغ َّصَ ،ف َ قال الدهر آمينَا َ كان َم ْو ُصوالً بأ ْي ِدينَا َوا ْن َب ّت ما فاليو َم نحنُ ،و َما ُي ْرجى َتالقينَا العت َبى أعادينَا هَ ْل َن َال َح ّظاً منَ ُ َرأياً ،ولَ ْم َنتَق ّل ْد َغ َري ُه ِدينَا كاشحاً ِفينَا ِبنا ،وال أن َتسرُ ّ وا ِ َو َق ْد َي ِئ ْسنَا فَماَ لليأس ُي ْغ ِرينَا ِ َش ْوقاً إلَ ُيك ْمَ ،وال َج ّف ْت مآ ِقينَا تأسينَا َيقيض ع َلينا األسىَ لَ ْوال ّ ْ وكانت ُبك ْم ِبيضاً لَ َيالِينَا ُسوداً، اف ِمنْ َت َصا ِفينَا َو َم ْر َب ُع ال ّل ْه ِو َص ٍ ِق َطا ُفهاَ ،ف َج َن ْينَا ِم ْن ُه ما ِشـــــينَا ُـــم ألر َو ِاح َنا إ ّال َرياحـــي َنا ُك ْنت ْ ْأن طـــــالَام َغيرّ َ النّأيُ ا ُمل ِح ّبينَا! انرص ْ عنكـــم أمانينَا فت ِمن ُْك ْمَ ،وال َ ْ َمن َ كان صرِ ْف الهَوى َوال ُو َّد َيسقينَا ُّ يعنّينَا؟ إلفاً ،تذك ُر ُه أمسىَ َمنْ لَ ْو عىل ال ُب ْع ِد َح ّيا كان يح ِيينا وإن مل ُيكنْ غ ّباً ِم ْنهُْ ، تقاضينَا ِ ِمســــكاًَ ،و َق ّد َر إنشا َء ال َو َرى ِطينَا حسينَا اص ِع ال ّت ِرب إ ْبداعاً و َت ِ ِمنْ َن ِ الع ُقو ِدَ ،وأدم َت ُه البرُ َى لِينَا ً ُتو ُم ُ َب ْل مـــــــا َت َجلىّ لهـــا إ ّال أحا ِيينَا ُزهْ ـــــــ ُر ال َك َوا ِك ِب َتع ِويذاً َو َت َز ِيينَا كاف ِمنْ َت َكا ِفينَا؟ َويف املَ َودّة ِ ٍ الصبا ّ غضاًَ ،و َن ْســــ ِرينَا َو ْرداًَ ،جال ُه ِّ ات أفانينَا نى رضو َباً ،ول ّذ ٍ ُم ً سحبنا َذي َله حينَا يف َوشيْ ِ ُن ْع َمى َ ، َو َق ْد ُر ِك ا ُمل ْعتَيل عَنْ ذاك ُي ْغ ِنينَا
ديوان العرب
كت يف ِص َفة، إذا انف َرد َِت وما ُشو ِر ِ يا جنّة َ الخل ِد ُأب ِدلنا ،بسد َر ِتها ُ والوصل ثال ُثنَا، كأ ّننَا مل ن ِب ْت، بكم ْإن كان قد ع ّز يف الدّنيا ال ّلقا ُء ْ خاط ِر ّ الظلام ِء َيكت ُُمنا، سرِ ّانِ يف ِ ني ْ ال َغ ْر َو يف ْأن ذك ْرنا الحز َْن ح َ نهت إ ّنا ق َرأنا األسىَ ،ي ْو َم النّوى ُ ،سو َراً فلم نع ِد ْل مبَ ْن َه ِل ِه هواك، أ ّما ِ ْ أنت كوك ُب ُه ْمل َن ْج ُف أفقَ جاملٍ ِ َوال ْاخ ِتياراً َت َج ّن ْبنا ُه عَنْ َك َث ٍب، َليك إذا ُح ّث ْتُ ،م َش ْع َش َعة نأسىَ ع ِ ؤس ال ّر ِاح ُتبدي من شام ِئ ِلنَا ال أ ْك ُ دومي عىل العه ِد ،ما دُمناُ ،محا ِفظة ً، ْ يحبسنا منك َفام استعضنا َخلي ًال ِ ُ َولَ ْو ص َبا نح َو َنا ،من عُ ل ِو مطلعه، أ ْبيك َوفا ًءَ ،و ْإن مل َت ْب ُذيل ِص َلة ً ، عت ب ِه اب َمتَاعٌ ْ ،إن َش َف ِ َويف َ الج َو ِ إليك منّا َسال ُم ال َّل ِه ما َب ِق َي ْت ِ
َ إيضاحاً وت ْبيينَا فحس ُبنا ال َو ْص ُف العذب ،ز ّقوماً وغسلينَا والكوث ِر ِ السعدُ َق ْد َغ َّض من أجفانِ َواشينَا َو ّ رش َنلقا ُك ْم َو َت ْل ُقو َنا يف َم ْو ِق ِف َ الح ِ ُ بح يفشينَا حتى يكا َد لسان ّ الص ِ ناسينَا عن ُه ال ُّنهَىَ ،وتر ْكنا ّ الصبرْ َ ِ الص َرب تلقينا َمكتو َبةَ ،و َأخ ْذ َنا ّ َ كان ُي ْر ِوينَا ف ُيظ ِمينَا شرُ ْ باً َو ْإن سالِ َ نهج ْر ُه قالِينَا ني عنهَُ ،ومل ُ لكنْ َع َد ْتنَا ،عىل ُك ْرهٍَ ،ع َوا ِدينَا الش ُم ُ َّ ول ،وغنَّا َنا ُمغنّينَا ِفينا تياحَ ،وال األ ْوتا ُر ُت ْل ِهينَا ِس ّيام ا ْر ٍ َ دان إ ْنصافاً كام دينَا فالح ُّر َمنْ َوال استفدْنا ح ِبيباً عنك يثنينَا ِ حاشاك يص ِبينَا بد ُر الدُّ جى مل يكنْ ِ َف ّ الط ُ يف ُي ْق ِن ُعنَاَ ،وال ّذك ُر َيك ِفينَا َ لت ُتولينَا بيض األيادي ،التي ما ِز ِ َص َبا َب ٌة ِب ِك ُن ْخ ِفيهَاَ ،فت َْخ ِفينَا
issue (6)- November - 2012
119
محاكاة شعرية الفنان مصطفى الرزاز
أحمد شوقي يا نائح الطلح أش��ب��ا ٌه عوادينا تقص علينا غري أن يــدا ً م��اذا ُّ رم��ى بنا البني أيكاً غري سامرنا كل رمته النوى ريش الفراق لنا ٌّ إذا دعا الشوق مل نربح مبنصد ٍع فإن يك الجنس يابن الطلح ف ّرقنا لــم ُ تأل ماءك تحنانا وال ظلامً تجـر من فننٍ ساقاً إىل فنــنٍ أساة جسمك شتى حني تطلبـهم آهــا لنا نازحى إي��ك بأندلـس رس ٌم وقفنا عىل رسم الوفاء لـه لفتيـ ٍة ال تنـال األرض أدمعهم لـو لـم يسودا بدينٍ فيه منبه ٌة مل ن ِ �سر م��ن ح��رمٍ إال إىل حـرمٍ ملا نبا الخل ُد نابت عنه نسختـه نسقى ثراهم ثنا ًء ،كلام نثـرت
120
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
نشجى لواديك أم نأىس لوادينا ؟ َ جناحك جالت ىف حواشينا قصت ّ أخـا الغريب :وظال غري نادينا سهامً ،وس ّ��ل عليك البني سكينا ع��ي ال يلبينــا مـن الجناحني ّ إن املصائب يجمع َن املصابينـا وال ادك��ارا ،وال شجوا أفانينــا وتسحـب الذي ترتاد املؤاسينـا فمن لروحك بالنطس املداوينـا وإن حللنا رفيـفاً من روابينــا ُ واإلج�لال يثنينـا نجيش بالدمع ، وال مفارقــهم إال مصلينـــا للناس كانت لهم أخالقهم دينــا كالخمر من (بابل) سارت (لدارينا) متاثل الورد (خرييا) و (نرسينـا) ُظمت منها مراثينــا دموعنـا ن ْ
ديوان العرب
ك��ادت عيون قوافينا تحركـــه رص وإن أغضت عىل مق ٍة لكن م َ علـى جوانبها رفّ���ت متامئنــا مالعـب مرحت فيها مآربنـا ٌ ومطل ٌع لسعو ٍد من أواخرنــا نخل من روح يراوحنـا بنا فلم ُ كأم موىس عىل أسم الله تكفلنا ومرص كالكرم ذي اإلحسان فاكه ٌ ة ساري الربق يرمي عن جوانحنا يا َ مل��ا ت��رق��رق ىف دم���عٍ جوانحنا الليـــل يشهد مل تهتك دياجي ِه والنجـم مل يرنا إال عىل قــدمٍ ك��زف��ر ٍة ىف س�ماء الليل حائــر ٍة جبت ظلامء العباب عىل بالله إن َ تــر ُّد َ عنك ي��دا ُه كل عاديــ ٍة حتى حوتك سامء النيل عاليـ ًة وأح��رزت��ك شفوف ال�ل�ازورد عىل وح��ازك الريف أرج��اء مؤرجـ ًة فقف إىل النيل وأهتف ىف خامئل ِه ْ وأس مـا بات يذوى من منازلنا ويا معطر َة ال��وادى رستْ سحـرا ً ذكيـة الذيل لو خلنا غاللتهــا جشّ ِ مت َ شوك الرسى حتى أتيت لنا فلو جزيناك ب��األرواح غاليـة عن يك نح ّملــه هـل من ذيولك مس ٌّ إلـى الذين وجدنـا ود غريهـم يا من نغار عليهم من ضامئرنا ن��اب الحنني إليكم ىف خواطرنا جئنا اىل الصرب ندعو ُه كعادتنا ٍ جـلد وم��ا غلبنا عىل دم��عٍ وال ون��اب��غ��ـ��ي ك��ان ال��ح�شر آخـره ٌّ نطوي دج��اه بجر ٍح من فراقك ُم إذا رسا النجم مل ترفأ محاجرنا بتنا نقايس الدواهي من كواكبه
و ِكد َن يوقظن ىف الرتب السالطينا عيـ ٌن من الخلد بالكافور تسقينـا وحول حافاتـها قامت رواقينــا سـت فيها أمانينــــا وأرب�� ٌع أنِ ْ ومغـرب لجدو ٍد من أوالينـــا ٌ من بر مرص وري��ح��ا ٌن يغادينــا وباسمه ذهبت ىف اليم تلقينــا وأك���واب لبادينــــا للحارضين ٌ بعد الهدوء ويهمي عن مآقينــا هاج البكا فخضبنا األرض باكينــا عىل نيـامٍ ولـم تهتف بسالينـــا قيــا َم ليل الهوى للعهد راعينــا ممــا ن��ردد في ِه حني يضوينــا نجانب النور محد ّوا ً ( بجــرينا ) إنسـاً يع َنث فسادا ً أو شياطينــا عىل الغيوث وإن كانت ميامينـا ويش الزبرجد من أفواف وادينـا ِ ربـت خامئل واهتزت بساتينـا الطل الرياحينا وان��زل كام نزل ّ بالحادثات ويضوى من مغانينـا فطاب كل ط��رو ٍح من مرامينـا قميص يوسف مل نحسب مغالينا بالورد كتباً وبال ّريّا عناوينـــا طيب م�سراك مل تنهض جوازينا غرائـب الشوق وشيا من أمالينا دنيـا ووده�� ُم الصايف هو الدينا ومن مصون هواهم ىف تناجينـا عن ال��دالل عليكم ىف أمانينــا ىف النائبات فلم يأخذ بأيدينــا حتى أتتنا نواكم من صياصينـا متيتنـا فيه ذك��راك��م وتحيينــا يكاد ىف غلس األس��ح��ار يطوينا حتى ي��زول ،ومل تهدأ تراقينـا حتى قعدنا بها :حرسى تقاسينا issue (6)- November - 2012
121
محاكاة شعرية
يبــدو النهار فيخفيه تجلدنـا ٍ لعهد كأكناف ال��رىب رفـ ًة سقيا إذا ال��زم��ان بنا غيناء زاهيــ ٌة الوصل صافي ٌة ،والعيش ناغي ٌة والشمس تختال ىف العقيان تحسبها والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلـــت والسع ُد لو دام ،والنعمى لو اطردت ألقى عىل األرض حتى ردها ذهبـا أعداه من مينه ( التابوت ) وارتسمت لـه مبال ُغ ما يف الخلق من كــرمٍ عـرس لـم يجر للدهر اعذا ٌر وال ٌ وال حوى السعد اطغى ىف أعنت ِه اليواقيت خاض النار جوهرنا نحن ُ خلـق وال يحــول لنا صب ٌغ وال ٌ مل تنزل الشمس ميزانا وال صعدت أمل تؤل ُه عىل حافاتــــ ِه ورأت إن غازلت شاطئيه ىف الضحى لبسا وبات كل مجاج الواد من شجــ ٍر وهذه األرض من سهلٍ ومن جبلٍ ومل يضع حجرا ً ب��انٍ عىل حجـ ٍر كأن أه��رام مرص حائط نهضـت إيوانه الفخم من عليا مقاصــره كأنها ورم��االً حولها التطمـــت كأنها تحت ألالء الضحى ذهبـــاً أرض األب���و ِة وامل��ي�لا ُد ط ّيبهــا كانت محجل ًة ،فيها مواقفنـــا ف��آب م��ن ك��ر ِة األي���ام العبنـــا ومل ندع لليايل صافيا ،فدعـت لو استطعنا لخضنا الج ّو صاعق ًة سعياً إىل مرص نقيض حق ذاكرنا كنز (بحلوان) عند الله نطلبـــه لو غ��اب كل عزيز عنه غيبتنـا �صر أو له شجنــا إذا حملنا مل ٍ
122
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
للشامت َني وي��أس��و ُه تأسينـــا أنّ��ا ذهبنا وأعطاف الصبا لينـا ّ ت��رف أوقاتنا فيها رياحينـــا والسعد حاشي ٌة ،والدهر ماشينا ويش اليامنينا ( بلقيس ) ترفل ىف ِ لو كان فيها وف��ا ٌء للمصافينـــا عف ،واملقدار لو دينا والسيل لو ّ ماء ملسنا به اإلكسري أو طينــا عىل جوانبه األن��وار من سينــا عه ُد الكـرام وميثاق الوفيينــا إال بأيامنــا أو ىف ليالينـــا منا جيادا وال أرخ��ى ميادينـــا ِ التشتيت غالينـــا ومل يهن بيد اذا تلو َن كالحرباء شانينــــا ىف ملكها الضخمِ عرشا مثل وادينا عليـه أبناءها الغ ّر امليامينــا ؟ خامئل السندس املوش ّية الغينــا لوافظ القز بالخيطان ترمينـــا قبل (القيارص) دنّاها (فراعينــا) ىف األرض إال عىل آث��ار بانينــا به يد الدهر ال بنيان فانينــــا يُفني امللوك وال يبقي األوانينـا سفين ٌة غرقت إال أساطينــــا كنوز (فرعون) غطينْ َ املوازينـا م ّر الصبا يف ذي��و ٍل من تصابينـا غ�� ّرا ً مسلسلة املجرى قواقينـــا وثاب من سنة األح�لام الهينـــا نغص فقال الدهر :آمينــا) (بأن ّ وغى ،والبحر غسلينـا وال ّرب نار ً فيها إذا نيس ال��وايف وباكينـــا خري الودائع من خري املؤدينــا مل يأته الشوق إال من نواحينــا أي هوى األ ّم�ين شاجينـا مل ن��د ِر ّ
شاعر وقصيدة
القصيدة اليتيمة موت الشاعر وحياة الشعر َع ِر َف
الشعر العريب ظاهرة شاعر القصيدة الوحيدة ،التي مل يكتب سواها ،ولكنها ذائعة الصيت ،او انه كتب الكثري ولكن مل يصل من شعره سوى قصيدة واحدة باتت خالدة .ورغم ان هذه القصائد قليلة فإنها تعد من عيون الشعر العريب يف الشكل واملضمون ،ورمبا هذا هو السبب الكامن وراء عبورها الزمن بقوة واحتفاظها بقيمتها ونكهتها وطزاجتها حتى يومنا هذا. من بني هذه القصائد الخالدة التي تؤرخ لحياة الشاعر يف شعره ،تلك التي عرفت بــ «اليتيمة» ،او التي تسمى يف اغلب الروايات بــ «الدعدية» ألنها نظمت يف مدح امرية من اليمن تدعى دعد كانت بارعة الجامل .وتقول الروايات ان االمرية اليمنية دعت الشعراء إىل التباري يف مدحها والتغزل بجاملها عىل أن تتزوج صاحب أجود قصيدة .وبدل ان يصل صاحب هذه القصيدة اىل تحقيق حلمه يف كسب ود االمرية والزواج منها ،فإن قصيدته قادته اىل الهالك. اختلف الرواة حول الشاعر الذي نظم هذه القصيدة ،ولكن هناك الغالبية أخذت برواية العالمة والقايض البرصي صاحب التصانيف عيل بن محسن التنوخي الذي عاش يف اواسط القرن الثالث للهجرة .وقد جزم التنوخي بأن شاعر هذه القصيدة يقال له «دوقلة املنبجي». حكاية «دوقلة» تتلخص يف انه صادف شاعرا آخر وهو يف طريقه إىل مديح األمرية ،فأنشد كل منهام قصيدته عىل اآلخر ،ومل تكن قصيدة هذا الشاعر األخري تصل ملستوى «اليتيمة» ال معنى وال حبكة وال لفظا ،فقام بقتل صاحب «اليتيمة» بعد أن سمعها منه وحفظها ،ثم ذهب إىل األمرية ليلقيها بني يديها لعلها تكون سببا بالفوز بقلبها والزواج منها وهو الهدف املنشود. وعندما وصل الشاعر الثاين إىل حمى االمرية مثل بني يديها وألقى القصيدة ،فكانت املفاجأة ان االمرية التي اعجبت بالقصيدة اطلقت رصخة :وا بعاله ...وا بعاله ،لقد قتل هذا الرجل زوجي املرتقب .فتجمع الحرس والحاشية وأخذوا يتساءلون :مالخرب؟؟ فرشحت لهم أن شاعر القصيدة الفعيل من تهامة أما ترونه يقول: إن تتهمي فتهامة وطني** أوتنجدي إن الهوى نجد بينام هذا الرجل ليس من تهامة ،بل ان لهجته نجديه .فأمسكوا به وضيقوا عليه الخناق فاعرتف بأنه قتل صاحب القصيدة.
issue (6)- November - 2012
123
شاعر وقصيدة اليتيمة هَ ل ِب ُ الطلــــولِ لِســــــائِلِ َر ُّد الجديدُ َجدي َد َمع َه ِدها أبلــــــى َ ِمن طــــولِ ما َتبيك الغيو ُم عَىل َو ُت ِل ُّث ســــــــا ِر َي ٌة َوغـــــــا ِد َي ٌة َتلقــــــــى َشــــــآ ِم َي ٌة يمَ ا ِن َي ًة واه َرها واطنُها َظ ِ َف َكســـــــَت َب ِ سج ُه َح ِد ٌب َيغدو َف َيســــــدي َن َ يس ِبها َف َو َقفت أَســـــــأَلَها َولَ َ َو ُم َكــــــــد ٌَّم يف عا َن ٍة جـــزأت َفتَبا َد َرت ِد َر ُر ُ الشــــــؤونِ عَىل عيب َو َقد أَو َن ُ ضح عَزال ِء الشـــَ ِ لَهَفـــي عَىل دَع ٍد َوما ح َفلت ديم أديم َبيضا ُء َقد لَ ِب َس األَ ُ َو َيزينُ َفــــودَيها إِذا َحسرَ َت َفال َوجــــ ُه ِم ُ ٌ مبيض بح ثل ُ الص ِ ِضدّانِ لِام اِســـــتَج ِمعا َح ُسنا َو َجبينُهـــــا َص ٌ حــــاجبها لت َو ِ َ َو َكأَ َّنهـــــا َوســـــنى إِذا َنظ َرت ني ما ِبهـــــا َر َمدٌ ِبفــــتو ِر َع ٍ َو ُت َ ــــم ريك ِعــــــرنيناً به َش َم ٌ َ َ َو ُت ُ اك عَىل جيل ِم ســــواك األر ِ والجـــيدُ منهــــــا جيدُ جازئ ٍة ِ َو َكأَنمَّ ا ُســـ ِق َيت َترا ِئ ُبهـــــــا عب أَد َر ُم ال َيب ُني لَ ُه وال َك ُ ني ُخصرِّ تا َو َم َشت عَىل َقد َم ِ
124
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
أَم هَ ـــــل لَها ِب َت َك ُّلـــم عَهدُ َف َكأَنمَّ ا هـــــــو َر َ يط ٌة ُجـــــر ُد َع َرصا ِتها َو ُي َقهـــــــ ِق ُه ال َرعــدُ حــــس َخل َفـــ ُه َســعدُ َو َي ُك ُّر َن ٌ لَهُــــام بمِ َــــــو ِر ُترا ِبها َســر ُد َنوراً َكأَ َّن ُزهـــــــــــا َء ُه ُبر ُد العـــــرى وين ُري ُه عهدُ واهــــي ُ إِلاّ املَـــــها َو َنقــــــا ِنقٌ ُربدُ َحتّى ُي َه ِّي َج َشأ َوهـــــــا الـــ ِور ُد َخدّى َكام َيتَنا َث ُر ال ِعـــــقدُ ر َاح ال َع َ سيف بمِ ل ِئهــا َيعـــدو إِلاّ بج ِّر ت َل ُّهـــــــفي دَعـــــدُ سن َفهُـــــــ َو لِ ِجل ِدها ِجلدُ ُ الح ِ فاح ٌم َجعدُ ضايف ال َغـــدا ِئ ِر ِ وال َفرعُ ِم َ ثل ال َليلِ ُمســـ َو ُّد الضدُّ الضدُّ ُيظهـــــِ ُر ُحسـ َن ُه ِ َو ِ َ ِّ َش ُ ـــخت املَ َخــــط أ َز ُّج ُممتَدُّ أَو ُمد َن ٌف لَماّ ُي ِفــق َبعـــــدُ َو ِبهـــــــا ُتداوى األَعينُ ُ ال ُرمدُ و ُتريك َخ ّداً لَــــــو ُن ُه الــــ َور ُد رَتلٍ َكأَ َّن ُرضا َب ُه َ الشـــــهدُ تعطــــو إذا ما طـــالهــا املَر ُد ســــن إِذ َتبدو الح َوالنَحـــ ُر ما َء ُ ِ َح رأسـ ِه َحدُّ ليس لِ ِ ٌ جـــــم َو َ و ُالينَتا َفتَكــــا َم َل ال َقـــــــدُّ
ديوان العرب
إِن لَم َي ُكن َو ٌ َيك لَنا صل لَد ِ كــــــان أَو َر َق َوص َل ُكم َز َمناً َ َقد لِ َّل ِه أشـــــــواقي إِذا َنز ََحت إِن ُتت ِهـــــمي َفتَهــا َم ٌة َوطني تضمرينَ لَنا َمت أَ َّن ِك َو َزع ِ ُ ُ الصدو َد فلمَ َوإِذا امل ِح ُّب َشكـــا ُ هي عىل َتخت َُّصها ِب ُ الح ِّب ُو َ أ َو ما َترى ِطمــــــ َريَّ َبي َنهُام يف َي َ الس ُ قط ُع وَهُ َو ذو َص َدأٍ َف َ الس َ يف ِحل َي ُت ُه هَ ل َتن َف َعنَّ َ َ مــــــت ِبأ َّنني َر ُج ٌل َولَ َقد َع ِل ِ رح َم ٌة َبردٌ عَىل األَدىن َو َم َ َمن ََع املَطـــــا ِم َع أن ُت َث ِّل َمــني َفأَ ُّ ظل ُحـــــ ّراً ِمـــن َم ّذ َّل ِتها يت أَمد َُح مقـــــرفاً أ َبداً آ لَ ُ يهات يأىب َ هَ َ ذاك يل َس َل ٌف ُ ــــم الجدُّ حارث َوال َبنون هُ ُ َو َ ولَئنِ َق َف ُ ــــوت َحمي َد َفع ِل ِه ُم َ طالبت يف َط َل ٍب أَج ِمل إِذا وإذا َصبرَ َت لجهـــــد نازل ٍة َو َطــــــري ِد لَيلٍ قاد ُه َســ َغ ٌب عت ُجه َد َب َ وس ُ شاش ٍة َو ِقرىً أَ َ َف َتصرَ َّ َم املَشـــــــتي َو َمن ِز ُل ُه ُث َّم انثنى َو ِردا ُّو ُه ِن َع ٌم لِ َي ُكن لَد َ َيك لِســــائِلٍ َف َر ٌج يا لَ َ يت ِشعــــري َبع َد َذلِ ُك ُم َ لم أَم صرَ ُيع ردى أصرَ ُيع َك ٍ
الصبا َب َة َفل َي ُكن َوعدُ َيشفـــــى َ َ الصدُّ َف َذ َوى ال ِوصال َوأو َر َق َ دا ٌر ِبنا ونوىً ِب ُكـــــم َتعدو يكــــن الهَـــوى َنجدُ نجدي ِ أَو ُت ِ ــــــع ال ُو ُّد ُو ّداً َفهَـــــلاّ َين َف ُ َ عــــــطف َع َلي ِه َف َقت ُل ُه عَمدُ ُي َ ــــب َفهكذا ال َوجدُ ما ال ُن ِح ُّ الجــــدُّ َر ُج ٌل أَلَ َّح ِبهَـــــزلِ ِه ِ َوالن ُ َصل َيفري الها َم ال ال ِغمدُ الحدُّ الجـــــال ِد إِذا َنبا َ َيو َم ِ َ َ َ روح أو أغدو ِ حــــات أ ُ يف الصالِ الحـــوا ِد ِث ما ِر ٌن َجلدُ َوعَلــى َ ً أَنيّ لِ َمع َولِـــــــها َصفا َصلدُ الحـــــــ ُّر ح َ طيعها عَبدُ ني ُي ُ َو ُ َ ــــب الرفدُ ديح َويَذهَ ُ َيبقى امل ُ َ خمد لهُـــم َمجدُ َخ َمدوا َولَم َي ُ نج َب الجدُّ َ َفزَكا ال َبنون َوأَ َ ِب َذميم ِفعـــــــيل إِ َّنني َوغدُ الجدُّ ُيغـــــني ع َ الجدُّ َنك ال َ َف ِ َ الجهـــــدُ فكأ ّنه ما َم َّســـــك َ َوهـــــناً إِليَ َّ َوســــــا َق ُه َبر ُد الجهدُ َوعَىل ال َك ــــريم لِ َضي ِف ِه ُ ِ حب لَدَيَّ َوع ُ َيش ُه َرغدُ َر ٌ َ َ الحمـــدُ َ أســــــدَيتُها َو ِردائيِ حســـن ال َر ُّد إِن لِم َي ُكن َفل َي ُ ومحــــــــا ُر ُك ِّل ُم َؤ ِّملٍ لَحدُ يس ِمنَ ال َردى ُبدُّ أَودى َف َل َ issue (6)- November - 2012
125
قصيدة وأغنية
األخطل الصغير وفيروز
القصيدة والصوت يحلقان معا
االخطل
االخطل الصغري من بني الشعراء الذين صدحت فريوز بشعرهم .غنت له عدة قصائد يظل اشهرها «يبيك ويضحك» ،و«يا عاقد الحاجبني». ومن دون شك فإن صوت فريوز ذهب بشعر األخطل اىل مسافات بعيدة ،كام بشعر غريه ،وبدال من ان تبقى القصيدة حبيسة دفتي كتاب صارت تحلق يف األثري محمولة عىل صوت الفنانة االسطورة. األخطل الصغري هو اآلخر من كبار شعراء الكالسيكية العرب، وقد حمل هذا اللقب تيمنا بالشاعر األموي األخطل التغلبي، ولد يف بريوت سنة ،1885ورحل يف سنة .1968عارص فحول شعراء الكالسيكية العرب كشوقي وبدوي الجبل والجواهري، ومل يبايع بإمارة الشعر العريب بعد شوقي سوى بشارة الخوري وعباس محمود العقاد ،ولكن األخطل الصغري عاش اكرث يف صويت فريوز ومحمد عبد الوهاب الذي غنى له عدة قصائد اشهرها «جفنه ع ّلم الغزل».
يبيك ويضحك الحزناً وال فرحا من بسمة النجم همس يف قصائده قلب مترس باللذات وهو فتى ٌ ما لألقاحية السمراء قد رصفـت لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن غدا َة ل َّو ْح ِت باآلمال باسم ًة ُ ولسان الحب يهتف يب ما همني ُ فالروض مهام ْ زهت قف ٌر اذا حرمت
126
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
كعاشق َّ خط سطراً يف الهوى ومحا ٍ ّ ومن مخالسة الظبـي الذي سـنحا كربعم لـمـسته الريح فانفـتحا عـنّا هواها؟ أرق الـحسن ما سمحا لكنت أرفق مـن آىس ومن صفحا الن الذي ثار وانقاد الذي جمحا اذا تبسم وجه الدهر أو كلحا جانح َّ صادح صدحا رف أو من من ٍ ٍ
فريوز
قصيد األسالف
امرؤ القيس
طريق َ ٌ ي خ ِف ّ األثر ُ
إمرؤ القيس :رسم متخيل
َ قال امرؤ القيس يف الب ْي ِت الثاين ِمنْ ُمع ّلق ِته:
فتوض َح فاملِقراطِ ْمل َي ْع ُف َر ْس ُمها ِ
نوب َ وشمأْ لِ لِام َن َس َجتْها ِمنْ َج ٍ
ثم عا َد َ السادس: ّ فقال يف الب ْي ِت َّ
َو َّإن ِشفائــي َع ْبــ َر ٌة ُم َه َراقـــــــة
فه َْل ِع ْن َد َر ْس ٍم دارس ِمنْ ُم َع َّولِ ٍ
خالد بلقاسم
issue (6)- November - 2012
127
قصيد األسالف
عىل ُم ْستَ َوى الظا ِهر ،يَ ْبدو كام ل ْو أ َّن مث ّة ت َعا ُرضاً بينْ أي إبْعا ُد ال ُع ُف ِّو عن ال َّر ْسم، الق ْولينْ .ما نفا ُه الق ْو ُل األ ّو ُلْ ، ِ ِ ِ هو ما َح َر َص الق ْو ُل الثاين عىل ن َْسخهُ ،مق ّرا ً أ َّن ال َّر ْس َم الس َ ؤال دارس .وق ْد َولَّ َد هذا ال َّن ْسخُُ ،منذ َز َمنٍ بَ ِع ٍيدُّ ، ٌ هل َعفا ال َر ْس ُم أ ْم ملْ يَ ْع ُف؟ ال ُوعو ُد التأويل َّية التايلْ : السؤال ،الذي نُعي ُد ط ْر َح ُه بخلفي ٍة املُضْ َم َرة يف أفق هذا ُّ ُمخالف ٍة لِ ُم َو ِّج ِ هات الق َدماء ،ال تَتَكشَّ ُف ِم ْن تَ ْرجي ِح ِ ِ جواب يُق ُّر ب ُع ُف ِّو واب يَط َمئنِ ُّ إىل َوضْ عٍ نها ٍّيئ لل َّر ْسم؛ َج ٍ ٍ ِ ِ ِ عى كهذا أ ْن يُلج َم س م أن شَ ن م ف . ه ئ قا ب أو م ال َّر ْس ْ َ َ ْ ً الس َؤ َال ويمَ ْ َن َع ا ْم ِتدادَهُ الحا ِمي لِت َج ُّد ِد امل َ ْعنى .اال ْم ِتدا ُد، ُّ كل تأويلٍ ،ال أس ِّ الذي يَ ُصو ُن هذا التَّ َج ُّد َد باع ِتبار ِه َّ يَتهيَّأ إالّ بتأ ُّملِ االل ِت ِ باس املُتَ َول ِِّد ِم َن الق ْولينْ ،ب َو ْص ِف ِه ِ باس َح ِقيقة ِم ْن َحقائِق امل َ ْوضُ وع امل ُثار يف البَيْتَينْ .فااللت ُ أصيلَ ،خ َّو َل ال ْمرئ باس ٌ بينْ َعفَا ِء ال َّر ْسم وبَقائِ ِه ال ِت ٌ القيس إضا َء َة َم ْعنى األثر ،فيام َخ َّو َل لِل ِقرا َء ِة أ ْن تَتّ ِخذ ُه َم ْسلكاً يَقو ُد إىل َج ْعل ال َّن ِّص القديم يَتَ َح َّدثُ لغة ِم ْن خارج َز َم ِنه.
بني قراءتني
اإلنصات لِ ِ هذ ِه اإلضا َءة وإل ْم ِ ِ كانات تَ ْحيي ِنها ،البُ َّد ق ْب َل ِم ْن إملا ٍح أ ّويل إىل ال ِقر ِ اءات القد َمي ِة ،التي را َم ْت ْاس ِت ْجال َء اال ْح ِت ِ امالت ال ّدالل ّية لِل َج ْمع بينْ َ َعفَا ِء ال َّر ْسمِ وبقائِ ِه يف ري. بنا ِء امرئ القيس لل َم ْع َنى الشِّ ْع ّ أ ْو َر َد اب ُن األنْباري ،يف ْاس ِت ْجال ِء هذا ال َج ْمع ،أ ْربَعة شرُ ُ وح. األصمعي إىل أ ّن ال َر ْس َم َد َر َس بَ ْعضُ ُه األ ّول؛ ذ َه َب فيه ْ وملْ يَ ْد ُر ْس كلّه .الثاين؛ َرأى في ِه أبو عبيدة أ ّن ا ْم َرأ القيس َفسه ،بق ْولِ ِه :ف َه ْل ِع ْن َد َر ْسمٍ ٍ دارس ِم ْن « َر َج َع فأكذب ن َ َ ُم َع َّول» .الثالث؛ َرفَ َع فيه أبو بكر محمد بن آدم البكري التناقض َع ْن ق ْول ا ْمرئ القيس ،برتْجي ِح امل َ ْعنى وآخَرون َ التايل :ملْ يَ ْد ُرس ال َّر ْس ُم ِم َن القلْب وإ ْن كا َن يف ذاتِ ِه االس ِتقبال لِ َرفْع اللَّ ْبس، دارساً .أ ّما الشرَّ ْ ُح ال َّرابع؛ ف َر َّج َح ْ مبَ ْع َنى أ ّن ال َّر ْس َم باقٍ ،لك ّنه َس َي ْد ُر ُس مبُرور ال َّز َمن. وحَ ،متى َو َّج َهتْها القرا َء ُة ال َح ِديثة تَ ْنطوي هذ ِه الشرُّ ُ ِ ِ تآويل الستنبات َ َص ْو َب ُسبُلٍ َجدي َدة ،عىل بُذو ٍر ْ مفتوح ٍة .يف الشرَّ ْ ِح األ َّول ،نَ ْنتَب ُه إىل أ َّن ال ُع ُف َّو ،مبا هو 128
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
َم ْح ٌو ،ال يكو ُن البتّة كلّياً .مث ّة ما يَتَ َمل َُّص في ِه َد ْوماً ِم َن كل َر ْسم. امل َ ْحو .يف الثاين ،تتكشَّ ُف الحَيرْ َ ُة التي يُولِّ ُدها ُّ حَيرْ َ ٌة تمَ ْ َن ُع ِم َن االط ِمئنان إىل ق ْو ٍل قا ّر ،ذلك أ َّن ما يَبْ ُدو ثبت ال َعكسِ . وهذ ِه َم ْم ُح ّوا ً ال يَ ْنف َُّك يُ ُ عارض ذات َه لِ ُي َ الحَيرْ َةُ ،التي ال َم َسها الشرَّ ْ ُح الثاين ِم ْن زَاوي ِة ما َسماّ ُه أبو عبيدة بتَ ِ ئيسة يف االقترِ اب ِم ْن ُهويَّ ِة كذ ِ يب الذاتَ ،ر َ ال َّر ْسم ،ب َو ْص ِفها ُهويَّة ا ْرتِيابيَّة ،ألنّها تَتَ َح َّد ُد يف ُصو َر ِة ال َّنفي ويف ُصو َر ِة اإلثبات ،بل تَتَح َّد ُد ،كام َسيَأيت بَيَانُهُ، بال َج ْمع بينْ َ ال َّنفي واإلثبات .الشرَّ ْ ُح الثالثُ ؛ يَ ْستَ ْو ِع ُب َ التناقض ِم ْن َم ْو ِقع التَّ ْمييز بينْ َ ال َّر ْسمِ املا ّد ِّي وال َّر ْسمِ ال َّنفسيِ ِّ ،وبذلك يَشُ ُّق هذا الشرَّ ْ ُح إ ْمكاناً ت َأويل ّياً أبْ َعد ِم َن التَّ ْمييز الذي قا َم عليْه .أ ّما ال َّراب ُع فيرَ َى ال َّد ْر َس كل َر ْسمُ ،م ْد ِمجاً َسطْ َو َة ال َّز َمن يف َمصريا ً ُم ْستَقبَليّاً لِ ِّ كل بَقاء. ت َقرير ال َهشاش ِة أفقاً لِ ِّ امل ُ ْحتَ َم ُل يف امل َ ْعنى الجا ِمع بَينْ َ ال ّنفي واإلثبات يَقو ُد إىل ْاستيعاب هذا ال َج ْمع ب َو ْص ِف ِه ُمال َم َسة بَ ِعيد ًة لِ َحقيق ِة األثرَ .ع ْن ِ تس َّنى الق ْول :إ َّن مث َّة شَ يْئاً هذ ِه امل ُال َم َسة ،يَ َ ِ أي ما يُ َنبِّ ُه َعفا وما َعفا .هذا ما تُ َنبِّ ُه عليْه القصي َدةُْ ، الخاصة، عل ْي ِه الشِّ ْع ُر وهو ينفُذِ ،م ْن َم ْو ِقعِ َم ْعرف ِت ِه َّ كل أثر ،مبا هو َعفَا ٌء وبقا ٌء يف آن .إنَّها إىل َحقيق ِة ِّ كل ما يُصي ُب ُه ال ُع ُف ُّو وامل َ ْح ُو والتّل َُف وال َّد ْرس. َحقيقة ِّ ِم ْن ُهنا تَتَبَ َّدى َحيَويَّة إشرْ َ ِ اك امل َ ْعرف ِة الشِّ ْعريَّة يف َص ْوغ ِ َفهومات ال ِفكريَّة. امل ما يَ ْد ُر ُس ال يمَ َّحي كلِّية .ل ْي َس مث َّة َم ْح ٌو تا ٌّم .ما يَ ْعفو وح الق َد َماء ،كام َس َب َق يَ ُعو ُد يف ت َ َب ُّدالتِه .وق ْد ال َم َست شرُ ُ ُ أ ْن أمل َ ْحنا ،ان ِْطوا َء ال َّد ِ ارس عىل ما يَ ْبقى .يف هذه الع ْو َدة، ِ ارس باقٍ ، يكو ُن ال ُع ُف ُّو هو ذاتُ ُه امل ُ َؤ ِّم ُن لِبَقاء ما َعفا .ال ّد ُ إذن ،إالّ أنَّ ُه ال يُ َرى إالّ ب َعينْ الشِّ ْعر التي تنفُذ إىل أ ْغ َوار التفا ُعل بَينْ َ َز َمن التذكّر و َز َمن ال ّنسيان .بَقا ُء ما َد َر َس َسا ٍر يف تَ َح ُّولِ ِه إىل أثر .ول ُربمَّ ا كان َْت َحقيقة األثر ُمضْ َم َر ًة األصلِ .ف ْع ُل السيرْ ُو َر ِة امل ُ َعق َد ِة لِلتَّح ُّول الذي يمَ َ ُّس ْ يف َّ السيرْ و َر ِة هو ،يف اآلن ذاتِ ِهِ ،ف ْع ُل َصيرْ و َرة .هكذا ت َ ْغ ُدو َّ ِ ِ ِ داخل أصلٍ كامنة يف تَبَ ُّدالت ما يَ ْنفص ُل ع ْنه َ حيا ُة ِّ كل ْ ٍ َ األص ُل هو ى، ن ع مل ا بهذا ، ر األث هي. ت ن ي ال ل و ح َْ َمسا ِر ت َ َ ُّ َ ْ َ ْ ُ ُمتَ َح ِّوالً يف ال َّز َمن وامل َ ْعرف ِة واللغ ِة وال ّن ْسيان الف َّعال.
ديوان العرب
امرؤ القيس َم ْعنى أضاء ْ خ َّو َ األثر ،فيما َ ء ِة ل ِل ِ لقرا َ سلك ًا يَقو ُد أن تَتّ ِخذ ُه َم ْ ْ ص القديم إلى َ ج ْعل النَّ ِّ ح َّد ُ ن خارج يَت َ َ ث لغة ِم ْ ز َ َم ِنه
األص َل ِم ْن ْرج ْ بال ُع ُف ِّو ذاتِ ِه يَبْقى ْ األصل .لك َّن ُه بقا ٌء يُخ ُ َوضْ ِع ِه األ َّول ويَ ْج َع ُل ُصو َرتَ ُه تَتَل َّو ُن ب َز َمن التَّذكّر و َز َمن الصو َر ِة ال ّنسيان ،ومبا يُ ْح ِدثانِ في ِه ِم ْن ف َْصلٍ يُ ْب ِعدُهُ َع ْن ُ انطلقت ُمعلّقة ا ْمرئ األوىل لِ َي ْبقى يف الت َب ُّدل .لذلك ْ القيس ِم ْن أ ْم ٍر ٍّ دال ،يَ ُحثُّ عىل ال ُوقوف ،مبا يَتَطلّ ُب ُه ِ الصام ِت يف األثر .إنَّ ُه أ ْم ٌر ِم ْن تَأ ٍّن وتمَ َ ُّعنٍ ،بغاي ِة َسماَ ِع َّ باالستغراق يف ُحضو ٍر باالن ِتقال ِم ْن َز َمنٍ إىل آخَر ،أ ْم ٌر ْ قائمٍ عىل ال ِغياب. يل ،قرا َء ُة بَ ْيتَ ْي ا ْمرئ يَتَم َّن ُع ،يف ض ْو ِء هذا امل َ ْن َحى التَّأوي ّ السابقينْ يف انْ ِفصا ٍل عن ال َّد ْع َو ِة األوىل؛ َد ْع َو ِة القيس َّ ِ ِ ِ ِ االس ِت ْهالل« :قفا نَبْك من ِذكرى الوقوف امل ُكثفة يف أ ْمر ْ ِ ِ ٍ اج إىل قرا َءة َحديثة ٍ حبيب َو َم ْنزل» .إنَّها َد ْع َو ٌة ت َ ْحتَ ُ ودي يف األ ْمر بال ُوقوفِ ، ِ ت ِ بخ ِ الف ج و ال د ع ب ال ن ع ف ُ َكش َ ُ ْ ُ ُ ِّ ما َه ْي َم َن عىل إضا َء ِة الق َدما ِء له .ذلك أ َّن ال َب ْي َت األ َّو َل فتوح عىل تأويلٍ ال نِها ّيئ. ِم ْن ُم َعلّق ِة ا ْمرئ القيس َم ٌ لق ْد ت َ َو َّج َه شرَ ْ ُح الق َد َماء لأل ْمر امل ُتص ِّدر لل ُمعلَّقة إىل ْاس ِت ْجال ِء ُم َس ِّو ِغ األلِ ِف يف « ِقفا» .وأ ْو َر ُدوا بشَ أنِ ِه ثالثة أقوال .األ ّول؛ أ ْن يَكو َن الشا ِع ُر خاط ََب اثنينْ .الثاين؛ أن خاطب َر ِفيقاً واحدا ً َوث َّنى .الثالث؛ أ ْن «يَكو َن أ َرا َد يكو َن َ ِق َف َن بال ّنون ،فأبْ َد َل األلِ َف ِم َن ال ّنون ،وأ ْج َرى ال َو ْص َل عىل ال َوقف» .غيرْ َ أ َّن هذا التَّ َو ُّج َه يف الشرَّ ْ ح َح َج َب ذخائِ َر ال َّد ْع َو ِة يف ت َْص ِدير ن ٍَّص ت َِأسيسيِ ٍّ ،وأ ْخفَى بُ ْع َد َها
ال ُو ُجو ِد َّي ،وأ َّج َل اإلنْصاتَ أل ْمر ال ُو ِ قوف يف َعالق ِت ِه ِ بال َعفا ِء وامل َ ْحو والبقا ِء والتب ُّدل ،أي يف عالقته باألثر. ِ الوقوف ت َ ْنطَوي ال َّد ْع َوةُ ،يف ْاس ِت ْهال ِل ن ٍَّص ت َِأسيسيِ ّ ،إىل ليس بَسيطاً .إنَّ ُه يَ ْحت ِف ُظ بتشَ ُّع ٍب عىل التَّ َن ُّب ِه إىل أ َّن األث َر َ واس ِتغراقاً؛ إنصاتاً ٍّ خاص يَقتَيض إن َْصاتاً خالِصاً ،أي وقفة ْ ِ ِ ِ يُشرْ ُك ما َء ال َج َسد ،ليَ ْعبرُ َ بالبُكاء إىل ما ال يَ ْعفُو يف ال َّر ْسمِ .
بعد وجودي
طابَ ُع التَّشَ ُّعب يف األثر يَ ُعو ُد إىل ثالث ِة َع َناصرِ َ عىل ّ والسكن األقل .أ ّولها أنَّ ُه ُم َؤ َّس ٌس عىل ت َدا ُخلٍ بَينْ َ ال ُح ِّب َّ ( َحبيب و َمنزل) ،مبا يَترَ َت َُّب عن هذا التَّداخُل ِم ْن ِ تَ َح ُّو ٍل يف ف ْهمِ امل َكان و ِمن انْ ِفصا ٍل لِل َمكان ع ْن بُ ْعد ِه وض األثر عىل َز َمنٍ يَتَداخ َُل في ِه ال ُجغرا ّيف .ثانيها؛ نُ ُه ُ كل ت َقابُلٍ بَ ْين ُهام ،أل َّن العالقة التَّذكّ ُر بال ّنسيان ِم ْن خَار ِج ِّ بَينْ َ ال ِف ْعلينْ ُم َع ّق َدةٌ ،بها يَتَ َح َّر ُر ال َّز َم ُن ِم ْن َمفهو ِم ِه العا ّم، أي ِم َن الجانِ ِب امل َ ِق ِ يس فيه .ثالثُ ال َعناصرِ ؛ أ َّن األث َر َعفَا ْ وما َعفا. والسكن َد ْع َو ُة ا ْمرئ القيس إىل ال ُوقوف عىل أثر ال ُح ّب َّ ت ِ جودي لل َّر ْسم ،أي لِماَ يَ ْعفُو دو َن أ ْن َكش ُف ال ُب ْع َد ال ُو َّ يَ ْعفُو .والبُ َّد م َن االن ِتبا ِه إىل اال ْم ِتدا ِد الذي شَ ِه َدت ْ ُه َه ِذ ِه ال َّد ْع َو ُة يف الشِّ ْعر الجا ِهيل َو ِه َي ت َ ْحضرُ ُ ِ بصيغٍ َع َّد َد ِت امل ُخاطَب ( ِقفِ /قفيِ /قفوا ).../يكْ نُ ْد َرك ت َجا ُو َب issue (6)- November - 2012
129
قصيد األسالف
ري ،تَ ْدعيامً لِ َن َسبها إىل الوا ِقفني عىل األثر ،وامل ُ ْن ِصتني، الشُّ َعرا ِء َم َع َها ،ب َو ْص ِفها َسامعاً ُم َو َّجهاً إىل ال َح ِميمِ يف ِش ْع ٍّ الصميم يف ال ُو ُجود .و َحتَّى ِع ْن َدما تَ َر َّد َد ال َحياة ،وإىل َّ ِش ْعرا ً ،لل ّدعو ِة املُتَ َص ِّد َر ِة لِ ُمعلّق ِة ا ْمرئ القيسِ ،م ْن غيرْ َص َدى ِ أ ْن نَ ْنسىَ الشَّ ا ِه َد القرآين ،أيضاً ،الذي يُو ِم ُئ إىل ال َح ُمولةِ ظل هذ ِه ال َّد ْع َوة يف َز َمنِ ما بَ ْع َد الجاهليّةَّ ، اإلسال ُم يف تأ ُّمل األثر. والسكن ،مبا ال ّدي ِن َّية التي استَ ْن َبتَها ْ ُم ْنطَوياً عىل َما ل ُه ِصلة بال ُو ُجود ،أي ال ُح ّب َّ اب َع ْن ُهام منطقة أث َري ٌة لِتَشَ كُّلِ األثرَ .ص ِح ٌ يح أ َّن هذه ال َّد ْعوة يف ُمن َجز كِتاب «املنازل والديار» ،ت َ َح َّو َل ال َج َو ُ أي ال َّد ْع َو ِة القا ِد َم ِة ِم َن البدايَ ِ ات األوىل لِلشِّ ْعر ال َع َر ّيب ،إىل تَ َح َّولت ،يف ال َع ِد ِيد ِم َن القصائِ ِد إىل تَ ْركِ ٍ يب ُمتَ َصلِّبْ ، خاب َم ِ قاط َع ِش ْعريَّ ٍة ا ْعتَ َنى فيها أصحابُها بال ُو ِ قوف يب َميِّ ٍت ُم ْنف َِصلٍ َعنِ التَّ ْجربَ ِة ال َحيَّة للشا ِعر، إىل تَ ْركِ ٍ ان ِت ِ ِ ِ ِ عىل ال َّدارس م َن امل َ َنازل وال ِّديار وامل َغاين واألطْالل بالصميم يف ال ُو ُجود َم ّك َنها م ْن لك َّن اقترِ ا َن ال َّد ْع َوة َّ أ ْن تَخترَ َق َز َم َنها إىل أز ِمن ٍة ِ وال ُّربُوع وال ِّد َمن وال ُّر ُسوم واآلثارَ ،وإىل ِح ْر ِص أسامة بن الحقة ،بَ ْع َد أ ْن تَل َّون َْت مبا ُمنقذ عىل َص ْونِ امل ُ ْنتَخ َب ِ ات والتأليف بَ ْي َنها ،مبا يَضْ َم ُن يَقتَضي ِه هذا االخترِ اق .ولنا أ ْن نَتَ َسا َء َل ،يف ض ْو ِء ال َو ْعي لها حيا ًة َج ِدي َدة عبرْ َ ت َجا ُورها .وق ْد َع َّز َز أسامة ب ُن من ِقذ بهذا االخترِ اق :أل ْي َس ما قا َم ب ِه أسامة بن ُمنقذ (488 َاب مبَ ِ قاط َع ِم ْن ِش ْعر ِه الشَّ خْيص. ِف ْع َل االن ِتخ ِ – 584هـ) بَ ْع َد قرون ،عبرْ َ امل ُختارات التي انتَ َخبَها َعنِ ِ خاب ،يف الكتاب ،هو الوقفة ذاتُها .وهي وقفة ال ُّر ُسومِ واألطالل واآلثار يف كتابه «املنازل والديار»، االنت ُ ِ ْلق، خ ت و اء ر ع الشُّ ن م الواقفني إىل د و ع ت ّها ن أل فة، ع ضا م أليس َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ ْاستجابة ال شُ ُعوريَّة لِ َد ْع َو ِة ا ْمرئ القيس األوىل؟ َ مبا اختا َرتْ ُه ِم ْن ن ُُص ِ وصهم ،تَ َجا ُورا ً بينْ َ ِ مقاط َع من الكتاب َوقفةِ ،م ْن ج َهة ،وا ْح ِتفا ًء بالواقفني عىل اآلثار ُ ِم ْن ج َه ٍة أ ْخ َرى ،وإ ْن ِ ارب ُمتَ َباي َن ٍة ُصلباً يف خاب كانت ال َّدوا ِعي امل ُ َباشرِ َ ُة لِالن ِت ِ ِش ْعرهم ،ف َيغ ُدو األث ُر القاد ُم ِم ْن ت َ َج َ كل ُع ُف ٍّو ،ألنَّه أصاب ال ُج ْز َء الشاميل ِم ْن سورية الكتاب ِة واالن ِتخَاب وال َج ْمعُ ،متَ َملِّصاً ِم ْن ِّ ُم ْرتَبَطة بال ِّزل َزال الذي َ ِ ِ يَغ ُدو يف حامية التأويل ،الذي يمَ ْتَ ُّد به ويُشَ ِّع ُب َم َسالكه. عام 552هـ ،وفق َد في ِه أسامة ب ُن منقد أ ْهل ُه وأحبابَه؟ َمتَى نَف ِ وكتاب «املنازل والديار» َمتنْ ٌ َرفي ٌع لِ ِقرا َء ِة األثر و ِقراء ِة َذت ال ِقرا َء ُة ِم ْن ظا ِهر ال َّد َوا ِعي إىل ال شُ ُعور هات ال َخ ِف َّي ِة له ،ت ََس َّنى لها أ ْن تَ ْع َرث امل ُ َو ِّج ِ االن ِتخاب وإىل امل ُ َو ِّج ِ هات ال َجامل َّي ِة وال ُو ُجو ِديَّ ِة لِ ِف ْعلِ االنتخاب ،مبا هو يل .كام أ َّن هذا امل ُؤل ََّف يُ َوف ُر أ ْرضأً ِ عىل ط ْي ِف امرئ القيس يف هذا ال َع َمل .لِ ُن ِ فسي َحة نص ْت لِ ُم ْم ِكنِ ِف ْع ٌل تأوي ّ عاب التي خطَّتْها َد ْع َوة امرؤ القيس األوىل هذا النفاذ. لِ ُمصا َحبَ ِة الشِّ ِ ِ ِ ِ ِ يَ ُ يف مطلع ُمعلَّقته. قول أسامة بن ُمنقذ يف تَ ْعليل انتخَابه ملُخْتارات ُم َؤلَّ ِفهَ « :دعاين إىل َج ْمعِ َهذا ال ِكتاب ،ما َ ين َبغي أال نَ ْنسىَ ،يف سياق تأ ُّمل ال َّر ْسمِ بينْ ال َعفا ِء نال بال ِدي الس َ ؤال الذي ْاستَ ْن َبتَ ُه ا ْمرؤ القيس يف ُمعلّق ِت ِه. وأ ْوطاين ِم َن ال َخراب؛ فإ َّن ال َّزما َن َج َّر َعل ْيها ذيْلهُ، والبقاءُّ ، فأص َب َح ْت «كأ ْن ملْ ُس َؤ ٌال نُعي ُد َص ْوغ ُه عىل ال َّن ْحو التايل :أيُ َع َّو ُل عىل وصرَ َ َف إىل تَ ْع ِف َي ِتها َح ْولَ ُه و َح ْيلهُْ ، تَ ْغ َن باأل ْمس» ُم ِ وحشَ ة ال َع َر ِ ويل أخَذ ،يف الشِّ ْعر ال ّدارس؟ الال ِف ُت أ َّن هذا التَّ ْع َ صات بَ ْع َد األنْس ،وق ْد األقل اختَ َّص بها ،أل َّن الجا ِهيلَ ،م ْعنى امل ُحا َو َرة ،أو عىل ّ َدث َر ُع ْمرانُها ،و َهل ََك ُسكّانُها ،فعادَتْ مغانيها ُرسوماً، ِ ِ ِ ٍ واملَسرَ َّاتُ بها حَسرَ َ ٍ ري َ أضاف إل ْيه ت ََسا ُؤالً ت َ َر َّد َد يف ع ش د دا ت م ا ن م د ه شَ ما ْت عليها َهُ ات و ُه ُموماً ،ولق ْد َوقف ُ ْ ْ ٍّ ُمعظم القصائِ ِد َع ْن إ ْمكان تَكليمِ ال َّر ْسم ،الذي ت َ َح َّو َل إىل وهي «أ َّو ُل أ ْر ٍض بَ ْع َدما أصابَها ِم َن ال َّزالزل ما أصابَهاَ ، ُس َؤا ٍل َع ْن َج ْد َوى ُمحا َو َر ِة األثر. َم َّس جلدي تُرابها»». الص ْدفة أ ْن يَتَخل ََّل ِ كل الشُّ عراء ان َجذبوا ،عىل نَ ْح ٍو ّماَ ،ص ْو َب ُمحا َو َر ِة األثر، صيص ُّ هذ ِه ال ِفق َر َة التَّ ْن ُ ليْ َس ِم ْن قبيلِ ُّ ِ ِ ياب ْت ،»...الذي بصي َغ ِة التَّ ْوكِ ِيد عىل ال ُوقوف« :ولق ْد َوقف ُ حتَّى و ُه ْم يَ ْرتابون يف َج ْد َوى هذا الف ْعل .فكا َن االرت ُ ذاتُ ُه ِ انخراطاًَ ،مب ْعنى ّما ،يف امل ُحا َو َرة. ن َْس َم ُع فيه َجواباً عىل َد ْع َو ِة ا ْمرئ القيس ال َبعيدة. وليس َع َبثاً أ ْن ت َْستَع َني ال ِفقر ُة يف َص ْو ِغها عىل شا ِه ٍد َ 130
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ديوان العرب
كتاب «المنازل والديار» السابقُ ،م ْن ِت ٌج للتَّ َع ُّد ِد واالخ ِتالفَ .معنى ن ْعرثُ الشرَّ ْ ِح َّ عليْه ،أيْضاً ،يف اللغة العربيَّة ،التي جا َء فيهاَ « :عفا ء ِة األثر َم ْت ٌ ن رَفيعٌ ِل ِقرا َ ِ الشيَّ ُء يَ ْعفو ُع ُف ّوا ً ،إذا كرثَ» .التشبيهُ ،يف بَيْت جرير، جماليَّ ِة ج و ِق هات ال َ م َو ِّ راءة ال ُ ِ ِ يَ ْستَ ْجيل االخ ِت َ الف يف امل َ ْم ُح ِّو ،بل إ َّن ال ُع ُف َّو هو ما يُ ْن ِت ُج ل االنتخاب، وال ُو ُ جو ِديَّ ِة ِل ِف ْع ِ االخ ِتالف .ما َد َر َس ِم َن املأوى أث ٌر ُمتَع ِّد ٌد با ْخ ِتال ِف ِه الذي بما هو ِف ْع ٌ تأويلي ل ّ ن ََس َج ُه البِىل ،أي امل َ ْحو (ريش حامم ٍة محاها البِىل). اللّ ْو ُن امل َم ُح ُّو ُمتَ َع ِّد ٌد ،لك َّن ُه باقٍ .أال يَتعل َُّق األ ْم ُر بالل ْون ال َّن ْفسيِ ِّ الذي ت َْصطب ُغ صو َرت ُ ُه ب َو ْج ِد الوا ِق ِف َني عىل األثر؟ إىل جانب هذا ال ِغنى الذي يَ ْنطَوي عل ْي ِه تفا ُعل بَ ْي ِت دروب رسية لنا أ ْن نَ ْنتَب َه إىل أ َّن التسا ُؤ َل َع ْن َج ْد َوى ُمحا َو َر ِة األثر ال جرير مع ما أ ْر َستْ ُه ُمعلّقة امرئ القيس ،مث ّة أيضاً يَ ْنف َُّك يَعو ُد يف الشِّ ْعر القديم ،مبا يَ ْج َع ُل ِ هذ ِه الع ِو َدة ،االن ِْخ َرا ُط يف ُمحا َو َر ِة األثر ،عىل نَ ْحو ما هو بَينِّ ٌ ِم ْن نِهايَ ِة البَيْت .فهي ت ُش ِّد ُد عىل َص ْم ِت ال َّر ْسم .لقد اقرتَ َن هذا تياب، يف ذاتِها ،رضو َر ًة ُوجو ِديَّة حتَّى وإ ْن غلَّفَها اال ْر ُ الص ْم ُت ،يف الغالب العا ّم ،بالال َج ْد َوى وبال َع ْجز عن تياب ُمتولِّ ٌد ِم ْن حَيرْ َ ِة االنجذاب نَ ْح َو ما َّ بل إ َّن هذا اال ْر َ ِ ِ ِ ِ سيِ َ الصمت. ه قول ي ما هو ه ت ء ا ر ق يف ن مل ا ن أ غ الكالم. َ َّ يف الف خ ال ى. و د ج ون د ب الظاهر، يَ ْب ُدو ،عىل ُم ْستَوى َ ُ َّ ُ ََْ يرْ َ َ ْ َّ لت هذا التَّسا ُؤ َل إىل ٍ الص ْم ِت كالماً تقليد أ َّن ال َع ْو َدة امل َ ِّيتَة ،التي َح َّو ْ ذلك ما يَتطل َُّب تأويالً ينطلِ ُق ِم ْن َع ِّد هذا َّ باالس ِتغراق الذي تتطلَّ ُب ُه ري ٍّ جاف وجا ِم ٍد ،ق ْد أف َر َغتْ ُه ِم َن ما ِء ال ُّن ُزوع نَ ْح َو خ ّ َاصاً ال يُ ْس َم ُع إالّ بالقلب ،أي ْ ِش ْع ٍّ ِ الوقفة الشِّ ْعريَّة يكْ ت َْستقي َم ُرؤية ما ال يُ َرى. ْاس ِتغوار ما يَبْقى يف ال َعفاء وب ِه .ولك ْن ،كلّام تولَّ َد ِت ِ ِ أويل يف تأ ُّمل األثر، انطلق التّ ُ باس ،الذي من ُه امل ُحا َو َر ُة َع ْن تَ ْجربَ ٍة َحيَّةَ ،م ّك َن ِت اللغة الشِّ ْعريَّة َ يَقو ُد االلت ُ كل أثر إىل َرفعِ التعا ُرض بينْ ال َعفا ِء والبقاء ،أل َّن َح ِقيقة ِّ ِم َن ال َّنفا ِذ إىل ال َب ِع ِيد وأبَان َْت َع ْن َج ْد َواها ال ُو ُجو ِديَّة تظل َم َسالِ ُك التَّأويل تقو ُم عىل هذا االل ِتباسَ .و َس ْو َف ُّ وال ِفكريَّة والشِّ ْعريَّة ،ال ال َج ْد َوى امل َ ْح ُجوبَة بامل َنف َع ِة ْصيب ما امل َ ْر ُسومة يف ت َْصدير امل ُعلّقة يف حاج ٍة إىل تَخ ٍ ال َوظيف َّية اآلن َّية. ِ ِم ْن بَينْ امل َ َوا ِقعِ امل ُْس ِع َف ِة أيْضاً يف ْاس ِت ْجالء َح ِقيق ِة األثر ،ملْ نُ َعضِّ دها مبا تُتي ُح ُه اللغة العربيَّة من ت َوغُّلٍ لل ِقراءة. ف ِمن أسرْ ار اللغ ِة العربيّة أ َّن َّ دال «ال َّدرس» ،فيها ،يَعني مبا هو َعفا ٌء وبقا ٌء يف آن ،مث َّة التَّشابي ُه التي بها ن ََسج ِ َّريق ال َخ ِف ّيَ .م ْعنى َخال ٌّق ،ب ِه ْاس ْرتشَ دنا يف بنا ِء ط ال ل ه، َ الشُّ َع َرا ُء تَ َخ ُّيل ُهم لِل َّدارس .إنَّ ُه َم ْوضو ٌع ُمستَ ِق ٌّل بذاتِ ماَ يعاب األثر ب َو ْص ِف ِه طريقاً ال ذب فيها التشبي ُه األث َر التأويل .ف ُهو يُ ْريس اس ِت َ يَ ِع ُد ب ِه ِم ْن َم َسالِ َك تَأويل َّي ٍة يَجتَ ُ يُ َرى؛ طريقاً يُطالِ ُب عابريه ب َبص َري ٍة نَفّاذ ٍة ت َق َرأ امل َ ْم ُح َّو، نَ ْح َو ال َوشْ مِ والكتابة وغيرْ هام ِم َن املناطق التخييل َّية. خاص لذلك نَكتَفي بالتَّ ْمثيلِ لِماَ يَ ْنطَوي عليْ ِه التشبي ُه ِم ْن أي ال َخ ِف ّي .األث ُرَ ،و َ فق هذا امل َ ْع َنى ال َخالّقَ ،مسا ٌر ٌّ ِ ِ يَقتيض َعيْناً َمنذو َر ًة القتفاء ما ال يُ َرى. ُوعو ٍد تأويليَّ ٍة ببَيْ ٍت لِجرير؛ في ِه نس َم ُع ما أ ْرسا ُه ا ْمرؤ كف الشعرا ُء عن ْاس ِتغوار ما يَ ْد ُر ُس ،إذن ،هو ما ال يَ ُّ القيس يف ُم َعلّقته ،جا َء فيه: أسرْ ار ِه وتقليب أ ْز ِم َن ِت ِه واإلن َْص ِ ات لِل ِغياب امل َ ْوشُ وم فيه، ريش َحامم ٍة َمحاها البِىل كأ َّن ُر ُسو َم ال ّدار ُ عابرين بال َعفاء إىل البقا ِء الذي تُ َؤ ِّم ُن ُه اللغة الشِّ ْعريَّة، فاست ْع َج َمت أ ْن تكلَّام ْ ِ قبْل أ ْن يَ ْستَلِ َمها الق ّرا ُء ويُواصلوا َسماَ َع نِ َداء األثر فيها رشح أيب عبيدة معمر بن املث ّنى لهذا البَيْت ،قال: يف ْ ِ ٍ ِ ٍ ِ ِ «شبَّ َه ال َّدا َر ِ باستالمِ الكتابة ،ث َّم القراءة بَ ْع َدها، ميل بريش َحام َمة ال ْختالف ل ْونِها» .تَ ْح ُ عبرْ َ طُ ُرقٍ ال َم ْرئِيَّةْ . ِ ِ و ، د ع ي ن و الل الف ت خ فق تأويلٍ َمفتوح ،لألثر ،يَ ْغ ُدو ُصلباً ألنَّ ُه يَشُ ُّق ُد ُروباً سرِ ِّ يَّة التّشبي ِه َمعنى ا ْ ْ ُ َ ضِّ ُ َ َ األصيل يف بَ ْيتَ ْي امرئ القيس .فال ُعف ُّوَ ،ح َس َب َ باس االل ِت َ issue (6)- November - 2012
131
أعمدة الشعر
محمد مهدي الجواهري
الشاعر في ذكراه بهاء الديباجة القديمة
كانت قصائد ّ بحق ،ديوان الجواهري العرب في القرن وس ّ جل العشرينِ ، أخبارهم ،ومستودع أيّامهم
الجواهري وأدبي مختلف.لم يكن يعيش كان الجواهري ينتمي إلى ساللة شعريّ ة أخرى ،وينتسب إلى تاريخ فنّي ّ
هاجس الحداثة وإنما هاجس استمرار التراث
محمد الغزي
132
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ديوان العرب
مازالت
صورة الجواهري بقامته الفارعة، وطاقيته املائلة ،ومسبحته التي يسلسل ح ّباتها باستمرار عالقة بذاكريت ..رأيت الرجل يف أماكن مختلفة ،ويف فرتات متباعدة ،لكنّ صورته ظ ّلت واحدة مل تتغيرّ ّ ..مثة إحساس كان يخالجني ك ّلام رأيت الجواهري هو أ ّنه أراد ،عن وعي عامد ،التش ّبث بتلك الصورة والحفاظ عىل تفاصيلها الصغرية ،فلم يسع إىل ثم ّإن الزمن قد تواطأ معه فلم تغيريها أو تحويرهاّ .. يؤ ّثر يف مالمحه ،عىل امتداد سنوات طويلة ،تأثريا واضحا، ّ سني حياته األخرية. فظل هو هو حتّى ّ كان الجواهري كلام حرض مهرجانا شعريا أو ندوة ثقافية لفت إليه االنتباه .فللرجل «كاريزما» تجعله قويّ الحضور بني الناس .فهو يش ّد األنظار قبل أن يش ّد األسامع .ارتفاع قامته يجعله بارزا للعيان وصوته املجلجل يجعله ّ محط أنظار الجميع ،لكن حضور ال ّرجل كان يتجلىّ أقوى ما يتجلىّ حني يعتيل املنرب وينشد قصائده .كان ،يف أكرث األحيان ،ال يستعني بورقة ،وإنمّ ا يع ّول عىل ق ّوته الحافظة، فيقرأ القصيدة ،مهام تعدّدت أبياتها ،دون تردد ،تاركا املجال ليديه أن تتح ّركا ،ولعينيه أن تحدّقا يف عيون الحارضين ،ولجسده أن يفصح عن أحاسيسه وانفعاالته، مستحرضا من خالل نربته العالية، مراسم اإلنشاد التقليد ّية .أذكر أ ّنني اقي ماجد السام ّرايئ كنت والناقد العر ّ نستمع للرجل يف إحدى اللقاءات األدب ّية وهو يرفع صوته يف ما يشبه اقي :أنا النشيج فقال يل الناقد العر ّ عىل يقني ّ بأن الشعراء القدامى كانوا ينشدون قصائدهم بهذه الطريقة وبهذه النربة .هكذا كان يتغنّى البحرتيّ واملتن ّبي وبشار بقصائدهم. وليس ذلك بغريب عن شاعر ّ ظل ،طوال حياته املديدة، يستحرض أرواح الشعراء القدامى ،يتامهى معهم، ويستدعي طرائقهم يف ترصيف القول وإقامة الوزن وعقد القوايف .فالجواهريّ ، ظل وف ّيا للسنّة الشعر ّية ،ما فتئ ،يستعيد ،من خالل قصائده ،أصولها ،ويعيد إنتاج
عنارصها..محتذيا أمنوذجا قامئا يف الذاكرة اكتسب ،من يحب أثر تكرار بعد تكرار ،رضبا من القداسة .فهو ،كام ّ أن يصف نفسه ،شاعر «السليقة العرب ّية» ير ّد عنها غوائل الزمن وعوادي التاريخ لتبقى محتفظة بصفائها األ ّول الوطني الذي يع ّد غرضا ونقائها القديم .حتّى الشعر ّ شعر ّيا جديدا مل يتح ّرر من ذاكرة القصيدة التقليد ّية صورا وتراكيب وإيقاعا .فالجواهري كان آخر شعراء القصيدة ،باملعنى التقليدي ملصطلح القصيدة .عن طريقه ّ ظل الرتاث يواصل حضوره امليضء ،واللغة العرب ّية تواصل بيانها القديم .لهذا كانت لقصائده رهبة يف السامع. فليس الشاعر هو الذي يتك ّلم من خاللها وإنمّ ا التاريخ، واللغة ،وذاكرة العرب الذاهبة بعيدا يف الزمن. مل ته ّز رياح التحديث الشعري التي عرفها العراق قناعات الجواهري ،ومل ترتك قصيدة الر ّواد يف مد ّونته أيّ أثر يذكرّ . لكأن الجواهري كان ينتمي إىل زمن غري زمن شعراء الحداثة .ففيام كان هؤالء يحاورون إليوت وستويل وأراغون كان الجواهري يحاور املتن ّبي واملع ّري والبحرتي ،وفيام كان شعراء الحداثة يسعون إىل الخروج عن اللغة القدمية ودالالتها املوروثة وبنيتها اإليقاعية القدمية ،كان الجواهري، عىل العكس من ذلك ،يستعيد الذاكرة الشعر ّية ،محتفيا بالبالغة التقليد ّية، مستحرضا بهاء الديباجة الشعرية األوىل. كان الجواهري معهم لكنّه مل يكن منهم. فالرجل كان ينتمي إىل ساللة شعر ّية أخرى ،وينتسب إىل تاريخ فنّي وأد ّيب مختلف ..مل يكن الجواهري يعيش هاجس الحداثة وإمنا كان يعيش هاجس استمرار الرتاث ،فلم يسع ،يف ّ كل ما كتب ،إىل العدول عنه أو الخروج عن نواميسه املسطرة وقوانينه املقدّرة. لقد كانت قصائد الجواهري ،بحقّ ،ديوان العرب يف القرن ّ وسجل أخبارهم ،ومستودع أ ّيامهم.فالشاعر قد العرشين، أرشف من فوق سنواته التسعني عىل تاريخ الرشق العر ّيب فسجل ما كان عا ّمة ،وتاريخ العراق عىل وجه الخصوصّ ، أحقّ بالتسجيل ،ود ّون ما كان أوىل بالتدوين .هكذا issue (6)- November - 2012
133
أعمدة الشعر
احتشد يف مد ّونته عدد هائل من أسامء امللوك ،وأصحاب األبيات تحتوي عىل أمشاج من الصور التقليد ّية ،بعضها يحيل عىل قصائد املتن ّبي الفخر ّية ،وبعضها يحيل عىل السلطة والجاه ،كام احتشد عدد هائل من أسامء املدن قصائد الحامسة الجاهل ّية ،وبعضها عىل قصائد الحطيئة وتواريخ الكثري من األحداث التاريخية ،فالشعر قد ارتدّ، الهجائ ّيةّ . عىل يدي هذا الشاعر ،إىل وظيفته األوىل بوصفه ّ فكل ما يف القصيدة يؤكد ّأن الشاعر يعمد سجل ّ إىل أسلوب «التوليد» ليك يشكل صوره وينحت رموزه. وقائع األ ّمة عن طريقه تخ ّلد مآثرها وما يستج ّد لها من والتوليد كام ع ّرفه ابن رشيق هو «استخراج الشاعر أمور عظام ،ومثل الشعر القديم كان شعر الجواهري معنى من معنى شاعر تقدّمه» ،وهذا االستخراج يفيض يوقع يف نفوس السامعني «مح ّبة ألمر من األمور أو ميال إليه أو طمعا فيه أو غضبا وسخطا عليه» بحيث يتآخى ،بالرضورة إىل تحوير املعنى األ ّول وتطويره وفتحه عىل إمكانات دالل ّية جديدة. يف صلبه ،القوالن :القول ّ ّ ّ نص الشعري والقول الخطايب إن الذي نريد أن نؤكده هو أن ّ يوقع الجواهري شعر أهم اث رت ال من متح وإن الجواهري اآلخر. ويصبح أحدهام عني ّ في نفوس السامعين عنارصه الداللية واإليقاع ّية فإ ّنه جاء هكذا استعاد الشاعر األغراض مض ّمخا مباء التجربة ،تجربة الشاعر التقليد ّية من مديح وهجاء األمور من ألمر ة ب مح ّ وهو يرهف السمع إليقاع الحياة ووصف ورثاء وأدار عليها أو ميال إليه أو طمعا من حوله .وقد ال نبالغ إذا قلنا إ ّننا قصائده كام استعاد معاجمها نستطيع أن نقرأ سرية الرجل من وصورها ورمزها .وهكذا ح ّول فيه أو غضبا وسخطا خالل قصائده .أن نقرأ مختلف «أمسياته» إىل احتفاالت كربى في يتآخى بحيث عليه، املراحل الفكرية واإليديولوج ّية التي بالكلمة الشاعرة ،يواكبها صلبه ،القوالن الشعري م ّر بها.فشعره ّ يشف عن شخص ّيته، املستمعون بالتصفيق ،وأحيانا يكشف عن تاريخها بل إ ّنه تح ّول ،يف بعبارات االستحسان واإلعجاب. والخطابي ويصبح العديد من املناسبات ،إىل «وثائق» لكنّ هذا ال يعني بأ ّية حال اآلخر عين أحدهما ّ شعر ّية تكفل الشاعر نفسه برشحها ّأن شاعرنا اقترص عىل محاذاة والتعليق عليها. القصيدة التقليد ّية ومحاكاتها. هذا اإليقاع الذايت هو الذي جعل شعر الجواهري قريبا الجواهري كتب ،من خالل الرتاث ،قصيدته املخصوصة ّ من النفس عىل غريب لفظه يف بعض األحيان .مثة يف التي تقول تجربته ،وتفصح عن غائر مشاعره ،وهذه هذا الشعر يشء من البوح وإن ارتدى أحيانا زيّ الفخر، القصيدة قصيدة قو ّية ،الفتة ،وأحيانا صادمة تشدّنا ّمثة يشء من االنكسار وإن لبس أحيانا ثياب الزهو. صورها املستف ّزه ،وأحيانا الغريبة.قصيدة فيها توتر فالجواهري كان ،مثل املتن ّبي ،يكابد حزنا فادحا ،وينوء وغضب ،وفيها سالسة وانسياب: بأعباء غربة قاتلة: «كذبوا فملء فم الزمان قصائدي
أبدا تجوب مشارقا ومغار َبا ّ ّ وتحط من تستل من أظفارهم أقدارهم ّ وتثل مجدا كاذ َبا عليهم ألج البيوت هم ُ ُ أنا حت ُف ْ بشتمهم والحاج َبا» أغري الولي َد ْ
ّ الشك يف ّأن هذه القصيدة التي اقتطفنا منها هذه
134
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
أ ِر ْح ركابك من أ ْي ٍن ومن َعثرَ ِ محموال عىل خط ِرَ ك َف َ اك جيالنِ ْ تقطع ُه كفاك موحش درب رحت ُ َّ كأن ُمغ َّربهُ ليل بال َس َح ِر
حداثة القدماء
الشعر الكالسيكي يسبق الزمن إلى قلب الحداثة من يقرأ لبعض الشعراء القدماء ،دون االلتفات إلى المسافة الزمنية التي تفصل بينهم وبين العصر الحديث، سيدرك أن هؤالء الشعراء هم من معاصريه ومشاركيه في الحياة االجتماعية ،إضافة إلى الحالة النفسية الراهنة وانفعاالتها مع الواقع .من هنا تتالشى هذه المسافة الزمنية بين الشعر وقارئه ،وتتحقق الحداثة ويكون هذا الشعر مضارعا على الدوام.
محمد عريقات
هنالك
شاعر قديم ،لكن ليس هنالك شعر تأسيسا عىل هذه املقولة ،فإن قديم. ً امرئ القيس ،عىل سبيل املثال ،شاعر قديم لكن شعره الذي يخرتق الزمن عىل الدوام بتأثريه وفاعليته ليس قدميا ،كذلك ،كم من شاعر معارص تعود بك قصيدته إىل عصور سحيقة يف النسيان؟ أنت ال تطالبه برؤيوية حداثوية أكرث من تلك التي يختار بها ثيابه ،لكن فيام يتعلق بالقصيدة تجد أن هذا الشاعر الحديث «زمنيا» ال يجد أصالة وجزالة لها إال بعالقتها املبارشة ،بطبيعة الحال ،مع املوروث والتقوقع فيه دون تجاوزه ،ظنه أن مستقبل الشعر يف ماضيه كام لو أن الكامل الشعري قد تحقق وانتهى مع الشعر الجاهيل .كلنا نتذكر الرصاصة التي أطلقها محمود درويش يف مهرجان قرطاج الدويل حني قال قاصدا مجايليه من الشعراء :إن أبا الطيب املتنبي أكرث حداثة من كل الشعراء املعارصين ،فام يسمى بالشعر العريب الحديث وقع يف منطية مبكرة وأصبح مصاباً بالتشابه والتكرار .نقرأ آالف القصائد اليوم ،وال نعرف من يكتبها لتشابهها وتطابقها» ..ويف كالمه هذا إشارة كبرية عىل أن املسافة الزمنية بني الشعر والقارئ issue (6)- November - 2012
135
حداثة القدماء
متثال للمتنبي
الشيخوخة وتحنيط الزمن لها داخل مرحلة معينة ،حيث أنها ترفض الواقع املألوف وتعمل عىل منحى جديل مجازي ،جاءت كشاهدة عىل رشعية العمل عىل تطور القصيدة ،وهو الشاعر العبايس األول الذي ج ّذر للغموض واإلبهام يف الشعر ،وذلك يرد ادعاء النقاد املعارصين الذين يدعون إىل العودة إىل املايض يف سبيل التخلص من اإلبهام .قيل أليب متام« :ملاذا ال تقول ما يفهم؟ فرد« :ملاذا ال تفهم ما ُيقال!» ،الغموض ليس قضيتنا ،بقدر ما هو إعالن عن حداثة أيب متام يف عرصه ،حداثته التي اخرتقت بشعره العصور التي تلته ،يقول أبو متام عن قصيدته وخروجها عن القوالب السائدة:
لـي فـــي تـركـيـبـه ِبــدَعٌ السن َِن َش َغ َل ْت َق ْل ِبي عن َّ
ويقول:
طارت لـه ُش َع ٌل يهدّم لفحها أركــــانــه هـدمــاً بغــــري غــبار ففصلن منه كل مجمع مفصل وفعلن فـــاقـر ًة بـــــكل فــــــقــار
وهنا يصف فرادة قصيدته وتفوقها عىل أنها:
منز ٌ ّهة عن السرَّ قِ املو ّرى مك َر ٌ مة عن املعنى ا ُملعا ِد
وحني يؤكد عىل أن قصيدته ابنة الفكر ،وأن لغته عصية عىل الهرم ،مهام تعاقبت عليها األزمنة:
ليست معيارا أو مقياسا ألن يكون الشعر حديثا أو قدميا. ولعل من أبرز شعرائنا القدامى الذين حقق شعرهم هذا العبور الدائم لألزمنة هم بالدرجة األوىل «أبو ّمتام»، و»املتنبي» ،و»أبو نواس».
أبو متام
أبو متام ،تجاوز مخرتقا النطق الشعري الذي كان سائدًا يف عرصه بأن أسس للغة جديدة لها أبعادها ودالالتها املتجاوزة بحركتها لصنمية املعنى ،مام أنقذها من
136
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
خذها ابنة الفكر امله َّذب يف الدُّ جى واللـيــل أسـود رقــــعـة الجــبــــاب ِب ْك ٌر ُتـ َو َّر ُث فـي الحـيـاة وتنثني فـي السلم وهي كثرية األسالب ويزيدها مــ ُّر اللــيـايل ِجــ َّد ًة وتقاوم األيـــام حسنُ شــبــاب.
ومن غرائبيته الشعرية ذلك البيت الذي وجد أحد التقليدين من خالله فرصة إلحراج أيب متام:
ال تسقني (مــا َء املَالم) فإنـني َص ٌّب قد ْاستعذبت ما َء بكايئ
فأىت بقارورة فارغة إىل أيب متام ،وقال له :أعطني يف هذه القارورة شيئا من ماء املالم .فكان ذكاء أيب متام إذ قال
ديوان العرب
له :يك أعطيك شيئا من ماء املالم ،أعطني ريشة من جناح الذل ،يف إشارة إىل قوله تعاىل« :واخفض لهام جناح الذل من الرحمة» .ولعل هذه االستعارة املربكة ملجايليه جعلته يتجاوز عرصه مبراحل ،ومن قصص غرائبيته أيضا أن قال أحد التقليديني وهو «ابن األعرايب» عن شعر أيب متام« :إن كان هذا شعراً؛ فكالم العرب باطل».
أبو نواس
أبو نواس ،شاعر املدينة األول ،وشعره خيايل مل يتحقق بعد ،كذلك وصفه أدونيس يف كتابه «زمن الشعر» ويضيف بأن شعره يقدم نفسه عاريا من أي سالح عدايئ، إنه يقول الحرية ،حرية كل فرد ،ويحضنها ،ويطوف معها، ويغنيها ويغني لها ،يتبنى الرغبة ويهمل املؤسسة ،يختار الحالة ويطرح البنية ،وأنها تلغم االستيهام السيايس، ورهانه التغيريي ،واستغراقه يف هذا الرهان إىل درجة ال يعود يرى فيها التاريخ ،أو ال يرى من التاريخ إال قرشته الحديثة وتسلسله األعمى ،كأن هذه الشعرية متوج الرغبة نفسها يف أعامق اإلنسان حيث ال إكراه وحيث يتالىش العنف من تلقائه ،وال يعود له أي سلطة. ومن املؤكد أن هذه الرباعة الشعرية لدى هؤالء الشعراء، وتحقيقهم للحداثة الدامئة لشعرهم جاءت أوال من ثورتهم عىل السائد ،وخروجهم عىل عمود الشعر املسيطر آنذاك ،وإن كان أليب متام الفاعلية األكرب يف هذا املضامر حيث شمل تجديده بنية الشعر ،وتراكيب لغته ،ونسف عاموده .أما أبو نواس فتجديده وخروجه عن النموذج، أي عن بنية ومواضيع النص الجاهيل ،فبدل الوقوف عىل األطالل استعاض بإطاللة قصيدته املادحة للخمر ،إضافة
نتذكر تلك الرصاصة التي أطلقها محمود درويش في قرطاج حين قال إن المتنبي أكثر حداثة من كل الشعراء المعاصرين
إىل تشخيص وتصوير الروحاين والشعوري ،ومن حيث اإليقاع مل يكن ليعتمد عىل العروض كمصدر له ،بل من خالل التكرار واستخدام الجناس والطباق ،أي املوسيقى الداخلية للغة ،كام أنه استعان باالستعارة لتشكيل صورته الشعرية .فأنتج أدبا يعكس عرصه وزمنه الذي أعاد بناءه بعد تفكيكه بالفن ليحقق اخرتاق هذا الزمن وتجاوزه. وهنا يقول أدونيس أن جامليات وأسباب دميومة شعر أيب نواس تكمن يف أنها ال تدفع القارئ ألن يحن أو يتذكر أو يستعيد ،بل يدفعه إىل الحلم واألمل وتلك هي ،عىل حد تعبري أدونيس ،سياسة الشعر ،فاإلنسان طاقة رغبة وحلم، فشعر أيب نواس إذا ال يعلم وإمنا ميزق الحجب ويخرتق وييضء. كام أن موقفه من موضوعات الشعر الجاهيل ،األطالل تحديدا ،كان موقفا ساخرا يكشف عن ثورته عليها ،ثورة مل تكن هادئة بقدر ما كانت عاصفة مدمرة:
ُق ْل ملنْ ي ْبيك عىل َر ْس ٍم َد َر ْس جلــس واقـفـاً ،مـا ضرَ ّ لو كـان ْ وسـلمي جـانـبـــاً ِ اتـرك الـ َّر ْب َـع َ ، القبس مثل ة ي خ ر كــ واصطبح ْ ْ ْ ّ ً بن ُْت دهْ ٍر ،هُ ْ جرت فـــي د ّنهـــا ّ ْ َنس ورمت كـــــــل َقـــــذاة ٍ ود ْ
ومبا أننا تكلمنا عن التجديد عىل أنه من أهم مظاهر الحداثة ،فمن الرضوري التأكيد عىل أن هذا التجديد ال يكون عىل مستوى الشكل والبناء الشعري فقط ،بل عليه أن يشمل فكر وسلوك الشاعر ،تجديدا أصيال ال تقليد ملوروث أو لنتاج أجنبي ،والحداثة ال تقاس بني شاعر وآخر مبدى ارتباط أحدهام أو ابتعاده عن الرتاث، بل بقدر نجاحه يف تفكيك الرتاث واعادة بنائه بذهنية التجربة الجديدة ،وإضافة أساليب وأشكال ورؤى جديدة، فالحداثة بحقيقتها مرتبطة باألصالة غري منفصلة عنها، كام أنه ال يوجد حداثة مطلقة ،فشعر امرؤ القيس، وبشار بن برد ،واملتنبي ،وأبو نواس ،وأبو متام وغريهم من الشعراء ،حقق فرادته من خالل اختالفه عن أسالفه ومجايليه ،ومن هنا كانت انطالقته املاضية أبدا باتجاه املستقبل
issue (6)- November - 2012
137
القصيدة اإلماراتية
القصيدة الكالسيكية في اإلمارات حتى تأسيس الدولة
امتداد للتجربة العربية لم تبدأ الظاهرة األدبية في دولة االمارات بوصفها ظاهرة كتابية ،بل حالها في ذلك حال البالد العربية األخرى ،قد تأسست شفوية الطابع ،لكن في ما بعد قد انشق عن هذه الشفوية نزعة كتابية ما استقلت إلى جوار تلك الشفوية لجهة فاعليتها االجتماعية وشيوعها بين الجمهور ،وتأثر األمر بمدى انتشار التعليم ومؤثرات أخرى تتعلق مناقشتها بعلم االجتماع األدبي وتاريخه في المنطقة العربية
الفنان محمد مندي
138
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ديوان العرب
كان
الشعر الشعبي والنبطي األقرب إىل الناس يف االمارات العربية املتحدة بسبب كون الذاكرة االجتامعية شفوية ،ولذا كان األقدر عىل مخاطبة الوجدان الجمعي والقضايا اليومية والراهنة، وكان ْأن حمل هذا النوع من الشعر ،منذ انطالقته يف دول الخليج العريب ومن بينها االمارات ،شكل القصيدة العربية التقليدية ،أي الشعر العمودي ،وأغراض هذه القصيدة ألنه انبثق من املجال االجتامعي والبيئي ذاته الذي كان قد نشأ فيه الشعر العريب القديم ،فحافظ عىل تقاليده وأوزانه وإيقاعاته وسياقاته األدبية واالجتامعية والتاريخية. إماراتيا ،وإذا كان من املمكن البدء من اتفاقية العام 1820ميالدية مع االستعامر االنجليزي بوصفها مفصال تاريخيا يف التحول االجتامعي ،حيث كان املجتمع شفويا متاما وينتج ثقافة وأدبا شفويني يف سياق موغل يف تقليديته ،وحيث ظهر العديد من الشعراء الذين أسهموا يف تأسيس تقاليد عريقة للشعر النبطي ما تزال آثارها فاعلة حتى اليوم ،فإن هناك َمنْ يعيد القصيدة النبطية إىل ما يرقى عىل ذلك التاريخ ،أي إىل القرن الثامن عرش. لكن ،وألن الحديث هنا عن الشعر العمودي بوصفه استمرارية النقطاع معريف طويل مع مصادره األوىل، ولكونه امتدادا لتجربة شعرية عربية راهنة وناشئة للتو آنذاك ،فإنه ينبغي علينا القفز عن هذه املرحلة املفصلية يف تاريخ املنطقة ،لنبلغ إىل الفرتة املمتدة من مطالع القرن العرشين حتى منتصفه ،حيث نشأ وعي شخيص لدى العديد من أبناء االمارات فأدركوا من خالله تلك الفجوة التي تفصل منطقة الخليج العريب برمتها ،ليس عن محيطها العريب فحسب ،بل عن العامل أيضا .إنهم كبار هم الذين فعلوا ذلك ،وهم الذين أبحروا باتجاه السواحل العربية والهندية واألفريقية ليعودوا من بعد كل رحلة موقنني أكرث بأن االستعامر لن يفعل شيئا يف تفعيل أي تطور اجتامعي -اقتصادي ،فلم يقم ذلك االستعامر بشقّ طريق أو بناء مدرسة أو تأسيس مستشفى حديث، مبقاييس تلك األثناء ،إال لتلبية مصالحه هو ،ولهدف واضح تتمثل يف ربط هذه املنطقة باالحتياجات الحيوية واللوجستية لرشكة الهند الرشقية.
سامل بن عيل العويس
العويس رائدا األرجح ،أن إدراك هذا األمر هو ما دفع كبار تجار اإلمارات واملنطقة إىل املبادرة بتأسيس بنية تحتية للثقافة بإنشاء املدارس شبه النظامية التي كانت تعلم القرآن ومبادئ اللغة والشعر ،وكذلك املكتبات ورعاية حلقات الدرس يف املساجد لتعليم األطفال القراءة والكتابة والعودة إىل الكالسيكيات العربية يف األدب ،خاصة بالنسبة للشعر ونقده ،يف الوقت نفسه الذي مل تتبلور فيه بوادر ألشكال أدبية أخرى ،وظلت الثقافة الشفوية هي األكرث شيوعا. يؤكد الشاعر عادل خزام ،يف بحث تتداوله العديد من املواقع االلكرتونية أن اإلمارات قد عرفت "أول ظهور للشعر العريب الفصيح عىل لسان أحد أبنائها مع مطلع القرن العرشين .وذلك عندما استطاع الشاعر سامل بن عيل العويس ( 1959 1887-وهو أحد أبرز تجار ذلك الزمان االماراتيني يف امتالك السفن وتجارة اللؤلؤ) أن يؤسس ملستوى متط ّور جداً يف نظم القصيدة العمودية سواء من ناحية الشكل العرويض املسبوك فنياً بأمناط الصور والبالغة الكالسيكية وامللتزم بقوانني البحور issue (6)- November - 2012
139
القصيدة اإلماراتية
منشورات دائرة الثقافة واإلعالم بالشارقة العام ،2011 والقافية ،أو من ناحية املضمون الواعي واملستبرص بوصفه بحثا يف االنرثبولوجا الثقافية وكذلك كتاب« :تاريخ والقارئ لهموم املكان واإلنسان والعامل .وكانت املعاين يف الساموات العربية -أثر املالحة الجوية عىل (نشأة) الكبرية لديه تتجىل أكرث يشء يف البوح العاطفي والوعظ املبطن بالحكمة ويعرب التاريخ واالعتزاز بالنفس» .ويصف الرشق األوسط» ،للكاتب الصحفي الربيطاين جريالد بوت الصادر باالنجليزية عن «دار الرمال للنرش» يف قربص، خزام الشاعر العويس بأنه «الرائد» ،إذ يقول« :كام بوصفه استقصاء يف تاريخ املنطقة عرب الوثائق. كانت لهذا الرائد قصائد كثرية أخرى تناغي الهم العريب لقد تركت هذه الطبقة املرجعية التاريخية واالبداعية واإلسالمي منها :نصوصه حول وعد بلفور ،والوحدة امللموسة ،عرب شخصياتها ومنجزها ،لألدب يف االمارات، املرصية السورية ،وجامل عبد النارص .وقضايا الجزائر والعراق ،والحروب مع إرسائيل ،وغريها من تواشيح تلك بوصفه أدبا عربيا ينتمي إىل زمنه ومشاغل ثقافته العربية يف ذلك الزمن .هذه املرجعية هي التي ميكن الفرتة». التعامل معها باعتبارها اإلرث األديب والثقايف الحديث من سرية هذا الشاعر ومن سرية شعراء اماراتيني آخرين الذي يرتبط به األدب االمارايت ،عميقا واآلن ،بكل ما تجار ذلك جايلوه أو جاؤوا من بعده ،فإن الكثري من ّ للكلمة من معنى. الزمان كانوا من املثقفني أيضا ،أو باألحرى كانوا شعراء وهذا ما يشري إليه الشاعر عادل خزام يف بحثه ذاته ،إذ كتبوا الشعر الكالسييك العريب إىل جوار النبطي ،وكانوا يقول« :امتداداً لهذه االنطالقة الواعية .والفردية لسامل البوابة التي ه ّبت منها رياح الثقافة العربية القادمة العويس بدأت تربز منذ األربعينات تقريباً أصوات أخرى من املراكز املتمثلة آنذاك بالعراق وبالد الشام ومرص متثلت يف بعض أبناء املنطقة املتعلمني الذين نشأوا واملغرب ،أيضا دخل هؤالء املثقفون يف السجال الثقايف ً معا ويف املكان نفسه والفرتة نفسها فيام عرف بجامعة العريب ،وبفضلهم تبلورت هوية و «ذات» ثقافية (الحرية) وهي بلدة صغرية تقع بني مدينتي الشارقة عربية اسالمية هي التي تحدد هوية املجتمع والدولة وعجامن ،ومن أبرز أبناء هذه الجامعة الشاعر سلطان اآلن ،مثلام كانت سابقا قبل قرون طويلة من العزلة واالستعامر .يف هذا الصدد ميكن العودة إىل الجهد املميز بن عىل العويس ( )2000 – 1925الذي شكل عرب امتداد تجربته صيغة نادرة من الفعل الثقايف واإلنساين يف العامل الذي بذلته الباحثة ناديا محمد عيل ف ّواز يف أطروحتها العريب ..وكذلك شقيقه أحمد وخلفان بن مصبح (1923 تجار اإلمارات يف الجامعية «الدور الحضاري لطبقة ّ النصف األول من القرن العرشين» والصادرة يف كتاب عن – )1946الذي رغم وفاته وهو يف العرشينات من عمره إال أنه ترك قصائد هامة ومكتملة ،ومنهم أيضاً الشيخ صقر بن سلطان القاسمي وإبراهيم املدفع ومبارك بن يمكن القول إن الخطاب سيف وعدد آخر من أبناء ذلك الجيل». الوجداني في معاني ويضيف« :كانت النصوص التي قدمها هؤالء ال تزال الحب والشجاعة والنيل تحتفظ بانحيازها الكامل يف االلتزام بالشكل العمودي واألبعاد القومية واإلسالمية مع محاولة التجديد يف املعنى .ورغم كالسيكية الطرح يف تجربة هذا الرعيل إال أن الدور التاريخي وظروف الوحدوية كانت األكثر تلك املراحل تجعل من إبداعاتهم شهادة عىل مستوى حضورا في مناخات تلك الوعي بالنسبة لفهم ابن املنطقة ورؤيته للعامل وقدرته القصائد والتي امتدت عىل اإلبداع .وميكن القول إن الخطاب الوجداين يف معاين الحب والشجاعة والنيل واألبعاد القومية واإلسالمية لتغطي الفترة األولى الوحدوية كانت األكرث حضورا يف مناخات تلك القصائد 140
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ديوان العرب
تجربة املدين تحمل يف داخل تداعياتها اللغوية تناوالً مختلفاً ورؤية جديدة للعامل وللشعر ،سواء يف غاياته الفنية أو يف مادته التعبريية التي ،بسبب تحوالت املجتمع ،لجأت إىل صيغ التكثيف والرمز واالختزال يف املضمون ،ومع ذلك ظلت تحافظ عىل املنحى الكالسييك ومل تبتعد عنه كثرياً.. وقد أصدر املدين مجموعته األوىل (حصاد السنني) يف العام 1968م .ثم أرشعه وأمواج ( )1973وعاشق ألنفاس الرياحني ( .)1990وأسهم أيضاً يف التنظري للشعر الجديد يف مقاالت كثرية». سلطان العويس والتي امتدت لتغطي تلك الفرتة وبعضها استمر يف العطاء لكن الثقافة الشفوية ،وبالطبع يف القلب منها الشعر النبطي ،كانت هي التي ما تزال سائدة ،بل شهدت انتشارا حتى مراحل متأخرة». أوسع مع ظهور اإلذاعة املطبوعات ورغم االنتشار الواسع سجل هنا أن أول كتاب شعري قد ُطبع يف للتعليم ،إذ ُي َّ تجربة املدين العام 1968للشاعر راشد الخرض ،ويف العام 1971ظهرت وبدءا من الخمسينات ،تقريبا ،أو قبل ذلك بقليل ،وحتى أوىل إرهاصات الكتابة الروائية :شاهندة ،لرجل الدبلوماسية نشأة الدولة وظهور املؤسسات ،التي تتبع الدولة أو االمارايت عبد الله النعيمي. تلك التي ما زالت تستلهم تراث تلك الطبقة من كبار لقد أسس املعلمون واملدرسون القادمون من مختلف البالد التجار ،شهدت االمارات ظهور أمناط لالختالط االجتامعي ّ العربية إىل االمارات البنية األساسية للتعليم ،يف غري إمارة بدا أنه حديث عىل املجتمع كاألندية الرياضية التي من االمارات خالل تلك الفرتة السابقة عىل نشأة الدولة. كان اهتاممها بالثقافة مثريا لالنتباه ،إمنا لعب التعليم كان هذا التعليم حكوميا ذاتيا ومدعوما من دولة الكويت واالبتعاث األكادميي املتخصص والجامعي دورا كبريا يف التي أسهمت يف نرش التعليم واإلعالم بشكليهام الحديثني، تبلور شخصية ثقافية ذات مالمح وطنية ومحددة الهوية وبالتايل يف نرش الثقافة ،ومن طلبة تلك الفرتة برز عدد من بأبعاد عربية واسالمية هضمت مجمل التيارات الفكرية املثقفني االماراتيني الذين أسسوا املشهد الثقايف واالبداعي التي كانت واسعة االنتشار آنذاك ،ومبعنى ما مل تعد الحقا ،أي بعد نشأة الدولة مثلام كانوا جزءا من نسيجها املنطقة معزولة كام كانت من قبل. وشغلوا مناصب سياسية وحكومية فيها ،كانت يف كثري من وكان من الطبيعي أن تبلغ تجربة كتابة القصيدة األحيان بعيدة عن الحقل الثقايف يف جانبه الرسمي. العمودية ،إماراتيا ،مرحلة الستينات وقد «تطورت كان ظهور مؤسسات الدولة والحكومات الذاتية مؤثرا مع تطور املجتمع وخصوصاً التعليم ودخول الصحافة يف تبلور حركة ثقافية ناشئة خالل السبعينات من القرن والطباعة التي نقلت مستوى التحوالت الصوتية الكبرية املايض ،لكن الحداثة يف األدب بوصفها امتدادا للحداثة التي حدثت يف مجال الشعر خاصة من ناحية بروز األدبية العربية وجزءا منها كانت سابقة عىل نشأة الدولة، قصيدة التفعيلة كشكل جديد يف تجارب شعراء الشام إذ ،رمبا ،بدأ ذلك الكرس لإليقاع الكالسييك للشعر عموما، ومرص والعراق» .بحسب ما يقول أيضا عادل خزام». الشعبي أو املكتوب اللغة العربية الفصيحة ،يجد أول ويؤرخ خزام لظهور «هذا النوع من النصوص أوالً مع تجلياته مع شعراء كتبوا الشكلني الشعريني :الشعبي تجربة املرحوم د .أحمد أمني املدين الذي درس يف بغداد والفصيح ،من طراز راشد الخرض ،الذي ترك أثرا عىل البعض وعاد منها بتجربة ناضجة أسهمت يف انحيازه إىل قصيدة من كتّاب الشعر الشعبي والفصيح معا يف الثامنينات التفعيلة بعد أن كتب قصائد عمودية كثرية .وقد كانت جهاد ... issue (6)- November - 2012
141
بورتريه
أحمد أمين المدني
حكاية الشاعر العاشق يصنف الشاعر احمد مدني بين رواد القصيدة في االمارات العربية المتحدة الى جانب سلطان العويس وراشد الخضر و مانع سعيد العتيبة،ولكنه امتاز عن مجايليه بتنوع مصادره ومرجعياته بفضل دراسته في العراق
سامح كعوش
إن
عاطفة الحب كانت عرب العصور محفزا ً أولياً ورئيساً للشعراء عىل الكتابة ،فيها وحولها ،وقد رسخت يف اللغة واملجاز حتى باتت حكاية الحكايات ،وأسطورة األساطري بل وثيمتها األوىل ،فالحب كان عنرص الجاذبية الكيميائية بني الذكر واألنثى ،كام عنرص الجاذبية الداللية يف مساقات املجاز إذ استحرض معه حيثام حرض االستعارات الدافقة بالفرح /الحزن، والتشابيه املغرقة يف جامليتها العالية. وال يش ّذ الشاعر اإلمارايت أحمد أمني املدين عن قاعدة أحوال الشعراء يف الحب والوله ،وهو من جيل كبار الشعراء الكالسيكيني اإلماراتيني ،كحمد أبو شهاب ،سلطان بن خليفة الحبتور ،سلطان بن عيل العويس ،عارف
142
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
الشيخ ،مانع سعيد العتيبة ،وغريهم ،وهو الجيل نفسه الذي كتب الحب العذري ل»طبيعة املكان اإلمارايت»، ممزوجاً بجامليات خجولة تستعري من البوح بعض شهي خلف املفردات الحميمية التي تختبئ بسح ٍر ٍّ بالدالالت البعيدة. ٍ حاالت شعوري ٍة يعيشها شعرا ً، والشاعر املدين يكتب عن عاشق حرف اسم ويحفرها يف ذاكرة الزمن كام يحفر ٌ حبيبته عىل جذع الشجرة ،ويليق بالشاعر املدين أن نس ّميه العاشق بامتياز ،ال يف مشهد الشعر الكالسييك يف اإلمارات فحسب ،بل يف مشهد الشعر العريب أيضاً ،ال ملا حشده ويف مرحل ٍة زمني ٍة متق ّدم ٍة محلياً وعربياً ،يف نصه الشعري من مخاطبات عشقية وحوارات شغفية بينه
ديوان العرب
خصها به من مخاطبات، وبني اآلخر /الحبيبة حيناً ،أو ما ّ ولكنها هنا يف ما سقط من السامء كنجمة ،وتشكّل بالكائن اإلنساين يف املكان اإلمارايت ،كمعاد ٍل ألفروديت اليونانية ،وفينوس الرومانية ،وعشتار البابلية ،وإنانا السومرية وعشتاروت الفينيقية ،بل ملا م ّيزه عن غريه من الشعراء من نفحة شعرية طيبة ،تقول بالهمس وتهذي بالسحر العشقي الخفيف والعذري دامئاً ،دومنا لجوء إىل اإلباحة يف البوح أو الوقوع فيها.
وشاية الحب
وسالح الشاعر يف هذه املواربة الشعرية املكشوفة ،نزعته الرومنسية الحاملة التي تخلط بني الحقيقة املج ّردة والرمز الطبيعي أو األسطوري ،يف حراك شاعر نحو فعلٍ سحري ٍّ السحري يسبغ عىل املعشوقة /املرأة كثريا ً من سامت ّ والخافت كام لو كان همساً ،ووشوشةً ،بني شاع ٍر وآخره، العلني الجريء يف القصيدة النزارية (نسب ًة يصبح الفعل ّ إىل نزار قباين) ،وحتى املحمودية (نسب ًة إىل محمود درويش) ،بل والعمرية حرصا ً (نسب ًة إىل عمر بن أيب الظل وبعيد الداللة ،أسطورياً حاملاً ربيعة) ،فعالً خفيف ِّ وحامالً شكله «الطبيعي» يف مبدأ الرومانسيني ،حني تحرض أفعال «الوشوشة /اللمس /اإلرشاق /عيش النعيم»، كام يف «توشوش الشاعر الطيور والزهور ...توشوشه يل النجوم املرشقات والعطور ...يلمسه النسيم املخم ّ ملس الحرير ...لتكون الخامتة املاضوية استرشافاً لآليت وكل وقت :يف اختزال الشاعر لكل ما ينتج كأنه األمس ّ من حب وعنه ،يف عبارة شعرية عميقة الداللة واألثر يف النفس ،نفس الشاعر ونفس املتلقي معاً« :عاش نعيم الحب ٍ جنات وحور» ،وبها وحدها يصري الحب وشاي ًة ككل بريئ ًة باإلرشاق والنور يف عتمة ليل العمر ،لك ّنه ّ خفي الشعراء املتحدثني يف العاطفة والحب ،يومئ بلومٍ ٍّ للمعشوقة التي ال تعي مقدار الحب الذي يك ّنه لها حبيبها ،وهي كام عقدة املفصل يف كل حكاية حب ،أو هي موقع االهتامم واله ّم الشاعر يك تنكتب القصيدة الغزلية بنعيم العذاب ،بحاالت فرح /حزن ،حياة /موت، نور /عتمة ،يقول املدين يف نصه «همسات قلب»:
المدني من جيل كبار الشعراء الكالسيكيين اإلماراتيين ،كحمد أبو شهاب ،سلطان بن علي العويس ،عارف الشيخ ،مانع سعيد العتيبة «وشوشتني عنك يف الروض طيور وزهور ومن األفق نجوم مرشقات وعطور ونسيم مخم ٌّ ملس الحرير ٌ يل ملســـــــه ُ وملن تاه بليل العمر إشـراق ونور جنات وحور وملن عاش نعيم الحـــــب ٍ آه لو يدرك من أهواه ما تحوي السطور».
إنّه الحب الذي يغنيه الشاعر أغنية حياة ووجود، كل معاين العاطفة النبيلة والدافئة تجاه مستحرضا ً ّ الحبيبة /اآلخر الرديف والقريب ،عرب ما يأيت به من سياق مضموين وبنيوي ،بدءا ً بالخطاب وصوالً إىل الغيب كمرحلة هذيانية مطلقة ونهائية ،تؤيده وتؤكده مفردات الوحي الشعري والداللة املتحولة من «أنا» الشاعر إىل «هيِ / أنت» الحبيبة ،وصوالً ويف مراحل الحقة من الشعر والكتابة إىل «نحن» العاشقني معاً ،فالشاعر يشري إىل حبيبته مبفردة «رفيق حياة حيايت» ،ويشري إىل الحب الذي يجمعهام مبفردات «النقاء»« ،الدفء»« ،الهمس»، «النغم» «التجليّ » ،ويبثّ يف حركية القصيدة الكثري من النفس الشعري الحامل والدافئ لتحيا كنموذج شعري خاص به ،وتفرح حبيبته كأنها كل النساء ،بأفعال ال زمنية عابرة للحظة اآلنية ،مثل« :أترعُ» مرتبطاً بحرف سني االستقبال لآليت« ،ميوج» يف حركية الشغف املتالطم واملتداخل يف مساحة املشرتك بني اثنني ،و»أبعثه» وأيضاً مرتبطاً بحرف سني االستقبال لآليت ،وجامعاً بني طريف عالقة بني «مرسل (بكرس السني) ومستقبل (بكرس الباء)، issue (6)- November - 2012
143
بورتريه
ماضوي ثم «أجلوه» أيضاً جامعاً بني حالتي زمن وشكل ٍّ يل سيكون ،يقول املدين يف نصه «أغنية كان ومستقب ٍّ للحب»:
رفيقي ،حياة حيايت سأترعُ ح ّبك أعامق ذايت نقياً ،دفيئاً كهمس الرعا ِة النسامت ميوج عىل رائق ِ سأبعثه لك يف ّ كل نسمة حنيناً ،ويف ِّ همس ونغمة كل ٍ وأجلوه يف أغنيايت نغمة ً من الغيب تنهل نورا ورحمة»
تحول الشاعر
كل شاع ٍر عريقٍ مقتد ٍر عىل أن يربط بخيط خفي وكام ّ األسطورة بالواقع ،والوعي بالهذيان ،والسحر باملوجود والكائن خارجه ،يربط الشاعر املدين حالة الحب بأحوال الهذيان ،كام لو أنه يشري إىل عميق الصلة بينهام، فالهذيان لو ٌن من ألوان الحب يف مراحله املتق ّدمة ،بالوله كل ذلك شفيفاً خفيفاً والهيام والشغف ،وهو يبقى يف ّ ال يقع يف إباحة ،وال يقول بجرأة تجرتئ عىل املح ّرم، وتقتحم املحظور يف القول الشعري يف املكان الخليجي بعام ٍة واإلمارايت بخاصة ،فالشاعر املدين يصنع بنيان شعره بقصيدته الكالسيكية الفصيحة ،من حجارة هذا املكان ورمله وريحه وروحه ،يعيش حاالت تح ّول الشاعر من أنا محايدة /غري متورطة ،إىل أنا /شاعرة متحفزة ومدفوعة بكل الحب إىل عوامل الحلم الشهية. ّ يتنازل الشاعر عن أدوار البطولة لذاته ،وينسبها إىل جزء فيه هو القلب ،وله لذة الخطاب والتحاور ،ولذة الفرح بالنظر حتى ،وله قيامة القصيدة يف محراب الحبيبة إىل أن تعرف مدى الشوق الذي يف القلب عليها ،بل يتنازل الشاعر عن كلّه لجزئه ،ويتمنى له أن يكون /عىل حساب أن أكون «أنا» الشاعر ،يقول يف نصه «أهواك»:
«ألين ُ رأيت بعينيك أجمل أحالم َيا مل ّونة برؤى حبيا فيا ليت قلبي يف جانحيك
144
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ميوج ،لتعرف ،شوق إليك».
وهو ال يبتعد عن صواب ما تعارف عليه البرش منذ القدم ،أو رجوح حقيقة أن الحب شعو ٌر وال يكون إال يف القلب ،أو هكذا علم الشعراء والعاشقون ،فالقلب «يتلهف» شوقا« ،يخفق» عشقا« ،يتململ» خفقا ،يف قل نظريها مبثل هذه الجاملية ،اللهم إال يف أغنية عشقية ّ قصائد إلياس أبو شبكة ،العاشق اللبناين عىل الطرف اآلخر من املرشق العريب ،واملدين عىل أقىص رشق هذا املرشق، يف مكانه اإلمارايت ،يتوافق النص بينهام لينقسم ،كأننا مع املدين نردد ما قاله إلياس أبو شبكة:
القلوب تسع ُ «أح ّب ِك َفوق ما ُ بيب َوخ َّيل شا ِع ٌر َو َوعى َح ُ حاب ِعط ٍر السام ِء َس ُ لأَ َ ِ نت ِمنَ َ سح َع َّ َجيب نك َندىً ع ُ يل ِم ِ َي ُّ حس ِك يب َف ِعر ُق ِك صا َر ِعرقي ُأ ُّ َبيب» َومــــــــــا لِ َقذىً بعرقينا د ُ
واملدين يقرتب بقلبه من الحبيبة ل ُيسمعها نبضه الخافق، ويتمنى لو تعرف مقدار هذا الوجد والشوق ،وهو «فوق ما تسع القلوب» متاماً ،يقول يف نصه «أغنية للحب»:
أتعرف كم يتلهف شوقاً إليك فؤادي ويخفق عشقا مناه بأن يتململ خفقا ً بقربك آنا ،عىس أن ترقا»
وككل حكاية ،تنتهي سرية الشاعر العاشق بالخيبات أحياناً كثرية ،ولكنها الخيبات الرائقة للشاعر ،والتي تنكتب يف سريته كوجود محفور يف ذاكر ٍة من شغف وحب ،رغم الشهي بالحرسة واكتواء القلب األمل أحياناً ،وهو األمل ّ بنار عشقه ،واملدين بار ٌع جدا ً يف هذا كام يف ذاك ،فهو يتقن ف ّن الشغف مبحبوبته يف ما سبق ،ولكنه هنا يتقن تجل واضح الشكوى منها ،وهي التي «تنكر» حبه ،يف ٍّ لقدرة الشاعر عىل الرسد بالحبكة الدرامية التي تجي ُد القول يف الحزن منذ بدايتها ،كام يف فعل النكران والتمرد، لك ّن الشاعر يعاجلها برضبته القاضية التي تقول بالدعوة إىل اللقاء ،كام عادة الشعراء الرومانسيني ،اللقاء بينهام يف صفاء نية ورسيرة ،ال تكون إال بإظهار فعل القاتل
ديوان العرب
المدني يكتب عن شعورية حاالت ٍ ٍ يعيشها شعر ًا، ويحفرها في ذاكرة ٌ عاشق الزمن كما يحفر حرف اسم حبيبته على جذع الشجرة
بضحيته ،كام الذئب بليىل ،كام الخنزير الربي بأدونيس يف األساطري ،وهذا اإلظهار يستوجب مؤثرات صورية كام استجداء فعل التحديق باألمر «تعال وح ّدق مليا»، «الشحوب» يف الوجه« ،اإلبصار»« ،الطري كسري الجناح ،ثم «الليل وهو ميوت» ،إضاف ًة إىل مقاربات صوتية بالترصيح بحريف التأوه «اآله» ،وم ّد حرف الياء الخاص بامللكية كام يف «مقلتيا» ،و»بيا» ،يقول املدين يف نصه «أهواك»:
أتنكر ح ّبي تعال وحدّق مل ّيا بوجهي الشحوب ،ويف مقلت ّيا لتبرص آ ٍه عذايب ،وما بيا م ّر من العمر من وحشة واغرتاب وإين بعدك ط ٌري كسري الجناح ٌ وليل ميوت انتظارا لوجه الصباح».
إنها قصة الوجد القاهر والعذاب يف الحب وألجله ،كأننا أمام حبكة درامية للرسد يتقنها الشاعر العريب /اإلمارايت/ أحمد أمني املدين ،يف حشده مفردات القطيعة بني «أنا» الشاعر ،و»أناه /أنثاه» كام لو أنه يص ّور لنا املشهد بعني الكامريا« :متر الحبيبة بقربه ...يطريها صمت الغريب حب الشاعر ...يف مقلتيها سكون العدم ...مل ين ّور حياتها ُّ ...مل يكن بينهام ما كان يوماً من لحونٍ متوج عىل الشفتني بالشوق إليها» ،يقول املدين يف نصه «نهاية حب»:
مت ّر بقريب عىل الدرب يطويك صمت الغريب ويف مقلتيك سكون العدم كأن مل ين ّور حياتك ح ّبي زماناً غريقاً بأحىل نغم ومل أك يوماً عىل شفتيك لحوناً متوج بشوقي إليك».
إنها قصة العشق الشاعر بخوامتها الحزينة يف املكان الرشقي بعام ٍة ،وهي يف املكان اإلمارايت أكرث إلحاحاً وأش ّد ٍ حضورا ً ،لرضور ٍ وعادات سائدة ،تجعل من ات مجتمعية املستحيل لشاعر أن يح ّدق ملياً وطويالً يف محبوبته الكائنة ،فيلجأ إىل املخيلة ليعيش قصته كام ينبغي ،ث ّم ليصطدم مبا تفرضه عليه الحياة نفسها من ٍ رفض كثري، وقبول يندر ،ولو وجد الحبيبان إىل اللقاء درباً فإنها قصرية وغري يسرية ،يسبقان عربها إىل فراقٍ رسيع ألسباب ورضورات قاهرة ،أو رمبا هي غواية الشعراء بالعذاب كل يعيشونه ليكونوا ،ويكتبونه ليرشبوا نخبه يف صورة ّ حبيبة ،ثم يبكون عىل أطالل حضورها كام أجدادهم هناك عند أثر القوم وآثار الرحلة ،وبقايا الخيام والنار من جمر ورماد ،هذه العالقة األسطورية التي جمعت بني الشعراء ومحبوباتهم يف الجاهلية والعرص األموي كأنها نصه «نهاية قصة»: اآلن ،يص ّورها املدين يف ّ
«ذلك األمس قد خبا يف عروقي وانطفت ناره بقلبي املشوق َ فغريب التقيت يب وإذا ما ٌ الطريق بغريب مي ُّر عرب ِ ٍ يف فتو ٍر أشيح عنك بوجهي السحيق ناسياً ذكريات حبي ِ ثم يطويني الزحام فأميض َ عنك ُّ العميق ألتف يف أسايَ ِ وتنادي وال يجيبك إال ٌ شهقات من ح ّبنا املسحوقِ »
issue (6)- November - 2012
145
تنظير
القصيدة العمودية
ثالث مالحظات أفقية تراجعت القصيدة العمودية الى غياهب النسيان بعد أن فشل «الكالسيكيون» من اتباعها في صد هجمات «الحداثيين» الذين استغلوا ضعف شعرائها ومبالغتهم في االعتناء بالشكل على حساب اللغة والمعنى والبناء لتوجيه ضربة قوية لها
حنين عمر
من قال إن القصيدة العمودية ضيقة وال يمكنها استيعاب حرية الشاعر وهي التي استوعبت تاريخا كامال؟
146
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ديوان العرب
ال اعرف متاما كيف تحولت أزمة الشعر الراهن إىل أزمة أزمة «شكل» حينام عرثت عىل ديوان عنرتة بن شداد يف مكتبة بيتنا وأنا «شكل» بدل أن تكون أزمة «أسلوب» وال أعرف أيضا بالتحديد كيف تحول أتباع القصيدة العمودية من موقع مل اتجاوز بعد الثامنة ،مل اشعر بأي عالقة تربطني بهذا النوع من الكالم الغريب الذي مل اكن أفهمه آنذاك ،فقد «املهاجمني « للتحوالت الشكلية إىل موقع «املدافعني» عن وجودهم ،و الذين بالكاد ميكنهم الحفاظ عىل يشء كان كل ما يشدين للكتاب املصفر األوراق هو القاموس من ماء وجهها حاليا ،خاصة مع تكاثر أعداد الذين اقبلوا امللحق بكل قصيدة ،والذي كان يثري فضويل الطفويل من كل حدب وصوب ملساندة «الشكل الشعري الجديد» يف معرفة ما تعنيه الكلامت املبهمة املرتاصة يف شكل ألنه يتيح لهم التحول جميعا إىل شعراء بفعل «العصا عمودين. السحرية»! ،مستغلني بذلك غض الطرف من قبل شعراء لكن الكلامت وحدها مل تكن كل ما «يثري الفضول» إمنا النرث الحقيقيني الذين تقبلوا انضامم هذه الوفود ضمن ذلك الجرس املوسيقي الداخيل الذي يسمى العروض، كان أيضا اكتشافا تاريخيا يف حيايت .فبعد سنوات طويلة صفوفهم كنوع من توسيع الدعم ملرشوعهم التحرري ،و جدا أيقنت أن هذا الديوان كان ميثل شيئا أكرب من مجرد تم تشجيع زيادة الكمية عىل حساب النوعية طبعا ،وإن كانت الخطة نجحت يف التضييق عىل القصيدة العمودية «ديوان شعر» ،بل هو -مثله مثل كل دواوين الشعر بشكل أو بآخر. العمودي القديم -لوحة مثقلة بتاريخ أمة كاملة ، كام أنني أعتقد أن املشكلة الراهنة تتمثل يف كون أغلبية بتفاصيلها العاطفية واالسرتاتيجية والحربية واالجتامعية دل عىل يشء فإنه يدل الشعراء منذ خمسني سنة بدل أن يفكروا يف تجديد بنية وحتى االقتصادية أحيانا .وهذا إن ّ عىل سعة استيعابها وقدرتها عىل التحول اىل وعاء حضاري النص ومعناه الصوري والجاميل راحوا يتسابقون لتجديد مام يسقط عنها كل هذه التهم التي يحلو للبعض الصاقها الشكل واالتجاهات والرصعات ،مثلهم مثل الخياطني بها يف عرصنا هذا .فمن قال ان القصيدة العمودية ضيقة الذين يحاولون صناعة موضة جديدة تعتمد عىل مظهر املالبس فقط مهملني الخامات االساسية و نوعية القامش! وال ميكنها استيعاب حرية الشاعر وهي التي استوعبت هؤالء -لألسف -مل ينجحوا ال يف صناعة «ستايل» جميل تاريخا كامال عرب قرون؟ وال يف صناعة ثوب جيد مقاوم! وإن كان شعراء الحداثة يتحملون جز ًءا من هذه املسؤولية التاريخية ،فإن شعراء «العمودي» يتحملون الجزء املتبقي منها بكل تأكيد ،ألن انعزالهم ورفضهم مواكبة الروح الحداثية ،حبسهم يف قوقعة قضت عىل آفاق تطور معظم منجزاتهم ،فظلت القصيدة العمودية بذلك تعاين من املبارشة غالبا ومن الكالسيكية املفرطة التي مل تعد تجتذب الناس سوى يف احتفالية ما عىل منرب ما لشاعر ما لديه خامة صوت «جبلية» !
الوكالة الحرصية للتاريخ
البد أن ننتبه رمبا إىل أن تاريخ الشعر العريب ارتبط منذ العرص الجاهيل وإىل غاية العرص االندليس بالقصيدة «العمودية» ،وال ميكن أن نستثني سوى العرص الحديث issue (6)- November - 2012
147
تنظير
الذي برزت فيه اشكال أخرى ،ورمبا هذا دليل آخر عىل كونها استطاعت فعليا أن تصمد اىل غاية فرتة قريبة كوعاء شعري «وحيد وحرصي» تأقلم مع كل تغيرّ و واكب كل املستجدات قبل أن ينهزم مؤخرا ويتقلص نفوذه:
العرص الجاهيل 478م – 624م
يبقى المستقبل حول قصيدة العمود مبهما خاصة في ظل السبات الذي يغط فيه النقاد وتحولهم الى مجرد مواكبي «موضة»
ال ميكن معرفة تاريخ القصيدة العمودية ما قبل هذا العرص بشكل دقيق ،لكن بكل تأكيد فإن العرص الجاهيل كان مرحلة تألق فيها عدد كبري من الشعراء الذين خلدوا عىل مر العصور مثل «عنرتة بن شداد» و» النابغة الذبياين» و « امرؤ القيس» و «املهلهل» وغريهم ،ومع الجاهيل ،قد تحيلنا إىل نظرية الدكتور عيل الوردي يف أن هؤالء استعملوا قاموسا تقليديا جدا إال أنهم استطاعوا علم االجتامع حول اإلنسان العريب البدوي الذي هو تحويل «القصيدة العمودية « إىل ناقل زمني لألحداث «و ّهاب نهاب» عىل حد تعبريه ،إنه يعطي من عواطفه ولعلم االجتامع وحتى لعلم النفس ،و قدموا وصفا دقيقا ملحبوبته ويتباهى بكرمه وبوفائه ملعشوقته ،ولكنه أيضا للبيئة السائدة آنذاك فأرخوا تاريخ قبائلهم وحروبهم يأخذ من أعدائه ويسلبهم حياتهم وثرواتهم. واتفاقياتهم وأفراحهم وأحزانهم وقصصهم العاطفية العرص االلعرص اإلسالمي واألموي 625 :م750 -م واإلنسانية وحتى أطاللهم «املهجورة» . يف هذا العرص عرفت العرب أكرب تح ّول يف تاريخ أمتهم، وكمثال عىل هذا ميكن ان نستعرض تلك املعلقات التي فقد أثر االسالم عىل املشهد الشعري السائد لدى العرب، تعترب من أجود ما كتب العرب والتي كان ميكن فيها واختلفت البيئة املحيطة بهم عن سابقتها التي سادت يف بنيوية أن متتزج رقة الشاعر بقسوة الفارس يف وحدة الجاهلية مام أدى اىل اختالف االغراض يف القصيدة وتغيرّ متكاملة ومتامسكة ،مثال : مفاهيمها ومعانيها وأساليبها لكنها حافظت عىل «شكلها قال عنرتة يف مطلع معلقته: العمودي» ،و خفت النعرات القبلية و نربة الفخر ليحل ْإن ُكن ِْت أ ْز َم ْع ِت ال ِفر َ اق َفإِنمَّ َـا محلها املدح والهجاء والرثاء وغريه ،وقد برز شعراء كرث َز َّمـت ِر َكا ِئ ُب ُك ْم ِب َل ْيلٍ ُم ْظ ِل ِـم يف هذه الفرتة و استطاعوا صناعة مشهد شعري مختلف، َمـا َراعَنـي إ َّال َحمول ُة أَهْ ِلهَـا مثل حسان بن ثابت ،جرير والفرزدق ،ومجنون ليىل الخ ْم ِخ ِم وس َط ال ِّد َيا ِر َت ُس ُّف َح َّب ِ ْ (الذي تختلف اآلراء حول صحة وجوده ) ،وجميل بثينة، لكن ...غري بعيد عن هذا املوضع الذي يبث فيه الشاعر وقيس لبنى ،وعمر ابن ايب ربيعة واألخطل وغريهم ،و مواجعه لحبيبته ،نجده يوزع مواجع املوت عىل غريه، تنوعت أغراضهم أيضا بتنوع اسالبيهم يف هذه الفرتة، إذ قال: لكن الروح الشاعرية بدت بكل تأكيد أكرث «تحرضا» واكرث َ عَهـ ِدي ِب ِه َم َّد النَّهـا ِر َكأنمَّ ـا «صقال» مام كانت عليه بسبب تأثري اإلسالم واشباعه ُ ـب ال َبن َُان و َرأ ُس ُه ِبال َع ْظ َل ِـم ُخ ِض َ للروح االنسانية وتحريكه لعواطفها وترقيته إلنسانيتها وارساء قواعد مرحلة «حضارية» جديدة بعيدة متاما عن ـح ُث َّـم َع َل ْو ُتـ ُه َفطع ْنتُـ ُه ِبال ُّر ْم ِ سابقتها. الحدي َد ِة ِم ْخـ َذ ِم بمِ ُ َهنَّـ ٍد صافيِ َ هذه الفكرة املطروحة عند عنرتة ويف مجمل الشعر 148
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ديوان العرب
العرص العبايس 750 :م 1258 -
ال يختلف اثنان عىل كون العرص العبايس اكرث العصور زخام يف تاريخ الشعر العريب ،فالتحوالت السياسية واالجتامعية فيه كانت ذات أثر كبري يف كل يشء ،وهنا البد أن نشري إىل ظهور علم العروض الذي أسس له «الخليل بن أحمد الفراهيدي « 789 – 718فهل كان لظهور هذا العلم عالقة مبحاولة التمرد عليه فيام بعد وعىل «القصيدة العمودية» ؟؟؟ .باالضافة اىل ذلك فقد ظهر فيه أبرز الشعراء العرب وأقواهم من حيث الصنعة اللفظية واملعنى والبناء ،أمثال :املتنبي ،وابو العالء املعري ،و ابو متام ،وابو نواس ،والبحرتي ،وما اكرث االسامء املتميزة يف العرص العبايس التي كتبت شعرا رقيقا جزل املعاين قوي البنية الصورية ،وفرضت بقاء مدرستها الشعرية لألبد ،وقد كان البذخ الذي عاش فيه ملوك العرص العبايس و اغداقهم عىل الشعراء من فيض كرمهم حافزا جيدا لخلق نوع من املنافسة يف املشهد اشعري ولهذا نجد أن «املدح» كان احد أهم أغراضه ، لكن ذلك مل مينع ابدا تنوع األغراض فيه ،و تفتح القرائح عىل مرصاعيها يف كل ما ميكن أن يقال «شعرا» ،و يبدو أن اصحاب هذه القرائح كانوا عىل قدر كاف من املعرفة بقدراتهم ،فنجد املتنبي مثال يقول عن نفسه : أنَا الذي نَظَـ َر األ ْع َمـى إىل أدَبـي َ و ْأس َم َع ْت كَلِامتـي َم ْن بـ ِه َص َمـم أنَا ُم ِم ْل َء ُجفُونـي َعـ ْن شَ َوا ِر ِد َهـا َ ويَ ْس َهـ ُر ال َخل ُْـق َج ّرا َهـا َوي ْختَ ِصـ ُم وقد يرى البعض أن املتنبي بالغ كثريا يف وصفه لنفسه ،إال أنه يحق له بكل تأكيد أن يقول ذلك مادام حتى يومنا هذا صاحب االمتياز يف تاريخ الشعر العريب ورمبا الحامي األكرب لـ «القصيدة العمودية» اآلن .
العرص األندليس 750 :م -1492م
كانت االندلس وطبيعتها الساحرة مرحلة مؤثرة يف تاريخ القصيدة العمودية ،الذي شهد اول مترد واضح عىل شكلها حينام ظهرت املوشحات ،لكنها مل تكن ذات قوة كافية لتحطيم علم العروض بشكل تام ،وظهر يف هذا العرص
شعراء كرث مثل ابن زيدون وابن هاينء االندليس ولسان الدين الخطيب ،وقد بدا واضحا تاثرهم جميعا بالطبيعة يف شعرهم . اىل حد هذه النقطة فإن القصيدة العمودية ظلت «سيدة املشهد» التي مل تكن تعرف ابدا ما يخبؤه املستقبل لها !
أزمة « مستقبل»
حينام حدث أول مترد مع بداية القرن املايض وظهرت التفعيلة ،ظلت القصيدة العمودية اىل حد ما تحافظ عىل وجودها ،لكنها بعد دخول «قصيدة النرث» عىل الخط ،ودخول الشعراء «أفواجا» يف الشكل الجديد ،وتزايد اعداده تراجعت القصيدة العمودية اىل غياهب النسيان بعد أن فشل «الكالسيكيون» من اتباعها يف صد هجامت «الحداثيني» الذين استغلوا ضعف شعرائها ومبالغتهم يف االعتناء بالشكل عىل حساب اللغة واملعنى والبناء لتوجيه رضبة قوية لها ،ورويدا رويدا تراجعت لتتحول اىل «حالة نخبوية» ،قليلون من يحافظون عىل والئهم لها ،ومل تستطع حركة «قصيدة الشعر» التي ظهرت يف العراق يف أن تنقذ القصيدة العمودية بعد ان اخفقت هي نفسها يف انقاذ نفسها وبهذا يبقى املستقبل « مبهام «بالنسبة لها خاصة يف ظل «السبات الذي يغط فيه «النقاد» و تحولهم اىل مجرد مواكبي «موضة» بدون أي تأسيس نقدي حقيقي يوضح معامل املستقبل لنا ولها . والبد هنا أن اشري اىل مقال للدكتور عيل جعفر العالق بعنوان « القصيدة العمودية :هل لها مستقبل؟ « ، ويقول فيه « :من الصعب أن تشهد القصيدة العمودية، كام يبدو ،فرتة ازدهار أخرى كالتي شهدتها عىل يد آخر العاملقة :الجواهري وزمالئه .ميكن أن تظل ممكناً شعرياً يستثمره الشاعر الحديث برشوطه هو :تنويعاً لنربته وإثراء اليقاعاته « .وطبعا بانتظار أن يأيت شعراء «مخل ُّصون» يحملون جينات حداثية وروحا موسيقية خليلية يف آن معا ستبقى القصيدة العمودية تحارب من أجل حياتها ونحارب نحن معها من أجل ابتسامة كل القصائد الجميلة التي عربت يف تاريخنا العريب ومن أجل «أفق» شعري أفضل
issue (6)- November - 2012
149
ديوان النبط
محمد عبدالله الربييك جناح الحنين ٍ نــاس ت ْــسافــــر وال تلقى عيون واملطار يطـــــوف به من كل لون قبل ال طيـّـــارتـــــي تقلــــع بهون املسافر طيــــر والرحلــه غصون ليش يبيك عاشـق األرض بجنون ومن بىك للسحـب أو أصبح حنون بس يــــا هالقلـب الحساسك تخون املحبـــــّه أرض والرفقـــــه لحون واملدينه روحي وفيهـــــا السكـــون كل من يحمل وفاهــــا ما يهـــــون صــدق ماكل قول ترقص له لحون لــــو وفانـــــا فــوق هالدنيا سجون قلبي امــــدرج مطـــار وبه شجون لو رحل واحد عىل ج ْــناح الظنون
وناس تلقى ع ْــيــــون عند القادمني بس ما يسكن علــــى أرضــه ثنني اكتشفت أشياء يف فكــــري تبيــــن والسفــــر شنطــــــه بها حلم وأنني م��اي وطني ل��ن ه��و يف األصــل م��ن ٍ ليـــش يرجع أرض��ه بوج ٍه حزين؟! شوف دمعك فـــــاض مابني اليدين ش��وف كم ص��اروا عليهــــا عاشقني ادخلوها فــــــي ســـــالم ٍ آمنيــــن وما لحق فيها هل اإلحساس شيـــن ونحــــن من كرث التجارب فاهمني نحـــــــن نترشف نكون املجرمني كم جمع من قادميـــــن وراحليـــن رد يل غ�يره ع�لى ج ْــنــــاح الحنني
الفنان عبد الله سامل
150
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
نصوص
محمد نورالدين «التواضع» ب��اب ال��تّ��واض��ع للخَاليِق َم ْد َخلِك ِ وارق��ا ُع��روش قْلوبُهم واق َعد َم ِلك
ِد ْق َح��ل�� ِق��تَ�� ْه ك��انِ��ك تِ��ب��ا ِمنزاله ْ ط��اري��ك يبقى يف ال�� ِّز َم��ن وامثاله
النسان أخو االنسا ْن ما هو أسفلك ِم��ن ط�ين َربيِّ خ��الِ��ق��ك و ْمك ِّملك
ال ت ْ��ظّ��ن ح��ول��ك ي��وم مت�شي هاله ُ��ب جِس ِمك بْعماّ له وال��طِّ�ين يَ��رق ْ
ف��اح�� َذ ْر ِم��ن ال ِّدنيا وتِ��ذكَّ��ر َمنزلِك إن جيت ت َز ِقر جاوبِك خري ْع َم ِلك ْغض طَر ِفك َعن ُعيون ٍ تِسألِك ال ت ّ
توسد اليَمنى وتِ��ش��وف اهواله ِم ِّ م��ا يِس َم ِعك كِ ِ يسك وزود أمواله ل��و نَ��ظ��رِة الله تَ��رج��ي ي��وم تْساله
كَ��م واح��د َدرب ال��تِّ�� َك�ُّب�رُّ ِق��د ِسلِك خَذه الغُرور و ما ال ِتفَت يِستق ِب ِلك
وتْ��خ��رطَ��ف بْعن َده وشَ ��ع��ث نْعاله ط��� َّول ُر ِق���بْ���تَ��� ْه وال�� ُع�لا م��ا طاله
ِ صاحبي وِرد املَ��ح��بَّ�� ْه َمن َهلِك ي��ا ��س�لام ال�لي ِي�� َع��رف ويِج َه ِلك إب��دا ال َّ
َع���ذب ٍ و يَ�ب�ري مقطِّع ٍ أوص��ال��ه َ����ل قَ�����درِك َذ ِّر ٍة ِمثقاله م��ا ق ّ وارع���ى ِصدي ِقك ي��وم ُع�سر ٍ حاله
ش��ا ِف��ك وك�� َّن��ه م��ا بَ�� َع��د يِت َخيَّلِك حتّى َس�لا ِم��ك يَب ِغضَ ه وم��ا يمَ ِه ِلك
وإذكِ��ر ِقصريك قَبْل ما تَذكِر َهلِك
وأقسم رغيفك نصف له والنصف لك وارح���م ع��دو ٍ ق��د ن��وى ان��ه يقتلك ه��ذي العلوم ال�لي َصداها تْج ّملك فـ ارق��ا ال ُّنوايف وال�� ِك�ِب�رِ ال يْثقـِّلك
وان��زِل قُلوب ال ّناس واس ِكن ،تمِ ِتلك
يل َس��كَّ��ر ْع��ي��ونَ��ه و َح��� ّط اقفاله كَ��� ِّن���ك تُ��ب��ا ِ ت���اخ���ذ أَع����� ّز ْع��ي��ال��ه
ل��و ه��و غريب ٍ م��ا تعرف افعاله دام ال�� ّزم��ن ج��اب��ه يِ��جِ�� ّر اذي��ال��ه وإال ِك��ث�ير ت ْ��ش��وف َس�� ْم��ح اقباله تمِ���ل امياله ونَ�� ْه��ج ال��تّ��واضُ ��ع ال ّ ���ل شَ �� ْه�� ْم قَ��� ْرم ٍ ناله ال��قَ��در يل ِك ْ
issue (6)- November - 2012
151
ديوان النبط
محمد سعيد املشيخي حفيت الوقفت روس القصايد عىل حفيت وقفت ان��ا شامخ أد ّور ع�لى بيت ه��ذا محمد ع��ايل املجد والصيت ه��ذا الكريم ال�لي عليه املناعيت غنيت يف وصفه وان��ا اق��ول غنيت سمح املقابل كلمته دون ياليت ح��ي وك��ل ميت يفرح بشوفه ك��ل ٍ زم��زم اذا قلنا سقت طايف البيت واليل عطا زمزم عطا صاحب الصيت كفه نهر تكريت ال وي��ن تكريت يعطي بسخاوة قلب من دون توقيت هذا وان��ا يف قمة حفيت يا حفيت
152
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ق��م��ة ج��ب��ل يف ال��ع�ين يسمو ع��ل�� ّوه اي��ل��ي��ق يف ش���ف ال��س��م��و ل��س��م�� ّوه ه����ذا ول����د زاي����د وري����ث امل����ر ّوة يف ه��ي��ب��ت��ه يف وق��ف��ت��ه يف ه���د ّوه ي��ال��ي��ت م���ا غ��ن��ي��ت إال ع��ت�� ّوه غ��ي��ث��اً اذا أق���ب���ل ع��ل��ي��ن��ا ب��ن�� ّوه ح��ت��ى ع����دوه ل��و اف�ترض��ن��ا ع���د ّوه م���ن ف��ض��ل ريب م��ع��ت�لي يف ع��ل�� ّوه محمد اب���و خ��ال��د وري���ث امل���ر ّوه ال وال��ل��ه إال امليسيسيبي وج��� ّوه دام األب����و زاي����د ون��ع��م االب���� ّوه وق��ف��ت اك��ت��ب يف جنابه و سم ّوه
نصوص
ابراهيم احمد الشامي العزّه عـ ّزتــي كـالـذيــب وســط الـصــدر مــا قــد يــوم مـــال والـلـيــالــي مـظـلــمــه والــنــور فـــي قـلــبــي ضـــوا مـــا أقــول الـخــيــر جـــاي ومـــا أقـــول الــشــر زال بـشــكــر الله لــــو قــويـــت الــجـــرح ولاّ هــــو قــــوا اعـرف ا ّن الـسـعـد طـول الـعـمــر شــي مــن الـمـحــال والـصــبــر مـفــتــاح قـلــبــي لـــو تــصــ ّوب وانــكــوا لــــو شــربـــت الــهـــم والله مــــا شـكــيــتــه لــلــيــال لـــو جـــرا ســمــه بِــدمـّــي وكــــل شــريـــان ارتــــوا مـان ْـحـنـي مـن ثـقـلـهـا لـو هـي عـلـى ا ْمـتـونـي جـبــال لــو تـهـ ّمــش كــل ضـلــعٍ بــي ومــن تـحــتــي الْــتــوا والـحــزن غـابــت مـالمــح ضـحـكـتــه وشــد الـرحــال والــبــقــا بــالــجــرح يــالـــي خــلّــفـــه ذاك الـــهـــوا والـهـوا مــات بـكـفــوف االمــس مــن بـعــد الـوصــال مـــا تـقــطّــع مـن يـدين الــغــدر وســيــوف الــنـــوا والـنـوا فـي صـفـحـة الـمـاضـي عـلـيـهـا الـشـوق سـال وانـطــوت ذكــرا عــذابه والــنــوا مـعــهــا انــطــوا وانــطــوا حــبــك يــصــارع وحــدتــه قــبــل الــــزوال ٍ ولـــيـــف فـــــي مــواصــيــلــه دوا عــقــدتــه فـــرقــى والــدوا عـشــبــه ومــاتــت فـــي بـسـاتــيــن الــظــالل بــعــد مـــا فــاحــت خـيــانــه ثـــم تـنـفـســهــا الــهــوا والــهــوا قــصــة وراحـــت كـانّــهــا كــانـــت خــيـــال وكــل مـــا تــطــري ع بــالــي فـــ ّز ذيــبــي ثـــم عـــوا
issue (6)- November - 2012
153
ديوان النبط
خالد عيل الشعيبي يا مدعي يا مدعي حسن الخاليق واإلمي��ان م��اين بقايل جيت ل��ك ب��س ولهان ودك تداري خاطرك عن هوى الشان الحب م��ا ب��ه م��ن تفضل واحسان شفني ببل الريق واجيك ظميان منحرك مثل النوق والله بها عان أقصد أنا من غمرة الشوق طربان جود البشاير ما ورى حسنك يبان والخشم جودي قد عىل راس عماّ ن هل يل عىل كرسيك غمرة من الدان إين ل��ذو ط��م��عٍ وه��ل يل باحسان
أن���ا ل���و إنيّ ج��ي��ت ب��اج��ي��ك ك�ّلّ إال ب��ق��ول ال��غ��ي��م ب��ال��ع��ش��ق ه�ّلّ ل��ك��ن ت���دري وأدري ال��ط��ي��ب ع�ّلّ وان��ت الحسن والزين والزين يالل وان��ت��ه ع��س��اك ل��ري��ق م��ث�لي تبل وال���خ�ص�ر م���ا ب�ي�ن ال��ث��ن��اي��ا ي��س�ّلّ ف��اع��ذر ك�لام��ي ك���ان م��ا ف���اد زل ي��ا ع���ود ب����انٍ وي���ن ح��لّ��ت تحل والعني ماهي من ورى الظيم هل ل ٍ م���ل���ك ق���د ف��ن��ا ال مي�ّلّ يف ب��ح��ر م��ن عند حسنك ُم وم��ن عند فل
الفنان عبد الله سامل 154
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
أدب البدو
أدب البدو
في كتابات الرحالة والمستشرقين بدايات تدوين الشفوي لعب الرحالة والمستشرقون االجانب دورا هاما في جمع وتوثيق أدب البادية ،وقد نشطوا في منتصف القرن التاسع عشر في الجزيرة العربية وبادية الشام والعراق ،وجمعوا قدرا هاما من قصائد البادية (الشعر النبطي) التي تعد سجال صادقا ألحوال العرب.وفي طليعة هؤالء الرحالة كان الفنلندي جورج اوغست والين ،الذي امضى فترة في منطقة الجوف السعودية وجمع عينات من قصائد شعرائها
سعد العبد هللا الصويان
issue (6)- November - 2012
155
ديوان النبط
بذل
الجوف عام 1845م وهو يف طريقه إىل حائل مرورا بجبة. املسترشقون والرحالة األجانب جهودا ولد والني سنة 1811م يف وطنه فنلندا التي كانت آنذاك ال يستهان فيها وكانت لهم إسهامات تحت سيطرة روسيا .وحيث أنه مل يكن يوجد بعد يف سباقة فيام يتعلق بدراسة لهجات الجزيرة العربية فنلندا لغة وطنية نشأ والني كغريه من سكان مقاطعته وجمع الشعر العامي ،أو ما يسمى «الشعر النبطي»، يتكلم اللغة السويدية .وأبدى اهتامما مبكرا ببالد وخصوصا بني أبناء البادية ويف شامل الجزيرة وصحراء الشام تحديدا .وحيث أن معظم أعامل هؤالء املسترشقني ،الرشق وشغفا بالصحراء وحياة البادية .وحصل عىل يشء وخصوصا القدمية منها وما هو مكتوب بلغات أجنبية غري من الدعـم من جمعـية الجغرافيني امللكـية الروسـية اإلنجليزية ،غري متاحة للكثريين من قراء العربية املهتمني التي تأسـست عام 1845م يف ســانت بيرتسـربج St. Petersburgومن جمعية الجغرافيني امللكية يف لندن. بلهجات البادية وآدبها فإنني سوف أتحدث بيشء من يعرف نجيب العقيقي والني يف الجزء الثالث من كتابه التوسع عن ما تتضمنه هذه املصادر القيمة من نصوص وآراء .وأعامل الرحالة واملسترشقني يف هذا امليدان ميتزج «املسترشقون» قائال: «ولد يف جزائر آالند غريب فنلندا ،وتعلم يف كليتها وصنف فيها الجمع والرشح مع الدراسات األدبية واللغوية التي كتاباً بالالتينية أسامه :أهم الفروق بني لهجات العرب تشكل بدورها فرعا من الدراسات اإلثنولوجية مبفهومها املتأخرين واملتقدمني .ويف سنة 1841قصد روسيا ،وتضلع األعم .هذا يتطلب منا قدرا من االنفتاح يف بحثنا عن يف العربية عىل الشيخ محمد عياد الطنطاوي يف مدرسة املصادر بحيث ال نقترص عىل تلك التي تعنى بتدوين األلسن ،حتى آخر سنة ،1842ثم رحل إىل الرشق فط ّوف نصوص الشعر فقط ،بل علينا أن نتقىص كل ما يتعلق بلهجات الجزيرة وحياة البادية وكتب الرحالت .مثل هذه خالل ست سنوات مبرص وجزيرة العرب وبغداد وأصبهان وبرصى ودمشق متزيياً بزي البدو متطبعاً بطباعهم باسم املصادر وإن كان أصحابها قصدوا منها أساسا أن تكون عبد الويل -وقد نقشه عىل حجر قربه بحروف عربية- أبحاثا يف علم اللهجات العربية أو يف اللغات السامية حامالً حقيبة مملؤة بالعقاقري ،فأحبته القبائل ،ويسرّ ت له املقارنة أو يف االستكشافات الجغرافية ،إال أنها ال تخلو أحيانا من بعض القصائد و»السوالف» التي ترد كشواهد دراسة عاداتها ولهجاتها ،واستقصاء حالة بالدها الطبيعية والجغرافية ،ثم سكن لندن ( ،)50-1849واشرتك يف إعداد أو كامدة خام. خريطة لبالد العرب ،وعني أستاذا ً ،فكان أول من استقل وأول من قام من املسترشقني بتدوين ودراسة مناذج من أشعار البادية هو جورج أوغست والني Georg Augustبكريس لها فيها ،ثم سمي أستاذا ً للعربية يف كلية هلسنيك، Wallinالذي جمع بعض القصائد أثناء إقامته يف منطقة وأقبل عليه الطالب ،وأفادوا منه حتى وفاته».
بذل المستشرقون والرحالة األجانب جهودا ال يستهان فيها وكانت لهم إسهامات سباقة فيما يتعلق بدراسة لهجات الجزيرة العربية وجمع الشعر النبطي
156
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
بدوي حر
وقد نرشت دار Falcon-Oleanderكتيبا صغريا عن والن عنوانه رحالت يف بالد العرب Travels in Arabia )1848-(1845يتضمن التقارير التي سبق أن نرشها عن رحالته مع مقدمة قصرية كتبها W. R. Meadو M. Trautzتحتوي عىل بعض املعلومات البيوغرافية عن حياة والني .جاء يف هذه املقدمة أن والني كتب يف يناير 1851م بعد عودته من الجزيرة العربية حينام داهمه برد الشتاء القايس يف وطنه فنلندا يعرب عن حنينه إىل الصحراء
أدب البدو
الفنان إتيان دينيه
«كم أتوق اآلن أكرث من أي وقت مىض أن استبدل مناخ وطني الثقيل الوطأة والحياة املرهقة التي أنا مجرب عليها هنا (كأستاذ للعربية أدرس الطالب مبادىء الهجاء). . . طموحي يف هذا الوجود أن أمتكن من العودة إىل الرشق وبالتحديد إىل الصحراء العربية .ميكنني العودة هناك كرحالة أوريب ألستكشف علميا املناطق املجهولة يف بالد العرب وأقدم نتائج أبحايث للدوائر األكادميية يف العامل الغريب ،وأخص بذلك الجمعيات العلمية يف لندن .أو لرمبا أذهب إىل هناك لالستجامم والرتويح عن النفس ،للبحث عن مالذ يف فيايف الصحراء من بيئة أوروبا الخانقة، ألجد السالم وراحة البال بعيدا عن التفاهات والزيف والعجرفة التي اعتاد عليها الغربيون ،ألعيش بدويا حرا ثم أموت وأدفن بني أبناء البادية األحرار ».ويف رسالة أخرى أوضح والني أهدافه والتي كان من ضمنها توثيق ودراسة اآلداب واألعراف البدوية التي كان يرى أنها «ما زالت تحكم حياة هؤالء الباترياركيني Patriarchalوالتي ال تقل بأي حال يف أهميتها وأصالتها عن القوانني التي كان يحتكم إليها الغاليون القدماء ،بل حتى تلك التي سادت بني أجدادنا القوطيني» ويف ميله للغات الدارجة واآلداب الشفهية كان والني متأثرا أميا تأثر بجهود زمالئه من األكادمييني والكتاب الفنلنديني الذين شمروا عن سواعدهم وجابوا أرياف فنلندا وسهوبها بحثا عن األغاين الشعبية والتي استطاع إلياس لونروت Elias Lonnrot
فيام بعد أن يؤلف منها ملحمة الكاليفاال .Kalevala ولهذا كان والني يتطلع إىل جمع «أدب البادية الشعري املثري ،الذي ال ينضب وال يجارى يف ثرائه وجودته». ويختتم والني رسالته بهذه الفرضية التي يقول فيها «يبدو أن الطبيعة اختارت هؤالء األعراب الذين مل تحد فاقتهم من إنسانيتهم وبساطتهم ليجددوا من وقت آلخر الدماء يف عروق الشعوب غري املتحرضة أو الشعوب التي أصابها الوهن والتفسخ .من ناحية ،نجد أن جدب أرضهم وشح مواردها يحميهم من االنحدار واالنحالل الذي عادة ما تؤول إليه األمم التي يتفىش فيها الغنى والنعيم .ومن ناحية أخرى نرى هذه الفاقة تدفع بهم للهجرة وترك بالدهم للبحث عن رغد العيش ويضخون تبعا لذلك دماء جديدة قوية فيمن يحلون بني ظهرانيهم».
قصائد من الجوف
كان والني مضطرا للبحث عن جهات متول رحالته االستكشافية إىل بالد العرب وخصوصا الجمعيات الجغرافية امللكية يف إنجلرتا وروسيا .لكنه أيضا كان شديد الحرص عىل أن ال يعرف الرشقيون عن هويته وأغراضه الحقيقية ومصدر متويله حتى ال ينكشف أمره ويعرض نفسه ومشاريعه للخطر إذا ما شك املسؤولون يف بالد الرشق أن مهمته وأهدافه لها أبعاد سياسية .فقد كتب إىل الدكتور نورتن شو ،Norton Shawأمني رس الجمعية issue (6)- November - 2012
157
ديوان النبط
الجغرافية امللكية يف لندن ،يحذره من إعطاء األحاديث واإلدالء بالترصيحات عن رحلته «ألنه لو حملت األخبار أنني أبارش رحلتي محفوفا بهذه الرعاية العظيمة من إنجلرتا وروسيا فمن املحتمل جدا أنه حاملا أصل إىل القاهرة سيكون يل رشف تلقي دعوة من عباس باشا ألتناول معه فنجانا من القهوة والذي سيكون آخر يشء يدرج يف حلقي». أمىض والني السنتني األخريتني من حياته أستاذا للعربية يف جامعة هلسينيك وداهمته املنية سنة 1852م وهو يف سن الواحدة واألربعني ومل يتمكن من تحقيق طموحه يف العودة إىل جزيرة العرب. جمع والني عددا من القصائد أثناء إقامته يف منطقة الجوف عام 1845م ونرشها تباعا برتجامتها ودراسات عنها يف العددين الخامس والسادس من مجلة الجمعية األملانية لالسترشاق Zeitschrift der Deutschen .morgenlandischen Gessellschaftنرش والني هذه القصائد خالل الفرتة ١٨٥٢-١٨٥١م تحت عنوان «عينات ألنثولوجيا قصائد عربية معارصة جمعت من البادية» Probe aus einer Anthology neuarabischer .Gesang, in der Wuste gesammeltتضمنت هذه العينات مثان قصائد يعرض كل منها عىل النحو التايل: يبدأ بكتابة القصيدة باألحرف العربية ثم يكتبها كتابة صوتية مستخدما الرموز الالتينية وبعد ذلك يرتجمها إىل األملانية ويقدم للرتجمة مبعلومات عن الشاعر ومناسبة القصيدة وعن الظروف التي جمع فيها نص القصيدة والشخص الذي رواها له وينهي عرضه بدراسة لغوية مفصلة. وقد قام إمام املسجد الذي يدعوه والني «الخطيب الوهايب» مبساعدته يف نسخ القصائد .ومن الواضح أن والني واإلمام غري متمرسني يف التعامل مع الشعر النبطي وتذوقه فالقصائد التي دوناها تعاين من خلل يف الوزن ويف طريقة التدوين .وتعاين بعض القصائد من خلل يف القافية وهذا يعود ،يف أغلب الظن ،إىل عدم كفاءة الراوي سلامن الذي أخذ عنه والني هذه القصائد. القصيدة األوىل من حصيلة والني أمالها عليه الشاعر
158
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
بنفسه الذي ذكر أن اسمه مساعد وأشار إليه بأنه «عبد من عبيد الجوف» .حينام وصل والني إىل الجوف وجد لهذه القصيدة صدى واسعا والحظ كرثة تردادها عىل ألسنة الرواة يف املجالس وتغنيهم بها عىل الربابة مام حدا به إىل البحث عن صاحبها ألخذها منه مبارشة .وكان والني قد وصل إىل الجوف بعد أن أحكم عبدالله بن رشيد، أمري حائل ،قبضته عليها .وكانت قبل ذلك تتكون من أحياء بينها عداء مستحكم وتعيش حالة خوف ونزاع ال ينقطع .ويتحدث والني يف مقدمته لهذه القصيدة والتي تليها عن الوضع السيايس يف الجوف .وهذه القصيدة التي تتألف من اثناعرش بيتا قالها مساعد العبد من حي خذما يخاطب بها داره ويعلن تفانيه يف الدفاع عنها. والقصيدة الثانية تتألف من اثناعرش بيتا قالها سامل العوض من أهل الجوف ميدح عبدالله بن رشيد وأخاه عبيد عىل مساعدتهم ألهايل حي خذما عىل أهايل حي الدلهمية. القصيدة الثالثة تقع يف مثانية عرش بيتا قالها منر بن عدوان أمري قبيلة العدوان التي كانت تقطن نقرة الشام أو حوران يريث زوجته وضحاء من بني صخر .وأمالها عىل والني شخص يدعى سلامن من سكان حي خذما يف الجوف والذي يصفه والني بأنه قوي البنية ويقول إن صحته جيدة عىل الرغم من سنه الذي يناهز الستني. وأكد سلامن لوالني أنه كان تلميذا لنمر بن عدوان تعلم عىل يده قرض الشعر وأن منر هو الذي شجعه عىل قول الشعر وأنه بعدما حفظ الكثري من أشعار منر بدأ شيئا
أول من قام من المستشرقين بتدوين ودراسة نماذج من أشعار البادية هو جورج أوغست والين الذي جمع بعض القصائد أثناء إقامته في منطقة الجوف
أدب البدو
الفنان إتيان دينيه
فشيئا بقرض الشعر بنفسه ويدعي بأن لديه صندوقا مأله بقصائد منر .ويذكر والني بأن وصوله إىل الجوف سنة 1845م كان بعد وفاة منر بسنوات قليلة .ويضيف والني أن منر كان شاعرا واسع الشهرة وأنه متعلم وضليع يف استخدام املراجع األدبية والقواميس التي يستقي منها مفرداته الغريبة والجميلة التي يزين بها أشعاره وأنه يدخل يف قصائده مفردات من اللغة الفارسية وغريها من اللغات( .وأود هنا أن أسجل تحفظي عىل ما ذكره والني وأستبعد أن يكون منر عىل هذه الدرجة من العلم ،ولرمبا يكون هذا جزء من النسيج األسطوري الذي يحوكه الرواة منذ ذلك الحني حول شخصية منر .بل إنني يف ريبة من أمر هذا الراوي املسمى سلامن وأتردد يف قبول إدعاءاته ألن القصائد التي رواها عنه والني ،سواء كانت من إنتاجه هو أو من إنتاج «أستاذه» منر ليست عىل املستوى املتوقع). والقصيدة التالية برواية سلامن لنمر أيضا تتألف من سبعة أبيات يسندها عىل ابنه حمود ،وبعث بها معه إىل وضحاء حينام غاضبته وتركته وذهبت إىل أهلها .ويقول والني يف معرض حديثه عن وضحاء أنها من األدب بحيث ال تدير ظهرها إىل منر حينام تنرصف من عنده وإمنا متيش عىل الوراء حتى تتعداه وتبعد عنه. القصيدتان الخامسة والسادسة براوية سلامن قصيدتان متبادلتان بينه وبني شاعر آخر يدعى سكران من أهل الرحيبيني بالجوف .يقول والني عن سكران إنه شاعر فحل وراوية جيد وأنه سمعه مرة يف الجوف ومرة يف حائل ينشد األشعار دون توقف ملدة قد تزيد عىل ساعة ونصف وكانت قصائده دامئا تحظى بإعجاب الجامهري الغفرية من الحضور .وهو شاعر متعدد املواهب يقول القصائد يف كل موضوع وبعضها يف املدح وكان يحصل مقابل ذلك عىل هبات عىل شكل «بالطو» أو «معطف»
أو ما شابه ذلك .وغالبا ما ذهب سكران إىل ابن رشيد يف حائل ليمدحه بقصائده ويرجع من عنده محمال بالهدايا. وقد حاول سكران أن ينظم قصيدة يف مدح والني ،الذي كان ميارس مهنة الطب بني أبناء البادية ،عله يحصل منه عىل هبة سخية لكن والني كان يعاين من قلة ذات اليد وكان بحاجة للعطف أكرث من الشاعر وكان يعيش عىل كرم مضيفيه «معازيبه» من الشيوخ واألمراء وأجاويد العرب .سبب القصيدتني هو أن سكران وسلامن وقعا معا «سـ َويّـر» (تصغري ساره) دون أن يعلم يف غرام فتاة تدعى ْ أحدهام عن اآلخر .وبعدما اتضحت األمور لكليهام حاول كل منهام أن يتنازل عن الفتاة لآلخر ولكنه يف قرارة نفسه يأمل أن يغلبه صاحبه يف النبل والشمم ويتنازل عن الفتاة لتكون من نصيبه هو. القطعة السابعة التي يوردها والني تتألف من خمسة أبيات ،ويزعم والني أن القصيدة أطول من ذلك بكثري وأن صاحبها ،الذي نيس والني اسمه ،رفض أن يرويها له وأن الذي روى له هذه األبيات الخمسة سلامن .ويقول والني إن قائل هذه القصيدة شاب من أهل الجوف انتقل مع أبويه إىل الكرك وكان يقوم بزيارة قصرية إىل الجوف أثناء وجود والني فيها .والقصيدة معروفة عند أهل نجد ومشهورة عند رواة الشعر النبطي وقائلها ابن رساح من أعيان الجوف. القصيدة األخرية مقطوعة قصرية من ستة أبيات التقطها والني من رواة قبيلة بيل حينام كان يتنقل معهم وكانت تدور عىل ألسنة الجميع ويلهجون بها .ويقول والني إن «معـ ّزبه» من بيل ذكر له أنه كان مرة بصحبة رفيق له يدعى ِمـشَ ّـل يف زيارة ألحد شيوخ الفقرا (عنزة) وسمع أحد الحضور يتغني بهذه القصيدة عىل الربابة .ويردف والني أن بدويا من قبيلة برش رافقه يف رحلته من تيامء إىل حايل أكد له أن هذه أبيات قدمية قالها عقاب العواجي( .وهذه املعلومة التي سجلها والني عام ١٨٤٥م لو توفرت لدينا قرائن ومعلومات مشابهة لها لساعدتنا يف تحديد الفرتة التي عاش فيها عقاب العواجي ورمبا تأريخ بعض الوقائع واملعارك التي حدثت بني الجعافرة بقيادته وبني شمر ).ويعتقد والني أن القصيدة طويلة لكنه مل يتمكن من الحصول عىل أكرث من ستة أبيات issue (6)- November - 2012
159
أخبار البيت
سيف السعدي في بيت الشعر
نشيد للوطن والحب واإلنسانية الشاعر اإلماراتي سيف بن حارب السعدي كان ضيف بيت الشعر في ابوظبي بمناسبة صدور ديوانه الجديد "ميثاق".وقدم باقة من قصائده القديمة والجديدة لجمهور البيت .وسط حضور نخبة من الشعراء اإلماراتيين والعرب والمهتمين بالشعر الشعبي
األمسية
التي أقيمت مساء يوم الثالثاء /9 اكتوبر املايض ،قدمها الشاعر محمد نور الدين بقوله »:سأقدم اليوم أدبا رصينا وشعرا صافيا، شعر مل يضع النقاط عىل الحروف فقط ،بل متيز بوضع العالمات عىل حروفه يف تشكيل فريد ،شعر مير كالهمسة، وقعها عىل القلب»،واضاف شعر يقول «همستك أعذب ٍ حديث من الشعر الشمول /يل تناجينا تجدد ما درس /لك كلام طال معسول /يف الجسد والروح له جرس الجرس». وقرأ السعدي منتخبات من شعره الذي تنوعت أغراضه، فتنقل بني الوطني والوجداين والتأميل ،مبتدئا بقصيدته «شارب النخوة من الجدين» يف مديح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وقال «من حسن حظنا أن فينا خليفة بن زايد الذي أحب شعبه فبادله الحب كونه عىل سرية األب زايد رحمه الله وأجداده العظام». كام قدم السعدي قصيدة مهداة إىل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم ديب .وتحدث السعدي يف قصائده
160
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
عن اإلمارات والقيم والعادات العربية ،وانتقل بعد ذلك إىل القصيدة اإلنسانية التي تصف عواطف الشاعر ورؤياه الذاتية «ما أبيك عىل يش يف دنياي /لو غايل» .واستمر يف توصيف الذات العفيفة يف شفافية شعرية ،حيث يصل إىل قوله «وأنا عىل العهد ما بدلت رسبايل» . وراوح السعدي يف قصائده بني املدح ،والفخر ،والغزل، والحكمة والتوجيه ،والحث عىل األخالق الحميدة والتمسك برتاث اآلباء واألجداد ،ويف الغزل متيزت القصائد برهافة اإلحساس ،وجزالة األلفاظ ،وجامل التعبري واملعنى:
الله عىل ِرق ِته والله عىل َد ّمه َ أغىل الغنايم إذا غنم يل ْعلومه يا َويل وييل عىل مشمومه وش ّمه ْ يا عل روحي فدا شمه ومشمومه
يذكر أن الشاعر سيف السعدي ناشط يف اإلبداع الشعري منذ أكرث من 30عاماً ،وهو مدير تحرير مجلة «جواهر» اإلماراتية ،ونائب رئيس مجلس شعراء ديب ،واملرشف عىل صفحة الشعر الشعبي يف جريدة البيان
مركز سلطان بن زايد
المنصف المزغني في مركز سلطان بن زايد
أسئلة حول الشعر وجمهوره الشاعر التونسي المنصف المزغني من بين الذين أسهموا في تشكيل الحركة الشعرية التونسية الحديثة، وله مشاركات كثيرة في مهرجانات وبرامج شعربية عربية ،قدم مساء األحد 22سبتمبر الماضي قراءة حول موضوع الشعر وجمهوره خالل محاضره أقامها مركز سلطان بن زايد للثقافة واإلعالم
املحارضة
التي جاءت تحت عنوان «تساؤالت حول الشعر وجمهوره» طرحت العديد من اإلشكاليات واملسائل املتعلقة بعالقة الشعر بالجمهور كام أثارت نقاشا طويال حول قضية غياب الجمهور واختالف اهتامماته ،وحرضها عدد من الشعراء واالدباء اإلماراتيني والعرب املقيمني يف الدولة ووسائل اإلعالم . وقال الشاعر عبدالله أبوبكر يف تقدميه للمحارض «إن املنصف املزغني شاع ٌر ُ يطلق رصاص يعرف أي َن َ وكيف ُ ْ القول ،ليحيي العبارةَ ،ويلقي بالدهشة واالبتسامة بيننا. هو ساخ ٌر فذ ،وساح ٌر يجمع الكالم بني يديه ،ليصنع منه ما يريد ،فال عجب من جامهرييته الواسعة تلك ،ومن حضوره املتفرد ،وهو الشاعر الحكّاء ،الباحث عن الحكاية يف كل مكان يذهب إليه». واستهل املنصف املزغني محارضته بشكر سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس
الدولة رئيس املركز حفظه الله ،عىل جهوده الثقافية الكبرية .لينتقل بعذ ذلك إىل الحديث عن الشاعر املتعلم وغربة الشاعر الفصيح مع جمهوره ويقصد بالجمهور املتلقي عرب األساليب املتعددة . كام أشار إىل مسألة الفهم والتذ ّوق ،ودورهام يف استقطاب جمهور الشعر ،مقارناً يف الوقت نفسه بني حدود انتشار الشعر الفصيح والشعبي ،ومعتربا ً “أن الشاعر الفصيح يتفوق عىل الشاعر الشعبي من حيث اتساع رقعة الجمهور املمتدة عىل امتداد ما يوحد أرض اللغة العربية منذ الشعر الجاهيل ،وإذا ظل الشاعر الشعبي ذا انتشار يف حيزه الجغرايف فإنه غري مضمون التواصل خارج زمانه بفعل ما يطرأ عىل اللغة من مدلوالت جديدة ،واستثنى من ذلك الشاعر الشعبي املرصي عبدالرحمن األبنودي الذي يحظى برقعة انتشار واسعة يف الوطن العريب وتطرق املزغني إىل نوعني آخرين من الشعراء ،وهام شاعر التفعيلة وشاعر قصيدة النرث ،وأكد أنهام يعانيان من انعدام التواصل مع الجمهور ،وأكد أن شاعر قصيدة النرث جاء فوجد أسئلة احتجاجية أمامه ،وأشار إىل أن التجديد الشعري باب مل يغلق بعد ،وأن الجمهور يسأل الشاعر ملاذا تكتب ما ال يفهم فيجيب الشاعر :ملاذا ال تفهم ما يُكتب . وأشار إىل دور الصحافة يف توصيف العالقة بني الشاعر وجمهوره وهناك شعراء يحيون الجمهور فردا ً فردا ً لقلة عدد الحارضين كون القاعة قد امتألت باملقاعد الفارغة . واعترب املزغني الجمهور إطارا ً ميكن أن تدربه الثقافة الشعرية وتعوده عىل استقبال األداة الشعرية ،وأكد أن األمايس أصبحت رتيبة إال من كونها مكابرة وإرصارا ً عىل الخطأ issue (6)- November - 2012
161
كاميرا
عدسة املصور محمد حيمورة
163
issue (6)- November - 2012
164
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/