bayt_alshier_4

Page 1

‫سبتمرب ‪2012‬‬ ‫متوز ‪ -‬يوليو‬ ‫(‪)2‬أيلول‬ ‫العدد(‪)4‬‬ ‫العدد‬

‫الشيخ زايد‬

‫ذكرى في الشعر‬ ‫حلمي سالم‪ :‬خاتمة القصيدة‬ ‫إدغار موران‪ :‬منبع الشعر‬ ‫)‪I S S U E N O (4‬‬

‫‪SEP 2012‬‬

‫دمشق في القصائد‪ :‬سالم من صبا بردى‬

‫شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي‬

‫نادي تراث اإلمارات‬

‫النبطي والفصيح في اإلمارات‬

‫التقاء وافتراق‬

‫الشعر ما بعد «الديكتاتورية»‬

‫العراق وليبيا ‪ ..‬سقوط الرقيب‬ ‫قاسم حداد‬

‫في مصاحبة طرفة بن العبد‬ ‫حسن العبد اهلل‬

‫شعر اليوم‬ ‫عالقات عامة‬

‫جمعة الفيروز‬

‫كائن القول‬ ‫الشعري‬

‫مختارات‬

‫قصائد النشوة‬ ‫للشاعر الهندي‪ :‬كبير‬


‫الفنان مودلياين‬


‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫الشعر والدم‬ ‫أين الشاعر العريب مام يحصل اليوم يف وطنه من تحوالت؟‬ ‫هل الشعر عىل الحياد؟‬ ‫ملاذا مل نقرأ قصيدة واحدة تقف قريبا من انهار الدم التي سالت من تونس اىل‬ ‫دمشق مرورا بصنعاء والقاهرة وطرابلس؟‬ ‫هل تراقب القصيدة من بعيد وال تريد لكلامتها أن تتلطخ بالدم؟‬ ‫اسئلة كثرية مطروحة منذ ان بدأت الشوارع العربية تغص باملتظاهرين الغاضبني‬ ‫الذين كانوا يهتفون «الشعب يريد اسقاط النظام»‪ .‬اسئلة تذهب إىل ما بعد الشعر‪،‬‬ ‫ولكنها تظل معلقة يف الهواء و ال تجد من يجيب عليها أو يحاول فك ألغازها‪ ،‬بل ان‬ ‫الشعراء الذين يشغلون يف الوجدان العام موقع طائر الرعد‪ ،‬مل يرتفع لهم صوت يف‬ ‫هذا الفضاء الدامي‪ .‬أغلبهم متركز حول ذاته‪ ،‬ملتزما الصمت والنظر بتعال إىل املأساة‪،‬‬ ‫بينام اكتفى بعضهم مبسايرة االحداث من وجهتها السياسية فقط‪ .‬مل يحرض النص يف‬ ‫املناسبه نهائيا‪ ،‬ال كشاهد وال كطرف‪ ،‬وكأن الدم ال يحرج الشعر وال يؤمل الشعراء‪.‬‬ ‫املوقف السيايس للشاعر مطلوب‪ ،‬بوصفه مواطنا وصاحب رأي ورؤية‪ ،‬ولكن ما ينتظر‬ ‫منه قبل ذلك هو القصيدة‪ .‬ليس ترفا ان نستدعي الشعر يف زمن الدم‪ ،‬وليس وظيفة‬ ‫الشاعر تجفيف الدموع‪ ،‬بل ان حضور القصيدة اليوم رضورة أساسية من رضورات‬ ‫الحرية والكتابة‪ ،‬فالشعر عىل مدى التاريخ كان موجودا يف لحظات الرتاجيديا والكارثة‪.‬‬ ‫وقف إىل صف الضعيف وسجل االحداث اإلنسانية بعيدا عن انحياز املؤرخني إىل‬ ‫جانب األقوياء واملنترصين‪ ،‬وحني يشد البرش ظهورهم بتاريخهم الخاص فإن أول ما‬ ‫يعتصمون به هو قصائد الشعراء‪ .‬ومن املؤسف ان الشعر مبا هو حلم جامعي وديوان‬ ‫ألخبار الشعوب غائب اليوم عن حدث كبري يف تاريخ العرب املعارص‪ ،‬حيث تقطر‬ ‫الجغرافيا العربية دما‪.‬‬ ‫قد تختلف اآلراء من حول ما يجري ولكن تبقى للشعر وحده القدرة عىل طرح سؤاله‬ ‫الخاص الذي يقع يف صلب ماهية الكتابة ومعنى الثقافة‪ .‬ولكن ما نراه هو العكس‪ ،‬مل‬ ‫نجد شاعرا يتقدم الصفوف ويجاهر بقصيدته حتى النهاية‪ ،‬ويتيح للشعر أن يقف أمام‬ ‫املأساة كسيف جرد من غمده‪ .‬مازلنا بعيدين عن املوضوع‪ ،‬بل ان البعض اضاع سؤال‬ ‫القصيدة يف جدل هاميش‪ ،‬يقامر بقيمة الحرية قبل الشعر‪.‬‬ ‫مل يحدد الشعر موقفا مام يجري‪ ،‬بل بدا بعض الشعراء مستسلمني لسهولة اللغة‪،‬‬ ‫حتى ان مواقف البعض تنحو يف اتجاه تنزيه اغراض الشعر عن الزلزال‪ ،‬ولكن التاريخ‬ ‫يقول غري ذلك‪ ،‬فشعر املقاومة الفرنسية ضد النازية تحول اىل ظاهرة شعرية‪ ،‬ذلك ان‬ ‫الشعراء الذين مل يرتدوا الزي العسكري مل يتخلوا عن مسؤوليتهم شعرا‪.‬‬ ‫من الخطر تأيت القصيدة‪ ،‬وهي لن تكون بالرضورة غصنا مثقال بالورود‪ ،‬وال مجرد‬ ‫اصوات وصور‪ ،‬انها رصخة توقظ الذين يغطون يف النوم‪ ،‬رصخة تجعل الصم يسمعون‬ ‫ومتنح صوتا للصامتني‪ ،‬رصخة تجلو الغشاوة عن عيون العميان الذين ال يريدون رؤية‬ ‫املأساة التي تقرتب منا‬

‫املحرر‬

‫تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي‬ ‫نادي تراث اإلمارات‬

‫املرشف العام‬

‫حبيب الصايغ‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫إبراهيم محمد إبراهيم‬ ‫مدير التحرير‬ ‫بشير البكر‬ ‫سكرتري التحرير‬ ‫عبد اهلل أبو بكر‬ ‫التحرير‬

‫جهاد هديب‬ ‫رنا زيد‬

‫املدير الفني‬ ‫فواز ناظم‬ ‫االخراج والتنفيذ‬ ‫ناصر بخيت‬

‫املراسلون‬

‫بيروت‪ -‬فيديل سبيتي‬ ‫الرباط‪ -‬حكيم عنكر‬ ‫باريس‪ -‬محمد المزديوي‬ ‫القاهرة‪ -‬حمزة قناوي‬ ‫روما‪ -‬حذام الودغيري‬ ‫صنعاء‪ -‬أحمد السالمي‬

‫الهيئة االستشارية‪:‬‬

‫علي جعفر العالق‬ ‫عارف الخاجة‬ ‫نوري الجراح‬ ‫سالم أبوجمهور‬ ‫حسن نجمي‬ ‫علي الشعالي‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪3‬‬


‫محمد غني حكمت ‪ ..‬شاعر الحجر البغدادي‬

‫‪146‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪ 25‬نصوص‪ :‬محمد جرب الحريب‪ ،‬طالل سامل‪ ،‬عبد الرحيم الخصار‪ ،‬حازم العظمة‪ ،‬محمد‬ ‫يوسف أبو لوز ‪ ..‬سبب الشعر‬

‫زينو شومان‪ ،‬بيان الصفدي‪ ،‬عامد جبار‪ ،‬لؤي أحمد‪ ،‬ضيف حمزه ضيف‪ ،‬عبود الجابري‪ ،‬فوزي‬ ‫باكري‪ ،‬مهند السبتي‪ ،‬أرشف جمعة‪ ،‬عالء أبو عواد‪ ،‬محمد العديني‪ ،‬غمكني مراد‪ ،‬محمد عيل‬ ‫اليوسفي‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪ 44‬نظري ًا‪ ..‬صبحي حديدي‬ ‫‪ 45‬تحقيق‪ ..‬النبطي والفصيح يف اإلمارات‬ ‫‪ 52‬ملف‪ ..‬الراحل حلمي سامل‬ ‫‪ 60‬تجارب‪ ..‬جمعة الفريوز‬ ‫‪ 64‬حوار‪ ..‬إدريس بن الطيب‬ ‫‪ 67‬مختارات‪ ..‬الشاعر الهندي‪ :‬كبري‬ ‫‪ 80‬حاشية‪ ..‬حسن نجمي‬

‫رأي الناقد‪ ..‬قراءة يف نصوص العدد الثالث «بيت الشعر»‬

‫منارة الشارقة‬ ‫الشعرية‬

‫‪www.poetryhouse-ad.ae‬‬

‫‪92‬‬

‫الغالف‪:‬‬

‫ النحات العراقي مكي حسين‬‫‪ -‬لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان‬

‫عناوين املجلة‬ ‫االدارة والتحرير‪:‬‬ ‫االمارات العربية املتحدة‪-‬ابوظبي‬ ‫هاتف‪+97124916333 :‬‬ ‫امييل‪bashir@cmc.ae :‬‬

‫أبوظبي لإلعالم‪-‬توزيع‬ ‫الرقم املجاين ‪8002220 :‬‬ ‫لالتصال من الخارج‬ ‫‪+97124145000‬‬ ‫فاكس ‪+971 24145050 :‬‬

‫‏‪distribution@admedia.ae‬‬ ‫مسؤول التوزيع‪ :‬زياد النجار‬

‫املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة‬ ‫‪4‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة‬


‫المحتويات‬

‫‪60‬‬

‫‪122‬‬

‫‪ 81‬قضية‪..‬‬ ‫الشعر ما بعد (الديكتاتورية) ‪ -‬ليبيا والعراق‬

‫‪92‬‬ ‫‪ 96‬شعر وسينما‪ ..‬الفيلم الشعري‬ ‫‪ 98‬في الشعر‪ ..‬إدغار موران‪ ،‬ميشيل دوغي‪ ،‬روجيه عوطة‪،‬‬ ‫بيت الشعر في الشارقة‬

‫عبد الله أبو بكر‬

‫‪108‬‬ ‫‪ 114‬جدل‬

‫حوار‪ ..‬حسن العبد الله‬

‫ قصيدة نرث أم وعي شعري جديد ؟‬‫‪ -‬ردة شعرية ‪ ..‬عودة إىل قصيدة العمود‬

‫‪121‬‬ ‫‪ 122‬نقد‬

‫حائط أبيض‪ ..‬نوري الجراح‬

‫سعر النسخة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪ 10 :‬دراهم ‪ -‬اململكة العربية السعودية ‪10‬‬ ‫رياالت ‪ -‬الكويت دينار واحد ‪ -‬سلطنة عامن ‪ 800‬بيسة ‪ -‬قطر ‪ 10‬رياالت‬ ‫ مملكة البحرين دينار واحد ‪ -‬اليمن ‪ 200‬ريال ‪ -‬مرص ‪ 5‬جنيهات ‪-‬‬‫السودان ‪ 250‬جنيهاً ‪ -‬لبنان ‪ 5000‬لرية ‪ -‬سورية ‪ 100‬لرية ‪ -‬اململكة‬ ‫األردنية الهاشمية ديناران ‪ -‬العراق ‪ 2500‬دينار ‪ -‬فلسطني ديناران ‪-‬‬ ‫اململكة املغربية ‪ 20‬دره ًام ‪ -‬الجامهريية الليبية ‪ 4‬دنانري ‪ -‬الجمهورية‬ ‫التونسية ديناران ‪ -‬بريطانيا ‪ 3‬جنيهات ‪ -‬سويرسا ‪ 7‬فرنكات ‪ -‬دول االتحاد‬ ‫األورويب ‪ 4‬يورو ‪ -‬الواليات املتحدة األمريكية وكندا ‪ 5‬دوالرات‪.‬‬ ‫االشتراكات‬ ‫لألفراد داخل دولة اإلمارات‪ 100 :‬درهم‪ /‬لألفراد من خارج الدولة‪150 :‬‬ ‫دره ًام ‪ -‬للمؤسسات داخل الدولة‪ 150 :‬دره ًام‪ /‬للمؤسسات خارج الدولة‬

‫‪52‬‬

‫‪64‬‬ ‫ قاسم حداد يف مصاحبة «طرفة بن الوردة»‬‫‪ -‬العنوان والنص يف الشعر اإلمارايت‬

‫‪130‬‬ ‫‪ 132‬تجارب ‪ ..‬جان تارديو‬ ‫‪ 134‬قصيد األسالف‪ ..‬الحالج يف تعدد القراءات‬ ‫‪ 139‬مختارات‪ ..‬الشعر اإليسلندي‬ ‫‪ 144‬شعراء قتلتهم القصيدة‬ ‫‪ 146‬شعر وتشكيل‪ ..‬محمد غني حكمت‬ ‫‪ 150‬نزار قباني‪ ..‬قراءة فلكية‬ ‫‪ 154‬دمشق في القصائد‬ ‫‪ 158‬أخبار البيت‪ 10 ..‬شعراء يستذكرون الشيخ زايد‬ ‫هيوز ‪ -‬درويش‪ ..‬وردة األنثى‬

‫‪108‬‬

‫حسن العبد اهلل‬

‫ُ‬ ‫نعيش زمن شعراء‬ ‫العالقات العامة‬

‫‪200‬درهم‪.‬‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪5‬‬


‫ُكتاب العدد‬

‫‪4‬‬

‫‪18‬‬

‫‪9‬‬

‫‪22‬‬

‫تخطيطات ُ‬ ‫الكتاب‪ :‬نارص بخيت‬

‫‪16‬‬

‫‪21‬‬

‫‪15‬‬

‫‪19‬‬

‫‪ .1‬سامح كعوش‬

‫• شاعر وناقد من فلسطني‪ ،‬يقيم يف االمارات‪.‬‬ ‫أصدر ست مجموعات شعرية من بينها‬ ‫«صباحات النسكافيه» ‪ 2012‬عن دار الغاوون‬ ‫‪،‬وله يف النقد عدة كتب منها «سرية غيم يهذي‪/‬‬ ‫قراءة يف التجربة الشعرية لحبيب الصايغ»‪.‬‬

‫‪ .2‬نهى أبو عرقوب‬

‫• مرتجمة عن االسبانية تقيم يف عامن‪.‬‬

‫‪ .3‬خلود الفالح‬

‫‪ .9‬ياسني الزبيدي‬

‫• شاعرة وصحافية مرصية تقيم يف‬ ‫القاهرة‪.‬‬

‫‪ .18‬مازن معروف‬

‫• روايئ وصحايف من ليبيا‪ ،‬من بني‬ ‫إصداراته “املداسة”‪“ ،‬نواح الريق”‪،‬‬ ‫“عسل الناس”‪.‬‬

‫‪ .19‬مفيد نجم‬

‫‪.10‬عزة حسني‬

‫‪ .11‬محمد األصفر‬

‫• شاعر ومرتجم من ليبيا‪ .‬من دواوينه قصائد‬ ‫الرشفة‪ ،‬ومختارات من الشعر العاملي‪.‬‬

‫‪ .13‬أمين بكر‬

‫• شاعر من العراق يقيم يف بغداد‪ ،‬صدر له عدد‬ ‫من الدواوين وفاز بعدد من الجوائز العربية‬ ‫واألجنبية‪.‬‬

‫‪ .6‬مهند صالحات‬

‫• قاص ومخرج أفالم وثائقية‪ ،‬يقيم يف‬ ‫ستوكهومل‪.‬‬

‫• شاعر من األردن صدر له ديوان‬ ‫س ِّمني ما شئت‪.‬‬

‫• شاعر وناقد من مرص‪ ،‬يقيم يف‬ ‫الكويت‪.‬‬

‫‪ .14‬رجاء طالبي‬

‫• شاعرة وكاتبة ومرتجمة من املغرب‪،‬‬ ‫صدر لها برد خفيف وحياة أخرى‪.‬‬

‫‪ .15‬يوسف عبد العزيز‬

‫• شاعر ومرتجم من املغرب‪ ،‬صدر له حجرة وراء‬ ‫األرض وعودة صانع الكامن‪.‬‬

‫• شاعر من فلسطني من دواوينه‪:‬‬ ‫حيفا تطري إىل الشقيف‪ ،‬نشيد الحجر‪،‬‬ ‫وطن يف املخيم‪ ،‬دفاتر الغيم‪ ،‬وذئب‬ ‫األربعني‪.‬‬

‫• شاعر وكاتب صحفي من لبنان‪.‬‬

‫• شاعر وناقد من املغرب‪ ،‬من أعامله‬

‫‪ .7‬محمود عبد الغني‬

‫‪ .8‬روجيه عوطة‬

‫‪6‬‬

‫بيت الشعر‬

‫‪ .23‬حسام الرساي‬

‫‪ .17‬عبود الجابري‬

‫‪ .12‬مهند السبتي‬

‫‪ .5‬صالح حسن‬

‫• شاعر عراقي يقيم يف اّ‬ ‫عمن له عدة‬ ‫اصدارات شعرية آخرها متحف النوم‬

‫• أستاذ جامعي من العراق يقيم يف‬ ‫أبوظبي‪.‬‬

‫• شاعرة وصحافية ليبية تقيم يف بنغازي‪.‬‬ ‫صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان ينتظرونك‪.‬‬

‫‪ .4‬عاشور الطويبي‬

‫شجر النوم‪ ،‬نتوءات زرقاء‪ ،‬و الجزء‬ ‫األول خبز العائلة‪.‬‬

‫‪ .22‬رنا زيد‬

‫‪ .16‬صالح بو رسيف‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫• شاعر ومرتجم من فلسطني يقيم يف‬ ‫إيسلندا‪ ،‬صدر له الكامريا ال تلتقط‬ ‫العصافري‪ ،‬ومالك عىل حبل الغسيل‬

‫• ناقد من سوريا‪ ،‬يقيم يف أبو ظبي‪،‬‬ ‫أصدر العديد من الكتب يف حقل‬ ‫النقد من بينها‪ :‬األفق والصدى ‪-‬‬ ‫دراسات يف الشعر السوري املعارص‪،‬‬ ‫الربيع األسود‪ ،‬وأرض األبدية‪ ،‬وطائر‬ ‫بأكرث من جناح‪.‬‬

‫‪ .20‬خالد بلقاسم‬

‫ناقد من املغرب‪ ،‬من بني ما صدر له‬ ‫يف حقل النقد‪ :‬أدونيس والخطاب‬ ‫الصويف‪ ،‬الكتابة والتصوف عند ابن‬ ‫عريب‪ ،‬والكتابة وإعادة الكتابة يف‬ ‫الشعر املغريب املعارص‪.‬‬

‫‪ .21‬لينا أبو بكر‬

‫• شاعرة وكاتبة صحفية مقيمة يف‬ ‫لندن‪ ،‬من دواوينها املحارة الجريحة‬ ‫وخلف أسوار القيامة‪.‬‬

‫• شاعرة وكاتبة فلسطينية تقيم يف‬ ‫سوريا‪.‬‬

‫شاعر وصحايف عراقي يقيم يف بغداد‪،‬‬ ‫صدر له وحده الرتاب يقهقه‪.‬‬ ‫وفي الشعر‬

‫‪ -24‬محمد جرب الحريب‬ ‫(السعودية)‬ ‫‪ -25‬طالل سامل (اإلمارات)‬ ‫‪ -26‬عبد الرحيم الخصار‬ ‫(املغرب)‬ ‫‪ -27‬حازم العظمة (سوريا)‬ ‫‪ -28‬محمد زينو شومان (لبنان)‬ ‫‪ -29‬بيان الصفدي (سوريا)‬ ‫‪ -30‬عامد جبار (العراق)‬ ‫‪ -31‬لؤي أحمد (األردن)‬ ‫‪ -32‬ضيف حمزه ضيف (الجزائر)‬ ‫‪ -33‬عبود الجابري (العراق)‬ ‫‪ -34‬فوزي باكري (فلسطني)‬ ‫‪ -35‬أرشف جمعة (مرص)‬ ‫‪ -36‬مهند السبتي (األردن)‬ ‫‪ -37‬عالء أبو عواد (فلسطني)‬ ‫‪ -38‬محمد العديني (اليمن)‬ ‫‪ -39‬غمكني مراد (سوريا)‬ ‫‪ -40‬محمد عيل اليوسفي (تونس)‬


‫االفتتاحية‬

‫ربيع الشعر العربي‬

‫ُق ّدر‬

‫لنا نحن شعراء هذه املرحلة‪ ،‬أن نعيش ونشهد هذا املنعطف التاريخي املفعم باألمل واألمل‪ ،‬بالتفاؤل واإلحباط‪،‬‬ ‫بالدم املبرش بالبدايات والدم املوحي بنهاية كل يشء‪ُ .‬قدّر لنا أن نتوقف عن كتابة الشعر ليك نستوعب بعض‬ ‫نعب عن مشاعرنا بصدق وتلقائية وفا ًء للشعر‪ُ .‬قدر لنا أن نتس ّمر أمام شاشات التلفاز متنقلني بني‬ ‫ما يجري حولنا قبل أن ّ‬ ‫قنواته املطلية باللون األحمر واألسود ساعات وساعات ليك ال يفوتنا ولو جزء من الحقيقة الدامية املمزوجة بالكثري من‬ ‫الدموع‪ُ .‬قدّر لنا أن نكون جزءا من هذا املخاض العسري والطويل املشوب بالرتقب والحذر والجرأة أحيانا يف انتظار املولود‬ ‫القادم عله يعلن عن يشء مل نسمعه من قبل ال يف البيانات األوىل وال الثانية وال الثالثة‪ ،‬يشء يسمي األشياء بأسامئها ويضع‬ ‫النقاط عىل الحروف التي ُسقت نقاطها منذ عقود‪ .‬لقد سموه الربيع العريب أما أنا فلن أسميه حتى أرى الزهور تتفتح‬ ‫أمامي وأسمع ثغاء األغنام يف الحقول والبوادي واألرياف غنا ًء تنتيش له الروح التواقة إىل الغناء‪ ،‬لن أسميه حتى تذهب‬ ‫رائحة الدم ورائحة الفساد واالستبداد والكذب والتزوير والنفاق إىل غري رجعة‪ .‬أترانا سنكتب شيئا مختلفا وجديدا أيها‬ ‫بحروف أخرى سيأيت بها الصباح الساطع من عيون الشهداء‬ ‫الشعراء؟ هل سنضمد جراحاتنا املليئة بشظايا الحروف الحزينة‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫األحرار ودموع األمهات الثكاىل؟ ترانا سنقلب صفحة األمل ونبدأ سطرا جديدا بصفحة األمل؟ لقد تعبنا و (هرمنا من أجل‬ ‫هذه اللحظة التاريخية)‪ .‬تراها ستكون فعال هي اللحظة التاريخية التي انتظرناها طوي ًال؟ هل سيقف الحاكم واملحكوم‬ ‫يتغنون بصوت واحد وعىل ايقاع واحد بالوطن الواحد املنشود؟ هل سيحب بعضنا بعضا يف الرس والعلن؟ ويدعو بعضنا‬ ‫لبعض بالتوفيق والسداد يف مواقعنا املختلفة؟ هل سينترص الجميع حقا؟ تلك أسئلة أطرحها عليكم أيها الشعراء كام أطرحها‬ ‫عىل نفيس‪ ،‬ليس للحصول عىل إجابات أعلم سلفا أن ال أحد اآلن يستطيع تقدميها‪ ،‬إمنا أحرضكم كام أحرض نفيس عىل أن‬ ‫نعمل جميعا عىل صناعتها كام نشتهي‪ ،‬ال أن ننتظرها من الخارج‪ ،‬ألن أهل القصيدة أدرى بشعابها‪.‬‬ ‫إن ثورة الشعر أو ربيع الشعر العريب الذي تأخر طوي ًال و(هرمنا من أجله) يستحق منا وقفة جد ال تراجع عنها من خالل‬ ‫طرح سؤال كبري هو سؤال املرحلة الراهنة والذي يتجىل يف‪ :‬كيف نعيد للشعر دوره وهيبته وأهميته يف املجتمع‪ ،‬كام كان‬ ‫دامئا عب تاريخ الحياة البرشية؟ إنه سؤال يحتاج إىل لقاءات وندوات جادة تتضافر إلنجاحها جهود كل الشعراء واألدباء‬ ‫واملؤسسات النفعية املختصة والهيئات الحكومية‪ ،‬وإال سيبقى منتهى حلم الشاعر أمسية تقام له هنا أوهناك ال يحرضها غري‬ ‫الصحفيني والشعراء أنفسهم أو ديوان شعر يطبع له ويبقى حبيس املخازن البائسة‪ .‬فهل مثة ربيع أيضا للشعر يضعه عىل‬ ‫مساره الطبيعي؟‬

‫رئيس التحرير‬

‫‪7‬‬


‫كاريكاتير‬ ‫عنوان املجموعة الأخرية لل�شاعرة حمدة خمي�س «طوق الغواية»‬

‫‪8‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫بدءا‬

‫مع‬

‫بدء الشهر الفضيل تعطلت «الحياة‬ ‫الشعرية» تقريبا يف املنطقة العربية‪.‬‬ ‫املهرجانات الشعرية والثقافية جرت وانتهت بعد‬ ‫أن ألقت ظروف املنطقة وأحداث الربيع العريب‬ ‫ظالال ثقيلة عليها‪ ،‬بينام ظلت صناعة النرش ناشطة‬ ‫يف صورة طبيعية‪.‬‬ ‫غالبا‪ ،‬رمضان ليس شهرا شعريا‪ ،‬باملعنى اإلجرايئ‬ ‫واملناسبايت للكلمة‪ ،‬عىل العكس مام هو عليه‬ ‫خارج املنطقة العربية‪ ،‬فقد تواصلت العديد من‬ ‫الفعاليات الشعرية‪ ،‬مهرجان «أصوات ح ّية» يف‬ ‫بلدة «سيت» يف الجنوب الفرنيس ومهرجان الشعر‬ ‫العاملي يف روتردام ومهرجان الشعر يف سلوفينيا‬ ‫فضال عن عدد من املهرجانات التي أقيمت وستقام‬ ‫يف كل من كولومبيا وكوستاريكا وأسرتاليا وسواها‬ ‫الرحالون‪.‬‬ ‫من مناطق العامل حيث ينشط الشعراء ّ‬ ‫األمر أيضا ال يقترص عىل املهرجانات وحدها‪ ،‬ففي‬ ‫األصياف تنشط الجامعات أيضا‪ ،‬وتستضيف شعراء‬ ‫ون ّقادا من أهل البالد ومن غريهم يف برامج تجمع‬ ‫ما هو أكادميي محض إىل ما هو عىل صلة بالناس‪،‬‬ ‫وهؤالء غالبا ليسوا معروفني عىل نطاق جامهريي‬ ‫واسع بل هم كذلك لدى ُن َخب ثقافية وشعرية‪،‬‬ ‫لكن اختيار هذه الجامعة أو تلك لهم يثري فضول‬ ‫جمهور أوسع‪ .‬ما يعني أن «العقل الشعري» ال‬ ‫يتعطل بل يستمر يف االنتاج‪ ،‬شعرا ونقدا يف الشعر‬ ‫وجدال حولهام‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬يف بالدنا ال تؤسس الجامعات لربامج ثقافية‬ ‫متخصصة‪ .‬األكادمييات العربية غائبة متاما والعقل‬ ‫الشعري فيها ّ‬ ‫معطل إىل ح ّد بعيد‬ ‫التحرير‬

‫زايد‪..‬رجل للتاريخ‬ ‫إصدار شعري في الذكرى الثامنة لرحيله‬ ‫يف الذكرى الثامنة لرحيل حكيم‬ ‫األمة املغفور له الشيخ زايد بن‬ ‫سلطان آل نهيان رحمه الله‪ ،‬صدر‬ ‫ديوان جديد للشاعر عيل بن سامل‬ ‫الكعبي ويحمل عنوان “زايد‪..‬‬ ‫رجل للتاريخ”‪ .‬وجاء اإلصدار يف‬ ‫بناء فني مختلف حيث يتكون‬ ‫من قصيدة واحدة‪ ،‬يصل عدد‬ ‫أبياتها الشعرية اىل مائتني وخمسة‬ ‫وعرشين بيتاً من الشعر الشعبي‪،‬‬ ‫تناولت املسرية الرائدة للقائد‬ ‫املؤسس املغفور له الشيخ زايد بن‬ ‫سلطان آل نهيان رحمه الله منذ‬ ‫قيام االتحاد حتى تاريخ رحيله‪.‬‬ ‫ويف إطار شعري مبتكر‪ ،‬تناول خالله الشاعر الكعبي مراحل من حياة الشيخ زايد‪،‬‬ ‫حيث صور برباعة الشعر كل الجوانب املضيئة يف تلك املراحل بأسلوب شفاف‪،‬‬ ‫وبعذوبة القول‪ ،‬وبرقة العبارة‪ ،‬اذ نجد يف كل صفحة من صفحات الكتاب إضاءة‬ ‫ملرحلة معينة يف حياة القائد من جميع الجوانب الشخصية والعامة‪ ،‬ويف جميع‬ ‫القطاعات ذات الصلة ببناء دولة االتحاد‪ ،‬وحياة املجتمع‪ .‬يقابل كل صفحة ش ْع ٍر‪،‬‬ ‫جملة من أقوال الشيخ زايد وصورة تاريخية تحمل جميعها نفس املعنى لألبيات‬ ‫املستلهمة من هذه اللوحات املرشقة من تاريخ البالد‪ ،‬وبهذه الطريقة يقدم الكعبي‬ ‫بناء فنيا يف ديوان ميزج بني امللفوظ املحيك للشاعر والقول املأثور للمغفور له الشيخ‬ ‫زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله‪ ،‬والصورة املرئية التوثيقية‪.‬‬

‫«قاف» ‪ ..‬الصوت النسائي الشاعر في اإلمارات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أصدر اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات العدد الثاين من مجلة «قاف» الفصلية التي تعنى بالشعر‪ .‬وقد حمل العدد عنوانا عريضا (ديوان األنثى‪ :‬أنثى‬ ‫ترسد قاف حضورها)‪ ،‬وهو عنوان يشف عن محتوى العدد‪ ،‬إذ جاءت موضوعاته وأبوابه حاملة للصوت النسايئ الشاعر يف اإلمارات‪.‬‬ ‫تضمن العدد نصوصاً الثنتني وخمسني شاعرة إماراتية‪ ،‬إضافة إىل أربع قراءات نقدية ألربع كاتبات من اإلمارات يف تجارب كل من «برشى عبد‬ ‫الله» كتبتها زينب اليايس‪ ،‬و«رهف املبارك» كتبتها سعاد راشد أحمد الرميس‪ ،‬و«صالحة غابش» كتبتها شيخة الخاطري‪ ،‬ودراسة حول الغربة‬ ‫والحنني يف الشعر النسوي اإلمارايت كتبتها وفاء أحمد العنتيل‪.‬‬ ‫أما «قاف البداية» و«قاف الختام» فكان بقلم كل من شيخة املطريي‪ ،‬ود‪ .‬لطيفة النجار‪ .‬لكن الجزء الذي يلفت االنتباه كان ملف العدد الذي‬ ‫أعدته خريية ربيع عن الشاعرة اإلماراتية عوشة بنت خليفة السويدي امللقبة بفتاة العرب‪ .‬وقد مهدت للملف مبقدمة استعرضت فيها السرية‬ ‫الذاتية للشاعرة ومالمح تجربتها‪ .‬ثم تلتها منتقيات من نصوصها انفردت املجلة بنرشها ألول مرة‪.‬‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪9‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫شاعر شاب من فلسطين‬

‫جائزة «المالئكة» في‬ ‫دورتها الخامسة‬

‫دعت وزارة الثقافة العراقية‬ ‫الشهر املايض الكاتبات العراقيات‬ ‫والعربيات عموما إىل املشاركة‬ ‫يف الدورة الخامسة لجائزة نازك‬ ‫املالئكة لإلبداع النسوي خالل‬ ‫دورتها للعام الجاري ‪ ،2012‬س ّيام‬ ‫بعد النجاح الذي القته هذه‬ ‫املسابقة بدورتها السابقة التي‬ ‫أسهمت بها عرشات املبدعات‬ ‫العربيات الاليئ حرضن لبغداد‬ ‫لتسلم جوائزهن‪ ،‬بحسب ما ذكر‬ ‫بيان صدر عن الوزارة‪.‬‬ ‫من جانبها أكدت عضو اللجنة‬ ‫التحضريية للجائزة رئيسة منتدى‬ ‫نازك املالئكة القاصة إيناس البدران‬ ‫أن املشاركة تكون بنص واحد‬ ‫وجنس أديب واحد يشمل الشعر‬ ‫والقصة القصرية والنقد األديب‪،‬‬ ‫وأن ال يكون النص املشارك قد‬ ‫فاز بجائزة أخرى‪ ،‬وفيام يتعلق‬ ‫بالنقد األديب أن يكون ذا صلة‬ ‫مبنجز الشاعرة الرائدة نازك املالئكة‬ ‫ومستوفيا ملعايري منهج البحث‬ ‫العلمي األكادميي توثيقا للمصادر‬ ‫واملراجع واإلحاالت عىل أن اليزيد‬ ‫عدد الصفحات عىل (‪ )15‬صفحة‬ ‫بحرف(‪ . )16‬وأفادت البدران أن‬ ‫املشاركة يف الجائزة مفتوحة بدءا‬ ‫من ‪ 30‬يوليو املايض وحتى نهاية‬ ‫الشهر املقبل‪ ،‬و ستعلن النتائج يف‬ ‫الخامس عرش من الشهر ذاته‪ ،‬عىل‬ ‫أن تكون جميع النصوص املشاركة‬ ‫باللغة العربية الفصيحة‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫بيت الشعر‬

‫روضة الحاج‬

‫روضة الحاج تفوز بجائزة «شاعر‬ ‫عكاظ»‬ ‫فازت الشاعرة السودانية روضة الحاج بجائزة «شاعر‬ ‫عكاظ»‪ ،‬يف دورته السادسة للعام ‪ ،2012‬وقيمتها ‪300‬‬ ‫ألف ريال‪ ،‬وفاز إياد حكمي «السعودية» مبسابقة «شاعر‬ ‫شباب عكاظ»‪ ،‬وقيمتها ‪ 100‬ألف ريال‪ ،‬أما جائزة «لوحة‬ ‫وقصيدة» فحصد املركز األول فيها الفنان عبده محمد‬ ‫عبده عرييش «السعودية»‪ ،‬واملركز الثاين محمد بويب‬ ‫«الصومال»‪ ،‬واملركز الثالث الفنان فهد خليف الغامدي‬ ‫«السعودية»‪.‬‬ ‫وذكرت لجنة الجائزة ان عدد املتقدمني ملسابقة شاعر‬ ‫عكاظ يف دورة العام الحايل بلغ ‪ 35‬شاعرا من مثاين دول‬ ‫عربية‪،‬هي اضافة للسعودية‪ :‬املغرب‪،‬سوريا‪ ،‬تونس‪،‬‬ ‫االردن‪،‬اليمن‪ ،‬عامن‪ ،‬السودان‪ ،‬وموريتانيا‪ .‬وقالت اللجنة‬ ‫ان املسابقة حظيت هذا العام مبشاركة شعراء مشهورين‬ ‫من الوطن العريب‪ ،‬وهي أسامء وصفتها بـ «القوية»‪.‬‬ ‫واضافت اللجنة ان هذه املشاركة تعزز مكانة مسابقات‬ ‫سوق عكاظ كونها واحدة من املسابقات املنافسة عىل‬ ‫مستوى العامل العريب‪ ،‬وانها باتت اليوم موضع عناية‬ ‫واهتامم من جميع املثقفني يف الوطن العريب‪ .‬وأشارت‬ ‫اللجنة إىل أن الجائزة تحظى برعاية رسمية حيث يرشف‬ ‫عليها مبارشة األمري الشاعر خالد الفيصل (أمري مكة)‬ ‫وكانت لجنة الجائزة قد حجبتها يف الدورة املاضية لسنة‬ ‫‪ ،2011‬يف حني حاز عليها يف دورة سنة ‪ 2010‬الشاعر‬ ‫اللبناين شوقي بزيع‪ ،‬الذي شارك يف املسابقة بقصيدة‬ ‫عمودية‪ ،‬مع انه من كتاب قصيدة التفعيلة املعروفني‪.‬‬ ‫وشهدت جادة عكاظ خالل املهرجان فعاليات وأنشطة‬ ‫متعددة استمرت لعرشة أيام‪ ،‬عرضت خاللها مرسحية عن‬ ‫الشاعر «عنرتة بن شداد»‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫تعلن مؤسسة عبد املحسن القطان‬ ‫الثقافية يف هذا الخريف عن أسامء‬ ‫الفائزين بجائزتها السنوية للكاتب‬ ‫الشاب يف مجايل الشعر والقصة‬ ‫القصرية والتي كانت قد أغلقت باب‬ ‫قبول الرتشيحات يف أول مايو املايض‪.‬‬ ‫يوفر الربنامج جائزة أوىل قدرها‬ ‫‪ 4000‬دوالر يف مجال الشعر (ديوان‬ ‫ما بني ‪ 120- 75‬صفحة من القطع‬ ‫املتوسط)‪ ،‬وجائزة مامثلة يف القصة‬ ‫القصرية (مجموعة قصصية ما بني‬ ‫‪ 120-75‬صفحة من القطع املتوسط)‬ ‫لكاتب‪/‬ـة شاب‪/‬ـة يرتاوح عمره‪/‬ها‬ ‫ما بني ‪ 22‬و‪ 30‬عاماً (مواليد ما بني‬ ‫‪ 1982/1/1‬و‪ .)1989/12/31‬ويجب‬ ‫عىل املشارك‪/‬ـة أن يكون‪ /‬تكون‬ ‫فلسطيني‪/‬ـة بغض النظر عن مكان‬ ‫إقامته‪/‬ا‪ ،‬أو من الجوالن السوري‬ ‫املحتل‪ ،‬رشيطة أن يكون العمل‬ ‫األديب باللغة العربية‪ ،‬ولن تقبل‬ ‫األعامل املنشورة سابقاً‪.‬‬ ‫ويجوز للكاتب الشاب الذي تتوافر‬ ‫فيه رشوط الرتشح أن يتقدم مبارشة‬ ‫برتشيح نفسه لنيل الجائزة‪ ،‬كام‬ ‫يجوز ملؤسسة ثقافية أو أكادميية‪،‬‬ ‫أو لثالثة أشخاص ترشيح من يرونه‬ ‫مناسباً (خطياً)‪ ،‬عىل أن يوافق املرشح‬ ‫عىل ذلك عند مخاطبته من إدارة‬ ‫الربنامج‪ ،‬ويقوم باستيفاء رشوط‬ ‫املشاركة‪.‬‬ ‫وكانت الجائزة قد تأسست منذ‬ ‫أواخر التسعينات وبرز من خاللها‬ ‫عدد من األسامء الفلسطينية ومن‬ ‫الجوالن املحتل يف مجايل الشعر‬ ‫والقصة القصرية‪.‬‬


‫الشعر يستعيد ممثال إلى‬ ‫المسرح‬

‫جان لوي ترانتينيون ممثل فرنيس‬ ‫اعتزل التمثيل بعد أن شارك يف ‪130‬‬ ‫فيلام سينامئيا‪ ،‬لكنه بات يش ّكل‬ ‫ظاهرة يف الشعر الفرنيس إذ يقوم‬ ‫اآلن بتقديم عروض مرسحية يلقي‬ ‫فيها أمام الجمهور قصائد شعرية‬ ‫مختارة بدقة لشعراء فرنسيني‪.‬‬ ‫وجد ترانتينيون يف الشعر مالذا‬ ‫انقذه من اليأس وانتشله من‬ ‫القنوط‪ .‬ولذلك اختار املمثل‬ ‫الفرنيس النجم أن ينهي بقية حياته‬ ‫يف تقديم عروض يقرأ فيها عىل‬ ‫الناس مختارات من الشعر يف شكل‬ ‫إلقاء متثييل‪ ،‬وذلك بعد أن عاش‬ ‫مأساة مقتل ابنته عىل يد صديقها‪.‬‬ ‫ويحفظ عن ظهر قلب ألف وخمس‬ ‫مائة قصيدة لشعراء فرنسيني كبار‪،‬‬ ‫وهو باختياره تقديم عروض لقراءة‬ ‫الشعر فإنه أراد أن يقرب عيون‬ ‫القصائد إىل عامة الناس‪ ،‬مبينا‬ ‫أن االستامع يربز جامل الكلمة‬ ‫وشاعرية الصورة‪.‬‬ ‫و رغم الحب الكبري واإلعجاب الذي‬ ‫يكنه للشاعر الشهري رامبو وافتتانه‬ ‫بقصيدته «املركب السكران» فإنه مل‬ ‫يقدمها يف عروضه‪.‬‬

‫رحيل الشاعر سامي مكارم‬

‫خزعل الماجدي ‪..‬تجربة غنوصية‬ ‫جدل واهتامم نقدي واعالمي بجديد الشاعر العراقي‬ ‫خزعل املاجدي‪ ،‬الذي صدر مؤخرا عن املؤسسة العربية‬ ‫للدراسات والنرش يف ‪ 768‬صفحة‪ ،‬تحت عنوان «خزائيل»‬ ‫(الجزء الرابع من األعامل الشعرية الكاملة)‪ ،‬يقول املاجدي‬ ‫عن كتابه أنه ٌ‬ ‫غنويص (عرفاين) مبجمله لكنه‬ ‫عمل شعريٌّ‬ ‫ّ‬ ‫يع ّده أيضاً نصاً مفتوحاً من حيث اإلجراء‪ ،‬حيث ينسج‬ ‫(األسطورة الشخصية) له‪ ،‬يف هذا العمل‪ ،‬بصرب ودأب ّ‬ ‫قل‬ ‫نظريهام‪ .‬وهو إذ يستبطن تاريخه الروحي فإنه يستلهم‬ ‫من تراثه الرافديني شحنات القاع األكرث عمقاً يف العمل‪.‬‬ ‫ويضيف املاجدي موضحا‪ ،‬ان خزائيل ملك آرامي عاش يف‬ ‫األلف الثامن قبل امليالد‪ ،‬وان اسمه هو الجذر اآلرامي‬ ‫السم الشاعر خزعل‪.‬‬ ‫وردا عىل االسئلة التي اعتربت العمل رضبا من األسطورة‬ ‫الشخصية يقول املاجدي‪ ،‬انها البنية التي يك ّونها الشاعر‬ ‫من نسيج حياته الذي كان ماد ًة لشعره‪ ،‬وهي ال تتشكل‬ ‫دفع ًة واحد ًة بل مع مرور الزمن‪ ..‬ومع قدرته عىل انتخاب‬ ‫ونصوص متيش يف هذا اإلتجاه‪ .‬وأضاف‪،‬‬ ‫وأحداث‬ ‫ثي ٍمة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أسطورة الشاعر الشخصية ليست بالرضورة ماد ًة لتمجيد‬ ‫رسه الروحي‬ ‫حياته بل هي تراجيديا مروره بالحياة وهي ّ‬ ‫ومذاقاته الخاصة وتطلعاته وأشواقه‪ّ ،‬‬ ‫ولعل أهم ثيامت‬ ‫هذه األسطورة الشخصية تكمن يف الحب ويف شوقه‬ ‫الروحي الذي يسعى لربط روح اإلنسان بروح العامل ك ّله‬ ‫وكذلك نظرته للموت‪ .‬وهكذا يكون الحب والروح واملوت‬ ‫أهم عنارص هذه األسطورة وما تبقى منها تفاصيل ثانوية‪.‬‬ ‫ليس ّ‬ ‫كل شاعر يسعى لتكوين أسطورته الشخصية فهناك‬ ‫من يرفض ذلك وهناك من يرى أن األمر ال يستحق كل‬ ‫هذه املبالغات يف نظره‪ ،‬لكن هناك من يسعى لها بدأب‪.‬‬ ‫ورمبا كان سبب نهاية عرص األساطري العامة سبباً للحاجة‬ ‫إىل عرص األساطري الخاصة‬

‫غيب املوت يف بريوت الشاعر والفنان‬ ‫سامي مكارم‪ ،‬أستاذ الدراسات العرب ّية‬ ‫واختصايص ّ‬ ‫الخط العر ّيب يف‬ ‫واإلسالم ّية‬ ‫ّ‬ ‫الجامعة األمريك ّية إثر مرض مفاجئ‪.‬‬ ‫ورغم كونه يف العقد الثامن‪ ،‬كان سامي‬ ‫مكارم ال يزال يد ّرس بدوام جز ّيئ يف‬ ‫الجامعة األمريك ّية صفو ًفا يف التص ّوف‬ ‫اإلسالمي والنرث العريب القديم‪ ،‬حتّى‬ ‫ّ‬ ‫وفاته‪.‬‬ ‫استطاع سامي مكارم أن يجمع إىل‬ ‫جانب نشاطه‬ ‫األكادميي والفكريّ‬ ‫ّ‬ ‫ومؤلفاته العلم ّية ترا ًثا من الفنّ‬ ‫التشكي ّ‬ ‫يل والشعريّ ‪ .‬نرش ثالثة دواوين‬ ‫شعر ّية هي‪« :‬مرآة عىل جبل قاف»‪،‬‬ ‫و«ضوء يف مدينة الضباب» و«قصائد‬ ‫حب عىل شاطئ مرآة»‪ .‬له أكرث من‬ ‫ّ‬ ‫عرشين كتا ًبا إىل جانب عدد كبري من‬ ‫متخصصة‪ ،‬ومئات‬ ‫املقاالت يف دور ّيات‬ ‫ّ‬ ‫األعامل الف ّن ّية التشكيل ّية‪.‬‬ ‫مل يكن مرجع ّية أكادمي ّية يف التص ّوف‬ ‫مامرسا له من خالل‬ ‫فحسب‪ ،‬بل كان‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫روح‬ ‫عالقته بزمالئه وطالبه‪ ،‬وكان ذا ٍ‬ ‫كرمية دافئة‪ .‬وسار عىل خطى والده‬ ‫الشيخ نسيب مكارم صاحب الروائع‬ ‫الفنية يف مختلف أنواع الخطوط‬ ‫العربية‪ ،‬ومبدع األعامل الدقيقة خطاًّ‬ ‫ورسماً ‪.‬‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪11‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫طيران اإلمارات لآلداب‬ ‫يطلق جائزة «تعليم» للشعر‬

‫جائزة ألفضل ‪ 3‬إصدارات‬ ‫عمانية‬ ‫أدبية ُ‬

‫أعلن املنتدى األديب العامين أواخر‬ ‫الشهر املايض عن ثالث جوائز‬ ‫أدبية من بينها جائزة ألفضل إصدار‬ ‫شعري من بني ثالث جوائز أخرى‬ ‫هي فضال عن الشعر تذهب إىل‬ ‫أفضل إصدارين آخرين يف مجايل‬ ‫الرسد والدراسات النقدية وذلك‬ ‫باعتبارها جائزة واحدة تمُ نح سنويا‬ ‫ألفضل «ثالث إصدارات ثقافية»‪.‬‬ ‫وسوف يتم منح الجائزة هذا العام‬ ‫خالل انعقاد الدورة الثانية للمنتدى‬ ‫لهذا العام‪.‬‬ ‫وأوضح املنتدى أن الجائزة يف‬ ‫مجال الشعر تشمل الشعر الفصيح‬ ‫والشعبي والتمثييل وشعر األطفال‪،‬‬ ‫ويف مجال الرسد‪ ،‬القصة والرواية‬ ‫واملرسحية والسرية وأدب الرحلة‪،‬‬ ‫أما مجال الدراسات فتشمل األعامل‬ ‫يف الدراسات النقدية والدراسات‬ ‫التاريخية والدراسات االجتامعية‬ ‫والدراسات الجغرافية ودراسات‬ ‫الرتاث والتحقيق‪.‬‬ ‫وتعترب هذه الجائزة هي األوىل‬ ‫التي تمُ نح إلصدار شعري عامين‬ ‫حيث رفدَت عامن الشعر العريب‬ ‫الحديث بعدد من األسامء الالمعة‬ ‫يف السنوات الثالثني األخرية‪ ،‬من‬ ‫بينهم سيف الرحبي وزاهر الغافري‬ ‫ومحمد الحاريث وسامء عيىس‬ ‫وسواهم من الشعراء الذين كتبوا‬ ‫يف شكليَ ْ القصيدة العربية‪ :‬التفعيلة‬ ‫والنرث‪ .‬وحققوا حضوراً الفتاً يف‬ ‫الساحة الشعرية العربية‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫بيت الشعر‬

‫هارولد بنتر‪ ..‬عودة للشعر‬ ‫الكاتب املرسحي حامل جائزة نوبل (عام ‪ )2005‬الربيطاين‬ ‫هارولد بنرت قرر ان يهجر املرسح والسياسة ويعود إىل‬ ‫الشعر‪،‬حيث نرش مؤخرا مجموعة من القصائد التي لفتت‬ ‫الصحافة الثقافية الربيطانية واثارت اهتامم النقاد تجاه‬ ‫موهبة كبرية اثارت الجدل من حولها منذ أن تحول بنرت‬ ‫منذ سنة ‪ 2003‬إىل العمل السيايس االحتجاجي وكتابة‬ ‫املقاالت السياسية ضد االجتياح االمرييك للعراق‪.‬‬ ‫عام ‪ 1957‬كان هارولد بنرت يف السابعة والعرشين حني‬ ‫ظهر كمرسحي‪ ،‬لكنه كان قد نرش قصائد له قبل بلوغه‬ ‫العرشين‪ .‬وشكل الشعر متنفساً بل عاملاً موازياً‪ ،‬ان مل‬ ‫نقل بدي ًال لكتابة املرسحيات عند بنرت‪ ،‬إال انه اعترب املرسح‬ ‫حقل ابداعه الرئييس حتى أوائل عام ‪ 2005‬حني رصح‬ ‫بأنه سيرتك كتابة املرسحيات للرتكيز عىل الشعر واملقاالت‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫ورغم تفرغه للمرسح فإن قصائده القليلة القت تقديرا‬ ‫كبريا‪ ،‬ومن ذلك عمله «الحرب» املتضمن تسع قصائد‬ ‫وخطبة سياسية‪ ،‬والذي نال جائزة ولفريد أوين‪ .‬كام حصل‬ ‫بنرت عىل جائزة «بريانزا» االيطالية للشعر عام ‪.2000‬‬ ‫وإذا كانت مرسحياته قد عادت عليه بجائزة نوبل لألدب ‪،‬‬ ‫فإن الجو املنذر بالتهديد الذي يسيطر عىل مزاج مرسحياته‬ ‫يرتدد صداه أيضاً يف القصائد‪ .‬قصيدة «فيام بعد» تبتدئ‬ ‫مبنظر للقمر يوحي بايغال رومانيس لكنه ينحو بدالً من‬ ‫ذلك اىل رؤية سواد عرب «أشجار ميتة‪ /‬ارضية غرفة مشمعة‬ ‫ميتة»‪ .‬وعرب الشعر اختار بنرت التعامل مع الرسطان الذي‬ ‫اصابه يف سنواته األخرية (قصيدة خاليا الرسطان) ‪.‬‬ ‫يقول الناقد مايكل بيلينغتون إن «مبقدور بنرت تناول‬ ‫الكالم العادي مستخرجاً منه سمته الشعرية‪ ،‬ايقاعاته‪،‬‬ ‫وترديداته‪ ،‬محوالً اياها اىل كالم افتتاين»‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫أعلنت إدارة مهرجان طريان اإلمارات‬ ‫لآلداب مؤخرا عن مسابقة يف الشعر‬ ‫تحمل العنوان‪ :‬جائزة «تعليم» للشعر‪،‬‬ ‫إىل جوار جائزتني أخريني‪ :‬مسابقة‬ ‫دار جامعة أكسفورد للطباعة والنرش‬ ‫الخاصة بكتابة القصة‪ ،‬لتنضم هذه‬ ‫الجوائز الثالث إىل جائزة مسابقة كأس‬ ‫بوينغ للق ّراء‪ ،‬بوصف هذا االعالن هو‬ ‫أوىل فعاليات دورة املهرجان للعام‬ ‫‪.2013‬‬ ‫وتخص الجائزة‪ ،‬بحسب املوقع‬ ‫ّ‬ ‫االلكرتوين للمهرجان‪ ،‬التالميذ والطلبة‬ ‫وطالب الجامعات من املقيمني يف‬ ‫دولة االمارات العربية املتحدة من‬ ‫جميع الجنسيات‪ .‬وذلك بهدف تشجيع‬ ‫الطالب عىل مواصلة املطالعة والكتابة‬ ‫خالل أشهر الصيف‪ ،‬وبحيث يتم توفري‬ ‫فرص عظيمة أمامهم لالستفادة من‬ ‫فرتة اإلجازة الصيفية لتطوير قدراتهم‬ ‫ومواهبهم يف سياق املطالعة الخارجية‬ ‫والقراءة الذاتية والكتابة اإلبداعية‪ ،‬سواء‬ ‫يف القصة أو الشعر‪.‬‬ ‫ويقام مهرجان طريان اإلمارات لآلداب‬ ‫يف دورته الخامسة يف الفرتة بني ‪9 – 5‬‬ ‫مارس ‪ ،2013‬بالرشاكة بني طريان‬ ‫اإلمارات‪ ،‬وهيئة ديب للثقافة والفنون‬ ‫(ديب للثقافة)‪ ،‬وهي الهيئة التي تعنى‬ ‫بشؤون الثقافة والفنون والرتاث يف‬ ‫اإلمارة‪ ،‬حيث سيقوم الشعراء والكتاب‬ ‫البارزون من املدعوين بتكريم الفائزين‬ ‫باملسابقات ضمن حفل خاص بتوزيع‬ ‫الجوائز‪ ،‬خالل فعاليات املهرجان‪.‬‬ ‫وكان طريان اإلمارات قد دأب لعدة‬ ‫سنوات عىل تنظيم مهرجان ثقايف عاملي‬ ‫سنوي يف ديب‪.‬‬


‫‪ 30‬شاعرا عربيا في «أصوات‬ ‫حية»‬

‫يف املدينة الصغرية «سيت» يف‬ ‫الجنوب الفرنيس‪ ،‬احتشد أكرث من‬ ‫مائة شاعر وشاعرة (بينهم ثالثون‬ ‫عربياً)‪ ،‬هبطوا عىل املكان ليعيدوا‬ ‫صياغة إيقاعه االجتامعي والثقايف‬ ‫وذلك مبناسبة انعقاد الدورة الثالثة‬ ‫ملهرجان «أصوات ح ّية»‪.‬‬ ‫الشعراء العرب هم‪ :‬التونيس الذي‬ ‫يكتب بالفرنسية عبدالوهاب‬ ‫املؤدب‪ ،‬والسوري أكرم القطريب‬ ‫واملغريب محمد بنيس واألردين‬ ‫أمجد نارص وعبدالسالم العجييل‬ ‫الصوت الشعري القادم من ليبيا‬ ‫مع زميلته سعاد سامل‪ ،‬واملرصي عالء‬ ‫خالد ومواطنته غادة نبيل‪ ،‬ومن‬ ‫لبنان شارل شهوان وغسان علم‬ ‫الدين‪ ،‬ومن سوريا صالح دياب‪،‬‬ ‫ومن فلسطني محمود أبو هشهش‬ ‫وعثامن حسني ومازن معروف‪،‬‬ ‫ومن العراق عبد الرحمن طهامزي‬ ‫وصالح الحمداين وعبدالزهرة زيك‪،‬‬ ‫واملغربية رشيدة مدين‪ ،‬والتونيس‬ ‫طاهر بكري ومواطنه الشاب صالح‬ ‫بن عياد‪ ،‬إضافة إىل الشاعر املغريب‬ ‫املتواري عن االنظار عبدالله زريقة‪.‬‬ ‫ومتثل شعراء الجزائر حضوراً بسعيد‬ ‫هادف وطالب لسلوس‪ .‬وأضفى‬ ‫حضور الشاعرين اللبنانيني صالح‬ ‫ستيتية وفينوس خوري غاتا رمزية‬ ‫شعرية وثقافية‪ .‬أما الخليج العريب‪،‬‬ ‫فقد حمله إىل املهرجان الشعراء‪:‬‬ ‫ظبية خميس (اإلمارات)‪ ،‬محمد‬ ‫الدميني وحمد الفقيه (السعودية)‪،‬‬ ‫مهدي سلامن (البحرين)‪ ،‬فاطمة‬ ‫الشيدي وعبد يغوث (عامن)‪.‬‬

‫الفرنسي بيير سيغير ‪..‬‬ ‫حياة كلها في الشعر‬ ‫بدءا من السابع من يوليو املايض وحتى السابع‬ ‫من اكتوبر املقبل‪ ،‬يستعيد متحف مونبارناس‬ ‫البارييس مسرية الشاعر بيري سيغري‪ ،‬أبرز نارشي‬ ‫الشعر يف فرنسا خالل القرن العرشين (نرشت‬ ‫الدار التي أسسها سيغري أعامل ما يقرب من‬ ‫‪ 2000‬شاعر) ‪.‬يحمل املعرض عنوان « بيري سيغر‪،‬‬ ‫الشعر‪ ،‬الحياة ك ّلها»‪ ،‬ويشغل طابقني من املتحف‪.‬‬ ‫يف الطابق األريض‪ ،‬تروي الصور املعروضة حدثني‬ ‫حاسمني يف حياة سيغر‪ :‬لقاءه مع الفنّان متعدد‬ ‫املواهب لوي جو وتجربة الحرب‪ .‬قاده لوي جو‬ ‫إىل عامل األدب والشعر أما الحرب العاملية الثانية‬ ‫فقد كشفت فيه عن الشاعر املقاوم والنارش‬ ‫الجريء الذي عرف كيف يجعل من الشعر سالحاً‪،‬‬ ‫حيث أصدر سنة ‪ 1939‬مجلة «شعراء يرتدون‬ ‫الخوذ» التي نرشت أبرز قصائد شعراء املقاومة‬ ‫الفرنسية ضد االحتالل النازي آراغون وإيلوار‬ ‫وديزنوس وغريهم‪ .‬ويحتوي املعرض عىل أعداد‬ ‫نفيسة منها صدرت طيلة األربعينيات‪.‬‬ ‫إىل ميني األعداد املعروضة من تلك املجلة‪ ،‬تنتصب‬ ‫لوحة رائعة للفنان فريناند ليجيه نقرأ فيها قصيدة‬

‫أسس مجلة «شعراء‬ ‫يرتدون الخوذ» ونشر‬ ‫أبرز قصائد شعراء‬ ‫المقاومة الفرنسية‬ ‫ضد االحتالل النازي‪،‬‬ ‫آراغون وإيلوار‬ ‫وديزنوس وغيرهم‬

‫ملصق االحتفالية‬

‫بول ايلوار الشهرية «أ ّيتها الحرية‪ ،‬اكتب اسمك»‪،‬‬ ‫وعىل مقربة منها تقع عني الزائر عىل مخطوط‬ ‫كتاب لوي آراغون «العشاق وقد تف ّرقوا»‪.‬‬ ‫ويف الطابق األول‪ ،‬اكتست الجدران مبربعات صغرية‬ ‫متعددة األلوان‪ :‬مئات العناوين التي صدرت عن‬ ‫دار سيغري ضمن سلسلتها الشهرية « شعراء العرص»‪،‬‬ ‫خصص ألعامل بيري سيغر‬ ‫أما بقية املعرض فقد ّ‬ ‫الشعرية ومراسالته مع كبار أدباء عرصه فنقرأ‬ ‫مث ًال طلبه إىل جان كوكتو‪« :‬أود أن أنرش لك قصيدة‬ ‫مط ّولة» ورد كوكتو عليه بقصيدته «الرقم سبعة»‪،‬‬ ‫ويف رسالة أخرى يعبرّ له كوكتو عن رغبته يف كتابة‬ ‫تقديم للقصيدة‪ .‬ومن بني الرسائل املؤثرة نعرث عىل‬ ‫ما كتبه غي بيار إىل كوليت سيغر عند وفاة زوجها‪.‬‬ ‫كان بيري سيغر قد قال مبناسبة الذكرى ‪ 27‬لصدور‬ ‫سلسلة «شعراء العرص»‪« :‬أردت لهذه السلسلة أن‬ ‫تقدّم خدمة للق ّراء وللشعراء وأشعر ببعض الفخر‬ ‫بسببها»‪ .‬نعم ‪ ،‬لقد حقّ له أن يفخر كام يبينّ هذا‬ ‫املعرض الجميل يف متحف مونبارناس‬

‫وليد سويريك‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪13‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫التعدد واالختالف في ‪ 3‬تجارب من مصر‬

‫لن‬

‫نقول إنها تجارب حداثية فحسب بل هي إشكالية أيضا‪ ،‬ليس ألن صوت الفرد فيها خفيض‪ ،‬وحاالت التأمل اإلنساين هي مقاربات‬ ‫آلالم وأوجاع األفراد يف عزلتهم االجتامعية فقط‪ ،‬بل هي إشكالية أيضا ألنها تعيش زمنها الخاص وزمنها الحارض‪ ،‬ما جعل مضامني‬ ‫كل قصيدة لدى كل من الشعراء الثالثة‪ :‬جرجس شكري وأحمد بلبولة ورشيف الشافعي‪ ،‬متعددة يف املعنى ومتق ِّلبة عىل أوجه التأويل وذلك‬ ‫عىل االختالف الشديد بني كل منهم واآلخر‬

‫إحاالت ثقافية وتاريخية‬

‫الديوان‪ :‬طريق اآللهة‬ ‫الشاعر‪ :‬أحمد بلبولة (مرص)‬ ‫النارش‪ :‬دار شمس للنرش واإلعالم ‪ -‬القاهرة‬ ‫عدد الصفحات‪ 156 :‬من القطع املتوسط‬

‫الشعر متقشفا‬

‫الديوان‪ :‬تفاحة ال تفهم شيئا‬ ‫الشاعر‪ :‬جرجس شكري (مرص)‬ ‫النارش‪ :‬الهيئة املرصية العامة للكتاب ‪ -‬القاهرة‬ ‫عدد الصفحات‪ 134 :‬من القطع املتوسط‬

‫هي املجموعة الشعرية الرابعة للشاعر جرجس‬ ‫شكري‪ .‬وجاءت عىل غرار شعره الذي يتميز‬ ‫أوالً بعنايته باألفكار واملالحظات والتعليقات‪ ،‬التي تكاد تصبح كل‬ ‫يصدّر الشاعر ديوانه مبقطع دال‪« :‬الطريق رميه حجر منك‪ /‬الطريق الشعر الذي يتكلم بوضوح كامل‪ ،‬وبقدر من السخرية وبنرثية تامة‬ ‫فيك‪ /‬الطريق انت‪ /‬ايها االنسان» قادر عىل ابتعاث االسئلة من‬ ‫يف املوضوعات والصياغة‪ .‬هذا الشعر الذي نقل إىل عدة لغات يطرح‬ ‫جديد‪ ،‬وتفجري طاقات التخييل الشعري لدي املتلقي‪ ،‬عرب افساح‬ ‫بالدرجة األوىل موضوعات خارجية فالذات هنا ال تظهر إال يف دور‬ ‫مساحات ضافية من التاويل‪ ،‬حيث تبدو الذات الشاعرة مدركة ان‬ ‫املعلق والناقد واملتهكم‪ ،‬عنوان املجموعة يعرب عن أسلوب جرجس‬ ‫الطريق كان وسيظل يف محاولة الكشف عن ذلك الجوهر الرثي‬ ‫املتقشف واملقتصد واألكرث ميال إىل الوضوح‪ ،‬حيث ميكننا إدراج شعره‬ ‫لالنسان‪ ،‬يف استشكاف مساحات ادق من النفس البرشية املعقدة‪،‬‬ ‫ضمن التيار املوضوعي إذا كان لهذا التيار من وجود خارج املدرسة‬ ‫وعرب هذا الفهم ميكن النظر اىل شعرية ديوان «طريق االلهة» بصفتها‬ ‫األمريكية‪.‬‬ ‫طريقة’ يف االستبصار بالعامل‪ ،‬وطريقة للتامهي به‪ ،‬والنظر اليه وفق‬ ‫من أجواء الكتاب‪« :‬عزيزي‪ /‬هذه يدي خذها‪ /‬عندي أخرى‪ /‬لقد‬ ‫زاوية جديدة‪.‬‬ ‫ويبدو أن هناك قصيدة مركزية يف الديوان‪ ،‬يحمل عنوانها من جهة سئمت التكرار‪ /‬هذا رأيس‪ /‬فلنتقاسمه معاً‪ /‬أريد أن أتخلص من‬ ‫«طريق االلهة»‪ ،‬وتعرب عن رؤيته للعامل من جهة ثانية‪ ،‬حيث نصبح نصف العامل‪ /‬سأجر أقدامي إىل مدينة أخرى‪ /‬وأعلمها أن تجهل‬ ‫الطريق‪ /‬حتى ال تقودين وفقاً ملزاجها‪ /‬سأمنح الحيوان الصغري‪ /‬ألول‬ ‫امام نص عن الزخم االنساين يف اشد متثالته خلقاً وابتكاراً‪ ،‬ففي‬ ‫«طريق االلهة» هناك إحاالت اىل سياق تاريخي‪ /‬ثقايف يصوغه الشاعر امرأة التقي بها‪ /‬سأعيش بيد واحدة‪ /‬ونصف رأس‪ /‬مع أقدام جاهلة‪/‬‬ ‫جاملياً‪ ،‬ويتتبع آثاره‪ ،‬وقد اشار اليه املفكر املرصي جامل حمدان يف وبال غرائز»‪.‬‬ ‫مؤلفه «شخصيه مرص ‪ -‬دراسه يف عبقريه املكان»‪.‬‬ ‫الديوان يضم عرشة قصائد‪ :‬وهذا رأىس‪ ،‬ووجد املرأة خاوية‪ ،‬وأيام‬ ‫هكذا تأيت التناصات لتنفتح مدارات التأويل للقصيده‪ ،‬تارة نحو‬ ‫ىف مالبس اإلعالنات‪ ،‬وقداس لراحة املوىت‪ ،‬وتفاحة ال تفهم شيئا‪،‬‬ ‫التاريخ املرصي القديم «مراكب الشمس واالهرام»‪ ،‬وتارة تجاه‬ ‫وألسباب تخص التاريخ‪ ،‬وأنا أعرفه‪ ،‬ورسالة أعادها ساعى الربيد‪ ،‬وأن‬ ‫التامس مع النص القرآين‬ ‫تحب‪ ،‬وصورة مريم ً»‬ ‫‪14‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫أبو شهاب‪ ..‬الشاعر وجامع التراث‬ ‫الكتاب‪ :‬حمد خليفة أبو شهاب ‪ -‬وثيقة الشعر يف االمارات‬ ‫املؤلف‪ :‬مؤيد الشيباين‬ ‫النارش‪ :‬مؤسسة سلطان بن عيل العويس الثقافية‬ ‫عدد الصفحات‪ 303 :‬من القطع املتوسط‬

‫وجه بارد‬

‫الديوان‪ :‬غازات ضاحكة‬ ‫الشاعر‪ :‬رشيف الشافعي (مرص)‬ ‫النارش‪ :‬دار الغاوون ‪ -‬بريوت‬ ‫عدد الصفحات‪ 600 :‬صفحة من القطع الوسط‬

‫الديوان هو الخامس للشاعر رشيف الشافعي‪ ،‬وثاين أجزاء‬ ‫تجربته الشعرية «األعامل الكاملة إلنسان آيل»‪.‬‬ ‫يتلمس الشاعر فيه فضاءات القصيدة بحواس «روبوت‬ ‫متمرد»‪ ،‬مقتحماً دروب الحياة ومفردات العرص مبارشة‪،‬‬ ‫حيث االنفتاح عىل كل يشء‪ ،‬يف غياب تام لفكرة االنتقاء‪،‬‬ ‫فالنص طقس مشحون‪ ،‬تخلع فيه اللغة مجازها‪ ،‬وتتعرى‬ ‫الحالة من ذهنيتها‪ ،‬لتبقى قصيدة النرث مجردة إال من‬ ‫الشعرية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫صورتك‬ ‫سأرسم‬ ‫يقول يف أحد املقاطع‪« :‬أعطني ورقة بيضا َء‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫بأمان ٍة‪ /‬وستبقى الورق ُة بيضا َء»‪ .‬وكأمنا النبضات الطبيعية‬ ‫تتخلق بال ضجيج لتفضح األعامق‪ ،‬وتتدفق دون تخطيط‬ ‫فيوضات الصفات اإلنسانية الغائبة‪ ،‬التي يفتش عنها‬ ‫اإلنسان الغائب يف عامليه‪ :‬الواقعي واالفرتايض‪ ،‬ومنها صفات‪:‬‬ ‫الطزاجة‪ ،‬والبدائية‪ ،‬والدهشة‪ ،‬والصدق‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫صاحب مواهب‬ ‫«لست‬ ‫يرد عىل ظهر الغالف نص يقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫عرفت‪ /‬أن هذه اللوحةَ‬ ‫استثنائ ّي ٍة‪ /‬صدِّقوين‪ /‬أتدرون‪ :‬كيف ُ‬ ‫لوحة ز ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫تكتشف‪ /‬أنني لحظة نظري‬ ‫ائفة؟‪ /‬ألنها ببساط ٍة لَ ْم‬ ‫إليها‪ُ /‬‬ ‫كنت إنسا ًنا زائ ًفا»‪ .‬ولوحة الغالف‪ ،‬وهي لطفلة يف‬ ‫العارشة (مي رشيف)‪ ،‬يف السياق ذاته‪ ،‬حيث يضحك وجه‬ ‫بارد (يتخذ هيئة شاشة كومبيوتر) ضحكة آلية مصطنعة‪،‬‬ ‫وذلك يف مواجهة الضحكة اإلنسانية الصافية (االبتسامة‬ ‫األورجانيك‪ ،‬بتعبري إحدى القصائد ً)‬

‫صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة أعالم من االمارات التي‬ ‫دأبت املؤسسة مؤخرا عىل إصداره يف الحقول املعرفية‬ ‫والثقافية املختلفة‪ ،‬يصف فيه الشاعر واالعالمي مؤيد‬ ‫الشيباين موقع الشاعر حمد خليفة ابو شهاب بالنسبة‬ ‫للشعر اإلمارايت وخاصة الشعر الشعبي وبوصفه شاعرا‬ ‫وجامعا لرتاث هذا الشعر يف االمارات‪.‬‬ ‫ورد يف الغالف األخري للكتاب‪« :‬كانت األفكار تتصارع حول‬ ‫سؤال‪ :‬من أين أبدأ يف الكتابة عن تجربة الشاعر االمارايت‬ ‫حمد خليفة أبو شهاب؟ فكان الجواب من محور التوثيق ‪..‬‬ ‫إنه حقا وثيقة الشعر االماراتية‪ ،‬هذا الرجل الذي قىض من‬ ‫عمره نحو خمسني عاما باحثا عن النص الشفاهي ليدونه‪،‬‬ ‫ومهموما باملوقف الثقايف ليؤكده‪ ،‬وملحقا‬ ‫يف فضاء قوافيه ليطعمها روحه املنتمية‬ ‫لوطنه وأمته تاركا من كل ذلك أروع ما‬ ‫ميكن أن يرتكه‪ ،‬يذكرنا بأولئك األفذاذ من‬ ‫علامء تاريخنا العريب وعصوره الذهبية‬ ‫املتنوعي االبداع من أصحاب العناوين التي‬ ‫تتجاوز املئات»‪.‬‬ ‫ولد حمد بن خليفة أبو شهاب عام‬ ‫‪1932‬يف عجامن ‪ .‬و تعلم يف كتاتيب‬ ‫املدينة ثم التحق باملدرسة «املحمدية»‪.‬‬ ‫كتب الشعر يف سن التاسعة‪ ,‬وظل محافظاً عىل القصيدة‬ ‫العمودية طوال عمره‪ ،‬سواء يف شعره النبطي أو الفصيح‪.‬‬ ‫وهو من جيل الثالثينيات الذي كان قريباً يف ثقافته من‬ ‫املثقفني األوائل‪.‬‬ ‫كان أول من قدم مجالس الشعراء يف التلفزيون عرب تلفزيون‬ ‫الكويت‪ ،‬ومن ديب عام ‪ ،1971‬وأول من نرش الشعر الشعبي‬ ‫يف الصحافة اليومية عرب جريدة البيان منذ عام ‪ ،1981‬وأول‬ ‫شاعر إمارايت تغنى إحدى قصائده يف مرص‪ ،‬عىل مرسح‬ ‫البالون يف القاهرة منتصف السبعينيات‪ ،‬ويعترب كتابه «تراثنا‬ ‫من الشعر الشعبي» درة الكتب التي أصدرها‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪15‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫المهدي أخريف‬ ‫طاقة تعبيرية ومعرفة‬ ‫الديوان‪ :‬ال أحد اليوم وال سبت‬ ‫الشاعر‪ :‬املهدي أخريف (املغرب)‬ ‫النارش‪ :‬دار توبقال ‪ -‬الدار البيضاء‬

‫عدد الصفحات‪ 147 :‬من القطع املتوسط‬

‫يضم الديوان ‪ 22‬قصيدة‪ ،‬وميثل استمرارا لتجربة أخريف‬ ‫وتطورا لنسق شعري انطلق مع نهاية سبعينات القرن املايض‬ ‫وتدعم بجهد معريف شعري تأثر كثريا بقراءاته يف غري لغة‬ ‫أجنبية‪ ،‬والتي أفضت إىل العديد من الرتجامت الشعرية‬ ‫والنقدية الالفتة‪ .‬وتجسد أعامله منوذجا فريدا من حيث قدرتها‬ ‫عيل استبطان اللغة وتفجري طاقتها التعبريية‪ ،‬وإىل جانب ذلك‬ ‫يتميز كباحث باألصالة والتفرد عن كثري من أقرانه‪.‬‬

‫من أجواء الكتاب‪« :‬وحني تذ ّك ُ‬ ‫رت ‪ /‬قصائديَ األوىل‬ ‫ع ّو ُ‬ ‫الريح ‪ /‬فـَ ِط ْر ُت عىل‬ ‫الريح َو اليشء سوى ِ‬ ‫لت ‪ /‬عىل ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫(ح َصلت من‬ ‫الريح إىل سنتياغو ‪ /‬أ َمال يف معجز ٍة أو كا ِرث ٍة َ‬ ‫َب ْعد) ‪ /‬لتنقذين من ورط ِة نسياين أو ُترديني‪ / .‬وكذلك‬ ‫شتبكات َعليِّ‬ ‫كان ‪ /‬تنق ّـ ُ‬ ‫شعاب ‪ُ /‬م‬ ‫وسط‬ ‫ٍ‬ ‫لت بال أ ْمل ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُصوص ُر مَّبا كنا كتبناها ‪ /‬غونزالو‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫فيض‬ ‫ت‬ ‫ألقى طرقاً ‪/‬‬ ‫ٍ‬ ‫عناوين ال أذكرها ‪ /‬طبعاً ‪ /‬ال أذكر منها ‪ /‬غ َري‬ ‫وأنا تحت‬ ‫ٍ‬ ‫«وسادة كيبيدو»‪.‬‬

‫املهدي أخريف‪ ،‬شاعر ومرتجم وناقد رصني من مدينة أصيلة‪،‬‬ ‫شارك يف مؤمترات ومهرجانات أدبية شتى يف العامل العريب‬ ‫وأوربا وأمريكا الالتينية‪ ،‬ترجمت بعض أشعاره وكتاباته النرثية‬ ‫إىل لغات كثرية منها‪ :‬األملانية‪ ،‬االسبانية‪ ،‬االنجليزية‪ ،‬االيطالية‪،‬‬ ‫الفرنسية‪ ،‬اليونانية‪ ،‬الهولندية‪ ،‬الربتغالية وغريها‪ُ .‬أنجزت‬ ‫دراسات وأطروحات أكادميية عديدة حول أعامله داخل املغرب‬

‫أشهر كتّاب‬ ‫اسبانيا في كتاب‬ ‫الكتاب‪ :‬فرنسيسكو أمربال األعامل الشعرية‬ ‫(‪)2001 – 1981‬‬ ‫الشاعر‪ :‬فرنسيسكو أومربال‪ ،‬ح ّررها وقدّم‬ ‫لها ميغيل غارث ّيا بوسادا‬ ‫النارش‪ :‬دار نرش سيس با ّرال – برشلونة‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪16‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫وخارجه‪ .‬وقد حصل عىل العديد من الجوائز األدبية من أبرزها‪:‬‬ ‫جائزة الصداقة األدبية املغربية الكولومبية من جامعة خابريان‬ ‫يف بوغوتا‪ ،‬جائزة تشيكايا أوتاميس للشعر اإلفريقي‪ ،‬مؤسسة‬ ‫منتدى أصيلة‪ .‬صدر له حتى اآلن أربعة وثالثون عمال أدبيا يف‬ ‫الشعر والرتجمة والنرث من أبرزها‪« :‬عشق بدايئ» (شعر)‪« ،‬ترانيم‬ ‫لتسلية البحر» (شعر)‪« ،‬ضوضاء نبش يف حوايش الفجر» (شعر) ‪،‬‬ ‫«اللهب املزدوج‪ ،‬أوكتافيو باث» (ترجمة) ‪« ،‬حديث ومغزل» (نرث)‪،‬‬ ‫«يف الثلث الخايل من البياض» (شعر) ‪« ،‬بديع الرماد» (ترجمة)‪،‬‬ ‫«كتاب الربد‪ ،‬أنطونيو غامونيدا» (ترجمة)‪« ،‬قصائد ألبارو دي‬ ‫كامبوس» (ترجمة)‬ ‫كونشيرتو القدس ‪ ..‬جديد‬ ‫أدونيس‬

‫الديوان‪ :‬كونشريتو القدس‬ ‫الشاعر‪ :‬أدونيس‬ ‫النارش‪ :‬دار الساقي‬

‫عدد الصفحات‪ 112 :‬من القطع املتوسط‬

‫الكتاب تجوال شعري يف التاريخ العريب واإلسالمي للقدس املحتلة‪،‬‬ ‫إمنا بتأملية تربط ذلك التاريخ مبا هو راهن وبوعي فردي محض‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اسمك‪ ،‬أ ّيها العَصرْ ُ ‪ ،‬أ ّيها‬ ‫«أعرف‬ ‫من أجواء الكونشريتو‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الشيخ ‪ِّ -‬‬ ‫ُ‬ ‫الطفل الراكض يف شوارع القدس‪ .‬أ ِم ْر ُت أن أق ّد َم‬ ‫لك عص َري اليورانيوم‪ .‬وسوف أقول للقمر أن يو ّقع عىل ‪/‬‬ ‫َ‬ ‫دفرتك‪ ،‬وللشمس أن تؤ ّرخ لهذا التوقيع‪ / .‬وانظ ْر‪ :‬ها هي‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫جدران تريقُ‬ ‫األرض‪ ،‬فرحا بك‪/ .‬‬ ‫َ‬ ‫حليب أحزانها ‪/‬عىل ِ‬ ‫ُ‬ ‫وتعرف َ‬ ‫الطفل ‪ -‬الشيخ‪ ،‬أيها العرص‪ّ / ،‬أن النَّمل‬ ‫أنت‪ ،‬أ ّيها‬ ‫أكرث عل ّواً من الكواكب‪ :‬قدر الن َ‬ ‫ّمل أن يتحدّث مع سليامن‪،‬‬ ‫ومل تقدر الكواكب»‬

‫يف هذا الكتاب‪ ،‬يجمع الكاتب والنّاقد اإلسبا ّين ميغيل غارثيا‪-‬بوسادا شعر‬ ‫هذا الكاتب الكبري مفتتحاً إياه بديوانه «جرائم و أغنيات حب»‪ ،‬وهي‬ ‫املجموعة الشعرية التي نرشها أثناء حياته مع ‪ 126‬قصيدة ظهرت بني‬ ‫أوراقه بعد وفاته والتي تحتوي عىل الجزء األكرب من مادته الشعرية‪،‬‬ ‫ومعظمها ينرش للمرة األوىل‪ .‬والقصائد املؤرخة يف معظمها واملرتبة وفقا‬ ‫لثيامت محددة تنبع من تجربته الخاصة يف االعتكاف عىل األدب‪ ،‬والبحث‬ ‫املضني عن الكلمة الدقيقة وظاللها املختلفة‪ .‬ويف شعره‪ُ ،‬يخفي العاديُّ‬ ‫والسطحي تأمال عميقا‪ ،‬مريرا ومأساو ّيا يف الحياة القصرية العابرة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يعترب فرنسيسكو أومربال (مدريد ‪ 11‬أ ّيار ‪ 28 – 1935‬آب ‪ )2007‬أحد‬


‫سعيد المنصوري ‪ ..‬الحياة شعرا‬

‫سفر في مدونة الشعر العربي الحديث‬

‫عدد الصفحات‪130 :‬‬

‫عدد الصفحات‪ 205 :‬من القطع املتوسط‬

‫الديوان‪ :‬أثناء عبور الفراشة‬ ‫الشاعر‪ :‬سعيد املنصوري (االمارات)‬ ‫النارش‪ :‬دائرة الثقافة واإلعالم بالشارقة‬

‫الكتاب‪ :‬الغاب ‪ -‬دراسات أسلوبية يف الشعر العريب الحديث‬ ‫املؤلف‪ :‬سمري الشيخ (لبنان)‬ ‫النارش‪ :‬دار الفارايب ‪ -‬بريوت‬

‫الشاعر هنا واحد من أصلب شعراء االمارات الشبان إخالصا للوزن ورد يف الغالف األخري من الكتاب بتوقيع‬ ‫النارش‪« :‬الغاب» سفر النقد إىل النص‪ .‬هو‬ ‫منذ عمله األول «لو يعرفون» الصادر العام ‪ 2005‬عن وزارة‬ ‫الثقافة والتنمية االجتامعية‪ ،‬وكام يف الديوان التايل عليه‪« :‬القصيدة رصد املدونة الشعرية العربية الحداثية‬ ‫واستكشاف ممكناتها األسلوبية من‬ ‫املستحيلة» يتنقل املنصوري بني عدد من األفكار واملوضوعات‬ ‫الشعرية املتنوعة‪ :‬الوجدانيات والوطنيات ونزعة التأمل يف الوجود‪ ،‬منظور (اللسانيات الوظيفية)‪ .‬فالدراسة‬ ‫األسلوبية رضورة إلضاءة مسالك الغاب السحرية يف مستوياتها‬ ‫حيث «تتجىل نفس برشية حساسة تتأرجح بني الحب والغضب‬ ‫الشكلية‪( .‬الغاب) يف دراساتنا األسلوبية هو (النص) بكل شبكاته‬ ‫والتأمل واالبتهال واالعتزاز بالوطن‪ ،‬حسب لحظاتها الشعورية‪،‬‬ ‫املشتجرة وتعالقاته الجاملية وعالقاته اللسانية القامئة عىل التشاكل‬ ‫ويجتهد املنصوري إلضفاء جاملية لفظية وتصويرية عىل مشاعره‬ ‫املبثوثة عرب الكلامت» بحسب ما قال املحرر الثقايف يف جريدة الخليج والتغاير يف آن‪ .‬ومقاربة هذه العالقات ال تأيت منفصلة عن رؤية‬ ‫الشاعر إىل العامل أو بعيدا ً عن األبعاد الثقافية والسيكولوجية للشاعر‪.‬‬ ‫حال صدور الديوان‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يضم الديوان مثاين وثالثني قصيدة تتوزع عىل القصيدة طويلة ال َنفس والرس يف االنتقاء النقدي لثالثة من الشعراء العرب املعارصين يكمن‬ ‫يف متايز األسلوبيات لكل من (السياب‪ ،‬قباين‪ ،‬املقالح)‪ .‬وبهذا يحقق‬ ‫واملقطوعة والرباعيات‪ ،‬وقد التزم فيه املنصوري بقصيدة الوزن‪.‬‬ ‫الدرس األسلويب مبتغاه لكون اللغة ماهية الشعر‪.‬‬ ‫يشار إىل أن املنصوري أحد الشعراء اإلماراتيني الذين شاركوا يف‬ ‫الكتاب‪ ،‬بهذا املعنى‪ ،‬عبارة عن سفر يف مدونة الشعر العريب الحديث‬ ‫تصفيات مسابقة أمري الشعراء‪ ،‬ويتميز شعره بقرب مأخذه‪ ،‬ولغته‬ ‫عرب ثالث من تجاربه املعروفة‪ ،‬حيث أن الغاية من دراسة املؤلف‬ ‫السهلة والقريبة لكن املسبوكة بعناية ليس فيها ضعف‪ ،‬وصوره‬ ‫منتزعة من الواقع املحيط به‪ ،‬فتختلط حياته اليومية برؤاه الشعرية‪ ،‬األسلوبية هو النص وعالقاته اللسانية القامئة عىل التشاكل والتغاير‪.‬‬ ‫ومقاربة هذه العالقات ال تأيت منفصلة عن رؤية الشاعر للعامل أو‬ ‫ليكون قادراً عىل تحويل نثار الحياة إىل نظام شعري جميل‪ ،‬يقول‬ ‫بعيدا ً عن األبعاد الثقافية والسيكولوجية‪ .‬ودراسة تنأى بنفسها قليالً‬ ‫املنصوري‪:‬‬ ‫أمنيتي‬ ‫تخرض‬ ‫الهوى‬ ‫تالل‬ ‫ويف‬ ‫أغنيتي‬ ‫ترتاح‬ ‫الحياة‬ ‫ار‬ ‫عىل اخرض‬ ‫عن املنهجية البنيوية املتعالية التي ترى يف النص جزيرة مقطوعة‬ ‫هذي الحياة زهور ال تشـــابهني إال مبا ترسق األيام من لغــتي‬ ‫عن جامليات البحر املحيط‪ .‬ويقول املؤلف‪ ،‬بأن اللغة تقوم بإنجاز‬ ‫عيناك أمســــــيتان أورقت لهام فراشتان حكايات عىل الشـ َف ِة‬ ‫املمكنات االجتامعية‪ ،‬اي التعبري عن األدوار االجتامعية التي تتضمن‬ ‫أدوات التوصيل من لدن اللغة ذاتها‪ .‬أما الوظيفة الثالثة للغة فهي‬ ‫السبعينيات عىل‬ ‫أهم كتّاب أسبانيا وأكرثهم شهرة‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫انكب منذ ّ‬ ‫الوظيفة النصية‪ .‬وهي التي متكن املتكلم او الكاتب من خلق النص‪،‬‬ ‫األدب ّ‬ ‫والصحافة‪ .‬عُ رف بأنه» أفضل ناثر باللغة القشتالية يف القرن كام متكن املتلقي أو القارىء من إدراك ذلك النص‪ .‬فإذا كانت اللغة‬ ‫العرشين و تع ّد روايته «قاتل ووردة» واحدة من األعامل الروائية تعرب عن املحتوى املفرتض يف وظيفتها األوىل‪ ،‬وإذا كانت تظهر تلك‬ ‫األساسية يف النصف الثاين من القرن العرشين وقد حاز العديد من التباينات بني الجمل الخربية واالستفهامية واألمرية عندما يتعلق‬ ‫الجوائز املهمة من بينها جائزة ثربانتس‪.‬‬ ‫األمر باألدوار االجتامعية التي تقوم بها األطراف املشاركة يف وظيفتها‬ ‫الشعبية‬ ‫«األلفاظ‬ ‫يف‬ ‫بالكتابة‬ ‫وكان قد رشع قبل سنني من رحيله‬ ‫الثانية‪ ،‬فإن اللغة يف وظيفتها الثالثة تعنى بعالقات األبنية النحوية‬ ‫القبيحة وكالم الشوارع» يف قاموس أسامه بـالقاموس الرسي‪ .‬ومن والتنغيمية بعضها ببعض‬ ‫هنا فإن الدخول يف أي مجال منها يشكل بحد ذاته ظاهرة غنية‪،‬‬ ‫وتشكل مدخال لفهم دوافعه الحياتية وأسباب غزارة نتاجه‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪17‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫تأمالت المرض والخوف في‬ ‫قصيدة واحدة‬

‫الكتاب‪ :‬كوالج‪3‬‬ ‫الشاعر سميح القاسم (فلسطني)‬ ‫النارش‪ :‬املؤسسة العربية للدراسات والنرش عامن – بريوت‬

‫الكتاب‪ :‬مثانية قرون من الشعر املغنّى يف اليمن‬ ‫املؤلف‪ :‬جوليان دوفور‬

‫عدد الصفحات‪ 90 :‬من القطع املتوسط‬

‫النارش‪ :‬منشورات جامعة سرتاسبورغ (فرنسا)‬

‫الكتاب عبارة عن قصيدة مطولة واحدة يتناول عربها الشاعر‬ ‫تأمالته حول الشيخوخة واملرض واآلمال التي تتجسد يف االحفاد‪ ،‬أي‬ ‫املستقبل‪ ،‬وكذلك الخوف من املعاناة التي عاىن منها اجدادهم برغبة‬ ‫جارفة أن يجدوا مكانا وزمانا أقل عناء‪.‬‬ ‫يشعر القارئ بأن سميح القاسم قادر عىل أن يهبط بالتجربة الشعرية‬ ‫فيجعلها قادرة عىل محاكاة الشأن اليومي مبا هو رغبات ومخاوف‬ ‫بسبب من ذلك الدفق من املشاعر االنسانية الحا ّرة وبساطة تكاد‬ ‫تصل إىل مالمسة الكالم اليومي والعادي‪ .‬اال ان شاعرية سميح‬ ‫القاسم تجعله باستمرار يضخ حرارة يف أقسام القصيدة تعوض عن‬ ‫الهبوط الذي يعرتيها نتيجة االضطرار اىل تناول كثري من أمور الحياة‬ ‫ويومياتها‪.‬‬ ‫جاءت القصيدة يف ‪ 42‬صفحة من الكتاب‪ .‬يف حني ت ّم جمع الكالم‬ ‫الذي قيل يف الشاعر‪ ،‬ث ّم ألحق بالكتاب ما تحدث به الشاعر يف‬ ‫تأمالته املكتوبة والشفوية حول الثيامت األساسية التي تشغله اآلن‬ ‫حقيقة‪.‬‬

‫يقول سميح القاسم‪« :‬اذا هكذا‪ /‬اذا هكذا نطفة من تراب قديم‬ ‫ويشء‪ /‬من الدمع والورد مينح كأس الدماء مذاقا مثريا‪ /‬بزغرودة‬ ‫للشهيد‪ /‬وزغرودة للوليد‪ /‬ويلتم احفادنا حولنا كل عيد‪ /‬وهم‬ ‫يصخبون كثريا‪ /‬وبنت متشط شعر أخيها الصغري ليصبح أجمل‬ ‫طفل عىل األرض‪ /‬تبتسم األم راضية‪ /‬ويغني غالم بدون نشاز‬ ‫تواشيح أندلس غامئة‪ /‬نخبيء دمعنا باالصابع‪ /‬منسح سفر‬ ‫التجاعيد عن وجهنا املتكدر‪ /‬يف فرحة واهمة‪»/‬‬ ‫ويتحدث عن الخوف عىل االحفاد من أمور عديدة يف هذا‬ ‫العرص فيقول‪« :‬براءة احفادنا نقطة الضعف فينا‪ /‬نخاف عليهم من‬ ‫الخوف والفقر والجوع‪ /‬نخىش خفايا الزوايا ومنعطفات الشوارع‪/‬‬ ‫نحن نخاف عىل طهر احفادنا‪ /‬من دخان املصانع‪ /‬من مافيات‬ ‫الرساديب واالقبية‪ /‬نخاف احتباس الحرارة‪ /‬نخىش انقالب املناخ‬ ‫عليهم‪ /‬وتقتلنا البيئة ‪ -‬املعصية‪ ».‬ويتحدث عن املرض فيقول «ارشب‬ ‫فنجان القهوة‪ /‬يا مرض الرسطان‪ /‬يك اقرأ بختك يف الفنجان‪ /‬ارشب!‬

‫‪18‬‬

‫بيت الشعر‬

‫شعر اليمن الحميني صادرا‬ ‫بالفرنسية‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫املؤلف هو مستعرب وأستاذ اللغات والحضارات الرشقية‬ ‫جامعة سرتاسبورغ الفرنسية‪ ،‬أما العنوان الكامل للكتاب‬ ‫فهو‪« :‬مثانية قرون من الشعر املغنّى يف اليمن‪ ،‬لغة الشعر‬ ‫الحميني ‪ -‬وأوزانه وأشكاله»‬ ‫يتناول املؤلف تراث الشعر الشعبي املغنّى يف اليمن منذ‬ ‫القرن الثالث عرش‪ ،‬متتبعاً أصول هذا الشعر وصالته‬ ‫باملوشحات األندلسية ويرصد مسارات تطوره الخاص عرب‬ ‫صيغه املختلفة وأوزانه املو ّلدة‪ ،‬ولغتة التي متزج بني أساليب‬ ‫تنتمي للشعر العريب الفصيح الكالسييك وأخرى تنتمي للهجة‬ ‫السامت الشكلية واألسلوبية‬ ‫املحكية‪ .‬ويستعرض الكاتب ّ‬ ‫للشعر الحميني عرب مثانية قرون ويدرس مالمح التجديد فيه‬ ‫بالرتكيز عىل الجوانب العروضية والرتكيبية‪ .‬ويضم الكتاب‬ ‫بني دفتيه أول طبعة محققة لديوان رائد هذا اللون الشعري‬ ‫الفقيه الشاعر عبد الله بن أيب بكر املزّاح املتويف سنة ‪831‬‬ ‫هـ ‪1428 /‬م‪ ،‬الذي كان له تأثري كبري يف من بعده من شعراء‬ ‫الحميني مثل عبدالله بن رشف الدين‪ ،‬وعيل بن حسن‬ ‫الخفنجي‪ .‬كام ذ ّيل املؤلف كتابه بجداول خاصة بعروض‬ ‫وأوزان القصائد التي تضمنّها الكتاب‪.‬‬ ‫ومن املعروف أن الشعر الحميني اليمني هو ما يعرف عند‬ ‫غري أهل اليمن بالشعر النبطي‪ ،‬وتعود جذوره يف اليمن إىل‬ ‫القرن الحادي عرش لكنه تبلور‪ ،‬عروضيا وموسيقيا بعد ذلك‬ ‫بقرنني وسمي يف اليمن بهذا االسم نسبة قرية الحمينية‬ ‫الواقعة يف محافظة الحديدة والتي انتسب إليها شعراء‬ ‫معروفون ُيعرف الواحد منهم بالحميني‪.‬‬ ‫كام أن أوزان الشعر الحميني هي نفسها أوزان الشعر‬ ‫النبطي إال أن أكرث ما يوزنون عليه أهل اليمن هو الصخري‬ ‫واملسحوب والهجيني ويسمونها بأسامء أخرى‬


‫اسبادانيا ‪ ..‬عندما كانت‬ ‫اسبانيا ممنوعة من الكالم‬

‫خالل‬

‫حكم الديكتاتور الشهري فرانكو يف إسبانيا‪ ،‬وهو‬ ‫الذي استطاع الصمود ألكرث من أربعني عاما‪،‬‬ ‫كان الشعر قد تح ّول إىل نشاط جوهري وف ّعال عىل أيدي شعراء‬ ‫«ملتزمني» صاغوا رضباً جديداً من الغنائية‪ ،‬وكان النقد االجتامعي‬ ‫أحد تيامته الرئيسة‪.‬‬ ‫يف تلك األيام الصعبة التي أعقبت الحرب األهلية اإلسبان ّية‬ ‫(‪ )1939- 1936‬حيث انقسمت البالد إىل نصفني‪ُ ،‬ولدت يف مكتبة‬ ‫«أثكارايت»‪ Azcárate‬يف ليون‪ ،‬العام ‪ ،1944‬مج ّلة شعر ّية حملت اسم‬ ‫«إسبادانيا»‪ ،‬أسسها ونهض بها شعراء شبان من بينهم‪ :‬أوخينيو دي‬ ‫نورا‪ ،‬وغونثاليث دي الما‪ ،‬وبكتوريانو كرمير الذين منحوها شك ًال ملا‬ ‫تح ّولت فيام بعد إىل واحدة من أعظم اّ‬ ‫مجلت الشعر يف تلك الفرتة‬ ‫عىل ال ّرغم من العقبات‪ :‬نقص التمويل والصعوبات اإلدارية‪ ،‬وال ّرقابة‪.‬‬ ‫يقول خوسيه مانويل دي أبيادا يف مقاله «إسبادانيا والشعر امللتزم يف‬ ‫حقبة ما بعد الحرب»‪« :‬مل يكن من السهل‪ ،‬يف ظل نظام الديكتاتورية‬ ‫واحتكار الصحافة وهيئة الصحافة واإلعالم الوطنيني اإلفالت من‬ ‫ال ّرقابة خاصة إذا تع ّلق األمر بظهور روح أدبية جديدة بديلة للشعر‬ ‫ال ّرسمي ‪،‬مثل مج ّلة اسبادانيا»‪.‬‬ ‫مؤسسو «إسبادانيا» بالدرجة األوىل إىل أن تكون مج ّلتهم‬ ‫سعى ّ‬ ‫مرشوعا شعريا يجمع بني الشعر والنقد يف مواحهة اإلصدارات‬ ‫الرسمية السائدة يف تلك الفرتة وخاصة مجلة «غارثيالسو» (نسبة إىل‬ ‫الشاعر اإلسباين (غارثيالسو دي ال بيغا ) الذي عاش بني العامني‬ ‫(‪ )1503 -1498‬التي ّأسسها خوسيه غارثيا نيتو وكانت تنرش شعراً‬ ‫كالسيكياً محافظا ً يف خدمة نظام الجرنال فرانكو‪ .‬وتح ّولت اسبادانيا‪،‬‬ ‫يخص مجموعة‬ ‫يف إسبانيا التي كانت ممنوعة من الكالم‪ ،‬إىل منرب ّ‬ ‫كبرية من شعراء تلك الفرتة‪ ،‬من ميغيل هرينانديث‪ ،‬وخوسيه ه ّريو‪،‬‬ ‫وبالس دي أوتريو‪ ،‬وداماسو ألونسو‪ ،‬وبابلو نريودا وبيثينتي أليخاندري‬ ‫الحائزيْ جائزة نوبل لآلداب‪.‬‬ ‫و ِبدءا من اختيار االسم القائم عىل اّ‬ ‫التلعب ال ّلفظي بني مفردات‬ ‫ثالث‪:‬اسبانيا‪ ،‬ودانيا «أمل»‪ ،‬واسبادا «رمح» ثم مروراً بأعدادها الثامنية‬ ‫واألربعني‪ ،‬كانت املج ّلة مح ّركاً ملا ُأطلق عليه «الشعر االجتامعي‬

‫امللتزم» الذي كان شعرا ذا نربة تراجيدية متتزج أحياناً بنزعة‬ ‫وجودية‪ ،‬ومي ّثل قطيعة مع املايض‪ ،‬وميتلك نظرة ضجرة وأكرث‬ ‫فوضوية للعامل‪ ،‬وال يويل أهمية كبرية للشكل أو اإلتقان اإلسلويب‬ ‫ويرفض النزعة الجاملية السائدة يف الشعر الرسمي؛ وكان يسعى‬ ‫ويتوجه إىل العامة‪ ،‬ويعبرّ عن‬ ‫إىل تعزيز ايديولوجية دميقراطية‬ ‫ّ‬ ‫«الهامش»؛ األمر الذي مل يح ّققه‪ ،‬يف نظر دي نورا‪ ،‬الشعر الرسمي‬ ‫الذي كان «يرسم مالمح ايجاب ّية إلسبانيا آنذاك‪ ،‬من دون أيّ ذكر‬ ‫ألولئك الذين يعانون ويجوعون ويرمى بهم يف السجون»‪.‬‬ ‫و يؤكد الشاعر أوخينيو دي نورا يف العدد ‪ 19‬من املجلة وتحت‬ ‫التوجه لشعراء «اسبادانيا» قائال‪:‬‬ ‫باب «شعر وحياة»‪ ،‬عىل هذا ّ‬ ‫«بالنسبة لنا نحن املعتادون عىل رؤية األشياء وجها لوجه‪ ،‬وعىل‬ ‫عدم الهرب أمام أيّ يشء أو إخفائه‪ّ ،‬‬ ‫فإن الشعر هو‪ ،‬من بني أمور‬ ‫أخرى‪ ،‬وبكل تداعياته‪ ،‬طريقة ليك نشهد عىل ّأن هذا ّ‬ ‫الشعب‪ ،‬وإن‬ ‫كان صامتا‪ ،‬إال أنه ما يزال موجودا وقو ّيا‪ .‬إ ّننا عىل نحو ما ورثة نوع‬ ‫من الحضارة‪ ،‬ونريد لصوتنا أن يكون رسالة الحياة القادمة»‪.‬‬ ‫هنا هذا املقطع من قصيدة «إىل الغالبية العظمى» التي ُنرشت‬ ‫العام ‪« :1955‬هنا بني أيديكم‪ ،‬نشيداً وروحاً‪ ،‬ذلك اإلنسان الذي‬ ‫أحب وعاش ومات‪ ،‬وذات يوم خرج إىل الشارع‪ :‬عندها‬ ‫‪،‬يف أعامقه‪ّ ،‬‬ ‫أبرص؛ ّ‬ ‫فحطم ّ‬ ‫كل أشعاره»‪.‬‬ ‫لقد أفل نجم «إسبادانيا» منذ أكرث من نصف قرن ومل يدم وهجها‬ ‫أكرث من سبع سنوات لكنّها لعبت‪ ،‬بشهادة الجميع‪ ،‬دوراً كبرياً يف‬ ‫تط ّور الشعر اإلسباين الحديث وأعادت إليه نزعته اإلنسان ّية‬

‫نهى أبو عرقوب‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪19‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫يوسف أبو لوز ‪ ..‬يطلق‬ ‫المعنى من ف ّوهة الشعر‬

‫يوسف أبو لوز‬

‫يطلق المعنى من ف ّوهة الشعر‬

‫لعل‬

‫القارئ لديوان الشاعر يوسف أبولوز «ضجر‬ ‫الذئب» يف طبعته الثالثة الصادرة بدعم من‬ ‫وزارة الثقافة الجزائرية إىل جانب مئة كتاب فلسطيني‬ ‫مبناسبة اإلعالن عن القدس عاصمة للثقافة العربية يكاد ال‬ ‫يشعر بأن هذا الديوان صادر يف طبعته األوىل العام ‪،1992‬‬ ‫وذلك ملا فيه من روح شعرية متجددة مل تكن محصورة‬ ‫بزمن أو جغرافيا أو ثيمة واحدة‪ ،‬فهو من الدواوين‬ ‫الشعرية القليلة التي حققت حضورها يف الساحة الشعرية‬ ‫العربية عرب ما حظي به من اهتامم وآراء صحفية بأقالم‬ ‫كبار النقاد والشعراء العرب يف حينها‪ ،‬والتي أكدت عىل‬ ‫مكانته ومتانته وتفوقه عىل ما كان ينرش من دواوين‬ ‫شعرية ألسامء وازنة‪.‬‬ ‫أبرز ما تتميز به التجربة الشعرية ليوسف أبولوز أنها‬ ‫كشفت عن شاعر كبري منذ بداياتها‪ ،‬فقد اتسمت أعامله‬ ‫األوىل بفرادة وخصوصية‪ ،‬عىل خالف الكثري من التجارب‬ ‫الشعرية التي قام أصحابها ّ‬ ‫بالتخيل عن أعاملهم األوىل‬ ‫فيها‪ ،‬عندما بدأت تجاربهم تتجاوز مرحلة النضج‪ ،‬وتتخطى‬ ‫عمرها األول‪ ،‬وهذا ما مل يسلم منه كبار شعراء العربية‪ .‬وقد‬ ‫ظلت هذه التجربة عرب دورة حياتها تقدم دواوين شعرية‬ ‫مهمة تطفح بالعطاء‪ ،‬فمن «صباح الكاتيوشا أيها املخيم»‪،‬‬ ‫إىل «فاطمة تذهب مبكرا إىل الحقول»‪ ،‬و»نصوص الدم»‪ ،‬ثم‬ ‫«ضجر الذئب»‪ ،‬وصوال إىل ديوانه األخري «خط الهزالج» ‪.‬‬ ‫ميثل «ضجر الذئب» حالة شعرية خاصة‪ ،‬استطاع صاحبها‬ ‫أن يعكس من خاللها جانبا من األمل الفلسطيني الجمعي‪،‬‬ ‫ولكنه يف الوقت ذاته‪ ،‬مل يحارص شعره يف هذه املساحة‪،‬‬ ‫فقد حفر عميقا يف تناول شأن الفرد وهمومه الشخصية‪،‬‬ ‫‪20‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫املتمثلة بتفاصيل الحياة‪ ،‬والواقع املعييش‪ .‬فتارة يصف‬ ‫أصدقاءه الشعراء الذين شكلوا ظاهرة شعرية عربية‪،‬‬ ‫وتفاصيل تلك الصداقة التي جمعتهم‪ .‬يظهر ذلك مليا يف‬ ‫قصيدة «عامل حانة» املهداة إىل الشاعر زهري أبوشايب‪،‬‬ ‫وقصيدة «الصديق» املهداة إىل الشاعر يوسف عبدالعزيز‪،‬‬ ‫وقصيدة «الرحالة» املهداة إىل الشاعر محمد اليف‪ ،‬وقصيدة‬ ‫«أمري الصعاليك» املهداة إىل الشاعر محمد القييس‪ .‬وتارة‬ ‫أخرى يج ّر فيها الشعر إىل حيث الشارع والبيت والرصيف‬ ‫والحديقة واملرأة والعائلة وغريها من مفردات بيئة الشاعر‪.‬‬ ‫كل ذلك يحيطه بأناقة شعرية نادرة‪ ،‬ودالالت ذات أبعاد‬ ‫جاملية تنحاز إىل جانب املعرفة والثقافة والفكرة البكر‪.‬‬ ‫من املفارقات التي ميكن تناولها يف الحديث عن «ضجر‬ ‫الذئب» تلك «الرسقات» التي تعرضت لها بعض القصائد‬ ‫وأبرزها قصيدة «أسباب» التي مينح الشاعر من خاللها‬ ‫لكل يشء سببا‪ ،‬سبب البحر‪ ،‬وسبب الخيل‪ ،‬وسبب الورد‪،‬‬ ‫وسبب املوت‪ ،‬وسبب للنهر وسبب آخر للريح عرب نسيج‬ ‫شعري باذخ يف تكوينه وتعبرياته ‪« :‬سبب النهر‪ ،‬أن الحىص‬ ‫ال تحب سوى املاء جرحاً‪ ،‬أال أيها املاء مزّق إذن بدين‪َ ،‬‬ ‫أنت‬ ‫ٌ‬ ‫لحم وأنت سدودُ»‪ .‬هذه القصيدة نسبها‬ ‫سهل‪ ،‬ومينا ُء ٍ‬ ‫بعض الشعراء ألنفسهم‪ ،‬و ُقرأت يف عدة أمسيات‪ ،‬وكان‬ ‫شاهدا عىل ذلك أصدقاء للشاعر أبولوز منهم محمد القييس‬ ‫ويوسف عبدالعزيز‪ .‬وهذا ما يؤكد بالطبع تلك الهالة‬ ‫الشعرية التي أحدثها هذا الديوان حول صاجبه‪.‬‬ ‫أما الوطن‪ ،‬فقد انتشله الشاعر يف هذا الديوان من حفرة‬ ‫الخطابة‪ ،‬تلك الحفرة التي وقعت فيها قصائد كثرية لشعراء‬ ‫فلسطينيني واكبوا احتالل ومعاناة الوطن‪ ،‬يف نكبته ونكسته‪،‬‬


‫الديوان‪ :‬ضجر الذئب‬ ‫الشاعر‪ :‬يوسف أبو لوز (فلسطني)‬ ‫النارش‪ :‬وزارة الثقافة (الجزائر)‬ ‫طبعة ثالثة‬ ‫عدد الصفحات‪ 153 :‬من القطع‬ ‫املتوسط‬

‫وكانت قصائدهم ردا مبارشا عىل مجازر ومواقع الحرب‪،‬‬ ‫ووصفا لحال الشعب الفلسطيني الذي عاىن كثريا من‬ ‫الحصار والقتل والتهجري‪.‬‬ ‫واجه «ضجر الذئب» كل ذلك بقول شعري كان يحمل‬ ‫بكلتا يديه غصن الكالم‪ ،‬عندما افرتش الشعر مبساحات‬ ‫خرضاء تغني لشعب فلسطني كام جاء يف قصيدة «كبري عىل‬ ‫الوصف»‪« :‬يعشقون الحياة لذا مل ميوتوا عىل محمل الحرب‬ ‫‪ /‬مل ينتهوا بني منفى ومنفى ‪ /‬ومل يرتكوا يف بواخر أحزانهم‬ ‫غري ِشع ٍر يدل النوارس للامء ‪ /‬مرتفعون عىل كل منحد ٍر ‪/‬‬ ‫ورجال من املطر األرجواين جاؤوا ‪ /‬يسوقون حيث يشاؤون‬ ‫قطعان هذي الرياح» ‪ .‬وال يقف الوطن عند حدود هذه‬ ‫القصيدة يف «ضجر الذئب»‪ ،‬بل نجده حارضا يف غريها من‬ ‫القصائد ومنها «بيت لحم»‪ ،‬و«الشهيد» وأخرى يحرض فيها‬ ‫الوطن متسلال وقافزا فوق أسوار الكالم ‪.‬‬ ‫قصائد هذا الديوان تكشف عن حداثة ال تتعلق مبوضوع‬ ‫الشكل‪ ،‬بل ببناء ومضمون العبارة الشعرية التي تتقاطع‬ ‫فيها الفكرة مع روح الداللة التي تنبعث من خيال خصب‬ ‫وكثيف‪ .‬البناء بالرغم من انتامئه لقصيدة التفعيلة إال أن‬ ‫جمله ال تخصع لسطوة الوزن‪ ،‬أو القافية‪ ،‬خصوصا وأن‬ ‫القافية يف قصائد أبولوز ليست مقحمة يف السياق‪ ،‬بل هي‬ ‫لفظة مكملة للمعنى إن سقطت انكرس املعنى قبل أن‬ ‫ينكرس الوزن ‪.‬‬ ‫يكاد ال يخلو سطر يف قصائد هذا الديوان من اإلدهاش‬ ‫الذي تسببه الصورة الشعرية والصدق البعيد عن املبارشة‬ ‫يف الوصف والتصوير‪ ،‬اآلتية يف سياق شعري عفوي غري‬ ‫متكلف‪ ،‬لكأن الشاعر يكتب قصيدته دفعة واحدة دون‬

‫الكواكب ‪ /‬بني الضحى والظهري ِة ‪ /‬حني‬ ‫عناء‪« :‬هنا يف مم ّر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ني ‪ /‬منذ النسا ِء‬ ‫الديوك بأعرافها‬ ‫مت ّد‬ ‫ُ‬ ‫وتصيح ‪ /‬هنا‪ ،‬منذ يوم ِ‬ ‫الخجوالت ‪َ /‬‬ ‫كان أم ُري الصعاليك مييش ‪ /‬فتطلق إحدى‬ ‫ِ‬ ‫وعرشون عصفور ًة ليديه» ‪ .‬بهذه الجمل التي تسابق نفسها‬ ‫لتُطلق املعنى من فوهة الشعر‪ ،‬تظهر تلك القدرة الالفتة‬ ‫عىل نسج الكالم بسالسة وانثيال عذب فتقدم للقارئ مشهدا‬ ‫شعريا يلملمه الشاعر من فضاء الكالم الفسيح‪ ،‬ليضع يف‬ ‫إنائه الكواكب والظهرية والضحى مانحا لقارئه دهشة املعنى‬ ‫يف صورة النساء الخجوالت‪.‬‬ ‫ينضم ضجر الذئب إىل قامئة الدواوين الشعرية الفلسطينية‬ ‫التي ش ّيدت جدارا شعريا عاليا‪ ،‬وأحدثت توازنا يف جغرافيا‬ ‫الشعرية العربية‪ ،‬التي تقاسمتها مجموعة من العواصم‬ ‫العربية واستحوذت عىل املساحة األكرب منها‪ ،‬حيث كان‬ ‫حضور الشعر فيها يفوق حضوره يف عواصم وبلدان أخرى‪.‬‬ ‫تلك الدواوين التي قاومت وأخذت مواقعها يف صفوف‬ ‫املواجهة األوىل‪ ،‬وتتبعت مواضع الجامل لتزرع أرضها‬ ‫بالشعر‪ ،‬ومل تنل من مساحة النقد العريب ما يفيها حقها‪،‬‬ ‫ويكشف عن عواملها وفضاءاتها العالية‪ ،‬هي من سجلت مع‬ ‫ما سبقتها من تجارب فلسطينية اسم الوطن يف أعىل صفحة‬ ‫الشعر العريب‪ ،‬وقد استكملت رحلة الشعر الفلسطيني الذي‬ ‫ضم العديد من أهم وأبرز الشعراء العرب وكرسهم كرواد‬ ‫للمرحلة‬

‫عبد الله أبو بكر‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪21‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫خالد مطاوع‬ ‫حالة واحدة ومدارات ع ّدة‬

‫الديوان‪ :‬فلك األصداء‬ ‫الشاعر‪ :‬خالد مطاوع ( ليبيا ‪ -‬الواليات املتحدة)‬ ‫النارش‪ :‬دار أوسابل ‪ -‬نيويورك‬

‫ُترجم‬

‫هذا الكتاب إىل العربية من قبل الشاعر‬ ‫نفسه وراجعه البعض من الشعراء العرب‬ ‫الضالعني يف اللغة اإلنجليزية من بينهم سعدي يوسف‬ ‫واميان مرسال وفاضل العزاوي‪ .‬واملالحظ أن من املمكن‬ ‫قراءة الديوان بوصفه حالة شعرية ممتدة فيشعر القارئ‬ ‫أنه أمام مجموعة قصائد ذات حالة واحدة يعيشها الشاعر‬ ‫وينقلها إىل خارج نفسه عرب مدارات عدة عاصرِ ا منها صدى‬ ‫رصخاتها ليسقي بها عطش الكون ‪.‬‬ ‫هذه الحالة ينقلها كاملة بتاريخها وتضاريسها ورائحتها‬ ‫ومذاقها‪ ،‬مالمسا وجدانيا كل من يلتقيه يف هذه الحياة‬ ‫من سعاة بريد وسائقي أجرة وندل وعساكر ورؤساء طغاة‬ ‫وعادلني وباعة جرائد وحليب وخضار‪ ،‬صانعا كام يقول‬ ‫مدينة عذراء بال رتوش وبال تلوث‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن كل‬ ‫الكتاب والشعراء الكونيني الطامحني لخلق عاملهم ومدنهم‬ ‫التي تعنيهم وحدهم‪ ،‬والتي متكنهم من سحب النار من‬ ‫مكانهم الشاغر يف الجنة‪« :‬مدينة بال كلامت‪ /..‬ليل بال‬ ‫ليل ‪ /‬يف مكان ما أتذ ّكر ‪ /‬هذه الثياب ليست ثيايب ‪ /‬هذه‬ ‫العظام ليست عظامي ‪ /‬أنىس وأتذكر ثانية ‪ /‬سفن يف ميناء‪،‬‬ ‫تلك ‪ /‬التي هي البحر ‪ /‬هي الرحلة ‪ /‬التي توقظ نورا يف‬ ‫صدري»‪.‬‬ ‫ويواصل أستاذ مادة اإلبداع يف جامعة ميتشجن خالد‬ ‫مطاوع قصائده يف هذا الديوان الذي من خالل عنوانه قد‬ ‫تشعر أنك أمام قصائد صوفية تحيلك إىل شعراء متصوفة‬ ‫كبار‪ ،‬إال إنك ستشعر باملفاجأة عندما ال تلمس يف القصائد‬ ‫الصوفية الكالسيكية املرتبطة بالدين والدراويش وعلامء‬ ‫الكالم واالعتكاف يف املساجد أو األديرة أو الصوامع إمنا‬ ‫تخاطبك القصيدة من خالل الطبيعة وعالقاتها بالشاعر‬ ‫الذي يقرتب منها ويتامهى معها محاوال أن يعكس‬

‫اخرضارها الطازج وبذورها الخصبة عىل الحياة بكاملها‬ ‫مشريا إىل استمرارية الحياة وعدم فنائها من خالل الخمرية‬ ‫التي يجب أن ال تنتهي يك نحصل عىل خبزنا الذي مثل‬ ‫جذوة نار يجب أن ال تنطفئ لدى اإلنسان البديئ يقول‬ ‫خالد‪« :‬عشب الشعري أخرض طيلة الشتاء ‪ /‬وبذور البازلياء‬ ‫يف راحة يدي كحبيبات خمرية ‪ /‬حاملة ذات الوعد بالنمو‪/.‬‬ ‫طيور الضحى تنعب‪ / ،‬الفضة املزرقة ‪ /‬عىل أجنحتها نقود‬ ‫مرسوقة من الشمس»‪.‬‬ ‫نقرأ يف هذا الديوان أيضا نصوصا عىل هيئة كالم عادي‬ ‫متداول نستخدمه كل لحظة‪ ،‬أخبار‪ ،‬أو حتى جمل نرشات‬ ‫أخبار وبرامج نتابعها يف قنوات العامل‪ ،‬إنها صور قلمية أو‬ ‫قصص قصرية جدا وظفت داخل سياق معني مكنها من أن‬ ‫ال تكون رسدا وإمنا شعر كام يف نص بعنوان «سليمة!»‪.‬‬ ‫الديوان تم االحتفاء به يف ليبيا من قبل أصدقاء الشاعر‬ ‫وعشاق قصائده كذلك حني صدوره يف نيويورك القى‬ ‫الديوان اهتامما نقديا من قبل أدباء ونقاد أمريكا حيث قال‬ ‫عنه ‪ :‬بروفيسور األدب االنجليزي يف جامعة فريجينيا ومؤلف‬ ‫كتاب «شيطان الشعر الهجني األديب جاهان رامازاين ‪:‬‬ ‫«مجموعة خالد مطاوع الشعرية الجديدة املكونة من‬ ‫خمسة أقسام تدور حول حياة مشطورة بني رائحتي التفاح‬ ‫والديزل‪ ،‬بني شامل افريقيا والجنوب االمرييك‪ ،‬بني الشعر‬ ‫العريب والحداثة االوروبية ـ االمريكية انه يتضمن الوصف‬ ‫والسخرية والتأمل‪ ،‬فضال عن املرح الحميم‪ ،‬فحينا يأخذنا يف‬ ‫طريقه اىل نهر املسيسيبي املتخم بالتاريخ وحينا نغرق معه‬ ‫يف دوامة من اسئلة املنفى والهوية واالغرتاب يف قصيدة عن‬ ‫نزهة يف سيارة اجرة يف القاهرة‪ ،‬وهو يشري اىل االثارة القوية‬ ‫وروح املرح والتنقالت التي يتضمنها شعر مطاوع من خالل‬ ‫حساسية ولغة تنبثقان من تالقي الحضارات‬

‫محمد األصفر‬ ‫‪22‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫عبود الجابري‬ ‫صباح سيأتـي‬ ‫رفرف ٌة في‬ ‫ٍ‬ ‫الكتاب‪ :‬متحف النوم‬ ‫الشاعر‪ :‬عبود الجابري (العراق)‬ ‫النارش‪ :‬دار فضاءات للنرش والتوزيع ‪ -‬اّ‬ ‫عمن‬ ‫عدد الصفحات‪ 144 :‬من القطع املتوسط‬

‫هي‬

‫َ‬ ‫الشمس كام مل تفعل منذ زمن‪،‬‬ ‫لترشق‬ ‫املجموعة الشعرية الثالثة للشاعر العراقي عبود ين ّقي زجاج السامء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الجابري‪ ،‬بعد مجموعته األوىل «فهرس األخطاء»‪ ،‬وكام كانت هي متحو صورة الظالم وسطو ِته‪ ،‬وما يسري يف‬ ‫موكب ِه من خيانات وق ّلة ٍّ‬ ‫واملجموعة الثانية «يتوكأ عىل عامه»‪.‬‬ ‫حظ يف السالم‪ ،‬إنه غري مفجوع مبا مل‬ ‫وصول الشمس‪ ،‬لعيل أرى شيئاً‬ ‫َ‬ ‫يف «متحف النوم» ال يكتفي الجابري مبا يؤكده من القدرة يتوقع إذ يقول‪« :‬مطرقاً أنتظ ُر‬ ‫السبك اللغوي‪ ،‬إمنا ينقاد بحري ٍة وبرغب ٍة‬ ‫البالغية وأسلوبية ّ‬ ‫يلمع يف سواد الرتاب»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والضائق مبا مل يعد‬ ‫املتعب‪،‬‬ ‫للتوغل يف داخله الجاهز لإلعرتاف بقدرته عىل الضحك ونرث ولو أ ّنه ال يرتد ُد يف وصف حاله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفرح‪ ،‬فهو كائن غري مجبول عىل البؤس والنظرة الذابلة‬ ‫صالحاً للخروج من أقداره املسو ّد ِة املث ّقل ِة بالدموع‪ّ ،‬‬ ‫«إن‬ ‫تعجب‬ ‫لذاته‪ ،‬وملا يحيط به من عوامل كام يقول‪« :‬يل سنٌّ‬ ‫ُ‬ ‫القلب مل تعد َتص ُلح مندي ًال‪ ،‬قامشة القلب التي أنهكها‬ ‫قامشة ِ‬ ‫الناظر حني أضحك ‪ /‬ويل قلب يرفرف ‪ /‬لضحكة طفل عابر»‪.‬‬ ‫زجاج السامء‪ ،‬لتمنحها شمساً طازج ًة ّ‬ ‫كل صباح»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تلميع ِ‬ ‫«متحف النوم» و َق َفها الشاعر عىل ثالث وعرشين قصيدة‬ ‫بني تسليم الجابري بحقيقة ما رأى وتأسىّ ألفوله املب ّكر‪ ،‬وبني‬ ‫ال تنطق بالغرابة‪ ،‬إال إذا انتبهنا إىل تحقق هذا املفهوم يف‬ ‫تر ّقبه وندائه مستدعياً ّ‬ ‫كل قدرة‪ ،‬لتبديل هذا الواقع الجائع‬ ‫قصيدة الجابري‪ ،‬حني تج ُّر شعرياً ما مل يألفه الكائن البرشي‬ ‫أحب‪ ،‬ال ّ‬ ‫يكف الشاعر عن‬ ‫إلفقاد اللذة واستدراج دموع َمن ّ‬ ‫من مثيله‪ ،‬ذلك الذي مييش عىل قدمني خارجتني للتو من‬ ‫اإلشارة إىل ما احرتق بني يديه ونام يف حدود األما ّين‪ ،‬دا ًّال‬ ‫الحصار العظيم املرضوب عىل جهات الحياة‪ ،‬إذ كيف‬ ‫البرشية مطالباً لها بالزواج مبا اجتمع يف املتحف _ الذي هو‬ ‫إلنسانٍ عا َينَ ويعاين املأساة أن يقول بإقدام‪« :‬أنكرس من‬ ‫داخل اإلنسان_ من الرغبات واملناجيات‪« ،‬متحف النوم» ال‬ ‫جهة القلب فقط ‪ /‬فأريحوا معاولكم التي تحفر يف رأيس‪»...‬‬ ‫ّ‬ ‫جناح‬ ‫يكف عن الطريان شعراً وحيا ًة إىل سامء صافية‪ ،‬وعىل ٍ‬ ‫ني إنسان ّي ٍة‪ ،‬ال‬ ‫يف «متحف النوم» دعوة لقراءة األيام بع ٍ‬ ‫شمس سترشق‪.‬‬ ‫تجف عن رؤية األمل والتفرج يف قدرته عىل امتالك املضيع ما أن يطري إىل حيث ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد ورد يف الغالف األخري للكتاب‪« :‬قصائد ميكن فيها تلمس‬ ‫عاش وما كان يجب أن يواصل‬ ‫من اللحظات‪ ،‬التجارب‪ ،‬وا ُمل ِ‬ ‫مالمح متقطعة وخافتة من سريته الذاتية‪ ،‬مبفردات قليلة‬ ‫املترس ُب إىل‬ ‫التن ّف َس قبل أن يجرح بقاءه الحزن‪ ،‬والسوا ُد‬ ‫ّ‬ ‫أحياناً تتوزع بني قصائده ال عىل التعيني‪ ،‬فيام هو يستحرض‬ ‫الوجوه والقلوب التي شهدت الخوف واملوت‪ ،‬بعد إذ‬ ‫هاجس الوطن الذي ال شفاء منه مبواجهة فداحة النفي‬ ‫بدأت ترتاح لفكرة الحياة «مل أطمع بالعودة إىل الحياة‪،‬‬ ‫واالغرتاب‪ ،‬وبالقدر الذي تظل الكلامت فيه مشحونة بشقائها‬ ‫مررت عىل رشيطِ عمري بشكلٍ عابر‪ ،‬لكنني ُ‬ ‫حني ُ‬ ‫سأبعث‬ ‫كل قصيد ٍة مختومةً‬ ‫وتظل ُّ‬ ‫السؤال الذي أفىض يب الكبري وأقىص رضورات األمل‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫السؤال ذاته‪،‬‬ ‫موت طويل‪ ،‬وأَسأل‬ ‫بعد ٍ‬ ‫بعطش أبديٍّ ملطلق األشياء واملعارف واإلشارات‬ ‫ٍ‬ ‫اىل املوت‪ :‬ملاذا ع ّ‬ ‫يل أن َ‬ ‫أموت‪ ،‬ليك أدخل الجنّة‪...‬؟»‪.‬‬ ‫إنه يرى َ‬ ‫ترتج يده إال شوقاً وهو‬ ‫املوت ويع ّد آهاته‪ ،‬وال ّ‬

‫مهند السبتي‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪23‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫انطولوجيا من بالد الشعر‬ ‫الكتاب‪ :‬أنطولوجيا الشعر الهولندي‬ ‫الشعراء‪ 40 :‬شاعرا (هولندا)‬ ‫ترجمة‪ :‬صالح حسن (العراق)‬ ‫النارش‪ :‬دار الفارايب ‪ -‬بريوت‬ ‫عدد الصفحات‪ 240 :‬من القطع املتوسط‬

‫يبدو‬

‫هذه هي املرة األوىل التي تظهر فيها ترجمة‬ ‫عربية للشعر الهولندي بشكل ميكن إن يقدم‬ ‫تصورا عن طبيعة هذا الشعر الذي ظل غامضا منذ ما قبل‬ ‫الحرب العاملية الثانية حتى اآلن‪ .‬أربعون شاعرا هولنديا مع‬ ‫مقدمة عن الشعر الهولندي برتجمة الشاعر العراقي صالح‬ ‫حسن املقيم يف الهاي منذ التسعينات‪.‬‬ ‫لعل صعوبة اللغة الهولندية ومحدودية انتشارها إىل جانب‬ ‫صغر مساحة هولندا واقتصار اسمها عندما ُيذكر عىل‬ ‫التيوليب‪ ،‬واألبقار‪ ،‬والعبي كرة القدم‪ ،‬واملخدرات والحرية‬ ‫الجنسية‪ ،‬قد جعل من االهتامم باألدب الهولندي عامة‬ ‫وبالشعر خاصة ضئيال بدوره‪ ،‬فلم تتم ترجمة إال القليل‬ ‫منه فكان أن أصدر سعد صائب عام ‪« 1958‬هيويل للشاعر‬ ‫الهولندي خريت أخرتبرغ»‪ ،‬وعام ‪« 1962‬ديوان الشعر‬ ‫الهولندي املعارص» مرتجام عن الفرنسية ‪ .‬وقد بادرت‬ ‫«مؤسسة الهجرة» يف أمسرتدام التي لعبت وتلعب دورا ها ّما‬ ‫سواء يف اكتشاف املواهب األدبية الشابة أو يف التعريف‬ ‫باألدبني الهولندي والعريب عرب مهرجانات أدبية كانت‬ ‫استقطبت العديد من األسامء الالمعة عربيا وهولنديا ومتت‬ ‫ترجمة أعاملهم إىل اللغتني‪ .‬ومع اتساع رقعة الهجرة العربية‬ ‫الرساج‬ ‫إىل هولندا قام أحمد عكاشة فضل الله ومحسن ّ‬ ‫بإصدار « الحداثة يف الشعر الهولندي املعارص» األول حرر‬ ‫النص أما الثاين فقام برتجمة بعض األشعار‪ ،‬ومن ثم صدر عام‬ ‫‪ 2007‬عن املركز القومي للرتجمة يف القاهرة ديوان «ليس كل‬ ‫األحالم ‪ -‬قصائد» وهو كتاب قصائد لألطفال من ترجمة عبد‬ ‫الرحمن املاجدي ‪ .‬‬ ‫وطبعا هناك ترجامت قام بها أفراد ونرشوها يف الصحف‬

‫‪24‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫واملجالت األدبية أو يف الشبكة العنكبوتية ‪.‬‬ ‫إن الشعر يف هولندا يكاد ينطبق عليه «الشعر لغة‬ ‫الهولنديني» ففي الرابع من فرباير من كل عام ُيصادف عيد‬ ‫القدّيس نيقوال الذي من تقاليده اجتامع العائلة لتبادل‬ ‫الهدايا املرفقة بقصائد قصرية موزونة ومق ّفاة تتناول‬ ‫موضوعات مختلفة كالعتاب والحب وطلب املساعدة أو‬ ‫الزواج ‪..‬الخ ولكن بأسلوب فكه ولغة مبارشة ‪ .‬كام أن هناك‬ ‫بعض املدن الهولندية التي تز ّين القصائد جدرانها فمثال‬ ‫هناك قصيدة للشاعر جربا إبراهيم جربا «أ ّيامنا كالشتاء‬ ‫القطبي ‪ »..‬بالعربية مع ترجمة هولندية قام بها األستاذ ويلم‬ ‫ّ‬ ‫ستوتزر ‪ ،‬تز ّين إحدى جدران مدينة ليدن‪ .‬وال بد أن نذكر أن‬ ‫روتردام تستضيف «مهرجان الشعر العاملي» يف يونيو من كل‬ ‫عام حيث شارك فيه العديد من الشاعرات والشعراء العرب‪.‬‬ ‫عالوة عىل ذلك يف السابع والعرشين من نوفمرب من كل عام‬ ‫يقام «يوم الشعر» يف طول هولندا وعرضها‪ :‬منصات‪ ،‬ورشات‪،‬‬ ‫ومسابقات شعرية ‪ .‬‬ ‫وأخريا ومنذ العام ‪ 2000‬هناك تقليد باختيار «شاعر الوطن»‪،‬‬ ‫وهي ترجمة أدق من «شاعر البالط» التي وردت يف بعض‬ ‫الصحف العربية ترويجا لديوان رمزي نرص الذي هو شاعر‬ ‫الوطن منذ العام ‪ 2009‬نظرا الختالف أسلوب وهدف الشاعر‬ ‫املختار‪ ،‬وذلك عىل نحو دميقراطي كام ودرجت بعض املدن‬ ‫عىل اختيار شاعرها أيضا‪.‬‬ ‫أخريا‪ ،‬يجب أال ننىس أن هناك العديد من الجوائز الرسمية‬ ‫وغري الرسمية التي متنح للشعر يف كل سنة‬

‫رشا مفيد‬


‫نصوص‬

‫عماد جبار‬

‫محمد جبر الحربي‬

‫عالء أبو ع ّواد‬

‫محمد علي اليوسفي‬ ‫غمكين مراد‬

‫الخصار‬ ‫عبد الرحيم‬ ‫ّ‬ ‫عبود الجابري‬

‫محمد زينو شومان‬

‫محمد العديني‬

‫طالل سالم‬

‫أشرف جمعة‬ ‫فوزي باكير‬

‫ضيف حمزة ضيف‬ ‫حازم العظمة‬

‫مهند السبتي‬

‫لؤي أحمد‬ ‫بيان الصفدي‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪25‬‬


‫نصوص‬

‫محمد جبر الحربي‬ ‫يط ُري الحامم ‪..‬‬ ‫لكائنات درويش‬

‫عباء ُتنا الشعر‬ ‫متعب القلب‬ ‫يا َ‬ ‫َ‬ ‫كنت هناك‬ ‫ُ‬ ‫وكنت هنا‬ ‫الحروب‬ ‫لقد م ّر عم ٌر كعم ِر‬ ‫ِ‬ ‫فأمضيت مام يعدّون يوما‪ً:‬‬ ‫ُ‬ ‫و ّق ُ‬ ‫عت باس ِمك‬ ‫اس ًام‬ ‫ُ‬ ‫وأفشيت رس ًام‬ ‫أتذكر كيف تصري الرسو ُم الحضارات‬ ‫ُ‬ ‫النقوش التل ّف َت للضو ِء‬ ‫أحنيت رأساً‬ ‫ُ‬ ‫البؤس بأساً‬ ‫وكان عىل ِ‬ ‫ُ‬ ‫وقلت عىل أرشف املرسلني السال ْم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أرسلت َشعري‬ ‫أنا اآلن‬ ‫وأطلقت ِشعري‬ ‫هو الدرب‬ ‫ُ‬ ‫رصت مع‬ ‫الوقت شبه رسولٍ‬ ‫ِ‬ ‫ونصف دليلٍ‬ ‫وبعض إما ْم‪.‬‬ ‫يطري الحامم‪ ..‬يحط الحامم‬ ‫برج حامم‬ ‫معي للحبيبة ُ‬ ‫الدرب‬ ‫ير ّد ُد ّ‬ ‫حي عىل ِ‬ ‫الدرب‬ ‫قلنا عىل ِ‬ ‫كيام تكون القصيد ُة الئق ًة بالعيون‬ ‫وقال اإلل ُه هي ال ِع ُني‬ ‫قلنا هي ال ِع ُني‬ ‫املغرب املرتقرقِ فينا‬ ‫يعم مع‬ ‫حتى َّ‬ ‫ِ‬ ‫سال ُم العيون‬ ‫‪26‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫ومنها السال ُم‬ ‫وفيها السال ْم‪.‬‬ ‫يطري الحامم‪ ..‬يحط الحامم‬ ‫لعينني من خف ٍر‬ ‫سوف أترك عط َر القصيد ِة‬ ‫رائح ًة من غام ْم‬ ‫تف ّز لها األرض‬ ‫تنهضني نشو ٌة يف الرتاب‬ ‫أنا اآلن آدم‬ ‫ها قهويت يف الحديقة‬ ‫ترشب‬ ‫ها أضلعي سوف ُ‬ ‫ُ‬ ‫ترصخ‪:‬‬ ‫يف األرض ما‪..‬‬ ‫ويا روح من عللٍ‬ ‫مت ّر بذاكريت ال ِه ُيم‬ ‫ٌ‬ ‫مشتعل‬ ‫والنهر‬ ‫والغام ْم‪.‬‬ ‫تقول يل اآلن شعراً لوجدي‬ ‫ملحمود‬ ‫للط ّيب املتن ّبي‬ ‫أقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫مرشق الصبح‬ ‫لك الله يا‬ ‫ِ‬ ‫يا طفلتي‬ ‫ُ‬ ‫أقول‪ُ :‬لكنّ اإلل ُه‬ ‫موجبات الكالم‪.‬‬ ‫أيا‬ ‫ِ‬ ‫دعيني قلي ًال‬ ‫سأكتب شيئاً بسيطاً‬ ‫ُ‬ ‫قرب الصباح كفج ٍر‬ ‫رأيتك‬ ‫ألين ِ َ‬ ‫وكان الزمان مي ّر علينا كطفلة زهو‬ ‫فنهديه ما َ‬ ‫أغمض العني ُس ّكر ًة‬ ‫قطع ًة من يديك‬ ‫كنوزاً ألجدادك املرتفني‬ ‫الغناء‬ ‫التواريخ‬

‫يرىض‬ ‫يقول ملن آنسوا القلب‬ ‫من سكنوا‬ ‫ها تعالوا إ ّيل‬ ‫قوم ع ّ‬ ‫يل‬ ‫لقد جا َد ٌ‬ ‫ولست أبايل‬ ‫أكان هو العشق‬ ‫عشق الليايل‬ ‫ميرجحه الشجر املتعايل‬ ‫أكانت عىل تعبي راحتيك‬ ‫خذيني إليك‬ ‫تنا ُم الحروف‬ ‫ينام اللئا ْم‬ ‫وتبقى هي األرض والجند‬ ‫قد رفعوا عل ًام فوق ٍّ‬ ‫تل‬ ‫نرى منه آخ َر ما يستب ّد ب َغ ّي الطغاة‬ ‫وآخر ما يستج ّد‬ ‫سنا جن ٍة‬ ‫قد تكون الشهادة‬ ‫يا للسامء‬ ‫ويا للمقا ْم‪.‬‬ ‫يطري الحام ُم‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫يحط الحام ْم‪.‬‬ ‫لها والدٌ ال يرى غري ضحكة طفلٍ‬ ‫هدية عم ٍر‬ ‫يخبئها كل عي ٍد‬ ‫َ‬ ‫ليحفظها كل عا ْم‪.‬‬ ‫يطري الحام ُم‪ّ ..‬‬ ‫يحط الحام ْم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املقامات كنّ الجراح‬ ‫ّيت ّ‬ ‫فغن ُ‬ ‫السفوح‬ ‫كل‬ ‫ِ‬ ‫وغنيت ّ‬ ‫كل الجبالِ األعايل‬ ‫البطاح‪.‬‬ ‫وغنيت كل‬ ‫ْ‬ ‫وقلت‪ :‬الوشاح‬ ‫الوشاح‪.‬‬ ‫فكان‬ ‫ْ‬


‫سالح‬ ‫يقول اليام ّين‪ :‬ها قتَلتْني بدون ْ‬ ‫ْ‬ ‫قلبي يف دفئها‬ ‫وتاهت حبيب ُة َ‬ ‫هو الحلم ال‬ ‫فقد كنت منذ الطفولة أحلم‬ ‫األنجم العاليات برأيس‬ ‫تساقط‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أما زلت يا ابن الحقيقة‬ ‫ما زلت تبحث بني الركام فتشقى؟!‬ ‫هنا ٌ‬ ‫جثث‬ ‫والحقيق ُة فيام يرى العا ُمل املتحرض‬ ‫ّأن الحطا َم ّ‬ ‫يظل الحطا َم‬ ‫ّ‬ ‫يظل الحطا َم‬ ‫ّ‬ ‫يظل الحطا ْم‪.‬‬ ‫يط ُري الحامم‪ ..‬يحط الحام ْم‪.‬‬ ‫لنا ما ارتأينا‬ ‫ويف هذه األرض‬ ‫ّ‬ ‫يستحث الغرا ْم‪.‬‬ ‫ما‬ ‫أمحمود درويش قدْين‬ ‫ُ‬ ‫نسيت القصيد َة أمس‬ ‫ثم ُ‬ ‫نسيت بأين أح ّب َك‬ ‫والكتُب العاليات تحد ُّق‬ ‫انفتح ْت ُ‬ ‫منذ صا َم‬ ‫أستغف ُر الل َه ما َ‬ ‫الكال ُم‬ ‫شعوب اإلشار ِة‬ ‫ورصنا‬ ‫َ‬

‫ُ‬ ‫السقف يشهدُ‬ ‫ذا‬ ‫يا أحم َد العر ّيب‬ ‫ٌ‬ ‫خشب‬ ‫سبحان من أنشأ الس ْق َف من‬ ‫أمرجوحة يك تنا َم فتأيت؟!‬ ‫ٍ‬ ‫وسبحان من َ‬ ‫الذاريات‬ ‫أرسل‬ ‫فلسطني تأيت‬ ‫ِ‬ ‫خلف نافذ ِة العم ِر‬ ‫وأعراف خيلٍ لها العزّة العرب ّية‬ ‫رذاذ الطفولة من ِ‬ ‫ماذا تريد؟!‬ ‫تعلو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أنضحك أ ّنا رأينا الغزاة‬ ‫كأن الخيام ُنصنب لهنّ‬ ‫لهم ما لهم‬ ‫فكنّ لها الفاتحات‬ ‫ُ‬ ‫خشب‬ ‫توابيت من‬ ‫وكنّ بها األذرع املانحات‬ ‫ٍ‬ ‫ال نصليّ عليها‬ ‫ِميلنَ‬ ‫ُ‬ ‫كام َ‬ ‫ونضحك أ ّنا رأينا الحياة‬ ‫مال يف ُء النها ِر‬ ‫تجلىّ‬ ‫أيف موتهم تستقيم الحياة؟‬ ‫وقد قيل ْ‬ ‫أيعىص عليك اللجا ْم؟!‬ ‫مات‪.‬‬ ‫أيا صاحبي ْ‬ ‫هات‬ ‫جوادٌ هو الجو ُد يا صاحبي‪:‬‬ ‫يا كرمياً متزّق منه الحشا‬ ‫ربع القصيد ِة‬ ‫ِ‬ ‫هات َ‬ ‫َ‬ ‫ال أنا ُ‬ ‫نصف الحقيق ِة‬ ‫شئت‬ ‫َ‬ ‫ال الكون شا‬ ‫الرميم‬ ‫بعض‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الرفات‪.‬‬ ‫وبعض‬ ‫ما انتشينا بليلٍ‬ ‫ويا صاحبي ْ‬ ‫وال الفجر كحل أعيانه وارتىش‬ ‫هات‪:‬‬ ‫فاستفاقت عقول الربية‬ ‫قم طوي ًال جلي ًال‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫هل يلزم الحق ٌ‬ ‫موت‬ ‫وأرسل علينا الحام َم هدي ًال‬ ‫إذاً سرنى؟!‬ ‫ودعني أردّد‪:‬‬ ‫يا بريئاً كطفلٍ أل ٍّم‬ ‫الله أكرب‬ ‫حبيباً كتفاح ٍة‬ ‫مغرب يتناءى‬ ‫يف ٍ‬ ‫يا قريباً كوج ِه الحبيبة‬ ‫يقيم الصالة؟!‬ ‫فمن ذا ُ‬ ‫يا سيداً‬ ‫ْ‬ ‫األمنيات‬ ‫هي‬ ‫يا منرياً‬ ‫وتعرف ّأن النساء َ‬ ‫صربن طوي ًال‬ ‫تركنا لهم َّ‬ ‫كل ما يسندُ َ‬ ‫األرض‬ ‫ات‬ ‫أيا ابن الشجري ِ‬ ‫يا ابن ْ‬ ‫النبات‬ ‫كنا بها النون‬ ‫والعاديات‬ ‫تفوح القصائدُ بالعطر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ظلم يشبه جالده‬ ‫فال‬ ‫ة‬ ‫القصيد‬ ‫قرأنا‬ ‫أ ّنا‬ ‫َ‬ ‫ال ظال ْم‪.‬‬ ‫كم نتل ّفت‬ ‫وال ُ‬ ‫املسك يشب ُه ما يحتويه املقا ْم‪.‬‬ ‫م ّر غز ٌال‬ ‫البنات‬ ‫بنبع‬ ‫يط ُري الحام ُم‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫وغن ّْت مها ٌة ِ‬ ‫ّ‬ ‫يحط الحام ْم‬ ‫فيا طاوي البيد‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪27‬‬


‫نصوص‬ ‫طالل سالم‬

‫غفوة التعب‬ ‫التعب‬ ‫متى ستغفو بروحي أيها‬ ‫ُ‬ ‫العتب‬ ‫و ينطوي كاملدى يف ُبعده‬ ‫ُ‬

‫متى ســـيحنو عىل نبيض تلهـــفها‬

‫لهــــــــب‬ ‫برشف ُك ّل ُه‬ ‫باألغنيات‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫حرف ُ‬ ‫هـنا لها ُ‬ ‫ألف مفرتقٍ‬ ‫ألف ٍ‬ ‫معــانق ّ‬ ‫الـــهرب‬ ‫درب خان ُه‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫تراود الـــورد تلهــــــــو يف غيابت ِه‬

‫تغــــرتب‬ ‫برق ِة العــــم ِر تدنو ثم‬ ‫ُ‬ ‫رجع يف تخايلها‬ ‫و كالصدى ألف ٍ‬ ‫و ُ‬ ‫أنسكب‬ ‫لحن بصمتي حني‬ ‫ُ‬ ‫ألف ٍ‬

‫عبد الرحيم الخصار‬ ‫احر‬ ‫الس ِ‬ ‫َّ‬

‫أضع يدي يف القبعة‬ ‫وأخرج خوذ ًة منا فيها العشب‬ ‫خوذ َة الجندي التي تغنى بها شاعر‬ ‫من اليونان‬ ‫أضعها أصيصا عىل عتبة البيت‬ ‫أخرج بنادق الحديد و أحولها لعبا‬ ‫لألطفال‬ ‫َ‬ ‫الرش َ‬ ‫أجعل عربة السالح مهدا و َّ‬ ‫اش‬ ‫مكنسة‬ ‫عىل فوهة املدفع‬ ‫سأبني عشا للطائر الذي شاخ‬ ‫وأزرع الرصاص يف األرض‬ ‫ليصري حقل ذرة‬

‫‪28‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫الوهم مختاالً و يعزفها‬ ‫يأيت بها‬ ‫ُ‬ ‫ويحتجب‬ ‫و حني يأيت بهـــا يعــلو‬ ‫ُ‬ ‫كليّ لها يا ثواين العم ِر ما ْ‬ ‫رحلت‬ ‫ترتقب‬ ‫تلك الدقائقُ والســـاعات‬ ‫ُ‬ ‫كليّ إليها سـأدنو حيثام ح ُل َم ْت‬ ‫أنسحب‬ ‫بطيف حريف بوحيي حني‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫روح برجفتها‬ ‫لكن صويت هـــنا ٌ‬ ‫التعب‬ ‫غــنّى لتأيت فيغــــفو ذلك‬ ‫ُ‬

‫هذا الجندي الهرم سيغدو راعيا‬ ‫لأليتام‬ ‫يحنو عىل املرىض‬ ‫ويعيد الدفء الضائع َّ‬ ‫للرضع‬ ‫الذين ُوجدوا يف املطارح‬ ‫سيجلس مسا ًء يف باحة الدار‬ ‫و يروي قصصا قدمية لساكنيها‬ ‫العجزة‪.‬‬ ‫أعيد يدي إىل القبعة السوداء‬ ‫وأخرج أرنبا َ‬ ‫أبيض ال يشبه األرانب‬ ‫يعدو يف املسالك املعتمة‬ ‫وتعدو خلفه أحال ُم الذين تكرست‬ ‫الجراف‬ ‫أحالمهم عىل ِ‬ ‫ويف نهاية العتمة ال بد أن يلمع‬ ‫الضوء‬ ‫ال بد أن يقف العطف بقمصانه‬ ‫البيضاء‬

‫ويربت عىل الجفون التي أغمضها‬ ‫اليأس‪.‬‬ ‫أم ّرر يدي عىل ياقتي‬ ‫فتخرج أرساب من الطيور‬ ‫و أطفال بأجنحة شفافة‬ ‫َ‬ ‫الخوف بأوراق الشجر‬ ‫يغ ِّلفون‬ ‫و يطوحون به إىل حيث ال أحد‬ ‫يصل‬ ‫يكنسون الشوارع من الغبار و القلق‬ ‫يهمسون للعابرين بكلامت حب‬ ‫ويف كل قلب سيضعون مزهرية‪.‬‬ ‫سأنزع األسالك الشائكة و أغرس‬ ‫الصنوبر‬ ‫وهذا الحصن العايل سأغطيه‬ ‫باللبالب‬ ‫الكتائب سعا َة بريد‬ ‫سأرسل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مشاتل ورد‬ ‫الثكنات‬ ‫و أجعل‬ ‫ِ‬


‫وإذا ما خطا الصبية يف حقل األلغام يحملون الكامنات و العيدان‬ ‫سيصري كل لغم دالية‪.‬‬ ‫يتاموجون كسنابل تحب بعضها يف‬ ‫هذا املتسول املغ ُّرب عىل الرصيف‬ ‫الحقل‬ ‫سيميش يف املوكب جنب امللك‬ ‫و يصدحون بالنشيد الذي ضاع‬ ‫وهذه الفتاة التي كانت تسعف‬ ‫سنغني جميعا لألرواح التي راحت‬ ‫ُ‬ ‫الجنود‬ ‫للجندي العاشق الذي قصفت‬ ‫ستعود من الجبهة‬ ‫خيمته ليال‬ ‫لتنفض الرتاب عن نوافذ البيت‬ ‫حني كان يكتب رسالة حب‬ ‫وتعي َد ترتيب الحب يف خزانتها‬ ‫للشاب الذي سقط رصيعا يف غابة‬ ‫لتمسح الغبار عن صورة العاشق‬ ‫وعيناه تحدقان يف صورة الوالد‬ ‫القديم‬ ‫املريض‬ ‫وترتك الليلك ينمو من جديد يف‬ ‫للممرضة التي ماتت عىل رسيرها‬ ‫هواء الغرفة‬ ‫بطعنة خنجر‬ ‫وهذا الجرنال املدجج بالرعب‬ ‫لحارس الذخرية الذي انهار عليه‬ ‫سأرصف نظره عن الجثث‬ ‫السقف‬ ‫وبدل املسدس سأمنحه ريشة‪.‬‬ ‫للطفلة التي داستها عربة مد ّرعة‬ ‫سأجعل الجنود ورايئ‬ ‫ألصدقائها الذين ماتوا دون سبب‬

‫لألجساد الرطبة التي اخرتقها‬ ‫الرصاص‬ ‫لألمهات اللوايت مألن الغرف بالبكاء‬ ‫لألرامل و لليتامى‬ ‫وللذين تركوا أقدامهم يف الحرب‪.‬‬ ‫سرنفع أصواتنا بألحان تجعل‬ ‫الجدران تبيك‬ ‫ثم تبتسم‬ ‫وإذا مل يسمع رصاخنا أحد‬ ‫فسأعيد كل يشء إىل مكانه‬ ‫سأمللم عصاي و قبعتي‬ ‫وأكنس من عىل األرض أوهامي‬ ‫سأسحب الستار إىل نهايته‬ ‫ثم أميض‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪29‬‬


‫نصوص‬

‫يف « أوليمبيا»‬ ‫حازم العظمة‬ ‫ُ‬ ‫أكاليل الغا ِر‬ ‫ُ‬ ‫وأكاليل الزَيتون‬ ‫«أوليمبيا»‬ ‫‪ ...‬وكام يف «أوليمبيا»‬ ‫«مىض بيرتوس إىل الرشق ‪ ،‬مىض‬ ‫كام يف « ِب َ‬ ‫يش َة « البعيد ْة‬ ‫ألكسيس إىل الغرب»‬ ‫‪...‬‬ ‫«غريب أن تكون ألوان‪ ،‬وأن‬ ‫قاال ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫الصباح‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫نكون رأيناها»‬ ‫ّائني‬ ‫د‬ ‫الع‬ ‫عىل‬ ‫كان‬ ‫َ‬ ‫عن يانيس ريتسوس‬ ‫أن يقطعوا ّ‬ ‫خط النهاية ِ‬ ‫زوس «‪...‬‬ ‫تحت أنظا ِر» ْ‬ ‫لن تكون هنا كالبتَالت الصفراء‬ ‫فيام األرمل ُة ‪،‬‬ ‫السميكة‬ ‫يف النافذ ِة ما تز ُال ‪،‬‬ ‫َرمتها ح ّب ُ‬ ‫أمس‬ ‫ات البرَ َ ِد من ليل ِة ِ‬ ‫متزج ببطى ٍء‬ ‫لن تكون هناكَ‬ ‫رشاب التوت القانـي ْ‬ ‫الخشب الطويل ِة‬ ‫عىل املوائ ِد‬ ‫ِ‬ ‫بقايا نبي ٍذ‬ ‫و ُ‬ ‫فتات خب ٍز أسو َد‬ ‫ّ‬ ‫تتخطفها ال ِغ ُ‬ ‫ربان طوال النها ِر‬ ‫ستمط ُر ‪ ،..‬الليل َة أيضا‪،‬‬ ‫ستقع ح ّب ُ‬ ‫ات البرَ َ ِد‬ ‫ُ‬ ‫ني القدمي ِة‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫السقوف الط ِ‬ ‫ْ‬ ‫ني‬ ‫يف البرِ ِك التي‬ ‫تناثرت بني شارع ِ‬ ‫بني دكان املهاجرين‬ ‫ومقهى «بغداد»‬ ‫‪...‬‬ ‫بني ذلك َ‬ ‫بلدات‬ ‫عىل بعد ِس ِّت‬ ‫ٍ‬ ‫ني‬ ‫و مدينت ِ‬ ‫(وأسيج ٍة يف التالل ال تحىص ‪) ..‬‬ ‫كانت األرملة ُ‪ ،‬عاري ًة يف النافذة ْ‪،‬‬ ‫تتخفف ُ‬ ‫قديم‬ ‫من حدا ٍد طويلٍ ٍ‬ ‫‪...‬‬ ‫عىل الطاولة‬

‫‪30‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫محمد زينو شومان‬ ‫رس النخيل‬

‫مل يبق فوق السطح إال ظلنا‬ ‫وحنطة الغام ْم‬ ‫ً‬ ‫والح ْل ُم يف هزيعه‬ ‫الط ُري كان غامضا ‪ُ ..‬‬ ‫األخ ْري‬ ‫فه َّبت األشجار من رقادها‬ ‫األبواب‬ ‫تذ َّمرت من صمتها‬ ‫ْ‬ ‫وإذ بأمي ‪ ..‬تُغلقُ السن َ‬ ‫ني خلفها‬ ‫حاب‬ ‫الس ْ‬ ‫تستدرك َّ‬ ‫الثياب‬ ‫لتحمل األشواق يل يف صرَُّة‬ ‫ْ‬ ‫باألمس كان وجهنا مع َّرضاً‬ ‫للفحة الحن ْني‬ ‫ُترى ‪ ..‬أمل يشعر بنا الص َّبا ْر؟‬ ‫هناك أم هنا؟ عىل أصابعي‬ ‫ْ‬ ‫الليمون‬ ‫دم من‬ ‫وقريتي‬ ‫كل م َّر ٍة مع َّفراً‬ ‫يجيئها الحامم ّ‬ ‫ْ‬ ‫األصيل‬ ‫بحرقة‬ ‫َّ‬ ‫يجيئها الط ْلع الذي يسقط من قلبي‬ ‫ْ‬ ‫الزيتون‬ ‫عىل‬ ‫وال أرى إال شظايا الوج ِد‬ ‫ْ‬ ‫الظنون‬ ‫ال أرى من الشباك إال بجع‬ ‫الليل ليس ضدنا‬ ‫وحسبنا من نخلة األيا ْم‬ ‫البلح‬ ‫هذا الذي نخاله ْ‬ ‫وال يسدُّ جوعنا‬ ‫ما كان‪ ،‬م َّر ًة‪ ،‬يسدُّ جوعنا‬ ‫لكننا نهفو إلي ْه‬ ‫يشدُّ نا الجوع إىل نظري ِه‬ ‫وليس من ْ‬ ‫بديل‬ ‫التمر بعض جوعنا‬ ‫ْ‬ ‫النخيل‬ ‫والرس يف‬ ‫ُّ‬


‫حوار الثوب الواحد‬

‫أيقظت البحر وهرولت ورايئ‬ ‫مصطكاً‬ ‫كالنخلة إن قطعوا نهديها يف‬ ‫الصحرا ْء‬ ‫فارتطم العابر يب‬ ‫حتى أحسست بأنفاس مشرتك ْة‬ ‫ثم تناولت هموم العم ِر‬ ‫َّ‬ ‫الريح‬ ‫بخطاف ْ‬ ‫وتل َّقفت ظنوين َّ‬ ‫بالشبك ْه‬ ‫وغدا اإلثنان أنا‬ ‫ِّ‬ ‫كاملنبت ألوذ بنفيس‬ ‫مل يبرص أحد منا اآلخ َر‬ ‫أغضيت فأغىض‬ ‫ثم َّ‬ ‫انسل كالنا يبحث عن شذرات‬ ‫الحلم‬ ‫ِ‬

‫بيان الصفدي‬ ‫مقطوع من شجرتك‬

‫شتاؤك ِ داىفء‬ ‫كقلبك!‬ ‫َ‬ ‫أرت ِّـب الكون عىل َمقاسك‬ ‫حتى يكون مناسباً يل‪.‬‬ ‫بدموعك اليوم‬ ‫ْأسد َ​َل النها ُر ستارته عىل قلبي‪.‬‬ ‫أترك أيامي ألصابعك‪.‬‬ ‫يا لك من معجزة!‬ ‫الحياة صنعت ْــك عىل شكلها‪.‬‬ ‫غيابك يحنو ع ّ‬ ‫يل‬ ‫يف الربد‬ ‫ألبس طيفك ‪ ..‬فأدفأ!‬ ‫كل يشء ينادي باسمك‬

‫بعيداً عن صاحب ِه‬ ‫يف ثوب واح ْد‬ ‫خرست أعضايئ‬ ‫وتن َّكر يل إذ ع َّز األنصا ُر لساين‬ ‫واتاه الثأر فكان الشاه َد ضدي‬ ‫عند ال َّدينون ْه‬ ‫ويراعي‬ ‫كم َّ‬ ‫سخرت له قلبي وبناين‬ ‫واستنزلت له من لدن الغيم الح َرب‬ ‫ولكنْ‬ ‫األقالم املحتسب ْه‬ ‫ما كان شفيعي بني‬ ‫ِ‬ ‫فإذا جاءك صويت محموالً فوق‬ ‫الخشب ْه‬ ‫فاخرج ملالقايت‬ ‫نصفك نصفي والثوب هو الواح ْد‬

‫‪ ..‬ويرت ِّــلك‬ ‫حتى صمتي‬ ‫أتوجعك‬ ‫اتريك يل متعة أن َّ‬ ‫السامء ترتاح عىل شفتيك ِ‬ ‫بني ذراعيك ألتقي بنفيس‬ ‫ظل ُّـك ِ يعكس الشمس‬ ‫أنت القيد الذي يكرسين دامئا!ً‬ ‫عقارب ساعتي تشري إليك‬ ‫َ‬ ‫الوقت‬ ‫تقيس‬ ‫حتى َ‬ ‫والنبض!‬ ‫كلامتك أعواد ملواقد الغياب‬ ‫يغلق الشتاء نافذته‬ ‫ألنها ال ّ‬ ‫تطل عليك ِ!‬ ‫وتنزل دموع الشتاء ‪..‬‬ ‫فقط‪...‬‬ ‫ألنك بعيدة!‬ ‫عندما تغادر الفراشة‬

‫ترتك غبار جناحيها يف القلب!‬ ‫السامء ترفع قامتها‬ ‫لتصل إىل عينيك ِ!‬ ‫أغمسك يف قهويت‬ ‫وآكلك عىل مهل‬ ‫وأتأمل األلوان وهي تسيل‬ ‫عىل أصابعي‬ ‫عىل وردة الوقت‬ ‫تهبطني‪ ..‬وتتالشني‬ ‫مثل قطرة ندى‬ ‫مثل َ نحلة‬ ‫ترتكني عسلك‬ ‫يف خالياي!‬ ‫ِمن غريك‬ ‫أنا وحيد‬ ‫أنا مقطوع من شجرتك!‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪31‬‬


‫نصوص‬

‫عماد جبار‬ ‫ذبـــول مــــا‬

‫كل يشء معد هنا لبكايئ‬ ‫مالبسها حيث كانت‬ ‫رشاشفها‬ ‫دمعتان عىل خدها يف املرايا‬ ‫بقايا ارتجافتها يف الزوايا‬ ‫ثرثرات الحذاء عىل سلم الدار‬ ‫ظل عصفورها موحشا يف الجدار‬ ‫صوتها‬ ‫شمعة مل يحن وقتها‬ ‫رفيف كواكبها يف دمايئ‬ ‫بكاء نوافذها يف ساميئ‬ ‫كل يش معد هنا لبكايئ‬

‫محطـات للذبول‬

‫انا قادم من اقايص الندم‬ ‫اما قلت لك‬ ‫ذكر القلب ياورد‬ ‫هذي املصابيح تنىس‬ ‫املصابيح تلقي عىل الجرح ضوءا‬ ‫وتنىس‬ ‫اما قلت لك‬ ‫هيئ االرض يا ورد يل‬ ‫هيئ االفق يك اسرتيح‬ ‫واجعل االرض صدر مسيح‬ ‫ندم يف املياه‬ ‫ندم يف الجروف التي التجري املياه‬ ‫ندم يف عيون إله‬ ‫حشد بحارة يحملون الشموع اىل‬ ‫منبع الليل‬ ‫لكنهم يرجعون‬

‫‪32‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫خائبني‬ ‫بكل نجوم الحنني‬ ‫كنت تحضنها امس‬ ‫كيف ستنىس تخبط دمعتها‬ ‫يف صحارى قميصك‬ ‫كيف تنىس اذا متتامت املطر‬ ‫تحري حباته يف تراب الوداع االخري‬ ‫كيف تنىس غموض الرسير‬

‫دهشة النجم يف ارضها‬ ‫خيبة الشمع يف ظلامت الكالم‬ ‫هل تصدق ان القطا سينام‬ ‫وان العصافري ترىض بهذا الظالم‬ ‫ها هنا تركت دمعة يف الزقاق‬ ‫الغريب‬ ‫ها هنا تركت مدنا تقشعر مدى‬ ‫الليل لكنها ال تجيب‬


‫لؤي أحمد‬

‫طني‬ ‫َّرب دون ُه‬ ‫( َبىك َص ِاحـبي ملَّا رأى الد َ‬

‫ـبك عَـــ ْي َ‬ ‫نك إِ َّنـم‬ ‫فـقلت لهُ‪ :‬ال َت ِ‬

‫العــــــ ْم ُر َب ْي َنهُم‬ ‫َخـ ْم ٌر َوأَ ْم ٌر َو َم َّر ُ‬

‫ــــم ال َو ْق َت يمَ ْ ُحـــو َ�ث ْل َج ُغـــــ َّر ِت ِه‬ ‫ُي َق ِّل ُ‬

‫ِمي ِدي َح َيا ُة َو ُغ ِّري ال َي ْو َم َقـــا ِف َي ِتي‬ ‫ــــك َ‬ ‫أَ َنا الذي َم َس َ‬ ‫األ ْحال َم ِمنْ َي ِدهَ ــا‬ ‫الحـــــــز ُْن َي ْع ِر ُفني‬ ‫الل ْي ُل َي ْعـــــ ِر ُفني َو ُ‬ ‫ـــب ب‬ ‫أَ ْمشــــــِي َوأَ ْعثرَ ُ َيا ُد ْن َيا و َت ْل َع ُ‬ ‫هَ ْل َك َان َي ْح ِم ُل ِني؟ أَ ْم ُكن ُْت أَ ْح ِم ُلهُ؟‬ ‫وب التِّي ِه َت ْخ ِطـــ ُف ِني‬ ‫َكأَ َّن ليِ ‪َ -‬و ُد ُر ُ‬ ‫ــع آمــايل َفــتَن ُق ُضهَـا‬ ‫فيِ ال َّر ْملِ أَ ْر َف ُ‬ ‫َوبيِ ُط ُفولَ ُة ِش ْعــــــ ٍر فـــــــ َّر من لغ ٍة‬ ‫ـــــحتهَا‬ ‫َو ُكلَّماَ ُق ْل ُت‪ :‬أَ ْميض َفـــ ْو َق َص ْف َ‬ ‫والح ْر ِف َم ْح ُـم ٌ‬ ‫ول َعلىَ شـــفتي‬ ‫أَط ُري َ‬ ‫َس َف ْح ُت عُ ْمـــ ِريَ بحثاً عَنْ ِس َوا ُه َولَ ْم‬ ‫َعماَّ َقليلٍ ُي ِعـــــــيدُ ِّ‬ ‫الطــــ ُني َد ْو َر َت ُه‬

‫***‬

‫وأَ ْيقـــَنَ أَ َّنـا الحـِ َقـــــــانِ بقـــيصرَ ا‬ ‫ُ‬ ‫حـــاول ُملكاً أَو نمَ ــــوت فــــنُع َذرا)‬ ‫ُن‬ ‫َ‬ ‫اب ُ‬ ‫لب َما َف ِهماَ ِ‬ ‫اب» وَهَ َذا ال َق ُ‬ ‫الغ َر ُ‬ ‫«ش َ‬ ‫حص الل َياليِ التي يف ُح ْض ِنهَا هَ ــــ ِر َم ُا‬ ‫ُي يِ‬ ‫أَ َنا الغـــــَري ُر ال ِذي أَ ْغــ َو ْي ِت َفا ْنهَـ َز َما‬ ‫َ‬ ‫فيِ لَ ْي ِل ِه فـأَ َر َ‬ ‫الحـــ ُل َمـــــــا‬ ‫اق‬ ‫الليل َو ُ‬ ‫َك ْم ِع ْش ُت أَ ْغ ِس ُل فيِ َع ْي ِني َس َوادَهُ ــم‬ ‫أَ ْر ٌض َت َغـــ َّر َب فيهَا ِّ‬ ‫الطـــ ُني َو ْاخت َ​َصم‬ ‫ِظــــليِّ الذي َح َم َ‬ ‫ــل اآلال َم واقت َ​َح َمـا‬ ‫ُخطــَى َضـري ٍر َت َق َّر ْت َك ُّف ُه ال َعـــــ َد َما‬ ‫ريح الهَــ َو ِاج ِس وال َّروح الذي َســ ِئم‬ ‫ُ‬ ‫الصخ ُر َوا ْن َق َسم‬ ‫ِمنْ ُح ْز ِنهَــا َر َّق َحتَّى َّ‬ ‫َغا َد ْر ُت َق ْل ِب َي َيبرْ ي ِض ْل َعـــ ُه َق َل َمــــــا‬ ‫أَ ُّ‬ ‫شف إِ ْن َش َّف أَو أَهْ ـــــوي إِ َذا ُكتم‬ ‫وحاً ملَنْ َو ِهم‬ ‫أَ ِج ْد ِس َوى ال َوهْ ِـم َم ْس ُف َ‬ ‫«لَ ْي َت ال َفتَى َح َج ٌر» َ‬ ‫ليت ال َفتَى َع ِق َمـا‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪33‬‬


‫نصوص‬

‫ضيف حمزة ضيف‬ ‫اىل الشاعر فرج بريقدار‬

‫َ‬ ‫كان يمُ كنُ يل أن أه َز املساء‬ ‫وأنحني اليو َم َ‬ ‫مثل السحاب عىل‬ ‫ُركبة األرض‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أمسك طرف الحديد املقفى بآنية‬ ‫السجن‬ ‫ً‬ ‫ألسحب هذا الهوا َء‬ ‫أو أتناهى قليال‬ ‫َ‬ ‫وأبقي َ‬ ‫َ‬ ‫يحفون هذا‬ ‫لك األنبياء‬ ‫َ‬ ‫املكان‬ ‫َ‬ ‫ويتلون أجراسهم ‪...‬‬ ‫يك يجف الذي َ‬ ‫مات منهم‬ ‫َ‬ ‫فلست الذي قد تمُ زق أكفانهم‬ ‫َ‬ ‫أو تش َد إليك رياحينهم (‪)...‬‬ ‫تصافح أيديهم‬ ‫أو‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فالسجون التي ال تنا ُم تُحلقُ فوقي‬ ‫ومتسك يب يك أراكَ‬ ‫بال شاهد أو مسار !‬ ‫كأ ّين أنا والرياح‬ ‫ٌ‬ ‫وظل ُيصارعُ أثقال ُه‬ ‫يك ُيحرر هذا َ‬ ‫الشبيه‬ ‫ُ‬ ‫وينفخ أشيــاء ُه ‪,‬‬ ‫كتف الطفلِ‬ ‫من حرير تشظى عىل ِ‬ ‫بالرغم مني !‬ ‫***‬ ‫للحقولِ التي أوقدت‬ ‫األصابع‬ ‫نارها من ضفاف‬ ‫ِ‬ ‫التوابيت‬ ‫وجه‬ ‫ِ‬ ‫الوقت‬ ‫أخرض مثل الخطيئة يف أول‬ ‫ِ‬ ‫اإلثم‬ ‫أو صحوة ِ‬ ‫املوت‬ ‫يف ُجب ِة العائدين من ِ‬ ‫هل تسمعون رن َ‬ ‫ني املقابر !‬

‫‪34‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫َ‬ ‫قوافيك‬ ‫من ُغبار ستعلو‬ ‫ترمم ماحطمت ُه الح ّيا ُة‬ ‫حتى َ‬ ‫األرض َ‬ ‫مثل الشهي ِد‬ ‫وتعلو عن ِ‬ ‫ظلك َ‬ ‫ومتعنُ يف حفر َ‬ ‫فيك‬ ‫وال تسرت ُد ُثغاء املقابر‬ ‫للموت َ‬ ‫حتى ُت َ‬ ‫ألف سؤال‬ ‫قيض‬ ‫ِ‬ ‫يلبس‬ ‫وال تنحني‬ ‫للصواب الذي ُ‬ ‫ِ‬ ‫األخرين‬ ‫وال يرتديك ‪.‬‬ ‫كأين أنا ‪:‬‬ ‫إصطفاف األرايض عىل جثتي‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫األرض‬ ‫وجه نيسان يحبو عىل ُمهَلِ ِ‬ ‫مثل الصبي ‪..‬‬ ‫فتح يف ُلجة الحرب‬ ‫كأين أنا ُ‬ ‫الباب ُي ُ‬ ‫للهارب َ‬ ‫املوت‬ ‫ني من ِ‬ ‫يلتمسون ِضفاف النبي عىل‬ ‫آنيات الخزف‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫األرض أرجوحة ال ُ‬ ‫وحدها ُ‬ ‫تكل‬ ‫من البوح فوق إستدارة هذا‬ ‫ّ‬ ‫الخش ْب‪.‬‬ ‫***‬ ‫وللباب أجنحة التط ُري‬ ‫ِ‬ ‫وللذئب ُ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫صوت الحن ِ‬ ‫«حمص»‬ ‫اذا ساورت ُه نواع ُري‬ ‫ِ‬ ‫وألبس ُه املوت َ‬ ‫التعب‬ ‫كل ْ‬ ‫‪...‬‬ ‫أسقطوا َ‬ ‫األرض عنّي‬ ‫لئال َ‬ ‫يجف من الحزنِ‬ ‫ماء الذنوب‬ ‫ُ‬ ‫الدمع‬ ‫وال‬ ‫يشعل ُ‬ ‫الحطب‬ ‫هذا‬ ‫ْ‬ ‫أسقطوا األرض عنّي‬ ‫وسريوا‬ ‫ُ‬ ‫فإ ّين أخيط من الشيّ ء‬

‫تبوح التي ْ‬ ‫غزلت ريشها‬ ‫ما ال ُ‬ ‫للموت‬ ‫حامم ُيجه ُّز‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬ ‫ألف اشتبا ٍه غريب‬ ‫ووحدي ُ‬ ‫أفتش‬ ‫عنك‬ ‫يف املاء ِ‬ ‫وأحف ُر يف األرض حيناً‬ ‫سبب‬ ‫ألعرث عن ٍ‬ ‫لبكاء املجا ِز عىل صد ِر هذيّ اللغة‬ ‫***‬ ‫أسقطوا َ‬ ‫األرض عنّي‬ ‫فال لون ّيل‬ ‫غري ظيل ‪...‬‬


‫عبّود الجابري‬ ‫ألبوم صور شخصية‬ ‫(‪)1‬‬

‫القديم‬ ‫رح‬ ‫الج ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫يشب ُه س ِّكيناً جديدةً‬ ‫حواف ٌ‬ ‫له ٌ‬ ‫المعة‬ ‫ربمَّ ا‬ ‫مقطع طويلٌّ‬ ‫أل َّنه‬ ‫ٌ‬ ‫من حياة‪ ‬‬ ‫ْ‬ ‫عربت جلودَنا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫َ‬ ‫هناك ُ‬ ‫ألف سبب‪ ‬‬ ‫لتبتسم لصور ِت َك يف املرآة‬ ‫َ‬ ‫أه ّمها ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّأن املرآة مل تكتشف مو َتك بعدُ ‪...‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫وكأنيّ َ‬ ‫بك‪ ‬‬ ‫تسيرُ حافيا‪ ‬‬ ‫خائفا وخجوالً‬ ‫تهمهم متلفتا‪ ‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الناس‬ ‫خوف أن يسمعك ُ‬ ‫مثل نبيّ‪ ‬‬ ‫يستحي أن َ‬ ‫يسأل الل َه أمراً‬ ‫ُ‬ ‫ويخاف عىل الجمرة أن تسقط من‬ ‫يده‬ ‫ُ‬ ‫فيحملها‬ ‫ُ‬ ‫ويركض‪ ‬‬ ‫لعله يصل املاء رسي ًعا ‪...‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫يف ال ُّلغة ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫الخيط‬ ‫غالباً ماننىس‬ ‫ونوغل يف تفاصيلِ العصفور املق ّي ِد‬

‫صاص‬ ‫ننىس ال َّر َ‬ ‫ونحتفي بحزن أ َّمهاتنا‬ ‫حني منوت‬ ‫حتّى ح َ‬ ‫نحب‬ ‫ني ُّ‬ ‫نج ُنب أن نخ َرب من يسألنا‬ ‫ْإن كنّا ّ‬ ‫عشاقاً او معشوقني ‪....‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫لع َّله يربدُ‪ ‬‬ ‫ولو بع َد موت‬ ‫هكذا حدّث نفسه‬ ‫حني اودعَ قلبه ج ّر ًة‬ ‫السور ‪...‬‬ ‫ووض َعها عىل ّ‬ ‫(‪)6‬‬ ‫يا لتلك الرائحة‬ ‫كم تبدو وفية‬ ‫ألبيها الرغيف‬ ‫يا لتلك األرصفة‬ ‫كيف ينهشها العقوق‬ ‫حني نغسلها من الدم‬ ‫الدم الذي يتأسىَّ بوفا ِء الرائحة‬ ‫لرغيف عاب ٍر يف حياتنا ‪....‬‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)7‬‬ ‫الن ُ‬ ‫َّصل‪ ‬‬ ‫لسان السكني‪ ‬‬ ‫التي ُ‬ ‫جسدي بالزَّغاريد ‪...‬‬ ‫متأل َ‬ ‫(‪)8‬‬ ‫فقط ‪..‬‬ ‫ح َ‬ ‫ني تغفو ال ِّريح‬ ‫َ‬ ‫تنسج بساطاً‬ ‫ميكنك ْأن َ‬ ‫من الرماد ‪.....‬‬ ‫(‪)9‬‬ ‫كم خيم ًة‬ ‫َ‬ ‫عليك أن تبني‬ ‫لتزعم َّأن صحراءك‬ ‫َ‬

‫بالدٌ من العتبات ‪....‬؟‬ ‫(‪)10‬‬ ‫يقب ِّـل ي َد َ‬ ‫مس‬ ‫الش ِ‬ ‫َّ‬ ‫كل صباح‬ ‫ْ‬ ‫خشي َة‪ ‬‬ ‫ْأن تفت َّت حنينَه اليابس ‪....‬‬ ‫(‪)11‬‬ ‫هم مر َ‬ ‫اياك ‪...‬‬ ‫يعرفون َ‬ ‫ذلك‬ ‫لكنَّهم يلتفتون‬ ‫ملن يطعنهم‪ ‬‬ ‫يف ظهو ِرهم فقط ‪..‬‬ ‫(‪)12‬‬ ‫أيتها الغاممة‬ ‫اليفرحني خراجك‬ ‫مادمت ج َّر ًة فارغ ًة‬ ‫ِ‬ ‫يتناوح يف صدرها‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫صدأ الهواء‬ ‫وضجيج شف ٍة عطىش‬ ‫ُ‬ ‫(‪)13‬‬ ‫َّ‬ ‫كل صباح‬ ‫ُأعدُّ لك حروفا مرتف ًة‬ ‫أر ِّت ُبها يف جملٍ مرتبكة‬ ‫ُ‬ ‫أعرف أ َّنها ستضيع‬ ‫ُ‬ ‫ينشغل لساين‬ ‫حني‬ ‫ِ‬ ‫برتطيب شفتي ّ‬ ‫(‪)14‬‬ ‫وه َو‪..‬‬ ‫وان كان مدينا لك بدمعة‬ ‫ْ‬ ‫فاعمل عىل تذوُّقِ ما ِء عينيه دامئا‪ ‬‬ ‫َ‬ ‫السداد‬ ‫قبل أن َ‬ ‫تفرح بنعمة َّ‬ ‫واعلم إ َّنه‪ ‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫يغسل عينيه‪ ‬‬ ‫مل يكنْ‬ ‫من أث ِر الرماد ‪.....‬‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪35‬‬


‫نصوص‬

‫فوزي باكير‬ ‫رؤى‬

‫ما من أح ٍد‬ ‫يزو ُر املرايا‬ ‫َّ‬ ‫حني ُّ‬ ‫يحل عليها الظالم‬ ‫لهذا‬ ‫تبدو وجوهُ نا ناقصة‪...‬‬ ‫***‬ ‫سنصنع‬ ‫ماذا‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫بكل هذا البرص‬ ‫لو ّأن َّ‬ ‫الضو َء‬ ‫يخىش‬ ‫الجلوس يف العتم ِة َوح َده؟‬ ‫َ‬ ‫***‬ ‫تبتل ِّ‬ ‫الظ ُ‬ ‫ال ُّ‬ ‫الل‬ ‫تقطع النَّهر‬ ‫حني ُ‬ ‫وال الحجار ُة ُتكسرِّ ُها‬ ‫عند صعودها الجبل‬ ‫ومل تنزف يو ًما‬ ‫لعبو ِرها حقلاً من الورد‪،‬‬ ‫لكنَّها ُ‬ ‫تطول وتقصرُ ُ‬ ‫كم َّ‬ ‫الضو ِء الذي‬ ‫ُ‬ ‫بـح ِ‬ ‫تهجس به‬ ‫ُ‬ ‫الـمع ِتمة‪...‬‬ ‫ش ُقو ُقنا ُ‬ ‫***‬ ‫املوقدُ‬ ‫ع ٌني عميا ُء متا ًما‪،‬‬ ‫َمن أشعل فيها النَّا َر‬ ‫ور َاح ُيحد ُِّق منها‬ ‫ضعف خطايانا‪...‬؟‬ ‫يف ِ‬ ‫***‬ ‫املصباح‬ ‫لو ْمل يشن ُقوا‬ ‫َ‬ ‫ظلم‬ ‫بخيطٍ ُم ٍ‬ ‫‪36‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫سقف العتم ِة‬ ‫يتدلىّ من ِ‬ ‫ملا أضاء‪...‬‬ ‫***‬ ‫ما جدوى‬ ‫يلج الج َم ُل‬ ‫أن َ‬ ‫سم الخياط‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫فيام خيوط َّ‬ ‫الضو ِء‬ ‫تنسج نهارا ِتنا‬ ‫ُ‬ ‫ظلم‬ ‫من ُث ٍ‬ ‫قب ُم ٍ‬ ‫يف إبر ِة الكون‪...‬‬ ‫***‬ ‫فاجع ُة األعمى‬ ‫َ‬ ‫الغربان‬ ‫أ َّن ُه الوحيدُ الذي يرى‬ ‫حني تنعقُ يف َّ‬ ‫الظالم‪...‬‬ ‫***‬ ‫ُأغ ِم ُض ع َ‬ ‫ني الغرف ِة عن خارجها‬ ‫أو ُأغ ِم ُض ع َ‬ ‫ني الخارج عنِّي‬ ‫ال أدري‬ ‫هذا ُّ‬ ‫الشـ َّب ُاك كث ُري التّأويل‬ ‫ُ‬ ‫والكون م ًعا‬ ‫فأنا‬ ‫نقف عىل حا َّف ٍة واحدة‬ ‫لهاويتني!‬ ‫***‬ ‫يف َّ‬ ‫الظل َم ِة‬ ‫تت َِّس ُع الع ُني‬ ‫كمصباح أعمى‬ ‫ٍ‬ ‫ما جدوى َ‬ ‫ذلك‬ ‫والقلب يضيقُ‬ ‫َّمع‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫بدرب الد ِ‬ ‫وال يبيك؟‬ ‫***‬ ‫عابسا‬ ‫ً‬ ‫يف حلك ِته‬ ‫يطلب املص ِّو ُر‬ ‫ُ‬ ‫أن يضيئوا وجوهَ هُم‬

‫بابتسام ٍة المعة‪...‬‬

‫***‬ ‫ُّ‬ ‫ني األعمى‬ ‫تنسل الدَّمع ُة من ع ِ‬ ‫كخيطٍ من ضوء‬ ‫يتحس ُس َ‬ ‫فوق الوجن ِة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫رعش َة ليلٍ حط َ‬ ‫هناك بال قم ٍر‬ ‫وضاع بعتم ِته‪...‬‬ ‫***‬ ‫َّاكن‬ ‫بعم ِره الد ِ‬ ‫وقل ِبه األبيض‬ ‫غيوم‪،‬‬ ‫ِمن فرطِ ما ز َ‬ ‫احم ِمن ٍ‬ ‫اب‬ ‫ُيحلقُّ الغر ُ‬ ‫َ‬ ‫الـمظلمة‬ ‫فوق قلو ِبهم ُ‬ ‫من فرطِ ما زاح َمها الخراب‪...‬‬ ‫***‬ ‫الع َّكاز ُة‬ ‫ُ‬ ‫ليس ْت قنديل‬ ‫َ‬ ‫يشقُّ لألعمى‬ ‫َّرب‬ ‫ُظلم َة الد ِ‬ ‫نحو مجهوله‪،‬‬ ‫إنمّ ا غصنٌ‬ ‫يشدُّ ُه من ك ِّف ِه‬ ‫لع ّل ُه مييض به إىل غاب ِة األلوانِ‬ ‫ل ُيعي َدهُ يان ًعا‬ ‫خرص أ ِّم ِه ّ‬ ‫الشجرة‪...‬‬ ‫إىل ِ‬


‫مهند السبتي‬ ‫الفرصة ذات العطر‬

‫تأت عىل ّ‬ ‫كل يش ٍء‬ ‫‪‎‬أيتها النا ُر ال ِ‬ ‫يحتاج هذا الفرعُ ْأن ينم َو‬ ‫‪‎‬رمبا‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬رمبا مل ْ‬ ‫يقل أحدٌ كلمت ُه األخري َة‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫األبواب‬ ‫‪‎‬لعل التوبة واقفة عىل أح ِد‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬لعل اإلعرت َ‬ ‫َّ‬ ‫بالحب‬ ‫اف‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬سيوقف ارتعاشة الفقدانِ‬ ‫‪‎‬والريب ِة‬ ‫الفرح ناراً عظيمةً‬ ‫‪‎‬ويطفى ُء ُ‬ ‫‪‎‬كان أشعلها الغيظُ‬ ‫َ‬ ‫فيلتقط ُّ‬ ‫‪‎‬‬ ‫كل َمنْ يف املكانِ‬ ‫‪‎‬حيا َتهم من جديد‬

‫الثلج ؟‬ ‫‪‎‬ألنْ‬ ‫َ‬ ‫تذوب قطع ُة ِ‬ ‫ُ‬ ‫الحبيس يف‬ ‫الصوت‬ ‫‪‎‬ألنْ َيخ ُر َج‬ ‫ُ‬ ‫الداخلِ ؟‬ ‫‪‎‬أيها الدف ُء ما الذي َ‬ ‫يلهيك يف‬ ‫الجوا ِر؟‬ ‫‪‎‬ها هو املا ُء مييش إىل ساقٍ ضعيف ٍة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫القوافل‬ ‫تستقبل‬ ‫‪‎‬والطرق القدمي ُة‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‎‬وقطاعَ الطرق‬ ‫ُ‬ ‫الثلج لرنى‬ ‫‪‎‬ألنْ‬ ‫َ‬ ‫تذوب قطعة ِ‬ ‫‪‎‬ما الذي سيفعله الجسدُ بقافلة‬ ‫الوعود ؟‬ ‫‪ ‎‬أيتها األور ُاق‬ ‫الصادح‬ ‫‪‎‬أين إنسا ُن ِك‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬ذو اليد العليا؟‬ ‫اليابس‬ ‫‪‎‬صار يلزم ْأن َيخ ُر َج ِمن كه ِف ِه‬ ‫ِ‬

‫‪‎‬صار يلزم ْأن َ‬ ‫يعيش‬ ‫‪ ‎‬أو َ‬ ‫ميوت يف العلن ‬ ‫أين هي الفرص ُة ُ‬ ‫ذات العطر؟‬ ‫َ‬ ‫تلك الحسنا ُء التي تغوي الرشو َر‬ ‫القاع‬ ‫تقودُها إىل ِ‬ ‫ّ‬ ‫الهم‬ ‫فينفك عن الجس ِد ُّ‬ ‫الثلج‬ ‫ِ‬ ‫وتنحط َم عن ُه كتل ُة ِ‬ ‫لعل ُه يذك ُر الطريقَ إىل حديقة ِالنها ِر‬ ‫كائنات‬ ‫يجمع ِمن حولِ ِه‬ ‫ٍ‬ ‫لعله ُ‬ ‫ها َتف ْت ُه يف رحل ِة اإلنجامد‬ ‫ُ‬ ‫سأحرق هذه الفرص َة‬ ‫ُ‬ ‫الباب‬ ‫أتجاهل ط ْر َقها الكث َري عىل ِ‬ ‫لكنْ ‪َ ،‬من يضمنُ أنها ليست الفرص َة‬ ‫األخرية ؟‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪37‬‬


‫نصوص‬

‫أشرف جمعة‬ ‫ٌ‬ ‫حارض ويغيب‬ ‫قم ٌر‬ ‫تر ْ‬ ‫اءت لعيني ِه ضو ًءا وعم ًرا‬ ‫ْ‬ ‫الضحكات‬ ‫جديدًا من‬ ‫ُ‬ ‫تخوم‬ ‫تسأل َ‬ ‫الحلم عن قم ٍر يف ِ‬ ‫املحب‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫املحب يطوف عىل‬ ‫وقلب‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ويغيب‬ ‫حارض‬ ‫ْ‬ ‫قم ٍر ٍ‬ ‫وتلك الفتاة تريدُ له قم ًرا واحدا‬ ‫له أن َ‬ ‫يرق وينظ َر يف وجهها والنجو ْم‬ ‫ُ‬ ‫والسؤال امل ِّؤ ُ‬ ‫رق‬ ‫كيف هو َ‬ ‫حارض‬ ‫اآلن عن قم ٍر ٍ‬ ‫ويغيب؟!‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اللحظات‬ ‫تكتمل‬ ‫ويف الحلم‬ ‫ْ‬ ‫املمكنات‬ ‫نس ُري إىل جن ِة‬ ‫نعانقُ َّ‬ ‫رقيب‬ ‫كل الحيا ِة وما من ْ‬ ‫ٌ‬ ‫قليل من الحلم يوصلنا‬ ‫للسام ِء‪..‬اللقا ِء‪ ..‬الغبا ِء الجميلِ ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الربيع‪،‬‬ ‫يخف ُ‬ ‫نط ُري بال أجنح ْه‬ ‫ومن بردى يبدأ ُ‬ ‫النيل رحلته للحن ْني‬ ‫ُ‬ ‫للغريب‬ ‫أصبح مصيد ًة‬ ‫إذا‬ ‫الصمت َ‬ ‫ِ‬ ‫وقيداً عىل فمها‪ -‬والعنا ُد اخرتاعُ‬ ‫املحب َ‬ ‫ني‬ ‫ني ‪ -‬فال ٌ‬ ‫مملكة الخائف َ‬ ‫أمل يف‬ ‫باب خيمتها‬ ‫ِ‬ ‫الوقوف عىل ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫اب يدل عشري َتها‬ ‫والغر ُ‬ ‫الغريب‬ ‫عن مكانِ‬ ‫ْ‬

‫‪38‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫عالء أبو عواد‬ ‫رجاء‬ ‫النـــــغم‬ ‫صدحت باسمك يف شعري ويف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الســــدُ ِم‬ ‫فكـــنت‬ ‫وغبت عني‬ ‫َ‬ ‫النجـــم يف ُ‬ ‫الحــــــــــــــب يغرينـــي فأتـــــبعه‬ ‫كأنك‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫العـــــدم‬ ‫نحو الخروج من املنفى إلـــــى‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫عرفت ُِك الشـــــــع َر وزنــــا ال يـــــخل به‬ ‫ُّ‬ ‫تنم‬ ‫رقصـــــي هياماً وذكـــرى‬ ‫قـــــط مل ِ‬ ‫تهنا دالالً وعـــــقَّ‬ ‫الـــــوعي من َب َعـــــــ ُه‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫منتظــــــم‬ ‫ورصت فــــوىض كنرث غ ِري‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ورحت أنأى بنفيس عـــــن مقاصـــــدها‬ ‫النعم‬ ‫فكان زهـــــدي بــــــذي الدنيا وذي ِ‬ ‫كمنطق املـــــاء مقـــلوبا يشــــــــقُ عىل‬ ‫مـــــحوي ثبويت كمـــــــــيش املاء للقمم‬ ‫يا من نسيت عيوين فـــــوق وجنتــــــــها‬ ‫َف َل ُ‬ ‫الظلم‬ ‫الشمس فــــي‬ ‫ست أبصـــــ ُر غ َري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مثـــــلت بها‬ ‫الروح حتــــــــــى إذ‬ ‫سقيتك‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫أسديتك الشعر ممــــــــزوجا ببعض دمي‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫فغبت دهرا إلـــــــــــى أن قض مضجعنا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫غضضت الطرف عن أملي‬ ‫الغياب‬ ‫طول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيك أقــــعــــد ُه‬ ‫رفــقــــا‬ ‫بــــرب شـــرو ٍد ِ‬ ‫ِ‬ ‫الغياب فمــــا أغـــفـــى ولـــــم َيق ِمُ‬ ‫هــــذا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫من ال َذ بالصمت حتى ظنَّ أن بـــــــــــــ ِه‬ ‫مــــــــــس من الجن أو شــــيء من ال َب َك ِم‬ ‫رفقــــا به فانكسار الـــــروح مــــــــو ِعدُ ُه‬ ‫النغم‬ ‫ُ‬ ‫ومـــخـــرج النايِّ فــي الفوىض من ِ‬


‫محمد العديني‬ ‫محاكاة‬

‫زرت دار املخطوطات‬ ‫مخطوطات كثرية‬ ‫وجدت‬ ‫ٍِ‬ ‫لكنّي‬ ‫مل أجد‬ ‫مخطوطاً أنيقاً‬ ‫كعينيك‬ ‫ومخطوطاً تالفاً‬ ‫كقلبي ‪.‬‬

‫فصل منيس‬

‫الشجرة الشامخة‬ ‫تهاب العصافري‬ ‫تهاب مثارها‬ ‫خشية بعض الغربان الدخيلة‬ ‫والثامر الفاسدة‬ ‫البحرية الهاربة‬

‫من قصف املطر‬ ‫أو ليس اليشء نقيض نفسه ؟ !‬ ‫فلامذا نغرتب ؟‬ ‫ملاذا ننفصل ؟‬ ‫وأي مصري‬ ‫قاحل‬ ‫ ‬ ‫ينتظرنا ؟‬ ‫ ‬

‫طريق‬

‫يحيا الصواب من خربة الخطأ‬ ‫ومع ذلك‬ ‫ق ّلام‬ ‫تخطئ‬ ‫النحلة‬ ‫طريقها‬ ‫للعسل ‪.‬‬

‫مفارقة‬

‫ليس مثة رشق أو غرب‬

‫الشمعة محايدة‬ ‫لكنهم‬ ‫يطفؤنها مرة‬ ‫كل سنة‬ ‫ليستقبلوا عاماً جديداً‬ ‫ونحن‬ ‫نشعلها‬ ‫كل يوم‬ ‫لتصفية‬ ‫حسابات‬ ‫قدمية ‪.‬‬

‫الطغاة‬

‫إنهم يجرفون أرواحنا‬ ‫اليبقون يف ذاكرتنا‬ ‫غري مخالبهم النتنة‬ ‫آه ‪ .....‬كيف مل أتذكر تلك التفاصيل‬ ‫العبقة‬ ‫لحياة أطفايل ؟‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪39‬‬


‫نصوص‬

‫غمكين مراد‬ ‫روح ت ُـد ِّرب الحياة‬ ‫أنامل ٍ‬

‫روحي أد ّربها عىل الرسم‬ ‫ريشتي أ ٌمل ٌ‬ ‫نحات‬ ‫جسدي ُ‬ ‫قامش جرح يداوى برائحة‬ ‫اللون‬ ‫حاملة ألواين سامء يهواها السديم‬ ‫عىل جسدي‬ ‫تتنفس آهات الروح‬ ‫باألحمر ح ًبا‬ ‫باألخرض امتثاال لشجرة أر ٍز ُ‬ ‫تحمل‬ ‫الدنيا‬ ‫من ريشتي تتقاطر نقاط اللون‬ ‫أصفر للدفء‬ ‫أبيض ساحة حرب عىل الكلامت‬ ‫حاملتي تدير وجهتها‬ ‫أحالم ريح‬ ‫برازخ لحن‬ ‫عىل جسدي‬ ‫نهر أزرق يرثثر عىل طول الضوء‬ ‫يحمل من الزاوية إىل األخرى‬ ‫شخري التعب‬ ‫عىل جسدي‬ ‫ترتك األلوان سرية أمكنة املشكل‬ ‫ال ترتك الريشة املصائر‬ ‫دون رصخاتها‬ ‫ٌ‬ ‫عويل يؤرق القامش‬ ‫ينفخها‬ ‫يبلبل جحيم هدوئها‬ ‫جسدي يحيك‬ ‫عىل لسان الالزورد‬ ‫عن انتامء الوردة‬

‫‪40‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫من غربة الذات‬ ‫يف اللوحة حني تبرصها‪.‬‬ ‫أفوا ٌه مرشعة عىل التكميم يف حضن‬ ‫الحاملة‬ ‫ت ُـنجز عىل جسدي صيحة نجاتها‬ ‫ال يرتك جسدي فسحة للموت‬ ‫إال أثرا لحياة‬ ‫ال ُيعلق مع الغيم إال ند ًما تفنيه‬ ‫رشارة الربق‬ ‫الريشة تدغدغ جسدي بشع ٍر‬ ‫يتنصت إىل األمل‬ ‫جسدي عىل لسان روحي‬ ‫ما ذنبي أنا‬ ‫أهوى أن أعيش كام أنا‬ ‫ال يرتك العري جسدي‬ ‫إال منمنمة من فسيفساء الغضب‬ ‫سأنهك جسدي‬ ‫حتى يضجر التعب من انشغايل‬ ‫عليه‬ ‫سأجعل جسدي‬ ‫خيطا يحيك من خرم إبرة املوت‬ ‫تار ًكا الروح تتدفأ بنريان الحياة‬ ‫سأركل الوجود‬

‫باليقني الضائع‬ ‫ما دام جسدي مكس ًوا‬ ‫بلحم يشوى عىل فحم القيود‬ ‫ولتبق الروح دون هوية‬ ‫دون إقامة‬ ‫يحملها األثري‬ ‫يضطجع يف رسير املوىت‬ ‫بال لون سأتركها‬ ‫يف اللوحة‬ ‫ال مرئية‬ ‫تبحث عن مرآة تكشفها‬ ‫تنهرها عيون‬ ‫تحزها أحزان‬ ‫وتبقى يف األثري تتنفس ح ًبا غادرها‬ ‫روحي غائرة عىل جسدي‬ ‫جسدي لوحة اكتنزت سرية بإطار‬ ‫روحي دون إقامة‪.‬‬ ‫هوية جسدي‬ ‫ألوان تتقافز عىل نقائها‬ ‫روحي ت ُـدرب الحياة عىل الرسم‬ ‫وتنىس أن يل جسدا‬ ‫غادرها‬


‫محمد اليوسفي‬ ‫هم مندفع َ‬ ‫ني يف ا ّتجا ِه‬ ‫كنّا نشاهدُ ْ‬ ‫املستقبل؛‬ ‫َ‬ ‫القتيل يس ُقط‪،‬‬ ‫نرى‬ ‫فال نقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫تذهب ب َد ِمك كام َ‬ ‫فعل‬ ‫ها أنتذا‬ ‫ُ‬ ‫األ َّولون‪،‬‬ ‫وال نقول‪:‬‬ ‫ترفع غ َريكَ‬ ‫ْإن تمَ ُ ْت منْ أجل الوطن‪ْ ،‬‬ ‫د َر َجة‪.‬‬ ‫*‬ ‫وألن َّ‬ ‫كل يش ٍء صار مبا ً‬ ‫َّ‬ ‫رشا؛‬ ‫رصنا نرى الشهي َد قبل أن يسقط‪،‬‬ ‫والثائ َر الذي سوف يالحق الحكومةَ‬ ‫الجديدة من أجل‬ ‫تركيب ساقٍ‬ ‫ِ‬ ‫اصطناع ّية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الع ْمر‬ ‫واأل َّم التي ستبيك ابنَها بق ّية ُ‬ ‫وعيناها جمرتان عىل شاش ِة ا ُمل ْن َتصرِ ‪.‬‬ ‫*‬ ‫اندفع الشاع ُر كعادته محتف ًيا‬ ‫جس الطايف فوق ما ٍء عميق‪،‬‬ ‫بالنرَّ ِ‬ ‫وعد َّل املغنّي يف النوتة إكرا ًما‬ ‫للمجلس‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫وأخض َع املفك ُر واق َع ُه للفكرة‪.‬‬ ‫*‬ ‫مفتاحا يف جيب‬ ‫أما الوطنُ فامزال‬ ‫ً‬ ‫اآلخرين‪...‬‬

‫الجدة والقنّاص‬

‫عُ ْم ُر الجدة ُيخفي أك َرث من مثانني‬ ‫خارج‬ ‫قن ً‬ ‫ّاصا‪ ،‬ال تكاد مت ّي ُز العاملَ َ‬ ‫َّ‬ ‫عينيها إال ببؤر ِة ضوء‪ .‬لكنها ظل ْت‬

‫تسهر َ‬ ‫الليل يف غرفة السطح‪ .‬تغافل‬ ‫حفي َد ْيها‪ .‬ترفع الستار َة قلي ًال‪ ،‬قلي ًال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تبادل العتم َة بالعتمة‪ .‬تستقيص‬ ‫موقع القنَّاص؛ تقول‪« :‬أنا ال أراه»‪...‬‬ ‫َ‬ ‫مؤ َّكد ًة أنه ال يراها!‬

‫رسوم متحركة‬

‫تحت أشع ِة الشمس‪ ،‬أطفال أربعة‬ ‫يغنون لس َّيارة مص ّفحة‪:‬‬ ‫هرب!‬ ‫«ه َّر ُبوه وقالوا‪ْ :‬‬ ‫واملحامي الذي بشرّ الشعب بانتهاء‬ ‫الضرّ ْب ضرُ ِ ْب!»‬ ‫*‬ ‫العسكر بني أعالم فرنسا‬ ‫والكاتدرائية‪ ،‬ابن خلدون قاتم يف‬ ‫الصفيح‬ ‫كتلته‪ُ ،‬حام ُة الجوار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بآليات ّ‬ ‫ات التمثال؛‬ ‫الساخن‪ ،‬يحتمون بشجيرْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫فيام تعلو ر ٌ‬ ‫ايات سود‪ ،‬تتس ّلقُ‬ ‫األعمدة‪ ،‬وتتز َّن ُر بالسالسل‪ ،‬لتُعي َد‬ ‫السامء‪.‬‬ ‫تشيي َد ّ‬

‫تونس‬

‫كأنها حديقة مل تع ْد تنمو إال مع ّلق َة‬ ‫الجذور‪...‬‬

‫تح ّول آخر‬

‫أمام عرشة ماليني سيايس‪ ،‬انتهى‬ ‫األسيا ُد لت ّوهم من تقشري الثورة‪.‬‬ ‫اقي الذي مل‬ ‫مح ْوا هال َة ال َّرم ِز األ ّف ّ‬ ‫أنصفوا البطلة‬ ‫يكنْ ينوي البطولة‪َ ،‬‬ ‫املضادَّة ( ورمبا كان هذا من‬ ‫تاريخ‬ ‫باسم ِ‬ ‫ح ِّقها) س ّموا الثور َة ِ‬ ‫ُ‬ ‫االنقالب عليها (والتسمية يف ح ِّد‬ ‫ِ‬ ‫ذا ِتها امتالك) قضوا عىل القصبات‬

‫واعتصاماتها‪ ،‬ف ّلتوا الشهود‪ ،‬ج ْر َجروا‬ ‫الباكني عىل املوىت‪...‬‬ ‫َخلاَ لهم الج ّو‪،‬‬ ‫طاروا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حطوا‪،‬‬ ‫وف َّقسوا‪...‬‬ ‫األسياد ُيعيدون كتاب َة التاريخ‪ ،‬بعد‬ ‫أن فاجأَ ْتهم ثغر ُ‬ ‫ات ماضيهم يف‬ ‫منعطفات البالد‬ ‫الرسومات ‪ :‬ابراهيم الصلحي‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪41‬‬


‫رأي الناقد‬

‫سرديات يومية‬ ‫الشكل تهزه القافية‬ ‫قراءة في نصوص العدد الثالث من «بيت الشعر»‬ ‫التزعم هذه التوقيعات أنها نقد ‪ ،‬ولكنها مرور لعين قرأت وراق لها ماراق‪ ،‬ومالم يتسلل إلى القلب كان‬ ‫له مايقوله‪ ،‬ثالثة عشر نصا لشاعرات وشعراء ‪ ،‬منهم من أقرأ له ألول مرة‪ ،‬ومنهم من اعتدت أن أقرأ‬ ‫له منذ نعومة حروفي‬

‫عبود الجابري‬

‫حمدة خميس‬

‫ثالث قصائد ‪ ،‬تحفل بالقافية بشكل واضح‪،‬‬ ‫وإن كانت تنتمي لشعر التفعيلة‪ ،‬غري أن‬ ‫األهتامم بجزالة اللغة واضح لدى صاحبة‬ ‫(إعتذار للطفولة)‪ ،‬لكن هذا األحتفال‬ ‫بالقافية قادها إىل التوقف القرسي عند نهايات بعض‬ ‫املقاطع من أجل تقفية كان ميكن التنازل عنها لصالح‬ ‫انسياب الشكل العام للقصيدة‪.‬‬

‫مناجاة تقرتب من طرح مبارش لهموم‬ ‫الشاعر عرب الحنني إىل بدائية الحياة‬ ‫وبراءتها‪ ،‬مثة هجاء مقنع للمدن‪ ،‬هجاء‬ ‫عىل لسان عائد منكرس (ف ّر من ذئب غرفته‬ ‫لفضاء الوطن) لكن خيبة األمل تعيده إىل صورة األنسان‬ ‫الذي كان يحبه رغم يباب أحالمه وجدب السواقي التي‬ ‫ينهل منها قبل أن يفكر بالعامل األوسع‪.‬‬

‫محمد الغزي‬

‫حسام الدين محمد‬

‫أربع قصائد قصار تحاور ماهو يومي يف الحياة‪ ،‬عرب‬ ‫مونولوجات داخلية وأخرى يخاطب فيها اآلخر‪ ،‬يف شعرية‬ ‫تفلح يف تثوير املفردة اليومية وصوال بها إىل فكرة كونية‬ ‫أكرب‪ ،‬وميكن مالحظة ذروة التجيل يف قصيدته التي يهديها‬ ‫إىل الشاعر وديع سعادة والتي تختزن توقه إىل أن تأخذ‬ ‫الغيوم مسارها الحقيقي إىل أرض جديرة بها‪ ،‬كناية عن‬ ‫يباس الواقع الذي يحياه االنسان العريب‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫محمد الربييك‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫يف القصيدة األوىل يتخىل الشاعر عن الفني لتوصيل املعنى‬ ‫مبارشا بالحديث عن األمكنة‪ ،‬املدن والشخوص‪ ،‬لدرجة‬ ‫تتخيل فيها أن القصيدة أشبه بالبيان‪ ،‬لكنه يف القصيدة‬ ‫الثانية (طفالن) يعاود تكريس لغته من أجل قصيدة‬ ‫مغايرة اليعيبها سوى القافية املتكلفة‪.‬‬

‫زينب الربيعي‬

‫ست قصائد نرثية‪ ،‬تعتمد عىل املفارقة يف خامتة القصيدة‪،‬‬


‫لكنها التفلح كام يشاء لها الشعر‪،‬‬ ‫او كام تشاء لها الشاعرة‪ ،‬فجاءت‬ ‫رسدية تتوسل املعنى بشكل استلزم‬ ‫كثريا من األلفاظ للدوران حوله‪.‬‬

‫ليعزف عليه بعض مايشتهي من‬ ‫حزنه املعتق عرب غنائية واضحة‬ ‫يتوجها بحر الكامل والقافية التي‬ ‫متنح القصيدة سيال من وجع األيقاع‪.‬‬

‫عياش يحياوي‬

‫أحمد الطرس العرامي‬

‫مبا أويت من دربة لغوية وبأس شديد‬ ‫يف كتابة القصيدة ‪ ،‬يدون عياش‬ ‫يحياوي ميله نحو النهايات‪ ،‬ناعيا‬ ‫االنسان املنكرس يف دواخلنا جميعا‬ ‫(أعمى أرى باللمس أوجاع الجبال)‬ ‫متسائال عام ستمنحه املدن لالنسان‬ ‫من أمل يتدرب عىل التصويت له‬ ‫يف صناديق الخيبات التي تسعى إىل‬ ‫ابواب عمره‪.‬‬

‫كان ميكن لقصيدة الشاعر العرامي‬ ‫أن تتشكل جيدا‪ ،‬لو مل يكن فيها هذا‬ ‫العدد املكني من التعريفات‪ ،‬عرب‬ ‫املبتدآت وأخبارها‪ ،‬ولعمري أن ذلك‬ ‫افقد القصيدة بناءها الذي كانت‬ ‫تحلم به وتعرى سقفها فأضحت‬ ‫مجموعة من الجمل املتوالية كمثل‪:‬‬ ‫حائط مائل ‪ ،‬مطر آيل للسقوط‪ ،‬كوة يف جدار السامء‬ ‫املريضة ‪ ....‬إلخ‪.‬‬

‫ملريم رشيف شغف كبري باملحيط غري املحسوس‪ ،‬ويتبدى‬ ‫ذلك يف كتاباتها بشكل واضح ‪ ،‬فهي تخاطب الليل والغيم‬ ‫واملطر وكل مايحيط باألنسان واليستطيع أن يفيض إليه‬ ‫بأوجاع الفقد‪ ،‬فقد الذات‪ ،‬وفقد ذوات محببة إليها‪ ،‬وفقد‬ ‫صورة الكون الذي تحلم به الشاعرة بعيدا عن قفص‬ ‫القصيدة‪.‬‬

‫يارس األطرش‬

‫مريم رشيف‬

‫محمد اليف‬

‫محتفيا باملوت بشكل واضح يسطر الشاعر محمد اليف‬ ‫صور مايرى من حوله عرب الناس واألشياء‪ ،‬وصورة املوت‬ ‫الذي ينتظر األنسان‪ ،‬حتى إ َّنه يرسم صورة ما يشتهي من‬ ‫مودعني عرب تصورات فلسفية مغمسة بروح الشعر ‪،‬بعيدا‬ ‫عن الفجائعية التي اعتدنا قراءتها يف النصوص التي تناولت‬ ‫املوت وإنتظاره‪ ،‬فهنا يبدو املوت أليفا كأننا نراه يف كل‬ ‫لحظة نعيشها ويف كل ما نحاوره من الكائنات‪.‬‬

‫عيل الزهريي‬

‫كمن يريث لحنا ضائعا ‪ ،‬يتعرف عيل الزهريي عىل كامنه‬

‫يأخذنا ( املتقارب ) يف قصيدة الشاعر يارس األطرش إىل‬ ‫تعقب البحر والقافية بطريقة غري مقصودة لنصل إىل هباء‬ ‫املعنى الذي يدخل فيه الشاعر‪ ،‬تلك الغنائية تنيس القارئ‬ ‫أن يتوغل يف بساطة الكلامت التي كتب بها الشاعر نصه ‪،‬‬ ‫والشكل الجاهز لبعض الجمل الشعرية التي مل تعد صالحة‬ ‫للكتابة الشعرية الحديثة ( كأين ذهاب وظيل إياب)‪.‬‬

‫حبيب الزيودي‬

‫منذ فرتة ليست بالقصرية والشاعر (حبيب الزيودي)‬ ‫منرصف إىل كتابة الهجاء املر للزمن الذي يعيش فيه‪ ،‬عرب‬ ‫مديح نقائضه‪ ،‬واستحضار رموز ينعى إليها مايحيط به‪،‬‬ ‫أو مستحرضا بعض مناقبها‪ ،‬وهنا يقوم باستحضار الراحل‬ ‫(تيسري سبول) مبا ميثله من مترد وإنتصار لثورة االنسان عىل‬ ‫الواقع السائد عرب االنتحار النبيل الشجاع‪ ،‬حبيب الزيودي‬ ‫يعرف كيف يطوق قصيدته بالجواهر لتبدو المعة كعروس‬ ‫تشتهى‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪43‬‬


‫ً‬ ‫نظريا‬

‫‪.‬‬

‫صبحي حديدي‬ ‫‪.............................................................................................................‬‬

‫ُ‬ ‫أنهمك‬

‫«حداثات»‪ ،‬ال حداثة واحدة‬

‫‪ ،‬منذ سنوات‪ ،‬يف تطوير افرتاض سجايل يرى ّأن الشعر العريب الحديث‪ ،‬واملعارص بصفة خاصة‪ ،‬مل يخضع لتجربة حداثة‬ ‫واحدة وحيدة ض ّمت اشكاله وأساليبه وموضوعاته؛ بل سلسلة «حداثات»‪ ،‬صنعت ـ يف آن معاً‪ ،‬وعىل نحو جديل ـ‬ ‫أنساق اختالف بني مادّة ّ‬ ‫كل حداثة عىل حدة‪ ،‬كام خلقت لها مآالت ائتالف أيضاً‪.‬‬ ‫أشري‪ ،‬هنا‪ ،‬بإيجاز‪ ،‬إىل ثالث من هذه «الحداثات‪ :‬الربهة الس ّيابية‪ ،‬نسبة إىل الشاعر العراقي الكبري الرائد‪ ،‬وأظنّها ّ‬ ‫تغطي أواخر خمسينيات‬ ‫ومعظم ستينيات القرن املايض‪ ،‬حني كانت أعراف ما أس ّميه «املساومة التاريخية» بني الوزن والنرث هي س ّيدة املشهد؛ والربهة السبعينية‪،‬‬ ‫التي تشمل أكرث من مرشوع شعري‪ ،‬وأكرث من صيغة تعايش واصطراع بني األشكال واألساليب؛ وبرهة الثامنينيات والتسعينيات‪ ،‬التي متت ّد‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫إىل العقد األ ّول من القرن الحايل‪ ،‬حيث تهيمن قصيدة النرث بصفة ّ‬ ‫ذلك املسعى‪ ،‬الذي اختلطت يف باطنه واجبات التطبيق بإغواءات التنظري‪ ،‬كانت تسنده ثالثة افرتاضات مركزية‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ّأن عصور األنوار‪ ،‬والحديث‪ ،‬والحداثة‪ ،‬وما بعد الحداثة‪ ...‬ولدت جميعها يف الغرب‪ .‬الحداثة هي الغرب‪ ،‬والغرب هو الحداثة؛‬ ‫وأن تنخرط أ ّمة ما يف التحديث‪ ،‬أمر يعني أنها تقوم يف الجوهر باحتذاء‪ ،‬أو عىل ّ‬ ‫األقل‪ :‬استلهام‪ ،‬منوذج التحديث كام ابتكرته وط ّبقته‬ ‫املجتمعات الغربية‪ ،‬ومنذ القرن الثامن عرش‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ّأن مشاريع الحداثة يف األدب العريب اقرتنت‪ ،‬منذ خمسينيات القرن العرشين‪ ،‬مبزيج غري متجانس من صعود األفكار القومية‬ ‫والطبقية والليربالية‪ ،‬املم ِّثلة لتفكري الن َُخب الربجوازية املتوسطة والصغرية‪ ،‬عىل اختالف تياراتها اإليديولوجية‪ .‬وكان انتكاس مشاريع هذه‬ ‫الن َُخب عىل أصعدة سياسية واجتامعية وثقافية وفكرية قد أسفر‪ ،‬موضوعياً‪ ،‬عن انتكاسة نظرية يف مشاريع الحداثة اإلبداعية‪ .‬كذلك كان‬ ‫صعود مفهوم التحالفات والجبهات العريضة بني الت ّيارات املختلفة‪ ،‬وإمكانية ائتالفها حول برنامج عمل إصالحي أو نهضوي مشرتك؛ قد‬ ‫أسفر بدوره عن حال من التعايش أو التحالف‪ ،‬بني مختلف أشكال وأساليب وموضوعات الحداثات العربية يف حقول اإلبداع‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ ّأن «الحديث» و»الحدايث» و»ما بعد الحدايث»‪ ،‬ليست مصطلحات متسلسلة النشوء يف الزمن فقط‪ ،‬بل هي معايري قيمة وأحكام‬ ‫حول الكيف ّية أيضاً‪ .‬فليس ّ‬ ‫كل ما يجري إنتاجه يف الحارض حداثياً‪ ،‬وقد تكون قصيدة من بدوي الجبل كالسيكية يف الشكل‪ ،‬منتمية إىل‬ ‫حس الحديث‪ ،‬وروح الحداثة‪ ،‬عىل قصيدة من خليل‬ ‫حقبة «غري حداثية»‪ ،‬إذا جاز هذا التصنيف االعتباطي؛ لكنها تتف ّوق يف التقاط ّ‬ ‫حاوي مث ًال‪.‬‬ ‫هذه الحال من التداخل تقدّم بعض التفسري يف ّأن اثنتني‪ ،‬عىل ّ‬ ‫األقل‪ ،‬من مفردات الجهاز االصطالحي الذي اكتنف تلك «الحداثات»‪،‬‬ ‫وأعني «الشعر الح ّر» و»قصيدة النرث»‪ ،‬قد تع ّرضتا ملقدار هائل من اللبس‪ ،‬سواء لدى جمهور الشعر‪ ،‬أو يف قسط كبري من جهود التنظري‬ ‫النقدية‪ .‬معروف‪ ،‬أ ّوالً‪ّ ،‬أن مناخات التجديد الخمسينية‪ ،‬التي بدأت غامئة مضطربة بقدر تله ّفها عىل إحراز قفزات دراماتيكية‪ ،‬سمحت‬ ‫لنازك املالئكة باستسهال إطالق تسمية «الشعر الح ّر» عىل القصيدة التي تح ّررت من عمود الخليل‪ ،‬ولكنها ظ ّلت ُملزَمة وملتزمة بـ‬ ‫أقل نسقية؛ وبنظام يف التقفية ليس ّ‬ ‫«عمود» تفعييل غري مبارش‪ ،‬مل يكن ّ‬ ‫أقل جموداً من حيث رتابة التوزيع‪ .‬أكرث من ذلك‪ ،‬وجدت‬ ‫ً‬ ‫املالئكة أن هذا النظام العرويض الجديد لن يكون مرتاحا إال يف البحور التي تقوم عىل تفعيلة متامثلة (الكامل‪ ،‬الرمل‪ ،‬الهزج‪ ،‬الرجز‪،‬‬ ‫املتقارب‪ ،‬والوافر)‪ ،‬األمر الذي عنى استبعاد البحور األخرى!‬ ‫كذلك كانت تلك املناخات ذاتها قد سمحت ألدونيس باستسهال مامثل يف إطالق تسمية «قصيدة النرث» عىل النامذج املبكرة من كتابة‬ ‫شعرية تح ّررت من العمود والتفعيلة والقافية‪ ،‬ولكنها ظ ّلت أسرية «عمود» مسترت إذا جاز القول؛ كان طباعياً رصفاً يف الجوهر‪ ،‬ألنه‬ ‫حي من بنية موسيقية تستهدف ضبط الوقف‬ ‫ك ّرس التوافق عىل التقطيع إىل «سطور شعرية»‪ ،‬ليس استناداً إىل هندسة إيقاعية ما‪ ،‬أو ِب َو ٍ‬ ‫واإلغالق‪ ،‬بني سطر وسطر‪ .‬ومن اإلنصاف أن يضع املؤرخ األديب هذا التداخل الحيوي يف أيّ حسبان موضوعي ألصول‪ ،‬وفروع‪ ،‬ما نعيشه‬ ‫اليوم من اضطرام املشاهد الشعرية‪ ،‬صانعة حداثاتها‬ ‫‪44‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫تحقيق‬

‫النبطي والفصيح‬ ‫في اإلمارات‬

‫يلتقيان في الشكل‬ ‫ويفترقان في الجمهور‬

‫ما أثر كتابة القصيدة الشعبية على الفصيحة لدى شعراء اإلمارات؟‬ ‫ربما تكون ظاهرة أن يجمع شاعر بين القصيدة المكتوبة بالعامية والمكتوبة‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫غريبا بعض الشيء بالنسبة لشاعر‬ ‫أمرا‬ ‫بالعربية الفصيحة في تجربته الشعرية‬ ‫من خارج اإلمارات أو دول الخليج العربي‪ ،‬غير أن الحال ليس كذلك هنا إذ‬ ‫ما زال التراث الثقافي الشفوي فاعل الحضور في الثقافة المكتوبة حتى اآلن‪.‬‬ ‫لكن كيف يرى الشعراء اإلماراتيون أنفسهم هذه الظاهرة؟ هذا ما يكشف عنه‬ ‫التحقيق التالي‬

‫أبوظبي ‪ -‬بيت الشعر‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪45‬‬


‫تحقيق‬

‫يرقى‬

‫اختيار الشكل الشعري الذي يصيغ خياالت‬ ‫الشاعر يف صور شعرية إىل أن يكون التعبري‬ ‫األصفى عن موقفه النقدي من الشكل الذي ميارس من خالله‬ ‫الكتابة‪ ،‬مثلام أن هذا الخيار يؤثر يف لغته ومفرداته إذ تتغذى‬ ‫من ثقافته الشعرية أوالً ثم من ثقافته العامة بدرجة أقل‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬هل ميكن القول بأن هذا األمر أيضاً ينطبق عىل ذلك‬ ‫النوع النادر من الشعراء الذين كتبوا قصائدهم من خالل‬ ‫شكلني شعريني تفصل بينهام مسافة شاسعة‪ :‬ما يسمى‪:‬‬ ‫القصيدة الفصيحة‪ ،‬أي تلك التي تتضمن األشكال الشعرية‬ ‫الثالثة املتعارف عليها‪ :‬العمود الكالسييك أو القصيدة البيتية‪،‬‬ ‫بحسب ما هو شائع هنا يف اإلمارات‪ ،‬والقصيدة املوزونة أو‬ ‫قصيدة التفعيلة وأخرياً قصيدة النرث أو القصيدة بالنرث‪ ،‬ثم‬ ‫القصيدة النبطية أو الشعبية املكتوبة بلهجة أهل هذه البالد‪.‬‬ ‫الحال أن الشعر يف اإلمارات قد شهد هذه التجربة‪ ،‬بل إن‬ ‫شعراء حداثيني قد كتبوا بالعامية وأصدروا دواوين أيضاً ما‬ ‫زالت قامئة كتجربة إىل جوار تجربة موازية انكتبت بالعربية‬ ‫الفصيحة‪ ،‬يف حني متتد جذور هذه التجربة وإرهاصاتها إىل‬ ‫ما قبل تأسيس الدولة‪ ،‬أي أكرث من أربعني عاماً‪ ،‬حيث كتب‬ ‫العديد من الشعراء يف اإلمارات القصيدة الكالسيكية إىل‬ ‫جوار القصيدة النبطية التي تشهد تحوالت مستمرة يف بنيتها‬ ‫ولهجتها‪ ،‬وبقابلية هي أعىل بكثري من قابلية القصيدة املكتوبة‬

‫القصيدة تختار شكلها‬ ‫محمد الربييك‬

‫إن‬

‫بالعربية الفصيحة عىل تق ّبل التحوالت‪ .‬فقد بدأت هذه‬ ‫القصيدة واستمرت طوي ًال قصيدة نبطية موزونة ومكتوبة‬ ‫بلهجة أهل البالد‪ ،‬ولجهة أغراضها ولغتها كانت أقرب إىل‬ ‫القصيدة الكالسيكية العربية إىل ح ّد يرى البعض من نقادها‬ ‫أنها تنويع ما عليها‪.‬‬ ‫غري أن القصيدة النبطية اليوم‪ ،‬باتت ُتكتب من دون وزن‬ ‫باإلضافة إىل أنها استوعبت التغريات الحادثة عىل الصعيد‬ ‫االجتامعي سواء التغريات يف اللهجة التي فرضها اختالط‬ ‫أهل اإلمارات بأغلب اللهجات العربية األخرى التي وفدت‬ ‫مع الجاليات العربية وكذلك اكتسبت بعض املفردات التي‬ ‫جاءت من جغرافيات مجاورة وأخرى بعيدة‪ ،‬وذلك فض ًال عن‬ ‫التحوالت االجتامعية األخرى التي فرضها عىل املجتمع اإلمارايت‬ ‫تك ّون الدولة بالطريقة االتحادية التي تكونت بها‪.‬‬ ‫هذا كله يجعل التوجه بسؤال‪ ،‬إىل أولئك الشعراء الذين كتبوا‬ ‫الشكلني‪ ،‬من نوع‪ :‬إىل أي مدى تغذت الكتابة بالفصيحة من‬ ‫الكتابة بالعامية والعكس؟ سؤاالً مرشوعاً متاماً‪.‬‬ ‫التحقيق التايل‪ ،‬الذي يشارك فيه خمسة من الشعراء اإلماراتيني‬ ‫من أصحاب هذه التجربة‪ ،‬ما هو إال محاولة لرصد أثر الكتابة‬ ‫املتبادلة لدى الشاعر نفسه‪ ،‬إمنا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬يف سياق تجربة‬ ‫الشعر اإلمارايت املعارص‬

‫إن لمعت صورة شعرية‬ ‫ْ‬ ‫في خاطري للت ّو‪ ،‬فإنه لم‬ ‫يحدث يوم ًا أن توقفت عند‬ ‫اختيار أي من الشكلين‬ ‫ليكون األنسب للتعبير‬

‫كتابة الشعر النبطي‪ ،‬كام هو معروف‪ ،‬تعطي للشاعر مساحة أكرب من‬ ‫الحرية من حيث تحررها من قواعد النحو والرصف‪ ،‬وهذا أمر تتأثر به‬ ‫مبارشة بنية القصيدة‪ ،‬ما يجعل الشاعر أكرث انطالقاً يف الغوص يف أعامق الصورة‬ ‫واللغة والتحليق يف الخيال‪ ،‬وهو ما انعكس عىل بروز القصيدة النبطية وتألقها‬ ‫يف الفرتة الحالية‪ ،‬ما جعلها أكرث جاذبية وجذباً‪ ،‬وهذا بدوره منح الشاعر الذي‬ ‫يكتب يف التجربتني خربة تتكاتف مع خربة أخرى‪ ،‬وأصبحتا مثل اليد ْين اللتني تعني الواحدة منهام األخرى عىل التصفيق‪ ،‬لذلك أرى أن‬ ‫َمنْ عرف كيف يستفيد من التجربتني حصل عىل نسبة عالية من التصفيق من قبل متذوقي ومحبي الجانبني‪.‬‬ ‫غري أن التذوق الخاص من قبل الشاعر نفسه للشعر النبطي تأثر كثرياً مبا أنجز كبار شعراء هذه القصيدة يف اإلمارات‪ .‬فالشاعر الذي‬ ‫يريد أن يسري عىل درب التفرد واالبتكار يف القصيدة عليه أن يكرث من االطالع عىل التجارب األخرى‪ ،‬فهي بالتايل ستحفزه عىل اإلتيان مبا‬

‫‪46‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫النبطي والفصيح في اإلمارات‬

‫توق‬ ‫«الشعبية» الموزونة‪ْ ..‬‬ ‫للغنائية‬ ‫خالد البدور‬

‫أخىش‬

‫أنه ال يوجد لديّ الكثري ألقوله بخصوص ثنائية‬ ‫الشعر بني الفصيح والنبطي أو الشعبي‪.‬‬ ‫يف لحظة الكتابة ما يختلف هو االستخدام التقني للغة‬ ‫واملفردات‪ .‬لكن الذي ال شك فيه هو أن اللغة العربية يف‬ ‫الشعر الفصيح متتاز بأنها لغة ثرية جداً بالنسبة للشاعر‬ ‫وتفتح املجال أمامه للتجوال بحرية بني دالالت واشتقاقات‬ ‫وآفاق ال محدودة‪ .‬يف حني يختلف األمر متاماً يف الشعر‬ ‫الشعبي‪ .‬ففي هذا الشعر يتعامل الشاعر مع «لهجة» وليس‬ ‫مع لغة ذات قواعد وأصول‪ .‬اللهجة محدودة القاموس‬ ‫ومفرداتها متغرية كام هي محدودة الجغرافيا واملتلقي‪.‬‬ ‫عىل سبيل املثال‪ ،‬لهجة والدي تختلف عن لهجتي‪ ،‬لهذا فإن‬ ‫الشعر الشعبي الذي يستسيغه والدي ويتناسب مع ذائقته‬ ‫يختلف بالرضورة عن الشعر الشعبي الذي يستسيغه ابني أو‬ ‫ابنتي‪ .‬اللهجة متحولة بشكل دائم واليوجد فيها ثراء اللغة‪،‬‬ ‫ولهذا فهي ال تتيح لك االختيار بذلك القدر من الحرية‪ .‬أما‬

‫الجانب اآلخر فيتمثل يف أن اللهجة‪ ،‬هي يف األصل‪ ،‬وسيلة‬ ‫اتصال يومي وتفاهم بني مختلف أطراف املجتمع فحسب‪،‬‬ ‫وهذا ما يجعل الصور الشعرية والرموز واالستخدام الحديث‬ ‫وكذلك ما ميكن تسميته باألفق التجريبي يبدو صعباً‪ ،‬أو قل‪،‬‬ ‫ميكن أن يبدو مفتع ًال أوغري طبيعي أيضاً‪.‬‬ ‫ميكن لك أن تسأل هنا‪ ...‬إذا كان هذا هو الحال فلامذا تكتب‬ ‫الشعر العامي أو الشعبي‪ .‬فأقول لك‪ :‬إنني أذهب إىل كتابة‬ ‫الشعر العامي كلام رغبت يف كتابة هذا اللون من الشعر‪.‬‬ ‫وهذه القصيدة بالنسبة يل هي الحنني إىل تلك الغنائية‬ ‫املفتقدة‪ .‬وألن القصيدة الشعبية ال زالت تعتمد عىل اإليقاع‬ ‫فإنني أرغب يف مامرسة الكتابة بالوزن و«الغناء»‪ .‬لكن ومع‬ ‫تقدم العمر أصبحت أكرث مي ًال إىل كتابة «قصيدة التفعيلة»‬ ‫الشعبية وهو اتجاه يعترب حديثاً نسبياً يف منطقة الخليج‪.‬‬ ‫وهذا النوع أصبح يتيح املجال أمامي للتحرك خارج القوانني‬ ‫التقليدية يف القصيدة الشعبية املقفاة‪ ،‬بل دعني أقول إن‬

‫مل يأت به غريه من خالل بذل مزيد من الجهد مدفوعاً بكثري من الغرية املحفزة عىل اإلبداع‪ ،‬واطالعي‬ ‫ال ينحرص عىل التجارب الداخلية بل يتعداه إىل االطالع عىل تجارب خارج الحدود اإلقليمية لالستفادة‬ ‫من جميع الخربات والتجارب الشعرية‪ ،‬مبا يعني أن تجربة الشاعر يف كتابة الشعر عموماً تتأثر بهذا‬ ‫املنجز عند مامرسته الكتابة يف الشكلني‪.‬‬ ‫ورغم أن لكل من الشكلني مناخه ومزاجه الشعري الخاص به وفضاءاته التي ُيسمع أو ُيقرأ بها‪ ،‬لكن‪،‬‬ ‫من الصحييح أيضاً أن بعض الشعراء له طقوسه الخاصة يف الكتابة‪ ،‬أما عىل الصعيد الشخيص فال ألتزم‬ ‫بطقس أو مناخ معني أو أقيد نفيس فيه‪ ،‬فالقصيدة حني تأيت ال أستطيع إيقافها‪ ،‬فمتى ما انقطع الحبل‬ ‫الرسي لها ال بد لها من أن تخرج لرتى النور والحياة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويف هذا الصدد‪ْ ،‬‬ ‫فإن ملعت صورة شعرية يف خاطري للت ّو‪ ،‬فإنه مل يحدث يوما أن توقفت عند اختيار‬ ‫أي من الشكلني ليكون األنسب للتعبري عن املحتوى‪ ،‬ومن خالل تجربة شخصية‪ ،‬فالقصيدة بالنسبة‬ ‫يل تأيت جاهزة يف شكلها نتيجة تراكامت سابقة‪ ،‬ورمبا يكون لهذه الرتاكامت الدور األكرب يف اختيار أي‬ ‫من الشكلني بعيداً عن اختياري الخاص لحظة الكتابة أو ّ‬ ‫تدخل منّي‪ ،‬إذ أن القصيدة هي التي تختار‬ ‫شكلها ولغتها‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪47‬‬


‫تحقيق‬

‫اللغة العربية في الشعر‬ ‫الفصيح تمتاز بأنها لغة ثرية‬ ‫جد ًا بالنسبة للشاعر وتفتح‬ ‫المجال أمامه للتجوال‬ ‫بحرية‬

‫هذا السلوك الشعري يف الكتابة كذلك ما يقرب القصيدة‬ ‫الشعبية من القصيدة العربية الحديثة الفصيحة‪.‬‬ ‫أيضاً‪ ،‬ميكن أن ترى أن الكثريين من كتاب القصيدة الشعبية‬ ‫الخليجية الحديثة مثل عيل الرشقاوي وبدر بن عبد املحسن‬ ‫ومحمد السويدي قد تجاوزوا موضوع «العامية» وأصبحت‬ ‫األلفاظ املستخدمة يف معظمها «فصيحة األصل» كام أن‬ ‫الصور والرموز بدأت تنفتح عىل «عوامل» و«ثيامت» مل تكن‬ ‫مطروقه من قبل هذا الوقت‪ .‬وهذا يفتح آفاقاً جديدة أمام‬ ‫جيل كامل يحاول أن يعبرّ عن نفسه من خالل هذه القصيدة‬ ‫عرب موضوعات عرصه وزمنه الخاصينْ ومن دون أن يشعر أنه‬ ‫محارص بالشكل التقليدي‪ .‬ومع أننا نرى ندرة يف «التجريب»‬ ‫أو «التحديث» يف الشعر الشعبي الحديث‪ ،‬إال أن هذا األمر‬ ‫ال يلغي أبداً أن القصيدة الفصيحة الحديثة موجودة بقوة‬ ‫واستطاعت أن تسجل حضورها الخاص‪ ،‬رغم أنها ال تجد‬ ‫التشجيع واالحتفاء واألضواء الساطعة التي تحصل عليها‬ ‫القصيدة النبطية التقليدية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أقول ذلك وأنا ال أخفي اعرتافا باألثر بالنسبة للذي تركته‬ ‫تجربة كبار شعراء القصيدة النبطية عىل ما أكتبه‪ ،‬لكن هذا‬ ‫حدث عندما كنت يف بداية التجربة‪ .‬أما فيام يتعلق بقصيدة‬ ‫«التفعيلة» الشعبية الحديثة فقد اختفى هذا التأثري وجاء‬ ‫التأثر بالقصيدة العربية الحديثة خاصة مبا قدمته قصيدة‬ ‫التفعيلة من إمكانيات إيقاعية أتاحت لنا املجال ملامرسة‬ ‫«التجريب» اإليقاعي واملوسيقي يف القصيدة الشعبية‬ ‫الحديثة‬

‫‪48‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫شكالن يتوازيان وال يتقاطعان‬ ‫أحمد محمد عبيد‬ ‫إن تجربة الكتابة يف هذين الشكلني معاً‪ :‬النبطي والفصيح تنبع من‬ ‫أمرين متالزمني‪ ،‬يتمثل األول منهام مبوهبة الشاعر وذكائه الخاص يف‬ ‫التقاط الشعري عرب الفصيحة واللهجة الدارجة معاً وتضمينها لصور‬ ‫شعرية الفتة لالنتباه يف كال الشكلني‪ ،‬ما يعني أن عىل الشاعر إدراك‬ ‫تاريخ املفردة الواحدة والتحوالت التي تطرأ عىل معناها‪ .‬أما األمر‬ ‫اآلخر فهو الخربة الشعرية بوصفها مامرسة وحرصاً ودأباً عىل تقديم‬ ‫األفضل فض ًال عن املعرفة بتاريخ كل من الشكلني معاً‪.‬‬ ‫وبطبيعة الحال‪ ،‬لدينا هنا يف اإلمارات العديد من التجارب الالفتة‬ ‫عىل هذا الصعيد‪ ،‬وميكنني أن أذكر شعراء من طراز محمد الربييك‬ ‫وإبراهيم محمد إبراهيم وخالد البدور وسامل بو جمهور باإلضافة‬ ‫إىل العديد من التجارب التي ظهرت الحقاً عىل هؤالء الشعراء من‬ ‫الذين أبدعوا يف الشكلني‪ .‬لكنّ ما أو ّد أن أركز عليه بالفعل هو أنه ال‬ ‫شعر نبطيا أو فصيحا من دون موهبة تسندها ثقافة شعرية وهذا‬ ‫ما حققه هؤالء الشعراء‪.‬‬ ‫أيضاً‪ ،‬أو ّد أن أتوقف عند تجربة صديقنا الشاعر الراحل أحمد‬ ‫راشد ثاين الذي كتب القصيدة الشعبية ومل يكتب القصيدة النبطية‬ ‫التقليدية كام هو متعارف عليها‪ ،‬أي أن التوهج الشعري عند أحمد‬ ‫راشد ثاين كان يف كتابة القصيدة الشعبية الح ّرة التي هي إحدى‬ ‫تحوالت القصيدة النبطية التقليدية إذا جاز التوصيف‪ .‬لكن أحمد‬ ‫راشد ثاين مل يستمر يف كتابة الشعر الشعبي‪ ،‬وقد حدث ذلك ألن‬ ‫مرشوعه الشعري األسايس كان يف القصيدة الفصيحة بالدرجة األوىل‬ ‫ثم يف البحث يف املوروث الشعبي بدرجة أقل‪ ،‬إمنا ال ّ‬ ‫شك أن ثقافته‬ ‫الشعرية كانت الفتة لالنتباه‪.‬‬ ‫أما يف ما يتعلق يب وبكتابتي للشكلني‪ :‬النبطي والفصيح‪ ،‬فقد كتبت‬ ‫قصائد قليلة يف الشعر النبطي ال تجعلني حتى هذه اللحظة أف ّكر يف‬

‫كان الفصيح نادر ًا بالقياس‬ ‫إلى الشعبي‪ .‬لكن في‬ ‫التسعينيات كثُر شعراء الشعر‬ ‫الفصيح‪ ،‬ألسباب تتعلق بانتشار‬ ‫التعليم‬


‫النبطي والفصيح في اإلمارات‬

‫العامية أكثر تأثير ًا‬ ‫في الذائقة‬ ‫عبد الله الهدية‬ ‫منذ كنت طف ًال‪ ،‬حباين الله بالعيش يف بيئة فيها الكثري من‬ ‫التنوع الجغرايف واملليئة باألهازيج الشعبية والشعر الشعبي‪،‬‬ ‫وهو نوع من الشعر الذي يتواجد يف الذائقة العامة للجمهور‬ ‫من خالل الصوت‪ ،‬لكن ذلك ال يعني أنها مل تكن غري‬ ‫متصالحة مع القصيدة املكتوبة بالفصيحة‪.‬‬ ‫إصدارها يف ديوان مستقل‪ ،‬لكنني أمارس عىل قصيديت النبطية ما‬ ‫وعرب برنامجي الذي قدمته متخصصاً بالشعر‪ ،‬أدركت أن تلك‬ ‫أمارسه متاماً عىل قصيديت بالفصيحة‪ .‬فأنا آخذ أمر كتابة الشعر هنا‬ ‫الذائقة ما زالت مؤثرة يف الناس وأنها أكرث مي ًال إىل القصيدة‬ ‫أو هناك عىل محمل الج ّد وال أكتب يف أي من الشكلني عىل سبيل‬ ‫املكتوبة باللهجة العامية ما دفعني إىل أن أخصص‪30%‬‬ ‫التسلية‪ ،‬بل إن القصيدة بالنسبة يل أقرب ما تكون إىل البحث‪.‬‬ ‫من زمن برنامجي للقصيدة املكتوبة بالفصيحة وما تبقى‬ ‫ورغم االنتشار الكبري للقصيدة الشعبية يف هذه األثناء فال أعتقد‬ ‫للمكتوبة بالعامية‪.‬‬ ‫أن حضورها مهام كان ِث َق ُله سوف يطغى عىل الفصيح‪ ،‬فالشكالن‬ ‫يف الوقت نفسه‪ ،‬ال أستطيع أن أنكر أن هذه الذائقة املؤثرة‪،‬‬ ‫يتوازيان وال يتقاطعان بسبب النسبة والتناسب بني شعراء الفصيح‬ ‫حيث القصيدة الشعبية تحاكيها أكرث وتجعل شعرنا ينترش‬ ‫والعامية حيث سيبقى لكل منهام جمهوره ومريدوه‪.‬‬ ‫عىل نطاق أوسع‪ ،‬نتاج ذلك النكوص الذي يهيمن عىل حياتنا‬ ‫واتذكر أنه يف الثامنينيات‪ ،‬مل يكن ألي شاعر كتب القصيدة‬ ‫فيام يتصل بلغة الضاد‪ .‬يف املقابل‪ ،‬إن االنتشار املضطرد‬ ‫الشعبية أن يصبح شاعر قصيدة شعبية هكذا مرة واحدة مثلام‬ ‫للشعر الشعبي قد أدى إىل انحسار يف ظهور املواهب‬ ‫يحدث يف هذه األثناء‪ ،‬بل مل يكن ُيسمح لشاعر يو ّد نرش قصيدته‬ ‫الشعرية التي تتقن كتابة الشعر املوزون‪ ،‬ودعني أتساءل‪:‬‬ ‫إال بعد أن مت ّر عىل أحد النقاد وخاصة الشاعر حمد أبو شهاب‬ ‫هل يوجد لدينا يف اإلمارات شاعر يكتب القصيدة الفصيحة‬ ‫الذي أسهم يف تقديم العديد من املواهب عىل صفحات األدب‬ ‫واملوزونة ويقل عمره عن الخمسة وعرشين عاماً؟ وإذا كان‬ ‫الشعبي يف الصحف اإلماراتية الشعبية‪ .‬آنذاك مل تكن ُتنرش إال‬ ‫موجوداً فأين هو و َمنْ هو؟ ثم لدينا هذا العدد الواسع من‬ ‫القصائد الكبرية التي تلفت االنتباه إىل موهبة صاحبها‪.‬‬ ‫القنوات الفضائية‪ ،‬فأي منها هي التي تفسح مجاالً واسعاً‬ ‫آنذاك أيضاً‪ ،‬كان الشعر الفصيح نادراً بالقياس إىل الشعر الشعبي‪.‬‬ ‫لكن يف التسعينيات كثرُ شعراء الشعر الفصيح‪ ،‬طبعاً ألسباب‬ ‫تتعلق بانتشار التعليم بكل مراحله‪ ،‬كام تكاثر شعراء الشعر‬ ‫االنتشار‬ ‫الشعبي أيضاً‪ ،‬ومن بينهم العديد من الشعراء املوهوبني الذين‬ ‫المضطرد للشعر‬ ‫كتبوا يف الشكلني معاً‪ ،‬هذا كله يقودنا إىل نتيجة مفادها أنه ال‬ ‫الشعبي أدى إلى‬ ‫مجال للمفاضلة أو املقاربة أو حتى املوازنة بينهام فالشعراء‬ ‫موجودون وينتجون قصائدهم‪ ،‬إمنا لألسف فإن أدوات االتصال‬ ‫انحسار في ظهور‬ ‫الحديث التي سمحت للكثريين بإنشاء مواقع إلكرتونية ومد ّونات‬ ‫المواهب الشعرية‬ ‫قد جعلت الكثري من الذين يدّعون مامرسة كتابة الشعر الشعبي‬ ‫التي تتقن كتابة‬ ‫يحققون انتشاراً عرب قصائد مل تعد تراها عني الناقد بل تذهب‬ ‫مبارشة إىل متلقيها‬ ‫الشعر الموزون‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪49‬‬


‫تحقيق‬

‫لتقديم الشعر املكتوب باللغة العربية الفصيحة ويتم عربها‬ ‫تقديم املنجز الشعري اإلمارايت يف العامل العريب؟ غري أن‬ ‫«اللغة» التي ينبغي عىل هذه القنوات أن تخاطب الناس بها‬ ‫يك تتمكن من إيصال الرسائل لها هي اللهجة الشعبية التي‬ ‫تصل بأرسع وقت وأقل جهد‪.‬‬ ‫لدينا طالب يف الثانوية يكتبون الشعر باللهجة الدارجة بني‬ ‫الناس‪ ،‬ذلك ألن حضور االبداع عموماً والشعر خصوصاً يف‬ ‫املناهج هو حضور ضعيف بل ُمغ َّيب متاماً‪.‬‬ ‫أنا مع هذا الشكل الشعري ومع ذاك‪ ،‬ولست ضد واحد‬ ‫منهام‪ ،‬لكن القصيدة النبطية مؤثرة جدا وحضور القصيدة‬ ‫املوزونة املكتوبة بالفصيحة ضعيف‪ ،‬ألن هناك رصاعا داخل‬ ‫هذه القصيدة عىل الشكل بحيث طغى هذا الرصاع عىل‬ ‫جودة الشعر‪ ،‬وهذا سبب آخر النجذاب الناس نحو القصيدة‬ ‫الشعبية‪ ،‬لكن هناك أسباباً أخرى ينبغي رؤيتها من زوايا‬ ‫مختلفة وطرحها للنقاش‬

‫الفصيح هو األصل‬ ‫عبد الله املنهايل‬ ‫الشعر الفصيح هو األصل واملبدأ اللذان نحدد بهام مايض‬ ‫الشعر وحارضه‪ ،‬أما الشعر النبطي فهو املشتق منه‪ .‬فمن‬ ‫الفصيح خرج من الشاعر ما خ ُل ْ‬ ‫دت به التجربة البرشية‪،‬‬ ‫وعربه يستوحي به الشاعر مبا اكتسبه من مخيلة شعرية‬ ‫يسطر بها عىل الزمان قصائده‪.‬‬ ‫تأثرت يف كتابة القصيدة النبطية بالشاعر «الشيخ زايد»‪،‬‬ ‫ولغته السهلة وبساطته العميقة‪ ،‬والشيخ محمد بن راشد‬ ‫أيضاً‪ ،‬وكذلك ماجد بن ظاهر‪ ،‬ومن الشعراء السابقني عيىس‬ ‫بن هند والشافعي واألحنف وحسان بن ثابت ومن الشعراء‬ ‫املعارصين الذين أكن لهم إعجابا خاصا‪ :‬عبد الله الربدوين‬ ‫وأبو القاسم الشايب ونزار قباين‪.‬‬

‫ِّ‬ ‫وتبشر‬ ‫تعد‬ ‫سعيد القبيسي‪ ..‬موهبة ِ‬

‫إىل‬

‫جوار ذلك هناك موهبة شعرية بدأت تظهر يف الساحة الشعرية اإلماراتية ويعلو صوت‬ ‫صاحبها‪ ،‬موهبة من نوع نادر حيث إمكانية مامرسة الكتابة بالجناحني‪ :‬القصيدة الشعبية‬ ‫والفصيحة الفتة لالنتباه‪ ،‬فالقصيدة املكتوبة بالفصيحة هنا هي يف أغلبها أميل إىل القصيدة‬ ‫العمودية بشكل أسايس ثم التفعيلة عىل نحو أكرث ندرة أما النرث فال‪ .‬وذلك رغم حداثة عمر الشاعر‬ ‫سعيد القبييس‪ ،‬الذي صدرت له مجموعة شعرية أوىل بالفصيحة حملت العنوان‪« :‬حضن الفراغ»‪،‬‬ ‫عن مرشوع «قلم» التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ويديره الروايئ اإلمارايت عيل أبو الريش‪.‬‬ ‫تتناول املجموعة قضايا مختلفة من الحياة اليومية إىل املتخيل واألحالم التي يرغب بها الشاعر أن‬ ‫تتحقق يف عاملنا‪ ،‬وذلك يف لغة مكثفة عالية تشدنا إىل قراءة هذه املجموعة‪ .‬وتشتمل عىل اثنتي‬ ‫عرشة قصيدة يعالج فيها الشاعر الهجر والوصال والحب والغزل‪ ،‬بوصفها املوضوعات األكرث تناوالً يف‬ ‫هذه القصائد التي يعلو فيها صوت الشاعر الفرد ليؤسس بذلك حداثته الراهنة وليشري إىل نزعته يف‬ ‫الرغبة يف الوصول إىل صوت خاص‪.‬‬ ‫وبحسب كتابه «حضن الفراغ»‪ ،‬فإن «هَ م القبييس الشعري ليس محصوراً يف القصائد وعددها أو‬ ‫يف أنها أصبحت كتاباً‪ ،‬بل إن فكرته عن نفسه كشاعر ممتدة يف طبائعه الشخصية‪ .‬فهذا النوع من‬ ‫املناجاة الشعرية يوحي دامئاً بروح الصلوات يف الخالء»‪ .‬بحسب ما قال الشاعر محمد املزروعي‬ ‫الذي قدّم عرضاً للكتاب يف يومية االتحاد بعد صدوره‪ .‬وأضاف‪ :‬ففي قصيدة “حضن الفراغ”‪ ،‬التي‬

‫‪50‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫تبرز براعة سعيد‬ ‫القبيسي في‬ ‫اقتناص صورته‬ ‫الشعرية المعبرة‬ ‫عن روح صادقة‬


‫النبطي والفصيح في اإلمارات‬

‫الشعر الفصيح‬ ‫هو األصل والمبدأ‬ ‫اللذان نحدد بهما‬ ‫ماضي الشعر‬ ‫وحاضره‪ ،‬أما الشعر‬ ‫النبطي فهو‬ ‫المشتق منه‬ ‫الشعر مبدأ يف الحياة‪ ،‬ويسهل عىل كل شخص أن يتعلم‬ ‫بحوره وأوزانه‪ ،‬فهي البوابة األهم للدخول إىل عامل القصيدة‬ ‫املوزونة ومعرفتها حقاً وعىل نحو صحيح‪ .‬وكام حدثنا املايض‬

‫عن أهله‪ ،‬فكلام حفظ املرء الكثري من الشعر‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫يسهّل من عفوية الشاعر وتلقائيته‪.‬‬ ‫ويقيني‪ ،‬إنه كلام كان الشعر يعيش أزمة مع نفسه ويصارع‬ ‫الحياة فإن الشاعر ينطق بحرية أكرب‪ ،‬ومثلام قال الشاعر‬ ‫الشافعي‪:‬‬

‫دع األيام تفعل ماتشاء‬ ‫ً‬ ‫وطب نفسا اذا حكم القضاء‬ ‫وال تجزع لحادثة اللياىل‬ ‫فام لحوادث الدنيا بقـــــاء‬ ‫ومن نزلت بساحته املنايــا‬ ‫فال ارض تقيه وال سمــــــاء‬ ‫وأرض الله واسعة ولكـــــن‬ ‫اذا نزل القضا ضاق الفضاء‬

‫هي و«إين أراك» قصيدتا التفعيلة الوحيدتان‪ ،‬نقرأ‪َ :‬كطفلٍ أحبك‪ً /‬كطفلٍ يتيم منا يف الفراغ‪ /‬أحبك‪ /‬بقدر والء الفراغ أحبك‪ /‬كحاجة هذا الفراغ‬ ‫إىل زمن يذكره ‪ /‬كحاجة هذا الفراغ إىل أمل يحضنه‪ /‬أحبك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وخلص املزروعي إىل القول‪« :‬يبدو من الوهلة األوىل أن هناك تركيزا عىل اختيار أبيات بعينها‪ ،‬لكن حقيقة شعر القبييس تسبح عميقا يف‬ ‫مناخ عدمي‪ ،‬إىل الحد الذي يصبح معها رؤيته للعدم رمزاً لكل مواضيعه‪ ،‬وال نشري هنا إىل أي نوع من التشاؤم الوجودي‪ ،‬بالقدر الذي نحاول‬ ‫أن نبني فيه منطقة القوة التي تنطلق منها شعريته‪ ،‬كام هي الحال قصائد «حضن الفراغ» من طراز‪« :‬حطام يرتنح» و«خيط من الشمس»‬ ‫و«حنني الرتاب» و«متاهات القدر»‪.‬‬ ‫أما بحسب قصائده املتناثرة‪ ،‬فإنه تربز براعة سعيد القبييس يف اقتناص صورته الشعرية املعربة عن روح صادقة‪ ،‬ومن هنا نقطة االرتكاز‬ ‫األساسية التي تشكل محوراً يف بناء قصيدته‪ ،‬وسياقها اللفظي والداليل‪ ،‬مبا يف ذلك نبض فيوضاته الشعرية‪ ،‬وبأقل قدر من اللغة التي تكشف‬ ‫عن قدرة يف سبك املعنى واحتضان الفكرة والحدب عليها‪.‬‬

‫من «حنني الرتاب»‬

‫تراب بأقدام األحبة يحلم‬ ‫وبيت عىل درب الرحيل مهدم‬ ‫ويشكون عند العني شح عروقها‬ ‫فلام سقتهم من دموعي تيمموا‬ ‫أهيم بأحضان املدائن تائها‬ ‫فام مسني وجد وال ارتعش الدم‬ ‫فشوقي ألرض بالحنني توضأت‬

‫أناخوا بها ركب الوصال وسلموا‬ ‫أهز جذوع الفكر يف أرض حرييت‬ ‫فام أسقطت حرفاً وال ذاقها الفم‬ ‫بالدي اذا جنّ الرتاب بجذره‬ ‫فكل حنني يف سواك محرم‬

‫أحمد حسني‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪51‬‬


‫ملف‬

‫حلمي سالم‬

‫المراوغ المتجدد‬ ‫القاهرة حمزة قناوي‬

‫خسر الشعر أحد صعاليكه الجميلين‪،‬‬ ‫الشاعر المصري حلمي سالم الذي‬ ‫اختطفه المرض بعد سنوات من الكر‬

‫والفر‪ ،‬فبعد أن نجا من ضربة الجلطة‬ ‫الدماغية وعايشها‪ ،‬وجد نفسه في‬

‫مواجهة السرطان والفشل الكلوي معا‪،‬‬

‫وهو ما لم يكن له طاقة عليه‪.‬‬

‫يكمن السر في فتنة الشاعر حلمي‬ ‫سالم في انه ال يشبه أحدا‪ ،‬عدا عن انه‬ ‫محير جدا‪ .‬غامض وواضح في اآلن‬

‫ذاته‪ .‬مابعد حداثي وكالسيكي معا‪،‬‬

‫شاب وكهل في الوقت ذاته‪ .‬شاعر بنى‬

‫مشروعه الشعري على التجريب الدائم‪،‬‬ ‫ولم يستقر على شكل أو نبرة‪ ،‬يهدم‪،‬‬

‫عمدا‪ ،‬العتبة بين كل عملين‪ ،‬ويترك‬

‫للقارئ ان يجد طريقه الخاص بين عمل‬ ‫وآخر‪.‬‬ ‫كتب حلمي بوعي «االكروبات» الذي‬

‫يرى الخيط الرفيع بين السهل والممتنع‪،‬‬

‫وتمكن بعد دأب طويل من استدراج‬

‫القارئ الى لعبته الذكية الماكرة التي‬

‫قوامها التجريب والمزج بين السحر‬ ‫والصعلكة والتغريد خارج السرب‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫مثة‬

‫انتفاض من رماد‬ ‫شعراء يجددون أقدارهم كأمنا يصوغونها صوغاً‪ ،‬بني‬ ‫ٍ‬ ‫التجربة واالنطالق إىل أخرى‪ ،‬وتار ًة عرب البعث من فكرة الجيل حني‬ ‫تبهت وتنطفئ إىل ما بعدها‪ٌ ،‬‬ ‫أفق‬ ‫وثالثة بتغيري املسار والتوجه الفني إىل ٍ‬ ‫بعي ٍد ال ُيدرك أدواته املجايلون‪ .‬حلمي سامل كان أحد هؤالء الشعراء بامتياز‪.‬‬ ‫فالشاعر الخمسيني املولد‪ُ )1951( ،‬رمز له يف الشعر املرصي باعتباره أيقونة‬ ‫التجريب‪ ،‬وقد عاش املغامرة الشعرية من أقىص الطيف إىل أقصاه‪ ،‬بدواوينه‬ ‫الثامنية عرش‪ ،‬التي نستطيع أن نقول باطمئنان إن أياً منها‪ ،‬من فضاءاتها ولغتها‬ ‫وتجربتها‪ ،‬مل يشبه اآلخر‪ ،‬ال شك ًال وال مضموناً‪ ،‬منذ الديوان األول (حبيبتي‬ ‫ٌ‬ ‫مزروعة يف دماء األرض) ‪( ،1974‬والذي سبقه ٌ‬ ‫ديوان مشرتك مع الشاعر رفعت‬ ‫سالم بعنوان «الغربة واالنتظار» عام ‪ »1972‬وحتى الديوان األخري‬ ‫(ارفع رأسك ٌ‬ ‫عالية ) ‪ 2011‬املستلهم من ثورة يناير‪ ،‬وهتافها‬ ‫ً‬ ‫الغاضب الذي صار شعاراً وأيقونة للثورة‪ ،‬ونال عنه جائزة‬ ‫معرض القاهرة الدويل للكتاب‪ .‬وبينهام ٌ‬ ‫رحلة ممتد ٌة من النزق‬ ‫والتجريب ورفض السكون‪ ،‬حتى إن بعض النقاد‬ ‫– وإن غاىل يف حكمه‪ -‬رأى يف نص حلمي سامل‬ ‫استعصا ًء عىل موضعته يف أحد االتجاهات‬ ‫الفنية‪ ،‬أو انحيازه ألحد األشكال التي تعطي‬ ‫التجربة قيمتها من ثباتها‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬ظهر صوت‬ ‫سامل عالياً مع انتامئه‬ ‫إىل جامعة (إضاءة) يف‬ ‫السبعينيات‪ ،‬تلك الجامعة‬ ‫التي سعت إىل التجديد يف‬ ‫املعجم الشعري‪ ،‬وتحديد نسق‬ ‫الصورة الشعرية عىل نحو تجريبي‬


‫حلمي سالم‬

‫بالكلية‪ ،‬إضافة إىل البعد املوضوعي الذي كان مسيطراً عىل‬ ‫وضمت‬ ‫خط وتوجه شعرائها وميزج بني الليربالية واليسار َّ‬ ‫ك ًال من حسن طلب ورفعت سالم وجامل القصاص وأمجد‬ ‫ر َّيان ومحمود نسيم‪ ،‬وأصدرت مجلتها التي حملت اسم‬ ‫الجامعة‪ ،‬وصاغت يف عددها األول ما يشبه البيان التأسييس محرتف حصارات‬ ‫أو (املانفيستو) الذي أسس للخروج عىل قصيدة التفعيلة‪،‬‬ ‫فنابع‪ -‬كاألول‬ ‫أما االنتقاد الثاين األهم الذي واجه تجربته‪ٌ ،‬‬ ‫ً‬ ‫يوم أرضاً جديدة يف هذه الفرتة‪-‬‬ ‫متاما‪ -‬من خصوصية تجربته وسامتها الفنية‪ ،‬حيث ووجه‬ ‫التي كانت تكسب كل ٍ‬ ‫املعطي‬ ‫عبد‬ ‫وأحمد‬ ‫الصبور‬ ‫عبد‬ ‫صالح‬ ‫السبعينيات‪ -‬عىل يد‬ ‫سامل بفكرة ِصدامه الدائم مع املوروث الفكري اإلسالمي‬ ‫حجازي وإبراهيم أبو سنة‪ ،‬قبل أن ينفرط عقد الجامعة‪،‬‬ ‫بسبب اتكائه عىل مرجعيته اإليديولوجية‪ ،‬وأن هذا كان‬ ‫ويغادرها ٌّ‬ ‫كل منهم إىل حيث تجربته الخاصة وطريقه‬ ‫وح َّد ِته‪،‬‬ ‫ُيبعده عن جاملية التشكيل الفني قدر ُمبارشته ِ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫املنفرد‪ .‬وحده ظل حلمي منتميا إىل نفسه أو مبعايري النقد‬ ‫غري أن هذا الرأي أيضاً له ما ينقضه يف تجربة حلمي الرثية‬ ‫هو (الالمنتمي) إىل تجرب ٍة بعينها‪ ،‬ال يغادر إحداها إال إىل‬ ‫بالجامليات واإلخالص‪ -‬يف كث ٍري من دواوينه‪ -‬للشعر فقط‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إىل‬ ‫أخرى‪ ،‬بني شعر التفعيلة إىل النرث‪ ،‬ومن الشعر السيايس‬ ‫رمبا مل ُيقدم شاع ٌر‪ -‬طواعية واتساقا مع مبادئه‪ -‬عىل البقاء‬ ‫الرومانتييك إىل الذايت املستلهم معجم الصوفية‪ ،‬ويف الكثري‬ ‫يف مدين ٍة تعيش تحت القصف والحصار كحلمي سامل‪ ،‬الذي‬ ‫من األحيان مفردات وتراكيب القرآن الكريم‪ .‬هذا التنوع‬ ‫عاش حصار بريوت يف عام ‪ ،1982‬ومل يغادرها سوى مبؤلفه‬ ‫والرثاء اللذان م َّكناه من أن يحجز لنفسه مكاناً متميزاً بني‬ ‫(الثقافة تحت الحصار) الذي رصد فيه الحياة اليومية للبرش‬ ‫شعراء جيله‪ ،‬عامده املغامرة والرومانسية الثورية‪ ،‬والطاقة‬ ‫العابرين يف تفاصيل الحرب‪ ،‬واملتناثرين بني جنباتها‪ .‬وكان‬ ‫الخالقة عىل توليد الصورة الشعرية بحساسية خاصة‬ ‫سامل قد سافر إىل لبنان عام ‪ 1980‬للعمل يف الهالل األحمر‬ ‫ومختلفة‪ ،‬كان يرى أنها يجب أن تتسق مع املوقف الفكري‬ ‫الفلسطيني‪،‬وشارك هناك عىل األرض يف الكثري من األمسيات‬ ‫واإليديولوجي للشاعر‪ ،‬وهذا مت ُّيز آخر يف مسرية حلمي‬ ‫التي خصصت لشعر املقاومة اللبنانية‪-‬الفلسطينية‪ ،‬وأنجز‬ ‫الذي كان ملتزماً حزبياً‪ ،‬وال يرى تعارضاً يف تالقي املوقف‬ ‫ديوانه (سرية بريوت)‪ .‬ظل صدى بريوت يرتدد يف دواوينه‬ ‫اإليديولوجي والتعبري الجاميل عنه‪ .‬كان ثباته الوحيد يف‬ ‫التالية‪ ،‬وفكرة الحصار تالحق ظالل كلامته‪ ..‬كام يف ديوانه‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫املستوى‬ ‫التزامه الفكري واإليديولوجي اليساري‪ ،‬أما عىل‬ ‫(الغرام املسلح)‪:)2005( -‬‬ ‫«محرتف حصارات‪ /‬لو م َّرت ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الفني فقد كان مؤمناً بالتجاور بني األشكال الشعرية‬ ‫أرتاب‬ ‫سنة من غري حصا ٍر ُ‬ ‫ُ‬ ‫املختلفة‪ ،‬ورضورة تعديها إىل‬ ‫وأسأل‪ :‬هل ُ‬ ‫رصت دجيناً ال ُيقلقُ أحداً؟‪/‬‬ ‫ُم ُ‬ ‫املحاورة الجرتاح آفاق مختلفة‪.‬‬ ‫ات‪ ..‬من أيلول إىل تل‬ ‫حرتف حصار ٍ‬ ‫رُمز له في الشعر‬ ‫أخلص حلمي للتجريب الجاد‬ ‫َ‬ ‫الزعرت والفكهاين وطرابلس ورام الله‪/‬‬ ‫باعتباره‬ ‫المصري‬ ‫هذه‬ ‫أن‬ ‫كثريون‬ ‫رأى‬ ‫وبينام‬ ‫إذاً‪.‬‬ ‫جسدي ُجهِّز ملالءمة األقفاص وروحي‬ ‫هي ِسمته الفنية ا ُملميزة‪ ،‬فقد‬ ‫للحتف‪ /‬أنا‬ ‫تنضح برتاجيديا السائر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أيقونة التجريب‪،‬‬ ‫محرتف حصارات لو م َّرت ٌ‬ ‫ُ‬ ‫رأى البعض فيها (كعب أخيل)‬ ‫سنة من غ ِري‬ ‫وقد عاش المغامرة‬ ‫ُ‬ ‫بأن سامل كان يحاول االحتشاد‬ ‫وأسأل‪ :‬هل ُ‬ ‫رصت الرايض‬ ‫أرتاب‬ ‫حصا ٍر ُ‬ ‫أقصى‬ ‫من‬ ‫الشعرية‬ ‫من أجل التجريب دوماً عند‬ ‫بالحسنات القانع بالسقف؟»‬ ‫ِ‬ ‫كل تجربة شعرية‪ ،‬فقط من‬ ‫الطيف إلى أقصاه‪،‬‬ ‫يف «وسط البلد» بالقاهرة‪ ،‬كان من السهل‬ ‫أجل التجديد وأن يوجد لغ ًة‬ ‫بدواوينه الثمانية عشر أن نعرث عىل حلمي سامل حني نفتقده أو‬ ‫وحساسي ًة مغايرة عن تجربته‪/‬‬ ‫نريد التواصل معه‪ ،‬كان ال يخرج عن هذا‬ ‫ديوانه السابق‪ ،‬وهذا ما جعله ال يتعمق يف االجتهاد أو‬ ‫الرتكيز يف تجويد املرحلة التي بلغها سابقاً‪ ،‬كأمنا ينقض ما‬ ‫يبني ليعاود التشكيل بهيئ ٍة جديدة أو يحل ما يغزل‪.‬‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪53‬‬


‫ملف‬

‫الفلك كثرياً‪ :‬نقابة الصحفيني‪ ،‬أو أتيليه القاهرة‪ ،‬أو مكتبه يف‬ ‫التجمع‪ ،‬صحفياً بجريدة (األهايل) اليسارية املعروفة‪،‬‬ ‫حزب ُّ‬ ‫ثم رئيساً لتحرير مجلة (أدب ونقد) يف املكان نفسه بالطابق‬ ‫األعىل‪ ،‬مقهى الجريون‪ ،‬أو مقهى ريش‪ .‬كل هذه األماكن‬ ‫التي ال تخرج عن محيط شارع طلعت حرب‪ ،‬يلتقينا‬ ‫الفص الذي يح ِم ُل تكا ُث َر الخاليا‪ /‬ويوزعها‬ ‫( هذا هو ُّ‬ ‫بابتسامته الدامئة‪ ،‬ندفع له بقصائد لنرشها يف (أدب ونقد)‬ ‫«ألهاكم التكاث ُر»‪ /‬أط َّلت‬ ‫عىل املعوزين‪ /‬قلت للخاليا‬ ‫ُ‬ ‫أو لعقد ندو ٍة يف مقر املجلة بالحزب‪ ،‬فال نجد منه سوى‬ ‫من الغبش ِة وجو ُه آبايئ‪ :‬عبد املطلب‪ ،‬منعم‪ ،‬موايف‪،‬‬ ‫الرتحيب‪ ،‬والحرص عىل الحضور تالياً وإن مل يكن مطلعاً‬ ‫عىل‬ ‫الشايب‪ ،‬عنرت‪ ،‬سليامن‪ ،‬اليامين‪ ،‬يفردون أجنح ًة مل َّون ًة‬ ‫تجربة الشاعر صاحب الندوة‪.‬‬ ‫يك أط َري بها إىل ماسبريو‪ُ /‬‬ ‫حيث ٌ‬ ‫بطن‬ ‫دبابة م َّرت عىل ِ‬ ‫عرب أربعني عاماً قضاها يف أبهاء الشعر‪ ،‬مل يتوقف حلمي‬ ‫الفتى)‪.‬‬ ‫سامل عن حمل هذا القنديل األخرض‪ ،‬وقد عُ رف بقدرته‬ ‫الكبرية عىل تحويل اليومي والعابر وكل ما تلتقطه العني‬ ‫املرسعة عىل األشياء االعتيادية‪ ،‬تحويله إىل شعر صاف‪ ،‬رمبا رشفة ليىل مراد‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫واجه ا ُملنجز الشعري لحلمي سامل بالكثري من‬ ‫كان طبيعياً أن ُي َ‬ ‫كان مرجعية ذلك التصاقه بالحياة والناس من خالل العمل‬ ‫االستفهامات ومسارات التأويل‪ ،‬واالختالف حول حقيقته‪،‬‬ ‫الحزيب والتواجد اليومي يف العمل الصحايف والثقايف‪ ،‬غري‬ ‫ورسالته‪ ،‬فال يوجد فنٌّ ال يحاول مترير حمول ٍة معرفية ما‪،‬‬ ‫أن السبب املؤكد أن رحابة روحه التي عُ رف بها‪ ،‬هي التي‬ ‫عرب إيديولوجية ُمض َّفرة يف قالب الفن‪ ،‬أو من خالل ُمراكمة‬ ‫كانت تدفعه إىل «أنسنة» األشياء‪ ،‬ورؤية العامل شعراً‪ .‬من‬ ‫اإلنتاج الذي يأخذ التوجه نفسه‪ ،‬كان هذا وارداً بقوة يف‬ ‫هنا كانت تجربته املختلفة ( مدائح جلطة املخ)‪ ،‬حني أصابته‬ ‫الجلطة بينام كان يقرأ الشعر عىل املقهى ألصدقائه‪ ،‬فنُقل إىل نص حلمي سامل‪ ،‬خاص ًة أن قصيدته مل تكن مراوغة وماكرة‬ ‫ظل يراوغ تجربته فحسب‪ ،‬إمنا ألن شعره كثيف الرموز املمتلئ بالحيل واملفتوح‬ ‫املستشفى‪ ،‬وهناك‪ ،‬بني الغيبوبة واألخرى َّ‬ ‫عىل التجريب واملغامرة‪ ،‬كان يعطي االنطباع بذلك‪ ،‬ولدى‬ ‫هذه ويحاورها‪ ،‬ويستخلص منها رؤاه التي صاغت هذا‬ ‫من يخبرُ النقد ال مشكلة يف ذلك املنحى‪ ،‬فالفن إجامالً‬ ‫الديوان‪ ،‬الذي صدر عن دار الهالل عام (‪ .)2006‬مل ينزعج‬ ‫قائم عىل اإليهام ال اإلفهام‪ ،‬غري أن أكرث من معرك ٍة نشبت‬ ‫ٌ‬ ‫الشاعر من املرض‪ ،‬إمنا قال ُمستخفاً به ( يبدو يل أن تجربة‬ ‫حول ذلك الطرح‪ ،‬التأويل والقصدية يف‬ ‫املرض مغري ًة بالكتابة‪ ،‬وما‬ ‫رموز ومعاين قصيدة سامل‪ ،‬خاضها ضده‬ ‫حدث معي حدث ألمل دنقل‬ ‫لم يُقدم شاعرٌ على‬ ‫بعض رجال الدين يف مرص‪ ،‬كانت ذروتها‬ ‫وقبله بدر شاكر السياب‪ ،‬تجربة‬ ‫مدينة‬ ‫البقاء في‬ ‫ٍ‬ ‫يف مواجهة قصيدته ( رشفة ليىل مراد)‬ ‫املرض مغري ًة بالكتابة‪ ..‬املرض‬ ‫تعيش تحت القصف‬ ‫التي نرشها ‪ 2007‬يف مجلة (إبداع)‬ ‫تجربة شعرية!)‬ ‫التي يرأس تحريرها أحمد عبد املعطي‬ ‫والحصار كحلمي‬ ‫لعل قناعته هذه هي التي‬ ‫حجازي وتصدر عن الهيئة املرصية العامة‬ ‫قادته إىل (التسلل) من غرفته‬ ‫سالم‪ ،‬الذي عاش‬ ‫للكتاب‪ ،‬فام كان من رئيس الهيئة إال‬ ‫يف املستشفى العسكري الذي‬ ‫حصار بيروت ولم‬ ‫أن سحب ترخيص توزيع املجلة‪ ،‬بعدما‬ ‫يقف عليه حارسان‪ -‬كام قال يف‬ ‫يغادرها سوى بمؤلفه رأى أن ما ورد يف القصيدة ييسء إىل‬ ‫األمسية األخرية التي عقدها يف‬ ‫(الثقافة تحت الحصار) الذات اإللهية‪ ،‬طبقاً لتقرير أع َّده مجمع‬ ‫حزب التجمع قبيل وفاته بأيام‪-‬‬ ‫البحوث اإلسالمية ( أحد هيئات مؤسسة‬ ‫ليتفق ومحبوه عىل أن ُيلقي‬ ‫األزهر الرشيف) وجاء فيه أن القصيدة‬ ‫الشعر بينهم‪ ،‬كأمنا يفر من قدر املوت إىل قدرة الشعر عىل‬ ‫بعث الحياة‪ ،‬وليتامهى مر ًة أخرى مع املرض باعتباره حال ًة‬ ‫شعرية فيكتب قصيدة ( معجزة التنفس) متامساً مع تجربته‬ ‫األوىل السابقة يف جلطة املخ‪ .‬والتي قال فيها حلمي‪:‬‬

‫‪54‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫( تحمل إلحاداً وزندق ًة)‪ ،‬وتصاعدت األزمة بأن ظهر الشيخ‬ ‫يوسف البدري ودعا الشاعر إىل (االستتابة) حاشداً خلف‬ ‫هذه الدعوة نحو مئة رجل دين آزرت توقيعاتهم بيان دعوة‬ ‫االستتابة هذا‪ ،‬ليواجهوا بدعو ٍة مضادة من مثقفني وشعراء‬ ‫رأوا يف هذه الحملة عىل حلمي سامل هجوماً عىل التنوير‪،‬‬ ‫ودعوة إىل قراءة وتحليل الشعر ونقده بغري أدواته‪ ،‬وأنها‬ ‫(حملة تكفريية تكرس لثقافة اإلرهاب)‪ .‬بعدها رصد الشاعر‬ ‫جائزة التفوق يف األدب‪ ،‬وهي إحدى أكرب جوائز الدولة‪ ،‬غري‬ ‫أنها مل تكن سوى محطة اسرتاح ٍة له‪ ،‬لتعاود القضية التفاعل‬ ‫عىل إثرها مجدداً‪ ،‬بعدما أصدرت محكمة القضاء اإلداري‬ ‫املرصية حك ًام قضائياً يطالب وزارة الثقافة بعدم منح جائزة‬ ‫التفوق للشاعر حلمي سامل بدعوى (إساءته للذات اإللهية)‪،‬‬ ‫واستحالت املعركة الفكرية إىل قضية ظلت ُتتداول يف‬ ‫أروقة املحاكم‪ ،‬وقد حجز بها سامل موقعاً متقدماً يف محاربة‬ ‫التطرف‪ ،‬وكتب شهادته املواجهة لبيان الفقهاء وتقرير األزهر‬ ‫يف كتابه ( محاكمة رشفة ليىل مراد) الذي أصدره عام ‪.2008‬‬ ‫ظل حلمي سامل إذاً عصياً بنصه عىل االخرتاق النقدي‪ ،‬أو‬ ‫التوحد نقدياً حوله عىل األقل‪ ،‬فرؤيته الشعرية كانت تنبع‬ ‫ُّ‬ ‫دفق غري منت ٍه من التصاوير والرتاكيب اللغوية والخيال‬ ‫من ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واملجازات الالنهائية التي تنتج شعرية خاصة أربكت النقد‬ ‫يف محاولة التقعيد النظري لقصيدته‪ ،‬وهو يحاول مالحقة‬ ‫الثامنية عرش ديواناً التي أنتجها تباعاً‪ .‬استمر سؤال النقد‬ ‫مفتوحاً عىل التحليل إىل اليوم عرب الكثري من الدراسات التي‬

‫قدَّمها ُن َّقاد ذائعون حول قصيدته‪ ،‬كجابر عصفور‪ ،‬وصالح‬ ‫فضل ومحمد عبد املطلب وغريهم‪.‬‬ ‫يرحل حلمي سامل اآلن مكم ًال دائرة مغامرته إىل قوسها‬ ‫األقىص‪ ،‬وقد ترك مرياثاً شعرياً توازى وسرية حيا ٍة حفلت‬ ‫باملغامرة والطموح إىل التجديد‪ ،‬واملعارك الفكرية‪ ،‬واملرض‬ ‫والنضاالت والتجارب العاطفية‪ ،‬هكذا ُتبث الحياة يف املرياث‬ ‫الشعري كأمنا ُكتبت يف قصيدة‪ ،‬كانت هي «األكرث تجريباً»‬ ‫بني نظرياتها املنسوبة ألبناء جيله كام ذكر عبد املعطي‬ ‫محم ًال بقناعاته‬ ‫حجازي يف كتابه (أحفاد شوقي)‪ .‬ويرحل َّ‬ ‫التي مل َّ‬ ‫يتخل عنها من أن الشعر يستعيص عىل التصنيف‬ ‫واكتساب املرشوعية من شكله الخارجي‪ ،‬إن كان نرثاً أو‬ ‫تفعيل ًة أو عموداً‪ ،‬إمنا املرجعية يف ذلك لديه حقيقة متاسه مع‬ ‫الجودة الفنية من جهة‪ ،‬ومع االشتباك بقضايا الناس والحياة‬ ‫من جه ٍة أخرى‪ ،‬بعدما حاول كرس الكثري من التابوهات‬ ‫ومواجهة املسكوت عنه بتمحيصه والعمد إىل اختباره عرب‬ ‫إخضاعه لتجريبية الفن‪ .‬رحل يف املستشفى العسكري بينام‬ ‫يكتب قصيد ًة يناوش فيها وينتقد العسكر وإدارتهم ملا بعد‬ ‫أحداث الثورة يف مرص‪ ،‬متاماً كدأبه عىل رفض كل محاولة‬ ‫احتواء! والشاعر الذي تغ َّنى بالحياة أكرث مام فعل أي شاع ٍر‬ ‫آخر‪ ،‬يغادر غناءه عائداً إىل قريته (الراهب) مبحافظة املنوفية‬ ‫ليسكن فيها لألبد‪ ،‬محتضناً األرض التي طاملا تغنى بها ومبن‬ ‫عليها‪ ،‬وقد اجرتح من األسئلة ومن أفق التجريب ما يكفي‬ ‫ليبقيه يف ذاكرة الشعر طوي ًال‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪55‬‬


‫ملف‬

‫حلمي سالم‬

‫تجربة لم تتقاطع مع نفسها‬ ‫واتسعت ألصوات الجميع‬ ‫القاهرة ‪ -‬عزة حسين‬

‫آخر خاطر ٍة كانت أن أظنه رحل‪ ،‬فارق الحياة‪ .‬يوم ذهبت‬ ‫بصحبة الشاعرة ميسون صقر لزيارته مبشفاه وسط القاهرة‪،‬‬ ‫منتصف حزيران‪/‬يونيو املايض‪ ،‬ووجدنا رسيره خالياً‪ .‬انتظرناه‬ ‫آت من غرفة‬ ‫دقائق‪ ،‬ثم استقب ْلنا وهنه وابتسامته وهو ٍ‬ ‫ناقم عىل يش ٍء سوى سجنه قبالة جهاز‬ ‫الغسيل الكلوي‪ ،‬غري ٍ‬ ‫الغسيل املتعطل‪ ،‬واملمرضة املرصة عىل احتجازه إلجراء‬ ‫كضيف‬ ‫ناقم حتى عىل املرض‪ .‬يحيك عنه‬ ‫ٍ‬ ‫الجلسة‪ .‬غري ٍ‬ ‫سريحل كغريه‪ ،‬ممن كتبهم قصائد مل تستبق من املرض سوى‬ ‫اسمه‪ ،‬أما عذاباته فكانت مقاطع دواوين تسيل إنسانيتها‬ ‫عىل الورق‪.‬‬ ‫لكن حلمي سامل مل يكن عند حسن ظني هذه املرة‪ ،‬مل يدون‬ ‫شفاءه شعراً‪ ،‬كام فعل مع جلطة املخ التي أصابته قبل سبع‬ ‫سنني فروضها يف ديوانه البديع «مدائح جلطة املخ»‪ ،‬ومل‬ ‫يجدد نرصاً كالذي أحرزه عىل رسطان الرئة الذي استشفى‬ ‫نفسه منه بالكتابة والتكالب‬ ‫عىل الحياة‪ ،‬ملوحاً بديوانه‬ ‫األحدث «معجزة التنفس»‪،‬‬ ‫الذي جرى االحتفاء به قبيل‬ ‫موته بأيام يف ندوة اصطف‬ ‫بها أحباؤه بحزب التجمع‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬متجاه ًال من أجلها‬ ‫محاذير األطباء‪ ،‬بعدما كتب‬ ‫عىل نفسه إقراراً باملسؤولية‬ ‫عن تدهور صحته‪.‬‬ ‫كان حلمي يعرف أنها األخرية‬ ‫فتغنى بقصائد معجزته‪،‬‬ ‫مؤكداً أن «الشعر يشفي‬ ‫‪56‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫أفضل من ألف جلسة كياموي»‪ ،‬ويف الندوة نفسها قال‬ ‫صاحب «الشغاف واملرميات»‪ ،‬إنه سيعترب نفسه لصاً وأنانياً‬ ‫لو مات عىل رسيره الوثري يف املستشفى‪ ،‬ألن «غريي مات‬ ‫مسحوالً يف ميادين مرص»‪ ،‬فواتته ميتة شبه أغلب املرصيني‬ ‫بلعنة الفشل الكلوي الذي اجتلبه تجار األرواح يف العهد‬ ‫البائد‪.‬‬ ‫وألن لحلمي سرية ملحوم ًة بالشعر‪ ،‬تكفي دواوينه الواحد‬ ‫والعرشون ليعرف الواحد منا من هو‪ ،‬فض ًال عن املحظوظني‬ ‫الذين رافقوه يف مراحل من مشاويره‪ ،‬منذ قدومه من بلدته‬ ‫لجامعة القاهرة مطلع السبعينيات وإصدار ديوانه األول‬ ‫«الغربة واالنتظار» برشاكة صديقه الشاعر رفعت سالم‪،‬‬ ‫واالنخراط يف الحركة الطالبية ومظاهرات السبعينيات‪ ،‬ثم‬ ‫الرشاكة يف تأسيس جامعة إضاءة ‪ 77‬مع مجايليه‪ ،‬حسن‬ ‫طلب‪ ،‬جامل القصاص‪ ،‬رفعت سالم‪ ،‬أمجد ريان‪ ،‬واالصطدام‬ ‫برواد الشعر كصالح عبد الصبور‬ ‫واحمد عبد املعطي حجازي‪ ،‬ثم‬ ‫مناوشة أمل دنقل‪ ،‬قبل التصالح مع‬ ‫جميعهم يف كتابه «الحداثة أخت‬ ‫التسامح»‪ ،‬ومع دنقل خصوصاً يف‬ ‫كتابه الشهري «عم مسا ًء أيها الصقر‬ ‫املجنح»‪.‬‬ ‫وقوفاً عند التجربة الشعرية‬ ‫لحلمي سامل‪ ،‬هذي امللونة الجذابة‪،‬‬ ‫املتقافزة والناكصة‪ ،‬املغرقة‬ ‫يف صوفيتها‪ ،‬غموضها أحيانا‪ً،‬‬ ‫واستسالمها للمبارشة مرات‪،‬‬ ‫منحوتة الخصوصية رغم تعدد‬


‫حلمي سالم‬

‫األصوات واملرايا‪ ،‬ستجدر هنا معاتبة النقاد والحديث بضم ٍري لتكريس الشعر من أجل تراجم أو بورتريهات شعرية‬ ‫مرتاح عن تقصري ورمبا ظلم نقدي‪ ،‬لن يربره مجرد اتسام أو للتنويريني الرواد من أمثال طه حسني ومحمد عبده ورفاعة‬ ‫الطهطاوي‪ ،‬فض ًال عن نابوليون والسهروردي وغريهم‪.‬‬ ‫اتهام حلمي سامل بغزارة اإلنتاج‪.‬‬ ‫فرغم الحضور الكبري لسرية صاحب «رساب الرتيكو» ال نجد أما التناص الشعري لدى سامل فتتسع مصادره ليشمل الرتاث‬ ‫حضوراً موازياً ملراجعات أو كتابات عن شعره‪ ،‬لكن مثة مالمح العريب‪ ،‬والعاملي‪ ،‬والرتاث الصويف‪ ،‬والديني وعديد املرجعيات‪،‬‬ ‫وهي املسألة التي يعدها كثريون سبباً يف اتهام تجربته‬ ‫يتقاطع ذكرها عند من تعرضوا للتجربة الشعرية لحلمي‬ ‫الشعرية‪ ،‬يف مواضع كثري ٍة منها بالغموض‪.‬‬ ‫سامل‪ ،‬ولو مجتزئني‪ ،‬أبرزها عدم تقاطع تجارب حلمي سامل‬ ‫هذا ويضاف إىل كافة هذه التناصات‪ ،‬تناصاته مع الواقع‬ ‫مع بعضها‪ ،‬هذه التي ال تكرر نفسها وإمنا تندفع كل مر ٍة‬ ‫باتجاه التجريب‪ ،‬والهرولة خلف مناطق بك ٍر يف الكتابة‪ ،‬وهو اآلين رغم اشتعال املخيلة‪ .‬فسامل الذي اعرتض يف مبدأ حياته‬ ‫الشعرية عىل التحام الشعري بالسيايس مختلفاً بذلك مع‬ ‫ما يؤكده الناقد د‪ .‬صالح قنصوة بقوله إن «هناك ميزة يف‬ ‫بسنوات ليؤكد أن العيب هو‬ ‫أمل دنقل‪ ،‬ارتجع بعد ذلك‬ ‫شخصية حلمي أنه جريء ومتهور ويالحظ دامئاً أنه يتحدى‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه مع وجود خطوة مختلفة يف كل أعامله الجديدة وهو انفصال الشاعر عام يحوطه من خرائب‪ ،‬من هنا كان ديوان‬ ‫«سرية بريوت» ‪ 1986‬املكتوب عن الحصار اإلرسائييل للبنان‬ ‫ما يسبب الجهد للناقد»‪ ،‬مضيفاً «حلمي سامل ليس مجرد‬ ‫‪ ،1982‬مروراً بـ«تحيات الحجر الكريم» املكرس لالنتفاضة‬ ‫مجموعة قصائد فهو شاعر مبتكر ومغامر ويفرض عيل‬ ‫الفلسطينية مطلع األلفية الثالثة‪ ،‬ومروراً «بحاممة عىل بنت‬ ‫املتلقي أن يكون مثله»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جبيل» هذه القصيدة‪ ،‬وصوال إىل الثورة املرصية التي ردت‬ ‫وعندئ ٍذ يتفنن حلمي سامل يف السخرية من مسألة‬ ‫سامل للشعر السيايس املفرط يف غنائيته‪ ،‬والناكص يف شكله إىل‬ ‫الشكل الشعري‪ ،‬فيتقافز بني القصيدة التفعيلية‬ ‫حد االلتصاق بالوزن والقافية‪ ،‬كان هؤالء جميعاً ويف الوسط‬ ‫وقصيدة النرث التي يعد أحد أبرز كتابها ومنظريها‬ ‫منهم ديوان «الشاعر والشيخ» رسداً معلناً اللتزام الشاعر‬ ‫أحياناً‪ ،‬وصوالً أو نكوصاً إىل قصيدة العمود‪ ،‬أما‬ ‫بالهم العام‪ ،‬سواء بالثورة أو باملقاومة أو حتى باإلصالح‪.‬‬ ‫املضمون فمركز لعبه الدائم‪ ،‬وهو حياله أكرث جرأة‬ ‫مل يتوقف البعض عند اتهام حلمي بالغزارة الكمية وما يرتبط‬ ‫ومفاجأة وابتكاراً‪ ،‬فكم توقف شعراء أسبق وتالني‬ ‫لصاحب «رشفة ليىل مراد» أمام هذا املقطع من ديوانه بذلك من كلفة كيفية‪ ،‬فأياً كانت الظروف مل يكف حلمي‬ ‫عن الكتابة‪ ،‬حتى لو كلفه ذلك ما وصفه يف أحد حواراته‬ ‫«مدائح جلطة املخ» مشدوهني من فرط الجدة والجرأة‬ ‫بالرضيبة العاجلة‪ ،‬التي تجعله ملتحفاً بالهم العام‪ ،‬ويف‬ ‫واإلنسانية فائضة الهشاشة‪« :‬القدم التي دبت طوال‬ ‫السياق هذا يقول الشاعر أحمد عبد املعطي حجازي‪ ،‬واصفاً‬ ‫عامني‪ /‬من ميدان الرماية إىل التجمع الخامس‪ /‬كيف‬ ‫حلمي سامل بأنه مرشوع متكامل‪« :‬فال يصح أن نحكم عليه‬ ‫النت فال تقوى عىل السعي بني سجادة ومخدة؟‪/‬‬ ‫مبا يقع يف أيدينا منه‪ ،‬ألن حلمي سامل ال يقف عند حد وال‬ ‫واللسان الذي قىض الليل كله‪ /‬يقيس حوض أنثاه‪/‬‬ ‫يكف عن تجربة ما يخطر له‪ ،‬وال ميزق ما يتوقع أال ينال‬ ‫بكمية املسام بني عظمة وعظمة‪ /،‬كيف التوى‪ /‬فال‬ ‫الرضا من تجاربه‪ ،‬بل ينرش كل ما عنّ له أن يكتبه‪ ،‬ألنه يراه‬ ‫يجيد الفصل بني الكاف والنون؟»‪.‬‬ ‫لبنة يف مرشوعه‪ ،‬وألن الحكم عيل العمل التجريبي يتغري‪،‬‬ ‫أيضاً مائ ٌز بشعر حلمي سامل فكرة تعدد األصوات وحضور‬ ‫فالذي ال يقبل اليوم من أشكال الفن قد يصبح هو املفضل‬ ‫اآلخر والتناص كذلك‪ ،‬فليست فقط أسمهان ولييل مراد‪ ،‬وال‬ ‫غداً أو بعد غد»‪ .‬ويبقى ما أورده حلمي عن نفسه قائ ًال‪:‬‬ ‫أمل دنقل‪ ،‬وجابر عصفور‪ ،‬وفريدة النقاش‪ ،‬وراشيل كوري‪،‬‬ ‫«أنا أكتب حيايت وعيني باستمرار عىل الشعر‪ .‬أعترب ّأن غزاريت‬ ‫وصوالً إىل جيفارا‪ ،‬كانوا غزاة قصائد حلمي سامل‪ ،‬سيمتد األمر ميزة وإن كان البعض يرى فيها بعض العيوب‪ .‬لكن امليزة‬ ‫يف ديوان «الغرام املسلح» الذي كان نتاج رحلته لباريس‬ ‫أحب الشعر والتجريب‪ ،‬وأكتب حيايت وتجاريب‬ ‫الكربى أنني ّ‬ ‫عام ‪ 2005‬والتوقف عند التباس العالقة بني الرشق والغرب‪ ،‬الكثرية الغنية والخصبة التي بعضها شعري»‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪57‬‬


‫ملف‬

‫حلمي سالم‬

‫الشاعر يطل من شرفة الهامش‬ ‫جهاد هديب‬

‫مل‬

‫ولديه وجهة نظر متبلورة تجاه محيطه املرصي والعريب‬ ‫يكن حلمي سامل‪ ،‬كحال الكثري من الشعراء املرصيني‬ ‫إمنا يف الوقت نفسه مل يكن لذلك عالقة بالقصيدة من حيث‬ ‫والعرب‪ ،‬شاعر حكمة أو تعاليم‪ ،‬بل ينتمي إىل أولئك‬ ‫هي تخييل وصور‪ ،‬بل بالشعر بوصفه موقفاً فردياً‪ ،‬أي أنه‬ ‫الشعراء الذين ميارسون الشعر بوصفه صنعة وحرفة‪ ،‬أي‬ ‫جزء من نسيج «سياسة» الشعر ذاتها وليس من دور الشعر‬ ‫حداثة‪ ،‬فال إلهام وال وجود أص ًال للوادي الشهري «عبقر»‪.‬‬ ‫ووظيفته؛ فالشعر‪ ،‬يف أصله‪ ،‬لدى حلمي سامل‪ ،‬هو طريقة‬ ‫حلمي سامل‪ ،‬واحد من أولئك الشعراء الذين ف ّكوا رباط‬ ‫ُّ‬ ‫يحل بها املرء اشتباكاً جوانياً مع ذاته بهدف الوصول إىل‬ ‫الشعر من َو َتد التقليد واالتباع والوظيفة والدور والطبقة‬ ‫تصالح من نوع ما‪ ،‬نسبي ومؤقت‪ ،‬مع هذه الذات ومع ذلك‬ ‫واملرتبة وتركوا له أن مييش‪ ،‬هكذا‪ ،‬يف اليومي والعادي‬ ‫واجه بالقدر ذاته من العدوانية التي‬ ‫والبسيط واملبتذل‪ ،‬بل وتركوا له أن يخوض يف األسافل‪ .‬كان‬ ‫العامل الذي ينبغي أن ُي َ‬ ‫يبديها تجاه أي شخص‪ ،‬ذي حساسية خاصة‪ ،‬منذ طفولته‬ ‫انتامء هذا الشاعر لقصيدة النرث العربية عميقاً وسعى إىل‬ ‫أن يجعل من هذه القصيدة أكرث قرباً إىل الناس وإىل «الفهم حتى رحيله‪ .‬بالتايل ليس الشعر هنا سوى موقف فردي‬ ‫بوصفه كتابة قصيدة وإشكالية معرفية عويصة لجهة الشكل‬ ‫العادي»‪ ،‬ورمبا‪ ،‬يك ال أقول الساذج والبسيط‪ ،‬وبذل ذلك‬ ‫بكل ما فيه من روح وإحساس بالقرب من الناس يف عيشهم واملضمون والراهن األديب والسائد يف مجمل الحراك الثقايف‬ ‫باملعنى العميق للكلمة‪.‬‬ ‫وحياتهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬ويف أتون ذلك وهذا هو األهم‪ ،‬فعندما‬ ‫و َمنْ يتأمل قليال يف شعر حلمي سامل‪ ،‬وتجربته إجامال‪،‬‬ ‫ينزع الشاعر الحدايث حلمي سامل إىل قول الذات ورسدها‬ ‫قد ُيدرك ّأن الشعر عنده يبدو شخصية مدينية مرصية‬ ‫أحواالً ومقامات ويق ِّلبها عىل أوجهها‪،‬‬ ‫متيش بخطى واثقة يف الشارع‬ ‫ن يتأمل شعر حلمي فإنه ينتهك أرسارها ويع ّريها ويسبب لها‬ ‫اديو‬ ‫املرصي حيث املقهى والر‬ ‫َم ْ‬ ‫فضيحة «شعرية» عىل املأل‪ ،‬حيث الكتابة‬ ‫وأحاديث األسافل والهامش‬ ‫أن الشعر‬ ‫وتجربته يُدرك ّ‬ ‫تصري هنا خارجة عن مألوف‪ ،‬أي كتابة‬ ‫ولهجته ولغته وكذلك كشك‬ ‫شخصية‬ ‫يبدو‬ ‫عنده‬ ‫تقليدية أو راهنة بل هي عىل قطيعة‬ ‫بيع السجائر والجرائد والكوبري‬ ‫مدينية مصرية تمشي معرفية معهام شك ًال ومضموناً لسبب‬ ‫وسائر العنارص األخرى الحية‬ ‫كامن يف مخيلة الشعر وسياسته معا‪.‬‬ ‫والجامدة‪ ،‬النفسية واملادية‪،‬‬ ‫بخطى واثقة في‬ ‫الشارع حيث المقهى يحدث ذلك‪ ،‬رمبا‪ ،‬ألن مصدر الكتابة ملا‬ ‫التي يتألف منها الشارع‬ ‫هو خارج الذات بوصفها كياناً ح ّياً قامئاً‬ ‫املرصي بكل أبعاده االقتصادية‬ ‫والراديو‬ ‫ً‬ ‫منفصال عن الشاعر‪ ،‬إذ تصري هي الشخص‬ ‫واالجتامعية والسياسية‪ ،‬بحيث‬ ‫مارس ذلك شاعراً ومثقفاً ملتزماً‬ ‫السارد يف القصيدة وليس الشاعر‪ ،‬أي أن‬

‫‪58‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫مصدر الكتابة هنا هو الهامش وليس املركز‪ ،‬إذ ال صبوة لدى‬ ‫شاعر حدايث مهام بلغت شهرته أو موقعه االجتامعي يف أن‬ ‫يصري شاعراً يف املنت أو املركز أو حتى يف املدونة الشعرية‬ ‫العربية واملحلية املعارصة التي ُتكتب «اآلن‪ ،‬وهنا»‪ ،‬وذلك‬ ‫عىل العكس متاماً عن ما كانت عليه حال الشاعر العريب قبل‬ ‫االسالم‪ ،‬أو يف عصور االزدهار الحضاري والثقايف العريب‪.‬‬ ‫ما كانت هذه املقدمة لتكون لوال تلك القصيدة ‪ -‬الفضيحة‪،‬‬ ‫فضيحة الوعي السائد وليس فضيحة الشعر أو الشاعر‪،‬‬ ‫التي أدت إىل إتخاذ السلطات الثقافية املرصية قراراً سياسياً‬ ‫بإيقاف مجلة «إبداع» شتاء العام ‪ 2007‬وكان يرأس تحريرها‬ ‫آنذاك أحمد عبد املعطي حجازي أحد أكرب الشعراء املرصيني‬ ‫نقداً لقصيدة النرث وتسلطاً عىل حداثتها عىل نحو سلبي‪.‬‬ ‫كانت تلك «رشفة ليىل مراد»‪ ،‬فتقدم الشيخ يوسف البدري‪،‬‬ ‫عضو مجمع البحوث اإلسالمية باألزهر‪ ،‬بدعوى قضائية ضد‬ ‫وزير الثقافة املرصي آنذاك فاروق حسني واألمني العام‬ ‫للمجلس األعىل للثقافة عيل أبو شادي مطالباً إياهام بتنفيذ‬ ‫قرار سحب جائزة كانت قد ُمنحت لحلمي سامل ب«دعوة‬ ‫إساءته للذات االلهية»‪ .‬إال أن هذا القرار الذي صدر بالفعل‬ ‫د ُِح َض قانونياً ألن املدّعى عليهام مل يصدرا قراراً مبنح حلمي‬ ‫سامل الجائزة‪ ،‬ذلك أن القرار قد جاء من لجنة مختصة يف‬ ‫املجلس األعىل للثقافة وبناء عىل عملية تصويت بني أعضائه‪.‬‬ ‫غري أن حلمي سامل رأى‪ ،‬باملقابل وبحسب ما أثري من ضجيج‬ ‫ولغط حول القصيدة‪ ،‬أنه قد حصل عىل الجائزة بالفعل‪.‬‬ ‫غري أن وزارة فاروق حسني تقدمت بالطعن عىل اعتبارها‬ ‫«كدعوة للتنوير ومحاربة الظالمية التي توقف كل عمل‬ ‫إبداعي»‪ ،‬يف حني استقر أمر املجلة عىل الغياب األبدي‪.‬‬

‫والحال أن القصيدة مل تكن قصيدة واحدة‪ ،‬فهي عدد من‬ ‫القصائد القصرية التي من املمكن قراءة ٍأي منها مبعزل‬ ‫عن األخرى كام هو دأب حلمي سامل يف كتابة القصيدة‬ ‫«اليومية»‪ ،‬كام ُتسمى‪ ،‬وهي التي كان واحداً من مؤسيس‬ ‫اتجاهها والتنظري لها يف مرص إىل ح ّد أن تجربته قد متيزت‬ ‫بطريقة خاصة يف كتابة هذه القصيدة‪.‬‬ ‫ورمبا أن ما أثار حفيظة الرجل املدّعي بسبب نرشها يف‬ ‫«إبداع»‪ ،‬هو ما جاء عىل ذكره حلمي سامل يف مقطعني من‬ ‫القصيدة حمال العنوانني‪ :‬األحرار والطائر‪ ،‬ويتواجدان يف‬ ‫القصيدة عىل التوايل ولهام املزاج الشعري نفسه الذي واصل‬ ‫من خالله الشاعر ذلك النسق الكتايب للقصيدة‪.‬‬ ‫غري أن ما ينبغي مناقشته مرة أخرى‪ ،‬وقد رحل الرجل ومل‬ ‫يرتك وراءه سوى ما كتب‪ ،‬هو أن الشعر املتأخر يف كتابة‬ ‫حلمي سامل‪ ،‬كام ورد يف سياق هذه السطور‪ ،‬انطوى عىل‬ ‫ً‬ ‫نزعة نحو لغة الشارع املرصي بتنوعها وتعددها‪ ،‬بل أيضا يف‬ ‫اختالفها العقائدي‪ ،‬فام رآه صاحب األزهر يف شعر حلمي‬ ‫سامل من وجهة نظر بعينها ليست هي التي من املمكن أن‬ ‫ُيحاكم من خاللها رجل دين مسيحي ما ورد يف املقطعني‪،‬‬ ‫مبعنى أن الشاعر هنا‪ ،‬وهو جريء بالفعل‪ ،‬كان يستفيد من‬ ‫هذا التنوع والتعدد املرصي سواء عىل صعيد اللغة أم عىل‬ ‫صعيد األفكار‪ّ .‬‬ ‫يدل عىل ذلك معجم حلمي سامل يف «رشفة‬ ‫ليىل مراد»‪ ،‬وكذلك مخيلته الغرائبية التي تجمع الحيس‬ ‫إىل التجريدي والنفيس والحلمي إىل املادي يف سياق رسدي‬ ‫ينطوي عىل عالقات صادمة ومباغتة بني األشياء والعنارص‬ ‫التي تتألف منها القصيدة‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪59‬‬


‫تجارب‬

‫جمعة الفيروز‬

‫كائن القول الشعري‬ ‫ّ‬ ‫تحق ٍق لقصيدة جديدة تقوم على‬ ‫جمعة الفيروز شاعر يشي بالتحوالت األكيدة في الشعر اإلماراتي نحو‬

‫اإلدهاش‪ ،‬والتخييل‪ ،‬والفجأة‪ ،‬والتفجير‪.‬‬

‫سامح كعوش‬

‫سأصيح‬

‫باألطفال يف أول الشارع‬ ‫يك يف ّروا من سؤايل‬ ‫أرميهم بصور ٍة ّ‬ ‫مرشعة‬ ‫عىل القلق املتجدد‬

‫‪60‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫سأنصت‬

‫إىل لعناتهم‬ ‫من يقرفص عارياً‬ ‫فوق أسالك الكهرباء‬ ‫يحب الذئاب»‬ ‫ومن ُّ‬


‫جمعة الفيروز‬

‫عند‬

‫املمثل الفرد يف املرسحية املونولوج‪ ،‬وهو «يصيح ‪ ..‬يف ّر‬ ‫األطفال يف أول الشارع»‪ ،‬وهو «يرميهم بصورة ّ‬ ‫مرشعة‬ ‫عىل القلق املتجدد‪ ..‬يف ّر األطفال يف أول الشارع»‪ ،‬ثم هو‬ ‫نفسه الذي «ينصت إىل لعناتهم»‪ ،‬وهو الذي «يقرفص‬ ‫«يحب الذئاب»‪.‬‬ ‫عارياً فوق أسالك الكهرباء»‪ ،‬وهو الذي‬ ‫ّ‬

‫تناول ظاهرة املتغري يف الشعر اإلمارايت‪ ،‬أو يف‬ ‫تحوالت الحياة نفسها يف اإلمارات‪ ،‬وما ارتبط‬ ‫بها من متحول شعري وداليل‪ ،‬ال ميكن إال أن يقفز إىل أول‬ ‫القول شاع ٌر هو جمعة الفريوز‪ ،‬كرائد من رواد قصيدة‬ ‫الحداثة يف اإلمارات يف شكلها النرثي «كشكل أكرث ارتباطاً‬ ‫باملتغري واملتحول يف املبنى واملضمون معاً‪ ،‬وكقالب أويل‬ ‫لكل متغريات الكتابة الشعرية الالحقة‪ ،‬وصوالً إىل بدايات الفجأة واالدهاش‬ ‫العرشية الثانية من القرن الحايل»‪ ،‬وهو الذي عاش يف‬ ‫هذا الشاعر الذي يكتب الشعر كآخر ما نكتبه اآلن‪،‬‬ ‫نصه ما عرفته الحياة من تحوالت يف حركتها ورسعتها‬ ‫وهو يسبقنا زمنياً مبا ال يقل عن خمس عرشة سنة‪ ،‬هو‬ ‫وميولها العبثية أحياناً واالنتقائية املزاجية الحادة أحياناً‬ ‫الشاعر الذي تتجىل يف تجربته تحوالت الحياة املعارصة‪،‬‬ ‫أخرى‪ ،‬بل وقرأ هذه التحوالت يف فرتة مبكرة منذ النصف والراهن الشعري عربياً وعاملياً يف شكله اإلمارايت‪ ،‬فهو‬ ‫الثاين من تسعينيات القرن املايض‪ ،‬وبينهام استطاع منفرداً يقع يف الفجأة‪ ،‬وهي عنرص من عنارص قصيدة النرث‪ ،‬ال‬ ‫أن يدخل غايات كائنات جامدها‪ ،‬حتى «جدران غرفته‬ ‫ميكن لها أن تنكتب دونه‪ ،‬هذه الفجأة التي تكرس منطية‬ ‫املريضة الواقعة يف الصمت» كام يرد يف إهدائه القصيدة‬ ‫الرسد وتبعرث ترتيبه وتكشف عجز آلياته القولية املنربية‪،‬‬ ‫التي كتبها يف السابع من شهر آب‪ /‬أغسطس من العام‬ ‫كام «كان يا ما كان‪ ،‬يا أهلنا يا كرام»‪ ،‬فهنا الشاعر مل يعد‬ ‫‪« ،1998‬تفاعالت» من مجموعته‬ ‫كائن القول والصوتيات العالية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الشعرية «ذاهل يف الفكرة»‪.‬‬ ‫إال حني يكون الصوت أداة توصل‬ ‫جمعة‬ ‫تجربة‬ ‫في‬ ‫نجد‬ ‫فألن‬ ‫أما ملاذا جمعة الفريوز‪،‬‬ ‫إىل الصمت‪ ،‬أو هو أداة الفجأة‬ ‫متغري الحياة أسهم يف تشكيل‬ ‫واإلدهاش‪ ،‬كأن يكون الصياح إشار ًة‬ ‫الفيروز شاعر ًا يقفز‬ ‫تجربته‪ ،‬وألنه كان األكرث اقرتاباً‬ ‫إىل األسئلة املخنوقة واملؤجلة‪،‬‬ ‫الشعر‬ ‫مساحات‬ ‫في‬ ‫من هذا املتغري حتى أنه حاز‬ ‫وأن يكون الرمي ال بالحجارة وما‬ ‫ً‬ ‫الريادة فيه‪ ،‬عىل مستويات‬ ‫يصاحبها من صوت أيضا «صوت‬ ‫كممثل فوق خشبة‬ ‫اللغة‪،‬‬ ‫املبنى‪ :‬أنساق الشكل‪،‬‬ ‫ارتطام وتحطيم»‪ ،‬بل أن يكون‬ ‫المسرح‪ ،‬ثم كمخرج‬ ‫املفردة‪ ،‬القول‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬ثم‬ ‫الرمي بصور ٍة مرشع ٍة عىل القلق‬ ‫يشير هنا وهناك‬ ‫مستويات املعنى‪ :‬املضمون‪،‬‬ ‫املتجدد‪ ،‬ثم يخلو املشهد الشعري‬ ‫والداللة والتأويل‪ ،‬حيث استطاع‬ ‫إال من الصمت‪ ،‬من شكل شاع ٍر‬ ‫ً‬ ‫من خالل شعره أن يؤنسن أشياء‬ ‫مجنونٍ ال يصيح يف الناس سائال عن‬ ‫بل‬ ‫كأنثى‪،‬‬ ‫أو‬ ‫كإنسان‪،‬‬ ‫يخاطبها‬ ‫الحياة الجامدة أص ًال‪ ،‬وأن‬ ‫لياله‪ ،‬بل يصدمهم مبشهد الفجأة‪ ،‬عنرص اإلدهاش‪ ،‬كأن‬ ‫أن ميزجها معاً يف خلطة عجائبية تشع نوراني ًة يف الداللة‬ ‫نتخيل معاً صورة املقرفص عارياً فوق أسالك الكهرباء‪ ،‬أو‬ ‫يحب الذئاب‪.‬‬ ‫البعيدة واإلحاالت املتوامئة واملنسجمة متاماً مع التحوالت من ُّ‬ ‫يف الحياة وأشيائها املعارصة والحديثة جداً‪.‬‬ ‫وألن الفجأة تقتيض التحول يف عالقات اإلسناد واإلحاالت‬ ‫نجد يف تجربة جمعة الفريوز شاعراً يقفز يف مساحات‬ ‫اللغوية‪ ،‬ينتقل الشاعر من حضو ٍر لألنا يف مطلع املقطع‪،‬‬ ‫الشعر كممثل فوق خشبة املرسح‪ ،‬ثم كمخرج يشري بيده حيث أصيح «أنا»‪ ،‬أرميهم «أنا»‪ ،‬أنصت «أنا» ‪ ..‬يقرفص‬ ‫إىل هنا وهناك موحياً بالكثري‪ ،‬كأن يتدخل يف األصوات‬ ‫الذئاب «هو»‪ ،‬يقول جمعة الفريوز يف‬ ‫يحب‬ ‫َ‬ ‫«هو»‪ّ ،‬‬ ‫وطبقاتها‪ ،‬واألضواء ومستويات خفوتها وإرشاقها‪ ،‬أو هو‬ ‫قصيدته «تأمالت»‪:‬‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪61‬‬


‫تجارب‬

‫يف الجاهلية األوىل إىل املنربية الشاعرة يف أواخر القرن‬ ‫«سأصيح باألطفال يف أول الشارع‬ ‫ّ‬ ‫العرشين ترصخ مبا غادره الشعراء ولكن خلدوه يف أمناط‬ ‫يك يف ّروا من سؤايل‬ ‫الشعر الالحقة إىل يومنا هذا‪ ،‬وهنا يستوقفنا مجرد أن‬ ‫أرميهم بصور ٍة ّ‬ ‫مرشعة عىل القلق املتجدد‬ ‫نتأمل يف لوح ٍة يرسمها شاع ٌر مثل جمعة الفريوز‪ ،‬أن‬ ‫سأنصت إىل لعناتهم‬ ‫نعرتف بأن هذا ما ييش بالتحوالت األكيدة يف الشعر‬ ‫من يقرفص عارياً فوق أسالك الكهرباء‬ ‫اإلمارايت نحو تح ّق ٍق لشعر جديد يقوم عىل اإلدهاش‪،‬‬ ‫يحب الذئاب»‪.‬‬ ‫ومن ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫جميل يعيد‬ ‫اب‬ ‫والتخييل‪ ،‬والفجأة‪ ،‬والتفجري‪ ،‬كام خر ٌ‬ ‫يعيد جمعة الفريوز كتابة النص الشعري ممرسحاً‪ ،‬متاثراً‬ ‫تعريف عالقتنا بالشعر والحياة معاً‪.‬‬ ‫بتقنيات عالية مستجدة عىل مشهدية الشعر‪ ،‬يستعريها‬ ‫يستوقفنا هنا أن نتخيل هذه الحبيبة يف الجدار‪ ،‬أم‬ ‫من ما ذهبت إليه التقنيات الرقمية واستعامالت الضوء‬ ‫والظل يف املشهد املمرسح واملكتوب شعراً‪ ،‬فها هو يخلق الحبيبة الجدارية املالمح‪ ،‬أم هي صورة الجدران‪ /‬الحبيبة‬ ‫معاً‪ ،‬وما بينها وبني الشاعر من ألفة وانسجام‪ ،‬كأن بينهام‬ ‫شخصيات مرسحه يف نصه الشعري‪ ،‬ويتبادل معها أدوار‬ ‫موعداً للعشق‪ ،‬أو كأننا أمام سينوغرافيا مرسحية عالية‬ ‫البطولة ليؤكد حضورها حيناً‪ ،‬أو يلغيها أحياناً أخرى‪ ،‬بل‬ ‫الدقة‪ ،‬يعمد إليها شاع ٌر إمارا ٌّيت رائد ليؤكد لنا أن ما‬ ‫ليعرض لنا مشهديات الشعر بأشكال حداثية جديدة‪،‬‬ ‫يرتكبه من شعر ما هو إال الحياة نفسها‪ ،‬ولو كانت الحياة‬ ‫إذ يجعل من الجدران إطاره للوحة تتشكل عىل مهل‪،‬‬ ‫عدمها كام اكتشفها قبله ماالرميه الذي قال «ﺑﻌﺪ أن‬ ‫ولكن مقتضيات رسعة العرص تحتم عليه أن يقول «عىل‬ ‫ﻋﺮﺜت ﻋﻰﻠ اﻟﻌﺪم‪ ،‬ﻋﺮﺜت ﻋﻰﻠ الجميل»‪ ،‬وما قصده ماالرميه‬ ‫غري مهل»‪ ،‬كأنه يف استعجال أمره‪ ،‬وحركة خلقه الشكل‬ ‫هو الحفر يف الكلمة وإمكاناتها والطاقات الخالقة الكامنة‬ ‫الجديد للشعر مبرسحته وتأطريه وفتحه بالنوافذ وإغالقه‬ ‫فيها‪ ،‬كأننا بالشاعرين يشريان إىل متحول الداللة‪ ،‬وهو‬ ‫باألقفال الصورية يستعريها من لغة وتقنيات الفيديو‪،‬‬ ‫املتحول األول واألبرز يف التجربة الشعرية اإلماراتية‬ ‫كأن يصل بنا إىل فجأة مخيفة ولكنها حقيقية يف عرص ما‬ ‫بعد الحداثة‪ ،‬أو زمن اللهاث‪ ،‬يصل بنا إىل قوله‪« :‬يفاجئني املعارصة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫صخب العامل‪ ..‬يتس ّل ُل إىل ذاكريت وسط ضياع شامل»‪ ،‬كأنه ولكنّ الشاعر وحبيبته الحجرية‪ /‬الجدارية معا ينكران‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ذاكرتهام باإلشارة الرصيحة إىل ذاك املوت املرتبص بنا‪ ،‬يف‬ ‫يعلن زمن املحو للذاكرة والشخوص وأشيائها‪ ،‬بل يعلن‬ ‫ماض أليم‪،‬‬ ‫مقولة «الوأد والقتل»‪ ،‬كأن شباكاً ينفتح عىل ٍ‬ ‫زمناً يرمينا يف الضياع الشامل والتشظي للذات الشاعرة‪.‬‬ ‫ليبدو هذا املتغري يف الذهنية الشعرية جلياً وقوياً‪ ،‬إذ‬ ‫يقتيض التحول األول فينا أن نستعيد‬ ‫متحول الداللة‬ ‫هذا املايض لنشجب أخطاءنا فيه‪،‬‬ ‫يخاطب حبيبته‪ /‬الجدار‪/‬‬ ‫يعيد جمعة الفيروز‬ ‫نستعيده لننكره‪ ،‬كأن شباكاً يوحي‬ ‫الجدران األربعة لغرفته‬ ‫هارب عربه‬ ‫لنا بقاف ٍز منه منتح ٍر‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫كتابة النص الشعري‬ ‫املوصدة عليه كأنه العامل‬ ‫إىل املجهول وبال عودة‪ ،‬يقول جمعة‬ ‫بذاته‪ ،‬أو كأن ذاته اختصار‬ ‫ممسرح ًا‪ ،‬متاثر ًا‬ ‫الفريوز يف نصه «تفاعالت»‪:‬‬ ‫مأزق العامل‪ ،‬وال ّ‬ ‫شك يف أن‬ ‫ذلك إشارته الواضحة إىل‬ ‫املتحول األبرز يف الشعر‬ ‫اإلمارايت من الفردية القائلة‬ ‫بلسان الجامعة والقبيلة‪ ،‬من‬ ‫املنربية الشاعرة منذ الشعر‬

‫‪62‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫بتقنيات عالية‬ ‫مستجدة على‬ ‫مشهدية الشعر‬

‫عىل غري مهلٍ‬ ‫كنت عىل موع ٍد معي‬ ‫ِ‬ ‫قرب شباك «املوءودة سئلت»‪.‬‬

‫يدمج جمعة الفريوز بني الحبيبة الكائن‬ ‫والجدار‪ ،‬ويوقع املتلقي يف فخ املخيلة‬


‫جمعة الفيروز‬

‫الفنان حسني عبد الرحيم‬

‫والسينوغرافيا‪ ،‬باملشهديات املتسارعة املزدحمة‪ ،‬بالتوتر‬ ‫العايل يف النفس الشعري‪ ،‬بتزاحم املفردات والصور‪،‬‬ ‫واالنتقال الرسيع الحركة من ضم ٍري إىل آخر‪ ،‬ومن حالة إىل‬ ‫أنت ونحن‪ ،‬وغائب وحارض‪ ،‬ومخاطب ومتكلم‪،‬‬ ‫أخرى‪ ،‬بني ِ‬ ‫ومفرد وجمع‪ ،‬حيث نجد يف نصه األنثى‪ /‬الحضور‪،‬‬ ‫يخاطبها ويسند األفعال الرئيسة إليها‪« ،‬تسمعني األخطاء‪..‬‬ ‫تديرين د ّوامتك‪ ..‬اتريك الباب يتوارى خلف عوراتك‪ ..‬اتريك‬ ‫بك»‪ ،‬ثم يأيت الغائب بضمريه املنسجم‬ ‫املاء الذي ُغمر ِ‬ ‫مع حركة الرقص لألنثى‪ ،‬بني الحضور والخفاء‪ ،‬بني الشكل‬ ‫والظل‪ ،‬يأتيها هذا الغائب «هو»‪ ،‬يأيت لي ّكون ذاكرتها‬ ‫محرراً إياها من «قيظ العادات» كام يسميه الشاعر‪،‬‬ ‫هذا القيظ القاتل الذي نشهد أن تحوالً بارزاً طرأ عىل‬ ‫تناول الشاعر اإلمارايت لقضيته‪ ،‬يف ما أسميه «تحوالت‬ ‫الرمل»‪ ،‬حيث نشهد تحرراً واضحاً من هذا الوزر‪ ،‬هذا‬ ‫الخطأ الجغرايف القاتل‪ ،‬والذي تشتد وطاته عىل إنسان‬

‫هذا املكان حتى لتكاد تقتله‪ ،‬ولكن املتحول هنا يقتيض‬ ‫املاء‪ ،‬عنرص الحياة‪ ،‬ليكون ماء األنثى ال ماء الحزن‪ ،‬وبه‬ ‫يتم فعل االغتسال من اإلثم «الجغرايف طبعاً»‪ ،‬كأن هذا‬ ‫الخلق يتمرسح عىل خشبة الوجود عرب دوامة تخلقها‬ ‫األنثى‪ /‬الجدار‪ ،‬الحجرية يف تحوالت الرمل‪ ،‬ليعيش الشاعر‬ ‫ومحبوبته ما شاءته لهام اللحظات من شغف وما أثارته‬ ‫فيهام من أهواء‪ ،‬يقول يف النص نفسه‪:‬‬

‫«تسمعني األخطاء‬ ‫تديرين د ّوامتك من جديد‬ ‫اتريك الباب يتوارى خلف عوراتك‬ ‫بك قبل أن تهطل األحزان‬ ‫واملاء الذي ُغمر ِ‬ ‫ذاكرتك من قيظ العادات‬ ‫ها هو يك ّون‬ ‫ِ‬ ‫ننظ ُر السابعة إىل ما نشاء من الساعة‬ ‫نتحسس األهواء فينا»‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪63‬‬


‫حوار‬

‫الشاعر الليبي إدريس بن الطيب‬

‫كتبت في السجن‬ ‫ُ‬ ‫ألعرف أنني مازلت حي ًا‬ ‫تمتد تجربة الشاعر إدريس بن الطيب على مساحة زمنية عربية شهدت تقلبات عديدة‪ ،‬من‬ ‫اإليديولوجيا إلى سقوطها‪ ،‬ومن وضوح في الرؤية وصرامة في تصنيف العالم إلى حال من‬

‫االختالط والضبابية في الصورة‪ .‬مع ذلك احتفظ هذا الشاعر‪ ،‬الذي لم يتح له أن تتنقل كتبه‬

‫بين الجغرافيات العربية‪ ،‬بموقعه كشاعر أصيل في المشهد الشعري العربي‬

‫حوار‪ :‬خلود الفالح‬

‫عم تبحث من الكتابة وماذا تريد منها؟‬ ‫َّ‬ ‫ الكتابة فعل كغريه من األفعال‪ ،‬ميكن‬‫أن يكون بنّاء حني يستند إىل رؤية‬ ‫واضحة لطبيعة الدور الذي يؤديه‬ ‫الكاتب يف سياق الحياة اإلنسانية‪ ،‬وميكن‬ ‫أن يكون عبثياً حني يكون مرتبطاً مبركزية‬ ‫الذات ومنفذها للتعبري الفردي الذايت‬ ‫املنفصل عن طبيعة الواقع املوضوعي‬ ‫املنتج لفعل الكتابة‪ ،‬أنا شخصياً أبحث‬ ‫من الكتابة عن القيام بدور يف سياق إعادة صياغة العامل‬ ‫وخلقه من جديد عرب رؤية شعرية إنسانية ترتكز عىل الحق‬ ‫والجامل والعدالة والسالم‪.‬‬

‫زنزانة كربى‪ ..‬زنزانة صغرى‬

‫نص مكثف يف‬ ‫قصائد ديوانك «كوة للتنفس» حالة تأملية‪ّ ،‬‬ ‫شكل رسدي‪ .‬هل بدأَ ْت من هنا ل ْقط ِتك الشعرية تبحث‬

‫‪64‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫لنفسها عن براح أوسع من قضية السجن‬ ‫والقومية؟‬ ‫ ديوان «كوة للتنفس» الذي كتب يف روما بعد‬‫الخروج من السجن حيث كانت روما هي كوة‬ ‫التنفس التي كنا نفتقدها يف الزنزانة‪ ،‬النص فيه‬ ‫أصبح أكرث هدوءاً وأقل نزيفاً من نص السجن‪،‬‬ ‫محور الهموم فيه عامة‪ ،‬لكن صياغتها كانت ذات‬ ‫مدخل ذايت‪ ،‬عرب تأمل التفاصيل الصغرية الكامنة‬ ‫يف الحياة الجديدة ويف مدينة زاخرة بالتاريخ‬ ‫والجامل‪ .‬لكن كان السجن موجوداً حتى يف هذه النصوص‪.‬‬ ‫ومل يكن بالنسبة يل سجناً فردياً ذاتياً‪ ،‬كان سجنا لوطن ال‬ ‫يزال قامئاً حتى بعد خروجي الفيزيايئ من الزنزانة‪ ،‬مل تكن‬ ‫اللقطة الشعرية ‪ -‬كام ورد يف السؤال ‪ -‬تبحث عن براح‬ ‫أوسع من قضية السجن‪ ،‬بل كانت تعبرياً مكثفاً عن رؤية‬ ‫الزنزانة الكربى من خارج الزنزانة الصغرى‪.‬‬ ‫أما مسألة القومية فليس لها دخل يف قصائدي إال من زاوية‬


‫إدريس بن الطيب‬

‫أدونيس كان دائم ًا‬ ‫من الذين يحتقرون‬ ‫السياسة‪.‬هؤالء‬ ‫الشعراء وقعوا في‬ ‫مأزق مماألة الطغيان‪،‬‬ ‫أو في أفضل الظروف‬ ‫السكوت عنه‬

‫الحق أو الظلم أو االستبداد أو الدفاع عن حرية اإلنسان أياً‬ ‫كان‪.‬‬ ‫«تخطيطات عىل رأس الشاعر» ديوانك األول‪ .‬حدثني عن‬ ‫عالقتك بكتبك الشعرية؟‬ ‫ تخطيطات عىل رأس الشاعر كان هو الديوان األول‪ ،‬بداية‬‫متواضعة ومشجعة‪ ،‬كان االنطالقة والتعميد‪.‬‬

‫إنسان آخر‪ ..‬قارئ آخر‬

‫من هو القارئ الذي يبحث عنه نصك الشعري؟‬ ‫ القارئ الذي يبحث عنه نيص هو اإلنسان‪ ،‬بإطالق اإلنسان‬‫الواقع تحت وطأة الحروب والقتل والدمار وانتهاك الحقوق‬ ‫واالستبداد السيايس والتدمري املستمر وشبه املتعمد ملحيطنا‬ ‫األريض‪ ،‬والجوع والفقر واملرض‪.‬‬ ‫أبحث عن اإلنسان الطفل الذي يتحتم عليه خلق كرة أرضية‬ ‫جديدة بقيم جديدة‪.‬‬ ‫عادة ما يقهر السيايس الشعر‪ .‬كيف تربر وجودك يف‬ ‫السياسة ويف قيادة الحزب والشعر؟‬ ‫ معضلة التناقض املوهوم بني السياسة والشعر مل تعد‬‫موجودة‪ ،‬فكافة أنشطة اإلنسان هي تعبري عن هويته‪،‬‬

‫والشاعر يف السيايس رصيد مهم لتحقيق عمق الرؤية يف‬ ‫التحليل‪ ،‬كام أن السيايس يعطي للشاعر فرصة لتحقيق تعينّ‬ ‫فعيل وواقعي ملبادئه الشعرية اإلنسانية‪ ،‬املهم أال يكتب‬ ‫الشاعر قصيدته بلغة السياسة‪ ،‬وأال يكتب السيايس بياناته‬ ‫السياسية بلغة القصيدة‪.‬‬ ‫الشعر يف حقيقته ليس هو النص املكتوب‪ ،‬إنه رؤية كامنة يف‬ ‫عمق التصور للعامل مثله مثل الزُبد الكامن يف ذرات الحليب‬ ‫من دون أن نستطيع رؤيته يف حالته تلك‪ .‬ومحاولة خلق‬ ‫معركة بني السياسة والشعر كان مبعثها يف بداية انطالقتها‬ ‫عزوف الشعراء أصحاب التوجه الفرداين الرنجيس عن مامرسة‬ ‫السياسة خوفاً أو تعالياً‪ ،‬وقد أثبت الواقع املوضوعي بعد‬ ‫ذلك أن قصيدة ما ملحمود درويش مث ًال هي سالح سيايس‬ ‫من أقوى األسلحة يفوق تأثري أي بيان سيايس مبارش‪ ،‬كام أن‬ ‫هذا النوع من القصائد ال يغني من جهته عن رضورة وجود‬ ‫تصور سيايس واضح ومحدد وغري ضبايب عن طبيعة املامرسة‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫برأيك هل استجاب الشعر الليبي للحالة الثورية يف ليبيا‬ ‫واملنطقة؟‬ ‫ الحالة الثورية يف ليبيا الزالت يف مراحلها األوىل‪ ،‬هي فقط‬‫ختمت مرحلة النزيف الدموي املبارش‪ ،‬الزال التوتر والهياج‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪65‬‬


‫حوار‬ ‫كان مجرد الحديث‬ ‫عن السجن يعتبر‬ ‫عم ً‬ ‫ال عدائي ًا ضد‬ ‫الدولة وقد صادر وزير‬ ‫في عهد القذافي‬ ‫صحيفة لمجرد أنها‬ ‫تحدثت عن سيرتي‬ ‫الذاتية بما فيها‬ ‫مرحلة السجن‬

‫املصاحب لحرب التحرير مريراً من‬ ‫ج ّراء استبداد ال مثيل له وهذه الحالة‬ ‫هي سيدة املوقف‪ ،‬هنا ميكن أن نتغنى‬ ‫باملبادئ واألهداف العامة يف سياق‬ ‫عاطفي‪ ،‬أما القصيدة الحقيقية التي‬ ‫تدخل يف صلب وأعامق حالة التحول‬ ‫هذه فال زالت جنيناً حتى اآلن‪.‬‬ ‫ولكن قرأنا شعراً عن االنتفاضة‬ ‫الفلسطينية؟‬ ‫ االنتفاضة الفلسطينية أصبحت جرحنا‬‫القديم خالل أكرث من ستني عاماً‪ ،‬والربيع‬ ‫العريب مل يبدأ يف الحبو بعد‪ .‬ومن سامت‬ ‫الحالة النفسية املرافقة للربيع العريب‬ ‫التعجل وانعدام الصرب والرغبة يف قطف الثامر مبكراً‪.‬‬

‫أدونيس والكوين‬

‫هاجم أدونيس الثورات العربية واعتربها ارتداداً وانبثاقاً‬ ‫للسلفية والفوىض والروايئ إبراهيم الكوين أثار ذلك أيضاً‪.‬‬ ‫كيف ترى أنت املسألة؟‬ ‫ أدونيس كان دامئاً من الذين يحتقرون السياسة‪ ،‬رمبا خوفاً‬‫من عواقب مامرستها‪ ،‬كان من أولئك الشعراء الذين ينزهون‬ ‫قصائدهم عن أدران السياسة وقد أدى الحال بهؤالء الشعراء‬ ‫أن وقعوا يف مأزق مامألة الطغيان أو يف أفضل الظروف‬ ‫السكوت عنه‪ .‬أما إبراهيم الكوين فقد كان دامئاً ينصحني‬ ‫بالرتفع عن السياسة وعدم تضييع وقتي يف مامرستها‪ ،‬ويعترب‬ ‫أنني قد ضيعت عرش سنني من عمري يف السجن من دون‬ ‫فائدة‪ ،‬بالرغم من أن نظام القذايف يقدم حتى آلخر الواقفني‬ ‫يف الطابور كل املربرات لالحتجاج‪ .‬لقد فضل إبراهيم الكوين‬ ‫االختباء يف أساطري الصحراء أيام القذايف‪ ،‬وفضل االختباء وراء‬ ‫«فوبيا السلفية» بعد وفاة القذايف‪ .‬ارتباط الكوين بالقذايف‬ ‫كان عاطفياً ومالياً‪ ،‬وأعترب أن موقفه من ثورات الشعوب‬ ‫العربية موقف مخجل جداً خصوصاً عندما يزعم ‪ -‬يف الوقت‬ ‫ذاته ‪ -‬أنه أول من أسهم يف الدعوة إىل الثورة يف ليبيا‪.‬‬

‫«يف غابة السجن يزدهر العمر فوق ركام الذبول‪/‬‬ ‫وتبعث أيامه حية من رماد الرماد‪ /‬كيف ال يستقيم‬

‫‪66‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫العناد‪ /‬هذه غابة النار‪ ،‬كم يتلوع‬ ‫يف جوفها العاشقون»‪.‬‬

‫القذايف شخصياً‬

‫قصائد ديوان «مرافعة السيوف»‬ ‫كتبت يف عدد من السجون الليبية‪.‬‬ ‫حول الوطن والحرية وثقل ساعات‬ ‫السجن‪ .‬ماذا تقول؟‬ ‫ ديوان «مرافعة السيوف» يحتوي‬‫مجموعة من القصائد التي أبقيتها‬ ‫من دون نرش ألكرث من عرشين‬ ‫عاماً بسبب حدة لغتها وحساسية‬ ‫مواضيعها‪ ،‬قصائد تطال القذايف‬ ‫شخصياً وهو األمر الذي كان يعترب يف ليبيا أقرب وأسهل‬ ‫طريق إىل التصفية‪ ،‬ثم حاولت بعد مرور هذه املدة تقدميه‬ ‫للنرش متوقعاً أن الرقابة سوف متنع نرشه‪ ،‬لكنه م ّر بسهولة‬ ‫من ثقب الرقابة لسبب عدم الرتكيز واالهتامم‪ ،‬ثم اكتشف‬ ‫القامئون عىل الثقافة أيام القذايف خطورة الديوان فأبقوه يف‬ ‫املخازن باستثناء أعداد قليلة تم توزيعها‪ ،‬وعيل سبيل املثال‬ ‫مل يكن باإلمكان قبل هذا الديوان أن تحدد يف نهاية القصيدة‬ ‫اسم السجن الذي ُكتبت فيه القصيدة‪ ،‬كان مجرد الحديث‬ ‫عن السجن يعترب عم ًال عدائياً ضد الدولة وقد صادر وزير‬ ‫الثقافة يف عهد القذايف صحيفة عربية ملجرد أنها تحدثت عن‬ ‫سرييت الذاتية مبا فيها مرحلة السجن‪.‬‬ ‫كيف ميكن أن تكون الكتابة مالذاً وحامية من املوت؟‬ ‫ الكتابة فعل حياة‪ ،‬تتنوع تأثرياته ومهامه وطبيعة ما يؤديه‬‫من دور‪ ،‬يف السجن تكتب من أجل املقاومة والتامسك الذايت‬ ‫لتسمع أنت صوتك ولتعرف أنك مازلت حياً‪ ،‬أما يف السجن‬ ‫الكبري‪ ،‬الذي هو الوطن ا ُلمداَس عليه باالستبداد‪ ،‬فتكتب‬ ‫من أجل حياة أفضل وغ ٍد يضمن الكرامة اإلنسانية والحقوق‬ ‫الطبيعية للبرش ويحقق العدالة واملساواة بني املواطنني‪.‬‬ ‫الكتابة يف ليبيا كانت هي أقىص درجات الفعل السيايس‬ ‫املمكن وليس الثقايف فقط‪ ،‬فحيث ينعدم الهامش السيايس‬ ‫للفعل يصبح النص املكتوب هو رصاصتك الوحيدة املمكنة‬


‫مختارات‬

‫قصائد النشوة‬

‫للشاعر الهندي‪ :‬كبير‬ ‫ترجمها عن اإلنكليزيّ ة‪ :‬عاشور الطويبي‬

‫كبري مل يعرف إال بهذا االسم‪ ،‬يعتقد أنه ولد عام ‪ 1440‬ميالدي الرسة مسلمة بالقرب من مدينة بينارس بالهند‪ .‬يف سن‬ ‫مبكرة صار مريدا لرامامناندا الراهب الهندويس الشهري ‪ .‬كبري مل يكن راهبا أو زاهدا‪ ،‬فقد تزوج وكان له عدد من األبناء‬ ‫وامتهن حياكة املالبس‪.‬‬ ‫نسجت الكثري من الحكايات عنه‪ ،‬وبقيت أشعاره وأغانيه خالدة‪ .‬وتقول احدى الحكايات‪ :‬عند وفاته اختصم أتباعه من‬ ‫املسلمني والهندوس يف طريقة دفنه‪ .‬املسلمون قالوا يدفن عىل الطريقة االسالمية‪ ،‬والهندوس قالوا بحرقه عىل طريقتهم‪.‬‬ ‫وفيام هم يختصمون‪ ،‬ظهر لهم كبري وقال لهم أن أفتحوا التابوت‪ ،‬وعندما فعلوا ذلك وجدوا مكان الجثامن كومة كبرية من‬ ‫األزهار‪ ،‬فاقتسموها بينهم‪ .‬املسلمون دفنوا نصفها والهندوس أحرقوا النصف الباقي‪.‬‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪67‬‬


‫مختارات‬

‫آت‬ ‫البستا ّين ٍ‬ ‫أح ُّب َك‬ ‫ف ِّكر يف األمر بعناية!‬ ‫َ‬ ‫وقعت يف العشق‪،‬‬ ‫إن‬ ‫لِ َم َ‬ ‫أنت نائم إذن؟‬ ‫إذا وجد َته‪،‬‬ ‫نفس َك‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫هب له َ‬ ‫ُخذه‪.‬‬ ‫لِ َم تفقدُ أثره‬ ‫م ّرة وم ّرة؟‬ ‫ْإن َ‬ ‫كنت ستقع‬ ‫يف ُسبات عميق‪،‬‬ ‫لِ َم تهد ُر الوقت‬ ‫بإعداد الرسير‬ ‫وترتيب الوسائد؟‬ ‫سيقول كبري َ‬ ‫لك الحقيقة‪:‬‬ ‫هذا حال العشق‪:‬‬ ‫لنفرتض َّأن عليك‬ ‫أن َ‬ ‫تقطع َ‬ ‫رأسك‬ ‫وتعطيه إىل أحد‪،‬‬ ‫ما الفرق؟‬ ‫ْ‬ ‫أض َح ُك‬ ‫حني أسمع‬ ‫أن السمك يف املاء عطشان‪.‬‬ ‫لَ ْم تفهم حقيقة‬ ‫أن أكرث األشياء الح ّية هي داخل بيتك؛‬ ‫ببرص مش ّوش‬ ‫لذا ٍ‬ ‫متيض من مدينة مقدسة‬ ‫إىل أخرى!‬ ‫‪68‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫سيقول كبري لك الحقيقة‪:‬‬ ‫امض إىل حيث شئت‬ ‫إىل كالكوتا‬ ‫أو التبت؛‬ ‫إذا مل تجد‬ ‫مكان اختباء روحك‪،‬‬ ‫لن يكون العامل‬ ‫حقيقياً أبدا!‬ ‫أيها الطالب‪،‬‬ ‫قم بالتطهري البسيط‪.‬‬ ‫تع َل ُم أن بذرة الكستناء‬ ‫يف داخل الشجرة؛‬ ‫ويف البذرة أزهار الشجرة‪،‬‬ ‫والكستناء والظل‪.‬‬ ‫لذا يف جسد اإلنسان البذرة‪،‬‬ ‫ويف البذرة الجسد م ّرة أخرى‪.‬‬ ‫النار‪ ،‬الهواء‪ ،‬املاء‪ ،‬والفضاء ‪-‬‬ ‫الخفي‪،‬‬ ‫إذا مل ُت ِرد الواحد‬ ‫ّ‬ ‫لن تقدر حتى عىل امتالك‬ ‫هذه األشياء‪.‬‬ ‫أيها املفكرون‪ ،‬اسمعوا‪،‬‬ ‫قولوا يل أليس ما تعرفون‬ ‫يف داخل الروح؟‬ ‫حطوا ابريقاً مليئاً باملاء‬ ‫يف الداخل ماء‬ ‫ويف الخارج ماء‪.‬‬ ‫ال نعطه اس ًام‪،‬‬ ‫يك ال يبدأ الس ّذج الحديث مرة ثانية‬ ‫عن الجسد والروح‪.‬‬ ‫لو تريدون الحقيقة‪،‬‬ ‫سأخربكم الحقيقة‪:‬‬ ‫الخفي‪،‬‬ ‫استمعوا إىل الصوت‬ ‫ّ‬ ‫الصوت الحقيقي‪،‬‬ ‫الذي بداخلكم‪.‬‬


‫الشاعر الهندي‪ :‬كبير‬

‫الواحدُ ال يذكره‬ ‫أحد إىل نفسه‬ ‫الخفي إىل نفسه‪،‬‬ ‫ينطق بالصوت‬ ‫ّ‬ ‫وهو الذي خلق ّ‬ ‫الكل‪.‬‬ ‫أتكلم مع محبويب‪،‬‬ ‫وأقول‪ ،‬لِ َم العجلة؟‬ ‫ّ‬ ‫لعل أرواحاً عاشقة للطري‬ ‫والحيوانات والنمل‬ ‫قد أعطتك هذا التألق‬ ‫يف رحم أمك‪.‬‬ ‫تهيم‬ ‫أيعقل اآلن أن َ‬ ‫يتي ًام متاما؟‬ ‫َ‬ ‫نفسك‬ ‫الحقيقة أ ّنك أبعدت‬ ‫وق ّر َ‬ ‫رت الذهاب إىل الظلمة وحيداً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تورطت يف آخرين‪،‬‬ ‫ونسيت ما كنت تعرفه‬ ‫ذات مرة‪،‬‬ ‫لذا ما تعمله‬ ‫فيه بعض الخرسان الغريب‪.‬‬ ‫يا صديقي‪،‬‬

‫ليكن عندك‬ ‫أمل يف الضيف‬ ‫حي‪.‬‬ ‫وأنت ّ‬ ‫اقفز إىل التجربة‬ ‫حي!‬ ‫وأنت ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ف ّكر‪ ...‬وفكر‪...‬‬ ‫حي‪.‬‬ ‫وأنت ّ‬ ‫ما تس ّميه «انعتاق»‬ ‫ينتمي إىل وقت ما قبل املوت‪.‬‬ ‫إذا مل تقطع حبالك‬ ‫حي‪،‬‬ ‫وأنت ّ‬ ‫أتظن أن األشباح‬ ‫ستفعل ذلك الحقا؟‬ ‫الفكرة أن الروح ستتوحد‬ ‫مع النشوة‬ ‫ألن الجسد متعفن‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫خيال ّ‬ ‫كل هذا‪.‬‬ ‫ما موجود اآلن‬ ‫موجود الحقا‪.‬‬ ‫إذا مل تجد شيئاً‪،‬‬ ‫حت ًام ستنتهي‬ ‫مبقام يف مدينة‬ ‫املوت‪.‬‬ ‫اغطس يف الحقيقة إذن‪،‬‬ ‫وتع ّلم من املعلم‪،‬‬ ‫آمن بالصوت العظيم!‬ ‫يقول كبري‪ :‬عندما ُيبحث عن الضيف‪،‬‬ ‫فالرغبة الشديدة يف الضيف‬ ‫هي التي تقوم بكل العمل‪.‬‬ ‫انظر إ ّيل‪ ،‬وسرتى عبداً‬ ‫لتلك الشدّة‪.‬‬ ‫أنا أعرف صوت ناي النشوة‪،‬‬ ‫لكن ال أعرف نايُ َمنْ ‪.‬‬ ‫زيت وال فتيل‪.‬‬ ‫املصباح يشتعل بال ٍ‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪69‬‬


‫مختارات‬

‫ال موصولة بيشء!‬ ‫تزه ُر الزنبقة‬ ‫عادة‬ ‫عند تفتح وردة‬ ‫تتفتح عرشات األزهار‪.‬‬ ‫رأس طائر القمر‬ ‫ممتلئ باألفكار عن القمر‬ ‫وال يشء سواه‪،‬‬ ‫وعند مجيء املطر‬ ‫فاملطر ّ‬ ‫كل ما يفكر فيه طائر املطر‪.‬‬ ‫من الذي نستهلك ّ‬ ‫كل حيواتنا يف محبته؟‬ ‫آت!‬ ‫الرباعم تصيح‪« :‬البستا ّين ٍ‬ ‫اليوم سيقطف األزهار‪،‬‬ ‫غداً نحن!»‬ ‫يا فؤادي‪،‬‬ ‫استمع إ ّيل‪،‬‬ ‫الروح األعظم‪،‬‬ ‫املع ّلم‪ ،‬قريب‪،‬‬ ‫استيقظ‪ ،‬استيقظ!‬ ‫ارسع إىل قدميه ‪-‬‬ ‫إ ّنه واقف قريباً من رأسك اآلن‪.‬‬ ‫لقد منت ملاليني وماليني من السنني‪.‬‬ ‫ملاذا ال تستيقظ‬ ‫هذا الصباح؟‬ ‫قطعان من األسود‬ ‫مل يسمع عنها‬ ‫من قبل‪.‬‬ ‫وكذلك الطوابري الطويلة‬ ‫من البجع‪.‬‬ ‫الياقوت ال يأيت يف أكوام‪.‬‬ ‫الزاهد مييش يف الطريق وحيداً‪.‬‬ ‫ال توجد غابات تحتوي عىل أشجار الصندل‬ ‫فقط‪.‬بعض املحيطات ال تحتوي عىل لؤلؤ‪.‬‬ ‫الشخص الروحاين نادر يف هذا العامل‪.‬‬ ‫‪70‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫ملاذا كالنا نريد الفراق؟‬ ‫كام تحيا ورقة تطفو عىل املاء‪،‬‬ ‫نحيا كواحد كبري‬ ‫وواحد صغري‪.‬‬ ‫كام يفتح البوم عينيه طوال الليل‬ ‫مواجها القمر‪،‬‬ ‫نحيا كواحد كبري‬ ‫وواحد صغري‪.‬‬ ‫هذا العشق بيننا‬ ‫مييض بعيداً‬ ‫إىل أوائل البرش؛‬ ‫غري قابل للهدم‪.‬‬ ‫ها هي فكرة كبري‪:‬‬ ‫كام يعطي النهر‬ ‫نفسه إىل البحر‪،‬‬ ‫الذي بداخيل‬ ‫يتحرك داخلك‪.‬‬


‫الشاعر الهندي‪ :‬كبير‬

‫درب البهاتيك‬ ‫ُّ‬ ‫يلتف بطريقة ناعمة‪.‬‬ ‫عىل هذا الدرب‬ ‫ال تساؤل‬ ‫وال ال تساؤل‪.‬‬ ‫ببساطة‬ ‫األنا تتالىش‬ ‫لحظة تلمسه‪.‬‬ ‫متعة البحث عنه‬ ‫شديدة تكاد‬ ‫تغطس فيه‬ ‫وأن تسبح‬ ‫يف املاء كسمكة‪.‬‬ ‫إذا كان ألحد حاجة‬ ‫إىل رأس‪،‬‬ ‫يثب ليهب رأسه‪.‬‬ ‫العاشق ُ‬ ‫أشعار كبري‬ ‫تالمس أرسار هذا البهاكايت‪.‬‬ ‫لرنحل إىل البالد التي فيها‬ ‫يعيش الضيف!‬ ‫هناك الدلو ميتلئ باملاء‬ ‫ولو مل يكن هناك حبل‪.‬‬ ‫هناك السموات دامئاً زرقاء‪،‬‬ ‫رغم انهامر املطر عىل األرض‪.‬‬ ‫هل لديك جسد؟‬ ‫ال تجلس يف السقيفة!‬ ‫ّ‬ ‫ومتىش يف املطر!‬ ‫اخرج‬ ‫هناك ميتطي القمر السامء‬ ‫طوال الشهر‪،‬‬ ‫ومن السخف أن نتذك َرّ‬ ‫شمساً واحدة فقط ‪-‬‬ ‫هناك الضوء يأيت‬ ‫من عديد الشموس‪.‬‬ ‫بني الوعي والالوعي‬

‫وضع العقل أرجوحة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫كل كائنات األرض‪،‬‬ ‫حتى السوبرنوفا‪،‬‬ ‫تتأرجح بني تلكام الشجرتني‪،‬‬ ‫وال تضعف أبداً‪.‬‬ ‫مالئكة‪ ،‬حيوانات‪ ،‬برش‪،‬‬ ‫حرشات باملاليني‪،‬‬ ‫كذلك الشمس الدوارة‬ ‫والقمر؛‬ ‫عصور م ّرت‪ ،‬وستمر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كل يشء يتأرجح‪:‬‬ ‫السموات‪ ،‬األرض‪ ،‬النار‪،‬‬ ‫الخفي جسد‪.‬‬ ‫وببطء ينمو للواحد‬ ‫ّ‬ ‫يف خمس عرشة ثانية‪،‬‬ ‫شاه َد كبري ذلك‬ ‫وجعله خادماً إىل آخر العمر‬

‫الكائن الشغوف‬ ‫الخفي يعزف‬ ‫الوقت‬ ‫نايُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫سمعناه أو مل نسمع‪.‬‬ ‫بال«الحب» هو صوته اآليت‪.‬‬ ‫ما نعنيه‬ ‫ّ‬ ‫الحب حافة الزيادة األبعد‪،‬‬ ‫عندما يرضب ّ‬ ‫تصل إىل الحكمة‪.‬‬ ‫وعبق تلك املعرفة‬ ‫تخرتق أجسادنا السميكة‪،‬‬ ‫تخرتق الحيطان‪.‬‬ ‫لشبكة مالحظاتها بناء‬ ‫كأن ماليني الشموس‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪71‬‬


‫مختارات‬

‫ُص ِّف َف ْت يف الداخل‪.‬‬ ‫يف النغمة هذه الحقيقة‪.‬‬ ‫يف أيّ مكان آخر‬ ‫َ‬ ‫سمعت صوتاً كهذا؟‬ ‫أكون كئيباً‪،‬‬ ‫حني يكون محبويب بعيداً عنّي؛‬ ‫ال يشء يف ضوء النهار‬ ‫يفرحني‪،‬‬ ‫نوم الليل ال يريحني؛‬ ‫َمنْ أخ ُربه عن هذا؟‬ ‫هذه الليلة مظلمة‪ ،‬وطويلة‪...‬‬ ‫الساعات متر‪...‬‬ ‫ألين وحيد‪،‬‬ ‫فجأة أجلس‪،‬‬ ‫يغمرين الخوف‪.....‬‬ ‫يقول كبري‪ :‬اسمع يا حبيبي‪،‬‬ ‫يشء واحد يف العامل‬ ‫يريض‪،‬‬ ‫وهو االلتقاء بالضيف‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫امض‬ ‫واعمل طيباً لربك‪،‬‬ ‫الذي دخل معبد النهار والليل‪.‬‬ ‫ال تكن مجنوناً يف الترصف الثاين؛‬ ‫هذا اليوم لن يبقى إىل األبد‪.‬‬ ‫َمن ُأح ُّبه انتظرين ملاليني‬ ‫وماليني من السنني‪.‬‬ ‫لح ّبه يل أضاع اكتفاءه بنفسه‪.‬‬ ‫لكنّي مل أعرف تلك اللذة‬ ‫التي كانت تبعد ثالث بوصات مني‪،‬‬ ‫ألن ح ّبي كان ال يزال نامئاً‪.‬‬ ‫اآلن حبيبي جعل معنى‬ ‫تلك املالحظة التي سمعتها‬ ‫واضحة يل‪.‬‬ ‫اآلن وقتي الط ّيب‬ ‫قد َّ‬ ‫حل!‬ ‫يقول كبري‪ :‬انظر‬ ‫كم عظيم ّ‬ ‫حظي‪.‬‬ ‫تخيل بعض ‪-‬‬ ‫َمن تحب يداعبك‪،‬‬ ‫وأن تلك الرقة ال تنتهي أبداً!‬ ‫يرصخ الجسدُ ألين أريد َ‬ ‫بيت‬ ‫حبيبي‪ .‬ال يهم‬ ‫إن كان يف العراء‬ ‫أو تحت سقف متامسك‬ ‫ك ّله واحد بالنسبة للمرأة التي‬ ‫فقدت بيت حبيبها‪.‬‬ ‫ال أجدُ متعة فيام أرى؛‬ ‫جسدي وعقيل صارا مجنونني متاماً‪.‬‬ ‫أعرف ّ‬ ‫كل البوابات يف قرصه‪،‬‬ ‫به مليون بوابة وبني ذلك القرص‬ ‫وبيني بحر‪.‬‬ ‫اخربين كيف أعرب ذلك البحر‪،‬‬ ‫يا صديقي العزيز؛‬


‫الشاعر الهندي‪ :‬كبير‬

‫لديّ احساس أن هذا الدرب‬ ‫ال نهاية له‪.‬‬ ‫هل تعجبك هذه اآللة‬ ‫ذات الوترين؟‬ ‫حني تكون األوتار موزونة بدقة‪،‬‬ ‫يقف ُز القلب‪.‬‬ ‫حني تكون األوتاد محلولة‬ ‫واألوتار مرخية‪،‬‬ ‫َمنْ يهمه أمرها عندها؟‬ ‫ُ‬ ‫أخربت والديّ كنت أضحك ‪-‬‬ ‫ع ّ‬ ‫يل الذهاب إىل س ّيدي اآلن‪.‬‬ ‫غضبوا‪،‬‬ ‫مل يريدوا أن أغادر‪.‬‬ ‫قالوا‪« :‬إنها تقود زوجها؛‬ ‫هو يرضخ ّ‬ ‫لكل يشء تقوله؛‬ ‫لهذا طائشة هي»‪.‬‬ ‫صديقي العزيز‪،‬‬ ‫برفق ارفع حجايب‪،‬‬ ‫هذه ليلة ُح ْب‪.‬‬ ‫يقول كبري‪ :‬استمع يل!‬ ‫فؤادي متلهف للقاء حبيبي‪.‬‬ ‫ال استطيع النوم حتى عىل رسيري‪.‬‬ ‫َت َذ َّكرين وقت يبدأ الفجر‬ ‫يف البزوغ!‬ ‫ُق ُ‬ ‫لت‬ ‫للكائن الشغوف ّيف‪:‬‬ ‫أيّ نهر هذا تريد أن تعربه؟‬ ‫ال مسافرين عىل طريق النهر‪،‬‬ ‫وال طريق‪.‬‬ ‫هل ترى أحداً يتجول عىل تلك الضفة‪،‬‬ ‫أو يرتاح؟‬ ‫ال وجود لنهر‪ ،‬وال لقارب‪،‬‬ ‫وال لر ّبان‪.‬‬ ‫ال وجود لحبل‪،‬‬

‫َ‬ ‫الحبل‪.‬‬ ‫وال من يش ّد‬ ‫ال أرض‪ ،‬ال سامء‪ ،‬ال وقت‪،‬‬ ‫ال ض ّفة‪ ،‬ال معرب!‬ ‫ال جسد‪ ،‬وال عقل!‬ ‫أتؤمن بوجود مكان قادر عىل‬ ‫جعل الروح أقل عطشاً؟‬ ‫يف ذلك الغياب العظيم‬ ‫لن تجد شيئاً‪.‬‬ ‫كن قوياً‪،‬‬ ‫وادخل جسدك؛‬ ‫يوجد مكان صلب لقدميك‪.‬‬ ‫ف ِّكر فيه مل ّياً!‬ ‫ال تته يف مكان آخر!‬ ‫يقول كبري‪ :‬ارم كل األفكار‬ ‫عن األشياء الخيالية‪،‬‬ ‫وقف ثابتاً يف ما أنت عليه‪.‬‬ ‫معرفة ال يشء‬ ‫تغلق البوابات الحديدية؛‬ ‫الحب الجديد يفتحها‪.‬‬ ‫صوت فتح البوابات‬ ‫يوقظ الجميلة النامئة‪.‬‬ ‫يقول كبري‪ :‬رائع!‬ ‫ال تدع فرصة كهذه تضيع!‬ ‫استيقظي يا صديقتي العزيزة!‬ ‫مل تستمرين يف النوم؟‬ ‫الليل مىض‪-‬‬ ‫أتريدين أن تخرسي النهار‬ ‫بالوسيلة ذاتها؟‬ ‫النساء األخريات الاليئ استيقظن مبكراً‬ ‫وجدن في ًال أو جوهرة‪...‬‬ ‫لقد ضاع الكثري‬ ‫وأنت نامئة‪...‬‬ ‫ومل يكن ذلك رضورياً!‬ ‫َمنْ أح ّب ِك ف ِه َم‪،‬‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪73‬‬


‫مختارات‬

‫أنت ال‪.‬‬ ‫لكن ِ‬ ‫نسيت أن تج ّهزي مكاناً‬ ‫ِ‬ ‫جنبك عىل رسيرك‪.‬‬ ‫وأمضيت حياتك يف اللهو‪.‬‬ ‫يف العرشين من عمرك‬ ‫مل تكربي ألنك مل تعريف‬ ‫دك‪.‬‬ ‫من هو س ّي ِ‬ ‫استيقظي!‬ ‫استيقظي!‬ ‫ال أحد يف رسيرك ‪-‬‬ ‫تركك أثناء الليلة الطويلة‪.‬‬ ‫لقد ِ‬ ‫يقول كبري‪ :‬املرأة الوحيدة املستيقظة‬ ‫هي َمنْ سمعت الناي!‬ ‫جاءوا ليحملوين بعيداً‬ ‫إىل بيت زوجي الجديد‪،‬‬ ‫أحسست بسعادة ترسي يف جسدي‪.‬‬ ‫لكنهم أخذوين إىل غابة كثيفة‪.‬‬ ‫ال أحد أعرفه هنا‪.‬‬ ‫رجاء أ ّيها ّ‬ ‫املشاؤون‬ ‫والحاملون‪،‬‬ ‫ال تستمروا يف املسري‪.‬‬ ‫أتركوين أعود‬ ‫ولو للحظة‬ ‫إىل أهيل‬ ‫وإىل أصدقايئ‪،‬‬ ‫يك أقدر أن أودعهم!‬ ‫يقول كبري‪ :‬يا مريدي العزيز‪،‬‬ ‫انس أخذك وعطاءك‪.‬‬ ‫لقد انتهى األمر بالصفقات الرابحة‬ ‫والخارسة‪.‬‬ ‫ماض‪،‬‬ ‫إىل أين أنت ٍ‬ ‫ليس أسواق هناك‬ ‫وال يشء يشرتى أو يباع‪.‬‬ ‫الذي ميلك موتاً‬ ‫‪74‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫وجسداً كثيفاً‬ ‫يرقص أمام‬ ‫َمنْ ال ميلك جسداً كثيفاً‬ ‫وال موتاً‪.‬‬ ‫البوق قال‪« :‬أنا أنت»‪.‬‬ ‫يحرض املرشد الروحي‬ ‫ويركع إىل املريد الجديد‪.‬‬ ‫حاول العيش لرتى هذا!‬ ‫اسمع يا صديقي‪،‬‬ ‫ُبر ُاق‬ ‫هذا الجسد‬ ‫ُيشدُّ بقوة اللجام‪،‬‬ ‫منه تخرج‬ ‫موسيقى الكون الداخيل‪.‬‬ ‫إذا َّ‬ ‫تقطع اللجام‬ ‫وسقط الجرس‪،‬‬ ‫عندها براق الغبار‬ ‫يعود إىل الغبار‪.‬‬ ‫يقول كبري‪ :‬الو ّيل‬ ‫وحده فقط‬ ‫من يقدر أن يخرج املوسيقى‬ ‫منه‪.‬‬ ‫السحب تزداد كثافة؛‬ ‫الرعد يرحل‪.‬‬ ‫يجيء املطر‬ ‫من الرشق‪،‬‬ ‫قرعاته تسقط‬ ‫عىل حوايش البيوت‪.‬‬ ‫ميكن للمطر أن يكون مدمراً‪،‬‬ ‫ماحياً عالمات الحدود‪.‬‬ ‫لكن الرتاب يف حاجة إىل عناية ‪-‬‬ ‫للح ِّب النشوان‬ ‫اآلن ُ‬ ‫براعم وتنازالت‪.‬‬ ‫دع املطر يروي االثنني‬


‫الشاعر الهندي‪ :‬كبير‬

‫معاً‪.‬‬ ‫فقط املزارع الذيك‬ ‫من يحرض محصوله‬ ‫إىل هذا املخزن‪.‬‬ ‫سيمأل صناديق الحبوب‪،‬‬ ‫ويطعم الرجال العقالء‬ ‫والصالحني‪.‬‬ ‫كم صعب أن‬ ‫تقابل الضيف!‬ ‫طائر املطر عطشان؛‬ ‫يصيح ويصفر‪،‬‬ ‫«أين املطر‪».‬‬ ‫لكنه يرفض كل ماء‬ ‫إال ماء املطر‪....‬‬ ‫الظبية تخرج من أجامتها الرؤوفة‬ ‫حني تسمع املوسيقى‪....‬‬ ‫تحب املوسيقى‪،‬‬ ‫وتعرف أنها ستموت‪..‬‬ ‫تقعد األرملة وحيدة‬ ‫بجانب جسد زوجها‪.‬‬ ‫رسيعاً ستحيط بها النار‪،‬‬ ‫وهي ليست خائفة‪.‬‬ ‫ال مخاوف عن جسده‬ ‫غري القابل للتخ ّيل‪.‬‬ ‫أيتها البجعة‪،‬‬ ‫أود أن أخربك كل القصة!‬ ‫أول مكان ظهرت فيه‪،‬‬ ‫وأي رمل داكن متضني إليه‪،‬‬ ‫و أين تنامني يف الليل‪،‬‬ ‫وعن ماذا تبحثني‪...‬‬ ‫إنها بجعة الصباح‪،‬‬ ‫اصعدي يف الهواء‪،‬‬ ‫اتبعيني!‬ ‫أعرف بالداً‬

‫ال سيطرة للضحالة الروحية‬ ‫وال للكآبة الدامئة‪.‬‬ ‫وأولئك األحياء‬ ‫ال يخيفهم املوت‪.‬‬ ‫هناك األزهار الربية‬ ‫تتفتح خالل األرضية املورقة‪،‬‬ ‫عبق «أنا هو»‬ ‫يطفو عىل الريح‪.‬‬ ‫هناك النحلة القلب‬ ‫تبقى عميقاً داخل الزهرة‪،‬‬ ‫وال تهتم بيشء آخر‬

‫العروس تريد حبيبها‬ ‫جسدي وعقيل مكتئبان‬ ‫ألنك لست معي‪.‬‬ ‫كم أحبك‬ ‫وكم أريد‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪75‬‬


‫مختارات‬

‫أن تكون يف بيتي!‬ ‫حني يصفني الناس كخطيبتك‬ ‫أنظ ُر إىل الجانبني خجلة‪،‬‬ ‫ألين أعرف عميقا يف داخلنا‬ ‫أننا مل نلتق أبداً‪.‬‬ ‫عشق هذا؟‬ ‫لذا أيّ‬ ‫ٍ‬ ‫ال أهتم بالطعام‪،‬‬ ‫ال أهتم بالنوم‪،‬‬ ‫قلقة أنا يف الداخل‬ ‫والخارج‪.‬‬ ‫العروس تريد حبيبها‬ ‫مثلام يريد العطشان املاء‪.‬‬ ‫كيف أجد من يأخد رسالة مني‬ ‫إىل الحبيب؟‬ ‫كم قلقَ كب ٌري طوال الوقت!‬ ‫يرغب يف رؤية الحبيب؟‬ ‫كم ُ‬ ‫إىل من أذهب‬ ‫ألعرف عن الذي أحبه؟‬ ‫يقول كبري‪« :‬عندما تحاول‬ ‫إيجاد غابة األخشاب الصلبة‪،‬‬ ‫من الحكمة أن تعلم ما الشجرة‪.‬‬ ‫إذا َ‬ ‫أردت إيجاد الس ّيد‪،‬‬ ‫رجا ًء انس األسامء املجردة»‪.‬‬ ‫لعرش سنوات‬ ‫ُ‬ ‫لعبت مع فتيات من عمري‪،‬‬ ‫لكنّي اآلن فجأة أنا يف خوف‪.‬‬ ‫أنا يف طريقي إىل أعىل‬ ‫عىل بضع درجات ‪ -‬عالية‪.‬‬ ‫ع ّ‬ ‫يل التخيل عن املخاوف‬ ‫إذا ُ‬ ‫أردت أن أكون طرفاً يف هذا العشق‪.‬‬ ‫ع ّ‬ ‫يل التخيل عن أثواب الحامية‬ ‫وأقابله بطول جسدي كله‪.‬‬ ‫عيني أن تكونا‬ ‫عىل ّ‬ ‫شموع الحب هذه املرة‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫يقول كبري‪ :‬الرجال والنساء‬ ‫الغارقني يف العشق‬ ‫سيفهمون هذه القصيدة‪.‬‬ ‫إذا كان مل يكن شعورك‬ ‫نحو الواحد املقدس رغبة‪.‬‬ ‫إذن ما نفع التزين بعناية‪،‬‬ ‫وقضاء وقت طويل‬ ‫لجعل جفونك سوداء؟‬ ‫ُ‬ ‫تزوجت سيدي‪ ،‬وأردت العيش معه‪.‬‬ ‫لكني مل أعش معه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫التفت بعيداً‪،‬‬


‫الشاعر الهندي‪ :‬كبير‬

‫واآلن ّ‬ ‫كل سنوايت العرشين‬ ‫ضاعت‪.‬‬ ‫ليلة عريس‬ ‫ّ‬ ‫كل اصدقايئ غنوا يل‪،‬‬ ‫ورشوا ع ّ‬ ‫ّ‬ ‫يل أرز املتعة وأرز األمل‪.‬‬ ‫وبعد انتهاء تلك الطقوس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫غادرت‪،‬‬ ‫مل أذهب إىل البيت معه‪،‬‬ ‫وكل أقربايئ قالوا يل‬ ‫« ال بأس‪».‬‬ ‫يقول كبري‪ :‬اآلن‬ ‫طاقة الحبيب يف الواقع يل‪.‬‬ ‫هذه املرة سآخدها عندما أذهب‪،‬‬ ‫وخارج بيته سوف أنفخ بوق النرص!‬ ‫يف جسدي قمر‪،‬‬ ‫ال أستطيع رؤيته!‬ ‫قمر وشمس‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫دق طبل‬ ‫مل متسه أيا ٍد من قبل‪،‬‬ ‫ال استطيع سامعه!‬ ‫طاملا تحيرّ انسان‬ ‫حول متى سيموت‪،‬‬ ‫و ما عنده فهو له‪،‬‬ ‫كل أعامله صفر‪.‬‬ ‫عندما ألوذ إىل أنا ‪-‬‬ ‫الكائن وما ميلكه‬ ‫ميت‪،‬‬ ‫عندها عمل املعلم‬ ‫قد انتهى‪.‬‬ ‫غاية العمل هي التعلم؛‬ ‫حني تعلم‪ ،‬ينتهي العمل‪.‬‬ ‫توجد زهرة التفاح‬ ‫لتخلق فاكهة؛‬ ‫حني يحدث ذلك‬

‫تسقط البتالت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املسك داخل الظبي‪،‬‬ ‫لكن الظبي ال يبحث عنه‪:‬‬ ‫يبحث عن العشب‪.‬‬ ‫ال يشء سوى املاء‬ ‫يف الربك املقدسة‬ ‫أعلم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كنت اسبح فيها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كل متاثيل اآللهة من خشب أو عاج‬ ‫ال تقدر عىل قول كلمة‪.‬‬ ‫أعلم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كنت أناديهم‪.‬‬ ‫ما يتحدث عنه كبري‬ ‫هو ما عاشه فقط‪.‬‬ ‫إذا مل تعش أمراً‪،‬‬ ‫فهو ليس حقيقياً‪.‬‬ ‫هل تبحث عني؟‬ ‫أنا يف املقعد املجاور‪.‬‬ ‫كتفاي لصيقان بكتفيك‪.‬‬ ‫لن تجدين يف الستوباس‪،‬‬ ‫وال يف املعابد الهندية‪،‬‬ ‫وال يف املعابد اليهودية‪،‬‬ ‫وال يف الكاتدرائيات‪ :‬ال يف االنشاد‪،‬‬ ‫ال يف اليوغا‪ ،‬ال يف أكل النبات‬ ‫فقط عندما حقا‬ ‫تبحث عني‪،‬‬ ‫سرتاين ‪-‬‬ ‫ستجدين يف أصغر‬ ‫بيوت الوقت‪.‬‬ ‫يقول كبري‪ :‬أيها املريد‪،‬‬ ‫قل يل‪ ،‬ما هو الله؟‬ ‫هو ال َن َفس داخل ال َن َفس‪.‬‬ ‫أعرف شجرة غريبة ‪-‬‬ ‫تتسلق الهواء وال جذور لها‪.‬‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪77‬‬


‫مختارات‬

‫ال تزهر أبداً لكنها تحمل الفاكهة‪.‬‬ ‫ال أغصان وال أوراق لها؛‬ ‫إنها النيلوفر‬ ‫إىل وإىل‪.‬‬ ‫يجلس طائران فوق تلك الشجرة‬ ‫يغنيان‪.‬‬ ‫أحدهام املع ّلم واآلخر الطالب‪.‬‬ ‫يختار الطالب ّ‬ ‫كل مانجو الحياة‬ ‫ويتذوق كل واحدة‪.‬‬ ‫املع ّلم مرسور مبا يرى‪.‬‬ ‫سيخربك كبري بيشء صعب‪:‬‬ ‫«ال ميكن إيجاد الطائر‪،‬‬ ‫وهو مر ّيئ متاماً‪.‬‬ ‫الطاقة اإللهية صحيحة‬ ‫يف وسط الكائنات‪.‬‬ ‫أنا هنا ألمدح كل الكائنات»‪.‬‬ ‫عىل الطريق‬ ‫سقطت الياقوتة الصغرية‬ ‫التي يبحث عنها ّ‬ ‫كل انسان‪.‬‬ ‫البعض يرى أنها رشقنا‪،‬‬ ‫البعض اآلخر غربنا‪.‬‬ ‫البعض يقول‪،‬‬ ‫«يف صخوراألرض البدائية»‪،‬‬ ‫البعض اآلخر‪،‬‬ ‫«يف املياه العميقة»‪.‬‬ ‫حدس كبري أخبرَ ه‬ ‫ُ‬ ‫أنها يف الداخل‪،‬‬ ‫وبقيمتها‪،‬‬ ‫غلفها بعناية يف‬ ‫قامشة قلبه‪.‬‬ ‫ظلمة الليل تأيت رسيعاً‪،‬‬ ‫وظالل الحب تقرتب من الجسد‬ ‫والعقل‪.‬‬ ‫افتح النافذة نحو الغرب‪،‬‬ ‫‪78‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫واختف يف الهواء‬ ‫داخلك‪.‬‬ ‫قريباً من عظام صدرك‬ ‫زهر ٌة متفتحة‪.‬‬ ‫ارشب العسل‬ ‫حول تلك الزهرة‪.‬‬ ‫األمواج آتية‪:‬‬ ‫عظمة كبرية قرب البحر!‬ ‫انصت‪ :‬صوت أصداف البحر الكبرية!‬ ‫صوت األجراس!‬ ‫يقول كبري‪ :‬صديقي‪ ،‬انصت‪،‬‬ ‫هذا ما ع ّ‬ ‫يل قوله‪ :‬الحبيب الذي أحبه‬ ‫يف داخيل!‬ ‫حان الوقت‬ ‫لتضع أرجوحة الحب!‬


‫الشاعر الهندي‪ :‬كبير‬

‫اربط الجسد‬ ‫ثم اربط العقل‬ ‫ليتأرجحا بني ذراعي‬ ‫الخفي‬ ‫الواحد‬ ‫ّ‬ ‫الذي تحب‪.‬‬ ‫احرض املاء‬ ‫املتساقط من السحب‬ ‫إىل عينيك‪،‬‬ ‫و َغ ِِّط نفسك داخلك بالكامل‬ ‫بظل الليل‪.‬‬ ‫ق ّرب وجهك من أذنه‪،‬وتك ّلم‬ ‫فقط عن ما ترغب بشدة‬ ‫أن يتحقق‪.‬‬ ‫يقول كبري‪ :‬استمع يل‪،‬‬ ‫يا أخي‪،‬‬ ‫احرض الشكل‪،‬‬ ‫وجهة ورائحة الواحد املقدس‬ ‫بداخلك‪.‬‬ ‫ارضب بالكلامت‪،‬‬ ‫ملاذا ُ‬ ‫عندما جعل‬ ‫الحب فضايئ الداخ ّ‬ ‫يل‬ ‫ّ‬

‫ميلء بالنور؟‬ ‫أعلم أن املاسة ملفوفة‬ ‫يف هذا القامش‪،‬‬ ‫ملاذا ع ّ‬ ‫يل فتحها‬ ‫ورؤيتها طوال الوقت؟‬ ‫عندما فرغت املقالة‪،‬‬ ‫طارت؛‬ ‫هي مآلنة اآلن‪،‬‬ ‫ملاذا تهتم بوزنها؟‬ ‫البجعة طارت‬ ‫إىل بحرية الجبل!‬ ‫ملَ االنشغال بالخنادق والحفر‬ ‫مرة أخرى؟‬ ‫الواحد املقدس يحيا داخلك ‪-‬‬ ‫ملَ عليك فتح عينك الثانية؟‬ ‫سيخربك كبري بالحقيقة‪:‬‬ ‫انصت‪،‬‬ ‫أخي!‬ ‫الضيف‪،‬‬ ‫عيني ناصعتني جدا‪ً،‬‬ ‫الذي جعل ّ‬ ‫قد مارس الحب معي‪.‬‬ ‫صديقي‪،‬‬ ‫إذا مل تقابل الواحد‬ ‫الخفي حقيقة‪،‬‬ ‫ما مصدر ثقتك بنفسك؟‬ ‫أوقف ّ‬ ‫كل هذه املغازلة بالكلامت‪.‬‬ ‫ال يحدث الحب بالكلامت‪.‬‬ ‫ال تكذب عىل نفسك‬ ‫حول الكتب الساموية‬ ‫وما تقوله‪.‬‬ ‫الحب الذي أتكلم عنه‬ ‫ال يوجد يف الكتب‪.‬‬ ‫من أراده حصل عليه‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪79‬‬


‫حاشية‬

‫‪.‬‬

‫حسن نجمي‬ ‫‪.............................................................................................................‬‬

‫موسيقانا التقليدية والعالم‬

‫أود‬

‫أن أشري إىل بعض عنارص التفكري يف الظاهرة املوسيقية العاملية التي تشهد يف العقدين األخريين تحوالت عميقة وجوهرية‪،‬‬ ‫سواء عىل مستوى التعبري أو عىل مستوى اإلنتاج واالنتشار‪ .‬وهي تحوالت أضحت تغري مجمل املعايري التي كانت سائدة‬ ‫من قبل بخصوص املادة املوسيقية والغنائية نفسها‪ ،‬وطبيعة النظرة الثقافية والحضارية ملا ميكننا أن نسميه مع لوران أوبري‬ ‫(‪" )L. Aubert‬موسيقى اآلخر"‪ ،‬وكيف ميكن تقبلها واإلنصات إليها باحرتام‪ ،‬وكيف ميكن استيعابها ضمن أنساق ثقافية وجاملية‬ ‫وشعرية مختلفة‪ ،‬وحتى كيف يصبح ممكنا كذلك التعامل معها كمصدر أو كمرجع النتاج عمل إبداعي موسيقي جديد‪.‬‬ ‫حني أتحدث يف هذا السياق عن موسيقى تقليدية يف عالقتها بالجغرافية الكونية‪ ،‬فإمنا أتحدث أساسا عن تقليد أو تراث موسيقي‬ ‫شفوي‪ ،‬محيل‪ ،‬غري مدون يف مواجهة عوملة كاسحة تجتاج العرص الجديد‪ ،‬مبعنى كيف ميكن ملوسيقى تقليدية محلية أن تتجاوب مع‬ ‫هذا النظام الشمويل بأبعاده االقتصادية والتجارية التي تقوم بتسويق كل يشء‪ ،‬بأبعاده التقنية املتطورة‪ ،‬بتطوراته األصلية الحديثة‪،‬‬ ‫مبستجداته املعرفية‪ ،‬أقصد مستجدات العرض واملرسحة والفرجة والجامهريية‪ ..‬وما إىل ذلك‪ ،‬ومامرساته الثقافية الجديدة‪ ،‬ونظام‬ ‫عاداته وقيمه‪ ..‬ويهمني هنا أن أؤكد عىل املحددات األساسية ملفهوم املوسيقى التقليدية وفق ما تعلمناه من علم األصول املوسيقية‬ ‫(‪ ،)L’Ethnomusicologie‬االجتهادات واألبحاث امليدانية األكرث انتشاراً اليوم‪.‬‬ ‫• إنها موسيقى ذات أصول قدمية‪ .‬وتظل عموما وفيةلينابيعها‪ ،‬إن مل تكن عىل مستوى املبادئ‪ ،‬فإنها تخلص عىل األقل وعىل الدوام‬ ‫وبالرضورة للشكل وملناسبات األداء‪.‬‬ ‫• موسيقى تستند إىل آلية التناقل الشفوي‪ ،‬إذ يتم توارثها بأساليب وطرائق شفوية‪ .‬فيأخذ املريد عن الشيخ مجمل قواعد هذه‬ ‫الصناعة املوسيقية‪ ،‬وتقنياتها‪ ،‬ونوعية آالتها‪ ،‬ومدخراتها الشعرية واللحنية واإليقاعية‪ ،‬فضال عن شكل األداء وخربته السوسيوثقافية‪.‬‬ ‫• وترتبط بسياق ثقايف واجتامعي‪ ،‬أي أن لها مكانة معينة يف هذا السياق‪ ،‬ولها وظيفة محددة ودقيقة تقوم بأدائها‪ ،‬خصوصا عندما‬ ‫يتعلق األمر بنظام َق َبيل له لسانه الخاص ومعايريه وأخالقياته ورؤيته الخاصة للحياة والتعايش‪...‬‬ ‫إذن‪ ،‬فالسؤال الذي يتبادر إىل الذهن مبارشة ‪ :‬ما مصري هذه املوسيقى التقليدية عندما نفكر يف نقلها من سياقها املرجعي‪ ،‬االجتامعي‬ ‫والثقايف والروحي واللغوي والرمزي‪ ،‬وعرضها يف سياقات مختلفة وأمام جمهور مختلف اليقتسم معها شبكة معارفها وخرباتها الجاملية‬ ‫والفنية والرمزية ؟ كام سنعرث عىل سؤال آخر يف طريقنا وهو ‪ :‬ما الذي يتبقى من هذه املوسيقى تحديدا عندما نغري طرائق تقدميها‪،‬‬ ‫وباألخص لجمهور واسع عريض‪ ،‬سواء يف املهرجانات املوسيقية الكربى يف العامل أو من خالل الصناعات املوسيقية املتطورة ؟ ثم‪ ،‬كيف‬ ‫ميكننا عرض موسيقانا التقليدية املتعددة عىل جمهور رمبا ينبغي تأهيله ثقافيا ومعرفيا ليك يتخىل عن بعض األفكار املسبقة والجاهزة‬ ‫تجاه املوسيقات والثقافات األخرى يف العامل‪ ،‬ليمتلك رؤية أخرى‪ ،‬جديدة منفتحة ومتسامحة‪ ،‬حول إنتاج أو تلقي تلك املوسيقات‬ ‫األخرى ؟‬ ‫طبعا‪ ،‬لسنا مضطرين‪ ،‬ليك نقدم موسيقى تقليدية عربية أو رشقية عموما يف املهرجان املوسيقي الغريب‪ ،‬أن نغري الجمهور الغريب‬ ‫بالكامل أو نصحب معنا جمهورنا املعتاد (كجمهور الهجرات مثال)‪ ،‬وإمنا أتحدث فقط عن إمكانيات تقديم الحد األدىن من موسيقانا‬ ‫التقليدية لجمهور غريب تحديدا ميتلك رؤاه الخاصة للفضاء والزمن والثقافة واملوسيقى والشعر واملجتمع والحياة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬عندما‬ ‫أطرح مثل هذه األسئلة فليس ألبدي اعرتاضا عىل انتقال أو تنقل ورواج املوسيقات التقليدية يف العامل‪ ،‬وإمنا أحاول أن أبسط املوضوع‬ ‫مساهمة يف الفهم واإلحاطة بقضية جوهرية التقف عند حدود العرض املوسيقي والغنايئ‪ ،‬وإمنا مبدى إمكانيات تقبل اآلخر يف نظام‬ ‫عاملي‪ ،‬ومبدى حوار املوسيقات واألغاين وأشكال األداء الفني والجاميل‪ ،‬ومدى التواصل االنساين وتخاطب الهويات املختلفة عىل أساس‬ ‫من الندية والتقدير املتبادل‪ .‬ذلك أن للموسيقى منزلة مركزية يف الوجدان العام ويف التفكري االنساين ويف املامرسة الثقافية‬ ‫‪80‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫قضية‬

‫الشعر ما بعد «الديكتاتورية»‬

‫العراق وليبيا‪..‬‬ ‫سؤال القصيدة‬

‫ما‬

‫إن انهار النظام السياسي في ليبيا (العام الماضي) والعراق (العام ‪ )2003‬حتى عادت واضحة جليّ ة تلك‬

‫األسئلة التي تطرحها الثقافة‪ ،‬بوصفها ممارسة عامة ونخبوية أيضا‪ ،‬عند زوال النظام السابق وغياب‬ ‫ّ‬ ‫توقع انهيارها بهذه السرعة‪ .‬ولعل أكثر األسئلة عمقا هو‬ ‫أجهزة السلطة التي كان من غير الممكن‬

‫استعادة التساؤل حول الحرية واألدب وانعكاسها بشكل مباشر على الثقافة واألدب بكل أجناسه وكذلك الفعل‬

‫االبداعي عموما‪.‬‬

‫ِّ‬ ‫مروعا ومريرا حقا ومؤلما في الحالين‪ ،‬كان الرقيب‪ ،‬المادي والمعنوي‪ ،‬متسلطا‬ ‫سابقا على هذا االنهيار الذي جاء‬

‫ّ‬ ‫حد أن الشعراء الذين كانوا يقولون الشعر علنا لم يجهروا بآرئهم األخرى‬ ‫جدا على المخيلة الشعرية إلى‬

‫والحقيقية حتى ألنفسهم في مناماتهم‪ .‬ألن الثمن الذي سيُ دفع هو مما ال طاقة لهم على سداده‪ .‬بالمقابل نافق‬ ‫وتكسب شعراء باتت قصائدهم‬ ‫مثقفون آخرون وداهنوا األجهزة وكسبوا مغانم وآخرون اضطروا لفعل ذلك‪،‬‬ ‫َّ‬

‫في "مزبلة" شعرية ما من سبب الحتمال رائحتها‪.‬‬

‫غير أن العودة إلى سؤال الحرية واألدب أو الحرية والمخيلة أمر مربك بالمقابل‪ ،‬ربما ألن الحرية هي الشرط‬

‫الذي ينبغي على المرء أن يعيه تماما قبل ممارسته‪ ،‬فهي اللصيقة جدا بسلوك الكائن وفعله باستمرار‪ ،‬فكيف هي‬

‫الحال مع المبدع ذاته؟‬

‫في هذين التحقيقين‪ ،‬من العراق وليبيا‪ ،‬تسعى "بيت الشعر" إلى استعادة ما هو جوهري في سؤال األدب‬

‫واالبداع وممارسة فعل التخييل‪ ،‬ذلك أن هناك ما ينبغي طرحه على هذه النوافذ والبوابات التي كانت مغلقة‬ ‫في السابق‪ .‬فهل هي اآلن مفتوحة تماما كما يليق بالشعر؟ أم أن الحرية هي أكثر مما يمكن للمبدع العربي‪ ،‬وهو‬

‫الشاعر هنا‪ ،‬أن يستوعبها ويعيد إنتاجها في قصيدة وفكرة وصورة شعرية وقبل ذلك‪ ،‬أن يقدمها في هيئة سؤال‬

‫يطرحه على نفسه وعلى ابداعه قبل أن يطرحها على المجتمع‪.‬‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪81‬‬


‫قضية‬

‫القصيدة العراقية بعد ‪2003‬‬ ‫البحث عن قارئ آخر‬ ‫تأثرت القصيدة العراقية بالتحول الكبير الذي‬ ‫حصل بعد االجتياح األميركي‪ ،‬حيث وجد الشاعر‬ ‫نفسه أمام أسئلة جديدة ال تبدو إجاباتها سهلة‪ ،‬أو‬

‫هي تستعصي في كثير من الحاالت‪ ،‬إال أن غياب‬

‫الرقيب لم ينعكس بالضرورة على مستوى النص‪.‬‬

‫في هذا التحقيق محاولة الستجالء صورة المشهد‬ ‫الشعري واشكاالته بعد خروج العراق من كابوس‬

‫الديكتاتورية والدخول في مرحلة جديدة غير‬

‫واضحة المالمح‬

‫بغداد‪ -‬صالح حسن‬

‫الفنان ضياء العزاوي‬

‫الشعراء يذهبون إلى الغابة وحدهم‬ ‫علي حسن الفواز «شاعر»‬

‫الذهاب إىل غابات القصيدة العراقية بعد عام ‪ 2003‬يشبه‬ ‫الذهاب إىل حقل األلغام‪ ،‬إذ تخضع األرض إىل توصيفات‬ ‫‪82‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫غامضة‪ ،‬ال طرق واضحة فيها‪ ،‬وال ممرات للسالمة العامة‪..‬‬ ‫الشعراء العراقيون مسكونون بخوف قديم من السلطة‬ ‫الغائبة والحارضة‪ ،‬وهذا الخوف يندس تحت جلد اللغة‪،‬‬ ‫حتى يبدو الشاعر وكأنه ميارس املزيد من الهروب إليها‪،‬‬ ‫بحثاً عن االستعارات والتوريات املنقذة‪ ...‬وحديث املشهد‬ ‫الشعري وطبائعه الميكن أن يتخلص من تلك العقدة‪ ،‬إذ‬


‫الشعر ما بعد «الديكتاتورية»‬

‫قلقة من املوجهات النقدية‪ ،‬ورمبا اقرتاح‬ ‫صناعة املشهد املضاد ليست باألمر اليسري‪،‬‬ ‫سياق افرتايض للقصيدة التي تسكنها‬ ‫ألن الشعراء ليسوا شوارع عامة أو كائنات‬ ‫الرمزية والجسدانية‪ ..‬وحتى قصائد‬ ‫تخضع لردات الفعل التي تصنعها الهزات‬ ‫الوزنيات ‪ -‬العمود والتفعيل ‪ -‬التي أخذت‬ ‫الكربى وليست الرسديات الكربى‪ ،‬لكن‬ ‫مساحة واسعة من هذا الزمن مل تكن‬ ‫ماميكن قوله يف هذا السياق هو رصد‬ ‫حارضة مبعناها الوجودي لو مل يكن السؤال‬ ‫السريورات الطارئة‪ ،‬وأحياناً العامة للشعراء‬ ‫ً‬ ‫الحدايث غائبا بشكل فادح‪ ،‬إذ متارس هذه‬ ‫الذين وجدوا فراغاً عمومياً ووطنياً يخلو‬ ‫القصيدة وظيفة اللذة والتعويض وحتى‬ ‫من الرقباء‪ ،‬ويخلو حتى من النقاد ومن‬ ‫االقرتاب من الجمع الذي بدا حارضاً‬ ‫املتلصصني ومن سياسات املعاطف الثقيلة‪،‬‬ ‫يف صناعة التاريخ الجديد للجامعات‬ ‫لذا خرجوا بنوع من الجامعية املريبة‪،‬‬ ‫العراقية‪ ..‬وحتى عودة شعراء املنفى‬ ‫جامعية ال سياق تاريخيا لها أو ثقافيا‪،‬‬ ‫املشغولني بهاجس الحداثة والحرية واآلخر واللغة بوصفها‬ ‫لذا هم األشبه حقاً بالجامعات التي حاولت أن تجرب‬ ‫نظاماً مل تحمل معها أية إثارة مفرتضة‪ ،‬إذ كان السياق‬ ‫لعبة الخروج العلني عىل تاريخ ضاغط وقهري يف الثقافة‬ ‫العراقية‪ ،‬تاريخ فيه الكثري من األسامء الكارزمات‪ ،‬واألسامء املتدفق برهابه السيايس والشعري مندفعاً الصطناع‬ ‫جغرافيا جديدة وفاضحة لدولة الشعراء‪ ،‬لكن هذا اليعني‬ ‫املؤسسات‪ ،‬واألسامء األيديولوجيات‪ ،‬واألسامء اآلباء‪ ،‬وهذا‬ ‫غيابا ملغامرات شعرية أدركت خطورة هذه اللعبة‪،‬‬ ‫الخروج بدا األقرب إىل صناعة أوهام تعويضية‪ ،‬أوهام‬ ‫وتلمست ماهو خفي يف حراك الجامعات الدميوغرافية‪،‬‬ ‫للحرية‪ ،‬للجسد‪ ،‬للتناص مع الخطاب الديني والتاريخي‪،‬‬ ‫فاقرتحوا نوعاً من العزلة النبيلة‪ ،‬العزلة التي متنحهم فرصة‬ ‫وأحياناً لالنشداد إىل رمزيته التي حرضت بقوة بعد عام‬ ‫مراقبة املشهد‪ ،‬ومامرسة قراءة مضادة‪ ،‬نافية للكثري مام‬ ‫‪ ،2003‬وسط غياب وشكوك حول أي سؤال حدايث‪ ،‬قابل‬ ‫يجري‪ ،‬ولعيل أجد يف هذه الجامعات التي تحلم بقصيدة‬ ‫للوجود مع مرشوع الدولة أو مرشوع الهوية‪ ،‬أو حتى‬ ‫النرث بوصفها مواجهة لغوية وأخالقية وأسلوبية للعامل‪،‬‬ ‫مرشوع البحث عن وجه آخر للثقافة العراقية املحتشدة‬ ‫وملهيمنات الصوت الجامعي «ميثلها‬ ‫كثرياً باملنايف واملطرودين‪ ،‬مثلام‬ ‫شعراء مثل عمر الرساي واحمد عبد‬ ‫هي متحشدة بالكثري من مرايث‬ ‫هي لعبة للخروج‬ ‫السادة وزاهر موىس وميثم الحريب‬ ‫القسوة‪.‬‬ ‫تاريخ‬ ‫على‬ ‫العلني‬ ‫وصفاء خلف وعيل محمود خضري‬ ‫قصائد شعراء مابعد ‪ 2003‬مل‬ ‫ضاغط وقهري في‬ ‫وعمر الجفال وغريهم»‪ ،‬روح خفية‬ ‫تخضع إىل معيار محدد‪ ،‬إذ هي‬ ‫قابلة ملواجهة فكرة املوت العمومية‬ ‫الثقافة العراقية‪ ،‬تاريخ‬ ‫قصائد واقفة عند حافة زمن‬ ‫التي تصنعها الجامعات‪ ،‬والرغبة‬ ‫سيايس وإنساين ملتبس‪ ،‬فض ًال‬ ‫فيه الكثير من األسماء‬ ‫يف اصطناع نوع من االستعادة‬ ‫عن كونها قصائد تبحث عن‬ ‫الكارزمات‪ ،‬واألسماء‬ ‫التي متنح الشعر توهجه املسحوق‬ ‫قارىء آخر‪ ،‬قارىء غري متورط‬ ‫المؤسسات‪ ،‬واألسماء‬ ‫والعاطل‪ ...‬هؤالء الشعراء الخارجون‬ ‫بسايكوباثيا التاريخ واألمة‬ ‫األيديولوجيات‪،‬‬ ‫عن لعبة الجامعات يلغزون العامل‬ ‫الجامعة والطاردة يف آن‪ ،‬والتي‬ ‫من حولهم مرة أخرى‪ ،‬ويذهبون إىل‬ ‫واألسماء اآلباء‬ ‫أسهمت لألسف يف صنع الذاكرة‬ ‫الغابة وحدهم‬ ‫العراقية‪ ،‬مقابل ماتفرتضه هذه‬ ‫اللحظة من االنوجاد يف مساحة‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪83‬‬


‫قضية‬

‫فيها املفاهيم وتقلقل الراكد منذ عقود فانفتح أفق املعرفة‬ ‫الكونية بصورة صادمة وصار العامل مصغراً يف تلفاز فضايئ‬ ‫وحاسوب عوملي‪ ،‬ال تحتاج معه إال بضع نقرات عىل لوحة‬ ‫مفاتيحه ليك تجد العامل بني يديك‪ ،‬وكل ما تنتجه اللحظة‬ ‫الراهنة يكون متاحاً يف لحظات‪ ..‬هذه الصدمة الثقافية‬ ‫هي ركيزة املشهد ملا بعد ‪ 2003‬ثقافياً ومعرفياً‪ ..‬هي صورة‬ ‫الـ قبل والـ بعد‪ ..‬ومتركز الهامش وتعدد الواحد‪ ،‬لذا لست‬ ‫أرى أنها أزمة شكل فني بني عمود وقصيدة شعر أو تفعيلة‬ ‫ونرث أو نص مفتوح أو رقمي تفاعيل أو سوى ذلك من‬ ‫تنافذ أجناس أدبية عىل الرغم من أن التحوالت الشكلية‬ ‫لها أهميتها يف تشخيص بعض مالمح حراك املشهد األديب‬ ‫شعرية االزدواج والموقف الميتا ـ شعري‬ ‫وثبت التفوق العراقي يف اجرتاح الكثري من حداثاتها‪..‬‬ ‫د‪.‬ناهضة ستار «شاعرة وناقدة»‬ ‫لكنني أرى أن األزمة حقاً يف كل ّية املشهد الثقايف وليس‬ ‫األديب فحسب‪ ..‬وهنا الفتة هذه املقاربة املوجزة‪ ،‬لذلك‬ ‫إن قراءة منجز مرحلة تاريخية ما ومحاولة فحص تحوالت شهدنا وفرة يف املنجز األديب يقابلها ضباب أو شبه ذلك‬ ‫الشعرية يف مناخاته املتوالدة داخل املخترب االفرتايض‬ ‫يف وضوح البصمة املائزة لألساليب وطرائق التشكيل‪ ،‬كام‬ ‫الذي يطرح فرضية «االنعكاس» القائلة بحتمية العالقة‬ ‫حدث بعض التمثل الرسيع للغة العوملة الثقافية فتلونت‬ ‫الط ْردية بني منط الواقع وتحوالته السياقية وبني أشكال‬ ‫لغة الشعر بألفاظ أجنبية تارة وتجريب تناصات مقصودة‬ ‫التعبري وأمناط التشكيل األجنايس والداليل واملوضوعايت‪..‬‬ ‫مع األغاين القدمية ذات النفس الستيني والسبعيني تحديداً‬ ‫أجد أن هذه األطروحة االنعكاسية لها حق تحديد صورة‬ ‫عل ًام أن الشعراء مل يتجاوزوا عقدهم الثالثيني أو أقل من‬ ‫وتفاصيل املشهد الراهن ومتغرياته الفاعلة عىل السطح‬ ‫ذلك‪ ،‬أو اعتامد االزدواج اللغوي بني العامية والفصيحة‬ ‫سياسياً واجتامعياً وثقافياً ومعرفياً لكنها ال تصيب حني‬ ‫طلباً لالدهاش وصعق املتلقي النخبوي وكرس أفق توقعه‪،‬أو‬ ‫تقرر نوع االستجابة التي تفرتض حتمية اتباع املبدعني لها‬ ‫التقنع بشعراء العربية املائزين وأصحاب البصمة الخالفية‬ ‫يف أن يكونوا نسخة مكتوبة عن عرصهم وشهوداً لفظيني‬ ‫يف الرؤية واملنهج كاملتنبي والجواهري وغريهام لفتح‬ ‫عىل مجرياته وأحداثه ومهيمناته‬ ‫حوار مغاير يعرصن الرمز الرتايث‪..‬‬ ‫املؤثرة‪ ..‬وإال كيف يكون املبدع‬ ‫أرى يف مجمل ذلك محاولة قرسية‬ ‫الثقافية‬ ‫الصدمة‬ ‫هذه‬ ‫مبدعاً إذا كان تابعاً وناسخاً‬ ‫لتعجيل الدخول يف عجلة العامل‬ ‫ومدون أحداث وراوي تفاصيل‬ ‫هي ركيزة المشهد‬ ‫الجديد الذي مل يسهم يف اخرتاعه‪،‬‬ ‫يومية؟؟‪ ..‬اإلبداع موقف ورؤية‬ ‫وال تشكيله وال حتى يف اإلمساك‬ ‫لما بعد ‪ 2003‬ثقافي ًا‬ ‫التوقع‬ ‫تكرس السائد وتخالف أفق‬ ‫مبتغرياته املتسارعة‪ ..‬من هنا‬ ‫ومعرفي ًا‪ ..‬هي صورة الـ‬ ‫وتقرتح بدي ًال لسانياً للواقع‪،‬‬ ‫ازدوجت األزمة عند هذا الجيل‬ ‫وهنا تتحقق الشعرية يف لحظة‬ ‫قبل والـ بعد‪ ..‬وتمركز‬ ‫فصار ناقداً ملوقفه اللغوي‪ ،‬ونقل‬ ‫االدهاش غري املتوقعة‪ ،‬ولنتأمل‬ ‫معركته مع املتغري السياقي إىل‬ ‫الهامش وتعدد الواحد‬ ‫املوقف الشعري كيف تعاطى‬ ‫جغرافيا النص فانسحب إىل الذات‬ ‫لغوياً مع أزمة أكرب منه تداخلت‬ ‫والجسد وكتب نصاً رمادياً شديد‬ ‫‪84‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫الشعر ما بعد «الديكتاتورية»‬

‫جيل الفيس بوك‬ ‫محمد غازي األخرس «شاعر وناقد»‬

‫للفنان ستار كاووش‬

‫الكآبة ويائساً حد السخرية فعمل عىل تأمل اللغة باللغة‬ ‫فتفوق يف االشتغال الـ ميتا ـ شعري فصار يحاور األفعال‬ ‫واألسامء واملفاعيل واملرأة عنده صارت نصاً والفاعل تخىل‬ ‫عن فاعليته وأصبح منصوباً‪ ،‬واليقتنع بجر املضاف إليه إذا‬ ‫كان عظي ًام فيبقيه مرفوعا ً وسوى ذلك من موقف ناقد‬ ‫للغة وقوانينها‪ ،‬يحولها شاعر املرحلة إىل الفتة رفض كام‬ ‫نبض بها العظيم املتنبي قدمياً‪:‬‬ ‫اذا كان ما تنويه فع ًال مضارعاً‬ ‫مىض قبل ان ُتلقى عليه الجواز ُم‬ ‫هذا ما حاولت هذه املقاربة قراءته إنها األزمة املزدوجة‬ ‫بني أزمة الثقافة وأزمة التعبري واالجرتاح واملغايرة‪..‬‬ ‫وهنا أشري بوضوح إىل إن الشعرية العراقية تظل نابضة‬ ‫باملختلف واملؤثر والرثي من املعطى اإلبداعي الذي‬ ‫يستحق وقفة تأمل ودراسة وفحص منهجي نكتبه نحن‬ ‫اليوم أفضل من القادم بعدنا ألننا نتنفس هواءه بوضوح‪.‬‬

‫الحديث عن شعر ما بعد ‪ 2003‬يجرنا عن خريطة الشعر‬ ‫العراقي خالل الربع األخري من القرن العرشين؛ هناك‬ ‫منطان أساسيان شاعا منذ منتصف الثامنينيات‪ ،‬األول هو‬ ‫منط القصيدة االيقاعية واآلخر قصيدة النرث‪ .‬قصيدة النرث‬ ‫قادها عدد من شعراء جيل الثامنينيات وتابعهم يف ذلك‬ ‫عدد كبري من شعراء جيل التسعينيات‪ .‬هذا النمط ساد يف‬ ‫العراق بشكل نهايئ ابتداء من نهاية الثامنينيات واستمر‬ ‫هكذا حتى منتصف التسعينيات حني هاجر معظم رموزه‬ ‫إىل خارج العراق‪ .‬بعد ذلك اضمحل نوعاً ما وتراجع أمام‬ ‫تقدم القصيدة املوزونة وقصيدة العمود‪.‬‬ ‫أما ملاذا تقدم النمط الثاين‪ ،‬االيقاع‪ ،‬فذلك مرتبط برأيي‬ ‫بعدة أسباب؛ أوالً‪ :‬هجرة معظم مرسخي قصيدة النرث‪،‬‬ ‫ثانياً‪ :‬تدخل السلطة الواضح ورعايتها للقصيدة االيقاعية‬ ‫وتهيئة املجال لرواجها‪ .‬ثالثاً‪ :‬حدوث ردة فعل عكسية عىل‬ ‫قصيدة النرث بسبب غموضها ونخبويتها وتجريدية لغتها‬ ‫كام يقول معظم النقاد‪.‬‬ ‫مع نهاية القرن وقبل سقوط النظام السابق تك ّون جيل‬ ‫ارتدادي عاد بالشعر إىل حقبة السياب وانتعشت معه‬ ‫األساليب القدمية يف الكتابة حيث النظرة الرومانسية تسود‬ ‫واللغة الشبيهة بلغة مدرسة أبولو وشعر املهجر تشيع‬ ‫وتنتعش‪ .‬وكان ذلك يعني تراجع رموز قصيدة النرث من‬ ‫جيل السبعينيات والثامنينيات والتسعينيات واضمحالل‬ ‫تأثرياتهم يف املشهد‪.‬‬ ‫أعتقد إن هذه الخريطة تفرس مشهد الشعر بعد ‪2003‬‬ ‫وما أالحظه هنا هو وجود منطني رئيسيني؛ األول هو امتداد‬ ‫لجيل االرتداد الرومانيس ـ االيقاعي الذي تكون بعد‬ ‫منتصف التسعينيات وهو منط سائد بشكل كبري يف العراق‬ ‫حالياً‪ .‬والثاين هم هامش بسيط اطلع‪ ،‬ولو بشكل محدود‪،‬‬ ‫عىل تجارب الشعر العراقي يف الثامنينيات والتسعينيات‬ ‫ويكتب أصحاب هذا النمط قصيدة النرث ولكن بشكل‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪85‬‬


‫قضية‬

‫جديد يأخذ من مصادر متنوعة من بينها‬ ‫الشعر اللبناين واملرتجم إضافة إىل شعراء‬ ‫املنفى العراقيني‪.‬‬ ‫من بني أصحاب النمط الثاين أسامء تكتب‬ ‫قصيدة النرث لكنها نفسياً وثقافياً تنتمي‬ ‫إىل النمط األول‪ ،‬أي الشعر االيقاعي‪،‬‬ ‫وتستطيع أن تالحظ ذلك من خالل‬ ‫الصيغ األسلوبية املعتمدة ودور الذات‬ ‫يف القصيدة وغري ذلك من املظاهر التي‬ ‫يطول الحديث عنها‪.‬‬ ‫باملقابل مثة شعراء من النمط األول‪،‬‬ ‫اإليقاع‪ ،‬عاد يف االرتداد لحقب تسبق حتى اتجاهات‬ ‫«أبولو» وشعر املهجر لتصل إىل حقبة الشعر العبايس‬ ‫وهؤالء يعتقدون إن القصيدة العمودية مل تنته ومل تنفذ‬ ‫أغراضها بعد‪ .‬ومن املمكن األشتغال عليها طاملا وجدت‬ ‫اللغة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هل تريدين أن أس ّمي لك‪ .‬حسنا‪ ،‬مثة خريطة واسعة تبدأ‬ ‫من حسني القاصد‪ ،‬الشاعر العمودي‪ ،‬ومت ّر بأحمد عبد‬ ‫السادة وحسام الرساي وعمر الرساي‪ ،‬وال تنتهي بزاهر‬ ‫موىس وعيل وجيه وعيل محمود خضري وعمر الجفال‬ ‫يرتسم خطاه‬ ‫وصفاء خلف‪ .‬إنهم كثريون وبعضهم ما زال ّ‬ ‫بشكل بطيء وأمامهم الكثري حتى يجدوا بصامتهم الخاصة‪.‬‬ ‫لكن عموما وباستثناء عدد محدود منهم فإن املالحظة‬

‫آصحاب تجارب ما بعد‬ ‫‪ 2003‬ال يختزنون روح‬ ‫الجماعات التي نشأوا‬ ‫فيها‪ ،‬فال األساطير وال‬ ‫الرموز وال األفكار لها‬ ‫وجود واضح عندهم‬

‫‪86‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫األوىل التي أراها يف كتابتهم إ ّنها تخلو من‬ ‫الخيال الجامح الذي تو ّفرعليه سابقوهم‬ ‫وتفتقر إىل روح التجريب واملغامرة‪ ،‬تراها‬ ‫أشعار هادئة ال تستفز قارئها وال تتحداه‬ ‫وهي‪ ،‬لغوياً‪ ،‬سهل ُة يسري ٌة تقرأ فكإ ّنها‬ ‫ما قرأت‪ .‬فيها غنائ ّية تذ ّكر مبا قبل جيل‬ ‫الستينيات بل أحياناً تحيلنا ملا قبل جيل‬ ‫الخمسينيات‪ .‬وهي‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬ال تتعامل‬ ‫مع ممكنات اللغة إال بوصفها أداة توصيل‬ ‫ال أكرث وهي بذا تقرتب من النرث العادي‬ ‫وتبعد بأشواط عن الشعر ال ّرباق امللتمع‪ ،‬املح ّمل مبخيال‬ ‫ثقا ّيف عريض‪.‬‬ ‫هنا أو ّد اإلشارة ليشء بالغ األهمية فام أالحظه يف تجارب‬ ‫ما بعد ‪ 2003‬إن أصحابها ال يختزنون روح الجامعات التي‬ ‫نشأوا فيها فال األساطري وال الرموز لها وجود واضح عندهم‬ ‫وال األفكار الفلسفية ميكن أن تحتوي تلك التجارب كام‬ ‫كان لدى أجيال ما بعد الستينيات‪ .‬كان الشعر عند أبناء‬ ‫تلك األجيال خالصة لتجارب ثقافية خصبة ففي أشعارهم‬ ‫ميكن أن تعرث عىل شذرات من الصوفية ونتف من األساطري‬ ‫والطقوس ويف بعض األحيان تشعر مع تلك القصائد أنك‬ ‫تستعيد تراث العرب اللغوي كله أو بعضه ممزوجاً برتاث‬ ‫إنساين اطلعوا عليه وترشبوه بأرواحهم وعقولهم‪.‬‬ ‫مع شعراء ما بعد ‪ 2003‬ال يوجد مثل هذا الفيض إال يف‬ ‫أضيق حدود ويف تجارب شاعرين أو ثالثة وهذا راجع‬ ‫برأيي إىل استسهال جبل عليه الجيل الراهن يف تلقي‬ ‫معارفه فهم ـ كام يصف الكثريون ـ جيل العوملة والفيس‬ ‫بوك واملواقع اإللكرتونية‪ ،‬أو لنقل جيل الفردية يف تلقي‬ ‫املعلومات إذ ال وجود لحركة اجتامعية مرافقة تأيت غالباً‬ ‫كمكون من مكونات الشاعر‪.‬‬ ‫ليست لديّ الرغبة يف ذكر األسامء وتوصيف اشتغاالتها‪.‬‬ ‫قد تأيت مناسبة أخرى أتحدث عن ذلك بالتفصيل لكن‬ ‫الخالصة هو إن جيل ما بعد ‪ 2003‬هو نتاج عرصه‪ ،‬هذا‬ ‫العرص الرسيع واملنفلت الشبيه مبوقع إلكرتوين واسع وغري‬ ‫منضبط‬


‫الفنان يوسف معتوق‬

‫ليبيا بعد ‪ 17‬فبراير‬ ‫الشعراء بعيدون عن عين الرقيب‬ ‫والقصائد ال تصل إلى جهازه األمني‬ ‫الحراك الشعبي‪ ،‬أو ما يسمى بالربيع العربي‪ ،‬الذي شهدته البعض من دولنا العربية ترك تأثيرا بالغا في حركة‬ ‫ُ‬ ‫الحراك األدبي وان كان هذا التأثير ما يزال في بداياته‪ ،‬إذ أن المفردة لم‬ ‫المجتمع‪ ،‬ولم ُيستثن‪ ،‬من ذلك بالطبع‪،‬‬ ‫تتشكل بما يكفي‪ ،‬إال أن اآلفاق التعبيرية في القول الشعري‪ ،‬الليبي منه على وجه التحديد‪ ،‬بعد الثورة بدأت‬

‫تتنفس اكسجينها الخاص‪ .‬عن هذا األمر‪ ،‬حرية التعبير والقول الشعريين بعد الثورة‪ ،‬أجرت "بيت الشعر" هذا‬

‫التحقيق مع بعض الشعراء الذين عايشوا الحدث وكانوا جزءا من نسيجه الخاص‬

‫طرابلس‪ -‬خلود الفالح‬

‫إعادة إنتاج للقيم في رموز وأيقونات‬ ‫رامز النويصري‬

‫ال نستطيع الجزم بتأثري ثورة ‪ 17‬فرباير املبارش عىل األدب‬ ‫الليبي اآلن وإجامال‪ ،‬مبعنى أنه ميكننا ملس هذا األثر يف‬ ‫صور وإحاالت ورموز‪ ،‬فطبيعة اإلنتاج األديب تعتمد عىل‬ ‫إعادة إنتاج الحالة أو اللحظة يف صورة جاملية‪ ،‬وهذا‬ ‫يحتاج من املبدع إىل مرور الوقت الكايف ليعيشها‪ ،‬أو لنقل‬ ‫ملعايشتها‪ ،‬بغية الوصول إىل نصه الخاص‪ .‬فالنص الحديث‬ ‫يعتمد عىل الرصد وبناء األنساق الشعرية‪ .‬والحرية –عىل‬

‫سبيل املثال‪ -‬كقيمة إنسانية كربى‪ ،‬ال ميكن التعبري عنها إال‬ ‫من خالل معايشتها‪ ،‬التي ال تأيت يف يوم أو شهر‪ .‬فالشاعر‬ ‫–أو املبدع‪ -‬يبحث دامئاً عن اإلبهار‪ ،‬من خالل البحث عن‬ ‫تلك القيم التي ميكنه إعادة إنتاجها يف رموز وأيقونات‪،‬‬ ‫تخص القيم التي يو ّد التعبري عنها‪.‬‬ ‫وذات مرجعيات ثقافية ّ‬ ‫أما الوجه اآلخر للمسألة‪ ،‬فهو الحرية‪ ،‬مبعنى االنطالق يف‬ ‫التعبري‪ ،‬ونعني رفع سقف حرية التعبري بهدف رصد تجارب‬ ‫ٌ‬ ‫مسكوت عنها‪،‬‬ ‫إبداعية جديدة ومختلفة‪ ،‬وموضوعات‬ ‫تفتح الباب عىل مستويات إبداعية ظلت حبيسة‪.‬‬ ‫وعىل املستوى الشخيص أرى أن املميز يف املشهد اإلبداعي‬ ‫الليبي – اآلن‪ ،‬بعد ‪ 17‬فرباير‪ -‬هو القصة القصرية‪ ،‬فهذا‬ ‫الجنس اإلبداعي من خالل ما نرش من نصوص استطاع‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪87‬‬


‫قضية‬

‫مبرونة رصد الحراك الليبي ومقاربته ابداعيا‪ ،‬كام متكنّ‬ ‫العديد من الكتّاب من الدخول إىل تفاصيل حكائية‪.‬‬ ‫يف الشعر‪ ،‬نقرأ الصورة عىل جزأين‪ ،‬يف األول يأيت النص‬ ‫التقليدي يف قدرته عىل التعبري املبارش للحدث أو القيمة‪،‬‬ ‫ويف الثاين‪ ،‬نطالع بعض النصوص الحديثة التي تحاول أن‬ ‫تصنع موازاة بني الحدث والقيمة من خالل التعويل عىل‬ ‫الرصد العام‪ ،‬وتشكيل صور شعرية وتراكيب جديدة‪.‬‬ ‫ويف ظني أن علينا االنتظار قلي ًال لقراءة نص مغاير يكون‬ ‫ابناً رشعياً لثورة ‪ 17‬فرباير‪.‬‬

‫إرحـــل‬

‫متنحك بعض ُ‬ ‫َ‬ ‫الطأمنينة‪،‬‬ ‫لتكون للحكاي ِة خامت ًة‬ ‫وميكننا عىل الضو ِء الباقي كتاب َة الفصلِ األخري‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فنحفظ لك نقط َة النهاي َة‬ ‫ُ‬ ‫رش ألعا ِبهم‬ ‫األطفال‬ ‫فيبدأ‬ ‫ِ‬ ‫بتعليق الزين ِة‪ ،‬ون ِ‬ ‫ُ‬ ‫برتتيب الساح ِة‪ ،‬والغناء‪.‬‬ ‫وتبدأ النساء‬ ‫ِ‬ ‫ليكون للسام ِء لون الدعاء‪،‬‬ ‫ولألرض رائح ُة الصالة‬ ‫ِ‬ ‫للطرقِ وجهٌ آخ َر جديد‬ ‫للبيوت نواف َذ أكرب‬ ‫ِ‬ ‫للحدائق هسهس ُة الربيع‬ ‫ِ‬ ‫الصبا‬ ‫عىل‬ ‫زقزقة‬ ‫للعصافري‬ ‫وزنِ‬ ‫ّ‬ ‫للبح ِر امتدادٌ ساكن‪.‬‬ ‫لنكتب الفصل األخري من روايتنا‬ ‫َ‬ ‫أقول‪ :‬ارحل‪.‬‬ ‫وهل تصنع الثورات شعراءها؟!‬ ‫عبد الباسط أبوبكر محمد‬

‫أعتقد أن األفق املفتوح الذي منحته الثورة للجميع‪ ،‬قد‬ ‫انعكس عىل الشعراء من ناحيتني‪ :‬شعراء كانوا يحلمون‬ ‫بالتغيري ويرسمون بنصوصهم الضوء الذي مل يره أحد‬ ‫سواهم يف نهاية النفق‪ ،‬وعندما أىت «الضوء» انبهروا من‬ ‫‪88‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫هذا الكيان الجديد الذي يسمى «الثورة» فوقفوا عىل‬ ‫املسافة التي تفصل بني املشاركة واالمتناع‪ .‬هل هي الثورة‬ ‫التي يحلمون بها؟! أم أنها كائن داجن ال عالقة لهم به!!‬ ‫أيضا‪ ،‬من الناحية األخرى‪ ،‬فثمة شعراء جدد هم نتاج‬ ‫الثورة‪ ،‬وأقالمهم التي واكبت هذا الحلم الذي يتحقق من‬ ‫اليوم األول فع ًال وكتابة‪ ،‬هم الشعراء الذين شهدوا لحظة‬ ‫تحقق الحلم من اللحظات األوىل‪ ،‬وحفروا مسار الثورة‬ ‫بقوة وثقة!!‪.‬‬ ‫القصيدة قبل الثورة كانت تحت «عني الرقيب»‪ ،‬الرقيب‬ ‫الذي صنعته الدولة األمنية‪ .‬األمر الذي حتّم عىل القصيدة‬ ‫أن تناور لتتخطى الكثري من العقبات‪ ،‬وتتنقل وسط حقول‬ ‫هائلة من األلغام وتفرز أدب مقاومة حقيقيا‪ ،‬حيث‬ ‫استطاعت أن مترر همومها وتقول كلمتها رغم كل يشء‪،‬‬ ‫فقد كانت القصيدة آنذاك تبحث عن أفق متسع للتعبري‬ ‫فرسمت ببحثها هذا‬ ‫كيانها الجميل!!‪.‬‬ ‫القصيدة بعد الثورة‪،‬‬ ‫على القصيدة أن‬ ‫هي بنت أصيلة‬ ‫تشكل أفقها الحر‬ ‫للحرية صنعت نفسها‬ ‫المفتوح وأن تنتج‬ ‫بثقة الثورة‪ ،‬ومتاهت‬ ‫مع التغيري‪ ،‬وأفرزت‬ ‫نصوصها الجديدة‬ ‫نصوصها الحقيقية‬ ‫التي تحتفي‬ ‫تحت مظلة األفق‬ ‫بالحياة والغد‬ ‫املفتوح‪ ،‬الثورة صنعت‬ ‫شعراء حقيقيني!!‪.‬‬ ‫والحلم‬ ‫الشعراء «يف الحالني»‬ ‫وجدوا أنفسهم أمام‬ ‫مفرتق الطرق‪ ،‬إذ‬ ‫أن عليهم أن يتعايشوا مع التغيري‪ ،‬يف الحالة األوىل‪ ،‬أن‬ ‫يستوعبوا التغيري‪ ،‬ويف الحالة األخرية‪ ،‬عىل القصيدة أن ال‬ ‫تتوقف عند عتبة الثورة‪ ،‬فالشعر حياة تتشظى وتتنوع‬ ‫باستمرار؛ أي أن عىل القصيدة أن تشكل أفقها الحر‬ ‫املفتوح وأن تنتج نصوصها الجديدة التي تحتفي بالحياة‬ ‫والغد والحلم‪.‬‬


‫الشعر ما بعد «الديكتاتورية»‬

‫الشاعر ومفاجأة التحوالت الكبرى‬ ‫سالم العوكلي‬

‫سكت الشعر يف اللحظات الحرجة؛ لحظات األحداث‬ ‫الكربى‪ ،‬خاصة القصيدة الحديثة‪ ،‬التي تحتاج إىل مسافة‬ ‫زمنية تفصلها عن الحدث لتقف عىل شحناته اإلنسانية‬ ‫وثيمته الخالدة‪ ،‬وإال فستكون القصيدة قصيدة للمناسبة‬ ‫أو تنحو بالشعر تجاه التحريض بوصفه تقليدا قدميا كان‬ ‫من مسؤولية الشاعر يف غياب املؤسسة اإلعالمية‪ .‬الشعر‬ ‫الحديث يستعيد كينونته األصيلة‪ .‬رمبا الشاعر ال تفاجئه‬ ‫التحوالت الكربى ألنه بطبيعته يرصد تلك التحوالت‬ ‫الصغرية التي تفيض إليها‪.‬‬ ‫بعد ثورة فرباير يف ليبيا مل أكتب إال قصيدة واحدة هي‪:‬‬ ‫رؤيا الشهيد‪ .‬كانت تلح ع ّ‬ ‫يل يك اعتذر عربها من اللغة ومن‬ ‫املفهوم‪ ،‬ذي الحكم املسبق عىل املفردة‪ ،‬بعد أن تستعيد‬ ‫سحرها وجامليتها‪.‬‬ ‫كنت يف تجربتي السابقة أتحاىش املفردات التي توحي‬ ‫بالعنف أو بالتنظري للموت يف قصيديت‪ ،‬مفردات مثل‬ ‫الجهاد أو الشهيد أو غريها‪ ،‬حني زرت يوم ‪ 17‬فرباير ‪2011‬‬ ‫جثامني أول خمس شهداء يف مدينتي درنة اكتشفت يف تلك‬ ‫اللحظة وأنا أتأمل مالمحهم مفهوما مختلفا ملفردة الشهيد‪،‬‬ ‫ورغم الحزن العميق كان مثة جامل يترسب من مالمحهم‬ ‫ألنهم ميوتون من أجل قيمة إنسانية عظيمة هي الحرية‪.‬‬ ‫لقد كانوا شبانا ب»موضة» حديثة وقد سرُ ِّ ْ‬ ‫حت شعورهم‬ ‫بطريقة رائعة‪ ،‬ولقد رأيت يف عيونهم أحالما كثرية‪...‬‬ ‫تلك األحالم التي كانت ما تزال تلتمع يف عيونهم نصف‬ ‫املغمضة ونصف املفتوحة‪ .‬كتبت قصيديت العتذر إليهم‬ ‫وألعتذر من سحر الكلامت حني تستعيد ثراءها وجاملها‬ ‫بعدما طالها التلوث‪.‬‬ ‫أما مفهوم الحرية يف القول الشعري فهو لصيق بالقصيدة‬ ‫وهو سؤالها الدائم ألن الطغيان ليس سياسيا فقط لكنه‬ ‫اجتامعي‪ ،‬بل هو دين أيضا ألن من املمكن أن يتولد عنه‬ ‫الحضارة نفسها وكذلك املؤسسة التي تحيل الكائن اإلنساين‬

‫إىل آلة أو رقم حتى يف املجتمعات الحرة والدميقراطية‪.‬‬ ‫الشعر رشطه األخالقي الوحيد هو أن يتساءل بشأن الكائن‬ ‫ومصري اإلنسان دامئا‪.‬‬ ‫من قصيدة «رؤيا الشهيد»‪:‬‬

‫صوب الشمس اتجهوا‬ ‫فتية كالرساب ال يدركهم عطش‬ ‫من رحيق األرض انبلجوا‬ ‫صدورهم دروع ونارهم حجر‬ ‫كيف يعودون إىل ناصية الشارع‬ ‫وألوان ليبيا‬ ‫لوحة انفجرت عىل‬ ‫رغم الحزن العميق‬ ‫أصابعهم‪.‬‬ ‫الفتية املارقون‬ ‫كان ثمة جمال‬ ‫كعباد الشمس هاماتهم‬ ‫يتسرب من مالمح‬ ‫تغزل الضوء‬ ‫الشهداء ألنهم‬ ‫كانوا يف آخر عيد‬ ‫يموتون من أجل‬ ‫يلعبون ببنادق البالستيك‬ ‫واآلن خلف امليم طاء‬ ‫قيمة إنسانية‬ ‫يجلسون كأنهم يف مقهى عظيمة هي الحرية‬ ‫هذه املرة يشرتون العيد‬ ‫لعبة ليوم البنادق‪.‬‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪89‬‬


‫قضية‬

‫ازدهار النثر وقوة الشعر‬ ‫عمر الكدي‬

‫يف تقديري‪ ،‬سيزدهر النرث يف ليبيا أكرث من الشعر‪ ،‬ألن‬ ‫املجتمع يف حاجة إىل أن يروي ذاته‪ ،‬إذ أنه خالل العقود‬ ‫األربعة املنرصمة قد ُمنعت الرواية من التعبري عن نفسها‬ ‫وعن الحراك االجتامعي بشدة‪ .‬باملقابل‪ ،‬أعتقد أن الشعر‬ ‫قام مبهمته بكل نجاح خالل املرحلة املاضية‪ ،‬عندما كان‬ ‫يتكئ عليه املبدعون أكرث من النرث‪ ،‬ألن لديه القدرة عىل‬ ‫اإلمياء واإلشارة من بعيد بسبب طبيعته الخاصة باستخدام‬ ‫الفنون البالغية مثل التورية واالستعارة‪.‬‬

‫هامش الحرية يساوي المتن‬ ‫فرج أبو شينة‬

‫يقول هايدجر‪« :‬يف القول يكمن الوجود»‪ .‬أيّ قول ذلك‬ ‫الذي كان يقصده هايدجر؟!‪ ..‬وأي وجود؟ يف هيمنة كهذه‪،‬‬ ‫حيث الرئيس هو اإلطار الوجودي املحض‪ ..‬ال قول‪ ،‬وال‬ ‫وجود يف كنف السلطة الغاشمة‪ .‬إذا أردت أن تقول فقل‬ ‫نعم أو اصمت‪.‬‬ ‫لكن الشاعر الحقيقي ال يقوى عىل السكوت وال عىل‬ ‫التخاذل‪ .‬يشعر ب»مغص» يف حنجرته‪ ..‬ورغبة حقيقية‬ ‫يف تقيؤ الحياة‪ .‬يف ظل النظام السابق كان الشاعر يتنفس‬ ‫زفريه‪ .‬هم ق ّلة من تجرؤا عىل استنشاق الهواء النقي الخايل‬ ‫من الهيمنة لكنهم دفعوا الثمن باهظا‪ .‬سجن «أيب سليم»‬ ‫يشهد عىل ذلك‪.‬‬ ‫إن هامش الحرية لدى الشاعر يساوي املنت‪ .‬وحرية القول‪،‬‬ ‫ليس فيام يكتبه فقط‪.‬إمنا فيام يراه من إصالحات سياسية‬ ‫ومن تحوالت يف العامل واملعرفة معا‪ .‬الشاعر الذي بال‬ ‫موقف هو بال ظل‪ .‬وال تعرتف به أ ّية قيلولة‪ ..‬كذلك رئة‬ ‫الشاعر يف األصل تستوعب ّ‬ ‫كل أكسجينات السلطة الطريّ‬ ‫منها واملختنق‪ .‬لديه مقدرة عىل التحايل والقول‪ .‬لديه رئة‬ ‫‪90‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫احتياطية يوفق أحيانا يف‬ ‫استعاملها‪ .‬ويف أحايني أخرى‬ ‫قلّة من الشعراء هم‬ ‫يفشل‪ .‬طبعا‪ ،‬يتوقف األمر‬ ‫الذين تجرؤا على‬ ‫عىل مقدرته يف استخدام الرمز‬ ‫استنشاق الهواء‬ ‫كقناع وكمكريوفون‪ .‬كثريون‬ ‫النقي الخالي من‬ ‫استطاعوا استخدامه‪ .‬قالوا‬ ‫قولهم يف حضور الشمس‪ .‬ومل‬ ‫الهيمنة‪ ،‬لكنهم‬ ‫يهابوا تهديدات العتمة‪.‬‬ ‫دفعوا الثمن باهظا‬ ‫اآلن‪ ،‬اختلف األمر‪ ،‬وعىل‬ ‫الشاعر أن يختلف هو‬ ‫أيضا‪ ..‬ال أن يتخ ّلف‪ ،‬عليه‬ ‫أن يختلف يف نظرته إىل الواقع ‪ ..‬ويف نظرته إىل الحياة‬ ‫الجديدة الربيئة من السياجات واألسالك الشائكة واألسوار‬ ‫العالية السمينة‪ .‬كذلك‪ ،‬وهذا مهم جدا‪ ،‬عليه أن يعيد‬ ‫النظر يف قوله ألن القول الشعري مل يعد كام كان عليه يف‬ ‫السابق‪ ،‬فهو «إما خائفا أو خجوال أو مرتبكا أو متواطئا»‪.‬‬ ‫إىل ذلك فالدولة الحديثة املرتقبة سوف تكون رئة تسمح‬ ‫للجميع بالتنفس ‪ ..‬ولدينا من اآلذان ما يسمح للجميع‬ ‫بالقول‪ .‬لقد اتسع هامش القول بالفعل‪ ،‬ففي الصحافة‬ ‫انتقد الكثريون املجلس االنتقايل يف بعض سياساته‬ ‫االرتجالية أحيانا‪ .‬ويف الفيس بوك بات «الهامش» هو‬ ‫األكرث اتساعا للقول‪ .‬إننا نقرأ الكثري من االنتقادات حول‬ ‫أداء املجلس االنتقايل وأعضائه وكذلك أدائه‪ .‬وهذه سابقة‬ ‫جميلة مل تحدث منذ سنوات عدة يف ظل نظام واحد‬ ‫ومهيمن‪.‬‬ ‫هذا كله يحتِّم علينا‪ ،‬بالفعل‪ ،‬أن نعيد النظر يف أدواتنا‬ ‫الصوتية‪ .‬أن نقول ما يجب قوله‪ .‬ال أن نستغل هذه الهبة‬ ‫املقدسة لنتحرش ونشاكس ونثري بعض الزوابع بطريقة‬ ‫طفولية غري مسؤولة ال ليشء سوى استهالك حرية القول‬ ‫فيام ال يعنيه‪ .‬القول الذي ال يبني ينهدم عىل صاحبه‪.‬‬ ‫القول الذي ترشق منه الشمس يكون بردا وسالما عىل‬ ‫النوافذ‪ .‬فلنقل ما تجيش به صدورنا‪ ،‬حيت ال سياج وال‬ ‫قفص وال سقف أيضا‪ .‬السامء رحبة‪ ..‬والرئة بوسعها أن‬ ‫تتفس األكسجينات كلها ‪ ..‬واالختناق أمر غري وارد أبدا‪.‬‬


‫الشعر ما بعد «الديكتاتورية»‬

‫لهذا األدب بصوره العديدة أكرب دليل عىل مدى اإلحساس‬ ‫بالنقص والحاجة امللحة للسمو بالنفس والتحليق بها يف‬ ‫عوامل ال يحدها حد وال مينعها شد‪ .‬وإذا ما أردنا الحديث‬ ‫عن الخطاب األديب الليبي بعد ثورة ‪ 17‬فرباير فإننا نقول‬ ‫إن الوقت ما زال مبكرا ملعرفة ظواهر ومفردات تؤثر يف‬ ‫هذا الخطاب أو تلقي ظالال عليه وما ينبغي لنا التفكري‬ ‫فيه اآلن هو أن الخطاب األديب الليبي خطاب يحمل يف‬ ‫طياته حلام إنسانيا نبيال مل يعبأ بواقعه املرير وانطلق‬ ‫بعد الثورة محاوال ترتيب أوراقه واختبار ما بني يديه من‬ ‫مكتسبات يعتقد أنه مهد لها وعمل من أجلها‪.‬‬

‫إنني الليبي‬

‫أيها الشاعر‬ ‫الصمت الذي‬ ‫تراكم يف‬ ‫درج صدئ‬ ‫قل قولك‬ ‫وال متىض‬ ‫لقرب‬ ‫أو سجن‬ ‫أو منفى‪.‬‬ ‫الخطاب األدبي الليبي يحمل عبء حلم‬ ‫إنساني‬ ‫هليل البيجو‬

‫األدب الليبي مل يفتأ ينشد الحرية ويصبو إىل الخالص‪،‬‬ ‫وإنه غري منقطع عن الهم اإلنساين‪ ،‬ولعل شيوع الحرمان‬

‫ارسميني للمدى أفقا بعيدا‬ ‫أنرثيني يف فضاء الكون لحنا‬ ‫عانقيني وجد روح قد تسامى‬ ‫سوسن األفراح ُبثي يف كياين‬ ‫إنني الليبي يجري يف عروقي‬ ‫أعشق اللذات يف ّ‬ ‫كف املنايا‬ ‫إنني الليبي يا خوف انحساري‬ ‫جم الحب ُّ كأيس‬ ‫إنني الليبي َّ‬ ‫يا بالدي قد عرفت اليوم حقا‬ ‫يا بالدي لوين أفقي وكوين‬ ‫واجعليني يف احتدام الحزن عيدا‬ ‫رتليني الزورد أو نشيدا‬ ‫بل تجليّ فيك نريوزا سعيدا‬ ‫فوح سحر يورث النفس الخلود‬ ‫الرتجاف الروح شوق لن يبيد‬ ‫ال أبايل يف ا ُملنى دهرا عنيدا‬ ‫يف ضفاف الحلم قيدا أو سدودا‬ ‫فاسكبيني فرحة‪ ..‬عطرا‪ ..‬سعودا‬ ‫معنى أن ألقاك حرا أو شهيدا‬ ‫للهوى يف محنتي يوما جديدا‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪91‬‬


‫بيوت الشعر‬

‫بيت الشعر في الشارقة‬ ‫عشرة أعوام من التألق‬ ‫ثالث محطات رئيسة يتوقف عندها بيت الشعر في الشارقة خالل العام‪ :‬الرابع من فبراير‪ ،‬اليوم الذي تأسس‬ ‫فيه‪ُ ،‬‬ ‫وي َع ُّد واحدا من أقدم بيوت الشعر العربي‪ ،‬ولهذه المناسبة يدعو بيت الشعر سنويا إلى احتفالية شعرية‬

‫يقيمها بالتزامن مع اليوم العالمي للشعر في ‪ 21‬مارس‪ ،‬وهو المحطة التالية‪ ،‬وقد أقيمت لهذا العام بمناسبة‬

‫ّ‬ ‫مرور عشر سنوات على تأسيسه‪ُ ،‬‬ ‫الكتاب وأعالم الشعر والنقد والمثقفين العرب‬ ‫فدعي إليها نخبة واسعة من‬

‫المهتمين بالحركة الشعرية العربية وكذلك االعالميين‪ ،.‬وأخيرا مهرجان الشعر العربي الذي ُيقام في أحد‬ ‫الشهرين األخيرين من كل عام‬

‫الشارقة ‪-‬بيت الشعر‬

‫خالل األعوام السابقة أسس البيت لجمهور خاص به‪،‬‬ ‫وجه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد‬ ‫َّ‬ ‫أي خاص بالشعر‪ ،‬قوامه من الشعراء ومحبي الشعر‬ ‫القاسمي عضو املجلس األعىل حاكم الشارقة بإنشاء بيت‬ ‫ومتابعيه من االماراتيني والعرب‪ ،‬مقيمني وزائرين‪ .‬بدأ بناء‬ ‫الشعر‪ ،‬إمياناً منه بأهمية الشعر العريب ودوره الفاعل يف‬ ‫هذا الجمهور‪ ،‬إذا جاز التعبري‪ ،‬ليس من خالل األمسيات‬ ‫الحركة الثقافية واملجتمع‪ ،‬وافتتحه سموه يف الرابع من‬ ‫والفعاليات الكربى فحسب بل أيضا من خالل األنشطة‬ ‫نوفمرب من العام ‪ 1997‬يف احتفالية خاصة حرضها جمع‬ ‫املوازية التي غالبا ما تستقطب جمهورا شابا عربيا خالل‬ ‫غفري من كبار الكتّاب والشعراء والنقاد واملثقفني العرب‬ ‫أشهر الصيف والتي هي أشبه بورشات عمل تتناول الشعر‬ ‫واألجانب‪.‬‬ ‫وعروضه ونقد الشعر ومناهجه واملدارس الشعرية العربية‬ ‫و ُيعنى بيت الشعر بقضايا الشعر والشعراء يف مجاالت‬ ‫قدميا وحديثا‪ .‬مثة العديد من األسامء الشابة‪ ،‬خاصة من‬ ‫الكتابة والتوثيق واإلعالم والنهوض بها عرب اإلنتاج والتبادل‬ ‫النساء العربيات املقيامت اللوايت تخرجن من أصياف بيت‬ ‫الثقايف العريب‪ ،‬غري أن نشاطه الدائم يتمثل باألمسيات‬ ‫الشعر بالشارقة تلك‪.‬‬ ‫الشعرية التي يقيمها البيت‬ ‫لكن خالل الفرتة السابقة‪ ،‬تركزت‬ ‫كل ثالثاء يف مقره يف منطقة‬ ‫جهود بيت الشعر حول شكل‬ ‫الرتاث بالشارقة القدمية‪،‬‬ ‫محدد للقصيدة العربية‪ ،‬فكانت‬ ‫عىل مقربة من مرسح معهد‬ ‫تركزت خالل الفترة‬ ‫مجمل األنشطة والفعاليات تدور‬ ‫الفنون املرسحية وجمعية‬ ‫الماضية جهود بيت الشعر‬ ‫حول هذا الشكل‪ ،‬وأيضا أغلب‬ ‫املرسحيني ومقر مرسح‬ ‫للقصيدة‬ ‫محدد‬ ‫شكل‬ ‫حول‬ ‫الدعوات ألنشطته الشعرية كانت‬ ‫الشارقة الوطني من جهة‪،‬‬ ‫العربية‬ ‫تستثني أسامء أساسية من أشكال‬ ‫وعىل مقربة من متحف‬ ‫أخرى للقصيدة العربية وخاصة‬ ‫الشارقة للفنون املعارصة‬ ‫قصيدة النرث‪ ،‬األمر الذي ينطبق‬ ‫وجمعية التشكليني ورواق‬ ‫عىل الندوات املوازية أو األساسية‬ ‫الفنون من الجهة األخرى‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫بيت الشعر في الشارقة‬

‫التي كان يقيمها البيت طيلة السنوات الثالث األخرية عىل‬ ‫األقل‪.‬‬ ‫كان هذا األمر‪ ،‬مبارشة‪ ،‬سببا رئيسيا من بني أسباب أخرى‪،‬‬ ‫تخص الحال الراهنة للشعر العريب إجامال‪ ،‬فضال عن أنه‬ ‫عىل النقيض من أحد أهم أهداف بيت الشعر هو تأصيل‬ ‫دور الشعر والشعراء يف الحركة الثقافية واملجتمع‪ ،‬وإيصال‬ ‫صوت الشعر إىل قطاعات املجتمع كافة‪ ،‬وتوثيق الحركة‬ ‫الشعرية املحلية والخليجية والعربية‪ ،‬والتفاعل مع الحياة‬ ‫الشعرية وطنياً وعربياً وإنسانياً‪ ،‬ودعم الشعراء وتشجيعهم‬ ‫مادياً ومعنوياً والبحث يف جامليات الشعر العريب وبثها يف‬ ‫دنيا الناس‪ ،‬والبحث والدراسة يف شعر وشعراء اإلمارات‬ ‫خاصة والوطن العريب عامة‪.‬‬ ‫وال يخفى عىل املتابع أن بيت الشعر قد أقام عىل مدى‬ ‫عرش سنوات من عمره عددا من املهرجانات التي ُك ّرست‬

‫للشعر العريب الفصيح وتكريم شعراء عرب‪ ،‬باالضافة إىل‬ ‫عدد من الندوات واملحارضات ذات العالقة الوطيدة بالشعر‬ ‫والنقد قدمها نخبة من األساتذة‪ ،‬ويستضيف عدداً كبرياً‬ ‫من شعراء الدولة ودول مجلس التعاون والوطن العريب من‬ ‫املحيط إىل الخليج‪ ،‬وينظم عدداً من الدورات التدريبية‬ ‫واألنشطة الثقافية للناشئة واملوهوبني يف فن الشعر ويرشف‬ ‫عىل تلك الدورات أساتذة متخصصون‪ ،‬كام دأب بيت الشعر‬ ‫عىل تنظيم احتفال خاص مبناسبة اليوم العاملي للشعر يف‬ ‫الحادي والعرشين من مارس من كل عام‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬ ‫تقريباً يقيم أنشطة متنوعة يف املنطقة الرشقية عىل مدى‬ ‫ثالثة أيام سنوياً‪.‬‬ ‫ولعل من الرضوري االشارة إىل أن بيت الشعر يحظى برعاية‬ ‫ودعم دامئني من قبل صاحب السمو الشيخ سلطان بن‬ ‫محمد القاسمي مبارشة‪ ،‬األمر الذي أسهم يف جعل تأثري‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪93‬‬


‫بيوت الشعر‬

‫املحلية والخليجية والعربية والتفاعل مع الحياة الثقافية‬ ‫وطنيا وعربيا وإنسانيا‪ ،‬من خـالل مد حوار التواصل الرتايث‬ ‫واملستقبيل من أجل التثاقف الحضاري واإلنساين عامة»‪.‬‬ ‫«بيت الشعر» التقت الشاعر الربييك للوقوف عىل أوضاع‬ ‫البيت وحاله الراهنة ومرشوعاته املستقبلية‪.‬‬ ‫لنبدأ بالحديث عن مهرجان الشعر العريب املقبل‪ ،‬ماذا‬ ‫أعددتم حتى اآلن وما املختلف عن دوراته السابقة؟‬ ‫ ملتقى الشعر العريب يهدف إىل خدمة الشعر العريب‬‫بشكل عام‪ ،‬وتقديم طاقات إبداعية واكتشاف أسامء جديدة‬ ‫متميزة مل متنح الفرصة من قبل‪ ،‬وللملتقى برنامج معد‬ ‫من السابق‪ ،‬ومن تابع هذا امللتقى وجد أنه قدم لآلخرين‬ ‫صورة دولة اإلمارات تنظي ًام وإبداعاً ثقافياً‪ ،‬وسأعمل عىل‬ ‫التخطيط له وتفعيل بعض األفكار الجديدة املوجودة فعلياً‬ ‫ضمن خططي بعد التشاور مع املسؤولني يف دائرة الثقافة‬ ‫واإلعالم بالشارقة‪ ،‬وسأعلن عن الجديد الحقا‪.‬‬ ‫البيت ميتد ويتسع ليشمل الوطن العريب‪ .‬وقد بلغ عدد زوار مل تكن هناك مالمح خاصة ببيت الشعر يف الشارقة سابقا‪،‬‬ ‫بيت الشعر املشاركني يف أنشطته وندواته وأمسياته ودوراته أي ما من اسرتاتيجية واضحة تجعل أي متابع ينتظر شيئا‬ ‫‪ 1800‬مشارك خالل العام املايض‪ ،‬وذلك بحسب ما يذكر‬ ‫من بيت الشعر سواء عىل مستوى الشارقة ذاتها مدينة‬ ‫املوقع االلكرتوين لدائرة الثقافة واالعالم يف الشارقة‪.‬‬ ‫وإمارة أم عىل املستوى الخليجي والعريب؟‬ ‫ هناك خطط وبرامج تفعل هذه االسرتاتيجية‪ ،‬لكن رمبا‬‫الربييك‪ :‬الباب مفتوح للجميع وال ننحاز لشكل مل تفعل سابقاً ألسباب ال أود الخوض فيها وال تعنيني‪ ،‬وما‬ ‫يعنيني هو تفعيل هذا الدور‪ ،‬وسرتون إن شاء الله وضوح‬ ‫شعري‬ ‫اسرتاتيجية هذا البيت‪.‬‬ ‫يف السادس من يونيو املايض تم تكليف الشاعر محمد‬ ‫هل ستشهد الشارقة أنشطة أساسية فيام يتعلق بالشعر‪،‬‬ ‫الربييك بتويل مسؤولية تفعيل برامج بيت الشعر بالشارقة‬ ‫وانفتاحا عىل اتجاهات شعرية متعددة متواجدة يف‬ ‫«تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان‬ ‫الشارقة‪ ،‬واالمارات األخرى بالطبع‪،‬‬ ‫بن محمد القاسمي عضو‬ ‫غري ذلك االتجاه النمطي الذي‬ ‫املجلس األعىل حاكم الشارقة»‬ ‫طبع بطابعه الفرتة السابقة كلها؟‬ ‫بحسب بيان صحفي صدر‬ ‫ منذ أول فعالية تحت إداريت‬‫عن دائرة الثقافة واالعالم‬ ‫جسر التواصل بين البيت‬ ‫واآلخرين يتم إنشاؤه فعلي ًا بعثت برسالة فعلية واضحة أن‬ ‫بالشارقة‪ ،‬حيث قال الشاعر‬ ‫هذا البيت يتسع للجميع‪ ،‬وال‬ ‫عبدالله العويس رئيس الدائرة‬ ‫وهناك اتصاالت مع جهات‬ ‫ينحاز لشكل شعري عىل حساب‬ ‫يف ذلك البيان‪« :‬دأب بيت‬ ‫وأوساط عربية‬ ‫اآلخر‪ ،‬وقد تابعتم هذا بعدها من‬ ‫الشعر منـذ تأسيسه عام‬ ‫خالل الفعاليات الالحقة‪ ،‬ثم كان‬ ‫‪1997‬م عىل إيصال صوت‬ ‫التواصل مع بيت الشعر بأبوظبي‬ ‫الشعر إىل قطاعات املجتمع‬ ‫بطريقة غري مبارشة من خالل‬ ‫كافة‪ ،‬وتوثيق الحركة الشعرية‬ ‫‪94‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫بيت الشعر في الشارقة‬

‫استضافة رئيس هيئته اإلدارية الشاعر حبيب الصايغ يف‬ ‫فعالية ترشفنا بها‪ ،‬وكان التجاوب والتفاهم واضحاً من خالل‬ ‫الكلمة التي قالها األستاذ الصايغ قبل إلقاء أشعاره وتوقيع‬ ‫إصداره األخري (األعامل الكاملة)‪.‬‬ ‫رمبا ليس للنقد دور أسايس يف بيت الشعر طيلة الفرتة‬ ‫السابقة‪ ،‬مبعنى أنه كان يتحدث يف قضايا عمومية حول‬ ‫الشعر‪ ،‬ملاذا ال يتم السعي إىل تأسيس ندوة نقدية ُتقام‬ ‫فصليا وتناقش الشعر الراهن يف االمارات وما له وما عليه‬ ‫من وجهة نظر صارمة وغري مجا ِملة‪ ،‬إذا أردتم تقديم هذه‬ ‫التجارب عربيا؟‬ ‫ بدأنا يف تقديم النقد من خالل ثالث فعالية‪ ،‬واستضفنا‬‫الدكتور هيثم الخواجة للتحدث عن تجربة الشاعر حبيب‬ ‫الصايغ‪ ،‬وهناك ندوات نقدية سيكون لها دور يف املستقبل‬ ‫إن شاء الله‪.‬‬ ‫بالتأكيد فإن وجود شخص مثل محمد الربييك‪ ،‬شاعرا‪،‬‬ ‫عىل رأس هذه املؤسسة هو مدعاة للتفاؤل بعد فرتة من‬ ‫الجمود‪ ،‬فام هي الربامج املستقبلية للبيت وما هي الخطط‬ ‫األساسية السنوية التي من شأنها أن تؤكد عىل حضور البيت‬ ‫عربيا وخليجيا؟‬ ‫ بداية شكرا عىل هذا اإلطراء‪ ،‬وأمتنى أن أكون عند حسن‬‫ظن كل مثقف يخدمه هذا البيت‪ ،‬أما فيام يتعلق بالشق‬ ‫الثاين فإن هناك برامج سابقة‪ ،‬لكن تلك الربامج كانت‬

‫محتاجة إىل القليل من التطوير‪ ،‬وإىل االلتفات إىل دور‬ ‫اإلعالم يف إشهارها‪ ،‬ثم إين رصحت بالتواصل مع بيوت‬ ‫الشعر يف الوطن العريب‪ ،‬كام أين أنوي إقامة مركز استكشاف‬ ‫لألسامء الجديدة‪ ،‬وإقامة دورات للشعر‪ ،‬وهناك برامج‬ ‫أخرى سأعلن عنها يف حينها‪ ،‬أما ما سبق فقد تم اإلعالن عنه‬ ‫من خالل لقاءات مختلفة يف الصحف املحلية‪.‬‬ ‫تشهد االمارات باستمرار بروزا ألسامء شابة جديدة أو‬ ‫حضورا ألسامء أخرى من بالد عربية دامئا‪ ،‬فهل مثة يشء‬ ‫أعددمتوه يف البيت عىل هذا الصعيد؟ وبالتوازي مع ذلك‬ ‫هل هناك نوع من التعاون مع مؤسسات معنية بالحراك‬ ‫الشعري محليا وعربيا؟‬ ‫ً‬ ‫ جرس التواصل بني البيت واآلخرين عربيا يتم إنشاؤه‬‫فعلياً‪ ،‬وهناك اتصاالت عدة أجريتها خارجياً للتشاور مع‬ ‫اآلخرين‪ ،‬وبيت الشعر يف الشارقة يستضيف باستمرار أسامء‬ ‫من الداخل والخارج‪ ،‬ومن يدخل فيه يجد أنه يف بيته‪ ،‬أما‬ ‫األسامء اإلماراتية الشابة فإن هناك حلقة وصل مفقودة بني‬ ‫األجيال‪ ،‬وبعد ظهور آخر جيل للشباب مل نر أسامء جديدة‪،‬‬ ‫وهذا يف حد ذاته هم مؤرق سأحاول مع اآلخرين إيجاد‬ ‫حل للخروج منه‪ ،‬واكتشاف أسامء شابة تواصل مسرية من‬ ‫سبق‪ ،‬كذلك فإين أفتح الباب للجميع إلبداء رأيه الذي يخدم‬ ‫الثقافة واألدب بشكل عام‪ ،‬وسأحاول األخذ باألفكار الجيدة‬ ‫وتطبيقها حسب اإلمكانيات املتاحة‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪95‬‬


‫شعر وسينما‬

‫الفيلم الشعري‬ ‫جسر جديد بين الشاعر والقصيدة‬ ‫بات للفيلم الشعري مهرجاناته الخاصة في‬

‫أوروبا‪ ،‬حيث غادر الشاعر دوره كقارئ لنصه‬ ‫وترك للصورة والنص المكتوب أن يؤديا‬

‫وظيفة ايصال القصيدة‬

‫ستوكهولم ‪ -‬مهند صالحات‬

‫رغم‬

‫حداثته يف أوروبا والعامل‪ ،‬إال أن الفيلم الشعري‬ ‫الذي ميازج ما بني الصورة املرئية والنص‬ ‫بتنافس كبري عىل إنتاجه ما‬ ‫املكتوب‪ ،‬يلقى قبوالً ويحظى‬ ‫ٍ‬ ‫بني الشعراء‪ ،‬ويف السنوات األخرية أصبح هنالك مهرجانات‬ ‫خاصة به‪ ،‬وهو ذلك النوع من األفالم الذي يندرج تحت‬ ‫إطار ما يسمى بالفيديو آرت‪ ،‬ال يحمل بالعادة قصة وإمنا‬ ‫رؤية‪ ،‬وغالباً ما يقوم الشاعر نفسه بتصوير فيلمه أو‬ ‫االستعانة بصور تعرب عن فكرته‪ ،‬ويرشف الشاعر كام مخرج‬ ‫الفيلم عىل فلمه الشعري ليخرج حام ًال رؤيته الشعرية التي‬ ‫أرادها من القصيدة املرافقة له‪ ،‬ويجري بالعادة عرض هذا‬ ‫النوع من األفالم خالل القراءات الشعرية التي تتشهدها‬ ‫يف املهرجانات الشعرية أو األمسيات‪ ،‬وذلك إىل الخلف من‬ ‫الشاعر حني يقوم بقراءة قصيدته ليقدم للمشاهد املستمع‬ ‫يف الوقت نفسه رؤية متكاملة ما بني كلامت القصيدة‬ ‫والصورة‪ ،‬وأحياناً ُيعرض الفيلم وعليه صوت الشاعر مع‬ ‫مؤثرات صوتية أخرى‪ ،‬أو بخلفية صوت أو أصوات تقرأ‬ ‫القصيدة من دون أن ترافقها قراءة من الشاعر الذي يكتفي‬ ‫بجلوسه بني الحضور‪.‬‬ ‫مؤخراً‪ ،‬أنتج الشاعر الفلسطيني غ ّياث املدهون‪ ،‬املقيم يف‬ ‫العاصمة السويدية ستوكهومل‪ ،‬فيلمه الشعري األول بعنوان‬ ‫«املدينة» باالشرتاك مع الشاعرة السويدية ماري سيليك‬ ‫ٌ‬ ‫أصوات لعدد من األشخاص‬ ‫بريي‪ ،‬حيث ترافقت يف الفيلم‬ ‫يف شوارع ستوكهومل يقرؤون مقاطع من القصيدة املشرتكة‬ ‫للشاعرين املدهون وسيليك بريي التي تحمل عنوان الفيلم‬ ‫نفسه‪« :‬املدينة»‪ ،‬مع مشاهد لبنايات كربى تنهار جراء‬ ‫تدمريها أو نسفها‪ ،‬فيام ُيختم الفيلم بصوت صفارة اإلنذار‬ ‫‪96‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫من الحرب العاملية الثانية يف كلٍ من مدينة برلني ولندن‪ .‬يف‬ ‫حني أن تع ُّرف املدهون إىل الفيلم الشعري كان عندما ُط ِلب‬ ‫منه خالل كتابته نص عن «غزة» الستخدامه يف فيلم شعري‬ ‫بعنوان‪« :‬ستوكهومل غزة»‪.‬‬ ‫والفيلم الشعري كام يراه غياث هو "طريقة إليصال‬ ‫القصيدة إىل الناس‪ ،‬ورغم أن هذا النوع من األفالم الفنية‬ ‫كان موجوداً من قبل إال أنه كان مقترصاً عىل املحرتفني‬ ‫وصانعي األفالم‪ ،‬أما اليوم ومع انتشار الكامريات وأسعارها‬ ‫املتاحة ملتوسطي الدخل وكذلك برامج املونتاج يف أغلب‬ ‫الكمبيوترات املحمولة‪ ،‬فقد انفتح املجال واسعاً أمام غري‬ ‫املحرتفني سينامئياً من الشعراء للتجريب يف هذا النوع من‬ ‫األفالم الذي يتامهى مع كتابة الشعر"‪ .‬يضيف غياث أيضاً‪:‬‬ ‫«نحن ننرش الشعر يف املجالت والدوريات األدبية‪ ،‬ونقرأه يف‬ ‫األمسيات الشعرية‪ ،‬ونصدره يف دواوين ومجموعات شعرية‪،‬‬ ‫واآلن أصبحت هناك طريقة جديدة لنرش الشعر من خالل‬


‫تاركوفسيك‬ ‫رائد الشعرية يف السينام‬

‫للمتلقي من القصيدة نفسها‪ ،‬ترى ماري سيليك بريي‪ ،‬أن الفيلم‬ ‫الشعري ليس أقدر متاماً عىل ذلك‪ ،‬إمنا لديه اإلمكانية ملزج‬ ‫الصوت بالصورة‪ ،‬خاصة أننا اليوم أمام عامل يتحول إىل املريئ‬ ‫أكرث فأكرث‪ ،‬فالفيلم الشعري قد يكون ترجمة برصية للقصيدة‪،‬‬ ‫وبهذا نكون قد وصلنا إىل تقنية أكرث قدرة عىل إيصال فكرة‬ ‫القصيدة برصياً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من ناحيته يتوقع املدهون لهذا النوع من األفالم «شأنأ يف عامل‬ ‫الشعر يف املستقبل القريب»‪ ،‬مؤكدا أن هذا التوقع جاء بناء‬ ‫عىل تجربته مع «مهرجان زيربا لألفالم الشعرية» الذي يقام يف‬ ‫برلني كل عامني‪ ،‬والذي دُعي إليه يف العام ‪ ٢٠١٠‬بعد أن تم‬ ‫اختيار فيلمه مع ‪ ٢٥‬فيل ًام آخر لالشرتاك يف املهرجان من بني‬ ‫أكرث من ‪ ٩٠٠‬فيلم شعري تقدم بها شعراء من العامل للمشاركة‪.‬‬ ‫وباملقابل‪ ،‬ال يبدو غياث متفائ ًال بحضور تجربة عربية مع هذا‬ ‫النوع من األفالم قريباً‪.‬‬

‫وجهة نظر سينامئية‬

‫وجهة نظر قد تبدو غري بعيدة عام يقوله الشعراء‪ ،‬لكنها‬ ‫للمخرج السيناميئ عائد نبعة الذي يقول‪« :‬مل توجد السينام‬ ‫لخدمة الشعر أو أي نوع من أنواع الفن وكذلك العكس‪،‬‬ ‫نسمع البعضَ‬ ‫فالشعر والسينام جنسان مختلفان متاماً‪ ،‬لكننا‬ ‫ُ‬ ‫أحياناً وخصوصاً عند إعجابهم بلقطة ما أو فيلم ما‪ ،‬يقولون‪:‬‬ ‫األفالم الشعرية»‪.‬‬ ‫إنه كان كقصيدة من الشعر‪ ،‬ويأيت ذلك هنا كمفردة نقدية‬ ‫من جانبها ترى الشاعرة السويدية ماري سيليك بريي أن‬ ‫تستخدم الشعر كشحنة عاطفية عارمة للتعبري عن الجامل‬ ‫الفيلم الشعري «فرصة للعمل عىل إيصال فكرة تتضمنها‬ ‫وعن األسلوب البرصي األخاذ للسينام‪ ،‬فمفردات اللون والصوت‬ ‫بوقت معني‬ ‫قصيدة يف وقت محدود‪ ،‬أي أن تكون محدداً ٍ‬ ‫تكتب والتكوين وعمق املجال واملونتاج يف املشهد ترتك لدى املشاهد‬ ‫بوقت مفتوح كام لو َ‬ ‫كنت ُ‬ ‫عىل العكس من أن تعمل ٍ‬ ‫أحياناً االنطباع الذي ترتكه القصيدة أو الذي يرتكه النص من‬ ‫كتاباً»‪ .‬وتضيف سيليك بريي‪« :‬الفيلم الشعري فرصة ملزج‬ ‫صور تتطبع يف ذهن املستمع واملتفاعل»‪ .‬ورداً عىل سؤال‬ ‫متنوع من عدة طرق للتعبري عرب الصوت‪ ،‬واملوسيقى‪،‬‬ ‫حول ما ميكن لهذه األفالم الشعرية أن تقدمه‪ ،‬يقول نبعة‪:‬‬ ‫والنص‪ ،‬والصور املتحركة‪ .‬وهو أيضاً طريق مهم للخوض‬ ‫«هذه األفالم املرافقة للشعر أو القصيدة هي مبثابة محاولة‬ ‫أكرث يف تقنيات جديدة غري تقليدية‪ ،‬وللبحث يف تأثري‬ ‫لخلق حاسة جديدة لدى املتلقي غري متعارف عليها بعد‪،‬‬ ‫هذه التقنيات الجديدة عىل إمكانيات االبتكار واإلبداع‬ ‫حاسة غري السمع والبرص أو حاسة جديدة ناتجة عن مزج‬ ‫الذهني‪ ،‬كام أنها طريقة لتطويع التكنولوجيا يف خدمة‬ ‫الحاستني السابقتني‪ ،‬وهذا نوع جديد من أنواع العرض وحتى‬ ‫الشعر‪ ،‬فالفيلم الشعري له تأثري مختلف بالنسبة للقارئ‬ ‫أو الجمهور‪ ،‬بعكس النص املكتوب‪ ،‬كام أنه أقدر عىل عبور األفالم املصنوعة يف هذا النوع الجديد من أساليب طرح الشعر‬ ‫للمتلقي مل ُتصنع أو ُتنجز لترتجم القصيدة ولكن لتضيف‬ ‫الحدود بسهولة أكرث من الكتاب»‪.‬‬ ‫للقصيدة مساحات ومدى جديداً»‬ ‫وحول إذا ما كان الفيلم الشعري أقدر عىل إيصال الفكرة‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪97‬‬


‫في الشعر‬

‫منبع الشعر‬ ‫إدغار موران‬

‫سأحاول‬

‫أن أدافع عن األطروحة اآلتية‪ :‬مستقبل الشعر كامن يف منبعه ذاته‪ .‬ما هو هذا املنبع؟ من الصعب إدراكه‪.‬‬ ‫إنه ضائع يف األعامق اإلنسانية‪ ،‬كام يف أعامق ما قبل التاريخ‪ ،‬هناك حيث ظهرت اللغة‪ ،‬يف أعامق ذلك‬ ‫اليشء الغريب الذي هو الدماغ والعقل اإلنسانيان‪ .‬أريد إذن أن أقدم بعض األفكار التمهيدية يك أتحدث عن الشعر‪ .‬أوالً‪ ،‬البد أن‬ ‫نعرف أن اإلنسان‪ ،‬كيفام كانت ثقافته‪ ،‬ينتج لغتني انطالقاً من لغته‪ :‬لغة هي لغة عقلية‪ ،‬تجريبية‪ ،‬عملية‪ ،‬تقنية؛ وأخرى هي لغة‬ ‫رمزية‪ ،‬أسطورية‪ ،‬سحرية‪ .‬تنزع األوىل إىل الدقة‪ ،‬والتدليل‪ ،‬والتحديد‪ .‬فهي ترتكز عىل املنطق وتحاول أن تجعل ما تتحدث عنه‬ ‫أمراً موضوعياً‪ .‬أما الثانية فتستعمل الداللة غري املبارشة‪ ،‬التامثل‪ ،‬االستعارة‪ ،‬أي هالة الدالالت التي تحيط بكل كلمة‪ ،‬بكل ملفوظ‪،‬‬ ‫وتحاول ترجمة حقيقة الذاتية‪ .‬ميكن لهاتني اللغتني أن تكونا متجاورتني أو متداخلتني‪ ،‬ميكن أن تكونا مفرتقتني‪ ،‬متقابلتني‪ ،‬وتناظر‬ ‫هاتان اللغتان وضعني اثنني‪ .‬الوضع األول‪ ،‬ميكن أن نسميه الوضع النرثي‪ ،‬الذي نسعى فيه أن ندرك‪ ،‬أن نفكر‪ ،‬وهو الوضع الذي‬ ‫يغطي جزءاً كبرياً من حياتنا اليومية‪ .‬الوضع الثاين‪ ،‬الذي ميكن أن نسميه الحالة الثانية‪ ،‬الحالة الشعرية‪.‬‬ ‫ميكن للحالة الشعرية أن تعطى بواسطة الرقص‪ ،‬بواسطة الغناء‪ ،‬بواسطة العبادة‪ ،‬بواسطة الحفالت‪ ،‬وبكل تأكيد‪ ،‬ميكن أن تعطى‬ ‫بواسطة القصيدة‪ .‬كان فريناندو بيسوا يقول إنه يف داخلنا يوجد كائنان‪ .‬األول‪ ،‬الحقيقي‪ ،‬هو كائن خياالتنا‪ ،‬وأحالمنا‪ ،‬الذي ولد‬ ‫يف الطفولة‪ ،‬الذي يبقى مدى الحياة؛ والكائن الثاين‪ ،‬املزيف‪ ،‬هو كائن املظاهر‪ ،‬كائن خطاباتنا‪ ،‬وأفعالنا‪ ،‬وحركاتنا‪ .‬لن أقول إن‬ ‫األول حقيقي والثاين مزيف‪ ،‬بل إنه‪ ،‬وبكل تأكيد‪ ،‬مع هذين الحالتني يتناظر كائنان يف داخلنا‪ .‬ومع الحالة الثانية يتناظر ما أدركه‬ ‫بوضوح رامبو املراهق‪ ،‬تحديداً يف رسالته الشهرية رسالة الرايئ‪ .‬إنها ليست حالة النظر‪ ،‬بل حالة الرؤية‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬شعر‪ -‬نرث‪ ،‬ذلك هو نسيج حياتنا‪ .‬قال هولدرلني‪ :‬اإلنسان يسكن األرض شعرياً‪ .‬وأعتقد أنه ينبغي القول إن اإلنسان يسكنها‬ ‫شعرياً ونرثياً يف نفس اآلن‪ .‬إذا مل يكن هناك نرث‪ ،‬لن يكون هناك شعر‪ .‬ال ميكن للشعر أن يكون جلياً إال يف عالقة مع النرثية‪ .‬إذن‪،‬‬ ‫نحن منلك هذا الوجود املزدوج‪ ،‬هذا التناقض املزدوج‪ ،‬يف حيواتنا‪.‬‬ ‫يف املجتمعات القدمية‪ ،‬التي نسميها جوراً بدائية‪ ،‬التي تناسلت عىل األرض‪ ،‬التي شكلت اإلنسانية وآخرها يتم إبادتها بوحشية‬ ‫يف األمازون ويف مناطق أخرى‪ ،‬كانت هناك عالقة ضيقة بني اللغتني والحالتني‪ .‬لقد تم الخلط بينهام‪ .‬يف الحياة اليومية‪ ،‬كان‬ ‫العمل مرافقاً باألغاين‪ ،‬باإليقاعات‪ ،‬كانوا بواسطة أجران يهيئون الدقيق وهم يغنون‪ ،‬ويستعملون اإليقاع‪ .‬لنأخذ مثال االستعداد‬ ‫للصيد‪ ،‬الذي تشهد عليه إىل اليوم الرسومات ماقبل التاريخية‪ ،‬خصوصاً رسومات مغارة «السكو»‪ ،‬يف فرنسا؛ التي تبني لنا أن‬ ‫الصيادين كانوا يقيمون طقوساً سحرية عىل طرائد مرسومة فوق الصخرة‪ ،‬لكنهم ال يقتنعون بتلك الطقوس‪:‬كانوا يستعملون‬ ‫نباالً حقيقية‪ ،‬واسرتاتيجيات شعوذية‪ ،‬فكانوا ميزجون االثنني‪ .‬بينام يف حضاراتنا الغربية املعارصة‪ ،‬حدثت تفرقة‪ ،‬بل أقول أيضاً‬ ‫فصل‪ ،‬بني الحالتني‪ ،‬بني النرث والشعر‪.‬‬ ‫هناك قطيعتان‪ .‬القطيعة األوىل‪ ،‬حدثت من النهضة‪ ،‬عندما تبلور شعر دنيوي أكرث فأكرث‪ .‬كان هناك أيضاً انفصال بينّ انطالقاً‬

‫‪98‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫من القرن السابع عرش‪ ،‬من جهة‪ ،‬ثقافة أصبحت علمية وتقنية‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ثقافة إنسانية‪ ،‬أدبية‪ ،‬فلسفية‪ ،‬تحتوي الشعر‬ ‫بالتأكيد‪ .‬إنه نتيجة لهذين االنفصالني أصبح الشعر مستق ًال بذاته فأصبح شعراً‪ .‬لقد انفصل عن العلم‪ ،‬وعن التقنية‪ ،‬وبكل تأكيد‬ ‫انفصل عن النرث‪ .‬لقد انفصل عن اإليقاعات‪ ،‬أقصد أنه مل يعد مطلقاً أسطورة‪ ،‬لكنه أصبح دامئاً يتغذى من منبعه الذي هو الفكر‬ ‫الرمزي‪ ،‬األسطوري‪ ،‬السحري‪.‬‬ ‫الشعر‪ ،‬يف ثقافتنا الغربية‪ ،‬مثله مثل الثقافة اإلنسانية‪ ،‬وجد غريباً‪ .‬وجد غريباً وسط املتعة‪ ،‬والرتفيه‪ .‬وجد غريباً من أجل‬ ‫املراهقني‪ ،‬والنساء‪ ،‬لقد أصبح مبعنى من املعاين عنرصاً دونياً مقارنة بنرث الحياة‪.‬‬ ‫للشعر ثورتان تاريخيتان‪ .‬األوىل هي الثورة الرومانسية‪ ،‬خصوصاً الرومانسية ذات األصل األملاين‪ .‬إنها ثورة ضد غزو النرثية‪ ،‬والعامل‬ ‫النفعي‪ ،‬العامل البورجوازي‪ ،‬العامل الذي تطور يف بداية القرن التاسع عرش‪ .‬والثورة الثانية‪ ،‬وقعت يف بداية القرن العرشين‪ .‬إنها‬ ‫ثورة السوريالية‪ .‬السوريالية تعني رفض أن يبقى الشعر منغلقاً داخل القصيدة‪ ،‬أي داخل تعبري أديب خالص وبسيط‪ .‬ليس ذلك‬ ‫نفياً للقصيدة‪ ،‬مادام بريتون‪ ،‬مادام برييه‪ ،‬مادام إيلوار‪ ،‬إلخ‪ ...‬قد كتبوا قصائد جميلة؛ لكن فكرة السوريالية مفادها أن الشعر‬ ‫يجد منبعه يف الحياة‪ .‬يف الحياة‪ ،‬بأحالمها وصدفها‪ ،‬وتعرفون األهمية التي يعطيها السورياليون للصدفة‪ .‬لقد وجد إذن ذلك‬ ‫املرشوع الرامي إىل إلغاء النرث من حياتنا اليومية الذي بدأه «آرثر رامبو» عندما كان يبدي إعجابه باألكواخ املتنقلة‪ ،‬وبالتينية‬ ‫الكنيسة‪ .‬كام أن السورياليني قدروا السينام‪ ،‬فهم أول من أحبوا شاريل شابلن‪ .‬إذن‪ ،‬إلغاء النرث من الحياة اليومية‪ ،‬وإعادة إدخال‬ ‫الشعر يف الحياة‪ ،‬ذلك هو أول رسالة بعثها السورياليون‪ .‬كانت هناك أيضاً الثورة‪ ،‬ثورة ليس فقط ضد العامل النرثي‪ ،‬بل ضد فظائع‬ ‫الحرب العاملية األوىل‪ ،‬التي منها جاء اإللهام الثوري‪ .‬تعرفون أن بريتون أراد أن يربط الصيغة السياسية الثورية «تغيري العامل»‬ ‫بالصيغة الشعرية السوريالية «تغيري الحياة»‪ .‬لكن هذه املغامرة‪ ،‬التي قادت بنفسها إىل هذيانات‪ ،‬إىل مجموعة من األخطاء‪،‬‬ ‫بل أقول حتى إىل التدمري الذايت للشعراء‪ ،‬عندما قاموا بإخضاع الشعر لحزب‬ ‫سيايس‪ .‬هنا توجد مفارقات الشعر‪ .‬ليس للشاعر أن ينغلق داخل مجال‬ ‫اليمكن للشعر أن يكون جلي ًا‪ ،‬إال‬ ‫صارم‪ ،‬مغلق‪ .‬مجال اللعب بالكلامت‪ ،‬مجال اللعب بالرموز‪ .‬للشاعر كفاءة‬ ‫في عالقته مع النثر‪ ،‬وفي حضارتنا‬ ‫كلية‪ ،‬متعددة األبعاد‪ ،‬تهم اإلنسانية والسياسة‪ ،‬لكن ال ينبغي أن يرتك نفسه‬ ‫الغربية المعاصرة حصل فصل بين‬ ‫خاضعة للنظام السيايس‪ .‬إن رسالة الشاعر السياسية هي تجاوز السياسة‪.‬‬ ‫الحالتين‬ ‫إذن‪ ،‬لقد شهدنا ثورتني يف الشعر‪ .‬واليوم‪ ،‬ما هو الوضع؟‬ ‫هناك ما ميكن أن نسميه تدفق «إفراط النرث»‪ .‬وتدفق إفراط النرث‪ ،‬هو تدفق‬ ‫منط حياة مايل‪ ،‬كرونومرتي‪ ،‬مجزأ‪ ،‬مقسم‪ ،‬مدمر‪ .‬وهو ليس فقط منط حياة‪ ،‬بل أيضاً منط فكر أو خربات متخصصة‪ ،‬أصبحت منذ‬ ‫اليوم مؤهلة ملواجهة كل أنواع املشاكل‪ .‬وهذا الغزو املفرط للنرث مرتبط بتدفق اقتصادي‪ ،‬تقني‪ ،‬بريوقراطي‪ .‬يف هذه الظروف‪،‬‬ ‫خلق فرط النرث يف نظري رضورة فرط الشعر‪.‬‬ ‫هناك حدث آخر طبع نهاية القرن‪ :‬إنه التدمري‪ ،‬أو باألحرى التدمري الذايت لفكرة الخالص األريض‪ .‬لقد صدقنا أن التقدم مضمون‬ ‫تلقائياً بالتقدم التاريخي‪ .‬صدقنا بأن العلم ال ميكن أن يكون سوى تقدمي‪ ،‬وبأن الصناعة ال ميكن أن تأيت سوى باملنافع‪ ،‬وبأن‬ ‫التقنية ال ميكن أن تقدم سوى اإلصالحات‪ .‬لقد صدقنا بأن هناك قوانني تاريخية ضمنت تفتح اإلنسانية‪ ،‬وعىل هذه القاعدة‪،‬‬ ‫اعتقدنا أنه من املمكن إقامة السالم عىل هذه األرض‪ ،‬أي سيادة السعادة التي وعدت بها الديانات يف السامء‪ .‬يف حني أننا اليوم‬ ‫نشهد انهيار فكرة أنه من املمكن وجود خالص عىل األرض‪ ،‬وذلك ال يعني رضورة التخيل عن فكرة تطوير العالقات اإلنسانية‬ ‫وتحرضها‪ .‬إن التخيل عن فكرة الخالص مرتبط بتفهم أن ال وجود لقوانني تاريخية‪ ،‬وبأن التقدم ليس مضموناً‪ ،‬ليس تلقائياً‪ .‬ليس‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪99‬‬


‫في الشعر‬

‫فقط أن التقدم يجب أن يهزم‪ ،‬لكن‪ ،‬كلام هزم‪ ،‬ميكن أن يرتاجع فيجب تجديده من دون توقف‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬كام قال الفيلسوف التشييك «باتوكا»‪« :‬الصريورة أصبحت إشكالية‪ ،‬وستبقى كذلك إىل األبد»‪ .‬نحن داخل هذه املغامرة‬ ‫الغامضة‪ ،‬واألحداث التي تقع كل يوم يف العامل تؤكد لنا ذلك‪ ،‬إننا وسط «ليل وضباب»‪ .‬ملاذا نحن وسط ليل وضباب؟ ألننا‬ ‫دخلنا كلياً العرص الكوكبي‪ .‬لقد دخلنا هذا العرص حيث توجد أفعال متعددة والنهائية بني كل أطراف األرض‪ ،‬حيث إن كل ما‬ ‫يتعلق بآبار النفط يف العراق والكويت يهم اإلنسانية جمعاء‪ .‬لكن يف نفس الوقت علينا أن نفهم أننا فوق هذا الكوكب الصغري‪،‬‬ ‫البيت املشرتك‪ ،‬مفقودون يف الكون‪ ،‬ونحن طبعاً نتحمل مسؤولية تحضري العالقات اإلنسانية فوق األرض‪ .‬تقول ديانات الخالص‪،‬‬ ‫وسياسات الخالص‪« :‬علينا أن نكون إخوة‪ ،‬حتى ننجو»‪ .‬وأعتقد أننا اليوم يجب أن نقول‪ :‬علينا أن نكون إخوة ألننا مفقودون‪،‬‬ ‫مفقودون فوق كوكب صغري عىل طرف شمس يف ضاحية مجرة محاطة بعامل بال مركز‪ .‬نحن هنا‪ ،‬لكننا منلك النباتات‪ ،‬والعصافري‪،‬‬ ‫واألزهار‪ ،‬ونتمتع بتعددية الحياة‪ ،‬وبإمكانيات العقل اإلنساين‪ .‬هذا هو‪ ،‬بعد اآلن‪ ،‬أساسنا الوحيد‪ ،‬وتدفقنا الوحيد املمكن‪.‬‬ ‫إن اكتشاف وضعنا الضائع داخل كوكب كبري ناتج عن اكتشافاتنا للفيزياء الفلكية‪ .‬ذلك يعني أن هناك حواراً ممكناً اليوم بني‬ ‫العلم والشعر‪ ،‬ألن العلم يكشف لنا عن عامل شعري بشكل أسطوري‪ ،‬مع إعادة اكتشافنا للقضايا الفلسفية املركزية‪ :‬ما معنى‬ ‫اإلنسان؟ ما هي مكانته؟ ما مصريه؟ ماذا ميكن أن يأمل؟ إن الفضاء القديم للعلم‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬كان آلة خالصة‪ ،‬محددة كلياً‪،‬‬ ‫تحركها حركة أبدية‪ ،‬بندول دائم‪ ،‬ال ميكن أن يحدث يف أي يشء‪ ،‬ال إبداع فيه‪ ،‬وال حدث‪ .‬يف حني أن هذه اآللة العدمية الكامل‬ ‫عىل نحو محزن‪ ،‬هي آلة مفككة‪ .‬ماذا نرى؟ إننا نرى الكون وهو يولد‪ ،‬رمبا‪ ،‬منذ خمسة عرش مليار سنة‪ ،‬من انفجار‪ ،‬منه انبثق‬ ‫الزمن فجأة‪ ،‬انبثق الضوء‪ ،‬انبثقت املادة‪ ،‬كام لو أن هذه البداية هي نوع من االنفجار الفوضوي‪ ،‬و أن الكون سينتظم عرب هذه‬ ‫الفوىض‪ .‬تبدو لنا الحياة شيئاً تافهاً‪ ،‬وبديهياً‪ .‬اكتشفنا الجرثومة‪ ،‬مباليني الجزيئات‪ ،‬عىل أنها أكرث تعقيداً إىل درجة أن كل معامل‬ ‫«روهر» تحتوي عليها‪ .‬انتبهنا أن الواقع الذي يبدو صلباً‪ ،‬وبديهياً‪ ،‬تالىش أمام‬ ‫هدف الشعر هو وضع أنفسنا في‬ ‫نظرة الفيزياء املجهرية‪ ،‬وأنه تحت نظرة الكون الزمن والفضاء‪ ،‬اللذان يبدوان‬ ‫مختلفني‪ ،‬ميتزجان ببعضهام‪ .‬العديد من الفيزيائيني الفلكيني يحدسون أن هذا‬ ‫الحالة الشعرية‪.‬ورسالة الشاعر‬ ‫العامل الذي ينفصل فيه الفضاء عن الزمن هو مثل الزبد‪ ،‬زبد يشء ما مختلف‬ ‫السياسية هي تجاوز السياسة‬ ‫ال يوجد فيه أبداً االنفصاالت بني الفضاء والزمن‪.‬‬ ‫أين الشعر من ذلك اليوم؟ لقد توصلنا‪ ،‬ليس فقط يف الشعر بل أيضاً يف‬ ‫املجاالت األخرى‪ ،‬إىل فكرة أنه ليس هناك طليعة‪ ،‬باملعنى الذي يشري إىل أن الطليعة تحمل شيئاً أفضل مام كان من قبل‪ .‬الجديد‬ ‫ليس بالرضورة أفضل‪ ،‬ورمبا هذه هي حقيقة فكرة مابعد الحداثة‪ .‬إن صناعة الجديد من أجل الجديد هو أمر عقيم‪ .‬املشكل‬ ‫ليس يف اإلنتاج املنتظم ويف اإلدهاش بالجديد‪ .‬الجدة الحقيقية تولد دامئاً من العودة إىل املنابع‪ .‬ملاذا جان جاك روسو هو جديد‬ ‫بشكل مدهش؟ ألنه أراد أن ينكب عىل منبع اإلنسانية‪ ،‬عىل أصل امللكية‪ ،‬وأصل الحضارة‪ ،‬ويف العمق‪ ،‬كل جديد عليه أن مير من‬ ‫منبع التدفق والعودة إىل القديم‪ .‬ميكن أن يكون هناك ما بعد حداثة وما بعد بعد حداثة‪ ،‬لكن كل ذلك ثانوي‪ .‬إن هدف الشعر‬ ‫يبقى أساسياً‪ ،‬هو أن نضع أنفسنا يف حالة ثانية‪ ،‬أو باألحرى‪ ،‬أن نعمل عىل أن تصبح الحالة الثانية هي األوىل‪ .‬هدف الشعر هو‬ ‫أن نضع أنفسنا يف الحالة الشعرية‪.‬‬ ‫* إدغار موران آخر الفالسفة الكبار يف فرنسا‪ ،‬والنص محارضة ألقاها يف املهرجان العاملي للشعر بستوغا‪ ،‬يف صيف سنة ‪1990‬‬ ‫ترجمة محمود عبد الغني‬

‫‪100‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫هل الشعر يؤلم؟‬ ‫ميشيل دوغي‬

‫كان‬

‫َ‬ ‫عنوان َومستهل املحادثة التي أجراها الكاتب «باولو‬ ‫هذا القول املأثور «أصغي يف هذا الترصيح إىل أمنية أو شك»‬ ‫فابري» يف أمسية ببيت الكتاب‪ ،‬وأبحث هنا لتطويرها محاوالً أيضاً دراسة نقيضها‪ ،‬أو إيجاد منذجة أخرى مامثلة‪.‬‬ ‫كام أعرف أن هذا االفرتاض يرن كتذكري لتقلي ٍد‪ .‬كان الشعر مؤذياً‪ ،‬يؤذي‪ ،‬ويعرف أن يؤذي‪ ،‬لكن هل يستطيع أن يستمر يف ذلك؟‬ ‫كان هنالك زمن لقصائد الهجاء والسخرية‪ ،‬زمن للعقوبات‪ ،‬كان أطول زمن ذاك الذي امتد من «أرشيلوك» إىل «فولتري» ومن‬ ‫«شينيي» إىل «هوجو»‪ .‬كان الشعر هجائياً أو وطنياً‪ ،‬يقتل أو يحب الحرب‪ ،‬كان نشيداً للحرب وللنرص‪ ،‬ينادي للقتل وللفتنة‪،‬‬ ‫نشيداً للحرب والنرص‪ ،‬الزمة حربية‪ ،‬أهجية‪ ...‬الشعر املسلح‪ ،‬املعتمر خوذة‪ ،‬بجزماته العروضية‪ ،‬ودرعه األشييل‪ ...‬أعرف جيداً‬ ‫لكنني سأبحث يف اتجاهات أخرى؛ تلك التي تقول بأنه يؤمل وتلك التي ترى أنه ال يؤمل أو تلك التي ترى فيه «أكرث االنشغاالت‬ ‫براءة» «بحسب ترجمة‪ ،‬هنا‪ ،‬لهولدرلني»‪ ،‬تلك التي ترى أنه يعرب عن الغضب والقسوة والحرمان واالعتزال‪..‬غاضب‪ ،‬قاس‪ ،‬زاهد‪،‬‬ ‫معتزل‪ ،‬يف أي حالة تضع الذات الغنائية نفسها؟ لننصت ونرى‪.‬‬

‫عن الغضب‬

‫ليس السؤال يف أن الشاعر الذي ميتلك نفسا هشة يغضب «وهذا ميكنه الوقوع»‪،‬‬ ‫لكن الغضب هو الذي يهز الشاعر‪ ،‬إنها اإللياذة التي تبدأ بالغضب‪ .‬لنسم هذا‬ ‫ليست المشكلة في أن نعرف‬ ‫االنفعال‪..‬سأتناول الغضب بسبب هومريوس وهوراس‪ ،‬املشكلة ليست يف أن‬ ‫من أين يبدأ الشاعر‪ ،‬لكن‬ ‫نعرف من يبدأ‪ ،‬من الدجاجة الغاضبة أم البيضة املهتاجة‪ ،‬لكن املشكل هو‬ ‫المشكل هو في انتزاع الشعر‬ ‫يف انتزاع الشعر من نفسية الشاعر‪ ،‬انتزاع « الغنائية» من الطبائعية‪ .‬الغضب‬ ‫«موضوعي» وهذا ال يعني أننا نتأرجح من الذات إىل املوضوع ولكننا نعمل عىل‬ ‫موضعة التفسري‪ ،‬إذن‪ ،‬ماذا يحدث؟‬ ‫كل هذا يغضب «ين»‪ ،‬يغيل الكائن ويهتاج‪ ،‬أنا أمل مطلق‪! ‬سنتكلم عن طريقة للوجود منفتحة عىل ما هو موجود‪ ،‬عن حالة‬ ‫أنطلوجية أو كاشفة‪ .‬يصبح الكائن ما هو يف ذاته‪ ،‬عن طريق ذاته من أجل ذاته‪ .‬التفكري يف الكائن‪ ،‬املكاشفة الذاتية‪ ،‬يحرك‬ ‫الغضب الفكر‪ ،‬الذي يبحث عن قول موقفه مام هو موجود يف نرب غاضب‪ .‬يتحدث الفالسفة عن «وجود»‪ .‬أنا غضب‪ ،‬هذا ما‬ ‫نقوله أو ر َّبة الفن تغضب الشاعر‪ -‬الحساس ليخرج عن أطواره ثم يأيت فقدان الثقة واألوهام من ربة الفن اإللهية إىل املجاز‬ ‫بأحرف كبرية‪ :‬يتجوهر الغضب يف بديل لعبادة وثنية للبالغة‪ ،‬وصف مؤثر معشوق بشكل مبهم‪ ،‬فضيلة غاضبة‪.‬‬

‫عن القسوة‬

‫يحلم الشاعر بوضعية حية للسان‪ ،‬متحركاً منساباً يف امتداد ومشك ًال استمرارية مع جسده الشخيص‪ .‬نتكلم استعارياً حسب‬ ‫االستعامل املبتذل لهذه الكلمة عن جسد ‪ -‬لسان وهو ليس جسداً‪ ،‬يدرج النطق الواحد يف اآلخر الجسد واللسان‪ .‬كيف‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪101‬‬


‫في الشعر‬

‫«نلمس»‪ ،‬نحرك‪ ،‬نتوصل؟ وعندما ال نحرك األشياء‪ ،‬هناك‪ ،‬مبارشة باستعامل «سحري» للجمل‪ ،‬يتعلق األمر بخلخلة النفوس‪.‬‬ ‫نتواصل‪ ،‬تقول يل؟ ال يعتمد هذا عىل األخبار‪ .‬ال‪ ،‬لكن يتعلق األمر بالنار‪ .‬أمتلك جيداً رأساً ووجنتني يشتعالن‪ ،‬لكن اللغة ال‬ ‫تشتعل‪ ،‬ونحن نتكلم عن النار‪ ،‬عن اللهيب‪ ،‬عن الحمى‪ .‬كيف منرر النار‪ ،‬كيف نشعل املكتبة؟ مرسح القسوة؟ قبل موته بقليل‬ ‫كان «آرتو» ال يزال يصطدم بلغز التواصل عندما كان يالحظ بطالن الحركة يف محارضته الشهرية سنة ‪.1947‬‬ ‫يبقى اللغز دامئاً أن كلمة أمل ال تؤمل‪ ،‬فكلمة املعاناة ال تجعلنا نعاين‪ ،‬كام أن القسوة ليست قاسية‪ .‬وعند اللزوم‪ ،‬ال يوجد هنالك‬ ‫فحش إال عرب املخيلة واملرجع‪« :‬تحيلنا» املخيلة‪ .‬ال يكون مدلول ما فاحشاً من نفسه‪ ،‬يكفي أن نكتب «خاخا» كإله قرطاجني‬ ‫عند «فلوبري» لئال يكون برازياً‪ .‬ما هي هذه‪« :‬السلطة املستقبلية التي ميكن للكلامت أن تحتفظ فيها باألشياء»‪ ،‬لنتساءل‬ ‫مستعريين كلامت «مريلو بونتي» هذه الطريقة يف التلقي التابعة للرقابة عموماً؟‬ ‫نخاطر باإلرساع يف الشعور باملتعة‪ ،‬باستدعاء هذه «االستمرارية مع الخارج»‪ ،‬ألنها «أمنية»‪« ،‬رغبة مجنونة» نهتم بها ألنها‬ ‫املفلسف الذي نعتمده ميكننا أن نتفاهم «نسبياً» حول «آرتو»‪ ،‬كام أطبائه‪ .‬ليست لغة املعتوهني‪،‬‬ ‫معرضة للفشل‪ ،‬هذا الخطاب‬ ‫ِ‬ ‫مث ًال‪ ،‬باللغة ألن ال أحد يتكلم بها‪ ،‬وال ميكننا تكلمها‪ ،‬وبطريقة ما «نسمعها» ألنها محاطة مبا ليس هي‪ ،‬منقولة من قريب إىل‬ ‫قريب عرب خطاب اآلخرين‪ ،‬تلك الخطابية العامة التي ترتدد داخلها ‪.‬‬ ‫ملاذا يحظى «رامبو» باالهتامم حتى عند شباب اليوم؟ هل انفعاله يف الكلامت‪ ،‬يحركني يحفزين عىل التحرك؟ هل الورع الذي‬ ‫يدعيه يستدعي الحرية و«العلف الذي يرمي به إىل الهاوية النهمة»‪ ،‬اللعنة‪ ،‬اللوثة‪ ،‬الوداع‪ .‬تؤثر فينا هذه اللغة االستثنائية‬ ‫«كيمياء الفعل؟» ‪ ..‬أال نقيس القوة مبدى تأثريها؟‪ .‬تقاس القوة مبدى املقاومة التي تواجهها‪ ،‬تقلصت املقاومة االجتامعية كثرياً‬ ‫باملقارنة مع املائة سنة املاضية‪ .‬إن «قوة» اللغة الشعرية لدى آرتو ورامبو ‪ -‬ال ترتبط بذكر ألفاظ القوة ‪ -‬هي أقل هجومية‪.‬‬ ‫لنقل أنها َتعْبرُ بشكل أفضل‪ ،‬لكن ليس بطريقة أحسن‪ :‬بدون أن تواجه نفس املقاومة‪ ،‬بدون أن تخترب قوتها‪ .‬تستنفذ الشعر‬ ‫يف الفراغ‪ ،‬يتصارع مع األشباح‪ ،‬أشباحه بالخصوص‪ .‬رمبا ينقصه البديل‪ ،‬إذن‪ ،‬الرديف لالعتقاد الذي هو نفسه خادع يف إيهامه‬ ‫بسلطته االستثنائية يف اتصاله بالخارج؟‬

‫الحرمان يؤمل‬

‫عامة ال يتحقق هدف ما من قبل ذات إال يف مقابل بعض الحرمان‪ ،‬والحرص الذايت‪ .‬أن تحرم من أجل إمكانية عليا صعبة املنال‪،‬‬ ‫هل مينح النموذج بـ«اإلخصاء»؟ القديس بول وأوريجني والرتوبادور‪ ...‬يحرم من املتعة واإلنجاب‪ ،‬من أجل متع وإنجابات ُأخر‪،‬‬ ‫أصبحت «استعارية»‪ ،‬حيث ينبغي أن تتناول هذه األخرية حرفياً‪ ،‬بجدية وواقعية‪ ،‬وعند استعامل الصورة «املشبه به» كأمنا‬ ‫الكلامت يجب أن تعكس جدية االستعارة وانقالبها إىل «روح»؟‪ ،‬لكن لديّ مالحظتني أو ثالثاً مرتبطة بتجربة الشعر وحول أمثلة‬ ‫بعينها‪.‬‬ ‫يتفرد مالرميه بقولة «وهي مجزوءة من خرافة يف محيك أحداث «النيلوفر األبيض»» تقول‪ ،‬محروم من ّ‬ ‫تجل ميكنه أن يكون‬ ‫«واقعياً» و«مشتهى»‪ّ ،‬‬ ‫تجل المرأة عىل ضفاف النهر األخرض‪ ،‬يعمل السارد عىل أن يجعلها ال تظهر أو تتناوب يف الظهور‬ ‫ً‬ ‫واالختفاء‪ ،‬حيث يكون محظوظا إذ ح ّول النرث املرسود إىل قصيدة نرثية‪ ،‬اإلنصات املتجيل يف حكمة إىل ما ميكن أن يقوم به‬ ‫الشعر‪ .‬وصف مغامرة مزعجة وحركة مجدف تنكتب يف قاعدة لعملية شعرية‪ ،‬ضمن فن شعري‪ .‬إنها رسالة ألجل رسم صورة‬ ‫لوجود مجازي‪.‬‬

‫عن االعتزال‬

‫مرتفعة هي مصاريف صيانة «ذات غنائية»‪ ،‬مزاجية‪ ،‬تعبريية متبجحة‪ ،‬وهمية‪...‬ليست بعض النفقات غري قابلة لالنضغاط فقط‬ ‫بل هي حيوية‪ :‬صيانة املكتبة «أو صيانة التقاليد إذا شئتم» لتبقى قابلة للقراءة واالستعامل والنمو‪ .‬صيانة اللسان «من كلامت‬ ‫القبيلة» «الستعامل جيد» «خاصة استعامله الشعري» مع مراقبة محرتفات التجريب‪ ،‬إلخ‪ ...‬صيانة قابلية استقبال املستعملني‬

‫‪102‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫وإبداعيتهم «عن طريق التعليم»‪ .‬وإذا عن كراهية للشعر ونقصد هنا كراهية اكتفاء الشعراء الذايت‪ ،‬كراهيتهم للنامذج التي‬ ‫صارت أكادميية‪ ،‬وحبهم للمخاطرة‪ ،‬للغلو والشطط «وهذا يضم أيضاً احتفاء الرتجامت بالغريب» امليل أيضاً للمعامالت املحرمة‬ ‫واملمنوعة مع ما يختلف عنه وال يدخل يف مجال اهتامماته‪ ،‬لكن هذا يف صالحه حسب التعبري الشعبي‪.‬‬ ‫إذا كان من أجل تدمري اللسان واستبدال وهم السلطات النوعية للنظم بهذا الزعيق املزاجي أو بنقيق الجناس فإننا ال نربح شيئاً‬ ‫بهذا التغيري‪.‬إن اختزال جلسة لـ«تجميع» الكلامت واألفكار لدى املحلل أو الطبيب النفيس ال تولد قصيدة‪.‬ليس الهدف هو إيالم‬ ‫اللسان بهذه الطريقة من أجل راحة الذات املتلفظة‪ .‬إن فن الشعر هو الفن الذي ميكن أن نقوم فيه بإخفاء الذات عىل مستوى‬ ‫التعبري ‪ -‬ذات ميكن أن تفهم بصيغتني‪ :‬األنا املو ٍّقعة التي أنابت سارداً باملناسبة «التي يحكيها الخيط الرسدي ‪ -‬الرابط»‪ ،‬وهذا‬ ‫االختفاء سيكون لصالح الذات املفكرة يف عمق «عينها النشيطة»‪ ،‬ومن جهة أخرى يصبح ذاتا أيضاً اليشء املعني ويسمى أحياناً‬ ‫موضوعاً‪ ،‬متحوالً لحكمة‪ ،‬لرمز‪ ،‬لكل العملية‪.‬‬ ‫ملاذا هذا الزهد‪ ،‬إن مل يكن من أجل حركة االعتزال هذه التي أقرؤها «بني املعارصين» عند «آرتو» عندما متلص من هويته‬ ‫ليحصل عىل هوية جديدة‪ ،‬حاذفاً «من ذاته» كل «املحموالت املنتمية له»‪ :‬فرنيس‪ ،‬مرسييل‪ ،‬أورويب‪ ،‬رجل معارص‪ ،‬مسيحي‪،‬‬ ‫معمد‪ ،‬إلخ‪ .‬وندرج مثاالً آخر‪ :‬يف نهاية الكتاب عندما يعرتف سارتر أنه «إنسان كبقية الخلق»‪ .‬رمبا هكذا أفهمه – رجل يتوصل‬ ‫إىل هذا التشابه الذي يسميه بودلري يف آخر قصيدته بـ«أخوي»؟‬

‫الرباءة‬

‫لكن أليس هو «أكرث االنشغاالت براءة»‪ ،‬يقول هولدرلني عن الشعر؟ أليس الشعر بريئاً؟ بدون شك هو بريء وليس مؤملاً‪ ،‬كام‬ ‫ميكن للربيء «أن يؤمل»‪ ،‬عىل األقل الرباءة باعتبارها كذلك ‪ -‬انقسام اإلرادة والجيد من ناحية أخرى انقسام الخري والرش‪ -‬ال ُمت ُّت‬ ‫للرش مبدئياً‪ .‬أبحث عن إدراك يشء محمول للشعر عرب مقولة للشاعر األملاين‪ :‬العطاء كريم يقول التعبري يصبح الكرم هو جوهر‬ ‫العطاء‪.‬‬ ‫عىل ماذا ترتكز «كيف تتعلم أن تعطي»؟ بقطع العالقة بني اليشء املمنوح واملانح‪ ،‬بالفصل والكرم القاطع يفصل‪ ،‬يفرق‪،‬‬ ‫العالقة يف الن َفس الذي يرمتي‪ ،‬حيث يرمي بالكرم نحو االرمتاء إىل العنق‪،‬‬ ‫بدون االرمتاء مع‪ ،‬إنه اإلمساك‪ ،‬حرمان املانح‪ ،‬بشكل يجعل الهبة تسقط من‬ ‫إن فن الشعر هو الفن الذي يمكن‬ ‫السامء «تعبري آخر» ليجهل وعيك ما يقوم به من خري «يختلف األمر بالنسبة‬ ‫أن نقوم فيه بإخفاء الذات على‬ ‫للرش»‪ .‬هبة جد شاسعة‪ ،‬بدون مصدر‪ ،‬عموماً‪ ،‬منطلقة «من السامء»‪.‬‬ ‫مستوى التعبير‬ ‫ما هو مهم؛ هو كيف نجعل اآلخر يقبل بهبتنا‪ ..‬يجب أن تكون هنالك مفاجأة‬ ‫لتقبل الهبة‪ .‬للدخول إىل هذا السؤال سيكون منحدري «الهوتياً» كيف ندنس‬ ‫«النعمة» لنستخلص لغة العطاء جاملياً؟‪ .‬النعمة متنح من جديد‪ .‬هو اللعب‬ ‫مع الطفل‪« :‬أعطني إياها» نقول عن اللعبة‪ ،‬أو عن اليشء الذي مننحه إياه أعطيك إياه لتعيده إيل‪ ،‬لن يكون هنالك عطاء بدون‬ ‫إعادة هذا التبادل‪ ،‬حتى ال تصبح «هبة» الفالسفة رضورة؟! لكن كعطاء أو كهبة تعيد العطاء‪.‬‬ ‫إن هذا التبادل هو الذي يخلق العطاء‪ ،‬ويعطي‪ .‬سيكون هناك عطاء «مجاين» يف عودة التبادل‪ .‬العطاء يعيد العطاء نفسه‬ ‫ممنوحاً بلطف اآلن‪ ،‬إنها صيغة بودلري مقتفياً آثار ‪ Constantin Guys‬يف الشوارع حيث يقتفي ظهور العامل يف الظاهرة‪ .‬أمنحك‬ ‫املطر‪ ،‬الشمس «القديس ‪ ،»François d’Assis‬هبة الزهور‪ ..‬تقول القصيدة‪ .‬العطاء أو الهبة سيكون القصيدة‪« :‬أهبك هذه‬ ‫األبيات‪ /.../‬أوجهها إليك‪ ،‬لتمنحها يل ثانية‪ ،‬لتقولها»‬ ‫ترجمة‪ :‬رجاء الطالبي‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪103‬‬


‫في الشعر‬

‫الشعر والعنف‪ :‬التحليق في المذبحة بوجه غريق‬ ‫روجيه عوطة‬

‫تتعطل‬

‫اللغة وتعجز عن التقاط الواقع والقبض عىل وقته‪ ،‬فيظهر العنف خارج فضائها ويتحينّ الفرصة ليجتاحها‪.‬‬ ‫ونتيجة العطل اللغوي‪ُ ،‬تصاب ذات املتكلم بالعجز أيضا ً‪ ،‬وال يقدر حاملها عىل قراءة موضوع كالمه يف مرآة‬ ‫اللغة املحطمة‪ .‬يف مكان الدمار تحديدا ً‪ ،‬يؤسس للعنف الذي تستعني كائنات الكالم املهشم به يك تعرب عن مصيبتها ومتيض أكرث‬ ‫يف عجزها‪ .‬ثم تستحيل ثقوب اللغة قبورا ً‪ ،‬قد ُترىف فيها جثثا ً كثرية‪ ،‬ولكن يف النهاية ال يقطنها سوى العاجزون كالميا ً‪ ،‬فقرب‬ ‫اللغة ليس فضفاضا ً ليلف جثة ً يضيق بها‪.‬‬ ‫وقد ال يؤسس الدمار والعجز للعنف‪ .‬يف حال ظهرت كائنات جديدة من خارج مقربة اللغة أو من داخلها‪ ،‬لكنها تفلتت من ضيق‬ ‫الكالم والتعبري‪ ،‬تنحاز إىل الشعر كانتهاء من ا ُملهَدم بعد صياغته يف تراكيب حديثة‪ ،‬وجعله فضاءا ً يجول الكائن فيه من دون أن‬ ‫ترهبه لغة أو تذعره الثقوب الداللية فيها‪ .‬إنطالقا ً من اختيار الشعر بدل العنف العاجز‪ ،‬يتح ّول كل فعل قوة يف الرتكيب اللغوي‬ ‫الجديد إىل رضب من الشعر‪ ،‬ال ينقصه سوى أسلوب كتايب ليتمدد يف شكل ٍ ال يحرض سوى يف القراءة‪ .‬لذا غالباً ما تشهد اللغة‬ ‫الشعرية تاليش القصيدة شكال ً ومضمونا ً‪ ،‬فيحصل املحطم عىل متنه بالصياغة والقراءة ثم يتبدد من جديد‪ُ .‬يرتك فضاء الحطام‬ ‫ملعنى شعري مختلف عن القديم‪ ،‬أو للفراغ كام لو أنه «قصيدة سوداء»‪ ،‬ال تبتلع لغتها إذا انطفأت‪ ،‬ألنها غري موجودة أصال ً‪.‬‬ ‫تنطوي صريورة ا ُمل َحطم الشعرية عىل القوة املختبئة يف الكتابة التي ال تكتسب معنى لها من دون تحدي اللغة‪ .‬تخرتق القوة‬ ‫الكتابية النسق اللغوي بالعنف الشعري الذي يتسلح باإلستعارة امل ّوجهة نحو تفكيك الروابط اللغوية املتعارف عليها كالسيكيا ً‪.‬‬ ‫يفخخ الشاعر اللغة‪ ،‬يزرع ألغامه تحت الكلامت ودالالتها‪ ،‬وينسف القواعد املعيارية منتشال ً باإلستعارة بقايا القصيدة التقليدية‬ ‫التي نرى آثارها يف نص جديد يغاير النص املنسوف باللغة والرتكيب الشعري‪ .‬اإلستعارات تخرج القصيدة عن حدودها‪ ،‬وتسحب‬ ‫الجملية والداللية‪ ،‬وال تظهر عىل سطحها‪ .‬تنشط اإلستعارة الناسفة يف عتمة‬ ‫اللغة من ثقوبها‪ ،‬ألنها تختفي تحت املك ّونات ُ‬ ‫القصيدة حتى تتمكن من ضوئها‪ ،‬وتقتلع جذور الكلامت عىل قول أوكتافيو باز يف تعيينه دور الشاعر حيال نصه‪.‬‬ ‫يحرض عنف اإلستعارة رسا ً يف القصيدة‪ ،‬وال ُيفصح الشاعر عنه أمام ذاته قبل أن ُيفشيه أمام الغيرّ الذي غالبا ً ما يتعامل مع‬ ‫شحن رس القصيدة‬ ‫اللغة الشعرية ككل جامد‪ ،‬أي تركيب غريب فيه‪ ،‬يرفضه وال يسمح له املكوث يف النص الشعري البتة‪ُ .‬ي َِ‬ ‫العنيف بتكثيف املعنى يف عمق النص بالتوازي مع تخفيفه عىل سطحه‪ ،‬فتنقلب ثقوب اللغة وتتخلص من جثث العاجزين‬ ‫الحفر‬ ‫املرمية فيها‪ ،‬فال تعود قبورا ً لهم‪ ،‬إال أنها ال تصري بيوتا ً أو أرحاما ً أيضا ً‪ .‬يبقى الشاعر واقفا ً بني لغته واستعارته‪ ،‬عىل ح ّد ُ‬ ‫اللغوية التي ال يستسلم لها‪ ،‬كام أنه ال ينظر إىل الخلف يك يتفقد الغيّرّ ‪ ،‬بل لتكثيف فقدان الغائبني‪ .‬مثل أورفيوس الشهري‪ ،‬يلتفت‬ ‫الشاعر مرة واحدة إىل الوراء‪ ،‬يفقد الغيرّ ‪ ،‬ومنذ لحظة الخسارة هذه‪ ،‬يصبح الخلف أمامه‪ ،‬فيسري عىل حبل الذاكرة ويتقدم‬ ‫نحو الحفرة‪ ،‬حيث ال تنقذه من الوقوع فيها سوى استعاراته‪ .‬يشد العنف اإلستعارايت الحبل تحت رج ّ‬ ‫يل الشاعر الذي يظن أنه‬ ‫نجا يف حال استبدل لغويا ً الحبل الرقيق بآخر ثخني وسميك‪ ،‬والحفرة بكأس ٍ‪ ،‬قبعة ٍ‪ ،‬سلة ٍ‪ ،‬مظلة ٍ‪ ،‬أو أي بديل‪ ،‬إستعارايت غري‬

‫‪104‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫رحمي‪ ،‬عن قرب اللغة‪.‬‬ ‫تتطلب كتابة الشعر‪ ،‬كام حددها سان جون بريس يف التفلت من اإلدمان عىل اللغة التقليدية‪ ،‬موضوعات تختلف عن القاموس‬ ‫املوضوعايت الذي كان معتمدا ً يف املايض‪ .‬والعنف كموضوعة شعرية هو جزء من هذا التجديد واإلنتهاء من اإلدمان اللغوي‬ ‫والتعبريي املعتاد‪ .‬كام تختلف معالجة العنف بني قصيدة وأخرى‪ ،‬وبني لغة وأخرى حتى لو كانا ينتميان إىل مرحلة تاريخية‬ ‫واحدة‪ ،‬فالتحليق ال يحصل يف قصيدتني بشكل واحد‪ ،‬خصوصا ً أن الفضاء الشعري بحسب خورخي دوران هو مساحة عنف‪،‬‬ ‫قدمي الشاعر كأنه يدخل إىل املذبحة‪ .‬فيختار بني احتجاز ذاته يف الداخل أو تحريرها لتشكل فضاءها املناسب لعنفها‬ ‫تطئها‬ ‫ّ‬ ‫الشعري‪.‬‬ ‫يرتكز اختيار الشاعر عىل طريقة التعبري عن رغبته شعريا ً ولغويا ً‪ .‬ففي حال تعامله مع هذه الرغبة كأنها ثابتة وجامدة‪ ،‬يتجه‬ ‫نحو قالب لغوي‪ ،‬له قواعده ومعايريه ال ميكن اجتيازها‪ ،‬ف ُيغلق الفضاء الشعري عىل التعبري وتحكم اللغة القبض عليه‪ .‬ال تتغري‬ ‫القصيدة يف هذا الفضاء‪ ،‬وال تحتمل أي زمن قد يفتح بابها عىل داللة جديدة تنظر إليها عىل أساس أنها زلزال يصيبها ويخرب‬ ‫تركيبتها الشكلية واملوضوعاتية‪ .‬ال عالقة بني القصيدة هذه واللغة املكتوبة بها‪ ،‬فالقاموس اللغوي يقع خارجها‪ ،‬وال يسمح لها‬ ‫بالتأثري عليه أبدا ً‪ .‬وظيفة الشاعر يف هذه الحالة أن يركب املك ّونات اللغوية وترتيب العالقات بينها بحسب قالب القصيدة‬ ‫الجامد ومعياريتها اإلصطالحية والجاملية‪ .‬عىل خالف الشاعر املتفلت الذي يغرق يف اللغة منقبا ً يف عمقها عن مكمنها‪ ،‬فيحطمه‬ ‫رافضا ً اإلكتفاء بالتحديق يف املرآة اللغوية مثل نرسيس‪ ،‬فيغطس يف بحرية الوجه مستخدما ً استعاراته يك يصل إىل ُبعد رغبته‬ ‫األخري‪ .‬فالسري عىل سطح املاء ال يخلق شاعرا ً‪ ،‬وحدها مغامرة الغرق متكن املرء من هدم لغته شعرياً‪.‬‬ ‫تعلو اإلستعارة بالغوص الشعري‪ ،‬ويستحيل الرمز مرتفعا ً أكرث‪ .‬تقتحم‬ ‫اإلستعارة الشاهقة طبيعة اللغة املقفلة وتؤمن للعدم مكانا ً فيها‪ ،‬حيث‬ ‫العنف كموضوعة شعرية هو جزء‬ ‫ُترصف الكلامت مثل الحجارة‪ ،‬وتخفي الكثري من الشقوق الضاغطة تحتها‪،‬‬ ‫من التجديد واإلنتهاء من اإلدمان‬ ‫يرص الشاعر عنف الرتكيبة واملوضوعة‬ ‫يطل الشاعر منها عىل مذبحة اللغة‪ّ .‬‬ ‫اللغوي والتعبيري المعتاد‪.‬‬ ‫يف فضاء نصه‪ ،‬الذي يقدر عىل احتواء أكرث من قاموس لغوي‪ ،‬ألن كلامته‬ ‫ودالالتها رشهة ‪ ،‬فـجوع الكلمة‪ ،‬املشرتك بني كل قصائد الشعر الحديث‪،‬‬ ‫يجعل من الكالم الشعري كالما مهوال وغري إنساين»‪ ،‬عىل قول روالن بارت‪.‬‬ ‫القصيدة الحديثة مصابة باملجاعة الدامئة‪ ،‬وغالبا ً ما تلتهم ذات كاتبها‪ ،‬فيمألها الغياب كإشارة إىل موضوع ّيتها العنيفة‪ ،‬حيث ال‬ ‫هرمية فيها‪ ،‬وال عالقات متينة بني مك ّوناتها الداللية‪ .‬ما يجعل لغتها كاملنام كثرية تأويالته وال ينحرص يف قراءة واحدة تقبض عىل‬ ‫املعاين اإلستفهامية داخله‪ .‬ال ُيحدد معنى القصيدة مبدلول واحد‪ ،‬إذ أنه عند القيام بتحريك ماء البحرية الراكدة‪ ،‬أي بقليل من‬ ‫العنف‪ ،‬تتعدد وجوه نرسيس وال يقترص غرقه عىل وجه آسن‪َ ،‬ف ُسد من شدة التحديق فيه‪.‬‬ ‫من جهة‪ ،‬يتشكل الشعر من عنف داخيل‪ ،‬قائم بذاته‪ ،‬ال يحتاج إىل موضوع يك يرتسخ يف بنية القصيدة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يتجه‬ ‫النص الشعري يف الكثري من األحيان نحو تبني العنف كموضوعة له‪ ،‬فيتكثف مفعوله العنفي نتيجة اجتياح القوة للداخل‬ ‫والخارج‪ ،‬وخلقها فضاءا ً نصيا ً متامسكا ً‪ .‬وبالنسبة الشاعر‪ ،‬إما مييل إىل اإلقتناع باللغة الحارضة قبله‪ ،‬فال يظهر أي جديد بني‬ ‫يد ّيه إال أصداف القصيدة القدمية بأشكالها ومضامينها‪ ،‬أو ينحو إىل مغامرة الغوص ونسف اللغة متفلتا ً منها بعد أن تعطلت‬ ‫وأحكمت الخناق عليه‪ ،‬من دون أن تتيح له التعبري عن ذاته النق ّية ألنها مذبحة املعاين الغريبة واملجهولة‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪105‬‬


‫في الشعر‬

‫فهم الشعر‬ ‫عبد هللا أبو بكر‬

‫ما‬

‫من أحد يستطيع أن يتجاوز حقيقة غياب الجمهور عن املشهد الشعري يف الوقت الحارض‪ ،‬ولعل حضور أمسية شعرية يف‬ ‫أي مكان كانت‪ ،‬ميكن له أن يؤكد هذه الحقيقة‪ ،‬بغض النظر عن اسم الشاعر املشارك فيها أو عنوان األمسية أو زمانها ‪.‬‬ ‫ملاذا غاب الجمهور‪ ،‬أو غ ّيب؟ هذا السؤال الذي ال ميكن إلجابة مبارشة أو مقتضبة أن تفك رموز استفهامه أو رمبا استنكاره‪،‬‬ ‫فام يشهده العامل العريب من تغريات متسارعة يف كل االتجاهات ميكن له أن يفرس بعضا من مسببات هذا الغياب وتداعياته‬ ‫عىل املشهد الشعري العريب‪ .‬تلك التغريات التي ال تقف عند ظروف اجتامعية وسياسية كثريا ما انعكست تأثرياتها عىل الحراك‬ ‫الثقايف والشعري عىل وجه الخصوص‪ ،‬بل تتعدى ذلك لتطال ما يتعلق بشكل ومضمون القصيدة العربية الحديثة التي ابتعدت‬ ‫عن مالمسة الهم العام‪ ،‬والتحدث بلسان جمعي‪ ،‬لطاملا أجرب القصيدة عىل أن تنحاز للقول والتعبري املبارش الذي يتلمس نبض‬ ‫الشارع _ الجمهور‪ .‬وهذا ما قاد متلقي الشعر إىل القول إن الشعر العريب ابتعد عن املزاج الشعبي‪ ،‬حتى أصبح الكثري منه غري‬ ‫مفهوم بالنسبة لعامة الناس ‪.‬‬ ‫هنا تربز الكثري من االتهامات املتبادلة بني الشاعر الذي يريد أن مينح نفسه املساحة والحركة ليبتعد عن الجمود والسائد يف‬ ‫الكتابة الشعرية‪ ،‬وبني املتلقي الذي يرغب ببقاء الحال عىل ما هي عليه‪ ،‬حيث ميكنه التعاطي مع القصيدة باعتبارها امتدادا‬ ‫ملا مىض‪ .‬إن هذه القضية ليست طارئة عىل املشهد‪ ،‬فالشعر العريب شهد الكثري من التطورات عىل مستوى الشكل واملضمون‪،‬‬ ‫ويحرضين هنا ما قاله أحدهم أليب متام حني سأله ‪« :‬ملاذا ال تقول ما ُيفهم ؟ فأجابه أبو متام ‪ :‬ملاذا ال تفهم ما يقال»؟ هذه إشارة‬ ‫إىل أن حالة االنفصال والتشتت الحادثة بني املتلقي والشاعر ليست بجديدة‪ ،‬فهي خاضعة كام ذكرت ملسألة حركة القصيدة‬ ‫العربية ورغبتها بطالق السابق والصعود إىل األعىل بدال من البقاء عىل أرضية التكرار والتوأمة‪.‬‬ ‫حالة «عدم الفهم» هذه بدأت تطغى يف العرص الحديث وتربز كمربر لغياب الجمهور‪ ،‬والسؤال هنا‪ :‬هل الشاعر هو املسؤول‬ ‫عن هذا الغياب؟ هل يعنيه ذلك أصال؟ هل عليه أن يسري خلف أحد؟ أم عليه أن يكون البوصلة التي تقود اآلخرين إليها ؟‬ ‫يقول ت‪.‬إس‪ .‬إليوت ‪ »:‬الشعر الحقيقي بوسعه أن يحقق تواصال مع القارئ حتى قبل فهمه»‪ .‬رمبا نفهم من هذه العبارة أن‬ ‫الشاعر هو من يتحمل الجزء األكرب يف مسألة التواصل بني النص والقارئ‪ ،‬فهو القادر وحده عىل التقريب بينهام أو بناء الجدار‬ ‫الذي ميكن له أن يحدث االنفصال بينهام أيضا‪.‬‬ ‫ما شهده املشهد الشعري العريب من انقسامات يف التوجهات واآلراء بني الشعراء‪ ،‬ش ّكل واحدا من أبرز عوامل القطيعة بني طريف‬ ‫املعادلة الشعرية‪ ،‬إضافة إىل سعي العديد من الشعراء إىل البحث عن أضواء وهمية حتى وإن كان ذلك عىل حساب الشعر‪،‬‬ ‫وعندما نقرأ لهؤالء نستطيع أن نستشف ذلك االستسهال يف الكتابة والذهاب إىل مناطق ال عالقة لها بجودة النص‪ ،‬وحرصها عىل‬ ‫نبش ما ميكنه لفت االنتباه إليه كخرق التابو مثال‪ ،‬دون االلتفات إىل مواضع الجامل والدهشة يف ما يكتب ‪.‬‬ ‫إن ما يحدث اليوم‪ ،‬ال يتقاطع مع حادثة أيب متام‪ ،‬أو ما ميكن فهمه من خاللها‪ ،‬فتلك تعرب عن مترد شاعر يسعى لخلق الجديد‬ ‫واملختلف ضمن حدود التميز واإلبداع‪ ،‬فيام يسعى بعض الشعراء يف وقتنا الحارض إىل عكس ذلك بحجة التمرد والتجديد ‪.‬‬ ‫ليس من حق أحد تكبيل الشاعر‪ ،‬وفرض القيود عليه‪ ،‬ولكن عىل الشاعر عندما يكتب أن يبقى حارضا يف مساحات الجامل‬ ‫واإلبداع دون االلتفات إىل ما هو خارج عن ذلك‬

‫‪106‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫شعرية الكاميرا‬

‫نصوح زغلولة‬ ‫عدسة‪ّ :‬‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪107‬‬


‫حوار‬

‫حسن العبداهلل‬

‫استغرب خفة شعراء زماننا‬ ‫ّ‬ ‫يشكل الشاعر اللبناني حسن العبدهللا ظاهرة فريدة‬ ‫في عالم الشعر والشعراء‪ ،‬فهو شاعر مكرّ س منذ بداية‬

‫السبعينيات في لبنان والعالم العربي وما زال حتى‬

‫اليوم‪ ،‬رغم أنه لم يصدر طوال أربعة عقود سوى ثالث‬

‫مجموعات شعرية هي «أذكر أني أحببت» و«راعي الضباب» ومجموعته‬ ‫األخيرة ّ‬ ‫«ظ ّل الوردة»‪ ،‬إضافة إلى قصيدته الشهيرة التي روى ملحمة طفولته‬

‫من خاللها أي «الدردارة»‪.‬‬

‫ففي عالم الشعر العربي يغلب على قياس شاعرية الشاعر في عدد مجموعاته‬

‫الشعرية‪ ،‬ويعتقد شعراء كثر أنهم كلما أكثروا منها كلما صعدوا خطوة في‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫واقعيا‪ ،‬ولكن ليس في ما يخص العبدهللا‪،‬‬ ‫سلم الشهرة‪ ،‬وقد يكون هذا‬ ‫الذي ال يخفي امتعاضه من االستسهال السائد في النشر ومن الكم الهائل‬ ‫ً‬ ‫نوعا على الشعر العربي‪ ،‬بل‬ ‫في المجموعات الشعرية التي ال تضيف‬

‫وتثقل كاهل المكتبة الشعرية العربية وتنفر القراء من الشعر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دورا في شهرته التي‬ ‫عددا من قصائده‬ ‫قد يكون لغناء مارسيل خليفة‬ ‫انطلقت نحو العربية مع تلحين قصيدة «أجمل األمهات»‪ ،‬وهو ال يعترض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومعجبا بكل ما‬ ‫راضيا عن مجموع دواوينه‪،‬‬ ‫على هذه الفكرة‪ ،‬لكنه يبدو‬

‫نشره حتى اآلن وعلى رأسه مجموعة «ظل الوردة» «دار الساقي‪ »-2012‬التي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عموما‪.‬‬ ‫وكتابا سيكون ذا تأثير على القراء وعلى الشعر‬ ‫يرى فيها قفزة نوعية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بمناسبة صدور مجموعته الجديدة بعد ‪ 13‬عاما على مجموعته األخيرة‬

‫«راعي الضباب»‪ ،‬كان لـ«بيت الشعر» معه هذا الحديث الخاص والصريح‬ ‫والمباشر‪.‬‬

‫حوار‪ :‬فيديل سبيتي‬

‫‪108‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫حسن العبد اهلل‬

‫ملاذا استغرقك كل هذا الوقت الطويل‬ ‫لصدور كتابك الجديد ّ‬ ‫«ظل الوردة»‪ ،‬إنها‬ ‫أربع عرشة سنة تفصله عن مجموعة‬ ‫«راعي الضباب»؟‬ ‫ إ ّنه ايقاع نشاطي الشعريّ الذي يتبل ّور‬‫خالل فرتات متباعدة جداً‪ .‬ولو عدنا إىل‬ ‫الوراء سنجد أن االنقطاع الشعريّ الفع ّ‬ ‫يل‬ ‫كان بني ديواين الشعريّ األول وديواين الشعريّ الثاين وهو‬ ‫انقطاع دام مثاين عرشة سنة‪ .‬ديواين األول «أذكر أنيّ أحببت»‬ ‫نرش يف العام ‪ ،1978‬ومن ثم صدرت قصيدة «الدردارة» يف‬ ‫كتاب سنة ‪ ،1980‬ومنذ ذلك العام وحتى سنة ‪ 1998‬مل أنرش‬ ‫شيئاً من الشعر‪ .‬ومن ثم جاء كتاب «راعي الضباب» بعد‬ ‫انقطاع دام مثاين عرشة سنة‪ ،‬لذا انسجاماً مع نشاطي الكتايب‬ ‫وإصدارايت فأن يأيت «ظل الوردة» بعد أربع عرشة سنة من‬ ‫الطبيعي لعالقتي‬ ‫«راعي الضباب» أجده من ضمن السياق‬ ‫ّ‬ ‫بالشعر‪.‬‬ ‫حسنا‪ ،‬لكن هذا هو السؤال‪ ،‬إنه حول السياق الطبيعي‬ ‫لكتابتك الشعرية‪ .‬ما الذي تفعله طوال تلك السنوات‬ ‫الفاصلة بني مجموعتني شعريتني؟‬ ‫ أنا أهجس يوم ّياً بالشعر‪ .‬يف ّ‬‫كل م ّرة‬ ‫أغادر فيها بريوت أشعر أ ّنني أض ّيع‬ ‫وقتاً‪ ،‬إذ ينبغي أن أبقى يف بريوت‬ ‫يك أكتب‪ .‬وأنا ال أنرش القصائد‬ ‫التي أكتبها‪ .‬فأكتب قصيدة ثم مت ّر‬

‫أشهر قبل أن أكتب مقطوعة ثانية وهكذا‬ ‫دواليك‪...‬‬

‫الفني عىل سؤالك وهو‬ ‫أ ّما الجواب ّ‬ ‫ما أحسبه الجواب الدقيق‪ ،‬ميكنك أن‬ ‫تجده يف كتايب الجديد ّ‬ ‫«ظل الوردة» يف‬ ‫مقطوعة من فصل «مرسح األشباح»‪،‬‬ ‫وجاء فيها‪« :‬ليس صحيحاً أ ّنني ت ّوقفت‬ ‫لسنوات عن كتابة الشعر\ لقد م ّرت أ ّيام مل أكتب فيها‬ ‫ثم م ّرت أيام أخرى\ وتبعت هذه األيام أيام‬ ‫شعراً\ ّ‬ ‫وأيام\ وإذا كانت هذه األيام قد تجمعت وتح ّولت إىل‬ ‫سنوات\ فهذا ال يعني أنيّ توقفت سنوات عن كتابة‬ ‫طبيعي أن يفعل ذلك\ لكن يف‬ ‫الشعر\ ال ميكن لشاعر‬ ‫ّ‬ ‫هذه األمكنة\ وبني هؤالء الناس\ كيف ميكن لشاعر‬ ‫طبيعي أن يكون شاعراً طبيع ّياً»‪.‬‬ ‫ّ‬

‫يف الحقيقة قرار الشاعر بالت ّوقف عن كتابة الشعر ليست‬ ‫مسألة فرد ّية أو شخصية‪ .‬نحن ال نكتب كأشخاص‪ ،‬بل‬ ‫نكتب كعامل قائم بذاته‪ .‬أنا يف تقديري ّأن العامل يعمل من‬ ‫خالل الشاعر‪ .‬فإذا كان العامل مضطرباً ومشوشاً‬ ‫الطبيعي أن‬ ‫وثقي ًال حول الشاعر فمن‬ ‫ّ‬ ‫تتثاقل حركته‪ ،‬وأنا أت ّعجب من هذه‬ ‫الخ ّفة التي يكتب بها شعراء هذا‬ ‫الزمان‪ ،‬فيصدرون مجموعة شعرية‬ ‫تلو األخرى وبغزارة‪ ،‬بحيث ال تجد‬ ‫يف هذه الغزارة نقالت نوع ّية‪ .‬هناك‬ ‫كم فقط بحيث إذا أجريت مقارنة‬ ‫ّ‬ ‫الديوان األ ّول والديوان األخري لن تجد‬ ‫الكمي يقتل‬ ‫فرقاً يذكر‪ .‬وهذا الرتاكم‬ ‫ّ‬ ‫الشعر‪ .‬يراكمون كشعراء‬ ‫أفراد ديواناً وراء ديوان‪،‬‬ ‫ويراكمون كجامعات‬ ‫دواوين فوق دواوين‪،‬‬ ‫فيثقلون مكتبة‬ ‫الشعر العرب ّية‪،‬‬ ‫وهذه الكتابة‬ ‫بخ ّفة تجعلهم ال‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪109‬‬


‫حوار‬

‫يفحصون لغتهم وال يعبرّ ون عن تجارب حقيق ّية‪ ،‬وال نجد‬ ‫يف شعرهم تأم ًال حقيق ّياً‪ ،‬بل نجد حالة من جنون الصور‪،‬‬ ‫لدرجة ّأن هذا النوع من الشعر ليس باستطاعته أن يقيم‬ ‫صلة مع القارئ‪ ،‬لذا تجد أن القراء ينرصفون عن الشعر‪ ،‬بل‬ ‫وقد تجد شعراء أيضاً ينرصفون عن كتابته‪.‬‬

‫بني «راعي الضباب» و«ظل الوردة»‬

‫ يف السؤال نقطتان‪ ،‬األوىل تتعلق باملضمون والثانية‬‫بالشكل‪ .‬يف املضمون صحيح أن هناك غلبة للتأمل يف‬ ‫القصائد‪ ،‬وهو تأمل عميق يف الحياة ويف العامل من حويل‬ ‫وتغلب عليه الحكمة‪ .‬وهناك ما ميكن اعتباره قلقاً ذات ّياً‬ ‫فلسفي‪ ،‬ويف تقديري تثري‬ ‫تجلىّ من خالل أسئلة ذات طابع‬ ‫ّ‬ ‫هذه األسئلة قضايا فلسف ّية ال بد من اإلجابة عليها‪ .‬فالكتاب‬ ‫من أوله إىل آخره هو تأمل يف موضوعات متعددة‪.‬‬ ‫تالحظ ّأن الفصل األ ّول «تحت شجرة الجوز» يتناول‬ ‫الطبيعة‪ ،‬ويف هذا الفصل تجد الطفل الذي يظهر يف القصائد‬ ‫األخرى ومنها قصيدة «الدردارة»‪ .‬وهو فصل كامل عن‬ ‫نصاً‪ .‬وهناك محاولة استنباط معنى‬ ‫الطبيعة يف أكرث من ‪ّ 20‬‬ ‫إنسانيا من خالل املشهد الطبيعي‪.‬‬

‫الكم والنوع‪ ...‬يف ّ‬ ‫«ظل الوردة»‪ ،‬نالحظ‬ ‫طاملا أنك تتكلم عن ّ‬ ‫بوضوح التغ ّيري الكبري يف فضاءات القصيدة الشعر ّية التي‬ ‫اختلفت عن قصائد «راعي الضباب»‪ ،‬هناك تأ ّمل عميق‪،‬‬ ‫أو لنقل حكمة الشاعر الذي امتد به العمر‪ ....‬هل توافقني‬ ‫الرأيّ ؟‬ ‫ أنا أعترب ّأن ّ‬‫أ ّما يف الفصل الثاين «حلم الحياة» يوجد تأ ّمل يف الحياة‬ ‫«ظل الوردة» هو ثورة عىل صعيد الكتابة‬ ‫ويف الزمن ويف األمل ويف ال ّلذة ويف كل املصادفات التي‬ ‫وعىل صعيد املضمون‪ ،‬هذا إذا كان يحق يل كمؤلف أن‬ ‫ّ‬ ‫أبدي رأياً يف مؤلفي‪ .‬هذا الكتاب‬ ‫يشكل لحظة القطع بينه تتحكم بحياتنا‪.‬والفصل الثالث «نحو السامء» يتناول‬ ‫وبني ما كتبت يف السابق‪ .‬لكن استطراداً لو تأ ّملنا يف «راعي خطاباً سامو ّياً وهو فصل مخترص‪ .‬ويليه فصل «مرسح‬ ‫الضباب» فبإمكاننا أن نجد تبسيطاً للغة يحاذي النرث كام‬ ‫األشباح» الذي يتناول عامل األدب‪ ،‬وميكن أن تجد عدداً‬ ‫هو الحال يف «ظل الوردة»‪ .‬وهذه امل ّرة األوىل التي أكتب‬ ‫من األجوبة عن أسئلة تطرحها اآلن بخصوص الشعر‪.‬‬ ‫ً ً ً‬ ‫للحب‬ ‫فيها شعرا نرث ّيا تاما‪ ،‬بال موسيقى أو تفعيلة‪ .‬فقد اقتصدت وييل ذلك فصل «حب من دون حب» وفيه نقد ّ‬ ‫ً‬ ‫يف االيقاعات والتفاعيل‪ .‬لذا ميكن اعتبار هذا الكتاب امتدادا نفسه‪ّ :‬‬ ‫«إن الطبيعة تعرف\ كيف تعاقب أولئك\ الذين‬ ‫لـ«راعي الضباب» من ناحية‪ ،‬وقطعاً كبرياً بني الكتابني من‬ ‫وظ ّفوا الجنس\ لغاية غري الحفاظ عىل النوع\‪ ...‬إ ّنها‬ ‫ناحية أخرى‪.‬‬ ‫تجعل منهم ّ‬ ‫عشاقاً»‪.‬‬ ‫لكن «يف ظل الوردة» هناك‬ ‫أ ّما نظرية الحب وهي سبب‬ ‫حكمة تتمثل باألقوال املأثورة‪،‬‬ ‫الحب‬ ‫معظم النصوص التي تتناول ّ‬ ‫وهناك مدينة أيضاً وشارع‬ ‫ّ‬ ‫«ظل الوردة» ثورة يف هذا الكتاب م ّرت قبل الفصل‬ ‫أعتبر‬ ‫ومارة وحب من دون حب‪،‬‬ ‫األول‪ ،‬والنظرية هي التالية‪« :‬ح ّبي‬ ‫بينام يف راعي الضباب هناك‬ ‫على صعيد الكتابة‬ ‫األ ّول كان يف خريف العام ‪\1985‬‬ ‫القرية والطبيعة وذكريات‬ ‫والمضمون‪ .‬هذا الكتاب وأنا أعيش اآلن ح ّبي الثاين عرش\‬ ‫الطفولة‪ ...‬هذا عدا عن الفرق‬ ‫ّ‬ ‫حب يف حيايت\‬ ‫يف اللغة واإليقاعات التي مل‬ ‫يشكل لحظة القطع‬ ‫السادس كان أجمل ّ‬ ‫تعد تفعيلية وموسيقية كام يف‬ ‫بينه وبين ما كتبت في أل ّنني يف الخامس اكتشفت ّأن‬ ‫السابق‪.‬‬ ‫الحب غري موجود\ومنذ ذلك‬ ‫السابق‬ ‫حسن‬ ‫إن‬ ‫القول‬ ‫ميكننا‬ ‫هل‬ ‫حب»‪.‬‬ ‫الحني وأنا أحب من دون ّ‬ ‫العبدالله تخىل عن الطفولة‬ ‫وييل فصل الحب فصل عن الحرب‬ ‫القروية لصالح التجربة‬ ‫ثم فصل عن عامل العمل الذي‬ ‫ومن ّ‬ ‫املدينية؟‬ ‫يتناول املدينة أي بريوت بالتأكيد‪.‬‬ ‫‪110‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫حسن العبد اهلل‬

‫وتالحظ يف فصل املدينة مقطعاً لعباس بيضون‪« :‬يف الريف‬ ‫يف الخيام أميش برفقة القمر ويف املدينة أميش برفقة عباس‬ ‫بيضون»‪.‬‬ ‫برأيي أحد أسباب غنى هذا الكتاب هو التنوع الذي يتناول‬ ‫كل نواحي الحياة‪ ،‬وكذلك اللغة الواحدة التي كتبت بها كل‬ ‫قصائد الكتاب‪ ،‬فهي لغة مرحة وبسيطة وواضحة‪ ،‬وميكن‬ ‫نعتها باملدهشة بحسب من قرأوا هذا الكتاب‪ ،‬رغم أنها‬ ‫تتناول قضايا جدية‪ .‬وهناك ظاهرة فوجئت بها أنه مل ميسك‬ ‫أحد هذا الكتاب اال وعلق به كاملغناطيس‪.‬‬ ‫يف هذه املجموعة نجد قصائد قليلة ميكن وصفها بقصائد‬ ‫التفعيلة‪ ،‬هل هذا يعني أنك تخليت عن التفعيلة يف‬ ‫الشعر؟‬ ‫ يف تقديري هذا الكتاب يعترب قفزة عجيبة‪ ،‬أي كيف أن‬‫شاعراً متزمتاً مل يتخل عن قصيدة التفعيلة ومل يستسلم‬ ‫إلغواء النرث‪ ،‬كيف أن هذا الشاعر يقوم بهذه القفزة الكربى‬ ‫من الوزن إىل النرث ويتمكن من تحقيق هذه املجموعة‬ ‫الشعرية املشهود لها‪.‬‬

‫أعتقد أنني بدوت كمحرتف يف كتابة قصيدة النرث‪.‬‬ ‫فالنص هنا منحوت بدقة‪ ،‬كام لو أنك تشتغل عىل‬ ‫الذهب‪ ،‬لذا ليس باإلمكان تحريك أي كلمة يف النص‬ ‫من مكانها‪ ،‬فاللغة منحوتة ومصفاة‪ .‬لكن رغم ذلك‬ ‫هناك بعض املقطوعات املوزونة مثل‪« :‬مل أعمل‬ ‫بحذق\ مل أكسب بحذق\ العمر مرق\ خرقا ونزق»‪.‬‬ ‫أو «تلك الطعنات الصادقة\ الصائبة\ النافذة الف ّذة\‬

‫طعنات ال ّلذة\ ال تحدث اال يف الظهر\ أبدا يف الظهر\‬ ‫ذاك امليدان األبدي ألفعال الغدر»‪ .‬ويليه‪« :‬ال أشعر أين‬ ‫معها\ إن مل تخدعني\ إن مل أخدعها»‪.‬‬

‫يف إحدى املقابالت الصحافية قلت إنك حققت حلمك حني‬ ‫طبعت «راعي الضباب» لكن بعد مرور كل هذا الزمن أال‬ ‫تعتقد أن هذا الكالم ينطبق عىل «ظل الوردة»؟ إذ يبدو‬ ‫واضحاً انك معجب مبجموعتك الشعرية كثرياً؟‬ ‫ يف «راعي الضباب» تجربة شعرية حقيقية ومتميزة‪ ،‬ويف‬‫تقديري أنه مل يقرأ جيداً‪ ...‬أما «ظل الوردة» سيكون له تأثري‬ ‫عميق لدى الق ّراء‪.‬‬

‫عامل الشعر والشعراء‬

‫هل تعتقد أن الشعر ما زال يتمكن من مامرسة تأثري ما عىل‬ ‫القراء يف هذا الوقت؟‬ ‫ الشعر هو زهرة األدب‪ ،‬كان كذلك يف املايض وسيظل‬‫يف املستقبل‪ ،‬لكن التطفل عىل الشعر من كثريين يكتبون‬ ‫الشعر ومن الشعراء الذين استسهلوا كتابة الشعر‪ ،‬والذين‬ ‫ترصفوا مبزاجية يف لغة الشعر‪ ،‬وأغرقوا يف املجاز والصور‬ ‫املتداخلة واملعقدة‪ ،‬حيث ال تتمكن من تبيان املعنى‬ ‫بسهولة وكأنك تحتاج إىل التبصري‪ ،‬فرصت عندما تنظر يف‬ ‫القصيدة كأنك تقرأ يف فنجان قهوة‪ ،‬وهذا ما أبعد القراء عن‬ ‫الشعر‪ ،‬لذا مل يعد للشعر املحبة التي كانت له يف املايض‪.‬‬ ‫لكن الشعر سيظل عىل رأس كل الفنون‪ ،‬ولو أنه مير يف كبوة‬ ‫اآلن لكنه سيستيقظ منها يف لحظة ما‪ ،‬وهذا منطق األشياء‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪111‬‬


‫حوار‬

‫أن بعض الشعراء يتم التعاطي معهم كأنهم شعراء األمة‬ ‫رغم أن شعرهم أقل من «متواضع»‪.‬‬ ‫يف ظل كل هذه الظروف التي تتحدث عنها‪ ،‬هل علينا‬ ‫أن نطمنئ قراء حسن العبدالله بأن عليهم أن ينتظروا‬ ‫عقداً آخراً ليقرؤوا شعراً جديداً‪ ،‬أم أن عدد السنوات مع‬ ‫املجموعة الشعرية القادمة سيتقلص؟‬ ‫ّ‬ ‫فـ«ظل‬ ‫ هذه املرة ال أظن أنني سأتوقف طوي ًال عن النرش‪.‬‬‫الوردة» يشعرين بالحامسة وبأنه يجب أن تخرج مجموعة‬ ‫شعرية من بعده بدأت بالعمل عليها أساساً‪.‬‬

‫والطبيعة‪.‬‬ ‫تسأل يف قصيدتك التي تربر فيها تأخرك عن إصدار‬ ‫مجموعة‪« ،‬كيف ميكن لشاعر طبيعي أن يكون طبيعياً بني‬ ‫هؤالء الناس ويف هذه األمكنة»‪ .‬من تقصد باألمكنة والناس؟‬ ‫ أوالً أقصد البيئة األدبية‪ ،‬وكذلك البيئة السياسية والثقافية‬‫واالجتامعية‪ ،‬أقصد كل الناس‪ ،‬من املثقفني إىل الشعراء إىل‬ ‫النقاد إىل املسؤولني يف الصحف‪ .‬أنتقد كل هؤالء ألنهم‬ ‫يعملون بتناغم مع بعضهم بعضاً‪ .‬هناك محاباة وتبادل‬ ‫مصالح‪ ،‬فتجد بني الشعراء والنقاد مدائح وأهاجي تشبه ما‬ ‫هو سائد بني التجار وبني رجال السياسة‪.‬‬ ‫أن‬ ‫ما‬ ‫لكنها‬ ‫العريب‪،‬‬ ‫قد تكون هناك مواهب عظمى يف العامل‬ ‫شعراء الجنوب‬ ‫تتفتح حتى تذوي يف هذا الجو األديب املل ّوث‪ .‬أوالً ال تجد‬ ‫أنت صنفت يف فرتة من الفرتات بأنك «من شعراء الجنوب»‪،‬‬ ‫من ينبهها أو يشجعها وال تجد من يرعاها وينميها‪ ،‬أو تكال وكان شعراء الجنوب يف السبعينيات يكتبون الشعر املقاوم‪،‬‬ ‫لها املدائح كالنبتة التي متنحها الكثري من املاء فتخنقها‪.‬‬ ‫منهم شوقي بزيع ومحمد العبدالله ومحمد عيل شمس‬ ‫يف هذا املعنى ال ميكن يف هذا العامل لشاعر طبيعي أن‬ ‫الدين وغريهم‪ ...‬هل تظن أن هذه التسمية ما زالت ذات‬ ‫يكون شاعراً طبيعياً‪ .‬وتوقفي عن كتابة الشعر تسب ّبه هذه‬ ‫قيمة ما؟‬ ‫األحوال‪ ،‬فالشاعر يتأثر بالعامل ويؤثر فيه‪ ،‬ويف هكذا عامل‬ ‫ أرى أن صفة «شعراء الجنوب» انقرضت منذ زمن بعيد‪.‬‬‫توقف كثريون عن الكتابة أو الرسم أو العزف‪ ،‬فهذه أجواء وأنا أجد أنها كانت صفة خاطئة وال تعرب عن مزايا فنية‬ ‫تسمم اإلبداع يف نفوس املبدعني‪ ،‬وهؤالء غالباً ما يكونون‬ ‫مختلفة أو معينة‪.‬‬ ‫حقيقيني ومتصالحني مع الذات‪.‬‬ ‫منذ زمن بعيد غنى مرسيل خليفة عدداً من قصائدك‪،‬‬ ‫ويجب اإلشارة إىل اإلعالم‬ ‫أبرزها «أجمل األمهات»‪ ،‬هل تعتقد‬ ‫الذي يصنع الشاعر أيضاً‪،‬‬ ‫أنه قد يغني من «ظل الوردة»؟‬ ‫هنا نجد أن العالقات العامة‬ ‫ اذا طلب أن يغني من «ظل‬‫قد تكون هناك مواهب‬ ‫هي التي تصنع الشاعر‬ ‫الوردة» سنفكر يف األمر‬ ‫عظمى في العالم‬ ‫وتعطي أهمية لشعره رغم‬ ‫أنه قد يكون من النوع‬ ‫العربي‪ ،‬لكنها ما أن تتفتح أدب األطفال‬ ‫واألمر‬ ‫الرديء من الشعر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كتبت قصصا لألطفال‪ ،‬وحصلت عىل‬ ‫الجو‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫تذوي‬ ‫حتى‬ ‫ينطبق عىل دور النرش‬ ‫جائزة «مؤسسة الفكر العريب» عن‬ ‫والصحف‪ ،‬التي باتت تنرش‬ ‫األدبي المل ّوث‪ .‬أو ً‬ ‫ال ال تجد فئة أدب األطفال يف العام ‪...2011‬‬ ‫أي يشء من دون رقابة أو‬ ‫ما عالقة أدب األطفال بالشعر؟ هل‬ ‫من ينبهها أو يشجعها وال‬ ‫بات‬ ‫قراءة أو تصنيف‪ ،‬فقد‬ ‫الطفل الذي بداخلك هو الذي ميكنك‬ ‫من املهم النرش‪ ،‬أي يشء‬ ‫تجد من يرعاها وينميها‪ ،‬أو من كتابة هذين النوعني من األدب؟‬ ‫يف سبيل ملء الصفحات‬ ‫ كتبت يف أدب الطفل القصة‬‫تكال لها المدائح‬ ‫باملواد‪ .‬فام يحصل هو أن‬ ‫والشعر والقليل من املرسح وسيناريو‬ ‫يصل‬ ‫اسم الشاعر هو الذي‬ ‫فيلم «مازن والنملة» الذي أخرجه‬ ‫إىل الجمهور ال شعره‪ ،‬فتجد‬ ‫برهان علوية وحاز عنه جائزة عاملية‪.‬‬ ‫‪112‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫حسن العبد اهلل‬

‫أنا أعترب أنني صاحب تجربة رائدة يف كتابة الشعر لألطفال‪،‬‬ ‫وكتايب «أنا األلف» الذي لحنه املوسيقار الراحل وليد غلمية‪،‬‬ ‫تربت عليه أجيال وأجيال‪ ،‬ورددت أغنياته التي تتناول‬ ‫األحرف األبجدية العربية‪ .‬والكثري من القصص يتم تدريسها‬ ‫يف مدارس لبنانية وعربية‪.‬‬ ‫يف اعتقادي‪ ،‬إن تجربتي يف أدب األطفال مل ُتدرس بعد‬ ‫ومل تلق العناية التي تستحقها‪ ،‬رغم أنها تجربة رائدة‬ ‫وتأسيسية‪ ،‬وقد عملت عليها بجدية وبجهد وبحرفية‬ ‫ومبسؤولية فاق ذاك الذي منحته يف كتابتي للكبار‪.‬‬ ‫كيف تكتشفت عالقتك بالطفل وأدبه؟‬ ‫ أوالً أنا كاتب قصة‪ ،‬ويستحيل أن يكتب قصة للطفل‬‫من ال ميلك موهبة قصصية‪ .‬وحني وصلت إىل بريوت بعدما‬ ‫تركت بلديت يف أواسط الستينيات‪ ،‬بدأت بكتابة ونرش القصة‬ ‫وعىل هذا األساس تعامل معي اآلخرون‪.‬‬ ‫لكن الكتابة لألطفال تحتاج إىل مخيلة طفولية‪....‬‬ ‫وأستطيع أن أقول إنني عشت طفولة ملحمية ميكنك أن‬ ‫تجد شيئاً من ذلك‪ .‬ال أظن أن طف ًال رأى وج ّرب ما رأيته‬ ‫وجربته يف طفولتي يف بلدة الخيام وبراريها‪ ،‬حيث كنا نقيم‬ ‫عدة أشهر فيها كل عام‪ ،‬وكنا نعيش ملتصقني بالنباتات‬ ‫واألشجار وبحيوانات الرباري وحرشاتها‪ .‬وكانت حياة القرية‬ ‫أقرب إىل الحياة الوحشية البدائية أو الربية يف ذلك الزمن‪.‬‬

‫هذا ما مكننا من صناعة مخيالت طفولية حرة ال تقع تحت‬ ‫رقابة‪...‬‬ ‫ما الرابط بني أدب األطفال والشعر املكتوب للكبار؟‬ ‫املوجه إىل الكبار‪،‬‬ ‫ هناك رابط عميق بني أدب الطفل واألدب ّ‬‫وأنا ال ّ‬ ‫أنظر أو أقول كالماً للكالم يف هذا املقام‪ ...‬إن مل يحتفظ‬ ‫الشاعر بدهشة الطفل أمام الوجود واألشياء فإنه سيفقد‬ ‫عصب قوته الشعرية‪ ،‬فالطفل موجود يف داخل كل كاتب منا‬ ‫ال محالة‪.‬‬

‫شذرات‬

‫«هناك يشء متسك به الحياة‪ /‬و ُتخفيه وراء ظهرها‪ /‬ولن‬ ‫أتوقف عن الكتابة‪ /‬حتى أعرف‪ /‬ما هو»‪.‬‬

‫«رجالي» خائرتان‪ /‬لدرج ٍة أشعر معها‪ /‬بأنني مل أع ْد‬ ‫قادراً‪ /‬حتى‪ /‬عىل مج ّرد التقدم يف العمر»‬ ‫ويأسف «لجامل تلك األيام‪ /‬التي كنا نحيا فيها الحياة‪/‬‬ ‫من دون أن نراها»‬ ‫«أخرج من املنزل يف أعىل التل ‪ /‬فيباغتني الفضاء الرحب‬ ‫ُ‬ ‫جناحي‬ ‫فوق السهل‪ /‬ويشدين إليه األفق‪ /‬عندها‪ ،‬أفر ُد‬ ‫ّ‬ ‫وأح ِّلق‪ُ /‬‬ ‫لست طائراً‪ ،‬ولكنْ ‪ /‬للرضورة أحكامها»‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪113‬‬


‫جدل‬

‫قصيدة نثر‬

‫أم وعي شعري جديد؟‬ ‫هنا دعوة للباحثين إلعادة النظر في ما استقر من خطاب نقدي حول‬ ‫ً‬ ‫تنظيرا‬ ‫قصيدة النثر‪ .‬والكاتب ال يرى أن أنصارها استطاعوا أن يقدموا‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫جماليا‪ ،‬حولها كشكل شعري مختلف عن‬ ‫فلسفيا أو‬ ‫واضح المعالم‪،‬‬ ‫قصيدة التفعيلة‬

‫أيمن بكر‬

‫حني‬

‫بدأ التنظري املنظم لقصيدة النرث يف أوائل‬ ‫الستينيات من القرن العرشين عىل يد أكرث من‬ ‫شاعر من جامعة شعر البريوتية‪ - ،‬أشهرهم أدونيس وأنيس‬ ‫الحاج ‪ -‬كانت محددات القصيدة وميزاتها الجاملية مستقاة‬ ‫بصورة مبارشة من أطروحة السيدة سوزان برنار للامجستري‬ ‫بعنوان‪« :‬قصيدة النرث‪ :‬من بودلري حتى الوقت الراهن»‪،‬‬ ‫والوقت الراهن الذي تقصده السيدة برنار يرجع إىل ما قبل‬ ‫تاريخ طباعة أطروحتها يف كتاب للمرة األوىل سنة ‪،1958‬‬ ‫إذ إنها قدمت للمناقشة قبل ذلك بسنوات «تحديداً عام‬ ‫‪ »1954‬وكتبت أيضاً قبل املناقشة بسنوات‪.‬‬ ‫يف هذه األثناء كانت الثقافة العربية عىل موعد مع حركة‬ ‫تجديد ثورية يف الشعر العريب هي حركة شعر التفعيلة‪،‬‬ ‫التي مل تكن قد اكتسبت الكثري من املرشوعية بحلول عام‬ ‫‪1960‬؛ العام الذي بدأت فيه جامعة شعر البريوتية اإلعالن‬ ‫عن ميالد قصيدة النرث استناداً لتنظريات السيدة برنار كام‬ ‫أرشنا؛ إذ كان رصاع قصيدة التفعيلة يف أوجه عام ‪1964‬‬ ‫حني أعلنت لجنة الشعر باملجلس األعىل لآلداب والفنون‬ ‫بأن‪« :‬مراجعة رسيعة لكثري مام يسمى الشعر الجديد‬ ‫لتكفي للداللة عىل أن أصحابه واقعون تحت تأثريات‪...‬‬ ‫منافية لروح الثقافة اإلسالمية العربية‪ ...‬ما يجعل كتاباتهم‬ ‫مرفوضة‪ ...‬ألنها تشيع يف الكيان عنرصاً غريباً يهدمه»‪.‬‬ ‫الكالم هنا عن الشعر الجديد من دون تحديد شعر التفعيلة‬

‫‪114‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫«رمبا يك ال يعد مجرد ذكر التسمية نوعاً من‬ ‫االعرتاف الضمني» لكن املفهوم ثقافياً كان شعر‬ ‫التفعيلة‪ ،‬ومل يكن بيان جامعة شعر وال دواوينهم النرثية‬ ‫األوىل داخلة ضمن الرصاع بصورة واضحة‪ ،‬فهل كان حضور‬ ‫قصيدة النرث يف هذا التوقيت أشبه بثورة داخل ثورة؟ أم‬ ‫أنه كان أقرب لتطوير واحدة من ممكنات قصيدة التفعيلة‬ ‫بصورة استرشافية مبكرة؟‬

‫قصيدة النرث‪ :‬ثالث سامت‬

‫أحسب أن هناك وجه شبه بني اإلشكالية التي أثارتها قصيدة‬ ‫النرث بالنسبة لتقاليد الشعر الفرنيس‪ ،‬وما أثارته ضمن تراث‬ ‫الشعر العريب «يف األوساط األكرث تسامحاً»‪ ،‬هذا الوجه هو‬ ‫املطالبة ‪ -‬ضمنية كانت أو رصيحة ‪ -‬بأن تقدم قصيدة‬ ‫النرث بدي ًال واضحاً للقيم الجاملية التطريبية ألوزان الشعر‬ ‫التقليدي‪ ،‬األوزان التي جاءت قصيدة النرث كحركة مترد‬ ‫عليها‪ .‬تقول السيدة برنار‪« :‬املؤكد أن قصيدة النرث تنطوي‬ ‫عىل مبدأ فوضوي وهدام‪ ،‬إذ نشأت من التمرد عىل قوانني‬ ‫الوزن والعروض‪ ،‬وأحياناً عىل القوانني العادية للغة‪ .‬لكن كل‬ ‫مترد عىل القوانني املوجودة مجرب – فيام لو أراد تقديم عمل‬ ‫أديب قابل لالستمرار‪ -‬عىل أن يحل محل هذه القوانني قوانني‬ ‫أخرى خشية الوصول ملا هو غري عضوي وفاقد للشكل»‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن الفزع الواضح يف كالم برنار السابق‪ ،‬خشية‬


‫قصيدة نثر‪ ،‬أم وعي شعري جديد؟‬

‫يف اإلحاطة الكاملة والنهائية بظاهرة قصيدة النرث؛ عرب تنظري‬ ‫فلسفي تعميمي ال يخلو من ضبابية فلسفية‪ ،‬أظنها ناتجة من‬ ‫ضعف وعينا باألنظمة الفكرية التي يستعني نقادنا بشذرات‬ ‫منها‪ ،‬ليبنوا تنظرياتهم عليها‪.‬‬

‫فقدان السيطرة البنيوية عىل النص الشعري‪ ،‬تبدو قصيدة‬ ‫النرث كياناً مزدوج الفاعلية؛ فهي تهدم وتبني‪ ،‬تهرب من‬ ‫التصنيفية لتقع فيها يف الوقت نفسه‪ .‬وما أود الرتكيز عليه‬ ‫هنا هو تلك السامت‪ /‬القوانني التي تقرتحها برنار كبديل‬ ‫مميز لقصيدة النرث‪ ،‬وهي ثالثة‪ :‬الوحدة العضوية الناتجة‬ ‫عن إرادة بناء واعية‪ ،‬واملجانية عىل مستوى الغاية أياً كان هل هو وعي شعري جديد؟‬ ‫نوعها «أخالقية أم سياسية أو غري ذلك» وهو ما يظهر‬ ‫ليس تنظري سوزان برنار هو الوحيد الذي تم استخدامه لوضع‬ ‫تركيبياً يف عدم وجود سلسلة لغوية منطقية تتنامى زمنياً‬ ‫أطر فلسفية وجاملية مميزة لقصيدة النرث عربياً‪ ،‬فقد تنوعت‬ ‫باتجاه غاية داللية بعينها‪ ،‬ثم اإليجاز أو الكثافة اللغوية‬ ‫املحاوالت لتمييزها وبلورة جاملياتها؛ رغبة يف مالحقة النتاج‬ ‫والرؤيوية‪ .‬تقول برنار‪« :‬وتفرتض قصيدة النرث‪ ...‬إرادة واعية املتزايد من قصيدة النرث‪ .‬من ذلك ‪ -‬غري كتابات أدونيس ‪-‬‬ ‫لالنتظام يف قصيدة‪ ،‬البد لها أن تكون ك ًال عضوياً مستق ًال‪ ،‬مبا محاوالت جهاد فاضل‪ ،‬وحاتم الصكر‪ ،‬ومحمد العباس‪ ،‬وكاتب‬ ‫يسمح بتمييزها عن النرث الشعري «الذي ما هو إال مادة‪،‬‬ ‫هذه الدراسة‪ .‬وهي محاوالت تستبطن غالباً ما أعلنه محمد‬ ‫وشك ًال من الدرجة األوىل نستطيع ‪ -‬انطالقاً منه ‪ -‬تأليف‬ ‫العباس من أن قصيدة النرث تتصاعد عربياً «كخيار فني ال‬ ‫دراسات وروايات وقصائد» وهو ما سيجعلنا نقبل مبعيار‬ ‫كبديل»‪ .‬وهي أيضاً محاوالت رمبا استبطنت محددات سوزان‬ ‫ال‬ ‫القصيدة‬ ‫الوحدة العضوية‪ ...‬ومع ذلك فعلينا أن نقبل بأن‬ ‫برنار‪ ،‬لكنها تسعى بوضوح لتقديم مقول نقدي مغاير وأقرب‬ ‫تفرتض لنفسها أية غاية خارج نفسها ال رسدية وال برهانية‪ ...‬لقصيدة النرث العربية‪.‬‬ ‫ولدينا هنا معيار املجانية‪ ...‬وميكننا أن نضيف أن فكرة‬ ‫ورغم اختالف الرؤى واملنهجيات‪ ،‬أحسب أن إشكالية عامة‬ ‫«املجانية» ميكن أن تحددها بدقة فكرة «الالزمنية»؛ مبعنى تطل برأسها يف املحاوالت السابقة وغريها‪ ،‬إشكالية حاول‬ ‫أن القصيدة ال تتقدم نحو هدف ما‪ ،‬وال تطرح سلسلة من‬ ‫البعض مواجهتها رصاحة يف حني تعامل معها البعض كام لو‬ ‫األفعال املتتالية‪ ،‬لكنها تفرض عىل القارئ كـ«يشء»‪ ،‬ككتلة‬ ‫أنها غري موجودة أص ًال؛ تتلخص تلك اإلشكالية يف السؤال التايل‪:‬‬ ‫ال زمنية‪ ...‬ويقودنا هذان الرشطان اللذان تحدثت عنهام‬ ‫هل تختلف قصيدة النرث العربية الحالية عن قصيدة التفعيلة‬ ‫«الحالية أيضاً» بصورة جذرية تجعل من إحداهام تياراً مختلفاً‬ ‫لتوي – الوحدة واملجانية ‪ -‬إىل رشط ثالث أكرث خصوصية‬ ‫يف منطلقاته ورؤاه وجاملياته عن األخرى‪ ،‬أم أن هناك وعياً‬ ‫لقصيدة النرث‪ ،‬هو اإليجاز‪ .‬فعىل قصيدة النرث– أكرث من أية‬ ‫قصيدة عروضية ‪ -‬أن تتجنب االستطرادات األخالقية‪ ،‬أو أية فنياً‪ /‬شعرياً‪ /‬ثقافياً عاماً لدى أجيال جديدة من الشعراء‪،‬‬ ‫استطرادات أخرى‪ ،‬واإلسهابات‬ ‫يتجىل عرب مجمل الكتابات الشعرية‪ ،‬سواء‬ ‫التفسريية‪ ،‬أي كل ما يؤول بها‬ ‫اختارت قصيدة النرث أم قصيدة العامية أم‬ ‫إىل أنواع النرث األخرى»‪.‬‬ ‫هل تختلف قصيدة النثر‬ ‫قصيدة التفعيلة؟‬ ‫أرى املقطع السابق رضورياً‬ ‫السؤال السابق يستدعي سؤاالً آخر‪ :‬هل‬ ‫العربية عن قصيدة‬ ‫هنا رغم طوله النسبي‪ ،‬فهو‬ ‫كانت الحدة التنظريية لجامعة شعر‬ ‫التفعيلة بصورة جذرية‬ ‫يقدم تنظرياً واضحاً ِّ‬ ‫ومبطناً‬ ‫ً‬ ‫البريوتية حقا هي املانع من التأسيس‬ ‫ً‬ ‫تجعل من إحداهما تيارا‬ ‫لكثري من الكتابات العربية‬ ‫النقالب شعري‪ ،‬ومن إعالن تفرد وقطيعة‬ ‫املتامسكة التي تعرضت‬ ‫مع الذاكرة الجاملية الكالسيكية «كام‬ ‫مختلف ًا في منطلقاته‬ ‫لقصيدة النرث‪ ،‬كام يبدو يل‬ ‫يقول محمد العباس»‪ ،‬أم أن هذه الحدة‬ ‫ورؤاه وجمالياته عن‬ ‫ً‬ ‫الطرح السابق رغم قدمه‬ ‫مثلت حجرا ضمن أحجار أخرى‪ ،‬أسهمت‬ ‫األخرى؟‬ ‫الزمني‪ ،‬أكرث علمية من‬ ‫ يف خفاء عن التنظري النقدي العريب‬‫التجزيئي واملتعجل بالدفاع أو اإلدانة غالباً‬ ‫محاوالت عربية كثرية تطمع‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪115‬‬


‫جدل‬

‫ يف متهيد األرض لحالة وعي فني شعري جديد‪ ،‬تتجاور‬‫فيه القصيدة التفعيلية وقصيدة النرث مع أية تجربة شعرية‬ ‫تجمعهام أو رمبا تتجاوزهام؟ لقد أورد محمد العباس يف‬ ‫كتابه عن شعرية قصيدة النرث كالماً داالً لحاتم الصكر‪ ،‬يعلن‬ ‫فيه أن رواد قصيدة النرث قد شوهوا أطروحة سوزان برنار‬ ‫وابترسوها نتيجة لحامستهم‪ ،‬ويعلق محمد العباس عىل‬ ‫كالم الصكر بقوله‪« :‬وهكذا كان ذلك التطرف الجاميل سبباً‬ ‫من األسباب التي جعلت قصيدة النرث العربية‪ ،‬كامتداد‬ ‫للشعرية العربية‪ ،‬متتنع عن اجرتاح ما يؤسس لالنقالب‪،‬‬ ‫أو االنزياح بالذاكرة التقليدية إىل مغامرة متاس مختلفة‬ ‫باملحيط»‪.‬‬ ‫ولعل كالم الصكر يحتاج ملزيد من التوضيح ملعنى التشويه‬ ‫واالبتسار؛ إذ أظن أن تشويه أطروحة تقوم عىل تراث‬ ‫الشعر الفرنيس‪ ،‬وتحدد جامليات قصيدة النرث بالنظر لعرص‬ ‫بودلري ورامبو ولوتريامون وغريهم بكل ما لهم ولعصورهم‬ ‫الفرنسية من خصوصية‪ ،‬أظن تشويه هذه األطروحة‬ ‫وابتسارها هو أمر حتمي ورضوري‪ ،‬بل لعله السبيل الوحيد‬ ‫لإلفادة منها‪ ،‬فام ميكن ألدونيس وأنيس الحاج وغريهم أن‬ ‫يفعلوه‪ ،‬هو تجريد املقول الفلسفي العام لهذه األطروحة‪،‬‬ ‫ومحاولة تكييفه مع تيار ثوري من الكتابة الشعرية‪ .‬لكن‬ ‫–مرة أخرى – هل كانت ثوريتهم بعيدة عن ثورة قصيدة‬ ‫التفعيلة املشتعلة يف هذا الوقت‪ ،‬أم أن حامسهم الزائد صور‬ ‫لهم ذلك‪ ،‬يف حني كان الوعي الشعري الجديد الذي اتخذ‬ ‫من قصيدة التفعيلة راية له هو اإلطار األكرب‪ ،‬الذي يضم‬ ‫محاوالت شعراء قصيدة النرث؟ وهل مينح ذلك «كون الحركة‬ ‫الثورية الشعرية بدأت من قصيدة التفعيلة ومثلت قصيدة‬ ‫النرث مجرد تنويعة عليها» معنى مختلفاً لفكرة أن قصيدة‬ ‫النرث هي خيار وليست بدي ًال؟‬ ‫األسئلة السابقة متثل قبل كل يشء محاولة لنقد الذات؛ إذ‬ ‫حاولت قبل اآلن أن أميز بني قصيدة التفعيلة وقصيدة النرث‬ ‫عن طريق املقارنة بني مالمح الذات الشاعرة يف كل منهام‪،‬‬ ‫لكنني اآلن بعد سنوات من هذه األطروحة أجد األمر أقل‬ ‫وضوحاً مام كان عليه‪ ،‬فكثري من كتاب قصيدة التفعيلة اآلن‬ ‫يتحركون من العامل وليس من فوقه كام كان جيل روادهم‪،‬‬ ‫مبا يدعوين للتساؤل عن مجمل املالمح الجاملية املغايرة‬ ‫التي تبدت مبكراً يف قصيدة النرث‪ ،‬وما إذا كانت مالمح تشري‬ ‫‪116‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫إىل وعي جديد ال يقف فقط عند قصيدة النرث‪ ،‬وإن كان لها‬ ‫فضل السبق يف طرحه‪.‬‬

‫محاولة للتطبيق‬

‫سأحاول قدر املمكن أن يكون اختياري للنصوص عشوائياً‪،‬‬ ‫وسأحاول أيضاً االستعانة بقصائد كاملة‪ ،‬أو مقاطع طويلة؛‬ ‫حتى ينفتح الباب للرؤى املختلفة‪ ،‬من دون توجيه مسبق‬ ‫للقراءة عرب عملية االجتزاء الشهرية التي اعتادها النقاد‪.‬‬ ‫يف ديوانه «صندوق أقل من الضياع»‪ ،‬نقرأ هذه القصيدة‬ ‫للشاعر «محمد خرض»‪:‬‬

‫قناعة‬ ‫نستسهل أحياناً‬ ‫أن نرتك الخارصة من دون ترتيب‬ ‫أن ننام‬ ‫كقطط برية‬ ‫أو نحلم‬ ‫بزوارق ورقية‬ ‫تكفي اثنني لعبور التيار‬

‫من اليسري عىل أي ناقد مبتدئ أن يدبج مقاالً متامسكاً حول‬ ‫النص السابق‪ ،‬وما أقوم به اآلن هو تجربة إلثبات أن النص‬ ‫كان يصف لحظة شعورية يكتنفها شعور متناقض باألمل‬ ‫واليأس‪ ،‬بالقدرة والعجز‪ ،‬بالتشوف والكبح‪ ،‬كل هذا يف وقت‬ ‫واحد‪ .‬إنه تشكيل لغوي يجسد بصورة مجانية لحظة إنسانية‬ ‫بكل متناقضاتها دومنا غاية أخالقية أو سياسية أو إصالحية‪/‬‬ ‫اجتامعية بعينها‪ .‬النص أيضاً ميكنه – إذا أراد القارئ – أن‬ ‫يشكل ك ًال عضوياً متامسكاً يستخدم تقنية بعينها «تتكرر‬ ‫يف ديوان محمد خرض أكرث من مرة» هي البدء من حالة‬ ‫شعورية وعيية بعينها‪ ،‬ثم تعداد ما ميكن أن ينتج عن هذه‬ ‫الحالة؛ مبعنى أنه يبدأ من تكوين لغوي يفتح بوابة لحالة‬ ‫تكرار لغوي عرب بنية ثابتة متكررة‪ :‬نستسهل أن ‪ .....‬ثم ميكن‬ ‫أن تتكرر بنية «أن نفعل كذا وأن نفعل كذا…» ‪ ،‬النص ميثل‬ ‫بنية متامسكة تصدر عن إرادة بناء‪ .‬إرادة البناء نفسها تظهر‬ ‫يف قصائد كثرية مستخدمة التقنية نفسها‪ ،‬من ذلك قصيدة‬ ‫«الساعة الثانية عرشة»‪ ،‬حيث يبدأ النص بتيمة‪ /‬مفتاح تفتح‬ ‫الباب لبنية التداعي اللغوي املستخدم للتكرار‪ ،‬يقول‪:‬‬


‫قصيدة نثر‪ ،‬أم وعي شعري جديد؟‬

‫فالشاعر يطرح جملة تقريرية يتبعها بسؤال عىل لسان‬ ‫الغريب‪ ،‬مبا يؤكد وجود إرادة بناء واعية يف مجموعة النصوص‬ ‫القصرية املجانية «املوزونة» التي يقدمها عالء الدين‪.‬‬ ‫سأحاول اآلن تقديم منوذجني من دون تعليق لشاعرة مرصية‬ ‫ولشاعر سعودي‪:‬‬ ‫هذه أوالً قصيدة الشاعرة «نجاة عيل»‪:‬‬

‫مبناسبة اكتامل القمر‪ /‬كان حديثنا‪ /‬مل نتحدث عن‪/‬‬ ‫مسافة للحزن‬ ‫«تسونامي»‪ /‬وال‪« /‬تورا بورا»… ‪ /...‬ال عن كارل ماركس سأضع بيني وبينك‬ ‫نتحدث‪ /‬وال سيد قطب‪« /‬ونهايته الغامضة» ما أشري‬ ‫مسافات‬ ‫له هنا هو تقنية مفتاحية يستخدمها خرض تسمح‬ ‫ثم أمألها بكراهية‬ ‫له بتكرار بنية لغوية بعينها «مل نتحدث عن كذا‪ /‬وال‬ ‫ال يطفئها يشء‬ ‫عن‪ /....‬وال عن‪ »....‬وهو ما يشري إلرادة بناء واعية لدى أو رمبا بحزن ينمو‬ ‫الشاعر‪.‬‬ ‫يف رئتي‬ ‫املالمح السابقة تضع قصيدة خرض تحت تصنيف «قصيدة ‪ -‬دون توقف ‪-‬‬ ‫النرث» بامتياز طبقاً ملحددات سوزان برنار‪.‬‬ ‫يك أراك جيداً‪.‬‬

‫ونقرأ هذه القصيدة للشاعر «وليد عالء الدين»‪:‬‬

‫مساء‬ ‫ملاذا املساء ثقيل بهذي املدينة!!‬ ‫يقول الغريب‪:‬‬ ‫ملاذا املساء ثقيل!!‬ ‫فتسقط مثلومة‬ ‫كحدي موىس‬ ‫خيوط املساء‬

‫القصيدة السابقة قابلة للتحليل عىل غرار نصوص محمد‬ ‫خرض؛ إنها مكثفة جداً وتقدم حالة غربة ومرارة تكتنفها‪،‬‬ ‫من دون أية غاية نهائية أخالقية كانت أو غري ذلك‪ ،‬كام‬ ‫أن النص السابق هو واحد ضمن مجموعة نصوص تتحدث‬ ‫عن الغريب بالصيغة اللغوية نفسها‪ .‬يقول يف قصيدة أخرى‬ ‫بعنوان «جوهر»‬

‫الريح هي الجوهر‬ ‫وأنا‬ ‫تسكنني الريح‬ ‫يقول الغريب‪ :‬وهل لفتًى تسكنه الرياح‬ ‫بأن يسرتيح!!‬

‫إن النص الثاين تقريباً يسري عىل الخطة البنائية نفسها‪،‬‬

‫وهذه قصيدة الشاعر محمد حبيبي‪:‬‬

‫وسام‬ ‫فرحته باملكتب ذي األدراج املنزلقة‬ ‫برسير األطفال‬ ‫مبرتبة اإلسفنج‬ ‫الدوالب الزاهي األلوان‬ ‫هل كانت مثيل‬ ‫يوم انتزع أيب خشبات صناديق الشاي‬ ‫ليسمر دواليب األول؟‬

‫إحدى القصيدتني نرثية والثانية تفعيلية‪ ،‬وما يعنيني هنا هو‬ ‫مقاييس سوزان برنار الثالثة؛ أال نجدها متحققة يف النصني‬ ‫السابقني كام يف نصوص محمد خرض ووليد عالء الدين؟ أال‬ ‫تحتمل النصوص السابقة جميعها تنظريات النقاد حول بساطة‬ ‫املعجم الشعري لقصيدة النرث‪ ،‬وانطالقها من اليومي واملعيش‬ ‫واملبارش؟ أال تحتمل النصوص السابقة جميعاً فكرة أن الذات‬ ‫الشاعرة تنطلق «من العامل»‪ ،‬وليس «من فوق العامل»؟ إن‬ ‫قصيدة النرث تفتح مساحة حرية ال شك فيها للشعراء‪ ،‬لكن‬ ‫هل استخدموها يف تقديم تجريب نيص‪ /‬لغوي‪ /‬جاميل مغاير‪،‬‬ ‫أم أنهم سقطوا يف حدود السهل املوايت غري البعيد عن قصيدة‬ ‫التفعيلة التي «تتقيد» بالوزن؟‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪117‬‬


‫جدل‬

‫شعريّة ‪..‬‬ ‫رِ ّدة ِ‬

‫عودة إلى قصيدة العمود‬ ‫شكل القصيدة العربية مايزال يثير انقساما حادا‬ ‫بين الشعراء والنقاد‪ .‬وفي هذه الفترة ثمة من‬ ‫يتحزب للعمودي‪ ،‬وال يعترف باالشكال األخرى‪ ،‬في‬ ‫حين أن القارئ ال يبحث عن غير الشعرية في النص‬

‫يوسف عبد العزيز‬

‫يف‬

‫العقدين األخريين‪ ،‬برزت قض ّية العودة إىل قصيدة‬ ‫الشعري‪ ،‬كظاهرة تستحقّ املتابعة‪ّ .‬‬ ‫العمود ّ‬ ‫ولعل‬ ‫هذه ّ‬ ‫الظاهرة ال ترتبط ببلد عريب محدّد‪ ،‬بقدر ما أصبحت‬ ‫موجودة يف معظم البلدان العربية‪ .‬األمر هنا ال يقترص‬ ‫الشعراء ‪ -‬األفراد‪ ،‬م ّمن باتوا يكتبون هذا ّ‬ ‫عىل ّ‬ ‫الشكل من‬ ‫القصائد‪ ،‬بل تعدّاهم ليشمل تلك الجامعات الشعرية التي‬ ‫ظهرت هنا وهناك‪ ،‬والتي أصدرت عدداً من البيانات‪ ،‬التي‬ ‫تؤ ّكد فيها عىل القصيدة العمودية كخيار وحيد ّ‬ ‫للشعر‪.‬‬ ‫قبل الدّخول يف تحليل هذه ّ‬ ‫الظاهرة‪ ،‬ال ب ّد لنا من البحث‬ ‫يف األسباب التي دفعت بهذه ّ‬ ‫الطائفة من ّ‬ ‫الشعراء العرب‪،‬‬ ‫إلعادة االعتبار لقصيدة العمود الشعري‪ ،‬وذلك يف ّ‬ ‫ظل‬ ‫امتداد رقعة الكتابة الشعرية العربية‪ ،‬وتعدّد األطياف‬ ‫وال ّرؤى والتّجارب‪ ،‬التي قد تختلف‪ ،‬وقد تلتقي حول ّ‬ ‫الشعر‪.‬‬ ‫من جهة أخرى يأيت هذا االلتفاف حول قصيدة العمود يف‬ ‫ّ‬ ‫ظل حركة ترجمة َن ِش َطة‪ ،‬م ّكنت الشاعر العريب من االطالع‬

‫‪118‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫الفنان قاسم عثامن‬


‫عودة إلى قصيدة العمود‬

‫عىل شعر ّيات كثرية ومتن ّوعة يف أرجاء العامل!‬ ‫يلتفت شاعر العمود إليها‪ ،‬ونقصد بهذه الوسائل هنا تلك‬ ‫لعل ّ‬ ‫ّ‬ ‫تشظي الحياة العرب ّية‪ ،‬وتردّي األوضاع السياسية‬ ‫األنفاس القادمة من املرجع ّيات البرصية كالسينام واملرسح‬ ‫القامئة‪ ،‬وما آلت إليه األمور من هزائم‪ ،‬أن تكون واحداً‬ ‫والتّشكيل‪ ،‬أو من السرّ د‪ ،‬وهي مرجع ّيات معارصة‪ ،‬مل تكن‬ ‫من األسباب التي دفعت إىل هذا الخيار‪ ،‬باعتبار العودة‬ ‫معروفة من قبل‪ ،‬وز ّودت الن ّ​ّص الشعري الحديث بالكثري‬ ‫من ّ‬ ‫الطاقة‪.‬‬ ‫إىل قصيدة العمود عود ًة إىل الجذور! ّإن تقديس املايض‬ ‫بدالً من ذلك ك ّله سوف نلمح هناك ال ّروح الحامس ّية التي‬ ‫(التّليد)‪ ،‬وما مي ّثله من رموز‪ ،‬هو جزء من عمل ّية عالج‬ ‫ترفع الن ّ​ّص‪ ،‬والتّعابري ّ‬ ‫ال ّذات الجريحة‪ ،‬يف زمن يتع ّرض فيه ّ‬ ‫الطنّانة‪ ،‬القامئة عىل اإلنشاد وتطريب‬ ‫كل يشء إىل الخراب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تشظي املشهد ّ‬ ‫القارئ‪ ،‬حيث ستختلط صورة القصيدة بصورة الخطبة‪.‬‬ ‫الشعري العريب‪ ،‬ربمّ ا يكون هو اآلخر قد‬ ‫ّ‬ ‫كل ذلك من أجل أن يبتهج الجمهور بني فرتة وأخرى أثناء‬ ‫خاص ًة بعد االنتشار الكاسح الذي‬ ‫ساهم يف هذه العودة‪ّ ،‬‬ ‫ح ّققته قصيدة النّرث‪ ،‬التي هي قصيدة األلف نوع ونوع!‬ ‫اإللقاء وينفجر بالتّصفيق‪.‬‬ ‫تتن ّوع التّجارب التي باتت تستلهم عمود ّ‬ ‫الشعر‪ ،‬كشكل‬ ‫ما يحدث اآلن من عودة إىل قصيدة العمود‪ ،‬ربمّ ا يشبه‬ ‫وحيد‪ ،‬ال يجوز ألحد أن يكتب ّ‬ ‫الشعر خارجه‪ .‬ومثل هذا‬ ‫ما حدث للقصيدة العربية يف أواخر القرن التّاسع عرش‬ ‫َ‬ ‫وبدايات القرن العرشين‪ ،‬إ ّبان ما عُ ِرف ببدايات عرص‬ ‫التّن ّوع يشمل اللغة الشعرية واملوضوعات املتنا َولة‪ .‬ولكنّ‬ ‫تلك التجارب عىل تن ّوعها‪ ،‬تلتقي عىل التّأكيد عىل ّ‬ ‫النهضة العربية‪ ،‬حيث الحظنا من خالل النامذج الشعرية‬ ‫الشكل‬ ‫ّ‬ ‫خاصاً الستلهام قصيدة الترّ اث‪،‬‬ ‫الشعري العمودي‪ ،‬بأوزانه وقوافيه‪ ،‬ويف الوقت نفسه تتّفق املكتوبة يف تلك الفرتة مي ًال ّ‬ ‫عىل استبعاد األشكال الشعرية األخرى (قصيدة التفعيلة‬ ‫األهم التي ينبغي تقليدها‪ ،‬حسب ما رآه‬ ‫باعتبارها القصيدة ّ‬ ‫وقصيدة النّرث) من دائرة ّ‬ ‫شعراء ذلك العرص‪ .‬ولذلك فقد ّ‬ ‫الشعر‪.‬‬ ‫متخضت تلك املرحلة عن‬ ‫يف واقع األمر‪ ،‬إذا ما د ّققنا النّظر يف النّامذج الشعرية‬ ‫كتابة عدد هائل من النصوص الشعرية‪ ،‬التي كانت تدور يف‬ ‫فلك الشعر العريب القديم‪ .‬واآلن فإننا حني نقرأ أعامل ٍّ‬ ‫املطروحة ضمن قصيدة العمود‪ ،‬سوف نجد هناك ّمثة‬ ‫كل‬ ‫رغبات كامنة فيها ليس يف استلهام ّ‬ ‫الشكل فقط‪ ،‬ولكن‬ ‫من محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يتل ّبسنا اإلحساس نفسه بأننا نطالع قصائد أيب ّمتام والبحرتي‬ ‫يف استلهام ال ّروح أيضاً‪ ،‬بحيث نجد ّمثة تصاديا قامئا بني‬ ‫واملتنبي‪.‬‬ ‫مناذج الترّ اث والنّامذج الجديدة‪ .‬يتّضح ذلك يف طرائق‬ ‫التّعبري ّ‬ ‫ُ‬ ‫الشعر ّية املستخدَمة‪ ،‬كاملجاز الخفيف‪ ،‬والتّشبيه‪،‬‬ ‫ترى ما العربة يف العودة إىل قصيدة الترّ اث للم ّرة الثانية‪،‬‬ ‫واالستعارة‪ ،‬والجناس ّ‬ ‫وذلك بعد مرور قرن كامل من‬ ‫والطباق‪،‬‬ ‫‪ ....‬إلخ‪ ،‬حتى يف وجود ما‬ ‫السنوات؟ وهل االكتفاء بالشكل‬ ‫إن العودة إلى قصيدة‬ ‫ّ‬ ‫يس ّمى ببيت القصيد‪ ،‬حيث‬ ‫العمودي كشكل وحيد للشعرية‬ ‫العمود ّ‬ ‫تصل القصيدة ذروتها‪ .‬وربمّ ا‬ ‫العربية‪ ،‬أمر صحيح‪ ،‬ويبعث عىل‬ ‫الشعري هو أمر‬ ‫ال ّرضا؟‬ ‫نجد حتّى املفردات القدمية‬ ‫أن القول‬ ‫مشروع‪ ،‬غير ّ‬ ‫قبل اإلجابة عىل هذه األسئلة‪ ،‬ال‬ ‫إ ّياها التي كان يستخدمها‬ ‫إن قصيدة العمود هي‬ ‫ّ‬ ‫ب ّد من املرور بشعر الترّ اث نفسه‪،‬‬ ‫الشاعر القديم‪ ،‬مبثوث ًة يف‬ ‫تجوز‬ ‫ال‬ ‫الذي‬ ‫الوحيد‬ ‫الشكل‬ ‫كالسيف‪،‬‬ ‫والوقوف عىل رأي ال ّن ّقاد القدامى‬ ‫النّصوص الجديدة‪ّ ،‬‬ ‫كتابة الشعر إال به‪ ،‬هو‬ ‫والترّ س‪ ،‬والدّرع‪ ،‬وال َف َرس‪.‬‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫طبعاً سوف تغيب وسائل‬ ‫يف العصور التالية للحقبة‬ ‫ضرب من العسف‬ ‫ظل ُي َ‬ ‫الجاهل ّية‪ّ ،‬‬ ‫التّعبري ّ‬ ‫الشعرية الحديثة‬ ‫نظر للشعر‬ ‫الجاهيل تلك النّظرة القامئة عىل‬ ‫عن هذه النّصوص‪ ،‬ولن‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪119‬‬


‫جدل‬ ‫الفنان قاسم عثامن‬

‫من العسف الذي ما بعده عسف! ذلك ّأن موهبة اإلنسان‬ ‫التّقديس من قبل ال ّن ّقاد‪ .‬لقد كانت النظرة السائدة ّأن‬ ‫القصيدة الجاهلية هي الذروة التي استطاعت أن تصل إليها الذي ابتكر قصيدة العمود‪ ،‬هي نفس هذه املوهبة التي‬ ‫ابتكرت ّ‬ ‫الشعرية العربية‪ّ ،‬‬ ‫الشكلني اآلخرين‪.‬‬ ‫وأن ما ظهر من مناذج حديثة هي أقل‬ ‫ّإن هذه الدعوة للتّحزّب لعمود ّ‬ ‫الشعر‪ ،‬تشبه إىل ح ٍّد كبري‬ ‫بكثري من تلك ال ّذروة‪ .‬برز هذا الكالم يف كتابة العديد من‬ ‫الن ّقاد العرب القدامى‪ ،‬وكان عىل رأسهم الناقد املعروف ابن تلك الدّعوة للتّحزّب لقصيدة النرث‪ ،‬والتي شاهدنا مظاهرها‬ ‫يف السنوات القليلة املاضية‪ ،‬من خالل مؤمترات قصيدة النرث‬ ‫سالم الجمحي (‪ 232 – 139‬هجرية) الذي أشاد يف كتابه‬ ‫(طبقات فحول الشعراء) بالشعر الجاهيل‪ ،‬وأفرد فيه القسط التي عُ ِقدَت يف ّ‬ ‫كل من بريوت والقاهرة‪ ،‬ففي كلتا الحالتني‬ ‫ّمثة نزوع عند هذا ّ‬ ‫الطرف وذاك للهيمنة وإلغاء اآلخر‪.‬‬ ‫األكرب لهذا الشعر‪ ،‬ومم ّثليه الكبار‪.‬‬ ‫كان ميكن بدل كل تلك املامحكات واملعارك الدّون‬ ‫ظ ّلت هذه النّظرة سائدة إىل أن جاء الشاعر أبو العالء‬ ‫قصة األشكال الشعرية جانباً‪ ،‬والحوار‬ ‫املع ّري (‪ 449 – 363‬هجرية)‪ ،‬وأطلق رأيه الجريء‪ ،‬حني‬ ‫كيشوت ّية‪ ،‬تنحية ّ‬ ‫حول ّ‬ ‫أ ّكد عىل إنجازه الشعري الخاص‪ ،‬مقارن ًة بإنجازات ّ‬ ‫الشعر ّية باعتبارها جوهر العملية الشعرية بر ّمتها‪ّ .‬إن‬ ‫الشعراء‬ ‫الن ّ​ّص الشعري الحقيقي هو ذلك الن ّ​ّص الذي يجعل القارئ‬ ‫القدامى‪ ،‬حني قال‪:‬‬ ‫«وإنيّ وإن ُ‬ ‫النص يقع تحت سطوته‪،‬‬ ‫كنت األخري زمانه‬ ‫ينىس شكله‪ ،‬فالقارئ حني يطالع ّ‬ ‫وتغريه الجامل ّيات الكامنة فيه‪ ،‬اّ‬ ‫ُ‬ ‫مم ينسيه أن يسأل السؤال‬ ‫األوائل»‪.‬‬ ‫آلت مبا مل تستطعه‬ ‫ٍ‬ ‫التقليدي املتدا َول‪ :‬بأيّ شكلٍ كتب الشاعر قصيدته؟‬ ‫كان ذلك الرأي مبثابة سباحة عكس ال ّت ّيار‪ ،‬ومحاولة إلعادة‬ ‫االعتبار للشاعر الجديد‪ ،‬كذات فاعلة وموهوبة مقارن ًة بجيل ّإن هذه العودة إىل عمود الشعر‪ ،‬والدّفاع عن هذا العمود‬ ‫باعتباره ّ‬ ‫الشكل الوحيد القابل للكتابة‪ ،‬وعدم االعرتاف‬ ‫اآلباء الشعري‪ ،‬ورموزه من الشعراء القدامى‪.‬‬ ‫ّإن العودة إىل قصيدة العمود ّ‬ ‫الشعري هو أمر مرشوع‪ ،‬وال باألشكال األخرى‪ ،‬هو نوع من ال ّردّة الشعرية‪ ،‬إذا جاز‬ ‫التّعبري‪ .‬وعىل ال ّرغم من هذه الدّعوة التي يتقنّع أصحابها‬ ‫خالف حوله‪ ،‬فث ّمة مجموعات من الشعراء تلتزم بكتابة‬ ‫هذا الشكل من الشعر‪ ،‬كام ّأن هناك ّمثة مجموعات أخرى وراءها‪ ،‬والتي تقول ّإن خيار الشكل العمودي هو مبثابة‬ ‫تحصني للشعر والدفاع عنه‪ ،‬أرى ّأن العمل ّية بر ّمتها هي‬ ‫تن ّوع يف كتابتها بني هذا الشكل واألشكال األخرى كقصيدة‬ ‫التفعيلة وقصيدة النرث‪ .‬غري ّأن القول ّإن قصيدة العمود هي محاولة العتقال القصيدة‪ ،‬وسجن باشق ّ‬ ‫الشعر‪ ،‬ذلك الباشق‬ ‫الشكل الوحيد الذي ال تجوز كتابة الشعر إال به‪ ،‬هو رضب الذي تع ّود عىل نهب الفضاء والتّحليق يف األعايل‬ ‫‪120‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫حائط أبيض‬

‫‪.‬‬

‫ّ‬ ‫الجراح‬ ‫نوري‬ ‫‪.............................................................................................................‬‬

‫المستنقع والزلزال‬

‫تعيش‬

‫منجزات وآثار الشعراء يف الثقافة الشعرية العربية اليوم يف ِّ‬ ‫ظل مناخ فادح من التجاهل والجهل واإلهامل‪ .‬ويف أفضل‬ ‫األحوال فإن غياب الثقافة الحرة املانحة للقدرة عىل اإلميان مبا هو أكرث من مجرد موهبة طاغية لشاعر طاغية يف محيط‬ ‫ثقايف يرتنح‪ ،‬يبدو سببا يف ما يجعل من أسطورة هالكة عن الشاعر الفحل فكرة ال تني سائدة يف عرصنا الحديث‪ ،‬حتى لكأن أصل الفكرة‬ ‫كامن يف فكرة الفرد األعىل املتسلط وقد شغلت حيز ُا خرافيا يف ثقافة املجتمع وها هي تعكس نفسها وتبعاتها عىل الشعر وسواه من الفنون‬ ‫وخ َّلفت لنا ذلك االنسحار النوستالجي بشخصيات أنتجت شعرها الالفت يف فرتات مبكرة‪ ،‬وال تزال بعد نصف قرن وأزيد من احتالل مقاعد‬ ‫النجوم تكتب وقد فرتت لغتها وغادرها الوهج الذي صاحبها يف بداياتها وفرتات تألقها‪.‬‬ ‫هذه الشخصيات الشعرية الهالكة‪ ،‬ورغم أن أعاملها دخلت يف طور الشحوب الفني والرتاخي‪ ،‬ال تكف وال يكف اإلعالم العريب وال تكف‬ ‫الذائقة الراكدة نفسها عن إعادة انتاجها اعتقادا من الفاعلني بأن منجزها املنكفئ هو كل ما يف الصورة‪ ،‬كل ما يف املخترب الشعري العريب‪ ،‬كل‬ ‫ما يف الفضاء الشعري‪ ،‬بينام املشهد‪ ،‬وعىل العكس متاما من ذلك‪ ،‬يتحرك بزخم وحيوية منتجا التجارب والظواهر والحاالت الجديدة التي‬ ‫مل تنقطع عن دفع القصيدة العربية نحو ذرى جديدة‪ .‬فالشعر يتحرك ويتغري والقراءة مراوحة يف مكانها‪ .‬عقدة كربى تصاحب حركة الشعر‬ ‫العريب‪ ،‬ومعضلة البد ملعرفة أسبابها من أن ُتقرأ جامليا وفكريا واجتامعيا وعىل غري مستوى معريف‪.‬‬ ‫***‬ ‫بخالف كرثة من الشاكني‪ ،‬أعترب أن الشعر العريب‪ ،‬وبالقياس مع الثقافات الشعرية األخرى‪ ،‬جدير به أن يحتل مكانة بارزة‪ ،‬فقد انجز هذا الشعر‬ ‫انتقاال عاصفا من لغة إىل لغات ومن قوالب فنية جامدة إىل مسارب جديدة حية ومتدفقة‪ ،‬ويف اقل من نصف قرن حقق نقلة مذهلة وتحوال‬ ‫يف بنيته اللغوية والتخييلية والتعبريية‪ .‬وبات شعرا حديثا ينطق بهموم الفرد يف املجتمع ويعرب عن طموحاته وأحالمه العرصية‪ ،‬بل تفوق يف‬ ‫لغته وبلغ صورته الحديثة كشعر يثري سؤاال كونيا ويفتح افقا خاصا به يف العامل‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬وعندما تطالعنا تلك املقوالت البائسة للبعض عن عدم وجود شعر نكتشف بيرس أنهم ال يعرفون ما حدث يف الشعر العريب خالل‬ ‫القرن العرشين‪ ،‬وبالتايل يجهلون بحق عمق التحوالت التي حدثت وال ميلكون بالتايل املفاتيح‪ ،‬مفاتيح القراءة‪ ،‬وال املصابيح التي تيضء عىل‬ ‫املنجز الشعري العريب يف جغرافياته املتعددة وفضاءاته املفتوحة‪.‬‬ ‫***‬ ‫ولكن ما السبب‪ ،‬بل األسباب التي اوصلت حال الشعر العريب مع الذائقة الشعرية العربية إىل هذا الدرك؟ وملاذا مل تنتج القصيدة العربية‬ ‫الحديثة يف جوارها حركة قراءة مبدعة تتناسب وثورتها الشعرية‪ ،‬وتكافئ قدراتها وإنجازاتها والجامليات التي أبدعتها‪ ،‬ملاذا ظل النص الشعري‬ ‫يتطور‪ ،‬وبقيت القراءة متخلفة عنه؟‬ ‫مثل هذه االسئلة تتجاوز يف نظري حقل االبداع الشعري اىل حقول االجتامع والسياسة ورمبا حتى االقتصاد‪.‬‬ ‫عىل انني أميل‪ ،‬شخصيا‪ ،‬إىل طرح السؤال عىل الشعراء وقراء الشعر األنقياء‪ ،‬منتظرا الصدى يرتدد يف هذه البيئة الخالقة واملبدعة‪ .‬وال يضريين‬ ‫أن أشري باستمرار إىل أن هناك يف بيئتنا الثقافية واوساطنا الثقافية جهالء يكتبون مقاالت ويقرأ كالمهم اآلخرون بصفته عل ًام وهو ليس بعلم‬ ‫وال مبعرفة‪ ،‬يف الوقت نفسه هناك نوع من الرتاخي أو قل الضجر والكسل عن اإلمساك بعصب الحركة ملعرفة ما يجري هناك‪.‬‬ ‫أعود من حيث بدأت‪ ،‬من إدمان الذائقة عىل نفسها‪ ،‬من مراوحتها يف شعر بهت وترهل شعراؤه الذين بدأوا روادا لجديد وانتهوا يف مواجهة‬ ‫يدافعون فيها عن مواقعهم بإزاء جديد يتحرك كالزلزال يف جسد القصيدة العربية الجديدة‪.‬‬ ‫الشعر ليس املستنقع إنه الزلزال‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪121‬‬


‫نقد‬

‫قاسم حداد‬ ‫مجـــــاز ي ُ َ‬ ‫ضلل التـأويـــل‬ ‫في مصاحبة «طرفة بن الوردة»‬ ‫ً‬ ‫شعريا من خالل‬ ‫في «طرفة بن الوردة» ليست المرة األولى التي يختار فيها قاسم حداد الماضي الستعادته‬

‫ّ‬ ‫الضليل طرفة بن العبد ليكتب سيرة شعرية وحياتية‬ ‫بعض ُشعرائه‪ ،‬ويذهب هذه المرة في اتجاه الشاعر‬ ‫تخالف السائد‬

‫صالح بوسريف‬

‫«يا ا ْبنَ أخي‪ ،‬يا طرف َة‪َ ،‬خ َّف َف الله َعن َْك»‬ ‫«املعري»‬

‫اشتغل‬

‫قاسم حداد يف ديوان سابق «مجنون‬ ‫ليىل» عىل إعادة كتابة تاريخ املجنون‬ ‫وسريته‪ ،‬وفق رؤية شعرية‪ ،‬كان فيها يحاول إعادة صياغة‬ ‫وجود هذا الشاعر‪ ،‬ليس يف عالقته بزمنه فقط‪ ،‬بل ويف‬ ‫عالقته بزمننا نحن أيضاً‪ .‬وإذا كان مجنون ليىل جاء من‬ ‫والصالة»‪ ،‬أي جاء بعد أن كان‬ ‫تاريخ الحق عىل «النص َّ‬ ‫الدين انترش‪ ،‬فـ «طرفة بن الوردة»! وهو هنا ليس سوى‬ ‫الشاعر طرفة بن العبد‪ ،‬عاش زمنه الوثني بكل فداحاته‬ ‫التي كان طرفة نفسه أحد صور هذه الفداحات‪ ،‬أو هو‬ ‫الصارخ َّ‬ ‫للشا ِعر الذي « َتج َّرعَ » الحياة‪،‬‬ ‫باألحرى النموذج َّ‬ ‫وشع ُره كان و َباالً عليه‪ ،‬أو كان هو حتْفه « ُق ِتل قبل ظهور‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم بنحو سبعني سنة»‪.‬‬ ‫حني ذهب قاسم إىل طرف َة‪ ،‬فهو كان يذهب إىل نفسه‪،‬‬ ‫للمكان املشرتك الذي تقاطع فيها َّ‬ ‫الشا ِعران‪ ،‬وفيه تبادَال‬ ‫فاسهُام‪ .‬وليس املكان هو ُم ْشترَ َك َّ‬ ‫الشا ِعر ْين الوحيد‪،‬‬ ‫أ ْن َ‬ ‫ِّ‬ ‫فالشعر‪ ،‬أو «النص»‪ ،‬كان أحد هذه ا ُمل ْشترَ كات التي‬ ‫جمعت بينهام‪ .‬فهام‪ ،‬يف هذه التجربة يتقاسامن املكان‪،‬‬ ‫ويتقاسامن النص‪ ،‬مبا يحمله املكان والنص معاً‪ ،‬من‬

‫‪122‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫إيحاءات بالخروج والرفض واال ْز ِو َرار‪َّ .‬‬ ‫تقاسم‬ ‫ولعل يف ُ‬ ‫الكينونة بني َّ‬ ‫الشا ِع َر ْين ما ييش بطبيعة العالقة التي‬ ‫وص َلة قاسم‬ ‫جمعت بينهام‪ ،‬أو فضحت ِص َلة طرفة بقاسم‪ِ ،‬‬ ‫بطرفة‪.‬‬ ‫ال يكفي املكان كقرينة عىل هذه العالقة‪ ،‬بل إن ال َّت َو ُّح َد‬ ‫يف كينونة واحدة‪ ،‬ومتاهي الشاعرين يف َن ْفس واحدة‪ ،‬هو‬ ‫ما َّ‬ ‫وط َّد هذه الصلة بني الشاعرين‪ ،‬ورمبا املكان جاء تالياً‪.‬‬ ‫نقرأ يف الكتاب‪:‬‬

‫ـ «قرأْ ُت َك‪ .‬رأَ ْيت َُك‬ ‫َت َب َّطن ُْت ما ينهض فيك وما ينام»‬ ‫ـ «بيننا َد َر ٌج بيننا حوار‬ ‫ْ‬ ‫تقاطعت أعضاؤنا‪ ...‬رمبا‬ ‫امتزجنا‪ْ .‬اخ َت َل ْجنا‪ .‬رمبا‬ ‫رمبا‬ ‫ْ‬ ‫انتحلنا الصفات»‪.‬‬

‫الكتاب هو تعبري عن لقاء بني شاعرين‪ ،‬واحدٌ يؤدي‬ ‫التحي َة لآلخر‪ُ ،‬يصا ِف ُح ُه‪ ،‬ويفتح معه جراح املايض‪ ،‬خيانة‬ ‫األهل‪ ،‬وخيانة العشرية‪ ،‬التي تن َّك َرت ملبدأ ال ُّنصرْ َة‪ ،‬مهام‬ ‫كانت جريرة الشاعر‪ ،‬فهي مل َت ْنصرُ ْ ه‪ ،‬مظلوماً‪ ،‬ومل تنرصه‬ ‫مقتوالً‪.‬‬ ‫زواج «النرث» بـ ِّ‬ ‫«الشعر»‪ ،‬أو هذه الكتابة املفتوحة عىل‬ ‫ِّ‬ ‫اللغة‪ ،‬من دون الفصل فيها بني لغ ٍة للشعر وأخرى للنرث‪،‬‬ ‫هو أحد ممكنات «حداثة الكتابة»‪ ،‬وأحد منافذ الحداثة‬


‫في مصاحبة «طرفة بن الوردة»‬

‫ِّ‬ ‫موازياً له‪ ،‬فهذا السلوك النظري ا ُملحايث للنص الشعري‪،‬‬ ‫الشعرية التي خرجت من مأزق «قصيدة النرث»‪ ،‬التي‬ ‫بدا أنها هي بدورها كانت نوعاً من املساومة عىل الشعر كان دامئاً مصاحباً للنص الشعري‪ ،‬حتى عند «الجاهليني»‪،‬‬ ‫ممن كانوا يعملون عىل فضح وعيهم النظري بالشعر‪ .‬لكن‬ ‫بالنرث‪ ،‬أو االحتامء بـ «القصيدة»‪ ،‬لتربير ما يتجاو ُزها‪.‬‬ ‫يف النص الشعري املعارص‪ ،‬أصبح هذا الوعي أحد رشوط‬ ‫جاء يف الكتاب‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫«وكنت إذا ما أ ْم َعن ُْت يف ِّ‬ ‫انكتاب النص‪ ،‬أو مام يعمل الشاعر‪ ،‬من خالله‪ ،‬عىل مترير‬ ‫ُ‬ ‫الشعر‪ ،‬وتوغل ُت‪ ،‬وفاضت‬ ‫فهمه ِّ‬ ‫للشعر‪ ،‬ووضع القارئ يف صورة ما يجري من َ‬ ‫ُ‬ ‫«خ ْرقٍ »‬ ‫ُ‬ ‫وذهبت إىل النرث ألجد نفيس يف‬ ‫الخمرة عىل القدح‪،‬‬ ‫و «خروج» عن املعيار‪ ،‬وعن القواعد التي ظل الشعر‬ ‫تخوم جديدة‪...‬‬ ‫يعتربها‪ ،‬بني رشوط «قول» الشعر‪ ،‬أو كتابته‪.‬‬ ‫فيسألني ُ‬ ‫بعضهُم‪:‬‬ ‫فقاسم‪ ،‬هنا‪ ،‬يضع قارئه‪ ،‬أمام هذا «ال َّت َو ُّحد» الذي أصبح‬ ‫رجل؟‬ ‫وما الن ُرث يا ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫الشعر مييل إليه‪ ،‬عائدا للغة يف بداياتها‪ ،‬حني مل َي ِت َّم شط ُرها‬ ‫فأقول‪ :‬إنه الشعر عائداً إىل البيت وحده»‪.‬‬ ‫إىل أسلوبني‪ ،‬وإىل تعبريين‪ ،‬وطريقتني يف الكتابة‪ .‬ال «نظم»‬ ‫مل يكتب طرفة النرث‪ ،‬فهو مل يكن يعرف الكتابة وال‬ ‫وال «نرث»‪ ،‬الشعر وحده عائداً إىل‬ ‫تفضحـه‬ ‫القراءة‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ُ‬ ‫البيت‪ ،‬ليس بيت الشعر طبعاً‪ .‬ليست‬ ‫بالخيال يحاول قاسم‬ ‫صحيفة املتلمس إذا اعتبـرناها‬ ‫املرة األوىل التي يختار فيها قاسم‬ ‫قامئـ ًة‪ ،‬أو ما ُروِيَ بصـددها كان‬ ‫من‬ ‫تشقق‬ ‫ما‬ ‫يرمم‬ ‫أن‬ ‫حداد العودة إىل املايض الستعادته‬ ‫صحيحاً‪ ،‬فهو اكتفى ِّ‬ ‫بالشعر‬ ‫شعرياً‪ ،‬أو لوضع خياله‪ ،‬يف سياق‬ ‫سيرة الشاعر طرفة‬ ‫فقط‪ .‬ما يعني أن الكالم يف‬ ‫هذا املايض ِّ‬ ‫الشعري‪ ،‬من خالل بعض‬ ‫قاسم‬ ‫املقطع أعاله‪ ،‬هو كالم‬ ‫بن العبد‪ ،‬ومن شعره‬ ‫ُشعرائه‬ ‫عن نفسه‪ ،‬وهو ما يدخل ضمن‬ ‫الذي شهد أغلب النقاد‬ ‫ِّ‬ ‫توسعاً مه ًام يف هذه‬ ‫فالشعر َع َرف ُّ‬ ‫امليتالغة التي مل تعد تكتفي‬ ‫القدامى أن أغلبه ضاع ال َّد َو ّال‪ ،‬ونقل مركزية ِّ‬ ‫الشعر من‬ ‫بالكالم النظري‪ ،‬الذي يأيت من‬ ‫الوزن‪ ،‬إىل اإليقاع‪ ،‬ما جعل بعض‬ ‫خارج النص الشعري‪ ،‬أو يكون‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪123‬‬


‫نقد‬

‫ُّ‬ ‫الشعراء‪ ،‬وبينهم قاسم حداد‪ ،‬يخرجون من ثنائية اللغة‬ ‫إىل اللغة يف شموليتها‪ ،‬و«بدائيتها»‪ ،‬أي يف ما تتيحه من‬ ‫إمكانات إيقاعية باهر ٍة‪ ،‬ال يبقى فيها الوزن دا ًّال مهيمناً‬ ‫أو «أكرب»‪ ،‬وهو ما يجري عىل اإليقاع بدوره‪ ،‬فثمة دالاَّ ن‬ ‫شعريان ُكبرْ َيان هام ما ُيضفي عىل النص مت ُّي َزه‪ ،‬وفرادته‪،‬‬ ‫وهام اإليقاع والخيال‪.‬‬ ‫هذا ما تؤكده تجربة قاسم يف هذا العمل‪ ،‬ويف عملٍ‬ ‫سابق‪ .‬وهو ما اعترب ُته داخ ًال يف تجربة الكتابة‪ ،‬التي‬ ‫رشعت يف الت َ​َّح ُّلل من الوعي الشفاهي‪ ،‬أوالت َ​َّخ ُّفف منه‪،‬‬ ‫يف مقابل هيمنة الوعي الكتايب‪ ،‬وهو نوع من السلوك‬ ‫الشعري الجديد‪ ،‬املوازي لشعرية الكتابة التي هي مرحلة‬ ‫شعرية متقدمة‪ ،‬قياساً مبا كان سائداً من نقاش حول‬ ‫«قصيدة النرث»‪.‬‬

‫«كيف ُت َس ُّمونه العبد وهو عىل صهوة الريح ُح ّر»‪.‬‬

‫مل ُي َس ِّم قاسم كتابه باسم َّ‬ ‫الشاعر‪ ،‬كام هو معروف يف‬ ‫ُكتُب النقد‪ ،‬ويف بعض الرتاجم والدواوين ِّ‬ ‫الشعرية التي‬ ‫صدرت باسمه‪ ،‬بنسبته ألبيه‪ ،‬أو ِبن َ​َس ِبه األبويّ دون غريه؛‬ ‫«طرفة بن العبد»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫َق َل َب قاسم املعادلة كاملة‪ ،‬لِ ُيعي َد ترتيب الن َ​َّسب‪ ،‬بحذف‬ ‫صفة االنتساب إىل األب‪ ،‬وبحذف ما تحمله هذه الصفة‬ ‫نفسها من معنى العبودية التي مل تكن تليق بحياة‬ ‫َّ‬ ‫الشاعر‪ ،‬هذا الشاعر «الغالم»‪ ،‬وال مبا عُ ِر َف به من حرية‬ ‫َ‬ ‫وج ْرأة يف القول‪ ،‬وكرم األصل‪ ،‬وما كان عليه من‬ ‫وانطالق ُ‬ ‫َ‬ ‫لهو وشرُ ْ ٍب‪ ،‬وإنفاق‪ ،‬أ ْو َصل ُه إىل ح ِّد اإلفالس‪ ،‬ومن معارشة‬ ‫للنساء‪ ،‬و ِت ْرحالٍ و َغ ْز ٍو‪ ،‬فهو كان‬ ‫ُمت َ​َح ِّرراً من أعراف القبيلة‪.‬‬ ‫فن َ​َس َبه إىل أ ِّمه‪َ « ،‬و ْردة»‪ ،‬التي‬ ‫حرص الكتاب عىل وضعها يف‬ ‫سياق سرية الشاعر‪ ،‬باعتبارها‬ ‫«شجرة الخلق»‪ ،‬يف قولها للنساء‪،‬‬ ‫حني ترد ْ‬ ‫َّدت يف الخروج معهن‬ ‫«اتركوين‪ ..‬هذا يوم يبدأ فيه‬ ‫الخلق‪ ،‬فالسديم يغمر حوايس»‪.‬‬ ‫وهي َمنْ َس َّمت‪ ،‬ابنها‪« ،‬طرف َة»‪،‬‬ ‫نسب ًة لشجرة «الطرفاء»‪ ،‬وهي‬

‫‪124‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫شجرة «ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫استطعمت حط َبها»‪ .‬بخالف ما جاء‬ ‫متوت نا ٌر‬ ‫ً‬ ‫يف بعض ترجامت الشاعر‪ ،‬التي تعترب االسم صفة‪ ،‬لصقت‬ ‫به لبيت قاله‪.‬‬ ‫مثة مسافة داللية كبرية بني االسمني؛ «طرفة بن العبد»‬ ‫االسم التاريخي‪ ،‬و «طرفة بن الوردة»‪ ،‬االسم الذي هو‬ ‫عنوان الكتاب‪ ،‬أو عتبتُه‪.‬‬ ‫يف هذه املسافة بالذات‪ ،‬تتش َّكل مختلف السياقات‬ ‫الشعرية لهذا العمل‪ ،‬ويعمل قاسم عىل إعادة تريتب‬ ‫سرية الشاعر‪ ،‬وعالقته باملكان‪ ،‬ومبختلف األحداث‬ ‫والوقائع املنسوبة إليه‪ ،‬من منظور معارص‪ ،‬يغلب فيه‬ ‫َّ‬ ‫الش ُّك اليقنيَ‪.‬‬

‫طرحت َش ّكاً َب َ‬ ‫ُ‬ ‫زغ َش ٌّك آخر غريه‬ ‫«حتى إذا ما‬ ‫ينحجب ام ٌر وينكشف أم ٌر وأفيض إىل أمر ثالث»‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ُ‬ ‫اليتنازل عنه ال ِكتاب‪ ،‬هو حق طرف َة يف النص‪ ،‬فهو‬ ‫ما‬ ‫يحفظ له هذا الحق‪ ،‬ويـرى فيه تعبرياً عن سيـرة طرفـة‪،‬‬ ‫وعن حياتـه التـي عاشها‪ ،‬حقيق ًة‪ ،‬من دون ُّ‬ ‫تدخل ال ُّر ِواة‪،‬‬ ‫الذين َتز َّيدوا عليه‪ ،‬وأفسدوا عليه حيا َته حتى بعد موته‪.‬‬ ‫فالنص هو املرجع‪ ،‬وهو الطريق التي تصل حياة طرفة مبا‬ ‫عاشه من حيوات رغم قرص عُ ُمره‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وصلت إليه من الرواة والقراء واملؤرخني‪،‬‬ ‫«قرأت ما‬ ‫فلم أجد ما ُي ْخ ِرج النص والشخص من األسطورة‪ ،‬ومل‬ ‫أتصل إال مبا يضعني معهام يف ِّ‬ ‫الشعر‪ ،‬فأعجبني ذلك‬ ‫وأحببتُه‪ ،‬إذ ليس مثل املخيلة مصدر فاتن للخلق»‪.‬‬

‫بالخيال يحاول قاسم أن ُي َر ِّمم ما َتش َّقق‬ ‫من سرية َّ‬ ‫الشا ِعر‪ ،‬ومن شعره الذي ش ِهد‬ ‫أغلب النقاد والشاعريني ال ُقدامى‪ ،‬أن‬ ‫أغلبه ضاع‪ .‬الخيال‪ ،‬ال ال َّت َوهُّ م‪ ،‬الذي‬ ‫كان‪ ،‬رمبا ما أفسد عىل الرواة أنفسهم‬ ‫شعر طرفة‪ ،‬أو وضعه يف َمه َِّب َّ‬ ‫الش ّك‬ ‫وال ُّر ْجحان‪.‬‬ ‫يف هذا العمل ‪ œuvre‬باعتباره كتاباً‬ ‫مفتوحاً‪ ،‬يخرج عن سياق التجنيس‬ ‫التقليدي‪ ،‬الذي يفصل بني ِّ‬ ‫الش ْعر والنرث‪،‬‬ ‫أو يعترب العالقة بينهام غري قابلة لِ ِّلقاء‪،‬‬ ‫كون ِّ‬ ‫الشعر شعراً والنرث نرثاً‪ ،‬وال ينبغي‬


‫في مصاحبة «طرفة بن الوردة»‬

‫البياض‪ٍّ ،‬‬ ‫كدال ال ميكن تجاهُ َله أو تفاديه‪ ،‬مثلام يحدث‬ ‫أن يلتقيا‪ُ ،‬يتيح قاسم حداد للنص أن َي َتكثرَّ َ‪ ،‬وتتع َّدد‬ ‫بالسواد ٍّ‬ ‫كدال‬ ‫وهم بالنرث‬ ‫توزيعا ُته الخطية‪ ،‬وأشكال صفحاته‪ ،‬بني ما ُي ِ‬ ‫عاد ًة يف الكتابة الكالسيكية التي تكتفي َّ‬ ‫وهم ِّ‬ ‫يتيم‪.‬‬ ‫بالشعر‪ ،‬تار ًة أخرى‪.‬‬ ‫تار ًة‪ ،‬وبني ما ُي ِ‬ ‫يف هذا العمل الذي يصعب تصني ُفه‪ ،‬أو تنسي ُبه ِّ‬ ‫أكرث من نص يف الصفحة الواحدة‪ ،‬أو أن النص الواحد‪ ،‬إذا‬ ‫للشعر‪،‬‬ ‫نصاً واحداً متواص ًال‪ ،‬يت َِّخذ مظاهر مختلفة‪،‬‬ ‫كتاب‪ ،‬وبصدد مفهوم‬ ‫اعتربنا الكتاب ّ‬ ‫فقط‪ ،‬فنحن بصدد ُكت ٍُب يف ٍ‬ ‫«الكتابة»‪ ،‬أو «حداثة الكتابة» كام ُ‬ ‫كنت َس َّم ْيتُها يف كتاب ويحرص عىل تجاوز الكتابة الخطية ‪ linière‬كام يحرص‬ ‫عىل تغيري مفهوم القراءة الخطية‬ ‫«حداثة الكتابة يف الشعر‬ ‫املتواصلة‪.‬‬ ‫العربـي املعارص»‪ ،‬وضمنه‬ ‫يتيح قاسم للنص‬ ‫ُ‬ ‫فنحن‪ ،‬بهذا املعنى‪ ،‬بإزاء كتابة َق ِل َقة‪،‬‬ ‫قرأت تجربة قاسم حداد‪ ،‬يف‬ ‫أن تتعدد توزيعاته‬ ‫تفرض قراء ًة َق ِل َقة‪ ،‬ال تكتفي بتشويش‬ ‫كتابه «مجنون ليىل»‪ ،‬الذي كان‬ ‫وأشكال‬ ‫الخطية‬ ‫النوع أو الجنس‪ ،‬حيث الحدود بني‬ ‫أحد تعبريات «حداثة الكتابة»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يوهم‬ ‫ما‬ ‫صفحاته‪،‬بين‬ ‫الشعر والنرث ال تبقى قامئة‪ ،‬بل إن‬ ‫التي مل يعد مفهوم القصيدة‪،‬‬ ‫التشويش يطال كل يشء يف هذا‬ ‫يف بنائها‪ ،‬ويف شكلها‪ ،‬قاب ًال‬ ‫بالنثر تارة‪ ،‬وبين ما‬ ‫الكتاب‪ ،‬ما يقرتحه الشاعر عىل قارئه‬ ‫لالستمرار‪ ،‬يف ما يتجا َو ُزها‪.‬‬ ‫يوهم بالشعر تارة‬ ‫من مفاهيم جديدة‪ ،‬ال تظهر يف هذا‬ ‫ضخم‪ ،‬عدد صفحاته‬ ‫فالكتاب ٌ‬ ‫أخرى‬ ‫النوع من التوزيعات الخطية‪ ،‬أو‬ ‫‪ 530‬صفحة‪ ،‬وهو ُم ْر َفقٌ ب ُق ْر َصينْ‬ ‫تكثري فضاءات الصفحة الواحدة‪ ،‬ففي‬ ‫ُم ْد َم َجينْ «‪ ،»CD‬يشتمالن‬ ‫النص املكتوب نفسه‪ ،‬يبدو هذا ال ُبعد‬ ‫علـى عمل موسيقـي بعنـوان‬ ‫النظري الذي يسعى من خالله قاسم أن يثري انتباه القارئ‬ ‫«طرفة»‪ ،‬من تأليف محمد حداد‪ ،‬نص الكتاب مصور‬ ‫بصيغة «‪ ،»pdf‬وصور من األصل املخطوط للكتاب‪ ،‬وصور إىل ما هو بصدده من تحويلٍ ملعاين األشياء‪.‬‬ ‫فوتوغرافية لبعض مشاهد ورشة العمل أو الكتابة‪ ،‬تصوير يف هذا النوع من الكتابة ا ُمل َر َّك َبة‪ ،‬التي يعمل فيها الشاعر‬ ‫عىل استثامر فضاءات الصفحة بطريقة تخرج بها عن‬ ‫طفول حداد‪ ،‬ومختارات بصوت الشاعر‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الكتابة الخط َية املألوفة‪ ،‬ما يضع مفهوم الكتابة يف سياقه‬ ‫خطوط الكتاب‪ ،‬ليست منطي ًة‪ ،‬فهي تتع َّدد يف أشكالها‪،‬‬ ‫الشعري الجديد‪ ،‬الذي أصبح معه‪َ ،‬ن ِّصياً‪ ،‬ووفق تكثري‬ ‫كام تتع َّدد ألوا ُنها‪ ،‬بني األسود واألحمر واألزرق‪ .‬ما ُيتيح‬ ‫ال َّد ّ‬ ‫وال‪ ،‬وتنويعها‪ ،‬يعكس هذا القلب الشعري‪ ،‬عىل غرار‬ ‫للقارئ الخروج من منطية الصورة الكالسيكية للطباعة‪،‬‬ ‫القلب املعريف الذي حدث يف النظر إىل ِّ‬ ‫الشعر‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫والستثامر الشاعر إلمكانات الحاسوب يف طباعة النص‬ ‫املفهوم التاريخي لـ «القصيدة»‪ ،‬وما يحمله هذا املفهوم‪،‬‬ ‫وتوزيع صفحاته‪ .‬أو بتعبري للشاعر نفسه «فالكتابة أمر‬ ‫يف طياته‪ ،‬من اختالالت‪ ،‬ال تليق بحديث بحداثة الكتابة‬ ‫موصول باملتعة واملعرفة إذا أنت أَ ْخ َل ْص َت‪ ،‬ومحفوف‬ ‫أنت استهرتت» فـ «للورق عندي الشعرية املعارص‪ ،‬وال تليق بالفكر الذي بات يصدر عنها‪.‬‬ ‫باملحاذير واألخطار إذا َ‬ ‫ٌ‬ ‫التعتيم األجنايس‪ ،‬هو أحد أهم ما يعمل كتاب «طرفة بن‬ ‫طبيعة وحياة وفطنة تقرأ النص معي و ُت ِح ُّسه وتعيه»‪.‬‬ ‫مل تعد الصفحة خارج الكتابة‪ ،‬أو مج َّرد حامل‪ ،‬فالورق له الوردة» عىل تكريسها‪ .‬فهو مل ُي َس ِّم‪ ،‬ومل ُي َجنِّس‪ ،‬بل ترك‬ ‫الكتاب يف يد القارئ‪ ،‬لِ ُي َسمي ما بني يديه كام يشاء‪ ،‬أو‬ ‫حياة‪ ،‬وهي حياة ال َت ِت ُّم‪ ،‬أو تكتمل إال بالكتابة‪ ،‬وهو ما‬ ‫ً‬ ‫يرى فيه ما يريد‪ .‬أليس يف هذا‪ ،‬أيضا‪ ،‬إرشاك للقارئ يف قلق‬ ‫يجعل القراءة «إحساساً» و«وعياً» يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫النص‪ ،‬ويف قلق التجربة‪ ،‬ويف قلق حداثة الكتابة‪ ،‬التي هي‬ ‫الصفح ُة يف الكتاب‪ ،‬تتوزع إىل أكرث من َح ِّي ٍز‪ ،‬ما يعني‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مجهول ُي ْفضيِ ملجهولٍ ؟!‬ ‫الدوال يف الكتاب و َو ْف َرتها‪ ،‬وما يعني أيضاً‪ ،‬توظيف‬ ‫تن ُّوع‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪125‬‬


‫نقد‬

‫العنوان والنص في الشعر اإلماراتي‬

‫الداللة والتأويل‬ ‫لم تحظ مسألة بناء العنونة بالدرس المطلوب سواء في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬أو الشعر اإلماراتي‪ ،‬وظل‬ ‫الداللة والتأويل‬

‫ً‬ ‫أمرا ال يثير شهية النقاد الذين لم يغفلوا‬ ‫الكشف عن شعريتها ووظائفها النصية والداللية واإليحائية‬

‫دراسة هوامش النص أو عتباته عندما بدأ ظهورها في نظريات النقد الحديثة منذ نهاية الستينيات وأوائل‬ ‫السبعينيات من القرن الماضي‬

‫مفيد نجم‬

‫يلعب‬

‫العنوان‪ ،‬بوصفه جزءاً من الوظيفة الكلية‬ ‫للنص وواجهة إشارية دالة من حيث‬ ‫املبنى واملعنى‪ ،‬دوراً أساسياً يف إظهار املعنى القصدي‬ ‫للنص‪ ،‬خاصة وأن الكاتب غالباً ما يضع العنوان بعد‬ ‫االنتهاء من كتابة النص‪ .‬وإذا كان العنوان يعكس جو‬ ‫العمل من داخله‪ ،‬ويقيم عالقة تأثري متبادلة معه‪ ،‬فإنه‬ ‫يحيل يف اآلن ذاته عىل خارج العمل‪ ،‬ما يجعل فهم معناه‬ ‫العنوان كمفتاح تأوييل‬ ‫الداليل يتطلب العودة إىل املرجعيات التي يقيم تعالقه‬ ‫يتسم العنوان بتمثيله الجزيئ أو الشامل للنص‪ ،‬ما يجعل‬ ‫معها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫منه مفتاحا رئيسا للدخول إىل عامل النص‪ .‬ويف دراستنا‬ ‫إن االهتامم بدراسة العنونة تفرضها العالقة العضوية‬ ‫السرتاتيجيات العنونة يف الشعر‬ ‫والتبادلية التي يقيمها العنوان‬ ‫اإلمارايت املعارص من خالل مجموعة‬ ‫مع النص السيام وأنه يشكل‬ ‫كبرية من األعامل التي صدرت‪ ،‬يف‬ ‫صلة االتصال األوىل التي تقوم‬ ‫مسألة بناء العنوان‬ ‫مراحل زمنية مختلفة‪ ،‬ميكن لنا‬ ‫بني القارئ والكتاب‪ ،‬ما يرتتب‬ ‫اإلماراتي‬ ‫الشعر‬ ‫في‬ ‫أن نقف عىل التحول الذي طرأ‬ ‫عىل ذلك من وظيفة لتحفيز‬ ‫مشارف‬ ‫على‬ ‫تضعنا‬ ‫عىل بنية تلك العناوين‪ ،‬وعالقة‬ ‫القارئ وإغرائه‪ .‬من هنا فإن‬ ‫هذا التحول مبا مياثله عىل صعيد‬ ‫يف‬ ‫مقاربة مسألة بناء العنوان‬ ‫تلك النصوص بحيث‬ ‫لغة النص وبنيتها البالغية‪ ،‬آخذين‬ ‫الشعر اإلمارايت املعارص‪ ،‬تضعنا‬ ‫التجربة‬ ‫أفق‬ ‫على‬ ‫نطل‬ ‫بالحسبان من منظور بالغي ما‬ ‫إىل جانب الكشف عن الكيفيات‬ ‫الجمالية‬ ‫وشواغلها‬ ‫يتضمنه العنوان من حذف يخلق‬ ‫والوظائف التي يقوم بها‪ ،‬عىل‬ ‫ِّ‬ ‫فجوة‪ ،‬تولد الغموض كام يؤكد‬ ‫مشارف تلك النصوص بحيث نطل‬ ‫جريار جينيت عىل ذلك‪.‬‬ ‫عىل أفق تلك التجربة وشواغلها‬

‫‪126‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫الجاملية والفكرية‪ .‬تقوم دراسة العنونة عىل محورين‬ ‫لجهة دراستها‪ .‬أفقياً‪ ،‬بهدف معرفة املكونات الرتكيبية‬ ‫للعناوين‪ ،‬من خالل آليات التعالق التي تقيمها مع‬ ‫بعضها بعضاً‪ ،‬بحيث نقف عىل مدى التحوالت التي ميكن‬ ‫أن تحدث عىل مستوى النص‪ .‬وعمودياً ملعرفة حقيقة‬ ‫االختالف والتشابه الذي ميكن أن يحدث بني العناوين‪.‬‬


‫العنوان والنص في الشعر اإلماراتي‬

‫تتسم أيضاً باالقتصاد الشديد يف بنيتها اللغوية‪ ،‬التي يغلب‬ ‫العنوان يف مفردة واحدة‬ ‫تتميز العنونة التي تتكون من مفردة واحدة عىل مستوى عليها من حيث معامرها البالغي سمة الحذف الذي يخلق‬ ‫بنيتها النحوية‪ ،‬بأنها تتألف من اسم يحمل صيغة الجمع فجوة يتولد عنها الغموض‪ ،‬فهي غالبا ما تكون جواباً ملبتدأ‬ ‫محذوف كام سنالحظ عند مقاربتها عىل مستوى بنيتها‬ ‫«مسارات‪ ،‬أضداد‪ ،‬الرتانيم لحمدة خميس‪ -‬رواحل‬ ‫النحوية‪ .‬أما السمة الثانية لتلك العناوين فهي هيمنة‬ ‫والجرائر لنجوم الغانم‪ -‬جدران للهنوف محمد‪ -‬املالمح‬ ‫الجملة االسمية بصورة كبرية تكشف عن طابعها الوصفي‪،‬‬ ‫لحبيب الصايغ»‪ ،‬بينام تتخذ عناوين قليلة صيغة االسم‬ ‫املفرد «شغف لظبية خميس‪ -‬شتاء لخالد البدور‪ -‬ميارى يف حني تظهر محدودية استخدام الجملة الفعلية يف تلك‬ ‫العنونة‪ .‬وعىل مستوى البنية الشعرية لتلك العناوين‬ ‫لحبيب الصايغ»‪ ،‬يف حني يغيب الفعل بصيغه املختلفة‬ ‫فهي تتميز بأنها ذات طبيعة مجازية تتناسب مع البنية‬ ‫عن هذه العنونة‪ .‬أما عىل مستوى البنية اللغوية فإن تلك‬ ‫التكوينية للغة الشعرية لتلك النصوص التي تظهر فيها‬ ‫العناوين تتسم كام هو واضح باالقتصاد اللغوي الشديد‬ ‫عالقتها العضوية مع العنونة الداخلية للنصوص الشعرية‬ ‫جداً‪ ،‬فهي تتألف من كلمة واحدة تأيت بصيغة الخرب ملبتدأ‬ ‫بصورة خاصة‪.‬‬ ‫محذوف‪ .‬أما عىل مستوى بنيتها الداللية فهي تدل إما‬ ‫تتوزع العناوين من حيث بنيتها النحوية عىل نوعني من‬ ‫عىل معنى الزمان «شتاء لخالد البدور» أو عىل معنى‬ ‫العنونة‪ ،‬تتصدرهام العنونة االسمية كام أسلفنا «جاميل يف‬ ‫املكان «مسارات لحمدة خميس‪ -‬جدران لهنوف محمد» الصور مليسون صقر‪ -‬كرس يف الوزن ووردة الكهولة لحبيب‬ ‫أو هي اسم علم «ميارى لحبيب الصايغ» أو تدل عىل‬ ‫الصايغ‪ -‬هاء الغائب وأنت وحدك لخلود املعال‪ -‬كله أزرق‬ ‫معنى حيوان «رواحل لنجوم الغانم»‪ ،‬أو هي مصطلح‬ ‫لخالد الراشد‪ -‬شدو الزمن لسلطان خليفة ‪ -‬آية الصمت‬ ‫مجرد‬ ‫فلسفي «أضداد لحمدة خميس» أو اسم ذو معنى‬ ‫لظاعن شاهني‪ -‬استحاالت السكون لنارص جربان‪ -‬هذا أنا‬ ‫«شغف لظبية خميس‪ -‬ترانيم لحمدة خميس»‪.‬‬ ‫لكريم معتوق‪ -‬ذاهل عن الفكرة لجمعة الفريوز‪ -‬شمس‬ ‫شفتيك لحارب الظاهري‪ -‬أوراق املاء ملنى مطر‪ -‬منازل‬ ‫العنونة القصرية‬ ‫الجلنار ومساء الجنة لنجوم الغانم‪ -‬مس من املاء وعزلة‬ ‫كثرية هي العناوين التي تتشكل من جملة واحدة‪ ،‬لكنها الرمان لحمدة خميس‪ -‬جنة الجرناالت و خطوة فوق األرض‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪127‬‬


‫لنجوم الغانم‪ -‬كله أزرق لخالد الراشد‪ -‬أوراق املاء ملنى‬ ‫وقصائد حب لظبية خميس» ولعل املالحظة األوىل التي‬ ‫ميكن أن نسجلها من خالل قراءة تلك العناوين أن غالبية مطر‪ -‬صحراء يف السالل إلبراهيم معال‪ -‬خطوة فوق‬ ‫تلك األسامء‪ ،‬تأيت مع َّرفة باإلضافة أوالً‪ ،‬أو هي تبدأ باسم‬ ‫األرض وجنة الجرناالت لظبية خميس‪ -‬املرايا ليست هي‬ ‫لصالحة غابش»‪ .‬وهناك العنونة التي تحمل داللة زمنية‬ ‫نكرة‪ ،‬يف حني يغيب االسم املع َّرف بأل التعريف عنها‪،‬‬ ‫أو تحيل عىل معنى زمني أو داللة زمكانية «املناخات أوىل‬ ‫إضافة إىل استخدام ضمري املتكلم املفرد أو املخاطب أو‬ ‫إلبراهيم الهاشمي‪ -‬مساء الجنة لنجوم الغانم‪ -‬نحو األبد‬ ‫ضمري الغائب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتأيت العناوين التي تتألف من جملة فعلية تاليا «ليجف لظبية خميس»‪ .‬كذلك هناك العنونة التي تتألف من اسم‬ ‫ريق البحر لثاين سويدي‪ -‬يحدث هذا فقط ألحمد العسم‪ -‬إشارة أو ضمري«هذا أنا لكريم معتوق‪ -‬أنت وحدك وهاء‬ ‫حدث يف اسطنبول لكريم معتوق ‪ -‬تركت نظريت يف البرئ‬ ‫الغائب لخلود املعال»‪.‬‬ ‫إن ما مييز اسرتاتيجيات بناء العنونة الشعرية عىل‬ ‫إبراهيم املال» بينام تكون العنونة التي تتألف من شبه‬ ‫جملة محدودة جداً عىل غرار العنونة السابقة «نحو األبد املستوى التكويني للغة هو طبيعتها االستعارية واملجازية‬ ‫لظبية خميس‪ -‬رمبا هنا لخلود املعال‪ -‬بانتظار الشمس‬ ‫بشكل يتناسب مع جنس الكتابة التي تتوجها وتتعالق‬ ‫لصالحة غابش»‪ .‬وتكشف القراءة‬ ‫معها‪ ،‬بحيث تنحو تلك العنونة‬ ‫ً‬ ‫األولية السرتاتيجيات بناء العنونة‬ ‫بعيدا عن اللغة التقريرية للعناوين‬ ‫تتوزع العناوين من‬ ‫التي تحملها األعامل النرثية غالبا‪ً.‬‬ ‫عىل املستوى الداليل أنها تحيل‬ ‫حيث بنيتها النحوية‬ ‫وتتجىل السمة الثانية لتلك العنونة‬ ‫عىل دالالت مختلفة‪ ،‬ترتبط‬ ‫ارتباطاً وثيقاً‪ ،‬كام هو الحال عىل‬ ‫يف الحذف الذي يولد فجوة ينتج‬ ‫على نوعين من‬ ‫مستوى بنيتها النحوية واللغوية‬ ‫عنها غموضا يف بنية العنوان‪ .‬ومن‬ ‫العنونة‪ ،‬تتصدرهما‬ ‫بالعنونة الداخلية أو الفرعية‪،‬‬ ‫تلك العناوين «أوراق املاء ملنى‬ ‫االسمية‬ ‫العنونة‬ ‫مس من املاء وعزلة الرمان‬ ‫فهناك أوالً العناوين التي تحمل‬ ‫مطر‪ّ -‬‬ ‫لحمدة خميس‪ -‬شمس شفتيك‬ ‫داللة مكانية أو هي تحيل عىل‬ ‫معنى مكاين «منازل الجلنار‬ ‫لحارب الظاهري‪ -‬شدو الزمن‬ ‫‪128‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫العنوان والنص في الشعر اإلماراتي‬

‫لسلطان خليفة‪ -‬منازل الجلنار ومساء الجنة لنجوم‬ ‫الغانم‪ -‬وردة الكهولة لحبيب الصايغ‪ -‬صحراء يف السالل‬ ‫وتركت نظريت يف البرئ إلبراهيم املال»‪.‬‬

‫العنونة الطويلة‬

‫يتميز هذا النوع من العنونة بأنه ذو بنية لغوية تتسم‬ ‫بطولها النسبي‪ ،‬عىل خالف العناوين السابقة التي تتميز‬ ‫بتكثيفها واقتصادها اللغوي الشديد‪ ،‬ما يتعارض مع بنية‬ ‫اللغة الشعرية التي تتميز عادة بالتكثيف الشديد والبنية‬ ‫االستعارية‪ .‬إن اعتامد اسرتاتيجية العنونة يف األعامل‬ ‫الشعرية عىل العنونة الطويلة يعكس الرغبة يف القول‬ ‫وإجامل املدارات الداللية التي تدور حولها نصوص العمل‪،‬‬ ‫أو الرغبة يف خلق بنية موازية لبنية العمل الشعري‪،‬‬ ‫حيث تتباين بنية تلك العناوين سواء من حيث البنية‬ ‫الداللية أو البنية النحوية‪ ،‬فهناك عناوين تتألف من جملة‬ ‫فعلية أو جملة اسمية أو شبه جملة‪ ،‬وقد يكون بعضها‬ ‫ذا بنية استعارية أو تقريرية يف بعض األحيان‪ ،‬أو تتضمن‬ ‫عنرص املفارقة بهدف خلق حالة من اإلدهاش واإلثارة‬ ‫عند املتلقي‪ .‬ومن تلك العناوين عناوين ثالثة من أعامل‬ ‫الشاعرة ظبية خميس هي «أنا املرأة األرض كل الضلوع‬ ‫ السلطان يرجم امرأة حبىل بالبحر ‪ -‬صبابات املرأة‬‫العامنية»‪ ،‬ففي العنوان األول تسعى الشاعرة للتأكيد عىل‬

‫العالقة الرمزية بني املرأة واألرض عىل مستوى اإلخصاب‬ ‫والوالدة‪ ،‬وعىل أنها تشكل بداية الخلق يف محاولة الستعادة‬ ‫قيمة املرأة املغيبة‪ ،‬يف حني يحمل العنوان الثاين داللة‬ ‫رمزية عىل الثورة املختزنة يف أعامق املرأة وعىل حالة الرثاء‬ ‫والخصب من خالل الرتاسل الداليل بينهام‪ .‬كام تظهر تلك‬ ‫االسرتاتيجية يف عنونة بعض أعامل الشاعر حبيب الصايغ‬ ‫«هنا بار بني عبس‪ ..‬الدعوة عامة‪ -‬الترصيح األخري للناطق‬ ‫باسم نفسه – قصائد عىل بحر البحر‪ -‬رسم بياين ألرساب‬ ‫الزرافات» وجميعها تتألف من جملة اسمية‪ ،‬وتتسم‬ ‫بالحذف يف بنيتها اللغوية‪ ،‬عىل الرغم من طولها النسبي‪.‬‬ ‫ومن العناوين الطويلة عنوان مجموعة مؤيد الشيباين‬ ‫املركب‪ ،‬الذي يتألف يف جزئه األول من جملة اسمية خربية‪،‬‬ ‫ويف جزئه الثاين من صيغة استفهام «هذا هو الساحل‪..‬‬ ‫أين البحر»‪ ،‬وديوان نجوم الغانم الذي يحمل معنى النفي‬ ‫«ال وصف ملا أنا فيه»‪ ،‬وديوان عارف الخاجة الذي يحمل‬ ‫اسم علم بصيغة تقريرية «عيل بن املسك يفاجئ قاتليه»‬ ‫وديوان «العزف عىل أوتار الجرح لشيخة الناخي» وعنوان‬ ‫مجموعة الشاعر أحمد راشد ثاين الذي يتميز ببنيته‬ ‫االستعارية «جلوس الصباح عىل البحر» وعنوان مجموعة‬ ‫خلود املعال الذي يحمل داللة مكانية وبنية مجازية «هنا‬ ‫ضاع مني الزمن»‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪129‬‬


‫شعريات‬

‫هيوز ودرويش‬ ‫يدخالن حقل الدم بوردة أنثى‬ ‫لينا أبو بكر‬

‫من أين تأيت الغرابة؟‬ ‫من اللذة!‬ ‫فهل ألذ عىل املرأة من أن يفوقها الرجل بالتعبري عن لغة‬ ‫أملها بإبداع يتجاوز كل االعتبارات الفسيولوجية ومكنونات‬ ‫البعد النفيس املرتبط بها ‪ ،‬خاصة عندما يكون النص‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬حامل الفكرة ‪ ،‬هو أبو األمل وليس ابنه مبا أنه ميثل‬ ‫القدرة االستثنائية التي تأخذك إىل كوائن ال ميكن لغري املرأة‬ ‫أن تكونها‪.‬‬ ‫كيف يستطيع الرجل أن يتقمص حالة األمومة بكل غرائزيتها‬ ‫‪ ،‬يف نطاق إبداعي ال يكفي أن يكون فيه اإلحساس الواقعي‬ ‫فيه هو سبيله للتقمص؟‬ ‫املخيلة ‪ ،‬أتون اإلحساس!‬ ‫متى ترجح كفة املخيلة يف معادلة املوازنة بني نصني ‪:‬‬ ‫أحدهام ينتمي إىل واقع بحت قد ال تلعب فيه املخيلة‬ ‫دور الوسيط بني املبدع وتعبريه بقدر ما تلعب دور الدوزنة‬ ‫اإلبداعية التي قد ال تكون سوى كاملية من كامليات البنية‬ ‫الجاملية ال غري؟‬ ‫رمبا كان لشاعرين أن يدخال حقل الدم ‪ ،‬واحد بوردة مخاض‬ ‫واآلخر ببكارة القمر ‪.....‬يك يدرك األمل مدى حساسية الرجل‬ ‫اتجاه الجرح ‪..‬‬ ‫عندما تقارن نصني مثال المرأة ورجل يتفوق بهام إحساس‬ ‫الكاتب املنفلت من عقال املخيلة عىل إحساس الكاتبة الذي‬ ‫يصف واقعا فعليا من الغنى والدقة مبا ميكنه من شخذ النص‬ ‫التخييل عىل املستوى الوصفي والتعبريي ‪ ،‬وال يكفي لينقذ‬ ‫األمل من فخاخ إعجاز يتفوق عليه ويتجاوزه إىل أبعد حدود‬ ‫‪130‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫التصور فهل حينها نتحيز لإلحساس املتخيل عىل حساب كل‬ ‫املشاعر الحقيقية التي قد ُتنىس وال يبقى منها سوى حالتها‬ ‫اإلبداعية وليست الواقعية؟‬ ‫يا للرجل إذن!‬ ‫نصوص وأعامل إبداعية هي تلك التي تخرتق الحس‬ ‫الفلسفي البحت لتخرج من جسد الكاتب البيولوجي‬ ‫ورصاعاته النفسية التي هي نتاج طبيعته البيولوجية‬ ‫بالرضورة ‪ ،‬كلها أصبحت إعجازا إبداعيا قادرا عىل خلق‬ ‫كوائن لها مالمحها التي يخلقها الكاتب والنص والحكاية ‪..‬‬ ‫تيد هيوز استطاع يف قصيدته « أحمر» أن يتحدث عن‬ ‫إجهاض امرأة لطفل ميت واصفا إياه بحجر الدم ‪..‬من‬ ‫استطاع أن يثري ملحمة من املوت األزرق ومخاضا لحجر‬ ‫مذبوح راعف مثل هيوز؟‬ ‫تتامزج الحواس يف قصيدة مسكونة بطقس الجنازات‬ ‫املوروثة واملوت الخالد ‪ ،‬رحم المرأة هي سيلفياس «هو علبة‬ ‫ملجوهرات مثينة هي املوىت ‪ :‬موىت العائلة !!!‬ ‫إنه الدم ‪..‬املحرك األول لطقس اللغة الحي الطازج ‪ ،‬الياقويت‪،‬‬ ‫هكذا تقفز اللغة من جرح القصيدة كدفقة دم قرمزي‬ ‫ونيئ تغطي أثاث املكان ومحيطة وما ينجو فقط هو رفوف‬ ‫الكتب التي غلفها البياض‪.‬‬ ‫شاعر البالط املليك ح ّول ميالد املوت يف القصيدة إىل جو‬ ‫جاميل يستحث الجرح عىل املزيد من أجل اإلتيان بكل‬ ‫هذا األمل الحافل بالجامل واإلبداع‪ .‬أن تفقد األم جنينها يف‬ ‫القصيدة هو أن تقطر األم زهورا حمراء يف وسطها طائر‬ ‫صغري أزرق ‪...‬إنه روحها الطيبة وليس الغول ‪..‬ويف جب‬


‫هيوز ودرويش‬

‫كان يحتاج محمود درويش إىل التقاط سخونة الدم يف‬ ‫قطراته البكر يك يعرف ويدرك متاما بإحساس العذراء أن هذا‬ ‫هو الوجه اآلخر للبكاء ! وهو التباس تختلط فيه مشاعر‬ ‫العروس يف ليلة زفافها بشكل يثري االرتباك واللذة ‪...‬وماكان‬ ‫لغري درويش أن يكون امرأة القصيدة يك يهيئ للزفاف‬ ‫طقوس الدم القمري!‬ ‫حتى غربة الثوب – ثوب العروس ‪ -‬مبا يحيل عىل غربة‬ ‫الزفاف يف بلد الغرباء ‪...‬هي كلها مشاعر تخص النساء! ولكن‬ ‫انظر إىل هذا‪:‬‬ ‫الحمرة تختبئ األم من العظام البيضاء لكن جوهرتها التي‬ ‫فقدتها من علبة الجواهر تلك كانت زرقاء‪.‬‬ ‫هذا الدم الذي ال ميكن لغري امرأة أن تفرش به أرض األمل‪،‬‬ ‫استطاع رجل شاعر أن يقطف جرحه من مخمل الرخام‬ ‫األبيض ‪ ،‬وهو ما مل تستطعه زوجته الشاعرة املسكونة باملوت‬ ‫والجنون!‬ ‫? ‪Was it blood‬‏‬ ‫? ‪Was it red ochre for warming the dead‬‏‬ ‫‪Heamatiteto make immortal‬‏‬ ‫‪The precious heirloom bones, the family bones .‬‏‬ ‫‪::‬‬ ‫‪In the pit of red‬‏‬ ‫‪You hid from the bone- clinic‬‏‬ ‫‪Whiteness‬‏‬ ‫‪But the iewel you lost was blue.‬‏‬ ‫هنالك دم آخر ال ميكن أن يكون لغري أنثى‪ ،‬ولكن الشاعر‬ ‫الفلسطيني محمود درويش يف رسير الغريبة استطاع أيضا أن‬ ‫يرتدي جرحه يف ليلة زفاف‪ ،‬من ديوان رسير الغريبة ‪ ،‬يقول‬ ‫درويش عىل لسان عذراء يف بلد الغرباء‪:‬‬

‫«خذين إىل آخر األرض ‪ /‬قبل طلوع الصباح عىل قمر‬ ‫‪ /‬كان يبيك دما يف الرسير ‪ /‬وخذين برفق كام تأخذ‬ ‫النجمة الحاملني إليها سدى ‪ /‬وسدى»‬

‫فظيع هذا الدم املنبعث من جرح القصيدة ‪ ،‬فظيع هذا‬ ‫اإلحساس بذئب يتحول بعد إطالق الرصاصة األوىل عليه إىل‬ ‫قمر جريح يبيك دما وال ينزفه يف رسير الغريبة!‬

‫«سدى أتطلع خلف جبال مؤاب فال ريح ترجع ثوب‬ ‫العروس ‪ /‬هل هنالك حزن أشد التباسا عىل النفس من‬ ‫فرح البنت يف عرسها؟»‬

‫ما الذي كان يحتاجه هذا الشاعر املربك ‪ ،‬الحساس ‪،‬‬ ‫الشاعر املرأة‪ ،‬يك يقطف زهرة القمر الحمراء من جرح‬ ‫الثوب األبيض؟ كان يحتاج فقط إىل لعنة تخص أولئك الذين‬ ‫ال يدّعون األنوثة – إبداعيا – بقدر ما يبدعونها من خالل‬ ‫كونهم يف قرارة إحساسهم نساء!‬

‫«ال أم تعجن شعري الطويل بحنائها األبدي ‪ /‬وال أخت‬ ‫تضفره ‪ /‬من انا خارج السور بني حقول حيادية وسامء‬ ‫أمي يف بلد الغرباء ‪ /‬وخذين‬ ‫رمادية ؟ ‪ /‬فلتكنْ أنت َ‬ ‫برفق إىل من أكون غدا»‬

‫أن يطالب شاعر رجل الرجل أن يكون اما المراته فهذا فقط‬ ‫ما يفوق الواقع نعم ولكنه أيضا يتفوق عىل املخيلة ذاتها‬ ‫فامذا بقي عىل املعجزة ؟!‬ ‫قدر اإلمكان حاولت أن تكون هذه املقالة طلقة هي حصيلة‬ ‫معركتي دم تخوضهام األنثى‪ ،‬واألنثى فقط‪ ،‬األوىل‪ :‬معركة‬ ‫االنتقال من كوكب إىل آخر «برج العذراء إىل برج املرأة»‬ ‫واملعركة الثانية معركة املخاض‪ .‬هام جرحان جوانيان‪ ،‬كيف‬ ‫يستطيع رجالن ورجالن فقط أن يضمدا القصيدة مبا ينزف‬ ‫منهام من مخيلة؟‬ ‫جرحان واحد لهيوز واآلخر لدرويش‪ ،‬استطاعا بهام أن يرق ّيا‬ ‫الوجع بتعويذة اللغة ‪...‬شاعران رجالن دخال حقل الدم بورود‬ ‫أنثى‪ ،‬و خرجا منه ساملني إال من جرح القصيدة‪ ،‬فياه ما أروع‬ ‫الرجال ْ!‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪131‬‬


‫تجارب‬

‫جان تَارْ ْديُو‬

‫الشاعر في أكثر من صورة‬ ‫يعتبر الشاعر الفرنسي جان تارديو ‪ Jean TARDIEU‬وهو من مواليد ‪ ،1903‬ألب رسام هو فكتور تارديو‪،‬‬ ‫وأم موسيقية‪ ،‬هي كارولين ليجيني‪ ،‬من كبار الشعراء الفرنسيين في القرن العشرين المنصرم‪ .‬وقد غادرنا‬ ‫في ‪ 27‬كانون الثاني من سنة ‪ .1995‬وله مؤلفات كثيرة شعرية ومسرحية ونثرية َن ُ‬ ‫ذك ُر منها على سبيل‬ ‫المثال ال الحصر‪« ،‬النهر الخفي»‪ ،‬و«قسم الظل» و«عودة بال نهاية» و«الشاهد‬ ‫الالمرئي»‪.‬‬ ‫ّ‬

‫باريس ‪ -‬محمد المزديوي‬

‫الفرنيس‪ ،‬وهو مغمور‬ ‫جان تارديو صوت متفرد يف الشعر‬ ‫ّ‬ ‫يف املكتبة الشعرية العربية‪ .‬وعدا عن كونه شاعراً هاماً‬ ‫فهو صاحب آراء يف الكتابة والرتجمة‪« :‬إن َم ْييل للبحث‬ ‫الش ْعر َّية ظهر يف مراحل مختلفة‪ ،‬وتحت َمظاهر‬ ‫يف ميدان ِ‬ ‫ُ‬ ‫مختلفة أيضاً‪ .‬إحداها يتعلق بالباروديا وامل ْنت َ​َخ َبات‪ .‬وهي‬ ‫ٌ‬ ‫تجربة تقرتب يف معظم األحيان من الكاريكاتري‪ .‬وكانت‬ ‫ستكون عقيمة بسبب تذكريها‪ِ ،‬بطريقة ُمز ِع َجة‪ ،‬باملناهج‬ ‫األكادميية من « ُن َسخ ا ُملع ِّلمني‪/‬األساتذة»‪ ،‬التي كانت‬ ‫تستخدم‪ ،‬يف السابق‪ ،‬يف املدارس واأل ْوراش‪.‬لكن هذا املَ ْظ َه َر‪،‬‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬عرف لحظات َم ْج ٍد‪ ،‬حتى يف األوقات الحديثة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مختلف املامرسات اإلبداعية‬ ‫ما أن يستخدم َفن ٌَّان أو كا ِت ٌب‬ ‫َ‬ ‫الخ َّال َقة التي تدو ُر حول اإلشارة‪/‬التلميح من أجل غايات‬ ‫إبداع شخيص وقلب لغويّ ‪ .‬إنها‪ ،‬مث ًال‪ ،‬وكام نعرف‪ ،‬حال ُة‬ ‫لحن بولشينيال ‪Pulcinella‬‬ ‫سرتافنسيك‪ Stravinsky‬وهو ُي ِّ‬ ‫عىل غرار برغوليزي ‪ ،Pergolese‬وحالة بيكاسو يف مرحلته‬ ‫امليثولوجية‪ ،‬وماكس إرنست ‪Max Ernst‬يف «كوالجاته»‬ ‫«وبصفة عامة التكعيبيني والسورياليني»‪ ،‬وبروست ‪Proust‬‬ ‫وهو يكتب «حسب» بلزاك ‪ Balzac‬أو سان سيمون‬ ‫«تلميحات ومزج»‪ .‬وهي حالة التامرين الشهرية يف أسلوب‬ ‫كينو‪ .Queneau‬ومن دون رغبة‪ ،‬بالطبع‪ ،‬يف مقارنة تجاريب‬ ‫مبوديالت من هذا العيار‪ ،‬فقد حفظت الدرس‪ .‬النصوص‬ ‫«املستوحا ُة من‪ »...‬أو «عىل طريقة‪ »...‬والتي حدث يل ْأن‬ ‫فعل ُتهَا‪ ،‬ليست‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬كثري ٌة‪ .‬وقد بدأت‪ ،‬كام رأينا‪،‬‬ ‫من طفولتي‪ ،‬من القصيدة التي ق ّلد ُْت فيها‪ ،‬بسذاجة‪،‬‬ ‫‪132‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫نصوص أخرى‪ ،‬حديثة ال َع ْهد‪،‬‬ ‫«جنّ » ‪ Djinns‬هوغو‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫« ُمق َّن َعة» بطريقة أدخل فيها يف التقليد عراتـ«ي» ‪tics‬‬ ‫الشخصية أو َمشا ِغليِ الخاصة‪ .‬سلسلة أخرى من التجارب‬ ‫تتعلق ِب َفنِّ الرتجمة‪ .‬و َق ْب َل الحرب الكونية الثانية‪ ،‬بوقت‬ ‫طويل‪ُ ،‬ش ِغ ْف ُت ِبهذا العمل الصعب‬ ‫وبالقضايا التي يطرحها‪ ،‬وبصفة‬ ‫خاصة‪ ،‬انطالقاً من الفرتة التي‬ ‫اهتز فيها كياين بسبب اكتشاف‬ ‫هولدرلني ‪.Holderlin‬وعىل الرغم‬ ‫من أننا‪ ،‬يف فرنسا‪ ،‬عرفنا يف‬


‫جان تَار ْ ْديُو‬

‫البداية قصائد زمن الجنون االستثنائية «التي كشف عنها‬ ‫ُ‬ ‫انطلقت من‬ ‫برنارد غروتويزن» ‪،Bernard Groethuysen‬‬ ‫ترجمة «أرخبيل»‪ ،‬وهي تذك ٌري بالعرص الذهبي للهيلينية‪،‬‬ ‫والتي ُك ِت َب ْت يف الفرتة التي كانت فيها هذه العبقري ُة ال َّربا َقة‬ ‫همة‬ ‫يف كامل ِق َواهَ ا العقلية‪ .‬يف هذه الرتجمة ا ْن َك َب ْب ُت عىل ُم َّ‬ ‫«كانت ال تزال ُتع َتبرَ ُ يف تلك اللحظة محاولة عص ّية عىل‬ ‫اضع يف لغتنا ليس فقط لداللة‬ ‫التحقيق» تغيري وتبديل املَ َو ِ‬ ‫األبيات الشعرية‪ ،‬ولكن ملوسيقاها‪ -‬إيقاع ورنة الكلامت‪،-‬‬ ‫التي كنت‪ ،‬دوماً‪ ،‬أعترب أنها ُتش ِّكل ُجزءاً ال يتجزأ من هذه‬ ‫الداللة‪ .‬ينبغي لهذا السبب «اخرتاع» َع ُروض «ميزان ِش ْعر»‬

‫قصائد‬ ‫بورتريه السيد السيد‬

‫لديَّ عينان موجودتان هنا‬ ‫الحاج َبي‬ ‫تحت تقويسة ِ‬ ‫أفتح ُهماَ َتن ُْظ َرانِ إيلّ‬ ‫حني ُ‬ ‫َّ‬ ‫شيَ‬ ‫ْ‬ ‫«س َوى َو ْج ِهي»‬ ‫ء‬ ‫ل‬ ‫تريان ُك‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ما الذي ْأس َم ُعهُ‪ ،‬هو ال َب ْح ُر‬ ‫أم الد ُّم يف أ ُذين؟‬ ‫ُ‬ ‫ومن هُ و الذي يتحدّث عرب فمي؟‬ ‫أ ْل ُف يشء موجودٌ يف العالَم‬ ‫مييش ويثري ضجيجاً‬ ‫أحدٌ ما مي ّر َو َس َطها‬ ‫شبح يف عز الظهرية‬ ‫مثل ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أسود ورقيقا وشفافا‪:‬إنه أنا‪ ،‬السيد‬ ‫السيد‪.‬‬

‫فرانسوا فيون ‪Villon‬‬

‫يف باريس‪ ،‬بالقرب من بونتواز‪،‬‬ ‫«يف ألف وأربعامئة وواحد وثالثني»‬ ‫ُولِ َد ْف َرا ْن ْسوا ِفيون‬ ‫الذي كان شاعراً كبرياً‬ ‫ول ْكن طف ًال شق ّياً‪.‬‬ ‫َن َظ َم‪ ،‬النِّصف يك َيضحك‬ ‫والنصف يك يبيك‪،‬‬

‫غري مألوف‪ِ ،‬ش ْعراً فرنسياً ُيشكل ُمعا ِدالً صوتياً‪ ،‬للبيت‬ ‫الشعري األملاين الذي يتألف من ستة أقدام «‪،»hexametre‬‬ ‫واملستوحى‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬من «‪ »hexametre‬اإلغريقي‪ .‬هكذا‬ ‫بيت شعري أطول من بحر ‪ alexandrin‬ويتكون‬ ‫أص ُل إىل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ليس من عدد ثابت للمقاطع ولكن من ست «خاليا»‬ ‫إيقاعية‪ ،‬وكل واحدة من هذه اإلجراءات تتضمن مقطعني‬ ‫قاطع وتنتهي بنرب صويت‪ .‬كانت هذه هي الوسيلة‬ ‫أو ثالثة َم ِ‬ ‫الوحيدة «عىل األقل‪ ،‬كام ُ‬ ‫كنت أتصور حينئذ» من أجل‬ ‫لنص هولدرلني‪ ،‬الذي من خالل استدعائه‬ ‫جعل إعادة الدفق ّ‬ ‫للاميض الهيليني‪َ ،‬ي ْح ِملنا مثل هيجان بحري‪.».‬‬

‫ِش ْعراً َو ِص َّي َتينْ ِ ‪،‬‬ ‫الصغرى والكربى‪.‬‬ ‫هذا املسكني‪،‬‬ ‫هذا السيد املسكني‬ ‫مات يف سن الثالثة والثالثني‪.‬‬ ‫يا تال ِمذة الكانتونات‪،‬‬ ‫ال ُتق ِّلدُ وا حيا َت ُه‬ ‫َق ِّلدُ وا ع ْب َقر َّي َت ُه‬ ‫وكونوا أطفاالً َج ِّي ِدينَ ‪.‬‬

‫إيفل‬

‫َمآ ِث ُر ُه التي تصعد حتى السامء‬ ‫ٌ‬ ‫رشيقة مثل ثياب داخلية ُمخ َّر َمة‬ ‫ِمنْ ِخاللِ ُب ْرج إيفل‬ ‫منذ أكرث من مائة سنة‬ ‫ُي َرى مرور سنونوات‪.‬‬ ‫آه! آه! آه! حقيق ًة‬ ‫السيد إيفل ٌ‬ ‫طفل ج ِّيدٌ ‪.‬‬

‫شيفرة سرِ َّي ٌة‬

‫ُق ّب ٌ‬ ‫عة‪ ،‬إنها أختي‪.‬‬ ‫قلم‪ ،‬إ َّن ُه َما ُء ال َب ْح ِر‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فأر ٌة‪ ،‬هي الحيا ُة‪.‬‬ ‫ُث ْع َبا َنان‪ ،‬هُ َو ال َّر ِب ُيع‪.‬‬

‫وهذا َين َْط ِبقُ عىل ُك ِّل يشء‪.‬‬ ‫كلام َس َّل ْم ُت أرساري أليٍّ َك َان!‬ ‫ليس األم ُر غبا ًء‪.‬‬

‫ا ُملتج ِّو ُل‬

‫أذهب وأعُ و ُد يف رأيس‬ ‫ُ‬ ‫ال أتوقف عن امليش‬ ‫َحتَّى وأَ َنا َنا ِئ ٌم أ َتج َّول‬ ‫أص َعدُ آالف األدراج‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫السني‬ ‫ِ‬ ‫أصل إىل ِضف ِة ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اس كثريون‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫جم‬ ‫ت‬ ‫حيث‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ولكنَّ ال َّز َمنَ هُ ْو ما كانوا يرون ا ْن ِسيا َب ُه‬ ‫والد ُّم فيِ عُ ُرو ِق ِه ْم‪.‬‬

‫عُ صفو ٌر َبعيدٌ ِمنّي‬

‫عُ ص ُفو ٌر َبعيدٌ ِمنِّي‬ ‫زهر ٌة تحت الثلج‬ ‫َم ْن ِز ٌل َي ُ‬ ‫حرتق‬ ‫سوادٌ ميوت من العطش‬ ‫ٌ‬ ‫بياض ميوت من الجوع‬ ‫ٌ‬ ‫الصحراء‬ ‫يح يف َ‬ ‫طفل ينادي ال ِّر ُ‬ ‫املدين ُة َمهجو َر ٌة‬ ‫الن َّْج َم ُة ُمتف ِّر َد ٌة‬ ‫أتجاهَ َل ِك‬ ‫هُ نَا ما يكفي كثرياً يك َ‬ ‫الصحو ُة ِمن صيفي‬ ‫أ َّيتُها األيا ُم َّ‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪133‬‬


‫قصيد األسالف‬

‫الحالج في تعدد القراءات‬

‫الوجه الشعري‬ ‫خالد بلقاسم‬

‫َ‬ ‫الحسني بنُ منصور الحالج‪:‬‬ ‫قال ُ‬ ‫طل َع ْ‬ ‫ـــس َمـــــنْ ِأح ُّب بل ْيلٍ‬ ‫ـــت ش ْم ُ‬ ‫َّإن َشـــــ ْم َس النّهـــــار َتغ ُر ُب بالل ْيـ‬

‫‪134‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫غــــروب‬ ‫فاســــتَنا َر ْت فماَ لَهَــــا ِمــــنْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫تغيب‬ ‫ــــــس القلــــوب ل ْي َس‬ ‫لِ ‪َ ،‬و َش ْم‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬


‫الحالج في تعدد القراءات‬

‫ِمثل‬

‫ظم الصوفية‪َ ،‬ت َو َّس َل الحالج ّ‬ ‫بالش ْعر املَ ْوزون‬ ‫ُم ْع ِ‬ ‫للمطلق‪ ،‬ويف‬ ‫وغيرْ املَ ْوزون يف َص ْو ِغ ُرؤي ِت ِه ُ‬ ‫ال َب ْوح بأسرْ ار املن َْطق ِة التي َبلغها وهو ُيكابدُ ُ‬ ‫للخ ُروج ِمن‬ ‫اإللهي‬ ‫شاهد ٍة عىل عالق ٍة إشكالي ٍة بينْ‬ ‫إ ّني ِته‪ ،‬يف َت ْجرب ٍة ِ‬ ‫ّ‬ ‫للحدو ِد‬ ‫واإل ْنسيِّ ‪ .‬عالقة ْمل َي ْست َِسغها َز َم ُنهُ‪ ،‬أل ّنها ْمل َتن َْضبط ُ‬ ‫اصفات العا ّمة‪ ،‬و ْمل َتكترَ ث لِلف ْهم السا ِئد وال لِ َخطر هذا‬ ‫وا ُمل َو َ‬ ‫ال َب ْوح‪ ،‬بل َش ّك َل هذا الخط ُر ُجزءاً منها‪ْ ،‬إن ْمل َيكنْ َّأسها‪ .‬ويف‬ ‫التجر َبة‪ ،‬باللغة التي اختا َر ْت‪ ،‬طابعاً‬ ‫َض ْو ِء ذلك ك ِّله‪َ ،‬بن َِت ْ‬ ‫الف‬ ‫إشكال ّياً لِشخصي ِة الحالج‪ ،‬عىل َن ْحو ما هو َبينِّ ٌ ِمنَ االخ ِت ِ‬ ‫التجر َبة لدَى دارسيها قدمياً وحديثاً‪ ،‬وعىل‬ ‫الذي أثا َر ْت ُه ه ِذ ِه ْ‬ ‫َن ْحو ما هو بينِّ ٌ‪ ،‬أيضاً‪ِ ،‬منَ النِّهاية التي ْ‬ ‫آلت إليها‪.‬‬ ‫التجربة‪،‬‬ ‫َول َع َّل هذا الطا َب َع اإلشكا َّيل هو أحدُ عناصرِ ق َّو ِة ْ‬ ‫الذي يتعينَّ ُ اس ِتحضا ُره يف االقترِ اب ِمنها‪َ ،‬بعيداً عَنْ ِّ‬ ‫كل‬ ‫ُ‬ ‫يتوج ُه‬ ‫التجربة‬ ‫َم ْسعى إىل َرف ِع ِه‪ِ .‬عندَما َّ‬ ‫التأويل إىل ه ِذهِ ْ‬ ‫بغاي ِة َت ْصني ِفها‪ ،‬أو َر ِّد الحالج إىل طائف ٍة ُمع َّينة‪ ،‬أو ف ْه ِم ِه‬ ‫ُ‬ ‫َوفقَ ُم َ‬ ‫الطابع اإلشكايل‬ ‫التأويل‬ ‫ات ق ْبل ّية‪َ ،‬ي ْنسىَ هذا‬ ‫واض َع ٍ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫لِشخصي ِة الحالج‪ ،‬و َيظل‪َ ،‬وفقَ هذا النسيان‪ ،‬شبيها‪ِ ،‬منْ‬ ‫قهي الذي‬ ‫الس ّ‬ ‫ح ْيث اآللية ا ُمل َو ِّجهَة له‪ ،‬بالتواطؤ ِّ‬ ‫يايس وال ِف ّ‬ ‫ات للتخ ّلص ِمنْ ّ‬ ‫كل ما هو‬ ‫َن َس َج‪َ ،‬خ ْوفاً ِمنَ املَ ْعنى‪ُ ،‬م ِّربر ٍ‬ ‫تسويغ ِنهاي ٍة َت ْس َت ِندُ‬ ‫إشكا ّيل‪ .‬هو ذا َب ْع ٌض ِم اّم هو ُم ْض َم ٌر يف ْ‬ ‫اختالف ُمقلق‪ِ .‬نهاية مأوساو َّية‬ ‫إىل القتْل لِ َتدْبري العالق ِة َم َع‬ ‫ٍ‬ ‫َن َس َجت ْأسطو َر َتها يف ما َب ْعد‪ ،‬وأصبحت َم ْو ِقعاً َم ْركز ّياً يف‬ ‫نجز ِة عن الحالج‪.‬‬ ‫عظم القر ِ‬ ‫اءات ا ُمل َ‬ ‫ُم ِ‬ ‫َّ‬ ‫ليات و ُمسبقات‪،‬‬ ‫ثم‪ ،‬فإن اإلصرْ ا َر عىل ف ْه ٍم يس َت ِندُ إىل ق ْب ٍ‬ ‫و ِمنْ ّ‬ ‫َ‬ ‫كيفام َ‬ ‫االطمئنان إىل َم ْعنى‬ ‫جعها‪ ،‬أو ف ْه ٍم َي ْبتَغي‬ ‫كان َم ْر ُ‬ ‫ٌ‬ ‫إشكال‬ ‫للتجر َبة واخ ِتزاالً لها‪ ،‬فيام هي‬ ‫قا ٍّر‪ ،‬ل ْي َس إ ّال َت ْضييقاً ْ‬ ‫مفتوح‪ .‬فت َْجر َبة هذا الصويف ِمنَ التجارب التي ُتع ِّل ُمنا إعا َد َة‬ ‫َوات التي بها َن ْبني الف ْهم‪ ،‬و ُت َن ِّبهُنا إىل َّأن الحالج‬ ‫الن َ​َّظر يف األد ِ‬ ‫خاصة يف الف ْهم والتأويل‪.‬‬ ‫أ ْرسىَ ‪ِ ،‬منْ بينْ ما أ ْر َساهُ‪ ،‬طريقة َّ‬ ‫صوص الحالج‪،‬‬ ‫صاح َبة‪ ،‬التي َتدْعو إليها ُن ُ‬ ‫لذلك تتط ّل ُب ا ُمل َ‬ ‫َت َ‬ ‫األحكام ب َو ْج ٍه عا ّم‪،‬‬ ‫كم التناقض والتخليِّ عَن ْ‬ ‫عطيل ُح ِ‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫انسجاماً مع ال ُب ْع ِد اإلشكا ّيل الباين لِ َعوالِ ِم ه ِذ ِه التجربة‪ّ .‬‬ ‫ُ‬ ‫الته ُّيؤ‪َ ،‬ب ْعد ذلك‪ ،‬للتجا ُوب َم َع لغ ٍة ال َي ْن َف ِصل ُغ ُم ُ‬ ‫وضها عَنْ‬

‫تجر َبة الحالج وهي َتنْفذ‪،‬‬ ‫ُغ ُموض ِ‬ ‫املناطق التي َت َو ّغلت فيها ْ‬ ‫اإللهي‬ ‫صاحبها‪ ،‬إىل أسرْ ار العالقة بينْ‬ ‫بطريق ٍة َت ْح ِم ُل َد ْم َغة ِ‬ ‫ّ‬ ‫واإل ْنسيِّ ‪َ .‬ت َه ُّيؤ ُي َعدُّ ِمنْ ُأسس التأويل‪ ،‬لذلك قال الحالج‪:‬‬ ‫« َمنْ ْمل َيقف عىل إشارا ِتنا ْمل ُت ْر ِشدْهُ ِعبارا ُتنا»‪.‬‬ ‫ال َو ْج ُه ِّ‬ ‫الش ْعريّ له ِذ ِه الشخصية‪ ،‬الذي َن ُخ ُّص ُه بالتأ ُّمل‪،‬‬ ‫َي ْح َت ِم ُل عىل ّ‬ ‫نفصلتينْ عىل‬ ‫األقل قرا َءتينْ ‪ِ ،‬منْ غيرْ ْأن َتكونا ُم ِ‬ ‫للحمولة الصوفية لِقصائ ِد الحالج‬ ‫نص ُت َ‬ ‫َن ْحو تا ّم‪ .‬األوىل ُت ِ‬ ‫ذات َّ‬ ‫الش ْكل النرثيّ ‪ ،‬و َتن ُفذ لِ ُمت َ​َخ َّي ِلهام الخصيب‪،‬‬ ‫ولِ َشذ َرا ِت ِه ِ‬ ‫بغاي ِة اس ِت ْجال ِء ما ْاس َت ْن َب َت ُه هذا ا ُملت َ​َخ َّيل يف إث َرا ِء العالق ِة بينْ‬ ‫اإللهي واإل ْنسيِّ ‪ .‬هذه ال ِقراءة هي‪ ،‬إجامالً‪ ،‬القراءة الداخل َّية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فسها لِه ِذ ِه القصا ِئد‬ ‫أي تلك التي أ ْر َستْها الشرُّ ُ‬ ‫وح الصوفية َن ُ‬ ‫بوج ٍه عا ّم‪ ،‬ب ْع َد ْأن أهْ َمل ْت ُه ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الش ْعر َّية القد َمية‪.‬‬ ‫وللش ْعر ُّ‬ ‫الصويف ْ‬ ‫أ ّما القرا َء ُة الثانية‪ ،‬فتح ِف ُر يف ْاح ِتامل القصائد املفتوح‪،‬‬ ‫االح ِت َ‬ ‫امل لِشقِّ َمسالِ َك ال تتق َّيدُ بالسياق‬ ‫مبا ُي َه ِّيئُ هذا ْ‬ ‫رص ه ِذ ِه القرا َءة عىل ْأن ُّ‬ ‫تخط‬ ‫الصويف‪ .‬ويف َض ْو ِء ذلك‪َ ،‬ت ْح ُ‬ ‫رجها‬ ‫وجهَة ْأخرى ُت ْخ ُ‬ ‫لِ ُمتخ َّيلِ القصائ ِد ْ‬ ‫ً‬ ‫فتح لها أفقا َ‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫ِمنْ سياقها و َت ُ‬ ‫وهي‪َ ،‬وفقَ هذا املَ ْس َعى‪ُ ،‬تعيدُ‬ ‫عكس َّي ٍة إ ْنجا َز ما قا َم‬ ‫ُ‬ ‫بصو َر ٍة ِ‬ ‫ب ِه الصوفية يف‬ ‫تأويلهم ِّ‬ ‫للش ْعر‬ ‫الصويف‪.‬‬ ‫غيرْ ُّ‬ ‫جاحة ال ِق َرا َء َتينْ‬ ‫َر َ‬ ‫ُت ِّ‬ ‫عضدُ ها َ‬ ‫صيصة الالنهائية‬ ‫الخ َ‬ ‫للتَّأويل وقابل َّية اللغة ِّ‬ ‫الش ْعر ّية‬ ‫للتفاعُ ل َم َع َت َجدُّ ِد األ ْز ِمنة املَ ْعرفية‪،‬‬ ‫القص ِد َّي ِة الض ِّيق‪،‬‬ ‫َب ِعيداً عَنْ وَهْ ِم ْ‬ ‫الذي َ‬ ‫ُّصوص ال َتنطوي‬ ‫كش َف َّأن الن َ‬ ‫عىل َم ْعنى يمَ ْت ِلك ُه ُمن ِت ُجوها‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫كش ٌف َت َر َّسخ َم َع ُه ا ْم ِتناعُ َحصرْ‬ ‫العثور عىل هذا‬ ‫َمه ََّم ِة القارئ يف ُ‬ ‫املَ ْعنَى املَزْعُ وم‪َ .‬مه ََّمة القارئ‬ ‫ثم َّإن‬ ‫أ ْبعدُ ِمنْ هذا ال َوهْ م‪ّ .‬‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪135‬‬


‫قصيد األسالف‬

‫املَ ْعنى ل ْي َس ُم ْعطى ق ْبلياً كا ِمناً يف الن ُ​ُّصوص‪ْ ،‬‬ ‫بل هو َحصيلة‬ ‫تفاعُ لٍ ُم َع َّق ٍد بينْ َ ه ِذ ِه النصوص وقار ِئها‪.‬‬ ‫أس القرا َء ِة الثانية هو‪ ،‬كام سبقَ ْأن أملَ ْحنا‪ ،‬عَينْ ُ ما قا َم‬ ‫ول َع َّل َّ‬ ‫عكوسة ملَّا عادُوا إىل ِّ‬ ‫الش ْعر الجاهيل أو‬ ‫ب ِه الصوفية ُ‬ ‫بصو َر ٍة َم َ‬ ‫ِّ‬ ‫ْحى أعا َد َت ْوجي َه‬ ‫الش ْعر الذي تاله‪ ،‬إذ َن َح ْوا يف تأوي ِلهم ل ُه َمن ً‬ ‫وجهَة‬ ‫والسكر َّ‬ ‫والص ْحو وغريها ِمنَ املعاين ْ‬ ‫معاين ال ِعشق ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ثم َز َّودُوا َن ْه َر التأويل‬ ‫ُتس ِّي ُجها عالقة الصويف باملطلق‪ .‬ومن ّ‬ ‫العبور بقصا ِئ ِد ِّ‬ ‫الش ْعر الجاهيل‬ ‫بدف َع ٍة جديدة‪ ،‬قا َم ْت عىل ُ‬ ‫أفق صويف‪ .‬فتل َّو َنت معاين هذا ّ‬ ‫الش ْعر‬ ‫وغيرْ الجاهيل ْ‬ ‫نح َو ٍ‬ ‫با ُمل ْمكن التأوي ّ‬ ‫العبور‪.‬‬ ‫يل الخصيب لِهذا ُ‬ ‫ات الحالج‪،‬‬ ‫ق ْبل إنجاز ال َع َمل َّي ِة ذا ِتها‪ ،‬عىل َن ْح ٍو عَكيس‪ ،‬مع أ ْب َي ِ‬ ‫الصويف مبعاين ِّ‬ ‫ُنش ُري إىل َمال ِم ِح ُ‬ ‫العبور ُّ‬ ‫الش ْعر الجاهيل وغيرْ‬ ‫أفق ا ُملطلق‪ .‬ويمُ كنُ َحصرْ َب ْعض ه ِذ ِه املالمح‬ ‫الجاهيل إىل ِ‬ ‫يف اآليت‪:‬‬ ‫اّ‬ ‫ْماج الصوفية لهذا ِّ‬ ‫الش ْعر ِض ْمنَ سياقٍ جديد‪ِ ،‬مم ه َّيأ‬ ‫ إد ُ‬‫ل ُه حيا ًة أخرى‪ ،‬وذلك عبرْ َ َت ْحميلِ َد َو ِّال القصا ِئ ِد َحمولة‬ ‫َ‬ ‫التأويل الصويف‪ .‬وق ْد‬ ‫ُمس َت َم َّدة ِمنَ القضايا التي َشغلت‬ ‫َم ّكنَ الصوفية ِّ‬ ‫الش ْع َر‪ ،‬بهذا اإلدْماج‪ِ ،‬منْ ُسلط ِة بنا ِء الصرُّ وح‬ ‫أبيات ِش ْعر َّي ٍة لِبنا ِء َم َ‬ ‫عارف‬ ‫النظر َّية‪ ،‬إذ ْمل َيترَ َ َّددُوا يف ْاس ِتدْعا ِء ٍ‬ ‫ُمع ّق َد ٍة و ُمتش ِّعبة‪ْ .‬مل َتكن املعرفة ِّ‬ ‫الش ْعر َّية‪ ،‬عندهُ م‪َ ،‬ت ِق ُّل‬ ‫عارف األخرى‪ ،‬لذلك ا ْر َتكزوا عل ْيها يف إ ْر َسا ِء‬ ‫شأناً عَن املَ ِ‬ ‫ات الوجو ِد َّية واملَ ْعر ِف َّية‪َ .‬‬ ‫االس ِتشها ُد بالق ْول‬ ‫الت َ​َّصور ِ‬ ‫فكان ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ات الخطاب‬ ‫نجز ِ‬ ‫أهم ُم َ‬ ‫الش ْعريِّ ‪ِ ،‬ض ْمنَ هذا اإل ْرساء‪ِ ،‬منْ ِّ‬ ‫الصويف‪.‬‬ ‫توس ُل الصوفية بهذا ِّ‬ ‫الش ْعر يف إضاء ِة القصا ِئ ِد الصوفية‪.‬‬ ‫ ُّ‬‫الش ْعر ِّ‬ ‫صحيح ّأن إضا َء َة ِّ‬ ‫بالش ْعر إجرا ٌء َت َو َّس َل ب ِه النقا ُد‬ ‫أنجزُو ُه‬ ‫واللغويون يف شرَ ْ ِح الدواوين قدمياً‪ ،‬إ ّال ّأن الصوفية َ‬ ‫تاح ْمل َي َت َه َّيأ يف تعا ُمل ِّ‬ ‫صوصهم‪.‬‬ ‫الش ْعر َّي ِة القد َمي ِة مع ُن ِ‬ ‫بان ِف ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ذلك َّأن الصوفية مل ُيذ ِعنوا أليِّ ما ِن ٍع وهُ ْم َي ْع َت ِمدون قصا ِئ َد‬ ‫الغزَل‪ ،‬أو قصا ِئ َد أيب نواس‪ ،‬عىل سبيل التمثيل‪ ،‬لِتأويلِ‬ ‫العالق ِة مع املطلق‪.‬‬ ‫ إعاد ُة كتاب ِة هذا ِّ‬‫انطالقاً ِمن‬ ‫امرسة الن َِّّص َّية‪ِ ،‬‬ ‫الش ْعر يف ا ُمل َ‬ ‫الصوفية له و َت ْحوي ِل ِه وق ْل ِب ْاس ِتعارا ِته‪،‬‬ ‫ا ْم ِتصاص الن ُ​ُّصوص ُّ‬ ‫‪136‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫موالت َجديدَة‪ .‬وهو‬ ‫بح ٍ‬ ‫فص ِل ِه عن سيا ِق ِه األ ّول و َتغ ِذي ِت ِه َ‬ ‫عبرْ َ ْ‬ ‫أساسها‬ ‫ما َج َع َل التغذية التي ته َّيأت إلعا َد ِة الكتابة ُمتبادَلة؛ ُ‬ ‫ُ‬ ‫التأويل القائم عىل التفاعُ ل‪.‬‬ ‫ق ْل ُب املَن َْحى الذي ّ‬ ‫انفتاح ِّ‬ ‫خط ُه الصوفية‪ ،‬أي‬ ‫ُ‬ ‫الش ْعر غيرْ‬

‫واس ِتثام ُرهُ يف املامرسة النصية‪ ،‬لنْ‬ ‫الصويف عىل خطابهم ْ‬ ‫َيت َ​َحقق إ ّال يف ال َّز َمن الحديث‪ ،‬وال سيام َم َع َب ْعض ُّ‬ ‫الشعراء‬ ‫االس ِتثامر َ‬ ‫كان ِّ‬ ‫الش ْع ُر ا ُملعارص ُين ِّبهُ‪ِ ،‬منْ‬ ‫ا ُملعارصين‪ .‬بهذا ْ‬ ‫الخطاب الصويف َي ْن َبغي‪َ ،‬وفقَ رشي َع ِة‬ ‫الخاص‪ ،‬عىل ّأن‬ ‫َم ْو ِقع ِه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫التأويل‪ ،‬أ ّال َّ‬ ‫يظل ِحكراً عىل القرا َء ِة الداخل َّية املو َمإ إليها‬ ‫سابقاً‪.‬‬ ‫يف َض ْو ِء هذا ا ُمل َ‬ ‫نط َلق التأوي ّ‬ ‫يل‪ ،‬يمُ ْ ِكنُ ْاج ِتذاب الخطاب‬ ‫الصويف َن ْح َو النهائي ِة املَ ْعنَى التي َش ِغ َف بها العارفون‪،‬‬ ‫لِ َعد ِ​ِّهم املَ ْعنى طريقاً ال َين ّ‬ ‫ْفك ُيولِّدُ َحيرْ َ ًة ال َت ْخبو‪ .‬ذلك ما‬ ‫أملَ َح إليه فريد الدين العطار يف كتاب «تذكرة األولياء»‪ ،‬ملَّا‬ ‫َ‬ ‫التعريف بالحالج قائ ًال‪« :‬كان ِمث ًال ُمضطرباً هامئاً يف‬ ‫افتتح‬ ‫َ‬ ‫زمانه»‪ ،‬وأدرج ك ُت َبه التي وسمها بالغموض «يف الحقائق‬ ‫واألسرْ ار ومعاين املح َّبة الكاملة»‪ .‬فاملَ ْعنى الصويف َم ْج َرى‬ ‫تاج إىل تأويلٍ‬ ‫ِمنْ َم َجاري َن ْهر املَ ْعنى الكبري‪ .‬وهو َم ْج َرى َي ْح ُ‬ ‫ديث لِ ُم َو َاج َه ِة ل ْيلٍ َيت َ​َصدَّى لِ ِّ‬ ‫كل َض ْوء‪ ،‬و َي ْجهَدُ يف ْ‬ ‫إض َعا ِفه‪.‬‬ ‫َح ٍ‬ ‫هكذا َيغدو ُم ْستساغاً ْأن ُنن ِْص َت َّ‬ ‫للش ْم ِس ا ُمل ِش َّعة يف َب ْيت َْي‬ ‫االح ِتامل الدِّال ّيل‪.‬‬ ‫الحالج بفت ِْحها عىل َت َعدُّ ِد ْ‬ ‫لِ َن ْنتَبه‪ ،‬يف ال َبدْء‪ ،‬إىل أ ّنها َش ْم ُس َم َح َّبة‪ .‬وهي َم َح َّبة صرِ ْف‪.‬‬ ‫َم َح َّبة خالِ َصة لِذا ِتها‪ُ ،‬م َح َّر َر ٌة ِمنَ النَّف ِع ِّي‪ .‬فا ُملتت ِّب ُع لِديوان‬ ‫وص ِه النرث َّية َيت ّ‬ ‫َكش ُف ل ُه َّأن‬ ‫الحالج ولِماَ َو َص َل ِمنْ ُن ُص ِ‬ ‫عالقة الحالج مبَ ْح ُبوب ِه ْمل تتق َّي ْد مبَنْف َعة‪ .‬لذلك ْمل َي ْس َتترِ ْ َع ْن ُه‬

‫ِّ‬ ‫ء َة ِّ‬ ‫إجراء‬ ‫بالش ْعر‬ ‫الش ْعر‬ ‫ّ‬ ‫إن إضا َ‬ ‫ٌ‬ ‫س َ‬ ‫به النقا ُد واللغويون‬ ‫ت َ َو َّ‬ ‫ل ِ‬ ‫جزُو ُه‬ ‫أن الصوفية أن َ‬ ‫قديم ًا‪ ،‬إال ّ ّ‬ ‫تاح‬ ‫ِ‬ ‫بانف ٍ‬


‫الحالج في تعدد القراءات‬

‫نفسه‪ .‬وهذا الظهو ُر الدا ِئ ُم‬ ‫املَ ْح ُب ُ‬ ‫وب إطالقاً‪ ،‬كام ُي ِّ‬ ‫رص ُح هو ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫شاق‪َّ ،‬‬ ‫ْفص ُل عَنْ َبذل ا ُمل ِح ّب‬ ‫ألن ما َي َه ُب ُه ِمنْ َم ْعنَى ال َين ِ‬ ‫وعَطا ِئه‪ ،‬وعن ُمكا َبدا ِته أيضاً‪ِ .‬منْ هنا ذك َر أحمد بن القاسم‬ ‫صيح يف بغداد‪« :‬أغيثونيِ ‪ .‬فل ْي َس َيترْ ُكني‬ ‫أ ّنه َس ِم َع الحالج َي ُ‬ ‫و َن ْفيس فآ َن ُس بها‪ ،‬ول ْي َس ُ‬ ‫رتيح منها‪،‬‬ ‫فأس ُ‬ ‫يأخذين ِمن نفيس ْ‬ ‫وهذا د ٌ‬ ‫َالل ال أطيقه»‪ .‬لِهذا الظهور أهْ ُل ُه الذين َنذ ُروا‬ ‫خرتق‪ ،‬عندَهُ م‪َّ ،‬‬ ‫َح َيا َتهُم له‪ .‬ظهُو ٌر َي ُ‬ ‫كل ل ْيل‪ ،‬أل َّن ُه مص ٌري‪ ،‬ب ِه‬ ‫َتت َ​َح َّد ُد هُ و َّية ا ُمل ِح ّب‪ .‬وق ْد َتن َّب َه الحالج‪ ،‬كام تن َّب َه الصوفية‬ ‫َّفعي فيها ل ْي َس إ ّال‬ ‫الذين َت َو َّغلوا بعيداً يف املَ َح َّبة‪َّ ،‬أن الن َّ‬ ‫حجاباً لل َم َح َّب ِة ذا ِتها‪ ،‬بل إ ّنها ال َت ْح َت ِمل ُه يف َح ِقيق ِتها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫النَّف ِع ُّي ال َيدُ و ُم‪،‬‬ ‫ناهيك عن أ ّنه ال َي ْس َم ُح باإلشرْ َاق‪ .‬فهو‪،‬‬ ‫يف ذا ِت ِه‪ ،‬ظلمة‪ .‬ظلمة النّف ِع ّي ال يمُ ْ ِكنُ أن ُتولِّ َد املَ َح َّبة التي‬ ‫ِه َي َوقو ُد تلك َّ‬ ‫الش ْمس التي ال تغيب‪ ،‬أو بتعبري ابن عجيبة‬ ‫ال ت ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫ئيس‬ ‫رف‬ ‫الكسوف والغروب‪ .‬اِك ِت ُ‬ ‫َّفعي س َب ٌب َر ٌ‬ ‫ساح الن ِّ‬ ‫الصويف‪،‬‬ ‫لِرت ُاجع َم ْعنى ال َبذل الذي ال َم َح َّبة بدو ِنه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والخطاب ُّ‬ ‫الذي يخت ِل ُف عن خطاب الزُّهْ د‪َ ،‬ينْطوي‪ِ ،‬منَ املكان الذي‬ ‫اختا َرهُ للتأ ّمل‪ ،‬عىل َنق ٍد َع َم ٍّ‬ ‫تاج‬ ‫وح ُجبه‪ .‬نقدٌ َي ْح ُ‬ ‫يل لل ّن ْف ِع ِّي ُ‬ ‫ني فِكريٍّ ِمنْ مكانٍ غيرْ الذي اختا َر ُه الصوفية‪،‬‬ ‫إىل َت ْحي ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وتفكيك‬ ‫َّفعي للحيا ِة الحديثة‪،‬‬ ‫ساح الن ِّ‬ ‫لِ َيت َ​َسنَّى َر ْصدُ اك ِت ِ‬ ‫جوه ِه التي ال ُّ‬ ‫تكف عَنْ إبدَالِ َمال ِم ِحها‪.‬‬ ‫تناسلِ ُو ِ‬ ‫ُ‬ ‫اخ ِتال ِف ِهام‪ .‬فك ّلام تخ ّل َص الشاع ُر ِمنْ ُح ُجب النّفعي‪َ ،‬ت َسنَّى‬ ‫الش ْم ُس َم َح َّبة َبذلٍ ‪َ .‬م َح َّبة ال لِشيَ ْ ء‪ .‬إ ّنها‪ ،‬يف ذا ِتها‪َ ،‬م ْعنى‬ ‫َبعيدٌ ‪َ .‬م ْعنى ُي َج ِّسدُ ُم َس ِّو َغ الحيا ِة بالن ّْسبة إىل َمنْ ْاست َ​َجا ُبوا له ْأن َي َّ‬ ‫ظل َو ِفياً لِ ِتلك َّ‬ ‫الش ْمس ا ُملرشقة َد ْوماً‪ ،‬و َت َسنّى ل ُه ْأن‬ ‫الصويف‪ْ ،‬‬ ‫وإن‬ ‫َي ْع ُرث عليها يف طري ِق ِه التي َتخت ِلف عن‬ ‫لِ ِندَا ِء َ‬ ‫الطريق ُّ‬ ‫الخ ِف ّي‪ ،‬وجا ِذب َّي ِة األسرْ ار‪ ،‬ب َو ْص ِف هذا النّداء هو ما‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تقاط َعتا‪.‬‬ ‫َي ْحمي ِمنْ ِن ْسيان ال ُوجود‪ .‬أولئك الذين اختاروا اخترِ َ​َاق‬ ‫ْأس ِند َِت ّ‬ ‫مظاه ُرها و َتتَع َّد ُد أسام ُؤها‪ْ ،‬يك ُّ‬ ‫مس يف َب ْيت َْي الحالج إىل املَ ْح ُبوب ط ْوراً وإىل‬ ‫الش ُ‬ ‫تظل‬ ‫ُ‬ ‫الح ُجب التي تتل َّو ُن ِ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫شمس املَ ْعنى‪ُ ،‬م ِش َّعة يف القلب‪ .‬إشعاعُ القلب هو القلب ط ْورا َ‬ ‫َّ‬ ‫اإلسنا ِد الثاين‪َ ،‬ت َرا َءى ِظل تقابُلٍ‬ ‫آخر‪ .‬ويف ْ‬ ‫الش ْم ُس؛ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫صا ِمت‪ ،‬مبا َي ْس َم ُح ب َع ِّد َّ‬ ‫الش ْمس‪ ،‬يف الب ْيت‪ُ ،‬مقابال للظلمة‪.‬‬ ‫ما َر َّس َخ ُه ابنُ عجيبة للبيت ِّ‬ ‫استحضرَ َ هُ‬ ‫الش ْعريِّ الثاين ملَّا ْ‬ ‫حجاب كثيف‪ ،‬ما ِن ٌع من ال ُّرؤية‪.‬‬ ‫إ ّنها ظلمة القلب‪ .‬وهي‬ ‫ٌ‬ ‫لِشرَ ْ ح ق ْول ابن عطاء الله السكندري‪ « :‬أ َف ْ‬ ‫لت أنوا ُر‬ ‫ُ‬ ‫طيح‪ ،‬والتفك ُري‬ ‫الحقدُ ‪،‬‬ ‫سيج هذا‬ ‫والتس ُ‬ ‫َن ُ‬ ‫الحجاب ِ‬ ‫الظواهر‪ ،‬و ْمل تأ ُفل أنوا ُر القلوب والسرَّ َائر»‪ .‬فقد اعت َم َد‬ ‫والتهافت‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫واس ِتطا َبة َ‬ ‫القلب ما َت ِت‬ ‫َ‬ ‫أظلم ُ‬ ‫الخلل‪ .‬ومتى َ‬ ‫بانقطاع مبنطق ال ِّر ْبح‪ْ ،‬‬ ‫ينقط ُع‬ ‫الحسيّ ِّ الذي ِ‬ ‫الس ِت ْجال ِء ال َف ْرق بينْ َ النُّور ِ‬ ‫البيت ْ‬ ‫ِ‬ ‫الحواس‪ ،‬لذلك َ‬ ‫اس إىل‬ ‫كان الفتاً ْأن ُي ْس ِن َد الصوفية َ‬ ‫الح َو َّ‬ ‫ّ‬ ‫أص ِله‪ ،‬والنُّور املَ ْعنويِّ ‪ ،‬أي نور القلوب الذي ال َينْقطع‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فداحة َم ْو ِت القلب‪ .‬من هنا‬ ‫انقطاع‪،‬‬ ‫بال‬ ‫ِّدوا‪،‬‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫وأن‬ ‫القلب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يتقاطع الصويف مع الشاعر‪ ،‬وإن‬ ‫يف هذا النُّور امل ْعنَويّ ‪،‬‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫شم ُس َم َح َّب ٍة تنهَضُ‬ ‫ْاحتَفظ ٌّ‬ ‫يتبدَّى ما تتطل ُبه ش ْم ُس امل ْعنى‪ ،‬مبا هي ْ‬ ‫كل ِمنهُام لِنور ِه بهُو ّي ٍة ُمخت ِلفة‪َ .‬يلتقيان ِمنْ داخل‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪137‬‬


‫قصيد األسالف‬

‫تاج إىل‬ ‫نحة ِم ْحن ٍة‪ .‬وهذا موضوعٌ‬ ‫فسيح َي ْح ُ‬ ‫العاشقني‪ِ ،‬م َ‬ ‫ٌ‬ ‫قرا َء ٍة ُمس َت ِق ّلة‪.‬‬ ‫يس العا ّم‪ ،‬أل ّنها هي‬ ‫َش ْم ُس املَ ْعنى ال تتق َّيدُ بال َّز َمن القيا ِّ‬ ‫نفسها ال َّز َمن‪ .‬هي ما ُي َح ِّد ُدهُ‪َ .‬م َددُهَ ا حقيق ُتهُ‪ .‬نو ُرها‬ ‫ُ‬ ‫وه َبتُه؛ سخا ٌء يف املح ّبة ولها‪ ،‬ال َي َ‬ ‫خض ُع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫ء‬ ‫سخا‬ ‫هو ُ َّ َ ِ‬ ‫فع لِ ِّ‬ ‫ُختلف مظاهرها‪ .‬هذا املَ َد ُد ا ُمل ُ‬ ‫للم َو َ‬ ‫كل‬ ‫اض َعات مب ِ‬ ‫رشق َر ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الح ُج ِب‪ ،‬ولِكل ما ُت َر ِّس ُخ ُه العادة‪ ،‬التي ُت ْب ِعدُ ه عَن ال ُو ُجود‬ ‫ُ‬ ‫و ُتك ِّر ُس ِن ْسيا َنه‪.‬‬ ‫املنصوص عليها يف َب ْيت َْي الحالج ا ْم ِتداداً‬ ‫الشم ُس‬ ‫ُ‬ ‫لق ْد َش ِهدت ْ‬ ‫بأحوالِ ا ُملؤ ِّول وباملسألة‬ ‫يف التأويل الصويف ِ‬ ‫نفسه‪ ،‬وتل َّو َنت ْ‬ ‫التي ُيقار ُبها‪ .‬وعا َود َْت ه ِذهِ َّ‬ ‫أبيات‬ ‫الش ْم ُس الظهو َر يف ٍ‬ ‫بيت َيترَ َ َّد ُد عند الصوفية‪،‬‬ ‫ِش ْعر َّي ٍة أخرى‪ ،‬بل إ ّنها َو َردَت يف ٍ‬ ‫جاء فيه‪:‬‬ ‫لوح ق َب ُس النُّور‪ ،‬لكنْ‬ ‫عىل ُمراقب ٍة دامئ ٍة لِ ُح ُجب الذات‪ .‬فق ْد َي ُ‬ ‫ْأن َيتَح ّو َل إىل ش ْم ٍس ال تغيب‪ ،‬فذاك أ ْم ٌر يقتيض ْأن تتح َّول‬ ‫خارج‬ ‫املَ َح َّبة‪ ،‬مبا هي َبذل‪ ،‬إىل ُم َس ِّوغ ال ُوجود‪ ،‬إىل مصري ال َ‬ ‫له‪ ،‬وال َ‬ ‫فكاك ِمنْه‪.‬‬ ‫مقام عالٍ ‪ .‬تتق َّد ُم ُه ُب ٌ‬ ‫روق َت ْظ َه ُر‬ ‫َش ْم ُس الحالج‪ ،‬بهذا املعنى‪ٌ ،‬‬ ‫غيب ق ْبل ْأن َتتَح َّو َل َش ْمساً‪ِ .‬منْ هنا َم َّي َز الصوفية‪َ ،‬وفق‬ ‫و َت ُ‬ ‫َم ْبدَإ ال َّت َد ُّرج القا ِئ ِم عىل ا ُملكا َبدَة‪ ،‬بينْ َ ال َّل َوا ِئح َّ‬ ‫والط َوالِع‬ ‫وائح‪ُ ،‬‬ ‫يقول عبد الكريم القشيرْ ي‪ ،‬كالبرُ وق «ما‬ ‫وال َّل َوا ِمع‪ .‬فال َّل ُ‬ ‫ظ َه َرت حتّى ْاس َتترَ َت»‪ّ ،‬‬ ‫والط َوالِ ُع أظ َه ُر منها « ول ْي َس زوا ُلها‬ ‫ب ِت َ‬ ‫لك السرُّ عة»‪ .‬أ ّما ال َّل َوا ِم ُع فأ ْبقى « َوقتاً‪ ،‬وأق َوى ُسلطاناً‪،‬‬ ‫وأ ْد َو ُم َم ْكثاً‪ ،‬وأذهَ ُب للظلمة»‪ ،‬لكنّها « َم ْوقوفة عىل َخ َطر‬ ‫ثم‬ ‫األفول‪ ،‬ل ْي َست ب َرفي َع ِة األ ْوج وال بدائمِ َ ِة املَكث»‪ .‬و ِمنْ ّ‬ ‫كانت الش ْم ُس التي ال َتغيب تمَ ْكيناً‪ ،‬عند الصوفية‪ ،‬ال َتلويناً‪.‬‬ ‫إ َّنها‪ ،‬بالن ِّْس َب ِة إليهم‪ ،‬وُجودٌ َجا َز منطقة ال َو ْجد‪.‬‬ ‫ال حيا َة لِ َمنْ َح َّص َل ه ِذ ِه الش ْمس إ ّال بدَوام إرشا ِقها‪ ،‬من غيرْ‬ ‫ْأن َ‬ ‫يكون هذا اإلشرْ اق لذ ًة خالِصة‪َّ .‬إن لهذا اإلشرْ اق ُح ْرق َتهُ‪.‬‬ ‫أساس ِه‪ ،‬لذاذ ُة‬ ‫هو لذ ٌة بألَ ٍم أو يف ألَ ٍم‪ .‬ذلك َّأن ُ‬ ‫الح َّب‪ ،‬يف ِ‬ ‫َذاب‪ ،‬أو ب َت ْعبري ابن الفارض‪ ،‬ا ُمللقب بسلطان‬ ‫ألَ ٍم‪ ،‬وعُ ذو َبة ع ٍ‬ ‫‪138‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫الش ْم ُس إ ّال ّأن َّ‬ ‫ِه َي َّ‬ ‫للش ْم ِس َغ ْي َب ًة‬ ‫وهذا الذي َن ْعنيه ل ْي َس ي ِغيب‬

‫لِترَ ْ َت َ‬ ‫بط ه ِذ ِه َّ‬ ‫الش ْم ُس باملَ ْعنى‪ .‬فالب ْي ُت األخري ُيل ِم ُح إىل ما‬ ‫ُ‬ ‫صاحب ٍة‬ ‫اإلنصات لِام َي ْعنيه‬ ‫يتط َّل ُب ُه‬ ‫ُ‬ ‫الخطاب الصويف من ُم َ‬ ‫و َم َح َّبة‪ .‬فبدون ه ِذ ِه املَ َح َّبة‪ ،‬يمُ ْكنُ َح ْج ُب املَ ْعنَى الذي ال‬ ‫الحكم‪.‬‬ ‫يغيب يف ظلم ِة ْاس ِت ْع َجال ُ‬ ‫الشمس التأوي َّ‬ ‫وبالجملة‪َّ ،‬‬ ‫يل ال َح َّد له‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فإن ُم ْمكنَ ه ِذ ِه ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َتعا ُر ُضها َم َع كثاف ِة الظل َمة واقترِ َانها بلذاذ ِة األ لم ومتاهيها‬ ‫الع ُبو َر بها َن ْح َو مناطقَ‬ ‫تيح ُ‬ ‫اص؛ ال ّز َمن ا ُمل ِمدّ‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫َم َع َز َم ٍن َخ ٍّ‬ ‫أخرى‪ .‬هكذا يمُ ْ ِكنُ الحديث‪ ،‬متثي ًال ال َحصرْ اً‪ ،‬عَنْ َش ْمس‬ ‫ال ِكتابة بالن ِّْس َب ِة إىل أولئك الذين ْاجتَذ َب ْتهُم أنوا ُرها و َفت َ​َح ْت‬ ‫لهُم املَ َس َ‬ ‫نح َو الال ِنهايئ مبَ ْجهولِ ِه و ِفتْن ِته‪ ،‬أولئك الذين‬ ‫الك ْ‬ ‫َأش َّع ْت ه ِذ ِه َّ‬ ‫فلم َي ْس َت ِنريوا إ ّال بها‪ ،‬أل ّنها ْمل‬ ‫الش ْم ُس داخ َلهُم‪ْ ،‬‬ ‫واحدَة‪ ،‬إذ ْ‬ ‫كانت َز َم َنهُم‪.‬‬ ‫لحظة ِ‬ ‫َت ِغ ْب عنهُم ْ‬ ‫فكل ما َأخ َ‬ ‫ُّ‬ ‫الح ُجب‬ ‫ذك عَنْ ن ْف ِسك وأعاد َ​َك إليها ِمنْ خارج ُ‬ ‫العا ّمة‪ ،‬فهو َش ْم ُس َك التي ال َتغيب‪ُّ .‬‬ ‫كل ما َت َح َّو َل أ ُمله‪ ،‬يف‬ ‫خاصة ِع ْندَك‪ ،‬فهو نو ٌر ُم ِمدّ‪ .‬وه ِذ ِه‬ ‫املنظور العا ّم‪ ،‬إىل لذاذ ٍة ّ‬ ‫الش ْم ُس‪ ،‬التي أشرْ َ ْ‬ ‫قت يف قلب الحالج من الطريق التي‬ ‫ا ْر َتضاها‪ ،‬هي عطا ُء َز َم ٍن غيرْ ال َّز َمن ال ّرتيب‪ .‬عطا ٌء َت ْخت َُّل فيه‬ ‫ُ‬ ‫مدلول الحيا ِة واملوت‬ ‫املعاين ا ُملتدا َولة‪ ،‬وب ِه يت َز ْعزَعُ‬


‫مختارات‬

‫الشعر االيسلندي‬ ‫اختارها وترجمها مازن معروف‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪139‬‬


‫مختارات‬

‫إلياس كنور «‪»1981‬‬

‫شاعر من غاليسيا يقيم حالياً يف ركيافيك ويكتب‬ ‫باآليسلندية‪ .‬شغفه باللغات جعله يخطو باتجاه لغة‬ ‫ال يتكلمها سوى ما يفوق الربع مليون نسمة بقليل‪.‬‬ ‫تشتمل قصائده عىل اهتامم باحتامالت املعنى للمفردة‬ ‫الواحدة وتدوير الداللة‪ .‬له كتابان شعريان بالغاليسية‬ ‫منها «تصاوير عىل الجلد» «‪« ،»2008‬بنهديَّ غري‬ ‫املسدودين» «‪.»2010‬‬

‫مل ينرش كاوري مجموعة شعرية إال إن قصائده القت‬ ‫مساحة وافية يف مجالت أدبية ودوريات نقدية‪.‬‬ ‫اشرتك مع الشاعرة فالغريدور ثورودسدوتري يف إنتاج‬ ‫كتاب شعري أبرص النور مؤخراً‪ ،‬وهو بعنوان «رؤساء‬ ‫ثقيلون»‪ .‬يطغى عىل شعره مسحة سياسية ساخرة‪،‬‬ ‫وأحياناً كثرية يسارية الهوى بشكل قاس‬

‫القصيدة األوىل‬

‫قصور حراري أو يف الغضب‬

‫ر ّبتا منزل‬ ‫كل منهام ترقص عىل حبل غسيل‬ ‫ومتارس بهلوانة ً‬ ‫الحب‬ ‫األوىل زهرة قطن‬ ‫األخرى فراشة حرير‬ ‫تحت نفوذ النظافة‬ ‫ّ‬ ‫تخطان الشعر عىل الثياب املنشورة‪.‬‬

‫القصيدة الثانية‬

‫ْ‬ ‫أفاقت باكراً يف املرآة‬ ‫قطرات الدم‬ ‫عيون مترضرة بشدة‬ ‫تتبدّى يف املنزل‬ ‫لكن‪ ،‬فلنعمل من الصباح زهوراً‬ ‫الحقيقة‬ ‫فضاء مر ّكب مش ّه ٌر به‬ ‫مزين رمبا بالخصوبة والنجوم‬ ‫ميكن لئمه رمبا‬ ‫بأزهار متّقدة‪.‬‬ ‫ذات صباح‬ ‫الفتاة تستيقظ يف املتاهة‬ ‫وتنزف حتى العمى‬ ‫بيتها يكمن يف صور داخل املرايا‬ ‫لكن‪ ،‬فلن ُِص ْغ صمتاً من الصباح‬ ‫فلرنت ِد الصدى داخل بزة السجناء التي تق ّيد الذراعني‬

‫‪140‬‬

‫كاوري تيلينيوس‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫نجم‬ ‫يف عدد الساموات الالمتناهي‬ ‫الشمس ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضوء باهت آخر داخل كون معتم‪.‬‬ ‫أشعتها بالكاد تتلمسها مستقبالت الضوء‬ ‫لكائنات ال تعريها أي اهتامم‪.‬‬ ‫كام هي الشمس لساللة البرش‬ ‫أنت يل‬ ‫هكذا ِ‬ ‫نطوف حول مركز كام مجرة حول ثقب أسود‬ ‫يف اليوم التايل حني كنا جالسني عىل مقعد خشبي بال‬ ‫ظهر‬ ‫وزجاجة رشاب أمامنا عىل طاولة املطبخ‬ ‫قلت األكرث أملاً كان أن أدرك أننا ال منتاز عن سوانا‬ ‫ِ‬ ‫وأن حيواتنا ال تتجاوز يف فرادتها أي يشء آخر‬ ‫ضحكت ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقلت إنه وقت النوم‬ ‫ّقت إىل السطح الذي يعلو سائ ًال أصفر عسلياً يف‬ ‫حد ِ‬ ‫القعر‬ ‫قلت ذابت كل مكعبات الثلج‬ ‫ِ‬ ‫لحظة تأليف الكون‬ ‫كان كل يشء مر ّتباً يف مكانه متاماً‪.‬‬ ‫الوقت مستعمل لقياس التبعرث يف الطاقة املتاحة‪.‬‬

‫املجدُ ا ُمللتقط فوتوغرافياً‬ ‫امرأة تزحف‬ ‫قبالتك أيها الذكر‬ ‫وهوذا أنت منشغل‬


‫بالتقاط الصور الفوتوغرافية‬ ‫وإن بخلفية ذهبية اللون‬ ‫وإن بأربعة أجنجة‬ ‫كل هذا غري ُم ْج ٍد‬ ‫لتحويل امرئ ما إىل مالك‬ ‫حت ًام نستحدث‬ ‫صوراً خاطئة‬ ‫من جملة كل ما هو غالٍ‬ ‫عىل القلب والذهن‬ ‫صورة فوتوغرافية لقلب‬ ‫من شأنها‬ ‫أن تبيد صورة حلوة‬ ‫مستحدثة‬ ‫من األحاسيس‬

‫ثورديس بيورنزدوتري‬

‫تعد ثورديس «‪ »1978‬من أبرز األصوات الشعرية‬ ‫املوجودة حالياً يف آيسلندا‪ .‬تهتم باملوسيقى واألعامل‬ ‫الفنية اليدوية‪ .‬وتعمل بنشاط‪ .‬أنجزت آخر مجموعة‬ ‫شعرية لها يف غضون أسبوعني‪ ،‬وتحرض لعملها الروايئ‬ ‫الثاين‪ .‬ميتاز شعرها بالقسوة والحميمية‪ ،‬ويبدو وكأنه‬ ‫يتخذ شكل مقاطع من بيوغرافيا طويلة‪ ،‬وشخصية‬ ‫جداً‪ .‬هي من الشاعرات املنعزالت بدرجة كبرية‪ .‬تقيم‬ ‫يف العاصمة اآليسلندية ركيافيك مع ابنتها الصغرية‪.‬‬

‫صورة‬

‫يف ذلك الحر الصيفي اختفى أثرها‬ ‫أَذك ُر‪ .‬ال أزال‬ ‫كم احرتق شعرها بجامل‬

‫وهي تسنُّ اإلبرة‬ ‫وتغرزها يف عينه‬ ‫لتدرز بها صورة طفلة صغرية هناك‬

‫تقف عىل كريس قبالة املرآة‬ ‫تجدِّل شعرها‪..‬‬ ‫وعيناها مفتوحتان‬ ‫رأت يف حلم ما نسا ًء يف ثياب بيض‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫عيني ألغلقهام‬ ‫اعترصت َّ‬ ‫ألتصورها بتلك النار تندلع يف شعرها‬ ‫ْ‬ ‫جلست‬ ‫حيث‬ ‫متسدُ خدِّي بلطف‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫«وتذ ّكر أال تفتح عينيك‬ ‫وإال تسببتا لك بالعمى‬ ‫ستعميانك يا حبي»‪،‬‬ ‫همست يف أذين‬ ‫كالريح‪.‬‬ ‫بعد ذلك مل يعد لها أثر‬

‫يوم يف أكتوبر‬

‫أصابعه ملطخة بالحرب‪ ،‬حجر يف يده‬ ‫ذراعه مرفوعة يك يلقي بالحجر يف املياه الراكدة‬ ‫تخصه‬ ‫التي تعكس ذاكر ًة ُّ‬ ‫داخ ًال غرفة فيها أماكن مخبأة طواها النسيان‬ ‫وهو يستعيد أكتوبر آتياً من أجله‬ ‫بكوب شاي دافئ وخبز طازج بال ِقرفة‪.‬‬ ‫أبعد من النافذة امرأ ٌة أراها‬ ‫تبصق وهي متر‪ ،‬عىل األرض‬ ‫ومئزرها متج ِّم ٌع تحت إبطها‪،‬‬ ‫قريباً ستكون هناك‪ ،‬ستكون هناك‬ ‫حيثام الجدران تصيخ السمع لطفل يعرتف‬ ‫كان يريد أن يرمي حجراً نحو الصبي والصبي‪،‬‬ ‫لكن عصفوراً عَبرَ َ‬ ‫وألنه مل يستطع إلقاء الحجر عىل الصبي‬ ‫قذفه عىل العصفور والعصفور‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪141‬‬


‫مختارات‬

‫أدالستني أسربغ سيغردسون‬

‫ال ينحرص نشاط أدالستني «‪ »1955‬بالشعر‪ ،‬ذلك أن‬ ‫اهتامماته املوسيقية بالغة الداللة والتأثري يف املشهد‬ ‫الفني اآليسلندي‪ .‬درس اللغات واملوسيقى والتمثيل‪.‬‬ ‫وله أربعة عرش مؤلفاً يف الشعر‪ ،‬ورواية واحدة واثنا‬ ‫عرشة كتاباً لألطفال بني القصة واألغنية‪ .‬ترأس بني‬ ‫عامي ‪ 1998‬و‪ 2006‬اتحاد الكتّاب يف آيسلندا‪ .‬ومييض‬ ‫جل وقته يف الكتابة والرتجمة و النرش‬

‫يف مكان ما‬

‫يف مكان ما‬ ‫مثة شخص مستيقظ ويصغي‬ ‫ال إىل تحطم نافذة‬ ‫وال إىل صفع موجة لجرف صخري‬ ‫أو هري ٍر قطة شاقٍ‬ ‫رقيق‬ ‫أو مط ٍر ٍ‬ ‫فوق سطح محرتق بالصدأ‬ ‫إمنا إىل الصمت العميق‬ ‫يف املنزل هذا‪ ،‬املث ّبت عىل صخرة‪.‬‬ ‫يف مكان ما‬ ‫الذي يصغي‬ ‫َ‬ ‫أنت‪.‬‬

‫لألرواح التي تريد الغناء‬

‫الضحوك يستيقظ يف النهاية‬ ‫ّ‬ ‫يرن صو ُته يف الخالء‬ ‫النسمة دافئة‬ ‫كالربيع‪ ،‬مشبعة باملرح‪.‬‬ ‫يحس‬ ‫الجدول ُّ‬ ‫يسرتق السمع لدفق كلامت‬ ‫طائشة‬ ‫تتدافع عىل املنحدرات‬ ‫فيام عازف‬ ‫يضخ الهواء يف األرغن برسعة‬ ‫‪142‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫وغزارة‬ ‫يتخبط من أجل انسجام يف اللحن‪.‬‬ ‫اليدان مل تعودا مرئ َّيتَني‬ ‫وخلف الحائط املدهون‬ ‫مثة صوت مرتجف‪ ،‬خفيض‬ ‫إنها رسالة َ‬ ‫ْ‬ ‫وددت‪.‬‬ ‫لك إذا‬ ‫هوذا كل ما تحتاج إليه‬ ‫من أجل أرواح تتوق للموسيقى‬

‫شون سيغوردسون‬

‫يعد شون «‪ »1962‬واحداً من أكرث األصوات األدبية‬ ‫والشعرية ثق ًال يف الوسط األديب اآليسلندي‪ .‬هو من‬ ‫الرعيل الشعري الثاين بعد نيل آيسلندا استقاللها عام‬ ‫‪ .1944‬يف مثانينات القرن العرشين‪ ،‬اشرتك مع مجموعة‬ ‫من الشعراء يف تأسيس «ميدوزا» الحركة الشعرية‬ ‫ذات االتجاه السوريايل املجدّد‪ .‬تتوزع نتاجاته بني‬ ‫القصيدة والرواية واملرسحية وقصص األطفال واألغنية‪.‬‬ ‫وقد ترشحت إحدى أغنياته املكتوبة لجائزة أوسكار‬ ‫عام ‪ 2001‬يف فيلم «راقص يف الظالم» «إخراج الرس‬ ‫فون تراير»‪ .‬نال عدداً من الجوائز أبرزها «جائزة‬ ‫مجلس الشامل األدبية» ومؤخراً‪ ،‬نافست روايته «يف‬ ‫بطن الحوت» أعامالً لعدد من األدباء بينهم أموس‬ ‫عوز وأمربتو إيكو وتفوقت عليها بنيلها جائزة «شادو‬ ‫اندبندنت فيكشن برايز»‪ .‬ترجمت أعامله إىل أكرث من‬ ‫أربع وعرشين لغة حول العامل‪ .‬يقيم حالياً يف ركيافيك‪.‬‬

‫الصعود يف الجبال‬

‫سيارة عىل جانب الطريق‬ ‫آثار خطى بينها وبني حقل مرتفع معشوشب‬ ‫متتدُّ يف اتجاه واحد‪.‬‬ ‫اآلثار تتوقف‪.‬‬ ‫حجل الثلوج األلبي عىل كتلة من العشب النامي‬ ‫غصن من الخلنج‬ ‫يف منقاره‪.‬‬


‫موكب عيد الغطاس‬

‫ك ّفاً بكف‬ ‫يسريون يف الشارع‬ ‫سيدة رحيلنا ورب إرادتنا‬ ‫طارقني هذا الباب وذاك‬ ‫الستدعاء متطوعني لكنيس ِة‬ ‫ِّ‬ ‫عض اليد من الندم‪.‬‬ ‫الج ْم ُع‪.‬‬ ‫يت ُ‬ ‫ّسع َ‬ ‫جون قديس موىس الحالقة‬ ‫آن قديسة الشنق‬ ‫ستيفان قديس بندقية الصيد‬ ‫مارغريت قديسة السم القاتل‬ ‫أوالف قديس كيس النايلون‬ ‫كاثرين قديسة فرن الغاز‬ ‫وليام قديس إفريز النافذة‬ ‫ترييزا قديسة ماسورة العوادم‪.‬‬

‫محض أسامء قليلة‬

‫بني أولئك‬ ‫جميع الذين أحضرِ وا‪.‬‬ ‫قبل حلول منتصف الليل‬ ‫بثالث وعرشين ثانية‬ ‫يصلون إىل الشارع حيث أقيم‬ ‫يف طابور واحد‪.‬‬

‫باريس‬

‫وحيدا يف الليل‬ ‫يدنو مني بائع حشيش‬ ‫هامساً‪:‬‬ ‫«شوكوالته سيدي؟»‬ ‫«يف املنزل مثة من يحترض»‬ ‫عند نهاية الشارع‬ ‫أعرب مبحاذاة محل لبيع‬ ‫دمى ميكانيكية‬

‫«يف املنزل مثة من يحترض»‬ ‫لها ارتفاع البرش‬ ‫ذات طراز قديم‬ ‫منتصبة بانتظار أن ُتشحنْ بإدارة املفتاح يف الظهر‪.‬‬ ‫«يف املنزل مثة من يحترض»‪.‬‬

‫من كتاب األوهام‬

‫عزيزيت ف‪.‬‬ ‫الليلة الفائتة حلمت بأنك قصصت شعرك بالكامل‬ ‫لتصنعي منه رسيراً‬ ‫مارسنا الحب فيه‪.‬‬ ‫وعىل الجدار املقابل‬ ‫ْ‬ ‫انتصبت مرآة‪.‬‬ ‫وحاملا ُ‬ ‫بلغت الذروة مل أرك فيها‪.‬‬ ‫كنت جالس ًة يف كريس تطلني أظافرك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وكان طالء أظافرك أخرض ومحضرَّ اً من الجنادب‬ ‫الحمر‬ ‫ِ‬ ‫وقلت‪ :‬زوجا ُت َك البيوت ُ‬ ‫لكنني استيقظت ألنني عضضت بأسناين لحم كتفي‪.‬‬ ‫كانت الساعة السادسة والنصف صباحاً‪.‬‬ ‫خال ذلك كل يشء عىل ما يرام‪،‬‬ ‫الطقس باردٌ هنا‬ ‫لكنه دافئ مبا يكفي‬ ‫للنمور العجائز‪.‬‬ ‫وداعاً‪ ،‬صدي ُق ِك‬ ‫شون‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪143‬‬


‫شاعر وقصيدة‬

‫شعراء قتلتهم قصيدة‬

‫المتنبي ولوركا ونيرودا‬ ‫ثمة قصيدة ترفع الشاعر وتوصله إلى سدة المجد‪ ،‬وأخرى قد تودي به إلى التهلكة‪ .‬المتنبي وقع ضحية‬ ‫ً‬ ‫تبعا لموقفه‬ ‫بيت شعر ولوركا جرى إعدامه بسبب مواقفه كشاعر ونيرودا تغيرت قصيدته وحياته‬ ‫السياسي‬

‫عبير فارس‬

‫أدت‬

‫القصيدة بالكثري من الشعراء إىل مالقاة‬ ‫حتفهم‪ ،‬وأكرث الحوادث إثارة قصة مقتل‬ ‫«املتنبي» الذي عكس بشعره صورة صادقة لعرصه‪ ،‬مبا فيه‬ ‫من اضطرابات سياسية واختالف آراء‪ .‬مل يكرث املتنبي من‬ ‫بحكم يجعلها قواعد عامة‪ ،‬تخضع‬ ‫الهجاء‪ ،‬وكان يف شعره يأيت ِ‬ ‫ملبدأ أو خلق‪ ،‬وكثرياً ما يلجأ إىل التهكم‪ ،‬أو استعامل ألقاب‬ ‫تحمل يف موسيقاها معناها‪ ،‬وتشيع حولها جواً من السخرية‪،‬‬ ‫وكان السخط دافعه إىل الهجاء الالذع يف بعض األحيان‪،‬‬ ‫وتجىل هذا يف هجائه لـحاكم مرص «كافور األخشيدي»‪،‬‬ ‫ولكنه مل يلق حتفه عىل يد امللك «كافور» أو حاشيته رغم‬ ‫ما سلطه املتنبي عليه من هجاء مر وتشنيع مقذع‪ ،‬إمنا جاء‬ ‫حتفه عىل يد رجل من عامة الناس‪ ،‬ثأر لقريب له يدعى‬ ‫«ضبة بن يزيد العيني»‪ ،‬إذ قال املتنبي يف مطلع القصيدة‪:‬‬

‫ما أنصف القــوم ضبة‬ ‫فال مبن مــــات فخرا‬

‫و أمه الطـــرطبة‬ ‫وال مبن عاش رغبة‬

‫ونقل ابن العديم عن هذه القصيدة‪« :‬ما للمتنبي شعر‬ ‫أسخف من هذا الشعر‪ ،‬وال أوهى كالماً فكان عىل سخافته‬ ‫وركاكته سبب قتله وقتل ابنه وذهاب ماله أيضاً»‪.‬‬ ‫أما الرغبة باالنتقام‪ ،‬فبدأت عندما سمع هذا الشعر خال‬ ‫املدعو «ضبة»‪ ،‬وهو يدعى «فاتك األسدي» الذي قرر الثأر له‬ ‫بقتل املتنبي‪ ،‬وبالفعل ترصد له بنو أسد يف الطريق ليقتلوه‪،‬‬ ‫وحني رآهم هرب منهم‪ ،‬فقال له ابنه وأين قولك‪:‬‬

‫الخيل والليل والبيداء تعرفني‬ ‫والسيف والرمح والقرطاس والقلم‬

‫‪144‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫فقال املتنبي قتلتني يا ابن اللخناء‪ ،‬فعاد أدراجه ليحارب فقتل‬ ‫وطار رأسه‪.‬‬ ‫واألسباب وإن أدت إىل نهاية واحدة‪ ،‬لكنها تبدو مختلفة عند‬ ‫الشاعر الجاهيل طرفة بن العبد الذي قتل عندما كان عمره ‪26‬‬ ‫عاماً‪ .‬وهو يف أوج تألقه الذي أهله الدخول إىل امللوك وتسجيل‬ ‫أروع القصائد‪ ،‬حتى أن بعضهم اعترب معلقته بعد معلقة امرئ‬ ‫القيس مبارشة من حيث األهمية‪ ،‬وبعضهم اآلخر ألف فيها‬ ‫مصنفات بديعة‪ ،‬ألنها من أخطر وأبلغ املعلقات عىل اإلطالق‪،‬‬ ‫خاصة وأنه صاحب البيت الشهري‪ ،‬الذي هز فيه املشاعر‬ ‫اإلنسانية عىل مر التاريخ‪ ،‬وما زال له ذات اإليقاع إىل اآلن‪:‬‬

‫وظلـــم ذوي القرىب أشــد مضاضة‬ ‫عىل النفس من وقع الحسام املهند‬

‫باملقابل أدى هجاؤه لـ عمرو بن هند إىل مقتله‪ ،‬فعمرو بن‬ ‫هند كان معروفاً بأن الطري يف الدهناء كانت تخافه‪.‬‬ ‫وبدأت القصة عندما هجا طرفة بن العبد‪ ،‬عبد عمرو بن برش‬ ‫بن مرثد زوج أخته عندما جاءت تشكو منه فقال فيه طرفة‪:‬‬

‫يا عجبا من عبد عمرو وبغيه‬ ‫لقد رام ظلمي عبد عمرو فأنعام‬ ‫وال خري فيه غري أن له غنى‬ ‫وإن له كشـحا إن قام أهــــضام‬

‫أما الصدفة العجيبة‪ ،‬فهي من دفعت عمرو بن هند‪ ،‬التخاذ‬ ‫قرار قتله‪ ،‬وذلك عندما كان يصطاد ذات يوم ومعه عبد عمرو‬ ‫وأصاب حامراً‪ ،‬فطلب إىل عبد عمرو أن ينزل إليه فأعياه ذلك‪،‬‬ ‫فضحك عمرو وقال لقد أبرصك طرفة حني قال‪ :‬يا عجبا‪ ...‬وعاد‬


‫شعراء قتلتهم قصيدة‬

‫نريودا‬

‫لوركا‬

‫رسم متخيل للمتنبي‬

‫إىل األبد‪ ،‬ويحرم من رؤية غرناطة بعد طلوع الشمس‪ ،‬واملدهش‬ ‫وردد ما قاله فيه‪ .‬فام كان من عبد عمرو إال أن قال للملك‬ ‫عمرو بن هند الذي قال فيك أشد مام قال فيه‪ ،‬فتلون وجه إىل اآلن أنه ال يوجد وصف دقيق للحظات األخرية يف حياة لوركا‪،‬‬ ‫عمرو بن هند وقال لعبد عمرو وما قال َيف فأخربه عبد عمرو لكنهم مل يعرثوا عىل جثته‪ ،‬كام كان قد تنبأ يف قصيدته‪ ،‬كام‬ ‫تأخرت صحف الجمهوريني يف نرش خرب وفاته‪ ،‬ومنذ مقتله مل‬ ‫بقصيدة طرفة التي هجاه فيها‪:‬‬ ‫رغوثا حول قبتنا تخور يكن مبقدور أي شخص يف غرناطة التحدث عنه‪ ،‬بل وصل األمر‬ ‫فليت لنا مكان امللك عمرو‬ ‫إىل منع امتالك كتبه‪ ،‬وكانت املنازل تخضع للتفتيش‪ ،‬وهذا ما‬ ‫بعد سامع القصيدة قرر عمرو بن هند التخلص من طرفة‪،‬‬ ‫جعل أهل غرناطة يتخلصون من أعامله‪.‬‬ ‫ومن خاله املتلمس‪ ،‬وذلك بعد أن أكرمه بن هند وألبسه‬ ‫حتى اطأمنوا إليه‪ ،‬وأعطاه رسالة هو وخاله املتلمس موجهة بعد مقتل لوركا قال الشاعر التشييل الشهري بابلو نريودا‪« :‬إن‬ ‫الذين أرادوا بإطالقهم النار عليه أن يصيبوا قلب شعبه مل يخطئوا‬ ‫إىل ملك البحرين‪ ،‬مع العلم أن االثنني ال يجيدان القراءة‪،‬‬ ‫االختيار»‪.‬‬ ‫فلام وجدا شخصاً قرأ رسالة املتلمس التي وجد فيها‪« :‬إذا‬ ‫ونريودا مل يسلم من املوت‪ ،‬وإن كان هذا بشكل غري مبارش‪،‬‬ ‫جاءك حامل الرسالة فاقطع أربعه ورأسه» فهرب املتلمس‪،‬‬ ‫لكنه أدى إىل وضع نهاية حتمية لحياته‪ ،‬وذلك بعد فوزه بجائزة‬ ‫ونصح طرفة أن يفتح رسالته‪ ،‬ولكنه رفض وذهب بها إىل‬ ‫نوبل يف اآلداب يف‏‪1971‬‏‪ ،‬وهو ما جعله يعود إىل تشييل‪ ،‬حيث‬ ‫ملك البحرين الذي أمر بقتله‪.‬‬ ‫استقبله الجميع باحتفال أقيم يف استاد «سانتياغو» وكان يف‬ ‫مقدمة املحتفلني الرئيس «سلفادور الليندي» الذي لقي مرصعه‬ ‫سالح الشعر‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬إثر انقالب قاده الجرنال «اوغستو بينوشيه»‪.‬‬ ‫ال ميكن ألحد التكهن من أين يأتيه املوت‪ ،‬إال أن الشاعر‬ ‫وعندما قتل االنقالبيون الرئيس «الليندي» جاء جنود «بينوشيه»‬ ‫اإلسباين «لوركا» كان قد تنبأ مبوته‪ ،‬وبضياع رفاته‪ ،‬عندما‬ ‫إىل بيت بابلو نريودا فسألهم الشاعر عن مبتغاهم فقالوا له‪ ،‬جئنا‬ ‫كتب قصيدة قبل مقتله قال فيها‪:‬‬ ‫نبحث عن السالح يف بيتك فرد قائ ًال‪« :‬إن الشعر هو سالحي‬ ‫أعرف أنني قتلت‬ ‫الوحيد»‪ .‬وبعدها بأيام تويف نريودا وكان هذا يف‏‪23‬‏أيلول‪/‬‬ ‫وبحثوا عن جثتي يف املقاهي واملدافن والكنائس‬ ‫سبتمرب‏‪ 1973‬كنتيجة لتأثره‪ ،‬مبرضه إضافة إلحباطه الشديد من‬ ‫فتحوا الرباميل والخزائن‬ ‫االنقالبيني‪ ،‬ويقال إن آخر جملة قالها‪« :‬لقد عادوا ليخونوا تشييل‬ ‫جثث ونزعوا أسنانها الذهبية‬ ‫رسقوا ثالث ٍ‬ ‫مرة أخرى»‪ .‬وجاءت الجملة كختام لكتابه «أعرتف أنني قد‬ ‫ولكنهم مل يجدوين قط‪.‬‬ ‫عشت» والذي يروي سريته الذاتية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪‎‬وهكذا كان قرار القتل لدى البعض حال جذريا‪ ،‬يف فرتات مختلفة‬ ‫اغتيل لوركا خالل األيام األوىل من الحرب األهلية‪ ،‬من قبل‬ ‫من التاريخ‪ ،‬ملن سار من الشعراء بعكس التيار‪ ،‬كام لقي القتل‬ ‫الفاشيني‪ ،‬وهو يف الثامنة والثالثني من العمر‪ ،‬حيث أعدم‬ ‫عينيه‬ ‫بالرصاص‪ ،‬يف ‪ 19‬آب‪/‬أغسطس من العام ‪ 1936‬ليغمض‬ ‫مبدعون آخرون‪ ،‬من فالسفة وكتاب وفنانني‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪145‬‬


‫شعر وتشكيل‬

‫محمد غني حكمت‬

‫حات التفاؤل أرّخ لبغداد بالقصائد‬ ‫ن ّ‬ ‫تفرغ النحات محمد غني حكمت في آخر أيامه لتزيين بغداد بقصائد الشعراء‪ ،‬ولم يتراجع عن مشروعه‬ ‫الكبير بعد تفجير تمثاله «المتنبي»‬

‫بغداد‪ -‬حسام السراي‬

‫ليست مبصادف ٍة أن تكون‬ ‫ملنحوتات الرائد الراحل محمد‬ ‫غني حكمت «‪»2011- 1929‬‬ ‫هذه العالقة الوثيقة بالشعراء‬ ‫وأبيات قصائدهم‪ ،‬فعضو جامعة‬ ‫بغداد للفنّ الحديث‪ ،‬عاش‬ ‫وتفاعل مع مشهد ثقا ّيف استحوذ‬ ‫عليه الشعر منذ آالف السنني‪،‬‬ ‫يوم ّ‬ ‫أطل السومريون عىل الحياة‬ ‫عرب الشعر فقيل يف أحد نصوصهم‬ ‫ّ‬ ‫رة‪«:‬إن هذه األرض ‪ /‬ك ُـتب أال يقال فيها سوى املرايث‬ ‫املؤ ّث‬ ‫واملناحات»‪.‬‬ ‫فبعد اسهاماته مع زميله الفنّان جواد سليم يف إقامة نصب‬ ‫الحر ّية ببغداد عام ‪ ،1962‬وتشييده يف ستينيات القرن املايض‬ ‫نصب «شهريار وشهرزاد» يف شارع أيب نواس‪ ،‬ونصب «عيل‬ ‫بابا واألربعني حرامي»‪ ،‬عند مفرتق الطرق بني منطقتي‬ ‫الكرادة «داخل وخارج»‪ ،‬كانت العاصمة عىل موع ٍد ثانٍ مع‬ ‫ضيف جديد سيضع قدميه عىل األرض ويقول‪« :‬أنا الـذي‬ ‫وأس َم َع ْ‬ ‫ـت كلامتـي َمـنْ بـه‬ ‫نظـَ َر األعمى إىل أدبــي‪ْ ...‬‬ ‫َص َم ُـم»‪ ،‬إ ّنه املتنبي بعباءته وحركة يده اليمنى‪ ،‬إذ أ ّرخ له‬ ‫حكمت يف باحة املكتبة الوطن ّية يف منطقة الباب املعظم‬ ‫ببغداد‪ ،‬وما أن سقط نظام ص ّدام‪ ،‬ح ّتى نقل متثاله إىل ساحة‬ ‫البالط املل ّ‬ ‫يك ببغداد «منطقة الكرسة»‪ ،‬وتحدّثت الصحافة‬ ‫الحقاً عن تعرضه إىل حادث تفجري بالديناميت فنسف‬ ‫بالكامل‪.‬‬ ‫‪146‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫أي حزن انتاب صاحبه وقتها‪ ،‬حينام نعرف‬ ‫النحات الراحل ذكر أكرث من مرة ّأن‬ ‫ّأن ّ‬ ‫«متثال الشاعر املتنبي الذي انتصب أمام‬ ‫املكتبة الوطن ّية هو األقرب إىل نفيس»‪.‬‬ ‫متيض األ ّيام ويتدهور الوضع يف العراق‬ ‫بعد نيسان ‪/‬أبريل عام ‪ ،2003‬فيضطر‬ ‫«حكمت» إىل مغادرة البالد صوب عامن‪،‬‬ ‫غري أ ّنه مل يقطع صلته بوطنه‪ ،‬بل عاد اليه‬ ‫العام ‪ 2011‬ومعه أكرث من مرشوع‪ ،‬إذ‬ ‫رصح حينها وخالل جلسة االحتفاء به يف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جسد ما م ّر بالعراق‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ة‪:‬‬ ‫ي‬ ‫التشكيل‬ ‫للفنون‬ ‫قاعة مدارات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعد عام ‪ 2003‬فن ّياً‪ ،‬إذ قال حكمت «لكرثة ما شاهدت من‬ ‫أحداث جسام عملت «‪ »12‬لوحة من الربونز عنوانها «حدث‬ ‫يف العراق»‪ ،‬وآمل أن تعرض يف أحد املتاحف يك تكون وثيقة‬ ‫عن هذه املرحلة»‪.‬‬ ‫لكنّ الالفت يف زيارته تلك هو إعالنه االتفاق مع أمانة بغداد‬ ‫عىل نصب أربع منحوتات جديدة له‪ ،‬كان يتمنّى أن يراها‬ ‫بعينه يف عاصمته‪ ،‬إال ّأن املوت مل ميهله كثرياً يك يح ّقق أمنيته‬ ‫هذه بوفاته بعد أشهر يف عامن ودفنه يف مراسيم تشييع‬ ‫ألن ّ‬ ‫مهيبة ببغداد‪ ،‬وهو القائل‪« :‬أنا متفائل ّ‬ ‫كل هذه الفوىض‬ ‫ستنتهي وتزول‪ ،‬وإال ما كنت قد كتبت بيت الشاعر مصطفى‬ ‫األعرص‪ /‬إ ّال ذوت‬ ‫جامل الدين «بغداد ما اشتبكت عليك‬ ‫ُ‬ ‫ووريق عمرك ُ‬ ‫أخرض»‪،‬عىل أحد أعاميل التي أردت لها أن‬ ‫تؤ ّرخ للمرحلة الحالية»‪.‬‬


‫محمد غني حكمت‬

‫توظيف الشعر‬

‫بالفعل هو أحد كبار املتفائلني يف هذه املدينة املبتالة‪،‬‬ ‫فأعامله التي صارت شاخصة ضمن فضاءات بغداد الحالية‪،‬‬ ‫منحتها ملمحاً آخر غري هذا الجمود الذي يالزم عمرانها‬ ‫يرصع بعض األبنية‬ ‫القديم مع آثار الرصاص الذي مازال ّ‬ ‫ويزيدها قتامة‪ ،‬وباألخص تلك التي كانت مرسحاً الشتباكات‬ ‫الطائفي عام ‪.2006‬‬ ‫الجامعات املسلحة يف أحداث العنف‬ ‫ّ‬ ‫منحوتات حكمت غيرّ ت املشهد نوعاً ما وأرادت أن تخالف‬ ‫ومهم هنا أن نر ّكز عىل توظيفاته‬ ‫الراهن وتدوس عليه‪ٌّ ،‬‬ ‫للشعر يف اثنني من أعامله‪ ،‬وتأكيده عىل إرث هذه البالد‬ ‫يف الكتابة والشعر وغنى حكاياتها كرصخة بوجه الحارض يف‬ ‫العملني اآلخرين‪ .‬كيف ال يفعلها هذا املبدع‪ ،‬وهو الحامل‬ ‫دوماً بآفاق تجعل من اشتغاله حدثاً يلحق به الرأي العام‬

‫ويق ّيمه فن ّياً‪ ،‬ال العكس‪ ،‬وإال ما تفسري دفعة األمل والثقة‬ ‫بالغد تلك التي ك ّرسها يف أعامله الجديدة‪ ،‬لتكون متفقة مع‬ ‫عبارة وردت عىل لسانه يف املايض‪« :‬من املحتمل أن أكون‬ ‫نحات سومريّ ‪ ،‬أو باب ّ‬ ‫يل‪ ،‬أو آشوريّ ‪ ،‬أو‬ ‫نسخة أخرى لروح ّ‬ ‫يحب بلده»‪.‬‬ ‫عبايس‪ ،‬كان ّ‬ ‫ّ‬ ‫النصب األ ّول‪ ،‬أال وهو «بغداد»‪ ،‬إذ برع «حكمت» يف متثيل‬ ‫كريس بالزي العر ّيب‬ ‫بغداد بفتاة جميلة شامخة تجلس عىل ّ‬ ‫القديم بارتفاع «‪ »3‬أمتار تعتيل قاعدة اسطوان ّية مغلقة‬ ‫بارتفاع «‪ »10.5‬عرشة أمتار ونصف املرت ليصل ارتفاع العمل‬ ‫بالكامل «‪ »13.5‬ثالثة عرش مرتاً ونصف املرت ويقع يف ساحة‬ ‫األندلس قريباً من مبنى االتحاد العام لألدباء والكتّاب يف‬ ‫العراق‪ .‬ميزة هذا العمل ّأن قاعدته املستطيلة جعلها الفنان‬ ‫أطول من املعتاد ليش ّد الناظر إليها وإىل ما كتب عليها من‬ ‫ومجدتها‪ ،‬يشري بعضهم إىل ّأن‬ ‫أبيات شعر تغنّت ببغداد ّ‬ ‫األبيات‪«..‬ذهب الزمان‬ ‫نصوص‬ ‫حكمت تع ّمد وضع أخطاء يف‬ ‫َ‬ ‫ذهب الزمان»‪ ،‬و«ح ّبك يف قلبي ليس يزول‬ ‫بينام األصح ُ‬ ‫واألصح ح ّبك وسط القلب ليس يزول»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أما نصوص األبيات فهي‪« :‬فدى لك يا بغداد كل قبيلة‪ /‬من‬ ‫األرض ح ّتى خطتي ودياريا‪ ،‬فلم أر فيها مثل بغداد منزال‪ /‬ومل‬ ‫أر فيها مثل دجلة واديا» لـ «أَ ُبو سعد ُم َح َّمد ْبن َعليِّ ْبن‬ ‫ُم َح َّمد ْبن خلف الهمذاين»‪.‬‬ ‫«أعاينت يف طول من األرض والعرض‪ /‬كبغداد داراً‬ ‫إ ّنها ج ّنة األرض» لـ«عامرة ْبن عقيل ْبن بالل ْبن‬ ‫جرير ْبن الخطفي»‪« ،‬بـغـداد آن لـك األوان لرتجعي‪/‬‬ ‫مـا ابت ّز منك الحاكمون وز ّوروا»‪ ،‬و«بغداد ما اشتبكت عليك‬ ‫األعرص‪ /‬إ ّال ذوت ووريق عمرك ُ‬ ‫أخرض» لـ «مصطفى جامل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والـصـــ َو ُر‪َ /‬ذهَ ُب الزمان‬ ‫اء‬ ‫ر‬ ‫عـ‬ ‫والــش‬ ‫«بغـداد‬ ‫الدين»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫«عيناك يا بغـدا ُد ُ‬ ‫منـذ‬ ‫وضوعُ ُه ال َع ِط ُر» لـ«سعيد عقل»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫طفولَتي‪َ /‬شـمسانِ نامئَـتانِ يف أهـدايب» لـ «نزار قباين»‪،‬‬ ‫«صباح بغداد تجلو العني طلعتهُ‪ُ /‬‬ ‫وليل بغداد ٌ‬ ‫كحل حني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نكتحـل» لـ «سعد درويش»‪« ،‬خيالك ىف فكري وذكر ِاك يف‬ ‫فمي وح ّبك وسط القلوب ليس ُ‬ ‫يزول» لـ «خرض الطايئ»‪.‬‬ ‫طريقة جلوس املرأة أعىل النصب واألبيات التي وضعها‬ ‫أسفله‪ ،‬تريدان من البغداد ّيني أن ميسحوا بقايا الرتاب الذي‬ ‫ّ‬ ‫يغطي يومياتهم‪ ،‬مثلام يطبق عىل أنفاسهم ويخنقهم‪ ،‬صوب‬ ‫انطالقة قو ّية نحو املستقبل‪.‬‬ ‫متثال املتنبي‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪147‬‬


‫‪148‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫تصوير‪ :‬رغيب اموري‬

‫شعر وتشكيل‬

‫متثال بغداد‬


‫محمد غني حكمت‬

‫نحات الشعر‬

‫ثاين أعامله هو «أشعار بغداد»‪ ،‬شكل كرويّ من الحروف‬ ‫العرب ّية اإلسالم ّية يتضمن بيتاً شعر ّياً معروفاً عن بغداد‪-‬‬ ‫يستثمره ثانية ‪ -‬للشاعر الراحل مصطفى جامل الدين‪ ،‬وهو‬ ‫األعرص إ ّال ذوت ووريق عمرك‬ ‫«بغداد ما اشتبكت عليك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أخرض» بارتفاع «‪ »3‬أمتار مع قاعدة بارتفاع «‪ »5‬أمتار‪ ،‬قرب‬ ‫مقهى البريو ّيت يف جانب الكرخ من العاصمة‪.‬‬ ‫املشكلة التي تواجه هذا العمل‪ ،‬بل وح ّتى األخريات‪ ،‬أ ّنه‬ ‫بحاجة إىل إضاءة دامئة‪ ،‬يك يبقى مثرياً لالنتباه‪ .‬نعم ميكننا‬ ‫التم ّعن صباحاً يف الدقة واالحرتاف اللذين ُج ّسد بهام‪ ،‬لكن‬ ‫ماذا عن الليل الذي يفتقر إىل اإلنارة املستم ّرة‪ ،‬ولعل ّـها دعوة‬ ‫مناسبة بأن ُتستثنى هذه األعامل من جدول القطع املربمج‬ ‫للتيار الكهربا ّيئ الذي تحرص السلطات عىل تنفيذه يف البالد‬ ‫من دون حل لهذه األزمة ‪.‬‬ ‫وإذا كان من سمة توضح التوظيف الذ ّيك للعالقة بني الفنّ‬ ‫واملكان وما ميتلكه من ماض وحارض ملتبس‪ ،‬فال ميكننا أن‬ ‫نفهم أعامله األخرية إال بوصفها دعوة للتوقف عن اليأس‬ ‫وبث ّـه يف نفوس املاليني‪.‬‬ ‫أما هذا اللجوء إىل الشعر واصطحابه من صفحات الكتب‬ ‫والدواوين‪ ،‬ليكون شاخصاً بني أعني الناس من املا ّرة‪ ،‬شيوخ‬ ‫ونساء وأطفال وباعة ج ّوالني وطلبة علم وعامل أبرياء‬ ‫اليعرفون أي ساعة تحصدهم املفخخات‪ ،‬يرى الشاعر‬ ‫اقي عمر الجفال بشأنه‪ّ :‬‬ ‫«أن محمد غني حكمت ينحت‬ ‫العر ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الشعر‪ ،‬متثال بغداد‪ ،‬الذي وضع قبل مدة يف ساحة األندلس‪،‬‬ ‫أعطى مثاالً آخر للجامل ولبغداد‪ ،‬واألدهى أ ّنه استف ّز‬ ‫الشعراء الذين ينظرونه جيئة وذهاباً‪ ،‬لكن هل كان حكمت‬ ‫يتقصد أن تقع أخطاء نحو ّية يف نص عىل قاعدة متثاله؟!‪ .‬هذا‬ ‫ّ‬ ‫ما يذهب إليه الشعراء وهم خارجني من نادي االتحاد لي ًال‪.‬‬ ‫يف ّ‬ ‫كل األحوال‪ ،‬محمد غني حكمت هو الشاعر بالنحت‪.‬‬ ‫وهو الجامل الوحيد الذي انتبهت إليه الحكومات املتعاقبة‬ ‫فخرج من عنقاء خرابها»‪.‬‬ ‫رأي خالفه الناقد والشاعر محمد غازي األخرس‪ ،‬الذي ع ّد‬ ‫للنحات الراحل‪،‬‬ ‫متثال «بغداد» اليرتقي إىل املنجز الكبري ّ‬ ‫مشرياً إىل ّأن «وضع األبيات الشعر ّية بهذه الطريقة انتزع‬ ‫الكثري من جاملية العمل‪ ،‬يف وقت كان يفرتض به أن يتعامل‬ ‫مع نتاج شعريّ أكرث عمقاً من الذي اختاره»‪.‬‬

‫منحوتة الفانوس السحري‬

‫عمله الثالث «إنقاذ العراق»‪ ،‬عبارة عن تكوين ميث ّـل الختم‬ ‫السومريّ االسطوا ّين املائل‪ ،‬مكتوب وسطه «من هنا بدأت‬ ‫الكتابة» لريبط ذلك مع البديه ّية املعروفة باخرتع السومر ّيني‬ ‫للكتابة واجرتاحهم عامل الشعر‪ .‬يستند النصب عىل سواعد‬ ‫عراق ّية بارتفاع «‪ »6‬أمتار متث ّـل صمود العراق ّيني يف مواجهة‬ ‫ّ‬ ‫كل التحدّيات‪ ،‬ارتفاع النصب مع القاعدة «‪ »10‬م ويقع‬ ‫النحات‬ ‫قرب ساحة الفارس العر ّيب يف منطقة املنصور‪ ،‬أراد ّ‬ ‫من جعل الختم كأ ّنه يسقط وهناك خمسة أيا ٍد بسواعدها‬ ‫تسعى إلسناده‪ ،‬أن يكون «رسالة ّ‬ ‫اقي بأن ذراعك هي‬ ‫لكل عر ّ‬ ‫إحدى هذه األذرع التي متسك بالختم رمز الحضارة لتحميه‬ ‫من السقوط»‪.‬‬ ‫آخر منحوتاته «الفانوس السحريّ »‪ُ ،‬ش ّيد مقابل املرسح‬ ‫مجسداً املصباح السحريّ املعروف يف قصص‬ ‫الوطني ببغداد‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ألف ليلة وليلة البغداد ّية‪ ،‬بارتفاع «‪ »8‬أمتار ليصبح مع‬ ‫القاعدة بارتفاع «‪ »10‬أمتار‪ ،‬وهنا استوحى ذلك من أجواء‬ ‫هذه القصص التي اشتملت عىل ‪ 1420‬مقطوعة شعر ّية‪،‬‬ ‫ولذلك رمز ّيته عند العراق ّيني والعرب‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪149‬‬


‫شعر وفلك‬

‫نزار قباني‬

‫قراءة فلكية‬

‫‪................................................................................................................................‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومحيرا‪ ،‬فمثله ليس في حياته من السرية بقدر ما فيها‬ ‫صعبا‬ ‫أمرا‬ ‫يبدو رسم خريطة فلكية للشاعر نزار قباني‬

‫من العلن‪ ،‬ولذا تقود هذه المغامرة إلى لوحة تحليلية تربط بين المعطيات الفلكية وبين ما أنبأ به هو عن نفسه‬

‫من خالل كتاباته‬

‫ياسين الزبيدي‬

‫بات‬

‫معروفاً أن القراءة الفلكية لشخص ما‪،‬‬ ‫هي عبارة عن تحليل نفيس من جوانب‬ ‫مختلفة‪ ،‬من أجل تقاطع الخطوط األساسية لشخصيته‪.‬‬ ‫طريقته يف التفكري‪ ،‬حقيقة مشاعره‪ ،‬أفكاره وأسلوب تعامله‬ ‫مع املجتمع‪ ،‬وكذلك تفسري طبيعته يف الحب‪ ،‬والتعريف‬ ‫بشخصية الرشيك العاطفي الذي ينجذب إليه من دون‬ ‫اآلخرين‪.‬‬ ‫تعتمد طريقة التحليل هذه عىل قراءة ملواقع كواكب‬ ‫املجموعة الشمسية يف لحظة ميالد الشخص‪ ،‬حيث إن كل‬ ‫كوكب يعكس صفة أساسية من صفات اإلنسان‪ ،‬فمث ًال موقع‬ ‫كوكب عطارد يفرس طريقة تفكري الشخص وأسلوب تعامله‬ ‫مع اآلخرين‪ ،‬وعىل سبيل املثال عندما يكون كوكب عطارد‬ ‫موجوداً لحظة امليالد «برج العذراء» يدل ذلك عىل شخص‬ ‫عميل وواقعي يحكم عىل اآلخرين بعني العقل واملنطق‪ ،‬وال‬ ‫يدع لعواطفه أن تؤثر‪ ،‬مطلقاً‪ ،‬عىل تقييمه لآلخرين‪.‬‬ ‫نزار قباين اسم يستفز الجدل‪ ،‬ويقسم الناس إىل فريقني‪،‬‬ ‫واحد يعشق أشعاره ويعتربه فارس الكلامت بال منازع‪،‬‬ ‫واآلخر يرى فيه شاعر املجون والغزل الرصيح‪ .‬نزار صاحب‬ ‫الشعبية الكربى بني الشعراء يف العرص الحديث‪ ،‬يقرأ له‬ ‫الصغري والكبري‪ ،‬املرأة والرجل والعاشق واملعشوق‪ ،‬كتبت‬ ‫عنه آالف الصفحات يف املجالت والجرائد‪ ،‬تنتقد شعره‬ ‫وأساليبه‪ .‬ولكننا اليوم لن نحلل أشعاره أو نخوض يف آراء‬ ‫‪150‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫النقاد يف ما كتبه من شعر ونرث‪ ،‬فام يهم هنا هو شخصيته ال‬ ‫شعره‪ ،‬ولذا سنحاول سرب أغوار نفسه‪ ،‬واكتشاف أرسار عقله‬ ‫وعاطفته‪.‬‬

‫حضور األنا‬

‫وجهتنا اليوم مسقط رأس الشاعر نزار‪ ،‬دمشق الواقعة عىل‬ ‫خط طول’‪ E °36 31‬وعرض’‪ N °33 25‬وبفرق ساعتني عن‬ ‫توقيت غرينتش‪ ،‬وبإدخال تاريخ امليالد الدقيق واملوقع‬ ‫الجغرايف ليوم مولده إىل أحد برمجيات الحاسوب املتخصصة‬ ‫بعلم الفلك‪ ،‬فإننا نحصل عىل منظر السامء ملدينة دمشق يف‬


‫نزار قباني ‪ -‬قراءة فلكية‬

‫تخطيط فليك لشخصية نزار قباين‬

‫تلك الساعة‪ ،‬وهذا ما يسمى بخريطة امليالد ‪.Natal Chart‬‬ ‫هل كان يوم والدة نزار يوماً عادياً؟ ال أظن ذلك‪ ،‬فقد ولد‬ ‫يف يوم ‪ ،1923/3/21‬وهو اليوم األول من السنة الفلكية‪،‬‬ ‫التي تبدأ عندما تدخل الشمس يف برج الحمل‪ ،‬لذلك ميكن‬ ‫أن نقول بأن نزار من مواليد الحمل رغم انه يحمل الكثري‬ ‫من صفات الربج الذي يسبقه وهو برج الحوت‪ .‬برج الحمل‬ ‫مرتبط دوماً بالبدايات الجديدة وبالخلق واإلبداع‪ ،‬ولذلك‬ ‫نرى شخصية نزار محبة للتحدي واملغامرة‪ ،‬والحياة بالنسبة‬ ‫له ما هي إال معركة‪ ،‬ليس املهم أن يفوز فيها ولكن املهم ان‬ ‫يقاتل حتى النهاية‪ ،‬لذا فهو ينطلق كالسهم باتجاه ما يريد‬ ‫ان يعرب عنه غري آبه مبادح او بقادح‪ ،‬وهو يقول يف قصيدة‬ ‫«محاكمة»‪:‬‬

‫يعانق الرشق أشعاري‪ ..‬ويلعنها‬ ‫فألف شكر ملن أطرى‪ ..‬ومن لعنا‬

‫جانب آخر من برج الحمل نجده منعكساً يف نزار أال وهو‬ ‫الغرور‪ ،‬فهو كسائر مواليد الحمل يؤمن بأنه يستطيع أن‬ ‫يصل إىل أهدافه ألنه يختلف عن اآلخرين‪ ،‬وبوسعه أن‬ ‫يفعل ما يعجز عن القيام به الكثريون‪ ،‬باإلضافة إىل هذا‬

‫فإن مواليد الحمل يرتبطون بشعار أسايس وهو «أنا أكون»‪،‬‬ ‫ولذلك فإننا نجد االنا حارضة لديه يف الكثري من األبيات‬ ‫الشعرية‪ ،‬فها هو يقول يف قصيدة «مدخل»‪:‬‬

‫وكنت مجهولة حتى أتيت أنا‬ ‫‪ِ ..‬‬ ‫أرمي عىل صدرك األفالك والشهبا‬ ‫أنا‪ ..‬أنا‪ .‬بانفعااليت وأخيلتي‬ ‫‪ ..‬تراب نهديك حولته ذهبا‬

‫يشري موقع الشمس يف خريطة ميالد نزار إىل صورته يف عني‬ ‫من يتعامل معه عن كثب‪ .‬أما إذا أردنا أن نرتك الظاهر‬ ‫ونحاول الولوج إىل الجانب الخفي من الشخصيه فيتوجب‬ ‫علينا أن نحلل موقع القمر يف ساعة والدة الشاعر‪ ،‬وملا‬ ‫كان القمر يف برج الثور‪ ،‬دل ذلك عىل عاطفة قوية جدا‪ً،‬‬ ‫ولكنه يعرب عنها بأسلوب عذب هادئ‪ ،‬عاطفة ال تعرف‬ ‫العنف وتطمح دوماً إىل الهدوء والسالم‪ ،‬ولكن هذا الهدوء‬ ‫محاط بخطوط حمراء من ميسها فإنه ميس أمنه واستقراره‬ ‫العاطفي‪ ،‬وكشأن مواليد الثور عندما يحسون بأن أمنهم‬ ‫العاطفي مهدد أو أن هناك من يحاول أن ينال ممن‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪151‬‬


‫شعر وفلك‬

‫نزار قباين وزوجته الثانية بلقيس الراوي‬

‫طفولتي أكرث من دائرة‪ ..‬وأكرث من إشارة استفهام»‪.‬‬

‫يحبونه‪ ،‬فإن الهدوء يتحول إىل هيجان‪ ،‬والربكان الهادئ‬ ‫يغدو ناراً وحم ًام تثور عىل كل ما هو حوله‪ ،‬وهذا ما حصل‬ ‫لنزار يف طفولته‪ ،‬عندما شهد انتحار أخته وصال ألن العائلة مرآة عرص‬ ‫أجربتها عىل الزواج ممن ال تحب‪ ،‬وعن هذا الحادث األليم‪ ،‬لنرتك اآلن عاطفة نزار ومشاعره الداخلية ولنتجه إىل أسلوب‬ ‫كتب نزار قباىن يقول ىف «قصتي مع الشعر»‪:‬‬ ‫تواصله مع اآلخرين وطريقة تفكريه‪ ،‬ويف هذا املضامر‬ ‫«هل كان موت أختي يف سبيل الحب أحد العوامل النفسية يجيبنا عطارد «كوكب التواصل واالتصاالت» املتواجد يف برج‬ ‫التي جعلتني أتوفر لشعر‬ ‫الحوت لحظة ميالد نزار‪ ،‬ذلك ما جعله‬ ‫الحب بكل طاقايت‪ ،‬وأهبه‬ ‫يفكر كام يفكر مواليد برج الحوت‪،‬‬ ‫مواليد‬ ‫كما‬ ‫نزار‬ ‫يفكر‬ ‫أجمل كلاميت؟ هل كانت‬ ‫أي أنه يحكم عىل اآلخرين من خالل‬ ‫ً‬ ‫كتابايت عن الحب‪ ،‬تعويضا‬ ‫عواطفه‪ ،‬ويؤمن مبا يؤمن به من وحي‬ ‫برج الحوت‪ ،‬أي أنه يكم‬ ‫ملا حرمت منه أختي أو‬ ‫مشاعره ال من خالل عقله وأفكاره‪.‬‬ ‫على اآلخرين من خالل‬ ‫ومن ناحية أخرى فإن لديه وعياً‬ ‫انتقاماً لها من مجتمع يرفض‬ ‫عواطفه‪ ،‬ويؤمن بما‬ ‫الحب‪ ،‬ويطارده بالفؤوس‬ ‫عاطفياً يستطيع به أن يؤثر عىل املقابل‬ ‫والبنادق؟انني ال أؤكد هذا‬ ‫وينقل إليه ما يفكر أو ما يشعر به‪ ،‬كل‬ ‫يؤمن به من وحي‬ ‫العامل النفيس‪ ،‬وال أنفيه‬ ‫ذلك ساعده من أجل أن يوطد صلته‬ ‫مشاعره ال من خالل‬ ‫مرصع‬ ‫ولكنني متأكد من أن‬ ‫مع الجمهور الذي استطاع ان يتغلغل‬ ‫وأفكاره‬ ‫عقله‬ ‫أختي العاشقة‪ ،‬كرس شيئاً يف‬ ‫يف أعامق أعامقه‪ ،‬ولهذا ال عجب أن‬ ‫داخيل‪ ..‬وترك عىل سطح بحرية‬ ‫يقول عندما ُسـئل عن جمهوره فقال‬ ‫‪152‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬


‫نزار قباني ‪ -‬قراءة فلكية‬

‫«لقد ألقيت القبض عىل الشعب العريب من املحيط إىل‬ ‫الخليج!»‬ ‫من ناحية أخرى فإن عطارد جعله أيضاً يستطيع أن‬ ‫يستشعر آالم اآلخرين ويتحسس مزاجهم ويفهم وجهة‬ ‫نظرهم‪ ،‬لذا فقد أصبح نزار مرآة لعرصه يعكس كل ما حوله‬ ‫من أمل وظلم‪ ،‬وليس هذا فحسب ولكنه يستطيع أن يتقمص‬ ‫حزن الحاين وظلم املظلومني ويعرب عن لسان حالهم بكل‬ ‫صدق وإحساس‪ .‬هذا امليزة جعلته يكتب العديد من أعامله‬ ‫بكل براعة معرباً عن ما يشعر به اآلخرون من حزن أو فرح‪،‬‬ ‫وهو يقول يف «يوميات امرأة ال مبالية»‪« :‬وألن هذا الرشق‬ ‫غبي وجاهل ومع ّقد يضطر رجل مثيل أن يلبس ثياب امرأة‪،‬‬ ‫ويستعري كحلها وأساورها ليكتب عنها‪ .‬أليس من مفارقات‬ ‫القدر أن أرصخ أنا بلسان النساء‪ ،‬وال تستطيع النساء أن‬ ‫يرصخن بأصواتهن الطبيعية؟»‪.‬‬

‫خريطة القلب‬

‫كيف يحب شاعر الحب؟ سؤال حائر عىل شفاه املاليني من‬ ‫محبي الشاعر نزار‪ ،‬يتلفهون ملعرفة خريطة القلب الذي‬ ‫وقفت أمامه طوابري من النساء‪ ،‬ولو مددنا برصنا باتجاه‬ ‫موقع كوكب الزهرة يف لحظة ميالد نزار‪ ،‬لوجدناها يف‬ ‫برج الدلو‪ ،‬تعلن عن رجل طيب املعرش ويحب أن يعقد‬ ‫صداقات واسعة مع كافة رشائح املجتمع‪ ،‬كام أن صحبته‬ ‫مؤنسة ومجالسته تدخل الرسور يف قلب ندمائه‪ ،‬ولكن‬ ‫بعيداً عن األصدقاء‪ ،‬من هي املرأة التي يفضلها نزار عىل‬ ‫غريها‪ ،‬هل هي الشقراء أم السمراء‪ ،‬هل هي الرشيقة أم‬ ‫املمتلئة‪ ،‬أم هي الكاعب أو الخمر معتقة؟ قد يخترص‬ ‫ً‬ ‫كوكب الحب «الزهرة» الطريق ألفكارنا ويقاطعنا قائال‪ :‬إنه‬ ‫يحب النساء من كل األنواع ومن كل الطبقات واألطياف‪،‬‬ ‫من مدبرة منزل بسيطة إىل وزيرة ذات مكانة رفيعة‪ ،‬لذا‬ ‫فليس عجيباً أن نقرأ ما كتبه يف قصيدة الرسم بالكلامت‪:‬‬

‫ْ‬ ‫تعبت من السفر الطويل حقائبي‬ ‫ُ‬ ‫وتعبت من خييل ومن غزوايت‪...‬‬ ‫مل يبق نهد‪ ...‬أسود أو أبيض‬ ‫إال زرعت بأرضه رايايت‪...‬‬ ‫مل تبق زاوية بجسم جميلة‬

‫إال ومرت فوقها عربايت‪...‬‬ ‫فصلت من جلد النساء عباءة‬ ‫وبنيت أهراماً من الحلامت‪...‬‬

‫ولكن من بني هذا املدى الواسع من طوائف النساء اللوايت‬ ‫عرفهن‪ ،‬من هي التي يف وسعها أن ترخي سدول الحب‬ ‫معه أطول فرتة‪ ،‬من هي التي تحفر يف قلبه أثراً ال يستطيع‬ ‫نسيانه؟‪ ،‬إنها املرأة التي تحمل صفات برج الدلو أي أنها‬ ‫املرأة ذات الشخصية غريالتقليدية‪ ،‬شخصية تحمل من‬ ‫الغرابة وغري املألوف ما يريض تساؤالت نزار وحبه الكتشاف‬ ‫املجهول‪ ،‬امرأة بوسعها أن تكرس قيود امللل والرتابه التي‬ ‫ميقتها‪ ،‬لذا فهو يقول يف القصيدة املتوحشة ‪:‬‬

‫أحبيني‪ ..‬بألف وألف أسلوب‬ ‫‪ ‬وال تتكرري كالصيف‪..‬‬ ‫‪ ‬إين أكره الصيفا‪..‬‬

‫ولكن عندما يقرر نزار االرتباط والزواج ماهي املعايري التي‬ ‫سوف تكون يف باله؟ عندما يقرر مثل هذا القرار املهم‬ ‫والخطري ‪ ،‬طبعاً كوكب الزهرة ال بد أن يكون له جانب‬ ‫من التأثري‪ ،‬ووجوده يف الدلو يجعل نزار يهرب من أي قيد‬ ‫تفرضه املرأة عليه‪ ،‬فحريته ال ميكن أن يساوم عليها مطلقا‪ً،‬‬ ‫والتجربة العميقة التي عاشها يف الحب والزواج كانت مع‬ ‫زوجته بلقيس الراوي‪ ،‬فالسنوات االثنتا عرشة التي قضاها‬ ‫معها كانت من أسعد ما عاشه يف الحب واالرتباط‪ ،‬وكانت‬ ‫نقطة التفوق األوىل لدى بلقيس يف تعاملها معه‪ ،‬إنها كانت‬ ‫الصاحبة والصديقة وليست الزوجة وأم العيال‪ ،‬لذا فهو‬ ‫يذكر ذلك يف مرثيته لبلقيس‪:‬‬

‫بلقيس‪..‬‬ ‫‪ ‬أيتها الصديقة‪ ..‬والرفيقة‪..‬‬ ‫‪ ‬الرقيقة مثل زهرة أقحوان‪..‬‬

‫الحديث عن نزار يطول‪ ،‬والقراءة الفلكية لشخصيته تبقى‬ ‫رحلة محفوفة باملفاجأة‪ ،‬بيد أننا إن أردنا أن نلخص شخصية‬ ‫نزار يف عبارة واحد فبوسعنا أن نقول إنه رجل يجمع بني‬ ‫الطيبة والغرور‪ ،‬والجرأة وعفوية التعبري‪ ،‬رجل التمرد عىل‬ ‫ظلم املرأة والخرافة واألفكار البالية‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪153‬‬


‫شعر ومدينة‬

‫دمشق‬

‫في القصائد‬

‫سـالم مـن صبا بردى‬ ‫دمشق ساحرة الشعراء‪ .‬لم يمر بها شاعر إال أسرته‪ .‬أرض التاريخ وطريق الرساالت السماوية‪ ،‬و«عز الشرق أوله‬ ‫دمشق»‪ ،‬على حد وصف شوقي امير الشعراء‪.‬لها النصيب األكبر من الشعر العربي‪ ،‬القديم والمعاصر‪ ،‬هي ملهمة‬

‫نزار قباني وعطر الشعر لدى سعيد عقل‬

‫«‬

‫األبواب التي ال تنفتح إ ّال إىل الداخل»‪ ،‬هذه هي‬ ‫أجنبي يف قصيدة له‬ ‫دمشق‪ ،‬حسب تعبري شاعر‬ ‫ّ‬ ‫عنها‪ ،‬لقد أخرج الشاعر السويدي الس سوديربرغ (‪)1930‬‬ ‫جرساً صغرياً من جيبه‪ ،‬وح ّركه بهدوء بعد أن ألقى قصيدته‬ ‫عىل أحد مسارح العاصمة السورية يف العام ‪ .2007‬يشبه‬ ‫صوت الجرس املفاجئ بعد قصيدة‪َ ،‬‬ ‫نبض دمشق الهادئ‬ ‫والهادر يف آن واحد؛ ويف املدينة اآلرسة‪ ،‬ال مكان لألشجار‬ ‫باملعنى الكالسييك‪ ،‬إنها أشجار تشبه البرش‪ ،‬مختبئة وخائفة‬ ‫من املجهول‪ ،‬يقول سوديربرغ‪« :‬أين هي األشجار؟‪ /‬يسأل‬ ‫عابر السبيل‪ /‬فيجيب الهواء‪ :‬لقد رافقت الناس إىل داخل‬ ‫البيوت»‪ ،‬عىل املرسح ذاته (الحمراء)‪ ،‬ويف الوقت ذاته‪،‬‬ ‫العبايس أيب‬ ‫قارب أدونيس بني عالقته باملدينة وتعبري الشاعر‬ ‫ّ‬ ‫متام‪ ،‬قائ ًال‪« :‬بيني وبني دمشق مسافة‪ ،‬هي مسافة الهجر»‪.‬‬ ‫مرور سوديربرغ بدمشق‪ ،‬ليس مروراً خائفاً بل هو مرور‬ ‫مبهم حول املفسرّ والغامض من اللغة‪ ،‬أو ما ترتكه املآذن‪،‬‬ ‫من غرابة ثقافية– حضارية أمامه‪ ،‬فهي يف ح ّد ذاتها العالمة‬ ‫تعجب‪ /‬حيث ال يوجد سوى‬ ‫اللغوية‪« :‬إن املآذن عالمات ّ‬ ‫السؤال!»‪ .‬مرور الشاعر الجاهيل امرئ القيس بدمشق‪،‬‬ ‫ورغم ترافقه مع وجهة أخرى (حني ذهب الشاعر إىل الروم‬ ‫مستنرصاً بقيرصهم‪ ،‬ليعينه عىل األخذ بثأر أبيه)‪ ،‬وتو ّتره‬

‫‪154‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫رنا زيد‬

‫بالنسبة إىل شخص يحمل دم أبيه‪ ،‬هو مرور جام ّيل‪ ،‬فامرؤ‬ ‫القيس يستوقف التفاصيل‪ ،‬واملحيط املكاين‪ ،‬إذ يف القصيدة‬ ‫العمودية التي مطلعها‪« :‬سام لك شوق بعد ما كان أقرصا‪/‬‬ ‫وح ّل ْت ُسليمى بطنَ َق ٍّو َف َعر َعرا»‪ ،‬ذك ٌر لبعض األماكن التي‬ ‫م ّر بها الشاعر أثناء مسريه إىل القسطنطينية عاصمة الروم‪،‬‬ ‫ومنها‪« :‬حوران‪ ،‬وحامة‪ ،‬وشيزر‪ ،‬وقرى حمص»‪ ،‬ولكنْ ليس‬ ‫يف القصيدة كلمة «دمشق» أو «الشام»‪ ،‬إمنا تفاصيل الرحلة‬ ‫خمس عشرْ َة ليل ًة»‪،‬‬ ‫والصحبة كام الشطر‪« :‬إذا نحنُ سرِ نا َ‬ ‫ٌ‬ ‫وآخر يلفت إىل مجاورة قوم غسان‪ِ « :‬كنا ِن َّية با َن ْت ويف‬ ‫الصد ِر ودُّها»‪.‬‬ ‫شاعر جاه ّ‬ ‫يل آخر هو عمرو بن كلثوم‪ ،‬يبدو الهياً‪ ،‬وأكرث‬ ‫توازناً‪ ،‬بالنظر إىل املصري الذي القاه امرؤ القيس‪ ،‬ويتحدّث‬ ‫عمرو بن كلثوم يف قصيدته عن كأس رشبت يف بعلبك‪،‬‬ ‫مضيفاً إليها كأساً أخرى من دمشق‪ُ :‬‬ ‫«وأخرى يف دمشقَ‬ ‫وقاصرِ ينا»‪ّ ،‬إن هذا الذكر لدمشق ُي ّ‬ ‫لخص شخصية ابن‬ ‫كلثوم املندفعة واملهاجرة صوب بادية الشام‪ ،‬مع قناعة‬ ‫نفسية باملنون املنتظرة‪ ،‬كام يردف املعنى اللغوي للكأس‪،‬‬ ‫املتأرجحة بني معناها املادي والرمزي‪ ،‬يف البيت الذي ييل‬ ‫مبعنى أكرث عمقاً‪« :‬وإ ّنا سوف ُتد ِر ُكنا املنايا‪/‬‬ ‫الشطر السابق‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ُمقدَّر ًة لنا و ُمقدَّرينا»‪ ،‬وكأن كأس دمشق ُتذكر باملوت‪ ،‬نشوة‬


‫دمشق في قصائد الشعراء‬

‫الفنان املسترشق غوستف بورنفيند‬

‫ثم سكون‪.‬‬ ‫أ ّما شاعر العرص العبايس املتنبي‪ ،‬الذي نشأ يف الشام‪،‬‬ ‫فيتح ّدث عن مبيته الدمشقي‪ ،‬إنه يتالعب باللغة واملعنى‪،‬‬ ‫يزخرف اللغة‪ ،‬لكنْ بح ّدة املقصد‪ ،‬فكيف هو شكل فراش‬ ‫املتنبي يف دمشق؟ إنه عىل أقل تقدير فراش يذ ّكر بأحداث‬ ‫كثرية‪ ،‬بعد مجرد االستلقاء عليه‪ ،‬يقول‪َ « :‬مبيتي ِمن دمشقَ‬ ‫حاش»‪ .‬طبعاً يأيت البيت‬ ‫اش‪ /‬حشا ُه يل ِب َح ِّر حشايَ ِ‬ ‫عىل ِفر ِ‬ ‫ِّ‬ ‫حصة الرماح‬ ‫التايل ُمؤكداً احتدام املعارك الدائم‪ ،‬ومساواة ّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫مح‬ ‫من الدماء‪« :‬سقى ال َّد ُم ُك َّل َنصلٍ غ ِري ٍ‬ ‫ناب‪ /‬و َر ّوى كل ُر ٍ‬ ‫اش»‪.‬‬ ‫غ ِري ر ِ‬ ‫دمشق التي يسكنها لغز ما محيرّ وعيصّ ‪ ،‬واملشابهة لقصيدة‬ ‫بال لغة ملفوظة‪ ،‬قصيدة تعتمد عىل عالقة من يسكنها‬ ‫مبكانه وبها‪ ،‬كام هي الحال عند املتص ّوف األندليس محيي‬ ‫الدين بن عريب (‪ ،)1242- 1164‬هي مدينة األحالم والعباد‬ ‫الطيبني‪ ،‬وها هو املعنى بني الله واإلنسان‪ ،‬معنى الحق‪،‬‬ ‫الذي ُطول ْبنا نحن البرش بامتثاله أمراً مطاعاً‪ .‬ومع اختالف‬ ‫تفسري الحق يف أبيات ابن عريب اليائية‪ ،‬الذي يأيت ذكره يف‬ ‫رسه‪،‬‬ ‫دمشق‪ ،‬كمناجاة بني الشاعر والله‪ ،‬حول أمر الوجود و ّ‬ ‫يقول الشاعر يف هذين البيتني اللذين يحتويان مونولوجاً‬ ‫روحياً‪ ،‬ليس با ُملع ّقد‪:‬‬

‫«ويف دمشق َ‬ ‫قال يل مثله‪ /‬يف م ّر ٍة ُأخرى عىل سرِ ِّي‬ ‫رب أعنِّي عىل‪ /‬ما قلت يل َ‬ ‫ُ‬ ‫فقال بالنَّصرْ ِ »‪.‬‬ ‫فقلت يا ِّ‬ ‫إن كالم ابن عريب عيصّ عىل االستبطان املعنوي إ ّال من‬ ‫املتفكرين‪ ،‬وهو يشري إىل ذلك يف قصيدته األخرى عن‬ ‫دمشق مالذه اآلمن ومنطلقه الفلسفي‪ ،‬الذي أخلص له‬ ‫ٌ‬ ‫منطقة عالية قلي ًال من جبل قاسيون‪،‬‬ ‫فس ِّميت‬ ‫الحقاً‪ُ ،‬‬ ‫الحي‪ ،‬الذي ال‬ ‫باسمه‪« ،‬حي الشيخ محيي الدين»؛ هذا ّ‬ ‫ميكن السري فيه دون الحذر جيداً من الدرب‪ ،‬حيث الحارات‬ ‫الض ّيقة املتشابهة‪ ،‬الواصلة مبنطقتَي ركن الدين‪ ،‬واملهاجرين‬ ‫حي أصبح فيه رضيح ابن عريب وجهة للبسطاء‪،‬‬ ‫الدمشقيتني‪ّ ،‬‬ ‫أكرث من غريهم‪ ،‬فال بد للبسطاء من أن ينشدّوا إىل غرابة‬ ‫املكان وسحره‪ ،‬بعد رحلة مقتضبة يف السوق املزدحمة‪،‬‬ ‫أو بعد منجاة الله طوي ًال يف منازلهم‪ ،‬يأتون جس ًام وروحا‪ً،‬‬ ‫والجسم والروح‪ ،‬كام يقول ابن عريب‪« :‬ما يف الكون غريهام‪/‬‬ ‫نت»‪ .‬ويف هذه القصيدة النونية‬ ‫إال الخيال الذي يأتيك بالف ِ‬ ‫يساوي ابن عريب بني أهليَ الشام واليمن‪ ،‬بعد تأكيده ّأن َمن‬ ‫فطن»‪ ،‬يقول‬ ‫يدري ِ‬ ‫بالح َكم التي قالها‪ ،‬هو «ذو ُل ٍّب وذو ِ‬ ‫يف غري كناية عن ذلك الفاطن املتفكر يف املعاين الصوفية‬ ‫ُ‬ ‫املحج ُة‪ ،‬ال أكني‪،‬‬ ‫وسالكها‪ /‬من يعرفون ِمنَ‬ ‫الكونية‪« :‬هو ّ‬ ‫الشام وال َي َم ِن»‪.‬‬ ‫اهْ لِ‬ ‫ِ‬ ‫كالم كثري‪ ،‬وشع ٌر أصبح اليوم مطروقا‪ً،‬‬ ‫دمشق التي قيل فيها ٌ‬ ‫ح َّد استسهاله أو اإلشاحة بالوجه عنه‪ ،‬تحتاج إىل وقت‬ ‫طويل من إعادة النظر يف معناها الحا ّيل اليومي والواقعي‪،‬‬ ‫فكام يحفظ األطفال بيت الشاعر املرصي أحمد شوقي‬ ‫«سالم من صبا بردى ُّ‬ ‫ودمع ال‬ ‫(‪:)1932 1868-‬‬ ‫ٌ‬ ‫أرق‪ٌ /‬‬ ‫ُ‬ ‫دمشقُ‬ ‫»‪ ،‬ففي القصيدة ذاتها التي تتوارى أبياتها‬ ‫كفكف يا‬ ‫ُي‬ ‫غصة وحرقة‪« :‬ويب ِم اّم َرمت ِْك به‬ ‫األلسنة‪،‬‬ ‫خلف‬ ‫األخرى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الليايل‪ِ /‬جر ٌ‬ ‫القلب عُ مقُ »؛ ومن يذكر بردى يف‬ ‫احات لها يف‬ ‫ِ‬ ‫أوج انشداده إىل طريق متع ّرج‪ ،‬ال بد سيتحسرّ عىل مجراه‬ ‫الشحيح اليوم‪ ،‬مجرى يكاد يخجل من نفسه‪ ،‬كلام نظر أحد‬ ‫إليه‪ ،‬يتابع شوقي يف هذه القصيدة التحسرّ عىل دمشق‬ ‫الحزينة‪ ،‬يف زمن الشاعر‪ ،‬قائ ًال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وح ْرقُ‬ ‫«وقيل معا ُمل‬ ‫التاريخ ُد َّك ْت‪ /‬وقيل أصا َبها َتل ٌف َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫عصف الحديدُ احم َّر ُأفقٌ ‪ /‬عىل َجنبا ِت ِه واس َو َّد ُأ ْفقُ »‪.‬‬ ‫إذا‬ ‫هي دمشق الشاحبة يوماً‪ ،‬والحنونة‪ -‬القاسية عىل أناسها‬ ‫امله ّمشني يوماً آخر‪ ،‬وبعيداً اّ‬ ‫عم يتداولونه عن دمشق يف‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪155‬‬


‫شعر ومدينة‬

‫يلم باملدينة يخرج تنهيدة‬ ‫الشعر‪ ،‬تظهر يف عالقة الشاعرة السورية دعد حداد (‪ 1937-‬الغوطتني هام رئتا دمشق‪ ،‬فام ّ‬ ‫‪ ،)1991‬مالصقة للواقع املايض والالحق لدمشق‪ ،‬إنها مدينة من غوطتيها وأملاً عميقاً بني األشجار هناك‪ ،‬يقول أبو شبكة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫«وما يف الغوطتني سوى زف ٍري‪َّ /‬‬ ‫وطرق»‪ ،‬وقد‬ ‫يبس‬ ‫تهمس يف الليل ملن يحب نهارها‪« :‬أنا متعبة مثلكم‪ ،‬يا‬ ‫بأن جنا َنها ٌ‬ ‫تشري القصيدة إىل فرتة االحتالل الفرنيس‪ ،‬كام يتط ّرق إىل‬ ‫أصدقاء!»‪ .‬كتبت حداد غالبية قصائدها يف غرفة صغرية‬ ‫الشقاء ذاته الشاعر السوري شفيق جربي (‪)1980 1898-‬‬ ‫مستأجرة يف شارع العابد‪ ،‬يف هذه املدينة‪ ،‬تقول يف (ديوان‬ ‫«حلم عىل جنبات الشام‬ ‫مثة ضوء‪« :)1987 /‬الليايل‪ ،‬هنا دمشق‪ /‬وأبعد‪ ،‬وليس بعد‬ ‫يف قصيدته الدالية التي مطلعها‪ٌ :‬‬ ‫االنتظار‪ /‬أجاور السكون الربي‪ /‬والقمر الشاحب‪ /‬وأنام عىل أم عيدُ »‪ ،‬والقصيدة هي فرح بجالء الفرنسيني عن سورية‬ ‫عام ‪ ،1946‬لكنّ بعض أبياتها‪ ،‬تذكر املآيس التي تع ّرضت لها‬ ‫الورق األبيض‪ /..‬ال يشء أصغر من هذا الكوكب‪ /‬أفيقوا‬ ‫ضحاياك‬ ‫الليلة حتى الثاملة»‪ .‬إذاً دمشق هنا هي نقطة ارتكاز ذات الشام خالل احتاللها‪ ،‬كالبيت الذي يقول‪« :‬هذي‬ ‫ِ‬ ‫األيام تأبيدُ »‪ ،‬إنه يشري إىل‬ ‫الشاعرة‪ ،‬ومض ّيها إىل العامل الواسع‪ ،‬من مكان ض ّيق وهزيل‪ ،‬يف األيام آبد ٌ‏ة ‪ /‬وللضحايا عىل ِ‬ ‫الحي وامليت‪ ،‬كام صورته الدامئة‪ُ ،‬ته ّلل له أمه‬ ‫إن دمشق محيط حداد للحركة نهاراً‪ ،‬بني الحدائق والدروب شهيد الشام ّ‬ ‫طف ًال‪ ،‬وتطرب ملوسيقا أملها السامء‪« :‬تل ُّف ُه أ ُّم ُه ما ب َ‬ ‫ني أض ُل ِعها‏‬ ‫العامتة الباردة يف األحياء القدمية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫واألدق يف شقاء دمشق‪ ،‬ما‬ ‫اب وغ ّريدُ »‪.‬‬ ‫الشاعر اللبناين إلياس أبو شبكة (‪ ،)1947 1903-‬يتحدّث عن ‪ /‬وموقدُ النار مطر ٌ‬ ‫قاله الشاعر السوري خري الدين الزركيل (‪)1976 1893-‬‬ ‫شقاء ما للمدينة‪ ،‬إذ يرى أن جنانها أضحت يابس ًة مطرقة‪:‬‬ ‫تأرج ٍح رمزيّ لشكلِ مكانيَ ْ دمشقَ األشهرين‪ ،‬نهر‬ ‫«فأزه ُرها من األرزا ِء صف ٌر‪ /‬وأنه ُرها من األهوالِ بلقُ »‪ ،‬إن‬ ‫متحدّثاً عن ُ‬

‫سعيد عقل وعاصمة الدنيا‬ ‫ـوب» ما كتبه الشاعر اللبناين سعيد عقل‬ ‫«شـا ُم‬ ‫ِ‬ ‫أهلوك إذا ْ‬ ‫هم عىل‪ُ /‬نـ َو ٍب ‪ٍ ،‬قلبي عىل ُن ِ‬ ‫(‪ ،)1912‬عن دمشق أو «الشام»‪ ،‬هو األقرب للواقع والرتاكم املكاين للمدينة‪ ،‬وطبعاً‬ ‫ما كان لهذا الشعر أن يتجه إىل العامة‪ ،‬لوال صوت فريوز‪ ،‬وألحان الرحابنة وتعاونهم‬ ‫مع موسيقيني آخرين‪ ،‬ومنهم محمد عبد الوهاب‪ ،‬إذ غنت فريوز َّ‬ ‫جل قصائد عقل عن‬ ‫دمشق؛ لقد أصبحت املدينة مجد الرشق‪ ،‬مع توايل الوصف لتفاصيلها الفاتنة‪ ،‬كأنها‬ ‫األنج َـم يف ُل َعبي»‪ ،‬إنه‬ ‫مست الشاعر وأغوته‪ ،‬يقول‪»:‬أنا يف ِظـ ِّل َك يا هُ د َب‬ ‫ـها‪/‬أحس ُ‬ ‫ـب ُ‬ ‫ُ‬ ‫الس ُ‬ ‫ـيف مل ِيغب» منطلقاً من تدفق نهر‬ ‫يجد صوته‪ ،‬يف قصيدة مطلعها «شا ُم يا ذا َّ‬ ‫بردى‪ ،‬لقد أعطى عقل للمدينة صفاتها املثالية‪ ،‬وأوصل قممها ناحية الغيم ‪َ »:‬و َّحـ َد‬ ‫ـب»‪.‬‬ ‫الدُ نيا َغـداً َج َب ٌـل‪/‬ال ِع ٌ‬ ‫يـح ِ‬ ‫والح َق ِ‬ ‫ـب بال ّر ِ‬ ‫ً‬ ‫هو املجد ما أرد عقل أن يخلده شعريا‪ ،‬ومرة تلو أخرى‪ ،‬يظهر تحيزه لهذه املدينة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أنت املجدُ مل‬ ‫يقول‪»:‬قرأت مجد َِك‪ ‬يف قلبي‬ ‫كمركز‪،‬‬ ‫ُـب‪َ /‬شـآ ُم ‪ ،‬ما املجدُ ؟ ِ‬ ‫و‪ ‬يف‪ ‬الكت ِ‬ ‫َي ِغ ِب»‪ ،‬وما يضيف إىل كلامت قيمتها وانزياحاتها‪ ،‬يف هذه القصيدة أيضاً‪ ،‬صوت فريوز‬ ‫الشجي والرزين يف آن معاً‪ ،‬ويحرض مرة أخرى «بردى»‪ ،‬سحرياً وأسطورياً‪ ،‬وحوله‬ ‫حو ٌر يتأهل بالشاعر‪ ،‬ويتابع عقل كلامته مشرياً إىل عاصمة الدنيا‪ ،‬عاصمة األمويني‬

‫‪156‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫«‬ ‫«‬

‫ظميء الشرق‬ ‫فيا شام اسكبي‬


‫دمشق في قصائد الشعراء‬

‫بردى وجبل قاسيون‪:‬‬ ‫«الل ُه للحدثانِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كيف تكيدُ ‪ /‬بردى يغيض وقاسيون مييدُ‏‬ ‫بلدٌ تب ّوأ ُه الشقا ُء فكلام‏ ‪َ /‬قدُ َم استقا َم ل ُه ب ِه تجديدُ‏»‪.‬‬ ‫ويبقى من الشعر عن دمشق ما هو معروف ومتداول‪ ،‬كام‬ ‫هي عالقة الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري (‪1899-‬‬ ‫‪ )1997‬باملدينة‪ ،‬يف قصيدته املعروفة‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫قصدك ال ِخ ّباً وال‬ ‫«شممت ُتر َب ِك ال ُزلفى وال َم َلقا‪ /‬وسرِ ْ ُت‬ ‫ِ‬ ‫مذقا»‪.‬‬ ‫َّإن دمشق يف الشعر‪ُ ،‬م ِح َّبة للجميع ومتسامحة معهم‪ ،‬كام‬ ‫ُي ِكنّ لها الجميع إخالصاً ملا فيها من البهجة والحياة والحرقة‪،‬‬ ‫ويف هذا العشق املتواتر منذ أوائل الشعراء‪ ،‬نذكر بيتَي‬ ‫الشاعر السوري نزار قباين (‪ ،)1998 – 1923‬يف قصيدته عن‬ ‫دمشق بلدة األنهار السبعة‪ ،‬وقميص زهر الخوخ‪:‬‬ ‫بأرض ّ‬ ‫بالعشق‬ ‫الش ِام قد نزلوا‪ /‬قتي ُل ُكم ْمل َيز َْل‬ ‫« ُقل ل ّلذينَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مقتوال‬

‫أوجعت‬ ‫بحس ِن ِك‬ ‫ِ‬ ‫يا شا ُم‪ ،‬يا شا َم َة الدُّ نيا‪ ،‬و َور َد َتها‪ /‬يا َمنْ ُ‬ ‫األزاميال»‪.‬‬ ‫اوح بني وعيهم والوعيهم‪،‬‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫الدمشقيني‬ ‫حال‬ ‫دمشق‪،‬‬ ‫ويف‬ ‫ٌ‬ ‫ملا ورثوه عن هذه املدينة من زخم إنساين حضاري بعيد‬ ‫االرتداد يف الزمن البرشي العام‪ ،‬إنهم الشوق لكل األرض‪،‬‬ ‫يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش (‪:)2008 –1941‬‬ ‫دمشقي بأندلس»‪.‬‬ ‫باسمك إذ أخ ُلو إىل َن َفيس‪ /‬كام مي ُّر‬ ‫«أم ُّر‬ ‫ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫أخرياً‪ ،‬يف قصيدة قد تكون مل ُتكتَب بعد‪ ،‬دمشق هي‬ ‫الدمشقي النرض مع تعبه وه ّمه‪ ،‬أو العابر الواقف بال كثري‬ ‫ّ‬ ‫النبي يحيى يف الجامع األمويّ ‪،‬‬ ‫من املاديات أمام رضيح ّ‬ ‫يدعو الله يف شأن خاص‪ ،‬يضع كل ما ميلك يف ك ّوة الت ّربعات‪،‬‬ ‫دون أن يعرف إىل أين أو إىل من سيذهب ماله الشحيح؟‬ ‫إنه أسري الخري باملعنى الطوباوي لذلك‪ ،‬فدمشق تغوي‬ ‫الجميع باملحبة والسالم‪ ،‬ويف كل شارع قصيدة‪ ،‬أو إنسان‬ ‫هو القصيدة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َّ‪ ‬إىل‪ ‬هنـ ٍد و‬ ‫(ظمئ الرشق فيا ياشام اسكبي)‪ ،‬ويستذكر الوزن‪ ،‬أندلسيات لحنية مع ما غنته فريوز‪ ،‬كام يف‬ ‫البيت‪»:‬نادت‪َ ‬فهَـب ِ‬ ‫ـب»‪ .‬يبدو عقل يف شعره عن دمشق مأخوذاً ومث ًال من املكان‪ ،‬غائباً عن وعييه‪ »:‬شآ ُم‪ ...‬لفظُ‬ ‫أنـد ُل ٍ‬ ‫ـس‪َ /‬كغوط ٍة ِمن َشبا ا ُملـ َّرانِ وال ُق ُض ِ‬ ‫الشـآم‪ ‬اهتَـز َ‬ ‫َّ‪ ‬يف‪ ‬خ َلدي»‪ .‬وهو يطلب الود الدائم منها‪ ،‬كأنها الحبيبة املستحيلة‪ ،‬يقول يف قصيدة أخرى عن الشآم‪ »:‬وأنا لو ُر ْح ُت‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫أسترَ ْيض الشذا‪ /‬النثـنى لبنان ِعطـرا يا شـآ ْم»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫كأن دمشق جرح قديم‪ ،‬وعقل وحده من أحسه‪ ،‬يطرب من اآله التي ترتكها املدينة‪ ،‬يف قصيدة ثالثة مطلعها ‪ »:‬طالَ ْت َن َوىً َو‬ ‫َبكىَ ِمن َشـ ْو ِق ِه ال َو َت ُر»‪ ،‬وغنتها فريوز أيضاً‪ ،‬يجدد عقل عهده مع بردى‪ ،‬كأنه يخىش أن يشوب هذه العالقة العشقية‪ ،‬أي أمر‬ ‫الخـريف بىك»‪ .‬إن ذنباً ذاتياً يحوم يف كل أبيات الشاعر عن دمشق‪ ،‬وكأنه يراضيها دامئاً‪ ،‬أو يسمو بها يك‬ ‫يوم يف‬ ‫ِ‬ ‫يعكرها‪»:‬عَهدٌ كآخ ِر ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ميل قلبها‪ ،‬ومن القصيدة السابقة ذاتها البيت التايل‪»:‬هنا الترّ ُ‬ ‫الح َج ُر؟»‪.‬‬ ‫شام ُيط َر ُب َ‬ ‫َابات ِمن ِط ٍ‬ ‫يب و ِمن ط َر ٍب‪َ /‬وأينَ يف غ ِري ٍ‬ ‫العودة إىل دمشق‪ ،‬عودة دامئة عند عقل‪ ،‬وفريوز ال تربح تعود معه‪ ،‬وقد يخال للمرء أن الصوت هو من حرك الشاعر‪ ،‬ليقع يف فتنة‬ ‫الص ُ‬ ‫ياح»‪ .‬هل ميكن‬ ‫إليك بيِ ‪ :‬أق ِل ْع‪َ ،‬و َنا َد ْتني ال ّر ُ‬ ‫املكان‪ ،‬يقول يف قصيدة رابعة‪»:‬يا َشـا ُم عَا َد ّ‬ ‫الحن ُني ِ‬ ‫الجن َُاح‪َ /‬صـ َر َخ َ‬ ‫ـيف م ّت ِئ َداً َوعَا َد بيِ َ َ‬ ‫أن تكون فريوز هي رس استمرار ذاك الزخم يف الهيام اللفظي عن مكان‪ ،‬مدينة واحدة؟ كم تشبه رقة فريوز يف الشطرين التاليني من‬ ‫القصيدة‪ ،‬رقة دمشق يف مساء صيفي‪ ،‬حني تعطي املارين نسامت باردة عطوفة‪»:‬‬ ‫رح ال َه َوى‪ ،‬وَهُ ن َ‬ ‫َاك يف َو َطني جراح‬ ‫فأنا هُ نَا ُج ُ‬ ‫شـقُ‬ ‫الص َب ُاح»‪.‬‬ ‫نك ين َه ِم ُر ّ‬ ‫وعليك عَي ِني يا ِد َم ‪ ،‬ف ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن هذه القصيدة هي األكرث تداوالً اليوم‪ ،‬مع ما مير عىل دمشق من أمل‪ ،‬وهناك قصيدة خامسة لعقل عن دمشق مطلعها‪ »:‬مر‬ ‫يب يا واعداً وعداً مثلام النسمة من بردى»‪ ،‬وأيضاً غنتها فريوز‪ ،‬عدا عن ذكر دمشق يف قصائد عقل األخرى‪ ،‬التي تشري إىل سورية‬ ‫مبفردها‪ ،‬أو لبنان‪ ،‬أو سوى ذلك‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪157‬‬


‫أخبار البيت‬

‫‪ 10‬شعراء يستذكرون زايد‬ ‫في بيت الشعر بأبوظبي‬ ‫حرص بيت الشعر في أبوظبي على التفاعل مع مناسبات الدولة كافة‪ ،‬حيث احتفى عبر قراءات شعرية بذكرى‬

‫رحيل القائد الرمز المغفور له بإذن هللا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه هللا‬

‫أبوظبي ‪ -‬بيت الشعر‬

‫استذكر بيت الشعر يف أبوظبي التابع لنادي تراث اإلمارات‬ ‫مساء أمس األول املغفور له الشيخ زايد رحمه الله يف الذكرى‬ ‫الثامنة لرحيله‪ ،‬وذلك يف مقر مركز سلطان بن زايد للثقافة‬ ‫واإلعالم مبشاركة عرشة شعراء إماراتيني هم‪ :‬حبيب الصايغ‪،‬‬ ‫رئيس الهيئة اإلدارية لبيت الشعر يف أبوظبي‪ ،‬وراشد رشار‪،‬‬ ‫مدير مركز الشارقة للشعر الشعبي‪ ،‬ومحمد نور الدين‪،‬‬ ‫وطالل سامل‪ ،‬وعبدالله الهدية‪ ،‬وسعيد القبييس‪ ،‬وحسن‬ ‫النجار‪ ،‬وحمدان الدرعي‪ ،‬وراشد املنصوري‪ ،‬وسعيد الراشدي‪،‬‬ ‫يف أمسية شعرية حرضها حشد من الشعراء واملثقفني‬ ‫اإلماراتيني والعرب‪.‬‬ ‫قال الصايغ يف مستهل األمسية‪« :‬إننا ال نكتب قصائد رثاء يف‬ ‫قائدنا ومؤسس دولتنا املغفور له الشيخ زايد رحمه الله‪ ،‬فهو‬ ‫الحي فينا جميعا‪ ،‬وهو الحارض يف صورة الوطن ويف قلوب‬ ‫أبنائه حكام دولة اإلمارات العربية املتحدة وقلوب جميع‬ ‫الناس يف العامل»‪ .‬مؤكدا أن بيت الشعر يف أبوظبي يعترب أن‬ ‫«هذه هي املناسبة األسمى التي يحييها البيت يف كل عام‬ ‫مبشاركة أبناء زايد»‪ .‬وبتوجيهات كرمية من قبل سمو الشيخ‬ ‫سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس نادي‬ ‫تراث اإلمارات‪.‬‬ ‫‪158‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫تنوعت القراءات الشعرية بني الفصيح والنبطي‪ ،‬وقرأ أوال‬ ‫الشاعر سعيد الراشدي قصيدة بعنوان «فقيد األمة» تحدث‬ ‫فيها عن مآثر ومكارم الشيخ زايد رحمه الله‪ ،‬ليصف بعد‬ ‫ذلك يوم رحيله بتعابري شعرية مؤثرة‪ .‬ثم تاله الشاعر طالل‬ ‫سامل ليقرأ قصيدة اتسمت بلغة صادقة وصور شعرية تصف‬ ‫سرية املغفور له الشيخ زايد الخرية واملعطاءة‪.‬‬ ‫وقرأ الشاعران راشد املنصوري وسعيد عتيق القبييس‪ ،‬وقدم‬ ‫املنصوري قصيدة بعنوان «عساه بجنة الفردوس» جاءت يف‬ ‫وصف الفقد‪ ،‬والغياب الذي آمل جميع اإلماراتيني يف رحيل‬ ‫قائدهم ووالدهم‪ .‬وقرأ القبييس قصيدة بعنوان «السرية‬ ‫واملسرية» عددت إنجازات الراحل وموقعه اإلنساين ومواقفه‬ ‫الوطنية والعربية اتجاه القضايا الكربى‪ .‬يقول يف القصيدة‪:‬‬

‫موحد الصف أرىس حكم دولتنا‬ ‫ّ‬ ‫حتى غدت من شموخ ما له سقفُ‬ ‫إىل قوله يف نهاية القصيدة‪:‬‬ ‫كل الحروف عظيامت بعزتها‬ ‫لك الخلود مديدا أيها ُ‬ ‫األلف‬

‫كام قرأ الشاعر راشد رشار قصيدة نبطية بعنوان «يازايد‬ ‫الحب» اتسمت بدالالتها وثراء تعابريها يف بناء إيقاعي‬


‫‪ 10‬شعراء يستذكرون زايد‬

‫حبيب الصايغ‪:‬‬

‫سبب‬ ‫فلو يعيد عزيزا راحال‬ ‫ٌ‬ ‫كنا مألنا فضاء اهلل أسبابا‬ ‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪159‬‬


‫أخبار البيت‬

‫حبيب الصايغ‬

‫راشد رشار‬

‫طالل سامل‬

‫راشد املنصوري‬

‫سعيد القبييس‬

‫حمدان الدرعي‬

‫عذب‪ ،‬واستذكرت القصيدة الشيخ زايد ومكانته يف قلوب‬ ‫أبناء وطنه بكل أطيافهم‪ ،‬قال رشار‪:‬‬

‫استذكرك يا زعيم الدار وين انته‬ ‫عساك بجنة الفردوس يا زايد‬

‫ليقرأ بعد ذلك الشاعر حبيب الصايغ شعرا صافيا تتالحم‬ ‫فيه الصورة الشعرية مع اللغة وصدق العاطفة التي بدت‬ ‫واضحة يف معظم أبيات القصائد التي قرأها الصايغ‪ ،‬كام‬ ‫متيزت بنفس شعري خاص منح العبارة الشعرية بعدا دالليا‬ ‫عميقا‪ ،‬وجدد الشاعر من خاللها الوالء لقيادة اإلمارات ممثلة‬ ‫بصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة‬ ‫حفظه الله وأخوانه حكام دولة اإلمارات‪ .‬مؤكدا أن زايد لن‬ ‫يرحل يوما ولن يخرج من قلب الذاكرة ‪ .‬يقول الصايغ يف‬ ‫قصيدته «ماغاب زايد» ‪:‬‬

‫ما غاب زايد ال والله ما غابا‬

‫‪160‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫لكنام عمرنا يف عمره ذابا‬ ‫ما اختاره ربه إال ليجمعه‬ ‫مع القريبني تقديرا وإعجابا‬

‫إىل قوله يف ختام القصيدة التي اعتمد فيها الشاعر عىل‬ ‫املفارقة واإلدهاش يف قفلة القصيدة‪:‬‬

‫سبب‬ ‫فلو يعيد عزيزا راحال ٌ‬ ‫كنا مألنا فضاء الله أسبابا‬

‫كام قرأ الصايغ قصيدة أخرى بعنوان «والء ضمري كاإلمارات‬ ‫ساطع» القت تفاعال الفتا من الحضور‪ ،‬قال فيها ‪:‬‬

‫لهم أمسهم واإلعتداد ويومهم‬ ‫لهم غدهم والشيخ زايد ُ‬ ‫ماثل‬ ‫لهم نهج وثاب الزمان خليفة‬ ‫ُ‬ ‫هواطل‬ ‫فيا أرض جودي واهطيل يا‬

‫بعد ذلك قرا الشاعر حمدان الدرعي قصيدة وصفت حب‬


‫‪ 10‬شعراء يستذكرون زايد‬

‫هذه هي المناسبة‬ ‫األسمى التي يحييها‬

‫حسن النجار‬

‫البيت في كل عام‬

‫محمد نور الدين‬

‫بتوجيهات كريمة‬ ‫من قبل سمو الشيخ‬ ‫سلطان بن زايد‬

‫عبد الله الهدية‬

‫الوطن وقائده بصور شعرية جاملية عذبة‪ ،‬متيز الشاعر‬ ‫بإلقائها الذي بدا متوحدا بالفكرة واملعنى‪ .‬وتاله الشاعر‬ ‫حسن النجار بقصيدة «ألطفالنا نروي قصة زايد» وهي‬ ‫قصيدة اعتمد فيها الشاعر عىل لغة شعرية شفافة وتعابري‬ ‫مبارشة مفعمة بالصدق‪ .‬يقول فيها‪:‬‬

‫هذي ابتسامته كانت تشع لنا‬ ‫النغم‬ ‫متدنا أمال يف أعذب ِ‬ ‫ويف ابتسامته يحيى لنا وطنٌ‬ ‫الهمم‬ ‫من الرضا‪ ،‬وبها زادٌ من‬ ‫ِ‬

‫النهاية كانت مع الشاعرين محمد نور الدين وعبدالله‬ ‫الهدية‪ ،‬حيث قرأ نور الدين قصيدته «النفس املطمئنة» التي‬ ‫استذكرت الراحل الشيخ زايد رحمه الله بعد مثانية أعوام عىل‬ ‫رحيله‪ ،‬لتؤكد أن زايد ما زال حارضا يف كل يوم وساعة‪ ،‬فقد‬ ‫أعطى الخري ومنح الجميع حبا غري منقطع‪ .‬واختتم الهدية‬ ‫األمسية بحب اإلمارات والوطن والقيادة ‪:‬‬

‫سعيد الراشدي‬

‫نحب اإلمارات برا ويم‬ ‫ونفدي سامها بروح ودم‬

‫إىل قوله ‪:‬‬

‫نحب اإلمارات عني العرب‬ ‫وقلب الشعوب وعشق األمم‬

‫ليقرأ بعدها قصيدة نبطية اتسمت بإيقاع جاميل الفت‬ ‫وجمل شعرية متتالية حملت يف ثناياها دقة يف الوصف‬ ‫وصورا عكست مقدرة الشاعر عىل الكتابة بتمكن ومعرفة ‪.‬‬ ‫يشار إىل أن بيت الشعر يف أبوظبي حرص عىل التفاعل مع‬ ‫كل مناسبات الدولة‪ ،‬حيث يحتفي بها عرب قراءات شعرية‬ ‫ألصوات إماراتية لها حضورها يف املشهد‪ .‬ويأيت نشاطه يف‬ ‫هذا اإلطار كجزء من النشاط العام لنادي تراث اإلمارات‬ ‫الذي يواكب جميع مناسبات اإلمارات ويسهم فيها بفاعلية‬ ‫وحضور كبريين‬

‫‪issue (4)- September - 2012‬‬

‫‪161‬‬


‫أجنحة‬

‫‪....................................................................................................................‬‬ ‫أجنحة وأسوار‬ ‫وأسوار‬

‫طريق السالالت‬ ‫حبيب الصايغ‬

‫ال تتوزع السالالت عىل أربعة أطراف األرض اعتباطاً‪ .‬هي تقسيمة الشعوب واألجناس البرشية‬ ‫واألمم تتحول إىل تقاسيم منحوتة يف هاجس املعرفة‪ ،‬وتتناولها التنبؤات فتذهب بها قريباً وبعيداً‪.‬‬ ‫تتناولها األرحام وتتناوب عليها‪ .‬تدرك أمنياتها حيناً وتضيعها يف معظم األحيان‪ ،‬غري أنها تذهب إىل‬ ‫أقىص الرحيل‪ ،‬وتبذل يف سبيل وصولها املستعيص أبداً دم القلب والروح‪ ،‬ثم تذهب وتذهب وال‬ ‫ترتاجع أو تعود‪ ،‬وإمنا تتفنن يف ابتكار املالبسات والدموع والحيل‪ ،‬وتستعد‪ ،‬حتى لو مل تشأ‪ ،‬لكل‬ ‫خطوة مقبلة‪ ،‬بإقامة حفلة صاخبة بني املجرات‪ .‬تذهب إىل مصائرها وحتوفها كل يوم‪ ،‬ثم تذهب‪،‬‬ ‫مجدداً‪ ،‬إىل أحالمها ومصادفاتها‪ ،‬والطريق أمامها طويل‪ .‬ليل يتواىل‪ ،‬ونهار يغيب وراء الشمس‬ ‫قلي ًال اللتقاط األنفاس ورسعان ما يعود‪.‬‬ ‫الليل والنهار يتبادالن أنخاب الخيبة‪ ،‬ويذهبان‪ .‬يتبادالن كروت الزيارة‪ ،‬وكروت اإلعاشة‪ ،‬والكتب القدمية‬ ‫منزوعة األغلفة‪ ،‬وال يعودان عن قلقهام حتى يف أيام العطل واألعياد‪ .‬تراهام متحفزين أبداً يف أيام الحروب‬ ‫ويف غري أيام الحروب‪ ،‬ويبديان خصوصاً يف آخر الخريف ما يبديان‪ ،‬ويبدآن‪ ،‬ويرحالن سرياً عىل األقدام إىل‬ ‫محطات قطار منسية لسبب بسيط هو أنها مل تنشأ بعد‪.‬‬ ‫ففي أية محطة قطار التقيتكم‪ ،‬ويف أية محطة أودعكم؟ أين نتسامر عىل املاء‪ ،‬وأين نتذكر‪ ،‬وأين ننىس؟‬ ‫وإىل متى ندخل يف الرتابة؟‪ . .‬هل نتشبث مببتدأ القول أم بخربه‪ ،‬أو نتامهى مع كائنات مل تكن أبداً وال‬ ‫تكون؟‬ ‫ال أسئلة تليق مبجدك أيها اإلنسان بعد اآلن‪ ،‬ولك أن تستدرج األفكار كام تستدرج الحجل إىل شباكك‪ ،‬وان‬ ‫قيل ان هذه أو تلك فكرة شاردة‪ .‬فاستجمع كل قواك واركض وراءها‪ .‬اذهب بعيداً وال تعد من دونها‪.‬‬ ‫‪ . .‬وليس رشطاً أن يحدث فصل‪ ،‬حتى عىل املستوى النحوي‪ ،‬بني صيغة املفرد وصيغة الجمع‪ ،‬بل صيغة‬ ‫منتهى الجموع‪.‬‬ ‫‪ . .‬صعداً نحو قرى الصندل واملشموم هاكم مرشطي فاستعملوه‪ .‬استعملوا أوجهكم‪ .‬عودوا إليها‪ .‬انتشلوها‪.‬‬ ‫حطب الذرات ما أدركه الحطاب‪ .‬مل يجمعه من بني الركام‪.‬‬ ‫فاسكنوا أوجهكم ولتحفروها حفرة شاهقة نحو ذرى الوقت الحرام‬

‫‪162‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )4‬ايلول‪/‬سبتمبر ‪2012/‬‬

‫‪.‬‬


‫ حسن موىس‬:‫حروفية‬ 163

issue (4)- September - 2012


‫من أعامل الفنان اإلمارايت عبد القادر الريس‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.