سبتمرب 2012 متوز -يوليو ()2أيلول العدد()4 العدد
الشيخ زايد
ذكرى في الشعر حلمي سالم :خاتمة القصيدة إدغار موران :منبع الشعر )I S S U E N O (4
SEP 2012
دمشق في القصائد :سالم من صبا بردى
شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي
نادي تراث اإلمارات
النبطي والفصيح في اإلمارات
التقاء وافتراق
الشعر ما بعد «الديكتاتورية»
العراق وليبيا ..سقوط الرقيب قاسم حداد
في مصاحبة طرفة بن العبد حسن العبد اهلل
شعر اليوم عالقات عامة
جمعة الفيروز
كائن القول الشعري
مختارات
قصائد النشوة للشاعر الهندي :كبير
الفنان مودلياين
بيت الشعر
العدد ( )4ايلول/سبتمبر 2012/
الشعر والدم أين الشاعر العريب مام يحصل اليوم يف وطنه من تحوالت؟ هل الشعر عىل الحياد؟ ملاذا مل نقرأ قصيدة واحدة تقف قريبا من انهار الدم التي سالت من تونس اىل دمشق مرورا بصنعاء والقاهرة وطرابلس؟ هل تراقب القصيدة من بعيد وال تريد لكلامتها أن تتلطخ بالدم؟ اسئلة كثرية مطروحة منذ ان بدأت الشوارع العربية تغص باملتظاهرين الغاضبني الذين كانوا يهتفون «الشعب يريد اسقاط النظام» .اسئلة تذهب إىل ما بعد الشعر، ولكنها تظل معلقة يف الهواء و ال تجد من يجيب عليها أو يحاول فك ألغازها ،بل ان الشعراء الذين يشغلون يف الوجدان العام موقع طائر الرعد ،مل يرتفع لهم صوت يف هذا الفضاء الدامي .أغلبهم متركز حول ذاته ،ملتزما الصمت والنظر بتعال إىل املأساة، بينام اكتفى بعضهم مبسايرة االحداث من وجهتها السياسية فقط .مل يحرض النص يف املناسبه نهائيا ،ال كشاهد وال كطرف ،وكأن الدم ال يحرج الشعر وال يؤمل الشعراء. املوقف السيايس للشاعر مطلوب ،بوصفه مواطنا وصاحب رأي ورؤية ،ولكن ما ينتظر منه قبل ذلك هو القصيدة .ليس ترفا ان نستدعي الشعر يف زمن الدم ،وليس وظيفة الشاعر تجفيف الدموع ،بل ان حضور القصيدة اليوم رضورة أساسية من رضورات الحرية والكتابة ،فالشعر عىل مدى التاريخ كان موجودا يف لحظات الرتاجيديا والكارثة. وقف إىل صف الضعيف وسجل االحداث اإلنسانية بعيدا عن انحياز املؤرخني إىل جانب األقوياء واملنترصين ،وحني يشد البرش ظهورهم بتاريخهم الخاص فإن أول ما يعتصمون به هو قصائد الشعراء .ومن املؤسف ان الشعر مبا هو حلم جامعي وديوان ألخبار الشعوب غائب اليوم عن حدث كبري يف تاريخ العرب املعارص ،حيث تقطر الجغرافيا العربية دما. قد تختلف اآلراء من حول ما يجري ولكن تبقى للشعر وحده القدرة عىل طرح سؤاله الخاص الذي يقع يف صلب ماهية الكتابة ومعنى الثقافة .ولكن ما نراه هو العكس ،مل نجد شاعرا يتقدم الصفوف ويجاهر بقصيدته حتى النهاية ،ويتيح للشعر أن يقف أمام املأساة كسيف جرد من غمده .مازلنا بعيدين عن املوضوع ،بل ان البعض اضاع سؤال القصيدة يف جدل هاميش ،يقامر بقيمة الحرية قبل الشعر. مل يحدد الشعر موقفا مام يجري ،بل بدا بعض الشعراء مستسلمني لسهولة اللغة، حتى ان مواقف البعض تنحو يف اتجاه تنزيه اغراض الشعر عن الزلزال ،ولكن التاريخ يقول غري ذلك ،فشعر املقاومة الفرنسية ضد النازية تحول اىل ظاهرة شعرية ،ذلك ان الشعراء الذين مل يرتدوا الزي العسكري مل يتخلوا عن مسؤوليتهم شعرا. من الخطر تأيت القصيدة ،وهي لن تكون بالرضورة غصنا مثقال بالورود ،وال مجرد اصوات وصور ،انها رصخة توقظ الذين يغطون يف النوم ،رصخة تجعل الصم يسمعون ومتنح صوتا للصامتني ،رصخة تجلو الغشاوة عن عيون العميان الذين ال يريدون رؤية املأساة التي تقرتب منا
املحرر
تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي نادي تراث اإلمارات
املرشف العام
حبيب الصايغ رئيس التحرير إبراهيم محمد إبراهيم مدير التحرير بشير البكر سكرتري التحرير عبد اهلل أبو بكر التحرير
جهاد هديب رنا زيد
املدير الفني فواز ناظم االخراج والتنفيذ ناصر بخيت
املراسلون
بيروت -فيديل سبيتي الرباط -حكيم عنكر باريس -محمد المزديوي القاهرة -حمزة قناوي روما -حذام الودغيري صنعاء -أحمد السالمي
الهيئة االستشارية:
علي جعفر العالق عارف الخاجة نوري الجراح سالم أبوجمهور حسن نجمي علي الشعالي
issue (4)- September - 2012
3
محمد غني حكمت ..شاعر الحجر البغدادي
146 20 25نصوص :محمد جرب الحريب ،طالل سامل ،عبد الرحيم الخصار ،حازم العظمة ،محمد يوسف أبو لوز ..سبب الشعر
زينو شومان ،بيان الصفدي ،عامد جبار ،لؤي أحمد ،ضيف حمزه ضيف ،عبود الجابري ،فوزي باكري ،مهند السبتي ،أرشف جمعة ،عالء أبو عواد ،محمد العديني ،غمكني مراد ،محمد عيل اليوسفي.
42 44نظري ًا ..صبحي حديدي 45تحقيق ..النبطي والفصيح يف اإلمارات 52ملف ..الراحل حلمي سامل 60تجارب ..جمعة الفريوز 64حوار ..إدريس بن الطيب 67مختارات ..الشاعر الهندي :كبري 80حاشية ..حسن نجمي
رأي الناقد ..قراءة يف نصوص العدد الثالث «بيت الشعر»
منارة الشارقة الشعرية
www.poetryhouse-ad.ae
92
الغالف:
النحات العراقي مكي حسين -لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان
عناوين املجلة االدارة والتحرير: االمارات العربية املتحدة-ابوظبي هاتف+97124916333 : امييلbashir@cmc.ae :
أبوظبي لإلعالم-توزيع الرقم املجاين 8002220 : لالتصال من الخارج +97124145000 فاكس +971 24145050 :
distribution@admedia.ae مسؤول التوزيع :زياد النجار
املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة 4
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة
المحتويات
60
122
81قضية.. الشعر ما بعد (الديكتاتورية) -ليبيا والعراق
92 96شعر وسينما ..الفيلم الشعري 98في الشعر ..إدغار موران ،ميشيل دوغي ،روجيه عوطة، بيت الشعر في الشارقة
عبد الله أبو بكر
108 114جدل
حوار ..حسن العبد الله
قصيدة نرث أم وعي شعري جديد ؟ -ردة شعرية ..عودة إىل قصيدة العمود
121 122نقد
حائط أبيض ..نوري الجراح
سعر النسخة اإلمارات العربية املتحدة 10 :دراهم -اململكة العربية السعودية 10 رياالت -الكويت دينار واحد -سلطنة عامن 800بيسة -قطر 10رياالت مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -مرص 5جنيهات -السودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية -سورية 100لرية -اململكة األردنية الهاشمية ديناران -العراق 2500دينار -فلسطني ديناران - اململكة املغربية 20دره ًام -الجامهريية الليبية 4دنانري -الجمهورية التونسية ديناران -بريطانيا 3جنيهات -سويرسا 7فرنكات -دول االتحاد األورويب 4يورو -الواليات املتحدة األمريكية وكندا 5دوالرات. االشتراكات لألفراد داخل دولة اإلمارات 100 :درهم /لألفراد من خارج الدولة150 : دره ًام -للمؤسسات داخل الدولة 150 :دره ًام /للمؤسسات خارج الدولة
52
64 قاسم حداد يف مصاحبة «طرفة بن الوردة» -العنوان والنص يف الشعر اإلمارايت
130 132تجارب ..جان تارديو 134قصيد األسالف ..الحالج يف تعدد القراءات 139مختارات ..الشعر اإليسلندي 144شعراء قتلتهم القصيدة 146شعر وتشكيل ..محمد غني حكمت 150نزار قباني ..قراءة فلكية 154دمشق في القصائد 158أخبار البيت 10 ..شعراء يستذكرون الشيخ زايد هيوز -درويش ..وردة األنثى
108
حسن العبد اهلل
ُ نعيش زمن شعراء العالقات العامة
200درهم. issue (4)- September - 2012
5
ُكتاب العدد
4
18
9
22
تخطيطات ُ الكتاب :نارص بخيت
16
21
15
19
.1سامح كعوش
• شاعر وناقد من فلسطني ،يقيم يف االمارات. أصدر ست مجموعات شعرية من بينها «صباحات النسكافيه» 2012عن دار الغاوون ،وله يف النقد عدة كتب منها «سرية غيم يهذي/ قراءة يف التجربة الشعرية لحبيب الصايغ».
.2نهى أبو عرقوب
• مرتجمة عن االسبانية تقيم يف عامن.
.3خلود الفالح
.9ياسني الزبيدي
• شاعرة وصحافية مرصية تقيم يف القاهرة.
.18مازن معروف
• روايئ وصحايف من ليبيا ،من بني إصداراته “املداسة”“ ،نواح الريق”، “عسل الناس”.
.19مفيد نجم
.10عزة حسني
.11محمد األصفر
• شاعر ومرتجم من ليبيا .من دواوينه قصائد الرشفة ،ومختارات من الشعر العاملي.
.13أمين بكر
• شاعر من العراق يقيم يف بغداد ،صدر له عدد من الدواوين وفاز بعدد من الجوائز العربية واألجنبية.
.6مهند صالحات
• قاص ومخرج أفالم وثائقية ،يقيم يف ستوكهومل.
• شاعر من األردن صدر له ديوان س ِّمني ما شئت.
• شاعر وناقد من مرص ،يقيم يف الكويت.
.14رجاء طالبي
• شاعرة وكاتبة ومرتجمة من املغرب، صدر لها برد خفيف وحياة أخرى.
.15يوسف عبد العزيز
• شاعر ومرتجم من املغرب ،صدر له حجرة وراء األرض وعودة صانع الكامن.
• شاعر من فلسطني من دواوينه: حيفا تطري إىل الشقيف ،نشيد الحجر، وطن يف املخيم ،دفاتر الغيم ،وذئب األربعني.
• شاعر وكاتب صحفي من لبنان.
• شاعر وناقد من املغرب ،من أعامله
.7محمود عبد الغني
.8روجيه عوطة
6
بيت الشعر
.23حسام الرساي
.17عبود الجابري
.12مهند السبتي
.5صالح حسن
• شاعر عراقي يقيم يف اّ عمن له عدة اصدارات شعرية آخرها متحف النوم
• أستاذ جامعي من العراق يقيم يف أبوظبي.
• شاعرة وصحافية ليبية تقيم يف بنغازي. صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان ينتظرونك.
.4عاشور الطويبي
شجر النوم ،نتوءات زرقاء ،و الجزء األول خبز العائلة.
.22رنا زيد
.16صالح بو رسيف
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
• شاعر ومرتجم من فلسطني يقيم يف إيسلندا ،صدر له الكامريا ال تلتقط العصافري ،ومالك عىل حبل الغسيل
• ناقد من سوريا ،يقيم يف أبو ظبي، أصدر العديد من الكتب يف حقل النقد من بينها :األفق والصدى - دراسات يف الشعر السوري املعارص، الربيع األسود ،وأرض األبدية ،وطائر بأكرث من جناح.
.20خالد بلقاسم
ناقد من املغرب ،من بني ما صدر له يف حقل النقد :أدونيس والخطاب الصويف ،الكتابة والتصوف عند ابن عريب ،والكتابة وإعادة الكتابة يف الشعر املغريب املعارص.
.21لينا أبو بكر
• شاعرة وكاتبة صحفية مقيمة يف لندن ،من دواوينها املحارة الجريحة وخلف أسوار القيامة.
• شاعرة وكاتبة فلسطينية تقيم يف سوريا.
شاعر وصحايف عراقي يقيم يف بغداد، صدر له وحده الرتاب يقهقه. وفي الشعر
-24محمد جرب الحريب (السعودية) -25طالل سامل (اإلمارات) -26عبد الرحيم الخصار (املغرب) -27حازم العظمة (سوريا) -28محمد زينو شومان (لبنان) -29بيان الصفدي (سوريا) -30عامد جبار (العراق) -31لؤي أحمد (األردن) -32ضيف حمزه ضيف (الجزائر) -33عبود الجابري (العراق) -34فوزي باكري (فلسطني) -35أرشف جمعة (مرص) -36مهند السبتي (األردن) -37عالء أبو عواد (فلسطني) -38محمد العديني (اليمن) -39غمكني مراد (سوريا) -40محمد عيل اليوسفي (تونس)
االفتتاحية
ربيع الشعر العربي
ُق ّدر
لنا نحن شعراء هذه املرحلة ،أن نعيش ونشهد هذا املنعطف التاريخي املفعم باألمل واألمل ،بالتفاؤل واإلحباط، بالدم املبرش بالبدايات والدم املوحي بنهاية كل يشءُ .قدّر لنا أن نتوقف عن كتابة الشعر ليك نستوعب بعض نعب عن مشاعرنا بصدق وتلقائية وفا ًء للشعرُ .قدر لنا أن نتس ّمر أمام شاشات التلفاز متنقلني بني ما يجري حولنا قبل أن ّ قنواته املطلية باللون األحمر واألسود ساعات وساعات ليك ال يفوتنا ولو جزء من الحقيقة الدامية املمزوجة بالكثري من الدموعُ .قدّر لنا أن نكون جزءا من هذا املخاض العسري والطويل املشوب بالرتقب والحذر والجرأة أحيانا يف انتظار املولود القادم عله يعلن عن يشء مل نسمعه من قبل ال يف البيانات األوىل وال الثانية وال الثالثة ،يشء يسمي األشياء بأسامئها ويضع النقاط عىل الحروف التي ُسقت نقاطها منذ عقود .لقد سموه الربيع العريب أما أنا فلن أسميه حتى أرى الزهور تتفتح أمامي وأسمع ثغاء األغنام يف الحقول والبوادي واألرياف غنا ًء تنتيش له الروح التواقة إىل الغناء ،لن أسميه حتى تذهب رائحة الدم ورائحة الفساد واالستبداد والكذب والتزوير والنفاق إىل غري رجعة .أترانا سنكتب شيئا مختلفا وجديدا أيها بحروف أخرى سيأيت بها الصباح الساطع من عيون الشهداء الشعراء؟ هل سنضمد جراحاتنا املليئة بشظايا الحروف الحزينة ٍ ً األحرار ودموع األمهات الثكاىل؟ ترانا سنقلب صفحة األمل ونبدأ سطرا جديدا بصفحة األمل؟ لقد تعبنا و (هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية) .تراها ستكون فعال هي اللحظة التاريخية التي انتظرناها طوي ًال؟ هل سيقف الحاكم واملحكوم يتغنون بصوت واحد وعىل ايقاع واحد بالوطن الواحد املنشود؟ هل سيحب بعضنا بعضا يف الرس والعلن؟ ويدعو بعضنا لبعض بالتوفيق والسداد يف مواقعنا املختلفة؟ هل سينترص الجميع حقا؟ تلك أسئلة أطرحها عليكم أيها الشعراء كام أطرحها عىل نفيس ،ليس للحصول عىل إجابات أعلم سلفا أن ال أحد اآلن يستطيع تقدميها ،إمنا أحرضكم كام أحرض نفيس عىل أن نعمل جميعا عىل صناعتها كام نشتهي ،ال أن ننتظرها من الخارج ،ألن أهل القصيدة أدرى بشعابها. إن ثورة الشعر أو ربيع الشعر العريب الذي تأخر طوي ًال و(هرمنا من أجله) يستحق منا وقفة جد ال تراجع عنها من خالل طرح سؤال كبري هو سؤال املرحلة الراهنة والذي يتجىل يف :كيف نعيد للشعر دوره وهيبته وأهميته يف املجتمع ،كام كان دامئا عب تاريخ الحياة البرشية؟ إنه سؤال يحتاج إىل لقاءات وندوات جادة تتضافر إلنجاحها جهود كل الشعراء واألدباء واملؤسسات النفعية املختصة والهيئات الحكومية ،وإال سيبقى منتهى حلم الشاعر أمسية تقام له هنا أوهناك ال يحرضها غري الصحفيني والشعراء أنفسهم أو ديوان شعر يطبع له ويبقى حبيس املخازن البائسة .فهل مثة ربيع أيضا للشعر يضعه عىل مساره الطبيعي؟
رئيس التحرير
7
كاريكاتير عنوان املجموعة الأخرية لل�شاعرة حمدة خمي�س «طوق الغواية»
8
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
شعر وشعراء
بدءا
مع
بدء الشهر الفضيل تعطلت «الحياة الشعرية» تقريبا يف املنطقة العربية. املهرجانات الشعرية والثقافية جرت وانتهت بعد أن ألقت ظروف املنطقة وأحداث الربيع العريب ظالال ثقيلة عليها ،بينام ظلت صناعة النرش ناشطة يف صورة طبيعية. غالبا ،رمضان ليس شهرا شعريا ،باملعنى اإلجرايئ واملناسبايت للكلمة ،عىل العكس مام هو عليه خارج املنطقة العربية ،فقد تواصلت العديد من الفعاليات الشعرية ،مهرجان «أصوات ح ّية» يف بلدة «سيت» يف الجنوب الفرنيس ومهرجان الشعر العاملي يف روتردام ومهرجان الشعر يف سلوفينيا فضال عن عدد من املهرجانات التي أقيمت وستقام يف كل من كولومبيا وكوستاريكا وأسرتاليا وسواها الرحالون. من مناطق العامل حيث ينشط الشعراء ّ األمر أيضا ال يقترص عىل املهرجانات وحدها ،ففي األصياف تنشط الجامعات أيضا ،وتستضيف شعراء ون ّقادا من أهل البالد ومن غريهم يف برامج تجمع ما هو أكادميي محض إىل ما هو عىل صلة بالناس، وهؤالء غالبا ليسوا معروفني عىل نطاق جامهريي واسع بل هم كذلك لدى ُن َخب ثقافية وشعرية، لكن اختيار هذه الجامعة أو تلك لهم يثري فضول جمهور أوسع .ما يعني أن «العقل الشعري» ال يتعطل بل يستمر يف االنتاج ،شعرا ونقدا يف الشعر وجدال حولهام. هنا ،يف بالدنا ال تؤسس الجامعات لربامج ثقافية متخصصة .األكادمييات العربية غائبة متاما والعقل الشعري فيها ّ معطل إىل ح ّد بعيد التحرير
زايد..رجل للتاريخ إصدار شعري في الذكرى الثامنة لرحيله يف الذكرى الثامنة لرحيل حكيم األمة املغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ،صدر ديوان جديد للشاعر عيل بن سامل الكعبي ويحمل عنوان “زايد.. رجل للتاريخ” .وجاء اإلصدار يف بناء فني مختلف حيث يتكون من قصيدة واحدة ،يصل عدد أبياتها الشعرية اىل مائتني وخمسة وعرشين بيتاً من الشعر الشعبي، تناولت املسرية الرائدة للقائد املؤسس املغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله منذ قيام االتحاد حتى تاريخ رحيله. ويف إطار شعري مبتكر ،تناول خالله الشاعر الكعبي مراحل من حياة الشيخ زايد، حيث صور برباعة الشعر كل الجوانب املضيئة يف تلك املراحل بأسلوب شفاف، وبعذوبة القول ،وبرقة العبارة ،اذ نجد يف كل صفحة من صفحات الكتاب إضاءة ملرحلة معينة يف حياة القائد من جميع الجوانب الشخصية والعامة ،ويف جميع القطاعات ذات الصلة ببناء دولة االتحاد ،وحياة املجتمع .يقابل كل صفحة ش ْع ٍر، جملة من أقوال الشيخ زايد وصورة تاريخية تحمل جميعها نفس املعنى لألبيات املستلهمة من هذه اللوحات املرشقة من تاريخ البالد ،وبهذه الطريقة يقدم الكعبي بناء فنيا يف ديوان ميزج بني امللفوظ املحيك للشاعر والقول املأثور للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ،والصورة املرئية التوثيقية.
«قاف» ..الصوت النسائي الشاعر في اإلمارات ً ً أصدر اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات العدد الثاين من مجلة «قاف» الفصلية التي تعنى بالشعر .وقد حمل العدد عنوانا عريضا (ديوان األنثى :أنثى ترسد قاف حضورها) ،وهو عنوان يشف عن محتوى العدد ،إذ جاءت موضوعاته وأبوابه حاملة للصوت النسايئ الشاعر يف اإلمارات. تضمن العدد نصوصاً الثنتني وخمسني شاعرة إماراتية ،إضافة إىل أربع قراءات نقدية ألربع كاتبات من اإلمارات يف تجارب كل من «برشى عبد الله» كتبتها زينب اليايس ،و«رهف املبارك» كتبتها سعاد راشد أحمد الرميس ،و«صالحة غابش» كتبتها شيخة الخاطري ،ودراسة حول الغربة والحنني يف الشعر النسوي اإلمارايت كتبتها وفاء أحمد العنتيل. أما «قاف البداية» و«قاف الختام» فكان بقلم كل من شيخة املطريي ،ود .لطيفة النجار .لكن الجزء الذي يلفت االنتباه كان ملف العدد الذي أعدته خريية ربيع عن الشاعرة اإلماراتية عوشة بنت خليفة السويدي امللقبة بفتاة العرب .وقد مهدت للملف مبقدمة استعرضت فيها السرية الذاتية للشاعرة ومالمح تجربتها .ثم تلتها منتقيات من نصوصها انفردت املجلة بنرشها ألول مرة. issue (4)- September - 2012
9
شعر وشعراء
شاعر شاب من فلسطين
جائزة «المالئكة» في دورتها الخامسة
دعت وزارة الثقافة العراقية الشهر املايض الكاتبات العراقيات والعربيات عموما إىل املشاركة يف الدورة الخامسة لجائزة نازك املالئكة لإلبداع النسوي خالل دورتها للعام الجاري ،2012س ّيام بعد النجاح الذي القته هذه املسابقة بدورتها السابقة التي أسهمت بها عرشات املبدعات العربيات الاليئ حرضن لبغداد لتسلم جوائزهن ،بحسب ما ذكر بيان صدر عن الوزارة. من جانبها أكدت عضو اللجنة التحضريية للجائزة رئيسة منتدى نازك املالئكة القاصة إيناس البدران أن املشاركة تكون بنص واحد وجنس أديب واحد يشمل الشعر والقصة القصرية والنقد األديب، وأن ال يكون النص املشارك قد فاز بجائزة أخرى ،وفيام يتعلق بالنقد األديب أن يكون ذا صلة مبنجز الشاعرة الرائدة نازك املالئكة ومستوفيا ملعايري منهج البحث العلمي األكادميي توثيقا للمصادر واملراجع واإلحاالت عىل أن اليزيد عدد الصفحات عىل ( )15صفحة بحرف( . )16وأفادت البدران أن املشاركة يف الجائزة مفتوحة بدءا من 30يوليو املايض وحتى نهاية الشهر املقبل ،و ستعلن النتائج يف الخامس عرش من الشهر ذاته ،عىل أن تكون جميع النصوص املشاركة باللغة العربية الفصيحة. 10
بيت الشعر
روضة الحاج
روضة الحاج تفوز بجائزة «شاعر عكاظ» فازت الشاعرة السودانية روضة الحاج بجائزة «شاعر عكاظ» ،يف دورته السادسة للعام ،2012وقيمتها 300 ألف ريال ،وفاز إياد حكمي «السعودية» مبسابقة «شاعر شباب عكاظ» ،وقيمتها 100ألف ريال ،أما جائزة «لوحة وقصيدة» فحصد املركز األول فيها الفنان عبده محمد عبده عرييش «السعودية» ،واملركز الثاين محمد بويب «الصومال» ،واملركز الثالث الفنان فهد خليف الغامدي «السعودية». وذكرت لجنة الجائزة ان عدد املتقدمني ملسابقة شاعر عكاظ يف دورة العام الحايل بلغ 35شاعرا من مثاين دول عربية،هي اضافة للسعودية :املغرب،سوريا ،تونس، االردن،اليمن ،عامن ،السودان ،وموريتانيا .وقالت اللجنة ان املسابقة حظيت هذا العام مبشاركة شعراء مشهورين من الوطن العريب ،وهي أسامء وصفتها بـ «القوية». واضافت اللجنة ان هذه املشاركة تعزز مكانة مسابقات سوق عكاظ كونها واحدة من املسابقات املنافسة عىل مستوى العامل العريب ،وانها باتت اليوم موضع عناية واهتامم من جميع املثقفني يف الوطن العريب .وأشارت اللجنة إىل أن الجائزة تحظى برعاية رسمية حيث يرشف عليها مبارشة األمري الشاعر خالد الفيصل (أمري مكة) وكانت لجنة الجائزة قد حجبتها يف الدورة املاضية لسنة ،2011يف حني حاز عليها يف دورة سنة 2010الشاعر اللبناين شوقي بزيع ،الذي شارك يف املسابقة بقصيدة عمودية ،مع انه من كتاب قصيدة التفعيلة املعروفني. وشهدت جادة عكاظ خالل املهرجان فعاليات وأنشطة متعددة استمرت لعرشة أيام ،عرضت خاللها مرسحية عن الشاعر «عنرتة بن شداد»
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
تعلن مؤسسة عبد املحسن القطان الثقافية يف هذا الخريف عن أسامء الفائزين بجائزتها السنوية للكاتب الشاب يف مجايل الشعر والقصة القصرية والتي كانت قد أغلقت باب قبول الرتشيحات يف أول مايو املايض. يوفر الربنامج جائزة أوىل قدرها 4000دوالر يف مجال الشعر (ديوان ما بني 120- 75صفحة من القطع املتوسط) ،وجائزة مامثلة يف القصة القصرية (مجموعة قصصية ما بني 120-75صفحة من القطع املتوسط) لكاتب/ـة شاب/ـة يرتاوح عمره/ها ما بني 22و 30عاماً (مواليد ما بني 1982/1/1و .)1989/12/31ويجب عىل املشارك/ـة أن يكون /تكون فلسطيني/ـة بغض النظر عن مكان إقامته/ا ،أو من الجوالن السوري املحتل ،رشيطة أن يكون العمل األديب باللغة العربية ،ولن تقبل األعامل املنشورة سابقاً. ويجوز للكاتب الشاب الذي تتوافر فيه رشوط الرتشح أن يتقدم مبارشة برتشيح نفسه لنيل الجائزة ،كام يجوز ملؤسسة ثقافية أو أكادميية، أو لثالثة أشخاص ترشيح من يرونه مناسباً (خطياً) ،عىل أن يوافق املرشح عىل ذلك عند مخاطبته من إدارة الربنامج ،ويقوم باستيفاء رشوط املشاركة. وكانت الجائزة قد تأسست منذ أواخر التسعينات وبرز من خاللها عدد من األسامء الفلسطينية ومن الجوالن املحتل يف مجايل الشعر والقصة القصرية.
الشعر يستعيد ممثال إلى المسرح
جان لوي ترانتينيون ممثل فرنيس اعتزل التمثيل بعد أن شارك يف 130 فيلام سينامئيا ،لكنه بات يش ّكل ظاهرة يف الشعر الفرنيس إذ يقوم اآلن بتقديم عروض مرسحية يلقي فيها أمام الجمهور قصائد شعرية مختارة بدقة لشعراء فرنسيني. وجد ترانتينيون يف الشعر مالذا انقذه من اليأس وانتشله من القنوط .ولذلك اختار املمثل الفرنيس النجم أن ينهي بقية حياته يف تقديم عروض يقرأ فيها عىل الناس مختارات من الشعر يف شكل إلقاء متثييل ،وذلك بعد أن عاش مأساة مقتل ابنته عىل يد صديقها. ويحفظ عن ظهر قلب ألف وخمس مائة قصيدة لشعراء فرنسيني كبار، وهو باختياره تقديم عروض لقراءة الشعر فإنه أراد أن يقرب عيون القصائد إىل عامة الناس ،مبينا أن االستامع يربز جامل الكلمة وشاعرية الصورة. و رغم الحب الكبري واإلعجاب الذي يكنه للشاعر الشهري رامبو وافتتانه بقصيدته «املركب السكران» فإنه مل يقدمها يف عروضه.
رحيل الشاعر سامي مكارم
خزعل الماجدي ..تجربة غنوصية جدل واهتامم نقدي واعالمي بجديد الشاعر العراقي خزعل املاجدي ،الذي صدر مؤخرا عن املؤسسة العربية للدراسات والنرش يف 768صفحة ،تحت عنوان «خزائيل» (الجزء الرابع من األعامل الشعرية الكاملة) ،يقول املاجدي عن كتابه أنه ٌ غنويص (عرفاين) مبجمله لكنه عمل شعريٌّ ّ يع ّده أيضاً نصاً مفتوحاً من حيث اإلجراء ،حيث ينسج (األسطورة الشخصية) له ،يف هذا العمل ،بصرب ودأب ّ قل نظريهام .وهو إذ يستبطن تاريخه الروحي فإنه يستلهم من تراثه الرافديني شحنات القاع األكرث عمقاً يف العمل. ويضيف املاجدي موضحا ،ان خزائيل ملك آرامي عاش يف األلف الثامن قبل امليالد ،وان اسمه هو الجذر اآلرامي السم الشاعر خزعل. وردا عىل االسئلة التي اعتربت العمل رضبا من األسطورة الشخصية يقول املاجدي ،انها البنية التي يك ّونها الشاعر من نسيج حياته الذي كان ماد ًة لشعره ،وهي ال تتشكل دفع ًة واحد ًة بل مع مرور الزمن ..ومع قدرته عىل انتخاب ونصوص متيش يف هذا اإلتجاه .وأضاف، وأحداث ثي ٍمة ٍ ٍ أسطورة الشاعر الشخصية ليست بالرضورة ماد ًة لتمجيد رسه الروحي حياته بل هي تراجيديا مروره بالحياة وهي ّ ومذاقاته الخاصة وتطلعاته وأشواقهّ ، ولعل أهم ثيامت هذه األسطورة الشخصية تكمن يف الحب ويف شوقه الروحي الذي يسعى لربط روح اإلنسان بروح العامل ك ّله وكذلك نظرته للموت .وهكذا يكون الحب والروح واملوت أهم عنارص هذه األسطورة وما تبقى منها تفاصيل ثانوية. ليس ّ كل شاعر يسعى لتكوين أسطورته الشخصية فهناك من يرفض ذلك وهناك من يرى أن األمر ال يستحق كل هذه املبالغات يف نظره ،لكن هناك من يسعى لها بدأب. ورمبا كان سبب نهاية عرص األساطري العامة سبباً للحاجة إىل عرص األساطري الخاصة
غيب املوت يف بريوت الشاعر والفنان سامي مكارم ،أستاذ الدراسات العرب ّية واختصايص ّ الخط العر ّيب يف واإلسالم ّية ّ الجامعة األمريك ّية إثر مرض مفاجئ. ورغم كونه يف العقد الثامن ،كان سامي مكارم ال يزال يد ّرس بدوام جز ّيئ يف الجامعة األمريك ّية صفو ًفا يف التص ّوف اإلسالمي والنرث العريب القديم ،حتّى ّ وفاته. استطاع سامي مكارم أن يجمع إىل جانب نشاطه األكادميي والفكريّ ّ ومؤلفاته العلم ّية ترا ًثا من الفنّ التشكي ّ يل والشعريّ .نرش ثالثة دواوين شعر ّية هي« :مرآة عىل جبل قاف»، و«ضوء يف مدينة الضباب» و«قصائد حب عىل شاطئ مرآة» .له أكرث من ّ عرشين كتا ًبا إىل جانب عدد كبري من متخصصة ،ومئات املقاالت يف دور ّيات ّ األعامل الف ّن ّية التشكيل ّية. مل يكن مرجع ّية أكادمي ّية يف التص ّوف مامرسا له من خالل فحسب ،بل كان ً ّ روح عالقته بزمالئه وطالبه ،وكان ذا ٍ كرمية دافئة .وسار عىل خطى والده الشيخ نسيب مكارم صاحب الروائع الفنية يف مختلف أنواع الخطوط العربية ،ومبدع األعامل الدقيقة خطاًّ ورسماً .
issue (4)- September - 2012
11
شعر وشعراء
طيران اإلمارات لآلداب يطلق جائزة «تعليم» للشعر
جائزة ألفضل 3إصدارات عمانية أدبية ُ
أعلن املنتدى األديب العامين أواخر الشهر املايض عن ثالث جوائز أدبية من بينها جائزة ألفضل إصدار شعري من بني ثالث جوائز أخرى هي فضال عن الشعر تذهب إىل أفضل إصدارين آخرين يف مجايل الرسد والدراسات النقدية وذلك باعتبارها جائزة واحدة تمُ نح سنويا ألفضل «ثالث إصدارات ثقافية». وسوف يتم منح الجائزة هذا العام خالل انعقاد الدورة الثانية للمنتدى لهذا العام. وأوضح املنتدى أن الجائزة يف مجال الشعر تشمل الشعر الفصيح والشعبي والتمثييل وشعر األطفال، ويف مجال الرسد ،القصة والرواية واملرسحية والسرية وأدب الرحلة، أما مجال الدراسات فتشمل األعامل يف الدراسات النقدية والدراسات التاريخية والدراسات االجتامعية والدراسات الجغرافية ودراسات الرتاث والتحقيق. وتعترب هذه الجائزة هي األوىل التي تمُ نح إلصدار شعري عامين حيث رفدَت عامن الشعر العريب الحديث بعدد من األسامء الالمعة يف السنوات الثالثني األخرية ،من بينهم سيف الرحبي وزاهر الغافري ومحمد الحاريث وسامء عيىس وسواهم من الشعراء الذين كتبوا يف شكليَ ْ القصيدة العربية :التفعيلة والنرث .وحققوا حضوراً الفتاً يف الساحة الشعرية العربية. 12
بيت الشعر
هارولد بنتر ..عودة للشعر الكاتب املرسحي حامل جائزة نوبل (عام )2005الربيطاين هارولد بنرت قرر ان يهجر املرسح والسياسة ويعود إىل الشعر،حيث نرش مؤخرا مجموعة من القصائد التي لفتت الصحافة الثقافية الربيطانية واثارت اهتامم النقاد تجاه موهبة كبرية اثارت الجدل من حولها منذ أن تحول بنرت منذ سنة 2003إىل العمل السيايس االحتجاجي وكتابة املقاالت السياسية ضد االجتياح االمرييك للعراق. عام 1957كان هارولد بنرت يف السابعة والعرشين حني ظهر كمرسحي ،لكنه كان قد نرش قصائد له قبل بلوغه العرشين .وشكل الشعر متنفساً بل عاملاً موازياً ،ان مل نقل بدي ًال لكتابة املرسحيات عند بنرت ،إال انه اعترب املرسح حقل ابداعه الرئييس حتى أوائل عام 2005حني رصح بأنه سيرتك كتابة املرسحيات للرتكيز عىل الشعر واملقاالت السياسية. ورغم تفرغه للمرسح فإن قصائده القليلة القت تقديرا كبريا ،ومن ذلك عمله «الحرب» املتضمن تسع قصائد وخطبة سياسية ،والذي نال جائزة ولفريد أوين .كام حصل بنرت عىل جائزة «بريانزا» االيطالية للشعر عام .2000 وإذا كانت مرسحياته قد عادت عليه بجائزة نوبل لألدب ، فإن الجو املنذر بالتهديد الذي يسيطر عىل مزاج مرسحياته يرتدد صداه أيضاً يف القصائد .قصيدة «فيام بعد» تبتدئ مبنظر للقمر يوحي بايغال رومانيس لكنه ينحو بدالً من ذلك اىل رؤية سواد عرب «أشجار ميتة /ارضية غرفة مشمعة ميتة» .وعرب الشعر اختار بنرت التعامل مع الرسطان الذي اصابه يف سنواته األخرية (قصيدة خاليا الرسطان) . يقول الناقد مايكل بيلينغتون إن «مبقدور بنرت تناول الكالم العادي مستخرجاً منه سمته الشعرية ،ايقاعاته، وترديداته ،محوالً اياها اىل كالم افتتاين»
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
أعلنت إدارة مهرجان طريان اإلمارات لآلداب مؤخرا عن مسابقة يف الشعر تحمل العنوان :جائزة «تعليم» للشعر، إىل جوار جائزتني أخريني :مسابقة دار جامعة أكسفورد للطباعة والنرش الخاصة بكتابة القصة ،لتنضم هذه الجوائز الثالث إىل جائزة مسابقة كأس بوينغ للق ّراء ،بوصف هذا االعالن هو أوىل فعاليات دورة املهرجان للعام .2013 وتخص الجائزة ،بحسب املوقع ّ االلكرتوين للمهرجان ،التالميذ والطلبة وطالب الجامعات من املقيمني يف دولة االمارات العربية املتحدة من جميع الجنسيات .وذلك بهدف تشجيع الطالب عىل مواصلة املطالعة والكتابة خالل أشهر الصيف ،وبحيث يتم توفري فرص عظيمة أمامهم لالستفادة من فرتة اإلجازة الصيفية لتطوير قدراتهم ومواهبهم يف سياق املطالعة الخارجية والقراءة الذاتية والكتابة اإلبداعية ،سواء يف القصة أو الشعر. ويقام مهرجان طريان اإلمارات لآلداب يف دورته الخامسة يف الفرتة بني 9 – 5 مارس ،2013بالرشاكة بني طريان اإلمارات ،وهيئة ديب للثقافة والفنون (ديب للثقافة) ،وهي الهيئة التي تعنى بشؤون الثقافة والفنون والرتاث يف اإلمارة ،حيث سيقوم الشعراء والكتاب البارزون من املدعوين بتكريم الفائزين باملسابقات ضمن حفل خاص بتوزيع الجوائز ،خالل فعاليات املهرجان. وكان طريان اإلمارات قد دأب لعدة سنوات عىل تنظيم مهرجان ثقايف عاملي سنوي يف ديب.
30شاعرا عربيا في «أصوات حية»
يف املدينة الصغرية «سيت» يف الجنوب الفرنيس ،احتشد أكرث من مائة شاعر وشاعرة (بينهم ثالثون عربياً) ،هبطوا عىل املكان ليعيدوا صياغة إيقاعه االجتامعي والثقايف وذلك مبناسبة انعقاد الدورة الثالثة ملهرجان «أصوات ح ّية». الشعراء العرب هم :التونيس الذي يكتب بالفرنسية عبدالوهاب املؤدب ،والسوري أكرم القطريب واملغريب محمد بنيس واألردين أمجد نارص وعبدالسالم العجييل الصوت الشعري القادم من ليبيا مع زميلته سعاد سامل ،واملرصي عالء خالد ومواطنته غادة نبيل ،ومن لبنان شارل شهوان وغسان علم الدين ،ومن سوريا صالح دياب، ومن فلسطني محمود أبو هشهش وعثامن حسني ومازن معروف، ومن العراق عبد الرحمن طهامزي وصالح الحمداين وعبدالزهرة زيك، واملغربية رشيدة مدين ،والتونيس طاهر بكري ومواطنه الشاب صالح بن عياد ،إضافة إىل الشاعر املغريب املتواري عن االنظار عبدالله زريقة. ومتثل شعراء الجزائر حضوراً بسعيد هادف وطالب لسلوس .وأضفى حضور الشاعرين اللبنانيني صالح ستيتية وفينوس خوري غاتا رمزية شعرية وثقافية .أما الخليج العريب، فقد حمله إىل املهرجان الشعراء: ظبية خميس (اإلمارات) ،محمد الدميني وحمد الفقيه (السعودية)، مهدي سلامن (البحرين) ،فاطمة الشيدي وعبد يغوث (عامن).
الفرنسي بيير سيغير .. حياة كلها في الشعر بدءا من السابع من يوليو املايض وحتى السابع من اكتوبر املقبل ،يستعيد متحف مونبارناس البارييس مسرية الشاعر بيري سيغري ،أبرز نارشي الشعر يف فرنسا خالل القرن العرشين (نرشت الدار التي أسسها سيغري أعامل ما يقرب من 2000شاعر) .يحمل املعرض عنوان « بيري سيغر، الشعر ،الحياة ك ّلها» ،ويشغل طابقني من املتحف. يف الطابق األريض ،تروي الصور املعروضة حدثني حاسمني يف حياة سيغر :لقاءه مع الفنّان متعدد املواهب لوي جو وتجربة الحرب .قاده لوي جو إىل عامل األدب والشعر أما الحرب العاملية الثانية فقد كشفت فيه عن الشاعر املقاوم والنارش الجريء الذي عرف كيف يجعل من الشعر سالحاً، حيث أصدر سنة 1939مجلة «شعراء يرتدون الخوذ» التي نرشت أبرز قصائد شعراء املقاومة الفرنسية ضد االحتالل النازي آراغون وإيلوار وديزنوس وغريهم .ويحتوي املعرض عىل أعداد نفيسة منها صدرت طيلة األربعينيات. إىل ميني األعداد املعروضة من تلك املجلة ،تنتصب لوحة رائعة للفنان فريناند ليجيه نقرأ فيها قصيدة
أسس مجلة «شعراء يرتدون الخوذ» ونشر أبرز قصائد شعراء المقاومة الفرنسية ضد االحتالل النازي، آراغون وإيلوار وديزنوس وغيرهم
ملصق االحتفالية
بول ايلوار الشهرية «أ ّيتها الحرية ،اكتب اسمك»، وعىل مقربة منها تقع عني الزائر عىل مخطوط كتاب لوي آراغون «العشاق وقد تف ّرقوا». ويف الطابق األول ،اكتست الجدران مبربعات صغرية متعددة األلوان :مئات العناوين التي صدرت عن دار سيغري ضمن سلسلتها الشهرية « شعراء العرص»، خصص ألعامل بيري سيغر أما بقية املعرض فقد ّ الشعرية ومراسالته مع كبار أدباء عرصه فنقرأ مث ًال طلبه إىل جان كوكتو« :أود أن أنرش لك قصيدة مط ّولة» ورد كوكتو عليه بقصيدته «الرقم سبعة»، ويف رسالة أخرى يعبرّ له كوكتو عن رغبته يف كتابة تقديم للقصيدة .ومن بني الرسائل املؤثرة نعرث عىل ما كتبه غي بيار إىل كوليت سيغر عند وفاة زوجها. كان بيري سيغر قد قال مبناسبة الذكرى 27لصدور سلسلة «شعراء العرص»« :أردت لهذه السلسلة أن تقدّم خدمة للق ّراء وللشعراء وأشعر ببعض الفخر بسببها» .نعم ،لقد حقّ له أن يفخر كام يبينّ هذا املعرض الجميل يف متحف مونبارناس
وليد سويريك
issue (4)- September - 2012
13
شعر وشعراء
التعدد واالختالف في 3تجارب من مصر
لن
نقول إنها تجارب حداثية فحسب بل هي إشكالية أيضا ،ليس ألن صوت الفرد فيها خفيض ،وحاالت التأمل اإلنساين هي مقاربات آلالم وأوجاع األفراد يف عزلتهم االجتامعية فقط ،بل هي إشكالية أيضا ألنها تعيش زمنها الخاص وزمنها الحارض ،ما جعل مضامني كل قصيدة لدى كل من الشعراء الثالثة :جرجس شكري وأحمد بلبولة ورشيف الشافعي ،متعددة يف املعنى ومتق ِّلبة عىل أوجه التأويل وذلك عىل االختالف الشديد بني كل منهم واآلخر
إحاالت ثقافية وتاريخية
الديوان :طريق اآللهة الشاعر :أحمد بلبولة (مرص) النارش :دار شمس للنرش واإلعالم -القاهرة عدد الصفحات 156 :من القطع املتوسط
الشعر متقشفا
الديوان :تفاحة ال تفهم شيئا الشاعر :جرجس شكري (مرص) النارش :الهيئة املرصية العامة للكتاب -القاهرة عدد الصفحات 134 :من القطع املتوسط
هي املجموعة الشعرية الرابعة للشاعر جرجس شكري .وجاءت عىل غرار شعره الذي يتميز أوالً بعنايته باألفكار واملالحظات والتعليقات ،التي تكاد تصبح كل يصدّر الشاعر ديوانه مبقطع دال« :الطريق رميه حجر منك /الطريق الشعر الذي يتكلم بوضوح كامل ،وبقدر من السخرية وبنرثية تامة فيك /الطريق انت /ايها االنسان» قادر عىل ابتعاث االسئلة من يف املوضوعات والصياغة .هذا الشعر الذي نقل إىل عدة لغات يطرح جديد ،وتفجري طاقات التخييل الشعري لدي املتلقي ،عرب افساح بالدرجة األوىل موضوعات خارجية فالذات هنا ال تظهر إال يف دور مساحات ضافية من التاويل ،حيث تبدو الذات الشاعرة مدركة ان املعلق والناقد واملتهكم ،عنوان املجموعة يعرب عن أسلوب جرجس الطريق كان وسيظل يف محاولة الكشف عن ذلك الجوهر الرثي املتقشف واملقتصد واألكرث ميال إىل الوضوح ،حيث ميكننا إدراج شعره لالنسان ،يف استشكاف مساحات ادق من النفس البرشية املعقدة، ضمن التيار املوضوعي إذا كان لهذا التيار من وجود خارج املدرسة وعرب هذا الفهم ميكن النظر اىل شعرية ديوان «طريق االلهة» بصفتها األمريكية. طريقة’ يف االستبصار بالعامل ،وطريقة للتامهي به ،والنظر اليه وفق من أجواء الكتاب« :عزيزي /هذه يدي خذها /عندي أخرى /لقد زاوية جديدة. ويبدو أن هناك قصيدة مركزية يف الديوان ،يحمل عنوانها من جهة سئمت التكرار /هذا رأيس /فلنتقاسمه معاً /أريد أن أتخلص من «طريق االلهة» ،وتعرب عن رؤيته للعامل من جهة ثانية ،حيث نصبح نصف العامل /سأجر أقدامي إىل مدينة أخرى /وأعلمها أن تجهل الطريق /حتى ال تقودين وفقاً ملزاجها /سأمنح الحيوان الصغري /ألول امام نص عن الزخم االنساين يف اشد متثالته خلقاً وابتكاراً ،ففي «طريق االلهة» هناك إحاالت اىل سياق تاريخي /ثقايف يصوغه الشاعر امرأة التقي بها /سأعيش بيد واحدة /ونصف رأس /مع أقدام جاهلة/ جاملياً ،ويتتبع آثاره ،وقد اشار اليه املفكر املرصي جامل حمدان يف وبال غرائز». مؤلفه «شخصيه مرص -دراسه يف عبقريه املكان». الديوان يضم عرشة قصائد :وهذا رأىس ،ووجد املرأة خاوية ،وأيام هكذا تأيت التناصات لتنفتح مدارات التأويل للقصيده ،تارة نحو ىف مالبس اإلعالنات ،وقداس لراحة املوىت ،وتفاحة ال تفهم شيئا، التاريخ املرصي القديم «مراكب الشمس واالهرام» ،وتارة تجاه وألسباب تخص التاريخ ،وأنا أعرفه ،ورسالة أعادها ساعى الربيد ،وأن التامس مع النص القرآين تحب ،وصورة مريم ً» 14
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
أبو شهاب ..الشاعر وجامع التراث الكتاب :حمد خليفة أبو شهاب -وثيقة الشعر يف االمارات املؤلف :مؤيد الشيباين النارش :مؤسسة سلطان بن عيل العويس الثقافية عدد الصفحات 303 :من القطع املتوسط
وجه بارد
الديوان :غازات ضاحكة الشاعر :رشيف الشافعي (مرص) النارش :دار الغاوون -بريوت عدد الصفحات 600 :صفحة من القطع الوسط
الديوان هو الخامس للشاعر رشيف الشافعي ،وثاين أجزاء تجربته الشعرية «األعامل الكاملة إلنسان آيل». يتلمس الشاعر فيه فضاءات القصيدة بحواس «روبوت متمرد» ،مقتحماً دروب الحياة ومفردات العرص مبارشة، حيث االنفتاح عىل كل يشء ،يف غياب تام لفكرة االنتقاء، فالنص طقس مشحون ،تخلع فيه اللغة مجازها ،وتتعرى الحالة من ذهنيتها ،لتبقى قصيدة النرث مجردة إال من الشعرية. ً صورتك سأرسم يقول يف أحد املقاطع« :أعطني ورقة بيضا َء/ ُ ِ بأمان ٍة /وستبقى الورق ُة بيضا َء» .وكأمنا النبضات الطبيعية تتخلق بال ضجيج لتفضح األعامق ،وتتدفق دون تخطيط فيوضات الصفات اإلنسانية الغائبة ،التي يفتش عنها اإلنسان الغائب يف عامليه :الواقعي واالفرتايض ،ومنها صفات: الطزاجة ،والبدائية ،والدهشة ،والصدق. ُ صاحب مواهب «لست يرد عىل ظهر الغالف نص يقول: َ عرفت /أن هذه اللوحةَ استثنائ ّي ٍة /صدِّقوين /أتدرون :كيف ُ لوحة ز ٌ ٌ ْ تكتشف /أنني لحظة نظري ائفة؟ /ألنها ببساط ٍة لَ ْم إليهاُ / كنت إنسا ًنا زائ ًفا» .ولوحة الغالف ،وهي لطفلة يف العارشة (مي رشيف) ،يف السياق ذاته ،حيث يضحك وجه بارد (يتخذ هيئة شاشة كومبيوتر) ضحكة آلية مصطنعة، وذلك يف مواجهة الضحكة اإلنسانية الصافية (االبتسامة األورجانيك ،بتعبري إحدى القصائد ً)
صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة أعالم من االمارات التي دأبت املؤسسة مؤخرا عىل إصداره يف الحقول املعرفية والثقافية املختلفة ،يصف فيه الشاعر واالعالمي مؤيد الشيباين موقع الشاعر حمد خليفة ابو شهاب بالنسبة للشعر اإلمارايت وخاصة الشعر الشعبي وبوصفه شاعرا وجامعا لرتاث هذا الشعر يف االمارات. ورد يف الغالف األخري للكتاب« :كانت األفكار تتصارع حول سؤال :من أين أبدأ يف الكتابة عن تجربة الشاعر االمارايت حمد خليفة أبو شهاب؟ فكان الجواب من محور التوثيق .. إنه حقا وثيقة الشعر االماراتية ،هذا الرجل الذي قىض من عمره نحو خمسني عاما باحثا عن النص الشفاهي ليدونه، ومهموما باملوقف الثقايف ليؤكده ،وملحقا يف فضاء قوافيه ليطعمها روحه املنتمية لوطنه وأمته تاركا من كل ذلك أروع ما ميكن أن يرتكه ،يذكرنا بأولئك األفذاذ من علامء تاريخنا العريب وعصوره الذهبية املتنوعي االبداع من أصحاب العناوين التي تتجاوز املئات». ولد حمد بن خليفة أبو شهاب عام 1932يف عجامن .و تعلم يف كتاتيب املدينة ثم التحق باملدرسة «املحمدية». كتب الشعر يف سن التاسعة ,وظل محافظاً عىل القصيدة العمودية طوال عمره ،سواء يف شعره النبطي أو الفصيح. وهو من جيل الثالثينيات الذي كان قريباً يف ثقافته من املثقفني األوائل. كان أول من قدم مجالس الشعراء يف التلفزيون عرب تلفزيون الكويت ،ومن ديب عام ،1971وأول من نرش الشعر الشعبي يف الصحافة اليومية عرب جريدة البيان منذ عام ،1981وأول شاعر إمارايت تغنى إحدى قصائده يف مرص ،عىل مرسح البالون يف القاهرة منتصف السبعينيات ،ويعترب كتابه «تراثنا من الشعر الشعبي» درة الكتب التي أصدرها issue (4)- September - 2012
15
شعر وشعراء
المهدي أخريف طاقة تعبيرية ومعرفة الديوان :ال أحد اليوم وال سبت الشاعر :املهدي أخريف (املغرب) النارش :دار توبقال -الدار البيضاء
عدد الصفحات 147 :من القطع املتوسط
يضم الديوان 22قصيدة ،وميثل استمرارا لتجربة أخريف وتطورا لنسق شعري انطلق مع نهاية سبعينات القرن املايض وتدعم بجهد معريف شعري تأثر كثريا بقراءاته يف غري لغة أجنبية ،والتي أفضت إىل العديد من الرتجامت الشعرية والنقدية الالفتة .وتجسد أعامله منوذجا فريدا من حيث قدرتها عيل استبطان اللغة وتفجري طاقتها التعبريية ،وإىل جانب ذلك يتميز كباحث باألصالة والتفرد عن كثري من أقرانه.
من أجواء الكتاب« :وحني تذ ّك ُ رت /قصائديَ األوىل ع ّو ُ الريح /فـَ ِط ْر ُت عىل الريح َو اليشء سوى ِ لت /عىل ِ َ ً ْ (ح َصلت من الريح إىل سنتياغو /أ َمال يف معجز ٍة أو كا ِرث ٍة َ َب ْعد) /لتنقذين من ورط ِة نسياين أو ُترديني / .وكذلك شتبكات َعليِّ كان /تنق ّـ ُ شعاب ُ /م وسط ٍ لت بال أ ْمل ْ ٍ ُ ُصوص ُر مَّبا كنا كتبناها /غونزالو ن ل فيض ت ألقى طرقاً / ٍ عناوين ال أذكرها /طبعاً /ال أذكر منها /غ َري وأنا تحت ٍ «وسادة كيبيدو».
املهدي أخريف ،شاعر ومرتجم وناقد رصني من مدينة أصيلة، شارك يف مؤمترات ومهرجانات أدبية شتى يف العامل العريب وأوربا وأمريكا الالتينية ،ترجمت بعض أشعاره وكتاباته النرثية إىل لغات كثرية منها :األملانية ،االسبانية ،االنجليزية ،االيطالية، الفرنسية ،اليونانية ،الهولندية ،الربتغالية وغريهاُ .أنجزت دراسات وأطروحات أكادميية عديدة حول أعامله داخل املغرب
أشهر كتّاب اسبانيا في كتاب الكتاب :فرنسيسكو أمربال األعامل الشعرية ()2001 – 1981 الشاعر :فرنسيسكو أومربال ،ح ّررها وقدّم لها ميغيل غارث ّيا بوسادا النارش :دار نرش سيس با ّرال – برشلونة 2011 16
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
وخارجه .وقد حصل عىل العديد من الجوائز األدبية من أبرزها: جائزة الصداقة األدبية املغربية الكولومبية من جامعة خابريان يف بوغوتا ،جائزة تشيكايا أوتاميس للشعر اإلفريقي ،مؤسسة منتدى أصيلة .صدر له حتى اآلن أربعة وثالثون عمال أدبيا يف الشعر والرتجمة والنرث من أبرزها« :عشق بدايئ» (شعر)« ،ترانيم لتسلية البحر» (شعر)« ،ضوضاء نبش يف حوايش الفجر» (شعر) ، «اللهب املزدوج ،أوكتافيو باث» (ترجمة) « ،حديث ومغزل» (نرث)، «يف الثلث الخايل من البياض» (شعر) « ،بديع الرماد» (ترجمة)، «كتاب الربد ،أنطونيو غامونيدا» (ترجمة)« ،قصائد ألبارو دي كامبوس» (ترجمة) كونشيرتو القدس ..جديد أدونيس
الديوان :كونشريتو القدس الشاعر :أدونيس النارش :دار الساقي
عدد الصفحات 112 :من القطع املتوسط
الكتاب تجوال شعري يف التاريخ العريب واإلسالمي للقدس املحتلة، إمنا بتأملية تربط ذلك التاريخ مبا هو راهن وبوعي فردي محض.
َ ُ اسمك ،أ ّيها العَصرْ ُ ،أ ّيها «أعرف من أجواء الكونشريتو: ُ الشيخ ِّ - ُ الطفل الراكض يف شوارع القدس .أ ِم ْر ُت أن أق ّد َم لك عص َري اليورانيوم .وسوف أقول للقمر أن يو ّقع عىل / َ دفرتك ،وللشمس أن تؤ ّرخ لهذا التوقيع / .وانظ ْر :ها هي َ ً َ ٌ جدران تريقُ األرض ،فرحا بك/ . َ حليب أحزانها /عىل ِ ُ وتعرف َ الطفل -الشيخ ،أيها العرصّ / ،أن النَّمل أنت ،أ ّيها أكرث عل ّواً من الكواكب :قدر الن َ ّمل أن يتحدّث مع سليامن، ومل تقدر الكواكب»
يف هذا الكتاب ،يجمع الكاتب والنّاقد اإلسبا ّين ميغيل غارثيا-بوسادا شعر هذا الكاتب الكبري مفتتحاً إياه بديوانه «جرائم و أغنيات حب» ،وهي املجموعة الشعرية التي نرشها أثناء حياته مع 126قصيدة ظهرت بني أوراقه بعد وفاته والتي تحتوي عىل الجزء األكرب من مادته الشعرية، ومعظمها ينرش للمرة األوىل .والقصائد املؤرخة يف معظمها واملرتبة وفقا لثيامت محددة تنبع من تجربته الخاصة يف االعتكاف عىل األدب ،والبحث املضني عن الكلمة الدقيقة وظاللها املختلفة .ويف شعرهُ ،يخفي العاديُّ والسطحي تأمال عميقا ،مريرا ومأساو ّيا يف الحياة القصرية العابرة. ّ يعترب فرنسيسكو أومربال (مدريد 11أ ّيار 28 – 1935آب )2007أحد
سعيد المنصوري ..الحياة شعرا
سفر في مدونة الشعر العربي الحديث
عدد الصفحات130 :
عدد الصفحات 205 :من القطع املتوسط
الديوان :أثناء عبور الفراشة الشاعر :سعيد املنصوري (االمارات) النارش :دائرة الثقافة واإلعالم بالشارقة
الكتاب :الغاب -دراسات أسلوبية يف الشعر العريب الحديث املؤلف :سمري الشيخ (لبنان) النارش :دار الفارايب -بريوت
الشاعر هنا واحد من أصلب شعراء االمارات الشبان إخالصا للوزن ورد يف الغالف األخري من الكتاب بتوقيع النارش« :الغاب» سفر النقد إىل النص .هو منذ عمله األول «لو يعرفون» الصادر العام 2005عن وزارة الثقافة والتنمية االجتامعية ،وكام يف الديوان التايل عليه« :القصيدة رصد املدونة الشعرية العربية الحداثية واستكشاف ممكناتها األسلوبية من املستحيلة» يتنقل املنصوري بني عدد من األفكار واملوضوعات الشعرية املتنوعة :الوجدانيات والوطنيات ونزعة التأمل يف الوجود ،منظور (اللسانيات الوظيفية) .فالدراسة األسلوبية رضورة إلضاءة مسالك الغاب السحرية يف مستوياتها حيث «تتجىل نفس برشية حساسة تتأرجح بني الحب والغضب الشكلية( .الغاب) يف دراساتنا األسلوبية هو (النص) بكل شبكاته والتأمل واالبتهال واالعتزاز بالوطن ،حسب لحظاتها الشعورية، املشتجرة وتعالقاته الجاملية وعالقاته اللسانية القامئة عىل التشاكل ويجتهد املنصوري إلضفاء جاملية لفظية وتصويرية عىل مشاعره املبثوثة عرب الكلامت» بحسب ما قال املحرر الثقايف يف جريدة الخليج والتغاير يف آن .ومقاربة هذه العالقات ال تأيت منفصلة عن رؤية الشاعر إىل العامل أو بعيدا ً عن األبعاد الثقافية والسيكولوجية للشاعر. حال صدور الديوان. َ يضم الديوان مثاين وثالثني قصيدة تتوزع عىل القصيدة طويلة ال َنفس والرس يف االنتقاء النقدي لثالثة من الشعراء العرب املعارصين يكمن يف متايز األسلوبيات لكل من (السياب ،قباين ،املقالح) .وبهذا يحقق واملقطوعة والرباعيات ،وقد التزم فيه املنصوري بقصيدة الوزن. الدرس األسلويب مبتغاه لكون اللغة ماهية الشعر. يشار إىل أن املنصوري أحد الشعراء اإلماراتيني الذين شاركوا يف الكتاب ،بهذا املعنى ،عبارة عن سفر يف مدونة الشعر العريب الحديث تصفيات مسابقة أمري الشعراء ،ويتميز شعره بقرب مأخذه ،ولغته عرب ثالث من تجاربه املعروفة ،حيث أن الغاية من دراسة املؤلف السهلة والقريبة لكن املسبوكة بعناية ليس فيها ضعف ،وصوره منتزعة من الواقع املحيط به ،فتختلط حياته اليومية برؤاه الشعرية ،األسلوبية هو النص وعالقاته اللسانية القامئة عىل التشاكل والتغاير. ومقاربة هذه العالقات ال تأيت منفصلة عن رؤية الشاعر للعامل أو ليكون قادراً عىل تحويل نثار الحياة إىل نظام شعري جميل ،يقول بعيدا ً عن األبعاد الثقافية والسيكولوجية .ودراسة تنأى بنفسها قليالً املنصوري: أمنيتي تخرض الهوى تالل ويف أغنيتي ترتاح الحياة ار عىل اخرض عن املنهجية البنيوية املتعالية التي ترى يف النص جزيرة مقطوعة هذي الحياة زهور ال تشـــابهني إال مبا ترسق األيام من لغــتي عن جامليات البحر املحيط .ويقول املؤلف ،بأن اللغة تقوم بإنجاز عيناك أمســــــيتان أورقت لهام فراشتان حكايات عىل الشـ َف ِة املمكنات االجتامعية ،اي التعبري عن األدوار االجتامعية التي تتضمن أدوات التوصيل من لدن اللغة ذاتها .أما الوظيفة الثالثة للغة فهي السبعينيات عىل أهم كتّاب أسبانيا وأكرثهم شهرةّ . ّ انكب منذ ّ الوظيفة النصية .وهي التي متكن املتكلم او الكاتب من خلق النص، األدب ّ والصحافة .عُ رف بأنه» أفضل ناثر باللغة القشتالية يف القرن كام متكن املتلقي أو القارىء من إدراك ذلك النص .فإذا كانت اللغة العرشين و تع ّد روايته «قاتل ووردة» واحدة من األعامل الروائية تعرب عن املحتوى املفرتض يف وظيفتها األوىل ،وإذا كانت تظهر تلك األساسية يف النصف الثاين من القرن العرشين وقد حاز العديد من التباينات بني الجمل الخربية واالستفهامية واألمرية عندما يتعلق الجوائز املهمة من بينها جائزة ثربانتس. األمر باألدوار االجتامعية التي تقوم بها األطراف املشاركة يف وظيفتها الشعبية «األلفاظ يف بالكتابة وكان قد رشع قبل سنني من رحيله الثانية ،فإن اللغة يف وظيفتها الثالثة تعنى بعالقات األبنية النحوية القبيحة وكالم الشوارع» يف قاموس أسامه بـالقاموس الرسي .ومن والتنغيمية بعضها ببعض هنا فإن الدخول يف أي مجال منها يشكل بحد ذاته ظاهرة غنية، وتشكل مدخال لفهم دوافعه الحياتية وأسباب غزارة نتاجه issue (4)- September - 2012
17
شعر وشعراء
تأمالت المرض والخوف في قصيدة واحدة
الكتاب :كوالج3 الشاعر سميح القاسم (فلسطني) النارش :املؤسسة العربية للدراسات والنرش عامن – بريوت
الكتاب :مثانية قرون من الشعر املغنّى يف اليمن املؤلف :جوليان دوفور
عدد الصفحات 90 :من القطع املتوسط
النارش :منشورات جامعة سرتاسبورغ (فرنسا)
الكتاب عبارة عن قصيدة مطولة واحدة يتناول عربها الشاعر تأمالته حول الشيخوخة واملرض واآلمال التي تتجسد يف االحفاد ،أي املستقبل ،وكذلك الخوف من املعاناة التي عاىن منها اجدادهم برغبة جارفة أن يجدوا مكانا وزمانا أقل عناء. يشعر القارئ بأن سميح القاسم قادر عىل أن يهبط بالتجربة الشعرية فيجعلها قادرة عىل محاكاة الشأن اليومي مبا هو رغبات ومخاوف بسبب من ذلك الدفق من املشاعر االنسانية الحا ّرة وبساطة تكاد تصل إىل مالمسة الكالم اليومي والعادي .اال ان شاعرية سميح القاسم تجعله باستمرار يضخ حرارة يف أقسام القصيدة تعوض عن الهبوط الذي يعرتيها نتيجة االضطرار اىل تناول كثري من أمور الحياة ويومياتها. جاءت القصيدة يف 42صفحة من الكتاب .يف حني ت ّم جمع الكالم الذي قيل يف الشاعر ،ث ّم ألحق بالكتاب ما تحدث به الشاعر يف تأمالته املكتوبة والشفوية حول الثيامت األساسية التي تشغله اآلن حقيقة.
يقول سميح القاسم« :اذا هكذا /اذا هكذا نطفة من تراب قديم ويشء /من الدمع والورد مينح كأس الدماء مذاقا مثريا /بزغرودة للشهيد /وزغرودة للوليد /ويلتم احفادنا حولنا كل عيد /وهم يصخبون كثريا /وبنت متشط شعر أخيها الصغري ليصبح أجمل طفل عىل األرض /تبتسم األم راضية /ويغني غالم بدون نشاز تواشيح أندلس غامئة /نخبيء دمعنا باالصابع /منسح سفر التجاعيد عن وجهنا املتكدر /يف فرحة واهمة»/ ويتحدث عن الخوف عىل االحفاد من أمور عديدة يف هذا العرص فيقول« :براءة احفادنا نقطة الضعف فينا /نخاف عليهم من الخوف والفقر والجوع /نخىش خفايا الزوايا ومنعطفات الشوارع/ نحن نخاف عىل طهر احفادنا /من دخان املصانع /من مافيات الرساديب واالقبية /نخاف احتباس الحرارة /نخىش انقالب املناخ عليهم /وتقتلنا البيئة -املعصية ».ويتحدث عن املرض فيقول «ارشب فنجان القهوة /يا مرض الرسطان /يك اقرأ بختك يف الفنجان /ارشب!
18
بيت الشعر
شعر اليمن الحميني صادرا بالفرنسية
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
املؤلف هو مستعرب وأستاذ اللغات والحضارات الرشقية جامعة سرتاسبورغ الفرنسية ،أما العنوان الكامل للكتاب فهو« :مثانية قرون من الشعر املغنّى يف اليمن ،لغة الشعر الحميني -وأوزانه وأشكاله» يتناول املؤلف تراث الشعر الشعبي املغنّى يف اليمن منذ القرن الثالث عرش ،متتبعاً أصول هذا الشعر وصالته باملوشحات األندلسية ويرصد مسارات تطوره الخاص عرب صيغه املختلفة وأوزانه املو ّلدة ،ولغتة التي متزج بني أساليب تنتمي للشعر العريب الفصيح الكالسييك وأخرى تنتمي للهجة السامت الشكلية واألسلوبية املحكية .ويستعرض الكاتب ّ للشعر الحميني عرب مثانية قرون ويدرس مالمح التجديد فيه بالرتكيز عىل الجوانب العروضية والرتكيبية .ويضم الكتاب بني دفتيه أول طبعة محققة لديوان رائد هذا اللون الشعري الفقيه الشاعر عبد الله بن أيب بكر املزّاح املتويف سنة 831 هـ 1428 /م ،الذي كان له تأثري كبري يف من بعده من شعراء الحميني مثل عبدالله بن رشف الدين ،وعيل بن حسن الخفنجي .كام ذ ّيل املؤلف كتابه بجداول خاصة بعروض وأوزان القصائد التي تضمنّها الكتاب. ومن املعروف أن الشعر الحميني اليمني هو ما يعرف عند غري أهل اليمن بالشعر النبطي ،وتعود جذوره يف اليمن إىل القرن الحادي عرش لكنه تبلور ،عروضيا وموسيقيا بعد ذلك بقرنني وسمي يف اليمن بهذا االسم نسبة قرية الحمينية الواقعة يف محافظة الحديدة والتي انتسب إليها شعراء معروفون ُيعرف الواحد منهم بالحميني. كام أن أوزان الشعر الحميني هي نفسها أوزان الشعر النبطي إال أن أكرث ما يوزنون عليه أهل اليمن هو الصخري واملسحوب والهجيني ويسمونها بأسامء أخرى
اسبادانيا ..عندما كانت اسبانيا ممنوعة من الكالم
خالل
حكم الديكتاتور الشهري فرانكو يف إسبانيا ،وهو الذي استطاع الصمود ألكرث من أربعني عاما، كان الشعر قد تح ّول إىل نشاط جوهري وف ّعال عىل أيدي شعراء «ملتزمني» صاغوا رضباً جديداً من الغنائية ،وكان النقد االجتامعي أحد تيامته الرئيسة. يف تلك األيام الصعبة التي أعقبت الحرب األهلية اإلسبان ّية ( )1939- 1936حيث انقسمت البالد إىل نصفنيُ ،ولدت يف مكتبة «أثكارايت» Azcárateيف ليون ،العام ،1944مج ّلة شعر ّية حملت اسم «إسبادانيا» ،أسسها ونهض بها شعراء شبان من بينهم :أوخينيو دي نورا ،وغونثاليث دي الما ،وبكتوريانو كرمير الذين منحوها شك ًال ملا تح ّولت فيام بعد إىل واحدة من أعظم اّ مجلت الشعر يف تلك الفرتة عىل ال ّرغم من العقبات :نقص التمويل والصعوبات اإلدارية ،وال ّرقابة. يقول خوسيه مانويل دي أبيادا يف مقاله «إسبادانيا والشعر امللتزم يف حقبة ما بعد الحرب»« :مل يكن من السهل ،يف ظل نظام الديكتاتورية واحتكار الصحافة وهيئة الصحافة واإلعالم الوطنيني اإلفالت من ال ّرقابة خاصة إذا تع ّلق األمر بظهور روح أدبية جديدة بديلة للشعر ال ّرسمي ،مثل مج ّلة اسبادانيا». مؤسسو «إسبادانيا» بالدرجة األوىل إىل أن تكون مج ّلتهم سعى ّ مرشوعا شعريا يجمع بني الشعر والنقد يف مواحهة اإلصدارات الرسمية السائدة يف تلك الفرتة وخاصة مجلة «غارثيالسو» (نسبة إىل الشاعر اإلسباين (غارثيالسو دي ال بيغا ) الذي عاش بني العامني ( )1503 -1498التي ّأسسها خوسيه غارثيا نيتو وكانت تنرش شعراً كالسيكياً محافظا ً يف خدمة نظام الجرنال فرانكو .وتح ّولت اسبادانيا، يخص مجموعة يف إسبانيا التي كانت ممنوعة من الكالم ،إىل منرب ّ كبرية من شعراء تلك الفرتة ،من ميغيل هرينانديث ،وخوسيه ه ّريو، وبالس دي أوتريو ،وداماسو ألونسو ،وبابلو نريودا وبيثينتي أليخاندري الحائزيْ جائزة نوبل لآلداب. و ِبدءا من اختيار االسم القائم عىل اّ التلعب ال ّلفظي بني مفردات ثالث:اسبانيا ،ودانيا «أمل» ،واسبادا «رمح» ثم مروراً بأعدادها الثامنية واألربعني ،كانت املج ّلة مح ّركاً ملا ُأطلق عليه «الشعر االجتامعي
امللتزم» الذي كان شعرا ذا نربة تراجيدية متتزج أحياناً بنزعة وجودية ،ومي ّثل قطيعة مع املايض ،وميتلك نظرة ضجرة وأكرث فوضوية للعامل ،وال يويل أهمية كبرية للشكل أو اإلتقان اإلسلويب ويرفض النزعة الجاملية السائدة يف الشعر الرسمي؛ وكان يسعى ويتوجه إىل العامة ،ويعبرّ عن إىل تعزيز ايديولوجية دميقراطية ّ «الهامش»؛ األمر الذي مل يح ّققه ،يف نظر دي نورا ،الشعر الرسمي الذي كان «يرسم مالمح ايجاب ّية إلسبانيا آنذاك ،من دون أيّ ذكر ألولئك الذين يعانون ويجوعون ويرمى بهم يف السجون». و يؤكد الشاعر أوخينيو دي نورا يف العدد 19من املجلة وتحت التوجه لشعراء «اسبادانيا» قائال: باب «شعر وحياة» ،عىل هذا ّ «بالنسبة لنا نحن املعتادون عىل رؤية األشياء وجها لوجه ،وعىل عدم الهرب أمام أيّ يشء أو إخفائهّ ، فإن الشعر هو ،من بني أمور أخرى ،وبكل تداعياته ،طريقة ليك نشهد عىل ّأن هذا ّ الشعب ،وإن كان صامتا ،إال أنه ما يزال موجودا وقو ّيا .إ ّننا عىل نحو ما ورثة نوع من الحضارة ،ونريد لصوتنا أن يكون رسالة الحياة القادمة». هنا هذا املقطع من قصيدة «إىل الغالبية العظمى» التي ُنرشت العام « :1955هنا بني أيديكم ،نشيداً وروحاً ،ذلك اإلنسان الذي أحب وعاش ومات ،وذات يوم خرج إىل الشارع :عندها ،يف أعامقهّ ، أبرص؛ ّ فحطم ّ كل أشعاره». لقد أفل نجم «إسبادانيا» منذ أكرث من نصف قرن ومل يدم وهجها أكرث من سبع سنوات لكنّها لعبت ،بشهادة الجميع ،دوراً كبرياً يف تط ّور الشعر اإلسباين الحديث وأعادت إليه نزعته اإلنسان ّية
نهى أبو عرقوب issue (4)- September - 2012
19
شعر وشعراء
يوسف أبو لوز ..يطلق المعنى من ف ّوهة الشعر
يوسف أبو لوز
يطلق المعنى من ف ّوهة الشعر
لعل
القارئ لديوان الشاعر يوسف أبولوز «ضجر الذئب» يف طبعته الثالثة الصادرة بدعم من وزارة الثقافة الجزائرية إىل جانب مئة كتاب فلسطيني مبناسبة اإلعالن عن القدس عاصمة للثقافة العربية يكاد ال يشعر بأن هذا الديوان صادر يف طبعته األوىل العام ،1992 وذلك ملا فيه من روح شعرية متجددة مل تكن محصورة بزمن أو جغرافيا أو ثيمة واحدة ،فهو من الدواوين الشعرية القليلة التي حققت حضورها يف الساحة الشعرية العربية عرب ما حظي به من اهتامم وآراء صحفية بأقالم كبار النقاد والشعراء العرب يف حينها ،والتي أكدت عىل مكانته ومتانته وتفوقه عىل ما كان ينرش من دواوين شعرية ألسامء وازنة. أبرز ما تتميز به التجربة الشعرية ليوسف أبولوز أنها كشفت عن شاعر كبري منذ بداياتها ،فقد اتسمت أعامله األوىل بفرادة وخصوصية ،عىل خالف الكثري من التجارب الشعرية التي قام أصحابها ّ بالتخيل عن أعاملهم األوىل فيها ،عندما بدأت تجاربهم تتجاوز مرحلة النضج ،وتتخطى عمرها األول ،وهذا ما مل يسلم منه كبار شعراء العربية .وقد ظلت هذه التجربة عرب دورة حياتها تقدم دواوين شعرية مهمة تطفح بالعطاء ،فمن «صباح الكاتيوشا أيها املخيم»، إىل «فاطمة تذهب مبكرا إىل الحقول» ،و»نصوص الدم» ،ثم «ضجر الذئب» ،وصوال إىل ديوانه األخري «خط الهزالج» . ميثل «ضجر الذئب» حالة شعرية خاصة ،استطاع صاحبها أن يعكس من خاللها جانبا من األمل الفلسطيني الجمعي، ولكنه يف الوقت ذاته ،مل يحارص شعره يف هذه املساحة، فقد حفر عميقا يف تناول شأن الفرد وهمومه الشخصية، 20
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
املتمثلة بتفاصيل الحياة ،والواقع املعييش .فتارة يصف أصدقاءه الشعراء الذين شكلوا ظاهرة شعرية عربية، وتفاصيل تلك الصداقة التي جمعتهم .يظهر ذلك مليا يف قصيدة «عامل حانة» املهداة إىل الشاعر زهري أبوشايب، وقصيدة «الصديق» املهداة إىل الشاعر يوسف عبدالعزيز، وقصيدة «الرحالة» املهداة إىل الشاعر محمد اليف ،وقصيدة «أمري الصعاليك» املهداة إىل الشاعر محمد القييس .وتارة أخرى يج ّر فيها الشعر إىل حيث الشارع والبيت والرصيف والحديقة واملرأة والعائلة وغريها من مفردات بيئة الشاعر. كل ذلك يحيطه بأناقة شعرية نادرة ،ودالالت ذات أبعاد جاملية تنحاز إىل جانب املعرفة والثقافة والفكرة البكر. من املفارقات التي ميكن تناولها يف الحديث عن «ضجر الذئب» تلك «الرسقات» التي تعرضت لها بعض القصائد وأبرزها قصيدة «أسباب» التي مينح الشاعر من خاللها لكل يشء سببا ،سبب البحر ،وسبب الخيل ،وسبب الورد، وسبب املوت ،وسبب للنهر وسبب آخر للريح عرب نسيج شعري باذخ يف تكوينه وتعبرياته « :سبب النهر ،أن الحىص ال تحب سوى املاء جرحاً ،أال أيها املاء مزّق إذن بدينَ ، أنت ٌ لحم وأنت سدودُ» .هذه القصيدة نسبها سهل ،ومينا ُء ٍ بعض الشعراء ألنفسهم ،و ُقرأت يف عدة أمسيات ،وكان شاهدا عىل ذلك أصدقاء للشاعر أبولوز منهم محمد القييس ويوسف عبدالعزيز .وهذا ما يؤكد بالطبع تلك الهالة الشعرية التي أحدثها هذا الديوان حول صاجبه. أما الوطن ،فقد انتشله الشاعر يف هذا الديوان من حفرة الخطابة ،تلك الحفرة التي وقعت فيها قصائد كثرية لشعراء فلسطينيني واكبوا احتالل ومعاناة الوطن ،يف نكبته ونكسته،
الديوان :ضجر الذئب الشاعر :يوسف أبو لوز (فلسطني) النارش :وزارة الثقافة (الجزائر) طبعة ثالثة عدد الصفحات 153 :من القطع املتوسط
وكانت قصائدهم ردا مبارشا عىل مجازر ومواقع الحرب، ووصفا لحال الشعب الفلسطيني الذي عاىن كثريا من الحصار والقتل والتهجري. واجه «ضجر الذئب» كل ذلك بقول شعري كان يحمل بكلتا يديه غصن الكالم ،عندما افرتش الشعر مبساحات خرضاء تغني لشعب فلسطني كام جاء يف قصيدة «كبري عىل الوصف»« :يعشقون الحياة لذا مل ميوتوا عىل محمل الحرب /مل ينتهوا بني منفى ومنفى /ومل يرتكوا يف بواخر أحزانهم غري ِشع ٍر يدل النوارس للامء /مرتفعون عىل كل منحد ٍر / ورجال من املطر األرجواين جاؤوا /يسوقون حيث يشاؤون قطعان هذي الرياح» .وال يقف الوطن عند حدود هذه القصيدة يف «ضجر الذئب» ،بل نجده حارضا يف غريها من القصائد ومنها «بيت لحم» ،و«الشهيد» وأخرى يحرض فيها الوطن متسلال وقافزا فوق أسوار الكالم . قصائد هذا الديوان تكشف عن حداثة ال تتعلق مبوضوع الشكل ،بل ببناء ومضمون العبارة الشعرية التي تتقاطع فيها الفكرة مع روح الداللة التي تنبعث من خيال خصب وكثيف .البناء بالرغم من انتامئه لقصيدة التفعيلة إال أن جمله ال تخصع لسطوة الوزن ،أو القافية ،خصوصا وأن القافية يف قصائد أبولوز ليست مقحمة يف السياق ،بل هي لفظة مكملة للمعنى إن سقطت انكرس املعنى قبل أن ينكرس الوزن . يكاد ال يخلو سطر يف قصائد هذا الديوان من اإلدهاش الذي تسببه الصورة الشعرية والصدق البعيد عن املبارشة يف الوصف والتصوير ،اآلتية يف سياق شعري عفوي غري متكلف ،لكأن الشاعر يكتب قصيدته دفعة واحدة دون
الكواكب /بني الضحى والظهري ِة /حني عناء« :هنا يف مم ّر ِ ُ ني /منذ النسا ِء الديوك بأعرافها مت ّد ُ وتصيح /هنا ،منذ يوم ِ الخجوالت َ / كان أم ُري الصعاليك مييش /فتطلق إحدى ِ وعرشون عصفور ًة ليديه» .بهذه الجمل التي تسابق نفسها لتُطلق املعنى من فوهة الشعر ،تظهر تلك القدرة الالفتة عىل نسج الكالم بسالسة وانثيال عذب فتقدم للقارئ مشهدا شعريا يلملمه الشاعر من فضاء الكالم الفسيح ،ليضع يف إنائه الكواكب والظهرية والضحى مانحا لقارئه دهشة املعنى يف صورة النساء الخجوالت. ينضم ضجر الذئب إىل قامئة الدواوين الشعرية الفلسطينية التي ش ّيدت جدارا شعريا عاليا ،وأحدثت توازنا يف جغرافيا الشعرية العربية ،التي تقاسمتها مجموعة من العواصم العربية واستحوذت عىل املساحة األكرب منها ،حيث كان حضور الشعر فيها يفوق حضوره يف عواصم وبلدان أخرى. تلك الدواوين التي قاومت وأخذت مواقعها يف صفوف املواجهة األوىل ،وتتبعت مواضع الجامل لتزرع أرضها بالشعر ،ومل تنل من مساحة النقد العريب ما يفيها حقها، ويكشف عن عواملها وفضاءاتها العالية ،هي من سجلت مع ما سبقتها من تجارب فلسطينية اسم الوطن يف أعىل صفحة الشعر العريب ،وقد استكملت رحلة الشعر الفلسطيني الذي ضم العديد من أهم وأبرز الشعراء العرب وكرسهم كرواد للمرحلة
عبد الله أبو بكر
issue (4)- September - 2012
21
شعر وشعراء
خالد مطاوع حالة واحدة ومدارات ع ّدة
الديوان :فلك األصداء الشاعر :خالد مطاوع ( ليبيا -الواليات املتحدة) النارش :دار أوسابل -نيويورك
ُترجم
هذا الكتاب إىل العربية من قبل الشاعر نفسه وراجعه البعض من الشعراء العرب الضالعني يف اللغة اإلنجليزية من بينهم سعدي يوسف واميان مرسال وفاضل العزاوي .واملالحظ أن من املمكن قراءة الديوان بوصفه حالة شعرية ممتدة فيشعر القارئ أنه أمام مجموعة قصائد ذات حالة واحدة يعيشها الشاعر وينقلها إىل خارج نفسه عرب مدارات عدة عاصرِ ا منها صدى رصخاتها ليسقي بها عطش الكون . هذه الحالة ينقلها كاملة بتاريخها وتضاريسها ورائحتها ومذاقها ،مالمسا وجدانيا كل من يلتقيه يف هذه الحياة من سعاة بريد وسائقي أجرة وندل وعساكر ورؤساء طغاة وعادلني وباعة جرائد وحليب وخضار ،صانعا كام يقول مدينة عذراء بال رتوش وبال تلوث ،شأنه يف ذلك شأن كل الكتاب والشعراء الكونيني الطامحني لخلق عاملهم ومدنهم التي تعنيهم وحدهم ،والتي متكنهم من سحب النار من مكانهم الشاغر يف الجنة« :مدينة بال كلامت /..ليل بال ليل /يف مكان ما أتذ ّكر /هذه الثياب ليست ثيايب /هذه العظام ليست عظامي /أنىس وأتذكر ثانية /سفن يف ميناء، تلك /التي هي البحر /هي الرحلة /التي توقظ نورا يف صدري». ويواصل أستاذ مادة اإلبداع يف جامعة ميتشجن خالد مطاوع قصائده يف هذا الديوان الذي من خالل عنوانه قد تشعر أنك أمام قصائد صوفية تحيلك إىل شعراء متصوفة كبار ،إال إنك ستشعر باملفاجأة عندما ال تلمس يف القصائد الصوفية الكالسيكية املرتبطة بالدين والدراويش وعلامء الكالم واالعتكاف يف املساجد أو األديرة أو الصوامع إمنا تخاطبك القصيدة من خالل الطبيعة وعالقاتها بالشاعر الذي يقرتب منها ويتامهى معها محاوال أن يعكس
اخرضارها الطازج وبذورها الخصبة عىل الحياة بكاملها مشريا إىل استمرارية الحياة وعدم فنائها من خالل الخمرية التي يجب أن ال تنتهي يك نحصل عىل خبزنا الذي مثل جذوة نار يجب أن ال تنطفئ لدى اإلنسان البديئ يقول خالد« :عشب الشعري أخرض طيلة الشتاء /وبذور البازلياء يف راحة يدي كحبيبات خمرية /حاملة ذات الوعد بالنمو/. طيور الضحى تنعب / ،الفضة املزرقة /عىل أجنحتها نقود مرسوقة من الشمس». نقرأ يف هذا الديوان أيضا نصوصا عىل هيئة كالم عادي متداول نستخدمه كل لحظة ،أخبار ،أو حتى جمل نرشات أخبار وبرامج نتابعها يف قنوات العامل ،إنها صور قلمية أو قصص قصرية جدا وظفت داخل سياق معني مكنها من أن ال تكون رسدا وإمنا شعر كام يف نص بعنوان «سليمة!». الديوان تم االحتفاء به يف ليبيا من قبل أصدقاء الشاعر وعشاق قصائده كذلك حني صدوره يف نيويورك القى الديوان اهتامما نقديا من قبل أدباء ونقاد أمريكا حيث قال عنه :بروفيسور األدب االنجليزي يف جامعة فريجينيا ومؤلف كتاب «شيطان الشعر الهجني األديب جاهان رامازاين : «مجموعة خالد مطاوع الشعرية الجديدة املكونة من خمسة أقسام تدور حول حياة مشطورة بني رائحتي التفاح والديزل ،بني شامل افريقيا والجنوب االمرييك ،بني الشعر العريب والحداثة االوروبية ـ االمريكية انه يتضمن الوصف والسخرية والتأمل ،فضال عن املرح الحميم ،فحينا يأخذنا يف طريقه اىل نهر املسيسيبي املتخم بالتاريخ وحينا نغرق معه يف دوامة من اسئلة املنفى والهوية واالغرتاب يف قصيدة عن نزهة يف سيارة اجرة يف القاهرة ،وهو يشري اىل االثارة القوية وروح املرح والتنقالت التي يتضمنها شعر مطاوع من خالل حساسية ولغة تنبثقان من تالقي الحضارات
محمد األصفر 22
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
عبود الجابري صباح سيأتـي رفرف ٌة في ٍ الكتاب :متحف النوم الشاعر :عبود الجابري (العراق) النارش :دار فضاءات للنرش والتوزيع -اّ عمن عدد الصفحات 144 :من القطع املتوسط
هي
َ الشمس كام مل تفعل منذ زمن، لترشق املجموعة الشعرية الثالثة للشاعر العراقي عبود ين ّقي زجاج السامء، ُ الجابري ،بعد مجموعته األوىل «فهرس األخطاء» ،وكام كانت هي متحو صورة الظالم وسطو ِته ،وما يسري يف موكب ِه من خيانات وق ّلة ٍّ واملجموعة الثانية «يتوكأ عىل عامه». حظ يف السالم ،إنه غري مفجوع مبا مل وصول الشمس ،لعيل أرى شيئاً َ يف «متحف النوم» ال يكتفي الجابري مبا يؤكده من القدرة يتوقع إذ يقول« :مطرقاً أنتظ ُر السبك اللغوي ،إمنا ينقاد بحري ٍة وبرغب ٍة البالغية وأسلوبية ّ يلمع يف سواد الرتاب». ُ والضائق مبا مل يعد املتعب، للتوغل يف داخله الجاهز لإلعرتاف بقدرته عىل الضحك ونرث ولو أ ّنه ال يرتد ُد يف وصف حاله ِ ِ الفرح ،فهو كائن غري مجبول عىل البؤس والنظرة الذابلة صالحاً للخروج من أقداره املسو ّد ِة املث ّقل ِة بالدموعّ ، «إن تعجب لذاته ،وملا يحيط به من عوامل كام يقول« :يل سنٌّ ُ القلب مل تعد َتص ُلح مندي ًال ،قامشة القلب التي أنهكها قامشة ِ الناظر حني أضحك /ويل قلب يرفرف /لضحكة طفل عابر». زجاج السامء ،لتمنحها شمساً طازج ًة ّ كل صباح». ُ تلميع ِ «متحف النوم» و َق َفها الشاعر عىل ثالث وعرشين قصيدة بني تسليم الجابري بحقيقة ما رأى وتأسىّ ألفوله املب ّكر ،وبني ال تنطق بالغرابة ،إال إذا انتبهنا إىل تحقق هذا املفهوم يف تر ّقبه وندائه مستدعياً ّ كل قدرة ،لتبديل هذا الواقع الجائع قصيدة الجابري ،حني تج ُّر شعرياً ما مل يألفه الكائن البرشي أحب ،ال ّ يكف الشاعر عن إلفقاد اللذة واستدراج دموع َمن ّ من مثيله ،ذلك الذي مييش عىل قدمني خارجتني للتو من اإلشارة إىل ما احرتق بني يديه ونام يف حدود األما ّين ،دا ًّال الحصار العظيم املرضوب عىل جهات الحياة ،إذ كيف البرشية مطالباً لها بالزواج مبا اجتمع يف املتحف _ الذي هو إلنسانٍ عا َينَ ويعاين املأساة أن يقول بإقدام« :أنكرس من داخل اإلنسان_ من الرغبات واملناجيات« ،متحف النوم» ال جهة القلب فقط /فأريحوا معاولكم التي تحفر يف رأيس»... ّ جناح يكف عن الطريان شعراً وحيا ًة إىل سامء صافية ،وعىل ٍ ني إنسان ّي ٍة ،ال يف «متحف النوم» دعوة لقراءة األيام بع ٍ شمس سترشق. تجف عن رؤية األمل والتفرج يف قدرته عىل امتالك املضيع ما أن يطري إىل حيث ٌ ُّ ّ ّ وقد ورد يف الغالف األخري للكتاب« :قصائد ميكن فيها تلمس عاش وما كان يجب أن يواصل من اللحظات ،التجارب ،وا ُمل ِ مالمح متقطعة وخافتة من سريته الذاتية ،مبفردات قليلة املترس ُب إىل التن ّف َس قبل أن يجرح بقاءه الحزن ،والسوا ُد ّ أحياناً تتوزع بني قصائده ال عىل التعيني ،فيام هو يستحرض الوجوه والقلوب التي شهدت الخوف واملوت ،بعد إذ هاجس الوطن الذي ال شفاء منه مبواجهة فداحة النفي بدأت ترتاح لفكرة الحياة «مل أطمع بالعودة إىل الحياة، واالغرتاب ،وبالقدر الذي تظل الكلامت فيه مشحونة بشقائها مررت عىل رشيطِ عمري بشكلٍ عابر ،لكنني ُ حني ُ سأبعث كل قصيد ٍة مختومةً وتظل ُّ السؤال الذي أفىض يب الكبري وأقىص رضورات األملّ ، َ َ السؤال ذاته، موت طويل ،وأَسأل بعد ٍ بعطش أبديٍّ ملطلق األشياء واملعارف واإلشارات ٍ اىل املوت :ملاذا ع ّ يل أن َ أموت ،ليك أدخل الجنّة...؟». إنه يرى َ ترتج يده إال شوقاً وهو املوت ويع ّد آهاته ،وال ّ
مهند السبتي
issue (4)- September - 2012
23
شعر وشعراء
انطولوجيا من بالد الشعر الكتاب :أنطولوجيا الشعر الهولندي الشعراء 40 :شاعرا (هولندا) ترجمة :صالح حسن (العراق) النارش :دار الفارايب -بريوت عدد الصفحات 240 :من القطع املتوسط
يبدو
هذه هي املرة األوىل التي تظهر فيها ترجمة عربية للشعر الهولندي بشكل ميكن إن يقدم تصورا عن طبيعة هذا الشعر الذي ظل غامضا منذ ما قبل الحرب العاملية الثانية حتى اآلن .أربعون شاعرا هولنديا مع مقدمة عن الشعر الهولندي برتجمة الشاعر العراقي صالح حسن املقيم يف الهاي منذ التسعينات. لعل صعوبة اللغة الهولندية ومحدودية انتشارها إىل جانب صغر مساحة هولندا واقتصار اسمها عندما ُيذكر عىل التيوليب ،واألبقار ،والعبي كرة القدم ،واملخدرات والحرية الجنسية ،قد جعل من االهتامم باألدب الهولندي عامة وبالشعر خاصة ضئيال بدوره ،فلم تتم ترجمة إال القليل منه فكان أن أصدر سعد صائب عام « 1958هيويل للشاعر الهولندي خريت أخرتبرغ» ،وعام « 1962ديوان الشعر الهولندي املعارص» مرتجام عن الفرنسية .وقد بادرت «مؤسسة الهجرة» يف أمسرتدام التي لعبت وتلعب دورا ها ّما سواء يف اكتشاف املواهب األدبية الشابة أو يف التعريف باألدبني الهولندي والعريب عرب مهرجانات أدبية كانت استقطبت العديد من األسامء الالمعة عربيا وهولنديا ومتت ترجمة أعاملهم إىل اللغتني .ومع اتساع رقعة الهجرة العربية الرساج إىل هولندا قام أحمد عكاشة فضل الله ومحسن ّ بإصدار « الحداثة يف الشعر الهولندي املعارص» األول حرر النص أما الثاين فقام برتجمة بعض األشعار ،ومن ثم صدر عام 2007عن املركز القومي للرتجمة يف القاهرة ديوان «ليس كل األحالم -قصائد» وهو كتاب قصائد لألطفال من ترجمة عبد الرحمن املاجدي . وطبعا هناك ترجامت قام بها أفراد ونرشوها يف الصحف
24
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
واملجالت األدبية أو يف الشبكة العنكبوتية . إن الشعر يف هولندا يكاد ينطبق عليه «الشعر لغة الهولنديني» ففي الرابع من فرباير من كل عام ُيصادف عيد القدّيس نيقوال الذي من تقاليده اجتامع العائلة لتبادل الهدايا املرفقة بقصائد قصرية موزونة ومق ّفاة تتناول موضوعات مختلفة كالعتاب والحب وطلب املساعدة أو الزواج ..الخ ولكن بأسلوب فكه ولغة مبارشة .كام أن هناك بعض املدن الهولندية التي تز ّين القصائد جدرانها فمثال هناك قصيدة للشاعر جربا إبراهيم جربا «أ ّيامنا كالشتاء القطبي »..بالعربية مع ترجمة هولندية قام بها األستاذ ويلم ّ ستوتزر ،تز ّين إحدى جدران مدينة ليدن .وال بد أن نذكر أن روتردام تستضيف «مهرجان الشعر العاملي» يف يونيو من كل عام حيث شارك فيه العديد من الشاعرات والشعراء العرب. عالوة عىل ذلك يف السابع والعرشين من نوفمرب من كل عام يقام «يوم الشعر» يف طول هولندا وعرضها :منصات ،ورشات، ومسابقات شعرية . وأخريا ومنذ العام 2000هناك تقليد باختيار «شاعر الوطن»، وهي ترجمة أدق من «شاعر البالط» التي وردت يف بعض الصحف العربية ترويجا لديوان رمزي نرص الذي هو شاعر الوطن منذ العام 2009نظرا الختالف أسلوب وهدف الشاعر املختار ،وذلك عىل نحو دميقراطي كام ودرجت بعض املدن عىل اختيار شاعرها أيضا. أخريا ،يجب أال ننىس أن هناك العديد من الجوائز الرسمية وغري الرسمية التي متنح للشعر يف كل سنة
رشا مفيد
نصوص
عماد جبار
محمد جبر الحربي
عالء أبو ع ّواد
محمد علي اليوسفي غمكين مراد
الخصار عبد الرحيم ّ عبود الجابري
محمد زينو شومان
محمد العديني
طالل سالم
أشرف جمعة فوزي باكير
ضيف حمزة ضيف حازم العظمة
مهند السبتي
لؤي أحمد بيان الصفدي
issue (4)- September - 2012
25
نصوص
محمد جبر الحربي يط ُري الحامم .. لكائنات درويش
عباء ُتنا الشعر متعب القلب يا َ َ كنت هناك ُ وكنت هنا الحروب لقد م ّر عم ٌر كعم ِر ِ فأمضيت مام يعدّون يوماً: ُ و ّق ُ عت باس ِمك اس ًام ُ وأفشيت رس ًام أتذكر كيف تصري الرسو ُم الحضارات ُ النقوش التل ّف َت للضو ِء أحنيت رأساً ُ البؤس بأساً وكان عىل ِ ُ وقلت عىل أرشف املرسلني السال ْم. ُ أرسلت َشعري أنا اآلن وأطلقت ِشعري هو الدرب ُ رصت مع الوقت شبه رسولٍ ِ ونصف دليلٍ وبعض إما ْم. يطري الحامم ..يحط الحامم برج حامم معي للحبيبة ُ الدرب ير ّد ُد ّ حي عىل ِ الدرب قلنا عىل ِ كيام تكون القصيد ُة الئق ًة بالعيون وقال اإلل ُه هي ال ِع ُني قلنا هي ال ِع ُني املغرب املرتقرقِ فينا يعم مع حتى َّ ِ سال ُم العيون 26
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
ومنها السال ُم وفيها السال ْم. يطري الحامم ..يحط الحامم لعينني من خف ٍر سوف أترك عط َر القصيد ِة رائح ًة من غام ْم تف ّز لها األرض تنهضني نشو ٌة يف الرتاب أنا اآلن آدم ها قهويت يف الحديقة ترشب ها أضلعي سوف ُ ُ ترصخ: يف األرض ما.. ويا روح من عللٍ مت ّر بذاكريت ال ِه ُيم ٌ مشتعل والنهر والغام ْم. تقول يل اآلن شعراً لوجدي ملحمود للط ّيب املتن ّبي أقول: َ مرشق الصبح لك الله يا ِ يا طفلتي ُ أقولُ :لكنّ اإلل ُه موجبات الكالم. أيا ِ دعيني قلي ًال سأكتب شيئاً بسيطاً ُ قرب الصباح كفج ٍر رأيتك ألين ِ َ وكان الزمان مي ّر علينا كطفلة زهو فنهديه ما َ أغمض العني ُس ّكر ًة قطع ًة من يديك كنوزاً ألجدادك املرتفني الغناء التواريخ
يرىض يقول ملن آنسوا القلب من سكنوا ها تعالوا إ ّيل قوم ع ّ يل لقد جا َد ٌ ولست أبايل أكان هو العشق عشق الليايل ميرجحه الشجر املتعايل أكانت عىل تعبي راحتيك خذيني إليك تنا ُم الحروف ينام اللئا ْم وتبقى هي األرض والجند قد رفعوا عل ًام فوق ٍّ تل نرى منه آخ َر ما يستب ّد ب َغ ّي الطغاة وآخر ما يستج ّد سنا جن ٍة قد تكون الشهادة يا للسامء ويا للمقا ْم. يطري الحام ُم.. ّ يحط الحام ْم. لها والدٌ ال يرى غري ضحكة طفلٍ هدية عم ٍر يخبئها كل عي ٍد َ ليحفظها كل عا ْم. يطري الحام ُمّ .. يحط الحام ْم. ُ املقامات كنّ الجراح ّيت ّ فغن ُ السفوح كل ِ وغنيت ّ كل الجبالِ األعايل البطاح. وغنيت كل ْ وقلت :الوشاح الوشاح. فكان ْ
سالح يقول اليام ّين :ها قتَلتْني بدون ْ ْ قلبي يف دفئها وتاهت حبيب ُة َ هو الحلم ال فقد كنت منذ الطفولة أحلم األنجم العاليات برأيس تساقط ُ ّ َ أما زلت يا ابن الحقيقة ما زلت تبحث بني الركام فتشقى؟! هنا ٌ جثث والحقيق ُة فيام يرى العا ُمل املتحرض ّأن الحطا َم ّ يظل الحطا َم ّ يظل الحطا َم ّ يظل الحطا ْم. يط ُري الحامم ..يحط الحام ْم. لنا ما ارتأينا ويف هذه األرض ّ يستحث الغرا ْم. ما أمحمود درويش قدْين ُ نسيت القصيد َة أمس ثم ُ نسيت بأين أح ّب َك والكتُب العاليات تحد ُّق انفتح ْت ُ منذ صا َم أستغف ُر الل َه ما َ الكال ُم شعوب اإلشار ِة ورصنا َ
ُ السقف يشهدُ ذا يا أحم َد العر ّيب ٌ خشب سبحان من أنشأ الس ْق َف من أمرجوحة يك تنا َم فتأيت؟! ٍ وسبحان من َ الذاريات أرسل فلسطني تأيت ِ خلف نافذ ِة العم ِر وأعراف خيلٍ لها العزّة العرب ّية رذاذ الطفولة من ِ ماذا تريد؟! تعلو ُ ّ أنضحك أ ّنا رأينا الغزاة كأن الخيام ُنصنب لهنّ لهم ما لهم فكنّ لها الفاتحات ُ خشب توابيت من وكنّ بها األذرع املانحات ٍ ال نصليّ عليها ِميلنَ ُ كام َ ونضحك أ ّنا رأينا الحياة مال يف ُء النها ِر تجلىّ أيف موتهم تستقيم الحياة؟ وقد قيل ْ أيعىص عليك اللجا ْم؟! مات. أيا صاحبي ْ هات جوادٌ هو الجو ُد يا صاحبي: يا كرمياً متزّق منه الحشا ربع القصيد ِة ِ هات َ َ ال أنا ُ نصف الحقيق ِة شئت َ ال الكون شا الرميم بعض ِ َ ْ الرفات. وبعض ما انتشينا بليلٍ ويا صاحبي ْ وال الفجر كحل أعيانه وارتىش هات: فاستفاقت عقول الربية قم طوي ًال جلي ًال ْ ْ هل يلزم الحق ٌ موت وأرسل علينا الحام َم هدي ًال إذاً سرنى؟! ودعني أردّد: يا بريئاً كطفلٍ أل ٍّم الله أكرب حبيباً كتفاح ٍة مغرب يتناءى يف ٍ يا قريباً كوج ِه الحبيبة يقيم الصالة؟! فمن ذا ُ يا سيداً ْ األمنيات هي يا منرياً وتعرف ّأن النساء َ صربن طوي ًال تركنا لهم َّ كل ما يسندُ َ األرض ات أيا ابن الشجري ِ يا ابن ْ النبات كنا بها النون والعاديات تفوح القصائدُ بالعطر ُ َ ظلم يشبه جالده فال ة القصيد قرأنا أ ّنا َ ال ظال ْم. كم نتل ّفت وال ُ املسك يشب ُه ما يحتويه املقا ْم. م ّر غز ٌال البنات بنبع يط ُري الحام ُم.. ِ وغن ّْت مها ٌة ِ ّ يحط الحام ْم فيا طاوي البيد issue (4)- September - 2012
27
نصوص طالل سالم
غفوة التعب التعب متى ستغفو بروحي أيها ُ العتب و ينطوي كاملدى يف ُبعده ُ
متى ســـيحنو عىل نبيض تلهـــفها
لهــــــــب برشف ُك ّل ُه باألغنيات ُ ٍ حرف ُ هـنا لها ُ ألف مفرتقٍ ألف ٍ معــانق ّ الـــهرب درب خان ُه ُ ٍ كل ٍ تراود الـــورد تلهــــــــو يف غيابت ِه
تغــــرتب برق ِة العــــم ِر تدنو ثم ُ رجع يف تخايلها و كالصدى ألف ٍ و ُ أنسكب لحن بصمتي حني ُ ألف ٍ
عبد الرحيم الخصار احر الس ِ َّ
أضع يدي يف القبعة وأخرج خوذ ًة منا فيها العشب خوذ َة الجندي التي تغنى بها شاعر من اليونان أضعها أصيصا عىل عتبة البيت أخرج بنادق الحديد و أحولها لعبا لألطفال َ الرش َ أجعل عربة السالح مهدا و َّ اش مكنسة عىل فوهة املدفع سأبني عشا للطائر الذي شاخ وأزرع الرصاص يف األرض ليصري حقل ذرة
28
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
الوهم مختاالً و يعزفها يأيت بها ُ ويحتجب و حني يأيت بهـــا يعــلو ُ كليّ لها يا ثواين العم ِر ما ْ رحلت ترتقب تلك الدقائقُ والســـاعات ُ كليّ إليها سـأدنو حيثام ح ُل َم ْت أنسحب بطيف حريف بوحيي حني ُ ِ روح برجفتها لكن صويت هـــنا ٌ التعب غــنّى لتأيت فيغــــفو ذلك ُ
هذا الجندي الهرم سيغدو راعيا لأليتام يحنو عىل املرىض ويعيد الدفء الضائع َّ للرضع الذين ُوجدوا يف املطارح سيجلس مسا ًء يف باحة الدار و يروي قصصا قدمية لساكنيها العجزة. أعيد يدي إىل القبعة السوداء وأخرج أرنبا َ أبيض ال يشبه األرانب يعدو يف املسالك املعتمة وتعدو خلفه أحال ُم الذين تكرست الجراف أحالمهم عىل ِ ويف نهاية العتمة ال بد أن يلمع الضوء ال بد أن يقف العطف بقمصانه البيضاء
ويربت عىل الجفون التي أغمضها اليأس. أم ّرر يدي عىل ياقتي فتخرج أرساب من الطيور و أطفال بأجنحة شفافة َ الخوف بأوراق الشجر يغ ِّلفون و يطوحون به إىل حيث ال أحد يصل يكنسون الشوارع من الغبار و القلق يهمسون للعابرين بكلامت حب ويف كل قلب سيضعون مزهرية. سأنزع األسالك الشائكة و أغرس الصنوبر وهذا الحصن العايل سأغطيه باللبالب الكتائب سعا َة بريد سأرسل َ َ مشاتل ورد الثكنات و أجعل ِ
وإذا ما خطا الصبية يف حقل األلغام يحملون الكامنات و العيدان سيصري كل لغم دالية. يتاموجون كسنابل تحب بعضها يف هذا املتسول املغ ُّرب عىل الرصيف الحقل سيميش يف املوكب جنب امللك و يصدحون بالنشيد الذي ضاع وهذه الفتاة التي كانت تسعف سنغني جميعا لألرواح التي راحت ُ الجنود للجندي العاشق الذي قصفت ستعود من الجبهة خيمته ليال لتنفض الرتاب عن نوافذ البيت حني كان يكتب رسالة حب وتعي َد ترتيب الحب يف خزانتها للشاب الذي سقط رصيعا يف غابة لتمسح الغبار عن صورة العاشق وعيناه تحدقان يف صورة الوالد القديم املريض وترتك الليلك ينمو من جديد يف للممرضة التي ماتت عىل رسيرها هواء الغرفة بطعنة خنجر وهذا الجرنال املدجج بالرعب لحارس الذخرية الذي انهار عليه سأرصف نظره عن الجثث السقف وبدل املسدس سأمنحه ريشة. للطفلة التي داستها عربة مد ّرعة سأجعل الجنود ورايئ ألصدقائها الذين ماتوا دون سبب
لألجساد الرطبة التي اخرتقها الرصاص لألمهات اللوايت مألن الغرف بالبكاء لألرامل و لليتامى وللذين تركوا أقدامهم يف الحرب. سرنفع أصواتنا بألحان تجعل الجدران تبيك ثم تبتسم وإذا مل يسمع رصاخنا أحد فسأعيد كل يشء إىل مكانه سأمللم عصاي و قبعتي وأكنس من عىل األرض أوهامي سأسحب الستار إىل نهايته ثم أميض
issue (4)- September - 2012
29
نصوص
يف « أوليمبيا» حازم العظمة ُ أكاليل الغا ِر ُ وأكاليل الزَيتون «أوليمبيا» ...وكام يف «أوليمبيا» «مىض بيرتوس إىل الرشق ،مىض كام يف « ِب َ يش َة « البعيد ْة ألكسيس إىل الغرب» ... «غريب أن تكون ألوان ،وأن قاال : ٌ الصباح يف ِ نكون رأيناها» ّائني د الع عىل كان َ عن يانيس ريتسوس أن يقطعوا ّ خط النهاية ِ زوس «... تحت أنظا ِر» ْ لن تكون هنا كالبتَالت الصفراء فيام األرمل ُة ، السميكة يف النافذ ِة ما تز ُال ، َرمتها ح ّب ُ أمس ات البرَ َ ِد من ليل ِة ِ متزج ببطى ٍء لن تكون هناكَ رشاب التوت القانـي ْ الخشب الطويل ِة عىل املوائ ِد ِ بقايا نبي ٍذ و ُ فتات خب ٍز أسو َد ّ تتخطفها ال ِغ ُ ربان طوال النها ِر ستمط ُر ،..الليل َة أيضا، ستقع ح ّب ُ ات البرَ َ ِد ُ ني القدمي ِة يف ِ السقوف الط ِ ْ ني يف البرِ ِك التي تناثرت بني شارع ِ بني دكان املهاجرين ومقهى «بغداد» ... بني ذلك َ بلدات عىل بعد ِس ِّت ٍ ني و مدينت ِ (وأسيج ٍة يف التالل ال تحىص ) .. كانت األرملة ُ ،عاري ًة يف النافذة ْ، تتخفف ُ قديم من حدا ٍد طويلٍ ٍ ... عىل الطاولة
30
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
محمد زينو شومان رس النخيل
مل يبق فوق السطح إال ظلنا وحنطة الغام ْم ً والح ْل ُم يف هزيعه الط ُري كان غامضا ُ .. األخ ْري فه َّبت األشجار من رقادها األبواب تذ َّمرت من صمتها ْ وإذ بأمي ..تُغلقُ السن َ ني خلفها حاب الس ْ تستدرك َّ الثياب لتحمل األشواق يل يف صرَُّة ْ باألمس كان وجهنا مع َّرضاً للفحة الحن ْني ُترى ..أمل يشعر بنا الص َّبا ْر؟ هناك أم هنا؟ عىل أصابعي ْ الليمون دم من وقريتي كل م َّر ٍة مع َّفراً يجيئها الحامم ّ ْ األصيل بحرقة َّ يجيئها الط ْلع الذي يسقط من قلبي ْ الزيتون عىل وال أرى إال شظايا الوج ِد ْ الظنون ال أرى من الشباك إال بجع الليل ليس ضدنا وحسبنا من نخلة األيا ْم البلح هذا الذي نخاله ْ وال يسدُّ جوعنا ما كان ،م َّر ًة ،يسدُّ جوعنا لكننا نهفو إلي ْه يشدُّ نا الجوع إىل نظري ِه وليس من ْ بديل التمر بعض جوعنا ْ النخيل والرس يف ُّ
حوار الثوب الواحد
أيقظت البحر وهرولت ورايئ مصطكاً كالنخلة إن قطعوا نهديها يف الصحرا ْء فارتطم العابر يب حتى أحسست بأنفاس مشرتك ْة ثم تناولت هموم العم ِر َّ الريح بخطاف ْ وتل َّقفت ظنوين َّ بالشبك ْه وغدا اإلثنان أنا ِّ كاملنبت ألوذ بنفيس مل يبرص أحد منا اآلخ َر أغضيت فأغىض ثم َّ انسل كالنا يبحث عن شذرات الحلم ِ
بيان الصفدي مقطوع من شجرتك
شتاؤك ِ داىفء كقلبك! َ أرت ِّـب الكون عىل َمقاسك حتى يكون مناسباً يل. بدموعك اليوم ْأسد ََل النها ُر ستارته عىل قلبي. أترك أيامي ألصابعك. يا لك من معجزة! الحياة صنعت ْــك عىل شكلها. غيابك يحنو ع ّ يل يف الربد ألبس طيفك ..فأدفأ! كل يشء ينادي باسمك
بعيداً عن صاحب ِه يف ثوب واح ْد خرست أعضايئ وتن َّكر يل إذ ع َّز األنصا ُر لساين واتاه الثأر فكان الشاه َد ضدي عند ال َّدينون ْه ويراعي كم َّ سخرت له قلبي وبناين واستنزلت له من لدن الغيم الح َرب ولكنْ األقالم املحتسب ْه ما كان شفيعي بني ِ فإذا جاءك صويت محموالً فوق الخشب ْه فاخرج ملالقايت نصفك نصفي والثوب هو الواح ْد
..ويرت ِّــلك حتى صمتي أتوجعك اتريك يل متعة أن َّ السامء ترتاح عىل شفتيك ِ بني ذراعيك ألتقي بنفيس ظل ُّـك ِ يعكس الشمس أنت القيد الذي يكرسين دامئا!ً عقارب ساعتي تشري إليك َ الوقت تقيس حتى َ والنبض! كلامتك أعواد ملواقد الغياب يغلق الشتاء نافذته ألنها ال ّ تطل عليك ِ! وتنزل دموع الشتاء .. فقط... ألنك بعيدة! عندما تغادر الفراشة
ترتك غبار جناحيها يف القلب! السامء ترفع قامتها لتصل إىل عينيك ِ! أغمسك يف قهويت وآكلك عىل مهل وأتأمل األلوان وهي تسيل عىل أصابعي عىل وردة الوقت تهبطني ..وتتالشني مثل قطرة ندى مثل َ نحلة ترتكني عسلك يف خالياي! ِمن غريك أنا وحيد أنا مقطوع من شجرتك! issue (4)- September - 2012
31
نصوص
عماد جبار ذبـــول مــــا
كل يشء معد هنا لبكايئ مالبسها حيث كانت رشاشفها دمعتان عىل خدها يف املرايا بقايا ارتجافتها يف الزوايا ثرثرات الحذاء عىل سلم الدار ظل عصفورها موحشا يف الجدار صوتها شمعة مل يحن وقتها رفيف كواكبها يف دمايئ بكاء نوافذها يف ساميئ كل يش معد هنا لبكايئ
محطـات للذبول
انا قادم من اقايص الندم اما قلت لك ذكر القلب ياورد هذي املصابيح تنىس املصابيح تلقي عىل الجرح ضوءا وتنىس اما قلت لك هيئ االرض يا ورد يل هيئ االفق يك اسرتيح واجعل االرض صدر مسيح ندم يف املياه ندم يف الجروف التي التجري املياه ندم يف عيون إله حشد بحارة يحملون الشموع اىل منبع الليل لكنهم يرجعون
32
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
خائبني بكل نجوم الحنني كنت تحضنها امس كيف ستنىس تخبط دمعتها يف صحارى قميصك كيف تنىس اذا متتامت املطر تحري حباته يف تراب الوداع االخري كيف تنىس غموض الرسير
دهشة النجم يف ارضها خيبة الشمع يف ظلامت الكالم هل تصدق ان القطا سينام وان العصافري ترىض بهذا الظالم ها هنا تركت دمعة يف الزقاق الغريب ها هنا تركت مدنا تقشعر مدى الليل لكنها ال تجيب
لؤي أحمد
طني َّرب دون ُه ( َبىك َص ِاحـبي ملَّا رأى الد َ
ـبك عَـــ ْي َ نك إِ َّنـم فـقلت لهُ :ال َت ِ
العــــــ ْم ُر َب ْي َنهُم َخـ ْم ٌر َوأَ ْم ٌر َو َم َّر ُ
ــــم ال َو ْق َت يمَ ْ ُحـــو َ�ث ْل َج ُغـــــ َّر ِت ِه ُي َق ِّل ُ
ِمي ِدي َح َيا ُة َو ُغ ِّري ال َي ْو َم َقـــا ِف َي ِتي ــــك َ أَ َنا الذي َم َس َ األ ْحال َم ِمنْ َي ِدهَ ــا الحـــــــز ُْن َي ْع ِر ُفني الل ْي ُل َي ْعـــــ ِر ُفني َو ُ ـــب ب أَ ْمشــــــِي َوأَ ْعثرَ ُ َيا ُد ْن َيا و َت ْل َع ُ هَ ْل َك َان َي ْح ِم ُل ِني؟ أَ ْم ُكن ُْت أَ ْح ِم ُلهُ؟ وب التِّي ِه َت ْخ ِطـــ ُف ِني َكأَ َّن ليِ َ -و ُد ُر ُ ــع آمــايل َفــتَن ُق ُضهَـا فيِ ال َّر ْملِ أَ ْر َف ُ َوبيِ ُط ُفولَ ُة ِش ْعــــــ ٍر فـــــــ َّر من لغ ٍة ـــــحتهَا َو ُكلَّماَ ُق ْل ُت :أَ ْميض َفـــ ْو َق َص ْف َ والح ْر ِف َم ْح ُـم ٌ ول َعلىَ شـــفتي أَط ُري َ َس َف ْح ُت عُ ْمـــ ِريَ بحثاً عَنْ ِس َوا ُه َولَ ْم َعماَّ َقليلٍ ُي ِعـــــــيدُ ِّ الطــــ ُني َد ْو َر َت ُه
***
وأَ ْيقـــَنَ أَ َّنـا الحـِ َقـــــــانِ بقـــيصرَ ا ُ حـــاول ُملكاً أَو نمَ ــــوت فــــنُع َذرا) ُن َ اب ُ لب َما َف ِهماَ ِ اب» وَهَ َذا ال َق ُ الغ َر ُ «ش َ حص الل َياليِ التي يف ُح ْض ِنهَا هَ ــــ ِر َم ُا ُي يِ أَ َنا الغـــــَري ُر ال ِذي أَ ْغــ َو ْي ِت َفا ْنهَـ َز َما َ فيِ لَ ْي ِل ِه فـأَ َر َ الحـــ ُل َمـــــــا اق الليل َو ُ َك ْم ِع ْش ُت أَ ْغ ِس ُل فيِ َع ْي ِني َس َوادَهُ ــم أَ ْر ٌض َت َغـــ َّر َب فيهَا ِّ الطـــ ُني َو ْاخت ََصم ِظــــليِّ الذي َح َم َ ــل اآلال َم واقت ََح َمـا ُخطــَى َضـري ٍر َت َق َّر ْت َك ُّف ُه ال َعـــــ َد َما ريح الهَــ َو ِاج ِس وال َّروح الذي َســ ِئم ُ الصخ ُر َوا ْن َق َسم ِمنْ ُح ْز ِنهَــا َر َّق َحتَّى َّ َغا َد ْر ُت َق ْل ِب َي َيبرْ ي ِض ْل َعـــ ُه َق َل َمــــــا أَ ُّ شف إِ ْن َش َّف أَو أَهْ ـــــوي إِ َذا ُكتم وحاً ملَنْ َو ِهم أَ ِج ْد ِس َوى ال َوهْ ِـم َم ْس ُف َ «لَ ْي َت ال َفتَى َح َج ٌر» َ ليت ال َفتَى َع ِق َمـا
issue (4)- September - 2012
33
نصوص
ضيف حمزة ضيف اىل الشاعر فرج بريقدار
َ كان يمُ كنُ يل أن أه َز املساء وأنحني اليو َم َ مثل السحاب عىل ُركبة األرض ُ ُ أمسك طرف الحديد املقفى بآنية السجن ً ألسحب هذا الهوا َء أو أتناهى قليال َ وأبقي َ َ يحفون هذا لك األنبياء َ املكان َ ويتلون أجراسهم ... يك يجف الذي َ مات منهم َ فلست الذي قد تمُ زق أكفانهم َ أو تش َد إليك رياحينهم ()... تصافح أيديهم أو َ ُ فالسجون التي ال تنا ُم تُحلقُ فوقي ومتسك يب يك أراكَ بال شاهد أو مسار ! كأ ّين أنا والرياح ٌ وظل ُيصارعُ أثقال ُه يك ُيحرر هذا َ الشبيه ُ وينفخ أشيــاء ُه , كتف الطفلِ من حرير تشظى عىل ِ بالرغم مني ! *** للحقولِ التي أوقدت األصابع نارها من ضفاف ِ التوابيت وجه ِ الوقت أخرض مثل الخطيئة يف أول ِ اإلثم أو صحوة ِ املوت يف ُجب ِة العائدين من ِ هل تسمعون رن َ ني املقابر !
34
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
َ قوافيك من ُغبار ستعلو ترمم ماحطمت ُه الح ّيا ُة حتى َ األرض َ مثل الشهي ِد وتعلو عن ِ ظلك َ ومتعنُ يف حفر َ فيك وال تسرت ُد ُثغاء املقابر للموت َ حتى ُت َ ألف سؤال قيض ِ يلبس وال تنحني للصواب الذي ُ ِ األخرين وال يرتديك . كأين أنا : إصطفاف األرايض عىل جثتي يف ِ األرض وجه نيسان يحبو عىل ُمهَلِ ِ مثل الصبي .. فتح يف ُلجة الحرب كأين أنا ُ الباب ُي ُ للهارب َ املوت ني من ِ يلتمسون ِضفاف النبي عىل آنيات الخزف.. ِ األرض أرجوحة ال ُ وحدها ُ تكل من البوح فوق إستدارة هذا ّ الخش ْب. *** وللباب أجنحة التط ُري ِ وللذئب ُ ني ِ صوت الحن ِ «حمص» اذا ساورت ُه نواع ُري ِ وألبس ُه املوت َ التعب كل ْ ... أسقطوا َ األرض عنّي لئال َ يجف من الحزنِ ماء الذنوب ُ الدمع وال يشعل ُ الحطب هذا ْ أسقطوا األرض عنّي وسريوا ُ فإ ّين أخيط من الشيّ ء
تبوح التي ْ غزلت ريشها ما ال ُ للموت حامم ُيجه ُّز ِ من ِ ألف اشتبا ٍه غريب ووحدي ُ أفتش عنك يف املاء ِ وأحف ُر يف األرض حيناً سبب ألعرث عن ٍ لبكاء املجا ِز عىل صد ِر هذيّ اللغة *** أسقطوا َ األرض عنّي فال لون ّيل غري ظيل ...
عبّود الجابري ألبوم صور شخصية ()1
القديم رح الج ُ ُ ُّ يشب ُه س ِّكيناً جديدةً حواف ٌ له ٌ المعة ربمَّ ا مقطع طويلٌّ أل َّنه ٌ من حياة ْ عربت جلودَنا ()2 َ هناك ُ ألف سبب لتبتسم لصور ِت َك يف املرآة َ أه ّمها : َ ْ َّأن املرآة مل تكتشف مو َتك بعدُ ... ()3 وكأنيّ َ بك تسيرُ حافيا خائفا وخجوالً تهمهم متلفتا َ َ الناس خوف أن يسمعك ُ مثل نبيّ يستحي أن َ يسأل الل َه أمراً ُ ويخاف عىل الجمرة أن تسقط من يده ُ فيحملها ُ ويركض لعله يصل املاء رسي ًعا ... ()4 يف ال ُّلغة .. َ الخيط غالباً ماننىس ونوغل يف تفاصيلِ العصفور املق ّي ِد
صاص ننىس ال َّر َ ونحتفي بحزن أ َّمهاتنا حني منوت حتّى ح َ نحب ني ُّ نج ُنب أن نخ َرب من يسألنا ْإن كنّا ّ عشاقاً او معشوقني .... ()5 لع َّله يربدُ ولو بع َد موت هكذا حدّث نفسه حني اودعَ قلبه ج ّر ًة السور ... ووض َعها عىل ّ ()6 يا لتلك الرائحة كم تبدو وفية ألبيها الرغيف يا لتلك األرصفة كيف ينهشها العقوق حني نغسلها من الدم الدم الذي يتأسىَّ بوفا ِء الرائحة لرغيف عاب ٍر يف حياتنا .... ٍ ()7 الن ُ َّصل لسان السكني التي ُ جسدي بالزَّغاريد ... متأل َ ()8 فقط .. ح َ ني تغفو ال ِّريح َ تنسج بساطاً ميكنك ْأن َ من الرماد ..... ()9 كم خيم ًة َ عليك أن تبني لتزعم َّأن صحراءك َ
بالدٌ من العتبات ....؟ ()10 يقب ِّـل ي َد َ مس الش ِ َّ كل صباح ْ خشي َة ْأن تفت َّت حنينَه اليابس .... ()11 هم مر َ اياك ... يعرفون َ ذلك لكنَّهم يلتفتون ملن يطعنهم يف ظهو ِرهم فقط .. ()12 أيتها الغاممة اليفرحني خراجك مادمت ج َّر ًة فارغ ًة ِ يتناوح يف صدرها ُ ُ صدأ الهواء وضجيج شف ٍة عطىش ُ ()13 َّ كل صباح ُأعدُّ لك حروفا مرتف ًة أر ِّت ُبها يف جملٍ مرتبكة ُ أعرف أ َّنها ستضيع ُ ينشغل لساين حني ِ برتطيب شفتي ّ ()14 وه َو.. وان كان مدينا لك بدمعة ْ فاعمل عىل تذوُّقِ ما ِء عينيه دامئا َ السداد قبل أن َ تفرح بنعمة َّ واعلم إ َّنه ْ ُ يغسل عينيه مل يكنْ من أث ِر الرماد ..... issue (4)- September - 2012
35
نصوص
فوزي باكير رؤى
ما من أح ٍد يزو ُر املرايا َّ حني ُّ يحل عليها الظالم لهذا تبدو وجوهُ نا ناقصة... *** سنصنع ماذا ُ ِّ بكل هذا البرص لو ّأن َّ الضو َء يخىش الجلوس يف العتم ِة َوح َده؟ َ *** تبتل ِّ الظ ُ ال ُّ الل تقطع النَّهر حني ُ وال الحجار ُة ُتكسرِّ ُها عند صعودها الجبل ومل تنزف يو ًما لعبو ِرها حقلاً من الورد، لكنَّها ُ تطول وتقصرُ ُ كم َّ الضو ِء الذي ُ بـح ِ تهجس به ُ الـمع ِتمة... ش ُقو ُقنا ُ *** املوقدُ ع ٌني عميا ُء متا ًما، َمن أشعل فيها النَّا َر ور َاح ُيحد ُِّق منها ضعف خطايانا...؟ يف ِ *** املصباح لو ْمل يشن ُقوا َ ظلم بخيطٍ ُم ٍ 36
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
سقف العتم ِة يتدلىّ من ِ ملا أضاء... *** ما جدوى يلج الج َم ُل أن َ سم الخياط، َّ ُ فيام خيوط َّ الضو ِء تنسج نهارا ِتنا ُ ظلم من ُث ٍ قب ُم ٍ يف إبر ِة الكون... *** فاجع ُة األعمى َ الغربان أ َّن ُه الوحيدُ الذي يرى حني تنعقُ يف َّ الظالم... *** ُأغ ِم ُض ع َ ني الغرف ِة عن خارجها أو ُأغ ِم ُض ع َ ني الخارج عنِّي ال أدري هذا ُّ الشـ َّب ُاك كث ُري التّأويل ُ والكون م ًعا فأنا نقف عىل حا َّف ٍة واحدة لهاويتني! *** يف َّ الظل َم ِة تت َِّس ُع الع ُني كمصباح أعمى ٍ ما جدوى َ ذلك والقلب يضيقُ َّمع ُ ِ بدرب الد ِ وال يبيك؟ *** عابسا ً يف حلك ِته يطلب املص ِّو ُر ُ أن يضيئوا وجوهَ هُم
بابتسام ٍة المعة...
*** ُّ ني األعمى تنسل الدَّمع ُة من ع ِ كخيطٍ من ضوء يتحس ُس َ فوق الوجن ِة َّ َّ رعش َة ليلٍ حط َ هناك بال قم ٍر وضاع بعتم ِته... *** َّاكن بعم ِره الد ِ وقل ِبه األبيض غيوم، ِمن فرطِ ما ز َ احم ِمن ٍ اب ُيحلقُّ الغر ُ َ الـمظلمة فوق قلو ِبهم ُ من فرطِ ما زاح َمها الخراب... *** الع َّكاز ُة ُ ليس ْت قنديل َ يشقُّ لألعمى َّرب ُظلم َة الد ِ نحو مجهوله، إنمّ ا غصنٌ يشدُّ ُه من ك ِّف ِه لع ّل ُه مييض به إىل غاب ِة األلوانِ ل ُيعي َدهُ يان ًعا خرص أ ِّم ِه ّ الشجرة... إىل ِ
مهند السبتي الفرصة ذات العطر
تأت عىل ّ كل يش ٍء أيتها النا ُر ال ِ يحتاج هذا الفرعُ ْأن ينم َو رمبا ُ رمبا مل ْ يقل أحدٌ كلمت ُه األخري َة َ ٌ َّ األبواب لعل التوبة واقفة عىل أح ِد ِ لعل اإلعرت َ َّ بالحب اف ِّ َ ُ سيوقف ارتعاشة الفقدانِ والريب ِة الفرح ناراً عظيمةً ويطفى ُء ُ كان أشعلها الغيظُ َ فيلتقط ُّ كل َمنْ يف املكانِ حيا َتهم من جديد
الثلج ؟ ألنْ َ تذوب قطع ُة ِ ُ الحبيس يف الصوت ألنْ َيخ ُر َج ُ الداخلِ ؟ أيها الدف ُء ما الذي َ يلهيك يف الجوا ِر؟ ها هو املا ُء مييش إىل ساقٍ ضعيف ٍة ُ َ ُ القوافل تستقبل والطرق القدمي ُة ّ وقطاعَ الطرق ُ الثلج لرنى ألنْ َ تذوب قطعة ِ ما الذي سيفعله الجسدُ بقافلة الوعود ؟ أيتها األور ُاق الصادح أين إنسا ُن ِك ُ ذو اليد العليا؟ اليابس صار يلزم ْأن َيخ ُر َج ِمن كه ِف ِه ِ
صار يلزم ْأن َ يعيش أو َ ميوت يف العلن أين هي الفرص ُة ُ ذات العطر؟ َ تلك الحسنا ُء التي تغوي الرشو َر القاع تقودُها إىل ِ ّ الهم فينفك عن الجس ِد ُّ الثلج ِ وتنحط َم عن ُه كتل ُة ِ لعل ُه يذك ُر الطريقَ إىل حديقة ِالنها ِر كائنات يجمع ِمن حولِ ِه ٍ لعله ُ ها َتف ْت ُه يف رحل ِة اإلنجامد ُ سأحرق هذه الفرص َة ُ الباب أتجاهل ط ْر َقها الكث َري عىل ِ لكنْ َ ،من يضمنُ أنها ليست الفرص َة األخرية ؟ issue (4)- September - 2012
37
نصوص
أشرف جمعة ٌ حارض ويغيب قم ٌر تر ْ اءت لعيني ِه ضو ًءا وعم ًرا ْ الضحكات جديدًا من ُ تخوم تسأل َ الحلم عن قم ٍر يف ِ املحب ِّ ُ املحب يطوف عىل وقلب ُ ِّ ويغيب حارض ْ قم ٍر ٍ وتلك الفتاة تريدُ له قم ًرا واحدا له أن َ يرق وينظ َر يف وجهها والنجو ْم ُ والسؤال امل ِّؤ ُ رق كيف هو َ حارض اآلن عن قم ٍر ٍ ويغيب؟! ْ ُ ْ اللحظات تكتمل ويف الحلم ْ املمكنات نس ُري إىل جن ِة نعانقُ َّ رقيب كل الحيا ِة وما من ْ ٌ قليل من الحلم يوصلنا للسام ِء..اللقا ِء ..الغبا ِء الجميلِ .. ُ الربيع، يخف ُ نط ُري بال أجنح ْه ومن بردى يبدأ ُ النيل رحلته للحن ْني ُ للغريب أصبح مصيد ًة إذا الصمت َ ِ وقيداً عىل فمها -والعنا ُد اخرتاعُ املحب َ ني ني -فال ٌ مملكة الخائف َ أمل يف باب خيمتها ِ الوقوف عىل ِ ُّ ُ اب يدل عشري َتها والغر ُ الغريب عن مكانِ ْ
38
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
عالء أبو عواد رجاء النـــــغم صدحت باسمك يف شعري ويف ِ ُ ُ الســــدُ ِم فكـــنت وغبت عني َ النجـــم يف ُ الحــــــــــــــب يغرينـــي فأتـــــبعه كأنك ُّ ِ العـــــدم نحو الخروج من املنفى إلـــــى ِ ُّ عرفت ُِك الشـــــــع َر وزنــــا ال يـــــخل به ُّ تنم رقصـــــي هياماً وذكـــرى قـــــط مل ِ تهنا دالالً وعـــــقَّ الـــــوعي من َب َعـــــــ ُه ُّ ُ منتظــــــم ورصت فــــوىض كنرث غ ِري ِ ُ ورحت أنأى بنفيس عـــــن مقاصـــــدها النعم فكان زهـــــدي بــــــذي الدنيا وذي ِ كمنطق املـــــاء مقـــلوبا يشــــــــقُ عىل مـــــحوي ثبويت كمـــــــــيش املاء للقمم يا من نسيت عيوين فـــــوق وجنتــــــــها َف َل ُ الظلم الشمس فــــي ست أبصـــــ ُر غ َري ِ ِ مثـــــلت بها الروح حتــــــــــى إذ سقيتك ِ َ ِ ً أسديتك الشعر ممــــــــزوجا ببعض دمي ِ ً فغبت دهرا إلـــــــــــى أن قض مضجعنا ِ ُ غضضت الطرف عن أملي الغياب طول ِ ِ فيك أقــــعــــد ُه رفــقــــا بــــرب شـــرو ٍد ِ ِ الغياب فمــــا أغـــفـــى ولـــــم َيق ِمُ هــــذا ُ ُ من ال َذ بالصمت حتى ظنَّ أن بـــــــــــــ ِه مــــــــــس من الجن أو شــــيء من ال َب َك ِم رفقــــا به فانكسار الـــــروح مــــــــو ِعدُ ُه النغم ُ ومـــخـــرج النايِّ فــي الفوىض من ِ
محمد العديني محاكاة
زرت دار املخطوطات مخطوطات كثرية وجدت ٍِ لكنّي مل أجد مخطوطاً أنيقاً كعينيك ومخطوطاً تالفاً كقلبي .
فصل منيس
الشجرة الشامخة تهاب العصافري تهاب مثارها خشية بعض الغربان الدخيلة والثامر الفاسدة البحرية الهاربة
من قصف املطر أو ليس اليشء نقيض نفسه ؟ ! فلامذا نغرتب ؟ ملاذا ننفصل ؟ وأي مصري قاحل ينتظرنا ؟
طريق
يحيا الصواب من خربة الخطأ ومع ذلك ق ّلام تخطئ النحلة طريقها للعسل .
مفارقة
ليس مثة رشق أو غرب
الشمعة محايدة لكنهم يطفؤنها مرة كل سنة ليستقبلوا عاماً جديداً ونحن نشعلها كل يوم لتصفية حسابات قدمية .
الطغاة
إنهم يجرفون أرواحنا اليبقون يف ذاكرتنا غري مخالبهم النتنة آه .....كيف مل أتذكر تلك التفاصيل العبقة لحياة أطفايل ؟
issue (4)- September - 2012
39
نصوص
غمكين مراد روح ت ُـد ِّرب الحياة أنامل ٍ
روحي أد ّربها عىل الرسم ريشتي أ ٌمل ٌ نحات جسدي ُ قامش جرح يداوى برائحة اللون حاملة ألواين سامء يهواها السديم عىل جسدي تتنفس آهات الروح باألحمر ح ًبا باألخرض امتثاال لشجرة أر ٍز ُ تحمل الدنيا من ريشتي تتقاطر نقاط اللون أصفر للدفء أبيض ساحة حرب عىل الكلامت حاملتي تدير وجهتها أحالم ريح برازخ لحن عىل جسدي نهر أزرق يرثثر عىل طول الضوء يحمل من الزاوية إىل األخرى شخري التعب عىل جسدي ترتك األلوان سرية أمكنة املشكل ال ترتك الريشة املصائر دون رصخاتها ٌ عويل يؤرق القامش ينفخها يبلبل جحيم هدوئها جسدي يحيك عىل لسان الالزورد عن انتامء الوردة
40
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
من غربة الذات يف اللوحة حني تبرصها. أفوا ٌه مرشعة عىل التكميم يف حضن الحاملة ت ُـنجز عىل جسدي صيحة نجاتها ال يرتك جسدي فسحة للموت إال أثرا لحياة ال ُيعلق مع الغيم إال ند ًما تفنيه رشارة الربق الريشة تدغدغ جسدي بشع ٍر يتنصت إىل األمل جسدي عىل لسان روحي ما ذنبي أنا أهوى أن أعيش كام أنا ال يرتك العري جسدي إال منمنمة من فسيفساء الغضب سأنهك جسدي حتى يضجر التعب من انشغايل عليه سأجعل جسدي خيطا يحيك من خرم إبرة املوت تار ًكا الروح تتدفأ بنريان الحياة سأركل الوجود
باليقني الضائع ما دام جسدي مكس ًوا بلحم يشوى عىل فحم القيود ولتبق الروح دون هوية دون إقامة يحملها األثري يضطجع يف رسير املوىت بال لون سأتركها يف اللوحة ال مرئية تبحث عن مرآة تكشفها تنهرها عيون تحزها أحزان وتبقى يف األثري تتنفس ح ًبا غادرها روحي غائرة عىل جسدي جسدي لوحة اكتنزت سرية بإطار روحي دون إقامة. هوية جسدي ألوان تتقافز عىل نقائها روحي ت ُـدرب الحياة عىل الرسم وتنىس أن يل جسدا غادرها
محمد اليوسفي هم مندفع َ ني يف ا ّتجا ِه كنّا نشاهدُ ْ املستقبل؛ َ القتيل يس ُقط، نرى فال نقول: َ تذهب ب َد ِمك كام َ فعل ها أنتذا ُ األ َّولون، وال نقول: ترفع غ َريكَ ْإن تمَ ُ ْت منْ أجل الوطنْ ، د َر َجة. * وألن َّ كل يش ٍء صار مبا ً َّ رشا؛ رصنا نرى الشهي َد قبل أن يسقط، والثائ َر الذي سوف يالحق الحكومةَ الجديدة من أجل تركيب ساقٍ ِ اصطناع ّية، َ الع ْمر واأل َّم التي ستبيك ابنَها بق ّية ُ وعيناها جمرتان عىل شاش ِة ا ُمل ْن َتصرِ . * اندفع الشاع ُر كعادته محتف ًيا جس الطايف فوق ما ٍء عميق، بالنرَّ ِ وعد َّل املغنّي يف النوتة إكرا ًما للمجلس، ِّ َ وأخض َع املفك ُر واق َع ُه للفكرة. * مفتاحا يف جيب أما الوطنُ فامزال ً اآلخرين...
الجدة والقنّاص
عُ ْم ُر الجدة ُيخفي أك َرث من مثانني خارج قن ً ّاصا ،ال تكاد مت ّي ُز العاملَ َ َّ عينيها إال ببؤر ِة ضوء .لكنها ظل ْت
تسهر َ الليل يف غرفة السطح .تغافل حفي َد ْيها .ترفع الستار َة قلي ًال ،قلي ًال. ُ تبادل العتم َة بالعتمة .تستقيص موقع القنَّاص؛ تقول« :أنا ال أراه»... َ مؤ َّكد ًة أنه ال يراها!
رسوم متحركة
تحت أشع ِة الشمس ،أطفال أربعة يغنون لس َّيارة مص ّفحة: هرب! «ه َّر ُبوه وقالواْ : واملحامي الذي بشرّ الشعب بانتهاء الضرّ ْب ضرُ ِ ْب!» * العسكر بني أعالم فرنسا والكاتدرائية ،ابن خلدون قاتم يف الصفيح كتلتهُ ،حام ُة الجوار، ِ بآليات ّ ات التمثال؛ الساخن ،يحتمون بشجيرْ ِ ّ فيام تعلو ر ٌ ايات سود ،تتس ّلقُ األعمدة ،وتتز َّن ُر بالسالسل ،لتُعي َد السامء. تشيي َد ّ
تونس
كأنها حديقة مل تع ْد تنمو إال مع ّلق َة الجذور...
تح ّول آخر
أمام عرشة ماليني سيايس ،انتهى األسيا ُد لت ّوهم من تقشري الثورة. اقي الذي مل مح ْوا هال َة ال َّرم ِز األ ّف ّ أنصفوا البطلة يكنْ ينوي البطولةَ ، املضادَّة ( ورمبا كان هذا من تاريخ باسم ِ ح ِّقها) س ّموا الثور َة ِ ُ االنقالب عليها (والتسمية يف ح ِّد ِ ذا ِتها امتالك) قضوا عىل القصبات
واعتصاماتها ،ف ّلتوا الشهود ،ج ْر َجروا الباكني عىل املوىت... َخلاَ لهم الج ّو، طاروا، ّ حطوا، وف َّقسوا... األسياد ُيعيدون كتاب َة التاريخ ،بعد أن فاجأَ ْتهم ثغر ُ ات ماضيهم يف منعطفات البالد الرسومات :ابراهيم الصلحي
issue (4)- September - 2012
41
رأي الناقد
سرديات يومية الشكل تهزه القافية قراءة في نصوص العدد الثالث من «بيت الشعر» التزعم هذه التوقيعات أنها نقد ،ولكنها مرور لعين قرأت وراق لها ماراق ،ومالم يتسلل إلى القلب كان له مايقوله ،ثالثة عشر نصا لشاعرات وشعراء ،منهم من أقرأ له ألول مرة ،ومنهم من اعتدت أن أقرأ له منذ نعومة حروفي
عبود الجابري
حمدة خميس
ثالث قصائد ،تحفل بالقافية بشكل واضح، وإن كانت تنتمي لشعر التفعيلة ،غري أن األهتامم بجزالة اللغة واضح لدى صاحبة (إعتذار للطفولة) ،لكن هذا األحتفال بالقافية قادها إىل التوقف القرسي عند نهايات بعض املقاطع من أجل تقفية كان ميكن التنازل عنها لصالح انسياب الشكل العام للقصيدة.
مناجاة تقرتب من طرح مبارش لهموم الشاعر عرب الحنني إىل بدائية الحياة وبراءتها ،مثة هجاء مقنع للمدن ،هجاء عىل لسان عائد منكرس (ف ّر من ذئب غرفته لفضاء الوطن) لكن خيبة األمل تعيده إىل صورة األنسان الذي كان يحبه رغم يباب أحالمه وجدب السواقي التي ينهل منها قبل أن يفكر بالعامل األوسع.
محمد الغزي
حسام الدين محمد
أربع قصائد قصار تحاور ماهو يومي يف الحياة ،عرب مونولوجات داخلية وأخرى يخاطب فيها اآلخر ،يف شعرية تفلح يف تثوير املفردة اليومية وصوال بها إىل فكرة كونية أكرب ،وميكن مالحظة ذروة التجيل يف قصيدته التي يهديها إىل الشاعر وديع سعادة والتي تختزن توقه إىل أن تأخذ الغيوم مسارها الحقيقي إىل أرض جديرة بها ،كناية عن يباس الواقع الذي يحياه االنسان العريب.
42
محمد الربييك
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
يف القصيدة األوىل يتخىل الشاعر عن الفني لتوصيل املعنى مبارشا بالحديث عن األمكنة ،املدن والشخوص ،لدرجة تتخيل فيها أن القصيدة أشبه بالبيان ،لكنه يف القصيدة الثانية (طفالن) يعاود تكريس لغته من أجل قصيدة مغايرة اليعيبها سوى القافية املتكلفة.
زينب الربيعي
ست قصائد نرثية ،تعتمد عىل املفارقة يف خامتة القصيدة،
لكنها التفلح كام يشاء لها الشعر، او كام تشاء لها الشاعرة ،فجاءت رسدية تتوسل املعنى بشكل استلزم كثريا من األلفاظ للدوران حوله.
ليعزف عليه بعض مايشتهي من حزنه املعتق عرب غنائية واضحة يتوجها بحر الكامل والقافية التي متنح القصيدة سيال من وجع األيقاع.
عياش يحياوي
أحمد الطرس العرامي
مبا أويت من دربة لغوية وبأس شديد يف كتابة القصيدة ،يدون عياش يحياوي ميله نحو النهايات ،ناعيا االنسان املنكرس يف دواخلنا جميعا (أعمى أرى باللمس أوجاع الجبال) متسائال عام ستمنحه املدن لالنسان من أمل يتدرب عىل التصويت له يف صناديق الخيبات التي تسعى إىل ابواب عمره.
كان ميكن لقصيدة الشاعر العرامي أن تتشكل جيدا ،لو مل يكن فيها هذا العدد املكني من التعريفات ،عرب املبتدآت وأخبارها ،ولعمري أن ذلك افقد القصيدة بناءها الذي كانت تحلم به وتعرى سقفها فأضحت مجموعة من الجمل املتوالية كمثل: حائط مائل ،مطر آيل للسقوط ،كوة يف جدار السامء املريضة ....إلخ.
ملريم رشيف شغف كبري باملحيط غري املحسوس ،ويتبدى ذلك يف كتاباتها بشكل واضح ،فهي تخاطب الليل والغيم واملطر وكل مايحيط باألنسان واليستطيع أن يفيض إليه بأوجاع الفقد ،فقد الذات ،وفقد ذوات محببة إليها ،وفقد صورة الكون الذي تحلم به الشاعرة بعيدا عن قفص القصيدة.
يارس األطرش
مريم رشيف
محمد اليف
محتفيا باملوت بشكل واضح يسطر الشاعر محمد اليف صور مايرى من حوله عرب الناس واألشياء ،وصورة املوت الذي ينتظر األنسان ،حتى إ َّنه يرسم صورة ما يشتهي من مودعني عرب تصورات فلسفية مغمسة بروح الشعر ،بعيدا عن الفجائعية التي اعتدنا قراءتها يف النصوص التي تناولت املوت وإنتظاره ،فهنا يبدو املوت أليفا كأننا نراه يف كل لحظة نعيشها ويف كل ما نحاوره من الكائنات.
عيل الزهريي
كمن يريث لحنا ضائعا ،يتعرف عيل الزهريي عىل كامنه
يأخذنا ( املتقارب ) يف قصيدة الشاعر يارس األطرش إىل تعقب البحر والقافية بطريقة غري مقصودة لنصل إىل هباء املعنى الذي يدخل فيه الشاعر ،تلك الغنائية تنيس القارئ أن يتوغل يف بساطة الكلامت التي كتب بها الشاعر نصه ، والشكل الجاهز لبعض الجمل الشعرية التي مل تعد صالحة للكتابة الشعرية الحديثة ( كأين ذهاب وظيل إياب).
حبيب الزيودي
منذ فرتة ليست بالقصرية والشاعر (حبيب الزيودي) منرصف إىل كتابة الهجاء املر للزمن الذي يعيش فيه ،عرب مديح نقائضه ،واستحضار رموز ينعى إليها مايحيط به، أو مستحرضا بعض مناقبها ،وهنا يقوم باستحضار الراحل (تيسري سبول) مبا ميثله من مترد وإنتصار لثورة االنسان عىل الواقع السائد عرب االنتحار النبيل الشجاع ،حبيب الزيودي يعرف كيف يطوق قصيدته بالجواهر لتبدو المعة كعروس تشتهى issue (4)- September - 2012
43
ً نظريا
.
صبحي حديدي .............................................................................................................
ُ أنهمك
«حداثات» ،ال حداثة واحدة
،منذ سنوات ،يف تطوير افرتاض سجايل يرى ّأن الشعر العريب الحديث ،واملعارص بصفة خاصة ،مل يخضع لتجربة حداثة واحدة وحيدة ض ّمت اشكاله وأساليبه وموضوعاته؛ بل سلسلة «حداثات» ،صنعت ـ يف آن معاً ،وعىل نحو جديل ـ أنساق اختالف بني مادّة ّ كل حداثة عىل حدة ،كام خلقت لها مآالت ائتالف أيضاً. أشري ،هنا ،بإيجاز ،إىل ثالث من هذه «الحداثات :الربهة الس ّيابية ،نسبة إىل الشاعر العراقي الكبري الرائد ،وأظنّها ّ تغطي أواخر خمسينيات ومعظم ستينيات القرن املايض ،حني كانت أعراف ما أس ّميه «املساومة التاريخية» بني الوزن والنرث هي س ّيدة املشهد؛ والربهة السبعينية، التي تشمل أكرث من مرشوع شعري ،وأكرث من صيغة تعايش واصطراع بني األشكال واألساليب؛ وبرهة الثامنينيات والتسعينيات ،التي متت ّد خاصة. إىل العقد األ ّول من القرن الحايل ،حيث تهيمن قصيدة النرث بصفة ّ ذلك املسعى ،الذي اختلطت يف باطنه واجبات التطبيق بإغواءات التنظري ،كانت تسنده ثالثة افرتاضات مركزية: 1ـ ّأن عصور األنوار ،والحديث ،والحداثة ،وما بعد الحداثة ...ولدت جميعها يف الغرب .الحداثة هي الغرب ،والغرب هو الحداثة؛ وأن تنخرط أ ّمة ما يف التحديث ،أمر يعني أنها تقوم يف الجوهر باحتذاء ،أو عىل ّ األقل :استلهام ،منوذج التحديث كام ابتكرته وط ّبقته املجتمعات الغربية ،ومنذ القرن الثامن عرش. 2ـ ّأن مشاريع الحداثة يف األدب العريب اقرتنت ،منذ خمسينيات القرن العرشين ،مبزيج غري متجانس من صعود األفكار القومية والطبقية والليربالية ،املم ِّثلة لتفكري الن َُخب الربجوازية املتوسطة والصغرية ،عىل اختالف تياراتها اإليديولوجية .وكان انتكاس مشاريع هذه الن َُخب عىل أصعدة سياسية واجتامعية وثقافية وفكرية قد أسفر ،موضوعياً ،عن انتكاسة نظرية يف مشاريع الحداثة اإلبداعية .كذلك كان صعود مفهوم التحالفات والجبهات العريضة بني الت ّيارات املختلفة ،وإمكانية ائتالفها حول برنامج عمل إصالحي أو نهضوي مشرتك؛ قد أسفر بدوره عن حال من التعايش أو التحالف ،بني مختلف أشكال وأساليب وموضوعات الحداثات العربية يف حقول اإلبداع. 3ـ ّأن «الحديث» و»الحدايث» و»ما بعد الحدايث» ،ليست مصطلحات متسلسلة النشوء يف الزمن فقط ،بل هي معايري قيمة وأحكام حول الكيف ّية أيضاً .فليس ّ كل ما يجري إنتاجه يف الحارض حداثياً ،وقد تكون قصيدة من بدوي الجبل كالسيكية يف الشكل ،منتمية إىل حس الحديث ،وروح الحداثة ،عىل قصيدة من خليل حقبة «غري حداثية» ،إذا جاز هذا التصنيف االعتباطي؛ لكنها تتف ّوق يف التقاط ّ حاوي مث ًال. هذه الحال من التداخل تقدّم بعض التفسري يف ّأن اثنتني ،عىل ّ األقل ،من مفردات الجهاز االصطالحي الذي اكتنف تلك «الحداثات»، وأعني «الشعر الح ّر» و»قصيدة النرث» ،قد تع ّرضتا ملقدار هائل من اللبس ،سواء لدى جمهور الشعر ،أو يف قسط كبري من جهود التنظري النقدية .معروف ،أ ّوالًّ ،أن مناخات التجديد الخمسينية ،التي بدأت غامئة مضطربة بقدر تله ّفها عىل إحراز قفزات دراماتيكية ،سمحت لنازك املالئكة باستسهال إطالق تسمية «الشعر الح ّر» عىل القصيدة التي تح ّررت من عمود الخليل ،ولكنها ظ ّلت ُملزَمة وملتزمة بـ أقل نسقية؛ وبنظام يف التقفية ليس ّ «عمود» تفعييل غري مبارش ،مل يكن ّ أقل جموداً من حيث رتابة التوزيع .أكرث من ذلك ،وجدت ً املالئكة أن هذا النظام العرويض الجديد لن يكون مرتاحا إال يف البحور التي تقوم عىل تفعيلة متامثلة (الكامل ،الرمل ،الهزج ،الرجز، املتقارب ،والوافر) ،األمر الذي عنى استبعاد البحور األخرى! كذلك كانت تلك املناخات ذاتها قد سمحت ألدونيس باستسهال مامثل يف إطالق تسمية «قصيدة النرث» عىل النامذج املبكرة من كتابة شعرية تح ّررت من العمود والتفعيلة والقافية ،ولكنها ظ ّلت أسرية «عمود» مسترت إذا جاز القول؛ كان طباعياً رصفاً يف الجوهر ،ألنه حي من بنية موسيقية تستهدف ضبط الوقف ك ّرس التوافق عىل التقطيع إىل «سطور شعرية» ،ليس استناداً إىل هندسة إيقاعية ما ،أو ِب َو ٍ واإلغالق ،بني سطر وسطر .ومن اإلنصاف أن يضع املؤرخ األديب هذا التداخل الحيوي يف أيّ حسبان موضوعي ألصول ،وفروع ،ما نعيشه اليوم من اضطرام املشاهد الشعرية ،صانعة حداثاتها 44
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
تحقيق
النبطي والفصيح في اإلمارات
يلتقيان في الشكل ويفترقان في الجمهور
ما أثر كتابة القصيدة الشعبية على الفصيحة لدى شعراء اإلمارات؟ ربما تكون ظاهرة أن يجمع شاعر بين القصيدة المكتوبة بالعامية والمكتوبة
ً ً غريبا بعض الشيء بالنسبة لشاعر أمرا بالعربية الفصيحة في تجربته الشعرية من خارج اإلمارات أو دول الخليج العربي ،غير أن الحال ليس كذلك هنا إذ ما زال التراث الثقافي الشفوي فاعل الحضور في الثقافة المكتوبة حتى اآلن. لكن كيف يرى الشعراء اإلماراتيون أنفسهم هذه الظاهرة؟ هذا ما يكشف عنه التحقيق التالي
أبوظبي -بيت الشعر
issue (4)- September - 2012
45
تحقيق
يرقى
اختيار الشكل الشعري الذي يصيغ خياالت الشاعر يف صور شعرية إىل أن يكون التعبري األصفى عن موقفه النقدي من الشكل الذي ميارس من خالله الكتابة ،مثلام أن هذا الخيار يؤثر يف لغته ومفرداته إذ تتغذى من ثقافته الشعرية أوالً ثم من ثقافته العامة بدرجة أقل. لكن ،هل ميكن القول بأن هذا األمر أيضاً ينطبق عىل ذلك النوع النادر من الشعراء الذين كتبوا قصائدهم من خالل شكلني شعريني تفصل بينهام مسافة شاسعة :ما يسمى: القصيدة الفصيحة ،أي تلك التي تتضمن األشكال الشعرية الثالثة املتعارف عليها :العمود الكالسييك أو القصيدة البيتية، بحسب ما هو شائع هنا يف اإلمارات ،والقصيدة املوزونة أو قصيدة التفعيلة وأخرياً قصيدة النرث أو القصيدة بالنرث ،ثم القصيدة النبطية أو الشعبية املكتوبة بلهجة أهل هذه البالد. الحال أن الشعر يف اإلمارات قد شهد هذه التجربة ،بل إن شعراء حداثيني قد كتبوا بالعامية وأصدروا دواوين أيضاً ما زالت قامئة كتجربة إىل جوار تجربة موازية انكتبت بالعربية الفصيحة ،يف حني متتد جذور هذه التجربة وإرهاصاتها إىل ما قبل تأسيس الدولة ،أي أكرث من أربعني عاماً ،حيث كتب العديد من الشعراء يف اإلمارات القصيدة الكالسيكية إىل جوار القصيدة النبطية التي تشهد تحوالت مستمرة يف بنيتها ولهجتها ،وبقابلية هي أعىل بكثري من قابلية القصيدة املكتوبة
القصيدة تختار شكلها محمد الربييك
إن
بالعربية الفصيحة عىل تق ّبل التحوالت .فقد بدأت هذه القصيدة واستمرت طوي ًال قصيدة نبطية موزونة ومكتوبة بلهجة أهل البالد ،ولجهة أغراضها ولغتها كانت أقرب إىل القصيدة الكالسيكية العربية إىل ح ّد يرى البعض من نقادها أنها تنويع ما عليها. غري أن القصيدة النبطية اليوم ،باتت ُتكتب من دون وزن باإلضافة إىل أنها استوعبت التغريات الحادثة عىل الصعيد االجتامعي سواء التغريات يف اللهجة التي فرضها اختالط أهل اإلمارات بأغلب اللهجات العربية األخرى التي وفدت مع الجاليات العربية وكذلك اكتسبت بعض املفردات التي جاءت من جغرافيات مجاورة وأخرى بعيدة ،وذلك فض ًال عن التحوالت االجتامعية األخرى التي فرضها عىل املجتمع اإلمارايت تك ّون الدولة بالطريقة االتحادية التي تكونت بها. هذا كله يجعل التوجه بسؤال ،إىل أولئك الشعراء الذين كتبوا الشكلني ،من نوع :إىل أي مدى تغذت الكتابة بالفصيحة من الكتابة بالعامية والعكس؟ سؤاالً مرشوعاً متاماً. التحقيق التايل ،الذي يشارك فيه خمسة من الشعراء اإلماراتيني من أصحاب هذه التجربة ،ما هو إال محاولة لرصد أثر الكتابة املتبادلة لدى الشاعر نفسه ،إمنا ،بالطبع ،يف سياق تجربة الشعر اإلمارايت املعارص
إن لمعت صورة شعرية ْ في خاطري للت ّو ،فإنه لم يحدث يوم ًا أن توقفت عند اختيار أي من الشكلين ليكون األنسب للتعبير
كتابة الشعر النبطي ،كام هو معروف ،تعطي للشاعر مساحة أكرب من الحرية من حيث تحررها من قواعد النحو والرصف ،وهذا أمر تتأثر به مبارشة بنية القصيدة ،ما يجعل الشاعر أكرث انطالقاً يف الغوص يف أعامق الصورة واللغة والتحليق يف الخيال ،وهو ما انعكس عىل بروز القصيدة النبطية وتألقها يف الفرتة الحالية ،ما جعلها أكرث جاذبية وجذباً ،وهذا بدوره منح الشاعر الذي يكتب يف التجربتني خربة تتكاتف مع خربة أخرى ،وأصبحتا مثل اليد ْين اللتني تعني الواحدة منهام األخرى عىل التصفيق ،لذلك أرى أن َمنْ عرف كيف يستفيد من التجربتني حصل عىل نسبة عالية من التصفيق من قبل متذوقي ومحبي الجانبني. غري أن التذوق الخاص من قبل الشاعر نفسه للشعر النبطي تأثر كثرياً مبا أنجز كبار شعراء هذه القصيدة يف اإلمارات .فالشاعر الذي يريد أن يسري عىل درب التفرد واالبتكار يف القصيدة عليه أن يكرث من االطالع عىل التجارب األخرى ،فهي بالتايل ستحفزه عىل اإلتيان مبا
46
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
النبطي والفصيح في اإلمارات
توق «الشعبية» الموزونةْ .. للغنائية خالد البدور
أخىش
أنه ال يوجد لديّ الكثري ألقوله بخصوص ثنائية الشعر بني الفصيح والنبطي أو الشعبي. يف لحظة الكتابة ما يختلف هو االستخدام التقني للغة واملفردات .لكن الذي ال شك فيه هو أن اللغة العربية يف الشعر الفصيح متتاز بأنها لغة ثرية جداً بالنسبة للشاعر وتفتح املجال أمامه للتجوال بحرية بني دالالت واشتقاقات وآفاق ال محدودة .يف حني يختلف األمر متاماً يف الشعر الشعبي .ففي هذا الشعر يتعامل الشاعر مع «لهجة» وليس مع لغة ذات قواعد وأصول .اللهجة محدودة القاموس ومفرداتها متغرية كام هي محدودة الجغرافيا واملتلقي. عىل سبيل املثال ،لهجة والدي تختلف عن لهجتي ،لهذا فإن الشعر الشعبي الذي يستسيغه والدي ويتناسب مع ذائقته يختلف بالرضورة عن الشعر الشعبي الذي يستسيغه ابني أو ابنتي .اللهجة متحولة بشكل دائم واليوجد فيها ثراء اللغة، ولهذا فهي ال تتيح لك االختيار بذلك القدر من الحرية .أما
الجانب اآلخر فيتمثل يف أن اللهجة ،هي يف األصل ،وسيلة اتصال يومي وتفاهم بني مختلف أطراف املجتمع فحسب، وهذا ما يجعل الصور الشعرية والرموز واالستخدام الحديث وكذلك ما ميكن تسميته باألفق التجريبي يبدو صعباً ،أو قل، ميكن أن يبدو مفتع ًال أوغري طبيعي أيضاً. ميكن لك أن تسأل هنا ...إذا كان هذا هو الحال فلامذا تكتب الشعر العامي أو الشعبي .فأقول لك :إنني أذهب إىل كتابة الشعر العامي كلام رغبت يف كتابة هذا اللون من الشعر. وهذه القصيدة بالنسبة يل هي الحنني إىل تلك الغنائية املفتقدة .وألن القصيدة الشعبية ال زالت تعتمد عىل اإليقاع فإنني أرغب يف مامرسة الكتابة بالوزن و«الغناء» .لكن ومع تقدم العمر أصبحت أكرث مي ًال إىل كتابة «قصيدة التفعيلة» الشعبية وهو اتجاه يعترب حديثاً نسبياً يف منطقة الخليج. وهذا النوع أصبح يتيح املجال أمامي للتحرك خارج القوانني التقليدية يف القصيدة الشعبية املقفاة ،بل دعني أقول إن
مل يأت به غريه من خالل بذل مزيد من الجهد مدفوعاً بكثري من الغرية املحفزة عىل اإلبداع ،واطالعي ال ينحرص عىل التجارب الداخلية بل يتعداه إىل االطالع عىل تجارب خارج الحدود اإلقليمية لالستفادة من جميع الخربات والتجارب الشعرية ،مبا يعني أن تجربة الشاعر يف كتابة الشعر عموماً تتأثر بهذا املنجز عند مامرسته الكتابة يف الشكلني. ورغم أن لكل من الشكلني مناخه ومزاجه الشعري الخاص به وفضاءاته التي ُيسمع أو ُيقرأ بها ،لكن، من الصحييح أيضاً أن بعض الشعراء له طقوسه الخاصة يف الكتابة ،أما عىل الصعيد الشخيص فال ألتزم بطقس أو مناخ معني أو أقيد نفيس فيه ،فالقصيدة حني تأيت ال أستطيع إيقافها ،فمتى ما انقطع الحبل الرسي لها ال بد لها من أن تخرج لرتى النور والحياة. ً ويف هذا الصددْ ، فإن ملعت صورة شعرية يف خاطري للت ّو ،فإنه مل يحدث يوما أن توقفت عند اختيار أي من الشكلني ليكون األنسب للتعبري عن املحتوى ،ومن خالل تجربة شخصية ،فالقصيدة بالنسبة يل تأيت جاهزة يف شكلها نتيجة تراكامت سابقة ،ورمبا يكون لهذه الرتاكامت الدور األكرب يف اختيار أي من الشكلني بعيداً عن اختياري الخاص لحظة الكتابة أو ّ تدخل منّي ،إذ أن القصيدة هي التي تختار شكلها ولغتها issue (4)- September - 2012
47
تحقيق
اللغة العربية في الشعر الفصيح تمتاز بأنها لغة ثرية جد ًا بالنسبة للشاعر وتفتح المجال أمامه للتجوال بحرية
هذا السلوك الشعري يف الكتابة كذلك ما يقرب القصيدة الشعبية من القصيدة العربية الحديثة الفصيحة. أيضاً ،ميكن أن ترى أن الكثريين من كتاب القصيدة الشعبية الخليجية الحديثة مثل عيل الرشقاوي وبدر بن عبد املحسن ومحمد السويدي قد تجاوزوا موضوع «العامية» وأصبحت األلفاظ املستخدمة يف معظمها «فصيحة األصل» كام أن الصور والرموز بدأت تنفتح عىل «عوامل» و«ثيامت» مل تكن مطروقه من قبل هذا الوقت .وهذا يفتح آفاقاً جديدة أمام جيل كامل يحاول أن يعبرّ عن نفسه من خالل هذه القصيدة عرب موضوعات عرصه وزمنه الخاصينْ ومن دون أن يشعر أنه محارص بالشكل التقليدي .ومع أننا نرى ندرة يف «التجريب» أو «التحديث» يف الشعر الشعبي الحديث ،إال أن هذا األمر ال يلغي أبداً أن القصيدة الفصيحة الحديثة موجودة بقوة واستطاعت أن تسجل حضورها الخاص ،رغم أنها ال تجد التشجيع واالحتفاء واألضواء الساطعة التي تحصل عليها القصيدة النبطية التقليدية. ً أقول ذلك وأنا ال أخفي اعرتافا باألثر بالنسبة للذي تركته تجربة كبار شعراء القصيدة النبطية عىل ما أكتبه ،لكن هذا حدث عندما كنت يف بداية التجربة .أما فيام يتعلق بقصيدة «التفعيلة» الشعبية الحديثة فقد اختفى هذا التأثري وجاء التأثر بالقصيدة العربية الحديثة خاصة مبا قدمته قصيدة التفعيلة من إمكانيات إيقاعية أتاحت لنا املجال ملامرسة «التجريب» اإليقاعي واملوسيقي يف القصيدة الشعبية الحديثة
48
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
شكالن يتوازيان وال يتقاطعان أحمد محمد عبيد إن تجربة الكتابة يف هذين الشكلني معاً :النبطي والفصيح تنبع من أمرين متالزمني ،يتمثل األول منهام مبوهبة الشاعر وذكائه الخاص يف التقاط الشعري عرب الفصيحة واللهجة الدارجة معاً وتضمينها لصور شعرية الفتة لالنتباه يف كال الشكلني ،ما يعني أن عىل الشاعر إدراك تاريخ املفردة الواحدة والتحوالت التي تطرأ عىل معناها .أما األمر اآلخر فهو الخربة الشعرية بوصفها مامرسة وحرصاً ودأباً عىل تقديم األفضل فض ًال عن املعرفة بتاريخ كل من الشكلني معاً. وبطبيعة الحال ،لدينا هنا يف اإلمارات العديد من التجارب الالفتة عىل هذا الصعيد ،وميكنني أن أذكر شعراء من طراز محمد الربييك وإبراهيم محمد إبراهيم وخالد البدور وسامل بو جمهور باإلضافة إىل العديد من التجارب التي ظهرت الحقاً عىل هؤالء الشعراء من الذين أبدعوا يف الشكلني .لكنّ ما أو ّد أن أركز عليه بالفعل هو أنه ال شعر نبطيا أو فصيحا من دون موهبة تسندها ثقافة شعرية وهذا ما حققه هؤالء الشعراء. أيضاً ،أو ّد أن أتوقف عند تجربة صديقنا الشاعر الراحل أحمد راشد ثاين الذي كتب القصيدة الشعبية ومل يكتب القصيدة النبطية التقليدية كام هو متعارف عليها ،أي أن التوهج الشعري عند أحمد راشد ثاين كان يف كتابة القصيدة الشعبية الح ّرة التي هي إحدى تحوالت القصيدة النبطية التقليدية إذا جاز التوصيف .لكن أحمد راشد ثاين مل يستمر يف كتابة الشعر الشعبي ،وقد حدث ذلك ألن مرشوعه الشعري األسايس كان يف القصيدة الفصيحة بالدرجة األوىل ثم يف البحث يف املوروث الشعبي بدرجة أقل ،إمنا ال ّ شك أن ثقافته الشعرية كانت الفتة لالنتباه. أما يف ما يتعلق يب وبكتابتي للشكلني :النبطي والفصيح ،فقد كتبت قصائد قليلة يف الشعر النبطي ال تجعلني حتى هذه اللحظة أف ّكر يف
كان الفصيح نادر ًا بالقياس إلى الشعبي .لكن في التسعينيات كثُر شعراء الشعر الفصيح ،ألسباب تتعلق بانتشار التعليم
النبطي والفصيح في اإلمارات
العامية أكثر تأثير ًا في الذائقة عبد الله الهدية منذ كنت طف ًال ،حباين الله بالعيش يف بيئة فيها الكثري من التنوع الجغرايف واملليئة باألهازيج الشعبية والشعر الشعبي، وهو نوع من الشعر الذي يتواجد يف الذائقة العامة للجمهور من خالل الصوت ،لكن ذلك ال يعني أنها مل تكن غري متصالحة مع القصيدة املكتوبة بالفصيحة. إصدارها يف ديوان مستقل ،لكنني أمارس عىل قصيديت النبطية ما وعرب برنامجي الذي قدمته متخصصاً بالشعر ،أدركت أن تلك أمارسه متاماً عىل قصيديت بالفصيحة .فأنا آخذ أمر كتابة الشعر هنا الذائقة ما زالت مؤثرة يف الناس وأنها أكرث مي ًال إىل القصيدة أو هناك عىل محمل الج ّد وال أكتب يف أي من الشكلني عىل سبيل املكتوبة باللهجة العامية ما دفعني إىل أن أخصص30% التسلية ،بل إن القصيدة بالنسبة يل أقرب ما تكون إىل البحث. من زمن برنامجي للقصيدة املكتوبة بالفصيحة وما تبقى ورغم االنتشار الكبري للقصيدة الشعبية يف هذه األثناء فال أعتقد للمكتوبة بالعامية. أن حضورها مهام كان ِث َق ُله سوف يطغى عىل الفصيح ،فالشكالن يف الوقت نفسه ،ال أستطيع أن أنكر أن هذه الذائقة املؤثرة، يتوازيان وال يتقاطعان بسبب النسبة والتناسب بني شعراء الفصيح حيث القصيدة الشعبية تحاكيها أكرث وتجعل شعرنا ينترش والعامية حيث سيبقى لكل منهام جمهوره ومريدوه. عىل نطاق أوسع ،نتاج ذلك النكوص الذي يهيمن عىل حياتنا واتذكر أنه يف الثامنينيات ،مل يكن ألي شاعر كتب القصيدة فيام يتصل بلغة الضاد .يف املقابل ،إن االنتشار املضطرد الشعبية أن يصبح شاعر قصيدة شعبية هكذا مرة واحدة مثلام للشعر الشعبي قد أدى إىل انحسار يف ظهور املواهب يحدث يف هذه األثناء ،بل مل يكن ُيسمح لشاعر يو ّد نرش قصيدته الشعرية التي تتقن كتابة الشعر املوزون ،ودعني أتساءل: إال بعد أن مت ّر عىل أحد النقاد وخاصة الشاعر حمد أبو شهاب هل يوجد لدينا يف اإلمارات شاعر يكتب القصيدة الفصيحة الذي أسهم يف تقديم العديد من املواهب عىل صفحات األدب واملوزونة ويقل عمره عن الخمسة وعرشين عاماً؟ وإذا كان الشعبي يف الصحف اإلماراتية الشعبية .آنذاك مل تكن ُتنرش إال موجوداً فأين هو و َمنْ هو؟ ثم لدينا هذا العدد الواسع من القصائد الكبرية التي تلفت االنتباه إىل موهبة صاحبها. القنوات الفضائية ،فأي منها هي التي تفسح مجاالً واسعاً آنذاك أيضاً ،كان الشعر الفصيح نادراً بالقياس إىل الشعر الشعبي. لكن يف التسعينيات كثرُ شعراء الشعر الفصيح ،طبعاً ألسباب تتعلق بانتشار التعليم بكل مراحله ،كام تكاثر شعراء الشعر االنتشار الشعبي أيضاً ،ومن بينهم العديد من الشعراء املوهوبني الذين المضطرد للشعر كتبوا يف الشكلني معاً ،هذا كله يقودنا إىل نتيجة مفادها أنه ال الشعبي أدى إلى مجال للمفاضلة أو املقاربة أو حتى املوازنة بينهام فالشعراء موجودون وينتجون قصائدهم ،إمنا لألسف فإن أدوات االتصال انحسار في ظهور الحديث التي سمحت للكثريين بإنشاء مواقع إلكرتونية ومد ّونات المواهب الشعرية قد جعلت الكثري من الذين يدّعون مامرسة كتابة الشعر الشعبي التي تتقن كتابة يحققون انتشاراً عرب قصائد مل تعد تراها عني الناقد بل تذهب مبارشة إىل متلقيها الشعر الموزون issue (4)- September - 2012
49
تحقيق
لتقديم الشعر املكتوب باللغة العربية الفصيحة ويتم عربها تقديم املنجز الشعري اإلمارايت يف العامل العريب؟ غري أن «اللغة» التي ينبغي عىل هذه القنوات أن تخاطب الناس بها يك تتمكن من إيصال الرسائل لها هي اللهجة الشعبية التي تصل بأرسع وقت وأقل جهد. لدينا طالب يف الثانوية يكتبون الشعر باللهجة الدارجة بني الناس ،ذلك ألن حضور االبداع عموماً والشعر خصوصاً يف املناهج هو حضور ضعيف بل ُمغ َّيب متاماً. أنا مع هذا الشكل الشعري ومع ذاك ،ولست ضد واحد منهام ،لكن القصيدة النبطية مؤثرة جدا وحضور القصيدة املوزونة املكتوبة بالفصيحة ضعيف ،ألن هناك رصاعا داخل هذه القصيدة عىل الشكل بحيث طغى هذا الرصاع عىل جودة الشعر ،وهذا سبب آخر النجذاب الناس نحو القصيدة الشعبية ،لكن هناك أسباباً أخرى ينبغي رؤيتها من زوايا مختلفة وطرحها للنقاش
الفصيح هو األصل عبد الله املنهايل الشعر الفصيح هو األصل واملبدأ اللذان نحدد بهام مايض الشعر وحارضه ،أما الشعر النبطي فهو املشتق منه .فمن الفصيح خرج من الشاعر ما خ ُل ْ دت به التجربة البرشية، وعربه يستوحي به الشاعر مبا اكتسبه من مخيلة شعرية يسطر بها عىل الزمان قصائده. تأثرت يف كتابة القصيدة النبطية بالشاعر «الشيخ زايد»، ولغته السهلة وبساطته العميقة ،والشيخ محمد بن راشد أيضاً ،وكذلك ماجد بن ظاهر ،ومن الشعراء السابقني عيىس بن هند والشافعي واألحنف وحسان بن ثابت ومن الشعراء املعارصين الذين أكن لهم إعجابا خاصا :عبد الله الربدوين وأبو القاسم الشايب ونزار قباين.
ِّ وتبشر تعد سعيد القبيسي ..موهبة ِ
إىل
جوار ذلك هناك موهبة شعرية بدأت تظهر يف الساحة الشعرية اإلماراتية ويعلو صوت صاحبها ،موهبة من نوع نادر حيث إمكانية مامرسة الكتابة بالجناحني :القصيدة الشعبية والفصيحة الفتة لالنتباه ،فالقصيدة املكتوبة بالفصيحة هنا هي يف أغلبها أميل إىل القصيدة العمودية بشكل أسايس ثم التفعيلة عىل نحو أكرث ندرة أما النرث فال .وذلك رغم حداثة عمر الشاعر سعيد القبييس ،الذي صدرت له مجموعة شعرية أوىل بالفصيحة حملت العنوان« :حضن الفراغ»، عن مرشوع «قلم» التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ويديره الروايئ اإلمارايت عيل أبو الريش. تتناول املجموعة قضايا مختلفة من الحياة اليومية إىل املتخيل واألحالم التي يرغب بها الشاعر أن تتحقق يف عاملنا ،وذلك يف لغة مكثفة عالية تشدنا إىل قراءة هذه املجموعة .وتشتمل عىل اثنتي عرشة قصيدة يعالج فيها الشاعر الهجر والوصال والحب والغزل ،بوصفها املوضوعات األكرث تناوالً يف هذه القصائد التي يعلو فيها صوت الشاعر الفرد ليؤسس بذلك حداثته الراهنة وليشري إىل نزعته يف الرغبة يف الوصول إىل صوت خاص. وبحسب كتابه «حضن الفراغ» ،فإن «هَ م القبييس الشعري ليس محصوراً يف القصائد وعددها أو يف أنها أصبحت كتاباً ،بل إن فكرته عن نفسه كشاعر ممتدة يف طبائعه الشخصية .فهذا النوع من املناجاة الشعرية يوحي دامئاً بروح الصلوات يف الخالء» .بحسب ما قال الشاعر محمد املزروعي الذي قدّم عرضاً للكتاب يف يومية االتحاد بعد صدوره .وأضاف :ففي قصيدة “حضن الفراغ” ،التي
50
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
تبرز براعة سعيد القبيسي في اقتناص صورته الشعرية المعبرة عن روح صادقة
النبطي والفصيح في اإلمارات
الشعر الفصيح هو األصل والمبدأ اللذان نحدد بهما ماضي الشعر وحاضره ،أما الشعر النبطي فهو المشتق منه الشعر مبدأ يف الحياة ،ويسهل عىل كل شخص أن يتعلم بحوره وأوزانه ،فهي البوابة األهم للدخول إىل عامل القصيدة املوزونة ومعرفتها حقاً وعىل نحو صحيح .وكام حدثنا املايض
عن أهله ،فكلام حفظ املرء الكثري من الشعر ،فإن ذلك يسهّل من عفوية الشاعر وتلقائيته. ويقيني ،إنه كلام كان الشعر يعيش أزمة مع نفسه ويصارع الحياة فإن الشاعر ينطق بحرية أكرب ،ومثلام قال الشاعر الشافعي:
دع األيام تفعل ماتشاء ً وطب نفسا اذا حكم القضاء وال تجزع لحادثة اللياىل فام لحوادث الدنيا بقـــــاء ومن نزلت بساحته املنايــا فال ارض تقيه وال سمــــــاء وأرض الله واسعة ولكـــــن اذا نزل القضا ضاق الفضاء
هي و«إين أراك» قصيدتا التفعيلة الوحيدتان ،نقرأَ :كطفلٍ أحبكً /كطفلٍ يتيم منا يف الفراغ /أحبك /بقدر والء الفراغ أحبك /كحاجة هذا الفراغ إىل زمن يذكره /كحاجة هذا الفراغ إىل أمل يحضنه /أحبك. ً ً وخلص املزروعي إىل القول« :يبدو من الوهلة األوىل أن هناك تركيزا عىل اختيار أبيات بعينها ،لكن حقيقة شعر القبييس تسبح عميقا يف مناخ عدمي ،إىل الحد الذي يصبح معها رؤيته للعدم رمزاً لكل مواضيعه ،وال نشري هنا إىل أي نوع من التشاؤم الوجودي ،بالقدر الذي نحاول أن نبني فيه منطقة القوة التي تنطلق منها شعريته ،كام هي الحال قصائد «حضن الفراغ» من طراز« :حطام يرتنح» و«خيط من الشمس» و«حنني الرتاب» و«متاهات القدر». أما بحسب قصائده املتناثرة ،فإنه تربز براعة سعيد القبييس يف اقتناص صورته الشعرية املعربة عن روح صادقة ،ومن هنا نقطة االرتكاز األساسية التي تشكل محوراً يف بناء قصيدته ،وسياقها اللفظي والداليل ،مبا يف ذلك نبض فيوضاته الشعرية ،وبأقل قدر من اللغة التي تكشف عن قدرة يف سبك املعنى واحتضان الفكرة والحدب عليها.
من «حنني الرتاب»
تراب بأقدام األحبة يحلم وبيت عىل درب الرحيل مهدم ويشكون عند العني شح عروقها فلام سقتهم من دموعي تيمموا أهيم بأحضان املدائن تائها فام مسني وجد وال ارتعش الدم فشوقي ألرض بالحنني توضأت
أناخوا بها ركب الوصال وسلموا أهز جذوع الفكر يف أرض حرييت فام أسقطت حرفاً وال ذاقها الفم بالدي اذا جنّ الرتاب بجذره فكل حنني يف سواك محرم
أحمد حسني issue (4)- September - 2012
51
ملف
حلمي سالم
المراوغ المتجدد القاهرة حمزة قناوي
خسر الشعر أحد صعاليكه الجميلين، الشاعر المصري حلمي سالم الذي اختطفه المرض بعد سنوات من الكر
والفر ،فبعد أن نجا من ضربة الجلطة الدماغية وعايشها ،وجد نفسه في
مواجهة السرطان والفشل الكلوي معا،
وهو ما لم يكن له طاقة عليه.
يكمن السر في فتنة الشاعر حلمي سالم في انه ال يشبه أحدا ،عدا عن انه محير جدا .غامض وواضح في اآلن
ذاته .مابعد حداثي وكالسيكي معا،
شاب وكهل في الوقت ذاته .شاعر بنى
مشروعه الشعري على التجريب الدائم، ولم يستقر على شكل أو نبرة ،يهدم،
عمدا ،العتبة بين كل عملين ،ويترك
للقارئ ان يجد طريقه الخاص بين عمل وآخر. كتب حلمي بوعي «االكروبات» الذي
يرى الخيط الرفيع بين السهل والممتنع،
وتمكن بعد دأب طويل من استدراج
القارئ الى لعبته الذكية الماكرة التي
قوامها التجريب والمزج بين السحر والصعلكة والتغريد خارج السرب.
52
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
مثة
انتفاض من رماد شعراء يجددون أقدارهم كأمنا يصوغونها صوغاً ،بني ٍ التجربة واالنطالق إىل أخرى ،وتار ًة عرب البعث من فكرة الجيل حني تبهت وتنطفئ إىل ما بعدهاٌ ، أفق وثالثة بتغيري املسار والتوجه الفني إىل ٍ بعي ٍد ال ُيدرك أدواته املجايلون .حلمي سامل كان أحد هؤالء الشعراء بامتياز. فالشاعر الخمسيني املولدُ )1951( ،رمز له يف الشعر املرصي باعتباره أيقونة التجريب ،وقد عاش املغامرة الشعرية من أقىص الطيف إىل أقصاه ،بدواوينه الثامنية عرش ،التي نستطيع أن نقول باطمئنان إن أياً منها ،من فضاءاتها ولغتها وتجربتها ،مل يشبه اآلخر ،ال شك ًال وال مضموناً ،منذ الديوان األول (حبيبتي ٌ مزروعة يف دماء األرض) ( ،1974والذي سبقه ٌ ديوان مشرتك مع الشاعر رفعت سالم بعنوان «الغربة واالنتظار» عام »1972وحتى الديوان األخري (ارفع رأسك ٌ عالية ) 2011املستلهم من ثورة يناير ،وهتافها ً الغاضب الذي صار شعاراً وأيقونة للثورة ،ونال عنه جائزة معرض القاهرة الدويل للكتاب .وبينهام ٌ رحلة ممتد ٌة من النزق والتجريب ورفض السكون ،حتى إن بعض النقاد – وإن غاىل يف حكمه -رأى يف نص حلمي سامل استعصا ًء عىل موضعته يف أحد االتجاهات الفنية ،أو انحيازه ألحد األشكال التي تعطي التجربة قيمتها من ثباتها. من هنا ،ظهر صوت سامل عالياً مع انتامئه إىل جامعة (إضاءة) يف السبعينيات ،تلك الجامعة التي سعت إىل التجديد يف املعجم الشعري ،وتحديد نسق الصورة الشعرية عىل نحو تجريبي
حلمي سالم
بالكلية ،إضافة إىل البعد املوضوعي الذي كان مسيطراً عىل وضمت خط وتوجه شعرائها وميزج بني الليربالية واليسار َّ ك ًال من حسن طلب ورفعت سالم وجامل القصاص وأمجد ر َّيان ومحمود نسيم ،وأصدرت مجلتها التي حملت اسم الجامعة ،وصاغت يف عددها األول ما يشبه البيان التأسييس محرتف حصارات أو (املانفيستو) الذي أسس للخروج عىل قصيدة التفعيلة، فنابع -كاألول أما االنتقاد الثاين األهم الذي واجه تجربتهٌ ، ً يوم أرضاً جديدة يف هذه الفرتة- متاما -من خصوصية تجربته وسامتها الفنية ،حيث ووجه التي كانت تكسب كل ٍ املعطي عبد وأحمد الصبور عبد صالح السبعينيات -عىل يد سامل بفكرة ِصدامه الدائم مع املوروث الفكري اإلسالمي حجازي وإبراهيم أبو سنة ،قبل أن ينفرط عقد الجامعة، بسبب اتكائه عىل مرجعيته اإليديولوجية ،وأن هذا كان ويغادرها ٌّ كل منهم إىل حيث تجربته الخاصة وطريقه وح َّد ِته، ُيبعده عن جاملية التشكيل الفني قدر ُمبارشته ِ ً َّ املنفرد .وحده ظل حلمي منتميا إىل نفسه أو مبعايري النقد غري أن هذا الرأي أيضاً له ما ينقضه يف تجربة حلمي الرثية هو (الالمنتمي) إىل تجرب ٍة بعينها ،ال يغادر إحداها إال إىل بالجامليات واإلخالص -يف كث ٍري من دواوينه -للشعر فقط. ً ً إىل أخرى ،بني شعر التفعيلة إىل النرث ،ومن الشعر السيايس رمبا مل ُيقدم شاع ٌر -طواعية واتساقا مع مبادئه -عىل البقاء الرومانتييك إىل الذايت املستلهم معجم الصوفية ،ويف الكثري يف مدين ٍة تعيش تحت القصف والحصار كحلمي سامل ،الذي من األحيان مفردات وتراكيب القرآن الكريم .هذا التنوع عاش حصار بريوت يف عام ،1982ومل يغادرها سوى مبؤلفه والرثاء اللذان م َّكناه من أن يحجز لنفسه مكاناً متميزاً بني (الثقافة تحت الحصار) الذي رصد فيه الحياة اليومية للبرش شعراء جيله ،عامده املغامرة والرومانسية الثورية ،والطاقة العابرين يف تفاصيل الحرب ،واملتناثرين بني جنباتها .وكان الخالقة عىل توليد الصورة الشعرية بحساسية خاصة سامل قد سافر إىل لبنان عام 1980للعمل يف الهالل األحمر ومختلفة ،كان يرى أنها يجب أن تتسق مع املوقف الفكري الفلسطيني،وشارك هناك عىل األرض يف الكثري من األمسيات واإليديولوجي للشاعر ،وهذا مت ُّيز آخر يف مسرية حلمي التي خصصت لشعر املقاومة اللبنانية-الفلسطينية ،وأنجز الذي كان ملتزماً حزبياً ،وال يرى تعارضاً يف تالقي املوقف ديوانه (سرية بريوت) .ظل صدى بريوت يرتدد يف دواوينه اإليديولوجي والتعبري الجاميل عنه .كان ثباته الوحيد يف التالية ،وفكرة الحصار تالحق ظالل كلامته ..كام يف ديوانه ُ َّ املستوى التزامه الفكري واإليديولوجي اليساري ،أما عىل (الغرام املسلح):)2005( - «محرتف حصارات /لو م َّرت ٌ ُ الفني فقد كان مؤمناً بالتجاور بني األشكال الشعرية أرتاب سنة من غري حصا ٍر ُ ُ املختلفة ،ورضورة تعديها إىل وأسأل :هل ُ رصت دجيناً ال ُيقلقُ أحداً؟/ ُم ُ املحاورة الجرتاح آفاق مختلفة. ات ..من أيلول إىل تل حرتف حصار ٍ رُمز له في الشعر أخلص حلمي للتجريب الجاد َ الزعرت والفكهاين وطرابلس ورام الله/ باعتباره المصري هذه أن كثريون رأى وبينام إذاً. جسدي ُجهِّز ملالءمة األقفاص وروحي هي ِسمته الفنية ا ُملميزة ،فقد للحتف /أنا تنضح برتاجيديا السائر ِ ُ أيقونة التجريب، محرتف حصارات لو م َّرت ٌ ُ رأى البعض فيها (كعب أخيل) سنة من غ ِري وقد عاش المغامرة ُ بأن سامل كان يحاول االحتشاد وأسأل :هل ُ رصت الرايض أرتاب حصا ٍر ُ أقصى من الشعرية من أجل التجريب دوماً عند بالحسنات القانع بالسقف؟» ِ كل تجربة شعرية ،فقط من الطيف إلى أقصاه، يف «وسط البلد» بالقاهرة ،كان من السهل أجل التجديد وأن يوجد لغ ًة بدواوينه الثمانية عشر أن نعرث عىل حلمي سامل حني نفتقده أو وحساسي ًة مغايرة عن تجربته/ نريد التواصل معه ،كان ال يخرج عن هذا ديوانه السابق ،وهذا ما جعله ال يتعمق يف االجتهاد أو الرتكيز يف تجويد املرحلة التي بلغها سابقاً ،كأمنا ينقض ما يبني ليعاود التشكيل بهيئ ٍة جديدة أو يحل ما يغزل.
issue (4)- September - 2012
53
ملف
الفلك كثرياً :نقابة الصحفيني ،أو أتيليه القاهرة ،أو مكتبه يف التجمع ،صحفياً بجريدة (األهايل) اليسارية املعروفة، حزب ُّ ثم رئيساً لتحرير مجلة (أدب ونقد) يف املكان نفسه بالطابق األعىل ،مقهى الجريون ،أو مقهى ريش .كل هذه األماكن التي ال تخرج عن محيط شارع طلعت حرب ،يلتقينا الفص الذي يح ِم ُل تكا ُث َر الخاليا /ويوزعها ( هذا هو ُّ بابتسامته الدامئة ،ندفع له بقصائد لنرشها يف (أدب ونقد) «ألهاكم التكاث ُر» /أط َّلت عىل املعوزين /قلت للخاليا ُ أو لعقد ندو ٍة يف مقر املجلة بالحزب ،فال نجد منه سوى من الغبش ِة وجو ُه آبايئ :عبد املطلب ،منعم ،موايف، الرتحيب ،والحرص عىل الحضور تالياً وإن مل يكن مطلعاً عىل الشايب ،عنرت ،سليامن ،اليامين ،يفردون أجنح ًة مل َّون ًة تجربة الشاعر صاحب الندوة. يك أط َري بها إىل ماسبريوُ / حيث ٌ بطن دبابة م َّرت عىل ِ عرب أربعني عاماً قضاها يف أبهاء الشعر ،مل يتوقف حلمي الفتى). سامل عن حمل هذا القنديل األخرض ،وقد عُ رف بقدرته الكبرية عىل تحويل اليومي والعابر وكل ما تلتقطه العني املرسعة عىل األشياء االعتيادية ،تحويله إىل شعر صاف ،رمبا رشفة ليىل مراد ٍ ٍ واجه ا ُملنجز الشعري لحلمي سامل بالكثري من كان طبيعياً أن ُي َ كان مرجعية ذلك التصاقه بالحياة والناس من خالل العمل االستفهامات ومسارات التأويل ،واالختالف حول حقيقته، الحزيب والتواجد اليومي يف العمل الصحايف والثقايف ،غري ورسالته ،فال يوجد فنٌّ ال يحاول مترير حمول ٍة معرفية ما، أن السبب املؤكد أن رحابة روحه التي عُ رف بها ،هي التي عرب إيديولوجية ُمض َّفرة يف قالب الفن ،أو من خالل ُمراكمة كانت تدفعه إىل «أنسنة» األشياء ،ورؤية العامل شعراً .من اإلنتاج الذي يأخذ التوجه نفسه ،كان هذا وارداً بقوة يف هنا كانت تجربته املختلفة ( مدائح جلطة املخ) ،حني أصابته الجلطة بينام كان يقرأ الشعر عىل املقهى ألصدقائه ،فنُقل إىل نص حلمي سامل ،خاص ًة أن قصيدته مل تكن مراوغة وماكرة ظل يراوغ تجربته فحسب ،إمنا ألن شعره كثيف الرموز املمتلئ بالحيل واملفتوح املستشفى ،وهناك ،بني الغيبوبة واألخرى َّ عىل التجريب واملغامرة ،كان يعطي االنطباع بذلك ،ولدى هذه ويحاورها ،ويستخلص منها رؤاه التي صاغت هذا من يخبرُ النقد ال مشكلة يف ذلك املنحى ،فالفن إجامالً الديوان ،الذي صدر عن دار الهالل عام ( .)2006مل ينزعج قائم عىل اإليهام ال اإلفهام ،غري أن أكرث من معرك ٍة نشبت ٌ الشاعر من املرض ،إمنا قال ُمستخفاً به ( يبدو يل أن تجربة حول ذلك الطرح ،التأويل والقصدية يف املرض مغري ًة بالكتابة ،وما رموز ومعاين قصيدة سامل ،خاضها ضده حدث معي حدث ألمل دنقل لم يُقدم شاعرٌ على بعض رجال الدين يف مرص ،كانت ذروتها وقبله بدر شاكر السياب ،تجربة مدينة البقاء في ٍ يف مواجهة قصيدته ( رشفة ليىل مراد) املرض مغري ًة بالكتابة ..املرض تعيش تحت القصف التي نرشها 2007يف مجلة (إبداع) تجربة شعرية!) التي يرأس تحريرها أحمد عبد املعطي والحصار كحلمي لعل قناعته هذه هي التي حجازي وتصدر عن الهيئة املرصية العامة قادته إىل (التسلل) من غرفته سالم ،الذي عاش للكتاب ،فام كان من رئيس الهيئة إال يف املستشفى العسكري الذي حصار بيروت ولم أن سحب ترخيص توزيع املجلة ،بعدما يقف عليه حارسان -كام قال يف يغادرها سوى بمؤلفه رأى أن ما ورد يف القصيدة ييسء إىل األمسية األخرية التي عقدها يف (الثقافة تحت الحصار) الذات اإللهية ،طبقاً لتقرير أع َّده مجمع حزب التجمع قبيل وفاته بأيام- البحوث اإلسالمية ( أحد هيئات مؤسسة ليتفق ومحبوه عىل أن ُيلقي األزهر الرشيف) وجاء فيه أن القصيدة الشعر بينهم ،كأمنا يفر من قدر املوت إىل قدرة الشعر عىل بعث الحياة ،وليتامهى مر ًة أخرى مع املرض باعتباره حال ًة شعرية فيكتب قصيدة ( معجزة التنفس) متامساً مع تجربته األوىل السابقة يف جلطة املخ .والتي قال فيها حلمي:
54
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
( تحمل إلحاداً وزندق ًة) ،وتصاعدت األزمة بأن ظهر الشيخ يوسف البدري ودعا الشاعر إىل (االستتابة) حاشداً خلف هذه الدعوة نحو مئة رجل دين آزرت توقيعاتهم بيان دعوة االستتابة هذا ،ليواجهوا بدعو ٍة مضادة من مثقفني وشعراء رأوا يف هذه الحملة عىل حلمي سامل هجوماً عىل التنوير، ودعوة إىل قراءة وتحليل الشعر ونقده بغري أدواته ،وأنها (حملة تكفريية تكرس لثقافة اإلرهاب) .بعدها رصد الشاعر جائزة التفوق يف األدب ،وهي إحدى أكرب جوائز الدولة ،غري أنها مل تكن سوى محطة اسرتاح ٍة له ،لتعاود القضية التفاعل عىل إثرها مجدداً ،بعدما أصدرت محكمة القضاء اإلداري املرصية حك ًام قضائياً يطالب وزارة الثقافة بعدم منح جائزة التفوق للشاعر حلمي سامل بدعوى (إساءته للذات اإللهية)، واستحالت املعركة الفكرية إىل قضية ظلت ُتتداول يف أروقة املحاكم ،وقد حجز بها سامل موقعاً متقدماً يف محاربة التطرف ،وكتب شهادته املواجهة لبيان الفقهاء وتقرير األزهر يف كتابه ( محاكمة رشفة ليىل مراد) الذي أصدره عام .2008 ظل حلمي سامل إذاً عصياً بنصه عىل االخرتاق النقدي ،أو التوحد نقدياً حوله عىل األقل ،فرؤيته الشعرية كانت تنبع ُّ دفق غري منت ٍه من التصاوير والرتاكيب اللغوية والخيال من ٍ ً ً واملجازات الالنهائية التي تنتج شعرية خاصة أربكت النقد يف محاولة التقعيد النظري لقصيدته ،وهو يحاول مالحقة الثامنية عرش ديواناً التي أنتجها تباعاً .استمر سؤال النقد مفتوحاً عىل التحليل إىل اليوم عرب الكثري من الدراسات التي
قدَّمها ُن َّقاد ذائعون حول قصيدته ،كجابر عصفور ،وصالح فضل ومحمد عبد املطلب وغريهم. يرحل حلمي سامل اآلن مكم ًال دائرة مغامرته إىل قوسها األقىص ،وقد ترك مرياثاً شعرياً توازى وسرية حيا ٍة حفلت باملغامرة والطموح إىل التجديد ،واملعارك الفكرية ،واملرض والنضاالت والتجارب العاطفية ،هكذا ُتبث الحياة يف املرياث الشعري كأمنا ُكتبت يف قصيدة ،كانت هي «األكرث تجريباً» بني نظرياتها املنسوبة ألبناء جيله كام ذكر عبد املعطي محم ًال بقناعاته حجازي يف كتابه (أحفاد شوقي) .ويرحل َّ التي مل َّ يتخل عنها من أن الشعر يستعيص عىل التصنيف واكتساب املرشوعية من شكله الخارجي ،إن كان نرثاً أو تفعيل ًة أو عموداً ،إمنا املرجعية يف ذلك لديه حقيقة متاسه مع الجودة الفنية من جهة ،ومع االشتباك بقضايا الناس والحياة من جه ٍة أخرى ،بعدما حاول كرس الكثري من التابوهات ومواجهة املسكوت عنه بتمحيصه والعمد إىل اختباره عرب إخضاعه لتجريبية الفن .رحل يف املستشفى العسكري بينام يكتب قصيد ًة يناوش فيها وينتقد العسكر وإدارتهم ملا بعد أحداث الثورة يف مرص ،متاماً كدأبه عىل رفض كل محاولة احتواء! والشاعر الذي تغ َّنى بالحياة أكرث مام فعل أي شاع ٍر آخر ،يغادر غناءه عائداً إىل قريته (الراهب) مبحافظة املنوفية ليسكن فيها لألبد ،محتضناً األرض التي طاملا تغنى بها ومبن عليها ،وقد اجرتح من األسئلة ومن أفق التجريب ما يكفي ليبقيه يف ذاكرة الشعر طوي ًال issue (4)- September - 2012
55
ملف
حلمي سالم
تجربة لم تتقاطع مع نفسها واتسعت ألصوات الجميع القاهرة -عزة حسين
آخر خاطر ٍة كانت أن أظنه رحل ،فارق الحياة .يوم ذهبت بصحبة الشاعرة ميسون صقر لزيارته مبشفاه وسط القاهرة، منتصف حزيران/يونيو املايض ،ووجدنا رسيره خالياً .انتظرناه آت من غرفة دقائق ،ثم استقب ْلنا وهنه وابتسامته وهو ٍ ناقم عىل يش ٍء سوى سجنه قبالة جهاز الغسيل الكلوي ،غري ٍ الغسيل املتعطل ،واملمرضة املرصة عىل احتجازه إلجراء كضيف ناقم حتى عىل املرض .يحيك عنه ٍ الجلسة .غري ٍ سريحل كغريه ،ممن كتبهم قصائد مل تستبق من املرض سوى اسمه ،أما عذاباته فكانت مقاطع دواوين تسيل إنسانيتها عىل الورق. لكن حلمي سامل مل يكن عند حسن ظني هذه املرة ،مل يدون شفاءه شعراً ،كام فعل مع جلطة املخ التي أصابته قبل سبع سنني فروضها يف ديوانه البديع «مدائح جلطة املخ» ،ومل يجدد نرصاً كالذي أحرزه عىل رسطان الرئة الذي استشفى نفسه منه بالكتابة والتكالب عىل الحياة ،ملوحاً بديوانه األحدث «معجزة التنفس»، الذي جرى االحتفاء به قبيل موته بأيام يف ندوة اصطف بها أحباؤه بحزب التجمع بالقاهرة ،متجاه ًال من أجلها محاذير األطباء ،بعدما كتب عىل نفسه إقراراً باملسؤولية عن تدهور صحته. كان حلمي يعرف أنها األخرية فتغنى بقصائد معجزته، مؤكداً أن «الشعر يشفي 56
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
أفضل من ألف جلسة كياموي» ،ويف الندوة نفسها قال صاحب «الشغاف واملرميات» ،إنه سيعترب نفسه لصاً وأنانياً لو مات عىل رسيره الوثري يف املستشفى ،ألن «غريي مات مسحوالً يف ميادين مرص» ،فواتته ميتة شبه أغلب املرصيني بلعنة الفشل الكلوي الذي اجتلبه تجار األرواح يف العهد البائد. وألن لحلمي سرية ملحوم ًة بالشعر ،تكفي دواوينه الواحد والعرشون ليعرف الواحد منا من هو ،فض ًال عن املحظوظني الذين رافقوه يف مراحل من مشاويره ،منذ قدومه من بلدته لجامعة القاهرة مطلع السبعينيات وإصدار ديوانه األول «الغربة واالنتظار» برشاكة صديقه الشاعر رفعت سالم، واالنخراط يف الحركة الطالبية ومظاهرات السبعينيات ،ثم الرشاكة يف تأسيس جامعة إضاءة 77مع مجايليه ،حسن طلب ،جامل القصاص ،رفعت سالم ،أمجد ريان ،واالصطدام برواد الشعر كصالح عبد الصبور واحمد عبد املعطي حجازي ،ثم مناوشة أمل دنقل ،قبل التصالح مع جميعهم يف كتابه «الحداثة أخت التسامح» ،ومع دنقل خصوصاً يف كتابه الشهري «عم مسا ًء أيها الصقر املجنح». وقوفاً عند التجربة الشعرية لحلمي سامل ،هذي امللونة الجذابة، املتقافزة والناكصة ،املغرقة يف صوفيتها ،غموضها أحياناً، واستسالمها للمبارشة مرات، منحوتة الخصوصية رغم تعدد
حلمي سالم
األصوات واملرايا ،ستجدر هنا معاتبة النقاد والحديث بضم ٍري لتكريس الشعر من أجل تراجم أو بورتريهات شعرية مرتاح عن تقصري ورمبا ظلم نقدي ،لن يربره مجرد اتسام أو للتنويريني الرواد من أمثال طه حسني ومحمد عبده ورفاعة الطهطاوي ،فض ًال عن نابوليون والسهروردي وغريهم. اتهام حلمي سامل بغزارة اإلنتاج. فرغم الحضور الكبري لسرية صاحب «رساب الرتيكو» ال نجد أما التناص الشعري لدى سامل فتتسع مصادره ليشمل الرتاث حضوراً موازياً ملراجعات أو كتابات عن شعره ،لكن مثة مالمح العريب ،والعاملي ،والرتاث الصويف ،والديني وعديد املرجعيات، وهي املسألة التي يعدها كثريون سبباً يف اتهام تجربته يتقاطع ذكرها عند من تعرضوا للتجربة الشعرية لحلمي الشعرية ،يف مواضع كثري ٍة منها بالغموض. سامل ،ولو مجتزئني ،أبرزها عدم تقاطع تجارب حلمي سامل هذا ويضاف إىل كافة هذه التناصات ،تناصاته مع الواقع مع بعضها ،هذه التي ال تكرر نفسها وإمنا تندفع كل مر ٍة باتجاه التجريب ،والهرولة خلف مناطق بك ٍر يف الكتابة ،وهو اآلين رغم اشتعال املخيلة .فسامل الذي اعرتض يف مبدأ حياته الشعرية عىل التحام الشعري بالسيايس مختلفاً بذلك مع ما يؤكده الناقد د .صالح قنصوة بقوله إن «هناك ميزة يف بسنوات ليؤكد أن العيب هو أمل دنقل ،ارتجع بعد ذلك شخصية حلمي أنه جريء ومتهور ويالحظ دامئاً أنه يتحدى ٍ نفسه مع وجود خطوة مختلفة يف كل أعامله الجديدة وهو انفصال الشاعر عام يحوطه من خرائب ،من هنا كان ديوان «سرية بريوت» 1986املكتوب عن الحصار اإلرسائييل للبنان ما يسبب الجهد للناقد» ،مضيفاً «حلمي سامل ليس مجرد ،1982مروراً بـ«تحيات الحجر الكريم» املكرس لالنتفاضة مجموعة قصائد فهو شاعر مبتكر ومغامر ويفرض عيل الفلسطينية مطلع األلفية الثالثة ،ومروراً «بحاممة عىل بنت املتلقي أن يكون مثله». ً جبيل» هذه القصيدة ،وصوال إىل الثورة املرصية التي ردت وعندئ ٍذ يتفنن حلمي سامل يف السخرية من مسألة سامل للشعر السيايس املفرط يف غنائيته ،والناكص يف شكله إىل الشكل الشعري ،فيتقافز بني القصيدة التفعيلية حد االلتصاق بالوزن والقافية ،كان هؤالء جميعاً ويف الوسط وقصيدة النرث التي يعد أحد أبرز كتابها ومنظريها منهم ديوان «الشاعر والشيخ» رسداً معلناً اللتزام الشاعر أحياناً ،وصوالً أو نكوصاً إىل قصيدة العمود ،أما بالهم العام ،سواء بالثورة أو باملقاومة أو حتى باإلصالح. املضمون فمركز لعبه الدائم ،وهو حياله أكرث جرأة مل يتوقف البعض عند اتهام حلمي بالغزارة الكمية وما يرتبط ومفاجأة وابتكاراً ،فكم توقف شعراء أسبق وتالني لصاحب «رشفة ليىل مراد» أمام هذا املقطع من ديوانه بذلك من كلفة كيفية ،فأياً كانت الظروف مل يكف حلمي عن الكتابة ،حتى لو كلفه ذلك ما وصفه يف أحد حواراته «مدائح جلطة املخ» مشدوهني من فرط الجدة والجرأة بالرضيبة العاجلة ،التي تجعله ملتحفاً بالهم العام ،ويف واإلنسانية فائضة الهشاشة« :القدم التي دبت طوال السياق هذا يقول الشاعر أحمد عبد املعطي حجازي ،واصفاً عامني /من ميدان الرماية إىل التجمع الخامس /كيف حلمي سامل بأنه مرشوع متكامل« :فال يصح أن نحكم عليه النت فال تقوى عىل السعي بني سجادة ومخدة؟/ مبا يقع يف أيدينا منه ،ألن حلمي سامل ال يقف عند حد وال واللسان الذي قىض الليل كله /يقيس حوض أنثاه/ يكف عن تجربة ما يخطر له ،وال ميزق ما يتوقع أال ينال بكمية املسام بني عظمة وعظمة /،كيف التوى /فال الرضا من تجاربه ،بل ينرش كل ما عنّ له أن يكتبه ،ألنه يراه يجيد الفصل بني الكاف والنون؟». لبنة يف مرشوعه ،وألن الحكم عيل العمل التجريبي يتغري، أيضاً مائ ٌز بشعر حلمي سامل فكرة تعدد األصوات وحضور فالذي ال يقبل اليوم من أشكال الفن قد يصبح هو املفضل اآلخر والتناص كذلك ،فليست فقط أسمهان ولييل مراد ،وال غداً أو بعد غد» .ويبقى ما أورده حلمي عن نفسه قائ ًال: أمل دنقل ،وجابر عصفور ،وفريدة النقاش ،وراشيل كوري، «أنا أكتب حيايت وعيني باستمرار عىل الشعر .أعترب ّأن غزاريت وصوالً إىل جيفارا ،كانوا غزاة قصائد حلمي سامل ،سيمتد األمر ميزة وإن كان البعض يرى فيها بعض العيوب .لكن امليزة يف ديوان «الغرام املسلح» الذي كان نتاج رحلته لباريس أحب الشعر والتجريب ،وأكتب حيايت وتجاريب الكربى أنني ّ عام 2005والتوقف عند التباس العالقة بني الرشق والغرب ،الكثرية الغنية والخصبة التي بعضها شعري» issue (4)- September - 2012
57
ملف
حلمي سالم
الشاعر يطل من شرفة الهامش جهاد هديب
مل
ولديه وجهة نظر متبلورة تجاه محيطه املرصي والعريب يكن حلمي سامل ،كحال الكثري من الشعراء املرصيني إمنا يف الوقت نفسه مل يكن لذلك عالقة بالقصيدة من حيث والعرب ،شاعر حكمة أو تعاليم ،بل ينتمي إىل أولئك هي تخييل وصور ،بل بالشعر بوصفه موقفاً فردياً ،أي أنه الشعراء الذين ميارسون الشعر بوصفه صنعة وحرفة ،أي جزء من نسيج «سياسة» الشعر ذاتها وليس من دور الشعر حداثة ،فال إلهام وال وجود أص ًال للوادي الشهري «عبقر». ووظيفته؛ فالشعر ،يف أصله ،لدى حلمي سامل ،هو طريقة حلمي سامل ،واحد من أولئك الشعراء الذين ف ّكوا رباط ُّ يحل بها املرء اشتباكاً جوانياً مع ذاته بهدف الوصول إىل الشعر من َو َتد التقليد واالتباع والوظيفة والدور والطبقة تصالح من نوع ما ،نسبي ومؤقت ،مع هذه الذات ومع ذلك واملرتبة وتركوا له أن مييش ،هكذا ،يف اليومي والعادي واجه بالقدر ذاته من العدوانية التي والبسيط واملبتذل ،بل وتركوا له أن يخوض يف األسافل .كان العامل الذي ينبغي أن ُي َ يبديها تجاه أي شخص ،ذي حساسية خاصة ،منذ طفولته انتامء هذا الشاعر لقصيدة النرث العربية عميقاً وسعى إىل أن يجعل من هذه القصيدة أكرث قرباً إىل الناس وإىل «الفهم حتى رحيله .بالتايل ليس الشعر هنا سوى موقف فردي بوصفه كتابة قصيدة وإشكالية معرفية عويصة لجهة الشكل العادي» ،ورمبا ،يك ال أقول الساذج والبسيط ،وبذل ذلك بكل ما فيه من روح وإحساس بالقرب من الناس يف عيشهم واملضمون والراهن األديب والسائد يف مجمل الحراك الثقايف باملعنى العميق للكلمة. وحياتهم. ً ً من جهة أخرى ،ويف أتون ذلك وهذا هو األهم ،فعندما و َمنْ يتأمل قليال يف شعر حلمي سامل ،وتجربته إجامال، ينزع الشاعر الحدايث حلمي سامل إىل قول الذات ورسدها قد ُيدرك ّأن الشعر عنده يبدو شخصية مدينية مرصية أحواالً ومقامات ويق ِّلبها عىل أوجهها، متيش بخطى واثقة يف الشارع ن يتأمل شعر حلمي فإنه ينتهك أرسارها ويع ّريها ويسبب لها اديو املرصي حيث املقهى والر َم ْ فضيحة «شعرية» عىل املأل ،حيث الكتابة وأحاديث األسافل والهامش أن الشعر وتجربته يُدرك ّ تصري هنا خارجة عن مألوف ،أي كتابة ولهجته ولغته وكذلك كشك شخصية يبدو عنده تقليدية أو راهنة بل هي عىل قطيعة بيع السجائر والجرائد والكوبري مدينية مصرية تمشي معرفية معهام شك ًال ومضموناً لسبب وسائر العنارص األخرى الحية كامن يف مخيلة الشعر وسياسته معا. والجامدة ،النفسية واملادية، بخطى واثقة في الشارع حيث المقهى يحدث ذلك ،رمبا ،ألن مصدر الكتابة ملا التي يتألف منها الشارع هو خارج الذات بوصفها كياناً ح ّياً قامئاً املرصي بكل أبعاده االقتصادية والراديو ً منفصال عن الشاعر ،إذ تصري هي الشخص واالجتامعية والسياسية ،بحيث مارس ذلك شاعراً ومثقفاً ملتزماً السارد يف القصيدة وليس الشاعر ،أي أن
58
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
مصدر الكتابة هنا هو الهامش وليس املركز ،إذ ال صبوة لدى شاعر حدايث مهام بلغت شهرته أو موقعه االجتامعي يف أن يصري شاعراً يف املنت أو املركز أو حتى يف املدونة الشعرية العربية واملحلية املعارصة التي ُتكتب «اآلن ،وهنا» ،وذلك عىل العكس متاماً عن ما كانت عليه حال الشاعر العريب قبل االسالم ،أو يف عصور االزدهار الحضاري والثقايف العريب. ما كانت هذه املقدمة لتكون لوال تلك القصيدة -الفضيحة، فضيحة الوعي السائد وليس فضيحة الشعر أو الشاعر، التي أدت إىل إتخاذ السلطات الثقافية املرصية قراراً سياسياً بإيقاف مجلة «إبداع» شتاء العام 2007وكان يرأس تحريرها آنذاك أحمد عبد املعطي حجازي أحد أكرب الشعراء املرصيني نقداً لقصيدة النرث وتسلطاً عىل حداثتها عىل نحو سلبي. كانت تلك «رشفة ليىل مراد» ،فتقدم الشيخ يوسف البدري، عضو مجمع البحوث اإلسالمية باألزهر ،بدعوى قضائية ضد وزير الثقافة املرصي آنذاك فاروق حسني واألمني العام للمجلس األعىل للثقافة عيل أبو شادي مطالباً إياهام بتنفيذ قرار سحب جائزة كانت قد ُمنحت لحلمي سامل ب«دعوة إساءته للذات االلهية» .إال أن هذا القرار الذي صدر بالفعل د ُِح َض قانونياً ألن املدّعى عليهام مل يصدرا قراراً مبنح حلمي سامل الجائزة ،ذلك أن القرار قد جاء من لجنة مختصة يف املجلس األعىل للثقافة وبناء عىل عملية تصويت بني أعضائه. غري أن حلمي سامل رأى ،باملقابل وبحسب ما أثري من ضجيج ولغط حول القصيدة ،أنه قد حصل عىل الجائزة بالفعل. غري أن وزارة فاروق حسني تقدمت بالطعن عىل اعتبارها «كدعوة للتنوير ومحاربة الظالمية التي توقف كل عمل إبداعي» ،يف حني استقر أمر املجلة عىل الغياب األبدي.
والحال أن القصيدة مل تكن قصيدة واحدة ،فهي عدد من القصائد القصرية التي من املمكن قراءة ٍأي منها مبعزل عن األخرى كام هو دأب حلمي سامل يف كتابة القصيدة «اليومية» ،كام ُتسمى ،وهي التي كان واحداً من مؤسيس اتجاهها والتنظري لها يف مرص إىل ح ّد أن تجربته قد متيزت بطريقة خاصة يف كتابة هذه القصيدة. ورمبا أن ما أثار حفيظة الرجل املدّعي بسبب نرشها يف «إبداع» ،هو ما جاء عىل ذكره حلمي سامل يف مقطعني من القصيدة حمال العنوانني :األحرار والطائر ،ويتواجدان يف القصيدة عىل التوايل ولهام املزاج الشعري نفسه الذي واصل من خالله الشاعر ذلك النسق الكتايب للقصيدة. غري أن ما ينبغي مناقشته مرة أخرى ،وقد رحل الرجل ومل يرتك وراءه سوى ما كتب ،هو أن الشعر املتأخر يف كتابة حلمي سامل ،كام ورد يف سياق هذه السطور ،انطوى عىل ً نزعة نحو لغة الشارع املرصي بتنوعها وتعددها ،بل أيضا يف اختالفها العقائدي ،فام رآه صاحب األزهر يف شعر حلمي سامل من وجهة نظر بعينها ليست هي التي من املمكن أن ُيحاكم من خاللها رجل دين مسيحي ما ورد يف املقطعني، مبعنى أن الشاعر هنا ،وهو جريء بالفعل ،كان يستفيد من هذا التنوع والتعدد املرصي سواء عىل صعيد اللغة أم عىل صعيد األفكارّ . يدل عىل ذلك معجم حلمي سامل يف «رشفة ليىل مراد» ،وكذلك مخيلته الغرائبية التي تجمع الحيس إىل التجريدي والنفيس والحلمي إىل املادي يف سياق رسدي ينطوي عىل عالقات صادمة ومباغتة بني األشياء والعنارص التي تتألف منها القصيدة issue (4)- September - 2012
59
تجارب
جمعة الفيروز
كائن القول الشعري ّ تحق ٍق لقصيدة جديدة تقوم على جمعة الفيروز شاعر يشي بالتحوالت األكيدة في الشعر اإلماراتي نحو
اإلدهاش ،والتخييل ،والفجأة ،والتفجير.
سامح كعوش
سأصيح
باألطفال يف أول الشارع يك يف ّروا من سؤايل أرميهم بصور ٍة ّ مرشعة عىل القلق املتجدد
60
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
سأنصت
إىل لعناتهم من يقرفص عارياً فوق أسالك الكهرباء يحب الذئاب» ومن ُّ
جمعة الفيروز
عند
املمثل الفرد يف املرسحية املونولوج ،وهو «يصيح ..يف ّر األطفال يف أول الشارع» ،وهو «يرميهم بصورة ّ مرشعة عىل القلق املتجدد ..يف ّر األطفال يف أول الشارع» ،ثم هو نفسه الذي «ينصت إىل لعناتهم» ،وهو الذي «يقرفص «يحب الذئاب». عارياً فوق أسالك الكهرباء» ،وهو الذي ّ
تناول ظاهرة املتغري يف الشعر اإلمارايت ،أو يف تحوالت الحياة نفسها يف اإلمارات ،وما ارتبط بها من متحول شعري وداليل ،ال ميكن إال أن يقفز إىل أول القول شاع ٌر هو جمعة الفريوز ،كرائد من رواد قصيدة الحداثة يف اإلمارات يف شكلها النرثي «كشكل أكرث ارتباطاً باملتغري واملتحول يف املبنى واملضمون معاً ،وكقالب أويل لكل متغريات الكتابة الشعرية الالحقة ،وصوالً إىل بدايات الفجأة واالدهاش العرشية الثانية من القرن الحايل» ،وهو الذي عاش يف هذا الشاعر الذي يكتب الشعر كآخر ما نكتبه اآلن، نصه ما عرفته الحياة من تحوالت يف حركتها ورسعتها وهو يسبقنا زمنياً مبا ال يقل عن خمس عرشة سنة ،هو وميولها العبثية أحياناً واالنتقائية املزاجية الحادة أحياناً الشاعر الذي تتجىل يف تجربته تحوالت الحياة املعارصة، أخرى ،بل وقرأ هذه التحوالت يف فرتة مبكرة منذ النصف والراهن الشعري عربياً وعاملياً يف شكله اإلمارايت ،فهو الثاين من تسعينيات القرن املايض ،وبينهام استطاع منفرداً يقع يف الفجأة ،وهي عنرص من عنارص قصيدة النرث ،ال أن يدخل غايات كائنات جامدها ،حتى «جدران غرفته ميكن لها أن تنكتب دونه ،هذه الفجأة التي تكرس منطية املريضة الواقعة يف الصمت» كام يرد يف إهدائه القصيدة الرسد وتبعرث ترتيبه وتكشف عجز آلياته القولية املنربية، التي كتبها يف السابع من شهر آب /أغسطس من العام كام «كان يا ما كان ،يا أهلنا يا كرام» ،فهنا الشاعر مل يعد « ،1998تفاعالت» من مجموعته كائن القول والصوتيات العالية، ً الشعرية «ذاهل يف الفكرة». إال حني يكون الصوت أداة توصل جمعة تجربة في نجد فألن أما ملاذا جمعة الفريوز، إىل الصمت ،أو هو أداة الفجأة متغري الحياة أسهم يف تشكيل واإلدهاش ،كأن يكون الصياح إشار ًة الفيروز شاعر ًا يقفز تجربته ،وألنه كان األكرث اقرتاباً إىل األسئلة املخنوقة واملؤجلة، الشعر مساحات في من هذا املتغري حتى أنه حاز وأن يكون الرمي ال بالحجارة وما ً الريادة فيه ،عىل مستويات يصاحبها من صوت أيضا «صوت كممثل فوق خشبة اللغة، املبنى :أنساق الشكل، ارتطام وتحطيم» ،بل أن يكون المسرح ،ثم كمخرج املفردة ،القول ،واإلشارة ،ثم الرمي بصور ٍة مرشع ٍة عىل القلق يشير هنا وهناك مستويات املعنى :املضمون، املتجدد ،ثم يخلو املشهد الشعري والداللة والتأويل ،حيث استطاع إال من الصمت ،من شكل شاع ٍر ً من خالل شعره أن يؤنسن أشياء مجنونٍ ال يصيح يف الناس سائال عن بل كأنثى، أو كإنسان، يخاطبها الحياة الجامدة أص ًال ،وأن لياله ،بل يصدمهم مبشهد الفجأة ،عنرص اإلدهاش ،كأن أن ميزجها معاً يف خلطة عجائبية تشع نوراني ًة يف الداللة نتخيل معاً صورة املقرفص عارياً فوق أسالك الكهرباء ،أو يحب الذئاب. البعيدة واإلحاالت املتوامئة واملنسجمة متاماً مع التحوالت من ُّ يف الحياة وأشيائها املعارصة والحديثة جداً. وألن الفجأة تقتيض التحول يف عالقات اإلسناد واإلحاالت نجد يف تجربة جمعة الفريوز شاعراً يقفز يف مساحات اللغوية ،ينتقل الشاعر من حضو ٍر لألنا يف مطلع املقطع، الشعر كممثل فوق خشبة املرسح ،ثم كمخرج يشري بيده حيث أصيح «أنا» ،أرميهم «أنا» ،أنصت «أنا» ..يقرفص إىل هنا وهناك موحياً بالكثري ،كأن يتدخل يف األصوات الذئاب «هو» ،يقول جمعة الفريوز يف يحب َ «هو»ّ ، وطبقاتها ،واألضواء ومستويات خفوتها وإرشاقها ،أو هو قصيدته «تأمالت»:
issue (4)- September - 2012
61
تجارب
يف الجاهلية األوىل إىل املنربية الشاعرة يف أواخر القرن «سأصيح باألطفال يف أول الشارع ّ العرشين ترصخ مبا غادره الشعراء ولكن خلدوه يف أمناط يك يف ّروا من سؤايل الشعر الالحقة إىل يومنا هذا ،وهنا يستوقفنا مجرد أن أرميهم بصور ٍة ّ مرشعة عىل القلق املتجدد نتأمل يف لوح ٍة يرسمها شاع ٌر مثل جمعة الفريوز ،أن سأنصت إىل لعناتهم نعرتف بأن هذا ما ييش بالتحوالت األكيدة يف الشعر من يقرفص عارياً فوق أسالك الكهرباء اإلمارايت نحو تح ّق ٍق لشعر جديد يقوم عىل اإلدهاش، يحب الذئاب». ومن ُّ ٌ جميل يعيد اب والتخييل ،والفجأة ،والتفجري ،كام خر ٌ يعيد جمعة الفريوز كتابة النص الشعري ممرسحاً ،متاثراً تعريف عالقتنا بالشعر والحياة معاً. بتقنيات عالية مستجدة عىل مشهدية الشعر ،يستعريها يستوقفنا هنا أن نتخيل هذه الحبيبة يف الجدار ،أم من ما ذهبت إليه التقنيات الرقمية واستعامالت الضوء والظل يف املشهد املمرسح واملكتوب شعراً ،فها هو يخلق الحبيبة الجدارية املالمح ،أم هي صورة الجدران /الحبيبة معاً ،وما بينها وبني الشاعر من ألفة وانسجام ،كأن بينهام شخصيات مرسحه يف نصه الشعري ،ويتبادل معها أدوار موعداً للعشق ،أو كأننا أمام سينوغرافيا مرسحية عالية البطولة ليؤكد حضورها حيناً ،أو يلغيها أحياناً أخرى ،بل الدقة ،يعمد إليها شاع ٌر إمارا ٌّيت رائد ليؤكد لنا أن ما ليعرض لنا مشهديات الشعر بأشكال حداثية جديدة، يرتكبه من شعر ما هو إال الحياة نفسها ،ولو كانت الحياة إذ يجعل من الجدران إطاره للوحة تتشكل عىل مهل، عدمها كام اكتشفها قبله ماالرميه الذي قال «ﺑﻌﺪ أن ولكن مقتضيات رسعة العرص تحتم عليه أن يقول «عىل ﻋﺮﺜت ﻋﻰﻠ اﻟﻌﺪم ،ﻋﺮﺜت ﻋﻰﻠ الجميل» ،وما قصده ماالرميه غري مهل» ،كأنه يف استعجال أمره ،وحركة خلقه الشكل هو الحفر يف الكلمة وإمكاناتها والطاقات الخالقة الكامنة الجديد للشعر مبرسحته وتأطريه وفتحه بالنوافذ وإغالقه فيها ،كأننا بالشاعرين يشريان إىل متحول الداللة ،وهو باألقفال الصورية يستعريها من لغة وتقنيات الفيديو، املتحول األول واألبرز يف التجربة الشعرية اإلماراتية كأن يصل بنا إىل فجأة مخيفة ولكنها حقيقية يف عرص ما بعد الحداثة ،أو زمن اللهاث ،يصل بنا إىل قوله« :يفاجئني املعارصة. ً صخب العامل ..يتس ّل ُل إىل ذاكريت وسط ضياع شامل» ،كأنه ولكنّ الشاعر وحبيبته الحجرية /الجدارية معا ينكران ُ ٍ ذاكرتهام باإلشارة الرصيحة إىل ذاك املوت املرتبص بنا ،يف يعلن زمن املحو للذاكرة والشخوص وأشيائها ،بل يعلن ماض أليم، مقولة «الوأد والقتل» ،كأن شباكاً ينفتح عىل ٍ زمناً يرمينا يف الضياع الشامل والتشظي للذات الشاعرة. ليبدو هذا املتغري يف الذهنية الشعرية جلياً وقوياً ،إذ يقتيض التحول األول فينا أن نستعيد متحول الداللة هذا املايض لنشجب أخطاءنا فيه، يخاطب حبيبته /الجدار/ يعيد جمعة الفيروز نستعيده لننكره ،كأن شباكاً يوحي الجدران األربعة لغرفته هارب عربه لنا بقاف ٍز منه منتح ٍر ،أو ٍ كتابة النص الشعري املوصدة عليه كأنه العامل إىل املجهول وبال عودة ،يقول جمعة بذاته ،أو كأن ذاته اختصار ممسرح ًا ،متاثر ًا الفريوز يف نصه «تفاعالت»: مأزق العامل ،وال ّ شك يف أن ذلك إشارته الواضحة إىل املتحول األبرز يف الشعر اإلمارايت من الفردية القائلة بلسان الجامعة والقبيلة ،من املنربية الشاعرة منذ الشعر
62
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
بتقنيات عالية مستجدة على مشهدية الشعر
عىل غري مهلٍ كنت عىل موع ٍد معي ِ قرب شباك «املوءودة سئلت».
يدمج جمعة الفريوز بني الحبيبة الكائن والجدار ،ويوقع املتلقي يف فخ املخيلة
جمعة الفيروز
الفنان حسني عبد الرحيم
والسينوغرافيا ،باملشهديات املتسارعة املزدحمة ،بالتوتر العايل يف النفس الشعري ،بتزاحم املفردات والصور، واالنتقال الرسيع الحركة من ضم ٍري إىل آخر ،ومن حالة إىل أنت ونحن ،وغائب وحارض ،ومخاطب ومتكلم، أخرى ،بني ِ ومفرد وجمع ،حيث نجد يف نصه األنثى /الحضور، يخاطبها ويسند األفعال الرئيسة إليها« ،تسمعني األخطاء.. تديرين د ّوامتك ..اتريك الباب يتوارى خلف عوراتك ..اتريك بك» ،ثم يأيت الغائب بضمريه املنسجم املاء الذي ُغمر ِ مع حركة الرقص لألنثى ،بني الحضور والخفاء ،بني الشكل والظل ،يأتيها هذا الغائب «هو» ،يأيت لي ّكون ذاكرتها محرراً إياها من «قيظ العادات» كام يسميه الشاعر، هذا القيظ القاتل الذي نشهد أن تحوالً بارزاً طرأ عىل تناول الشاعر اإلمارايت لقضيته ،يف ما أسميه «تحوالت الرمل» ،حيث نشهد تحرراً واضحاً من هذا الوزر ،هذا الخطأ الجغرايف القاتل ،والذي تشتد وطاته عىل إنسان
هذا املكان حتى لتكاد تقتله ،ولكن املتحول هنا يقتيض املاء ،عنرص الحياة ،ليكون ماء األنثى ال ماء الحزن ،وبه يتم فعل االغتسال من اإلثم «الجغرايف طبعاً» ،كأن هذا الخلق يتمرسح عىل خشبة الوجود عرب دوامة تخلقها األنثى /الجدار ،الحجرية يف تحوالت الرمل ،ليعيش الشاعر ومحبوبته ما شاءته لهام اللحظات من شغف وما أثارته فيهام من أهواء ،يقول يف النص نفسه:
«تسمعني األخطاء تديرين د ّوامتك من جديد اتريك الباب يتوارى خلف عوراتك بك قبل أن تهطل األحزان واملاء الذي ُغمر ِ ذاكرتك من قيظ العادات ها هو يك ّون ِ ننظ ُر السابعة إىل ما نشاء من الساعة نتحسس األهواء فينا»
issue (4)- September - 2012
63
حوار
الشاعر الليبي إدريس بن الطيب
كتبت في السجن ُ ألعرف أنني مازلت حي ًا تمتد تجربة الشاعر إدريس بن الطيب على مساحة زمنية عربية شهدت تقلبات عديدة ،من اإليديولوجيا إلى سقوطها ،ومن وضوح في الرؤية وصرامة في تصنيف العالم إلى حال من
االختالط والضبابية في الصورة .مع ذلك احتفظ هذا الشاعر ،الذي لم يتح له أن تتنقل كتبه
بين الجغرافيات العربية ،بموقعه كشاعر أصيل في المشهد الشعري العربي
حوار :خلود الفالح
عم تبحث من الكتابة وماذا تريد منها؟ َّ الكتابة فعل كغريه من األفعال ،ميكنأن يكون بنّاء حني يستند إىل رؤية واضحة لطبيعة الدور الذي يؤديه الكاتب يف سياق الحياة اإلنسانية ،وميكن أن يكون عبثياً حني يكون مرتبطاً مبركزية الذات ومنفذها للتعبري الفردي الذايت املنفصل عن طبيعة الواقع املوضوعي املنتج لفعل الكتابة ،أنا شخصياً أبحث من الكتابة عن القيام بدور يف سياق إعادة صياغة العامل وخلقه من جديد عرب رؤية شعرية إنسانية ترتكز عىل الحق والجامل والعدالة والسالم.
زنزانة كربى ..زنزانة صغرى
نص مكثف يف قصائد ديوانك «كوة للتنفس» حالة تأمليةّ ، شكل رسدي .هل بدأَ ْت من هنا ل ْقط ِتك الشعرية تبحث
64
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
لنفسها عن براح أوسع من قضية السجن والقومية؟ ديوان «كوة للتنفس» الذي كتب يف روما بعدالخروج من السجن حيث كانت روما هي كوة التنفس التي كنا نفتقدها يف الزنزانة ،النص فيه أصبح أكرث هدوءاً وأقل نزيفاً من نص السجن، محور الهموم فيه عامة ،لكن صياغتها كانت ذات مدخل ذايت ،عرب تأمل التفاصيل الصغرية الكامنة يف الحياة الجديدة ويف مدينة زاخرة بالتاريخ والجامل .لكن كان السجن موجوداً حتى يف هذه النصوص. ومل يكن بالنسبة يل سجناً فردياً ذاتياً ،كان سجنا لوطن ال يزال قامئاً حتى بعد خروجي الفيزيايئ من الزنزانة ،مل تكن اللقطة الشعرية -كام ورد يف السؤال -تبحث عن براح أوسع من قضية السجن ،بل كانت تعبرياً مكثفاً عن رؤية الزنزانة الكربى من خارج الزنزانة الصغرى. أما مسألة القومية فليس لها دخل يف قصائدي إال من زاوية
إدريس بن الطيب
أدونيس كان دائم ًا من الذين يحتقرون السياسة.هؤالء الشعراء وقعوا في مأزق مماألة الطغيان، أو في أفضل الظروف السكوت عنه
الحق أو الظلم أو االستبداد أو الدفاع عن حرية اإلنسان أياً كان. «تخطيطات عىل رأس الشاعر» ديوانك األول .حدثني عن عالقتك بكتبك الشعرية؟ تخطيطات عىل رأس الشاعر كان هو الديوان األول ،بدايةمتواضعة ومشجعة ،كان االنطالقة والتعميد.
إنسان آخر ..قارئ آخر
من هو القارئ الذي يبحث عنه نصك الشعري؟ القارئ الذي يبحث عنه نيص هو اإلنسان ،بإطالق اإلنسانالواقع تحت وطأة الحروب والقتل والدمار وانتهاك الحقوق واالستبداد السيايس والتدمري املستمر وشبه املتعمد ملحيطنا األريض ،والجوع والفقر واملرض. أبحث عن اإلنسان الطفل الذي يتحتم عليه خلق كرة أرضية جديدة بقيم جديدة. عادة ما يقهر السيايس الشعر .كيف تربر وجودك يف السياسة ويف قيادة الحزب والشعر؟ معضلة التناقض املوهوم بني السياسة والشعر مل تعدموجودة ،فكافة أنشطة اإلنسان هي تعبري عن هويته،
والشاعر يف السيايس رصيد مهم لتحقيق عمق الرؤية يف التحليل ،كام أن السيايس يعطي للشاعر فرصة لتحقيق تعينّ فعيل وواقعي ملبادئه الشعرية اإلنسانية ،املهم أال يكتب الشاعر قصيدته بلغة السياسة ،وأال يكتب السيايس بياناته السياسية بلغة القصيدة. الشعر يف حقيقته ليس هو النص املكتوب ،إنه رؤية كامنة يف عمق التصور للعامل مثله مثل الزُبد الكامن يف ذرات الحليب من دون أن نستطيع رؤيته يف حالته تلك .ومحاولة خلق معركة بني السياسة والشعر كان مبعثها يف بداية انطالقتها عزوف الشعراء أصحاب التوجه الفرداين الرنجيس عن مامرسة السياسة خوفاً أو تعالياً ،وقد أثبت الواقع املوضوعي بعد ذلك أن قصيدة ما ملحمود درويش مث ًال هي سالح سيايس من أقوى األسلحة يفوق تأثري أي بيان سيايس مبارش ،كام أن هذا النوع من القصائد ال يغني من جهته عن رضورة وجود تصور سيايس واضح ومحدد وغري ضبايب عن طبيعة املامرسة السياسية. برأيك هل استجاب الشعر الليبي للحالة الثورية يف ليبيا واملنطقة؟ الحالة الثورية يف ليبيا الزالت يف مراحلها األوىل ،هي فقطختمت مرحلة النزيف الدموي املبارش ،الزال التوتر والهياج issue (4)- September - 2012
65
حوار كان مجرد الحديث عن السجن يعتبر عم ً ال عدائي ًا ضد الدولة وقد صادر وزير في عهد القذافي صحيفة لمجرد أنها تحدثت عن سيرتي الذاتية بما فيها مرحلة السجن
املصاحب لحرب التحرير مريراً من ج ّراء استبداد ال مثيل له وهذه الحالة هي سيدة املوقف ،هنا ميكن أن نتغنى باملبادئ واألهداف العامة يف سياق عاطفي ،أما القصيدة الحقيقية التي تدخل يف صلب وأعامق حالة التحول هذه فال زالت جنيناً حتى اآلن. ولكن قرأنا شعراً عن االنتفاضة الفلسطينية؟ االنتفاضة الفلسطينية أصبحت جرحناالقديم خالل أكرث من ستني عاماً ،والربيع العريب مل يبدأ يف الحبو بعد .ومن سامت الحالة النفسية املرافقة للربيع العريب التعجل وانعدام الصرب والرغبة يف قطف الثامر مبكراً.
أدونيس والكوين
هاجم أدونيس الثورات العربية واعتربها ارتداداً وانبثاقاً للسلفية والفوىض والروايئ إبراهيم الكوين أثار ذلك أيضاً. كيف ترى أنت املسألة؟ أدونيس كان دامئاً من الذين يحتقرون السياسة ،رمبا خوفاًمن عواقب مامرستها ،كان من أولئك الشعراء الذين ينزهون قصائدهم عن أدران السياسة وقد أدى الحال بهؤالء الشعراء أن وقعوا يف مأزق مامألة الطغيان أو يف أفضل الظروف السكوت عنه .أما إبراهيم الكوين فقد كان دامئاً ينصحني بالرتفع عن السياسة وعدم تضييع وقتي يف مامرستها ،ويعترب أنني قد ضيعت عرش سنني من عمري يف السجن من دون فائدة ،بالرغم من أن نظام القذايف يقدم حتى آلخر الواقفني يف الطابور كل املربرات لالحتجاج .لقد فضل إبراهيم الكوين االختباء يف أساطري الصحراء أيام القذايف ،وفضل االختباء وراء «فوبيا السلفية» بعد وفاة القذايف .ارتباط الكوين بالقذايف كان عاطفياً ومالياً ،وأعترب أن موقفه من ثورات الشعوب العربية موقف مخجل جداً خصوصاً عندما يزعم -يف الوقت ذاته -أنه أول من أسهم يف الدعوة إىل الثورة يف ليبيا.
«يف غابة السجن يزدهر العمر فوق ركام الذبول/ وتبعث أيامه حية من رماد الرماد /كيف ال يستقيم
66
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
العناد /هذه غابة النار ،كم يتلوع يف جوفها العاشقون».
القذايف شخصياً
قصائد ديوان «مرافعة السيوف» كتبت يف عدد من السجون الليبية. حول الوطن والحرية وثقل ساعات السجن .ماذا تقول؟ ديوان «مرافعة السيوف» يحتويمجموعة من القصائد التي أبقيتها من دون نرش ألكرث من عرشين عاماً بسبب حدة لغتها وحساسية مواضيعها ،قصائد تطال القذايف شخصياً وهو األمر الذي كان يعترب يف ليبيا أقرب وأسهل طريق إىل التصفية ،ثم حاولت بعد مرور هذه املدة تقدميه للنرش متوقعاً أن الرقابة سوف متنع نرشه ،لكنه م ّر بسهولة من ثقب الرقابة لسبب عدم الرتكيز واالهتامم ،ثم اكتشف القامئون عىل الثقافة أيام القذايف خطورة الديوان فأبقوه يف املخازن باستثناء أعداد قليلة تم توزيعها ،وعيل سبيل املثال مل يكن باإلمكان قبل هذا الديوان أن تحدد يف نهاية القصيدة اسم السجن الذي ُكتبت فيه القصيدة ،كان مجرد الحديث عن السجن يعترب عم ًال عدائياً ضد الدولة وقد صادر وزير الثقافة يف عهد القذايف صحيفة عربية ملجرد أنها تحدثت عن سرييت الذاتية مبا فيها مرحلة السجن. كيف ميكن أن تكون الكتابة مالذاً وحامية من املوت؟ الكتابة فعل حياة ،تتنوع تأثرياته ومهامه وطبيعة ما يؤديهمن دور ،يف السجن تكتب من أجل املقاومة والتامسك الذايت لتسمع أنت صوتك ولتعرف أنك مازلت حياً ،أما يف السجن الكبري ،الذي هو الوطن ا ُلمداَس عليه باالستبداد ،فتكتب من أجل حياة أفضل وغ ٍد يضمن الكرامة اإلنسانية والحقوق الطبيعية للبرش ويحقق العدالة واملساواة بني املواطنني. الكتابة يف ليبيا كانت هي أقىص درجات الفعل السيايس املمكن وليس الثقايف فقط ،فحيث ينعدم الهامش السيايس للفعل يصبح النص املكتوب هو رصاصتك الوحيدة املمكنة
مختارات
قصائد النشوة
للشاعر الهندي :كبير ترجمها عن اإلنكليزيّ ة :عاشور الطويبي
كبري مل يعرف إال بهذا االسم ،يعتقد أنه ولد عام 1440ميالدي الرسة مسلمة بالقرب من مدينة بينارس بالهند .يف سن مبكرة صار مريدا لرامامناندا الراهب الهندويس الشهري .كبري مل يكن راهبا أو زاهدا ،فقد تزوج وكان له عدد من األبناء وامتهن حياكة املالبس. نسجت الكثري من الحكايات عنه ،وبقيت أشعاره وأغانيه خالدة .وتقول احدى الحكايات :عند وفاته اختصم أتباعه من املسلمني والهندوس يف طريقة دفنه .املسلمون قالوا يدفن عىل الطريقة االسالمية ،والهندوس قالوا بحرقه عىل طريقتهم. وفيام هم يختصمون ،ظهر لهم كبري وقال لهم أن أفتحوا التابوت ،وعندما فعلوا ذلك وجدوا مكان الجثامن كومة كبرية من األزهار ،فاقتسموها بينهم .املسلمون دفنوا نصفها والهندوس أحرقوا النصف الباقي. issue (4)- September - 2012
67
مختارات
آت البستا ّين ٍ أح ُّب َك ف ِّكر يف األمر بعناية! َ وقعت يف العشق، إن لِ َم َ أنت نائم إذن؟ إذا وجد َته، نفس َك، ْ هب له َ ُخذه. لِ َم تفقدُ أثره م ّرة وم ّرة؟ ْإن َ كنت ستقع يف ُسبات عميق، لِ َم تهد ُر الوقت بإعداد الرسير وترتيب الوسائد؟ سيقول كبري َ لك الحقيقة: هذا حال العشق: لنفرتض َّأن عليك أن َ تقطع َ رأسك وتعطيه إىل أحد، ما الفرق؟ ْ أض َح ُك حني أسمع أن السمك يف املاء عطشان. لَ ْم تفهم حقيقة أن أكرث األشياء الح ّية هي داخل بيتك؛ ببرص مش ّوش لذا ٍ متيض من مدينة مقدسة إىل أخرى! 68
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
سيقول كبري لك الحقيقة: امض إىل حيث شئت إىل كالكوتا أو التبت؛ إذا مل تجد مكان اختباء روحك، لن يكون العامل حقيقياً أبدا! أيها الطالب، قم بالتطهري البسيط. تع َل ُم أن بذرة الكستناء يف داخل الشجرة؛ ويف البذرة أزهار الشجرة، والكستناء والظل. لذا يف جسد اإلنسان البذرة، ويف البذرة الجسد م ّرة أخرى. النار ،الهواء ،املاء ،والفضاء - الخفي، إذا مل ُت ِرد الواحد ّ لن تقدر حتى عىل امتالك هذه األشياء. أيها املفكرون ،اسمعوا، قولوا يل أليس ما تعرفون يف داخل الروح؟ حطوا ابريقاً مليئاً باملاء يف الداخل ماء ويف الخارج ماء. ال نعطه اس ًام، يك ال يبدأ الس ّذج الحديث مرة ثانية عن الجسد والروح. لو تريدون الحقيقة، سأخربكم الحقيقة: الخفي، استمعوا إىل الصوت ّ الصوت الحقيقي، الذي بداخلكم.
الشاعر الهندي :كبير
الواحدُ ال يذكره أحد إىل نفسه الخفي إىل نفسه، ينطق بالصوت ّ وهو الذي خلق ّ الكل. أتكلم مع محبويب، وأقول ،لِ َم العجلة؟ ّ لعل أرواحاً عاشقة للطري والحيوانات والنمل قد أعطتك هذا التألق يف رحم أمك. تهيم أيعقل اآلن أن َ يتي ًام متاما؟ َ نفسك الحقيقة أ ّنك أبعدت وق ّر َ رت الذهاب إىل الظلمة وحيداً. َ تورطت يف آخرين، ونسيت ما كنت تعرفه ذات مرة، لذا ما تعمله فيه بعض الخرسان الغريب. يا صديقي،
ليكن عندك أمل يف الضيف حي. وأنت ّ اقفز إىل التجربة حي! وأنت ّ ِّ ف ّكر ...وفكر... حي. وأنت ّ ما تس ّميه «انعتاق» ينتمي إىل وقت ما قبل املوت. إذا مل تقطع حبالك حي، وأنت ّ أتظن أن األشباح ستفعل ذلك الحقا؟ الفكرة أن الروح ستتوحد مع النشوة ألن الجسد متعفن- ٌ خيال ّ كل هذا. ما موجود اآلن موجود الحقا. إذا مل تجد شيئاً، حت ًام ستنتهي مبقام يف مدينة املوت. اغطس يف الحقيقة إذن، وتع ّلم من املعلم، آمن بالصوت العظيم! يقول كبري :عندما ُيبحث عن الضيف، فالرغبة الشديدة يف الضيف هي التي تقوم بكل العمل. انظر إ ّيل ،وسرتى عبداً لتلك الشدّة. أنا أعرف صوت ناي النشوة، لكن ال أعرف نايُ َمنْ . زيت وال فتيل. املصباح يشتعل بال ٍ issue (4)- September - 2012
69
مختارات
ال موصولة بيشء! تزه ُر الزنبقة عادة عند تفتح وردة تتفتح عرشات األزهار. رأس طائر القمر ممتلئ باألفكار عن القمر وال يشء سواه، وعند مجيء املطر فاملطر ّ كل ما يفكر فيه طائر املطر. من الذي نستهلك ّ كل حيواتنا يف محبته؟ آت! الرباعم تصيح« :البستا ّين ٍ اليوم سيقطف األزهار، غداً نحن!» يا فؤادي، استمع إ ّيل، الروح األعظم، املع ّلم ،قريب، استيقظ ،استيقظ! ارسع إىل قدميه - إ ّنه واقف قريباً من رأسك اآلن. لقد منت ملاليني وماليني من السنني. ملاذا ال تستيقظ هذا الصباح؟ قطعان من األسود مل يسمع عنها من قبل. وكذلك الطوابري الطويلة من البجع. الياقوت ال يأيت يف أكوام. الزاهد مييش يف الطريق وحيداً. ال توجد غابات تحتوي عىل أشجار الصندل فقط.بعض املحيطات ال تحتوي عىل لؤلؤ. الشخص الروحاين نادر يف هذا العامل. 70
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
ملاذا كالنا نريد الفراق؟ كام تحيا ورقة تطفو عىل املاء، نحيا كواحد كبري وواحد صغري. كام يفتح البوم عينيه طوال الليل مواجها القمر، نحيا كواحد كبري وواحد صغري. هذا العشق بيننا مييض بعيداً إىل أوائل البرش؛ غري قابل للهدم. ها هي فكرة كبري: كام يعطي النهر نفسه إىل البحر، الذي بداخيل يتحرك داخلك.
الشاعر الهندي :كبير
درب البهاتيك ُّ يلتف بطريقة ناعمة. عىل هذا الدرب ال تساؤل وال ال تساؤل. ببساطة األنا تتالىش لحظة تلمسه. متعة البحث عنه شديدة تكاد تغطس فيه وأن تسبح يف املاء كسمكة. إذا كان ألحد حاجة إىل رأس، يثب ليهب رأسه. العاشق ُ أشعار كبري تالمس أرسار هذا البهاكايت. لرنحل إىل البالد التي فيها يعيش الضيف! هناك الدلو ميتلئ باملاء ولو مل يكن هناك حبل. هناك السموات دامئاً زرقاء، رغم انهامر املطر عىل األرض. هل لديك جسد؟ ال تجلس يف السقيفة! ّ ومتىش يف املطر! اخرج هناك ميتطي القمر السامء طوال الشهر، ومن السخف أن نتذك َرّ شمساً واحدة فقط - هناك الضوء يأيت من عديد الشموس. بني الوعي والالوعي
وضع العقل أرجوحة: ّ كل كائنات األرض، حتى السوبرنوفا، تتأرجح بني تلكام الشجرتني، وال تضعف أبداً. مالئكة ،حيوانات ،برش، حرشات باملاليني، كذلك الشمس الدوارة والقمر؛ عصور م ّرت ،وستمر. ّ كل يشء يتأرجح: السموات ،األرض ،النار، الخفي جسد. وببطء ينمو للواحد ّ يف خمس عرشة ثانية، شاه َد كبري ذلك وجعله خادماً إىل آخر العمر
الكائن الشغوف الخفي يعزف الوقت نايُ ِ ّ سمعناه أو مل نسمع. بال«الحب» هو صوته اآليت. ما نعنيه ّ الحب حافة الزيادة األبعد، عندما يرضب ّ تصل إىل الحكمة. وعبق تلك املعرفة تخرتق أجسادنا السميكة، تخرتق الحيطان. لشبكة مالحظاتها بناء كأن ماليني الشموس issue (4)- September - 2012
71
مختارات
ُص ِّف َف ْت يف الداخل. يف النغمة هذه الحقيقة. يف أيّ مكان آخر َ سمعت صوتاً كهذا؟ أكون كئيباً، حني يكون محبويب بعيداً عنّي؛ ال يشء يف ضوء النهار يفرحني، نوم الليل ال يريحني؛ َمنْ أخ ُربه عن هذا؟ هذه الليلة مظلمة ،وطويلة... الساعات متر... ألين وحيد، فجأة أجلس، يغمرين الخوف..... يقول كبري :اسمع يا حبيبي، يشء واحد يف العامل يريض، وهو االلتقاء بالضيف. 72
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
امض واعمل طيباً لربك، الذي دخل معبد النهار والليل. ال تكن مجنوناً يف الترصف الثاين؛ هذا اليوم لن يبقى إىل األبد. َمن ُأح ُّبه انتظرين ملاليني وماليني من السنني. لح ّبه يل أضاع اكتفاءه بنفسه. لكنّي مل أعرف تلك اللذة التي كانت تبعد ثالث بوصات مني، ألن ح ّبي كان ال يزال نامئاً. اآلن حبيبي جعل معنى تلك املالحظة التي سمعتها واضحة يل. اآلن وقتي الط ّيب قد َّ حل! يقول كبري :انظر كم عظيم ّ حظي. تخيل بعض - َمن تحب يداعبك، وأن تلك الرقة ال تنتهي أبداً! يرصخ الجسدُ ألين أريد َ بيت حبيبي .ال يهم إن كان يف العراء أو تحت سقف متامسك ك ّله واحد بالنسبة للمرأة التي فقدت بيت حبيبها. ال أجدُ متعة فيام أرى؛ جسدي وعقيل صارا مجنونني متاماً. أعرف ّ كل البوابات يف قرصه، به مليون بوابة وبني ذلك القرص وبيني بحر. اخربين كيف أعرب ذلك البحر، يا صديقي العزيز؛
الشاعر الهندي :كبير
لديّ احساس أن هذا الدرب ال نهاية له. هل تعجبك هذه اآللة ذات الوترين؟ حني تكون األوتار موزونة بدقة، يقف ُز القلب. حني تكون األوتاد محلولة واألوتار مرخية، َمنْ يهمه أمرها عندها؟ ُ أخربت والديّ كنت أضحك - ع ّ يل الذهاب إىل س ّيدي اآلن. غضبوا، مل يريدوا أن أغادر. قالوا« :إنها تقود زوجها؛ هو يرضخ ّ لكل يشء تقوله؛ لهذا طائشة هي». صديقي العزيز، برفق ارفع حجايب، هذه ليلة ُح ْب. يقول كبري :استمع يل! فؤادي متلهف للقاء حبيبي. ال استطيع النوم حتى عىل رسيري. َت َذ َّكرين وقت يبدأ الفجر يف البزوغ! ُق ُ لت للكائن الشغوف ّيف: أيّ نهر هذا تريد أن تعربه؟ ال مسافرين عىل طريق النهر، وال طريق. هل ترى أحداً يتجول عىل تلك الضفة، أو يرتاح؟ ال وجود لنهر ،وال لقارب، وال لر ّبان. ال وجود لحبل،
َ الحبل. وال من يش ّد ال أرض ،ال سامء ،ال وقت، ال ض ّفة ،ال معرب! ال جسد ،وال عقل! أتؤمن بوجود مكان قادر عىل جعل الروح أقل عطشاً؟ يف ذلك الغياب العظيم لن تجد شيئاً. كن قوياً، وادخل جسدك؛ يوجد مكان صلب لقدميك. ف ِّكر فيه مل ّياً! ال تته يف مكان آخر! يقول كبري :ارم كل األفكار عن األشياء الخيالية، وقف ثابتاً يف ما أنت عليه. معرفة ال يشء تغلق البوابات الحديدية؛ الحب الجديد يفتحها. صوت فتح البوابات يوقظ الجميلة النامئة. يقول كبري :رائع! ال تدع فرصة كهذه تضيع! استيقظي يا صديقتي العزيزة! مل تستمرين يف النوم؟ الليل مىض- أتريدين أن تخرسي النهار بالوسيلة ذاتها؟ النساء األخريات الاليئ استيقظن مبكراً وجدن في ًال أو جوهرة... لقد ضاع الكثري وأنت نامئة... ومل يكن ذلك رضورياً! َمنْ أح ّب ِك ف ِه َم، issue (4)- September - 2012
73
مختارات
أنت ال. لكن ِ نسيت أن تج ّهزي مكاناً ِ جنبك عىل رسيرك. وأمضيت حياتك يف اللهو. يف العرشين من عمرك مل تكربي ألنك مل تعريف دك. من هو س ّي ِ استيقظي! استيقظي! ال أحد يف رسيرك - تركك أثناء الليلة الطويلة. لقد ِ يقول كبري :املرأة الوحيدة املستيقظة هي َمنْ سمعت الناي! جاءوا ليحملوين بعيداً إىل بيت زوجي الجديد، أحسست بسعادة ترسي يف جسدي. لكنهم أخذوين إىل غابة كثيفة. ال أحد أعرفه هنا. رجاء أ ّيها ّ املشاؤون والحاملون، ال تستمروا يف املسري. أتركوين أعود ولو للحظة إىل أهيل وإىل أصدقايئ، يك أقدر أن أودعهم! يقول كبري :يا مريدي العزيز، انس أخذك وعطاءك. لقد انتهى األمر بالصفقات الرابحة والخارسة. ماض، إىل أين أنت ٍ ليس أسواق هناك وال يشء يشرتى أو يباع. الذي ميلك موتاً 74
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
وجسداً كثيفاً يرقص أمام َمنْ ال ميلك جسداً كثيفاً وال موتاً. البوق قال« :أنا أنت». يحرض املرشد الروحي ويركع إىل املريد الجديد. حاول العيش لرتى هذا! اسمع يا صديقي، ُبر ُاق هذا الجسد ُيشدُّ بقوة اللجام، منه تخرج موسيقى الكون الداخيل. إذا َّ تقطع اللجام وسقط الجرس، عندها براق الغبار يعود إىل الغبار. يقول كبري :الو ّيل وحده فقط من يقدر أن يخرج املوسيقى منه. السحب تزداد كثافة؛ الرعد يرحل. يجيء املطر من الرشق، قرعاته تسقط عىل حوايش البيوت. ميكن للمطر أن يكون مدمراً، ماحياً عالمات الحدود. لكن الرتاب يف حاجة إىل عناية - للح ِّب النشوان اآلن ُ براعم وتنازالت. دع املطر يروي االثنني
الشاعر الهندي :كبير
معاً. فقط املزارع الذيك من يحرض محصوله إىل هذا املخزن. سيمأل صناديق الحبوب، ويطعم الرجال العقالء والصالحني. كم صعب أن تقابل الضيف! طائر املطر عطشان؛ يصيح ويصفر، «أين املطر». لكنه يرفض كل ماء إال ماء املطر.... الظبية تخرج من أجامتها الرؤوفة حني تسمع املوسيقى.... تحب املوسيقى، وتعرف أنها ستموت.. تقعد األرملة وحيدة بجانب جسد زوجها. رسيعاً ستحيط بها النار، وهي ليست خائفة. ال مخاوف عن جسده غري القابل للتخ ّيل. أيتها البجعة، أود أن أخربك كل القصة! أول مكان ظهرت فيه، وأي رمل داكن متضني إليه، و أين تنامني يف الليل، وعن ماذا تبحثني... إنها بجعة الصباح، اصعدي يف الهواء، اتبعيني! أعرف بالداً
ال سيطرة للضحالة الروحية وال للكآبة الدامئة. وأولئك األحياء ال يخيفهم املوت. هناك األزهار الربية تتفتح خالل األرضية املورقة، عبق «أنا هو» يطفو عىل الريح. هناك النحلة القلب تبقى عميقاً داخل الزهرة، وال تهتم بيشء آخر
العروس تريد حبيبها جسدي وعقيل مكتئبان ألنك لست معي. كم أحبك وكم أريد issue (4)- September - 2012
75
مختارات
أن تكون يف بيتي! حني يصفني الناس كخطيبتك أنظ ُر إىل الجانبني خجلة، ألين أعرف عميقا يف داخلنا أننا مل نلتق أبداً. عشق هذا؟ لذا أيّ ٍ ال أهتم بالطعام، ال أهتم بالنوم، قلقة أنا يف الداخل والخارج. العروس تريد حبيبها مثلام يريد العطشان املاء. كيف أجد من يأخد رسالة مني إىل الحبيب؟ كم قلقَ كب ٌري طوال الوقت! يرغب يف رؤية الحبيب؟ كم ُ إىل من أذهب ألعرف عن الذي أحبه؟ يقول كبري« :عندما تحاول إيجاد غابة األخشاب الصلبة، من الحكمة أن تعلم ما الشجرة. إذا َ أردت إيجاد الس ّيد، رجا ًء انس األسامء املجردة». لعرش سنوات ُ لعبت مع فتيات من عمري، لكنّي اآلن فجأة أنا يف خوف. أنا يف طريقي إىل أعىل عىل بضع درجات -عالية. ع ّ يل التخيل عن املخاوف إذا ُ أردت أن أكون طرفاً يف هذا العشق. ع ّ يل التخيل عن أثواب الحامية وأقابله بطول جسدي كله. عيني أن تكونا عىل ّ شموع الحب هذه املرة. 76
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
يقول كبري :الرجال والنساء الغارقني يف العشق سيفهمون هذه القصيدة. إذا كان مل يكن شعورك نحو الواحد املقدس رغبة. إذن ما نفع التزين بعناية، وقضاء وقت طويل لجعل جفونك سوداء؟ ُ تزوجت سيدي ،وأردت العيش معه. لكني مل أعش معه، َ التفت بعيداً،
الشاعر الهندي :كبير
واآلن ّ كل سنوايت العرشين ضاعت. ليلة عريس ّ كل اصدقايئ غنوا يل، ورشوا ع ّ ّ يل أرز املتعة وأرز األمل. وبعد انتهاء تلك الطقوس، ُ غادرت، مل أذهب إىل البيت معه، وكل أقربايئ قالوا يل « ال بأس». يقول كبري :اآلن طاقة الحبيب يف الواقع يل. هذه املرة سآخدها عندما أذهب، وخارج بيته سوف أنفخ بوق النرص! يف جسدي قمر، ال أستطيع رؤيته! قمر وشمس. ُّ دق طبل مل متسه أيا ٍد من قبل، ال استطيع سامعه! طاملا تحيرّ انسان حول متى سيموت، و ما عنده فهو له، كل أعامله صفر. عندما ألوذ إىل أنا - الكائن وما ميلكه ميت، عندها عمل املعلم قد انتهى. غاية العمل هي التعلم؛ حني تعلم ،ينتهي العمل. توجد زهرة التفاح لتخلق فاكهة؛ حني يحدث ذلك
تسقط البتالت. ُ املسك داخل الظبي، لكن الظبي ال يبحث عنه: يبحث عن العشب. ال يشء سوى املاء يف الربك املقدسة أعلم، ُ ُ كنت اسبح فيها. ّ كل متاثيل اآللهة من خشب أو عاج ال تقدر عىل قول كلمة. أعلم، ُ ُ كنت أناديهم. ما يتحدث عنه كبري هو ما عاشه فقط. إذا مل تعش أمراً، فهو ليس حقيقياً. هل تبحث عني؟ أنا يف املقعد املجاور. كتفاي لصيقان بكتفيك. لن تجدين يف الستوباس، وال يف املعابد الهندية، وال يف املعابد اليهودية، وال يف الكاتدرائيات :ال يف االنشاد، ال يف اليوغا ،ال يف أكل النبات فقط عندما حقا تبحث عني، سرتاين - ستجدين يف أصغر بيوت الوقت. يقول كبري :أيها املريد، قل يل ،ما هو الله؟ هو ال َن َفس داخل ال َن َفس. أعرف شجرة غريبة - تتسلق الهواء وال جذور لها. issue (4)- September - 2012
77
مختارات
ال تزهر أبداً لكنها تحمل الفاكهة. ال أغصان وال أوراق لها؛ إنها النيلوفر إىل وإىل. يجلس طائران فوق تلك الشجرة يغنيان. أحدهام املع ّلم واآلخر الطالب. يختار الطالب ّ كل مانجو الحياة ويتذوق كل واحدة. املع ّلم مرسور مبا يرى. سيخربك كبري بيشء صعب: «ال ميكن إيجاد الطائر، وهو مر ّيئ متاماً. الطاقة اإللهية صحيحة يف وسط الكائنات. أنا هنا ألمدح كل الكائنات». عىل الطريق سقطت الياقوتة الصغرية التي يبحث عنها ّ كل انسان. البعض يرى أنها رشقنا، البعض اآلخر غربنا. البعض يقول، «يف صخوراألرض البدائية»، البعض اآلخر، «يف املياه العميقة». حدس كبري أخبرَ ه ُ أنها يف الداخل، وبقيمتها، غلفها بعناية يف قامشة قلبه. ظلمة الليل تأيت رسيعاً، وظالل الحب تقرتب من الجسد والعقل. افتح النافذة نحو الغرب، 78
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
واختف يف الهواء داخلك. قريباً من عظام صدرك زهر ٌة متفتحة. ارشب العسل حول تلك الزهرة. األمواج آتية: عظمة كبرية قرب البحر! انصت :صوت أصداف البحر الكبرية! صوت األجراس! يقول كبري :صديقي ،انصت، هذا ما ع ّ يل قوله :الحبيب الذي أحبه يف داخيل! حان الوقت لتضع أرجوحة الحب!
الشاعر الهندي :كبير
اربط الجسد ثم اربط العقل ليتأرجحا بني ذراعي الخفي الواحد ّ الذي تحب. احرض املاء املتساقط من السحب إىل عينيك، و َغ ِِّط نفسك داخلك بالكامل بظل الليل. ق ّرب وجهك من أذنه،وتك ّلم فقط عن ما ترغب بشدة أن يتحقق. يقول كبري :استمع يل، يا أخي، احرض الشكل، وجهة ورائحة الواحد املقدس بداخلك. ارضب بالكلامت، ملاذا ُ عندما جعل الحب فضايئ الداخ ّ يل ّ
ميلء بالنور؟ أعلم أن املاسة ملفوفة يف هذا القامش، ملاذا ع ّ يل فتحها ورؤيتها طوال الوقت؟ عندما فرغت املقالة، طارت؛ هي مآلنة اآلن، ملاذا تهتم بوزنها؟ البجعة طارت إىل بحرية الجبل! ملَ االنشغال بالخنادق والحفر مرة أخرى؟ الواحد املقدس يحيا داخلك - ملَ عليك فتح عينك الثانية؟ سيخربك كبري بالحقيقة: انصت، أخي! الضيف، عيني ناصعتني جداً، الذي جعل ّ قد مارس الحب معي. صديقي، إذا مل تقابل الواحد الخفي حقيقة، ما مصدر ثقتك بنفسك؟ أوقف ّ كل هذه املغازلة بالكلامت. ال يحدث الحب بالكلامت. ال تكذب عىل نفسك حول الكتب الساموية وما تقوله. الحب الذي أتكلم عنه ال يوجد يف الكتب. من أراده حصل عليه issue (4)- September - 2012
79
حاشية
.
حسن نجمي .............................................................................................................
موسيقانا التقليدية والعالم
أود
أن أشري إىل بعض عنارص التفكري يف الظاهرة املوسيقية العاملية التي تشهد يف العقدين األخريين تحوالت عميقة وجوهرية، سواء عىل مستوى التعبري أو عىل مستوى اإلنتاج واالنتشار .وهي تحوالت أضحت تغري مجمل املعايري التي كانت سائدة من قبل بخصوص املادة املوسيقية والغنائية نفسها ،وطبيعة النظرة الثقافية والحضارية ملا ميكننا أن نسميه مع لوران أوبري (" )L. Aubertموسيقى اآلخر" ،وكيف ميكن تقبلها واإلنصات إليها باحرتام ،وكيف ميكن استيعابها ضمن أنساق ثقافية وجاملية وشعرية مختلفة ،وحتى كيف يصبح ممكنا كذلك التعامل معها كمصدر أو كمرجع النتاج عمل إبداعي موسيقي جديد. حني أتحدث يف هذا السياق عن موسيقى تقليدية يف عالقتها بالجغرافية الكونية ،فإمنا أتحدث أساسا عن تقليد أو تراث موسيقي شفوي ،محيل ،غري مدون يف مواجهة عوملة كاسحة تجتاج العرص الجديد ،مبعنى كيف ميكن ملوسيقى تقليدية محلية أن تتجاوب مع هذا النظام الشمويل بأبعاده االقتصادية والتجارية التي تقوم بتسويق كل يشء ،بأبعاده التقنية املتطورة ،بتطوراته األصلية الحديثة، مبستجداته املعرفية ،أقصد مستجدات العرض واملرسحة والفرجة والجامهريية ..وما إىل ذلك ،ومامرساته الثقافية الجديدة ،ونظام عاداته وقيمه ..ويهمني هنا أن أؤكد عىل املحددات األساسية ملفهوم املوسيقى التقليدية وفق ما تعلمناه من علم األصول املوسيقية ( ،)L’Ethnomusicologieاالجتهادات واألبحاث امليدانية األكرث انتشاراً اليوم. • إنها موسيقى ذات أصول قدمية .وتظل عموما وفيةلينابيعها ،إن مل تكن عىل مستوى املبادئ ،فإنها تخلص عىل األقل وعىل الدوام وبالرضورة للشكل وملناسبات األداء. • موسيقى تستند إىل آلية التناقل الشفوي ،إذ يتم توارثها بأساليب وطرائق شفوية .فيأخذ املريد عن الشيخ مجمل قواعد هذه الصناعة املوسيقية ،وتقنياتها ،ونوعية آالتها ،ومدخراتها الشعرية واللحنية واإليقاعية ،فضال عن شكل األداء وخربته السوسيوثقافية. • وترتبط بسياق ثقايف واجتامعي ،أي أن لها مكانة معينة يف هذا السياق ،ولها وظيفة محددة ودقيقة تقوم بأدائها ،خصوصا عندما يتعلق األمر بنظام َق َبيل له لسانه الخاص ومعايريه وأخالقياته ورؤيته الخاصة للحياة والتعايش... إذن ،فالسؤال الذي يتبادر إىل الذهن مبارشة :ما مصري هذه املوسيقى التقليدية عندما نفكر يف نقلها من سياقها املرجعي ،االجتامعي والثقايف والروحي واللغوي والرمزي ،وعرضها يف سياقات مختلفة وأمام جمهور مختلف اليقتسم معها شبكة معارفها وخرباتها الجاملية والفنية والرمزية ؟ كام سنعرث عىل سؤال آخر يف طريقنا وهو :ما الذي يتبقى من هذه املوسيقى تحديدا عندما نغري طرائق تقدميها، وباألخص لجمهور واسع عريض ،سواء يف املهرجانات املوسيقية الكربى يف العامل أو من خالل الصناعات املوسيقية املتطورة ؟ ثم ،كيف ميكننا عرض موسيقانا التقليدية املتعددة عىل جمهور رمبا ينبغي تأهيله ثقافيا ومعرفيا ليك يتخىل عن بعض األفكار املسبقة والجاهزة تجاه املوسيقات والثقافات األخرى يف العامل ،ليمتلك رؤية أخرى ،جديدة منفتحة ومتسامحة ،حول إنتاج أو تلقي تلك املوسيقات األخرى ؟ طبعا ،لسنا مضطرين ،ليك نقدم موسيقى تقليدية عربية أو رشقية عموما يف املهرجان املوسيقي الغريب ،أن نغري الجمهور الغريب بالكامل أو نصحب معنا جمهورنا املعتاد (كجمهور الهجرات مثال) ،وإمنا أتحدث فقط عن إمكانيات تقديم الحد األدىن من موسيقانا التقليدية لجمهور غريب تحديدا ميتلك رؤاه الخاصة للفضاء والزمن والثقافة واملوسيقى والشعر واملجتمع والحياة .وبالتايل ،عندما أطرح مثل هذه األسئلة فليس ألبدي اعرتاضا عىل انتقال أو تنقل ورواج املوسيقات التقليدية يف العامل ،وإمنا أحاول أن أبسط املوضوع مساهمة يف الفهم واإلحاطة بقضية جوهرية التقف عند حدود العرض املوسيقي والغنايئ ،وإمنا مبدى إمكانيات تقبل اآلخر يف نظام عاملي ،ومبدى حوار املوسيقات واألغاين وأشكال األداء الفني والجاميل ،ومدى التواصل االنساين وتخاطب الهويات املختلفة عىل أساس من الندية والتقدير املتبادل .ذلك أن للموسيقى منزلة مركزية يف الوجدان العام ويف التفكري االنساين ويف املامرسة الثقافية 80
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
قضية
الشعر ما بعد «الديكتاتورية»
العراق وليبيا.. سؤال القصيدة
ما
إن انهار النظام السياسي في ليبيا (العام الماضي) والعراق (العام )2003حتى عادت واضحة جليّ ة تلك
األسئلة التي تطرحها الثقافة ،بوصفها ممارسة عامة ونخبوية أيضا ،عند زوال النظام السابق وغياب ّ توقع انهيارها بهذه السرعة .ولعل أكثر األسئلة عمقا هو أجهزة السلطة التي كان من غير الممكن
استعادة التساؤل حول الحرية واألدب وانعكاسها بشكل مباشر على الثقافة واألدب بكل أجناسه وكذلك الفعل
االبداعي عموما.
ِّ مروعا ومريرا حقا ومؤلما في الحالين ،كان الرقيب ،المادي والمعنوي ،متسلطا سابقا على هذا االنهيار الذي جاء
ّ حد أن الشعراء الذين كانوا يقولون الشعر علنا لم يجهروا بآرئهم األخرى جدا على المخيلة الشعرية إلى
والحقيقية حتى ألنفسهم في مناماتهم .ألن الثمن الذي سيُ دفع هو مما ال طاقة لهم على سداده .بالمقابل نافق وتكسب شعراء باتت قصائدهم مثقفون آخرون وداهنوا األجهزة وكسبوا مغانم وآخرون اضطروا لفعل ذلك، َّ
في "مزبلة" شعرية ما من سبب الحتمال رائحتها.
غير أن العودة إلى سؤال الحرية واألدب أو الحرية والمخيلة أمر مربك بالمقابل ،ربما ألن الحرية هي الشرط
الذي ينبغي على المرء أن يعيه تماما قبل ممارسته ،فهي اللصيقة جدا بسلوك الكائن وفعله باستمرار ،فكيف هي
الحال مع المبدع ذاته؟
في هذين التحقيقين ،من العراق وليبيا ،تسعى "بيت الشعر" إلى استعادة ما هو جوهري في سؤال األدب
واالبداع وممارسة فعل التخييل ،ذلك أن هناك ما ينبغي طرحه على هذه النوافذ والبوابات التي كانت مغلقة في السابق .فهل هي اآلن مفتوحة تماما كما يليق بالشعر؟ أم أن الحرية هي أكثر مما يمكن للمبدع العربي ،وهو
الشاعر هنا ،أن يستوعبها ويعيد إنتاجها في قصيدة وفكرة وصورة شعرية وقبل ذلك ،أن يقدمها في هيئة سؤال
يطرحه على نفسه وعلى ابداعه قبل أن يطرحها على المجتمع.
issue (4)- September - 2012
81
قضية
القصيدة العراقية بعد 2003 البحث عن قارئ آخر تأثرت القصيدة العراقية بالتحول الكبير الذي حصل بعد االجتياح األميركي ،حيث وجد الشاعر نفسه أمام أسئلة جديدة ال تبدو إجاباتها سهلة ،أو
هي تستعصي في كثير من الحاالت ،إال أن غياب
الرقيب لم ينعكس بالضرورة على مستوى النص.
في هذا التحقيق محاولة الستجالء صورة المشهد الشعري واشكاالته بعد خروج العراق من كابوس
الديكتاتورية والدخول في مرحلة جديدة غير
واضحة المالمح
بغداد -صالح حسن
الفنان ضياء العزاوي
الشعراء يذهبون إلى الغابة وحدهم علي حسن الفواز «شاعر»
الذهاب إىل غابات القصيدة العراقية بعد عام 2003يشبه الذهاب إىل حقل األلغام ،إذ تخضع األرض إىل توصيفات 82
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
غامضة ،ال طرق واضحة فيها ،وال ممرات للسالمة العامة.. الشعراء العراقيون مسكونون بخوف قديم من السلطة الغائبة والحارضة ،وهذا الخوف يندس تحت جلد اللغة، حتى يبدو الشاعر وكأنه ميارس املزيد من الهروب إليها، بحثاً عن االستعارات والتوريات املنقذة ...وحديث املشهد الشعري وطبائعه الميكن أن يتخلص من تلك العقدة ،إذ
الشعر ما بعد «الديكتاتورية»
قلقة من املوجهات النقدية ،ورمبا اقرتاح صناعة املشهد املضاد ليست باألمر اليسري، سياق افرتايض للقصيدة التي تسكنها ألن الشعراء ليسوا شوارع عامة أو كائنات الرمزية والجسدانية ..وحتى قصائد تخضع لردات الفعل التي تصنعها الهزات الوزنيات -العمود والتفعيل -التي أخذت الكربى وليست الرسديات الكربى ،لكن مساحة واسعة من هذا الزمن مل تكن ماميكن قوله يف هذا السياق هو رصد حارضة مبعناها الوجودي لو مل يكن السؤال السريورات الطارئة ،وأحياناً العامة للشعراء ً الحدايث غائبا بشكل فادح ،إذ متارس هذه الذين وجدوا فراغاً عمومياً ووطنياً يخلو القصيدة وظيفة اللذة والتعويض وحتى من الرقباء ،ويخلو حتى من النقاد ومن االقرتاب من الجمع الذي بدا حارضاً املتلصصني ومن سياسات املعاطف الثقيلة، يف صناعة التاريخ الجديد للجامعات لذا خرجوا بنوع من الجامعية املريبة، العراقية ..وحتى عودة شعراء املنفى جامعية ال سياق تاريخيا لها أو ثقافيا، املشغولني بهاجس الحداثة والحرية واآلخر واللغة بوصفها لذا هم األشبه حقاً بالجامعات التي حاولت أن تجرب نظاماً مل تحمل معها أية إثارة مفرتضة ،إذ كان السياق لعبة الخروج العلني عىل تاريخ ضاغط وقهري يف الثقافة العراقية ،تاريخ فيه الكثري من األسامء الكارزمات ،واألسامء املتدفق برهابه السيايس والشعري مندفعاً الصطناع جغرافيا جديدة وفاضحة لدولة الشعراء ،لكن هذا اليعني املؤسسات ،واألسامء األيديولوجيات ،واألسامء اآلباء ،وهذا غيابا ملغامرات شعرية أدركت خطورة هذه اللعبة، الخروج بدا األقرب إىل صناعة أوهام تعويضية ،أوهام وتلمست ماهو خفي يف حراك الجامعات الدميوغرافية، للحرية ،للجسد ،للتناص مع الخطاب الديني والتاريخي، فاقرتحوا نوعاً من العزلة النبيلة ،العزلة التي متنحهم فرصة وأحياناً لالنشداد إىل رمزيته التي حرضت بقوة بعد عام مراقبة املشهد ،ومامرسة قراءة مضادة ،نافية للكثري مام ،2003وسط غياب وشكوك حول أي سؤال حدايث ،قابل يجري ،ولعيل أجد يف هذه الجامعات التي تحلم بقصيدة للوجود مع مرشوع الدولة أو مرشوع الهوية ،أو حتى النرث بوصفها مواجهة لغوية وأخالقية وأسلوبية للعامل، مرشوع البحث عن وجه آخر للثقافة العراقية املحتشدة وملهيمنات الصوت الجامعي «ميثلها كثرياً باملنايف واملطرودين ،مثلام شعراء مثل عمر الرساي واحمد عبد هي متحشدة بالكثري من مرايث هي لعبة للخروج السادة وزاهر موىس وميثم الحريب القسوة. تاريخ على العلني وصفاء خلف وعيل محمود خضري قصائد شعراء مابعد 2003مل ضاغط وقهري في وعمر الجفال وغريهم» ،روح خفية تخضع إىل معيار محدد ،إذ هي قابلة ملواجهة فكرة املوت العمومية الثقافة العراقية ،تاريخ قصائد واقفة عند حافة زمن التي تصنعها الجامعات ،والرغبة سيايس وإنساين ملتبس ،فض ًال فيه الكثير من األسماء يف اصطناع نوع من االستعادة عن كونها قصائد تبحث عن الكارزمات ،واألسماء التي متنح الشعر توهجه املسحوق قارىء آخر ،قارىء غري متورط المؤسسات ،واألسماء والعاطل ...هؤالء الشعراء الخارجون بسايكوباثيا التاريخ واألمة األيديولوجيات، عن لعبة الجامعات يلغزون العامل الجامعة والطاردة يف آن ،والتي من حولهم مرة أخرى ،ويذهبون إىل واألسماء اآلباء أسهمت لألسف يف صنع الذاكرة الغابة وحدهم العراقية ،مقابل ماتفرتضه هذه اللحظة من االنوجاد يف مساحة issue (4)- September - 2012
83
قضية
فيها املفاهيم وتقلقل الراكد منذ عقود فانفتح أفق املعرفة الكونية بصورة صادمة وصار العامل مصغراً يف تلفاز فضايئ وحاسوب عوملي ،ال تحتاج معه إال بضع نقرات عىل لوحة مفاتيحه ليك تجد العامل بني يديك ،وكل ما تنتجه اللحظة الراهنة يكون متاحاً يف لحظات ..هذه الصدمة الثقافية هي ركيزة املشهد ملا بعد 2003ثقافياً ومعرفياً ..هي صورة الـ قبل والـ بعد ..ومتركز الهامش وتعدد الواحد ،لذا لست أرى أنها أزمة شكل فني بني عمود وقصيدة شعر أو تفعيلة ونرث أو نص مفتوح أو رقمي تفاعيل أو سوى ذلك من تنافذ أجناس أدبية عىل الرغم من أن التحوالت الشكلية لها أهميتها يف تشخيص بعض مالمح حراك املشهد األديب شعرية االزدواج والموقف الميتا ـ شعري وثبت التفوق العراقي يف اجرتاح الكثري من حداثاتها.. د.ناهضة ستار «شاعرة وناقدة» لكنني أرى أن األزمة حقاً يف كل ّية املشهد الثقايف وليس األديب فحسب ..وهنا الفتة هذه املقاربة املوجزة ،لذلك إن قراءة منجز مرحلة تاريخية ما ومحاولة فحص تحوالت شهدنا وفرة يف املنجز األديب يقابلها ضباب أو شبه ذلك الشعرية يف مناخاته املتوالدة داخل املخترب االفرتايض يف وضوح البصمة املائزة لألساليب وطرائق التشكيل ،كام الذي يطرح فرضية «االنعكاس» القائلة بحتمية العالقة حدث بعض التمثل الرسيع للغة العوملة الثقافية فتلونت الط ْردية بني منط الواقع وتحوالته السياقية وبني أشكال لغة الشعر بألفاظ أجنبية تارة وتجريب تناصات مقصودة التعبري وأمناط التشكيل األجنايس والداليل واملوضوعايت.. مع األغاين القدمية ذات النفس الستيني والسبعيني تحديداً أجد أن هذه األطروحة االنعكاسية لها حق تحديد صورة عل ًام أن الشعراء مل يتجاوزوا عقدهم الثالثيني أو أقل من وتفاصيل املشهد الراهن ومتغرياته الفاعلة عىل السطح ذلك ،أو اعتامد االزدواج اللغوي بني العامية والفصيحة سياسياً واجتامعياً وثقافياً ومعرفياً لكنها ال تصيب حني طلباً لالدهاش وصعق املتلقي النخبوي وكرس أفق توقعه،أو تقرر نوع االستجابة التي تفرتض حتمية اتباع املبدعني لها التقنع بشعراء العربية املائزين وأصحاب البصمة الخالفية يف أن يكونوا نسخة مكتوبة عن عرصهم وشهوداً لفظيني يف الرؤية واملنهج كاملتنبي والجواهري وغريهام لفتح عىل مجرياته وأحداثه ومهيمناته حوار مغاير يعرصن الرمز الرتايث.. املؤثرة ..وإال كيف يكون املبدع أرى يف مجمل ذلك محاولة قرسية الثقافية الصدمة هذه مبدعاً إذا كان تابعاً وناسخاً لتعجيل الدخول يف عجلة العامل ومدون أحداث وراوي تفاصيل هي ركيزة المشهد الجديد الذي مل يسهم يف اخرتاعه، يومية؟؟ ..اإلبداع موقف ورؤية وال تشكيله وال حتى يف اإلمساك لما بعد 2003ثقافي ًا التوقع تكرس السائد وتخالف أفق مبتغرياته املتسارعة ..من هنا ومعرفي ًا ..هي صورة الـ وتقرتح بدي ًال لسانياً للواقع، ازدوجت األزمة عند هذا الجيل وهنا تتحقق الشعرية يف لحظة قبل والـ بعد ..وتمركز فصار ناقداً ملوقفه اللغوي ،ونقل االدهاش غري املتوقعة ،ولنتأمل معركته مع املتغري السياقي إىل الهامش وتعدد الواحد املوقف الشعري كيف تعاطى جغرافيا النص فانسحب إىل الذات لغوياً مع أزمة أكرب منه تداخلت والجسد وكتب نصاً رمادياً شديد 84
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
الشعر ما بعد «الديكتاتورية»
جيل الفيس بوك محمد غازي األخرس «شاعر وناقد»
للفنان ستار كاووش
الكآبة ويائساً حد السخرية فعمل عىل تأمل اللغة باللغة فتفوق يف االشتغال الـ ميتا ـ شعري فصار يحاور األفعال واألسامء واملفاعيل واملرأة عنده صارت نصاً والفاعل تخىل عن فاعليته وأصبح منصوباً ،واليقتنع بجر املضاف إليه إذا كان عظي ًام فيبقيه مرفوعا ً وسوى ذلك من موقف ناقد للغة وقوانينها ،يحولها شاعر املرحلة إىل الفتة رفض كام نبض بها العظيم املتنبي قدمياً: اذا كان ما تنويه فع ًال مضارعاً مىض قبل ان ُتلقى عليه الجواز ُم هذا ما حاولت هذه املقاربة قراءته إنها األزمة املزدوجة بني أزمة الثقافة وأزمة التعبري واالجرتاح واملغايرة.. وهنا أشري بوضوح إىل إن الشعرية العراقية تظل نابضة باملختلف واملؤثر والرثي من املعطى اإلبداعي الذي يستحق وقفة تأمل ودراسة وفحص منهجي نكتبه نحن اليوم أفضل من القادم بعدنا ألننا نتنفس هواءه بوضوح.
الحديث عن شعر ما بعد 2003يجرنا عن خريطة الشعر العراقي خالل الربع األخري من القرن العرشين؛ هناك منطان أساسيان شاعا منذ منتصف الثامنينيات ،األول هو منط القصيدة االيقاعية واآلخر قصيدة النرث .قصيدة النرث قادها عدد من شعراء جيل الثامنينيات وتابعهم يف ذلك عدد كبري من شعراء جيل التسعينيات .هذا النمط ساد يف العراق بشكل نهايئ ابتداء من نهاية الثامنينيات واستمر هكذا حتى منتصف التسعينيات حني هاجر معظم رموزه إىل خارج العراق .بعد ذلك اضمحل نوعاً ما وتراجع أمام تقدم القصيدة املوزونة وقصيدة العمود. أما ملاذا تقدم النمط الثاين ،االيقاع ،فذلك مرتبط برأيي بعدة أسباب؛ أوالً :هجرة معظم مرسخي قصيدة النرث، ثانياً :تدخل السلطة الواضح ورعايتها للقصيدة االيقاعية وتهيئة املجال لرواجها .ثالثاً :حدوث ردة فعل عكسية عىل قصيدة النرث بسبب غموضها ونخبويتها وتجريدية لغتها كام يقول معظم النقاد. مع نهاية القرن وقبل سقوط النظام السابق تك ّون جيل ارتدادي عاد بالشعر إىل حقبة السياب وانتعشت معه األساليب القدمية يف الكتابة حيث النظرة الرومانسية تسود واللغة الشبيهة بلغة مدرسة أبولو وشعر املهجر تشيع وتنتعش .وكان ذلك يعني تراجع رموز قصيدة النرث من جيل السبعينيات والثامنينيات والتسعينيات واضمحالل تأثرياتهم يف املشهد. أعتقد إن هذه الخريطة تفرس مشهد الشعر بعد 2003 وما أالحظه هنا هو وجود منطني رئيسيني؛ األول هو امتداد لجيل االرتداد الرومانيس ـ االيقاعي الذي تكون بعد منتصف التسعينيات وهو منط سائد بشكل كبري يف العراق حالياً .والثاين هم هامش بسيط اطلع ،ولو بشكل محدود، عىل تجارب الشعر العراقي يف الثامنينيات والتسعينيات ويكتب أصحاب هذا النمط قصيدة النرث ولكن بشكل
issue (4)- September - 2012
85
قضية
جديد يأخذ من مصادر متنوعة من بينها الشعر اللبناين واملرتجم إضافة إىل شعراء املنفى العراقيني. من بني أصحاب النمط الثاين أسامء تكتب قصيدة النرث لكنها نفسياً وثقافياً تنتمي إىل النمط األول ،أي الشعر االيقاعي، وتستطيع أن تالحظ ذلك من خالل الصيغ األسلوبية املعتمدة ودور الذات يف القصيدة وغري ذلك من املظاهر التي يطول الحديث عنها. باملقابل مثة شعراء من النمط األول، اإليقاع ،عاد يف االرتداد لحقب تسبق حتى اتجاهات «أبولو» وشعر املهجر لتصل إىل حقبة الشعر العبايس وهؤالء يعتقدون إن القصيدة العمودية مل تنته ومل تنفذ أغراضها بعد .ومن املمكن األشتغال عليها طاملا وجدت اللغة. ً هل تريدين أن أس ّمي لك .حسنا ،مثة خريطة واسعة تبدأ من حسني القاصد ،الشاعر العمودي ،ومت ّر بأحمد عبد السادة وحسام الرساي وعمر الرساي ،وال تنتهي بزاهر موىس وعيل وجيه وعيل محمود خضري وعمر الجفال يرتسم خطاه وصفاء خلف .إنهم كثريون وبعضهم ما زال ّ بشكل بطيء وأمامهم الكثري حتى يجدوا بصامتهم الخاصة. لكن عموما وباستثناء عدد محدود منهم فإن املالحظة
آصحاب تجارب ما بعد 2003ال يختزنون روح الجماعات التي نشأوا فيها ،فال األساطير وال الرموز وال األفكار لها وجود واضح عندهم
86
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
األوىل التي أراها يف كتابتهم إ ّنها تخلو من الخيال الجامح الذي تو ّفرعليه سابقوهم وتفتقر إىل روح التجريب واملغامرة ،تراها أشعار هادئة ال تستفز قارئها وال تتحداه وهي ،لغوياً ،سهل ُة يسري ٌة تقرأ فكإ ّنها ما قرأت .فيها غنائ ّية تذ ّكر مبا قبل جيل الستينيات بل أحياناً تحيلنا ملا قبل جيل الخمسينيات .وهي ،بعد ذلك ،ال تتعامل مع ممكنات اللغة إال بوصفها أداة توصيل ال أكرث وهي بذا تقرتب من النرث العادي وتبعد بأشواط عن الشعر ال ّرباق امللتمع ،املح ّمل مبخيال ثقا ّيف عريض. هنا أو ّد اإلشارة ليشء بالغ األهمية فام أالحظه يف تجارب ما بعد 2003إن أصحابها ال يختزنون روح الجامعات التي نشأوا فيها فال األساطري وال الرموز لها وجود واضح عندهم وال األفكار الفلسفية ميكن أن تحتوي تلك التجارب كام كان لدى أجيال ما بعد الستينيات .كان الشعر عند أبناء تلك األجيال خالصة لتجارب ثقافية خصبة ففي أشعارهم ميكن أن تعرث عىل شذرات من الصوفية ونتف من األساطري والطقوس ويف بعض األحيان تشعر مع تلك القصائد أنك تستعيد تراث العرب اللغوي كله أو بعضه ممزوجاً برتاث إنساين اطلعوا عليه وترشبوه بأرواحهم وعقولهم. مع شعراء ما بعد 2003ال يوجد مثل هذا الفيض إال يف أضيق حدود ويف تجارب شاعرين أو ثالثة وهذا راجع برأيي إىل استسهال جبل عليه الجيل الراهن يف تلقي معارفه فهم ـ كام يصف الكثريون ـ جيل العوملة والفيس بوك واملواقع اإللكرتونية ،أو لنقل جيل الفردية يف تلقي املعلومات إذ ال وجود لحركة اجتامعية مرافقة تأيت غالباً كمكون من مكونات الشاعر. ليست لديّ الرغبة يف ذكر األسامء وتوصيف اشتغاالتها. قد تأيت مناسبة أخرى أتحدث عن ذلك بالتفصيل لكن الخالصة هو إن جيل ما بعد 2003هو نتاج عرصه ،هذا العرص الرسيع واملنفلت الشبيه مبوقع إلكرتوين واسع وغري منضبط
الفنان يوسف معتوق
ليبيا بعد 17فبراير الشعراء بعيدون عن عين الرقيب والقصائد ال تصل إلى جهازه األمني الحراك الشعبي ،أو ما يسمى بالربيع العربي ،الذي شهدته البعض من دولنا العربية ترك تأثيرا بالغا في حركة ُ الحراك األدبي وان كان هذا التأثير ما يزال في بداياته ،إذ أن المفردة لم المجتمع ،ولم ُيستثن ،من ذلك بالطبع، تتشكل بما يكفي ،إال أن اآلفاق التعبيرية في القول الشعري ،الليبي منه على وجه التحديد ،بعد الثورة بدأت
تتنفس اكسجينها الخاص .عن هذا األمر ،حرية التعبير والقول الشعريين بعد الثورة ،أجرت "بيت الشعر" هذا
التحقيق مع بعض الشعراء الذين عايشوا الحدث وكانوا جزءا من نسيجه الخاص
طرابلس -خلود الفالح
إعادة إنتاج للقيم في رموز وأيقونات رامز النويصري
ال نستطيع الجزم بتأثري ثورة 17فرباير املبارش عىل األدب الليبي اآلن وإجامال ،مبعنى أنه ميكننا ملس هذا األثر يف صور وإحاالت ورموز ،فطبيعة اإلنتاج األديب تعتمد عىل إعادة إنتاج الحالة أو اللحظة يف صورة جاملية ،وهذا يحتاج من املبدع إىل مرور الوقت الكايف ليعيشها ،أو لنقل ملعايشتها ،بغية الوصول إىل نصه الخاص .فالنص الحديث يعتمد عىل الرصد وبناء األنساق الشعرية .والحرية –عىل
سبيل املثال -كقيمة إنسانية كربى ،ال ميكن التعبري عنها إال من خالل معايشتها ،التي ال تأيت يف يوم أو شهر .فالشاعر –أو املبدع -يبحث دامئاً عن اإلبهار ،من خالل البحث عن تلك القيم التي ميكنه إعادة إنتاجها يف رموز وأيقونات، تخص القيم التي يو ّد التعبري عنها. وذات مرجعيات ثقافية ّ أما الوجه اآلخر للمسألة ،فهو الحرية ،مبعنى االنطالق يف التعبري ،ونعني رفع سقف حرية التعبري بهدف رصد تجارب ٌ مسكوت عنها، إبداعية جديدة ومختلفة ،وموضوعات تفتح الباب عىل مستويات إبداعية ظلت حبيسة. وعىل املستوى الشخيص أرى أن املميز يف املشهد اإلبداعي الليبي – اآلن ،بعد 17فرباير -هو القصة القصرية ،فهذا الجنس اإلبداعي من خالل ما نرش من نصوص استطاع issue (4)- September - 2012
87
قضية
مبرونة رصد الحراك الليبي ومقاربته ابداعيا ،كام متكنّ العديد من الكتّاب من الدخول إىل تفاصيل حكائية. يف الشعر ،نقرأ الصورة عىل جزأين ،يف األول يأيت النص التقليدي يف قدرته عىل التعبري املبارش للحدث أو القيمة، ويف الثاين ،نطالع بعض النصوص الحديثة التي تحاول أن تصنع موازاة بني الحدث والقيمة من خالل التعويل عىل الرصد العام ،وتشكيل صور شعرية وتراكيب جديدة. ويف ظني أن علينا االنتظار قلي ًال لقراءة نص مغاير يكون ابناً رشعياً لثورة 17فرباير.
إرحـــل
متنحك بعض ُ َ الطأمنينة، لتكون للحكاي ِة خامت ًة وميكننا عىل الضو ِء الباقي كتاب َة الفصلِ األخري، ُ فنحفظ لك نقط َة النهاي َة ُ رش ألعا ِبهم األطفال فيبدأ ِ بتعليق الزين ِة ،ون ِ ُ برتتيب الساح ِة ،والغناء. وتبدأ النساء ِ ليكون للسام ِء لون الدعاء، ولألرض رائح ُة الصالة ِ للطرقِ وجهٌ آخ َر جديد للبيوت نواف َذ أكرب ِ للحدائق هسهس ُة الربيع ِ الصبا عىل زقزقة للعصافري وزنِ ّ للبح ِر امتدادٌ ساكن. لنكتب الفصل األخري من روايتنا َ أقول :ارحل. وهل تصنع الثورات شعراءها؟! عبد الباسط أبوبكر محمد
أعتقد أن األفق املفتوح الذي منحته الثورة للجميع ،قد انعكس عىل الشعراء من ناحيتني :شعراء كانوا يحلمون بالتغيري ويرسمون بنصوصهم الضوء الذي مل يره أحد سواهم يف نهاية النفق ،وعندما أىت «الضوء» انبهروا من 88
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
هذا الكيان الجديد الذي يسمى «الثورة» فوقفوا عىل املسافة التي تفصل بني املشاركة واالمتناع .هل هي الثورة التي يحلمون بها؟! أم أنها كائن داجن ال عالقة لهم به!! أيضا ،من الناحية األخرى ،فثمة شعراء جدد هم نتاج الثورة ،وأقالمهم التي واكبت هذا الحلم الذي يتحقق من اليوم األول فع ًال وكتابة ،هم الشعراء الذين شهدوا لحظة تحقق الحلم من اللحظات األوىل ،وحفروا مسار الثورة بقوة وثقة!!. القصيدة قبل الثورة كانت تحت «عني الرقيب» ،الرقيب الذي صنعته الدولة األمنية .األمر الذي حتّم عىل القصيدة أن تناور لتتخطى الكثري من العقبات ،وتتنقل وسط حقول هائلة من األلغام وتفرز أدب مقاومة حقيقيا ،حيث استطاعت أن مترر همومها وتقول كلمتها رغم كل يشء، فقد كانت القصيدة آنذاك تبحث عن أفق متسع للتعبري فرسمت ببحثها هذا كيانها الجميل!!. القصيدة بعد الثورة، على القصيدة أن هي بنت أصيلة تشكل أفقها الحر للحرية صنعت نفسها المفتوح وأن تنتج بثقة الثورة ،ومتاهت مع التغيري ،وأفرزت نصوصها الجديدة نصوصها الحقيقية التي تحتفي تحت مظلة األفق بالحياة والغد املفتوح ،الثورة صنعت شعراء حقيقيني!!. والحلم الشعراء «يف الحالني» وجدوا أنفسهم أمام مفرتق الطرق ،إذ أن عليهم أن يتعايشوا مع التغيري ،يف الحالة األوىل ،أن يستوعبوا التغيري ،ويف الحالة األخرية ،عىل القصيدة أن ال تتوقف عند عتبة الثورة ،فالشعر حياة تتشظى وتتنوع باستمرار؛ أي أن عىل القصيدة أن تشكل أفقها الحر املفتوح وأن تنتج نصوصها الجديدة التي تحتفي بالحياة والغد والحلم.
الشعر ما بعد «الديكتاتورية»
الشاعر ومفاجأة التحوالت الكبرى سالم العوكلي
سكت الشعر يف اللحظات الحرجة؛ لحظات األحداث الكربى ،خاصة القصيدة الحديثة ،التي تحتاج إىل مسافة زمنية تفصلها عن الحدث لتقف عىل شحناته اإلنسانية وثيمته الخالدة ،وإال فستكون القصيدة قصيدة للمناسبة أو تنحو بالشعر تجاه التحريض بوصفه تقليدا قدميا كان من مسؤولية الشاعر يف غياب املؤسسة اإلعالمية .الشعر الحديث يستعيد كينونته األصيلة .رمبا الشاعر ال تفاجئه التحوالت الكربى ألنه بطبيعته يرصد تلك التحوالت الصغرية التي تفيض إليها. بعد ثورة فرباير يف ليبيا مل أكتب إال قصيدة واحدة هي: رؤيا الشهيد .كانت تلح ع ّ يل يك اعتذر عربها من اللغة ومن املفهوم ،ذي الحكم املسبق عىل املفردة ،بعد أن تستعيد سحرها وجامليتها. كنت يف تجربتي السابقة أتحاىش املفردات التي توحي بالعنف أو بالتنظري للموت يف قصيديت ،مفردات مثل الجهاد أو الشهيد أو غريها ،حني زرت يوم 17فرباير 2011 جثامني أول خمس شهداء يف مدينتي درنة اكتشفت يف تلك اللحظة وأنا أتأمل مالمحهم مفهوما مختلفا ملفردة الشهيد، ورغم الحزن العميق كان مثة جامل يترسب من مالمحهم ألنهم ميوتون من أجل قيمة إنسانية عظيمة هي الحرية. لقد كانوا شبانا ب»موضة» حديثة وقد سرُ ِّ ْ حت شعورهم بطريقة رائعة ،ولقد رأيت يف عيونهم أحالما كثرية... تلك األحالم التي كانت ما تزال تلتمع يف عيونهم نصف املغمضة ونصف املفتوحة .كتبت قصيديت العتذر إليهم وألعتذر من سحر الكلامت حني تستعيد ثراءها وجاملها بعدما طالها التلوث. أما مفهوم الحرية يف القول الشعري فهو لصيق بالقصيدة وهو سؤالها الدائم ألن الطغيان ليس سياسيا فقط لكنه اجتامعي ،بل هو دين أيضا ألن من املمكن أن يتولد عنه الحضارة نفسها وكذلك املؤسسة التي تحيل الكائن اإلنساين
إىل آلة أو رقم حتى يف املجتمعات الحرة والدميقراطية. الشعر رشطه األخالقي الوحيد هو أن يتساءل بشأن الكائن ومصري اإلنسان دامئا. من قصيدة «رؤيا الشهيد»:
صوب الشمس اتجهوا فتية كالرساب ال يدركهم عطش من رحيق األرض انبلجوا صدورهم دروع ونارهم حجر كيف يعودون إىل ناصية الشارع وألوان ليبيا لوحة انفجرت عىل رغم الحزن العميق أصابعهم. الفتية املارقون كان ثمة جمال كعباد الشمس هاماتهم يتسرب من مالمح تغزل الضوء الشهداء ألنهم كانوا يف آخر عيد يموتون من أجل يلعبون ببنادق البالستيك واآلن خلف امليم طاء قيمة إنسانية يجلسون كأنهم يف مقهى عظيمة هي الحرية هذه املرة يشرتون العيد لعبة ليوم البنادق.
issue (4)- September - 2012
89
قضية
ازدهار النثر وقوة الشعر عمر الكدي
يف تقديري ،سيزدهر النرث يف ليبيا أكرث من الشعر ،ألن املجتمع يف حاجة إىل أن يروي ذاته ،إذ أنه خالل العقود األربعة املنرصمة قد ُمنعت الرواية من التعبري عن نفسها وعن الحراك االجتامعي بشدة .باملقابل ،أعتقد أن الشعر قام مبهمته بكل نجاح خالل املرحلة املاضية ،عندما كان يتكئ عليه املبدعون أكرث من النرث ،ألن لديه القدرة عىل اإلمياء واإلشارة من بعيد بسبب طبيعته الخاصة باستخدام الفنون البالغية مثل التورية واالستعارة.
هامش الحرية يساوي المتن فرج أبو شينة
يقول هايدجر« :يف القول يكمن الوجود» .أيّ قول ذلك الذي كان يقصده هايدجر؟! ..وأي وجود؟ يف هيمنة كهذه، حيث الرئيس هو اإلطار الوجودي املحض ..ال قول ،وال وجود يف كنف السلطة الغاشمة .إذا أردت أن تقول فقل نعم أو اصمت. لكن الشاعر الحقيقي ال يقوى عىل السكوت وال عىل التخاذل .يشعر ب»مغص» يف حنجرته ..ورغبة حقيقية يف تقيؤ الحياة .يف ظل النظام السابق كان الشاعر يتنفس زفريه .هم ق ّلة من تجرؤا عىل استنشاق الهواء النقي الخايل من الهيمنة لكنهم دفعوا الثمن باهظا .سجن «أيب سليم» يشهد عىل ذلك. إن هامش الحرية لدى الشاعر يساوي املنت .وحرية القول، ليس فيام يكتبه فقط.إمنا فيام يراه من إصالحات سياسية ومن تحوالت يف العامل واملعرفة معا .الشاعر الذي بال موقف هو بال ظل .وال تعرتف به أ ّية قيلولة ..كذلك رئة الشاعر يف األصل تستوعب ّ كل أكسجينات السلطة الطريّ منها واملختنق .لديه مقدرة عىل التحايل والقول .لديه رئة 90
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
احتياطية يوفق أحيانا يف استعاملها .ويف أحايني أخرى قلّة من الشعراء هم يفشل .طبعا ،يتوقف األمر الذين تجرؤا على عىل مقدرته يف استخدام الرمز استنشاق الهواء كقناع وكمكريوفون .كثريون النقي الخالي من استطاعوا استخدامه .قالوا قولهم يف حضور الشمس .ومل الهيمنة ،لكنهم يهابوا تهديدات العتمة. دفعوا الثمن باهظا اآلن ،اختلف األمر ،وعىل الشاعر أن يختلف هو أيضا ..ال أن يتخ ّلف ،عليه أن يختلف يف نظرته إىل الواقع ..ويف نظرته إىل الحياة الجديدة الربيئة من السياجات واألسالك الشائكة واألسوار العالية السمينة .كذلك ،وهذا مهم جدا ،عليه أن يعيد النظر يف قوله ألن القول الشعري مل يعد كام كان عليه يف السابق ،فهو «إما خائفا أو خجوال أو مرتبكا أو متواطئا». إىل ذلك فالدولة الحديثة املرتقبة سوف تكون رئة تسمح للجميع بالتنفس ..ولدينا من اآلذان ما يسمح للجميع بالقول .لقد اتسع هامش القول بالفعل ،ففي الصحافة انتقد الكثريون املجلس االنتقايل يف بعض سياساته االرتجالية أحيانا .ويف الفيس بوك بات «الهامش» هو األكرث اتساعا للقول .إننا نقرأ الكثري من االنتقادات حول أداء املجلس االنتقايل وأعضائه وكذلك أدائه .وهذه سابقة جميلة مل تحدث منذ سنوات عدة يف ظل نظام واحد ومهيمن. هذا كله يحتِّم علينا ،بالفعل ،أن نعيد النظر يف أدواتنا الصوتية .أن نقول ما يجب قوله .ال أن نستغل هذه الهبة املقدسة لنتحرش ونشاكس ونثري بعض الزوابع بطريقة طفولية غري مسؤولة ال ليشء سوى استهالك حرية القول فيام ال يعنيه .القول الذي ال يبني ينهدم عىل صاحبه. القول الذي ترشق منه الشمس يكون بردا وسالما عىل النوافذ .فلنقل ما تجيش به صدورنا ،حيت ال سياج وال قفص وال سقف أيضا .السامء رحبة ..والرئة بوسعها أن تتفس األكسجينات كلها ..واالختناق أمر غري وارد أبدا.
الشعر ما بعد «الديكتاتورية»
لهذا األدب بصوره العديدة أكرب دليل عىل مدى اإلحساس بالنقص والحاجة امللحة للسمو بالنفس والتحليق بها يف عوامل ال يحدها حد وال مينعها شد .وإذا ما أردنا الحديث عن الخطاب األديب الليبي بعد ثورة 17فرباير فإننا نقول إن الوقت ما زال مبكرا ملعرفة ظواهر ومفردات تؤثر يف هذا الخطاب أو تلقي ظالال عليه وما ينبغي لنا التفكري فيه اآلن هو أن الخطاب األديب الليبي خطاب يحمل يف طياته حلام إنسانيا نبيال مل يعبأ بواقعه املرير وانطلق بعد الثورة محاوال ترتيب أوراقه واختبار ما بني يديه من مكتسبات يعتقد أنه مهد لها وعمل من أجلها.
إنني الليبي
أيها الشاعر الصمت الذي تراكم يف درج صدئ قل قولك وال متىض لقرب أو سجن أو منفى. الخطاب األدبي الليبي يحمل عبء حلم إنساني هليل البيجو
األدب الليبي مل يفتأ ينشد الحرية ويصبو إىل الخالص، وإنه غري منقطع عن الهم اإلنساين ،ولعل شيوع الحرمان
ارسميني للمدى أفقا بعيدا أنرثيني يف فضاء الكون لحنا عانقيني وجد روح قد تسامى سوسن األفراح ُبثي يف كياين إنني الليبي يجري يف عروقي أعشق اللذات يف ّ كف املنايا إنني الليبي يا خوف انحساري جم الحب ُّ كأيس إنني الليبي َّ يا بالدي قد عرفت اليوم حقا يا بالدي لوين أفقي وكوين واجعليني يف احتدام الحزن عيدا رتليني الزورد أو نشيدا بل تجليّ فيك نريوزا سعيدا فوح سحر يورث النفس الخلود الرتجاف الروح شوق لن يبيد ال أبايل يف ا ُملنى دهرا عنيدا يف ضفاف الحلم قيدا أو سدودا فاسكبيني فرحة ..عطرا ..سعودا معنى أن ألقاك حرا أو شهيدا للهوى يف محنتي يوما جديدا issue (4)- September - 2012
91
بيوت الشعر
بيت الشعر في الشارقة عشرة أعوام من التألق ثالث محطات رئيسة يتوقف عندها بيت الشعر في الشارقة خالل العام :الرابع من فبراير ،اليوم الذي تأسس فيهُ ، وي َع ُّد واحدا من أقدم بيوت الشعر العربي ،ولهذه المناسبة يدعو بيت الشعر سنويا إلى احتفالية شعرية
يقيمها بالتزامن مع اليوم العالمي للشعر في 21مارس ،وهو المحطة التالية ،وقد أقيمت لهذا العام بمناسبة
ّ مرور عشر سنوات على تأسيسهُ ، الكتاب وأعالم الشعر والنقد والمثقفين العرب فدعي إليها نخبة واسعة من
المهتمين بالحركة الشعرية العربية وكذلك االعالميين ،.وأخيرا مهرجان الشعر العربي الذي ُيقام في أحد الشهرين األخيرين من كل عام
الشارقة -بيت الشعر
خالل األعوام السابقة أسس البيت لجمهور خاص به، وجه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد َّ أي خاص بالشعر ،قوامه من الشعراء ومحبي الشعر القاسمي عضو املجلس األعىل حاكم الشارقة بإنشاء بيت ومتابعيه من االماراتيني والعرب ،مقيمني وزائرين .بدأ بناء الشعر ،إمياناً منه بأهمية الشعر العريب ودوره الفاعل يف هذا الجمهور ،إذا جاز التعبري ،ليس من خالل األمسيات الحركة الثقافية واملجتمع ،وافتتحه سموه يف الرابع من والفعاليات الكربى فحسب بل أيضا من خالل األنشطة نوفمرب من العام 1997يف احتفالية خاصة حرضها جمع املوازية التي غالبا ما تستقطب جمهورا شابا عربيا خالل غفري من كبار الكتّاب والشعراء والنقاد واملثقفني العرب أشهر الصيف والتي هي أشبه بورشات عمل تتناول الشعر واألجانب. وعروضه ونقد الشعر ومناهجه واملدارس الشعرية العربية و ُيعنى بيت الشعر بقضايا الشعر والشعراء يف مجاالت قدميا وحديثا .مثة العديد من األسامء الشابة ،خاصة من الكتابة والتوثيق واإلعالم والنهوض بها عرب اإلنتاج والتبادل النساء العربيات املقيامت اللوايت تخرجن من أصياف بيت الثقايف العريب ،غري أن نشاطه الدائم يتمثل باألمسيات الشعر بالشارقة تلك. الشعرية التي يقيمها البيت لكن خالل الفرتة السابقة ،تركزت كل ثالثاء يف مقره يف منطقة جهود بيت الشعر حول شكل الرتاث بالشارقة القدمية، محدد للقصيدة العربية ،فكانت عىل مقربة من مرسح معهد تركزت خالل الفترة مجمل األنشطة والفعاليات تدور الفنون املرسحية وجمعية الماضية جهود بيت الشعر حول هذا الشكل ،وأيضا أغلب املرسحيني ومقر مرسح للقصيدة محدد شكل حول الدعوات ألنشطته الشعرية كانت الشارقة الوطني من جهة، العربية تستثني أسامء أساسية من أشكال وعىل مقربة من متحف أخرى للقصيدة العربية وخاصة الشارقة للفنون املعارصة قصيدة النرث ،األمر الذي ينطبق وجمعية التشكليني ورواق عىل الندوات املوازية أو األساسية الفنون من الجهة األخرى. 92
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
بيت الشعر في الشارقة
التي كان يقيمها البيت طيلة السنوات الثالث األخرية عىل األقل. كان هذا األمر ،مبارشة ،سببا رئيسيا من بني أسباب أخرى، تخص الحال الراهنة للشعر العريب إجامال ،فضال عن أنه عىل النقيض من أحد أهم أهداف بيت الشعر هو تأصيل دور الشعر والشعراء يف الحركة الثقافية واملجتمع ،وإيصال صوت الشعر إىل قطاعات املجتمع كافة ،وتوثيق الحركة الشعرية املحلية والخليجية والعربية ،والتفاعل مع الحياة الشعرية وطنياً وعربياً وإنسانياً ،ودعم الشعراء وتشجيعهم مادياً ومعنوياً والبحث يف جامليات الشعر العريب وبثها يف دنيا الناس ،والبحث والدراسة يف شعر وشعراء اإلمارات خاصة والوطن العريب عامة. وال يخفى عىل املتابع أن بيت الشعر قد أقام عىل مدى عرش سنوات من عمره عددا من املهرجانات التي ُك ّرست
للشعر العريب الفصيح وتكريم شعراء عرب ،باالضافة إىل عدد من الندوات واملحارضات ذات العالقة الوطيدة بالشعر والنقد قدمها نخبة من األساتذة ،ويستضيف عدداً كبرياً من شعراء الدولة ودول مجلس التعاون والوطن العريب من املحيط إىل الخليج ،وينظم عدداً من الدورات التدريبية واألنشطة الثقافية للناشئة واملوهوبني يف فن الشعر ويرشف عىل تلك الدورات أساتذة متخصصون ،كام دأب بيت الشعر عىل تنظيم احتفال خاص مبناسبة اليوم العاملي للشعر يف الحادي والعرشين من مارس من كل عام ،ويف الوقت نفسه تقريباً يقيم أنشطة متنوعة يف املنطقة الرشقية عىل مدى ثالثة أيام سنوياً. ولعل من الرضوري االشارة إىل أن بيت الشعر يحظى برعاية ودعم دامئني من قبل صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي مبارشة ،األمر الذي أسهم يف جعل تأثري
issue (4)- September - 2012
93
بيوت الشعر
املحلية والخليجية والعربية والتفاعل مع الحياة الثقافية وطنيا وعربيا وإنسانيا ،من خـالل مد حوار التواصل الرتايث واملستقبيل من أجل التثاقف الحضاري واإلنساين عامة». «بيت الشعر» التقت الشاعر الربييك للوقوف عىل أوضاع البيت وحاله الراهنة ومرشوعاته املستقبلية. لنبدأ بالحديث عن مهرجان الشعر العريب املقبل ،ماذا أعددتم حتى اآلن وما املختلف عن دوراته السابقة؟ ملتقى الشعر العريب يهدف إىل خدمة الشعر العريببشكل عام ،وتقديم طاقات إبداعية واكتشاف أسامء جديدة متميزة مل متنح الفرصة من قبل ،وللملتقى برنامج معد من السابق ،ومن تابع هذا امللتقى وجد أنه قدم لآلخرين صورة دولة اإلمارات تنظي ًام وإبداعاً ثقافياً ،وسأعمل عىل التخطيط له وتفعيل بعض األفكار الجديدة املوجودة فعلياً ضمن خططي بعد التشاور مع املسؤولني يف دائرة الثقافة واإلعالم بالشارقة ،وسأعلن عن الجديد الحقا. البيت ميتد ويتسع ليشمل الوطن العريب .وقد بلغ عدد زوار مل تكن هناك مالمح خاصة ببيت الشعر يف الشارقة سابقا، بيت الشعر املشاركني يف أنشطته وندواته وأمسياته ودوراته أي ما من اسرتاتيجية واضحة تجعل أي متابع ينتظر شيئا 1800مشارك خالل العام املايض ،وذلك بحسب ما يذكر من بيت الشعر سواء عىل مستوى الشارقة ذاتها مدينة املوقع االلكرتوين لدائرة الثقافة واالعالم يف الشارقة. وإمارة أم عىل املستوى الخليجي والعريب؟ هناك خطط وبرامج تفعل هذه االسرتاتيجية ،لكن رمباالربييك :الباب مفتوح للجميع وال ننحاز لشكل مل تفعل سابقاً ألسباب ال أود الخوض فيها وال تعنيني ،وما يعنيني هو تفعيل هذا الدور ،وسرتون إن شاء الله وضوح شعري اسرتاتيجية هذا البيت. يف السادس من يونيو املايض تم تكليف الشاعر محمد هل ستشهد الشارقة أنشطة أساسية فيام يتعلق بالشعر، الربييك بتويل مسؤولية تفعيل برامج بيت الشعر بالشارقة وانفتاحا عىل اتجاهات شعرية متعددة متواجدة يف «تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان الشارقة ،واالمارات األخرى بالطبع، بن محمد القاسمي عضو غري ذلك االتجاه النمطي الذي املجلس األعىل حاكم الشارقة» طبع بطابعه الفرتة السابقة كلها؟ بحسب بيان صحفي صدر منذ أول فعالية تحت إداريتعن دائرة الثقافة واالعالم جسر التواصل بين البيت واآلخرين يتم إنشاؤه فعلي ًا بعثت برسالة فعلية واضحة أن بالشارقة ،حيث قال الشاعر هذا البيت يتسع للجميع ،وال عبدالله العويس رئيس الدائرة وهناك اتصاالت مع جهات ينحاز لشكل شعري عىل حساب يف ذلك البيان« :دأب بيت وأوساط عربية اآلخر ،وقد تابعتم هذا بعدها من الشعر منـذ تأسيسه عام خالل الفعاليات الالحقة ،ثم كان 1997م عىل إيصال صوت التواصل مع بيت الشعر بأبوظبي الشعر إىل قطاعات املجتمع بطريقة غري مبارشة من خالل كافة ،وتوثيق الحركة الشعرية 94
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
بيت الشعر في الشارقة
استضافة رئيس هيئته اإلدارية الشاعر حبيب الصايغ يف فعالية ترشفنا بها ،وكان التجاوب والتفاهم واضحاً من خالل الكلمة التي قالها األستاذ الصايغ قبل إلقاء أشعاره وتوقيع إصداره األخري (األعامل الكاملة). رمبا ليس للنقد دور أسايس يف بيت الشعر طيلة الفرتة السابقة ،مبعنى أنه كان يتحدث يف قضايا عمومية حول الشعر ،ملاذا ال يتم السعي إىل تأسيس ندوة نقدية ُتقام فصليا وتناقش الشعر الراهن يف االمارات وما له وما عليه من وجهة نظر صارمة وغري مجا ِملة ،إذا أردتم تقديم هذه التجارب عربيا؟ بدأنا يف تقديم النقد من خالل ثالث فعالية ،واستضفناالدكتور هيثم الخواجة للتحدث عن تجربة الشاعر حبيب الصايغ ،وهناك ندوات نقدية سيكون لها دور يف املستقبل إن شاء الله. بالتأكيد فإن وجود شخص مثل محمد الربييك ،شاعرا، عىل رأس هذه املؤسسة هو مدعاة للتفاؤل بعد فرتة من الجمود ،فام هي الربامج املستقبلية للبيت وما هي الخطط األساسية السنوية التي من شأنها أن تؤكد عىل حضور البيت عربيا وخليجيا؟ بداية شكرا عىل هذا اإلطراء ،وأمتنى أن أكون عند حسنظن كل مثقف يخدمه هذا البيت ،أما فيام يتعلق بالشق الثاين فإن هناك برامج سابقة ،لكن تلك الربامج كانت
محتاجة إىل القليل من التطوير ،وإىل االلتفات إىل دور اإلعالم يف إشهارها ،ثم إين رصحت بالتواصل مع بيوت الشعر يف الوطن العريب ،كام أين أنوي إقامة مركز استكشاف لألسامء الجديدة ،وإقامة دورات للشعر ،وهناك برامج أخرى سأعلن عنها يف حينها ،أما ما سبق فقد تم اإلعالن عنه من خالل لقاءات مختلفة يف الصحف املحلية. تشهد االمارات باستمرار بروزا ألسامء شابة جديدة أو حضورا ألسامء أخرى من بالد عربية دامئا ،فهل مثة يشء أعددمتوه يف البيت عىل هذا الصعيد؟ وبالتوازي مع ذلك هل هناك نوع من التعاون مع مؤسسات معنية بالحراك الشعري محليا وعربيا؟ ً جرس التواصل بني البيت واآلخرين عربيا يتم إنشاؤهفعلياً ،وهناك اتصاالت عدة أجريتها خارجياً للتشاور مع اآلخرين ،وبيت الشعر يف الشارقة يستضيف باستمرار أسامء من الداخل والخارج ،ومن يدخل فيه يجد أنه يف بيته ،أما األسامء اإلماراتية الشابة فإن هناك حلقة وصل مفقودة بني األجيال ،وبعد ظهور آخر جيل للشباب مل نر أسامء جديدة، وهذا يف حد ذاته هم مؤرق سأحاول مع اآلخرين إيجاد حل للخروج منه ،واكتشاف أسامء شابة تواصل مسرية من سبق ،كذلك فإين أفتح الباب للجميع إلبداء رأيه الذي يخدم الثقافة واألدب بشكل عام ،وسأحاول األخذ باألفكار الجيدة وتطبيقها حسب اإلمكانيات املتاحة issue (4)- September - 2012
95
شعر وسينما
الفيلم الشعري جسر جديد بين الشاعر والقصيدة بات للفيلم الشعري مهرجاناته الخاصة في
أوروبا ،حيث غادر الشاعر دوره كقارئ لنصه وترك للصورة والنص المكتوب أن يؤديا
وظيفة ايصال القصيدة
ستوكهولم -مهند صالحات
رغم
حداثته يف أوروبا والعامل ،إال أن الفيلم الشعري الذي ميازج ما بني الصورة املرئية والنص بتنافس كبري عىل إنتاجه ما املكتوب ،يلقى قبوالً ويحظى ٍ بني الشعراء ،ويف السنوات األخرية أصبح هنالك مهرجانات خاصة به ،وهو ذلك النوع من األفالم الذي يندرج تحت إطار ما يسمى بالفيديو آرت ،ال يحمل بالعادة قصة وإمنا رؤية ،وغالباً ما يقوم الشاعر نفسه بتصوير فيلمه أو االستعانة بصور تعرب عن فكرته ،ويرشف الشاعر كام مخرج الفيلم عىل فلمه الشعري ليخرج حام ًال رؤيته الشعرية التي أرادها من القصيدة املرافقة له ،ويجري بالعادة عرض هذا النوع من األفالم خالل القراءات الشعرية التي تتشهدها يف املهرجانات الشعرية أو األمسيات ،وذلك إىل الخلف من الشاعر حني يقوم بقراءة قصيدته ليقدم للمشاهد املستمع يف الوقت نفسه رؤية متكاملة ما بني كلامت القصيدة والصورة ،وأحياناً ُيعرض الفيلم وعليه صوت الشاعر مع مؤثرات صوتية أخرى ،أو بخلفية صوت أو أصوات تقرأ القصيدة من دون أن ترافقها قراءة من الشاعر الذي يكتفي بجلوسه بني الحضور. مؤخراً ،أنتج الشاعر الفلسطيني غ ّياث املدهون ،املقيم يف العاصمة السويدية ستوكهومل ،فيلمه الشعري األول بعنوان «املدينة» باالشرتاك مع الشاعرة السويدية ماري سيليك ٌ أصوات لعدد من األشخاص بريي ،حيث ترافقت يف الفيلم يف شوارع ستوكهومل يقرؤون مقاطع من القصيدة املشرتكة للشاعرين املدهون وسيليك بريي التي تحمل عنوان الفيلم نفسه« :املدينة» ،مع مشاهد لبنايات كربى تنهار جراء تدمريها أو نسفها ،فيام ُيختم الفيلم بصوت صفارة اإلنذار 96
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
من الحرب العاملية الثانية يف كلٍ من مدينة برلني ولندن .يف حني أن تع ُّرف املدهون إىل الفيلم الشعري كان عندما ُط ِلب منه خالل كتابته نص عن «غزة» الستخدامه يف فيلم شعري بعنوان« :ستوكهومل غزة». والفيلم الشعري كام يراه غياث هو "طريقة إليصال القصيدة إىل الناس ،ورغم أن هذا النوع من األفالم الفنية كان موجوداً من قبل إال أنه كان مقترصاً عىل املحرتفني وصانعي األفالم ،أما اليوم ومع انتشار الكامريات وأسعارها املتاحة ملتوسطي الدخل وكذلك برامج املونتاج يف أغلب الكمبيوترات املحمولة ،فقد انفتح املجال واسعاً أمام غري املحرتفني سينامئياً من الشعراء للتجريب يف هذا النوع من األفالم الذي يتامهى مع كتابة الشعر" .يضيف غياث أيضاً: «نحن ننرش الشعر يف املجالت والدوريات األدبية ،ونقرأه يف األمسيات الشعرية ،ونصدره يف دواوين ومجموعات شعرية، واآلن أصبحت هناك طريقة جديدة لنرش الشعر من خالل
تاركوفسيك رائد الشعرية يف السينام
للمتلقي من القصيدة نفسها ،ترى ماري سيليك بريي ،أن الفيلم الشعري ليس أقدر متاماً عىل ذلك ،إمنا لديه اإلمكانية ملزج الصوت بالصورة ،خاصة أننا اليوم أمام عامل يتحول إىل املريئ أكرث فأكرث ،فالفيلم الشعري قد يكون ترجمة برصية للقصيدة، وبهذا نكون قد وصلنا إىل تقنية أكرث قدرة عىل إيصال فكرة القصيدة برصياً. ً من ناحيته يتوقع املدهون لهذا النوع من األفالم «شأنأ يف عامل الشعر يف املستقبل القريب» ،مؤكدا أن هذا التوقع جاء بناء عىل تجربته مع «مهرجان زيربا لألفالم الشعرية» الذي يقام يف برلني كل عامني ،والذي دُعي إليه يف العام ٢٠١٠بعد أن تم اختيار فيلمه مع ٢٥فيل ًام آخر لالشرتاك يف املهرجان من بني أكرث من ٩٠٠فيلم شعري تقدم بها شعراء من العامل للمشاركة. وباملقابل ،ال يبدو غياث متفائ ًال بحضور تجربة عربية مع هذا النوع من األفالم قريباً.
وجهة نظر سينامئية
وجهة نظر قد تبدو غري بعيدة عام يقوله الشعراء ،لكنها للمخرج السيناميئ عائد نبعة الذي يقول« :مل توجد السينام لخدمة الشعر أو أي نوع من أنواع الفن وكذلك العكس، نسمع البعضَ فالشعر والسينام جنسان مختلفان متاماً ،لكننا ُ أحياناً وخصوصاً عند إعجابهم بلقطة ما أو فيلم ما ،يقولون: األفالم الشعرية». إنه كان كقصيدة من الشعر ،ويأيت ذلك هنا كمفردة نقدية من جانبها ترى الشاعرة السويدية ماري سيليك بريي أن تستخدم الشعر كشحنة عاطفية عارمة للتعبري عن الجامل الفيلم الشعري «فرصة للعمل عىل إيصال فكرة تتضمنها وعن األسلوب البرصي األخاذ للسينام ،فمفردات اللون والصوت بوقت معني قصيدة يف وقت محدود ،أي أن تكون محدداً ٍ تكتب والتكوين وعمق املجال واملونتاج يف املشهد ترتك لدى املشاهد بوقت مفتوح كام لو َ كنت ُ عىل العكس من أن تعمل ٍ أحياناً االنطباع الذي ترتكه القصيدة أو الذي يرتكه النص من كتاباً» .وتضيف سيليك بريي« :الفيلم الشعري فرصة ملزج صور تتطبع يف ذهن املستمع واملتفاعل» .ورداً عىل سؤال متنوع من عدة طرق للتعبري عرب الصوت ،واملوسيقى، حول ما ميكن لهذه األفالم الشعرية أن تقدمه ،يقول نبعة: والنص ،والصور املتحركة .وهو أيضاً طريق مهم للخوض «هذه األفالم املرافقة للشعر أو القصيدة هي مبثابة محاولة أكرث يف تقنيات جديدة غري تقليدية ،وللبحث يف تأثري لخلق حاسة جديدة لدى املتلقي غري متعارف عليها بعد، هذه التقنيات الجديدة عىل إمكانيات االبتكار واإلبداع حاسة غري السمع والبرص أو حاسة جديدة ناتجة عن مزج الذهني ،كام أنها طريقة لتطويع التكنولوجيا يف خدمة الحاستني السابقتني ،وهذا نوع جديد من أنواع العرض وحتى الشعر ،فالفيلم الشعري له تأثري مختلف بالنسبة للقارئ أو الجمهور ،بعكس النص املكتوب ،كام أنه أقدر عىل عبور األفالم املصنوعة يف هذا النوع الجديد من أساليب طرح الشعر للمتلقي مل ُتصنع أو ُتنجز لترتجم القصيدة ولكن لتضيف الحدود بسهولة أكرث من الكتاب». للقصيدة مساحات ومدى جديداً» وحول إذا ما كان الفيلم الشعري أقدر عىل إيصال الفكرة issue (4)- September - 2012
97
في الشعر
منبع الشعر إدغار موران
سأحاول
أن أدافع عن األطروحة اآلتية :مستقبل الشعر كامن يف منبعه ذاته .ما هو هذا املنبع؟ من الصعب إدراكه. إنه ضائع يف األعامق اإلنسانية ،كام يف أعامق ما قبل التاريخ ،هناك حيث ظهرت اللغة ،يف أعامق ذلك اليشء الغريب الذي هو الدماغ والعقل اإلنسانيان .أريد إذن أن أقدم بعض األفكار التمهيدية يك أتحدث عن الشعر .أوالً ،البد أن نعرف أن اإلنسان ،كيفام كانت ثقافته ،ينتج لغتني انطالقاً من لغته :لغة هي لغة عقلية ،تجريبية ،عملية ،تقنية؛ وأخرى هي لغة رمزية ،أسطورية ،سحرية .تنزع األوىل إىل الدقة ،والتدليل ،والتحديد .فهي ترتكز عىل املنطق وتحاول أن تجعل ما تتحدث عنه أمراً موضوعياً .أما الثانية فتستعمل الداللة غري املبارشة ،التامثل ،االستعارة ،أي هالة الدالالت التي تحيط بكل كلمة ،بكل ملفوظ، وتحاول ترجمة حقيقة الذاتية .ميكن لهاتني اللغتني أن تكونا متجاورتني أو متداخلتني ،ميكن أن تكونا مفرتقتني ،متقابلتني ،وتناظر هاتان اللغتان وضعني اثنني .الوضع األول ،ميكن أن نسميه الوضع النرثي ،الذي نسعى فيه أن ندرك ،أن نفكر ،وهو الوضع الذي يغطي جزءاً كبرياً من حياتنا اليومية .الوضع الثاين ،الذي ميكن أن نسميه الحالة الثانية ،الحالة الشعرية. ميكن للحالة الشعرية أن تعطى بواسطة الرقص ،بواسطة الغناء ،بواسطة العبادة ،بواسطة الحفالت ،وبكل تأكيد ،ميكن أن تعطى بواسطة القصيدة .كان فريناندو بيسوا يقول إنه يف داخلنا يوجد كائنان .األول ،الحقيقي ،هو كائن خياالتنا ،وأحالمنا ،الذي ولد يف الطفولة ،الذي يبقى مدى الحياة؛ والكائن الثاين ،املزيف ،هو كائن املظاهر ،كائن خطاباتنا ،وأفعالنا ،وحركاتنا .لن أقول إن األول حقيقي والثاين مزيف ،بل إنه ،وبكل تأكيد ،مع هذين الحالتني يتناظر كائنان يف داخلنا .ومع الحالة الثانية يتناظر ما أدركه بوضوح رامبو املراهق ،تحديداً يف رسالته الشهرية رسالة الرايئ .إنها ليست حالة النظر ،بل حالة الرؤية. إذن ،شعر -نرث ،ذلك هو نسيج حياتنا .قال هولدرلني :اإلنسان يسكن األرض شعرياً .وأعتقد أنه ينبغي القول إن اإلنسان يسكنها شعرياً ونرثياً يف نفس اآلن .إذا مل يكن هناك نرث ،لن يكون هناك شعر .ال ميكن للشعر أن يكون جلياً إال يف عالقة مع النرثية .إذن، نحن منلك هذا الوجود املزدوج ،هذا التناقض املزدوج ،يف حيواتنا. يف املجتمعات القدمية ،التي نسميها جوراً بدائية ،التي تناسلت عىل األرض ،التي شكلت اإلنسانية وآخرها يتم إبادتها بوحشية يف األمازون ويف مناطق أخرى ،كانت هناك عالقة ضيقة بني اللغتني والحالتني .لقد تم الخلط بينهام .يف الحياة اليومية ،كان العمل مرافقاً باألغاين ،باإليقاعات ،كانوا بواسطة أجران يهيئون الدقيق وهم يغنون ،ويستعملون اإليقاع .لنأخذ مثال االستعداد للصيد ،الذي تشهد عليه إىل اليوم الرسومات ماقبل التاريخية ،خصوصاً رسومات مغارة «السكو» ،يف فرنسا؛ التي تبني لنا أن الصيادين كانوا يقيمون طقوساً سحرية عىل طرائد مرسومة فوق الصخرة ،لكنهم ال يقتنعون بتلك الطقوس:كانوا يستعملون نباالً حقيقية ،واسرتاتيجيات شعوذية ،فكانوا ميزجون االثنني .بينام يف حضاراتنا الغربية املعارصة ،حدثت تفرقة ،بل أقول أيضاً فصل ،بني الحالتني ،بني النرث والشعر. هناك قطيعتان .القطيعة األوىل ،حدثت من النهضة ،عندما تبلور شعر دنيوي أكرث فأكرث .كان هناك أيضاً انفصال بينّ انطالقاً
98
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
من القرن السابع عرش ،من جهة ،ثقافة أصبحت علمية وتقنية ،ومن جهة أخرى ،ثقافة إنسانية ،أدبية ،فلسفية ،تحتوي الشعر بالتأكيد .إنه نتيجة لهذين االنفصالني أصبح الشعر مستق ًال بذاته فأصبح شعراً .لقد انفصل عن العلم ،وعن التقنية ،وبكل تأكيد انفصل عن النرث .لقد انفصل عن اإليقاعات ،أقصد أنه مل يعد مطلقاً أسطورة ،لكنه أصبح دامئاً يتغذى من منبعه الذي هو الفكر الرمزي ،األسطوري ،السحري. الشعر ،يف ثقافتنا الغربية ،مثله مثل الثقافة اإلنسانية ،وجد غريباً .وجد غريباً وسط املتعة ،والرتفيه .وجد غريباً من أجل املراهقني ،والنساء ،لقد أصبح مبعنى من املعاين عنرصاً دونياً مقارنة بنرث الحياة. للشعر ثورتان تاريخيتان .األوىل هي الثورة الرومانسية ،خصوصاً الرومانسية ذات األصل األملاين .إنها ثورة ضد غزو النرثية ،والعامل النفعي ،العامل البورجوازي ،العامل الذي تطور يف بداية القرن التاسع عرش .والثورة الثانية ،وقعت يف بداية القرن العرشين .إنها ثورة السوريالية .السوريالية تعني رفض أن يبقى الشعر منغلقاً داخل القصيدة ،أي داخل تعبري أديب خالص وبسيط .ليس ذلك نفياً للقصيدة ،مادام بريتون ،مادام برييه ،مادام إيلوار ،إلخ ...قد كتبوا قصائد جميلة؛ لكن فكرة السوريالية مفادها أن الشعر يجد منبعه يف الحياة .يف الحياة ،بأحالمها وصدفها ،وتعرفون األهمية التي يعطيها السورياليون للصدفة .لقد وجد إذن ذلك املرشوع الرامي إىل إلغاء النرث من حياتنا اليومية الذي بدأه «آرثر رامبو» عندما كان يبدي إعجابه باألكواخ املتنقلة ،وبالتينية الكنيسة .كام أن السورياليني قدروا السينام ،فهم أول من أحبوا شاريل شابلن .إذن ،إلغاء النرث من الحياة اليومية ،وإعادة إدخال الشعر يف الحياة ،ذلك هو أول رسالة بعثها السورياليون .كانت هناك أيضاً الثورة ،ثورة ليس فقط ضد العامل النرثي ،بل ضد فظائع الحرب العاملية األوىل ،التي منها جاء اإللهام الثوري .تعرفون أن بريتون أراد أن يربط الصيغة السياسية الثورية «تغيري العامل» بالصيغة الشعرية السوريالية «تغيري الحياة» .لكن هذه املغامرة ،التي قادت بنفسها إىل هذيانات ،إىل مجموعة من األخطاء، بل أقول حتى إىل التدمري الذايت للشعراء ،عندما قاموا بإخضاع الشعر لحزب سيايس .هنا توجد مفارقات الشعر .ليس للشاعر أن ينغلق داخل مجال اليمكن للشعر أن يكون جلي ًا ،إال صارم ،مغلق .مجال اللعب بالكلامت ،مجال اللعب بالرموز .للشاعر كفاءة في عالقته مع النثر ،وفي حضارتنا كلية ،متعددة األبعاد ،تهم اإلنسانية والسياسة ،لكن ال ينبغي أن يرتك نفسه الغربية المعاصرة حصل فصل بين خاضعة للنظام السيايس .إن رسالة الشاعر السياسية هي تجاوز السياسة. الحالتين إذن ،لقد شهدنا ثورتني يف الشعر .واليوم ،ما هو الوضع؟ هناك ما ميكن أن نسميه تدفق «إفراط النرث» .وتدفق إفراط النرث ،هو تدفق منط حياة مايل ،كرونومرتي ،مجزأ ،مقسم ،مدمر .وهو ليس فقط منط حياة ،بل أيضاً منط فكر أو خربات متخصصة ،أصبحت منذ اليوم مؤهلة ملواجهة كل أنواع املشاكل .وهذا الغزو املفرط للنرث مرتبط بتدفق اقتصادي ،تقني ،بريوقراطي .يف هذه الظروف، خلق فرط النرث يف نظري رضورة فرط الشعر. هناك حدث آخر طبع نهاية القرن :إنه التدمري ،أو باألحرى التدمري الذايت لفكرة الخالص األريض .لقد صدقنا أن التقدم مضمون تلقائياً بالتقدم التاريخي .صدقنا بأن العلم ال ميكن أن يكون سوى تقدمي ،وبأن الصناعة ال ميكن أن تأيت سوى باملنافع ،وبأن التقنية ال ميكن أن تقدم سوى اإلصالحات .لقد صدقنا بأن هناك قوانني تاريخية ضمنت تفتح اإلنسانية ،وعىل هذه القاعدة، اعتقدنا أنه من املمكن إقامة السالم عىل هذه األرض ،أي سيادة السعادة التي وعدت بها الديانات يف السامء .يف حني أننا اليوم نشهد انهيار فكرة أنه من املمكن وجود خالص عىل األرض ،وذلك ال يعني رضورة التخيل عن فكرة تطوير العالقات اإلنسانية وتحرضها .إن التخيل عن فكرة الخالص مرتبط بتفهم أن ال وجود لقوانني تاريخية ،وبأن التقدم ليس مضموناً ،ليس تلقائياً .ليس
issue (4)- September - 2012
99
في الشعر
فقط أن التقدم يجب أن يهزم ،لكن ،كلام هزم ،ميكن أن يرتاجع فيجب تجديده من دون توقف. واليوم ،كام قال الفيلسوف التشييك «باتوكا»« :الصريورة أصبحت إشكالية ،وستبقى كذلك إىل األبد» .نحن داخل هذه املغامرة الغامضة ،واألحداث التي تقع كل يوم يف العامل تؤكد لنا ذلك ،إننا وسط «ليل وضباب» .ملاذا نحن وسط ليل وضباب؟ ألننا دخلنا كلياً العرص الكوكبي .لقد دخلنا هذا العرص حيث توجد أفعال متعددة والنهائية بني كل أطراف األرض ،حيث إن كل ما يتعلق بآبار النفط يف العراق والكويت يهم اإلنسانية جمعاء .لكن يف نفس الوقت علينا أن نفهم أننا فوق هذا الكوكب الصغري، البيت املشرتك ،مفقودون يف الكون ،ونحن طبعاً نتحمل مسؤولية تحضري العالقات اإلنسانية فوق األرض .تقول ديانات الخالص، وسياسات الخالص« :علينا أن نكون إخوة ،حتى ننجو» .وأعتقد أننا اليوم يجب أن نقول :علينا أن نكون إخوة ألننا مفقودون، مفقودون فوق كوكب صغري عىل طرف شمس يف ضاحية مجرة محاطة بعامل بال مركز .نحن هنا ،لكننا منلك النباتات ،والعصافري، واألزهار ،ونتمتع بتعددية الحياة ،وبإمكانيات العقل اإلنساين .هذا هو ،بعد اآلن ،أساسنا الوحيد ،وتدفقنا الوحيد املمكن. إن اكتشاف وضعنا الضائع داخل كوكب كبري ناتج عن اكتشافاتنا للفيزياء الفلكية .ذلك يعني أن هناك حواراً ممكناً اليوم بني العلم والشعر ،ألن العلم يكشف لنا عن عامل شعري بشكل أسطوري ،مع إعادة اكتشافنا للقضايا الفلسفية املركزية :ما معنى اإلنسان؟ ما هي مكانته؟ ما مصريه؟ ماذا ميكن أن يأمل؟ إن الفضاء القديم للعلم ،يف الواقع ،كان آلة خالصة ،محددة كلياً، تحركها حركة أبدية ،بندول دائم ،ال ميكن أن يحدث يف أي يشء ،ال إبداع فيه ،وال حدث .يف حني أن هذه اآللة العدمية الكامل عىل نحو محزن ،هي آلة مفككة .ماذا نرى؟ إننا نرى الكون وهو يولد ،رمبا ،منذ خمسة عرش مليار سنة ،من انفجار ،منه انبثق الزمن فجأة ،انبثق الضوء ،انبثقت املادة ،كام لو أن هذه البداية هي نوع من االنفجار الفوضوي ،و أن الكون سينتظم عرب هذه الفوىض .تبدو لنا الحياة شيئاً تافهاً ،وبديهياً .اكتشفنا الجرثومة ،مباليني الجزيئات ،عىل أنها أكرث تعقيداً إىل درجة أن كل معامل «روهر» تحتوي عليها .انتبهنا أن الواقع الذي يبدو صلباً ،وبديهياً ،تالىش أمام هدف الشعر هو وضع أنفسنا في نظرة الفيزياء املجهرية ،وأنه تحت نظرة الكون الزمن والفضاء ،اللذان يبدوان مختلفني ،ميتزجان ببعضهام .العديد من الفيزيائيني الفلكيني يحدسون أن هذا الحالة الشعرية.ورسالة الشاعر العامل الذي ينفصل فيه الفضاء عن الزمن هو مثل الزبد ،زبد يشء ما مختلف السياسية هي تجاوز السياسة ال يوجد فيه أبداً االنفصاالت بني الفضاء والزمن. أين الشعر من ذلك اليوم؟ لقد توصلنا ،ليس فقط يف الشعر بل أيضاً يف املجاالت األخرى ،إىل فكرة أنه ليس هناك طليعة ،باملعنى الذي يشري إىل أن الطليعة تحمل شيئاً أفضل مام كان من قبل .الجديد ليس بالرضورة أفضل ،ورمبا هذه هي حقيقة فكرة مابعد الحداثة .إن صناعة الجديد من أجل الجديد هو أمر عقيم .املشكل ليس يف اإلنتاج املنتظم ويف اإلدهاش بالجديد .الجدة الحقيقية تولد دامئاً من العودة إىل املنابع .ملاذا جان جاك روسو هو جديد بشكل مدهش؟ ألنه أراد أن ينكب عىل منبع اإلنسانية ،عىل أصل امللكية ،وأصل الحضارة ،ويف العمق ،كل جديد عليه أن مير من منبع التدفق والعودة إىل القديم .ميكن أن يكون هناك ما بعد حداثة وما بعد بعد حداثة ،لكن كل ذلك ثانوي .إن هدف الشعر يبقى أساسياً ،هو أن نضع أنفسنا يف حالة ثانية ،أو باألحرى ،أن نعمل عىل أن تصبح الحالة الثانية هي األوىل .هدف الشعر هو أن نضع أنفسنا يف الحالة الشعرية. * إدغار موران آخر الفالسفة الكبار يف فرنسا ،والنص محارضة ألقاها يف املهرجان العاملي للشعر بستوغا ،يف صيف سنة 1990 ترجمة محمود عبد الغني
100
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
هل الشعر يؤلم؟ ميشيل دوغي
كان
َ عنوان َومستهل املحادثة التي أجراها الكاتب «باولو هذا القول املأثور «أصغي يف هذا الترصيح إىل أمنية أو شك» فابري» يف أمسية ببيت الكتاب ،وأبحث هنا لتطويرها محاوالً أيضاً دراسة نقيضها ،أو إيجاد منذجة أخرى مامثلة. كام أعرف أن هذا االفرتاض يرن كتذكري لتقلي ٍد .كان الشعر مؤذياً ،يؤذي ،ويعرف أن يؤذي ،لكن هل يستطيع أن يستمر يف ذلك؟ كان هنالك زمن لقصائد الهجاء والسخرية ،زمن للعقوبات ،كان أطول زمن ذاك الذي امتد من «أرشيلوك» إىل «فولتري» ومن «شينيي» إىل «هوجو» .كان الشعر هجائياً أو وطنياً ،يقتل أو يحب الحرب ،كان نشيداً للحرب وللنرص ،ينادي للقتل وللفتنة، نشيداً للحرب والنرص ،الزمة حربية ،أهجية ...الشعر املسلح ،املعتمر خوذة ،بجزماته العروضية ،ودرعه األشييل ...أعرف جيداً لكنني سأبحث يف اتجاهات أخرى؛ تلك التي تقول بأنه يؤمل وتلك التي ترى أنه ال يؤمل أو تلك التي ترى فيه «أكرث االنشغاالت براءة» «بحسب ترجمة ،هنا ،لهولدرلني» ،تلك التي ترى أنه يعرب عن الغضب والقسوة والحرمان واالعتزال..غاضب ،قاس ،زاهد، معتزل ،يف أي حالة تضع الذات الغنائية نفسها؟ لننصت ونرى.
عن الغضب
ليس السؤال يف أن الشاعر الذي ميتلك نفسا هشة يغضب «وهذا ميكنه الوقوع»، لكن الغضب هو الذي يهز الشاعر ،إنها اإللياذة التي تبدأ بالغضب .لنسم هذا ليست المشكلة في أن نعرف االنفعال..سأتناول الغضب بسبب هومريوس وهوراس ،املشكلة ليست يف أن من أين يبدأ الشاعر ،لكن نعرف من يبدأ ،من الدجاجة الغاضبة أم البيضة املهتاجة ،لكن املشكل هو المشكل هو في انتزاع الشعر يف انتزاع الشعر من نفسية الشاعر ،انتزاع « الغنائية» من الطبائعية .الغضب «موضوعي» وهذا ال يعني أننا نتأرجح من الذات إىل املوضوع ولكننا نعمل عىل موضعة التفسري ،إذن ،ماذا يحدث؟ كل هذا يغضب «ين» ،يغيل الكائن ويهتاج ،أنا أمل مطلق! سنتكلم عن طريقة للوجود منفتحة عىل ما هو موجود ،عن حالة أنطلوجية أو كاشفة .يصبح الكائن ما هو يف ذاته ،عن طريق ذاته من أجل ذاته .التفكري يف الكائن ،املكاشفة الذاتية ،يحرك الغضب الفكر ،الذي يبحث عن قول موقفه مام هو موجود يف نرب غاضب .يتحدث الفالسفة عن «وجود» .أنا غضب ،هذا ما نقوله أو ر َّبة الفن تغضب الشاعر -الحساس ليخرج عن أطواره ثم يأيت فقدان الثقة واألوهام من ربة الفن اإللهية إىل املجاز بأحرف كبرية :يتجوهر الغضب يف بديل لعبادة وثنية للبالغة ،وصف مؤثر معشوق بشكل مبهم ،فضيلة غاضبة.
عن القسوة
يحلم الشاعر بوضعية حية للسان ،متحركاً منساباً يف امتداد ومشك ًال استمرارية مع جسده الشخيص .نتكلم استعارياً حسب االستعامل املبتذل لهذه الكلمة عن جسد -لسان وهو ليس جسداً ،يدرج النطق الواحد يف اآلخر الجسد واللسان .كيف issue (4)- September - 2012
101
في الشعر
«نلمس» ،نحرك ،نتوصل؟ وعندما ال نحرك األشياء ،هناك ،مبارشة باستعامل «سحري» للجمل ،يتعلق األمر بخلخلة النفوس. نتواصل ،تقول يل؟ ال يعتمد هذا عىل األخبار .ال ،لكن يتعلق األمر بالنار .أمتلك جيداً رأساً ووجنتني يشتعالن ،لكن اللغة ال تشتعل ،ونحن نتكلم عن النار ،عن اللهيب ،عن الحمى .كيف منرر النار ،كيف نشعل املكتبة؟ مرسح القسوة؟ قبل موته بقليل كان «آرتو» ال يزال يصطدم بلغز التواصل عندما كان يالحظ بطالن الحركة يف محارضته الشهرية سنة .1947 يبقى اللغز دامئاً أن كلمة أمل ال تؤمل ،فكلمة املعاناة ال تجعلنا نعاين ،كام أن القسوة ليست قاسية .وعند اللزوم ،ال يوجد هنالك فحش إال عرب املخيلة واملرجع« :تحيلنا» املخيلة .ال يكون مدلول ما فاحشاً من نفسه ،يكفي أن نكتب «خاخا» كإله قرطاجني عند «فلوبري» لئال يكون برازياً .ما هي هذه« :السلطة املستقبلية التي ميكن للكلامت أن تحتفظ فيها باألشياء» ،لنتساءل مستعريين كلامت «مريلو بونتي» هذه الطريقة يف التلقي التابعة للرقابة عموماً؟ نخاطر باإلرساع يف الشعور باملتعة ،باستدعاء هذه «االستمرارية مع الخارج» ،ألنها «أمنية»« ،رغبة مجنونة» نهتم بها ألنها املفلسف الذي نعتمده ميكننا أن نتفاهم «نسبياً» حول «آرتو» ،كام أطبائه .ليست لغة املعتوهني، معرضة للفشل ،هذا الخطاب ِ مث ًال ،باللغة ألن ال أحد يتكلم بها ،وال ميكننا تكلمها ،وبطريقة ما «نسمعها» ألنها محاطة مبا ليس هي ،منقولة من قريب إىل قريب عرب خطاب اآلخرين ،تلك الخطابية العامة التي ترتدد داخلها . ملاذا يحظى «رامبو» باالهتامم حتى عند شباب اليوم؟ هل انفعاله يف الكلامت ،يحركني يحفزين عىل التحرك؟ هل الورع الذي يدعيه يستدعي الحرية و«العلف الذي يرمي به إىل الهاوية النهمة» ،اللعنة ،اللوثة ،الوداع .تؤثر فينا هذه اللغة االستثنائية «كيمياء الفعل؟» ..أال نقيس القوة مبدى تأثريها؟ .تقاس القوة مبدى املقاومة التي تواجهها ،تقلصت املقاومة االجتامعية كثرياً باملقارنة مع املائة سنة املاضية .إن «قوة» اللغة الشعرية لدى آرتو ورامبو -ال ترتبط بذكر ألفاظ القوة -هي أقل هجومية. لنقل أنها َتعْبرُ بشكل أفضل ،لكن ليس بطريقة أحسن :بدون أن تواجه نفس املقاومة ،بدون أن تخترب قوتها .تستنفذ الشعر يف الفراغ ،يتصارع مع األشباح ،أشباحه بالخصوص .رمبا ينقصه البديل ،إذن ،الرديف لالعتقاد الذي هو نفسه خادع يف إيهامه بسلطته االستثنائية يف اتصاله بالخارج؟
الحرمان يؤمل
عامة ال يتحقق هدف ما من قبل ذات إال يف مقابل بعض الحرمان ،والحرص الذايت .أن تحرم من أجل إمكانية عليا صعبة املنال، هل مينح النموذج بـ«اإلخصاء»؟ القديس بول وأوريجني والرتوبادور ...يحرم من املتعة واإلنجاب ،من أجل متع وإنجابات ُأخر، أصبحت «استعارية» ،حيث ينبغي أن تتناول هذه األخرية حرفياً ،بجدية وواقعية ،وعند استعامل الصورة «املشبه به» كأمنا الكلامت يجب أن تعكس جدية االستعارة وانقالبها إىل «روح»؟ ،لكن لديّ مالحظتني أو ثالثاً مرتبطة بتجربة الشعر وحول أمثلة بعينها. يتفرد مالرميه بقولة «وهي مجزوءة من خرافة يف محيك أحداث «النيلوفر األبيض»» تقول ،محروم من ّ تجل ميكنه أن يكون «واقعياً» و«مشتهى»ّ ، تجل المرأة عىل ضفاف النهر األخرض ،يعمل السارد عىل أن يجعلها ال تظهر أو تتناوب يف الظهور ً واالختفاء ،حيث يكون محظوظا إذ ح ّول النرث املرسود إىل قصيدة نرثية ،اإلنصات املتجيل يف حكمة إىل ما ميكن أن يقوم به الشعر .وصف مغامرة مزعجة وحركة مجدف تنكتب يف قاعدة لعملية شعرية ،ضمن فن شعري .إنها رسالة ألجل رسم صورة لوجود مجازي.
عن االعتزال
مرتفعة هي مصاريف صيانة «ذات غنائية» ،مزاجية ،تعبريية متبجحة ،وهمية...ليست بعض النفقات غري قابلة لالنضغاط فقط بل هي حيوية :صيانة املكتبة «أو صيانة التقاليد إذا شئتم» لتبقى قابلة للقراءة واالستعامل والنمو .صيانة اللسان «من كلامت القبيلة» «الستعامل جيد» «خاصة استعامله الشعري» مع مراقبة محرتفات التجريب ،إلخ ...صيانة قابلية استقبال املستعملني
102
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
وإبداعيتهم «عن طريق التعليم» .وإذا عن كراهية للشعر ونقصد هنا كراهية اكتفاء الشعراء الذايت ،كراهيتهم للنامذج التي صارت أكادميية ،وحبهم للمخاطرة ،للغلو والشطط «وهذا يضم أيضاً احتفاء الرتجامت بالغريب» امليل أيضاً للمعامالت املحرمة واملمنوعة مع ما يختلف عنه وال يدخل يف مجال اهتامماته ،لكن هذا يف صالحه حسب التعبري الشعبي. إذا كان من أجل تدمري اللسان واستبدال وهم السلطات النوعية للنظم بهذا الزعيق املزاجي أو بنقيق الجناس فإننا ال نربح شيئاً بهذا التغيري.إن اختزال جلسة لـ«تجميع» الكلامت واألفكار لدى املحلل أو الطبيب النفيس ال تولد قصيدة.ليس الهدف هو إيالم اللسان بهذه الطريقة من أجل راحة الذات املتلفظة .إن فن الشعر هو الفن الذي ميكن أن نقوم فيه بإخفاء الذات عىل مستوى التعبري -ذات ميكن أن تفهم بصيغتني :األنا املو ٍّقعة التي أنابت سارداً باملناسبة «التي يحكيها الخيط الرسدي -الرابط» ،وهذا االختفاء سيكون لصالح الذات املفكرة يف عمق «عينها النشيطة» ،ومن جهة أخرى يصبح ذاتا أيضاً اليشء املعني ويسمى أحياناً موضوعاً ،متحوالً لحكمة ،لرمز ،لكل العملية. ملاذا هذا الزهد ،إن مل يكن من أجل حركة االعتزال هذه التي أقرؤها «بني املعارصين» عند «آرتو» عندما متلص من هويته ليحصل عىل هوية جديدة ،حاذفاً «من ذاته» كل «املحموالت املنتمية له» :فرنيس ،مرسييل ،أورويب ،رجل معارص ،مسيحي، معمد ،إلخ .وندرج مثاالً آخر :يف نهاية الكتاب عندما يعرتف سارتر أنه «إنسان كبقية الخلق» .رمبا هكذا أفهمه – رجل يتوصل إىل هذا التشابه الذي يسميه بودلري يف آخر قصيدته بـ«أخوي»؟
الرباءة
لكن أليس هو «أكرث االنشغاالت براءة» ،يقول هولدرلني عن الشعر؟ أليس الشعر بريئاً؟ بدون شك هو بريء وليس مؤملاً ،كام ميكن للربيء «أن يؤمل» ،عىل األقل الرباءة باعتبارها كذلك -انقسام اإلرادة والجيد من ناحية أخرى انقسام الخري والرش -ال ُمت ُّت للرش مبدئياً .أبحث عن إدراك يشء محمول للشعر عرب مقولة للشاعر األملاين :العطاء كريم يقول التعبري يصبح الكرم هو جوهر العطاء. عىل ماذا ترتكز «كيف تتعلم أن تعطي»؟ بقطع العالقة بني اليشء املمنوح واملانح ،بالفصل والكرم القاطع يفصل ،يفرق، العالقة يف الن َفس الذي يرمتي ،حيث يرمي بالكرم نحو االرمتاء إىل العنق، بدون االرمتاء مع ،إنه اإلمساك ،حرمان املانح ،بشكل يجعل الهبة تسقط من إن فن الشعر هو الفن الذي يمكن السامء «تعبري آخر» ليجهل وعيك ما يقوم به من خري «يختلف األمر بالنسبة أن نقوم فيه بإخفاء الذات على للرش» .هبة جد شاسعة ،بدون مصدر ،عموماً ،منطلقة «من السامء». مستوى التعبير ما هو مهم؛ هو كيف نجعل اآلخر يقبل بهبتنا ..يجب أن تكون هنالك مفاجأة لتقبل الهبة .للدخول إىل هذا السؤال سيكون منحدري «الهوتياً» كيف ندنس «النعمة» لنستخلص لغة العطاء جاملياً؟ .النعمة متنح من جديد .هو اللعب مع الطفل« :أعطني إياها» نقول عن اللعبة ،أو عن اليشء الذي مننحه إياه أعطيك إياه لتعيده إيل ،لن يكون هنالك عطاء بدون إعادة هذا التبادل ،حتى ال تصبح «هبة» الفالسفة رضورة؟! لكن كعطاء أو كهبة تعيد العطاء. إن هذا التبادل هو الذي يخلق العطاء ،ويعطي .سيكون هناك عطاء «مجاين» يف عودة التبادل .العطاء يعيد العطاء نفسه ممنوحاً بلطف اآلن ،إنها صيغة بودلري مقتفياً آثار Constantin Guysيف الشوارع حيث يقتفي ظهور العامل يف الظاهرة .أمنحك املطر ،الشمس «القديس ،»François d’Assisهبة الزهور ..تقول القصيدة .العطاء أو الهبة سيكون القصيدة« :أهبك هذه األبيات /.../أوجهها إليك ،لتمنحها يل ثانية ،لتقولها» ترجمة :رجاء الطالبي
issue (4)- September - 2012
103
في الشعر
الشعر والعنف :التحليق في المذبحة بوجه غريق روجيه عوطة
تتعطل
اللغة وتعجز عن التقاط الواقع والقبض عىل وقته ،فيظهر العنف خارج فضائها ويتحينّ الفرصة ليجتاحها. ونتيجة العطل اللغويُ ،تصاب ذات املتكلم بالعجز أيضا ً ،وال يقدر حاملها عىل قراءة موضوع كالمه يف مرآة اللغة املحطمة .يف مكان الدمار تحديدا ً ،يؤسس للعنف الذي تستعني كائنات الكالم املهشم به يك تعرب عن مصيبتها ومتيض أكرث يف عجزها .ثم تستحيل ثقوب اللغة قبورا ً ،قد ُترىف فيها جثثا ً كثرية ،ولكن يف النهاية ال يقطنها سوى العاجزون كالميا ً ،فقرب اللغة ليس فضفاضا ً ليلف جثة ً يضيق بها. وقد ال يؤسس الدمار والعجز للعنف .يف حال ظهرت كائنات جديدة من خارج مقربة اللغة أو من داخلها ،لكنها تفلتت من ضيق الكالم والتعبري ،تنحاز إىل الشعر كانتهاء من ا ُملهَدم بعد صياغته يف تراكيب حديثة ،وجعله فضاءا ً يجول الكائن فيه من دون أن ترهبه لغة أو تذعره الثقوب الداللية فيها .إنطالقا ً من اختيار الشعر بدل العنف العاجز ،يتح ّول كل فعل قوة يف الرتكيب اللغوي الجديد إىل رضب من الشعر ،ال ينقصه سوى أسلوب كتايب ليتمدد يف شكل ٍ ال يحرض سوى يف القراءة .لذا غالباً ما تشهد اللغة الشعرية تاليش القصيدة شكال ً ومضمونا ً ،فيحصل املحطم عىل متنه بالصياغة والقراءة ثم يتبدد من جديدُ .يرتك فضاء الحطام ملعنى شعري مختلف عن القديم ،أو للفراغ كام لو أنه «قصيدة سوداء» ،ال تبتلع لغتها إذا انطفأت ،ألنها غري موجودة أصال ً. تنطوي صريورة ا ُمل َحطم الشعرية عىل القوة املختبئة يف الكتابة التي ال تكتسب معنى لها من دون تحدي اللغة .تخرتق القوة الكتابية النسق اللغوي بالعنف الشعري الذي يتسلح باإلستعارة امل ّوجهة نحو تفكيك الروابط اللغوية املتعارف عليها كالسيكيا ً. يفخخ الشاعر اللغة ،يزرع ألغامه تحت الكلامت ودالالتها ،وينسف القواعد املعيارية منتشال ً باإلستعارة بقايا القصيدة التقليدية التي نرى آثارها يف نص جديد يغاير النص املنسوف باللغة والرتكيب الشعري .اإلستعارات تخرج القصيدة عن حدودها ،وتسحب الجملية والداللية ،وال تظهر عىل سطحها .تنشط اإلستعارة الناسفة يف عتمة اللغة من ثقوبها ،ألنها تختفي تحت املك ّونات ُ القصيدة حتى تتمكن من ضوئها ،وتقتلع جذور الكلامت عىل قول أوكتافيو باز يف تعيينه دور الشاعر حيال نصه. يحرض عنف اإلستعارة رسا ً يف القصيدة ،وال ُيفصح الشاعر عنه أمام ذاته قبل أن ُيفشيه أمام الغيرّ الذي غالبا ً ما يتعامل مع شحن رس القصيدة اللغة الشعرية ككل جامد ،أي تركيب غريب فيه ،يرفضه وال يسمح له املكوث يف النص الشعري البتةُ .ي َِ العنيف بتكثيف املعنى يف عمق النص بالتوازي مع تخفيفه عىل سطحه ،فتنقلب ثقوب اللغة وتتخلص من جثث العاجزين الحفر املرمية فيها ،فال تعود قبورا ً لهم ،إال أنها ال تصري بيوتا ً أو أرحاما ً أيضا ً .يبقى الشاعر واقفا ً بني لغته واستعارته ،عىل ح ّد ُ اللغوية التي ال يستسلم لها ،كام أنه ال ينظر إىل الخلف يك يتفقد الغيّرّ ،بل لتكثيف فقدان الغائبني .مثل أورفيوس الشهري ،يلتفت الشاعر مرة واحدة إىل الوراء ،يفقد الغيرّ ،ومنذ لحظة الخسارة هذه ،يصبح الخلف أمامه ،فيسري عىل حبل الذاكرة ويتقدم نحو الحفرة ،حيث ال تنقذه من الوقوع فيها سوى استعاراته .يشد العنف اإلستعارايت الحبل تحت رج ّ يل الشاعر الذي يظن أنه نجا يف حال استبدل لغويا ً الحبل الرقيق بآخر ثخني وسميك ،والحفرة بكأس ٍ ،قبعة ٍ ،سلة ٍ ،مظلة ٍ ،أو أي بديل ،إستعارايت غري
104
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
رحمي ،عن قرب اللغة. تتطلب كتابة الشعر ،كام حددها سان جون بريس يف التفلت من اإلدمان عىل اللغة التقليدية ،موضوعات تختلف عن القاموس املوضوعايت الذي كان معتمدا ً يف املايض .والعنف كموضوعة شعرية هو جزء من هذا التجديد واإلنتهاء من اإلدمان اللغوي والتعبريي املعتاد .كام تختلف معالجة العنف بني قصيدة وأخرى ،وبني لغة وأخرى حتى لو كانا ينتميان إىل مرحلة تاريخية واحدة ،فالتحليق ال يحصل يف قصيدتني بشكل واحد ،خصوصا ً أن الفضاء الشعري بحسب خورخي دوران هو مساحة عنف، قدمي الشاعر كأنه يدخل إىل املذبحة .فيختار بني احتجاز ذاته يف الداخل أو تحريرها لتشكل فضاءها املناسب لعنفها تطئها ّ الشعري. يرتكز اختيار الشاعر عىل طريقة التعبري عن رغبته شعريا ً ولغويا ً .ففي حال تعامله مع هذه الرغبة كأنها ثابتة وجامدة ،يتجه نحو قالب لغوي ،له قواعده ومعايريه ال ميكن اجتيازها ،ف ُيغلق الفضاء الشعري عىل التعبري وتحكم اللغة القبض عليه .ال تتغري القصيدة يف هذا الفضاء ،وال تحتمل أي زمن قد يفتح بابها عىل داللة جديدة تنظر إليها عىل أساس أنها زلزال يصيبها ويخرب تركيبتها الشكلية واملوضوعاتية .ال عالقة بني القصيدة هذه واللغة املكتوبة بها ،فالقاموس اللغوي يقع خارجها ،وال يسمح لها بالتأثري عليه أبدا ً .وظيفة الشاعر يف هذه الحالة أن يركب املك ّونات اللغوية وترتيب العالقات بينها بحسب قالب القصيدة الجامد ومعياريتها اإلصطالحية والجاملية .عىل خالف الشاعر املتفلت الذي يغرق يف اللغة منقبا ً يف عمقها عن مكمنها ،فيحطمه رافضا ً اإلكتفاء بالتحديق يف املرآة اللغوية مثل نرسيس ،فيغطس يف بحرية الوجه مستخدما ً استعاراته يك يصل إىل ُبعد رغبته األخري .فالسري عىل سطح املاء ال يخلق شاعرا ً ،وحدها مغامرة الغرق متكن املرء من هدم لغته شعرياً. تعلو اإلستعارة بالغوص الشعري ،ويستحيل الرمز مرتفعا ً أكرث .تقتحم اإلستعارة الشاهقة طبيعة اللغة املقفلة وتؤمن للعدم مكانا ً فيها ،حيث العنف كموضوعة شعرية هو جزء ُترصف الكلامت مثل الحجارة ،وتخفي الكثري من الشقوق الضاغطة تحتها، من التجديد واإلنتهاء من اإلدمان يرص الشاعر عنف الرتكيبة واملوضوعة يطل الشاعر منها عىل مذبحة اللغةّ . اللغوي والتعبيري المعتاد. يف فضاء نصه ،الذي يقدر عىل احتواء أكرث من قاموس لغوي ،ألن كلامته ودالالتها رشهة ،فـجوع الكلمة ،املشرتك بني كل قصائد الشعر الحديث، يجعل من الكالم الشعري كالما مهوال وغري إنساين» ،عىل قول روالن بارت. القصيدة الحديثة مصابة باملجاعة الدامئة ،وغالبا ً ما تلتهم ذات كاتبها ،فيمألها الغياب كإشارة إىل موضوع ّيتها العنيفة ،حيث ال هرمية فيها ،وال عالقات متينة بني مك ّوناتها الداللية .ما يجعل لغتها كاملنام كثرية تأويالته وال ينحرص يف قراءة واحدة تقبض عىل املعاين اإلستفهامية داخله .ال ُيحدد معنى القصيدة مبدلول واحد ،إذ أنه عند القيام بتحريك ماء البحرية الراكدة ،أي بقليل من العنف ،تتعدد وجوه نرسيس وال يقترص غرقه عىل وجه آسنَ ،ف ُسد من شدة التحديق فيه. من جهة ،يتشكل الشعر من عنف داخيل ،قائم بذاته ،ال يحتاج إىل موضوع يك يرتسخ يف بنية القصيدة .ومن جهة أخرى ،يتجه النص الشعري يف الكثري من األحيان نحو تبني العنف كموضوعة له ،فيتكثف مفعوله العنفي نتيجة اجتياح القوة للداخل والخارج ،وخلقها فضاءا ً نصيا ً متامسكا ً .وبالنسبة الشاعر ،إما مييل إىل اإلقتناع باللغة الحارضة قبله ،فال يظهر أي جديد بني يد ّيه إال أصداف القصيدة القدمية بأشكالها ومضامينها ،أو ينحو إىل مغامرة الغوص ونسف اللغة متفلتا ً منها بعد أن تعطلت وأحكمت الخناق عليه ،من دون أن تتيح له التعبري عن ذاته النق ّية ألنها مذبحة املعاين الغريبة واملجهولة issue (4)- September - 2012
105
في الشعر
فهم الشعر عبد هللا أبو بكر
ما
من أحد يستطيع أن يتجاوز حقيقة غياب الجمهور عن املشهد الشعري يف الوقت الحارض ،ولعل حضور أمسية شعرية يف أي مكان كانت ،ميكن له أن يؤكد هذه الحقيقة ،بغض النظر عن اسم الشاعر املشارك فيها أو عنوان األمسية أو زمانها . ملاذا غاب الجمهور ،أو غ ّيب؟ هذا السؤال الذي ال ميكن إلجابة مبارشة أو مقتضبة أن تفك رموز استفهامه أو رمبا استنكاره، فام يشهده العامل العريب من تغريات متسارعة يف كل االتجاهات ميكن له أن يفرس بعضا من مسببات هذا الغياب وتداعياته عىل املشهد الشعري العريب .تلك التغريات التي ال تقف عند ظروف اجتامعية وسياسية كثريا ما انعكست تأثرياتها عىل الحراك الثقايف والشعري عىل وجه الخصوص ،بل تتعدى ذلك لتطال ما يتعلق بشكل ومضمون القصيدة العربية الحديثة التي ابتعدت عن مالمسة الهم العام ،والتحدث بلسان جمعي ،لطاملا أجرب القصيدة عىل أن تنحاز للقول والتعبري املبارش الذي يتلمس نبض الشارع _ الجمهور .وهذا ما قاد متلقي الشعر إىل القول إن الشعر العريب ابتعد عن املزاج الشعبي ،حتى أصبح الكثري منه غري مفهوم بالنسبة لعامة الناس . هنا تربز الكثري من االتهامات املتبادلة بني الشاعر الذي يريد أن مينح نفسه املساحة والحركة ليبتعد عن الجمود والسائد يف الكتابة الشعرية ،وبني املتلقي الذي يرغب ببقاء الحال عىل ما هي عليه ،حيث ميكنه التعاطي مع القصيدة باعتبارها امتدادا ملا مىض .إن هذه القضية ليست طارئة عىل املشهد ،فالشعر العريب شهد الكثري من التطورات عىل مستوى الشكل واملضمون، ويحرضين هنا ما قاله أحدهم أليب متام حني سأله « :ملاذا ال تقول ما ُيفهم ؟ فأجابه أبو متام :ملاذا ال تفهم ما يقال»؟ هذه إشارة إىل أن حالة االنفصال والتشتت الحادثة بني املتلقي والشاعر ليست بجديدة ،فهي خاضعة كام ذكرت ملسألة حركة القصيدة العربية ورغبتها بطالق السابق والصعود إىل األعىل بدال من البقاء عىل أرضية التكرار والتوأمة. حالة «عدم الفهم» هذه بدأت تطغى يف العرص الحديث وتربز كمربر لغياب الجمهور ،والسؤال هنا :هل الشاعر هو املسؤول عن هذا الغياب؟ هل يعنيه ذلك أصال؟ هل عليه أن يسري خلف أحد؟ أم عليه أن يكون البوصلة التي تقود اآلخرين إليها ؟ يقول ت.إس .إليوت »:الشعر الحقيقي بوسعه أن يحقق تواصال مع القارئ حتى قبل فهمه» .رمبا نفهم من هذه العبارة أن الشاعر هو من يتحمل الجزء األكرب يف مسألة التواصل بني النص والقارئ ،فهو القادر وحده عىل التقريب بينهام أو بناء الجدار الذي ميكن له أن يحدث االنفصال بينهام أيضا. ما شهده املشهد الشعري العريب من انقسامات يف التوجهات واآلراء بني الشعراء ،ش ّكل واحدا من أبرز عوامل القطيعة بني طريف املعادلة الشعرية ،إضافة إىل سعي العديد من الشعراء إىل البحث عن أضواء وهمية حتى وإن كان ذلك عىل حساب الشعر، وعندما نقرأ لهؤالء نستطيع أن نستشف ذلك االستسهال يف الكتابة والذهاب إىل مناطق ال عالقة لها بجودة النص ،وحرصها عىل نبش ما ميكنه لفت االنتباه إليه كخرق التابو مثال ،دون االلتفات إىل مواضع الجامل والدهشة يف ما يكتب . إن ما يحدث اليوم ،ال يتقاطع مع حادثة أيب متام ،أو ما ميكن فهمه من خاللها ،فتلك تعرب عن مترد شاعر يسعى لخلق الجديد واملختلف ضمن حدود التميز واإلبداع ،فيام يسعى بعض الشعراء يف وقتنا الحارض إىل عكس ذلك بحجة التمرد والتجديد . ليس من حق أحد تكبيل الشاعر ،وفرض القيود عليه ،ولكن عىل الشاعر عندما يكتب أن يبقى حارضا يف مساحات الجامل واإلبداع دون االلتفات إىل ما هو خارج عن ذلك
106
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
شعرية الكاميرا
نصوح زغلولة عدسةّ : issue (4)- September - 2012
107
حوار
حسن العبداهلل
استغرب خفة شعراء زماننا ّ يشكل الشاعر اللبناني حسن العبدهللا ظاهرة فريدة في عالم الشعر والشعراء ،فهو شاعر مكرّ س منذ بداية
السبعينيات في لبنان والعالم العربي وما زال حتى
اليوم ،رغم أنه لم يصدر طوال أربعة عقود سوى ثالث
مجموعات شعرية هي «أذكر أني أحببت» و«راعي الضباب» ومجموعته األخيرة ّ «ظ ّل الوردة» ،إضافة إلى قصيدته الشهيرة التي روى ملحمة طفولته
من خاللها أي «الدردارة».
ففي عالم الشعر العربي يغلب على قياس شاعرية الشاعر في عدد مجموعاته
الشعرية ،ويعتقد شعراء كثر أنهم كلما أكثروا منها كلما صعدوا خطوة في ً ّ واقعيا ،ولكن ليس في ما يخص العبدهللا، سلم الشهرة ،وقد يكون هذا الذي ال يخفي امتعاضه من االستسهال السائد في النشر ومن الكم الهائل ً نوعا على الشعر العربي ،بل في المجموعات الشعرية التي ال تضيف
وتثقل كاهل المكتبة الشعرية العربية وتنفر القراء من الشعر. ً ً دورا في شهرته التي عددا من قصائده قد يكون لغناء مارسيل خليفة انطلقت نحو العربية مع تلحين قصيدة «أجمل األمهات» ،وهو ال يعترض ً ً ومعجبا بكل ما راضيا عن مجموع دواوينه، على هذه الفكرة ،لكنه يبدو
نشره حتى اآلن وعلى رأسه مجموعة «ظل الوردة» «دار الساقي »-2012التي ً ً عموما. وكتابا سيكون ذا تأثير على القراء وعلى الشعر يرى فيها قفزة نوعية، ً بمناسبة صدور مجموعته الجديدة بعد 13عاما على مجموعته األخيرة
«راعي الضباب» ،كان لـ«بيت الشعر» معه هذا الحديث الخاص والصريح والمباشر.
حوار :فيديل سبيتي
108
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
حسن العبد اهلل
ملاذا استغرقك كل هذا الوقت الطويل لصدور كتابك الجديد ّ «ظل الوردة» ،إنها أربع عرشة سنة تفصله عن مجموعة «راعي الضباب»؟ إ ّنه ايقاع نشاطي الشعريّ الذي يتبل ّورخالل فرتات متباعدة جداً .ولو عدنا إىل الوراء سنجد أن االنقطاع الشعريّ الفع ّ يل كان بني ديواين الشعريّ األول وديواين الشعريّ الثاين وهو انقطاع دام مثاين عرشة سنة .ديواين األول «أذكر أنيّ أحببت» نرش يف العام ،1978ومن ثم صدرت قصيدة «الدردارة» يف كتاب سنة ،1980ومنذ ذلك العام وحتى سنة 1998مل أنرش شيئاً من الشعر .ومن ثم جاء كتاب «راعي الضباب» بعد انقطاع دام مثاين عرشة سنة ،لذا انسجاماً مع نشاطي الكتايب وإصدارايت فأن يأيت «ظل الوردة» بعد أربع عرشة سنة من الطبيعي لعالقتي «راعي الضباب» أجده من ضمن السياق ّ بالشعر. حسنا ،لكن هذا هو السؤال ،إنه حول السياق الطبيعي لكتابتك الشعرية .ما الذي تفعله طوال تلك السنوات الفاصلة بني مجموعتني شعريتني؟ أنا أهجس يوم ّياً بالشعر .يف ّكل م ّرة أغادر فيها بريوت أشعر أ ّنني أض ّيع وقتاً ،إذ ينبغي أن أبقى يف بريوت يك أكتب .وأنا ال أنرش القصائد التي أكتبها .فأكتب قصيدة ثم مت ّر
أشهر قبل أن أكتب مقطوعة ثانية وهكذا دواليك...
الفني عىل سؤالك وهو أ ّما الجواب ّ ما أحسبه الجواب الدقيق ،ميكنك أن تجده يف كتايب الجديد ّ «ظل الوردة» يف مقطوعة من فصل «مرسح األشباح»، وجاء فيها« :ليس صحيحاً أ ّنني ت ّوقفت لسنوات عن كتابة الشعر\ لقد م ّرت أ ّيام مل أكتب فيها ثم م ّرت أيام أخرى\ وتبعت هذه األيام أيام شعراً\ ّ وأيام\ وإذا كانت هذه األيام قد تجمعت وتح ّولت إىل سنوات\ فهذا ال يعني أنيّ توقفت سنوات عن كتابة طبيعي أن يفعل ذلك\ لكن يف الشعر\ ال ميكن لشاعر ّ هذه األمكنة\ وبني هؤالء الناس\ كيف ميكن لشاعر طبيعي أن يكون شاعراً طبيع ّياً». ّ
يف الحقيقة قرار الشاعر بالت ّوقف عن كتابة الشعر ليست مسألة فرد ّية أو شخصية .نحن ال نكتب كأشخاص ،بل نكتب كعامل قائم بذاته .أنا يف تقديري ّأن العامل يعمل من خالل الشاعر .فإذا كان العامل مضطرباً ومشوشاً الطبيعي أن وثقي ًال حول الشاعر فمن ّ تتثاقل حركته ،وأنا أت ّعجب من هذه الخ ّفة التي يكتب بها شعراء هذا الزمان ،فيصدرون مجموعة شعرية تلو األخرى وبغزارة ،بحيث ال تجد يف هذه الغزارة نقالت نوع ّية .هناك كم فقط بحيث إذا أجريت مقارنة ّ الديوان األ ّول والديوان األخري لن تجد الكمي يقتل فرقاً يذكر .وهذا الرتاكم ّ الشعر .يراكمون كشعراء أفراد ديواناً وراء ديوان، ويراكمون كجامعات دواوين فوق دواوين، فيثقلون مكتبة الشعر العرب ّية، وهذه الكتابة بخ ّفة تجعلهم ال issue (4)- September - 2012
109
حوار
يفحصون لغتهم وال يعبرّ ون عن تجارب حقيق ّية ،وال نجد يف شعرهم تأم ًال حقيق ّياً ،بل نجد حالة من جنون الصور، لدرجة ّأن هذا النوع من الشعر ليس باستطاعته أن يقيم صلة مع القارئ ،لذا تجد أن القراء ينرصفون عن الشعر ،بل وقد تجد شعراء أيضاً ينرصفون عن كتابته.
بني «راعي الضباب» و«ظل الوردة»
يف السؤال نقطتان ،األوىل تتعلق باملضمون والثانيةبالشكل .يف املضمون صحيح أن هناك غلبة للتأمل يف القصائد ،وهو تأمل عميق يف الحياة ويف العامل من حويل وتغلب عليه الحكمة .وهناك ما ميكن اعتباره قلقاً ذات ّياً فلسفي ،ويف تقديري تثري تجلىّ من خالل أسئلة ذات طابع ّ هذه األسئلة قضايا فلسف ّية ال بد من اإلجابة عليها .فالكتاب من أوله إىل آخره هو تأمل يف موضوعات متعددة. تالحظ ّأن الفصل األ ّول «تحت شجرة الجوز» يتناول الطبيعة ،ويف هذا الفصل تجد الطفل الذي يظهر يف القصائد األخرى ومنها قصيدة «الدردارة» .وهو فصل كامل عن نصاً .وهناك محاولة استنباط معنى الطبيعة يف أكرث من ّ 20 إنسانيا من خالل املشهد الطبيعي.
الكم والنوع ...يف ّ «ظل الوردة» ،نالحظ طاملا أنك تتكلم عن ّ بوضوح التغ ّيري الكبري يف فضاءات القصيدة الشعر ّية التي اختلفت عن قصائد «راعي الضباب» ،هناك تأ ّمل عميق، أو لنقل حكمة الشاعر الذي امتد به العمر ....هل توافقني الرأيّ ؟ أنا أعترب ّأن ّأ ّما يف الفصل الثاين «حلم الحياة» يوجد تأ ّمل يف الحياة «ظل الوردة» هو ثورة عىل صعيد الكتابة ويف الزمن ويف األمل ويف ال ّلذة ويف كل املصادفات التي وعىل صعيد املضمون ،هذا إذا كان يحق يل كمؤلف أن ّ أبدي رأياً يف مؤلفي .هذا الكتاب يشكل لحظة القطع بينه تتحكم بحياتنا.والفصل الثالث «نحو السامء» يتناول وبني ما كتبت يف السابق .لكن استطراداً لو تأ ّملنا يف «راعي خطاباً سامو ّياً وهو فصل مخترص .ويليه فصل «مرسح الضباب» فبإمكاننا أن نجد تبسيطاً للغة يحاذي النرث كام األشباح» الذي يتناول عامل األدب ،وميكن أن تجد عدداً هو الحال يف «ظل الوردة» .وهذه امل ّرة األوىل التي أكتب من األجوبة عن أسئلة تطرحها اآلن بخصوص الشعر. ً ً ً للحب فيها شعرا نرث ّيا تاما ،بال موسيقى أو تفعيلة .فقد اقتصدت وييل ذلك فصل «حب من دون حب» وفيه نقد ّ ً يف االيقاعات والتفاعيل .لذا ميكن اعتبار هذا الكتاب امتدادا نفسهّ : «إن الطبيعة تعرف\ كيف تعاقب أولئك\ الذين لـ«راعي الضباب» من ناحية ،وقطعاً كبرياً بني الكتابني من وظ ّفوا الجنس\ لغاية غري الحفاظ عىل النوع\ ...إ ّنها ناحية أخرى. تجعل منهم ّ عشاقاً». لكن «يف ظل الوردة» هناك أ ّما نظرية الحب وهي سبب حكمة تتمثل باألقوال املأثورة، الحب معظم النصوص التي تتناول ّ وهناك مدينة أيضاً وشارع ّ «ظل الوردة» ثورة يف هذا الكتاب م ّرت قبل الفصل أعتبر ومارة وحب من دون حب، األول ،والنظرية هي التالية« :ح ّبي بينام يف راعي الضباب هناك على صعيد الكتابة األ ّول كان يف خريف العام \1985 القرية والطبيعة وذكريات والمضمون .هذا الكتاب وأنا أعيش اآلن ح ّبي الثاين عرش\ الطفولة ...هذا عدا عن الفرق ّ حب يف حيايت\ يف اللغة واإليقاعات التي مل يشكل لحظة القطع السادس كان أجمل ّ تعد تفعيلية وموسيقية كام يف بينه وبين ما كتبت في أل ّنني يف الخامس اكتشفت ّأن السابق. الحب غري موجود\ومنذ ذلك السابق حسن إن القول ميكننا هل حب». الحني وأنا أحب من دون ّ العبدالله تخىل عن الطفولة وييل فصل الحب فصل عن الحرب القروية لصالح التجربة ثم فصل عن عامل العمل الذي ومن ّ املدينية؟ يتناول املدينة أي بريوت بالتأكيد. 110
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
حسن العبد اهلل
وتالحظ يف فصل املدينة مقطعاً لعباس بيضون« :يف الريف يف الخيام أميش برفقة القمر ويف املدينة أميش برفقة عباس بيضون». برأيي أحد أسباب غنى هذا الكتاب هو التنوع الذي يتناول كل نواحي الحياة ،وكذلك اللغة الواحدة التي كتبت بها كل قصائد الكتاب ،فهي لغة مرحة وبسيطة وواضحة ،وميكن نعتها باملدهشة بحسب من قرأوا هذا الكتاب ،رغم أنها تتناول قضايا جدية .وهناك ظاهرة فوجئت بها أنه مل ميسك أحد هذا الكتاب اال وعلق به كاملغناطيس. يف هذه املجموعة نجد قصائد قليلة ميكن وصفها بقصائد التفعيلة ،هل هذا يعني أنك تخليت عن التفعيلة يف الشعر؟ يف تقديري هذا الكتاب يعترب قفزة عجيبة ،أي كيف أنشاعراً متزمتاً مل يتخل عن قصيدة التفعيلة ومل يستسلم إلغواء النرث ،كيف أن هذا الشاعر يقوم بهذه القفزة الكربى من الوزن إىل النرث ويتمكن من تحقيق هذه املجموعة الشعرية املشهود لها.
أعتقد أنني بدوت كمحرتف يف كتابة قصيدة النرث. فالنص هنا منحوت بدقة ،كام لو أنك تشتغل عىل الذهب ،لذا ليس باإلمكان تحريك أي كلمة يف النص من مكانها ،فاللغة منحوتة ومصفاة .لكن رغم ذلك هناك بعض املقطوعات املوزونة مثل« :مل أعمل بحذق\ مل أكسب بحذق\ العمر مرق\ خرقا ونزق». أو «تلك الطعنات الصادقة\ الصائبة\ النافذة الف ّذة\
طعنات ال ّلذة\ ال تحدث اال يف الظهر\ أبدا يف الظهر\ ذاك امليدان األبدي ألفعال الغدر» .ويليه« :ال أشعر أين معها\ إن مل تخدعني\ إن مل أخدعها».
يف إحدى املقابالت الصحافية قلت إنك حققت حلمك حني طبعت «راعي الضباب» لكن بعد مرور كل هذا الزمن أال تعتقد أن هذا الكالم ينطبق عىل «ظل الوردة»؟ إذ يبدو واضحاً انك معجب مبجموعتك الشعرية كثرياً؟ يف «راعي الضباب» تجربة شعرية حقيقية ومتميزة ،ويفتقديري أنه مل يقرأ جيداً ...أما «ظل الوردة» سيكون له تأثري عميق لدى الق ّراء.
عامل الشعر والشعراء
هل تعتقد أن الشعر ما زال يتمكن من مامرسة تأثري ما عىل القراء يف هذا الوقت؟ الشعر هو زهرة األدب ،كان كذلك يف املايض وسيظليف املستقبل ،لكن التطفل عىل الشعر من كثريين يكتبون الشعر ومن الشعراء الذين استسهلوا كتابة الشعر ،والذين ترصفوا مبزاجية يف لغة الشعر ،وأغرقوا يف املجاز والصور املتداخلة واملعقدة ،حيث ال تتمكن من تبيان املعنى بسهولة وكأنك تحتاج إىل التبصري ،فرصت عندما تنظر يف القصيدة كأنك تقرأ يف فنجان قهوة ،وهذا ما أبعد القراء عن الشعر ،لذا مل يعد للشعر املحبة التي كانت له يف املايض. لكن الشعر سيظل عىل رأس كل الفنون ،ولو أنه مير يف كبوة اآلن لكنه سيستيقظ منها يف لحظة ما ،وهذا منطق األشياء issue (4)- September - 2012
111
حوار
أن بعض الشعراء يتم التعاطي معهم كأنهم شعراء األمة رغم أن شعرهم أقل من «متواضع». يف ظل كل هذه الظروف التي تتحدث عنها ،هل علينا أن نطمنئ قراء حسن العبدالله بأن عليهم أن ينتظروا عقداً آخراً ليقرؤوا شعراً جديداً ،أم أن عدد السنوات مع املجموعة الشعرية القادمة سيتقلص؟ ّ فـ«ظل هذه املرة ال أظن أنني سأتوقف طوي ًال عن النرش.الوردة» يشعرين بالحامسة وبأنه يجب أن تخرج مجموعة شعرية من بعده بدأت بالعمل عليها أساساً.
والطبيعة. تسأل يف قصيدتك التي تربر فيها تأخرك عن إصدار مجموعة« ،كيف ميكن لشاعر طبيعي أن يكون طبيعياً بني هؤالء الناس ويف هذه األمكنة» .من تقصد باألمكنة والناس؟ أوالً أقصد البيئة األدبية ،وكذلك البيئة السياسية والثقافيةواالجتامعية ،أقصد كل الناس ،من املثقفني إىل الشعراء إىل النقاد إىل املسؤولني يف الصحف .أنتقد كل هؤالء ألنهم يعملون بتناغم مع بعضهم بعضاً .هناك محاباة وتبادل مصالح ،فتجد بني الشعراء والنقاد مدائح وأهاجي تشبه ما هو سائد بني التجار وبني رجال السياسة. أن ما لكنها العريب، قد تكون هناك مواهب عظمى يف العامل شعراء الجنوب تتفتح حتى تذوي يف هذا الجو األديب املل ّوث .أوالً ال تجد أنت صنفت يف فرتة من الفرتات بأنك «من شعراء الجنوب»، من ينبهها أو يشجعها وال تجد من يرعاها وينميها ،أو تكال وكان شعراء الجنوب يف السبعينيات يكتبون الشعر املقاوم، لها املدائح كالنبتة التي متنحها الكثري من املاء فتخنقها. منهم شوقي بزيع ومحمد العبدالله ومحمد عيل شمس يف هذا املعنى ال ميكن يف هذا العامل لشاعر طبيعي أن الدين وغريهم ...هل تظن أن هذه التسمية ما زالت ذات يكون شاعراً طبيعياً .وتوقفي عن كتابة الشعر تسب ّبه هذه قيمة ما؟ األحوال ،فالشاعر يتأثر بالعامل ويؤثر فيه ،ويف هكذا عامل أرى أن صفة «شعراء الجنوب» انقرضت منذ زمن بعيد.توقف كثريون عن الكتابة أو الرسم أو العزف ،فهذه أجواء وأنا أجد أنها كانت صفة خاطئة وال تعرب عن مزايا فنية تسمم اإلبداع يف نفوس املبدعني ،وهؤالء غالباً ما يكونون مختلفة أو معينة. حقيقيني ومتصالحني مع الذات. منذ زمن بعيد غنى مرسيل خليفة عدداً من قصائدك، ويجب اإلشارة إىل اإلعالم أبرزها «أجمل األمهات» ،هل تعتقد الذي يصنع الشاعر أيضاً، أنه قد يغني من «ظل الوردة»؟ هنا نجد أن العالقات العامة اذا طلب أن يغني من «ظلقد تكون هناك مواهب هي التي تصنع الشاعر الوردة» سنفكر يف األمر عظمى في العالم وتعطي أهمية لشعره رغم أنه قد يكون من النوع العربي ،لكنها ما أن تتفتح أدب األطفال واألمر الرديء من الشعر. ً كتبت قصصا لألطفال ،وحصلت عىل الجو هذا في تذوي حتى ينطبق عىل دور النرش جائزة «مؤسسة الفكر العريب» عن والصحف ،التي باتت تنرش األدبي المل ّوث .أو ً ال ال تجد فئة أدب األطفال يف العام ...2011 أي يشء من دون رقابة أو ما عالقة أدب األطفال بالشعر؟ هل من ينبهها أو يشجعها وال بات قراءة أو تصنيف ،فقد الطفل الذي بداخلك هو الذي ميكنك من املهم النرش ،أي يشء تجد من يرعاها وينميها ،أو من كتابة هذين النوعني من األدب؟ يف سبيل ملء الصفحات كتبت يف أدب الطفل القصةتكال لها المدائح باملواد .فام يحصل هو أن والشعر والقليل من املرسح وسيناريو يصل اسم الشاعر هو الذي فيلم «مازن والنملة» الذي أخرجه إىل الجمهور ال شعره ،فتجد برهان علوية وحاز عنه جائزة عاملية. 112
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
حسن العبد اهلل
أنا أعترب أنني صاحب تجربة رائدة يف كتابة الشعر لألطفال، وكتايب «أنا األلف» الذي لحنه املوسيقار الراحل وليد غلمية، تربت عليه أجيال وأجيال ،ورددت أغنياته التي تتناول األحرف األبجدية العربية .والكثري من القصص يتم تدريسها يف مدارس لبنانية وعربية. يف اعتقادي ،إن تجربتي يف أدب األطفال مل ُتدرس بعد ومل تلق العناية التي تستحقها ،رغم أنها تجربة رائدة وتأسيسية ،وقد عملت عليها بجدية وبجهد وبحرفية ومبسؤولية فاق ذاك الذي منحته يف كتابتي للكبار. كيف تكتشفت عالقتك بالطفل وأدبه؟ أوالً أنا كاتب قصة ،ويستحيل أن يكتب قصة للطفلمن ال ميلك موهبة قصصية .وحني وصلت إىل بريوت بعدما تركت بلديت يف أواسط الستينيات ،بدأت بكتابة ونرش القصة وعىل هذا األساس تعامل معي اآلخرون. لكن الكتابة لألطفال تحتاج إىل مخيلة طفولية.... وأستطيع أن أقول إنني عشت طفولة ملحمية ميكنك أن تجد شيئاً من ذلك .ال أظن أن طف ًال رأى وج ّرب ما رأيته وجربته يف طفولتي يف بلدة الخيام وبراريها ،حيث كنا نقيم عدة أشهر فيها كل عام ،وكنا نعيش ملتصقني بالنباتات واألشجار وبحيوانات الرباري وحرشاتها .وكانت حياة القرية أقرب إىل الحياة الوحشية البدائية أو الربية يف ذلك الزمن.
هذا ما مكننا من صناعة مخيالت طفولية حرة ال تقع تحت رقابة... ما الرابط بني أدب األطفال والشعر املكتوب للكبار؟ املوجه إىل الكبار، هناك رابط عميق بني أدب الطفل واألدب ّوأنا ال ّ أنظر أو أقول كالماً للكالم يف هذا املقام ...إن مل يحتفظ الشاعر بدهشة الطفل أمام الوجود واألشياء فإنه سيفقد عصب قوته الشعرية ،فالطفل موجود يف داخل كل كاتب منا ال محالة.
شذرات
«هناك يشء متسك به الحياة /و ُتخفيه وراء ظهرها /ولن أتوقف عن الكتابة /حتى أعرف /ما هو».
«رجالي» خائرتان /لدرج ٍة أشعر معها /بأنني مل أع ْد قادراً /حتى /عىل مج ّرد التقدم يف العمر» ويأسف «لجامل تلك األيام /التي كنا نحيا فيها الحياة/ من دون أن نراها» «أخرج من املنزل يف أعىل التل /فيباغتني الفضاء الرحب ُ جناحي فوق السهل /ويشدين إليه األفق /عندها ،أفر ُد ّ وأح ِّلقُ / لست طائراً ،ولكنْ /للرضورة أحكامها» issue (4)- September - 2012
113
جدل
قصيدة نثر
أم وعي شعري جديد؟ هنا دعوة للباحثين إلعادة النظر في ما استقر من خطاب نقدي حول ً تنظيرا قصيدة النثر .والكاتب ال يرى أن أنصارها استطاعوا أن يقدموا
ً ً جماليا ،حولها كشكل شعري مختلف عن فلسفيا أو واضح المعالم، قصيدة التفعيلة
أيمن بكر
حني
بدأ التنظري املنظم لقصيدة النرث يف أوائل الستينيات من القرن العرشين عىل يد أكرث من شاعر من جامعة شعر البريوتية - ،أشهرهم أدونيس وأنيس الحاج -كانت محددات القصيدة وميزاتها الجاملية مستقاة بصورة مبارشة من أطروحة السيدة سوزان برنار للامجستري بعنوان« :قصيدة النرث :من بودلري حتى الوقت الراهن»، والوقت الراهن الذي تقصده السيدة برنار يرجع إىل ما قبل تاريخ طباعة أطروحتها يف كتاب للمرة األوىل سنة ،1958 إذ إنها قدمت للمناقشة قبل ذلك بسنوات «تحديداً عام »1954وكتبت أيضاً قبل املناقشة بسنوات. يف هذه األثناء كانت الثقافة العربية عىل موعد مع حركة تجديد ثورية يف الشعر العريب هي حركة شعر التفعيلة، التي مل تكن قد اكتسبت الكثري من املرشوعية بحلول عام 1960؛ العام الذي بدأت فيه جامعة شعر البريوتية اإلعالن عن ميالد قصيدة النرث استناداً لتنظريات السيدة برنار كام أرشنا؛ إذ كان رصاع قصيدة التفعيلة يف أوجه عام 1964 حني أعلنت لجنة الشعر باملجلس األعىل لآلداب والفنون بأن« :مراجعة رسيعة لكثري مام يسمى الشعر الجديد لتكفي للداللة عىل أن أصحابه واقعون تحت تأثريات... منافية لروح الثقافة اإلسالمية العربية ...ما يجعل كتاباتهم مرفوضة ...ألنها تشيع يف الكيان عنرصاً غريباً يهدمه». الكالم هنا عن الشعر الجديد من دون تحديد شعر التفعيلة
114
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
«رمبا يك ال يعد مجرد ذكر التسمية نوعاً من االعرتاف الضمني» لكن املفهوم ثقافياً كان شعر التفعيلة ،ومل يكن بيان جامعة شعر وال دواوينهم النرثية األوىل داخلة ضمن الرصاع بصورة واضحة ،فهل كان حضور قصيدة النرث يف هذا التوقيت أشبه بثورة داخل ثورة؟ أم أنه كان أقرب لتطوير واحدة من ممكنات قصيدة التفعيلة بصورة استرشافية مبكرة؟
قصيدة النرث :ثالث سامت
أحسب أن هناك وجه شبه بني اإلشكالية التي أثارتها قصيدة النرث بالنسبة لتقاليد الشعر الفرنيس ،وما أثارته ضمن تراث الشعر العريب «يف األوساط األكرث تسامحاً» ،هذا الوجه هو املطالبة -ضمنية كانت أو رصيحة -بأن تقدم قصيدة النرث بدي ًال واضحاً للقيم الجاملية التطريبية ألوزان الشعر التقليدي ،األوزان التي جاءت قصيدة النرث كحركة مترد عليها .تقول السيدة برنار« :املؤكد أن قصيدة النرث تنطوي عىل مبدأ فوضوي وهدام ،إذ نشأت من التمرد عىل قوانني الوزن والعروض ،وأحياناً عىل القوانني العادية للغة .لكن كل مترد عىل القوانني املوجودة مجرب – فيام لو أراد تقديم عمل أديب قابل لالستمرار -عىل أن يحل محل هذه القوانني قوانني أخرى خشية الوصول ملا هو غري عضوي وفاقد للشكل». وبغض النظر عن الفزع الواضح يف كالم برنار السابق ،خشية
قصيدة نثر ،أم وعي شعري جديد؟
يف اإلحاطة الكاملة والنهائية بظاهرة قصيدة النرث؛ عرب تنظري فلسفي تعميمي ال يخلو من ضبابية فلسفية ،أظنها ناتجة من ضعف وعينا باألنظمة الفكرية التي يستعني نقادنا بشذرات منها ،ليبنوا تنظرياتهم عليها.
فقدان السيطرة البنيوية عىل النص الشعري ،تبدو قصيدة النرث كياناً مزدوج الفاعلية؛ فهي تهدم وتبني ،تهرب من التصنيفية لتقع فيها يف الوقت نفسه .وما أود الرتكيز عليه هنا هو تلك السامت /القوانني التي تقرتحها برنار كبديل مميز لقصيدة النرث ،وهي ثالثة :الوحدة العضوية الناتجة عن إرادة بناء واعية ،واملجانية عىل مستوى الغاية أياً كان هل هو وعي شعري جديد؟ نوعها «أخالقية أم سياسية أو غري ذلك» وهو ما يظهر ليس تنظري سوزان برنار هو الوحيد الذي تم استخدامه لوضع تركيبياً يف عدم وجود سلسلة لغوية منطقية تتنامى زمنياً أطر فلسفية وجاملية مميزة لقصيدة النرث عربياً ،فقد تنوعت باتجاه غاية داللية بعينها ،ثم اإليجاز أو الكثافة اللغوية املحاوالت لتمييزها وبلورة جاملياتها؛ رغبة يف مالحقة النتاج والرؤيوية .تقول برنار« :وتفرتض قصيدة النرث ...إرادة واعية املتزايد من قصيدة النرث .من ذلك -غري كتابات أدونيس - لالنتظام يف قصيدة ،البد لها أن تكون ك ًال عضوياً مستق ًال ،مبا محاوالت جهاد فاضل ،وحاتم الصكر ،ومحمد العباس ،وكاتب يسمح بتمييزها عن النرث الشعري «الذي ما هو إال مادة، هذه الدراسة .وهي محاوالت تستبطن غالباً ما أعلنه محمد وشك ًال من الدرجة األوىل نستطيع -انطالقاً منه -تأليف العباس من أن قصيدة النرث تتصاعد عربياً «كخيار فني ال دراسات وروايات وقصائد» وهو ما سيجعلنا نقبل مبعيار كبديل» .وهي أيضاً محاوالت رمبا استبطنت محددات سوزان ال القصيدة الوحدة العضوية ...ومع ذلك فعلينا أن نقبل بأن برنار ،لكنها تسعى بوضوح لتقديم مقول نقدي مغاير وأقرب تفرتض لنفسها أية غاية خارج نفسها ال رسدية وال برهانية ...لقصيدة النرث العربية. ولدينا هنا معيار املجانية ...وميكننا أن نضيف أن فكرة ورغم اختالف الرؤى واملنهجيات ،أحسب أن إشكالية عامة «املجانية» ميكن أن تحددها بدقة فكرة «الالزمنية»؛ مبعنى تطل برأسها يف املحاوالت السابقة وغريها ،إشكالية حاول أن القصيدة ال تتقدم نحو هدف ما ،وال تطرح سلسلة من البعض مواجهتها رصاحة يف حني تعامل معها البعض كام لو األفعال املتتالية ،لكنها تفرض عىل القارئ كـ«يشء» ،ككتلة أنها غري موجودة أص ًال؛ تتلخص تلك اإلشكالية يف السؤال التايل: ال زمنية ...ويقودنا هذان الرشطان اللذان تحدثت عنهام هل تختلف قصيدة النرث العربية الحالية عن قصيدة التفعيلة «الحالية أيضاً» بصورة جذرية تجعل من إحداهام تياراً مختلفاً لتوي – الوحدة واملجانية -إىل رشط ثالث أكرث خصوصية يف منطلقاته ورؤاه وجاملياته عن األخرى ،أم أن هناك وعياً لقصيدة النرث ،هو اإليجاز .فعىل قصيدة النرث– أكرث من أية قصيدة عروضية -أن تتجنب االستطرادات األخالقية ،أو أية فنياً /شعرياً /ثقافياً عاماً لدى أجيال جديدة من الشعراء، استطرادات أخرى ،واإلسهابات يتجىل عرب مجمل الكتابات الشعرية ،سواء التفسريية ،أي كل ما يؤول بها اختارت قصيدة النرث أم قصيدة العامية أم إىل أنواع النرث األخرى». هل تختلف قصيدة النثر قصيدة التفعيلة؟ أرى املقطع السابق رضورياً السؤال السابق يستدعي سؤاالً آخر :هل العربية عن قصيدة هنا رغم طوله النسبي ،فهو كانت الحدة التنظريية لجامعة شعر التفعيلة بصورة جذرية يقدم تنظرياً واضحاً ِّ ومبطناً ً البريوتية حقا هي املانع من التأسيس ً تجعل من إحداهما تيارا لكثري من الكتابات العربية النقالب شعري ،ومن إعالن تفرد وقطيعة املتامسكة التي تعرضت مع الذاكرة الجاملية الكالسيكية «كام مختلف ًا في منطلقاته لقصيدة النرث ،كام يبدو يل يقول محمد العباس» ،أم أن هذه الحدة ورؤاه وجمالياته عن ً الطرح السابق رغم قدمه مثلت حجرا ضمن أحجار أخرى ،أسهمت األخرى؟ الزمني ،أكرث علمية من يف خفاء عن التنظري النقدي العريبالتجزيئي واملتعجل بالدفاع أو اإلدانة غالباً محاوالت عربية كثرية تطمع issue (4)- September - 2012
115
جدل
يف متهيد األرض لحالة وعي فني شعري جديد ،تتجاورفيه القصيدة التفعيلية وقصيدة النرث مع أية تجربة شعرية تجمعهام أو رمبا تتجاوزهام؟ لقد أورد محمد العباس يف كتابه عن شعرية قصيدة النرث كالماً داالً لحاتم الصكر ،يعلن فيه أن رواد قصيدة النرث قد شوهوا أطروحة سوزان برنار وابترسوها نتيجة لحامستهم ،ويعلق محمد العباس عىل كالم الصكر بقوله« :وهكذا كان ذلك التطرف الجاميل سبباً من األسباب التي جعلت قصيدة النرث العربية ،كامتداد للشعرية العربية ،متتنع عن اجرتاح ما يؤسس لالنقالب، أو االنزياح بالذاكرة التقليدية إىل مغامرة متاس مختلفة باملحيط». ولعل كالم الصكر يحتاج ملزيد من التوضيح ملعنى التشويه واالبتسار؛ إذ أظن أن تشويه أطروحة تقوم عىل تراث الشعر الفرنيس ،وتحدد جامليات قصيدة النرث بالنظر لعرص بودلري ورامبو ولوتريامون وغريهم بكل ما لهم ولعصورهم الفرنسية من خصوصية ،أظن تشويه هذه األطروحة وابتسارها هو أمر حتمي ورضوري ،بل لعله السبيل الوحيد لإلفادة منها ،فام ميكن ألدونيس وأنيس الحاج وغريهم أن يفعلوه ،هو تجريد املقول الفلسفي العام لهذه األطروحة، ومحاولة تكييفه مع تيار ثوري من الكتابة الشعرية .لكن –مرة أخرى – هل كانت ثوريتهم بعيدة عن ثورة قصيدة التفعيلة املشتعلة يف هذا الوقت ،أم أن حامسهم الزائد صور لهم ذلك ،يف حني كان الوعي الشعري الجديد الذي اتخذ من قصيدة التفعيلة راية له هو اإلطار األكرب ،الذي يضم محاوالت شعراء قصيدة النرث؟ وهل مينح ذلك «كون الحركة الثورية الشعرية بدأت من قصيدة التفعيلة ومثلت قصيدة النرث مجرد تنويعة عليها» معنى مختلفاً لفكرة أن قصيدة النرث هي خيار وليست بدي ًال؟ األسئلة السابقة متثل قبل كل يشء محاولة لنقد الذات؛ إذ حاولت قبل اآلن أن أميز بني قصيدة التفعيلة وقصيدة النرث عن طريق املقارنة بني مالمح الذات الشاعرة يف كل منهام، لكنني اآلن بعد سنوات من هذه األطروحة أجد األمر أقل وضوحاً مام كان عليه ،فكثري من كتاب قصيدة التفعيلة اآلن يتحركون من العامل وليس من فوقه كام كان جيل روادهم، مبا يدعوين للتساؤل عن مجمل املالمح الجاملية املغايرة التي تبدت مبكراً يف قصيدة النرث ،وما إذا كانت مالمح تشري 116
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
إىل وعي جديد ال يقف فقط عند قصيدة النرث ،وإن كان لها فضل السبق يف طرحه.
محاولة للتطبيق
سأحاول قدر املمكن أن يكون اختياري للنصوص عشوائياً، وسأحاول أيضاً االستعانة بقصائد كاملة ،أو مقاطع طويلة؛ حتى ينفتح الباب للرؤى املختلفة ،من دون توجيه مسبق للقراءة عرب عملية االجتزاء الشهرية التي اعتادها النقاد. يف ديوانه «صندوق أقل من الضياع» ،نقرأ هذه القصيدة للشاعر «محمد خرض»:
قناعة نستسهل أحياناً أن نرتك الخارصة من دون ترتيب أن ننام كقطط برية أو نحلم بزوارق ورقية تكفي اثنني لعبور التيار
من اليسري عىل أي ناقد مبتدئ أن يدبج مقاالً متامسكاً حول النص السابق ،وما أقوم به اآلن هو تجربة إلثبات أن النص كان يصف لحظة شعورية يكتنفها شعور متناقض باألمل واليأس ،بالقدرة والعجز ،بالتشوف والكبح ،كل هذا يف وقت واحد .إنه تشكيل لغوي يجسد بصورة مجانية لحظة إنسانية بكل متناقضاتها دومنا غاية أخالقية أو سياسية أو إصالحية/ اجتامعية بعينها .النص أيضاً ميكنه – إذا أراد القارئ – أن يشكل ك ًال عضوياً متامسكاً يستخدم تقنية بعينها «تتكرر يف ديوان محمد خرض أكرث من مرة» هي البدء من حالة شعورية وعيية بعينها ،ثم تعداد ما ميكن أن ينتج عن هذه الحالة؛ مبعنى أنه يبدأ من تكوين لغوي يفتح بوابة لحالة تكرار لغوي عرب بنية ثابتة متكررة :نستسهل أن .....ثم ميكن أن تتكرر بنية «أن نفعل كذا وأن نفعل كذا…» ،النص ميثل بنية متامسكة تصدر عن إرادة بناء .إرادة البناء نفسها تظهر يف قصائد كثرية مستخدمة التقنية نفسها ،من ذلك قصيدة «الساعة الثانية عرشة» ،حيث يبدأ النص بتيمة /مفتاح تفتح الباب لبنية التداعي اللغوي املستخدم للتكرار ،يقول:
قصيدة نثر ،أم وعي شعري جديد؟
فالشاعر يطرح جملة تقريرية يتبعها بسؤال عىل لسان الغريب ،مبا يؤكد وجود إرادة بناء واعية يف مجموعة النصوص القصرية املجانية «املوزونة» التي يقدمها عالء الدين. سأحاول اآلن تقديم منوذجني من دون تعليق لشاعرة مرصية ولشاعر سعودي: هذه أوالً قصيدة الشاعرة «نجاة عيل»:
مبناسبة اكتامل القمر /كان حديثنا /مل نتحدث عن/ مسافة للحزن «تسونامي» /وال« /تورا بورا»… /...ال عن كارل ماركس سأضع بيني وبينك نتحدث /وال سيد قطب« /ونهايته الغامضة» ما أشري مسافات له هنا هو تقنية مفتاحية يستخدمها خرض تسمح ثم أمألها بكراهية له بتكرار بنية لغوية بعينها «مل نتحدث عن كذا /وال ال يطفئها يشء عن /....وال عن »....وهو ما يشري إلرادة بناء واعية لدى أو رمبا بحزن ينمو الشاعر. يف رئتي املالمح السابقة تضع قصيدة خرض تحت تصنيف «قصيدة -دون توقف - النرث» بامتياز طبقاً ملحددات سوزان برنار. يك أراك جيداً.
ونقرأ هذه القصيدة للشاعر «وليد عالء الدين»:
مساء ملاذا املساء ثقيل بهذي املدينة!! يقول الغريب: ملاذا املساء ثقيل!! فتسقط مثلومة كحدي موىس خيوط املساء
القصيدة السابقة قابلة للتحليل عىل غرار نصوص محمد خرض؛ إنها مكثفة جداً وتقدم حالة غربة ومرارة تكتنفها، من دون أية غاية نهائية أخالقية كانت أو غري ذلك ،كام أن النص السابق هو واحد ضمن مجموعة نصوص تتحدث عن الغريب بالصيغة اللغوية نفسها .يقول يف قصيدة أخرى بعنوان «جوهر»
الريح هي الجوهر وأنا تسكنني الريح يقول الغريب :وهل لفتًى تسكنه الرياح بأن يسرتيح!!
إن النص الثاين تقريباً يسري عىل الخطة البنائية نفسها،
وهذه قصيدة الشاعر محمد حبيبي:
وسام فرحته باملكتب ذي األدراج املنزلقة برسير األطفال مبرتبة اإلسفنج الدوالب الزاهي األلوان هل كانت مثيل يوم انتزع أيب خشبات صناديق الشاي ليسمر دواليب األول؟
إحدى القصيدتني نرثية والثانية تفعيلية ،وما يعنيني هنا هو مقاييس سوزان برنار الثالثة؛ أال نجدها متحققة يف النصني السابقني كام يف نصوص محمد خرض ووليد عالء الدين؟ أال تحتمل النصوص السابقة جميعها تنظريات النقاد حول بساطة املعجم الشعري لقصيدة النرث ،وانطالقها من اليومي واملعيش واملبارش؟ أال تحتمل النصوص السابقة جميعاً فكرة أن الذات الشاعرة تنطلق «من العامل» ،وليس «من فوق العامل»؟ إن قصيدة النرث تفتح مساحة حرية ال شك فيها للشعراء ،لكن هل استخدموها يف تقديم تجريب نيص /لغوي /جاميل مغاير، أم أنهم سقطوا يف حدود السهل املوايت غري البعيد عن قصيدة التفعيلة التي «تتقيد» بالوزن؟ issue (4)- September - 2012
117
جدل
شعريّة .. رِ ّدة ِ
عودة إلى قصيدة العمود شكل القصيدة العربية مايزال يثير انقساما حادا بين الشعراء والنقاد .وفي هذه الفترة ثمة من يتحزب للعمودي ،وال يعترف باالشكال األخرى ،في حين أن القارئ ال يبحث عن غير الشعرية في النص
يوسف عبد العزيز
يف
العقدين األخريين ،برزت قض ّية العودة إىل قصيدة الشعري ،كظاهرة تستحقّ املتابعةّ . العمود ّ ولعل هذه ّ الظاهرة ال ترتبط ببلد عريب محدّد ،بقدر ما أصبحت موجودة يف معظم البلدان العربية .األمر هنا ال يقترص الشعراء -األفراد ،م ّمن باتوا يكتبون هذا ّ عىل ّ الشكل من القصائد ،بل تعدّاهم ليشمل تلك الجامعات الشعرية التي ظهرت هنا وهناك ،والتي أصدرت عدداً من البيانات ،التي تؤ ّكد فيها عىل القصيدة العمودية كخيار وحيد ّ للشعر. قبل الدّخول يف تحليل هذه ّ الظاهرة ،ال ب ّد لنا من البحث يف األسباب التي دفعت بهذه ّ الطائفة من ّ الشعراء العرب، إلعادة االعتبار لقصيدة العمود الشعري ،وذلك يف ّ ظل امتداد رقعة الكتابة الشعرية العربية ،وتعدّد األطياف وال ّرؤى والتّجارب ،التي قد تختلف ،وقد تلتقي حول ّ الشعر. من جهة أخرى يأيت هذا االلتفاف حول قصيدة العمود يف ّ ظل حركة ترجمة َن ِش َطة ،م ّكنت الشاعر العريب من االطالع
118
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
الفنان قاسم عثامن
عودة إلى قصيدة العمود
عىل شعر ّيات كثرية ومتن ّوعة يف أرجاء العامل! يلتفت شاعر العمود إليها ،ونقصد بهذه الوسائل هنا تلك لعل ّ ّ تشظي الحياة العرب ّية ،وتردّي األوضاع السياسية األنفاس القادمة من املرجع ّيات البرصية كالسينام واملرسح القامئة ،وما آلت إليه األمور من هزائم ،أن تكون واحداً والتّشكيل ،أو من السرّ د ،وهي مرجع ّيات معارصة ،مل تكن من األسباب التي دفعت إىل هذا الخيار ،باعتبار العودة معروفة من قبل ،وز ّودت الن ّّص الشعري الحديث بالكثري من ّ الطاقة. إىل قصيدة العمود عود ًة إىل الجذور! ّإن تقديس املايض بدالً من ذلك ك ّله سوف نلمح هناك ال ّروح الحامس ّية التي (التّليد) ،وما مي ّثله من رموز ،هو جزء من عمل ّية عالج ترفع الن ّّص ،والتّعابري ّ ال ّذات الجريحة ،يف زمن يتع ّرض فيه ّ الطنّانة ،القامئة عىل اإلنشاد وتطريب كل يشء إىل الخراب. ّ تشظي املشهد ّ القارئ ،حيث ستختلط صورة القصيدة بصورة الخطبة. الشعري العريب ،ربمّ ا يكون هو اآلخر قد ّ كل ذلك من أجل أن يبتهج الجمهور بني فرتة وأخرى أثناء خاص ًة بعد االنتشار الكاسح الذي ساهم يف هذه العودةّ ، ح ّققته قصيدة النّرث ،التي هي قصيدة األلف نوع ونوع! اإللقاء وينفجر بالتّصفيق. تتن ّوع التّجارب التي باتت تستلهم عمود ّ الشعر ،كشكل ما يحدث اآلن من عودة إىل قصيدة العمود ،ربمّ ا يشبه وحيد ،ال يجوز ألحد أن يكتب ّ الشعر خارجه .ومثل هذا ما حدث للقصيدة العربية يف أواخر القرن التّاسع عرش َ وبدايات القرن العرشين ،إ ّبان ما عُ ِرف ببدايات عرص التّن ّوع يشمل اللغة الشعرية واملوضوعات املتنا َولة .ولكنّ تلك التجارب عىل تن ّوعها ،تلتقي عىل التّأكيد عىل ّ النهضة العربية ،حيث الحظنا من خالل النامذج الشعرية الشكل ّ خاصاً الستلهام قصيدة الترّ اث، الشعري العمودي ،بأوزانه وقوافيه ،ويف الوقت نفسه تتّفق املكتوبة يف تلك الفرتة مي ًال ّ عىل استبعاد األشكال الشعرية األخرى (قصيدة التفعيلة األهم التي ينبغي تقليدها ،حسب ما رآه باعتبارها القصيدة ّ وقصيدة النّرث) من دائرة ّ شعراء ذلك العرص .ولذلك فقد ّ الشعر. متخضت تلك املرحلة عن يف واقع األمر ،إذا ما د ّققنا النّظر يف النّامذج الشعرية كتابة عدد هائل من النصوص الشعرية ،التي كانت تدور يف فلك الشعر العريب القديم .واآلن فإننا حني نقرأ أعامل ٍّ املطروحة ضمن قصيدة العمود ،سوف نجد هناك ّمثة كل رغبات كامنة فيها ليس يف استلهام ّ الشكل فقط ،ولكن من محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ً ً يتل ّبسنا اإلحساس نفسه بأننا نطالع قصائد أيب ّمتام والبحرتي يف استلهام ال ّروح أيضاً ،بحيث نجد ّمثة تصاديا قامئا بني واملتنبي. مناذج الترّ اث والنّامذج الجديدة .يتّضح ذلك يف طرائق التّعبري ّ ُ الشعر ّية املستخدَمة ،كاملجاز الخفيف ،والتّشبيه، ترى ما العربة يف العودة إىل قصيدة الترّ اث للم ّرة الثانية، واالستعارة ،والجناس ّ وذلك بعد مرور قرن كامل من والطباق، ....إلخ ،حتى يف وجود ما السنوات؟ وهل االكتفاء بالشكل إن العودة إلى قصيدة ّ يس ّمى ببيت القصيد ،حيث العمودي كشكل وحيد للشعرية العمود ّ تصل القصيدة ذروتها .وربمّ ا العربية ،أمر صحيح ،ويبعث عىل الشعري هو أمر ال ّرضا؟ نجد حتّى املفردات القدمية أن القول مشروع ،غير ّ قبل اإلجابة عىل هذه األسئلة ،ال إ ّياها التي كان يستخدمها إن قصيدة العمود هي ّ ب ّد من املرور بشعر الترّ اث نفسه، الشاعر القديم ،مبثوث ًة يف تجوز ال الذي الوحيد الشكل كالسيف، والوقوف عىل رأي ال ّن ّقاد القدامى النّصوص الجديدةّ ، كتابة الشعر إال به ،هو والترّ س ،والدّرع ،وال َف َرس. فيه. طبعاً سوف تغيب وسائل يف العصور التالية للحقبة ضرب من العسف ظل ُي َ الجاهل ّيةّ ، التّعبري ّ الشعرية الحديثة نظر للشعر الجاهيل تلك النّظرة القامئة عىل عن هذه النّصوص ،ولن issue (4)- September - 2012
119
جدل الفنان قاسم عثامن
من العسف الذي ما بعده عسف! ذلك ّأن موهبة اإلنسان التّقديس من قبل ال ّن ّقاد .لقد كانت النظرة السائدة ّأن القصيدة الجاهلية هي الذروة التي استطاعت أن تصل إليها الذي ابتكر قصيدة العمود ،هي نفس هذه املوهبة التي ابتكرت ّ الشعرية العربيةّ ، الشكلني اآلخرين. وأن ما ظهر من مناذج حديثة هي أقل ّإن هذه الدعوة للتّحزّب لعمود ّ الشعر ،تشبه إىل ح ٍّد كبري بكثري من تلك ال ّذروة .برز هذا الكالم يف كتابة العديد من الن ّقاد العرب القدامى ،وكان عىل رأسهم الناقد املعروف ابن تلك الدّعوة للتّحزّب لقصيدة النرث ،والتي شاهدنا مظاهرها يف السنوات القليلة املاضية ،من خالل مؤمترات قصيدة النرث سالم الجمحي ( 232 – 139هجرية) الذي أشاد يف كتابه (طبقات فحول الشعراء) بالشعر الجاهيل ،وأفرد فيه القسط التي عُ ِقدَت يف ّ كل من بريوت والقاهرة ،ففي كلتا الحالتني ّمثة نزوع عند هذا ّ الطرف وذاك للهيمنة وإلغاء اآلخر. األكرب لهذا الشعر ،ومم ّثليه الكبار. كان ميكن بدل كل تلك املامحكات واملعارك الدّون ظ ّلت هذه النّظرة سائدة إىل أن جاء الشاعر أبو العالء قصة األشكال الشعرية جانباً ،والحوار املع ّري ( 449 – 363هجرية) ،وأطلق رأيه الجريء ،حني كيشوت ّية ،تنحية ّ حول ّ أ ّكد عىل إنجازه الشعري الخاص ،مقارن ًة بإنجازات ّ الشعر ّية باعتبارها جوهر العملية الشعرية بر ّمتهاّ .إن الشعراء الن ّّص الشعري الحقيقي هو ذلك الن ّّص الذي يجعل القارئ القدامى ،حني قال: «وإنيّ وإن ُ النص يقع تحت سطوته، كنت األخري زمانه ينىس شكله ،فالقارئ حني يطالع ّ وتغريه الجامل ّيات الكامنة فيه ،اّ ُ مم ينسيه أن يسأل السؤال األوائل». آلت مبا مل تستطعه ٍ التقليدي املتدا َول :بأيّ شكلٍ كتب الشاعر قصيدته؟ كان ذلك الرأي مبثابة سباحة عكس ال ّت ّيار ،ومحاولة إلعادة االعتبار للشاعر الجديد ،كذات فاعلة وموهوبة مقارن ًة بجيل ّإن هذه العودة إىل عمود الشعر ،والدّفاع عن هذا العمود باعتباره ّ الشكل الوحيد القابل للكتابة ،وعدم االعرتاف اآلباء الشعري ،ورموزه من الشعراء القدامى. ّإن العودة إىل قصيدة العمود ّ الشعري هو أمر مرشوع ،وال باألشكال األخرى ،هو نوع من ال ّردّة الشعرية ،إذا جاز التّعبري .وعىل ال ّرغم من هذه الدّعوة التي يتقنّع أصحابها خالف حوله ،فث ّمة مجموعات من الشعراء تلتزم بكتابة هذا الشكل من الشعر ،كام ّأن هناك ّمثة مجموعات أخرى وراءها ،والتي تقول ّإن خيار الشكل العمودي هو مبثابة تحصني للشعر والدفاع عنه ،أرى ّأن العمل ّية بر ّمتها هي تن ّوع يف كتابتها بني هذا الشكل واألشكال األخرى كقصيدة التفعيلة وقصيدة النرث .غري ّأن القول ّإن قصيدة العمود هي محاولة العتقال القصيدة ،وسجن باشق ّ الشعر ،ذلك الباشق الشكل الوحيد الذي ال تجوز كتابة الشعر إال به ،هو رضب الذي تع ّود عىل نهب الفضاء والتّحليق يف األعايل 120
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
حائط أبيض
.
ّ الجراح نوري .............................................................................................................
المستنقع والزلزال
تعيش
منجزات وآثار الشعراء يف الثقافة الشعرية العربية اليوم يف ِّ ظل مناخ فادح من التجاهل والجهل واإلهامل .ويف أفضل األحوال فإن غياب الثقافة الحرة املانحة للقدرة عىل اإلميان مبا هو أكرث من مجرد موهبة طاغية لشاعر طاغية يف محيط ثقايف يرتنح ،يبدو سببا يف ما يجعل من أسطورة هالكة عن الشاعر الفحل فكرة ال تني سائدة يف عرصنا الحديث ،حتى لكأن أصل الفكرة كامن يف فكرة الفرد األعىل املتسلط وقد شغلت حيز ُا خرافيا يف ثقافة املجتمع وها هي تعكس نفسها وتبعاتها عىل الشعر وسواه من الفنون وخ َّلفت لنا ذلك االنسحار النوستالجي بشخصيات أنتجت شعرها الالفت يف فرتات مبكرة ،وال تزال بعد نصف قرن وأزيد من احتالل مقاعد النجوم تكتب وقد فرتت لغتها وغادرها الوهج الذي صاحبها يف بداياتها وفرتات تألقها. هذه الشخصيات الشعرية الهالكة ،ورغم أن أعاملها دخلت يف طور الشحوب الفني والرتاخي ،ال تكف وال يكف اإلعالم العريب وال تكف الذائقة الراكدة نفسها عن إعادة انتاجها اعتقادا من الفاعلني بأن منجزها املنكفئ هو كل ما يف الصورة ،كل ما يف املخترب الشعري العريب ،كل ما يف الفضاء الشعري ،بينام املشهد ،وعىل العكس متاما من ذلك ،يتحرك بزخم وحيوية منتجا التجارب والظواهر والحاالت الجديدة التي مل تنقطع عن دفع القصيدة العربية نحو ذرى جديدة .فالشعر يتحرك ويتغري والقراءة مراوحة يف مكانها .عقدة كربى تصاحب حركة الشعر العريب ،ومعضلة البد ملعرفة أسبابها من أن ُتقرأ جامليا وفكريا واجتامعيا وعىل غري مستوى معريف. *** بخالف كرثة من الشاكني ،أعترب أن الشعر العريب ،وبالقياس مع الثقافات الشعرية األخرى ،جدير به أن يحتل مكانة بارزة ،فقد انجز هذا الشعر انتقاال عاصفا من لغة إىل لغات ومن قوالب فنية جامدة إىل مسارب جديدة حية ومتدفقة ،ويف اقل من نصف قرن حقق نقلة مذهلة وتحوال يف بنيته اللغوية والتخييلية والتعبريية .وبات شعرا حديثا ينطق بهموم الفرد يف املجتمع ويعرب عن طموحاته وأحالمه العرصية ،بل تفوق يف لغته وبلغ صورته الحديثة كشعر يثري سؤاال كونيا ويفتح افقا خاصا به يف العامل. من هنا ،وعندما تطالعنا تلك املقوالت البائسة للبعض عن عدم وجود شعر نكتشف بيرس أنهم ال يعرفون ما حدث يف الشعر العريب خالل القرن العرشين ،وبالتايل يجهلون بحق عمق التحوالت التي حدثت وال ميلكون بالتايل املفاتيح ،مفاتيح القراءة ،وال املصابيح التي تيضء عىل املنجز الشعري العريب يف جغرافياته املتعددة وفضاءاته املفتوحة. *** ولكن ما السبب ،بل األسباب التي اوصلت حال الشعر العريب مع الذائقة الشعرية العربية إىل هذا الدرك؟ وملاذا مل تنتج القصيدة العربية الحديثة يف جوارها حركة قراءة مبدعة تتناسب وثورتها الشعرية ،وتكافئ قدراتها وإنجازاتها والجامليات التي أبدعتها ،ملاذا ظل النص الشعري يتطور ،وبقيت القراءة متخلفة عنه؟ مثل هذه االسئلة تتجاوز يف نظري حقل االبداع الشعري اىل حقول االجتامع والسياسة ورمبا حتى االقتصاد. عىل انني أميل ،شخصيا ،إىل طرح السؤال عىل الشعراء وقراء الشعر األنقياء ،منتظرا الصدى يرتدد يف هذه البيئة الخالقة واملبدعة .وال يضريين أن أشري باستمرار إىل أن هناك يف بيئتنا الثقافية واوساطنا الثقافية جهالء يكتبون مقاالت ويقرأ كالمهم اآلخرون بصفته عل ًام وهو ليس بعلم وال مبعرفة ،يف الوقت نفسه هناك نوع من الرتاخي أو قل الضجر والكسل عن اإلمساك بعصب الحركة ملعرفة ما يجري هناك. أعود من حيث بدأت ،من إدمان الذائقة عىل نفسها ،من مراوحتها يف شعر بهت وترهل شعراؤه الذين بدأوا روادا لجديد وانتهوا يف مواجهة يدافعون فيها عن مواقعهم بإزاء جديد يتحرك كالزلزال يف جسد القصيدة العربية الجديدة. الشعر ليس املستنقع إنه الزلزال issue (4)- September - 2012
121
نقد
قاسم حداد مجـــــاز ي ُ َ ضلل التـأويـــل في مصاحبة «طرفة بن الوردة» ً شعريا من خالل في «طرفة بن الوردة» ليست المرة األولى التي يختار فيها قاسم حداد الماضي الستعادته
ّ الضليل طرفة بن العبد ليكتب سيرة شعرية وحياتية بعض ُشعرائه ،ويذهب هذه المرة في اتجاه الشاعر تخالف السائد
صالح بوسريف
«يا ا ْبنَ أخي ،يا طرف َةَ ،خ َّف َف الله َعن َْك» «املعري»
اشتغل
قاسم حداد يف ديوان سابق «مجنون ليىل» عىل إعادة كتابة تاريخ املجنون وسريته ،وفق رؤية شعرية ،كان فيها يحاول إعادة صياغة وجود هذا الشاعر ،ليس يف عالقته بزمنه فقط ،بل ويف عالقته بزمننا نحن أيضاً .وإذا كان مجنون ليىل جاء من والصالة» ،أي جاء بعد أن كان تاريخ الحق عىل «النص َّ الدين انترش ،فـ «طرفة بن الوردة»! وهو هنا ليس سوى الشاعر طرفة بن العبد ،عاش زمنه الوثني بكل فداحاته التي كان طرفة نفسه أحد صور هذه الفداحات ،أو هو الصارخ َّ للشا ِعر الذي « َتج َّرعَ » الحياة، باألحرى النموذج َّ وشع ُره كان و َباالً عليه ،أو كان هو حتْفه « ُق ِتل قبل ظهور ِ ً اإلسالم بنحو سبعني سنة». حني ذهب قاسم إىل طرف َة ،فهو كان يذهب إىل نفسه، للمكان املشرتك الذي تقاطع فيها َّ الشا ِعران ،وفيه تبادَال فاسهُام .وليس املكان هو ُم ْشترَ َك َّ الشا ِعر ْين الوحيد، أ ْن َ ِّ فالشعر ،أو «النص» ،كان أحد هذه ا ُمل ْشترَ كات التي جمعت بينهام .فهام ،يف هذه التجربة يتقاسامن املكان، ويتقاسامن النص ،مبا يحمله املكان والنص معاً ،من
122
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
إيحاءات بالخروج والرفض واال ْز ِو َرارَّ . تقاسم ولعل يف ُ الكينونة بني َّ الشا ِع َر ْين ما ييش بطبيعة العالقة التي وص َلة قاسم جمعت بينهام ،أو فضحت ِص َلة طرفة بقاسمِ ، بطرفة. ال يكفي املكان كقرينة عىل هذه العالقة ،بل إن ال َّت َو ُّح َد يف كينونة واحدة ،ومتاهي الشاعرين يف َن ْفس واحدة ،هو ما َّ وط َّد هذه الصلة بني الشاعرين ،ورمبا املكان جاء تالياً. نقرأ يف الكتاب:
ـ «قرأْ ُت َك .رأَ ْيت َُك َت َب َّطن ُْت ما ينهض فيك وما ينام» ـ «بيننا َد َر ٌج بيننا حوار ْ تقاطعت أعضاؤنا ...رمبا امتزجناْ .اخ َت َل ْجنا .رمبا رمبا ْ انتحلنا الصفات».
الكتاب هو تعبري عن لقاء بني شاعرين ،واحدٌ يؤدي التحي َة لآلخرُ ،يصا ِف ُح ُه ،ويفتح معه جراح املايض ،خيانة األهل ،وخيانة العشرية ،التي تن َّك َرت ملبدأ ال ُّنصرْ َة ،مهام كانت جريرة الشاعر ،فهي مل َت ْنصرُ ْ ه ،مظلوماً ،ومل تنرصه مقتوالً. زواج «النرث» بـ ِّ «الشعر» ،أو هذه الكتابة املفتوحة عىل ِّ اللغة ،من دون الفصل فيها بني لغ ٍة للشعر وأخرى للنرث، هو أحد ممكنات «حداثة الكتابة» ،وأحد منافذ الحداثة
في مصاحبة «طرفة بن الوردة»
ِّ موازياً له ،فهذا السلوك النظري ا ُملحايث للنص الشعري، الشعرية التي خرجت من مأزق «قصيدة النرث» ،التي بدا أنها هي بدورها كانت نوعاً من املساومة عىل الشعر كان دامئاً مصاحباً للنص الشعري ،حتى عند «الجاهليني»، ممن كانوا يعملون عىل فضح وعيهم النظري بالشعر .لكن بالنرث ،أو االحتامء بـ «القصيدة» ،لتربير ما يتجاو ُزها. يف النص الشعري املعارص ،أصبح هذا الوعي أحد رشوط جاء يف الكتاب: ْ َّ «وكنت إذا ما أ ْم َعن ُْت يف ِّ انكتاب النص ،أو مام يعمل الشاعر ،من خالله ،عىل مترير ُ الشعر ،وتوغل ُت ،وفاضت فهمه ِّ للشعر ،ووضع القارئ يف صورة ما يجري من َ ُ «خ ْرقٍ » ُ وذهبت إىل النرث ألجد نفيس يف الخمرة عىل القدح، و «خروج» عن املعيار ،وعن القواعد التي ظل الشعر تخوم جديدة... يعتربها ،بني رشوط «قول» الشعر ،أو كتابته. فيسألني ُ بعضهُم: فقاسم ،هنا ،يضع قارئه ،أمام هذا «ال َّت َو ُّحد» الذي أصبح رجل؟ وما الن ُرث يا ُ ْ ً َ ِّ الشعر مييل إليه ،عائدا للغة يف بداياتها ،حني مل َي ِت َّم شط ُرها فأقول :إنه الشعر عائداً إىل البيت وحده». إىل أسلوبني ،وإىل تعبريين ،وطريقتني يف الكتابة .ال «نظم» مل يكتب طرفة النرث ،فهو مل يكن يعرف الكتابة وال وال «نرث» ،الشعر وحده عائداً إىل تفضحـه القراءة ،وهذا ما ُ البيت ،ليس بيت الشعر طبعاً .ليست بالخيال يحاول قاسم صحيفة املتلمس إذا اعتبـرناها املرة األوىل التي يختار فيها قاسم قامئـ ًة ،أو ما ُروِيَ بصـددها كان من تشقق ما يرمم أن حداد العودة إىل املايض الستعادته صحيحاً ،فهو اكتفى ِّ بالشعر شعرياً ،أو لوضع خياله ،يف سياق سيرة الشاعر طرفة فقط .ما يعني أن الكالم يف هذا املايض ِّ الشعري ،من خالل بعض قاسم املقطع أعاله ،هو كالم بن العبد ،ومن شعره ُشعرائه عن نفسه ،وهو ما يدخل ضمن الذي شهد أغلب النقاد ِّ توسعاً مه ًام يف هذه فالشعر َع َرف ُّ امليتالغة التي مل تعد تكتفي القدامى أن أغلبه ضاع ال َّد َو ّال ،ونقل مركزية ِّ الشعر من بالكالم النظري ،الذي يأيت من الوزن ،إىل اإليقاع ،ما جعل بعض خارج النص الشعري ،أو يكون issue (4)- September - 2012
123
نقد
ُّ الشعراء ،وبينهم قاسم حداد ،يخرجون من ثنائية اللغة إىل اللغة يف شموليتها ،و«بدائيتها» ،أي يف ما تتيحه من إمكانات إيقاعية باهر ٍة ،ال يبقى فيها الوزن دا ًّال مهيمناً أو «أكرب» ،وهو ما يجري عىل اإليقاع بدوره ،فثمة دالاَّ ن شعريان ُكبرْ َيان هام ما ُيضفي عىل النص مت ُّي َزه ،وفرادته، وهام اإليقاع والخيال. هذا ما تؤكده تجربة قاسم يف هذا العمل ،ويف عملٍ سابق .وهو ما اعترب ُته داخ ًال يف تجربة الكتابة ،التي رشعت يف الت ََّح ُّلل من الوعي الشفاهي ،أوالت ََّخ ُّفف منه، يف مقابل هيمنة الوعي الكتايب ،وهو نوع من السلوك الشعري الجديد ،املوازي لشعرية الكتابة التي هي مرحلة شعرية متقدمة ،قياساً مبا كان سائداً من نقاش حول «قصيدة النرث».
«كيف ُت َس ُّمونه العبد وهو عىل صهوة الريح ُح ّر».
مل ُي َس ِّم قاسم كتابه باسم َّ الشاعر ،كام هو معروف يف ُكتُب النقد ،ويف بعض الرتاجم والدواوين ِّ الشعرية التي صدرت باسمه ،بنسبته ألبيه ،أو ِبن ََس ِبه األبويّ دون غريه؛ «طرفة بن العبد». ً َق َل َب قاسم املعادلة كاملة ،لِ ُيعي َد ترتيب الن ََّسب ،بحذف صفة االنتساب إىل األب ،وبحذف ما تحمله هذه الصفة نفسها من معنى العبودية التي مل تكن تليق بحياة َّ الشاعر ،هذا الشاعر «الغالم» ،وال مبا عُ ِر َف به من حرية َ وج ْرأة يف القول ،وكرم األصل ،وما كان عليه من وانطالق ُ َ لهو وشرُ ْ ٍب ،وإنفاق ،أ ْو َصل ُه إىل ح ِّد اإلفالس ،ومن معارشة للنساء ،و ِت ْرحالٍ و َغ ْز ٍو ،فهو كان ُمت ََح ِّرراً من أعراف القبيلة. فن ََس َبه إىل أ ِّمهَ « ،و ْردة» ،التي حرص الكتاب عىل وضعها يف سياق سرية الشاعر ،باعتبارها «شجرة الخلق» ،يف قولها للنساء، حني ترد ْ َّدت يف الخروج معهن «اتركوين ..هذا يوم يبدأ فيه الخلق ،فالسديم يغمر حوايس». وهي َمنْ َس َّمت ،ابنها« ،طرف َة»، نسب ًة لشجرة «الطرفاء» ،وهي
124
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
شجرة «ال ُ ْ استطعمت حط َبها» .بخالف ما جاء متوت نا ٌر ً يف بعض ترجامت الشاعر ،التي تعترب االسم صفة ،لصقت به لبيت قاله. مثة مسافة داللية كبرية بني االسمني؛ «طرفة بن العبد» االسم التاريخي ،و «طرفة بن الوردة» ،االسم الذي هو عنوان الكتاب ،أو عتبتُه. يف هذه املسافة بالذات ،تتش َّكل مختلف السياقات الشعرية لهذا العمل ،ويعمل قاسم عىل إعادة تريتب سرية الشاعر ،وعالقته باملكان ،ومبختلف األحداث والوقائع املنسوبة إليه ،من منظور معارص ،يغلب فيه َّ الش ُّك اليقنيَ.
طرحت َش ّكاً َب َ ُ زغ َش ٌّك آخر غريه «حتى إذا ما ينحجب ام ٌر وينكشف أم ٌر وأفيض إىل أمر ثالث». ُ
ُ اليتنازل عنه ال ِكتاب ،هو حق طرف َة يف النص ،فهو ما يحفظ له هذا الحق ،ويـرى فيه تعبرياً عن سيـرة طرفـة، وعن حياتـه التـي عاشها ،حقيق ًة ،من دون ُّ تدخل ال ُّر ِواة، الذين َتز َّيدوا عليه ،وأفسدوا عليه حيا َته حتى بعد موته. فالنص هو املرجع ،وهو الطريق التي تصل حياة طرفة مبا عاشه من حيوات رغم قرص عُ ُمره.
ُ ُ وصلت إليه من الرواة والقراء واملؤرخني، «قرأت ما فلم أجد ما ُي ْخ ِرج النص والشخص من األسطورة ،ومل أتصل إال مبا يضعني معهام يف ِّ الشعر ،فأعجبني ذلك وأحببتُه ،إذ ليس مثل املخيلة مصدر فاتن للخلق».
بالخيال يحاول قاسم أن ُي َر ِّمم ما َتش َّقق من سرية َّ الشا ِعر ،ومن شعره الذي ش ِهد أغلب النقاد والشاعريني ال ُقدامى ،أن أغلبه ضاع .الخيال ،ال ال َّت َوهُّ م ،الذي كان ،رمبا ما أفسد عىل الرواة أنفسهم شعر طرفة ،أو وضعه يف َمه َِّب َّ الش ّك وال ُّر ْجحان. يف هذا العمل œuvreباعتباره كتاباً مفتوحاً ،يخرج عن سياق التجنيس التقليدي ،الذي يفصل بني ِّ الش ْعر والنرث، أو يعترب العالقة بينهام غري قابلة لِ ِّلقاء، كون ِّ الشعر شعراً والنرث نرثاً ،وال ينبغي
في مصاحبة «طرفة بن الوردة»
البياضٍّ ، كدال ال ميكن تجاهُ َله أو تفاديه ،مثلام يحدث أن يلتقياُ ،يتيح قاسم حداد للنص أن َي َتكثرَّ َ ،وتتع َّدد بالسواد ٍّ كدال وهم بالنرث توزيعا ُته الخطية ،وأشكال صفحاته ،بني ما ُي ِ عاد ًة يف الكتابة الكالسيكية التي تكتفي َّ وهم ِّ يتيم. بالشعر ،تار ًة أخرى. تار ًة ،وبني ما ُي ِ يف هذا العمل الذي يصعب تصني ُفه ،أو تنسي ُبه ِّ أكرث من نص يف الصفحة الواحدة ،أو أن النص الواحد ،إذا للشعر، نصاً واحداً متواص ًال ،يت َِّخذ مظاهر مختلفة، كتاب ،وبصدد مفهوم اعتربنا الكتاب ّ فقط ،فنحن بصدد ُكت ٍُب يف ٍ «الكتابة» ،أو «حداثة الكتابة» كام ُ كنت َس َّم ْيتُها يف كتاب ويحرص عىل تجاوز الكتابة الخطية linièreكام يحرص عىل تغيري مفهوم القراءة الخطية «حداثة الكتابة يف الشعر املتواصلة. العربـي املعارص» ،وضمنه يتيح قاسم للنص ُ فنحن ،بهذا املعنى ،بإزاء كتابة َق ِل َقة، قرأت تجربة قاسم حداد ،يف أن تتعدد توزيعاته تفرض قراء ًة َق ِل َقة ،ال تكتفي بتشويش كتابه «مجنون ليىل» ،الذي كان وأشكال الخطية النوع أو الجنس ،حيث الحدود بني أحد تعبريات «حداثة الكتابة»، ً يوهم ما صفحاته،بين الشعر والنرث ال تبقى قامئة ،بل إن التي مل يعد مفهوم القصيدة، التشويش يطال كل يشء يف هذا يف بنائها ،ويف شكلها ،قاب ًال بالنثر تارة ،وبين ما الكتاب ،ما يقرتحه الشاعر عىل قارئه لالستمرار ،يف ما يتجا َو ُزها. يوهم بالشعر تارة من مفاهيم جديدة ،ال تظهر يف هذا ضخم ،عدد صفحاته فالكتاب ٌ أخرى النوع من التوزيعات الخطية ،أو 530صفحة ،وهو ُم ْر َفقٌ ب ُق ْر َصينْ تكثري فضاءات الصفحة الواحدة ،ففي ُم ْد َم َجينْ « ،»CDيشتمالن النص املكتوب نفسه ،يبدو هذا ال ُبعد علـى عمل موسيقـي بعنـوان النظري الذي يسعى من خالله قاسم أن يثري انتباه القارئ «طرفة» ،من تأليف محمد حداد ،نص الكتاب مصور بصيغة « ،»pdfوصور من األصل املخطوط للكتاب ،وصور إىل ما هو بصدده من تحويلٍ ملعاين األشياء. فوتوغرافية لبعض مشاهد ورشة العمل أو الكتابة ،تصوير يف هذا النوع من الكتابة ا ُمل َر َّك َبة ،التي يعمل فيها الشاعر عىل استثامر فضاءات الصفحة بطريقة تخرج بها عن طفول حداد ،ومختارات بصوت الشاعر. ِّ الكتابة الخط َية املألوفة ،ما يضع مفهوم الكتابة يف سياقه خطوط الكتاب ،ليست منطي ًة ،فهي تتع َّدد يف أشكالها، الشعري الجديد ،الذي أصبح معهَ ،ن ِّصياً ،ووفق تكثري كام تتع َّدد ألوا ُنها ،بني األسود واألحمر واألزرق .ما ُيتيح ال َّد ّ وال ،وتنويعها ،يعكس هذا القلب الشعري ،عىل غرار للقارئ الخروج من منطية الصورة الكالسيكية للطباعة، القلب املعريف الذي حدث يف النظر إىل ِّ الشعر ،بعيداً عن والستثامر الشاعر إلمكانات الحاسوب يف طباعة النص املفهوم التاريخي لـ «القصيدة» ،وما يحمله هذا املفهوم، وتوزيع صفحاته .أو بتعبري للشاعر نفسه «فالكتابة أمر يف طياته ،من اختالالت ،ال تليق بحديث بحداثة الكتابة موصول باملتعة واملعرفة إذا أنت أَ ْخ َل ْص َت ،ومحفوف أنت استهرتت» فـ «للورق عندي الشعرية املعارص ،وال تليق بالفكر الذي بات يصدر عنها. باملحاذير واألخطار إذا َ ٌ التعتيم األجنايس ،هو أحد أهم ما يعمل كتاب «طرفة بن طبيعة وحياة وفطنة تقرأ النص معي و ُت ِح ُّسه وتعيه». مل تعد الصفحة خارج الكتابة ،أو مج َّرد حامل ،فالورق له الوردة» عىل تكريسها .فهو مل ُي َس ِّم ،ومل ُي َجنِّس ،بل ترك الكتاب يف يد القارئ ،لِ ُي َسمي ما بني يديه كام يشاء ،أو حياة ،وهي حياة ال َت ِت ُّم ،أو تكتمل إال بالكتابة ،وهو ما ً يرى فيه ما يريد .أليس يف هذا ،أيضا ،إرشاك للقارئ يف قلق يجعل القراءة «إحساساً» و«وعياً» يف نفس الوقت. النص ،ويف قلق التجربة ،ويف قلق حداثة الكتابة ،التي هي الصفح ُة يف الكتاب ،تتوزع إىل أكرث من َح ِّي ٍز ،ما يعني ّ ٌ مجهول ُي ْفضيِ ملجهولٍ ؟! الدوال يف الكتاب و َو ْف َرتها ،وما يعني أيضاً ،توظيف تن ُّوع issue (4)- September - 2012
125
نقد
العنوان والنص في الشعر اإلماراتي
الداللة والتأويل لم تحظ مسألة بناء العنونة بالدرس المطلوب سواء في الشعر العربي المعاصر ،أو الشعر اإلماراتي ،وظل الداللة والتأويل
ً أمرا ال يثير شهية النقاد الذين لم يغفلوا الكشف عن شعريتها ووظائفها النصية والداللية واإليحائية
دراسة هوامش النص أو عتباته عندما بدأ ظهورها في نظريات النقد الحديثة منذ نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي
مفيد نجم
يلعب
العنوان ،بوصفه جزءاً من الوظيفة الكلية للنص وواجهة إشارية دالة من حيث املبنى واملعنى ،دوراً أساسياً يف إظهار املعنى القصدي للنص ،خاصة وأن الكاتب غالباً ما يضع العنوان بعد االنتهاء من كتابة النص .وإذا كان العنوان يعكس جو العمل من داخله ،ويقيم عالقة تأثري متبادلة معه ،فإنه يحيل يف اآلن ذاته عىل خارج العمل ،ما يجعل فهم معناه العنوان كمفتاح تأوييل الداليل يتطلب العودة إىل املرجعيات التي يقيم تعالقه يتسم العنوان بتمثيله الجزيئ أو الشامل للنص ،ما يجعل معها. ً ً منه مفتاحا رئيسا للدخول إىل عامل النص .ويف دراستنا إن االهتامم بدراسة العنونة تفرضها العالقة العضوية السرتاتيجيات العنونة يف الشعر والتبادلية التي يقيمها العنوان اإلمارايت املعارص من خالل مجموعة مع النص السيام وأنه يشكل كبرية من األعامل التي صدرت ،يف صلة االتصال األوىل التي تقوم مسألة بناء العنوان مراحل زمنية مختلفة ،ميكن لنا بني القارئ والكتاب ،ما يرتتب اإلماراتي الشعر في أن نقف عىل التحول الذي طرأ عىل ذلك من وظيفة لتحفيز مشارف على تضعنا عىل بنية تلك العناوين ،وعالقة القارئ وإغرائه .من هنا فإن هذا التحول مبا مياثله عىل صعيد يف مقاربة مسألة بناء العنوان تلك النصوص بحيث لغة النص وبنيتها البالغية ،آخذين الشعر اإلمارايت املعارص ،تضعنا التجربة أفق على نطل بالحسبان من منظور بالغي ما إىل جانب الكشف عن الكيفيات الجمالية وشواغلها يتضمنه العنوان من حذف يخلق والوظائف التي يقوم بها ،عىل ِّ فجوة ،تولد الغموض كام يؤكد مشارف تلك النصوص بحيث نطل جريار جينيت عىل ذلك. عىل أفق تلك التجربة وشواغلها
126
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
الجاملية والفكرية .تقوم دراسة العنونة عىل محورين لجهة دراستها .أفقياً ،بهدف معرفة املكونات الرتكيبية للعناوين ،من خالل آليات التعالق التي تقيمها مع بعضها بعضاً ،بحيث نقف عىل مدى التحوالت التي ميكن أن تحدث عىل مستوى النص .وعمودياً ملعرفة حقيقة االختالف والتشابه الذي ميكن أن يحدث بني العناوين.
العنوان والنص في الشعر اإلماراتي
تتسم أيضاً باالقتصاد الشديد يف بنيتها اللغوية ،التي يغلب العنوان يف مفردة واحدة تتميز العنونة التي تتكون من مفردة واحدة عىل مستوى عليها من حيث معامرها البالغي سمة الحذف الذي يخلق بنيتها النحوية ،بأنها تتألف من اسم يحمل صيغة الجمع فجوة يتولد عنها الغموض ،فهي غالبا ما تكون جواباً ملبتدأ محذوف كام سنالحظ عند مقاربتها عىل مستوى بنيتها «مسارات ،أضداد ،الرتانيم لحمدة خميس -رواحل النحوية .أما السمة الثانية لتلك العناوين فهي هيمنة والجرائر لنجوم الغانم -جدران للهنوف محمد -املالمح الجملة االسمية بصورة كبرية تكشف عن طابعها الوصفي، لحبيب الصايغ» ،بينام تتخذ عناوين قليلة صيغة االسم املفرد «شغف لظبية خميس -شتاء لخالد البدور -ميارى يف حني تظهر محدودية استخدام الجملة الفعلية يف تلك العنونة .وعىل مستوى البنية الشعرية لتلك العناوين لحبيب الصايغ» ،يف حني يغيب الفعل بصيغه املختلفة فهي تتميز بأنها ذات طبيعة مجازية تتناسب مع البنية عن هذه العنونة .أما عىل مستوى البنية اللغوية فإن تلك التكوينية للغة الشعرية لتلك النصوص التي تظهر فيها العناوين تتسم كام هو واضح باالقتصاد اللغوي الشديد عالقتها العضوية مع العنونة الداخلية للنصوص الشعرية جداً ،فهي تتألف من كلمة واحدة تأيت بصيغة الخرب ملبتدأ بصورة خاصة. محذوف .أما عىل مستوى بنيتها الداللية فهي تدل إما تتوزع العناوين من حيث بنيتها النحوية عىل نوعني من عىل معنى الزمان «شتاء لخالد البدور» أو عىل معنى العنونة ،تتصدرهام العنونة االسمية كام أسلفنا «جاميل يف املكان «مسارات لحمدة خميس -جدران لهنوف محمد» الصور مليسون صقر -كرس يف الوزن ووردة الكهولة لحبيب أو هي اسم علم «ميارى لحبيب الصايغ» أو تدل عىل الصايغ -هاء الغائب وأنت وحدك لخلود املعال -كله أزرق معنى حيوان «رواحل لنجوم الغانم» ،أو هي مصطلح لخالد الراشد -شدو الزمن لسلطان خليفة -آية الصمت مجرد فلسفي «أضداد لحمدة خميس» أو اسم ذو معنى لظاعن شاهني -استحاالت السكون لنارص جربان -هذا أنا «شغف لظبية خميس -ترانيم لحمدة خميس». لكريم معتوق -ذاهل عن الفكرة لجمعة الفريوز -شمس شفتيك لحارب الظاهري -أوراق املاء ملنى مطر -منازل العنونة القصرية الجلنار ومساء الجنة لنجوم الغانم -مس من املاء وعزلة كثرية هي العناوين التي تتشكل من جملة واحدة ،لكنها الرمان لحمدة خميس -جنة الجرناالت و خطوة فوق األرض issue (4)- September - 2012
127
لنجوم الغانم -كله أزرق لخالد الراشد -أوراق املاء ملنى وقصائد حب لظبية خميس» ولعل املالحظة األوىل التي ميكن أن نسجلها من خالل قراءة تلك العناوين أن غالبية مطر -صحراء يف السالل إلبراهيم معال -خطوة فوق تلك األسامء ،تأيت مع َّرفة باإلضافة أوالً ،أو هي تبدأ باسم األرض وجنة الجرناالت لظبية خميس -املرايا ليست هي لصالحة غابش» .وهناك العنونة التي تحمل داللة زمنية نكرة ،يف حني يغيب االسم املع َّرف بأل التعريف عنها، أو تحيل عىل معنى زمني أو داللة زمكانية «املناخات أوىل إضافة إىل استخدام ضمري املتكلم املفرد أو املخاطب أو إلبراهيم الهاشمي -مساء الجنة لنجوم الغانم -نحو األبد ضمري الغائب. ً وتأيت العناوين التي تتألف من جملة فعلية تاليا «ليجف لظبية خميس» .كذلك هناك العنونة التي تتألف من اسم ريق البحر لثاين سويدي -يحدث هذا فقط ألحمد العسم -إشارة أو ضمري«هذا أنا لكريم معتوق -أنت وحدك وهاء حدث يف اسطنبول لكريم معتوق -تركت نظريت يف البرئ الغائب لخلود املعال». إن ما مييز اسرتاتيجيات بناء العنونة الشعرية عىل إبراهيم املال» بينام تكون العنونة التي تتألف من شبه جملة محدودة جداً عىل غرار العنونة السابقة «نحو األبد املستوى التكويني للغة هو طبيعتها االستعارية واملجازية لظبية خميس -رمبا هنا لخلود املعال -بانتظار الشمس بشكل يتناسب مع جنس الكتابة التي تتوجها وتتعالق لصالحة غابش» .وتكشف القراءة معها ،بحيث تنحو تلك العنونة ً األولية السرتاتيجيات بناء العنونة بعيدا عن اللغة التقريرية للعناوين تتوزع العناوين من التي تحملها األعامل النرثية غالباً. عىل املستوى الداليل أنها تحيل حيث بنيتها النحوية وتتجىل السمة الثانية لتلك العنونة عىل دالالت مختلفة ،ترتبط ارتباطاً وثيقاً ،كام هو الحال عىل يف الحذف الذي يولد فجوة ينتج على نوعين من مستوى بنيتها النحوية واللغوية عنها غموضا يف بنية العنوان .ومن العنونة ،تتصدرهما بالعنونة الداخلية أو الفرعية، تلك العناوين «أوراق املاء ملنى االسمية العنونة مس من املاء وعزلة الرمان فهناك أوالً العناوين التي تحمل مطرّ - لحمدة خميس -شمس شفتيك داللة مكانية أو هي تحيل عىل معنى مكاين «منازل الجلنار لحارب الظاهري -شدو الزمن 128
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
العنوان والنص في الشعر اإلماراتي
لسلطان خليفة -منازل الجلنار ومساء الجنة لنجوم الغانم -وردة الكهولة لحبيب الصايغ -صحراء يف السالل وتركت نظريت يف البرئ إلبراهيم املال».
العنونة الطويلة
يتميز هذا النوع من العنونة بأنه ذو بنية لغوية تتسم بطولها النسبي ،عىل خالف العناوين السابقة التي تتميز بتكثيفها واقتصادها اللغوي الشديد ،ما يتعارض مع بنية اللغة الشعرية التي تتميز عادة بالتكثيف الشديد والبنية االستعارية .إن اعتامد اسرتاتيجية العنونة يف األعامل الشعرية عىل العنونة الطويلة يعكس الرغبة يف القول وإجامل املدارات الداللية التي تدور حولها نصوص العمل، أو الرغبة يف خلق بنية موازية لبنية العمل الشعري، حيث تتباين بنية تلك العناوين سواء من حيث البنية الداللية أو البنية النحوية ،فهناك عناوين تتألف من جملة فعلية أو جملة اسمية أو شبه جملة ،وقد يكون بعضها ذا بنية استعارية أو تقريرية يف بعض األحيان ،أو تتضمن عنرص املفارقة بهدف خلق حالة من اإلدهاش واإلثارة عند املتلقي .ومن تلك العناوين عناوين ثالثة من أعامل الشاعرة ظبية خميس هي «أنا املرأة األرض كل الضلوع السلطان يرجم امرأة حبىل بالبحر -صبابات املرأةالعامنية» ،ففي العنوان األول تسعى الشاعرة للتأكيد عىل
العالقة الرمزية بني املرأة واألرض عىل مستوى اإلخصاب والوالدة ،وعىل أنها تشكل بداية الخلق يف محاولة الستعادة قيمة املرأة املغيبة ،يف حني يحمل العنوان الثاين داللة رمزية عىل الثورة املختزنة يف أعامق املرأة وعىل حالة الرثاء والخصب من خالل الرتاسل الداليل بينهام .كام تظهر تلك االسرتاتيجية يف عنونة بعض أعامل الشاعر حبيب الصايغ «هنا بار بني عبس ..الدعوة عامة -الترصيح األخري للناطق باسم نفسه – قصائد عىل بحر البحر -رسم بياين ألرساب الزرافات» وجميعها تتألف من جملة اسمية ،وتتسم بالحذف يف بنيتها اللغوية ،عىل الرغم من طولها النسبي. ومن العناوين الطويلة عنوان مجموعة مؤيد الشيباين املركب ،الذي يتألف يف جزئه األول من جملة اسمية خربية، ويف جزئه الثاين من صيغة استفهام «هذا هو الساحل.. أين البحر» ،وديوان نجوم الغانم الذي يحمل معنى النفي «ال وصف ملا أنا فيه» ،وديوان عارف الخاجة الذي يحمل اسم علم بصيغة تقريرية «عيل بن املسك يفاجئ قاتليه» وديوان «العزف عىل أوتار الجرح لشيخة الناخي» وعنوان مجموعة الشاعر أحمد راشد ثاين الذي يتميز ببنيته االستعارية «جلوس الصباح عىل البحر» وعنوان مجموعة خلود املعال الذي يحمل داللة مكانية وبنية مجازية «هنا ضاع مني الزمن» issue (4)- September - 2012
129
شعريات
هيوز ودرويش يدخالن حقل الدم بوردة أنثى لينا أبو بكر
من أين تأيت الغرابة؟ من اللذة! فهل ألذ عىل املرأة من أن يفوقها الرجل بالتعبري عن لغة أملها بإبداع يتجاوز كل االعتبارات الفسيولوجية ومكنونات البعد النفيس املرتبط بها ،خاصة عندما يكون النص اإلبداعي ،حامل الفكرة ،هو أبو األمل وليس ابنه مبا أنه ميثل القدرة االستثنائية التي تأخذك إىل كوائن ال ميكن لغري املرأة أن تكونها. كيف يستطيع الرجل أن يتقمص حالة األمومة بكل غرائزيتها ،يف نطاق إبداعي ال يكفي أن يكون فيه اإلحساس الواقعي فيه هو سبيله للتقمص؟ املخيلة ،أتون اإلحساس! متى ترجح كفة املخيلة يف معادلة املوازنة بني نصني : أحدهام ينتمي إىل واقع بحت قد ال تلعب فيه املخيلة دور الوسيط بني املبدع وتعبريه بقدر ما تلعب دور الدوزنة اإلبداعية التي قد ال تكون سوى كاملية من كامليات البنية الجاملية ال غري؟ رمبا كان لشاعرين أن يدخال حقل الدم ،واحد بوردة مخاض واآلخر ببكارة القمر .....يك يدرك األمل مدى حساسية الرجل اتجاه الجرح .. عندما تقارن نصني مثال المرأة ورجل يتفوق بهام إحساس الكاتب املنفلت من عقال املخيلة عىل إحساس الكاتبة الذي يصف واقعا فعليا من الغنى والدقة مبا ميكنه من شخذ النص التخييل عىل املستوى الوصفي والتعبريي ،وال يكفي لينقذ األمل من فخاخ إعجاز يتفوق عليه ويتجاوزه إىل أبعد حدود 130
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
التصور فهل حينها نتحيز لإلحساس املتخيل عىل حساب كل املشاعر الحقيقية التي قد ُتنىس وال يبقى منها سوى حالتها اإلبداعية وليست الواقعية؟ يا للرجل إذن! نصوص وأعامل إبداعية هي تلك التي تخرتق الحس الفلسفي البحت لتخرج من جسد الكاتب البيولوجي ورصاعاته النفسية التي هي نتاج طبيعته البيولوجية بالرضورة ،كلها أصبحت إعجازا إبداعيا قادرا عىل خلق كوائن لها مالمحها التي يخلقها الكاتب والنص والحكاية .. تيد هيوز استطاع يف قصيدته « أحمر» أن يتحدث عن إجهاض امرأة لطفل ميت واصفا إياه بحجر الدم ..من استطاع أن يثري ملحمة من املوت األزرق ومخاضا لحجر مذبوح راعف مثل هيوز؟ تتامزج الحواس يف قصيدة مسكونة بطقس الجنازات املوروثة واملوت الخالد ،رحم المرأة هي سيلفياس «هو علبة ملجوهرات مثينة هي املوىت :موىت العائلة !!! إنه الدم ..املحرك األول لطقس اللغة الحي الطازج ،الياقويت، هكذا تقفز اللغة من جرح القصيدة كدفقة دم قرمزي ونيئ تغطي أثاث املكان ومحيطة وما ينجو فقط هو رفوف الكتب التي غلفها البياض. شاعر البالط املليك ح ّول ميالد املوت يف القصيدة إىل جو جاميل يستحث الجرح عىل املزيد من أجل اإلتيان بكل هذا األمل الحافل بالجامل واإلبداع .أن تفقد األم جنينها يف القصيدة هو أن تقطر األم زهورا حمراء يف وسطها طائر صغري أزرق ...إنه روحها الطيبة وليس الغول ..ويف جب
هيوز ودرويش
كان يحتاج محمود درويش إىل التقاط سخونة الدم يف قطراته البكر يك يعرف ويدرك متاما بإحساس العذراء أن هذا هو الوجه اآلخر للبكاء ! وهو التباس تختلط فيه مشاعر العروس يف ليلة زفافها بشكل يثري االرتباك واللذة ...وماكان لغري درويش أن يكون امرأة القصيدة يك يهيئ للزفاف طقوس الدم القمري! حتى غربة الثوب – ثوب العروس -مبا يحيل عىل غربة الزفاف يف بلد الغرباء ...هي كلها مشاعر تخص النساء! ولكن انظر إىل هذا: الحمرة تختبئ األم من العظام البيضاء لكن جوهرتها التي فقدتها من علبة الجواهر تلك كانت زرقاء. هذا الدم الذي ال ميكن لغري امرأة أن تفرش به أرض األمل، استطاع رجل شاعر أن يقطف جرحه من مخمل الرخام األبيض ،وهو ما مل تستطعه زوجته الشاعرة املسكونة باملوت والجنون! ? Was it blood ? Was it red ochre for warming the dead Heamatiteto make immortal The precious heirloom bones, the family bones . :: In the pit of red You hid from the bone- clinic Whiteness But the iewel you lost was blue. هنالك دم آخر ال ميكن أن يكون لغري أنثى ،ولكن الشاعر الفلسطيني محمود درويش يف رسير الغريبة استطاع أيضا أن يرتدي جرحه يف ليلة زفاف ،من ديوان رسير الغريبة ،يقول درويش عىل لسان عذراء يف بلد الغرباء:
«خذين إىل آخر األرض /قبل طلوع الصباح عىل قمر /كان يبيك دما يف الرسير /وخذين برفق كام تأخذ النجمة الحاملني إليها سدى /وسدى»
فظيع هذا الدم املنبعث من جرح القصيدة ،فظيع هذا اإلحساس بذئب يتحول بعد إطالق الرصاصة األوىل عليه إىل قمر جريح يبيك دما وال ينزفه يف رسير الغريبة!
«سدى أتطلع خلف جبال مؤاب فال ريح ترجع ثوب العروس /هل هنالك حزن أشد التباسا عىل النفس من فرح البنت يف عرسها؟»
ما الذي كان يحتاجه هذا الشاعر املربك ،الحساس ، الشاعر املرأة ،يك يقطف زهرة القمر الحمراء من جرح الثوب األبيض؟ كان يحتاج فقط إىل لعنة تخص أولئك الذين ال يدّعون األنوثة – إبداعيا – بقدر ما يبدعونها من خالل كونهم يف قرارة إحساسهم نساء!
«ال أم تعجن شعري الطويل بحنائها األبدي /وال أخت تضفره /من انا خارج السور بني حقول حيادية وسامء أمي يف بلد الغرباء /وخذين رمادية ؟ /فلتكنْ أنت َ برفق إىل من أكون غدا»
أن يطالب شاعر رجل الرجل أن يكون اما المراته فهذا فقط ما يفوق الواقع نعم ولكنه أيضا يتفوق عىل املخيلة ذاتها فامذا بقي عىل املعجزة ؟! قدر اإلمكان حاولت أن تكون هذه املقالة طلقة هي حصيلة معركتي دم تخوضهام األنثى ،واألنثى فقط ،األوىل :معركة االنتقال من كوكب إىل آخر «برج العذراء إىل برج املرأة» واملعركة الثانية معركة املخاض .هام جرحان جوانيان ،كيف يستطيع رجالن ورجالن فقط أن يضمدا القصيدة مبا ينزف منهام من مخيلة؟ جرحان واحد لهيوز واآلخر لدرويش ،استطاعا بهام أن يرق ّيا الوجع بتعويذة اللغة ...شاعران رجالن دخال حقل الدم بورود أنثى ،و خرجا منه ساملني إال من جرح القصيدة ،فياه ما أروع الرجال ْ! issue (4)- September - 2012
131
تجارب
جان تَارْ ْديُو
الشاعر في أكثر من صورة يعتبر الشاعر الفرنسي جان تارديو Jean TARDIEUوهو من مواليد ،1903ألب رسام هو فكتور تارديو، وأم موسيقية ،هي كارولين ليجيني ،من كبار الشعراء الفرنسيين في القرن العشرين المنصرم .وقد غادرنا في 27كانون الثاني من سنة .1995وله مؤلفات كثيرة شعرية ومسرحية ونثرية َن ُ ذك ُر منها على سبيل المثال ال الحصر« ،النهر الخفي» ،و«قسم الظل» و«عودة بال نهاية» و«الشاهد الالمرئي». ّ
باريس -محمد المزديوي
الفرنيس ،وهو مغمور جان تارديو صوت متفرد يف الشعر ّ يف املكتبة الشعرية العربية .وعدا عن كونه شاعراً هاماً فهو صاحب آراء يف الكتابة والرتجمة« :إن َم ْييل للبحث الش ْعر َّية ظهر يف مراحل مختلفة ،وتحت َمظاهر يف ميدان ِ ُ مختلفة أيضاً .إحداها يتعلق بالباروديا وامل ْنت ََخ َبات .وهي ٌ تجربة تقرتب يف معظم األحيان من الكاريكاتري .وكانت ستكون عقيمة بسبب تذكريهاِ ،بطريقة ُمز ِع َجة ،باملناهج األكادميية من « ُن َسخ ا ُملع ِّلمني/األساتذة» ،التي كانت تستخدم ،يف السابق ،يف املدارس واأل ْوراش.لكن هذا املَ ْظ َه َر، رغم ذلك ،عرف لحظات َم ْج ٍد ،حتى يف األوقات الحديثة، ّ مختلف املامرسات اإلبداعية ما أن يستخدم َفن ٌَّان أو كا ِت ٌب َ الخ َّال َقة التي تدو ُر حول اإلشارة/التلميح من أجل غايات إبداع شخيص وقلب لغويّ .إنها ،مث ًال ،وكام نعرف ،حال ُة لحن بولشينيال Pulcinella سرتافنسيك Stravinskyوهو ُي ِّ عىل غرار برغوليزي ،Pergoleseوحالة بيكاسو يف مرحلته امليثولوجية ،وماكس إرنست Max Ernstيف «كوالجاته» «وبصفة عامة التكعيبيني والسورياليني» ،وبروست Proust وهو يكتب «حسب» بلزاك Balzacأو سان سيمون «تلميحات ومزج» .وهي حالة التامرين الشهرية يف أسلوب كينو .Queneauومن دون رغبة ،بالطبع ،يف مقارنة تجاريب مبوديالت من هذا العيار ،فقد حفظت الدرس .النصوص «املستوحا ُة من »...أو «عىل طريقة »...والتي حدث يل ْأن فعل ُتهَا ،ليست ،عىل أي حال ،كثري ٌة .وقد بدأت ،كام رأينا، من طفولتي ،من القصيدة التي ق ّلد ُْت فيها ،بسذاجة، 132
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
نصوص أخرى ،حديثة ال َع ْهد، «جنّ » Djinnsهوغو. ٌ ِ « ُمق َّن َعة» بطريقة أدخل فيها يف التقليد عراتـ«ي» tics الشخصية أو َمشا ِغليِ الخاصة .سلسلة أخرى من التجارب تتعلق ِب َفنِّ الرتجمة .و َق ْب َل الحرب الكونية الثانية ،بوقت طويلُ ،ش ِغ ْف ُت ِبهذا العمل الصعب وبالقضايا التي يطرحها ،وبصفة خاصة ،انطالقاً من الفرتة التي اهتز فيها كياين بسبب اكتشاف هولدرلني .Holderlinوعىل الرغم من أننا ،يف فرنسا ،عرفنا يف
جان تَار ْ ْديُو
البداية قصائد زمن الجنون االستثنائية «التي كشف عنها ُ انطلقت من برنارد غروتويزن» ،Bernard Groethuysen ترجمة «أرخبيل» ،وهي تذك ٌري بالعرص الذهبي للهيلينية، والتي ُك ِت َب ْت يف الفرتة التي كانت فيها هذه العبقري ُة ال َّربا َقة همة يف كامل ِق َواهَ ا العقلية .يف هذه الرتجمة ا ْن َك َب ْب ُت عىل ُم َّ «كانت ال تزال ُتع َتبرَ ُ يف تلك اللحظة محاولة عص ّية عىل اضع يف لغتنا ليس فقط لداللة التحقيق» تغيري وتبديل املَ َو ِ األبيات الشعرية ،ولكن ملوسيقاها -إيقاع ورنة الكلامت،- التي كنت ،دوماً ،أعترب أنها ُتش ِّكل ُجزءاً ال يتجزأ من هذه الداللة .ينبغي لهذا السبب «اخرتاع» َع ُروض «ميزان ِش ْعر»
قصائد بورتريه السيد السيد
لديَّ عينان موجودتان هنا الحاج َبي تحت تقويسة ِ أفتح ُهماَ َتن ُْظ َرانِ إيلّ حني ُ َّ شيَ ْ «س َوى َو ْج ِهي» ء ل تريان ُك ٍ ِ ما الذي ْأس َم ُعهُ ،هو ال َب ْح ُر أم الد ُّم يف أ ُذين؟ ُ ومن هُ و الذي يتحدّث عرب فمي؟ أ ْل ُف يشء موجودٌ يف العالَم مييش ويثري ضجيجاً أحدٌ ما مي ّر َو َس َطها شبح يف عز الظهرية مثل ٍ ً ً أسود ورقيقا وشفافا:إنه أنا ،السيد السيد.
فرانسوا فيون Villon
يف باريس ،بالقرب من بونتواز، «يف ألف وأربعامئة وواحد وثالثني» ُولِ َد ْف َرا ْن ْسوا ِفيون الذي كان شاعراً كبرياً ول ْكن طف ًال شق ّياً. َن َظ َم ،النِّصف يك َيضحك والنصف يك يبيك،
غري مألوفِ ،ش ْعراً فرنسياً ُيشكل ُمعا ِدالً صوتياً ،للبيت الشعري األملاين الذي يتألف من ستة أقدام «،»hexametre واملستوحى ،هو اآلخر ،من « »hexametreاإلغريقي .هكذا بيت شعري أطول من بحر alexandrinويتكون أص ُل إىل ٍ ِ ليس من عدد ثابت للمقاطع ولكن من ست «خاليا» إيقاعية ،وكل واحدة من هذه اإلجراءات تتضمن مقطعني قاطع وتنتهي بنرب صويت .كانت هذه هي الوسيلة أو ثالثة َم ِ الوحيدة «عىل األقل ،كام ُ كنت أتصور حينئذ» من أجل لنص هولدرلني ،الذي من خالل استدعائه جعل إعادة الدفق ّ للاميض الهيلينيَ ،ي ْح ِملنا مثل هيجان بحري.».
ِش ْعراً َو ِص َّي َتينْ ِ ، الصغرى والكربى. هذا املسكني، هذا السيد املسكني مات يف سن الثالثة والثالثني. يا تال ِمذة الكانتونات، ال ُتق ِّلدُ وا حيا َت ُه َق ِّلدُ وا ع ْب َقر َّي َت ُه وكونوا أطفاالً َج ِّي ِدينَ .
إيفل
َمآ ِث ُر ُه التي تصعد حتى السامء ٌ رشيقة مثل ثياب داخلية ُمخ َّر َمة ِمنْ ِخاللِ ُب ْرج إيفل منذ أكرث من مائة سنة ُي َرى مرور سنونوات. آه! آه! آه! حقيق ًة السيد إيفل ٌ طفل ج ِّيدٌ .
شيفرة سرِ َّي ٌة
ُق ّب ٌ عة ،إنها أختي. قلم ،إ َّن ُه َما ُء ال َب ْح ِر. ٌ فأر ٌة ،هي الحيا ُة. ُث ْع َبا َنان ،هُ َو ال َّر ِب ُيع.
وهذا َين َْط ِبقُ عىل ُك ِّل يشء. كلام َس َّل ْم ُت أرساري أليٍّ َك َان! ليس األم ُر غبا ًء.
ا ُملتج ِّو ُل
أذهب وأعُ و ُد يف رأيس ُ ال أتوقف عن امليش َحتَّى وأَ َنا َنا ِئ ٌم أ َتج َّول أص َعدُ آالف األدراج ْ ُ َّ السني ِ أصل إىل ِضف ِة ِّ ُ ُ َ َ اس كثريون ن أ ع جم ت حيث َ َّ ٌ ولكنَّ ال َّز َمنَ هُ ْو ما كانوا يرون ا ْن ِسيا َب ُه والد ُّم فيِ عُ ُرو ِق ِه ْم.
عُ صفو ٌر َبعيدٌ ِمنّي
عُ ص ُفو ٌر َبعيدٌ ِمنِّي زهر ٌة تحت الثلج َم ْن ِز ٌل َي ُ حرتق سوادٌ ميوت من العطش ٌ بياض ميوت من الجوع ٌ الصحراء يح يف َ طفل ينادي ال ِّر ُ املدين ُة َمهجو َر ٌة الن َّْج َم ُة ُمتف ِّر َد ٌة أتجاهَ َل ِك هُ نَا ما يكفي كثرياً يك َ الصحو ُة ِمن صيفي أ َّيتُها األيا ُم َّ issue (4)- September - 2012
133
قصيد األسالف
الحالج في تعدد القراءات
الوجه الشعري خالد بلقاسم
َ الحسني بنُ منصور الحالج: قال ُ طل َع ْ ـــس َمـــــنْ ِأح ُّب بل ْيلٍ ـــت ش ْم ُ َّإن َشـــــ ْم َس النّهـــــار َتغ ُر ُب بالل ْيـ
134
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
غــــروب فاســــتَنا َر ْت فماَ لَهَــــا ِمــــنْ ْ ْ تغيب ــــــس القلــــوب ل ْي َس لِ َ ،و َش ْم ْ ُ
الحالج في تعدد القراءات
ِمثل
ظم الصوفيةَ ،ت َو َّس َل الحالج ّ بالش ْعر املَ ْوزون ُم ْع ِ للمطلق ،ويف وغيرْ املَ ْوزون يف َص ْو ِغ ُرؤي ِت ِه ُ ال َب ْوح بأسرْ ار املن َْطق ِة التي َبلغها وهو ُيكابدُ ُ للخ ُروج ِمن اإللهي شاهد ٍة عىل عالق ٍة إشكالي ٍة بينْ إ ّني ِته ،يف َت ْجرب ٍة ِ ّ للحدو ِد واإل ْنسيِّ .عالقة ْمل َي ْست َِسغها َز َم ُنهُ ،أل ّنها ْمل َتن َْضبط ُ اصفات العا ّمة ،و ْمل َتكترَ ث لِلف ْهم السا ِئد وال لِ َخطر هذا وا ُمل َو َ ال َب ْوح ،بل َش ّك َل هذا الخط ُر ُجزءاً منهاْ ،إن ْمل َيكنْ َّأسها .ويف التجر َبة ،باللغة التي اختا َر ْت ،طابعاً َض ْو ِء ذلك ك ِّلهَ ،بن َِت ْ الف إشكال ّياً لِشخصي ِة الحالج ،عىل َن ْحو ما هو َبينِّ ٌ ِمنَ االخ ِت ِ التجر َبة لدَى دارسيها قدمياً وحديثاً ،وعىل الذي أثا َر ْت ُه ه ِذ ِه ْ َن ْحو ما هو بينِّ ٌ ،أيضاًِ ،منَ النِّهاية التي ْ آلت إليها. التجربة، َول َع َّل هذا الطا َب َع اإلشكا َّيل هو أحدُ عناصرِ ق َّو ِة ْ الذي يتعينَّ ُ اس ِتحضا ُره يف االقترِ اب ِمنهاَ ،بعيداً عَنْ ِّ كل ُ يتوج ُه التجربة َم ْسعى إىل َرف ِع ِهِ .عندَما َّ التأويل إىل ه ِذهِ ْ بغاي ِة َت ْصني ِفها ،أو َر ِّد الحالج إىل طائف ٍة ُمع َّينة ،أو ف ْه ِم ِه ُ َوفقَ ُم َ الطابع اإلشكايل التأويل ات ق ْبل ّيةَ ،ي ْنسىَ هذا واض َع ٍ َ ً ُّ لِشخصي ِة الحالج ،و َيظلَ ،وفقَ هذا النسيان ،شبيهاِ ،منْ قهي الذي الس ّ ح ْيث اآللية ا ُمل َو ِّجهَة له ،بالتواطؤ ِّ يايس وال ِف ّ ات للتخ ّلص ِمنْ ّ كل ما هو َن َس َجَ ،خ ْوفاً ِمنَ املَ ْعنىُ ،م ِّربر ٍ تسويغ ِنهاي ٍة َت ْس َت ِندُ إشكا ّيل .هو ذا َب ْع ٌض ِم اّم هو ُم ْض َم ٌر يف ْ اختالف ُمقلقِ .نهاية مأوساو َّية إىل القتْل لِ َتدْبري العالق ِة َم َع ٍ َن َس َجت ْأسطو َر َتها يف ما َب ْعد ،وأصبحت َم ْو ِقعاً َم ْركز ّياً يف نجز ِة عن الحالج. عظم القر ِ اءات ا ُمل َ ُم ِ َّ ليات و ُمسبقات، ثم ،فإن اإلصرْ ا َر عىل ف ْه ٍم يس َت ِندُ إىل ق ْب ٍ و ِمنْ ّ َ كيفام َ االطمئنان إىل َم ْعنى جعها ،أو ف ْه ٍم َي ْبتَغي كان َم ْر ُ ٌ إشكال للتجر َبة واخ ِتزاالً لها ،فيام هي قا ٍّر ،ل ْي َس إ ّال َت ْضييقاً ْ مفتوح .فت َْجر َبة هذا الصويف ِمنَ التجارب التي ُتع ِّل ُمنا إعا َد َة َوات التي بها َن ْبني الف ْهم ،و ُت َن ِّبهُنا إىل َّأن الحالج الن ََّظر يف األد ِ خاصة يف الف ْهم والتأويل. أ ْرسىَ ِ ،منْ بينْ ما أ ْر َساهُ ،طريقة َّ صوص الحالج، صاح َبة ،التي َتدْعو إليها ُن ُ لذلك تتط ّل ُب ا ُمل َ َت َ األحكام ب َو ْج ٍه عا ّم، كم التناقض والتخليِّ عَن ْ عطيل ُح ِ ثم ِ انسجاماً مع ال ُب ْع ِد اإلشكا ّيل الباين لِ َعوالِ ِم ه ِذ ِه التجربةّ . ُ الته ُّيؤَ ،ب ْعد ذلك ،للتجا ُوب َم َع لغ ٍة ال َي ْن َف ِصل ُغ ُم ُ وضها عَنْ
تجر َبة الحالج وهي َتنْفذ، ُغ ُموض ِ املناطق التي َت َو ّغلت فيها ْ اإللهي صاحبها ،إىل أسرْ ار العالقة بينْ بطريق ٍة َت ْح ِم ُل َد ْم َغة ِ ّ واإل ْنسيِّ َ .ت َه ُّيؤ ُي َعدُّ ِمنْ ُأسس التأويل ،لذلك قال الحالج: « َمنْ ْمل َيقف عىل إشارا ِتنا ْمل ُت ْر ِشدْهُ ِعبارا ُتنا». ال َو ْج ُه ِّ الش ْعريّ له ِذ ِه الشخصية ،الذي َن ُخ ُّص ُه بالتأ ُّمل، َي ْح َت ِم ُل عىل ّ نفصلتينْ عىل األقل قرا َءتينْ ِ ،منْ غيرْ ْأن َتكونا ُم ِ للحمولة الصوفية لِقصائ ِد الحالج نص ُت َ َن ْحو تا ّم .األوىل ُت ِ ذات َّ الش ْكل النرثيّ ،و َتن ُفذ لِ ُمت ََخ َّي ِلهام الخصيب، ولِ َشذ َرا ِت ِه ِ بغاي ِة اس ِت ْجال ِء ما ْاس َت ْن َب َت ُه هذا ا ُملت ََخ َّيل يف إث َرا ِء العالق ِة بينْ اإللهي واإل ْنسيِّ .هذه ال ِقراءة هي ،إجامالً ،القراءة الداخل َّية، ّ فسها لِه ِذ ِه القصا ِئد أي تلك التي أ ْر َستْها الشرُّ ُ وح الصوفية َن ُ بوج ٍه عا ّم ،ب ْع َد ْأن أهْ َمل ْت ُه ِّ ِّ الش ْعر َّية القد َمية. وللش ْعر ُّ الصويف ْ أ ّما القرا َء ُة الثانية ،فتح ِف ُر يف ْاح ِتامل القصائد املفتوح، االح ِت َ امل لِشقِّ َمسالِ َك ال تتق َّيدُ بالسياق مبا ُي َه ِّيئُ هذا ْ رص ه ِذ ِه القرا َءة عىل ْأن ُّ تخط الصويف .ويف َض ْو ِء ذلكَ ،ت ْح ُ رجها وجهَة ْأخرى ُت ْخ ُ لِ ُمتخ َّيلِ القصائ ِد ْ ً فتح لها أفقا َ آخر. ِمنْ سياقها و َت ُ وهيَ ،وفقَ هذا املَ ْس َعىُ ،تعيدُ عكس َّي ٍة إ ْنجا َز ما قا َم ُ بصو َر ٍة ِ ب ِه الصوفية يف تأويلهم ِّ للش ْعر الصويف. غيرْ ُّ جاحة ال ِق َرا َء َتينْ َر َ ُت ِّ عضدُ ها َ صيصة الالنهائية الخ َ للتَّأويل وقابل َّية اللغة ِّ الش ْعر ّية للتفاعُ ل َم َع َت َجدُّ ِد األ ْز ِمنة املَ ْعرفية، القص ِد َّي ِة الض ِّيق، َب ِعيداً عَنْ وَهْ ِم ْ الذي َ ُّصوص ال َتنطوي كش َف َّأن الن َ عىل َم ْعنى يمَ ْت ِلك ُه ُمن ِت ُجوها. ْ كش ٌف َت َر َّسخ َم َع ُه ا ْم ِتناعُ َحصرْ العثور عىل هذا َمه ََّم ِة القارئ يف ُ املَ ْعنَى املَزْعُ ومَ .مه ََّمة القارئ ثم َّإن أ ْبعدُ ِمنْ هذا ال َوهْ مّ . issue (4)- September - 2012
135
قصيد األسالف
املَ ْعنى ل ْي َس ُم ْعطى ق ْبلياً كا ِمناً يف الن ُُّصوصْ ، بل هو َحصيلة تفاعُ لٍ ُم َع َّق ٍد بينْ َ ه ِذ ِه النصوص وقار ِئها. أس القرا َء ِة الثانية هو ،كام سبقَ ْأن أملَ ْحنا ،عَينْ ُ ما قا َم ول َع َّل َّ عكوسة ملَّا عادُوا إىل ِّ الش ْعر الجاهيل أو ب ِه الصوفية ُ بصو َر ٍة َم َ ِّ ْحى أعا َد َت ْوجي َه الش ْعر الذي تاله ،إذ َن َح ْوا يف تأوي ِلهم ل ُه َمن ً وجهَة والسكر َّ والص ْحو وغريها ِمنَ املعاين ْ معاين ال ِعشق ُّ ُ ثم َز َّودُوا َن ْه َر التأويل ُتس ِّي ُجها عالقة الصويف باملطلق .ومن ّ العبور بقصا ِئ ِد ِّ الش ْعر الجاهيل بدف َع ٍة جديدة ،قا َم ْت عىل ُ أفق صويف .فتل َّو َنت معاين هذا ّ الش ْعر وغيرْ الجاهيل ْ نح َو ٍ با ُمل ْمكن التأوي ّ العبور. يل الخصيب لِهذا ُ ات الحالج، ق ْبل إنجاز ال َع َمل َّي ِة ذا ِتها ،عىل َن ْح ٍو عَكيس ،مع أ ْب َي ِ الصويف مبعاين ِّ ُنش ُري إىل َمال ِم ِح ُ العبور ُّ الش ْعر الجاهيل وغيرْ أفق ا ُملطلق .ويمُ كنُ َحصرْ َب ْعض ه ِذ ِه املالمح الجاهيل إىل ِ يف اآليت: اّ ْماج الصوفية لهذا ِّ الش ْعر ِض ْمنَ سياقٍ جديدِ ،مم ه َّيأ إد ُل ُه حيا ًة أخرى ،وذلك عبرْ َ َت ْحميلِ َد َو ِّال القصا ِئ ِد َحمولة َ التأويل الصويف .وق ْد ُمس َت َم َّدة ِمنَ القضايا التي َشغلت َم ّكنَ الصوفية ِّ الش ْع َر ،بهذا اإلدْماجِ ،منْ ُسلط ِة بنا ِء الصرُّ وح أبيات ِش ْعر َّي ٍة لِبنا ِء َم َ عارف النظر َّية ،إذ ْمل َيترَ َ َّددُوا يف ْاس ِتدْعا ِء ٍ ُمع ّق َد ٍة و ُمتش ِّعبةْ .مل َتكن املعرفة ِّ الش ْعر َّية ،عندهُ مَ ،ت ِق ُّل عارف األخرى ،لذلك ا ْر َتكزوا عل ْيها يف إ ْر َسا ِء شأناً عَن املَ ِ ات الوجو ِد َّية واملَ ْعر ِف َّيةَ . االس ِتشها ُد بالق ْول الت ََّصور ِ فكان ْ ِّ ات الخطاب نجز ِ أهم ُم َ الش ْعريِّ ِ ،ض ْمنَ هذا اإل ْرساءِ ،منْ ِّ الصويف. توس ُل الصوفية بهذا ِّ الش ْعر يف إضاء ِة القصا ِئ ِد الصوفية. ُّالش ْعر ِّ صحيح ّأن إضا َء َة ِّ بالش ْعر إجرا ٌء َت َو َّس َل ب ِه النقا ُد أنجزُو ُه واللغويون يف شرَ ْ ِح الدواوين قدمياً ،إ ّال ّأن الصوفية َ تاح ْمل َي َت َه َّيأ يف تعا ُمل ِّ صوصهم. الش ْعر َّي ِة القد َمي ِة مع ُن ِ بان ِف ٍ ْ ذلك َّأن الصوفية مل ُيذ ِعنوا أليِّ ما ِن ٍع وهُ ْم َي ْع َت ِمدون قصا ِئ َد الغزَل ،أو قصا ِئ َد أيب نواس ،عىل سبيل التمثيل ،لِتأويلِ العالق ِة مع املطلق. إعاد ُة كتاب ِة هذا ِّانطالقاً ِمن امرسة الن َِّّص َّيةِ ، الش ْعر يف ا ُمل َ الصوفية له و َت ْحوي ِل ِه وق ْل ِب ْاس ِتعارا ِته، ا ْم ِتصاص الن ُُّصوص ُّ 136
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
موالت َجديدَة .وهو بح ٍ فص ِل ِه عن سيا ِق ِه األ ّول و َتغ ِذي ِت ِه َ عبرْ َ ْ أساسها ما َج َع َل التغذية التي ته َّيأت إلعا َد ِة الكتابة ُمتبادَلة؛ ُ ُ التأويل القائم عىل التفاعُ ل. ق ْل ُب املَن َْحى الذي ّ انفتاح ِّ خط ُه الصوفية ،أي ُ الش ْعر غيرْ
واس ِتثام ُرهُ يف املامرسة النصية ،لنْ الصويف عىل خطابهم ْ َيت ََحقق إ ّال يف ال َّز َمن الحديث ،وال سيام َم َع َب ْعض ُّ الشعراء االس ِتثامر َ كان ِّ الش ْع ُر ا ُملعارص ُين ِّبهُِ ،منْ ا ُملعارصين .بهذا ْ الخطاب الصويف َي ْن َبغيَ ،وفقَ رشي َع ِة الخاص ،عىل ّأن َم ْو ِقع ِه َ ّ ْ ُ التأويل ،أ ّال َّ يظل ِحكراً عىل القرا َء ِة الداخل َّية املو َمإ إليها سابقاً. يف َض ْو ِء هذا ا ُمل َ نط َلق التأوي ّ يل ،يمُ ْ ِكنُ ْاج ِتذاب الخطاب الصويف َن ْح َو النهائي ِة املَ ْعنَى التي َش ِغ َف بها العارفون، لِ َعد ِِّهم املَ ْعنى طريقاً ال َين ّ ْفك ُيولِّدُ َحيرْ َ ًة ال َت ْخبو .ذلك ما أملَ َح إليه فريد الدين العطار يف كتاب «تذكرة األولياء» ،ملَّا َ التعريف بالحالج قائ ًال« :كان ِمث ًال ُمضطرباً هامئاً يف افتتح َ زمانه» ،وأدرج ك ُت َبه التي وسمها بالغموض «يف الحقائق واألسرْ ار ومعاين املح َّبة الكاملة» .فاملَ ْعنى الصويف َم ْج َرى تاج إىل تأويلٍ ِمنْ َم َجاري َن ْهر املَ ْعنى الكبري .وهو َم ْج َرى َي ْح ُ ديث لِ ُم َو َاج َه ِة ل ْيلٍ َيت ََصدَّى لِ ِّ كل َض ْوء ،و َي ْجهَدُ يف ْ إض َعا ِفه. َح ٍ هكذا َيغدو ُم ْستساغاً ْأن ُنن ِْص َت َّ للش ْم ِس ا ُمل ِش َّعة يف َب ْيت َْي االح ِتامل الدِّال ّيل. الحالج بفت ِْحها عىل َت َعدُّ ِد ْ لِ َن ْنتَبه ،يف ال َبدْء ،إىل أ ّنها َش ْم ُس َم َح َّبة .وهي َم َح َّبة صرِ ْف. َم َح َّبة خالِ َصة لِذا ِتهاُ ،م َح َّر َر ٌة ِمنَ النَّف ِع ِّي .فا ُملتت ِّب ُع لِديوان وص ِه النرث َّية َيت ّ َكش ُف ل ُه َّأن الحالج ولِماَ َو َص َل ِمنْ ُن ُص ِ عالقة الحالج مبَ ْح ُبوب ِه ْمل تتق َّي ْد مبَنْف َعة .لذلك ْمل َي ْس َتترِ ْ َع ْن ُه
ِّ ء َة ِّ إجراء بالش ْعر الش ْعر ّ إن إضا َ ٌ س َ به النقا ُد واللغويون ت َ َو َّ ل ِ جزُو ُه أن الصوفية أن َ قديم ًا ،إال ّ ّ تاح ِ بانف ٍ
الحالج في تعدد القراءات
نفسه .وهذا الظهو ُر الدا ِئ ُم املَ ْح ُب ُ وب إطالقاً ،كام ُي ِّ رص ُح هو ُ ٌّ شاقَّ ، ْفص ُل عَنْ َبذل ا ُمل ِح ّب ألن ما َي َه ُب ُه ِمنْ َم ْعنَى ال َين ِ وعَطا ِئه ،وعن ُمكا َبدا ِته أيضاًِ .منْ هنا ذك َر أحمد بن القاسم صيح يف بغداد« :أغيثونيِ .فل ْي َس َيترْ ُكني أ ّنه َس ِم َع الحالج َي ُ و َن ْفيس فآ َن ُس بها ،ول ْي َس ُ رتيح منها، فأس ُ يأخذين ِمن نفيس ْ وهذا د ٌ َالل ال أطيقه» .لِهذا الظهور أهْ ُل ُه الذين َنذ ُروا خرتق ،عندَهُ مَّ ، َح َيا َتهُم له .ظهُو ٌر َي ُ كل ل ْيل ،أل َّن ُه مص ٌري ،ب ِه َتت ََح َّد ُد هُ و َّية ا ُمل ِح ّب .وق ْد َتن َّب َه الحالج ،كام تن َّب َه الصوفية َّفعي فيها ل ْي َس إ ّال الذين َت َو َّغلوا بعيداً يف املَ َح َّبةَّ ،أن الن َّ حجاباً لل َم َح َّب ِة ذا ِتها ،بل إ ّنها ال َت ْح َت ِمل ُه يف َح ِقيق ِتها. َ النَّف ِع ُّي ال َيدُ و ُم، ناهيك عن أ ّنه ال َي ْس َم ُح باإلشرْ َاق .فهو، يف ذا ِت ِه ،ظلمة .ظلمة النّف ِع ّي ال يمُ ْ ِكنُ أن ُتولِّ َد املَ َح َّبة التي ِه َي َوقو ُد تلك َّ الش ْمس التي ال تغيب ،أو بتعبري ابن عجيبة ال ت ْع ُ َ ئيس رف الكسوف والغروب .اِك ِت ُ َّفعي س َب ٌب َر ٌ ساح الن ِّ الصويف، لِرت ُاجع َم ْعنى ال َبذل الذي ال َم َح َّبة بدو ِنه. ُ والخطاب ُّ الذي يخت ِل ُف عن خطاب الزُّهْ دَ ،ينْطويِ ،منَ املكان الذي اختا َرهُ للتأ ّمل ،عىل َنق ٍد َع َم ٍّ تاج وح ُجبه .نقدٌ َي ْح ُ يل لل ّن ْف ِع ِّي ُ ني فِكريٍّ ِمنْ مكانٍ غيرْ الذي اختا َر ُه الصوفية، إىل َت ْحي ٍ ُ وتفكيك َّفعي للحيا ِة الحديثة، ساح الن ِّ لِ َيت ََسنَّى َر ْصدُ اك ِت ِ جوه ِه التي ال ُّ تكف عَنْ إبدَالِ َمال ِم ِحها. تناسلِ ُو ِ ُ اخ ِتال ِف ِهام .فك ّلام تخ ّل َص الشاع ُر ِمنْ ُح ُجب النّفعيَ ،ت َسنَّى الش ْم ُس َم َح َّبة َبذلٍ َ .م َح َّبة ال لِشيَ ْ ء .إ ّنها ،يف ذا ِتهاَ ،م ْعنى َبعيدٌ َ .م ْعنى ُي َج ِّسدُ ُم َس ِّو َغ الحيا ِة بالن ّْسبة إىل َمنْ ْاست ََجا ُبوا له ْأن َي َّ ظل َو ِفياً لِ ِتلك َّ الش ْمس ا ُملرشقة َد ْوماً ،و َت َسنّى ل ُه ْأن الصويفْ ، وإن َي ْع ُرث عليها يف طري ِق ِه التي َتخت ِلف عن لِ ِندَا ِء َ الطريق ُّ الخ ِف ّي ،وجا ِذب َّي ِة األسرْ ار ،ب َو ْص ِف هذا النّداء هو ما ِ َ تقاط َعتا. َي ْحمي ِمنْ ِن ْسيان ال ُوجود .أولئك الذين اختاروا اخترِ ََاق ْأس ِند َِت ّ مظاه ُرها و َتتَع َّد ُد أسام ُؤهاْ ،يك ُّ مس يف َب ْيت َْي الحالج إىل املَ ْح ُبوب ط ْوراً وإىل الش ُ تظل ُ الح ُجب التي تتل َّو ُن ِ ً ُّ شمس املَ ْعنىُ ،م ِش َّعة يف القلب .إشعاعُ القلب هو القلب ط ْورا َ َّ اإلسنا ِد الثاينَ ،ت َرا َءى ِظل تقابُلٍ آخر .ويف ْ الش ْم ُس؛ ُ ُّ ً صا ِمت ،مبا َي ْس َم ُح ب َع ِّد َّ الش ْمس ،يف الب ْيتُ ،مقابال للظلمة. ما َر َّس َخ ُه ابنُ عجيبة للبيت ِّ استحضرَ َ هُ الش ْعريِّ الثاين ملَّا ْ حجاب كثيف ،ما ِن ٌع من ال ُّرؤية. إ ّنها ظلمة القلب .وهي ٌ لِشرَ ْ ح ق ْول ابن عطاء الله السكندري « :أ َف ْ لت أنوا ُر ُ طيح ،والتفك ُري الحقدُ ، سيج هذا والتس ُ َن ُ الحجاب ِ الظواهر ،و ْمل تأ ُفل أنوا ُر القلوب والسرَّ َائر» .فقد اعت َم َد والتهافتْ ، ِ واس ِتطا َبة َ القلب ما َت ِت َ أظلم ُ الخلل .ومتى َ بانقطاع مبنطق ال ِّر ْبحْ ، ينقط ُع الحسيّ ِّ الذي ِ الس ِت ْجال ِء ال َف ْرق بينْ َ النُّور ِ البيت ْ ِ الحواس ،لذلك َ اس إىل كان الفتاً ْأن ُي ْس ِن َد الصوفية َ الح َو َّ ّ أص ِله ،والنُّور املَ ْعنويِّ ،أي نور القلوب الذي ال َينْقطع. ْ َ فداحة َم ْو ِت القلب .من هنا انقطاع، بال ِّدوا، د ر ي وأن القلب، َ يتقاطع الصويف مع الشاعر ،وإن يف هذا النُّور امل ْعنَويّ ، َُ ُ َ ّ شم ُس َم َح َّب ٍة تنهَضُ ْاحتَفظ ٌّ يتبدَّى ما تتطل ُبه ش ْم ُس امل ْعنى ،مبا هي ْ كل ِمنهُام لِنور ِه بهُو ّي ٍة ُمخت ِلفةَ .يلتقيان ِمنْ داخل issue (4)- September - 2012
137
قصيد األسالف
تاج إىل نحة ِم ْحن ٍة .وهذا موضوعٌ فسيح َي ْح ُ العاشقنيِ ،م َ ٌ قرا َء ٍة ُمس َت ِق ّلة. يس العا ّم ،أل ّنها هي َش ْم ُس املَ ْعنى ال تتق َّيدُ بال َّز َمن القيا ِّ نفسها ال َّز َمن .هي ما ُي َح ِّد ُدهَُ .م َددُهَ ا حقيق ُتهُ .نو ُرها ُ وه َبتُه؛ سخا ٌء يف املح ّبة ولها ،ال َي َ خض ُع ن م ز ال ء سخا هو ُ َّ َ ِ فع لِ ِّ ُختلف مظاهرها .هذا املَ َد ُد ا ُمل ُ للم َو َ كل اض َعات مب ِ رشق َر ٌ ُ ُ ُ ِّ الح ُج ِب ،ولِكل ما ُت َر ِّس ُخ ُه العادة ،التي ُت ْب ِعدُ ه عَن ال ُو ُجود ُ و ُتك ِّر ُس ِن ْسيا َنه. املنصوص عليها يف َب ْيت َْي الحالج ا ْم ِتداداً الشم ُس ُ لق ْد َش ِهدت ْ بأحوالِ ا ُملؤ ِّول وباملسألة يف التأويل الصويف ِ نفسه ،وتل َّو َنت ْ التي ُيقار ُبها .وعا َود َْت ه ِذهِ َّ أبيات الش ْم ُس الظهو َر يف ٍ بيت َيترَ َ َّد ُد عند الصوفية، ِش ْعر َّي ٍة أخرى ،بل إ ّنها َو َردَت يف ٍ جاء فيه: لوح ق َب ُس النُّور ،لكنْ عىل ُمراقب ٍة دامئ ٍة لِ ُح ُجب الذات .فق ْد َي ُ ْأن َيتَح ّو َل إىل ش ْم ٍس ال تغيب ،فذاك أ ْم ٌر يقتيض ْأن تتح َّول خارج املَ َح َّبة ،مبا هي َبذل ،إىل ُم َس ِّوغ ال ُوجود ،إىل مصري ال َ له ،وال َ فكاك ِمنْه. مقام عالٍ .تتق َّد ُم ُه ُب ٌ روق َت ْظ َه ُر َش ْم ُس الحالج ،بهذا املعنىٌ ، غيب ق ْبل ْأن َتتَح َّو َل َش ْمساًِ .منْ هنا َم َّي َز الصوفيةَ ،وفق و َت ُ َم ْبدَإ ال َّت َد ُّرج القا ِئ ِم عىل ا ُملكا َبدَة ،بينْ َ ال َّل َوا ِئح َّ والط َوالِع وائحُ ، يقول عبد الكريم القشيرْ ي ،كالبرُ وق «ما وال َّل َوا ِمع .فال َّل ُ ظ َه َرت حتّى ْاس َتترَ َت»ّ ، والط َوالِ ُع أظ َه ُر منها « ول ْي َس زوا ُلها ب ِت َ لك السرُّ عة» .أ ّما ال َّل َوا ِم ُع فأ ْبقى « َوقتاً ،وأق َوى ُسلطاناً، وأ ْد َو ُم َم ْكثاً ،وأذهَ ُب للظلمة» ،لكنّها « َم ْوقوفة عىل َخ َطر ثم األفول ،ل ْي َست ب َرفي َع ِة األ ْوج وال بدائمِ َ ِة املَكث» .و ِمنْ ّ كانت الش ْم ُس التي ال َتغيب تمَ ْكيناً ،عند الصوفية ،ال َتلويناً. إ َّنها ،بالن ِّْس َب ِة إليهم ،وُجودٌ َجا َز منطقة ال َو ْجد. ال حيا َة لِ َمنْ َح َّص َل ه ِذ ِه الش ْمس إ ّال بدَوام إرشا ِقها ،من غيرْ ْأن َ يكون هذا اإلشرْ اق لذ ًة خالِصةَّ .إن لهذا اإلشرْ اق ُح ْرق َتهُ. أساس ِه ،لذاذ ُة هو لذ ٌة بألَ ٍم أو يف ألَ ٍم .ذلك َّأن ُ الح َّب ،يف ِ َذاب ،أو ب َت ْعبري ابن الفارض ،ا ُمللقب بسلطان ألَ ٍم ،وعُ ذو َبة ع ٍ 138
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
الش ْم ُس إ ّال ّأن َّ ِه َي َّ للش ْم ِس َغ ْي َب ًة وهذا الذي َن ْعنيه ل ْي َس ي ِغيب
لِترَ ْ َت َ بط ه ِذ ِه َّ الش ْم ُس باملَ ْعنى .فالب ْي ُت األخري ُيل ِم ُح إىل ما ُ صاحب ٍة اإلنصات لِام َي ْعنيه يتط َّل ُب ُه ُ الخطاب الصويف من ُم َ و َم َح َّبة .فبدون ه ِذ ِه املَ َح َّبة ،يمُ ْكنُ َح ْج ُب املَ ْعنَى الذي ال الحكم. يغيب يف ظلم ِة ْاس ِت ْع َجال ُ الشمس التأوي َّ وبالجملةَّ ، يل ال َح َّد له. ُ فإن ُم ْمكنَ ه ِذ ِه ْ َ ُ َتعا ُر ُضها َم َع كثاف ِة الظل َمة واقترِ َانها بلذاذ ِة األ لم ومتاهيها الع ُبو َر بها َن ْح َو مناطقَ تيح ُ اص؛ ال ّز َمن ا ُمل ِمدُّ ،ي ُ َم َع َز َم ٍن َخ ٍّ أخرى .هكذا يمُ ْ ِكنُ الحديث ،متثي ًال ال َحصرْ اً ،عَنْ َش ْمس ال ِكتابة بالن ِّْس َب ِة إىل أولئك الذين ْاجتَذ َب ْتهُم أنوا ُرها و َفت ََح ْت لهُم املَ َس َ نح َو الال ِنهايئ مبَ ْجهولِ ِه و ِفتْن ِته ،أولئك الذين الك ْ َأش َّع ْت ه ِذ ِه َّ فلم َي ْس َت ِنريوا إ ّال بها ،أل ّنها ْمل الش ْم ُس داخ َلهُمْ ، واحدَة ،إذ ْ كانت َز َم َنهُم. لحظة ِ َت ِغ ْب عنهُم ْ فكل ما َأخ َ ُّ الح ُجب ذك عَنْ ن ْف ِسك وأعاد ََك إليها ِمنْ خارج ُ العا ّمة ،فهو َش ْم ُس َك التي ال َتغيبُّ . كل ما َت َح َّو َل أ ُمله ،يف خاصة ِع ْندَك ،فهو نو ٌر ُم ِمدّ .وه ِذ ِه املنظور العا ّم ،إىل لذاذ ٍة ّ الش ْم ُس ،التي أشرْ َ ْ قت يف قلب الحالج من الطريق التي ا ْر َتضاها ،هي عطا ُء َز َم ٍن غيرْ ال َّز َمن ال ّرتيب .عطا ٌء َت ْخت َُّل فيه ُ مدلول الحيا ِة واملوت املعاين ا ُملتدا َولة ،وب ِه يت َز ْعزَعُ
مختارات
الشعر االيسلندي اختارها وترجمها مازن معروف
issue (4)- September - 2012
139
مختارات
إلياس كنور «»1981
شاعر من غاليسيا يقيم حالياً يف ركيافيك ويكتب باآليسلندية .شغفه باللغات جعله يخطو باتجاه لغة ال يتكلمها سوى ما يفوق الربع مليون نسمة بقليل. تشتمل قصائده عىل اهتامم باحتامالت املعنى للمفردة الواحدة وتدوير الداللة .له كتابان شعريان بالغاليسية منها «تصاوير عىل الجلد» «« ،»2008بنهديَّ غري املسدودين» «.»2010
مل ينرش كاوري مجموعة شعرية إال إن قصائده القت مساحة وافية يف مجالت أدبية ودوريات نقدية. اشرتك مع الشاعرة فالغريدور ثورودسدوتري يف إنتاج كتاب شعري أبرص النور مؤخراً ،وهو بعنوان «رؤساء ثقيلون» .يطغى عىل شعره مسحة سياسية ساخرة، وأحياناً كثرية يسارية الهوى بشكل قاس
القصيدة األوىل
قصور حراري أو يف الغضب
ر ّبتا منزل كل منهام ترقص عىل حبل غسيل ومتارس بهلوانة ً الحب األوىل زهرة قطن األخرى فراشة حرير تحت نفوذ النظافة ّ تخطان الشعر عىل الثياب املنشورة.
القصيدة الثانية
ْ أفاقت باكراً يف املرآة قطرات الدم عيون مترضرة بشدة تتبدّى يف املنزل لكن ،فلنعمل من الصباح زهوراً الحقيقة فضاء مر ّكب مش ّه ٌر به مزين رمبا بالخصوبة والنجوم ميكن لئمه رمبا بأزهار متّقدة. ذات صباح الفتاة تستيقظ يف املتاهة وتنزف حتى العمى بيتها يكمن يف صور داخل املرايا لكن ،فلن ُِص ْغ صمتاً من الصباح فلرنت ِد الصدى داخل بزة السجناء التي تق ّيد الذراعني
140
كاوري تيلينيوس
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
نجم يف عدد الساموات الالمتناهي الشمس ْ ُ ضوء باهت آخر داخل كون معتم. أشعتها بالكاد تتلمسها مستقبالت الضوء لكائنات ال تعريها أي اهتامم. كام هي الشمس لساللة البرش أنت يل هكذا ِ نطوف حول مركز كام مجرة حول ثقب أسود يف اليوم التايل حني كنا جالسني عىل مقعد خشبي بال ظهر وزجاجة رشاب أمامنا عىل طاولة املطبخ قلت األكرث أملاً كان أن أدرك أننا ال منتاز عن سوانا ِ وأن حيواتنا ال تتجاوز يف فرادتها أي يشء آخر ضحكت ُ ُ وقلت إنه وقت النوم ّقت إىل السطح الذي يعلو سائ ًال أصفر عسلياً يف حد ِ القعر قلت ذابت كل مكعبات الثلج ِ لحظة تأليف الكون كان كل يشء مر ّتباً يف مكانه متاماً. الوقت مستعمل لقياس التبعرث يف الطاقة املتاحة.
املجدُ ا ُمللتقط فوتوغرافياً امرأة تزحف قبالتك أيها الذكر وهوذا أنت منشغل
بالتقاط الصور الفوتوغرافية وإن بخلفية ذهبية اللون وإن بأربعة أجنجة كل هذا غري ُم ْج ٍد لتحويل امرئ ما إىل مالك حت ًام نستحدث صوراً خاطئة من جملة كل ما هو غالٍ عىل القلب والذهن صورة فوتوغرافية لقلب من شأنها أن تبيد صورة حلوة مستحدثة من األحاسيس
ثورديس بيورنزدوتري
تعد ثورديس « »1978من أبرز األصوات الشعرية املوجودة حالياً يف آيسلندا .تهتم باملوسيقى واألعامل الفنية اليدوية .وتعمل بنشاط .أنجزت آخر مجموعة شعرية لها يف غضون أسبوعني ،وتحرض لعملها الروايئ الثاين .ميتاز شعرها بالقسوة والحميمية ،ويبدو وكأنه يتخذ شكل مقاطع من بيوغرافيا طويلة ،وشخصية جداً .هي من الشاعرات املنعزالت بدرجة كبرية .تقيم يف العاصمة اآليسلندية ركيافيك مع ابنتها الصغرية.
صورة
يف ذلك الحر الصيفي اختفى أثرها أَذك ُر .ال أزال كم احرتق شعرها بجامل
وهي تسنُّ اإلبرة وتغرزها يف عينه لتدرز بها صورة طفلة صغرية هناك
تقف عىل كريس قبالة املرآة تجدِّل شعرها.. وعيناها مفتوحتان رأت يف حلم ما نسا ًء يف ثياب بيض.. ُ عيني ألغلقهام اعترصت َّ ألتصورها بتلك النار تندلع يف شعرها ْ جلست حيث متسدُ خدِّي بلطف. ِّ «وتذ ّكر أال تفتح عينيك وإال تسببتا لك بالعمى ستعميانك يا حبي»، همست يف أذين كالريح. بعد ذلك مل يعد لها أثر
يوم يف أكتوبر
أصابعه ملطخة بالحرب ،حجر يف يده ذراعه مرفوعة يك يلقي بالحجر يف املياه الراكدة تخصه التي تعكس ذاكر ًة ُّ داخ ًال غرفة فيها أماكن مخبأة طواها النسيان وهو يستعيد أكتوبر آتياً من أجله بكوب شاي دافئ وخبز طازج بال ِقرفة. أبعد من النافذة امرأ ٌة أراها تبصق وهي متر ،عىل األرض ومئزرها متج ِّم ٌع تحت إبطها، قريباً ستكون هناك ،ستكون هناك حيثام الجدران تصيخ السمع لطفل يعرتف كان يريد أن يرمي حجراً نحو الصبي والصبي، لكن عصفوراً عَبرَ َ وألنه مل يستطع إلقاء الحجر عىل الصبي قذفه عىل العصفور والعصفور
issue (4)- September - 2012
141
مختارات
أدالستني أسربغ سيغردسون
ال ينحرص نشاط أدالستني « »1955بالشعر ،ذلك أن اهتامماته املوسيقية بالغة الداللة والتأثري يف املشهد الفني اآليسلندي .درس اللغات واملوسيقى والتمثيل. وله أربعة عرش مؤلفاً يف الشعر ،ورواية واحدة واثنا عرشة كتاباً لألطفال بني القصة واألغنية .ترأس بني عامي 1998و 2006اتحاد الكتّاب يف آيسلندا .ومييض جل وقته يف الكتابة والرتجمة و النرش
يف مكان ما
يف مكان ما مثة شخص مستيقظ ويصغي ال إىل تحطم نافذة وال إىل صفع موجة لجرف صخري أو هري ٍر قطة شاقٍ رقيق أو مط ٍر ٍ فوق سطح محرتق بالصدأ إمنا إىل الصمت العميق يف املنزل هذا ،املث ّبت عىل صخرة. يف مكان ما الذي يصغي َ أنت.
لألرواح التي تريد الغناء
الضحوك يستيقظ يف النهاية ّ يرن صو ُته يف الخالء النسمة دافئة كالربيع ،مشبعة باملرح. يحس الجدول ُّ يسرتق السمع لدفق كلامت طائشة تتدافع عىل املنحدرات فيام عازف يضخ الهواء يف األرغن برسعة 142
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
وغزارة يتخبط من أجل انسجام يف اللحن. اليدان مل تعودا مرئ َّيتَني وخلف الحائط املدهون مثة صوت مرتجف ،خفيض إنها رسالة َ ْ وددت. لك إذا هوذا كل ما تحتاج إليه من أجل أرواح تتوق للموسيقى
شون سيغوردسون
يعد شون « »1962واحداً من أكرث األصوات األدبية والشعرية ثق ًال يف الوسط األديب اآليسلندي .هو من الرعيل الشعري الثاين بعد نيل آيسلندا استقاللها عام .1944يف مثانينات القرن العرشين ،اشرتك مع مجموعة من الشعراء يف تأسيس «ميدوزا» الحركة الشعرية ذات االتجاه السوريايل املجدّد .تتوزع نتاجاته بني القصيدة والرواية واملرسحية وقصص األطفال واألغنية. وقد ترشحت إحدى أغنياته املكتوبة لجائزة أوسكار عام 2001يف فيلم «راقص يف الظالم» «إخراج الرس فون تراير» .نال عدداً من الجوائز أبرزها «جائزة مجلس الشامل األدبية» ومؤخراً ،نافست روايته «يف بطن الحوت» أعامالً لعدد من األدباء بينهم أموس عوز وأمربتو إيكو وتفوقت عليها بنيلها جائزة «شادو اندبندنت فيكشن برايز» .ترجمت أعامله إىل أكرث من أربع وعرشين لغة حول العامل .يقيم حالياً يف ركيافيك.
الصعود يف الجبال
سيارة عىل جانب الطريق آثار خطى بينها وبني حقل مرتفع معشوشب متتدُّ يف اتجاه واحد. اآلثار تتوقف. حجل الثلوج األلبي عىل كتلة من العشب النامي غصن من الخلنج يف منقاره.
موكب عيد الغطاس
ك ّفاً بكف يسريون يف الشارع سيدة رحيلنا ورب إرادتنا طارقني هذا الباب وذاك الستدعاء متطوعني لكنيس ِة ِّ عض اليد من الندم. الج ْم ُع. يت ُ ّسع َ جون قديس موىس الحالقة آن قديسة الشنق ستيفان قديس بندقية الصيد مارغريت قديسة السم القاتل أوالف قديس كيس النايلون كاثرين قديسة فرن الغاز وليام قديس إفريز النافذة ترييزا قديسة ماسورة العوادم.
محض أسامء قليلة
بني أولئك جميع الذين أحضرِ وا. قبل حلول منتصف الليل بثالث وعرشين ثانية يصلون إىل الشارع حيث أقيم يف طابور واحد.
باريس
وحيدا يف الليل يدنو مني بائع حشيش هامساً: «شوكوالته سيدي؟» «يف املنزل مثة من يحترض» عند نهاية الشارع أعرب مبحاذاة محل لبيع دمى ميكانيكية
«يف املنزل مثة من يحترض» لها ارتفاع البرش ذات طراز قديم منتصبة بانتظار أن ُتشحنْ بإدارة املفتاح يف الظهر. «يف املنزل مثة من يحترض».
من كتاب األوهام
عزيزيت ف. الليلة الفائتة حلمت بأنك قصصت شعرك بالكامل لتصنعي منه رسيراً مارسنا الحب فيه. وعىل الجدار املقابل ْ انتصبت مرآة. وحاملا ُ بلغت الذروة مل أرك فيها. كنت جالس ًة يف كريس تطلني أظافرك. ِ وكان طالء أظافرك أخرض ومحضرَّ اً من الجنادب الحمر ِ وقلت :زوجا ُت َك البيوت ُ لكنني استيقظت ألنني عضضت بأسناين لحم كتفي. كانت الساعة السادسة والنصف صباحاً. خال ذلك كل يشء عىل ما يرام، الطقس باردٌ هنا لكنه دافئ مبا يكفي للنمور العجائز. وداعاً ،صدي ُق ِك شون issue (4)- September - 2012
143
شاعر وقصيدة
شعراء قتلتهم قصيدة
المتنبي ولوركا ونيرودا ثمة قصيدة ترفع الشاعر وتوصله إلى سدة المجد ،وأخرى قد تودي به إلى التهلكة .المتنبي وقع ضحية ً تبعا لموقفه بيت شعر ولوركا جرى إعدامه بسبب مواقفه كشاعر ونيرودا تغيرت قصيدته وحياته السياسي
عبير فارس
أدت
القصيدة بالكثري من الشعراء إىل مالقاة حتفهم ،وأكرث الحوادث إثارة قصة مقتل «املتنبي» الذي عكس بشعره صورة صادقة لعرصه ،مبا فيه من اضطرابات سياسية واختالف آراء .مل يكرث املتنبي من بحكم يجعلها قواعد عامة ،تخضع الهجاء ،وكان يف شعره يأيت ِ ملبدأ أو خلق ،وكثرياً ما يلجأ إىل التهكم ،أو استعامل ألقاب تحمل يف موسيقاها معناها ،وتشيع حولها جواً من السخرية، وكان السخط دافعه إىل الهجاء الالذع يف بعض األحيان، وتجىل هذا يف هجائه لـحاكم مرص «كافور األخشيدي»، ولكنه مل يلق حتفه عىل يد امللك «كافور» أو حاشيته رغم ما سلطه املتنبي عليه من هجاء مر وتشنيع مقذع ،إمنا جاء حتفه عىل يد رجل من عامة الناس ،ثأر لقريب له يدعى «ضبة بن يزيد العيني» ،إذ قال املتنبي يف مطلع القصيدة:
ما أنصف القــوم ضبة فال مبن مــــات فخرا
و أمه الطـــرطبة وال مبن عاش رغبة
ونقل ابن العديم عن هذه القصيدة« :ما للمتنبي شعر أسخف من هذا الشعر ،وال أوهى كالماً فكان عىل سخافته وركاكته سبب قتله وقتل ابنه وذهاب ماله أيضاً». أما الرغبة باالنتقام ،فبدأت عندما سمع هذا الشعر خال املدعو «ضبة» ،وهو يدعى «فاتك األسدي» الذي قرر الثأر له بقتل املتنبي ،وبالفعل ترصد له بنو أسد يف الطريق ليقتلوه، وحني رآهم هرب منهم ،فقال له ابنه وأين قولك:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
144
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
فقال املتنبي قتلتني يا ابن اللخناء ،فعاد أدراجه ليحارب فقتل وطار رأسه. واألسباب وإن أدت إىل نهاية واحدة ،لكنها تبدو مختلفة عند الشاعر الجاهيل طرفة بن العبد الذي قتل عندما كان عمره 26 عاماً .وهو يف أوج تألقه الذي أهله الدخول إىل امللوك وتسجيل أروع القصائد ،حتى أن بعضهم اعترب معلقته بعد معلقة امرئ القيس مبارشة من حيث األهمية ،وبعضهم اآلخر ألف فيها مصنفات بديعة ،ألنها من أخطر وأبلغ املعلقات عىل اإلطالق، خاصة وأنه صاحب البيت الشهري ،الذي هز فيه املشاعر اإلنسانية عىل مر التاريخ ،وما زال له ذات اإليقاع إىل اآلن:
وظلـــم ذوي القرىب أشــد مضاضة عىل النفس من وقع الحسام املهند
باملقابل أدى هجاؤه لـ عمرو بن هند إىل مقتله ،فعمرو بن هند كان معروفاً بأن الطري يف الدهناء كانت تخافه. وبدأت القصة عندما هجا طرفة بن العبد ،عبد عمرو بن برش بن مرثد زوج أخته عندما جاءت تشكو منه فقال فيه طرفة:
يا عجبا من عبد عمرو وبغيه لقد رام ظلمي عبد عمرو فأنعام وال خري فيه غري أن له غنى وإن له كشـحا إن قام أهــــضام
أما الصدفة العجيبة ،فهي من دفعت عمرو بن هند ،التخاذ قرار قتله ،وذلك عندما كان يصطاد ذات يوم ومعه عبد عمرو وأصاب حامراً ،فطلب إىل عبد عمرو أن ينزل إليه فأعياه ذلك، فضحك عمرو وقال لقد أبرصك طرفة حني قال :يا عجبا ...وعاد
شعراء قتلتهم قصيدة
نريودا
لوركا
رسم متخيل للمتنبي
إىل األبد ،ويحرم من رؤية غرناطة بعد طلوع الشمس ،واملدهش وردد ما قاله فيه .فام كان من عبد عمرو إال أن قال للملك عمرو بن هند الذي قال فيك أشد مام قال فيه ،فتلون وجه إىل اآلن أنه ال يوجد وصف دقيق للحظات األخرية يف حياة لوركا، عمرو بن هند وقال لعبد عمرو وما قال َيف فأخربه عبد عمرو لكنهم مل يعرثوا عىل جثته ،كام كان قد تنبأ يف قصيدته ،كام تأخرت صحف الجمهوريني يف نرش خرب وفاته ،ومنذ مقتله مل بقصيدة طرفة التي هجاه فيها: رغوثا حول قبتنا تخور يكن مبقدور أي شخص يف غرناطة التحدث عنه ،بل وصل األمر فليت لنا مكان امللك عمرو إىل منع امتالك كتبه ،وكانت املنازل تخضع للتفتيش ،وهذا ما بعد سامع القصيدة قرر عمرو بن هند التخلص من طرفة، جعل أهل غرناطة يتخلصون من أعامله. ومن خاله املتلمس ،وذلك بعد أن أكرمه بن هند وألبسه حتى اطأمنوا إليه ،وأعطاه رسالة هو وخاله املتلمس موجهة بعد مقتل لوركا قال الشاعر التشييل الشهري بابلو نريودا« :إن الذين أرادوا بإطالقهم النار عليه أن يصيبوا قلب شعبه مل يخطئوا إىل ملك البحرين ،مع العلم أن االثنني ال يجيدان القراءة، االختيار». فلام وجدا شخصاً قرأ رسالة املتلمس التي وجد فيها« :إذا ونريودا مل يسلم من املوت ،وإن كان هذا بشكل غري مبارش، جاءك حامل الرسالة فاقطع أربعه ورأسه» فهرب املتلمس، لكنه أدى إىل وضع نهاية حتمية لحياته ،وذلك بعد فوزه بجائزة ونصح طرفة أن يفتح رسالته ،ولكنه رفض وذهب بها إىل نوبل يف اآلداب يف1971 ،وهو ما جعله يعود إىل تشييل ،حيث ملك البحرين الذي أمر بقتله. استقبله الجميع باحتفال أقيم يف استاد «سانتياغو» وكان يف مقدمة املحتفلني الرئيس «سلفادور الليندي» الذي لقي مرصعه سالح الشعر بعد ذلك ،إثر انقالب قاده الجرنال «اوغستو بينوشيه». ال ميكن ألحد التكهن من أين يأتيه املوت ،إال أن الشاعر وعندما قتل االنقالبيون الرئيس «الليندي» جاء جنود «بينوشيه» اإلسباين «لوركا» كان قد تنبأ مبوته ،وبضياع رفاته ،عندما إىل بيت بابلو نريودا فسألهم الشاعر عن مبتغاهم فقالوا له ،جئنا كتب قصيدة قبل مقتله قال فيها: نبحث عن السالح يف بيتك فرد قائ ًال« :إن الشعر هو سالحي أعرف أنني قتلت الوحيد» .وبعدها بأيام تويف نريودا وكان هذا يف23أيلول/ وبحثوا عن جثتي يف املقاهي واملدافن والكنائس سبتمرب 1973كنتيجة لتأثره ،مبرضه إضافة إلحباطه الشديد من فتحوا الرباميل والخزائن االنقالبيني ،ويقال إن آخر جملة قالها« :لقد عادوا ليخونوا تشييل جثث ونزعوا أسنانها الذهبية رسقوا ثالث ٍ مرة أخرى» .وجاءت الجملة كختام لكتابه «أعرتف أنني قد ولكنهم مل يجدوين قط. عشت» والذي يروي سريته الذاتية. ً ً وهكذا كان قرار القتل لدى البعض حال جذريا ،يف فرتات مختلفة اغتيل لوركا خالل األيام األوىل من الحرب األهلية ،من قبل من التاريخ ،ملن سار من الشعراء بعكس التيار ،كام لقي القتل الفاشيني ،وهو يف الثامنة والثالثني من العمر ،حيث أعدم عينيه بالرصاص ،يف 19آب/أغسطس من العام 1936ليغمض مبدعون آخرون ،من فالسفة وكتاب وفنانني issue (4)- September - 2012
145
شعر وتشكيل
محمد غني حكمت
حات التفاؤل أرّخ لبغداد بالقصائد ن ّ تفرغ النحات محمد غني حكمت في آخر أيامه لتزيين بغداد بقصائد الشعراء ،ولم يتراجع عن مشروعه الكبير بعد تفجير تمثاله «المتنبي»
بغداد -حسام السراي
ليست مبصادف ٍة أن تكون ملنحوتات الرائد الراحل محمد غني حكمت «»2011- 1929 هذه العالقة الوثيقة بالشعراء وأبيات قصائدهم ،فعضو جامعة بغداد للفنّ الحديث ،عاش وتفاعل مع مشهد ثقا ّيف استحوذ عليه الشعر منذ آالف السنني، يوم ّ أطل السومريون عىل الحياة عرب الشعر فقيل يف أحد نصوصهم ّ رة«:إن هذه األرض /ك ُـتب أال يقال فيها سوى املرايث املؤ ّث واملناحات». فبعد اسهاماته مع زميله الفنّان جواد سليم يف إقامة نصب الحر ّية ببغداد عام ،1962وتشييده يف ستينيات القرن املايض نصب «شهريار وشهرزاد» يف شارع أيب نواس ،ونصب «عيل بابا واألربعني حرامي» ،عند مفرتق الطرق بني منطقتي الكرادة «داخل وخارج» ،كانت العاصمة عىل موع ٍد ثانٍ مع ضيف جديد سيضع قدميه عىل األرض ويقول« :أنا الـذي وأس َم َع ْ ـت كلامتـي َمـنْ بـه نظـَ َر األعمى إىل أدبــيْ ... َص َم ُـم» ،إ ّنه املتنبي بعباءته وحركة يده اليمنى ،إذ أ ّرخ له حكمت يف باحة املكتبة الوطن ّية يف منطقة الباب املعظم ببغداد ،وما أن سقط نظام ص ّدام ،ح ّتى نقل متثاله إىل ساحة البالط املل ّ يك ببغداد «منطقة الكرسة» ،وتحدّثت الصحافة الحقاً عن تعرضه إىل حادث تفجري بالديناميت فنسف بالكامل. 146
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
أي حزن انتاب صاحبه وقتها ،حينام نعرف النحات الراحل ذكر أكرث من مرة ّأن ّأن ّ «متثال الشاعر املتنبي الذي انتصب أمام املكتبة الوطن ّية هو األقرب إىل نفيس». متيض األ ّيام ويتدهور الوضع يف العراق بعد نيسان /أبريل عام ،2003فيضطر «حكمت» إىل مغادرة البالد صوب عامن، غري أ ّنه مل يقطع صلته بوطنه ،بل عاد اليه العام 2011ومعه أكرث من مرشوع ،إذ رصح حينها وخالل جلسة االحتفاء به يف ّ ّ جسد ما م ّر بالعراق ه ن أ ة: ي التشكيل للفنون قاعة مدارات ّ ّ بعد عام 2003فن ّياً ،إذ قال حكمت «لكرثة ما شاهدت من أحداث جسام عملت « »12لوحة من الربونز عنوانها «حدث يف العراق» ،وآمل أن تعرض يف أحد املتاحف يك تكون وثيقة عن هذه املرحلة». لكنّ الالفت يف زيارته تلك هو إعالنه االتفاق مع أمانة بغداد عىل نصب أربع منحوتات جديدة له ،كان يتمنّى أن يراها بعينه يف عاصمته ،إال ّأن املوت مل ميهله كثرياً يك يح ّقق أمنيته هذه بوفاته بعد أشهر يف عامن ودفنه يف مراسيم تشييع ألن ّ مهيبة ببغداد ،وهو القائل« :أنا متفائل ّ كل هذه الفوىض ستنتهي وتزول ،وإال ما كنت قد كتبت بيت الشاعر مصطفى األعرص /إ ّال ذوت جامل الدين «بغداد ما اشتبكت عليك ُ ووريق عمرك ُ أخرض»،عىل أحد أعاميل التي أردت لها أن تؤ ّرخ للمرحلة الحالية».
محمد غني حكمت
توظيف الشعر
بالفعل هو أحد كبار املتفائلني يف هذه املدينة املبتالة، فأعامله التي صارت شاخصة ضمن فضاءات بغداد الحالية، منحتها ملمحاً آخر غري هذا الجمود الذي يالزم عمرانها يرصع بعض األبنية القديم مع آثار الرصاص الذي مازال ّ ويزيدها قتامة ،وباألخص تلك التي كانت مرسحاً الشتباكات الطائفي عام .2006 الجامعات املسلحة يف أحداث العنف ّ منحوتات حكمت غيرّ ت املشهد نوعاً ما وأرادت أن تخالف ومهم هنا أن نر ّكز عىل توظيفاته الراهن وتدوس عليهٌّ ، للشعر يف اثنني من أعامله ،وتأكيده عىل إرث هذه البالد يف الكتابة والشعر وغنى حكاياتها كرصخة بوجه الحارض يف العملني اآلخرين .كيف ال يفعلها هذا املبدع ،وهو الحامل دوماً بآفاق تجعل من اشتغاله حدثاً يلحق به الرأي العام
ويق ّيمه فن ّياً ،ال العكس ،وإال ما تفسري دفعة األمل والثقة بالغد تلك التي ك ّرسها يف أعامله الجديدة ،لتكون متفقة مع عبارة وردت عىل لسانه يف املايض« :من املحتمل أن أكون نحات سومريّ ،أو باب ّ يل ،أو آشوريّ ،أو نسخة أخرى لروح ّ يحب بلده». عبايس ،كان ّ ّ النصب األ ّول ،أال وهو «بغداد» ،إذ برع «حكمت» يف متثيل كريس بالزي العر ّيب بغداد بفتاة جميلة شامخة تجلس عىل ّ القديم بارتفاع « »3أمتار تعتيل قاعدة اسطوان ّية مغلقة بارتفاع « »10.5عرشة أمتار ونصف املرت ليصل ارتفاع العمل بالكامل « »13.5ثالثة عرش مرتاً ونصف املرت ويقع يف ساحة األندلس قريباً من مبنى االتحاد العام لألدباء والكتّاب يف العراق .ميزة هذا العمل ّأن قاعدته املستطيلة جعلها الفنان أطول من املعتاد ليش ّد الناظر إليها وإىل ما كتب عليها من ومجدتها ،يشري بعضهم إىل ّأن أبيات شعر تغنّت ببغداد ّ األبيات«..ذهب الزمان نصوص حكمت تع ّمد وضع أخطاء يف َ ذهب الزمان» ،و«ح ّبك يف قلبي ليس يزول بينام األصح ُ واألصح ح ّبك وسط القلب ليس يزول». ّ أما نصوص األبيات فهي« :فدى لك يا بغداد كل قبيلة /من األرض ح ّتى خطتي ودياريا ،فلم أر فيها مثل بغداد منزال /ومل أر فيها مثل دجلة واديا» لـ «أَ ُبو سعد ُم َح َّمد ْبن َعليِّ ْبن ُم َح َّمد ْبن خلف الهمذاين». «أعاينت يف طول من األرض والعرض /كبغداد داراً إ ّنها ج ّنة األرض» لـ«عامرة ْبن عقيل ْبن بالل ْبن جرير ْبن الخطفي»« ،بـغـداد آن لـك األوان لرتجعي/ مـا ابت ّز منك الحاكمون وز ّوروا» ،و«بغداد ما اشتبكت عليك األعرص /إ ّال ذوت ووريق عمرك ُ أخرض» لـ «مصطفى جامل ُ ُ والـصـــ َو ُرَ /ذهَ ُب الزمان اء ر عـ والــش «بغـداد الدين»، ُ «عيناك يا بغـدا ُد ُ منـذ وضوعُ ُه ال َع ِط ُر» لـ«سعيد عقل»، ِ طفولَتيَ /شـمسانِ نامئَـتانِ يف أهـدايب» لـ «نزار قباين»، «صباح بغداد تجلو العني طلعتهُُ / وليل بغداد ٌ كحل حني ُ ُ نكتحـل» لـ «سعد درويش»« ،خيالك ىف فكري وذكر ِاك يف فمي وح ّبك وسط القلوب ليس ُ يزول» لـ «خرض الطايئ». طريقة جلوس املرأة أعىل النصب واألبيات التي وضعها أسفله ،تريدان من البغداد ّيني أن ميسحوا بقايا الرتاب الذي ّ يغطي يومياتهم ،مثلام يطبق عىل أنفاسهم ويخنقهم ،صوب انطالقة قو ّية نحو املستقبل. متثال املتنبي
issue (4)- September - 2012
147
148
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
تصوير :رغيب اموري
شعر وتشكيل
متثال بغداد
محمد غني حكمت
نحات الشعر
ثاين أعامله هو «أشعار بغداد» ،شكل كرويّ من الحروف العرب ّية اإلسالم ّية يتضمن بيتاً شعر ّياً معروفاً عن بغداد- يستثمره ثانية -للشاعر الراحل مصطفى جامل الدين ،وهو األعرص إ ّال ذوت ووريق عمرك «بغداد ما اشتبكت عليك ُ ُ أخرض» بارتفاع « »3أمتار مع قاعدة بارتفاع « »5أمتار ،قرب مقهى البريو ّيت يف جانب الكرخ من العاصمة. املشكلة التي تواجه هذا العمل ،بل وح ّتى األخريات ،أ ّنه بحاجة إىل إضاءة دامئة ،يك يبقى مثرياً لالنتباه .نعم ميكننا التم ّعن صباحاً يف الدقة واالحرتاف اللذين ُج ّسد بهام ،لكن ماذا عن الليل الذي يفتقر إىل اإلنارة املستم ّرة ،ولعل ّـها دعوة مناسبة بأن ُتستثنى هذه األعامل من جدول القطع املربمج للتيار الكهربا ّيئ الذي تحرص السلطات عىل تنفيذه يف البالد من دون حل لهذه األزمة . وإذا كان من سمة توضح التوظيف الذ ّيك للعالقة بني الفنّ واملكان وما ميتلكه من ماض وحارض ملتبس ،فال ميكننا أن نفهم أعامله األخرية إال بوصفها دعوة للتوقف عن اليأس وبث ّـه يف نفوس املاليني. أما هذا اللجوء إىل الشعر واصطحابه من صفحات الكتب والدواوين ،ليكون شاخصاً بني أعني الناس من املا ّرة ،شيوخ ونساء وأطفال وباعة ج ّوالني وطلبة علم وعامل أبرياء اليعرفون أي ساعة تحصدهم املفخخات ،يرى الشاعر اقي عمر الجفال بشأنهّ : «أن محمد غني حكمت ينحت العر ّ ِّ الشعر ،متثال بغداد ،الذي وضع قبل مدة يف ساحة األندلس، أعطى مثاالً آخر للجامل ولبغداد ،واألدهى أ ّنه استف ّز الشعراء الذين ينظرونه جيئة وذهاباً ،لكن هل كان حكمت يتقصد أن تقع أخطاء نحو ّية يف نص عىل قاعدة متثاله؟! .هذا ّ ما يذهب إليه الشعراء وهم خارجني من نادي االتحاد لي ًال. يف ّ كل األحوال ،محمد غني حكمت هو الشاعر بالنحت. وهو الجامل الوحيد الذي انتبهت إليه الحكومات املتعاقبة فخرج من عنقاء خرابها». رأي خالفه الناقد والشاعر محمد غازي األخرس ،الذي ع ّد للنحات الراحل، متثال «بغداد» اليرتقي إىل املنجز الكبري ّ مشرياً إىل ّأن «وضع األبيات الشعر ّية بهذه الطريقة انتزع الكثري من جاملية العمل ،يف وقت كان يفرتض به أن يتعامل مع نتاج شعريّ أكرث عمقاً من الذي اختاره».
منحوتة الفانوس السحري
عمله الثالث «إنقاذ العراق» ،عبارة عن تكوين ميث ّـل الختم السومريّ االسطوا ّين املائل ،مكتوب وسطه «من هنا بدأت الكتابة» لريبط ذلك مع البديه ّية املعروفة باخرتع السومر ّيني للكتابة واجرتاحهم عامل الشعر .يستند النصب عىل سواعد عراق ّية بارتفاع « »6أمتار متث ّـل صمود العراق ّيني يف مواجهة ّ كل التحدّيات ،ارتفاع النصب مع القاعدة « »10م ويقع النحات قرب ساحة الفارس العر ّيب يف منطقة املنصور ،أراد ّ من جعل الختم كأ ّنه يسقط وهناك خمسة أيا ٍد بسواعدها تسعى إلسناده ،أن يكون «رسالة ّ اقي بأن ذراعك هي لكل عر ّ إحدى هذه األذرع التي متسك بالختم رمز الحضارة لتحميه من السقوط». آخر منحوتاته «الفانوس السحريّ »ُ ،ش ّيد مقابل املرسح مجسداً املصباح السحريّ املعروف يف قصص الوطني ببغدادّ ، ّ ألف ليلة وليلة البغداد ّية ،بارتفاع « »8أمتار ليصبح مع القاعدة بارتفاع « »10أمتار ،وهنا استوحى ذلك من أجواء هذه القصص التي اشتملت عىل 1420مقطوعة شعر ّية، ولذلك رمز ّيته عند العراق ّيني والعرب issue (4)- September - 2012
149
شعر وفلك
نزار قباني
قراءة فلكية
................................................................................................................................
ً ً ً ومحيرا ،فمثله ليس في حياته من السرية بقدر ما فيها صعبا أمرا يبدو رسم خريطة فلكية للشاعر نزار قباني
من العلن ،ولذا تقود هذه المغامرة إلى لوحة تحليلية تربط بين المعطيات الفلكية وبين ما أنبأ به هو عن نفسه
من خالل كتاباته
ياسين الزبيدي
بات
معروفاً أن القراءة الفلكية لشخص ما، هي عبارة عن تحليل نفيس من جوانب مختلفة ،من أجل تقاطع الخطوط األساسية لشخصيته. طريقته يف التفكري ،حقيقة مشاعره ،أفكاره وأسلوب تعامله مع املجتمع ،وكذلك تفسري طبيعته يف الحب ،والتعريف بشخصية الرشيك العاطفي الذي ينجذب إليه من دون اآلخرين. تعتمد طريقة التحليل هذه عىل قراءة ملواقع كواكب املجموعة الشمسية يف لحظة ميالد الشخص ،حيث إن كل كوكب يعكس صفة أساسية من صفات اإلنسان ،فمث ًال موقع كوكب عطارد يفرس طريقة تفكري الشخص وأسلوب تعامله مع اآلخرين ،وعىل سبيل املثال عندما يكون كوكب عطارد موجوداً لحظة امليالد «برج العذراء» يدل ذلك عىل شخص عميل وواقعي يحكم عىل اآلخرين بعني العقل واملنطق ،وال يدع لعواطفه أن تؤثر ،مطلقاً ،عىل تقييمه لآلخرين. نزار قباين اسم يستفز الجدل ،ويقسم الناس إىل فريقني، واحد يعشق أشعاره ويعتربه فارس الكلامت بال منازع، واآلخر يرى فيه شاعر املجون والغزل الرصيح .نزار صاحب الشعبية الكربى بني الشعراء يف العرص الحديث ،يقرأ له الصغري والكبري ،املرأة والرجل والعاشق واملعشوق ،كتبت عنه آالف الصفحات يف املجالت والجرائد ،تنتقد شعره وأساليبه .ولكننا اليوم لن نحلل أشعاره أو نخوض يف آراء 150
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
النقاد يف ما كتبه من شعر ونرث ،فام يهم هنا هو شخصيته ال شعره ،ولذا سنحاول سرب أغوار نفسه ،واكتشاف أرسار عقله وعاطفته.
حضور األنا
وجهتنا اليوم مسقط رأس الشاعر نزار ،دمشق الواقعة عىل خط طول’ E °36 31وعرض’ N °33 25وبفرق ساعتني عن توقيت غرينتش ،وبإدخال تاريخ امليالد الدقيق واملوقع الجغرايف ليوم مولده إىل أحد برمجيات الحاسوب املتخصصة بعلم الفلك ،فإننا نحصل عىل منظر السامء ملدينة دمشق يف
نزار قباني -قراءة فلكية
تخطيط فليك لشخصية نزار قباين
تلك الساعة ،وهذا ما يسمى بخريطة امليالد .Natal Chart هل كان يوم والدة نزار يوماً عادياً؟ ال أظن ذلك ،فقد ولد يف يوم ،1923/3/21وهو اليوم األول من السنة الفلكية، التي تبدأ عندما تدخل الشمس يف برج الحمل ،لذلك ميكن أن نقول بأن نزار من مواليد الحمل رغم انه يحمل الكثري من صفات الربج الذي يسبقه وهو برج الحوت .برج الحمل مرتبط دوماً بالبدايات الجديدة وبالخلق واإلبداع ،ولذلك نرى شخصية نزار محبة للتحدي واملغامرة ،والحياة بالنسبة له ما هي إال معركة ،ليس املهم أن يفوز فيها ولكن املهم ان يقاتل حتى النهاية ،لذا فهو ينطلق كالسهم باتجاه ما يريد ان يعرب عنه غري آبه مبادح او بقادح ،وهو يقول يف قصيدة «محاكمة»:
يعانق الرشق أشعاري ..ويلعنها فألف شكر ملن أطرى ..ومن لعنا
جانب آخر من برج الحمل نجده منعكساً يف نزار أال وهو الغرور ،فهو كسائر مواليد الحمل يؤمن بأنه يستطيع أن يصل إىل أهدافه ألنه يختلف عن اآلخرين ،وبوسعه أن يفعل ما يعجز عن القيام به الكثريون ،باإلضافة إىل هذا
فإن مواليد الحمل يرتبطون بشعار أسايس وهو «أنا أكون»، ولذلك فإننا نجد االنا حارضة لديه يف الكثري من األبيات الشعرية ،فها هو يقول يف قصيدة «مدخل»:
وكنت مجهولة حتى أتيت أنا ِ .. أرمي عىل صدرك األفالك والشهبا أنا ..أنا .بانفعااليت وأخيلتي ..تراب نهديك حولته ذهبا
يشري موقع الشمس يف خريطة ميالد نزار إىل صورته يف عني من يتعامل معه عن كثب .أما إذا أردنا أن نرتك الظاهر ونحاول الولوج إىل الجانب الخفي من الشخصيه فيتوجب علينا أن نحلل موقع القمر يف ساعة والدة الشاعر ،وملا كان القمر يف برج الثور ،دل ذلك عىل عاطفة قوية جداً، ولكنه يعرب عنها بأسلوب عذب هادئ ،عاطفة ال تعرف العنف وتطمح دوماً إىل الهدوء والسالم ،ولكن هذا الهدوء محاط بخطوط حمراء من ميسها فإنه ميس أمنه واستقراره العاطفي ،وكشأن مواليد الثور عندما يحسون بأن أمنهم العاطفي مهدد أو أن هناك من يحاول أن ينال ممن issue (4)- September - 2012
151
شعر وفلك
نزار قباين وزوجته الثانية بلقيس الراوي
طفولتي أكرث من دائرة ..وأكرث من إشارة استفهام».
يحبونه ،فإن الهدوء يتحول إىل هيجان ،والربكان الهادئ يغدو ناراً وحم ًام تثور عىل كل ما هو حوله ،وهذا ما حصل لنزار يف طفولته ،عندما شهد انتحار أخته وصال ألن العائلة مرآة عرص أجربتها عىل الزواج ممن ال تحب ،وعن هذا الحادث األليم ،لنرتك اآلن عاطفة نزار ومشاعره الداخلية ولنتجه إىل أسلوب كتب نزار قباىن يقول ىف «قصتي مع الشعر»: تواصله مع اآلخرين وطريقة تفكريه ،ويف هذا املضامر «هل كان موت أختي يف سبيل الحب أحد العوامل النفسية يجيبنا عطارد «كوكب التواصل واالتصاالت» املتواجد يف برج التي جعلتني أتوفر لشعر الحوت لحظة ميالد نزار ،ذلك ما جعله الحب بكل طاقايت ،وأهبه يفكر كام يفكر مواليد برج الحوت، مواليد كما نزار يفكر أجمل كلاميت؟ هل كانت أي أنه يحكم عىل اآلخرين من خالل ً كتابايت عن الحب ،تعويضا عواطفه ،ويؤمن مبا يؤمن به من وحي برج الحوت ،أي أنه يكم ملا حرمت منه أختي أو مشاعره ال من خالل عقله وأفكاره. على اآلخرين من خالل ومن ناحية أخرى فإن لديه وعياً انتقاماً لها من مجتمع يرفض عواطفه ،ويؤمن بما الحب ،ويطارده بالفؤوس عاطفياً يستطيع به أن يؤثر عىل املقابل والبنادق؟انني ال أؤكد هذا وينقل إليه ما يفكر أو ما يشعر به ،كل يؤمن به من وحي العامل النفيس ،وال أنفيه ذلك ساعده من أجل أن يوطد صلته مشاعره ال من خالل مرصع ولكنني متأكد من أن مع الجمهور الذي استطاع ان يتغلغل وأفكاره عقله أختي العاشقة ،كرس شيئاً يف يف أعامق أعامقه ،ولهذا ال عجب أن داخيل ..وترك عىل سطح بحرية يقول عندما ُسـئل عن جمهوره فقال 152
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
نزار قباني -قراءة فلكية
«لقد ألقيت القبض عىل الشعب العريب من املحيط إىل الخليج!» من ناحية أخرى فإن عطارد جعله أيضاً يستطيع أن يستشعر آالم اآلخرين ويتحسس مزاجهم ويفهم وجهة نظرهم ،لذا فقد أصبح نزار مرآة لعرصه يعكس كل ما حوله من أمل وظلم ،وليس هذا فحسب ولكنه يستطيع أن يتقمص حزن الحاين وظلم املظلومني ويعرب عن لسان حالهم بكل صدق وإحساس .هذا امليزة جعلته يكتب العديد من أعامله بكل براعة معرباً عن ما يشعر به اآلخرون من حزن أو فرح، وهو يقول يف «يوميات امرأة ال مبالية»« :وألن هذا الرشق غبي وجاهل ومع ّقد يضطر رجل مثيل أن يلبس ثياب امرأة، ويستعري كحلها وأساورها ليكتب عنها .أليس من مفارقات القدر أن أرصخ أنا بلسان النساء ،وال تستطيع النساء أن يرصخن بأصواتهن الطبيعية؟».
خريطة القلب
كيف يحب شاعر الحب؟ سؤال حائر عىل شفاه املاليني من محبي الشاعر نزار ،يتلفهون ملعرفة خريطة القلب الذي وقفت أمامه طوابري من النساء ،ولو مددنا برصنا باتجاه موقع كوكب الزهرة يف لحظة ميالد نزار ،لوجدناها يف برج الدلو ،تعلن عن رجل طيب املعرش ويحب أن يعقد صداقات واسعة مع كافة رشائح املجتمع ،كام أن صحبته مؤنسة ومجالسته تدخل الرسور يف قلب ندمائه ،ولكن بعيداً عن األصدقاء ،من هي املرأة التي يفضلها نزار عىل غريها ،هل هي الشقراء أم السمراء ،هل هي الرشيقة أم املمتلئة ،أم هي الكاعب أو الخمر معتقة؟ قد يخترص ً كوكب الحب «الزهرة» الطريق ألفكارنا ويقاطعنا قائال :إنه يحب النساء من كل األنواع ومن كل الطبقات واألطياف، من مدبرة منزل بسيطة إىل وزيرة ذات مكانة رفيعة ،لذا فليس عجيباً أن نقرأ ما كتبه يف قصيدة الرسم بالكلامت:
ْ تعبت من السفر الطويل حقائبي ُ وتعبت من خييل ومن غزوايت... مل يبق نهد ...أسود أو أبيض إال زرعت بأرضه رايايت... مل تبق زاوية بجسم جميلة
إال ومرت فوقها عربايت... فصلت من جلد النساء عباءة وبنيت أهراماً من الحلامت...
ولكن من بني هذا املدى الواسع من طوائف النساء اللوايت عرفهن ،من هي التي يف وسعها أن ترخي سدول الحب معه أطول فرتة ،من هي التي تحفر يف قلبه أثراً ال يستطيع نسيانه؟ ،إنها املرأة التي تحمل صفات برج الدلو أي أنها املرأة ذات الشخصية غريالتقليدية ،شخصية تحمل من الغرابة وغري املألوف ما يريض تساؤالت نزار وحبه الكتشاف املجهول ،امرأة بوسعها أن تكرس قيود امللل والرتابه التي ميقتها ،لذا فهو يقول يف القصيدة املتوحشة :
أحبيني ..بألف وألف أسلوب وال تتكرري كالصيف.. إين أكره الصيفا..
ولكن عندما يقرر نزار االرتباط والزواج ماهي املعايري التي سوف تكون يف باله؟ عندما يقرر مثل هذا القرار املهم والخطري ،طبعاً كوكب الزهرة ال بد أن يكون له جانب من التأثري ،ووجوده يف الدلو يجعل نزار يهرب من أي قيد تفرضه املرأة عليه ،فحريته ال ميكن أن يساوم عليها مطلقاً، والتجربة العميقة التي عاشها يف الحب والزواج كانت مع زوجته بلقيس الراوي ،فالسنوات االثنتا عرشة التي قضاها معها كانت من أسعد ما عاشه يف الحب واالرتباط ،وكانت نقطة التفوق األوىل لدى بلقيس يف تعاملها معه ،إنها كانت الصاحبة والصديقة وليست الزوجة وأم العيال ،لذا فهو يذكر ذلك يف مرثيته لبلقيس:
بلقيس.. أيتها الصديقة ..والرفيقة.. الرقيقة مثل زهرة أقحوان..
الحديث عن نزار يطول ،والقراءة الفلكية لشخصيته تبقى رحلة محفوفة باملفاجأة ،بيد أننا إن أردنا أن نلخص شخصية نزار يف عبارة واحد فبوسعنا أن نقول إنه رجل يجمع بني الطيبة والغرور ،والجرأة وعفوية التعبري ،رجل التمرد عىل ظلم املرأة والخرافة واألفكار البالية
issue (4)- September - 2012
153
شعر ومدينة
دمشق
في القصائد
سـالم مـن صبا بردى دمشق ساحرة الشعراء .لم يمر بها شاعر إال أسرته .أرض التاريخ وطريق الرساالت السماوية ،و«عز الشرق أوله دمشق» ،على حد وصف شوقي امير الشعراء.لها النصيب األكبر من الشعر العربي ،القديم والمعاصر ،هي ملهمة
نزار قباني وعطر الشعر لدى سعيد عقل
«
األبواب التي ال تنفتح إ ّال إىل الداخل» ،هذه هي أجنبي يف قصيدة له دمشق ،حسب تعبري شاعر ّ عنها ،لقد أخرج الشاعر السويدي الس سوديربرغ ()1930 جرساً صغرياً من جيبه ،وح ّركه بهدوء بعد أن ألقى قصيدته عىل أحد مسارح العاصمة السورية يف العام .2007يشبه صوت الجرس املفاجئ بعد قصيدةَ ، نبض دمشق الهادئ والهادر يف آن واحد؛ ويف املدينة اآلرسة ،ال مكان لألشجار باملعنى الكالسييك ،إنها أشجار تشبه البرش ،مختبئة وخائفة من املجهول ،يقول سوديربرغ« :أين هي األشجار؟ /يسأل عابر السبيل /فيجيب الهواء :لقد رافقت الناس إىل داخل البيوت» ،عىل املرسح ذاته (الحمراء) ،ويف الوقت ذاته، العبايس أيب قارب أدونيس بني عالقته باملدينة وتعبري الشاعر ّ متام ،قائ ًال« :بيني وبني دمشق مسافة ،هي مسافة الهجر». مرور سوديربرغ بدمشق ،ليس مروراً خائفاً بل هو مرور مبهم حول املفسرّ والغامض من اللغة ،أو ما ترتكه املآذن، من غرابة ثقافية– حضارية أمامه ،فهي يف ح ّد ذاتها العالمة تعجب /حيث ال يوجد سوى اللغوية« :إن املآذن عالمات ّ السؤال!» .مرور الشاعر الجاهيل امرئ القيس بدمشق، ورغم ترافقه مع وجهة أخرى (حني ذهب الشاعر إىل الروم مستنرصاً بقيرصهم ،ليعينه عىل األخذ بثأر أبيه) ،وتو ّتره
154
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
رنا زيد
بالنسبة إىل شخص يحمل دم أبيه ،هو مرور جام ّيل ،فامرؤ القيس يستوقف التفاصيل ،واملحيط املكاين ،إذ يف القصيدة العمودية التي مطلعها« :سام لك شوق بعد ما كان أقرصا/ وح ّل ْت ُسليمى بطنَ َق ٍّو َف َعر َعرا» ،ذك ٌر لبعض األماكن التي م ّر بها الشاعر أثناء مسريه إىل القسطنطينية عاصمة الروم، ومنها« :حوران ،وحامة ،وشيزر ،وقرى حمص» ،ولكنْ ليس يف القصيدة كلمة «دمشق» أو «الشام» ،إمنا تفاصيل الرحلة خمس عشرْ َة ليل ًة»، والصحبة كام الشطر« :إذا نحنُ سرِ نا َ ٌ وآخر يلفت إىل مجاورة قوم غسانِ « :كنا ِن َّية با َن ْت ويف الصد ِر ودُّها». شاعر جاه ّ يل آخر هو عمرو بن كلثوم ،يبدو الهياً ،وأكرث توازناً ،بالنظر إىل املصري الذي القاه امرؤ القيس ،ويتحدّث عمرو بن كلثوم يف قصيدته عن كأس رشبت يف بعلبك، مضيفاً إليها كأساً أخرى من دمشقُ : «وأخرى يف دمشقَ وقاصرِ ينا»ّ ،إن هذا الذكر لدمشق ُي ّ لخص شخصية ابن كلثوم املندفعة واملهاجرة صوب بادية الشام ،مع قناعة نفسية باملنون املنتظرة ،كام يردف املعنى اللغوي للكأس، املتأرجحة بني معناها املادي والرمزي ،يف البيت الذي ييل مبعنى أكرث عمقاً« :وإ ّنا سوف ُتد ِر ُكنا املنايا/ الشطر السابق، ً ِّ ُمقدَّر ًة لنا و ُمقدَّرينا» ،وكأن كأس دمشق ُتذكر باملوت ،نشوة
دمشق في قصائد الشعراء
الفنان املسترشق غوستف بورنفيند
ثم سكون. أ ّما شاعر العرص العبايس املتنبي ،الذي نشأ يف الشام، فيتح ّدث عن مبيته الدمشقي ،إنه يتالعب باللغة واملعنى، يزخرف اللغة ،لكنْ بح ّدة املقصد ،فكيف هو شكل فراش املتنبي يف دمشق؟ إنه عىل أقل تقدير فراش يذ ّكر بأحداث كثرية ،بعد مجرد االستلقاء عليه ،يقولَ « :مبيتي ِمن دمشقَ حاش» .طبعاً يأيت البيت اش /حشا ُه يل ِب َح ِّر حشايَ ِ عىل ِفر ِ ِّ حصة الرماح التايل ُمؤكداً احتدام املعارك الدائم ،ومساواة ّ ُ َّ مح من الدماء« :سقى ال َّد ُم ُك َّل َنصلٍ غ ِري ٍ ناب /و َر ّوى كل ُر ٍ اش». غ ِري ر ِ دمشق التي يسكنها لغز ما محيرّ وعيصّ ،واملشابهة لقصيدة بال لغة ملفوظة ،قصيدة تعتمد عىل عالقة من يسكنها مبكانه وبها ،كام هي الحال عند املتص ّوف األندليس محيي الدين بن عريب ( ،)1242- 1164هي مدينة األحالم والعباد الطيبني ،وها هو املعنى بني الله واإلنسان ،معنى الحق، الذي ُطول ْبنا نحن البرش بامتثاله أمراً مطاعاً .ومع اختالف تفسري الحق يف أبيات ابن عريب اليائية ،الذي يأيت ذكره يف رسه، دمشق ،كمناجاة بني الشاعر والله ،حول أمر الوجود و ّ يقول الشاعر يف هذين البيتني اللذين يحتويان مونولوجاً روحياً ،ليس با ُملع ّقد:
«ويف دمشق َ قال يل مثله /يف م ّر ٍة ُأخرى عىل سرِ ِّي رب أعنِّي عىل /ما قلت يل َ ُ فقال بالنَّصرْ ِ ». فقلت يا ِّ إن كالم ابن عريب عيصّ عىل االستبطان املعنوي إ ّال من املتفكرين ،وهو يشري إىل ذلك يف قصيدته األخرى عن دمشق مالذه اآلمن ومنطلقه الفلسفي ،الذي أخلص له ٌ منطقة عالية قلي ًال من جبل قاسيون، فس ِّميت الحقاًُ ، الحي ،الذي ال باسمه« ،حي الشيخ محيي الدين»؛ هذا ّ ميكن السري فيه دون الحذر جيداً من الدرب ،حيث الحارات الض ّيقة املتشابهة ،الواصلة مبنطقتَي ركن الدين ،واملهاجرين حي أصبح فيه رضيح ابن عريب وجهة للبسطاء، الدمشقيتنيّ ، أكرث من غريهم ،فال بد للبسطاء من أن ينشدّوا إىل غرابة املكان وسحره ،بعد رحلة مقتضبة يف السوق املزدحمة، أو بعد منجاة الله طوي ًال يف منازلهم ،يأتون جس ًام وروحاً، والجسم والروح ،كام يقول ابن عريب« :ما يف الكون غريهام/ نت» .ويف هذه القصيدة النونية إال الخيال الذي يأتيك بالف ِ يساوي ابن عريب بني أهليَ الشام واليمن ،بعد تأكيده ّأن َمن فطن» ،يقول يدري ِ بالح َكم التي قالها ،هو «ذو ُل ٍّب وذو ِ يف غري كناية عن ذلك الفاطن املتفكر يف املعاين الصوفية ُ املحج ُة ،ال أكني، وسالكها /من يعرفون ِمنَ الكونية« :هو ّ الشام وال َي َم ِن». اهْ لِ ِ كالم كثري ،وشع ٌر أصبح اليوم مطروقاً، دمشق التي قيل فيها ٌ ح َّد استسهاله أو اإلشاحة بالوجه عنه ،تحتاج إىل وقت طويل من إعادة النظر يف معناها الحا ّيل اليومي والواقعي، فكام يحفظ األطفال بيت الشاعر املرصي أحمد شوقي «سالم من صبا بردى ُّ ودمع ال (:)1932 1868- ٌ أرقٌ / ُ دمشقُ » ،ففي القصيدة ذاتها التي تتوارى أبياتها كفكف يا ُي غصة وحرقة« :ويب ِم اّم َرمت ِْك به األلسنة، خلف األخرى، ّ الليايلِ /جر ٌ القلب عُ مقُ »؛ ومن يذكر بردى يف احات لها يف ِ أوج انشداده إىل طريق متع ّرج ،ال بد سيتحسرّ عىل مجراه الشحيح اليوم ،مجرى يكاد يخجل من نفسه ،كلام نظر أحد إليه ،يتابع شوقي يف هذه القصيدة التحسرّ عىل دمشق الحزينة ،يف زمن الشاعر ،قائ ًال: َ َ َ وح ْرقُ «وقيل معا ُمل التاريخ ُد َّك ْت /وقيل أصا َبها َتل ٌف َ ِ َ عصف الحديدُ احم َّر ُأفقٌ /عىل َجنبا ِت ِه واس َو َّد ُأ ْفقُ ». إذا هي دمشق الشاحبة يوماً ،والحنونة -القاسية عىل أناسها امله ّمشني يوماً آخر ،وبعيداً اّ عم يتداولونه عن دمشق يف issue (4)- September - 2012
155
شعر ومدينة
يلم باملدينة يخرج تنهيدة الشعر ،تظهر يف عالقة الشاعرة السورية دعد حداد ( 1937-الغوطتني هام رئتا دمشق ،فام ّ ،)1991مالصقة للواقع املايض والالحق لدمشق ،إنها مدينة من غوطتيها وأملاً عميقاً بني األشجار هناك ،يقول أبو شبكة: ُ «وما يف الغوطتني سوى زف ٍريَّ / وطرق» ،وقد يبس تهمس يف الليل ملن يحب نهارها« :أنا متعبة مثلكم ،يا بأن جنا َنها ٌ تشري القصيدة إىل فرتة االحتالل الفرنيس ،كام يتط ّرق إىل أصدقاء!» .كتبت حداد غالبية قصائدها يف غرفة صغرية الشقاء ذاته الشاعر السوري شفيق جربي ()1980 1898- مستأجرة يف شارع العابد ،يف هذه املدينة ،تقول يف (ديوان «حلم عىل جنبات الشام مثة ضوء« :)1987 /الليايل ،هنا دمشق /وأبعد ،وليس بعد يف قصيدته الدالية التي مطلعهاٌ : االنتظار /أجاور السكون الربي /والقمر الشاحب /وأنام عىل أم عيدُ » ،والقصيدة هي فرح بجالء الفرنسيني عن سورية عام ،1946لكنّ بعض أبياتها ،تذكر املآيس التي تع ّرضت لها الورق األبيض /..ال يشء أصغر من هذا الكوكب /أفيقوا ضحاياك الليلة حتى الثاملة» .إذاً دمشق هنا هي نقطة ارتكاز ذات الشام خالل احتاللها ،كالبيت الذي يقول« :هذي ِ األيام تأبيدُ » ،إنه يشري إىل الشاعرة ،ومض ّيها إىل العامل الواسع ،من مكان ض ّيق وهزيل ،يف األيام آبد ٌة /وللضحايا عىل ِ الحي وامليت ،كام صورته الدامئةُ ،ته ّلل له أمه إن دمشق محيط حداد للحركة نهاراً ،بني الحدائق والدروب شهيد الشام ّ طف ًال ،وتطرب ملوسيقا أملها السامء« :تل ُّف ُه أ ُّم ُه ما ب َ ني أض ُل ِعها العامتة الباردة يف األحياء القدمية. ّ واألدق يف شقاء دمشق ،ما اب وغ ّريدُ ». الشاعر اللبناين إلياس أبو شبكة ( ،)1947 1903-يتحدّث عن /وموقدُ النار مطر ٌ قاله الشاعر السوري خري الدين الزركيل ()1976 1893- شقاء ما للمدينة ،إذ يرى أن جنانها أضحت يابس ًة مطرقة: تأرج ٍح رمزيّ لشكلِ مكانيَ ْ دمشقَ األشهرين ،نهر «فأزه ُرها من األرزا ِء صف ٌر /وأنه ُرها من األهوالِ بلقُ » ،إن متحدّثاً عن ُ
سعيد عقل وعاصمة الدنيا ـوب» ما كتبه الشاعر اللبناين سعيد عقل «شـا ُم ِ أهلوك إذا ْ هم عىلُ /نـ َو ٍب ٍ ،قلبي عىل ُن ِ ( ،)1912عن دمشق أو «الشام» ،هو األقرب للواقع والرتاكم املكاين للمدينة ،وطبعاً ما كان لهذا الشعر أن يتجه إىل العامة ،لوال صوت فريوز ،وألحان الرحابنة وتعاونهم مع موسيقيني آخرين ،ومنهم محمد عبد الوهاب ،إذ غنت فريوز َّ جل قصائد عقل عن دمشق؛ لقد أصبحت املدينة مجد الرشق ،مع توايل الوصف لتفاصيلها الفاتنة ،كأنها األنج َـم يف ُل َعبي» ،إنه مست الشاعر وأغوته ،يقول»:أنا يف ِظـ ِّل َك يا هُ د َب ـها/أحس ُ ـب ُ ُ الس ُ ـيف مل ِيغب» منطلقاً من تدفق نهر يجد صوته ،يف قصيدة مطلعها «شا ُم يا ذا َّ بردى ،لقد أعطى عقل للمدينة صفاتها املثالية ،وأوصل قممها ناحية الغيم َ »:و َّحـ َد ـب». الدُ نيا َغـداً َج َب ٌـل/ال ِع ٌ يـح ِ والح َق ِ ـب بال ّر ِ ً هو املجد ما أرد عقل أن يخلده شعريا ،ومرة تلو أخرى ،يظهر تحيزه لهذه املدينة ُ ُ أنت املجدُ مل يقول»:قرأت مجد َِك يف قلبي كمركز، ُـبَ /شـآ ُم ،ما املجدُ ؟ ِ و يف الكت ِ َي ِغ ِب» ،وما يضيف إىل كلامت قيمتها وانزياحاتها ،يف هذه القصيدة أيضاً ،صوت فريوز الشجي والرزين يف آن معاً ،ويحرض مرة أخرى «بردى» ،سحرياً وأسطورياً ،وحوله حو ٌر يتأهل بالشاعر ،ويتابع عقل كلامته مشرياً إىل عاصمة الدنيا ،عاصمة األمويني
156
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
« «
ظميء الشرق فيا شام اسكبي
دمشق في قصائد الشعراء
بردى وجبل قاسيون: «الل ُه للحدثانِ َ ُ ُ كيف تكيدُ /بردى يغيض وقاسيون مييدُ بلدٌ تب ّوأ ُه الشقا ُء فكلام َ /قدُ َم استقا َم ل ُه ب ِه تجديدُ». ويبقى من الشعر عن دمشق ما هو معروف ومتداول ،كام هي عالقة الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري (1899- )1997باملدينة ،يف قصيدته املعروفة ،ومنها: ُ قصدك ال ِخ ّباً وال «شممت ُتر َب ِك ال ُزلفى وال َم َلقا /وسرِ ْ ُت ِ مذقا». َّإن دمشق يف الشعرُ ،م ِح َّبة للجميع ومتسامحة معهم ،كام ُي ِكنّ لها الجميع إخالصاً ملا فيها من البهجة والحياة والحرقة، ويف هذا العشق املتواتر منذ أوائل الشعراء ،نذكر بيتَي الشاعر السوري نزار قباين ( ،)1998 – 1923يف قصيدته عن دمشق بلدة األنهار السبعة ،وقميص زهر الخوخ: بأرض ّ بالعشق الش ِام قد نزلوا /قتي ُل ُكم ْمل َيز َْل « ُقل ل ّلذينَ ِ ِ مقتوال
أوجعت بحس ِن ِك ِ يا شا ُم ،يا شا َم َة الدُّ نيا ،و َور َد َتها /يا َمنْ ُ األزاميال». اوح بني وعيهم والوعيهم، ر م الدمشقيني حال دمشق، ويف ٌ ملا ورثوه عن هذه املدينة من زخم إنساين حضاري بعيد االرتداد يف الزمن البرشي العام ،إنهم الشوق لكل األرض، يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش (:)2008 –1941 دمشقي بأندلس». باسمك إذ أخ ُلو إىل َن َفيس /كام مي ُّر «أم ُّر ِ ٌّ أخرياً ،يف قصيدة قد تكون مل ُتكتَب بعد ،دمشق هي الدمشقي النرض مع تعبه وه ّمه ،أو العابر الواقف بال كثري ّ النبي يحيى يف الجامع األمويّ ، من املاديات أمام رضيح ّ يدعو الله يف شأن خاص ،يضع كل ما ميلك يف ك ّوة الت ّربعات، دون أن يعرف إىل أين أو إىل من سيذهب ماله الشحيح؟ إنه أسري الخري باملعنى الطوباوي لذلك ،فدمشق تغوي الجميع باملحبة والسالم ،ويف كل شارع قصيدة ،أو إنسان هو القصيدة.
ْ َّ إىل هنـ ٍد و (ظمئ الرشق فيا ياشام اسكبي) ،ويستذكر الوزن ،أندلسيات لحنية مع ما غنته فريوز ،كام يف البيت»:نادتَ فهَـب ِ ـب» .يبدو عقل يف شعره عن دمشق مأخوذاً ومث ًال من املكان ،غائباً عن وعييه »:شآ ُم ...لفظُ أنـد ُل ٍ ـسَ /كغوط ٍة ِمن َشبا ا ُملـ َّرانِ وال ُق ُض ِ الشـآم اهتَـز َ َّ يف خ َلدي» .وهو يطلب الود الدائم منها ،كأنها الحبيبة املستحيلة ،يقول يف قصيدة أخرى عن الشآم »:وأنا لو ُر ْح ُت ِ ْ ُ ً ُ َ َّ أسترَ ْيض الشذا /النثـنى لبنان ِعطـرا يا شـآ ْم». َّ كأن دمشق جرح قديم ،وعقل وحده من أحسه ،يطرب من اآله التي ترتكها املدينة ،يف قصيدة ثالثة مطلعها »:طالَ ْت َن َوىً َو َبكىَ ِمن َشـ ْو ِق ِه ال َو َت ُر» ،وغنتها فريوز أيضاً ،يجدد عقل عهده مع بردى ،كأنه يخىش أن يشوب هذه العالقة العشقية ،أي أمر الخـريف بىك» .إن ذنباً ذاتياً يحوم يف كل أبيات الشاعر عن دمشق ،وكأنه يراضيها دامئاً ،أو يسمو بها يك يوم يف ِ يعكرها»:عَهدٌ كآخ ِر ٍ َ َ ال ميل قلبها ،ومن القصيدة السابقة ذاتها البيت التايل»:هنا الترّ ُ الح َج ُر؟». شام ُيط َر ُب َ َابات ِمن ِط ٍ يب و ِمن ط َر ٍبَ /وأينَ يف غ ِري ٍ العودة إىل دمشق ،عودة دامئة عند عقل ،وفريوز ال تربح تعود معه ،وقد يخال للمرء أن الصوت هو من حرك الشاعر ،ليقع يف فتنة الص ُ ياح» .هل ميكن إليك بيِ :أق ِل ْعَ ،و َنا َد ْتني ال ّر ُ املكان ،يقول يف قصيدة رابعة»:يا َشـا ُم عَا َد ّ الحن ُني ِ الجن َُاحَ /صـ َر َخ َ ـيف م ّت ِئ َداً َوعَا َد بيِ َ َ أن تكون فريوز هي رس استمرار ذاك الزخم يف الهيام اللفظي عن مكان ،مدينة واحدة؟ كم تشبه رقة فريوز يف الشطرين التاليني من القصيدة ،رقة دمشق يف مساء صيفي ،حني تعطي املارين نسامت باردة عطوفة»: رح ال َه َوى ،وَهُ ن َ َاك يف َو َطني جراح فأنا هُ نَا ُج ُ شـقُ الص َب ُاح». نك ين َه ِم ُر ّ وعليك عَي ِني يا ِد َم ،ف ِم ِ ِ إن هذه القصيدة هي األكرث تداوالً اليوم ،مع ما مير عىل دمشق من أمل ،وهناك قصيدة خامسة لعقل عن دمشق مطلعها »:مر يب يا واعداً وعداً مثلام النسمة من بردى» ،وأيضاً غنتها فريوز ،عدا عن ذكر دمشق يف قصائد عقل األخرى ،التي تشري إىل سورية مبفردها ،أو لبنان ،أو سوى ذلك issue (4)- September - 2012
157
أخبار البيت
10شعراء يستذكرون زايد في بيت الشعر بأبوظبي حرص بيت الشعر في أبوظبي على التفاعل مع مناسبات الدولة كافة ،حيث احتفى عبر قراءات شعرية بذكرى
رحيل القائد الرمز المغفور له بإذن هللا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه هللا
أبوظبي -بيت الشعر
استذكر بيت الشعر يف أبوظبي التابع لنادي تراث اإلمارات مساء أمس األول املغفور له الشيخ زايد رحمه الله يف الذكرى الثامنة لرحيله ،وذلك يف مقر مركز سلطان بن زايد للثقافة واإلعالم مبشاركة عرشة شعراء إماراتيني هم :حبيب الصايغ، رئيس الهيئة اإلدارية لبيت الشعر يف أبوظبي ،وراشد رشار، مدير مركز الشارقة للشعر الشعبي ،ومحمد نور الدين، وطالل سامل ،وعبدالله الهدية ،وسعيد القبييس ،وحسن النجار ،وحمدان الدرعي ،وراشد املنصوري ،وسعيد الراشدي، يف أمسية شعرية حرضها حشد من الشعراء واملثقفني اإلماراتيني والعرب. قال الصايغ يف مستهل األمسية« :إننا ال نكتب قصائد رثاء يف قائدنا ومؤسس دولتنا املغفور له الشيخ زايد رحمه الله ،فهو الحي فينا جميعا ،وهو الحارض يف صورة الوطن ويف قلوب أبنائه حكام دولة اإلمارات العربية املتحدة وقلوب جميع الناس يف العامل» .مؤكدا أن بيت الشعر يف أبوظبي يعترب أن «هذه هي املناسبة األسمى التي يحييها البيت يف كل عام مبشاركة أبناء زايد» .وبتوجيهات كرمية من قبل سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس نادي تراث اإلمارات. 158
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
تنوعت القراءات الشعرية بني الفصيح والنبطي ،وقرأ أوال الشاعر سعيد الراشدي قصيدة بعنوان «فقيد األمة» تحدث فيها عن مآثر ومكارم الشيخ زايد رحمه الله ،ليصف بعد ذلك يوم رحيله بتعابري شعرية مؤثرة .ثم تاله الشاعر طالل سامل ليقرأ قصيدة اتسمت بلغة صادقة وصور شعرية تصف سرية املغفور له الشيخ زايد الخرية واملعطاءة. وقرأ الشاعران راشد املنصوري وسعيد عتيق القبييس ،وقدم املنصوري قصيدة بعنوان «عساه بجنة الفردوس» جاءت يف وصف الفقد ،والغياب الذي آمل جميع اإلماراتيني يف رحيل قائدهم ووالدهم .وقرأ القبييس قصيدة بعنوان «السرية واملسرية» عددت إنجازات الراحل وموقعه اإلنساين ومواقفه الوطنية والعربية اتجاه القضايا الكربى .يقول يف القصيدة:
موحد الصف أرىس حكم دولتنا ّ حتى غدت من شموخ ما له سقفُ إىل قوله يف نهاية القصيدة: كل الحروف عظيامت بعزتها لك الخلود مديدا أيها ُ األلف
كام قرأ الشاعر راشد رشار قصيدة نبطية بعنوان «يازايد الحب» اتسمت بدالالتها وثراء تعابريها يف بناء إيقاعي
10شعراء يستذكرون زايد
حبيب الصايغ:
سبب فلو يعيد عزيزا راحال ٌ كنا مألنا فضاء اهلل أسبابا issue (4)- September - 2012
159
أخبار البيت
حبيب الصايغ
راشد رشار
طالل سامل
راشد املنصوري
سعيد القبييس
حمدان الدرعي
عذب ،واستذكرت القصيدة الشيخ زايد ومكانته يف قلوب أبناء وطنه بكل أطيافهم ،قال رشار:
استذكرك يا زعيم الدار وين انته عساك بجنة الفردوس يا زايد
ليقرأ بعد ذلك الشاعر حبيب الصايغ شعرا صافيا تتالحم فيه الصورة الشعرية مع اللغة وصدق العاطفة التي بدت واضحة يف معظم أبيات القصائد التي قرأها الصايغ ،كام متيزت بنفس شعري خاص منح العبارة الشعرية بعدا دالليا عميقا ،وجدد الشاعر من خاللها الوالء لقيادة اإلمارات ممثلة بصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وأخوانه حكام دولة اإلمارات .مؤكدا أن زايد لن يرحل يوما ولن يخرج من قلب الذاكرة .يقول الصايغ يف قصيدته «ماغاب زايد» :
ما غاب زايد ال والله ما غابا
160
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
لكنام عمرنا يف عمره ذابا ما اختاره ربه إال ليجمعه مع القريبني تقديرا وإعجابا
إىل قوله يف ختام القصيدة التي اعتمد فيها الشاعر عىل املفارقة واإلدهاش يف قفلة القصيدة:
سبب فلو يعيد عزيزا راحال ٌ كنا مألنا فضاء الله أسبابا
كام قرأ الصايغ قصيدة أخرى بعنوان «والء ضمري كاإلمارات ساطع» القت تفاعال الفتا من الحضور ،قال فيها :
لهم أمسهم واإلعتداد ويومهم لهم غدهم والشيخ زايد ُ ماثل لهم نهج وثاب الزمان خليفة ُ هواطل فيا أرض جودي واهطيل يا
بعد ذلك قرا الشاعر حمدان الدرعي قصيدة وصفت حب
10شعراء يستذكرون زايد
هذه هي المناسبة األسمى التي يحييها
حسن النجار
البيت في كل عام
محمد نور الدين
بتوجيهات كريمة من قبل سمو الشيخ سلطان بن زايد
عبد الله الهدية
الوطن وقائده بصور شعرية جاملية عذبة ،متيز الشاعر بإلقائها الذي بدا متوحدا بالفكرة واملعنى .وتاله الشاعر حسن النجار بقصيدة «ألطفالنا نروي قصة زايد» وهي قصيدة اعتمد فيها الشاعر عىل لغة شعرية شفافة وتعابري مبارشة مفعمة بالصدق .يقول فيها:
هذي ابتسامته كانت تشع لنا النغم متدنا أمال يف أعذب ِ ويف ابتسامته يحيى لنا وطنٌ الهمم من الرضا ،وبها زادٌ من ِ
النهاية كانت مع الشاعرين محمد نور الدين وعبدالله الهدية ،حيث قرأ نور الدين قصيدته «النفس املطمئنة» التي استذكرت الراحل الشيخ زايد رحمه الله بعد مثانية أعوام عىل رحيله ،لتؤكد أن زايد ما زال حارضا يف كل يوم وساعة ،فقد أعطى الخري ومنح الجميع حبا غري منقطع .واختتم الهدية األمسية بحب اإلمارات والوطن والقيادة :
سعيد الراشدي
نحب اإلمارات برا ويم ونفدي سامها بروح ودم
إىل قوله :
نحب اإلمارات عني العرب وقلب الشعوب وعشق األمم
ليقرأ بعدها قصيدة نبطية اتسمت بإيقاع جاميل الفت وجمل شعرية متتالية حملت يف ثناياها دقة يف الوصف وصورا عكست مقدرة الشاعر عىل الكتابة بتمكن ومعرفة . يشار إىل أن بيت الشعر يف أبوظبي حرص عىل التفاعل مع كل مناسبات الدولة ،حيث يحتفي بها عرب قراءات شعرية ألصوات إماراتية لها حضورها يف املشهد .ويأيت نشاطه يف هذا اإلطار كجزء من النشاط العام لنادي تراث اإلمارات الذي يواكب جميع مناسبات اإلمارات ويسهم فيها بفاعلية وحضور كبريين
issue (4)- September - 2012
161
أجنحة
.................................................................................................................... أجنحة وأسوار وأسوار
طريق السالالت حبيب الصايغ
ال تتوزع السالالت عىل أربعة أطراف األرض اعتباطاً .هي تقسيمة الشعوب واألجناس البرشية واألمم تتحول إىل تقاسيم منحوتة يف هاجس املعرفة ،وتتناولها التنبؤات فتذهب بها قريباً وبعيداً. تتناولها األرحام وتتناوب عليها .تدرك أمنياتها حيناً وتضيعها يف معظم األحيان ،غري أنها تذهب إىل أقىص الرحيل ،وتبذل يف سبيل وصولها املستعيص أبداً دم القلب والروح ،ثم تذهب وتذهب وال ترتاجع أو تعود ،وإمنا تتفنن يف ابتكار املالبسات والدموع والحيل ،وتستعد ،حتى لو مل تشأ ،لكل خطوة مقبلة ،بإقامة حفلة صاخبة بني املجرات .تذهب إىل مصائرها وحتوفها كل يوم ،ثم تذهب، مجدداً ،إىل أحالمها ومصادفاتها ،والطريق أمامها طويل .ليل يتواىل ،ونهار يغيب وراء الشمس قلي ًال اللتقاط األنفاس ورسعان ما يعود. الليل والنهار يتبادالن أنخاب الخيبة ،ويذهبان .يتبادالن كروت الزيارة ،وكروت اإلعاشة ،والكتب القدمية منزوعة األغلفة ،وال يعودان عن قلقهام حتى يف أيام العطل واألعياد .تراهام متحفزين أبداً يف أيام الحروب ويف غري أيام الحروب ،ويبديان خصوصاً يف آخر الخريف ما يبديان ،ويبدآن ،ويرحالن سرياً عىل األقدام إىل محطات قطار منسية لسبب بسيط هو أنها مل تنشأ بعد. ففي أية محطة قطار التقيتكم ،ويف أية محطة أودعكم؟ أين نتسامر عىل املاء ،وأين نتذكر ،وأين ننىس؟ وإىل متى ندخل يف الرتابة؟ . .هل نتشبث مببتدأ القول أم بخربه ،أو نتامهى مع كائنات مل تكن أبداً وال تكون؟ ال أسئلة تليق مبجدك أيها اإلنسان بعد اآلن ،ولك أن تستدرج األفكار كام تستدرج الحجل إىل شباكك ،وان قيل ان هذه أو تلك فكرة شاردة .فاستجمع كل قواك واركض وراءها .اذهب بعيداً وال تعد من دونها. . .وليس رشطاً أن يحدث فصل ،حتى عىل املستوى النحوي ،بني صيغة املفرد وصيغة الجمع ،بل صيغة منتهى الجموع. . .صعداً نحو قرى الصندل واملشموم هاكم مرشطي فاستعملوه .استعملوا أوجهكم .عودوا إليها .انتشلوها. حطب الذرات ما أدركه الحطاب .مل يجمعه من بني الركام. فاسكنوا أوجهكم ولتحفروها حفرة شاهقة نحو ذرى الوقت الحرام
162
بيت الشعر
العدد ( - )4ايلول/سبتمبر 2012/
.
حسن موىس:حروفية 163
issue (4)- September - 2012
من أعامل الفنان اإلمارايت عبد القادر الريس