الفنان عديل رزق الله
بيت الشعر
العدد ( )5تشرين األول/أكتوبر2012/
«بيت الشعر» تحلق عاليا ها هو العدد الخامس من مجلة «بيت الشعر» التي تصدر عن بيت الشعر يف ابوظبي -نادي تراث اإلمارات .ومن دون ادعاء او شعور بالغرور الكاذب نستطيع القول ان هذه املجلة بدأت تحلق عاليا واننا كسبنا الرهان الذي وضعناه نصب اعيننا ونحن نعد الصدار هذه املطبوعة العربية املتخصصة بالشعر وجاملياته وهوامشه .لقد احتلت «بيت الشعر» برسعة قياسية مكانها بني الدوريات املرموقة عىل صعيد العامل العريب ،وصارت منترشة يف اكرث من عرشة بلدان عربية واجنبية، وبات لها جمهورها الذي ينتظرها يف نهاية كل شهر .وعلينا ان نعرتف ان هذه االنطالقة الرسيعة ما كان لها ان تتحقق خالل أقل من نصف سنة لوال الدعم الذي وفره لها سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، ونحن اذ نقدر حرصه الكبري عىل صدور هذه املجلة عىل نحو راق يف املضمون والشكل ،فإننا نثمن عاليا جو الحرية الذي توفره ارض االمارات العربية املتحدة للثقافة واالبداع.فال ابداع بال حرية ،وال ثقافة من دون رؤية حضارية انسانية شاملة. أردنا العدد الخامس متخصصا يف الشعرية العراقية التي تعترب مبثابة العمود الفقري للشعرية العربية منذ القدم .ونحن اذ نعود اىل العراق ارض الشعر األوىل فليس من باب الوقوف عىل االطالل او اجراء جردة زمنية تاريخية ،وامنا لتلمس الشعر فينا ،طاملا ظلت القصيدة أبا عن جد مقياس حرارة روحنا اإلنسانية ومستودع حكمتنا وسجل تاريخنا. نقف يف هذا العدد عند الريادة العراقية بني زمنني .من السياب ونازك املالئكة وعبد الوهاب البيايت ،مرورا برسكون بولص وفاضل العزاوي وحسب الشيخ جعفر حتى يومنا ،ونستعيد طرح األسئلة القدمية الجديدة حول مشارف القصيدة العربية ومآالتها يف زمن تراجعت فيه شعبية الشعر يف الفضاء العام ،وصارت القصيدة مقصية شيئا فشيئا اىل الهامش .إال ان من عالمات قوة الروح العربية ان شعرنا العريب ما يزال بخري ،ومل يقدم استقالته إىل التاريخ او يتجمد ويتوقف عن التطور وطرح االسئلة وارتياد آفاق جديدة .ونذهب اىل العراق يك نفحص نبض الشعر والشعرية بعد أن نعى الكثريون الشعر واعتربوا انه توقف عند مرحلة معينة ،وان القصيدة الراهنة تدور يف حلقة مفرغة تعيش عىل إرث االجداد واآلباء وغري قادرة عىل صياغة برنامجها الجاميل الخاص. قد تشيخ االفكار واالشياء ولكن القصيدة تظل امتالء الشعراء بطفولة الدهشة، وبالقدرة عىل اعادة الظواهر العابرة اىل ينبوع السؤال ،ليك تكون لنا بوصلة واحدة، بوصلة لتوازن الروح واألحوال .وحني نقول ان الشعر العريب ال يراوح يف املكان بل يواكب زمانه بجدارة ،فإننا ننظر حولنا إىل الشعر يف العامل ،وهنا ال يخامرنا شك يف ان النتاج الشعري العريب خالل نصف قرن مىض يقف يف مكان مرموق ،عىل صعيد النوع والكم ،واكرث من ذلك ليس هناك من هو منشغل اكرث من العرب بحال الشعر
تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي نادي تراث اإلمارات
رئيس التحرير
حبيب الصايغ مدير التحرير بشير البكر سكرتري التحرير عبد اهلل أبو بكر التحرير
جهاد هديب رنا زيد
املدير الفني فواز ناظم االخراج والتنفيذ ناصر بخيت
املراسلون
بيروت -فيديل سبيتي الرباط -حكيم عنكر باريس -محمد المزديوي القاهرة -حمزة قناوي روما -حذام الودغيري صنعاء -أحمد السالمي
الهيئة االستشارية
علي جعفر العالق عارف الخاجة نوري الجراح سالم أبوجمهور حسن نجمي علي الشعالي
املحرر issue (5)- October - 2012
3
نجاة مكي بين اللون والكلمة
80 18 25نصوص :محمد بنيس ،عمر شبانة ،آدم فتحي ،حسب الشيخ جعفر ،خزعل ظبية خميس ..صوت العزلة والهدأة
املاجدي ،هاشم شفيق ،دنيا ميخائيل ،رنا جعفر ياسني ،مؤيد الراوي ،باسم املرعبي صالح حسن السيالوي ،عيل محمود خضري ،نضال برقان ،أمينة ذيبان
49 51ملف ..الشعرية العراقية بين زمنين رأي الناقد ..قراءة يف نصوص العدد الرابع
شعرية الريادة ،القصيدة بني منفيني ،القصيدة والحرب ،الشعراء الجدد ،الشعراءوالفنون ،الشعراء واملؤسسات
80 85نظري ًا ..صبحي حديدي 86حوار ..محمد إبراهيم أبو سنّة 91حائط أبيض ..نوري الجراح
www.poetryhouse-ad.ae
نجاة ّ مكي في باريس
130 أحمد راشد ثاني
صبي تحت الضوء
املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة 4
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الغالف:
الفنان العراقي ضياء العزاوي -لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان
عناوين املجلة االدارة والتحرير: االمارات العربية املتحدة-ابوظبي هاتف+97124916333 : امييلbashir@cmc.ae :
أبوظبي لإلعالم-توزيع الرقم املجاين 8002220 : لالتصال من الخارج +97124145000 فاكس +971 24145050 :
distribution@admedia.ae مسؤول التوزيع :زياد النجار
حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة
المحتويات
96
102
92 96عارف الخاجة ..واقعية سحرية ّ يترجل 102أدونيس حين 106سركون بولص في سان فرانسيسكو 111مختارات ..قصائد ثيسار باييخو 122في الشعر ..نونو جوديتس ،يوسف عبد العزيز ،عبد الله أبو بكر 130أحمد راشد ثاني :صبي تحت الضوء 134رأي الشاعر ..القصيدة والربيع العريب درويش وبركات ..الفلسطيني والكردي ..منفى يف اللغة
سعر النسخة اإلمارات العربية املتحدة 10 :دراهم -اململكة العربية السعودية 10 رياالت -الكويت دينار واحد -سلطنة عامن 800بيسة -قطر 10رياالت مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -مرص 5جنيهات -السودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية -سورية 100لرية -اململكة األردنية الهاشمية ديناران -العراق 2500دينار -فلسطني ديناران - اململكة املغربية 20دره ًام -الجامهريية الليبية 4دنانري -الجمهورية التونسية ديناران -بريطانيا 3جنيهات -سويرسا 7فرنكات -دول االتحاد األورويب 4يورو -الواليات املتحدة األمريكية وكندا 5دوالرات. االشتراكات لألفراد داخل دولة اإلمارات 100 :درهم /لألفراد من خارج الدولة150 : دره ًام -للمؤسسات داخل الدولة 150 :دره ًام /للمؤسسات خارج الدولة
106
148
137 143تحقيق :املرأة الشاعرة يف األردن 147حاشية ..حسن نجمي 148حجازي ..قراءة فلكية 152قصيد األسالف :ابن عريب 156تجارب ..فروغ ف ّرخ زاد 160مركز سلطان بن زايد ..الحنني محركاً لإلبداع 161أخبار البيت ..كاظم جهاد يف أبوظبي فن الشعر وبعض حواش إضافية
86
محمد ابراهيم أبو سنة
القصيدة حاولت التمهيد للثورة
200درهم. issue (5)- October - 2012
5
ُكتاب العدد
16
15
10
3
تخطيطات ُ الكتاب :نارص بخيت
20
17
25
8
.1سامح كعوش
• شاعر وناقد من فلسطني ،يقيم يف االمارات. أصدر ست مجموعات شعرية من بينها «صباحات النسكافيه» 2012عن دار الغاوون ،وله يف النقد عدة كتب منها «سرية غيم يهذي/ قراءة يف التجربة الشعرية لحبيب الصايغ».
.2فخري صالح
• ناقد وكاتب من األردن .يعمل يف الصحافة الثقافية املحلية والعربية .كام صدر له أكرث من سبعة عرش كتابا يف النقد تراوحت بني التأليف والرتجمة.
.3مرمي حيدري
• شاعرة ومرتجمة بني العربية والفارسية
.4إبراهيم أحمد ملحم
• ناقد وأكادميي ،صدر له العديد من الكتب النقدية من بينها :بطولة الشاعر العريب القديم: العاذلة إطاراً ،وجامليات األنا يف الخطاب الشعري.
.5مهند صالحات
• قاص ومخرج أفالم وثائقية ،يقيم يف ستوكهومل.
.6عبد الرحيم الخصار
• شاعر وكاتب من املغرب .صدرت له عدة
6
بيت الشعر
دواوين من بينها :أخريا وصل الشتاء، أنظر وأكتفي بالنظر ،ونريان صديقة.
.12عامر أحمد الشقريي
• شاعر ومرتجم من فلسطني ،صدر له« :أجنحة بيضاء لليأس» ويف الرتجمة «طردت اسمك من بايل»، وأساتذة اليأس -النزعة العدمية يف األدب األورويب»
.13يوسف عبد العزيز
.7وليد السويريك
.8أحمد مياين
• شاعر و مرتجم من مرص يقيم يف اسبانيا ،صدر له أربعة دواوين شعرية.
.9بريهان الرتك
• شاعرة من األردن ،متارس العمل الصحفي.
.10ياسني الزبيدي
• أستاذ جامعي من العراق يقيم يف أبوظبي .درس كواكب املجموعة الشمسية وتأثريها عىل شخصية اإلنسان.
.11خلدون عبد اللطيف
• شاعر وكاتب من األردن صدر له ديوان «بني املنزلتني»
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
• كاتب وقاص من األردن ،صدر له «القصاصون عىل سج ّيتهم».
• شاعر من فلسطني من دواوينه: حيفا تطري إىل الشقيف ،نشيد الحجر، وطن يف املخيم ،دفاتر الغيم ،وذئب األربعني.
.14جعفر العقييل
• قاص وشاعر وإعالمي من األردن. صدر له عدة كتب من بينها« :للنار طقوس وللرماد طقوس أخرى»، «ربيع يف «ضيوف ثقال الظل»، ٌ عماّ ن».
.15مازن معروف
• شاعر ومرتجم من فلسطني يقيم يف ايسلندا ،صدر له الكامريا ال تلتقط العصافري ،ومالك عىل حبل الغسيل
.16حسام الرساي
شاعر وصحايف عراقي يقيم يف بغداد، صدر له وحده الرتاب يقهقه.
.17تحسني الخطيب
• شاعر ومرتجم من فلسطني ،صدر
له يف حقل الرتجمة :الجذور الثقافية لإلسالموية األمريكية ،والعامل ال ينتهي.
.18خالد بلقاسم
ناقد من املغرب ،من بني ما صدر له يف حقل النقد :أدونيس والخطاب الصويف ،الكتابة والتصوف عند ابن عريب ،والكتابة وإعادة الكتابة يف الشعر املغريب املعارص.
.19هيا صالح
• كاتبة من األردن صدر لها عدة مؤلفات من بينها «رسد الحياة». وفي الشعر
-20محمد بنيس -21عمر شبانة -22آدم فتحي -23حسب الشيخ جعفر -24خزعل املاجدي -25هاشم شفيق -26دنيا ميخائيل -27رنا جعفر ياسني -28مؤيد الراوي -29باسم املرعبي -30صالح حسن السيالوي -31عيل محمود خضري -32نضال برقان -33أمينة ذيبان
شعر وشعراء
بدءا
إشهار غير تقليدي لبرنامج «كتّاب وأدباء» أبوظبي
تعرض الشاعر التونيس الصغري اوالد أحمد العتداء جسدي ،من ِق َبل ش ّبان .أوسعوا الرجل رضبا وشتام .هو الذي يقف اآلن عىل مشارف الستني .ضرُ ب الشاعر عىل خلفية ترصيحات كان قد انتقد خاللها املامرسات واألفكار التي تهدف إىل تحويل الدولة من مدنية إىل ثيوقراطية .يبدو أن الشهداء لن يعودوا مع فجر جديد. بابلو نريودا ،الشاعر التشييل األشهر الذي تويف يف 23سبتمرب ،1973يعود إىل الواجهة مع ذكرى رحيله الثامنة والثالثني :هل اغتاله اليأس واالحباط ،حقا ،بعد نجاح بينوشيه يف االستيالء عىل السلطة؟ أيضا َمنْ يتاح له رصد األخبار عن اإلصدارات الحديثة يف الرتجمة سيجد أن مثة حركة يف النقل إىل العربية ،لكن سمتها األساسية أنها ليست مؤسسية بل هي جهود أفراد أو مؤسسات صغرية ناشئة حديثا ،باستثناء مرشوع كلمة الذي يتبع هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة وذلك لجهة أن هناك «فعل» وفقا لخطة مدروسة. غري أن واحدا من أكرث الكتب إثارة للمخيلة هو «صاحب الخرب يف الدولة االسالمية» والذي ترد فيه إشارة تكاد تكون عابرة عن أن أبا متام (الشاعر العبايس األكرث شهرة) قد توىل هذا املنصب الحساس ( ُمخرب) يف منطقة وفرتة حساسة؛ وذلك عندما فكر الخليفة العبايس بدحر الروم وحدثت موقعة عمورية .فهل نشأ الظرف الذي أحاط باملعركة بفعل فاعل أم انها حدثت وفقا ملا تناقلته األخبار التاريخية الرسمية؟ التحرير
افتتح اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات -فرع أبوظبي ،مبقره يف املرسح الوطني، موسمه الثقايف الشهر املايض بأمسية احتفائية أُرِي َد لها أن تكون إعالناً غري تقليدي عن الربنامج الخاص بفرع أبوظبي القادم. هكذا ،أخذت األمسية شكالً متحررا ً من فكرة القاعة ،حيث الجمهور يف مواجهة املنرب .واألمسية التي ألقى فيها الشاعران حبيب الصايغ (رئيس مجلس إدارة االتحاد) ومحمد املزروعي (رئيس الهيئة اإلدارية للفرع) أقيمت يف بهو املقر، أي أنهام تحدثا للناس فيام الجميع وقوفا يحيطون باملتحدثني .هذه الفكرة غري التقليدية كان وراءها هذان الشاعران. ومن جهة أخرى فقد عرض يف البهو عمالن فنيان أحدهام ينتمي للفن الرتكيبي أنجزته خلود الجابري ومي قوطرش واآلخر ينتمي للفن املفاهيمي أنجزه املخرج السيناميئ نواف الجناحي والشاعر والتشكييل محمد املزروعي .وقد تخلل األمسية عزف منفرد عىل القيثارة قدمه العازفان :باسم يونس وسعد الحديثي ،كام جرى طرح بعض من منشورات االتحاد وبعض املؤسسات الثقافية اإلماراتية مجانا لهذه املناسبة. ما أعلنه الشاعران للجمهور أن هذا العام سيكون عام الرواية اإلماراتية بحيث تنصب مجمل الفعاليات املقبلة حولها. سوف ّ
عكاظيون جدد في الطائف
أقيمت الشهر املايض فعاليات الدورة السادسة لسوق عكاظ يف محافظة الطائف بالسعودية ،التي شارك فيها عدد من األدباء واملثقفني من داخل اململكة وخارجها .وقلد األمري خالد الفيصل الشاعرة السودانية روضة الحاج وشاح الجائزة وشهد السوق افتتاح «خيمة سوق عكاظ» التي تضمنت عرض عمل مرسحي بعنوان“ :العكاظيون الجدد” تجسد مشاهده واقع الشعر العريب الفصيح ما بني املايض والحارض ،من خالل حوار درامي يجمع شعراء سوق عكاظ قدمياً وحديثاً ،ودار جدل يف الصحافة السعودية من حول شخصية الفائزة يف هذا العام ،التي يعتربها شعراء سودانيون ال متثل اللحظة الشعرية الراهنة يف بالدهم ،ويرون انها شاعرة تعيش يف كنف املؤسسة الرسمية. األمر ال يقترص عىل الشاعرة الفائزة ،إمنا ينسحب أيضا عىل الربنامج الثقايف والئحة املدعوين العرب ،التي خلت من أسامء بارزة عىل مستوى الشعر. issue (5)- October - 2012
7
شعر وشعراء
سرد جديد يستكمل رواية سابقة
مظفر النواب ..بين الرفض والمرض
يقيض الشاعر العريب املعروف مظفر النواب (العراق) وقته، اآلن ،بني مستشفى الجامعة األمريكية يف بريوت وبيت صديقه الكاتب هاين مندس ،بعدما أعياه املرض بل األمراض التي تفتك بجسمه هو ابن الثامنني .مل يشأ هذا الشاعر املتمرد ،الذي عرف بقصائده أكرث مام ُعرف بدواوينه وكذلك بطريقته الخاصة بإلقاء شعره ،أن يلبي دعوة رئيس الحكومة العراقية نوري املاليك للعودة إىل بغداد ليتم االعتناء به رسمياً ،ويخضع للعالج عىل نفقة الدولة .آثر النواب البقاء يف عهدة أصدقائه يف بريوت عىل رغم ضيق يده ويدهم ،عىل أن مي ّد يده إىل السلطة العراقية التي اختار أساساً أن يكون بعيدا ً عنها منذ أعوام طويلة ،متنعامً بحريته يف الكتابة والعيش .ويعاين النواب اآلن مرض الباركنسون وضعفاً يف الكليتني إضافة إىل االلتهابات والتورم. ويعاين أيضاً صعوبة يف الكالم ما جعله يف حال من العزلة املرضية، ال يستقبل سوى أصدقائه املقربني الذين يتولون عالجه.
الموسوعة الشعرية ..تحديث يتيح تواصال اجتماعيا أُعلن عن املوقع االلكرتوين للموسوعة الشعرية ،التي انجزتها دار الكتب الوطنية التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ،خالل معرض أبوظبي الدويل للكتاب يف دورته الـامضية ما أتاح لقرائها ومتابعيها التفاعل معه عن طريق حساباتهم عىل موقعي التواصل االجتامعي «فيس بوك» و«تويرت». وكانت اإلصدارات يف السابق توضع عىل «يس دي» ولهذا ال ميكن التعديل عليها .لكن إطالق املوقع اإللكرتوين ،يتيح التعديل عرب التواصل مع القراء الذين ميكنهم إرسال مالحظاتهم ،كام ميكن أن تكون هناك بعض املالحظات عن قصيدة أو شاعر ،وهو ما يحفز إدارة املوقع إىل الرجوع إىل أهل االختصاص بالشعر، بهدف التأكد مام إذا كانت املعلومات التي أرسلت صحيحة ،وبالتايل يُصار إىل تعديلها. يضم املوقع مكتبة تحتوي عىل 265كتاباً متنوعاً ،قد يتناول حياة الشاعر ،أو امليزات الفنية لشعره ،وكل ما ميكن أن يعود بالفائدة عىل زوار املوسوعة. وهناك أربع خانات يف خريطة املوقع :الرتاث ،وقصيدة اليوم ،حيث من املمكن اختيار إحدى القصائد املوجودة يف املوسوعة ،وشاعر اليوم يتم فيه تسليط الضوء عىل أحد الشعراء ،ومقال الشهر ويكتبه الباحث أحمد محمد عبيد (االمارات) ويتناول فيه قضايا الشعر والشعراء. تض ّم املوسوعة كل ما كتب يف الشعر العمودي من العرص الجاهيل ،ولغاية العام .1950ويبلغ عدد الشعراء 2773شاعرا ً ،وعدد القصائد املنشورة أكرث من 140ألف قصيدة ،موزعة عىل 815120بيتاً شعرياً»
مظفر النواب 8
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
بعد صدور الجزء األول من روايته «السامء شاغرة فوق اورشليم» ( )2012عن املؤسسة العربية للدراسات والنرش (بريوت) يتبع الشاعر سليم بركات (سوريا) ،املقيم يف السويد ،روايته بجزء ثان يحمل العنوان نفسه. يقول الشاعر عن هذا الجزء بحسب ما جاء يف مقدمة الكتاب: «هذا هو الجزء الثاين واألخري ملحقاً بالرواية ،جرياً بوقائعها عىل سكة الحملة الصليبية الثالثة ،أعلنها البابا غريغوري الثامن تعبئة ،حتى سقوط عكًا يف يد الفرنجة .رسد مييض ،هنا ،بسرية العسكري توران، الذي أعد قلبه لريوي لعياله ،يف عودته إليهم ،أخبار املعارك ،فقادته األقدار اىل أرض الفرنجة يف صور، منفيّاً من خديعة تطارده بشبحها. ومن صور تبدأ رحلته الثانية غريباً بالحلم ذاته يف العودة اىل عياله لريوي أكرث ،هذه املرة ،عن عامل بتقاليد ال يعرفونها ،عاشها هو بال تصادم .رواية متشعبّة الرسد، بتفاصيل عن خطط للرغبات املؤجلة ،وخطط للثأر».
سليم بركات
أوالد أحمد
مكسيكية من الهنود عمان الحمر في ّ
ت ُعتبرَ الشّ اعرة آمرب باست ،من أهم األصوات التي تك ّرست يف حركة الشّ عر املكسييك الحديث .هذه الشّ اعرة وبحكم انتامئها إىل ثقافة قبائل املايا شاعر ًة من الهنود الحمر. تقيم الشّ اعرة باست يف مدينة (تشياباس) املكسيكية ،وتكتب قصائدها باللغة اإلسبانيّة التي تتقنها ،كام أنّها عملت عىل تعلّم لغة املايا (التسوتسيل) ،واستطاعت من خاللها االطّالع عىل تلك الساحرة ،التي املناخات الشّ عرية ّ أشاعها الشعراء الهنود الحمر. استضافها مؤخرا املركز الثقايف العريب يف عماّ ن ،حيث قرأت الشاعرة قصائدها وهي ترتدي الثّوب الفلسطيني املط ّرز ،وحني سألها الروايئ جامل ناجي مدير املركز عن السرّ الذي يكمن وراء تلك املفاجأة قالت أمام الجمهور إنّها فخورة بالشعب الفلسطيني الحضاري الذي سيح ّرر بالده ذات يوم .وقالت أيضا« :إننا نتوارى خلف الكتابة لنص ّد سطوة األمل» وقد قامت برتجمة أشعارها الكاتبة غدير أبو سنينة ،وقدّمها الشاعر وليد السويريك.
فلسطينية تفوز بجائزة «إتيل عدنان»
شاعر يتعرض للضرب والشتم في تونس! تع ّرض مؤخرا الشاعر التونيس املعروف محمد الصغري أوالد أحمد للرضب والشتم ،األمر الذي دانته وزارة الثقافة التونسية عرب بيان قالت فيه ان وزير الثقافة مهدي مربوك «بادر باالتصال باملعني باالمر لالطمئنان عليه وشد أزره» ذلك بحسب خرب بثته وكالة اسوشيتيد برس األمريكية. واعتربت الوزارة أن االعتداء «يعد تواصال للتجاوزات املقرتفة يف حق املثقفني واملبدعني» يف تونس داعية «الجهات األمنية املختصة إىل االضطالع بدورها يف حامية املبدعني ومحاسبة املعتدين إليقاف هذا النزيف». وذكرت بأن «حرية الرأي واالبداع من مكتسبات الثورة التي ال ميكن املساس بها البتة». وما تعرض له الشاعر جاء عىل خلفية مشاركته يف برنامج بتلفزيون «التونسية» الخاص انتقد فيه املتطرفني يف تونس. وعلّق اوالد أحمد عىل ما تعرض له يف صفحته الشخصية يف الفيسبوك «تلقيت نصيبي من الثقافة التي قال راشد الغنويش ان السلفيني يبرشون بها». واضاف« :لست أول من تم االعتداء عليه ولن أكون االخري .منذ هذه اللحظة مل اعد اعرتف بأية رشعية ولن ينجو اي مدين أو عسكري ،صامت عن مثل هذه املامرسات ،من قنابل الشعر وصواعق النرث». وتنامت يف الفرتة األخرية اعتداءات نُسبت لجامعات سلفية متشددة عىل مثقفني وعىل تظاهرات ثقافية يف تونس ،حيث تم منع فرقة موسيقية ايرانية من تقديم عرض يف اختتام املهرجان الدويل للموسيقى الصوفية والروحية بوالية القريوان بدعوى ان الفرقة «شيعية»!
أعلنت جائزة «إتيل عدنان للكاتبات املرسحيات» خالل مؤمتر الكاتبات املرسحيات العامليات الذي اختتم أعامله مؤخ ًرا يف العاصمة السويدية ستوكهومل ،عن فوز الكاتبة الفلسطينية الشابة «فالنتينا أبو عقصا» بجائزة هذا العام عن مرسحيتها «أنا حرة» لتم ّيز عملها باإلبداع ولتناولها موضو ًعا مبتك ًرا عالجته بلغة آرسة ومعالجة قل نظريها ،لشخصيات عميقةّ ، املرسحية .وقد تم اختيار مرسحية «أنا حرة» من قبل لجنة تحكيم مشرتكة تألفت من مبدعني وفنانني وكتّاب لبنانيني وسويديني هم :نضال األشقر ومنى كنيعو وأسا رساشو ودانييال كوملان وراوية مورا وميكائيل رانيل وييل فيلر وديان بيمون .وقد تسلّمت الكاتبة الفلسطينية فالنتينا أبو عقصا جائزتها باإلضافة إىل جائزة مالية تقدر بخمسة آالف دوالر أمرييك مع فرصة ترجمة مرسحيتها للغة اإلنجليزية .كام سيقوم كل من «مرسح ريكستيرتن» السويدي و»مرسح املدينة» اللبناين باملشاركة يف إنتاج املرسحية وعرضها يف كل من السويد ولبنان وعدد من العواصم األوروبية األخرى.
فالنتينا أبو عقصا
آمرب باست issue (5)- October - 2012
9
شعر وشعراء أمنية أمني
ترجمة 41شاعرا سعوديا
قصيدة لتوفيق زياد تصير أوبرا عربية
استلهم املخرج مهدي الحسيني (مرص) القصيدة الدرامية «رسحان واملاسورة» للشاعر توفيق زيّاد ،يف صياغة غنائية كتبها عىل طريقة السيناريو السيناميئ؛ رغبة منه يف االحتفاء بجوانب العمل كافة؛ وسداه ،إال أنها ولتأكيد لحمته َ اتسمت بطالقة فنية ،وجسارة يف التعبري املوسيقي ،مستوح ًيا مناخ األلحان الفلكلورية الشعبية الفلسطينية ورقصاتها وآالتها املوسيقية وأزيائها وقسامت األمكنة وأجوائها ،دون التزام بحرفيتها ،وإن اقرتب من قوالبها ومادتها ،يف تحويرات حرة تربز آثارها الصوتية ،وتوزيعاتها النغمية التي تشيعها حركة العزف بفورانها األسلويب؛ محافظاً عىل إيقاعها امليلودي املتوتر ،وحيوية هارمونيته ،من خالل تقنيات القطع والرتديد والتنويع والتقابل والتآلف والتزامن ،عرب سياق درامي يُفيد من تجارب عاملية. وقد وجد مهدي الحسيني يف أشعار زيّاد طاقات هائلة تحتفي بتعدد األصوات ،فجمع بني قصيدته وأشعار أخرى له أعانته عىل خلق مواقف درامية جديدة.
قصائد إماراتية إلى اإلنجليزية قامت الناقدة والقاصة واملرتجمة الدكتورة أمنية أمني (مرص) برتجمة نصوص لعرشين شاعرا ً إماراتياً إىل اللغة اإلنجليزية ،وذلك ضمن مرشوع لجامعة زايد ،التي تعمل بها الدكتورة أمنية أستاذة يف األدب اإلنجليزي املعارص. يتمثل املرشوع يف نقل بعض الكتابات اإلماراتية إىل اإلنجليزية ،تعريفاً باألدب اإلمارايت للمهتمني يف النطاق التعليمي والثقايف األجنبي. وقد قامت باختيار الشعراء والشاعرات من مراحل وتجارب مختلفة ،من بينهم :حبيب الصايغ ،وإبراهيم الهاشمي ،وميسون صقر ،وسعد جمعة ،وأحمد راشد ثاين، وثاين السويدي ،وعبدالعزيز جاسم ،ونجوم الغانم .وسوف يُنرش الكتاب يف املوسم التعليمي الحايل. وما يجدر ذكره هنا ،أن الدكتورة أمنية تعمل عىل تقديم األدب العريب عرب ترجمة مختارات وأعامل كاملة يف الشعر والقصة والرواية ،منها :مختارات قصصية أردنية، ورواية للكاتبة املرصية نوال السعداوي ،وديوان إلبراهيم نرص الله ،ومختارات من شعر محمود درويش ،وترجمة مشرتكة مع الشاعر طاهر رياض لألعامل الكاملة للشاعرة اإلغريقية القدمية «سافو» إىل العربية ،كام صدرت لها مجموعة قصصية “بعيدا ً عن الذاكرة”. يشار إىل أن ترجمة األدب اإلمارايت إىل اللغات األخرى نشطت يف اآلونة األخرية ،حيث قامت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة برتجمة بعض من سلسلة «قلم» املتخصصة يف نرش األدب اإلمارايت إىل «األملانية» و»األوردو» ،كام تقوم وزارة الثقافة والشباب وتنمية املجتمع برتجامت متفرقة إىل اإلنجليزية ،غري التي يقوم بها مرتجمون أجانب وعرب كمشاريع خاصة بهم
توفيق زياد 10
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
«أصوات جديدة من السعودية» كتاب صدر مؤخرا يف لندن عن دار تاوريس ،التي تعد من أفضل دور النرش املتخصصة يف قضايا الرشق األوسط .اشتملت هذه االنطولوجية عىل قصائد لواحد وأربعني شاعرا وشاعرة ينتمون إىل اتجاهات مختلفة. توضح هذه القصائد املختارة عىل األقل يف ما يتعلق بهذا النوع األديب أن اململكة العربية السعودية جزء مهم من العامل املعارص .وميكن العثور عىل الطابع املديني لهذه القصائد يف املوضوعات التي تتناولها القصائد من قلق وآمال ومخاوف البرش يف العرص الحديث. أما يف ما يتعلق باملوضوعات والنربات فيغلب عىل الشعر السعودي املعارص الطابع الحرضي، حيث يرتك الصحراء والجنة األسطورية بصورها مثل الكثبان الرملية والجامل التي تتهادى للشعراء التقليديني ،ليهتموا هم بالحياة يف املدن والبلدات الجديدة املزدحمة واملختنقة ذات اإليقاع الرسيع.
نريودا
أحمد زرزور في مهب الرحيل
الشاعرة بالث في وثائق FBI
كشفت وثائق جديدة أطلقها مكتب التحقيقات الفيدرالية االمرييك (إف .يب .آي) الشهر املايض عن العالقة األوديبية التي عاشتها الشاعرة األمريكية سيلفيا بالث مع والدها .هي التي ماتت منتحرة شتاء العام 1963عندما كانت زوجة للشاعر الربيطاين تيد هيوز ،الذي أصبح بعد ذلك شاعر البالط الربيطاين .ما تم كشفه جاء يف التحقيقات مع أوتو بالث ،والد الشاعرة ،املهاجر من النمسا إىل أمريكا سنة 1900ليصبح عاملا يف الحرشات ،وقد خصصت جامعة انديانا األمريكية الشهر املايض مؤمترا عن ظروف حياتها ال سيام عالقتها بوالدها الذي كان يح ّيي هتلر يف خلوته .ورغم أن والد سيلفيا بالث قد مات سنة 1940عندما كانت يف الثامنة إال أن شخصيته قد تركت أثرا واضحا يف ذاكرتها .كتبت سيلفيا بالث يف قصيدتها «أيب» العام :1962 «شعرت عىل الدوام بالخوف منك /...من عينيك اآلريتني /بزرقتهام الحادّة والساطعة» وهي القصيدة ذاتها التي ش ّنت فيها هجوما عىل زوجها تيد هيوز أيضا.
هل مات نيرودا مقتوال؟ كشف الصحايف اإلسباين ماريو أموروس ،مؤلف كتاب «ظالل يف إيسال نيغرا ،وفاة بابلو نريودا الغامضة» ،عن محتويات تقرير تقول أن الشاعر الحاصل عىل جائزة نوبل لآلداب عام ،1971تويف يف 23سبتمرب 1973 إلصابته مبرض رسطان الربوستاتا. أشار تقرير جديد اىل أن الشاعر بابلو نريودا ،كان فعالً تويف بسبب إصابته مبرض الرسطان ،عىل الرغم من الشكوك التي كانت تحوم حول سبب وفاته ،حيث وقعت بعد مرور 12يوماً عىل انقالب الديكتاتور أوغستو بينوشيت .وكان أموروس كشف ،يف مقالة له نرشت يف الصحيفة اإللكرتونية «ال ناسيون» ،عن مضمون تقرير حمل توقيع خبري يف ترشيح ودراسة الجثث. وحسب ما ذكره أموروس ،فقد ت ّم إعداد هذا التقرير بناءا ً عىل طلب القايض ماريو كاروزا ،الذي يدير التحقيقات القضائية التي بدأت يف يونيو من العام املايض ،بعد شكوى تقدم بها الحزب الشيوعي التشييل، حيث كان مؤلف «عرشون قصيدة حب وأغنية يائسة» عضوا ً فيه .وكان الحزب قد اعتمد عىل ترصيحات سائق رص عىل أن الشاعر نريودا السابق مانويل أرايا ،الذي أ ّ مات مقتوالً عىل يد عمالء نظام بينوشيت عن طريق تزويده بحقنٍ مميتة ،عندما كان يرقد يف عيادة يف سانتياغو. وعن مدى أهمية فحص رفات الشاعر يقول الدكتور تابيا «إن إجراء تحليل لعظام الضحية ميكن أن يوفر معلومات رضورية تدعم إجراءات التشخيص العلمي لرسطان الربوستاتا»
عىل نحو مباغت رحل مؤخرا يف القاهرة الشاعر املرصي أحمد زرزور ،بعد أن قطع دربا طويال من اآلالم بسبب مرض يف الكبد. وبعد أن أصدر ديوان «خرافة مفتوحة» عن سلسلة ديوان الشعر العريب بالهيئة املرصية العامة للكتاب. يعترب أحمد زرزور واحدا من شعراء حقبة السبعينيات يف مرص، لكنه يف الوقت الذي انتهبت فيه جامعتا أصوات و إضاءة الشعريتان إىل مسار آخر ،ظل زرزور خارج إطار الجامعات، وإن كان قد عبرّ مرة عن رغباته القدمية يف االنضواء تحت لواء إحدى الجامعتني ،إال أنه أكد يف الوقت نفسه ،عىل أنه كان مخدوعا بشكل كبري ،وأن رفضه للمنهج املكلل بااليديولوجيا للجامعتني كان رفضا موضوعيا يتعلق بقناعاته التامة بأن الشعر ال ميكن أن يولد يف أحضان االيديولوجيا .أصدر زرزور عددا من الدواوين :الدخول إىل مدائن النعاس ،جنون الورد، حرير الوحشة ،هكذا ترتمل اإلمرباطوريات ،رشيعة األعزل.
أحمد زرزور
سيلفيا بالث issue (5)- October - 2012
11
شعر وشعراء
الوطنية
في شعر حماد النعيمي قراءة في الموروث واإلنسان والوطن
املؤلف موفق العاين
شعر حماد النعيمي ..موروثه وإنسانيته الكتاب :الوطنية يف شعر حامد الخاطري النعيمي - قراءة يف املوروث واإلنسان والوطن املؤلف :موفق العاين (العراق) النارش :دار الهالل -دمشق
ّ النفري ..التأويل وحيويته الكتاب :الصوفية والفراغ املؤلف :خالد بلقاسم (املغرب) النارش :املركز الثقايف العريب
عدد الصفحات 310 :من القطع املتوسط
عدد الصفحات 242 :صفحة من القطع املتوسط
تناول
يسعى الباحث يف كتابه هذا إىل تفكيك أنطولوجي لكتاب «املواقف موفق العاين شعر حامد الخاطري النعيمي واملخاطبات» للنفري ،متأم ًال «الفراغ» بوصفه تجربة تنشد األقىص وعالقته باملوروث وفضائه الشعري ،ثم مفهوم الوطنية ،ومل يغفل عن آراء النقاد يف شعر النعيمي ،وأفرد العاين وتسترشف املاوراء. جاء يف مقدمة الكتاب« :يف ضوء الوعي برضورة تجديد التأويل قس ًام من قراءته لشعر هو الذي عدد فيه خصال ومناقب وبحيويته ،تتبدى العالقة مع القديم بوصفها مسؤولية ،يتعني عىل املغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وهو القراءة االضطالع بها ،بل إن مفهوم املسؤولية ال ميلك ،كام يرى بعنوان «زايد :أصالة املنبت» ،كام خصص الناقد أيضاً قس ًام لدراسة شعر النعيمي يف الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد دريدا ،أي معنى خارج تجربة إرث من سبقنا». آل نهيان ويل عهد أبوظبي نائب القائد األعىل للقوات املسلحة .وتضيف املقدمة« :ليس الفراغ ،عند الصوفية ،مفهوما نظريا وال وقرأ العاين« :خصال الزعامة التي أصبحت فخراً لألوطان وشموخ تصورا ذهنيا ،بل هو تجربة تنشد األقىص ،مسترشقة املا وراء ،ما وراء القوايف وأصالة املنبت يف شخصية الشيخ محمد بن زايد ،وتطرق كل يشء ،ما وراء األحكام ،و ماوراء الضدية املنتجة لحجب الثنائيات. إنها منطقة بعيدة ،فيها يتسنى للهوية الصوفية أن تتحقق من اآلخر إىل ما جادت به قريحة الشاعر حامد الخاطري النعيمي يف الوطن حيث حفل شعره بوصايا يف حب الوطن والتفصيل يف ما الذي به تتغذى وتتجدد». هكذا يرى املؤلف أن خطاب النفري ذو قابلية الستقبال أسئلة غرسه زايد يف نرصة الوطن وحبه ،وكان يف شعره متجلياً ينسج جديدة من حيث بناء الكتابة .فهو خطاب مه ّيأ من هذا الوجه درراً من الكلامت يف عقد تزين صدر هذا الوطن». توجهت متى األسئلة وتجديد ّد د التج عىل ومرشع ذاته، عن لالنفصال ّ ويرى العاين أن حامد الخاطري النعيمي اتبع أسلوب الشعراء القراءة إليه من أمكنة معرف ّية وفلسف ّية حديثة. األقدمني حيث األريحية التي وصفت بها قصائده بنية املجتمع اإلمارايت ،وعندما يصف الحكيم املؤسس الشيخ زايد بن سلطان ويؤ ّكد الباحث ّأن كتاب النفري ،مثله مثل األعامل الكربى ،ال ينطوي عىل حقيقة يف ذاته ،مستق ّلة عن قارئه إذ أن حقيقة الكتاب تتم ّثل يف آل نهيان رحمه الله. اآلفاق الجديدة التي تفتحها القراءة معه ،ومن ّمثة فال وجود ملعنى ويتطرق موفق العاين إىل عالقة شعر حامد الخاطري النعيمي باملوروث وخاصة القصائد التي استل قوتها مام قرأه يف املوروث نهايئ ميكن القارئ أن ميسك به« ،فاملعنى هنا ليس إ ّال سريورة تح ّوله. سريور ٌة هي التأويل ذاته» .ومن هنا فكتاب النّفري كتاب غامض ،ليل الشعري اإلمارايت ،حيث كان يقوم بجوالت ميدانية يف مدن وبادية اإلمارات ليجمع أشعار الشعراء اإلماراتيني القدامى التي ال بارقة ضوء تنريه ،حتّى ليبدو ،كام لو ّأن النفري كتبه لنفسهّ .مثة مناطق قص ّية يف هذا الكتاب ،مناطق متمنّعة عىل الفهم ،لكنّ هذه مل تلتمس التدوين أو النرش .وتعترب هذه املهمة شاقة فع ًال ،إال أنها أعطت الشاعر النعيمي قدرة عىل بناء نص شعري متكامل ،املناطق بالذات هي التي تتيح للقراءة أن تكون .وقد أشار الصوف ّية إىل أن الغموض أو املنع متى ُفتح باب الفهم عطاء يف ذاته .ويتو ّغل كام يرى العاين. الباحث يف الكتاب لييضء عىل ما تعتّم من مصطلحاته ومفاهيمه. يبقى القول أن حامد الخاطري النعيمي قد أصدر ديوانه ىّ ويتأن عىل وجه الخصوص عند مفاهيم «الطريق» و»السوى» «ترانيم» يف العام 1994يع ّد رسالته للدكتوراه يف موضوع و»املكان والزمان» ليصل ،مستعيناً بتلك املفاهيم إىل العالقة القامئة «قبائل الخليج العريب وأدبها الشعري يف مواجهة األطامع بني «الوقفة والفراغ» األجنبية»
12
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الشعر بوصفه معركة اجتماعية الكتاب :يوتوبيا املدينة املثقفة املؤلفة :خالدة سعيد (سوريا) النارش دار الساقي -بريوت
عدد الصفحات 328 :من القطع املتزسط
هذا الكتاب النقدي -الرسدي واالستعادي الجديد أهدته الكاتبة والناقدة العربية املعروفة خالدة سعيد إىل بريوت« :بريوت يف األزمنة كلّها. إالّ أ ّن كتابها يتناول بريوت يف حقبتها الذهبية .بريوت ما بعد االستقالل وما قبل الحرب .ففي تلك الفرتة بني العهدين برزت يف لبنان مؤسسات ثقافية طليعية أرادت أن تنهض به إىل مصاف البلدان املثالية يف ثقافتها وفكرها ومعرفتها. ومن هذه امل ُنشآت اختارت الكاتبة أن تدرس خمس مؤسسات رائدة يف لبنان رسمت يف مساراتها ما يُنظر إليه اليوم عىل أنّه «مرشوع املدينة املثقفة» وهي« :الندوة اللبنانية»« ،التج ّمع الفريوزي -الرحباين»« ،مجلّة شعر»« ،مجلّة مواقف»« ،دار الفن أشجان وأحزان بن علي الوزير الديوان :األعامل الشعرية الشاعر :قاسم بن عيل الوزير (اليمن) النارش :دار املناهل -صنعاء
عدد الصفحات 400 :صفحة من القطع املتوسط
يذهب الشاعر يف دواوينه الثالثة التي يتألف منها الكتاب مذهب التلقائية يف كتابته الشعر ،فال تشعر وأنت تقرأ قصيدة من قصائده يف أي موضوع كان ،بأنه يتكلف الصياغة أو التقاط املعنى ،وإمنا تراه ينساق مع سجيته مسرتسالً كالنهر الذي يجري يف واد منبسط شديد االستواء ،أو كأنه يكتب، أو مبعنى آخر ،ينقل شعره من ألواح مرسومة أمامه بوضوح خال من التعقيد والغموض.
واألدب». وت ُسلّط الكاتبة اللبنانية ،من أصل سوري ،الضوء عىل األدوار املختلفة التي لعبها املثقفون الكبار يف لبنان أمثال املطران جورج خرض وغسان كنفاين وأنيس الحاج وغريهم .وتأيت دراستها ومحمود درويش ّ لهذه املؤسسات شاملة وعميقة لكونها عرفتها عن قرب ونشطت يف إطارها وكانت شاهدة عىل تجارب ثقافية تعود إىل أسامء كبرية عىل مدى خمسني عاماً تقريباً. إنه من ذلك النوع من الكتب التي تغري املرء بأكرث من قراءة وعىل أكرث من صعيد .بحيث ميكن اعتباره تأريخاً ملرحلة تأسيسية يف مسرية عضوي الحداثة األدبية العربية ،كام ميكن اعتباره شهادة من اسمٍ ٍّ يف تلك املسرية ،إذ يضع بني أيدينا محتوى سمعنا عنه أو وقفنا عىل شذرات متفرقة منه ولكنه ال يرتك هذا املحتوى من دون تحليل أو نقد أو مراجعة ،فلسنا حيال مادة أرشيفية بل وقائع قيد القراءة وإعادة النظر. ويبدو صحيحا أن خالدة سعيد رغم حامستها تدرك أن ما تتحدث عنه كان «يوتوبيا» بل مغامرة غري أن تلك املغامرة البريوتية الحاملة مل تنته إىل فشل كامل .صحيح أنها مل تتمكن من رفع أعمدة «املدينة املثقفة» غري أنها تركت أثرا ال يمُ حى يف الثقافة والفن العربيني ،خصوصا يف الشعر.
ولعل هذا يف رأي بعض النقد الصحيح هو الشعر الحقيقي الذي يخلو مام كان يشكو منه القدماء ،وما يزال عيبي يشكو منه املعارصون تحت ْ «التوعر والتعقيد» ،وهذان العيبان ال يرافقان الشاعر املوهوب بل الشاعر املتصنع الذي يظل يكد ذهنه إىل أن يصل إىل ما يع ّده معنى طريفاً أو جملة مثرية أو صورة بارعة .ولعل أبرز ما مييز شعر قاسم الوزير ذلك الحزن الشفيف العميق الذي يكسو قصائده األقدم منها كتابة واألحدث، ويف املقدمة التي كتبها للديوان الدكتور راشد املبارك إشارة تقول« :ان أول ما يستوقف القارئ يف قصائد الشاعر هو
طابع الحزن الذي يرسبله شعره ألنه إىل الحزن صار ومن الحزن انبعث» وكأن الدكتور املبارك تحاىش الحديث عن أسباب ذلك الحزن الذي يعود إىل ما تج ّرعه الشاعر من مصاعب يف طفولته وشبابه ،وما عاناه من السجن والبعد عن األهل والوطن ،وكلها كافية لتجعل من شعره دموعاً تسيل عىل الورق بغزارة ،وليس يف ذلك عيب ،بل العيب أن يكبت املبدع مشاعره ويكابد الصمت وهو القادر عىل البوح واإلفضاء. وميكن القول يف هذا الصدد بأن قصائد الحزن يف الشعر العريب هي أجمل ما ينطوي عليه هذا الشعر من أشجان املبدعني وتأوهاتهم، وما استوعبته حياتهم من وحشة الطريق ومكابدة األحداث .إنه حزن يستحرض يف صوره ومجازاته حزن اإلنسان إينام كان وحيثام يكون. issue (5)- October - 2012
13
شعر وشعراء
تمام ُمخبر ًا؟ هل كان أبو ّ الكتاب :صاحب الخرب يف الدولة اإلسالمية املؤلفان :د .محمد حسن النابودة (اإلمارات) ود. محمد عبد القادر خريسات (األردن) النارش :مركز زايد للرتاث والتاريخ عدد الصفحات 424 :صفحة من القطع الكبري
رمبا
يكون هذا الكتاب من أكرث الكتب غرابة وإثارة لإلدهاش، فهو ال يتناول املنجز الشعري أليب متام ،الذي عاش يف عهد املعتصم وكتب عن انتصاراته عىل الروم قصيدته الشهرية ذات املطلع« :السيف أصدق انبا ًء من الكتب /يف ح ّده الح ُّد بني الج ّد واللعب» ،وليس أيضا عن وجهة نظره النقدية يف الشعر ،صاحب عبارة :لِ َم ال تفهم ما يُقال» ردّا عىل :لِ َم تقول ما ال يُفهم». يرد يف الكتاب ما ييل“ :لقد كان من الطبيعي ويف ظل التنافس الشديد بني الخلفاء والعنارص التي سيطرت عىل الدولة العباسية أن يبقى لألجهزة االستخبارية مكانتها لتزويد الفئات املتصارعة باألحداث واملستجدات عىل الساحتني الداخلية والخارجية ،ومن هنا نجد أن هذه العنارص أخذت تتفنن أكرث وأكرث يف اختيار املخربين وتدريبهم ،فكان منهم النساء والخدم والتجار وال ّزراع والرعاة وال ّنساك والشحاذون والصبيان واملعلمون .ويلحظ أيضاً أن هذه الفرتة متيزت بإسناد وظيفة صاحب الخرب إىل رجال لهم بالعلم واملعرفة ،ال سيام العاملني يف حقل الجغرافيا والتاريخ وكبار الشعراء أمثال أيب متام”. أَبو تمَ ّام ( 231 - 188هـ 845 - 803 /م) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطايئ ،أحد أمراء البيان ،ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إىل مرص واستقدمه «املعتصم بالله» إىل بغداد
مواكبة متأخرة
الكتاب :شعرية الرواية املؤلف :فانسون جوف (فرنسا) املرتجم :لحسن أحاممة (املغرب) النارش :دار التكوين عدد الصفحات 269 :صفحة من القطع املتوسط
14
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
فأجازه وقدمه عىل شعراء وقته فأقام يف العراق ثم ويل بريد املوصل فلم يتم سنتني حتى تويف بها .كان أسمر ،طويالً، فصيحاً ،حلو الكالم ،فيه متتمة يسرية ،يحفظ أربعة عرش ألف أرجوزة من أراجيز العرب غري القصائد واملقاطيع .ويف أخبار أيب متام «الصويل»للصويل« :أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت فينشد شعره بني يدي الخلفاء واألمراء» ،هكذا يوصف الرجل يف النقد العريب القديم أو يف املدريس منه عىل األقل. قبال وباختصار فصاحب الخرب هو تحديدا ما يطلق عليه، عربيا ويف أيامنا هذه باملخرب الذي يأيت بالخرب ،ويف عهد العباسيني أصبح صاحب الخرب مهنة تحتاج إىل تدريب ومامرسة يك تصل إىل االحرتاف يف الوصول إىل مصادر الخرب والنقل عنها ،بالتايل كان لزاما أن يكون صاحب الخرب عىل معرفة واطالع ومقدرة عىل تذويب شخصيته الحقيقية يف املجتمع وارتداء شخصية أخرى تعينه عىل عمله يف نقل أرسار العامة إىل الدولة ،حيث كانت الفئات املستهدفة لدى الدولة هي الفئات املارقة من زنادقة ومشعيل فنت وحرائق يف واحدة من أهم امرباطوريتني كانتا تحكامن العامل القديم آنذاك ،فضال عن أن الجواسيس كانوا من هذه الفئة أيضا. يرد يف الكتاب أن مهمة صاحب الربيد كانت وطيدة الصلة بصاحب الخرب ،عىل نحو ميكن تشبيهه مبدير مخابرات ،يف عرصنا الراهن ،أو املسؤول االستخبارايت الذي يقوم بتصفية هذه التقارير وتصنيفها وتبويبها ثم استخالص نتائجها كلها للخليفة .فإذا كان هذا األمر صحيحا أو معموال به يف عرص املعتصم ،وهذا هو األرجح ،فإن أبا متام ،وهو مسيحي كام هو معروف ،قد عمل مبرتبة مدير مخابرات منطقة املوصل يف عهد ذلك الرجل الذي استقدمه ،هو تحديدا من مرص ثم أوكل إليه هذه املهمة. هو كتاب نقدي يسعى املرتجم من خالل تقدميه بالعربية إىل: «املساهمة يف تطوير املامرسة النقدية يف العامل العريب ،التي مازالت متلكئة رغم كل الجهود املبذولة من طرف النقاد والباحثني واملرتجمني العرب» .ولعل ذلك حسب قوله ،يعود إىل “قلة الرتجمة بالقياس إىل ما يرتجم يف الغرب ،واألمر هنا ال يتعلق بعدد الكتب النقدية أو املرتجمة يف كل سنة وحسب ،وإمنا أيضا اشكالية عدم االطالع عىل منجز املدارس والتيارات النقدية التي تظهر يف الغرب ،بحيث ال يصلنا منهج جديد أو مقاربة جديدة إال بعد اإلعالن عن موتهام أو يف حني هام يف الطريق إىل ذلك .ويعدد املؤلف من مثل ذلك «التاريخانية
علي سفر ..الموت شغفا
غري أن املثري للغرابة والفضول هو اختيار املعتصم له ليشغل هذا املوقع الذي كانت مهامته األخرى خفيّة متاما عىل سائر اآلخرين من مثقفي ذلك العرص م َم ْن كانوا يلتئمون يف مجلس الخليفة العبايس من شعراء ونقّاد .تُرى هل كان أبو متام عىل علم مسبق قبل عودته إىل بغداد بأنه سيشغل هذا املوقع؟ هل كان يعلم مبا ينبغي عليه القيام به من مهام؟ وما هي طبيعة هذه العالقة الرسية بني الرجلني؟ ثم هل يكون هو َم ْن أوصل إليه رصخة تلك املرأة العربية« :وامعتصامه» التي ما زال د ّوي صداها يرتدد يف أرجاء التاريخ العريب واالسالمي إىل اآلن؟ فيكتب أبو متام قصيدته الشهرية يف مديح املعتصم ،وهل كان عىل ثقة بأنها ستجعل من الخليفة رجال خالدا يف التاريخ بوصفه حاكام شجاعا وشهام ونبيال، هزم الروم يف معركة فتح عمورية حتى غدا يف نظرنا ،نحن أهل هذا الزمان أكرث الخلفاء العباسيني هيبة ،كام وصفته كتب التاريخ الرسمي القديم أيضا؟. الكتاب ال يجيب عن أي من هذه األسئلة ،لكن األكيد أن أبا متام قد شغل ذلك املوقع ورمبا يكون هو الذي قام بنقل الرصخة إىل املعتصم ،لكن هل وقعت تلك الرصخة بالفعل؟ أم أنها كانت «فربكة» استخبارية لتربير فتح عمورية؟ خاصة وأن نوايا املعتصم حيال ذلك كانت واضحة .لقد استقدم الرجل قبل ذلك منجمني أنبأوه بأن يف األنجم طالع نحس ونصحوه بإرجاء الفتح إىل وقت آخر ،فري ّد أبو متام بعد ذلك النرص عىل الروم ويف مطلع قصيدته: «السيف أصدق انبا ًء من الكتب». رمبا لو أطلق املرء ملخيلته العنان ألمكن له أن يصوغ رواية سينامئية تتكئ عىل «رسيّة» تاريخية هذه العالقة بني رجيل دولة أحدهام يرتدي إهاب شاعر يف الظاهر ،غري أنه رجل مخابرات من طراز رفيع أيضا ،أما اآلخر فهو رأس السلطة الذي ينترص للشاعر يف مجلسه ويستضيفه بعيدا عن أعني اآلخرين يف غرف أبوابها خف ّية، إن فُتحت قد ال يخرج منها َم ْن دخل. الجديدة ،والنقد املاركيس الجديد ،والنقد اإليكولوجي ،وغريها من املناهج األكرث حداثة ،علام بأن هناك بعضا من النقاد العرب الذي لفتوا االنتباه إليها ،لكنها مل تلق مزيدا من االهتامم املطلوب .فهل يعود األمر إىل تحفظ الباحث العريب إىل حني إثبات مصداقيتها، أم إىل غياب اسرتاتيجية تسمح بهذه املواكبة؟ أم إىل غياب سياسة ثقافية تويل هذا األمر ما يستحقه من عناية؟” ويتابع املرتجم: “لسنا من ذلك نبخس قيمة الفعل النقدي والرتجمي يف عاملنا العريب ،وإمنا نتوخى التشديد عىل ترسيع وترية هذه املواكبة”.
الديوان :طفل املدينة الشاعر :عيل سفر (سوريا) النارش :دار أزمنة للنرش والتوزيع
عدد الصفحات 118 :صفحة من القطع املتوسط
النص الذي يفتتح فيه سفر ديوانه يظهر متسكه يف فن الرسد ويجنح للقصة أو السرية ليقول ما يعتقد ان القصيدة رمبا لن تفلح يف قوله ،ويعرتف بصعوبتها عىل الغالف الخلفي للديوان حني يقول« :أيتها القصائد املدالة ..عىل أغصانٍ من شغف وموت ..كم هو صعب قطافك ..وكم أنت جارحة ومرة.».. الشاعر يف مقدمة مجموعته يؤكد أنها «رضورة البد منها»، وبعنوان «الطريق إىل املدرسة» يرسد َسفر قصة تك ّونه من سلسلة حاالت عىل صعيد املكان ـ يف تغري مكان مدرسته وتغري الطريق إليها -وعىل صعيد األشخاص ـ يف موت أبيه -فيظهر ممسكاً بالرسد ليس فقط عىل صعيد عنوان املجموعة أو مقدمة ديوانه بل بعنوان القصائد أيضا فيعنون مرة بـ«الحكاية» أو «رس العتبة» ،ومرة بـ«فاصيل محذوفة» و«هوامش». أصبح سفر مشغوفاً بفكرة املوت منذ فقدانه والده وهو ابن املدرسة االبتدائية وابن املدرسة الحياة ،فصارت الجبال لديه جبال املوت ،وتنكس األشجار رؤوسها كناية العزاء، وحتى جسده مل يعد ،قلباً ينبض حياة أو رئتني تستنشقان هواء رطبا ،بل بات حالة مؤقتة معرضة للفقد يف «الهباء» أو «يف محطة قطار» ،ومل يعد يرى جسده غري «محموالً عىل سجادة الفقد». صدر لعيل سفر سابقا :بالغه املكان ،1994صمت ،1999 يستودع اإلياب ،2000اصطياد الجملة الضالة 2004 issue (5)- October - 2012
15
شعر وشعراء
مخيلة شعرية مجهولة المصدر
الكتاب :خزانة الشعر السنسكريتي الشاعر :مجموعة مؤلفني املرتجم :عبد الوهاب أبو زيد (السعودية) ،مراجعة: تحسني الخطيب (فلسطني) النارش :مرشوع كلمة للرتجمة – هيئة السياحة والثقافة/ أبو ظبي 2012 عدد الصفحات 444 :من القطع املتوسط
ترقى ترجمة الشعر السنسكريتي الكالسييك إىل االنجليزية إىل أكرث من مائتي عام ،عندما أنجز أحد املرتجمني املرتبطني برشكة الهند الرشقية مقتطفات شعرية تتناول إحدى األساطري الشعبية الهندية مجهولة املؤلف ثم نرشها يف لندن لتعاد ترجمتها يف عدد من اللغات األوروبية الح ّية ،وبالتايل لتستقر يف املخيلة الشعرية األوروبية بعدما أعيد ترجمة تلك األشعار كاملة تقريبا وقد أصبحت واحدة من مرجعيات ومصادر إلهام تلك املخيلة ،أي بعد أن تأثر بها الكثري من الشعراء األوروبيني البارزين ،وتحديدا شعراء تلك املرحلة الشعرية الرومانسية التي شملت خارطة الشعر األورويب بأكمله خاصة مع ترجمة العملني الكالسيكيني الرائعني: الرامايانا واملهابهاراتا اللتني عرفتا ترجامت عديدة يف مجمل الثقافات األوروبية ،وبناء عىل ما توفرتا عليه من طاقة تخييلية عالية وأسئلة متس الوجود اإلنساين لجهة ارتباط الدين باملنطق الفلسفي واملنطق الشعري فضال عن ارتفاع مستوى الرسد والحوار فيهام فقد انتقل أثرهام إىل السينام واملرسح والرواية. وعرب هذه الفرتة التاريخية الطويلة من ترجمة الشعر الكالسييك السنسكريتي إىل االنجليزية وسواها فقد تشكل تاريخ ترجمي له من املريدين واملتتبعني الذين لفتوا االنتباه إىل أن خزانة بالفعل تضم هذا الشعر الكالسييك باتت موجودة اآلن يف املكتبة األوروبية ،وتحديدا يف اللغة االنجليزية التي ُأخذ منها هذا الكتاب حامال يف عنوانه اسم املكتبة والشعر. هذا الكتاب هو أنطولوجيا ،كام أنه نتاج صنيع فعل أنطولوجي دؤوب سواء يف لغته األصلية أم يف اللغة املنقول إليها وتغطي فرتة متتد قرابة 3000عام وتضم شعراء مجهولني من أزمنة بعيدة وآخرين حديثني وتأثر بها شعراء من ثقافات مختلفة من العامل من بينهم َمنْ حازوا جائزة نوبل مثل أوكتافيو باث الذي تأثر عميقا بالنصوص الهندية الكالسيكية وأعاد صياغة بعض أساطريها يف مقاربة شعرية راهنة وتتصل مبجتمعات أمريكا الجنوبية ،وذلك 16
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
بالطبع فضال عن شعراء هنود وأوروبيني أما عربيا فلم تصل كِسرَ من هذا الكتاب إال متأخرا. مثة غنى شعري ينطوي عليه الكتاب لجهة عالقة النصوص باألشكال وطبيعة استخدامها يف الحياة الهندية التقليدية القدمية :الرتانيم والتعابري الصوفية والحوارات والرسديات امللحمية والقصائد الرتاجيدية واإليروتيكية باإلضافة إىل شعر البالط والشعر التعبدي الفلسفي
الراميانة ..ترجمة بروح نهضوية
الكتاب :الراميانة -ملحمة معربة شعرا املؤلف :الشاعر الهندي فاملييك املرتجم :وديع البستاين النارش :كلمة -هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة عدد الصفحات 560 :صفحة من القطع املتوسط
هي ملحمة شعرية هندية مغرقة يف القدم ومكتوبة باللغة السنسكريتية ،وتنتمي إىل املوروث الهندي املقدس وتنتسب إىل الشاعر الهندي فاملييك الذي يظهر يف امللحمة بوصفه احدى شخصياتها ،معتقدا أن القصيدة هي من إنشاء عدد من الشعراء واملنشدين ،لتكون يف النهاية بأبياتها التي تبلغ 24ألفا ،من صناعة العقل الجمعي الهندي وتعبريا عن مخيال تلك األمة ومعتقداتها. هذه الرتجمة هي صيغة عربية نادرة أنجزها الشاعر وديع البستاين ،فع ّرب «الراميانة» شعراً موزوناً ومق ّفى ،جاع ًال إياها يف ما يقارب أربعة آالف بيت .وكان البستاين وضع اللمسات األخرية عىل مخطوطته يف العرشين من آب عام 1953ولكنه عوض أن يدفع بها إىل املطبعة خبأها يف أدراجه فرقدت طوال تلك األعوام ،ولعل اكتشاف مخطوطة «الراميانة» املع ّربة ،ونرشها بعد أكرث من نصف قرن عىل تعريبها ،يعدّان حدثاً أدبياً وثقافياً معارصاً ،وإن بدت صيغتها نهضوية الروح نظراً إىل «هوية» معربها الشعرية وانتامئه إىل املدرسة الكالسيكية الجديدة
«األجساد الوحيدة ال تقوى على الكتابة»
الشعر يجمع بين سويديات وفلسطينيات في ستوكهولم
انطلقت
فعاليات مقهى بغداد الثقايف يف العاصمة السويدية ستوكهومل يف الثامن والعرشين من شهر أب املايض، بأمسية شعرية شاركت فيها شاعرات من فلسطني والسويد ،يف إطار مهرجان ثقايف يحمل العنوان« :األجساد الوحيدة ال تقوى عىل الكتابة» وأقامه املقهى بدعم من املعهد السويدي واألكادميية السويدية. وقالت مسؤولة املهرجان خلود الصغري للبيت« :إن دورة املهرجان لهذا العام انقسمت إىل ثالثة أجزاء :يستضيف األول منه شعراء مكسيكيني والثاين شعراء من الصني ،أما األخري فاستضاف شاعرات فلسطينيات». وفيام يتصل بعنوان املهرجان «األجساد الوحيدة ال تقوى عىل الكتابة»، أوضحت أن «اقتباسه جاء من إحدى قصائد الشاعرة الفلسطينية سمية السويس».
ندوة االفتتاح
ويف أوىل فعاليات املهرجان التي جرت يف رابطة الكتاب السويديني، بأمسية شعرية بعنوان« :الشعر الفلسطيني املعارص» تحدثت الشاعرة الفلسطينية مايا أبو الحيات عن الشعر الفلسطيني والرمز يف الشعر الفلسطيني ومراحل تطوره من الكالسيكية إىل التفعيلة فالشعر الحدايث ،طارح ًة أمثلة لعدد من الشاعرات والشعراء الفلسطينيني من أمثال أيب سلمى ،محمود درويش ،سميح القاسم ،غسان زقطان ،مازن معروف وآخرين ،كام شاركت يف الندوة الشاعرة الفلسطينية القادمة من قطاع غزة سمية السويس ،ودار بعد الندوة حوارات مطولة باللغة اإلنجليزية ،كام أدار الندوة الشاعرتان والناقدتان األدبيتان السويديتان «أثينا فاروقزاد» و «ينّي تيوين دال».
أمسية الخلق واملقاومة
أيضاً ،عقدت ندوة بعنوان «الخلق واملقاومة» تحدثت فيها الشاعرات: أسامء عزايزة ،وباسمة تكروري ،ومايا أبو الحيات ،وخلصت الندوة إىل أن األدب الفلسطيني والشعر الذي يعترب جزء منه ،ال ميكن فصله عن الواقع الفلسطيني اليومي املعاش هناك ،وأدارت الندوة الشاعرة السويدية «إيدا بوريال» وخالل الجلسة أيضاً عُ رض فيلم تسجييل
للفنانة السويدية لينا سلندر عن فلسطني تناول موضوعة املقاومة وتم عرضه عىل عدة مراحل ،وجرى بعد عرض الفيلم مناقشة مطولة حول تطور أدوات املقاومة لدى الشعب الفلسطيني ،ومن ثم مناقشة دور أدب املقاومة من ناحية ودور الفن واألدب يف التحفيز والتحريض عىل فعل املقاومة اليومي ،ليؤكد الفيلم عن أن املقاومة فعل مرشوع يؤكد حق اإلنسان يف الحياة الكرمية عىل أرضه. يف الثالثني من شهر أب ،عقدت يف مبنى ABFيف ستوكهومل أيضاً حوارية ما بني الشاعر السويدي «يوهانس أنيورو» والشاعرة الفلسطينية سمية السويس بعنوان (غزة يف الصور والحقيقة) وناقشت الحوارية كيف يتناول األدب قطاع غزة مقارن ًة مبا هو يف الحقيقة ،كام ناقشت أيضاً كتاب «حضارة بدون قوارب» ليوهانس أنيورو وكذلك كتاب سمية السويس «شبكة غزة» املرتجم مؤخراً للغة السويدية. ويف األول من سبتمرب استكملت فعاليات مقهى بغداد الثقايف يف مرسح مدينة أوبساال السويدية بأمسية شعرية فلسطينية سويدية شاركت فيها شاعرات سويديات وفلسطينيات :داليا طه ،سمية السويس ،مايا أبو الحيات ،وأسامء عزايزة ،وباسمة تكروري ،وآن هال سرتوم ،وحنّا نوردنهوك ،وحنّا هالغرين ،ومتت قراءة القصائد باللغتني السويدية والعربية ،كام رافق القراءات موسيقى املغنية السويدية «فريدة سبونغ» التي غنت باللغتني الربتغالية والسويدية، ثم انتقلت األمسية ذاتها إىل ستوكهومل يف مبنى البيت الثقايف وسط العاصمة ثم إىل ماملو وإىل يوتوبوري وهام ثاين أكرب مدينتني ،وتلت القراءات الشعرية يف هذه املدن حوارات تناولت الشعر تحت االحتالل ،وناقشت حول الشعر الفلسطيني املعارص ومراحل تطوره مع تطور القضية الفلسطينية مهند صالحات -ستوكهومل
issue (5)- October - 2012
17
شعر وشعراء
ظبية خميس
صوت العزلة والهدأة
يف
واحدة من معانيها ميكن القول إن الحداثة يف الكثري من الوحل والطني. الشعر ،واألدب إجامالً ،هي كتابة الذات منزهة أليست «الذات» الشاعرة هنا هي التي ترى العامل؟ أليست «ذاتاً» تصدر من موقف العزلة والهامش؟ عن الغرض ،أي املجانية يف رسد الذات شعرياً ،باملعنى أيضاً أال تشري هذه االقتطاعة إىل أن الشخص السارد يف اإليجايب لكلمة مجانية .كان الغرض الشعري يف النقد القصيدة هو مثقف أيضاً ولديه وجهة نظر يف العامل من الكالسييك العريب وموروثه واحدا ً من القوانني الصارمة حوله وما يجري فيه؟ للقول الشعري الذي ينبغي عىل الشاعر أن يلتزم به إذا كانت اإلجابة بنعم ،وهي كذلك بالتأكيد من وجهة ليكتمل قوس القصيدة من كل جوانبها. نظر كاتب هذه السطور ،فإن ما جلبته حداثة ظبية إذا كان هذا املعنى للحداثة يقارب الصواب ،فإن تجربة خميس الشعرية هو املبادرة والتأسيس لوعي قرايئ ،ال الشاعرة ظبية خميس هي تجربة حداثية صافية .يف شفوي ،للشعر يف اإلمارات يف مرحلة مبكرة من حداثته السبعينيات من القرن املايض ،أي يف مرحلة مبكرة من ترقى إىل منتصف السبعينيات من القرن املايض أو تجربتها الشعرية ،يلحظ املرء يف شعر ظبية خميس أن «الذات» ،مبا هي عليه من مك ّونات نفسية أنثوية وثقافية أواخرها عىل األكرث .أي أن ظبية خميس ،ورمبا عىل ومعرفية ومتفاعلة مع العامل واملحيط من حولها ،هي ما نحو نادر عربياً ،هي حصيلة وعيها وموقفها الشعري واإلنساين من املعرفة والعامل ،يلحظ املرء هذا األمر يف ميكن أن يوصف بأنه مركز هذه الشعرية عىل األقل ،إن مل يكن مصدرها أيضاً .ما يعني أن ظبية خميس ،رغم أنها سريتها الشعرية ،مثة 17ديواناً شعرياً حتى اآلن وعدد وتربت ذائقتها يف مجتمع ذي ثقافة شفوية تسطو من الرتجامت النافرة عن االنجليزية لشعراء هامشيني نشأت ّ عىل إنتاج املعرفة والقيم الشعريتني ،قد أسست لحداثتها من العامل ومن أمكنته الضيقة والحميمة وقصص ورواية «الحياة كام هي» أشبه بسريد ذاتية تقولها من وراء قناع الخاصة بوصفها شاعرة .رمبا يفسرّ هذا األمر حضورها «مهرة بنت عبيد» ،وذلك فضالً عن انشغال «ثقايف» يف «مجتمعات» شعرية وثقافية عربية متتاز بأن الثقافة بالسياسة ،كل هذه التجربة املتفردة التي خاضتها ظبية أقل سطو ًة وحضورا ً. الشفوية فيه ّ خميس هي التي جعلت منها ما هي عليه اآلن هكذا ،ما هكذا تكون ظبية خميس بح ّد ذاتها ،بوصفها حصيلة شعرية وثقافية وإنسانية ،نوعاً من التمرد الهادئ واألصيل يعني أن التمرد ها هنا ليس رغبة يف التمرد بل هو نتاج واملرن عىل مجمل القيم الشعرية يف مجتمع ال زال يقوم وعي خاص وفردي بالشعر ودوره يف املجتمع مثلام يف الحراك الثقايف بأقىص درجات جديته. بإنتاج نسبة كبرية من ثقافته شفوياً .لنتأمل هنا هذه تقول ظبية حميس« :صفقت للنادل يك يجيء /وبدالً االقتطاعة من قصيدة معروفة للشاعرة «شجرة التني»: السيول رست ْه / .بعد ذلك دخلت منه /جاء قطيع من األسود /يبحث عن رسب من جاء السد إىل الباب /فك َ /سيالً ،سيالً /خلّفت الندوب وراءها /اجرتحت الطوب الظباء / .ال تحتمل /املسألة كثرياً من /النقاش /بني والصخور /أخذت معها كائنات وبرش /وتركت وراءها أن تختار أن تكون /القاتل أو املقتول». 18
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الكتاب :نحو األبد الشاعرة :ظبية خميس (اإلمارات) النارش :اتحاد كتّاب وأدباء اإلمارات عدد الصفحات 130 :من القطع املتوسط
ال يتوغل شعر ظبية يف الغموض ،بل إنه عىل العكس من ذلك يذهب إىل املعنى مبارشة غري أن «الحالة» الشعرية التي يرتكها عىل قارئه يف أفق التلقي هي التي من املمكن أن تتقلّب عىل أوجه التأويل ،أي أن خل ّو الشعر من الغرض -املجانية -هو الذي يصنع هذه الحالة الحداثية بامتياز .يبدو هذا األمر واحدا ً من االسرتاتيجيات التي أنتجها الوعي الشعري لظبية خميس ،الذي بدوره يخترب الوعي القرايئ أيضاً ،وهو وعي ُمد ّرب وال يخلو من «املكر» يف الحالني معا :يف الكتابة ويف اختبار وعي القارئ. وال ينأى شعر ظبية خميس ،إجامالً ،عن الهاميش والعابر، بل واملتداول أيضاً ،لكن هذا االقرتاب تقوم الشاعر بتوظيفه ليصبح حالة تأملية يف املصائر الفردية البرشية ومآالتها« :أجهل ما أصبو إليه /أحالمي ساذجة وبسيطة /معقدة ومركبة /وأتخىل عنها مثل فراشة /كل ما المست النار – تحرتق». و َم ْن يقرأ كتاب ظبية األخري «نحو األبد» ،الصادر ضمن مرشوع مشرتك للنرش جمع وزارة الثقافة والشباب والتنمية املجتمعية واتحاد كُتاب أدباء اإلمارات ،يدرك أن مصادر ظبية الشعرية ،أو املؤثرات التي هبّت عىل تجربتها ،هي ليست من صنيع ثقافتها العربية واالسالمية وكذلك الغربية الحديثة فحسب إمنا الثقافات املجاورة للقوس الثقايف والحضاري العريب واالسالمي ،وخاصة الهندية لجهة ذلك املنحى التأميل الصويف القديم الذي يطبع مبيسمه الكثري من قصائد الديوان املقتضبة والقصرية« :أرسق حيايت من مويت /أرسق حريتي من بركان جالدي /مهزومة ،وخائفة /مثل ورق خريف سقطت ولحقتها /شجرة بكامل مثارها التي ماتت /
عليها». ورمبا تكون لكتابة أغلب قصائد «نحو األبد» يف الهند وكربيات مدنها مثل دلهي ومومباي داللة عىل ذلك، لكن ظبية هنا تستفيد من تقنيات القول الشعري مثلام تستفيد من املشهد والفضاء من حولها ،ورمبا تصرب كثريا ً يك تجرتعه وتهضمه ثم ليخرج يف آخر األمر من صوتها الفردي الخاص ،ومن تجرتها الحياتية املخيضة وليست املتخيلة ،وعرب مخيلتها الشعرية التي تقتصد بالنرث« :قل للغريب يف جوف أرضه /متوت بني غدين وبني زمنني /وتأكلك األرض ،وال تأكلها / .أودعت الخزائن أرساري /وأوسدت جثامين التابوت /وحني ختم الصمت عىل شفاهي املطبقة /ذهب الرس األكرب معي /تاركاً لهم أهداب خيوط تذوب /بني الدهور وبني كلامتهم / .إ ّن يف مويت ،موتهم /وإن يدفنوين باألمس /ال يدفنون يف مويت، موتهم». صوت ظبية خميس «غريب» ،أي هو شعر ميلء باإلحساس والغربة والعزلة وامليل إىل الصمت والهدأة، إىل حد أن هذا اإلحساس ينتقل إىل قارئ شعرها ،فيجعله يشعر باإلحساس ذاته ،لكنه أيضاً صوت دافئ رغم هذا الربد الذي يشعر به املرء أثناء حضوره يف أفق واحد للتلقي مع النص« :أتراها األمكنة /تلك التي نتوق
لالنعتاق منها /التي تتخذ طع ًام ما /يف حلوقنا فيام بعد /عندما نتذكرها /األمكنة تصنع أشواقنا ،تكشف خبايانا /تعرفنا عىل من نحن بقرسيتنا /املفاجئة/ ، وميولنا التي مل نعرتف بها / ،انتامءنا املحدد لألشياء، واألماكن / ،واألصدقاء / .بضاعتنا القدمية التي ُرد ّْت لنا عرب الرحيل»
جهاد هديب
issue (5)- October - 2012
19
شعر وشعراء
عبد اهلل بشر
آالم تخلق شخوص ًا ومدن ًا الكتاب :يف ذمة العشق الشاعر :عبد الله برش (اإلمارات) النارش :دارمرييت -القاهرة عدد الصفحات 56 :من القطع املتوسط
عىل
امتداد أكرث من ثالثني عاماً كان الشاعر عبد الله برش م ِّقالً يف النرش ،ورمبا يف الكتابة أيضاً. هكذا صدر الكتاب األول للشاعر ،أخريا ً ،وأيضاً بهذا ال َق ْدر من الصفحات كام لو أنها إطاللته الخجولة أو اليائسة باألحرى بحسب ما تشري إليه الكلامت التي أودعها يف منت قصائده بالنرث هذه. مل يقدم عبدالله برش نفسه يوماً عىل اعتبار أنه شاعر، ظل الرجل قليل الكالم عن الشعر لكنه حتى بني أصدقائه ّ كان يصغي للقصائد ويتقن قراءتها بعني أخرى؛ هي عني ثالثة بالتأكيد« :يا كل آالمي /أحسست /بيديك تتلمسني /تشكلني /رغبة بأشيائك». كتب عبد الله برش قصائده القليلة املنشورة يف الكتاب عىل امتداد مدن عربية كثرية :أبوظبي والعني وعماّ ن وصنعاء والرباط والقاهرة ،مثلام الهند وتايلند أيضاً ،إمنا عرب مسافات زمنية متباعدة ،مبعنى أن تلك التقلّبات عىل أوجه املدن هي أيضاً تقلّبات عىل أوجه التأويل ،بحيث يشعر املرء بتلك التحوالت والتبدالت يف املعاين والدالالت أقرب إىل أن تكون وشاية باليشء واألمر ذاته الذي يطرأ عىل الشخص السارد يف القصيدة -أي الشاعر ذاته. يشعر قارئ هذه اإلضاممة القليلة من القصائد أن الشاعر نتاج تجربة مخيضة يتجىل فيها االحساس بالزمان واملكان معاً ،مثلام أنها أيضاً «قراءة» خاصة لشخوص بأعينهم هم غالباً قد وشموا ذاكرة الشاعر بأثر ما يف مرحلة ما من تجربة الشاعر يف الحياة بكل تفاصيلها اإلنسانية .هكذا من املمكن أن تتجاور األسامء وتلتقي يف قصيدة واحدة لييش كل منها بيشء خاص به أو بفهم شعري يجعل من هذه الشخوص ،املتَ َح ِ دث عنها يف القصيدة ،متجاورة
20
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
ومتقاربة .هكذا يجتمع الشهيد عبد الله كاسني مع ناظم حكمت وعيل أبو الريش وحمدة خميس والشيخ وآمال بشريي وحصة عبد الله والشهيد أبو عيل مصطفى الذي يقول فيه :تفسريك لـ«طري األبابيل /ذخريتنا /ورمادك / يوقظنا /لن ُنهزَم». بل ومع عبد الله برش ذاته ،فاألمر هنا ليس فكرة فحسب إمنا هو مزيج الفكرة واإلحساس معاً ،ونتاج النغامس حقيقي يف آالم هذه الشخوص إىل ح ّد أن املرء يحسب أنها هي عبد الله برش ذاته مبا هو عليه من تكوين نفيس ووجداين ومعريف ،يقول الشاعر يف ذلك املقطع من القصيدة الذي يحمل العنوان« :عبد الله برش»: «النجوم… /يف مدينتك تتساقط /كل يوم /أنت البحر/ فليرشبون.».. غري أن اللغة هنا ،بوصفها جملة بُنى تركيبية ونحوية، متقشفة ،واملعجم اللغوي لعبد الله برش يف قصائده محدودة كام لو أنه يف كل مدينة ويف شخص يتحدث عن أي منهام يعيد تأويل نفسه مبا هي عليه من خيبة وخذالن ورغبة مريرة يف االبتعاد والنأي .أيضاً ،ال عالمة ترقيم واحدة يف «يف ذمة العشق»؛ ال نقطة أو فاصلة، لذلك ينبغي عىل املرء أن يتوقف بعد قراءة كل سطر .ما يعني أن املرء قد يدرك أمام هذه القصائد أن كتابة عبد الله برش ال تشبه إال عبد الله برش ذاته بكل ما فيه من خياالت وذائقة وتجربة وموقف من العامل ومام يحيط به سواء أكان شيئاً حيّاً أم جامدا ً ،غري أن لكل يشء هنا تاريخاً ما خاصاً به ،ال يُقال عىل ذمة الشخص السارد يف القصيدة بل يُقال «يف ذمة العشق» فحسب
بيت الشعر
عفا مايكل ويفر
أن تبدأ الكتابة كما للتو الكتاب :كام الريح الشاعر :عفا مايكل ويفر (الواليات املتحدة) النارش :هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة -مرشوع كلمة املرتجم :وصال العالق «العراق» عدد الصفحات 135 :من القطع املتوسط
الكتاب
مختارات شعرية من منجز الشاعر األمرييك األفريقي عفا مايكل ويفر اجتهدت من خالله املرتجمة وصال العالق أن تقدم لقارئه بالعربية ما ميثل هذا الصنيع الشعري ،خاصة وأن الشاعر غري معروف عربياً حتى عىل مستوى النخبة ،عىل الرغم من مامرساته السياسية ومواقفه «الشعرية» وغري الشعرية. بدءا ً ،وبحسب املختارات ،فإن «سرية» هذا الشاعر هي سرية «الذات» الساردة يف القصيدة التي تقول الكثري من اإلشارات واللمحات واالقتطاعات يف اإليجاز والكثافة يف القول بل ويف تعا ٍل ليس عىل العابر بل عىل تلك التجارب اإلنسانية املخيضة التي يجعل منها أصحابها مالحم بطولية. غري أن القارئ يلمس أيضاً مقدرة هذا الشاعر عىل تحويل سريته بكل مضامينها الثقافية واإلنسانية إىل حالة من التفرد بكل ما تحمل البساطة من تعقيد ،إمنا بروح شعرية ال تنأى كثريا ً عن املجموع ،لكنها تعيد التأمل يف ذاتها الحقيقية فتغدو هذه «الذات» جانباً يسريا ً من حياة ثقافية وإنسانية مؤملة خاضها سود أمريكا خالل القرن العرشين تحديدا ً ،وذلك من دون مواقف مسبقة أو ضغائن أو كراهيات متوارثة ،وب َق ْدر رفيع من التأمل: «فـي أماكـن مظلمــة ُأريـ َد لهـا ْأن تفتقـر إىل األمان / ،مثة وحوش ع ّلمتني الخوف / ،لذا ينتابني الرعب من املرايا / حتى هذه اللحظة». إنها تأمالت تذهب إىل ما وراء ما جرى وتحاول أن تج ّرد الروح الفردية للتجربة اإلنسانية إىل خطوطها األوىل ،عىل نحو ما كان يفعل االنطباعيون الفرنسيون أواخر القرن التاسع عرش ،وذلك بابتعاد عن الخطاب الكيل الجاميل
والسيايس ،وبالتايل الرتاجيدي للجامعة ،غري أن خطاب الشاعر هنا هو خطاب الفرد ،إذ يشعر بهزميته الخاصة أمام قدرية وكل ما ال را ّد له« :حني نالمس /خيبة الحياة / ،يفيق القدر ِّ القدر /من قيلولته ساعة الظهرية». هو ليس بخطاب عدمي باملعنى املتعارف علية بل إنه مزيج اليأس بنوع من العتاب اإلنساين الذي يرفعه الفرد إىل خالقه يف لحظات عرس وشدة .وتنتمي هذه القصيدة إىل أخريات الدواوين التي كتبها «عفا مايكل ويفر» ،ويف املقابل ،ويف الفرتة ذاتها وعىل النقيض من ذلك متاماً ،يكتب الشاعر هذه القصيدة الجديرة بالحفظ عن ظهر قلبُ : «خلق الخوف /عىل هيئة نقاب أزيل /من الدخان /ل ُيعمي ويضلل /عيونا مبرصة». كانت هذه مقاطع تأملية من دواوين عفا مايكل ويفر األخرية ،غري أن من املالحظ لقارئ «كام الريح» أن خيط التأمل الشعري بنزعته اإلنسانية كان قد بدأ مبكرا ً يف تجربته، إمنا متأثرة بعدد من شعراء ثالثينيات القرن املايض وتحديدا ً ما يعرف بشعراء هارمل ويقول« :اطلعت عىل تاريخ الشعراء األمريكان من أصل أفريقي باعتبارهم قدويت األوىل .وقمت بتحديد لغتي الشعرية لتجمع بني أسلوب النجستون هيوز وجويند ولينربكس الحرضيني من جهة ،وبني أسلوب ستريلنج براون املفعم بالصور والتشبيهات الجنوبية من جهة أخرى». رمبا ،من هنا نجد الكثري من األسامء من أصحاب العبقريات «السوداء» التي ظهرت يف القرن العرشين ترد يف القصائد من شعراء وشاعرات ومغني جاز وتفاصيل أخرى تخص الحياة اليومية يف معيشة سود أمريكا يف أحيائهم الفقرية ،غري أن واحدة من أجمل القصائد يف تلك املرحلة هي «يشء رائع وبكل بساطة» ،عن النجستون هيوز وآرنا بونتمبس
بيت الشعر
issue (5)- October - 2012
21
شعر وشعراء
عبد اهلل أبو شميس
بين الرومانسية والحداثة الكتاب :الخطأ الشاعر :عبد الله أبو شميس (األردن) النارش :مؤسسة عبد املحسن القطان واألهلية للنرش عدد الصفحات 79 :من القطع املتوسط
يصغي
عبد الله أبو شميس إىل النربة الخافتة يف التجربة العربية الشعرية املعارصة ،إىل ما هو يومي ونرثي ،واعرتايف ،ومتطامن ،وغري نبوي يف هذه التجربة .ولهذا فإن ما هو ظاهر من تأثريات وتناصات يف مجموعته الشعرية «الخطأ» ال ينتمي مثالً إىل شعر محمود درويش ذي النربة املقاومة وامللحمية العالية ،بل إىل ما هو شخيص ووجودي وحواري يف تجربة درويش؛ إىل األسئلة الحائرة التي ال تجد لها أجوبة يف شعره ،أي إىل شعره األخري بدءا ً من «ملاذا تركت الحصان وحيدا ً» ،مرورا ً بالـ«جدارية»، وانتهاء مبجموعتيه خفيضتي النربة ،القريبتني يف تعبريهام من عوامل النرث« :حالة حصار» « ،»2002و«ال تعتذر عام فعلت» «.»2004 قريباً من هذا العامل األخري ،الذي عمل محمود درويش عىل تكريسه خالل السنوات العرشين األخرية من عمره ،ينسج عبد الله أبو شميس عامله الشعري ،ويعمل عىل تغريب النربة الدرويشية الخافتة التي تبدو يف خلفية قصائده، بحيث يكون درويش حارضا ً يف شكل قصائده األخرية وهندستها ،غائباً يف موضوعاته ورؤيته للعامل. يتأرجح شعر عبد الله أبو شميس ،ككل شعر شاب ،بني النربة الرومانسية الحاملة ،واللغة الفردية املنطوية عىل ذاتها ،والباحثة عن تفسري لوجودها يف عامل باهظ خانق، من جهة ،والتعبري الشعري ذي النربة املحايدة الذي ال نعرث فيه عىل أي متجيد للذات الشعرية ،أو تفخيم لدور الشاعر يف هذا العامل .تغلب النربة األوىل عىل القصائد املكتوبة يف سن مبكرة ،يف العرشين أو ما قبلها أو بعدها بقليل ،حيث تسعى الذات الشعرية إىل التعبري عن أحزانها وإخفاقها يف فهم موضعها من هذا العامل: ً «ملاذا نحطم /ما جبلته يدانا؟ /وندعوه يف رسنا «خطأ» / 22
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
أين كان كالنا /عندما مل يكن خطأً؟ /وحني نحطمه /ما الذي سوف ينقذنا من رؤانا؟ /نحن أخطاؤنا /نحن أخطاؤنا/ .. والصواب سوانا». تفيض بنا هذه الرغبة يف التخلص من حالة التقمص، ومتاهي الذات مع املقروء ،أو املريئ ،أو كل ما يشكل آخر، إىل رؤية للعامل تنظف الطبيعة من اللغة التي تسجنها يف شبكتها العنكبوتية ،يف فائضها الذي يشكل حجاباً للطبيعة والذات واآلخرين .وهذا نقض للرؤية الرومانسية للعامل رغم أن اللغة الشعرية هنا تنتمي إىل القاموس الرومانيس .يف قصيدة «يف الصباح» محاولة الستعادة الطبيعة من براثن اللغة ،للعودة بها إىل نقائها األصيل «املوهوم» .وهذه رؤية رومانسية متأصلة لدى تيار واسع وجذري يف الرومانسية بأطيافها جميعاً ،حيث يسعى الشاعر إىل معانقة الطبيعة العذراء التي مل متسسها لغة« :يف الصباح /يكون الهواء نق ّيا من الفائض اللغوي / ،تضيق ثياب العبارة /ثم تضيق / ...إىل أن تصري العبارة /ذبذبة /دومنا كلامت». وينجح عبد الله أبو شميس يف كتابة هذا النوع من الشعر الذي يقيم معادالً موضوعياً لعواطف الشاعر ومشاعره الجوانية ،بتعبري يت .إس .إليوت ،عندما يقتبس من إليوت مبدالً حزيرانه بنيسان إليوت نفسه .إن التناص الذي يقيمه الشاعر يف قصيدة «حزيران حزيران» ،التي متزج بني حزيران االنقسام الفلسطيني وحزيران الهزمية العربية عام ،1967 مع قصيدة إليوت الشهرية «األرض اليباب» ،هو محاولة للتواصل مع الحداثة الشعرية يف انعطافة واضحة يتخىل فيها الشاعر عن رؤيته الرومانسية للعامل« :حزيران «أقىس الشهور» /أىت حام ًال يف يديه /رصاصا لحرب األخوة / رزنامة من شواهد /وورداً كثرياً ألجل القبور»
فخري صالح
حياة الخياري
اقتياد العبارة باتجاه المجاز الكتاب :حوار القرآن والشعر عند أحمد الشهاوي املؤلف :د.حياة الخياري (تونس) النارش :الدار املرصية اللبنانية للكتاب2012 ، عدد الصفحات 200 :من القطع املتوسط
تنتقي
رض بديه ًة عند املفرسين والبالغيني الباحثة أدبيات الشاعر املرصي أحمد الشهاوي مل يتم مبعزل عن معيا ٍر حا ٍ ِم َج ّساً لحوار القرآين والشعري ،نظرا ً إىل كثافة القدامى ،هو املجاز الشعري ،ما ّ يدل عىل أن املعجم القرآين مل الحضور القرآين يف هذه النصوص ،إىل جانب ما واجهته من يكن مكتفياً بذاته ،بل إن لغة القرآن مل ت ُف َهم مبعزل عن غريها جانب املعايري املوضوعية ومل من لغات العرب. جدل عقائدي ونقدي ،كثريا ً منه َ كل تأويل رصفاً يرا ِع الخصوصية الرمزية امل ُ َميِّزة للكتابة األدبية عند الشهاوي ،وبالبناء عىل قول الغزايل «يشبه أن يكون ُّ وهي التي يشرتك فيها مع غريه من مبدعني يَ ُع ّدون النص لِلَّفظ عن الحقيقة إىل املجاز ،وكذلك تخصيص العموم ي ُر ّد تحتكره القرآين من ضمن املش َرتك الثقايف الذي ال يجوز أن اللّف َظ عن الحقيقة إىل املجاز» ،فإ ّن أي عملية تأويل للمقال جامعة أو طائفة. القرآين بالعودة إىل املقام الشعري تتم بالتساوق مع عدو ٍل عن الباحثة إذ تؤكد عىل أن حوار القرآين والشعري ليس أمرا ً «الحقيقة» ،واقتياد العبارة باتجاه «املجاز». طارئاً عىل األدب العريب قدمياً وحديثاً ،وإمنا ميتد إىل زمن ويف تتبعها ألسس الحوار القرآين والشعري يف أدبيات الشهاوي، نزول الوحي وبدايات تفسري النص القرآين ،فإنها تلفت إىل ترى الخياري أن الشعر املعارص يحتاج إىل مامرسة لغوية أهمية التمييز بني مقومني يف ماهية القرآن :العقائدي، هي أشبه بعملية «انزياح عن االنزياح» ،بأن يوظّف األلفاظ واللغوي؛ ففي حني أن املاهية العقائدية مرتوكة للفقهاء والرتاكيب القرآنية ،مع مفارقة ما علِ َق بها من دالالت ألغراض واملفرسين ،فإن املاهية اللغوية تشكل مساحة مطروحة فنية إنشائية ت ُط ّوف يف فضاء رمزي .يقول الشهاوي: لالستثامر اإلبداعي كتاب ًة وقراءة ،باستنادها إىل ثراء املعجم «أك ُرب من ورد ٍة /أك ُرب من حج ٍر َ شمس / ثلج ٍ أزرق /وأدفأ من ِ القرآين وتن ّوع مجازاته ،وانطالقاً مام توفره املعطيات اإلنشائية خاتم ناد ٍر /وأعىل من سورة خاصمتها السامء /بيوتها ٌ لغة أك ُرب من ٍ يف النص القرآين من أريحية للتوالد الداليل« ،كلام انزاحت العبارة عن القرآن ،واقْ ِتيدت باتجاه الشعر» ،بحسب الخياري .تعط ّلت املعاجم عن ّ رسها». فك شفرة ّ ت ْدرس الخياري يف فصل مستقل اسرتاتيجية التناص مع الحرف لذلك فإن هذه الدراسة ال تتناول مكونات «النص» إال بقدر القرآين (تفتيق املخلوق من املعطى) .فانطالقاً من أن اللغة قابليتها للتطويع األديب ضمن ظاهرة «التناص» القامئة أصالً ُ الحرف الشعري عىل مراعاة «املتناص» ،والذي يمَ ْثُل وفق «جرار جينيت» ليس هي الرافد املشرتك بني الديني واألديب ،يستقي ترسب يف الذاكرة الثقافية من سلطة يف النص ذاته ،بل يف عمليات التواصل الكامنة يف رشوط إنتاج طاقتَ ُه اإلنجازية مام ّ الكلمة املقدسة ،لينفتح حوار النصوص عىل مرصاعيه بني النص ورشوط تلقّيه ..ما يجعل املقصد الفني يتق ّدم عىل املقصد الداليل ،وهذا ما يدفع الباحثة إىل القول إن الغاية من إنجازات الحرف القرآين وإنجازات الحرف الشعري .وتدرس الخياري «ملفوظني إنجازيني» احتفى بهام الشهاوي ،هام: دراستها هي محاول إنتاج «ممكن» القراءات ،وليس تأويل «كائن» النصوص. «كُن» الذي يجسد فعل الخلق) ،و»حآء» (ويجسد فعل اإلحياء القريش زيد أبو به جاء مام االستشهادات من تسوق الباحثة والبعث) وأبو سالم الجمحي وسواهام لتُوضّ ح أن متث َُّل املجاز القرآين جعفر العقييل issue (5)- October - 2012
23
شعر وشعراء سلطان الزغول
النص الشعري سلطة األب في ّ
الكتاب :متثيالت األب يف الشعر العريب الحديث املؤلف :سلطان الزغول (األردن) النارش :عامل الكتب الحديث2012 ، عدد الصفحات 300 :من القطع الكبري
تحاول
هذه الدراسة النفاذ إىل متثيالت األب يف القصيدة العربية الحديثة عىل اختالف توجهاتها وانتامءاتها الفكرية والفنية ،وهي بذلك ال تف ّرق بني قصيدة حديثة أو حداثية أو حتى تقليدية ُكتبت يف العرص الحديث. يقرأ الباحث متثيالت األب يف القصيدة يف نحو مائة نص شعري لسبعة وعرشين شاعراً ،الفتاً إىل ق ّلة حضور األب يف الشعر العريب الحديث بصورة عامة ،وظهوره بشكل محدود عند بعض الشعراء، وتج ّليه وسطوعه يف نصوص بعضهم اآلخر. يتت ّبع الباحث رؤية الشاعر العريب إلشكالية األب املتداخلة يف عالقاتها ويف أبعادها النفسية واالجتامعية والسياسية وامتداداتها السلطوية التي تتجلىّ يف سطوة التقليد وهيمنة التاريخ ،فالشعر كام هو معلوم من أكرث الفنون التعبريية قرباً من الذاتية وقدرة عىل تكثيف العامل ،ما يجعله ميداناً خصباً لقراءة العامل الذي يضطرب يف ذات الشاعر ويتجلىّ يف القصيدة. يركز الزغول عىل تحليل نصوص يف الجوانب التي يتمثل فيها األب ،وذلك دون مراجعة أو قراءات أو نقود سابقة كام يوضح َ والقرآن يف املقدمة .بذلك اعتمد دواوين الشعراء مصاد َر أساسية، والكتاب املقدس مصد َرين رضور َّيني لتقصيّ تناصات الكريم َ الشعراء معهام ،إىل جانب دراسات أخرى . يذهب الباحث يف الفصل األول إىل تقصيّ تعبريات الشعراء الحديثني عن فقد األب و يقدم قراءة لنصوص ترى األب املفتقد يف إطار صورة القرية الضائعة ،وتربط بني املكان واألب يف تعبريها عن إحساس الشاعر بالفقد قبل أن ينطلق من فكرة إحياء األب املفت َقد يف االبن واستمراره عربه ،وهي التي تج ّلت بشكل خاص عند أحمد شوقي .عالوة عىل ذلك تناول الباحث القصائد التي متس األسطورة وتتامهى معها ضمن قدمت األب عرب رؤية ّ املرجعية الخاصة بكل منها. 24
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
ويحاول يف الفصل الثاين تحليل معاناة االبن من سلطة األب التقليدي ،ومحاوالته التمرد عليها ،باحثاً عرب مناذج شعرية متعددة ،يف موقف الشاعر من سلطة التاريخ الراسخة يف مجتمعاتنا .ويف هذا املضامر ،تؤكد الرؤى الشعرية التي تعبرّ عن سلطة األب التقليدي أيَّ مدى َب َل َغ ُه تأثري هذه السلطة. أما تلك الرؤى التي رنت إىل األب التاريخي فهي توضح هيمنته وامتداداته املؤثرة يف الحارض ،حتى كأن ُ حارض العريب يعيش يف َ التاريخ يستمر عربه يف الحارض. التاريخ ،أو أن يتوقف الباحث طوي ًال يف فصل منفرد عند الشعر الفلسطيني، مختاراً ثالثة مناذج أساسية من هذا الشعر الغني بتمثالت األب، منطلقاً من قناعة ترى أن هذه النامذج تخترص مناذج كثرية أخرى تدور يف فلكها أو تكررها .ويف هذا السياق يقرأ الباحث عرب القصيدة ،صور َة محمد القييس الثابتة لألب الشهيد ،ورؤيةَ عز الدين املنارصة املتميزة لألب يف سبيل الدفاع عن الهوية الثقافية والتاريخية لفلسطني ،وتجرب َة محمود درويش التي تتوهج بتمثالت األب ،وتتجدد عرب تاريخ الرصاع مع االحتالل، حتى لتكاد تكتب جميع فصوله شعرياً. وهو يخلص يف هذا املضامر إىل أن تأثري األب يف الشعر الفلسطيني كان محاولة ملواجهة «قدر خانق يحارص واقع اإلنسان ويحاول نفي وجوده من املكان» ،إذ ارتبط متثيل األب الشهيد بالتصميم عىل البقاء واالعتزاز بالتضحية يف سبيل التمسك باألمل (القييس) .أما متثيل األب الفالح املتمسك بحقه ّ يف أرضه ،واملتصل باألب القديم «كنعان» فارتبط باإلميان بأهمية العودة إىل األرض وكتابة تاريخها الحق (املنارصة) ،وهو ما يقارب ما جاء يف متثيل األب الالجئ أو الثائر عند درويش
هيا صالح
نصوص الفنان عالء بشري
محمد بنيس عمر شبانة آدم فتحي حسب الشيخ جعفر خزعل الماجدي هاشم شفيق دنيا ميخائيل
رنا جعفر ياسين مؤيد الراوي باسم المرعبي صالح حسن السيالوي علي محمود خضير نضال برقان أمينة ذيبان
issue (5)- October - 2012
25
نصوص
محمد بنيس
ف ّ خـاريّات د َُخـان
يف ّ فاس) يش ٌء َما الفخارين (أقصدُ َ يبدَأ لىَ س ْف ٌح ع طريق الرشقِ ي ْنبـثقُ ّ ُ ُ السام َء الد َّخان وهْ ـ َو ُيلطخ ّ ني هُ نا ْ بالغسـل ِ َجزيرةٌ ال ت ْع ُ رف ْ هل ُصو َر ُتهَا يف د َ َاخلك أ ْو َخا ِرجكَ ج ْه ٌل يتكـثرّ ُ كام ل ْو لَ ْم ُيكنْ ّ لس َك عن َد قط ْأج َ عَت َبـت ِه ْ طريق الرشقِ ( َما م ْعنَى عَىل ِ ْ الرشقِ ؟) ُ َ تنظ ُر إىل الدّخانِ منْ بعي ٍد كتلةٌ ٌ تقـتلع أ ُفـقاً ثابتة ُ منْ ُ جذور ِه
ت ْعج ُز عن ُمالحظت ِه منْ دونِ ج ْد َوى د َُخ ٌان ك ْي َف يل ْأن أقيس َ َما ُ جئت إل ْي ِه ُ أقدام بياض املقاب ِر ع ْن َد ِ ُ عن التـر ُّد ِد شـ ْوقٍ ال يك ُّف ِ ُكنْ منْ أزرَقِ إلىَ أزرَقٍ رمي ُة العـينْ ِ ُت ْهدي َ املجه ْ ُول لك ْ َما تــ َراه هُ نا أ ْت ُ رك العينْ َ َتسرْ ُح قطع منَ بينْ َ ِ َ ّ ني َأشكا ُلهَا تتك ّر ُر ي ْوماً الط ِ ب ْع َد ي ْو ْم واح أ ْل ٌ مص ٌ ٌ فوفة مربعات ْ يف تستقب ُلهَا الش ْم ُس طوح ْ ُس ٍ
الطريق نح َو تتدفق املقاب ُر ْ ِ ثم الع ُني ّ ُ سع تبحث عن حدَق ٍة أ ْو َ عنْ أز َر َق يف جزير ٍة كبرُ ْت مساح ُتهَا بأ ْم ٍر َما
26
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
تس ُ تقبل دالي ًة كماَ ْ منْ ورا ِء لس واضعاً الذي َي ْج ُ ْ بينْ َ يد ْي ِه أطباقاً ُ بالص ْم ْت تفيض ّ ط ٌني يتخ ّم ُر َ تلك ْأج ٌ فان ملَا س َيص ُري ْ تح َت بصرَ ِ ّ الفخاريِّ ثم يبدَأُ ق ْوساً ي ْك ُ تمل ّ دامئاً ذاك َر ُة الشرّ ْقِ ُمهـ ّد َد ٌة عل ُم ْستقـ َبلِ ْ األش َك ْال ٌ صفوف منَ ال ّرماديِّ ل ْو ٌن بالص َفا ِء سي ْك ُسوهَ ا ب ْع َد أ ّي ٍام ّ علىَ ال ّلسانِ ديح ألهْ لِ املَ ْ كان َم ٌ ُقـــ َبالتَك جسد ََك ُق ْر َب ُه َض ْع َ تن ّف ْس عميقاً حتّى ال ي ْب َقى َ الص ْم ِت منك غ ُري ّ هَ ا هُ َو ّ بانتظام الفخاريُّ ٍ ُيح ّر ُك القد َم يك يدُ و َر ْ سط ُح آل ٍة ِْ خشب ّي ٍة هم ور َثهَا عنْ ْأجدا ٍد ال ُتغاد ُر وجوهُ ُ ْ املكان ّ ْ قط ٌ ني عة من الط ِ ْفرج تن ُ تستوي ش ْيئاً فش ْيئاً ْ بحرك ِة اليد ْي ِن ف ْو َق ْأسطوان ٍة َ تنمو وض ُ دائر ُة ُ الغم ِ دور ًة ب ْع َد د ْور ٍة السـرو ِر إ ّن َك يف حضرْ ِة ُّ
الفنان قاسم عثامن
تَشرْ َ ُب منْ َمن َبـع َما ُيحـ ّر ُك أ ْع َضا َء َك ُيعو ُد قاعد ُة تضبطُ ٌ الزّوا َيا ْ بطيئة د ْور ُة ال ّالنهَاي ْة ُ ات عاج ٌز أ َنا نح َوهُ يدُ ال ّزوَّاقِ منذ م ّر ٍ َما تس ُري ْ ْ ّناس ِب عنْ عدّهَ ا نشو ُة الت ُ األصابع ر ّقةُ أنظ ُر إل ْي ِه صانعاً شـ ْك ًال ْلحنٌ ال ُتغاد ُرهُ ُ ال ُف َ رشا ْة منْ هُ نَا ول ْي َس منْ هُ نا ُ تبع ما ُيحيط ب ِه ال َو َفا ْء َت ُ الوج ُه مرآ ًة َجسدي ُغبا ٌر س َي ْبدُ و ْ ْ ذ ّرا ُت ُه ليش ٍء ال نرا ُه ْقسم إىل ن َع ٍم والَ ش ْك ٌل تن ُ ّ بينْ َ الظ ْه ِر وال َو ْج ِه وأ َنا ْأس ُأل ْ هل ا ْمتال ٌء ُ تح َت إبط ْي ِه غبت ع ْن ْه َي ُّ ضم الفر َاغ ْ َس ِاحـــــر فر ٌاغ ْ تب ال ّالم ْعنَى أنشأت ألجلِ َما ي ْك ُ ّ ثم النّا ُر يف ُفـ ْرنٍ ْ ُ عات ومنْ ـن منْ ُمر ّب ٍ حركة الي َد ْي ِ ْأشكالِ آنـي ٍة هُ نا ّ جســـد ْضج الفخا ُر َين ُ َ هب تزْدا ُد ا ْرتفاعاً مجهُوالً َ ذاك َما ُّ ٌ يظل ْ عساليـج لهَذا ال ّل ِ يف ُد َوار ال ُفـ ْرنِ ُ يقف ٌ عامل ُير ّو ُض ما ٌء بثـاقات رسيع ٍة حتّى علىَ بشرَ ِة آني ٍة ال ّنري َان ساح ُر ا ْن ٍ ـب ّ عات منَ ّ الفخا ِر أ ْو ُمر ّب ٍ يتل ّه َ الفخا ُر يف ملْ ٍح منَ البصرَ ِ ُي ْف ُ ـرغ النّا َر يف غ ْو ٍر كأنمّ َا رعْـدٌ ته ّيأ ش ْك ٌل له َذا ال ّل ْونِ يف ْلحظ ٍة ع ْم َيا ْء ُ تستعيدُ منْ جبالٍ ُتحيط باملدينـ ِة َيأيت ب ْعدَهَ ا نري ٌان ْ أسرْ ا َر بينْ َ َّ َما يتبد ُّل (هُ َ الظهْــ ِر وال َو ْجــــه ناك منْ الحرار ِة) واقفاً علىَ ح ِّد يرت ّن ُم ال ّز َّو ُاق أ ْقصىَ َ بأ ْقوالٍ يتع ّذ ُر س ْم ُعهَا ال ّال ُو ُجو ِد ـ ال ُوجو ِد ابع ُفرشا ٌة منْقوع ٌَة خبي َء ال ُف ْرنِ بينْ َ َ األص ِ بينْ َ املا ِء ال ّل ْونِ ّ الفخا ِر النّا ِر يف َم ْحلولٍ منَ املعَادنِ َ قيل ُم ْعجـز ٌة ما ٌء َ سح ٌر ال َيب ُني ال ّل ْو ُن قيل ْ ُز ْخ ٌ َ رف قيل موا ُّد ب َد ْورهَ ا ت ْب ُ حث عنْ َجس ٍد ْ رج منَ املا ِء اقب ك ْي َف يدٌ تو ّزعُ با ْنتبا ٍه ُتر ُ سيخ ُ ب ْع َد ْ ْ قليل يس أضالعَ ش ْكلٍ هَ ن َد ٍّ
ا ْنبــ َثاق طل ُ منْ شرُ فت ِه ُي ّ أزرق ا ْن ٌ بثاق بياض ّ ألشكالٍ َي ْستضيفهَا ُ ْ الطال ِء ُموسيقى حس يف األ ْع َضا ِء دبي َبهَا ُت ُّ َ الص َ َي ُص ّف َ انات حون الج ّب ِ ون ُّ األطباق َ ف ْو َق طا ُول ٍة (ا ْن ُـظ ْر إىل ن ْه ٍر منَ ُ يجري) الخطوطِ ْ هُ نا ُ األزرق رتفع َي ُ با ّتجا ِه العينْ ِ يصعدُ ْ بياض ْ مح ُموالً عىل ٍ issue (5)- October - 2012
27
نصوص
َما ُييض ُء مع َما يتألألُ َما ي ْل ُ يحتد ُم ع ْن َد النّظ ِر َما ْ إل َز َ خارف ك ّلهَا زرقا ْء ُ الاليش ُء يف ْ ْ اليش ِء يتضاعف تمُ ْ ُ سك َ الحرك ِة يدُك عن َ لسا ُن َك ي ْعص تلبس ا ُمل َ حال عينْ ٌ ُ تح َت دَالي ٍة ْ ُ أزرق س ّيـدٌ منْ ن ْفسـ ِه يتل ّقى ّ الض ْو ْء ُل ْعبـــــة ٌ طريقة تت َوا َرى عن العـينْ ِ عندَما التّـزاويقُ الص ْح ِن تتجلىّ ُمع ّلق ًة وج ِه ّ ف ْو َق ْ يف ْ مشه ٍد تشتـدُّ نبضا ُت ُه أ َما َم منْ ين ُْظ ُر بدونِ َك ْ لامت ال ْ اويق تظه ُر يف التّـز ِ اويق غيرْ ُ التّـز ِ يش ُ ُّ أقل منْ ُسؤالٍ هَ ذا الذي ْ غل النّاظ َر إىل ُل ْعب ِة الزّوا َيا م ّر ًة تدْنو م ّر ًة َت ُ تح َت النّظ ِر ش ْيئاً رتك ْ ضيع َي ُ يف ال ّنهَا ِر ُ رصيح دائر ٌة ق ْل َب دائر ٍة أزرق ٌ للبياض ُيس ّل ُم خطاًّ ِ ُكوف ّياً 28
بيت الشعر
هُ َو ْاس ُم املَدين ِة يت َوقدُ بينْ َ أصابع ال ّزوَّاقِ ِ ٌ ُخطوط ُّ ٌ أغصان تلتف ُ تسيل ب ُب ْط ِء َش ْهو ٍة ُموسي َقى منَ ال َبعي ِد األ ْبع ِد عت ٌ َمة اكم ف ْو َق ج ْل ِد ترت ُ الح ْ روف ُ هَ ا ِمـــش
فاس ْ
صحنٌ ْ بقد ٍَم َصغري ٍة قص يف هَ وا ٍء هُ َو الب َي ُ اض ي ْر ُ نج ٌ مة ْ بح م ْركزاً م ْن ُه ملَا س ُي ْص ُ التماَ ُ ثل ُ السطو ِر ُيولَدُ بينْ َ ُّ ُأخ ّو ُة ال ّر َض ِاع َ ُ األزرق كذلك السام ِء ُيث ّب ُت كلماَ ِت ّ منْ جدي ْد لكنّ اله َ َامش ُمقا ُم ال َعينْ ِ (سام ُء الكلماَ ِت َت ْه ُج ُر امل ْركزَ) َ ُ ْكرس السطو ُر خ ْل َف تن ُ زاوي ٍة منَ الكلماَ ِت د َوائ ُر صغري ٌة ُمن َع ُ رجات اعم ُه إ ْكليلٍ تفت َّح ْت َبر ُ يف ّ الض ْو ْء
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
َو ِصيــَــة و ْل ُيكنْ َما تشا ُء مـا ٌء فـي هَ وا ٍء يح ُضنُ ْاسرت ََاح َة املَا ْء هَ وا ٌء ْ ح ْكم ُة َ أزرق بح َي ْس ُ البح ُر أفق هُ َو ْ ا ْمتدَا ُد املا ِء يف ٍ ال ت ْكت ُْب س َوى الذي َشاهد َْت عنْ ُق ْر ٍب لك العينْ ُ الَ ِط ْفـهَا بقط ٍرْ َ منْ سرَ ير ِة َما ُتشاهدُ ل ْيلةُ َ أزرق ف ْو َق آني ٍة منَ ّ الفخا ٍر هُ َ ناك هُ نَا ً ْ طافت ّليج سكينة ين ُْشـ ُر الز ُ باملَكانِ أ ْن ِص ْت إىل األزرَقِ يرت ّن ُم فر ٌاغ تح َت ق ّب ٍة ْ َي ْص ُفو ُش َعاع ّياً ْمل فاس ُيغاد ِر األ ْن ْ أ ْز ُ رق فـــــاس ُ بأيٍّ منْ هُ َ ناك ستنظ ُر إلىَ األزرقِ الص ْحنَ أش ّع ًة ت َزاويقَ طافحاً ُيالز ُم ّ هي ٍ نباتات ه ّب ْت ٌ رياح عل ْي َك حرار ًة َ ُ ا ّتقا ُد َما ْمل تكنْ ُتد ُ ْرك ت ْكوي َن ُه ُ أزرق ُ َم ْع ُ دن الكو َب ْل ْت
الفنان قاسم عثامن
قد ٌ َامة أبعدُ منْ ن ْه ِر النّيلِ حافي َة فاس إ ّن َك الَ ْ جاءت إلىَ َ الق َدمينْ ِ أغصانٍ غصنٌ يف َ تدْري منْ أ ْينَ ْ ني خالصاً ُ يضيع س ّل ْم علىَ أزرقِ ّ الص ِ وأنت أي ُتهَا ا ُملوسي َقى ا ْنه ِمري ف ْو َق ِ ُ ُ البياض الهَوا ُء العطش هي أرض ٍ َ ال ُتع ّو ْل عىل ُمقا َرن ٍة ُ أزرق يزهُ و َ قاش َان ُس ْلطان َبا َد األ ْر ُض الزّرقا ُء البرُ تـ َغ ُال لك ّن ُه فـاس أز َر ُق ْ ُمشاهَ ــدَة ما د َ ُمت ُتشاهدُ
يف مسرْ ٍح َ أزرق واقفاً ُق ْر َب العينْ ِ ص ّفاً منَ األزرقِ أ ْو يج ِف ْر َشـ َة الز ّل ِ يف األزرَقِ ألأل ٌة خري ٌر ن َغ ٌـم َ ُ األزرق لك سع أ ْو ُ مساحت ِه منْ َ أ ْبعدُ األنفاس َ ُ مع العينْ ِ صحرا َء ُ عطشهَا أ ْق َوى منَ األمَلِ يف ْ اليأس منَ ِ َ َ كذلك العينْ ُ ُتشاهدُ األبيض يتح ّر ُك َ فوق قطع ٍة كتا ُب َ ـك القاد ُم الذي لنْ ْمتـأل ُه الكل َم ْ ـات لس َعـــة ْ زاهياً ُّ ُ األزرق يظل رافعاً قدم ْي ِه إىل هَ ـوا ٍء َي ْض ُ حك ا ْت َب ْع تد ّفقَ األزرقِ ُ ُتخو َم ُه املتقابل َة ْ تتضاعف الع بأض ٍ ّ خط ُه الكو َّيف يف أثنا ِء حرك ٍة أبد ّيـ ٍة حتّى ُ مجنونٍ ت ْلسعن َّك ر ْقصة ْ ُ سيك ُ ون ْ أنت
جسدٌ ْ َ جسدُك يطفـو فاس ف ْو َق ْأسـوار َ تبس ْت يد ُْخ ُل يف نشو ٍة ب ِه ا ْل َ الَ ج َرا َر هُ َ ناك َاح ال أ ْقد ْ دَواة ُ أزرق الدّاو ِة ض ْو ٌء َ ُ يعيش بينْ َ أصابعك حالَم ُ ألجل ِه ترتك ْ تب فارغاً َس ْط َح امل ْك ِ إ ّال منْ د ْف ٍرت ُ الص ْم ْت يحيط بهاويت ِه ّ ُ أزرق يرت ّن ُح َ منْ غيرْ ِ نأ َم ٍة ُ أزرق الدّوا ِة تشرْ ُب العينْ ُ ْأشكال ُه ل ْي ًال صباحاً ب ْع َد ظهري ٍة غسقاً يرقص ُ تحت ّ َ هي الالم ْعـنَى ظل د ْوح ٍة َ فخار ّي َ ّ صنعوا ون من ق ْب ُل ُ دَوا ًة ثم دَوا ًة ّ ات ثم ْأخر َي ٍ ب ْينهـنّ ف ْر ُق ما بينْ َ ي ٍد وي ٍد عينْ ٍ وعينْ ْ هذه الدّوا ُة أنظ ُر إىل قواريرهَ ا الثالث ِة القلم ي ْو َم ُ َ كان ف ْو َق َص ْل َصال ال ّل ْو ِح ّ كلامت كأ ّنها مذعور ٌة يف يخط ٍ وحدتهَا ْ عن َد ّ كل نظر ٍة وأسـقـي ِه أشـر ُب ُه ْ أز َر ُق الدّوا ْة issue (5)- October - 2012
29
نصوص عمر شبانة عن نهايات بيت
وقرآ َنه والجدا ُر ُ ٌ مفتوحة للصبايا نوافذ و ُمشرْ َ ٌ الفسيح عة للهواء ْ
-1-
ْ للهالك درب قص ٍري َبيتُه يذهب يف ٍ َبيتُه صور ُته ِمن أ ّول العم ِر وباب يف الحيا ْة إىل آخر ُش ّباك ٍ -2-
البيت ُح ٌلم تن ّقل صور ُة ِ ما بني طفلٍ يط ُري َ وكهلٍ يقاوم صمت اإلضاء ِة يف غرفة النوم، ُح ٌلم يطري به ُح ُلم ُه كالفراشة يف وَهَ ج النار يوماً ويوما ُيرى يرتجل عن ُحلمه ْ املوات سائرا يف طريق هم مىض صور ُة البيت َو ٌ منذ أولِ أيامه يف حروب النهاي ِة منذ الطفول ُة كانت له روح النبي األخري ُغرفاً تتنفس َ
-3-
َبيتُه ٌ صوت من الضو ِء ْ الذكريات الذي َي ْسطع بني -4-
شب عرشين عاماً َبيتُه َّ مىض يف متاهت ِه زجاج َمنا َم ِته ُّ الهش وتكسرّ فيه ُ الرياح ه ّبت عليه ُ ْ املستحيل وخاض حروبا إىل ُحلمه -5-
يف الثالث َ ني من عُ ْم ِر أزها ِر ِه بيت الفتى جسدا حائراً بات ُ َ َتت َّ َهشم جدرا ُنه َ وخزائنُه وض واألواين التي تتك َّوم يف َ الح ِ حتى ْ تشيخ الجدا ُر الذي يتش َّققُ
ٌ كهل يس ُري إىل حت ِف ِه َبيتُه هو أورا ُقه ودفات ُره يف الخزان ِة أو َ فوق طاول ِة األكلِ أو يف الرسي ِر كتاب يعود إىل وبني الكرايس هناك ٌ أصله ورقاً ..شجراً مائال الصفرار الكهولِ كتاب الهوى حيث أوفيدُ ما بني ُ وعشق مسخ ٍ ٍ وطن ُ كتاب الحنني إىل ٍ ُ الحروف بعزل ِت ِه مهيض وكتاب فنونٍ ُ ِ والغبا ِر كتاب املنازلِ بني املنايف ُ وغر َب ِتها ُ والرسي ُر الذي َّ الحب ظل يحتضن َّ عرشين عاما وصا َر مالذا لبعض َ درويش آخ َر قصائد لوركا وأشعار أيامهَ ..بيتُه قم ٌر َيتَح َّمل ِو ْز َر منا ِزلِ ِه صامتاً نجوم ُط َفيلي ٍة ومناز ُل ُه من ٍ ترضع الضو َء من دمه ُ ْ انترثت ونجو ُم منازله العواصم يف فضاء ْ
الصمغ. ّ آدم فتحي العتم ُة ال تنهار بسهولة .إ ّنها تزداد ق ّو ًة ُك ّلام وق َع ْت أرضا ،كأ ّنها َت َ ً رض ُع أنها ًرا ماكر ًة ال ُترى بالعني املج ّردة. ء األمل غذا ُ ْ وعليك أن ُتل ِق َي بها دامئًا إىل حيث ال جذور. كفكفت دموعيّ .مثة ً أيضا كائنات كثرية يجلبها ّ الضوءٌ . ُ ذباب. الساحة العا ّمة بعوضٌ . بعد أن احرتق أخي يف ّ اب من الحرشات السا ّمة. تجرح التّضحي ُة أرس ٌ مصباح وس ّكني .وعىل اليد النّاجي ِة أن َ ٌ أقول لها هذا حري ِقي وليس َك ْع َك ًة ،لكنّها ال تبايل .ال العتم َة مبا اش َت َعل ،يك ال يذهب الحريقُ هد ًرا. ُّ سأظل أميش ويف يدي النّارُ .ك ّلام َح َك ْك ُت قدمي باألرض ترتك املغارات إ ّال إىل وليمة. لذلك تع ّل ُ سمعت ِغنا َء ال ّرملَ ،خ َفتَت ّ ُ مت أن ال أتو ّقف عن امليش .لن أضع من يدي الض ّج ُة الحيوان ّي ُة املنبعث ُة من تحت األقنعة والكماّ ماتّ ، املعشش ُة يف املسا ّم مثل هذه النّا َر حتى إمتام امله ّمة. 30
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الفنانة سامية حلبي
-6-
يف حقيبت ِه كان قرآ ُنه ٌ الخالدات.. وأناشيدُ ه ُ دعاءات َج َّد ِته: يف الرحيلِ بعودته ً يف السجونِ سطوعا لثورته لش َّلته يف املساج ِد نجام ِ يف ُطفول ِت ِه قمراً فاتناً كان.. كانت له ٌ ْ نجمة للسهولِ وأخرى ُلعزلت ِه نجم ُة الطفلِ ْ كانت تقاتل يف السهلِ حينا
وحينا عىل حاف ِة الور ِد يف عني أنثى فيخرس َ خيط ُطفول ِت ِه ُ ويضيع الفتى ُ َّ يترش ُد بني الخنادقِ واملنزلِ املتدثر باملوت يف الصلوات ُ ويغرق يف ضو ِء صور ِت ِه شمس املجاهد و َي ُ ضيع الفتى بني ِ (ذاك الذي ال يجاهد) يوما ونجم الفدا ِّيئ يوماً ِ و َي ْسطع ضو ُء الفدا ِّيئ يف ِض َّف ِة النه ِر طع ُ أيلول باملوت والليلِ ِ َي ْس ُ يسطع ُ موت الفتى بني إخو ِت ِه -7-
ني عاد الفتى ساحراً يف الثالث َ سحر ْت ُه ليايل قصيد ِت ِه يف الثالث َ ني عاد إىل التي ِه والتي ُه صحرا ُء متتدُّ ما بني رشقٍ وغرب ٍ روح ِه يف الخفاء ويف صمت ِه يس ُري إىل ِ ويس ُري إىل صوت ِه
صوت يقو ُد خطا ُه أيُّ ٍ فيميض إىل ليلِ حري ِت ِه لي ُل ُه الذئب ُة الهمجي ُة تقض ُم أ ّيا َمه ساع ًة ..ساع ًة ِ لي ُله م ِل ٌك يرت ّب ُع يف بي ِت ِه لي ُله م ِل ٌك ٌ قاتل عرش غرب ِت ِه يرتبع يف ِ ومىض العم ُر يف األربع َ ني غدا العم ُر ثرثر ًة عن بدايات ِه وانقىض زمنُ من هبا ٍء وثرثر ٍة عن برود ِة أ ّيا ِم ِه وثقوبات جعبت ِه ِ هُ َو ذا ُ منذ خمس َ الوهم ني تأك ُل ُه ذئبة ِ ُ ترسق أحال َم ُه َ الكهل غري َّأن الفتى مييض إىل حرب ِه ليج ِّد َد صور َت ُه ويعو َد إىل بيته املته ِّد ْم
الفنان نارص املوىس
وكذلك إخويت النّسا ُء وال ّر ُ والصبي ُة ُم ْث َق ُلو الجيوب جال ِّ بهواتفهم وحواسيبهم املحمولة. وب وشج ُر الدّفىل لن يتو ّقف عن املشيْ ومن حتى الخ ّر ُ حولِه ْ النخ ُل والزيتون والربتقال وشج ُر الدّفىل. عىل ُك ٍّل أن مييش مبا يف يده من الحريق .وأن ُيلقم رض ُع ُأختَها يف الج ّو. اآلخ َر أحال َم ُه مثل طائر ٍة ُت ِ وال يخيفنا أن نرى العتمة ّ تتمطى .لن يخيفنا حتى أن نشعر أحيا ًنا بيش ٍء من اليأس. ُ َق َد ُر ّ الخوف ما الض ْو ِء أن يجلب دامئًا البعوض .وملاذا دام ُ يأس ُيغ ّذيه. نفس ُه يحتاج إىل ٍ األمل ُ issue (5)- October - 2012
31
نصوص
حسب الشيخ جعفر التنقـُّالت -1-
ُ الحكيم عىل البساطِ ، سليامن أوىص ُ بامللك البساطُ فطا َر ِ ً تدب د ّبا أو فرأى الربي َة كالناملِ ُّ ُت ُ ساط يعلو عىل أكتا ِفها هَ َر ٌم، وتعنو َ تحت أرج ِلها الجبال ُ وتحوك أيديها أليديها السالسلَ والحبال فبىك وقال(:لِ َم العل ُّو وما أنا يف النملِ إال منلة ُ؟ ُ فإىل الرثى بنا يابساط!)
-4-
أنا ُ خيط ِمسبح ٍة ،وح َّبايت ْ انفرطنَ ، فج ّمعيها يافتاة َ َ الصبيان ُصفرة نظر ٍة َخر َزاً يقي وتعث ّـراً ودبيب أفعى َ وتخيرّ ي الزاهي لجي ِد ِك، وانرثي منها ال ُفتات َذهَ باً بأيدي (الالعبنيَ) الخائبنيَ، تص ّببوا عَرقاً، وما أنا يافتاة لعل آلخر غريي بها َك ْسباً منهمَّ ، ْ ونفعا!
-5-
-2-
-3-
أنا ُ (الريم) أسأل ُـها الرضا جئت حان ِ ساعاً، ُ وتأخذ ما تشاء! 32
ُ وش ِغ ُ لت عنها بالكؤوس أَعُ ُّبها، وتع ُّب من كييس ومنِّي! ُ واحدودب الضو ُء األخ ُري وأطفأوه َ واغلقوا، وأنا ُأمنّي البصيص ال ُب ْلهُ، عيني ...واستعىش َ ّ واغتنموا العشاء ُ الكوادن با ُملنى وخال الخل ّيون وخال املت ّي ُم بالتمني!
بيت الشعر
قد َّ زل (ذو ال َقرنني) يوماً ،يف الطريق، ِ بعظم بغلٍ فأستشاط وأرعدا ِ ودعَا اليه ّ بكل ب ّغال ،وأنذ َر أن طيح ُي ْ برؤوسهم إن مل ُي َّ دل :ملن هو ُ البغل النَطيح! فتشاوروا وتحاوروا، فبدا فتى منهم وقال فأسعدا: (هو ُ بغل ب ّغاليك ُط ّراً، ُ فأعف أو فأبدأ برأيس يا ُمطيح!) ثلوجها الصيفي ِة صنعا ُء تحت ِ َ ات الخ ِفر ِ تصحو أو تنام مني السالم! َ أرخى املَ ُ (األيك) الصحاب قيل عىل ِ الصحاب... فأقرتح ِ َ ُ ْ فأذا ْ وأنزلت انثنت (أ َمة العليم) يدُ ها النقاب فع َّ يل من أردا ِنها أ َر ٌج ،ومن ف ِمها ابتسام
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
-6-
ُ للملك الحديديَّ املص ّف ِح يف ألقيت ِ الكنيسه ِقرشاً ّ فرن القرش يف املبنى، ويف ُ الطرقات، ْ والتطمت به مل َء املقاهي (الطاس) ُ تقرعُ ها أ ُك ُّف الضاربني املرشب القاين استدا َر وعىل ُخوان ِ فدا َر دور ُته الكبيسه! ُ فسللت منه رنين ُه الخاوي، َ امللوك الغاربني أت ّو ُج بالتامعَته املرشب القاين وعىل ُخوانِ ِ تدُ ُّق به أ ُك ُّف الشاربني! ُ تتوامض ال ُذرى بعيد ًا
قصتي أن تنتهي وهكذا أوشكت ّ قبل أن تبدأ ،غري أنها قد تبدأُ، َ أحياناً ،من جديد ،بنظر ٍة من هنا أو نظر ٍة من هناك. اىل أنيس الحاج أنا َ مثلك ُ الصبي الغرير كنت َ َ ارتكاض الضفائ ِر أتل ّم ُس منها محلولة ًُ ،مرسله و(الرسولة ُ) فالحة ٌ مثِله ٌ طامث اقص مبت ّل ٌة، يف املر ِ يف الهزيع األخري! اىل شاريل شابلن َض ِحكاً أسودا ُ ُ ُ َ تضحك فاألرض تضحك، كنت َ ابتهاج مرير.. ضحك ٍ
كلب شدي ٍد ،رضير أيّ ٍ قد ُ يؤرق بالصيح ِة (املنتدى)؟ اىل بتهوفن أفق َر الفقرا ِء عىل األرض َ كنت بحل ّـ َ تك الحائله ُ وهي (قطر الندى) الربق اليتخيرّ ُ غري ُ إمنا ُ الذرى الطائله (عاصفاًُ ،مرعداً)! اىل موزارت ضاحكاً ضحك َة الطفلِ أم ساخرا؟ َ ابتياعك ِعب َء الطامطم؟ يف و(الداعره) تتخ ّب ُط الهث ًة ،سادره.. أو مل تلقَ ُمحتطباً آخرا؟
اىل أيب الفتح الخ ّيام ُ ياشيخ ،تغدو ،تروح ارص، الرص ُ غ َري آبه ٍة يل ُمغاظاً ،عىل كأسه حانيا.. ُك ّل ما َ قلت رغو ُة شمبانيا قد تط ُري بنا برهة ً طاح بها من أعايل الرصوح! و ُي ُ
الرقصة األخيرة لصانع األساطير
كان من الصعب استدراج حيايت إىل هذا املغطس فقد كانت ناحلة وصفراء وال حدود لشقوقها لن أمنع رحالت السيوف إىل أعامقي لكني سأرقبها وهي تغور هناك رمادي ًة مثل الخريف حيث التيار الواهن يالحقها وحيث العمر يك ِّوم ألواحاً منسي ًة باتجاه السامء، هناك ..هناك حيث تدور النسور ويرتفع صوت النحيب شعرك السوداء انظري حلقات ِ وهي تنزل عىل وصدرك مثل الخواتم رقبتك ِ ِ وأعرف أن طريقي الوحيد هو هذا ُ الربيع أك َرث حاولت أن افهم هنا.. َ ُ عطرك وتهت يف دخان ِ ُ ُ وملست الندى شممت الكحول هنا اشك العودة إىل فر ِ أعمدتك والنوم بني ِ ُ أغلقت رايس ُ وعرثت عىل حلمي الشاسع لكني لن أرقد يف سالم فرحالت السيوف ما زالت طائش ًة يف أعامقي
تفصيل :شاكر حسن آل سعيد
اىل بلند الحيدري تحت آخر ُس ّل ِم قبو ظريف املغرب) باسم بغدا َد يف ٌ ِ (مرقص ِ َ وجهك مقرتحاً قد ُأ ُ صادف أو ُمطيف.. ثوبك نافضاً ُ(غرب َة الخطو) عن ِ املرتب! ِ
خزعل املاجدي
والنسور ..النسور هناك تدور يف األعايل. *** الرمل املهجور أقدامك حيث كانت آثار ِ جسدك الساخن وشكل ِ كام يف عني الحوت حيث شهوات الصلصال كام الجنون يدفعنا مع التنني نحو املوت املعاين ال تتواصل فينا تلك أيامنا املهملة يف الرمال مثل قدميك آثار ِ َ إليك فاض يب حنني ِ وفاض معي العطر األسود وغالالت الربيع
issue (5)- October - 2012
33
نصوص تفصيل :شاكر حسن آل سعيد
ماذا يكون ع ّ يل أن أ ّتقيه الجامل أم الخمر منتق ًال يف عروق األغاين غبار عىل وحديت لكنها تخدعني بالذكريات زهر ٌة يف يدي تتذك ُر وقريب نه ٌر ال مراكب فيه لكنه مح ّمل باألخشاب القدمية ماذا يكون ع ّ يل أن أ ّتقي حدقة الذئب تالحقني وأنا يف رشود وحزنٍ قدميك حيث آثار ِ جسدك يتالطم يفَّ وحيث ِ ّ ومتوت البذور ويجف النبيذ يف الكؤوس وحيث ينطفيء الحجر هنا أسفل اللوح أو عىل النهر أو يف حدقة الذئب وهناك يف أعامقي تغطس مازالت السيوف ُ والنسور تدور يف األعايل *** طائر النيزك يرضب قلبي ويقتحم عربتي ُ 34
بيت الشعر
الثريان تج ّر قوافل اآللهة يف السامء وهم الزمني مذ قرأت األلواح ٌ وزبدُ املوج يدهنُ عنقي ومذ تف ّرست يف اسطوانات املعابد ُ تومض العالمة الصفراء وتهجست بأناميل نقوش التوابيت ّ والرشقات النارية واألرضحة فخذيك والفضة المع ًة عىل ِ حدثتني الخرافة هكذا مرت عرب شغايف حدثتني ومل ّ متل مني ُ وفصلني عنها خريف أحزاين عرفت أن حيايت لدغتها األفعى التي لكنها ّ تحشدت بالكحول وفاتت هبط من خالياي إىل املاء من فمها الكالم املقدّس ُ اردت العودة الطبول تغوص يف الوحل ُ صانع األساطري يرقص رقصته وحاولت ..لكني مل استطع استعادة بينام ُ نجم الشامل األخرية ّ ً ملاذا كان عيل أن أقف وحيدا هنا جعلت الروح هوا ًء يف صحرايئ وتهجيت بصعوبة كال َم األيام ّ لبعض واألشجار تسعى بعضها ٍ ال أحد رعى حزين ..سوى امرأ ٍة مل ٌ نجوم ناعمة تنزعُ يف أعامقي مثل أرها الحصف مضطرب هناك يف مال ٍذ ٍ عيني محاولة الصعود إىل ّ وهي ُ تقف وسط العاصفة مثل ً أحياناً يف الليل تيض ُء قليال إله ٍة باسل ٍة ثم تغطس يف مياه األعامق ال تخاف ُ والبكاء ُ ذهب ومرم ٍر يتسع بينام أحدق يف السامء قلبها النديِّ من ٍ َ وارى السيوف نازلة منها نحو ترد ّبه الظالم أعامقي الصناديق مملوء ٌة والنسور ..النسور ملقى عىل الرصيف وأنا ً َ هناك تدور يف األعايل. أهذي بأغنية حبي
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الوحشة ليست هكذا.. حتى النفي وحتى املوت ليس هكذا ّ بريق يف زاويتي خبا كل ٍ وقصبتان مرتفعتان حويل وأنا أدور راقصاً ينحرس شيئاً فشيئاً بينام الناي ُ ُ والطبول غاصت كلها يف الوحول وأساطري تبددت يف دخان املدينة فتحت النافذة وش ّممت زهر َة حبي الوحيد وكدت أنام الخر ُز تناثر حويل وغزا شعري الفج ُر وكانت يداي مخضبتني يف النهر ٌ سيوف تتساقط يف أعامقي بينام وهناك ..هناك نسو ٌر تدور يف األعايل. *** ّ كل ما كان للنهر يعود إليه بعد الجفاف حني أصبحت يداي مأوىً ألغصان الشجر حتى نوافذي مل تعد الرتاينيم رسعان ما شتمتها رائحة املدينة وعىل الضفاف تحترض األسامك وتزداد حركة القواقع بطئاً الجميع إىل وهناك حيث هرع ُ قبورهم بقيت وحيداً أرقص وأصنع أساطريي من الطني لكنها تنفرط يف يدي ذهب كل ما يعود إىل النهر
هناك تدور يف األعايل. ومل يكن هناك رفيف *** سوى بقايا الناي القديم وعيون أنهض بساليل الذئاب وأنتبه إىل الشعلة اآلفلة التي بقيت حيث الدخول يف النوم العميق يف الشموع هياج أو زائغ العينني من خم ٍر أو ٍ ذئاب كثرية مرت قريب نسيان ٌ وأحجار كرث ٌة سقطت عند أقدامي حيث أقف يف مدينة أشباح األغاين السوداء كثرية أيضاً بلطف جمري القديم وأوقظ ٍ وهي تنطلقُ مع صباح كل يوم وآلهتي املنسية بقع يف السامء لكنها ال تجيب وتظهر كام ٍ جلست عىل الحجر مع األغاين نامت قبيل يف الشقوق وتحت ومل يعد بأمكاين الرقص الرتاب ومل ينفع إخراجها من ذلك الصقيع إنتظر النهر أن أقوم انتظرت مني األشجار والطيور حرارة العامل أختفت ليست بعيد ًة ونضبت األرواح كنت أتوق لغابتي اختفت من الحب األغاين وأفتش املغاور والكابوس الذي سقط يف املدينة نامت أغنيايت الكثرية لص يتجول ما زال مثل ٍّ الناس مثل ِّ ومل يعد لها سوى الصدى والغبار القش يرتنحون أو ُ فتحت صندوقي وطيرّ أحالمي مثل يتك ّومون عصافري جائع ٍة جاءوا عرب الخوف سقطت يف النهر اليباب ومتددوا يف شقوق ركضوا إىل هاويتهم بعيداً مع القمر طلبت منها أن تعود إ ّيل لكنها مل تعد وأنا ..أنا أيضاً مل تعد له ساقان ال عزاء يل قويتان للرقص يوم يف (كركدريل) أجلس وحيداً ُّ رغم أن يف صناديقي الكثري من كل ٍ وأتنفس العكازات وال لون لساقيي لكني عىل وشك أن أدفع بها إىل وكام أجعل من الدموع غصوناً املاء فقد كانت رحلة متعبة أرتفع مثل زقور ٍة كنت ُ ومل يعد ضهري يقوى عىل حمل كل ألرى من فوق جذوري كيف تتلىض بالسيوف هذه الصناديق أما أعامقي فكانت تتلىض بالسيوف والنسور هناك ..هناك تدور يف األعايل والنسور هناك issue (5)- October - 2012
35
نصوص
هاشم شفيق مملحة وسط زجاجة ِ بللور ٍ امللح يرقدُ هذا ُ ويهدأ . . . أذك ُر غاندي قد َ حارب بامللح ِ بأرض ٍ من ملح ٍ كان يفاوض ُ - هل ميكننا َ اآلن محاربة األعداء ِ مبلح ٍ وامللح مبملحة ٍ قدامي يرقدُ ، ُ سأح ّركه ّ ألرش َ به البيضَ َ املسلوق، أح ّركه ّ ألرش به قلبي ْ وأم ّل َح َ األحوال بعض ُ األبيض فالكالسيو ُم يوجدُ يف الريح ِ ويف البحر ِ ْ ويف قدح الكريستال . المنشار شعبي ٍ حي ٍ ّ يف ّ نجا ٌر مثة ّ ُ ُ كنت أختلف اليه ِ – ً َ ألجلب كرسا من خشب ٍ لشتاء يرقدُ تحت مفاصل عائلتي ، كنت صغرياً ّ وأحب َ صدى املنشار ِ الذاهب يف األخشاب أحب ُ نشارته الذهبية . . . ّ أما َ اآلن
36
بيت الشعر
ُ حليف ّ الظل أنا ُ حليف الشجرات ِ ُ لهذا أحمل غابات ٍ فوق الظهر ِ َ الرس ِ ألرشب منها يف ّ َ جامل الشجرة. كوز عادة ً أجتيل يف الصباح صحوناً فناج َ ني بنّ ٍ كؤوس نبيذ ٍ وشاي َ بعيداً عن النخل ِ واملرتبيات ُ جلوت سنيني وصمتي ُ جلوت القذى والنوايا ، فبني كؤيس ٍ وبني صحني ٍ وبني غد ٍ أمس ُث ّم ِ وحيداً ُ مضيت اىل املنزوى لكيام أر ّم َم نفيس ككوز فخار ٍ تصدّعَ يف الشمس ِ . علبة العلبة ُ سودا ُء من املخمل ُتخفي يف الط ّيات ِ محابس شذر ٍ َ
وأساو َر من عاج ٍ ، األقر َ اص الجا ّفة من بودرة ٍ وزجاجة عطر ُتخفي بنرص أصغر من ْ
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
هي صغرى لكني حني أبرصها أتخ ّيلها ترقدُ فيها ٌ غابات ولبوؤات ٌ أبرص أحياناً ُ َ صمت بحريه. قنديل البحر ع ّل َم يف ّ ساقي َ عالمات ٍ ُ القنديل ج ّرحني ُ أتساءل : لهذا من أين تجي ُء لهذا الش ّفاف ِ العدوانية ُ ؟ ها هو ذا هالتُه ُ مرهفة ٌ ال ِع ْر ُق يب ُني إذاً مثل عروق الت ْني ٌ ْ سقطت هل هو ورقات من ضوء ٍ يف البحر ِ رماها قنديل ٌ يف املاء ِ لتجرح َ وتشاكس طيش الس ّباح ْني ؟ َ اليعاسيب اليعاسيب تط ُري ُ هامئة ً يف العراء مجاميع يف الضوء ِ ترسي َ لتحيا حياة ً عىل األرض ِ حسب ُ واحدة ً كالكائنات حياة ً ليوم ٍ
الفنانة سعاد العطار
ليومني ِ رغم هذي السويعات ِ يف لكنها َ العيش ِ تحيا تط ُري نجب فوق رسير الهوا ْء . و ُت ُ قوس قزح قزح لديّ قويس ْ ُ أخ ّب ُئ ُه يف رسيريَ منذ الطفولة ومنذ لقي ُت ُه يف الصباحات جنب البساتني ِ متكئاً
ناح ًال وصغرياً فويق سياج َ لذلك ال زال قرب وسادي
معي يف الرسير ينام يشع ّ ييض ُء ويحرسني من ليايل النكال ْ ليايل الشتاء الطويل . مرساة ُ إنحدرت يف سفني ٍ باحثاً عن السالم وراء املحيطات ِ ، ُ أتنقل بني املرافئ عيل أجد املرا َد . . . شاباً ُ كنت ذا طاقية ٍ ومنظار ٍ ومرساة . . . م ّر ده ٌر ومل أجد املرتىض يف ّ كل مرفأ ٍ وخان ٍ عىل الطريق ،
لم َ الق حتى من يلقي ع ّ يل السالم ، ُ شبت وعُ ُ ميت من التحديق يف الشموس واألصائل ، عوليس ترى هل أنا ُ ُ تهت يف متاهات ٍ من املاء ِ ، ألقي مبرسايت ولكنْ ليس هنالك غري بياض املياه ، َ أين ُ األرض إذاً ؟ ُ مازلت أرمي مبرسايت حاملاً بالنبت ِ واليابسة . المفتاح رس ٍ هو كرسة ُ ّ أو رشيحة ٌ من سؤال ، سؤاله يكون غالباً عن القفل رسه ُ يكمنُ يف الباب ، بينام ّ يتقدمنا حني ندخلُ نهم بالخروج وحني ّ هو نزيل الجيوب الدائم ، نصطحبه دامئاً معنا ، نتحسس ُه أحياناً ، ّ م ّرات ٍ نتفح ُص أسنانه ّ ونواجذه لنتأك َد من سالمتها ، نخاف عليه من الضياع ِ ألنه فل ّذة ُ منزلنا
issue (5)- October - 2012
37
نصوص دنيا ميخائيل في المتحف
يف املتحف إالهة سومر ّية صغرية تقف خلف الزجاح ويداها اىل أعىل تلمس السامء. ُ يف زياريت الثانية تك ُرب اآللهة ُ ُ متيل قلي ًال ويداها اىل أسفل تش ُري اىل األرض. يف زياريت الثالثة
تتمد ُد أفقياً ويداها اىل الجانبني تته ّيأ للنوم. يف زياريت األخرية تغلقُ عينيها ويداها عىل صدرها تخبي ُء رساً.
قمر منيس
اىل ساندرا أوكونور قصة ٌ طويلة عنده ّ قصة ٌ طويلة عندها ّ تفاصيل وأحداث
رنا جعفر ياسني َ أغويك ..وأقص ُدني
الحرب أقدا َمها قضمت بعد أن ُ ِ ْ وأسدلت نهديها يف وجه الجوع بعد أن َّ عض ِت السام ُء غيو َمها يك ال متط َر كلام َ أديم البكاء نشف ُ ُ غادرت اىل القيامة بعد أن للقلب ومل أج ْد شوا ًء ِ فقط فر ٌاغ أبيض ال ُيد َّن ُس إال بال ُق َبلِ والجس ِد األوحد. ُ تجسدت لن أنطفئ بعد أن لفتح األبدية سأعو ُد ِ أتعاىل ٌ .. تأويل ال أكرث ألتم. وإىل مجمر ٍة ُ أعظم إبهاراً ُّ
38
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
وشخوص. يهم اليشء من ذلك ُّ ليديهام املتشابكتني يف هذه اللحظة يف هذا املكان املخصص للنسيان. يف مكان آخر، قبل غمزيت عينيهام، تناث َر ُ ورق الشجر مثانني م ّرة الريح بينام ُ كنست األسام َء واملواعي َد واملالحظات...
َ تعال.. يفتح يف رؤياه؟! وصدُ الجن َة ماذا ُ من ُي ِ بنكه ِة دعاب ٍة ال ُ تشيخ ْ قل هو املا ُء اشتها ٌء والهوا ُء بال تر ٍّو. ْ اب بال اصطبار قل هي النا ُر ابتالعٌ ,والرت ُ ُ الكون كوناً لو َّ توخينا السكوت؟! ...فبأيِّ ُمعجز ٍة يص ُري ُأوقدُ القلقَ المس األبجدي َة بحاس ٍة جديدة وباحرت ٍ اسُ ,أ ُ
أخت ُرب تقواها َ الصرب. تتهجدُ ,كارس ًة االرتجاف ِ بحرف َ إذ َّ املا ُء إبنُ السؤال ُ َ بتفاصيل مل تتل َّو ْن أداهم ُه ال يتاميل حينام ِ ٌ ستوحش كندب ٍة هو ُم اب الفاصلِ ب َ ني الحيا ِة وما بع َد الحياة. كتبوا به َ نواح الرت ِ واقف ًة..
كل ّـها ذابت يف النهر وهو يجري تحت أقدامهام. قصة طويلة عنده ّ قصة طويلة عندها ّ اليحيك لها شيئاً التحيك له شيئاً نصف قمر ُّ يطل عىل املكان الأحد يدري أين نصفه اآلخر.
الطائرة
الطائرة القادمة من بغداد تحمل جنوداً أمريكيني ترتفع فوق فوق
فوق القمر املنعكس عىل مياه دجلة فوق غيوم مكدسة كالجثث فوق قيثارة قدمية فوق صدورهم امللطومة فوق ُأناس مخطوفني فوق خرائب تنمو مع األطفال فوق طوابري طويلة يف دائرة الجوازات فوق صندوق بندورا املفتوح الطائرة بركابها املنهكني ّ ستحط عىل بعد ستة آالف ميل من اصبع مبتور يف الرمل
شمس ال تف ُرت كفي نحو ٍ أ ِّ رس ُح َّ تضاؤل وانخداع ..ال ُ ٌ أكرتث ب ِه االندالعُ فقط ما التحليقُ إال بجرع ٍة تليقُ ُ وتنهش قلي ًال َّ صم الغيوم. أتبخ ُر ,أقصدُ األعايل ل َب ِ املا ُء ُ وريث نفس ِه والهوا ُء حفيدُ األجساد ٌّ كل ينطقُ مبا َي َّ تضخ ُم منهُ. الطريق إىل الضوء.. يف ِ ٌ طاعون ُمستاء بالونات َمحجوبة أدفن ُه يف ٍ وأمسح ُر َ تضاريس الهواء فات ما مل يتحققْ عن ُ ِ ُ ليلمع علي ِه رحيقُ الحياة أصقل زف َري أصدقايئ َ ُ أغسل املا َء باملاء
الفنان جواد سليم
أرقي ِه بقصيد ٍة يتيم أرضعت ُه العصاف ُري زقزقتَها وبصال ِة ٍ ُّ أرش ُه بدهش ٍة َمخلوط ٍة مبا مل يتش َّوه ُ كفي أحمل النا َر عىل َّ وأعجنُها بالصهيل ال ترتعدُ النا ُر من نا ِرها متسدُ أورد َتها وال تنطفىء بهدو ٍء ِّ اب قد ىّ يتأن قلي ًال الرت ُ َّ باحثاً عن زا ٍد ال يتفكك. أخت ُرب الرؤيا رشس جداً. من غ ِري عَناء, وبوضوح ٍ ٍ يستطيع مطارد َة الشمس سوايَ ال أح َد ُ ً أفال أستحقُ كونا يل؟
issue (5)- October - 2012
39
نصوص
مؤ ّيد الراوي ساللم
شخص ما ،يف سقيفت ِه العالي ِة، ٌ يختبئ، َ َيظنّها قمرة قبطان سفين ٍة ُمبحرة، والسواحل ميدُّ الي َد إليها فتبتعدُ وتبتعدُ ثم ضاعْ . كالزمن الذي اشرتا ُه ّ ً يحيص ّ وينضد فيها ،عبثا ،أعوا َم ُه امل ّيتة، ّ فتغطي َوج َه ُه غاممةٌ. يبرص، ال ُ يبرص. ال يريد أن َ رسعان ما ُ ينزل ُسلامً، َ من طوابق ِه العليا، َد َر َج ًة َد َر َجة َ ّ حام ًال جثة زمن ِه. َحيثام يطأ َحف ٌر يف ب ٍرئ عميق، ُ ويهبط ُمخ ّدراً نح َو كهف ِه، ُ ينزل ُ وينزل ُمثق ًال مبتاعه. َ نفس ُه ـ يصادف يف العتم ِة َ ميسها ويصعدُ خفافاً ّ وهج نو ٍر يزيد من عامه. يتقدم ُه ُ ـ أعر ُف َك؟ ـ ك ّال ـ لكنني الت َق َ يتك؟ ـ رمبا، يف ظل َمتك، 40
بيت الشعر
أنا أصعدُ الس ّل َم مزدحم ٍة بالصور. َ تتشمس القرية عىل النهر وأنت تنزلهُ، ُ يف بال ٍد بعيدةٌ ، كل منا يف صحو ِه ويف غري َمع ِن ّي بالصعود. النوم يراها شخص ما؛ ٌ ِ بالقامش ،ثقيل الحرك ِة ،مرتب ًة مهجور ًة ،كالبها ٌ سائبة. كائنٌ ُمض ّمدٌ ِ ما نلمس ُه هنا تبغنا والقهوة ال َيحف ُر يف قلب ِه ،ويتوخى أن ال السودا َء َ فوق املنضدة، قلب اآلخرين، ميس َ ّ ُ ُ ُ وميتعض. يرتشف أرا ُه ينزعُ إىل الهدن ِة مثق ًال بأحجار ِه أرتشف القاعَ امل َّر وأحيص األيام. مكرتث بالصعو ِد أو بالنزول؛ غري ٍ ُ الزمن الوهج، خلدٌ يحف ُر ُمخ َت ِبئاً من هي مكنسة ِ ها َ ِ كريسَ ، درجات ُس ّلم ِه ُمزدحمة ب ِه .يغلقُ خلف ك َّومت ُه يف مقهى ،عىل ّ َ صندوق سنوات ِه لوح الزجاج : ُ ُ أستنسخ املايض. املنيس وأنا توأم ُه ويلعب. يقتات عليه، ْ ّ عىل سرِ ٍ يصعدُ مت ُّر بنا الـرؤى ـ طريقنا املغلقُ ـ ُ وينزل فطورنا الصباحي مبرص ،عرب الرواقَ ، تلك السامء ُمغ ّم ٌس بالهذيان. غري ٍ والناس َ الزجاج خلف الناس حينام يرتقي، ُ ُ صخب ِ ِ أشباح : المس القاعَ ، ٌ ويف هبوط ِه ،كلام َ عُ ّش ٌاق ،و بائع الور ِدُ ، عازف األرض ُحفر ًة. ُيع ِّمقُ يف ِ يجمع النقود. رسير ُه الحفرة املوسيقى ُ ُ يف الباح ِة أمام األرس ِة التي جاءت للمخبأ بالريح الجنوبية، تاج البري ِة األخري يتطاي ُر ُ ِ ويف هذا الشامل بخا ُر َ فمك يتقد ُم، شخصان َي ُ زجاج يف العظام. دخل الرب ُد شظايا ٍ صاب بع ّن ِة الكالم تومئ باليد ُم ٌ أحداث أمس عن ِ الثقيل ِة يقرأ العجو ُز يف املقهى ـ شحا ٍذ يستعطي النقود. القيص ،مرآت ُه مثل ّ الركن وأنا، ِّ الجالس يف ِ ُ الزجاج ،تلك العائلة ،نظنها خلف العكرة، ِ ُ أدخل َ سعيد ًة دخان رأس ِه؛ كغيم ٍة ُ فوق أكواخ القري ِة ،من نار الحطب .برفقة كلبها األسود؛ ُ َ ويجول يجول ويلطع البالط، ال أعني ِه وال تعني ِه اليقظ ُة يف َ يشمشم َ الفتات. األقدام تحت ُ الظهرية، ِ ُ يبحث عن امل ّود ِة. ال يكرر القرية بل يوصلها ،يف سام ٍء
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الفنان شاكر حسن آل سعيد
رمبا هو كلب ُه األسود ( عقدُ صداق ٍة بينهام ) أىت من َ تلك القري ِة البعيد ِة عىل النهر ليشمشم ليرشب القهو َة بل ال َ َ األثر. الكلب لرنى البقع َة إستد ْر أيها ُ تحت َ البيضا َء َ عنقك . َ جئت الهثاً باحثاً تعلنُ الضياعَ ُ وتبحث، َ ُ صدرك السحاب َة البيضا َء؛ تحمل عىل َ فروتك غيمتنا ،ونحنُ ُّ نشك يف سوا ِد يف الصحيفة؛ ال خرب عن مهاج ٍر ،أو ْ جنحت. عن سفين ٍة ني أقدام العائل ِة معلناً خرج من ب َ ُا ْ َ سوادك، ّ ِّ املستدق ارفع فك َك بوج ِه السامء. اطلقْ عواءك ُ لتمط َر الغيمة فيكتمل هذا السواد وهم المكان
البيت الذي تسكن ُه َ اآلن ٌ تفوح من ُه رائحة الثوم كهف ُ َ بالكلس هيكلك ويكتيس فيه ِ وبالوسخ. الريح ٌ آتية إلي ِه ،وبها َن ٌ لزج ُ رش ٌ لصيقٌ بردائها البايل، واملا ُء عطنٌ تغرفهُ ،يك ُرث فيه ما تحمل ُه الرأس من فقاعات.
هذا ما قل َت ُه يل َ أنت، وداري ال تركنُ إليها القطا ُ األصوات أو تناديني فيها ُ فتموت الروح ُ هكذا طردنا من األماكن : البيت الذي كان صفح ًة من من ِ الوهج ِ وظالالً بخفق ِة األمهات. مع النه ِر يف مجرا ُه العميق ُأبعدنا َ ليعو َد مر ًة أخرى إىل الصخرة النبع بالوقوف. مصلوباً لدى ِ الريح ُتخ َنقُ يف الب ِرئ نرى َ متس الشج َر َ وقت الظهرية، فال ّ وحني ندير األشيا َء ـ أدارتها يدُ الشيطانِ ـ ُ تأيت بالرمالِ تمَ أل أك ّفنا. ( نحنُ املالئك َة املمنوع َ ني من الرحمة ) حج ُب النور عنا، ُي َ ُ تسقط وجوهنا بالزمن الحارض املنيس مثلوم ًة ِ األماكن، بوشم ِ عتيق ًة ِ وقد ُأقصينا عنها َم ّرة ً وإىل األبد
issue (5)- October - 2012
41
نصوص تفصيل :خوان مريو
باسم املرعبي أصل الوردة كنت في ِ ِ
صورتك املنطبعة يف خ َلد األنهار تحملها أمان ًة من جيل اىل جيل ليس من غبار قادر عىل محوها أوضباب َ وعدل رشبت منه اال ومامن نهر ِ عن اإلندثار مل تكوين قطر َة الندى عىل صفحة مرآة الوردة، يندهش ملرآها ٌ طفل تنقصه الكلامت، كنت يف أصل الوردة أنت ِ ويف أصل قطرة الندى، الشجر ُة تجتمع كلها منعكس ًة يف قطرة الطبيع ُة ُ منك، تأخذ الدرس ِ َ من تاجك كحليتني ومن قدميك املرسومتني ِ صغريتني بقدميك، ُأف ّكر يف ابتكار أرض تف ّكر ِ بضوئك بكل هذا الذهب املصكوك ُنعاساً ّ ّ بكل هذا السحاب املتساقط من كالمك ......... أنت من ساللة األنهار ِ من ساللة املطر 42
بيت الشعر
ّ ظل نجمة تحت أكتبك تحت ظل نجم ٍة ِ أكتبك ض َوعَ زهر ٍة ب ّرية، وأترشد هُ بوباً ّ مطا ِرداً طائ َر الرساب ال أفقَ يح ّد ضياعي، أتع ّلل ّ بكل رسال ٍة امنحى عُ نوانها ألخرتعَ عناوينَ ترت ّنح يف الجهات. ،،، اللغ ُة كا َغدٌ تحت املطر نجم ورا َء كثبان الغيم ٌ لتمس اس َم ِك، ي ، ة عاصف يف سهم َ ٍ ٌ ُ ُتطل ُق ُه يدٌ سكرى ،،، صوتك ماس ًة يلتمع ِ يدور يف مساره ،مثل كوكب كومض تف ّرقه الريح يدنو ويبتعد ٍ ترتصد ُه َيدي ّ ُ ُأريقُ ل ُه الوقت أضحي ًة قاس بالرساب فام تعود الصحرا ُء ُت ُ أو العطش وج بها سوى أو البحار التي ال تمَ ُ الظالل. صالدة
ترضب الكلامت قلبها الص ْلد وترت ّد حتى لكأين أسمع لها رنيناً!
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
مثل كوكب شارد
اريدك ،هكذا ،بدون التف ّكر مبا مىض أو مبا سيأيت أريدك ِ مج ّرد ًة ،من االسم من الذكريات، من أرق الشمس وآثار القمر أريدك ِ ورد ًة نافرة يف أرض ّ مرشدة األفق، تتضح سطورها يف مرآة قصيدة ُ ُمغ َمدَة. ....... شمسك عىل مرآيت ِ صورتك ماثلة عند ّ كل باب و ِ يقودين اىل نفيس أنت ُتضيئني ثاني ًة ها ِ مثل كوكب شارد ال قرا َر له إنكار
ال مرايا يف يدي، مل أعد ع ّرافاً مل أعد قادراً عىل قراءة السحاب ومل تعد تستهوين مخاطبة النجوم ، نثا ُر الزجاج عىل أهدايب ْ أخذت تذوي يف يدي واللغ ُة كباقة رمل
صالح حسن السيالوي تراشق روحين
معك تراشق روحني لعبتي ِ مهجرة بعناوين قصائد ّ وقمصان متصوفة . هذه سحابة طيفك تحوم عىل مجامر الخيال هذه فوانيس األرواح املعلقة بثياب نورك األرواح املتهاوية من دندنة القمر مع نفسه هذا صوتك ،أعرف حفيف عنبه ِ فلامذا تسرتين فصاحة قلبك عن شغاف منابري ملاذا تستلذين بعتمة كلامتك وهذه أريض تختنق بدخان ظنونها وبياض أدعيتي
هذا قلبي يتعرث بظلامت يتعرق يف جوفها يرسد عن الظلمة نثيث مكائدها , الربق حتى ينطفئ , أسمع ارتباكة الخرضةُ ... أدرك منوها عن الحزن يعرص عيون األيام ,ويكرس أعوادها وعىل مقابض أبوابك املقفلة يتربعم بنفسجي ...وأنت منشغلة يقول عن األحالم املكسوة بانتباهة الغزالن ال متسع لعيوين ،إال الدمع وال حنني بني النبضات ،إال التلفت وغفلة الصياد عن ضمريه. هــــــــــــا انا أجوب بساتني أساي هذه أصابع أسئلتي، تغرس دهشتها بني ظنونك، مبشاعل ذاكريت . تلمس سامء مكسورة يف القلب أحرقي الظلامت ببهجة نوري وتبتل بدموع أحالمك املعلقة . ها أنا أدق مسامري نبيض عىل َ نبي عن صالت ِه البياض مسافة ِ أقرتب من ابتهاج روحك بحضورها علقي ثياب كلامتك ، محتفال بالتشابه بني روحينا لتجف من موج الخرس. بني الظنون ظنا هذا قلبي بني اليقينات يقينا شهوة بني رعد محشور حد االختناق و سحاب . بني مجرتني بسم العامل وجوهره حيث ال أنبياء فيها تلبسني روحي ثياب البهجة وال شياطني ليهربوا منها روحك تغرسني وال دخان لرؤوس الزعامء ِ تصفعني اليباس بأغصان األنوثة عىل بعد بحر تهتز بوصلتي جسدك ، أما ِ فمتحف بصرييت ومنجم مرويايت ، ال زال مرتعشا عىل رسير الذاكرة هناك ارك يف منابري نار أرس ِ حكاياتك ويف مواعيدي دخان ِ وهذا قلبي ، نثار من زجاج الفرح املهشم ، فال تسريي حافية وارفعي كاس الكلامت وأنت ترشبينني
خوان مريو issue (5)- October - 2012
43
نصوص
عيل محمود خضي النفس ال تسم ُ ع اال ُ فسها نَ َ البيوت والحار ِ ِ ات الليل الضاغ ُط عىل ُ يُ ُ طبق عىل األنفاس. وشك أ ْن يُ َ مسامات الهواءِ ِ ِ َ غلق ُ الليل هذه الليلة يُ ُ عىل الهواء. الوقت أ ْن مييض. يَ ُس ُّد َ يَ ُس ُّد باب الزمن. صحت بنفيس :أنصتي.. كلام ُ كاذب، ُ أدركت أ َّن ُسلطا َين ٌ النفس ال تَسم ُع إال نف َْسها. وأ َّن َ النفس من أنا يف هذا الليل أيَّتُها ُ الجاحدة؟ ِ الرهيف الذي أي َن أماليك من الكالمِ َ َوزَّعتُ ُه عىل اآلخري َن فام أ ْعط ْوين إال َص ْمتَهم؟
44
بيت الشعر
أي َن صرُ اخي يف مرايا ُهم التي أُعلِّقُها عىل ُجدرانِ روحي؟ إنني اآل َن أُقي ُم يف ساقي ٍة واحد ٍة أشباح من َم ُّروا عىل حيايت يمَ ُ ُّر فيها ُ فسدوها فأَ َ ال أُري ُد منهم سوى أ ْن يرتكوين. ال الحيا ُة صديقتي ليست بصديق ٍة لهم بالرضورة. وهي ْ ُ أعرف هذا وأح َفظُ ُه عن أمل. ُ لكني ال أقول، اتركوين لهم أقول ِّ إنني أهذي مع نفيس ومرآتِها فقط، حسبي أَ َّن املرآ َة ت ُفيض اىل نافذ ٍة يف ِ بيت الجار ِة بابنت ْيها الجميلتينْ ِ كوج ِه رغد. أجلس يف ساقيتي وحيدا ً أنني حسبي ُ أنو ُء ب ِثقَليِ وإين ال أُكل ُِّف أحدا ً شيئاً وإين لو فَر ْرتُ إىل مويت سأكو ُن ُمطم ِئناً وهادئاً. حسبي أين ال أُكلِّ ُم أحدا ً فاُث ِق ُل عليهِ بروحي. شار ٌد يف لحظتي، ٌ ستغرق الذكرى مبن م ّروا ُم ٌ مستغرق بالنسيان َفيف إال من روحي. إنني هنا خ ٌ من أنا يف هذا اللحظ ِة الواحد ِة التي َفسها َ آآلف املرات، ت ُكر ُر ن َ ِ بيتي هذه: ء أشيا ُل ِّ ك ب اجتمعت كيف َ ُ َ الكرايس والرش ِ اشف وشقوقِ الحيطانِ ِ وأسالك الكهربا ِء ولوح ِة دايل امل ُ َزيَّفةِ والطابع ِة اللّيزريّة واملِدْفأة؟ ضيق كيف َ ُ اجتمعت بالشارع الذي يَ ُ ِ ِ َ الوقت بياق ِة ض ب ق َّام ل ك ُ ه ناس عىل ََ ُ النشوة؟ ِ يل هؤالء ومن أي َن كيف اشتَ َم َل ع َّ جاؤوا وتج َّمعوا حويل؟ إنني ال أري ُد أحدا ً يف لحظتي الخاص ِة هذه،
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
أُري ُد جسدي وروحي ساملينْ ِ من شظي ِة املايض، أطلب الكثري؟ هل ُ ُ ِ ِ الساقية أقل ُِّب َج َمرات املوىت أجلس يف َّ ُ الذين ذَهبوا بعيدا ً، خلف البرص، بعيدا ً َ أستعي ُد صورا ً التقطتُها لهم يَبدون فيها راض َني و ُمبتسم َني عىل الدوام، ثقوب قلبي التي َصنعوها لحظ َة أُعد ُد َ رحيلهم، ُ أقول لنفيس :ل ْن نُكل َِّف اآلخري َن ثقباً واحدا ً أيَّتُها النفس، َفسها. لك َّن النفس ال ت َْسم ُع إال ن َ َ ِ ِ أُقل ُِّب بيدي جمرات األحياء الذين يَبدون وكأنَّهم أحياء وقريبو َن لدرج ِة شئت، ملسهم إن َ أ ْن بإمكانِ َك ُ َتجاهل بعض َنا دو َن شعور، ُ لكننا ن نذهب بعيدا ً عن ِ بعضنا، ُ ِ بألعاب الحياة الصغرية، نتي ُه ِ ننىس، ننا ُم، فإ ْن تقابَلْنا فكال ُمنا األذى وأفعالُنا األمل وإال فنح ُن ن َّساؤن ونِ ّيام، أُقل ُِّب َجمر ِ ات األحياء واملوىت ُ وأقول لنفيس: هذا مقعد َُك من الناس فأشت ِميل عىل الصمت الباب موارباً لهم واتريك َ َ الشبابيك مفتوح ًة للندم. واتريك ُ كاذب ين لطا س ن أ َّ أعرف ُ َ ٌ نفسها وأ َّن النفس ال ت َْسم ُع اال َ َ الرهيف قد يَنسا ُه من كالمي وأ ّن َ َ لكني ال م ُّروا عىل حيايت فأفسدوها ّ أري ُد منهم يف هذه اللحظ ِة التي تُكر ُر نفسها َ اآلف املرات َ سوى أن يرتكوين ال أُري ُد منهم سوى أ ْن يرتكوين
نضال برقان صور عائلية ()1
خمس بنات وصبي يف وسط الصورة ّ يف الطرف األمين كاملعتاد روال وأنا ـ كاملعتاد كذلك ـ يف الطرف األيرس كان هناك إطار وجوار الصورة مثة نافذة مرشعة ورياح تخفق كاملعتاد بجانبها الصورة كانت ثابتة الصورة ـ كاملعتاد كذلك ـ ما زالت.. *** (هبة وهند وعالء الدين وسعاد وكرمل وسلسبيل وروال ونضال) تلك قصيديت الوحيدة التي كتبتها يف دفرت العائلة دون وزن
أو استعارة أو مجاز. *** ال يشء وحيد يف بيت روال هي أخت الش ّباك صديقة فنجان القهوة عمة آنية ّ الفخار بجنب الباب وخالة بروازي «الله» و»محمد» والصبرية والسجادة والطبلية ٌ كل يجمعه بروال صلة دم وقرابة روح. *** استيقظ صبحا أميش بني غيوم الصمت املتلبد يف أركان البيت األوالد نيام يف جنّات الخ ّفة جنب الش ّباك الص ّبرية ال باس عليها وروال ما أن ترتك طرف صالة حتى متسك باألخرى وأنا ال أمسك إال خيط الحرية
مثة وزن يتكرس مثة إيقاع يتن ّفس مثة قافية يف األثناء وذئب مجاز يبحث عن دمه بدمي هي رائحة ُ الظ َلم يا أبتي كيف أناديك بغري فم؟ صور عائلية ()2
البيت أعو ُد إىل ِ ُ يركض نحوي الصغا ُر كعادتهم؛ فرحني ومندهشني سبب ،هكذا َّ يوم بال ٍ كل ٍ أعو ُد ويندهشون. *** البيت أعو ُد إىل ِ تلمح وجهي (روال) ُ ٌ موغلة يف تسابيحها وهي والصالة عىل األنبياء جميعا أقول« :السالم عليكم» تر ّد بإمياء ٍة ثم متيض ،كعادتها ،للصالة. *** البيت أعو ُد إىل ِ ٌ ُّ مرشعة كل النوافذ والهوا ُء ..كأن ال هواء فأصعدُ للسطح «أيضا ،هنا ال هواء وال غريه» ُ قلت «ليس هنا غرينا» ُ قلت لكنها مل تقل أي يشء فقط متتمت بدعا ٍء وراحت تصيل
issue (5)- October - 2012
45
نصوص
امينه ذيبان زهرة الدم
حرشجة القلب نذكر فيها ومنها هدوء التتار نذكر فيه رس ما يعرفون بال جهة تتامدى عىل الغيم أو يف مجاهل هذا الربيع املطل عىل كل هم وجرم وكل الذي يعشق الناس يا أمل املقل املريضة ضوء وإنسان عني يبرص أو ال يرى يف البصرية أوهام من نهب الغرباء ونبيك بغري فضيلة أصالح هذا لعيل أغري نور الرساج وأكتب ما ال أرى يف نهاري أو كل عمري نهار بريق من سلة أو من متاهات رسد
46
بيت الشعر
وقمم ال ترتاءى وأجد كل الحديث اليك يسري وأشتاق يف غربتي لوعة من هدوء أو من سبات عميق و ما يعرف الغري غري رجوع املسافر من جنة الخلد إال الجحيم وال يقظة يف سطور املحبني هذا يكون ونبيك وينترص الرعب فينا عىل كل هذا ويف كل هذا وهذا وهذا وهذا حزمة النوق انتصار السبات غيمة من رحى أو من رصاع ليتنا نتوضأ من نهر آدم أو من صقيع التهامة أو من سبات الرحيق يا ضياعي حدثوا عن فراق املامت حدثوا
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الفنان مصعب الريس
عن سبات الرياحني حدثوا من وداع الرؤى أو رؤى ال ترى غرينا أو أرى بعضها يف قامماتنا املستفيقة حدثوا عن نهار حدثوا عن مواعيد غري التى تعرف الريح أوتعرف األرض أو تعرف اللغة التى ال متر عىل أمهات املدائن يف عرص من يتهادن يف منتهى األرض يف آخر النوح أو أول البدء يف الدوحة األولية من عامل الغرباء او يف مساء تفتت بالصولجان و باالنكسار و بالرنجسية يا وعد يا بعد يا ملتقى ال تقاوم شهيق املساء وكىل إنتصار عىل االبتداء البعيد
كام يف املدارس ال يقرأ الدرس إال املعلم إال املعلم إال النشيد صباح عىل ما أرى ال أرى مرة واحدة بل غري هذا وأهوي عىل عرش آدم والكل فية عناء وصبغة وكل يطارد أرواحنا باملرسة وكىل أناضل يف جولة بائسة و بعض إنتصار وكيل هزائم من رأيس املتعرج باللوعة األولية اىل ما يعرف الناس من بائعني ومن قامتني ومن قوائم من هجروا األرض أو طرزونا بنور البقاء البعيد زهرة أخرى دمع حواء عىل ذاكريت أتهجى من ميلك قديسة دريب issue (5)- October - 2012
47
نصوص الفنانة منى الخاجة
يف البعد أرى الدمع توارى كقصيدة ليل منسية يف القرب أرى وجعاً يتهادى أو نحو من ذاكرة اخرى أين تقف اللحظة يا جالد الدنيا أو تقف اللحظة بني من ميتلك الجرأة والدم والالدمع والالدم والالدم شهرة بني إنجييل وبعيض أقف اليوم وال أملك قداسة شعر أبيض او أحمر كاللون كالفستق كاألشجار حني تجن أوقايت بال تفضيل لييل يف املتاهة يف القرب أغني يف البعد أغني وبني اللحظة الدموية األخرى أصفي جرح قلب يسرتيح أو أرى بعيض تقطع كاملالية والسكاكني دليل املتعبني يا صاليت 48
بيت الشعر
إغفري إىن تجرأت عىل الدم ىك أنىس القتيل وال أدثر جرحة بالكافور املبجل يف الصالة اآلدمية ثم ماذا؟ يقف الجالد أطول من يقيني يقف الجالد بني الروح والدرب الطويل يقف الجالد أو تقف التى ال تشتهيني سيدي إين تجرأت عىل الزهر البعيد إين تجرأت عىل الزهر املتقن والحب املطرز بالبكاء و بالعويل إىن أرى يف صمت من ال يعرف اللحظة إال يف السهاد تجرأت أصيل قرب آدم أودعوا قلبى الوسادة أودعوا ذاكرة األمس الكتاب تجرأ البعض علينا ثم قرأنا صفحة التاريخ صفحة التاريخ
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
يا تاريخ دمعي أنصت اليوم لبعيض وأرى بعيض تساقط يا رسيري ال تبح بالدمع أو باللهفة األخرى عليك عىل الوسادة بعض صمت من قليل الدرب يا ذكرى لقاء أنت يف اآلخرة الوجع املدىن املقرب أنت يف األخرى التى أرغب يف صمت السامء يا قبور األرض ال تبك عىل املوىت فان املوت بعض من رسير األرض أو بعض الوسادة يا صالة اآلخرة كل من يعشق يفنى كل من يفنى ميوت كل بوحي وإنتظاري أن أكون ال أكون ال أكون إنها السجدة يف مويت ويف قلب القصيدة إنهم بعض من الجشع املسمى بالتتار إنني يف زهرة الدم أو زهرة األرض أو زهرة الجرح املورد كل يوم وال أكون ال أكون أنثى أو زهرة للموت أو للحب أو لالموت قرب التعرية
رأي الناقد
حضور للغة المجاز وعودة التاريخ وصوت الشكوى قراءة في نصوص العدد الرابع من «بيت الشعر» كما هو معتاد تقدم مجلة "بيت الشعر" في هذه المساحة رأيا نقديا انطباعيا عن أجواء النصوص الشعرية التي تنشرها المجلة لتشمل أسماء شعرية عربية من معظم الدول العربية ،وتحرص على تنوعها من حيث الشكل والموضوع
نهى األفغاني محمد جبر الحربي
حازم العظمة
نص بعنوان «يطري الحامم» ،وهو نص يحيلنا إىل قصيدة درويش التي يش ّكل الحامم فيها رمزية للسالم الذي كلام اقرتب عاد وابتعد من جديد. يبث الشاعر شكواه وتعبه لدرويش الذي سلم عباءته (الشعرية) ملن جاء بعده ،وال زالت القضية هي القضية .وال يزال الحامم (السالم) يخاتل أحالمنا فيقرتب موه ًام ثم يفل طائراً.
نص بعنوان «أوليمبيا» املدينة اإلغريقية التي تحوي معبد زيوس وغريه من املعابد اإلغريقية ،والنص مد ّبج باقتباس من الشاعر اليوناين الجميل ريتسوس ،شاعر الحرية والجامل.. نص ذو حساسية مختلفة ،عىل قرصه حافل باإلشارات التاريخية والجغرافية واألدبية ،والتي تجعل من قراءتها مغامرة حافلة بالجامل ،والتشويق ،والسفر عىل منت الكلامت إىل أماكن جديدة.
طالل سالم
محمد زينو شومان
نص بعنوان «غفوة التعب» كلامت فيها شكوى وتوجع، وخطاب للتعب الذي يأىب أن يغفو ولو قلي ًال يف روح الشاعر. كام يتميز مبوسيقاه وإيقاعه املرتفع.
عبد الرحيم الخصار
نص بعنوان «الساحر» هذا ساحر من نوع مختلف ،يروم ليغري بسحره شكل العامل املأساوي فها هو وبعصا الساحر يح ّول خوذة الجندي ألصيص نباتات والبنادق أللعاب لألطفال ،أما حقل األلغام فيصري حقل دوايل ...سريفع هو وكائناته أصواتهم بالغناء ويف حال مل يسمعهم أحد فسيلملم عصاه وقبعته ويسحب الستار ويغادر..
نصان قصريان بعنوان «رس النخيل» و «حوار الثوب الواحد» حافالن باللغة املجازية التي تثري الخيال فال يعود السؤال ماذا يقول الشاعر وإمنا كيف يقول! بيان الصفدي
يف نص بعنوان «مقطوع من شجرتك» يخاطب الكاتب الشجرة التي انقطع عنها، وهو يف البعد يتشوق إليها ،ويحرك الحنني كلامته ،قد تكون الشجرة هي الوطن أو األرض أو الهوية أو األم ...كل ذلك يصح وأكرث...
عماد جبار
يف نص بعنوان «ذبول ما» كلامت مثقلة باألمل ،وبطقوس البكاء التي أثارتها تلك issue (5)- October - 2012
49
رأي الناقد
الغائبة /الحارضة ..تفاصيلها الصغرية ال زالت تستفز بكاء الشاعر وكلامته ..ويف املقطوعة الثانية «محطات للذبول» تحفل الجمل الشعرية مبفردة الندم الذي يكيس كل ما حول الشاعر بثوب مظلم..
مهند السبتي
قصيدة بعنوان «الطني» مثقلة بحكمة السنني ،ومرارة الحياة، والعمر الذي مر رسيعاً وال يزال القلب يحاول أن يفهم ،وال يسعف الشاعر إال طفولة شع ٍر لطاملا بحث الشاعر عن مالذ سواه ،فلم يجد سوى الهم ..وتدور الدائرة ويعود الطني إىل طينه ..و ُتق َفل القصيدة بتلك الرصخة القدمية الحديثة «ليت الفتى حجر!»..
أشرف جمعة
لؤي أحمد
ضيف حمزة ضيف
يف نص ُمهدى إىل الشاعر السوري فرج بريقدار وهو الشاعر الذي عاىن من ظلم السجون وكانت كلامته تصل عرب القضبان إىل العامل .هذا اإلهداء يشكل عتبة مهمة للولوج إىل هذا النص املثقل بوطأة السجون التي ال تنام ،وتبقى مح ّلقة فوق الشاعر ..نص حافل باملوت باملقابر ،بالحزن ،واألرض املصط ّفة عىل جثته ،حتى ينوء بها ويرصخ طالباً أن يسقطوا األرض عنه..
عبود الجابري
مجموعة نصوص قصرية بعنوان «ألبوم صور شخصية» .. نصوص كل منها بحجم قبضة اليد وبح ّد سكني جديدة.. حافلة مبرارة األيام وحكمة السنني املريرة ...مشاهد صورية متنوعة تقود الخيال صوب جهات استثنائية ال تتأىت ألي شاعر كان..
فوزي باكير
نص موغل يف الرؤية الثاقبة بعنوان «رؤى» ..وهو مجزأ إىل نصوص قصرية كل منها يشكل مشهداً «رؤيوياً» تتناوشه الظلمة والنور معاً ..أما العجيب أن مثة أشياء يراها املبرصون وأشياء ال يراها سوى الرضيرين..
50
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
يف نص بعنوان «الفرصة ذات العطر» يتوقف الشاعر عند حد تلك اللحظة التي تفصل األشياء عن انتهائها واحرتاقها باحثاً لها عن فرصة عطرة قبل أن تحرتق األشياء ..ولكنه يتساءل إن كانت هذه الفرصة ليست األخرية.. يف نص بعنوان «قمر حارض ويغيب» يخاطب األشياء فيام حوله الليل والقمر ،والنجوم ،والسامء ،والربيع ،بردى ،النيل.. كل ذلك يعرض لقلب املحب ،ألحالمه الدامئة البحث ..يطري بال أجنحة إىل قمر حارض ويغيب..
عالء أبو عواد
قصيدة بعنوان «رجاء» فيها يشء من الصوفية ،يشء من التوق إىل تلك النائية التي صدح الشاعر باسمها يف شعره ونغمه كأنها الحب الذي يغريه ،لعلها الفكرة أو املحبوبة أو اللغة أو اآلمال القريبة البعيدة ،أو كل ذلك..
محمد العديني
مجموعة نصوص قصرية متنوعة بعناوين منفصلة ترتاوح ما بني الصور املتخيلة والحكم املوغلة واملفارقات العميقة..
غمكين مراد
نص بعنوان «أنامل روح تد ّرب الحياة» حديث عن الروح الرقيقة املليئة بالجامل ،باأللوان ،بإيحاءاتها الجاملية ،ولكن وتريتها الجاملية تسري بصورة متوازية مع عامل موغل بالبشاعة واألمل وهذا ما يشكل املفارقة يف جسد النص..
محمد اليوسفي
كأن الشاعر يحيك قصة الثورات ،كيف تبدأ؟ ما الذي يحدث؟ كيف تتمثل يف شعر الشاعر ونغمة املغني ،وفكر املفكر.. ثم تسري الثورة لتصل إىل الذروة ليأيت األسياد فيقرشوا الثورة ويحوروها ويبدّلوها ..ثم يعيدون كتابة التاريخ
ملف
الشعرية العراقية
بين زمنين الملف :حسام السراي (بغداد)
الفنان ضياء العزاوي جغرافيا الشعر في العراق خضراء وشاسعة ،اتسعت عبر الزمن لتكون حاضنة للشعر العربي وأبرز رموزه، بعد أن شكلت بوصلة لمعظم شعراء العربية الذين تتبعوها وتأثروا بها ونهلوا من تاريخها .وليس من قبيل المبالغة القول إن الشعر العراقي هو الذي نهض بالقصيدة العربية وتوجها بالمعرفة والثقافة وأوصلها إلى مناطق شعرية وابداعية بعيدة وجديدة. إن الحديث عن الشعر العراقي ال يمكن أن يتم تناوله في موضوع واحد ،أو من خالل حادثة واحدة ،فهو ً عموما ،ولذلك غني بالتحوالت واألحداث الكبرى التي تهم الشاعر الفرد كما تهم المجتمع الشعري العربي ّ ً بعيدا في اتجاهات كثيرة فمن الريادة إلى المنفى ،ثم إلى شكل القصيدة وطريقها كان الحديث هنا يذهب
وصوالً إلى مفارقاتها وهمومها المتراكمة.
issue (5)- October - 2012
51
ملف
شعرية الريادة السياب ونازك المالئكة عراقيين العربي على موعدٍ مع بروز ثالثة روّ اد في العصر الحديث كان الشعر ّ ّ ّ
الكالسيكية ،وعلى وعبدالوهاب البياتي ،وبعد ذلك توالت االختراقات التجديديّ ة لجدران القصيدة ّ
العربي. ورسخوا مكانتهم في المشهد أيدي قائمة طويلة من الشعراء الذين أثبتوا حضورهم ّ ّ ّ العربي ،وما ظل ما يشهده العراق كيف ينظر الشعراء العراقيون لمكانتهم في خريطة الشعر اليوم وفي ّ الفضاء الذي تشغله قصائدهم؟
الفنان جواد سليم
سهيل نجم
للشعرية العراقية نكهة خاصة وعالمات فارقة
فرتة األربعينيات والخمسينيات ،وربمّ ا ما بعدهام ،منحت خاصة نتيجة ملا أنجزه شعراء تلك اقي ميزة ّ الشعر العر ّ الحقبة يف الريادة بخلق أسلوب وشكل ومضامني جديدة مل يألفها الشعر العر ّيب عىل طول تاريخه العريق .فكان املربع املايس لبدر شاكر الس ّياب ونازك املالئكة وعبد الوهاب البيايت وبلند الحيدري قد قاد األجيال العرب ّية إىل مفتتح جديد يف اكتشاف أمنوذج «الشعر الح ّر» ،لكون العراق كان وال يزال ميثل حاضنة ثقافيّة مرتكزة يف الشعر
52
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
أكرث من غريه ،مثلام متيّزت مرص بكونها حاضنة مرتكزة للنرث والرسد العربيني منذ بداية القرن العرشين .وقد دخلت يف ذلك عوامل تاريخ ّية واجتامع ّية وسياس ّية ع ّزز نضجها واحتدامها الحاجة إىل أمناط جديدة ومتم ّردة الشعري تتناسب والتط ّور الحاصل يف الوعي للتعبري ّ اإلبداعي والسيايس والثقا ّيف بعد االحتكاك االجتامعي ّ ّ ّ بالثقافة العامليّة. هذه الريادة يف بنية الشعر العر ّيب ع ّززها الشعراء العراقيون الذين جاؤوا يف فرتة الستينيات ليكملوا املرحلة التالية من حداثة الشعر العر ّيب برفقة شعراء عرب كرث بالطبع ،لك ّن شعراء الستينيات العراقيّني ختموا تجربتهم الشعريّة بإخالص واضح للمرحلة الستينية املميّزة يف
شعرية الريادة
سهيل نجم
هاتف الجنايب
الشعري الحديث النص اإلبداعيّة العامل أجمع فكانوا سبّاقني إىل تطوير أدواتهم الشعريّة الخاصة يف خلق ّ ّ ّ والجديد ،ثم إن انتشار التعليم العايل يف غالبية الدول الفردي .فهكذا أنجزت تجارب فاضل العزاوي ومتيّزهم ّ العرب ّية وتوف ّـر وسائل االتصال ويرسها السيام بعد انتشار ورسكون بولص وسامي مهدي وفوزي كريم وعيل جعفر شبكة اإلنرتنت دفع إىل الكشف عن مواهب شعريّة يف العالق ،وآخرين من جيلهم ،دورها يف تحريك عجلة كل مكان من العامل العر ّيب ،مل يكن لها أن تزدهر لوال ّ الشعر العر ّيب إىل فضاءات رحبة ليس فقط يف بنية تالقحها مع التجارب العربيّة يف العراق ،وغريه من البلدان القصيدة العربيّة بل حتّى يف تلقيها وأسلوب دراستها وفهمها الذي مل يعد سهالً ،وصارت تحتاج إىل قارئ نبيه التي ّأسست نفسها شعريّاً من قبل برسوخ بنا ًء عىل ومستنري عليه أن يعرف كيف تتجلىّ له جاملياتها وصورها ظروفها املوضوع ّية والذات ّية. وأطلب من القارئ العر ّيب اليوم أن يالحظ مث ّة نكهة وعواملها ،وقد أسهم يف ذلك الشعراء العراقيون بفعالية اقي ،تستم ّد شعريّة ّ أساس ّية شهد لها النقد العر ّيب. تظل ّ خاصة يف كتابة الشعر العر ّ الشعر العر ّيب منذ السبعينيات وحتّى اليوم ميثـّل املرحلة فرادتها من البنية االجتامعيّة العراقيّة املتامهية يف الشعر وتعاطيه كتابة وتلقياً .مبعنى آخر ،يبقى الشعر الثالثة يف تط ّور الحداثة يف الشعر العر ّيب عموماً .وصار هو الفاكهة الفكريّة التي يتداولها املثقفون العراقيون، التنافس كبريا ً وصعباً بني الشعراء يف أغلب البلدان كل واحد منهم ،وعرض قدراته ومن هنا فإنّني أعتقد أ ّن مث ّة عالمات فارقة تجعل العرب ّية مبسعى إثبات مت ّيز ّ من هذا الف ّن التعبريي يف املقام األ ّول من مقامات الخاصة يف بنية الثقافة العراقيّة ،ولها تأثريها ومكانتها ّ الشعر العر ّيب ،عىل الرغم من طغيان شكل قصيدة النرث الريادة في الشعر جل الكتابات الشعريّة العرب ّية وفضاءاتها املعروفة يف ّ العربي عزّزها شعراء ّ كل مكان ،تقريباً ،من البلدان العرب ّية». الراهنة يف ّ
الستينيات في العراق وأكملوا المرحلة التالية العربي من حداثة الشعر ّ برفقة شعراء عرب كثر
سهيل نجم ،شاعر ومرتجم مواليد بغداد ،1956عضو االتحاد العام اقي» لألدباء والكتّاب يف العراق ،نائب رئيس «بيت الشعر العر ّ ونائب رئيس تحرير مجل ّـة «بيت» الفصليّة الصادرة عنه ،وهو أيضاً يدير تحرير مجل ّـة «املجلة األدبيّة العراقية» التي تصدر باالنكليزيّة. صدر له ثالثة دواوين« :فض العبارة» بريوت – عام « ،1994نجارك أيّها الضوء» دمشق – « ،2002ال جنة خارج النافذة» بغداد .،-2008
issue (5)- October - 2012
53
ملف
الفنان مظهر احمد
اقي كانت وما تزال تكمن يف هاتف الجنايب إذن فمكانة الشعر العر ّ تن ّوع تجربته ،يف وثوبيته ،حيويته ،استرشافه لروح عرصه العراقيون حملوا لواء التجديد اقي اليوم ،برغم ما من غري الالئق أن نسبغ عىل أنفسنا ،نحن معرش الشعراء ،وانهامكه يف طرح األسئلة .الشعر العر ّ أصاب العراق من دمار عرب العقود األربعة األخرية إال أنّه صفات تعظيم وتبجيل وامتيازات عىل حساب اآلخرين، لكننا سنجايف الحقائق والوقائع إن قلنا :إ ّن الشعر العراقي أكرث فنون القول قابلية عىل تسنم مكانة طائر الفينيق. ّ ّ ولعلـّه يجمع دور طائرين يف آن واحد :العنقاء والفينيق. جحافل الشعراء عرب تاريخ األدب العر ّيب .يكاد َ مل يق ْد كل ّـام كبا العراق سياس ّياً واقتصاديّاً الح الشعر وصاح اقي حارضا ً بامتياز يف كافة األزمنة. أن يكون الشع ُر العر ّ فهو الذي قاد بعد الشعراء األوائل يف فرتة ما قبل اإلسالم الشعراء :ال رجعة ،إىل األمام سرِ ْ .كانت العرب تعتقد بوجود نجم يدعى «حارس السامء» األمر الذي يذكرين حركات التجديد أسلوباً ولغة وإيقاعاً وتخ ّيالً .وعليه اقي يف خريطة الشعر العر ّيب .لهذا فال بكل بدور الشعر العر ّ فنحن امتداد شئنا أم أبينا لتلك املوجات واملحاوالت ّ أظ ّن أ ّن الشعراء العراقيني قد تركوا موقع الطليعة يف رصاعاتها وإرهاصاتها ومناكفاتها وعواقبها التي كانت الشعر العر ّيب. تتطلـّع إىل أمام ساعي ًة لطرح الدم الفاسد جانباً وضخ ويبدو يل أ ّن الشعراء العراق ّيني قد ظلموا كثريا ً من قبل دماء جديدة يف جسد الشعر العر ّيب. النقد العر ّيب. ال تقوم لشاعر قامئة يف عرصنا الحديث بالشعر وحده من دون أن يحفر وينقب ويُشَ كّل ثقافيّاً ...سيبقى الشع ُر العراقي مكانة الشعر ّ اقي وشعراؤه يل ّونون خريطة الشعر العر ّيب حتّى العر ّ إشعار آخر ،طاملا أ ّن أرواحهم هي التي تنشد وتغني. كانت وما تزال تكمن في عىل الصعيد الشخيص ما تزال ّ تدق باب الذاكرة مقولة تن ّوع تجربته ،في وثوبيته، تتوقف الكاتب الربازييل «ماتشادو دو آسيز»« :فاألرض مل ْ حيويته ،استشرافه لروح بع ُد عن الدوران أل ّن عددا ً من قصائد الشعر مل تظه ْر عصره وانهماكه في بعد».
طرح األسئلة
54
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
هاتف الجنايب ،مواليد العراق ،1952يحمل دكتوراه يف املرسح املقارن – جامعة وارسو ،1983يقيم يف وارسو منذ سبعينيات القرن املايض ،صدر له يف الشعر« :القارات املتوحشة» ،و«غبار الغزال»،
شعرية الريادة
سلامن داود محمد
و«فراديس أيائل وعساكر» ،و«رغبة بني غيمتني» ،و«موعد مع شفرة السكني» ،له كتب أخرى يف النقد والرتجمة ،منها« :كتاب الرشق، أشعار محطمة ،األسئلة وحواشيها – مختارات شعريّة باإلنجليزيّة، ظهرية عربيّة – مختارات شعريّة بالفرنسيّة ،املرسح العر ّيب :جذوره، تاريخه وتجاربه الطليعية».
سلامن داود محمد
سطوع مثير للجدل
دهور سومر وبابل وأكاد وسواها ،مت ّوجة بقصائد الشاعرة «انخيدوانا» ابنة امللك رسجون األكدي والشاعر «كبتي ـ ايالين ـ مردوخ دابيبي» والشاعر «ورد كوال» األديب واملعزم اآلشوري و«ساكيل ـ كينم ـ أوبيب» الشاعر والع ّراف ،ولكن شاعر قصيدة النرث العراق ّية
سيضبط شعراء قصيدة النثر بجريمة «التشابه» المارقة!! وقد غاب عن حصافة أولئك وهؤالء «إن تلك البديهية القائلةّ : كل قصيدة هي جنس ّ مستقل بذاته» أدبي
أحمد عبد الحسني
الجديدة «اآلن» مل تأخذه قدسيّة األصول هذه وفصلها إىل املؤسسات املعنية بالتحقق من أصالة النسل، حيث جوائز ّ الشعري واالعتياش عىل وصحة الساللة وأسبقية الفعل ّ غنائم املرتبة األوىل يف هذا املضامر ،بل إ ّن أوىل أفاعيله تجسدت إبان خروجه عىل «التابو» ،ث ّم السعي قدماً ّ نحو براري التجديد واإلضافة والتخليق من دون االكرتاث برتسانة امليليشيات الداعية إىل الحفاظ عىل «قداسة النمط واملوروث» املتصلة عادة بـ «سيطرات التفتيش الثقاف ّية» املراهنة والداعية هي األخرى إىل اإللزام بتمثـّل منط معينّ يف الكتابة الشعريّة من دون سواه ،وإال سيضبط شعراء قصيدة النرث بجرمية «التشابه» املارقة!! وقد غاب عن حصافة أولئك وهؤالء تلك البديهية القائلة: مستقل بذاته» بحسب ّ «إ ّن كل قصيدة هي جنس أديب تعبري «فريد ريش شليغل» ،ذلك أ ّن قصيدة النرث العراق ّية التي تح ّررت من إطار هويّتها الشخصيّة من غري املساس بينابيعها الراسخة بالقدم أصبحت اليوم مرتامية كالهواء يف أرايض العاملني وسامواتهم بق ّوة ذخريتها الجامل ّية ومعداتها املعرف ّية ،ومل يكن سطوعها املثري للجدل والشتائم والتصفيات األسلوب ّية إال خصيصة من خصائصها الج ّمة. اقي يد ّون يف سريته الذاتيّة :ولد يف سلامن داود محمد ،شاعر عر ّ بغداد وسيموت فيها ،صدر له يف الشعر :غيوم أرضيّة ،1995عالمتي الفارقة ،1996ازدهارات املفعول به ،2007له مخطوطات أخرى يف السرية والشعر ،ترجمت قصائده إىل االنجليزيّة ،والفرنسيّة، واإلسبانيّة ،واألملانيّة. issue (5)- October - 2012
55
ملف
أحمد عبدالحسني
وهم مركزية العراق ولبنان
يعيش الشاعر يف بغداد ،كام يف بريوت ،هاجساً غامضاً مؤداه أ ّن مدينته مدينة شعر بامتياز ،قيل هذا رصاحة م ّرات ،ومداورة م ّرات أكرث ،وبدا كام لو أ ّن الشعر يُنتَظر بتلقائية من عراقيّني ولبنانيّني أكرث من سواهم. شاب قال إ ّن الشعر ـ بالنسبة أتذكّر مقاالً لشاعر لبنا ّين ّ له ـ يأيت من باءات ثالثة :باريس وبريوت وبغداد. قلام توق ّـف أحد ملياً ليتف ّحص هذه املقولة ويتأ ّملها، ربمّ ا أل ّن العالمات الدالة عىل صدقها وفرية :القصيدة والجواهري الكالسيكيّة املحدثة يقف بدوي الجبل ّ وسعيد عقل ممثّلني لها بجدارة ،ثورة قصيدة التفعيلة اقي ال يخفى ،يكفي أ ّن ثالثة راحلني ذات طابع عر ّ يتبارون لآلن عىل تأريخها هم الس ّياب والبيايت ونازك املالئكة ،أما قصيدة النرث التي قيل إ ّن أ ّول من كتبها الرصايف ،وربمّ ا روفائيل بطي ،كانت الحقاً مختومة بختم شعراء لبنانيّني ،أنيس الحاج ويوسف الخال ث ّم شوقي أيب شقرا وأجيال تبعتهم ك ّرست هذا الشكل الكتا ّيب. إىل أي ح ّد كانت هذه املقولة «مكانة الشعر يف هذين البلدين استثنائيّة» داعية إىل تكوين ما ميكن أن نسميه مركزا ً شعريّاً ،لكرثة ما لقناها أنفسنا جيالً فجيالً
ال أشعر أنّي ابن مركز أن بغداد شعري ،وال أظن ّ ّ ّ اليوم وال بيروت قادرة المضي بحمل هذا على ّ االستيهام لزمن آت
56
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
إىل أن أضحينا نتعاطى وإيّاها بتلقائية وثوقية؟ النقدي مدخل يف تكريس هذه املركزيّة، ربمّ ا كان للجهد ّ الشعري العر ّيب كسول ،ح ّط رحاله يف لحظات فالنقد ّ منتقاة بعناية .منتقاة ألنّها أسهل وتل ّبي دواعي كسل الناقد ،لحظة الر ّواد مثالً قيل فيها أكرث مماّ يجب ،وبولغ يف تهويل مثارها ،ومل تح َظ بناقد مشكك يفهرس نتاجات متس ،وهي هؤالء الر ّواد .فبقيت لحظة الر ّواد مق ّدسة ال ّ لحظة عراقيّة. حظيت ببهرجة التي شعر ة ـ مجل لحظة مثلها مثل ْ ّ إعالم ّية ال تنتهي إال لتبدأ ،وهي لحظة لبنان ّية بالتأكيد. الغريب أنيّ أحدس أ ّن شعراء عرباً كثريين تساملوا هم أيضاً عىل هذه املقولة ،إنّهم مثلنا ينتظرون شعرا ً مميّزا ً يأيت به بريد بغداد أو بريوت .أقرأ لشعراء مرصيّني وسوريّني ومغاربة ومين ّيني وخليج ّيني وأجد أ ّن املركز ذو الطبيعة النفس ّية مل يعد شغاالً يف داخيل ،ال أشعر أنيّ ابن شعري ،وال أظ ّن أ ّن بغداد اليوم وال بريوت قادرة مركز ّ امليض بحمل هذا االستيهام لزمن آت. عىل ّ اقي من مواليد بغداد عام ،1966 أحمد عبدالحسني ،شاعر عر ّ غادر العراق ،1990أصدر ديوانه األ ّول «عقائد موجعة» 1999عن دار ألواح يف إسبانيا ،والثاين «ج ّنة عدم» عن دار الساقي أواخر ،2007كام أصدر بعدها باالشرتاك مع ناطق عزيز كتاب «عمدين بنبيذ األمواج» عن اتحاد الكتّاب يف دمشق وهو ترجمة لشعر اإليرانيّة فروغ فرخ زاد ،أقام يف كندا العام ،2000عاد إىل العراق ،2005حاصل عىل جائزة ديب الثانية يف الشعر ،2007رئيس سابق اقي يف دورته األوىل للعام 2012 2009- لبيت الشعر العر ّ
الفنانة سعاد العطار
القصيدة بين منفيين تقسيم تعسفي فني؟ أم واقع ّ العراقي» تتجاوز حدود الجغرافيا وال تقف عند الذين غادروا وطنهم ،لتشمل الشعري ظاهرة «المنفى ّ ّ ّ ّ يتشكل منذ ستينيات القرن الماضي الخاصة .حال كهذا بدأ كذلك من نفى نفسه على أرضه واختار عزلته بشكل أساس ،ومن ّ ثم تعمّ ق في السبعينيات مع حملة التصفيات ض ّد جيل كامل من المثقفين ،وكان الشعراء في طليعة أولئك المستهدفين.
ً ّ تاريخية للشعراء العراقي ..انطولوجيا ولعل إصدار الشاعر د.علي ناصر كنانة الشعري أخيرا «المنفى ّ ّ ّ فنياً، ّ العراقيين في المنفى» ،بمنزلة وثيقة تؤكد شساعة هذه الظاهرة وضرورة مراجعتها ومعاينة نتاجها ّ ّ
االحتجاجية والمتمرّ دة ،مكتوبة بين منفيين «هنا» و«هناك». مثلما بقيت الكثير من القصائد بنبرتها ّ
ً ُنطالع مثالً مقطعا للشاعر المغترب صالح فائق من قصيدته «أيّ ام»ّ : «إنما أتم ّدد في حديقة وأتامّ ل نفسي
في ثالثة مقاطع -1« :رجل تعب من األسفار ّ / إنه ،اآلن ،شاهد صامت لما رآه -2 .موتى كانوا ينقبون عن
ّ تفكك الضوء األبيض اآلثار/مرئيون في شقة مزدحمة/أذهب نحوهم ،فأفاجأ بعازف كمان -3 .عائلة مشردة
ّ تفكك راية منصوبة في قبو قديم.».. وانعكاساته على أنقاض/قرى،
ثان للشاعر الراحل رعد عبدالقادر « »2003 -1953من «أرض السواد» ،وهو الذي عاش ومات في وفي مقطع ٍ ً ُ حقيبة صغيرة واذهب/أغلق باب بيتك إلى األبد/التقل السفر/خ ْذ العراق« :سفر بعيد /سفر إلى أقاصي
ً وداعا /......ليس ثمّ ة أمل لكلكامش /ال أمل لك بمصير مشابه لمصير عوليس /اترك خلف ظهرك ّ كل اإللياذات/
اترك شهرزاد تقص حكاياتها المرّ ة…».
ّ بأن الشعور بالنفي نفسه حاضر بقوّ ة برغم االختالف بين المنفى الفلبيني ومن هذين األنموذجين نستدل ّ
العراقي المتعلق بعبدالقادر. بالنسبة لفائق ونظيره ّ
العراقية. الثقافية أدناه شعراء عراقيون داخل العراق وخارجه في أخذ ورد بشأن هذه الظاهرة ّ ّ
issue (5)- October - 2012
57
ملف
الفنان صالح حيثاين
القطيعي املستسلم واملهادن ،مثقف الطاعة والهبات محمد مظلوم شعر المنفى المكاني والثقافي وعدم القدرة عىل العصيان. األدب الخالد َّأسسه املنفيون منذ تلك املنايف األسطوريّة بعد خروجي من العراق يف خريف العام 1991بقليل، ألوفيد ودانتي وصوالً إىل منايف الشعراء الكبار من إرث كتبت آنذاك مقالة بعنوان «ثقافة أم ثقافتان» بعد أن االشرتاك ّية يف القرن العرشين كربودسيك وميووش.كام أنّنا واجهت فور مواجهة «املنفى» صورة منطيّة لتوصيف أدب الداخل العراقي حينها بأنّه أدب فايش ،ألنَّه مكتوب نعرف أ َّن هناك دوالً ش َّيدها املنفيون من منوذج األندلس، ٌ ّ إىل فكرة أمريكا ،فهل يستعىص عىل الشعراء منهم تشييد تحت سقف مح َّدد حيث ال حريَّة للكاتب يف تدوين ما ثقافة جديدة وحركة شعريّة ذات خصائص واضحة؟. يرى ويريد .اليوم ،وبعد أكرث من عرشين عاماً عىل تلك العامل اآلخر َّأسسه الشعراء العراقيون املنفيون يف القرن لت املقالة ،وبعد زالزل كربى طحنت البالد والعباد وتب َّد ْ العرشين وما بعده ،منذ سكَّان األرضحة البعيدة كعبد خريطة املنفى ،وتداخلت الخطوط بني ثنائية الداخل/ كل تلك الخارج أجد نفيس أمام السؤال ذاته ،وكأ َّن ّ الزالزل والنكبات مل تق َو عىل َه ْدم تلك الحدود األزلية لقد أضحى المنفى كأزلية النور والظلمة. ً خيارا ،ولم يعد مجرَّد مفهوم املنفى نفسه قد تغيرَّ بعد ذلك الوقت ،وتحديدا ً بعد االحتالل ،فقد تع َّزز باملزيد من األسامء امله ّمة اضطرار ،المثقف يف الثقافة العراقيّة ،كام أنّه مل يعد أيديولوجيّاً ،بل إ َّن الحقيقي عبر العصور هو الداخل أو الوطن املزعوم أضحى منفى آخر ،منفى المثقف المنفي ،ألنَّه مفتوحاً ألولئك املنف ّيني القدامى وهؤالء الجدد معاً ،مل يحمل شعار العصيان يعد املنفى مكان ّياً إذن ،بل أصبح نفياً مزدوجاً مكان ّياً وثقافيّاً ،هذه امل ّرة ليس بفعل الفاشية التي انهارت، الدائم ،ويهرب باستمرار وإنمّ ا بفعل عقليّة اإلقصاء واإللغاء وشيوع منوذج املثقف
من بيوت الطاعة
58
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
القصيدة العراقية بين منفيين
محمد مظلوم
املحسن الكاظمي وصوالً إىل الجواهري والبيايت وبلند الحيدري ورسكون بولص ،وليس انتهاء بسعدي يوسف ومظفر النواب وهم يطيحون بآخر األوهام للفكرة اقي الرومانس ّية عن «الوطن» .هذه رموز الشعر العر ّ يف قرن كامل ،متوت كلُّها يف املنايف أو تكاد ،لقد أضحى املنفى خيارا ً ،ومل يعد مج َّرد اضطرار ،املثقف الحقيقي عرب العصور هو املثقف املنفي ،ألنَّه يحمل شعار العصيان الدائم ،ويهرب باستمرار من بيوت الطاعة ،والشاعر هو املجسد لصورة ذلك املثقف وأشعاره هي سريته ِ وش َعاره. ّ اقي األصيلة تتمثَّل بشعر املنفى فقط، ر الع الشعر حركة ّ وأعيد التأكيد هنا أ ّن املقصود باملنفى ليس املكاين فقط، وإنمّ ا املنفى الذهني ،وهذا املفهوم ينطبق عىل منفى النقدي عن الداخل ،ومن هنا كذلك حاولت يف كتايب ّ اقي «حطب إبراهيم» ترسيخ مفهوم «الجيل الشعر العر ّ البدوي» لتوصيف أولئك الشعراء املنشقِّني دامئاً عن سياق الثقافة السائدة ،ذلك أ ّن منوذج «الجيل البدوي» غيـر املؤسسايت فحسب ،بل ومع متوافق ،ليس مع محيطه ّ تراث الدولة ،ووصايا أجداده وآبائه من األجيال السابقة، كام يبدو «البدوي» أفصح قرين لفكرة التم ُّرد ،ونشدان الح ِّرية ،تحت وطأة الحروب اإلقليمية والنـزاعات املحل ّية ونزعة الهويّات الضيّقة. اقي ولد يف بغداد عام ،1963حاصل محمد مظلوم ،شاعر عر ّ عىل بكالوريوس من كلية الرشيعة – جامعة بغداد ،غادر العراق إىل سوريا حيث يقيم منذ عام ،1991نرش أوىل قصائده عام 1978
باسم األنصار
العمودي .أسهم مع الشاعر وكانت قصيدة غزلية من الشعر ّ السوري أحمد سليامن وعدد آخر من األدباء العرب يف إصدار مجلة كراس لإلبداع املغاير يف بريوت .1994أعامله :غري منصوص عليه ـ ارتكابات ،املتأخر ـ عابرا ً بني مرايا الشبهات ،محمد والذين معه، النائم وسريته ،مسة شعراء عراقيّني «مختارات مع آخرين» ،عبد الوهاب البيايت ـ كتاب املختارات «مقدّمة يف تجربته ومنتخبات من أشعاره ـ دار الكنوز األدبيّة ـ بريوت» ،أندلس لبغداد ،ربي ُع الجرناالت ونريوز الحالجني ،اسكندر الربابرة ،عر ُاق الكولونيالية الجديدة ،الف ُنت البغداديّة ـ فقهاء املارينـز وأهل الشقاق ،حطب ابراهيم أو الجيل البدوي ،كتاب بازي النسوان ،كتاب فاطمة ،أصحاب الواحدة ـــ اليتيامت واملشهورات واملنسيات من الشعر العر ّيب.
...................................................................................
باسم األنصار
الشعر شأن فردي
جمعي ،والشاعر فردي أكرث مماّ هو الشعر نشيد روحي ّ ّ ّ يقيم عالقته مع الشعر مثلام يقيم املتعبد الوحيد يف محرابه عالقته مع الوجود أو مع خالقه .وأرى ان الشعر اقي دائم املثابرة والحامس يف البحث عن ماهو جديد العر ّ وحديث ،ولكن أبناء الحركة الشعريّة العراق ّية ليسوا عىل نفس املستوى من حيث القيمة الفن ّية وذلك الختالف وتفاوت املثابرة بني شاعر وآخر .مثلام أ ّن الشعراء يف الداخل ليسوا بنفس روحية الشعراء يف الخارج ،واملواهب الشعريّة طبعاً موجودة يف داخل العراق اآلن ،ولك ّن اليشء الذي يحزنني ح ّقاً هو أ ّن هذه املواهب ال متلك issue (5)- October - 2012
59
ملف
العاملي أو مع الثقافة منافذ كثرية للتواصل مع الشعر ّ العامليّة بشكل عام .الشعراء يف الداخل ولألسف يعيشون ظروفاً قاهرة تش ّوش عىل موهبة وذهنية أي أنسان يف العامل وليس عليهم فقط .ومع ذلك تقرأ لهذا الشاعر أو ذاك قصائد جميلة وعميقة ّ تدل عىل مستوى التح ّدي الكبري الذي ميلكه شعراء الداخل إزاء املوت والضياع. والشعري. مل تكن الجغرافيا عائقاً بوجه التالقح الثقا ّيف ّ الفرنيس منذ بودلري تأث ّر لدينا مثال عىل ذلك ،الشعر ّ كثريا ً بالشاعر األمرييكّ إدغار أالن بو .والحركة الرومانس ّية والسوريال ّية وغريهام من املدارس والحركات الفن ّية كل أنحاء العامل من دون صعوبة. والشعريّة انتقلت إىل ّ هذا إذا كان ما نقصده مبفهوم الحركة .أما إذا قصدنا شيئاً اقي يف الداخل مبثيله الذي يف آخر كأن تأث ّر الشعر العر ّ الخارج أو العكس ،فاإلجابة عىل ذلك هي طبعاً .فالشعراء العراق ّيون عىل الرغم من اختالف ظروفهم الحيات ّية واليوم ّية إال انّهم بقوا ميتلكون الكثري من الهموم املشرتكة، والتأثري فيام بينهم وارد وبق ّوة لهذا السبب بفعل توفّر ظروف مالمئة لالطالع عىل منجز بعضهم بعضاً سواء عرب النت أو عرب وسائل االعالم املختلفة. وأشري إىل حجم الفائدة املتأتية من طبيعة عالقات الشاعر املغرتب مع أفراد املجتمع الغر ّيب عىل جميع مستوياتها وأشكالها ،إذ تجعله يتف ّهم ملاذا ظهرت حركات فنيّة وشعريّة وحتّى فلسفات جديدة مثل الدادائية
الشعراء العراقيّون على الرغم من اختالف ظروفهم الحياتيّة واليوميّة إال انّهم بقوا يمتلكون الكثير من الهموم المشتركة، والتأثير فيما بينهم وارد
60
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
والسوريالية والبنيوية والتفكيكية ..الخ يف املجتمع الغر ّيب. الشعراء يف الداخل يفتقدون هذا اليشء لألسف وهذا ليس ذنبهم طبعاً وإنمّ ا ذنب ظروفهم الصعبة .ولك ّن السؤال املهم هنا ،هو كم من شعراء الخارج استطاع أن يستثمر فرصة تواجده العظيمة يف الغرب؟ إجابتي هي قليل ،بل وقليل ج ّدا ً .أمل أقل إ ّن الشعر هو قضية فرديّة. اقي مقيم يف الدمنارك ،صدر باسم األنصار ،شاعر وكاتب عر ّ له« :رجل الصفصاف ،نحيا وميوت الوطن ،ترانيم ابن آدم» ،شارك يف تأسيس مجموعة سومر الثقافيّة التي قدّمت الكثري من األمايس الفنيّة واألدبيّة املختلفة يف الدمنارك عام ،2000أحد الفائزين مبسابقة «بريوت .2009 »39
...................................................................................
حسن السلامن فارق فني
اقي بشكل هناك اعتبارات متثيل املشهد ّ الشعري العر ّ عام ،والتي تثار ما أن تطرح قضية شعر الداخل والخارج اقي وهل هناك تفاعل وتعالق ،أو تنافر واختالف العر ّ بني الفريقني ،ويف رأيي هناك ثالث قضايا أساسية تطفو الشعري، من معمعة هذا الجدل .وهي«طبيعة التعبري ّ والرؤية الشعريّة للوقائع واألحداث ،واملوسوعة املعرف ّية اقي». أو البعد الثقا ّيف للشعر العر ّ الشعري للقضايا املختلفة ،دامئاً عىل مستوى التعبري ّ الشعري عرب آليات انزياح ّية التمثيل وبالرضورة ،يجري ّ
القصيدة العراقية بين منفيين
حسن السلامن
عالية الدرجة من دون غلو أو تط ّرف تج ّنباً للسقوط يف براثن التقريريّة واملبارشة والشعاراتيّة وبالتايل فقدان القيمة .وهذا ما يشرتك به شعر الداخل والخارج ،أو الشعر مبجمله وباملحصلة ال يوجد اختالف .أما عىل مستوى الرؤية الشعريّة ،فإنّنا نعتقد با ّن شعراء الخارج يتميّزون عن شعراء الداخل بالرؤية عن كثب ،أو الرؤية من الخلف بسبب بعدهم عن املوقع الجغرايف الحقيقي لألحداث ،مماّ يجعل رؤيتهم أكرث روية ،وعقالنية، ووضوحا ً،وهدوءا ً ،خالفاً للقسم األعظم من شعراء الداخل الذي تكون رؤيتهم فيه رؤية محايثة لوجودهم يف قلب األحداث ،األمر الذي يجعل الكثري من تجارب الداخل ،تجارب يغلب عليها االنفعال والعجالة والتش ّنج، اقي مبآسيه وقد يصل األمر ،ونظرا ً لفداحة الواقع العر ّ
شعراء الخارج يتميّزون عن شعراء الداخل بالرؤية عن كثب ،أو الرؤية من الخلف بسبب بعدهم عن الموقع الجغرافي الحقيقي لألحداث
عيل سعدون
وكوارثه الخرافيّة ،إىل سقوط الكثري من شعر الداخل يف التعمية والفوىض والتفكّك واالنكفاء عرب مونولوجات شعريّة يف غاية العدمية والعبث ،وهو ما يجعل نتاجهم الشعري فاقدا ً للقيمة. ّ هذا ال يعني عدم وجود تجارب شعريّة من الخارج العدمي تحت ضغط طبيعة امليول تنحى ذات املنحى ّ والتص ّورات الفكريّة للشاعر ،إذ أ ّن ما أوردناه لالستشهاد بشكل عام. أما املوسوعة املعرف ّية أو البعد الثقا ّيف ،فتع ّد ،أو يع ّد، قاسامً مشرتكاً بني شعراء الداخل والخارج من خالل التز ّود من نفس املصادر ،سواء كانت معرفيّة /شعريّة ،أم حياتيّة ،فمعظم شعراء الخارج قد خاضوا جنباً إىل جنب شعراء الداخل التجارب نفسها ،وم ّروا ً بذات الظروف، وكذا األمر بالنسبة للتأث ّر بالحداثة الشعريّة وتح ّوالتها، وكذلك التجارب الشعريّة العراق ّية املعروفة األمر الذي يجعل التفاعل والتقارب بني الفريقني طبيعياً .ومماّ تق ّدم نلحظ أ ّن الفارق بني شعر الداخل والخارج هو فارق ف ّني بالدرجة األساس ،ألنّنا مهام قلنا عن تأثري الغربة بحق شعراء الخارج ،تبقى الثقافة مبعناها واالبتعاد ّ األوسع واألعمق هي املهيمنة. اقي ،ولد عام / 1963ميسان، حسن السلامن ،شاعر وناقد عر ّ صدر له :أنفاق ،عىل األرض مبارشة ،حاصل عىل عىل عدة جوائز.
issue (5)- October - 2012
61
ملف
اقي ،منذ مثانينيات القرن املايض، عيل سعدون يف ظواهر الشعر العر ّ وإ ّن ما يكتب منها «بقصد الشعر» يف التجارب العربيّة معايير فارغة ال ميكن للشعر العراقي ،وهو القامة املهمة والشاخصة املعارصة ،يكاد يكون «نرثا ً بامتياز» ،..وإ ّن ما يقع بني ّ ّ أيدينا من قصائد النرث املرصيّة ،واملغارب ّية ،وغريها ،مثال يف الشعر العر ّيب ،أن يخضع لتقسيامت من قبيل «داخل حي وشاخص عىل ما نقول به «هنا» . ّ وخارج» ،إنّه ببساطة شديدة يخضع ملعايري الشعريّة اقي إىل داخل وأرى عدم إمكانية تقسيم الشعر العر ّ الحقّة ،تلك التي تخلخل حواسك وتعبث بدورتك تخص الجغرافيا ،والشعر ليس وخارج ،إنّها تقسيامت ّ الدمويّة .والشعر أسمى من أن نأخذه حتف أنفه جغرافيا بطبيعة الحال ،وإ ّن ما كتبه يوسف الصائغ، كخروف لتقسيامت الوهم السائد ،تلك التي تخضع بطبيعة الحال إىل مزاج سيايس بالدرجة األوىل ،فيام يجدر وسعدي يوسف ،وفوزي كريم ،يكاد ينطلق من ذات ّ املنطلقات التي ينطلق منها عبدالزهرة زيك ورعد زامل فني محض. بنا ،أن نقرأ الشعر مبزاج ّ أهمية الشعر العراقي تأيت من تواشج ظواهره الشعرية ،ويحيى البطاط وغريهم ،مع الفروقات الفنيّة واألسلوبيّة ّ ّ كل منهم ..وما أعنيه باملنطلق املتقارب التي متيّز أداء ّ مع تح ّوالته الس ّياس ّية واالجتامع ّية ....وما نقوله هنا، الوجودي والكو ّين يف جدل الحياة العراقيّة «هنا» هو اله ّم ّ الفلسطيني سينطبق عىل ظواهر عربيّة أخرى كالشعر ّ نفسها. عىل سبيل املثال ،وربمّ ا غريه أيضاً. اقي ،تتف ّوق عىل إن األداء ّ الشعري لظواهر الشعر العر ّ وألفت االنتباه إىل الخصوصيّة التي نقول بها «هنا» التقسيامت الواهية واالجرتاحات غري املنطقيّة ،والتي ال الفني ،أي بأنّها تكمن يف قبضته املحكمة عىل الجانب ّ تخص جوهر الشعر ،ذلك إ ّن الشعر جوهر وباطن ،ال ّ صناعة الظاهرة وفق مح ّددات فن ّية ،األمر الذي تفتقده يستند للمظاهر الخارجيّة التي نقحمه فيها عىل الدوام،.. الشعري معظم التجارب العربيّة ،التي يغلب انفعالها ّ كام وأظ ّن أنّه من صنع عدد من الواهمني الذين تص ّوروا مع الحيايتّ ،ح ّد التقريريّة واملبارشة ،يساعدهام يف ذلك، بعد عودتهم إىل العراق عقب زوال الديكتاتورية ،إنّهم «التقليدي» والشائع يف خريطة الشعر الشعري الشكل ّ ّ «نجوم» مبج ّرد أنّهم كتبوا أشياء باردة ،خارج محرقة العر ّيب. إ ّن قصيدة النرث عىل سبيل املثال ،مل تتبلور بشكل حقيقي« ،الداخل» ،وأ ّن أياً منهم يُنظر له اآلن «أعني بعد العودة» عىل أنّه قامة مه ّمة ،استنادا ً ملعايري فارغة ومل تستند إىل الشعريّة وفق التنظريات املعارصة ،إال يوسمونها بـ «الداخل والخارج». ويف هذا الصدد أشري إىل تجربة زاهر الجيزاين ،انظر التواتر والتصاعد فيها ،ما كتبه يف الداخل يتف ّوق عىل ما كتبه يف الخارج ،وأيضاً مث ّة أشياء كتبها الجيزاين يف أرى عدم إمكانية السنوات األخرية ،تكاد تتف ّوق عىل تجربته امله ّمة يف الشخيص». «األب يف مسائه العراقي تقسيم الشعر ّ ّ
إلى داخل وخارج، تخص إنّها تقسيمات ّ الجغرافيا ،والشعر ليس جغرافيا بطبيعة الحال
62
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
اقي ،ولد عام / 1968ميسان ،صدر عيل سعدون ،شاعر وناقد عر ّ النص التسعيني .نرش العديد له :الغياب العايل ،اصغاء للمنفى ،جدل ّ من النصوص والدراسات يف الدوريات العراقيّة والعربيّة ،قيد الطبع: مجموعته الشعريّة الثالثة «غروب ال عالقة له بالشمس» ،كتابه اقي» ّ النقدي «مراجعات يف النقد العر ّ
القصيدة والحرب
ر ّدة عمودية
ً ً تعبويا من أسلحة المعركة .فالعراقيون الذين سالحا امتدت آثار الحرب في العراق إلى الشعر الذي بات كانوا سباقين إلى الحداثة والتجريب وجدوا أنفسهم وقد عادوا إلى تقليدية فرضتها الشروط السياسية وثقافة الموت والخنادق. في التحقيق التالي محاولة لتلمس اآلثار التي تركتها تحوالت الحرب على فنية القصيدة العراقية التي وصلت إلى مرحلة ريادية في النص والتنظير ،وقطعت مع الماضي قبل أن تعود من جديد إلى الكالسيكية.
issue (5)- October - 2012
63
ملف
العمودي للقصيدة كا َن موجودا ً عىل الدوام وهو الشكل ّ باسم املرعبي قد يخفت يف فرتة ويعلو يف أخرى كام يف فرتة الحرب تجارب فرديّة تدأب على االختالف العراق ّية اإليران ّية مثلام يالحظ السؤال .لك ّن املسألة والقطيعة ليست هنا أيضاً فبقدر ما «انتعش» العمود بحكم حاجة املاكنة الدعائيّة للنظام وقتئذ لهذا النوع «التعبوي» 1 «التحشيدي» من «الشعر» كام يحدث يف الحروب عادة، ال ميكن النظر إىل موضوعة كبرية كهذه تتعل ّـق بواحد فإ ّن الثامنينيات العراق ّية كانت مرحلة فاصلة لصالح من أكرث مالمح الثقافة العراق ّية عمقاً وأثرا ً أال وهو الحداثة الشعريّة العراق ّية إذ شهدت نوعاً من القطيعة الشعر مبعزل عن عوامل كثرية ،اجتامع ّياً وسياس ّياً ،كالتي الشعري لثالث حقب ـ إذا جاز لنا هذا مع اإلرث ّ شهدتْ انطالقة ما ُعرف بـ «حركة الشعر الح ّر» نهاية التحقيب ـ وهي الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، األربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن العرشين فتجد يف كثري من النامذج النرثيّة التي كُتبت تحت عىل يد الس ّياب وبلند والبيايت .إ ّن الرتاجع املشار إليه يف النص املفتوح أو الكتابة الجديدة السؤال مل يكن تراجعاً باملعنى الشائع بقدر ما كان طغياناً عناوين قصيدة النرث أو ّ مفارق ًة للمنجز السابق بشكل أو آخر ،مع مالحظة أنّني للثقافة الرسمية التي ن ّحت مل أرد هنا التحقيب الجييل جانباً الفاعلية التي ُع َ رف ـ نسبة إىل جيل ـ كام هو اقي يف بها الشاعر العر ّ الثمانينيات العراقيّة كانت دارج يف العراق ،بل اعتمدتُ التجريب والتجديد ،لك ّن مرحلة فاصلة لصالح الحداثة التحقيب النصيّ ،إذ من هذه الثقافة املحافظة الرضورة تأشري أ ّن أه ّم منجز كل بطبيعتها ،شأنها شأن ّ الشعريّة العراقيّة إذ شهدت شعراء السبعينيات يف العراق ما هو رسمي ،مل تقدر نوع ًا من القطيعة مع اإلرث قد تحقّق يف الثامنينيات ،عكس عىل إلغاء خصيصة الشاعر شعراء الثامنينيات الذين ق ّدموا الشعري لثالث حقب وهي ّ اقي ،كام أنّه ليس العر ّ مقرتحاتهم الكتاب ّية الناجزة يف بالرضورة ربط العودة إىل الخمسينيات والستينيات حقبتهم ذاتها وهو يش ٌء تجدر العمودي كملمح مالزم ّ والسبعينيات معاينته ودراسته ،يف ح ّد ذاته. لهذا النكوص ،إذ إ ّن 64
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
القصيدة والحرب
باسم املرعبي
2 ال ت ُحسب املسألة يف الشعر أو الكتابة عموماً مبج ّرد الرغبة يف النزوع إىل اتجاه ما بقدر ما يتحقّق ذلك عىل اقي، الورق فعالً .وطاملا أ ّن الحديث عن الشعر العر ّ تحديدا ً ،أرى أ ّن جملة املتغيرّ ات القاسية التي خضّ ت الحياة العراقيّة برمتها منذ التسعينيات ـ كمرحلة فاصلة ـ وحتّى اليوم ال ميكن إال أن يكون لها آثارها الشائهة عىل كل يشء ،وعلينا أن ال نغايل كثريا ً ونعزل «الشاعر» عن ما ّ يدور حوله .فإذا كانت األرض تهت ّز تحت قدميه كيف به أن يُحسن التفكري السوي! خالصة القول إ ّن هناك تراجعاً يف أهمية املتحقّق الشعري ،للسنوات األخرية ،فال مغامرات كُربى وال تجريب ّ عميقّ . الشك أ ّن هناك تجارب فرديّة تدأب عىل االختالف والقطيعة لك ّنها مل تشكّل بعد ظاهرة .وشخص ّياً مل أكن اقي وبالوعود التي إال متفائالً عىل الدوام بالشعر العر ّ يختزنها لكن علينا أن نخلّف هذه السنوات العجاف بعيدا ً وراءنا يك تتبينّ لنا السنابل التي ننتظر. وإال ال أُريد أن أبدو متشامئاً كالجواهري الذي ق ّرر يف لحظة يأس أو ارشاق« :إ ّن شعرنا متخلّف ألنّه أداة أُ ّمة متخلـّفة ،إذ من املستحيل أن ينفصل الشعر ويطفر ويتق ّدم وحده ،إنّه مشدود للعربة كلـّها .العوامل التي يتع ّرض لها العر ّيب تنعكس جميعها عىل الشعر فتخنقه». حتّى لو اختلفنا مع رؤية الجواهري هذه لكن علينا تأ ّملها بعمق. باسم املرعبي ،تولد الديوانية -العراق ،بدأ النرش أواسط
عيل الفواز
السبعينيات ،درس املرسح يف أكادميية الفنون الجميلة /بغداد، كتب للمرسح وقد قدّم أ ّول عمل له عام 1982وهو «بريوت تغادرها النجوم» عن الحرب األهليّة اللبنانيّة .صدرت مجموعته األوىل «العاطل عن الوردة» التي نالت جائزة يوسف الخال للشعر عام 1988يف لندن ،غادر العراق عام 1991إىل سوريا ومن ث ّم إىل لبنان حيث عمل يف الصحافة الثقافيّة كام يف مجلة «الناقد» وملحق «النهار» .ترجمت بعض قصائده إىل االنجليزيّة والسويديّة والفارسيّة .صدر له« :العاطل عن الوردة» عام 3( ،1988مجموعات يف كتاب واحد هي «العاطل عن الوردة» و«كلامت ثم كلامت» و«صورة األرض») عام « ،1997األرض امل ّرة» «بريوت» ، 1997 و«سامء بطائر واحد» .1999يقيم يف السويد منذ عام ،1994كام صدر له العام 2011كتاب «سطور عىل الجذور ..قراءات ومواقف» عن دار نيبور للنرش
...................................................................................
عيل حسن الفواز
سيرة الحداثة في بيئة الطوارئ مفهوم الحداثة الشعريّة تجاوز منطقة الرتاجع أو نزع األسلحة ،وأصبح أسئلة صادمة تقف إزاء إشكاالت قيم ّية وإجرائ ّية أكرث تعقيدا ً ،ربمّ ا هي املسؤولة عن املظاهر التي الشعري بالنكوص أو إتاحة املجال لصعود توسم املشهد ّ أشكال من «الثقافات» التقليديّة!! طبعاً أل ّن مفهوم الحداثة إزاء هذا التوصيف ليس عاريّاً ،أو إنّه الكائن الذي يصنع املعجزات ،إنّه جزء من معطيات وجوديّة أكرث ضغطاً وشموالً ،كام إنّه جزء من عالئق تسهم يف تأصيل -هذا املفهوم -داخل فاعلية issue (5)- October - 2012
65
ملف
نسق الوجود واملعنى ..الحداثة العربيّة والعراقيّة بشكل خاص وجدت نفسها أمام مجموعة من التح ّديات الكربى، ّ بدءا ً من تح ّدي السلطة املركزيّة وأوهامها األيديولوجية، وتح ّديات الحروب الطويلة ألكرث من ثالثني سنة وهو زمن غرائبي ج ّدا ً ،فضالً عن تح ّديات الهويّة واإلشباع كل هذه أسهمت يف واملكان والجسد والحوار والحريّةّ . خاصة وإ ّن البيئة العراقيّة وضع الحداثة عند الحافةّ ، تح ّولت يف هذا السياق إىل بيئة طوارئ ،تتعاطى مع قيم الحداثة كمفهوم ملتبس ،وغامض ومن دون «أسواق ثقاف ّية» وحتّى من دون «بيئات تعليم ّية وتداول ّية» وهو ما أسبغ عىل منظور التحديث نزوعاً مج ّردا ً للمغامرة ظل ميارس استيهاماتها شعراء ونقـّاد ومغامرون التي ّ خارج أسوار املدينة والجامعة والسوق ..وأحسب ا ّن ظاهرة صعود قصيدة العمود أو حتّى بعض االتجاهات الواقع ّية ج ّدا ً يرتبط بطبيعة املهيمنات الرصاع ّية التي كانت تفرتض مواجهاتها عىل املراكز الفاعلة/مراكز الق ّوة والسلطة واأليديولوجيا باتجاه خلق مضادّات تعيد تصنيع الحداثة يف ضوء منظور التاريخ والق ّوة واملق ّدس .ولعلـّي اقي هامشاً ساحرا ً ومفارقاً -رغم عدم أجد يف املنفى العر ّ وضوح مالمحه -لصناعة أشكال تعويض ّية لفكرة الحداثة
ظاهرة صعود قصيدة العمود أو حتّى بعض االتجاهات الواقعيّة ج ّد ًا ترتبط بطبيعة المهيمنات الصراعيّة التي كانت تفترض مواجهاتها على المراكز الفاعلة/مراكز الق ّوة والسلطة واإليديولوجيا
66
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
املطرودة واملشكوك بنواياها وطبيعة خطابها ومرجعياتها. اللحظة العراقية املعارصة مابعد 2003مضطربة كثريا ً، أو ربمّ ا هي تشبه الصدمة ،صدمة النقائض ،حيث االحتالل يقرتن بالحريّة ،أيديولوجية املركز تتشظّى إىل أيديولوجيات غري منضبطة ،املق ّدس يخرج من علبه العمومي ،وأعتقد أ ّن التجريب وسط القدمية إىل الشارع ّ هذه املفارقات بات األقرب إىل لعبة جمع النقائض، والرغبة يف ترميم العقل واللغة واملكان ،وإن بات نوعاً من الهروب العمومي إىل األمام ،وهذا الهروب ليس كل اقي برغم ّ بالرضورة ذهاباً إىل الجحيم؛ أل ّن الشاعر العر ّ ظل سرية الوجع والطرد والقسوة التي رافقته منذ عقود ّ مسكوناً باستعارته الكربى ،تلك التي متنحه رغبة حميمة ودافقة لنزع األغطية الثقيلة ومعطف األب الفرويدي وتعرية العامل عرب تعرية اللغة .إذ تكون اللغة هنا هي الشهوة والجسد والخطاب ،مثلام هي املنطقة القلقة أو والضاج ربمّ ا هي رساط النار املفتوح عىل العامل املش ّوش ّ من حولنا ،حيث الشعراء يصنعون غوايتهم الكربى. عيل حسن الفواز ،ولد يف بغداد ،يكتب الشعر والنقد ،أصدر الكتب التالية يف الشعر« :فصول التأويل»« ،مرايا لسيّدة املطر»، «مداهامت متأخّرة»« ،ألوان باسلة»« ،وجه ضالع يف املرايا» ،ويف النقد« :العائلة الشعريّة العراقيّة»« ،الشعريّة العراقيّة أسئلة اقي يف الرسد»« ،أنطولوجيا شعراء ومقرتبات»« ،مرايث املكان العر ّ البرصة -كتاب يف األنطولوجيا الشعريّة»« ،فنطازيا الدولة» -كتاب السيايس« ،إشكاالت الدولة الوطنيّة من التاريخ إىل نسق يف الفكر ّ السيايس الفكر يف كتاب الحداثة»- ّ
القصيدة والحرب
أديب كامل الدين
عمر الجفال
وبخاصة يف زمن اإلنرتنت -لنرش مئات ...................................................................................عىل مرصاعيه – ّ الخواطر الف ّجة التي يسميها أصحابها «قصيدة نرث» يوم ّياً أديب كامل الدين والخاصة. عىل املواقع اإللكرتونية العا ّمة ّ كتابة بأسلوب النجارة خاصة بقصيدة الشعراء اآلن عىل ثالثة أنواع :شاعر حقيقي ،وشاعر ناظم ،لك ّن املسألة ليست إنرتنتية خالصة وال ّ وشاعر رديء! الشاعر الحقيقي معروف فليس من سبب النرث لوحدها بالطبع .إذ يجب أن نعرتف بأ ّن هناك أزمة لتوصيفه .لك ّن الشاعر الناظم قد يجهله الكثريون .إنّه من يف الحصول عىل الشعر املتفوق املبدع وهي أزمة ليست «ينجر» القصائد ليس فقط عىل بحور الشعر املعروفة بل جديدة .أل ّن الكثري من الشعراء والشاعرات يف بلداننا عىل «قوالب» قصائد معروفة لشعراء قدماء أو محدثني .العرب ّية -باختالف أساليبهم الشعريّة :عموديّة أو تفعيل ّية العمودي يف األغلب وعىل بعض أو قصيدة نرث -يفتقدون إىل الفهم الدقيق ملسألة بنية وهذا ينطبق عىل الشعر ّ القصيدة ،وملسألة النمو العضوي يف القصيدة ،ومسألة من شعر التفعيلة حيث ظهر اآلن من «ينجر» قصائد الشخيص للشاعر، االقتصاد يف اللغة ،ومسألة القاموس ّ تفعيلة أيضاً! ال ميلكون تجارب روح ّية أو إنسان ّية ذات شأن أو عمق. وبالعودة إىل موضوع السؤال والقصائد العموديّة التي وتجد جملهم الشعريّة وصورهم الفن ّية مليئة بالتغميض كتبت لتم ّجد الحرب وما درجة تأثريها عىل املشهد لت والرتهل والتقعري والهذيان الالمجدي حتّى تح ّو ْ عموماً ،فإن الشعر ليس نجارة عىل االطالق! الشعر قصائدهم إىل مايشبه ركاب عربة القطار الذين ال يعرف وأخالقي. وفلسفي روحي موقف من العامل :موقف ّ ّ ّ أي جامع سوى العربة! يجمعهم وال ً، ا بعض بعضهم ّ التكسب والجاه والذين يط ّوعون الشعر لخدمة أغراض ّ الشعر ،كام أراه ،هو اكتشاف الحياة يف ومضة نادرة ال يستطيعون أن يكتبوا شعرا ً متميّزا ً البتة مهام امتلكوا وبأقل عدد من الكلامت .ولذا سيكون الشعر الحقيقي ّ من قدرة التقليد .ذلك أ ّن التقليد يبقى تقليدا ً ولن يصبح والعميق نادرا ً عىل الدوام .والغلبة يف الظهور ،عىل األكرث، إبداعاً مهام نُفخ فيه! للنامذج غري األصيلة ،للنامذج التي تعوزها الومضة وهكذا فإ ّن «الكتابة بأسلوب النجارة» ال تتيح للشاعر النادرة يف اكتشاف الحياة أو تعوزها قدرة الشاعر عىل بالطبع سوى كتابة قصائد مهلهلة تشكو فقرها الشديد تجسيد هذه الومضة بشكل عميق ومبتكر دومنا تعقيد وهزالها األكيد رغم متاسكها الظاهري الكاذب. أو تغميض .وبالتغميض أعني الغموض املفتعل وليس وإذا كانت قصيدة النرث قد فتحت أبواباً عظيمة لإلبداع األصيل. كام هو معروف ،فإنّها يف الوقت ذاته فتحت الباب issue (5)- October - 2012
67
ملف
عمر الجفال
إ ّن معادلة اإلبداع يف الشعر صعبة حق ّـاً ،وتتطل ّـب من الشاعر خربة حيات ّية وثقاف ّية ولغويّة وشعريّة ،مع مران مستم ّر ،وإميان حقيقي بالشعر ودوره اإلنسا ّين الخالق، بأي شكل من مع الحرص الصادق عىل عدم ابتذال الشعر ّ األشكال. أديب كامل الدين ،شاعر ،ومرتجم ،وصحا ّيف ،مواليد 1953 – بابل – العراق ،بكالوريوس اقتصاد -كلية اإلدارة واالقتصاد - جامعة بغداد ،1976بكالوريوس أدب انجليزي – كلية اللغات التقني – جامعة بغداد ،1999دبلوم الرتجمة الفوريّة -املعهد ّ لوالية جنوب أسرتاليا -أدياليد -أسرتاليا ،2005أصدر املجاميع الشعريّة اآلتية« :تفاصيل»« ،ديوان عر ّيب»« ،جيم»« ،نون»« ،أخبار املعنى»« ،النقطة»« ،حاء»« ،ما قبل الحرف ..ما بعد النقطة»، «شجرة الحروف»« ،أب ّوة» « – Fatherhoodباإلنجليزية»« ،أربعون قصيدة عن الحرف» « ،أربعون قصيدة عن الحرف» Quaranta - « poesie sulla letteraباإليطالية :ترجمة أسامء غريب»« ،أقول الحرف وأعني أصابعي»« ،مث ّة خطأ »– Something Wrong «باإلنجليزيّة» الرسومات :شاكر حسن آل سعيد
68
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
مريدو قصائد تعيد نفسها ال أعتقد مطلقاً إ ّن هناك ردّة يف الحداثة الشعريّة يف العراق ،لطاملا كانت القصيدة العموديّة تسري مبوازاة قصيدة النرث ،لك ّن األخرية تتف ّوق لتن ّوعها ولعدم ركونها إىل ثابت ،عىل العكس من القصيدة العموديّة التي مهام حاولت أن تتز ّوق فهي تبقى يف شكلها ذاته ما يجعلها تعيد نفسها. يف العراق ،الرصاع دائم بني هذين الشكلني الشعريني، العمودي له مريدوه بدءا ً من األحزاب اليوم الشكل ّ السياسيّة وليس انتها ًء باملحافل الدينيّة ألنّه يش ّجع عىل التصفيق ملوسيقاه ،لكن مبقابل هذا ،تشهد قصيدة النرث تط ّورا ً الفتاً وهي ملتزمة بثقافة رصينة. هل تعتقد أ ّن النزوع إىل الحداثة والتجريب اليوم لدى أقل؟ اقي بات أقوى من السابق أم ّ الشاعر العر ّ هذا السؤال يحمل معنى مزدوجاً ،لجهة أ ّن التجريب عىل يد األجيال السابقة يف العراق أخذنا إىل تخوم العمودي له الشكل ّ الهلوسة ،ما خلّف لدى جيلنا ركاماً من الكالم جع مريدوه ألنّه يش ّ الذي يبحث عن معنى!. على التصفيق أما التجريب اليوم فهو لموسيقاه ،لكن ملتزم بالحدود التي تتيح للنص التخلّص من األبوية ّ بمقابل هذا ،تشهد أوسع مديات عىل واالنفتاح قصيدة النثر تط ّور ًا داخل نطاق الشعر ،وداخل الفت ًا فهمه وليس خارجه. عمر الجفال ،ولد يف بغداد عام ،1988غادر إىل دمشق العام 2000وبقي فيها حتّى العام ،2011فاز بجائزة دار التكوين ،2009 صدر له عن الجائزة نفسها ديوانه األ ّول «خيانات السيّدة حياة»، اقي ببغداد العام كام فائز بجائزة اليونسكو وبيت الشِّ عر العر ّ 2012
الشعراء الجدد
طريق النشر الصعب
الفنان جرب علوان األميركي للعراق عام 2003؟ وإذا هل من حركة شعريّ ة جديدة يمكن تلمّ س وجودها بعد حدث االجتياح ّ
الثقافية تعتبر الجيل الجديد ،جيل «ما بعد التغيير» ،أو جيل «القطيعة مع األيديولوجيا»، كانت الصحافة ّ والعربية المحلية فما دور النقد في تقييم النتاج» وماذا بشأن النشر وصعوبات الطباعة ،وتعامل دور النشر ّ ّ
مع مم ّثلي هذا الجيل من الشعراء الجدد؟؟.
ً الشعري في عموما مع الكتاب وكتبي وباحث يتح ّدث عن العالقة أجوبة هذه األسئلة على لسان ناقدين، ّ ّ
االجتماعي العراق ومستوى تلقيه ّ
«السيايس/ أيديولوجيّة» عديدة من دون ذلك االستقطاب بشري حاجم ّ األيديولوجي» الوحيد. ّ ّ ّ تفكر به يفكر بالمتلقي وال جيل ث ّم أ ّن هذا التوفّر االنفتاحي ،املتح ّرر ،الذي نسف ذاك دور النشر الشعري ،ذا التخندق االنغالقي ،املتق ّيد ،جعل واقعنا ّ ال ميكنني تقديم رؤية عن حال شعرنا اليوم ،يف العراق، من دون االنطالق من إيجابيات ما بعد 9نيسان .2003األرضية الخصبة تأريخيّاً وفنيّاً ،يشهد واحدة من أه ّم مراحله املعارصة .إنّها هذه املرحلة الحالية ،الحارضة ،التي لعل أه ّمها عىل صعيد الشعر ،حرصا ً هنا ،هي ،عندي ّ وصفتها باملرحلة الذهب ّية ،مرارا ً وتكرارا ً ،لكونها تتزامن األقل ،إيجابية موت «القطبيّة الثنائية» :السياسيّة ـ يف ّ السيايس .ولقد مع حريّة محسوسة وملموسة عىل الصعيد ّ عموماً /األيديولوج ّية خصوصاً .إذ ،منذ تسعة أعوام، قلت قبل أعوام إ ّن شعراءنا مدعوون ملواكبتها بحريّة مل يعد مث ّة :تقدميو الخمسينيات ورجعيوها /أمميو تقل محسوسيّة وملموسيّة. ابداعيّة ،سوسيوثقافيّة ،ال ّ الستينيات وقوميوها /شيوعيو السبعينيات وبعثيوها/ وهذا ،فعالً انشغاليّاً واشتغاليّاً معاً ،بحيث متخّضت عنهم، مستقلو الثامنينيات وحزبيوها /منفيو التسعينيات تحصيل حاصل للمنتج املنجز بهم ،حركة شعريّة فاعلة يف وسلطويوها .أي أ ّن شعراء تلك العقود ،م ّمن ظلـّوا حارضين حياتياً وإبداعياً ،توفّروا عىل انفتاحات «سياسية /الثيمة والبناء والتكنيك والجاملية. ّ ّ ّ issue (5)- October - 2012
69
ملف
بشري حاجم
أحمد الظفريي
كريم حنش
النظر عن عموديتها أو تفعيليتها أو نرثيتها .إنّها األقىص لدي ،يف أ ّن ساحتنا النقديّة ،سيام وليس من أي ريب ّ املمكن لإلنزياح ،إذن ،وبه أ ْم َك َن ،لهم ،أن يستعيدوا يل العمقي ،قد ازدادت فاعليتها جناحها النيص الداخ ّ ّ الكثري ،ج ّدا ً ،مام فقدته قصائد «العمود /التفعيلة /النرث»، ــ بفاعلية هذه الحركة الشعريّة ــ هي األخرى .حيث من ِشعرياتها ،عرب األجيال السابقة لجيلهم «الجوكر». باتت ،حقـّاً ،تتمتع بحريّة ثقافيّة ،معرفيّة وفكريّة، حلـت لها إشكاليات «املمنوع» و«املقموع» و«املسكوت هذه االستعادة ،الرضوريّة ،ما كانت ،أصالً ،لتتأتىّ لهم، ّ عنه» ،التي كانت أخطر اإلشكاليات ،يف تناوالتها ملنجزات وبهم ،لوال أنّهم ،انشغاالً واشتغاالً ،إنمّ ا يكتبون نصوصهم، شعرائنا .فراحت هذه التناوالت ،من ثم ،تشتغل بإجرائية ،عموديّة /تفعيليّة /نرثيّة ،و«عينهم» عىل «الشعريّة» دون ّ أي واحد منهم ،وإن بدرجات بحثية ودرسية ،عىل منجزاتهم ،كلـّها ،من دون أية حاجة «التجنيسيّة» .ذلك يعني أن ّ ّ ّ متفاوتة ،قد تف ّهم ،وال يزال ،ما يريده الشعر ،يف القصيدة، للتورية واملواربة. متجل يف «دواوينهم :الوحيدة «و /أو» وهذا املعنى ّ عليه ميكنني القول ،يف صدد معايريه النقديّة الحقّة األخرية» حتّى اآلن. الشعري الفذ ،إ ّن اشتغاالً إجرائ ّياً كهذا، لتقييم نتاجنا ّ بيد أ ّن أغلبية هذه الدواوين ،وحيدة «و /أو» أخرية ،مل ال تورية فيه وال مواربة ،إنمّ ا تح ّرر من العقدة املزمنة تصدر لهم بيرس وسهولة وانسيابيّة و«أريحيّة» .يكفي، األكرب« :األيقون ّية» .بهذا التح ّرر ،الذي تخلله ابتعاد عن دليالً لذلك ،أنّها استنزفت جيوبهم ،وهي «فقرية» يف «اإلخوانيات» ،شمل هذا االشتغال اإلجرايئ حتّى شعراء الخاصة يف مجملها ،ألنّهم أصدروها عىل حساباتهم ّ الجيل األخري ،الحايل ،م ّمن ظهروا ،عىل مستوى النرش، «بريوت /دمشق /عامن /القاهرة» خصوصاً .لكونهم ،وما خالل العقد األول لقرننا الحارض .أنا شخص ّياَ ،مثالً ليس زالوا ،بني «حجري رحى» :دور نرش عراقيّة غري موزِّعة، حرصا ً ،كنت ،بحكم متابعتي لشعريتنا املعارصة ،قد انتبهت ـ تنظريا ً وتطبيقاً منذ عام 2005ـ لهؤالء الشعراء .طابعة فقط ،ال تحقق طموحهم يف االنتشار «حتّى خارج العاصمة بغداد!» ..ودور نرش عرب ّية موزِّعة ،قد تحقق مث ّة ،بحسب انتباهي هذا ،انفتاح فذ عىل متلقيهم، طموحاً كهذا ،لك ّن تعاملها معهم «تجاري» ،أكرث مماّ ّ اعتياديّيه واستثنائيّيه سواء بسواء ،يحاولون ،مفردياً أو «إبداعي» ،وهنا عرسه وصعوبته تجاههم .ويبدو، مثنوياً أو جمعياً ،أن يصلوا إليه ،اليوم قبل الغد ،باعتباره هو ّ «رضورة» .من أهم سامت هذه الرضورة لديهم ،بل هي يل ،أنّهم فضّ لوا ،وال يزالون ،ثاين الحجرين هذين ،عىل ّ أولهام ،ألنّه األمنت ،الفوقي ،وإ ْن ثقل عليهم .ما يضطرهم لدي ،أنهم يكتبون قصيدتهم شعريّاً ،إيحائ ّياً ال أه ّمها ّ لهذا التفضيل ،إضافة إىل ذلك ،كونهم غري محظوظني إخباريّاً ،قبل كتابتها عموديّاً أو تفعيليّاً أو نرثيّاً .ففيها، «املؤسسة الرسمية» .لذا أقرتح عىل «دار الشؤون يف القصيدة هذه ،ال حدود ـ حيث الحدود وهمية غالباً مع ّ الثقاف ّية العا ّمة» ،التي أقصدها هنا ،أن تعيد «سلسلة ـ لشعريتهم ،االيحائ ّية ليست اإلخباريّة ،التي يرومونها كتابات جديدة» ،تحديدا ً ،يك تصدر دواوين أوىل أله ّمهم، أساساً .وهي ،لذلك ،متواترة يف نصوصهمُ ،جلِّها ،برصف 70
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الشعراء الجدد
الفنان جرب علوان
األقل ،من خاللها .فهذه السلسلة ،التي ألغتها «وزارة يف ّ الثقافة» عند بدايات العقد الثامنيني ـ نتيجة لسبب معروف قبالة جميع املعنيّني ،كانت عامالً جلياً يف بروز العديد من شعراء الجيل السبعيني .وأظ ّن أ ّن يف إعادتها اآلن «أضعف اإلميان» بشعر الجيل األخري ،جيل ما بعد «التغيري» ،إ ْن كانت هذه «الدار» مؤمنة به ح ّقاً!. اقي ولد يف بغداد ،1968صدر له« :زمن بشري حاجم ،ناقد عر ّ املتني يف الحركتني الحيك ..زمن ّ القص»« ،النسق ّ النيص والنسق ّ املتضافرتني للقصيدة».
...................................................................................
أحمد الظفريي
شعراء بذهنية عالية ونقد متأ ّ خر عاشت الحالة الشعريّة يف العراق أطوارا ً عديدة ،تبعاً واالجتامعي الذي يعيشه واالقتصادي السيايس للوضع ّ ّ ّ اقي مابعد 2003م ّر بحالة انتعاش البلد ،والشعر العر ّ اإلعالمي وزيادة –حسبام أعتقد -وذلك بعد االنفتاح ّ االختالط مع الشعر يف البلدان األخرى من جهة ،ومن جهة أخرى فإ ّن انفتاح أسواق الكتب واإلنرتنت أمام الق ّراء أعطى مجاالً آخر لالطالع واإلفادة من تجارب اآلخرين ،فضالً عن أ ّن التجارب التي م ّر بها الشاعر اقي ازدادت بعد عام 2003بسبب االضطرابات التي العر ّ عاشتها البالد. واقعي جديد، شعر ،2003 عام بعد اقي ّ الشعر العر ّ اتّجه اتجاهاً معرف ّياً عىل الرغم من عشوائيته املستكينة تحت فراسة املصطلحات الحديثة التي دخلت إلينا سواء باالستعامل أو كونها دخيلة عىل لغتنا العربيّة. إ ّن جيل الشعراء الذي ظهر بعد 2003ميثـّل حالة
إبداع ّية جديدة واعتقد أنّه جيل ثري باإلبداع السيام بعد ترسيخ أسامئهم عىل الصعيد العر ّيب ،فكثري منهم حصد جوائز شعريّة عربيّة وبعضهم اآلخر –أعتقد -أنّه يستحق األفضل ،وقد مت ّيز نتاجهم بذهنية عالية ورؤية دقيقة اليومي هذا عىل الصعيد العام. للحدث ّ أما عىل الصعيد األجنايس للكتابة فهناك حالة من االتباعية عند بعض الشعراء الذين ميثّلون حالة جديدة كل من «قصيدة الشعر» ،علامً أ ّن هؤالء الشعراء يتميّز ّ منهم بصوت مستقل إضافة إىل كون بعضهم يرشع باالنفتاح عىل األعامل املرسح ّية الشعريّة. وهناك النوع الثاين من الشعراء وهم شعراء قصيدة النرث والذين يظهرون عىل الساحة الثقافيّة بصورة أوسع بكونهم أكرث نتاجاً وقرباً من املتلقني الشباب ،وهؤالء الشعراء أيضاً بعضهم يع ّد مواصالً لجيل قصيدة النرث اقي األ ّول الذي ظهر يف ستينيات القرن املايض، العر ّ وبعضهم يحاول الخروج عن قصيدة النرث السائدة من اليومي النص املفتوح واستخدام خالل االنفتاح عىل ّ ّ والسائد يف نصوصه ،فضالً عن إيجاد لغة تكاد تقرتب من اللغة الدارجة من خالل استخدام ألفاظ األدوات واألشياء املتداولة يوم ّياً. أما عىل صعيد النقد فيبقى النقد متأ ّخرا ً عن الحالة الشعريّة وذلك بسبب الكثافة يف اإلنتاج األد ّيب مقابل قلّة القراءات النقديّة ،وأنا ال أعتقد أ ّن السبب هو تكاسل النقّاد بل قل ّـة أعدادهم مقابل أعداد األدباء ،ناهيك عن كرثة النصوص الرسديّة التي أصبحت توازي النصوص الشعريّة بعددها وهذا يضيف زخامً جديدا ً عىل النقّاد. إ ّن الحالة النقديّة بصورة عا ّمة تعتمد أحياناً عىل
issue (5)- October - 2012
71
ملف
املجامالت واإلخوانيات وربمّ ا السبب يعود إىل صعوبة مالحقة النقّاد لكافة النتاجات األدبيّة الجديدة ،ولذلك يعتمد الناقد يف عمله عىل ما تصله من نتاجات أدبيّة عن طريق األصدقاء أو املعارف أو ما يوزّع يف املهرجانات والتي تع ّد الحلقة األه ّم يف التوزيع للمطبوعات األدب ّية، وهذا يج ّرنا للحديث عن أزمة الطباعة والتوزيع لدى الخاص اقي ،فهو يضطر للطباعة عىل حسابه ّ الشاعر العر ّ الخاصة أيضاً وهنا نكون أمام اشكالية والتوزيع بإمكاناته ّ تح ّدثنا عنها أكرث من م ّرة يف الصحف حول دور وزارة الثقافة يف تبني اإلصدارات األدب ّية وتوزيعها توزيعاً يليق باملنتج ،كذلك تخصيص جزء من ريع املباع لألديب يعطى كحافز له عىل إبداعه ،كذلك العمل عىل إصدار قانون امللكيّة الفكريّة والذي يع ّد عامالً رئيساً يف الحفاظ عىل املنتج األد ّيب من الرسقة. أحمد الظفريي ،دكتوراه أدب عر ّيب «نقد حديث» .صدر له: الشعري-من التشكيل الشعري»« ،فضاء الكون «سيمياء الخطاب ّ ّ إىل التأويل -مستويات التجربة عند محمد مردان» تأليف :عدد من الباحثني .يف البحوث له« :قراءة نقديّة يف شعر شريكو بيكه س».
...................................................................................
كريم حنش
كتب تتآكل في شارع الرشيد تبقى ثقافة امليديا وما تق ّدمه للناس أحد أسباب انحسار الشعري ،والفضائيات ،واملذياع ،وعرشات الصحف الكتاب ّ واملجالت ،واملهرجانات يف عرص فوىض الدميوقراط ّية، تلك أه ّم سموم االنقسام والتخلّف ،وكلام توغلنا يف أسواق الكتب ببغداد وبقية املدن يف الوسط والجنوب وما يتداوله الناس نجد عرص الفرتة املظلمة بهيئة القرن الحادي والعرشين ماثلة يف توجهات الناس ،فكتب الشعراء الشعب ّيني وشعراء القريظ ومهرجاناتهم وما تبثه القنوات الطائفيّة أحد أه ّم البدائل إلزاحة ما هو جا ّد ومنطقي يف الشعريّة العراقيّة الجديدة. ّ الشعري النتاج مع تواصل يف ال ز ما اليوم اء ر الشع بعض ّ لبورخس ،وسعدي يوسف ،وأدونيس ،ومحمود درويش، وسليم بركات ،وتوماس ترانسرتومر ،تلك فئة شعريّة أسرية التاريخ العام ال ميكن نسخ تجربتها وتعميمها ،وال 72
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
جل الشعراء يعيشون يف عامل املرض الرنجيس ال سيام أ ّن ّ يجسد حالة املجتمع متلؤه فسحة ملكوت ريلكه عندما ّ وهو يعيش يف دوامة الفقر ،وفكتور هيجو مل يكن شاعرا ً فقط باملعنى الغنايئ والغني الرائع للكلمة ،وإمنّا كان مف ّكرا ً وسياس ّياً ومنخرطاً يف هموم عرصه وقضاياه. الشعر قيمة إنسانيّة عليا ،لذا انفرد شعراء يك يصبحوا قادة للضمري والفكر اإلنسا ّين ،يذكر هاشم صالح يف ضوء الفرنيس بول بينيشو أ ّن «الدور الكبري الذي دراسته للناقد ّ لعبه المارتني وفيكتور هيغو وألفرد دو موسيه وسواهم الفرنيس املعارص ،فقد حل ّـوا محل الكهنة يف التاريخ ّ املسيحيّني يف نظر الجمهور املثقف وق ّدموا للناس الغذاء الروحي بعد انحسار املسيحيّة والكهنة التقليديّني من ّ مطارنة وخوارنة». هذا يعني أ ّن الشعر أخذ ميثّل مكانة املق ّدس يف وعي األوروبيينّ بدالً من الدين الذي فقد مصداقيته بعد الثورة الفرنسيّة وسقوط النظام القديم. ما بال بعض شعرائنا عندما ينرشون الديوان تلو الديوان وكأ ّن التجربة اكتملت بالتصالح املفرط للذات عن طريق استقبال شاعر من الغربة وكأ ّن نريودا حرض بسيف اللهب ومذكراته التي ألهمت ماركيز يف «مائة عام من العزلة»، وهذا هو الحضور الفاعل للشعر يف أوروبا وأمريكا الالتينية. أمام تعايل الذات لدى الكثري من شعرائنا املعارصين، وباألخص عندما نجد أعاملهم السبعينية وهي تتآكل يف شارع الرشيد حرصا ً من دون أن يقل ّـبها أحد مجاميع نبيل ياسني ،وفوزي كريم ،وكاظم جهاد ،وهاشم شفيق، فضالً عن شعراء مرحلة القادسية وما بعدها ،فح ّدث مبا تراه عيناك من اختالط أوراق الوعي والجهل معاً. وكتبي ،صاحب مكتبة الحنش يف شارع املتنبي كريم حنش ،باحث ّ ببغداد ،رئيس التج ّمع الثقا ّيف يف شارع املتنبي ،رئيس تحرير مجلة «فكر ح ّر» الصادرة عن التج ّمع نفسه ،طالب دراسات عليا يف كلية اآلداب -جامعة بغداد
الشعر والفنون
تكامل أم تنافس ؟ رغم تنوع وغنى المشهد الثقافي العراقي في التشكيل والمسرح والقصة والرواية ظلت الصدارة للشعر. والسؤال اليوم هل بقي الشعر في هذا المقام العالي ،وهل تطوّ ر أكثر أم على العكس تراجع لصالح إبداعات يرسخون حضورهم؟.سؤال يجيب أخرى أخذت تظهر الى السطح ويبرز معها جيل صاعد من المبدعين ّ عنه ثالثة من شعراء العراق
عبدالخالق كيطان
عبد الخالق كيطان صفاء ذياب ياس االسعيدي
نسف المقوالت التقليديّة «نعم هنالك «فورة» يف بعض األنشطة اإلبداع ّية العراق ّية ..وهناك طموح مرشوع يف السينام والتلفزيون ..ويف الرواية ..ولكن ملاذا نعتقد أن ذلك يؤث ّر عىل حال الشعر؟» ،هذا ما يؤشرّ ه الشاعر املرسحي عبدالخالق كيطان ،موضحاً عقب استفهامه والناقد ّ اقي منذ عقد من بالقول« :ما يحصل يف املشهد ّ الشعري العر ّ الزمان ال عالقة له بتلك الفورة .إال أ ّن مشكلته بنيوية ،سببها جيل من الشعراء أرادوا التشطيب عىل تجربة أكرث من نصف قرن من الحداثة الشعريّة والنكوص بالتجربة إىل ما يس ّمونه محاولة اإلصالح العمودي ،وهذا ،بالنسبة يل عىل والتطوير من داخل بنية الشعر ّ األقل ،ذروة اللعب والحمق». املؤسسات الثقاف ّية خالل العقد األخري، وال ينىس كيطان «دور ّ مؤسسات حريصة ،عىل ما يبدو، النظام السابق وما بعده ،وهي ّ التقليدي يف الشعر؛ ألنّه األنسب إىل مداركها عىل تقديم األمنوذج ّ الثقاف ّية ،ففسحت املجال عرب بواباتها الكربى للتجارب النكوص ّية إيّاها ،ما أدّى إىل انخراط رهط كبري من الشباب يف هذا املرشوع». إشارته األخرية يراها السبب األوحد ملا يشهده الشعر اليوم من تراجع؛ كون «الشباب األقدر عىل حمل راية املغايرة واملغامرة ،وإذا وتقليدي». ما نحينا تجاربهم فسنصل إىل تكريس منوذج قا ّر ّ غري إنّه يل ّمح اىل «ازدهار فنون الكتابة باللغة املحك ّية يف العراق اليوم ..مثلام تزدهر فنون أخرى .وهنا يبدو البحث عن مصادر الشعبي ،واملشاريع السينامئ ّية ،جالبة قصة لوحده .فالشعر متويل ّ ّ للامل ،بينام الشعر الذي نتح ّدث عنه يُفقر صاحبه .هكذا نرى issue (5)- October - 2012
73
ملف
أيضاً ناظم رمزي يف الفوتوغراف من جهة وجواد سليم انخراط عدد كبري من الشباب يف مشاريع مجدية ماديّاً، وغريه كثريون يف الفنون التشكيليّة». خاصة مع انتشار املحطـّات الفضائيّة ،ودخول منظّامت ّ ووفقاً للواقع القائم اآلن ،يضيف عىل ذلك« :ما نالحظه املجتمع املد ّين يف وقت ترتاجع فيه املجالت الثقافيّة اليوم من ظهور جيل جديد يف الرؤى والتقنيات املعنية باإلبداع الجديد ،وال تستطيع الصحف مكافأة واألساليب أكَّد أ ّن الثقافة العراق ّية ليست ثقافة شعريّة الشعراء إال مببالغ مضحكة». فقط .التقنيات الجديدة منحت الباحثني عن الجامل آفاقاً ويف النهاية اليجد تغيرّ ا ً يف «وظيفة الشعر» ،ويرى أن «محنة الشعر ليست عراقيّة فقط» ،بل هي محنة عامليّة واسعة ،فمع ظهور الكامريا الديجيتال برز جيل جديد من الف ّنانني الفوتوغرافيّني ،فضالً عن اهتامم كبري من الشعراء تداخلت يف صنعها عوامل شتّى ،قد ال تبتعد كثريا ً عن والكتّاب أنفسهم بالفنون البرصيّة ..وهذا االهتامم ليس العوامل املحل ّية العراق ّية .وبالرغم من هذه الصورة املأزومة التي يق ّدمها يف بعدها العام ،إال أنّه يعتقد «أنّنا جديدا ً عىل األدباء ،إال أ ّن صعوبة استخدام الكامريا مقبلون خالل هذا العقد من السنوات عىل تجربة جديدة القدمية جعلتها حكرا ً عىل الفوتوغرافيّني املحرتفني، يف الشعريّة العراقيّة قد تستطيع صياغة حداثتها ونسف وهذا األمر ينطبق عىل الفنون السينامئيّة أيضاً .املوهبة واالنحياز للجامل بأشكاله املتع ّددة وطرائقه كان موجودا ً، املقوالت التقليديّة التي تتحكم ظاهريّاً وشكليّاً اليوم إال أ ّن صعوبة استخدام التقنيات الكالسيك ّية كان السبب اقي». باملشهد ّ الشعري العر ّ عبدالخالق كيطان :متخصص يف النقد والتأليف املرسحي ،صدر الرئيس النحسارها بأسامء قليلة». مقاربة الشعر إزاء الفنون عىل صعيد األسامء الفاعلة يف له يف الشعر«نازحون»« ،صعاليك بغداد»« ،االنتظار يف ماريون»، كل مشهد ،يعلـّق عليها ذياب بأنّه «ومع صعود أسامء ّ اقي عام «واحد ومثانون» .عضو يف الهيئة اإلداريّة ،لبيت الشعر العر ّ وأسس صيف عام 2011جمعية «بغداد الفتاة» ،وكتب بيانها شابة عىل الساحة الشعريّة العراقيّة ،مثل عيل محمود ّ ،2009 التأسييس .والجمعية تض ّم نخبة مميّزة من املثقفني العراقيّني يف شتّى خضيرّ وميثم الحريب وصفاء خلف وعمر الجفال وغريهم ّ يقل أهمية وموهبة الكثري ،ظهر جيل من السينامئ ّيني ال ّ الحقول املعرفيّة. ...................................................................................عن الشعراء ،مثل عدي رشيد ومحمد الدراجي ومالك عبد عيل». صفاء ذياب غري أ ّن هذا الشاعر الذي له اطالالت يف مجال اكتشاف جماليات العالم وقبحه الفوتوغراف ،يفسرّ الحاجة العا ّمة إىل فنون ثانية غري «هل كانت الصدارة للشعر يف العراق خالل العقود املاضية؟! كرثة الشعر وانتشاره عىل نطاق واسع ال يعني القصيدة وأجوائها ،فيقول« :اإلشكالية التي تواجه املكتوب بشكل عام ،من شعر وقصة ورواية ونقد ،ظهور تسيّده ،مع وجود أشكال وفنون إبداعيّة موازية» ،يبدأ وسائل االتصال الحديثة ،وبروز الصورة؛ مبستوياتها الشاعر صفاء ذياب حديثه بتساؤل يختلف عماّ أورده املختلفة؛ جعل من املكتوب شأناً ثانوياً يف الثقافة زميله كيطان .ويعتقد أنه عرب النظر إىل «منجز الثقافة العراق ّية منذ أربعينيات القرن املايض وحتّى اآلن نستطيع الشعب ّية العراق ّية والعامل ّية عىل العموم ،وهذا ما جعل الشعر كف ّن ال يكفي الكتشاف العامل بجاملياته وقبحه». أن نتلمس إبداعاً كبريا يف النقد والرواية والفوتوغراف صفاء ذياب ،مواليد ،1975صدر له يف الشعر« :ال توقظ والتشكيل واملرسح .ففي الوقت الذي اشتهر فيه السيّاب الوقت»« ،قلق»« ،وال أحد غريي»« ،سامء يابسة»« ،ثلج أبيض ونصوصه الجديدة ونازك املالئكة والبيايت وغريهم يف الشعر ،هناك عبد امللك نوري وغائب طعمة فرمان وفؤاد بضفرية سوداء». والقصة القصرية .فيام برز عيل الوردي التكريل يف الرواية ّ كباحث يف علم االجتامع وطه باقر يف السومريات ،وبرز 74
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الشعر والفنون
الفنان رافع النارصي
املهرجانات الشعريّة العديدة وامللتقيات الكثرية ،وما ياس السعيدي وعاملي». يب عر تأثري من اقي ر الع الشاعر يحققه ّ ّ ّ خليط في زمن واحد الشاعر ياس السعيدي ،يبدو رأيه أكرث اختالفاً عن زميليه ،وأمام صعود أطياف جديدة من املبدعني يف السينام اقي مل والفوتوغراف والرسم ،فال يظ ّن أ ّن «الشعر العر ّ لجهة اعتقاده إ ّن «ما بني الشعر والفنون األخرى عالقة تكامل ال تنافس ،إذ إنّنا ال نجد مجتمعاً يتق ّدم فيه وعي يعدم صعود مثل هذه األجيال فجيل التسعينيني مثالً التلقي للسينام مثالً يف حني يرتاجع وعي تلقي الشعر أو مازال حارضا ً ويف أوج عطائه ،وظهر جيل ما بعد 2003 الشعري ال وحقق ما حقق ،ث ّم جاء جيل ما بعد املحنة ،وغري هذه الرسم ،لك ّن موضوع السؤال يدور حول الجهد ّ وكل كل هذه األجيال من األسامء الفرديّة التي حققت الكثريّ ، عن تلقيه ،وهنا ال ب ّد من االشارة إىل أ ّن كواكب ّ هذا الخليط الرائع مازال يعمل يف زمن واحد هو زمن الفنون تدور يف مج ّرة واحدة ،وبالتايل انتعاش أي جزء منها سيؤث ّر إيجاباً عىل بقية األجزاء ،فمثالً الشاعر الجيّد الشعريّة العراقيّة اآلين». ميث ّـل بيئة صالحة لنمو نبتات الفنون األخرى فتجده عارفاً ويدعو السعيدي إىل القيام بإحصائية بسيطة للمجاميع رص معها عىل كلمة «ج ّيدة» -التي الشعريّة الج ّيدة -وي ّ ملعظم مبدعي بلده يف الرسم والسينام والفوتوغراف صدرت بعد 2003؛ «ألذهلنا العدد وهذا أمر طبيعي يف لجل أنشطتهم ،والشعر بدوره سيكون قابالً ومتابعاً ّ بلد تخلـّص من سلطة الرقيب ،وهو ميتلك أصالً طينة للحياة يف بيئة تنشط فيها مثل هذه الفنون». إبداعيّة يف فطرته». السعيدي ين ّوه إىل أ ّن «الشعر يف العراق تط ّور كثريا ً يف ياس السعيدي ،من مواليد ،1982صدر له يف الشعر «تضاريس الفرتة األخرية وواكب تط ّور تلك الفنون إذا مل نقل إنّه من جغرافيا الروح» صدرت عن دائرة الثقافة «دروب»« ،أكرث من اجتازها مبراحل ،يكفي أن تعرف أ ّن بلدا ً مثل العراق قمر لليلة واحدة»« ،شاعر الحريّة» كانت تحدث فيه عرشات االنفجارات يوم ّياً ،لك ّنه يف ذات اليوم يق ّدم عدة نشاطات شعريّة ،أضف إىل ذلك issue (5)- October - 2012
75
ملف
الشعر والمؤسسات
غابة المرايا
النتاج الشعري العراقي متواصل من جيل إلى جيل وأرض العراق حبلى بالشعر الذي يظل صاحب المكانة
ً دائما. األولى لدى العراقيين مهما استجد من تغيرات وتحوالت سياسية وثقافية .هناك من يحمل الراية والسؤال هل المؤسسات من جميعات ونوادٍ ودور نشر ومطبوعات راعية للزخم الشعري ،أم أنها تعاني من مصاعب؟
عمر الرساي
مشاريع بتطلّعات جديدة الشعري يف جانبه التنظيمي لعل املتتبع لحركة اإلبداع ّ ّ يستطيع أن مي ّيز وجود رعاية منقطعة النظري يف جانب فجل املؤسسات واملجالتُّ ، االهتامم بالشعر من خالل ّ املؤسسات الثقاف ّية العراق ّية يهيمن عليها االهتامم ّ مؤسسة ثقافيّة إال وقد حصل الشعر ّ الشعري ،فال نرى ّ فيها عىل ما يزيد عن نصف اهتاممها. مؤسسة بزوغ ويف العراق بعد عام 2003نالحظ ّ اقي الذي ّ متخصصة يف الشعر أال وهي نادي الشعر العر ّ الشعري تأسس عام ،2005حيث أسهم يف إدارة امللف ّ ّ من مهرجانات ومطبوعات عىل قدر ما يستطيعه من ميزانية ماليّة ،فضالً عن خلق روح التواصل بني الشعراء النقدي للشعر من خالل إقامة الجلسات وتفعيل الحراك ّ التخصصية املتواكبة وطباعة اإلصدارات الشعريّة من مجاميع مشرتكة وفرديّة وإقامة احتفاليات التوقيع لها واملذاكرة النقديّة بشأنها .ولنادي الشعر أندية مرتابطة معه عن طريق إشاعة الروح الشعريّة يف املحافظات العراق ّية ،حيث نرى وجود نادي الشعر يف البرصة ويف بابل ويف ذي قار ونينوى وكركوك وأغلب املحافظات الشعري وقيادة للتخصص يف إدارة امللف التي تسعى ّ ّ مهرجانات شعريّة مه ّمة يف العراق ،مثل مهرجان املربد والجواهري والحبويب وأيب متام واملتنبي وغريها.. اقي ونالحظ وجود ّ مؤسسة ثانية وهي بيت الشعر العر ّ 76
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
خاصاً لها منطلقاً من رؤية للشعر التي ات ّخذت مجاالً ّ من خالل القصيدة وعرب الخطى التي برز وجودها يف املتخصصة أيضاً ،ومن خالل إصدار إقامة الجلسات ّ مطبوع ثقا ّيف وهو مجلة «بيت» التي حملت تطلـّعات املؤسسة .ويف محافظة وتنظريات ورؤى القامئني عىل هذه ّ البرصة ،وتواصالً مع مجموعة من أدباء العراق يف بغداد متخصصة يف الشعر واملحافظات األخرى نرى وجود مجلة ّ أيضاً ،بل وتحديدا ً يف مجال مح ّدد منه أال وهو قصيدة النرث ،حيث هناك مجلة اسمها «نرث» يقوم عليها مجموعة من األدباء الشباب الذين كثّفوا مرشوعات إصداراتهم وتنظرياتهم يف هذه املجلة .واالهتامم بالشعر مل يتوقف مؤسسة أو مجلة بل تع ّدى ذلك عراق ّياً ليتصل مع عند ّ الجانب املريئ حيث العديد من الربامج التلفزيونيّة واألفالم الوثائقيّة التي تتّخذ من الشعر وحده مجاالً الشتغالها وهو ما رفع نسبة االهتامم والجامهرييّة للحركة الشعريّة العراق ّية .وال تنفك الحركة الشعريّة متواكبة مع املؤسسات التي تحمل نبض الشعر يف إشاعة روحه من ّ خالل التواصل أو من خالل املطبوعات املشار إليها. عمر الرساي ،شاعر ولد يف بغداد عام ّ ،1980أسس مع مجموعة من زمالئه نادي الشعر يف اتحاد األدباء وترأس دورتيه الثانية والسادسة ،صدر له« :ساعة يف زمن واقف»« ،ضفائر سلم األحزان»، شعري. «سامؤك قمحي»« ،طواويس ماء» – ألبوم ّ
الشعر والمؤسسات
الفنان فيصل لعيبي
أحمد عزّاوي
المادي عائق الدعم ّ اقي بعد عام 2003أن يكون املشهد توقّع املثقف العر ّ الشعري أكرث رحابة وسعة وغنى ،ال سيام بعد االنفتاح ّ النسبي الذي شهدته القطاعات اإلعالميّة والثقافيّة، وكان للصفحات الثقاف ّية دور ابتدايئ يف نرش الشعر اقي الجديد ،يف الوقت الذي أدّت فيه االتحادات العر ّ الفرعيّة واالتحاد العام لألدباء يف العراق دورا ً محدودا ً سببه عدم إمكانية هذه املراكز عىل رسم اسرتاتيجية تواكب التغيري ،أو وقوعها بيد «مثقفني» تابعني ألحزاب معادية للتوجهات الثقاف ّية الحديثة ،أو وقوعها رهينة فقر التمويل املايل ،إذ عىل الرغم من كفاح بعض الجهات الثقافيّة املستقلة للبقاء خارج حدود التأثريات الحزبيّة والتنظيميّة وتوجيهاتها ،فإنّها مل تستكمل مشاريعها الثقافيّة ،وهنا أو ّد اإلشارة إىل املنتديات الثقافيّة املستقلّة يف العراق وعددها خمسة منتديات هي :منتدى سوق الشيوخ ومنتدى الشطرة ومنتدى اإلسكندرية ومنتدى الفلوجة ومنتدى سامراء الثقا ّيف ،وهي منتديات مستقلّة حاولت قدر املستطاع أن تدعم النتاجات الشعريّة لك ّنها واقعي يف إصدار منشورات واجهت نقص التمويل كعائق ّ املؤسسات الثقاف ّية الحكوم ّية كثرية ،يف مقابل حصول ّ التي تسمى البيوت الثقاف ّية يف املحافظات وبعض قصور الثقافة عىل التمويل الكايف من قبل وزارة الثقافة، لك ّنها مل تق ّدم إال مساهامت محدودة ج ّدا ً ،أل ّن القامئني
عليها –بأغلبيتهم -ليسوا مثقفني بل إداريّني ال عالقة لهم بالثقافة ،وهو ما يطرح أكرث من تساؤل عىل مقاصد الوزارة بهذا الصدد ،بقي أن نشري إىل دور االتحاد العام لألدباء والكتّاب يف العراق يف إقامة الجلسات الشعريّة وطباعة املجموعات الشعريّة عىل نحو ما وبحدود إمكانيات االتحاد الذي يبدو أنّه حاول أن ينأى بنفسه قدر اإلمكان عن التأثريات الحزب ّية والسياس ّية يف توجهاته األدب ّية ،لذا فقد جوبه أيضاً بحجب الدعم وقلـّته ،وهو الشعري عىل نحو ما، مع هذا ،أسهم يف صياغة املشهد ّ فضالً عن مواكبته ملساهامت الشعراء يف املهرجانات التي يقيمها. وال ننىس يف هذا السياق أن نذكر بعض الجهود امله ّمة الخاصة من مثل لبعض التج ّمعات الثقاف ّية والتوجهات ّ اقي الذي أرشف عليه نخبة من مرشوع بيت الشعر العر ّ الشعراء العراقيّني ،ومرشوع «البديل الثقا ّيف» الذي أرشف عليه الشاعر جامل جاسم أمني مع نخبة من مثقفي محافظة ميسان ،وجريدة «تكست» يف البرصة. أحمد ع ّزاوي ،مواليد سامراء ،1977الرئيس الحايل للمنتدى الثقا ّيف يف سامراء.صدر له يف الشعر« :الحياةُ… بع ٍني بيضاء»« ،عن النص» ،باالشرتاك مع الودائع وغيوم الذكريات» .ويف النقد« :سحر ّ الشعري ،باالشرتاك مع النص مجموعة من النقّاد العراقيّني« ،سيمياء ّ ّ مجموعة من النقّاد العراقيّني .كام صدر له كتاب «بناء الشخصيّة يف الرواية».
issue (5)- October - 2012
77
ملف
عمر الرساي
أحمد عزاوي
مروان عادل حمزة
كيانات ومطبوعات للتكفير تنفّست قصباتنا الثقافيّة بعد التغيري الذي حصل يف البلد صعداءها لكن عن طريق رئات ليست لها وغري حاملة له ّمها! وإنمّ ا هي رئات ألحزاب متنفّذة ولتيارات دين ّية متف ّرقة ولتج ّمعات إثن ّية وعرق ّية وما إىل ذلك مماّ مؤسسات تشتغل كان لها اليد العليا فأنشأت تبعاً لذلك ّ لثقافة الجهة املم ّولة والتي ينتمي إليها الذين أوكلت لهم مسؤولية إدارتها ،وأصدرت مجالت ومطبوعات تر ّوج لفكرها غري معنية بأفكار غريها إلاّ من حيث تكذيبها أو حتّى تكفريها!! ولو أحصينا لزاد الع ّد إىل ح ّد التو ّهم بأ ّن ذلك يوحي بعافية الثقافة وهذا غري صحيح متاماً إلاّ إذا استثنينا من أكداس ما ذكرت القلّة القليلة التي عملت جهدها لتأسيس كيان مثقف أو إصدار مطبوع معترب. مؤسسات ومجالت مك ّرسة وبشأن السؤال هل أُنشئت ّ للشعر ،مل ولن أستطيع التح ّدث عن كونها حقّقت أم ال مماّ يدور يف العقل املثقّف ،فيبدو واستنادا ً إىل الواقع انّها مازالت بعيدة وبعيدة ج ّدا ً!! مؤسسة مجلة أو جريدة، ولكل اآلن ّ مؤسسةّ ّ ، لكل جهة ّ ولكل مجلة أو جريدة سياسة لها مح ّدداتها وأهدافها ّ التي تضيق وتضيق إىل حد أنّها تبدو وكأنها مج ّرد تفسري لعنوان جهتها املم ّولة ،ونحن نعرف أ ّن تفسري التمويل يف الفكر العر ّيب عا ّمة هو القوامة واملرجعيّة التي الحياد عنها إال عن طريق خيانتها. يف مجالت تصدر عن لجان تحضرييّة ملهرجانات تحت كل هذا، مانشيتات عريضة ،توحي لك بأنّها بعيدة عن ّ كل صفحة تقلبّها فتجد هذا البؤس تتلبّسك الخيبة مع ّ
78
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
بكل وضوح وجاء يشف عن بؤسه ّ قد لبس لك ثوباً ّ ليخدع شخصاً مثلك مازالت كريات ثقافته البيضاء تدافع عن بياضها ض ّد هذا الكم الهائل من السواد. مؤسسات مبثل هذا التوجه ،ويف مجالت بهذا الشكل يف ّ الذي تبدو فيه وكأنّها مل تصدر إال لتقول ملم ّوليها اطمئنوا إ ّن أموالكم هذه مصارفها وإ ّن الجمهور اآلن يتقاتل يف سبيل الحصول عىل تلك املجالت !! لن تفعل شيئاً يذكر يف طريق الحلم الكبري. اليستثنى من ذلك إلاّ بعض املجالت التي كانت فعالً تنتمي إىل ركب املجالت الثقافيّة املعروفة برصانتها ومهنيتها وال أريد أن أذكر اسامً لها وال اسامً لغريها مام تح ّدثت عنه ،لكن فعالً املتتبع ملا ينرش سيم ّيز الج ّيد برسعة. مؤسسة!!! وإن استثنيت بعض املجالت فإنيّ ال أستثني أيّة ّ مازلنا نفتقر إىل ذلك فعالً. مروان عادل حمزة ،شاعر من بغداد رئيس نادي الشعر للدورة الثالثة ،2007له مجموعة شعريّة «تراتيل طيور محنطة» ،التي فاز عنها بجائزة ديوان رشق غرب باملرتبة األوىل.
...................................................................................
عيل محمود خضي
فعاليّات لبعضهم بعض ًا متخصصة مؤسسات ومجالت تحرض يف ّ ّ ظل الحديث عن ّ بالشعر يف العراق أسئلة وشجون بارقة وحادّة ،أسئلة الشعري من جانب تعنى بتأ ّمل فعال ّياتها يف املشهد ّ ظل تراجع شعبية الشعر وفاعليتها من جانب آخر يف ّ بني الق ّراء والتزايد املطرد ألعداد الكتّاب ،وشجون تعنى مؤسساتنا بالتفاصيل املهنيّة التي أعتقد إ ّن أغلب ّ
الشعر والمؤسسات
مروان عادل حمزة
عيل محمود خرض
ومجالتنا تفتقدها. متخصصة بالشعر ال ميكن لها أن تق ّدم رؤيا مؤسسة ّ إ ّن ّ اقي إال فاعلة للعناية مبشهد مهم وشاسع كالشعر العر ّ إذا كانت مستقلة ،غري حكوميّة ،تحتكم عىل مشاريع مخطّط لها بدقة ،محظوظة بهيئة تأسيسيّة واستشاريّة ظل عىل قدر عا ٍل من املهنية والخربة ونكران الذات! ماذا ّ مادي رصني يغطي عملية إنتاج يف النهاية؟ ّ ظل متويل ّ الفعال ّيات واملهرجانات واإلصدارات والجوائز وأزعم أنّها املهمة األصعب. الخاصة «املؤسسات» تعاين أغلب الجمعيات وال أقول ّ ّ اقي من طغيان األعراف النقاب ّية عىل نوع ّية بالشعر العر ّ ما يق ّدم من شعر ،يضطر القامئون عىل اإلدارة إىل تقديم الجميع واالحتفاء بالجميع متاشياً مع الطبيعة مؤسسات ،وهذا ،ويالألسف ،يأيت «الربوتوكولية» لهكذا ّ دامئاً عىل حساب رصانة ما يق ّدم ،طغيان هامش العالقة الشخص ّية عىل ثوابت إنتاج مرشوع يعود بالنفع إىل الشعر كف ّن أدّى إىل عزلة مضاعفة للشعر وعزوف أغلب الكتّاب املضيئني عن مسارحها ومنصاتها. املجالت الشعريّة مفقودة ،سوى مجلة «بيت» الفصليّة اقي والتي أصدرت لآلن عددين ّ الخاصة ببيت الشعر العر ّ فقط خالل سنتني وعددها الثالث يف الطريق ،ولنا أن نتخ ّيل حجم الصعوبات التي تواجه هكذا مشاريع متحمسة ،إذ تتلكأ مواعيد اإلصدار بسبب قلّة الدعم تا ّرة وعدم تف ّرغ كادر التحرير لعمل املجلة تا ّرة أخرى إذ يضطر أغلبهم -إن مل يكن كلـّهم -للعمل يف الصحافة لس ّد احتياجاتهم ،صعوبات مثل تلك ال تقترص عىل العراق املادي بسبب فقط ،الشعر واآلداب تعاين انحسار الغطاء ّ
الطبيعة «االستهالك ّية» للعامل الذي نعيشه ،وانهيار رغبة الشعراء يف مواجهة الفرتة الحرجة التي يعيشها الشعر يف هذه املرحلة ،كام حدث مع مجلة عريقة مثل «الحركة الشعريّة» الفرنسيّة التي توقفت مؤخرا ً ،مل يجد الشاعر هرني دويل الذي عمل فيها لـ 60سنة سبباً لتوقفها فقال خاص .ليس هناك سبب ما ّيل ،ماليتنا «ال يوجد سبب ّ ممتازة .ليس مث ّة من سبب إيديولوجي ،ليس هناك رصاع يف لجنة اإلدارة .فقط يبدو يل أنّه ،عىل وجه التحديد ،يف هذه الظروف ،حان الوقت للتوقف بعد أكرث من ستني سنة من املنشورات واألنشطة». املؤسسة العراق ّية مرشوعاً كامالً بالنهاية ،إذا مل متتلك ّ مخطّطاً له عىل مدى بعيد يحتوي عىل رؤى تعيد تأثري الشعر يف الثقافة العراق ّية من خالل تقديم برامج تزيد من إقبال الق ّراء وتضع الشعر الجيّد يف متناول وتؤسس لجهد أكرب عدد من املنابر اإلعالميّة الف ّعالة ّ متخصص يق ّدم دراسات شاملة وعميقة باإلضافة بحثي ّ ّ إىل مواصلة جهود حثّ نظام التعليم يف العراق عىل زيادة حصة الشعر الحديث من التدريس يف الجامعات املؤسسات واملدارس األوليّة ،إذا مل يحدث هذا ،ستبقى ّ بعيدة عن التأثري الحقيقي الذي يصنع التغيري وستقترص عىل االحتفاالت التي يحرضها الشعراء لبعضهم بعضاً!
عيل محمود خضيرّ ،شاعر من مواليد بغداد ّ ،1983أسس وآخرون نادي الشعر يف البرصة عام ،2007صدر له «الحامل اقي يستيقظ» ،فاز باملركز الثاين يف جائزة اليونسكو وبيت الشعر العر ّ ببغداد 2012
issue (5)- October - 2012
79
شعر وتشكيل
نجاة ّ مكي في باريس اللون والكلمة يصوغان مخيلة لإلبداع اإلنساني التشكيلية اإلماراتية نجاة مكي تخوض تجربة جديدة مع الشاعر الفرنسي بول هنري ليرسون ،هي كناية ً شعرا تقابلها الصورة المرئية .وقد سبق أن جربت الفنانة هذا اللقاء عن حوار إبداعي بين الصورة المكتوبة
في كتاب «مدارج الدائرة» مع الشاعر حكيم عنكر
أبوظبي -بيت الشعر
يدرك أنها نتاج خربة وتعايش مع اللون والشكل ما مينحها حداثتها الخاصة وخصوصيتها التي متيز أسلوبية الفنانة عن سواها من أقرانها. ما مل يكن يعرفه الفرنسيون أن املخيلة الفنية لنجاة ميك هي األكرث تفاعالً مع املخيلة الشعرية .ليس األمر هنا يتعلق بشعرية لونية ذات صلة بالشكل واملضمون مثلام هو متعارف عليه يف الفن التشكييل ونقده بل اإلشارة هنا إىل مقدرة نجاة ميك عىل خلق معادل موضوعي برصي للقصيدة التي تقرأها أو هو ،مبعنى ما ،تأويل برصي للقصيدة .وقد قامت الفنانة نجاة ميك بذلك أكرث من م ّرة عندما قدمت مجموعة من األعامل املشرتكة سواء مع األمر عندما أثارت العديد من لوحات الفنانة قصائد مع شعراء إماراتيني حداثيني أو مع شعراء عرب، التشكيلية اإلماراتية نجاة ميك فضول الكثريين وتحديدا ً تجربتها الفنية والشعرية املشرتكة مع الشاعر من متابعي الفن التشكييل يف باريس ،التي ما تزال حكيم عنكر من املغرب يف كتابهام« :مدارج الدائرة» تحتفظ مبوقعها منذ قرنني بوصفها إحدى أهم العواصم الصادر عن دائرة الثقافة واإلعالم عام ،2007حيث سعى الفنية يف العرص الحديث .كان ذلك عندما عرضت إحدى كل منهام إىل خلق تعبريه البرصي الخاص للدائرة ،وفقاً صاالت العرض الباريسية لوحات مليك من بني تجاربها للمفهوم الصويف عن الدائرة وذلك ضمن املخيلة الواسعة األخرية التي هي امتداد لتجربتها عرب التي ترقى إىل للتأويل الصويف الذي منح كالً منهام مساحة واسعة من النصف األول من مثانينيات القرن املايض. الحرية التي أفضت بهام إىل االلتقاء يف سياق إبداعي كان واألرجح أن تلك األلوان الشاعرية والصافية ،تحديدا ً كل منهام مح ّفزا ً لآلخر :الصورة املكتوبة شعرا ً -تقابلها األصفر واألحمر والربتقايل فاألزرق ،والتي هي ألوان الصورة املرئية ،وال تجاورها وليست رشحاً أو تفسريا ً لها رشقية -إماراتية نابعة من تجربة تفاعل الفنانة مع بيئتها بل خلقاً ابداعياً موازياً. ومحيطها كانت هي السبب وراء هذا الفضول الذي وألن اإلبداع يتجاوز الجغرافيا مثلام يتجاوز األوهام تلقت به أوساط متابعي الفن التشكييل الباريسيني تجربة اإليديولوجية ،فقد التقت نجاة ميك هناك يف باريس مع نجاة ميك خاصة وأنها مشغولة بتقنيات رسم َم ْن يراها الشاعر الفرنيس بول هرني لريسون الذي يوصف بأنه
بدأ
80
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
نجاة مكي
التجربة الباريسية بالنسبة لنجاة مكي ،هي التقاء بين مخيلتين تنتميان إلى عالمين مختلفين :هي رسامة عربية من الشرق وهو شاعر فرنسي من الغرب
الشاعر الفرنيس األكرث قرباً إىل التفاعل مع الحضارات األخرى ،خاصة غري الغربية ،وولدت فكرة املرشوع بينهام هناك ،ذلك أنها تقيم يف هذه األثناء يف مدينة الفنون الجميلة العاملية يف باريس.
لقاء مخيلتني
غري أن األمر هنا مختلف جدا ً عن التجربة السابقة ،ذلك أن املخيلة التي قامت عليها التجربة السابقة ،أي «مدارج الدائرة» هي وليدة التقاء بني فنانني ينتميان إىل الثقافة ذاتها وأقاما مرشوعهام املشرتك عىل مخيلة صوفية تنتمي بعمق إىل الرتاث الحضاري والثقايف للمنطقة العربية بر ّمتها. هنا ،يف هذه التجربة الباريسية بالنسبة لنجاة ميك ،مثة التقاء بني مخيلتني تنتميان إىل عاملني مختلفني :امرأة من
الرشق ،هي رسامة عربية ،وأول فنانة إماراتية تحصل عىل منحة حكومية الستكامل دراستها يف كلية الفنون الجميلة بالقاهرة لتعود من هناك وقد أنهت درجة الدكتوراة، والظل ّ قادمة من التقاء الرمل باملاء حيث صفاء الضوء وذاكرة لون «شاعرية» ميكن تلمسها يف مراحل مختلفة من تجربة نجاة ميك ،فتلعب هذه الذاكرة دورا ً بارزا ً يف صنيعها اإلبداعي وتفاعلها مع العامل واملحيط والبيئة من حولها ،خاصة ذاكرة الطفولة .ويف املقابل ،هناك رجل من الغرب ،هو شاعر يحمل درجة دكتوراة دولة يف املرسح وسبق أن أسس «فرقة الشعر» املرسحية ملدينة فوجري الفرنسية و«يتفق أغلب النقاد عىل التأكيد بأن اهتامم الشاعر هو عبارة عن تساؤل متواصل عن معنى البعد األسايس لإلنسان». ما يعني أن الفكرة األساسية هنا ،هي الخروج من الذاكرة issue (5)- October - 2012
81
شعر وتشكيل
االسترشاقية التي تحمل تصورا ً مسبقاً عن املرأة العربية، والرشقية عموماً ،يوازي هذا الخروج خروج آخر عن ذاكرة االستعامر ليجري االلتقاء بني املخيلتني عىل نحو فردي متاماً ويف أفق إبداعي ملمحه األسايس أنه أفق إنساين وشمويل يلجأ للتعبري عن ذاته بأدوات تخييلية يف مجالني مختلفني :اللون والكلمة ،الصورة املكتوبة - والصورة املرئية ،ليكون هذا الجدل بالتايل تعبريا ً عن مزاجني فرديني مختلفني ومتغايرين يطرحان سؤال اإلبداع اإلنساين الذي بدأ بالفعل مع الصورة املرئية الرمزية ليصبح كلمة يف ما بعد يف سياق تطور التجربة اإلنسانية.
تأويل يف التعدد
تنتمي أعامل الفنانة نجاة ميك يف تجربتها هذه إىل ما ميكن وصفه بأنه امتداد وتطوير وحفر ،وهذا ما مييز تجربة نجاة ميك عموماً ،يف تجربتها السابقة يف معرض «إيقاعات ملونة» التي قدمها متحف الشارقة للفن املعارص العام املايض ضمن فعالية سنوية باتت تقليدا ً تشكيلياً يحمل العنوان« :عالمة فارقة» ،حيث عنوان معرضها هذا يحمل داللته الخاصة أيضاً بالنسبة لتجربتها الباريسية وغري الباريسية مع الشعر. يف هذا الصدد ميكن القول :إن من الصعب عىل الناظر إىل أعامل نجاة ميك يف «إيقاعات ملونة» أن يدرك متاماً ما مييّزها عن سواها من األعامل :أهو التكوين؟ بنشأته وتاريخ تواجده يف لوحة مكيّ ومن ثم تطوراته؟ أم هو اللون واستخداماته الخاصة وفقاً ملراحل متتالية قد ترصد تط ّور اللون وإيقاعاته يف اللوحة إجامالً؟ أم هي ثيمة بعينها تعيد الفنانة إنتاجها بأشكال فنية مختلفة عرب تجربتها؟ أم هو كل ذلك معاً. واقع األمر ،أنه ما من إجابة من املمكن أن يطمنئ إليها املرء عن كل هذه األسئلة من خالل تجربة جاملية واحدة أو أكرث يف «إيقاعات ملونة» ،إمنا يحتاج املرء إىل أن يكون متأمالً يف ذاته أوالً يك يدرك ما تثريه أعامل ميك من مشاعر وأفكار وأحاسيس حولها وصوالً إىل تأويل ممكن وليس إىل حقيقة مطلقة تجاه هذه األعامل ،تأويل يقبل القسمة عىل التعدد وال يلجأ إىل اإلفراط بديالً عن
82
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
نجاة مكي
التحليل الذي قد ال يبدأ من املعرفة بل رمبا من الحدس .شخصيات نسائية ناحالت وطويالت وبال مالمح وأيديهن إىل الخلف كام لو أنها أيا ٍد مقيّدة .هذه الشخصيات يف أحد األعامل الفارقة يف «إيقاعات ملونة» وحملت العنوان« :تكوين» وجرى تنفيذها عىل السطح التصويري النسائية الثالث تبدو جميعاً أعىل من بوابة الزنزانة أو ما باألكريليك كسائر أعامل املعرض ،هناك الكثري من اإلغواء يوحي بها إىل يسارهن ،لكن رغم أن قاماتهن تبدو أنها ما الذي متتلكه اللوحة يف إعادة النظر إليها ألكرث من مرة .يف تزال تتطاول إال أن الكتل اللونية بارتفاعها من األسفل إىل الخلفية توجد كتلة لونية مستطيلة تبدأ من أسفل اللوحة األعىل هي أبلغ طوالً منهن. إىل أعالها هي من األزرق أساساً بتدرجات مختلفة متيل يف الوقت ذاته يبدو مزاج العمل هادئاً جدا ً ،فال ملمس خشناً عىل السطح التصويري وما من رضبات فرشاة باتجاه األخرض ثم األسود كام أن هناك اقتطاعات لونية قاسية أو منفعلة بل يبدو أن كل يشء قد حدث هكذا عىل السطح باألبيض واألحمر ثم لطخات من األبيض واألسود والفريوزي تكرس جميعاً من حدة االستطالة مثلام كام هو عليه. لكن يف هذه اللحظة أيضاً يختلف العمل عن مرحلته تكرس الحضور الطاغي لألزرق ،وإىل األعىل إىل اليمني التجريدية األوىل ليصري عمالً تجريدياً تعبريياً باألساس يلحظ املرء وجود اقتطاعة مائلة من ما كأنه سور من ب َق ْد ٍر من السوريالية التي تأيت رمبا بسبب عالقة الشخوص اللِ نْب أو نافذة صغرية مغلقة كام توجد أيضاً اقتطاعة النسائية بوصفها عنرصا ً تشكيلياً ببقية العنارص األخرى شبيهة أوسع مساحة إىل أسفل اللوحة وميينها ،وإىل من العمل .هكذا يصري مركز العمل متمثالً بتلك النسوة جوارها إىل أسفل اللوحة من اليمني فتوجد خطوط من األزرق الذي يغلب عليها األسود عىل كتلة سوداء توحي الثالث بحالتهن تلك. مبا أنه باب ضيق أو نافذة ضيقة تشبه تلك التي يف زنزانة هنا يتعمق إحساس املرء بالضيْق وتبدو املرأة ،بداللة النسوة الثالث ،وكأنهن يعشن يف هذا الحيّز املكاين الضيِّق سجن أو بوابة ملا هو خلفها ويثري الرعب كام ال ميكن الذي تتناصفه العتمة والضوء .مع ذلك فر ّد الفعل الوحيد تخيله. هو االستطالة التي تبدو فعالً عبثياً أمام االرتفاع الهائل إىل هذا الحد من التوصيف يبدو العمل تجريدياً حيث بجدار الخلفية .ت ُرى هل ينظرن إىل الناظر إىل السطح الكتل اللونية مركزها األزرق وتبدو األلوان األخرى كام التصويري يف محنتهن الرؤيوية التشكيلية هذه أم ه ّن لو أنها قد تعيّنت عىل السطح التصويري إلبراز هذه قد استدرن بظهورهن ألنهن عىل وشك أ ْن يتالشينْ يف الكتلة ،خاصة األسود ،فضالً عن أسباب جاملية موازية، الجدار؟ كام فعل األملاين هريمان هيسة يف إحدى رواياته فيام األزرق ال يخلق ذلك التناغم أو «اإليقاع املل ّون»، بحسب تسمية املعرض ،فحسب بل أيضاً بني الكتل عىل إذ رسمت إحدى شخصياته قطارا ً عىل جدران السجن السطح التصويري .ما يعني أن املعنى هنا هو متعة اللون غالباً ،أي تثقيف البرص بدرجة موازية ،لكن يشعر الناظر المعنى لدى نجاة مكي إىل العمل يف مرحلته املتخيلة هذه بالضيْق بسبب تلك بالسور االستطاالت التي قد توحي يف أحد أوجه التأويل متعة اللون غالب ًا ،أي تثقيف العايل الذي ال يستطيع الفرد تجاوزه أو تخطيه عىل الرغم البصر بدرجة موازية ،لكن من املخيلة.
ذاكرة وحلم
غري أن نجاة مكيّ ال تضيف الكثري إىل ذلك ،إذ تنبت من خلفية اللوحة إىل األسفل منها ووسطها تقريباً ثالث
يشعر الناظر إلى العمل بالض ْيق بسبب االستطاالت التي توحي بالسور العالي
issue (5)- October - 2012
83
شعر وتشكيل
فاستقلته ومضت. وهنا أيضاً ،فام يخطر عىل بال املرء هو أ ّن أحد امتيازات الصنيع التشكييل لدى نجاة مكيّ يتمثل يف مقدرتها عىل صهر الذاكرة بالحلم يف مرجل فني ذي درجة حرارة منخفضة إذ أ ّن االنصهار العميق بينهام ينتقل إىل الناظر إىل اللوحة يف هيئة إحساس بأن شيئاً ما قد بدأ يتحرك يف داخله وها هو يلوب. أيضاً ال ينطوي العمل ،من جهة التأويل ،عىل فعل ثوري أو عصياين أو متردي بل هو وصف لحال ،أو باألحرى، وصف ملا قد كان وجرى إ ْن مل يكن اليوم فذات يوم .ذلك أن فعل التذكر يف لوحات أخرى من «عالمات فارقة» هو فعل حلمي بامتياز ،حتى كأن اللوحة تتذكر ماضيها الشخيص عرب الحلم ،مرورا ً بالفنان فمتلقي العمل بوصفه عمالً فنياً صافياً. األفاريز الضيقة للشبابيك ،الزقاق الضيق حيث الخطو ضيّق ،االستطالة يف أجساد نسوية تريد أن ترى وتبلغ من املكان ما هو أبعد منه ،فتلك الوجوه التي تكاد تبني فيام 84
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الخلفية متيل إىل ألوان قامتة أحياناً والمعة وزاهية إىل حد أنها ألوان ذات طبيعة فسفورية يف أحيان أخرى .العامل مغلق وتفاصيله محدودة جدا ً. أيضاً العمل الفني يف «إيقاعات ملونة» ،وبوصفه تكويناً يشتمل عىل عنارص ذات انسجام وتوافق هو صنيع النفور والتضاد يف أحيان كثرية ،ليس صورا ً بل أخالط صور يبدو أنها قد احتشدت يف ذاكرة معذَّبة وها قد بدأت تخرج ويجري بناؤها عىل نحو نقيض من اللوحة التي ت ّم وصفها فهي تجتمع عىل مزاج خشونة يف امللمس ورضبات منفعلة للريشة عىل السطح التصويري وإيقاعات لونية متناغمة يف تضادها واشتقاقاتها. بهذا املعنى ،ليست لوحة نجاة مكيّ بلوحة تذكُّر اللون فقط ،إذ أن األخري ضوء مثلام أنه رائحة أيضاً يتلمسها املرء باألصابع ،إمنا هي أيضاً مساحات حلمية من ذاكرة متشققة ومعذّبة إذ تجعل الناظر إىل اللوحة يتقاطع بذاكرته مع ذاكرة اللوحة فريى فيها اقتطاعات من طفولة تخصه هو
ً نظريا
.
صبحي حديدي .............................................................................................................
سر ّ القصيدة الغنائية
يف
توصل ،دون كبري مشقة ،إىل مقالته الشهرية «أصوات الشعر الثالثة» ،كان الشاعر الربيطاين األمرييك األصل ت .س .إليوت قد ّ ويلح حضور تشخيص صوت ثانٍ يف الشعر هو امللحمي أو الوعظي ،Didacticحيث يهيمن الغرض التاريخي أو االجتامعيّ ، توصل إىل صوت ثالث هو الدرامي ،Dramaticحيث ينقل الشاعر بعض وجدانه إىل شخوص وأقنعة الجامعة عىل وجدان الشاعر .كام ّ وأفكار خارجية ،مثلام يتل ّقى من هذه بعض وجدانها ،ضمن صيغة حوارية يف الحالتني. ولكن ماذا عن الصوت األ ّول ،الغنايئ ،Lyricalحيث الشاعر هو ضمري املتكلم ،من نفسه ولنفسه وحول نفسه؟ لقد ن ّقب إليوت طوي ًال يف قاموس أكسفورد بحثاً عن تعريف لكلمة «غنايئ» ،فلم يجد ما يشفي غليله .ثم استعرض عقوداً ،بل قروناً ،من كتابة القصيدة الغنائية يف أوروبا القدمية والحديثة واملعارصة ،فلم يجد بينها القاسم املشرتك األعظم الذي يسمح بتد ّبر تعريف ما. ولقد وجد إليوت أن ما مي ّيز القصائد التي ليست وعظية ملحمية وليست درامية ،عن تلك القصائد املكتوبة بضمري املتكلم ،هو أمر واحدّ :أن شاعر ضمري املتكلم يعبرّ عن «أفكاره وعواطفه لنفسه ،أو ال يعبرّ عنها ألحد آخر محدّد» .وهكذا ،ق ّرر أن يطلق عىل قصائد هذا الصوت اسم «الشعر التأ ّميل» .فالسفة ون ّقاد وشعراء آخرون سواه مل يعبأوا كثرياً بحكاية التسمية ،فأبقوا عليها؛ رغم أنهم اختلفوا بهذا القدر أو ذاك حول التعريف ،ثم انخرطوا يف سجال (مل يتوقف حتى اآلن!) ،موضوعه مسائل أخرى أكرث تشعباً وتعقيداً. الرس يف ّأن هذا النوع الكتايب الذي نس ّميه «القصيدة الغنائية» صمد عىل م ّر الدهور ،يف جميع الثقافات الشفاهية واملكتوبة؛ ما هو ّ ويف املقابل ،انقرض أو يكاد النوعان الوعظي والدرامي؟ ملاذا تبدو القصيدة الغنائية وكأنها اختصار الشعر بأرسه ،أو تسميته الثانية؟ الرس يف العالقة بني القصيدة الغنائية واملوسيقى؟ ما هي خصوصية موقع القارىء الواحد ذاته ،بني قصيدة غنائية هل يكمن بعض ّ وأخرى غري غنائية؟ ملاذا يبدو الوجدان العاطفي للشاعر الفرد وكأ ّنه ،يف القصيدة الغنائية ،أكرث قدرة عىل «تكييف» استجابات القارىء، ورمبا تحويله إىل صوت ثانٍ للشاعر ،أو صدى لذلك الصوت كام أشار هيغل؟ ملاذا يكون الصوت دا ّل َة املوضوع الغنايئ ومشكلته ،يف آن معاً؟ وكيف يتوجب أن نفسرّ شيوع أوىل القصائد الغنائية يف األشعار املرصية الفرعونية ،والسومرية ،والبابلية ـ اآلشورية ،والكنعانية، واإلغريقية ،والرومانية ،والعربانية ،والساسانية ،والغسانية ،واللخمية ،والفارسية ،الخ...؟ ليس هنا املقام املناسب للخوض يف السجاالت التي نجمت عن األسئلة السابقة ،ويكفي التذكري بأبرز خصائص القصيدة الغنائية ،كام متخضت عنها ،و ُت ْج ِمع عليها ،جملة هذه السجاالت .إنها قصيدة قصرية نسبياً وعموماً ،عالية الرتكيز يف طرائقها التعبريية ،ذاتية يف التقاطها للعامل الخارجي ،شخصية يف موضوعها ،وقريبة من الغناء يف نوعية بنائها .وهي تتحرك يف موشور عريض من األغراض ،يبدأ من قصيدة الحب ،ومي ّر باملرثية ،وال ينتهي عند اإلنشاد الديني والتص ّويف .واملوسيقى يف القصيدة الغنائية عنرص عضوي تكويني ،باملعنيني الفكري والجاميل؛ والعامرة اإليقاعية تصبح بؤرة تركيز ملدركات الشاعر إذ تتخذ شكلها اللفظي اللغوي ،وإذ ترشع يف نقل ال ِق َيم الوجدانية والشعورية والعقلية. الخصائص السابقة تقود إىل خصيصة أخرى جوهرية ،هي ّأن القصيدة الغنائية كانت أ ّم قصائد الشعر يف معظم ثقافات العامل ،ألنها كانت الشكل األبكر والعفوي من اللغة ،وليس شكلها املط ّور واالنعكايس والنرثي والخطايب .مبعنى آخر ،كانت القصيدة الغنائية هي اللغة يف مستواها الخام الذي ّ ينظم املدركات عىل نحو ال هو باملوضوعي املحض ،وال بالذايت املحض؛ بل هو مزيج معقد يشهد عمليات التأثري املتبادلة بني الداخل (الشاعر) والخارج (الكون) ،وينقلب إىل وسيط شبه وحيد لتنظيم الركام الهائل من األحاسيس واألفكار واملد َركات التي ال قرار لها ،وال حدود. ويف معنى ثالث ،كانت القصيدة الغنائية مبثابة املزيج الوحيد الناجح بني الكلمة ذات الصوت ،واملوسيقى ذات اإليقاع الهرموين ،واملعنى الحواس .وكفى بهذا أن يكون أ ّم األرسار! ذي املدركات الناجمة عن ّ issue (5)- October - 2012
85
حوار
محمد ابراهيم أبو سنة
القصيدة الجيِّدة تخترق أسوار الزمن محمد ابراهيم أبو سنة أحد الذين احتفظوا ألنفسهم بموقع خاص في الخريطة الشعرية المصرية .شاعر
ً جماليا ،ولكنهم يرفض التصنيف الزمني ،ويؤمن بالقصيدة وحدها .وربما اختلف النقاد على تصنيفه يتفقون على موهبته
القاهرة -حمزة قناوي
كيف كانت بداياتك يف االتصال بالحركة الشعرية؟ اتصلت بالحركة الشعرية يف مرحل ٍةُمب ِكر ٍة من حيايت ،وساعدين ذلك عىل طرق أبواب وآفاق ثقافية جديدة للقراءة ،بعيدا ً عن القراءات التقليدية يف املعاهد الدينية وجامعة األزهر، وقرأت للكثري من النقاد وبعض املرسحيات املرتجمة، تِلك القراءات أَثرت تجربتي الشعرية ،وبدأت التعمق يف الشعر العريب القديم والشعر األجنبي املرتجم ،ثم بدأ اهتاممي بالشعر باعتباره ف ّناً منذ بداية الخمسينيات، ونُشرِ ت يل القصيدة األوىل عام 1959وكانت بعنوان «القا َّرة الغاضبة» ،ويف تلك املرحلة كنت أقرأ لكبار الشعراء ،خاص ًة نازك املالئكة ،ونزار قباين ،وبدر شاكر السياب ،ثم صالح عبد الصبور ،وكنت أتردد عىل «رابطة األدب الحديث» ،وهناك اكتشفت عاملاً يسمى بالشعر الحديث ،وعىل الرغم من أنني بدأت الكتابة بطريقة تقليدية ،فإن قصيديت تطورت بعد ذلك لشعر التفعيلة. هل رأيت يف االنتقال من الشعر الكالسييك «العمودي» 86
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
إىل قصيدة التفعيلة تطورا ً طبيعياً متليه رضورة الفن أم كان انحيازك لهذا الشكل شخصياً وعن قناع ٍة فنية؟ ال بد لكل شاعر أن يدرس يف بداياتهالقصيدة الكالسيكية ،حتى يكون شاعرا ً متمكناً من استخدام العنارص الشعرية ،التي تتجىل بصورة أوضح يف القصيدة العمودية ،لكونها ممتد ًة منذ 1800سنة ،وباعتبارها متثيالً للوجدان العريب منذ العرص الجاهيل حتى العرص الحديث. ت ُق ِّد ُم قصيد ًة َعربي ًة رائِد ًة وصاحبة قوام لغوي قوي ..ما الجديد الذي تقدمه اآلن وميثل إضافة لتجربتك الرثية؟ أصدرت 13ديواناً ومرسحيتني شعريتني ،وإذا دققناالنظر ،نجد أن لكل ديوان كينون ًة فني ًة ُمستَ ِقلَّةً ،ليست منقطع ًة عام سبق ،ولكنها تسبح يف أفق جديد ومختلف، فالشعر ال يقاس باإلبداع الكمي ،ولكنه يف املقام األول إبداع كيفي ،يتطور ويتجدد ويبتكر ويقتنص لحظات من الدهشة كانت مفقودة يف بعض املراحل ،ما أحاوله اآلن هو اإلنصات إىل اللحظة الثورية ،واللحظة العربية والتصور الثوري واملأسوي ..أقرأ كثريا ً جدا ً ،وأتابع نشاط
محمد ابراهيم أبو سنة
الحركة الوطنية يف مرص ،وقلبي يعترص يومياً مع كل ٍ حدث يقع يف العامل العريب ،فأنا منفتح فكريّاً عىل كل ما ولدي عرشات الدواوين التي يجري ومنغمس يف القراءةَّ ، ٌ حصلت عليها ،ولكن ال أستطيع التنبُّؤ بأعامق الالشعور والقريحة الشعرية ،حتى أتحكم يف الوقت الذي أكتب فيه. الكث ُري من املهتمني والنقاد املتابعني لحركة الشعر املعارص
الشعر اآلن يحمي المرحلة من السقوط في العدمية ..والقصيدة حاولت التمهيد للثورة ولم تركع أمام جبروت النظام السابق
أجمعوا عىل أن أبو سنة رائ ٌد لتجربة الكتابة الرومانسية الحديثة ..إىل أي َمدى وصلت بك القصيدة الرومانسية اآلن يف هذا العرص امليلء بـ «الخشونة»؟ أشكك فيام قلته أنت اآلن ،فلم يكن هناك اتفاق عىلأنني هذا الشاعر ،وتجربتي تتسع للكثري من الخصائص لدي بُعدا ً والعنارص املختلفة ،وتستطيع أن تقول إن َّ رمزياً وعروقاً رومانسية ترسي يف أنحاء التجربة بأرسها، فقصيديت تنطلق من البعد الواقعي والرمزي واإلنساين، وال أحب أن أتحدث عن نفيس كثريا ً ،فمن يتحدث عني هم النقاد ،وكتبوا كثريا ً ،وهناك من يصف تجربتي بالرومانسية ،وهناك من ي ُر ُّد عىل هذا التوصيف ،ويف النهاية ،فإن الرومانسية ليست هدفاً يف حد ذاتِها ،ولكنها أسايس يف كل شعر حقيقي ،إذا فهمناه باملعنى رص ُعن ٌ ٌّ العام.
شعر وشعارات
أين يقع الشعر العريب يف تلك اللحظة الفارقة من التاريخ العريب الحديث؟ فيض من اإلبدا ِع ِ الشعري يف ضوء تف ُّجر األحداث هناك ٌissue (5)- October - 2012
87
حوار
الثورية من ناحية ،واملأسوية من ناحية أخرى ،وهذا الفيض ينبثق من وجدان وقرائح األجيال املختلفة للشعراء ،سواء جيل الرواد أو الستينيات أو السبعينيات، أو األجيال امل ُعاصرِ ة ،وأمام نظري عرشات الدواوين التي تدفع بها املطبعة كل يوم، وأُش ِفق عىل الشعراء من تكاليف هذه الطباعة؛ ألن الشعراء يف معظمهم فقراء ماديّاً ،لكنهم أغنياء مبشاعرهم وإبداعهم. وهل تأخرت الحركة الشعرية العربية عن إدراك اللحظة الثورية؟ نستطيع أن نقرأ للشعراء جميعاً يف ضوء ما تشهدهاملنطقة من رصاعات وثورات واضطرابات ،وقد تح َّول ِ الشعر خالل ثورة 25يناير ،عىل سبيل املثال ،إىل نهر جارف من الشعارات واألهازيج ،واألناشيد ،ويكفي أن نقول إن ثورات الربيع العريب حملت البيت الشهري أليب القاسم الشايب ،عنواناً لها« :إذا الشعب يوماً أراد الحياة فالبد أن يستجيب القدر». والشعر اآلن يحمي املرحلة من السقوط يف ال َع َدمية؛ ألن معظم الشعراء يف واقع األمر يتمتعون بروح ثورية وقومية ووطنية ،ويدافعون عن القيم الباقية وسط الحريق الذي يلتهم أشجار الغابة العربية. باع ِتبارك تنتمي لجيل الستينيات الذي شهد ثورة 1952 والصعود النارصي العرويب وكذلك االنكسار ..كيف
عندما كتبت قصيدة النثر اتهمني النقاد بـ«اإلفالس» و«االستسهال» ..واألزمة في نفي كل جيل لآلخر
88
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
يختلف الصدى الشعري للثورتني؟ ثورة يونيو اكتملت لها أركا ٌن ُمحددة،تتمثل يف :التنظيم ،والتفكري ،والفلسفة، واملرشوع ،والقيادة والكوادر السياسية والكوادر املختلفة األخرى يف مجاالت االقتصاد والزراعة والفن واألدب والكتابة، هذه الثورة قامت عىل رؤى األحزاب التي برزت يف الثالثينيات ،وكان لها قد ٌر من الرؤية التنظيمية والفلسفية يف نفس الوقت ،واستطاعت أن تصوغ مرشو ًعا إنسانياً واجتامعياً ،وكانت متد أذرعها يف 3قارات :إفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية ،وكانت هناك جبهة متحدة ضد االستعامر ،وضد تسلط اإلمربيالية الغربية ،فكل الثورات يف العامل تحتاج إىل فلسفة وكوادر ومرشوع ،أما ثورة 25يناير ،فهي ثورة «تلقائية» انفجرت من نار الظلم والفساد واالستبداد والحرمان والجوع والرفض ،فكانت مبثابة اختزال الحتجاجات ثالثني عاماً عىل الوضع االقتصاد والسيايس واألمني. نستطيع أن نقول إن هذه الثورة التي قادها الشباب بفطرية وشجاعة ،مل تصل حتى اآلن إىل رؤية متامسكة لألوضاع السياسية واالجتامعية وتالياً مل تتبلور وفقاً لهذا فكرة فنية ،وهي أقرب إىل أن تكون بركاناً ما زال يطلق الحمم ،لكنه بعد أن يربد قليالً ،سيكون العقل املرصي قد استوعب الحدث أوالً ،وفكَّر بوضع مرشوعه املستقبيل عىل املستوى السيايس واالجتامعي والوطني والقومي، ثم بعد ذلك ،وقبل ذلك ،تنشأ األشكال الجديدة لإلبداع الفني واألديب. واعترب ثورة 25يناير خالصة إنجاز القرن العرشين يف مرص ،الذي شهد نهضة أدبية واجتامعية وسياسية، فتفاعالت الحركات السياسية تأيت بعد هضم تصورات عرص النهضة ،مبعنى أننا أمام إنجازين :إنجاز النهضة، وإنجاز آخر يتمثل يف استثامر ما متلكه اآلن الثورة من الفرص التي وفرتها تلك النهضة. أال ترى أن السياسة أرضت بالقصيدة بعد أن جعلتها تدور يف فلكها وتعاين اهرتاءاتها خاص ًة مع تغ ُّول الديكتاتورية؟
محمد ابراهيم أبو سنة
الشهور األوىل قبل أن نقع يف االضطراب املخيف واملؤمل.. كتبتها ونرشتها وتابعت هذا السيل الجارف من الكتابات، فهناك قصائد بالعامية لشعراء مثل سيد حجاب ،وأخرى بالفصحى ،لشعراء من أمثال أحمد عبداملعطي حجازي وفاروق شوشة ،وأحمد تيمور ،واللحظة اآلنية تحتاج إىل استبطان عميق؛ ألن ما يجري عىل الساحة السياسية اآلن يدعو إىل «ال ُدوار» ،وهذا الدوار سوف يهدأ ،فالشعراء عليهم أن يتمهلوا قبل أن يكتبوا ،فالشعر سيتخذ مسارا ً جديدا ً بعد الثورة.
سعادة النرث
نعود لجيل الستينيات الذي تنتمي لهُ ..هل مثة خفوت لقصيدته اآلن مع صعود أجيال أخرى؟ القصيدة الجيدة تخرتق أسوار الزمن ،والقصيدة املتميزةتنتمي لشاعرها وليس لجيل واحد ،فهناك قصيدة جيدة يكتبها شعراء الستينيات ،مثلام توجد قصيدة جيدة القصيدة حاولت التَمهيد للثورة ومل تركع أمام جربوتيكتبها أمثال حسن طلب من جيل السبعينيات ،وهناك النظام السابق ،بل إن حركة الشعر العريب استمرت يف بهاء جاهني وأحمد بخيت وشريين العدوي ،فهناك تطورها ،وظلت منفتح ًة عىل التيارات الشعرية العاملية، القصيدة الجيدة التي ال متوت وال تخفت أبدا ً ،وهناك وحركت كثريا ً من األفكار الشعرية والخيال املبدع ،وتأثرت أيضاً الشعر الرديء ،سواء أكان ينتمي لجيل الستينيات أو بالرصاع الداخيل يف الحركة الشعرية نفسها ،بسبب الرصاع غريه ،وهناك شعراء باقون من أمثال أمل دنقل ومحمد بني األجيال املختلفة ،الذي كان من شأنه أن أضعف قوة عفيفي مطر ،ووفاء وجدي ،فربغم الضجة والصخب اإلبداع؛ نتيجة انغالق كل جيل عىل تصوراته ،بد ًال عن يف الساحة الشعرية ،فإن ما يبقى يف الوجدان أقل من انفتاح األجيال عىل بعضها بعضاً. القليل. هل معنى ذلك أن الشعراء أنفسهم هم من أرضوا كتبت قصيدة نرث يف بداية السبعينيات ..ملاذا مل تكرر تلك بالقصيدة؟ التجربة؟ مشكلة رصاع األجيال تظهر بوضوح بني جييل أعتقد أن الضجيج الذي تحدثه قصيدة النرث يتعلقالستينيات والسبعينيات ،وعىل الرغم من كونها تستنزف بفرص النرش الكثرية املتاحة ،أكرث مام يتعلق بالتأثري الفني قدرا ً من طاقة اإلبداع لديهم وتدفع الحركة الشعرية العميق يف الوجدان ،فقصيدة النرث تهتم بالسياق العقيل إىل التشتت ،ولكن يف املقابل فإن ذلك الرصاع له جانب بسبب تدقيقها يف اختيار جميع األلفاظ املتاحة ،بينام صحي ،عندما يدفع الشعراء إىل االجتهاد واإلبداع. نجد قصيدة التفعيلة مرتبطة بأوزانٍ معينة ،تدفع إىل كيف تق ِّيم اإلنتاج الشعري بعد الثورة؟ االهتامم بالجانب الوجداين ،وعندما كتبت قصيدة النرث، كتبت مقالة بعنوان «كأنهم أتوا من الخيال» يف 5اتهمني النقاد بـ «اإلفالس» و«االستسهال». مارس /آذار 2011يف ملحق التحرير بجريدة «األهرام»، وهل قررت التوقف عن كتابتها بسبب تلك االنتقادات؟ وهذه القصيدة هي التقاط لكل مشاهد الحركة الثورية بالتأكيد ال ،ولكن يف الوقت نفسه ال أستطيع أن أجزميف هذا الوقت والتجاوب مع النبض الثوري الذي تألق يف issue (5)- October - 2012
89
حوار
لك بأسباب هجري لها ،فعندما كتبتها مل أد ِر ملاذا ،وحينام تركتها مل أد ِر ملاذا أيضاً.. ولكنني يف النهاية سعيد بتلك التجربة ومل أندم عليها. ما األسباب التي دفعتك وكبار الشعراء لالستقالة من «لجنة الشعر» باملجلس األعىل للثقافة ،وما رأيك يف تشكيلها وأدائها الحايل؟ افتقدت اللجنة نوعاً من التوازنوخرجت عىل التقاليد املتبعة يف تشكيلها من الشعراء الذين لهم حضو ٌر وتأث ٌري ،وكذا من النقاد الذين أسهموا بإيجابية يف الحركة الشعرية ،فحدثت فوضوي ٌة بالتشكيل األخري ،وات ُِخذت إجراءات غري متأنية للحفاظ عىل التوازن الدقيق والحفاظ عىل مكانتها ودورها يف االنفتاح عىل الحركة الشعرية العربية ،وهناك تصورات غري ناضجة يف إعادة التفكري والتدبري ،ورمبا تفسح االستقالة املجال أمام أجيال جديدة ليك ميارسوا تجربتهم يف إدارة الواقع الشعري بطريقة مختلفة. مباذا تفرس رصاع األجيال الشعرية املوجود يف مرص اآلن.. واتهام األجيال الشابة لألجيال السابقة لها بأنها تقصيها وتتعمد إهامل تجاربها؟ غري صحيح ،فاألجيال السابقة دامئاً ما تحنو عىل األجيالالجديدة وتفسح لها املجال يف قلب النشاط الشعري، وتدعوها يف كل نشاط ،ويشهد عىل ذلك «صالون األربعاء الشعري» ،الذي كانت تقيمه لجنة الشعر كل شهر ،ومحاولة الحث عىل نشاط «بيت الشعر» التابع لصندوق التنمية الثقافية ،فهناك احتضان من القدماء للجدد ،لكن املشكلة أن القصيدة التي تكتبها األجيال الجدية مل تستطع أن تجتذب الرأي العام أو تتحاور مع الذائقة األدبية الراهنة ،بسبب الرصاع املجتمعي ،وضآلة الفرص املتاحة ،وتحرك الحركة الشعرية يف هامش ضيق من االهتامم العام ،سواء من السلطة أو النخبة ،وافتقاد الحركة الشعرية التشجيع ،فهناك مشاكل كثرية ،ومن املفرتض أن تعمل الهيئات واملؤسسات عىل إيجاد تنسيق إلنقاذ اإلبداع.
90
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
أال ترى أننا نعيش لحظة انطفاء وتراجع لفكرة أجيال الريادة الشعرية؟ أنا ضد هذا التصور ،فاألجيال تبدعمن زاوية تصوراتها وخصوصية مواهبها، وهناك شعراء عىل درجة عالية من الجودة واالمتياز ،والريادة مرتبطة بالتحوالت الكربى لتطور القصيدة. هناك اتها ٌم آخَر من التيارات الحداثية لشعراء الستينيات بأنهم رضخوا لقيود املؤسسة الثقافية ،ونالوا جوائزها وشاركوا يف مؤمتراتها ولجانها؟ أنا ال أرى يف ذلك أي اتهام ،فتلك املؤسسات هي –بطبيعة الحال -مؤسسات وطنية ،وبدون مشاركتنا ستتحول إىل خرابات ،فالبد من التعاون ،والشعراء مل يرضخوا لتسلط أو لنفاق ومل يسعوا لتبييض وجه السلطة ومل يتورطوا يف التغني مبحاسنها ،فشعراء الستينيات رفعوا راية االحتجاج قبل أن تقوم الثورة ،ومل يذوبوا يف محبة الدولة أو التواصل معها ،أما كونهم قد نالوا جوائز منها، فذلك جزء من طبيعة املشاركة والتعاون واإلعالن عن الحضور اإلبداعي. هل ترى توازياً للمشهد النقدي مع الحركة اإلبداعية؟ هناك نقاد كثريون يقومون بدور مؤثر يف هذه املرحلةعىل كل املستويات ،وحركة النقد تتطور بفعل تراكم املعرفة واألحداث الثقافية والتحوالت السياسية ،وأعتقد أن العقل املرصي يتطور بصورة كبرية عىل املستوى اإلبداعي ،لكن األزمة تتمثل يف التواصل اإلعالمي الفاتر، فهناك جهل شديد بأجهزة اإلبداع ،وكثري من املبدعني ال يظهرون يف اإلعالم بسبب جهل القامئني عىل مقاليد األمور ،وحركة الثقافة تحتاج ملبدع وأداة توصيل هي اإلعالم وجمهور يشتاق للقراءة والتواصل مع حركة اإلبداع والثقافة مع بيئة تقبل هذا اإلبداع ،وقد اكتشفت أن الجميع يعانون حالة ارتباك ،يف تلك املرحلة ،سواء أكانوا نقادا ً مبدعني أم قرا ًء ُمتَلَقني
حائط أبيض
.
ّ الجراح نوري .............................................................................................................
آخر الشهود األحياء
الشاعر
يف العامل ،هو آخر الشهود األحياء عىل صور أثرية وعزيزة أخذت تبتلعها الصورة الكربى للكارثة ،ممثلة بكائنات «ما بعد اإلنسانية» ،مخلوقات «برهة كونية مركبة» أخضعت العلم البرشي ملخططها الجحيمي ،برهة غري مسبوقة ،يسودها صلف وغرائزية مرعبان ،ورائحة دم الضحايا تنعش آالف أسامك القرش الضخمة وقد توالدت يف كل بحر من بحار العامل. أوليس عامل الشاعر بعد هذا التوصيف حديقة ال تشبهها إال املقربة؟ قصيديت هي بصرييت الدامية يف عامل كل ما فيه بات إجرامياً. ولكن كيف لنا ان نتفكر يف الشعر والكلامت يف زمن طاحن كهذا؟ كيف يسلك الشاعر ،اين تتجه الكلامت ،وما معنى الكتابة ،وما هي مواصفاتها الكربى؟ بداهة ،لكل كتابة زمنها ،والكتابة ال تستجيب للمواضعات الخاصة مبا هو خارج زمنها .زمن الكتابة مرشوط بها وحدها. لكن ،هل هناك وقت منوذجي ،يف زمن عاصف كزمننا إلنجاز كتاب شعري؟ أو حتى قصيدة؟ الشعر أكرث حرية ووحشية من كل ما ميكن أن نتخيل ،مواعيده داهمة ،ومفاجئة كحاالته املدهشة وصوره املفاجئة وميوله غري املتوقعة. وما دمنا نيمم شطر مخترب الشعر ومصنعه ،يخطر يل باستمرار أسئلة حول الشعر وشعرائه .هناك شعراء أقالمهم سيالة يف وسع الواحد منهم أن يكتب عرشات القصائد يف شهر ،وبعضهم يكتب يف كل يوم قصيدة .وهناك من يقيض وقتاً طوي ًال يف مكابدة شاقة لينجز مقطعاً من الشعر. هناك من يكتب يف سنة ما لن يكتبه هو نفسه يف عرش سنوات .وهناك بني صمت وصمت لشاعر تفجرات مدهشة ،أو عقم كامل .الكتابة عموماً ،والشعرية خصوصاً لها حاالت متبدلة ال تحتكم إىل قاعدة ،وال تقاس بسواها. هناك شعراء يكتبون القصيدة م ّرة واحدة ،ويدفعون بها إىل النرش ،وغريهم يكتبونها م ّرات ويخلصون إىل عمل شعري خالق ،وبعضهم قد يفسد األصل املاثل يف دفقة أوىل من شدّة عمله عليه .للشعر أحوال ال ميكن التكهن فيها ،ورهافات تجعلنا ،أحياناً كثرية ،نقف حيالها عاجزين. كل قصيدة يكتبها الشاعر هي جملة يف رسالة تودع العامل بينام هي تستقبله ،وإذا كان عمل الشاعر مع الكلامت هو عمل يف املستقبل، ومع املستقبل ،فإن فكرة الوداع نفسها تصبح التباساً كبرياً .ومهام كانت قصيدة الشاعرة مواربة يف قصدها ،ويف زينتها ولعبها ،فطاقة الحدس والخربات الشعورية العميقة التي تبني الرؤى الشعرية أورثت شاعرها منذ أقدم األزمان الحس الفادح بالفقد ،بالهارب من الزمن ،والهارب من الجامالت ،وإذا كان الشاعر هو ذلك الطفل املغرتب أبداً يف مرايا العامل ،فإن أساه الحقيقي يبدأ عندما يكتشف أن شغفه الذي مل يتوقف يف البحث عن خياالت طفولته يواجه بنصال الزمن واملواضعات اليومية املعادية لكل ما هو طفويل يف مجتمعات ال تدين للسجية اإلنسانية، وال للعفوي ،مبقدار ما تدين للقناع اإلجتامعي وأعامله الرشيرة. هناك يف الثقافة العربية مفاهيم قرت ومل تتزحزح فلم تعد تتفق والتطورات التي طرأت عىل بنية القصيدة العربية .من ذلك مفهوم اإليقاع، واملوسيقى يف الشعر .تطور الشعر ،ومل تتطور قراءتنا ،تغريت بنية الكتابة الشعرية ،ومل تتغري البنية املفاهيمية للكتابة الشعرية .وإذا كنت قد ملست وجود غنائية يف شعري الذي ينتمي إىل قصيدة النرث ،فأنا ال أجد غرابة يف ذلك .فالغنائية ،بداهة ،ال تصدر عن األوزان يف الشعر، وإمنا عن اإليقاعات األعمق املتجلية يف النفس الشعري ،يف الرتاكيب ،يف الصور وعالقاتها ،يف الرهافة الواقعة وراء نربة الشاعر ،أي يف جملة العالقات التجاورية للكالم ،وقد فارق القاموس َّ وحل يف أرض أخرى. وبرصف النظر عن موضوعاته ،فإن الشعر الذي يطلع من االعمق هو شعر جارح ويائس وحزين بالرضورة .وما قصائد الشعراء ،التي ميكن للمستقبل أن يعت ّد بها ،إال نداءات يائسة ،رصخات أناس يف عامل يغرق .الشعر هو الصوت الحقيقة الذي اغتيل يف اإلنسان ،يف عامل ُمرهق من أمل الخيانة والجرمية ،فهل بقي له إال أن ُيضاء بالكوابيس بينام هو يظ ِّهر يف الكلامت نشيد األعامق؟ issue (5)- October - 2012
91
وجهان
درويش وبركات
الفلسطيني والكردي منفى في اللغة َ َ قلت، أذني أنني أسمعها. كلمات لم أص ّدق رميت على عاهن البسيط «أبكيتني مرّ تين ،يا محمود .مرّ ة حين ٍ َّ ً جهدا كي ال أتأثر بسليم بركات .وإذ ص ّد ُ ُ أذني، قت بذلت باإلنكليزية ،في ندوة جمعتنا بإحدى مدن أسوج: َّ ُ َ أدبيا إلى ّ ً ً ً ٌ ّ اعترافه العابرَ ،الذي ظله ،ال يحذر عصرا ضم مثلك، جليل صامتا: اغرورقت عيناي ،بل بكيت
يُ بكي مثلي» (سليم بركات)
ّ عمار أحمد الشقيري
حني
محمود درويش وسليم بركات ،األول هاجت خيل الحرب الحروب أذرعها معلن ًة أن ال نجاة إلاّ تفرد ُ ِ ُ ً قت، رش ، «شأملت د وأنش فهاجر الجنوب يف ه بالد عىل تصري األحياء عىل – ا عبث – ة الصدف ترميه مبا َ ُ َّ ُ يل ألن الجنوب الهجرات صال ًة للنجا ِة ال من املوت إمنّا من طريقته َغ َّر ُ بت أما الجنوب فكان قصياً عص ّياً ع َّ بالدي» .الثاين من شام ٍل – عىل غري العادة الجيوسياسية – الفجة يف العمل ،فالهجرات موتٌ لكن بفرق نافر وهو معذب ومه ّمش ،من عقد قرى كردي ٍة. أن املهاجر يتجرعها ببطء عىل مراحل ،وإذا كان للشعراء ٌ من كالمٍ عن الحروب -حليفة الهجرات منذ فجر التاريخ تخون الجغرافيا شعراءها ،فتلجأ القصيدة إىل اللغة، ليبني فيها الشاعر ،بيت ُه وحديقتهُ ،واملطبخ وغرفة نومه ـ فإن هذا الكال َم سينحى منحى االهتامم بالتفاصيل الرئييس ،والرسير ،ويقول قبيل النوم الهاميش فيها إىل منصة الدقيقة والبسيطة وإعالء ّ ّ كأن تكون شجرة اللوز العادية – مثالً – دليل الشاعر لتتبع الهشاشة يف قلب ِه والحياة ،ويصري ظل شجرة خروب سأحلم عىل قارعة مقهى يف قربص مدخالً لحكاية سرية شعب. ْ اتسعت بالد يل ،كام أنا ربمٌ ا بالحكاية املنفي يف دروب الهجرات ،يؤنسه واملنفي نديم ّ ّ واحداً من أهل هذا البحر، بالقصيدة: ة ً ومر مر ًة ، كف عن السؤال الصعب :منْ أنا؟ تعال َأنبئك عماّ فعله ها هنا؟ إن تكن اللغة قلعةَ الجرنال بأهيل فيقطع عليه الكردي المنفى األخيرة ومناورته سؤال االنتساب حكايت ُه البديلة في الحرب على يف زمن اإلقصاء والديكتاتوريات التي أنت أنبئك ما فعله تعال َالتغييب المقصود ،فإن استبدلت الدبابة – لفرتة مؤقتة – الجرنال بالجغرافيا وبأهلها باملقص اإللغايئ سيتحسس الفر ُد لغتهُ، مساس بها سيُعد أي وتحت وقع الحكايا، َ ٍ تراثه ،وكيانه ،سيتحسس وجالً هويتهُ، ليل املهاجر يسحب ُ موت ًا للمدون بها ،ال حياة وإن كا َن االحتالل الصهيوين قد بدأ وينصت، خصائص ُه يحاول إقصاء العريب من فلسطني ،فإن إال باللغة وال موت إال للحكاية ،وللقصيدة، ما يحدث يف سوريا قد بدأ إجراء دفن بموتها وللوحة ،واملوسيقى وللفن للقرى الكردية التي «أقصتها الدولة بشكل عام. عن تاريخ الدولة».
92
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
درويش وبركات
سيظهر درويش صارخاً من فلسطني: «سجل أنا عر ّيب» مع أن هذا االنتامء سيتحول إىل انتامء آخر بعد قليل، وسيرصخ الكردي من جهت ِه يف قصائده األوىل مرتالً أسامء القرى ويعيد الرتتيل وكأنه يخاف عىل أسامئها من اإلندثار: «دينوكا بريفا ،موسيسانا ،مهاباد التي مل ت َر النور»
العشب ينمو يف الحرب
بريوت ،أوائل سبعينيات القرن املايض، ال لغة غري لغة املدفع والرشاش ،وأمراء الحرب يف سباق محمومٍ لقتل كمٍ أكرب من الطرف اآلخر ،واملدينة الحائرة بني املاء واليابسة تشتعل ،وتر ّيب بني الرماد عالقات حب وصداقة يف الخفاء ،كانت إحدى هذه الصداقات التي جمعت بركات بدرويش ألول مرة وكانت بني قذيفتني ،يسأل درويش عن الفتى الكردي بعد سقوط قذيفة يف شار ٍع فرعي: «أين «س» ديك الحي الفصيح؟ عاشق املسدسات واللغة واللحم املعلن ،مل أره منذ يومني؟ هل وجد طعاماً وماء، كان هذا هاجيس ومنذ تبنيته كان نادرا ً ما يتكلم معي حني نكون وحيدين فلعلّه ص ّدق أين أبوه ،ترك الحي الذي كان يسكنه قبل الحصار وجاء إىل هنا ليقيم مع شاب لبناين رسياين األصل. أين الرسياين ،وأين الكردي؟ تصادقا منذ اليوم األول للحصار ،أحدهام متوتر كعضلة وثانيهام بارد كقمر. أحببت س منذ التقيته من سنني ،مستنفرا ً ضد مجهول، يخجل من الكالم وال يتدخّل فيه إلاّ ليتوتر ،حاسم وصارم اليساوم عىل يشء أو رأي ،ال يقول إلاّ للورق املوضوع عىل وسادة ما فيه من عامل عجائبي ،فنتازي ،ومرتع بالفصاحة، وال أعرف حتى اآلن متى يبدأ فيه الروايئ السارد ومتى ينتهي الشاعر». *ذاكرة للنسيان /درويش 46
الخروج برفقة الكرمل إىل قربص
بعد االجتياح اإلرسائييل لبريوت يحمل كل من الشاعرين أوراق ُه ويلتقيا يف قربص لتحريك دفة مجلة الكرمل من جديد والتي أرص الزعيم الفلسطيني عرفات عىل مواصلة إصدارها، وصدرت «الكرمل» من قربص رغم العوائق الكثرية ،درويش كمحرر رئييس لها من باريس و«معاونه الكبري» عىل حد تعبري ِه :الشاعر سليم بركات يف قربص سيؤمن االثنان هذه املرة بسلطة املنفى وجربوت ِه ،آمنا مجربين، تحت السياط فاشتعل سؤال الهوية من جديد ،لكن بشكل مختلف: من أنا؟ٌ املنفي ينبت يف رأس سؤال طنان ال ُ ّ إلاّ حني يعتاد املنفى ،قبلها سيكون املنفي مشغوالً برتويض محيط ِه أو ترويض قلب ِه للتأقلم ّ مع املحيط. يجيب درويش شعرا ً يف أكرث من مكان بعدما يكون قد تخلص من «سجل أنا عريب» سيجيب هذه املرة وبهدوء معلن عن سؤال الهوية« :أنا لغتي» ويذهب يف موضع آخر من قصيدة قافية من أجل املعلقات أبع َد من َ ذلك ليعلن:
من لغتي ولدت عىل طريق الهند بني قبيلتني صغريتني عليهام قمر الديانات القدمية والسالم املستحيل
ولن يختلف االنتساب عند سليم بركات عنه عند محمود درويش – مع أن منفى هذا اآلخري هو منفى مزودج: منفى لغته األم ،ومنفى الجغرافيا -ففي مقابلة مع قناة الجزيرة لربنامج موعد يف املهجر ،بدا عىل وجه الشاعر الكردي االتزان وهو يقول بلهجته العامية «وطني issue (5)- October - 2012
93
وجهان
الفنان فالدميري تاماري
الحقيقي هي لغتي ،ما بئا إئدر أشوف حدود أكرت منها، وال عالقات أكرب منها ،وال حرية أكرت ،انا عايش هناك ، ومستقل هناك بقوانني العربية» ويف قصيدة « ليس للكردي إلاّ الريح» املهداة إىل بركات املنفي املج ّرب يعرف درويش كيف يصف الكردي بعني ّ إذ يخ ُرب عن ُه «وينفض عن هويت ِه الظالل :هويتي لغتي». هكذا ينجح االثنان كل عىل حدة بإن يخلقا هوي ًة موازية لهويتهام املدفونتني واحد ٌة تحت حوافر الحزب» الذي ال مانح إلاّ هو «وواحد ُة تحت املستعمرات واإلسطورة الهابطة عىل ِ أرض بواسطة الدبابة والـــ .» F16
الغربة غربة اللغة
إن تكن اللغة قلع َة املنفي األخرية ومناورته البديلة يف ٍ مساس بها س ُيعد الحرب عىل التغييب املقصود ،فإن أي موتاً للمدون بها ،ال حياة إلاّ باللغة وال موت إلاّ مبوتها، ويف حوار طويل مع درويش أجراه عبده وازن لجريدة «الحياة» يجيب درويش عن سؤال الخوف من املوت: «مل أعد أخشاه كام كنت من قبل .لكنني أخىش موت قدريت عىل الكتابة». ويأيت جواب بركات بنفس املعنى يف مقابلة مصورة يف بيته يف السويد منشورة عىل اليوتيوب قائالً: «غربتي الوحيدة ستكون ذات يوم -إذا أحسستبالغربة -مل ّا أفشل بالكتابة» 94
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
من منفاه األخري يف غابات سوكوغوس وسط السويد ،ينام الكردي مطمنئ البال وهو يتحسس لغت ُه كل صباح حني يفيق ويجدها سامل ًة فيبدأ بكتابة الرواية ،ويرصف لغة الشعر بشكيمة ذئب ٍة تدافع عن جرائها ،وال ينىس يف فرتات الراحة أن يعيل النفري عالياً لدرويش الذي كان قد اختار التنقل بني باريس ورام الله وعامن ،يرفع بركات الناظور ويرصد التفاصيل بعني ر ٍ اصد كشّ اف يف قصيدة عنوانها «محمود درويش بتاريخ حزيران »89يعدد فيها – شعرا ً -تفاصيل رشفة درويش /ردهة بيته /الرواق / محربته /علبة تبغه /قهوته /كسله الصباحي /سرية قلبه / نظارته:
يا لشؤونه ،إذاً يا لشؤونٍ تعبث بالعاصفة وتداعب الينابيع التي تتقافز كجراء سلوقي بني متاريسه ً كم يجسان معا متقابلني ، يرمي برنده عىل املنضدة وترمي برندها كم تجلس التواريخ بينهام وهي تجفف بأنفاس ِه ذؤاباتها املبلولة
ويرد درويش التحية قصيد ًة يف «ال تعتذر عماّ فعلت» وال يغفل فيها رصد التفاصيل:
منزله نظيف مثل عني الديك..
درويش وبركات
ينجح االثنان كل على ً هوية حدة بان يخلقا
وجهي ،هذه امل ّرة؛ «تنفّس املوتُ يف منيس كخيمة سيد القوم ّ َ لهويتيهما موازية رسمت تنفّس عميقاً يف املكان ،الذي َ الذين ٍ ٌ خريطتَه عىل صفحات من كتابك المدفونتين واحدة تبعرثوا كالريش .سجاد من األخري «أثر الفراشة» ،يا محمود. الصوف تحت حوافر الحزب الذي َ تدوينك عن نسيت ،رمبا ،أن أز ّود ُ معجم متآكل. املجعد. ٌ ال مانح إال هو ،وواحد ُة بيتنا ،يف غابة سكوغوس ،شجرا ً أكرث، كتب مجلدة تحت المستعمرات وطيورا ً أكرث ،وأنت تستعرضني طاهياً، عىل عجل .مخدات مطرزة متذرعاً بأفاويه الكاتب وتوابله. واإلسطورة بإبرة قلت« :تناقلتُ َك بلسان كتابتي ،مرارا ً، َ خادم املقهى .سكاكني كشاعر .سأتناقلك ،اآلن ،كطاه» .ويف مجلخة لذبح مطبخي ذاك ،الذي ابتكرتُ فيه ،إذ الطري و الخنزير .فيديو لالباحيات. نقلت زرتَني قبل سنتني ،خياالً ملساءيْن من اللحم طريفاًْ ، باقات من الشوك املعادل للبالغة. زوجتي سيندي املوازي َن الكربى لألمل إىل جهة العاصف: رشفة مفتوحة لالستعارة .ها هنا رصها، كانت واقف َة قرب املنضدة حيث أجلس .ألقت ب َ يتبادل األتراك واإلغريق أدوار عىل نحو مل أعهده ،عرب النافذة ،إىل غاممات الفريوز الشتائم .تلك تسليتي وتسلية ملست بي َدي قلبي من شجر الصنوبر ،والحور الرجراجُ . الجنود الساهرين عىل حدود فكاهة نظرت َها النقيّة كبكا ٍء تتكتم عليه الشِّ فاف ُة املعلَنةُ .سألتُها: سوداء.. «ما بك؟» .ردّت« :مل تعد تخربين ،إذ أعود إىل البيت ،أ ّن محمودا ً اتصل بك». املنفي إذا ً يرفع ُه بنبلٍ ويضع ُه عىل املنص ِة الهاميش لعبة ّ ّ ويقول الرئييس يقيص االمر تطلب وإن الرئييس لجوار ّ لن ميضيا إىل الصحراء للهاميش: سوكوغس /السويد /مساء مثل أي مساء َ فلوالك ما نجونا. تقدم ، ما الذي جرى؟ لن يعرف أحد ،لكن الفلسطيني يومها وقبل أن يغادرتحية البرشوش إىل البرشوش نهاية الدرب وقف بباب البيت ملوحاً للكردي وناطقاً بلسان امل ُنترص خجالً كانت شمس التاسع من أغسطس من عام 2008 عىل املوت بضع كلامت: ِ النوافذ املمرات تصعد منصة الرشق ،راصد ًة وعرب َ انترصت عىل الهوية باللغة املوصلة بني غرف مركز هيوسنت الطبي ،يف حني كان ُ َ انتقمت قلت للكردي ،باللغة الفريق الطبي ينزع يف حياد جارح أجهزة اإلنعاش عن من الغياب قلب قرر أن يقدم استقالته أخريا ً من غري بالغة أو فصاحة فقال :لن أميض إىل الصحراء ،وما إن كاد الفريق الطبي يُنهي جولته عىل بقية املرىض قلت وال أنا.. حتى ر َّن الهاتف يف رام الله معلناً فر َد ستارة ِ املوت ُ ونظرت نحو الريح املوشا ِة بذهب الصمت عىل حياة الشاعر محمود درويش َعمت مساء ،بعدها بقليل يصل الخرب إىل السويد ،فيبيك الكردي عم مساء!ظل دفيناً: ويفتح ما َّ ُ
issue (5)- October - 2012
95
بورتريه
عارف الخاجة
واقعية سحرية
عارف الخاجة من بين أبرز الشعراء االماراتيين الذين عُ رفوا عربيا ،بروح حداثية ونزعة إلى قصيدة التفعيلة ،القصيدة الموزونة التي لم يكتب غيرها .أيضا ال يخلو شعره من احداث وأسماء من التاريخ أو من مخيلة التاريخ ،إذا جاز التوصيف ،فيتخذ منها أقنعة يقوم بإسقاطها على واقع معاصر هو واقع عربي عموما ،يتقاطع فيه الشخصي مع السياسي وبحس مثقف ومدرّ ب جيدا على التقاط الشعري من السياسي واالجتماعي بعين «أخرى» تعكسه في صور شعرية ذات جماليات عالية. في الوقت ذاته ،ثمة مسحة من حزن شفيف تطبع شعر عارف الخاجة وتجعل منه قريبا إلى قلب متلقيه
سامح كعوش
96
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
عارف الخاجة
آثر
شعراء اإلمارات أن ميدوا أجنحتهم بعيدا ً عن الوطن ،فلم يكتفوا بعيش أحواله واالمتزاج مع ذرات ترابه ونسامت هواه ،بل مدوا ظالل القلب لتصل حيث ظأمت أمتهم يف أقايص املغرب وضفاف املتوسط والنيل ،وكان أن كتبوا للبنان وبريوت ،والعراق وبغداد، ومرص والقاهرة ،وكان أن زاروا هذه البالد وعاشوا فيها وعايشوها واقعاً تجىل يف كتاباتهم الشعرية الكثرية. كام استطاع شعراء اإلمارات أن يعيشوا الحالتني األكرث رسوخاً يف الذاكرة العربية :حالة النكسة وحالة الثورة، فكانت قصائدهم لبريوت واملقاومة الفلسطينية، وكانت قصائدهم للجنوب اللبناين كأنه جنوب اإلمارات، ولشهدائه كأنهم شهداء اإلمارات ،وبني الطرفني عالقة انتامء ألمة وتاريخ ومستقبل.
شعرية االنتامء
فها هو الشاعر اإلمارايت سلطان بن عيل العويس يتأمل ملا شهدته مدينة بريوت سبعينات القرن الفائت من اقتتال وحروب وتدمري ،ما جعله متأملاً ملصري مدين ٍة أحبها كام فعل شعراء إماراتيون كثريون ،ماضياً وحارضا ً ،وراد مقاهيها ،وتحاور مع مثقفيها ومبدعيها ،يقول يف قصيدة «بريوت»:
«بريوت يا جنة الخالن كيف لنا أن نثني الدمع من أن ميأل الحدقا كنت وارفة عودي ربيعاً كام قد ِ
نصوص عارف الخاجة تقف أمام التاريخ .يكتب نكسات العرب ،نكباتهم ،مرارة هزائمهم وفرح انتصارهم
وانيس الشتاء الذي قد أسقط الورقا كنت قيثارة للرشق صادحة قد ِ ما لألنامل ليال تعزف األرقا».
أما الشاعر مانع سعيد العتيبة فيخاطب أرض فلسطني مدنها وقراها ،ويذكرها بيتاً وبيتاً ،يقول يف قصيدته التي أهداها لألسري الفلسطيني املناضل مروان الربغويث:
« َيا أَ ْر َض را َم الل ِه َّإن ُقلو َبنا َما َت ْت َفال َن ْب ٌض َوال َخ َف َق ُان َيا ُقد ُْس ،يا نا ُب ْل ُس إِ َّن عُ يو َننَا ميعنا عُ ّم َي ُان َك َّف ْت َفن َْحنُ َج ُ َيا َب ْي َت لَ ْح َم َو َب َ يت َجاال ُك ُّلنَا َ َم ْوىتَ ،و ُذ ُّل ُسكو ِتنا أك َف ُان سيح َعلىَ َث َرى ل َكنْ َكام ُولِ َد املَ ُ رس ُان أَ ْر ِض ال َقداس ِة ُيولَدُ ال ُف َ هُ َو َذا املَ ُ خاض َفيا ِفلسط ُني ا ْر َتدي َث ْو َب الدِّما ِء لِ ُيولَ َد اإلِ ّن َس ُان».
وها هو الشاعر اإلمارايت حبيب الصايغ يخاطب فينيق لبنان يف «قصيدة القفص» ليربز فيها مهد طري الفينيق جلياً ،واضحاً يف انتامء الشاعر إليه مبا يليق ،هناك يف أعايل جبال الرشق املكللة بالثلج ،يف بريوت الحلم ،وبريوت اللحم الحي ،بريوت عنقاء الشاعر ،يقول يف القصيدة:
«كتبنا عىل املقاهي والجامعات احرتاقاتنا سئمنا من املغني الذي يزعقُ يف االسطوان ِة ُ الشواطئ انترش الوقت يف رمالِ ِ َ اليأس». اندمل ُ
كام نرى الصايغ يحيل قارئه إىل داالت مكانية ورمزيات ذات عالقة مبكان واحد ،فهو يشري إىل «سكة الحجاز»، و»ثالث مدن» ،وأسامء معروفة مثل« :مارسيل خليفة»، «أحمد دراج»« ،سعيد فاخوري» ،الجواهري» ،ويستحرض بغداد باإلسم والشام كلّها والعراق معها برمزية «عشتار» يف قصيدته للجواهري:
«عمري وعمرك بغداد وعشتار أي النبيذين من أسامئه النار؟».
بينام نرى أن الشاعر عارف الخاجة يف مجموعته
issue (5)- October - 2012
97
بورتريه
الفنان عبد الرحيم سامل
يبلسمه مبفرداته أو هي وروده يف العرس الجنائزي أو طقوس التضحية األسطورية القدمية ،كأن يقول «املسك - > النشيد > - -الحزن > - -العرس > - -املهر ،يصرييل بن املسك الذي يحييه يف نصه عاف الخاجة كام ع ُّ الشمس الشعري ،فدائياً يفدي الوطن بذاته ،ويق ّدم له َ مهرا ً ،بل ويقيم عرساً جنائزياً للبالد يف قيامتها الجديدة يف عني الشاعر ورؤاه ،ومن أجدر من الشعراء بحزن البالد وأعراسها ،فعارف الخاجة يقول آلخره «عيل بن املسك التهامي» يف قصيدته إليه:
«يا أيها اآليت من املسك الخرا ّيف املج ّلل بالنشي ِد َ لك النشيدُ عرس وحز ُن ُه ٌ َ ولك البال ُد الشمس من حزنها متتدُّ قامتك املديدة ومهرها ُ ّ يوم كل ٍ يك تالمس قامة الوطن». الشعرية «عيل بن املسك التهامي يفاجئ قاتليه» يستعني مبرجعيات تاريخية فكرية عميقة الصلة بالرتاث األديب العريب يف العصور الذهبية للعرب ،إذ يستعري سرية عيل بن املسك التهامي يف معاناته املنفى والرتحال ،والشغف وكل ذلك ليخلق منه معجزته الشعرية واألمل يف الحبّ ، التي تشري إىل داللة التح ّول املعريف تجاه «آخر» وطني رصته لتصري عبوة وقومي ،ال «ذايت» ،فعيل هنا يرتك ّ ناسفة يف وجه الغاصبني لفلسطني ،يقول الخاجة يف هامش قصيدته «الجليل ،وكاالت األنباء :اعرتف العدو أمس مبقتل أربعة جنود له ،إثر مرور إحدى دورياته عىل رص ٍة مدفونة بالجليل ،وتشك سلطات االحتالل يف أ ّن واضعها هو عيل بن املسك التهامي الذي تسلل إىل الجليل قبل يومني من الحادثة ،والذي اشتبك مع إحدى دورياتها.»... يخاطب الشاعر الخاجة شاعره عيل بن املسك التهامي مبا يشبه املناجاة الذاتية (املونولوج) ،يف تقمصه شخصيته وحلوله محلّه ،شاعرا ً يضع إصبعه عىل جرح الوطن، 98
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
وليست مصادف ًة أن يكتب الشعراء اإلماراتيون الواقع العريب ال اإلمارايت فحسب ،وهم أبناء هذا الواقع واملتأثرون املؤثرون فيه ،يشرتكون يف ملحمة االنتصار كام يف فاجعة االنكسار ،وبينهام هم يرون إىل الواقع املأزوم بعني الشعر املتفائلة والرائية يف ٍ غد أجمل ،وهم بذلك يتميزون باتجاههم األسطوري السحري يف قراءتهم للواقع، ال يف التعبري عنهم بتقنيات الواقعية التسجيلية املحضة أو الواقعية االشرتاكية املح ّرضة. كام ليس من قبيل املصادفة أيضاً أن تختفي تقريباً املقاربات الواقعية التسجيلية للواقع يف تجارب الشعراء اإلماراتيني ،ملا يف ذاتهم الجمعية ووعيهم املعريف من ميلٍ إىل الخارق يف الطبيعة واملمتد يف التأ ّمل الوجودي يف بيئة البحر والساحل والصحراء ،وهم األكرث ميالً إىل استحضار الرتاث العريب مبا يحفل به من رمزيات األساطري والخوارق ،واملوروث الشعبي املحيل وما يحكيه من أصالة وعالقة تاريخ ودم تربطهم بإرث الجزيرة العربية والعراق والشآم ومرص عضوياً ،وتختفي معها يف املقابل االتجاهات الواقعية االشرتاكية طبعاً ،لبعدهم عن التأثر باألفكار
عارف الخاجة
االشرتاكية التي سادت يف الرشق العريب وصنعت ملحمتها األدبية مع الروايئ حنا مينة وغريه ،وذلك لسبب أن شعراء اإلمارات مل يؤمنوا قطعاً بأولوية الرصاع الطبقي لغلبة امليول الفطرية إىل التدين والعمل مبا تنادي به التعاليم اإللهية من مساواة وتعاون مجتمعي ،كام لسبب أنهم يكادون يكونون األكرث تأثرا ً باالتجاه الرومنيس يف األدب، واألكرث إنتاجاً لنصوصه عربياً.
الواقعية واملرجعية
نجد أنفسنا يف نصوص عارف الخاجة الشعرية أمام وثائق
.»1990 ويعمد الشاعر عارف الخاجة إىل الواقعية كاتجاه يناسب تجربته الشعرية دون غريه ،فهو ليس بحا ٍمل وال رومانيس، بل هو منتمٍ إىل واقع أمته ومعاناتها ،ال يخرج يف حقله املعجمي عن مفردات مثل «جبهة ،منفى ،جمرة ،ثورة»، ويرى حبيبته رشيكة نضال ودرب جلجلة كام يف عذاب السيد املسيح بحسب املعتقد املسيحي (ويف ذلك اإلحالة إىل الرمزية الدينية املسيحية ال اإلسالمية فقط) ،وحلم حرية لوطنٍ سليب ممتد بني قانا الجليل وجنوب الخليل، يقول يف ٍ نص له بعنوان «مسافة»:
َ ضعف السنني التي ّ رشدتني «رأيتك تاريخية بكل ما للكلمة من معنى ،فهو يؤرخ لنكسات ِ العرب ،نكباتهم ،مرارة هزامئهم وفرح انتصارهم ،مستعيدا ً تط ّلني من جبهة النسمة العابرة الدور األسطوري لألنثى الفاعلة ال يف حياة الشاعر فقط ومن أغنيات املنايف بل يف وجوده الوطني واملجتمعي ،ومستعريا ً الدور ومن ضحكة الجمرة الثائرة الجبهوي للشاعر كام يف عرص الفتوحات األوىل ،حيث كان تطلني من عرس قانا الجليل «جيش الصحابة» (الذي يشري إليه يف قوله «هو الوعدُ لنميش نفس الطريق الجليل مقلتيك درباً /مت ُّر عليه ُ خيول الصحابة»)، ...يبدأ من ِ ولو كان يفيض إىل الجلجله».
مير باملدن والبالد ،حامالً رسالة الفتح والدعوة ،وإن ولكن الخاجة يبقى صاحب رؤيا مغايرة للواقع القائم، كانت دعوة عارف الخاجة إىل جمهورية شعرية نقية وهو ما يشري إليه مبفرديت «الفصول الجديدة» ،التي ال وصافية صفاء ماء الفضة ،فهو يفرح مبا يخطه لبريوت يف يقبل التأقلم معها ،يقول لسيدته التي تطل كشمس، مجموعته «بريوت وجمرة العقبة ،»1983ويؤبّن الشهيد وتحتمل دورها التغيريي يف ما تقتضيه الواقعية السحرية اللبناين ألمته العربية يف مجموعته «قلنا لنزيه القربصيل التي تتيح للشاعر أن يخلق عامله الشعري املوارب ،»1986ويصليّ إماماً للفقراء واملتعبني واملحرومني واملوازي معاً ،يف ظل احتامالت شتى ال يستطيع مواجهتها والتعساء والعشاق يف مجموعته «صالة العيد والتعب عالنية ،بل ال يستطيع وحيدا ً أن يتح ّمل مشقتها عىل ،»1986وهو يردد خطاباً عروبياً متيّز به شعراء اإلمارات وعيه الشعري ووجوده ككائن ورقي شفيف ،بل تساعده جميعاً ،كام يف مجموعته «عيل ابن املسك يفاجئ قاتليه يف ذلك وتقف إىل جانبه سيدته الشمس وهي تحمل إليه ،»1989ويكمل مسريته الشعرية وصوالً إىل «من املعسكر بشارات التغيري والثورة عىل واقعه ليخلق عامله الجديد املرتجى:
عارف الخاجة رؤيوي بامتياز، يستعيد األسطورة حاضر ًا، ويمزجها بمالمح عصرية وحديثة ،وهو صاحب مخزون معرفي ولغوي
«تطلني سيديت والفصول الجديدةُ.. تأىب التأقلم يف خاطري».
ويبقى نص الشاعر الخاجة واقعياً بامتياز ،وإن كان يخدع املتلقي مبا تيش به نصوصه من واقعية سحرية متيل إىل مغالبة الواقع واملكابرة ض ّده كنو ٍع من اإلحالة الشعرية إىل رفضه واإلسهام يف «كرسه» والتمرد عليه، issue (5)- October - 2012
99
بورتريه
فعارف الخاجة يكتب نصه الشعري مبالمح الواقعية السحرية أو العجائبية وهي تقنية روائية غلبت عىل كثري من األعامل الروائية يف األدب األملاين منذ مطلع الخمسينيات وأدب أمريكا الالتينية بعد ذلك ،ثم وجدت طريقها إىل بعض األعامل يف آداب اللغات األخرى ،وتقوم هذه الواقعية عىل أساس مزج عنارص متقابلة يف سياق العمل األديب ،فتختلط األوهام واملحاوالت والتصورات الغريبة بسياق الرسد الذي يظل محتفظاً بنربة حيادية موضوعية كتلك التي متيز التقرير الواقعي. نصه الشعري ،توظف وكام يفعل عارف الخاجة يف ّ الواقعية السحرية عرب تقنياتها املتعددة عنارص فنتازية كقدرة الشخصية الواقعية عىل السباحة يف الفضاء والتحليق يف الهواء وتحريك األجسام الساكنة مبجرد التفكري فيها أو بقوى خفية بغرض احتواء األحداث السياسية الواقعية املتالحقة وتصويرها بشكل يذهل القارئ ويربك حواسه فال يستطيع التمييز بني ما هو حقيقي وما هو خيايل ،وتستمد هذه العنارص من الخرافات والحكايات الشعبية واألساطري وعامل األحالم والكوابيس ،كام يف حكايات ألف ليلة وليلة ،وقصص الجان ،والبساط السحري ،ومصباح عالء الدين ،وكام يف استعادة الشعراء املعارصين سري األبطال واملشاهري من القادة والشجعان والشعراء والصعاليك ،وغريهم ،كأن يتقمص شعراء كالجواهري ،بدر شاكر السياب ،وعبد الوهاب البيايت ،أدونيس ،محمود درويش ،سميح القاسم، حاالت شعراء وشخصيات أسطورية كأدونيس إله الجامل والحرب ،وكنعان ،وجالوت ،وشعراء كطرفة بن العبد، عروة بن الورد ،امرئ القيس ،ديك الجن الحميص ،قيساً بن املل ّوح وعمرا ً بن أيب ربيعة ،وكثريين آخرين ،أو أن يستعملوا إحاالت لغوية ورمزيات فنية تيش مبتعلقات هؤالء الذين ذكرنا وغريهم آخرين من مفردات يف اللغة أو مقاربات يف الحالة. إن الشاعر عارف الخاجة رؤيوي بامتياز ،يستعيد األسطورة حارضا ً ،وميزجها مبالمح عرصية حداثية وحديثة، فهو يف قصيدته «املسافة» يحيك الرؤيا كأنه الع ّراف، يغمض عينيه ويفتح عني بصريته ،فريى األنثى التي تتخىل
100
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
عن دورها الشغفي لتصري قضية ودولة وأمة ،وتتحول إىل فاعل يف الوعي الجمعي كعامل تغيريي مؤثر ،األنثى التي تطل كشمس > - -الشمس عنرص تنويري ثوري تغيريي، ُّ يخاطبها بقوله:
«رأيتك يف كل حرفني غابة ِ وما بني سط ٍر وسط ٍر حياة َ ضعف السنني التي ّ رشدتني رأيتك ِ تط ّلني من جبهة النسمة العابرة ومن أغنيات املنايف ومن ضحكة الجمرة الثائرة».
ثراء اللغة واملعنى
وألن الشاعر الخاجة يف شعره صاحب مخزون معريف ولغوي ال يجارى ،نراه داعية تغيري لواقع مأزوم بأدوات معرفية عالية التأثري ،فكأنه يدعو إىل لغة مل يكتشفها أح ٌد ٍ ومفردات تتسع لتحمل ما يقصده من معنى ،يعيد قبله، تشكيل الكالم ،وترتيب الحروف ،ويع ّري املفردات من دالالتها املعرفية املعهودة ،فيخلق عاملاً أسطورياً لحبيبته يجمعهام وهام يشكّالن بالحب وجه الكتابة ،ويسمعان معاً شجو الحروف ،يف عا ٍمل سحري مل يكن لشاعر قبله أن يعلنه يف نصه الشعري كام فعل هو ،فهو ينكر ما كان من أدوار تاريخية مؤسسة لألزمة ،حتى ولو كانت أزمة لغة ،فهو يشري إىل أيب األسود الدؤيل يف عمله عىل تنقيط حروف اللغة العربية ،ويسعى إىل إعادة تشكيل الوعي
يبقى نص الشاعر الخاجة واقعي ًا ،وإن كان يخدع المتلقي بما يشي به من واقعية سحرية تميل إلى مغالبة الواقع والمكابرة ض ّده كنوع من الرفض ٍ
عارف الخاجة
الفنان عبد الرحيم سامل
بالحياة والحب بالشعر ،ويشري إىل نرص ابن عاصم ،وهو الذي عرف عنه بأنه «ليفلّق بالعربي َة تفليقاً» ،بشهادة أمئتها من معارصيه ،يقول:
«هو الوعد -ال الدؤ ُّيل -يش ِّكلنا لنشكل بالحب وجه الكتابه َّ هو الوعد -ليس ابنُ عاصم – علمنا كيف نسمع شجو الحروف إذا نقطة ملعت تحت باء السحابه».
إن األنثى يف نص الشاعر الخاجة أنثى رشيكة ،أو هي وجود قائم بذاته ومؤثر ،حتى لو كان يف حانة أو مقهى نصه «وشيطا» من مجموعته «عيل لييل كام يف بطلة ّ بن املسك التهامي يفاجئ قاتليه» ،و«وشيطا» بحسب الخاجة هو واح ٌد من أكرب املالهي الليلية يف الدار البيضاء باملغرب ،إذ يرى الشاعر يف مأساتها مأساة وطنه العريب الكبري يف إشارته «ها أنني أدخل الوطن العريب > - -وقد غامت األرض والكأس والدندنة > - -وها إنني أدخل اآلن > - -والوطن العريب تع ّمد أن يشعل الساهري َن > -وأن ينتيش بالخيانة والصمت وامللعنة > - -وهاإنني أدخل الوطن العريب > - -والوطن العريب يحارب ِّ بالدف». واألنثى يف قصيدة الخاجة هي شخصية تتطلبها تقنيات الواقعية السحرية أو الواقعية نفسها كام يف األدب االشرتايك ،إذ تصري الشخصية األنثى حامل ًة لدالالت مغايرة يتطلبها نص الشاعر وتحتاجها رؤيته الشعرية،
فهي وإن اضفى عليها قليالً من صفات األنوثة والجامل اللذين تقتضيهام املناجاة (الديالوج) ،إال أن هذه األنثى كاذبة ،مواربة يف تع ّددها بعني الشاعر ،بني أم وعاهرة، بني فتاة هوى وطاهرة ،بني وطنٍ وأرض وعرض ،وأخرى فاجرة ،وهي ال تستطيع أن تقف وحيدة يف خلق عامله الشعري «الفاضل» ،عامل اليوتوبيا الذي يحلمه الخاجة، لذا فهو يشري إليها مبا يؤمن به هو ،وهو عىل اليقني من أنه لن ينكرس ،وسينترص برؤاه الشعرية ومبتغاه النبيل، بالغرابة الشاعرة والفجأة /املتحول ،لذا فهو يطلب منها أال تنتظر انكساره ،وأال تنتظر ر ّد ًة للورود ،والورود هنا كل عنارص الجامل يف الكون ،بل اختزاله كل اإلناثّ ، هي ّ يف مفردة ،يقول:
«فال ترقبي موعداً النكساري وال تحسبي ِردَّة للورود التي.. فتَّحتها برويض وفو ُد الغرابهْ».
وهذه األنثى رؤيا ،وحاملة رؤية ،وهي حادية النجوم، بهودجها السائر يف صحارى املخيلة الشاعرة ،والتي تيش باملشقة واملعاناة ،بالحر والهجر والرتحال ،يقول الشاعر الخاجة:
«رأيتك والعيس تتبع حادي النجوم وهودجك الكوكب املنتيش يف س َمـات السامء وخ ِّد الصحارى وهودجك املشرتَى الزمته العيون وأقامرنا الساهرهْ»
issue (5)- October - 2012
101
جدل
جل أدونيس حين يتر ّ اكتمال الدورة الشعرية أم توقفها؟ هل يعتزل الشاعر ويتوقف عن كتابة الشعر؟ .يطرح هذا السؤال نفسه ويبحث عن إجابته في تصريحات أدونيس القريبة وتنظيراته البعيدة .فهو ال يستقر على موقف واحد ،بل يناقض ما سبق له من آراء حول وظيفة الشاعر وجدوى الشعر التي ال تقاس بالزمن
خلدون عبد اللطيف
الواقع» ،فقارنته بالكتاب والشعراء الحقيقيني الذين مل أثناء انرصايف مؤخرا ً ألعامل الشاعر السويدي توماس تصل بهم الجرأة وصالبة املوقف واإلميان مبفعول الكلمة ترانسرتومر بالرتجمة التي أنجزها قاسم حمدون عن إىل تطليق الكتابة الشعرية أو ادّعاء الكامل الشعري اللغة السويدية مبارشة وأعاد قراءتها وق ّدم لها أدونيس بعد أن بلغ العمر بهم عتيّا ،ورمبا كان ترانسرتومر نفسه، «أحسب أنني سأعود إىل إشكالية مصطلح أو داللة الذي أعاد أدونيس قراءة ترجمته آنفة الذكر ،واحدا ً من «إعادة القراءة» يف مناسبة أخرى» ،تذكرت الترصيح األمثلة الجليّة والدالّة عىل ذلك ،حيث أصيب بجلطة الصادم والجريء لصاحب «أغاين مهيار الدمشقي» يف دماغية وشلل نصفي عام 1990حرمته القدرة عىل الكالم حوار أجري معه قبل نحو عامني ،حني أشاع نيته اعتزال كتابة الشعر بذريعة اكتامل دورته الشعرية ،والتفرغ تالياً ومامرسة الحياة كام يف السابق ،لكنها مل تكن كفيلة بثنيه يف أي حال من األحوال عن اجرتاح الكتابة ومواصلة لكتابة سريته الذاتية «أعتقد أن الدورة وبكل تنويعاتها اكتملت عندي شعرياً بالنسبة يل مبعنى الكامل» .آنذاك ،االلتحام بالشعر. ذهب البعض إىل اعتبار ردة ترصيح أدونيس مجرد مهنة الشعر وظيفة ليس الشعر فعل مبارشة بسبب عدم يف الحقيقة ،مل يكن أدونيس يوماً من تنتهي بالتقاعد ،وما حصوله عىل جائزة نوبل طينة الذين يفقدون إميانهم بجدوى لآلداب ،والتي كانت من الشعر وطاقاته الالمحدودة ،أو هذا أتى عليه أدونيس نصيب الكاتب البريويف ماريو ما تعكسه كتاباته وتنظرياته الشعرية يقترب من كونه ً ا ظل حدث بارغاس يوسا ،لكنه ّ عىل األقل طوال العقود املاضية ،بل ً كان لفكرة مناقضة ٍ مييل لإلثارة أكرث مام مييل ظل مدافعاً عن فكرة أن عىل العكس ّ قد التقطها في بيان للصمت. القصيدة أعىل وأرفع درجات اإلبداع، تذكرت إذا ً أدونيس ونيته الحداثة «الشعر بحسب لكني مل أنظر إىل حاله وأمره من اعتزال كتابة الشعر ،وهو زاوية العمر وع ّداد السنني فحسب، الرؤية الدينية ،وظيفة» القائل يف مقدمة ترجمة أو ما دفعه يف حقيقة األمر لإلدالء أشعار ترانسرتومر املشار إليها بهكذا ترصيح اعرتا ّيف مل تزل قراءته أ ّن «الشعر هو الذي «يخلق» املوضوعية غري مكتملة متاماً ،بل من 102
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
بيان الحداثة ،حني اعترب «الشعر بحسب الرؤية الدينية، زاوية ما يرتاكم يومياً من أحداث ومواضعات وجودية وتاريخية ال ولن تقف عند ٍ حامل لرؤى وتأويالت ورسائل وظيفة» ،مبعنى أنه وسي ٌط ٌ حد معني أو يعيق تقدمها مق ّررة سلفاً يدي ُر الشاعر منظومتها ،وبالتايل ينتفي الشّ عر عارض ،مبقدار ما تفتح آفاقاً جديدة ومتعددة أمام ٌ الشاعر الحقيقي لاللتحام بها ومعاينتها شعرياً ،كام تتيح والشاعر معاً بانتفاء الوظيفة ،فيام جادل أدونيس يف أكرث ٍ موقف لنقض هذه الرؤية وإثبات عكسها ،ألنها تج ّرد من يوسع تبصرّ اته حيال األشياء، له الفرصة تلو األخرى يك ّ الشّ عر من فاعليته وتفيض بالنهاية إىل عزلته وموته. ويعيد النظر من ح ٍني إىل آخر يف مسلّامته وطروحاته ال يكاد يجرؤ شاع ٌر عىل االعرتاف بأنه كتب قصيدته بتع ّمق أو يراجعها يف ضوء ما يستج ّد ،وهي مراكامت العظمى أو الكربى ،أل ّن مرجل هذا الهاجس يظل يدور كل يقرتب تف ّحصها من حدود الواجب األخالقي عىل ّ يف أعامقه ،والشاعر ٌ مدرك لهذه الفرضية عىل أكمل عمي أو تعامى عن هكذا شاعر ،فيام يبدو أ ّن أدونيس َ وجه ،وموق ٌن بأ ّن القصيدة التي يشتهيها ال تزال مختزن ًة واجب. بشكلها الخام أو النهايئ ومل تنكتب بعد ،وبأنها فوق هذا ما يقتيض االنتباه ،ورغم زعمه اكتامل الدورة بكل وذاك مرهونة مبستقبلها وطامح ٌة إليه .هذه الفرضية، تنويعاتها شعرياً ومبعنى الكامل ،إال أ ّن جانباً آخر يف أو الجزء الباطن من الحقيقة ،هي وقود الشاعر ملواصلة ترصيح أدونيس غفل عنه كثريون أو مل يتنبّهوا إليه كام وامليض يف اجرتاح الشعر حتى الشعرية امللكة استنهاض برشط يجب إال تلميحاً ،أال وهو ربط اعتزاله كتابة الشعر ّ شعري يعكف عليه ،من دون اإلفصاح آخر رمقٍ ،فيام اعتزال أدونيس يشري مبعنى ما إىل أنه االنتهاء من مرشو ٍع ٍّ عن ماهية هذا املرشوع أو طبيعته ،وإمنا اكتفى باإلشارة كتب قصيدته الكربى ومل يعد يف جعبته ما يضيفه ،رغم نفيه القاطع لفكرة انتهاء معينه الشعري ،بينام الشاعر إىل أنه «قيد العمل يف الطباعة» ،مؤكدا ً يف ذات السياق يعيش قلق القصيدة الكربى ويرزح تحت وطأة الحقيقي ُ «سأختتم به كتابتي الشعرية بحرص املعنى ،وسأتوقف مشاكساتها واعتصاراتها عىل حساب الوصول إىل ذروة بعد هذا وهو قيد اإلنجاز ،وبعدها لن أقول الشعر عىل الرضا .أما حول اكتامل الدورة الشعرية والتوقف عن اإلطالق بحرص املعنى كشعر ،أي إنني لن أكتب كتابايت ترصيح ال يخلو من الجرأة العادية ،ولكن سأتوقف عن الشعر» .بيد أ َّن الشعر ليس كتابة الشعر أو اعتزاله ،فهو ٌ لقى عىل عواهنه ،بل قد يعطي مهنة أو وظيفة رسمية تنتهي باالعتزال والتقاعد ،وما كام أسلفت ،وليس ُم ً للوهلة األوىل انطباعاً زائفاً وملتبساً عماّ خلّفه أدونيس أىت عليه أدونيس يقرتب من كونه مناقض ًة رصيح ًة يف من إرث شعري ،ذاك أنه ينطوي عىل اعرتاف رصي ٍح أحد جوانبه لفكر ٍة كان قد التقطها محقاً قبل ذاك يف issue (5)- October - 2012
103
جدل
نأي ومبارش بانخامد النار التي ظنها أدونيس أزلية ،وعىل ٍ بالنفس عن معرتكات الساحة الشعرية العربية يف وقت هي أش ّد ما تكون بحاجة فيه إىل وجود ال ّرواد واملؤسسني لحداثتها ،بينام يكتفي بعض الشعراء بالتوقف يف لحظ ٍة ميت للشّ عر بصل ٍة. ما ،واالنفصال بهدوء عن كل ما ّ
شعري كبري كان يفرتض أن يتطور كام تطور شعراء آخرون» ،مضيفاً «رمبا منجز أدونيس توقف قبل 10 سنوات ورمبا 15سنة ،لست قادرا ً عىل الجزم».
الشّ عر ال ينضب يف معني الشاعر الحقيقي ،وال يستطيع هو نفسه أن يقاوم أو يخمد استفاقته يف أعامق الروح ومواصلة استخراج املخبوء ،ألنه يعيش الشعر حتى وإن الشاعر ممث ًال أضف إىل ما سبق ،وحيث إن أدونيس امتلك الجرأة عىل ض ّن أو قصرّ يف تهريبه إىل حيّز الكتابة ،ويظل فوق هذا إعالن توقفه عن كتابة الشعر ،أرى أنه بحاجة إىل مواصلة وذاك مسكوناً مبحت ِّده الشعري الذي ميور يف دواخله، لكن هل باستطاعة أدونيس أن يركن إىل الصمت ،وأن اإلمساك بناصية الجرأة ذاتها ،ومامرسة نوع من النقد يطارح نزوة عدم كتابة الشعر فيام تبقى من حياته، الذايت عرب إجراء مراجعات عميقة ملفاصل حساسة يف ملغياً اقرتانه الوثيق به؟ ناهيك عن حقيقة أن الشّ عر جزء مسريته الشعرية وإشكالياته الفكرية املتجددة ،ال سيام من املامرسة الثورية ،حاله يف ذلك حال باقي الفنون، ترصيحاته األخرية وآراؤه الضبابية حيال األحداث التي يعيشها بلده سوريا ،وهي ما قد تختزنه وتبوح به سريته والشاعر الحقيقي يبدع حني يواجه أزمات شعرية كربى، وال أحسب أن األزمات الشعرية الكربى تنتهي ،خصوصاً صح هذا االكتناه، الذاتية التي يعكف عىل كتابتها .لنئ ّ ما مي ّر به الشعر العريب يف الوقت الراهن .بهذا املعنى، فأنني أسمح لنفيس برسم سيناريو مغاير بعض اليشء تدفعني هذه النقطة املفصلية إىل اعتبار أن التوقف عن ينطلق من افرتاض أ ّن آخر ما أبدعه أدونيس يف ميزان كتابة الشعر يف حالة أدونيس ال يعني بالرضورة فقدان الشعر مقارنة بعموم منجزه كان منذ نحو عقدين عىل الشاعر مللكة الكتابة الشعرية ونضوبها لديه ،وهو ما وجه التقريب ،وال أريد لكالمي هذا أن يفهم مبعنى أكده أدونيس بنفيه النتهاء معينه الشعري ،لكنه قد يشري «انتهاء» أدونيس الشاعر قبل عرشين سنة أو يف معزل عن أدونيس «الظاهرة» ،بل من حيث إنه -وفق منظور من زاوية أخرى وعىل نح ٍو خاص إىل انعدام األزمات الشعرية الكربى يف حياة الشاعر، االعتزال الشعري الذي تبناه وإضامره لتلك الحقيقة التي وساق مس ّوغاته -كان حقيقاً يتعذّر عليه قبولها بتلك السهولة مبهرجان اعتزال منذ نحو عقدين لم يلجأ أدونيس والبساطة ،فيام هي تودي به تحفزه من الزمن ،أي وهو يف أوج بالمحصلة إلى ّ شيئاً فشيئاً إىل االنكامش وفقدان وتألقه الشعريني ،إذ ما لبث يكرر شعرية» «تقية استخدام القدرة عىل املواكبة والتجدد. نفسه تالياً بال مقرتحات شعرية ً ا تبرير أجد وال جديدة، من جهة مقابلة ،اعتزال أدونيس جديدة ،ومن دون أن يقدح يف كظاهرة -أيضاً «رضبة معلم»الشعرية العربية نرياناً متأججة جله عن لـ«شبهة» تر ّ ال تخلو من بعض الغلواء ،وذلك بالسابق ،كام أكّد عىل مقارنة ّ صهوة الشعر سوى لجهة حاجته اآلنية إىل معرفة ذلك غري واحد من النقاد ،مثل ال «نيته» عن أعلن أنه وتل ّمس ومواصلة اختبار ما سوف صبحي حديدي الذي اعترب «أن الشعر اعتزال «قراره» يرتكه رحيله عن الساحة الشعرية أدونيس انتهى شعرياً» ،كام أشار آجالً أم عاجالً .إنه مساءلة يف إحدى الحوارات التي أجريت استباقية لتاريخه اآليت ،واختبا ُر معه إىل أن «أدونيس مرشوع
104
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
أدونيس حين يترجل
لوحات ألدونيس
قيمة الحضور عرب إشاعة الغياب ،وصو ٌن للسرية الشعرية من نذُر االبتذال. يشري إدوارد سعيد يف «متثيالت املثقف» إىل أن املثقفني هم «أفراد ينطوون عىل موهبة فن التمثيل» وأدونيس املثقف والشاعر -عىل هذا ال ّنحو -ال ميثِّل فقط وإمنا يبدع يف أداء أدواره ،بل قد يبالغ أحياناً كثرية يف الخروج عىل ال ّنصوص والسيناريوهات الجاهزة ،كام حصل يف إعالن اعتزاله الذي ال يبدو أكرث من فقاعة ،وأنه بُني حتامً عىل ٍ قصد زائف ال مبحض الصدفة الفارزة ،فالقارئ الجيد والجاد ملنجز أدونيس بشقيه :الشعري والتنظريي ظل يدرك إىل أي درج ٍة ناقض نفسه ،ونسف بالضبط ما ّ يعمل عليه ويحفر بغية تأصيله عىل مدى عقود من ويساجل من أجله بصورة قاطعة ،كتأكيده يف ُ ال ّزمن، بيان الحداثة مثالً عىل أ ّن «الشعر تحديدا أزمة .فهو دامئاً جدل ،رصاع بني الشاعر ونفسه ،بينه وبني اللغة ،بينه وبني األشياء» .فهل هذا هو حال أدونيس اآلن؟! إذا كان صاحب «الثابت واملتحول» قد اعتزل كتابة الشعر حقاً، ماذا نسمي بعض نصوصه ومقطعاته التي يالمس بعضها «الكتابة الشعرية نرثا ً» وما زال حريصاً ومواظباً عىل
نرشها من حني إىل آخر يف جريدة «الحياة» تحت زاوية «مدارات» بعد ذلك التاريخ ،أي بعد تاريخ إعالنه اعتزال كتابة الشعر ،مثل قوله يف إحداها «ما أفق َر الضو َء الذي يضيئنا ،اليوم :ت َرف َْق به أيها العراء» « ٢٨يونيو ،»٢٠١٢بل ذهب أبعد من ذلك ،فنرش مقاطع شعرية موزونة ،من صوب /،ويُف ّرخ قبيل «إ َن لل ّده ِر ثلجاً /يتساق ُط من ّ كل ٍ تس ْل ،ال يه ّم ْ/.ال د ُر كل حقلٍ :سوا ٌء /إ ْن أردْتَ ،وإ ْن مل ت يف ّ َ سؤال َُك :من أين يأيت /،إىل أين يمَ يض؟» «٣مايو .»٢٠١٢ باملحصلة إىل استخدام «تقية شعرية» مل يلجأ أدونيس ّ جديدة ،وال أجد تربيرا ً لـ«شبهة» تر ّجله عن صهوة الكتابة الشعرية سوى أنه أعلن ببساطة عن «نيته» ال «قراره» اعتزال الشعر ،والفرق بينهام شاسع ال ريب ،فيام يخ ّيل إ َّيل أ ّن التأويالت مل تعد مفتوحة عىل وسعها كام يف السابق ،ومل يعد ال ّرهان كذلك قامئاً عىل نوايا أو حتى جل ما أخشاه أن يتطاول قرارات أدونيسية جديدة ،لكن ّ فعل أدونيس «االعتزايل» مع مرور الزمن ويتحول إىل أمثولة أو قيمة مطلقة يقتدي بها الشعراء ويسريون عىل منوالها
issue (5)- October - 2012
105
خارج السرب
سركون بولص في سان فرانسيسكو
الباحث عن ذهب الشعر
ً متخففا من كل شيء إال من سان فرانسيسكو هي المدينة التي ذهب إليها الشاعر العراقي سركون بولص حياته التي وضعها بعناية كبيرة على الورق .هذه المدينة هي الورشة الكبيرة التي كان يشتغل فيها على ً قريبا من كبار شعراء أمريكا. قصائده .وعاش حياته وشعره فيها
عبد الرحيم الخصار
106
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
سركون بولص
حني
جلست بعد ساعات من التجوال عىل كريس ُ يف مقهى «أمبوريورويل» بساحة «يونيون سكوير» ،ناظرا ً جهة هذه البناية املذهلة لفندق «سان فرانسيس» ،حيث الحامم يطري من مكان آلخر باحثاً عام أدركت أول األسباب التي تبقى من حلوى عىل الطاوالت، ُ قدمي رسكون بولص تعلقان برشاك هذه املدينة جعلت ْ طوال هذه السنوات. إنها الحرية ،سان فرانسيسكو مدينة الحرية بشكل مذهل ،أكرث مدن أمريكا تحررا ً وانفتاحاً وتسامحاً مع اآلخر ومع ما يريده ويحلم به ،وهذه الحرية هي ما يجعل األدب والفن ينموان ويتسامقان متاماً مثل أشجار السكويا العمالقة التي ال مكان لها إال يف كاليفورنيا ،يقول يف حوار مع مارغريت أوبانك« :سان فرانسيسكو مركز اإلبداع يف أمريكا ،بل مركز أمريكا». لعله جلس هنا مرارا ً ورفع عينيه إىل متثال النرص العايل الذي يتوسط الساحة ،متحسساً ما يحمله يف جيوبه من هزائم ومن حنني وقصائد كانت تسري معه حيثام سار يف شوارع وأحياء هذه املدينة هو القادم إليها من كركوك الضاربة يف التاريخ ويف املعارك أيضاً: «كريس ج ّدي ما ز َال يهت ّز عيل ّ أسوار أوروك تحتَـ ُه يعبرُ ُ النهر ،يتقـل ُّب في ِه األحيا ُء واملوىت». هذه هي سان فرانسيسكو املدينة التي هدأت بعد تاريخ من الزالزل ،كتب عنها رسكون قبل أن يصل إليها يف أواخر الستينيات ،وحني وصل إليها وجدها شبيهة مبا تخيله وتصوره عنها آنذاك :املوسيقى يف كل مكان ،القصائد املتمردة ،الياقات العريضة والشعر الطويل واملالبس التي يحركها الهواء مثل رايات تدل عىل الزمان ،زمان الهيبيني بأحالمهم وجنونهم ،أولئك الذين انضم إليهم ورقص معهم عىل أغاين بوب دايلن .رمبا تغريت املدينة اآلن مثلام تغريت معظم مدن العامل ،األجيال التي عاش معها باألبيض واألسود ليست هي األجيال التي تدب اآلن يف شوارع املدينة وأحيائها ،عرب جرس البوابة الذهبية أو يف حافالت الكابل أو مشياً عىل األقدام يف «توين بيكس» ويف
شارع «ملباردو» املتعرج بشكل غريب والفت.
ذهب الشعر
هذا هو حي «فلمور» الذي كتب عنه يف «حانة الكلب» يف منتصف السبعينيات ،لكني ال أعرف أين يوجد دكان صديقه الفلسطيني املسيج بالقضبان ،أال يزال حياً؟ أال يزال دكانه مسيجاً منذ ذلك العهد؟ «فلمور» يضج بالزنوج والجاز وباآلسيويني الذين تجدهم يف كل مكان، جاء بهم الذهب حني تم اكتشافه هنا يف منتصف القرن التاسع عرش .الحي الصيني أو البلدة الصينية عىل األرجح هي أكرب تجمع آسيوي ليس يف سان فرانسيسكو فحسب، بل يف أمريكا برمتها ،فعدد سكانها يتجاوز هنا املائة ألف. عىل مقربة من هذه العيون الضيقة استأجر رسكون غرفة رخيصة يف أول عهده باملدينة التي وصل إليها هارباً من ناطحات السحاب يف نيويورك ومن حياتها التي بدت له حياة غري شعرية. الالتينيون أيضاً يعيشون هنا خصوصاً املنحدرين من املكسيك التي ال يفصلها عن سان فرانسيسكو سوى التحليق لفرتة قصرية فوق املحيط الهادئ .مل يكن يف سان فرانسيسكو قبل 1848سوى ألف من الساكنة ،لكن هذا العدد سيتضاعف عرشات املرات بدءا ً من العام املوايل مبارشة بعد اكتشاف الذهب ،وهؤالء الصينيون واليابانيون والالتينيون واألوروبيون بطبيعة الحال جاء
سان فرانسيسكو المدينة التي كتب عنها سركون قبل أن يأتي إليها في أواخر الستينيات ،وحين وصلها وجدها شبيهة بما تخيله وتصوره عنها آنذاك
issue (5)- October - 2012
107
خارج السرب
جاك كريواك
ألن غينسبريغ
أجدادهم إىل هنا من أجل الذهب ،لكن رسكون بولص جاء به ذهب آخر ،إنه الشعر. يوسف الخال الذي قال له «مكانك يا رسكون يف بريوت» هو الذي سيساعده حتى يصري له مكان آخر يف أمريكا ،يف نيويورك أوالً ،ثم يف سان فرانسيسكو ،بعد أن حجزت له إيتيل عدنان التي كانت تقيم بسان رفائيل يف كاليفورنيا تذكرة الطائرة من نيويورك إىل مدينة الذهب:
«طوال سنوات ،تجرين اليقظة من ثيايب إىل أماكن مل يرها أحد إال نامئاً او مخموراً أكتب باليد التي هجرتني وليك أرى هذا املصباح الذي وجدته مليئاً بالرمل يف إحدى أصعب رحاليت ييضء حتى مرة واحدة».
وعرب هذه البوابة ذات السقوف الخرضاء التي يعلوها تنينان وسمكتان كان «حامل الفانوس يف ليل الذئاب» مير يومياً خارجاً من غرفته بالفندق عابرا ً البلدة الصينية باتجاه «سيتي اليتس» منجم الذهب الخاص به .حني تجتاز الدرجات الثالث للبوابة سواء من ناحية اليمني أو اليسار أوعرب الشارع الذي يتوسط الطرفني ستجد نفسك تحت الرايات الحمراء وبني «األنتيكيات املزيفة» كام سامها رسكون ،لكن وسط عامل يضج بالحياة والحركة واألصوات والروائح وبكل السحر الذي ميأل سامء الرشق األقىص ،وهناك كان يتناول الطعام الذي يخيل آلكله أنه – عىل حد تعبريه -يشارك يف مأدبة جديرة باآللهة. يرتك الصينيني خلفه متجهاً إىل «أضواء املدينة» حيث
108
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
سيلتقي عىل مدار سنوات يف هذه املكتبة الرائدة بأولئك الذين كانوا مبثابة املغناطيس الروحي الذي جذبه من كركوك إىل «الساحل الشاميل» تحديدا ً حيث تشكل هذه املكتبة زاوية مهمة ليس يف شارع كوملبوس فحسب ،بل يف جغرافية األدب األمرييك عموماً :ألن غينسربغ ،جاك كريواك ،بوب كوفامن ،غريغوري كورسو ،غريي سنايدر وغريهم ،إضافة بطبيعة الحال إىل لورنس فريلنغيتي مالك الـ «سيتي اليتس» .هنا يف الطابق الثاين ويف «غرفة الشعر» تحديدا ً قدم له زعيم «البيت» ألن غينسربغ يف أول لقاء به قصيدته الشهرية «عواء» وقد أسعده كثريا ً أن هذا الشاب اآلشوري ترجم له من قبل نصوصاً أخرى. هذا هو الحيز الخاص بأدب «البيت» ،مل يتغري منذ ذلك التاريخ ،فقط الطبعات تتجدد عاماً بعد عام ،ومن هذا الرف أخذ غينسربغ قصيدته «عواء» وقدمها لرسكون الذي استغرق وقتاً طويالً يف ترجمتها ،نظرا ً لتشابكها املركب مع املكان ومع حياة وتصورات «جيل البيت» ، وهذا النوع من النصوص ال ينقله إىل لغة أخرى إال من
كان سركون يرى أن سان فرانسيسكو جمعت في تركيبتها بين باريس وبرلين ولندن وروما والصين أيضا، وأن كتابها حقيقيون
كتاب البيث امام الستي اليتس
عاش قريباً من السياق الذي أُنتج فيه ،رسكون مل يكن قريباً فحسب ،بل كان داخل الدائرة. كانت الـ «سيتي اليتس» هي اإلقامة الحقيقية لرسكون، غيرّ مكان سكنه مرارا ً ،لكنه كان ساكناً عىل مدار سنواته هناك يف الطوابق الثالثة لهذه املكتبة ،ويف معظم الوقت يف «غرفة الشعر» ،حيث ميكن ألي زائر أن يختار كرسياً ويفتح أي كتاب يشاء ويجلس هناك برفقته من دون أن يقول له أحد «يمُ نع أن تقرأ الكتب» ،فهذه املكتبة التي ارتبطت بكتّاب «البيت» مثلام ارتبطوا بها تطبع الكتب وتبيعها وتتيح أيضاً للجميع قراءتها باملجان. كان يخرج من الـ «سيتي اليتس» ويتحرك بضعة أمتار قليلة جهة اليمني حيث مرشب «فيزوفيو» الذي كان املكان األثري لشعراء «البيت» ومحبيهم ،كان أيضاً مبثابة مضافة ألصدقائهم الكتاب اآلخرين القادمني من سألت النادل الذي يبدو أنه داخل ومن خارج أمريكاُ . تجاوز عقده الخامس عن مكانني فدلني عليهام :كريس كريواك وطاولة كوفامن حيث كان يجلس صامتاً حزناً عىل اغتيال كنيدي وطالباً من رسكون أن يضع قطعة نقدية يف «الجوك بوكس» ليسمع املوسيقى .رمبا يكون هذا النادل قد عاش زمن «البيت» ،ورمبا يكون قد سمع عنه من أسالفه هنا ،فحكايات كريواك وغينسربغ واآلخرين صارت متداولة ومعروفة لدى سكان سان فرانسيسكو وتحديدا ً لدى رواد شارع كولومبوس.
حياة يف سفينة مهجورة
وإضافة إىل شعراء «البيت» كان بولص يرتدد عىل رمز
آخر يُنظر إليه باحرتام كبري هنا ،إنه رائد نهضة سان فرانسيسكو كينيث ريكرسوت ،الشاعر والكاتب الذي قال عنه« :لقد كان عبقرياً ورجل معرفة بامتياز». كان رسكون يرى أن سان فرانسيسكو جمعت يف تركيبتها بني باريس وبرلني ولندن وروما والصني أيضا ،وأن كتابها حقيقيون وليسوا مثل كتاب نيويورك ،وأن هواءها يختلف عن هواء املدن األخرى ،فهنا ميكنك أن تتنسم حريتك بجرعات أكرب .هذا هو حي الـ «هايث أشبوري» الذي عرف أكرب موجات الهيبزم حيث كان بإمكان الفرد أن يفعل ما يشاء يف أي وقت يشاء وبأي شكل يشاء ،ال زالت رسوم الهيبيني متأل جدران الحي ،هذه الفتاة التي تتدىل من شعرها األحمر الثعابني منذ عهد بعيد عىل هذا الجدار املقابل للشارع فمها مفتوح بشكل مخمور كأنها ال تزال منتشية بتلك الذكريات القدمية التي كان الـ «هايث أشبوري» مرسحا لها ،ال زال الهيبيون يفدون إىل هذا الحي من داخل وخارج أمريكا ويجلسون عىل األرصفة ويف املقاهي بقيثاراتهم مستعيدين صور أسالفهم الذين مألوا املكان بأغانيهم وبفوضاهم أيضا خالل الستينيات والسبعينيات .مل تكن الهيبيز هنا مجرد قرط يف األذن أو شعر مسدول أو سحابة ماريخوانا أو قيثارة عىل الظهر، كانت فلسفة حياة تلتقي فيها الفكرة بالشكل وبالشعر واملوسيقى والجنون. هذه هي مقهى «بوينا فيزتا» التي متر أمامها حافالت الكابل الفريدة ،ومن هنا رأى رسكون جزيرة «ألكرتاس» التي ذهب إليها الحقاً مع إيتيل عدنان ومع الهنود رفقة «فالو» الفتاة ذات الضفرية الطويلة التي كتب عنها issue (5)- October - 2012
109
خارج السرب
قصيدته «قارب إىل الكرتاس» .كانت هذه الجزيرة سجناً فدرالياً ألكرب وأخطر املجرمني ،وصارت منذ 1963مزارا ً سياحياً يعرب إليه الزوار عرب املراكب ،ويجب عليك إذا أردت الذهاب للكرتاس أن تحجز تذكرتك قبل أيام. ذهب رسكون عرب القوارب إىل ألكرتاس مع الهنود يف تظاهرة من أجل أن تكون هذه الجزيرة ملكا لهم ،ال ألحد آخر. من هذا املرتفع يبدو جرس الباي الذي يربط سان فرانسيسكو بأوكالند ومن ثم بربكيل ،املدينة التي سار فيها رسكون مع الطالب املناهضني للحرب عىل الفيتنام، ومن ثم عقد صداقته مع الهيبيني الذين أخذوه معهم إىل حيث يعيشون قريباً من سوساليتو ،وعاش معهم لفرتة يف سفينة مهجورة. عرب هذه الشوارع واألحياء وسط من يسميهم «جيش املستهلكني» كان يجول متعقباً قصيدته ،باحثاً عن سيدوري التي سامها «ربة الظروف العارية»:
«أنت هذه الغنيمة التي ُ عدت بها من أسفاري املتقطعة وثني املرسوق من غابة الربابرة».
أسئلة كثرية طرحها رسكون هنا حول الشعر الذي يحلم به والذي ذهب إليه متخففا من كل يشء إال من حياته التي وضعها بعناية كبرية عىل الورق .هذه املدينة هي الورشة الكبرية التي كان يشتغل فيها عىل قصائده ،لست أدري متى كان يكتبها ،الراجح أنه كان يختار الليل ،ذلك ما تقوله كلامته:
«يف الليل وحده أستطيع أن أنادي من أريد ُه أن ُيناد َمني ،إىل هذه املأدبة الصغرية يف َعراء أ ّيامي». رمبا كان ينادي كلامته فحسب ،فهي النديم الذي يجعله أكرث تيهاناً يف ممراته ومعابره امللتوية واملخمورة ،رمبا يف نصه «تحوالت الرجل العادي» يبدو الجواب مغلفا باستعارة:
«أنا يف النهار رجل عادي يؤدي واجباته العادية من دون أن يشتيك
110
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
كأي خروف يف القطيع لكنني يف الليل نرس يعتيل الهضبة وفريستي ترتاح تحت مخالبي».
يف «عظمة أخرى لكلب القبيلة» يأيت الجواب كل ليلة». واضحاً« :أسه ُر يف قصيديت حتى الفجرَّ ، يف الليل إذا ً ،يف ليل هذه املدينة كتب الكثري ،الكثري من كلامته القليلة ،بعد كركوك وبغداد وبريوت ،وقبل لندن وبرلني .هذه هي املدينة التي سحرت رسكون بولص ،ال زال الشعر يرسي يف هوائها عاقدا ً صداقته األبدية مع املوسيقى ،كأن رسكون مل ميت ،كأنه ال زال هناك نامئاً يف مركب نوح أو جالساً يف فيزوفيو يسمع أغاين البيتلز، ويفكر يف قصيدة جديدة ،كأنه ال زال يجوب بسيارته الكابريس ليل كاليفورنيا ونهارها ،ويقف يف شارع الـ«كامينوريال» الذي عربه كهنة املكسيك فيام مىض مشدودا ً إىل تلك اليافطة التي جعلته يعود إىل الشعر، اليافطة التي كتب عليها بخط واضح «حانة الكلب». وكأنني كنت برفقته من حديقة البوابة الذهبية إىل الجرس األحمر. ترك رسكون هذه املدينة يف السنوات األخرية من حياته، سان فرانسيسكو التي كان يقول بأنه مل يشعر فيها بامللل ولو لدقيقة واحدة ،لكنه غادرها باتجاه آخر مقتفياً أثر الحياة ،طريدت َه التي مل يكن القبض عليها أمرا ً ممكناً عىل ما يبدو:
«ال مكان يحلم بوصويل والحيا ُة طريديت الخائفة».
غادر سان فرانسيسكو ألن سؤاالً سرين يف داخله، وسيطرحه يف آخر كتاب له:
«أينها؟ أين أمريكا التي ُ عربت البحر آلتيها ،أنا الحامل؟ هل ستبقى أمريكا ويتامن حرباً عىل ورق؟»
يل أن أعود من حيث أتيت ،لكن انتهت أيامي هنا وع ّ خطوايت ستبقى هناك تتعقب شاعرا ً كان يرى أن البضاعة الوحيدة التي تشبه الذهب هي الطريق .أعود ويف داخيل ترتدد جملته التي تشبهه« :خطانا دلتنا إىل الباب لكن أقدامنا ظلت تسري»
مختارات
قصائد
ثيسار باييخو اختارها وترجمها عن اإلسبانية :أحمد يماني
issue (5)- October - 2012
111
مختارات
ثيسار باييخو أحد أكرث الشعراء تفردا ً وتجديدا ً يف الشعر اإلسباين والعاملي يف القرن العرشين ،يتميز شعره بنربة شخصية تصل إىل مستوى جمعي يف تضامن مع األمل اإلنساين واالنشغال العام بالهم السيايس ،مبتعدا ً بهذا عن الثنائيات الساذجة التي تفصل االنهامم الشخيص عن الجامعي وتسعى للتفريق بني الشاعر العام والخاص ،ينتظم كل هذا يف لغة مفتوحة عىل جميع الرخص والحريات وعىل جامليات متتح من كل ما يتوافر أمامها وال شك أن باييخو من أصعب الشعراء يف اللغة اإلسبانية فقد شق لنفسه طريقة يف األداء اللغوي تبدو عصية عىل التلقي العادي لها ،ومن هنا نرى كرثة الرشوحات والتأويالت واالختالفات الهائلة يف فهم وتفسري جمله املتواترة يف شكل سحري رمبا ،فاملفردة بالنسبة له تحمل قوة غامضة يف ذاتها وال يتواىن عن تكسري التسلسل املنطقي للزمن الفعيل والزمن النحوي. ولد يف سانتياجو دي تشوكو «بريو» عام 1892وتويف يف باريس عام .1938كان األصغر بني إخوته األحد عرش ،وقد فكرت عائلته أن توجهه ناحية السلك الكهنويت ،وقد يفرس هذا الحضور الوافر يف شعره للمفردات اإلنجيلية والدينية وانهاممه مبعالجة مسألة الحياة واملوت والتي تحمل بال شك خلفية دينية عميقة. بدأ عام 1915دراسة الفلسفة واآلداب يف جامعة تروخيّو ودراسة القانون يف جامعة سان ماركوسل يف ليام ،لكنه هجر الدراسة يك يعمل بالتدريس. نرش كتابه الشعري األول «ال ّنذر السود» عام 1918ويرى فيه بوضوح التأثريات الحداثية وخاصة تأثري «خوليو إيريرا» و«روبني داريّو» و«ليبولدو لوغونيس» ،عىل أن الكتاب كان أيضاً أساساً ملا سيكون عليه شعره بعد ذلك. يف عام 1920يتم اتهامه ظلامً بالرسقة وإشعال الحرائق خالل االنتفاضة الشعبية البريوفية ويحكم عليه بالسجن ملدة ثالثة شهور وهناك يكتب جزءا ً من كتابه الثاين «تريلثي» والذي نرش عام .1922 الرسام وال ّنحات اإلسباين انتقل إىل باريس عام 1923وهناك تعرف عىل الشاعر التشييل الكبري بيثنتي ويدوبرو وعىل ّ الشهري خوان غريس ،وعمل بالصحافة كام أنشأ مجلة أدبية .زار موسكو عدة مرات أعوام 1928و 1929و1931 وهناك التقى ماياكوفسيك .سافر إىل إسبانيا حيث ظهرت الطبعة الثانية من «تريلثي» واستقر يف مدريد ملدة قليلة ونرش روايته االجتامعية «التنجسنت» «عنرص كيميايئ يستخدم يف صناعة األسالك املتوهجة» عام .1931انضم للحزب الشيوعي اإلسباين وعاد إىل باريس حيث عاش يف الخفاء ،وعندما اندلعت الحرب األهلية اإلسبانية قام بتجميع األموال يف باريس من أجل الجمهوريني ومات قبل نهاية الحرب يف أشد الظروف معاناة وصعوبة. بعد وفاته قامت زوجته الكاتبة الفرنسية جورجيت بتجميع قصائده وقد لعبت دورا ً يف منتهى األهمية يف الحفاظ عىل تراث باييخو ونرش كتابه «قصائد إنسانية» بعد وفاته عام 1939ثم كتابه الشعري اآلخر «إسبانيا ،أبعدي هذه الكأس عني» عام .1940 بقي أن نشري إىل معنى كلمة «تريلثي» وهو عنوان الديوان الثاين للشاعر ،ويف الحقيقة مثة عدة نظريات تتناول األمر ولعل أقربها التأويل القائل إن الكلمة تتألف من كلمتني هام Tristeمبعنى حزين و Dulceمبعنى عذب ،عىل أن باييخو نفسه يقول يف إحدى املقابالت معه إن الكلمة ال تعني شيئاً ،لقد أراد وضع عنوان مناسب لكتابه وملا مل يجد أي عنوان مالئم قام باخرتاع هذه الكلمة. 112
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الشاعر ثيسار باييخو
تريلثي
ماذا يسمى عندما يجرحنا؟ يسمى «لوميسمو» الذي يعاين اسم اسم اسم اسم.
1
من يحدث الكثري من الجلبة وال يرتك أية شهادة عىل الجزر التي تأخذ يف التبقي. قليل من االعتبار أكرث حاملا يكون الوقت متأخراً ،مبكراً، ويعيرّ أفضل سامد الطيور ،النتانة البسيطة الغائطية التي ترشب النخب من دون قصد، يف القلب الجزيري، قطرس أجاج ،يف كل وابل من البزقات. قليل من االعتبار أكرث، والسامد العضوي السائل ،يف السادسة مساء من أكرث االنخفاضات النغمية غطرسة وشبه الجزيرة تقف عرب الظهر ،مكممة ،غري عابئة يف الخط القاتل للتوازن.
2
وقت وقت. ظهرية آسنة بني الطلّ. قنبلة ضجرة من املعسكر تقتل وقت وقت وقت وقت. كان كان. ديوك تصيح وتنقب عبثاً. فم النهار املرشق الذي يوحد. كان كان كان كان. الغد الغد الراحة الساخنة ال تزال كائنة يفكر الحارض يف إبقايئ إىل الغد الغد الغد الغد. اسم اسم.
3
األشخاص الكبار يف أية ساعة يعودون؟ يدق سانتياجو األعمى الساعة السادسة وها هي قد أظلمت متاماً. قالت أمي إنها لن تتأخر. أجيديتا ،ناتيبا ،ميجيل، حذار من الذهاب إىل هناك ،حيث مرت لتوها مغمغمة ذكرياتها أحزان متضاعفة إىل الحظرية الهادئة ،وحيث الدجاجات التي فزعت كثرياً ال تزال تغفو. األفضل أن نبقى هنا ال غري. قالت أمي إنها لن تتأخر. هيا لنبتعد عن األمل .لرنى
issue (5)- October - 2012
113
مختارات
املراكب ،مركبي هو األجمل بني الجميع! نلعب بها طوال النهار، من دون أن نتعارك ،كام يجب أن يحدث؛ لقد بقيت يف برئ املاء ،جاهزة، محملة بالحلوى من أجل الغد. لننتظر هكذا ،طائعني، دون حل آخر، عودة الكبار وترضيتهم هم من يف املقدمة دامئاً تاركيننا نحن الصغار يف البيت كام لو أننا أيضاً ال ميكننا الذهاب. أجيديتا ،ناتيبا ،ميجيل، إنني أنادي ،أتحسس يف الظالم. ال ترتكوين وحدي، وأكون أنا الحبيس الوحيد.
4
عىل حافة قرب مزهر، متر مرميتان وهام تبكيان، تبكيان بحوراً. نعامة الذكرى املنتوفة متد ريشتها األخرية، ومعها يد بطرس الرافضة تنقش بها يوم أحد شعانني رنني مآتم وأحجار. عىل حافة قرب منبوش تبتعد مرميتان وهام تغنيان. يوم االثنني.
114
5
تغديت اآلن وحيداً، بال أم وال توسل، بال «اخدم نفسك» ،بال ماء،
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
بال أب ،يف الصالة الرثثارة لتناول الذرة، يسأل عن األزرار الكبرية للصوت يف تأخر صورة األم كيف يل أن أتغدى. كيف يل أن أصب يف أطباق كهذه تلك األشياء، بينام البيت نفسه انهدم، بينام ال تطل أم من الشفتني. كيف يل أن أتغدى هذه التوافه. عىل مائدة صديق طيب تغديت ووالده القادم لتوه من العامل، مع عمتني شائبتني تتحدثان يف صبغتهام الشهباء الخزفية مغمغمتني بكل تجاويفهام املرتملة؛ وبأدوات مائدة سخية ذات رنني مرح؛ ألنهام يف بيتهام .هكذا ،يا للطافة!
الشاعر ثيسار باييخو
وآملتني سكاكني هذه املائدة يف سقف حلقي بكامله. األكل عىل املوائد هذه هكذا، حيث يتم تذوق حب غريب بدل حبك نفسه، كل لقمة ال تقدمها األم تسقط أرضاً، البلع القايس يصبح خبطة؛ الحلو مرارة؛ القهوة زيت جنائزي. بينام البيت نفسه قد انهار و«اخدم نفسك» األمومية ال تخرج من القرب، واملطبخ يظلم ويخيم البؤس عىل الحب. عنف الساعات مات الجميع. ماتت دونيا أنطونيا ،بصوتها األجش ،من كانت تصنع خبزاً رخيصاً يف البلدة. مات القس سانتياجو، من كانت متتعه تحية الشبان والبنات له، مجيباً عىل الجميع ،من دون متييز: صباح الخري خوسيه ،صباح الخري مار ّيا! ماتت تلك الشابة الشقراء ،كارلوتا، تاركة وراءها طف ًال له شهور، مات كذلك ،بعد مثانية أيام من موت أمه. ماتت عمتي ألبينا، من اعتادت عىل التغني بأيام وعادات املزرعة، بينام كانت تحيك يف املمرات من أجل إيسيدورا، الخادمة املحرتفة واملرأة بالغة االستقامة. مات عجوز أعور ،ال أذكر اسمه،
لكنه كان يغفو تحت شمس الصباح، جالساً أمام باب السمكري عىل الناصية. مات رايو، الكلب الذي كان يف طويل ،بطلقة رصاص ال أحد يعرف من أطلقها. مات لوكاس ،صهري يف سالم الخصور ،من أتذكره حينام متطر وليس مثة أحد يف تجربتي. ماتت أمي مبسديس ،أختي بقبضة يدي وأخي يف أحشايئ النازفة ،الثالثة مشدودون لنوع حزين من الحزن ،يف شهر أغسطس من سنوات متعاقبة. مات املوسيقار مينديث ،الطويل والثمل متاماً ،من كان يعزف عىل الكالرينيت أنغاماً سوداوية ،عىل ألحانه كانت تنام دجاجات ح ّينا ،قبل أن تغيب الشمس بكثري. ماتت أبديتي وها أنا ساهر عىل جثامنها. سوف أتحدث عن األمل أنا ال أعاين هذا األمل كثيسار باييخو .أنا ال أتأمل اآلن كفنان ،وال كإنسان ،وال حتى ككائن حي. أنا ال أعاين هذا األمل ككاثولييك وال كمحمدي وال كملحد .اليوم أعاين فقط. إذا مل تنادين باسم ثيسار باييخو فسوف أعاين أيضاً األمل نفسه .لو مل أكن إنساناً أو حتى كائناً حياً ،فسوف أعانيه أيضاً .إذا مل أكن كاثوليكياً وال ملحداً وال محمدياً فسوف أعانية كذلك .اليوم أعاين فقط. أتأمل اآلن بال تفسري .إن أملي من العمق بحيث أنه ال سبب له كام أنه ال يخلو من األسباب. أي سبب يا ترى؟ أين هو ذلك األمر بالغ األهمية والذي مل يعد سبباً له؟ ال يشء سبب له وال يشء متكن من أال يعد سبباً له. ملاذا ولد هذا األمل، أمن أجل نفسه؟ إن أملي من ريح الشامل ومن ريح الجنوب، كذلك البيض املحايد الذي تضعه بعض الطيور الغريبة يف الريح. لو ماتت حبيبتي فإن أملي سيكون نفسه .لو قطعوا issue (5)- October - 2012
115
مختارات
رقبتي من جذورها فإن أملي سيكون نفسه. لو أن الحياة كانت ،يف نهاية األمر ،بخالف ذلك فإن أملي سيكون نفسه. اليوم أعاين من األعىل .اليوم أعاين فقط.. أرى أمل الجائع وأفكر أن جوعه مييض بعيداً من معانايت، وأن ببقايئ صامئاً حتى املوت فإن غريسة من العشب، عىل األقل ،ستطلع دوماً من مقربيت .العاشق اليشء نفسه .يالدمه الو ّالد ،باملقارنة بدمي من دون مورد أو استهالك! كنت أظن حتى هذه اللحظة أن كل أشياء العامل كانت، بالرضورة ،آباء وأبناء .لكنني هنا وأملي يف هذا اليوم ليس أباً أو ابناً .ينقصه َظهر يك يغرب بقدر ما يفيض عنه صدر يك يرشق ولو وضعوه يف املسافة املظلمة ملا أنار ولو وضعوه يف املسافة املنرية ملا ألقى ظ ًال .اليوم أعاين ،حدث ما حدث .اليوم أعاين فقط. مل يعد أحد يعيش... مل يعد أحد يعيش يف البيت – تقولني يل-؛ رحل الجميع. تستلقي فارغة الصالة وغرفة النوم وال ِفناء .مل يبق أحد، فالجميع رحلوا. وأنا أقول لك :عندما يذهب واحد ،يبقى آخر .النقطة التي عرب منها إنسان ،مل تعد وحيدة. فقط يبقى وحيداً ،وحدة إنسانية ،املكان الذي مل يعرب منه أحد .البيوت الجديدة أكرث موتاً من القدمية ،ألن جدرانها من حجارة أو من حديد صلب ،لكنها ليست من برش. يولد البيت يف العامل ليس عند االنتهاء من تشييده ،بل عندما يبدؤون بالعيش فيه .البيت يعتاش فقط عىل البرش ،كاملقربة .فقط يتغذى البيت عىل حياة البرش بينام املقربة تتغذى عىل موتهم .لهذا فإن البيت يكون قامئاً بينام املقربة تكون منبسطة. رحل الجميع عن املنزل ،يف الواقع ،لكن الجميع بقوا حقيقة .وليست ذكراهم هي ما تبقى بل هم أنفسهم. وليس كذلك أنهم بقوا يف البيت بل إنهم يظلون عرب البيت .الوظائف واألعامل ترحل عن البيت يف قطار 116
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
أو طائرة أو عىل ظهر حصان ،عىل األقدام أو زحفاً .ما يظل يف البيت هو العضو ،الشخص يف صيغة الفاعل والدائرة .مضت الخطوات والقبالت والغفران والجرائم. ما يظل يف البيت القدم والشفاه والعيون والقلب. النفي والتأكيد ،الخري والرش ،تفرقت مشتتة .ما يظل يف البيت هو فاعل الحدث. يف اللحظة التي يطلق فيها العب التنس كرته برباعة فإن براءة حيوانية متاماً تتلبسه؛ يف اللحظة التي يفاجئ فيها الفيلسوف حقيقة جديدة يكون وحشاً كام ًال. يؤكد أناتول فرانس أن الشعور الديني هو وظيفة عضو خاص يف الجسم البرشي مجهول حتى اآلن ،وميكن القول أيضا، يف اللحظة املحددة التي يعمل فيها هذا العضو إذن بشكل كامل ً ً فإن املؤمن يكون متحررا متاما من الرش، بل ميكن القول إنه نبات تقريباً. آه أيتها الروح! آه أيها الفكر! آه يا ماركس! آه يا فيورباخ! أنا أضحك حصاة واحدة ،واحدة فقط ،األدىن من الجميع
الشاعر ثيسار باييخو
تتحكم يف كامل الكثيب الرميل املشؤوم والفرعوين. الهواء يكتسب توتراً من الذكرى والرغبة، ويصمت تحت الشمس حتى املطالبة بعنق األهرامات. عطش .كآبة مائية لقبيلة رشيدة قطرة قطرة من القرن إىل الدقيقة. إنها ثالث ثالثات متوازية ملتحية بلحية سحيقة يف حركة 3 3 3 إنه الوقت هذا إعالن عن محل أحذية كبري إنه الوقت ،مييش حافياً من املوت إىل املوت.
النُّذر السود
مثة خبطات يف الحياة ،جد قوية .أنا ال أعرف! الرب؛ كام لو أن أمامها، خبطات كبغضاء ّ يرتسب راكداً يف الروح انجذار كل املعاناة .أنا ال أعرف! إنها خبطات قليلة ،لكنها خبطات تشق أخاديد قامتة يف أكرث الوجوه بشاعة وأكرث الظهور صالبة. قد تكون أحصنة الربابرة األتيليني أو النذر السود يرسلها لنا املوت. هي السقوط العميق ملسيح الروح، إلميان لطيف يجدفه القدر. تلك الخبطات الدامية هي طقطقة الخبز الذي يحرقنا عىل باب الفرن. واإلنسان بائس بائس! يلتفت بعينيه ،مثلام يحدث حني ينادي علينا أحدهم مربتاً عىل الكتف؛
يلتفت بعينني مجنونتني، وكل ما عاشه يركد ،مثل بركة صغرية من الخطيئة، يف نظرته. مثة خبطات يف الحياة ،جد قوية .أنا ال أعرف!
بابل
بيت وديع بال طراز، أقيم برضبة واحدة وبقطعة واحدة من شمع عباد الشمس. ويف البيت هي تهد وتبني؛ وأحياناً تقول: «املأوى جميل؛ هنا وحسب» وأحياناً تأخذ يف البكاء! الشاعر لحبيبته حبيبتي ،يف هذه الليلة أنت صلبت نفسك عىل خشبتي قبلتي املقوستني؛ وقال يل حزنك إن املسيح بىك، وإن مثة جمعة حزينة أحىل من هذه القبلة. يف هذه الليلة الغريبة التي طاملا نظرت فيها إ ّيل، كان املوت مرحاً وغنى يف عظامه. يف هذه الليلة من سبتمرب تم إقامة قداس سقطتي الثانية والقبلة األكرث إنسانية. حبيبتي ،سنموت معاً ،معاً متاماً؛ وسوف تأخذ يف الجفاف رويداً رويداً مرارتنا السامية؛ وسوف تكون شفاهنا امليتة قد المست الظل. ولن يكون مثة عتاب يف عينيك املباركتني؛ issue (5)- October - 2012
117
مختارات
ولن أعود إىل اإلساءة إليك. ويف أحد القبور سننام معاً مثل شقيقني صغريين.
صيف
ها أنذا ذاهب أيها الصيف. ها هي أيدي أمسياتك املنقادة تصيبني باألىس. تأيت بورع؛ تأيت عجوزاً؛ ولن تجد أحداً يف روحي. وستميض عرب رشفايت أيها الصيف مبسبحة كبرية من الجمشت والذهب كأسقف حزين يأيت من بعيد يك يبارك ويبحث عن الخواتم املكسورة لبعض العرائس والعرسان املوت. ها أنذا ذاهب أيها الصيف. هناك ،يف سبتمرب لديّ وردة أعهد بها إليك كثرياً؛ سرتويها مباء مبارك كل يوم من أيام الخطيئة والقرب. إذا ما خفق رخام الرضيح بقوة البكاء بضوء اإلميان فارفع ترتيلك إىل األعىل واطلب من الله أن تظل ميتة إىل األبد. البد أن كل يشء سيكون متأخراً؛ وأنت لن تجد أحداً يف روحي. ال تبيك ،أيها الصيف! ففي ذلك األخدود متوت وردة تنبعث كثرياً...
باقات
متطر هذا املساء كام مل يحدث أبداً؛ وليس يل رغبة يف العيش يا قلبي.
118
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
هذا املساء عذب .وملا ال يكون كذلك؟ يرتدي مسوح اللطف واألمل ،يرتدي زي امرأة. إنها متطر هذا املساء يف ليام. وأنا أتذكر الكهوف القاسية لجحودي، مكعبي الثلجي فوق خشخاشه، أقوى من «ال تكن هكذا» زهوري العنيفة السوداء ورضبة الحجر الهمجية الهائلة واملسافة الجليدية. وسيضع صمت كرامته نقطة النهاية بزيوت محرتقة. لهذا فإنني هذا املساء، كام مل يحدث أبداً، سأذهب مع هذه البومة ،مع هذا القلب. ومتر مساءات أخرى وتراين حزيناً جداً، تأخذ قلي ًال منك يف الثنية الغائرة ألملي العميق. إنها متطر هذا املساء ،متطر كثرياً! وليس لديّ رغبة يف العيش يا قلبي!
الخطوات البعيدة
ينام أيب. محياه الجليل يرسم قلبه الوديع؛ هو اآلن شديد العذوبة... إذا كان به يشء من مرارة ،فسوف أكون أنا. مثة عزلة يف البيت ،تقام الصلوات؛ وال توجد أخبار اليوم عن األوالد. يستيقظ أيب، يتسمع رحلة الهروب إىل مرص، الوداع املحبوس. هو اآلن قريب جداً؛ إذا كان به يشء من بعد فسوف أكون أنا. وأمي تتمىش هناك يف الحدائق، تستطعم طع ًام مل يعد له طعم. هي اآلن عذبة جداً،
الشاعر ثيسار باييخو
هي جناح ،مهرب ،حب متاماً. مثة عزلة يف البيت من دون ضجة، دون أخبار ،دون األخرض ،دون الطفولة. وإذا كان مثة يشء مكسور يف هذا املساء، يهبط ويطقطق، فإنهام طريقان أبيضان قدميان ومنحنيان. من أجلهام مييض قلبي سرياً عىل األقدام.
جموع
يف نهاية املعركة، وبعد موت املحارب ،جاء إليه رجل وقال له: «ال متت ،إنني أحبك كثرياً» لكن الجثة ،آه ،واصلت موتها. اقرتب منه اثنان وكررا عليه: «ال ترتكنا ،أيها الباسل ،عد إىل الحياة» لكن الجثة ،آه ،واصلت موتها.
جاء إليه عرشون رج ًال ،مائة ،ألف ،خمسامئة ألف، صارخني: «الكثري من الحب وال ميكنه فعل يشء حيال املوت!» لكن الجثة ،آه ،واصلت موتها. أحاط به املاليني من البرش، بتوسل عام: «ابق معنا يا أخي» لكن الجثة ،آه ،واصلت موتها. حينئذ ،أحاط به كل رجال األرض؛ نظرت إليهم الجثة الحزينة ،متأثرة، اندمجت ببطء، عانقت أول رجل؛ ثم أخذت يف امليش.
الوحوش التسعة
لسوء الحظ، فإن األمل يف العامل ينمو طوال الوقت، ينمو برسعة ثالثني دقيقة يف الثانية، issue (5)- October - 2012
119
مختارات
خطوة خطوة، وطبيعة األمل هي األمل مرتان ورشط الشهيد ،آكل لحوم رشه، هو األمل مرتان. ودور العشب بالغ النقاء، هو األمل مرتان والطيبة تؤملنا مرتني. مل يحدث أبداً، أيها البرش، أن كان هناك أمل كثري يف الصدر، يف ثنية صدر السرتة، يف املحفظة ،يف الكوب، يف محل الجزارة ،يف علم الحساب! 120
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
مل يحدث أبداً أن كان هناك حنان مؤمل، قد هاجم من مسافة بعيدة بهذا القرب، أن النار قط لعبت دورها األفضل كميت بارد! مل يحدث أبداً أن كانت الصحة ،أيها السيد وزير الصحة، الصحة األكرث إماتة والصداع النصفي قد اقتلع جبهات عدة من الجبهة! واألثاث يف درجه يتأمل، القلب يف درجه يتأمل، الضب يف درجه يتأمل. يتزايد الشقاء ،أشقايئ البرش،
الشاعر ثيسار باييخو
أرسع من املاكينة ،برسعة عرش ماكينات ،ويتزايد «روسو» ،مع لحياتنا، مع رأس ّ يتزايد الرش ألسباب نجهلها إنه فيضان بسوائله ذاتها، بطينه نفسه وسحابته نفسها الصلبة! تعكس املعاناة األدوار ،متنح وظيفة يكون فيها الخلط املايئ عمودياً عىل الرصيف، العني مرئية وهذه األذن مسموعة، وهذه األذن تثري تسع ضجات يف ساعة الشعاع وتسع قهقهات يف ساعة القمح ،وتسعة أصوات أنثوية يف ساعة البكاء ،وتسعة أناشيد ساعة الجوع وتسعة رعود وتسعة سياط ،ورصخة أقل. يقبض علينا األمل ،أشقايئ البرش، من خلف صورتنا الجانبية ويصيبنا بالجنون يف دور السينام ويسمرنا يف الجرامفونات، ويقتلع منا املسامري يف األرسة، يقع عمودياً عىل تذاكر سفرنا، عىل رسائلنا؛ وإنه لخطري للغاية أن نعاين، ميكن للمرء أن يصيل... ونتيجة لألمل ،فإن البعض يولد والبعض ينمو والبعض ميوت،
والبعض يولد وال ميوت، والبعض من دون أن يولد ميوت، والبعض ال يولد وال ميوت «هم األكرثية» ونتيجة للمعاناة أيضاً فإنني حزين حتى الرأس وأكرث حزناً حتى أخمص قدمي لرؤية الخبز مصلوباً لرؤية اللفت دامياً، باكياً، لرؤية البصل، لرؤية الحبوب ،عامة ،دقيقاً، امللح غباراً، املاء هارباً، النبيذ هذا هو اإلنسان، الثلج جد الشاحب، الشمس جد جريئة! كيف ال نقول ،أشقايئ البرش، إنني ال ميكنني أكرث، ال ميكنني مع هذه األدراج الكثرية، هذه الدقائق الكثرية، السحايل الكثرية، االستثامر الكثري، البعد الكثري والعطش الكثري للعطش! أيها السيد وزير الصحة، ما العمل؟ آه ،لألسف الشديد، أشقايئ البرش، هناك ،يا أخويت، الكثري جداً مام ميكن عمله الرسومات :خوان مريو
issue (5)- October - 2012
121
في الشعر
ّ الشعر في الواقع نونو جوديتس
يجري
التمييز أحياناً بني الشعر واألدب كام لو ّأن املصطلحني ال ينتميان إىل الحقل الداليل ذاته .ويقدّم علم أصول الكلامت تفسرياً ممكناً لهذا األمر؛ فكلمة شعر ّ poésie تتصل بـ « :poeïenصنَع» ،بينام تتض ّمن كلمة « littératureأدب» « litteraحرف ،مكتوب» .هكذا يبدو أن املصطلحني يقيامن تعارضاً بني الفعل والكتابة ،فاأل ّول يقع يف قلب الحياة والثاين يف صميم الفكر .لقد قادتني هذه الفكرة إىل طرح التساؤل عن ماه ّية القصيدة يف بدايات تفكريي النظريّ . فحاولت يف كتايب «مفهوم القصيدة» « ،»1972تقديم إجابة عىل هذا السؤال ،ثم جاءت كتبي األخرى لتستكمل تأمالت كان ذلك الكتاب نقطة انطالقها. ما القصيدة؟ إ ّنني أفهمها بوصفها مادة/شيئاً يرتاوح بني «صندوق الرنني» و«الصندوق األسود»؛ حيث يجد ُّ سجل ّ كل ما حدث يف ّ حيا ٍة ما مرآته يف الكلامت املنطوقة ،يف تلك األبيات التي تخ ِرتق تجرب ًة «وتخرتقها هذه التجربة» تدعو ّ ها.وكل كل أح ٍد إىل متل ّك أحد هنا هو القارئ ،وهذا «القارئ املنافق ،شبيهي وأخي» كام يقول بودلري هو أيضاً؛ بل أ ّول ،الشاعر ذاته ،املحكوم باالنفصال عن القصيدة ما إن يفرغ منها .أقول هذا ألتجنّب االلتباس بني تجربة القصيدة وتجربة الشاعر «املؤلف»؛ فليك توجدالقصيدة، عليها أن تنفصل عن كل ما من شأنه أن يتح ّكم يف استبطانها ،أوأن يحيلها إىل مجرد وثيقة بيوغرافية ،إىل قصاصة من صحيفة. عىل القصيدة أن تنتج تفسريها ،ومعانيها ،وأصولها حتّى وإن كانت تبتعد يف هذه العمل ّية نهائياً عن الواقع الذي نهل منه الشاعر واقعي ،عىل املستوى الرمزيّ بالطبع ،فاألمر يتع ّلق مبوت ذلك الحضور ليك يكتبها .يف كل قصيدة ،الشاعر هو من « ُيقتل كشخص ّ الواقعي» ليك يولد «حضورافرتايض» ،وهذا الحضور هو ما يبحث عنه القارئ عرب فعل القراءة. هذا الحضور موجود دامئاً يف مناذج الشعر األرقى بشكلٍ ليس بالرضورة مبارشاً وآنياً كام قد يفهم مام سبق؛ فاللغة تعمل كوسيط ،كشاش ٍة ُيسقط عليها عا ٌمل يجد مصادره يف تراث األدب أو ذاكرته .لكننا نعلم ّأن مثة مؤلِّفاً خلف تلك الشاشة ،يتخ ّفى حضوره ويتأكد يف الوقت نفسه الذي ُيعرض فيه العامل الذي خلقته القصيدة؛ بل ّإن صوته ليزدوج بذلك الصوت «األول» ،الذي نسمعه عرب املوسيقى واإليقاع املنبعثني من لعبة القصيدة الصوتية .وبالطبع ،ميكن للمؤلف أن يخرج وأن يظهر كأدا ٍء عىل الشاشة ،لكن ما نراه ح ّقاً هو ذلك اآلخر الذي ال يتح ّقق وجوده إ ّال يف الشعر. لهذا ،ال أشعر براحة كبرية حني تطرح ع ّ يل أسئلة عن والدة قصائدي :ملاذا هذه الصورة؟ ع ّمن تتحدث هذه القصيدة أو تلك؟ ماذا قصدت بتلك العبارة؟ إنها أسئلة ميكنني اإلجابة عليها ،مدركاً ّأن اإلجابات ستكون اعتباط ّية بقدر أيّ إجابات قد يقدّمها شارح آخر .فمث ًالُ ،طرحت بخصوص كتبي األخرية مسألة استخدام ضمري املخاطب املفرد «أنت» الذي يشري إىل املرأة أو الكائن
122
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
املحبوب .إذا كان الضمري «أنت» يتامهى مع أح ٍد يف الواقع فال أهم ّية لذلك يف القصيدة؛ فاألمر يتعلق ح ّقاً بتجسيد الحب ،بذلك النمط األو ّيل archétypeالذي ّ النهاية،الحب ذاته بعد يتشخص يف األسامء-بياتريس ،الورا ،باربارا ،وغريهن كثري -اللوايت مي ّثلن ،يف ّ أن ّح ّ شبحي. ول الوجو َد والشخص امللموسني اللذين ألهامه إىل حضور ّ
حضور اللغة
من ناحية أخرى ،فإن الحياة تفرض نفسها اليوم كنموذج إرشاديّ جديد للفنّ ؛ فالعودة إىل ماهو بيوغرايف ،والعرض املبارش للواقع بتأثري وسائل اإلعالم ،خصوصاً التلفاز والسينام وشبكة اإلنرتنت يفرضان هذه العالقة التي ال ميكن اإلفالت منها وإن كنّا ال نستسلم لها .لقد أصبح رفض العرض يف ح ّد ذاته شك ًال آخر من العرض .عىل املرء أن يحيا إذن -أو أن يبقى عىل قيد الحياة- داخل هذا العامل وما يشهده من تحوالت تفرضها وسائل االتصال الجديدة .والوسيلة الوحيدة للقيام بذلك بدون تقديم تنازالت «سم ْك»ٌّ ، ظل يصنع املسافة بني أضواء لصالح تلك الصيغ املبارشة هي أن نتذكر باستمرار حضور اللغة الدائم ؛ فللكلامت دامئاً ُ ذات أدب ّية .مت ّثل آلة العرض وجوان ّية ذلك الصندوق-القصيدة،حيث تحدث العملية الخيامئية التي تح ّول الكائن الواقعي إىل ٍ ّ ً ً هذه الذات األدبية واقعاً جديداً يتجاوز حدود الحياة البرشية وحدود الزمن ،ويف فضاء األدب ،تصبح فاعال ،بطال ،أو شخص ّية. وهنا ميكن أن نتساءل :من هو الشاعر يف نهاية املطاف؟ لست عىل يقني بأن اإلجابة الصحيحة هي :أنا .فالشاعر هو ذلك الصوت الذي عرف كيف يتح ّقق يف القصيدة ،هو ما نسمع عند قراءتها ،وعالقتي به هي عالقة الطفل بالطاولة التي توزعت فوقها قطع الرومانيس» «.»1975 اللعبة التي يحاول تجميعها وتنظيمها .هذا ما أسميته« :ميكانيزم الشذرنة ّ لقد اخرتع بيسوا نظائره ليمنح جسداً لتلك الشذرات ،وقامر بها عىل مائدة الكائن ليتفادى ما أسامه صديقه سا-كارنريو «التبعرث» رضب من وردة رياح مجنونة ،تلك التي قادته إىل االنتحار .رأى بيسوا ،إذن، يف ٍ فيلم النغامر بريغامن حيث لعبة األدب كرصاع مع املوت ،كام هو الحال يف ٍ كان الشعر هو ذلك الجانب املوت هو الخصم يف لعبة الشطرنج التي هي الحياة. ال أعرف إن كنت قد ّ الالعقالني« ،ضربة نرد» ماالرميه أوضحت ج ّيداً التمييز بني الشعر واألدب .لرمبا كان الشعر هو ذلك الجانب الالعقالين« ،رضبة نرد» ماالرميه التي نعرث فيام التي نعثر فيما وراءها على وراءها عىل االنفعال ،العاطفة ،الرغبةّ ، وكل عنارص «الروح» التي تفلت من االنفعال العقل ومام يقبل التوقع ،والتي نتيجتها «ذلك الربق يف الليل» الذي يتحدّث عنه بودلري .متنحنا القصيدة الشعور الفريد بتلك «النقاط املضيئة» التي كان عزرا باوند ،يف آخر أيامه ،يراها عرب ظالل وعتامت املايض ،ك ّلام سأله أحدهم عام كان يعني له الشعر. ً ً اليومي ،تعليقا ،بوحا ،موسيقى صغرية يسهل نسيانها، أ ّما اليوم فتذهب األمور يف االتجاه املعاكس ،حيث يصبح الشعر جزءاً من ّ ً ويصبح خصوصاّ «ال معنى» ،حيث ال استبطان وال مغامرة ،وهذا هو النقيض التام للشعر الذي تع ّلمته طفال ،يف ذلك البلد الرمادي الجامد حيث يجري ّ برسية تصنعها الظالل والوشوشات .لهذا ،يف شعري ،بات السريك واألعياد الشعبية ح ّيزا كل يشء ّ الحرية واإلبداع الوحيدين .أتذكر ،يف أعياد القرية ،البهلوانات الذين كانوا ،م ّرة يف العام ،يب ّينون لنا الفاصل ّ الهش بني التوازن والسقوط .إنني أبحث يف كل قصيدة من قصائدي عن هذا التوازن .حني أتقدّم يف البيت الشعري ،يف املقطع ،تكون الهاوية أحب هذا اإلحساس؛ وإذا ما رافقني القارئ حابساً انفاسه حتى نهاية القصيدة فمعنى ذلك أن شيئاً ما قد نجح، حارضة دوماًّ .
issue (5)- October - 2012
123
في الشعر
عىل صعيد ميزان القوى الذي هو الشعر ،بيني وبني القصيدة ،وبني القصيدة والقارىء. يعيدين هذا إىل مسألة كان ت.إس .إليوت قد عالجها يف «أصوات الشاعر الثالثة» :األنا يف القصيدةّ .مثة هنالك حضور شبه دائم لل «أنا» يف قصائدي وهذا ما مي ّيز الغنائ ّية عن األنواع الشعر ّية واألدب ّية األخرى ،ولكن ما هي هذه األنا؟ فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو :هل ع ّ حني أقرأ قصيد ًة وأجد نفيس أمام ضمري املتك ّلم هذاّ ، يل أن أمتاهى مع هذه األنا أم إ ّنها تتطابق ،عىل العكس من ذلك ،مع صوت يك ّلمني أو يتك ّلم من خاليل؟ يف الواقع ،مثة تناقض بني الحميم ّية التي تنبع من «الحديث مع النفس»؛ من نربة املونولوغ االعرتافية لضمري املتكلم املفرد وبني حقيقة ّأن هذا الـ«همس» مييل إىل أن يتعاظم ويكتسب قدراً أكرب من التعبري عندما تجد القصيدة ،عىل سبيل املثال ،تعبريها «الطبيعي» أمام مستمعني ،أيْ حني ُتقرأ أمام جمهور. العمومي ،ذلك الصوت الكو ّين« -الصوت اإلنسا ّين» ،بتعبري جان كوكتو، مثة صلة وثيقة بني عزلة صوت الشاعر القص ّية ،والصوت ّ تتوجه مبارشة يتوجه للجميع .وما ينتجه هذا الصوت من متا ٍه يتجاوز املحاكمة العقل ّية والوعي الذهني مبا أن هذه األنا ّ الذي ّ ّ إىل خصوصية ّ كل واحد منّا ،يف فردان ّيته ذاتها .تنهض عملية التواصل هذه عىل الذاكرة ومت ّر عرب لعبةاملجاز ،فالصورة يف القصيدة تعرث دامئاً عىل صدى لها فيام رأيناه أو عشناه ،إن مل يكن بطريقة مبارشة ،فعىل األقل من خالل أثر «اإلزاحة» الذي عالجه فرويد يف تحليله لألحالم.
مركز القصيدة
ّ لهذا السببّ ، الواقع،وكل فإن الغنائ ّية الصافية وهْ م؛ فالتعبري عن العاطفة ال ينفصل أبداً عن الرسد عن الحكاية،عن التخ ّييل ،وعن ذلك حارض يف أصل القصيدة ،حيث ُيعزل أحد عنارص الرسد ليصبح مركز القصيدة وبؤرتها .إذن ،مثة ما هو «إشاريّ » –ما يقع بني الرمز واألمثولة -يف قاع الشعريّ ،ولذا ال ميكن للصوت أن ينفصل أبداً عن الجانب املاديّ وامللموس املنبثق من البناء الغنايئ، حيث تتبنّى الذات ،يف نهاية املطاف ،دور املم ّثل أو القناع -بالعودة م ّرة أخرى إىل نظائر بيسوا .-هذا ما يحدث يف كتاب «بيدرو متحدّثاً عن إ ْن ِّيس» «منشورات فاتا مورغانا »2003،حيث تواصل مرآة أسطورة العشق تجرب ًة تخرتق القصائد وتسعى إلعادة الحياة لذلك العشق. ظل بوسع ّ وميكننا القول ّإن األنا التي تتك ّلم يف القصيدة ليست يف النهاية سوى ٍّ كل أحد أن يضيئه بحياته وجسده؛ ويف هذا البعد مصاص دماء ،عىل فرد ّية القارىء .ولهذا املاديّ للنص الغنايئ ،تحديداً ،تكتسب القصيدة قوتها الهائلة التي تجعلها تستويل ،مثل ّ َ وانفعاالت متحو الحالة امللموسة التي أوحت بها؛ ليك تقوم بتحيني مواقف وسياقات أخرى .هذا هو عواطف أيضاً توقظ القصيد ُة ٍ جانبها امللغز الذي يدفع إىل البحث عن معنى ويجرب القارىء عىل أن ينهل من تجربته-ذاكرته ،ومخياله ّ كل ما ميكن أن يقوده ّ سيظل إشكال ّيا أبداً ،إال إذا كان الشاعر حارضاً أمامنا ليجيبنا. إىل جواب ،حتى مع العلم ،بداي ًةّ ،أن األمر وإذا كان الشاعر حارضاً ،هل ميكن اإلقرار ّ بأن إجاباته صحيحة؟ ف «الشاعر مخادع» ،يقول بيسوا ,يف قصيدته اوتوبسيكوغرافيا. الرس األو ّيل الذي يجربنا الكشف عنه م ّرة أخرى عىل البحث عن مفتاح ينبغي النظر دامئاً إىل تجربة القصيدة عىل أ ّنها مثرة ّ لغة مش ّفرة .يف هذه اللغة ،مت ّثل االستعارة ّ أول املستويات التي ينبغي تأملها؛ ولذا ّ الحب فإن أكرب تي َمتينْ يف الشعر الغنا ّيئ هام ّ واملوت. كان روبريت غرايفز قد ناقش لغز هذه املسألة يف كتابه الجوهريّ «الر ّبة البيضاء» ،حيث يتحدّث عن السعي وراء منط أو ّيل- صورة الر ّبة التي تجسدها ماد ّياً املرأة -التي تعيدها لحظة التح ّقق يف الحب إىل مستوى الواقع بحيث يبدأ مجدداً البحث عن الحب األفالطوينّ ،أن ذلك النمط املثايل .و أعتقد ،من دون الذهاب إىل الصيغة املتطرفة من األسطورة التي ُتطرح هنا مبسحة من ّ
124
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
املغناطييس الذي يجمع ق ّوتني متضادتني .إ ّنها اللحظة االستثنائية التي تقود إىل فقدان مؤ ّقت ّ لكل يقني، القصيدة هي القطب ّ ّ «الويص» للجامل الذي يحول من دون السقوط يف الجنون ولكل وجهة ،محا ِفظ ًة يف اآلن ذاته عىل توازن الكائن بفضل الحضور ّ أو العامءّ .إن خلخلة الحواس التي تحدّث عنها رامبو هي ما مي ّثل قيمة اإلبداع الشعري ،وهي ال تتأىت من فقدان الحواس ك ّلها للحظات ،من ثنائياتنا الضد ّية الذهن ّية بل من «إرشاق» الحواس كا ّفة بفعل القصيدة«رامبو مرة أخرى» .وهذا اإلرشاق يخرجنا، ٍ الرئيس ّية ،يك نبلغ أفق الروح اإلنسانية. ربمّ ا قدّمت هنا إجاب ًة عىل السؤال األويل :ملاذا تكتب؟ ليس من أجل املتعة .فاملتعة يف املكتوب ،وال أكتب التزاماً أو اضطراراً، فأنا ال أعتاش من األدب و بوسعي أن أستغني عنه من الناحية املاد ّية .إنني أكتب ،وسأستخدم هنا عبارة مشهورةّ :، ألن الشعر هو أنا ،وهذا ما ينطبق عىل الشعراء كا ّفة إن كانت هذه «األنا» تتض ّمن شخص الكاتب الفيزيايئ ،أ ّما األنا يف القصيدة ،فهي من وجهة نظري أمر آخر .إ ّنها الصوت «صوت الوسيط الروحي ،يقول بيسوا» الذي يتحدّث حني تبدأ القصيدة .وحني أذ ّكر بهذا، فإ ّنني أناقض ّ كل املقوالت الشائعة حول فعل الكتابة ،خصوصاً تلك التي تتحدّث عن العزلة .يف الواقع ،ال أكون وحيداً لحظة الكتابة؛ يف هذا الحوار مع اآلخر «الصوت؟ الذات؟ ّ كل تلك األشباح التي تولد من الذاكرة أو الخيال التي تعمر الفضاء من حويل؟» ال أشعر بالوحدة أبداً؛ بل عىل العكس من ذلك ،تأيت العزلة حني ال أكتب أو حني يغيب الشعر. وليس ّمثة إجابة مبارشة عىل السؤال :ما الشعر؟ الذي ميكن أن نستبدل به السؤال :ماالقصيدة؟ مع ذلك قد أجازف بتقديم إجابة مدركاً أ ّنها ليست نهائ ّية وال الوحيدة كذلك .ميكنني القول ّإن القصيدة توجد حني يتح ّرر الصوت الذي يسكنها من الكائن الجمعي أو الكو ّين إذا ما أردنا استخدام توصيفات جويس كارول آوتيس «إمياين الذي انتمى إليه؛ ليصبح صوت الجميع -الصوت ّ ّ ككاتبة» .فالصوت الشعري إذن ،وعىل النقيض من كل ما أمكن تخ ّيله ،هو ّ واألقل ذات ّية من بني األصوات املمكنة: األقل فرد ّية إ ّنه الصوت الذي تعرث فيه «كلامت القبيلة» «بتعبري ماالرميه» عىل صداها األكرث إسامعاً واألكرث قابل ّية لإلدراك .وهذا صحيح حتّى حني يتحدّث الشاعر عن عامله األكرث حميم ّية .حني نقرأ ،مث ًال ،كلمة «أح ّبك» فإن هذا الحب يتقاسمه ّ كل من سيقرأ حب جميع النساءاللوايت القصيدة وبهذه الكلمة يختطف الق ّراء من الشاعر ّ مينحن أجسادهن وأرواحهن وجاملهن للكلامت التي تعبرّ عن ذلك الحب. ال أكتب التزام ًا أو اضطرار ًا، هذا هو موضوع مقال الشاعر دبليو .اتش .أودن «حني أكتب أح ّبك» ،الذي فأنا ال أعتاش من األدب و بوسعي يحدّد فيه بدّقة الفارق بني الرسد التخ ّيييل والشعر« .يف كل األحوال ،ال تتع ّلق أن أستغني عنه من الناحية القصيدة التي أمتنى كتابتها بعبارة« :إ ّنه يح ّبها» «ميكن لضمريَيْ الغائب ،عىل األرجح ،أن يكونا شخصينْ متخ ّيلني ،وللشاعر حرية أن يؤمثل ،كام يرغب، الماديّة صفاتهام وحكايتهام» .أما يف عباريت« :أح ّبك» ،فيمكن ،عىل األرجح ،أن نتح ّقق من وجود الشخصني اللذين يحيل إليهام الضمريان «أنا وأنت» بفضل مخرب خاص». إ ّنني أشاطر أودن الرأي؛ ففي الرواية ،ينظر لألنا دامئاً بوصفها شخص ّية الراوي وال يخطر ألحد أن مياهي بني املؤ ّلف والقاتل الذي يروي الحكاية يف كتاب البري كامو «الغريب» ،أ ّما حني نقرأ يف قصيدة« :أشرتي تذكرة قطار ألعرف يف أيّ يوم نحن» «روي بيلو» ،فإ ّننا نجد أنفسنا مبارشة أمام الذات/املؤلف وال نتساءل عن هذا التامهي حتّى حني يصدر عن لعبة مجازية يحدّدها الرتاث -يف هذا البيت -بالعالقة بني َسيرْ الزمن «أيّ يوم نحن» وسري الحياة التي ُتقدّم بوصفها رحلة«تذكرة القطار» .ويف الواقع، ينتمي صدق العبارة إىل شفرة مع ّينة ،وإذا كانت هذه الشفرة مدركة وقابلة للقراءة؛ فذلك ّ ألن املفتاح حارض دامئاً يف القصيدة يخصنا نحن القراء من تلك الذات ّية التي ميكن أن تنتمي يف األصل لشخص ما نفسها؛ إذ يكفي كرس تلك «األنا» لنستخلص ما ّ
issue (5)- October - 2012
125
في الشعر
يس ّمى الشاعر. لست أزعم ّأن الشاعر املثال هو هومريوس «ذلك االخرتاع الذي كان الغرض منه أن ال تبقى القصائد امللحمية العظيمة التي ّأسست حضارتنا مجهولة النسب»؛ لكن ينبغي للشاعر أن يتح ّرر من وطأة سريته الحياتية ليك ميكن لـ «كرة» الشعر أن تح ّلق، تظل يف مستوى الشهادة ،األمر الذي له أهم ّيته دامئاً ولكن عىل صعيد الدرس األديب أو اإلكليني ّ فإن القصيدة ّ وإال ّ يك .فليست يخص رسائل حب بيسوا ،إن أخذنا قصائد جنون هولدرلني هي ما جعل منه أحد أعظم شعراء الرومانسية ،وكذلك هو األمر فيام ّ مثاالً آخر متط ّرفاً. ولكن بوسعي االنطالق من حالة بيسوا-مرة أخرىّ - ألوضح العالقة الصعبة بني الحياة واألثر األديب ،وذلك انطالقاً من قصيدة الروحي» .فالتقاطع بني الوقائع التي نعرث عليها يف هذه القصيدة ،يأيت يف لـ«التوسط Chuva obliquaالتي ُتع ّد نقطة البداية ّ ّ الواقع من ذلك الجرح عىل سطح القصيدة املصقول حيث ينكرس يشء ما .هذا اليشء هو الحياة ،أيْ ذلك املنعطف املفاجئ يف العالقة مع األدب حيث نلمح عاملاً كان غري مريئ حتّى تلك اللحظة .ال يتبدّى الواقع ،إذن ،إال يف تلك اللحظات التي يخرتق الحي وتجعله قاب ًال لإلدراك من قبل القارىء .هذا ما يلزم يف فيهااللغة عىل نحو موارب .إنها أشبه بـ«الومضات»التي تيضء ّ القصيدة؛ ألنه هو ما مينحها ق ّوتها ،بطرحه جانباً ماهو مجرد «أدب» ،أيْ ّ كل ما ميكن أن يختزل القصيدة إىل فعل تابع. من هناـ ميكنني أن أع ّرف الشعريّ بوصفه حضور الكينونة يف اللغة وهذه الكينونة هي أوالً كينونة الذات التي تكتب لكنّها يف اآلن ذاته كينونة اللغة؛ ذلك الصوت وتلك املوسيقى اللذان يبدآن يف الحركة حني تعرث القصيدة عىل إيقاعها .يصدر ذلك عن الذات ولهذا السبب« ،الشعر ينبغي أن يصنعه الجميع» ،كام يقول لوتريامون .الشعر ينبغي أن ُيصنع ،وأن يصنعه الجميع. ست»« :يحدث الفنّ يف ّ هكذا ،ميكنني أن أك ّرر عبارة بورخيس «فن الشعر ،محارضات ّ كل م ّرة نقرأ فيها قصيدة» .ووفقاً لهذا املنطق ،يكفي أن نقرأ قصيدة يك يأيت الشعر وال ميكننا أن نتع ّلم الشعر إال بقراءته. األولي ّ القصيد ثمرة السر ّ يبقى سؤال أخري« :ما هو الشعري» ؟يقال هذا إحساس ،أو منظر ،أويشء الذي يجبرناالكشف عنه مرّة «شعريّ » .بالطبع ،ثمّ ة أشياء أو مواد ميكن أن يكون لها نربة أو إيحاء شعريّ : أخرى على البحث عن مفتاح لغة الوردة ،البحر ،البحرية ،القمر..إلخ؛ لكن ذلك ال يكفي ليك تحدث القصيدة. القصيدة ليست يف األشياء«.الوردة وردة» ،قالت جريترود شتاين ،ونقطة يف ّ مشفرة آخر السطر .القصيدة يف الكلامت التي تقول األشياء ويف طريقة انتظامها، هكذا ميكنني القول بيشء من التكرار الظاهريّ :الشعريّ يف القصيدة .أيْ أ ّنه بناء ينطلق من مادة أو عنرص ،أياً كانُ ،ينتقى من الواقع.والشعريّ ليس هو هذا اليشء؛ بل تلك الطريقة التي تلعب بها الصورة التي اختارها الشاعر مع الصور األخرى ،عرب الكلامت التي تك ّون اللعبة والشبكة الداللية واإليقاعية اللتني تنتجان القصيدة .إذن ،هنالك قطيعة ،انحراف ،انزياح ،يف بداية هذه العملية ،للوصول يف آخر الدرب إىل جوهر ذلك اليشء الذي كان نقطة انطالق القصيدة .يف النهاية فقط،وليس يف البداية يصبح ذلك اليشء شعر ّياً Contre-jour : Cahiers littéraires, N°5,2004املصدر ترجمة وليد السويريك
126
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
جمهور ّ الشاعر يوسف عبد العزيز
شغلت
الشعراء واملث ّقفني العرب ،ردحاً من الزّمن .وال تزال هذه القض ّية ّ قض ّية (الوصول إىل الجمهور)ّ ، تحتل الكثري الشعر .ومن األسئلة التي ظ ّلت ترتدّد يف النّدوات واملهرجانات ّ من النّقاش الذي يدور حول ّ الشعرية ،كان السؤال التّايل :هل يذهب ّ الشاعر بشعره إىل الجمهور ،أم أ ّنه ينتظر الجمهور أن يأيت إليه؟ ّ الصعود املد ّوي لأليدلوج ّيات العربية ،كان الوضع محتدماً .كانت فكرة منذ خمسين ّيات حتى سبعين ّيات القرن املايض ،وحيث ّ الجمهور مبثابة (بعبع) يثري ال ّرعب يف قلوب ّ الشعراء .ولذلك فقد سادت يف هذه الفرتة عمل ّية تس ّول الجمهور .وقد انعكست والشعارات ّية .طبعاً الشعر العريب املكتوب يف تلك الفرتة ،بحيث بدت املالمح العا ّمة له غارقة يف املبارشة والتّقليد ّ هذه الحالة عىل ّ لن ننىس يف تلك الفرتة الخط ّ الشعري املناوئ الذي كان يقوده الشاعر أدونيس ،وجامعة مج ّلة شعر اللبنانية ،والذين انفتحوا ّ الشعر ّيات الحديثة يف العامل ،غري ّأن الخط العام ّ عىل ّ السنوات ،با ّتجاه الوصول إىل الجامهري للشعر العريب كان يسري يف تلك ّ العريضة ّ لحضها وتثويرها. السبعين ّيات ،وحمل معه الكثري من التّح ّوالت الجديدة ،ومنها الغزارة والتّن ّوع عىل مستوى الكتابة ّ الشعرية بعد ذلك جاء عقد ّ العربية ،وعىل مستوى األفكار املطروحة حول الشعر ،بدءاً بالحديث حول ّ الشعرية ،وانتها ًء بالحديث حول الجمهور ،وماه ّية ً هذا الجمهور ،وهل هو املجموع العام للمواطنني ،أم نخبة مث ّقفة منهم .طبعا املحزن يف هذا املجال ّأن نتاج هذا العقد املهم تتم دراسته .لقد ّ والستين ّيات ،أو حتى بالقياس سواء يف الشعر أو األفكار مل ّ ظل عقداً مهم ًال ،بالقياس لعقدي الخمسين ّيات ّ للعقود التي تلت. بالشعرية ،ومفهوم ّ للشعر العريب» ،أعاد خاللها النّظر ّ يف بداية هذا العقد نرش أدونيس دراسته امله ّمة «مقدّمة ّ السائد. الشعر ّ وكان أهم ما أشار إليه هو مفهوم القصيدة التي وصفها بأنها ينبغي أن تكون «قصيدة كلية» ،تتداخل فيها األنواع األدبية، وتتعانق معها الرؤى التي تقدّمها الفلسفة والعلم والدّين .أ ّما ما كان ملفتاً فهو ّأن القصيدة مل تعد معن ّية فقط بالجيل املوجود، رصح أدونيس يف تلك ال ّدراسة ّأن عىل الجمهور أن يصعد إىل قصيدة الشاعر ،ال أن وإنمّ ا باألجيال القادمة أيضاً .من جهة أخرى ّ يهبط الشاعر بشعره إىل فهم الجمهور. ً ً ماّ ً السبعين ّيات ،سوف نرى شاعرا عرب ّيا مه آخر ،هو محمود درويش ،كيف يتم ّرد عىل واقعه ،وعىل يف أواخر هذا العقد – عقد ّ ّ ثم يف مفهومه للجمهور! كان ذلك يف لقاء أجراه معه املثقف املعروف منري تجربته أيضاًّ ، خاص ًة يف مفهومه لشعر املقاومةّ ، العكش .سأل العكش يف ذلك اللقاء محمود درويش« :أال تغريك جامهريك أحياناً؟ أال ّ يتدخل التّواصل معها يف الكتابة؟» ،فر ّد يحب الناس شيئاً عليه درويش قائ ًال« :من الرضوري أن تعرف ّأن قناعتي هي املعيار األ ّول واألخري يف مدى إبداعي .كثرياً ما ّ ال يقنعني ،وكثرياً ما يرفضون عم ًال أعت ّز به .أين الحقيقة؟ الناس ليسوا مقياساً ف ّن ّياً واحداً ألسباب كثرية .وعىل رأسها مستوى الحساس ّية ،ومستوى الثقافة ّ الشائعة يف العامل العريب». نعود لنتحدّث عن محمود درويش ،وعن جمهوره الذي ال يشبهه جمهور شاعر آخر .كان جمهور درويش جمهوراً متعدّداً، وينحدر من حساس ّيات شعرية وأيدلوجية متن ّوعة .كان الجميع يختلف حول ماه ّية الثورة ،واملستقبل والعالقة مع الدّين، issue (5)- October - 2012
127
في الشعر
ولكنّهم كانوا يتّفقون حول شعر درويش .يف حاالت كثرية كان يتم وضع شاشات عرض عمالقة خارج القاعات التي كان درويش ثم يقول :يف البداية سوف أقرأ عليكم ما تح ّبون من شعر .كان يقرأ يقرأ فيها شعره .كان درويش يصعد املنرب ويح ّيي الجمهورّ ، عليهم مث ًال مقاطع من قصيدة بريوت ،أو مديح ّ ثم ال يلبث أن يخاطب الناس املحتشدين أمامه قائ ًال :اآلن سأقرأ الظ ّل العايلّ ، ّ أحب أنا أن أقرأه ،فكان يلقي عليهم قصيدة الهدهد ،أو الجدارية ،أو غريهام من قصائده املركبة ،التي تحتاج ليس عليكم ما ّ فقط إىل إلقاء من ِق َبل الشاعر عىل املرسح ،وإنمّ ا إىل مطالعة متأ ّنية من قبل القارئ أيضاً. هكذا كان درويش يد ّرب جمهوره عىل التّلقي ،وكان ينقل هذا الجمهور باستمرار للتّع ّرف عىل ّ الشعاب الجديدة يف الشعرية العربية .من جهة أخرى ربمّ ا ساهمت تجربة الفنّان مارسيل خليفة ،الذي نقل شعر درويش إىل الغناء ،يف زيادة جمهور درويش، خاص ًة ّ وأن الغناء هو إحدى الوسائل الناجحة يف توصيل الشعر إىل الناس .أتذ ّكر يف هذا املقام قصيدة درويش «أحمد الزّعرت»، ّ التي بدت ربمّ ا صعبة يف نظر الناس ،وقت نرشها .والتي مل تلبث أن انترشت انتشاراً هائ ًال يف أوساط الجامهري بعد أن قام مارسيل بتلحينها وغنائها. واآلن ،بعد ّ قصد ّ بالضبط بهذا املصطلح؟ هل هذا السؤال املسكوت عنه :ماذا ُي َ كل ما ذكرناه عن جمهور الشاعر ،نريد أن نسأل ّ ً الجمهور هو جمهور مث ّقف مد ّرب شعريا ،وقاد ٌر عىل التفاعل الحقيقي مع الفنّ ؟ هل هو جمهور نخبوي؟ أم هو جمهور عام يضم أفراداً ال عالقة لهم بالثقافة وال بالشعر؟ يضم من ضمن ما ّ ّ ّ ّ ّ ال شك أن مثل هذا املصطلح «جمهور الشعر» هو مصطلح فضفاض يف العامل العريب ،وال يشري إىل تلك الفئة املد ّربة عىل قراءة الشعر ،وإنمّ ا يشري أساساً إىل قطاع عريض من الناس متعدّدي املستويات والحساسيات .وحتى نكون قريبني من معاينة املشكلة، فينبغي علينا أن نعود إىل طباعة الشعر يف العواصم العربية ،وإىل ما تو ّزعه دور النّرش من نسخ للدواوين الشعرية .ينبغي االعرتاف هنا ّأن الشاعر العريب يطبع ألف نسخة من ديوانه ،ويف أحسن األحوال ثالثة آالف .ولنتص ّور ّ الطامة الكربى ،حيث ّإن هذه النسخ األلف هي لثالث مائة وخمسني مليون عريب!!! أليس األمر مرعباً؟؟ اآلن ومع االنتقال إىل العرص اإللكرتوين ،انحرست نسبة ق ّراء الكتاب الورقي، وتح ّول مصطلح جمهور ّ الشعر إىل مصطلح فضفاض ،الق ّلة القليلة ج ّداً منه السبعينيّات ،حمل معه عقد ّ الشعر .طبعاً نحن ال ندري إىل متى سيبقى جمهور الشعر مضطرباً تتابع ّ الكثير من التّح ّوالت الجديدة ،على ومش ّوشاً! أخلص إىل القول مبرارة إ ّنه ليس لدينا جمهور للشعر ،ال جمهور مستوى الكتابة ّ عشاق ّ عريض ،وال جمهور نخبوي .فقط لدينا ّ للشعر ،وهؤالء قليلون ونادرون. الشعرية العربية، الشعر ليست مع ّ مشكلة جمهور ّ الشعر ،ولكنّها مع ثقافة املجتمع الكسيحة، واألفكار المطروحة حول ومع التّقدّم الذي يكاد يكون مفقوداً يف الحياة العربية .وكام أوصلت الدولة الشعر القطرية العربية األ ّمة العربية إىل الجدار املسدود ،فقد أوصلت هذه الدّولة الثقافة إىل الدّرك األسفل ،وبكالم آخر لقد بطشت بالثقافة ،وح ّولت الشعراء وجمهورهم إىل قطيع!! هل سوف تختلف األمور يف زمن الثورات العربية؟ إننا نتابع ونأمل ،رغم ّأن األمور تبدو مع ّقدة. وأحب أن أرويها هنا :يف قصة طريفة ،حدثت معي ومع الصديق الشاعر يوسف أبو لوزّ ، يف ختام هذه املقالة ،خطرت عىل بايل ّ عام ،1984شاركت أنا ويوسف يف أمسية شعرية يف مدينة الزّرقاء األردنية ،دعانا إليها نادي أرسة القلم .قرأنا قصائدنا يف القاعة التي امتألت بجمهور النادي ،وكان من بني الحضور إحدى ّ الشخص ّيات املاركسية الكبرية يف األردن .عندما انتهينا من القراءة ،قال صديقنا املاركيس :ملاذا كل هذا الغموض يف شعركم؟ ملاذا ال تكتبون شعراً مفهوماً ،وملاذا ال تتناولون قضايا الجامهري؟ موجهاً كالمه للصديق املاركيس: حني أردت أن أجيب عن السؤال ،منعني يوسف وقال يل :أرجوك اترك يل اإلجابة .قال يوسف ّ أريد أن أجيب عىل سؤالك ،ولكن بسؤال :متى مارست ال ّرقص آخر م ّرة؟ استغرب الصديق املاركيس ذلك ،فأكمل يوسف :ذلك ّأن الرقص أصبح مبثابة مرجعية مهمة من مرجع ّيات الشعر ،والذي ال يتقن الرقص ال يفهم ّ الشعر 128
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الجنون عبد هللا أبو بكر
يبدو
الحديث عن الجنون مغريا يف هذه اللحظات التي تشهد أكرث من شكل للجنون عىل الصعيد السيايس وكذلك االجتامعي والثقايف يف جغرافيا العامل العريب ،حتى أصبح التعقل مطلبا ملحا لجميع من يعيش يف هذه الجغرافيا واألرض التي أصبح دورانها متسارعا أكرث من ما يحتمله الفهم . الشعراء ،هم أكرث من اتهموا بالجنون ،وكانت هذه التهمة بالنسبة لكثري منهم مدعاة للفخر والفرح ،وقد دافعوا عن جنونهم يف أكرث من مناسبة وقصيدة ،فآرثر رامبو أجاب عندما سئل عن سبب توقفه عن الكتابة الشعرية بعبارة معروفة «مل أعد شاعرا ألنني مل أعد مجنونا» ،وكذلك فعل أدونيس يف قصيدته «الجنون» حيث قال «كذبوا ،ال تزال طريقي طريقي ،والجنون الذي قادين ال يزال أمري الجنون» .ميشيل فوكو أيضا ،ع ّرف الجنون عىل أنه «معرفة» .كل ذلك يدفع باتجاه الجنون ،والرغبة بالسري معه عىل طريق واحدة وباتجاه واحد.ولكن ،هل هذا الجنون هو ذاته الجنون الذي يعيشه الشعراء يف زماننا هذا ؟ أو هو الذي يعيشه السيايس أو سواه من أبناء املجتمعات العربية ؟ ما يحدث اليوم ميثل فوىض فادحة ال عالقة لها مبعنى الجنون الذي يعلق عىل مشجبه الكثريون ما فاض منهم من خراب وسقوط ،إنه نوع من انواع الفساد الثقايف واالجتامعي والسيايس كذلك ،هو جنون يقود إىل الوراء ال إىل األمام حيث املخيلة واالبتكار واملعرفة والقبض عىل جمرة املعنى وذهب الفكرة. لقد تحول الشاعر العريب يف كثري من األحيان إىل رجل سياسة ،أو محلل عىل قناة إخبارية ،أو موظف براتب بالكاد يكرس جوع أبنائه .وراح يصطف خلف عناوين وشعارات أشبه بتلك التي ترفعها األحزاب .وهنا أصبح مصطلع الجنون محارصا باملعنى املبارش للكلمة ،ال مبعناها اآلخر الذي ورد عند رامبو وفوكو وغريهم . للشاعر موقف تجاه كل ما يحدث حوله ،هذا مؤكد .ولكن موقفه األول هو موقف الشعر ،فال يستطيع شاعر أن يحمل يف يد قضية ما ،دون أن يحمل يف األخرى غصن الشعر األخرض ،الذي يحفر له الطريق ويعبدها حتى آخر أرض . نحن إذا أمام فوىض ِ«شعرية» عارمة ،تجر املشهد إىل مناطق فارغة ،مبنية يف الهواء .فام معنى ما نشهده من «حروب» يقودها شعراء باسم الحداثة والرتاث وشكل القصيدة وحجمها وما إىل ذلك؟ أال يكون هذا تطرفا وإن كان ناعام؟ متاما كالتطرف إىل مذهب أو طائفة .أال يرسق ذلك الشعر من جوهره ويأخذه إىل مساحات سطحية تجعل منه كائنا جافا؟ وما نفع القصيدة إن مل يحتويها املاء وحرير الكالم والقول ،وإن مل تكن حرة من كل قيد يرسم شكلها وإطارها وكأنها مجرد كومة من الحجارة واالسمنت ! هذا القيد يضعه البعض يف يد القصيدة عن قصد أو دون قصد ،كل ذلك يحدث باسم الحداثة وما بعدها ،والرتاث وما احتواه. وهو ما انشغلنا به لعقود دون أن نصل إىل نتيجة واضحة ،ودون انتهاء لهذا الجدل الذي ظهر تحت عناوين كثرية بعيدة عن الواقع والحقيقة ،وما دعوة القطيعة مع الرتاث إال مثال عىل ذلك ،فكيف ميكن لنا أن نحفر قربا لرتاكم معريف وثقايف هائل واألهم من ذلك أنه ال يزال حيا ؟! ّ إن ما كتب من شعر عريب عىل مدى التاريخ يشبه قصيدة شعرية واحدة ،كتبها شعراء كرث .وال ميكن أبدا أن نقطع هذه القصيدة إىل وجبات حسب وصفات «جنونية» مفتعلة ،ال تخدم الشعر بقدر ما تخدم أصحابها .وهنا تربز الحاجة إىل مراجعة موضوع الجنون ال سيام ،ذلك الذي يتعلق بالشعراء issue (5)- October - 2012
129
نقد
أحمد راشد ثاني
صبي تحت الضوء قصيدة الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني «تحت الضوء» رؤيا خاصة للحياة ،غابة من المرايا التي تعكس عوالم الشاعر حين يفتح «صبي الروح» عينيه للضوء ويترك ألحالمه أن تسافر في إقليم النهار والليل
إبراهيم أحمد ملحم
تتألف
قصيدة «تحت الضوء» من سبعة مقاطع ،يبدأ كل مقطع منها بالتعبري «يستيقظ صبي الروح»؛ فالرقم سبعة يرمز إىل توايل أيام األسبوع السبعة ،وإعالن بدء كل يوم منها يأيت عن طريق الفعل «يستيقظ» .ليس الشاعر هو الذي يُسند إليه فعل االستيقاظ كل يوم ،يف القصيدة ،بل ما يسميه «صبي الروح» ،وألن التعبري متكرر ،فال مشاحة من إضاءة املقصود به قبل الرشوع بالقراءة؛ فهذا الصبي هو الشعر الذي ال يشيخ ،فيبقى محتفظاً بزمن الصبا املدهش ،كام يحتفظ «كيوبيد» بزمن الحب ،وهو ليس صبي كسائر الصبيان «فيزيايئ» ،بل إنه انحدر من ُصلب الروح روحاً أخرى ،تضاعف من وجود الشاعر يف الحياة ،وتبقى بعد الرحيل عن الدنيا. هذا التحديد ملعنى «صبي الروح» ،يجعلنا نركز يف تناول أجزاء القصيدة عىل الهدف من يقظته يف كل مرة؛ فهو يريد أن يرى الحياة عىل طبيعتها ،ثم يح ِّرك عنارصها نحو األفضل:
يستيقظ صبي الروح الكثري يك يرى الحياة، وهي تجري عىل األرض يك يرى اآلبار، وهي غاطة يف العطش.. يستيقظ صبي الروح قبيل يك ُينهض اآلبار املخلوطة بالدم،
130
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
ُينهضها من سباتها الرميل فتقوم عارية، وبال ما ٍء ُيذكر.. تقوم اآلبار من عمق الصحراء وتركض كاملجنونة وعىل ساحل البحر، وهي تبيك الينابيع التي هجرتها واختارت الصخور
إن النعت «الكثري» ليس لكلمة «الروح» املؤنثة تأنيثاً معنويّاً ،بل لكلمة «صبي» ،وهو الكثري؛ ألنه يتشظى يف كل قصيدة يقولها .تطوف روح الشاعر متخذة من الشعر قوتها التي متكن من التطوف يف أرجاء األرض لرتى الحركة تدب عليها ،بعد أن يصحو الناس ويتوجهوا إىل أعاملهم.
أحمد راشد ثاني
يلجأ الشاعر يف تصوير «اآلبار» غاط ًة يف العطش إىل التغيري يف دورة الحياة؛ فاآلبار التي تلعب دور الواهب للسقيا، ال متتلك ما يجعلها تدفع قسوة العطش .والسبب يف ذلك أنها باتت تختلط بالدم .ما زال املعنى غائرا ً ،وحتى يقرتب من السطح ،ينبغي معرفة الرمز الذي تحمله «اآلبار» .إنها الشاعر يف الحياة اليومية /اإلنسان الذي تتيقظ روح الشعر يف داخله فتطوف عىل األرض قبل أن يصحو ،إنه اإلنسان الذي مل يرتو من الحياة بعد ،عىل الرغم من أنه يهب الحياة لآلخرين عرب الشعر ،كام تهب اآلبار الحياة للناس عرب املاء. يحاول الشعر أن يجعل «اآلبار املختلطة بالدم» ،مشريا ً إىل املعاناة جراء املرض ،تصحو من سباتها .وهنا ،ينعت السبات بـ»الرميل»؛ ألنه يجر الذات إىل املوت حيث االلتحام بالرمال يعد التحاماً نهائيّـاً. تستجيب «اآلبار» لصبي الروح «الشعر» ،فتنهض من سباتها يف عمق الصحراء ،وتسري بحركة ال يفعلها إال َم ْن أصابه الجنون .كانت هذه «اآلبار» تبيك بسبب هجرة الينابيع لها ،وتفضيلها اللجوء إىل الصخور .وبتعبري آخر :كان اندفاع الشاعر ،بفعل الشعر ،قويّـاً إىل حد الجنون ،ولكن «الينابيع» ،أو الناس الذين وهبهم بالشعر حياةً ،قد هجروه، فرتكوا «الصحراء» حيث «اآلبار» ،ولجأوا إىل أماكن أخرى يتوحدون فيها مع الصخر .ولعل هذا ما جعل الشاعر يبيك أولئك الناس الذين سلبت املدينة منهم أصالة الحياة حيث الشعر. إن العيون املغمضة بفعل النوم ،تبقى غائبة عن الحياة الحقيقية التي يرينا الشع ُر إياها ،فيجعل الشاعر يعاين تفاصيل الحياة اليومية بكل مظاهرها وتناقضاتها؛ حتى يكون صوت اإلنسان من خالل الشعر:
يك يحاول الدخول يب «أنا قطار الصدفة» إىل العامل.. إىل مزاح العامل، وتذمر العامل، وجنونه.. يستيقظ يك أدخل يف غابات مراياه، يك أغوص يف رمل مراياي، ُوأدفنُ تحت الضوء، وتلتهمني ضحكات الوقت.
إن استيقاظ «صبي الروح» ليس رشطاً أن يكون من أجل تشكُّل القصيدة يف كل مرة؛ فقد جاءت كلمة «يستيقظ» خمس مرات ،لآلن ،ولكنها مل تقد أي واحدة منها إىل هذا التشكل؛ ألن القصيدة تولد بعد معاينة ما يجري يف الحياة اليومية ،وانعكاس تأثريه عىل الذات .يف هذا الجزء من القصيدة ،يأيت الفعل «يستيقظ» ليعلن عن هذه الوالدة:
يستيقظ صبي الروح مجدداً لقضقضة الكلامت، والقرطاس، واألتربة.. يستيقظ لتعاطي غبار الوهم الخالد
يستيقظ صبي الروح يك يخرجني من العيون املغمضة ألعامق املحيطات، ومن هذيان الطيور يف رؤوس األشجار يستيقظ يك ُيخرجني من غمرات الرسير ومن عامء النوم األبيض، يك يخرجني إىل العامل، يك يدخلني،
issue (5)- October - 2012
131
نقد
ودحرجة األفكار كاألمواج عىل هذا الساحل املقفر.. يستيقظ صبي الروح قبيل لوضع قطعة من خبز الغيوم يف فم البرئ الجائع، وجناح بعوضة يف كأس الوردة األحمر
إن كلمة «قضقضة» التي اقرتنت بالم التعليل ،تكشف عن كون الشعر فاعالً؛ فصبي الروح /الشعر ،يتخذ الكلامت مظهرا ً له ،وتكشف ،أيضاً ،عن ألفة الشاعر لهذا الفاعل بحيث يبوح له مبكنون صدره .القضقضة نفسها، ت ُكتب يف «القرطاس» ،أما كلمة «األتربة» ،فتكشف عن املحتوى ،وهو الحديث عن املوت .ما يالحظ ،أن الشاعر سمى الشعر بـ«غبار الوهم الخالد»؛ فالغبار يعني أن الشعر هو نتاج معركة يف الحياة ،ورصاع مع املوت املرتبص له بصورة املرض ،كام يكون الغبار نتاج معركة رشسة مع العدو ،وأن هذا الشعر يبني عاملاً متخ َّيالً؛ فهو ليس حقيق ّيـاً مبعنى املطابقة مع الخارج ،وألنه كذلك، فلن يطاله املوت كام يطال كل األشياء الفيزيائية .وتأيت األفكار التي تتضمنها أبيات القصيدة إىل الشاعر ،كام تأيت أمواج البحر إىل الشاطئ؛ أي أنها تأيت بحركتها الطبيعية. االستيقاظ الثاين ،يف هذا الجزء من القصيدة ،الذي يأيت قبل استيقاظ الشاعر /اإلنسان ،يهدف إىل شيئني: األول :وضع قطعة من خبز الغيوم يف فم البرئ الجائع، ما معنى هذا الكالم؟ يفيد حرف الجر «من» التبعيض، ويعني بـ«الخبز» الشعر ،وقد جاء الرتكيب «خبز الغيوم»؛ ليؤكد أن الشعر هو الذي يُغذي فينا األمل ملواصلة
الشعر يبني عالم ًا متخيَّ ً ال؛ فهو ليس حقيقيّـ ًا بمعنى المطابقة مع الخارج ،وألنه كذلك ،فلن يطاله الموت كما يطال كل األشياء الفيزيائية
132
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
الحياة ،فهو األصل ،كام الغيوم هي األصل لضامن استمرارية الحياة ،وليس البرئ التي تبقى مرتقبة ،عىل الدوام ،ملا تجود به الغيوم حتى متتلئ باملاء؛ فام يجعلها جديرة بتسمية «برئ» هو تحويل ما تجود به الغيوم إىل جزء من تكوينها ،وكذلك يريد الشاعر لإلنسان حتى يكون جديرا ً بالحياة أن يصبح الشعر جزءا ً من تكوين شخصيته .وهكذا ،تكون القطع ُة من الخبز ،القصيد َة كل أولئك الذين يتذوقون من الشعر ،وتكون البرئُ الجائعةَّ ، الشعر حتى يزين لهم الرغبة يف البقاء. الثاين :وضع جناح بعوضة يف كأس الوردة األحمر .مرة أخرى، أطرح السؤال السابق :ما معنى هذا الكالم؟ يعني التعبري «كأس الوردة األحمر» كل أولئك الذين انغمسوا بالجوانب املادية، فأترفوا فيها ،ويأيت وضع الجناح يف هذه الكأس؛ لإلشارة إىل أن ما انغمسوا فيه ال يعدل ،يف النهاية ،جناح بعوضة. إن استيقاظ الشعر ،يف كل مرة ،يوقظ يف الذات تلك الطاقة الجامحة التي تنعكس آثارها عىل الذات ،فتحيلها إىل يشء آخر:
يستيقظ الصبي يف روحي يك أستيقظ أنا من ذايت يك تغتسل أناي يف صحن الضوء، وتشتعل يف عيوين رغبات الريح، ويحرتق لساين من جمر الصمت.. يستيقظ يك تسطع جبهتي عىل سفوح النسيان، وتثمر يدي األصابع كالتني اليابس، تثمر يدي األحجار
يف هذا الجزء من القصيدة حرصا ً ،تحل عبارة «يستيقظ الصبي يف روحي» محل عبارة «يستيقظ صبي الروح» ،فام مييز هذا الجزء من سائر األجزاء األخرى؟ هناك تحول من اإلنسان الشاعر /املوجود الزمني إىل الشاعر اإلنسان /الخارج عن سلطة الزمن؛ فاإلنسان الذي يقول الشعر قهره املوت ،ولكن شعره بقي موجودا ً ،والروح التي تسكن فيه تتجىل يف الحياة بقوة، وكأن الشعر ،اآلن ،يسكن يف الروح فيوقظها منعتقة عن الجسد «أستيقظ من ذايت» ،ومتيض يف نسق يناسب طبيعتها :تغتسل يف
أحمد راشد ثاني
يحرتق الشاعر حتى تولد القصيدة ،وعندما تولد يسعى إىل أن تدور عىل ألسنة الناس جميعاً ،ولكن هؤالء ليسوا عىل مستوى واحد يف التعامل معها ،وهو ما يجعل الشاعر يحرتق مرة أخرى ،وهو يشاهد ما يحدث:
صحن الضوء ،وتشتعل يف العيون رغبات الريح يف االمتداد بقوة ..ولكن ،ما قيل قد قيل وانتهى األمر ،ليست هناك قصائد أخرى ،ولهذا يحرتق اللسان من «جمر الصمت». وعىل الرغم من ذلك ،فإن ما قيل ،يكفي ألن يجعل جبهة الشاعر مفعمة بالحياة. وإذا كان استيقاظ «صبي الروح» له تأثريه الفاعل يف حياة الشاعر ،فهل له تأثريه الفاعل يف حياة اإلنسان الذي يخاطبه؟ لعل هذا ما سيجيب عنه الجزء اآليت من النص:
يستيقظ صبي الروح لفتح العيون عىل براري الجدران، وحقول املرايا.. السرية التي نأيت عىل ذكرها هنا، ما زالت يف البداية، والدقائق تبدو كالطحني لدواجن الليل وطيوره، تبدو كالكالم لحركة اللسان يف الفم
يستيقظ صبي الروح يك يضعني عىل قارعة النهار.. النهار الواقف لالستقبال، ولالستعامل، ولإلهامل.. إلصابة الهدف، واصطياد كل تلك العصافري.. النهار الخائف، وتردد الخطى بني الباب املدفون يف الجدار، واملصعد الذي جاء يف املوعد الصدَف يك ينتظر ُّ ُ تنزل إىل العمل يف أي وقت.. النهار الزائف
تتكرر كلمة «النهار» يف هذا الجزء أربع مرات ،وهي ال تأيت منفصلة بل تكون مضافاً إليه «قارعة النهار» ،أو تتبعها الصفة «النهار الواقف ،النهار الخائف ،النهار الزائف»، األوىل« :قارعة النهار» ،تعني النهار يف الحياة اليومية حيث يسعى الشعر إىل توسيع دائرة الرؤية عند اإلنسان؛ ليجعل حركة الناس ،وتأيت البقية للتفصيل يف طبيعة هذا النهار؛ لألماكن الضيقة التي يعيش فيها أفقـاً ممت ّدا ً ،ولهذا مل تعد األشياء صامتة أو ساكنة أو جامدة؛ فالجدران أصبحت مضافاً فاإلنسان ميارس فيه الحركة بني االستعامل /قراءة الشعر، واإلهامل املفيض إىل قتل مساحة الحرية التي تتحرك فيها إليه ،واملضاف هو «براري» ،واملرايا أصبحت مضافاً إليه، واملضاف هو «حقول» .والهدف من جعل هذا األفق ممت ّدا ً أبيات القصيدة ،وتحاول أن تجره إليها« ،اصطياد كل تلك هو القضاء عىل كل ما يحول دون الرؤيا التي تزين لإلنسان العصافري» .هذا النهار ،يخاف فيه اإلنسان من الشعر ،ومن أجل ذلك ،تبقى خطاه مرتددة بني أمرين ،األول :الخروج من من خالل الشعر الرغبة يف البقاء؛ فالشعر يطلق الرصاص الباب املدفون يف الجدار ،وهو الحقيقة الصافية والحرية التي عىل الريح التي تحاول النيل من تلك الرغبة ،ويجمع ما ال ت ُنال إال بكشف الخفي للميض بشجاعة نحو ما يدعو إليه تف ّرق معـاً حتى ليخال املرء أن هذا الجمع كان مستحيالً الشعر .الثاين :اإلعراض عن الشعر ،واالنصهار بالروتني اليومي: قبل الدخول يف الرؤيا؛ فالشعر يضع خاتم موجة يف إصبع انتظار املصعد ،وترك األمور للصدف ،والنزول ملامرسة األعامل أخرى حتى يحقق السعادة لإلنسان يف برهة زمنية هي لحظة قراءة القصيدة ،واللحظات التالية التي قد تطول وفق املعتادة ،وهذا هو «النهار الزائف» /إهامل الشعر حيث نُبرص القشور ،ويعمينا عن النهار الحقيقي /الشعر حيث نرى قدرة القارئ عىل البقاء تحت تأثريها. الجوهر issue (5)- October - 2012
133
رأي الشاعر مازن معروف .......................................................................................
القصيدة والربيع العربي
شعراء اليوم غائبون
الحدث
الثوري يف الرشق األوسط ،هو املرحلة امليكانيكية لرصاع لطاملا ظل قامئاً ما بني مؤسسة قمعية اجتامعياً وعسكرياً ،وذاكرة .تحديدا ً ،بني سلطة املؤسسة وسلطة الذاكرة .أما خط التامس الدائم بني هاتني السلطتني ،العظيمتي النفوذ ،فقد كان الفرد نفسه .الفرد هذا كان أشبه بقامش ٍة يَ ِح ُّك وجهها األول حجر ،ويحك وجهها اآلخر حجر آخر باالتجاه نفسه .حج ٌر يك يعيق ،وحجر يك يخلع نافذة .التفت القامشة يف النهاية عىل حجر النافذة، ودثرته .يف ثورات الرشق األوسط ،تنترص الذاكرة بأغراضها القدمية :األمل .وانتصارها مدفو ٌع بتعاطف مع الحياة .وانحياز لها .وال مبالغة يف قول إن املنتج الشعري -السيايس تحديدا ً ،يف آخر مائة سنة ،هو اإلبرة التي جعلت من «يوم الثورة» أمرا ً ممكناً .وأي ديكتاتور يف الرشق األوسط إن أمسك بالذاكرة املعارصة وخشخشها وقَلَ َبها فإن قصيدة أبو القاسم الشايب «إذا الشعب يوماً أراد الحياة /فال بد أن يستجيب القدر» ستهوي فوق رأسه كحجر ثقيل. هذا البيت الشعري ،يَشُ ُّد الذاكرة العربية كنسيج ،ورمبا قد يكون أكرث املواد الشعرية تداوالً بني األجيال وتناقالً .ككرث، كنا قد نسينا داللته لفرتة طويلة .لكن ،ومع بداية االحتجاجات الشعبية يف تونس ،عاد لينفجر يف وجوهنا ،طازجاً كأنه بيت الشعر .االحتجاجات الشعبية يف تونس كُ ِتب لتلك املناسبة ،وتفاجأنا مبدى صالحيته .ن ُِخ َر النظام السيايس ومل يُن َخ ْر ُ ُ النصل الذي لوحت الهتاف كان َ مل تبدأ بعمل مسلح ،وال بحركة عسكرية يقودها ضباط أو سياسيون أو أحزاب معارضة. به الجامهري التونسية أمام سلطة بن عيل ،وأول شعار رفع آنذاك ،كان «إرحل»« .إرحل» ولد من لعبة يف املجاز واملعنى والهدف .التعبري الذي استخدمته الرشطية التي صفعت محمد البوعزيزي ،إستله املحتجون يومها ،وشقلوا داللته ووضعوه يف كادر القيمة السياسية الخطرية ،وع ّدلوا اتجاهه ،يك ال يعود مص ّوباً نحو بائع خرض وفاكهة مسكني ،بل نحو الديكتاتور .أول أدوات الثورة ،كانت لغويةً ،لكزا ً للمعنى ،وتعديالً ملسار الصيغة اليومية التي أرادها النظام .ومنذ بدء الحراك هل يمكن للمصادفة الشعبي ،أُ ِ عطيَ ْت اللغ ُة املسؤولي َة الكربى .كانت بالنسبة المتمثّلة بكون البوعزيزي للمتظاهرين الحقل الذي يجب أن يقطفوا منه النباتات والشابي ،تونسيين ،وأن ليؤلفوا منها صيغاً تجلب انتباه الشمس .وما لبثت «إرحل» سحبت خلفها كَماّ ً من الشعارات واليافطات التي خيطت أن ْ يكون االول شرارة الحدث بذكاء ،لترتك صدى حادا ً يف عظم النظام ،ولتعكس عالقة المصيري ،فيما يكون الثاني متينة بني شعب نظر إليه النظام كضعيف وبسيط ،وقاموس أحد واضعي أسس عالقة شعري ولغوي مل نكن نتوقع أن يكون له يوماً هذا األثر. الذاكرة الحديثة بالقصيدة لكن ،هل ميكن للمصادفة املتمثّلة بكون البوعزيزي والشايب، تونسيني ،وأن يكون االول رشارة الحدث املصريي يف الرشق السياسية األوسط ،فيام يكون الثاين أحد واضعي أسس عالقة الذاكرة 134
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
القصيدة والربيع العربي
ميدان التحرير
الحديثة بالقصيدة السياسية ،الدور األبرز يف لعب الشاعر دورا ً يف «الربيع العريب»؟ سواء كانت االجابة عن هذا السؤال بنعم او ال ،فالعالقة بني الشاعر والتزام العمل السيايس ،متتد يف جذورها إىل ما قبل «الربيع العريب» .هي بذلك ليست أسرية املستجد السيايس وحده ،وإمنا تصب يف عمق الثقافة العربية ومكانة الشاعر االجتامعية تقليدياً ،واألهمية التي ال يزال يحظى بها رمزياً يف األوساط الشعبية برغم كل العوائق املعيشية التي متنع الناس يف كثري من األحيان من االحتكاك بالقراءة واملنتج الشعري .ففي املدرسة ،تسبق القصيدة الفنون األخرى يف تواصلها مع التلميذ .يُلقَّن األطفال االستظهارات الوطنية والرتبوية ،ويدرس الجيل األكرب منهم تطور القصيدة العربية وأساليبها ويحفظون أسامء أبرز الشعراء .يط ِّور املواطن يف الرشق األوسط بفعل هذا عالقة خاصة مع القصيدة ،ويكتسب الشعر املقفى واملوزون أهمية كمؤثر عاطفي وفعال ،ويصبح املكون األساس يف الهتافات واالحتجاجات .وألن الشاعر أيضاً ميال بطبعه إىل تضخيم الحدث والتفاعل يف الحد األقىص معه والتلصص عىل الفجيعة ،فإن تطورا ً طارئ ومفاجئ كـ»الربيع العريب» ال بد وأن يدفعه إىل أن يرتدي بذلته اللغوية ويغطس بعدته يف اللحظة. والذاكرة ،كام هي مليئة بالقصائد واملحفوظات الشعرية ،هي أيضا متخمة بأسامء الشعراء الذين قتلوا ولوحقوا وهددوا واعتقلوا عىل مر عقود .أول ُصور الشاعر امل ُ َعاقب تعود إىل عام .1915علقت آنذاك السلطات العثامنية املشانق يف بريوت ودمشق ملجموعة من املثقفني والصحافيني وكان بينهم الشاعر الشعبي عمر حمد الذي أذهلت صالبته قياساً بصغر سنه الكثريين .والشاعر املرصي الكبري مثالً فؤاد حداد ،كان اعتقل عدة مرات يف خمسينات القرن الفائت ،كام الشاعر املعروف أحمد فؤاد نجم الذي لطاملا رددنا يف تظاهرات بريوت يف أواخر التسعينات واوائل االلفية الثالثة مقاطع قصيدته «شيد قصورك عل املزارع /من كدنا وعمل إيدينا» .وقد برز شعره بعيد نكسة ،1967وتوقيع كامب دايفد وفساد أجهزة مبارك. واعتقل يف الستينات والسبعينات ،ومل يعفه نظام مبارك من املالحقة والحبس .الشاعر السوري محمد املاغوط أودع يف منتصف الخمسينات يف سجن املزة ولوحق أيام الوحدة واضطر إىل الهرب إىل بريوت .وهو الذي كتب يف مرسحية كاسك يا وطن «ما ناقصنا إال شوية كرامة بس» .كذلك مواطنه الشاعر الكبري نزار قباين الذي اضطر ألن يعيش منفياً يف لندن بسبب نظام حافظ األسد وذلك لقصائده السياسية الالذعة التي أزعجت نظام حزب البعث ،وهو الذي كتب «يف حارتنا ديك سادي سفاح» .أما الشاعر السوري حسن الخيرّ والذي كتب يف مطلع قصيدة تناقلتها الشفاه «ماذا أقول وقول الحق يعقبه جلد السياط وسجن مظلم رطب» ،فقد اعتقل يف سبعينات القرن املايض عىل يد النظام السوري ،ومل يعد له من أثر من يومها ،وقيل أنه قبع يف أحد سجون النظام وقطع لسانه قبل اعدامه .ومن ثم كان نصيب مواطنه الشاعر فرج بريقدار أربعة عرش عاما من السجن بدأت يف .1987والقامئة تتسع ألسامء عديدة أخرى. لكن ،هؤالء الشعراء أنشأوا كتاباتهم يف مبادرات فردية نقدية مل تكن مدعومة بأي احتجاج شعبي أو موقف سيايس عام .كانوا يف النهاية أفرادا ميتلكون موهبة الشعر ،ورمبا مل يكن الواقع الجائر ليسمح لطموحهم بأن يتعدى أكرث من محاولة تحسني نظام الحكم ،ال اقتالع جذوره .غري أن مهمة الشاعر يف الربيع العريب اختلفت متاما .إنها أكرث دقة ومبارشة issue (5)- October - 2012
135
رأي الشاعر
ومصريية .ما يكتب ال ميكن الرتاجع عنه .موقف الشاعر حاسم ،وهو مل يعد مجرد إشتغال يف الغرفة بعيدا ً عن الساحة والشارع والزقاق .ليس الشعر يف الربيع العريب إستظهارا ً يف صف املدرسة أو زخرفات عىل الدفرت .القصيدة حملت أدواتها ونزلت إىل قلب الثورة .واتخذت مساحة لها ،مكان تجمع املتظاهرين ،بديال عن الورقة الفارغة .فمساحة الشارع أدفأ، وأكرث حيويةً .هناك يستقبل الناس الشاعر من دون أن يضطروا إىل الصمت .ال أحد يصمت ،ال الشاعر وال الجمهور، والجميع يتساوى يف القضية املعلنة .ينتقل التواصل ليصري مبارشا ً ،ال ضوابط ،وال منصات .الشاعر قد يحمل عىل االكتاف، وعندما يتم قتله أو اعتقاله أو اقتالعه من تربة الثورة ،فإن قصيدته تتحرك من فم إىل آخر وتقفز متملصة من عنارص األمن والرشطة وأزالم النظام من املدنيني .لهذا ،فإن القصيدة يف الحراك العريب ،تكون ُذ ِّوبت يف الحدث ،لتصبح عىل مستوى من االهمية بحيث تحرض وتحفز ،وتثري وتحرك وتشحن وتغذي وتتنازل عن ملكيتها للشاعر لتصبح حقاً عاماً متداوالً .ففي الحراك العريب الحايل مل يعد هنالك من منرب ،وال حتى من صاحب نص أو مؤلف .أصبحت الكلامت مودعة يف خزنة الثورة لتخدم مطالب الدميقراطية والعدالة االجتامعية ورفع الظلم ووقف القتل ومغادرة السلطة ومحاكمة أرباب النظام. والنظام بدوره ،وجد نفسه أمام عدو عنيد .ليس بشخص ،بل برتك ٍة فنية .تفرج عاجزا ً ،عىل القصيدة وهي تعمل عىل تنشيط الشارع وتشجيعه عىل اإلستمرار يف التظاهرات .رواج الهتافات بتلك الرسعة يف الشارع العريب مرده إىل أن العالقة بني الشارع والشعر ،قدمية ،كالسيكية ،لها عالقة بالرتاث ،واألسس الرتبوية املدرسية وخصوصية املجتمع العريب الزاخر باألمثال املوزونة كـ»ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك» (اإلمام الشافعي) .لذلك ،شهدت الثورات العربية حوادث طالت شعراء بني االعتقال والتنكيل ،باسلوب مشابه العتقال أسالف لهم من الشعراء .ولعل أشهرهم بلبل الثورة السورية ابراهيم القاشوش ،الذي غنى يف حامة لرحيل بشار األسد الرئيس السوري الحايل ،وخرس حياته مثن قصيدته التي يقول فيها «والحرية صارت عل الباب ..ويلال إرحل يا بشار» .القاشوش وجدت جثته يف نهر العايص ممزقة وعنقه منحور من الوريد إىل الوريد وحنجرته مقتلعة .حنجرته ال حنجرة القصيدة التي ال تزال عىل قيد الحياة يف كل شارع سوري منتفض. لكن لعبة ال ُجمل الشعرية ،والتزام خيار العبارة بدل التسلح ،انتقل من أن يكون عمال فردياً يؤديه شاعر واحد معلناً اسمه ،إىل نتاج جامعي باسم مجموعة سكان .مدينة كفرنبل السورية مثال ،قدمت ظاهرة غري مسبوقة يف الثقافة العربية. يافطاتها باتت تقارع الشعر يف حدتها ونربتها النقدية الصارمة ،من دون أن تعلن اسامً .تطور عمل الجامعة .صارت تنتج الشعر بدل أن يقترص دورها عىل استقباله .الشعر أصبح مهمة فعلية يتقاسم مسؤوليتها الناس يف األزمة .ويافطات كفرنبل هي يف أحد أوجهها احتضان ملكانة الشاعر يف وقت يحاول النظام أن ينكر صورته ،وينفيه ويهدده .بدال من ترفع كمقولة باسم الشاعر ،ترفع اليافطة اليوم باسم الناس جميعا ،وهم يعرفون األثر الذي ستخلفه يف عظم النظام ،مدركني لتبعات غضبه .انتفى كل تنصل ولو ضئيل من الكلمة املكتوبة .إحدى الفتات كفرنبل تقول «سأزور قربك يا قاشوش يوماً ما وأقيض بقربك ليلة كاملة أمألها بالغناء وأقص عليك كيف أسقطنا النظام» .إنه انعكاس صورة الشاعر بهيئة مدينة بأكملها. مل نجد إىل اآلن إشارة عىل أثر «الربيع العريب» يف بلورة قصيدة «جديدة» .فكل ما ينهل منه شعراء «الثورة» هو مفردات استخدمت يف الستينات والسبعينات .وقد يكون األمر مبكر جدا ً عىل تص ّور ما قد نسميه ارتدادات الثورة شعرياً ،كام أن ظروف الفن وغياب املدارس الفنية الجامعية ،قد تبدو جميعها عوامل غري مبرشة فيام يتعلق بتأليف قصيدة «غري مسبوقة» تتامىش مع الحراك الشعبي غري املسبوق .غري أن طريقة تداول املنتج الشعري ،وتوظيفه للمراد السيايس والتاريخي ،يبلغ من األهمية بحيث يضع األرضية لشعراء يك ينشئوا قصيدة مغايرة فعالً .خاصة وأن الشعر مل يعد نزيل كريس وطاولة بعي َدين أمياالً ضوئية عن الشارع
136
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
قول على قول
فن الشعر
حواش إضافيّة وبعض ٍ اختيار وترجمة -تحسين الخطيب
ُ األشن ُة - آرشيبالد ماكليش عىل القصيد ِة أن َ كلامت تكون بال ٍ كرسب عصفافري. ال ُب َّد للقصيد ِة أن َ ِ تكون واضح ًة *** وخرسا َء ً ال ُب َّد للقصيد ِة أن تكون ساكنة بال كثمر ِة كر ٍة أرض ّي ٍة، ّمن حر ٍاك يف الز ِ بكام َء مثلام يصعدُ القم ُر، لإلبهام، صيعات القدمي ِة كال ّر ِ ِ ً الباب ،راحلة ،مثلام ُي ْع ِتقُ القم ُر،ِّ صامت ًة كحج ِر حواف النافذ ِة ِ ً ً غصينا غصينا ،األشجا َر التي ليت أردا ُنهُُ ، الذي َب ْ كربت حيث ِ
ْ تشابكت بال ّليلِ ، راحل ًة ،كام ُ يرحل القم ُر الذي َ خلف الشتا ِء، عن العقلِ ذاكر ًة ذاكرة - ال ُب َّد للقصيد ِة أن َ تكون ساكن ًة بال ّمن حر ٍاك يف الز ِ مثلام يصعدُ القم ُر. *** ال ُب َّد للقصيد ِة أن َ تكون نظري َة: الحقيقي. ليس َ ّ ّ ّ تاريخ األىس كل ألن ِ مدخل ٌ ٌ فارغ وورق ُة َق ْي َق ٍب. ّ الح َّب ألن ُ العشب ُ املائل َ هو وضوءانِ اثنانِ ُ عىل البح ِر- ال ُب َّد للقصيد ِة ألاّ َتع ِني بل أن تكون. .................................................... ِب ِث ْن ِته هويدوبرو
ُ وليك ِن ّ مفتاح الشع ُر مثل ٍ يفتح َ باب. ُ ألف ٍ ُ ورق ِة أشجا ٍر تسقط .وأخرى تط ُري. ُ تستطيع الع ُني أن وليكن -بق ْد ِر ما ُ ترى -مخلوقاً تسمع» إىل وح «التي ُ ولرتتعش ال ّر ُ ِ issue (5)- October - 2012
137
قول على قول
يرانا يف أعامقِ املرآ ِة. األب ِد. قلي ًال، َ َ ً واحرث الكلمة .ال ُب ّد للفنِّ أن َ يكون كمثلِ تلك اخرتعْ عوامل جديدة ِ فارغ كمرآ ٍة عتيق ٍة ،كرائح ِة ٍ بيت ٍ ً ُ الض ُ حيث يعو ُد ّ والصفة ،ح َ ني ال متنح حياة ،اقتلها .املرآ ِة، ّ يوف يف ال ّليلِ ُ ّ يكشف لكل واح ٍد منّا وج َههُ. األعصاب- نحنُ يف دائر ِة سكارى بال َح ْيلٍ ، ِ ً ُ َ عوليسُ ،منهكا من يقولون ّإن تتدلىّ عضالتنا األرض، َ ثياب مرم ّي ٍة عىل ِ ورائحة ٍ ات، املتاحف، كذكريات ،يف ِ املعجز ِ ٍ غياب أزها ٍر َو ُ ً أو ربمّ ا ّوال يش َء ُّ قد بىك ح ّبا ح َ ني رأى إيثاكا، يفت يف عضدنا. أقل كآب ًة بطريق ٍة ما- ً ٌ عنفوان ٌ محض يح تجلدُ صدريَ متواضعة وخرضاء .الفنُّ هو إيثاكا لكنّ الحقيق َة ّأن ال ّر َ َ تلك، الرأس. فجأ ًة، يسكنُ يف ِ ٌ ُ الشعرا ُء! لِ َم تغن َ أ ّيها ّ ات. ّون عن الورو ِد؟ أبد ّية خرضا ُء ،وليست معجز ٍ وال ّليايل الكثيفة بال َتنَا ٍه قد ح ّلت يف ّ الفنّ رسمديٌّ كنه ٍر يتدفقُ ، دعوها تتفت ُّح يف قصائدكم ! غرف ِة نومي، َ َ ً ً ليس إلاّ ُ ، يعيش لذات رغم بقائ ِه ،مرآة ِ ني عابراَ ، فهناكَ ، ُ ضجيج نها ٍر أ َّج بالقراب ِ ُّ تحت ّ كل يش ٍء ،من أجلناَ ، هرقليطس املتق ّل ِب ،الذي هو نفس ُه مس. يطلب بالكآب ِة النّبويَّ الذي َّيف، الش ِ ُ َ ّ َب ْي َد أ ّنه اآلخر ،كالنّه ِر املتد ّف ِق. الشاع ُر كإل ٍه صغري. جاب، ّمث َة دويّ أشيا ٍء تنادي وال ُت ُ ٌ ٌ .................................................... .................................................... واسم مش ّو ُش. وحركة هائجةٌ ، .................................................... بابلو نيرودا خورخي لويس بورخيس وقت وما ٍء أن تحد َّق يف نه ِر ٍ َ الوقت نه ٌر آخ ُر. ُث ّم تذ ُكر ّأن أن َ تعرف بأ ّنا ُّ نضل كاألنها ِر ثم تفنى كاملا ِء وجوهُ نا. ّ َ ّ حلم آخ ُر ة اليقظ بأن ر تشع أن ٌ َ يحلم ألاّ يحلم ّ وبأن َ املوت ُ َ الذي نخشا ُه يف عظامنا هو ُ املوت الحلم ّ كل ليل ٍة. الذي ندعو ُه َ وعام رمزاً أن ترى يف ّ يوم ٍ كل ٍ ِّ لكل أ ّي ِام اإلنسانِ وأعوام ِه، السن َ ني ثم تح ّول َ ّ غضب ّ وصوت ،ورم ٍز. موسيقى، إىل ٍ ً املغيب ويف ، ام حل املوت أن ترى يف ِ ِ حزناً ذهب ّياً -كذا هُ َو ّ الشع ُر، متواضعاً وخالداًّ ، الشع ُر، واملغيب. عائداً ،كالفج ِر ِ أحياناًّ ،مثة وجهٌ يف املسا ِء 138
بيت الشعر
ني ِّ الظل والفضا ِء ،ب َ ب َ وج ني السرّ ِ والعذارى، بقلب ُمف َر ٍد وأحال َم ُمهلك ٍة، ٍ طائش ،ذاب ًال يف شاحباً عىل نح ٍو ٍ ني الجب ِ غاضب ّ يوم باح كأرملٍ ويف ّ ٍ الص ِ كل ٍ من حيايت، آ ٍهِّ ، في كرعتها لكل َجرع ِة ما ٍء َخ ٍّ َو ِسناً، ِّ صوت أشهقهُ ،مرتعشاً، وبكل ٍ وذات بذات العطش املفقو ِد ِ أشع ُر ِ ِ الح ّمى البارد ِة، هَ ا ُتولدُ َ اآلن ُأ ٌ وارب، وجع ُم ٌ ذنٌ ، كام لو ّأن لصوصاً َ يصلون أو أشباحاً، يف داخلِ َصدف ٍة مج ّوف ٍة ،عميق ٍة، ومديد ٍة، أجشاً كجرس صا َر ّ كنادلٍ مُهانٍ ، ٍ
العدد ( - )5أكتوبر/تشرين األول2012/
تشيسواف مييووش
لطاملا ُ تقت إىل شكلٍ أكرث رحاب ًة ُ بات ّ الشع ِر يكون متح ّرراً من متط ّل ِ أو ال ّن ِرث نفهم بعضنا بعضاً من َ دون يرتكنا ُ تعريض ِ عذابات القارئ إىل املؤ ّل ِف أو ٍ ِ عظيم ٍة. ٌ ّمث َة يف جوه ِر ّ فاحش: الشع ِر يش ٌء يش ٌء تق ّد َم ومل ند ِر أ ّن ُه قد َ كان فينا، ُ وثب من ٌر فرنمش ،كام لو َ وجلس يف ّ يرضب بذيل ِه. الضيا ِء، ُ َ كان ح ّقاً ُ لقد َ قول ّإن الشع َر ُتلقي ِه علينا ّ الشياطنيُ، نزعم أ ّنها ال ُب ّد أن َ ُ تكون ونبالغ إذ ُ مالئك ًة، الحدس من أينَ تأيت الصعب فمن ّ ُ
فن الشعر
وليس الشرّ ير َة، ّأن َ األرواح الط ّيب َةَ ، تختارنا آللتها املوسيق ّية. .................................................... إكس .جيه .كينيدي
وضعت البيض َة الذهب ّي َة اإلو ّز ُة التي ِ ماتت وهي ُ ْ منفرج تبحث عن ِ ساقيها َ لتعرف َ ْ عملت عضلتُها كيف العارصة. ستضع َ البيض ج ّيداً؟ ال تنظر. هل ُ .................................................... بريموس سانت جون
كربيا ُء ّ آالف األعاملِ الخارج ِة للت ِّو الشعرا ِء، تص ُّف ِح ِ ً ح َ اض النفس ّي ِة. ني تتبدّى هشاشتهم ،ملحقة بهم من ِ عيادات األمر ِ ولكنّ العامل ما زال مختلفاً عماّ الغالب. الخزي يف ِ ً يرغب يف أن َ يكون مدينة يبدو علي ِه فأيُّ عاقلٍ ُ ونحنُ غ ُري ما نرى علي ِه أنفسنا يف من شياطني، يترص ُف كام لو أ ّنهم عىل سج ّيتهم ،هذياتنا. ّ ّاس نزاه ًة صامتةً وينطقُ بألسن ٍة كثري ٍة، ولهذا يدّخ ُر الن ُ َ مكتسبنيَ ،بذلك ،احرتا َم أقربائهم اض عن رسق ِة والذي ،وهو غري ر ٍ والجريان. شفتي ِه ويدي ِه، ّ ُ غرض ّ ُ الشع ِر ْأن يذكرنا يعمل عىل تغي ِري قدَر ِه من أجلِ ً ً كيف صعبا أن ّ َ نظل شخصا واحداً، راحتهم؟ ً ّ مفاتيح يف مفتوح ،وال ألن بيتنا كئيب هو يف وليس كذبا ّأن ما هو ٌ َ ٌ َ األبواب، غاي ِة التّقدي ِر اليوم، ِ ٌ قد تف ّك ُر بأنيّ محتجبون َ َ ُ أمزح يأتون وضيوف لست سوى ُ َ ُ ويخرجون ىّأن شاؤوا. اختلقت وسيلة أخرى أو ُ ليس -أق ُّر- السخري ِة. ما ُ أرغب يف قول ِه هنا َ ملديح الفنِّ بعونِ ّ ِ َ كان ّمثة ٌ شعراً، وقت مل ُتقرأ في ِه سوى كتب عىل الكتب الحصيف ِة، كام ينبغي للقصائ ِد أن ُت َ ِ ُك ْرهٍ ،ملاماً، والبؤس. ِ تعيننا عىل احتاملِ األملِ ُ ً ذات عىل ك ْر ٍه ال ُ هذا ،بعد ّ ليس متاما َ يطاق وبأملِ كل يش ٍءَ ،
عىل حا ّف ِة الغاب ِة قلب العتم ِة يف ِ ّمث َة يدٌ ، ّحاس، أبر ُد منَ الن ِ كنه ٍر ُم ّد عىل أحجا ٍر عريض ٍة. ورغم الصخو ِر القاسي ِة َ يح العاتي ِة وال ّر ِ ُأح ّبها كرسب طيو ٍر ِ وادع جا َء ليرشب كقطيع أ ْو ٍ ٍ لثائر ِة فنّها الفاتن ِة ُوأشنت ِه النّاعمة. ّمث َة يش ٌء بشأنِ القصيد ِة ٌ عنيف للموت، وطريقٌ أخرى ِ كل م ّر ٍة ُ ويف ّ ندرك فيها أرسارنا ُ نضعف. ح َ أكتب أتناث ُر غيرْ َ م ّر ٍة ني ُ ع َرب إمرباطور ّي ٍة فاجر ٍة issue (5)- October - 2012
139
قول على قول
من أزها َر شهوان ّي ٍة. كات إىل جميعهنّ ُ ،منت ِه ٍ يرتاءينَ ُ ، ح ّد بعي ٍد حتّى ال ّلوايت ِرياشهنّ عليهنَّ تستبدُّ بهنّ لحظ ُة تلميح َمن هُ نَّ . ِ أومنُ ْ ،إن َ كفاح، كان ٌ فال ُب ّد أن يتواصلَ ُ العش ُ حيث هم ّ اق الحقيق ّيون. لن أند َم ُّ قط بأنيّ قد ُ ذبت قطع ًة واحد ًة كرمى لهذي القصيد ِة. .................................................... إيونا إيرونيم
ّ زمن الشع ُر ل ّل ِ يكل برصك ،متعباً ني ُّ ح َ ّ الثياب، رث ِ مكتوباً بفرشا ٍة غليظ ٍة عىل الجدا ِر الظالم مرئ ّياً حتّى يف ِ منتظراً َ الح َذقِ بعض ِ زمن يك ترتاءى يف أح ِد األمكن ِة ،يف ٍ ما. .................................................... إليزابيث ألكساندر
الشع ُر غر ٌ ّ ابة، أخ ُرب تالميذيّ . الشع ُر ُ حيث ُ نكون أنفسنا «رغم ّأن ْستريلنغ ْبراون َ قال ّإن ّ كل «أنا» هي «أنا» درام ّي ٌة»، ني جحو ِر البطلينوس حافرينَ يف ط ِ تفرقع الصدف ِة التي ُ بحثاً عن ّ ُمفرغ َ مرضب األمثالِ . ني محفظ َة ِ 140
بيت الشعر
الشع ُر ما تجدو َن ُه يف الثرّ ى الذي يف الزّاوي ِة، ما تسمعو َن ُه ُصدف ًة يف الحافل ِة، الرب ّ يف التّفاصيلِ ّ ، الطريقَ الوحيدةَ يك َ نصل من هنا إىل هناك. الشع ُر «ويعلو صو َيت َ اآلن» حب، حبٌّ ، ليس ك ُّل ُه ُح ٌّبٌّ ، َ َّ الكلب قد َ مات. ويع ُّز عيل ّأن َ وت األعىل» الشع ُر بالص ِ ُ «وأسمع ِني ّ وت اإلنساينُّ، الص ُ ه َو ّ وهل نحنُ غري مكرتث َ ني لبعضنا بعضاً؟ .................................................... دانا ليفين
ُ رشنقات ِّ ملكات اشات ٍ ست فر ٍ تتش ّب ُث ّ مبؤخر ِة حلقك - تستطيع أن تشع َر بأجنحتها ُ ُ ترتعش. الذهب ّي ِة وهي تم تحذيركَ . مصاب. أنت ٌ لقد ّ يف ّ السف ِّ بيت يل ،يف حماّ ِم ِ ابق ّ الط ِ العائل ِة، تتق ّي ُا لتبصقها خارجاً - وصوت ُ يقول :إ ّي َ ٌ اك ،إِ ّياك - ملحق - بعض حواش إضاف ّية عىل «فنّ ٍ الشعر»: .................................................... بابلو نيرودا
وكان عىل َ َ تلك الصفح ِة… جا َء الشع ُر
العدد ( - )5أكتوبر/تشرين األول2012/
باحثاً عنّي .مل أعرف ،ال ُ أعرف من أينَ جا َء ،من شتا ٍء أم من نه ٍر. ال ُ أعرف َ كيف وال أينَ ، ُ كلاّ ،مل تكن أصواتاً ،ومل تكن كلامت ،وال صمتاً، ٍ ولكنّي من ّ ارع ُد ِع ُ يت الش ِ من غصونِ ال ّليلِ ، بغت ًة منَ اآلخرين، ب َ ني نريانٍ ضاري ٍة أو حني أعو ُد وحيداً، كنتَ ، ُ هناك ،بال وج ٍه مسني. ولك ّن ُه ّ ُ مل أد ِر ماذا ُ أقول ،مل تكن لفمي ٌ سبيل مع األسام ِء َ ني، كانت عينايَ معم ّيت ِ ويش ٌء َن َف َر يف روحي، ٌ أجنحة منس ّي ٌة، ح ّمى أو ثم ا ّت ُ خذت طريقي، ّ وأنا ّ طالسم أفك َ َ تلك النّا ِر ُ غامض، كتبت أ ّول ٍ بيت ٍ نقي، ٍ غامض ،بال مغزىٍّ ، لَ ْغ ٍو، حكم ٍة خالص ٍة لشخص ال ُ يعرف شيئاً، ٍ ثم فجأ ًة ُ رأيت ّ موات الس ِ ّ مفتوح ًة بال َح ْب ٍك، كواكب، َ تآكالت راجف ًة، ٍ ظلاّ ً مفضوضاً، منخوباً
فن الشعر
هام ،النّا ِر واألزها ِر، ّ بالس ِ َ ال ّليل املتع ّر َج ،والكون. الض ُ ُ املخلوق ّ ئيل، وأنا، سكر َان بالفر ِاغ ّجوم، العظيم ّ املرصع بالن ِ ِ ّ الش َب ِه ،صور ِة رس، ال ِّ شعر ُت ِني قطع ًة خالصةً الجحيم، منَ ِ ُ ّجوم، درت َ مع الن ِ ّ َ ً وقلبي قد حطم أغاللهُُ ،ح ّرا ،عىل السام ِء املفتوح ِة. .................................................... نيكانور بارّا
• شعراء شباب
أكتبوا مثلام تشاؤون أسلوب تح ّبون وبأيّ ٍ فقد جرت دما ٌء كثري ٌة َ تحت الجرس أن تظ ّلوا مؤمن َ ني ّ الصواب. بأن طريقاً واحد ًة هي ّ ّ كل يش ٍء يف ّ مباح. الشع ِر ٌ ليس إلاّ ّ ، بع، وبهذا الشرّ طِ َ ، بالط ِ عليكم أن تصلحوا الصفح َة الفارغة.
لورنس فيرلينغيتي
• الشعر فنّ ثوريّ
أش ُري َ هيب. إليك ع َرب ألسن ِة ال ّل ِ ليس يف املكانِ ُ القطب الشام ُّيل َ الذي اعتا َد أن َ يكون في ِه. الق َد ُر الج ُّ يل مل ُيعد جل ّياً.
الحضار ُة تد ّم ُر ذاتها. املنتقم ُّ يدق الباب. ُ ما الذي يبتغي ِه ّ الشعرا ُء ،يف مثلِ هذا العرص؟ ما فائد ُة ّ الشع ِر؟ ُ أحوال العاملِ تنادي عىل ّ الشعر يك ينقذها. أردت أن َ إن َ اصنع تكون شاعراًْ ، أعامالً كفيل ًة باالستجاب ِة إىل تحدّي األزمن ِة الرؤيو ّي ِة ،حتّى ولو بدا هذا املعنى رؤيو ّياً بذات ِه. أنت ويتامن ،أنت ُپ ْوَ ، َ أنت مارك ْتوينَ ، أنت إميييل ديكنسون َوإِ ْد َنا سانت ڨينست مياليَ ، ْ أنت نريودا وماياكوفسيك وپازولينيَ ، أنت تستطيع أمري ّيك أو لست أمريك ّياً، ُ بالكلامت. . . . قه َر الغزا ِة ِ
تيد هيوز
• ثعلب الفكر
أتخ ّي ُل غاب َة لحظ ِة منتصف ال ّليلِ ِ هذ ِه: حي يش ٌء آخ ُر ٌّ رب عزل ِة ساع ِة الحائطِ ُق َ الصفح ِة البيضا ِء ُ حيث متيض وهذي ّ أصابعي. ع َرب النّافذ ِة ال أرى نجمةً: يش ٌء أك ُرث ُقرباً أعمقُ يف العتم ِة ُ ويدخل العزل َة: معتم، باردٌ ،رقيقٌ ٍ كثلج ٍ يلمس غصناً ،ورقة؛ً ُ ثعلب ُ أنف ٍ عينانِ تعلنانِ حرك ًة ماَ ، اآلن اآلنَ ، واآلن ثاني ًةَ ، َ واآلن لج ُ يرضب أثاراً بارع ًة يف ال ّث ِ issue (5)- October - 2012
141
قول على قول
ُ بعض ميثاقٍ غري مؤملٍ». اجع ّ الشع ُر تر َ َ املوت ولعب لعبة ِ َ باح. حتّى هذا ّ الص ِ مل أ ُكن حزين ًة أو أيّ يش ٍء آخ َر، ليس إلاّ . قلقل ًةَ ، ني األشجا ِرٌّ ، ب َ أعرج ظل ٌ َ قال ّ الشع ُر« :أتذكرينَ ْ ُ قرب ِجذلِ شجر ٍة، اس َ يتم ّهل باحرت ٍ الصحرا َءَ ، كنت مرسور ًة وكيف ِ ّ ويف غو ِر ّ لك ع ٌني بأن ِ جس ٍد أقد َم عىل املجي ِء تبرصينَ بها؟ أتذكرينَ ع َرب األرايض املقطوع ِة األشجا ِر ،عنيٌ، َ ذلك ،ولَ ْو َ بعض الشيّ ِء؟» ٌ واسعة تعمقُ ، خرض ٌة قلت« :مل أسمع َ ُ ذلك. برباع ٍة ،محتشد ًة، ثم ،إ ّنها الخامس ُة صباحاً. ّ ُ تبلغ شأنها لن َ أنهض ثعلب كريه ٍة ،حادّة حتّى ،برائحة ٍ يف العتم ِة وفجائ ّي ٍة، ألك ّلمك». َ املعتم. الرأس تدخل َ َ ثقب ِ َ قال ّ بالوقت الشع ُر« :ولكن ،ف ّكري ِ نجوم؛ الت النّافذ ُة بدونِ ما ز ِ ٍ رأيت في ِه القم َر الذي ِ ُّ الساع ُة تدق، ّ فوق َ َ الصغ ِري ذلك الوادي ّ ُ ٌ والصفحة مطبوعة. ّ الذي أحببت ِه أك َرث منَ الكب ِري— َ كنت مندهش ًة وكيف ِ ّ ألن أش ّع َة القم ِر كانت خرضا َء أليس ووكر زلت وما ِ ني سليم ٍة بع ٍ قلت ّ • ُ للشعر تبرصينها بها قلت ّ للشع ِر« :ها قد ُ ُ فرغت ف ّكري يف ذلك!» َ منك». أنضم إىل الكنيس ِةُ ، قلت، «سوف ُّ ليس لهواً َ أشيح وجهي إىل الجدا ِر. كدر ًةُ ، ْأن َ املوت تكون عىل شف ِري ِ سأتع ّل ُم َ كيف أصليّ ثاني ًة». َ قبل ْأن َّ غريب. ينسل ضو ٌء ٌ أسألكَ ، قال الشع ُر. «دعيني ِ َ لاّ «ك ،شكراً لك ،أ ّيها اإلبداعُ ، ني تص ّلنيَ ،ما الذي تظ ّن َ ح َ ني طلب. فال ُ يحتاج اإللها ُم إىل ٍ بأ ّن ِك َ سوف تري َنهُ؟» ٌ إنيّ خارجة إىل أوقايت البه ّي ِة— لقد مت ّكن الشع ُر منّي. عىل ِّ أقل تقدي ٍر، «ال ورق َة 142
بيت الشعر
العدد ( - )5أكتوبر/تشرين األول2012/
يف هذي الغرف ِة»ُ ، قلت. َ القلم الجديدُ الذي اشرتيت ُه «وذاك ُ يصد ُر جلب ًة مضحك ًة». «هرا ٌء»َ ، قال الشع ُر. «هرا ٌء»ُ ، قلت. جين كينيون
• قلي ًال تدخل ،قلي ًال تتك ّلم كتاب، أنا ُ الربعم املطويُّ يف ٍ ُو ُ عام.... جدت ثاني ًة بعد ّ مئتي ٍ الصانع ُة ،والعاشق ُة ،والحارسة.... أنا ّ ح َ ني الصب ّي ُة الجوعى تجلس عىل ّ الطاول ِة ُ َ تجلس قريب.... سوف ُ ني.... أنا ٌ طبق ّ طعام يف ِ السج ِ ني املا ِء، أنا املا ُء ُ املندفع إىل ع ِ ُ أمأل اإلبريقَ حتّى ير َ اق املا ُء.... الصبور ُة أنا البستان ّي ُة ّ لحديق ٍة يابس ٍة معشبة.... أنا ُس ّلم ُة الحج ِر، الباب ،واملفصل ُة الدّائرة.... مرت ُ اس ِ الفرح.... أنا ُ القلب الذي تق ّبض ُه ُ ُ َّ األطولُ ، أبيض الشع ُر َ قبل ال ّرقا ِد.... أنا ،هُ نَا ،يف س ّل ِة ال ّثام ِر املقدّم ِة إىل األرمل ِة.... املسك تتفت ُّح أنا ورد ُة ِ خس عىل بال عيونٍ ترقبها ،السرّ ُ السبخ ّي ِة.... الق ّم ِة ّ يجتاح َك أنا الواحد ُة التي ُ ح ُّبهاَ ، معك للت ِّو ح َ ني تف ّك ُر يف قولِ اسمي
تحقيق
المرأة الشاعرة في األردن
الحرية في يد قصيدة النثر والنقد يقف على األطالل أنتجت الحركة الشعرية النسوية في األردن ،وال تزال ،العديد من التجارب لشاعرات كان لهن إسهاماتهن الواضحة في تطوير وشحن القصيدة العربية بطاقات إبداعية جديدة ،من دون اكتراثهن بالنقد الذي بقي ً مقتصرا على بعض ما ينتجه الرجل .كما أطلق مصطلح «األدب النسوي» على ما تنتجه المرأة من أدب
يُ عنى بهمومها وقضاياها ،ما يؤكد على أن النقد ال يزال يضع الحدود بين ما ينتجه الرجل وما تنتجه المرأة ،رغم أنها خرجت بمنجزها من هذه الدائرة الضيقة إلى فضاءات واقتراحات ال تقل أهمية بمستواها الكوني واإلنساني والتجديدي عن ما ينتجه الرجل
عمان -بريهان الترك
وفق
وشاعرات أردنيات هن الشاعرة لينا أبو بكر ،والشاعرة مها العتوم ،والشاعرة مريم رشيف ،ملناقشة ظواهرها وحلولها..
دراسات حول ما تنتجه املرأة من شعر عىل املستوى املحيل والعريب تفوقت قصيدة النرث عىل األشكال الشعرية األخرى «التفعيلة والعمود» مواكبة منها للتطور ،ولكون قصيدة النرث أقرب إىل لينا أبو بكر: التعبري عن القضايا املعارصة ومعالجتها ،وقد ظهر من الخروج عن التابوهات خالل اإلصدارات الشعرية ليس انعتاق ًا للمرأة. الجديدة ،عىل األخص يف والحرية الحقيقية للمرأة األردن ،أن املرأة متكنت الشرقية هي أن تأخذ من تحقيق حلمها بالحرية واالنعتاق إىل التعبري الحر خيمتها إلى جزر القمر، عن ذاتها ،وتجاوزت العوائق وتحتسي القصيدة في كالتابوهات واملحرمات. دالل القهوة العربية حول هذه القضايا التقت «بيت الشعر» أديبات
النقد عجلة معطلة
تقول لينا أبو بكر إن مشكلة النقد ليست بتقصريه يف تناول التجارب الشعرية واإلبداعية عموماً بشكل يليق بهاجس التجربة الشعرية يف األردن ،بل ألنه عجلة معطلة مل يكن ألحد أن يحركها إال بعملية دفع خلفية ال ميكن سوى لصحافة الـ« »take awyأن تقوم بها ..وهي مسألة تعكس مدى تقهقر حال النقد عن مواكبة الحركة الشعرية بشكل عام يف مجالها املحيل ،مام أدى issue (5)- October - 2012
143
تحقيق
لينا أبو بكر
مها العتوم
144
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
لتأخر الحراك النقدي عن استيعاب القفزات اإلبداعية يف القصيدة األردنية عموماً ،ال بل إن هذا التأخر انعكس باكتفاء وحرص النقد يف مجال الوقوف عىل األطالل وهو ما مل يؤخر أبدا ً تقدم العمل اإلبداعي الشعري يف األردن مام يعد استثناء حقيقياً ويثبت أن اإلبداع يف األردن مل يركن إىل النقد ولكنه مىض قدماً فاستفز بعض األقالم النقدية التي أدركت عمق الهوة الناجمة بني الحركتني، وبدأت تستعيد قواها للحاق بجيل كامل من الشعراء تم تجاوزه وإسقاطه وهو متاماً ما حدث ،لذا ال ميكنني أن أنصف النقد فأقول أنه ظلم أدب املرأة ..فقط! العتوم ،من جهتها ،تشري إىل أن النقد يتفرج وال يفعل يف وطننا العريب عموماً ويف الساحة املحلية خصوصاً .وال يقوم بالدور املتوخى منه الذي يطور ويشحن ويفرز مواهب جديدة ،وينصف املواهب املكرسة ،وهذا عام للمرأة وللرجل .ولذلك تعاين املرأة املبدعة الشاعرة من غياب دور النقد الحقيقي الذي يقيم ويقوم مثل الرجل متاماً. وتؤكد مريم رشيف عىل أن النقد يف العموم ال يواكب حركة اإلنتاج األديب .عىل األغلب ما زال النقّاد يك ّرسون األسامء التي تك ّرست سلفاً ،ويحتفون بإنتاجها ،أما بالنسبة لكتابات املرأة فام زالت توضع يف هذا املجال الخاص والضيّق« :الكتابة النسوية» ،وتتابع رشيف قائلة: «تجري مقارنة الشاعرة مثالً بشاعرات أخريات ال بحركة اإلنتاج الشعري العام ..هذا حكم مس َبق عىل أ ّن شعر أقل شأناً من شعر الرجل ،الغريب أننا نجد يف املرأة ّ يتخصص يف نقد األدب النسوي وال أعرف إن األردن من ّ كان هذا محاولة إلنصاف املرأة وشعرها بقصد القول إنه مسا ٍو يف األهمية واإلبداع لشعر الرجل أم أنه تكريس بطريقة أو بأخرى للنظر من األعىل نحو إبداع املرأة من باب التعاطف واألخذ باليد»! وتضيف« :ما زال بعض النقاد يبدأ كتابته النقدية عن أدب املرأة مبقدمة اجتامعية عن مايض املرأة التي تعمل يف الحقل وتعود للطبخ والخبز وهدهدة األطفال ..وكأنه بهذه ير ّد األشياء إىل األصل الذي ال ميكن االنعتاق منه أو كل هذا تهيئ ًة لالنتقاص املسبق! تجاوزه ،ويكون ّ
المرأة الشاعرة في األردن
مها العتوم:
حين أنظر فيما تكتبه بعض النساء يهولني حجم االنفالت والفوضى أحيان ًا ،وال أتحدث من وجهة نظر أخالقية ،ألن هذا يتصل بالشخص ال باإلبداع
بقضايا املرأة وهمومها ،فالكثري من األدباء كتبوا روايات وأعامالً سلّطت الضوء عىل هموم املرأة وقضاياها ،وال تص ّنف ضمن األدب «النسوي» .وترى أن املرأة خرجت من دائرة همومها الخاصة إىل دائرة الكون الواسعة وكتبت يف كل املواضيع :كتبت عن الرجال كام كتبت عن النساء .ومع هذا فنتاجها األديب هو «أدب نسوي»، املجتمع العريب واألردين خصوصاً محكوم بالكثري من التقليدية يف نظرته للمرأة..
قصيدة النرث ،األقرب لتعبري األنثى
وحول اختيار املرأة لقصيدة النرث كشكل شعري تقول أبو بكر« :الله يسهل عىل وليام فوكرن» ..عذرا ً لهذا التعبري الذي يجنح إىل العامية ،ولكنه جنوح رضوري إذا ما أخذنا بعني االعتبار أن بطل أحالم فوكرن «كائن كابويس» إن جاز يل التعبري ،ألن حلمه الوحيد كابوسه الذي كان يسقط مصطلح «األدب النسوي» فيه من جبل عال وهو مل يصعد يف حياته تلة واحدة.. ترفض أبو بكر التعليق عىل ما يسمى «األدب النسوي»، لن أعني بهذا إلغاء التجربة النرثية أو رفضها أو التعامل وترفض الخوض يف ظاهرة قبلية مل تزل تتعامل مع املرأة معها بتعال ألن لها أثرها ووقعها وثورتها التي امتدت من منظور العزل الذي يعني التهميش ..حتى كأنها مل تزل لعقود ،ولكنني مع ما رآه الشاعر اللبناين محمد عيل تساق مع القطيع والجواري وتوضع يف خانة ركنية.. شمس الدين مرة أن مرحلة ما بعد الحداثة هي مرحلة أما العتوم فتقول« :أتعامل مع هذا املصطلح بحذر العودة إىل الوراء ..القصيدة النرثية انقالب عىل القوالب ومبستويني رمبا يبدوان متناقضني وإن كنت يف قرارة املوروثة ،ثورة لربيع إبداعي تم تشويهه من قبل من نفيس أراهام متكاملني ،أقبل النسوية مبا هي ضد يتلقفون «الفشنغ» الفارغ من الثورات ويظنونه رصاصاً، السلطة مبستوياتها املختلفة ومبا هي انشقاق عن موضوع القصيدة النرثية موضوع جديل إىل أبعد الحدود، السائد واملتكلس ،وأرفضها مبا هي مترتس املرأة وراء ولكن التجربة التي ال يستطيع أصحابها وأتباعها القبض حدود تفصلها عن الرجل حتى لو كان يف ذلك متيزها ،يف عىل جمرتها – كنوع من الحامية– البد تفلت من بني اإلبداع ويف الشعر أرفض مصطلح اإلبداع النسوي ،ألنه األصابع كخيوط املاء املترسبلة ..هنالك دامئاً خطأ يرتكبه يتعامل مع كل شعر املرأة عىل أنه نسوي ،ويقبل أحياناً أصحاب االنقالبات اإلبداعية ،قائم عىل استرياد االنقالب بانحطاطه وتخلفه ،وأنا أرى الشعر هو الشعر سواء كتبه وليس اكتشافه ..التفعيلة تنترص ليس ألننا شعوب نعتمد الرجل أم كتبته املرأة ،وال أقبل التسامح مع شعر املرأة عىل ما نرثه ونتسمر عند قدميه ،إمنا ألننا خرجنا من األقل مستوى فنياً وجاملياً تحت هذا املسمى ،ويف الوقت عباءة العمود إىل التفعيلة من دون أن نخلع جلدنا.. خاصاً ،خاصة يف نفسه أجد للمرأة يف قصيدتها حضورا ً ّ اإلبداع الذي ال يستطيع أن يكتشف ثورته ليس إبداعاً املضامني». حقيقياً بل استهالكياً وهذا يتناىف مع مبدأ الخلق. من جهتها توضح رشيف بأن مصطلح األدب النسوي يطلق عل إنتاج املرأة األديب بشكل عام سواء كان قصة أم وهنا تشري العتوم إىل أن ال جواب واضح يف ذهنها وإن رواية أم شعرا ً ،وهو ال يعني بالرضورة األدب الذي يهت ّم issue (5)- October - 2012
145
تحقيق
مريم شريف:
ما زال بعض النقاد يبدأ كتابته عن أدب المرأة بمقدمة اجتماعية عن ماضي المرأة التي تعمل في الحقل وتعود للطبخ وهدهدة األطفال
ومجاالت يشرتك الرجل واملرأة فيها .وترى أن الخروج عن التابوهات ليس بالرضورة انعتاقاً للمرأة ..الحرية الحقيقية يف اإلبداع عند املرأة الرشقية -كفصل بل كتخصيص للملمح -هي أن تأخذ معها خيمتها إىل جزر القمر ،وتحتيس القصيدة يف دالل القهوة العربية املعتقة، االنعتاق هو االنجذاب إىل التابو عىل اعتباره غواية للقبض عىل الحرية بسالسل مفككة ..وتضيف أبو بكر: «أنا ضد الخروج عن التابوهات بشكل مطلق ..ألنني مع الغواية التي تشف وال تصف حتى يف نطاق التعامل مع العرف عىل اعتباره مادة جاملية ميكن االلتفاف عىل سياجها وأسالكها الشائكة بجسد من حرير».
العتوم تلفت إىل صعوبة الحكم عىل هذا األمر يف حوار مختزل ،وال بد من الرجوع إىل مناذج محددة ،وال بد من كانت تتفق عىل أن النرث هو الشكل الشعري األكرث النظر يف مفهوم الحرية املقصود .للحرية قيودها أيضاً. استخداماً من قبل الشاعرات ،وتشري أيضاً حول السبب حني أنظر فيام تكتبه بعض النساء يهولني حجم االنفالت يف ذلك قائلة« :برأيي أن قصيدة النرث انشقاقية ،وظهرت والفوىض أحياناً ،وأنا ال أتحدث عن املوضوع من وجهة خروجاً عىل الشكل السائد وهو قصيدة التفعيلة نظر أخالقية ،ألن هذا يتصل بالشخص ال باإلبداع ،لكني والقصيدة العمودية قبلها ،ومبا أن املرأة بدأت تطرح أظن أن عدم تحديد مفهوم الحرية من جهة ،وأنها ال نفسها بشكل مختلف عن الرجل وبشكل انشقاقي عنه ،تنبع من دواخل بعض املبدعات من جهة أخرى يجعلها فإن الشكل األقرب لهذا املضمون هو قصيدة النرث ال شكلية خارجية زائفة.ولكن باملقابل هناك من يفهم التفعيلة .ولكن بالنسبة يل شخصياً ما زلت أميل إىل الوزن الحرية الحقيقية من النساء وغالباً هؤالء هن املبدعات، وإيقاعات قصيدة التفعيلة ،وإن كانت يل بعض قصائد ألن ال توسط يف األمر وال مفاوضة :إما أن تكوين حرة أو ال النرث». تكوين ،وبالتايل إما أن تكوين مبدعة أو ال تكوين. ويف هذا الصدد تقول رشيف« :قصيدة النرث تتيح حرية بينام ترى رشيف أن املرأة العربية ،عموماً ،تجاوزت الكثري أكرب يف التعبري ويف املواضيع الشعرية ،شخصياً ال أعرف من املعوقات والقيود ،وأحياناً كان ذلك التجاوز لدى حني ذهبت لهذا النوع من الكتابة إن كنت أواكب البعض مبالغاً به ،أقصد أن ذلك التجاوز ظهر أحياناً وكأنه التط ّور أم أعبرّ عن نفيس فقط .أظن أننا جميعاً ننطلق هو الهدف وليس التعبري التلقايئ وبحرية تامة ،وهذه من الرغبة يف التعبري عن الذات وتشابكها مع الكون، مشكلة ،املجتمعات العربية محكومة بالكثري من القيود املواكبة والحداثة ليستا مرتبطتني بقصيدة النرث ،بل هام وال تتمتع بالدميقراطية واحرتام حرية الفرد ،كام ال ميكن غاية األصناف األدبية عموماً». تجاهل إرث طويل من النظر للمرأة عىل أنها يف املرتبة الثانية يف املجتمع والبيت ،وإذا كانت الحرية هي الحرية وال تقبل أن توصف باملبالغة فأنا أحلم بأدب ح ّر وشعر الحرية والقيد للكاتبات اإلبداعية التجربة أن عىل تؤكد أبو بكر إنساين ال يضطر للدفاع عن نفسه باملبالغة أو التربير األردنيات تطورت كام تطورت مظاهر عديدة يف األردن،
146
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
حاشية
.
حسن نجمي .............................................................................................................
حسد الشعراء
ال
أعرف ملاذا يحسد شاعر شاعرا .وال أعرف تحديدا ملاذا يحسده كلام ُنرشت له قصيدة جميلة أو أصدر مجموعة شعرية متميزة .واألدهى ،أن يعلن عن فوز شاعر بجائزة صغرية أو كبرية ،اذ رسعان مايجد نفسه مطوقا بحسد رصيح يتخذ له شكل شائعات شفوية او مكتوبة تنال من جدارته وقيمته ووضعه االعتبارى. ومع أن املفرتض أن الشاعر صانع جامل وخالق للحياة وللقيم الحية ،وبالتاىل فهو الذى يزرع املشاعر الجميله ىف نفوس اآلخرين. يفرتض انه ال يكره ،وال يحقد ،وال يحسد .يفرتض ايضا ان يتمنى لو انه هو الذي كتب تلك القصيدة الجميلة ،ولو انه كان صاحب تلك املجموعة الشعرية املتميزة ،وذلك ىف لحظة اعرتاف وامتتنان وتثمني لزمالئه االخرين .ولكن ذلك ال يحدث ىف املشهد الشعري العريب اال نادرا. هنالك شعراء ظلوا يهاجمون شعراء ىف حياتهم ،وهاجموهم حتى بعد موتهم .هنالك شعراء احرتفوا ايذاء شعراء اخرين ،وترصفوا عىل اساس ان املشهد الشعري العريب ال ميكن ان يكون قامئا عىل اساس التعدد واالختالف ىف االسامء واالصوات والتجارب واالشكال الشعرية .دعونا نقول انهم ترصفوا بعقلية «الزعامة» و«الحزب الوحيد» ،أي بذاتية سياسية تحتكر لنفسها القوة والحضور واملشهدية وتحجب عن االخرين حصتهم من كل ذلك. لقد افرتض بابلو نريودا ىف مذكراته «أعرتف انني عشت» ان هذة الظاهرة وجدت دامئا بني الشعراء والكتاب ،وستظل توجد ىف كل جهات العامل حتى انه قال « احيانا يصل الحسد اىل ان يصبح مهنة» ونذكر كيف تحدث ،يف نفس الكتاب ،عن « هذا الحسد املتطرف» الذى لحقه منه الكثري من االذى ،عن تلك االشباح التى ظلت تالحقه ،تغضبه وتؤمله وان كانت –ايضا -تخدمه من حيث ال يدري ،وكانها تقوم بواجب دعاىئ اشهارى تجاهه ،وكانها مؤسسة ال ارادية نبتت حواليه تروج السمه وتجعله دائم الحضور والرنني. وقدم نريودا بعض النامذج والحاالت لهذا املرض ،لهذا التعصب ،لهذا التطرف ،لهذا الحسد الذى احاطه -طوال اربعني سنة- مبطاردات ادبية واعالمية رخيصة يف معركة رشسه ممتدة طويلة النفس من جانب واحد ،وهل ننىس ذلك الشخص (البئيس) الذي ظل يكلف نفسه املال والجهد ذاهبا خلف نريودا حامال احقاده الصغرية متجشام عناء السفر ومصاريفه الباهظة فقط ليقنع جامعة أكسفورد بأن ال متنح نريودا دكتوراه فخرية بل سافر من األرغواى اىل ستوكهومل ليحرم الشاعر الكبري من امكانية جائزة نوبل لالداب حني بدأ اسمه يتداول ىف االكادميية السويدية .ويف النهاية انتحر املسكني عجوزا منهارا بينام كان نريودا يحلق ىف االعايل ويحظى بانتباه عرصه مواصال الشعر والحياة ،ساخرا من اولئك الذين ظلوا مقتنعني بانه ليس شاعرا عىل االطالق ! ويلفت ىف هذا السياق رد فعل بورخيس ،البارودي الهازئ متاما ،عندما كتب «ىف كل مرة ،كنت اقرأ فيها مقالة تهاجمني أو تنتقدين ،كنت أتفق مع كاتبها! وأظن باستطاعتى أن اكتب – أنا نفيس -افضل منها .ولعله كان عيل نصح أعدايئ املفرتضني بأن يرسلوا ايل انتقاداتهم قبل ان ينرشوها ،عليّ أضمن لهم العون .لكم كنت ارغب ىف ان انرش ،بتوقيع مستعار ،مقاال قاسيا عنى». رمبا ذلك وبامعان ىف ازدراء هذا «الحسد االغريقي» املتأصل ،كان بورخيس كلام اطلع عىل مقالة أو اساءة حاقدة يذهب اىل السينام ليشاهد فيلام جديدا بعينيه الغريرتني .ويف احدى هذه املرات ،وقف بورخيس ىف الطابور الطويل لريى (كام يرى اي اعمى حقيقي ىف العامل) فيلم « كاجيموشا» ( ظل املحارب) ألكريا كريوزاوا ،فسمع احدا يضحك بقربه ساخرا من ارصاره عىل أن يشاهد الفيلم رغم أنه بال عينني لريى! ورد بورخيس ببساطته املعهودة « :انني أحب اصوات األفالم اليابانية!»
issue (5)- October - 2012
147
شعر وفلك
احمد عبد المعطي حجازي
قراءة فلكية القراءة الفلكية لشخصية الشاعر احمد عبد المعطي حجازي تضيء الكثير من هوامش الظل لدى هذا الكاتب الذي خاض معارك سياسية وثقافية واثار من حوله ضجيجا لم يهدأ،وخصوصا لجهة موقفه العدائي من قصيدة النثر
ياسين الزبيدي
148
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
حجازي
خارطة امليالد التي نتناولها هنا تلزمنا ان نعود بالزمن اىل اكرث من 75عاما ً يف محاولة ملعرفة مواقع كواكب املجموعة الشمسية كام تبدو من سامء املنوفية ،املدينة التي ولد فيها احمد عبد املعطي حجازي ،تساعدنا يف ذلك بعض برمجيات الحاسوب التي عندما نزودها بالزمان واملكان املحددين فأنها تقوم برسم صورة السامء بدقة متناهية تثري العجب. كانت الشمس يف ساعة ميالد حجازي يف برج الجوزاء الهوايئ ،وبرج الجوزاء هو برج الذكاء وقوة االقناع والتعبري ،مام جعل حجازي ذا ذاكرة قوية ودماغا له قدرة عىل التحليل واالستنباط ،كام انه يشرتك مع مواليد الجوزاء يف حبه للحركة وكرهه للروتني ،فالرتابة والتكرار اململ هام من اشد اعدائه ،كام انه ميتاز بخيال خصب وعطش دائم للمعرفة ،فضال عن منطق سديد يؤهله لرسعة االختالط باملجتمع .بيد ان ذكاءه الحاد اوقعه بامر مل يكن يف الحسبان ،فقد اوحت اليه مخيلته بأن ما ميتلكه من قدرات سوف ميكن ّـه من ان يفتح امامه كل االبواب املغلقة ،متناسيا ً ان الثقة املفرطة بالنفس قد تودي بصاحبها اىل الغرور ،ومن الغرور ما قتل! فكيف قـُتل حجازي؟ ومن الذي غرس يف قلبه سكينا تاركا اياه مخضبا بدمائه سنني طويلة؟ انها مدينة القاهرة، قاتلة حجازي وملهمته ،فعندما نزح اليها يف صباه وهو مفعم بكل احالم الرجل الجوزاء الذي غالبا ما تكون قدماه عىل االرض واحالمه فوق السحاب ،كان يحلم بالقاهرة كام يحلم افالطون باملدينة الفاضلة ،النه متأكد
انه سيجد فيها الواحة الوارفة لروحه العطىش ،واالرض الخصبة التي ينرث فيها ابيات شعره ،ولكن ما مل يخطر يف خلد هذا الشاب الريفي ان القاهرة ال تحفل بالغرباء ،وال تفرش االرض رمال للبسطاء ،ولهذا قتلته القاهرة باهاملها له ،فكتب قصيدة «مقتل صبي» يف هذه املدينة الالهية التي مل تلق له باال: «املوت يف امليدان ط ّن العجالت صفّرت ،توقّفت قالوا :ابن من ؟ و مل يجب أحد فليس يعرف اسمه هنا سواه ! يا ولداه ! قيلت ،و غاب القائل الحزين ،
تخطيط فليك لشخصية حجازي
و التقت العيون بالعيون ، و مل يجب أحد فالناس يف املدائن الكربى عدد جاء ولد مات ولد !» اال ان رجل الجوزاء مل ميت ،بل خرج من هذه التجربة الصعبة كام يخرج طائر الفينيق من رماد العنقاء ،وراح يهاجم قاتلته ويعريها ويكشفها للعامل اجمع ،بانها «مدينة بال قلب» وليكون هذا العنوان هو باكورة دواوينه الشعرية ،ومدخال قويا اىل تجربته املجددة يف الشعر العريب املعارص. الشعراء فرسان الكلامت ،وحجازي يرى يف نفسه «اصغر فرسان الكلمة» ،والقمر يف خارطة ميالده يؤيد فروسيته. كان القمر يف برج العقرب يف الساعة التي ابرص فيها حجازي النور ،وللقمر يف برج العقرب داللة عىل رجل ذو قوة وتصميم ،وشجاعة يف الكلمة وشجاعة يف املوقف، وفكر ال يخجل من االعرتاف باخطائه ،فعندما يخفي الناس عيوبهم يك يحافظوا عىل صورتهم يف املجمتع، يخالفهم حجازي يف ذلك ،فهو ال يتحرج ابدا من ان يعرتف بخطأه ويعود بقوة من اجل ان يصحح ما يجب تصحيحه .كان حجازي مؤمنا بالزعيم املرصي عبد النارص اميانا ال تشوبه شائبة،وكان اقل ما يوصف به انه نارصي حتى العظم .ولكن اصغر فرسان الكلمة عندما يرى بعينه ما يخالف معتقده واميانه فانه ال يستطيع السكوت ابدا ،وهو يصف ملحسن عبد العزيز يف جريدة االهرام شهادته لحكم عبد العنارص وملاذا فقد االميان به: «عبدالنارص االشرتايك ساق آالف اليساريني اىل املعتقالت، وشهدي عطية مات تحت تعذيب عبدالنارص ،والعامل الذين تظاهروا يف كفر الدوار شنقوا ،هذه هي اشرتاكية عبدالنارص ،اما عروبته فقد اوقعتنا يف هزمية 67النها كانت تهدف ايل مجد شخيص وهذا هو الطغيان» .وألن حجازي ال يخىش ان يراجع نفسه ،او ان يرجع عن قصائد تغنى بها لجامل عبد النارص عندما كان مؤمنا به ،كتب له حني اعيد انتخابه عام :1965 «أخاف أن يكون حبي لك خوفاً
عالقا يب من قرون غابرات فمر رئيس الجند أن يخفض سيفه الصقيل ألن هذا الشعر يأيب أن مير تحت ..ظله الطويل» ملاذا يحارب حجازي قصيدة النرث؟ وما رس هذا العداء القديم لقصيدة باتت عالمة يف سامء الشعر وطغت سلطتها عىل سلطة القصيدة العامودية وتفعيالتها؟ وملاذا يطلق حجازي عليها الرصاص يف حواره مع سعيد محمود »:قصيدة النرث عندي ال تزال أقرب ما تكون اىل الشعر الناقص ،ألن الشعر كام أراه ،ال بد من أن يقوم عىل أركان اساسية وجوهرية .فلغة الشعر تحتاج اىل املجاز وااليقاع واملوسيقى ،واذا غاب عنها رشط من هذه الرشوط فإن النص الشعري يختل ويصبح إما منظومات تقريرية تعليمية كألفية ابن مالك ،وإما قصائد ناقصة كام هي الحال يف قصيدة النرث الشائعة اآلن .وأرجو أن تالحظ ان االسم ذاته تعبري عن هذا النقصان» .امام كل هذه التساؤالت نتطلع اىل كوكب عطارد عله يسهم يف اماطة اللثام عن رس هذا العداء الدفني .ان عطارد وموقعه يف خريطة امليالد له الدور الكبري يف االفصاح عن النمط الفكري لالديب والشاعر ،وموقعه يف ميالد حجازي كان يف برج الرسطان املايئ ،برج الذكريات واالحاسيس واالصالة الكالسيكية ،لذلك نشأ حجازي وفيا للموروث العريب الفخم ،عقليته امتداد لفالح قروي اصيل ،يعتز بنفسه ومبوروثه ،ويعتربكل ما يخالف التفعيلة الشعرية ومجازها هو خيانة لالمانة ومحاولة عابثة ملا وصل الينا issue (5)- October - 2012
149
شعر وفلك
من املايض التليد ،وحتى دور حجازي يف تجديد الشعر كان ضمن مظلة التفعيلة العربية االصيلة،او محاولة إظهارها بشكل آخر.ويقول الدكتور جابر عصفور يف حديثه عن شعر حجازي »:اذا جاز يل ان اصف شعره بصفه ،فانني اقول انه اقرب اىل الكالسيكية منه اىل االتجاهات التي تحاول ان تفلت متاما من الوزن». ولو ابتعدنا قليال عن اجواء حروب القصيدة ومعارك النص والتفعلية ،واردنا ان نتحدث عن جوانب الحب يف شخصية حجازي لتطلعنا اىل موقع كوكب الزهرة ،كوكب الحب والجامل ،وملا كانت الزهرة يف برج االسد الناري، ادى ذلك ألن يكون حجازي معتدا بنفسه ،يرى بانه الرجل االكرث متيزا بني الرجال ،ورغم انه اسد يف الحب اال انه اسد خجول ،وذلك لدخول عامل اخر عىل املعادلة وهو موقع القمر ،فالقمر املسؤول عن طبيعة املشاعر كان يف برج العقرب املايئ ليشري اىل ان حجازي رغم ما ميتلكه من شجاعة وجرأة اال انه خجول يف اظهار مشاعره وهو يقول يف قصيدته «حب يف الظالم»: «حبيبي من الريف جاء كام جئت يوما ،حبيبي جاء وألقت بنا الريح يف الش ّط جوعى عرايا فأطعمته قطعة من فؤادي ، ومشّ طت شعره، جعلت عيوين مرايا وألبسته حلام ذهبيا ،وقلنا نسري ، فخري الحياة كثري ويأخذ دربا ،وآخذ دربا ، ولكننا يف املسا نتالقى فانظر وجه حبيبي ،
كون الزهرة في برج االسد الناري ،ادى ذلك ألن يكون حجازي معتدا بنفسه ،يرى بانه االكثر تميزا بين الرجال
150
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
وال أتكلم» فصمت حجازي وخجله يربره القمر ،ولهذا مل يكن يُظهر لذعة الحب الحارقة يف شعره ،فهو اكرث خجال من ان يصور مكنونات عشقه للمرأة التي يحب ،ولهذا كان اكرث قدرة يف اظهار املشاعر االنسانية االخرى التي ال يخجل منها. املريخ إله الحرب لدى االغريق ،فلونه االصفر املحمر كان نذيرا لدى االقدمني بحدوث حروب وكوارث ،ولكنه اليوم له دالالت اخرى يف علم الفلك ،وهو يرمز اليوم اىل الطاقة والنشاط وروح التنافس لدى االنسان ،وموقعه يف لحظة امليالد داللة رصيحة عىل طبيعة املنافسة التي يخوضها االنسان يف رصاعه مع الحياة وتعامله مع الخصوم .واملريخ ساعة ميالد حجازي كان يف برج امليزان، برج الديبلوماسية و»االتكيت» ،ولكن عن اية ديبلوماسية نتحدث وحجازي معروف طيلة حياته بحروبه الفكرية وارائه الجريئة ،حتى انه يف احدى ترصيحاته انتقد احد الدعاة يف مرص مام ادى اىل ان املحكمة حكمت علية بغرامة قدرها عرشين الف جنيه وملا رفض تنفيذ الحكم قررت املحكمة بيع اثاث بيته يف املزاد العلني .وحجازي له مواقف صارمة ومعارك طاحنة ضد التعصب واالرهاب وضد كل ما هو متطرف ،فأين ذهبت ديبلوماسية برج امليزان ياترى؟ نعم كام هو معروف ان املريخ يف امليزان يجعل الرجل ديبلوماسيا ،اال انه يف نفس الوقت يضفي عليه احساسا عاليا بالعدالة ،وحبا للمساوة واالعتدال، وهي مبادئ ال يساوم عليها مطلقا ،ولهذا عندما يرى بأن الظلم رجحت كفته والطغيان جال يف امليدان ،فال بد لحجازي ان يرفع سيف الكلامت ويهوي به عىل رؤوس الطغاة واملتخلفني والجهلة ،وهذا ما كانت تحكيه لنا كل مدينة سكنها واناخ فيها برحله. وظلت املنيوفية والقاهرة وباريس وكل املدن التي عاش فيها حجازي تروي لنا حكاية ناقد وشاعر ومفكر،وتشهد له جميعا بانه قامة شعرية عالية،جمعت بني االصالة والحفاظ عىل املوروث ،مثلام جمعت روح الحداثة والتجديد .انه حجازي فارس كبري من فرسان الكلمة، شاعر الصدمة وشاعر اللحظات االنسانية الحرجة
شعرية الكاميرا
عدسة :عالء خري issue (5)- October - 2012
151
قصيد األسالف
ابن عربي
الص َور قلب يتسع لكل ُّ خالد بلقاسم
َ قال محيي الدين بنُ عريب: لق ْد صا َر قــــ ْلبي قاب ًال َّ كل ُصـــو َر ٍة َو َب ْي ٌ ــت ألوْثـانٍ وكــــــ ْع َبــة طــا ِئ ٍف الح ِّب أ َّنـى َت َو َّجه ْ َــت أدينُ بديـن ُ ْ لنا ْأســــ َو ٌة يف بشـــر ِه ْن ٍد وأخ ِتهـا
ِلهَذا 152
بيت الشعر
ف َمــــ ْرعَى لِغِـــــزالنٍ و َد ْي ٌر لِ ُرهْ ــبان َوألـــ َو ُاح َت ْورا ٍة َو ُم ْص َح ُف قــــ ْرآن فالح ُّب دينــي وإميــانـي َركــــــا ِئ ُب ُه ُ ثم ِمـــــي وغــــيـالن وق ْي ٍس ول ْيىلَّ ،
الش ْعريِّ ُسالل ُت ُه البعيد ُة يف ِّ املَقطع ِّ الش ْعر الصويفَ .ش َج َر ُة أ ْنساب ِه تمَ ْتَدُّ إىل الحالج الذي َعزَا َت َعدُّ َد األدْيان ،ق ْب َل سام كمها؛ ْ َز َمن ابن عريب ب ُقرا َب ِة ثالث ِة قرون ،إىل ْ أصلٍ َت َش َّع َب يف ا ُملام َر َس ِة اإلنسان َّية ويف ا ُملت ََخ َّيل الذي َي ْح ُ أصلٍ ٍ يقو ُم عىل املَ َح َّبة.
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
ابن عربي قلب يتسع لكل الصور
القلب مرآة
بهذا اال ْم ِتداد الخصيبَ ، كان ابنُ عريب ُيؤ ِّمنُ أل ْب َيا ِت ِه ِّ الش ْعر َّي ِة ،ولِ ِظاللِها يف تآوي ِل ِه ،ا ْن ِتساباً إىل ا ُملستق َبلَ ،وفقَ ساب ُرؤ َي ٍة َح َيو َّي ٍة ،قابل ٍة للت َّْحيني يف َض ْو ِء قي َم ِة املَ َح َّبة .اِن ِت ٌ يات ِّ السابقة َي ْس َت ِندُ ِ ،منْ جهَة ،إىل ا ْر ِتباطِ األ ْب ِ الش ْعر َّية َّ بقض َّي ٍة ُمالز َم ٍة لِإلنسان ولِلتَّعا ُيش اإل ْنسا ِّين ،أي َتدْبري العالقة ِ واستيعاب االخ ِتالف يف هذا ال َّتدْبري ،و َي ْس َت ِندُ أ ْب َعد مع اإلله ْ ُ ِمنْ ذلِكِ ،منْ ج َه ٍة أخرى ،إىل ما أ ْر َس ْت ُه ه ِذ ِه األبيات ِمنْ ُرؤ َي ٍة ُمنف ِت َحةَ ،ت ْن َتصرِ ُ لِ َ وع شا ِئ ٍك، لخيال يف ُمقا َر َب ِة َم ْو ُض ٍ ُم َه َّد ٍد َد ْوماً بإنتاج ال َّت َع ُّصب. ِ يات ابن عريب عىل د ّ َت ْنه َُض أ ْب ُ إشعاع ِدال ٍّيل ،وهي ذات َوال ِ ٍ السابق لِترَ ْ َت َ سياق املَ َ َتت ََجا َو ُز َ قطع ِّ بط بخل ِف َّي ٍة الش ْعريِّ َّ َم ْعرف َّي ٍة ُمتَشابكةَ ،ت ْح ِم ُل َد ْم َغة هذا الصويف يف بنا ِء الت ََّص ُّو َراتَ .ن ُخ ُّص باإلضا َء ِة ِمنْ هذ ِه الد ّ «القلب»، َّوال َ و»القابل ّية» ،و»الصو َر َة» ،ق ْب َل ْاس ِتثامرها يف التأويل .ذلك َّأن ْإشعاعَها الدّال َّيل ال َيت َّ باس ِتدْعا ِء َح ُمول ِتها ا ُمل َب َّد َد ِة يف َكش ُف إ ّال ْ كتُب ابن عريب. ِّينامي لألبيات .دينام َّية أ -القلب :عل ْي ِه َيقو ُم املَ ْعنى الد ّ َرهينة بتَح ُّولٍ ال َيتَناهَ ىُّ . فدال القلب هو ا ُمل َؤ ِّمنُ لِت ََجدُّ ِد الت ََّح ُّول .وقد ْاست ْث َم َر ابنُ عريب هذا الدّال ِمنْ َم ْو ِق َعينْ ؛ َت َبدَّى األ ّو ُل ِمنْ إدْماج َم ْعنَى التق ّلب ،الذي ب ِه َيت ََح َّد ُد القلب ،يف تيعاب لِماَ ال َيق َب ُل إ ْرسا ِء النَّوا ِة الدّالل َّي ِة لأل ْب َيات .فالتق ُّل ُب ْاس ٌ َجيب لِلت ََّجدُّ دِ .منْ ه ِذهِ الزّاويةُ ،ي ُ قابل التّقييد ،وا ّتساعٌ َي ْست ُ بل مبا هو ِع ٌ َ كاشفاًْ ، قال، القلب ُ العقل ،ال ب َو ْص ِف الثاين ُنوراً ِ أي َتقييدٌ ُملت ََح ِّولٍ ال َي ُّ كف عَن التَّبدُّ ل يف َت َج ّل َيا ِته وبها. ب -القابل ّية :يف َص ْو ِغ َم ْعناها ،خالَ َف ابنُ عريب الصوفية ملَّا ذهَ بوا إىل َّ الحقَّ َيت ََجلىّ عىل قدْر ْاس ِت ْعدا ِد ال َع ْبد» .فق ْد «أن َ «فص ِحك َمة قلب َّية يف ك ِل َمة ُش َع ْيب َّية»ِ ،منْ َمؤ َّل ِف ِه أ ْو َض َح يف ّ ُ العارف ال َي ُ كون عن الحكم»َّ ،أن ما َيت ََح َّصل لِقلب ِ «فصوص ِ بي ق ْب َل َت َجليّ َّ الشهادة .األ َّو ُل هو ْاس ِت ْعداد ،بل عنْ َت َج ٍّل َغ ْي ٍّ قع الت ََّجليّ ما َي ْج َع ُل القلب َي ْست ُ َ للصو َر ِة التي فيها َي ُ َجيب ُّ اإللهي ،ف َي ُ مقاسها تمَ اماً .يف َت َجليّ َّ الشهادَةَ ،يغدُ و كون عىل ِ ّ ً َ جميع ها ي عل س ك ع ن ت آة ر م « ة؛ ر و الص قاس م عىل ة آ ر م القلب ْ ُ َ ِ ُّ َ ِ ْ َ ِ ُ ْ ُ ِْ
لحقّ قلب املَ ْو ُجودات ق ُيدْر ُكها ُ ِ العارف عىل أ َّنها ُصو َر ٌة لِ َ و َيتَش ّك ُل بتَش ّك ِلها و َيتَل َّو ُن بل ْو ِنها و َيضيقُ و َيت َِّس ُع َ بض ْيقها َو َس َع ِتها» كام ُي ِّ الفص وض ُح أبو العال عفيفي يف َت ْعليقه عىل ّ السابق. الصو َرة :بها َتأ َّو َل ابنُ عريب ال َّتجليّ اإللهي .سرَ َ يا ُنها يف جُّ - ّ كش ُف ال ِكفاية التي أ ْر َساها لِ َ لخيال مبا هُ َو ِدعا َمة كتابا ِت ِه َي ِ وإنتاج املَ ْعرف ِة ،والنفا ِذ إىل ما ال ُي َرى .عل ْيها َع َّو َل لِلتأويلِ ، ِ َ َّ الصو َرة ،يف ذا ِتها، يف بنا ِء َم ْعرف ٍة َتقو ُم عىل الحيرْ َة .ذلك أن ُّ ُم َحيرِّ َ ٌةَّ ، الظاه ُر فيها هُ َو وال هُ َو يف ألن ما ُت ْظ ِه ُر ُه َب ْر َز ِخ ٌّي؛ ِ آن .وإذا َ قطع ابن عريب ِّ الش ْعريِّ َي ْس َتدْعيها ،يف سياق كان َم ُ الواح ِد يف الك َرثة، كش ُف عَن ِ العالق ِة بينْ َ األدْيان ،فأل َّنها َت ِ وظاللِها ،و ُت َس ِّو ُغ ا ْع ِتام َد و َت ْس َم ُح بال ّت ْمييز بينْ َ الحقيق ِة ِ َ الخ َيال يف ف ْه ِم العالق ِة بينْ َ يس. اإللهي واإل ْن ّ ّ لِ ُنن ِْص ْ تَ ،ب ْع َد ه ِذ ِه امالت املَ ْعنى يف الح ِت ِ ِ اإلضاءات ال َوجيزَةْ ، الش ْعر َّية ،التي َت َ يات ابن عريب ِّ نطوي عىل ر ِاهن َّي ٍة وا ِعدَة. أ ْب ِ تحيني ُم ْم ِك ِنهاَ ،ص ْوناً َ وهو ما يقتيض إعا َدة ِقرا َء ِتها بغاي ِة ْ لِن ََسبها إىل ا ُمل ْستَق َبل. الت َّْحقيقُ ا ُمل َدع َُّم بالم التَّوكيد ،يف ُم ْس َته َِّل ال َب ْي ِت األ ّول ِمنَ املَقطعُ ،ي ِق ُّر َّأن القابل َّية ُمشرْ َعَة عىل ما ال َي َتنَاهَ ى .ال واحدَةْ ، بل ،عىل ال َعكس، َيتَع َّلقُ األ ْم ُر بقابل َّي ِة القلب لِ ُصو َر ٍة ِ الص َور .ولَ ْفظ الشمول ّ بقابل َّي ِت ِه لِ ِّ «كل» سا ٍر يف ما َتف َّرعَ كل ُّ ع ْن ُه انطالقاً ِمنْ َتنا ِمي املَ ْعنى .فهُو ،من زاوي ِة البنا ِء ال َّنصيّ ّ ، ا ُمل َولِّدُ َّ للش ْطر الثاين ِمنَ ال َب ْي ِت األ ّول ولِل َب ْي ِت الثاين َجمي ِع ِه. في ِهام َت َت َب َّدى ْأجزا ُء ِّ الكل ا ُمل ْض َم َرة يف ل ْفظِ الشمول ،ق ْب َل ْأن اسم الشرَّ ْط ىّ «أن» ا ُمل ْض ِمر ،هو ُي َع ِّض َد ُه ،يف ال َب ْي ِت الثالثُ ، أيضاً ،ل ّال ِنها ّيئ.
حال الرياضة
َت ْبدو كلمة «صا َر» ،يف ْاس ِتهْاللِ املَقطع ،غيرْ َ ُمن َْسج َم ٍة مع الت ََّص ُّور الذي َض َّم َن ُه ابنُ عريب ،كام َس َبقَ أن أملَ ْحنا ،يف ُمؤ َّل ِف ِه الصيرْ ُو َر َة قائمِ َة الحكم» ،عن القابل َّية .ذلك َّأن َّ «فصوص ِ عىل ا ْن ِتقالٍ و َت َح ُّول ،وعىل ما ُي َس ّمي ِه الصوفية بإ ْعدا ِد املَ َح ّل للمتون َ وصقلِ املِ ْرآة .ول ُربمَّ ا َيق َتضيِ الت َّْحينيُ ،مبا هو إد ٌ ْماج ُ issue (5)- October - 2012
153
قصيد األسالف
باالس ِت ْعدادِ ،خالفاً القد َمي ِة يف ٍ سياقات َجديد ٍةَ ،ر ْب َط القابل َّية ْ ِّ لِام ذهَ َب إل ْيه ابنُ عريب .هذا ال َّر ْبط هو ما يمُ َكنُ أ ْب َ يات ابن الحديث و َتن َْخ َ عريب ِّ رط يف الش ْعر َّية ِمنْ ْأن َتتَك َّل َم لغة ال َّز َمن َ ْإشكاال ِته .فقابل َّية القلب لِ ِّ تاج ،بلغ ِة الصوفية، الص َور َت ْح ُ كل ُّ الحديث ،ثقافة وتهذيباً إىل رياضة ،و َتتَط َّل ُب ،بل َغة ال َّز َمن َ فس ُه َتنا َو َل ،يف ُمؤ َّل ِف ِه للس ِ لوك يف َض ْو ِئها .وابنُ عريب َن ُ ُّ ماَّ َ باب َس ه «حال «الفتوحات املك ّية» ،شهو َد ت َح ُّول ُّ الص َور يف ٍ َ اختالف ْاس ِت ْعدا ِد النّاس يف قبول ما الرياضة» ،الذي َض َّم َن ُه الحقُّ لهُم. أبا َن ُه َ َ الرتكيب بينْ َ كان ال ِفتاً ،يف الب ْيت األ ّول ،الت ََّجا ُور الذي َح ّق َق ُه ُ َ لفظ ْي «قلبي» و»قاب ًال»َ .تجا ُو ٌر ُي َع ِّضدُ ُه الت ُ الص ْو ُّيت بينْ َ ّامثل َّ اللفظينْ ،الباين لِ َن َوا ِة املَ َ قط ِع الدّالل َّية .وهي نوا ٌة يمُ ْكنُ إ ْبرا ُزها الص ْو ِّيت ،انطالقاً ِمنْ واس ِت ْثامر التَّامثل َّ تيب الت ََّجا ُور ْ بإعا َد ِة َت ْر ِ ُ فتكون اإلسنادي التايل :قابل َّية القلب للتّق ّلب. َص ْو ِغ الرتكيب ْ الص ْوتيِ ِّ ،قائمِ ة اإلسنا ِد ا ُمل ْستَث ِمر لِلتَّجا ُنس َّ ال َّن َوا ُةَ ،وفقَ هذا ْ عىل َم ْعنَى االن ِفتَاح وال َّت َعدُّ د والت ََّح ُّول وال َّت َبدُّ ل ،أي عىل ِّ كل ما ُيؤ ِّمنُ اال ْن ِف َ والحصرْ . الت وال َّت َم ّل َص ِمنَ التَّقيي ِد َ الص َور ،الباين لل َّن َواة الدّالل َّيةُ ، قبول القلب أ ّو ُل َت َج ٍّل لِ َت َعدُّ ِد ُّ صو َر َة َم ْرعَى كام يُصرَ ِّ ُح َّ الشط ُر الثاين ِمنَ ال َب ْي ِت األ َّول .و َم َع َّأن املَ ْرعَى ْأش َم ُل ِمنْ ْأن َي ْخت ََّص بال ِغزْالنَّ ، يص ُه بها فإن َت ْخ ِص َ ْاس ِتن ٌ أس ال َّتجليّ .وابنُ عريب ذا ُت ُه ْبات لِ َبذ َر ِة ُ الح ّب الذي هُ َو ُّ َي َ َّخصيص يف «ذخائر األ ْعالق» قائ ًال َّإن كال َم ُه رش ُح هذا الت َ باألح ّبة لِ ُلم ِح ِّبني َت َّم» بلِسانِ ال َه َوى ،وبال ِغزْالن َي ُ قع التّشبي ُه ِ يف هذا اللسان». ْ ليّ االس ِتنْباتَ ،ت ْ والت ُص َو ُر ال َّتج عبرْ َ أدا ِة ال َعطف َب ْع َد َبذ َر ِة ْ الال ِف َت ِة بتَكرارها ،يف ال َب ْي ِت الثاين ،ا ْن ِسجاماً َم َع آلية التّبدُّ ل والقاب ِل َّية لِلتَّق ّلبَ .توالٍ َي ْر ُس ُم ،بتَوا ٍز يف الترَّ كيب ِّ الش ْعريِّ ، لسل ِة الترَّ اكيب الواحدّ .مثة َت ٌ الت ََح ُّو َل يف ُص َور ِ جاوب َبينِّ ٌ َبينْ َ ِس ِ ا ُملتوازيةِ ،منْ جهَة ،و َبينْ َ التق ّلب يف املَ ْعنَى ا ُملعبرِّ عَنْ َح ِقيق ٍة الص َور وبهاِ ،منْ ج َه ٍة ْأخ َرى .فإيقاعُ التَّوازي ،الذي َتتَك ُرث يف ّ انْطلقَ َم َع َّ الش ْطر الثاين ِمنَ ال َب ْي ِت األ ّول َو َغ َّطى ال َب ْي َت الثاين القلب الواحدَ .ت َبدُّ ٌل َي ُصو ُن ُه ُ بكا ِم ِل ِهَ ،ت ْج ِسيدٌ لِل َّت َبدُّ ل يف ُص َور ِ فالح ُّب الص َورُ . الواح ِد يف ُّ َمتى َصفا لِ ْل ُح ّب ا ُمل ْس َت ْو ِعب لِكرث ِة ِ 154
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
وسنَدُ ا ِّتسا ِع ِه لِل َّت َبدُّ ل الذي ال ُي َرى. هو ُّ أس تق ُّلب القلب َ ْ ْ َتبدُّ ٌل ال َت َب َس عىل َمنْ مل ينْفذ إليهَ ،و َمنْ مل َتت ََح َّقق لِق ْلب ِه فصو َر ُة ما ال َيتَناهَ ى القاب ِل َّية ا ُملشرْ َعَة عىل ما ال َي َتنَاهَ ىُ . الت ال َح َّد لها ،مبا َتقت َِضي ِه ِمنْ َتق ّل ٍب دا ِئ ٍمَّ ، ألن ُت ْد َر ُك يف َت َح ُّو ٍ «ما ال َيتَناهَ ى ال َيد ُْخ ُل َت ْح َت التَّقييد»ُ ، يقول ابنُ عريب. وظاللِها هو ما َبنَى ،يف املَ َ قط ِع َّإن ال َّت ْميي َز َبينْ َ الحقيقة ِ ِّ الش ْعريِّ َ ،ح َيو َّية النَّوا ِة الدّالل ّية .وهي َحيو َّية َت ْس َت ِمدُّ ُن ْس َغها القائم عىل ك ْونِ ه ِذ ِه ِّ الظالل إنتاجاً ِمن َت َص ُّور ابن عريب ِ ُ ذات ّياً ُمق َّيداً َ الص َو َر ِن ْسب َّية ،يف بخ َيالِ ُم ْن ِتج ِه .وهو ما َي ْج َعل ُّ مُقابلِ َح ِقيق ٍة ُمطلقة .ا ُمل ْم ِكنُ يف َص ْون ه ِذ ِه الن ِّْسب َّية هو تجدِّداً ْيك ال َيتَق َّي َد بصو َر ٍة د َ َج ْع ُل َ ُون ْأخرى. الخيال ُم َ ائع أو صا َغها الحقّ ،التي َن َس َجتْها الشرَّ ُ ال يمُ ْكنُ لِصو َر ِة َ الواحدَة أو َخ َلقها ُّ كل ف ْر ٍد أو ذاهب الشرَّ ي َعة ِ َمذهَ ٌب ِمنْ َم ِ َت َح َّص ْ الذات ا ُملتعالية .هو لت ل ُه بالتقليدْ ،أن َتتَامهَ ى َم َع ِ األبيات ِّ ُ الش ْعر َّية َوفقَ تأويلٍ َي ْح ِم ُل َد ْم َغة أس ما ُت ْرسي ِه ذا ُّ ُ َ َّ التميي َز بينْ امل ْجهُولِ ،امل َت َمن ِِّع عىل ابن عريب كام تقدَّم .إن ْ ٌ ِّ كل َتقيي ٍد ،واملَ ْج ُعول ،الذي هُ َو ُصو َرة ُمت ََخ َّيلة أي ِمنْ ُصن ِْع حصنُ العالقة َبينْ اإلنسان ،إ ْرسا ٌء َمك ٌني لِتأويلٍ مفتوح ُي ِّ طوائف الشرَّ ي َع ِة األدْيان ِمنَ الت ََّص ّلب ،و َيقي العالقة بينْ ِ الواح َد ِة ِمنَ ال َّت َع ُّصب ،مبا يمُ َ ّكنُ القلب ِمنْ قابل َّي ٍة للتَّق ّلب َ ِ ؤس ُس ر ِاه ِن َّية هذا الت ََّص ُّور ،يف مع ما ال َيتَناهَ ى .ول َع َّل ما ُي ِّ األساس األ َّول ،ان ِتصار ُه للخيال يف الت ََّصدّي لِلت ََّص ّلب مبا هو ِ آلية.
ابن عربي قلب يتسع لكل الصور
ُّ وصو َر ٍة من كل تمَ ا ٍه بينْ املَ ْجهُول واملَ ْج ُعول ،أو بينْ ا ُملطلق ُ القلب َ والخيال .ض ْيقٌ ب ِه َتف ِقدُ ُص َور ِه ل ْي َس إ ّال ض ْيقاً يمَ َ ُّس َ اس ُّ الصو َر ُة َ التجدُّ َد الذي ُيؤ ِّم ُن ُه ال َّت َبدُّ ُل والت ََّح ُّو ُل ،ف ُيصي ُبها ال َي َب ُ والت ََّص ّلب .هُ َو ذا املَ ْعنَى الذي ُي َس ِّوغ لِل ِقرا َء ِة ،يف ال َّز َم ِن لض ْو ِء ا ُمل ْستَق َب ِّ صات لِ َّ الح ِديث ،اإل ْن َ ات يل الذي َي ِش ُّع ِمنْ أ ْب َي ِ َ ِّ ْ َ ْ ٌ ْ ع ف الكش يف ال ي لخ ل ت ت ن ا يات ب أ ة. ي ر ع الش عريب ابن َ ِ َنْ ْ َّ ْ صرَ َ ِ َ ْ ِّ ُّ ْ آلي ِة التَّص ّلب ا ُمل َه ِّددَة لِكل ا ْعتقا ٍد َيطمَئنِ لِلتَّقيي ِد واالن ِغالق. ال َّت َعدُّ ُد يف ُص َور ال َّتجليّ ُيش ِّك ُل َح َيو َّية يف اال ْع ِتقادْ .اس ِت ْمرا ُر الح َيو َّي ِة َره ٌني ب َد َو ِام ال َّت َبدُّ ل حتّى ال ُي ْح َج َب الت ََّح ُّو ُل ه ِذ ِه َ نج ٌز إنسا ٌّين الباين لِل ّتجليّ .فا ُمل ْعت َقدُ ،بالن ِّْس َب ِة إىل ابن عريبُ ،م َ محكوم با ُمل ْع َت ِقد .وك ّلام صاحب ِه و ُمت ََخ َّي ِل ِه ،أي ٌ َم ْح ٌ كوم بقلب ِ الصو َر َة التي َخلقها خيال ُه عن ا ُملطلق َت َر َّس َخ لدَى ا ُمل ْع َت ِق ِد ّأن ُّ هي الحقيقة ،قا َد ُه هذا اال ْع ِتقا ُد إىل َت َص ُّل ِب َ وجمو ِد الخيالُ ، القلب ،وإىل ال َّت َع ُّصب لِل َّرأي ،وفا َت ُه الف ْر ُق بينْ َ املَ ْجهُول الصو َر ُة إىل عَال َمة ،فت َِضيقُ ال ُّرؤ َية، واملَ ْج ُعول .هكذا َتت ََح َّو ُل ُّ الك الحقيقة ،و َي ُّ القلب عَنْ إ ْنتَاج كف ُ و َين ُْمو وَهْ ُم ا ْم ِت ِ ُ ليّ املَ َح َّبة ا ُملت ِّس َعة ْ الف الت ََّج .يقول ابنُ عريب عَنْ ُخطو َر ِة الخ ِت ِ التقييدُ ،مت ََحدِّثاً عن الحقّ « :ف َمنْ َق َّيدَهُ أ ْنك َرهُ يف غيرْ ما ق َّيدَهُ ب ِهَ ،وأق َّر ب ِه فيام ق َّي َد ُه ب ِه إذا َت َجلىّ َ .و َمنْ ْأطلق ُه ع َِن التَّقيي ِد ْمل ُي ْن ِك ْر ُه وأق َّر ب ِه يف ُك ِّل ُصو َر ٍة َيت ََح َّو ُل فيها و ُي ْعطي ِه فس ِه ق ْد َر صو َر ِة ما َت َجلىّ ل ُه إىل ما ال َي َتنَاهَ ىَّ ، فإن ُص َو َر ِمنْ َن ِ الت ََّجليّ َما لها ِنها َية َت ِق ُف ِع ْندَها». الص َو َر ،التي أ ْنشأ ْتها اال ْع ِت ُ الج ُمو ِد قاداتَ ،منذو َر ٌة إىل ُ َّإن ُّ بالح ّب ،وما ْمل َتج ْد قلباً َيت ِّس ُع لها جميعها، ما ْمل َتت ََح َّصنْ ُ و َيتَق ّل ُب َم َع ال َّت َبدُّ ل الدَّائم للت َّجليّ َ .ي َّ تكش ُف هذا اال ِّتساعُ يح البن عريب، الحامي لِدينام َّي ِة التَّجيل ِ انطالقاً ِمنْ َتصرْ ٍ َين َتصرِ ُ فيه لِ ُرؤ َي ٍة ُش ُمول َّي ٍة ،هي عينُها ا ُملض َم َرة يف لفظ ّ «كل» يح أ ْو َردَهُ يف َب ْي ٍت ِش ْعريٍّ ، الذي َس َبقَ ْأن تو ّقفنا ِع ْن َد ُهَ .تصرْ ٌ الباحثون إلضا َء ِة قابل َّي ِة القلب لِتق ّلب غالباً ما َي ْس َتدْعي ِه ِ الص َور .جاء فيه: ُّ
عَق َد الخال ِئقُ يف اإلله عَقا ِئداً ميع ما ا ْعتَقدُ وه وأنا َش ِهد ُْت َج َ
السياق ،االخ ِتالف الذي َتو َّل َد بينْ َ َمنْ ذهَ َب ال َي ْعنينا ،يف هذا ّ
إىل ّأن ابنَ عريب ُ يقول ب َو ْح َد ِة األدْيان و َبينْ َ َمنْ َر َّج َح ّأن الحكم» ال ُ الواح ِد الجامع. يقول إ ّال بالدين ِ صاح َب «فصوص ِ ِ ما ل ُه اع ِتبار يف إعا َد ِة قرا َء ِة املقطع ِّ الش ْعريِّ البن عريب َّ يتكش ُف َي َت َو َّج ُه َرأساً إىل ُم ْم ِكن الت َّْحيني وأف ِقه .وهو ُم ْم ِكنٌ وع املَقطعْ ، بل عىل ال ُّرؤ َي ِة التي ا ْنت ََظ َم ال بالترَّ ْكيز عىل َم ْو ُض ِ املَ ْعنَى َوف َقها. ال َت ْحي َ والع ُبور ب ِه إىل فصل الخطاب عَنْ ذا ِت ِه ُ ني ِمنْ غيرْ ْ وُعُ و ِد املَ ْعنى .لذلك يمُ ِكنُ اال ْم ِتداد مبَقطع ابن عريب إىل منطق ِة الحقيقة ب َو ْج ٍه عا ّم ،أيْ دون َحصرْ ِه يف الحقيق ِة الدين ّية .بهذا اال ْم ِتدادَ ،ين َب ِثقُ ِمنْ ق ْول ابن عريب ِندَا ٌء قا ِد ٌم يتس َّل ُل ِمنَ ا ُملستقبلِ .ندا ٌء ُيع ِّلمنا الت ََّصدّي للتَّص ّلب الذي َ َ ني األ ْوها َم للخيال وال ِف ْكر وال َّرأي واال ْعتقاد ،ق ْبل ْأن َي ْب َ بح َحقائقَ ال َتق َب ُل التَّبدُّ ل ،وق ْبل أن َيتَح َّو َل إىل التي ُت ْص ُ دافع عنه ،و ُتلقي بالخطإ دَوماً آلي ٍة ذِهْ ن َّي ٍة ُت ْن ِت ُج ّ الض ْيق و ُت ُ خارجها .من هنا َنل ِم ُس ح َيو َّية املَقطع الذي َو َس ْمنا املَ ْعنى َ ُ فيه بالدّينا ِم َّية ،فابن عريب ُي َع ِّول عىل ِّ الش ْعر ،من مقام ً داث ُشقوقٍ يف الت ََّص ُّلب ،ا ْن ِسجاما َم َع ال ِكفاي ِة إلح ِ ُ الح ّبْ ، التي َخ َّولها لِلخيال يف إنتاج املَ ْعرفة. امالت ال ُّرؤ َي ِة البان ّية لِل َم ْعنى يف مقطع الحقيقةَ ،وفقَ ْاح ِت ِ ابنُ عريبُ ،م ْن َف ِلتةُ ،م َت َم ِّل َصة ،أل َّنها َتنت َِس ُب إىل املَ ْجهُول. والجمود .ال َس َ بيل والحصرْ َ ُ وهي بذلك ال َتق َب ُل التقيي َد َ إىل َت ْطوي ِقها .ا ُمل ْمكنُ ِمنْها هو ا ْم ِت ُ الك قاب ِل َّية االح ِتفاظِ لها تيح بال َّت َبدُّ ل والت ََّح ُّول ،أي ا ْم ِتالك الت ََّجدُّ د الذي َو ْح َد ُه ُي ُ َّ ساب إىل أف ِقها املَفتوح .إ ّنه ال َّد ْر ُس الكبري الذي َنتَعل ُم ُه االن ِت َ ِمنَ املَقطع ِّ الش ْعريّ البن عريب َمتى أ َعدْنا ِقرا َء َت ُه يف َضو ِء ُم ْم ِكن ُرؤي ِتهُ .رؤية َتت ََصدَّى ،إن ا ْم َت َّد بها ٌ ديثي، تأويل ْ تح ّ لِلت ََّص ّلب الذي ال َي ْستَثني أيَّ جا ِنب ِمنْ َجوانب الحياة ،وأيَّ الصلة التي َت ْر ُ بط اإل ْن َ سان عالق ٍة ِمنَ العالقات ،مبا يف ذلك ِّ الح ّب قلب خطاب ُ بذا ِته .وال َننسىَ َّأن املَ َ ِ قطع ُم ْس َت ْن َب ٌت يف ِ ا ُملنف ِتح .فهو ُج ْز ٌء ِمنْ قصي َد ٍة ُم ْد َم َج ٍة يف ديوان «ترجامن األشواق»ٌ . بالجماَ ل و ُي ْع ِلنُ فيه ِ ديوان َي ْحتَفي َ صاح ُبهُ ،عبرْ َ خاص َيت َ باإللهيَ ،ن َس َب ُه إىل ُسالل ِة َتأويلٍ ٍّ َداخ ُل في ِه اإل ْنسيِ ُّ ّ العاشقني issue (5)- October - 2012
155
تجارب
فروغ فرّخ زاد
ذات الوجهين ال شك أن فروغ فرّ خ زاد هي أهم شاعرة إيرانية .ولدت عام 1934في طهران .تزوجت في سن مبكر أي في السادسة عشر من عمرها من رجل يكبرها بخمسة عشر عاما وكان الدافع حب مفاجئ إال أن هذا الزواج لم يدم أكثر من خمسة أعوام .توفيت فروغ عام 1966 إثر حادث سيارة.
مريم حيدري
ستأخذنا الريح معها يحدث اآلن يشء يف الليل القمر قرمزي ومرتبك فروغ فرّخ زاد وفوق هذا السطح الذي يخالجه يا للحرسة ،هناك يف ليلتي الصغرية هول االنهيار كل لحظة هناك الغيوم للريح ميعاد مع أوراق األشجار كحشود املعزين وليلتي الصغرية يساورها قلق تنتظر لحظة هطول املطر. الخراب لحظة انصت ال يشء بعدها هل تسمع هبوب الظالم؟ خلف هذه النافذة يرتعش الليل بغربة أنظر إىل هذه السعادة واألرض مدمنة يأيس أنا توشك أن تكف عن الدوران فانصت خلف هذه النافذة هل تسمع هبوب الظالم؟ 156
بيت الشعر
العدد ( - )5أكتوبر/تشرين األول2012/
هنالك يشء ما غامض تقلقه حايل وحالك. أيها األخرض من رأسك إىل أخمص قدميك ضع يديك يف يدي العاشقتني كام ذكرى حارقة وس ّلم شفتيك إىل مالطفة شفتي العاشقتني كحس دافئ من الوجود فالريح ستأخذنا معها.
جمعة
فروغ فرّخ زاد
أصدرت
فروغ خالل حياتها القصرية خمس مجاميع شعرية؛ «األسرية» (« ،)1952جدار» (« ،)1957مترد» (« ،)1959ميالد آخر» ( )1962ومجموعتها األخرية التي مل تنته «فلنؤمن بحلول الفصل البارد». لفروغ وجهان وتجربتان .الوجه األول يشمل دواوينها الثالثة األوىل .وجه متمرد المرأة تعيش يف بيت محارص فهي تتحدث خالل تجربتها األوىل عن امرأة وحيدة ومتمردة ومعرتضة ،تساورها مشاعر املرأة واألم ،وإضافة إىل ذلك تروم إىل الوقوف يف وجه تقاليد األرسة واملجتمع .ال اختالف يف األساليب الشعرية لديها عام يكتب معارصوها آنذاك ،إال أن صوتها املعرتض كان فريدا ميزها ومنذ بدايتها عن شاعرات عرصها وشعرائه. أما الوجه اآلخر لفروغ فرخ زاد فيبدأ بصدور ديوانها «ميالد آخر» ،فكأمنا ميالد حقيقي آخر ،أظهرت الشاعرة وجها عامليا لنفسها ولشعرها وأسلوبا منفردا خاصا بها وذلك عرب تطور الفكر واللغة والتعبري لديها .نظرتها نحو العامل تحولت من شاعرة تكتب حسب غريزتها ومشاعرها إىل شاعرة تروض املشاعر واألحاسيس وتسكبها يف ظرف لغة حررت نفسها هي األخرى من القوالب السائدة لدى الشعراء الرومنطيقيني آنذاك ،وفروغ ،هي التي تقول يف حوار لها« :أعتقد أن العمل األديب ينبغي أن يالزمه الوعي .وعي بالنسبة للحياة والوجود والجسم .وحتى بالنسبة لهذه التفاحة التي نقضمها .ال ميكن أن نعيش حسب الغرائز فقط .مبعنى أن الفنان ال يستطيع ذلك كام ال ميكنه». ونرى يف ديوانيها األخريين أن نصها أصبح مؤثرا أكرث مام يكون متأثرا .فكانت فيام سبق تتأثر يف اختيار املفردات ،عىل سبيل املثال ،من شعراء عرصها أو من اللغة الشعرية السائدة يف ذلك الوقت والحاكمة عىل شعر غالبية الشعراء ،إال أنها أخذت تختار املفردات يف مرحلتها الشعرية الثانية بطريقتها الخاصة ،ال تأبه إن كانت الكلمة دخلت النصوص الشعرية من قبل أو ال ،أو تكون فاخرة أو بسيطة كأن تاخذه من قاموس الحياة اليومية. أما تأثرها فكان يرتوي من موردين هام التوراة والسينام .فنالحظ تأثري التوراة يف لغتها الشعرية واملفاهيم التي ترد شعرها يف املرحلة الثانية ال سيام املفاهيم الكونية .أما السينام فيظهر تأثريها يف الصور وكيفية تطرق فروغ ألفكارها وتطلعاتها ومنظارها للحياة. ويف عام 1965أخرج برناردو برتولوتيش فيلام يف نصف ساعة عن حياة فروغ فرخ زاد بطلب من منظمة اليونسكو.
الجمعة الساكتة الجمعة املهجورة الجمعة الحزينة كام األزقة القدمية جمعة األفكار الكسولة املريضة جمعة التثاؤبات الخبيثة املمتدة الجمعة الخالية من االنتظار جمعة التسليم البيت الخاوي البيت الكئيب البيت املوصد بابه يف وجه هجوم اليفاعة بيت الظالم وتخيل الشمس بيت الوحدة والتفاؤل والرتدد
بيت الستارة والكتاب والخزانة والصور آه ،كم كانت متيض بهدوء وكربياء حيايت كجدول غريب يف خضم تلك الجمعات الساكتة املهجورة يف وسط تلك البيوت الخاوية الكئيبة آه ،كم كانت متيض بهدوء وكربياء...
هدية
أتحدث عن نهاية الليل أنا
أتحدث عن النهاية العتمة وعن نهاية الليل أيها اللطيف إن أتيت إىل بيتي فأت مبصباح ونافذة ألنظر منها إىل زحام الزقاق السعيد.
ميالد آخر
وجودي كله آية مظلمة سيأخذك معه مكررا إىل فجر االزدهارات والنمو األبدي وأنا قد تأوهتك يف هذه اآلية تأوهتك issue (5)- October - 2012
157
تجارب
ويف هذه اآلية صهرتك بالشجرة واملاء والنار.
رمبا الحياة
سامء يأخذها إسدال ستارة مني حصتي النزول من سلم مهجور
والوصول إىل يشء يف النخر والغربة شارع طويل متر منه امرأة كل يوم حصتي تسكع حزين يف حديقة الذكريات حاملة سلة بيدها وأن أقيض نحبي يف أىس صوت ورمبا الحياة يقول يل: حبل يعلق رجل به نفسه من «أحب األغصان الحياة رمبا طفل يعود من املدرسة يديك» أزرع يديّ يف الجنينة أو عبور دائخ لعابر ّ وسأخرض ،أعرف ذلك ،أعرف ،أعرف يرفع قبعته وبابتسامة عدمية املعنى يقول لعابر وستبيض السنونوات يف ُح َفر أصابعي امللطخة بالحرب آخر: سأضع قرطني يف أذين «صباح الخري». الحياة رمبا تلك اللحظة املسدودة من كرزتني حمراوين وتوأمني وألصق عىل اظافري أوراق زهرة التي تحطم فيها نظريت نفسها يف األضاليا بؤبؤ عينيك مثة زقاق ومثة شعور يف ذلك ما زال فيه الفتية الذين كانوا سأمزجه باستيعاب القمر ودرك يحبونني الظالم. بشعرهم املشعث ذاته وأعناقهم يف غرفة بحجم الوحدة النحيفة وسيقانهم الهزيلة قلبي الذي يكون بحجم الحب ينظر إىل أسبابه البسيطة للسعادة يفكرون بابتسامة بريئة لفتاة حملتها الريح معها إىل زوال األزهار يف األصيص ذات ليلة إىل نبتة غرستها بيدك يف حديقتنا مثة زقاق رسقه قلبي وإىل تغاريد الكناريات التي من أحياء طفولتي تغرد بحجم نافذة. سف ُر حجم عىل خط الزمان َّ الجاف يحبل وأن تجعل خط الزمان آه... من حجم ما هذه حصتي حجم لتصوير واع هذه حصتي يعود من ضيافة مرآة ما. حصتي وهكذا 158
بيت الشعر
العدد ( - )5أكتوبر/تشرين األول2012/
ميوت أحد ويبقى أحد *** لن يعرث أي صياد عىل لؤلؤة يف جدول وضيع يصب يف حفرة. أنا أعرف مالكا صغريا حزينا يسكن يف املحيط ويعزف قلبه يف ناي خشبي صغري بهدوء ..بهدوء مالك صغري حزين ميوت يف الليل من قبلة وعند الفجر يولد من قبلة أخرى.
فلنؤمن بحلول الفصل البارد... (مقاطع من قصيدة طويلة)
وهذه أنا امرأة وحيدة عىل عتبات فصل بارد
فروغ فرّخ زاد
يف بداية استيعاب الكيان امللوث لألرض ويأس السامء البسيط الحزين وعجز األيدي األسمنتية. مر الزمان مر الزمان ودقت الساعة أربع مرات دقت أربع مرات إنه اليوم األول من شهر دي رس الفصول أنا أعرف ّ وأفهم كالم اللحظات املنجي نائم يف القرب والرتبة ،الرتبة الرحبة إشارة إىل الهدوء مر الزمان ودقت الساعة أربع مرات ريح تهب يف الزقاق ريح تهب يف الزقاق وأنا أفكر بتزاوج األزهار برباعم ذات سيقان نحيلة وفقرية للدم بهذا الزمان املتعب املسلول والرجل الذي مير بالقرب من األشجار الندية الرجل الذي زحفت خيوط عروقه الزرقاء نحو أعىل حنجرته كأفاع ميتة وأخذت تردد يف صدغيه املضطربني ذلك الهجاء الدامي: • أهال • أهال وأنا أفكر بتزاوج األزهار. عىل عتبات فصل بارد يف حفل حداد املرايا
واجتامع أصحاب عزاء التجارب الشاحبة وهذا الغروب املخصب مبعرفة الصمت كيف ميكن أن تأمر بالتوقف من يسري هكذا صبورا مثقال وهامئا. كيف ميكن أن تقول للرجل أنه ليس حيا ،ومل يكن حيا ابدا. ريح تهب يف الزقاق وغربان االنزواء الوحيدة تدور يف حدائق الكسل الهرمة والسلم يا لوضاعة ارتفاعه. إنهم حملوا معهم سذاجة القلب كلها نحو قرص الحكايا واآلن كيف ميكن لواحدة أن تقوم للرقص وتسكب جدائل طفولتها يف املياه الجارية وأن تركل التفاحة التي اقتطفتها أخريا وشمتها؟ يا حبيبي ،يا حبيبي األوحد كم من سحب سوداء تنتظر يوم ضيافة الشمس. كأمنا كان يف طريق تصور الطريان ذلك الطائر الذي ضاع ذات يوم وكأنها كانت من خطوط الخيال الخرضاء
تلك األوراق النرضة التي كانت تتنفس يف شبق النسيم وكأمنا تلك الشعلة البنفسجية التي كانت تلهب يف فكر النوافذ النقي مل تكن إال تصورا بريئا من املصباح. ريح تهب يف الزقاق وهذه بداية الخراب كانت تهب الريح يف ذلك اليوم الذي تحطمت فيه يداك أيتها النجوم العزيزة أيتها النجوم الورقية العزيزة بس َور األنبياء كيف ميكن أن نلوذ ُ املحبطني حني يهب الكذب يف السامء؟ نلتقي كمن ماتوا منذ آالف السنني وبعدئذ ستحكم الشمس عىل ضياع اجسادنا. ...................
الطائر ميت ال محالة
كئيبة أنا كئيبة أنا أذهب نحو الرشفة وبأناميل أملس جلد الليل املتصلب مصابيح العالقة مظلمة مصابيح العالقة مظلمة ال أحد يع ّرفني إىل الشمس ال أحد يأخذين إىل ضيافة العصافري تذكر الطريان دامئا فالطائر ميت ال محالة
issue (5)- October - 2012
159
مركز سلطان بن زايد في مركز سلطان بن زايد وبيت الشعر في أبوظبي
كاظم جهاد :ثقافتنا تناولت المنفى بفرادة الكاتب العراقي الشاعر والمترجم كاظم جهاد أستاذ األدب العربي القديم واألدب المقارن – المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية – باريس ،كان ضيف مركز سلطان بن زايد للثقافة واإلعالم وبيت الشعر في أبوظبي ،حيث حاضر مساء التاسع من سبتمبر حول "الحنين محركا لإلبداع – شعريات المنفى الجديدة" ،كما أقام أمسية شعرية في
بيت الشعر في العاشر من سبتمبر
حرض
املحارضة سعادة حبيب يوسف الصايغ مدير معيش املنفى واألفق النفيس والروحاين الذي يتموقع عام املركز وعدد كبري من املفكرين واملثقفني فيه املنفي ويجد نفسه مدفوعا إىل مواجهة الزمن الفار واستيهامات العودة املمكنة أو املتعذرة ومشاعر الكآبة واإلعالميني وأدارها اإلعالمي سعيد الشعيبي من تلفزيون أبوظبي .واستهلها جهاد بالحديث عن موضوع املنفى الذي املتواترة والحنني املتواصل..وبقدر استطاعته مواجهة هذا يشكل ظاهرة مهمة بالغة الخطورة عادت إىل األضواء بصورة كله وبحسب الحلول التي يجرتحها لنفسه وملرشوعه يجعل الفتة يف األعوام األخرية عىل أثر تزايد عدد املهاجرين ألسباب املنفي من حنينه حنينا مغلقا أو مفتوحا ومن كآبته طاقة سبية وشالة أو محركا لإلبداع عنده. اقتصادية واملبعدين من أوطانهم واملجموعات املهجرة أما من ناحية الثقافة العربية فقال جهاد «إنها تضمنت والناجني من اإلبادات الجامعية . ورأى أن أدب املنفى قديم وكبري يف تراكم مكوناته وعناوينه معالجات أساسية للمنفى وإن تناولته من خالل مفردات أخرى كالظعن والرحيل والنزوح والغربة والتغرب والشوق األساس مثلام أن املنفى ظاهرة قدمية مضيفا أن أدب املنفى والحنني .وتقف هنا أعامل قدمية عالجت املنفى شعرا وأدبا يعالج مشاعر املنفي وتحوالته الكيانية ومكابدته للحنني بتعمق وفرادة منها رسالة «الحنني إىل األوطان» املنسوبة وعمل الذاكرة وشاكلته يف مواجهة الزمن. للجاحظ و»أدب الغرباء» أليب الفرج اإلصفهاين وفصول وتطرق إىل ما نالته «أوديسة» هومريوس من تناوالت عديدة من كتب أخرى معروفة البن قتيبة. فسلفية ونقدية عديدة تستنطق تجربة بطلها أوديس وتوقف املحارض عند ما سامه «بالغة الحنني» التي تحيل إىل «أو أوليس» وتخرج من قراءة مغامراته العاثرة واألخرى ما كتبه العرب يف املشوقات أو مهيجات الشوق من عنارص السعيدة بدروس باهرة من حيث إضاءتها ملعيش املنفى. طبيعية كالربق والريح ريح الصبا بخاصة وحيوانية وعىل كانت وجانكليفيتش يف وإستعرض ما كتبه الفيلسوفان ْ رأسها الحاممة والبعري يليها طيف الخيال واألطالل الدراسة التي ميكن اعتبارها أيضا مهيجة للشوق بانتصابها حوامل أساسية للذكرى وشواهد دالة عىل حضور الحبيبة الظاعنة عرب غيابها أو بالرغم منه. ويف ختام األمسية توقف املحارض عند ثالثة مناذج كربى من الشعر العريب عرفت مبعالجتها للحنني والنفي ..فقرأ أوال تجربة ابن زريق البغدادي وحلل كاظم جهاد يتيمته املعروفة بـ «فراقية ابن زرق» واعتربها مستودعا هائال ألهم مشاعر املنفيني وهواجسهم املستحوذة ..تليها تجربة املعارصين العراقي بدر شاكر السياب والفلسطيني محمود درويش وقد اعتربهام املحارض من أكرب من عالجوا الحنني واملنفى شعرا. الصايغ يهدي جهاد درع املركز
160
بيت الشعر
العدد ( - )5تشرين األول/أكتوبر2012/
أخبار البيت
كاظم جهاد وجهاد هديب
األمسية الشعرية
وشهد بيت الشعر يف أبوظبي التابع لنادي تراث اإلمارات مساء العارش من سبتمرب أمسية شعرية متميزة قرأ خاللها الشاعر جهاد مختارات من قصائده التي بدت فضاء شعريا مفتوحا يلملم ما حوله من مفردات الشعر واللغة والفكرة واملعنى. وحرض األمسية نخبة من املثقفني والشعراء تقدمهم الشاعر حبيب الصايغ رئيس الهيئة اإلدارية لبيت الشعر يف أبوظبي وأدارها الزميل الشاعر جهاد هديب ،الذي قدم الشاعر، حيث أشار إيل «إن امللمح الرئييس يف شعر كاظم جهاد، الذي تأصل يف ديوانه األخري «معامر الرباءة» ،هو املنفى، لكن ال السيايس وال اللغوي بل املعريف ،هذا “املنفى” الذي وغرب آخر يتخذ موقعاً له يف برز ٍخ بني رشق آخر يخصه ٍ يخصه أيضاً .منفى تحقق يف عزلة مضاءة تبدل هواءها باستمرار ،هي أيضاً عزلة مؤثثة بأشياء الحنني ..الحنني إىل ماض يخص مكاناً وزمناً مل يعد لهام وجود أو أقلها من غري املمكن استعادتهام إال من خالل ذاكرة شعرية تقوم برتميم الصور إىل حد أنها تصبح جديدة وكأنها مل تحدث من قبل». كام قال هديب يف تقدميهَ « :من يقرأ صني َع كاظم جهاد الشعري سوف يلحظ أن من الصعب تصنيفه يف إطار ونفس ِ نفسه.. حقبة أو جيل أو اتجاه .هو ذاتُ ذاتِه ُ قصيدته متقشفة يف كلامتها لكن صورة الشعرية عميقة. يشعر القارئ أن لكل صورة استقالليتها وإيقاعها القائم عىل عالقات التجاور بني الكلامت ،داخل “معامر” أو بنية القصيدة ككل».
ثم قرأ كاظم قصائد من مجموعته الشعرية التي حملت عنوان «معامر الرباءة» ومن تلك القصائد نذكر «عراقيون، هزمية النرس ،الذكرى ،الزمن املستعاد ،تجريد ،باقة ،جنون، ارتطام» وهي قصائد تحمل الكثري من الدالالت ذات البعد اإلنساين واملعريف ،وتعرب عن حالة شعرية شفافة بعيدة عن الخطابة واملبارشة يف الوصف ،فال صوت يعلو فيها سوى صوت املعنى والشعرية العذبة .من قصيدة ارتطام قرأ ذاهب ألرتط َم /مبصريي /من ُذ عقود كاظم :بال ُعنف كلّه ٌ مسعاي كلّه /وها أنا / /وأنا أجلس وأنتظر /اليو َم غيرْ تُ َ بال ُعنف كلّه /أذ َهب ألرتط َم مبصريي. إىل قوله : عندما سيَتالمح املصري سأطرحه أرضاً وأسرت ٌد ما فاتني منه حاسباً الحساب لباقي أيّامي أو قد أغسله ببساطة غسل الوليد كمثلِ ما يُ َ من ماء الوالدة َ وبذلك االحتدام ال ّنشوان أُقي ُمه يف العالَم بِعدالة. بهذه البساطة والفنية العالية ،يغسل كاظم جهاد الشعر مباء الكالم املطرز بالوصف وخرز الصورة الشعرية التي يلتقطها بعدسة الشاعر الذي ال يستطيع إال أن يرى األشياء من حوله بعني الجامل والدهشة بيت الشعر issue (5)- October - 2012
161
أجنحة
.................................................................................................................... أجنحة وأسوار وأسوار
.
خيــوط حبيب الصايغ
ال العدو أمامي ،وال البحر من ورايئ ،ولكنني احرقت سفني كلها ،ثم رميت عود الثقاب يف سلة املهمالت، ووضعت علبة الكربيت يف جيبي .مل أقل لألرشعة :وداعا! وانتابتني سعادة غامرة .وأنا أراقب البياض يذوب يف الحمرة ..وأنا أرى عمر الغياب يتسع ،ويدخل يف مسامايت ،ناسجاً دوريت الدموية بخيوط غاية يف التعقيد. للجذور حكاية الجذور لهفتها الصبية ،أبدا ،املذعورة ،وكأنها قطيع خفافيش ضل طريقه ،وفجأة ،وجد نفسه، وجها لوجه ،أمام الشمس .كم ترى تنزف الجذور ،حيث ميوت الربيع؟ ..كم تهيئ نفسها للرصاخ ،وللشبق، رساجها املنري ،وخالصة عمرها املهدور بني األرض والسامء؟ ...ال لن أميض ،أبعد ،يف الوصف األبله حتى ال أصل منابع املاء ،فقد أكون ـ حينئذ ـ معرضا لغرق أكيد ،ال كام يصادف يف البحر ،يف أعامقه ،وإمنا كام يرى يف النفس، ويف أعامقها ،وهل هذه الرشايني املمتدة ،املتشعبة ،اال بدايات جذور ،أو نهاياتها؟ الرشايني يف جسد االنسان جذور. ومنها ما ينبت الحدائق واألمواج والعصافري. ومنها ما ينبت الذبول. ً ً وقد يكون االنسان شجرة ،وحديقة ،غصنا وزهرة .نسغا خالقا يرتاكض يف الفروع. وقد يكون غبارا. لكن.. للغبار حكاية الغبار كام أن للجذور حكاية. فيا أيها الدم املتدفق يف الرشايني :حاذر أن تبوح! ال ..لن يحدث هذا أبدا ..لن اسرتجعك .ثانية ،يا طائريت الورقية .سوف اطلقك يف الفضاء ،حتى اذا اخذت مداك ،اشتغل املقص ،وقطع الخيط الواصل بني اجنحتك وقلبي. هذا الصباح ،تسللت خيوط الشمس اىل وجهي بني النوم واليقظة .هل كنت رومانسيا أكرث من الالزم؟ فتحت عيني ،ورأيت أمامي يف زاوية السقف البعيدة ،أنثى عنكبوت تبني بيتها يف غرفتي. خيوط حمراء ،زرقاء ،صفراء ،وملونة ..هل تستطيع أن تشكل حبال يستعمله سجان؟ تذكرت حبل الرسة ،وما بكيت. حبل يصل املشنوق بشيخوخة الهواء. ال العدو أمامي ،وال البحر من ورايئ.. واالرشعة ذهبت ،ولن تعود. هيهات هيهات
حروفية :حسن املسعودي
issue (5)- October - 2012
163
من أعامل الفنانة اإلماراتية ملياء قرقاش