1
issue (7)- December - 2012
2
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
بيت الشعر
العدد ( )7كانون األول/ديسمبر2012/
اإلمارات أرض القصيدة الخضراء تقف النخلة هنا بكل جامل وشاعرية ،جذرها ضارب يف الرمال ورأسها مرفوع لألعىل، رانية من جهة نحو البحر وأخرى اىل الصحراء .خرضاء عىل مدى الفصول ،فتية ال تعرف الشيخوخة ،ال تهزها ريح وال يضنيها صيف أو شتاء .تلك هي سرية الكائن العريب منذ القدم ،انسان عينه إىل السامء وروحه عىل االرض ،راسخ حتى حني يسافر بعيدا. هي القصيدة ديوان العريب ومستودع أرساره ،ال ينام وال تكتحل عيناه بالنور إال وهو ممسك بخيط القصيد ،ال سفر وال إياب بال شعر ،ال فرح وال حزن ،ال شوق وال نجوى من دون الكلامت ،وكأن الكلمة مفتاح حكمة العريب ،الراحل بني األزمنة والتواريخ ،يرافقه اإلميان ويحفظ القصيد سريته ،مرساته وأشواقه ،نبض قلبه ونوازع روحه مكتوب بحرب الشعر. لإلمارات سرية القصيدة التي تشكلت من مزيج وجدان صاف وفكرة عظيمة وحلم كبري. لقد جاء من ينرث القصيد يف الرتاب ،ويبذر الكالم الحر والنافع يف أرض معطاء ،يك ينبت من أحالم الناس أمل يتسع ويفيض عىل مدى الوطن العريب والعامل. كان ذلك املولود قبل 41سنة ،جاء بهمة رجال ال تثنيهم الصعاب ،أحفاد اآلباء الكبار، األسالف الذين حموا هذه األرض املباركة ،وسهروا قرب آالمها وآمالها ،وكان ميلؤهم إميان عميق بأنهم أصحاب أمانة غالية ،تجاه األرض واإلنسان .األجداد واآلباء الذين ربطوا رشعوا أبوابها عىل أفق مرشق هذه االرض مبغربها ،شاملها بجنوبها ،صحراءها ببحرها ،و ّ فسيح ،وفتحوا نوافذها إىل حلم ظل يكرب كل يوم عىل قدر آمال البرش ووفائهم ،فكانت القصيدة الخرضاء ،إبنة هذه العزمية التي رفع عامدها رجل شجاع وكريم ،مؤمن بأرضه وتاريخه ،هو املغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ،هذا الغائب الحارض، الذي أينام سار املرء يف االمارات يجد ذكراه تتجدد يف الناس والبناء والعمران ،حامل شعلة املعرفة والتنوير ،صاحب األيادي البيضاء ،والفكرة الكبرية ،رجل خيمة الشعر ،صديق الطري والنبات ،ساري فجر اإلتحاد وفارس القافلة. حني تحرض ذكرى اتحاد اإلمارات العربية يقف التاريخ باحرتام أمام هذا الرجل الرمز، الكريم ،الذي أعطى التنمية جل اهتاممه ،وكان صاحب رؤية خاصة ،جمع بحكمته بني األرض والبرش ،جذّر الناس يف تاريخهم وتراثهم ،وأطلق احالمهم نحو املستقبل ،فكانت هذه البالد آمنة وعزيزة بنفسها وناسها وكل من ينعم بهوائها ويسري عىل ترابها ،هي رؤية انسانية آتية من فصاحة األسالف وعمقهم ،نظرتهم إىل مكانتهم ومكانهم يف الكون وبني بقية البرش ،رؤية تصدر عن موروث العريب األصيل ،إبن الرسالة والكتابة والقراءة. الشيخ زايد مل يكن يرى اإلمارات يف يومها فقط ،بل يف ماضيها وحارضها ومستقبلها ،وهو الذي علّم جيال وراء جيل رس الحكمة يف االتحاد ،فكان منجزه الكبري مفخرة عربية بامتياز، ومثار إعجاب شعوب العامل قاطبة. يصدر عددنا هذا من مجلة «بيت الشعر» ،يف الذكرى الحادية واالربعني لالتحاد ،ونحن إذ نستذكر بإجالل واحرتام كبريين ذكرى القائد املؤسس الشيخ زايد ،فإننا نبارك بهذه املناسبة العزيزة لخليفته صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ،وأصحاب السمو أعضاء املجلس األعىل لالتحاد حكام اإلمارات ،ولشعب اإلمارات كافة
بشري البكر
تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي نادي تراث اإلمارات
مدير التحرير بشير البكر سكرتري التحرير عبد اهلل أبو بكر التحرير رنا زيد
املدير الفني فواز ناظم االخراج والتنفيذ ناصر بخيت
املراسلون
بيروت -فيديل سبيتي الرباط -حكيم عنكر باريس -محمد المزديوي القاهرة -حمزة قناوي روما -حذام الودغيري صنعاء -أحمد السالمي
الفنان حسني زياين
اتحاد اإلمارات قصيدة خضراء 67-43 18 20سليم بركات ..لغة تلد أخرى 21قاسم حداد ..جرح يف املايض 22الهنوف محمد ..جوار الجديد والقديم 23نصوص :حبيب الزيودي،نجاح العرسان،هزبر محمود،فارس سباعنة،عبداللطيف محمد البريكي ..القصيدة عىل بحر القلق
الوراري،خالد املعايل،نضال حامرنة،عبري حسني ابراهيم،ضياء الربغويث،اسامء رمرام،عمر ابو الهيجاء،زليخة ابو ريشة،سليامن جوين،صفاء خلف ،ابراهيم محمد ابراهيم
زايد رجل للتاريخ..سامح كعوش زايد ضمري االتحاد..د.ابراهيم أحمد ملحم املشهد الشعري النسوي ..مفيد نجم -تحقيق :محمد الربييك ،يوسف عبد العزيز ،ابراهيم اليوسف ،عبدالله السبب.
144 لبيد بن ربيعة
لسانان في نص واحد
املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة 4
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
www.poetryhouse-ad.ae
42 43ملف ..سرية اإلتحاد والقصيدة نظري ًا ..صبحي حديدي
الغالف:
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان
عناوين املجلة االدارة والتحرير: االمارات العربية املتحدة-ابوظبي هاتف+97124916333 : امييلbashir@cmc.ae :
أبوظبي لإلعالم-توزيع الرقم املجاين 8002220 : لالتصال من الخارج +97124145000 فاكس +971 24145050 :
distribution@admedia.ae مسؤول التوزيع :زياد النجار
حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة
المحتويات
115
126
68 72كاظم جهاد ..سجال حول الرتجمة 77مختارات ..شعر النساء يف أمريكا الالتينية 90حوار ..أحمد عبد املعطي حجازي 96في الشعر ..يوسف عبد العزيز،معاذ بني عامر 101تحقيق ..الشاعر والعمل 110حائط ابيض ..نوري الجراح 111مهرجانات الشعر ..دكاكني شخصية 115عبد الزهرة زكي ..خطاب الصوت والصورة 119عبداهلل ابو بكر..محاكامت شعرية باطلة 120مالك المطلبي..عقالين مبخيلة سومرية حوار ..رفعت سالم
سعر النسخة اإلمارات العربية املتحدة 10 :دراهم -اململكة العربية السعودية 10 رياالت -الكويت دينار واحد -سلطنة عامن 800بيسة -قطر 10رياالت مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -مرص 5جنيهات -السودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية -سورية 100لرية -اململكة األردنية الهاشمية ديناران -العراق 2500دينار -فلسطني ديناران - اململكة املغربية 20دره ًام -الجامهريية الليبية 4دنانري -الجمهورية التونسية ديناران -بريطانيا 3جنيهات -سويرسا 7فرنكات -دول االتحاد األورويب 4يورو -الواليات املتحدة األمريكية وكندا 5دوالرات. االشتراكات لألفراد داخل دولة اإلمارات 100 :درهم /لألفراد من خارج الدولة150 : دره ًام -للمؤسسات داخل الدولة 150 :دره ًام /للمؤسسات خارج الدولة
18
151
122 122القصيدة والتشكيل..القريوان يف اللغة واللون 126رياض الصالح الحسين ..خارج الرسب 131ديوان العرب ..سقاية الطلل ،عنرتة يف تأويل الزمان القصيدة والتشكيل..القريوان يف اللغة واللون
واملكان ،لبيد بن ربيعة.
146ديوان النبط ..أحمد املزروعي،سعيد بن طميشان،هشام بن ابراهيم،عبد الرحمن املرييس،طارق الشحي،أدب البدو.
156 158أحمد رامي..قراءة فلكية 162كاميرا
الشعر الملحون في الجزائر..تراث روحي ووطني
90
أحمد عبد المعطي حجازي
انا السبّاق في تجديد البحور
200درهم. issue (7)- December - 2012
5
ُكتاب العدد
8
19
16
10
تخطيطات ُ الكتاب :نارص بخيت
1
2
5
18
.1سامح كعوش
• شاعر وناقد من فلسطني ،يقيم يف االمارات. أصدر ست مجموعات شعرية من بينها صباحات النسكافيه.
.2مفيد نجم
• ناقد من سوريا يقيم يف ابوظبي،اصدر العديد من الكتب يف حقل النقد من بينها:األفق والصدى-دراسات يف الشعر السوري املعارص،الربيع االسود،أرض ابدية،وطائر بأكرث من جناح.
.3إبراهيم أحمد ملحم
• كاتب وناقد اردين،استاذ يف جامعة العني (االمارات)،صدر له العديد من الكتب النقدية من بينها :بطولة الشاعر العريب القديم،العاذلة اطارا،وجامليات األنا يف الخطاب.
.4عزة حسني
• شاعرة وصحافية مرصية تقيم يف القاهرة صدر لها ديوان شعر بعنوان عىل كريس هزاز.
.5كاظم جهاد
• كاتب وشاعر ومرتجم عراقي ،صدر له عدة دواوين من بينها معامر الرباءة،ومن بني ترجامته الكوميديا االلهية -دانتي واالعامل الكاملة آلرتور رامبو.
.6وليد السويريك
• شاعر ومرتجم من فلسطني،صدر له اجنحة
6
بيت الشعر
بيضاء لليأس،ويف الرتجمة طردت اسمك من بايل واساتذة لليأس-النزعة العدمية يف االدب االورويب.
.7معاذ بني عامر
• ناقد اردين يقيم يف يف اربد وكاتب مرسحي وأحد مؤسيس ملتقى رشفات الثقايف يف مدينة اربد.
.8يوسف عبد العزيز
• شاعر وناقد من فلسطني من بني دواوينه حيفا تطري إىل الشقيف،نشيد الحجر،وطن يف املخيم ،دفاتر الغيب،وذئب االربعني.
.9عيل شبيب ورد
• ناقد وشاعر عراقي يقيم يف بغداد من بني مجموعاته سامء ثامنة ،ومحاوالت يف إيذاء النص .
.10خلدون عبد اللطيف
• شاعر وكاتب من األردن صدر له ديوان بني املنزلتني.
.11صالح حسن
• شاعر من العراق يقيم يف بغداد،صدر له عدد من الدوواوين،ومن بني ما صدر له حوض الكاريبي و كوالج.
.12أحمد الدمنايت
• شاعر مغريب صدر له العزلة غريت عناوينها باكراً
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
.13صدوق نور الدين
• ناقد وروايئ مغريب،صدر له يف النقد حدود النص االديب:دراسة يف التنظري واالبداع،ويف الرواية الكوندليني والروايئ.
.14خالد بلقاسم
ناقد من املغرب ،من بني ما صدر له يف حقل النقد :أدونيس والخطاب الصويف، الكتابة والتصوف عند ابن عريب ،والكتابة وإعادة الكتابة يف الشعر املغريب املعارص.
.15سعيد خطيبي
• كاتب وصحايف جزائري،صدر له بعيدا عن نجمة،اعراس النار -قصة الراي،وعربت املساء حافيا.
.16صالح بو رسيف
• شاعر وناقد من املغرب ،من أعامله شجر النوم ،نتوءات زرقاء ،و الجزء األول خبز العائلة.
.17سعد العبدالله الصويان
• كاتب وباحث سعودي متخصص يف الرتاث يقيم يف الرياض،من بني اصداراته ذائقة الشعب وسلطة النص،فهرست الشعر النبطي وحداء الخيل.
.18رنا زيد
• شاعرة وصحافية صدر لها ديوان مالك مرتدد.
.19ياسني الزبيدي
• أستاذ جامعي من العراق يقيم يف أبوظبي. درس كواكب املجموعة الشمسية وتأثريها عىل شخصية اإلنسان. وفي الشعر
-20حبيب الزيودي -21نجاح العرسان -22هزبر محمود -23محمد العزام -24فارس سباعنة -25عبد اللطيف الوراري -26خالد املعايل -27نضال حامدنة -28عبري حسني ابراهيم -29ضياء الربغويث -30أسامء رمرام -31عمر أبو الهيجاء -32زليخة أبو ريشة -33سليامن جوين -34سلطان القييس -35ابراهيم محمد ابراهيم -36أحمد الزرعوين -37سعيد بن طميشان -38هشام بن ابراهيم -39عبد الرحمن املرييس -40طارق الشحي
شعر وشعراء
بدءا
الشيخ القاسمي يكرم ابراهيم محمد
اصدارات جديدة تتعدد شعرا ونرثا ودراسات نقدية .يف هذا العدد نقف أمام تنوع غني يف املادة والجغرافيا .الشاعران العامين سيف الرحبي واللبناين عيىس مخلوف يعودان يف اصدارين جديدين يف باب نرث الشاعر .الرحبي يستعيد رحلة صعود اىل الجبل األخرض ومخلوف يسرتجع يوميات نيويوركية خالل عمله يف مقر االمم املتحدة. البحريني قاسم حداد والسوري سليم بركات يف ديوانني جديدين .األول يواصل الحفر يف جغرافيا الروح مسافرا نحو تاريخ قيص للخريطة التي يتهددها التمزق ،والثاين يحلق نحو اسئلة ميتافيزيقية ووجودية ،يف عجائن لغوية جديدة، مبتكرا قواميس غري مألوفة ،تجريب متواصل ينفتح عىل فضاءات تخييلية وكتابة ال تقدم ذاتها بسهولة. اصدارات اخرى محلية وعربية .وقفة أمام االعامل غري الكاملة للشاعرة االماراتية الهنوف محمد التي صدرت حديثا ،وقراءة لديوان الشاعر محمد الربييك ،باالضافة لقراءات شملت دواوين جديدة من االردن والعراق والسعودية. يف النقد يواصل الشاعر والناقد الفلسطيني عز الدين املنارصة مرشوعة يف النقد املقارن من خالل كتاب جديد يتناول فيه االجناس األدبية يف ضوء الشعريات املقارنة ،اما الناقد العراقي صباح االنباري فإنه يولف سرية ذات مكانية للشاعر الكردي العراقي شريكو بيكس ،هي كناية عن قراءة يف شعرية املكان لدى شاعر تشكل عنارص املكان عنده تفاصيل القصيدة .واليفوتنا ان نشري يف النهاية إىل كتاب عيل نارص كنانة الذي يؤرخ لشعر املنفى العراقي منذ املتنبي وحتى العرص الحايل التحرير
«س ّ كر الوقت» :أفضل كتاب إماراتي في ُ الشارقة للكتاب
كرم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو املجلس األعىل حاكم الشارقة الفائزين بجوائز الدورة 31من فعاليات معرض الشارقة الدويل للكتاب ،وجاء ذلك خالل افتتاح فعاليات املعرض. وفاز الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم بجائزة «أفضل كتاب إمارايت» التي أعلنها املعرض يف هذه الدورة عن كتابه الشعري «سكر الوقت» .وهو يضم بني دفتيه قصيدة واحدة ،تحفل باملفارقات والجمل الشعرية املتوالية التي تكشف عن تداعيات الشاعر خالل جولته يف النمسا وأملانيا. وقال إبراهيم محمد حول هذه املناسبة «:لقد أسعدين خرب فوز كتايب سكر الوقت بأفضل كتاب إمارايت لهذا العام 2012مناصفة مع األخ األستاذ حمد بن رصاي الذي كان كتابه ذا طابع ترايث .وأنا أبارك من أعامق قلبي للشارقة وحاكمها املثقف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عىل ما وصلت إليه من موقع ثقايف عىل مستوى الوطن العريب من خالل اهتاممها باإلنسان املبدع واملثقف يف املنطقة العربية». وعن قصيدته أشار ابراهيم محمد إىل أن هاجس الوطن هو الذي كان مسيطرا عىل الجو العام للقصيدة .فأنت عندما تغادر وطنك طالبا الراحة والدهشة والهواء النقي وجامل الطبيعة كمن يحتيس الشاي بال سكر ،والسكر هنا وطنك الذي غادرته.
رحيل الشاعر األردني حبيب الزيودي
حتى يف املوت ،بدا الشاعر األردين حبيب الزيودي متأثرا بشاعر األردن األكرب عرار ،عندما رحل مثله عن عمر يناهز 49عاما إثر نوبة قلبية مفاجئة ،يف ثاين أيام عيد األضحى ،ليرتك خلفة إرثا شعريا كبريا ،وسرية شاعر حافلة بالعطاء الشعري والثقايف ،وعددا من الدواوين الشعرية التي تغنى فيها بالوطن والبداوة والقرى واملدن األردنية . لقد شكل حبيب ظاهرة شعرية أردنية ،وكتب عن أعامله العديد من النقاد والشعراء العرب ،ورثاه أصدقاؤه يف الصحف األردنية والعربية فقال عنه الشاعر جريس ساموي« :غنيت بشبابتك املثلومة من حزن اسطوري قديم ،غنيت للرعيان والفالحني ،غنيت للنساء واالطفال، وغنيت لألرض وللرجال الذين يحمون الرتاب كذهب املعابد» .وقال الشاعر اللبناين شوقي بزيع« :برحيل الشاعر األردين حبيب الزيودي ترحل معه شاعرية عذبة ال تتغذى من سطوة الكلامت والكنايات وحدها ،بل من ذلك االقرتان الفريد بني الشعر ودورة الدم ،بني تدفق الحياة يف العروق وبني تدفقها عىل الورق». issue (7)- December - 2012
7
شعر وشعراء محمد الفيتوري
بول شاوول ..حراك شعري في القاهرة
تكريم سميح القاسم في رام اهلل
حدث معرض الكتاب الفلسطيني يف رام يف نهاية شهر اكتوبر كان حضور الشاعر سميح القاسم ،الذي قام بإحياء امسية شعرية اضفت نوعا من الحيوية عىل االجواء ،وأعطت زخام للمناسبة التي اراد منظموها ان تتجاوز اطارها التقليدي إىل االحتفاء بالثقافة الفلسطينية. تحامل القاسم عىل نفسه وذهب اىل مدينة رام الله التي تشكل مركز الحراك الفلسطيني السيايس والثقايف، وفيام كانت املعلومات تتحدث عن الضعف الصحي الذي يعانيه القاسم بسبب تلقيه جرعات العالج الكياموي ،فإن الشاعر فاجأ الجميع بحضوره واقامة أمسية شعرية وتوقيع كتاب سريته الذاتية «مجرد منفضة» يف اليوم الختامي لفعاليات املعرض. استقبل القاسم بحامس كبري شعبي ورسمي ،وكرمته وزارة الثقافة الفلسطينية بوسام القدس للثقافة والفنون ،ورد القاسم عىل كلامت التكريم بقوله «:بعد الحصول عىل العضوية يف اليونسكو ،من الطبيعي أن نقدم معرضاً للكتاب ..اآلخرون يقدمون معارض أسلحة ،ونحن نقدم معارض كتب تليق بالثقافة الفلسطينية».
سميح القاسم 8
بيت الشعر
الفيتوري ..احتفاء مغربي الشاعر محمد الفيتوري صاحب «أغاين افريقيا» كان مؤخرا محل احتفاء اتحاد كتاب املغرب ،الذي خصص امسية لتكريم الشاعر تحدث فيها كتاب ونقاد مغاربة عن تجربة الفيتوري االبداعية ومسريته الشعرية وابرز محطاته الحياتية ،وعرض خالل االمسية رشيط وثائقي قصري عن حياة الشاعر الذي قرأ خالله قصيدة من ديوانه «معزوفة لدرويش متجول». حرض الفيتوري اللقاء التكرميي رغم حالته الصحية املرتدية بسب تأثري الجلطة الدماغية التي اصيب بها سنة ،2005وأجربته عىل مالزمة منزله جنوب العاصمة املغربية الرباط .وكانت قبل عدة اشهر قد رست شائعات تحدثت عن وفاته ،وقامت بعض الصحف برثائة قبل أن يقوم اصدقاؤه املقربون بنفي الخرب ،ولكن الشاعر مل يظهر للعيان ،األمر الذي جرى تفسريه بأن الشاعر بات غري قادر عىل الحركة. ادار الندوة التكرميية الناقد انور املرتجى وتحدث فيها كل من الناقد نجيب العوين ،الباحث بن عيىس بو حاملة،الشاعر صالح بو رسيف ،الشاعر ادريس امللياين، والكاتب السوداين املقيم يف املغرب طلحة جربيل ،وقد اكد املتحدثون عىل مكانة الفيتوري وموقعه الريادي يف خارطة الشعر العريب. يشار إىل ان الشاعر الفيتوري ولد عام 1930يف مدينة «الجنينة» (دارفور) ونشأ يف مدينة االسكندرية ،ثم اكمل تعليمه يف القاهرة ،واشتغل بعد ذلك يف الصحافة املرصية والسودانية ،واصدر دواوين عدة حملت هموم افريقيا
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
اعادت القاهرة اكتشاف الشاعر والكاتب املرسحي اللبناين بول شاوول الذي اقام مؤخرا ثالث ندوات ،أثارت من حولها جدال يف الصحافة املرصية. وعاد شاوول اىل القاهرة بدعوة من «هيئة قصور الثقافة» ،من باب ديوانه «دفرت سيجارة» الذي صدر عن دار النهضة يف بريوت سنة .2009ولو مل تعاود «دار مرييت» القاهرية نرش الديوان من جديد ملا استنفرت بعض االوساط الصحية يف تحامل عىل الشاعر وديوانه الذي يعترب مطولة مديح للسيجارة التي يعتربها الشاعر «آخر التامعات الزمن القديم». مل تقترص ندوات شاوول عىل الشعر، بل ذهبت اىل السياسة والربيع العريب واملرسح ،وأدىل بدلوه يف الجدال املرصي حول حكم االخوان املسلمني ،بينام اعترب منظمو الندوات ان تحركهم استباقي ملواجهة «ذهنية املنع» والتضييق عىل حرية التعبري. الكاتبة عبلة الرويني تعاملت مع «دفرت سيجارة» باعتباره نصاً مرسحياً بسبب الحضور الطاغي للمشاهد البرصية: اللون والضوء والحركة والدخان ،وأخريا ً واألهم عنرصا الحوار والعالقة يف املقاهي .وقرأت السيجارة كام كتبها بول كـ «تاريخ ال يتكرر».
بول شاوول
عبد الله العويس
امين معلوف برق الكتابة الشعرية
رحلة غربية على طريق المعلقات
جديد الروايئ امني معلوف ليس رواية او كتابا نظريا ،بل بحثا يسافر فيه مع كبار الشعراء والكتاب نحو منابع االلهام ،ففي كتابه الجديد الصادر حديثا «رواجع الربوق» محاولة لسرب أغوار لحظة الكتابة الشعرية ،وهو يدرس العديد من كبار الشعراء العرب والعامليني:املعري ،اوفيد، ريلكه ،لوركا ،املتنبي ،الواسطي. فالربق ليس سوى االلتامعة التي يوفّق كاتبها بها ،وقد تكون جملة من شعر او من نرث ،والرجوع ليس سوى عمر طويل أهدي اىل الربق املعروف بقرص العمر وكأنّنا باملعلوف «كل الربوق خارج جغرافية يقولّ : الحرب األصيل أوهام تحتاج اىل عمر يجعلها حقيقة ،يف حني أن بروق الكالم متنحها االقامة يف ذاكرة الناس ووجدانهم أعامرا ً ال يذهب بها م ّر األيام». يف «رواجع الربوق» مساحة للبيت واملرأة ،فالبيت ال يصبح دافئا من دون أنفاس األنوثة ،ومتيس املرأة ذات ابواب وشبابيك مفتوحة لنسيم الجامل والحياة ويورد املعلوف يف هذا السياق أ ّن بدويّاً سأل آخر« :هل لك بيت ،أي امرأة؟».
غابرييل ليفني كاتب مولود لروايئ امرييك وروائية فرنسية يعيش يف القدس ومنها اقتفى آثار الشعراء العرب .وقادته رحالته التي يرويها يف كتابه «الحافة امللتوية للكثيب» (منشورات جامعة شيكاغو ،يف 194 صفحة) إىل لقاءات مع بعض من شعرائه املفضلني مثل امرؤ القيس، باالضافة إىل آثار شعراء وأدباء عرب وأجانب جابوا املنطقة قبله. وإذ يقارن بني ترجامت غربية ألعامل عربية ،كاملعلقات ،يرشح أن هذه القصائد الضخمة« :تقرتب من حالة األغنيات وتذكّر باإليقاعات املتعرجة التي يعزفها بتعديالت ال تنتهي الراعي البدوي عىل الشبابة ...فهي عبارة عن خط واحد متعرج يعرض خيارات متعددة .وحتى حني تج َرف الرمال عرب الصحراء ومتحو كل أثر لبرش، يصعد صوت يف األغنية ويؤكد وجوده االنتقايل يف إيقاعات يقال إن أصولها تعود إىل خبب الجمل .وماذا لو استمد ذلك الصوت ،األقدم يف الشعر العريب ،تكرارا ً من القفار أو نظرتها الفارغة ،يف اعرتاف دقيق بفراغ مضمر يف الوجود؟».
أمني معلوف
الشارقة :إصدارات إلكترونية للشعر مرشوع طموح تنهض به حاليا دائرة الثقافة واإلعالم يف الشارقة من خالل تحويل منتجاتها من كتب الشعر والشعر النرثي والقصص إىل إصدارت إلكرتونية ،بهدف التعريف برتاث اإلمارات واإلسهام بنرش الفكر يف العامل وتوسعة رقعة النرش وزيادة عدد القراء. وأوضح مدير الرتاث والشؤون الثقافية يف الدائرة ،عبد العزيز املسلم الخالدي ،أن املرشوع يتضمن يف املرحلة الالحقة ترجمة مجموعة مختارة من الكتب الرتاثية إىل لغات عاملية كاإلنجليزية والفرنسية واإلسبانية ونرشها إلكرتونياً للتعريف بالرتاث اإلمارايت عاملياً. واعترب أن هذه الخطوة تلبي رغبات القراء عىل الشبكة العنكبوتية يف وقت تنخفض مبيعات املنتجات الورقية، الفتاً إىل أن القراء يفضلون حمل الهواتف النقالة الذكية يف الحصول عىل املعلومات وحواسيبهم التي تحتوي عىل أضخم مكتبة يف العامل. وتويل دائرة الثقافة واالعالم يف الشارقة اهتامما خاصا باملكتبة اإللكرتونية والرقمية وسبق لها ان رصدت عدة جوائز يف هذا املضامر يف حني ان إدارة الرتاث يف دائرة الثقافة واإلعالم بالشارقة تشكلت يف يونيو ،1995وهي تعمل عىل ترميم وصيانة املباين التاريخية وإظهار املعامل الرتاثية والحضارية إلمارة الشارقة ،وجمع املأثورات الشعبية الشفهية ورعاية متاحف الرتاث واالهتامم بالرتاث الشعبي الوطني بشكل علمي مدروس وتقديم الخدمة للدارسني والباحثني عرب أوعية معلوماتية غنية وميرسة ألغراض البحث والدراسة
غالف كتاب «الحافة امللتوية للكثيب»
issue (7)- December - 2012
9
شعر وشعراء نزار قباين
موهبة شعرية جديدة في اتحاد كتاب أبوظبي
االبنودي يستعيد ناجي العلي
استعاد الشاعر املرصي عبدالرحمن االبنودي يف ديوان جديد فنان الكاريكتري الفلسطيني ناجي العيل الذي اغتالته ارسائيل يف لندن صيف سنة ،1987وح ّول شاعر العامية العذب فلسطني اىل بانوراما شعرية ،مستخدما لوحات ناجي العيل كعناوين لقصائده. قبل كل يشء يريث االبنودي ناجي العيل ،الذي يصفه ب «صاحبي»، ويف القصيدة الرئيسية يف الديوان املهداة اىل ناجي يدعو االبنودي االم التي تدير الرحى وتغني للغائبني ،أن تشمل «واحد صاحبي اسمه ناجي العيل» ،ولكن ان تتذكره يف ركاب كل ما هو حلو ونبيل ومن دون بكائية. يعد الديوان لوحة غنائية لفلسطني الجرح واألمل ،يتمثل فيه الشاعر لوحات الرسام الذي يعترب واضع اليد عىل الجرح الفلسطيني وضمري الفلسطيني ابن القضية. أجواء ديوان االبنودي عىل قدر كبري من املرارة التي عكستها شخصية ناجي العيل الرئيسية «حنظلة» عىل هيئة ما اختاره الرسام ليعرب عن الفلسطيني العادي ابن املخيم ،الذي يقف مرتصدا لكل ما يعيشه شعبه من تحديات وما تواجهه قضيته من تغييب .ومن هذه االجواء : «ث ّوار بال أرض . .زي السيف من غري يد ث ّوار بال أرض . .غربة . .ال يحدها حد ث ّوار بال أرض موت واملوت ما يسأل 10
بيت الشعر
نزار قباني األكثر حضورا على «فيس بوك» مل يعد عامل «فيس بوك» مقترصا عىل صفحات شخصية خاصة او فضاء للتالقي االجتامعي والحوارات السياسية، بل صار يستضيف الثقافة يف صور شتى ،وللشعر والشعراء نصيبهم يف ذلك ،وبات كبار الشعراء العرب ،األموات منهم واالحياء ،حارضين من خالل صفحات خاصة او عرب نوافذ يفتحها لهم املعجبون. يف وسع منتسبي «فيس بوك» أن يصبحوا اصدقاء للمتنبي، جربان خليل جربان ،نزار قباين ،محمد املاغوط ،محمود درويش ،وأدونيس ،وال تقف الصداقة عند اضافة اسم هذا الشاعر او ذاك ،بل تتعداها إىل عمليات تزيني ونرش قصائد وحورات واقوال للشعراء ،أو استعارة صورة الشاعر ووضعها كصورة شخصية. ومن الالفت العثور عىل عرشات الصفحات لجربان خليل جربان ،والكثري منها صفحات نشيطة للغاية وتتجدد التعليقات عليها واضافة املواد طيلة اليوم ،واحدى هذه الصفحات تلقى اعجاب 280الفا ،وهي قامئة تحت مقولة جربان« :لو جلست عىل السحابة ،ملا رأيت الحد الفاصل بني بالد وبالد ،وال الحجر الفاصل بني حقل وحقل». ولكن الشاعر االكرث شعبية عىل «فيس بوك» هو نزار قباين، ليس فقط بسبب عدد الصفحات التي تحمل اسمه وعليها عدد كبري من املعجبني واملشاركني ،ولكن ايضا ألن الكثري من هذه الصفحات يشهد نشاطا محموما .ولعل شاعرا معارصا ال يضاهي نزار ،ال يف عدد العبارات التي يستعريها رواد فيسبوكيون ليضعوها عىل صفحاتهم ،وال يف عدد املشاركني واملعجبني بصفحاته ،فثمة صفحة لها 500الف معجب واخرى 800الف وغريها 700الف
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
الشاعر الشاب جامل املال الذي ميتلك موهبة الفتة تستحق االنتباه لها ،كان محل احتفاء يف اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات فرع أبوظبي خالل أمسية خاصة. قدمه خالل األمسية الشاعر محمد املزروعي مسؤول فرع أبوظبي يف االتحاد ،وقال يف تقدميه« :جامل املال طاقة شعرية متميزة ،متتلك نفساً خاصاً بها ،حيث نرى يف شعره الروح الصوفية والتعامل الشفاف مع اللغة الشعرية». ويف األمسية التي نظمها االتحاد يف الخامس من نوفمرب املايض ،قرأ املال منتخبات من قصائده ،التي جاء معظمها ضمن البناء الكالسييك، وحملت عناوين «العشاء األخري»، «إنسان»« ،خطيئة»« ،الحكمة األوىل»، «عرشه عىل املاء» وعناوين أخرى، ومتيزت قصائد املال بلغة شعرية شفافة وجملٍ اعتمدت عىل املفارقة واإليقاع. ومن قصيدة «عرشه عىل املاء قرأ املال: «القى عىل الغيب منديالً وقال أنا / و َمن سواي ،بهذا الليل قد شنقوا /فأرخ الدهر تابوتاً يطوف به /وخلفه الريح يغريها فتنطلق».
جامل املال
ملصق املهرجان
أحمد راشد في «قاف»
جائزة القطان الشعرية مناصفة
قررت لجنة جائزة القطان للكاتب الشاب للعام 2012يف حقل الشعر منحها مناصف ًة ملجموعتني شعريتني من فلسطني ،هام« :ماذا لو كنا أشباحاً» لسمر محمود عبد الجابر ،و«الرابعة فجرا ً يف السوق» لطارق امني خليفة .واعترب بيان اللجنة ان املجموعتني تقدمان وجهني مختلفني من الشعرية الفلسطينية الشابة؛ الوجه الذي يواصل التقليد الغنايئ الذي أرساه محمود درويش ،ونجده عىل نحو خفيض يف تجارب شعراء آخرين ،والثاين الذي ينفتح عىل اقرتاحات جاملية ترمي إىل تحقيق الجاملية من خالل النرثية والكالم شبه اليومي .وأشارت اللجنة إىل أن املجموعة األوىل تيش مبوهبة شعرية مثرية لإلعجاب عىل مستويات متعددة ،يف حني تقدم املجموعة الثانية قصيدة محكمة البناء ،ذات مسحة غنائية واضحة. وتكونت اللجنة من الشاعر أمجد نارص ،الكاتب واملرتجم حسونة املصباحي ،الكاتب القاص يوسف ضمرة ،والشاعر عثامن حسني .
الشعر والميثولوجيا في مهرجان المتنبي السويسري شهدت مدينة زيوريخ السويرسية من 9اىل 11من الشهر املايض فعاليات مهرجان املتنبي الشعري العاملي الثاين عرش ،الذي اختارت له ارسة املهرجان موضوعة «الشعر وامليثولوجيا» للحلقة الدراسية للمهرجان هذا العام ومبشاركة ثالثني شاعرا ً وناقدا ً وموسيقياً ومرتجامً من عدد كبري من دول العامل بينهم العراقي صالح نيازي ،السعودية أشجان هندي ،املرصي أرشف عامر، اللبنانية صباح خراط زوين ،السوري سليامن توفيق، الشاعر ،واملغريب محمد ميلود غرايف ،اليونانية انجليكا سيجورو ،النمساوية ايفلني شالك ،االيطالية سيجونيا سيجونا ،الهندي هيامنت ديفادا ،األملاين فولكر سيالف، ومن سويرسا سليفيان دبوي وبيري االن تاشية ،فلوريان فتش ،ناتايل شميد ،مارك هريمان ،بيرتو مونتورفاين، واملوسيقار العراقي أحمد مختار. نظمت الفعاليات يف مركز كارل دير كروسه يف املدينة القدمية يف زيوريخ ،وكان املهرجان تأسس عام 2000 بدعم من املؤسسات الثقافية الرسمية السويرسية، وعدته دائرة اليونسكو يف سويرسا افضل فعاليات حوار الحضارات لثالثة اعوام متتالية ،2007 – 2005 وقد شارك به عدد من الشعراء من مختلف دول العامل بينهم صاحب نوبل السويدي ترانسرتومر وأدونيس والسويرسي موشك ومظفر النواب واحمد عبد املعطي حجازي والفرنيس االن جوفروا ومحمد بنيس وعبد الكريم كاصد والفيتوري وعبد الرحمن طهامزي وغريهم
خصص العدد الثالث من مجلة «قاف» ملفاً خاصاً عن الشاعر اإلمارايت الراحل أحمد راشد ثاين تحت عنوان «قاف الرحيل»، تضمن كلمة كتبتها وهج أحمد راشد ثاين ابنة الراحل .كام ضم امللف قصائد مختارة مكتوبة بخط يد الشاعر. وقال رئيس تحرير املجلة التي يصدرها اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات ،الشاعر إبراهيم الهاشمي« :ملف هذا العدد عن الشاعر الراحل أحمد راشد ثاين جاء مشغوالً بحرص شديد، فالكتاب املساهمون فيه مقربون إىل أحمد ،ومنهم ابنته ،كام أن امللف تضمن قصائد ألحمد بخط يده ما أعطاه طابعاً حميمياً، وأبرز شخصية أحمد اإلنسان إىل جانب شخصيته شاعرا ً ومبدعاً». وشارك يف تحرير ملف الشاعر أحمد راشد ثاين كل من إبراهيم الهاشمي ،وخالد البدور ،وسامح كعوش ،وعبدالله حبيب ،وعيل أحمد املغني ،وهاشم املعلم، ووهج ابنة الراحل.
أحمد راشد
سمر عبد الجابر issue (7)- December - 2012
11
شعر وشعراء
جبل الروح
الكتاب :الصعود إىل الجبل األخرض الكاتب :سيف الرحبي (عُ امن) النارش :مجلة ديب الثقافية عدد الصفحات 106 :صفحة من القطع املتوسط
ليست
املرة األوىل التي يرشح الشاعر سيف الرحبي نفسه نرثا ،فقد سبق له ان مترس طويال يف فالحة هذه االرض الفسيحة مسافرا يف جغرافيات عربية واجنبية ،راحال من مكان آلخر يبحث عن صدى لقلق عميق سكنه منذ ان كان طفال يتهجى اخاديد ارض االسالف العامنيني .كتب الرحبي اكرث من رحلة ،بعضها نرشه كافتتاحيات يف مجلة «نزوى» التي يرأس تحريرها او اصدره يف كتب مثل كتابه «منازل الخطوة األوىل ،سرية املكان والطفولة» الذي صدر يف القاهرة سنة ،1993وهو عبارة عن اسرتجاع تأميل لرشيط الطفولة يف قريته «سامئل»، لطفل يرى العامل من منظار العني الواسعة املفتوحة عىل إرث االسالف. الكتاب الجديد «الصعود اىل الجبل األخرض» يحيلنا اىل ديوان سابق للشاعر بعنوان «الجبل االخرض» صدر يف مطلع الثامنينات وكان ميثل دفقة حسية لشاب مغرتب يستعيد الجغرافيا يف صورة ضبابية ميتزج فيها الحنني بالحلم بأىس االغرتاب ،ولكن مثة مسافة بني العملني ،فالكتاب الحايل هو رحلة صعود حقيقية قام بها الشاعر اىل قمة الجبل االخرض الذي يعني ألهل عامن اسطورة ال تقل سحرا وغرابة عن الربع الخايل .صعود الجبل هنا امر يقرتن بالبطولة مثلام هو امر عبور الربع الخايل ،الذي ظل حتى يومنا هذا يشكل مغامرة يحسب لها الف حساب. صعود الجبل االخرض بالنسبة للرحبي ليس رحلة كشف جغرافية فحسب ،بل انه مبثابة ارتقاء ذايت فلسفي يبدأ باستشهاد للفيلسوف األملاين نيتشه« :من أين تنبثق اعايل الجبال؟» .هذا هو السؤال الذي قاد الشاعر للصعود اىل القمة،ال لريى من علو شاهق القرى الخرضاء يف السهل،او ليتسلق الصخور التي تطل برؤوسها كالهوام ،بل ليفرس 12
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
الرس،رس املكان ورس النفس التي تتوق دامئا للصعود .الجبل هنا هو الذهاب اىل فوق قرب قطعان الغيوم. يتدثر الشاعر مبعطف الجبل ،عىل حد تعبري محمود درويش، ويذهب اىل خياالت الطفولة وخرافاتها عن هذا الخالء االسطوري حيث تعيش النسور الهرمة،رحلة اخرتاق لحاجز الحكايات عىل ما كان عليه الجبل االخرض من حضور قوي يف االحاديث واالخبار واملجالس. الجبل االخرض الذي استعىص عىل الغزاة االكرث رضاوة يأيت حينا كاستعارة مكانية ،هناك يف القمة« :وحيد ملفع بالنأي وكربياء الصخور وهي متخر ليلها الرسمدي» ،هناك ترتاءى تسمية االخرض « :جزءا من الرموز واالستعارات الخرافية ،ويف السياق نفسه تأيت تسميته رضوى او الجنة». تنتهي رحلة الصعود اىل الجبل االخرض بتحية اىل النخلة شقيقة نفس العريب ،تلك املفردة الغريبة يف قمة الجبل، البعيدة عن سفحها الخاص ،هي هناك مستوحدة كام رآها عبد الرحمن الداخل يف أرض األندلس «شبيهة يف التغرب والنوى». ينتهي الكتاب بفصل عن رحلة قام بها الشاعر اىل «اسطنبول: طفولة اليامم» ،واذ يأخذه شدو الياممة ودخان قطار الرحلة األوىل من حلب اىل املدينة التي توزع نفسها بني آسيا واوروبا ،فإنه يذهب بعيدا يف تأمل كنه هذه االمرباطورية الجديدة ،تركيا التي بنتها 300عائلة قادمة من آسيا الوسطى ثم «تشعبت وكربت ارادتها الصخرية» ،وهنا يعود الرحبي اىل قراءة الساللة املحاربة ،وهو يسافر يف ارض املعامريني الشعراء ،الذين بنوا الجوامع والقصور ،هؤالء الذين ينحني امامهم الزمن غري عابئ بقادة الجند واالنكشارية:
«املعامريون الشعراء يعتقلون الزمن يف لوحة بجامع أو قرص أو رضيح خالقو األشكال الحرة يسلخون التاريخ من غلظته يحيلوه إىل لطافة وحنني»
الكتاب تتداخل فيه االساليب بني النرث والشعر وفكرة املقالة العادية،هو كناية عن تجريب حر ميسكه خيط من النرث الذي يبوح بتلقائية بعيدة عن الصنعة.
سيرة نيويورك
الكتاب :مدينة يف السامء الكاتب :عيىس مخلوف (لبنان) النارش:دار التنوير عدد الصفحات 150 :صفحة من القطع املتوسط
االصدار الجديد للشاعر عيىس مخلوف كتاب تحت عنوان «مدينة يف السامء» ،يواصل فيه الكاتب اسلوبه الذي بدأه يف كتابه «رسالة إىل األختني» ،حيث يجرب النرث وهو يخرتق الشعر،ثم يعرج عىل الحكاية .نجح مخلوف يف «رسالة إىل االختني» يف القفز من شكل إىل آخر من دون ان يكرس االيقاع العام لنصه،ومتكن من توصيل نص مبواصفات مغرية للقارئ .نص ال يحمل حمولة الشعر العالية وال سيولة النرث او حبكة الحكاية ،بل هو منط من املقاربة الكتابية فيها الكثري من الحرية .نوع من الرسد املائل إىل الرتكيب، والتغيرّ يف الشكل بطريقة متقدمة جدا ً ،تلحظ تعدد األبعاد الثقافية ،وتنوع العنارص املختلفة فيه (نرث ،رسد ،شعر، مقالة) مندمجة يف وحدة حقيقية متعددة األبعاد. الكتاب جزء من سرية الكاتب التي هي سرية هجرة من بريوت اىل باريس مع اندالع الحرب االهلية اللبنانية يف بين العمودي والتفعيلة الديوان :فاتحة الشاعر :عطية الخرباين (السعودية) النارش :دار طوى عدد الصفحات 101 :من القطع املتوسط
عطية الخرباين شاعر سعودي شاب، والديوان «فاتحة» يشتمل عىل قصائد تفعيلة «غالية عليه» ،يف جوار قصائد عمودية .وين ّم الديوان عن مت ّرس ودربة ومتكّن ،إال أن هذا التم ّرس هو منتهى ما تصل إليه موهبة الشاعر. فإىل جـانب الحـرفة نفتـقد اإلملاح واإلشـعاع واالخـرتاق الذي ال يكتفي بالقـدرة والحرفة. يصف الخرباين إصداره األول بأنه «:مجموعة من النصوص الشعرية ترتاوح بني العمودي والتفعيلة ،ويعتمد الكثري منها عىل تقنية النص القصري ،حتى يف العمودي منها ،وأسميته (فاتحة) ،وحمل الغالف صورة فوتوغرافية للفنان محمد القوزي» .ومل يقرر الخرباين نرش أعامله يف كتاب مطبوع
منتصف السبعينات ،ولكن مكانه هو فرتة عمل الكاتب يف االمم املتحدة يف نيويورك عامي 2006 و ،2007هناك يقرتب الشاعر اكرث من املكان الذي ترشح فيه الخرائط ،وتدرس مصائر الشعوب عىل مدار الوقت ،لذا مل تكن االقامة يف نيويورك للعمل فقط، بل للتأمل اليومي يف داخل هذا املقر ،حيث تعد خرائط السلم والحرب وخارجه ،ارتسمت معامل هذا الكتاب ،وتبلورت يف ظل املدينة التي تفيض عىل مساحتها وحدودها .داخل نيويورك ،تحرض باريس وفلورنسا ،بريوت والقاهرة ،تقرتب األصقاع البعيدة يف الجسد الواحد. كتابة تنفتح بل تنهل من الف ّن واملوسيقى والشعر والفلسفة والفكر ،وهي مأخوذة بهذه املك ّونات والعنارص التي تجعل من الحياة أكرث قابل ّية للعيش .اإليقاع جزء أسايس من هذه الكتابة التي متعن يف اإلصغاء إىل الطبيعة ،وال تخفي انبهارها بها ،لك ّنها تدرك يف قرار ذاتها أ ّن وراء السحر الظاهر للطبيعة شيئاً من الخوف. إال مؤخرا ً ،ويكشف «كنت من أشد املعارضني للطباعة يف بدايات التجربة ،حتى أنني كنت أقول ألصدقايئ إن إقدامي عىل الطباعة لن يكون يف القريب ،لكن رسعان ما رأيت أنه البد من خوض غامر التجربة ،نجحت أو فشلت ،ليقيني أن التخلص من التجارب األوىل مهم للخروج من عواملها ،إىل آفاق أكرث رحابة» ،وأوضح الخرباين أنه مل يجد صعوبة يف إيجاد دار نرش ،بل وجد أمامه دور نرش عديدة اضطر معها إىل استشارة أصدقاء ،من ذوي التجارب ،عن االختيار األمثل ،وكان الرأي يتجه نحو «دار طوى» .وقال« :مل أجد أي صعوبات ال يف االختيار، وال يف قبول العمل ،فالتعامل مع نارش كعادل الحوشان ال يحتاج إىل الكثري من التعقيد ،أو بريوقراطية املؤسسة» وحول الواقع الجديد لدى النارشين ،يف استقبالهم ملنتج الشباب، يرى الخرباين يف ذلك« :رغبة صادقة وحقيقية يف استثامر تجارب الشباب يف أطياف الكتابة والتأليف كافة ،وهذا جزء من مسؤولية ثقافية يجب عىل دور النرش اإلميان بها وتحملها من أجل خلق فضاء أنظف وأصدق وأكرث قبوالً لكافة التجارب اإلبداعية». issue (7)- December - 2012
13
شعر وشعراء شيركو بيكس
سيرة مكانية للحصان األسود الكتاب :املكان وداللته يف شعر شريكو بيكس الكاتب:صباح االنباري (العراق) النارش:دار نينوى عدد الصفحات 136 :من القطع الكبري
عن
دار نينوى للدراسات والنرش (سوريا) صدر للناقد والكاتب املرسحي العراقي صباح االنباري كتاب جديد تحت عنوان «املكان وداللته يف شعر شريكو بيكس» ،هو مبثابة سرية مكانية للشاعر العراقي الكردي املعروف عىل نطاق واسع يف الثقافتني الكردية والعربية. يتناول الكتاب املكان وجاملياته يف شعر شريكو بيكس (مواليد السليامنية يف العراق سنة ،)1940الذي يعد ظاهرة خاصة يف الثقافة الكردية ،ويعتربه النقاد رائد الشعر الكردي الحدايث وأشهر من برع يف كتابة قصيدة النرث الكردية. كتاب االنباري سرية ليست عادية ،بل هو كناية عن بحث يف إنتاج شاعر يتنوع ما بني النصوص القصرية جدا ً والطويلة والقصة الشعرية واملرسحية الشعرية ،وكذلك الرواية الشعرية ،كام انه شاعر يغري بالسفر داخل عوامله من دون عقبات فأسلوبه يتسم بالليونة مع اهتاممه بالرتاث الكردي الشعري واألسطوري ،كام ان كتاباته تأثرت بالسياسة والتاريخ والحكايات واملالحم الغنائية حيث متكن من ابتكار نسق شعري خاص جمع ما بني الحكاية والتاريخ والحوار الدرامي والذاكرة الشعبية والغنائية. املكان عند شريكو بيكس كام يصفه االنباري «ليس مكاناً ذهنياً أو افرتاضياً .إنه مأخوذ بواقعيته ،وطبيعيته ،ومتاهيه مع اإلنسان يف جملة عالقاته ونشاطاته ،وتأثرياته املتبادلة؛ وله يف شعر شريكو
شعريات مقارنة
الكتاب :األجناس األدبية يف ضوء الشعريات املقارنة الكاتب :عزالدين املنارصة (فلسطني) النارش :دار الراية-عامن عدد الصفحات 300 :صفحة من القطع الكبري
14
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
وظائف عديدة ،ومختلفة تناولناها يف منت كتابنا هذا سعياً منا وراء بيان تجلياته الشعرية ،وانعكاساته الحياتية ،وانصهاره يف بوتقة الواقع الذي خاض غامره اإلنسان الكردي بشكل يومي، وتفصييل». يتوزع الكتاب عىل عدة أبواب يف محاولة الضاءة حياة الشاعر وقراءة لتجليات وتأثريات املكان يف شعره ،ذلك ان الكردي الهائم عىل وجهه بال وطن عرضة لرياح كافة الجغرافيات، ويالحظ قارئ هذا الشاعر أن بنية املكان استأثرت يف قصائده بحيز واسع ،بدالالتها الجاملية ،ومخزونها اإليحايئ ،واملثيولوجي، وطاقتها التحويلية ،فضالً عن كثافتها التي منحت شعر شريكو هوية وروحا كردية عراقية خالصتني. تنقسم ابواب الكتاب اىل :سرية ذات مكانية ،صورة الجبل وداللته ،املكان حاضن النص املفتوح ،صور املكان لونيا ،املكان املتحرك ،مضيق الفراشات.وأخريا ملحق يضم مقالة عن كتاب لفاضل التميمي تناول فيه بناء املكان يف شعر بيكس. يف باب «سرية ذات مكانية» يدرس االنباري شعرية الشاعر، معتمدا ً عىل «قصيدة الصليب والثعبان ويوميات شاعر» كاشفا عن الوشائج الخاصة ما بني األسطورة وحياة الشاعر ،ثم ينتقل املؤلف بعدها إىل صورة املكان وداللته الجاملية يف شعر شريكو بيكس ،ومن خالل ذلك يحلل الباحث رمزية األمكنة التي تتواىل وتظهر عرب قصائد الشاعر ومنها صور االمكنة الخربية، ويقدم من خالل هذا الباب قصيدة «حلبجة» ،التي تبني تعلق الشاعر بعراقيته وحبه للعراق بكل جهاته ،فحلبجة ال تنفصل عن بغداد أو عن حيدر خانة ومن ثم ينتقل إىل صور األمكنة القصية،واالمكنة املغلقة وصور االمكنة املنسية .ويتناول الكاتب صورة الجبل وداللته الجاملية يف قصيديت «أنشودتان جبليتان»، حيث الجبل ذاكرة كردية خالصة،حيث يرتدد الصدى يف جبال «براميوك» حيث املكان حاضن النص .ويسرتسل الكاتب يف رسد حميمية املكان يف قصيدة «كتاب القالدة» حيث املرأة هي كتاب جديد يف النقد للشاعر واالستاذ الجامعي عزالدين املنارصة صدر حديثا عن دار الراية يف عامن،ويعد الكتاب استكامال ملرشوع املنارصة ىف مجال «النقد األدىب املقارن»، حيث سبق أن صدرت له ىف هذا املجال :املثاقفة والنقد املقارن ،علم الشعريات املقارنة،الهويات والتعددية اللغوية، علم التناص والتالص. ويحتوى كتاب «األجناس األدبية» عىل ستة فصول ،وملحق، وهي عىل التواىل :الفصل األول «إشكاالت التجنيس األدىب:
فانتازيا التعاضد الداللي
الحاضن كام املكان حاضن النص املفتوح .ويؤكد شريكو عىل ذلك إذ يقول« :ال ميكنني الكتابة دون حب امرأة وحضورها املستمر يف خيايل وتخيياليت املضيئة أو عطر جسدها أو صوتها العذب» ينتقل املؤلف بعد هذا ،إىل العبور يف عوامل شريكو ،ليقرأ لنا تجليات املكان لونيا ً فمن قصيدة «دورق األلوان» يعرب إىل املكان املتحرك يف «قصيدة الكريس» إىل مضيق الفراشات مكان العبور. ومن املالحظات التي سجلتها القراءات النقدية لهذا الكتاب هي أن الدراسة ال تتعامل مع املكان من ناحية أنه ذاكرة أو رسد فقط ، ولكن باعتبار أنه دال يختزل مجمل الروح الوطنية للشاعر .وكام ورد يف املقدمة هناك عالقة بني شريكو وهويته كمواطن من كردستان. إنه شاعر محيل بآفاق مفتوحة عىل مساحات تشمل الجنس البرشي وتطلعاته جمعاء .ولذلك فاملكان لديه غري افرتايض ،ومرتبط بالواقع والطبيعة ونشاط اإلنسان. واملالحظة الثانية هي أنها تعزو لكل مجموعة جوا خاصا .مبعنى أن الباحث مل يبحث يف مجمل فلسفة املكان عموما (كام هو الحال عند غاستون باشالر) .وملزيد من التوضيح إنه بعكس باشالر يركز عىل النص ومضمونه وليس عىل مفهوم املكان وأثره يف اللغة والرتاكيب والرموز غري املتفق عليها .وبالتايل أن هذا الكتاب هو كناية عن قراءة ملا تبقى من مخزون له عالقة باملايض .وهذا يضع الذاكرة يف خدمة التاريخ أو الصور املتبدلة للمفاهيم .وبلغة أدونيس يف موكب املتحوالت وليس الثوابت .مع اإللحاح عىل مسألة اسرتجاع الصور وهي تؤدي دورها يف إعادة التعريف بفن و حساسيات الشعر وبسرية الشاعر ،الذي وصفه شريكو يف احدى قصائده: «الشاعر يشبه حصاناً أسود وحيدا ً ُعرفه خصلة نار وصهيل مبلل باالنكسار يجري يف دوران دائم». دوران دائم من البداية وحتى النهاية يف املكان الخاص للكائن
اإلطار النظرى» ،الفصل الثاىن «نظرية األجناس واألنواع األدبية: تح ُّول وتتابع أم رصاع وقطيعة» ،الفصل الثالث «شعريات: (الخطاب ،الجنس ،النوع ،والنص) ومسألة تداخل األجناس األدبية» ،الفصل الرابع «شعرية الخطاب الرواىئ» ،الفصل الخامس «تقنيات الرسد الشعرى» ،الفصل السادس «املورث الرسدى عند العرب» ،أما «امللحق» فهو عبارة عن معجم 133مصطلحاً ملصطلحات الرسد األساسية.
الديوان :تأوهات ُ�ل ّلو وقصائد أخرى الشاعر :هشام الزامل (العراق) النارش:املؤسسة العربية للدراسات والنرش
عدد الصفحات 144 :صفحة من القطع املتوسط
نص شعري يخلط التاريخ بالزمن الراهن ،واألسطورة بقصص التكوين ،واللغة الشديدة الفصاحة بالعلوم والرياضيات .قصائد قد تكون ُمفارقة ملا هو اعتيادي ومعروف ،ذلك هو االنطباع الذي يتولد لدى قارئ ديوان الشاعر العراقي هشام الزامل الصادر حديثا يف طبعة ثانية عن املؤسسة العربية للدراسات والنرش،بينام طبعته األوىل صدرت يف العراق. ديوان يحظى بالرتحيب من نقاد لهم حضورهم مثل الشاعر والناقد ياسني طه حافظ وكتاب كالقاص املتميز محمد خضري الذي اعترب قصائد اليوان« :نوعا من التعاضد الداليل،فقدالتفت الشاعر اىل اسرتاتيجية اخرى يف الشعر وهي جمع القصائد التي تتعاضد دالليا وجمعها يف ديوان وهذا نوع من التطور يف الشعر حتى صار الديوان اشبه بالكتاب وهذا ايجاب يف الديوان»،إال انه يف واقع األمر تقوم لعبة الكاتب يف جانب كبري منها عىل فانتازيا درجت لدى املوجة االخرية من كتاب قصيدة النرث،يبدو ظاهرها االبهار ولكنها ال تقف عىل صورة ذات شحنة شعورية عالية،وتظل متكلفة تستجدي االبهار وال تصله النها ال «كنت ألوذ بسكون تعدو عن كونها محاوالت لتزجية الكالم : ُ أبدي /كنت سعيدا ً ،سلطاناً /يف سفر النسيان /جاء الشاع ُر هذا/ الوقح جدا ً /املدعو هشام الزامل /أيقظني من نسياين /قطّع يل أوصايل بسيف الشعر /وساطور األوزان» .وهو هنا يتحدث بلسان «للو» االنسان األول ،ولذا يحاول ان يعتمد عىل االساطري وسفر التكوين وحمورايب وجلجامش ،ويلجأ اىل معادالت رياضية يف القسمة والرضب ليخلق مزيدا من االبهار الذي ال يصل اىل ادهاش املتلقي issue (7)- December - 2012
15
شعر وشعراء
تأريخ لشعر المنفى العراقي
الكتاب :املنفى الشعري العراقي الكاتب :د.عيل نارص كنانة (العراق) النارش :مؤسسة الرحاب الحديثة يف بريوت.
عدد الصفحات 207 :صفحات من القطع الكبري
انطولوجيا عراقية جديدة ،ولكنها مصنفة عىل زمن املنفى العراقي انجزها مؤخرا الدكتور عيل نارص كنانة وفق تبويب اعتمد عىل مراحل هجرات الشعراء العراقيني ،ويبدأ من الهجرات االوىل :ابو الطيب املتنبي اىل مرص ،وأبو زريق البغدادي اىل اسبانيا .هجرات مبكرة :عبد املحسن الكاظمي اىل القاهرة وأحمد الصايف النجفي اىل دمشق .هجرة الستينات: محمد مهدي الجواهري اىل براغ وسعدي يوسف اىل الجزائر. هجرة اواخر السبعينات :الشعراء اليساريون اىل البلدان االشرتاكية وبعض الدول العربية وخصوصا سوريا واليمن الدميقراطية (عدن) ودول الخليج .هجرة الثامنينات :تداعيات الحرب العراقية االيرانية :اىل ايران ثم سوريا ثم اوروبا الغربية. هجرة التسعينات :تداعيات حرب الكويت وفرتة الحصار عىل العراق :هجرة اىل جميع اصقاع االرض .هجرة ما بعد :2003 تداعيات مرحلة االحتالل :هجرة اىل البلدان العربية خصوصا االردن وسوريا واالمارات العربية املتحدة وبعض الدول الغربية. وتالفيا ألي لبس م ّيز الباحث بني ما يسميه الشعور باالغرتاب يف داخل الوطن وبني املنفى وما ينتج عنه من شعور بالغربة يف الخارج.وقال« :حيثام وجد الناس استبد ببعضهم الشعور باالغرتاب يف الزحام او حارصت بعضا آخر فكرة الذهاب اىل املنفى .يف الحالني اغرتاب ويف الحالني منفى .ومنعا ألي لبس يف املفاهيم اجد من الرضوري التأكيد عىل التمييز بني االغرتاب اي الشعور بالغربة داخل الوطن وبني املنفى وما يتبعه من شعور بالغربة خارج الوطن». يتضمن الكتاب جهدا تاريخيا شبه توثيقي قام به الكاتب عام « 2006بغية تحرير انطولوجيا للشعراء العراقيني يف املنفى عرب رموز معروفة ألن النزوحني الكبريين خالل فرتة الحصار -1991 2002وبعد الغزو االمرييك للعراق عام 2003ص ّعبا من مهمة حرص جميع االسامء». 16
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
خيال ومفردة خاصة
الديوانُ :كنْ الشاعر :أمني الربيع (األردن) النارش :دار نارة للنرش والتوزيع عدد الصفحات 136 :من القطع املتوسط
بعد ديوانه األول «مرايا القتام» صدر حديثا للشاعر االردين امني الربيع ديوان شعري جديد بعنوان « ُكنْ » عن دار نارة للنرش والتوزيع وبدعم من وزارة الثقافة االردنية. ضم الديوان الجديد مجموعة من القصائد ،منها: الرس ،وددت لو ،عىل أهبة الضوء ،أطري كفراشة ألسع كالنحلة ،صباحا من رشفة البيت ،سيناريو مقرتح ملويت، وغري ذلك من القصائد التي تستحرض مخيلة خصبة تستقرئ دواخل االنسان والبحث يف مسألة القلق الوجودي ،وتذهب بعص القصائد بإشارات صوفية إىل الكشف عن جدلية املوت والحياة ،ويتجىل ذلك يف قصيدته «سيناريو مقرتح ملويت» ،التي يطرح فيها أسئلة الوجود والحياة ،مقرتحا سيناريوهات عديدة للموت تشتبك مع املعطى اليومي الذي نعيش ،وتقرأ تفاصيل كثرية يف عجلة الحياة ،بلغة أيضا ال تخلو من التكثيف أعطت بعدا فلسفيا للنصوص. ووقع الشاعر ديوانه يف رابطة الكتاب االردنيني يف أمسية تحدثت خاللها الروائية سمحية خريس عن الديوان ،و قالت« :متكن الشاعر الشاب أمني الربيع من القفز عىل حدود القصيدة الكالسيكية بأغراضها املعروفة ،ومىض مستعينا بخياله مفتاحا للولوج إىل العامل» ،مشرية إىل أن الشاعر الربيع متكن من الكشف عن أعامقه وفق تأمالت مغايرة ،تقرتب من الصوفية أحيانا ولكن بلغته الخاصة ال اللغة الصوفية املعتادة ذات السطوة عىل مجموع الشعراء الذين وجدوا فيها منتجعا جامليا فحسب ،بينام الربيع يعرضها لالختبار ويخرج مبفرداته الخاصة
فالريي روزو
الشابة فاليري روزو
تقتحم المشهد الشعري الفرنسي
يرد
اسم الشاعرة الفرنسية فالريي روزو بقوة ،يف الفرتة األخرية، وهو ما يدل عىل أنها استطاعت ،فعال أن تشق طريقها يف خريطة الشعر الفرنيس املعارص املتشعبة ،ولعل االستقبال الذي خصه بها الشاعر الفرنيس أندري فيلتري Andre Velterحائز جائزة الغونكور للشعر ومسؤول قطاع الشعر يف دار النرش «غاليامر» (لسلة شعر) ،بعد صدور ديوانها األول الالفت ،Pas revoirدليل عىل أنها أصبحت اسام ال ميكن تجاهله يف الشعر الفرنيس. كتب فيلتري صفحة كاملة يف صحيفة «لوموند»« :إن ِكتا َبها ُيقرأ ِب َن َفس واحد )...(...ومثلام كان أبوها يقوم بتجميع الصناديق والطناجر والنحاس األحمر واألملنيوم أو النيكل ،تقوم فالريي روزو بتجميع ِق َطع من األنغام وفتاتات من الذكريات و ُك ُسور من االنفعاالت؛ و ُتسا ِي ُف يف ذهب الزمن». ومنذ صدور ديوانها األول الذي أثار قبوال وإعجابا كبريين ،توالت نصوصها وكتبها ،التي ترافقت مع انخراطها يف ترجمة الشعر (ترجمت نصوصا لسيلفيا بالث وتيد هيوز وويليام كارلوس ويليام س وآخرين) منحها مكانة أخرى يف التعامل مع الشعر ،ومن بني هذه املجاميع «ليس الربيع» و«ظلاميت» و«فروز» إلخ. ولعل مايتحدث عنه فيلتري ميكن استشفافه حتى يف ديوانها الجديد الذي نرتجم منه هذا املقطع:
«يف الساعة ِّ املتأخ َرة التي دققت فيها باب الجريان املفاتيح التي تفتح السكاكني التي تج ّز ُبو َم ٌة تختفي يف أشجار الجادَّة عصفو ٌر رائع كان يف السابق ُم َس َّمرا باألبواب. ُ ركبت الرتام املائوي يك أعود إىل البيت املفاتيح التي تج ّز والسكاكني التي تفتح ُ وجدت مخدعا هاتفيا أحمر ُ هاتفت القاطن َة طلبا للنجدة توجد ٌ بومة يف كل رأس من رؤويس املفاتيح التي تفتح والسكاكني التي َت ْف ِصلُ وعىل طول طول طول طول طول الشارع الكبري ترص ينقشع الظالم ها هو القمر سكة الحديد ّ مفاتيح السامء سكاكني ُم ْش َه َرة من دون صفيحة أساسية َم ْق َب ُض املِ ْكن ََسة.
وتعرتف هذه الشاعرة الشابة أن قراءة الشعر مهمة ،ولكن وطأة الشعراء الكبار ميكن أن تظل حارضة وتشكل مظهرا من مظاهر اإلزعاج املستدامُ « : قرأت بونفوا بإرساف ،وكذلك فعلت مع جاكويت. ولكن بالنسبة ألمرأة شابة ،ليس من الجيد قراءة هؤالء الرجال ،كبار السن .إنهم يقطعون أجنحتنا ،واألمر يشبه حامل َب َك َرة يف رافعة فوق رؤوسنا .إن موتأيب هو الذي ح ّررين فعال»... وبالفعل فإن ديوانها األول «با روفوار» PARREVOIRهو مبثابة تقدير وإعجاب ألبيها ،وأيضا مبثابة خالص نفيس وشعري. أصبحت الشاعرة طليقة ،بالفعل ،من أثر الشعراء الكبار الذين قرأت لهم .وأيضا طليقة من سطوة األب .وصار بإمكانها أن تكتب الشعر عىل طريقتها .ولكن الحرية ،هنا ،ليست نهائية .املوانع والتابوهات كثرية ،وحراس املعبد ُكثرُ ٌ ،أيضا .وهذا ما جعل أعضاء لجنة تحكيم إلحدى الجوائز يرفضون منحها الجائزة املستحقة« :مل أحصل عىل الجائزة ألن عضوا وازنا فيها اعرتض ع ّ يل بدعوى أنه إذا ما ُأ ْع ِط َي هذا الكتاب لفتيان ،فإنهم لن يعرفوا النحو واإلعراب أبدا». ُ من الديوان األول «يف حرارة الحداد»:
ترقص عىل الخيط/الرباط «نمَ ٌلة فوق حذايئ وأنظر إليها وهي ُ من دون خوف. ستس ُق ُط من األعشاب الحمقاء أو من باقة نرجس التي كانت ْ يزداد ثقلها حني أتقدم». ُ ْ الضباب الته ََم ك َّل يشء ،العنزات «لن نذهب قط لقطف ال ِفطر ُ وساللَنَا. البيض ِ كام لن نذهب ،أيضا ،إىل األحياء الكبرية مثل حوتات رمادية ُم َّ نظ َمة جدا ُ ضيع ُقلو ُبنا. حيث َت ُ وال إىل السينام وال إىل السريك وال إىل املقهى-املرسح وإىل مسابقات الد َّر َاجات»
باريس -محمد املزديوي
issue (7)- December - 2012
17
شعر وشعراء
محمد البريكي
القصيدة على بحر القلق
يستمد
الشاعر محمد الربييك غنائيته من كونه يكتب الشعر النبطي إىل جانب كتابته للفصيح ،جامعا يف قصيدته بني اإليقاع والفكرة واللغة البسيطة غري املتكلفة التي ال تحتاج إىل بطاقة عبور يك تصل إىل قارئها .كام هي حال القصيدة النبطية /الشعبية ،التي تحايك واقع العموم ،بسالسة املحيك ،وطي جميع املسافات. الربييك يف مجموعته الشعرية األخرية «بيت آيل للسقوط» الصادرة مؤخرا عن دائرة الثقافة واإلعالم ،يف معرض الشارقة الدويل للكتاب ،يؤكد أنه شاعر مسكون باإليقاع ،حتى أنه يف كثري من قصائد هذه املجموعة ينحاز إىل الكتابة الشعرية عىل بحور ذات إيقاع عال، كبحر البسيط والكامل ،ولكنه يبدو حريصا أيضا عىل أن ينوع يف كتابته بني التفعيلة والعمود ،ويظهر مهارة ملفتة يف االنتقال من شكل اىل آخر ومن بحر إىل آخر دون أن يفقد صوته الشعري الخاص يف معظم قصائده. كام أن هذا التنوع ال يقترص عىل الشكل فقط ،بل وعىل املضمون ،الذي يتناول فيه الوطني ،والغزيل ،والتأميل، بأدوات بسيطة ومتمكنة .مستحرضا املدن ،كام يف ُ رحلت وإمنا /كان قصيدة « مسقط» :أأنا رحلت ؟ /نعم نخيلك فاعلمي /ر ّت ُ الغياب مقاطعا لت أغنية الرحيل إىل ِ ِ غصت يف فمي .وكذلك يف قصيدة /أنغا ُمها بالحزنِ ّ بالحب نضاختانِ /وغيم ُة أفراحها «الشارقة» :وعينان ّ دافق ْة /إذا اهتزّت ُ األرض منها تراها /بأغصان ِ عزّتها فارق ْة. ثم مستحرضا الشعراء كام يف قصيدة «أغنية العائدين» املهداة إىل الشاعر العامين حسن املطرويش ،وقصيدة 18
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
«الريح َ وقت خروجنا» املهداة اىل الشاعر العراقي َ «تساءلت قبل سنني» عبدالرزاق الربيعي ،وقصيدة املهداة إىل الشاعر نزار قباين» :إذا قلت يا صاحبي إن ذئبا خالص إذا َ كنت يناوش قطعاننا /قال هذا ِك ِذ ْب /وأيّ ٍ تزرع يف الحقلِ ..ما ال ُت ِح ْب. هكذا يؤسس الربييك بناءه الشعري ،ويبحث عن مقولته الناجزة ،من قلب فكرته ،ليقدم قصيدة ذات مالمح واضحة ،ال تغرق نفسها يف الغموض أو الخروج عن مسارها ،ولكنها يف نفس الوقت متنح قارئها مساحة للتّفكر واستكامل املعنى ،والسري معه عىل طريق واحدة عرب أكرث من مسار .وكأن الربييك هنا ال يرغب أن يقول كل ما يريد أو يعني ،متاما كام يعرب عن ذلك ت.اس. إليوت بعبارته «يستحيل أن أقول ما أعنيه بالضبط» .فهو يؤمن بأن القارئ شكريك يف الكتابة وله أن يكمل املعنى حسب فهمه وخياله . ويبدو القلق يف هذه املجموعة محفزا عىل الكتابة، والقلق هنا مصدر جاميل ،يحمل القصيدة عىل طرح األسئلة ،والبحث ،وتصوير املحيط بأبعاده كافة .إنه القلق الذي يحرض عىل سرب أغوار الواقع واألحداث ،والتعبري عنها بلغة خاصة ورؤية ذاتية .يف قصيدة «بعيدا عن املاء» يقول الربييك : ميوت عىل ض ّفة النه ِر ُ جيش من الق ّبعات ُ السمع ويسرتق ُ ليل طويلُ ٌ للريح حرشج ًة ُ فتسمع ِ ُ الشمس الرصاص عن والنخيل ير ُّد َ ِ
الديوان :بيت آيل للسقوط الشاعر :محمد الربييك (اإلمارات) النارش :دائرة الثقافة واإلعالم يف الشارقة عدد الصفحات 148 :من القطع املتوسط
تصنع أبطالها من قلقْ والشمس ُ ُ هنا تربز الشعرية يف قصيدة الربييك ،عندما يعلو النخيل لريد الرصاص عن الشمس ،وتصنع هي أبطالها من القلق، الحارض هنا كفردة إىل جانب املعنى ،ولكنه يف قصائد أخرى ،يكتفي بالحضور يف صورة املعنى ومحتواه ،ليتكئ عليه الشاعر يف صياغة مقولته ومفرداته التي يزينها بالدهشة والداللة. ويف مناطق عديدة ،تدنو رائحة شعرية شهية ،تفوح من بساتني القصيدة األوىل ،والعصور التي توجها الشعر العريب مبا جاد به من معلقات وقصائد وأبيات ال تزال تتسلل إىل ذاكرة الجامل والعطاء الشعري األوفر .يف تلك القصائد يقف الشاعر عىل طلل التذ ّكر والتع ّلل واستحضار من عربوا يف عني الزمن ،ودقوا أجراس الفرح ثم رحلوا .. والعابرون عىل نبضــــي أشاطرهم هم املســـــافة والرتحـــــال يف خلدي لـــــذا ســــــأترك أوراقي مســافر ًة يك ينبت الشع ُر ورداً يف ثرى جسدي هكذا يكون الشعر دليل الشاعر ،وبوصلته إىل الحنني، ومرآته التي هي وحدها من تراه .وهو إذ يكتب قصيدته هذه بنربة الشعراء األوائل ،يعود إىل الرتاث ،يف هيئة مختلفة نوعا ما ،بعيدة عن التقليد والتوأمة واللصق ،عرب مفردات سهلة ،وتصوير شعري شفاف ،ال يطمح سوى ألن يعرب جرس الشعر الفاصل بني القصيدة واملتلقي . يواصل الربييك يف هذه املجموعة عزفه الشعري ،وينشد للحنني ،واألنثى ،والحب .ممسكاً بخيط الصدق ،ومطلقا خيل القول ،ليعبرّ عن ذاته ،والذات األخرى ..
كنّا نتشاو ُر طريق نسلك من أيِّ ٍ مل يشهد من قبل خطاوينا أنفاسا العاشق اآلن بوسع ِ الحب أمام الناس أن ينهي أم َر ّ وال خوف عليه فال ع ٌني تبرص يف الزحم ِة هو يسلك طريق الحب ،ال يف زحمة الناس ،بل يف زحمة الشعر ،وتوالد القول الذي يقود إىل الفكرة ،ويستعيد املشهد كامال ،لتحمله بصرية القصيدة .وتج ّمله ثم ترفعه فوق سفح الجامل ،لتبرصه العني ولو يف الزحمة . إن هذا الديوان ،رصيد إضايف ،للمكتبة الشعرية اإلماراتية، وهو منجز جديد لشاعر كتب الشعر النبطي ،وآثر أن يكتب الفصيح ،فأجاد يف كتابته هذه كام أجاد يف كتابته األخرى .وهنا إشارة إىل أن الشعر ال يقف عىل أرض ساكنة ،أو واحدة ،هو يتقافز ويعدو ويجول وال يسكن. كام ان «بيت آيل للسقوط» ،ديوان شعري ناضج ،ويدلل عىل تلك الحركة املتواصلة يف تجربة الربييك الشعرية، التي يتنقل عربها بني عدة أنساق من الكتابة الشعرية. ويف هذا اإلصدار ،يربهن عىل موهبة نقية يف كتابة الشعر الفصيح ،وحضور الفت لشاعر يستطيع أن يخترص املسافة بني شكل شعري وآخر ،وأن يقطع النهر بني ضفة شعرية وأخرى .وهو وإن اختلفت مواضيعه ومضامينه ،يبقى نفسه واحدا ،قلقاً ،يفتش عن صورة يعيد الشاعر رسمها كام يراها هو ،وكام يرغب لها أن تكون عبدهللا ... issue (7)- December - 2012
19
شعر وشعراء سليم بركات
لغة تلد لغة أخرى الديوان :آلهة الشاعر :سليم بركات (سوريا) النارش :دار الزمان -دمشق عدد الصفحات 158 :من القطع املتوسط
سليم
الربط بني الواقعي والعجائبي بخيوط فنية هائلة متنح بركات الشاعر والروايئ السوري يعود إلينا النص أبعادا جاملية فريدة ،و تخرج به من رتابة التداعي بديوان شعر ورواية .القصيدة الطويلة التي تحمل عنوان «آلهة» هي بحد ذاتها سفر تكوين جديد وعامرة املبارش لآلالم .لغة عجيبة غريبة ،تختلف عن اللغة الشعرية شعــرية .يدخل سليم بركات كعادته يف أدغال اللغة التي هي املألوفة يف زماننا ويف األزمنة الغابرة .لغة وحدها تحمل الغرابة ،و تخلق الدهشة وااللتباس عند القارئ الذي يظل أيضاً أدغال الفكر ،ويبني ويقطع ويتوغل .إنه شأنه يف كل محارصا بنوع من الدهشة إزاء هذه اللغة من بداية النص ما يصنع ،يف استيالد اللغة واالستيالد من اللغة ،بيد أنه هنا الشعري حتى نهايته .تعابري جيدة و تشبيهات ووصفات ينحو منحى ميثولوجيا ،إنه بناء األسطورة الكونية وامللحمة كثرية تفاجئ القارئ وتقطع عليه اسرتساله يف تتبع النص باألسطورة. بتلقائية ،وتورطه وتدفع به للوقوف وقفات تأمل جاملية الديوان عبارة عن قصيدة واحدة تبدو وكأنها كتبت دفعة النص ،حتى ال تكون القراءة قراءة الهثة وراء تتبع الصور واحدة ،حيث يستمر التوتر الداخيل فيها من البداية وحتى النهاية ،ولكنها كتبت بعناية سليم بركات املعهودة يف التعاطي الشعرية و البحث عن مآالت القصيدة. الديوان أنيق جدا ومزيَّن الطباعة بباقة من اللوحات مع اللغة بحواس الصائغ املاهر حتى تبدو كل مفردة وكأنها هي من رسم الشاعر نفسه ،يف إخراج أنيق مجلَّد تجليدا ً نحتت عىل حدة ولقيت عناية خاصة من الشاعر محسوبة فن ًّيا .وهو الكتاب الثاين الشعري الذي يصدر مجلدا ً بهذه بدقة شديدة. القصيدة موجهة إىل اآللهة ،بني شكوى ونجوى ،ولكن الديوان الطريقة للشاعر ،بعد كتابه «عجرفة املتجانس :شكوك القُبل وهواجسها املوصولة» ،عن دار الزمان يف دمشق، طافح باالسئلة ،ويذهب الشاعر بعيدا ليجتاز مسافات طويلة خالل عام واحد. من القلق واألمل والخوف يك يطرح اسئلته الوجودية وكأنه حارض يف االسطورة والواقع .سفر ميثولوجي ينفتح عىل متاهات من الديوان: َخد ٌَم كثرية وال يقف عند محطة تشكل مطهرا. ما يلفت اكرث هو اشتغال بركات عىل اللغة ،ذات يوم قال عنه يف مآدب اإلنسان. محمود درويش بأنه« :أفضل من كتب باللغة العربية خالل ِ جر ٌاح ،حوذ ُّيون للعربات، العقدين األخريين» ،ووصفه الناقد صبحي حديدي بأنه« : وبستان ُّيون للحدائق، الكردي -البازيار الذي شق معاين العربية من تالبيبها» ،ورأى حساب لألطفال ُينعشون أقدا َمهم يف سواقي ومع ِّلمو عباس بيضون« :إن صنيع سليم بركات يف اللغة يشبه صنيع ٍ الحروب. النحات الذي يستنطق مادته». مجامالت مه َّذبةٌ. ٌ جر ٌاح التشكيل اللغوي هو سيد اللغة يف الديوان ،عربه تتنامى كل املكونات الداللية ،و من خالله تتكون عجائبية النص و غرابته .جر ٌاح تنب ْيهٌ ؛ ٌ مضافة إىل متونِ األعامر حواش ٍ اللغة تحتل موقعا هاما يف بناء النص و توجيهه ،و تساهم يف 20
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
قاسم حداد
جرح في الماضي لست جرحا وال خنجرا الديوان ِ الشاعر:قاسم حداد (البحرين) النارش:الهيئة العامة املرصية للكتاب عدد الصفحات 200:صفحة من القطع الكبري
صدر
عن الهيئة املرصية العامة للكتاب ديوان جديد للشاعر قاسم حداد بعنوان «لست جرحا وال خنجرا» ،هو الثاين خالل عام بعد ديوان «طرفة بن الوردة» الذي اعاد فيه الشاعر تركيب اسطورة «الشاعر الضليل» (طرفة بن العبد) يف قراءة مختلفة عن السائد ،تذهب إىل تقيص جذوره الشخصية الذاهبة يف التمرد حني تحامته القبيلة ،وصار كالبعري االجرد. يتكون الديوان الجديد من 65قصيدة توزعت عىل 200 صفحة .وتختلف القصائد حيث ترتاوح بني السطر وبضعة أسطر .وهو هنا غري بعيد عن لعبة التجريب الدائم التي عرف بها صاحب «أسري مخفورا بالوعول» ،حيث ميتلك قاسم حداد القدرة عىل االنتقال بني قصيدة واخرى وحتى بني ديوان وآخر ،من دون ان يتأثر ايقاعه العام او تنخدش صورته او تبهت. قصائد الديوان ذات شحنة خاصة وشجن ظل يرتدد يف صوت قاسم حداد منذ بداياته السبعينية ،ومن القصائد التي تستدعي التوقف امامها هي «مسامري السفينة»، ألنها تعد مبثابة نقطة التوازن يف الديوان ومفتاح تأويالته الداللية: ً «اهدأ قليال /وانتظر تلك الحشود متر ذاهبة إىل املايض/ ودعها /دع لها مستقب ًال ينساك /واهدأ /ريثام يتذكر القتىل خريطتهم». تفتح هذه القصيدة بابا نحو املايض يقود القارئ اىل تأمل العمل من منظوري الزمان واملكان ،ذلك ان البحرين وطن الشاعر بلد عرف أهله بارتياد البحر للسفر بعيدا وصيد اللؤلؤ ،ومن هذه النظرة املتأملة ملسامري السفينة الراسية كالزمن ميكن استقبال صورة عىل طريقة الفالش باك من دون رحيل عن االرض الراهنة ،الخريطة التي تحرتق
وال يراها االبناء ،فهؤالء قتىل تركوا مسامري السفينة تصدأ، واألرض تنئ من تحت اقدامهم. هذه القصيدة دعوة ذاتية يف صيغة عزاء شخيص ،مناجاة للنفس يك ترتفع فوق حطام الحارض وتشظياته ،مناشدة لتأمل زمن ينكرس ويرحل نحو املايض ،وال يحفل باملستقبل كام يف قصيدة «دارت بنا»،التي «كلام دارت بنا الدنيا هنا /درنا لها /وتقاطرت سفن لتقتلنا/ فنبدو غري مكرتثني/نبدو». ويف قصيدة أخرى «العظم الواهن» يسرتسل الشاعر يف استدعاء املايض الذي اليربح الذاكرة ،املايض حني ينكرس الحارض وتنسد أبواب اآلفاق: «كان السفر بعيداً والساحل يرى القلوع تنقصف تحت حوافر اإلعصار قبل األرض /األنني عائد من البحر وحده/ واألطفال يكربون». لغة الديوان تسري عىل خطى قاسم حداد وتنقالته واحواله الخاصة ،توليدات جديدة ضمن محرتف الشاعر صاحب الصوت الخاص والتجريبي .يف قصيدة «صديقة التشللو» يكرس ايقاع الزمن املايض ليعود إىل شذرات ملاعة تأيت من عوامل فسيحة ورحبة: « /فيام الحزن ىف الناي /فيام الغموض ىف الغيم /فيام الغياب ىف السفر /فيام السؤال ىف الناس /فيام الكامن وحده /يصغى ويكف عن النوم». منذ ديوانه األول «البشارة» ( )1970ينقّب قاسم حداد عميقا يف «حرية الروح» و«الطعنة» ،و «نجمة الهاوية» (من عناوين قصائد الديوان الجديد) ،ويف كل مرة يعود ،ساحبا خلفه ظله الطويل ،باكتشافات جديدة ذات فتنة ونكهة خاصتني ،لها طعم القصائد التي تسافر اىل جهة الشعر بال حواجز issue (7)- December - 2012
21
شعر وشعراء الهنوف محمد
جوار الجديد والقديم
الكتاب :األعامل الشعرية للهنوف محمد الشاعرة :الهنوف محمد (اإلمارات) النارش :وزارة الثقافة والشباب وتنمية املجتمع عدد الصفحات 160 :صفحة من القطع املتوسط.
الشاعرة
االماراتية الهنوف محمد تخالف الكثريين من الشعراء والنقاد يف ما يتعلق بإصدار األعامل الشعرية للشاعر يف مجلد واحد خالل حياته ،ويف حني يرى الكثريون ان صيغة «األعامل الشعرية» غري مستحبة، ويفضلون عليها «املختارات» أو «األعامل غري الكاملة» ،فإنها ترى ان «األعامل الكاملة» عند أي مبدع حقيقي هي مبثابة حلم، والسيام إذا كان هذا املبدع متمكناً وله من يتابع تجربته ،وتعتقد أن طباعة األعامل الكاملة ،بالنسبة إىل املبدع يف مجلد واحد أو مجلدين رضورية جداً ،ألنها متنح القارئ االطالع عىل هذه التجربة ،أو تلك ،والقارئ هو املستفيد بالدرجة األوىل ،ويستطيع هذا القارئ أخذ الفكرة الالزمة عن املبدع ،من خالل هذه األعامل الكاملة ،ويشكل نظرة نقدية ،عىل ضوء هذه الصورة الكاملة ملنجز املبدع . هاهي الشاعرة ترتجم رأيها الذي طاملا أدلت به يف مناسبات سابقة ،وتنقله إىل حيز التنفيذ من خالل اصدار اعاملها الشعرية، ولكن يف صيغة هي األخرى ال تخلو من فطنة ابعدتها عن مطب «األعامل الكاملة» فلجأت اىل حيلة «األعامل الشعرية» ،وهي مل تكتف هنا بطبع أعاملها السابقة ،بل ضمنت الكتاب الجديد مجموعة شعرية مل يسبق لها ان طبعتها هي «ريح يوسف»، تضاف اىل مجموعتني سبق لها ان نرشتهام هام «جدران» و «ساموات». ً تتضمن مجموعة « ريح يوسف» مثانية وثالثني نصا ،كتبتها الشاعرة يف أوقات سابقة ،واملالحظة االساسية التي يكونها القارئ هي ان قصائد هذه املجموعة تتمحور من حول الذات ومحيطها، فهي من زاوية تتأمل العامل بحزن ،ومن زاوية ثانية تعود اىل بيتها املحروس بأنفاس االبناء .وعىل الصعيد الشكيل متتاز املجموعة بأنها ذات تكثيف واقتصاد يف اللغة يبدأ من عناوين القصائد
22
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
وينسحب عىل النصوص ذاتها كام هو الحال يف قصيدة «ذاتية» التي تذهب فيها الشاعرة حد نكران الذات. هذه القصيدة تكاد تكون عني املجموعة منها ترى الشاعرة نفسها ،ومنها ميكن للمتلقي أن يقرأ نصا مبنيا عىل نحو هارموين، يقوم عىل تضاد فلسفي بني «األنا» و«اآلخرين» يف جحيم سارتر. ترسم الشاعرة عدة دوائر يف بحثها عن ذاتها ،لتلتقي وتتقاطع ملتفة كالرشنقة ،ولكنها مع ذلك ال تستطيع حامية نفسها :
«جئتني فلم أجدين تركت حذايئ خلف الباب فلم أجد سوى خطوات أقدام قد ال تكون يل»
مجموعة «ريح يوسف» ليست اسام بال مسمى ،بل ان مقاربة محنة النبي يوسف عليه السالم ليست من فراغ فالقصيدة املسامة بهذا االسم دالة داللة واضحة عىل ما يتعرض له االنسان من كيد يضمره األخوة ،وهو ال حول له ،عاجز ومحارص:
«هكذا دوماً شأن يوسف يخونه إخوته ويبيك أبوه من الحزن فهو كظيم».
تغلب عىل املجموعة اجواء من الحزن الشفاف والشكوى من عامل ال عزاء فيه:
«عندما تحاول البحث عن قلبك ليكون أو أيقونة تتربك بها حينها تكتشف بأن ال قلب لك»..
نصوص
حبيب الزيودي
عبير حسين ابراهيم
نجاح العرسان
ضياء البرغوثي
هزبر محمود
أسماء رمرام
محمد العزام
عمر أبو الهيجاء
فارس سباعنة
زليخة أبو ريشة
عبد اللطيف الوراري
سليمان جوني
خالد المعالي
سلطان القيسي
نضال حمادنة
ابراهيم محمد ابراهيم
issue (7)- December - 2012
23
نصوص
حبيب الزيودي الغريب تأيت القصائد أحياناً بال لغــــــ ٍة وال حــــريـــ ٍر وال حــ ٍرب وال ورقِ وقفـــــت كأنها ظبية يف ال ِّرب ال ْ عىل غدي ٍر وال ســـارت عىل نسقِ إن مل تجد شاعرا ً تأوي لوحشته ِ وال د َم الشمس مذبوحاً عىل األفقِ مشت إىل باطلٍ أو ألّفــــت بطالً ْ وعلّقـــت نزفَها شاالً عىل الشفـقِ أنا امرؤ القيس مسموماً وفاطمة تنضو الثياب من الكعب ِني للعنـقِ كل ما يف الضوء من لغ ٍة يف خرصها ّ مس ومـــن نــزقِ و ّيف ما ّيف من ٍّ مل انسكب أبدا ً حربا ً عىل ورقٍ النؤاســي مسـكوباً مع الع َرقِ أنا ُّ وعشت بها سدو ُم ال أهلها أهيل ُ ال أطمئــ ّن إىل َخلْــقٍ وال ُخلُــقِ بارى اللئام عىل جرحي ومسغبتي بها اللئام كمــن ساروا إىل سبقِ تبسموا عندما أصغوا إىل نفيس ّ ومتتموا عندما أصغــوا إىل رمقي فرصتُ ملا عدمت النارصين بها ِ أعــــوذ بالله بني «الناس» و«الفلقِ » أصحو عىل أرقٍ فيها فيصحبني إىل املنام لكــي أغفـــــو علــى أرقِ أنا املغ ّني ورأيس كان متّفــــقاً مـــــع املديــــح وقلبــي غري متفقِ الغريب الذي ال نـــا َر تؤنسه أنا ُ ٍ يف الطو ِر والليلِ مـن خوف ومن قلقِ 24
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أمامي ال ُّرب مفتوحاً عىل ظمــــأٍ َ وخلفـــي البح ُر مفتــوحاً علــى غرقِ َ كل صبــــا ٍح ال أرى أحـدا ً أس ُري َّ رغـم ال ّزحـام الذي ألــقاه يف الـطرقِ
الشاعر رس صالتِ ِه ُّ الحب شمعتُهُ ،و ُّ ويَ ُح ُّت أضل َعه عىل إيقاعه كلامتُ ُه تصبو إىل غيمٍ وال األرض غاني ٌة تبادلُ ُه الغوى ُ كل الجم ِر يف نَ َزواتِها الجم ُر ُّ ضاقت بوحش ٍت ِه البيوتُ وكلُّها الريح يف إيقاعه ،واملوج يف ُ الحرب خ ّيط شكّه بيقي ِن ِه
الحب دمعتُ ُه ،وح ُرب دواتِ ِه ُّ متفردا ً كالذئب يف فلواتِ ِه ِ يدري بأ َّن الغيم يف كلامتِ ِه وتضج شهوتُها مبو ِج فراتِ ِه ُّ كل النا ِر يف نَ َزواتِ ِه والنا ُر ُّ تأوي بوحشتها إىل أبياتِ ِه أوجاعه ،والغيب يف ش َهقَاتِه درب هالكِ ِه ونجاتِ ِه والشع ُر ُ
جاري الفلسطيني … منهمك إىل أذنيه يف رس ِ ٌ اميك برك ِته جاري الفلسطيني الوقت مييض مرسعا ألن َ ِ الصيف من عجام ْن وبناتُه يأت َني شهرا واحدا يف واألحفاد قد يأتو َن من كندا نجلس يف فناء ِ البيت عن سور يحدثني بزه ٍو حني ُ الرخام يلوح يف بايل عىل وجعٍ … ُ ُالفرس املشاكس ُ سياج الدار ملا كان جدي يربط َ آه ..يا جار الرضا السياج أح ّن كان ُ ْ الجبال ملا كان من حطب وليس من ايطاليا ْ هو مثل َ االحتالل سورك يا أبا محمود قبل ووراء هذا السور كانت جديت يف الصبح مع ك ّناتها ْ الحالل يخبزن ،مع شمس الضحى ،الخبز وعىل ممر الورد… ٍ كأمهات خلف منزلنا خمس تينات يقفن كانت ُ حنونات عىل صوت الدجاج وك ّن أجمل من ممر الورد هذا آه يا جار الرضا رصنا يتامى األم ملا ماتت التينات يا ابن أيب تعال لعلنا نبيك معا كل لصاحبه ـ ٌ ْ االحتالل عىل مهل ـ جحي َم املنابت واألصول جاري الفلسطيني يغضب كلام ذكر َ ووحدها سندات تسجيل األرايض يف خزانته ت ّربد قلبه فاقول دعك من املنابت تلك مسال ٌة تقررها البنوك … ودامئا عنب الخليل يقول يل ويقول ْلك رسه ال َمن أطاع و َمن عصا يف األرض دم ٌع ليس يفهم ّ
او َمن َمل َْك أحب ومن أحب ومن ّ لكنه كالربق يومض يف جوانح َمن ّ أحب .. ّ و َمن َهل َْك ْ الحالل يا رب بينّ يل الحرا َم من ْ الجبال القرميد يف روسيا يذكّر بالثلوج وبالرعاة عىل القرميد يف اسبانيا رمز البنفسج يف السالل لكن للقرميد يف بلد الهنود الحمر معنى واحدا : السهم يف جرح الغز ْال السال ُم عىل وطنٍ نحن نكتبه يف السطور ونشطبه يف الصدو ْر السالم عىل وطن لن يظل ألحفادنا فيه إال القبور! *** حق حزنك أيها الهندي أن تبيك سدو َم وأن مت ّر عىل من ّ خرائبها وأن تبيك عىل الطلل األخري حق حزنك أن تطالب هذه الدنيا بتقرير املصري. من ّ
عودي ناقص وترا
اىل تيسري السبول..
أنا ابن األرض وابن الغيم نايي زائد ثقباً وعودي ناقص وترا حملت سفوحها يف السنديان عزفتها لحناَ عىل الوديان ثم نزفتها مطرا وا ّلفت القصائ َد ال كال َم وال هيا َم وامنا ا ّلفتها قمحا يفيض عىل السهول وصغتها سفحا يغيض عىل الوعول وكنت بينهام ّ أطل عىل سدوم أطل من ول ٍه يزيد صبابتي سهرا وا ّلفت القصائد ال حروف وال سيوف issue (7)- December - 2012
25
نصوص
احتار ابراهيم اذ راوغته قمراَ ّ اطل عليه واسترتا ونايي زائد ثقبا وعودي ناقص وترا ذهبت اىل الشامل اىل ايب ّمتام أساله : أكان (السيف اصدق) أم جمحت ؟ فقال :أصدق ؟ أنت توجعني فس ّد الباب واعتذرا فعدت اىل الجنوب ألنقل الخربا ملاذا خانت الدحنون حمرته اذا ما ّ انحل يف خديك حني نهبته نظرا سفح انا ابن االرض والغزالن _ان اغواين الصياد _يف ٍ الخدعها وقد وردت عىل غفل ضفاف النبع وهو هناك يرصدها جفلت وزدتها حذرا فعاد يج ّر خيبته عىل عزيف ونايي زائد ثقبا وعودي ناقص وترا أنا ابن االرض ع ّلمني الغامم دروسه يف ّ الشعر وهو ين ّقح النعناع وهو يزحزح االيقاع وهو ّ يوضح االوجاع حني يسيل منهمرا ّ أسطر دفرتي مبزاج ح ّرات يسطر أرضه يف الفجر اثالما فيطلع دفرتي حكام ويطلع حرثه مثرا فيشمت يب اذا جمع الثامر ، يرى عىل وجهي هزمية كل من أعطى وما انتظرا ويشمت يب وقد حمل السالل وكنت أعذره فكيف لذلك الحراث 26
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أن يتفهم اللذات تحت أصابع النحات ملّا ذ ّوب الحجرا فقلت له غدا إن جف ماء الغيم ُ فضت عىل القرى نهرا ونايي زائد ثقبا وعودي ناقص وترا وكنت وراء موىس ،اذ يناجي الله تحت النجم منكرسا تصدع قربه جبل فخر عىل تراب الطور واعتربا خشعت فسال دمعي رهبة وعزفت : نايي زائد ثقبا وقلبي ناقص وترا أذان الفجر أكملت القصيدة والصالة ّ أطل تيسري السبول وقال كيف تطيق هذا الليل خذها بغتة يف الرأس قلت طلعت رغم جحوده قمرا و أنت اخرتت بابا للحقيقة غري بايب حينام واجهت نزف الحرب منتحرا ولكني ذهبت اىل الحديقة إذ وجدت األرض عارية الكسو عريها شجرا ملاذا مل متت كالصقر قلت له رويدك أنت صقر وابن عائلة ولكني سليل القمح سوف أموت حني يجف عشب الحقل تحت الشمس حني أصوغ هذا الناي من فوضاي تنزيال عىل البيداء أو صورا ونايي زائد ثقبا وعودي ناقص وترا تبسم يل بوجه طيب فغرقت يف االيقاع وهو يعود للمجهول منبهرا
نجاح العرسان إن العراق على سف ِر أوت��ي��ت م��ن نظ ِر ب�لى ..ت�����ز َّو ْد مب��ا َ بكل ما فيك من طريٍ ولـــــــم تط ِر ِّ م��ن ال��س�ماء وم���ن أوج����ا ِع زرق�� ِت��ه��ا حيث الدخان أنيس النخل يف السح ِر من دجلة ،من شحوب العاشقني عىل ضفافها .أ َّو َل النايات يف العـــم ِر م���ن ال���ف���رات ط��وي�لا م��� َّد أرج��ل��ه رص وراح ميت ُّد حتى امـــت َّد كـــالب ِ م���ن ض��ف��ت�ين ي����ر ُّد امل�����ا ُء ح��زنَ��ه�ما �ض�ر الشع ِر اىل ال��س�ما ِء ب��ن��خ��لٍ أخ َ م��ن ص���ور ِة ال��ق��م�� ِر امل��ذب��وح بينهام ي��ص��ي��ح ي��ا أي��ه��ا امل���ذب���وح بالقم ِر م��ن امل��ه��ا وع��ي��ون ال��ج�سر تتبعها ب��ح�سرة ال��ع��م��ر مصلوبا ع�لى نه ِر م��ن امل��س��اء ،ن��ج��وم ٌيلتقطن له يف لحظة الصمت بعض الغيم والصو ِر من ال��رج��ال خ�ما ُر الشمس سمرت ُهم أح�لى م��ن الشعر وامل���وال يف السم ِر من الجنوب وأصحاب الجنوب وهم ك��دم��ع�� ِة ال��ي��أس يف أح���داق منتظ ِر م��ن ال��ذي��ن ب��س��ا ِح ال��ح��رب ه��م عرب وساعة الخبز هم حش ٌد من الغج ِر من التالميذ ،ل��ون الحرب يرسمهم ع�لى ال��غ��روب خريفا احمر الضج ِر وم���ن معلمة داس ال���ذب���ول عىل �ضر بالسه ِر قميصها ق��ب��ل أن ي��خ َّ وم����ن ب��ق��ي��ة ل���ح���نٍ ه���� َّز أرم���ل��� ًة ما بل ََّل العي ُد فيها هـــــ َّز َة الوت ِر زري����اب م��ج��روح��ا بأغنية م��ن ع��ود َ م��ن نحر أل��ف ك��ت��اب يف يـد الترتِ
من الرصيف ومن فوق الرصيف غفوا ب��ذن��ب أس�مائ��ه��م مقطوعة الشج ِر م��ن ال��ش�مال وه���م ج�ي�ران غربتنا ي��ل�� ِّوح��ون ل��ن��ا بالجــــوع وامل��ط�� ِر ،ث����ري ل��ي��س ت��ف�� َه�� ُم�� ُه م��ن ال��ف��ق�ير ٌ ول��ي��س تفهم م��ا أع��ن��ي وأن���ت ثري ي��ل��ف ال��ن��اس��ف��ون به ُّ وم���ن ح����زامٍ رص ��ت بــــالب ِ عيونهم كلــــام آم�� ْن ُ ��ي�ن ن��رت��ل�� ُه م���ن ك���رب�ل�اء وم����ن ط ٍ رش ففيـــه ترقــــد آيـــاتٌ من الب ِ م��ن الصبايا وم��ا ي��قْ��طُ�� ْر َن يف شفتي أق�سى م��ن امل���اء إذ يبيك ع�لى حج ِر م��ن ال��ل��ي��ايل ال��ت��ي يلهو ال��غ��ب��ار بها يهدد النجم باإلخــــفاق وال��ك��د ِر من شاعر يبحث السياف عن فم ِه وص���وت���ه ح�ي�ن مي�ش�ي س��اط��ع األث���ر م��ن ج��ا ِم�� َع�ْي�نْ ِ ع�لى بعض دع��اؤه�ما َّ ال��ش��ك واإلرشاك يف ال��س��و ِر يُ�� َع��ظِّ��م صخب من هادئ رغم ما يف البحر من ٍ امل���وج إال ه���ادئَ ال��ح��ذ ِر مل ي��رك��ب َ م��ن ال��ع��ج��ائ��ز أط����راف ال��ن��ه��ار وق��د َرقَ��� ُه��� َّن ان��ح��ن��اء ال��ع�صر وال��ظ��ه�� ِر ك��ل ح��زن العراقيني خ��ذ نفسا م��ن ِّ إن ال��ع��راق وال ت��ح��زن ع�لى س��ف�� ِر issue (7)- December - 2012
27
نصوص
هزبر محمود بَأ َ ْ ـمت اس ٰهـذا َّ الـص ْ كـ َد ِ َوأُ ٌّم ..بِـ ِمـشْ ـ َوا ِر الـ َحــيا ِة تُـ َعـ ِّبـــ ُد ـي فَـ ُيفْـز ُعـ َها غَـــ ُد تَ ُحـ ّط َعـلىَ ٰ يَو ِم ْ ُـف الخـَ ْو َف َعـ ِّن ْي َ ،وبَ ْعـ َد َهـا ِب َعـ ْيـنٍ ،تَـك ُّ تُـطَ ْمـ ُنئ أَنْـ َحـا َء الـ َّن َهـا ِر فَـأُ ْولَـــ ُد ــت َوأَ ْهـ َوا ُء الـ َّر ِحـ ْيـلِ َر َهـائـ ٌن أَقَــ ْم ُ لَـ َديْ َهـاَ ..وبُلْـ َدانيِ ْ القَـ ِتـ ْيـلَ ُة تَـ ْر ُصـ ُد! ِـعـي أَقُـ ْو ُل لَـ َهـا :أُ َّمـا ُه! بِـ ْع ُ ـت َمـ َواج ْ لِلَـ ْيـلٍ يَـبِـ ْي ُع ال َع ِ ـاشـ ِقـ ْيـ َن َويَ ْرقُــ ُد ــف ـس ال َبـقَـا ِء َعـ َو ِاص ٌ َوتمَ ْ ُحـ ْو ت َضَ ـاريْ َ ـب ِمـن ا ِإللْ َحـا ِد َ ،و ْﭐسـ ُم ِك َمـ ْعـ َب ُد تَـ ُه ُّ الـس َمـا ُء األَ ْر َض ُمـ ْنذ ُ َمجـيـئـنا! تُ َجـا ْيف َّ ـس ِ َو َمـابَـ ْيـ َن أَفْ َيـا ْيئ َوشَ ْم ِ ـك َمـ ْو ِعـ ُد ْـبي غُـ َبـا ُر الـ ِعشْ ـقِ !.أَ ُّي تَــقَـادُمٍ َوقَـل ْ َسـيرُ ْضيِ ْ غُـ ُر ْو َر الـغَـ ْيـ ِر ِح ْيـ َن أُخَـلَّ ُد ؟! ـسـماَ ِر َصـ ْرخَـ ُة نَ ْز ِعـــ ِه، َو َمـاز ََال لِـلْ ِم ْ فَـماَ ذا َسـأُ ْع ِ ـت أَنْـ َف ُد ؟! ـط ْيـ َها َوقَـا َربْ ُ َـابـئ َوأُ َّم��ـ��ا ُه! أَيْضاً ،لِـلْ َحـ ِن ْيـنِ َمــخ ٌ احَ ..و َعـ ْب ٌد فيِ ْ الـ ُعـ ُر ْو ِش َو َســ ِّيـ ُد! تُـ َب ُ وقد تُـ ْدر ُِك الـقُضْ ـ َبا ُن َحـ ْج َم ُو ُجـو ِدنَـا ـواب هذا َ ،وت ُـــ ْو َصـ ُد! كام ت ُـ ْد ُرك األَبْ ُ ِـعي ِسنـِينـاً..أَنَا ال َحط ُ ْـبي أَ َصـاب ْ َّاب ،قَل ْ اي فَـأْسيِ ْ ..يَـ ْدفَـأ ْو َن َوأَبْــ َر ُد! َو َع ْيـ َن َ أَ َعـ ُّد ْوا يَ ِـد ْي كَـ ْيماَ تَكُـ ْو َن يَ َدا ً لَ ُهــ ْم، ـي يَـ ُد؟! فَـأَ َّي ﭐ ْعـ ِتذا ٍر تَـقْـ َبلِ ْيـ َن َ ،ولِ ْ َوصرِ ْتُ َجـ ِمـ ْي َع الـ َق ْو ِل ،لَ ْوال ُسكُوت ُـ ُه ْم ُـونـي! لِ َمـاذا تَـ َر َّد ُدوا؟! َوكَـا ُد ْوا يَـقُول ْ اب الـ ُح ُر ْو ِف َهجِـ ْيـ َنـ ٌة َوأُ َّمـا ُه! أَن َ ْـس ُ ألَ َّن لَظَـى األَقْ�لامِ َصـ ْي ٌـف ُمـ َجـ َّنـ ُد ! 28
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
ْبـي َمات َـز ُال َعـ ِمـيْـلَـ ًة تَ َجـا ِعيْـ ُد قَل ْ لِ ِسـفْـ ٍر ،بِـ ِه لَـ ُّمـ ْوا الغَـ َرا َم َوبَـ َّد ُدوا أَقَـا ُموا َعلىَ َر ْمـلِ الظُّـ ُن ْونِ َمجـيْـأَ ُهـ ْم يض لَـ َوطَّـ ُد ْوا َولَ ْو َغيرْ ُ ٰه ْ ـذي األَ ْر ِض أَ ْر ْ َويَـ ْر ِ ـب - ِّـي َمـتَا ِع ٌ تح ُـل اآلت ُـو َن – إِن ْ هي ُم َؤبَّـ ُد !- َوت َْسـتَ ْسلِ ُم األَنْظَـا ُر َ -و ْج ْ ــتي ـي الجريح خ َ ُ ُـالص ْ يَـ ِنـ ُّز لَ ُهـ ْم يَو ِم ْ َو َمـاز ََال ِمـ ْن ُه ْم ُم ْسـتَ ِهـينْ ٌ َو ُمـل ِْحـ ُد ! َو َمـاز ََال ط ٌ مـــي ُـول يف الـطَّريقِ اىل َد ْ َ َ َـاسـ ُه ْم تَـتَـ َز َّو ُد؟ ألَ�� ْم ت ُـبْـصرِ ْي أنْـف َ َو ِمـ ْن أَل ِ َـتي ْـف َمـقْـتُ ْو ٍل َسأَ ْجـ َم ُع صرَ ْخ ْ ألُخْ��ـ��ر َِس أَ ْز َمـانَـاً ِب َهـا ِحـينْ َ أَشْ َهــ ُد ألُ ْعـلِ َن أَ َّن الـ َعـا ِب َريْـ َن َعلـى الـ ُّد َجـى ـي ،قَـبْ َـل الجـفُـونِ ت َـبَ َّد ُد ْوا! اىل ُحـلُ ِم ْ ِّـي َدفَـاتِــ ٌر َوأُ َّم��ـ��ا ُه! التَـ ْن َ ـي بَـأَن ْ ـس ْ ـي ،فَـالـ َمـ َناراتُ َم ْو ِقـ ُد! فَال تُ ْعـلِ ِنـيْـ ِن ْ أَنَا أَث ْـق َُـل اآلتِـيْـ َن ِمـ ْن قَـا ِع د ْجـلَ ٍة ـي غَـ َر ٌق ِمـ ْنـ َهـا َوغَـ ْرقَى ت ُ َؤكِّـ ُد! َمـ ِع ْ ُ َ ُهـــ َن َ ـاك بِــال ٌد ُد ْو َن أ ْر ٍض َ ،وأ َّمــ ٌة بِ��ـ�� ُدونِ بِــال ٍد َ ،وﭐ ْحـ ِت ٌ ــالل ُمـفَـ َّنـ ُد! ـي َ ،ورُبمَّ َـا ُهـ َن َاك ُعـيُـ ْو ٌن أَنْ َجـبَـتْـ ِن ْ َسـأَكْـبُـ ُر ِفـيْـ َها ِع ْنـ َد َما الـ َّد ْم ُع يَبْـر ُد!
محمد العزام أحملني ميت ًا ����ش����رد ٌة أح�ل�ام���ن���ا وم���ؤ ّج���ل��� ْه ُم ّ وغ����ارق���� ٌة يف ت��ي��ه��ن��ا وم��ه��ل��ه��ل�� ْه ن��ب��ت��ن��ا ب��ه��ا ج���رح���اً ت���أبّ���ط ل��ي��ل�� ُه وك��ن��ا ألج��س��اد ال��غ��واي��ة َم��قْ��تَ��ل�� ْه وال ن��ح��ن أدرك���ن���ا م��ن ال��ن��ه��ر رسه غ��رق��ن��ا ب���ه مل���ا أردن������ا ت��أ ّم��ل�� ْه ِ وسلنا ..كام سال الندى فوق رشف ٍة تُ���ط���ل ع�ل�ى أوه���ام���ن���ا امل��ت��ب�� ّدل��ه ت َ��لَ�� ْون��ا ع�لى األش��ي��اء دم���ع صالتنا وشيطان ه��ذا الوقت يشحذ منجل ْه مل����اذا ط��رق��ن��ا ك���ل ب���اب ومل ن��ج�� ْد عىل الباب اال من غبا ٍر و أسئلهْ؟!
مل����اذا اخ�ترع��ن��ا ل��ل��خ�لاص صليب ُه ورصنا نرى يف بسمة الدرب جلجلهْ؟! وه��ل نكتفي بالغيم تحت سامئنا ولو كان وجه الغيم يلبس مقصلهْ؟! وكيف يُطل العشب من سقف بيتنا وك��ل ب��راري ال��روح صحراء مهملهْ؟! تَ�� َج�� ّه�� َم وج��ه ال��ري��ح يف أذن فكريت معنى ج��ري��ح لتحمل ْه ف��ف�� ّرت اىل ً يخفق حولها قلب األرض ُ هنا ..ظل ُ وملّ��ـ��ا رأى املعنى غ��ي��وم��اً ..ت َ��أ ّول�� ْه كنت وح��دي حينها إ ْذ رأيتني وق��د ُ أُج����� ّر ُد م��ن ن��ف�سي ع����د ّوا ألق��ت��لَ�� ْه سأحملني ميتاً ..و أميش بال هدى لعل غ��راب��ا م��ا ي��ح�� ُّط ..ألس��أل�� ْه
issue (7)- December - 2012
29
نصوص
فارس سباعنة شهيق ت���ع���ب ي���ف��� ّز وأض���ل��� ٌع ت��ت��م��ـ�� ّز ُق ٌ ت��ع��ب ه��ن��ا ي��ت��و ّر ُق وال��ش��ع�� ُر م��ن ٍ ص���ب ف��ق��دتُ ش��ه�� ّي��ت��ي بصبابتي ّ وج��م��ع��ت أح�ل�ام���اً ب��ه��ا أت��ف��ـ��ـ�� ّر ُق ُ ال يش َء ي���وجِ��� ُع غ�ير أين ُم��وج�� ٌع ُ ت��ت�شردق أرشب وال�����رؤى ظ��م�آ ُن ُ ُ وأق���ول :م��ا نف ُع ال��ه��وى إن مل يكن نفس ُه ي��ص�� ُد ُق؟ م��ن يُبتىل بالحب َ ّ ف��رغ��ت م��ن ال��ح��ي��ا ِة ك��ج�� ّر ٍة وأن���ا ُ وت��ع��ل��ق يف امل����ا ِء م��ف��رغ�� ٌة ت��ع��و ُم ُ تقبل أن أك���و َن حبي َبها ُ ال الخم ُر يعشق ال��ح��ب يُسك ُر عاشقاً ال ال ُ ّ ك��ي��ف ال��غ�� ُد؟ ه���ذي ب��داي��ايت إذن َ ��ـ��ق؟ م����اذا ي��خ��ب��ئ يل ف�����را ٌغ ض�� ّي ُ ي��ا م���وتُ م��ن��ذ عرفتني مل تست ِح ُ َ ُ ط����رق أل���ق���اك ي��وم��ي��اً أس��ي��ـ��ـ�� ُر وأ القميص ،أح��� ّد ُق وت��ش�� ّد بالشِّ عر َ َ تنطــق �ي�ر أن���ك أب��ك�� ٌم ال ُ ب���ك غ َ دع��ن��ي أص����� ّد ُق أن يل زم��ن��اً هنا َ ُ وت�ش�رق ��ب وه��ن��اك ٌ ش��م��س يل ت��غ��ي ُ ع��ن��دي م��ن األش���ع���ا ِر م��ا يتشق ُّق ُ أغ����رق ح����ب غ�ي�ر أنيّ ع���ن ن��ب��عِ ٍّ ي��ك��ذب ربمّ��ـ��ا ق���ويل ب���أن ال��شّ ��ع�� َر ُ ول��ن��ا ورو ٌد يف امل���دى ت��ـ��ت��ـ��ألّ��ق!! �ي�ن ق��ص��ائ��دي وب����أن م��ا أل��ق��ـ��ا ُه ب َ ل��ك��ل م��ن يتع ّم ُق ّ ع��م��ق ال��ح��ي��ا ِة ُ ي��غ��ط��س م��� ّر ًة ���اح ل��ك�� ّن�ما ال���س��� ّب ُ ُ وي��ع��و ُد ي��ص��ع�� ُد ش��اه��ق��اً يستنشق ُ ه��ي ل���ذّة العم ِر ال��ط��وي��لِ بشهق ٍة يشهق تهب ال��ح��ي��اةَ ،وإ ّن ح��زين ُ ُ
30
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
عبد اللطيف الوراري
رائي ًا في ُد ّ كـالة
ترجيع
ُهنا، ح ْيثُ ميكنك أن تُعارش د َم ال ُّزرقة من نافذ ٍة عىل املحيط مل تك ْن قدمانِ يسح ُبهام جس ُد رسكون وركْوتُه من ِشعاب آشور ُمجذَّرتي ِم ْن ندمٍ عىل الغد لوال أ ّن ش ْيئاً تافهاً يحدثُ ـ كهذا صيفاً أسباب كثري ٍة يف عمل ال ّريح من ٍ لكن رؤياه بأز ّمور يف فندق يطفو بني يدي ع ّراف ٍة ث ّم لَ ْيلته املقمرة عىل حافّة من ميناء الجديدة أتا ُه بأنباء من القرى، رس لساق الطاولة؛ وأسمعه ٍ بناي لِلْ ُعظاءة تُ ّ أ ّما ما كان من ِخرق العوانس تخ ِّيم عىل نهر أ ّم الربيع ومن ُس ْبحة امل ُقرئ األعمى تُطالع أبْ ِخرة األبديّة ،إىل ظهرية اليوم. فال يه ّم ،بعد جنازة طويلة من األرق ،ما تقول يف الطبيعة، أل ّن ح َجرا ً يف ح ْج ِر الشاعر ! ِم ْن سيامء الذّهب ث ّم ال يزال غنا ٌء مثل هذا يُ ْسمع من بلد الطاعون، محتشدا ً بذ َه ِب َو ْحشته: «هاك أبو شعيب يف جنب الواد هايك يا عائشة يف بغداد» ــ وهكذا الحياة ،بمِ ُوازاة ذلك
األسفَل مع ما يح ُدثُ يف ْ أَطْلَقنا ال ِعنا ْن سح َرتْنا أُغْنياتُ اللّ ْيل يف ري ٍح بِال ذاكِر ٍة واشْ تَطّت ال ّرؤيا بِنا. أَعىل فَأَعىل، ح ْيثُ ال آال َم يف الشرُّ ْفة يَأْسو ِمث ُْل َع ْز ِف ال َبتَالتْ . مع ما يح ُدثُ يف الأْ سفَل لَ ْم نف ِق ْد خُطى ال ّنارِ، وال بَ ْوصلة األَغْصان. الس ْمع لِلآْ ثا ِر ت ُْسقاها القراب ُني: نُلْقي ّ َد ٌم سا ٍه ،عيو ٌن سا ِهراتْ . هذه الأْ َشْ جا ُر يف الخارِج السوق. ِذكْرى لِحيا ٍة بِجوار ُّ يف َوق ٍْت كَهذا، ل ْي َس حادي ال َو ْهم َم ْن يُ ْبهظ أَ ْج َر الْغ َِد، بل لَ ْيس لِ َهذا الدّمِ َص ْوتٌ مع ما يح ُدثُ يف أَ ْسفَلنا ِم ْن ال َمكانْ!
issue (7)- December - 2012
31
نصوص
خالد املعايل ُ حمل باليدين يُ أنت الذي ،من وراء الهضاب ،يُنادي َ من ِ ِئت ،حافياً ،لحافُك األمس البعيد ج َ ِ الذكريات إىل اليأس ،يتب ُعك خ ْي ُط ُ يرحل األحالم ،فتبقى ساهرا ً ،حتى َ الليل والنو ُم ،فيعو ُد إليك الندا ُء ُ فيجلس العج ُز تجف، غري أن أشجار ماضيك ُّ ُ يف ظلّها الشحيح ،يد ُه عىل خ ّده ،أيا ُمه ساح ليك يبدو.. ْ رحلت ومل يُرتك له ٌ أنت الذي أيا ُمه ذكرى ،عمو ُد نارٍ، َ الغي ُم يف األعايل مي ُّر ،كانت الدنيا حمل وكل ما فيها يُ ُ بعض أفرا ٍح ُّ ُ باليدين ،فيام يُصف ُر لح ُن الفراقِ يف الصباح الباكرِ ،فيصحو بعضُ نا خلف شجري ِة الطرفا ِء مع الجوع، والذئب َ ُ الدقائق ،كان ُ يعرف أنها يحسب َ ُ ٍ يلف أزي ُزها لن مت ّر بصمت ،وسوف ُّ أذني ِه ،فيام هو بأقىص طاقاته يف ُّر. الح لنفسه يف مرايا الضباب أنت الذي َ َ ووجهك ُنت ،مرآت ُك معتم ٌة ضا َع الذي ك َ الذي يبدو كوهمٍ ،هو حقاً وجهك الذي يبدو.
مشه ٌد ليلي تس ُري إىل نفسك عرب الطُرقِ الطويلة ُ الخيال القدي ُم ،ي ُدك مرفوعة يلوح لك ُ بشارة الرجوعِ ،بخسار ِة املشوارِ، بخ ْي ِط األمل مقطوعاً ،بريش ِة طائ ِر األحالمِ وقد هوى يف املنامِ ،حينها ُد َّق عىل َ لت بابك ،أو هكذا تخ ّي َ 32
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
الليل ما ز َال ،...فعدتَ إىل ُ حل حاولت ...غري أن النهار ّ النومِ ، َ ٍ عطش جديد ،يكضّ ك ُ فرستَ من تنبح الطفولة ،ليلُها املقمر ،كالبُها ُ اللصوص الليل بطول ِه ،فيام يغ ّذ َ ُ الشمس فضّ اح ٌة خطوهم ،بال غنيم ٍة، ُ فغدا ً ،حينام تهدأُ األصواتُ يف تحل السوق ويختفي الت ّجارُّ ، نوم ُة الظهرية ،فيشي ُع ما كان مخفياً ٍ جديد ،ليك ننام. وتهم ُد الذكرياتُ من
جردة حساب كانت حياتُه ترش ُِق بالدموع والشجر ُة التي رآها يف أحالمه تساقطت أوراقُها ،كان ح َني يأسه إليها، ينا ُم ،يرك ُن َ َ عرف الفزعَ ،ول ّبى نداءاته ش ّد قبضته ليك ينادي البعي َد نفسه ،لكن الذي عرفت ُه ُ الهمو َم تساقطت أمام ُه يطيق اله ْو َن الذي عاشه مل يُع ْد ُ الظل فسا َر يف الهجرية ،سا َر يف ّ الح لنفس ِه ،كصيا ٍد من ٍ بعيد َ الباب مل يسع ُف ُه يش ٌء ،فر ّد َ وعا َد إىل مكانه ،لريى ال ُح ْك َم ٍ جديد ،العصاف ُري تهج ُر من الريح أعشاشَ ها ،األور ُاق تجرفُها ُ حل... نفسه ترسي ،الضو ُء وقد ّ ُ
نضال حامرنة رسائل مشاءة إىل أرتور رامبو نحن املشائني مع وقف التنفيذ خطواتنا تراوح يف عا ٍمل غدا بال دروب . إىل بطل الجرمية و العقاب من ُردهة الدهشة َ تستهلك قبل أن َ لعابك قتلت املبـدأ َ رفعت قبعتك ثم َ للامرة فوق جرس النهر مرتني . يـا راسكولينكوف نريد َ نشبهك كثريا ً أن وال نستطيع .
إىل بول شاوول الرجال املختلفون أنقياء كالعصافري يصطادهم الحلم قبل أن يصلوا إليه . إىل جهاد هديب َ منازلك تعددت والجنون واحد عرب دروب ع ّمـان نلتقط زهرات الص ّبـار مع الليايل نوشوش الوحيش : لطفل الشعر ّ « أما من ٍيد مغيثة !» إىل رجل أصيل ومعارص!.. أعدايئ ..الزمن واملسافة يفتش وكائـن ُ عن تـاري ٍخ لجسـدي
issue (6)- November - 2012
33
نصوص
عبري حسني إبراهيم ُ أجمل ما فينا 1 العذاب املستيض ُء هذا ُ َّاب عذابنا الصخ ُ كوكب حزنِنا الد َّوا ُر ُ هذا التمر ُد وارتكاب حامقة ٍ ُ من أجلِ ال يشء وتلك النا ُر تلك الطفولة ُ أجمل األشيا ِء فينا ُ مل ْ تزل والعاشقون ِصغا ُر 2 هذي القصيدة ُ مذ رحيلك -مل تك ْن هي جمرة ٌمفتوحة ٌ وحصا ُر طلل بدا ُّيئ الحنني ٌ بساطة.ٌ.وحشية ٌ وحقيقة.ٌ.تنها ُر كل ما فينا هي ُّ جميل ٌ غامض ٌ ُمتك ٌرب هي حزننا الرثثا ُر
34
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
3 ..هذي الوجو ُه العابراتُ قصيديت ملَ هكذا أنا دونها أحتا ُر..؟ ملَ ال أر ُّد تحية من عابرٍ..؟ ملَ ال أنا..؟ ملَ قسويت تنها ُر ملَ هذه الكلامتُ ال معنى لها ملَ شاخت الدنيا ونحن صغا ُر 4 ما كان أجملنا من ُّد يدا معا ونخط لوحتنا.. وليس إطا ُر بقصيد ٍة كنا منشط شَ ع َر بح ٍر هاد ٍر فيضيعنا اإلبحا ُر ونيض ُء نجام أو نهيئ رشفة ً لتحط متعبة بها األقام ُر ما كان أجملنا ونحن هنا معا ما كان أجملنا ونحن صغا ُر
ضياء الربغويث سي ُ ُ للسيف قال ِ الحب إذ جرح ُه ُّ س ُي ُ قال : أضل نسا َء قري ِتها شاع ُرها َّ وضل ّْت ِ النوافذ متسح الحز َن السلي َم عن ُ والفؤا ُد ينو ُء بالـ َغ َب ِش الثخ ْني ُ سيقال : أنثى الضباب تبخَّرتْ من ِضلع ِه اتيل الهوى اكمت شعرا ً تر ُ وتر ْ أعني فصوالً من حن ْني س ُي ُ قال : ض َّي َع م َنت شهوتِ ِه ِ الهوامش وغاب يف تي ِه َ كامالً متو ِّحدا ً يف نقص ِه تغشا ُه أشال ُء املتو ْن س ُي ُ قال : واسترَ َق ّْت نامت إذ ت َّج ْ ْ لت ْ ُ الصباح سيقول :يل وط ٌن ميوتُ مع ْ ُ يعيش مع املسا ْء وتقول :يل وط ٌن ُ بني الصبا ِح -صبا َح ُه بني املسا ِء -مساءها طويل -شهق ٌة - زم ٌن ٌ فاظف ْر ِ الحرب يا وطني بذات ِ أال ت ّب ْت َ يداك الهوامش يف فتو ِر ترابِها َ دع الك يف ِ ف ُع َ سيف حزي ْن
اسامء رمرام أنا والقصيدة أجي ُء القصيد َة ُمفرغة ً جيوب النهايةِ من ِ رس الحكايةِ أعبرُ ّ أعل ُن للضو ْء: ليس لنا م ااشتهته العرائس يف صمته ّن ! أنا يامقاس الحقيقةِ َ يف غفو ِة الحظّ ِ بالصيف أشب ُه أو بانتظا ِر املصلىّ َ حثيثا ِ لوقت الصال ْة كضيف) ! (أم ّر ْ أنا ِ ِ املوائد ٌ حرف عزوف يف ُ تخارص ُه النغمة امل ُشتها ْة أنا يف اقرتان القصيد ِة بالدمِ / ِ ِ اللذيذ أمسيات الذهو ِل يف حكاي ُة ما ٍء تناسل يف ضوئ ِه الراحلو َن َ لِتُزه َر يف ُعر ِف ِه املعجزاتْ
issue (7)- December - 2012
35
نصوص
عمر ابو الهيجاء ويجرحني الناي 1 أيها الذاهبون إىل طفولة الرتاب، تجرحني الكلامت، ويجرحني الناي، أيها الذاهبون إىل آخر الليل، دلييل إليكم هذي الحراب، أنا سيد الحزن، ألوذ بدمي وكفني انتظرت طويال، حلمت كثريا، ومشيت يسبقني لهايث، راسام شكل العودة، فيا قلب،.. قل يل: من أين كل هذا الرحيل..؟
ُز َل ْي َخة أبوريشة الرّائحة ال ّرائح ُة عندما تل ِم ُس تتكلَّ ُم .. لها شج ٌر تنا ُم فيه و مدائ ُن مهجور ٌة ترعى زجا َجها املعشَّ َق. ال ّرائح ُة
36
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
2 الطرقات/ تغفو يف أحذية املارة، املارة وحدهم يرتاكضون داخلهم، غري أنهم يعرفون متاما، فراغ البالد من عشاقها، الطرقات/ هرستها املركبات، ومل تزل.. تح ّن كثريا ألحذيتنا لتنام مطمئنة علينا. 3 املرأة جغرافيا الروح، أسطورة األخرض يف جلباب األرض. املرأة أول النبض، واملرأة نص الحياة، ترتيلة صو ّيف، فاض جسده يف ملكوت الوجد، املرأة بسملة الورد.
فحسب ال تتق َّد ُم كام لو كانت كتيب ًة ُ بل تتسل َُّل عىل ِ رؤوس األصابعِ نحو ال ِّنسيانِ يك يمُ َحى.. الباب كلِ َّص ٍة ُ تفتح َ ثم تتدف َُّق. ِ ال يوقفُها – الرائح َة الخصب َة – عندئذ
4 كل الذي كان يل، ليس يل اآلن، قلبي أوراقي كتبي دمي و أشيايئ الكثار، كيل تناثر يف أبجدية امرأة رسمتها داخيل، توحدت فيها عىل وجع، رصنا أنشودة، عىل فم الصبيان. 5 عىل بعد معركة أو يزيد، قلت ألمي هي ميتة واحدة، قالت :قل ما تريد، قلت :مذبوحا أنا من الوريد اىل الوريد، يا أمي/ أرى املدن تنام عىل دمي، يل فمي، وحرام أصبح ع ّ
عىل بعد مجزرة أو أكرث، ن ّوسنا شمس الرؤيا، ومننا يف حرضة النفي طويال، هذي البالد ..يا أمي فخاخ عسكر. 6 أربيّ اإليقاع بالضوء، أربيّ املوسيقى لليل أسطوري، وأشاكس إيحاء الورد بالقبل، وأسائل الريح عن وجوه م ّرت يب، وما تركت يف صحف التاريخ غري الخجل، أربيّ القصيدة داخيل، تاركا أبواب املخ ّيلة مرشعة، أرتشف ملء جراري حروفا أصابها البلل، فيا عصف الروح ، ما أجج نار الجرح يف ساحنا غري فدايئ شهيد، فانهض فينا ..أال إنهض أيها البطل
جدا ٌر و ال حشو ٌد.. الكتب و َ متأل األوا َين و غرف الخزينِ َ ث َّم كوكب عىل األسرِ َّ ِة تتم َّدد بجال ِل ٍ قاموس ِ ٍ فطنٍ . لتخل َع أثوابَها كقو ٍل مأثو ٍر يف ِ الخصوص ال َّرائح ُة عموماً و عىل حماَّ ل ُة أوج ٍه يف تطبيق قانون الخُلعِ... وال تلتز ُم! issue (7)- December - 2012
37
نصوص
سليامن جوين
أصدقاء
أعمار ٌ ما ِئل ٌة قلي ً ال
ِ يدي ، يش ّدون عىل َّ كُلّام نظّروا إىل ُوجو ِههم يف املرآة ، يقولون :شكرا ً لك ، تِلك القُبور مل تك ْن تليق ِب ُوجو ِهنا . ُوجو ُهنا ِ واسعة وعليها عصافري م ْيتة ، ِ وهذ ِه املرآة بال اشجار كتاب . وآبارها عميقة ج ّدا ً ِم ُثل ُجر ٍح يف ٍ خرجت قبل قليل كانت ُوجو ُه ُهم ت ُيض ُء كام ل ْو أنها قد ْ ِمن الفُرنِ ، الس ِ اعات ْ وكانت أيدي ُهم خال َي ًة ِمن ّ لعمالت ِ ٍ معدن ّية قدمية . ويف كفو ِفهم وشم قلت ل ُهمِ : ست موسيقى ، هذ ِه ل ْي ْ أكياس يف ِ ِ داخلِها مسامري واِنهار وكلِامت . هذ ِه ٌ يف اللّ ْيلِ ميضون ويُرتكونني وح ّدي ، ت ُحاصرِ ُ نيّ كلِامتِ ُهم الطّيبة وقُبور ُهم الّتي متألُ الغُرف ُة
قالت أُ ّمي :لن نجِد الشِّ تاء ، لقد رسق ُه اللُصوص . قال أخي :ملاذا أعامرنا مائِلة قليالً ؟ قال أيب :أزرعوا نهرا ً عىل حاف ِة الضّ ِح ِك ، وال تقربوا ِ هذ ِه الشّ جرة . ول ِكننا مل ن ِكن نكرتِث، كُ ّنا نتزاح ُم عىل العدمِ وكأنّها امل ّرة األوىل، كُ ّنا نُخ ِّب ُئ االرض يف ِ معاط ِفنا ، وننا ُم عىل حفن ِة اصدقا ٍء مكسوريْنِ . وكُ ّنا كُلّام اِقرتبنا أكرث ِمن غاب ِة أحال ِمنا، تسلّلت ُعفونة ِمن كوم ِة نِسا ِء يُ ِ رضعن قربا ً . وبعد ِ فوات األوانِ ، السحر ُة جاء ّ وحفروا قربا ً آخر غيرْ مر ّيئ ، كمن يبت ِك ُر كلِمة جديدة ويَ ُد ُّسها يف ج ْيبِه . ويف الطّريق خسرّ نا كسالً ووِسواساً . خرسنا الّذين عربوا قبلنا اىل اللُّغة . وال ُوجوه الّتي وضعناها يف قوارير رأّيْناها تطفو ِ تنظ ُر إلينا وتطفو . وقبل أن ِ نصل قبل أن يسبِقنا الشُّ عراء اىل الضو ِء والكراه َي ِة وال َو ِ سواس. اِكتشفنا الذِّئب الّذي خلف جِدار ال ّن ْوم يُ ِ حد ُق يف ايا ِمنا ويَبيك
38
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
سلطان القييس ٌ عزف على المغني الج ّوال .. آلة الرحيل إىل الشاعر محمد القييس مساء ً عىل باب مقهى بعامن َ تولد ألف قصيدة موت وتسعى إىل باب قربك ْ ستفتح عماّ قليل لها الباب يك تستق َّر هناك .. رفيقات دربك ما زلن يرقنب عودتك ..ارجع تركت عشيقة ْ ففي كل مقهى َ ويف كل مكتبة قد تركت كتابا ويف كل جيب تركت وثيقة ْ هنا يف « كناري « بعماّ ن َ واحدة ٌ وهنالك يف Acton Parkأخرى ويف « دار دنيا « تتابع واحدة ٌ فيلم موتك ْ وحمدة رغم اجتياح البياض لشعرك َ مل ّا تزل تنتظر ْ تعلمك امليش َ أو تتفقد حينا رباط حذائك تدعوك للنوم .. ترفع عن صدرك الغيم والغيم :أحالم طفل تداعت هنالك يف « الجلزون « فض ّيعت َ دربك ْ تج ّول قليال بصدر البالد تج ّول قليال بصدر الحقيقة بُ ّح ألليسا بأيقونة النرص ْ توسل إىل البحر ْ ّ ففي «كفر عانا» البعيدة ث ّم أغان و ثم معان ..وما يرتبص بالشعراء من الحب والريف ْ وثم رغيف ْ
سيكفي صبيا يوا صل فقره مسا ًء عىل باب مقهى صغري بعامن َ تلتحف الذكريات أهازيج مجدك ْ وتهذي: «أرادوا الصمت للشاعر وما عرفوا بأن الحرف بحر ماله آخر أن املجد للشاعر» اب يحيط بنا و اشتعاالتك اليوم رس ٌ هامدة هامدة ْ إذن فاحرتق يك تيضء يقينك أو لتيضء الشوارع و املدن البائدة ْ ْ احرتق إذن ..و األفق.. يك تيضء منازلنا يف ْ و غ ّن بكل الشوارع غ ّن لنعزف لألرض ْ لحنك.. نغني معاً: «ما الذي يجعل األرض تبيك و يجعلني عرضة الرياح القنوط ؟؟ الحبية تبيك ..و الشعوب الفقرية تبيك و تبيك مدائن لوطْ» issue (7)- December - 2012
39
نصوص
ابراهيم محمد ابراهيم امرأة انكفاء ٌة على ٍ ووطن ندس يف ُسرتتِ ِه يَ ُّ ُمنكفئاً يتح ّرى الكو َن حسب رؤا ُه. ويرسم ُه َ فال ّزحم ُة تُب ِعدُهُ عنهُ، وتفاهاتُ الشار ِع تُقصي ِه عن ِ بعض سجايا ُه. ماكان رماديّا أبدا ً، كل األحوا ِل كان بياضاً صرِ فاً يف ّ النس ُك حل ُ وكان إذا ّ الليل ونا َم ّ َ أفاق، وح ّمل بالشوقِ مطايا ُه. ٍ صمت كان يُجاه ُر يف تقرأُ يف عيني ِه، أهازيج البح ِر وثورتَ ُه َ حني تُثرَ ْثِ ُر يف األسواقِ األفوا ُه. أقصو ُه ثم اجتهدوا يف ّ فك طالس ِم ِه فازداد غموضاً .. واستعذب خُلوتَ ُه َ وتوس َد ُج ّل مرايا ُه. ّ كالصب ِح كان جديدا ً ّ ومغسوالً بندى ال ّنخلِ مي ُّد الكو َن رشاعاً ِ ملكوت األشيا ِء يرحل يف ُ كيف يشا ُء. يُ َؤ ِّولُها َ بِكرا ً كان العاملُ يف عيني ِه ومشحوناً بال ّدهش ِة ..
40
بيت الشعر
الصمت علّم ُه ُ كال َم املنسي َني بأركانِ الليلِ ، فال َغ في ِه حتى أجرا ُه لغ ًة كالف ُِّل عىل ألسن ِة الطريِ وأفئد ِة ال ُعشّ ْاق. كان ي ُخ ُّط الشّ ع َر بال أور ْاق. ُ الصح ِو املُطلقِ ينقش يف ذاكر ِة ّ غفوت ُه السه َد مابني سامءينِ تص ّبانِ ّ الحب بعيني ِه الغارقتني مباء ِّ وت ْنص ّبانِ به وجعاً ُحلوا ً .. تعرف ُه حني الصحرا ُء ترا ُه. وأرصفة الليلِ ال ُحبىل باألرسا ِر تعد خطا ُه. حني يعو ُد من الغيب ِة متّ ِشحاً بالشوقِ تحت الجدرانِ املنسي ِة ُ يفتش َ عن ِ بعض بقايا ُه. ٌ نزق، يو ِق ُف ُه اللّح ُن ال َغ َجر ُِّي عىل أطر ِ اف أصاب ِع ِه الرتحال وطع َم ِ َ البعد يزر ُع فيه ِ كالطيف إذا مر ب ِه س َحرا مبا أنْستْ ُه األيا ُم. يوصل ُه برِفاق مازالوا يرعون النج َم ويختطّو َن عىل ال ّرملِ قصائ َد ُه ْم مازالوا ب ْع ُد عىل ِ العهد ومازال يُ َذكّرهم باملل ِح وبالفكر ِة حني تُساو ُرها األوها ُم. نز ٌِق الحب إال يف ِّ وسهل ٌ
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
إال حني يضا ُم. َه َو ِت األعوا ُم علي ِه كأشبا ِح ِ املوت, وماحا َد ِ أفلحت األعوا ُم. فام ُز َمرا ً قاموا .. ملا ألفوه تي ّمم بالغيمِ وصىل الغائب .. قالوا :ردوه إليك ْم، األرض حتى ال تفتَتنِ َ ُ أقيمو ُه عىل يف ِء البرص ِة .. هذا من ُصنعِ النخلِ ، تج ّذ َر واستعىص .. وض َع الدنيا يف كفّي ِه و َغ ْربَاَها .. فتهاوتْ من بني أصابع ِه رمالً .. هذا من ُصنعِ الل ِه، مت ّر َد، ألقى كل غُبا ِر ال ّرجع ِة حتى صار شفيفاً ليس يُرى رح بدمعِ امرأ ٍة إال حني ين ُّز ال ُج ُ ترف ُع عن كاهل ِه ِق ْسطاً من بو ِح الصحرا ِء أعيدو ُه إىل الفصلِ األ ّو ِل من ِسف ِر األسفا ِر يهي َم بوحش ِت ِه .. ال امرأ ٌة تؤوي ِه إليها، ال قابلةٌ، ُخرج منه الفكر َة ت ُ أو ت ُخر ُج ُه من َر ِحمِ ال ُحزنِ . دعو ُه عرشا ً ثاني ًة حتى يه ُر َم في ِه الجم ُر ويخبو .. يح رمادا ً ثم ت ُ َه ْد ِهدُهُ ال ّر ُ
ُز َمرا ً قاموا، وهو َ هناك يصليّ .. ويُعي ُد نظا َم الشّ وكة يف امليزانِ وترتيب األشيا ْء. َ مازال يصيل .. ينفثُ من أقىص الوجعِ الروح َ بهذي البطنِ العا ِق ْر. مازال يصليّ ويُكاب ْر. طويل. يو ُمك يا إبراهي ُم ُ والحفر ُة حمرا ٌء كلسانِ الطريِ وصد ُر َك عا ٍر إال من وشيْ ٍ أنا ِملها .. القلب الحاملُ انتفض يوم َ ُ من رقدتِ ِه .. مازلت يف الصد ِر أناملُها ْ جرح تبحثُ عن زاوية ليس بها ٌ تتحس ُس أورد ًة ماز ْ الت ّ الخيل عقودا ً .. تلهثُ فيها ُ طويل. يو ُم َك يا إبراهي ُم ُ ومداراتُك خارج هذا الكونِ البا ِه ِت َ درب آخ ُر ٌ ِ وللموت وللعود ِة. للحب لكن الحفر َة أوس ُع من أن ميألها املثقل بالشوقِ . هذا الجس ُد ُ أروين قربا ً آخ َر يحضُ نني يجمع فيِ َّ شتاتَ الصوتْ . قربا ً ما م ّر ب ِه أح ٌد قبيل .. قربا ً يصل ُُح لل ُح ّب وللموتْ . قربا ً ال يتعدى الشربينِ لقلب ِني صغريينِ وغُربةْ.
أقسمِ ِ ريب. قلب ِني انتبها بعد أفو ِل النجمِ َ أنك آتي ٌة ال ْ ستحرق أستا َر الليلِ ُ الغيب. آه لوكنا نقرأ مايف الشمس بأن َ ْ جبل، ٌ ريب. وأن الساع َة آتي ٌة ال ْ وشجرياتٌ ظأمى الغيب. آه لو نقرأُ مايف ْ وبقايا آثا ٍر لو كُنا نته ّجى األيا َم ال ُحبىل .. ُ الشوق، لفتى أثقل ُه لزرعنا ال ّرما َن األسو َد ً وبيتانِ من الشع ِر يف البح ِر األحم ِر للحيتانْ. باب ِ أهداب بنات املوصلِ عروس البحرِ، ونسجنا من عىل ِ ِ الص ْب. أسالكاً حول البستانْ. وسوسن ٌة يف صدر ّ للحب ؟ لو تعل ُم سيديت أويكفي هذا ْ أويكفي .. ما تحت السرت ِة من بركانْ. نكتب لغَف ْوتُ بعينيها الساهرت ِني العم َر، أن َ والس والسم َر ثم منوتَ ُ الس ْي َح الظا ِم َئ ّ تنطقت َّ ْ ِ الصمت عىل قارع ِة ليشه َد أن املوق َد مازال يُعطّ ُر بالقهو ِة والهيلِ ظفريتها كأشجا ِر الشا ِر ْع ..؟ الضارب يف الغيمِ ين ُق ُرنا يف الليلِ حام ٌم تنطقت الجبل واس ُ ْ َ ِ جهات ِ األرض من كل مازلت أصيل .. بأين ُ ِ للشمس ؟! األقرب ونحن سيد َة الجبلِ الشام ِخ ُ ِ فنجان ُِك بني الفر ِع املائلِ أو ُّد املوتَ بق ٍرب واملوقد ِ يدعوك إلي ِه .. ال يتع ّدى الشربينِ يتوسلُني، لقلب ِني صغريينِ ّ ِ وغربةْ. مجيئك قبل أال أرف َع أرشعتي َ فالريح ِش ٌ هذا فنجان ُِك س ّيديت، امل ُ ُ أسك ُب ُه اآل َن قليل .. ورجال البح ِر ُ لتخضرَ ّ البطحا ُء يتوسلني، الس ْم ْر أال أبرح ُمتّكئي هذا، ويزهو البرَ َ ُم الذاب ُِل يف ّ فانا لن أحر َِق أرشِعتي حتى تأت َني بخب ِز الصب ِح قبل عبور َِك َ فقد أعددتُ القهو َة الث ْن ْني. ياوطني أقس َم فنجان ُِك َ أال ي ُرب َد حتى تأت ْني. الرسومات :الفنان لؤي كيايل issue (7)- December - 2012
41
ً نظريا
.
صبحي حديدي .............................................................................................................
القصيدة وتشكيل الطبيعة
الظنّ ّأن الحدود بني الشعر والفنّ التشكييل ،أو بني «شعريات األذن» و»شعريات العني» ،أو بني «الشعر ك َرسم صائت ،والرسم كشعر صامت» كام يف العبارة الشهرية التي أطلقها الفيلسوف اليوناين الساخر سيمونيديس؛ ُحسمت ،يف تقديري ،منذ عام ،1766حني أصدر املرسحي والناقد األملاين لسينغ كتابه الشهري «الوكون :مقالة حول حدود الشعر ّ ستكف والرسم» .ذلك ال يعني ّأن مدارس النقد ،الشعري والتشكييل عىل ح ّد سواء ،قد ك ّفت عن فتح مل ّفات هذا النقاش ،أو أنها توجب عىل فلسفات علم الجامل رصد عالقات التوافق والتنافر بني الفنون الشقيقة ،بعضها أو جميعها. يف أيّ مدى منظور ،وك ّلام ّ هنالك ،عىل الدوام ،ميادين خصبة الستكشاف انقالبات الفضاء الطبيعي يف العامل الخارجي ،إىل فضاء تشكييل يف العامل الداخيل للقصيدة؛ ودراسات تبحث يف األواليات اإلبداعية ـ النفسية التي تح ّول تلك االنقالبات إىل أنساق عليا أسلوبية ،وتسمح تالياً رصد عادة يف تحليل يكتفي باإلنطالق من فكرة خاصة ،أرقى وأكرث تعقيداً من الخصائص التي ُت َ بالحديث عن جامليات شعرية ّ «جامليات املكان» أو األمكنة؛ فض ًال ،بالطبع ،عن إمكانية النظر إىل هذه األنساق العليا بوصفها واحدة من أبرز الجامليات األساسية و(يف تقدير كاتب هذه السطور :الجامليات التأسيسية) التي تطلق طاقة شعرية رفيعة يف وسيط خطايب محدّد هو النرث ،ويف قصيدة النرث تحديداً. والحال ّأن «الفضاء الطبيعي» ،يف واحد من أبسط تعريفاته ،وأكرثها دقة رمبا ،هو ذلك الح ّيز الذي ُيدرك بدءاً من الجسد اإلنساين وإىل الخارج املقابل ،سواء أكانت عنارص ذلك الح ّيز مشهداً متعدّد األجزاء (كام يف اإلطاللة عىل منظر طبيعي) ،أو مشهداً وحيد الجزء (كام يف النظر إىل شجرة عزالء) ،أو مشهداً مر ّكباً قامئاً عىل الفراغ املادّي واالمتالء الرمزي (كام يف الوقوف أمام بيداء صحراوية أو بطحاء مغمورة بالثلج) .والشاعر ،يف مواجهته للفضاء الطبيعي ،يقيم توازناً من نوع ما ،بني ثالثة استقطابات :مخ ّيلة ترشقه خارج نفسه ،وذاكرة برصية تشدّه إىل داخل نفسه ،ومكان يغ ّلف املخ ّيلة والذاكرة ف ُيبقي الشاعر خارج نفسه وداخلها يف آن معاً. أ ّما الفضاء التشكييل فهو الفضاء الطبيعي وقد انقلب إىل رؤيا إبصارية خارقة لوسائل اإلدراك املعتادة ،انهارت يف طياتها عالقات الرتاتب الوظيفي الثاليث بني املخ ّيلة والذاكرة البرصية واملكان ،وتك ّونت عنارصها من مزيج تركيبي ال يسمح بتبادل ،أو إعادة توزيع، أو َق ْلب ،األدوار بني عنارص التوازن الثالثة هذه فحسب؛ بل يسمح ،يف املقابل ،بتحويل االلتقاط الشعري لذلك الفضاء الطبيعي النص ،تدوير أو قطع السطور الشعرية وفق إىل التقاط برصي تشكييل ،عىل الصفحة املطبوعة ذاتها :اختيار شكل هنديس لتوزيع ّ عامرة غري مألوفة ،إفساد القواعد املعتادة لعالمات الوقف ،استخدام قياسات أو ألوان مختلفة للحرف الطباعي ،وما إىل ذلك. فإذا قاربت القصيدة مشهداً وصفياً يحتوي عىل عنارص طبيعية محسوسة ،ولكنّ الوشائج بينها تقليدية ومخزّنة يف الذاكرة البرصية (كام يف الحديث عن وردة متفتحة ،أو قطرات ندى)؛ ّ فإن املشهد ال ينتج فضاء تشكيلياً بالرضورة ،بل يقترص عىل التوصيف الطبيعي ،برصف النظر عن براعة أو تواضع مستوياته التخييلة .أ ّما إذا أقام الوصف عالقات غري مألوفة بني العنارص الطبيعية (كام أوائل ور ٍد كنّ باألمس ن ّوما /يفتّقها برد الندى فكأنهّ / يف النموذج الشهري من البحرتي« :وقد ن ّبه النريوز يف غسق الدجىَ / يبث حديثاً كان ُ قبل مكتّام»)؛ ّ فإن املشهيد كفيل باقتياد الذاكرة البرصية إىل ما هو خارج مخزونها ،وخارج مألوفهاْ ، كأن يستفيق الورد من نوم ،ويكون لربد الندى أن يفتّق ّ ويبث الحديث! فإن القراءة تكون ملز َمة باالنخراط يف «تشكيل» مشهدية مر ّكبة ،من نوع غري مألوف (إ ْذ ليس يف وسعها أن تش ّكل مشهداً ويف هذا ّ بكل قارئ عىل حدة؛ ولكنها يف اآلن ذاته ّ خاصة ّ تظل أحادياً ،من نوع مألوف مسبقاً)؛ وتكون قواعد التشكيل َم ِرنة ومفتوحة وح ّرةّ ، محكومة بقواسم مشرتكة عليا ،هي أجزاء املشهد الطبيعي كام اندرجت يف القصيدة .وذلك االنخراط ليس سوى صيغة رفيعة من ارتقاء ذائقة القارئ ،وفاعليته الجاملية؛ وهذا بعض معجزة الشعر ،يف نهاية املطاف
أغلب
42
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
ملف
سيرة االتحاد والقصيدة
ملف
ٌ رجل للتاريخ زايد.. داالت الرمز ودالالت اإلنتماء والهوية الشيخ زايد حاضر في القصيدة االماراتية الفصيحة والشعبية بصفات كثيرة ،بخصاله وافعاله تغنى الشعراء ،ودارت القصائد من حول رمزية االنسان والقائد ،الكريم والشجاع ،في المخيال العام ،حيث ارتبط اسمه بالخير كداللة على االنجاز الكبير في قيادة االمارات الى االتحاد
سامح كعوش
قصيدة
الرمز ليست قصيدة املديح ذاتها، بل قد تكون يف حقيقة األمر إغالقاً عىل املمدوح من فرط الحب ،والرغبة يف إحاطته مبعاين التبجيل وجامليات الرمز ،كونها تتخذ من املمدوح غرضاً إىل ما هو أوسع وأكرب ،حتى يصري املمدوح أدا ًة للمعنى املقصود واملغزى الشعري ،وقصيدة الرمز أعمق داللة وأبعد أثرا ً ،إذ تخرج بالذات /موضوع القصيدة ،والتي تكون فيها عاد ًة الشخص الفرد قائدا ً أوفيلسوفاً أوحكيامً أومفكرا ً أو صديقاً أو حبيباً ،يرتدي عباءة األسطورة والحكاية كام عرف قدمياً يف شخصيات األنبياء واألولياء والفرسان الشجعان ،وشخصيات الفالسفة واملفكرين من حمورايب وتوت عنخ آمون حتى الفيلسوف بيدبا واملهامتا غاندي وغريهم ،إذ تربز حاجة الشعراء إىل القول يف قصيدة الرمز كإشارة رمزية وإحالة داللية إىل ما تقتضيه الحال من تقدير وتبجيل تجاه شخصيات الرواد من القادة الذين ظهروا يف فرتة كانت األوطان يف أمس الحاجة إليهم ،لتخلدهم يف ذاكرة التاريخ عىل امتداد التاريخ نفسه. و الرمز كام يراه أدونيس يف «زمن الشعر» هو «ما يتيح لنا أن نتأمل شيئاً آخر وراء النص ،فالرمز هو قبل كل يشء معنى خفي وإيحاء ،إنه اللغة التي تبدأ حني تنتهي لغة القصيدة ،أو هو القصيدة التي تتكون يف وعيك بعد قراءة القصيدة» ،وبهذا املعنى فإن قصيدة الرمز كشخصية
44
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
متيل إىل التبسيط يف الداللة لتتمكن بالتايل من الوصول باملتلقي إىل إدراك كنه املمدوح /الشخص الرمز ،واستعالم مالمحه اإلنسانية الواقعية ال األسطورية املتخيلة ،بينام نجد أ ّن الرمزية كمذهب أديب متيل إىل إغراق النص بالرموز والدالالت املغلقة عىل غامض املعنى واملبهم منه يف أحيان كثرية ،،وهي تيش باألبعد املنقطع عن ذات املمدوح /الشخص الرمز ،حتى تخلق فجوة بني صورته ٍ ودالالت نصية مرتبطة به وجب أن تلتصق بحضوره ال أن ترسح بعيدا ً عنه.
العني الشاعرة
إذا ً وقياساً إىل ذلك ،فإ ّن قصيدة الرمز مبعنى الشخص ال مبعنى الصورة الرمزية ،هي القصيدة التي تعيد تشكيل مالمح هذا الشخص كام تراه العني الشاعرة ،أو كام يراه الشاعر نفسه يف أعني جمهوره وقارئيه ،فهو يتّخذ مالمح مغايرة ،فيها الكثري من املبالغة املحببة واملقبولة كونها تأيت ال من هيمنة الرمز /الدال ،بل من تلقائية الرامز/ الشاعر بالقيمة الكلية لهذه الشخصية الرمز ،كأن تصري لهذه الشخصية القدرة األسطورية السحرية عىل اإلبداع والفعل التغيريي الخالق واملغاير ،فالشخصية هنا هي شخصية الشيخ زايد ،رحمه الله ،يرسمه الشاعر يف أبهى صورة ،معتلياً ذرى املجد ،فاعالً يف نهضة البلد ،ومؤثرا ً يف أحداثها وتغيري بنيتها وبيئتها الصحراوية إىل جنان خرضاء
45
issue (7)- December - 2012
ملف
مورقة ،ينبهر التاريخ ملا تحقق بعزم هذا القائد الكبري: «عىل فرس نهضة بلد قابض عنان -خاض املحال الني خاله مقدور - -ح ّول صحاريها باالرصار بستان -من عزمه التاريخ شفناه مبهور» ،يقول الشاعر عيل سامل الكعبي:
«عىل فرس نهضة بلد قابض عنان وخاض املحال الني خاله مقدور حول صحاريها باالرصار بستان ومن عزمه التاريخ شفناه مبهور».
إذا ً فإن الفعل السحري للشخص الرمز أو أنساق سلوكه اإلنساين ،الريادي والقيادي ،وإن كان من الواقع املعارص، أو التاريخ الحديث فإنه يقع يف الرمز ،كام يقع صاحب هذا الفعل الرمزي املح ّمل مبضمون اإلعجاز يف التحويل املكاين أو الزماين إىل آخر مغاير وسحري يف املجمل ،يقع يف التخييل اإلبداعي للصورة حتى تصري أخرى جديدة يتم استدعاء موحياتها يف إهاب رسدي موارب ومغاير يتجدد باستمرار ويحيا أكرث وأقدر عىل الفعل كل مرة جديدة ،وبخاصة أن الرمز كام يف كتاب «األسطورة والرمز» لنورثروب فراي وآخرين ،ميثّل شكالً مهامً من أشكال استلهام األسطورة واستدعائها يف إهاب رسدي مختلف عن األصل ،وذلك بوصف الرمز األسطوري التعبري األمثل»عن موتيفات غريزية كونيّة مختلفة ،أو أنساق من السلوك واملعتقد اإلنساين ،وهنا نستعيد مقولة سيد القمني يف كتابه «األسطورة والرتاث» ،أ ّن الرمز كاألسطورة متاماً ذو خاص ّية متج ّددة نشطة ال تتوقّف، مبعنى أنّها حفريّات حيّة ومتج ّددة عىل الدوام يف تاريخ الفكر اإلنساين ،كام يف الفعل املستمر للتغيري عرب عالقات القرينة باالبتسام /فعل اإلحياء ،الصحة /فعل اإلحياء ،أو يف الغضب /فعل اإللغاء ،الفج للبحور /فعل اإللغاء ،يقول عيل بن سامل الكعبي يف وصف زايد الرمز:
«اذا ابتسم من بسمته صحة ابدان واذا غضب يف رميته فج لبحور».
دار زايد
ويف الرمز يتحد شكالن أحياناً أو أكرث ،من أشكال التصوير الشعري أو التوصيف الداليل لداالت النص ،كام لو 46
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أننا أمام صورة /مرآة ،يكون وجهها وجه القائد الرمز، وشكلها شكل الوطن ،كأنهام اثنان يف واحد ،ال يختلف الشعراء حول ذلك ،وبخاصة يف املكان اإلمارايت ،حيث الوطن تأسيس وبناء ،والقائد مؤسس ووالد ،والزمن هنا ينخلق من جديدٍ ، بعرس جامعي يغني أناشيد املجد والوالء ،ويعدد أسامء اإلمارات السبع واحد ًة بعد أخرى، كأن املرآة هي التي تعكس ما يراه الشاعر حقيقةً ،وال يتقصده أو ميارس عربه الخداع البرصي للمتلقي ،فهذا الوطن يتشكل أسطورياً أو رمزياً كام قائده ومؤسسه يف متوازيات مضمونية وداللية شعرية بامتياز ،تقع كلها يف قصيدة الشخص /الرمز ،كام يف متوالياتٌ : مورق بالنخل يف شفتي -سيسهر الورد ،أو :يخلق الوله القديم لنا - زمناً جديدا ً جزر ُه م ُّد ،أو يف املفردات املحتشدة بحقلٍ معجمي كله حب وألق ،كام يف« :شفتي /الورد /الوله/ املد =كعنرص من عنارص االنطالق لتحصيل الرزق يف الذاكرة اإلماراتية /العرس /السحر /توشوشني /القلب يينع /السحب= كعنرص من عنارص الرزق والخري يف الذاكرة اإلماراتية /ناهدين /شوق /خملة /رعشة /نسمة، ويف املعادل الدال نجد أسامء اإلمارات السبع معلن ًة يف النص الشعري كام لو أنها بيارق عامل الشخص الرمز/ مفاتيح عوامل الوطن ،يقول الشاعر عارف الخاجة يف قصيدة «موعد للحب والفرح» من مجموعته «صالة
في الرمز يتحد شكالن أحيان ًا أو أكثر ،من أشكال التصوير الشعري أو التوصيف الداللي لداالت النص ،كما لو أننا أمام صورة /مرآة ،يكون وجهها وجه القائد الرمز
االتحاد والشعر
العيد والتعب»:
«يا مورقاً بالنخل يف شفتي ثبت هواك سيسه ُر الور ُد وسيخلق الوله القديم لنا زمناً جديداً جزر ُه مدُّ هذي اإلمار ُ ات استفاض بها ٌ جميل إسم ُه املجدُ عرس ٌ ً ظبي توشوشني سحرا أبو ٍ يينع أينام نغدو ُ والقلب ُ َ فصل ْت سحبي أما د ٌّيب َّ ناهدين عليهام حمدُ يف ِ ُش ٌ عل لشارق ٍة عىل عطيش ظآمن يا من نحوها القصدُ ٌ مملكة عجامن فوق الحلم تندى فيقف ُز نحوها الحشدُ ريح أمها س ٌري قيوينُ ٌ َ من عصف شوقٍ فيك يرتدُّ ٌ مساجلة وبرأس خيمتنا بيني وبني خميل ٍة تعدو س ّم ُ بعدك رعش ًة بدمي يت ِ ٌ ّإن الفجري َة نسمة تحدو».
إمارات اإلمارات تنصان /باالتحاد وأصبح الرش مبتور/ وحدة وطن يف سبع إمارات واقران /واملعتدي بتواجهه ويف الرمز يتحد شكالن لهام الوجه ذاته ،كأن نعرف بالدا ً سبعة صقور» ،فاالتحاد قوة ،واملغفور له بإذن الله الشيخ يكون وجهها وجه القائد الرمز ،وشكلها شكل الوطن، زايد هو الشخص الرمز كام لو أنه ٍ آت من عوامل األسطورة. واسمها اإلمارات ،وهي حكاية زايد للتاريخ واألزمان، ومع هذا التوصيف اإلعالين ملالمح الشخصية الرمز، إماراتٌ يع ّددها الشاعر عيل بن سامل الكعبي ،كتيجان لها يتأىت الرتميز املضموين لعالق ٍة ما تربط بني الشخصية ملمح زايد ،وشموخ قامة زايد ،وعالء فعله يف اإلنسان الرمز ،والوطن املرموز إليه بهذه الشخصية ومستلزمات واملكان ،ورصوح حية بها روح زايد ،يقول: وجودها ،فالوطن هو الشخص /والشخص هو الوطن، «العني ،راس الخيمة ،ديب ،عجامن يؤنسن الشعراء الوطن بداالت الحضور البرشي، الشارقة ،لفجرية تفوح بعطور باالستعارات والتشخيصات ،فالوطن له ٌ ضحك بالفم، وبأم قيوين اكملت ست تيجان وصبح لوجهه ،حتى األحالم يف حرضته يصبح لها جناحان ٌ والسابعة تبيك بها الشهم مقبور يتحركان بدفقات الحنني والشجن ،ليكون متهي ٌد ملا يقع من ترب ٍة بالعاصمة تضم جثامن الحقاً من مزج بني أنا /الشخصية الرمز ،وأنا /جامعة انسان ما دمع ادمي عنه محجور». الوطن ،تقول الشاعرة صالحة غابش يف مجموعتها إنه زايد الذي بحسب الشاعر عيل بن سامل الكعبي «جعل «بانتظار الشمس»: issue (7)- December - 2012
47
ملف
الواقع ،وإمنا ينطلق منه ويتجاوزه إلنشاء عالقات جديدة «ويلقاين صباح ضاحك فمه مرتبطة بعامل الشاعر ،ويف هذه املرحلة يصبح الشعر فذاك الصبح وجهك أنت يا وطني ً أكرث صفاء وتجريدا ً ،ألنه يقدم صورا حسية توحي مبا تسافر يب إليك فصول أحالمي هو معنوي ،وهو بذلك عندما ينطلق من الواقع يرتبط جناحاها الحنني ودفقة الشجن». بالذات فتنهار املعامل املادية وتنهض عىل أنقاضها عالقات وها هو الشاعر اإلمارايت يشري إىل هذا االتحاد الدال جديدة مرتبطة بالرؤية الذاتية للشاعر». باملدلول يف عالقة الشخصية الرمز باألنا الوطن ،حيث يصبحان واحدا ً يف اإلشارة إىل املدلول كانتامء وطني ووالء ،ويشري الباحث نفسه إىل أن أهم املصادر التي يستقي منها الشاعر رموزه ،الرموز املوجودة سلفاً يف املشهد بالدال الشخص /الرمز ،أال وهو الوطن اإلمارات الذي الثقايف والرتاث اإلنساين كتوظيف األساطري والرتاث يتخذ أفعال األنا البرشي يف الحضور وصوالً إىل تق ّمص الشعبي والديني ،حيث «يعمل الشاعر عىل توظيف ذات الشخص /الرمز ،فالوطن من عزمه /علت الجباه مهاب ًة وجالالً -من طبع زايد /هي دار زايد ،يقول كريم هذه الرموز يف ضوء الواقع الشعري املعارص ،وليس من باب تقديس هذا الرتاث ،فالشخصيات الرمزية سواء معتوق: أكانت تاريخية أم أسطورية يخضعها الشاعر ملنطق «وطني اإلمار ُ ات التي من عزمها السياق الشعري ،و للتجربة الشعورية التي تتيح لهذه علت الجبا ُه مهاب ًة وجالال ِ الشخصيات الرمزية دالالت متعددة بتعدد الرؤى». علم رعته قلوبنا ُها د أمجا ٌ ومبحث قصيدة الرمز يطرح إشكالية الشخص /الرمز وحمته ٌ أجيال ْ بنت أجياال يف عالقته بالوطن /الرمز ،وكالهام واح ٌد ،حني يستعيد طبع زاي َد طبعها وأمانها من ِ القارئ سرية الرجال الكبار من قادة اإلمارات ،ألهمية َ عدمت سؤاال». هي دا ُر زاي َد ال حضور هذه السرية العظيمة يف الحياة والشعر يف أكرث ويعترب الباحث املغريب محمد يوب يف مبحث «الرمز يف تجلياتها وضوحاً ،إذ تصري اإلمارة داالً والحاكم مدلوله، الشعر املغريب املعارص» أ ّن الرمز ال ينهض عىل محاكاة واملدينة داالً والشي ُخ مدلوله ،والوطن داالً ،وزايد مدلوالً، 48
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
االتحاد والشعر
حكامه الكرام. ويقرأ واحدنا يف كتاب حياة املغفور له بإذن الله الشيخ مدروس بإتقان ومحكم البينان يف عمل إن قصيدة الرمز ٌ زايد بن سلطان آل نهيان ،رحمه الله ،يف الخامس من ٌ ٌ مساق النص الشعري عند عيل بن سامل الكعبي ،بل هي الشهر الثامن من عام ،1971فيستمع إليه ،رحمه الله، محوري التساق تجربته الشعرية واتجاهها إىل االكتامل، السمو، صارخاً بأعىل صوت ،اجتمعت فيه إرادة أصحاب ٌّ رجل فللشاعر قصيدته أو مط ّولته الشعرية «زايدٌ : حكام اإلمارات ،ورجال اإلمارات ،وأبناء وبنات اإلمارات: «االتحاد أمنيتي وهديف ،فأبناء هذه املنطقة شعب واحد ،للتاريخ» والتي أتت يف قصيدة واحدة من 225بيتاً ويف قافية واحدة بدون تكرار ،وتناولت سرية املغفور له بإذن وإن أبناء هذه املنطقة أخوة من أصل واحد ،لغتهم واحدة ،ودينهم واحد ،وحتى األرض التي عاشوا عليها منذ الله زايد بن سلطان آل نهيان ،منذ قيام اتحاد اإلمارات حتى يوم رحيله ،يتناول فيها أخالق زايد ،سامته وقيمه، آالف السنني كانت دامئاً وحد ًة واحدةً». وهو املتواضع ،صاحب العزم ،صاحب اإلميان ،راجح العقل ،القائد ،الكريم ،العطوف ،الوالد ،اإلنسان ،والشاعر. رمز لوطن يرى عالء الدين رمضان يف مبحث «تشكيالت الصورة ومن هذه املقولة الخالدة للراحل الكبري ،املغفور له يف الشعر العريب الحديث» أ ّن الشاعر ال يحشد يف نصه بإذن الله ،الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،رحمه الله، يستشف الباحث يف النص الشعري لعيل بن سامل الكعبي اللغة الدالة القريبة الحارضة يف ذهنه ،بل يتوقف طويالً عند األلفاظ ،يتأملها وينتقيها ،ثم يعيد تشكيلها وصوغها أرسار املسرية التي قد تبدأ بعبارات قليلة ترتدد عىل مبا يتناسب مع الداللة الوجدانية ال االتصالية ،وقد يغري شعب يف واحد ،وواحد لسان «الشخص» ليصري أسطورة ٍ من أبعاد صياغتها فنياً ،وقد يحطم من أنسقتها ليخلق يف شعب ،وليصري الحاكم يف املخيال العام عظيامً يفرتض لنفسه منطاً جديدا ً تتحقق رغبته ورغبة جمهوره يف املتعة أبعادا ً ال تح ّده كشخص ،مهام بلغ من مراتب التقدير والتبجيل واملحبة ،فهو مل يعد «هو» ،بل صار وطناً وشعباً الفنية املتوقعة من إبداعه؛ فمن أهم خصائص التعبري الشعري أنه تعبري بالصورة ،يتميز بدقة تحديده للتجارب ورجاالً يف رجل ،بل صار درساً خالدا ً للتاريخ يف بناء األوطان واإلنسان ،بناء اإلمارات الرائدة ،ببصامت خالدة ،ومفرداتها ،وييرس له ذلك قدرته عىل التحدث بلغة مرئية مشخصة ،تكاد تعادل حدوس األشياء والتجارب ذاتها ،مبا تحفر عميقاً يف ذاكرة البرش والحجر والشجر ،بأحرف يحقق له القدرة عىل استيعاب الحياة من حوله». من نور ،تليق برجاالت الوطن اإلمارايت وأصحاب السمو وهذا يتوافق متاماً مع ما يشري إليه الشاعر عيل بن سامل الكعبي حني يت ّوج الرمز /الشخص صاحب قرار ونهي وأمر يف شأن الوجود نفسه ملا فيه مصلحة هذا الوجود ٌ مدروس عمل قصيدة الرمز ٌ وخري أهل هذه األرض ،بتدخّله السحري املتفائل يف بإتقان ومحكم البينان في أحوالهم وآمالهم لتتحقق ،يرى بعني الخصب لتخرض األرض ،ويتحدث بلسان الحمد فتنهض الواحات متبارك ًة النص الشعري عند علي بن مباء وضوء يديه ،وتنوء الكواهل بجميله وصنيعه الكبري، ٌ مساق سالم الكعبي ،بل هي وهو يد الخري يف بالد الخري ،باملحبة يسوس الناس وبالحكمة يقود البالد واالتحاد ،وبكل هذه األفعال محوري التساق تجربته الشعرية ٌّ مجتمعة يصري للقائد الرمز صورة مغايرة متاماً للجانب واتجاهها إلى االكتمال اإلنساين التلقايئ يف امللمح والشكل ،يقول الشاعر عيل بن سامل الكعبي يف وصف الشيخ زايد رحمه الله:
issue (7)- December - 2012
49
ملف
«كل يش شافه زايد يفوح غبطان لو النخل يرمس نهض قال مشكور جاميله لو هي حمل تتعب امتان ومحبته لو هي جسد فجر صدور مييش عىل ما يريض الرب رحمن زايد وله تاريخ بالقلب مسطور».
وإشكالية الشخص الرمز يف الشعر الشعبي اإلمارايت ،هي الجدلية يف إشكالية العالقة بني القائد الرمز و الوطن واألرض بإنسانها وكائنها ،أو الوطن يف القائد ،أو القائد فيه كاثنني يف واحد ،كمثال أعىل إلنسان اإلمارات ،وهي الوطن الذي تأسس ككيان رسمي قبل ٍ واحد وأربعني عاماً ،بإرادة «الشخص» الكبري وإخوانه أصحاب السمو الحكام ،الذين يندرجون جميعاً يف هذا اإلطار العريض ملفردات الوطن /الشخص /الرمز ،وهم البناة والرعاة والقادة والسادة. والشخص /الرمز هو الشخص القائد بكل ما تحمله الكلمة من املعاين العظيمة التي تليق بوطنٍ يحكمه هو، وهي الوطن الذي استمر ويستمر بإذن الله حتى نهاية الوجود ،عالم ًة للوجود ذاته يف الوالء واالنتامء ،والوفاء للشخص الرمز ،وراية سناء وضّ اء يف ليل ترشذم العرب وفرقتهم ،وتنازعهم وشقاقهم. إنه الشيخ زايد ،رمز نهضة اإلمارات وباين اتحادها ،كام هو رم ٌز يقع يف األسطورة التي تجعل الشاعر ال يص ّدق حقيقة رحيل هذا الرجل األسطورة والرمز الغرائبي،
إشكالية الشخص الرمز في الشعر الشعبي اإلماراتي ،هي الجدلية في إشكالية العالقة بين القائد الرمز و الوطن واألرض بإنسانها وكائنها
50
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
كل إنسان يف هذا املكان اإلمارايت، كأنه املحفور يف أضلع ّ تخفق القلوب بحبه وتنبض بالشوق إليه حني كان قريباً يف حياته ،أو غريباً يف مامته ألنه الغائب الحارض عىل مر األزمان ،والوالد الحبيب الشيخ الذي ال تجود مبثله العصور ،وال تتواىن العني عن أن تذرف الدمع حتى لو قاومها صاحبها ،فالدمع «مهام تغمض العني بيثور» ،يقول الشاعر الكعبي:
«قاف كتبني يوم هاضت يب اشجان ٍ ورصت الكتاب وكانت ضلوعي سطور ما للخفوق املمتيل حب كتامن والدمع مهام تغمض العني بيثور الغايب الحارض عىل م ّر لزمان ازرت تجود بشيخ رشواه لعصور».
إن قصيدة الرمز يف شعر عيل بن سامل الكعبي تتخذ من شخصية املغفور له بإذن الله الشيخ زايد داللتها املحورية التي تستدل بها إىل عالمات األلق الشعري ،والنبض األسطوري الدافق بكثري من معاين الحب والوفاء للراحل، واإلنكار للرحيل إال يف معناه الجسدي املحدود ،فداالت البقاء والحضور أبلغ تعبريا ً من الغياب نفسه ،كام يورد الشاعر عبارات مثل« :اسمه يرجح بكل ميزان /قضيت معه سنني وايام وشهور /يشهد لزايد كل من كان سكّان باألرض /تبكيه ارض ونسمة الليل وطيور /اسمه ينري اذا رسى كل ديجور» ،يقول الشاعر الكعبي:
«زايد واسمه يرجح بكل ميزان قضيت معه سنني وايام وشهور هو وال ٍد واحنا مع اوالده اخوان هم مسند ان كان الزمن ف ّكر يجور ويشهد لزايد كل من كان سكان محب وجمهور باالرض اصبح له ٍ شيخ ر ّوح العمر به فان مرحوم ٍ تبكيه ارض ونسمة الليل وطيور ال ذعذع الناسم وحرك لالفنان اسمه ينري اذا رسى كل ديجور»
االتحاد والشعر
زايد ضمير االتحاد «يزهو القريض به» كان إعالن اتحاد اإلمارات في الثاني من ديسمبر ،1971وقيام دولة اإلمارات العربية المتحدة بمنزلة المعجزة في عالم يموج بالفرقة والتشرذم والتناحر .وقد لهجت ألسنة الشعراء مسجلة هذا الحدث الفريد،
ً ومتغنية ببطولة قائد هذا االتحاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،وببطولة إخوانه حكام اإلمارات ،خاصة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم .ومن هؤالء الشعراء :حمد خليفة أبو شهاب، صاحب قصيدة «يزهو القريض به» التي ُنشرت ضمن ديوان «قصائد مهداة إلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان» في طبعته األولى في أواخر الثمانينيات
د .إبراهيم أحمد ملحم
يمكن
تقسيم بنية القصيدة ،وفق املعنى، إىل ثالثة أقسام ،األول :الشعر يزهو بعيد االتحاد ،الثاين :االتحاد يتألق ويرتفع شأن الدولة، الثالث :قائد االتحاد «زايد» وأخوانه الحكام.
1ـ3
الشعر هو مفتاح الشاعر للولوج إىل الحياة بأبهى معانيها، ومادته الكلمة التي يشيد بها ما يعتمل يف داخله ،وما يشغل فكره .هذا الشعر ،وجد يف االتحاد القوة الجاذبة ليتشكل بقوة:
يزهو القريض به ،ويسمو املنطق عيدٌ ُّ ندل به عىل تاريخنا تقف البصائر دونه مذهولة عيدٌ عىل هام العال يتألق فخ ًرا مبقدمه الكريم ،فيرشق لجالئل األعامل حني تحدق
issue (7)- December - 2012
51
ملف
تحمل كلمة «يزهو» معنى التيه والتعاظم واالفتخار، وكأن عيد االتحاد هو عيد الشعر ،وألنه كذلك ،تسمو طاقته عىل البناء بالكلمة؛ ألن ما تتحدث عنه هو عيد يسمو ،أيضً ا ،فوق رأس كل أمر يف طبيعته سامٍ ،ومرشق إىل الدرجة التي تُذهل العقول ،فتقف دهش ًة أمام األعامل الجليلة التي أنجزت لجعل كل عيد لالتحاد هو خطوات متسارعة نحو تقدم أكرب ،متيزه من العيد رئيسا للداللة السابق .لقد كان 2ديسمرب 1971معلماً ً عىل تاريخ أمة وصلت إىل املجد ،فصار كل ٍ عيد إرشاق ًة لشمس تعلن أنها أضافت إرشاقًا آخر عىل العيد السابق. 2ـ3
يبدأ الحديث عن قائد مسرية االتحاد :الشيخ زايد، فيستثمر الشاعر اسم «زايد» حامل صفة الخري حتى يؤكد أن تصدره للقيادة كان منذ البداية خري يُبنى عىل خري، وما كان ذلك ليكون لوال أن شخصيته الفذة تحمل قيماً إنسانية خالقة ،وتصميماً جبا ًرا عىل البناء: ي���ا زائ����د ال���خ�ي�رات ن��ه��ج��ك واض���ح ت���� َّوج����ت آم������ال ال���ق���ل���وب ب���وح���دة وم��ض��ي��ت ت ُ��ع�لي يف امل��ح��اف��ل شأنها ل��ل��ش��ه��م راش�����د م���ن ق���واع���د رصح��ه��ا ب���ك�م�ا وب������األم������راء ث����م ب��ن��ي��ك�ما ٍ ص������اف ك��ن��ب��ع ال���ن���ه���ر إذ ي��ت��دفَّ��ق يف ظ��ل��ه��ا ع��ل��م ال���ح���ض���ارة يخفق ح��ت��ى اس��ت��ق��ر ب��ه��ا امل���ق���ام األل��ي��ق رك����ن ع��ل��ي��ه م���ن ال���ن���ض���ارة رون���ق ي��ح��ي��ا ال���ب���ن���اء وأه����ل����ه وامل���وث���ق كانت رؤية زايد ملستقبل الدولة واضحة ،وصافية ليست هناك شائبة تشوبها؛ ألن قلبه ال يحفل إال بالحب لشعبه. لقد كان يعرف زايد حق املعرفة أن حلم الوحدة يراود قلوب شعب اإلمارات جميعهم ،فح َّول زايد هذا الحلم إىل حقيقة ،وسعى بكل تفانٍ إىل اإلعالء من شأن الدولة يف كل املحافل العاملية حتى أصبحت تحظى مبكانة تليق بها .وأسهمت شخصية الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم التي تتصف بــ»الشهامة» يف هذا البناء ،وواكبت حركته، 52
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
وكذلك أخوانهام ُحكام اإلمارات ،ومل يأل أبناؤهم جه ًدا يف السري عىل نهجهام ،والحفاظ عىل ميثاق االتحاد. يف األبيات التالية ،يتضام صوت الشاعر مع صوت الشعب مع ًربا عن رؤيتهام للبطل الذي تجتمع يف شخصيته القيم الفضىل ،وأعظمها عىل اإلطالق :العدل ،واملحبة ،والكرم، والتسامح: َ مل��ث��ل��ك راع���يً���ا م���ا ك����ان أح��وج��ن��ا وإذا ت���ج���ان���ف ب��ع��ض��ن��ا ع��ل��م��ت��ه أس ال��ح��اك��م�ين وأم��ن��ه��م وال���ع���دل ُّ َ خ���ال���ص ج��ن��ب��ي��ك و ٌّد ل��ل��ش��ع��ب يف ٌ ول����ك امل����واق����ف ن���ِّي��رِّ ات ذك��ره��ا أض���ن���ي���ت راح���ل���ة ال����وئ����ام ومل ت��زل َ ف�ت�ري���ه ك��ي��ف امل���ع���ض�ل�ات ت��ذل��ه��ا إن ال����ذي����ن ت��ف��ت��ح��ت أب���ص���اره���م ل���و أن��ه��م ق�����دروا ف��ع��ال��ك م���ا ش��دا ت��ح��ن��و ح���ن���و ال����وال����دي����ن وت ُ��ش��ف��ق أن ال���ت���آل���ف ب�����امل�����روءة أل��ي��ق واألم�������ن دون ال����ع����دل ال ي��ت��ح��ق��ق
االتحاد والشعر
بالتسامح ،فرضب مثالً فذًّا يف تعليمهم معنى «املحبة». ول����ك امل��ح��ب��ة وال�������والء امل��ط��ل��ق يف ملِّ ش��م��ل ال���ع���رب وه����و م��ف�� َّرق لقد اتخذ زايد من «الوئام» طريقًـا تسري فيه راحلته، حتى أضناها ،أو بتعبري آخر :استطاع أن يبلغ يف تحقيق ح���ت���ى ب���أع���ت���ى ن����اف���� ٍر ت�ترف��ق ه��م��م ال����رج����ال وع���زم���ه���ا امل��ت��دف��ق الوئام بني الناس شأ ًوا بعي ًدا ،تعجز عن تحمله طاقات الرجال ،إال َم ْن كان ميلك الهمة العالية ،والعزمية التي ف�����رأوك ت��س��ت��ب��ق ال���ك���رام فتسبق إال ب�����ذك�����رك ع����اط����ل وم����ط���� َّوق ال تلني .إن بطالً قدر أن يكون كذلك ،لحقيق بأن تشدو بأفعاله الناس الذين ط َّوقهم بأفعاله السامية ،والذين بدأت األبيات السابقة بقوله« :ما كان أحوجنا» ،وستأيت هذه العبارة يف أبيات الحقة ،لكن يف سياق مختلف .هذا شهدوا ذلك. أما األبيات التي تبدأ بقوله« :ما أحوجنا» ،يف السياق السياق يركز عىل عالقة القائد بالشعب ،من جهة أوىل، وعالقة الشعب بالقائد ،من جهة أخرى.لقد كان الشعب املختلف عن السابق ،فإنها تركز عىل اإلنجازات التي يستطيع اإلنسان أن يراها يف الحياة اليومية: بحاجة ماسة إىل أب كبري لكل أرسة يف اإلمارات :يحنو م���ا ك����ان أح��وج��ن��ا مل��ث��ل��ك رائ����� ًدا عليها ،ويعلمها معنى الحب مبحبته لها. غ���رس���ت ي�����داك ال���خ�ي�ر يف أرج��ائ��ه��ا كان العدل هو األساس الذي أقيمت عليه أركان الحكم، وأح��ل��ت بلقعها ال��ي��ب��اب ح��دائ��قً��ا ومتى تحقق العدل ينعم الناس باألمن والطأمنينة، ت��ت��خ��ل��ل ال���ن���س�م�ات يفء ظ�لال��ه��ا وترتسخ قواعد املحبة املتبادلة بني الشعب والقائد. ي��ت��ن��ق��ل ال���غ���ري���د ب��ي�ن ري��اض��ه��ا وكانت مواقفه النبيلة تؤكد الرغبة يف نبذ التفرق داخل األمة العربية حتى تتحقق الوحدة الكربى .يُقابل «الود ت�����ويل ووج����ه����ك ب��ال��ب��ش��اش��ة م�ش�رق الخالص» يف قلب زايد« ،املحبة ،والوالء املطلق» ،ما ف���ن�م�ا ب���ه���ا زرع وأمث������ر م����ورق تكوين يفيض إىل القول :إن القائد كان جز ًءا ال يتجزأ عن ب����ك����روم����ه����ا ون���خ���ي���ل���ه���ا ت���ت���أل���ق الشعب اإلمارايت ،وكان الشعب اإلمارايت جز ًءا ال يتجزأ ف��ي��ط��ي��ب م��ن��ه��ا امل��ن��ه��ل امل�ت�رق���رق عن تكوين القائد؛ فكالهام يقابل الخري بالخري .أما أولئك ط����ربً����ا ،وت��ب��ه��ج��ه ال������رىب ف��ي��ح��ل��ق الذين يقابلون الخري بغريه ،فقد ترفَّق بهم ،ومل يسع إىل إن تغري كلمة «راعيًا» يف السياق األول ،إىل كلمة «رائ ًدا» إلحاق األذى بهم ،وهو قادر عىل ذلك ،بل قابل اإلساءة يف السياق الثاين لها داللتها؛ فالرعاية أكرث التصاقًا مبامرسة القيمة السامية يف الحياة اليومية ،والريادة أكرث التصاقًا مبامرسة القيمة السامية يف املكان :استرشافه لتأمني الحياة الكرمية ملن يتبعه ،وتعمريه ليستقطب كل محب للعيش لقد كان يعرف زايد حق المعرفة الكريم .لقد حول الصحراء إىل جنة خرضاء ،تؤيت أكلها، أن حلم الوحدة يراود قلوب وتهب الجامل األخاذ لكل َمن يحل فيها. السؤال الذي يطُرح ،يف هذا السياق :هل أراد الشاعر أن شعب اإلمارات جميعهم ،فح َّول ينقل إلينا ما تحقق من إنجازات يف ظل االتحاد :الزراعة زايد هذا الحلم إلى حقيقة، يف املناطق الصالحة لها ،وتحويل األماكن «اليباب» أو التي ال تصلح للزراعة إىل حدائق تزخر بالكروم والنخيل، تفان إلى اإلعالء وسعى بكل ٍ فتأيت النسامت العذبة من خالل ذلك ،وتتنقل الطيور من شأن الدولة متغنية ومطمئنة يف هذا املكان ..فحسب؟ لإلجابة عن هذا السؤال ،ال بد من القول :إن ما تحقق كانت وراءه issue (7)- December - 2012
53
ملف
همة جبارة ،وعقلية مذهلة :تخطط فتنفذ ما يعجز م��ه�ما ت��ع��اق��ب��ت ال��س��ن��ون ب��غ��دره��ا اآلخرون ،يف أماكن أخرى من العامل ،عن فعله .ولكن ال��ش��ع��ب ي��ذك��ر زائ���� ًدا س��ي��ظ��ل ه����ذا ُ الشعر ال يقف تأويله عند هذا الحد؛ فهو باحتضانه وط����ن ت��ع��ز ب����ه ،وش���ه���م غ��ي��دق الزمن بأبعاده الثالثة ،يلعب الحدس دو ًرا فاعالً يف ٍ واش ي����ن����م ،وال زم��������ا ٌن م��ق��ل��ق ظل يف التشكيل .لقد رمى الشاعر إىل القول :إن الحياة وال����ده����ر ذو غ��ي�رٍ ب���ه ال ي��وث��ق االتحاد تعيش ربيعها الدائم؛ ألنها أسست عىل قيم ب��ال��ف��ض��ل ف��ه��و ب��ك��ل ف���ض���لٍ أخ��ل��ق سامية ،وأهداف تلبي آمال الشعب وطموحاته ..وما أسلوب التعجب يف قوله« :ما أجمل الدنيا» جاء بصوت دامت كذلك ،فإنها لن تعيش سوى أجمل فصول السنة الشاعر الذي يختزل أصوات الشعب بصوته ،فتتحول إىل «الربيع» الذي عرفته منذ إعالن «االتحاد». شعر يعرب عام يجول يف صدورهم؛ فجامليات اإلنسان/ اإلنسان، جامليات ولعل هذا ما يدعو إىل القول :إن القائدمل تجعل املكان /الوطن جميالً فحسب ،وإمنا ممثلة بقائد املسرية ،تتناغم مع جامليات املكان بحيث جعلت الدنيا بأرسها كذلك؛ ألن نواة الوجود بالنسبة يبدو القائد هو صانع املكان ،بل وصانع حركة اإلنسان للشعب هي اإلمارات ،والرس الذي يكمن وراء ما فيه ،تلك الحركة املؤسسة عىل الحب بأبهى صوره. يزيدها جامالً هو هذا القائد :الشهم ،الكريم ،الصديق، وبالتايل ،يبدو البناء املتواصل عرب الزمن متصالً بالباين الصايف النفس ..لقد ُحفرت صورة القائد يف ذاكرة شعب ًا د سار العظيم ،وهو ما يصنع ذاكرة املكان ،فيصبح اإلنجاز اإلمارات ،ولن يستطيع الزمن بتقلباته املختلفة أن ينال للاميض ،ومؤك ًدا أن الحارض ليس إال نتاج هذا املايض من هذه الصورة أب ًدا. املرشق: م���ا أج��م��ل ال��دن��ي��ا مب���ن أحببتهم 3ـ3 وص����دي����ق ص�����دق ال ي���ك���در ص��ف��وه ليس من قبيل الصدفة أن يبدأ القسم األول من القصيدة 54
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
االتحاد والشعر
الشاعر حينما يحب ممدوحه، ال يستطيع إال أن يكون حبه ً مطلقا ،وهو ما عبر عنه بقوله: «قلب بحبك مفعم»
بالحديث عن الشعر املزهو بتناول «االتحاد» ،وأن يكون القسم الثالث أو األخري من القصيدة ،يتحدث عن الشعر أيضً ا؛ فهو يقول مخاط ًبا القائد: خ��ذ م��ن ب��دائ��ع م��ا ت��خ��ط ي��راع��ت��ي أوح������ى ب���ه���ا ق���ل���ب ب��ح��ب��ك م��ف��ع��م س��ت��ظ��ل يف ج��ن��ب��ي ن���ف���س ح���رة ف���إل���ي���ك م����ن ذوب ال����ف����ؤاد ت��ح��ي��ة در ًرا ع�ل�ى ق��م��م امل���ع���اين ت�شرق وال���ق���ل���ب ح��ي�ن ي���ح���ب ال ي��ت��م��ل��ق ل��ل��ص��دق يف ك���ل امل���واط���ن أس��ب��ق أزىك م���ن امل���س���ك ال��ف��ت��ي��ت وأع��ب��ق قبل أن أفرس بنائية املعنى يف القصيدة عىل هذا النحو، سأقتبس ما قاله الشاعر يف مقدمة الديوان عن قائد مسرية االتحاد ،ثم أعود لهذه األبيات« :إنه زائد الخري الذي و َّحد الله عىل يديه أمتنا وآخى بني قادتنا ،إنه زائد الخري ذلكم الرجل الف ّذ الذي ح ّول الرمال املقفرة إىل بساتني مثمرة يانعة ،قطوفها دانية للجميع عىل ح ٍّد سواء، فإليه أهدي هذه الومضات البارقة من قلب فر ٍد من أفراد هذا الشعب الذي يك ُّن لقائده أسمى آيات املحبة والتقدير ..هذه الهدية ليست وردة يف بستان شاركت النسائم العليلة يف نرش عبريها فض َّوع أريجها محيطها ،ثم عفا الزمن عىل نضارتها فص َّوحها ،ولكنها نبضات مشاعر صاغتها جوانح شاعر عايش عرصين متناقضني :عرص
جفاف تداعبه بوارق اآلمال حي ًنا ،وت َ ْز َو ُّر عنه أحايني، وعرص رخاء ووئام ،فال أعاد الله األول ،وصان لنا الثاين بحفظه ورعايته». ما يالحظ أن الشاعر يريد أن يقدم للقائد أسمى ما جادت به قريحته بحيث يليق هذا األسمى مبكانة الشخصية التي يتحدث عنها ،ولهذا ،فقد أعىل من شأن الشعر يف بداية القصيدة ،فجعله «يزهو» ،و»يسمو»؛ ألنه يتحدث عن عظيم .وتابع ذلك يف آخر القصيدة، فجعل شعره «بدائع» و»در ًرا» لتكون جديرة بهذا العلو، واألكرث أهمية ،أن الشعر نفسه ليس إال «ذوب الفؤاد» قيل ليكون «تحية» للقائد .ومعنى أن يكون «تحية»، رصا عن نقل ما يف القلب والفكر أن الشاعر ما يزال مق ً شع ًرا ،بحيث يكون الشعر مساويًا ملا يف الداخل ،ولكن ما حيلته؟ فالكلامت ال تستطيع أن تفعل أكرث من ذلك، ولكنها متى ُخطَّت تحظى بالخلود ،تفوح رائحتها الزكية كأنها تشكلت يف اللحظة التي قُرئت فيها. لقد شابت قصيدة املدح العربية شوائب كثرية عرب التاريخ ،ولكن األمر هنا مختلف ج ًّدا؛ فالشاعر حينام يحب ممدوحه ،ال يستطيع إال أن يكون حبه مطلقًا، وهو ما عرب عنه بقوله« :قلب بحبك مفعم» ،وليك يكون الخطاب صادقًا ،ينبغي أن تعيش الكلمة يف الحرية نفس جنبي ٌ املطلقة ،وهو ما عرب عنه بقوله« :ستظل يف َّ حرة» ،ويف اجتامع الحب والحرية تندفع الكلمة الصادقة يف كل موطن تستطيع الكلمة فيه أن تتشكل. أسهمت بنائية املعنى يف ثراء النص كامالً؛ فالبدء بالشعر مقرتنًا انبثاقه بالزهو يف عيد االتحاد يعني أن الشعر املرتامي إىل الخلود يخاطب االتحاد املرتامي إىل الخلود ما دامت الحياة قامئة ،وقد جعل الشاعر راية مسرية االتحاد خفاقة ،يحملها القائد ويسانده إخوانه حكام اإلمارات، وأبناؤهم؛ ألن االتحاد «ميثاق» ُخ َّط ليبقى لألبد، وتسجيل مفاخر الشاعر به ،وتحويل أصوات الشعب إىل شعر يجهر بأن االتحاد لبى الطموحات ،ونقل الحياة إىل عرص الضياء ..يعني أن الشعر ،أيضً اُ ،خ َّط ليبقى لألبد ُمتحدث ًا عن هذا العرص ،وعن قائده املغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
issue (7)- December - 2012
55
ملف
المشهد الشعري النسوي
والدة في ظل االتحاد ترتبط التجارب النسائية في الشعر اإلماراتي باالتحاد الذي بنى قاعدة تعليمية وثقافية حديثة ،و فتح اآلفاق امام األجيال الجديدة لتحلق عاليا ،وخالل عقد من الزمن ظهر سرب من الشاعرات المتميزات ذوات البصمة الخاصة الالتي سجلن حضورا ملفتا في المشهد الشعري العربي ،وتوالت الوالدات الشعرية حتى يومنا هذا ،ليصبح لالمارات منجزها الشعري النسائي الخاص ،الغني والمتعدد والمتفرد
مفيد نجم
ال
قامت النهضة الثقافية يف دولة اإلمارات عىل رؤية ميكن قراءة املشهد الشعري اإلمارايت عموما، جامعة ،تستلهم الرتاث الحي ألبناء شعب اإلمارات، والحضور الشعري النسوي يف هذا املشهد وتتغذى من روافده ،يف الوقت الذي تنفتح فيه عىل خصوصا ،دون وضعه يف إطاره التاريخي الخاص ،الذي الثقافة العربية ،بوصفها جزءا أصيال من كيانها ،تتأثر بها يبدأ مع قيام دولة االمارات العربية املتحدة ،التي كان وتؤثر فيها ،دون أن تغفل عن بعدها اإلنساين ،من خالل لقيامها دوره الكبري والرائد يف بلورة الهوية الثقافية إدراكها ألهمية الحوار والتفاعل مع الثقافة اإلنسانية الجامعة ،وخلق القاعدة املادية ورشوطها املوضوعية، أيضا .ومام عزز هذا النهج ووفر رشوطه املوضوعية التي تع ّد األساس املتني الذي البد أن يرتكز إليه أي مرشوع ثقايف ،يروم الوصول إىل أهدافه يف تحقيق التنمية خلق قاعدة تعليمية تقوم عىل أساس توفري الفرص املتساوية أمام الجنسني للحصول عىل العلم واملعرفة، الثقافية ،التي تتواكب وعمليات التنمية األخرى يف مجاالت الحياة االجتامعية واالقتصادية والرتبوية ،لتحقيق حتى اعتربت اإلمارات من أكرث دول العامل تحقيقا لهذا املبدأ يف التعليم ،وهو ما كان التوازن والتكامل ،الذي يؤسس له كبري األثر يف توسيع قاعدة لواقع نهضوي جديد قادر النهضة الثقافية ،حيث ظهر أثره واإلنسان عىل االرتقاء بالواقع كان من الطبيعي أن الجيل يف تنامي الحركة الثقافية والحياة ،قي إطار الرؤية ينعكس االتحاد على وتوسعها يف العقود األخرية ،حتى واألهداف التي عملت ،وما في الشعرية الحركة أضحت دولة اإلمارات مركز تزال تعمل عىل إغناء وتعميق وخصوصا، عموما، اإلمارات جذب واستقطاب للعمل الثقايف الحياة الثقافية بأبعادها املادية يف شتى حقول األدب والفنون دولة والروحية والجاملية ،لوضع على مستوى المشاركة واملعرفة. اإلمارات يف املوقع الذي يجعلها النسوية كان من الطبيعي أن ينعكس واحدة ،من مراكز العمل الثقايف كل هذا عىل واقع الحركة األدبية املتقدم يف املنطقة. 56
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
االتحاد والشعر
الفنانة منى الخاجة
يف اإلمارات عموما ،وعىل الحركة الشعرية املتنامية فيها خصوصا ،السيام عىل مستوى املشاركة النسوية ،وما أسهمت فيه تلك املساهمة من إغناء وتعزيز وتطوير لتلك الحركة عرب منجزها الشعري ،حتى أصبحث جزءا أساسيا منه ،يصعب الحديث عنه ،دون التوقف مليا أمام هذا املنجز الهام بأجياله واسامئه وتجاربه املختلفة واملتنوعة.
مالمح تاريخية
تستدعي قراءة املشهد الشعري النسوي يف دولة اإلمارات تناوله يف اإلطار الجامع للجغرافيا اإلماراتية وصوال إىل معرفة األثر الذي حققه قيام دولة االتحاد ،عىل مستوى تعزيز وتطوير وإغناء هذا املشهد ،بعد أن شكل هذا االتحاد فضاء حرا يتنامى فيه الفعل الثقايف واإلبداعي، من خالل التكامل والتفاعل فيام بني تجاربه وأجياله
املختلفة ،وصوال إىل تشكيل مالمح هويته اإلبداعية الفارقة ،التي ال ميكن معرفة سريورة تطورها إال عرب ما باتت تنتمي إليه ،وتحمل هويته الجامعة مع قيام الكيان السيايس لالتحاد ،وبذلك مل تعد تعرف تلك الشاعرة أو غريها إال من خالل هذا االنتامء الوطني وهذه الهوية، التي خلقت واقعا ثقافيا جديدا يعزز دور املنجز اإلبداعي اإلمارايت ،ويفرض حضوره يف املشهد العريب ،ويف املقدمة منه املنجز الشعري النسوي. كانت أوىل التجارب الشعرية النسوية ،أشبه بحاالت فردية متناثرة ،لكنها رسعان ما شهدت بداية التشكل األويل للواقع الشعري الجديد ،يف النصف الثاين من سبعينيات القرن املايض ،أي بعد قيام دولة االتحاد بسنوات ،حيث أخذت تلك التجارب بالنمو والتوسع، وتعميق تجربتها ورؤيتها اإلبداعية ،بصورة جعلتها تتجاوز محليتها إىل الفضاء الثقايف العريب ،مع عالمة فارقة issue (7)- December - 2012
57
ملف
ظبية خميس
حمدة خميس
نجوم الغانم
التي قدمت نفسها من خاللها .ومن االسامء األخرى التي كانت متيزها ،وتتمثل يف انتامئها إىل مرشوع الحداثة تنضاف إىل ذلك املشهد رائدة القصة اإلماراتية شيخه الشعرية العربية ممثال بقصيدة النرث ،التي كانت قد الناخي التي زاوجت بني كتابة القصة وكتابة الشعر بدأت تحتل موقعها يف املشهد الشعري العريب عموما. «بانتظار الشمس -العزف عىل أوتار الفرح» .كذلك هناك إن محاولة البحث يف تاريخ التجارب الشعرية األنثوية الشاعرة املخرضمة الهنوف محمد ،التي متثل انجازها يف دولة اإلمارات ،تظهر أن بداية تشكل أوىل التجارب الشعري يف ثالثة أعامل شعرية «جدران وساموات -وجه الشعرية الحداثية ظهرت بعد قيام االتحاد ،وأن عدد الشاعرات قبل ذلك التاريخ مل يكن معروفا ،وبذلك ميكن يوسف» ،صدرت مع ديوانها الجديد مؤخرا ضمن األعامل الكاملة للشاعرة عن وزارة الثقافة والشباب يف دولة التأريخ للبدايات األوىل لظهور تلك التجارب باملرحلة اإلمارات العربية ،إضافة إىل التجربة الشعرية األوىل التالية لقيام دولة االتحاد ،التي شهدت انطالق مسرية لعائشة بوسميط التي توقف عندها منجزها الشعري، التجارب الشعرية الحداثية ،وسعيها لرتسيخ منجزها وتجربة الشاعرة ظبية خميس التي تعد من أغزر الجديد يف نهاية سبعينيات ،وبداية مثانينيات القرن الشاعرات اإلماراتيات ،وأكرثهن تنوعا وإسهاما يف الكتابة املايض ،بالتزامن مع بداية النهضة االقتصادية والرتبوية اإلبداعية املختلفة ،من نقد «صنم املرأة الشعري :الذات واالجتامعية والعمرانية التي بدأت تشهدها دولة األتثوية من خالل شاعرات خليجيات» ،ورواية «ما يشبه اإلمارات .وتأيت الشاعرتان ظبية خميس ونجوم الغانم الحياة» ،إىل جانب مجموعتني يف مقدمة رواد تلك التجارب، قصصيتني ،وعدد من األعامل التي بدأت تفرض حضورها عىل إن أهمية التحول الذي املرتجمة .وهناك تجربة الشاعرة الساحة اإلماراتية والخليجية ثم أحدثه قيام االتحاد لم ميسون صقر التي مارست أيضا العربية،السيام بعد صدور ديوان يتوقف عند حدود االسماء كتابة الرواية «ريحانة» إىل الشاعرة خميس «خطوة فوق جانب الفن التشكييل .وتنضاف األرض» ،والشاعرة الغانم « مساء الشعرية الجديدة ،بل إىل تلك التجارب تجربة الشاعرة الجنة». تعداه إلى سوية تلك حمدة خميس ،التي تنتمي إىل إن أهمية التحول الذي أحدثه التجارب وقيمتها الفكرية جيل السبعينيات ،وكان ظهورها قيام االتحاد مل يتوقف عند والجمالية ،التي قدمت األول يف مرحلتها اإلماراتية مع حدود االسامء الشعرية الجديدة، ديوان «مسارات» الذي ظل وفيا بل تعداه إىل سوية تلك التجارب نفسها من خاللها يف جزء كبري من قصائده لقصيدة وقيمتها الفكرية والجاملية،
58
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
االتحاد والشعر
خلود املعال
التفعيلة ،التي قدمت من خاللها تجربتها الشعرية مبكرا. أسهمت تلك التجارب الشعرية يف تعزيز حركة شعر الحداثة ،واتساع مساحة حضورها يف املشهد األديب اإلمارايت ،األمر الذي فتح الباب أمام ظهور تجارب جديدة ترفد مسرية تلك الحركة ،وتغني منجزها الشعري .وتعترب الشاعرة خلود املعال واحدة من تلك االسامء الهامة التي استطاعت أن تضيف تجربتها بجدارة ملحوظة إىل هذا املنجز ،عرب مجموعة من األعامل الشعرية الهامة ،التي تحمل خصوصيتها النابعة من رهافة اللغة وانفتاحها عىل اسئلة الذات والوجود والحياة ،يف جدل العالقة والوعي. وعىل غرار الشاعرة بوسميط أصدرت الشاعرة منى مطر ديونا وحيدا بعنوان «أوراق املاء» توقفت عنده ،ومل يصدر لها بعد ذلك أي عمل جديد.
بني الجغرافيا والتاريخ
عىل الرغم من إدراكنا الستحالة الحديث عن الجغرافيا التي تنتمي إليها الشاعرات اإلماراتيات خارج جغرافية دولة االتحاد ،نظرا الرتباط تجربة شعر الحداثة باملرحلة التالية لقيام دولة االتحاد ،فإننا سوف نشري إىل معنى التحول الجديد ،الذي أحدثه قيام االتحاد عىل واقع تلك الحركة الشعرية ،من خالل انتامء تلك الشاعرات إىل إمارات مختلفة ،لكنهن بنت يعرفن فيام بعد كجزء من املشهد الشعري اإلمارايت ضمن دولة االتحاد التي خلقت حالة من االمتزاج والتفاعل ،التي منت وتوسعت بصورة تجاوزت فيها تلك التجارب إطارها املحيل والخليجي، إىل اإلطار العريب والعاملي من خالل مشاركة الشاعرات
الهنوف محمد
ميسون صقر
اإلماراتيات الدامئة يف املهرجانات الشعرية العربية والعاملية ،ما وضع تلك اإلسهامات عىل الخارطة الشعرية، بوصفها جزءا من مشهده العام ،وليست طارئة عليه .وال شك أن مثة اصوات جديدة بدأت تظهر يف هذا املشهد يف السنوات األخرية ،عىل الرغم من إغراءات املغامرة الرسدية التي باتت تتصدر املشهد األديب العريب يف هذه املرحلة .إن من املبكر الحكم عىل مدى قدرة ،تلك التجارب عىل االستمرار ،وامتالك صوتها الشعري الخاص بها ،لكن وجود الحاضنة الثقافية التي ترعاها ،وتوفر لها فرص النرش واملشاركة ،البد أن يدفعها نحو تطوير تجاربها وإغنائها يف املستقبل. إن تعدد املنجز الشعري النسوي ،وقيمته الجاملية تعد من العالمات البارزة عىل مدى التطور ،الذي بلغه هذا املنجز يف مراحله الراهنة ،وحقق حضور املرأة اإلبداعي، بوصفها رشيكا فاعال وحقيقيا يف تشكيل مالمح هذا املشهد ،وتحقيق تطوره ،وتعدد رؤاه وتجاربه ،بالصورة التي تعكس دينامية الواقع الثقايف اإلمارايت وعوامل إزدهاره وتقدمه ،السيام عىل صعيد إفساح املجال أمام املرأة لتكون عنرصا مشاركا وأساسيا يف بناء الدولة وتطورها .لقد تنوع املنجز اإلبداعي لهؤالء الشاعرات، ورغم ذلك ظل الشعر هو الهاجس األساس لهن ،وهو ما ميكن مالحظته من خالل حجم املنجز الشعري لكل واحدة منهن ،فقد بلغ رصيد الشاعرة نجوم الغانم حتى األن ستة دوواين شعرية ،هي حسب تواريخ صدورها: مساء الجنة 1989-الجرائر 1991-رواحل 1996-ال وصف ملا أنا فيه 2005وأخريا مالئكة األشواق البعيدة
issue (7)- December - 2012
59
ملف
الفنانة منى الخاجة 60
يرجم امرأة حبىل بالبحر 1988-جنة الجراالت 1993- موت العائلة 1993-انتحار هادئ جدا 1994-القرمزي 1994امليش يف أحالم رومانتيكية 1995-تلف 1996-البحر ،النجوم ،العشب يف كف واحدة 1997-خمرة حب عادي 2000-درجة حميمية 2002-شغف 2005-روح الشاعرة 2005-نحو األبد .2010وتعد ميسون صقر التي عملت يف مجاالت العمل الثقايف املختلفة واحدة من األصوات الشعرية املعروفة ،التي صدرت لها مجموعة كبرية من األعامل الشعرية ،زاوجت يف إحداها بني الشعر والرسم التشكييل .لقد تنوعت شواغل التجربة وهواجسها الشعرية عرب ما قدمته حتى اآلن ،وهذه األعامل هي: هكذا اسمي األشياء -الريهقان -حربان يف مادة الجسد- البيت -الرسد عىل هيئته( رسم وشعر) -تشكيل األذى- رجل مجنون ال يحبني -أرملة قاطع طريق -وأخريا ديوان جاميل يف الصور .2012 تكشف القراءة األولية لتلك األعامل ظاهرة التمركز حول الذات من حيث انشغاالتها ،وتوجهات الخطاب الشعري، دون أن يعني ذلك التغافل عن القضايا اإلنسانية .2008ويبلغ عدد األعامل الشعرية للشاعرة حمدة والسياسية ،كام يف أعامل ظبية خميس وميسون صقر خميس سبع دوواين شعرية هي :مسارات -مس من وحمده خميس تحديدا ،بل نجد تلك التيامت حارضة املاء -أضداد -عزلة الرمان -غبطة الهوى -عناقيد الفتنة -بقوة يف كثري من نصوص هؤالء الشاعرات .وبقدر ما اس ام اي .أما الشاعرة خلود املعال فأصدرت خمسة تعكس لغة الخطاب الشعري وهمومه ومكاشافاته دوواين هي :هنا ضاع مني الزمن 1997-أنت وحدك رغبة املرأة يف التعبري عن تجربتها اإلنسانية والعاطفية 1999هاء الغائب 2003-رمبا هنا 2008-دون أن أرتوي واالجتامعية ،فإنها تفصح عن قدر ظاهر ومميز من ،2011والشك أن رصيد الشاعرة ظبية خميس يعد الرصيد نزعة إىل التمرد والرفض والجرأة يف التعبري عن أحالمها األكرب عىل مستوى املنجز الشعري ،إذ بلغ عدد األعامل ومشاعرها ورغباتها ،وعالقتها مع العامل ورؤيتها إليه، الشعرية التي صدرت لها حتى اآلن مثانية عرش ديوانا حتى ميكن اعتبار تلك التيمة من التيامت األساسية يف شعريا ،يالحظ من خاللها تواريخ صدورها أن أول عمل هذا الخطاب الشعري ،الطامح إىل متثل روح الشاعرة صدر لها كان يف عام 1980وبالتايل فهي أول شاعرة املتمردة ،وتطلعها نحو الحرية والجامل والحب . إماراتية يصدر لها ديوان شعر عىل مستوى تجربة قصيدة إن التجربة الشعرية النسوية االماراتية الحداثية النرث .كذلك نالحظ أن املسافة بني صدور عمل وعمل آخر برموزها وأجيالها ومنجزها الشعري ،ما زالت تتغذى من قد ال يتجاوز العام الواحد ،ويف بعض األحيان كان يصدر روافد عدة ،وهي تواصل مغامرتها الشعرية نحو تخوم لها عمالن يف عام واحد ،وهذه األعامل هي:خطوة فوق جديدة تستحرض فيها عنارص اإلبداع والجامل والرغبة، األرض 1980-أنا املرأة األرض كل الضلوع 1982-صبابات يف تجسيد كينونة الذات اإلنسانية لديها وهي ترشع املرأة العامنية 1984-قصائد حب 1985-السلطان نوافذها للحرية والجامل والحلم
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
تحقيق
شعر اإلمارات بين زمنين تجاوز لحدود المكان وميالد ألسماء شعرية مهمة الشعر واحد من أبرز ركائز الثقافة الشعبية في األمارات ومنطقة الخليج العربي عموما ،ومن ال يكتب الشعر من أبناء هذه المنطقة ،هو بالضرورة يسمعه ويهتم به ،ألنه حديث المجالس ،والحاضر في كل مناسبة. وقد حظي الشعر باهتمام حكام دولة اإلمارات العربية المتحدة في فترة ما قبل االتحاد وما بعده ،وفي ً ً ومهما واحتفى كبيرا مقدمتهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه هللا ،الذي كان شاعرا
بشعراء اإلمارات ومنحهم اهتماما خاصا .بعد أن وح ّد الوطن في جسد جغرافي واحد. نال الشعر مكانة مرموقة ،وكان له حضور كبير عبر ما سجله في صفحة التاريخ ،وما قاله بحق االتحاد،
وهو الحدث األهم ،الذي ُكتبت فيه آالف األبيات الشعرية والقصائد التي عُ نونت باالتحاد ومجدته، وحفظت للشيخ زايد هذا االنجاز الذي ظل حتى وقتنا الحاضر مشروعا وحدويا متينا يشهد له العالم في كل أرض. شهدت الحركة الشعرية في اإلمارات بعد االتحاد الكثير من التحوالت ،وتطورت حتى أصبحت تدار من
قبل مؤسسات مختصةً ، واصبح التنظيم هو السمة األساسية التي تحيط بتلك الحركة ،وترعى نهوضها، وتضاعفت أسماء الشعراء واألعمال والكتب الشعرية التي عكست مقدار تطور هذه الحركة ،وانشغالها الدائم بالتطوير والتواصل مع البيئة الشعرية العربية المحيطة .هذا أدى إلى انتشار واسع لشعراء اإلمارات، وقد قدمت هذه الدولة حديثة العهد باقة من الشعراء المهمين في خريطة المشهد العربي ،واستوعبت كذلك العديد من التجارب الشعرية التي احتضنتها وأوصلتها إلى ضفة القصيدة. واليوم وبعد مضي أربعة عقود على االتحاد ،أصبحت اإلمارات الدولة الحاضنة لمعظم المشاريع الشعرية الكبرى ،وأمست بوصلة الشعراء ،ومسرح تكريمهم واالحتفاء بهم .فهي عبر جوائزها وبرامجها وندواتها ولقاءاتها تعد اليوم المساحة األرحب للشعر والقصيدة العربية .وهنا نترك لبعض الشعراء من اإلمارات والوطن العربي فسحة للحديث عن شعر اإلمارات ومساراته بمناسبة الذكرى الواحدة واألربعين لقيام االتحاد
أبوظبي -بيت الشعر
issue (7)- December - 2012
61
ملف
محمد الربييك
الشعر في اإلمارات ..دعم وتطور كان الشعر يف دولة اإلمارات العربية املتحدة قبل قيام االتحاد مرتبطاً بالبيئة ارتباطاً عاطفياً وثيقاً ،يعرب عن آالم وهموم املجتمع من خالل كثري من املنابر التي تقيمها القبائل واحتفاالتها باملناسبات وغريها ،ثم من خالل بعض التسجيالت الصوتية التي ظهرت مؤخرا ً ،إىل غريها من الوسائل البسيطة التي أوصلت بعض األصوات الشعرية إىل الناس ،لكن هذا التواجد الشعري مل يكن محظوظاً يف الظهور ،حيث مل تهيأ له ظروف تناقله أو تدوينه وتوثيقه إال ما تناقله
الرواة وحفظته الصدور ،ثم فيام بعد قيام االتحاد التفت كثري من الباحثني إىل عملية التدوين والتوثيق ،وسارعوا إىل اللحاق بجيل الرواة قبل أن يغادروا الحياة أو يصيب شاب بعضه التحريف بعضهم الخرف والنسيان ،وما نُقل َ نتيجة عوامل الزمن والنسيان والتدوين الشفهي ،ولكون الرواة ليسوا شعراء كام هو حال معظم الباحثني. ومن خالل ما قام به بعض الباحثني وصل إلينا بعض هذا اإلرث الشعري الجميل لبعض الشعراء أمثال املاجدي بن ظاهر الذي عاش خالل الفرتة من 1871 1781-والعقييل 1852والجمري 1905مع بعض الشعراء الذين أمد الله يف عمر بعضهم ليعايشوا زمن االتحاد. وبعد أن قام االتحاد كان للشعر وجه آخر من خالل ما حظي به هذا الشعر من دعم عىل جميع الصعد، فقد كان املغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان شاعرا ً محباً للشعر وأهله ،وفتح للشعر منابر
يوسف عبد العزيز
الشعر اإلماراتي مناخات متنوعة متثّلت اإلطاللة األوىل للقارئ العريب عىل شعر اإلمارات ،أ ّول ما متثّلت ،من خالل قصائد الكثري من الشعراء اإلماراتيني الذين عرفوا بعد قيام االتحاد، ومنهم الشاعر «حبيب الصايغ» .كان ذلك يف بداية ّ مثانين ّيات القرن املايض .كان حبيب الصايغ منوذجاً للشاعر ال ّربي ،الصارخ بأكرث من حنجرة .وقد تطورت يف هذه الفرتة دولة اإلمارات .ومنذ البداية أخذ الشاعر اإلمارايت عىل عاتقه الكتابة لإلنسان الجديد يف اإلمارات ،صانع الحياة ،وصاحب هذه التّح ّوالت الجديدة. مع انقضاء حقبة الثامنين ّيات أطلّت عىل املشهد الشعري 62
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
تطورت دولة اإلمارات ،ومنذ البداية أخذ الشاعر اإلماراتي على عاتقه الكتابة لإلنسان الجديد في اإلمارات ،صانع الحياة ،وصاحب هذه التّح ّوالت الجديدة
االتحاد والشعر
كان المغفور له بإذن اهلل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان شاعر ًا محب ًا للشعر وأهله ،وفتح للشعر منابر كثيرة ،ونال الشعر في عهده دعما غير محدود
كثرية ،ونال الشعر يف عهده دعام غري محدود حتى أنه عاش عرصه الذهبي ،وقام بعض الباحثني بعملية التدوين والتوثيق ومنهم أذكر أحمد أمني املدين ،والباحث حمد خليفه أبو شهاب ،وحامد الخاطري ،وعيل املطرويش، وغسان الحسن ،وبالل البدور ،وغريهم من الباحثني، كام كان للمؤسسات الثقافية دور يف تفعيل تواجد
يف اإلمارات كوكبة جميلة من الشعراء ،نذكر منها أحمد راشد ثاين ،وعبد العزيز جاسم ،وإبراهيم محمد إبراهيم، وطالل سامل ،وآخرين .وإذا كان ال ب ّد لنا من الحديث عن هذه املوجة الجديدة من الشعراء ،فإ ّن أوىل املالحظات التي تستدعي االنتباه هي أ ّن هؤالء الشعراء قد بدأوا الكتابة من النقطة التي وصلت إليها القصيدة العربية يف األقطار العربية األخرى كالشام والعراق ومرص .وربمّ ا السبب يف ذلك إىل انخراط هؤالء الشعراء يف الحركة يعود ّ الشعرية العربية نفسها ،ويف املشاغل الشعرية نفسها، وتأث ّرهم بنفس اآلباء الشّ عريّني. املالحظة األخرى التي ميكن أن نتناولها تتعلّق باملناخات فكل املختلفة ،أو املتباينة ،يف تجارب هؤالء الشعراءّ ، الخاصة يف الشعر التي تختلف عن ظالل منهم له ظالله ّ الشعراء اآلخرين .وتلك الظالل ال تشمل فقط الشكل الشعري ،وإنمّ ا األسلوب والبنية واإليقاع. هناك سؤال مه ّم يتصل بالشعر اإلمارايت الحديث ،وهو:
الشعر من خالل إقامة األمسيات والندوات ،وساهمت املالحق الشعرية املختلفة مثل ملحق فجر الشعراء الذي صدر عن جريدة الفجر ،وملحق حرب وورق عن جريدة الوحدة ،وغريها من املنابر اإلعالمية يف تشجيع الشعراء عىل النرش والتنافس ،وكانت هناك جلسات أشبه بالنقدية صححت مسار كثري من التجارب الشعرية ،ثم تواصل هذا الدعم من قبل معظم شيوخ اإلمارات الذين كتب بعضهم الشعر وبعضهم أحبه وشجعه أمثال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي وسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وسمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم وسمو الشيخ هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان وغريهم من الشيوخ الذين دعموا مسرية الشعر حتى يومنا الحايل.
كيف واجه هذا الشّ عر ما ميكن أن أس ّميه ،بعملية حرق املراحل التي متّت ،عىل مستوى بناء الدولة الحديثة؟ فث ّمة انطالقة صاروخيّة منذ بدايات السبعينيّات حتى اآلن ،نقلت املجتمع من أجواء البادية إىل أجواء الحداثة والتطور. مماّ ال ّ شك فيه أ ّن الشّ عر ال يتح ّرك يف فراغ ،ولذلك فهو منذ البداية اصطدم بهذه الظّاهرة ،وحاول أن يقاربها، وهنا انقسم الشّ عراء اإلماراتيون إزاءها إىل قسمني: القسم األ ّول :وهو القسم الذي مل يستوعب هذه ال ّنقلة وظل يكتب الكبرية ،فانسحب إىل عوامل املايض البسيطةّ ، قصائده تحت وقع الحنني. القسم الثّاين :هذا القسم من الشعراء اشتبك مع الظّاهرة ،ووضع نصب عينيه ما يحدث لإلنسان ج ّراء هذه املتغيرّ ات السرّ يعة ،ومن هنا نرى أجواء االغرتاب التي تحفل بها قصائد هذا الطّائفة من الشعراء ،كام نرى مناخات الحرية التي تتح ّرك فيها نصوصهم. issue (7)- December - 2012
63
ملف
إبراهيم اليوسف
مالمح القصيدة اإلماراتية ومساراتها ال ميكن النظر إىل الشعر اإلمارايت ،إال ضمن مرحلتني زمانيتني ،أوالهام ،ما أصطلح عليه النقاد ،مبرحلة ما قبل تأسيس االتحاد اإلمارايت ،يف مطلع سبعينيات القرن املايض، ولعل هذا الخط الفاصل، ومرحلة ما بعد تأسيس االتحادّ . بني هاتني املرحلتني يتجىل ،عىل املستوى الفني ،بشكل واضح جدا ً ،وإن كنا لنجد -يف حاالت كثرية -التداخل بني نيص املرحلتني ،حتى يف تجربة الشاعر الواحد ،إذ نجده يكتب تحت تأثري سطوة أدوات قصيدته القدمية، بيد أن التبدالت التي يشهدها الواقع املعيش ،تنعكس بدورها عىل فضاء قصيدته ،لنكون يف التايل أمام قصيدة تتجاذبها روح موزعة ،بني اتجاهني ،هام اللحظة املنرصمة، وشقيقتها التي تواكب اللحظة الحالية ،وهي تسري بثقة، صوب املستقبل. وإذا كانت قصيدة الشاعر اإلمارايت ،يف مرحلة ما قبل التبدالت الهائلة التي شهدها املكان اإلمارايت ،ال ّ تنفك البتة عن فضاء القصيدة التقليدية ،طقوساً ،ودالالت، وعامرة ،ولغة ،بل تتامهى معها ،وذلك ألنها استطاعت أن تعيش يف حرز عن التبدالت التي متت يف أمهات العواصم العربية الثقافية ،آنذاك ،مثل بغداد ،ودمشق، وبريوت ،والقاهرة ،وغريها من العواصم العربية الثقافية املامثلة التي كانت لها سطواتها عىل حركة الشعر الجديد ،واستطاعت -آنذاك -أن تلحق بركب القصيدة عىل نحو عاملي ،السيام وأن سؤال الحداثة ،كان يف أوج تفاعالته ،وكان للشعر رونقه ،وألقه ،وتأثريه ،وكان الشاعر اليفتأ يجرتح أثره الخاص ،يف ما ينجزه ،لنكون أمام أسامء عاملية ،كانت تقرأ عربياً ،عرب قناة الرتجمة، وتجد امتدادا ً لها ،عرب أصوات عدد من رادة الحداثة، عربياً ،هؤالء الذين استطاع كثريون منهم أن يحقق 64
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
خصيصة ثنائية التجاوز ،وهي تجاوز الذات واآلخر ،من خالل التطرق إىل ما هو بكر ،غري مسبوق ،وغري محتذى من قبل ،وما أسامء أنيس الحاج ،وأدونيس ،ومحمد املاغوط -عىل سبيل املثال -إال بعضاً من كوكبة األسامء التي اشتغل كل منها ،يف مختربها اإلبداعي ،لتمنح القصيدة بعضاً من روحها ،ومالمحها ،غري املستنسخة مع رائحة ومالمح أحد. يف هذه الفرتة -تحديدا -كانت القصيدة اإلماراتية، وعرب أسامء عدد من رادتها ،تنش ُّد إىل بيئتها ،وفضائها الخاصني ،مركزة عىل الوظيفة التي تؤديها القصيدة، عادة ،يف مجتمع كهذا ،محكوم بظروفه الخاصة ،وثقافته الخاصة ،حيث تنافسه القصيدة املحكية ،إىل منابره، البدائية ،بيد أنها تتسلح بإرث هائل ،ميتد زمانياً ،إىل ما اصطلح عليه بالعصور املتتالية ،يف مرحلة ما قبل اإلسالم، وما بعده ،عىل امتداد رشيط زماين من بضعة عرش قرناً، يف أقل تقدير ،وعىل اختالف التسميات التحقيبية التي ليظل الجامع بينها، تتوزع كل مرحلة منها عىل حدةَّ ، تخل تقديم ما هو معريف ،عىل نحو واضح ،ومن دون أي ِّ عن عمود القصيدة الفقري ،وجملته العصبية ،وروحه، حيث الوفاء للوزن ،واملفردة ،والصورة ،واألغراض ،وغري ذلك ،من األدوات التي دأبت القصيدة عليها ،تقرأ عىل شفاهي ،يف هذا املجلس مسامع جمهورها ،عىل نحو ِّ
استطاعت األسماء الشعرية التي ظهرت ،مع بداية انطالقة االتحاد، أو تلك التي كانت موجودة -من قبل -أن تواكب األسئلة ،والتحديات الجديدة ،السيما وأن المهمات المترتبة على الشاعر ،كانت جد كبيرة
االتحاد والشعر
التقليدي منها ،والتفعييل ،والنرثي ،بل إن الحدود ا َّمحت الثقايف ،أو ذاك ،وهي محكومة بحدود الصحراء ،التي ترضب حولها ،ويكاد البحر الذي يجاوره ،يشغله ،بأسئلته بني نيص التفعيلة والنرث ،عند كثريين منهم ،حيث تبادال الخاصة ،من دون أن يتحول إىل وسيلة ،يتفاعل بوساطتها ،التأثري ،ليكون عقد الثامنينيات منطلق القصيدة ،ليس خليجي ،وعر ِّيب ،يف يف هذا املكان وحده ،بل عىل نحو مع متلقيه ،ولعله كان لعلو نربة الشعر الشعبي -يف ِّ وقت واحد ،مستفيدة من تزايد وسائل النرش واإلعالم، الغالب -أثره يف مثل هذه االنكفاءة التي يتعرض لها، واالهتامم الذي تم بالحياة الثقافية. وهو ما كان يدفعه ،يف حاالت كثرية ،أن يلجأ إىل هذه وحقيقة ،فإن حركة الشعر ،قد استطاعت أن تقطع القصيدة نفسها ،يحملها رؤيته ،ولواعج ذاته املتأججة، أشواطاً كبرية ،وتحقِّق إنجازات ملحوظة ،عىل أيدي عدد وهي تستقرئ كل يشء من حولها ،دون أن تستطيع من شعرائها الذين رسعان ما ملعت أسامؤهم ،من خالل توسيع دائرتها ،لألسباب التي كانت تكبح -باستمرار - منجزهم اإلبداعي ،يك يستطيع الشاعر أن يكون لسان توقه إىل توسيع دائرته ،والتفاعل مع فضائه الشعري أهله اإلبداعي ،وإن كانت رسالة الجامل ،التي يقدمها العريب األوسع!.... أي شاعر يف وطنه ،ال ّ تنفك عن الجانب املعريف ،وهو ما وإن ما سمي ب»الطفرة النفطية» كان له تأثريه عىل يجعل الحاجة إىل الشاعر ،كبرية ،ويف تزايد دائم ،وإنه ال الحياة العامة ،للبالد ،ألنها وضعته عىل مفرتق طرق، واضح ،لكل من يريد استقراء التجربة ،عىل امتداد العقود ميكن االستغناء عنه ،مهام ظهرت هناك بدائل ،وخيارات القريبة املاضية ،هذه العقود التي جعلت من هذا املكان ،إبداعية جاملية. يف قلب خريطة املنطقة ،وكان حرياً بالحياة الثقافية ،أن تؤسس نفسها ،ومن جديد ،مبا يتناسب هذه التحوالت الكربى التي شهدها املكان ،وكان هذا عبارة عن تحد كبري عبدالله السبب أمام اإلبداع اإلمارايت ،عامة ،واإلبداع الشعري ،خاصة، امتداد وانتشار الصوت وهوما انتبه إليه عدد من الشعراء ،بروح عالية من الشعر اإلماراتي املسؤولية اإلبداعية. و هكذا ،فقد استطاعت األسامء الشعرية التي ظهرت، مع بداية انطالقة االتحاد ،أو تلك التي كانت موجودة- القصيدة العربية ممتدة منذ نشوء من قبل -أن تواكب األسئلة ،والتحديات الجديدة ،السيام اللغة وتكونها أبجدياً ومامرستها تطبيقاً لغويا يف حياة وأن املهامت املرتتبة عىل الشاعر ،كانت جد كبرية ،عىل التخاطب اليومي ،وحتى ما بعد هذا اليوم الذي صارت اعتباره يحمل جزءا ً من املسؤولية الحضارية ،والوطنية، للغة فيه ألسنة بصيغ عربية وغري عربية .وقد طافت لذلك ،فإنه كان يعمل يف االتجاهات كلها ،يك يكون صوت هذه القصيدة بقوافيها أمامً وبلداناً ،وتآخت مع قصائد مكانه ،وصوت إنسانه ،وصوت أمله ،ووجعه ،وصوت أخرى من كل بالد الكون. حلمه ،عىل حد سواء. القصيدة يف إمارات الخليج العريب ،منذ بداياتها وحتى وميكن اإلشارة ،إىل أن نهاية سبعينيات القرن املايض، اتحادها يف دولة يشار إليها بالبنان ،مرت بقنوات ومطلع مثانينياته ،شهدا توجهاً الفتاً من قبل أصوات ومراحل تراوحت بني املحلية يف بيئتها الشعرية الداخلية، شعرية كثرية ،إىل عامل الحداثة ،حني شقت قصيدة وتغريدها يف بيئة الشعر الخارجة عن حدود الجغرافيا. التفعيلة التي ولدت يف هذه املرحلة ،طريقها ،إىل جانب ولعلنا هنا نشري إىل مسألة الصوت الشعري اإلمارايت، بواكري القصائد النرثية التي باتت تتأصل تدريجياً، مهام كانت أبجدية قصائده ،ومهام كانت أغراض الشعر ليكون عقد الثامنينات ملتقى لألشكال الشعرية الثالثة: لديه ،والتي ميكننا بكل يرس وسهولة تطبيقها واقعاً issue (7)- December - 2012
65
ملف
ملموساً يف قصيدة التفعيلية والقصيدة النرثية كام يف واملواد البحثية املختلفة وصنوف عديدة من العلوم واملعارف. القصيدة الكالسيكية العمودية أو ما إىل ذلك من مدارس وأوالً وأخريا ً ،بفضل انتشار الكتاب الورقي عرب دور النرش الشعر وتصنيفاته .هذا الصوت الشعري الذي كان متاحاً العديدة ،املحلية منها والعربية .ولعلنا نلفت االنتباه هنا إىل ومتواجدا ً يف املشهد الشعري الخليجي ،وبخاصة من االهتامم الذي لقيته القصيدة املحلية يف بداية عهد الدولة االتحادية ،بشتى صورها ،عرب برامج تلفزيونية معنية بشعراء خالل الشعر املحيل ومنه العامي أو النبطي أو املوال القبائل أو بالشعر الشعبي ،وكذلك من خالل ما أفردته لها البحري أو الشالت الشعرية البدوية .هو اليوم موجود صفحات من الجرائد املحلية .ما جعل أكرث من ذي قبل، القصيدة الشعبية يف اإلمارات تنطلق بفضل دعم الدولة إىل آفاق أرحب وأوسع ،وجعلها له ،ووسائل اإلعالم القصيدة اإلماراتية ،أخذت تغرد خارج رسب املحلية لتطري إىل املختلفة واملتعددة، آفاق املشهد الخليجي والعريب ،وقد وبفضل الربامج تشق لها طريق ًا واسع ًا في ساعد ذلك يف انتشار الشعر الغنايئ األدبية والثقافية العربي الشعري المشهد آفاق اإلمارايت يف األوساط الفنية الخارجية، العامة ،وبفضل الخليجية منها والعربية .وأخذت االنتشار الواسع والعالمي معا .وقد فرضت القصيدة اإلماراتية بشتى أشكالها للشبكة اإللكرتونية حضورها ،وأصبح كتابها من أبرز تصل إىل القارئ الخليجي ثم العريب، التي ساهمت، وتكشفت أسامء شعرية إماراتية مهمة يف نرش القصيدة العرب والشعراء الكتاب استطاعت أن تتقدم املشهد الشعري والقصة والرواية العريب. واملرسحية واملقالة 66
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
االتحاد والشعر
املسابقة الشعرية التي تنظمها وزارة الثقافة والشباب نشري أيضا ،إىل الدور الذي لعبته املؤسسات الثقافية وتنمية املجتمع ،وهي «جائزة الربدة» ،وكذلك «مسابقة يف الدولة بعد قيام االتحاد ،من اجل دفع الكتاب إىل اللغز» التي يرشف عليها ويطرح أسئلتها الشعرية ويدير يدي القارئ أينام كان متواجدا عىل الخريطة الجغرافية دفتها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم العاملية ،وهنا نذهب إىل اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم ديب رعاه كمثال ليس وحيدا ً يف ميدان العمل لدعم ونرش األدب املحيل ،حيث يالحظ اهتاممه من خالل إصداره الشعري الله .إضافة إىل الكثري من املشاريع الشعرية التي انطلقت من أرض اإلمارات وأسهمت يف إيصال القصيدة اإلماراتية. األول «قصائد من اإلمارات» لنخبة من شعراء اإلمارات يف منتصف الثامنينيات ،والشعراء الذين ظهروا يف املشهد من هنا ،ومن أشياء كثرية ال تعد وال تحىص ،ميكننا القول الشعري املحيل من بعد تلك الحقبة الزمنية ،تجاوزوا ذلك بأن القصيدة العربية اإلماراتية ،أخذت تشق لها طريقاً الرقم الذي تضمنه الكتاب ،ومن هؤالء من برز يف املشهد واسعاً يف آفاق املشهد الشعري العريب والعاملي معا .وقد فرضت حضورها ،وأصبحوا كتابها معروفني لدى جمهور الشعري العريب والعاملي ،حيث ترجمت لهم قصائد إىل الشعر العريب ،وقد استطاعت اإلمارات يف العقد األخري أن لغات عاملية حية ،وتواجدوا بقوة الشعر يف األمسيات تكون منصة الشعر ،عرب العديد من املهرجانات والجوائز واملهرجانات الشعرية املختلفة. التي تعد األهم عربيا ،وهذا كله بفضل العمل املؤسيس وأؤكد عىل ما حققته الربامج واملسابقات الشعرية التي الذي بدأت الدولة تطبيقه بعد قيام االتحاد بني االمارات انطلقت من اإلمارات يف سبيل رفد املشهد الشعري السبع .ولعل هذا االنجاز الذي وحد الوطن قد وحد وتعزيز حضور الشعري املحيل والعريب ،وأشري هنا عىل سبيل املثال ال الحرص إىل برنامجني شعريني حظيا مؤخرا العمل أيضا من أجل البناء والتقدم وتقديم صورة مرشقة عن اإلمارات يف شتى الحقول واملجاالت بحضور الفت عىل مستوى الوطن العريب هام :برنامج «أمري الشعراء» ،وبرنامج «شاعر املليون» .باإلضافة إىل issue (7)- December - 2012
67
حوار
رفعت سالم
كنت أجيرا عند بودلير ورامبو ً عسيرة وترجمت نصوص ًا تدين الساحة الثقافية للشاعر والمترجم المصري رفعت سالم بعديد الترجمات التي كان بعضها تراجم أولية في مصر لشعراء كـ«بوشكين» و«ليرمونتوف» ،فضالً عن جهده األكبر في جمع وترجمة األعمال
الكاملة ألبرز رواد الحداثة الشعرية« ،بودلير» و «كفافيس» و «رامبو» .ويدين رفعت سالم لهذه الساحة بانتقادات وصلت إلى حد التشكيك في ترجماته والتهوين من شأنها ،لكن جميعها لم يصل لحد السجال الثقافي ،والتصق بخانة النمائم والشائعات .وعلى إثر ترجمته األخيرة لألعمال الكاملة لـ«رامبو» التي ً ً متوقفة عند تجربته التي بدأت مؤخرا بصدورها ،تحاور «بيت الشعر» سالم «المترجم »، ٌاحتفت القاهرة
منذ الثمانينيات
حوار :عزة حسين
االضطالع برتجمة الشعر عمل أصعب من الشعر ذاته ،قبل الرشوع يف أول ترجم ٍة ومع تكرار املشاريع هل تتوقف أمام تلك الحقيقة؟ ■ بالطبع .ترجمة الشعر مختلفة بدرجة كبرية ،ألنك حينام تكتبني قصيد ًة فأنت حرة يف ذلك حري ًة مطلقة، أما يف الرتجمة فبيني وبني القارئ اتفاق ضمني ،يقيض بأنني أقدم له تجربة الشاعر اآلخر وليست تجربتي أنا. املشكلة يف ترجمة الشعر ،أال يستطيع املرتجم الفصل بني ما يريد هو أن يكتبه وبني ما كتبه الشاعر األصيل، فتختلط األمور ألنه مل يضبط املسافة الفاصلة بينه وبني النص ،فتقرئني النص املرتجم دون أن تالحظي أنه إنتاج مشرتك بني االثنني ،بينام االتفاق الضمني أن القارئ الذي اشرتى «رامبو» هو يف الحقيقة ال يريد أن يقرأ سوى «رامبو» وليكتب رفعت سالم نصه هو. ما رس هذا الجدل املتجدد حول ترجامتك ،وهل ميكن 68
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أن يكون اآلخر دامئاً عىل خطأ؟ ■ أتذكر هنا اإلهداء الذي كتبه طه حسني يف صدر روايته «املعذبون يف األرض»« :إىل الذين ال يعملون ويسيئهم أن يعمل اآلخرون» .لقد كونت نفيس بنفيس يف اللغتني اإلنجليزية والفرنسية ،و عندما ترجمت
ال أمسك مسدس ًا للقارئ إلجباره على شراء كتبي ،وإليك مفارقة، أن عمل «كفافيس» اليوناني المترجم عن اإلنجليزية نفدت منه خمسة آالف نسخة خالل 48ساعة
رفعت سالم
ترجمة كاظم جهاد لرامبو ينقصها على األقل ثالثون نص ًا ،هو يشير إلى ذلك إشارات غامضة في بعض ٍ المواضع في مقدمته
«بوشكني» للمرة األوىل كنت أترجمه لنفيس كطريقة مثىل للتعرف عىل هذا الشاعر الكبري ،الذي مل تكن هناك ترجامت عربية له ،وكان األيرس أن أحتفظ بتلك املعرفة لنفيس ،لكن ما حدث أن الرتجمة األهم لـ«بوشكني» يف املكتبة العربية هي ترجمتي ،الرتجمة الوحيدة لـ»مايكوفسيك» أنا صاحبها ،وكذلك «لريمونتوف» الذي كان ثاين الشعراء الروس بعد «بوشكني» ،ومل يكن معروفاً لدينا سوى كروايئ بروايته الوحيدة «رجل هذا الزمان» ،وأخريا ً األعامل الكاملة لـ«بودلري» و«رامبو»، و«كفافيس» الذي تطبع أعامله الكاملة ألول مرة ،مرفقة باكتشاف قصائد له تنرش ألول مرة بالعربية هي قصائد النرث ،وهي نادرا ً ما تكون متاحة حتى باملراجع األجنبية، أي من هذه ثم لآلن مل يكتب أحد مقاالً رصيناً يف نقد ٍ الرتجامت ألفهم ما املشكلة ،أما الشائعات فال شأن يل بها، حينام أرى مقاالً ميكن وقتها أن نتناقش ،هناك حوارات، تغطيات صحفية ،تهاين شخصية واحتفالية لكن ليس
هناك مقاالت نقدية. ليكن عىل من ينتقدون هذه الرتجامت أن يقدموا النقيض ،أن يتوقفوا عند أخطايئ ويفندوها يك أستفيد من مالحظاتهم أو أرد عليها. ضمن االنتقادات املوجهة إليك أن ترجامتك تتم عن لغات وسيطة وليس لغات النصوص األصلية ما يرتك مساح ًة لاللتباس ! ■ ترجمتا «رامبو» و«بودلري» ليستا عن لغات وسيطة، الرتجامت الروسية واليونانية هي التي استخدمت فيها اإلنجليزية ،وملن مل يعجبه ذلك :أنا مل أمنع أحدا ً من الرتجمة عن اللغات األصلية ،كام أنني ال أمسك مسدساً للقارئ إلجباره عىل رشاء كتبي ،وإليك مفارقة ،أن «كفافيس» اليوناين املرتجم عن اإلنجليزية نفدت منه خمسة آالف نسخة خالل 48ساعة ،طبقاً لهيئة قصور الثقافة النارشة. أيضاً ،ضمن ما يعزز الجدل أن بعض ترجامتك هي issue (7)- December - 2012
69
حوار
كوين قارئ يعرف الفرنسية أوال. ألعامل لها ترجامت أص ًال وألسامء ليست قليلة ،مثل «رامبو» الذي سبقته ترجمة وافية للشاعر العراقي كاظم إذن من أين تأيت تلك التفاوتات عىل مستوى اختيار املفردة /الجملة وترتيبها وإيقاعها الداخيل بني ترجامتك جهاد ،وقبلها ترجمة خليل الخوري. واآلخرين؟ ■ أوالً ترجمة خليل الخوري مختارات وليست أعامالً ■ هذه حساسية رفعت سالم .فقد اشتغلت أجريا ً كاملة ،أما ترجمة «جهاد» فينقصها عىل األقل ثالثون سواء عند بودلري أو رامبو خمس سنوات ،منحته كافة نصاً ،هو يشري إىل ذلك إشارات غامض ٍة يف بعض املواضع طاقايت وقدرايت الشخصية :القدرة عىل االستيعاب، يف مقدمته ،لكنه مل يحدد كم نصاً استبعد أو األسباب اإلحاطة الثقافية ،حساسيتي اللغوية ،استيعايب لنص املنهجية التي دفعت لذلك ،وبالتايل هذه ترجمة ليست اآلخر ،استيعايب ملرادفات اللغة العربية ،فضالً عن قدرايت كاملة ،هذا عىل مستوى الكم ،أما عىل مستوى الكيف، الخيالية ،واستيعايب للصورة الخيالية قبل أن أحولها إىل عندما يأيت مرتجم ليرتجم عمالً سبق ترجمته فهذا أمر صورة مكتوبة ،هذا الخيال هو خيال رفعت سالم ،لكني مرشوع وعادل ،فهناك أكرث من عرش ترجامت لـ»األرض ال أخلط ،وحريص يف نفس الوقت ،عىل أنني إمنا أعمل الخراب» إلليوت ،ود .حسن عثامن رصد أكرث من 70 أجريا ً بكل رضاي وبكل محبة عند بودلري ،فال أترك ثغر ًة ترجمة إنجليزية لـ»الكوميديا اإللهية» لدانتي ،لكننا واحدة لرفعت سالم للتدخل خارج النص الذي كتبه لألسف ال نفهم األمر ،ونقول كالماً تناقضه املامرسات، بودلري ،وبالتايل جاء وصف د .سيزا قاسم يف احتفائها فنقول إن النص الشعري حامل أوجه ومتعدد ،وهذه بكتاب بودلري :إن رفعت سالم شف البنية اللغوية لبودلري، التعددية يف التلقي ،برشط أن يكون النص ثرياً ،تنتج تعددي ًة يف الرتجمة ،ألن الرتجمة يف نهاية األمر هي تأويل .وبالطبع كلمة شف هنا بالرضورة ال تعني الرتجمة الحرفية ،ألن هذه األخرية عندما تحدث يف الشعر ،فهي ترجامتك وانتقاداتها تيش أنك منارص ملقولة إن الرتجمة الحرفية خيانة للنص لحد أنك تفرض عىل النص حمولتك بالضبط مثل شخص ميضغ شيئاً جميالً يتخلله الحىص. الشعرية الخاصة ،ما تعليقك عىل ذلك ؟ أفهم أنك بعيد عن الرتجمة الحرفية لدرجة أن بعضهم يتهمك باالنحياز للشعرية أكرث ■ مطلقاً ،ألنه أوالً ليس مثة من الدقة.. ترجمة حرفية يف الشعر ،أما ■ فليأتوا إذن باملواضع التي الخيانة كام أعرفها فهي إذا لآلن لم يكتب أحد ضبطوين خرجت فيها عن الدقة، كنت قارئة اشرتت «بودلري» فإن املسألة أن الناس اعتادت عىل امليثاق الرسي بيني وبينك هو ً ً أي مقاال رصينا في نقد ٍ جرش الحىص راضني عىل مدى أن تجدي «بودلري» وال تجدي من ترجماتي ألفهم ما سنوات ،وعندما جاءهم من يحل رفعت سالم ،فإذا ما وجدت املشكلة فوجئوا فصار هو املتهم، اختالطاً بني «بودلري» ورفعت المشكلة ،أما الشائعات من يريد القول بأنني خرجت عن سالم فأنا كمرتجم من سيقول إن نص بودلري أو رامبو أو ريتسوس هذه خيانة. فال تهمني ،وحينما أرى أو غريه يقلها يل حرفياً ،أن الشاعر لكن هذا املستوى من التلقي ذاك المقال يمكن أن قال هذا وأنت قلت غريه. يفرتض قارئاً قرأ بودلري بالفرنسية يلفت البعض أحياناً تصديك ثم العربية. نتناقش ألعامل املبدعني الفرانكوفون.. هذا هو ما بداخيل ،وما أنا رغم أنك أقل فرانكوفونية من حريص عليه بغض النظر عن غالبية املرتجمني رمبا الذين 70
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
رفعت سالم
تجربة الحداثة نقلت فيما نقلت التجربة الشعرية كلها من عالم إلى عالم من بينها اللغة ،وغيرها من المعايير
مستوى آخر من العبث الشعري أن رامبو كان يعبث ضد شاركوك ترجمة نفس األسامء ككاظم جهاد مث ًال ؟ شعراء آخرين عرب تبني طريقة هؤالء الشعراء والسخرية ■ هذا ليس معيارا ً للحكم عىل يشء يف الرتجمة ،ألن منهم عىل طريقتهم ،وهذه النصوص مل يسبق ترجمتها املعيار يف النهاية هو مدى ما قدمه املرتجم من تجربة الشاعر اآلخر ،هل ما قدمه هو األقرب إىل تلك التجربة؟ وأنا عندما حاولت ترجمتها قلت عىل األقل أبذل مجهودا ً، األكرث شعرية؟ األكرث سالسة أم ال؟ وهل استطاع أن يحل حتى أكون صادقا عندما أقول إنني ترجمت األعامل اإلشكاليات التي يف عملية الرتجمة أم وقع يف بعض هذه الكاملة لهذا الشاعر ،وحتى أعطي فكر ًة للقارئ عن هذا النوع من العبث ،وأحيطه أيضاً بإضاءات حول هذه اإلشكاليات؟ عىل سبيل املثال ،ما ال يلتفت إليه الكثري التجربة وخصوصيتها لدى هذا الشاعر الكبري. من املرتجمني ،وهذا واجهته يف ترجمتي كفافيس ،ثم ً أخريا مالعالقة بني «إرشاقات رفعت سالم» و»إرشاقات بودلري ،ورامبو بدرجة أقل ،حينام أتصدى ألحد هؤالء الثالثة فال بد أن أدرك بشكل عميق أنهم مؤسسو الحداثة رامبو»؟ ■ لقد كتبت إرشاقات رفعت سالم قبل أن أقرأ إرشاقات الشعرية ،وهو ما يرتتب عليه مسؤولية ان أعي أن بنية الصورة املستخدمة ليست رومانتيكية ،وليست تقليدية ،رامبو ،وبينهام اختالف كبري ،وقد اختلط يف ذهني يف وال ينبغي أن أمألها برطانة لغوية قدمية ،وألفاظاً عيل أن ذلك الحني ما بني إرشاقات رامبو وإرشاقات الصوفية، هذا الحلول ،وهذا املزج ،وأن العامل واحد ،وبالتايل ميكن أرشحها ،أو يضطر القارئ للبحث عنها يف القاموس ،ألن للمريد أن يكون الشيخ يف نفس الوقت ،وإذن ملاذا نضع تجربة الحداثة نقلت فيام نقلت التجربة الشعرية كلها فاصلة ،أو نقطة يف نهاية الجملة ،فأين تبدأ الجملة وأين من عامل إىل عامل من بينها اللغة ،وغريها من املعايري. تنتهي هذه مسألة تتوقف عىل قراءتك أنت ،وقييس عىل أي أعاملك املرتجمة كان عصياً ومجهدا أكرث يف الرتجمة؟ ذلك التفاصيل األخرى ،وحدة العامل ،وحدة الزمن ،وغريها ■ يف الحقيقة كانت هناك نصوص عسرية جدا ً عند من العنارص الدورانية ،التي تشكل إرشاقات رفعت سالم، رامبو ،هي تلك التي استبعدها كاظم جهاد ،وهي تكاد تكون مستحيلة الرتجمة ،ألن الشاعر كان خاللها يعبث التي هي بالطبع مختلفة عن إرشاقات رامبو باللغة ،فيام يدخل يف التالعب بالجناس اللفظي ،وبالتايل الجناس اللفظي يف الرتجمة ال ميكن نقله ،فضالً عن issue (7)- December - 2012
71
سجال
كاظم جهاد
الصفحات التي لم اترجمها من رامبو تندرج في هوامش الشعر الشاعر العراقي كاظم جهاد كان أول من قدم ترجمة وافية وشاملة للشاعر الفرنسي آرثر رامبو ،وهو هنا يساجل مع الشاعر والمترجم رفعت سلاّ م صاحب آخر ترجمة للشاعر الفرنسي الذي تعد الكثير من
نصوصه عصية على الترجمة
كاظم جهاد
ال
يسعني وأنا أكتب هذه الكلمة لتوضيح ما ورد يف املحاورة املنشورة يف هذا العدد مع رفعت سالم بخصوص بعض عنارص ترجمتي لآلثار الشعريّة لرامبو إالّ أن أتو ّجه بجزيل الشكر إىل مجلّة «بيت الشعر» لدعوتها إيّاي إىل الر ّد يف العدد نفسه الذي ت ُنرش فيه املحاورة .كام أتو ّجه بشكر مامثل إىل امل ُحاوِرة ع ّزة حسني ال ألنّها ذكرتني يف أكرث من سؤال ،وهذا بح ّد ذاته لطف منها ،بل ألنّها حرصت حرصاً بيّناً عىل إقامة موضوعي وهادئ مل تس َع فيه كام يفعل صحفيّون حوار ّ كثار إىل تحريض األدباء بعضهم ض ّد البعض اآلخر عمالً مبعايري صحافة اإلثارة القامئة بطبيعتها عىل الثلب والسلب .والشكر يشمل أيضاً ،وبطبيعة الحال ،رفعت سالم نفسه ،ألنّه يق ّر يف أجوبته بوجود اآلخرين ،ويجهد يف التحليّ مبوضوعيّة وأمانة يف الكالم عنهم ،ويع ّول يف استخدام الكلامت عىل نبالة كنت أو ّد له وأمت ّنى منه أن يذهب فيها إىل أقصاها .فالحال أنّه ،وراء التعبري الهادئ واملتوخّي الحياد واملوضوع ّية ،مث ّة يف أجوبة سالم ،لشديد األسف ،شقوق أو مطبّات تن ّم عن قلق مسترت ،ودفاع عن الذات ،وعن رغبة ال تكاد تخفى يف محو تجارب اآلخرين. 72
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
عملية تسلل
جاء يف أحد أجوبة رفعت سالم ...« :أ ّما ترجمة «جهاد» فينقصها عىل األقل ثالثون نصاً ،هو يشري إىل ذلك إشارات غامض ٍة يف بعض املواضع يف مقدمته ،لكنه مل يحدد كم نصاً استبعد أو األسباب املنهجية التي دفعت لذلك». ويف موضع آخر من املحاورة يضيف « :يف الحقيقة كانت هناك نصوص عسرية جدا ً عند رامبو ،هي تلك التي استبعدها كاظم جهاد ،وهي تكاد تكون مستحيلة الرتجمة»... وعىل كونه يتكلّم عماّ يف هذه القصائد من جناس وسواه، ال يشخّص طبيعة املحذوفات املفرتضة وال مكانها من يل لرامبو .يتكتّم ،خصوصاً ،عىل كوين العمل الكليّ ّ أو الفع ّ وضعت من قبل ترجمة كاملة لهذه الصفحات التي يضعها أغلب العارفني بشعر رامبو إن مل أقل كلّهم يف الهامش من عمله ،هامش سأتوقّف أمامه يف ما يأيت وأعود إليه .نعم ،لقد ترجمتها من قبل كامل ًة يف ترجمتي األوىل آلثار رامبو الشعرية، الصادرة يف منشورات «دار املتنبي» ببريوت بالتعاون مع منظّمة اليونسكو بباريس يف
كاظم جهاد
،1997والتي جاءت ترجمتي الجديدة لآلثار نفسها، الصادرة يف منشورات «دار الجمل» ببريوت ومنشورات ترجمت آفاق يف القاهرة يف ،2007مبثابة تجاوز لها. ُ العنوان « » L’Album zutique يومذاك إىل» األلبوم الخالعي» (وهو العنوان الذي يتّضح من بعض املقاالت ّ ّجهت يف للدفرت ّخذه ت ا سالم رفعت أ ّن املعني) ،ث ّم ات ُ ّ الطبعة الجديدة ،رغم «خالعيّة» القصائد ،إىل صيغة العبثي» أل ّن اللفظة العاميّة « » ! Zut التي منها «األلبوم ّ اخرتع رامبو صفة « » zutique ال تتض ّمن معنى الخالعة بل االستخفاف والعبث .كام يتالعب رفعت بحقيقة كوين استعدت يف الرتجمة الجديدة مختارات من الصفحات املعنيّة م ّهدت إليها بحاشية كافية ووافية .معقّباً بادئ كتبت يف الحاشية األوىل كنت قد ُ ذي بدء عىل العنوانُ ، الشعري الصغري (ص الدفرت هذا لرتجمتي لصفحات من ّ 359من طبعة منشورات الجمل لرتجمتي آلثار رامبو الشعرية ،بريوت:)2007 ، «عىل هذه الشّ اكلة نرتجم العنوانAlbum Zutique: املستم ّد من املفردة ،! Zutالتي تعني «تبّاً» أو «سحقاً» وتتمتّع بشحنة عام ّية ،ولك ّن الصفة املج َرتحة منه ّ السخرية تحمل معنى ّ والعبث .وهو عنوان
ك ّراسة تهكميّة ومحاكاتيّة وض َع فيها رامبو وڤرلني وشعراء آخرون من مجموعة «البسطاء الوقحني»Les Villains ،bonshommesعىل سبيل ال ّدعابة والهجاء ،بعض املقطوعات الشّ عريّة عىل لسان شعراء آخرين كانوا مح ّط انتقادهمَ . شارك رامبو يف وضع هذا «األلبوم» يف األسابيع األخرية من ،1871وتغطّي مساهمته فيه دزينة الصفحات نرتجم منها هنا ما بدا لنا قابالً للفهم من ّ بعد الترّ جمة ،واضطررنا إىل إهامل مقطوعات قليلة ترتكّز دعابتها يف تلميحات شديدة التجذّر يف فرتة رامبو وتوظّف أسامء أعالم مل تعد تعني للمعارصين ،مبَن فيهم الصفحات الوحيدة الفرنسيّني ،شيئاً ذا بال .هذا يعني أ ّن ّ واملحدودة العدد التي مل نرتجمها من شعره إنمّ ا تندرج يف هوامش هذا الشّ عر أو يف ملحقاته .وترينا املقطوعات التّالية كيف كان رامبو ال يتنازل عن مهاراته الشّ عريّة وطبيعته التأمل ّية حتّى يف نصوصه املكتوبة بروح دعابة ومن أجل املرح والتفكّه ال غري .دعابة وتفكّه يعكسان أجواء امل َرح التي عاش فيها أثناء إقامته بباريس ،والتي رسعان ما سيكتشف هو فراغها وعقمها عىل صعيد الحق( .من أجل معلومات إضاف ّية عن هذا اإلبداع ّ
ترجمت العمل الكلّي لرامبو ،بمعنى العمل الناضج والذي تو ّجهه إرادة واعية أو صاحية من لدن الشاعر في التعبير عن ذاته والـتأسيس لشعر جديد
issue (7)- December - 2012
73
سجال
«األلبوم» وعن مجمل تجربة رامبو الباريس ّية ،أنظر مق ّدمة املرتجم)». وكام يرى القارئ يف نهاية الحاشية ،فث ّمة أيضاً يف تقدميي الشامل الذي يغطّي سبعني صفحة بالقطع الكبري معلومات أخرى عن هذا الدفرت ،فهل هذه «إشارات غامض ٍة يف بعض املواضع» كام يزعم رفعت سالم؟ ي ّدعي رفعت إذن أنّه أ ّول من ترجم هذا الدفرت الصغري، مع أ ّن ترجمتي األوىل ،رغم تجاوزي لها ،مل مت ّر مرور الكرام ،ومع أنّه هو نفسه عارف بها ،إذ سبق أن قرأت حوارا ً معه نُرش بعد صدورها وقبل صدور ترجمتي الجديدة بسنوات ،يعلن فيه عن ن ّيته يف ترجمة أشعار رامبو ويعلّق بإيجاز وبدون ذكر اسمي عىل ترجمتي تلك ،فكيف يريحه ضمريه إذ يقول إ ّن «هذه النصوص مل يسبق ترجمتها»؟ أ ّما عن خياري يف الرتجمة ،فقد ترجمت العمل الكليّ لرامبو ،مبعنى العمل الناضج والذي تو ّجهه إرادة واعية 74
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أو صاحية من لدن الشاعر يف التعبري عن ذاته والـتأسيس يل ،واملفردة لشعر جديد .إىل جانب هذا العمل الفع ّ األخرية أساسيّة ،هناك ما ميكن دعوته هوامش العمل شبه املق َحمة فيه ،ال بل حتّى «نوافله» و«زياداته» ،واملعذرة ملح ّبي عمل رامبو ،وأنا بالطّبع منهم ،إن كانت هذه حساسيتهم .هي زيادات أو وزوائد شبيهة املفردات تثري ّ الشعري ،والتي صنع منها بتلك التي لحقت عمل السيّاب ّ صاحب «دار العودة» مجلّدا ً كامالً سماّ ه املجلّد األ ّول من وزج فيه جميع محاوالت صباه أشعار الس ّياب الكاملة ّ الشعريّة التي ال تعدو يف أغلبها أن تكون متارين عروض ّية أو وجدان ّية .أو كام يف أشعار محمود درويش األخرية التي مل يتس ّن له أن ينهيها أو يراجعها ،والتي نُرشت بعد رحيله السجال أكرث مماّ أضافت إىل يف طبعة أثارت إشكاالتها من ّ الشعري العميق .مثل هذه األعامل تفيد هدير نشيده ّ التوثيق ال غري ،وقد بدا يل أ ّن التوثيق لصفحات رامبو هذه ميكن أن يتحقّق عرب اختيار أفضلها والكتابة عنها
كاظم جهاد
فإحدى مقطوعات رامبو هذه تتك ّون من سلسلة من نقديّاً .قد أكون أخطأت ،ولكن ملاذا أغفل رفعت سالم أسامء معارصيه من مخرتعني ومغامرين ومجرمني .هي اإلشارة إىل دوافعي املعلنة ،وكذلك إىل ترجمتي الكاملة معالجات ولدت يف ليايل سكر شديد تقاسمها وفرلني، لهذه الصفحات قبل سنوات؟ ملَ يا ترى «يتسلّل» مماّ الشعري بيشء يذكر وال يتوقّف وال يدين لها مجد رامبو يعتربه نواقص ،ضارباً بعرض الحائط تعلياليت النقديّة ملا ّ عندها محلّلو عمله إالّ من باب التوثيق وملزيد من أقوم به وإشارايت النزيهة والواضحة املو ّجهة للق ّراء؟ الطرافة .ومع ذلك فسأعاود إدراجها يف الطبعة القادمة بقت إىل ترجمتها يف صيغة دمت َس ُ من ترجمتي ،ما ُ طبعة جديدة كاملة منشورة قبل ما يقرب من عقد ونصف العقد من تعبت باألصل عىل قد أكون إذن أخطأت يف استبعاد ما ُ السنوات .سأفعل ذلك حتّى ال يجعل اآلخرون من غياب يحق لرفعت ترجمته ونرشته يف البدء كامالً ،ولكن ال ّ بعض صفحاتها كعب أخيل يتسلّلون منه لنسف ترجمتي رصف كام لو كنت أنا فارقت الحياة ،أو كام سالم أن يت ّ لو مل يعد باستطاعتي وضع طبعة جديدة لرتجمتي أب ّدد لرامبو وإلسباغ صفة الكامل والسبق عىل محاوالتهم وحدها .وأعرتف أ ّن يف وضعيّتي هذه قدرا ً من املأساويّة الصادقة بصدد هذا فيها إساءات الفهم املغرضة أو ّ كبريا ً :إذ كان يف مقدوري أن أنسخ ترجمتي القدمية نسخاً والحق ،فلقد جاء كالم العنرص من ترجمتي أو ذاك. ّ ِ لحظات ال غري ،لك ّنني مل أشأ لهذه الصفحات املكتوبة يف رفعت يف لحظة مناسبة متاماً ،هي لحظة نفاد الطبعة ٍ عبث وغري املمكنة القراءة من دون الحوايش أن تنحدر الثانية من ترجمتي الجديدة ألشعار رامبو ،وها أنا أع ّد الع ّدة لوضع طبعة جديدة ،أضيف إليها عديد الصفحات بعمل رامبو إىل مجال اإلسفاف .كنت أجهل أ ّن أكرث الناس منادا ًة باملوضوعية ميكن أن يسعوا إىل تسويغ أعاملهم، الجديدة الهادفة إىل فهم رامبو بقدر أكرب من اإلحاطة إن مل أقل تسويقها ،بتضخيم ما يع ّدونه «نقصاً» عند أو التع ّمق .فرتجمة كهذه هي عمل ال ينتهي .ولسوف اآلخرين. أستعيد فيها هذه الوريقات يف ترجمتها الكاملة وأعيد ال أقصد أ ّن رفعت سالم يسعى يف تعميق تأويلها مبا يتناسب ما يقول إىل تسويق عمله ،إالّ أ ّن ومقامها يف هامش العمل يل .ومن يراجع ترجمتي نيّة إعالء الذّات أو ّ الصنيع الذّايتّ الفع ّ إلى تعيدنا المسألة هذه بالغة الوضوح يف ترصيحاته. األوىل الكاملة والثانية وما أريد التأكيد عليه هو أ ّن الجزئية لهذه الصفحات أساسي ،هو موضوع ّ هذه املسألة تعيدنا إىل موضوع يجد أنّني وضعت لهام من أسايس ،هو هذا املتعلّق مبدى الحوايش ما يرفع عن هذه هذا المتعلّق بمدى حريّة ّ حريّة املرتجم وحدود مسؤوليّته وكل كل إشكال ّ الصفحات ّ ته ي مسؤول وحدود المترجم ّ النقديّة أمام ما يرتجم .هل عليه غموض ،فليس صحيحاً ما كل ما يجمعه النارشون، أن ينقل ّ يقوله رفعت عن استحالة النقديّة أمام ما يترجم. ألسباب توثيقية تار ًة وماديّة أو ترجمة هذه املقطوعات، هل عليه أن ينقل ّ انتفاعيّة تارة أخرى ،من نصوص بل بالعكس هي من أوضح كل ما ِ كتابات أديب؟ هل شاعر أو ما تهيّأ يل أن أترجمه من الناشرون؟ يجمعه كل ما تخطّه املبدع مبدع يف ّ شعر رامبو .سوى أ ّن هذا يداه؟ هل ينبغي أن متنعنا الوضوح ال يتحقّق إالّ بفضل خطورة عمل رامبو وعظمته الحوايش الكثرية والطويلة،
issue (7)- December - 2012
75
سجال
يعلمون أ ّن مسألة السالسة من التساؤل حول أهميّة ما يُنسب يف الرتجمة والوضوح الكامل إليه من «خربشات» وزيادات؟ وما واالنسياب املطلق أو األقىص للغة معنى اآلثار الكاملة لشاعر؟ هل هي النص بحيث وترجمة الرتجمة، كل ما د ّونته يداه ،يف لحظات الخلق ّ ّ يبدو كام لو كان األصل مكتوباً الشعري مثلام يف لحظات العبث ّ بالعربيّة ،هذه كلّها بقايا فهم و»الغياب»؟ إذا كان ذلك كذلك ،فلامذا عتيق للرتجمة تجاوزته نظريّاتها ومختصو النرش يف الغرب يفصل النقّاد ّ وأمناط مامرستها يف الغرب منذ يل أو الناضج وزوائد بني العمل الفع ّ للنص أن يبدو تريد كيف عقود. بالطبع أحد يقدر لن العمل أو نوافله؟ ّ كام لو كان مكتوباً بالعرب ّية وهو أن يتّهمنا هنا بالته ّرب من الطبيعة مكتوب بلغة أخرى؟ وكيف تريد الساخرة أو من اللّغة الرجيمة لهذه له أن يأيت يف عربيّة سلسلة وهو الصفحات .ذلك أ ّن عمل رامبو يف باألصل يناوئ السالسة وميارس أغلبه إن مل نقل كلّه ينضوي تحت لواء يف عباراته أو أبياته التفافات امل ُروق .ولو كان األمر كذلك ملا اقرتبنا وتعقيدات دالّة تقف هي وعنارص أخرى وراء اعتباره من عمل رامبو أصالً. من مث ّوري لغته ومن مط ّوري اللّغة الشعرية بعا ّمة؟ مسألة أخرى يف هذه املحاورة :يركّز رفعت سالم عىل مسألة «السالسة» يف الرتجمة ويذهب به رضاه عن نفسه إ ّن الحديث بهذا الصدد ليطول ،وسبق أن أطنبت يف «حصة الغريب – دراسة إىل ح ّد القول إ ّن «الناس اعتادت عىل جرش الحىص الكالم عنه أو عليه يف دراستي ّ يف شعرية الرتجمة وترجمة الشعر عند العرب» ،التي راضني عىل مدى سنوات ،وعندما جاءهم من يحل صدرت يف العام الفائت يف منشورات الجمل ،برتجمة عن املشكلة فوجئوا فصار هو املتّهم» .املقصود مبن «جاء الشاب مح ّمد أيت الفرنسية قام بها الفيلسوف املغر ّيب يحل املشكلة» هو رفعت نفسه طبعاً .فهل مبقدوره ّ ّ ح ّنا وراجعها املؤلّف. أن يزعم بكامل ارتياح ضمريه ومبوضوعية كاملة أ ّن عودا ً إىل كالم رفعت سالم ،من أجل االختتام ،أرى أنّه لو العربية يف مجال الرتجمة كانت تفتقر قبله إىل مثل كان يتوخّى مطلق األمانة لكان بإمكانه القول« :سبق أن ظل جميع من سبقوه يتخ ّبطون هذه السالسة؟ وهل ّ ترجم كاظم جهاد هذه الصفحات ث ّم اكتفى يف ترجمته يف مجاهل املعنى ووعورة العبارة حتّى جاء هو ووجد الجديدة آلثار رامبو الشعريّة بانتقاء بعض منها ،وليتَه السحري؟ سأكون أ ّول من يصفّق له إن كان األمر الحل ّ ّ أعاد نرشها جميعاً!» .هذا ما نراه يف أغلب املناقشات كذلك ،لكن يبدو يل أ ّن يف هذه الدعوى تخايالً كبريا ً .ث ّم ما معنى السالسة وما حدودها ،وخصوصاً ما مثنها؟ وعىل األدبيّة الب ّناءة ،يكمل فيها الكتّاب واملرتجمون بعضهم صنيع البعض بدل أن يخفوا ما ال ميكن إخفاؤه ،أال وهو افرتاض أ ّن لغته سلسلة فعالً أو سلسة دامئاً ،هل نال الوثيقة الناطقة واألثر املنشور .فهم إن عملوا بإسرتاتيج ّية رفعت سالم هذه السالسة التي يبدو جاعالً منها عالمته الخاصة أو «ماركة» سلعته الرتجميّة ،أقول هل نالها بفعل اإلخفاء والحذف هذه حكموا عىل أنفسهم وعىل صنيعهم ّ نضال دؤوب للحفاظ عىل معاين العمل وأشكاله يف آنٍ ذاته بالبقاء تحت طائلة الشّ بهة ومتعاظم الشّ كوك .وهذا معاً أم بالتضحية بقدر منها قد يكرب أو يصغر؟ إ ّن الزميلة ما ال نرجوه ال لرفعت سالم وال لسواه امل ُحاوِرة تشري إىل يشء من ذلك ،وأنا مل أطّلع عىل ترجمته ألديل برأيي يف هذا الشأن .ث ّم إ ّن كثريين من ق ّراء العرب ّية 76
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
مختارات
مختارات من شعر النساء في أميركا الالتينية اختارها وترجمها عن االسبانية :وليد السويركي
issue (7)- December - 2012
77
مختارات
دولسي ماريا لويناز
(كوبا)1997-1902 ،
أحد أبرز الشاعرات يف كوبا وأمريكا الالتينية يف القرن العرشين .بعد حصولها عىل درجة الدكتوراه يف القانون ،عملت كمحامية حتى العام . 1961نرشت مجموعتها الشعرية األوىل عام 1938بعنوان «أبيات» .من أعاملها األخرى :قصائد بال اسم ،1953 ،وألعاب مائية .1951 حازت جائزة رسفانتس عام .1992
امرأ ٌة من دخان
أ ّيها الرجل الذي يق ّب ّلني! ّمثة دخان عىل شفتيك، أ ّيها الرجل الذي يحضنني! مثة ريح بني يديك، أنت س َددَت الدرب، ُ واصلت إىل البعيد، وأنا أنت ش ّيدت برجاً، وأنا واصلت الغناء، أنت حفرت األرض، وأنا عبرَ ُت عىل مهلٍ ، أنت بنيت جداراً، وأنا طرت مح ّلق ًة، أنت لديك السهم وأنا لديّ الفضاء؛ يدُك من فوالذ وقدمي من حرير... حبس يدُ َت ُ وقدم لَ ٌ دنة تهرب، ٌ ُ السهم! لقد أطلق ُ (الفضاء شاسع)... أنا ما ال يبقى وال يعود، 78
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أنا ما يذوب يف ّ كل يشء، ما ال يوجد يف أيّ مكان... يف العتمة أضيع، وأضيع يف النور، يف ّ كل دقيقة مت ّر ...يف يديك، ٌ دخان يتعاظم ٌ ناعم م ْمتدْ، دخان ٌ ما ْإن كبرُ حتّى انكرس عىل صفحة سام ٍء شاحبة... أ ّيها الرجل الذي يق ّب ّلني عبثاً تفعل! أ ّيها الرجل الذي يحض ُننُي! ال يشء بني ذراعيك. الحب المتأ ّ خر نشيد ّ
الحب الذي أىت ّ متأخراً، أ ّيها ّ امنحني ،عىل األقل ،السكينة الحب ّ املتأخر ،أيُّ درب تائ ٍه أ ّيها ّ قادك إىل عزلتي؟ الحب الذي سعى إ ّيل وما طلبته! أيها ّ لست أدري أيهام أمثن: الكالم الذي ستقول يل أم الذي لن أقول... الحب! أال تشعر بالربد؟ أ ّيها ّ أنا القمر؛ املوت األبيض عندي، والحقيقة البعيدة... ال تهبني ورودك النرضة، أنا أكرث رصانة من ذلك؛ َف ْلتَه ْبني البحر... الحب الذي جاء متأخراً! أنت أ ّيها ّ مل ترين باألمس، حني كنت أغنّي يف حقول القمح... حب صمتي فال ُت ْب ِكني اليوم ،يا َّ وتعبي!
شعر النساء في أميركا الالتينية
ليخاندرا بيثارنك
(األرجنتني)1972-1936 ، أشهَر شاعرة أرجنتينية يف القرن العرشين .تح ّولت بعد موتها املب ّكر منتحر ًة إىل أسطورة أدبية. بعد دراسة األدب والفلسفة يف االرجنتني انتقلت إىل باريس حيث ارتبطت بصداقات مع خوليو كورتاثار و أكتافيو باث وايتالو كالفينو وروجيه كايوا .تسيطر عىل أشعارها موضوعات االغرتاب و العجز عن التواصل مع العامل الخارجي .من أعاملها :شجرة ديانا ،1962 ،األشغال والليايل، ،1965وجحيم املوسيقى.1971 ،
اليقظة
س ّيدي! ً لقد صار القفص عصفورا وطار، و جنّ قلبي ؛ صار ينادي املوت، ويبتسم لهذياين ،من وراء الريح... فامذا أفعل بخويف؟ ماذا أفعل بخويف؟ ما عاد ّ الضوء يرقص يف ابتسامتي، ُ تشعل ميام أحالمي، وال املواسم يداي تع ّرتا ومضتا إىل هناك؛ حيث ُ املوت يع ّل ُم املوىت الحياة... س ّيدي! الفضاء يح ّد وجودي، ٌ ومن ورائه ّمثة وحوش ترشب دمي؛ إ ّنها الكارثة؛ ساع ُة الفراغ بال فراغ؛ شفتي؛ ألسمع رصخات املحكومني؛ لقد آن األوان ألطبق ّ ّ َ وأتأ ّمل ّ كل واح ٍد من أساميئ املعلقة يف العدم... س ّيدي! أتذ ّكر طفولتي ،
آن كنت عجوزاًُ ،تحترض األزهار بني يديْ ؛ ّ ألن رقصة فرحي ال ّربية كانت تد ّمر منها القلب، شموس معتم ٍة أتذ ّكر صباحات ٍ آن كنت بنتاً صغرية، كان ذلك البارحة، كان ذلك منذ عصور... س ّيدي! قد صار القفص عصفوراً والتهم آمايل س ّيدي! صار القفص عصفوراً فامذا سأفعل بخويف؟ ماذا سأفعل بخويف؟ عتمة المياه
ُ يسقط يف حلمي .تسقط الكلامت أصغي لصوت املاء َ عيني ،أسبح كاملاء ،وأنا أسقطُ . أرسم يف َّ عيني شكل ْ ّ َ فيهام ،وأبوح يل ِب َص ْمتي .أنتظر طيلة الليل أن تشكلني لغتي وأف ّكر بالريح القادمة إ ّيل ،الريح الدامئة ّيف .طيلة ُ مشيت تحت املطر املجهول .لقد وهبوين صمتا الليل، محتشداً باألشكال والرؤى(تقولني) ،وتركضني جريحةً ّ كالطائر الوحيد يف ال ّريح. مقاطع من «شجرة ديانا» 1
قفزت منّي إىل الفجر، ُ تركت جسدي قرب الضوء ّيت َ وغن ُ حزن ما يولد.
2
ُ ،أصوغ الليل، طيل َة الليل issue (7)- December - 2012
79
مختارات
طيلة الليل ،تهجرين أنت ببطء كام يسقط املاء ببطء، طيلة الليل ،أكتب الليل.
3
ال أعرف الطيور، ال أعرف تاريخ النار، لكني أظنّ :كان ينبغي أن يكون لعزلتي جناحان ّ خوليا دي بورخوس
(بورتوريكو)1953-1917 ، أهم شاعرات أمريكا تع ّد إحدى ّ الالتينية .مت ّيزت قصائدها مبزيج بارع من الغنائية املتدفقة والنزعة االجتامعية .دافعت بحامس عن استقالل بورتو ريكو وعن الحقوق املدنية للنساء والسود و املهمشني .من أبرز أعاملها: أغنية الحقيقة البسيطة ،1940والبحر وأنت ،الذي صدر عام ، 1953بعد موتها.
الفجر
تباش ُري فج ٍر، كجدولٍ يغوص يف النبع، كنجم ٍة، كيامم ٍة يف سام ٍء من أجنحة. هذه ال ّليلة مضت، تباش ُري فج ٍر ،شب ُه بد ٍر بني الجبال، غصن، كإحساس ُسنو ُن َو ٍة آن تنقر وه َمها عىل ٍ حب يف راحت َْي، فج ٌر يطلع ،ميامتا ٍّ بال أجنحة للهرب؛ حب، تستعيد الروح شعورها ،يف رعشة ٍّ فتح ّلقان طاهرتينْ . أ ّيتها الليلة املنتزعة من الزمن املعاد! 80
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أ ّيتها املدينة! يا سجينة األرواح العالي ّة! إ ّنك تكرسين روحي كالضوء وتحبسني عاطفتي كالسجن، األبكم البعيد! الحب أيها ّ ُ يا صوت األضاليا الخجول ،الضعيف! هكذا أريدك :قريباً دون أن أعرف أ ّنك عىل باب الصبح، ِبش ْب ِه ابتسام ٍة ،متفتّحاً بني الضحكات ويف لَ ِعب األضواء، قرب الفجر. إلى خوليا دي بورخوس يهمس الناس بأ ّنني عد ّوتك؛ أنت؛ ألنيّ ،يف شعري ،أقدّم للعامل أناك ِ لكنهم يكذبون يا خوليا دي بورخوس ،يكذبون يا خوليا دي بورخوس، ليس صوتك ما يعلو يف أشعاري ،بل صويت أنا، ذاك أل ّنك الرداء وأنا الجوهر ،وبيننا الهاوية األبعد غوراً، أنت دمية الكذب االجتامعي الباردة، وأنا رشارة حقيقة اإلنسان القو ّية؛ أنت عسل النفاق املجامل وأنا أع ّري قلبي يف ّ كل قصائدي، أنان ّي ٌة كعالَمك أنت ،وليس أنا -التي أقامر بكل يشء ألكون أنا، لست سوى الس ّيدة الرصينة الراقية ،وليس أنا التي هي ِ الحياة، القوة ،واملرأة، أنت ملك زوجك ،عشيقك ،وليس أنا، أنا لست ألحد ،أو أنا للجميع؛ وال ّنني للجميع، بنقي مشاعري وأفكاري أهب للجميع نفيسِّ ، ُتج ّعدين شعرك وتصبغني وجهك ،و ُتج ّعد الريح شعري أنا، ووحدها الشمس ت ّلوح برشيت، املدجنّة ،املستسلمة ،الخاضعة، أنت الس ّيدة ّ
شعر النساء في أميركا الالتينية
املق ّيدة بأحكام الرجال املسبقة ،وليس أنا أنا روسينانتي ،تعدو جامح ًةّ ، تتنشق آفاق العدالة اإللهية، ّ والكل يقودك، لست اآلمرة يف ذاتك، القس ،صانعة الق ّبعات، فيك يأمر الزوج ،والداكّ ، املرسح،الكازينو ،الس ّيارة ،الح ّ يل ،الوليمة، السامء والجحيم ،وما يدعونه خري املجتمع؛ القلب وحده يأمر، ففي ُ أ ّما أنا َّ فكري وحده يحكم ،من يأمر ّيف هو أنا، أنت زهرة األرستقراطية وأنا زهرة الشعب أنت التي متلكني ّ كل يشء وتدينني به للجميع، أما أنا فال أدين ألح ٍد بيشء، أنت ،املتش ّبثة بنصيب األجداد الثابت، وأنا الرقم واحد؛ القاسم املشرتك للجميع، أنا وأنت املبارز ُة حتى املوت ،القريبة حت ًام، حني ستهرع الجموع متم ّردة، مخ ّلفة وراءها رماد الظلم املحرتق؛ حني ستجري الجموع مبشعل الفضائل السبع ،بعد الخطايا السبع، ضدّك وض ّد ّ كل ما هو جائر وعديم اإلنسان ّية يف هذا العامل، سأكون يف القلب منها ،واملشعل يف يدي
سيسيليا ميريليس
(الربازيل)1964-1901( ، ُتع ّد واحدة من أهم شعراء املرحلة الثانية من الحداثة الربازيلية ،ومن أبرز األسامء النسو ّية يف الشعر املكتوب باللغة الربتغالية .عملت يف الصحافة والتعليم .عرفت بأسلوبها الذي ميزج بني تأثريات الرمز ّية األوروب ّية والروحانيات الرشق ّية .من أبرز أعاملها :أطياف،1919،و سفر.1939
سبب إ ّنني أغنّي؛ ألن اللحظة حارضةٌ، َ وحيايت كاملة، ٌ مبتهجة أنا وال حزينة؛ بل شاعرة، ال أخت األشياء الهاربة أنا، أحس وال بالفرح، ال بالعذاب ّ ويف الريح أعرب األيام والليايل، لست أدري لست أدري إن كنت أهدم أم أبني، أدوم أم أتف ّكك، لست أدري إن كنت باقية أم راحلة؛ لكنّي أعرف أ ّنني أغنّي، واألغنية هي ّ كل يشء؛ دم أبديّ ، فللجناح املو ّقع ٌ أعرف أ ّنني ذات يوم سأصاب بالخرس-ال أكرث. مستقبل
ال ب ّد من ساعة صفاء يف النهاية، آن ترتاح األجساد املستسلمة تحت الصخور مثل أقنعة ُطمرت تحت الرتاب، ولربمّ ا نرى خلل الجذور ،بعيون مغمضة كام ال يقدر أحد أن يرى فوق األرض، issue (7)- December - 2012
81
مختارات
لفرط ما تبهرنا األضواء وسنسأل :أكان هذا هو صمتك ،إذن؟ سنسأل :أهكذا كان قلبك ،إذن؟ آه! لن نكون عندها سوى صو ٍر باطلة، ملقاة يف الطني، يف الصمت والوحدة ذاتهام، تتوس ّد الذكريات بالنكا فاريال
(البريو)2009-1926، مواليد ليام .عاشت لفرتة يف فرنسا حيث ارتبط بصداقة قوية مع سارتر وسيمون دي بوفوار .قدّم أوكتافيو باث ملجموعتها األوىل مشيداً برصامة البناء الشعري لديها وبقدرتها عىل التجديد يف آن معاً .نالت العديد من الجوائز يف أمريكا الالتينية وأووربا .من أعاملها: ذاك الباب موجود ،1950،وكتاب الصلصال.1986 ،
82
ْأن أتع ّلم التفكري يف الصغري، ويف العظيم؛ يف النجوم القص ّية ،الثابتة، هارب يف السامء املب ّقعة كحيوان ٍ مذعوراً منّي لوث ماري خيرالدو
(كولومبيا () 1950-
شاعرة ،ناقدة أدبية ،وأستاذة جامعيةُ .ترجمت أشعارها لإلنجليزية ،والفرنسية واإليطالية وشاركت يف العديد من املهرجانات الشعرية العاملية .أصدرت خمس مجموعات شعرية نذكر منها :درب األحالم ،1981 ،الزمن صار قصيدة ،1994 ،و بطاقات بريدية.2007 ،
CV لِ َن ُق ْل أ ّن َك ربحت السباقَ ّ وأن الجائزة كانت سباقاً آخر، ّ ترشب نخب االنتصار؛ أنك مل ْ بل ملح جسدك، هتاف الحشود قط؛ّ تسمع َ أ ّنك مل ْ بل نباح الكالب، ّ وأن ظ ّلك ،ظ َّلك أنت كان منافسك الوحيد ،واملخادع.
بينيلوب فيام تحلم يقظةً، ُت ُ غمض عينيها وتنقض الزمن: ضم وترفو؛ َت ّ تنسج لحاف العمر بخيط حري ٍر، ُ وتنكث ثوب الغياب، الن ّْساجة؛ حاممة األمل، تخرتع طائراً يغنّي حني ينتهي الضوء.
ال ّ أن أموت أكثر قلي ً كل يوم ْ
منظرٌ قاحل
ْأن أموت أكرث قلي ًال ّ كل يوم، أقص أظافري، ْأن ّ شعري، ورغبايت؛
لو ُو ِجدت امرأ ٌة يف هذا املشهد فستكون وحيدة، ولو وجد ٌ رجل فسيكون رج ًال وحيداً، ّمثة عصفو ٌر ،أمام شجرة ،يد ّرب العزل َة
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
شعر النساء في أميركا الالتينية
ّ الجاف بنشيده الرجل واملرأة، وحيدين ،بال اكرتاث بالسامء وبالنجوم، يصغيان إىل نشيد العصفور. ال طائرٌ يأتي
«طائ ٌر أنا، أح ّلق ّيف». امربتو أكابال. ما من طائ ٍر جدي ٍد يغنّي يف الحلم، ما من مكانٍ بعدُ للنسيان ومحال أن توجد ٌ عتمة أشدّ: ّ تصطك. العظام ال متّسع ألغني ٍة يف هذه السامء الحالكة، ال ّ قط ٌة تأيت وال طائ ٌر ليغنّي الحداد الحزين ال يأيت طائر إىل هذا املكان البارد؛ ال يأيت، ال طائر يح ّلق أو يغنّي يف ّ أعامق أيّ أحد: ّ تصطك العظام
ماريا مرسيدس كارّانزا
كولومبيا()2003-1945
أبرز األصوات املعبرّ ة عن الحساسية الجديدة يف الشعر الكولومبي املعارص .ترتدّد يف أصداء شعرها أجواء العنف واملوت التي فرضتها الحرب األهلية غري املعلنة يف بالدها. عاشت لفرتة يف اسبانيا صحبة والدها الذي كان دبلوماس ّياً حيث تع ّرفت إىل بابلو نريودا وداماسو الونسوّ .أسست بيت الشعر «سيلفا» وأدارته لسنوات طويلة حيث أصبح أحد أهم املنابر الشعرية كولومبيا وأمريكا الالتين ّية .من أبرز أعاملها:آالم وقصائد أخرى ،1972،و مرحباً أ ّيتها العزلة.1987،
استراحة الحا ّج
ما هذه ُ األرض، حيث يتج ّول العميان يف قافلة سوداء متعثرّ ين ،تائهني ،يتل ّمسون الدرب بني الحطام ،وفوق شواهد القبور؟ إ ّنها أريض ،أ ّيها الس ّيد، هنا ،ثمّ ة أ ّي ٌام صافية كجبني طفلٍ يحلم. وما هذي الجزر، حيث تطوف األشباح وتح ّلق لي ًال عىل وقع بكاء األرامل، اس الحزن؟ وحيث تقرع الكنائس أجر َ لقد ُ ولدت هنا ،أ ّيها الس ّيد، وهنا أح ّبتني فتا ٌة بجسدها املشمس. ما هذا الوطن ،حيث تنحدر األنها ُر مثقل ًة باملوىت؟ فن ترفرف فوقها راية الطاعون؟ كس ٍ ُ ُ الغربان وملاذا ،يف مشافيه و ساحاته ،تحوم والحدآت وطيور الواق فوق قباب املقابر ود ّوارات الريح؟ يل بيت هنا ،أ ّيها الس ّيد، تختلط يف ّ كل يشء فيه األحال ُم والكلامت. issue (7)- December - 2012
83
آنا ماريا روداس
(غواتيامال) 1937- ،
ما هذي األرض التي ما ْإن نكاد ندوسها حتى ُتك ّمم أفواهنا؟ ما هذا املكان الذي ال تجرؤ عىل نطق اسمه؟ إ ّنه مكاين،أ ّيها الس ّيد،وقدري. للحب نشي ٌد ّ
بعد ظهر ي ٍوم لن تنساه أبداً يأيت إىل بيتك ويجلس إىل مائدتك، و يحتل شيئاً فشيئاً مكانه يف ّ كل غرفة، ويرتك آثاره عىل األثاث، يبعرث املالءات ويبعج مخدّتك، نسيج السنوات الغايل، تعتنق كتبك ُ ، ذو َقه حتّى تشبهه، و تبدّل الصور العتيقة أماكنها، عينان ُأخريان ترقبان عاداتك، مجيئك وذهابك بني الجدران واملعانقات، ُ أصوات يومك وروائحه، وتغدو أخرى يوم لن تنساه، بعد ظهرية ٍ رأس يخرج ذاك الذي قلب بيتك عقباً عىل ٍ واحت ّله متاما من الباب دون أن يودّعك، فيكون عليك أن تعيد ترتيب البيت، أن تصلح األثاث ّ وتنظف الجدران، أن تغيرّ األقفال ومتزّق الصور، أن تكنس ّ كل يشء وتواصل الحياة. 84
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أستاذة األدب يف جامعة رافاييل النديفار .عرفت كشاعرة يف البدايات عرب مساهامتها يف مجلة «الريو» عام .1970م ّثل شعرها املتم ّرد قطيعة مع كتابة املرأة التقليدية. ترجمت أشعارها إىل عدة لغات أوروبية .إىل جانب الشعر ،تكتب القصة القصرية واملقال الصحفي .من أعاملها الشعرية :قصائد اليسار اإليروتييك ،1973،نهاية األحالم واألساطري،1984،وعصيان ماريانا.1993،
أعلم ذلك لن أخوض أبداً الحب حرب ٍ عصابات إال يف ّ فأنا لليسار االيروتي ّ يك أق َر ُب ذاك الذي يفرغ مخازن رصاصه ض ّد النظام؛ و يجهد نفسه بالتبشري بإنجيلٍ عفا عليه الزمن، سينتهي يب األمر كذلك املجنون الذي ُقذف به يف صحراء السيرّ ا؛ لكنّ نضايل ليس سياسياً يخدم اإلنسان ّية ولذا لن ُتنرش يوم ّيايت أبداً، ولن يجعلوا من صوري وملصقايت صناعة استهالك ّية. من ّ حق الجميع ْأن يعبرّ عن رأيه، رشط أن يتفق ذلك مع القوانني ،والتقاليد ،والزمالء، ورب العمل الذي يدفع الراتب، ّ والجار املقابل ،والحكومة. السيدة هالك أنا امرأة عجيبة حني تثور أعصايب أغدو أكرب حج ًام ،يخضرّ لوين، وأمزّق ّ كل يشء ،ولكن يف داخيل.
شعر النساء في أميركا الالتينية
بيل بيكسبي يفعل ّ كل ذلك، لكنّه رجل، ولذا يفعله يف الخارج. حسن ًا ٌ ٌ متقلبة نزقة أنا ،غيورة، وماجنة ماذا كانوا ينتظرون: أن يكون يل عينان ،غددّ ، مخ، وثالثون عاماً، ثم أحيا كشجرة رس ٍو يف مقربة؟ ّ سوزي ديلغادو
(باراغواي) 1949-،
حصلت عىل إجازة يف اإلعالم عام .1970تدير القسم الثقايف يف جريدة ال ناسيون الباراغوانية. تكتب بلغةالغواراين (لغة سكان البالد األصل ّيني) وترتجم شعرها بنفسها إىل اإلسبانية .نرشت ما يزيد عن عرش مجموعات ونالت العديد من الجوائز .من أعاملها :قرب النار،1992 ، عن قبلة الريح،199 ،و الدم املزهر.2002 ،
1
بلد مشطور ٌ الثنني أنا تجري يف شطره األكرب ،عرب مياه عميقة، ٌ ٌ وميتات رس ّية حيوات الحلم أريض األكرث يت ًام وهشاشة ،لكنّها ويسكن ُ صامدة . حلم يقتات ع ّ يل؛ ٌ ويف الشطر اآلخر ،يحكم األمل : سكيناً صدئة ،لكن كم ج ّرحت! و مع كل جرح كانت أحدُّ نصال،
مشطورة الثنني أنا َك َقدري. 2
الحب حني ال يعود ّمثة مكان للتعب ،وينحني ُّ مقلعاً عن االنتظار؛ تلك العادة العبث ّية،
حني يذوي ِّ الشع ُر ّ ألن للمساء لون العدم، ّ ّ وألن ّمثة أمل صغري ال يتذكره أحد، حني يأيت الليل م ّرة أخرى مثل برئ سوداء هائلة، تصمت ّ ُ كل األصوات حني وال يناديني صوتك، عندها ،ال يكون بوسعي َ أخدش الصمت، إلاّ أن وأح ّبك. 3
ُ يوم آخر أوصدت َ أبواب ٍ وعُ دت ألمدِّد يف الرسير الخايل تلك الجذوة املحكوم َة باملوت ،ال محالة ، يوم آخر مىض عىل رسيري ،عىل جسدي، ٌ بال ح ّبك يع ُرب بهام إىل النسيان، ُ قطعت شوطاً عىل درب غيابك، ها قد فيام تلك الجذوة تشيخ
issue (7)- December - 2012
85
مختارات
لينا ثيرون
(املكسيك)1959-( ،
حاصلة عىل شهادة يف العالقات الدولية .تكتب يف القسم الثقايف يف صحف مكسيكية مثل ،Financiero واإلسبانية مثل ، BOLIGRAFO وترشف عىل مجلة أدب ّية الكرتون ّية وتدير دار النرش .Linajesاختريت امرأة العام ( )2002يف مدينتها تالنبالنتا احتفا ًء مبسريتها الشعر ّية ونشاطها الثفايف. ترجم شعرها إىل اإلنجليزية والفرنسية واألملانية والسويدية واإليطالية ،والربتغالية .من أعاملها:قمر نيسان ،1997،ورود لنعش بال ج ّثة ،2000،و فراشات بنفسجية.2002، سوداء ٍ
فراشات بنفسجية
كنت بذرة شمس زرعت يف األرض، ولدتها عاصفة مائ ّية نجم ورصخة أنني مل ّونة بني غبار ٍ كنت أو ّد أن أولد فراشة ،أو نرساً، وأن يطلع يل ريش مل ّون لكني ولدت تين ًة عظيمة الجذور، ومنت يل أغصان ،منها منت أور ٌاق، و ُولِدت يل تحت اللحاء عيون؛ ميام من األوراق طلع ٌ هدهد أصابعي بتنهيداته، ش ّقت يداي الظلامت ُ وذقت ت ّفاح الجنّة، ُ عرفت طعم الدم وجرحتني العظا ُم، تع ّلمت أن أبيك مع ظ ّ يل، وأن أع ّلق عىل الصليب فاكهة مريم؛ لكني ذقت أيضاً عسل الوردة املقدّس، ولحم الضأن، دم بك ٌر، وجرى يف رشاييني ٌ وعصار ُة آدم، من بطني ولدت فر ٌ اشات أورجوان ّي ٌة أغ ّذيها بنسغ النحلة الصايف، 86
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
وأصري دردار ًة؛ ليك أحمي مثاري، ال القحط ،وال العواصف انتزعت من األرض جذعي ، أكرث من ربيع بشتاءاتها غنّت، نضجت مثار التني وتساقطت يف الحياة ناسي ًة الشجرة ،فظ ّلت أغصاين عارية؛ مل أعد تينة وال دردار ًة، نبتت يل أجنحة ،و ألوان يف رييش، ويف الريش مياه؛ سنُو ُن َوة،فاستحلت سمك ًة ُ يب ّلل دمعي الحر َ اشف و تدفع الزفر ُ جناحي للطريان ات ّ حني أرى ما أعطت مثاريَ من بذور، ،ثم رصت دردار ًة، سعيدة أنا ،أل ّنني ُولدت تين ًة ّ سنو ُن َوة بال ٍّمقيم وال سالسل. واآلن سمك ًة ُ عش ٍ بلدي ،بل ٌد كبير
شاسع إ ّنني أحيا يف بلد ٍ كل يشء فيه ّ ح ّد أن ّ يظل بعيداً ج ّداً: التعليم، والقوت، واملأوى، بلدي شاسع ح ّد أن الحرية ال تصل فيه إىل الجميع
شعر النساء في أميركا الالتينية
غابرييال بالديراس
(املكسيك()1963-
درست األدب يف جامعة مكسيكو الوطن ّية املستق ّلة.نرشت قصائدها منتخبات شعر ّيةو يف يف عدّة ٍ صحف دوريات يف املكسيك وأمريكا الالتينية.عضو هيئة تحرير مجلة ال خيكارا .من أعاملها الشعرية:مواسم الريح.1993،
ميتال
(مدينة أثرية مكسيكية) بقلوب حافي ٍة كأقدامهن، متيش النسوة ٍ ً ّ يحمل بعضهنّ عىل رأسه سلة مليئة بالنّظرات يبعنها للام ّرة؛ وكم من األشواك أسفل العيون! الصبار عم يتحدّثن يا ترى ،بلغتهنّ التي ال يفهمها غري ّ ّ ّ والورد والطني؟ ً اشات ير ّبني أطفالهن مثل الرشانق فهل يصريون يوما فر ٍ من َي َشب؟ ويصغن بدمعهنّ الب ّل ّوري األسود أطواقاً وأساو َر من أملٍ؛ الصمت من جلودهن، تنسج األكرب س ّناً بينهن بيوت ّ فأيّ آلهة متنحهنّ العزمية؟ ّ وكل يوم،ك ّلهن يبتلعن ال ّليل... إن غرق ر َ ٌ جل ْ
ْإن غرق َر ٌ جل يف امرأة كقارب يف ال ّرمل، ٌ فمحال أن ُينْتشل، سيغوص رويداً رويداً، حتّى يغزوه املا ُء بصدأ املوت
فيفيان لوفيّغو
( االرجنتني) 1964-،
شاعرة تكتب باإلسبانية والفرنسية وتعيش بني باريس وبيونس ايريس. باإلضافة إىل كتابة الشعر متارس الرتجمة حيث نقلت إىل االسبانية أعامالً للشعراء صالح ستيتية ،فرانسوا المور ،ميشيل كامو وآخرين.من بني أعاملها الشعرية نذكر:حجر الليل ،1997و شجرة آرييل.1999،
1 ّ يحل الصوت وصداه ضيفينْ يف حجرات الب ْيت، يتو ّقفان ليتأ ّمال أزهار الجهنم ّية يف صحن الدار، فوىض األطالس عىل املنضدة، وصور َة املسيح بثوب دمي ٍة، تنبجس الطفولة ثاني ًة، تنادي جذورها ووجودها، تسحب عرب املم ّر األ َّم التي نسجت من األوراق امليتة ُ معطفاً خريف ّياً، ثم تخ ّبئ تحت الشجر ِة ّ الندوب ،واألصل ،والسنّ األوىل، َ ذهب أسود من ر شع خصلة مع ٍ ٍ نرث فيه الزمنُ الرماد. 2 الريح من النافذ ِة تدخل ُ تج ّر خلفها باق ًة من الخالدين، ثباتا أ ّيتها الروح! ُ قلت، سنحاول فهم الهمسة التي حملتها إلينا، ويف الفوىض التي أثارتها سنبحث بني األشياء عن ّ ظل األشياء، سنغلق النافذة خلفها، عىص يف يد ْيها، ثم نعصب عين ْيها ،نضع ً ترضب خبط عشواء، و َندَعُ ها ُ issue (7)- December - 2012
87
مختارات
أما كانت العقوبات هكذا زمن الطفولة؟ رضبات حادّة تفرقع يف الهواء؛ تلك القسوة البدائ ّية ألشيا َء مل ُت ْق َسم بالعدل. عدن
منحني ًة بأحالمها ترتك أصابعها تنزلق بصمت يف الرغوة، تفرك الثياب عىل حج ٍر يف حوض غسيلٍ ، تب ّيض شقاء البرش فيام الجنّة تتوارى يف املاء، و املالءات ّ تجف تحت الشمس. سبأ
هناك حيث ّ يكف كعباها املخضوبان عن الحركة، يغرف ّ الظل من ق ّمة الغسق، يعبرُ ُ الليل -حري ُر الجس ِد -الصحرا َء بنشيده ، تبحث امللكة عن ثغر سليامن، فيام يفتّش الشاعر يف الرمال ، األحجية من بل ٍد إىل بل ٍد،عن ذهب ْ
88
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
جيكوندا بيللي
( نيكاراغوا) 1948-،
شاعرة وروائية شهرية .انخرطت يف نضال الساندين ّية ضد دكتاتورية سوموزا يف مطلع السبعينيات، فأجربت عىل اختيار املنفى يف املكسيك .عادت عام 1979 ،قبل انتصار الساندينينني بقليل .تو ّلت عدة مواقع قيادية يف النظام الجديد .تعيش متنقلة بني لوس أنجلوس وماناغوا منذ عام .1990بعد مغادرتها الجبهة الساندين ّية أصبحت من أبرز منتقدي نظام دانييل اورتيغا .من أعاملها الشعرية :من ضلع حواء،1987 ،املرأة املأهولة،1988، عني املرأة ،1991،واملطلق يف راحة اليد.2008 ،
قصور رمليّة
لِ َم لَ ْم تقل يل إ ّنك كنت تبني قرص الرمل ذاك، لكان رائعاً أن أستطيع الدخول من ب ّوابته الصغرية أن أذرع دهاليزه املالحة أن أنتظرك عىل أرض ّيته التي من محار وأن أحدّثك من الرشفة ّ بفم ملؤه الزبد األبيض الشفاف ككلاميت؛ الكلامت الطائشة التي أقولها لك وهي ال متلك ما هو أكرث من وزن الهواء بني أسناين، ْ ائع أن يتأ ّمل املرء البحر! كم هو ر ٌ كان سيبدو جمي ًال ج ّداً من قرصنا الرميلّ، وهو يلعق الوقت بحنان املاء الهامس العميق؛ وهو يهذي بالحكايات التي كان يرويها لنا آن كنّا ،أطفاالًُ ،سماّ ً واحداً مفتوحاً عىل الطبيعة واآلن ،ها قد أطاح م ّد املاء بقرصك الرم ّ يل، والح َفر ،والباب الصغري َجرف األبراجُ ، الذي دلفنا منه حني انحرس املوج حني كان الواقع بعيداً ،وكان عىل الشاطئ قصو ٌر من رمل...
شعر النساء في أميركا الالتينية
أنا التي تهواك
أنا التي تهواك، غزالتُك الرب ّية، ُ الربق الذي ينرث الضوء عىل صدرك، ريح الجبال الطليقة؛ أنا ُ ُ وميض نار الصنوبر، ُ أبعث الدفء يف لياليك حني ُ احتي، أشعل الرباكني يف ر ّ فتدمع عيناك من دخانها ُ جئت َُك أرتدي املطر والذكريات ويل ضحكة السنوات التي ما تبدّلت، أنا الطريق الذي مل ُيكتشف؛ الضوء الذي يقطع العتمة أضع النجوم بني جسدينا ُ ثم أعربك كام ًال ،درباً بعد درب؛ ّ مح ّرر ًة ح ّبي،متح ّررة من خويف اسم يغن ّيك ،ومن الجانب اآلخر للقمر ،يغويك أنا ٌ أنا امتداد بسمتك وجسدك أنا يشء ما يكرب، يضحك ويبيك، أنا التي تهواك الرسومات :الفنان املكسييك دييغو ريفريا
issue (7)- December - 2012
89
حوار
أحمد عبد المعطي حجازي
حوار في الشعر والسياسة يعد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي أحد أعمدة الشعرية العربية طيلة نصف قرن ،فهو من الذين حملوا هموم التجديد في القصيدة العربية،ودخل من اجل ذلك مواجهات كثيرة داخل مصر وخارجها ،ولم يتزحزح عن موقفه أمام موجات التجريب التي جاءت بها قصيدة النثر وظل على خصومة حادة مع كتابها
القاهرة -حمزة قناوي
أجد شيئ ًا ناقص ًا في قصيدة النثر ،وهو ليس شيئ ًا ثانوي ًا أو يمكن االستغناء عنه، بل إن هذا العنصر له اعتبار موضوعي ،بمعنى أنه شرط أساسي من شروط اللغة الشعرية
90
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أحمد عبد المعطي حجازي
بل إن هذا العنرص له اعتبار موضوعي ،مبعنى أنه رشط أسهمت منذ نصف قرن يف إثراء حركة التجديد مع رفيقك صالح أسايس من رشوط اللغة الشعرية ،أنت ال تستطيع مثالً أن معارك عبد الصبور مبرص ،وخضت تتحدث عن قصة من دون رسد ،وال تستطيع أن تتحدث من أجل التجديد وتجذير قصيدة عن رواية بال شخصيات ،كذلك ال تستطيع أن تتحدث التفعيلة،وخصوصا مع عباس محمود العقاد .كيف ترى عن شعر بدون موسيقى .املوسيقى تختلف أشكالها، املشهد اليوم بعد هذه الرحلة ،خاص ًة وأن التاريخ يكرر لكن ال بد منها ،وهذا هو الفرق بني تجربتنا يف التجديد نفسه بينك وبني شباب قصيدة النرث؟ وتجربة شعراء قصيدة النرث ،تجربتنا يف التجديد كانت يف ■ مل تكُن ىل معركة مع قصيدة النرث ،وإمنا مو ِقف ،أوالً رصف يف الوزن وليس إلغاء هذا الوزن .القصيدة إطار ت ُّ أنا لست ضد أي تجربة يف تجديد القصيدة العربية بأي الجديدة التي كتبناها نحن يف الخمسينيات وكتبها آخرون صورة من الصور ،مبعنى أنني ال أستطيع أن أمنع أحدا ً قبل ذلك يف األربعينيات وحتى الثالثينيات أو عىل األقل من أن يجرب الشكل الذي يُفضِّ له أو عىل األقل يخترب قدموا محاوالت مهمة يف طريق الوصول إليها ،ال تختلف هناك إمكاناته ،سوا ًء نجح أم مل ينجح ،ألن يف كل تجربة عن القصيدة التقليدية إال كام يختلف اإليقاع من أغني ٍة دامئاً االحتامالن ،إما أن تنجح التجربة أو ال تنجح .ونجاح إىل أغني ٍة أخرى ،ألنها تحرتم وتلتزم األوزان ،أو عىل األقل التجربة له رشوط أو عليه دالئل .أول رشط أن يجد هذا تلتزم أوزاناً بعينها ،ألن القصيدة الجديدة بشكل عام النجاح قبوالً لدى من ميكنهم أن يُقيِّموا الشعر أو يحكموا تستخدم "األوزان الصافية" كام يقال ،أي البحور املؤلَّفَة عليه من النقاد والشعراء وأيضاً من الجمهور .والفرق من تفعيلة واحدة تتكرر .ففي الشعر العريب هناك بحور هذا أن الناقد يستطيع أن يُعلِّل موقفه ،فيكتب ليقول ِ مؤلَّفة من تفعيلة واحدة مثل ال َر َجز والكامل وال َر َمد الشكل أو هذه القصيدة أو هذه اللغة جيدة أو ليست والهزج واملتدارك ،وهناك بحور أخرى تتألف من أكرث جيدة لألسباب اآلتية .أما الجمهور العادي فهو يُقبِل عىل من تفعيلة ،أي ُمركَّ َبة أكرث مثل الطويل والبسيط ....إلخ. القراءة أو ال يُقبِل ،يُقبِل عىل االستامع أو ال يُقبِل ،يتحدث أنا شخص َّياً يل تجارب يف البحور املركَّ َبة يف إطار التجديد، عن الشاعر أو ال يتحدث عنه ،يُهمله كأنه غري موجود. وهناك أيضاً شعراء آخرون ق َّد ُموا مثل هذه التجارب ،مثل إذن ال بد من هذا االختبار ،وال شك يف أن الجمهور ال ينتظر دامئاً أن نكون "واحدا ً " ،أي أن يُجمع النقاد عىل يشء ،عىل رأي أو موقف؛ ميكن لل ُنقاد أن يقفوا إىل العقاد لم يكن يكتفي جانب التجربة ،بينام ال يفعل الجمهور ذلك ،والعكس بأن يعبر عن عدم موافقته صحيح .ويف كل األحوال نستطيع أن نقبل تع ُّدد وجهات النظر وردود األفعال .أنا مل أستطع حتى اآلن أن أتذوق على أعمالنا ،وإنما كان قصيدة النرث كام أتذوق قصيدة التفعيلة ،حيث إن هناك يمنعنا من حضور المؤتمرات أكرث من مقياس .مبعنى أنني أستطيع أن أقول إن هذه والمهرجانات ،ويقدم استقالته املحاولة «القصيدة» التي كتبها صاحبها يف إطار قصيدة النرث جيدة ،وهذه األخرى رديئة ،ولكن القصيدة الجيدة عندما نشارك في النشاط كذلك أحكم عليها بأن لغتها صحيحة ،والتعبري متامسك الشعري بالدولة وشخصية الشاعر ظاهرة ونسيج القصيدة متامسك .ولكن يف كل األحوال أجد شيئاً ناقصاً يف قصيدة النرث ،وهو ليس شيئاً ثانوياً أو ميكن االستغناء عنه أو ل ُه اعتبار شخيص،
issue (7)- December - 2012
91
حوار
أو ذاك ،ولكن ال ينبغي أيضاً للمجرب بدر شاكر السياب ورمبا أدونيس ،لكن أن يعرتض عىل حقي يف التذوق ،وأن أنا من أسبق الشعراء العرب يف تجربة أقبل أو أرفض تجريبه .وأظن أنه يتضح التجديد يف البحور املركَّبَة .أما قصيدة هنا بشكلٍ جيل الفارق بني موقفي من النرث فتتجاهل الوزن والقافية .ليس قصيدة النرث وموقف األستاذ العقاد معنى ذلك أنها ليست شعرا ً إطالقاً، م َّنا ،ألن األستاذ العقاد مل يكن يكتفي ال أقول هذا ،لكن بتجاهلها ألدا ٍة بأن يعرب عن عدم موافقته عىل أعاملنا، أساسية من أدوات الكتابة الشعرية وإمنا كان مينعنا من حضور املؤمترات تفقد قيم ًة عىل مستويني ،أوالً :الوزن، واملهرجانات ،ويقدم استقالته وهو يفرض عىل الشاعر أن عندما نشارك يف النشاط الشعري يستخدم لغة غري يومية ،فلغة الذي تنظمه الدولة ،وكان حوله الحياة اليومية لغة اتصال ،لغة البحور في تجارب لي من يصل به األمر إىل حد الشتيمة اجتامعية ،غري موزونة طبعاً. واالتهام بأننا شيوعيون وغري إذن فرض الشاعر عىل نفسه َّ المركبَة في إطار ذلك ،كام كان يفعل األستاذ صالح أن يكتب لغة موزونة ،ومعنى التجديد ،وهناك شعراء جودت ،بينام أنا شخصياً ظللت هذا أنه يستخدم الوزن يف هذه مثل وا م د ق آخرون ُ َّ نحو 15سنة أو أكرث مقررا ً للجنة االنتقال باللُّغَة من مستوى أو الشعر يف املجلس األعىل للثقافة، دائرة االتصال أو التواصل إىل التجارب ،لكن أنا من وكنت حريصاً عىل أن يكون هناك دائرة اإلبداع ،وهذا ما يمُ كِّن ُه من أسبق الشعراء العرب دامئاً ممثلون لقصيدة النرث يف استخدام اللغة بطريقة تربر له في التجديد تجربة في اللجنة مثل حلمي سامل ،وفاطمة البعد عن لغة االتصال ،مبعنى أن قنديل وأسامة الديناصوري. الوزن ي ِّربر املجاز ،وهو استخدام َّ المركبَة البحور وحتى يف أمسياتنا يف بيت الشعر اللغة استخداماً تشري به ألكرث بالقاهرة نختار دامئاً من املشاركني من معنى ،بحيث ال يكون فيها من ميثل قصيدة النرث .مل يكن املعنى املقصود هو الظاهر يف الجملة .ويسمى املجاز مجازا ً يل أبدا ً موقف املانع أو املستغل ألنه يؤدّي باللغة ،أو ينتقل بها من معنى ظاهر إىل معنى ملكانه ملنع قصيدة النرث ،ولكني فقط أعطي لنفيس الحق املنطقي والطبيعي يف أن أقول رأيي يف قصيدة النرث عندما آخر مسترت دارج ،ولذلك يسمى معنى مجازي ،أي أنه يجتاز فاصالً بني معنيني .يحتاج املجاز إىل املوسيقى ألننا أسمعها ،ألنه يجب أيضاً عىل مقدمها أن يستمع إىل رأيك عندما نستخدم اللغة يف مجال اإلبداع -أي خلق الجامل -ومن حقه وواجبه أن ينتفع منه ،وأن يعرف أن هناك من ال يستطيع أن يتذوق قصيدة النرث .وعليه أن يستمع يف ال نقصد بهذا أن نقول ُج َمالً فعلية مفيدة ،ولكننا نستخدمها لننشئ بها كائناً أو كياناً جميالً ،األمر هنا يشبه هذه الحالة إىل أسباب ذلك .وإذا كان هناك حل يستطيع أن يقدمه حتى يُق ِنع غري املقتنعني بهذه القصيدة ،فمن استخدام الحجارة لبناء كوخ نحتمي به من الحر والربد واملطر ،واستخدام الحجارة لصنع متثال .إذن فكرة الوزن واجبه أن يفعل. هنا ليست ثانوية ،هذا مع ترحيبي أيضاً بالتجريب وعدم وهل عدم اعتامد الوزن يف قصيدة النرث ُيقلل من املجاز فيها وتصبح بالتايل مفتقد ًة للعمق وتتسم باملبارشة اعرتايض عىل حق كل من شاء يف أن يجرب هذا اليشء
92
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أحمد عبد المعطي حجازي
صالح عبد الصبور
العقاد
توجهاً بنائياً أسلوبياً الخط منذ أيام الرئيس السادات يف مجاالت السياسة مقارنة بالقصيدة املوزونة؟ أليس هذا ُّ بينام تقييمها يتع َّلق مبا تحقق يف القصيدة بالفعل؟ واالقتصاد واالجتامع. ■ ال ..ال ،أنا أرى أحياناً أن قصيدة النرث عند مجيديها تكتب منذ فرتة عن "الربيع العريب" الذي عصف ببعض تستطيع أن تكون أكرث عمقاً من القصيدة املنظومة عند البلدان العربية،وعربت عن قلقك مام يتهدده ،مم تخىش؟ ■ ال بد أن نتوقع أن تتمكن بعض الجامعات ،وبالذات غري املجيدين لها .فمن وجهة نظري أن قصيدة النرث جامعات اإلسالم السيايس ،من االستحواذ عىل كل يشء، الجيدة أفضل من القصيدة املوزونة الرديئة. أو (رسقة الثورة) "برصيح العبارة" ،ألنها كانت تقريباً بعد استقالتك وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبو سنة وحسن طلب ود.محمد عبد املطلب ومحمد سليامن الوحيدة التي متكنت من االستمرار والقدرة عىل الفعل وسيد حجاب ،من لجنة الشعر باملجلس األعىل للثقافة واملحافظة عىل التنظيم .كانت طبعاً تصطدم بالسلطة، هل ترى أن اللجنة ستستطيع توجيه بوصلة هذا الفن يف ولكن ألنها كانت تعمل بالدين ،وكان الدين ميثل لها يف مرص بشكلٍ مغاير ملا كان يتم؟ وكيف سيختلف املشهد؟ النهاية ستارا ً تستطيع أن تتصل من ورائه بكثري من الناس ■ أمتنى لها ولغريها من لجان املجلس واملؤسسات وكانت يف الواقع تتسرت وراءه ،مل تستطع السلطة الحد من الثقافية بشكل عام النجاح ،ألننا نحتاج إىل هذا النجاح، متددها يف املساجد ،حيث مل يكن من املمكن للسلطة أن ونتمنى أن تستطيع لجنة الشعر القيام بواجبها يف رعاية تلقي القبض عىل أحد ملجرد أنه يصيل يف هذا املسجد أو هذا الفن الذي يحتاج إىل رعاية ،فنحن نعيش ظروفاً ذاك ،أو يقابل فيه هذا الشخص أو ذاك .بل كان العضو صعب ًة من كافة النواحي ويف كافة املجاالت .طبعاً وجود من الجامعات اإلسالمية يذهب إىل املسجد ليلتقي يف ما يصل إىل % 40من الشعب املرصي يعاين أم َّية القراءة صالة املغرب أو العشاء مبن يستطيع أن "يجندهم" ،وبهذا والكتابة يُشري إىل وجود أزمة للُّغة يف مرص ،خاص ًة أن متكنوا دامئاً من البقاء بقوة وفاعلية أكرب ،ألنهم ظهروا معظم "غري األميني" أي القادرون عىل القراءة والكتابة، وكأنهم مضطهدون ،يف الوقت الذي كانوا يتظاهرون ال يعرفون اللغة بشكل صحيح .وهذا األمر ليس مقترصا ً فيه بالدفاع عن الدين من ناحية ،وكان العمل يف ظل عىل الجمهور العادي ،بل وحتى يف مجال من يستخدمون الخوف من املالحقة من ناحية أخرى يفرض عىل العضو اللغة ممن يكتبون يف الصحف ويشتغلون باإلعالم ال اليقظة ،وساعد يف نفس الوقت عىل الفرز بني القادر عىل تجيد نسبة كبرية منهم اللغة ،بل إن نسبة كبرية من العمل وغري القادر عليه ،وبني الشجاع والخائف ....إلخ، الذين يقومون بتدريس اللغة واألدب ال يجيدون اللغة فاضطرت السلطة التي كانت تتصادم مع هذه الجامعات وال يجيدون األدب ،وهو ما يرجع إىل هبوط مستوى أحياناً إىل التفاهم معها يف أحيان أخرى .هذا ما حدث يف التعليم بشكل عام .وهو ما كان طبيعياً أن يحدث يف أيام السادات ،وحدث أيضاً أيام مبارك ،عندما أعطاهم طول ظل االرتداد والرتاجع العام الذي واجهته البالد عىل هذا األخري ربع مقاعد مجلس الشعب يف انتخابات issue (7)- December - 2012
93
حوار
.2005فإذا ً بعد 60عاماً (1952-لآلن) ُحر ِمنا خاللها النشاط السيايس بسبب منع تشكيل األحزاب يف أيام عبد النارص ،مبا فيها األحزاب التقليدية التي كانت موجودة قبل ثورة 1952والتي حلت بعد فرتة قصرية من وصول عبد النارص لل ُحكم وتعرض زعامؤها للمحاكامت الثورية ومن ثم للسجن ،يف نفس الوقت الذي تم فيه منع اإلخوان والشيوعيني اللذين مثَّلاَ وقتها القوى السياسية الجديدة الصاعدة ،كان ما حدث من سيطرة للجامعات الدينية عىل املجال السيايس متوقعاً يف ظل بقائها كقوة وحيدة قادرة عىل العمل ،خاص ًة مع استيالء السلطة عىل منابر الرأي وتحويلها إىل أبواق .مل يكن منطقياً أن نتوقع بعد حرمان الناس ملدة 60سنة من العمل السيايس أن تحوز األحزاب املدنية والعلامنية والليربالية عىل ثقتها، ألن هذه الجامهري البسيطة سلطت عليها كل الوسائل التي ال تجعل يف حياتها شيئاً غري الدين بد ًءا من الراديو وإذاعة القرآن الكريم واألوقاف واملساجد والزوايا التي أصبحت تبُنى تحت البيوت والجسور واملباين ،و"الدين" الذي كان مادة دراسية نتعلمها يف املدرسة ألننا محتاجون إىل الدين وتعلم الصالة والصيام والتعرف إىل العقائد والقيم واألخالق واألوامر والنواهي أصبح فيام بعد مادة
السياسة في مقدمة هموم اإلنسان المتمدن .ثمة َقصيدة مباشرة ليست أكثر من خطبة سياسية ،وقصيدة هي شعر حقيقي ،ألن الشعر يكشف عن هموم اإلنسان وتصوير أحالمه وعواطفه
94
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
رسوب ونجاح يف سابقة مل يعرفها التاريخ من قبل. ويف الستينيات بالتحديد بدأ الفصل بني الجنسني يف املدارس بني البنات واألوالد ،ويف الستينيات تح َّول أيضاً مجمع البحوث اإلسالمية -الذي كان من املفرتض أن يتوىل فقط اإلرشاف عىل طباعة املصحف -إىل جهة رقابة ومصادرة و ُع َّد ح َكامً وقاضياً يف يده السامح واملنع لكل إشارة تتوجه إىل الدين أو األخالق .يف التسعينيات صدرت فتوى طارق البرشي يف مجلس الدولة ،التي جعلت األزهر الجهة الوحيدة التي لها الحق يف قول نعم أو ال بحق أي ُمص َّنف أديب أو فني يتعرض للدين ،وبالتايل ما نحن فيه هو النتيجة الطبيعية ملا كنا فيه بالضبط ،فبالرغم من أننا ثرنا بالفعل ،لكننا ثرنا فقط عىل رأس الدولة ،رأس السلطة ،ومل نثرُ بعد عىل أنفسنا ألننا أيضاً مشاركون يف وسبب من أسباب الرتاجع ،ألن ثقافتنا الحالية ال الرتاجع، ٌ تصلح إال للقرن السابع عرش وبداية القرن الثامن عرش، مبعنى أنها ثقافة ميكنها أن تعطينا الحق يف أن نكون رعايا عثامنيني ،أما أن نكون مواطنني مرصيني نعيش يف القرن العرشين والقرن الحادي والعرشين فهذا يحتاج إىل ثقافة أخرى نحن يف انتظارها. ديوانك (أوراس) ،"1959" -مازال حارضاً يف ذاكرة الشعر السيايس القومي ،ما رأيك يف التوجه السيايس للشعر، وهل ترى يف شعر ما بعد الثورة املرصية قيم ًة موازية ومواكب ًة ملستوى الحدث؟ ■ الشعر السيايس رضوري وطبيعي ،ألن السياسة موضوع يهم الجميع ،والسياسة ليست مجرد مناقشات ،وإمنا أيضاً مواقف ،ألن السياسة هي أن نحفظ بلدنا وأن نحبه وأن نحلم مبستقبل أفضل له بينام نحارض ونتواجه ونتناقش ونتصارع وننفعل وهكذا ،فالسياسة موضوع أسايس من موضوعات الفن عامة؛ عندما نشاهد ونتأمل لوحات الفنانني الفرنسيني يف القرن التاسع عرش سنجد فيها مشاهد للثورة الفرنسية والحروب التي خاضها الفرنسيون وغري الفرنسيني من األوروبيني يف أعامل الفنانني واملصورين الكالسيكيني ومن ظهر بعدهم .وما يقال عن التصوير يقال عن املوسيقى .ونحن نعرف مثالً أن بيتهوفن أهدى إحدى سيمفونياته إىل نابوليون
أحمد عبد المعطي حجازي
يحتاج المجاز إلى الموسيقى ألننا عندما نستخدم اللغة في مجال اإلبداع -أي خلق الجمال -ال نقصد بهذا أن م ً ال فعلية مفيدة، نقول ُ ج َ ولكننا نستخدمها لننشئ بها كائن ًا أو كيان ًا جمي ً ال
بونابرت ،وتراجع عن ذلك عندما أصبح نابليون إمرباطورا ً ،واالكتشاف لرؤى الفتى الريفي القادم من األقاليم ،حيث آلة املدينة الجبارة .هل اعتاد ذلك الصبي ضجيج املدينة وتنكر للجمهورية التي أقامتها الثورة فمسح بيتهوفن اسم بونابرت وكتب أنها "أُ ِ التي مل يبارحها منذ ذلك الوقت حتى كتب عن «أشجار هديَت إىل رجل عظيم يف األسمنت» و«كائنات مملكة الليل»؟ ما الرؤية والخط خياله مل يصادفه يف الواقع" .ويُنتَظَر يف هذا السياق أن يهتم الشعر بالسياسة أكرث ،ألن الشعر يستخدم أدا ًة هي النفيس املوحد الذي يجمع بني هذه األعامل؟ ■ "مدينة بال قلب" كان أول ديوان يل ،وكان يضم قصائد بطبيعتها اجتامعية وأداة لالتصال ،وبالتايل تستطيع أن تعرب اللغة عن أي شأن من شؤون اإلنسان ،أو أي هم من بعضها كُ ِتب عام 1954وعمري 19عاماً ،ونسيته حتى همومه ،والسياسة يف مقدمة هموم اإلنسان املتمدن .مثة أصدرته دار (اآلداب) يف بريوت عام ،1959أما ديواين "مملكة كائنات الليل" فكتبته بني عامي 1976و،1977 قَصيدة مبارشة ليست أكرث من خطبة سياسية ،وقصيدة ثم انتهيت من كتابة "أشجار األسمنت" عام ،1987 هي شعر حقيقي ،ألن الشعر قادر عىل الكشف عن وبالتايل فالفارق بني "مدينة بال قلب" و"أشجار األسمنت" هموم اإلنسان وتصوير أحالمه وعواطفه ،ويصنع ذلك 30عاماً ،وال بد يف هذه الفرتة الزمنية أن تكون أفكاري بلغة راقية بديعة جميلة ،كام تجد يف كل األعامل التي قد اختلفت ،ولكن يبقى أنهام ميثالن مرحلتني يف مرشوع تدور حول السياسة ،ولكنها ف ٌّن راقٍ مثل "ماكبث" مثالً، واحد وليسا مرحلتني يف مرشوعني ،أي مرحلتني يف عمر فهي مرسحية مكتوبة بشعر راقٍ جدا ً ،ويف نفس الوقت سيايس ،حتى "روميو وجولييت" مرسحية سياسية ،مبا أنها شاعر واحد ال شاعريْن .يظهر ذلك من إمكانية العثور عىل أصول اللغة الشعرية للدواوين املتأخرة يف الدواوين تدور حول حرمان خالف عائيل الثنني من العشاق من اللقاء إال يف املوت .نحن محتاجون إىل أن يخاطبنا الشعر الباكرة أم ال ،وهل هناك عالقة بينهام أم ال ،ومن يستطيع أن يضع يده عىل ذلك هو الناقد أو القارئ املتابع والقادر سياسياً ولكننا ال نريد له أن يصل يف سبيل مخاطبتنا إىل مستوى اللغة العادية ،فال بد للشعر أن يظل محافظاً عىل واملجرب واملتمكن .وبالتأكيد من تابعوا أعاميل منذ أول دواويني إىل ديواين األخري يجدون أن هناك خطاً يجمع كلمته باعتباره فناً وإبداعاً .وأنا أرى أن قصائد محمد بينها ،رمبا يكون لهم رأي إيجايب هنا أو رأي سلبي هناك، إبراهيم أبو سنة وفاروق شوشة وحلمي سامل وحسن لكن يف كل األحوال يرون أن هناك تطورا ً وأن هناك صلة طلب عن الثورة فيها الكثري مام سيبقى. ديوانك "مدينة بال قلب" كان مبثابة صدمة الوعي بني هذا العمل وذاك issue (7)- December - 2012
95
في الشعر
شخص القصيدة يوسف عبد العزيز
كثير ًا
ما يقف الشاعر حائراً ،بعد انتهائه من كتابة قصيدته ،ليسأل األسئلة التّالية« :هل أنا من كتب هذه القصيدة؟»« ،أنا مل ّ أخطط لكتابة قصيدة بهذا ّ الشكل ،ما الذي رسق أصابعي وجعلني أكتب السابقة ،فهو ّأن الشاعر كان ّ نصه بهيئة مع ّينة ،وطريقة مع ّينة ،فإذا به يخطط لكتابة ّ ما كتبت؟» .أ ّما مصدر الحرية ّ ّ النص ،فيجد نفسه وقد أنجز قصيدة مختلفة عماّ كان يخطط. يخرج عن ذلك اإلطار الذي رسمه ،فال ينتبه إال يف نهاية ّ السبب يف ذلك فهو الن ّّص نفسه ،الذي أمىل عىل مثل هذا التّوصيف الذي تحدّثنا عنه ،يحدث مع الشعراء كثرياً ،أ ّما ّ نصه الذي ُيسيرّ ه ،وبني جمهوره الذي كاتبه طريقة كتابته ،فأصبح هذا الكاتب مج ّرد وسيلة للن ّّص ،أو صلة وصل ،بني ّ ينتظر ما أنجزه. ّ يستقل الن ّّص عن الشاعر الذي يكتبه ،وال يعود يتّصل به من قريب أو بعيد ،كام ال يعود للتاريخ الشخيص للشاعر أي دخل يف الن ّّص .من هنا نستغرب ممن يدرس النصوص الشعرية أن يتّكئ عىل السرية الذاتية للشاعر الذي يكتب هذه يتم تحميل الشاعر كل واردة أو شاردة يف الن ّّص! وال يتع ّلق األمر بالدارسني فقط، النصوص! ومن هنا نستغرب أيضاً أن ّ وميكن لدوائر األمن يف بلدان كثرية ،أن ّ تتدخل وتح ّقق مع الشاعر لورود هذه العبارة أو تلك يف قصيدته .وإذا ما تأ ّملنا تم البطش بهم أو قتلهم ،فقط لوجود كلمة هنا أو إشارة هناك، تاريخ الشعر العريب لرأينا عدداً كبرياً من الشعراء الذين ّ اع ُتبرِ َت خروجاً عىل ّ الطاعة. ّ مؤخراً قرأت يف إحدى املجالت الثقافية ،تعليقاً غريباً ألحد الكتّاب ،حول بيت املتنبي: «أنا الذي نظر األعمى إىل أديب صمم». وأسمعت كلاميت من ب ِه ُ يقول الكاتب ّإن املتنبي وصل إىل ذروة جنون العظمة ،وذلك حني جعل األعمى يلتفت إىل األدب الذي يكتبه ،كام جعل األصم الذي ال يسمع ،يتحلل من صممه ويستمع إىل كلامت الشاعر .يتابع الكاتب مع ّلقاً :ترى ما الذي و ّرط املتن ّبي وهو ّ الشاعر الذي وصلت شهرته اآلفاق يف مثل هذه األالعيب؟ الصوت اآلخر الذي يتحدّث داخل السابق ّأن الكاتب خلط بني صوت الشاعر وهو هنا (املتن ّبي) ،وبني ّ نالحظ من الكالم ّ والصوت اآلخر داخل القصيدة يشء آخر متاماً. القصيدة .والشاعر بالتّأكيد يشءّ ، ال ميكن للن ّّص ّ الشعري عىل اإلطالق أن يكون رجعاً للسرية الذاتية للشاعر صاحب الن ّّص .فالن ّّص هنا له استقاللية كاملة ثم حركتها يف عن كاتبه ،كام أ ّنه يخضع لقانون داخيل يحكمه ،سواء عىل مستوى والدة الفكرة ّ الخاصة بالنّص ،وتط ّورهاّ ، هذا اال ّتجاه أو ذاك ،وأخرياً تو ّقفها يف نقطة محدّدة ،هي نهاية الكتابة. النّص الشعري هنا يشبه الواقعة السرّ د ّية ،حيث يتناول الشاعر من خالل الن ّّص ،حادثة ما ،أو حكاية ما ،ويشتغل عليها .يف
96
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
داخل كل شاعر روح قاص أو روايئ يرسد الوقائع ،أ ّما ضمري األنا الذي يتك ّرر يف الن ّّص ،فهو ال يتّصل بالشاعر وإنمّ ا بشخص القصة أو الرواية. آخر كام قلنا ،وميكن لنا أن نس ّميه اآلن شخص القصيدة ،الذي هو بصورة من الصور مقابل لبطل ّ النص املختلفة ،ويضبط تناغامتها .كام شخص القصيدة هنا هو مندوب الشاعر يف الن ّّص .وهو املايسرتو الذي يقود عنارص ّ أ ّنه هو الذي ّ يطل عىل الجمهور ،ويقدّر حاجة هذا الجمهور يف درجة الغموض الالزمة للكتابة .شخص القصيدة أيضاً هو َ الحكم والنّصائح للناس .ولكنّ هذا الشخص ال يتح ّرك بنا ًء عىل أوامر أو نوا ٍه تصدر أبعد ما يكون عن الوعظ ،وتقديم ِ له من قبل الشاعر .إ ّنه يتح ّرك بكامل ح ّر ّيته ،كام لو كان الشاعر غري موجود .وهو يف الوقت نفسه يرفض أي مظهر من مظاهر االبتزاز ،وإذا ما حدثت هناك هيمنة ما عليه من قبل الشاعر ،وحاول الشاعر أن يح ّركه بناء عىل نزوة أو مصلحة غري مصلحة الن ّّص ،فسيؤدّي ذلك إىل فساد الن ّّص. هل ميكن أن يقوم الن ّّص عىل التّذ ّكر؟ لنصه .ذلك أن إعادة رواية هذه األحداث بالكيفية التي ال ميكن لألحداث التي م ّرت بالشاعر أن تكون هي املش ّكل الرئيس ّ وقعت بها ،هو يشء يبعث عىل ّ الضجر! األمر يشبه تلك املسلسالت الواقعية التي تب ّثها الفضائ ّيات ليل نهار ،والتي تعيد ّ رسد الوقائع التي يعرفها الناس ،وهذا ما يؤدّي يف نهاية املطاف إىل صناعة الكائن البليد ذي الحواس املعطلة. توحي النصوص الشعرية من جملة ما توحي به للقارئ ّأن الشاعر كان يلجأ إىل ال ّذكريات أثناء الكتابة .وإذا ما دققنا يف األمر مل ّياً ،فسوف نكتشف ّأن شخص القصيدة هو الذي يتذ ّكر ،ال الشاعر .أ ّما ذكريات هذا الشخص فهي ذكريات مفترَ َضة ،أو متخ ّيلة .هنا نجد ّأن شخص القصيدة يقوم بتذ ّكر تلك الوقائع التي مل تحدث! إ ّنه يخرتعها ،أو لنقل يتخ ّيلها، يقيني الحدوث .ال ب ّد من التنبيه يف هذا املقام حول تلك األفكار التي ويعرضها يف النّص ،حتى لتبدو للقارئ أمراً حقيق ّياً ّ تخص الشاعر كاتب الن ّّص ،وأ ّنها تعود فقط إىل ترد يف النص .ينبغي أن يعرف القارئ أو الدّارس عىل ح ّد سواء أ ّنها ال ّ شخص القصيدة .من هنا ينبغي أن نكون حذرين ،فننأى بأنفسنا عن توجيه اال ّتهام للشاعر لورود هذه العبارة أو تلك يف قصيدته .فالشاعر يف القصيدة ال يتحدّث عن نفسهّ .مثة شخص القصيدة هو الذي يتحدّث ،أ ّما ما يطرحه هذا الشخص يف الواقع فهو رضب من رضوب التّخ ّيل .إ ّنه ينأى بنفسه عن التّص ّورات الجاهزة ،ويفتح كوى الخيال لتتد ّفق منها الصور. األمر ك ّله متع ّلق بعمل ّية التّخ ّيل ،ولعبة القصيدة يف األساس هي لعبة قامئة عىل الخيال. واملشاهد ،واملخ ّيلة من هنا فاألفضلية يف الكتابة الشعرية هي ليست لل ّذاكرة ،وإنمّ ا للمخ ّيلة :الذاكرة تعيد نسخ األحداث ِ عيني الكائن عىل تبتكر تلك األحداث ِ واملشاهد .ال ّذاكرة ترهق الكائن مبا تسرتجعه من صور مك ّررة ،واملخ ّيلة تفتح ّ السرّ اين واملدهش ،مبا ّ تضخه من صور فريدة ومبتكرة .املخ ّيلة أيضاً ال تكتفي بابتكار األجواء الجديدة ،وإنمّ ا ميكن لها أن ّ الخاص ّية لنا ك ّلام رجعنا إىل األمكنة التي فارقناها يف املايض ،حيث نجدها قامئة تتدخل يف عمل ال ّذاكرة أيضاً .تتّضح هذه ّ ّ عىل صورة أخرى غري صورتها املرسومة يف الرأس ،ليست األمكنة فقط هي من ترتدي تلك الهالة النّورانية يف التّذكر ،وإنمّ ا الشخوص أيضاً ،واللحظات. يعتمد شخص القصيدة عىل اإليقاع كعنرص حاسم من عنارص العملية اإلبداعية ،ووفق هذا اإليقاع تجري عمل ّية كتابة الن ّّص .كل يشء يرت ّتب يف الن ّّص ،يصطف ويحتشد ،أو يتو ّزع بناء عىل ذلك اإليقاع الذي ينطلق فجأ ًة مع بداية الكتابة. بعد االنتهاء من الكتابة ،ينفصل الشاعر عن الن ّّص ،وميكن أن يطالعه كواحد من ق ّرائه الكثريين ،فيام شخص القصيدة يواصل اإلقامة يف الن ّّص ،كحارس دائم للجامل
issue (7)- December - 2012
97
في الشعر
الشاعر في العالَم مة َمه َ ِ معـاذ بنـي عامـر
لقد
وضع قائم ،بأ َّن ُه ُمنْتهَك ،فام هو قائم من حيث ْأش َك َل الزمن –منذ البدء– عىل الكائن البرشي ،وشع َر إزاء ٍ زمن قاهر ،يقف يف وجه طموحاته بعاملٍ أكرث تح َّرراً وانفالتاً .وقد َ كان الشاعر حدثاً بارزاً يف هو أسري ٍ العالَم سوا ًء العالَم الواقعي أو العالَم االفرتايض ا ُملشتَهى ،لناحية انشغاله أساساً بالخروج من الحالة الفيزيقية اآلدمية إىل الحالة امليتافيزيقية حيث يتمثل عالَ ًام بدي ًال للعالَم القائم. وجب أن ّ أفك مفاهيمية الزمن والقفز عىل إحداثيته من قبل الشاعر .وإذا َ كان يل أن وقبل أن أتقدّم خطوة إىل األمامَ ، اخترص ذلك بسؤال فسيكون عىل النحو التايل: ُ ليّ َ أوالً -أي زمن هذا الذي ُيريد الشاعر تجاوزه؟ هل القفز يتم ضمن الزمن الك للعالم القائم ،أم يتم تجاوز هذا إىل الزمن امليتافيزيقي ،الزمن ا ُمل ْط َلق؟!. ثانياً :ما جدوى القفز أساساً؟. مناذج أدبية جيدة ،نقول :هذي مناذج خالدة! أي فكرة ُتراود عقولنا ونحن نتلفظ بهكذا عبارات ،وماذا نقصد ساعة ُنحايك َ بالخلود هَ هُنا؟. نص أديب من حيث هو نص خالد ،يجعله عرضة مثة لَ ْبس يعتور مفاهيمنا تجاه الزمن واألبدية ،فإطالق ُحكم قيمة عىل ٍّ لتساؤل من نوع :أية أبدية هذه التي نقصدها؟ هل هي خارج الزمن عىل اإلطالق ،أم داخله؟ هل هي مقولة ِبكر أم مقولة ملبوسة بلبوس زماين؟. ً َ لنص أدبـي إذا كانت األبدية مقولة ال نهائية يف ُبنيتها األساسية ،مفهوما غري ُمتعني ،خارج نطاق العالم األريض ،ف ِمنْ أينَ ٍّ ال يتجاوز عمره ألفاً أو ألفني أو أكرث من السنني أن يصري نصاً خالداً؟. برأيي ان مفهوم األبدية والخلود ضمن سياقاته اآلدميـة هو مفهوم ذو ُأط ٍر زمانية ليس إلاَّ ! .وأيّ تجاوز لنطاق زمني ُمح َّدد َنسم ُه بالخالد واألبدي أل َّن ُه قهر إحداثية وجودنا ا ُملتعينّ وتجاوزها .وليس مثة قفز ميتافيزيقي يف عالَم الغيب، فاإلحداث األريض يضغط لتكبيل الخيار اآلدمي باتجاه الخروج من نطاق املشهود إىل نطاق الغيبي .إنه ُي ْب ِقي عىل الكائن البرشي ضمن سياقاته الفيزيقية ،وأي تجاو ٍز باتجاه األبدي والخالد هو تجاوز فيزيقي وليس ميتافيزيقي. السؤال :هل يقتنع الشاعر بهذا؟ قدمياً ،رصخ املتنبي: ليس يبلغه من نفس ِه الزمنُ ُأريدُ ِمنْ زمني ذا أن ُيب ّلغني ما َ أفق ال نهايئ يروم قفزاً عىل قهر الذات – هَ هُنا – بإزا ِء الزمن ،الزمن عىل إطالقه! والخروج من ربقته .فالرؤية تنفتح عىل ٍ نصه من حيث الزمن ا ُملتعينّ .وبرأيي أن الشاعر يتمثل زمناً ميتافيزيقياً َك ُبنية داخلية ،يف حني َّأن إطالق ُحكم قيمة عىل ّ
98
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
هو نص خالد يتأتىَّ ضمن سياقية الزمن الفيزيقي .وهذا ما سأعمل عىل توضيحه هَ هُنا. مثة رؤيتان للزمن وجودياً فيام يتعلق باملوضوع أعاله؛ أولهام رؤية آنية متموضعة ،وإن كانت عابرة لحدود الزمن ،فهذا نص بعينه من حيث هو نص خالد ،هو حكم – بالرضورة – فيزيقي. العبور هو عبور غري إطالقي .وأي ُحكم قيمة عىل ّ أما ثاين الرؤى فهو يقف عىل حافة الزمن ويتطلع إىل الم َ َلكوت والالنهايئ .حت ًام ،هو يعي إرهاص الزمن القايس ،لكنه يروم الخالص .يرى يف ذاته ا ُملجنّحة أكرب من أن يتم تكبيلها بهذا العالَم وإحداثياته املختلفة .والتهويم الشعري قائم أساساً أس «ضد – عقيل» فهو يكرس حالة املنطق والرتاتب الزمني ،حتى ساعة يصل الرتاتب هذا إىل « Infinityالالنهايئ عىل ٍّ اآلين» ،وإذا َ كان من حدث إبداعي للشاعر فهو حدث إعجازي عن َد حدوده القصوى .وإذا كانت الشيفرة الزمنية قد ّ أعيت العقل الفلسفي البرشي يف محاول ٍة لفكها عقلياً ومعرفياً ،فهي كذلك بالنسبة للشاعر عىل إطالقه ،فشيفرة الزمن قد أعيته جاملياً وروحياً. ولرمبا هذا ما وعاه أفالطون ساعة كتب يف محاورة «إيون»: « الشاعر يشء لطيف ومجنّح ،وال يوجد إبداع منه حتى ُيلهم و ُيج َّرد من أحاسيسه وال يبقى فيه عقل بعد اآلن «. الالنهاية إحساس يت ّلمسه الشعراء ،وهم ُيعاينون تفاصيل الحياة األرضيةَ .فهم يتلمسون طريق البرشية ناحية الخالص األخري. السؤال :إىل أي مدى يمُ كن أن يصل الشاعر ،والحقاً ما جدوى هذا التوق إىل الخالص؟. بحسب ٍة بسيطة ،سنكتشف أن الشاعر مل يغادر جمجمته ،وكل األمنيات بعالَ ٍم ال نهايئ غري خاضع ملصفوفة الزمن الرتيبة، هي أمنيات ُمتجاوزة للعالَم داخلياً مع وقف التنفيذ خارجياً! ُي ْس َحب الوجود إىل الداخل ،وهناك يتم هدمه .فالخارج كذات الرتاتبي حالة قهر عنيفُ ،ت ْش ِكل عىل الشاعر و ُيعاين عربها مأزقه ٍ تروم التح ّرر ا ُمل ْط َلق. نسبية «آينشتاين» تفرتض بالجسم ا ُملتسارع أن يتوقف عن الحركة يف ما توق الشاعر الميتافيزيقي إال حال تساوت رسعته مع رسعة الضوء .بعدها يتالىش ويدخل يف مجال كإجتراح نهائي لمهمته الوجودية، عظيم .الشاعر ُيوقف الزمن بدئاً ألنه يعي دخيلته الالنهائية – ٍّ كتجل لـِ ال فهو يعي القلق اآلدمي بإزاء نهائية الكائن البرشي عىل إطالقه -فهي أعظم من أن يتم تأطريها داخل العالَم محدودية الزمن األريض ،لذا يقفز بالخيال إىل عالَم املاوراء! .فالتسارع الداخيل تسارع ُم ْط َلق ،والولوج – بالنسبة للشاعر – إىل األبد والالنهاية ليس مسألة توقيت زمني بقدر ما هو مقولة «قبلية» إذا استخدمنا مصطلحات «كانط» .مقولة ُمتأصلة عىل مستوى الوجود بر ّمته ،لذا هو يقفز عىل إحداثية النسبية اآلينشتاينية ،ويكرس حاجز العقل والتمظهرات الخارجية للزمنُ ،يد ّمر العقل ذاته ورؤاه الظاهرة ،ويدخل يف مجال البصرية إذ ال تراتب وال النصية ،ويقذف حساب عامودي أو أفقي للزمن .فالجانب الالنهايئ يف الذات البرشية يضغط عىل الشاعر لحظة الوالدة ّ به إىل حدو ٍد قصوى خارج نطاق العالَم الزمني الواقعي. الشاعر يتجلىّ عرب هذه الوالدة الطقسية ،وبالتقادم يص ُري ذبيحـة ُقربانيـة ُيفتدَى بها!. إ َّنه يقرتف عالَام ال ُ ميلك ناصيته وال دليل قطعي عىل وجوده إال يف ذهنه ا ُمل َجنِّح – بتعابري أفالطون .-إ َّنه يتمرأى يف الخيال اإلبداعي للشاعر فيبرتك األرض كام الناقة ،ويعمل – أثناء الوالدة الطقسية للنص الشعري – عىل قطع الحبل الرسي الذي
issue (7)- December - 2012
99
في الشعر
ُيغ ّذي عقله املنطقي ،والدفع باتجاه معاينة ومن ثم معايشة العالَم ا ُمل ْط َلق عرب قذف تهوميي. متأت من خلود الشاعر الم َ َلكويت .فالبذرة الالنهائية يف ذهن الشاعر الحكم الق َيمي عىل نص شعري بخلوده األريض ٍ إذاًُ ، َّ ُتفهم – هنا واآلن – ضمن سياقات آدمية ،و ُتؤطر يف سياق النهايئ ُمتنا ٍه .وال معنى – البتة – للخروج من الزمن إىل كتجل خارجي ،ومنفلت ميتافيزيقاً ٍّ األبدية خارج نطاق التمظهرات األرضية للزمن ،فاإلحكام قائم فيزيقاً ٍّ كتجل داخيل. وما توق الشاعر امليتافيزيقي إال كإجرتاح نهايئ ملهمته الوجودية ،فهو يعي القلق اآلدمي بإزاء العالَم القائم وما يستتبع ذلك من تهالك ناحية الخروج من ربقة إحداثياته الكربى ،سيام إحداثيتي الزمن واملكان. ولقد كان الشاع ُر مبلبوسه الهُديب ،كائناً يتمثل ُبعد الكائن البرشي الالمتناهي؛ فالخربة الداخلية الهائلة للجنس البرشي فجر النبع ويدفق املاء من الصخرة الصماَّ ء. تتكثف يف ذات الشاعر ،والحقاً يستنطق صامتهاُ ،ي ِّ وإذا كان من جدوى لتوق الشاعر ميتافيزيقياً ،فهي جدوى ُأس ّية ،أصيلة لدى الكائن البرشي عىل إطالقه يف الخروج من تراتبية هذا العامل املحكوم باملصفوفة الزمنية الرهيبة ،إىل عامل ال نهايئ َط َّراً
أبيات من المتنبي ـــــل َوال َوطَـ ُن ِب َم التّ َعل ُّل ال أ ْه ٌ أُري�� ُد ِمن َز َمني ذا أ ْن يُ َبلّغَني ال تَل َْق َد ْه�� َر َك إالّ َغ َري ُمكترَ ٍِث فَ�َم�اَ يُدي ُم سرُ ُ و ٌر ما سرُ ِ ْرتَ ِب ِه ِم�ّم�اّ أضرَ ّ بأ ْهلِ ال ِعشْ قِ أنّ ُه ُم ت َفنى ُع ُيونُ ُه ُم َد ْمعاً َوأنْف ُُس ُه ْم مت عن َدكُ ُم لت وكم قد ُّ ك ْم قد قُ ِت ُ قد كا َن شا َه َد َدفني ق ََبل قولهِمِ كل ما يَتَ َم ّنى املَ�� ْر ُء يُ ْد ِركُ ُه َما ُّ
100
بيت الشعر
كــأس َوال َســ َك ُن َوال نَدي ٌم َوال ٌ َيس ي ْبلُ ُغ ُه من ن ِ َفس ِه ال ّز َم ُن َما ل َ ما دا َم يَ ْص َح ُب في ِه ُرو َح َك ال َبد ُن َوال يَ�� ُر ّد َعل ََيك الفَائِ َت ال َح َز ُن َه َووا َو َما َع َرفُوا ال ّدنْ َيا َوما ِ فطنوا يف إثْ�� ِر ك ُّل قَبي ٍح َوج ُه ُه َح َس ُن ث ّم انتَفَضْ ُت فز َال ال َق ُرب َوال َك َف ُن قبل َمن َدفَنوا َجام َع ٌة ث ّم مات ُوا َ الس ُف ُن ياح َمبا ال ت َشتَهي ّ تجرِي ال ّر ُ
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
تحقيق
الشاعر والعمل
ّ هل يعمل الشاعر؟ لماذا اليتفرغ الشعراء؟ أليس الشعر عمال للنفع العام؟ هل يؤثر العمل على االبداع الشعري؟ .هذه االسئلة طرحناها على عدد من الشعراء ،وجاءت االجابات عليها متباينة إلى حد كبير، األمر الذي يستدعي التوقف أمام نقطتين اساسيتين .األولى هي ان غالبية الذين شاركوا في التحقيق يرفضون حبس الشاعر في برج عاجي ،ويرون في الشعر نشاطا فرديا .والثانية ان النسبة الساحقة من الشعراء يعملون في الحقل االعالمي
بغداد -حسام السراي ،دمشق -رنا زيد ،القاهرة -عزة حسين ،بيروت -فيديل سبيتي
issue (7)- December - 2012
101
تحقيق
محمد ثامر يوسف (شاعر وصحا ّيف -العراق) ال طائل من التفرغ يف زمن حا ّد ومكثف إىل أقىص ما ميكن مثل هذا ،زمن يتداخل فيه الخاص بالعام إىل مديات بعيدة ،ال ب ّد وأن تنبثق رؤية جديدة لطبيعة عمل الثقافة ومنها الشعر بالخصوص ،الشاعر بهذا املعنى ليس كائناً خرافياً ،وال كلامته كذلك ،إنّه ابن أيّامه ابن هذا الواقع املرير« ،وإن بطريقته ومزاجه ومت ّرده» ..هل يعمل الشاعر؟ سؤال يعاد بصيغة أخرى هكذا ،ولِ َم اليعمل الشاعر؟ ،أقول إ ّن ذلك اليح ّده -فيام لو كان مذهالً ح ّقاً -من أن يكون مذهالً إىل األبد. نعي جميعاً ا ّن الواقع الثقا ّيف الصحا ّيف بات يتحمل نظرة أخرى غري تلك النظرة التقليديّة املتعارف عليها، أقصد إ ّن مث ّة نظرة اجرائية صارت أكرث نفعاً للشاعر أو ملن يتوجه إليه وهو يعمل يف الحقل الثقا ّيف السائح يف تالفيف أجناس ابداعية ورؤى مختلفة مفيدة يف الغالب لصالح التجربة الشعريّة ذاتها .خصوصاً ،فيام لو نظرنا إىل الثقافة مبجملها بوصفها صيغة حياة ،أقصد أيضاً الحياة نفسها كثقافة. الصحافة بالذات اليوم ويف زمن تقاين متسارع ،حالة ثقافيّة متكاملة ال تتجزأ والتنفصل عماّ حولها مبا يف ذلك االبداعي وإن بأشكال شتّى. الشعري العمل ّ ّ لكن مع ذلك كلّه فا ّن اليشء مينع الشاعر من االصغاء اىل نداء نفسه ،اىل اختالجات ذاته ،واىل حرشجاته الخاصة ،يف األمر الشعريّة ّ أجد السؤال كل ذلك ولكن ّ تعب ح ّقاًّ ، ٌ في فكرة تفرّغ يعتمد عىل قدرة الشاعر الشاعر لكتابته نفسه وتحمله ،ودرجة حساسيته يف تقليب األمور اليوم فكرة بال الشخيص بأمتياز. لصالحه ّ فائدة بأختصار أجد إ ّن السؤال يف فكرة تف ّرغ الشاعر لكتابته اليوم فكرة بال فائدة، الطائل من ورائها. 102
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
عيل سفر (شاعر وصحايف-سوريا) الشعراء ال يعيشون من وراء الكتابة الشاعر يعمل بالتأكيد ،ألن الشعر يف الظروف املحلية والعربية ،ال يعترب عمالً ،واذا اعترب عمالً فأين هي املؤسسات التي نجد ضمن سجالت موظفيها في حال أجبر عبارة «املهنة شاعر» ،إال إذا اعتربنا الشاعر على الجعاالت التي يحوزها (شعراء هذه البالط) أجور مهنة الشعر!!.. ارتكاب مهنة النقود تدخل ضمن بنود النفقات رديئة ،فإنني أجزم اإلعالنية ،وليس لها عالقة باحرتام بأن شعره سيظل الشعر ،واعتباره عمالً حقيقياً ً يحفظ الكرامة. قلقا بالمعنى من أي مثل مثلهم الشعراء السلبي مبدعي هذه األمة يعانون من قضية التفرغ ،الذي يقتيض وجود مورد مايل ،وطباعة الكتب الشعرية ،أو نرش الشعر ال يحقق صفة املورد املايل ،وبالتايل إذا دققنا بحال الشعراء محمود قرين (شاعر وصحايف-مرص) وظيفة ذات نفع عام تثري فكرة العمل ،عموما ،تعقيدات تاريخية عدة ألنها تتعلق بالتقسيم التاريخي للمجتمعات منذ بدأ متظهر الجامعة البرشية حتي أيامنا .وقد تعززت التفرقة بني البرش طيلة هذا التاريخ الدامي عىل أسس عرقية، إثنية ،وعشائرية ،انتهاء بالدولة الحديثة ،التي مل تنجح بدورها يف القضاء عيل هذه التاميزات البغيضة. يف املقابل فإن الوظيفة التي ناطها املجتمع بالشعر مل تكن مرشفة إيل حد كبري .فالشعر مل يتم تصنيفه مجتمعيا باعتباره مهنة ذات «نفع عام» ،غري أن شيئا من هذا القبيل حدث مع تطور العقل األورويب الذي أنجزته دولة الحداثة ،حيث تم اعتبار الشعر واحدا من
الشاعر والعمل
الذين نعرفهم نرى أن أغلبهم ال يعيشون من وراء الكتابة فقط ،بل لديهم أعامل أخرى ،فإذا ما نجحوا يف إيجاد املوارد رمبا يستطيعون التفرغ لكتابة الشعر والتأمل و خوض التجارب ،رمبا تكون املنح التي تقدمها بعض املؤسسات من أجل التفرغ خيارا ً جيدا ً ولكنها منح قصرية األجل وال تكفي الشاعر سوى بعض الوقت. الشعر عمل للنفع العام ضمن رؤيا اسرتاتيجية عميقة طويلة املدى ،ولكنه ضمن الظروف الراهنة واملحاطة بجمهور الشعراء العرب ،وكام يراه هذا الجمهور ،هو فعالية شخصية تعود عىل الشاعر باملنفعة الشخصية من شهرة وغري ذلك ،ولكن ماذا عن الشعراء الذي يخلقون الوعي الفني الجديد ،هل نتوقع أن يكرمهم الجمهور بوصفهم خالقني ومبا هو نفع عام؟ هذا ال يحصل إال حني يكرمون الشاعر يف األمسيات الرسمية ،أو بعد مامته فيمنحونه الدروع واألوسمة ،التي ال تفيده وال تفيد حتى ورثته. يؤثر العمل عىل االبداع ،فإذا ما أختار الشاعر مهن ًة تساعده عىل الخلق واالبتكار فإن شعره سيكون غنياً ومنسجامً مع رؤاه وتجاربه املهنية ،أما يف حال أجرب
الشاعر عىل ارتكاب مهنة رديئة بحق نفسه ،فإنني أجزم بأن شعره سيظل قلقاً باملعنى السلبي ،ورمبا سيعيش الشاعر انفصاماً بني حياته و لغته ،وكل هذا ليس يف مصلحة الشعر ..بالنسبة يل لقد أخرتت أن أعمل يف مهنة تغني الشعر وتغتني منه ،وأناضل يف الظروف الراهنة من أجل أال أضطر للعمل يف الرداءة
أدوات اإلنتاج املعريف وإن اقترص ذلك والزال عيل قيمه السيام وأن عصورا بكاملها اقترص فيها العمل عىل الرعاع والدهامء ،لذلك فإن شعراء كبارا عرفهم التاريخ الجاملية .رمبا لذلك كابد الشعراء طيلة عصور مختلفة القوا هوانا الحد له قدميا وحديثا ،فقد عمل ابن مقلة يف سبيل اكتشاف وظيفة مالمئة ملا يفعلون حتى لو أىت كاتبا يف بالط الدولة وانتهى مقتوال ومصلوبا ،وكذلك ذلك عيل نفقة الشعر نفسه يف بعض األحيان .ويشري البوصريي الذي مل يكن يجد قوت يومه ، الناقد والشاعر اإلنجلريي ستيفن وامتهن تأبط رشا مهنة حطاب وقاطع طريق، سبندر قبل مايقرب من خمسني عاما وعمل جان جينيه وفرناندو بسوا كحاملني يف إيل أن الحروب ،مثال ،أفسدت الشعر لم يكن الشاعر، ميناء ،وعمل شارل بوكوفسيك كساعي بريد أكرث من أي يشء آخر ،ألنها رهنت في أية لحظة ،فاشل .وقد كانت العائالت الضاربة يف القدم، الشعر لصالح قضايا خارج موضوعه، حتى وقت قريب ،تعترب أن امتهان أحد أبنائها وكان الراحل محمود درويش يري أن يملك ترف للشعر يأيت خصام من رتبتها االجتامعية ،رمبا القضية الفلسطينية أثرت بالسلب االختيار بين لذلك مل يكن الشاعر ،يف أية لحظة ،ميلك ترف عيل الشعر العريب كله. العمل والتفرغ االختيار بني العمل والتفرغ ملهنته ،السيام يف يف املقابل مل تكن مهنة الشاعر، تاريخيا ،سوى أداة طاردة اجتامعيا، ظالل ثقافة تحتاج إىل الكثري من التقويم بل كانت متثل أداة من أدوات اإلدانة، issue (7)- December - 2012
103
تحقيق
ولقاءات إعالمية وما إىل ذلك ،أما يف دول العامل الثالث مؤمن سمري (شاعر وقانوين-مرص) فالصورة متاثل وتحايك الواقع واملستوى الحضاري املتدين الشاعر عالة على اآلخرين ..الشاعر مثله مثل باقي أمناط املجتمعات املأزومة يعاين كان أيب رحمه الله يتوقف ونحن سائران ويقول «اإليد يف االلتحاق بعمل ثابت ثم يعاين يف رسم حياة مناسبة البطالة نجسة» ويف مشهد آخر يغمغم «العمل عبادة» ملن يعول ،أي أنه يضطر لزحزحة الشعر إىل نهاية قامئة وما إىل ذلك من العبارات واألقوال املأثورة -ناهيك االهتاممات ،باإلضافة إىل أنه يواجه التباسا يف وعي عن اآليات واألحاديث -التي تحث عىل العمل وت ُجيل البعض ضده وخصوصاً عند استدعاء القيم الدينية ،أي أن قيمته ..الخ ...حتى جاء اليوم الذي سألته فيه عن رس الشاعر عندنا يواجه الجهل والظروف والتهميش يف غالب هذا اإللحاح عىل هذا األمر بالذات فقال بأىس «ألنك يل أو كان واقعاً تحت العصور وعزلته النفسية املتجددة ،يف وقت واحد .بالطبع بتاع ِشعر!!» ،وهكذا كان يخاف ع َّ الفكرة املتسلطة عىل الكثريين وهي صورة الشخص الحامل ال ينسحب هذا عىل الشعراء النجوم الذين يؤدون دامئا أدوارا ً مرسومة تجعل املجتمع يرفعهم يف مكانة تجعل الفوضوي الذي يح ِّوم دامئاً بعيدا ً عن كل ماهو واقعي الواحد منهم يكافئ العرشات يف الحظوة واملال واالنتشار وحقيقي .الشاعر الشخص الذي متنعه طبيعته الهوائية من االنتظام يف عمل ما وبالتايل يعيش عالة عىل اآلخرين ،الخ ..لكنهم يف النهاية قلة ،وإذا كانت فكرة تفرغ الشعراء قد تعاطت معها مجتمعاتنا يف إطار «املنحة» األكرث جدية ونفعا ألنفسهم وللعامل . التي تقدم للبعض فإنها بطبيعتها مؤقتة مرهونة بانتهاء هذه الصورة الذهنية ،هل هي مجرد أسطورة اجتامعية املرشوع املتفق عليه وبهذا تكون فكرة أن موجودة عندنا أم أن فيها ظالً من الحقيقة، مينح مجتمع ما تفرغاً طويالً للكاتب أو األمر خاليف ولكننا إن سألنا سؤاالً مثل :هل الشاعر عندنا الشاعر فكرة طوباوية أقرب للوهم. يعمل الشاعر؟ ال يكون أمامنا إال وأن نلجأ وإذا فرسنا باألساس كلمة النفع العام تبعا للجغرافيا ومن ثم للمستوى الحضاري .. يواجه الجهل لتقدم وتحرض مجتمع ما سنصل لجواب فالعامل األول األكرث تحرضا ً ووعياً يتعامل والظروف سؤال ما إذا كان الشعر عمالً مفيدا مع الشاعر عىل أنه إنسان مميز تحتاج إليه البرشية يف كل مراحلها وال تلجأ ملعيار والتهميش في للجميع أم ال حيث أن لكل مجتمع أولياته التي مبنتهى الرصاحة يكون الشعر يف األهمية إذا قارنت بينه وبني السيايس أو غالب العصور بعض األوقات خارجها وعبئا ورفاهية غري عامل الفضاء أو العامل أو االقتصادي..الخ مستساغة يف إطار غياب األساسيات مثل حيث تتفهم هذه املجتمعات فكرة التجاور الطعام والدواء والحرية ،لكن هل يعني الذي يكمل فسيفساء املجتمع فال يصح ذلك أن الشعر يحتاج مجتمعاً صحياً ليك أن يُطلق عىل أي تجمع برشي مصطلح ينمو؟ بالعكس فاملعاناة يف غالب األحوال تخلق اإلبداع املجتمع إال إذا احتوى عىل كل األمناط وهكذا تكون ولكن القهر كذلك والصعوبات التي تواجه املبدع تأكل لرتبية الروح نفس أهمية تربية الجسد ،وبالتايل ميكن روحه وتحبطه وتشغله أيضاً. أن توفر للشاعر بعض املميزات املرتبطة أيضا بالبعد وإذا وصلنا لصلب عملية الكتابة وإنتاج النص الشعري التجاري ..فعندما ينجح كاتب ما -شاعر أو غريه -يف الوصول ملبيعات عالية توقع معه دور النرش عقودا ً إلنتاج فالعمل الذي يأخذ من الشاعر وقته وجهده وصحته ويُبقي له قلقه وتوتره يجعل الشاعر يف حالة دامئة من الكتب خالل عام مثالً وتجددها له كلام استمر نجاحه التدريب عىل االصطياد .اصطياد الفكرة والصياغة من وتوفر له راتباً يكفيه ثم ترتب له بعد صدور الكتاب وسط األتون الذي يبعده عن الفعل الوحيد الذي يحقق الحمالت الرتويجية وحفالت توقيع يف بلدان مختلفة 104
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
الشاعر والعمل
إنسانيته..اإلبداع. ويف األوىل واآلخرة الشاعر جزء من لحظته التاريخية يعاين مثلام تعاين ،ولكن بروح مفتوحة أكرث عىل النزيف
زاهر موىس (شاعر وصحايف -العراق) الشعر نشاط فردي حني يبدأ العمل ينتهي الشعر وذاك تابع لكون الشعر للمؤسساتية و نقطة االختالف األوىل .إ ّن الشعر نقيض ّ فردي و العمل حتّى يف أش ّد درجات استقالليته جمعي والنقطة الثانية لالختالف إ ّن الشعر غري تراتبي يف سياقاته بينام يخضع العمل دامئاً إىل تراتبية صارمة ،وحني نبحث عن آلية انتاج املبدع سنجد إنّها تتجلىّ زمنياً يف األوقات االجتامعي ،والعمل برغم اعتباره الح ّرة من نظام الحياة ّ نقيضاً للشعر من وجهة نظري ولك ّنه ال يخلو من نافذة تطل عىل تفاصيل العامل القابلة للشعرنة فهو بذلك من ّ ثوابت االبداع القليلة كام هو الحال مع القراءة أو العالقة مع اآلخر املختلف وفكرة عدم عمل املبدع فكرة خاطئة كام أرى ،إذ أنّها تفرتض راع لتجربة املبدع يديم حياته متام تالوي (شاعر وطبيب -سوريا) وينفق عليه ،وهذا ما يجعله مرتهناً لسلطة ما تشكّل يحتاج الشعر حياة كاملة بالتايل رضرا ً يحيق بالشعر واألدب عىل مر العصور للشاعر حاجات ،ليس أولها الحب وليس آخرها حاجاته الرضورية للعيش من مأكل ومرشب وملبس .ناهيك عن نجاة عيل (شاعرة -مرص) كونه يف غالب األحيان معيال ألرسته .وال ميكن للشعر أن ال تعارض بين الشعر والعمل يؤمن نفقات الحياة ،فليس لديوان الشعر خصوصا يف بالطبع البد للشاعر أن يعمل ,وإال كيف يواجه تكاليف عاملنا العريب من قارئ إال يف ما ندر .وال ميكن للشاعر أن الحياة ,خاصة أن العائد من الكتابة ال ميكنه أن يكفل ألي إنسان حياة كرمية خاصة يف ظل تراجع مبيعات كتب يحصد من كتاباته جوائز يومية كام كان يحصل يف عهود عربية سابقة يف بالط الخلفاء .وكام أن الشاعر عاشق، الشعر .رمبا بعض الجوائز قد تضمن أن تؤمن له بعض فهو يف مقابل ذلك إنسان له ما له من طبائع البرش، اليشء تغطية بعض النفقات التي يتكلفها الشاعر لرشاء وإن بعض الشعراء ال يكتفي مبا يسد حاجاته بل تراه كتب اإلبداع والثقافة .أظن أنه البد أن يكون للشاعر يسعى لجمع ثروة صغرية أو كبرية .لكن السؤال األهم عمال يتكسب منه .وال تعارض بني العمل وكتابة الشعر. من وجهة نظري :أال يظلم الشاعر حرفته الشعرية إن فالعمل لن يعطل اإللهام لديه ،لكن الكثري من الكتاب وأنا منهم ،يفضلون عمال له عالقة بالثقافة واألدب .خاصة كان يعمل يف مجال آخر؟ وجوايب بال تردد :نعم .فالشعر الشعر بشكل خاص ال يكتب يف مواعيد محددة ،أعني أنه برأيي بحاجة إىل حياة كاملة تنهل من الثقافتني الحياتية ال يشبه الرواية مثال ،التي يتعامل معها الكاتب كمرشوع والقرائية .وأعرتف أن مهنة الطب بالنسبة يل مثال حرمتني من أشياء كثرية كان ميكن لها أن تغني حيايت اإلبداعية، يحتاج للتفرغ لفرتة زمنية. issue (7)- December - 2012
105
تحقيق
فهي حرمتني عدة مرات من تجارب السفر ،كام أن قراءة املراجع الضخمة للطب أخذت وقتا عىل حساب قراءايت املعرفية والثقافية األخرى .كثريون من زماليئ األطباء املوهوبني يف الشعر أو املوسيقى ,تساقطوا واحدا واحدا من عىل صهوات املوهبة وهم يشقون طرقات املهنة الوعرة .أما أنا فام زلت أكافح للبقاء شاعرا. نعم عىل الشعر أن يعطى حقه ليكون مهنة أو عمال من أعامل النفع العام ،لكن ال أحلم بحدوث هذا يف عاملنا العريب تحديدا ،فحصول هذا يتطلب عمال مؤسساتيا
ضخام ترعاه دول متقدمة جدا معرفيا وثقافيا .فالشعراء كرث ،وسياسات الدول – دولنا العربية تحديدا -ال تنظر للشعر وال للشاعر تلك النظرة التي تخ ّوله أن يكون حجر أساس يف البناء الثقايف للمجتمع .رمبا يكون هكذا يف السويد مثال أو يف أملانيا ..لكن بالتأكيد ليس يف بالدنا
حازم العظمة (شاعر وطبيب -سوريا) شعراء عاشوا بال عمل هناك شعراء عاشوا بال عمل غري الشعر نفسه ،إن اعتربنا
التف ّرغ للشعر هدفا ،الشعر هو اللحظات الهاربة التي محمد بركات (شاعر صحايف -لبنان) نلتقطها ،والتف ّرغ للهامش يشبه اإلنقالب .أنا شخصيا ال التفرغ للشعر ليس هدف ًا أحلم بالتف ّرغ للشعر .الرواية تحتاج تف ّرغا رمبا ،تحتاج أوال عىل الشاعر أن يعمل أل ّن الشعر ليس مهنة ،وإذا إىل وقت وإعادة كتابة م ّرة بعد م ّرة .السينام رمبا ،لك ّن افرتضنا أنّه مهنة فهي ليست مربحة وال يكفي لتعيش من مردودها .لك ّن الشعر برأيي ليس مهنة .الشعر هو الشعر هو خالصة الرواية والسينام واملوسيقى ،زبدة الفنون وقشدتها ،وال ميكن التف ّرغ لصناعة القشدة. الفراشات التي تدور حول رأسك ورأيس ،حني تلتمع عادي أو سعيد .ويف املحصلة ال ميكن أن يكون الشعر مصدر رزق .اليوم فكرة إعرتاضية يف نهار كئيب أو ّ ممل أو ّ أي مراهق ميكن أن الشعر ليس مهنة ولن يكون مهنة .الذين عاشوا وربحوا بات الشعر عموميا إىل درجة رائعةّ . يحصل عىل عدد قراء أكرث مام باع نسخا من الشعر هم محظوظون. من كتبه شوقي بزيع ويوسف ب ّزي وأنيس محمود درويش مثال .كان يعمل الحاج مجتمعني« .الفايسبوك والتويرت» إضافة اىل كتابة الشعر ،يسافر ويلقي الشعر ال يحتاج جعال من مليارات البرش كتّابا ،وبعضهم محارضات وندوات شعرية ويرأس إلى تفرّغ ،بل يكتب أفضل من كتاب مخرضمني أو تحرير مجالت .الشعر ليس مهنة حني يحتاج إلى ثقافة ،راحلني أو آتني .هذا يفرض عىل الشعر يجد ق ّراء ،فكيف الحال حني ال يجد تح ّد جديد ليس هذا هو الوقت املناسب قراء ،كام يف أيامنا هذه؟ تؤتى بالتجربة للحديث عنه .الشعر دخل يف مرحلة كل كاتب أما التف ّرغ للشعر فهو حلم ّ وبالموارد يحتاج خاللها إىل عناية فائقة .لن ميوت، للشعر أو قارض له .التف ّرغ للشعر سيستم ّر لك ّنه يحتاج إىل ربيع مستعجل المعرفية يشبه أن تقول امرأة إنّها تريد التف ّرغ وغري معروف الجذور يك يعود إىل منت للحب .ال مجال إال أن تكون شهرزاد ّ الفنون بعدما «زحلطه» «الفايسبوك» إىل وتجد لها شهريارا. العمومية الجميلة ،املزعجة للشعراء فقط. الشعر ال يحتاج إىل تف ّرغ ،بل يحتاج إنتهى زمن اإلقطاع الشعري .الشعراء املك ّرسون ،أو إىل ثقافة ،تؤىت بالتجربة وباملوارد املعرفية ،من إنرتنت شعراء ما قبل الفايسبوك والتويرت ،هم بكاوات يناضلون وسينام وعيش وقراءة وأدب ولغات .ال ميكن أن يكون
106
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
الشاعر والعمل
الشعر «عمالً» منهم رامبو .املفارقة أن رامبو حني انخرط يف عملٍ ما - تجارةالسالح أو العبيد كام وصلنا عىل األقل -مل يعد شاعرا ً . دامئاً ما فكرت يف «التفرغ» الذي مينح أحياناً من جهة ما إىل الشعراء وتخيلت أن «تفرغاً» كهذا قد يعزل الشاعر -أو الكاتب عموماً -يف قفص «إبداعي» مبعنى ما فينضب
اإلبداع. ال أعتبر الشعر بالنسبة يل كنت طبيباً وكنت يومياً أقطع ال » ،هو غالب ًا هذه املسافة الهائلة بني العمل والشعر يف «عم ً لحظة واحدة تستغرق حوايل 30كيلو مرتا ً طفرة حياتية ،إن بني عميل والبيت ،ومل اشعر مرة بتناقض ما. كان ال مناص من ال أعتربه تناقضاً أن يكون مثة شاعر يف رأس امليكانييك أو النجار ،وقد اقول أن هذا بحد تسمية ذاته شعر ،لكني لن أفهم مر ًة أن يكون مثة شاعر -جرنال ،أو كولونيل مثالً. ال أعترب الشعر «عمالً » ،هو غالباً طفرة حياتية ،إن كان ال مناص من تسمية
من أجل البقاء ،لك ّنه موسم اإلنتخابات والربيع، والقارئ سيختار شعراءه من اليوم فصاعدا ،وليس املرشفون عىل الصفحات الثقافية يف الجرائد البالية هم ح ّراس الهيكل بعد اليوم .نحن يف زمن الغوغاء الشعريّة .نحن يف زمن الفالحني الذين يفهمون أكرث من البورجوازية الشعرية النخبوية ،ويكتبون أفضل منها بالتأكيد
رامي االمني (شاعر وصحايف -لبنان) صرت صحافيا بفضل الشعر سأفكر باألمر بطريقة معكوسة .ملاذا عىل الشاعر أن يكون شاعرا ً أوالً؟ هل نحن من نختار أن نكون شعراء؟ كنت ال أتذكر أنني اخرتت أن أكون شاعرا ً ،وال أعرف إذا ُ أصالً شاعرا ً .لكني أتذكر جملة كان يرددها أيب عىل مسامعي ،وهي التي طبعت عالقتي بالشعر ،وجعلتني أقرتب أكرث فأكرث منه»:الشعر ما بطعمي خبز» .أي أن يل ببدل مايل ،وال بأجر أستطيع أن الشعر لن يعود ع ّ أعيش منه .لكن عالقتي بالشعر يف مراهقتي ،وقراءايت الكثرية ،جعلتني امتهن الصحافة ،ومنها إىل التلفزيون، والتلفزيون «يطعم خبزا ً» .حصلت عىل عميل يف التلفزيون بسبب عالقتي بالشعر .ولهذا أنا مدين له برزقي الحايل. ملاذا عىل الشاعر أن يعمل؟ ملاذا عىل العامل أن يكتب الشعر؟ املسألة معقدة. وال أعرف اذا كنت قادرا ً ،نفسياً ،عىل التفرغ للشعر ،حتى لو كان هناك امكانية عمالنية لذلك .التفرغ بحد ذاته أمر مضجر .ميكن للشعر أن يكون هواية إىل جانب العمل، وميكن للعمل أن يكون هواية إىل جانب الشعر .ال بأس بأن يكون الشعر عمالً ،والعمل شعرا ً .أنا أحب عميل اإلعالمي ،وأجد يف مامرسته متعة تشبه كتابة الشعر. أما أن يتح ّول الشعر إىل عمل يتعلق بالنفع العام فلن issue (7)- December - 2012
107
تحقيق
عليهم!؟ يتفرغ الشعراء عندما يكون هناك من يفرغهم؟. أستخدم كلمة «يجب» .ليس هناك واجبات يف هذا عادة يفرغون من قبل جهة ما رسمية ،أو مؤسسة أهلية املضامر .قد يكون الشعر ذا منفعة عامة ،وقد يكون مهنة ،أو هواية .البعض تحالفه الظروف ليعمل شاعرا ً داعمة ،يهمها أن يخصص املبدع ،الشاعر يف موضوعنا ،كل وقته إلبداعه ،يف بالدنا ال يوجد يشء كهذا عموماً ،ولكن ويتقاىض أجرا ً عن قصائده من مبيع كتبه .البعض يوجد ما يشبهه؟ وهو توظيف املبدعني لدى جهات عامة يتقاىض األجر من البالط .ومثة من يدفع لكتابة الشعر. تؤمن لهم الظروف املناسبة ملتابعة عملهم .فقد درج يف تجد النامذج الثالثة .أنا لألمانة مل أدفع ألنرش قصائدي، سوريا توظيف الشعراء والروائيني وبقية الكتبة يف وزارة ومل أقبض« .كشاعر خ ّط سطرا ً يف الهوى ومحا( »...مع الثقافة ومديرياتها ومؤسساتها ومراكزها يف املحافظات، اإلعتذار من األخطل الصغري عىل تحوير بيته الشعري) وكذلك يف وزارة اإلعالم والصحافة ،مع مالحظة أنه كان هناك فرق نسبي هو أنه يف وزراة الثقافة كانت هناك منذر املرصي (شاعر -سوريا) سياسة توظيف ومل املعارضني ،ويف وزارة اإلعالم سياسة نجح العمل في ابعاد شعراء عن تجنيد وضم املوالني ،ومرة ثانية أكرر أنه كان فرقاً نسبياً الشعر وليس مطلقاً .وقد لفت هذا نظر عدة مثقفني عرب زاروا بالنسبة يل ،عملت موظفاً يف مديرية تخطيط الالذقية، حيث كان يعمل معي أيضاً ،بوعيل ياسني ،املفكر اليساري سوريا وكتبوا عنه ،كالشاعر اللبناين بول شاؤول عندما فاجأه كون ممدوح عدوان موظفاً يف مديرية املسارح!؟ املعروف .من عام 1976إىل ،2009منها /25/سنة يف وكذلك املفكر والناقد املرصي غايل شكري يف كتابه ذات املبنى ،ذات الغرفة ،وعىل ذات املكتب والكريس. «ثقافتنا بني ال ونعم» ،وهناك قصة رواها يل حنا مينة كيف ملن يدعي أنه شاعر أن يقيض عمره عىل هذا الذي عمل مستشارا ً يف وزارة الثقافة لسنوات طويلة، النحو!؟ .ولكن نوع عميل أنه عندما أصدر املثقفون السوريون بياناً احتجاجياً عىل املكتبي ،الذي ال عالقة مشاركة القوات السورية يف عملية تحرير الكويت ،اتصل اجعات له مبعامالت ومر نفتقر للذين بوزيرة الثقافة السيدة نجاح العطار ال أدري أي وزير الناس ،والذي تكرث به كرسوا حياتهم آنذاك وصاح بها« :قويل لكالبك أن يبتعدوا»!.؟ ساعات الفراغ ،ساعدين حول سؤال :أليس الشعر عمال للنفع العام؟ ،يقول عىل القراءة والكتابة بمجملها املرصي« :نعم ،أستطيع أن أدعي هذا ..نوع الشعر الذي وسامع املوسيقى والتأمل لشعرهم آمنت به ،وحاولت كتابته ،أستطيع وضعه تحت عنوان: من النافذة ...بآن ،كام أنه وإلبداعهم «خلق الشعر ملساعدة البرش» .وذلك إلمياين ،لرغبتي أن وفر يل الوقت خارجه ،يك أؤمن بأنه ليس من األشياء التي تذهب هباء ،بل من أرسم ،وأصادق ،وأتابع األشياء التي تبقى وتنفع البرش». السينام عىل نحو هلويس، وال أفوت شمساً ساطعة إال وأذهب للبحر ..وهكذا عندما هل يؤثر العمل عىل اإلبداع الشعري ؟ نعم يؤثر.. تقاعدت منذ ثالث سنوات ،وماعدت مضطرا ً ألن أستيقظ بالتأكيد ،إن كان سلباً أم إيجاباً ،سلباً إن كان يأخذ جل كل يوم الساعة السابعة والنصف صباحاً وأذهب للعمل وقته ،أو يأخذه كله بعيدا ً عن الشعر ،فقد عرفت شعراء موهوبني كثريين ،نجح عملهم يف أن يطووا قصائدهم بتلك الروح الوثابة ،تخلخلت تلك املعادلة التي كانت ودفاترهم ويتوجهوا بكل مقدراتهم للعمل ذاك .وإيجاباً تقوم عليها حيايت .وأعرتف أنه لآلن مل أستطع متاماً أن عندما ال مينع العمل ،أي عمل ،من أن يخصصوا ما يكفي أتالءم مع حريتي. ملاذا اليتفرغ الشعراء؟ أي سؤال هذا ،وكأن األمر يتوقف من الوقت للكتابة ،ورمبا العكس ،حيث أنه يساعد، 108
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
الشاعر والعمل
بكونه مصدر إلهام ،مصدر مواضيع ،ومصدر أفكار ،بكونه تجربة حياتية ،وعالقات حية مع األشياء والناس. ما أفتقر له يف األسامء والتجارب الشعرية السورية، وخاصة ما خربته جيدا ً منها ،منذ عقد السبعينات يف القرن املايض لليوم ،أننا نفتقر لهؤالء الذين كرسوا حياتهم مبجملها لشعرهم ،إلبداعهم .أستطيع بالتأكيد أن أستثني اسامً أو اسمني أو ثالثة لهم هذه الصفة ،أي كانوا شعراء أوالً وأخريا ً ..أما الكرثة الباقية فلم يكن الشعر بالنسبة لهم إال محاولة إثر محاولة ،لشق ذلك الجدار السميك من العدم ،الذي وقف يف وجه الجميع وأطبق عليهم
عبد الرحيم الخصار (شاعر ومدرس وصحايف -املغرب) العمل المناسب للكاتب هو الالعمل عادة ما يطرح عليك بعض األصدقاء سؤاال حول طبيعة عملك ،إنني أشتغل يف التدريس منذ 13سنة ،ال أتجاوز أربع ساعات من العمل كل يوم .قد يبدو هذا لكثريين عمال جيدا ومناسبا للكتابة ،و الحقيقة أنني باستثناء السنوات الخمس األوىل رصت أحس بأن هذا العمل ثقيل و يحول دون التفكري يف الكتابة بشكل عميق وأكرث إتقانا .ليست املسألة مسألة وقت فحسب ،إنها باألساس مسألة مزاج .الجهد و الرتكيز حين أفكر في يذهبان مع عرشات الطلبة األصدقاء الذين الذين يغادرون القاعة كل ساعة و يحل آخرون محلهم .يشتغلون ساعات هناك يشء آخر هو السهر كثيرة في مهن الذي ال يتالءم مع االستيقاظ أخرى أدرك أنني املبكر من أجل العمل، يجلس فبالنسبة لكائن لييل ربما محظوظ أمام الحاسوب لساعات طويلة يسمع املوسيقى ويكتب نصوصا شعرية ونرثية قليلة و مقاالت صحفية كثرية ،يبدو الصحو الباكر شيئا معذبا بالفعل ،و أنا هنا أتذكر جملة ألحد أصدقايئ
الشعراء يقول فيها« :الثامنة صباحا دامئا تعذبني». باملقابل حني أفكر يف األصدقاء الذين يشتغلون ساعات كثرية يف مهن أخرى أدرك أنني رمبا محظوظ ،سيام يف أيام العطل ،معظم النصوص الشعرية كتبتها يف الصيف، حني يذهب اآلخرون لشواطئ البحر أتجه أنا رأسا إىل شاطئ الكتابة. هناك يشء آخر يبدو أنني أخصص له تقريبا نفس الوقت الذي أخصصه للتدريس وهو الكتابة الصحفية، أكتب مبعدل مقالتني كل أسبوع ،و أعد ملفات ثقافية لبعض املجالت العربية ،وأنا ال أعترب هذا األمر كتابة ،إذ أدرجه يف خانة العمل الرسومات :الفنان األمرييك جوي براديل
issue (7)- December - 2012
109
حائط أبيض
.
ّ الجراح نوري .............................................................................................................
أن
الشاعر رسول الحرية
تكون سوريا اليوم ،وقبل أن تكون شاعرا ،فأنت مطالب بأن تكون جنديا يف معركة ضد قوى الظالم والطغيان ،ومحاربا ألجل الحرية .من دون أن يخطر يف بالك أبدا أن متجد سفك الدم ،أو أن تكون مساندا ألعامل القتل .أو أن تكون محايدا كام فعل البعض ،أو غاضا طرفا عم يجري من مآس ،كام اختار آخرون .الشاعر بأي لغة تكلم هو صوت الحرية .وهو أوال وأخريا ،صوت الحياة ضد املوت. ال مساومة ابدا عىل قضية الحرية بالنسبة إىل الشاعر .فالشاعر صوتها ،وهو رسول الحرية ،ولهذا السبب هو ،بالرضورة ،صوت يأيت من املستقبل. عندما تكون شاعرا ،عىل هذا النحو ،وعىل هذا امليل من الواقعة املأسوية ألمة ،البد ان تجد نفسك يف قيص من األمل .وبينام شعبك يخط بدمه كلمة الحرية ،عليك ،أقله ،أن تردد بصوتك الكلامت التي رددها بدمه يف الشوارع .أي أن تكون ابنا أمينا للحظة الجامعية األكرث مأساوية واألكرث حقيقية معا ،ولكونها لحظة وجودية فارقة هي لحظة شعرية أيضا .لكن شعريتها ال يكتبها الشاعر بكلامته املفردة ،وإمنا يكتبها الناس بدمائهم املبدعة ..أنا ال أميل أبدا ً ألن أكون ىف مقعد الضحية .والسوريون ال يعبرتون أنفسهم ،يف أي وقت، ضحايا ،ليس يف مزاج السوري شعور الضحية ،بل شعور املكافح ألجل كرامته وحريته ،وألجل العدالة والرقي املدين ،ألجل مستقبل يليق بإنسانية اإلنسان .أما الشهيد السوري املحمول عىل األكتاف فهو يف قاموس السوريني املنتفضني املقلة التي واجهت املخرز ،والبطل يف موقعة الحرية. يف معركة الحرية ميكن للكلمة أن تواجه املدفع ،رمبا بالطريقة نفسها التي أمكن للعني أن تواجه املخرز ..الكلامت بالنسبة للشاعر هي كل أسلحته ،ومن ثم ال شعر وال شاعر بال عالقة من نوع خاص مع الكلامت .وهي عندي عالقة وجودية جوهرية جارحة ومتطرفة. والشاعر ال يكتب إال ىف حالة تطرف ،ألن العالقة مع الكلامت عالقة قصوى تؤخذ من األبعد ،وليس من األقرب فهي أرض الحلم وسامؤه. والكلمة ،بداهة ،تساوي وجود اإلنسان ،ال أريد أن استشهد فقط بالكتب املقدسة ،التي رفعت الكلمة إىل مصاف املقدس« :يف البدء كانت الكلمة» .و«إقرأ» ،ولكنني أميم شطر اإلنسان وهو بفطرته ومرانه مولع بالكلامت ،مرة يف شعر ينشد وجدانه ،ومرة يف حكاية تخاطب فطرته وخياله ،ومرة يف حكمة تؤجج عقله ،ومرة يف خرب ينعش ذاكرته .ويف مواقفه تؤخذ عليه كلمة .فيقال :هذا شخص صاحب كلمة .مبعنى أنه رجل .فالرجل عند كلمته .وإال فهو ليس رجال. ولطاملا كانت الكلامت ،عرب العصور ،صديق اإلنسان ،صوته ،ورسوله ،ورسالته ،عزاؤه وأفقه .بالكلامت صار اإلنسان إنسانا .فكيف ال تكون الكلمة امىض أسلحته يف كل معركة ،وكذا يف معركة الحرية. يغادر الشاعر بيت طفولته بحثا عن الذات وطلبا للحرية .لكن ما الفرق بني البحث عن الذات والبحث عن القصيدة؟ أنا ال أجد فرقا. عىل كل حال أنا مل أغادر سورياً قبل ثالثني عاما طائعاً ،وإن بدا أن طريقي إىل املنفى كان اختيارا ،فغالبا ما ال يكون اختيارك الطوعي إرادة خالصة ،بل خالصة ظروف وضغوطات ورمبا إحباطات .مل يكن مبقدوري أن أكون حرا ً هناك يف دمشق مدينة حيايت التي ابتالها الديكتاتور بشتى املحن واآلالم .وقتام قررت املغادرة كنت أشعر أنني أغادر مدينة محتلة .وقد أدركت أنني خرست املعركة ،فقد كنت حتى سنوات قليلة أحلم بسوريا أخرى .أما وقد ادركت خساريت ،فقد قالت يل امي وأنا احمل حقيبة كتفي الصغرية مودعا :انت لن تعود .وقلت لها قويل الصدقايئ إنني خارج ألتنفس قليال ...وبعد عرشين سنة جاءين صوتها الهش يف الهاتف حزينا معاتبا :أمل أقل لك إنك لن تعود .ويف نهاية املكاملة قالت يل :سامحني يا بني ..ومل افهم إىل اليوم كيف ميكن ملذنب مثيل هارب من بيت عائلته أن يطلب منه ذلك؟!. عندما التقيتها لسنة قبل رحيلها عن عاملنا قلت لها :أمي ..كان املنفى كرمياً معي ،أعطاين رمبا أكرث مام أستحق. أما قصيديت التي كتبت يف املنفى فهي الوثيقة األكرث مطابقة لحيايت 110
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
جدل
مهرجانات الشعر والدكاكين الشخصية
الفنان أبرو
لطالما تركت مهرجانات الشعر مساحة للجدل والنقاش الذي يدور حول مكانتها ومشاركة الشعراء فيها، وقد ُسجلت حولها الكثير من المالحظات من قبل الشعراء والنقاد والمهتمين بالحركة الشعرية العربية
خلدون عبد اللطيف
رغم
أ ّن الكالم عن املهرجات الشعرية مرهو ٌن بصيغٍ تقليدية يف الطّرح وقد تعريض بها، ينظر إليه عىل أنه دفا ٌع بالرضورة عنها أو ٌ ورغم أ ّن هكذا تصنيف له ما ي ّربره يف كثري من األحيان، لكنه ال يغفل أو يلغي حقيقة أن حضور املهرجانات واامللتقيات الشعرية يف تضاعيف حياتنا بدع ٌة ثقافي ٌة حسنة تستأهل وقفات مع ّمقة ،واستقصاءات تخرتق اللب ،نظري اضطالعها بدور التعريف عىل القشور إىل ّ مناذج عدة من النتاج الشعري وأبعاد املتحقّق الثقايف. ولعل من معدود فضائلها اإلجتامعية يف هذا الفضاء أنها ّ
تنتقل بالشعراء من عوامل الورق واإللتحاف بالكلامت إىل عامل الحقيقة الجسدية والشخوص املجبولة من دم ولحم وروح ،وتطلقهم بالدرجة األوىل من أرس الكتابة برفقة الذات الشعرية واإلنسانية إىل فسحة العالقات وكيمياء التواصل بني بعضهم ،إىل جانب توطيد العالقة التفاعلية بني الشاعر واملتلقي مبارشة بدون وسائط ،واحتضانها للتجارب الشعرية التي متتد عىل ٍ قوس واسعٍ من التن ّوع واإلختالف. سوى أ ّن تلك ليست أهدافاً وغايات رئيس ًة أو وحيدة مبعنى الكلمة ل ُيحكم لها أو عليها ،فاألكرث أهم ّية هو issue (7)- December - 2012
111
جدل
أي دعوة والدوافع الحقيقية التي تحول دون تلقيه ّ رسمية أو حتى غري رسمية ،بصفته شاعرا ً ،لحضور شعري يف الدولة العربية التي يقيم ويكتب مهرجان ٍّ عمدت بعض المهرجانات ويعمل فيها منذ نحو عقد من السنوات عىل وجه التي تدار بعقلية مافيوزية إلى التقريب .أيضاً ،يستغرب الشاعر ذاته من انعدام وجود أي التفاتة مامثلة يتوالها املعنيّون بالشأن الثقايف تكريس أسماء شعرية بعينها، والقامئون عليه يف وطنه الذي غادره إبّان حقب ٍة سياسي ٍة وساهمت إلى ح ٍّد كبير في بائد ٍة. تلميعها ،بينما تجاهلت أخرى اإلستنكاري ،واملشوب مبا يفوق العتب بهذا التساؤل ّ الفردي املج َّرد ،يُشخ ُِّص شاعرنا ظاهر ًة مريرة و َم َرض ّية ّ أثقل وزن ًا في ميزان الشعر ما انفكّت تل ّوث البيئة الثقافية بال هوادة ،وذلك عرب مالمسته عصباً حساساً يف واقع وطبيعة املهرجانات الشعرية التي تقام ضمن محيطنا العريب عىل امتداد جغرافيته ،وتحكمها عىل األغلب شبكة العالقات القامئة تدشني فاعلية الحضور عرب تدريب الذائقة االستامعية ُ يصدف كثريا ً أن ال بني املنظّمني واألسامء املدع ّوة التي ال السمعية لدى املتلقي ،واالرتقاء بالعملية من مستوى الفت يف بالدها ،فتتو ّهم يف نفسها تبعاً يكون لها حضو ٌر ٌ اإلصغاء إىل مستوى القدرة عىل مقاربة نسيج متباين لذلك ه َّمة الشّ عر . من ال ّنصوص الشعريّة ،واستيعاب دالالتها اإليحائية ليس القصد من وراء ما استهلينا به وما سوف نطرقه وخصوصيتها التعبريية ضمن فسحة زمنية ضيقة عىل إهدا َر دم املهرجانات الشعرية العربية عىل ح ٍّد سواء، األغلب ،ودائرة تفاعلية ومشهدية مغلقة ،مام ال ضامنة فال صوابية قطعاً يف اإلختزال أو التعميم عىل إطالقهام، لتحققه عىل أكمل وجه يف هذا املنظور بال أضالع ثالثة: شاعر مجيد ،ومستمع فاعل ،وحاضنة حقيقية للطرفني ال كام قد يبدو الكالم مكرورا ً عليها وعىل مسألة خيباتها لجهة النقائص الكثرية التي تشوبها .لكن ،والحالة هذه، تنفصل عنهام. وجب أن نتص ّدى ألكرث من مفصلٍ ،وأن نقف بره ًة لك ّن الواحد بات يقرأ أو يسمع بني حني وآخر عن مهرجان شعري هنا وثانٍ هناك ،فتضع ُه الحالة واطّرادها للتساؤل :هل تستحق هكذا مهرجانات أن توصف حقاً عىل إطالقها بالـ»شعريّة» ،وكيف لها أن ترتقي بفاعلية رس استرشاء يف مواجهة سؤال يتعلق بأصل الحكاية ،و َّ ال ّدور وامله ّمة ،ال بوصفها منطاً استهالكياً بل حدثاً خالقاً هذه «الصرّ عة» أو «املوضة» التي ال تخلو من تسليعٍ الحقيقي ،ويغني القصيدة يعنى باستقطاب الشاعر ّ لإلبداع ،فضالً عن املعايري التي خضعت لها األسامء الشعرية املشاركة والحارضة ،وعىل أي أرضي ٍة تم اختيارها ،العربية ومسار تحوالتها؟ ما هي القواعد واألسس التي سواء عىل املستوى املحيل الضيق أو ما هو أبعد وأرحب ،ال يعرفها سوى منظ ّمي املهرجانات ولجانها التحضريية، ّ ّ ويرتكنون إليها يف دعوة الشعراء ،س ّيام أن تلك القواعد ٍ بصيت س ّيام وأ ّن املهرجانات الشعرية مل تعد تحظى جل الشعراء املدعوين وفق مفصلة عىل مقاس ّ واألسس ّ السابق ،وأن الصفعة تأيت ،لألسف ،من حسن كام يف ّ درجة حرارة العالقة ،وليس أهون من تغيريها احتكاماً إىل تعامل الكثريين معها كأنها دكاكني شخصية. املزاجية وسياسة اإلقصاء واملحاصصة. مؤخرا ً ،ويف صفحته عىل موقع التواصل اإلجتامعي أوالً ،قلّ ٌة هي املهرجانات الشعرية الجادّة «فيسبوك» ،تساءل أحد الشعراء العرب ،الذين ناهز باملعنى الشامل ،سوا ٌء ما حفل بتاري ٍخ ٍ وإرث طويلني أو ال عمرهم الشعري خمسة وثالثني عاماً ،عن األسباب 112
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
مهرجانات الشعر
وأقل منها تلك التي ال تأيت بالفضيحة عىل السخرية إشاع ُة املنظمني والقامئني عىل املهرجانات يزال يدرج يف مهدهّ ، للشّ عر أو تنجو من تهمة الشللية واملحسوبية والتبعية .ما توخي الدقة والحيادية وأكرب نسبة من العدالة واملوضوعية يف دعوة الشعراء املشاركني ،كأ ّن املسألة نعنيه هنا بالدرجة األوىل أن املهرجانات ليست خلوا ً يف استباقي عن تهمٍ وتف ّوهات طاملا اعتُربت جاهزة، ع دفا شهرته الغالب من شبهات ،فمهرجان املربد الشعري عىل ٌ ٌّ فيام ال يرعوي اإلعالم ال ّرسمي عن تسويق هكذا دفاعات، مل يتخلص بع ُد من أدران صبغته السياسية بامتياز قبل وظل ينظر حتى هذه اللحظة إىل ماضيه والعمل عىل ترويج صخب مفتعل حولها ،كام حصل سقوط العراقّ ، مؤخرا ً يف مهرجان جرش للثقافة والفنون باألردن. القريب واملتوسط باعتباره مظلة أيديولوجية وحمل ًة ثالثاً ،من الواضح أن املهرجانات الشعرية ال تأخذ لحزب حاكمٍ ونظام سابق .بطبيعة الحال ،مثة تعبوية ٍ العربة من بعضها أو من تجاريها السابقة ،بل تدعي إستثناءات قليلة ونادرة تش ّذ عن القاعدة مثلام ن ّوهنا، بيد أنها ال متحو البتة أو تقلّل من غلبة الظاهرة وعمومها .مراكمة الخربة وتب ّني التجديد ،لكن الحقيقة األكرث مدعاة للتأمل عكس ذلك متاماً ،فهي تظاهرات ثانياً ،عطفاً عىل ما سبق وارتباطاً به ،فقد عمدت بعض املهرجانات التي تدار بعقلية مافيوزية إىل تكريس أسامء مستنسخة وتتقّنع بالشعر ،وما زالت مسكونة بال ّريبة من األصوات الشعرية الطالعة ومشكّك ًة يف مقدرتها، شعرية بعينها ،وساهمت إىل ح ٍّد كبري يف تلميعها ،بينام ولهذا تجدها عاجزة عن مواكبة التجارب الجديدة، تجاهلت أخرى أثقل وزناً يف ميزان الشعر ،وذلك كله ومسايرة تراكامت وتسارع الكتابة اليومية بنفس الوترية. لحسابات معينة ،وغايات ومآرب وتوازنات هي أبعد ما أما وسطاؤها ومنظ ّموها وكذلك شعراؤها ،فهم قريبوا تكون عن حقيقة الثقافة وجوهر الشعر .ال نعني هنا الشبه من أبطال خوسيه ساراماغو يف روايته «العمى»، أن املهرجانات الشعرية مؤدلجة يف مامرساتها ومتويالتها ويقتاتون عىل قناعات نهائية تزيدهم تط ّرفاً. املشبوهة باملطلق ،وال نع ّم ُم كذلك أ ّن جميع الشعراء ترتسم مهرجانات مثة الفاعلية، انعدام عن ال ً فض عاملني املشاركني هم بالرضورة أتباع أو نشطاء أو أعضاء ّ خطى بعضها أو خطى مثيالتها قلباً وقالباً ،فتفقد يف خاليا شللية ،فهناك من يرفض اإلنسياق وراءها مدركاً املسافة الواجب تركها والتي تتيح له حرية اإلبداع الخصوصية والتاميز ،ال فيام بينها فحسب ،وإمنا بني دوراتها املتعاقبة .ال يقترص األمر هنا عىل خصوصية والحفاظ عىل بياض صفحته .لكن هكذا محسوبيات ولعل أكرث ما يبعث الشكل الخارجي والتنظيم ،وإمنا خصوصية الجوهر وشلليات ور ٌم خبيث يتحتّم اسئصالهّ ، واملضمون اللذين تكمن فيهام روحية الشعر وفرادته. هذا عدا أن شعاراتها املعلنة نادرا ً ما تعبرّ عن حقيقة المهرجانات الحقيقية التي جوهرها ،فهي غالباً فضفاضة ،ومتباعدة يف املأىت ،وخالية والمسخرة ّ َّ للشعر نعنيها من املحتوى مثل أسطوانة مرشوخة ،إذ ال متيل إىل البحث عن مواطن املرض والكشف عليه وتشخيصه حسبام فقط هي التي تتعمق في يجب ،وإمنا تكتفي بالسري يف سياق املوجة السائدة، نفسها أو ً ال ،حالها في ذلك وتنزع فيام تنزع نحو اإلستعراض والبحث دامئا عن حال القصيدة المتجددة ترصيحات بيضاء ،أي ال تدين هذا أو تشجب ذاك ،وال غرابة يف األمر ،إذ أن ابتذال البدايات يفيض حتام إىل والمشحونة بالتغيير وهاجس فداحة الخواتيم .يف هذا املقام ،نعود للتساؤل مرة أخرى التجاوز عطفاً عىل مفارقة مضحكة مبكية :ملاذا تشهد املهرجانات نزعة ذكورية ج ّراء تهميش املرأة الشاعرة؟ وملاذا ال تنال issue (7)- December - 2012
113
جدل
الفنان م.د .توكون
ٍ منقوص من املشاركة يف املرأة الشاعرة نصيبها كامالً غري املهرجانات الشعرية أسوة بالشاعر «الرجل» الذي يهيمن عىل املنابر؟ رابعاً ،تفقد املهرجانات الشعرية مداها وفاعليتها يف مستوى الخلق واملامرسة الفنية خارج حدثها وسياقها الزمني ،مبعنى أنها تقوم عىل الشّ عارات ،وتتوقف عند ّ ٍ ما ينفض حدود التظاهرة الشعرية كاحتفالية رسعان ّ سامرها بانتهاء دورتها القصرية ،من دون امتداد أو تواصل عىل مستوى الفعل الشعري إلستيعاب الخارج ،وهي بذلك تفر ُغ من محتواها رسيعاً ،ويصبح الشعر يف هذه الحالة صادرا ً عن الحدث وتابعاً له ،كام تفقد زخم الحالة ج ّراء السقوط يف فخ املناسباتية ،مكتفية بالوالدة واإلنتهاء ضمن دائرة ضيقة وبعيدة عن سياقات التلقي األخرى، كأنها جلسات مغلقة ورسيّة لتحضري الشعراء .ناهيك عن حقيقة عجزها عن مواكبة الحدث اإلجتامعي والسيايس واإلقتصادي ،ال من منطلق التبعية له ،وإمنا ارتكازا ً عىل متالزمة تل ّمس األثر وإسترشاف القادم. باملحصلة ،ومن دون أن يفهم من كالمنا باعتباره مصادر ًة للمهرجانات الشعرية عىل إطالقها ،ميكن اعتبار هذه 114
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
املهرجانات صورة مكرورة للواقع املأزوم أكرث من كونها مصالحة توفيقية معه ،واحتفاء بأصحابها وضيوفهم ال بالشعر ،وأرضاً خصبة لتطبيق قوانني العالقات اإلجتامعية عىل أصولها .بالتايل ،فهي ال تخدم الشعر العر ّيب ومسار تحوالته وخطوطه التطورية يف يشء ،بل لعلها متارس ظل تشويهاً له من حيث ال تدري رغم قلّتها راهنياً يف ّ األوضاع السياسية الراهنة ،وال غرابة أن تجد جمهور الشّ عر مدفوعاً إىل الصدود واإلنكامش رغامً عنه بحكم رداءة املعروض وتقليديته التي تلغي التفاعل وتهمل وقائع الحارض. املهرجانات الحقيقية التي نعنيها واملسخَّرة للشّ عر فقط هي التي تتعمق يف نفسها أوالً ،حالها يف ذلك حال القصيدة املتجددة واملشحونة بالتغيري وهاجس التجاوز ،فال تحتفي بإلقاء القصيدة كمامرسة آلية مكرورة فقدت نكهتها ،وإمنا تواصل باستمرار طرح أسئلة كل مرة مامرسة شعرية تفيض إىل مفرتقات ،وتخلق يف ّ جديدة ،وعىل مهرجاناتنا الشعرية بالتايل أن تخرج من مستنقعاتها اآلسنة كماّ ً ونوعاً ،وأن تتح ّرر من كونها مج ّرد دوائر مفرغة تنفجر يف محيطها القنابل الصوتية
نقد
عبد الزهرة زكي
خطاب الصوت والصورة في ديوانه "كتاب اليوم ..كتاب الساحر" آخى الشاعر العراقي عبد الزهرة زكي بين نصوص التفعيلة ونصوص النثر ،وحينها كان هذا الكتاب ،يمثل مرحلة تحول مهمة في تجربته ،كونه حاول أن يماهي بين خطابي الصوت والصورة ،وتخفيف حدة موسيقى الوزن الشعري ،في نصوص التفعيلة ،وخلق غنائية سحيقة في إيقاعات نصوصه النثرية
علي شبيب ورد
طقس الحب /مجس أول
يحفل كتاب الساحر بنصوص الحب الرعوي بني فتاة- حارضة -وساردة ملجريات ولهها بفتى –غائب -إالّ يف نص واحد هو «حكمة الصمت» .وتتضح هيمنة طقس الحب السحري ابتدا ًء بعناوين النصوص مثل :غزل كثري /ديوان غزل قديم /رائحة الحب /طائر القلب /مجنون ليىل/ روحي التي تحبك /سحر العشق /فعل العشق .وتنكشف الهيمنة أكرث يف متون النصوص من خالل :مفردات /رموز/ صور /أحداث /تداعيات /وسواها .وهذا الطقس يستمد حضو َره االتصايل ،عرب تناصات متنوعة ،مع مرجعيات طبيعية أو مكانية أو طقوسية أو أسطورية .وميكن لنا تلمس تلك املرجعيات يف العناوين :وأنا أحلب البقرة/ عند العني /تحت شجرة التفاح /صارت البنت نجمة/ ف َُّك سحري /يوم العيد .أو يف الشفرات الرمزية املبثوثة يف متون النصوص مثل :املرعى /قطف التفاحة /النجمة/ السحابة /الشياه /الناي /الجدول /القمر /الجبل /وسواها. ولدى انعطافنا عىل ٍ واحد من نصوص هذا الكتاب، نكتشف عالقة الحب بني الفتاة والفتى الراعي املفتقد، وشدة ولهها وهيامها به .ولعلنا نتعرف منذ الجملة األوىل للنص ،عىل أنها منرصفة لرسد وكشف كنه هذه العالقة ألي أحد، بينهام .فهي ال تتوقف عن وصف مزايا حبيبها ٍّ
عبد الزهرة زيك
والبحث عن أية وسيلة أو إمياء ٍة تشري إليه .والشاعر املتقمص لدور الحبيبة ،آثر البساطة اللغوية ،لخلق الصور الشعرية املنتجة لتقابالت مشهدية ،موحية ومثرية اتصاليا:
«أيها الغريب الذاهب يف الطريق إىل املرعى.. سيصادفك هناك حبيبي يف املرعى. عيني سرتاه فتعرفه». حدق يف َّ
issue (7)- December - 2012
115
نقد
الفنانة مايا فينوكورف
غري أن الفتاة املنرصفة متاما عن العامل ،للتفكر يف تداعيات حالة العشق الجنوين الذي حل بها نتيجة غياب حبيبها، تواصل هذيان الوجد .فتعرض عىل أي غريب هو يف طريق الذهاب إىل املرعى ،اقرتاحا آخر ،يك يهتدي للتعرف عىل حبيبها:
«أو حدّق يف عينيه ..سرتاين لتعرفه».
فيام يحيلنا نص آخر إىل أغوار امليثيولوجيا ،حيث شجرة الحكمة يف األساطري السومرية وما تالها ،من أساطري وديانات برشية .فالنص يشري بوضوح لهذا التناص التعالقي مع األسطورة بدءا ً بالعنوان وانتها ًء باملنت الذي يتكون من مشهدين شعريني جرى تشكيلهام نسقيا عىل فكرة قطف التفاحة:
«تحت شجر ِة التفاح التي يف الطريق .. َ ليقطف التفاح َة الوحيدة يهم كان فتى ُّ للفتا ِة التي يحب».
فيام تقوم فكرة القطف يف املشهد الثاين ،عىل أن الفتاة قامت بفعل القطف للتفاحة من نفس الشجرة ،يك تهديها لحبيبها الفتى .وهكذا ينتهي النص مفتوحا عىل نهايات محتملة له ،تلك االحتامالت تستدعي أسئلة شتى حولها .ويف مقدمتها :هل أهدت الحبيبة التفاحة لحبيبها؟! أم ال؟!
«تحت شجرة التفاح التي يف الطريق كانت فتا ٌة قد قطفت التفاح َة الوحيدة لتهديها للفتى الذي تحب».
ثان طقس الرعب /مجس ٍ
تعمل نصوص كتاب اليوم ،عىل كشف هول معاناة اإلنسان العراقي من حيا ٍة ال تطاق ،حيث بات مسجونا جب معتم .وذلك بعد القصف املرعب واملهول للبنى يف ٍّ التحتية وما خلقه من تداعيات يف تدمري البنى الفوقية. وبانتباهة م ّنا ألحد النصوص ،تنكمش أبداننا ونحن نتعرف عىل الزاوية املنتقاة من قبل الشاعر لتصوير مشاهده الشعرية .إ ْذ يبدأ الرشوع يف التصوير عرب كامريا مثبّتة يف قاع البرئ:
«أنا يف قاع البرئ
116
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أرى العامل ليس سوى أدوا ِر د َولٍ ظالم وضياء». بني ٍ
ومييض الشاعر يف عرض ما يراه من أحداث فوقه ،ليصل إىل نتيجة مفادها أن ال أهمية لحياة مملة مقيتة ،تتوالد فيها األيام املتشابهة يف حلكتها وغموضها ورضاوتها .كيف ال وهو يرى حراك العامل من فوقه ،يتبدل من حال إىل حال أكرث تقدما ومتدنا ،ولكن دون أن يهتم للمحنة التي يعاين منها دون نهاية؟ وبال أمل؟
«ما قيمة هذي األشياء وأنا أبرص أيامي تعرب ف ّوه َة البرئ ويجرفها النسيان».
والشاعر يف نص جديد ،يلعب دور واحدة من ثكاىل البالد اللوايت تعج به َّن بيوتها ودروبها واملقابر ،فينوب عنها يف دعاء مثري للشجن .ولكنه يذكرنا بأدعية أوىل األساطري، تلك املحملة بالوجع السومري املتوارث عرب العصور، والذي ينطوي عىل فداحة كوارث األولني .والدعاء هنا يجري عرب مقاربة بني بيوت القتلة ورسير امليت ،فالدعاء
عبد الزهرة زكي
يف املشهد األول يتشكل وفق أمنية تح ّول بيوت القتلة اىل خرائب كخواء رسير طفلها الفقيد:
َ سمعت أغني َة البنات؟ «هل حينام َ نزلت من الجبل َ سمعت أغنية البنات؟ هل الحب عن ٍ بنت خبلها ُّ فصارت نجم ًة وصارت النجمةُ ناي َمن تحب. ال تطلع إىل عىل ِ صوت ِ صوت َ لقد ُب َّح ُ نايك فلم ترين بني البنات َ فحزنت َ فرميت إىل الجدول بنايك فام عادت النجمة لتطلع ثانية.. َ سمعت أغنية البنات؟» أما
فولكلورية النص /استدراك أول
ثان شعرية املهمل /استدراك ٍ
«ولتكن البيوت ،بيوتهُم، ائب كرسيرك الخاوي... خر َ إال من زفرات دمك».
بينام يقارن املشهد الثاين بني أنهار القتلة وثدي األم الثكىل بابنها ،ألنها تراه خذل ابنها ،كونه مل يد ّر الحليب الذي ينقذه من املوت .واملالحظ أن الشاعر كتابيا عمل عىل هندسة النسق البنايئ للمشاهد واالعتامد عىل شعرية التكرار ،وتحقيق دراما الدهشة لدى املتلقي عرب هكذا مقابالت بني صور من أماكن متباينة:
«ولتكن األنهار، أنها ُرهم ،جاف ًة كثديي الذي خذلك».
فاتنا أن نتوقف عند واحدة من أهم اللعب االشتغالية يف «كتاب الساحر» أال وهي االنفتاح عىل النص الفولكلوري(الشفاهي /املدون) ،ونعني هنا نصوص السحر ،التي امتدت تأثرياتها عىل كل املامرسات االجتامعية ،ومنها الحب ،فجاءت رسديات وأغاين وترانيم هذه الغريزة ،مح ّملة بشطحات سحرية شتى .تقوم تلك الشطحات ،بدور املوجهات املؤثرة لشبكة الرسد الحكايئ، وبفعلها تحدث االنقالبات والحلول املحتملة يف العقد الدرامية لتلك النصوص .ومع الزمن توارث الناس شفرات هذه املرويات ،وجرى تضمينها يف تراتيل أو ترانيم أو أغانٍ شعبية ،كموجهات قيمية لشتى االهتاممات واملواضيع البرشية. واحد من نصوص كتاب الساحر ،يتناول موضوعة الخبل يف الحب بفعل السحر ،من خالل أغنية ترددها البنات. حيث تتحول البنت إىل نجمة ال تظهر إالّ عىل صوت ناي الحبيب الذي فقد نايه ،ألنه رماه يف الجدول لحظة غضب .إن هكذا سبك بنايئ ملوضوعة الحب ،كان يراد منه -وفق الدرس امليثيولوجي -تحويل هذه العالقة إىل مامرسة مقدسة:
بهذا االستدراك ،نقف عند واحدة من أهم كشوفات كتابة النص الشعري الحديث ،والتي أبانتها لنا أغلب نصوص «كتاب اليوم» .وهذه التقانة الكتابية ميكن تسميتها «شعرية املهمل» وعربها يحرص ال ّناص (القاص/ الشاعر) عىل االرتقاء باليومي واملستهلك واملهمل ،إىل مشارف األبدي والجديد واملدهش .وال يحدث هذا ،دون دربة مشغل ونباهة رؤية ومران مخيلة وجعبة معرفة، وكل ما يتطلب من اشرتاطات يفرتض توفرها ،يك تشري إىل
تعمل نصوص كتاب اليوم، على كشف هول معاناة اإلنسان العراقي من حياة ال تطاق ،حيث بات مسجون ًا في جب معتم
issue (7)- December - 2012
117
رش مع النص .فالشاعر متتع الناص بحسن طوية وطول مع ٍ يف نصوص هذا الكتاب كان راصدا حاذقا ملجريات األحداث اليومية خالل زمن املحنة .فزاوية اللقطة الشعرية ،نجحت يف تجميع أفضل اللقطات املجدية إلنتاج صور شعرية أخّاذة ومثرية النتباه املتلقي .ألنه عمل عىل تطويع املفردات املتداولة للتكيف مع النسيج البنايئ للصورة الشعرية ،مانحا تلك املفردات حياة جديدة تتالءم ودورها ضمن النسق العام للمشهد الشعري. ولسوف نتوقف عند نص «هذا خبز» بوصفه واحدا من أهم نصوص الشعرية العراقية والعربية ،وذلك لكفاءته االتصالية عىل املستويني العالمي والداليل .فهو يكتنز عىل غنائية الرتاتيل األوىل ،ملا يتميز به من لغة منسابة ونسق بنايئ يتامهى مع الرتانيم السومرية .فالشاعر رمى حنطة الكلامت ،يف مطحنة املخيلة ،وعجن طحني ال ُج َملِ ، مباء الروح ،وشوى الخبز النص عىل مجامر الجسد. وفيه ينترص للمرأة العراقية التي ب ّددت عطور جاملها عىل لهب مواقد الفجيعة ،وأفنت خرضة مشاعرها عىل تضاريس الكروب ،وغيّبت لهاث أشواقها يف عواصف الكارثة .ويواصل الشاعر مناجاته للمرأة املستلبة واملهملة ،والتي يشبه حالة النسيان لها ،باألمنية واملراد والرجاء ،الذي توارثنا طقسه املايئ عرب الذاكرة الجمعية:
أضعت خا َمتك يف السوق، «يا من ِ كيس الطحني، يا من ِ نسيت مسا َءك يف ِ أهرقت أنوثتك يف التنور، يا من ِ كوين أنت أنا ُ سأكون حينَها أنا أنت يا غريبةُ يا حبيب ُة يا مل ِهمة يا نامئة.. يا منس ّية يف أمني ٍة مرمي ٍة يف قنين ٍة مرمي ٍة مرمي يف بح ٍر ٍّ يف حب ِة قمح»
لقد نجح الشاعر ليس فقط يف تفجري طاقات مفردة
118
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
نتوقف عند نص «هذا خبز» بوصفه واحدا من أهم نصوص الشعرية العراقية والعربية ،وذلك لكفاءته االتصالية على المستويين العالمي والداللي
«خبز» بوصفها يومية /مستهلكة /مهملة ،من خالل استعادة بعدها األسطوري واملقدس .بل منحها شحنات مضافة ،عندما جعلها إسم إشارة ،فح ّولها إىل خطاب أبدي ،هو وثيقة دامغة عن الوضع الكاريث الذي شح فيه الخبز آنذاك .إن الرتكيب اللغوي «هذا خبز» هو ندا ٌء إنساين ،خلق بعدين دالليني األول الدهشة والغرابة، لوجود الخبز رغم ش ّحته ،والثاين السخرية والتهكم ،ألن الخبز هو من أبسط متطلبات الحياة.
مجس استنتاجي
بعد هذه النزهة الفاحصة (املقلوبة) عىل خارطة املعامل الجاملية للكتاب املاثل أمامنا ،نود تحريك مجس استنتاجنا املوجز والنهايئ إلجرائنا الفاحص هذا ،مبتدئني باإلشارة إىل أن الشاعر عبد الزهرة زيك سوا ًء يف هذا الكتاب أو يف كتبه األخرى ،يعرض لنا صورا شعرية موحية ،تتشكّل عرب لغة بسيطة اتسمت برشاقة مفرداتها وداللة تراكيبها املنتقاة بعناية .كام أن املشهد الشعري لديه ،تتبارى صوره يف أداء وظائفها السيميائية والداللية ضمن النسق العام للمشهد أو املقطع الشعري .باإلضافة إىل نزوحه املتواصل ،صوب الجملة الشعرية املوجزة واملكثفة لغويا ،والتي تتسم برسدية شعرية كفوءة يف لفت اهتامم املتلقي
جدل
محاكمات شعرية باطلة عبد هللا أبوبكر
في
واحد من لقاءات عماّ ن الثقافية عندما تو ّجهت إحدى الشاعرات بسؤال للشاعر التونيس يوسف رزوقة حول قصيدة ملحمود درويش «البنت /الرصخة» التي مطلعها مأخوذ من قصيدة لرزوقة ،عن رأيه بهذا الفعل ،رد رزوقة« :محمود درويش شاعر كبري ،ومثل هذه ال تقلل منه». هكذا يرد الشعراء الكبار بالطبع ،أما الشاعر املتواضع ،فسيحاول يف مثل هذا الظرف الركوب عىل هذه القضية ،ويحل ويرتحل وهو يحملها يف حقيبته ،لرتويج اسمه وتسليط األضواء عليه . تحرض هذه الحادثة ،يف مناسبة تلك الهجمة التي يتعرض لها إرث درويش الشعري ،الذي أعاد للشعر والشاعر العريب حضوره يف زمن كادت الذائقة العربية أن تتجاوزه وتقفز عنه .هذا اإلرث الذي يكافأ اليوم بسيل من التشكيك ،واالتهامات التي ال محل لها من الفهم، وال يبدو أنها ذات بعد نقدي ،فهي تتغذي بأحقاد وأهواء أصحابها ،الذين ينهون عن فعل ويأتون مبا هو أكرب منه. قبل عام تقريبا كتب الشاعر الشاب محمد عريقات مقالة يف احدى الصحف ،تحدث فيها عن مسألة «الهضم الشعري» لكبار الشعراء، الذي اتكأؤوا عىل جمل وعبارات شعرية لشعراء آخرين ،مستشهدا بأمثلة عدة ،ومتحدثا عن درويش وأدونيس ونزار قباين الذين «هضموا» لغريهم .ويفهم من هذا الكالم عىل أنه بحث من شاعر شاب عن بعض املرجعيات لكبار الشعراء ،وتقيص أثرهم يف أعامل غريهم من الشعراء .ولكن كيف ميكن فهم أن «يهضم» كاتب آخر هذه املقالة ،ويتكئ عليها يف شن هجوم ضد واحد من هؤالء الشعراء؟ وان يحاكم اآلخر وينهاه عام يقوم به هو! ثم يتحدث عن بعض الجمل والعبارات التي استخدمها درويش يف قصائده وهي لغريه ،عىل الرغم من أنها عبارات تكاد تكون أقل من عادية ،وميكن أن تستخدم حتى يف حديث املجالس العادي؟! وبعد ذلك يأيت آخر لرمي حجارة الكالم عىل تجربة درويش الشعرية ،ويحاول أن يتعربش عىل أسوارها ليرتك يف كل محاولة بعضا من الخربشات التي ال ترض وال تنفع. اليوم ،يصعد الحديث عىل لسان بعض املثقفني الفلسطينيني والعرب إىل عناوين املقاالت و«األقاويل» ،وتبدأ التهم بالسري عىل ثالثة أقدام ،ويصبح درويش سارقا ،ومتواطئا مع العدو! هذا ما وصلت إليه أحدث التحليالت «النقدية» يف العاصمة عماّ ن ،وهذا ما افرتضته أقالم يبدو أنها استبدلت كتابة الشعر بكتابة الشعوذة النقدية .وكعادة البعض ،عندما يتابع شيئا من هذه التحليالت يجد لنفسه مساحة فيسري مع من سار خلفها ،ويبدأ بإطالق ما يريد من نظريات وآراء وتحليالت قارصة وغري صادقة ،وليست سوى «فزعة» من أجل تحقيق غايات شخصية تبدو مفهومة وواضحة. ليست هذه الكتابة من أجل الدفاع عن درويش ،وتقديم شهادة بحقه ،أو القول إن مرشوعه الشعري ال ميكن تناوله نقديا ،أو قراءته من جديد ،بل من أجل وضع عالمات تعجب أمام ما يحدث ،ودعوة بعض املحللني إىل ضبط النفس حني يكون الحديث عن منجز أديب عريب كبري ،ال يقلل من تجربة أحد ،أو يأخذ مكانه ،ألنه يف حقيقة األمر حامل ملا ننجزه نحن أبناء الجلدة الواحدة. إن درويش الذي قال عرب أكرث من لقاء إنه يتابع بحرص ما يكتبه الشعراء الشباب يف فلسطني ،ويتأثر بهم ،ال ميكن أن يكون متعاليا. كام ال ميكن الحكم عىل مرشوع شعري من خالل بعض الجمل والعبارات .وال بد ملن يتهم درويش باستغالل قضيته أن ينظر ملا قدمه مرشوع درويش الشعري للقضية وكيف حملها كبريا بعد ان حملته صغريا issue (7)- December - 2012
119
بورتريه
مالك المطلبي
عقالني بمخيّلة سومرية مالك المطلبي أحد أدباء العراق البارزين الذين أغنوا الساحة العراقية والعربية بآرائهم وأعمالهم ،شاعر وناقد واستاذ جامعي ،وعاشق للغة العربية التي يعد أحد عباقرتها
صالح حسن
يسخر
املعلم ،وال يكتب مالك املطلبي عن شاعر أو كاتب أو من نفسه إذا تطلّب األمر من لغوي إال بعد أن يكون قد قرأ كل ما كتبه هذا الشاعر أو أجل أن يكون واضحا مع مح ّدثه ذاك الكاتب من أجل أن يقدم عنه دراسة بانورامية تلم أو طالّبه وهو أول طفل يف الحلفاية_قرية يف مدينة العامرة ،يرتدي «بنطلونا» سيكون حكاية تروى يف املجالس بتجربة املبدع الذي يتناوله بالنقد. واملدارس ويتناقلها الناس يف القرى الجنوبية النائية ومحل ال يحل مالك املطلبي عىل مكان دون أن ينرش الحبور تندر الكبار والصغار« ،بنطلون» خاطه خياط ال يعرف إال فيه ،التقيناه يف كلية الفنون الجميلة يف بغداد محاطا بطالبه ،هذا املتفائل العجيب بالحياة ،تراه مبتسام وهو خياطة الدشاديش ومل ميسك بيده «بنطلونا» أبدا .شاعر وناقد وناثر وكاتب دراما وأستاذ اللغة العربية أبا عن جد ،يستخرج الضوء من حزمة الظلمة يف كل املشاكل مثل صانع األمل .انخرط يف وقت مبكر بالسياسة من اجل وبنيوي ال يشق له غبار وأخريا ساخر ال يخدش أحدا يف سخريته ،معلم الجميع وسيد نفسه ومريديه يف كل مكان .الفقراء لكنه تخىل عنها عندما جاء الطاغية وظل يتخفى ويراوغ من اجل أن ال يكون رشيكا يف الجرمية ونجح. إذا تحدث عن الشعر يتألق وإذا دخل يف تخوم اللغة تخلص من ذلك اإلرث الدموي باملواظبة عىل الدرس يذهل وإذا تناول مادة أدبية يفككها مببضعه الدقيق اللغوي فأصاب واستمر بالنجاح وصار له طالب كرث يف حتى يبسطها كل البسط .معلم من الطراز األول يحن إىل مجالسه يف املقاهي ،ألصدقائه قبل طلاّ به ومريديه يف الجامعة ،هم سبب مهم يف انشغاله عن ترهات السياسة الرعناء. اتحاد األدباء قبل قرائه ،ثري حني يتعمق ومقتصد حني عقالين مبخلية سومرية وهذا الوصف يحتاج إىل تفسري يعز الوقت ،وال يخلو حديثه من دعابة مفيدة وملسة لكنه مع مالك بالنسبة للقراء العراقيني ال يحتاج إىل مؤثرة .يكتب يف مجاالت كثرية كلها قريبة من الشعر أو تفسري والسبب يف ذلك ان مالك ينهل من هذا الرتاث تنطلق منه مع أثر للدراما الشكسبريية من اجل أن ال ويعيد إنتاجه يف مختربه الخاص ،وألن مالك املطلبي ال يضيع املعنى .ال يلحقه أحد يف النحو وما يقوله يف هذا يفكر كثريا خارج درسه اللغوي فهو يرتك كل ذلك للتاريخ املجال يعد قانونا ال يجرؤ عىل رده مجادلوه .يلعب يف وال ينتظر دعوة من احد لتقييم هذا املنجز ،فهو بالنسبة اللغة العربية ويعشقها أو يتنفسها وله فيها دراسات اجتهادية ،عبقري لغة .مل مينعه حبه العظيم للغة العربية له يف نهاية األمر جلسة إمتاع وتعميم للفائدة تنتقل من من تعلم اللغة االنكليزية رغم مشاغله الكثرية يف الجامعة هذا املحفل ومحسن من يستطيع أن ينقلها إىل مكان أبعد من هذا الحيز ،الجامعة أو القاعة أو املقهى. ومتابعة أطاريح املاجستري والدكتوراه التي يرشف عليها عن الذي حل يف العراق من كوارث وحروب وزالزل يوجه فنال فيها درجة البكالوريوس ،ال يتوقف عن التعلم وهو 120
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
املعهود استطاع أن يعرب الحاجز بأهزوجة جنوبية ناقصة. مالك املطلبي رسالة إىل غونرت غراس الذي كتب رسالة التغيري أعاده إىل الشعر والكتابة وهو سعيد بذلك رغم «وثيقة» إىل كينزابرو – اوي الياباين ،فهذان الرجالن ان مشاغله أصبحت أكرث من السابق فقد عاد يزور شارع أرادا أن يقيّام ما حل ببلديهام بعد نهاية الحرب ورسالة املتنبي يوم الجمعة ويحرض أصبوحات وأمسيات اتحاد املطلبي التي أراد لها أن تكون وثيقة أيضا ليك ال تضيع الحقيقة تشبه إىل حد كبري الرسائل التي تبادلها اثنان من األدباء يوم األربعاء .ال ينفك يردد عبارة «أصبح القطار عىل السكة» متفائال بالقادم من األيام وبفرحها الذي اكرب الروائيني يف العامل. ينمو يف عيون العراقيني الذين مل يجربوه منذ دهور. ملاذا هذه الرسالة الوثيقة وهل رد عليك غونرت غراس؟ هل يستطيع مالك املطلبي أن يطري ؟ يوضح مالك املطلبي «عندما قرأت ما كتبه غونرت غراس إن مثن كل ذلك يظل أمرا جديرا بالقبول ،فلقد بدأ ظهور عن أملانيا من خالل رسالة له موجهة إىل الروايئ الياباين كينزايرو – أوي والرد الذي كتبه أوي إىل غراس وجدت أن زغب الجرأة يف إرادتنا ،تلك اإلرادة التي اضمحلت حتى الرجلني قد رسقا أفكاري ثم عميا ذلك بنفوذهام اللغوي! كادت تفقد تعريفها .إن هذا الزغب إشارة ما إىل الطريان لقد كانا أنا ،ومل يكونا يكتبان عن أملانيا واليابان ،بل كانا املمكن مرة أخرى ،وإذا ما تسنى يل أن أطري ذات يوم يكتبان عن العراق! اسمي ذلك التامثل املدهش .اذهب إىل اليابان أو إىل أملانيا فليك أبرهن عىل ان كل ما عانيناه إىل قول غونرت غراس «يف أملانيا اآلن نقاش مسكني ساذج :يستحق دفع هذا الثمن الباهظ « .نعم استطيع أن احلق اآلن يف ساموات كثرية . االحتفال بالثامن من أيار بصفته تاريخ انتهاء الحرب أم ولد الدكتور مالك املطلبي يف مدينة العامرة يف العام بصفته يوم التحرير» بإمكاننا أن نستبدل فقط (التاريخ 1943وأول ديوان شعري صدر له يف عام 1965تحت األملاين) بالتاريخ العراقي لتظل العبارة هي ذاتها ،يف عنوان «سواحل الليل» ويف العام 1984حاز شهادة العراق اآلن نقاش مسكني ساذج :االحتفال بالتاسع من نيسان بصفته تاريخ انتهاء الحرب أم بصفته يوم تحرير؟ الدكتوراه يف اللغة العربية .أصدر العديد من املؤلفات النقدية والدراسات اللغوية مثل السياب ونازك والبيايت لن يرد عيل غونرت غراس الن كتايب (ذاكرة الكتابة) الذي الذي صدر يف العام 1986ويستعد اآلن إلصدار عدد ضمنته هذه الرسالة مل يصله حتى اآلن». مل يغادر مالك املطلبي بغداد منذ أزمنة غابرة ،كرب أوالده من الدراسات النقدية مع مجموعة شعرية جديدة بعد توقف دام سنوات طويلة ،ومن بني هذه الدراسات كتاب وأصبحوا أساتذة مثله ولهم الرصامة األكادميية نفسها، يف تجربة العالمة عيل الوردي اسمه «تأمل املقدس» وهو ما حدث يف 2003كان معجزة بالنسبة له وكاد يفقد حياته أمام حاجز يف لحظات الفوىض العارمة لكنه بذكائه بحث يف سوسيلوجيا األدب issue (7)- December - 2012
121
شعر وتشكيل
لغة ولون يرسمان القيروان
تبدو العالقة بين الشعر والتشكيل وثيقة ،لذلك قرأ الشعراء بعض اللوحات شعرا ،وهذا ما فعله الشاعر التونسي المنصف الوهايبي مع لوحة التشكيلي بول كلي «عند أبواب القيروان» ،وهنا حديث عن تلك العالقة التي قدمت لنا الجمال على طبق القصيدة والفن
أحمد الدمناتي
بول كلي م ّجد بول كيل بلوحته «عند أبواب القريوان» مدينة القريوان ،وانخرط يف مساءلتها باللون والخيال والحواس واإلنصات لذاكرة املكان ،فاللوحة هي نص آخر يكتب بالعني والقلب معا ،والتوحد مع األمكنة والفضاءات هو ما تراهن عليه لوحة بول كيل. الفن التشكييل يف عمقه وعي وإنصات عمـيق للعامل الخارجي والداخيل بقــوة األلوان ،محاورة للذات املبدعة يف عالقتها بالكائنات واألشياء والعامل .ولهذا تتجسس اللوحة والقصيدة عىل الخفي واملجهول يف الكون ويف أعامقنا أيضا. حني يضع بول كيل قدميه عىل أرض تونس وهو ما يزال مسحورا بالطابع األسطــوري للمكان ،يشعر أن مثة شيئا يتحرك تدريجيا بداخله للحد الذي يشعره بانغامر فيض السعادة .وتزداد تأثريات الشخوص التي يالقيها 122
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
ومشاهد الناس وعاداتها وتقاليدها لترثي روحه فيقول يف يومياته« :و صلنا الحاممات ،مازالت هناك بعض من الطريق يجب قطعها سريا عىل األقدام .ياله من يوم، الطيور تغرد يف كل مكان .يف إحدى الحدائق هناك جمل يعمل إىل جانب برئ ،إنها لوحة بديعة بكامل أوصافها. ال بد أن ميكانيكية العمل بقيت عىل حالها ،فاملدينة تقع عىل البحر ،ولها أسطوريتها .النساء يف الخارج أكرث عددا من النساء فـــي تونس العاصمة ،فتيات صغريات دون حجاب ،متاما كام هو عندنا ،وهناك ميكن الدخول إىل املقابر بحرية تامة ،وتوجد مقربة يف موقع رائع الجامل يطل علــى البحـــــــر ،أنتهز الفرصة وأحاول الرسم ،القصب والشجريات تشكل بقعا متناغمة ،تحيط باملرء حدائق رائعة الجامل ،النباتات الصبارية الضخمة تشــكل جدرانا ،وحني مييش املرء فإن طريقه تحدده أشجار الصنوبر عىل الجانبني ،لقد متتعت و رسمت كثريا،
أبواب القيروان
ويف املساء جلسنا يف مقهى ،كان هناك رجل رضير يغني املتميز جاذبية عنيفة. سيظل بول كيل الفنان الشاعر من الخالقني العظام يف وبرفقته فتى ينقر عىل الطبل ،إنه لحن ال ينىس». الفن التشكييل املعارص إىل جانب فان كوخ وخوان مريو إذا كان الشاعر يسعى لخلق حياة العامل باللغة والخيال وسيزان وبيكاسو وسلفادور دايل .كان مسكونا باملوسيقى فإن الفنان التشكييل يبتكرها بالعني واللون ،ألن ثقافته البرصية العميقة تؤهله الحتواء جاذبية املكان و سحره .والشعر والفلسفة والعلوم ،ورث عن أبيه أستاذ املوسيقى تجواله ورحالته املتعددة يف العامل أغنت ثقافته البرصية ،حب اإلبداع كتابة وسامعا ورؤية. إن لوحة «عند أبواب القريوان» هي يف العمق إعادة وأعطته رصيدا غنيا من الخيال وقوة الرؤية ملقاربة األشياء والكائنات .يف زيارته القصرية إىل تونس ،التي تعترب خلق مكان مارس سلطته وجاذبيته عىل النفس فتم انتهاك فداحته باللون والريشة .إنها حرب ضد مكر الزمن تجربة برصية هامة بالنسبة إليه ،سيتعرف عىل سحر وفتنة املكان ،والفنان محارب من ساللة تتبنى اإلبداع الرشق ،وعىل املعامر امللون ،وكثافة الضوء يف هذا البلد سالحا ،والعزلة عنوانا ،وتصبح اللوحة مكانا بديال عن املتوسطي ،حتى املواضيع الطبيعية التي كان يشتغل عليها يف لوحاته كانت تحبل برؤية شعرية شفافة يالمس املكان الواقعي الهارب. إعادة اكتشاف املكان بالتشكيل هو ما راهنت عليه لوحة فيها فتنة الفضاء وسحر األمكنة. «عند أبواب القريوان» و رسخت جمع الفنان بول كيل بني البحث عن صداقة جديرة باإلنصات املامرسة التشكيلية والتنظري النص الشعري واللوحة إىل القريوان فضاء ،ومكانا ،وحلام، الفني ،و أدرك جيدا العالقة ودهشة للعني أيضا. التشكيلية يقتسمان الوطيدة بني العامل والنص البرصي بوعي جاميل .كام أنه معا غبطة الصورة كتب قصصا وأشعار ومرسحيات منصف الوهايبي اإلبداعية عبر خيال ونصوصا نقدية عديدة ،بل النص الشعري واللوحة التشكيلية مغايرة وطريقة مختلف وكان عازفا ماهرا للقيثار .هكذا يقتسامن معا غبطة الصورة في قراءة الكائنات يجتمع اللون واملوسيقى يف اإلبداعية عرب خيال مختلف وطريقة حياة فنان مارست عليه القريوان مغايرة يف قراءة الكائنات ومقاربة ومقاربة األشياء بفضاءاتها العتيقة و معامرها األشياء ،وهام معا يعتمدان عىل issue (7)- December - 2012
123
شعر وتشكيل
حاسة العني والقلب والخيال الكتشاف العامل املريئ .فإذا كان الشاعر يسعى لخلق حياة العامل ونبض الكون باللغة والقصيدة فإن الفنان يبتكرها باللوحة واللون .يقول منصف الوهايبي يف قصيدة «عند أبواب القريوان»:
قل لنا من أي باب جئتها كيف تناهيت إىل أسوارها كيف قلت اللون ..رصت اللون، حتى استسلم الضوء و أغفى يف يديك الجمرتني! آه ! أعمى يف بساتني أيب فلتكن ريشتك الضوء الذي يقتاد هذا املغريب!
تصبح بالغة اللون والضوء حافزا عميقا يف إثارة منصف الوهايبي ليكتب عىل هذه اللوحة شعريا .إنه البحث عن أفق شعري يستند إىل سلطة اللوحة التشكيلية كمرجعية تخييلية تساهم يف بناء الخطاب الشعري ،حيث تتفاعل الذات املبدعة مع العامل الخارجي /اللوحة الفنية لتؤسس نصا شعريا يقتسم غبطة العني والقلب يف آن معا. باللوحة والقصيدة يستعيد الكائن كينونته ،و يكتشف ببهجة كم الحياة ساحرة وتستحق أن تعاش باإلبداع. االشتغال عىل املعامر واملكان يف لوحة «عند أبواب القريوان» ،هو انتقال من سرية العتمة يف لوحاته املرسومة بقلم الرصاص إىل تجربة سحر الرشق عرب السفر يف أدغال األلوان الحارة والدافئة .إن لوحة بول كيل يف صداقتها
باملكان /القريوان أيقظت يف روح الشاعر قوة الكتابة عنها ولها شعريا من باب االحتفاء باملكان واللون خصوصا إذا اعرتفنا بأن لوحة كيل هي قصيدة برصية ناطقة بقوة اإلبداع. يشتغل الشاعر منصف الوهايبي عىل لوحة الفنان بول كيل بدافع العالقة الوطيدة و القدمية بني التشكيل والشعر اللذين يراهنان كل من زاويته الجاملية واإلنسانية بحثا عن ضوء أرحب لحياة داخل النص وبني سرية اللون أيضا .وهذا يدفعنا إىل التأمل يف عالقة الشاعر بالتشكيل .عىل أن االشتغال عىل اللوحة شعريا تعززه قوة الثقافة البرصية التي متتلكها الذات املبدعة يف مقاربتها وإنصاتها إىل الحياة والكائنات معا. سف ُر بول كيل إىل تونس مع أوغست ماك سنة 1914 سيفتح عينيه وتجربته البرصية عىل عمق الثقافة الرشقية ،وجامليات مكانها ،وسحر مدنها ،وأناقة معامرها. كل هذه العوامل ستدفع هذا الفنان الشاعر إىل رسم مدينة عربية وتخليدها يف لوحاته ،لتصبح القريوان عمال
بول كلي: سويرسي ولد سنة 1897يف مونشنبوسيس قريبا من برن .ترعرع يف عائلة موسيقية .و ما بني 1897و 1900درس الفن يف أكادميية ميونيخ يف محرتف فرانز فون ستوك ( .)1928 – 1863متثل أعامله األوىل باألساس املناظر والفضاءات املرسومة بقلم الرصاص ،ثم بعد ذلك باأللوان املائية القوية باألبيض واألسود. اشتغل يف لوحاته عىل األكواريل والزيت قبل الحرب ،كام أقحم فيها الرسائل و الرموز الغرافيكية .ويف سنة 1921نودي عليه للتدريس مبدرسة «الباوهاوس» و ستكون فرصة قوية بالنسبة له لتعميق آرائه النظرية التشكيلية وتطوير بيداغوجية الفن الحديثة يف زمنه آنذاك .وإىل جانب إنتاجه الفني عمل بالتدريس يف أكادميية «دوسلدورف» حيث درس تقنية التصوير .تجول بول كيل يف أنحاء العامل بني سويرسا وفرنسا وأملانيا وأمريكا وموناكو وبريطانيا ومرص وتونس وإسبانيا وإيطاليا .واصل نشاطه عارضا وباحثا ومدرسا للفن .و زاد إنتاجه الفني بغزارة حتى أصيب باملرض عام ،1935فانخفض إنتاجه الفني حتى بدأ يتوقف تدريجيا. 124
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أبواب القيروان
تشكيليا بعدما كانت فضاء ومساحة مكانية فقط .يقول منصف الوهايبي يف قصيدة «عند أبواب القريوان»:
قريوان تقف الشمس عىل رأس جدار هو ذا األبيض يستعيص فال تفتحه إال النجوم. يستوي يف األفق األزرق باب يعرب الطفل إليه ينحني ضوء عىل مؤتلق الزيت، و يصفر الرخام. أيها الطفل الذي يخبط يف الصحن وحيدا! ما الذي تفعله يف هذا الظالم ؟ أيهااألعمى الذي رصت إىل أي مهواة سيقتادك هذا الجسد؟
كل من الشاعر والفنان يواجهان فداحة البياض باإلبداع، الشاعر بقصيدته ولغته ،و الفنان بلوحته وألوانه .وبهذا تصبح القصيدة واللوحة نجمتني تضيئان ليل البياض. إن الكتابة بالقلب والحواس عن املريئ املحسوس /اللوحة هو ما راهنت عليه قصيدة منصف الوهايبي «عند أبواب القريوان» لتدخل الذات املبدعة أوال واملتلقي ثانيا يف غبطة الشعر والتشكيل ،وكيف أن كليهام يقتسامن بحرارة مختلفة ضوء اإلنسانية وسحر األشياء .بهذه األلفة العميقة بني القصيدة واللوحة تتجدد مسرية اإلبداع
اإلنساين يف البحث عن ضوء الفرح والكتابة وبهجة الخطوط وسرية األلوان. أن يرتد شاعر إىل داخله ،إىل عمق عامله الباطني ليحفر يف خياله ويسائل ما جدوى أن يقيم يف مكان يعشقه، ويعتربه رحم طفولته ،وسرية تجربته يف الحياة والواقع، معناه أنه يتشبث بالفضاء ليملكه بالكتابة وعربها ،حتى ينترص ولو جزئيا عن سلطته الرمزية. إن استعادة املكان باللون والقصيدة قياس حقيقي ملدى اختبار قدرة اإلبداع عىل امتالك سحر األشياء والفضاءات.
قريوان حائط خضبه النسوة بالحناء.. بار مقفل.. سيدة تجنح يف زينتها منزل أخرض مفتوح عىل الجامع.. (هل ينتظر العاشق حتى يهدأ الشارع أم يدخل مأخوذا بريح العود و الصندل؟)
تنصت هذه القصيدة لتفاصيل الحياة اليومية للمدينة، وتؤسس باللغة صداقتها مع املكان املفتوح عىل الطفولة، وعىل لوحة «عند أبواب القريوان» لبول كيل ،فأيهام يتجسس عىل اآلخر القصيدة أم اللوحة؟ اللوحة تستعيد مجد املكان باللون والخيال ،والقصيدة تحاور لفضاء/ املكان باللغة والرؤية ،ألن التشكيل والكتابة امتداد عميق لحالة حب وافتتان بهذه الفضاءات التي ننصت ألرسارها وسلطتها باللغة واللون
يف 1940أقام معرضا خاصا به يف أملانيا عرض خالله 213لوحة أهدى عددا كبريا منها إىل األشخاص الذين تابعوه خالل فرتة مرضه ،ويف التاسع والعرشين من يونيو 1940مات الفنان بول كيل مبورالتو يف سويرسا وبقيت لوحاته شاهدة عىل عبقرية فنان تشكييل أحدث ثورة كبرية يف الفن الحديث آنذاك ،بلوحاته العميقة وبنظرياته يف التشكيل والفن أيضا .غزارة إنتاجه زاوجت بيت الغرافييك والزيتي الذي كون به مدرسته الخاصة التي شق بها لنفسه طريقا واضحا و هاما داخل حركة الفن العاملي. تشبع بول كيل بقراءات متعددة أغنت نظرته للفن والحياة معا ،منها :اآلداب ،الفلسفة، العلوم الطبيعية ،املوسيقى ،الشعر . ...كل هذا يجعل من الصعب تصنيف هذا «الفنان / الشاعر»الذي سيبقى شخصية إبداعية هامة ومرجعا أساسيا يف التفكري الجاميل للفن الحديث issue (7)- December - 2012
125
خارج السرب
رياض الصالح الحسين
ثالثون برتقالة قاحلة من العبث مالحقة سيرة الشاعر إال من خالل قصائده ،فقصيدته هي النافذة الوحيدة الصريحة ،والمطلة
ً ً ً حقيقيا، عالما وهما ،إلى درجة الشك في وجوده ،لكنه كان على عالم مراوغ ،عالم صنع رياض من يومياته
رنا زيد
ستُنصف شاعر السبعينات ،ألن انتشار رس الشاعر غرفة صغرية ض ّيقة ،هي ّ دواوينه األربعة سيأخذ شكالً من املالذ السوري الراحل رياض الصالح الحسني سوري نرض، الشعري لجيل الفكري خفي ّ ّ ّ ( ،)1982 1954-وما من يشء ّ مل يتغيرّ بالنسبة إليه كثري من واقع غري ذلك؛ الغرفة ذاتها كانت صالحة رياض البائس ،فبائعة املانغا والجانرك، للحياة واملوت والبكاء والكتابة ،وليست ستُلمح يف باب توما إال أنها أكرث كهولة صالحة ليشء يف الوقت ذاته ،وهذه من أن تكون الحبيبة .وألن أحدا ً مل الغرفة لن متكّنه من كتابة وصيته يق ّرر أن يوثق تفاصيل عيشة الصالح األخرية ،متاماً كام خ ّمن يف ديوانه الحسني ،فمن العبث مالحقة سرية «بسيط كاملاء؛ واضح كطلقة مس ّدس» الشاعر إال من خالل قصائده ،فقصيدته (دار الجرمق ،)1982 ،إنها متثّل إطاللته هي النافذة الوحيدة الرصيحة ،واملطلة عىل الزمن واملكان السوري ،لكنها ستحيل يف نهاية املطاف إىل خالصة شعرية شخصية حول عىل عامل مراوغ ،عامل صنع رياض من يومياته وهامً ،إىل درجة الشك يف وجوده ،لكنه كان عاملاً حقيقياً ،وقد الكون الضيّق ،واململوء بالظلم ،وهي أيضاً مكان املوت، موته ،يُحشرَ فيها العمر الفتي للشاعر ،لتتقلص السنوات .تأمل فيه الشاعر «كوحش جريح يف الفالة» كام يقول يف قصيدة «نتفق أو ال نتفق» ،من ديوانه «وعل يف الغابة» والغرفة هي األرض الكلّية الض ّيقة ،تعلّق عىل أحد جدرانها الخمسة صورة ليش غيفارا ،ولوحة سوداء للشاعر (وزارة الثقافة ،)1983 ،ويف هذه القصيدة رؤيا إنسانية عميقة حول البرشية ،رؤيا تتوزّع يف باقي قصائده فائض ًة السوري منذر مرصي .الغرفة تشهد عىل أصدقاء كرث، ّ بالرصاص والقتل والقنابل ،بالقبالت والحب ،بأسامء من يحب منهم ال يدع لرياض فرصة للموت ،ومن يكره وقصص غرائبية من قصاصات الجرائد ،وبتحديد أكرث ،هي ال يدع له فرصة للحياة ،وكمحصلة للحقيقة واملفرتض، رؤيا تعرتف بجامل الحياة ،لك ْن بوجود طرفني أحدهام قلّ ٌة هم من أحبوا رياض ،ألنه غادر يف 21ترشين الثاين دال عىل الخري ،واآلخر ّ ّ دال عىل الرش ،لك ّن هذا املعيار (نوفمرب) ،عىل غفلة من الجميع ،ج ّراء خطأ ط ّبي يف مشفى «املواساة» يف دمشق ،بعد أن راقب العامل املرت ّهل ليس فيه ثبات مطلق ،ألن رياض ذاته يتق ّمص يف بعض جندي أو ذئب ،ويل ّمح إىل أن هناك ضحايا قصائده «أنا» من نافذة صغرية. ّ أرشارا ً ،أو جالدين أخيارا ً ،كام أنه يعيد صياغة أحالم وبعد ثالثني عاماً ،من الغياب ،وحدها شبكة اإلنرتنت
126
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
رياض الصالح الحسين
رشدون املوىت ،وكأنه ّ يؤسس ملدينة طوباوية يجول فيها امل ُ ّ والجوعى مع العشّ اق والقتىل .وميكن الجزم أن الصمم الذي أصاب الصالح الحسني يف عام ،1967هو نتيجة اهتزاز صورة الحياة أمامه ،ورفضه نطق الكالم العادي عن حياة اعتيادية رتيبة ،إذ كتب يف مثانية وعرشين عاماً ما ميكن أن يس ّمى دستورا ً شعرياً للعدالة األخالقية، التي من املمكن أن يص ّورها تباعاً ،شاع ٌر يف قصيدة ،ردا ً عىل الحبوب املن ّومة التي ت ُهيّئها املطابع للق ّراء ،بدالً من األناشيد .ويقال إن رياض كان ينطق بضع كلامت أو ُج َمل ،حفظها قبل إصابته ،ومنها« :الحياة حلوة». ويبدو الشاعر أيضاً ،كام لو أنه طفل مذعور من تقنية العامل املتسارعة املتجهة نحو القتل والدمار ،وعىل األخص يف وعيه لطبيعة املكان الذي هو فيه ،وقراءته الدقيقة لحالة وطن مأزوم عىل املستويات كافة ،يقول: «قالت املرأة بعد أن فتحت شاشتَي عينيها« :كان مثة
عاشق يرعى فيهام شجراً ومعتقالت) /يداك قاسيتان ووديعتان /وأصابعك نحيفة ومع ّذبة /فهل ملست بهام الرغيف الثمني أو الشفاه الرماد َّية املرتعشة؟/ هل قبضت عىل العامل؟» -من ديوانه «خراب الدورة
ومبنى ،وأثر بنهج صفايئ، معنى ً يف صياغة قصيدة النرث ً يف لغة القصيدة الحرة ،إال أنه يحاول التخفف مرغامً من الكالم الشعري املوزون ،الذي الحقه يف القصائد األربع األوىل من مجموعته «وعل يف الغابة» ،وهي« :غرفة الشاعر ،غرفة املحارب ،غرفة السائح ،غرفة مهدي محمد عيل» ،والقصائد موزونة كلها عىل تفعيلة البحر املتدارك (فعلن) ،إال أنها موزونة فقط ،من دون قواف ،ويف بعض مقاطعها مثة كسور خفيفة يف الوزن ،وقد استخدم الشاعر وزناً تسهل الكتابة عليه ،إذ تألفه األذن برسعة ،كام تربز عىل نح ٍو متقطع بعض األوزان ،مجتزأ ًة وطافي ًة يف بعض قصائده ،ومندمجة مع املسار النرثي املتصاعد. تعرب الدبابة يف طريق شخوص الشاعر الشعرية ،أو عىل الصدور مبجنزراتها ،إنها دبابة محتدة ،وهي قادمة غالباً من زمن حرب قريبة ،كاللبنانية ،التي عايشها ،وكان رياض يف عام ،1979عمل يف مكتب الدراسات الفلسطينية حتى وفاته ،ويف إحدى رسائله إىل صديقه منذر مرصي ،كتب: «الحرب (يف لبنان) قامئة منذ بداية الشهر الحايل ،وأنا أعمل– كام تعلم– يف مكتب للمقاومة ،أعمل ليالً نهارا ً». كام نقع عىل يشء ملموس أكرث ،عن ذلك يف قصيدته «بني يديك أيُّها العامل» ،محتارا ً من «أنا» جامعية تذهب إىل الحروب واملصانع واملراعي ،بالشغف نفسه ،وتبتكر باليدين ذاتهام( :الرصاص والخبز ،السجون والحرية، السجائر وأقالم الرصاص ،السكاكني والورق واألغاين، األلعاب والقيود واملبيدات الحرشية) ،يقول« :إ َّننا نردِّد
الدمويّة» طبعته وزارة الثقافة يف عام .1979 هناك إشارات رصيحة إىل معرفة الشاعر ب ِقصرَ سنوات عمره ،وكأن مجمل قصائده حالة هذيان قبيل املوت املحتوم ،إنها طريقته الرسيعة يف قول ما يريد عن األشياء ،مستخدماً ُجمالً طويلة أشبه بالكالم املتداعي الكلامت /منذ توت عنج آمون /وحتَّى آخر ج َّثة يف يف مونولوغ مرسحي ،إنه يقف عىل خشبة واقعية ،قد بريوت الرشق َّية /الخبز أ َّيتُها تكون هي الغرفة الصغرية الضيّقة األمم املتَّحدة واملتف ِّرقة /الحب (يف حي الديوانية يف دمشق ،آخر شعر في يجذب ما أ ُّيها الله /الحر َّية أ َّيتُها األصفاد غرفة استأجرها) ،قائالً« :أنا الرجل
السيئ /كان ع ّ يل أن أموت صغرياً/ قبل أن أعرف األشجار اإلرهابية ومافيا السالم /وفاة بائع املرطبات عىل س ّكة القطار /والغجرية التي أهدتني تعويذة وقبلة» .وعىل
الرغم من أن الصالح الحسني أصبح يف قصيدته منوذجاً يُحتذى
الصالح الحسين ،يفوق السالسة التي تقرأ بها قصائده ،في حجة أنها قصائد ذاتية– جمعية
واألسالك الشائكة /والحياة... الحياة /بني يديك أ ُّيها العامل».
ما يجذب يف شعر الصالح الحسني، يفوق السالسة التي تقرأ بها قصائده ،يف حجة أنها قصائد ذاتية– جمعية ،إنها لعبة الكلمة التي تتناوب مع أخرى عىل issue (7)- December - 2012
127
خارج السرب
رشيرة ،أو وجودها وجودها املأزوم يف مساحة خيرّ ة و ّ املتنقل ودورها املوارب يف الحياة ،فالسكني ذاتها ،أو الخنجر ذاته ،هو أداة القتل ،ويشء لتذكّر فعل القتل، أي يصبح الخنجر صديق القتيل ،يحاوره يف وحدته ،يف القرب ،فهو «ذكرى عزيزة من الذين يف األعىل» ،والجملة املأخوذة من ديوان «وعل يف الغابة» تصبح بدورها اختزاالً ملعنى املوت ،وأحالم املوىت املؤجلة زمنياً ،التي يتم التفكري فيها ،بعد املوت يف القبور ،فكام لو أن فتاة جميلة تحلم بالفستان األزرق الذي مل ترتده ،يك تذهب لزيارة خالتها ،ألنها ماتت ،قبيل ذلك .ورمبا يحلم رياض بعد موته ،اآلن ،بكل ما مل يستطع تحقيقه يف حياته ،رمبا يعيش يف مكانه القديم ذاته سورية ،حاملاً مبا يريد ،أي الحب ،املخلّص الوحيد من زمن الدم« :الحب /..شهادة
والدة دامئة /نحملها برأس مرفوع /لنخرتق شارع املذبحة» .إن رياض يلعب مع اللصوص ،ويقود األوغاد
إىل دروب مسدودة بجدران عالية ،كام لو أنه يصنع من الكلامت عاملاً جديدا ً« :أريد أن أخطف غيمة /وأخ ّبئها
يف رسيري /أريد أن يخطف اللصوص رسيري /و ُيخ ِّبئوه يف غيمة». وبغض النظر عن الحب املتكرر يف حياة رياض ،واملقرتن مع حنني طفويل هائل ،وترصفات تقرتن بعدم العقالنية، وترسخ لذة الفعل الحر ،تهيمن اآلنسة «س» التي تبيع( الشيكلس) يف املحطات حتى الغروب ،عىل ذات
128
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
الشاعر ،فهي مبتكرة أو أسطورية ،إنها داللة عىل زمن غري متكرر ،وامرأة وهمية ،تنفض عن شعرها الخرنويب ست مد ّرعات محطمة ،إنها مشوبة بالكثري من الواقعية الشعرية ،يقول عنها يف قصيدة «اآلنسة س»« :س،
اململكة املفتوحة للجميع /بجسدها املتني وقلبها الطيب كالدراق /-سألتني م ّر ًة بخبث :ما األرض؟ /قلتُ: األرض جرح متوهج ودم غزير/وأمل مرتبك».
يخلص رياض لذكر أصدقائه يف قصائده ،كام يخلص لصياغة الحياة والسرية الشخصية ،بحزن مفرط ،وقد يهدي قصيدة إىل الشاعر نزيه أبو عفش أو يكتب عن غرفة الشاعر العراقي مهدي محمد عيل ،أو يذكر شخوص التشكييل السوري سعد يكن امللتوية الرؤوس ،ويبدو أن رياض كان الدال األكرث صدقاً عىل تشتّت العامل املحيط به ،إنه يراقب من نافذته الصغرية ،حتى األطفال الذين يلعبون بالكرة ،وهم يتحدثون عن األسعار املرتفعة للبيبيس كوال والبسكويت. ال فرق بني قصائد رياض الطويلة أو القصرية جدا ً ،إنها متتلك اللذعة الصورية ذاتها والحس املتنامي ذاته ،ونادرا ً ما يستطيع شاعر ضبط إيقاع جميع قصائده عىل الرتم النفيس والتخييل واللفظي ذاته .إن أسلوب الشاعر هذا، يحمل متفردا ً املعاين إىل مواقع غريبة عن املتداول ،رغم البساطة واللمعان يف املعنى. املوت الذي الحق رياض يف قصائده هو منطقي كون
رياض الصالح الحسين
األكرث حساسية بني الشعراء يغادر رسيعاً ،ويبقى األكرث رضاً بالواقع ،واألكرث ماديةً ،ورمبا يكون الشاعر قد كتب نهايته بيده دون إدراك منه ،إنه الوعيه الذي انتفض دفعة واحدة من الحياة ،يقول يف قصيدة «املهدورة»:
« ُتنبئني امرأة كربيتية /فمها وكر للخفافيش واألسالك الشائكة -/:زمنك املتقدم عىل قدمني من زجاج، سينكرس قبل أن يصلك ،».ويف النهاية ،مات الصالح
الحسني دون رصاصة يف صدره أو خنجر يف ظهره ،لكنه، كان ميوت مرةً ،كلام تكلم عن ميت ،ومات بكل الطرق املتخيلة ،منه ،ومبا نبئته به املرأة الطائشة حول زمنه املنكرس ،املحمل يف التوابيت وبطاقات التعزية ،إنها ثيمة املوت املتكرر يف جميع اللحظات الشعرية ،املوت املخيف ،بعيدا ً عن قدومه التقليدي ،مع تقدم سن اإلنسان ،فهو يأيت الشاعر بطريقة غادرة ،ونلحظ أن من يتحدث عنهم الشاعر يف معظم قصائده يشكلون ذاتاً إنسانية واحدة ،متحولة ،ومتقلبة ،من صفة دموية إىل أخرى مرهفة أو بالعكس. يتحدث الشاعر عن قلبه األسطوري يف ديوانه «خراب الدورة الدموية» ،كام لو أنه كائن ال ينتمي إىل صنف البرش ،إنه يعارك األخاديد والرصاص ،ككائن هش ،يعيش معطوباً منذ والدته ،وهو يعتقد يف ديوانه «بسيط كاملاء» أنه مثرة أمه الوحيدة ،كأنه ميتلكها أرضاً مل تنجب غريه، وال يبدي رياض ميوالً أوديبية ،فهو ضد انتحار هاملت، أو قتله أباه ،إنه يرفض حتى أن يكون هناك صانع للتوابيت؛ باحثاً عن مدينته الفاضلة ،يقول يف قصيدة «رقصة تانغو تحت سقف ضيّق»:
«قلبي سائغ للقضم /ملجأ لألرانب الزرقاء /سمكة قرش بزعانف من ص ّبار رشس /قلبي سائغ للقضم /ويتحرك ببطء عىل بالطك الشو ّيك أيتها األرض /أيتها األرض املمتدة من املوت بجدارة».
مل يكف الشاعر (القادم إىل دمشق من حلب ،يف عام ،)1978عن
السؤال حول ماهية الوجود ،وتناقضات الحياة املادية، إنه متأفف من دول العامل النامية أبدا ً دون نضوج ،وهو يتساءل بإلحاح يف قصيدته «أسئلة» عن مآل األحوال، إنه سؤال كوين عن جدوى أرض ال تنقسم ثروتها بعدل:
«أيتها البالد املصفحة بالقمر والرغبة واألشجار /،أما آن لك أن تجيئي؟! /..أيتها البالد املعبأة بالدمار والعمالت ِ لك أن آن أما والشحاذين/، بالجثث املمتلئة الصعبة/ ِ ترحيل؟! .»..إن صورة رياض الصالح الشخصية كشاعر
ال تختلف كثريا ً عن صورة أي إنسان عريب مهمش وحامل، صورة لشخص أسطوري يعيش حياته كلها يف غرفته الضيقة ،يعيش أروع قصص دون كثري من امللكية ،أو مع بعض امللكية لألشياء .إنه ينتظر ما يقلب حياته ،رأساً عىل عقب ،ليعيده إىل توازنه البرشي ،فهو منذ والدته مييش باملقلوب ،متعباً ،عىل يديه ،أو يركض عىل حد تعبري الشاعر و»يف عينيه بحر من النيون /ومحيط من العتمة الطبقية» ،أحالم هذا اإلنسان بسيطة ،ألن يف عينيه مدلوالً عىل رغبته يف الحياة ،رغبة إضافية ،آتية مع حب صبية جميلة بقدمني حافيتني ،يقول يف قصيدة «صورة شخصية لـ ر .ص .ح» ،مستخدماً األحرف األوىل من اسمه ،كأنه مشهور جدا ً ،أو مغمور ،برغبة من أحدهم« :يغنّي/:
لقد كانت طر ّية ..طر ّية /كالثلج والينابيع /لقد كانت سنبلة طر ّية /ولذلك التقطتها مبناقريها العصافري /لقد كانت طر ّية ..طر ّية /تركض بقدمني حافيتني فوق سهل أجرد» .ما فعله الصالح الحسني كشاعر ،أنه عاش حقيقة
صمته البيولوجي وقهره املكاين ،ثم ذهب إىل شخصانيته كإنسان ،كاتباً إياها بكل تفاصيلها، بعد أن حفظ كذبة العامل عن ربما يكون الشاعر قد ظهر قلب ،فكتب قصيدته دون كتب نهايته بيده دون تحفظ أو حذر ،إذ مل يكن يخىش، إدراك منه ،إنه الوعيه من أن ت ُوجه إليه أسئلة بقدر ما امتلك السؤال ،وأجاب يف حياته الذي انتفض دفعة الوامضة عن سبب شقاء الكثري واحدة من الحياة منا ،إنه رغيف الخبز املستدير يف يد جائع ،يراقبه جائع آخر خاوي اليدين issue (7)- December - 2012
129
حاشية
.
حسن نجمي .............................................................................................................
ب ُّ ْ اص وستي ْر و َقلَم الرَّ َ ول أ ُ ْ ص ْ
رغم
أن بُّ ْ ول أُوست ْري أصبح اليوم من أشهر ال ُكتَّاب األَمريكيني يف ال َعالَم ،وأكرثهم انتشارا ً و»تعرضاً» للرتجمة إِىل يحق يل أَن أقول إِنه أيضاً من أبرز الشُّ َعراء ال ُجدد يف الواليات املتحدة األمريكية. اللُّغات االنسانية ،مع ذلك ُّ ولكن ،إِن كان البد أن أفاضل بني الشاعر والكاتب فيهَ ،عليَ َّ أن أقول إِنه أكرث أهمية ككاتب روايئ منه كشاعر .فال أحد يذكُ ُره ولعل الكثري من القراء الشَّ غُوفني بأَ ْعاملِ ِه الروائية كاسمٍ ِش ْعري ضمن كوكبة الشعراء الكبار اليوم يف خريطة الشعر األَمرييكَّ ، ْ اليعرفون أنه شاعر باألساس ،وأنه بَدأَ مشواره األَديب كشَ اع ٍر وكمرتجمٍ للشِّ ْعر الفرنيس إِىل األَمريكية من خالل أبرز مناذجه وأسامئه وتجاربهَ ،ماالَ ْرمي خصوصاً. َ وإذن ،مل يَ ُعد يُ ْذكَ ُر بُّ ْ بوص ِف ِه أحد كبار الرواية األمريكية املعارصة .ورغم انْصرِ افه عن الشِّ ْعر إىل الكتابة وس ِت ْري ،اليوم ،إِالَّ ْ ول أُ ْ ظل يحمل معه (يف داخله ،يف متخيَّله ِ الخ ْصب وجملته ال َّنـثرْ ية) الكثري من روحه الشِّ عرية .بقي الشِّ ْعر كامناً الروائية ،فقد َّ يف الصوت والصمت. يتذكر أوستري الكثري من املصادفات والطرائف التي مهدت ملساره ككاتب وكشاعر ،وقد كتب ونرش الكثري منها يف كتبه الرسدية والنقدية،وإن كان يل أن أتذكر تفصيالً مؤثرا يف حياة بُّ ْ ول أوستري كشاعر وككاتب ،فسأتذكر أوال عالقته بقلم الرصاص. ذلك القلم الرمادي الذي قاده من اندهاش وذعر البدايات إىل األكروبول األديب الكوين. كان بُّ ْ ول طفال يف سن الثامنة .آنذاك ،مل يكن شغوفا ومتعلقا بيشء أكرث مام كانت تتب ّدى له لعبة «البيزبول» كأهم ما يف حياته .فريقه املفضل بال منازع ،كان هو «كبار نيويورك» بأقمصتهم السوداء الربتقالية .وإىل اليوم ،ظ ََّل يَذكُر أسام َء الالَّعبني الذين كانوا يصنعون مجد الفريق إسامً إسامً ،وإن مل يعد هناك وجود للفريق وال حتى للملعب نفسه. ابتعدت الذكريات والوجوه وتفاصيل املقابالت ،لكنه بقي يذكر من أبرز الالعبني الذين كانوا يأخذون بكل كيانه الالعب ِويليِ َمايْ ْز .مل يكن هناك أحد له نفس األهمية لدى الطفل بٌّ ْ ول أوستري أكرث من مايز هذا. حدث أن رافق الطفل والديه مع أرسة صديقة توفرت لها ،مرة ،بطائق دخول إىل امللعب ملشاهدة إحدى أهم املباريات التي دساً بني أفراد األرستني ،وهم يغادرون من خاضها فريقه املفضل ضد خصم عنيد له «ولوويك برافز» .وحني كان الطفل م ْن ّ بوابة الخروج التي كانت تقع تحديدا ً تحت مستودع مالبس الفريقني ،صادف العبه النجم وهو يغادر .ضغط الطفل عىل ساقيه صوب الالعب الشهري ،وأرغم شفتيه عىل ارتجال بضع كلامت ،وقَ َّوى يديه قليال ،وتقدم :السيد مايز ،هل ميكنني أن أحظى بتوقيع منك ؟ وتفاعل الالعب الكبري بروح إيجابية رسيعة :بالطبع ،يا صغريي ! وكان يبتسم مغمورا ً بالحياة وروح الشباب الوثاب. ومل يكن مع الطفل قلم رصاص وال أي قلم عىل االطالق .سأل والده ،ووالدته ،وعمه (جارهم ،صديق األرسة) وزوجة عمه، ال أحد كان ميلك قلام يف تلك اللحظة الذهبية السانحة .فقال الالعب وقد حرك كتفيه آسفا « :هاأنت ترى ،يا صغريي ،ليس هناك قلم ،وإذن ليس هناك توقيع.»! ورغم أن الطفل حاول أن يتامسك قليالً ،لكن دموعه خانته.لقد أدرك أنه أخفق يف أول اختبار أمام الحياة.ومنذ ذلك املساء، مل يعد قلم الرصاص يفارق بُّ ْ ول أوستري .صارت له عادة أن يضع يف جيبه هذا القلم الصغري الساحر ،أينام حل وارتحل .ليس ألنه يعرف ما سيفعله به ،ولكن ليك ال يحرم نفسه من نعمة يشء أو فكرة أو صورة بإمكان قلم الرصاص وحده أن يحققها أو يصونها .ال يلذ ُغ الشاعر من ال ُج ْح ِر مرتني! تعلم بول أوستري هذا الدرس .طاملا كان هناك قلم يف الجيب ،هناك بالتأكيد حظوظ قوية الستعامله واالستفادة من خدماته. وإىل اليوم ،مازال أوستري يقول ألبنائه « :هكذا ،رصت كاتبا» .درس حياة ،درس كتابة أيضا 130
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
الجوا ِء َت َك َّل ِمـي أم َه ْل َع َر ْف َت الدَّا َر بع َد َيا دَا َر َع ْبلـ َة ِب َ ديوان ً العرب َ َو ِع ِّمي َص َباحا دَا َر ع ْبلة و َف َو َّق ْف ُ ـت فيها َنا َقتي و َكأ َّن َهـا َفـد ٌَن َأل ْقيض َح َاج َة ا الج َوا ِء وأَ ْه ُلنَـا و َت ُح ُّـل َعب َل ُة ِب َ ـان َفا الص َم ِ بالح ِ ـزن َف َّ َ ُح ِّي ْي َت ِمنْ َط َل ٍل َتقا َد َم َع ْهـدُ هُ َح َّل ْت ِبأَرض الزَّا ِئرينَ َفأَ ْص َب َح ْت أَ ْقـوى وأَ ْق َفـ َر َبع َد ُأ ِّم تل َق ْو َم َهـا عسرِ اً ع َّ ُع ِّل ْق ُت َهـا َع ْرضاً وأ ْق ُ يل ِط َال ُب ِك اب َن َة ولقـد َن َز ْل ِت َفال َت ُظنِّي َغ ْيـر ُه زع ًام ل َعم ُر َ يس أبيك لَ َ َك َ ِمنّـي بمِ َنْـ ِزلَ ِة ا ُمل ِح ِّب ـيف املَزا ُر وقد َتر َّبع أَ ْه ُل َهـا ْإن ُكن ِْت أ ْز َم ْع ِت ال ِفر َ ـن وأَ ْه ُلنَـا ِبا اق َفإِنمَّ َـا ِب ُع َن ْيـ َز َت ْي ِ َز َّمـت ِر َكا ِئ ُب ُك ْم ِب َل ْي ٍل َمـا َرا َعنـي إ َّال َحمول ُة أَ ْه ِل َهـا َتان وأَ ْر َ وس َط ال ِّد َيا ِر َت ُس ُّف َح َّب ال بعون َح ُلو َبـ ًة ْ ِفي َهـا ا ْثن ِ ُسوداً َكخافي ِة ُ اب األ اض ٍح الغ َر ِ روب َو ِ إ ْذ َت ْس َت ِب ْي َك ِب ِذي ُغ ٍ العرب َعـ ْذ ٍب ُم َق َّب ُلـ ُه لَ ُ ذيذ امل ديوان ِب َق ِس ْي َمـ ٍة و َكـأَ َّن َفا َر َة َت ِاج ٍر َس َب َق ْت ع َوا ِر َضها َ إليك ِمن أ ْو ر ْوضـ ًة ُأ ُنفاً َت َض َّمنَ َن ْب َت َهـا َغ ْي ٌث ُ ليس َجـاد َْت ع َلي ِه ُك ُّل ِبك ٍر ُحـ َّر ٍة قليل الد ِ َّمن َ َفترَ َ ْكنَ ُك َّل َق َرا َر ٍة َكال َس ّحـاً و َت ْسكاباً َف ُك َّل َع ِش َّيـ ٍة الفنان ضياء العزاوي
issue (7)- December - 2012
131
ديوان العرب
الخطاط عبد الله عكر
سقاية الطلل ورمزية الماء ليس القصد من بحث دالالت شعرية الماء التركيز أو اإلشارة إلى الجانب العلمي، ذلك ألن هذا الجانب ال يدخل في اعتبارنا ،وله من يقوم على تمحيصه وتدقيق النظر فيه .وتنبع قيمة هذا المبحث من أهمية توظيف الماء في القصيد الشعري، بغية تحميله ألبعاد مختلفة تعضد النص وتضيف إلى محتواه
صدوق نورالدين
132
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
سقاية الطلل
للنص الجاهيل استهالله ،االستهالل مفتتح النص ،ويتمثل فيام اصطلح عليه بالوقوف عىل األطالل ،بكاء الديار، أو رثاء األحبة .فالطلل هو بقايا أثر تهدم وانهار بفعل عوادي الزمن .النص الجاهيل اقرتن بالطلل ،ذلك أن املتحدث عن الشعر الجاهيل سواء أقصد النصوص املسامة باملعلقات بحكم كونها خري ما يعرب عن املرحلة، أم غريها من متفرقات النصوص ،ال ريب سيلمح لهذه املطالع. إن بكاء الطلل منوذج سلطة عىل الشاعر الجاهيل االقتداء بها والخضوع إليها .إنها تفعل فيه من حيث يشعر أو ال يشعر .يشعر حني يكون قد عاش املعرب عنه يف الطلل .وال يشعر حالة االحتذاء وقتل السؤال عن دواعي هذا االستهالل .يسوقنا هذا إىل القول بأن هناك الطلل الواقعي ،والطلل املتخيل .الواقعي يتمخض عن املعايشة وصدقها ،أما املتخيل فنسج عىل املنوال ،دون أن تحدث املعايشة.
نسخ عىل منوال
ال يفوتنا كون فعل الخيال يف النص فعل إبداعي تجمييل يضيف ملا هو واقعي ..النسج عىل املنوال من باب إعادة السابق ،الجاهز ،ولنئ كان يف شكل مخالف .فاملطلع ينسخ املطلع .ال أقول بالرسقة .أقول بالنسخ لكأننا أمام مطلع واحد ونص واحد .عىل أن ما تبقى تنويع عىل ذات النص مثة من يقول « :إن امرأ القيس أول من بىك واستبىك» التأكيد والخرب يشريان لنموذج عرف به شاعر من دون الشعراء .أما البقية الباقية فانساقت وراء نفس النمط. يف مواجهة هذا مثة رأي المرئ القيس .يقول يف بيت له:
«عوجا عىل الطلل املحيل ألننا نبيك الديار كام بىك ابن حزام»
ويف رواية أخرى ترى:
«عوجا عىل الطلل املحيل لعلنا نبيك الديار كام بىك ابن خدام»
ليس امرأ القيس أول من وقف عىل الطلل إذ وبشهادته هناك « ابن حزام /خذام» وهو شاعر طايئ .إال أن هذه
النصوص مل يصلنا منها أي يشء عىل ضوء ما جاءت به كتب األدب والنقد .ما نخلص إليه كون الوقوف عىل الطلل مبثابة منط تعارف عليه وتم نهجه واعتامده .هذا الزعم ،أو القول ال يغيب عن ذاكرتنا نصوصا جاهلية أسهمت يف إغفال عنرص الطلل كمكون للقصيد الجاهيل. من هذه النصوص نص ل«عبدة بن الطبيب» وآخر ل«عمرو بن كلثوم» ،ومثة من يعترب نص هذا األخري معلقة والعكس. لكن ،ما جدوى الطلل كنمط ،أو كمكون ؟ الطلل ذكرى تصل الشاعر بحياة انرصمت ،أو بحضارة انقرضت .الحياة والذكرى فرتتا خصب ،مناء وعيش، إنهام املاء حني كان املاء يهب الحياة .لذا ،فالوقوف عىل الذكرى ،عىل الطلل ،هو وقوف عىل غياب املاء، واستحضار لفرتة عاين خاللها الشاعر ،كام مجتمعه أسباب حضارة هامة .إذن هي الذكرى واالستعادة ،تلكم ثنائية أحكمت فعاليتها حول القصيد الجاهيل ،كام اخترصت مساراته وتوجهاته. يف وقوف الشاعر عىل الطلل يتوسل بدموعه ،أي باملاء، إنه نداء املاء للامء ،ماء الحزن ينادي ماء الخرضة واليناعة الغائب .وذلك يف محاولة ألن يتم ابداع املايض ويتحقق ابداع الحارض واملستقبل. املاء يف النص الجاهيل هو الحياة .إنه السيولة .ويف السيولة حركة ،إذن فيها حياة .من ثم احتوى النص الجاهيل ما يلمح إىل القحط ،وما يحيل عىل الحياة ،وهي الثنائية املشار إليها سابقا .فالسكون املتمخض عن اليباس
ليس امرؤ القيس أول من وقف على الطلل إذ وبشهادته هناك « ابن حزام /خذام» وهو شاعر طائي .إال أن هذه النصوص لم يصلنا منها أي شيء
issue (7)- December - 2012
133
ديوان العرب
تعقبه الحركة .حركة املاء كام جسدها النص الجاهيل. يقول «يوسف اليوسف» يف «مقاالت يف الشعر الجاهيل»: «ليس من قبيل املصادفة أن يستهل امرؤ القيس معلقته بالوقوف عىل الرسوم وأن ينهيها بوصف املطر .وليس مصادفة أن يتحدث لبيد عن املطر أيضا .وما هو فصيح الداللة كذلك أن تجد معجم معلقة عبيد بن األبرص غاصا مبفردات كهذه :أقفر ،الجدب ،املحل ،مخلوس، مسلوب ،محروب ،سلب ،جديب ،ماء. قسيب (خرير) ،سكوب ،رسوب ،جدول ،واد ،فلج (نبع)، ويف هذه املعلقة تتكرر كلمة «ماء» ثالث مرات ،أما كلمة «جذب» ومشتقاتها فخمس» إذا كان امرؤ القيس يف مستهل معلقته قد ابتدأ ببكاء الطلل ،فإنه ختمها بالحديث عن املطر .فنصه من حيث املبتدأ والختام نص ينهض عىل التضاد :القحط يف تقابل مع البعث والحياة. لكن كيف يتضح حضور املاء؟ يقول امرؤ القيس يف معلقته:
«أصاح ترى برقا أريك وميضه كلمع اليدين يف حبي مكلل ييضء سناه أو مصابيح راهب أمال السليط بالذبال املفتل قعدت له وصحبتي بني ضارج وبني العذيب بعد ما متأمل عىل قطن بالشيم أمين صوبه وأيرسه عىل الستار فيذبل فأضحى يسبح املاء حول كتفيه يكب عىل األذقان دوح الكنهبل ومر عىل القنان من نفيانه فأنزل منه العصم من كل منزل وتيامء مل يرتك بها جذع نخلة وال أطام إال مشيدا بجندل»
االشارة للامء تتم من خالل وميض الربق .هذا يحمل الداللة عىل سقوط املطر .فالشاعر وصحبه يرتقبون السقوط ليال .علام بأن الليل يحيل عىل السكون والهدوء. وهو سكون سيخرقه هطول املطر .لكأين بهم يتوسلون االستسقاء واالستمطار ولعل حضور الراهب مبصابيحه 134
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
كذلك يجسد التبتل واللهفة إىل املاء العذب .املاء الذي يف حالة سقوطه سيلغي البكاء الذي طالعنا يف مفتتح املعلقة .لكن السقوط جاء عنيفا ،حيث جرف الشجر والحيوان .إنه أشبه ما يضيف إىل الدمار املرتبط بالطلل. لوال أن الطلل افتقر ككل إىل املاء .من ثم فامليسم الذي يتسم به مطر امرئ القيس قوته وعنفه يرى «مصطفى ناصف»: « املطر يف شعر امرئ القيس قيامة غري عادية ،أو هو هزة كربى تنسخ التجارب اليومية املألوفة »... ينجيل أثر هذا املطر العنيف فيام أضفاه عىل الحيوان. فالطيور أحست بالراحة واالستقرار والنشوة ،بينام فارق الخوف والرعب السباع .وتحقق هذا بعد أن توقف سقوط املطر .يدل عىل ذلك :
«كأن مكايك الجواء عذية صبحن سالفا من رحيق مفلفل كأن السباع فيه غرقى عشية بأرجائه القصوى أنابيش عنصل»
ومن املالحظ أن امرأ القيس مهد للحديث عن املاء ،يف الحالة التي وصف فيها فرسه الخارق .إنه يف رسعته، إقباله ،ويف إدباره كصخرة عنيفة رمى بها السيل من عل. وهو تأكيد مجدد عن عنف مطر الشاعر:
«مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل»
حركة املاء
الوقوف عىل معلقة لبيد بن ربيعة يقود بشكل مغاير نحو نتائج بخصوص املاء عىل عكس ما اهتدينا إليه
سقاية الطلل
يف مالمسة معلقة امرئ القيس .ولنئ كان املنطلق يف املعلقتني واحدا :أي بكاء الطلل الدارس .فامرؤ القيس ختم معلقته باستحضار املطر ،أما لبيد فأكد ذلك يف مطلع النص :
«عفت الديار محلها فمقامها مبنى تأبد غولها فرجامها فمدافع الريان عري رسمها خلقا كام ضمن الوحي سالمها»
يرصد لبيد يف املفتتح الطلل الدارس الذي مل يعد قامئا كام كان يف السابق .إنه بناء انهدم وتالىش .يوازي هذا الرصد ما يغايره ،أي سقوط املاء .فالطلل الدارس يحمل داللة الجفاف والقحط ،يف حني نلفي سقوط املاء مبثابة تجديد لهذا الطلل كيام يستمر ويدوم .إن املاء واهب ومانح الحياة ملن يفتقدها ،ويفقدها. « فعال فروع االيهقان وأطفلت بالجهلتني ظياؤها ونعامها» «أطفلت الظياء ،والنعام» إشارة إىل اإلخصاب واإلنجاب. وهو إخصاب يحدث نتيجة للامء الساقط .كام ميس النبات الباحث عن النامء والعلو .ومن ثم فإن كان للزمن من فعالية فهي تتضح يف وظيفتني :األوىل للتعرية حني يبقى الرسم مجرد أطالل ،والثانية للدميومة ملا مينح املاء
المطر في شعر امرئ القيس قيامة غير عادية ،أو هو هزة كبرى تنسخ التجارب اليومية المألوفة
هذا العراء سامت البعث والتجديد. ونالحظ بأن االخصاب واالنجاب يرتبطان ب»الظباء» و»النعام» .أي باألنثى الولود حسب «أبو ديب»: « اإلناث وحدها هناك ،وهي القوى املبارشة للتوالد وتجديد الحياة». مثة مظهر آخر للتجديد واالستمرار .ويتمثل ذلك يف صلة املاء بالكتابة:
«وجال السيول عن الطلول كأنها زبر تجد متونها أقالمها»
السيل يغسل الطلل ويبعث فيه حياة مفتقدة ،وذلك يك يستمر ويدوم .هذه الصورة تعادل ما يحدثه القلم من تجديد لحقل املامرسة الكتابية .يف الصورتني هنالك حركة املاء .يتحرك وهو يسيل .والقلم يتحرك وهو يحظ سطورا أو حروفا .ومتى ماتوفر السيل إال وتوفر التجديد وقد سبق للشاعر أن أشار لسحر الكلمة بالوحي. «وكام شارك مسيل املاء من مدافع الريان يف صنع معنى التجدد والخلود والحياة ،برزت قوة روحية أخرى ،ليست غريبة علينا ،معينة للامء ،هي قوة الكلامت وسحرها. ومن هناك تبزغ كلمة «الوحي» ناهضة قوية بني سائر الكلامت». يطيع حضور املاء يف املعلقتني مستوى من التباين والتباعد ،نتيجة للتصور الذي يصدر عنه الشاعر يف رؤيته إىل األشياء ويف توظيفه للرموز .فباإلضافة ملا أسلفنا قوله من كون املطر يف معلقة امرئ القيس اختتم به النص، بينام جاء ذكر املاء لدى لبيد يف مفتتح املعلقة ،نجد ماء امرئ القيس يتسم بالقوة والعنف ،كام يتجسد يف األرضار التي ألحقها مبعامل الطبيعة ،حيث جرف معه عدة أشياء، وكأنه يستهدف طمس ما تبقى عوض املحافظة عليه وبعث الحياة فيه ،لينتهي بسقوطه إىل نشوة عربت عنها الطيور ،وإىل تبديد للخوف امنحى عن السباع. يختلف هذا املستوى لدى لبيد ،إذ املاء يقوم عىل اإلخصاب وتجديد الحياة ،يك تستمر وال تؤول إىل االنتهاء. ولعل الصور التي مدنا بها لبيد كافية للتعبري عن تصوره، وإدراكه مليزات وخصوصيات املاء كمصدر للبعث واالخصاب. issue (7)- December - 2012
135
ديوان العرب
ميكن القول كام جاء بذلك «غاستون باشالر» يف مؤلفه « املاء واألحالم» بأن املاء مبجرد سيالنه ميوت بفعل هذا السقوط مانحا الحياة لغريه .ففي موته يستعيد حياته من ثم فهو يف سيل وسقوط دائم .أي يف موت هو الحياة فاملاء عنرص حياة وعنرص موت .عىل أن ماء امرئ القيس كام جسدته معلقته هو ماء ذكوري .ماء يتسم بسلطته املتجلية يف رغبة إلحاق األذى مبا هو جوهر البعث والنامء .يف املقابل يبقى ماء لبيد أموميا ،ألنه يهدف إىل اإلخصاب والتناسل ،وهو ما يتأىت عن األم كمصدر للحياة. املاء واألم ينبوعا االستمرار. إن ما أرق الشاعر الجاهيل ثنائية الحياة واملوت .إذ ،وليك يستمر ،بحث عام ميكنه من تجاوز املوت .يف هذا املنحى انساق «كلكامش» متلهفا لزهرة الخلود .كام عبدت الشعوب القدمية «متوز» كاله للخصب والنامء ،فاعترب موت الطبيعة يف الخريف نهاية ل «متوز» ،يف حني أن الربيع بعث وإحياء له .بل إن نساء «بابل» كن ميارسن
الجنس مع األغراب بهدف عودة الحياة إىل «متوز» امليت. هذه املالمح تقودنا إىل البعد امليثي الكامن خلف النص الجاهيل ،إميانا منا بأن النصوص تنضام وتتعانق وال يلغي سابقها الحقها ،وإمنا لتتكامل ومتتد يف إطار من االختالف والتفاوت. إن باإلمكان رصد التفاوت بخصوص داللة رمز املاء ،بني نصوص أخرى متثل ذات الحقبة
- 1كتاب « مدخل إىل األدب الجاهيل» «إحسان رسكيس» دار الطليعة بريوت ص20 : - 2مجلة « املعرفة» السورية .الدكتور «كامل أبو ديب» يف بحثه « نحو منهج بنيوي يف دراسة الشعر الجاهيل» العدد .195 :أيار (مايو) 1978ص.44: - 3كتاب « مدخل إىل األدب الجاهيل» «إحسان رسكيس» دار الطليعة بريوت ص.20 : -4بخصوص « عبدة بن الطبيب» يرجع إىل «تاريخ الشعر حتى القرن الثالث الهجري» د .نجيب محمد البهبيتي .دار الفكر ص: .419 -5كتاب «مقاالت يف الشعر الجاهيل» ل « يوسف اليوسف» دار الحقائق بريوت ص 121 ،120 :و.122 - 6نفسه .ص.143 : - 7مجلة «فصول» العدد الخاص ب» تراثنا الشعري» بحث نحو منهج بنيوي يف تحليل الشعر الجاهيل .معلقة امرؤ القيس ،الرؤية الشبقية .كامل أبو ديب املجلد الرابع العدد الثاين يناير ،فرباير، مارس 1984من ص 92 :إىل ص.130 : - 8كتاب «قراءة ثانية لشعرنا القديم» «مصطفى ناصف» دار
األندلس بريوت ص 127 :و.128 - 9مجلة « املعرفة» العدد 195 :املشار إليه كامل أبو ديب ص: .39 - 10نفسه .ص.41 : - 11مجلة «فصول» العدد الخاص ب» تراثنا الشعري» مبحث «التحليل الدرامي لألطالل» معلقة لبيد .محمد صديق غيث ص: .170 Gaston Bachelard « L’eau et les rêves » CORTI. - 12 .PARIS. P : 9 et 99 .Bachelard. P : 21 - - 13 .Bachelard. P : 99 14* وتحسن العودة بخصوص «با شالر» كذلك إىل : Margaret R. Higonnet. Métaphores mortelles : l’eau et les rêves » cahiers internationaux de symbolisme. N° Bachelrad et la métaphore. 1986 P : 42, 43 et .55/54/53 .44 15كتاب «أسطورة املوت واالنبعاث يف الشعر العريب الحديث»ريتا عوض .املؤسسة العربية للدراسات والنرش ص 42 :و.43 - 16كتاب « مقاالت يف الشعر الجاهيل» يوسف اليوسف .ص.138 :
املراجع:
136
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
«وقوف» عنترة هَ ْل َغا َد َر ُّ الش َع َرا ُء منْ ُمتَـ َرد َِّم الجوا ِء َت َك َّل ِمـي َيا دَا َر َع ْبلـ َة ِب َ َف َوق ْف ُ ـت فيها َنا َقتي و َكأ َّنهَـا الج َوا ِء وأَهْ ُلنَـا و َت ُح ُّـل عَب َل ُة ِب َ ُح ِّي ْي َت ِمنْ َط َللٍ َتقا َد َم َع ْهـدُ هُ َح َّل ْت ِبأَرض الزَّا ِئرينَ َفأَ ْص َب َح ْت عُ ِّل ْق ُتهَـا َع ْرضاً وأ ْق ُ تل َق ْو َمهَـا ولقـد َن َز ْل ِت َفال َت ُظنِّي َغ ْيـر ُه َك َ ـيف املَزا ُر وقد َتر َّبع أَهْ ُلهَـا ْإن ُكن ِْت أ ْز َم ْع ِت ال ِفر َ اق َفإِنمَّ َـا َمـا َراعَنـي إ َّال َحمول ُة أَهْ ِلهَـا ِفيهَـا ا ْثنَتانِ وأَ ْر َ بعون َح ُلو َبـ ًة اض ٍح روب َو ِ إ ْذ َت ْس َت ِب ْي َك ِب ِذي ُغ ٍ و َكـأَ َّن َفا َر َة َت ِاج ٍر ِب َق ِس ْي َمـ ٍة أ ْو ر ْوضـ ًة ُأ ُنفاً َت َض َّمنَ َن ْب َتهَـا َجـاد َْت ع َلي ِه ُك ُّل ِبك ٍر ُحـ َّر ٍة َس ّحـاً و َت ْسكاباً َف ُك َّل ع َِش َّيـ ٍة َو َخلىَ ُّ يس ِب َبـا ِر ٍح الذ َب ُ اب ِبهَا َف َل َ هَ ِزجـاً َي ُح ُّ ـك ِذرا َع ُه ب ِذرا ِعـ ِه
أم هَ ْل َع َر ْف َت الدَّا َر بع َد َت َوهُّ ِـم َو ِع ِّمي َص َباحاً دَا َر ع ْبل َة واس َل ِمي َفـد ٌَن َأل ْقيض َح َاج َة ا ُمل َت َلـ ِّو ِم الص َمـانِ َفا ُمل َت َث َّل ِـم بالحـزنِ َف َّ َ ُ َ أَ ْقـوى وأ ْق َفـ َر َبع َد أ ِّم ال َه ْي َث ِـم عسرِ اً ع َّ يل ِط َال ُب ِك اب َن َة َم ْخـ َر ِم زع ًام ل َعم ُر َ َـم أبيك لَ َ يس بمِ َ ْزع ِ ِمنّـي بمِ َنْـ ِزلَ ِة ا ُمل ِح ِّب ا ُمل ْكـ َر ِم ـن وأَهْ ُلنَـا ِبال َغ ْي َل ِـم ِب ُع َن ْيـ َز َت ْي ِ َز َّمـت ِر َكا ِئ ُب ُك ْم ِب َل ْيلٍ ُم ْظ ِل ِـم الخ ْم ِخ ِم وس َط ال ِّد َيا ِر َت ُس ُّف َح َّب ِ ْ َ َ ً ُسودا كخافي ِة ُ اب األ ْس َح ِـم الغ َر ِ عَـ ْذ ٍب ُم َق َّب ُلـ ُه لَ ُ ذيذ املَ ْط َع ِـم َس َب َق ْت ع َوا ِر َضها َ إليك ِمن ال َف ِم َغ ْي ٌث ُ ليس بمِ َ ْع َل ِـم قليل الد ِ َّمن َ َفترَ َ ْكنَ ُك َّل َق َرا َر ٍة َكال ِّد ْرهَ ِـم َي ْجـ ِري َع َليها املَا ُء لَم َيت ََصـ َّر ِم َغ ِرداً َك ِف ْعل َّ ارب ا ُملترَ َ ّن ِـم الش ِ َقد َْح ا ُمل َك ِّب عىل ال ِّز َنا ِد َ األ ْجـ َذ ِم
issue (7)- December - 2012
137
ديوان العرب
عنترة في تأويل الزمان والمكان
ؤال ِّ الس ُ عري وام ِتداداتُه الش ُّ ُّ خالد بلقاسم
َ قال عنرتة بن شداد:
هَ ْل غا َد َر ُّ الشـــ َع َرا ُء ِمنْ ُمترَ َد َِّم يا دَا َر َع ْب َلة بالج َوا ِء َتك َّل ِمــــي
ال
يَ ْنقا ُد ال َب ْي ُت األ َّو ُل ِم ْن ُمعلَّق ِة عنرتة للف ْهمِ والتَّأويل ب ُيسرْ .إنَّها أوىل خَصائِ ِص ِه الشِّ ْعريَّة، التي تَتَق َّوى كلَّام ال َم َس الشِّ ْع ُر ِ ويصة، قض ّية َع َ أي ِ كري أ ْن تَبْقى منطقة َمفتُو َحة قضيّة يَكو ُن َمص ُريها ال ِف ُّ ِ ِ ِ هِ األسئلة .فالبَيْ ُت يَ ْنطَوي ،م ْن هذ ال َّزاوية، للتَّأ ُّملِ وإنتا ِج ْ عىل ُمقا َو َم ٍة تمَ ْ َن ُع ِم َن ال ُعبور إىل ما ت َال ُه ِم ْن غيرْ قلق، وتمَ ْ َن ُع ،أيْضاًِ ،م َن االط ِمئنان للشرَّ ْ ح الذي َخلَّ َف ُه الق َدما ُء
138
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أ ْم هـَ ْ ـل َع َر ْف َ ــم ــت الدَّا َر َب ْع َد َت َوهُّ ِ واس َل ِمي َو ِع ِمي َص َباحاً دَا َر َع ْبلة ْ ع ْن ُه ِم ْن غيرْ شَ ِّق أفُقٍ آخَر لل َم ْعنى .عبرْ َ ِ هذهِ امل ُقا َو َمة، يل ،وعبرْ َها أيْضاً يَ ْد ُعو يَتَ َولَّ ُد التَّفك ُري مبا هو ِف ْع ٌل ت َأوي ٌّ البَيْ ُت ال ِقرا َء َة إىل َسام ِع ا ْح ِتامالتِ ِه البَعي َدة. ِ ِ السام ُع إالّ ب َع ِّد البَيْ ِت ،يف البَ ْدءْ ،است ْهالالً ال يَبْ َدأ هذا َّ ِ ِ ئيس يف التّأويل، شَ دي َد ال ُغ ُموض .التَّ َنبُّ ُه إىل غُموضه أ ْم ٌر َر ٌ إذ كثريا ً ما ت َ َولَّ َد ِت ال ِقرا َء ُة َونمَ َْت ِ انطالقاً ِم َن ال ُعثور عىل غ ٍ ُموض َخ ِف ٍّي يف ثنايا ال َّن ّص ،أ ْو حتَّى يف ِعبا َر ٍة قص َري ٍة
تأويل عنترة
َح َّولَها التَّدا ُو ُل إىل ِعبا َر ٍة ِ واض َحة .التَّ ُ أويل ال يُ ِق ُّر بال ُوضُ وح .قيمة املايض ِ ُ «الواض َحة» التي ْاستَعادَتْ غُموضَ ها األقوال َع ِدي َد ٌة هي ئيسة لِ ِ هذهِ ِع ْن َدما ْاستَضافَتْها ال ِقرا َءة .ول ُربمَّ ا ِم َن امل َها ّم ال َّر َ االس ِتضافة ال ُعثو ُر عىل ال ُغ ُم ِ وب ب ُوضُ و ٍح ال وض امل َ ْح ُج ِ ْ وح فيه. ُوضُ َ لِلغ ِ ُموض ،يف بَيْ ِت عنرتة ،أكرثُ ِم ْن َو ْج ٍه .ل َع َّل أبْرزَهاِ ،م ْن ُ ِ ِ حيْثُ ما يُ َولِّ ُده م ْن قضايا ،ال َو ْج ُه الذي يَتَكشَّ ُف م َن اال ْح ِت ِ امالت التي يَفترَ ضُ ها التَّ ُ أويل للعالق ِة بينْ َ شَ طْ َر ْي ال َب ْيت .ق ْب َل االقترِ َاب ِم ْن ِ هذهِ اال ْح ِتامالت ،البُ َّد ِم ْن إن ٍ ْصات ُج ْز ٍّيئ لِماَ َح َّف مبَ ْعنى الشّ طر األ ّول يف شرُ و ٍح سابقة. قف القدما ُء عند ّ دال «املُترَ َدَّم» ،و َر َّج ُحوا معنى الترَّ قيع تَ َو َ ِ ِ ِ َ يف ف ْهمه ،انطالقاً م ْن َع ِّد هذا امل ْعنى تمَ ْثيالً ،أي ُمشابَ َهة ت َْستَ ْحضرِ ُ ُصو َر َة ث ْو ٍب ُم َرقّع .يف ال ُعبور من التَّ ْمثيلِ إىل قصودا ً ِمن الشَّ طْر األ ّول ،ت َ َه َّيأ ل ُهم إعادَة ما افترَ َضو ُه َم ُ َص ْوغ ُسؤا ِل عنرتَة عىل ال َّن ْحو اآليتَ :ه ْل ت َ َر َك الشّ َعراء «مقاالً لِقائِلٍ ،أي ف ّناً ِم َن الشِّ ْعر ملْ يَ ْسلكوه؟» ،أو كالماً لص ُق بعضُ ُه ببَ ْع ٍض ويُلبَّق» .هكذا بَلْ َو َر الشرَّ ْ ُح القدي ُم «يَ َ ً «هل بَقّى ري ،هوْ : ع الشِّ طر الشّ هذا بشأن ا ي إشكال ال ً سؤا ْ ّ ّ الشُّ عرا ُء أل َح ٍد َم ْع َنى ،إالّ َو َس َبقو ُه إل ْيهَ ،و َه ْل يَتَ َه َّيأ أل َح ٍد أ ْن يَأتيِ َ مبَ ْعنى ملْ يُ ْسبَق إليْه؟».
ء عند ّ ت َ َو َ دال قف القدما ُ حوا معنى متَر َ َّدم» ،ور َ َّج ُ «ال ُ انطالق ًا التَّرقيع في ْ فهمِ هِ ، م ْعنى ت َ ْمثي ً ال ،أي ِم ْ ن َع ِّد هذا ال َ ب ُمشاب َ َ صور َ َة ْ ضر ُ ُ هة ت َ ْ ست َ ْح ِ ثو ٍ ُمر َ ّقع
لق ْد ِ وح ،يف الغالب العا ّم ،إىل تَ ْرجيح دالل ِة مالت الشرُّ ُ ري .غيرْ َ أ َّن ت َ َو ُّس َل عنرتة في ِه الشّ طر عىل نفا ِد الق ْول الشِّ ْع ّ االس ِتفهام َو َج َد َصدا ُه يف بَ ْعض الشرُّ وح التي صاغَها ببنيَ ِة ْ ِ ِ ِ ِ هِ أصحابُها اعتامدا ً عىل هذ البنيَة نفسها .وهو ما يَتَ َعينَّ ُ ْ عىل ال ِقرا َء ِة أالَّ ت َ ْنساه. يح َمب ْو ِق ِف ِه ل ُجو ُء عنرتة إىل ْ االس ِتفهام يف املَطْلَع َج َّن َب ُه التَّصرْ َ ِم َن القديم و ِم ْن عالق ِة القديم مبا أتىَ بَ ْع َده .ال يُ ِ فص ُح عنرتة عن هذا امل َ ْو ِقف .لك َّن ُه يُبَلْو ُر بشأنه َج َواباً ِض ْمنيّاً ري الذي نَ َهضَ ت به امل ُ َعلَّقة ،أي أنَّ ُه يف اإلنجاز الشِّ ْع ِّ يَ ْد ُعو ،عىل نَ ْح ٍو ُمضْ َمر ،إىل ِقرا َء ِة امل ُ َعلّقة يف ضَ ْو ِء ُسؤال االس ِت ْهالل ،وإىل اإلن ِ ْصات لتفاصيلِها ِم ْن غيرْ الك َِّف عن ْ السؤال. التَّفكري يف هذا ُّ السؤال ب َو ْص ِف ِه بَذ َر ًة لِتَخلّقِ القصيدة ُّ .1 ٍ َ ليِ الس ِتهالل الق ْول الشِّ ْع ّ ري ُ ْ بسؤال ُم ْنط ٍو عىل قلقٍ َج ٍّ ِ ِ ِ ِ ترِ اب ِم ْن هذا ق اال ن كأ عنرتة. ت ي ب ة ء ا ر ق ه جي و ت يف ه ت َّ َ ُ ُسلط ُ ْ َ َ ْ الب ْيت ال يَتَحق َُّق ،كام هو بَينِّ ٌ ِم ْن َمسار شرَ ْ ِح ِه ،إالَّ عبرْ َ بَلْ َو َر ِة ْأسئل ٍة بشأنِ ِه .الشرَّ ْ ُح القدي ُم هو الذي أ ْرسىَ هذا كل تآويل َحديث ٍةُّ . امل َ ْن َحى ال ِقرا َّيئ قبْ َل أ ْن تمَ ْتَ َّد َع ْدوا ُه إىل َ ِ ٍ ِ األسئلة، نفس ُه يف ِ قلب ِسل ِْسلة م َن ْ َم ْن تأ َّو َل البيْ َت َو َج َد َ ٍ أي تفكريٍ جديد يف ت َأويلِ الب ْي ِت ُملْزِماً لل ُم َؤ ِّو ِل، حتّى َغ َدا ُّ بص ْو ِغ َص ْوناً لِشرَ ْ ِع َّي ِة االن ِْخ َر ِاط يف إضا َء ِة هذا املَطْلعَ ، ُسؤا ٍل جديد. ِ عبد الفتّاح كيليطو واح ٌد ِم َن امل ُ َؤ ِّولني الذين َسلكوا ،يف ال َّز َمن الحديث ،هذا امل َ ْنحى .ذلك ما ل َجأ إليه وهو يَتَأ َّم ُل التناسخ يف الكتابة ،إذ بَل َو َر ْأس ِئلة َع ْن ُس َؤال عنرتة، قضايا ُ «س ُي َح ِّد ُد لنا امل َعنى املضبوط صاغها عىل ال َّن ْحو اآليتَ :م ْن َ أس أو ت َش ُّو ٌق ،أ ْم الس ِت ْهاللِ ِه ْ لِ ُسؤالِهْ ، فهامي؟ أهو يَ ٌ االس ِت ّ نَ َد ٌم عىل كونِ ِه ملْ ِ يأت إالّ واألوا ُن ق ْد فات؟ أ ُه َو اعترِ ٌاف بال َّديْن وتمَ ْجي ٌد للترّ اث القديم؟ أهو َحثٌّ أ ْم ت َ َح ٍّد؟ أ ْم إنّ ُه تفك ٌري فيام يَ ْن َبغي أ ْن يُ َ قال ع ْن قي َم ِة املايض وعن القصي َد ِة الشِّ ْعريَّة؟». االس ِتفهامِ املُتَ َسل ِْسل يف ق ْو ِل كيليطو تَتَكشَّ ُف ِم ْن قي َمة ْ االس ِت ْهالل ع ْن يق ٍني ب َعيْ ِنه ،بغايَ ِة َز ْع َز َع ِة امل َ ْعنى وإبْعا ِد ْ ِ ناسخ ،أي إىل ما ا ْج ِتذاب ِه إىل قضايا التقليد وال َّن ْسخ والتّ ُ issue (7)- December - 2012
139
ديوان العرب
تط َر ُح ُه العالقة مع املايض ب َو ْج ٍه عا ّم .وق ْد ت َ َهيَّأ لكيليطو، با ْع ِتبار ِه شَ غوفاً بال َحفْر َعن الغرابَ ِة يف األلفة و َعن ال ُغ ُموض يف ال ُوضُ وح ،أ ْن يُف ِّك َر ،انطالقاً ِم ْن ُسؤا ِل عنرتة ،يف بس عىل نَ ْح ٍو َخالّق. مفهوم الترَّ كة ،مبا هو مفهو ٌم ُملتَ ٌ االس ِتفها ُم ال ُّ يكف َم َسا ُر بَ ْي ِت عنرتة َع ْن ف ْر ِض ت َ َح ٍّد ُمتَنامٍ ْ . يف ْاس ِت ْهاللِ ِه يُلز ُم قارئ ُه ببَلْ َو َر ِة ُسؤا ٍل َجديد ،وإالّ بَط ََل اإلسها َم فيه انطالقاً ِم ْن ُم َس ِّوغ ال ِقرا َءة .ذلك ما نَ ُرو ُم ْ إضا َء ٍة ُمكثفة خ ََّص بها اب ُن رشيق َمطْلَ َع عنرتة. الس ِت ْهال ِل امل ُ َعلَّقة ،ملْ يتَ َو َّس ْل يف يف ْاس ِتجال ِء ابن رشيق ْ االس ِتفهامْ ،بل غل ََّب َم ْع َنى نفا ِد الق ْول ،الذي الشرَّ ْ ِح ببني ِة ْ َع َّن ل ُه ثاوياً يف املَطْلع .هكذا َرأى أ َّن البَيْ َت يَ ُد ُّل عىل نفس ُه ُمحدثاً ،ق ْد أ ْد َر َك الشِّ ْع َر بَ ْع َد أ ْن أ َّن عنرتة « يَ ُع ُّد َ الناس من ُه وملْ يُغا ِدروا ل ُه ش ْيئاً» .إالَّ أ َّن اب َن رشيق فرغ ُ عا َد ف َن َس َخ هذا امل َ ْعنى ،الذي ْاستَنتَ َج ُه ِم ْن ِقرا َءتِ ِه لل َب ْيت، ب ُحكمٍ يَ ُ طول ُم َعلَّقة عنرتة بكا ِملِها .يقول« :وق ْد أىت يف 140
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
ِ هذ ِه القصي َد ِة مبَا ملْ يَ ْسبق ُه إليْ ِه ُمتَق ِّد ٌم ،وال نا َز َع ُه إيّا ُه ُمتَأخِّر». الالفت أ َّن اب َن رشيق يَ ْع ُزو مسألة امل ُحدث ،يف إشا َرتِ ِه ُ األوىل ،إىل َز َمنٍ بَعيدِ ،خالفاً لِماَ ت َك َّر َس يف ال ّنقد القديم. وهوِ ،م ْن ث ّم ،يُ ِق ُّر أ َّن الف َرتةَ ،التي إليها يَ ْنتَ ِس ُب عنرتة، ش ِهدَتْ هي أيضاً ،عىل ال ّرغم من ك ْونِها ت َجسيدا ً للبدايات، القلق املُتَولِّ َد ِم ْن ن ِ ُهوض ق ْو ٍل ف ْو َق آخَر أو ِم ْن بنا ِء الق ْول َ وأس ُسه .ل ْي َس ْت ِ ِ ٍ هذهِ اإلشا َرةُ، ه م ل معا َت د د ح ت جنس فق َ ُ َ َّ َو َ ُ ُ عىل أ َه ّمي ِتها ،هي ما يَ ْع ِنينا يف سياقِ َص ْو ِغ ْأس ِئل ٍة َعن ْاس ِت ْهال ِل عنرتةْ ،بل يَ ْعنينا أساساً ال ُحك ُم الذي صا َغ ُه اب ُن َرشيق َعن امل ُ َعلَّقة َجمي ِعهاُ .ح ْك ٌم نَتَ َو َّس ُل ب ِه ِ لالنخر ِاط يف ن َْس ِج ْأس ِئل ٍة أخ َرى تمَ َُّس َمطْل َع عنرتة. املطل ُع ،يف الشِّ ْعر الجاهيلُ ،عنْصرُ ٌ بنا ٌّيئ و ِدال ٌّيل يف آن .فيه يَ ِت ُّم ت َ ْوجي ُه االه ِتامم إىل ما يَجتَ ِذ ُب امل ُتلقي ق ْب َل االن ِتقال فق ما يُتي ُح ُه إىل ال َغ َرض .غيرْ َ أ َّن امل ُ َر َّج َح يف ب ْي ِت عنرتةَ ،و َ
تأويل عنترة
ُحك ُم ابن رشيق ِم ْن ت َأويل ،أنَّ ُه ملْ يُبنْ َ بغايَ ِة االن ِتقال، ختلف أطوار بناءِ ْبل بغايَ ِة االح ِت ِ فاظ لِ ِظلِّ ِه بسرَ َ يانِه يف ُم ِ امل ُ َعلَّقة .لِ ُن َوضِّ ح هذا ال َّز ْعم. يف ُم ْنتَ َص ِف امل ُ َعلَّقة ،تَ َو َّج َه بنا ُء امل َ ْعنى إىل ال َفخْر ،الذي يُشك ُّل َغ َرضَ ها ال َّرئيس .فيه يَ ْعتَ ُّد الشاع ُر بالعناصرِ التي الصوتُ ال َج ْم ِع ُّي ِصفَة ُمثلٍ ُعليا .إالّ أ َّن عنرتَة ال َم َن َحها َّ ِ كانت ،فرتَت َ ِئذٍ، يُضَ ِّم ُن ال َف ْخ َر اال ْع ِتدا َد بالشاعريَّة ،التي ْ ِ أ َح َد بَ َوا ِع ِث اال ْح ِتفال والف َرح الجَماَ عيَّينْ .ومع ذلك ،يُح ُّس غياب هذا ال ُعنصرُ يف ال َفخْر ال يُلْ ِغيهْ ،بل عىل القارئُ أ َّن َ بصو َر ٍة سرِ ِّ يَّ ٍة ِم ْن ُحضُ ور ال ِف ٍت .إنَّ ُه ُحضُ و ُر العكس ،يمُ َ ّك ُن ُه ُ السرَّ َ يان ال َخ ِف ِّي الذي أ َّم َن ُه ما بُثَّ يف املطلع ،عىل نَ ْح ٍو االس ِت ْه َ الل بَذ َر َة فَ ْخ ٍر ُمق َّنعٍ. َج َع َل ْ ِ َ ُ ري ،يف املطْلع، أملْ يَكُن التَّساؤُل َع ْن نَفَاد الق ْول الشِّ ْع ِّ ا ْع ِتدادا ً بشا ِعريَّ ٍة تَ ْد َح ُض هذا ال َّنفَاد؟ أل ْي َس ِت امل ُ َعلَّقة، بالصو َر ِة التي ْاستَ َوتْ عل ْيها ،ت َشْ كيكاً يف هذا ال َّنفاد؟ أملْ ُّ تَكُن امل ُ َعلَّقة ،وهي ت َنبَنيَ ،جواباً ذاتِيّاً َع ْن ُسؤا ِل املَطْلع؟ أملْ ت َك ْن ،يف ت َ َح ّق ِقها ويف ُمختلف أطْ َوار هذا التَّ َحقّق ،تمُ َ ِّد ُد ِظ َّل ُسؤالِها وت ُؤ ِّم ُن سرَ َ يانَ ُه يف َم ِ فاصلِها؟ أال يَتكف َُّل املَطْل ُع ب َوظي َف ٍة صا ِمتَ ٍة ُم َب َّد َد ٍة يف بنا ِء امل ُ َعلَّقة؟ أل ْي َس املَطْل ُع هو امل َل َم ُح األ َّو ُل ال ّد ُّال عىل ال َفخْر؟ أال يُ َج ِّس ُد املَطْل ُع نُ ُزو َع عي إىل َع ِّد الشَّ ا ِعريَّة أ َه َّم َعناصرِ ال َفخْر، الالشُ عور ال َج ْم ِّ ٍ ِ بسؤا ٍل شائك عن الشِّ ْعر وإالّ لِ َم َص َّد َر عنرتة ُمعلّقتَ ُه ُ و َح َّول ُه إىل بَذر ِة بناء؟
المطلعُ ،في ِّ الش ْعر الجاهلي، اللي في آن. بنائي و ِد ٌّ ٌّ صرٌ ُع ْن ُ م ت َ ْوجي ُه االه ِتمام إلى ما فيه ي َ ِت ُّ متلقي ق ْب َ ل االن ِتقال يَجت َ ِذ ُ ب ال ُ إلى ال َ غرَض
محاورة املكان
امل ُ َو ِّج ُه العا ُّم لِ ِ األس ِئلة يُ َه ِّي ُئ لِ ِقرا َء ِة بَ ْع ِض أبْ ِ يات هذهِ ْ امل ُعلَّقة يف ضَ ْو ِء السرَّ َ يان املُفترَ َض لل َمطْلعِ يف َم ِ فاصل القصي َد ِة َجمي ِعها .ثمَ َّة أبْياتٌ ت َْس َم ُح بتَأويلِها ِ انطالقاً ِم ْن مثيل َعالق ِتها ال مبَ ْوضُ و ِعها امل ُباشرِ ْ ،بل بالشِّ ْعر .يمُ ْ ِك ُن التّ ُ لذلك بق ْول عنرتة:
ُح ِّي َ يت ِمنْ َط َللٍ َتقا َد َم َع ْهدُ ُه أق َوى وأق َف َر َب ْع َد أ ِّم ال َه ْي َث ِم
أشا َر اب ُن األنباري إىل أ َّن ال ُّدعا َء ،يف الكلِ َم ِة األوىل ِم ْن هذا نى ف ُم َو َّج ٌه إىل َم ْن الب ْيتُ ،م َو َّج ٌه إىل الطَّلَل ظا ِهرا ً ،أ ّما َم ْع ً كا َن يَ ْسك ُن ُه ِم ْن أ ْهلِ الشاعر .أال يمُ ْ ِك ُن أ ْن نَتَ َوغ ََّل بإشا َر ِة أفص َح ْت ع ْن ُه يكْ نَ ْز ُع َم أ َّن املقصو َد ابن األنباري أبْ َع َد ِمماّ َ بالطَّلَل هو الشِّ ْعر؟ ف َم ْع َنى التَّقادُم واإلقواء واإلقفار ِم ْن ُم َح ِّد ِ دات الحقل ال ّدال ّيل لِ ِّ دال «الترَّ َدُّم» امل ُْستَ ْن َب ِت يف الس َؤ ُال ،عىل نَ ْحو ُمتَشَ ِّعب ،إىل تأ ُّملِ امل َطلع .يَقو ُد هذا ُّ العالقة بينْ َ شَ طْ َر ْي املَطْلع الذي َوضَ َع ُه عنرتة لِ ُمعلّق ِت ِه. وهي عالقة ُمنطوية عىل غ ٍ ُموض بَعيد. شائج ُمفترَ َضَ ة بينْ َ شَ طْ َر ْي املطلع َ .2و ُ وض باالن ِتقال إىل ال َعالقة بَينْ َ الشَّ طْ َريْن ،يَتَضَ ا َع ُف ال ُغ ُم ُ يف بَيْ ِت عنرتة ،إذ تَتَكشَّ ُف ُخيُو ٌط َد ِقيقة تُغْري ال ِقرا َء َة اض ال َوشَ ائ ِج وببنائِها عبرْ َ التّأويلِ . بافترِ ِ وح ْرصاً عىل الترّ كيز، نقتَصرِ ُ عىل َوشي َجتَينْ . .2.1الوشيجة األوىلُ ،متَ َعلِّقة مبا ت َ َبقّى؛ أي ما ملْ يَ ْستَ ْن ِف ْد ُه الشُّ َعرا ُء ِم ْن ق ْول وما ملْ يَ ْستَ ْن ِف ْدهُ ال َّز َم ُن يف َم ْحو المس ِة التّقاطُع بينْ َ ما ملْ ال ِّديار .وَيمُ ْ ِك ُن أ ْن نُ َر ِّج َح ،قبْ َل ُم َ يَطُلْ ُه النفا ُد يف الحالَتَينْ ،أ َّن ما ت َ َبقّى ِش ْعرا ً أشَ ُّد ال ِت َباساً ِمماّ ت َ َبقّى من ال ّديار. يف الحال ِة الشِّ ْعريَّ ِة ،يَ ْحتَ ِم ُل ما ت َ َركَ ُه الشُّ عرا ُء َم ْع َن َيينْ ؛ األ َّول يمَ َ ُّس ما َخلَّفو ُه ِم ْن ط ٍ قص َد االق ِتفاء واالق ِتداء ُروس ْ أ ْو ما َخلَّفو ُه ِم ْن أ ْجزا ٍء تَتَطَل َُّب َرت ْقاً َو َج ْمعاً ،عىل نَ ْح ِو ما يَفترَ ضُ ُه الترَّ ْقيع الذي ت َ َو َّس َل ب ِه الق َدما ُء يف ف ْهمِ «الترَّ َدُّم»، ُمضَ ِّمن َني شرَ ْ َح ُه ْم إ ْمكا َن ِقرا َء ِة الق ْول الشِّ ْعري ب َو ْص ِف ِه لت ث ْوباً .وهي صو َر ٌة ُمتجذ َر ٌة يف الثقافة اإلنسان ّيةَ ،ج َع ْ issue (7)- December - 2012
141
ديوان العرب
ال َعدي َد ِم َن امل ُ َؤ ِّولني يَ ْنتَبهو َن إىل ما يَ ْج َم ُع الكتابة ب ِف ْعلِ الخياطة .أ ّما امل َ ْع َنى الثاين فيَ َم ُّس امل َ ْج َ هول الذي ملْ تَطُلْ ُه الت ت َنتَظ ُرِ أي املناطق ال َعذراء التي ما ز ْ قصائِ ُد الشُّ عراءْ ، بس ،عىل ح ِّد َم ْن يَتَ َوغ َُّل فيها .ذلك أ َّن مفهو َم الترّ كة ُملتً ٌ ُمال َحظ ِة كيليطو الثا ِق َبة. بح األ ْم ُر ُمتَ َعلِّقاً يف الحال ِة َّ الخاصة مبا تَبَقّى ِم َن ال ّديار ،يُ ْص ُ ِ مبا َسماّ ُه القدما ُء بال َّدار امل ُ ْحلِفة ،أي التي َغدَتْ ه َي وال تياب يف ِه َي ،بحيثُ يَ ْستَ ْعيص ت َ َع ُّرفُها ،لِام ت ُث ُريهُ ِمن ا ْر ٍ ُهويَّ ِتها .ولكن ،ما العالقة بَينْ َ ديا ٍر ا َّم َح ْت وق ْو ٍل نَ ِف َد؟ السؤال ،أ َّن ت َشابُكاً أصيالً يَ ْبدوَ ،و َ فق ما يَفتَ ُح ُه هذا ُّ ري وال ِّديار. ت َ َحق َّق ،يف القصيد ِة الجا ِهلية ،بَينْ َ الق ْو ِل الشِّ ْع ّ ما ملْ يَتَ َع َّر ِف الشَّ ا ِع ُر ِديا َر ُه ال يمُ ْ ِك ُن للقصي َد ِة أ ْن تَبْ َدأ. خاص ،كا َن ا ْمر ُؤ القيس ضَ َّم َن ُه القصيد ُة تَبْ َدأ ِم ْن َم ْجهو ٍد ّ يف األ ْمر بال ُوقوفَ .م ْجهو ٌد يَتَ َو َّج ُه إىل ْاس ِت ْجال ِء ال َّزمان واملكان يف آن .اِ ْس ِتنادا ً إىل ذلك ،يمُ ْ ِك ُن للتَّأويل أ ْن يَفترَ َض أ َّن تَ َع ُّر َف ال ِّديار يَقتَيض ج ْهدا ً هو عيْ ُن ُه الذي َيتَطَلَّبُ ُه ري .ول َع َّل ِظ َّل هذا امل َ ْع َنى هو ما يُ ِط ُّل ِم ْن الق ْو ُل الشِّ ْع ّ ِ ق ْو ِل ُزهيرْ بن أيب سلمى يف ُم َعلَّقته:
َو ُ قفت بها ِمنْ َب ْع ِد ِعرشينَ ِح َّجة فألياً َع َر ُ فت الدَّا َر َب ْع َد َت َوهُّ ِم
حيل ،من حيث امل َ ْعنى، الألي ،الذي يَتَطَلَّ ُب ُه التَّ َع ُّرف ،يُ ُ ُ ائص ذات ُها التي عىل ال ُعسرْ واإلبْطاء والج ْهد .إنَّها الخ ََص ُ اح باب الق ْول الشِّ ْعري و ُمطا َو َعتُ ُه للشاعر. يَقتَضيها ان ِفتَ ُ والال ِف ُت أ َّن بَيْ َت ُزهيرْ يُ َو ِّس ُع داللة ال َوق َف ِة التي ن ََّص عليْها ا ْمرؤ القيس .زُهري يُ ْد ِم ُج التَّ َحق َّق ِم َن ال ِّديار يف ال َوقفة. بهذا اإلشرْ َ ِ ُ الخيال ويَ ِت ُّم ت َنشيط الذاكِرة ،ت َ ْهييئاً اك ،يَ ْنتَ ِع ُش ِ النطالقِ الق ْول .ول ْي َس َع َبثاً أ ْن يَتَقاطَ َع عنرتة و ُزهيرْ يف ّ حيلِ ،م ْن حيثُ امل َ ْع َنى ،عىل التّخيُّل دال التَّ َو ُّهم .فهو يُ ُ حيل ،أبْ َع َد من والس ْهو والغلط واإلنكار والظ ّن ،ويُ ُ والتَّ َمثل َّ ِ َ ّ ذلك ،عىل الطريقِ الواسع ،مبا يَ ْج َعل هذا امل ْع َنى البعي َد يتقاطَ ُع مع َمعنى الطّريق الخ ِف ّي الذي َس َبق أن أشرَ ْنا ارس من ال ّديار يف الشِّ ْعر إل ْيه يف ف ْهم «األثر» مل ّا تأ َّولنا ،ال ّد َ الجاهيل. ما يَ ِص ُل بَينْ الألي ،مبا هو َس ُ بيل التَّ َع ُّرف ،وبَينْ َ الق ْو ِل ِ ِ ابق ل ُزهري .فيه يقول: الس َ الشِّ ْع ِّ ري َجليِ ٌّ ِمماّ تَال البَيْ َت َّ 142
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
فت الدَّا َر ُ فلماّ َع َر ُ قلت لِ َر ْب ِعها واس َل ِم أال ا ْن َع ْم َصباحاً أ ُّيها ال َّر ْب ُع ْ
بالتَّ َع ُّر ِف انْط ََلق الق ْو ُل .فالتَّ َو ُّج ُه ِش ْعرا ً إىل ال َّربْع ُمتَ َح ِّص ٌل ِم ْن ت َع ُّر ِف ال َّدار .مث ّة ،أبْ َعد ِم َن الب ْن َي ِة الشرَّ ْط َّي ِة يف ت َ ْعبري اض أ َّن التَّ َع ُّر َف هو ج ْه ُد تيح افترِ َ ُزهيرْ ،تمَ ا ٍه بَينْ َ ال ِف ْعلَينْ يُ ُ ِ ِ ان ِْطالقِ القصيدة ،هو ُعثو ُر الشاعر عىل البَذ َرة األوىل يف اض بتَأويلٍ َج ٍ ديد ُمحا َو َر ِة املكان .أال يَ ْس َم ُح هذا االفترِ ُ لِ ِح ْر ِص الشا ِعر الجاهيل عىل َحثِّ ال ِّديار عىل الكالم ،مبا يَ ْج َع ُل كال َم ال ِّديار هو َع ْي ُن ُه ت َ َخلُّق القصي َدة .أملْ يَكُن عنرتة، رج وهو يَ ْستَه ُِّل ُم َعلَّقتَ ُه باإلشا َر ِة إىل نفا ِد الق ْول ،يَ ْستَ ْد ُ ال ِّديا َر يكْ ت ُ ْن ِت َج الق ْول؟ يف ال َع ِ ديد ِم َن األشْ عار ،ت َ َح َّو َل حديثُ الشُّ عراء عن ت َ َعذر الق ْول بَذ َر ًة إلنتاجه.
تأويل عنترة
األس ِئلة .2.2الوشيجة الثانية .نُلْ ِم ُح إليْها ا ْع ِتامدا ً عىل ْ التاليةَ :ه ْل اتّخَذ بنا ُء عنرتة للقصي َد ِة ،إنِ ْاستَ ْحضرَ ْنا التَّ َداخ َُل بينْ َ هذا البناء وبينْ َ ت َ ْرميم ال ِّديار ،داللة امل َْسكن؟ أل ْي َس التَّ َو ُّه ُم يف الترَّ ْميم هوِ ،شعريّاَ ،ما يتطلَّ ُب ُه البنا ُء باللغة ،الذي أبْ َد َع عنرتة يف تشبي ِه ِه برتقيعِ الث ْوب؟ أال ت ُضْ ِم ُر العالقة بينْ َ الشَّ طْ َريْن ت َشْ بيهاً بينْ َ ت َ ْرميمِ القصي َد ِة ِم ْن بقايا ملْ يَطُلْها ال َّنفاد وت َ ْر ِميمِ ِديا ٍر ملْ تمَ َّ ِح ب َو ْج ٍه تا ّم؟ إ َّن تَ َو ُّس َل مطلع عنرتة باملجاز ِ يكش ُف عن تص ّور القصيدة مبا هي بناءُ . يقول ال ّزمخرشي يف ُمعجم «أساس البالغة»، الذي أ ْد َم َج املجاز يف شرَ ْ ِح الكلامتَ « :ر َّد َم كال َمه وت َ َر َّد َمهُ: وس َّد َخلَلَهُ»َ .س ُّد ال َف َج ِ وات بينْ َ أ ْجزاء تَتَبَّ َع ُه حتّى ْ أصل َح ُه َ الق ْول هو ذات ُ ُه ت َرمي ٌم لل ّديار. ِ ِ ِ فق ما ت َْس َم ُح هذه ال َوشي َجة إ َّن َمطْلَ َع امل ُ َعلّقة ُمضْ ِم ٌرَ ،و َ بتَأ ُّولِ ِه ،لِتَ َخ ُّيلِ الشِّ ْعر مبا هو َسك ٌن ،ان ِْسجاماً َم َع العالق ِة ري. تأس َس ْت بينْ َ الجا ِهيل والق ْو ِل الشِّ ْع ّ ال ُو ُجو ِديَّ ِة التي َّ ليْ َس املَطْل ُعِ ،م ْن ِ هذ ِه ال ّزاوية ،إالَّ ُعنْصرُ ا ً يف بنا ِء هذا ٍ جودي. الق ْول ِم ْن بَينْ َعناصرِ َ َعدي َدة دالّ ٍة عىل امل ُك ِّونِ ال ُو ّ الخطاب ِ الواص ِف ل َدى ُمك ِّو ٌن ت ََسل ََّل ِم َن القصي َد ِة إىل ِ ال ّنقا ِد الق َد َماء ،الذين ت َ َو َّسلوا ،يف ما بَ ْعدَ ،مبف ُه ٍ ومات السكَنِ بغايَ ِة ف ْهمِ الشِّ ْعر وت َأويلِه. ُم ْستَ َم َّد ٍة ِم َن َّ َصيب لِ َمعانٍ تمَ َُّس وبال ُج ْملة ،فإ َّن بَيْ َت عنرتة خ َّزا ٌن خ ٌ قضايا إشكاليَّة؛ تأيت يف ُمق ِّد َم ِتها إشكاليّة الكتابةُّ . فدال «الترَّ َدُّم» ُم ْنطَوٍ ،كام ت َق َّد َم مع شرُ ُ و ِح القدماء ،عىل معاين اإلل َْصاق والتَّل ِفيق والتَّلبيق وال َّرت ْق ،التي يَتَ َعينَّ ُ ف ْه ُمها عىل
هود القصيد ُة ت َ ْب َدأ ِم ْ ن َم ْج ٍ امر ُؤ القيس َ ض َّمن َ ُه خاص، كان ْ َ ّ األمر بال ُوقوفَ .م ْجهو ٌد في ْ الء الزَّمان يَت َ َو َّج ُه إلى ْ اس ِت ْج ِ والمكان في آن
أي نُزو ٍع يف ْاس ِت ْسهالِها .فهي دالّة عىل نَ ْح ٍو إيجا ّيب إلبْعا ِد ِّ لت عن بَ ْع ِضها وتَ َخل ّْت َع ْن ن َْس ِج َوشَ ائِ َج بينْ َ أجزاء انْف ََص ْ السابقة .وال َّن ْس ُج ،كام هو َم ْعلو ٌم ،يَقتَيض َحذفاً عالقاتِها َّ فق تَ َوهُّمٍ ذايتّ. وخلْطاً َجديدا ً وت َ ْركيباً وإعادَة َص ْوغٍَ ،و َ ِ أليْ َست هذ ِه اآللياتُ َ ،متَى ف ِه ْمناها يف سياق البناء النَّصيّ ّ ، كل ِف ْعلٍ كِتا ٍّيب؟ هي ما يُ َح ِّد ُد َّ الغائب يف املَطْلع ،الذي يَن َبغيِ ،ختاماً ،أالَّ نَ ْنسىَ ال َّد َّال َ دال «الترَّ َدُّم»ِ . زا َح َم ،يف ال ِّر ِ نقص ُد َّ واياتَّ ، دال «الترَّ َنُّم»، «ص ْوتٌ الذي َو َر َد يف روايَ ٍة أخرى لِبَيْ ِت عنرتة .فالترَّ َنُّ ُم َ ِ َخ ِف ٌّي ،ت ُ َر ِّج ُع ُه بَيْ َن َك وبَينْ َ ن ِ َفسك»َ .ص ْوتٌ حاضرِ ٌ غائ ٌب، يتقاطَ ُعِ ،م ْن حيث امل َعنىَ ،م َع األثر .إنَّ ُه َص ْوتٌ غا ِم ٌض يأيت ِم ْن منظق ٍة بَعي َد ٍة يف الذات .فيها يَترَ َا َج ُع ال َج ْم ِع ُّي لِ َينفلِ َت الخاص ال َخ ِف ّي ُّ الرسومات :الفنان السوري أبو صبحي التيناوي (القرن التاسع عرش)
issue (7)- December - 2012
143
ديوان العرب
لبيد بن ربيعة
اح ٍد ِل َ سانَان في ن َ ٍّ ص َو ِ
لبيد بن ربيعة واحد من الشعراء الذين وجدنا أسماءهم في أعلى هرم الشعر العربي ،وتركوا لنا سيرة حافلة شغلت أهل الشعر واألدب، وهذه إضاءة على حياة بن ربيعة وشعره
صــالح بوســريف
في
الباب الخمسني من كتاب الحامسة، قيل يف اختالف الَّليل وال َّنها ِر «فيام َ َ اآلجال» ،اختار البُحرتي والشُّ هو ِر واأل ْحوا ِل وتقريبهم ري ،هذه األبيات ،وهي من لِلَبيد بن ربيعة العا ِم ّ (الكامل): َغل ََب ال َّزما ُن وكُ ْن ُت َغيرْ َ ُم َغل ٍَّب ِيــل دَائِــ ٌم َم ْمـــــدُو ُد َد ْهـــ ٌر طَو ٌ يَــ ْو ٌم إذا يَأْتِــــي َعليََّ َولَيْلَــــ ٌة َوكِال ُهمــا بَ ْعــ َد املَضَ ــا ِء يَ ُعــو ُد َو أَرا ُه يَأتيِ ِمث َْـل يَـ ْومِ َرأَيْتُـــ ُه ْت َو ْه َو شَ ِـدي ُد ملْ يَ ْنتَ ِق ْص َوضَ ُعف ُ
144
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
عدد األبيات يف الديوان ،خمسة عرش بيتاً ،فيها َذكَ َر لبيد طول عمره ،وما أَ َح َّسه من سأم الحياة. يف القصيدة يستعي ُد لبيد ما كان عليه من شجاعة و ُمرو َءة ،وما َح ِظ َي به من مكانة ،يف قبيلته ،ويف غريها من القبائل التي كانت يف مواجهة مع قبيلته ،مبا فيها مكانته عند بعض ملوك زمانه .فهو بقدر ما فخر بقيم الفروسية والنبالة ،بقدر ما كان ينعي نفسه للزمن الذي ال ميوت فاتك ُم ِ وال يَبْلىَ ،وهو زم ٌن قاه ٌر ٌ وح ٌشَ « ،ع َّرا ُر».
شاعر معمر
ولبيد من الشعراء امل ُ َع َّمرِين ،وهو شاعر عاش ماقبل اإلسالم ،وشَ ِه َد ال َّد ْع َوةَ ،كام شهد انتشار الدين الجديد،
لبيد بن ربيعة
مثة يف القصيدة ،رغم ما يبدو فيها من ْاس ِت ْسالمٍ لِ َسطْ َو ِة وكان بني من دخَلوا فيه .يقال إ ّن وفاته كانت يف أول ِ ِ خالفة معاوية ،ما يعني أنه مات وهو اب ُن مائة وخمسني ال َّز َمنِ وقَ ْه ِرهِ ،فَ ْخ ٌر بال َعيْش امل َديد الطويل ،وهو فخر ُمبَطَّ ٌن كا ِم ٌنَ ،ع ِمل الشاعر عىل ث َ ْو ِريَ ِت ِه ،بدليل بداية البيت األول سنة ،كام جاء يف أكرث من مصدر قديم. من األبيات املختارة بالفعل « َغلَب» ،وهو ما ييش بال ِعراك، وقد ذهبت بعض الروايات إىل أنه مل يقل يف اإلسالم إالّ بامل ُقارعة وامل ُواجهة ،أو بوضع الحرب والقتال. بيتاً واحدا ًُ ،م ْستَعيضاً عن الشِّ عر بالقرآنِ ،بدليل جوابه فالشاعر كان املنتصرِ َ الغالِ َب ،وكان ،يف تقدير نفسه ،أنه ال لعمر بن الخطاب ،حني طلب منه ان يُ ْن ِش َده شعرا ً« ،ما كنت َ يُ ْغلَب ،وال يُ ْه َزم ،مبا فيه من جسارة ،و ُج ْرأة .فام اكْتَشَ فَه يف ألقول شعرا ً بع َد إ ْذ علَّمني الله سورة البقرة وآل ُ ٍ ِ ٍ ٍ الزمان من ا ْمت َداد واستطالة وأبَد و ُخلُود ،نَبَّ َه ُه إىل أن ُع ُم َر عمران. اإلنسان ،مهام ْاستَ َ طال ،كام سيخلص إىل هذا كل الشُّ عراء، ما يف حيا ِة لبيد ،عىل طُولِ َها ،وما عاشَ ُه من أحداث وانقالب يف امل ُ ْعتَ َق َد ِ ات ،ويف من زمن لبيد ،ومن غري زمنه ،فهو ناف ٌذ ُم ْنق ٍَض ،وال يقبل ووقائع ،وما شَ ِه َد ُه من انْ ِتقَا ٍل، ٍ االس ِتزادَة .ما دفع متيم بن مقبل يف متَ ِّني ِه ال َعبَ ِثي! أن يرى يف ال ِقيَمِ ،وانتقال امل ُجتمع ،من وضع القبيلة إىل وضع التَّ َو ُّحد ْ واالختالط ،كان كافياً ليضع الشَّ ا ِع َر يف مواجهة ال َّز َمن .فهو املوت إفْسادا ً لطيب العيش ،أل ّن اإلنسان ليس َح َجرا ً ،فهو «من ُعو ِده» يف مواجهة الزمن له « َو ٍ اف َمثْلُو ُم». يف تأَ ُّملِه لِماَ جرى من حولهَ ،وضَ َع يَ َدهُ عىل َمكْر الزمان واستبداده بالبقاء والخُلود ،دون اإلنسان ،الذي هو ،يف اعتبار الزمن وصريورتهَ ،م ْحض ري ٍح عابر ٍة. ماء النص فمن صفات اإلنسان ،يف مواجهة الزمان ،ال ِبلىَ ،والضّ عف ،يف اختيار البحرتي ،يبدو الجانب املوضوعايت هو ُم َو ِّجه واالن ِْحدار .ما يُ ْفضيِ َ ،مهْماَ ط ََال عمر هذا اإلنسان ،إىل ذهب إىل املعاين ،تابعاً يف ذلك ما كان االختيار ،فهو َ التاليش والهالك .فأين هي األمم التي كانت قبل لبيد فعلَه قبله أستاذه أبومتام .فاملوضوع أو املعنى هو أساس ِ وغريه ممن ُهم يف زمنه؟ أين إرم وعاد ،وأين مثود؟ االختيار ،لكن البحرتي ،رغم طابعه امل ُحافظ ،قياساً بأيب ٍ بيت لِلَبِيد ،سوى اعرت ٍ ليس السؤال يف ٍ وتأكيد متامَ ،ذ َه َب لِ ِش ْع ِريَ ِة ما ا ْختَا َرهُ من ٍ اف بال ِّنهاي ِة، أبيات .والذين يعرفون لها من موقع إميانيٍِّ ،ينسجم ما طبيعة الرؤية الدينية التي شعر البحرتي ،يُدركون أنّه كان يَ ْحر ُِص عىل َسلاَ َس ِة لُ َغ ِت ِه، هو ِ داخ ٌل فيها. ور َهافَ ِتها ،أي عىل ما يختاره من عبارت تَر ُِّق يف اللسان. تبدأالقصيد ُة بالتَّ ْسليمِ بالقَضاء« ،قُضيِ َ األُ ُمور وأُنْ ِج َز نفسه الذي نجده يف فالبُ ْعد الشفاهي يف شعره ،هو ُ ّ امل ْو ُعودُ» .فالتسليم سابق يف القصيدة عىل االستذكار مختاراته .ويف األبيات التي اختارهاَ ،حر َِص عىل «ما ِء» النص واالسرتجاع ،واستعادة املايض .فكأن لبيد ،يف ما َذكَره عن وعىل ُس ُيولَ ِته و« َر َوائِ ِه» ،بتعبري القدماء. نفسه ،كان يكتب بعض سريته ،باقتصاره فيها عىل ما كان ووضوح العبارة ،يف أبيات لبيد ،وقرب املعاين ،ال ت َ ْبعي َد له من مزايا ،وما َسيَترْ ُكُه يف ِذ َّمة غريه ممن سيلُونَه. وال «ت َ َق ُّع َر» ،هي بني ما أكَّ َد عليه املرزوقي يف انتصاره لـ ِ فهو ،يف لحظة ما ،يَتَ َو َّج ُه بالخطاب البنته بُرسة ،التي «عمود الشِّ عر» ،الذي كان البحرتي مثَالَه ،بعكس أيب متام، عنده، ناداها بصيغة الترَّ ْخيمِ «بُسرْ ُ » ،للداللة عىل مكانتها ْ الذي «فارق» العمود ،و «انْفَردَ» بـ « َمذ َه ٍب» يف الشعر، ل ُيثْب َِت لها براءة ِذ َّم ِته ،ليس بإزائها ،بل بإزاء الزمن الذي هو غري مذهب العرب ،هذا ما سيجعل من اسرتاتيجيات استطال عليه ،وبلغ به َ «أرذل العمر» ،ال أردأَه ،وفق اختيار البحرتي ،مثاالً لِام يكت ُبه ،ويقوله من ِش ْعرٍ ،وهذا ما أصرْ َا ِرهِ عىل ر َجا َح ِة ُعو ِده وفكره. ميكن تَلَ ُّم ُسه يف قصيدة لبيد بن ربيعة هذه ،فهي بقدر ما ِ ِ ِ ِ فلبيد عاش كرمياً ،عظيامً يف قومه ،مل يُ َهن يف ع ْرضه ،وال ت ُ َعبرِّ موضُ وعاً وفك َر ًة عن لبيد بن ربيعة ،فهي تُعبرِّ ش ْعرِياً وفارسها ،ما كان يكفي عن البحرتي .لِ َسانَانِ يف ن ٍَّص ِ واحدٍ يف شجاعتة ،ألنه كان شاع َر القبيلة َ الواح َد ،يف زمنه ذاك ،أن يكون «بريئاً من ال َه َنات َسعي ُد». issue (7)- December - 2012
145
ديوان النبط
أحمد الزرعوين محد معك شـ الـذي ربّـع أحاسيـــــسك ف كوين؟ اسأل التفكري وش ســــ ّوى بـجفوين دام ودك تستـمر وح��دك بـدوين ج ّمد اسلوبـك أحاســيســي وشـجــوين شــاعـ ٍر والكـبت فـتّق لك سكـــونــي ت��دري ليش الناس ح��ويل وطوقون ألن مـا قـد شـفـت قــدر الخلق دوين رغـم هـذا الفـرق مـا ب ّدلـت لـونـــي مشـكلـتْك أ ْن حـبك لنــفسـك جنــوين كنت طريي ورصت بتفارق غصوين راح تذكر بسمـة شفاي و عيونـي وراح تلقــى ناس غيــرك يعــشقـوين
146
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أســألـك بـالله شــ اللـــي ربّـــعــــك ؟ مو مـهـم باليل جـرايل أقــنــعــــــك ابتعـد مســموح ..روح الله معـك مايل خلق أودع��ك أو أمـــنــعــــك يلـهـب احساسك ..ويصـدم مسمعك ونفـس ذوال النـاس فجـأه تقـاطعــك؟ وانـت مـن نفسيـّـتــك مـا تبلـــــعــك أو أفـكــّـر مـن علــــ ّو أطـــالعـــــك تحسب ان الخلق رهــن إلصــبعك شفت عـمرك غـصـن مـ ّره يتبعـك ؟ وراح تبكـي د ّم يجـــرح مدمـــعك وانت مستغرب بأن :مـــ ّحد معــك
سعيد بن طميشان علبه االلوان تغيرّ الوضْ ع ..ما هو ِمثل ما تْحيِده كنت أكتب اليل أريده و ا ْنشرِ ه ِسيده أوصل آخر أمل ..و ا ْسعى لـ تجديده كنت َ أكتب عن الحزن و ا ْنت تقول ( :ما ا ْريده ) كنت البعيد و ح��دود آم��ايل بْعيده و الحني خَذت الفراق و خذين ب ْـ إيده ما يش م ِثل حظّنا تقهر مواعيده فضّ لتك بعيد دام الوصل ما يعيده يا اليل رسمتك بـ حلم أصبحت ما ا ْجيده تم البياض ال��ذي حاولت تسويده لكن من يع ْرف ٍمثلك غصب بـ يْزيده وش حبّب القلب فيك ؟ و يف يدك ..قيده ! وش ط ّهرك و ا ْنت ذنبي ؟ غري تجريده .. وش ج ّملك لني صرِ ت أحيك بـ تنهيده ؟ ألقى لْـ جاملك مكان يْجوز تفنيده ال تلومني لو قصيدي خف ترديده يحرجني الحزن ..كيف أقدر عىل كَيده ؟ و الشا ِعر أقىص ا ْحتياجه ُملهم يفيده أدرِسك و البعض يدرسني بـ تقليده و ا ْن ع ّود الحال ..و الوضع اليل تحيده
غديت أخاف أكتب اليل م ْنه تِـقراين كنت أه��رِب ْم��ن التشتّت ي��وم ميالين و ا ْلقى مساحة ْ فرح يف زحمة ْ أحزاين و ا ْق��ول :هذا هو آخر بيت وجداين مو ِقن بـ فرقاك بس الشك يحداين ي��ا لـيته ل��ـ ويـن م��ا و ّداك وداّن��ـ��ي ق�� ّرب��ك م��ن داري و ال زل��ت وح��داين إال سبب واح��د و م��ا ل��ه سبب ثاين من قبل أل ّونك ضاعت علبة ْ ألواين عل و عىس عن طريق الحب ينهاين ْم��ـ��ن املـحبة و ال بيـكون متواين غري أنّك أط َهر من تقيّد بـ أشجاين !.. من كل اآلثام ..يا ا ْجمل ذنب غطّاين ىل م��ن ملست ال��ج�مال ال�لي ت��ب�لاّين ! و ا ْن جيت أش ّبه عليه ..يجوز ما ا ْلقاين بعض الكتابات صعب تقال بـ لساين ك��ي��ف آت���ع��� ّداه دام����ه م��ا ت��ع�� ّداين وص��اين ي��ا خ�ير ُملهم ع�لى ا ْإلب����داع ّ يف وق��ت م��ا ع��اد ب��ه ت��دري��س م ّجاين بهـْـدا ..و بكـتب لك اليل م ْنه تقراين
issue (7)- December - 2012
147
ديوان النبط
هشام بن ابراهيم ثمان شهور ق��د يل مث��ان شهور وان��ا أح�تري بك شفني ع�لى ك�ثر ال��ت��ول��ـّ��ه غريبك ذقتك وال عي ّــا الغرام ايهذي بك مت�شي ع�لى ص��در ال���وداد وحبيبك وات��ذوب يف عوقي دوا وانتيش بك ق�لي اذا ض���اع ال��ه��وا م��ن يثيبك م��ا ي��س��أل اال م��ن ي���روح ويجيبك ح��ت��ى ال��ح��ن��اي��ا ت��ول��ه وت��خ��ت�لي بك ت��دري ع�لى ق��ل ال��وص��ل م��ا أسيبك تذكر من اول سالفه عن نصيبك واين مشيتك ل�ين جيت ابتديبك وان���ك ت��رش��ف��ت ال���غ���رام ولهيبك واين اح��ب��ك وان��ط��رك وانتخي بك مشتاق اضمك وانظرك واهتني بك حتى اذا ن��ام ال��ول��ه م��ن مغيبك يكفي مث��ان شهور وان��ا اح�تري بك
148
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
ال م��ل ش��وق��ي قلت ل��ه ب��اك��ر تهون أح��ن لك واش��ت��اق وان كنت مرهون يسامرك ليل الظام وي��ن م��ا اتكون وي��ح��ر ص���دري م��ن م�لام��اك وامت��ون فرعون شوقي لكن الشوف يل عون غري ان قلبي عايش الحب ويصون مي�شي وال تقوى الخطاوي وميشون قلبي ي��س��ول��ف وامل��ش��اع��ر يغنون طيفك ي���زاورين دف��ا وش��وق وشجون ش�لي جمع يف الحب ليىل ومجنون نبت لك عمري وص��ل ورد وغصون يف غيبتي م��ا ذق��ت ل���ذات لجفون قضيت عمري من قبل وصلك سجون وات��رك لك احضاين جفن دمع وعيون خله ي��ن��ام ولح ّــفه غيم وام���زون يهون شوقي لكن الشوف ما يهون
عبدالرحمن املرييس الـــحـــاجـــه فصلت جلباب من باب كتم الضيق ّ تجربين الحاجه عىل كتم االتعاب حتى لقصيدي عني ورموش واهداب شعري جروح وظاهر الصدر ترحاب مثل ال��ذي يخفي بياضه ليا شاب يا كرث ما عندي من وجوه واصحاب ٍ وصف أو معاذير واسباب من دون ويا كرث ما تلقى من الناس أحباب جيت اسالك لو رصت عاشق ومنصاب وشلون تنىس وداخلك جرح ما طاب الحزن عمره ما عرف طرقة الباب قريب جاب لك ضيق واتعاب كم من ٍ
واظ��ه��رت��ن��ي ل��ل��ن��اس ش��اع��ر ِ ب��ح�� ّرف��ه وك���ل ع�لى ال��ح��اج��ات واق���ف بصفّه ٍّ يخفي دم��وع ال��وق��ت ويغض طرفه ما ي��دروا ان الشعر مخنوق َح ّرفه ي��ظ��ه��ر ش��ب��اب��ه واب��ت��س��ام��ه بشفّه ك�ثرت وجيه وم��ا ٍ ح��د شفت عطفه صعب عىل الناس وصفه الجرح يب ٍ وأح�لى اللقا لو ج��اك يف ي��وم صدفه وال��ج��رح االول داخ��ل��ك زاد رجفه وال��وق��ت مي�ضي والعمر ض��اع نصفه وال��دم��ع مبطي م��ا ع��رف ي��وم رأف��ه غريب مد لك طيب كفّه وك��م من ٍ
issue (7)- December - 2012
149
ديوان النبط
طارق الشحي القشه اللي كاسره ظهر البعير مـا لـوم قلبـي يوم يعلـن عـن خطــر ما كـل صايـم عنـد أذانـه قــد فـطــر أفتيت يف صومي و فطري ع العطر مــدري تـغـلـي أو كـبــر واال بـطـــر االرض تطلـب م السمـا قطــرة مطـر من شهــر خمسـه الحال بعده منفطر إذا بـغيـت القول بختصـره بــشـطــر تقرى عىل كيفك سطر ..ترتك سطر
و يلومني من شاف حايل هو خطيـر من شهرخمسة الصوم ظني ما يصري من طـرف ثوبـه مسـك بناتـه عبيــر علـي ما ادري كيف حايل وين أسيـر ْ ماظن يـروى من ظمى حاله عسـري الهـــم حاكــم والوزى عنـده وزيـــر الحي مـا هـوحـي مـع موت الضميـر «هالقشة اليل كاســــرة ظهــر البعيــر» اختار القصائد :محمد البريكي
الرسومات :الفنان اإلمارايت عبد الرحيم سامل 150
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
أدب البدو
أدب البدو في كتابات الرحالة والمستشرقين
األلمان يشدون الرحال سعد العبد هللا الصويان
2
تنشر "بيت الشعر" في هذه المساحة الحلقة الثانية من أدب البدو في كتابات المستشرقين بعنوان " األلمان يشدون الرحال" ،بعد أن نشرت في العدد السابق الحلقة األولى بعنوان "بدايات التدوين
الشفوي" وستنشر في األعداد القادمة الفصول الجديدة التي تتحدث حول موضوع البدو وأدبهم
issue (7)- December - 2012
151
أدب البدو
على
إثر أوغست والني يأيت قنصل بروسيا يف مكتبة جوتا مجموعة خطية من القصائد التي جلبها من رشق األردن ،وخصوصا من منطقة السلط والبلقاء «أملانيا الغربية» يف دمشق يوهان حيث تلتقي البادية مع الحارضة ويرتعرع فن الشعر. جوتفريد فيتشتاين Johann Gottfried Wetzstein وكان سيتزين يجيد التحدث بالعربية لكنه مل يكن متمكنا الذي جمع بعض املخطوطات الشعرية مبا فيها نصا من القراءة والكتابة بها لذا مل تكن تتوفر لديه الكفاءة نرثيا جمعه عام ١٨٦٠م ونرشه عام ١٨٦٨م تحت لنرش القصائد التي جمعها وال دراستها .وقد اطلع الربت عنوان «مالمح لغوية من مضارب البادية السورية» سوسني Albert Socinعىل هذه املخطوطة وقال عنها Sprachliches aus den Zeltlagern der syrischen إنها كتبت بعدة خطوط وأنها سيئة جدا وال تتضمن أي .Wusteيبدأ فيتشتاين مقالته بالحديث عن والني واإلشادة بجهوده مع إبداء بعض املالحظات عليها والتي قصائد من نجد .كام يزعم سوسني الذي زار الشام وبالد الرافدين بأنه ال يوجد رواة جيدون يف مناطق البلقاء ميكن تلخصيها كام ييل: وحوران. ما نرشه والني ال ميثل إال جزءا ضئيال من املادة الشعرية املخطوطة التي ج ّمعها أثناء إقامته يف معان وتيام وحائل بعد هذه املقدمة يبدأ فيتشتاين بالحديث عن القطعة النرثية «السالفة» التي دونها يف مضارب قبيلة ولد عيل ودومة الجندل ومشهد عيل وعاد بها إىل أوروبا «ترى أين هذه املخطوطات؟» .وكانت إقامة والني يف حائل بعد من عنزة ويف بيت عقيدهم صالح الطيار ،حفيد كنعان الطيار ،من عجوز رشاري كان يحل ويرحل مع هذه الحروب التي جرت بني حائل والقصيم والتي قيل فيها القبيلة منذ ثالثني عاما .يروي فيتشتاين إنه يف أواخر قصائد كثرية جمع والني بعضا منها .ويرى فيتشتاين أن صيف ١٨٦٠م جفت الغدران القريبة من دمشق بسبب تلك الفرتة التي استتب فيها األمر البن رشيد يف حائل، قلة نزول األمطار وتحولت يف نهاية سبتمرب إىل مراتع وخصوصا بعد انتصاراته عىل أهل القصيم «القصامن» خصبة .وكانت تلك السنة سنة عجفاء بالنسبة للبادية التي ألهبت حامس الشعراء ،ازدهر الشعر كثريا يف نفق فيها معظم حاللهم مام حدا بهم للقدوم من جبل طي وبشكل ليس له مثيل .كام يؤكد أن النامذج بعيد وقريب إىل ذلك املوقع الذي امتأل يف شهر أكتوبر الشعرية التي نرشها والني ليست ذات قيمة فنية كبرية باملخيامت واملوايش من مختلف القبائل التي جاءت لرتتع ومن املشكوك فيه أنه كان يفهمها فهام جيدا .ويرجح يف مراعيه .وعىل الرغم من أن فيتشتاين أن عدم نرش والني تلك القبائل كانت يف نزاع مستمر للقصائد األخرى هو أنه جمعها مع بعضها البعض ولسنني طويلة عىل شكل مخطوطات عارية من والين إقامة كانت إال أنها اضطرت يف تلك السنة إىل الرشوح والتعليقات لذلك فهو ال التصالح والتعايش لتتمكن من يفهمها وال يستطيع التعامل معها. في حائل بعد الحروب الرعي يف أحواض تلك الغدران ومع ذلك يعرتف فيتشتاين لوالني التي جرت بين حائل التي تحولت إىل حقول خرضاء برشف الريادة ويقر بأن النامذج قيل والتي والقصيم «هذا يذكرنا بفيضة األديان التي نرشها هي أول معلومات فيها قصائد كثيرة جمع التي قطنت عليها قبائل شمر لغوية يتلقاها الغرب من الصحراء وعنزة والظفري وفيها متكن ماجد العربية .إال أنه يشري إىل أن منها بعضا والين الحرثيب من األخذ بثأره من مفوز الدكتور بريتش W Pertschأمني التجغيف» .ويضيف فيتشتاين مكتبة جوتا Gothaذكر له أن أن الفضول حدا به إىل الذهاب فون سيتزين von Seetzenأودع
152
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
هناك ملشاهدة ذلك التجمع القبيل الضخم الذي شكل مشهدا عجيبا ملفتا للنظر ومثريا للدهشة .ويف الثامن والعرشين من أكتوبر خرج من دمشق إىل ح ّران ويف التاسع والعرشين منه نزل ضيفا عىل صالح الطيار يف خيمته ،حيث كان أوالد عيل ضاربني خيامهم يف بحرية عتيبة «اسم املكان وليس القبيلة املعروفة» .وهناك التقى بالشيخ الرشاري الذي دون منه السالفة إضافة إىل سوالف وقصائد أخرى منها قصيدة كنعان الطيار وقصة عشقه لبنت ابن طواله .ويقول فيتشتاين إن شيخة أوالد عيل يف بيت ابن سمري بينام تحتفظ عائلة الطيار مبركز ال ْعـقاده ،أي قيادة القبيلة يف الحروب .كام يضيف أن قبيلة الرشارات آنذاك تنترش من تبوك إىل الجوف .لكن جدب منطقتهم ال تسمح لهم بحياة رغيدة لذا يضطر الكثري من رجالهم إىل ترك منطقتهم وقبيلتهم للعيش مع قبائل عنزة والبلقاء وحوران الذين يقدرونهم ويحرتمونهم لشجاعتهم ومهارتهم يف استخدام السالح وإجادتهم الشعر والسوالف ،أي رسد الحكايات والقصص .كام
يتميزون بخفة الروح والظرف وطيب املعرش يف السفر. ينرش فيتشتاين السالفة التي تقع يف سبعة عرش صفحة مكتوبة باألبجدية العربية ويتبع ذلك برتجمة أملانية وتعليقات لغوية وإثنولوجية لكنه ال يكتبها باألبجدية الصوتية. والسالفة التي دونها فيتشتاين من الرشاري ليست قصة واقعية .لكن لغتها بدوية كام أنها مليئة بالعبارات الجميلة والصور الشاعرية التي تعكس حياة البدو وذوقهم .ملخص السالفة أن شمريا وخالديا جار عليهام الزمان وتنكر لهام األهل واألصحاب مام اضطرهام إىل الجالء عن قبيلته .وحينام ذهب الخالدي يرتاد مكانا ألهله تقابل يف أحد الرياض املعشبة مع الشمري الذي كان هناك لنفس الغرض .وبعد أن عرف كل منهام مأساة اآلخر اتفقا عىل الجوار والنزول معا يف تلك الروضة الخصبة .ومل يكن للشمري من األوالد إال بنتا اسمها حمدة أما الخالدي فله ابن واحد اسمه هباس .ولرغبة الخالدي يف مجاورة الشمري كذب عليه وقال له إنه مثله issue (7)- December - 2012
153
أدب البدو
ليس له إال بنتا اسمها حمدة أيضا ،ألنه خاف لو علِـم الشمري بأن عنده ولدا ملا قبل مجاورته خوفا عىل بنته. وأمر الخالدي ابنه هباس أن يتزيا بزي البنات ويترصف مع حمدة كام لو كان فتاة مثلها .لكن الحقيقة دوما ال بد وأن تظهر .فقد صادف ذات يوم أن أغار قوم من الغزاة عىل إبل الشمري والخالدي ونهبوها .وملا عجز األبوان عن اسرتداد اإلبل اضطر هباس إىل أن يأخذ سالحه ويركب الفرس ويسرتد اإلبل .وملا علم الشمري بحقيقة األمر غاضب جاره الخالدي ورحل عنه .لكن الحب كان قد متكن من قلب حمدة وهباس وصار كل منهام يحن إىل اآلخر ويتحرق لرؤياه .وبعد مغامرات عديدة ومعاناة طويله تتحقق اآلمال ويلتئم الشمل ويقرتن هباس بحمدة. ويف العقد الثامن من القرن التاسع عرش كان الربت سوسني Albert Socinيتجول يف الشام وبالد الرافدين ويقوم بجمع الشعر من البلقا وحوران ودمشق وحلب وبغداد وسوق الشيوخ ،وحتى من ماردين عىل الحدود السورية الرتكية .ونرش حصيلته الضخمة عام 1900م والتي هي مبثابة أول ديوان يطبع يف الشعر النبطي مع ترجامت ودراسات لغوية واثنولوجية مفصلة ويقع الكتاب يف حوايل مثامنائة صفحة ويتضمن مائة وإثنا عرش قصيدة .قابل سوسني يف طريقه من دمشق إىل بغداد حملة من تجار العقيالت الذين أرشدوه يف بغداد إىل مهاجر من أهايل بريدة اسمه محمد ويلقب باألفندي ألنه يجيد القراءة والكتابة .وأمىل محمد عىل سوسني الكثري من القصائد التي كان يحفظها عن ظهر قلب. وقابل سوسني شخصا من مدينة عنيزة اسمه مسفر كتب عنه بعض القصائد لكن روايته مل تكن بجودة رواية محمد .ومحمد الحساوي من األحساء هو الراوية الثالث الذي قابله سوسني يف سوق الشيوخ ووصفه بالغباء وعدم الفهم لكنه اكتتب منه بعض القصائد واشرتى منه ديوانا مخطوطا يحتوي عىل الكثري من القصائد .ويف ماردين جمع سوسني بعض النصوص الركيكة من فالح قال له إنه من قبيلة طي .ويقول سوسني إنه رأى الكثري من مخطوطات الشعر النبطي ،من ضمنها ديوان منر بن
154
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
ألويس موسيل
عدوان. يف عام 1908م بدأ أالويس موزيل Alois Musilرحالته االستكشافية يف شامل الجزيرة العربية .وأمىض بعض الوقت يحل ويرحل مع قبيلة الرولة تحت حامية الشيخ نوري بن شعالن وتسمى باسم موىس الروييل .وموزيل تشيكوسلوفايك األصل شغل منصب أستاذ الدراسات الرشقية يف جامعة تشارلز يف براغ .ونرش نتائج أبحاثه يف سلسلة من الكتب باللغة األملانية التي ترجمت فيام بعد إىل اإلنجليزية ،ومن أهمها كتابه عن قبيلة الرولة الذي نرش باإلنجليزية عام 1928م .ويحتوي هذا الكتاب عىل كم وافر من السوالف والقصائد واألحديات ويزخر باملعلومات الرثية عن حياة البدو .ومن الذين استعان بهم موزيل يف الحصول عىل مادة كتابه الشيخ النوري بن شعالن وكاتبه جواد ابو عيل العاين وعبده حامر ابو عواد وكذلك عوده ابو بركان الكويكبي ومنديل القطعي ومحمد القضيب وعبدالله املطرود وكلهم من الرولة، باإلضافة إىل بليهان بن ابراهيم بن داغر بن رضي بن مرصب من القمصة من السبعة( .ومنديل القطعي الذي
ذكره موزيل يرد إسمه يف السوالف التي جمعتها أنا من واثنوغرافية وأدبية ومعلومات أخرى تلقي بعض الضوء رواة شمر خالل الفرتة 1405-1403هـ) .واآلن أصبح عىل حياة البادية .استقى هس مادته مشافهة من اثنني كتاب الرولة متاحا لقراء العربية بفضل الرتجمة التي من البدو الذين التقى بهام يف القاهرة أحدهام عتيبي من أعدها الدكتوران محمد السديس وعبدالله الزيدان اسمه موهق بن عايض بن عجاج الغنامي واآلخر قحطاين جامعة امللك سعود .ورغم نفاسة هذا العمل فإنه ال يخلو اسمه مسفر .وميتدح هس موهق ويشيد بفصاحته من بعض الهنات التي نبه لها املرتجامن يف تعليقاتهام وبراعته يف الرسد والرواية وقدرته عىل توصيل املعلومات عىل الرتجمة. وتفسريها ،ويقول إنه أمىض معه قرابة خمس سنوات يف ومنذ بداية القرن العرشين استحوذت قبيلة الرولة القاهرة تعلم منه خاللها كل ما يعرفه عن لهجة عتيبة مطولة عىل اهتامم الرحالة األجانب فكتبوا عنها كتبا وعاداتها وتقاليدها .عمل موهق مع محمد البسام ،الذي ومفصلة منها باإلضافة إىل كتاب موزيل كتاب نرشه كارل يعد من أكرب تجار عقيل ،يف جلب اإلبل إىل مرص والشام. رسوان Carl Raswanسنة 1935م تحت عنوان The وخالل عمله مع ابن بسام تردد موهق عىل القاهرة Black Tents of Arabiaوهو مزود بالصور املعربة وعرفها جيدا .وخالل الحرب العاملية األوىل عمل جنديا منها صورة للشيخ النوري ابن شعالن وحفيده فواز بن يف جيش الرشيف حسني .وبعد فتح الحجاز واشتداد نواف وصور أخرى عن حياة الرولة يف حلهم وترحالهم وطأة اإلخوان فضل موهق االنتقال إىل مرص عام 1930م ويف حاالت السلم والحرب .ويف عام 1981م نرش ويليام واإلقامة هناك حيث عمل خفريا يف عزبة عزيز عزة باشا. النكاسرت William Lancasterكتابا بعنوان The Rwalaومن املؤسف أن القصائد القليلة التي يتضمنها كتاب Bedouin Todayوهو دراسة أنرثوبولوجية لقبيلة الرولة هس ترد بالرتجمة األملانية دون األصل العريب. وما طرأ عليها من تغريات يف وقتنا الحارض. ومن النامذج الضعيفة فنيا تلك السوالف والقصائد J. J. Hess هس ويف عام 1938م نرش املسترشق األملاين ج التي جمعها هـ .هـ .سبور H. H. Spoerمع زميله كتيبا يحتوي عىل حكايات وقصائد وعادات وتقاليد البدو إلياس نرصالله حداد من جنوب فلسطني ورشق األردن يف قلب الجزيرة العربية .يحتوي الكتاب عىل مواد لغوية واملنسوبة عىل حد قولهام لنمر بن عدوان .وتساؤلنا حول القيمة الفنية لهذه النامذج ال يضري الباحث يف يشء .والقيمة الفنية عىل كل حال ليست هي التي تحدد القيمة العلمية للامدة وال أهمية النتائج التي تتمخض عن دراستها ألن األساس الذي تقوم عليه فلسفة العلم في العقد الثامن من القرن هو أن أي يشء وكل يشء قابل للدراسة ،والهدف األسايس التاسع عشر تج ّول سوسين الذي يرمي إليه سبور وحداد هو هدف لغوي قبل أن يكون هدفا أدبيا أو فنيا ،والنتائج التي توصال إليها يف في الشام وبالد الرافدين هذا الصدد مهمة جدا .أما من حيث الدراسات األدبية وجمع الشعر ونشر حصيلته املقارنة فإن املادة التي جمعها هذان الباحثان تفيدنا يف عام ١٩٠٠م و هي بمثابة أول رصد التحوالت التي تطرأ عىل السوالف والقصائد شكال ومضمونا حينام تهاجر من موطنها األصيل إىل بيئة غريبة ديوان في الشعر النبطي عنها لغويا وثقافيا واألسباب التي تساهم يف تحول هذا األدب من مادة تاريخية إىل مادة أسطورية
issue (7)- December - 2012
155
الشعر الشعبي
الشعر «الملحون» في الجزائر
تراث روحي ووطني
لطالما اختصر ال ّدارسون موسيقى «الرّ اي» الجزائرية ،في ﺃسماء نجومها ،أمثال فضيلة ،صحراوي ،مامي،
والشاب خالد ،وتناسوا ﺃصولها ،وبداياتها ،التي ّ وقعتها مجموعة من الشعراء المحليين ،يطلق عليهم ﺇسم «شعراء الملحون»
عام
سعيد خطيبي
،1982برز ،ألول م ّرة ،نجم الشاب مامي» ،»1966بأداء اغنية «املرسم»، املستوحاة من قصيدة مط ّولة ،كتبها الشاعر «امليلود» عام ،1928جاء يف مطلعها« :يا ذا املـَرسـَ ْم عـِيد يل ما ْ بحديث كان ِ ..ويـن املَر ْو اَلل ّـي ق ْـبيل اهْ نا /ناديتـَك ْ لـَفظ الل ِّـ ْ سان ..بك ّـ ُـوش أبكم ما ت ْـواجب ْـنا /يا ذا املرسم زدت يل تـَ ْ شطان ..فيك أنا والـ ِّريم ج َّمع ْـنا/ من عهدك ما ريتـ ْـها بـَع ْـ ْ يان ..حـَ ْجروا ميينة الحبنانة / ناس أختي وال ْوا يل ع ْ َديان ُ ..و ْعىل تاج الغـِيد كـ ْرهونا /ما نـَعشق من دون ْـها نسوان ..غري كان اَنا عرشت الجب ّـانة». هي قصيدة تجمع بني الغزل ورثاء الحال ،لحنها وغ ّناها بالوي الهواري « ،»1926وﺃدرجها الشاب خالد يف ﺃلبومه ما قبل االخري «ليربيت_ .»2009 مل تكن موسيقى ال ّراي ،يف صبغتها الحديثة ،التي برزت مطلع السبعينيات «خصوصا مع املغنني قاسم بوثلجة
156
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
وبوطيبة الصغري» ،تعتمد يف بداياتها عىل فئة كتّاب الكلامت ،وظلّت ،حوايل عرشين سنة ،تستعيد ﺇرث شعراء امللحون ،الذين عانوا طويال من التّهميش ،واالهامل من طرف الجهات الراعية للفعل الثقايف يف البالد ،باعتبار شعرهم شعرا هجينا. يشري الباحث مصطفى بوتفنوشت ﺇىل ﺃن السنوات االوىل من االستقالل « »1962عرفت عودة قوية للمكونات الثقافية الشعبية يف الجزائر ،التي اصطدمت برسعة بتعنت وعدم مباالة السلطة الرسمية ،التي سعت اىل تهميش املوروث الشفوي إجامال ،والشعر «امللحون» خصوصا ،وتكريس اآلداب املكتوبة بالعربية الفصحى. وانتظر الشعر «امللحون» ،حوايل ثالثني سنة «اىل غاية بداية التسعينيات» ،ليجد موطئ قدم له بني األوساط األكادميية واإلعالمية ،ويعاد تصنيفه يف الخانة نفسها، جنبا اىل جنب مع الشعر الفصيح. يف السبعينيات والثامنينيات ،ويف ظل سياسة «تعريب»
الجزائر ،التي بدﺃها الرئيس هواري بومدين وواصلها الرئيس الشاذيل بن جديد ،كان بعض الباحثيني األكادمييني يصف الشعر «امللحون» بالشعر االرتجايل واملفتقد لوعي الكتابة .وكان الكتّاب يبدون حالة عدم استلطاف لهذا النوع الشعري ،كام نالحظه مثال يف مقدمة كتاب «الشعر امللحون يف الجزائر ،ﺇيقاعه وبحوره وﺃشكاله» / احمد الطاهر ،الجزائر .1975حيث نقرﺃ« :لست من محبذي ترقية اللهجات العربية العامية اىل مستوى لغات وطنية متعددة للبالد» ويضيف املؤلف« :اللّهجات العربيّة املحليّة يف الجزائر ميكن ﺃن تعترب كاملحكوم عليها باإلعدام يف حالة وقف التنفيذ» .حالة االعدام التي عبرّ عنها املتحدث مل تزد ﺃنصار ومحبي الشعر «امللحون» سوى اإلرصار عىل مواصلة الطريق ،والتأكيد عىل حضورهم، واملساهمة الحقا يف وضع بعض ﺃساسات تجربة «الراي». أهم النقاط املشرتكة بني شعراء «امللحون» ومغني الراي، تتمثل يف الصفات الحياتية ،باعتبارهم إجامال أبناء أوساط اجتامعية جد بسيطة ،إضافة اىل انتامئهم اىل الرقعة الجغرافية الواحدة ،وهي الغرب الجزائري ،ذو اللهجة املشرتكة ،حيث يستبدل الناس هناك حرف القاف بحرف «ڤ» ،مع تضمني كالمهم اقتباسات من اللغتني الفرنسية واالسبانية. تعترب كثري من املصادر التاريخية سيدي لخرض بخلوف،
السنوات االولى من االستقالل عرفت عودة قوية للمكونات الثقافية الشعبية في الجزائر، اصطدمت بتعنت وعدم مباالة السلطة الرسمية
الذي عاش خالل القرن السادس عرش ،بالقرب من مدينة مستغانم الساحلية ،مؤسس الشعر «امللحون» يف الجزائر .عاش بخلوف حياة متقلبة، تيه وصعلكة سنوات الشباب ،قبل أن يغري مساره اىل التصوف وكتابة أشعار يف مديح الرسول صىل الله عليه وسلم ،ويصري يف النهاية وليا صالحا يزور مقامه املريدون كل عام. عرفت عليه البطولة ،والروح النضالية ،خصوصا بعد مشاركته يف معركة مازغران الشهرية ،ضمن االسطول العثامين ،يف مواجهة اإلسبان ،عام ،1558 وهي معركة خلدها يف قصيدة مط ّولة ،تضمنت تفاصيل ما جرى .اىل جانب بخلوف ،يعترب مصطفى بن براهيم « ،»1867-1800من فحول الشعر «امللحون» باملغرب العريب إجامال ،حيث اشتهر بقصائد حامسية ،اقتبس منها الشاب خالد قصيدة «يامنة» التي نظمها الشاعر يف حب عشيقته التي تحمل االسم نفسه ،وجاء فيها« :هذا اليوم
سعيد مبارك /فيه وافيتك يا يامنة /يا تاج الخودات ﺃخبارك /املرض اليل بيك هلكنا /مايل طاقة عليك نشوفك /ونسقيس يف الناس خيالة».
واقتبس منه الراحل احمد وهبي « »1993-1921قصيدة «طويل الرقبة» التي يقول فيها« :يا طويل الرقبة فيك ريت العجب /محاينك صعيبة واثرت يف العرب» .شيخ آخر ترك بصمته عىل أغنية الراي هو عبد القادر الخالدي « »1964-1896الذي اشتهر بقصائده الغزلية ،وعالقته الرسية مع محبوبته «بختة» التي كتب فيها ما اليقل عن خمسني قصيدة مختلفة ،شكّلت إحداها واحدة من نجاحات الشاب خالد. إضافة اىل األسامء سابقة الذكر ،شعراء ﺁخرون تركوا ﺃثرا يف ﺃغنية الراي ،منهم الشيخ الجياليل عني تادلس، الهاشمي بسمري ،صاحب قصيدة «يب ضاق املور» ،بن مسايب ،صاحب القصيدة الشهرية «يالوشام» وهواري هناين صاحب قصيدة «ﺃصحاب البارود» ،التي كتبها ردا عىل احتفال فرنسا مبرور مائة عام من احتالل الجزائر « ،»1930وغناها عدد من نجوم الراي ،مثل الشاب خالد والزهوانية issue (7)- December - 2012
157
شعر وفلك
أحمد رامي
قـراءة فلكية ً اسيرا لحب امرأة واحدة ،سرقت قلبه يفسر لنا علم الفلك شفافية رامي ورقة مشاعره التي اوقعته وارتهنت مشاعره ،وجعلته يكتب فيها ولها عصارة فكره وحشاشة قلبه ووجدانه ،ومن اجل تلك المرأة رهن حياته وابداعه ،والرضائها تنازل حتى عن الشعر لصالح األغنية
ياسين الزبيدي
حمل
عام 1892والدة ثالثة من عاملقة املوسيقى والشعر ،ففي هذا العام ولد امللحن وعازف العود محمد القصبجي ،الذي تتلمذ عىل يديه محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ،كام شهد العام نفسه والدة سيد درويش باعث النهضة املوسيقية يف مرص وملحن نشيدها الوطني يف بدايات القرن املايض. بيد اننا لن نسري مع هوى التلحني والعزف ،بل مع وقع الشعر وزجليات االغنية ،سنذهب اىل حي السيدة زينب حيث ابرص النور الشاعر احمد رامي ،وذلك من اجل تزويد الحاسوب بزمان ومكان الوالدة لتتكفل خوارزمياته وبرمجياته الحديثة من رسم مالمح خارطة ميالد الشاعر أحمد رامي. خارطة امليالد هي رسم توضيحي دقيق لقبة السامء يف لحظة الوالدة ،ت ُـنشئها عمليات حاسوبية دقيقة ،من اجل ان تخربنا عن مواقع كواكب املجموعة الشمسية يف املكان والزمان املحددين ،حيث ان ملواقع الكواكب هذه اهمية كبرية يف علم الفلك الحديث يف جانبه النفيس،كونها ترشح الزوايا الناشئة بني الكواكب والجانب الخفي من االنسان ،وتطلعنا عىل الكثري من تفاصيله الفكرية والعاطفية التي قد يرتدد صاحبها عن الترصيح بها اوالحديث عنها. اذا سألنا كواكب رامي عنه ،وطلبنا منها ان ترصح عن ٍ بعض من جوانبه البعيده ،عن محبيه وجمهوره ،سنجد 158
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
ان للشمس التأثري االكرب يف خارطة امليالد ،والوزن االكرب فيزيائيا فهي اكرب من االرض مبليون مره .تخربنا الشمس ان رامي من مواليد برج االسد ،ففي التاسع من اغسطس عام 1892حل رامي ضيفا عىل كوكب االرض ،ومواليد هذه الفرتة من السنة ميتازون بالخلق الكريم وبدفئ املشاعر وذلك ما يجعل صحبتهم طيبة ورفقتهم مؤنسة. كام ميتاز موليد برج االسد بقلوبهم الكبرية ،فعندما يحبون فانهم يحبون بعمق ،وعندما يكرهون يترصفون بنبل وشهامة حتى مع من اساء اليهم اوآذاهم ،اال ان
فكر رامي يف ابتكار لغة جديدة تستطيع ان ترفع ذوق هناك خوفا فطريا يف دواخلهم .خوف عىل مشاعرهم مستوى راقٍ يتحسس فيه مشاعر الحب واحاسيسهم من ان متس ،فاكرث ما يخشونه هو ان يُرفضوا املستمع اىل ً النبيلة ،ويف تعاونه مع ام كلثوم استطاع ان يربهن ان من قـِبل من يحبون .اما يف امور العائلة والبيت فانهم يسعون اىل تقديم افضل ما لديهم اىل زوجاتهم وابنائهم اللغة الوسطية التي كتب بها نجحت يف ان تجمع عىل .ورامي كان نبيال و راقيا يف كل تعامالته ،يف خارج البيت حبها علية القوم ومثقفيهم متاما مثلام اطربت الفالح واملصنعي ،وقد كتب الم كلثوم حوايل نصف ما غنته من وداخله حتى ان ابنه توحيد يقول بان والده اعطى اشعار يف حني تقاسم 52شاعرا كتابة اغنياتها االخرى، لعائلته من الرعاية والحب مثلام اعطى فنه وجمهوره، وكان رس امتالكة لحصة االسد مام غنته ام كلثوم هو وانه كان االب الحاين والصديق املقرب ،ومل يجرب ابناءه حتى عىل ما يظنه انه خري ملستقبلهم ،فلم يقل يف حياته قدرته التحليلية يف دراسة ما يكتب ،فقد استطاع ان يركز يف كل اغنية كتبها عىل جانب انساين معني وحالة لواحد من منهم »:تعال يا ولد ادرس». عاطفية تختلف عام سواها ،لذلك نجح نجاحا باهرا يف حل املعالة الصعبة يف اخضاع القصيدة اىل تنوع املوضوع املعادلة الصعبة والغرضية يف الكتابة .كام ان صفة التحليل املتأتية من كيف ميكن للشعر ان يخضع لسطان العقل واملنطق، موقع عطارد ،خدمته يف بعثته اىل فرنسا فعندما درس وهل بستطاعة الشاعر ان يتحكم يف سيل وجدانه؟ تلك اللغات الرشقية وتخصص يف اللغة الفارسية ،راح ينقب هي املعادلة الصعبة التي اظهرها موقع كوكب عطارد يف خارطة ميالد رامي .فقد تواجد عطارد يف برج العذراء عن اثار عمر الخيام بعد ان قرأ ترجمتها باللغة االنكليزية ومل تقنعه ،فقرر ان يقوم بنفسه مبهمة البحث عن ما الرتايب ،برج العقل واملنطق والتحليل العلمي ،لذا فان تركه الخيام ،ومن بني حوايل الف مقطوعة شعرية اختار اسلوب تفكري رامي هو اسلوب علمي حتى عندما يتعامل مع لغة الشعر لغة الروح والوجدان ،فعندما قرر فقط 175رباعية ،اختارها بعقله وتحليله لنفسية الشاعر مثلام اختارها بحسه الفني ،حتى انه شعر بتامزج الولوج اىل عامل االغنية يف العرشينيات من القرن املايض، غريب بني شخصه وبني الخيام ،فام فهمه املرتجمون كانت هناك هوه سحيقة بني نبل الشعر ورقي الكلمة االخرون عن الخيام وغرامياته املاجنة ،حلله رامي املمثلة بشعراء كبار مثل احمد شوقي وحافظ ابراهيم وما بني االدب املكشوف واالغنية االباحية الدارجة ،لذلك ادباً راقياً وتصوفا ،وعندما نقرأ الرتجمة نحتار يف ايهام issue (7)- December - 2012
159
شعر وفلك
االجمل،عذوبة كلامت رامي ام رؤية الخيام العميقة: ال تشغل البال مبايض الزمان وال بآيت العيش قبل األوان واغنم من الحارض لذّاته فليس يف طبع الليايل األمان
صورة البطل
عاد رامي من بعثته يف فرنسا وهو يف الثالثني من العمر، كان يف اوج عطائه الشعري فقد اصدر ثالثة دواويني وترجم رباعيات الخيام ،وقد ق ُـدمت دوواينه مبقدمات لكبار الشعراء أحمد شوقى -خليل مطران -حافظ إبراهيم -و كتب حافظ ىف مقدمة احد الدواوين: «أدمنت النظر ىف شعر رامى فإذا به من ذلك النوع الحسن الذى يعجزك تقليل حسنه ..وشعر رامى هو شعر النفس وهو أرقى مراتب الشعر ...ورامى شاعر موفق الشيطان إذا تغزل أو وصف ..رقيق حواس األلفاظ بعيد مرامى املعاىن يقول الشعر لنفسه وىف نفسه» .ومل يكن رامي حتى ذلك الحني قد كتب اغنية واحدة ومل يزجل حتى بكلمة واحدة ،ولكنه كان مع لقاء غيرّ مسريته االدبية متاما .فعند عودته من فرنسا سمع ان هناك فتاة قروية تدعى ام كلثوم غنت له قصيدة «الصب تفضحه عيونه» ،وان الناس ترددها يف كل مكان فذهب بنفسه اىل تلك الفتاة التي كانت ترتدي مالبس الرجال بكوفية وعقال وقال لها «:عايز أسمع قصيدىت ياست ألىن كنت
عاد رامي من بعثته في فرنسا وهو في الثالثين من العمر، كان في اوج عطائه الشعري فقد اصدر ثالثة دواويين وترجم رباعيات الخيام
160
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
مسافر ومل أسمعها» ،فردت عليه بذكاء ودالل« :أهال بيك يا ىس رامى» ،وغنت له ام كلثوم بعيون ملؤها االعجاب وراحت تنظر اليه كاعجاب الريفي باهل املدنية والحضارة ،وكأنه بطل اسطوري جاء من بني صفحات الكتب .هذا اللقاء هو الذي اشعل رشارة الحب ،ومأل قلب رامي سعادة وحبا ،وهو يرى بانه البطل يف عيون هذه الفتاة الذكية .ان لعب دور البطولة هو احد مميزات برج الحوت ،وملا كان القمر يف خريطة ميالد رامي يف اول درجات برج الحوت ،جعله ذلك محبا للتضحية يف سبيل ان يحافظ عىل صورته امام من يحب، فهذا البطل استطاع ان يساهم يف تحول هذه الفتاة القروية اىل سيدة مجتمع ،سيدة ثقافة وادب ،فمن اجلها تنازل عن عرش الشعر وراح يكتب االغنية والزجل ،واخذ يلعب دور املعلم واملرشد ،فقد خصص يوما واحدا من االسبوع وهو يوم اجازته من اجل ان يحمل اليها كتابا جديدا تقرأه ثم يناقشها فيه يف االسبوع التايل ،فقدم لها ابرز شعراء الغزل والعشق الصويف بل وحتى شعراء املجون ومغني املدائح .وهكذا تخرجت ام مكثوم من مدرسة رامي االدبية ،ومل يكتف بهذ القدر بل اقنع عازف العود وامللحن الالمع محمد القصبجى من ان يقدم لها بعض الحانه ،وحتى بعد ان بلغت ام كلثوم شهرتها ظل احمد رامي مستشارها االديب لكل ما كانت تغنيه من اشعار وقصائد .بيد ان ارتقاءه باالغنية ال يشفع اهامله للشعر ،ويقول الشاعر صالح جودت عن صديقه املقرب رامي »:أضاع زهرة عمره يف نظم األغنية الدارجة ،وهي رضب من الزجل ،حتى عرفه الناس بها أكرث مام عرفوه شاعرا ً ،عىل حني ان الله قد خلقه شاعرا وأجزل له العطاء يف موهبة الشعر ،وملع اسمه يف أواخر العرشينيات حتى خيل للناس أال خليفة ألمري الشعراء غريه» .بيد ان رامي كان سعيدا ً وهو يحرق ايامه امام من يحب فاملهم عنده ان يبقى هو امامها املرشد واملعلم واالهم ان يصون امامها صورة البطل:
أصون كرامتي من أجل حبي فإن النفس عندي فوق قلبي رضيت هوانها فيام تقايس
وما اذاللها ىف الحب دأيب فام هانت لغريك ىف هواها وال مالت لغريك ىف التصبي ولكني سمحت بها ألين رايتك مثل نفيس يف التأيب
بني الرغبة والحب
يخربنا الجانب النفيس من علم الفلك ،ان هناك امرأة يرغب بها الرجل وامرأة اخرى هي من يطلب يدها للزواج ،فرغبة الرجل يحددها موقع كوكب املريخ، واملرأة املناسبة للزواج يحددها موقع كوكب الزهرة. وقد كان املريخ لحظة ميالد رامي يف برج الدلو الهوايئ، ولهذا كانت الفتاة التي تثري اخيلته هي الفتاة الغريبة االطوار،املختلفة عن اقرانها ،املتمردة عىل واقعها ،والتي تنشد دوما الحرية واالستقالل ،وبهذه العني راى رامي ام كلثوم واستقرت يف ذاكرته ورشايينه ،فرغب بوصالها واالرتباط بها،ولكنها كانت بعيدة املنال ال تصغي اال لصوت املجد والشهرة .واذا اردنا ان نعرف موقع كوكب الزهرة ،كوكب الحب والزواج ،فقد كان موجودا يف برج الرسطان املايئ ،ولذلك فرامي بالفطرة يحب االرتباط باملرأة البيتوتية ،او كام يقال «ست بيت»،التي تستطيع ان تعتني بشؤون االرسة ،املرأة املدبرة التي بوسعها ان تدير مركب العائلة اىل بر االمان ،وهكذا ارتبط رامي بالسيدة عطيات التي استطاعت ان متنحه بيتا سعيدا وابناء نجباء نالوا شهادات عليا يف الطب والهندسة ،ورغم زواجه الناجح اال ان رغبته العميقة يف ام كلثوم بقيت متأججة حتى اصبحت مثارا للقول يف اوساط الفن وحتى
داخل ارسة رامي ،ويتحدث ابنه توحيد اىل ابيه قائال: «الناس تقول إنك تحب أم كلثوم فهل هذا صحيح؟!». ويرد رامي »:نعم».فيسأله ابنه مستغربا »:ملاذا مل تتزوجها؟».فيقول رامي »:لو تزوجتها سيكون الزواج سبباً ىف اعتزالها الغناء ألننى رجل رشقى ولن أسمح لها بالغناء، ومل أكن أستطيع أن أقول فيها ،سهران لوحدى أناجى طيفك السارى ،وهى بجانبى ىف بيت واحد» .هكذا كان جواب رامي عىل اسئلة ابنه توحيد ،وحتى بعد االرتباط ضل رامي متارجحا بني الرغبة والحب ،حتى تحولت الرغبة اىل تقديس وهو اسمى من ان تصوغه اي كلامت، وعندما رحلت ام كلثوم دخل رامي يف صومعته ومل يكتب شعرا او يقابل احدا ،وقال يف رثائها:
ما جال يف خاطري أنيّ سأرثـيها بعد الذي ُص ُ غت من أشجى أغانيها قد ُ كنت أسـمعها تشدو فتُطربني واليو َم أسـمعني أبيك وأبـكيهــا
بني الحب والرغبة والتقديس دار رامي يف فلك ام كلثوم كام تدور االرض حول الشمس ،ودار حوله كل عشاق الفن االصيل واالغنية العذبة والقصيدة املغناة ،فرامي صاحب املفردة السهلة التي تدخل القلب دون استئذان، ورامي ذاكرة الرنجس والياسمني ،عاشق الوصل والهجران، فيه اصالة الرتاب املرصي وعذوبة النيل .شاعر الشباب الدائم حتى قبل ان يتسلم ميدالية الخلود من اكادمية الفنون الفرنسية ،حضوره عذب كنسمة ،وروحه ِصبى متجدد ،حتى انه عندما بلغ الثامنني سأله احد الصحفني عن عمره ،فاجاب مبتسام ،اربع مرات ،عرشين عاما ً
issue (7)- December - 2012
161
كاميرا
عدسة املصور خالد حامد 162
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
163
issue (7)- December - 2012
164
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/