يناير 20122013 الثاينيوليو كانونمتوز - العدد ()2 العدد ()8
المتنبي..حارس القول شهاب غانم..نصف قرن مع الشعر الشعر النبطي..إشكالية المصطلح
ملتقى اإلمارات لإلبداع JAN 2013
)I S S U E N O (8
حال الشعرية العربية
شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي
نادي تراث اإلمارات
ترجمة الشعر بين الخيانة واألمانة
بشار بن برد قتيل الغزل شعرية المأساة العراقية محمد الصالحي:
ليس هناك شعر مغربي
مختارات رباعيات جالل الدين الرومي
حمد أبوشهاب -حمزة أبو النصر
محاكاة شعرية
issue (8)- January - 2013
1
الفنان بول كليه 2
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
بيت الشعر
العدد ( )8كانون الثاني/يناير2013/
خيانة الشعر هل الشعر قابل للرتجمة ؟ نطرح هذا السؤال ومنده عىل استقامته ليك نفكر بحرية ومن دون مجامالت ،فالشعر وحده ال يقبل التسويات والحلول الوسط، فإما أن يصل من دون نقصان أو أنه يفقد من ذاته شيئا جوهريا .هو كالنار ذي جذوة متقدة حتى يف رمقها األخري. هناك اجتهادات كثرية ونظريات عىل امتداد العامل ،ونقاش ال ينتهي حول ترجمة الشعر ،ومثة من ذهب إىل حد اعتبار الرتجمة مرادفا للخيانة.هل ينطوي هذا الحكم عىل قسوة وتطرف ،أم أنه تعبري صادق عن حرص عىل القصيدة التي ال تتلخص يف مفردات وصور وأصوات ،ميكن نقلها إىل لغة أخرى من دون شعور بالذنب ،انطالقا من مفهوم أن «الرتجمة عجز مقبول» عىل حد تعبري املفكر الفرنيس بول ريكور؟ ميكن الحكم ،من دون استثناء ،أن هناك فجوة دامئة يف ترجمة الشعر تؤرق املرتجم األمني أوال،وهذه الفجوة ليست ذات طبيعة واحدة يف جميع الحاالت، بل هي تأخذ شكلها وحجمها من طبيعة النص الشعري املرتجم ،فشاعر كمحمد املاغوط ال يواجه مرتجم قصائده إىل لغة أجنبية نفس إشكاليات مرتجم شعر محمود درويش ،ويكمن عمق الفجوة هنا يف خصوصية الربنامج الجاميل لدى كل من الشاعرين ،وإذا اعتربنا أن الكلامت يف الشعر ليست هي األشياء بالرضورة،بل رموزها،فإن اللغة تتحول إىل معضلة حقيقية يف الرتجمة ،واللغة هنا «ليست زادا من املواد بقدر ما هي أفق» حسب روالن بارت.هي أفق يأخذ القصيدة إىل مديات بعيدة ،ذلك إن لكل لغة حياتها الداخلية ،وآليات اشتغالها الشعرية ،فام تستطيع لغة ما أن تهضمه من الشعر تعجز عنه لغة أخرى ،وهنا قد تتحول الرتجمة إىل رموز وطالسم وإشارات تحتاج إىل ترجمة جديدة. نقول هذا وال نعني هنا الشاعر الذي يجعل من اللغة ملعبه ومختربه الخاص، فيشتغل عليها بحرفية الصائغ وفراسة الكياميئ .فاملشكلة هنا أعقد ،وباختصار فإن العديد من املالمح الشعرية ال ينتسب إىل علم اللغة فحسب ،وإمنا إىل مجموع نظرية الدالئل أي إىل السيميولوجيا العامة .ومع ذلك فإن هذه املالحظة ليست ذات قيمة بالنسبة لفن اللغة فقط ،وإمنا هي ذات قيمة أيضا بالنسبة لكل تنوعات اللغة ،وهنا ميكن تفنيد نظرية من يرى يف الرتجمة مقاربة تعتمد عىل املشرتك بني اللغتني ،فالداللة وحدها ال تكفي للحفاظ عىل قيمة النص الشعري حني يتم نقله إىل لغة أخرى. مثة مشكلة أساسية تواجه الرتجمة يف غالبية اللغات وهي تتعلق بالبنية الشعرية للقصيدة التي تختلف من لغة إىل أخرى ،وال ميكن نقل نص شعري من لغة إىل أخرى من دون تفكيك بنيته يف لغته األصلية وإعادة بنائه يف اللغة الجديدة، وهذه املسألة ليست عملية ميكانيكية تشبه نقل األثاث من منزل آلخر ،بل تكاد تتامهى مع نقل نبتة من تربتها األصلية لزراعتها يف تربة أخرى
تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي نادي تراث اإلمارات
املرشف العام رئيس التحرير د.راشد أحمد المزروعي مدير التحرير بشير البكر سكرتري التحرير عبد اهلل أبو بكر التحرير رنا زيد
املدير الفني فواز ناظم االخراج والتنفيذ سعاد حسنة
املراسلون
بيروت -فيديل سبيتي الرباط -حكيم عنكر باريس -محمد المزديوي القاهرة -حمزة قناوي روما -حذام الودغيري صنعاء -أحمد السالمي
بشري البكر issue (8)- January - 2013
3
الشعر النبطي 161 - 148 18 25
الفنان عبدالله حامس
طالل سالم..املتعدد يف البناء الواحد
نصوص :محمد عيل شمس الدين ،عاطف بن مبارك، إدريس علوش ،محمد أحمد بنيس ،ابراهيم قازو ،خالد عبد الرؤوف الجرب عبداملجيد الرتيك ،محمد منصور ،ماجد رقيبة
44 46 47
رأي الناقد..دعوة لألصوات اإلماراتية نظريا..صبحي حديدي
119 حمد أبوشهاب
www.poetryhouse-ad.ae
قضية العدد..إشكاليات ترجمة الشعر، جالل زنكابادي ،أحمد لوغليمي ،بهيجة مرصي إدلبي،عبداللطيف الوراري، محمد حلمي الريشة ،بشار عبدالله. -أوكتافيو باث
الغالف:
الفنان :كاندنينسكي -لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان
عناوين املجلة االدارة والتحرير: االمارات العربية املتحدة-ابوظبي هاتف+97124916333 : امييلbashir@cmc.ae :
أبوظبي لإلعالم-توزيع الرقم املجاين 8002220 : لالتصال من الخارج +97124145000 فاكس +971 24145050 :
distribution@admedia.ae مسؤول التوزيع :زياد النجار
املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة 4
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة
المحتويات
136 65 71 75
56
شهاب غانم..نصف قرن مع الشعر حسن الشرفي ..كائنات الذات والعامل
ابراهيم المال..االستعارة الجديدة يف القصيدة اإلماراتية
80 84في الشعر..عبد الزهرة زيك ،عبد الغني فوزي 91مختارات..رباعيات جالل الدين الرومي 102حوار..محمد الصالحي 109تحقيق ..شعرية املأساة العراقية 114ملتقى اإلمارات لالبداع الخليجي عمر الخيام..الشاعر والعامل والفيلسوف
سعر النسخة اإلمارات العربية املتحدة 10 :دراهم -اململكة العربية السعودية 10 رياالت -الكويت دينار واحد -سلطنة عامن 800بيسة -قطر 10رياالت مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -مرص 5جنيهات -السودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية -سورية 100لرية -اململكة األردنية الهاشمية ديناران -العراق 2500دينار -فلسطني ديناران - اململكة املغربية 20دره ًام -الجامهريية الليبية 4دنانري -الجمهورية التونسية ديناران -بريطانيا 3جنيهات -سويرسا 7فرنكات -دول االتحاد األورويب 4يورو -الواليات املتحدة األمريكية وكندا 5دوالرات. االشتراكات لألفراد داخل دولة اإلمارات 100 :درهم /لألفراد من خارج الدولة150 : دره ًام -للمؤسسات داخل الدولة 150 :دره ًام /للمؤسسات خارج الدولة
65
18
119حمد أبو شهاب و حمزة أبو النصر ..محاكاة شعرية
123 128شعر وباليه..الفونتني ورقصة القصيدة 132قصيدة االستكشاف االستعماري 135ديوان العرب..املتنبي ،طرفة بن العبد، الطب والشعر..العالج بالقصيد
بشار بن برد
148ديوان النبط..املاجدي بن ظاهر ،الشعر النبطي وإشكالية املصطلح ،أدب البدو
162
كاميرا ..أمجد صندوقة
102
محمد الصالحي :
ليس هناك شعر مغربي .. هناك شعر عربي
200درهم. issue (8)- January - 2013
5
ُكتاب العدد
20
24
23
13
ابدية،وطائر بأكرث من جناح.
االمارات .أصدر ست مجموعات شعرية من بينها «صباحات النسكافيه».
تخطيطات ُ الكتاب :نارص بخيت
8
12
14
15
.1فريد أبو سعدة
• شاعر مرصي يقيم يف القاهرة،أدرص عدة مجموعات شعرية من بينها “ذاكرة الوعل”.
.2هيا صالح
• كاتبة من األردن صدر لها عدة مؤلفات من بينها «رسد الحياة».
.3عبدالحق ميفراين • ناقد مغريب
.4محمد أبوعرب
•كاتب وصحفي من األردن
.5أحمد الدمنايت
.9محمد الحجريي
•صحايف وكاتب لبناين يقيم يف بريوت
.10عبد الزهرة زيك
•شاعر عراقي يقيم يف بغداد ،صدر له العديد من املجموعات الشعرية منها كتاب الفردوس ،رشيط صامت ،وطغراء النور واملاء.
.11عبد الغني فوزي • شاعر وناقد مغريب
.12عاشور الطويبي
• شاعر ومرتجم من ليبيا ،من دواوينه قصائد الرشفة ،ومختارات من الشعر العاملي.
.16عبود الجابري
• شاعر ومرتجم عراقي يقيم يف عامن
.17أحمد هريدي • شاعر ومرتجم مرصي
.18صديق محمد جوهر
• كاتب وناقد رئيس قسم األدب اإلنجليزي جامعة اإلمارات العربية
.19خالد بلقاسم
.7عبد الرحمن احمد مراد
• صحايف وشاعر مغريب يقيم يف الدار البيضاء صدر له مجموعة شعرية “رمل الغريب”
• ناقد من املغرب ،من بني ما صدر له يف حقل النقد :أدونيس والخطاب الصويف ،الكتابة والتصوف عند ابن عريب ،والكتابة وإعادة الكتابة يف الشعر املغريب املعارص.
• ناقد من سوريا يقيم يف ابوظبي،اصدر العديد من الكتب يف حقل النقد من بينها:األفق والصدى-دراسات يف الشعر السوري املعارص،الربيع االسود،أرض
• شاعر وصحايف عراقي يقيم يف بغداد ،صدر له وحده الرتاب يقهقه.
• شاعر وناقد من املغرب ،من أعامله شجر النوم ،نتوءات زرقاء، و الجزء األول خبز العائلة.
• شاعر وناقد من فلسطني ،يقيم يف
•كاتب بحريني مقيم يف املنامة
•صحايف وناقد مغريب
.6عبدالله تويت
• مرتجم وكاتب من املغرب
• شاعر وصحايف ميني يقيم يف صنعاء
.8مفيد نجم
6
بيت الشعر
.13حكيم عنكر
.14حسام الرساي
.15سامح كعوش
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
.20صالح بورسيف
.21يوسف ميك
.22إبراهيم أحمد ملحم
• كاتب وناقد اردين،استاذ يف جامعة العني (االمارات)،صدر له العديد من الكتب النقدية من بينها :بطولة الشاعر العريب القديم،العاذلة اطارا،وجامليات األنا يف الخطاب.
.23سعد العبدالله الصويان
• كاتب وباحث سعودي متخصص يف الرتاث يقيم يف الرياض،من بني اصداراته ذائقة الشعب وسلطة النص،فهرست الشعر النبطي وحداء الخيل. وفي الشعر
.24محم ّـد عيل شمس الدين .25عاطف بن مبارك .26إدريس علوش .27محمد أحمد بنيس .28ابراهيم قازو .29د.خالد الجرب .30عبداملجيد الرتيك .31محمد منصور .32ماجد رقيبة
شعر وشعراء
بدءا ما مييز باب «شعر وشعراء» يف هذا العدد هو التنوع يف اإلصدارات الشعرية والنقدية عربيا ،من اإلمارات إىل مرص وسوريا ولبنان والعراق واألردن وحتى املغرب .ورغم النغمة التشاؤمية العالية عن تراجع حظوظ الشعر عىل صعيد القراءة فإن املطابع ال تزال تدور بحرب الكالم الجميل والجديد ،وقد كان للشعر حضوره يف معرض الشارقة للكتاب ،ثم يف تظاهرة اإلبداع الخليجي التي شهدت أمسيات وجلسات نقدية حول الشعر ،نتناولها يف هذا العدد بعرض واف .ونحن يف مجلة «بيت الشعر» نجد أن من واجبنا الوقوف يف وجه املوجة التي ّ تنظر لتهميش الشعر ،وبتوجيهات من سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة -حفظه الله -نعمل يف هذه املجلة يف عدة اتجاهات من أجل نرش الجديد وتسليط الضوء عىل القديم من شعرنا ،بهدف استمرار التواصل يف تاريخ األمة العربية الشعري ،ويك يبقى للعرب ديوانهم الناصع ،ديوان الذاكرة واألصالة واالنفتاح والتواصل. يف باب «شعر وشعراء» نقدم الجديد من دواوين وكتب نقد .يف الشعر نتوقف عند بعض إصدارات أكادميية الشعر التابعة لهيئة ابوظبي للسياحة والثقافة ،ومنها ديوان جديد للشاعر اإلمارايت طالل سامل الذي يواصل مرشوعه يف القصيدة العمودية بدأب ودراية ،باإلضافة إىل إصدرارت عربية أخرى، منها بالخصوص الكتاب النقدي الهام للناقد العراقي فاضل ثامر حول الحداثة يف الشعر العريب ،وهو يقدم هنا قراءة مطولة لتجربة الحداثة بدءا من نازك املالئكة حتى شعراء جيل الثامنينات ،ويخلص اىل استنتاجات غاية يف األهمية، كام أنها تثري قدرا كبريا من األسئلة وتفتح النقاش حول مآالت مرشوع الحداثة الشعري ،الذي بدأ متامسكا ولكنه وصل إىل فضاء التشظي حسب اطروحة الكتاب األساسية. قراءات وعروض أخرى يف هذا الباب يظل من أبرزها كتاب القدس يف الشعر العريب ،الذي يتناول ،من منظور تاريخي، حضور هذه املدينة املقدسة يف حارض العرب واملسلمني التحرير
جائزة البردة في دورتها العاشرة حجب الجائزة األولى للشعر متيزت الدورة العارشة من جائزة الربدة مبشاركة واسعة وتنوع عريب واسالمي ،وقالت وزارة الثقافة والشباب وتنمية املجتمع اإلماراتية أن إجاميل املشاركات وصل إىل 341عمال حيث شارك يف فرع الشعر الفصيح والنبطي 170شاعرا والتي تشمل املسابقة الشعرية املفتوحة للشعراء من داخل الدولة وخارجها يف الشعر النبطي والشعر الفصيح يف موضوع مدح الرسول صىل الله عليه وسلم وسريته العطرة ،وأكدت أن عددا كبريا من املشاركات بفئة الشعر حلقت يف مساحات إبداعية رائعة من حيث الصورة واللغة والحس اإلنساين الراقي مبا يعد إضافة جيدة للشعر بصفة عامة واملديح عىل وجه الخصوص ،وهو الهدف الذي تسعى إليه الجائزة كحدث إبداعي عاملي. واعلنت الوزارة عن الجوائز يف الشهر املايض ،وكشفت يف مؤمتر صحفي أن لجنة التحكيم حجبت الجائزة األوىل يف فرع الشعر الفصيح ،وفاز املغريب ياسني حميد حزكر بالجائزة الثانية ،واملرصي عبيد عباس عبيد عيل بالثالثة ،والجزائري رشيف عبداملجيد بالرابعة ،فيام جاء خامسا املرصي طاهر محمد العتبان. ويف الشعر النبطي حجبت لجنة التحكيم الجائزة األوىل وحصل اإلمارايت عتيق خلفان الكعبي عىل الجائزة الثانية ،فيام جاء اإلمارايت ابراهيم عبدالله حسني بن عىل ثالثا ،وحصل املرصي أحمد محمد حسن عبد الفضيل عىل الجائزة الرابعة ،وحل اليمني عبدالله صالح العمري خامسا.
مهرجان بغداد الشعري ..انتقادات واسعة
تعرض عدد من الشعراء العراقيني بالنقد ملهرجان الشعر الذي احتضنته العاصمة العراقية بغداد يف الشهر املايض إيذانا ببدء فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية يف سنة .2013وتوجه النقد يف صورة أساسية للجنة املنظمة للمهرجان ولوزارة الثقافة العراقية .وتناولت االنتقادات تنظيم املهرجان وتوجيه الدعوات للشعراء من عراقيني وغري عراقيني .وأخذت االنتقادات عىل اللجنة املنظمة والوزارة عدم الخربة واالرتجال يف التنظيم واستنساب الدعوات وعدم مراعاتها لالسامء الفاعلة عىل الساحة الشعرية العراقية.وقد أدى هذا الوضع بالعديد من الشعراء البارزين إىل مقاطعة املهرجان ،وصدرت بيانات عىل صفحات التواصل االجتامعي «فيسبوك» تدعو إىل مراجعة أساليب عمل وزارة الثقافة العراقية، التي اعتربوها مؤسسة تترصف وفق حسابات حكومية ال تأخذ يف عني االعتبار خارطة الثقافة العراقية والفاعلني االساسيني عليها ،ونادت بعض الكتابات برضورة إيكال العمل الثقايف للمثقفني وعدم تركه بيد وزارة الثقافة التي تستخدم االمكانات املالية عىل نحو بعيد عن االحرتاف او الدراية العميقة بالوضع الثقايف. issue (8)- January - 2013
7
شعر وشعراء جمعة املاجد
سعيد عقل: ملف المئوية
خصصت «مجلة العريب» الشهرية الصادرة يف الكويت ملف عددها األخري للشاعر سعيد عقل مبناسبة بلوغه املائة من العمر،واقترص امللف عىل ثالث دراسات كتبها كل من الشاعر اللبناين محمد عيل شمس الدين «حقيقة سعيد عقل الشعرية» ،واألكادمييني اللبنانيني هند أديب « ثالثية الحب يف أعامل سعيد عقل الغنائية» ورياض عثامن «سعيد عقل املخرضم الذي أربك نقاد الحداثة». ودعت «العريب» يف افتتاحية امللف إىل الفصل بني مرشوعي سعيد عقل الشعري والسيايس ،فاألول باق وهو األساس ،بينام الثاين طواه الزمن ،وقالت إن سعيد عقل إشكايل ومختلف عن اآلخرين، ويرص خصومه عىل محاكمته سياسيا يف حني أن الذي يُعتد به هو النص الشعري. ومام جاء يف بحث شمس الدين أن سعيد عقل «كان ينفعل باستياء كبري ،حني يُذكر أنه شاعر عريب... هذا عىل الرغم من أنه كتب نصف شعره بالعربية الفصحى ،وكانت عىل يديه طيعة وقادرة عىل توليد الجامل واإلضافة اإلبداعية».
الكاميرون تحتفل بالشعر العالمي
شاعر التركمان في مركز جمعة الماجد كان شاعر الرتكامن مخدوم قويل ،محل احتفاء الشهر املايض يف ندوة دراسية نظمها مركز جمعة املاجد للثقافة والرتاث وندوة الثقافة والعلوم يف ديب ،بالتعاون مع معهد املخطوطات التابع ألكادميية العلوم الرتكامنية .واستمرت جلسات الندوة التي تناولت قويل الذي يلقبونه يف بالده بشاعر وحدة الرتكامن يومني يف أربع جلسات علمية وجلستني افتتاحيتني وجلسة ختامية ،تناولت يف صورة اساسية ديوان الشاعر املرتجم اىل العربية حديثا،كام جاءت الفعالية ضمن االحتفاء الرسمي لرتكامنستان مبرور 290عاماً عىل ذكرى والدة الشاعر. تحدث يف الجلسات التي حرضها جمعة املاجد عدد من الباحثني واالكادمييني من الطرفني ،منهم مدير معهد املخطوطات الرتكامين الدكتور آنا قربان آشريوف، والدكتور عزالدين بن زغيبة رئيس اللجنة التنظيمية للمؤمتر من مركز جمعة املاجد للثقافة والرتاث. واعترب جمعة املاجد أن الندوة منوذج عميل للتباحث العلمي يف سرية الشاعر مخدوم قويل من إنجازاته األدبية، مرورا ً بإبداعاته الشعرية وصوالً إىل تأثري للحركة األدبية التي جاءت بعده ،والتي القت اهتامماً واسعاً من الباحثني الغربيني ،أبرزهم الكاتب البولندي هردزوك برايكو. موضحاً أن تحقيق التعريف باملخزون الفريد لقويل يعترب مبادرة إللقاء الضوء حول إنتاجات أدبية عاملية ال تزال بعيدة عن املكتبة العربية .الفتاً إىل أن استمرار البحث والتوثيق هو الوسيلة األسمى للثقافة املتواصلة ،عرب تسخري املوارد املادية والبرشية واملعنوية
سعيد عقل 8
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
احتفلت الكامريون بالشعر العاملي من خالل مهرجان «التالل السبعة» الذي اقيم يف العاصمة ياوندي يف األسبوع األول من شهر ديسمرب املايض بالتعاون بني وزارة الثقافة يف الكامريون واملنظمة العاملية للفرانكوفونية وكندا. توىل الرئاسة الفخرية للمهرجان وزير التعليم العايل الكامروين الشاعر جاك شهرة ندونغو ،كام حظي بدعم شاعر الكامريون األول فرناندو أمليدا،باالضافة إىل دعم الشاعر بلامرغاستون رئيس ومؤسس املهرجان ،وتروا ريفيري (كيبيك) رئيس مهرجانات الشعر الدولية. ومن بني اهداف املهرجان نرش األشكال الشعرية املختلفة ،الشعبية وغريها ،يف أفريقيا املعارصة، واكتشاف الكتابات واملواهب الجديدة وتعزيز التبادل والتعارف بني شعراء العامل ،وذلك من أجل إقامة مشاريع ثقافية مشرتكة. وشهد املهرجان قراءات للعديد من الشعراء من بلدان افريقية وأوروبية ومن كندا ،والالفت هو حجم املشاركة التي وصلت إىل قرابة 2000مشارك ،أمضوا اسبوعا كامال يف قراءات شعرية ونقاشات حول الشعر وموقعه يف عامل اليوم،كام قام املشاركون بجوالت سياحية وتسلق للجبال. وقد أعطيت املساحة األكرب للشعر االفريقي الذي مثله شعراء من كينيا وساحل العاج والسنيغال وجنوب أفريقيا.
نازك املالئكة
السعودية تكرم الشاعر العوامي
الشاعر عدنان العوامي ابرز شعراء القصيدة الرومانسية يف السعودية كان محل تكريم من طرف نادي املنطقة الرشقية األديب ،وذلك للمرة الثانية خالل شهرين ،حيث سبق تكرميه من جانب وزارة الثقافة السعودية خالل احتفاالت اليوم الوطني .وتليت يف االمسية دراستان تتناوالن شعر ومسرية حياة العوامي الحافلة بالعطاء شعرا ونقدا وتحقيقات. وقال عنه الكاتب محمد أمني أبو املكارم نائب رئيس تحرير مجلة «القافلة الثقافية» ،انه صاحب مسرية حافلة بالعطاء فهو رجل عصامي مارس الفالحة يف بداية حياته ،ثم اشتغل مبهن عدة ،وأثناء ذلك ثقف نفسه بنفسه مذكرا ايانا بالعقاد ونظرائه ،وانتزع معارفه من فم الحياة القاسية. والحظ الشاعر مبارك بوبشيت يف دراسته لديوان العوامي «شاطئ اليباب» ،ان «الديوان مكتنز بالوجدانيات والغزليات الطافية فوق غيوم الرغبة والجاذبية والعشق». ويذكر ان العوامي هو الذي قام بتحقيق «ديوان أيب البحر الخطي»، الشاعر الذي استفاضت املحاوالت النقدية للتعريف به وبشاعريته.
رحل الماجري وترك شعره
جائزة نازك المالئكة محل تشكيك
جائزة رائدة الحداثة الشعرية العربية نازك املالئكة محل تشكيك واتهامات طاولت وزارة الثقافة العراقية ومسؤوليها،فالوزارة التي استحدثت الجائزة قبل خمس سنوات من أجل تكريم املالئكة تعرضت لهجوم من داخل األوساط الثقافية العراقية ،قبل ان يتنازل عنها بعض من حصلوا عليها يف دورتها لهذه السنة ،ومنهم الكاتبة املغربية زهور كرام التي جاءت يف املرتبة الثالثة يف حقل النقد األديب ،وبررت موقفها من الجائزة ب»عدم توفر الرشوط املوضوعية» للمنافسة. الهجوم عىل الجائزة جاء من طرف مصدر أديب قريب من كواليس وزارة الثقافة العراقية ،والذي أكد ان الجوائز وزعت بطريقة «املناصفة» بني العراقيات والعربيات ،وأوضح ان الوزارة عجزت عن جعل املسابقة ترتقي إىل اسم املالئكة ،معتربا ان اللجنة التحكيمية كانت يف حرية من أمرها حول حجب الجوائز االوىل يف الشعر والقصة ،فاختارت حجب جائزة النقد األديب كأفضل البدائل أمامها يك ال تبدو الجائزة فاشلة يف محصلتها .وقال إن القيمة االعتبارية للجائزة ال تتناسب مع اسم الشاعرة نازك املالئكة التي ماتت يف مغرتبها ومل تستطع وزارة الثقافة نقل جثامنها ليدفن يف وطنها.واعترب املسابقة شبه «وهمية» وتوزيع الجوائز وفق األقطار العربية لتأكيد شكل املشاركة. وذكرت لجنة التحكيم أنها تلقت مشاركات لـ116 من كافة أرجاء الوطن العريب ،ولكن املراقبني اعتربوها مساهامت متواضعة القيمة الفنية
ودع الوسط الثقايف الليبي يف ديسمرب الثالث املايض أحد أبرز شعراء القصيدة العمودية رجب املاجري الذي وافته املنية مبدينة بنغازي عن عمر ناهز الثانية والثامنني. بدأ رجب املاجري كتابة الشعر يف السادسة عرشة من عمره،ولكن ديوانه األول مل يصدر إال يف سنة ،2006تحت عنوان «ىف البدء كانت كلمة» ,.من أجواء الديوان « :ىف البدء كانت نغمة محبة ونغمة/ صاغ بها الله الوجود رائعاً فأحكمه /خالقة مبدعة مضيئة وملهمة /كانت لوجه الحق بني الناس ىف األرض سمه /ما بالها ىف أرضنا كال ُحر ِمنا ملجمه /تجيش ىف نفوسنا ثائرة مضطرمه /حتى إذا ما المست شفاهنا محتشمة/ ماتت كام مات الحياء ىف وجوه مجرمه». ورأي املاجري يف الشعر هو« :إنه حس ،نبض ىف كلمة ،صادق يف تعبريه عن األحداث التى متر بنا»، ويضيف« :الشعر لن ميوت أبدا ً ألنه إحساس واإلحساس دامئاً مع البؤس، ولن يخلو مكان ىف العامل من البؤس والظلم».
رجب املاجري
عدنان العوامي issue (8)- January - 2013
9
شعر وشعراء الشاعرة كارول آن دايف
رئيس هيئة الكتاب يقاضي الشاعر حسن طلب
رئيس الهيئة املرصية العامة للكتاب أحمد مجاهد ،قرر مقاضاة الشاعر حسن طلب ورفع قضية «سب» و «قذف» ضده ،عىل ّ خلفية مقال نرشه األخري يف جريدة «األهرام» تحت عنوان «درس اإلمام» .ومعروف أن طلب يتوىل منصب نائب رئيس التحرير يف مجلة «إبداع» التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب ،ويتوىل مجاهد منصب رئيس مجلس إدارتها. وتساءل مجاهد« :كيف تسمح جريدة «األهرام» العريقة لكاتب بأن يحول صفحاتها إىل «مشتمة»، يف إشارة إىل قضية مامثلة سبق أن رفعها وزير الثقافة املرصي السابق جابر عصفور ضد طلب لنرشه مقالني يف الجريدة نفسها تضمنا «سباً وقذفاً» يف حقه ،وصدر حكم قضايئ ابتدايئ بأحقيته يف الحصول عىل تعويض مادي. وجاء يف مقال طلب الذي نرش يف امللحق الثقايف لـ «ألهرام» ومل يرد فيه ذكر اسم مجاهد أن «هيئة ثقافية كربى تحولت إىل «عزبة»، فراح ناظرها وقد بدا ضئيالً فوق كرسيه الكبري يوزع املغانم عىل الحاشية.»...
آدم فتحي يفوز بجائزة الشابي الشعرية
جامعة كامبردج توحي لشعراء بريطانيا عرشة من شعراء بريطانيا سيقيمون يف عرشة متاحف تابعة لجامعة كامربدج من شهر يناير الحايل حتى مارس القادم الستلهام محتوياتها ومعروضاتها ومقتنياتها لكتابة قصائد ت ُنرش يف مجموعة شعرية هذا العام .الدعوة أطلقتها شاعرة البالط الربيطاين كارول آن دايف تحت شعار «مهرجان األفكار» .وأشارت دايف إىل ان متاحف كامربدج ستكون جسورا فريدة بني الشعراء وملتقى افكار وأشكال فنية مختلفة وعامال مساعدا للنشاط االبداعي .ومن املؤسسات الثقافية املشمولة باملبادرة مكتبة جامعة كامربدج التي سيقيم فيها الشاعر امتياز داركر وتحوي نسخة اسحاق نيوتن الخاصة من عمله الكبري «املبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية» .وستقيم شاعرة ويلز الوطنية جيليان كالرك يف متحف علم الحيوان الذي يحوي عينات جمعها تشارلس دارون خالل رحلته الشهرية عىل منت السفينة بيغل .وسيقيم الشاعر جو شابكوت يف املتحف القطبي موطن رسالة الوداع التي وجهها الكابنت روبرت سكوت اىل زوجته قبل وفاته خالل استكشاف القطب الجنويب،بينام بات متحف اآلثار الكالسيكية من نصيب الشاعر شون بوروديل الذي ُرشحت مجموعته الشعرية الجديدة لجائزة يت .أس .اليوت .وقال بوروديل انه عمل يف شبابه سباك برونز يف احد معامل لندن حيث كان يصب اعامل نحاتني معارصين لصنع مناذج كبرية .وانه يتطلع اىل استكشاف القوالب املصنوعة من الجبس يف متحف كامربدج لآلثار الكالسيكية
حسن طلب 10
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الشاعر التونيس آدم فتحي حاز عىل جائزة الشاعر «أبو القاسم الشايب» عن كتابه «نافخ الزجاج األعمى أيّا ُمه وأعاملُه» الصادر عن دار الجمل يف بريوت عام .2011وشارك يف مسابقة هذه الدورة التي يرأسها الكاتب املرسحي عز الدين املدين 99شاع ًرا من 12دولة عربية، وتك ّونت لجنة التحكيم من رئيسا الدكتور محمد عجينة ً ومن الشاعر منصف الوهايبي والدكتور مربوك املناعي والدكتور فاروق العمراين أعضاء. وآدم فتحي من جيل السبعينات يف تونس ولديه عدة مجموعات شعريه،ولكنه انرصف يف العقد األخري لكتابة األغنية امللتزمة، فغنى له الراحل الشيخ امام ولطفي بوشناق ،وهو معروف يف مرص باألغنيات التي كتبها دعماً للشعب املرصي ،ومنها األغنية التي غناها املطرب حمزة منرة بعنوان «هيال هيال يا مطر» ،كام انه يعمل مع العديد من الفرق الشعبية التي متتهن التجوال والغناء يف تونس.
آدم فتحي
صالح عبدالصبور
فتح باب الترشح لجائزة الثبيتي الشعرية
هيئة إدارية جديدة العراقي لبيت الشعر ّ
بيت الشعر العراقي عقد يف بغداد مؤخرا مؤمتره االنتخايب الثاين ،بحضور نخبة من شعراء العراق ونقّاده ،وجرى خالله بحث مجمل نشاطات البيت وسياسته الثقاف ّية ،وموضوعات تتعلّق بعمله اإلداري ،واملجلة التي تصدر عنه «بيت». وتم يف نهاية املؤمتر انتخاب هيئة ادارية جديدة مكونة من سبعة من أعضاء الهيئة العامة وهم حسام الرساي الذي نال أعىل نسبة أصوات ( 41صوتا) ،ميثم الحريب ، عمر الجفال ،صالح السيالوي، زاهر موىس ،هنادي جليل، مؤيد الخفاجي .وانتخبت الهيئة اإلداريّة الجديدة،الشاعر والصحايف حسام الرساي رئيساً، وزاهر موىس نائباً له ،وميثم الحريب أميناً عاماً لبيت الشعر اقي. العر ّ ويعد الرساي من بني أبرز الوجوه الثقافية الناشطة عىل الساحة العراقية ،وهو ميتلك صالت طيبة مع االوساط الثقافية العربية،األمر الذي ساعده عىل ايصال صوت بيت الشعر العراقي للخارج.
نسخة فريدة من ديوان لصالح عبد الصبور جرى الكشف مؤخرا عن نسخة فريدة من ديوان الشاعر صالح عبد الصبور «أحالم الفارس القديم» الذي صدرت طبعته األوىل يف سنة 1964والنسخة الجديدة مكتوبة بخط يد الشاعر وكانت محفوظة لدى أحمد مريس الفنان التشكييل والشاعر املقيم يف نيويورك ،وتشمل أيضاً رسوماً ملريس رسمها يف التوقيت نفسه ،الذي كتب فيه عبد الصبور قصائد الديوان . وتعد هذه النسخة هي الوحيدة املكتوبة بخط يد الشاعر ،وهي غري موجودة حتى لدى أرسته. وصدرت هذه النسخة حديثا عن الهيئة املرصية للكتاب ،و يضم الديوان سبع عرشة قصيدة لعبد الصبور ،منها مذكرات امللك عجيب بن الخصيب، مذكرات الصويف برش الحايف ،أغنية لليل ،بودلري ،رسالة إىل سيدة طيبة ،عمر الحب ،الرباءة ،وهي التي غري عبد الصبور عنوانها بعد ذلك ،لتصبح أحالم الفارس القديم، التي مطلعها: « ايا من يدل خطويت عىل طريق الدمعة الربيئة». ترك عبد الصبور آثارا شعرية ومرسحية أثرت يف أجيال متعددة من الشعراء يف مرص والبلدان العربية ،خاصة بجييل السبعينيات الثامنينيات ومنذ ديوانه األول «الناس يف بالدي» الذي صدر سنة 1957سجل عبد الصبور اسمه بقوة إىل جانب رواد الحداثة الشعرية يف الوطن العريب مثل نازك املالئكة والسياب ،لكون هذا الديوان أول ديوان قصيدة تفعيلة يصدر يف مرص
فتحت أمانة جائزة الشاعر محمد الثبيتي لإلبداع بنادي الطائف األديب الثقايف يف السعودية فروعها أمام الشعراء والباحثني العرب للتنافس ،بعد إقرار ضوابط ورشوط الجائزة التي تشمل ثالثة فروع هي :جائزة التجربة الشعرية وقيمتها مائة ألف ريال ،ومتنح من قبل أمانة الجائزة لشاعر عريب عىل كامل تجربته الشعرية ،وجائزة الديوان الشعري خمسون ألف ريال ،وجائزة األبحاث الشعرية وقيمتها خمسون ألف ريال. وأعلنت الجائزة بدء استقبالها لألعامل املرشحة للجائزة يف فرعي الديوان الشعري واألبحاث الشعرية سواء كان هذا الرتشيح شخصياً أو عن طريق مؤسسات علمية أو ثقافية ،وبينت أنه يشرتط يف الديوان أال يكون قد مىض عىل صدوره أكرث من ثالث سنوات من تاريخ إعالن الرتشح للجائزة ،وأال يكون العمل املرشح قد فاز بجائزة محلية أو عربية، بينام يشرتط يف البحث أن يكون حديثاً وغري منشور،وأن يكون البحث مكتوباً خصيصاً للجائزة.
حسام الرساي issue (8)- January - 2013
11
شعر وشعراء
الديوان :أعىل بناية الخليل بن أحمد الشاعر :حسن شهاب الدين (مرص) النارش :أكادميية الشعر /هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة عدد الصفحات 135:صفحة من القطع املتوسط
حصاد «أمير الشعراء»
«أعىل
بناية الخليل بن أحمد» ديوان جديد ألحد نجوم مسابقة «أمري الشعراء» املرصي حسن شهاب الدين ،والذي صدر عن أكادميية الشعر التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ،يف سلسلة شعراء «أمري الشعراء» ،التي تتوىل نرش نتاج الشعراء املتميزين الذين شاركوا يف املسابقة يف دوراتها السابقة. يضم الديوان 20قصيدة من بينها أشعاره التي شارك بها يف املسابقة يف دورتها الثالثة ،ومجموعة من القصائد التي كتبها بعد خوضه سباق اإلمارة .و تأيت عناوين قصائد الديوان كالتايل :تكوين ،طائرة ورق َّية ،قبضة من أثرها، أبجدية املصباح ،جناح املاء ،هناك َمن يشبهني ،متاهة األشكال ،سأفتح نافذة ال ُعشب ،بعض الكواكب لألطفال، ن َّحات الخيال ،أنا صديق رائع ،ليلة الصباح البعيد ،ضجر، وحدي ،عزلة اإلزميل ،صانع األشكال ،قميص اللؤلؤ ،يوميات شهيد فلسطيني ،نشيد املسغبة ،السدنة. واعترب الشاعر عمله الجديد وهو الثالث بعد «رشفة للغيم املتعب» و«متوج باسمي» ،عبارة عن «لبنة يف بناء الخلود الذي أصبو إليه وإذا كان كل ديوان ميثل الشاعر يف مرحلة من حياته فهو بهذا الشكل يعترب جزءا ً من حياة الشاعر نفسها ،نزعت عنها رداء األيام وارتدت رداء الكلامت ،كام أنني أؤمن متاما أن دواويني الشعرية تتصاعد بشكل هرمي نحو بلوغ قمة نائية مل يصل إليها أحد من قبل..فإذا كان هذا الديوان «أعىل بناية الخليل بن أحمد» فهناك العديد من القمم التي أطمح بفضل الله تعاىل يف الوصول إليها». تغلب عىل قصائد الديوان بنية التفعيلة ومن بني 20 قصيدة مل يضم اكرث من قصيدة عمودية واحدة تلك املعنونة ب «وحدي» التي مطلعها :
يف خيمة الشعر وحدي قصيدة تبتديني
تفنى العوامل عندي وينتهي الكون عندي
ولكن املالحظ يف تقنية الشاعر هو انه ظل عموديا يف لغته وصوره رغم توسل التفعيلة ،وبدا امر مغادرته لعمود الشعر نوعا من التحرر من القالب فقط من دون الذهاب بعيدا يف اعتامد خاصيات قصيدة التفعيلة التي ترتب عىل شاعرها عدة كتابية مختلفة عن تلك التي 12
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
تعتمده قصيدة العمود.ويطغى هذا الرتدد عىل أجواء الديوان كام يف قصيدة «نحات الخيال» التي نقتطف منها :
«هزي.. بغصن الشمس يف أبيايت لن تبزغي إال عىل مرآيت صويت.. عىل باب الكواكب..عالق قتناويل حديس وإرشاقايت أنا يف رداء الخلق أعقد للرؤى فخ املجاز وراء تفعياليت».
عاشور الطويبي ..ديوان وترجمتان
الشاعر واملرتجم الليبي عاشور الطويبي أصدر ثالثة كتب جديدة عن دار «أركنو» ،وهي مجموعة شعرية وترجمتني.
الكتاب األول:
مجموعة شعرية بعنوان «عن العزلة وأشياء أخرى» ،وهو الكتاب الشعري السابع للشاعر،ويقع يف 128صفحة من القطع املتوسط. كتب مقدمة املجموعة القاص والناقد الليبي يوسف الرشيف ،وجاء فيها «وألنه حالة شعرية متحركة ال سبيل للقبض عليها أو لجمها برشوط جاهزة، إيقاعاتها متغرية كام هي متغرية ألنها متحركة ،أحيانا تراها
بحجم حبة رمل وأحيانا تراها بحجم الكون ،أ نت تخطئ حضور شمس لتجليات إذا حاولت رؤيتها يف قصيدة واحدة ،ألنها منتجة يغمرنا. مغايرة يف كل طور من أطوار حالتها،عليك أن تراها يف كونه السكينة الشعري العام ،شعريته تتجىل يف كل ما كتب ،وهي أيضا كأس ٌ فارغة. ٌ ليست مشاعة ألي عابر نقدي ،ذلك ألنها مفارقة إىل حد كبري َتق ّبل لقصيدة النرث السائدة رغم التقائه معها يف أبجديتها العامة». رسك». إخفاء ّ ومن أجواء املجموعة : «يف الخريف الكتاب الثالث تسحب األرض آهتها «قصائد النشوة» للشاعر الهندي كبري ،ترجمها الطويبي مثلام تسحب السيدة عن االنجليزية وهي تقع يف 113صفحة ،والشاعر عاش يف سكينة الشاي عىل الطريقة اليابانية الهند يف منتصف القرن 15امليالدي ألرسة مسلمة ،ولكنه يف بانحناءة مهذبة وابتسامة عميقة. سن مبكرة صار مريدا لرامامناندا الراهب الهندويس .كبري مل يكن راهبا وال زاهدا ،فقد تزوج وكان له عدد من األبناء يف الخريف وامتهن حياكة املالبس .ونسجت الكثري من الحكايات عنه، القمر وبقيت اشعاره خالدة .وتقول إحدى الحكايات :عند وفاته صق ٌر بجناحني كبريين، اختصم اتباعه من املسلمني والهندوس يف طريقة دفنه. فم تلمع حواف شفتيه، ٌ املسلمون قالوا بدفنه عىل الطريقة االسالمية ،والهندوس اهب ،مسبحته بني أصابعه، ر ٌ قالوا بحرقه عىل طريقتهم ،وفيام هم يختصمون ظهر لهم وقلبه عىل املاء». كبري وقال لهم أن افتحوا التابوت ،وعندما فعلوا ذلك وجدوا
الكتاب الثاين
مختارات من ديوان «شمس تربيز» ملوالنا جالل الدين الرومي .ترجم الطويبي املختارات من اإلنجليزية وهي تقع يف 256صفحة وتحتوي عىل بابني :الغزليات والرباعيات. وبلغ عددها 398رباعية ،وتنرش مجلة «بيت الشعر» يف عددها الحايل مختارات من الرباعيات .ومن أجواء الغزليات:
«أ ّيها الشاعر، ْ اترك كل كلمة ترتجف يف ج ْرس ريحها. ارسج الحصان ْ بآمال عظيمة. إىل الصحبة ُ نغامت الناي. تنادينا اعزف اللحن كام ًال. إبدأ ثاني ًة.
مكان الجثامن كومة كبرية من األزهار ،فاقتسموها بينهم، املسلمون دفنوا نصفها والهندوس احرقوا النصف الباقي. وقد نرشت مجلة «بيت الشعر» يف عددها الرابع هذه الرتجمة ،ومن اجوائها:
«يرصخ الجسدُ أريد َ بيت حبيبي. ال يهم إن كان يف العراء أو تحت سقف متامسك س ّيان للمرأة التي فقدت بيت حبيبها. ال متعة فيام أرى؛ جسدي وعقيل صارا مجنونني متاماً. أعرف ّ كل البوابات يف قرصه ،به مليون بوابة. بني ذلك القرص وبيني بحر. اخربين كيف أعرب ذلك البحر ،يا صديقي العزيز؛ لديّ احساس أن هذا الدرب ال نهاية له».
issue (8)- January - 2013
13
شعر وشعراء
حفر نقدي في الحداثة العراقية
الكتاب :شعر الحداثة من بنية التامسك إىل فضاء التشظي الكاتب :فاضل ثامر (العراق) النارش :دار املدى عدد الصفحات 415 :من القطع املتوسط
الكتاب
كام يقدمه صاحبه الناقد العراقي املعروف فاضل ثامر هو محاولة تهدف إىل مساءلة الحراك الشعري الراهن وإعادة قراءة النقالت املفصلية واألنساق الثقافية يف حركة الحداثة الشعرية يف الشعر العراقي بشكل خاص والشعر العريب بشكل عام ،وهو ينطلق يف ذلك من «رؤيا سوسيو -شعرية» هي جزء من مرشوع املؤلف النقدي الذي «يزاوج بني الفحص الداخيل للخطاب الشعري ومناهج التحليل الخارجي» ،ولكنه ال يتعاىل عىل السياقات الثقافية والتاريخية والنصية والسيكولوجية التي تحيط باالنتاج االديب بوصفه معطى اجتامعيا وتاريخيا يرتبط بوعي انساين يف مرحلة تاريخية محددة ،ويحمل دالالته ومعطياته السيامئية الخاصة. مقسم إىل أربعة فصول :حركة الريادة وتأسيس الكتاب َّ الشعرية العربية .أجيال الحداثة الشعرية ومغامرة االختالف. إعادة استنطاق املوروث الشعري .إشكالية التجييل والتجريب يف الشعر .والناقد ينطلق من فرضية متاسك بدايات الحداثة الشعرية املتمثلة يف تجارب رواد الشعر الحر ،وتشظي هذه
“لمن يهمه الحب” الديوان :ملن يهمه الحب الشاعر :زاهي وهبي (لبنان) النارش :دار الساقي عدد الصفحات 136 :صفحة من القطع املتوسط
14
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الحداثة بنحو تدريجي يف تجارب األجيال التالية .ورغم ان الكتاب يظل امينا لفرضيته األساسية ،فإنه عبارة عن تجميع ملقاالت ودر ٍ اسات متفرقة ومنشورة سابقاً .صحيح أ ّن هذه املقاالت مكتوبة مبهارة منهجية وأسلوبية اعتدناها لدى صاحب «مدارات نقدية» ( ،)1987وصحيح أنها تعكس مناخات فرضيته، إال أن ما نقرأه يظل محصورا ً بالشعر العراقي ،ومحكوماً مبنطق التجميع غري املقنع ملحتويات كتابه. يرى الكاتب ان تجربة الحداثة الشعرية العربية متثلت يف نهاية االربعينيات ومطلع الخمسينيات عىل أيدي املثلث العراقي (نازك املالئكة ـ بدر شاكر السياب ـ عبد الوهاب البيايت) يف تأسيس بنية شعرية شمولية متامسكة متيل اىل االنسجام والتامسك وتفارق التقاليد الشعرية للشعر الكالسييك والكالسييك الجديد والرومانيس يف االدب العراقي خاصة واالدب العريب بصورة عامة ،ويتوقف أمام تجربة نازك املالئكة الشعرية فتجربة السياب فالرمز والقناع عند عبدالوهاب البيايت ،ثم اجيال الحداثة الشعرية ومغامرة االختالف .ويستنتج الناقد ان حركة الحداثة الشعرية يف العراق تتحرك من خالل تعاقب االجيال الشعرية يف النصف الثاين من القرن العرشين ،و يرى ان الشاعر العراقي ظل يالحقه هاجس التجييل واالنتامء اىل تجربة جيل شعري محدد او حقبة زمنية معينة ،وقد اسهم هذا الهاجس العميق يف سعي الشاعر العراقي للتفرد والتميز ،ويبدو لنا ان هذا الهاجس العميق قد اصبح احد القوى الدينامية الدافعة يف حركة الحداثة الشعرية منذ الخمسينيات وحتى اليوم. بعد ذلك يستنطق الناقد املوروث الشعري مبتدئاً بالشعر الجاهيل يف املنظور االسترشاقي لنظرية النظم الشفوي ،ومن ثم “ملن يهمه الحب” هو الديوان التاسع للشاعر زاهي وهبي (العارش صدر يف الشهر املايض :تعريف القبلة) الذي صدر عن دار الساقي،وفيه يواصل الشاعر مرشوعه يف التنويع عىل كتابة الحب،راحال من تجربة ألخرى ومناخ آلخر ،ويف ديوانه الجديد تطغى لغة جديدة متأنية ،فيها مسحة وجد وصوفية ،بعيدة كليا عن لغة الشاعر يف قصائده العشقية التي تظل وفية لقاموس الغزل املتداول ،وهو هنا ينحو منحى مختلف يصفو فيه الكالم يك يبدو خارجا من تأمل يف املنصة العالية وال يدع حرفاً الذات واملرأة «ليأخذ املرأة إىل ّ من الحروف إالّ هو وسيلة لبلوغ املرأة ،ألن مي ّجدها» ،عىل حد تعبري الشاعر شوقي ايب شقرا.
قراءة املتنبي وما ميثله يف سفر الشعر العريب ،فأبو متام وما ميثله من رغبة تجديد وتحديث ،ومن بعد قراءة يف شعر محمد مهدي الجواهري«تناوب البرصي والسمعي يف الخطاب الشعري»، فاشكالية الغموض يف الشعر العريب الحديث. ويجزم الناقد يف نهاية املطاف بأن انبثاق حركة الحداثة الشعرية يف العراق مبثابة «قطيعة معرفية» حادة ،اذ متثل الخروج عىل السائد واملألوف يف املامرسة الشعرية يف الخروج عىل النظام العرويض والرشوع بتأسيس شعرية حداثوية واعية للحظتها وصياغتها تسهم يف تحريك الخزانة الفكرية ملتلقيها كون قضية التحديث الشعري موقف وخطاب يحقق الوعي الجاميل ،الذي هو«الوعي الذي يتناول الظواهر واالشياء من خالل سامتها الحسية واثرها يف الطبيعة النفسية» ،ويرى ان الخطاب النقدي امتلك رؤيا نقدية تسعى اىل «تأسيس حداثتها النقدية من خالل التالحم بني االجتامعي وااليديولوجي واملعريف من جهة والرمزي والجاميل والتخيييل من جهة اخرى» ،وتأسيسا عىل ذلك فإن شعر الحداثة طرح امناطا من الرموز الفنية التي استوعبت املوقف الجاميل واالجتامعي من الواقع ،فضال عن انها رؤيا واقعية حداثوية ترفض تغييب االيديولوجي والسوسيولوجي والتاريخي لحساب الجاميل والشكالين. ويتنقَّل ثامر من نازك والسياب والبيايت إىل عبدالزهرة زيك، رعد عبدالقادر ،ياسني طه الحافظ ،كاظم الحجاج ،نبيل ياسني، عدنان الصائغ ،شريكو بيكس ،دنيا ميخائيل ،وسام هاشم ،محمد تريك نصار ،صادق الصائغ ،والليبي سعيد املحروق .تناول هؤالء الشعراء يف الفصل الثاين يف قراءات موسعة لبعض اعاملهم ،ويتوغل الناقد يف ثنايا هذا التحقيب الزمني ،معتربا ً إياه مسألة
إجرائية أكرث من كونها ترجمة كافية لحركة النصوص وطموحات أصحابها،ولذا يعرض شذر ٍ ات من خالصاته النقدية يف عدد من تجارب جييل السبعينيات والثامنينيات. نهاية قراءة ثامر لنازك املالئكة تستحق التوقف عندها ألنها تذهب إىل تعميم يشمل الشعراء ككل ،حيث يقول «الشاعر العريب الحدايث اليومي شعر بأنه مهووس حتى النخاع ،تحت كامشة ضغوط داخلية وخارجية رهيبة وأنَّ ُه عب عن توجعه هذا مطلقاً استغاثة أخرية قبل يحاول أ ْن يُ رِّ أ ْن يبتلعه املوج األسود ،وهذا الطوفان القادم من كل مكان واملتمثل باالحساس املدمر بالتهميش والدونية إزاء موجات العوملة الخارجية ،واكتساح النزعة االستهالكية لكل القيم». واملالحظ هو ان الكتاب محط اثارة نقدية ألن التامسك يعني ظاهرة ثقافية مثلام يعني ظاهرة اجتامعية ،وايضا يعني ظاهرة سياسية ،وحتى التشظي يعني ظاهرة معرفية وثقافية .والكتاب فيه رؤية منهجية تالمس املنهج االجتامعي والبنيوي ،وهذه املنظومة التي وفرها فاضل تامر ليك يثبت ان النص العراقي حي وقابل للتحول والتجدد والتمدد. ورغم بعض املالحظات عىل الكتاب فإن ما مييز تجربة فاضل ثامر النقدية هو تقيص الظاهرة الثقافية وفحصها، وتحليل النص عرب االستقراء واملعاينة ،وصياغة نصه من دون اعتامد النتائج الجاهزة او املسبقة ،ومامرسة نوع من املقايسة النقدية للوصول اىل ثوابت منهجية وينتهي اىل نتائج غري متوقعة ،ومييل اىل املنهج املوازن القريب من الرؤية السوسيو شعرية
والدة /وشمساً عىل جبني شمس جباهكم /أو لعثمة طفل ال يقف الشاعر عند مناجاة املرأة والدوران حول كواكبها واوقاتها ،بل يرحل نحو التطورات العربية الراهنة التي اشتاق مناداة :بابا” .يف النهاية« ،ما املوت اال جلجلة» ،وفجر استجدت يف املنطقة خالل العامني األخريين ،فتومض ينبلج من عمق الظالم .املوت حرية وانعتاق .املوت بداية قصيدته صوراً شعرية مزدحمة بالوصف .يكتب لبريوت حياة .رمبا هو أمنية يختم بها الشاعر ديوانه“ :من كل هذه ودمشق والقاهرة وليبيا وبالد الشامّ ، مشخصاً املكان البسيطة /ال أريد /سوى قوت طري وجناحني /وسامء حرة”. ومؤنسناً إياه ،عن عمد رمبا .يهدي الكلمة اىل الشهداء ،وكل يبدو واضحا يف هذا الديوان ان زاهي وهبي يسري نحو القصائد أيضاً .يبدو أشبه بثائر ،تخنقه الديكتاتورية وهو نضج وعمق يف الصورة الشعرية ،ما يعني ان تجاربه ترتاكم وتتط ّور وتتجاذب من الذايت الداخيل الحميم الخصويص إىل أعزل ،فال يجد أمامه اال ان يكتب نرصة للحرية ،ويعلن الفردي الجامعي ،ويف املديني لحظة ينبوعية تجعل من الذايت استعداده لالستشهاد بني سطورها .يقول لشهداء ثورات الربيع العريب“ :ليتني أعرفكم واحداً واحداً /ليتني نبتة يف تربة خروجاً إىل اآلخر ،ومن الفردي «الجامعي» امتدادا ً للذات. إنها اللعبة الصعبة التي بات يدخلها وميارسها رضيح /حفنة اشتياق عىل رخام شاهدة /ليلة دعاء يف متتمة issue (8)- January - 2013
15
شعر وشعراء
التباس العربية والفرنسية الديوان :وقف يف االيقاع الشاعر :ميشال قصري (لبنان) النارش :دار الساقي عدد الصفحات 110 :صفحات من القطع املتوسط
الديوان مقسوم اىل قسمني نصفه عريب واآلخر فرنيس ،حيث قامت الشاعرة اللبنانية صباح زوين برتجمتها اىل العربية .ونرش الكتاب باللغتني معا ،طريقة دارجة يف اوروبا وبعض البلدان ذات التقارب الثقايف مع لغات اجنبية كاالنكليزية والفرنسية .وقدم له الشاعر عباس بيضون مبا يشبه الدراسة املوجزة التي تناولت بعض قصائده باشارات تيضء مسارات العمل وتستبطن مرجعيات الشاعر ومراميه ،وهي كلها سفر يف الزمن وامللحمة ورحلة البحر يف لعبة تتوسل التحليق بعيدا نحو مديات متتلئ بحضور سحري« :ألعب باألدب كام لو كان بالوناً بألوان وأحجام متغرية وال يؤدي إىل أي مكان ،ويخلق األماكن العامة كام يف ّكها ،أن أذهب يف حلمك ،يف غمرة ما يحوطني من حجارة وهواء مدن وركن بح ٍر ،يف مدينة صور ،أتفحص العذوبة املستحيلة». تبدو لغة النص الفرنسية اكرث انسيابية من لغته العربية عىل مستوى كل قصيدة عىل حدة وعىل مستوى الديوان ككل حتى ليتبادر إىل القارئ ان الصورة الشعرية يف نسختها الفرنسية اكرث وضوحا ومتاسكا يف ذهن الشاعر عنها يف بنيتها العربية التي تبدو غرائبية ونافرة من دون سند جاميل متني .وال يعود األمر اىل مشكلة يف الرتجمة التي تبدو أمينة جدا للنص األصيل ،ولكن النص نفسه ال يساعد املرتجم يك يذهب بعيدا داخل اللغة العربية ،والسبب يعود إىل ان لكل لغة خيالها الخاص، وبنيتها الشعرية ،فالعربية ليست كالفرنسية من حيث مقاربة الصورة الشعرية وحمولتها املعرفية والجاملية ،وهذه احدى مشاكل الشعر حني تتم ترجمته حيث يضيع قسطا كبريا منه ،او انه سيقع يف التباسات املسافة بني اللغتني. الشاعر يستفيد كثريا من أجواء ومفاهيم وتقنيات الشعر الفرنيس، ويتميز عمله بنزعة تجريبية مفتوحة عىل مدى واسع تصل اىل حد اللعب بالكلامت ملجرد اللعب مام يظهرها مرصوفة اىل جانب بعضها من دون ان تجد صلة وصل او تقاربا يصنع منها صورة ذات اطار ومثال ذلك قوله «:ثالث دقات صنج /رشاع من دون بريق / اربع تويجيات مطر/ثالث دراقات عجائبية /إال ان الوليمة تنزف / يتيام واحدا لرتحال طويل» 16
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الشعر كقيمة مضافة
الديوان :تفاحة ال تفهم شيئا الشاعر :جرجس شكري (مرص) النارش :الهيئة املرصية للكتاب. عدد الصفحات 88 :صفحة من القطع املتوسط
كائن
هاميش يصنع عاملاً من األشيا ِء البسيطة ويقي ُم معها ألف ًة يفتق ُدها مع العامل تصبح هي العامل وال أقل .كائن يقول وشيئاً فشيئاً ُ لك : ً ُ أكلم «بيتي كب ٌري /وظللت أياما كثرية ُ أروح وأجيء ُ / َ الغرف يف هذا الشأن/كلام ُ نظرت إىل حائطٍ /تتأ ُمل ُ أسمع عوي ًال يف الحوائط األخرى /وكلام نمِ ُت يف غرف ٍة ُ الغرف املجاورة». ِ هل العزل ُة اختيا ُر الكائن أم مالذ ُه من القسو ِة والعنف ،من الطر ِد واإلزاحة .سينرث جرجس الكثري من ألغام ِه الصغرية ليؤك َد أن الكائ َن مكر ٌه عىل العزل ِة ال راغباً فيها: ُ ُ شرِّ وصاحب املطعم يك عن أنيابة / «النادل سكران / ُ ُ وتبتسم للزبائن»!! الطاوالت/ فتقف السكاك ُني عىل ِ ُ صباح /وجدو ُه ميتاً ورأسه عىل أو يقول « :ذات ٍ انتصف ُ َ يسمع الليل / الطاولة /وفيام بعد وكلام ُ ضحكات عالية /يف أرجاء الحانة». السكارى ٍ شخصية مرسحية مخلوقة من نتف من السرية الذاتية ،وكثري من الخيال والخربة بالحياة والناس،كائن يفلسف العامل لنفسه ،أو يهدهد روحة الفائرة عىل تقبل الخسارة .ويف دواوين هذا الشاعر لسنا أمام
حكاء ،ليس يف النص روح حكاء بقدر ما فيه اقتصاد السيناريست أو كاتب املرسح الذي يضطر لوضع بعض اإلرشادات التي تعني عىل األداء البرصي ال أكرث.جرجس شكري يحبك قصائده كام يحبك املخرج مشهدا ً مرسحياً، ميتلئ برو ٍح عارم ٍة وهامس ٍة يف آن. مشهدا ً مكتنزا ً وفياضاً ُ ، وهو ُ يحبك مشهده كسيناريست محنك يستخدم الرس َد فقط فيام ينبغي له ،تاركاً الشعر يبدو وكأنه قيم ٌة مضافة ،أو بتعبري اقتصادي الشعر يف هذه النصوص هو فائض القيمة : «نحتاج حديقة تظهر مرة واحدة /وخشبة مرسح سوداء / ُ يتسلل منها الزوج وهو يحمل وسنفتح نحن نافذة واطئة / بعض الزهور السامة /آخر الليل /ميأل بها املزهريات الوهمية ويشكل فضا َء املرسح /يبتسم لزوجته /التي هي تصنع أطفاالً من الشيكوالته امل ّر ِة /وتأكل يف انتظاره ُ / رؤوسهم /يهدهدُ هو أطفالها ويرقصان /حينئذ تظهر الحديق ُة ومتأل النافذة /وهنا يأم ُر املخرج السامء أن متطر»!! ليس من الغريب إذن أن تقابلك هنا وهناك هذه املفردات :املشهد – املخرج – املرسحية – املشاهدون – الفيلم – صانع الصور – صورة شخصية – كوميديا – رومانتيىك – سيناريو – صباح داخيل – ليل داخيل – لقطة ...إلخ. سنالحظ أيضاً أن هذا الكائن يصبح موضوعاً لنفسه فاعالً ومفعوال به .وجرجس يستخدم يف سبيل ذلك تقنيات الصورة الجديدة بامتياز يغبط عليه ،وهو يحرك املشهد، أو يعيد تكوينه بالحذف واإلضافة ،أو يستخدم الكامريا التي تصوره بشكلٍ ميكّن من اغنائه عرب التأويل. مل يعد شكري ي ّعول عىل تكنيكات قدمية ،تنتمي للبالغة، كاستخدام الضامئر مث ًال لتأدية هذا الفصل والوصل بني الذات واملوضوع ،و عىل مستوى األداء اللغوي غري مشغول بالكلامت ،أي بجامليات اللغة أنه مشغول بجامليات الصورة ،مبا تفعله األيقونة وهى تخدش املخيلة ،مشغول بذات ما يف واقع ٍة ما ،مشغول بحبكة املشهد ،مشغول ٍ بالدراما التي ترشح بالشعر: ً يضع عىل مائد ٍة عظيمة /بيوتا بال «هكذا صار يحلم /أنه ُ سكان ،وأشجاراً عارية /يف حني اختفت األرض /قدما ُه ال
تذهبان /ومثة نار تفك ُر يف رأسه /ال تصدقوه /هذا ٌ رجل/ َ استيقظ من نومه فوجد املرآ َة خاوية». وبالرغم من اعتامد جرجس ،باألساس ،عىل شعرية املشهد أو فائض القيمة الشعري إال أنه ،أيضاً ،ال يفرط يف إمكانات اللغة ،خاصة ما يساعده يف التكوين والحبكة من االستعارات والكنايات ،والتي تبدو يف حد ذاتها كشوفاً صغرية مدهشة ،يقول: «يف الظهرية /سكاكني ترقص يف مطبخي /فتاة خائفة وتفاحة ال تفهم شيئاً» ،ورمبا يف هذا الديوان ،أكرث من الهم العام ،أو ما يسمى بالقضايا الكربى ،تتسلل غريه ،نرى ّ ُ إىل النصوص ،تدخل من صفحات اإلنجيل ومن الشارع يف نفس الوقت : ً ستفرح بك السامء /وتقيم / ا سيف رت واش مالبسك “بع كل ِ ُ مكتوب /ليس حسناً /أن ُيطرح املالئك ُة لك عرساً /ألنه ٌ الشعوب للكالب”. خب ُز ِ مثة مشهد مهدد دامئاً بالتحول ،مثة موقف ينزاح عن نقيضه أو طبقة يزيحها الكالم عن طبقة أخرى.ولغته وهى تفعل ذلك تقدم ما هو أهم ،إذ تضع الشك يف املشهد ،أو تصيب القارئ بالريبة من واقعيته أو فوتوغرافيته ،فيصبح مهيئاً النحر ٍ اف ،كثريا ً ماال يتوقعه !! جرجس يرى أن املجاز واالستعارة ال مينحان القارئ مساحة للتأويل ،ويشعر أن املجاز سجن املعنى ،لذا فهو ينحاز إىل الكناية فهي فلسفة املعنى ،ويبتعد عن االستعارة واملجاز «:أنا بخري /ومازلت ُ الكالب الضالة / ، أسال /هل تؤمن ُ ُّ وتعض من هل تنتظ ُر الخالص /هل تفك ُر /أم إنها تعوي استطاعت!» هذا التوتر بني النرثي والشعري من حيث اللغة ،وبني الفوتوغرايف واملجازى يف املشهد وبني التوقع وكرس التوقع لدى القارئ هو ما يصنع السحر يف نصوص جرجس .فبينام هي أليفة وقريبة ح ّد االبتذال هي يف اآلن نفسه مفارقة وشاطحة ومراوغة .إن شعرية النص ال تعتمد يف تجربة شكرى عىل اللغة إال كام يعتمد بالون بديع عىل خيط يثبته باألرض /الواقع ،خيط يهمله الرايئ دامئاً وهو يتأمل جامل النص !
فريد ابو سعدة
issue (8)- January - 2013
17
شعر وشعراء
طالل سالم
المتع ّدد في البناء الواحد
ٌ ملفت
لالنتباه تنوع الكتابة الشعرية يف الساحة اإلماراتية ،ال سيام عند الجيل الجديد الصاعد ،الذي يكتب يف النرث والتفعيلة والعمود .وملفت أيضا أن نجد البعض من أبناء هذا الجيل يخلص للكتابة يف شكل شعري واحد .فالشاعر أحمد العسم عىل سبيل املثال ال الحرص يكتب قصيدة النرث دون سواها ،والشاعرة شيخة املطريي تكتب قصيدة التفعيلة إىل جانب قصيدة العمود ،والشاعر طالل سامل يكتب قصيدة العمود حرصا .ويف الديوان الجديد “برزخ الريح” لطالل سامل الصادر مؤخرا عن اكادميية الشعر التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة .يظهر هذا التوجه بوضوح أمام القارئ ،فجميع قصائد هذا الديوان تنتمي لقصيدة العمود .وهو ما يعكس ذلك الوفاء يف الكتابة الشعرية لدى العديد من شعراء الشباب يف دولة اإلمارات. طالل سامل يف هذه املجموعة يحدد شكل قصيدته ولكنه يف الوقت ذاته يطلق لنفسه يف هذا الشكل فضاء شعريا زاخرا بالصور الشعرية والدالالت .ويتنقل بني بحر وآخر، ليقتنص النص الشعري بتمكن واقتدار الفتني ،وهو إذ يكرس نفسه كشاعر عمودي ،يعكس ذاك التأثر الكبري بالرتاث والزمن الشعري املايض .دون أن يقع يف ِ رشك التقليد أو التوأمة ،بل يتجاوز ذلك فيكتب قصيدته بلغة بسيطة وشفافة ال تجهد القارئ وال تجربه عىل البحث كثريا يف معنى العبارة أو املفردة عىل وجه الخصوص. وهذا بحد ذاته يشكل واحدا من أسباب متيز طالل سامل وحضوره يف املشهد الشعري اإلمارايت . ورغم تعدد مواضيع هذه الديوان الجديد لسامل ،إال ان للمرأة مساحة شعرية أكرب من غريها يف هذه املجموعة، بدءا من اإلهداء “إىل امرأة متثلت روحا أسكن إليها” 18
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
وصوال إىل عناوين القصائد ومضمونها ،ولذلك ارتباط كبري بذلك النفس العاطفي الطاغي عند سامل ،فالعاطفة هنا تساوي املرأة ،وتستمد منها ذلك النسق الشعري الشفاف واملؤثر .. نامي فال ٌ ليل سيغري وعدنا رسنا لنضيع يف الطرقات نحفظ ّ سنى نامي فال شع ٌر سيتلونا ً لنغيب يف املطر ّ املضل بحبنا نامي هنا روحا كأنا مل نكن ولعلنا ولعلنا ولعلنا .. نستشف من هذه األبيات ذلك الصعود نحو قمة الهرم الشعري البسيط وغري املتكلف ،الذي يتكئ عىل الصدق واملفردات الشاعرية كاملطر والسنى والحب وغريها .سامل الذي يتوجه بالوصف والتعبري إىل األنثى يف قصائده نجده أيضا متوجها إليها من خالل العناوين «نامي ،هدهديني، ِ سييل عىل الوردِ ، صباحك العيد ،أنا وبرزخها، ألنك الحياة، اغفري يل ،جميلتي» وسواها من القصائد التي قد ال تكون املرأة وحدها هي األنثى املخاطبة أو املوصوفة فيها .ففي قصيدة «قبلة البحر» يصف طالل سامل األنثى /الوطن ،حيث تتواىل األوصاف يف أبيات القصيدة إىل أن يفاجئ الشاعر قارئة بأن املوصوف هو الوطن .. اب هي الوطن ّ السال ُم عىل تر ٍ لىّ يشع بصوت من غ وفاها ّ ومن مد النخيل الصرب حتى تشرّ ب بالعطا ِء عىل ثراها هو الرمز املحيل الناس ذكرا من األشعار زايد مبتداها .. رص مضمونَها، الشكل الكالسييك لقصيدة سامل ال يحا ُ
الديوان :برزخ الريح الشاعر :طالل سامل الصابري (اإلمارات) النارش :أكادميية الشعر عدد الصفحات 112 :من القطع املتوسط
بقدر ما يعكس انحياز الشاعر إىل اإليقاع .فللموسيقى يف قصائد الديوان وقع خاص ،يحرض من خالل الوزن، كام يحرض من خالل القافية ،التي كثريا ما تنتهي بحرف الياء املسبوق بحرف آخر ،وكذلك بحرف األلف ،الذي تحدث نغام عذبا ،ال يزال الكثري من قراء الشعر واملهتمني به ينجذبون إليه .كام ان مفردات الشاعر يف هذا الديوان ال تبدو كثرية أو غزيرة ,ومن خالل القليل منها يستطيع كاتبها ان يرتجم ما يريد يف عدد كبري من األبيات والقصائد .وهنا تبدو قوة التعبري والتصوير هي السبيل للنجاح و الوصول إىل ذلك .وما يربهن عىل محدودية املفردات هو ذلك التكرار للعديد منها ،فمفردة الريح عىل سبيل املثال تتكرر يف العديد من القصائد ،ويبدو أن الشاعر تقصد ذلك ،فالريح هي املفردة الحارضة يف عنوان املجموعة ،وال شك أن الشاعر يستعيدها يف قصائده ليعرب عن طقوس فكرته وديوانه الشعري بوجه عام . لك الريح كم م ّرت بنبضك ها هنا تزيح عن االحالم بعض حنينها لك الروح هل حانت عجافة برهة تلملم عن صمت الظنون حفيفها لك األمنيات السمر أبحرت بعدها وحيدا وخويف ال يروم أزيرها .. إضافة إىل وقع املوسيقى املتأيت من القافية عرب حرف
األلف كام سبقت اإلشارة ،وعرب الوزن ،نجد وقعا آخر يولد من عامل التكرار كام يف مفردة “لك” التي تتكرر يف بداية كل بيت ،وأيضا من تقارب الحروف يف الكلمة الواحدة كام يف مفردة “ريح” ،يف البيت االول ،ومفردة “روح” يف البيت الثاين .كل ذلك يربهن عىل ولع الشاعر بااليقاع الذي يقف إىل جانب الفكرة ليؤسسا معاً جملة شعرية الفتة قادرة عىل ان تشكل بناء ثري الدالالت والتعابري . يبدو طالل سامل يف هذا الديوان حريصا عىل تطوير أداوته ،عرب حفره عميقا يف أرض املعنى ،وصوال إىل إيجاد كل ما ميكن أن يحقق له التعدد الشعري ،والتنوع يف طرح األفكار من اجل الولوج إىل املعنى املغاير واملختلف عن ما أنجزه هو نفسه يف السابق ،فهو يف “برزخ الريح” ينبئ عىل مساحة شعرية جديدة أنشأها ،وقد تكون منطلقا نحو أعامل جديدة قادمة ميكنها أن تقفز عىل أسوار النمطية يف الكتابة الشعرية .فالشاعر ال بد أن يتفوق عىل نفسه يف أحيان كثرية ،وأن ينجز الجديد والحديث دامئا .وهذا ما يحاوله طالل سامل ،فاملتابع لكتاباته يلحظ ذلك التطور املتواصل بني عمل وآخر بل حتى بني قصيدة وأخرى عبدهللا ابوبكر
issue (8)- January - 2013
19
شعر وشعراء أمجد ناصر
الشاعر في بالد ماركيز الكتاب :رحلة يف بالد ماركيز الكاتب :امجد نارص (االردن) النارش :مجلة ديب الثقافية عدد الصفحات 140 :صفحة من القطع املتوسط
ألمجد
نارص وجه آخر غري الصحايف والشاعر ،هو واألقوام األخرى « :يبدو أن التشابه بيننا ،كعرب ،واألمريكيني الناثر الرحالة الذي كتب عدة كتب يف الرحالت الالتينيني ،أكرث مام اعتقدت قبل أن اقوم بهذه الرحلة. ضمن سياق تدويني لتأمالت يف املكان والبرش والطقوس املصائر السياسية ،الفساد ،العسكر ،التوق إىل الحرية ،هذه واأللوان وتقلبات الجغرافيا والتاريخ.لدى قراءة ما دونه امجد أمور متشابهات .لكن ،ايضا ،هناك تشابه لجهة تشكل نارص من نرث يقف املتابع عىل شاعر مأخوذ بالتفاصيل التي املجموعات والتيارات األدبية والتأثر بالحداثة الغربية، يف تهرب من الشعر من ناحية،ومن ناحية ثانية هناك شغف مع فارق أن اللغة االسبانية تضع الذين يكتبون بها عىل مديح املكان له عالقة بداء شخيص يعود اىل الجينات البدوية متاس حتمي مع ما يحدث يف الساحة األوروبية عىل صعيد لدى الشاعر الذي يرى العامل فسحة كبرية عىل شاكلة البادية التعبري األديب والفكري .انها لغة اوروبية». التي رضع حليبها وفتحت عيونه عىل آفاق بال حدود ،واهدته يبدأ الكتاب من مدينة «مالفي اإليطالية ..املدينة املعلقة: ملكة السفر. الجبل ليس سهال» ،وهنا يضع الشاعر مدينة سكنه عندها التوقف تستحق نرثية كتب عدة نارص اصدر امجد لندن كمكان عىل بساط املقارنة بدءا ً بالطقس والعادات كمنجز اضايف رسدي للشاعر املثابر عىل االرتقاء بقصيدته طيلة واحرتام الوقت ،ولكن املقارنات تذهب كثريا نحو العرب اكرث من ثالثة عقود،ولكن هذا املنجز يجري املرور عليه برسعة وااليطاليني الذين كانوا يراهم يتوقفون يف املواقع السياحية شديدة ،وهذا نوع من االستخفاف العريب بالنرث الذي هو االردنية ،الرومانية ،ويالحظ« :لسنا وحدنا من يقف أمام «فضاح الشعراء » عىل حد تعبري الجاحظ ،يف حني ان الثقافات األطالل لكن مع فارق واحد ،رمبا ،هو اننا الوحيدون األخرى ال تفصل بني القصيدة والكتابة املوازية ،ومن الذين نبيك عليها» .وهو ال ينىس الشعر يف هذه الرحلة كتب امجد نارص النرثية املتميزة «خبط االجنحة» وهو عبارة الذي هو السبب ليتعرف اىل الشاعر االمرييك ذي االصل عن سرية يف الرحلة بني لندن وبريوت« ،بريوت صغرية بحجم االيطايل لورنس فريلنغيتي الذي اقام لفرتة يف طنجة وعرف اليد » عن تجربته يف حصار بريوت سنة ،1982ورواية «حيث العرب،ويكون اللقاء فاتحة ليك يتقىص الشاعر االردين حول ال تسقط االمطار» التي حظيت باستقبال نقدي الفت. منجز هذا الشاعر الذي كان من جيل «البيت» االمرييك عن متعة كتابه النرثي الجديد «رحلة يف بالد ماركيز» ال يقل الذي كان من أبرز رموزه آلن غنيسبريغ. كتاباته النرثية األخرى،ولكنه يسافر بالقارئ اىل بالد صاحب يبدو القسم الثاين من الكتاب اكرث تشويقا بالنسبة للقارئ مائة عام من العزلة وخريف البطريرك والحب يف زمن الكولريا .العريب الذي يريد أن يرى بالد ماركيز بعيني رحالة عريب ومنذ العنوان تبدأ عملية التشويق بالنظر اىل املكان الذي من طراز ثقايف ،وال يبخل امجد نارص يف تقديم كمية من يشغله ماركيز يف املخيال العريب ،وهو مكان واقعي ولكنه التفاصيل التي تنعش الذاكرة وتحيلها اىل روايات ماركيز بيننا سحري،إال أن امجد يذهب يف البداية إىل زوايا التشابه وابطاله وامكنته األثرية ،باالضافة اىل كل ما تعج به كولومبيا وبني شعوب تلك البلدان ،وذلك جريا عىل منوال اجدادنا بلد الكاتب من متناقضات ،من الرسم اىل تجارة املخدرات الرحالة العرب،الذين كانوا يقيمون مقارنات وافية بني العرب واالغنية
20
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
يعرتف عيل العامري ان يف مجموعته الجديدة :مثة تأكيد يؤرش عىل انحسار حقيقي يطال كل ما يتعلق بشؤون القلب، وهي إىل ذلك مجموعة تتلمس أسئلة الحب وتحاول معايشته من خالل القصيدة مجددا ،ولكن ليس تحت يافطة مفهومه الرومانيس القديم. املجموعة الجديدة وهي الثالثة بعد «هذي حدويس ،هذي يدي املبهمة» ،و«كسوف أبيض» تتض َّم ُن قصائد للعديد من حاالت الحب وتجلياته كام هي يف صورة القلب ،من خالل أبجدية تتوقف عند عالقة اإلنسان األوىل بالحب ،ومن خالل فهم يرى أ َّن كل الحضارات القدمية والجديدة بنيت بيد الحب، وأ َّن العاشق كان يبني ملعشوقته ،وأ َّن كل خلق جديد هو خلق بفعل الحب مبفهومه الشامل والعميق .وحيثام جال القارئ بني ثنايا املجموعة فإنه يقف اما صورة العاشق الذي يتابع تفاصيل االنثى يف ذاتها ويف تحوالت الوقت واملكان من حولها ،وليك يضعها يف مصاف مرتفع فإن الشاعر يؤثث العامل باأللفة .مثة وجد يكرب من قصيدة ألخرى ويتجدد مع انثيال قاموس ثري ال ينضب يف تعزيز الحال العاشق وهو يتنقل بني لحظة وأخرى. عيل العامري يبدو معامريا يف ديوانه الجديد،اشتغل بهدوء عىل بناء عامرة رسدية مركبة يشغل فيها املنظور التشكييل حازم العظمة
عربة أولها وآخرها الشعر الديوان :عربة أولها آخر الليل الشاعر :حازم العظمة (سوريا) النارش :دار رياض الريس عدد الصفحات 180 :صفحة من القطع املتوسط
“عربة أولها آخر الليل” هي الثالثة للشاعر السوري حازم العظمة بعد مجموعتيه «قصائد اندوميدا» و «طريق قصرية إىل عراس» ،والصادرة حديثا عن «دار رياض الريس» مجموعة مفتوحة عىل مخيلة ترصد التبعرث والفوىض ،لكنها مرتابطة ضمن رؤيا موحدة ميكن النظر اىل كل قصيدة منها باعتبارها ومضات برقية قصرية مستقلة عن بعضها البعض ،لكن ثنائية ضمري املتكلم أنا/أنت تشد الخيوط املبعرثة داخل التجربة، حيث يتكرر خطاب األنا نحو اآلخر-مفردا وجامعة يف لون من
علي العامري
نعمة الغنائية الديوان :خيط مسحور الشاعر :عيل العامري (االردن) النارش :ابداعات عدد الصفحات 200 :صفحة من القطع املتوسط
دورا خاصا ،يف حني ان الغنائية تضفي عليها ضوءا.يف هذا الديوان الذي يهيمن عليه بنية املشهد الشعري يحاول الشاعر ان يتجنب االنجرار وراء ما هو مكرر ومألوف يف اسرتاتيجيات كتابة قصيدة التفعيلة كاللجوء اىل الرموز واالستعارات البعيدة، بل تظل اللغة صافية ومتقنة تنطلق من اسلوب شخيص متفرد. ويالحظ يف الديوان طغيان املشهد الشعري ،الذي ال يتحول بالرضورة اىل حكائية ،وهي جزء من القصيدة الغنائية الحديثة التي تخلت عن غنائيتها التقليدية ونزعتها التطريبية القدمية واصبحت بؤرة اللتقاء سيل من االجناس االدبية والفنية وجامعا تناصيا لعنارص اللغة واالسلوب والداللة الثقافية واملرجعيات الداخلية والخارجية وغري ذلك الرتاسل املتصل. العظمة شاعر ستيني عارص اكرث من جيل شعري لكنه ظل خارج التصنيفات ،ومل يقرتب من الشعر يف صورة جادة إال يف العقد األخري ،ورمبا يعود ذلك النشغاالت العمل كطبيب جراح،ولكن حني ثابر عىل الكتابة متكن يف زمن قصري من ان يرسم لنفسه مسارا خاصا غري متحرر من سطوة أجواء الجراحة عىل نصه ،رغم اجتهاده الخفاء ذلك وراء اسلوبية تعتمد التخفي وراء روح من الفوىض املدروسة،حيث تتناسل الصور الشعرية من بعضها البعض ،األمر الذي مينح القصيدة ايقاعا وتجانسا وتناظرا عىل مستوى التكوين يف انساق التوازي وتكرار األجواء. والشاعر هنا يلعب عىل لون من املواربة والالمبارشة. يبدو الوجه الظاهر من صور ديوان حازم العظمة وكأنها تبحث يف عامل صويف عن مطلق أو هاجس يعيد التوازن إىل ذات قلقة وعطىش ،وتظهر جلية يف القصائد لعبة االفعال والصياغات واملفردات issue (8)- January - 2013
21
شعر وشعراء عبداهلل رضوان
شعرية المدينة المقدسة الكتاب :القدس يف الشعر العريب الحديث املؤلف :عبد الله رضوان (فلسطني) النارش :دار الخليج للنرش والتوزيع ،عماّ ن.2012 ، عدد الصفحات 86 :من القطع املتوسط.
يتناول
الكتاب متثالت الشعر العريب ملدينة القدس ،التي ظلت بكل تجلياتها غائبة أو مغيبة عن خريطة الشعر العريب بعامة ،وهو أمر له مربرات شكلية أولية تتمثل يف أن القدس مل تكن يوماً ٍ تفاوت يف عاصمة سياسية يف مجمل التاريخ العريب ،مع هذا األمر بني دولة وأخرى. فبحسب الباحث ،وصل االهتامم بهذه املدينة ذروته يف زمن صالح الدين األيويب ،رغم أنه ظل يف الشعر العريب شكلياً .ثم تراجع بعد ذلك حتى منتصف القرن العرشين. يرصد الكتاب صيغ التمثالت الشعرية ملدينة القدس وتحوالتها يف الشعر العريب الحديث ،ومنها التوظيف األسطوري والتاريخي والديني ،حيث نجح اليبوس ّيون يف بناء حضارة كنعانية سنة 3500قبل امليالد ،وقد متحور منجزها حول مدينة “يبوس” /لقدس ،وقد وصل رقي هذه املدينة إىل بناء منظومة ميثولوجية خاصة بها وبحضارتها اعتمدت عىل عدد من اآللهة ُعرفت الحقاً باسم “شجرة اآللهة الكنعانية” ،واستمرت فاعل ًة حتى جاء التوحيد فبدأ حضورها يرتاجع حتى تالشت. يشري رضوان إىل أن عددا ً من الشعراء استحرضوا حديثاً هذه الشجرة التي تحولت إىل جمهرة من األساطري الكنعانية ،بهدف التأكيد عىل عروبة القدس يف مواجهة محاوالت تهويد املدينة ورسقة تراثها ،ومن ذلك قصيدة الشاعر سميح القاسم “أ َخذَة األمرية يبوس”: «يا إيل املقتدر عىل الرغباتُ /م ٌّر ٌ ولبان وبخور /وحدائقُ نور /يا إيل القدُّ وس /أمري ُة مدنِ الدنيا /ونسا ُء األرض يبوس». وإىل جانب البعد األسطوري ،استخدم الشعراء أيضاً البعدَين التاريخي والديني ،ومن ذلك قصيدة “يف
22
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
القدس” ملحمود درويش« :تنبت الكلامت كاألعشاب من فم أشع ّيا النبوي /إن مل تؤمنوا لن تؤمنوا». وكذلك قصيدة “يف القدس” للشاعر متيم الربغويث: ُ التاريخ مبتس ًام /أظنن َْت حقاً أن عينك سوف “وتل ّف َت تخطئهم وتبرص /غ َريهم /ها هم أمامكَ /متنْ ُ َن ّص َ أنت ٌ حاشية عليه”. ميل بعض الشعراء إىل إحداث حالة من يؤكد الباحث َ االندغام والتذويت بينهم وبني املكان الذي يتحدثون عنه ،بحيث ميكن القول إن قوة هذه الحالة هي التي تتحكم يف درجة التعبري الشعري وآلياته ،وهي تزداد تو ّهجاً كلام كانت التجربة حقيقية ،حيث يلتقي الصدق الفني مع الصدق املوضوعي ،ومثال ذلك قصيدة “عىل كتف القدس” للشاعر يوسف عبد العزيز: كتف القدس/ «يف ذلك املوقع املرتفع من سامء البالد عىل ِ ميكن للمرء أن َ يتأمل بطنَ السحاب /وهو مير عىل الرسو/ أبيض أبيض مثل الحليب /ويعلوه بعض الن َمش». الكتاب الضوء عىل عالقة اإلنسان الفلسطيني يلقي ُ بالقدس ،وهي عالقة خاصة ،ألن املحتل هو الذي يتحكم بها يف الحياة اليومية ،وقد التق َط الشاعر الفلسطيني راشد حسني جوه َر عالقة القامع باملقموع من خالل قصيدته “القدس والساعة”. ويف جانب االفتخار والتباهي باملكان املقديس ،يحلل الباحث تجربة الشاعر املتوكل طه ،بينام يأخذ تجربة درويش مثاالً عىل املدينة كمرجع لقول هموم الشاعر وتقديم رؤيته ،فيام يقف عند تجربة الشاعر هارون هاشم الرشيد للداللة عىل النظرة اإلنسانية الحزينة ملدينة القدس
هيا صالح
عبداهلل العسري
النص الغائب عن اللوحة
الديوان :يد ال ترسم الضباب الشاعر:عبدالله العرسي (املغرب) النارش :دار “أرابيسك” للرتجمة والنرش يف القاهرة عدد الصفحات 83 :صفحة من القطع املتوسط
هل
تستطيع القصيدة كتابة اللوحة الفنية؟ هل مبقدور اللغة أن تجعل من لعبة الضوء واملجسامت واإلطار شكال فنيا قابال للقراءة والتأويل؟ يك أمكن للحواس أن تحفر عميقا يف خبايا اللون واملادة يك تشكل معرضا مفتوحا ضم « 10قصائد» وسمت ب«يد ال ترسم الضباب»؟ يف ديوان الشاعر عمر العرسي الصادر عن منشورات أرابيسك املرصية إعادة تشكيل عالقة الشعر بالتشكييل. فمن خالل القراءة {تتحول اىل }vernissageيتحول السفر يف القصائد اىل تلمس افرتايض لقصائد معلقة عبارة عن إطارات محمولة عىل الجدار /البياض .وبني «اليد» و«العني» مساحات جاملية متألها «حواس اللغة» يك تجعل من ألق الصورة شكال «أدبيا» قابال للقراءة. يف قصائد الديوان محاولة يف تلمس ثنايا املادة والضوء وظالل األلوان ،إرصار عىل محاولة القبض عىل تلك الومضة السحرية وهي خليط من «وحشة األلوان» و”أرسار الحياة” عىل كتابة «لوحتها الفنية الخالصة» ترسم مبلفوظها ،بحواس اللغة الذي يتدرج تركيبا ودالالت وصورا شعرية .لكنه يف األساس يحاول تجريب كتابة أخرى «غريية» ال تحرض يف اإلطار وال يف بناء النص .إمنا كتابة غائبة تقرتب من النص الغائب ليميس حقيقة النص الشعري ولوحاته .وهو ما يعني أن «اليد» ال ترسم ضباب متعة اللون واملادة بل تكتب نصا شعريا مجسام /ناطقا بتفاصيل تنأى اللوحة املرجع أن تكونه .وتحاول القصيدة غري ما مرة اإلعالن عن حواريتها مع هذا املرجع /اإلطار، إما عرب استدعاء «أعالم» من الشعر أو الفن أو من خالل االنفتاح عىل مكونات اللوحة األساس .ويعمق هذا
البحث من محاولة الديوان أن يوحد أفق رؤاه حول فكرة دالة تحفزه عىل بلورة ما تبقى من خالل القصائد العرشة.. تعيش قصائد الديوان «غربة اللون» وهي الغربة التي تتقاطع مع غربة الشاعر ،كالهام يتلمس الضوء يف اإلطار. فسواء اختار الشاعر أن يرسم قصيدته ويؤثث اللوحة من ديدن اللغة أو انحاز لفرشاة تقودها الحواس يك تشكل «املادة» فإن األفق يظل محاولة الشاعر النفاذ اىل تلك املساحة البيضاء يك ةيكتب نصا «معرفيا» يستطيع من خالله القارئ أن يشكل وجهة نظر من العمل الفني .وهو ما يعيدنا اىل افرتاض مفاده أن الديوان أساسا يستلهم فكرة تحوير فعل القراءة اىل مفتتح تشكييل أشبه بزيارة معرض للرسم .ومبا أن «اليد» هي الجامع بني هذا وذاك، سواء فعل الكتابة أو التشكيل .فإن القراءة البرصية ما تلبث أن تتحول هي أيضا اىل محاولة ثانية إليجاد تقاطع مفرتض بني ما يشكل عىل البياض شعرا أو لونا ومادة. وعىل هذا األساس ينبني ديوان الشاعر عمر العرسي يف محاولته كشف سامت تقاطع الشعري والتشكييل ،وندرك اهتامماته الشاعر النقدية ومحاولته إرساء لديوانه الثاين مرجعا معرفيا أعمق بكثري مام فعل يف باكورته األوىل. ولعله من املفيد التذكري اىل أن القصيدة املغربية الحديثة اليوم قد تجاوزت يف كثري من تجاربها بعض إواليات األسئلة املتعلقة بحوارية ما لبعض األجناس .ولرمبا أضحى الشاعر املغريب اليوم مياال لتأسيس اختالفه أو لعله ركون اىل محاولة استدعاء أسئلة معرفية عميقة لنصوصه .ولو أن السؤال ومركزيته أبعد من هذا املنحى عبدالحق ميفراني issue (8)- January - 2013
23
شعر وشعراء فوزي باكير
استدانة القصيدة وإعادتها ناقصة الشاعر :فوزي باكري (االردن) الديوان :حني تلفت النهر دار النرش :األهلية للنرش والتوزيع عدد الصفحات 152 :من القطع املتوسط
تعاين
القصيدة يف املجموعة الشعرية األوىل للشاعر فوزي باكري «حني تلفت النهر» من مشكالت يقع فيها الشعراء غالبا يف ديوانهم األول ،فنص باكري يظهر متأثرا بشعراء عايشهم ،وتبدو الجملة لديه عسرية طويلة تقطع األنفاس؛ محتشدة بالجمل املوصولة املركبة .يف عنوان املجموعة تظهر مالمح تأثر باكري بتجارب شعرية عايشها ،فيعنون مجموعته بـ «حني تلفت النهر» يف الوقت ،الذي كان الشاعر األردين حسني جلعاد كتب يف قصيدة بعنوان «مفرتق» قال فيها« :حني م ّر النه ُر
َ والتفت إىل ورد فستانك.»... قربنا
بعيدا ً عن ذلك ،يبدو باكري متأثرا مهجوساً بقصيدة الشاعر األردين زياد العناين .مالمح التأثر تظهر يف كثري من نصوص املجموعة ،ففي قصيدة بعنوان «حدائق الطاغية» يقول العناين:
«إنه ال يبتسم/وبنا ُ ألف رغب ٍة تو ُّد أن تجرح فمه/.أيها الناس: فم/وأن متثالها/إذا تبسم/ كيف فاتكم أن الهيبة ولدت بال ٍ ينكرس!».يصنع العناين يف تصويره االبتسامة -حقيقة الفرح-
بالجرح يف الوجه ،حالة صلبة قاسية لصورة الطاغية ،فيام يستعري جرح خلفه باكري الصورة نفسها بومضة راكدة « :البسمة..؟ٌ / الفرح يف الوجوه /ومل يلتئم بعد ،»..وكأن باكري هنا يستدين القصيدة من العناين ويعيدها ناقصة. ويف قصيدة حملت عنوان مجموعة العناين الصادرة عام 2000م «خزانة األسف» يقول العناين« :للناس مراياهم /أما العميان/
فرتشدهم/عكازة األصوات».
فكرة العمى ،والعكاز عني األعمى ودليله ،يأخذها فوزي باكري
كاملة ،ليقول يف مقطع من قصيدته« :العكازة /ليست قندي ًال/ يشق لألعمى/ظلمة الدرب /نحو مجهوله/،إمنا غصن يشده من كفه.»..
يواصل باكري تأثره بالعناين ،وال يكتفي باستعارة الصور والجمل الشعرية «العنانية» ،بل يذهب إىل أخذ تكنيك بناء القصيدة عنده ،ففي قصيدة للعناين يقول فيها« :ثمََّ َة خلل/أيها الرساب/ رمبا هو يف عيوننا/فأين أنت يا مش َفى العيون» يقول 24
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
باكريٌ : »خلل ما /اصاب العني/،رمبا/فاض الضوء عن حاجتها/ أو نقص.»..
إن األدب العريب القديم اهتم بالرسقات األدبية للحد الذي ألف فيه القايض عبد العزيز الجرجاين كتابه «الوساطة بني املتنبي وخصومه» ،وكذلك كتب اآلمدي مؤلفه «املوازنة بني الطائيني» ووجها يف مؤلفيهام تهمة الرسقة لكل من يَظ َهر عىل نصه تأثرا ً بنص غريه ولو بسيطاً أو شكلياً .وإذا كان النقد األديب القديم صارماً إىل هذا الحد ،فإن التناص الذي قدمه الشكالنيون الروس، أوجد صيغة لتأثر النصوص الشعرية ببعضها ،إال أن التناص برر ذلك عىل مستوى املعنى الشعري ومل يربره عىل صعيد املفردة. لذلك ال يجدي تفسري التأثر ،الذي أصاب قصيدة باكري ،بأنه شكل من أشكال التناص ،التي يتذرع بها الكثري من الشعراء ليربر ٌ سطوهم املمنهج عىل تجارب غريهم ،قد يبدو تأثر باكري بالعناين كأب تابع تجربته ،وكان شاهدا ً طبي ًعيا ،إذ يبدو بالنسبة لباكريٍ ، عليها .لكن ليس التأثر وحده ما تعاين منه مجموعة باكري ،إذ يقع أيضا يف شرَ ك عرس صياغة الجملة الشعرية ،فيهوي مرة يف استخدام األسامء املوصولة التي تقطع نَفس القارئ ،وتتعب الفكرة ،ومرة يكتب جملة غري مكتملة ،كأن يبدأ جملة رشطية ،يحضرُ فيها فعل الرشط ،ويغيب عنها جوابه ،فتصري الجملة عامئة غري ممسوكة من طرفيها. فيستخدم يف مقطع شعري مل يتجاوز عدد مفرداته خمس وعرشين مفردة ،أربعة جمل موصولة ،ليوصل أول الفكرة بآخرها، فيقول« :الضباب/الذي َّ حط عىل األرض /وأخفاها /هو ذاته/
الذي كشف /رس امرأ ٍة /اختبأت خلفه /يك ال أراها /تعري/ هذا البياض املالح /الذي ض ّلل نافذيت /ذات ماء.»...
ويف مقطع آخر يبدأ باكري جملة رشطية بفعل الرشط ويرتك لك/ الجملة بال جواب ،فيقول« :كلام نقش الضوء /صور ًة أخرى ِ وخ َّبأها كتاب الشعر/يف قميص إحدى القصائد ،»..وينهي بـ «القصائد» ،فتظهر الجملة وكأن نصفها اآلخر سقط يف الطباعة محمد أبوعرب
نصوص
محمـّد علي شمس الدين
عاطف بن مبارك
إدريس علوش محمد أحمد بنيس
ابراهيم قازو خالد عبد الرؤوف الجبر عبدالمجيد التركي
محمد منصور ماجد رقيبة
issue (8)- January - 2013
25
نصوص
محم ّـد عيل شمس الدين يوم األحد الواقع فيه صمتي
“إىل أيب حامد الغزّايل يف مح ِن ِه العظيمة” ماذا بيدي؟ ماذا ْ أفعل؟ هل يومي بيدي وغدي...؟ يوم ّيايت نافلة وقدمي ْه لكنْ َمنْ خ ّولني ْأن َ أفصل اللحظات املعدوم ِة بني ِ والالمعدومهْ؟ ما داَ ْ مت أيامي هَ ْلىك ُس ُفني َغ ْرقى يف البح ِر وساريتي يف القاعْ ُ سيكون ْ إذن بيدي؟ ماذا ِس ّيانِ ُ النائم أكنت َ أم ُ كنت الصاحي َخ َذلتني الرؤيا ،وصباحي كف ْ لت من ّ أَ ْف َ الليل النوم قلي ًال َف ْ ألخرج من بني سيوف ِ حدق يف هذا ْ ُوأ ْ الويل يف الجه ِة الرشق ّي ِة من غرفة أحوايل ُ الغربان) (حيث صنوبر ٌة تنشط فيها ويف الجهة الغرب ّية (حيث ّ الشط ُان يع ّذ ُبها سوط املوج) ِ أحد ُّق بني هنا وهناكَ َ رس البح ِر ألعرف ًّ
26
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
رس الشجر ْه و َّ الباب د َُّق ْ ُ اب الوقت رس ْ يو ُم األح ِد الواقع تقريباً في ِه صمتي ُ آليت بأن (منتق ًام من هذا العاملِ) أخرج من بيتي لن َ َف ْل َي ْبقَ الخارج يف الخارج ُ ُ ْ الداخل والداخل يبقى يف وأنا بينهام كاملرتاب أتأرجح ْ ُ هل ُ النوم ِأم اليقظ ْة؟ أدخل يف ِ ِح َييل َشتّى :ب َ ني التحديق
اف املوسيقى اف األشجا ِر وأطر ِ بأطر ِ اف السيلْ والتحديق بأطر ِ ِ كلامت غامض ٍة يأيت يجرفني مجرى من ٍ أتبعها حني تؤرقني األفكا ُر ُ ُ ُ ومجراها يبدأ من أذين ويدحرجني فيه فأصحو.... ما هذا ُ األرق الدهريُّ الوسواس ُ ّاس الخن ُ ُ باألنفاس اآلخذ ِ ومنام وطعام كالم ٍ ٍ القاطع منّي كل ٍ املوج؟ يف رأيس ينمو كهدير ْ ماذا يشغلني ْ اآلن؟
الرب تشغلني هذي اللحظة من أيام ّْ يل حق يف ْأن ُآخ َذ منها بنصيبي بعض نصيبي سبعون من السنوات تساوي أيام حبيبي َ خمس دقائقَ من ِ َ كيف ْ إذن أتد ّبر أحوايل فيها؟ ق ّل ُ بت األمر عىل أكرث من وج ٍه واح ْد وبدا يل أ ّول ما يبدو يل ْأن أغفو سنوات ال َع َّد لها ال ُأحصيها كانت يقظ ُة أحالمي فيها
issue (8)- January - 2013
27
نصوص
حتى ُ كدت ُأ َج ّْن تتدافع يف بايب أسئلة وجموع طيو ٍر عميا َء حشود ال ُ أعرف َ كيف تناس َل منها ُّ الشك إ َّيل َ ُفأ ُ وشك ْأن أهْ وي َ تحت األنوا ْء فاليقظ ُة أغر ْتني حتى ُ قاع سفينته رصت ّ كبحا ٍر يسقط يف ِ الريح و ُتح ِّر ُك مجدافي ِه ْ كنت ُ وقدمياً ُ سألت عن الجدوى النوم (وأعني َ املوت) يف ِ أيام فهل أقيض خمس دقائقَ من ِ الرب ْ إذن يف ْ املوت؟ ّ ُ سيكون ْ إذن تبذير يف النعم ْة وولوج يف ُ الخرس ْان وأزح ُت بك ّفي هذي الفكرة عن رأيس ْ أبرص كيام ْ (كانت خصلة َش ْع ٍر تؤذي العين ْني ) ُ ووقفت أحد ُّق يف خمس دقائق من أيامي و ُتحد ُّق يب ماذا ْ أفعل؟ َقدَري شك كنت ُ أحس الجوعَ بدات ُّ وشدّتني َر َغ ٌ َف بات شتّى نحو الس ِري بال هَ د ٍ الناس ومخاطبة ِ وإيتا ِء ذوي القرىب حلقات ال ِذ ْك ِر يف ِ الرغبات املدفون ِة وإيتا ِء ذوي ِ كاألشجا ِر عىل البلوى
28
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
العشق ،وما أدر َ اك، واستئناف ِ ِ عىل األرصفة الصغرى ووجدت ّ ُ السعي هنا سعيي بأن ّ ال َجدوى مل ينف ْعني يف يش ٍء ُ إ ْذ حني أخذت إنايئ املغلق َ بني يديَّ ُ ُ وجدت املا َء أصب املا َء عليه ورصت ّ مىض ه ْدرا ما َن ْف ُع املا ِء املتد ّف ِق فوق إنا ٍء ُمغلقْ ؟ أفكا ٌر عاطل ًة زمن أخرقٍ يف ٍ مقلوب وإنا ًء ْ ماذا بيدي؟ ماذا ْ أفعل كنت رشيداً أخبط فوق الرمل بأساميل يذوب املوج ُ غسقٌ فوق ِ يروب وحرب البحر ُ عىل َز َب ٍد فوق الصخر ْة وأنا ُ لست بص ّيا ٍد يحمل صنّارت ُه أو يلقي فوق املوج شباكهَ القاع أيب فالس َم ُك الغائز يف ِ ُ والسمك الدائخ منه ُ فوق املوج أخي فلامذا أصطاد ْ إذن َج َسدي؟ وأنا طفل يحبو نحو املا ِء يحاول ْأن يلفظ حرفاً الكلامت األوىل هجي ِ و ُي ّ ولعل بهذا البحر جباالً ّ َ ومسالك ال يعرفها إ ّال الغ ّو ْ اصون ّ ولعل به ْ وخيال غف ما يشبهني من َش ٍ ولعل به ُس ُفناً ّ
اكب ما زالت يف َسف ٍر ومر َ وعليها نوت ّيون سكارى وقر ٌ اصنة ج ّو ْ ابون ّ القاع ولعل كنوزاً يف ِ يحيط بها رَهْ ط من ْ جان وجنودٌ من َم ْرْ .... جان أميش وهواء الشاطئ يحمل يل امللح أنفاس ِ وأشال َء املوسيقى مفتوح صدري ٌ ويداي ّ مرشدتانِ بال مأوى ال شيَ ْ َء سوى النجوى شرََّدين هذا الدّور ُان وقلبي كالدوالب يدور معي ويعانقُ منْ أهوى ال ّ شط وال مرىس
عص ْ ريح كم َ فت ٌ َوتواىل رعدٌ بعد الربقِ ُوأغ ِد َق من مطر حويل وأنا أميش أ ْل ٌف سحاب السنوات مت ُّر كم ّر أ ْلفانِ من ِ ٍ فوق ال َغ ْم ِر ال َغ ْم ُر يحدّق يف وجهي وأنا يف وجه ال َغ ْم ِر كساريتني معاً يف ُف ْل ٍك يتأرجح كالسكر ْان ومعاً منيض ْ الشطآن يف رحلتنا املجهول ِة نحو أحياناً أشعر ّأن البحر أس ٌري يف ك ّفي كالعصفو ْر الرب أيام ِّ ولخمس دقائقَ من ِ الشع َر صب ّيا أعد ُْت ِ
issue (8)- January - 2013
29
نصوص
الشيب غا َد َرين ُ وسبعون شتا ًء وخريفاً َ سقط ْت خلفي وتكاد عظام املوىت تنهض حني أك ّلمها من َف ْرطِ الشوقِ الص ْف ِر تقاويم التكوينْ ُ ُ وترجع نحو ِ وبدات ْ ُ بأن: ج ّم ُ عت نوارس أربع ًة ُ كانت تختال عىل َمهَلٍ ُ فرضبت بهنّ يدي أربع ت ّال ِت البح ِر فتنا َث ْر َن عىل ِ كفي وعُ د َْن بأمر ّ الرب إىل ّ وم َر ْج ُت بهذا َ ذاك وذاك مبا ال ُ َ يدرك ِمنْ ات األزمانِ َف ْي ِض إشار ِ ُ أخذت عصا
30
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
وش َق ْق ُت بها جل َد البح ِر ليك تعبرُ َ بني الجبلني جنودي وأ ْ رش ُت ملن ماتوا ْأن قوموا متاس ْك وملن أنهكه الدا ُءَ ، وملن غ ّيبه الظنُّ َ تعال ْ فيكون و ُكنْ ... الرب أرض ِّ نبي يف ِ وكمثل ّ ُ غفوت هنا ملء جفوين عماّ ْ تروون ُ أسدلت ستائ َر أسبايب وتركت َّ الشك صب ّياً ُ يلهو ويدب عىل بايب ُّ ..... هذي كلاميت ْ حرضت عند الفج ِر متاماً عند صال ِة الفج ْر ُ الغرب كنت وق ْف ُت عىل رشفة بيتي من جهة ِ وكنت ُ ُ سألت البح َر إذا ما كان سيسمح يل ْ أسمع َ املوج وأن َ صوت ِ ْ وأن أصغي لرص ِاخ طيور البح ِر ات ال َغ ْرقى وأ ّن ِ وشعرت ّ ُ بأن البحر استسلم يف راح ِة ك ّفي َ ال ُ أعرف هل أطل ُق ُه كحامم أم اتر ُك ُه يغفو ٍ تعب؟ ُم ْ
َ الغوث ففاجأين ورج ْو ُت الباب وتسلل نحوي ضوء من ثقب ْ ضو ٌء؟ ال ْ بل نو ْر غ ّال ْب ُخ ّفايَ خفيفانِ أوسع من أطرايف وثويب ُ ويدي بيضاء كغيم ْه وتأه ّب ُت ليك أرضبها يف عرض البح ِر ُ يقول صديقي :ماذا ْ تفعل؟ فأقول له :ماذا تبرص؟ ُكنّا منيش فوق الشاطئ (مثل صديقني) ْ منفصالن ولكنّا كدت ّأسمي ِه ظ ّ ُ يل ُ الس َفر ا ُملضني ويقول :تبعتُك يف هذا َ ال ترت ْكني أميش وحدي بني الحدينْ الحدين لكني أميش مثلك بني ِ ّ فكيف ْ َ تخاف؟ َد ْع َك إ َذ ْن وانظ ْر ُ ْ األصوات ها.... تتكأكأ من ناحية الرشقِ
تتح ّرك ُ آالت ال َف ْج ِر ذؤابات الدنيا خلف شمس من ِ ِ وتبزغ ٌ ويقوم ُكساىل من مرقدهم الشارع ٌ اعناق الع َر ْ بات وتسيل عىل ِ قميص وفتا ٌة ذات ٍ تلمع عيناها يف الضو ِء تقوم وتخبط فوق الرملِ وتتبعني ُ كلب يلهو ويناو ُر منتظراً أن أدعو ُه ٌ فيتبعني طفل يحبو ظبيانِ وس ّيد ٌة القلب وفتى مذعور ِ بعيدُ مدى الرؤياُ ،يشبهني وأنا أتقدّم يف زحمة أيامي يف زحمة َسيرْ ي نحو ال ّله
2012/11/5
issue (8)- January - 2013
31
نصوص
عاطف بن مبارك ات اللِّثَام َذ ُ َس����� َوا ُد ُع��يُ��ونِ�� َه��ا شَ ��� َّد اِ ْه�� ِت�َم�اَ ِم��ي ِ��اص ِ ��ط�� َب��ا ٍر َو آث َ������ ْرتُ ال���تَّ��� َح�ِّل�يِّ َ ب ْ َو لَ��� ْم آبَ����� ْه لِ��� َع�ْي�نْ ٍ َغ��ْي�رْ َ َع�ْي�نْ ٍ ��ظ ت ُ�� ْج ِ فَ���� ُر َّب كَ��� ِرميَ��� ٍة بِ��ال��لَّ�� ْح ِ ��دي أ َم����اجِ���� َد َة ال���بَ��� َن ِ ���ات َع��َل�يََّ َص��ْب�رْ ًا ِ��س�� ْه��لٍ للتَّ َج ِّني فَ�َم�اَ قَ��لْ��بِ��ي ب َ َو َم���ا بَ��لَ�� َغ امل ُ����� َرا َد َع ِ ���دي��� ُم َص�ْب�رْ ٍ ���ي فيِ ُع��يُ��ونِ ِ ��ك ط َ َ���ال َص�ْب�رْ ِي َم��� َرا ِم َ 32
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
***
���ت ال��سُّ��كُ��وتَ َع�َل�ىَ ال��كَ�لامِ َو ال َز ْم ُ َع�َل�ىَ خَ���� ْو ِض ال���تَّ��� َج���ار ِِب فَ��املَ�لامِ تُ�����طَ�����ا ِر ُدنيِ ُم�����طَ�����ا َر َد َة ال��� ِك��� َرامِ ِ��ي ِم��� ْن ِح���دَامِ ت ُ����� َر ِّو ُح َم��ا بِ��قَ��لْ��ب َ فَ�� ِف��كْ��رِي ِم�� ْن ُع��يُ��ونِ ِ ��ك فيِ ِص��دَامِ َو َح��الُ�� ُه ِم��ثْ ُ��ل ِف��كْ��ر َِي فيِ َسقَامِ فَ��بِ��ال��صَّ�ْب�رْ ِ ال�� َج�� ِم��ي��لِ أ َرى َم�� َرا ِم��ي ِ��ي��ت أشَ ��او ًِس��ا ط ُ الصيَامِ يمُ ُ ُ���ول ِّ
َم����� َر ْر ِت قُ��بَ��الَ�� ِت��ي َو ال�� ِف��كْ�� ُر َس��ا ٍه ��ت ال��تَّ�� َج�ِّل�يِّ َ َع��ْب�رْ َ َس�� ْه��وِي َ��س ُ فَ��آن ْ َو بَ���ا َر ْح ِ ���ت امل َ��كَ��ا َن كَ�� َم�� ْن َد َع���ان ��ت ال�� ُّد َع��ا َء فَ�َم�اَ اِ ْستَطَ ْع ُت َو قَ��ا َو ْم ُ خَ���طَ��� ْوتُ ُم��� َع�َّث�رَّ ًا َو ال���بَ ُ ���ال خَ���ا ٍل َو َم���ا كَ����ا َن ال��خُ��لُ�� ُّو خُ���لُ��� ّو ب��ال َأس���� ْم���� َرا َء امل ُ�� َح��يَّ��ا ُد ْم ِ �����ت كيَ ْ ال َ���ض َم�� َن��ا َم�� ُه ال��� ُه��� ْد ُب ال َج ِم ُيل أق َّ ��س��ا ُه َرب ��اس��يْ ُ ��ت ال�� ُع��يُ��و َن َع َ تَ�� َن َ َع��ـ�َل�ىَ شَ ���� ْوقٍ َو َه��� ٍّم َو اِنْ�� ِت��ظَ��ا ٍر ���ي أ َّن شَ �� ْو ِق��ي أغَ���� َّر ُه ِم��� ْن كَ�ل�ا ِم َ َو زَا َد غُ���� ُرو َر َه����ا أ َّن ال��تَّ�� َج��اف أال فَ��ا ْع��لَ�� ْم أيَ���ا َم��� ْن أقْلَ َقتْ ِني بِ��أنَّ�� َه��ا إ ْن تَ�� َع��الَ��ت بَ�� ْع�� َد ذ ٍُّل فَ�َم�اَ كَ���ا َن ال��كَ�لا ُم لَ��� ِو اِنْ��تَ�� َب�� ْه ِ ��ت ت ُ��ر َ ��ت ِم�� َن ال���� ِو َدا ِد ِي��ك إذَا َج��فَ��يْ َ ْ���ت ال��لَّ�� َه َربيِّ أ ْن يُ���� َدارِي َس���أل ُ َ��ق املُ�� َن�ِّسِّ ِّ��ي ال��قَ��ل َ َو يَ��� ْرفَ��� َع َع��ن َ َّ��ص�ُّب�رُّ َ فَ��� ْو َق َص�ْب�رْ ِي َو يَ�� ْر ُزقَ�� ِن��ي ال��ت َ ْ��ت ُم َسبِّ َب ال�� ُح�� ْزنِ َو ُمضْ ِن ْي َو أن َ َّ���اس بِ���أنيِّ فَ��� ُر ْح َ ���ت ت ُ��� َح��� ِّدثُ ال���ن َ ��ت ال��� ّذل َ ُ���ول َم��تَ��ى َرآن َو قَ��� ْد كُ�� ْن َ ��ت ال�� َج�� ُه َ ��ول لِ�َم�اَ نَ�� َويْ��تُ�� ْم َو قَ�� ْد كُ�� ْن ُ َو قَ��� ْد يَ ُ ���ك فيِ َم��ضَ ��ا ِم�� ِن�� َه��ا اِ ْع�� ِت��بَ��ار
***
***
***
َم���� َر ْر ِت بِ�� َج��انِ��بِ��ي َم�� ّر َ ال�� َغ�َم�اَ مِ كَ�� ِق�� ْن ِ ��دي��لٍ أضَ �����ا َء ُه فيِ ظَ�لا ِم��ي إلىَ تَ���� ْر ِك امل َ��ك��انِ إىل ال�� ِق�� َي��امِ ��ت ال��� ُّد َع���ا َء إىل إ َم���امِ فَ��لَ��بَّ�� ْي ُ َو َم��ا اِ ْع��تَ��ا َد ال��خُ��لُ�� َّو َع�َل�ىَ ال��� َّد َوامِ َو لَ�� ِك�� َّن ال��خُ��لُ�� ًَّو َع�َل�ىَ اِنْ�� ِت��دَامِ أ ُم���وتَ قُ َب ْيل َِك فَال َقل ُْب َدا ِم��ي َو ُج��� ْد ِت بِ�� َن��ظْ�� َر ٍة زَادَتْ غَ�� َرا ِم��ي يُ َن ِّسي ِني ال��لِّ�� َح��ا َظ كَ�َم�اَ ال ِفطَامِ ��ت َع�َل�ىَ اِ ْع�� ِت�� َزامِ َ��س ُ فَ�� ِف��ي َه�� َذيْ��نِ ل ْ أ َح َ ����ال َح�� َي��اتيِ َ َو نَ��فَ��ى َم َنا ِمي َس��يُ�� ْف�ِض�يِ بِ��ال��تِّ��بَ��ا ِع إلىَ اِن ِ ْ��س�� َج��امِ ِط���� َو َال نَ��� َه���ار َِي أ ْو بَ�� ْع َ ��ض يَ��� ْومِ ُ��ق ال ِعظَامِ ��ي خُ��ل ُ فَ���إ َّن خَ�لا ِق َ ْ��ف َع�َل�ىَ ذ ِ ِس��� َوى َع��ط ٍ َات ال��لّ��ثَ��امِ ���ت ِم�� َن ال�� ِوئَ��امِ َو تَ ْجفُو إ ْن أ َريْ َ َه����� َوا َن ِع��� َب���ا َرتيِ ُدو َن األنَ����امِ َج َ �ل�ال َم��قَ��ا ِم�� ِه َو كَ���ذَا َمقَا ِمي ِ ال��خ��تَ��امِ َو يَ�� ْر ُزقَ�� ِن��ي بِ��� َغ�ْي�رْ ِ ِه فيِ َم َس ْس َت بِ��خ ِ َ��اط��رِي ُدو َن اِ ْح�� ِت��شَ ��امِ ْ��ت َو َرا َء َح�ْض�رْ َتِ��كُ�� ْم أُ َس��ا ِم��ي ظَ��لَ��ل ُ لِ�� َب�� ْع ِ ��ض ت َ��لَ��فُّ�� ِت��ي لَ��كُ�� ُم تُ��ضَ ��ا ِم��ي َو زَا َد َج َهالَ ِتي َع ْج ُس اِ ْع�� ِت�� َزامِ لِ َم ْن ����س ال��سُّ��كُ��وتَ َع�َل�ىَ ال��� َك�ل�اَمِ أَنِ َ
issue (8)- January - 2013
33
نصوص
إدريس علوش
ع َ م ْحو.. الصور َ َة و ُقبَّ َ تَأْ َ سر ُ ة ال َ لَ ْم ُت ْسع ْف ِن ال ِف ْكر ُة َكام فيِ املَ َكانِ ا ُمل ْفترَ ِض ل ُق ْر ِص شرَ َ ِك ا ُملوسي َقى وال ِعبا َر ُة َك ْ انت أشرْ َ َس ِمنْ م ْعنَى َّ الم فضة ِهب ِة ال َك ِ روف وأَ ْبجدي ِة ُح ٍ ها َد َن ْت سرَِّها َاب فيِ ِكت ْ رب – َكا َن ْت-إ َىل هَ َذيانِ وأ ْق َ َمر َك ٍب َتن ُقر ُه َنوا ِر ٌس ُت ْب ِحر فيِ ا ِّتجا ِه الحزين ِة أّ ْر َخبيل ال ِب َج ِع َ الج ُز ِر ا ُمل َحا ِذي ِة و ِم ْل ِح ُ
34
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
َف َّ الشبي ِه الصد ِ ِل َل َمعانِ َ حاريث ال َّرملِ بمِ َ ِ لَم ُت ْسعفني ال ِف ْكر ُة والصور ُة َك ْ انت أش َّد التْصا ًقا ِبشاش ِة ِسينام َم ْوج ٍة َجديد ٍة ومنْ َحاف ِة بَطلٍ َم ْذعو ٍر لق ِسريت ِه ال َفا ِتر ْة.. و َق ِ سينا ْريو ال َّر ْغ َب ِة اآلسرِ ِة لس ْح ِر َ األ ْم ِكن ِة ِ ْاس َ تفاض ِمنْ ا ْبتسا َم ِة السيدة "كاترين دونوف" َّ التِّي أَط َّل ْت ِمنْ أب َي ِض وأس َو ِد ْ ستينيات َق ْرنٍ ولىَّ .. قات ِ ُم ْل َص ِ
عفن الف ْكرة و ْمل ُت ْس ِ َكام َح َ ذات امل َكانِ دث فيِ ِ عَدا َم ْوج ٍة وجديد ٍة َكا َن ْت َ َ لَ ْم أ ُكنْ -أ َنا َّ - الش ِاهدُ آخ ُر منْ ىَرث ُك ْرسي ِه اآلث ِري ات ِسينام " َما َكايل"* فيِ َردَهَ ِ وا ْنتَىش َساعتَها فردات ُص َّو ٍر ر ِاس َخ ٍة بمِ ُ ِ فيِ أَ ْتر َب ِة ال َّذا ِكر ِة و َبالغ ِة أَ ْر ِص َف ٍة َتداع َْت فيِ َحواشيِ الن ِّْسيانِ وا ْنسا َب ْت َتتهاوى ُم َد َّرجة ً يف َس َّل ِة ُق َّبع ِة املَّ ْح ِو.
محمد أحمد بنيس ٌ خيال بال طريق ينأى املكان مثل باخرة جريحة، ويبقى وجهي عالقا يف الظالم. ٌ رسالة يف الطريق، وحني ال ينتبه أحد تعود عذراء إىل الهاتف. ما الذي يحدث عىل الجانب اآلخر، وال يرتك خلفه غري يابسة تخرج مذعورة من الشاشـة..؟
الحياة أرهقها وجهي املتح ِّد ُر من الخريف، حتى إذا انتصفت، ُ أزحت ما تبقى عن طريقي. هنا ،يف األسفل ال يخطئ أحد طريق الفرشاة حليب الليل إىل ِ ال أعرف .. كيف سال ذلك رسيعا...
issue (8)- January - 2013
35
نصوص
ابراهيم قازو على قيد الحب
()1 سأذهب بعيدا يك أراك عن قرب!.. ()2 عيل أن أشذب روحي جيدا يك أعرب يف أمان هذا الجرس
36
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
إليك!.. ()3 قريبا من النافذة يف غيابك أستجدي بعض هواء!.. ()4 ابق بعيدا
أيها األىس ابق بعيدا إنها قادمة!.. ()5 يف غيابك أستحرض همسك يك أكون ()6 يلزمني الكثري
من هواء القصائد يك أبقى عىل قيد الحب ()7 نومي تاه يف صحراء غيابك!.. ()8 أنت يف قميص الغياب أبهى.. أيها الحب!.. ()9 حبك مظلة القلب
يف رأيس ()12 هذه الليلة نكاية بالعامل.. سأقطع الطريق جهة الصباح مبا لدي عنكمن قصائد
()15 كعباد الشمس ..أميل بحثا عن ضوئك فمتى ترشقني ()16 عطرك.. طريقي إليك !
()13 حني ينام الشعراء تقل نسبة الحب يف رشايني ..العامل
()17 جسدي صحراء.. وليديك وجه الربيع !
()14 يف الحب.. نحن سواسية كقصائد الهايكو
()18 عندما تضحكني تنمو جوار القلب وردة !
()10 أيها العميان.. أشعلوا قناديل الحب!..؟ ()11 أقول : أحبك..أحبك حتى يسقط آخر صنم
issue (8)- January - 2013
37
نصوص
د .خالد عبد الرؤوف الجبر
()1
ٌ بيوت نامئات... ُ تمَ ُ البيوت إذا شا َقها سا ِكنُوها وت و َتكت ُُم أرسا َرها، للسنُو ُنو/ َّ ثم ُتفضيِ ِبهَا ُّ البيوت إذا لَم ُي ِج ْئهَا املَ َخ ُ ُ تمَ ُ ُ اض وت إلىَ أ َّولِ الن َّْخلِ ... ُتل ِقي َوسا ِئدَها للفر ِاغ، َّ كأن ا ّلذينَ أ َو ْوا َ ذات عُ م ٍر إليهَا، هُ نا، ُ لَ ْم يكو ُنوا/ ُ البيوت، َكام سا ِكنُوها... َباح ُة، ِحكايا ُتنا املست َ ِف ْك َر ُتنا عن برا َء ِتنا، ُّ والطفولَ ُة، َيو ًما ُت ِّ كش ُف عَنْ َسا ِقها، و َت ُخ ُ ون/ ُ البيوت، ا ّلتي لَ ْم ُترق ِر ْق َع َلينا الدُّ موعَ ، كوت، بالس ِ ُتر ِّم ُم ُجدرا َنها ُّ الحيا ُء ،ألي َق َظها ال َغ َجريُّ عىل َح ْف َن ٍة من ولَ ْوال َ بات... ُس ٍ
38
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
وأو َر َقها ُح ْل ُمها املس َت ِكنيُ/ ُ البيوت ،ا ّلتي روا َد ْتها األرا ِئ ُك، نا َم ْت، الفيض... َتخ َّل ْت ع َِن ِ ها َم ْت عىل َو ْج ِهها ،واسرت َاح ْت؛ ألن ال َب َ َّ امت ان ِتحا ٌر بطي ٌء، ساط َة يف الك ِل ِ ّ ألن اح ِتفا َء ا ُملغنِّي يكون ،وما ال َي ُك ُ بمِ َا َق ْد ُ ون... ُج ُ نون/ ُ وح ِه املهاج ِر من ُر ِ البيوت ار ِتطا ُم َ َاب، بال ِعت ِ اح ِتفا ُء ّ الشوا ِر ِع َ وات، بالخ َط ِ التّثنِّي، التّمنِّي، ال ّتأنيِّ ، التّها ُف ُت ب َ تات، ني ال ُف ِ ُّ الظ ُ نون/ فاف َخ ُج ٌ اصط ٌ ُ َبات، ول عىل ال َعت ِ البيوت ِ ُتفت ُِّش عَنْ وج ِههَا فيِ املَزَا ِد، َوال تتَف َّي ُأ ُظ َّلتَها... َواليقنيُ/
السن ُني ع�لى لِ��مَّ�� ِة ال�� ُع��م�� ِر تَ��ْب�رْ ِي ِّ ك����أنَّ����ا ،و َع����ّم���اّ ُن ال تَ����ر َع����وِي، مل�����اذا يُ����را ِوغُ����ه����ا ُم�� ْن��تَ��ه��اه��ا، ُ��وس َع���نِ ال��لَ�� َح ِ ��ظ��ات ن َ ُ��س�ِّل�يِّ ال��نُّ��ف َ ��ض ا ْح�� ِت��ف��ا ٍء ���س بِ���عَ�ّم�اّ َن بَ�� ْع ُ ألَ��� ْي َ ِّ��ل فَ��ج�� ًرا ���س لَ��ه��ا َم��� ْن يُ��كَ��ح ُ ألَ��� ْي َ َوليِ ِف ِ ��س يَ��خْ��فَ��ى ،ولك ْن ��ي��ك م��ا لَ��يْ َ َوقَ������� ْر ٌح تَ��خ��لَّ��لَ�� ِن��ي م��ن�� ُذ ُع�� ْم�� ٍر ِ ِ َ��ري��ف م���وس��� ُم ه���ذا ال��خ و َع��ّم��اّ ُن ِغ���ن���ا ُء امل ُ��غ��نِّ��ي ،وم����وتُ املُ��غ��نِّ��ي
َ���ص خُ��طَ��اه��ا أتَ���اه���ا فَ���تَ���اه���ا ،ف���ل َّ َّ��ت َّ���ت َو َس��ل ْ َّ���ت ،فَ��� َزل ْ َّ���ت و َم���ل ْ تَ��� َول ْ
�ين ويُ��لْ��بِ��كُ�� َن��ا ب��ال��نَّ��واي��ا ال�� َح�� ِن ُ ���ي��ن! ���س���ا ِو ُرن���ا ب���ال��� ُح��� َدا ِء األَنِ ُ يُ َ وال يَ��تَ��ب�� َّدى َع��لَ��ي��ه��ا ال��شُّ�� ُج��ونُ؟ ويُ���غْ���رِي بِ�� َن��ا يف يَ�� َدي��ه��ا ال��سُّ��كُ��و ُن �ي�ن؟ يُ���ح��� ِّدثُ أخ��� َب���ا َره���ا ،أو يُ��� ِب ُ ب��ألْ�� َح ِ ��اظ��ه��ا كيَ ْ ت َ��� َرا َه���ا ال�� ُع��ي��ونُ؟ ��ي�ن طَ���� َوتْ���� ُه ال�� َح�� َن��اي��ا ،وسرِ ٌّ َد ِف ُ و ُج������� ْر ٌح تَ����وا َرث َ���� ِن����ي ال يَ��� ُه���و ُن �ين وشَ ��� ْوكَ��� ُة ُع��م��رِي الَّ�� ِت��ي ال ت َ��لِ ُ وقُ�� ْب��لَ��تُ�� ُه امل ُ�� ْن��تَ�� َه��ى ،وال��فُ��تُ��و ُن �ين وأ ْد َركَ�����ه�����ا ِم��� ْن��� ُه م���ا ال يُ�� ِع ُ َ���ص���ونُ؟ فَ�م�اذا تُ��ري�� ُد ،وكَ��يْ َ ��ف ت ُ
issue (8)- January - 2013
39
نصوص
()2
املحبسني ره ُني َ (مع أيبُ ... حيث ال هُ دى) اه ِدين إن َ شئت... أع َمى؛ ّ ْ ُ ّرب الطويلِ / أغنياتيِ مل تؤ ْب من َسك َر ِة الد ِ َّ ضل سعيي ب َ البدايات... ني ُطوفانِ ِ هت َ انت َب ُ اآلن، أع َمى؛ ُ ُّ يؤوب الليل منهُ... درب ال ُ كل ٍ يصطفي ِني ُ كالخيولِ / هل جنَى ّ حظي ع َّ يل؟ ا ُملنتَهى يا صاح ِبي ٌّ ظل؛ أعتاب ّ حظي، ولكنِّي ،عىل ِ رج َ ون فيِ الدّه ِر البخيلِ / ُأش ِب ُه ُ الع ُ مستحييل... ُ نديقُ املارق ،ال ِّز ،ب ّياعُ األمانيِ ، ٌ واقف د َ ُون اكتامليِ املستحيلِ / آ ُك ُل َ الليل غري ًبا... حاف ًيا؛ أجتاب ما ُيلقي ِه يف ُرو ِعي الهُدى َسلوى ُ وأذ ُرو يف اللياليِ ما ُيخ ِّبي ِه َرحييل/ ُ كنت أع َمى... ِظ ْل ُت أع َمى... وكل ُ وال َعمى وح ِدي ُّ الك ِّل؛ السنو ُنو راودَت ِني عن كال ِمي ا ُمل ِّر، ال ُ درب ُّ درب الجليلِ / أو ُ ُ لست منِّي... لست َ ُ منك... كل ما َّ ُ الحرف يج ُفو َّ خط الفتى بح ًثا
40
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
عن ال ِّذكرى، ِ َع ِم ًّيا عن َسبيلِ / ُ َ َباح... كان محفو ًفا َعماَ يَ املست ُ ثم تغ ُفو... ال ّر ُ يح ته ُفو ّ َ ُ َ الخلقُ يحثون الفراغ املك َتسىَ ، والنُّو ُر َ أخطا، بختم الالدليلِ / جا َء ممهُو ًرا ِ ِح ْر ُت... ُخذنيِ من َي ِدي ِّ للظل، أرشدْين إ َّيل... ِ ُ الليل ال يه ِدي وال ُيهدَى، ً بسلِّ الص ِ َك َمن أحيا ُه ُ وقع ّ وت مشنوقا ُ العشق... ِ موجوعَ الهديلِ / ُ ّرب أخطو... الم الد ِ يف َظ ِ القلب ُ أخطو... ظالم ِ يف ِ ُ ِّ ُ َ نات: كريات املثخ ِ وأخ ُّط الذ ِ ِّ الش ْل َو يت ُلو ِظ َّلهُ؛ ات َخصرْ ِ الليلِ أع َمى عىل حا َف ِ َت ْق ُفونيِ ُفلوليِ / اإلنصات لل َفوضىَ ...أنا، هَ دأ ُة ِ ِح َّد ُة تسآليِ عن ال ِفت َي ِة وال َك ْه ِف و ُرو َما... الس ْ وأ َنا أسئل ُة املارِقِ من ِّ ؤال ظل ُّ ُ أحمل الجم َر ِس ْ الل وحي... و ِندا ُء األبيض يف مرآ ِة ُر ِ ِ مت، بالص ِ ُم ْولَ ٌع َّ جاس ُّ كالطلولِ / ٍ
عبداملجيد الرتيك تعويذة ي��ا ُم��ط�� ِع��م��ي يف غ��ي��ـ��ر مسغبـ ٍة ي��ا ق��ات��ل��ـ��ي وامل���ـ���وتُ يس ُك ُننـي ٌ م���ا ع���اد يب ش����وق إل��ـ��ى وج��ـ��عٍ َ��ت أن���ا ..ي��ا أن���ا ..أس���ط���ور ٌة تُ�� ِرك ْ م��ـ��ن ذا يُ��ش��ذِّب��ن��ـ��ي فأخيِلـتـي أب����دو ك��م��ـ��ا األم���ـ���وا ِج ُمبتهجـاً ِ ج���ـ���وف م��ح��ب��ـ��ر ٍة ك��ق��ص��ي��د ٍة يف وأن����ت ت��ز ُج�� ُرين: ح����ب .. َ ي��ا م��ن أُ ُّ ٍ ك��ن��ت خم َرت َها ك����ؤوس ���ل ع��ن َس ْ َ وس����لِ ال��ضُّ ��ح��ى ع��ن ل���ونِ أُغ��ن��ي�� ٍة َ زل���ت أذكُ���ـ��� ُر ُع���ـ��� ْر َي ن��اف��ـ��ذ ٍة م��ا ُ ظ����امٍ أُق���طِّ���ـ��� ُر ف��ي��ـ��ك ذاك��رت��ـ��ي
��س�� ِك��ري وأن��ـ��ا بـه ثمَ ـــــِ ُـل ي��ا ُم ْ ��ـ��ل َّ��ـ��ت ال�� ُّر ُس ُ م��ن قبـل أن ت��ت��أق َ ي��ط��ه��ـ��و م��واج��ي��ـ��دي وي��ن�� َد ِم��ـ��ل مب��س��ام��ـ��عِ األك����ـ����وانِ تنتـقـل ُ ق��د دا َخ يف تفصيلهـا ال�� َج��ـ�� َد ُل وب���داخ�ل�ي م��ـ��ن ِم��ل ِ ْ��ح��ه��ـ��ا ج�� َب��ـ ُ��ل ت��ل��ه��و ب��ه��ـ��ا األق���ـ�ل�ا ُم وال�� ُج�� َم��ـ��ل ��ـ��ل وأن���ـ���ت ت��ح��ت�� ِف ُ إين أم���ـ���وتُ َ َ البطـل ُ ��ن��ب��ي��ك أنِّ��ـ��ي األ ْج�� َب��ـ�� ُن تُ بقلـب ال��لَّ��ي��ـ��لِ تبتهـل ُ ك��ان��ـ��ت ِ مكتـمـل ُ كُ��ن��ـَّ��ا ب��ه��ـ��ا وال��ب��ـ��د ُر ��ـ��ل؟ فمتى إىل ن��ب��عِ املُ��ن��ـ��ى ِأص ُ issue (8)- January - 2013
41
نصوص
محمد منصور ٌ الخيانة تعريف فصل في ِ ِ “إذا علمت علماً ال ض َّد له، وجهلت جهال ال ض َّد له، األرض، فلست من ِ وال من السامء”.. املواقف واملخاطبات ال ِّن َّفري
()1 علم َ عن اآلخرينَ ضا َق ْت َ انشغلت بذا ِت َك ِض َ َ َ تك عليك وحدتك ..وكلام ك َّلام قت باآلخرين ..فلقد َّ بحثت ِ غصن َ التجرب ُة أنه ال فائد َة ُترتجى من أيِّ تجرب ٍةُّ .. سقط ْت وال أيَّ مثر ٍة تعلم من أيِّ كل تجرب ٍة أشب ُه بنبت ٍة ال ُ ٍ ستخرج منها.. ُ ُ ُ َ َ ْ تذك ْر -فقط -ح َ تقاطع طرقٍ ،وال مجال لالختيا ِر ..وحدَهَ ا الصدفة هي التي ليست إال ني تبدأ َّأن النهاية َ أ َت ْت ِب َك إىل هنا ،ووحدها الصدف ُة هي التي ُ ستأخ ُذ َك إىل هناك ..كاملرأ ِة الخائن ِة التي عندما اقتنعت قس َم ْت ْأن َ َ وتخون عُ َّشا َقهَا حتى لروحهَا تعيش وفي ًة ِ للمر ِة األوىل -بقيم ِة الوفا ِء اتهمها عاش ُقهَا بالخيان ِة ،فأَ َالثاملة.. ()2 ْ ْ تخرج ِمنَ الحشو ِد ممتلئًا بهم.. ال تدخل يف الوحد ِة وحدك ..وال ْ وأمسك الخيالِ من قد َم ْي ِه وارض ْب ُه رض َب َتينْ ِ يصلح إال يك ِّ تسمع َ بكلامت بارد ٍة ،وتعلقه عىل حتى تؤط َرهُ ٍ رصخ َتهُ ..فرمبا َولَد َْت قصيد ُت َك خياال ميتًا؛ ال ُ َ ُ َ َ وكنت تظنُّ الغبا َر سحا ًبا ُ ني عا ًماَ ، جدا ِر وحد ِتك مرآ ًة ال ترى فيها إال وجهَك الذي مل َت َرهُ منذ ثالث َ يكلل بالشيب.. وجه ََك ِ ال َت ُكنْ َ ذاتك ،ولو ملر ٍة واحد ٍة ،لتويص أح َبا َب َك ،ولو ملر ٍة واحد ٍة: ال تقطعوا شجر ًة ،وال تقتلوا ً شيخا ،وال تخونوا ذئ ًبا.. والذئاب أنيا ُبهَا التي ُ ُ تنهش خائنيها.. والشيوخ ذكريا ُتهَا، فاألشجا ُر عظا ُم الحيا ِة، ُ ُ شيخا لو َ وأنت الوحيدُ الذي ُ وتقتل ً َ يخون وصايا ُه ح َ عاش ثاني ًة املوت حتى ال ُتث ِم َر أموا ًتا.. تقطع شجر َة ِ ني ُ ُ نفس َك يك تنه َ نفس َك ،وترى واحد ًة لقتله أبناؤه للحصولِ عىل األ ِّم ،وأصيبوا بلعن ِة عباد ِة املايض.. َش َ وتخون َ واضحا يف مرآ ِة وحد ِت َك التي تؤط ُر َو ْجه ََك ُ منذ ثالث َ ني عا ًما.. غ َري َك ً
42
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ماجد رقيبة
عن أرض السواد المخ َّددة بالعالمات ،وتقول :لع َّلها ٌ ُ ُ سنة قادمة ،ومل ترتجف ،وأنت متز ُِّق غفلت ََك هل َس ِم ْعتَها يف البيت ،وهي تعوي؟ كا َن ْت القراب ُني تستمع لك ،أو أي أحد ،يف الفناء الض ِّيق ا ُملترْ َع بالفراشات الربيعية ،و ُق ْل َت حينها :أج ِّرب ربيعاً كهذا ،لعليّ أصل إىل ْ تلتفت إىل األعىل.. مكمن الرغبة ،ومل تلك األوراق َّ امللطخة بالدهشة ،والطيور النامئة ،وكم كانت مش َّذبة ،ومفصلة عىل التوجع ،والوقوف أمام املرآة املع ّلقة عىل الباب!.. ال أثر ،وال عصافري ،وال شمس متوسطيةَّ ، منظفة من املِ ْلح عىل الجدران ،وثرثرة الو َّناسات ،يف الطابق الثاين ،حيث برأس َك عىل غروب أرجوا ّين، تُشرْ ِ ُف ِ َّ اقب تراجيديا املساء ،املتك ّررة عىل مرأى كائنات ّ هشة ،هنا ،وهناك.. يتقطر يف عني امرأة يف الثامننيُ ،تر ُ كم َد َعت َْك الغريزة ْ ألن تضع رأسك برفق ،عىل صدرها ،وتطارد هيكل الورق املتهاوي آخر العام ،معها ،بصحبة األوهام القدمية وتلم ْس َت درباً إىل الت ّفاح الذي َي ْه ِط ُل عىل وماذا لو رأ ْي َت ال َب ْح َر من هذه الرشفة؟ هذا السور املخ َّول باملايض دامئاًَّ ، شمس حرير َّي ٍة تحفر لعابها عىل الجدران ،وإىل َندَىً ّ ، يرف عىل الشاطئ ،هناك ،حيث يستع ّد ال َع َر ُق األرض ،إىل ٍ الس َّلم، لكتابة حياة موزارت ،يف املدرسة ،واألنامل لالحتفاء بفنجان قهوة ،عىل ُ ْ حينها ،تدرك قيمة الوقتَّ ، كل الحنان ،الن ُُذ َر الغريبة ،املذ ّكرات التي ُتفهم فقط ،وال ُتكتَب .كل يشء ،كل يشء حينها يبدو بعيدًا ،كفكرة بعيدة ، ٍّ مكتظ بالعالمات املز َّيفة ،و ُتريها املدن الحافية عىل ال َّن ْهر ، حينها تعو ُد نحوها بصد ٍر متشنِّج ،ووج ٍه صوت ِّ َ حسنات املتف ِّرجني ، الط ْفلِ املع َّلق بالنافذة، ِ َ َ وقيمة الربيع يف ل َغطٍ كاملٍ كهذا... الرسومات :فهد خليف
issue (8)- January - 2013
43
رأي الناقد
دعوة لألصوات اإلماراتية
بدهي ،أن ثورة االتصاالت واملعلوماتية ،تركت آثارها ،عىل نحو واضح ،يف مجاالت الحياة ،عامة ،ومن بينها املشهد الثقايف ،حيث حدثت تغيريات كربى يف هذا املجال ،وألقت هذه التأثريات بظاللهاعىل العالقة بني املبدع واملتلقي ،من جهة ،وبني املبدع ونصه ،من جهة أخرى ،وهوما يجب استقراؤه ،وتفهمه بالشكل املطلوب ،قبل إطالق أي حكم قيمة نهايئ يف أحد مفردات الحالة اإلبداعية ،والسيام الشعرمنها ،حيث بات هناك من يرى أن الحبل الرسي الذي كان يربط ثالثية اإلبداع :النص-الناص-املتلقي ،قد ولعل هؤالء تراخى ،ومل يعدله األثرالذي كان معروفاً من قبلَّ ، يذهبون يف تقوميهم إىل أن املشهد الشعري العام ،يف تراجع ،كام أن هناك ما ميكن وسمه ب”االنقطاع الجييل” ،وهي مبجملها آراء مبداة من أجل تسجيل مقاربة لواقع الشعريَّة ،يف ظل هذه التطورات الكربى التي يشهدها العامل كله. يديل الفريق األول-هنا -بوجهة نظره ،من خالل الرتكيزعىل مسألة افتقاد تلك «النصوص الكربى» التي كانت تعد أمهات القصائد، حيث كان الشعراء الكبار ينتجون نصوصهم ،فرتتقي هذه القصائد الفريدة إىل مستويات عليا ،مرموقة ،حيث النزال نتذكر قصائد بعض هؤالء«وميكن االستشهاد هنا بالشاعرين محمود درويش وسليم بركات كأمنوذجني» ،بيد أننا مل نعد نجد مثل تلك القصائد االستثنائية ،الفريدة ،التي ترتك دويها يف الساحة األدبية ،بل إنها مل تفقد قيمتها اإلبداعية ،فالتزال لها سطوتها ،وألقها ،وسحرها. بينام يتناول الفريق الثاين ،مستوى آخر من العملية اإلبداعية، إذ ينرصفون إىل الحكم عىل دورة الشعرية ،من خالل تقوميهم للخ ِّط البياين لها ،عىل ضوء اعتبارهم ،أن التجييل انتهى مع نهاية 44
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
العقداألخري ،من األلفية املاضية ،وإن كان بعضهم يرى أن هذا االنقطاع مل يتم عىل نحو نهايئ ،عىل اعتبار أن العقد األول من األلفية الجديدة ،استمر ،بيد أنه افتقد ألق األجيال السابقة عليه. إن مثل هذين الرأيني ،يف حقيقتهام انفعاليان ،إذ يتجاهالن جملة التغيريات التي متَّت ،يف البنية الثقافية ،عامة ،واليزاالن يتجاهالن استقراء املشهد-كامالً-إذ أن هذه التغيريات الهائلة التي متت، لها تأثريها الحقيقي ،وليس أدلَّ عىل مثل هذا الكالم من أن القصيدة-يف ماقبل-كانت تنرشيف أوعية نرش محددة ،وتقرأ-كذلك- يف منابر محددة ،بيد أن األمر اختلف-اآلن-عىل نحو جذري ،يف ظل شبكة التواصل االجتامعي ،التي تعد صفحاتها باملليارات “مواقع إلكرتونية-فيسبوك-تويرت......إلخ” ،ناهيك عن امللتقيات اإللكرتونية ،التي ميكن ألي شاعرأن يدعو-بوساطتها إىل أمسية عاملية-يتابعها من يشاء يف قارات العامل أجمع. من هنا ،فإن عدم تواصل أعداد كبرية ،من الشعراء الجدد ،مع وسائل النرشالواقعية ،بات أمرا ً مفروضاً ،ألن األسامء الجديدة، باتت تتوجه مبارشة ،بعيد انتهائها من كتابة نصها اإلبداعي ،إىل نرشها ،عرب أقنيتها االفرتاضية ،وذلك خالل مجرد جزء من الدقيقة، فحسب ،بينام كان نرشقصيدة شاعر كبري ،من قبل ،يحتاج إىل وقت طويل ،قد يتع َّدى أسبوعاً زمانياً ،يف الحاالت العادية ،ولهذا فإن الشَّ اعرالجديد ،باتت له طقوسه الخاصة ،يف التواصل مع جمهرات قرائه ،أينام كانوا. هذه الطبيعة الجديدة ،يف العالقة بني املبدع ونصه ،مضت بالنص اإلبداعي ،ليصل إىل آفاق جديدة ،ويتواصل مع قراء جدد ،مل يكونوا من عداد جمهوره السابق ،بل إن دائرة هؤالء اتسعت عىل
دعوة
مليارات القراء ،عىل سطح املعمورة ،ماجعل النصني ،يقدمان بالطريقة نفسها ،بل رمبا متكن النص الرديء أن يقدم نفسه، بقوة ،أكرب ،سواء أكان ذلك عىل صعيد توفري الرتويج والنرش، أوطريقة التواصل مع املتلقي ،وهوما بات يشكل خطرا ً كبريا ً عىل العملية اإلبداعية ،وهي مسألة جد خطرية ،البد من االنتباه إليها، وقرع األجراس ،من أجل العمل الجاد ،لتمييز الخيطني :األبيض واألسود ،بل إن هذا األمر ليع ُّد مهمة أوىل عىل عاتق الغيارى عىل وأس الحضارة األول . اإلبداع ،بصفته روح أي شعب ّ وهكذا ،فإن الحاجة إىل النقد باتت اآلن ج ّد كبرية ،ألنه منذ بداية الوعي اإلنساين ،وحتى هذه اللحظة ،مل تشهد الذاكرة الكتابية ،تراكامً نصياً ،كام تشهده-اآلن-منذ متكن أدوات االتصال اإللكرتونية ،تقديم هذا الكم ِّ اللحظي من املدونات ،حيث بتنا- يف مواجهة -مصادر تلويث للجامل ،وتشويه اإلبداع ،وبات التنطع لهذا التخريب الشامل ض َّد الذائقة ،مهمة كربى أمامنا جميعاً. وتأسيساً عىل ما تقدم ،فإننا سنحاول من جهتنا ،ومنذ العدد القادم ،تقديم قراءة نقدية إلحدى املجموعات اإلبداعية ،أوألحد النصوص الشعرية الالفتة ،يف كل عدد ،عىل أن نعنى باألسامء الجديدة ،وتلك النتاجات التي مل تنل حقها من الضوء ،وذلك بهدف تأسيس حوار نقدي ،بل إعادة االعتبار إىل النقد ،بعد أن تضاءل دوره ،ومل يتمكن من أن يكون يف مستوى الطوفان الكتايب ،بالرغم من وجود أصوات نقدية عالية ،ضمن دورة النقد اإلبداعي
نحو كبري ،وبهذا فإن أعداد متلقيه ،مل تنحرس ،بل إنه سجل نقلة عاملية يف عالقته مع قرائه .إال أن مرور حوايل عقد ونيف عىل النقلة التي سجلتها ثورة االتصاالت ،اعتامدا عىل لحظة بدء العالقة بني الفرد العادي ،وإنجازات هذه الثورة ،أكَّد أن أوعية النرشالورقية، كانت حاضنة لها كاريزماها الخاصة ،بالنسبة إىل الثالثية املشارإليها، حيث أن النص يف إهاب هذه الوسيلة هو واقعي ،ينبض بالحياة، وميوربالحركة ،وأن جاملياته تصل املعني بالعملية اإلبداعية ،من دون أي تلكؤ ،ناهيك عن أن الثورة التي هدمت كل الحدود، أوصلت النص اإلبداعي ،إىل أمداء وآفاق ج ّد بعيدة ،مسجلة فتوحاتها الكربى ،يف التجسري مع قراء افرتاضيني ،إالأن النص اإلبداعي يفتقد الكثري من ألقه الطبيعي ،وبات يضيع يف هذا الفضاء الشسيع ،بال َّرغم من تحقيقه االنتشاراألكرب ،وكمثال شاخص عىل مثل هذا الكالم ،فإننا النزال نلجأ إىل املجموعة الشعرية املطبوعة «كغريها من الكتب» ونستمتع بقراءتها ،هذه املتعة التي نكاد نفتقدها يف قراءتنااإللكرتونية !..ولقد ارتأينا يف«بيت الشعر» أن نستعيد ،ونواصل ،تقليد أ َّمات املجالت ووسائل النرش الورقية، يف التجسريبني األصوات اإلبداعية الجديدة يف اإلمارات العربية املتحدة ومتلقيها ،من خالل تسليط الضوء عىل تجاربها ،سواء أكانت مجموعات شعرية صادرة ،أونصوصاً منفردة ،وذلك انطالقاً من إحساسنا،يف أرسة املجلة ،أن هناك أصواتاً إبداعية مه َّمة ،تواصل حفرها اإلبداعي ،سواء أكان عرب وسائل النرش الواقعية ،أواالفرتاضية، بيد أن هناك عقبة كأداء ،تقف يف وجه وصولها ،ولعل حاجة هذه األعامل اإلبداعية إىل النقد أمر رضوري ،ألن ثورة االتصاالت التي يف انتظار نتاجاتكم وفَّرت لإلبداع فضاء واسعاً ،من الحرية ،وت ّم كرس قيود النرش التي املحرر كانت تحول دون وصول هذا اإلبداع إىل متلقيه ،منحت الفرصة ميكن التواصل عىل الربيد اإللكرتوين التايلbashir@cmc.ae : للنصني :اإلبداعي والرديء ،يف آن ،يك يكونا عىل موعد يومي مع issue (8)- January - 2013
45
ً نظريا
.
صبحي حديدي .............................................................................................................
أموال الحداثة
،الغربية منها بصفة محددة ،ليست سلسلة أساليب وأشكال وت ّيارات ونتاجات وشخصيات ،يف األدب والفنون والتنظري؛ بل هي ،كذلك« ،مؤسسة» متكاملة ،تجارية ومالية واستثامرية ،وقفت وراء ممثّيل الحداثة ،وح ّولت أعاملهم إىل بضاعة ،والبعض ال يرتدد يف اعتبارها صناعة ،قابلة للرتويج بهذه الطريقة أو تلك .واملؤسسات عىل هذا الطراز ميكن أن تبدأ من املجلة التي تنرش القصيدة ،إىل دار النرش التي تطبع املجموعة الش��عرية ،دون أن تنتهي عند أهل املال واألعامل الذين الح يف طور مح ّدد أنهم نظروا إىل أعامل الحداثة نظرتهم إىل منافع جمع اللوحات والتُ َحف واملجموعات النادرة. كت��اب لورانس راييل« ،مؤسس��ات الحداثة :ال ُنخب األدبية والثقاف��ة العامة» « ،ينطوي عىل مراجعة جذري��ة للتناقضات العديدة التي حكمت عالقة الحداثة مع الش��ارع العريض ،والقارىء العريض؛ ومع الذائقة الس��ائدة ،والثقافة العامة» عىل وجه التحديد .عىل س��بيل املث��الَ ،م��ن الذي نرش قصيدة ت .س .إليوت «األرض اليباب» للم ّرة األوىل ،وملاذا؟ و َمن الذي قرأها ،وهل قفزت أرقام املبيعات بس��بب القصيدة؟ وما املبلغ املايل الذي قبضه إليوت لقاء نرش القصيدة ،وملاذا كان أعىل من أ ّي مبلغ قبضه شاعر آخر يف ذلك الزمان؟ أليس من الطريف أن نعرف ،يف واحدة من أكرث حكايات الكتاب إثارة وداللة ،أ ّن الشاعر خاض مفاوضات طويلة حول ما يستحقه من مكافأة لقاء نرش القصيدة ،وأنه كاد أن يرصف النظر عن نرشها بسبب خالف مايل ال يتجاوز مئة دوالر أمرييك؟ يف ترشي��ن األ ّول (أكتوب��ر) ،1922نُرشت قصي��دة إليوت يف مجلتَينْ :اإلنكليزي��ة Criterionواألمريكية ،Dialقب��ل أن تظهر يف كتاب مس��تقل ،حمل للم ّرة األوىل رشوحات إليوت التوضيحية .وال حاجة لتكرار ما هو معروف من حقائق حول أثر القصيدة يف تس��جيل أكرب ّ يصح أن نعرفه ،يف املقابل ،هو انتصارات الحداثة الش��عرية ،وال األس��باب التي أتاحت نرش القصيدة يف أوروبا والواليات املتحدة معاً .ما ّ الت��ايل :مل��اذا مل تُنرش القصيدة حيث كان ينبغي أن تُنرش أ ّوالً ،أي يف اثنتني من أبرز الدوريات الحاضنة للحداثة آنذاك ،اي Vanity Fair وLittle Review؟ فقرة واحدة يف رس��الة إليوت إىل س��كوفيلد ثاير ـ صاحب مجلة ،Dialوتاجر التُحف واللوحات ،واملستثمر يف ميدان الف ّن واألدب ،وأكرب [الخاص بنرش «األرض اليباب» يف منافيس املجالت الحداثية ـ توضح بعض السبب« :لقد أعطيت لنفيس بعض الوقت للتفكري يف عرضك ّ املجلة] ،وخالل هذا الوقت سمعت من مصادر موثوقة أنكم دفعتم مبلغ 100جنيه اسرتليني إىل جورج مور مقابل قصة قصرية ،وأعرتف أ ّن هذا حفّزين عىل رفض عرضكم املتمثل يف 150دوالرا ً لقاء قصيدة رصفت عاماً كامالً يف كتابتها ،وهي عميل األضخم». ورغ��م أ ّن إزرا باون��د كان يعمل يف املجلة ،وتع ّرض بالتايل لضغط مبارش من ثاير ج ّراء موقف صديقه إليوت ،فإ ّن األخري واصل مفاوضاته املالية الش��اقة مع مجموعة ،Dialحتى نجح أخريا ً يف الحصول عىل املبلغ الذي اعتربه مناس��باً لقصيدة رصف سنة كاملة يف كتابتها! وإذا كان ح��رص إلي��وت ع�لى حقوقه املالية ال يُدهش كثريا ً يف ذات��ه ،إ ْذ هو الوضع املنطقي يف الواقع ،فإ ّن ن�برة التفاوض الباردة حول عمل إبداعي مرشح ملوقع حجر الزاوية يف الحداثة الشعرية ،هي التي لفتت انتباه رايني« :مل تكن املؤسسات هي وحدها ناقلة القصيدة ،بل أصبحت القصيدة ذاتها ناقلة للمؤسسات»! امل��ال ق��د يرعى الحداثة األدبية ،م��ا مل تقرتب هذه من عتبة مواجهة الجمهور العريض؛ ولقد فه��م الحداثيون هذا األمر عىل نحو بارع متاماً ،مماّ أفس��ح مجاالت ش��تى لوالدة مفهو َمي «الحداثة الرفيعة» و»الحداثة الوضيعة»؛ أو ،يف تنويع آخر أكرث لباقة« ،حداثة النخبة» ولعل الدرس األكرب وراء هذه الثنائيات ،االفرتاضية غالباً ،هو التايل :إذا ص ّحت املزاعم حول حيوية االس��تقالل الذايت و«حداثة الش��عب»ّ . األصح أن توضع املزاعم ذاتها يف ميزان واحد مع حقيقة أ ّن «الذائقة االس��تثامرية» ّ للنص ،ورضورة تح ّرره من الذائقة الش��عبية؛ فإ ّن من ّ لل ُرعاة املم ِّولني ،قد تتحكّم أيضاً ،وبق ّوة ،يف صياغة وإنتاج العمل الف ّني ...ذاته ،الباحث عن االستقالل!
الحداثة
46
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
قضية
ترجمة الشعر خيانة النص أم ترويض اللغة؟
الفنان آدم حنني
تظهر الترجمة الوعي العميق لخصوبة اللغة بمختلف األلسنة ،والتوجهات الجمالية واإلبداعية والكتابية من منطق ثقافة الضيافة بشساعتها ورحابتها المشرعة على ضخ دماء جديدة في متخيل اإلبداع اإلنساني. بهذا المعنى ،ال تعدو الترجمة -وترجمة الشعر تحدي ًدا -نقالً لنص من لغة ألخرى ،بل ،للترجمة في هذا السياق هجرتها التي تتأسس بمنطق المغامرةَ ، وتعِ ُد بالدخول في حضرة المضايق والفخاخ لتعلن عن تحديها ألي
خسارات محتملة فيما يتعلق بنقل اللغة عن طريق الخيانة ،أو الترويض ،أو المصاحبة .إنها كيمياء المخيلة ً أبدا. التي تصنع كينونة اإلبداع الكوني لتبتهج اإلنسانية بإرث اإلبداع والكتابة بمحبة ال تشيخ
إن الترجمة تكتشف السر المحجوب ،والغبطة المستورة بغمامة شفافة ،والمستترة بظل ينبت بين اللغة َ والمترجم ،في تقاطعات بهية مسنودة بألق االنفتاح وتمثالتها ،وتعري العالئق الملتبسة بين النص األصلي والمقاومة.
د.أحمد الدمناتي
كيف يستطيع املرتجِم(ة) الدخول يف حوار مع نص آخر طرحنا هذا عىل مجموعة من املبدعات واملبدعني ممن من لغة مختلفة ،وهل تغيب الذات املرتجِمة عن النص تقاطعت لديهم تجربة الكتابة اإلبداعية بهموم الرتجمة. ترجمة الشعر هل هي خيانة أنيقة للنص ،أم ترويض املرت َجم يف مراحل الرتجمة؟ اللغة ب ُدربة املرتجم(ة) للبحث عن ضيافة متخيل آخر هل النص ينفتح بسهولة ويرس ،أم يبدي مقاومته يُغني حركية اإلبداع اإلنساين ،ويفتح آفاق اشتغاله عىل ومتنعه؟ هل هناك خيار معريف أو جاميل يعلنه املرتجِم (ة) لحظة كينونة لغة بال حدو ٍد وال ت ُخومٍ تستهدي بنور ال َبصرَ ِ البدء يف عملية الرتجمة مبا هي استقطاب واستضافة للغة والبَ ِصري ِة متنحها الذاكرة لروح الكلامت والنصوص؟ أخرى ملغارات اللغة العربية املشتعلة بفوانيس متخيلها التحقيق يجيب عىل بعض األسئلة الشائكة ،ويهب نفسه إلضاءة بعض مسالكها املعتمة الخصيب ومعجمها الشاسع والرحب؟ issue (8)- January - 2013
47
قضية
الفيلسوف جاك دريدا« :ال يحيا النص إالّ إذا بقي ودام. وهو ال يبقى ويتفوق عىل نفسه؛ إالّ إذا كان يف الوقت ذاته قابالً للرتجمة وغري قابل .فإذا كان قابالً للرتجمة قبوالً تا ّماً؛ فإنه يختفي كنص وكتابة وجسم للغة .أ ّما إذا كان غري قابل للرتجمة كلّ ّية ،حتى داخل ما نعتقد أنه لغة واحدة؛ فإنه رسعان ما يفنى ويزول»؛ فاملرتجم تأسيساً عىل األصح مبدع يف اللغة» هذا «مبدع يف لغة أخرى ،أو عىل ّ السالم بن عبد العايل يف حسب اسرتسال املفكّر املغريب عبد ّ السالفة ،ث ّم استطراده مضيئاً إشكال ّية تفسريه لقولة دريدا ّ الرتجمة والتباساتها املتشابكة؛ حتى استنتاجه» ..تغدو الرتجمة لعنة ورحمة يف الوقت ذاته!» أجل ..فالرتجمة لعنة؛ لوصمة «الخيانة» املالحقة لها دوماً؛ ْ جالل زن َكابادي حيث يستحيل استنساخ املنت املوجود يف لغة املصدر ،أو الترجمة اإلبداعيّة خيانة محاكاته محاكاة تا ّمة يف لغة الهدف؛ الختالف اللغتني يف خصوص ّياتهام املعجم ّية والنحويّة واللفظ ّية وغري ذلك كثري، في منتهى األمانة عرب أربعني عاماً من ترجمة مئات القصائد عن بضع لغات حتى لو كانتا من أرومة واحدة ،ويف الوقت نفسه رحمة؛ لتخفيفها الكثري من وطأة «بلبلة األلسنة» عىل البرشيّة، إىل اللغتني العربية والكرديّة وعن الكردية إىل العربية بجسور الحوار التي تشيّدها ،حتى لو ملْ تبلغ غاية الكامل. توصلت إىل قناعة أن الشعر الحافل بالصور وبالعكس؛ ّ املجسدة لألحاسيس واألفكار العميقة ،هو القابل للرتجمة ،ما أشبه أغلب الرتجامت املنظومة «القريض ّية» برسير ّ بروكروست؛ مادام املرتجم امللتزم بالقريض يحدوه ه ّم بل هو عني الشعر الحقيقي ،والذي معياره الصمود أمام انجاز»كالم موزون مقفّى يفيد معنى» يف لغته املستقبلة، الرتجمة ،يف حني ال يفلح القريض أو النص القائم عىل األلعاب اللغوية البهلوانية يف اجتياز امتحان الرتجمة ،حيث أ ّما مدى دقة نقله ملعنى املنت األصيل ،فهو ثانوي يف عرفه! وطاملا يضط ّر املرتجم؛ من أجل عيون الوزن والقافية إىل ال يبقى منه غري كالم عادي جدا ً ،ويستحيل بعد الرتجمة استخدام مفردات موحشة وحتى مقرفة مثل« :قرقف» طاووساً منتوف الريش! وهذا الرأي طبعاً بالضد من رأي الشاعر روبرت فروست القائل بضياع الشعر عند الرتجمة! و»رصخد» بدالً عن :راح ،شمول ،صهباء ،حم ّيا ومدام.. بالعكس من النصوص الضحلة التي تنفق بعد أول قراءة ،كام فعل حتى الصايف النجفي األملعي يف ترجمته لرباعيّات الخيّام. تظل النصوص األدبية اإلبداعية العميقة حيّة تثري العديد ّ وال يخلو أكرث من نصف ترجامت الخيّام ،من ه ّنات وزالّت تظل قابلة من التفاسري والتآويل ،مهام تقادمت ،بحيث ّ يف فهم معاين متون العديد منها ،ومن الحذف والحشو لتعددية القراءة تلقّياً ونقدا ً ،بل قابلة أيضاً لتعددية والتحوير حد االبتعاد كثريا ً عن أصولها الفارسية ،بل الرتجمة حتى إىل اللغة الواحدة ،ويف مختلف األزمنة؛ والفصام أحياناً! كام لو أنها رباعيّات منظومة تحت و من أدلّتنا الساطعة :ملحمة كَلكَامش /األوبانيشاد/ تأثري الخيّام! ولذا فهي مضلّلة ال تجدي يف دراسة أفكار األوذيسه لهومريوس /كتاب التاو لالوتيس /الكوميديا الخيّام والحكم عىل فلسفته ،كام ال تجدي للرتجمة عنها اإلله ّية لدانتي /غزل ّيات حافظ الشريازي /دونكيخوتيه «كوسيطة» إىل لغات أخرى ،ولو تُر ِج َمت إىل الفارس ّية رسفانتس /بعض مرسحيات شيكسبري /وبعض روايات دستويفسيك .ويحرضنا بشأن هكذا نصوص راقية تشخيص «دون تنويه»؛ ملا تع ّرف اإليران ّيون عىل ( )25%منها 48
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ترجمة الشعر
بصفتها رباعيّات خيّام ّية! يظل كالمي رهن التجريد؛ سأوجز رأيي النابع من وليك ال ّ مسرييت الرتجميّة املتواضعة منذ أربعني عاماً مابني اللغتني الكرديّة والعرب ّية ،ث ّم الرتجمة إليهام عن اللغات :الفارس ّية، اإلنكَليزيّة ،اإلسبان ّية ،والرتك ّية اآلذريّة؛ لطرح البديل الناجع. فعند ترجمتي للقريض «الشعر املنظوم» كمثل «رباعيّات الخيّام» واجهتني إشكاليّة الرتجمة عن الفارسيّة إىل العربيّة «وهام غري متقاربتني عائليّاً ،لك ّنهام متجاورتان ثقاف ّياً -حضاريّاً»؛ فقد اضطررت إىل اختيار طريق الصارم» و»النرث الفضفاض» وهو يتوسط «القريض ّ ّ الذي استدرجني إىل املزج بني البحور الثالثة «املتدارك/ الخبب ،الرجز واملتقارب» حتى أقىص األوجه «الجوازات/ الزحافات» املمكنة ،وال أظنني أ ّول من ميزج بني بحرين وأكرث؛ فقد سبقني الكثريون منذ عقود طويلة ،بل منذ قرون ...لك ّن ما آزر مسعاي هو العالّمة الدكتور كامل أبو ديب الذي ما برح يحدوين باجتهاده التنظريي والتطبيقي- التحلييل منذ عقود ...ومع ذلك ملْ أنعت ترجمتي بـ «املنظومة» إنمّ ا بـ «املنثومة» املازجة بني النظم والنرث املسجوع؛ ما دمت ملْ ألتز ْم التزاماً أرثدوكس ّياً باستخدام كل بحر عىل حدة؛ طبعاً إلياليئ االهتامم برتجيح أولويّة ّ نقل املعنى عىل االنصياع لجامل املبنى .ومن هنا أعتقد أ ّن املزج بني البحور املذكورة ينطوي عىل إمكانات جديدة هائلة لرفد البنية اإليقاعيّة لـ «الشعر املنثوم» حيث ويجسد رؤيته ورؤياه يكون يف وسع الشاعر أن يستحرض ّ املتالحمتني دون التفريط بالجرس واإليقاع الرضوريني للشعر ،مع تاليف االنزالق يف النرثيّة املنفلتة الفضفاضة؛ ما دامت «التجربة الجديدة تبحث لنفسها باستمرار عن بنى إيقاعيّة وتركيبيّة جديدة ،كام حدث يف زمن مقارب، يف عمل ّية نشوء املوشّ ح وتط ّوره ،وكام حدث ،بعد قرون من الثبات ،يف اكتناه بنى إيقاع ّية جديدة يف الشعر العريب الحديث ،بدءا ً من الريادات الرومانتيكيّة «جربان، عريضة ،شعر املهجر مثالً» وانتهاء بالشعر الح ّر وقصيدة النرث املعارصة» عىل ح ّد استقصاء الدكتور كامل أبو ديب؛ الكتساب ظهور «الرباع ّية» وتبلورها يف الرتاث الشعري العريب داللته اإليقاع ّية [مع تعديل التسميتني «الشعر الحر إىل شعر التفعيلة» ،و»قصيدة النرث إىل الشعر الحر» ج.ز]
وهذا ما فعلته أيضاً يف ترجمة «مرثية خورخيه مانرييك ألبيه» عن اإلسبانية إىل العربيّة .ومن املؤ ّمل إنجاز ترجمة منثومة لـ «حيدر بابا سالماً» للشاعر اآلذربايجاين شهريار إىل العرب ّية. فإن «الرتجمة املنثومة» هي طريقتي يف ترجمة القريض «الشعر املنظوم» ،أ ّما طريقتي يف ترجمة «الشعر الح» فهي «ح ّرة» ويالزمني فيها ه ّم التوفيق بني حرفيّة املنت وروحيّته؛ إلنجاز ترجمة ف ّنيّة ذات أقىص شعريّة ممكنة، عرب االقتصاد يف استخدام املفردات قدر املستطاع ،وانتقائها انتقا ًء دقيقاً؛ بغية التعبري بدقّة وعمق عن جوهر املنت «املصدر» وشحن الرتجمة باملوسيقى الداخليّة واإليقاع؛، إن اللغتني العربيّة والكرديّة ثريتان جدا ً يف مجال الرتجمة الشعريّة بالذات مقارنة بأبرز اللغات العاملية؛ ففي اللغة العرب ّية توجد بضع مفردات مرتادفة للخوف بتدرجاته: وجل ،خشية ،رهبة ،رعب، فزع ،هلع ،ذعر .وهذا الرثاء يخيرّ املرتجم لينتقي اللفظة المترجم يجب معنى و موسيقى املناسبة ً أن يجيد ويتقن ومبنى» وبذلك يفلح «محتوى ً ً اللغتين «المصدر املرتجم املتم ّرس القدير يف أن يشعرن حتى ترجمته النرثيّة .والهدف» وأن يكون ويجب أالّ ننىس أ ّن عىل املرتجم محيط ًا بثقافتيهما أن يتغيّا «أالّ تبدو القصائد ومتعمق ًا فيهما، املرتجمة كأنّها أجنب ّية ،إنمّ ا كأنّها ومتأصلة ومن المفضل جد ًا مولودة يف تلك اللغة ّ أن يكون شاعراً فيها» كام أكّد فراي لويس دو لني. وطبعاً من نافل القول أن املرتجم يجب أن يجيد ويتقن اللغتني «املصدر والهدف» وأن يكون محيطاً بثقافتيهام ومتعمقاً فيهام ،ومن املفضل جدا ً أن يكون شاعرا ً؛ فالحدس الشعري خري معني للمرتجم الشاعر أو الشاعر املرتجم؛ ألن أغلب املرتجمني «م ّمن ليسوا بشعراء» تجيء ترجامتهم فضفاضة ركيكة و متخشّ بة .لكنام يف الوقت نفسه يسبب كون املرتجم شاعرا ً مشكلة غري متوقعة ،أال وهي خطورة هيمنة شخص ّيته الشعريّة عىل شخصيّته الرتجميّة. issue (8)- January - 2013
49
قضية
أحمد لوغليمي
يب ال َ اق ال َ اس ِتر َ ُ صي َد ِة ْ ق ِ لب ِل َو ِج ِ ق ِ ت َ ْر َج َم ُة الشِّ ْع ِر لَيْ َس ْت تمَ ْرِي ًنا أَكَا ِدميِيًّا َعنِ ال َع َرا ِقيل ال َّن ْح ِويَّة، َوالَ « ِفيلُولُو ِجيًّا» يَتَ َس َّق ُط الترَّ ْكِيبَ َة اللُّ َغ ِويَّةََ .و َسيَبْقَى َم ْح ُض َعبَ ٍث البَ ْحثُ َع ْن بَل َْسمٍ لِلْ ُخ ُرو ِج ال ِّن َهائيِِّ ِم ْن َمأْزِقِ اإلِشْ كَاال َِت الجَماَ لِ َّي ِةَ ،و ُم َحا َولَ ُة ت َشْ ِخ ِ يص األَبْ َعا ِد املُتَ َع ِّد َد ِة لِلإْ ِبْ َدا ِع ِب َجالَفَ ِة امل َ َنا ِه ِج امل َ ْد َر ِس َّي ِة. َ يش تَ ْر َج َم ُة الشِّ ْع ِر ُمكَابَ َد ٌة لِ َف ْه ِم ِهَ ،وت َ ْقرِيبًا َعيْ ِش ِه؛ أ ْن ت َ ِع َ الق َِصي َد َة كَتَ ْج ِربَ ٍة قَرِيبَ ٍة ِم ْن ُمكَابَ َد ِة الشَّ ا ِعرِ .كيَ ْ يَكُو َن ل ََك
بهيجة مرصي إدلبي
كتابة جديدة للنص
50
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
َذلِ َك ،يَ ْك ِف َيك أَ ْن تَ ُحو َز َذلِ َك الق ِ َاس َم امل ُشْ ترَ َ َك َم َع الشَّ ا ِعرِ؛ التَّ َدلُّ ُه بِال َكلِ َم ِة ،قَل ُْب ِطفْلٍ َد ِه ٍش إِزَا َء ال َعالَمِ َ ،وأَ ْن تَتَ َحلىَّ السا َعاتيِِّ إِ ْذ يمَ ُِيل ِبأُ ْذنِ ِه لِ ُي ِصي َخ لِ َه ِف ِ يف ال َب ْن ُدو ِل، بِان ِْح َنا َء ِة َّ َ أَ ِي ا ِإل ْر َه ِ اف لِ َح أْم ِة ال َّن ِّص َوكَاتِ ِب ِه. َه َكذَا ت َ ُح ُ ول الترَّ ْ َج َم ُة ِم ْن ِخيَانَ ٍة أَنِي َق ٍة إِلىَ َوفَا ٍء َم ْع ُسو ِل َ ِ ِ ِ ُ اح ت م ر م أ . ة د ي َص ق ال ِيب ج و ل ْب ل ق ال ِق َس ن ن َ ِ الصفَا ِءِ ،حي َماَ ْ ترَ َّ َ ٌْ َُ ٌ َ َ ُوب َو َسالِكيِ ِ الح ِّس. لأِ َ ْهلِ ال ُقل ِ الشَّ ا ِع ُر بمِ َا أَنَّ ُه َخ ِب ُري ت َ ْع ِبريٍ بِا ْم ِت َيازٍَ ،و ُم َر ِّو ُض َع َو ِاط ٍف ب ِِخبرْ َ ِة امل ُ ْم ِس ِك بِال َّراب ِِض َخل َْف الالَّ َو ْص ِفَ ،صائِ ُد االِنْ ِف َعاال َِت الطَّائِ َر ِةِ ،ب ِإ ْمكَانِ ِه أَ ْن يَ ِص َري َصانِ ًعا بِا ْم ِتيَازٍ ،أَ ْو َعلىَ األَق َِّل لص ْدقِ إِ ْن لَ ْم نَق ُْل األَ ْص َد َق ،أَي أَ َح ُد أَقْ َر َب املُترَ ْ ِج ِم َني لِ ِّ امل ُ ْخلِ ِص َني فيِ ُح ِّب الفَاتِ َن ِة إِيَّا َهاَ .وأَيْضً ا لأِ َ َّن ت َ ْر َج َم َة الشِّ ْع ِر ِف ْع ٌل ِش ْعر ٌِّي. األَ ْر َج ُح أَ َّن الشِّ ْع َر ال َِّذي يُترَ ْ ِج ُم ُه الشُّ َع َرا ُء يَ ْن ُجو قَلِيالً .يَ ْن ُجو قَلِيالً ِم َن ِ ِالص ْدقِ . اب ب ِّ الخيَانَ ِة َويُ َص ُ َهذَا الَ يَ ْع ِني أَ َّن ك َُّل الشُّ َع َراِء ُم َوفَّقُو َن فيِ َص ْن َع ِت ِه ْمَ ،ولَ ْي َس ك ُُّل َغيرْ ِ الشُّ َع َرا ِء َعك َْس َذلِ َك .قَ ْد يَكُو ُن ال َو ِ اح ُد يَ ْح ِم ُل قَل َْب شَ ا ِع ٍر َوالَ يَ ْكتُ ُب ِش ْعرا ً كَماَ أَ َّن ثمََّ َة َج َحا ِف َل ِم َن الشُّ َع َرا ِء ِاالسمِ .ال َح ِاص ُل ُه َو أَ َّن أَ ْغل ََب الترَّ ْجَماَ ِت الفَا ِر َه ِة الجَماَ ِل ب ْ ِه َي ت َ ْرجَماَ تٌ أَنْ َج َز َها شُ َع َرا ُء فَا ِر ُهو الشِّ ْع ِر ِب َد ْو ِر ِهمَ ،عالَميًّاِ النص اإلبداعي نص عابر للثقافات ،حامل لرؤاه اإلنسانية ،وهنا أؤكد عىل كلمة «اإلبداعي» ،أي عندما يكون النص الشعري خالقاً ،يف تشكله ،غري منعزل عن إنسانيته ،فال بد أن يشكل حالة من حاالت التواصل الثقايف حني ترجمته إىل لغات أخرى ،ومن هنا تأيت أهمية الرتجمة كوسيلة وحيدة ملعرفة اآلخر «إبداعياً» وبالتايل إنسانياً. أما عن قيمة الرتجمة كناقلة للنص اإلبداعي ،فهنا تأيت قضية أخرى لها عالقة باملرتجم (ة) والثقافة التي تشكل رواه اإلبداعية خصوصاً فيام يخص النص الشعري كنص إشكايل ،ألن مثة خيوط خفية ترتكها اللغة يف النص ،ورمبا يفقد الكثري منها عندما ينتقل هذا النص إىل لغة أخرى، فالرتجمة أحياناً تهبط بالنص ،وأحياناً ترتفع به ،وتضيف
ترجمة الشعر
لِيَترَ َقْ َر َق ِب ِق ْر ِم ِزيِّ ِه الفَا ِد ِحَ .ه َكذَا يُ َخل ُِّف َو َع َربِياًّ. َ ِ َعلىَ الشَّ ا ِع ِر أ ْن يَكُو َن كَ ْونِيًّا كيَ ْ يُترَ ْ ِج َم اط َ طَ ْع َم ال َحالَ َوة فيِ ال َقل ِْب ،و ُح ْم َر َة اللُّ ْؤلُ ِؤ فيِ ف ِة م ِل ْل َ ع ْ نَ َ ع ِ شحن النَّص ال َعيْ َننيِ.. ب َِس َدا ٍد ،بمِ َ ْع َنى أَ ْن تَتَ َجا َو َز ثَقَافَتُ ُه الَّ ِتي ت َ ْ َ ُ َّ ِب َه َكذَا ت َ ْر َج َم ٍة يَ ْربَ ُح ال َّن ُّص ُه ِويَّتَ ُه الَّ ِتي الشِّ ْع ِريَّ ُة ال ُع ُصو َر َوامل َ َدار َِس ،كيَ ْ الَ كأ َ َ َ َّ َّ ْ ص ن ال ه ن و د غ ي ل ُ َ ُ ُّ كَان َْت لَ ُه فيِ لُ َغ ٍة أُ ْخ َرى ،القَا ِرئُ َد ْهشَ َة يَتَ َح َّو َل كَماَ َح َدثَ فيِ بَ ْع ِض الترَّ ْجَماَ ِت َ َ َ َّ س ف ن ل ل ال ، ي ل ص األ ْ ِ ّ ِ ال َع َر ِب َّي ِة؛ إِ ْذ ت َ َح َّو َل «بُو ْدلِ ْري» إِلىَ شَ ا ِع ٍر القَارِئِ لِلأْ َ ْصلِ َ ،واملُترَ ْ ِج ُم ِحيَا َد امل ُ َزا ِر ِع فيِ ِ ِ ِ ِ ِ اب امل ُ َعلَّق ِ يب ال َح َدائقِ . قَطْفه الثِّماَ رَ ،وت َشْ ذ ِ َجا ِهليِ ٍّ ِم ْن أَ ْص َح ِ َاتَ ،وفيِ صيب ُ ُه الَّ ِذي ي ُ ِ الشاعر َوكَماَ يمَ ْ َن ُح الشَّ ا ِع ُر «نَ َزا َهتَهُ» لِلْترَّ ْ َج َم ِة تمَ ْ َن ُح ُه ت َ ْرجَماَ ٍت َغ ْر ِبيَّ ٍة ِح َني ْاستَ َح َال « َرا ْمبُو» ع ْد َوى ل ُ َ ِب َ غ ِة َّ ِ ِغ ًنى ُر ِ وح ًّيا َو ِغ ًنى لُ َغ ِويًّا ،إِ ْذ تُخ َِّص ُب ِب َد ْو ِر َها ُم ْستَ ْق َبلِ ًّيا « َودَانْ ِتي» ُسو ْريَالِ ًّيا... صا آ َ عل ُ ُه ن َ َ ر خ ج ي ف ْ َ َ َ ّ ً لُ َغتَهُ .الترَّ ْ َج َم ُة تُثرْ ِي لُ َغ َة ال ُو ُصو ِل. قَ ْد يُ ْر ِف ُق الشَّ ا ِع ُر َم َع َرك ِْب ال َّن ِّص املُترَ ْ َجمِ َ الترَّ ْ َج َم ُة ِف ْع ُل ِدقَّ ٍة َوأنَا ٍة ،كَماَ ُه َو الشِّ ْع ُر فُ ْر َسا َن َع َو ِاط ِف ِه لَ ِك َّن َها الَ تَعْترَ ِضُ َها ،بَ ْل َ ِ ِ ٍ ت َشْ َح ُن َها َوت ُ َنا ِف ُح َع ْن َها فيِ َو ْج ِه فُلُو ِل التَّقَادُمِ أ ِو اإل ِْسف ِ ِيب قَل ِْب لُ َغة إِلىَ قَل ِْب نَف ُْسهُ .ه َي ف ْع ُل ُح ٍّب يَ ْع َم ُل َعلىَ ت َ ْقر ِ َاف. ُ ٍ ُ نَ َع ْم لِلْ َع ِاط َف ِة الَّ ِتي ت َشْ َح ُن ال َّن َّص لَيَ ْغ ُدو كَأَنَّ ُه ال َّن ُّص األَ ْصليِ ّ ،ل َغة أ ْخ َرى. َخ َد َع َنا اإلِيطَالِ ُيو َن بمِ َقُولَ ِتهِم «الترَّ ْ َج َم ُة ِخ َيانَةٌ»َ ،و ُهم ِم ْن الَ لِل َّنف َِس ال َِّذي يُ ِصي ُب ُه ِب َع ْد َوى لُ َغ ِة الشَّ ا ِعر فَ َي ْج َعلُ ُه اش بِالترَّ ْ َج َم ِة -يَأْ ُخذُونَ َها َعلىَ َم ْح َملِ وب الَّ ِتي ت َ ْعتَ ُ أَكْثرَ ِ الشُّ ُع ِ ن ًَّصا آ َخ َر أَنْتَ َج ُه الشَّ ا ِع ُر املُترَ ْ ِج ُم .الشَّ ا ِع ُر يُ ْر ِدي الق َِصي َد َة َ َاب ال َعالَ ِميَّ ِة ق َِدميِ َها َو َح ِدي ِث َها ال َوفَا ِءَ -حتَّى أ َّن ت َ َوفُّ َر اآلد ِ املُترَ ْ َج َم َة بَا ِذ َخ ًة ِبالَ َرأْفَ ٍة. َ ُ َ ِ ِ ُمترَ ْ َج َم ًة أضْ َحى َعائقًا يُثَبِّ ُط ه َم َم ُهم فيِ ت َ َعلُّمِ اللُّغ ِ َات األ ْخ َرى. إِ ْن كَا َن ال َن ُّص الشِّ ْعر ُِّي األ ْص ُل شَ َج َر َة كَ َرزٍ ،فَلَيْ َس َعلىَ فَلْ ُنترَ ْ ِجمِ الشِّ ْع َر ِبالَ َه َوادَة .إِنَ َها ناَ ِف َذت ُ َنا لِ ُن ِح َّس األَشْ يَا َء بِشَ كْلٍ الشَّ ا ِع ِر املُترَ ْ ِجمِ أَ ْن يَ ِص َف الشَّ َج َر َة أَ ْو َحالَو َة ال َك َر ِز ُم ْختَلِ ٍف َولِ َك ْونَ َن ِة لُ َغ ِت َنا. لِلْقَارِئِ ،بَ ْل َعلَ ْي ِه أَ ْن يَ ْستَ ْد ِر َج ُه إِلىَ فَ ْي ِئ َها لِ َيتَ َح َّس َس َهاَ ،وأَ ْن الترَّ ْ َج َم ُة ِه َي َسبِيلُ َنا لِكيَ ْ نَ ْنضُ َج َولِتَ ْغ ُدو لُ َغتُ َنا أَ ْصفَى. يُ ْه ِدي ِه ُع ْر ُجو َن ثمَ ْرٍ ،الَ بَأْ َس أَ ْن يَغ ِْسلَ ُه ِب َن َدى َد ْهشَ ِت ِه ورموزا ً غري الرموز وسامت ثقافية مختلفة. غنى إىل غناه املوجود يف لغته األم. ومن هنا تأيت -وأؤكد مرة أخرى -مقدرة املرتجم (ة) أما أن تكون الرتجمة خيانة أنيقة فهذا األمر وارد عندما تكون ترجمة حرفية ،أي أن تكتفي بتحويل النص معجمياً املبدع ،فاملرتجم الحقيقي يجب أن يكون عارفاً باللغتني معرفة معمقة ،ألنه من خالل هذه املعرفة يستطيع من منطوقة األصل إىل منطوق آخر ،دون االلتفات إىل أن يحمي النص من خلل املعنى أو الحامل الثقايف والخصوصية اإلبداعية. اضطراب الرؤيا ،ويحافظ عىل جامليته لكن عندما تكون الرتجمة إبداعية، الترجمة أحيان ًا ووجوده كنص إبداعي يحتفي بدفئه فال أعتقد أنها متثل أي شكل من وخصوصيته. أشكال الخيانة ،وإمنا هي -كام تهبط بالنص، وبالتايل تأخذ الرتجمة بهذا املعنى أتصور -كتابة جديدة للنص الشعري، وأحيان ًا ترتفع به، الدور الحقيقي يف حوار الثقافات بني حيث تقوم بتحويله من لغته التي وتضيف غنى إلى الشعوب ويف تشكيل جرس تواصل ولد يف رموزها وثقافتها وخصوصيتها غناه في لغته األم إنساين يقرب الكائن من لحظة الخلق وعالقاتها اإلبداعية ،إىل لغة أخرى اإلبداعي. تحمل تاريخاً غري تاريخ لغة النص،
issue (8)- January - 2013
51
قضية
آداب وفنون ومعارف ،بل إ ّن بقدر ما تتناقله بينها من ٍ مجسدا ً يف أغنية أو منها من تغيرَّ وجهها بسبب الشعر ّ قامشة أو آنية قذفت بها الرياح إىل ما وراء البحر. يف زمننا ،صار لرتجمة الشّ عر معنى الواجب .شعريّات األرض الباذخة والعريقة انفتحت عىل بعضها البعض، يف حوا ٍر خلاّ ق ومتو ِّهج يعلِّم الكائن كيف يُرشف عىل كينونة لغة إنسانيّ ٍة بال حدود ،مبنأى عن االبتذال والتسطيح .ولقد انفتحت الشعرية العربية الحديثة ،عن طريق الرتجمة ،عىل بعض هذه الشعريات ،الفرنسية واإلنجليزية ث ّم الروسية واإلسبانية واألملانية واإليطالية فيام بعد ،التي كان لها دور حاسم ومه ّم يف سريورة تحديث الشعر العريب ،حتّى صار شعرا ٌء ذائعو الصيت عبد اللطيف الوراري يشكّلون فنناً مضيئاً من شجرة هذا الشعر وذاكرته علَّة في منتهى العافية ومتخ ّيله ،من أمثال «إليوت وإديث ستويل وسان جون ترجمة الشِّ عر ،هذه ال ِعلَّة التي يف منتهى العافية .لطاملا بريس وروين شار وعمر الخيام ونريودا وناظم حكمت ف ّك ْرتُ ،وأنا أقرأ الشّ عر ُمرت َجامً أو بصدد ترجمته عن وطاغور وويتامن وبودلري وخيمينيث وييتس وأوكتافيو الفرنسية ،يف ما رآه الجاحظ ،وهو يقول إ ّن «الشعر باث وبورخيس وآرتو وإزرا باوند ولوركا وألن بو وريلكه ال يُستطاع أن يُرتْ َجم ،وال يجو ُز عليه النقل ،ومتى وهولدرلني وإيلوار وبريتون وميشو وبيسوا» وسواهم، حس ُنه ،وسق َط ُح ّول تقطَّع نظْ ُمه ،وبَطُل و ْزنُه، وصوالً إىل مناذج من الشعر الصيني وشعر الهايكو وذهب ْ َ م ْوض ُع التع ُّجب ،ال كالكالم املنثور» .الشعر ال كالنرث .قد الياباين حديثي االكتشاف .ولهذا ،ليس يف اإلمكان أن يجوز األمر يف النرث ،الواضح واملعقول والعادي .أ ّما يف نقرأ مسارات الحداثة الشعرية العربية مبعزل عن دور والهش ،فإنّه يصعب من ُوجو ٍه كثرية، ّ الشعر ،الغامض الرتجامت الشعرية املتنوعة التي متّت مبستويات متباينة. حتّى يستحيل األمر خيانةً ،بل خسارة .ال يضيع املعنى وإذا عدنا إىل بدايات القصيدة الحديثة وجدنا أن فحسب ،بل األسلوب وإيقاع الكلامت وجرسها العابر الرتجامت تحرض بنفس قوة اآلثار املنتجة .تحرض للذّات وخطابها املفرد والخاص .هذا واق ٌع لسوء ح ّظ أعامل «أنشودة املطر وأباريق مهشمة وأقول لكم الشعر .لكن ،أليس باإلمكان ترجمة الشعر؟ بىل .ال أنىس ،وأغاين مهيار الدمشقي ولن وحزن يف ضوء القمر» إىل هنا ،رأياً ثانياً للشاعر الفرنيس بيري لرييس ،وهو يرشدنا جانب «األرض اليباب وأربعاء الرماد والرجال الجوف إىل أ ّن «ترجمة الشعر أ ْم ٌر مستحيل ،مثلام االمتناع عن وأزهار الرش وعيون إلزا ومنارات وأوراق العشب وأغان ترجمته أم ٌر مستحيل». غجرية وراعي القطيع» .ولكم من شاعر عريب حديث، كث ٌري من الثقافات اإلنسانية الشفوية واملكتوبة ،مبا يف من جيلٍ إىل آخر ،قد استضاف شاعرا ً أجنب ّياً ،وارتبط ذلك الثقافة العربية -اإلسالمية ،التي يأخذ فيها الشعر اسمه به ،وتحاور معه؛ «السياب وستويل ،عبدالصبور وضعاً اعتباريّاً والفتاً ،وجدت يف هجرة أدبها ،من ضمن وإليوت ،أدونيس وبريس ،سعدي وريتسوس ،يوسف نتاجها الرمزي ،إىل العامل رضور ًة ال ترفاً ،ومجلب ًة لالحرتام الخال وباوند ،أنيس الحاج وآرتو ،فؤاد رفقة وهولدرلني، واملجد ،إذ هو يعكس وجهاً حيويّاً ومرشقاً من هويّة املهدي أخريف وبيسوا ،رفعت سالم وكفافيس ،محمد هذه الثقافة وتلك .وقد رأينا ،عرب عهو ٍد من حيويّة بنيس ونويل ،وإدريس امللياين ويفتوشينكو» ،وقد يفرد التاريخ ،كيف كان تتفاعل الحضارات والشعوب وتتحاور ،شاعر أو ذاك جناحه عىل جملة شعراء عرب محدثني 52
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ترجمة الشعر
الفنان سريجيج جينسن
في زمننا ،صار لترجمة ّ الشعر معنى الواجب. شعريّات األرض الباذخة والعريقة انفتحت على بعضها البعض ،في حوا ٍر خالّق ومتوهج ِّ
يقل إبداع ّيةً ،ويق ّر يف أصالته بصدد فعلٍ كتا ٍّيب ال ُّ ومعارصين ،مثل» إليوت ولوركا وبريتون وبيسوا» ،غري ومسؤول ّيته أن يستضيف الشعر «اآلخر» بيديه األمينتني أ ّن األثر املتبادل ،عن طريق الرتجمة ،بني الشعر العريب والشعر األجنبي بلغاته املتباينة ،مل يكن متساوياً وواقعاً املرتجفتني ،حتى ال يطري عنه خياله ويغيض ماؤه ،فتأيت بأقل خسارة ،بل تب ُّز أصلها. بالقدر نفسه .مناذج محدودة من الشعر العريب القديم ،الرتجمة ّ مبا فيه األندليس ،من أحدثت أثرها يف الشعر اآلخر ،لكن بالنسبة إيل ،ال أعترب نفيس مرتجامً ،أنا قارئ للشعر «اآلخر» -الفرنيس تحديدا ً ،-ويف ن ّيتي أن أتعلَّم من أي ح ٍّد أث ّر هذا الشاعر من من الصعب أن نثبت إىل ّ متخ ّيالت شعرية غريبة ع ّني مبا توافر لها من أسباب شعراء العربية املحدثني يف مجرى الشعر العاملي ،وإن ك ّنا ال نغفل الهالة التي صارت لبعضهم تحت هذا التأثري العجب والفرادة واالختالف ،لكن رسعان ما وجدتُ نفيس أرتكب مثل تلك الخيانة املمتحنة ملدى خيايل .يف أو ذاك ،مثلام هالة محمود درويش أو أدونيس .هل ٍ ّ يصح لنا أن نؤكِّد أنّنا أخذنا أكرث مام أعطينا بكثري ،وتأث ْرنا ترجاميت املقرتحة لنصوص من الشعر الفرنيس املعارص، ّ السيام نصوص «هرني ميشونيك وأندري فلتري وبرنار أكرث مام أث ّرنا؟! لكل شاعر «عقدة مازو وماري كلري بانكار» ،تبينّ يل أن ّ كل األحوال ،لقد أف ْدنا من ترجمة الشعر التي متّت يف ّ إيقاعيّة» ،وليس مبقدوري أن أعكسها إلاّ عىل نحو عىل أيدي الشعراء أنفسهم ،هؤالء النادرين الذين ال ٍ بذبذبات من وجيبي الداخيل الذي تعوييض ،إن مألتها يُضاهيهم أحد ،والذين يأخذون عىل عاتقهم تحديد ّ يل ،وأدخلتُها يف عالئق معنى األدب ،والذين يعلمون قبل غريهم أ ّن مثة نواة يف يتجاوب مع تجاربهم املنادية ع ّ القصيدة يجب االنتباه لها ومعاملتها بكثري من«االحرتام صوت ّية ودالل ّية جديدة متنحها تأويالً جديدا ً ،وقيم ًة ُمضافة جديدة داخل لغتي التي أُبدع بها ،وأحيا فيها. والتبجيل» ،أثناء ترجمتها أو نقلها إىل لغتهم األ ّم .فعىل كل يومٍ أكتشف ما معنى أن تصري الرتجمة لك ّني ،يف ّ املرتجم أن يكون عارفاً بلغة الشاعر الذي يرتجمه، «مح ّكاً» ،فلماّ نحن نرتجم «فكأنّنا نلقى بني اللغتني وإيقاعها ،وأسلوب تشخيصها للذات الكاتبة والعامل ً محل الحيس والعقيل .ويجوز له أن يخرج عن األصل مبقادير ،تفاهام هو من العمق واالنسجام ،بحيث تحلاّ ن َّ املعنى وتتمكَّنان من جعل الفجوة بينهام منبعاً ملعنى مبدعاً فيه ،ومهتدياً إىل ذلك بحدسه وإصغائه شديدي جديد» ،بتعبري «موريس بالنشو». اإلرهاف .فمن سوى الشاعر املرتجم ،إذن ،يُدرك أنَّه issue (8)- January - 2013
53
قضية
محمد حلمي الريشة
أن ِّ للشع ِر ل ُ ً ً واحدة غة لَو َّ ترجم ُة الشِّ عرِ ،ومن خال ِل ُمامرستي لها ،ملْ أَج ْد أَ َّن املقول َة ُعب جيِّ ًدا عن هذ ِه املامرس ِة اإلِيطاليَّ َة «ترجم ُة الشِّ ع ِر خيانةٌ» ،ت رِّ ُ الصف ِة ،إِذ أَي َن تكم ُن «الخيانةُ» طاملا أَ َّن اإلِبدا َع الشِّ عر َّي بهذ ِه ِّ فعل إنسا ٌّين ل ِإلنسانِ ، يجب أَ ْن يكو َن عامل ًّيا ،بمِ عنى أَنَّ ُه ٌ بالضرَّ ور ِة ُ أَينام ُو ِج َد عىل هذ ِه الكر ِة املائيَّ ِة .هل ميك ُن تغي ُري العبار ِة إِىل ما خصوصا إِذا خلق آخ ُر لهُ، ُ كنت قلتُه ذاتَ يومٍ « :ترجم ُة الشِّ ع ِر ٌ ً أَنجز ُه شاع ٌر»؟ لك ْن ،وألَ َّن لإلنسانِ أك ُرث من لغ ٍة ،كا َن ال ب َّد م َن الترَّ جم ِة ،رغ َم عدمِ قُدرتِها الكامل ِة عىل توصي ِل اللُّغ ِة األُوىل إِىل أَيَّ ِة لغ ٍة أُخرى، فكيف الحال ُة يف ترجم ِة الشِّ ع ِر الَّذي يُبنى عىل الترَّ اكيبِ اللُّغوي ِة َ َ الحواس ،وحتَّى ما ترسمها للُّغ ِة األصلُِّ ، السياليَّ ِة الَّتي ُ والصو ِر رِّ ُّ الحواس؟ بع َد ِّ ميل كث ًريا إِىل مقول ِة الشَّ اع ِر مح َّمد ب ِّنيس« :م َن البداه ِة أَ َّن أَ ُ ٍ ترجم َة الشِّ ع ِر شب ُه مستحيل ٍة ،ولك ْن َ درجات لالستحال ِة». هناك ارس درج ًة م ْن وألَنَّ ُه ال ب َّد م َن الترَّ جم ِة ،كا َن ال ب َّد ل َنا أَ ْن نمُ َ ِ درجات االستحال ِة ،ألَنَّ ُه ال يمُ كننا جمي ًعا أَ ْن نقرأَ الشِّ ع َر بلغت ِه َ َ َ ِ نحتاج الشِّ ع َر ،ألنَّ ُه رضور ٌة مل ْن األُ ِّم ،واأله ُّم م ْن هذا وغريه ،أنَّنا ُ يُ ُ درك أَنَّ ُه أَك ُرث الفنونِ تأْث ًريا يف صياغ ِة جامل َّي ِة إِنسان َّي ِة اإلِنسانِ . تقي ُم ترجم ُة الشِّ ع ِر حوا ًرا صامتًا ،ش ِّيقًا وعذبًا ،ثريًّا ومهماًّ ،ب َني الشَّ اع ِر واملرتجمِ الشَّ اع ِر أَ َّوالً ،وب َني األَخريِ وشعرا َء آخري َن يقرؤون رشا بوسائ ِل ال َّنرش بلغ ِة املرتجمِ ثانيًاَ ، وليس ثالثًا ح َني تع َّم ُم ن ً املختلف ِة. 54
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ما ش َّدين برغب ٍة عالي ٍة إىل ترجم ِة الشِّ عرِ ،بع َد قراءت ِه بلُغت ِه األُوىل «كا َن ب ِإمكاين أَ ْن أَكتفي بِهذا اإلِشباعِ» ،ه َو شُ عوري باإلِبدا ِع أَثنا َء الترَّ جم ِة بأَنَّني أَنا الَّذي أُكت ُبه ،حيثُ تتخل َُّق القصيد ُة بلُغتي العرب َّي ِة ،وكام لَو أَنَّني أُعي ُد تبييضَ ها ع ْن مس َّودتِها .هذ ِه ل َّذ ُة الخاص ِة إِبدا ٍع أَراها ،وإِ ْن كانت بدرج ٍة أَ َّقل م ْن كتاب ِة قَصيديت َّ بيِ . يت ،وأَنَا أُترج ُم شع ًرا ،وحيثُ أَكت ُبهُ ،أَ ْن تكو َن ن مت م ك .. م خت أَ ُ ْ َّ ُ للشِّ ع ُر ،بالذ ِ ليس بهذا يكتب بها ُّ كل الشِّ عرا ِء .أَ َ َّات ،لغ ٌة واحد ٌة ُ كانت «خيان ًة نربئُ مرتج َم الشِّ ع ِر م ْن تهم ِة «الخيان ِة» ،وإِ ْن ْ للنص» .وأَيضً ا ،ك ْم أَرى أَ َّن لغ ًة واحد ًة للشِّ عرِ ،تجعلُه أَنيق ًة ِّ ِ االنتقاص ،بشك ٍل أَو بآخ ًر ،م ْن قيمت ِه الجامليَّ ِة أَ َّوالً؛ كونيًّا ،ودو َن ٍ ِ َ السو ِء .وحتَّى تتحق ََّق هذ ِه ن م ء بيش ه ميس َّذي ل ا االنتقاص ذلك َ ُّ ُّ نكف عن هذ ِه الغواي ِة ،رغ َم األُمني ُة «لغ ٌة واحد ٌة للشِّ عرِ» ،فل ْن ُّ َ تلك «التُّهم ِة» الَّتي ال ب َّد م َن اقرتا ِفها مع سبقِ العنا ِد والتَّو ُّد ِد!
ة اإلِيطاليَّ َ ن المقول َ ة ْ لم أَج ْد أ َ َّ «ترجم ُة ِّ الشع ِر خيان ٌة» ،تُعبِّر ُ جيِّ ًدا فة، الممارسة هذه عن بهذه ِّ الص ِ ِ ِ ِ ن ين إِذ أ َ َ ُ تكمن «الخيان ُة» طالما أ َ َّ ع ِّ َّ يجب رورة عري الش اإلِبدا َ ُ َّ بالض ِ يكون عالم ًيّا ن َ أَ ْ
ترجمة الشعر
بشار عبد الله
إعادة كتابة بعقلين الرتجمة عموماً نقل روح ومعنى ،ويتضاعف جهد هذا النقل مع الشعر ترجمة .فالشعر له فضاءات تخييلية وأخرى معرفية ،وبدون اإلملام بها معاً تكون الرتجمة نقالً عشوائياً لكالم إبداعي مبتور عن فضاءاته تلك. من هنا أقول :مثلام ال ميكن ملرتجم أديب يف العموم أن يكون حامالً صفة مرتجم باملعنى األعمق للمفردة ما مل يكن أديباً قادرا ً عىل التعبري عن أفكاره العميقة بلغته األم ،فإنه ال ميكن ملرتجم الشعر أن يعد مرتجامً ما مل يكن باألساس شاعرا ً واعياً ملفهوم عميق يف الشعر. فأنت ال تنقل سطورا ً شعرية من لغة ألخرى يف ترجمة
الشعر قدر ما تنقل عوامل باطنية حقن الشاعر األصيل كلامته بطاقاتها املتداخلة واملتفاعلة ،ناهالً من منحنياته السوسيوتاريخية والفلسفية والفكرية والحضارية ما يؤ ّمن لها أن تكون قصيدة ،مثالً ،أو نصاً شعرياً ممهورا ً بهويتها التي تحمل خيوطاً خفية من هوية الشاعر املبدع لها /له ،عىل أن مينح املرتجم الشاعر النص املنقول عىل وفق األساسيات التي كلما تضاءل تقدمت شيئاً من روح عرصه التدرج على الواقع تحت منحنياته هو شريط الخيانة، يك يزيح الغموض الذي تنتجه االختالفات الحضارية وازدادت تدرجات والثقافية بني لغتني تنتميان اإلخالص ،تكسرت لعاملني مختلفني. الحدود وذابت من هنا تكون ترجمة الشعر التخوم وسطع نور إعادة كتابة بعقلني ،عقل الشاعر األصيل وعقل الشاعر البصيرة املرتجم .وهي بذلك تحذف تدرجات الخيانة بقدر اإلخالص لألساسيات ولعملية الخلق الجديد ،وبالتايل كلام تضاءل التدرج عىل رشيط الخيانة ،وازدادت تدرجات اإلخالص ،تكرست الحدود وذابت التخوم وسطع نور البصرية وانتعشت ذاكرة الروح انتصارا ً لقيمة اإلنسان الكامنة يف قعر الداللة. تفصيل :الفنانة مونيكا بري issue (8)- January - 2013
55
قضية
الترجمة
األدب والحرفية يعد هذا النص الذي كتبه الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث سنة 1980من أهم االقتراحات النقدية التي فككت عقدة ترجمة الشعر ،وهو هنا يسقط عن الشعر هالة استحالة الترجمة ،في حين يرى في ترجمة الشعر توأما لالبداع الشعري
أوكتافيو باث
56
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ترجمة الشعر
أوكتافيو باث
يعترب تعلم الكالم تعلام للرتجمة. فعندما يسأل الطفل أمه عن معنى هذه الكلمة أو تلك، ففي الواقع يطلب منها ترجمة املفهوم املجهول إىل لغته هو. فالرتجمة داخل لغة معينة ،ال يختلف مبدأها يف هذا اإلطار، أساسا عن الرتجمة من لغة إىل أخرى .فتاريخ الشعوب كلها يعيد قصة الطفولة نفسها .حتى القبيلة األكرث انعزاال تجد نفسها يف لحظة من اللحظات مجربة عىل مواجهة لغة قبيلة أخرى .الدهشة والغضب والرعب أو الحرية املسلية التي نحس بها أمام أصوات لغة نجهلها ال تنفك تتحول إىل تساؤالت حول اللغة التي نتكلّمها .فاللغة تفقذ كونيتها وتتفرع إىل عدة لغات غريبة وغري مفهومة يف ما بينها .يف ما مىض كانت الرتجمة تزيل الشك :إذا ما مل تكن هنالك لغة عاملية فاللغات كانت تشكل مجتمعا عامليا ،حيث ،بالتغلب عىل بعض الصعوبات ،كانت كلها تفهم وتستوعب .تستوعب ألن الناس يف اختالف لغاتهم يقولون دامئا نفس األشياء .فكونية الروح إذن هي الجواب عىل هذا اللبس البابيل .هنالك الكثري من اللغات ،لكن املعنى واحد .فقد وجد باسكال يف تعدد الديانات اختبارا لحقيقية املسيحية .واستجابت الرتجمة بقبول مثايل كوين لتعدد اللغات .هكذا إذن ،ليست الرتجمة فقط اختبارا متمام ،وإمنا أيضا ضامنا لوحدة الروح. هدم العرص الحديث هذا اليقني .فبعد إعادة اكتشاف الكم الالنهايئ من الطباع والعواطف ،وأمام مشهد تعدد العادات واإلنشاءات ،بدأ اإلنسان يرتاجع عن التحقق يف الناس .حتى ذلك الحني كان اإلنسان املتوحش استثناءا يجب إزالته بالتحول أو اإلبادة ،التعميد أو السيف. اإلنسان املتوحش الذي ظهر يف صالونات القرن الثامن عرش مخلوق جديد ،حتى ولو تح ّدث بشكل ممتاز لغة أجداده، فهو يجسد استغرابا ال يوصف .ليس موضوع تحول ،بل موضوع جدال ونقد ،فأصالة إدراكاته وبساطة عاداته وحتى عنف عواطفه كلها أدلة عىل الجنون والتفاهة ،إن
مل نقل رذالة التعميدات والتحول. فقد خلّف تغيري املسار إىل البحث الديني عن الهوية الكونية فضوال فكريا يرتكز عىل كشف اختالفات ال تقل كونية .فاالستغراب تراجع عن كونه ضالال وأصبح منوذجيا .منوذجيته شاذة وموحية .فاإلنسان املتوحش يشكل حنني املتحرض ،أناه اآلخر ونصفه الضائع .الرتجمة تكشف هذه التحوالت ،إذ مل تعد عملية ميالة إىل تبيان الهوية التي استقر عليها اإلنسان ،وإمنا هي عربة خصوصياته ،تتجىل مهامها يف كشف الشبه عن االختالفات، ومن اآلن فصاعدا تكشف الرتجمة أن هذه االختالفات ال ميكن اجتيازها ،تتعلق باستغراب اإلنسان املتوحش أو باستغراب جارنا.
رؤيا للعامل
عبرّ الدكتور جونسون جيدا يف عرض إحدى رحالته عن الوضع الجديد قائال« :غريسة عشب هي دامئا غريسة عشب سواء يف هذا البلد أو ذاك ...الرجال والنساء هم موضوع دراستي ،وسرنى إذن كيف يختلف هؤالء عن أوالئك الذين تركناهم خلفنا» .جملة الدكتور جونسون تحمل معنيني :وكال املعنيني متثل مسبقا يف الطريق املزدوج الذي يجب أن مييض فيه العرص الحديث .املعنى األول يتجىل يف الفصل بني اإلنسان والطبيعة ،فصال قد يتحول إىل معارضة ورصاع .فاملهمة الجديدة لإلنسان ال تتجىل يف النفاذ بجلده ،بل يف السيطرة عىل الطبيعة .املعنى الثاين يشري إىل الفصل بني الناس .فالعامل تخىل عن كونه عاملا ،كلية ال تتجزأ ،وأخذ يفصل بني الطبيعة والثقافة، والثقافة هي األخرى تنقسم إىل ثقافات .لغات ومجتمعات عديدة :كل لغة هي رؤيا للعامل .فالشمس التي تتغنى بها القصيدة األثيكية مختلفة عن الشمس التي يتغنى بها النشيد املرصي ،ولو أن النجم واحد .فخالل أزيد من قرنني ،جمع الفالسفة واملؤرخني أوال ثم األنرتوبولوجيني واللسانيني حاليا الدالئل حول االختالفات التي ال تنتهي issue (8)- January - 2013
57
قضية ال نص أصلي ،ألن اللغة نفسها ترجمة للعالم غير اللفظي ..كل النصوص أصلية إلختالف كل ترجمة عن أخرى .كل ترجمة ،إلى حد ما ،ابتكار وبالتالي تشكل هكذا نصا وحيد ًا
بني األفراد واملجتمعات والعصور .فرق شاسع ،بالكاد ال يختلف عن الكائن بني الطبيعة والثقافة ،هو ما يفصل الناس البدائيني عن املتحرضين .وبالتايل نحصل عىل تعدد الحضارات وعدم تجانسها .داخل كل حضارة تتولد الفوارق :فاللغات التي تساعدنا عىل التواصل تحبسنا هي كذلك يف شبكة غري مرئية من األصوات واملدلوالت بشكل تجعل معها األمم حبيسة اللغات التي تتحدثها. داخل كل لغة تتولد االنقسامات :حقب تاريخية وأجيال وطبقات اجتامعية .أما يتعلق بالعالقة بني األفراد املنعزلني واملنتمني إىل نفس املجتمع ،فكل واحد منهم محبوس حيا داخل أناه الخاص. كل هذا البد له من إقالق املرتجمني .فاألمور مل تكن هكذا: يرتجم املزيد واملزيد يف حركة متناقضة ومتممة .أسباب هذا التناقض الظاهري ندرجها عىل الشكل التايل :الرتجمة تزيل الفوارق بني لغة وأخرى ،من جهة ،بينام تربزها كليا من جهة أخرى .بفضل الرتجمة ندرك أن جرياننا يتكلمون ويفكرون بطريقة مختلفة عنا .يف جزء يقدم إلينا العامل كمجموعة من الالتجانسات ،بينام يقدم إلينا يف جزء آخر كرتاكيب من النصوص ،كل نص منها مختلف نسبيا عن السابق :ترجامت الرتجامت الرتجامت .كل نص وحيد ،ويف الوقت ذاته يعد ترجمة لنص آخر .ال نص أصيل ،ألن اللغة نفسها ترجمة أصال يف جوهرها :للعامل غري اللفظي أوال ثم ثانيا كل رمز وكل جملة ترجمة لرمز آخر أو جملة أخرى. لكن هذا املنطق ميكنه أن ينعكس دون أن يفقد صحته فنقول :كل النصوص أصلية إلختالف كل ترجمة عن أخرى. كل ترجمة ،إىل حد ما ،ابتكار وبالتايل تشكل هكذا نصا وحيدا. اكتشافات االنرتوبولجيا واللسانيات ال تدين الرتجمة بحال، وإمنا تدين فكرة ساذجة محددة للرتجمة .بتعبري آخر، تدين الرتجمة الحرفية التي نسميها مدلوال يف االسبانية
58
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
(ترجمة حرفية) .Servilال أقول إن الرتجمة الحرفية مستحيلة ،بل إنها ليست ترجمة .هي جهاز مركب عموما من خيط دقيق من الكلامت، كلامت تساعدنا عىل قراءة النص يف لغته األصلية .يشء أقرب ما يكون بنوع من القاموس أكرث منه ترجمة. فالرتجمة هي دامئا عملية أدبية، عموما ،دون أن نقيص منها تلك النصوص التي تستدعي نقل املعنى فقط كام يف املؤلفات العلمية .فالرتجمة تعتمد نقل األصل، نقال ال ميكنه إال أن يكون أدبيا ،ألن كل الرتجامت عمليات تعتمد عىل نوعني من التعبري يختزالن حسب رامون جاكوبسون كل العمليات األدبية :املجاز املرسل واالستعارة. النص األصيل ال يعيد الظهور أبدا (محال ذلك) يف لغة أخرى .و مع ذلك فهو موجود دامئا ،ألن الرتجمة ،دون قول ذلك ،تشري إليه بشكل مستمر أو تتحول إىل أداة لفظية تعيد ،وإن بشكل مختلف ،إنتاجه :مجاز مرسل واستعارة. هام معا ،وباختالف عن الرتجامت التفسريية والرشوح املطولة تعد أشكاال صارمة ال تتعارض مع الصحة :األول وصف غري مبارش والثاين معادلة لفظية.
سجناء الشعر
اإلدانة الكربى حول إمكانية الرتجمة لحقت بالشعر .إدانة فردية ،إذا ما تذكرنا أن عددا من أفضل القصائد يف أي لغة غربية ترجامت من تأليف كبار الشعراء .ففي كتابه الذي خصصه منذ بضع سنوات للرتجمة ،يشري الناقد واللساين جورج مونان إىل أن ترجمة معاين الدالالت املعجمية يعترب عموما ،وإن مبزاج سيئ ،عملية ممكنة، يف حني ،يكاد يكون الرأي باإلجامع حول استحالة ترجمة املدلوالت اإليحائية ،فهي مكونة من األصداء واإلنعكاسات والتوافقات ما بني الصوت واملعنى ،كذلك الشعر نسيج من اإليحاءات وبالتايل تستحيل ترجمته .أعرتف أن هذه الفكرة تثري اشمئزازي ،ليس فقط ألنها تتعارض مع الصورة التي كونتها عن كونية الشعر ،بل ألنها ترتكز عىل مفهوم
ترجمة الشاعر
كاذب عن ماهية الرتجمة .ليس الجميع يشاطرين أفكاري، أحرار ،خالصون ،هم أسامء القامئة الكثري من الشعراء املعارصين يؤكدون أن الشعر غري نخاع لغتنا االسبانية غري القابل للرتجمة. قابل للرتجمة .يحركهم رمبا حب غري معتدل عن املادة «نخاع اللغة االسبانية غري القابل للرتجمة» .هي استعارة اللفظية أم أنهم سجناء املادة الذاتية .رشك مميت كام غريبة (نخاع ولغة) لكنها قابلة للرتجمة بدقة وتشري إىل يحذرنا كيبيدو« :مياه الهاوية /حيث كنت أعشق نفيس »...تجربة عاملية .الكثري جدا من الشعراء اشتغلوا بالطريقة أونامونو يعد مثاال عىل هذا االشتهاء اللفظي حيث يقول يف البالغية نفسها ،قوائم الكلامت وحدها تختلف يف اللغات مطلع إحدى قصائده الوطنية: األخرى لكن السياق والعاطفة واملعنى متشابهون .مدهش Ávila, Málga, Cáceres, حقا أن يكمن جوهر اسبانيا غري القابل للرتجمة يف سلسلة Játiva, Mérida, Córdoba, من األسامء الرومانية والعربية والثلتي -ابرية والباسكية Ciudad Rodrigo, Sepúlveda, ..كذلك قام أونامونو برتجمة اسم املدينة الكتالنية ليدا Úbeda, Arévalo, Frómista, (لرييدا) إىل االسبانية .والغريب جدا أن أونامونو يكذب Zumárraga, Salamanca, هكذا ،دون أن يدري ،زعمه عدم قابلية هذه األسامء Turégano, Zaragoza, للرتجمة ،وكان قد أورد األبيات التالية لفكتور هوغو Lérida, Zamarramala, كتصدير لقصيدته: sois nombres de cuerpo entero, Et tout tremble, Irún, Coimbre libres, propios, los de nómina, ,Santander, Almodóvar el tuétano intraducible sitôt qu›on entend le timbre de nuestra lengua española. .des cymbals de Bivar آبال ،مالقة ،كاثرييس ويرتعد كل يشء، خاطيبة ،مرييدا ،قرطبة ايرون وكومربا ثيوداد رودريغو ،سيبولبيدا، سانتاندير واملودوفار اوبيدا ،اريبلو ،فروميستا كلام سمع رنني صحون بيفار. ثوماراغا ،سلمنقة املعنى والعاطفة هام نفسهام يف كل من االسبانية توريغنو ،رسقسطة، والفرنسية .مثل أسامء األعالم ،يف التدقيق ،غري قابلة لرييدا ،مثارماال، للرتجمة ،يكتفي هوغو بإعادتها باالسبانية دون أن يحاول انتم أسامء الجسد كله حتى فرنستها .اإلعادة مجدية ألن هذه الكلامت املجردة من أي معنى محدد واملنقولة ،تبدو يف الفرنسية غريبة، وإن كان يف االسبانية ...الرتجمة صعبة جدا -وليست أقل صعوبة من كتابة نصوص أصلية تقريبا -لكنها ليست مستحيلة .قصائد هوغو وأونامونو تكشف أن املعاين اإليحائية ميكن اإلبقاء عليها إذا ما متكن الشاعر -املرتجم من إعادة خلق الوضعية اللفظية والسياق الشعري حيث ترتصع .واالس ستيفنس أتحفنا بصورة منوذجية مثالية عن هذه الوضعية يف مقطع رائع: The hard hidalgo
issue (8)- January - 2013
59
قضية
استغراب تسمية فيديريكو أو صوجي يحدث ،بشكل فوري ،ابتكار اسم آخر ،اسم يعترب بشكل من األشكال ترجمة لإلسم القديم :يقال استعارة أو مجازا مرسال حتى ولو تم السكوت عنه.
;Lives in the mountainous caracter of his speech And in that mountainous mirror Spain acquires -The knowledge of Spain and the hidalgo ‹s hat ,A seeming of the Spaniard, a style of life …The invention of nation in phrase الفارس الصارم يعيش يف مزاج لغته الجبيل خيانة الشاعر ويف هذه املرآة الجبلية ميسك إسبانيا يف السنوات األخرية ،ميال ،بسبب االمربيالية اللسانية رمبا، معرفة إسبانيا وقبعة الفارس إىل التقليل من شأن الطبيعة األدبية الراقية للرتجمة .ال، مظهر إسباين وشكل حياة ال يوجد ولن يوجد علم الرتجمة ،وإن كانت الرتجمة من إبتكار أمة يف جملة. املمكن بل من الرضوري أن تدرس علميا .وبالطريقة نفسها اللغة تتحول إىل منظر وهذا املنظر هو اآلخر إبتكار، فالرتجمة خاصية من خصوصيات اللغة .الرتجمة خاصية إستعارة أمة أو فرد .طوبوغرافيا لفظية حيث الكل من خصوصيات األدب .واآلالت التي ترتجم؟ عندما تتمكن يتواصل ،الكل ترجمة :الجمل سلسلة جبال ،والجبال رموز ،هذه األجهزة من الرتجمة ،فإنها ستقوم بعملية أدبية .لن رموز أفكار حضارة معينة .لكن لعبة األصداء والتوافقات تقوم بيشء مختلف عام يقوم به املرتجمون حاليا :األدب. اللفظية ،زيادة عىل كونها مدوخة ،تخفي خطرا مؤكدا الرتجمة عملية تحسم فيها مبادرة املرتجم ،بغض النظر ونحن محاطني بالكلامت من كل الجهات تأيت لحظة نحس عن املعرفة الرضورية باللسانيات ،سواء كان هذا املرتجم فيها بأنفسنا يداهمنا فجأة قلق استغراب العيش بني آلة مربمجة من طرف إنسان أو إنسانا محاطا بالقواميس. أسامء وليس وسط أشياء .استغراب امتالك اسم: وحتى نقتنع أكرث نستمع إىل الشاعر الربيطاين ارتور وييل Entre los juncos y la baja tarde حيث يقول: !Qué ¡raro que me llame Federico «كتب باحث فرنيس يف اآلونة األخرية :أن املرتجمني يختفون بني األسل واملساء الراكد وراء النصوص ،وهذه النصوص إن كانت بالفعل مفهمومة، غريب أن يناديني فدريكو! فستتحدث لوحدها .باستثناء حالة واحدة ،نادرة جدا، هذه التجربة هي األخرى كونية :قد يشعر غارسيا لوركا إلثباتات بسيطة ومحددة مثل «القط يطارد الفأر» هناك رمبا باالستغراب ذاته لو سمي نفسه توم أو جون أو شونغ جمل قليلة متلك مرادفات دقيقة ،حرفية ،يف لغة أخرى. تسو .فقدان اسمنا يشبه فقدان األمر يتحول إىل انتقاء بني عدة ظلنا ،أن نكون أسامءنا فقط مقاربات ...بالنسبة يل يحدث يل استحالة ترجمة الشعر يعد اختزالنا لنكون ظلنا .غياب دامئا أن أكون أنا ،وليس النصوص، فكرة تثير اشمئزازي، الرابط بني األشياء وأسامئها ال من يجب عليه الحديث ».سيكون ألنها فقط ليس ميكن تحمله بشكل مضاعف: من الصعب إضافة كلمة واحدة عىل األشياء إما أن املعنى يتبخر أو هذه الشهادة. تتعارض مع الصورة تتالىش .عامل من املعاين الخالصة ،التي كونتها عن كونية نظريا ،وحدهم الشعراء يجب أن غري مضياف مثل عامل من األشياء يرتجموا الشعر ،غري أن الشعراء قليال الشعر ،بل ألنها ترتكز بال معنى -بال أسامء .اللغة ما يصدق ،يف الواقع ،أن يكونوا كاذب مفهوم على تحيل العامل إىل مكان مأهول تراجمة جيدين .ليسوا كذلك ألنهم أمام بالسكان .يف لحظة الحرية غالبا ما يستعملون قصيدة الغري عن ماهية الترجمة
60
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
اللغة يف اتجاه معاكس للنرث .فتعدد الرموز يناسب ،يف حالة كمنطلق لكتابة قصائدهم .املرتجم الجيد يتحرك يف اتجاه من الحاالت ،امليل إىل ترسيخ املعنى الواحد ،بينام يناسب معاكس :نقطة وصوله قصيدة مشابهة ال تطابق القصيدة تعدد املدلوالت ترسيخ الرموز يف حاالت أخرى. األصلية بعد اآلن .املرتجم الجيد ال يفرتق عن القصيدة إال طيب ،اللغة نظام من الرموز املتحركة ،ميكن إىل حد ما ليالحقها عن قرب .املرتجم الجيد للشعر مرتجم إضافة إىل استبدال بعضها ببعض :ميكن إحالل كلمة مكان أخرى كونه شاعرا مثل أرتور وييل ،أو شاعرا إضافة إىل كونه مرتجام جيدا مثل جريار دونريفال عندما ترجم فاوست ألول وقول جملة (ترجمتها) بجملة أخرى .فلنتحول إىل شارل مرة .يف حاالت أخرى قام نريفال مبحاكاة ممتعة وأصلية ،يف سانديرس برايس ،استطيع القول أن معنى كلمة ما هو الواقع ،لغوته وجون بول وشعراء أملان آخرين .املحاكاة هي دامئا كلمة أخرى .لتأكيد ذلك يكفي أن نتذكر أن كل األخ التوأم للرتجمة :يتشابهان لكن ال يجب الخلط بينهام .مرة نتساءل فيها :عام تريد هذه الجملة قوله؟ نجيب بجملة أخرى .جيد إذن ،فبالكاد نتوغل يف مجاالت الشعر. إنهام مثل جوستني وجولييت ،األختان يف روايات ساد... السبب يف عدم متكن الكثري من الشعراء من ترجمة الشعر ،الكلامت تفقد حركيتها والتبادل فيام بينها .معاين القصيدة ليس ذا طبيعة بسيكلوجية رصفة ،عىل الرغم من أن عبادة متعددة ومتغرية ،لكن كلامتها وحيدة ال ميكن استبدالها، ألن ذلك سيدمرها .فالشعر ،دون أن يكف عن كونه لغة، الذات لها دورها ،وإمنا السبب ذا طبيعة وظيفية :ترجمة يتجاوز هذه األخرية إىل ما هو أبعد منها. الشعر كام أحاول أن أوضح فيام ييل ،هي عملية مشابهة الشاعرغارق يف حركية اللغة ،يواصل الذهاب واإلياب لإلبداع الشعري ،غري أنها متتد يف اتجاه معاكس. اللفظي ،يأخذ عددا من الكلامت أو تأخذه .يبني قصيدته كل كلمة تحتوي عىل عدد من املدلوالت االفرتاضية ،غري أن أحد هذه املدلوالت يصبح آنيا ومهيمنا يف الوقت الذي عند تشكيلها :فهي غاية لفظية مكونة من رموز ال ميكن استبدالها وال فصلها .نقطة انطالق املرتجم عكس ذلك ،فهو ترتبط فيه الكلمة بكلامت أخرى لتكوين جملة .املدلول مييل إىل املعنى الواحد يف النرث ،بينام يقال باستمرار إن من ال ينطلق من لغة متحركة (مادة الشاعر األوىل) وإمنا من خصائص الشعر الرئيسية رمبا ،الحفاظ عىل تعدد املعاين .يف لغة ثابتة يف القصيدة :لغة مجمدة ،لكنها حية بامتياز. الحقيقة يتعلق األمر مبلكية عامة للغة ،يربزها الشعر وإن عملية املرتجم معاكسة لعملية الشاعر ،ال يتعلق األمر بشكل خفيف ،يف حني تتجىل يف كالم الشارع والنرث كذلك .باستعامل رموز متحركة لبناء نص غري قابل للفصل ،وإمنا تفكيك عنارص النص وإحياء حركية رموزه من جديد ثم (هذا الظرف يؤكد أن النرث يف املعنى الدقيق للمفهوم، إعادتها إىل اللغة .فنشاط املرتجم ،إىل هذا الحد ،مشابه ليس له وجود حقيقي ،إنه رضورة مثالية للفكر) .توقف لنشاط القارئ والناقد :كل قراءة ترجمة ،وكل نقد تأويل، النقاد عند هذه الخاصية املشوشة للشعر ،دون أن يراعوا كون نصيب املدلوالت هذا من الحركية والفضفضة يناسب أو يرمي إىل ذلك ،لكن القراءة ترجمة داخل اللغة نفسها والنقد نسخة حرة عن القصيدة ،أو بالتحديد ،تنقيل. ميزة أخرى فتانة :ميزة جمود الرموز .ينقل الشعر جذريا issue (8)- January - 2013
61
قضية
نظري ًا ،وحدهم الشعراء
غري منفصلة .يولد كل منها ويعيش القصيدة بالنسبة للناقد نقطة يترجموا أن يجب يف عالقة مع مؤلفات لغات أخرى انطالق نحو نص آخر .نصه هو، ليسوا أنهم غير الشعر، مختلفة .هكذا ال يعني كل من تعدد بينام يجب عىل املرتجم بناء اللغات واملؤلفات غموضا أو انعدام لغة قصيدة مشابهة لألصل يف كذلك ألنهم غالبا ما تجانس يستعيص عىل الحرص ،بل أخرى وبرموز مختلفة .هكذا يستعملون قصيدة العكس :عامل من العالقات مؤلف يكون نشاط املرتجم يف هذا لكتابة كمنطلق الغير من التناقضات والتوافقات والتآلفات الشق موازيا لنشاط الشاعر، قصائدهم واالنفصاالت. لكن باختالف رئيس :فالشاعر يكتب شعراء القارة األوربية يف كل يجهل الشكل النهايئ لقصيدته حقبة -واألمريكية حاليا يف شقيها- عند الكتابة ،بينام يعلم املرتجم القصيدة نفسها بلغات مختلفة .كل نسخة من هذه النسخ أن قصيدته يجب أن تعيد بناء النص الذي بني يديه. الرتجمة يف كلتا حالتيها عملية موازية ،وإن بشكل معاكس تشكل ،يف حد ذاتها ،قصيدة أصلية مختلفة .صحيح أن لإلبداع الشعري .يجب عىل الرتجمة إعادة تشكيل القصيدة التوقيت متفاوت ،لكن يكفي االبتعاد قليال ليك نكتشف األصل التي ،كام سبق وأن قلت ،ال داعي ألن تكون نسخة أننا نصيخ السمع لحفل يعزف فيه املوسيقيون مبختلف منها أو استحالة لها .فاملثالية يف الرتجمة الشعرية ،كام حدد آالتهم ،دون االنصياع ألي مايسرتو أو اوركسرتا أو إتباع أي ذلك بول فالريي بدرجة عالية من الدقة :تتجىل يف إحداث تعليامت موسيقية ،مشكلني بذلك قطعة جامعية تجتمع فيها املباغتة بالرتجمة والتقليد املبتكر. إحساس مشابه للنص األصيل. ينطلق أحد املوسيقيني يف عزف منفرد غري متوقع أحيانا، الرتجمة واإلبداع عمليتان توأمان ،يصعب فصل بعضهام عن بعض كام توضح ذلك حالتي كل من شارل بودلري وايزرا ويف غضون وقت قصري ،يتبعه اآلخرون ،كل يبيل بالءه بطريقته بعيدا عن األصل .يف أواخر القرن املايض أبهر بوند من جهة ،كام أن هناك ،من جهة أخرى ،انعكاسا ال الشعر الفرنيس أوربا وأثارت القطعة التي بدأها بودلري ينقطع بني االثنني ،إخصابا متبادال ومستمرا .لقد صاحبت تداخالت وتقاطعات مختلف التقاليد الشعرية عرب التاريخ وأنهاها ستيفان مالرمي ضجة كبرية .كان الشعراء الحداثيون االسبانوامريكيني من بني الشعراء األوائل يف الحقب الكربى لإلبداع الشعري الغريب من جذره بروفنس تلقي هذه املوسيقى الجديدة وتقليدها ومتلكها ،غريوها ثم إىل يومنا هذا .هذه التداخالت تأخذ شكل التقليد حينا نقلوها إىل إسبانيا التي من جهتها أعادت خلقها .ويف وقت وشكل الرتجمة أحيانا .هكذا ميكن النظر ،انطالقا من هذا متأخر قليال أنجز شعراء اللغة االنجليزية شيئا مشابها الرأي ،إىل تاريخ الشعر األوريب عىل أنه تاريخ الجمع بني لكن بأدوات مختلفة يف اإليقاع والزمن املوسيقي .كانت مختلف التقاليد التي تشكل ما يسمى باألدب الغريب، النسخة التي مركزها جول الفورغ وليس بول فريالن األكرث حتى ال نخوض يف الحديث عن الحضور العريب يف الغناء بروزا ونقدا ،إذ كانت الوضعية الفردية لالفورغ تسمح يف الشعري الربوفسني أو حضور الهايكو والشعر الصيني الحداثة األنجلوامريكية بتفسري شكل هذه الحركة التي يف الشعر الحديث .يدرس النقاد «التأثريات» لكن هذا جاءت متزامنة مع الرمزية وضدها .أدخل باوند و ت.س املفهوم غري صحيح ،األصح هو اعتبار األدب الغريب كال ال يتجزأ ،حيث شخوصه الرئيسة ليست هي التقاليد الوطنية إليوت ،سريا عىل خطى الفورغ ،نقد الرمزية داخل الرمزية، أو السخرية مام سامه باوند نفسه« :مهرجوا الزينة وال حتى ما يسمى ب «القومية الفنية» .كل األساليب جامعية تنتقل من لغة إىل أخرى .جميع املؤلفات متجدرة الرمزيون» .هذا املوقف النقدي سيعيد الشعراء ،بعد ذلك بقليل ،لكتابة شعر حديث لكنه ليس حداثيا ،وهكذا بدأ يف تربتها اللفظية ،وبالتايل فهي وحيدة ...وحيدة لكنها
62
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ترجمة الشعر
الرسومات :مونيكا بيري
الشاعر املكسييك رامون لوبيث بيالردي الذي أصدر سنة عزف جديد مع والس ستيفنس و وليام كارلوس ووليامز 1919ديوانه ، Zozobraالديوان الذي تحول إىل الكتاب وآخرين :عزف الشعر األنجلو أمرييك املعارص. يعد حظ الفورغ يف الشعر االنجليزي والشعر االسباين مثاال املركزي ملا بعد الحداثة الهيسبانو أمريكية ،أي الكتاب املركزي لرمزيتنا املنافية للرمزية .سنتان قبل ذلك كان عىل العالقة املتبادلة بني اإلبداع والتقليد ،بني الرتجمة اليوت قد أصدر ديوانه املوسوم ب Prufrock and other والنص األصيل .تأثري الشاعر الفرنيس عىل إليوت وباوند observationsيف بوسطن ،حيث كان الفورغا بروتستانتيا، معروف جدا ،لكن بالكاد يكون األمر كذلك فيام يخص وقد تخرج حديثا من جامعة هارفارد .ويف الجانب املقابل تأثريه عىل الشعراء الهيسبانو امريكيني .أصدر الشاعر كان رامون لوبيث بيالردي الفورغا كاثوليكيا يف ثكاتيكاس األرجنتيني ليوبولدو لوغونيس ،أحد أعظم شعراء لغتنا، باملكسيك هاربا من مدرسة اكلرييكية .إيروتيكية وسباب وأحد الشعراء األقل حظا من حيث الدراسة ،ديوانه Los وفكاهة و «نوع من القلق الباطني الرجعي» كام قال crepúsculos del jardínسنة .1905ضم هذا الديوان ألول مرة يف تاريخ اللغة االسبانية بعض الخصائص الفورجية لوبيث بيالردي ،الشاعر املكسييك ،الذي تويف بعد ذلك مثل :السخرية والخلط بني اللغة العامية واألدبية ،واإلتيان بقليل سنة 1921يف عمر يناهز ثالثة وثالثني سنة .أعامله تنتهي حيث بدأت أعامل اليوت ...بوسطن وثكاتيكاس: بصور عنيفة حرضية منافية للعقل إىل جانب طبيعة إتحاد هذين االسمني يجعلنا نبتسم كام لو كان األمر متحولة إىل قابلة مضحكة .بعض قصائد هذا الديوان يتعلق بواحدة من تلك الجمعيات الغري الالئقة التي تروق يبدوا أنها كتبت عىل غرار قصيدة الفورغ Dimanches لالفورغ .شاعران إثنان ،كتبا تقريبا يف السنوات نفسها، ،bannis de l›Infiniآحاد الربجوازية الهيسبانو أمريكية بلغتني مختلفتني ،حتى دون أن ينتاب الشك أي منهام يف نهاية القرن .ويف سنة 1909أصدر لوغونيس ديوانه بوجود اآلخر .نسختان مختلفتان وأصليتان بالقدر نفسه، .Lunario sentimentalهذا الديوان ،بالرغم من كونه تضامن قصائد كان شاعر آخر قد ألفها قبل سنوات يف لغة تقليدا لالفورغ ،يعد إحدى الدواوين األصيلة يف ذلك أخرى الوقت ومازال إىل حدود الساعة ميكن قراءته بإعجاب واستمتاع .تأثري هذا الديوان عىل الشعراء الالتينو أمريكيني كان كبريا ،لكن ليس بقدر ميمون ومحفز أكرث منه لدى ترجمة عن االسبانية :عبدهللا توتي issue (8)- January - 2013
63
.
عبدهللا أبو بكر .............................................................................................................
حول الشعر مهرجانات الشعر ..
مل تس��تطع الس��احة الش��عرية العربية حتى اليوم ،الفكاك من قيود وخرائط مهرجاناتها التي ال تقود س��وى لعدد قليل ومعروف من األس�ماء الش��عرية ،كتلك التي استطاعت الركوب عىل ظهر الشعر ،ونحتت أسامءها يف كشوف املشاركات التي تع ّدها إدارات معظم املهرجانات ،حتى بات من الصعب أن تس��قط عنها ،أو أن تأخذ اس�تراحة يك تتيح لغريها أن يظهر وأن يعلن عن نفس��ه .ال س��يام ،أن وسائل اإلعالم هي األخرى وقعت يف فخاخ “املحس��وبية والشللية واملجامالت واألسامء املنحوتة يف صفحاتها وشاشاتها” والتصقت أيضا ببعض الش��خصيات الش��عرية “الكربى” .نحن إذن أمام س�يرك ثقايف ،أو كوميديا ثقافية أكرث ما مييزها أنها تصيب املتابع لها بالبكاء ال بالضحك .هذا ما يؤكده الجدل الواس��ع الذي يلحق مهرجانات الش��عر املقامة عىل امتداد الجغرافيا العربية.. إال القليل منها .
الشعراء الجدد ..
عندم��ا يحتفى باللغة العربية ،ال بد أيضا من االحتفاء بالش��عر وكل الفنون التي تنش��أ عرب اللغ��ة .ومثلام أثار البعض العديد من املخاوف حول اللغة العربية والتحديات املستقبلية .ال بد أيضا أن تثار العديد من القضايا املتعلقة بالشعر العريب ،الذي يهيم اليوم كل واد ،وتطرح باس��مه مئات األعامل األدبية املتواضعة التي ال تعكس أبدا حقيقته كونه أس��مى الفنون وأبرز مكونات الثقافة يف ّ العربية والدليل األول إىل تاريخ األمة وحضارتها .ما يتم رميه اليوم يف الس��وق من كتب ودواوين لكثري من الش��عراء الجدد الذين تس��لقوا أسوار الشعر واستسهلوا الكتابة ،ينبئ عن مس��تقبل شعري ذابل ،يذهب بنا إىل مناطق مل تكن يوما ذات هوية إبداعية. فأين هو النقد مام يتم انتاجه اليوم ؟ وهل أصبح فوق الش��عر ؟ ثم ملاذا ال يتم النظر إىل التجارب الجديدة الجادة والقادرة عىل أن تكمل الطريق لتصل وتُنجز وتُط ّور ،يف الوقت الذي نجد هناك اهتامما غري مربر يف تجارب متواضعة وقليلة اإلبداع ؟
قصيدة اللجوء ..
رافق الش��عر مسرية القضية الفلس��طينية ،وس��ار معها عىل طريق واحدة .كام رافق الكثري من التحوالت التي شهدتها دول العامل العريب .الش��اعر كان الناطق األول بلسان األرض ،وحده يروي حكايتها ،ويحمل صوت املأساة ،ليسبق صوته صوت الرصاص ويعلو عليه .أمل تحمل القضية يف ٍيد غصن الكالم ،ويف األخرى بندقية ؟ من يكتب اليوم قصيدة اللجوء ،بعد أن عاش الالجئ حياة اللجوء مجددا بدال من الخالص منها ؟ ليس��ت هذه دعوة من أجل العودة بالش��عر إىل الوراء أو كتابة قصيدة “البيان السيايس” ،بقدر ما هي عالمة استفهام تليها عالمة تعجب تبحث يف أسباب حياد الشعر ،أو رمبا تعاليه !
الشعر اليتيم ..
قال حمزاتوف “أيها الش��عر ..أنا لوالك يتيم” .ذلك هو الش��عر الذي كان حمزاتوف يجر عربته إىل حقول الجامل وبس��اتني القول الخرضاء .وكان يدرك تلك الطاقة الهائلة التي تتفجر منه ،ومتده بالحياة .يف زمن كان الناس فيه يتتبعون القصيدة ويبلّلون واقعهم مبائها ،ألنها القادرة عىل القول والتعبري عنهم .أما اليوم ،فالش��عر ذاته بحاجة إىل من يعيد له ذلك الحضور بعد أن متت محارصته وتغييبه عن واقع املجتمع .رمبا كان عىل شاعر آخر اليوم ان يقول “أيها الشعر كم أنت يتيم” 64
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
نقد
شهاب غانم
نصف قرن مع الشعر
شهاب غانم شاعر يرسم في ديوانه صورة بانورامية لعالم فسيح في لعبة مرايا تنوّ عت اتجاهاتها لتزاوج النور بالظالل ،واألسى بالفرح ،التوجه السياسي باالجتماعي ورؤى الطفولة بحكمة النضج، ومبادئ الفلسفة بخلجات العاطفة .حصيلة شعرية لرحلة طويلة تستخرج أقصى ممكناتها من خالل استيعاب ُجل ما تناولته هذه الرحلة من اتجاهات إبداعية مُ ختلفة.
حمزة قناوي
عندما
يصدر الشاعر أعامله الكاملة فإنه بذلك يكون قد ال َم َس ط َرفيَ دائر ٍة عنوانهام الشعر والحياة .وهي دائرة قصي ٌة عص َّي ٌة ال ميلك قرار اتخاذ لحظتها سوى مبد ٍع اطأمن إىل أن ما ق ّدم ُه إمنا هو حصيلة ُعم ٍر كاملٍ حشد رحلته مع رؤاه ٍ كلامت ال تفنى وال يُكتب عليها الزوال. يف وهناك الكثري من الشعراء الذين ق ّدموا أعاملهم الكاملة معتربين هذه األعامل نقط ًة عىل آخ ِر سط ٍر يف شهادتهم اإلنسانية املحكومة باإلبداع .فامذا س ُيق ّدم الشاعر أكرث من أعامله الكاملة ؟ أما أن يجتاز الشاعر أعامله الكاملة إىل أعامله املنتقاة .. فهذا نو ٌع آخر من اإلبداع الذي نستطيع أن نطلق عليه «اإلبداع التصنيفي» ،الذي يعتمد ال عىل الرتاكم اإلبداعي والوفرة اإلنتاجية للمبدع ،وإمنا عىل معايري أخرى يضعها الشاعر بنفسه وتختلف من شاع ٍر إىل آخر ..ما بني االتكاء
عىل املعيار الزمني لكتابة القصائد «تاريخ كتابة القصائد وتتابع مراحل تطور الشاعر عرب الدواوين الصادرة ..زمنياً» أو من خالل تصنيف معياري يعتمد املوضوع ركيز ًة له .. «الشعر الرومانيس عىل سبيل املثال ،والشعر االجتامعي أو الشعر املكتوب ألغراض أخرى ..إلخ ».
الذات والعامل
والدكتور شهاب غانم استطاع باقتدار أن يتجاوز مرحلة مراكمة األعامل اإلبداعية – عىل ريادتها وقيمتها – يف األعامل الكاملة التي صدرت عن (هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة) ،إىل انتقاء أعام ٍل مميزة ضمن أعامله الكاملة اختارها وص ّنفها بعناية يف ديوانه الجديد الصادر مؤخرا ً «مئة قصيدة وقصيدة» ..وهو العمل الذي اعتمد تصنيفه عىل األساسني املذكورين سابقاً ..فاألول هو التسلسل الزمني حيث يرتُب الشاعر قصائده تصاعدياً حسب تاريخ issue (8)- January - 2013
65
نقد
كتابتها الذي يبدأ يف القصيدة األوىل سنة .1960وتتواتر بنا القصائد حتى تصل إىل عام .2011أي ما يربو عىل النصف قرن من الرحلة مع الشعر ..أما األساس الثاين الذي يعتمده دكتور غانم لرتاتبية قصائده يف الديوان هو انتقاؤه الخاص لقصائده األقرب إىل نفسه ،مستضيئاً يف ذلك بآراء النقاد والصحفيني واألدباء واألصدقاء الذين أثنوا عليها بشكلٍ خاص ،فمن ُهنا ..كان هذا هو األساس الثاين الختياره هذه القصائد املئة التي تُشكّل ث ُلث إبداعه الذي ق ّدمه عرب أكرث من ربع قرن من اإلبداع والكتابة. أما القصائد نفسها ..فقد تعددت محاورها واتجاهاتها التي كُتبت يف إطارها ،فنجد يف هذا التنوع قصائد تدور يف اإلطار الوجداين وأخرى يف اإلطار الفلسفي وثالثة يف فلك السياسة وقصائد أخرى تتناول صورا ً اجتامعية ٍ ملجموعات أخرى مختلفة إن للشاعر وحياته يف قلبها ،أو من البرش التصقت بطفولته البعيدة ..إضافة إىل شعر الرثاء والشعر الديني الذي يتخذ من الترضع ومناجاة الله سبحانه وتعاىل محورا ً ومرتكزا ً له ..إضافة إىل الشعر امل ُتغني بالطبيعة والذي يحشد فيه الشاعر الجامليات التي تتخذ من املدارس الرومانتيكية والطبيعية منهالً ملفرداتها ومعجمها الغارق يف الشاعرية .. من هنا ..نستطيع أن نصل إىل نتيجتني : األوىل أن هذه املجموعة املختارة من القصائد إمنا استطاعت أن ت ُد ّل عىل آثار رحلة د .شهاب غانم مع الشعر مبعظم اتجاهات هذه الرحلة الرثية وتستخرج أقىص ممكناتها من خالل استيعاب ُجل ما تناولته هذه
المجموعة المختارة من القصائد إنما استطاعت أن ت ُد ّ ل على آثار رحلة شهاب غانم مع الشعر بمعظم اتجاهات هذه الرحلة الثرية
66
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الرحلة من اتجاهات إبداعية ُمختلفة. والثانية ..أن القارئ لقصائد هذه املجموعة يستطيع أن يُدرِك من الوهلة األوىل أن الدكتور شهاب غانم كان عرب مسريته الشعرية الباكرة مختلفاً عام تعارف عليه تطور اإلبداع من أن حركة التط ّور لدى أي شاعر إمنا تبدأ من االتجاه الوجداين ،ومتُر مبراحل أخرى واتجاهات فكرية مختلفة قبل أن تصل إىل التوجه الواقعي يف الكتابة والشعر الفلسفي «لفلسفة أرقى وأعقد درجات الفكر اإلنساين كام هو معروف» ..وهذا التطور واتجاهه ليس ناموساً «يجب» أن يسري عليه الشعراء يف تراتبية محسوبة، وإمنا نحن نستقرؤه من التاريخ وعرب تطور حتى املدارس الشعرية نفسها التي بدأت مع الرومانسية ومرت باملدارس والتوجهات االجتامعية قبل أن تتخذ من اإلنسان وآالمه وتطلعاته ركيز ًة لها ..فتأخذ من الشعر الفلسفي الراصد لإلنسان وموقعه من الوجود مرتكزا ً لها ..قبل الوصول إىل الشعر الواقعي – الذي شاع بعد الحرب العاملية الثانية – باعتباره آخر املحطات املنهجية يف رحلة املدارس والشعراء مع الشعر ..وأقول آخر املحطات «املنهجية» ألن بعدها تلتها الكثري من املحطات األخرى التي لألسف اعتمدت عىل عشوائية الكتابة وفوىض الصورة وانعدام املعنى واملرتكز وهو ما يُدعى بحركات ما بعد الحداثة .. واالتجاهات الغارقة يف العبث والتي ذكرها شاعرنا الدكتور شهاب غانم يف أكرث من قصيدة مهاجامً إياها واصفها بـــ «شعر الخرابيط» ! ما أردت قوله أنه بالرغم من أن التاريخ يذكر لنا هذه الرتاتبية التي تحدث عاد ًة يف حياة الشعراء من خالل تطور رؤاهم وفكرهم نضج عوامل رحلتهم مع اإلبداع ..بشكل تقريري فإن شاعرنا الدكتور غانم اختلف عن ذلك منذ بداياته الباكرة .حيث نجد أن شعره الوجداين ليس رومنسياً خالصاً وإمنا ب ِه تغ ٍّن بالطبيعة من جهة، وإرسار إىل النفس ومناجا ٍة لها من جه ٍة ثانية ،كام أنه ينحو إىل الفلسفة يف منوذج ثالث ..ويبدو هذا مثالً يف قصائد «عواطف وعواصف» و «حلول» و«من وراء الستار الحديدي» وغريها من القصائد. كطبيعة الشعر الرومانيس ومفهومه الذي يتخذ من
شهاب غانم
اإلنسان محورا ً للكون ،بكل ما يحمله من قضايا وأفكار وأحالم وعذابات ،تأيت القصائد الرومانسية لشاعرنا د .شهاب غانم ،التي تص ّوره يف كثري منها واقفاً يف مواجهة العامل منفصالً عنه مبا يحمل كالهام من سلَّمٍ قيمي مختلف عن اآلخر ..فالشاعر يرتكز يف رحلته الدنيوية عىل قيمه وأفكاره وأحالمه التي تنشد الخري والحق والجامل وأحياناً التم ُّرد والغضب ،يف مواجهة عا ٍمل يفيض بالالمعنى وحشد املادية وسيطرة األنانية واإلجهاز عىل الحق وكأننا يف نهاية العامل .وهذه األفكار تتالقى عىل امتداد الكثري من القصائد ٍ رسي شفيف غري مريئ كخيط ٍّ يو ّحد الكثري منها عىل هذه النقطة وإن اختلفت توجهاتها وأغراضها ما بني رومانيس أو اجتامعي أو سيايس أو غري ذلك .فالركيزة األساسية التي نستطيع أن نقول إن قصائد هذه املجموعة ترتكز عليها هي التغني باإلنسان ونضاله وقيمه والسخرية من العبث وسيطرة الالمعنى .يقول شاعرنا يف قصيدة «الزمن الرسيايل» :
ُ الحابل بالنابل «اخت َل َط ُ فاملقتول غدا القاتل ُ والسافل أمىس العايل والعايل أمىس السافل يف هذا الزمن الرسيايل»
هذه القصيدة التي يتناول فيها شاعرنا أوضاع كوكبنا الذي سكنه الجنون ومألته التناقضات يف السياسة والحياة االجتامعية فتناول فيها ما يفيض به العامل من صور تستعيص عىل التحليل :
« ُ متوت بداء التطه ِري العرقي بالدٌ كانت تسرتخي تحت خامئل ترفع رايات الدين وبالدٌ كانت ُ متوت اليوم لقلب الدين» ويكمل الشاعر :
« اختلط الحابل بالنابل واب ُت َ يل العالِ ُم بالجاهل أصبح منطياً ممجوجاً صوت ُ ُ البلبل َ
البوم غنا ُء بالبل » ونعيقُ ِ
والقصيدة تعزف عىل تنويعات السياسة والقادة والسياسيني – يف الفرتة التي كُ ِتبت فيها بدءا ً من سيطرة امليديا عىل مشهد العرص ..وانتشار أطباق الالقط الهوايئ كحبات الجدري يف وجه امل ُ ُدن ،وصوالً إىل األلعاب اإللكرتونية التي انترشت كالوباء بني فتيان األجيال الجديدة و ُحمى املؤمترات التي تُعقد ُحصل له حقوقاً لحقوق اإلنسان ثم ال ت ّ عىل أرض الواقع ..ويتناول الشاعر شخصيات سياسية ..كيلتسني ولينني وكلينتون وسياد بري وأدولف هتلر وغريهم ..قبل أن يع ُرج عىل مفكرين وكُتّاب وشعراء : دانتي وهومريوس وشكسبري واملتنبي وبوشكني ..يشري الشاعر إىل أقوالهم ..أفكارهم ومبادئهم وما أرادوه للبرشية ،وأن بعض رؤاهم ومبادئهم تتحقق بالفعل يف هذا الزمن األعمى املهووس .هذا العرص نفسه الذي تشيع فيه األوبئة وأمراض العرص :جنون البقر :
«ماذا ّ حل بعاصمة الحكمة لندن ؟ حتى البقر هناك تجنّن فالبقر -ولو كان عُجوال ُّ غذوه أدمغ ًة فاسد ًة فغدا مخبوال أفضل لو ُيفط ُر فوال ! أما قارة حام فتشهدُ هوال تلوح إيبوال ُ ً لوح باسمة من خلف اإليدز و ُت ُ ُ متوت ماليني التوتيس والهوتا تتس َّو ُل أدوي ًة أو قوتا فتهب جيوش األوبئة وأرتال القحط وتشبعهم موتا» ويا لها من صور ٍة قامتة حقاً لهذا الزمن.. يختمها الشاعر بالنتيجة التي توصل إليها عرب كل هذه املشاهدات والرؤى :
«هذي أزمان الهرولة الرسيالية أزمان القنبلة الذر ّية والكياموية ..والناباملية
issue (8)- January - 2013
67
نقد
والفوسفورية ..والعنقودية والجرثومية ..واإلرهابية يف هذا الزمن الرسيايل اختلط الحابل بالنابل وغدا املجنون هو العاقل !»
هذه الرؤية الناقدة التي يتسلّح بها الشاعر يف مواجهة هذا العرص املقلوب األوضاع إمنا متتح من معني عميق يف أغوار نفسه املمتلئة بقيم اإلنسان ..وكثري ٌة هي القصائد التي وردت يف املجموعة عازف ًة عىل هذا الوتر نفسه .. وتر العامل الغارق يف العبث والعنف ..ومواجهة اإلنسان /الفرد وحيدا ً أمامه ..والشاعر وحده الشاهد عىل هذه املعادلة غري العادلة .من هذه القصائد «حضارة النابامل» و«العوملة» و«املوت والحضارات» و « يف عرص االستهالك» وغريها من القصائد التي تريث هذا العرص وإنسانه.
أسئلة الوجود
إن القيمة الحقيقية ألي ِشع ٍر إمنا تُقاس عىل عاملني : البناء الفني ( فالفن إجامالً بني ٌة وتكوين يف األساس ) ونُبل وأهمية املادة /املوضوع مناط العمل .وهذا ما يجعل الشعر يسمو عن النظم ومن هنا تأيت فرادة الكثري من قصائد هذا الديوان .. فالشاعر الذي رأيناه يف الكثري من القصائد املاضية التي تناولناها يقف متخذا ً موقفاً من العامل يف دوائره الفارغة العبثية التي تنترص لألقيمة والالنظام والعبث إمنا يتخذ هذا املوقف الراسخ من فلسف ٍة عميق ٍة ركيزتها اإلميان
الكثير من قصائد الديوان يتميز بالطرافة بدء ًا من التسمية (عتبة النص) مرور ًا بالموضوع ،ووصو ً ال إلى الخاتمة التي تحمل بدورها شيئ ًا من الطرافة األسلوبية
68
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
واالعتقاد الفكري الراسخ بثوابت ويقينيات مل تهتز يف نفسه لحظ ًة ،وهي تطالعنا بني ح ٍني وآخر يف قصائد مثل رضع» « ،لك الحم ُد » « ،بأيب وأمي أنت يا ُ رسول الله «ت ُّ » و « أال بذك ِر الله » ..وغريها من قصائد. والقصائد السابقة التي تتضح أهدافها ومعانيها وقيمها من عتبتها النصيَّة – العنوان – إمنا تشري إىل كينونة وطبيعة الشاعر الذي يتخذ من اإلميان ديدناً لرؤاه التي تحلل الواقع البرشي وتواجه ما تراه يف العامل من خلل وفساد .. أو ما أطلق عليه شييل «شهوة إصالح العامل» . يف قصيدة «حلول» تطالعنا فكرة الحلول الفلسفية التي ترى أن األرواح تلتقي وتنقسم وتتناسخ كل يف األخرى.. يقول الشاعر :
ُ أصبحت جزءاً من حيايت «منذ أن ِ أصبح الجز ُء هو ُ الك ُّل .. َ أصبحت ذايت فقد ِ ال تخايل أنني أهذي بإحدى شطحايت تجتاح ببح ٍر وفال ِة » رمبا كنا بجسمني وما بينهام األيا ُم ُ
فهذه الصورة الرائعة التي أوردها الشاعر متمثالً فيها هذا املبدأ الفلسفي الصايف إمنا يورده يف معرض تعبريه عن عالقته مبن يحب .وهي عالقة بلغت فيها درجة التطابق والتامهي مع املحبوب حدا ً صوفياً يصل إىل االتحاد والحلول يف املحبوب.
مشهدية القصيدة
الكثري من قصائد الديوان يتميز بالطرافة بدءا ً من التسمية «عتبة النص» مرورا ً باملوضوع ،ووصوالً إىل الخامتة التي تحمل بدورها شيئاً من الطرافة األسلوبية مثل مفاجأة القارئ أو إدهاشه أو التوصل إىل حكم ٍة شاملة تجمع ما هدفت له القصيدة من البداية ،كقصيدة «بخبوخ» مثالً وقصائد «هنوف» و»مناغاة توأم»« ،مداعبة»« ،فأر ميكيافييل»« ،سباق الجرذان»« ،برج» ..إلخ. قصيدة «بخبوخ» التي تص ِّور جدا ً يالعب حفيدته ،فيخفي منها الدرهم يف يده ،وهو يهمس «بخبوخ» وهي تحاول مجاراته ،ولعل هذه الكلمة/الثيمة امل ُستخدمة إلخفاء الدرهم مستمدة من األدب الشعبي ومن أدبيات الحكاية الشعبية ،يستخدمها املبدع يف قصيدته أكرث من مر ٍة:
شهاب غانم
«ضح َكت وال َت َم َعت دهشتُها يف العينني ِ كانت يحفظها املوىل دون العامي «بخبوخ» وتوارى درهمنا املنفوخ راحت ُ تحرض دُميتها الضخمة ذات الثوب الجوخ كفي وقالت« :بحبوح» وضعتها يف َّ قلت أر ُ ُ صوت مبحوح، اوغ يف ٍ ُ هذي الدُ مية أحىل من أن ُتخفى ..يا روح الروح!».
فالقصيدة التي يخالُها القارئ تصويرا ً مشهدياً طريفاً لحوا ٍر خفيف بني ٍ جد وحفيد ٍة ،إمنا تخفي نهايتها حكمةً ،هي ما ُسمي يف الشعر العريب «بيت القصيد» وهي يف الشعر الغريب أيضاً «البيت املركَز أو النواة» ،فالحكمة البادية هي أن الدرهم /الدينار /الدوالر ،ال يمُ كن أن يُخفى أو تخطئ أثره العني يف هذا الزمن الذي ال يُرى سوا ُه فيه .وهذا النوع من القصائد يُطلق عليه يف مدرسة الشعر الحديث شعر «الومضة» وهو املعتمد عىل التكثيف واالختزال وطرح الفكرة يف نهايته بصور ٍة رسيع ٍة والفتة ،متكن منه شاعرنا عىل امتداد العمل الذي حفل بهذه النوعية من القصائد. ٍ غري أن استقطاع رشيحة من العمل ،من الصعب أن تُلخّص السامت الفنية الكاملة للديوان ،وذلك لتن ُّوع الفنيات املتبعة يف كتابة القصائد ،التي غلب عليها الطابع الوجداين، والتيار العاطفي كام يف قصائد شديدة النزوع إىل هذا ِ «عيناك»، التيار مثل «حلول»« ،معاين الهوى عندي»، وسواها من القصائد.
التوجه السيايس وسؤال الراهن
أما التوجه السيايس يف القصائد فواضح من خالل الكثري من القصائد التي رصدت قضايا كانت أيقونة عرصها، وبعضها مازال حياً لآلن ،ومن القصائد هذه «بريوت ،»82 و»طيور االنتفاضة» و»املوت والحضارات» «الفوىض الخالقة» ..إلخ. هذه القصائد ،كام هو واضح من عناوينها الشديدة االلتصاق مبتونها ،إمنا تشري إىل ارتباط الشاعر بقضايا عرصه،
وبهويته العربية ،وإمياناته بالنضال والحق والقيم .رمبا اختلفت شواهد العواصم العربية التي طالتها املحن عن تلك الفرتة التي كتب فيها مبدعنا نصه ..غري أن الحال العريب يبقى واحدا ً غارقاً يف بؤس واقعه ..وهو ما مل تف ّوته عني الشاعر التي ال تغفل عن الرصد والتغني باملأساة عرب سخري ٍة ممرورة تتامهى والواقع العبثي. نقرأ يف قصيدة «بريوت :»28
« لو كانت تسمع مني الهيئات املعنية ُ ُ ستحدث جائز ٌة دولية ألرشت بأن ُت أعىل من «نوبل» لإلنجازلت السلمية متنحها لـ«مناحم بيجني» ولـ «شارون» و«هيج» و«ريجن» عن «صور» و«صيدا» «والنبطية» ومجازر بريوت الغربية *** بريوت الحسناء املعتادة أن تسرتخي تحت األنغام أمست ال تج َد مكاناً لتنام َ إال فوق األلغام أو تحت جحيم النابامل بريوت املعتادة أن تحيا تحت عناقيد ال َك ْر ِم الذهبية باتت ال تحيا إال َ تحت القنبلة العنقودية والقنبلة الفوسفورية وسعري األحقاد الصهيونية
***
issue (8)- January - 2013
69
نقد
آ ٍه آه نرص َخ وا ُذالهَّ مل يبقَ إال أن ُ عتص ٌم» حتى نستنج َد «وا ُمعتصامه» فلدينا ال يوج َد « ُم ِ ُ ولدينا ال يوج َد « ُقطزٌ» يه ِتف فينا «وا إسالماه» مل يبقَ إال األشباه! *** ً ً عرشون نهارا تحت القصف ومازالت صامدة بريوت مل تسقط لكن قد سقطت عن عورتنا أوراق التوت» يف النص السابق نالحظ التقاطع السيميايئ /اإلشاري بني الرموز التاريخية امل ُستحرضة من تاريخنا العريب واإلسالمي إىل قلب النص الذي يسترشف الحاالت التاريخية نفسها التي يرمز لها الحدث التاريخي امل ُستحرض .واستحضار هذه الرموز يستلزم من املبدع أن يخلق لها واقعاً يف تجربته الشعرية املعارصة مبعنى أن محاولة استحضار هذه الرموز ـ الشخصيات خصوصاً ـ ليس من منظور توثيقي ـ تاريخي مبارش ،لكن من زاوية إبداعية ،وذلك من خالل إحياء هذه الشخصية ضمن السياق الشعري للقصيدة ،و إعطائِها أبعادا ً ُمتع ِّددَة ،وهو ما برز يف هذا التو ُّجه الشعري يف مجموعة د.غانم باقتدار.
جدلية الشعر والحياة.. «املرايا املتجاورة»
ال يش َء يخترص الحياة سوى الشعر .هذه اللغة العليا املكثفة التي تختزل تجارب اإلنسان ومتنحها أبعادا ً تجريدية من الزمان واملكان غري مبقي ٍة سوى عىل القيمة وما م ّر به اإلنسان .فكأن كل قصيد ٍة هي مرآ ٌة تنعكس
70
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ٍ ملوقف أو مبدأ أو فكر ٍة مرسبل ًة عليها رؤى الشاعر باألىس أو موشّ ا ًة بالفرح .ونتيجة هذا التواشج بني الفكر والعاطفة وصياغتهام معاً يف اإلطار املالئم ملقتىض الحال تنتج القصيدة التي تؤ ّرخ لسرية اإلنسان ..مجسد ًة خلجاته وأحالمه وأحزانه .هذه البانوراما الفنية هي التي استطاع شهاب غانم أن يرسمها لنا يف ديوانه الذي تن ّوعت اتجاهات مراياه التي زاوجت النور بالظالل، واألىس بالفرح ،التوجه السيايس باالجتامعي ورؤى الطفولة بحكمة النضج ،ومبادئ الفلسفة بخلجات العاطفة يف قصائد حاورت املوت يف قسوته « من أين أدخل يف املرثا ِة يا أبتي» والحياة يف بهجتها ونشوتها « فراش ٌة وورد» و «عواطف وعواصف» والطبيعة وتجلياتها ٌ وحوارات ما ورائياتها – «امليتافيزيقا» «عىل ضفاف الفالنيس» و «يف ُرىب األ ْرز» واالنحياز إىل اإلنسان وقضاياه «أنشودة لطيور االنتفاضة» و «أسطول الحرية» وشعر الوجد والعشق وهو كثري وقصائده متعددة ،والشعر الفلسفي، « تواج ٌد بدفق ِة الفناء» و«الحلمو «الفارس» و «هذه الحياة» و«حلول» وغريها . إن كل هذه األغراض التي تناولتها قصائد شهاب غانم إمنا تجاورت كاملرايا ترسم صورة الحياة وانعكاساتها التي ُ يف الكلامت عرب الصور واألخيلة ،وهي الصورة الوحيدة التي قد تتفوق عىل األصل يف عاملنا عرب ما تعكسه املرايا مضافاً إليه ما تعكسه روح الشاعر من خلقٍ وإبداع .وقد استطاعت هذه القصائد /املرايا التي حاورت الكون من أصغر أشيائه ألعمق قضاياه وأكرثها ترسم صور ًة صادقة له.. التصاقاً باإلنسان ومصريه أن ُ لإلنسان ..وللشاعر وللعرص الذي نحياه ..آسي ًة عىل الكثري مام متنته ومل تجده يف بحثها عن الخري املطلق ..ولكنها يف الوقت ذاته ظلت متمسك ًة باألمل متغني ًة به يف رسمها هذه الصورة البديعة التي رسمتها ريشتا ال ُعمر املديد واإلبداع الفريد
حسن الشرفي
حسن عبد اهلل الشرفي
كائنات الذات والعالم
يشكل ديوان «كائنات الوصل» للشاعر اليمني حسن عبدهللا الشرفي عتبة أساسية في مشروعه الشعري، ذلك انه يحتمل تنويعات مختلفة واسفار في عوالم الذات والمحيط.
عبد الرحمن مراد
«كائنات
الوصل» ،هي تلك الكائنات ،التي ترتاسل مع ذات الشاعر ،سواء كانت ذهنية أو حسية أو وجدانية ،وقد انحرصت يف مجموعة من املضامني تستجيل الرؤية ،وتحدد اتجاهاتها .
الحرية
تأيت الحرية يف مستهل العمل كنزوع وسعي إىل االنعتاق من قبضة املايض ،والهروب بخطى متسارعة إىل املستقبل، وقد جاءت يف شكل موجة من الغضب ،إلحداث التوازن النفيس ،سعياً لرأب الصدع يف الذات ،وهروباً إىل قيمة انسانية مفقودة.
وتتبدى عىل هيئة رصاع بني املايض والحارض ،ولكن بعض تجلياته تسترشف املستقبل ،لكنها ال تالمس رشوطه املوضوعية ،مام أفىض إىل النكوص النفيس ،الذي المس الذات العربية ،بعد نكسة 5حزيران ،1967ولكون الشاعر حسن عبد الله الرشيف ،من نتاج روحية تلك الفرتة ومتأثرا ً باتجاهاتها فقد ظل يبتهل يف محراب ذلك املرشوع /الحلم، كام يتجىل ذلك يف نص « محراب الحلم»:
لسبتمرب غن ّي ُت المثل من غنى وأعطيته العزف املبارك واللحنا وقلت له ياسيد العمر ماأرى سواك يرس القلب والعني واألذنا
issue (8)- January - 2013
71
نقد
بينام جاء نص «صنعاء والخيط األول» متوازياً مع مبدأ جلد الذات ،وقد أهداه الشاعر إىل الحلم الضائع :
من أول الخيط محلوجاً ومغزوالً أرى نسيجك فوق الطمي محموال غدت وراحت فال شهر والسنة متى تعيد رياح القلب أيلوال ؟ سمعت بالزمن الثاين صبيحتها وما أرى بعدها إال األباطيال
الشاعر يسعى إىل الخالص من الزمن الراهن ،ويتوق إىل زمن آخر ،وهذا الهروب إىل املستقبل ،يفيض بالرضورة إىل االنفصال عن املكان ،وهو ما نتوافق عىل تسميته ،بالغربة الروحية واملكانية ،التي أوجزها الشاعر عىل النحو التايل :
«يا فج عطان» ماعاد الخميس هنا ومل يعد بيته بالحلم مأهوال جاءت خميسات من اليؤمنون به وانت ادرى به نصاً وتأويال
يشكو الشاعر هنا الطارئني عىل ذلك الحلم ،وطغيان « األنا » التي ال تربأ من التضخم ،عن طريق رسم البطوالت الوهمية يف صنع الحدث ،وجاءت مفردة «خميسات» لتدل عىل تعدد التأويالت للدال النظري ،إذ أن تشابه األلفاظ ال يعني تطابق الداللة ،بل إن تعددها – أي الداللة ـ قد يفيض إىل الشتات.
األصدقاء
الصداقة كعالقة اجتامعية توافقية وحميمية ،ونزوع عاطفي ،تتحول إىل تقارب يف الرؤى واالتجاهات ،بني
نال البردوني الحظ األوفر من قصائد الديوان كون الشاعر شعر بفقدان القيم الجمالية ،والنقاء والفكر الحر بفقدانه
72
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
أرباب الصنعة ،ورمبا اآلخر ،ويف الديوان ،تبدو أكرث احتفا ًء بأرباب الصنعة ،وهي تتوافق مع اتجاه أيب متام ،يف القول بآرصة األدب ،ولكن الشاعر ال يجد مفرا من عالقاته االجتامعية،بل ان وجوده يتحقق يف ذلك ماديا ووجدانيا :
يا تالقصيدة هذي أنت يف نفيس ماأنت من عروة وثقى والنسب كل الوشائج إال فيك ماشغلت بايل وال اشعلت حزين والطريب
والشاعر يعتد بعالقاته االجتامعية أميا اعتداد ويرى أن إمكان وجوده متحقق بإمكان وجود األصدقاء:
أنا هنا ال بنفيس بل بأحبايب أنا هنا برفاق العمر أترايب أنا هنا بالقلوب البيض شاعرة وشاعراً البزفتي أو بزريايب
ولعل الربدوين ،قد نال الحظ األوفر من قصائد الديوان، كون الشاعر قد شعر بفقدان القيم الجاملية ،والنقاء والفكر الحر بفقدانه ،لذلك فقد رثاه يف أكرث من نص ،حوى الديوان منها ثالث قصائد ،ولعل هذا املثال قد يفي بالغرض:
قالو أحبك : قلت حبي للجامل وللجالل للعبقرية للتحدي للتجيل للنضال للقلب مل يدنس بها عوراء من قيل وقال للفكر جباراً تخطى كل أسباب الزوال
املحيط األرسي واملكان
يأيت هذا املضمون ،امتدادا ً للمضمون السابق ،لكنه أكرث خصوصية منه ،ويأيت اهتامم الشاعر به ،لتحقيق االنسجام بينه وبني محيطة األرسي من جهة ،ومن جهة أخرى ،فهو يؤكد عىل آرصة االنتامء ،من خالل تداخل مضمون املكان ،كام يتجىل ذلك يف قصيدة « الخواقعة » وقصيدة «العوجاء» ،إذ أنه يف القصيدتني ،يحاول
حسن الشرفي
اسرتجاع ذاكرته ،من خالل تأكيده عىل هويته املكانية ،كام أنه يف قصيدة «قرن الشياطني»، التي يخاطب فيها حفيدة ،يحاول االمتداد يف املستقبل ،أو اإلبحار إليه ،من خالل التناص مع أحمد بن ماجد البحار ،ويف جل القصائد التي يحويها هذا املضمون ،يتامهى الذايت مع املوضوعي ،ويطل العام مزاحامً الخاص ،كنوع من اإلميان بتأثري املوضوعي عىل الذايت ،كام أن ذلك يوحي باالنتامء إىل الزمان التاريخي ،عن طريق بيان الظالل املتداخل يف جدلية مع الذات وانزياحاتها وتصوراتها . إذن ميكن القول أن املكان ،عند الرشيف يأخذ بعدين مهمني هام أوال،االنتامء والهوية ،وهذا البعد ،يتمثل يف االلتحام الوجداين واألرسي ،وهو ميثل املصدر أو املرجع ،وأهمية هذا البعد ،تكمن يف تراسل موجودات املكان ،مع الذات وجدلها معها ،بحكم عامل التوحد املعريف واالجتامعي والبيئي ،ويتجىل هذا البعد يف نص « العوجاء» ،والعوجاء ،هي املكان الجغرايف ،الذي احتضن الشاعر يف نشأته األوىل ،وهو االسم القديم ملدينة» «املحابشة» حسب توضيح الشاعر نفسه مخاطباً املكان -:
ألنت وإن تكاثرت الظباء هواي آتيت منه كاميشاء وهبتك هذه الصلوات تجري بها يف حبة القلب الدماء وما صنعاء يف بايل فأنىس وهل تنىس مناهلها الظامء ؟
وثانيا الذاكرة ،وهذا البعد ،يتصل بالبعد السابق،وينفصل عنه ،يتصل من حيث البحث عن الهوية عن طريق االسرتجاع ،وينفصل من حيث الغاية والقصدية والوجدانية واملعرفية ،إذ أننا نحاول « بالذاكرة اسرتجاع كل اللحظات املفقودة ،وأن نستجمع كل األمكنة املنسية ،أي أن نسيطر عىل الزمان ونصري يف كل مكان ،وهي الحالة القصوى ،التي متثلها اللحظة الصوفية ،لحظة الجمع والتوحد .وميكن بيان ذلك بنص
«الخواقعة « ،والخواقعة ،قرية الشاعر األوىل ،ونكتفي من النص ببعض األبيات :
من القرن يف كف من قرنه أتيتك بالدمعة املثخنة وبالصوت ضاق بكل الحبال وضاق بقسوتها اللينة وجنتك من زمن متعب يخبئ يف حزنه أزمنه وبالذكريات هنا تنتمي هناك إىل وجع األمكنه وحسبي أين توهمتها فصدقت حبكتها املتقنة فكنت القصيدة يف يومها كام كنت من أمسها عينه كأين كتاب بحاشيتني غريب العناوين والعنونه
العوملة
جاء نص الشاعر ،الذي يحمل نفس العنوان « عومله» ويف ثناياه حوارا بني ضمريي «هو» «وانت »،ليؤكد رفضه للعوملة ،وتفنيدا ً آلراء املثقفني الذين يبرشون بهذا االتجاه: issue (8)- January - 2013
73
نقد
رمى بوجه العوملة أوراقه وقلمه ماسفكت إال دمه ألنها كام ترى من الجهات املظلمة تالمحت سادية
رصاع « هو» مع « انت» ،جاء لبيان أسباب الرفض، الذي يدل عليه البيت األول ،الذي تضمن صورة درامية رافضة .ودل الورق والقلم عىل الذات ومن جانسها، وإن كان الخطاب بضمري الغائب املجهول ،للداللة عىل الشيوع يف اآلخر . ويسرتسل الشاعر يف سياق النص،مفصحاً عن أسباب الرفض ،ومساوئ هذا االتجاه العاملي الجديد ،يف جمل خربية جامدة ،دالة عىل الثبات عند اآلخر، ويتصاعد الشعور من األدىن إىل األعىل ،حتى يصل إىل ذروة االنفعال ،عن طريق التنامي أو التوليد ،حتى إذا أطمنئ للحالة الشعورية عند اآلخر ،وأنها قادرة عىل االستجابة ،بدأ يف تحريك الثابت ،عن طريق توايل األفعال يف الرتاكيب ،والصور التوبيخية الساخرة ..،كام يدل عىل ذلك هذا املثال : يف الساق أو يف الجمجمه ال أنها عومله واملدعي واملحكمة كن سوطها وسجنها ونصها للرتجمة كن بنكها وسوقها كن من يطيع كلبها وأمه وحرمه هذه الصور جاءت بقصد وعي الذات ،واملتغريالثقايف املفروض ،كام أن «كائنات الوصل « ،بكل مفرداتها، هدفت إىل توحيد الرؤية ،من خالل التذكر والتجميع والرفض ،تحصيناً للذات من االخرتاق ،وتصعيدا ً لها إىل مراتب الضدية مع اآلخر ،حتى تتجاوز مراحل النفي واالحتواء ،التي يسعى اآلخر إليها .
الفضاء الفني
يبدو أن للمكان تأثري عىل االتجاه الفني واملوضوعي، وهذا ما تدل عليه تجربة الشاعر حسن الرشيف ،إذ يلحظ القارئ ملسار التجربة اإلبداعية للرشيف ،فروقاً واضحة وجلية ،بني ما قبل االنتقال إىل صنعاء ،وما بعده، ولعل مجموعته « عيون القصيدة « ،كانت عالمة فارقة ،
74
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الشاعر ال يشبه إال نفسه وذلك من خالل سيطرته المدهشة على اللغة وتطويع عوالمها وتفجير دالالت الملفوظ والتأويالت
بني املرحلتني ،أي مرحلة ما قبل ،ومرحلة ما بعد ،وقد أوحى مضمونها ،بطموح الفرادة والتميز ،الذي امتد يف اإلصدارات التي تلتها ،حتى أضحى الشاعر ال يشبه إال نفسه ،وذلك من خالل سيطرته املدهشة عىل اللغة، وتطويع عواملها ،وتفجري دالالت امللفوظ ،إىل شظايا متعددة األبعاد والرموز والتأويالت ،وهذا ما نلمحه يف املجموعة ،التي جاء البناء النيص فيها وفق منطني ،النمط األول البناء البيتي ،والنمط الثاين بناء الوحدة املتنامية ،التي تتآلف جزيئاتها لتصل إىل مرحلة االتحاد النيص ،وهذا النمط ال يشكل ظاهرة ،يف مقابل النمط األول ،وللتدليل عىل النمط الثاين : «حيفان» عن حيد الطيال ياسيدي وسمعت عن وسمعت عن «ملحان» عن حيدان عن عمي وخايل عن سعيد عن بالل ماذا سمعت؟ وراح يروي أحقافها بني الرمال قالو لقد عادت إىل يف الزيت واملاء الزالل و «تهيدنت» يا صاحبي وزاحمت بأيب رغال لبست عباءة ذي القروح بعد الهداية بالضالل وسواك من يرىض لها يبقى القول أن الشاعر حسن عبد الله الرشيف ،من الشعراء ذي املكانة الخاصة يف اليمن القادرين عىل اإلبهار واإلدهاش ،وهو صاحب رصيد إبداعي كبري ، وصاحب مرشوع شعري ينتظر البحث والدراسة
تنظير
ابراهيم المال االستعارة الجديدة في القصيدة اإلماراتية
تمتاز التجارب الشعرية اإلماراتية الجديدة باشتغال على بنية القصيدة له خصوصيته وأدواته ،ومن بين األصوات التي برزت في المشهد الشعري ابراهيم المال صاحب القصيدة العابرة للبالغة التقليدية.
مفيد نجم
issue (8)- January - 2013
75
تنظير
تتأسسس أية تحوالت يف الكتابة الشعرية يف أي مشهد شعري كان ،عىل أرضية رؤية جاملية وفكرية جديدة إىل الذات والعامل واللغة ،وتتحدد يف ضوئها وظيفة اللغة ،ووسائل التعبري عىل أساس املقرتح الشعري الذي تقدمه ،وتحاول أن تتمثله بوصفه انتقاال باللغة ومعها، من مستوى السائد والقار ،إىل مستوى االنزياح وإعادة التشكيل والبناء وفق معطى مغاير ملفهوم الكتابة ووظائفها وجامليات التعبري والقول فيها .ولعل التجربة الشعرية يف اإلمارات كغريها من التجارب الشعرية العربية ،قد خطت باتجاه تعميق رؤيتها الحداثية، واكتساب مالمح جديدة ،متنحها رشعية الحضور ،وهو ما ميكن أن نستدل إليه من خالل مجموعة من الخصائص والسامت التي ميكن أن نقف عليها يف تجربة الشاعر إبراهيم املال ،بوصفها تقدم منوذجا يحوز عىل جملة من الخصائص األسلوبية والبالغية ،التي متيز تلك الكتابة الجديدة ،ويف مقدمتها بنية الصورة االستعارية الجديدة، القامئة عىل جملة من العالقات العابرة للمعطيات الحسية والبالغية التقليدية. إن هذا االختيار املنبثق من رؤية حداثية للعامل واألشياء وإىل عالقة الذات بها ،يجعل بنية الصورة االستعارية تقوم عىل عالقات االنزياح والتضاد التي تخلق الدهشة والغرابة عند املتلقي .ويف ذات الوقت إن سقوط يقني القصيدة والرؤية اليقينية للشاعر يف عالقته مع
76
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ابراهيم املال
العامل واألشياء ،قد ساهم يف انتقال القصيدة من الرؤيا مبعناها امليتافيزيقي الصويف ،إىل الرؤية مبعناها الحديس االنطباعي النسبي ،األمر الذي جعل صورة الذات واملنظور الشعري ،تتبدل يف هذه القصيدة ،وتغدو القصيدة معها تعبريا عن حاالت شعورية وال شعورية لكينونة تعاين من العزلة واإلحساس بالوحشة واالنقطاع، يف العالقة مع العامل الغريب ،الذي تتعمق عالقة االنفصال والعجز معه.
بنية اللغة الشعرية
مل تكن تحوالت الكتابة الشعرية الجدية بغض النظر عن طبيعة التسمية ،التي ميكن أن نطلقها عليها ،مجرد مغامرة يف شكل الكتابة ،بل هي شكلت جزءا من تحوالت الوعي الجاميل والفكري ،والعالقة مع العامل واللغة واألشياء .وقد تجىل ذلك يف أشكال الحدس الحيس ،وأدوات التعبري البالغية والفنية ،السيام عىل مستوى بنية الصورة الشعرية ،التي أصبحت عنرصا مهمينا عىل القصيدة الحديثة ،إضافة إىل االنتقال من عامل األفكار والتجريد ،ومركزية الدور الذي كانت تلعبه ذات الشاعر إىل عامل املحسوسات والواقع اليومي املعاش ،وهامشية الحضور الذي بات ميثله الشاعر يف هذا العامل ،وكان من الطبيعي أن يطال التبدل لغة الشاعر ،وبنية القصيدة الشعرية وخصائصها األسلوبية،
ابراهيم المال
باعتبارها جزءا ال يتجزأ من مرشوع الحداثة يف القصيدة الجديدة .من هنا تنبع أهمية دراسة هذه الخصائص التي تتمحور قصائد الشاعر حولها ،إضافة إىل وضعية أنا الشاعر داخل النص ،وما يقتضيه التعبري عن ذلك من أدوات تعبري ،ويف املقدمة منها بنية الصورة الشعرية، ووظيفتها ،التي قامت عىل عنارص االنزياح عىل مستوى العالقات الجديدة التي أصبحت تربط بني مكوناتها وعنارصها التشكيلية الجديدة. إن التحول يف أشكال الوعي الجاميل ،طال أشكال الكتابة، وبنية اللغة وصيغها التعبريية ،والبالغية ولذلك فإن أية قراءة ملظاهر هذا التحول يف النص الشعري الجديد، تتطلب الكشف عن عنارص هذا التحول ،ودالالته وعن آليات اشتغاله وأشكال مطارحاته ،ويف هذا املستوى ميكن القول إن مثة خصائص بنيوية وتعبريية وبالغية باتت متيز ذلك النص ،ومتنحه سامته الخاصة ،ويف مقدمة تلك السامت التبدل الذي أصاب بنية االستعارة والصورة االستعارية يف القصيدة ،وصيغ التكرار والرتاكم املركب ،واالقتصاد الكبري يف اللغة باعتبارها محاور
يتمركز النص الشعري حولها ،وترتبط مبوقع الشاعر داخل الكتابة ،وطبيعة املرسلة وما تسعى إىل تحقيقه عىل مستوى التلقي.
بنية االستعارة الجديدة
لقد اتخذت العالقات الداخلية للغة يف قصيدة الحداثة بعدا جديدا يقوم عىل غياب الرتابط املألوف فيام بينها بحيث أدى ذلك إىل خلق مسافة توتر وتباين فيام بينها أدى إىل ظهور منط استعاري جديد يحكم بنية الصورة الشعرية ،ومينحها قيمتها الجاملية واإليحائية. إن االستعارة بوصفها عملية خلق جديدة للغة ،أو لغة داخل لغة كام يقول نقاد الحداثة ،قد نجم عن تلك العالقات الجديدة ،التي أقامتها اللغة بني الكلامت ،وبني األشياء التي ال عالقة بينها ،األمر الذي جعل االستعارة متثل انتقاال باللغة من مستوى املطابقة ،إىل مستوى اللغة اإليحائية ،ومن املعطى الحيس القار ،إىل متثل مجموع التجارب الحسية والسينامئية واللونية والشكلية التي تتداخل وتتفاعل يف إطار الرؤية الجديدة ،القامئة issue (8)- January - 2013
77
تنظير
عىل معطيات جاملية وتكوينية غري مألوفة ،محورها عالقات االنزياح بني األشياء بأشكالها املختلفة .لقد اختلفت العالقة مع األشياء ،باختالف الرؤية واإلدراك الحسيّ ،الذي بات مييز تلك العالقة ،ويعرب عن تداخل املعطيات الشعورية واملدركات الحسية يف التجربة، وقد شكل تجاوز العالقة املنطقية القامئة عىل مدركات الحواس أحد تلك التحوالت يف الوعي الجاميل ،فالصورة الشعرية التي تأيت عن طريق االستعارة ،والقامئة عىل التشخيص والتجسيد ،عملت عىل إعادة بناء العالقة بني األشياء من جديد ،متجاوزة منطقية العالقة فيام بينها، ومركزة عىل فاعلية املخيلة الشعرية ،يف إعادة بناء تلك العالقات عىل مستوى مفارق ،وغريب ومدهش يقوم عىل تداخل املستويات الحسية السمعية والبرصية والشمية ،وفق منطق اإلدراك الحيس ،وإن ظل الرتكيز عىل الصورة البرصية هو األكرث ظهورا يف تلك الكتابات الشعرية. ومام يالحظ عىل هذه الصور االستعارية أنها تعرب يف بنيتها ،عن رؤية جاملية وفكرية تيش بالتحول الذي أصاب الذات الشعرية ،وموقعها داخل النص ،فبعد أن كان الشاعر الرايئ واملخلص ،انتقل موقعه من مركزية الحضور ومحموريته إىل الهامش ،ما جعل لغة القصيدة تعكس هذا التحول يف لغة الخطاب ،وتعرب عنه من خالل تأكيدها عىل املكابدة الوجودية التي بات يعيشها، والشعور باألمل والغربة والعزلة والغياب يف عامل فقد تصالحه وقدرته عىل االنسجام والتكيف معه ،بعد أن فقد قدرته عىل التأثري فيه .لقد فقدت اللغة يف هذا املستوى من التعبري داللتها املعجمية ،وأضحت تؤدي
تتجاوز الصورة عند ابراهيم المال المعنى المباشر لها إلى اإليحاء ،وتنبني على توليف متعدد من الخبرات واألشكال
78
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
وظيفتها اإليحائية ،وميكن أن نتخذ من العبارات والصور التالية مثاال واضحا عىل هذا التحول الوردة املتحجرة عىل فم مقفل– الثياب الرقيقة للعاصفة – متاهة الندى – هاوية املمىش– نحن الذين تهنا /يف خراب الورد– الظل املج ّرح– الكهولة املضاعفة لأليام– الضباب املتحجر لذكرى الجسد– وحيدا أقرش املوسيقا– وأخدش باإلبرة ماء الهدوء– نحن الذين حصدنا املحبة من املقابر– الفتات املنثور من الضوء– قشور الضحكات التي رميناها– الطرق أخذتني إىل مياه النوم ...الخ. يظهر التداخل واالنزياح بالنسبة للمعطيات الحسية للتجربة الشعورية ،التي تقوم عليها الصورة االستعارية التي طغت عىل بنية القصيدة الجديدة ،والتي نشأت عن عالقات االنزياح القامئة بني الصفات واملوصوفات، بحيث نجم عنه خلق مسافة توتر وتباين ،بسبب التباعد بني مكونات الصورة ،املختلفة كام يف قوله «صوت القمر البارد» .ألن الصفة«الصوت» يف هذه العبارة تنزاح عن موصوفها«القمر» ،وهي تشكل خرقا للمعطيات الحسية للتجربة ،وإعادة بناء لها وفق رؤية مختلفة، تنتقل باللغة من وظيفتها التعبريية املبارشة ،إىل اللغة اإليحائية ،كام سبق وأرشنا ،وتقيم عالقات جديدة بني عنارص متباعدة من خالل إطالق املخيلة الشعرية وتحريرها من مرجعياته االحسية ،األمر الذي جعل القمر يتخذ صفات جديدة من خالل منحه صفات مغايرة للتجربة املألوفة .إن عالقتنا بالقمر هي عالقة حسية برصية ،وليست حسية سمعية كام يكتسبها يف هذه الصورة االستعارية التي تقوم عىل التشخيص، األمر الذي يكشف عن مدى االنزياح يف بنية االستعارة، وبالتايل يجعل الصورة تتحرر من منطقية العالقات التي تحكم عالقات األشياء املوصوفة بصفاتهاغري املألوفة. وينطبق األمر عىل عبارة «الليل الذي يح ِّرش ذئابه»، إذ إن االستعارة القامئة عىل التشخيص ،وبثّ الحياة والحركة يف األشياء ،من أجل اإليحاء بالحالة املراد التعبري عنها بلغة بالغة التكثيف ،تجعل الصورة تتجاوز املعنى املبارش لها ،إىل اإليحاء بحالة الخوف والرهبة التي ميثلها
ابراهيم المال
الرسومات نجاة ميك
الليل بالنسبة للشاعر يف هذه الصورة الشعرية. وكام نالحظ فإن الليل يف االستعارة الجديدة ،قد فقد تلك الصفات املعتادة التي كان يتسم بها ،السيام يف الشعر الرومنيس الذي كان يرمز فيه إىل الشاعرية، والحلم والسكون والتوحد مع الذات والكون.يقول الشاعر:
« انتظرناه /القادم من جرح الشجرة /الهواء البال وجه /برضبة نرد /عىل رخام مل ميس»
يف هذا النص املكثف جدا ،هناك جرح الشجرة( تشخيص للجامد) والذي يوحي بطعن كل ما يرمز للحياة والتجدد ،والهواء الذي بال وجه( تشخيص للجامد عىل هيئة إنسان ،ونفي للصفة يف اآلن معا) بهدف اإليحاء بحالة االغرتاب والضياع ،التي ميثلها هذا القادم ،الذي ال يبوح النص به ،مكتفيا باستخدام ضمري الغائب ،ورسم املالمح التي توحي بالخسارة والغربة والضياع عىل مستوى العالقة مع الحياة املطعونة يف صميمها ،كام تتجىل يف رمزها الدال عليها وهو الشجرة. وإذا كان الورد يف داللته الحسية املعتادة ،يرمز للجامل والشفافية والرقة ،فإنه مع البنية الجديدة لالستعارة وعالقاتها القامئة عىل التضاد واالنزياح يكتسب صفات جديدة ،توحي مبعاين موت الجامل واملوات يف الحياة، التي نحياها يف هذا الزمن الذي نعيش غربته وضياعنا فيه دون أن يسعى الشعر إىل الترصيح بذلك ،بل يرتك للصورة االستعارية الجدية أن توحي مبضمون تلك العالقة الصادمة مبا تيش به « نحن الذين تهنا /يف خراب الورد». وال يختلف األمر يف قصيدة(أمس الهواء) حيث يقيم الشاعر عالقات جديدة بني أشياء ال رابط يجمع بينها: « نهار محفور يف ظل /فتنة سميتها مقربة /سيقان
الزجاج /النحيب كرات املرمر /وما يلمع حجر أمرد»
لقد أخذت االستعارة الجديدة بوصفها عملية خلق جديدة باللغة داخل اللغة تعمل عىل مزج وتداخل الخربات الحسية ،بحيث باتت الصورة الشعرية ،التي تسيدت الخطاب الشعري الحدايث تنبني عىل توليف متعدد من تلك الخربات واألشكال ومعطيات الصورة
السينامئية ،األمر الذي منحها حالة من الرثاء والغرابة التي تقوم بني مكوناتها وعنارصها املختلفة ،التي نجم عنها شعور بالدهشة لدى املتلقي ،إذ كيف ميكن للصفات التي ترتبط باليشء أن تنتقل من مستوى محدد من التجربة الحسية إىل مستوى آخر غري مألوف ،مثل صفات الصوت وامللمس والبرص والطعم وغريها من الصفات األخرى ،كام يف هذا املقطع من قصيدة «دخان» :
"يف ردهة أخرية /كنت مترن الحنني عىل املوت_ تحويل املعنوي إىل مادي عرب التشخيص /-عىل خدش النهارات -تحويل املعنوي إىل مادي -حيث غرفتك رسح الدخان مجددا الصغرية /ملجأ الحواس ...../ت ِّ يف الغرفة /ألنك ناصع بالظالل -انزياح صفات -ألن بقاياك /فتات الحكايا واألالعيب"... issue (8)- January - 2013
79
بورتريه
عمر الخيام
الشاعر والعالم والفيلسوف خالل السنوات األخيرة ،صدر بعض الدراسات عن الشاعر عمر الخيام ( )1131 - 1048فضالً عن ترجمات جديدة لرباعياته ،من بينها ترجمة جالل زنكابادي الصادرة عن «منشورات الجمل» ،والتي يحاول من خاللها المترجم تقديم نص الرباعيات ليس في إطار «المنظومة» إنما «المنثومة» المازجة بين النظم والنثر المسجوع .وهناك ترجمة للرباعيات عن «دار المناهل» في بيروت بتوقيع محمد صالح القرق، وترجمة أخرى عن دار «االنتشار» بتوقيع صالح الجعفري الذي يقول« :الواقع أن تعدد الترجمات أمر ذائع شائع .فقد تعددت ترجمات كثير من األعمال األدبية التي تركها شكسبير وطاغور وموليير، وظهرت أكثر من ترجمة لأللياذة والشاهنامه وغلغامش» .وأعادت «منشورات الجمل» إصدار كتاب «ثورة الخيام» لعبد الحق فاضل ،وكذا فعلت دار «المدى» من خالل اصدار ترجمة احمد الصادق النجفي .في القاهرة صدرت الطبعة الخامسة والعشرون من الــ«رباعيات» التي ترجمها الشاعر المصري أحمد رامي ،دون أن ننسى ترجمات أخرى في مصر والجزائر والعراق والبحرين واإلمارات
محمد الحجيري
80
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
عمر الخيام
مل يذع صيت الخيام كشاعر إالّ بعد موته وترجمة رباعيّاته من قبل فتزجريالد عام .1868ذلك أ ّن النسخة األصليّة للرباعيّات مل توجد حتى اآلن إالّ يف أوكسفورد وقد كتبت يف 1461م .واعترب بعض النقاد ان فيتزجريالد من أهم الشعراء االنكليز يف القرن التاسع عرش ،ليس النه كتب شعرا ً ،وامنا النه ترجم رباعيات الخيام بلغة شعرية عالية ،توازي اللغة الشعرية يف الشعر الكالسييك االنكليزي .نرش فيتزجريالد ترجمته بأسلوبني مختلفني: أحدهام كان الرتجمة النرثية الحرفية التي التزمت باملضمون الدقيق للنص وافكاره وصوره .والثاين كان الرتجمة الشعرية التي ترصد املضمون وتضعه يف قالب والفلك .ولكن ان مل يكن شاعرا ً فمن أين أتت هذه الشعر االنكليزي الكالسييك املألوف الذي مييل إىل الرباعيات ولِ َم تنسب إليه ال اىل غريه ؟! الفخامة والبالغة والغنائية العالية .وترجمة فيتزجريالد إىل اإلنكليزية شهرت الرباعيات التي أخذت حيزا ً يف رباعيات مزورة الثقافة الغربية حتى إنه ظهر يف الغرب ما سمي بـ «األدبيات العمرية» .وبرغم شهرة الرباعيات وما أحيطت القضايا الثقافية البارزة التي ميكن الحديث عنها استنتاجاً من رباعيات الخيام تتجىل يف وجهني ،األول هو أن به من دراسات بقيت سرية الخيام أشبه باملغمورة ،اذ مثة ندرة يف املعلومات حول حياته ،ما يجعله ميثّل فعالً الرشق يح ّبه صوف ّياً متديناً ،والغرب يحبه ككاتب شعر يتغنى بالخمريات ،والقضية األخرى هي كرثة الرباعيات كل حسب مزاجه وتأويله «سحل ّية تاريخ ّية ،يل ّونها ّ «املزورة» التي نسبت إىل الخيام ،يف هذا اإلطار يقول الخاص لرباعياته الشهرية» بحسب تعبري أحدهم .يبدأ املرتجم عبد الحق فاضل« :أحسب أن املعجبني بالخيام االلتباس يف شخصية الخيام من اسمه وسنوات عمره، طفقوا بعد وفاته ينسخون الرباعيات بعضهم عن بعض، فمنهم من سامه أبا الفتح أو أبا الفحص أو أبا حفص، ومنهم من قرر له مثانني عاماً ومنهم من أطال عمره اىل حتى خرجت من أيدي خواص الخيام إىل عوام الناس»، كان للمجان رباعياتهم وللمتصوفة رباعياتهم وللزهاد مائة وعرشين. رباعياتهم ،وقد اختطلت كلها برباعيات الخيام ،اختالطا ولكن السؤال األهم عند البعض هو هل كان الخيام أصبح يتعذر علينا أن منيز بينها عاملاً ،أم شاعرا ً ،أم كليهام. عند األهم السؤال ونرد كل منها إىل صاحبها» .ويخمن ويضيف اذا كان شاعرا ً لِ َم البعض هو هل كان مجموع ما يعزى من الرباعيات إىل ملْ يذكر شاعريته من عارصه الخيام يف مختلف النسخ الرائجة بنحو من مشاهري املؤرخني الذين الخيام عالم ًا ،أم خمسة آالف رباعية كام بينّ ذلك ذكروا له صفات كثرية لغزارة شاعر ًا ،أم كليهما .وإذا املسترشق األملاين فريدريك روزف علمه وتفرعاته ،من أمثال ً يذكر لم م ل ا شاعر كان َ ْ ِ يف مقدمة «رباعيات الخيام» .وينقل الزمخرشي ونظامي العرويض املرتجم جالل زنكابادي عن الباحث والبيهقي والخازين؛ فهؤالء شاعريته من عاصره محمد جعفر ياحقي« :يلف الغموض اكتفوا بتعريفه فيلسوفاً من مشاهير المؤرخين سري شعراء ومفكرين كثريين ،لكن ألن وحكيامً وله باع يف الرياضيات
issue (8)- January - 2013
81
بورتريه
الخيام كان معروفاً أكرث كعامل يف الرياضيات وغريها ،ورمبا مل يبتغ أن يعرف كشاعر ،فقد تضاعف الغموض الذي يلف سريته وشعره. كان الخيام يقرض أشعاره لنفسه ،ومل يرتدد طوال حياته عىل محافل الشعراء ،لذا مل تنرش أشعاره إال بعد مامته بعرشات السنني .من هنا دار ،وال يزال ،جدل كثري وطويل حول سرية الخيام ومؤلفاته ،ال سيام رباعياته ومضامينها، التي تضاربت األقوال يف تحديد عددها تضارباً كبريا ً ،بل حتى يف ضبط صيغ أكرث الرباعيات األصيلة ونسبتها اىل الخيام» .ورصح ياحقي بأن الرباعيات املنسوبة اىل الخيام يبلغ عددها أكرث من عرشة آالف رباعية ،وأضاف« :لكننا ال نستطيع أن ننسب إليه جزماً حتى عرشها» .وقال املسترشق نيكلسون« :لو عاد الخيام نفسه اىل الحياة، الحتار وعجز عن فرز رباعياته األصيلة عن ركام الرباعيات الدخيلة الهائل .فثمة رباعيات دخيلة كثرية قالها أصحابها لدواع شتى ،وكانوا من أهل الفلسفة ،ومن الالقدريني أو امللحدين ،وبعضهم رمبا كان من املجان وأراد التغني بالخمر والهوى ،ويقول بعض الباحثني إن الرباعيات املنقولة مبتذلة وتافهة».
اختالف املسترشقني
وينكر بعض الباحثني أن يكون عمر الخيام شاعرا ً ،ومن بينهم املسترشق األملاين هانس شيدر الذي ذكر« :الحكيم والريايض عمر الخيام مل ينظم أي شعر ،وهذه الرباعيات املنسوبة إليه صورة من الشعر الباطني ،الذي راج يف عهد سيطرة املغول ،وشاع فيه الفساد يف عهد حكم
82
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
من يصنّف الخيّام شاعر ًا أن شخصيّته صوفي ًا ،يرى ّ القوية هي شخصيّة «عالم جليل» ،لم يكن ليقضي وقته في اللهو، ويرى في أدائه فريضة الحج دلي ً ال على إيمانه السالجقة» .ونرش مقال يف جريدة «املورننغ بوست» قيل فيه :إن شخصية عمر الخيام محاطة بغاللة من غموض وإيهام ،وقد نسجت حوله أساطري غامضة تدعو إىل الشك يف وجوده ،وجاء كاتب املقال برباهني أنكر فيها نسبة هذا الشعر إىل عمر الخيام. قلنا إن الرشق يحب عمر الخيام صوفيّاً ويف الغرب اعتقد البعض أنه إباحي ،ويعترب بعض املؤرخني أن الرباعيات نسبت خطأ إليه وقد اثبت ذلك املسترشق الرويس زوكوفسيك فرد 82رباعية اىل أصحابها فلم يبق إال القليل الذي مل يعرف له صاحب وقد أثبت زوكوفسيك أن اثنتني ومثانني رباعية من هذه الرباعيات واردة يف دواوين غريه من شعراء الفرس ،مثل :فريد الدين العطار، حافظ الشريازي ،جالل الدين الرومي ،وغريهم .ويعترب بعض املعارضني لإلسترشاق أنه بعد االنتهاء من العمل عىل مضمون الرباعيات ورفعها إىل املقام الرفيع بعدما كانت مغمورة ال يعريها أح ٌد انتبا ًها ،وانتقل العمل إىل َم ْن نُسبت إليه هذه الرباعيات ،فقام بعض املسترشقني بحملة من أجل اتهام صاحب هذه الرباعيات املزعومة والتشكيك بأخالقه ومعتقده ،فكتب األديب الفرنيس تيوفيل غوتيه مقاالً ع ّد فيه عمر الخيام «أكرب منوذج للمفكّر الح ّر يف العصور الوسطى» .وتساءل املسترشق أرنست رينان يف مقا ٍل له «هل كان عمر الخيام صوف ًّيا صاحب متع ٍة مج ّدفًا؟» متع ّمقًا أو َ يقول مبرش الطرازي يف كتابه «كشف اللّثام عن رباعيات الخيام» (صدر لدى الهيئة العامة للكتاب يف مرص):
عمر الخيام
الرسومات كامل الدين بهزاد
خواص الغربيّني م ّم ْن لهم عالقة بالتّبشري وجدوا يف «إ ّن َ هذه الرباعيات املنسوبة إىل الخيام بُغيتَهم املنشود َة يف ٍ مقوالت مختلقة الطعن بالدين ،مستندين يف ذلك إىل مزعومة نُسبت إىل رجلٍ عظيم من عظامء الرشق ،وعامل من علامء اإلسالم ،وإمامٍ من أمئّة املسلمني ،فاستفادوا من ترجمة هذه الهذيانات باسم فلسفة الخيام» .وحاول مبرش الطرازي تربئة الخيام من الرباعيات التي تحمل طابع الخالعة واملجون ،وذلك بالعودة إىل كتب معارصيه، كتلميذه العرويض ،والزمخرشي ،والشهرزوري ،واإلمام الغزايل ،واإلمام البيهقي ،وكان الخيام يسمى عندهم «حجة الحق» ،ومل يصلنا عن هؤالء سوى إحدى عرشة رباعية ،ذات منحى ديني وتأميل ،وهو العدد الذي رجحه وديع البستاين يف ترجمته للرباعيات. لكن ال أحد من معارصي الخيام ذكر شيئاً من هذه الرباعيات املتداولة اآلن ،علام أن أقدم نسخة للرباعيات هي نسخة بودلني املحفوظة يف إكسفورد ،وقد كتبت سنة 865هـ بعد وفاة الخيام بثالثة قرون ونصف القرن! وال تحتوي نسخة بودلني هذه إال عىل 158رباعية ،أما النسخ التي تلتها تاريخياً ،فهي كلام كانت أحدث عهدا ً كان ما تحتويه من الرباعيات أكرب عددا ً كام يالحظ عبد الحق فاضل .ويف سنة 1904أكّ َد الباحث الدمناريك أرنور كريستني سان أصال َة أربع عرشة رباع ّية فقط للخيام، ويؤكّد ذلك عودتنا إىل املصادر واملراجع التي ذكرت رباعيات الخيام ،حيث نجد مخطوط «مؤنس األحرار يف دقائق األشعار» ملحمد بن بدر الجاجرمي ،واملد ّونة عام مستقل ٍّ 741هـ قد ذكرت ثالث عرشة رباعية يف فصل باسم الخيام ،والباحثون يعتربون هذه الرباعيات الثالث عرشة هي خ ّيام ّية أصيلة ال يرقى إليها الشّ ك ،وكلّها تحمل مضامني إميان ّية صوف ّية. من يص ّنف الخيّام شاعرا ً صوفياً ،يرى أ ّن شخصيّته القوية هي شخصيّة «عامل جليل» ،مل يكن ليقيض وقته يف اللهو، ويرى يف أدائه فريضة الحج دليالً عىل إميانه .ويؤكد املرتجم محمد صالح القرق بأن الخيام اشتغل بالعبادة حج البيت الحرام .وذات ليلة صىل العشاء ،ودعا بعد أن ّ
يف سجوده قائالً «اللهم إين عرفتك عىل مبلغ إمكاين فأغفر يل ،فإن معرفتي إياك وسيلتي إليك» .بينام يرى آخرون ،أ ّن ذهاب الخ ّيام إىل مكّة كان فقط يك ال يفقد حامية السلطان ،وأنّه نجح يف خداع الصوفيني وإيهامهم بأ ّن رباعيّاته شعر صو ّيف ،وخصوصاً أ ّن الغزايل الذي عارصه كان من أل ّد أعدائه. كل طرف يش ّد حبل الخ ّيام ورغم هذه االختالفات وكون ّ الكل يجمع عىل أنّه صلىّ قبل أن إىل ناحيته ،إال أ ّن ّ يجدوه ميتاً يف منزله وعىل طاولته «كتاب الشفاء» البن سينا ،وكان قد وضع مسواكاً من ذهب عند الفصل الذي كان يشغله طيلة حياته ،وهو «يف تقابل الواحد والكثري» ،ليرتك الجدل يف إميانه ،وبالتايل يف معنى رباع ّياته ،مفتوحاً issue (8)- January - 2013
83
في الشعر
عن الشعر والحياة والحرب..
نشـــيد ليســـاور عبدالزهرة زكي
يف
عام 1981اشرتكت وعدد من األصدقاء الشعراء «الشبان حينها» يف جلسة شعرية أعقبها حوار ونقاش متبادل مع شعراء من فرنسا ،جاؤوا إىل العراق يف أواخر سنته األوىل للحرب مع إيران. قبل هذه الجلسة بليل ٍة ،كان الفرنسيون قد اشرتكوا مع شعراء آخرين سوانا من العراق..وكان مام أثار انتباههم ،وتحدثوا به سموه هم باملفارقة التي كان يفرتض معها أن إلينا يف الحوار الذي أعقب قراءتنا معاً الشع َر باللغتني الفرنسية والعربية ،هو ما َّ الحرب يكونوا البارحة مع شعر حرب ..واليوم مع شعر آخر كانوا يتوقعونه غري معني بالحرب..لكن ،وكام قالوا ،فقد وجدوا َ هنا يف هذه الليلة ووجدوا شيئاً آخر هناك يف ليلة أمس. ال أدري اآلن بالضبط َمن كان قد أرشد إلينا هذين الشاعرين الفرنسيني جان كلود رينار الذي تويف عام الفني وإثنني يف باريس ومرسيل بييلو ومعهام شاعرة مل تقرأ يومها ومل أعد أذكر اسمها..لقد تجمعنا نحن الشعراء العراقيني الشبان باملصادفة ،واخرتنا نصوصنا باملصادفة ،و ُترجمت النصوص يف املكان نفسه قبل القراءات وحتى أثناءها. كنا يف ذلك املبنى الذي دامئا ما كان يبدو شبه مهجور ،بأثاثه املتهرئ وكراسيه القليلة التي تتوسط قاعة كبرية بجدران واسعة تساقط عنها طالؤها الزيتي وقد خلت من أي يشء سوى صورة وحيدة تتصدر مرسح القاعة لصدام حسني ،وبقايا رسوم جدارية رديئة وضعها رسامون مبتدئون عن أطفال بزي الجيش وبنادق القتال ..كانت البناية قد خصصت من ُ قبل لفعاليات مدرسية غنائية أو شعرية ينظمها اتحاد الشباب لطلبة اإلعداديات قبل أن يغادر اإلتحا ُد املبنى بأمر حكومي ويرتكه منتدىً لألدباء الشباب الذين أريد عزلهم عن اتحاد األدباء من جهة ،والسيطرة عليهم من جهة أخرى .كان املبنى وهو يجاور دائرة إطفاء يف «راغبة خاتون» ال يستقبلنا إال يف يوم واحد يف األسبوع حيث نجري يف مساء ذلك اليوم لقا ًء شعريا أو قصصياً وتعقبه عاد ًة نقاشات وحوارات يف شؤون التجديد األديب ،لكنّ فضيلة املكان ،كام تأملناها الحقاً ،هي يف ما وفرته من فرص للتعارف بني األدباء الشبان من مختلف املحافظات ،ويف كرس املركزية التي احتفظ بها أدباء بغداد ،وبشكل أخص مجموعة محددة منهم. كان ما يجمعنا يف ذلك املساء هو طبيعتنا العمرية وصفتنا الشعرية ،فيام كان يرافق الشعراء الفرنسيني الشاعر السوري الراحل خليل خوري مرتجم رامبو واملقيم يف بغداد ،ومعه أساتذة عراقيون متخصصون باللغة واألدب الفرنسيني من كلية اآلداب يف جامعة بغداد ،حيث أوضح لنا بعضهم أن الفرنسيني كانوا منزعجني من كثري مام سمعوه البارحة من شعر مبارش وفج يف مدحه ِّ والحض عليها واالستهتار بالحياة واحتقارها لصالح املوت والقتل ،إضافة إىل سفاهة الفن الذي صيغت به تلك الحرب ومتجي ِدها َ ً النصوص التي استمعوا إليها ،كام نقل لنا ذلك ٌ بعض من املرتجمني املرافقني الذين رمبا استثنوا شاعراً صديقا واحداً هو أقرب إىل اعامرنا وتجاربنا ،لكنه ،ويف مزاج تلك السنوات ،آثر أن يقرأ مع «الكبار». «أرادوا أن يسمعوا شيئاً آخر..فاقرتحنا عليهم هذا اللقاء» ،قال أحد األساتذة ،وكنا نثق به ويثق بنا ..،رمبا كان الدكتور زهري مغامس أستاذ األدب الفرنيس ومرتجم كتاب سوزان برنار (قصيدة النرث) ..مل ُي ِجب أحدٌ منا ،واكتفينا بإعالن املوافقة ،وبرشط أن تكون القراءة مشرتكة ،نستمع إليهم ويستمعون إلينا ثم نتحاور..لقد كانت لدينا حساسي ُة شبان ٌ مبالغ بها مام نتوقعه من
84
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
عبدالزهرة زكي
االستعالء الذي يريد اآلخر مبوجبه أن يكون أستاذاً يستمع إىل تالميذ يقرؤون أناشيدهم .نقل املرتجمون رغبتنا ،فعبرّ الفرنسيون عن سعادتهم بالعرض ،خصوصا أن نصوصهم مرتجمة أص ًال قبل لقائهم البارحة مع العراقيني اآلخرين.
بعيدا عن الحرب
كانت الحرب يف أشهرها األوىل..عرفنا أن الشعراء الفرنسيني كانوا قد جاءوا إىل العراق برغبة أن يروا الحياة والثقافة يف ظل الحرب التي تجاوزت األيام واألسابيع وامتدت إىل شهور ،قبل أن متتد إىل سنوات يف ما بعد..كان من الصعب عىل الضيوف الفرنسيني أن يجدوا لدى أقرانهم العراقيني شعراً عن الحرب ،كام يعرفون هم شعر الحرب التي عاشتها أوربا والعامل مرتني خالل القرن العرشين ،حيث أنتجت الحربان العامليتان شعر حرب يف الكثري من البلدان األوربية ،وكانت حصة الفرنسيني يف الحرب الثانية الكث َري من شعراء فرنسا إىل شعراء مقاومة لإلحتالل النازي، ذلك الشعر وإسهامهم فيه متميزَين ،حني ح ّولت ُ وبالتايل فإن هذا الشعر الفرنيس الذي ُأنتج من شعراء وف َد أغلبهم من املغامرة الدادائية والرسيالية إىل هذا اإلستخدام السيايس للشعر ،كان منطا متميزا يف شعر الحرب ،وبقي يحتفظ بحرارة انتسابه إىل الشعر حتى بعد انتفاء هدفه التعبوي املبارش بانتهاء الحرب وعودة الحياة إىل حال السالم و استقرار. لقد كان من أكرب امتيازات ذلك الشعر الفرنيس املقاوم هو تفاديه التشاتم القومي واإلساءة إىل األمم األخرى وتحايش التورط بالحث عىل القتل وارتكاب الجرمية واالمتناع عن االستخفاف بالحياة لصالح متجيد املوت ،بل أننا كثرياً ما نصادف يف هذا الشعر رثا ًء يوايس خرسان الحياة بفعل الحرب وتوقاً إىل التحرر من الحرب واالنطالق يف حياة السالم واملحبة ظهر في العراق ،كما في دول والتآخي..كان مثة امتزاج خالق بني روح اليسار املتوثبة وقيم الليربالية املتطلعة عربية أخرى ،شعر كثير متفاوت يعتمل يف نفوس أغلب شعراء فرنسا الذين انخرطوا يف صفوف املقاومة ،وكان في قيمته الفنية وأهميته اإلبداع اإلنساين الحر هو حصيلة هذا االمتزاج الفكري السيايس املندمج بامتزاج الشعرية يتناول مشكلة فني آخر بني التحرر من أي التزام ،وهو ما تطلبته الرسيالية ،وبني االلتزام الذي فلسطين في إطارها العام أملته الطبيعة الخاصة لشعر املقاومة. كان كل يشء مختلفاً بني حالنا وحال الفرنسيني يف سنوات املقاومة وحتى عموم األوربيني يف حربيهم العامليتني ،وهو اإلختالف الذي يسمح بالقول بصعوبة أن يصادف الشعراء الفرنسيون الضيوف ما يشبع فضولهم حينها إىل شعر حرب احتقروا مناذجه التي استمعوا إليها يوم أمس وبقي أملهم الوحيد يف البحث عن شعر آخر سوى شعر الحرب كانوا ينتظرونه من جلسة اليوم مع شعراء شبان من العراق.. قبل حرب الثامنينيات مل يكن العراقيون قد عاشوا حرباً ،باملعنى الذي ق َّدمته هذه الحرب وبالطبيعة التي استمرت عليها لثامين سنوات..كانت مشاركات الجيش العراقي يف حروب فلسطني مرتبطة بقِصرَ ُمدد تلك الحروب الثالثة الكربى التي شهدتها حروب متاس مع العراق الذي كان يرسل جيشه الدول العربية ضد إرسائيل يف 1948و 1967و ،1973وهي عموماً مل تكن َ إىل جبهات الحرب من خالل فلسطني واألردن وسورية ومرص ،فكان أن ظهر يف العراق ،كام يف دول عربية أخرى ،شعر كثري ْب لضياع متفاوت يف قيمته الفنية وأهميته الشعرية يتناول مشكلة فلسطني يف إطارها العام ،كرصاع عريب إرسائييل ،شع ُر ند ٍ فلسطني وهجاء لإلرسائيليني وتذ ّكر لبطوالت وأبطال التاريخ ،أكرث من كونه شعر حرب ،مبا تعنيه الحرب من قتال وموت وانكسار وانتصار وتحطم الحياة اإلنسانية املعتادة ،وقد ُيستثنى من هذا بعض ما أنتجه الشعراء الفلسطينيون ،وباألخص َمن بقي منهم يف األرايض العربية التي احتلت عام ،1948وهو مام عرف بشعر املقاومة الذي مل يلبث أبرز شعرائه ،محمود درويش ،حتى تخىل عن مستواه التعبريي املبارش إىل مستوى آخر قد يرتبط بالقضية الفلسطينية بشكل ما ولكن ال صلة له issue (8)- January - 2013
85
في الشعر
بأدب الحرب واملقاومة.
ورطة الشعر
وقد أتذكر« ،وأشري إىل أحد أعداد مجلة اآلداب لعام 1973وكان مكرسا عن حرب ترشين» ،أن محاوالت متعمدة ظهرت يف العراق ،ويف دول عربية أخرى يف السبعينيات بعد الحرب من أجل إنتاج أدب حرب ،شعر وقصة ،لكنها تجارب بقيت محدودة وضمرت بفعل تع ّمدها والتوجيه اإليديولوجي املتحكم بانتاجها وما يفرضه التع ّمد والتوجيه من تلفيق ونظم. ال ُينتَج األدب بنوايا مسبقة وبإرادات قرسية ،سواء إرادات سلطة أو أحزاب أو مجتمع أو حتى إرادة شخصية للشاعر واألديب..الشعر تنتجه إرادات داخلية ،وقد تشبعت بحاجات حقيقية وانفعاالت عميقة مبوضوع الكتابة ،إرادات تستجيب لتورطها بتلك املوضوعات وتنغمس بظروفها لتهتدي بيقني شعري ووجداين خالص إىل مضامينها وتقنياتها.. َ ويف ضوء تجربتي الشخصية يف الحرب والحصار وحتى يف ظروف العنف واإلرهاب بعد ..2003استطيع أن أم ِّيز بني تو ُّرطني يف ظروف الحدث التاريخي العاصف ،كالحرب مث ًال ،فالتورط األول هو يف املواجهة اإلنسانية املبارشة مع الحدث ،وارتباك الذات اإلنسانية يف هذه املواجهة وهي تتحرى عن ممكنات بقائها وتحررها ،ولو بشكل مؤقت ومحدود ،من املصري املرعب الذي يتهددها .يف هذا التورط ّ تتعطل كل ممكنات التعبري والتفكري والتأمل الوجداين .ينرصف الجهد إىل ما هو عميل ومبارش، لترتكز كل قدرات املرء من أجل أن تشتغل بطريقة عملية عىل مواجهة وتفادي الخطر املبارش..ستكون الكتابة أمراً بطراً يف وقت ال يحتمل أية مجازفة لتشتيت الجهد ،وهي «الكتابة» ستكون شأناً مفت َعال ال يؤدي إىل القيمة التي يستحق نجز شعرٌ كثير وقصص لقد أ ُ ِ ومقاالت كثيرة ترافقت مع أول تحصي ُلها اإلقدا َم عىل املجازفة..لكن التورط الثاين هو تو ُّر ُط الكتابة الحقيقية التي تستدعيها الحاج ُة إليها حني تتوفر ظروف ،ولو بشكل محدود ،تسمح أسبوع الحرب وبعضها سبق بتجاوز الشعور اإلنساين بالخطر والخوف املبارشين..يف هذه اللحظة تبدأ، ومهد لها ربما بأكثر من الحرب َّ بالنسبة للشاعر والكاتب ،ظروف التورط الثاين مع الكتابة التي لها مخاطرها عام .كان ذلك األدب يلبي األخرى التي تختلف عن الخطر املبارش كاملوت يف الحرب أو تحطم األرسة متطلبات التعبئة الحربية تحت غائلة الجوع والفقر يف الحصار. لكن الحرب مع إيران التي مضت عليها شهور قليلة حني جاء الشعراء َ التورط الثاين ،التورط مع رشطها الكتايب. الفرنسيون مل تكن قد استدعت ،بعدُ ، نجز شع ٌر كثري وقصص ومقاالت كثرية ترافقت مع أول أسبوع الحرب وبعضها سبق الحرب ومهَّد لها رمبا بأكرث من عام. لقد ُأ ِ كان ذلك األدب يلبي متطلبات التعبئة الحربية وكان يريض غرور سلطة تريد حسم انتصارها يف األدب الحريب قبل ميدان الحرب .السلطة التي تريد الرداءة والكتّاب الذين يتبارون يف مستوى الرداءة والتسطيح. لكن مثل هذا األدب الدعايئ الذي يسحق الطبيعة اإلنسانية لألدب ليس غريباً عىل األوربيني يف حروبهم .مل تكن أوربا مكاناً طهرانياً خالصاً ،وإال ملا أنتجت الحروب ،سواء تلك التي جرت عىل أراضيها ،أو تلك التي تو َّرطت بها يف بلدان بعيدة عنها يف فرتات االستعامر والغزو...ال تحصل الحروب لو مل تكن ثقافة الحرب مه ِيئة لها ومستعدة لدعمها والرتويج لقيمها..فالحروب غالباً ما تنتج وسائ َلها البرشية التي تغذي النزعات اإلستهالكية للحروب نفسها ،استهالك البرش والطبيعة والحضارة..والحض عىل هذه النزعة املدمرة التي تتوجه بشكلها املبارش ضد العدو بينام هي تفعل فعلها غري املبارش يف الضامئر والرتبية والوجدان وحتى الطباع اليومية للفرد واملجتمع الوطني.. يف سريته (عامل األمس) ،التي هي يف جانب أساس منها سرية أوروبا خالل حربيها العامليتني ،يتحدث ستيفان زفايج مبشاعر 86
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
عبدالزهرة زكي
إنسانية متضاربة إزاء قصيدة «نشيد الكراهية» لشاعرها إرنست ليساور والتي صبت كل كراهيتها عىل بريطانيا يف عام ..1914 لقد جعل الشاعر عرب قصيدته من بريطانيا مصدراً لكل الرشور ،حتى أن الكنيسة االنجليكانية يف النمسا اضطرت إىل تغيري تسميتها متغافلة عن أن التسمية لها صلة باملالئكة وليس باالنكلو سكسون..كانت السلطة تحت الحرب تحتاج إىل مثل هذه العدائية يف املشاعر وتكريه العدو عرب األدب والفن ،فكان أن منحت السلطات األملانية بسبب «نشيد الكراهية» ليساور وسام النرس األحمر ،وجرى تحفيظ القصيدة للسبعني مليون أملاين عن ظهر قلب طيلة سنوات الحرب األوىل..ولكن ما إن انتهت تلك الحرب ،وانتهت معها مصالحها واستبدلت مبصالح التجارة واملال والسياسة حتى استحال ليساور إىل «ضحية محزنة لقصيدة مل ترتفع به عاليا إال لتهوي به أسفل سافلني» ،بتعبري زفايج ،حيث « ُف ِع َل ُّ كل يشء للتنصل من القصيدة التي طالبت بالعداء الدائم لربيطانيا ،ومن أجل التخلص من اللوم فقد جرى التشهري باملسكني «ليساور الكراهية» بوصفه املذنب الوحيد يف هذا اإلهتياج املجنون إىل الكراهية والذي شارك فيه الجميع يف الحقيقة).ويعلق زفايج عىل حاجة املؤسسات العسكرية الحربية إىل ما يحفز وينشط أقىس املشاعر يف الحروب ،فريى أن «املثقفني والشعراء والكتاب والصحفيني» هم األقدر عىل أداء هذا الدور« ،سواء أكانوا متوافقني يف ذلك مع األخالق أم متعارضني معها ،صادقني مع أنفسهم أم منسجمني مع مألوف حرفتهم». مل يحتج الشعراء الفرنسيون إىل جهد كبري الكتشاف دوافع مثل هذا الشعر الذي كانوا قد سمعوه بني ما سمعوا من شعر ليلة أمس..همس يل أحد املرتجمني »:الفرنسيون سخروا مام سمعوا ،لقد قال أحدهم ساخراً :هل الحرب يف كوكب آخر؟»..قلت«: ال أتوقع أحداً منا سيقرأ ما يريده الفرنسيون..ال أحد فينا كتب عن الحرب.. سنقرأ جميعا ،يف ما أحسب ،شعراً ال صلة له بالحرب».. مل تكن املشكلة ،مشكلتنا مع شعر الحرب ،ونحن يف أشهرها األوىل ،حرصاً يف كانت الشعارات التي ظهرت عدم بلوغنا التورط الثاين ،أي اطمئناننا عىل مصائرنا الحياتية وانفعالنا بالحرب ومنذ أيام الحرب األولى كافية كواقعة نرزح تحتها..ومل تكن املشكلة معها يف الرتفع عىل الحرب كموضوع.. لقد كانت الحرب نفسها ملتبسة بالنسبة إىل كثريين منا ،من حيث مربراتها ألن يشعر الجميع أن هذه ودوافعها والطريقة الوحشية التي بدأت بها..ومل تكن تلك هي مشكلة األدباء الحرب ستحتاج إلى وقود واملثقفني وحدهم وامنا أيضاً األغلبية الشعبية التي فوجئت برسعة اضطراد إلدامة شراهتها التقدم نحو الحرب ومن ثم الوقوع فيها بهذا الشكل الذي تجاوز املناوشات الحربية العابرة وحتى الحرب الرسيعة الخاطفة إىل حرب سحقت فيها مدن إيرانية بني ليلة وضحاها ،وباتت معها جميع املدن الحدودية العراقية ميداناً خلفياً لحرب امتدت مثاين سنوات. مل تكن املسوغات التي جرى ترويجها هنا وهناك كافية ليتوفر الناس عىل قناعات واضحة بالحرب..بينام كانت الشعارات التي ظهرت ومنذ أيام الحرب األوىل كافية ألن يشعر الجميع أن هذه الحرب ستحتاج إىل وقود إلدامة رشاهتها وال أباليتها وحتى سخف اإلستهتار بعقول البرش ومبصائرهم..لقد ارتفع هنا ،يف الجانب العراقي ،عىل شاشة التلفزيون الحكومي الوحيد شعار فايش يقول« :حرائق عبادان تيضء شط العرب»..بينام ُر ِفع هناك ،يف الجانب اإليراين ،شعار الرئيس اإليراين حينها أبو الحسن بني صدر والقائل« :حني ستتقدم القوات اإليرانية فلن تقف إال يف بغداد وكربالء»..ف ّكر كثري من األدباء أن يحتفظوا بالصمت، ذلك أن حرباً بهذه الوحشية لن تتوقف شهواتها عن التهام أي يشء..ستأكل أي يشء ،وبالتايل فستحسب َّ كل جهد ،مهام حاول أن يقدم نفسه بطريقة إنسانية ،عىل أنه جزء من معداتها ،معدات الحرب ومادتها اإلستهالكية التي تبدأ بحياة اإلنسان ولن تنتهي عند األدب والثقافة. مل يكن ممكناً حينها الحديث مع الفرنسيني وسواهم عن مثل هذه القناعات املضطربة يف مواجهة الحرب..ويف «عامل issue (8)- January - 2013
87
في الشعر
اإلنسان ولن تنتهي عند األدب والثقافة. مل يكن ممكناً حينها الحديث مع الفرنسيني وسواهم عن مثل هذه القناعات املضطربة يف مواجهة الحرب..ويف (عامل األمس) نفسه يتحدث زفايج عن مشكالت مامثلة كان يتعرض لها املثقفون هناك يف أوربا..يقول »:مل يبق سوى اإلنقباض والتزام الصمت» وذلك مع ظهور «إشارة محذرة إىل أن اعتبار الحرب جرمية هو مام يجب تنبيه السلطات لها ،ألن (اإلنهزاميني)..كانوا اسوأ خونة الوطن» ويستدرك زفايج حيال كلمة انهزاميني فيقول »:لقد نحتت هذه الكلمة الخبيثة يف فرنسا».ومل يكن شعراء فرنسا القادمون إىل بغداد باملغفلني ليقدموا عىل أسئلة من مثل املوقف من الحرب والرأي إزاءها من نظرائهم العراقيني الذين مل يبق أمامهم سوى اإلنقباض والتزام الصمت بتعبري زفايج أثناء الحرب العاملية األوىل. مل تكن دوافع تسهيل مهمة املرتجم وحدها التي حدت يب إىل اختيار ثالث أو أربع قصائد قصرية ،كنت قد انجزتها قبل هذه الجلسة بأيام ،امتازت باعتنائها باملعنى الشعري وتيسري بلوغه فنياً ولغوياً ،وإمنا كانت موضوعات هذه القصائد حافزاً مه ًام يف اختيارها ،وهي تقدم حاالت متباينة عن تبدل املصائر وانكسار مسارها يف خضم ظروف وجودها..كانت نربة حزن وأمل وخوف تترسب بشفافية وهدوء من تلك القصائد التي وجدت أنها األقرب املمكن لتمثل تصورات شاعر يف ظل حرب ما زالت مجهولة ليس يف دوافعها حسب وإمنا يف املصري أيضاً ،مصريها هي الحرب ومصريي أنا الشاعر واإلنسان فيها. خالفني يف اختياراتهم بعض الشعراء العراقيني الشبان املشاركني والذين فضل معظمهم قراءة نصوص تعرب عن مهارات يف اللغة وانثيال يف التعبري والخيال الذي يعيد التذكري بجانب من الشعر الفرنيس، بحيث اعتذر املرتجمون ،بالوقت الضيق املتاح لهم ،عن ترجمة بعض تلك النصوص فيام قد تكون أخفقت جهودهم يف ترجمة بعض منها أو تعذر عليها، كنت أرى حينها ما يراه رومان كام يحدث دامئا مع مثل هكذا شعر ،نقل النصوص من لغتها األم إىل لغة أخرى روالن في أثناء الحرب من أنه لها اشرتاطاتها وحدودها وعواملها التي قد ال تسعف أعظم قدرات الرتجمة يف يتوجب على الكاتب أن ال يسهم ،في مثل هذه الظروف ،سالمة نقل النصوص وتفادي ترضرها بذلك النقل..لكن استطيع اآلن أن أتذكر أن نصوصاً يف هجاء الحرب قدمها الشاعر نصيف النارصي للشاعر خليل خوري في التدمير والجريمة بقصد ترجمتها خرست فرصتها يف تلك الرتجمة بعد قراءتها من قبل خوري الذي ر ّد عىل النارصي بطريقة مواربة« :مل أكن أعرف أن قصيدتك محشوة بالرباغي والدرنفيسات «املفالت»..ال استطيع ترجمتها اآلن» .كان نصيف النارصي يكتب مبا ميكن أن نسميه السخرية السوداء التي تجعل من كل يشء يف عامل الحياة اليومية يف الحرب ،من الدبابة إىل الشاعر نفسه موضوعا للسخرية والتندر ومن ثم الهجاء..ورمبا كانت شخصية نصيف نفسه بعبثه وفكاهته وصعلكته تسمح بتمرير مثل ذلك الشعر الجارح ،لكن كل هذا مل يكن كافيا ألن يورط شاعر الجئ مثل خليل خوري نفسه معه وما قد يسببه له من مساءلة محتملة ،فام يقبل من نصيف وبالحدود الثقافية العراقية هو غري ما ميكن أن يسمح به لخليل خوري والرتجمة للغة أخرى وأمام ضيوف يريدون معرفة «معنويات» العراقيني ،كام تفهم السلطة حينها مثل تلك اللقاءات..وكان أن آثر خوري اإلعتذار عن تلك الرتجمة ولو بتلك الطريقة الجافة. كانت القراءة بالتناوب بني الفرنسيني والعراقيني ،أذكر أن سالم كاظم ونصيف النارصي وعيىس العبادي ولهيب عبدالخالق جانبي يف القاعة الصديقان الشاعران محمد النصار وزعيم النصار قبل أن وعبداملنعم حمندي وقيس املوىل قرأوا ،وكان إىل َّ أنهض حني حان دوري وأقرأ..كان هدوء أدايئ وطبيع ُة صويت التي كانت دامئا ما تقدمني بأكرب من سني الحقيقي العاملَ األول الذي اسرتعى انتباه الضيوف الذين كانوا بخالفنا ميتعون مزاجهم بيشء من الرشاب الذي جاءوا به معهم ،لكن ما أن انتهى املرتجم من قراءة النصوص بالفرنسية حتى وقف الفرنسيون رافعني أنخابهم احتفا ًء بالنصوص التي تيسرّ وصولها اليهم. 88
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
عبدالزهرة زكي
عيني كان هذا االحتفاء الفرنيس دافعاً ألن أكون مبزاج أكرث إمتاعا من ذلك املزاج املتأيت للمحتفني عرب الرشاب والشعر ،فوجدت َّ تنرصفان ،بزهو ونشوة ،باتجاه شاعر الحرب األبرز الذي حرض ،وكان قد قرأ يف األمس وحرض اليوم مع الشعراء الفرنسيني.. بدا عليه يشء من عدم االرتياح فغادر القاعة قبل أن يحني موعد الحوار املفتوح بيننا وضيوفنا ،كنت أتوقع أن ليس مبقدور الرجل أن يتخيل للحظة وجو َد شعر آخر يف العراق..كانت املنصات واملهرجانات والتلفزيون واإلذاعة والصحف التي يشغلها جميعها كافية ألن تضخم لديه مثل هذا الشعور ،فانرصف تاركاً لنا هذا «الهذر» الذي ال ُيسمن من جوع وال ُيغني عن فقر. مل أكن معن ّياً بالشعراء الذين كانوا يأتون إىل الحرب بقناعة كافية..تلك هي املسؤولية األخالقية املرتتبة ،سلباً أو إيجاباً ،عىل مثل هذه القناعات..لكن يف كثري من األحيان كنت انظر إىل بعض الشعراء الذين كانت قصائدهم تنرش صباحاً يف الصحف، الحرب وتدعو إليها ،بينام هم ينهون لياليهم يف حدائق اتحاد األدباء يشتمون تلك الحرب والتورط فيها ،كنت متجد َ وهي ّ انظر إليهم بوصفهم من ضحايا الحرب ،وقد يتوفر كثريون منهم عىل مربرات تلك التضحية املحكومة اآلن بظرفها يف حينه من جانب والنظرة املتغرية اآلن من جانب آخر ،وهي نظرة تعيد إلينا صورة قصيدة «نشيد الكراهية» وشاعرها ليساور عىل أكرث من صورة..كنت أتحدث إىل أصدقاء مبثل هذه املشاعر التي ال تريد أن ت ِّربر اإلنزالق الخطري الذي ف ّرط بالجوهر اإلنساين للفن واألدب وقبله التفريط بالفن نفسه والهزء به ق ْد َر ما كانت تريد تفه َّم معنى أن يضطر املرء إىل التفريط بتوازنه اإلنساين وانسجامه مع قناعاته لصالح حياة يريدها أن تستمر ،وإن بهذا الشكل أو ذاك ،وتحت الخضوع ملنطق الحرب وامالءاتها. لقد كنت أرى حينها ما يراه رومان روالن يف أثناء الحرب من أنه يتوجب عىل الكاتب أن ال يسهم ،يف مثل هذه الظروف ،يف التدمري والجرمية وينأى ،ما أتيح له ذلك ،عن االقرتاب منهام ..الحرب ال تد ّمر البرش والطبيعة حسب وإمنا ميتد تدمريها األخطر إىل القيم التي تشكل الثقافة حاملها ،الثقافة يف وسطها التداويل اليومي ويف مضانها بنصوص األدب والفن والفكر..ذلك هو ُ أسباب الظروف السيئة التأثري األخطر لجرمية الحرب ،أي حرب ،ومن املؤسف أن الجرمية دامئاً ما تج ّر إليها متورطني ُتو ِّفر لهم َ التورط وقد تز ِّينه. رمبا استغرب الشاعر الفرنيس اعتذاري..مل يكن يعرف باستحالة سفري وسفر كثريين غريي من مثقفي العراق وقتها. أتحسب من رشح تفاصيل هذه االستحالة التي بقيت متنعني عن السفر حتى انتهاء الحرب والتورط بحرب ثانية كنت ّ ثم الحياة يف ظل حصار يف الكويت ومن ّ
ولدي عندما رأيت ذراعك مرفوعة تؤدي التحية الهتلرية مل اعرف ان اليد التي تحي هتلر ستشل حتام. وقلت يل يا ولدي"سيتغري وحه املانيا" ومل ادر انها ستصري...
رمادا واحجارا دامية. رأيتك ولدي ترتدي القميص البني مل احتج ومل اعارض ألنني مل اكن اعرف ما اعرفه اليوم: ان ذاك القميص سيكون كفنك. برتولد بريخت /أنشودة أم أملانية
issue (8)- January - 2013
89
في الشعر
الصناعة الرائية في الشعر عبد الغني فوزي
غالبا ما يتم التعريف بالشعر أو محاولة اإلحاطة به ،من خالل تقديم وتوصيف تعدده اللغوي والتداويل ؛ استنادا عىل اصطالحات منهجية حديثة كالشعرية ،والسنن ،والرشطية اإلبداعية..ويف املقابل ،يغلب ظني ،أن هذه اإلجراءات املنهجية املتلونة عىل تعددها املرجعي ،عرفت يف تراثنا العريب البالغي و النقدي القديم ،وإن بشكل مجزئ من قبيل النظم ومفهوم الطبقة والجودة... هذا فضال عن مفهوم الصناعة كشحذ وتهذيب للعملية اإلبداعية .وهو ما يقتيض اإلحاطة بخانة هذا املفهوم ،ملعرفة تجلياته قدميا والبرت الذي يوظف به اآلن أمام استالب نظري يصل إىل حد العامء . الصناعة يف اللغة هي كل علم أو فن ميارسه اإلنسان حتى ميهر فيه ،ويصبح حرفة له .وهي يف االصطالح ترتبط بفن القول الذي ال يخرج مخرج االرتجال؛ بل مخرج الرتوي واإلمعان يف النظر قصد السبك والصقل .والحديث عن الصناعة مبعناها االصطالحي يحيلنا للحديث عن الشعر ،باعتبار هذا األخري كثريا ما يعرف بكونه صناعة ترقى ،لتصبح إبداعا وخلقا. و حني يتم الربط بني الشعر والصناعة ،فال نقصد أنه صناعة كباقي الصناعات ،بل هو صناعة متميزة ومنفردة ،ألن الصانع /الشاعر يعتمد خاللها عىل مشاعره ومتخيله وتجربته ...وتلك أدوات صناعته أو قل خلقه .وقد يرقى الشاعر إىل مستوى الصانع إذا حصل الوعي الدقيق باملمكنات واملجاهل الشعرية ؛ أو قد ينحدر يف ظالل األوهام التي ال تنتج إال الكتابة السطحية والرديئة . وقد اختلف التصور العريب ملفهوم الصناعة املرتبط بالشعر ،باختالف العصور والسياقات؛ ففي العرص الجاهيل اعترب الشعر ديوانا للعرب ،فهو تصوير لحياتهم ولواقعهم .فكانت بذلك صناعته مرتبطة بتقاليد وعادات ال ميكن الخروج عنها .أما العصور التالية ،فقد اختلفت هذه الصناعة فيها ،كام كانت عليه من قبل ،تبعا للتحوالت ودور الشعر الطالئعي ضمن ذلك. إن هذا املعنى املعطى للصناعة ،يختلف عن التصنيع املرادف للزخرفة و الزينة والتكلف ..ومل يكن الشعراء يعيشون بعيدا عن هذا الجو من التصنيع والزخرف .و بالتايل ،نخلص إىل أن الشعر قبل أن يكون وسيلة للتعبري عن األحاسيس واملشاعر هو صنعة يلتزم خاللها الشاعر مبجموعة من القوانني واألحكام التي فرضها عليه عرصه .لذا كان التنافس والتعارض روحا داخلية ،تدفع الشعر لريتاد آفاقا أوسع. يتضح من خالل ما سبق ،أن مفهوم الصناعة املرتبط بالشعر ،تطور مع تطور الزمن والشعر نفسه .فبعدما كانت صناعة الشعر تقوم عىل الوصف وترديد الصور نفسها ،أصبحت تدريجيا تعني التعبري عن يشء ما ،ضمن حلم أوسع وهو ما يقتيض توازي اإلبداع والحرية .كام أن الصناعة مرادفة يف معناها اإلبداعي ،لهذيب املقروء ضمن لغة صقيلة ال تقول نفسها الباردة فقط؛ بل ترصيف تجربة إنسانية .هنا ميكن أن تتحول اللغة إىل وعاء حاضن لألسئلة الحارقة . فهل ميكن الحديث اآلن فيام نقرأه من شعر معارص عن صناعة وصقل ،أي أن الشاعر عىل علم بأدواته ،إلحاطة أشمل وتعبري أبلغ ومتخيل أعمق ؟ .دون إسقاط املسؤولية عن املتلقي الذي يأيت للقصيدة خايل الوفاض ،أو يأيت يف أحسن األحوال مزودا مبعاول خطابات أخرى ،فيبحث عن وهم التطابق . اآلن نحن أمام نص متشابه ،منسوخ دون طاقة أو إضافة .ويغلب ظني ،أن الخصوصية تأيت أساسا من االشتغال عىل النص كأداة سابحة يف الشعر عموديا وأفقيا ،أي التموضع يف زاوية ما بني املرحلة وفقرات تاريخ الكتابة .فحني متر هذه األخرية ملسا عىل التاريخ واالجتامع البرشي عىل منعطفاته ،ال ميكن أن تكون إال رصدا خالقا ،وبكامل العدة الخلفية 90
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
مختارات
رباعيات
جالل الدين الرومي 1 ً ً متأخرا ،وحيدا ،يف زورق حيايت، ال ضوء يف أيّ مكان وال أرض. ثقيل غطاء الغيم. أحاول البقاء عىل السطح، لكني يف األسفل أحيا بعض بحر. 2 أبيك ،دموعي تخربين بذلك. يقولون الربيع الفائت ،األخرض الجديد، ُ أحسست بالوهن. كم
ترجمة :عاشور الطويبي ت َت َذ ّكر ّ كل ليلة من ليالينا ،وال تتذكر أشياء قلتها أنا. 3 صديقي ،هذا هو اقرتابنا. أينام تضع قدمك ّحس يب يف الصالبة تحتك. كيف مع هذا الحب،أرى عاملك وال أراك؟ 4 معاً ،نبقى يقظني طوال الليل. بدونك ،ال استطيع النوم. issue (8)- January - 2013
91
مختارات
احمد الله عىل هذين األرقني، وما بينهام من فرق.
مئات من الطرق للسجود وتقبيل األرض.
5 عندما أموت ،مدّد الجثامن. قد ترغب يف تقبيل شفتني، بدأتا يف التحلل. ُ عيني. ال تخف ْإن فتحت ّ
9 لنسيم الفجر أرسار يخربك بها. ال تعد إىل النوم اطلب ما تريد حقا. ال تعد إىل النوم، جيئة وذهاب يعرب الناس عتبة الباب ملتقى العالِ َمينْ . مفتوح الباب ودائري ال تعد إىل النوم.
6 لسنوات ،ق ّل ّ دت اآلخرين، حاولت أن أعرف نفيس. مل أعرف ماذا أفعل. عاجزا عن الرؤيا، ُ ُ نادى،خرجت. سمعت اسمي ُي 7 ستتوقف هذه املأمأة، يظهر الذئب. نهرب يف كل االتجاهات، ببعض فكرة عن حظوظنا. ال يشء يطفو طويال، عند الفم واألذن يفيض املوت. ّ كل رأس مييض إىل األسفل عميقاً. 8 اليوم، كأي يوم آخر، نستيقظ فارغني وخائفني. ال تبدأ القراءة. خذ آلة موسيقية. اجعل ما نحب من جامل ما نفعله.
92
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
10 بسج ّل، خذ شخصا ال يحتفظ ِ ال يتطلع ألن يكون غنيا، أو يخاف من خسارة، ليس لديه أدىن رغبة حتى يف نفسه. ح ّر هو. 11 وراء األفكار الخاطئة والصائبة حقل أالقيك هناك. عند استلقاء الروح يف ذلك العشب، يكون العامل شديد االمتالء يك نتحدث عنه. أفكار ،لغة، حتى جملة كل آخر ال معنى لها.
جالل الدين الرومي
12 أحب أن أق ّبلك؟ جائزة التقبيل حياتك؟ اآلن حيايت تركض نحو حيايت الصارخة. يا للصفقة ،فلنشرتيها. 13 لنا طريقة للتحدث ،ولنا أخرى؟ بعيدا عن ما نرغب وما نخاف أن يحدث، نحن أحياء بحياة أخرى، مثلام تتشكل الصخور الصافية يف الجبل. 14 شخص ما يذهب برغيف خبز إىل مكان صغري يناسبه كعش، شخص ما ال يريد املزيد من نفسه ال يريد أي أحد آخر. هو رسالة لكل واحد. تفتحها أنت. تقول، حي. ّ 15 َمن يرى الداخل من الخارج؟ من يجد املئات من األلغاز حتى عند تشوش العقول. ابرص عرب عينيه ما يبرص. َمن عندها ينظر إىل الخارج من عينيه؟
16 باحثا عن البحر، أجد قطعة من قوقعة ورغوة عليها. أتذوق البحر يف الرغوة. أنعطف، واملمىش الشديد االنحدار يفتح عىل سهل عال. 17 عيناك هام اللغز، بآالف الحيوات تحيا يف الحواف. َشعرك ممتىلء بالنسيان، وجههك َح ْمدٌ خالص. إذن الوضوح مزركش باألخطاء. 18 الخرزة الشفافة عند املركز ُتغيرّ ُ ّ كل يشء؟ ال حواف لعشقي اآلن. سمعتَهم يقولون هناك نافذة تفتح من عقل إىل عقل آخر. لكن إذا مل يكن هناك حائط، ال حاجة لوضع نافذة ،أو مزالج. 19 نقوم برحالت طويلة يحيرّ نا معنى لوحة أو كتاب. نحنُ ما نرغب أن نراه ونفهمه يف هذا العامل.
issue (8)- January - 2013
93
مختارات
20 هل يبدو غروب الشمس أحيانا كأن الشمس يف حالة صعود؟ هل تعرف ما شكل العشق الو ّيف؟ َ أحرقت نفسك. تبيك ،تقول أ ّنك هل بامكانك أن تفكر بأح ٍد ليس ملبداً بالدخان؟ 21 نهار، ميلء بالجزيئات الراقصة، وااللتفاتة العظيمة، أرواحنا ترقص معك. ترقص ،بال أقدام. حني أهمس يف أذنك هل نراها؟ 22 يحاولون أن يقولوا ما أنت، جنيس؟ روحاين، ّ مذهولون من سليامن وجميع زوجاته. يف جسد هذا العامل، يقولون ،روح ،هي أنت. لنا سبلنا لن يقولها أحد أبدا. 23 الشكل البرشي شبح مصنوع من الغفلة واألمل. أحيانا نور صاف، أحيانا قاس، يحاول بوحشية أن يفتح،
94
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
هذه الصورة متامسكة بشدة يف إطار نفسها؟ 24 ابق يف صحبة العشاق؟ أنواع البرش األخرى، كل منهم يريد أن ُي َ رك شيئا. الغراب سيقودك إىل مخزن تنب فارغ، الببغاء إىل قطعة سكر؟ 25 يف الداخل توجد بذرة نور متلؤها بذاتك أو متوت. أنا حبيس هذه الطاقة املتموجة، َشعرك. مجنون من كان هادئا ومنطقيا. 26 ال تفكر يف نصيحة طيبة مني لقد تذوقت األسوء مام ميكن أن يحدث. لذا يقفلون ع ّ يل يف مكان ما، مقيدا ومكمم الفم، ال ميكنهم تقييد العشق الجديد هذا الذي لدي؟ 27 ليس لديك أيام سيئة وأيام جيدة. ال تشعر أحيانا أنك ذيك وأخرى أنك معتوه. ال وجود لدرس ،ال تفكري منهجي
جالل الدين الرومي
له عالقة بالحب، الرسية، يوجد الكثري من التخطيط ،واملالمسة ّ وليال ال ميكنك تذكرها متاما. 28 هيجان غريب يف رأيس، لطيور مح ّلقة، ّ كل جزيء يدور عىل حاله. هل املعشوق يف كل مكان؟ 29 ليس قبل أن يذوب أحد ما، يستطيع هو أو هي معرفة ما االتحاد. ذلك ينحدر فقط إىل الفراغ؟ ال تتغري كذبة إىل حقيقة مبجرد الحديث عنها.
القضاة ال يتكلمون. 32 اد ُ عيني. ّعيت ّ إىل النهر سألتحق بهام يف الفصل املطري. صبابتي فاقعة الحمرة. عىل األقل جسدي يل قبل مرور يومني، سيشري الناس نحوه مستهجنني ويجربونك عىل الخروج من املدينة. 33 وضعت قدما عىل الرباح الشاسع للموت، وعىل الفراغ ضجت ضخامة هائلة. ّ
30 روح هذا العامل، ال حياة ،ال عامل يبقى، ال رجال وسيمون ونساء مشتاقات. فقط العشق القديم محيط بالحجر األسود املقدس لاليشء. حيث العاشق هو العشق، األفق وكل ما فيه. 31 قد تكون هناك ضوضاء يف مدرسة العشق، ال فرق أبدا بني املايض والحارض. ال قايض يق ّرر سابقة هنا. يف شؤون العشق،
issue (8)- January - 2013
95
مختارات
مل أشعر بيشء أبدا كدهشة تلك اللحظة. 34 ُ كنت خجوال جع ْلتَني أغنّي. كنت ُ ُ أرفض أشياء عند الطاولة اآلن أرصخ يف كرامة متجهمة كنت أجلس عىل سجاديت وأصيل اآلن يجري األطفال حويل وأمامي يلعبون. 35 يريد الناس أن تكون سعيدا ال متنحهم أملك إذا استطعت ّ حل جناحيك وح ّرر روحك من الغرية؛ أنت وكل واحد من حولك قادرون عىل الطريان عاليا كاليامم. 36 ملاذا تدع األشياء اليومية تزعجك؟ هل نسيت كيف هي يف الزمن؟ أبوك مل يلتق أمك أبدا. حديقتك الغناء التي تحيا فيها مل ُتغرس بعد. 37 العمل يف داخلك دامئا ال ّ تنفك هذه العقدة
96
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
باالستامع إىل حكايا اآلخرين. البرئ داخل بيتك ماؤه أكرث مرارة من النهر الذي يجري عرب املدينة. 38 أنت داخل املعنى، لست الكلامت. أنت القلب، لست واحدة من لغات القلب. أنت الجوهر ضمن الكون، ليس الكون. أنت ال غائب وال موجود. 39 مبارك أنا باإلميان وملعون بالنسيان. واضح ،لكن مغطى بالطني. راشد ،أهرم، وال أزال طفال صغريا. حني أموت، ال تقل ،هو ميت. قل ،كان ميتا . ثم عاد إىل الحياة، وأخذه أصدقاؤه إىل الصداقة مرة أخرى. 40 هذه الكلامت التي أقولها ال ّ متت يل. أقولها ولست عىل دراية تامة
جالل الدين الرومي
مبا أقول. فيها طاقة ويشء قادر عىل استنزاف الطاقة. كم يل عىل أي من ذلك. ال ُح َ أعلم أنها من قلبي تجيء، من عشقي. ومازلت ال أعلم ملن هذه الكلامت. 41 كن صقرا حني تسري مبارشة إىل الهدف. كن أسدا يف كيف متيش. ملوكيا ،بطريقة اختيارك ملكان الراحة. ادخل عامل الروح ككنز لذلك. رس رسيعا حيث ال رسعة وال بطء. اصعد وراء أي علو وانخفاض. 42 أنا الروح يف مئة ألف جسد. ما الروح؟ ما الجسد؟ كالهام أنا ،وشخص أخر أيضا أنا. إلرضائه، أضع شخصيات متعددة. ُ أقرأ سطوري. 43 إذا استطعت للحظة أن تكون س ّيد نفسك، ستكون لك معرفة األشياء الجماَ ُل الذي يتوق إليه العامل، َ
جامل الغياب، سيظهر يف مرآة برصك.
44 قد أبدو بعيدا، أنا جد قريب. قد أبدو معزوال، ممتزجا معك متاما. يف الفضاء املفتوح، أبدو خفيا، ألنني أتكلم معك باستمرار، أيها الصمت. 45 اليوم، َ عيني طوال الوقت. كنت داخل ّ أنا مشوش ،مقلوب. issue (8)- January - 2013
97
مختارات
أنت يف غاية القرب والوضوح، أشعر بانفصال عنك. واع بك جدا، ٍ ال أعرف شيئا. 46 كم من الوقت نبتهج بهذه األشكال تتحرك عرب الزمن؟ كم من الوقت نبقى مهتمني بكل هذه العطور؟ بدأت أتعب من املخلوقات، أريدُ جامل الخالق. حني أتطلع إىل هناك، أرى نفيس.
98
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
وحني أتطلع إىل نفيس، أرى ذلك الجامل. 47 ليس العاشق مسلام أو مسيحيا، أو طرفا يف أي عقيدة. دين العشق ال مذهب له لتُخلص له أو ال ُتخلص. 48 أنت بحر يف قطرة ندى، كل األكوان يف كيس دم رهيف. إذن ما هاته املتع، هاته اللذائذ ،هذه العوامل، التي تجهد للوصول إليها، آمال أن تجعلك أكرث حياة.
جالل الدين الرومي
49 تعال ،تعال، أيا من تكون، الهائم، عابد النار، عاشق الرحيل. هذه ليست قافلة اليأس. ال يهم إن اخلفت نذرك ألف مرة، استمر باملجيء، و مرة أخرى تعال. 50 أريد أن أكون حيث متيش قدمك الحافية، ّ لعل قبل أن تخطو، ستنظر إىل األرض. أطمح يف تلك املباركة. 51 ترغب أن يكشف لك عن حقيقة املحبوب؟ اترك القرشة ،واهبط إىل ال ّلب ط ّية يف داخل ط ّية، املحبوب يغرق يف كينونته. هذا العامل مغمور بذاك الغرق. 52 ليّ ٌ العشق كامل وك ، تصل َ أنت. روحي تغص بالكلامت، وال يخرج يشء.
مسافر يقابل بهجته ويأسه معاّ. أموت عطشا، أقف هنا قدمي. ومياه الينبوع تفيض حول ّ 53 يعم. الربيع ّ داخلنا توجد وحدة أخرى. هنا خلف كل عني، واحدة تشع طقسا. أغصان الغابة يف النسيم مختلفة حركات أغصان الغابة، وحني تتاميل ،تلتحم عند الجذور. 54 يراين قادما، يص ّفق بيديه، أنظر هنا، حاجنا. لقد عاد ّ عكس ّ كل ُن ُذ ِر التوبة. هذا صحيح ، لكنه ال يعرف الكثري عن صناعة الزجاج، العمل املضني. تذكر. جهد أكرث، يكرسنا issue (8)- January - 2013
99
مختارات
57 هكذا أود أن أموت يف العشق الذي أكنّه لك. كقطع سحب تذوب يف ضوء الشمس.
بسهولة أكرث. 55 مطر يسقط فوق رجل واحد، يتحول إىل بيت. البجعة متد جناحيها وتقول، من القوة التي منها نشأت أهطل ع ّ يل أكرث. 56 ْ شاهدت نفيس ّ كم ُ كنت محطام وغبيا جاءت وجلست تضحك عىل رسيري. ممسكة بحاجبي. عزيزي، ال استطيع رؤيتك هكذا.
100
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
58 َمنْ ال يركض إىل فتنة العشق مييش طريقا ال يشء فيه حي. تحس بالنرس-العشق لكن هذه الياممة ّ يتقلب يف األعايل، وتنتظر ،ولن ُتقاد أو تخ ّوف للنجاة. 59 عندما تبدأ أغنية الروح، اقفز عاليا وارقص. معاً تتح ّرك نغامت الطبل والناي. خوفك القديم يقفز يف نار ذلك الخرب. إنه وقت البكاء. 60 كل ليلة عرب السامء تتفتح األزهار طاملا طأمنينة السهر تشعل الفراغ.
جالل الدين الرومي
61 قد ينتهي طريق عند بيت منعزل، إلاّ طريق العشق. العشق نهر. ارشب منه. 62 َمن يفعل ما يريد املحبوب لن يحتاج أبدا إىل حبيب. هناك افالس هو ربح خالص. القمر يبقى ساطعا عندما ال يتفادى الليل. عبق الوردة النادر يحيا يف الشوكة. 63 نسمة خفيفة آتية من أسفل الهضبة، أغنية طائر الليل. الكتابة الغريبة التي أقرأها عىل باب حبيبي تقول نفس الرسالة اآلن نوديت إىل الخارج فوق أعايل السقوف. 64 عبقك ميأل املرج فمك يف حمرة شقائق النعامن، وبعد رحيل رسائل التذكري تلك، ينفتح فمي،
ويف أي يشء أقوله، أسمعك. 65 إىل متى ترضبني كطبل وتجعلني أتأوه لك ككامن؟ تجيب ،تعال . سأمسك بك قريبا مني وأرضبك مثل عود. أحس أين لكني ّ ناي أكرث تضعه يف فمك و تغفل ال نفخ
الرسومات :ألربت رايسنت
issue (8)- January - 2013
101
حوار
الشاعر محمد الصالحي
الشعر كالفظاعة اس بالكمية ال يُقـ َ ُ يكاد يكون الشاعر المغربي محمد الصالحي ،نسيج وحده في فسيفساء القصيدة المغربية ،فهو من ناحية ،مقل في النشر إلى حدود قصوى ،بخالف مجاييله من شعراء الثمانينيات من القرن الماضي، وهو من ناحية ثانية ،يكتب نصوصا قصيرة النفس ،قياسا إلى زمن الكتابة الذي تأخذه. في هذا الحوار اقتراب من دينامية القصيدة في مغرب الثمانينيات ،وهي تكتب انطالقا من لغة أخرى ،مفارقة للغة التي كتب بها الشعراء المغاربة نصوصهم ذات النبرة الوطنية الملتزمة القريبة من لغة «البيان السياسي».
حوار :حكيم عنكر
ليس هناك شعر مغربي، لكن هناك شعر ًا عربيا في َّ المغرب ،وعالقة المغرب بالمشرق طرحت انطالقا من أسئلة مغلوطة
102
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
محمد الصالحي
عدت وجمعت رصيدك الشعري يف كتاب صدر مؤخراً من القاهرة ،أي داللة يكتسيها هذا الجمع؟ ■ تتنادى النصوص .تتصادى .النص الشعري ضالة النص الشعري .يبحث النص عن شبيه .كأمنا القصيدة تولد برتاء ناقصة ،فرتاها ضاربة يف األرض من غري هدى بحثا عن عضو أسيف زاغ ،ألكرث من سبب ،عن بقية القطيع .ينشد النص إىل بعضه ،إيقاعا ورؤيا .الشعر عرب التاريخ جنس له من الحقائق الشكلية ما له .بها ينامز وبها يلوذ وبها يُ َرى ويَ َرى .دعك من الحديث اململ عن األشكال واألنواع واإليقاعات والتمظهرات البرصية للنص الشعري .الشعر كائن زئبقي ،حقا ،من فرط وضوحه. وهو شديد الوضوح من فرط زئبقيته .هو هكذا ،يتساءل مجيبا ،ويجيب متسائال .والشاعر ،طال عمره أم قرص ،إمنا يكتب ذات النص ،ذات اإليقاع ،وذات الرؤيا .وهو يصدر الديوان تلو اآلخر .ال بحثا عن نص شعري فائق وعظيم، وإمنا جريا وراء جواب ال مدرك عن حقيقة الشعر األنطولوجية .ثم إننا منوت دون أن ندرك هذه الحقيقة. جمعت الكتابني يف كتاب واحد ألنهام من ذات القلق ميتحان ،ومن ذات اإليقاع يغرفان ،وعىل ذات املدماك ينهضان .كتبنا الكثرية يف نهاية األمر ،كتاب واحد .إنه الكتاب الذي نسري ،حتام ،إليه .إنه املوت. املناخ الشعري الذي تشتغل فيه يجعل القرابة اإلبداعية بني نصوصك جينية ،هل جملتك الشعرية القصرية هي كيمياء هذه القرابة؟ ■ أُ ْس ُأل عادة عن املداميك اإليقاعية والداللية التي تنهض عليها وبها قصيديت الشذرية الرسيعة ،أو قصيديت – الومضة كام يحلو للبعض أن يسميها ،فأكتفي بالقول: إنها املداميك اإليقاعية والداللية التي تنهض عليها وبها هذه القصيدة .نعم ،هكذا وليس يف األمر أي تحايل .هناك كل يف قرارة نفس ّ شاعر قوة غامضة حنون تُخ ْـبـِ ُر
عن نهاية القصيدة .كأن يد الشاعر مجرد أداة تلهو بها هذه القوة الغامضة .األمر أكرب من بحث الشاعر عن مك ّونات قصيدته الشذرية .فهو بدءا ً ،ويف الختام ،غري مطالب بذلك .إن املسألة ،يف اعتقادي ،تتجاوز الشاعر إىل ال ّدرسني؛ األكادميي والنقدي اللذين ق َع َدا عن تفكيك املكونات الصوتية والداللية واإليقاعية لهذا النص الربقي العابر .كام قد نجد ،متثيال ال حرصا ً ،يف الكتاب املدهش للشاعري الهولندي من أصل هنغاري كبدي ﭭـارغا ( )Kibédi Varga (les constantes du poèmeثوابت القصيدة) حيث تناول القصيدة الشذرية الرسيعة ،صوتا جل وداللة ،بأدوات غاية يف املتعة واإلدهاش .لقد اكتفى ّ الذين اقرتبوا من هذا النوع من النصوص ،عربياً ،بربط بروزها بحيثيات ورغائب وإكراهات الحياة الحديثة النص الشعري الطويل. التي مل تعد تسمح باجتياز أدغال ّ وهذا ،كام ترى ،نوع من الهروب من واقع ُم َح رِّي قائم. رشح غامض بغامض .واألدهى أنه رشح شكل شعري بحيثيات غري شعرية .هناك دراسات قلة حاولت أن تطرح سؤال القصيدة الشذرية من وجهة تقنية علمية ،لكنها ،يف issue (8)- January - 2013
103
حوار
األخري ،مل تتجاوز عتبة طرح السؤال .لكن دعني أؤكد لك أن مهمة القصيدة الشذرية ،يف نهاية األمر ،ليست هي أن يتناولها النقد أو الدرس الجامعي ،بل أن تكون .وها إنها موجودة. الشعر عملية كيميائية معقدة تستدعي معرفة متنوعة واطالعا واسعا وانتاباها شديدا ً .لكنه يف ذات اآلن عملية تستدعي «سذاجة « .أَ ْي قدرة خارقة عىل الرمي جانبا بكل تلك املعارف ألجل نسج نص شعري ال ينهض إال عىل املعرفة ،لكنه يف ذات اآلن يطفح بالجامل الذي ال بد أن ينسينا تلك املعرفة .الفرق بني الشاعر ومدعي الشعر أن األول ميلك مصفاة ت َُص رِّ ُي املعرفة جامال ،والثاين يفتقر إىل تلك املصفاة ،فيجيء كالمه رسدا ملقروءات أو ِذكرا ً لِرغائب ومتمنيات.
الشعر كقدر
أنت لست مكرثا ،ترتك للزمن حريته يف عجن ما يريد، حدثني عن عالقتك بالزمن ،وبزمن الكتابة عىل وجه
104
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الدقة؟ ■ ال يبقى من الشاعر ،أو باألحرى من شعره ،يف النهاية، سوى بيت أو أبيات .يتيمة الدهر أو أصحاب الواحدة أو خريدة القرص أو قصيدة البيت ِ الواحد توصيفات لجنوح الذائقة العربية للحفاظ عىل ما تراه ل ُـ َّب القول ونسغهُ. وهذه ،وأنت عليم ،،مصطلحات قارة يف الخطاب النقدي العريب حول الشّ عر .مل يعامل العريب شأنا من شؤونه برصامة أش ّد كام عامل قصيدتَهُ .ومصطلح األبيات السائرة عند العرب دليل آخر عىل ما أذهب إليه .هذا أغنج أصدق ٍ ُ بيت. أمدح بيت .وذاك بيت قالته العرب .وهذا ُ واألمثلة أكرث من أن تع ّد .ثم إ َّن اإلكثار واإلقالل مسألتان نسبيتان .فقد يكون الشاعر كثري اإلنتاج ،قليل النرش. والعكس .هي يف نهاية األمر تصور الشاعر ألرسع طريق إىل االنتشار ونيل القبول .إن الشعر ،كالفظاعة ،ال يقاس والنص الشعري خبري بطباع قارئه .إن ثقتك بالكميةّ . يف قصيدتك ،وثق َة قصي َدتك يف نفسها يغنيك عن الكرثة الكاثرة من الكالم .أح ُد ُهم اتهمني بالبخل .أوال لكتابتي
محمد الصالحي
أحتمي كل مرة بالبياض ،بياض الورق حتى أجيب نفيس. لشسوع املسافة بني ظهورِ وظهورٍ. الشذرية وثانيا ُ هنا ،تحديدا ،تكمن اللعبة األنطولوجية للشعر .إنه اإليقاع ،يف النهاية ،عقدة نفسية ،كام يقول الشاعر الفرنيس ماالرميه ( . )Mallarméفطبيعة نصك من طبيعة الجنس األديب الوحيد الذي يحاول أن يجيب عن سؤال ِ نفسك .أنا إنسان رسيع وملول .أجنح للتشذير وقلة النرش .كينونته وهو ينكتب .من هنا فالشعر يقول دامئا شيئا حتى وهو ال يقول أي يشء .إنه لعبة دائرية .يسل ُمك و ْه ٌم أمنح قصيديت الوقت الكايف لإلعالن عن نفسها .إن األمر إىل و ْهم .ويسلمك هذا إىل ما هو أقىس من الوهم ،إىل هنا أشبه ما يكون مبا يسميه املفكر الفرنيس بول ريكور « Paul Ricoeurاالندفاع املتوتر للعاطفة والوضع الهادئ الرساب .واألغرب يف األمر أنك ترتوي من هذا الرساب الكاذب .لكنك رسعان ما تعطش من جديد .بل ويقوى للعادة» أو ما يرد عند ماريا راينه ريلكه( )Rilkeكالتايل: «ها هنا مالذ الحياة نفسه ،والشدة نفسها ،والدقة نفسها عطشك مرة بعد األخرى .سعي دؤوب نحو إخفاق دوي ارتطام فراشتني هو الشعر .إنك حتى يف الرش» .أ ُو ِم ُن بقدرة الزمن عىل فرز الغث من لذيذ هو الشعرُّ . السمني .والشاعر املقل كالشاعر املكرث إن كانا معا ينتجان تتوهم أنه يسلس لك القياد ،يف حني أنه منهمك يف سرب أغوار ذاته ،أغوار كينونته .هناك قولة رائعة ألمني نخلة: شعرا هو الشِّ عر .الغبطة التي بها أقرأ محمود درويش «الشاعر يُوفـَّ ُق يف الغالب إىل قول ما ال حاجة إىل قوله». هي ذاتها الغبطة التي أقرأ بها وليد خازندار .فكام أ َّن مرض .أدندن .أهذي. تحتاج إىل أكرث من قراءة ،وإىل شحذ الحواس القصيدة إن الشعر ق َد ٌر .أكاد أقول إنه ٌ ُ يلفني ما يشبه القشعريرة .أنزوي .أفرح .أقول هذه لحظة وإعامل الذكاء ،املرة بعد املرة ،حتى يقرتب القارئ من أرسارها املبهمة امللغزة ،فإن منحها متسعا من الوقت أمر حق واأليام محض سديم .أنهض فجأة وترشد عيناي ثم أشعر كأنني أحببت الحياة أكرث من ذي قبل .بل إنني قد رضوري .ثم إنني ألْت ُّذ بتلقي ردو ِد الفعل واالستامع إىل أحببتها أكرث من ذي قبل .أقول ضاع وقت كثري وأندم .رمبا تضارب اآلراء وتنوع النقود حول ما أكتب. أخذت قلام وورقا وكتبت .رمبا وجدت خطي أ ْجمل .رمبا رأيت الحروف تتعانق .ثم أطوح بالورقة وبالقلم .أخرج. تغريبة الشعر أميش مستقيام ثابت الخطى .أفرح وأفرح .أكاد أصفح عن دوافع الكتابة لديك ،ما هي ،هل هي الحدث العارض، العامل .أكاد أقبله عىل خطاياه .متحي املتناقضات .تزول. األحالم ،الذكريات أم الكتب؟ ■ أسأل نفيس عادة :ماذا أجني من وراء كل هذا العذاب؛ الحياة ضرَ بة إيقاع .أسري وأس ُري متمتامً .أمر باليشء وال أراه .بالناس وال أراهم .أنا يف غنى عن األشياء والناس. عذاب إنتاج القصيدة؟ فالفرح الطفويل الذي يصحب غني أنا .أراود سكرة وتراودين .جاء الشعر .أفرح .أختبئ. عملية الكتابة ويظل يقظا لفرتة وجيزة بعد أن يكتمل أرشار يفتعلون حرباً يف الظالم حتى تصيبني مكائدهم. النص ويستوي ،رسعان ما يزول .أي قدر هذا؟ .وأجدين أنزوي متوكئا عىل أطراف كلامت .تقودين لثغة وتلهو يب. أستلذ الذي أنا فيه وأخىش أن ِ تصيبني عني. الشاعر إنسان ،لكنه مييش يف السوق الكوين بخطوات لها ليس الشاعر إال شاعرا إيقاع خاص ،لو سألتك ،أي شهادة تقدمها حول زمنك؟ أي إنسانا يستطيع ضم ■ نظرة الناس الخاطئة إىل الشاعر ساهم يف الكلمات إلى بعضها لتصير تقويتها الشاع ُر نفسه .الشاعر إنسان يأكل الطعام ومييش يف األسواق .الشاعر له من املثالب ما قد يُ ِ نس َيك جماال ،كما يفعل النجار الذي كل شعرٍ. َّ يبتكر بابا أو نافذة أو مائدة الشاعر عندما يهده التعب يسرتيح أو ينام .وهو كذاب إذ مل يكن من الكذب بُ ُّد .وصادق إذا مل يكن من issue (8)- January - 2013
105
حوار
يرساه وتلهو مبا بنته ميناه .وتعصف ميناه مبا راكمته يرساه . الصدق بُ ُّد .الشاعر يستدين عند منتصف الشهر. يطرق بابا ومير بنعال من ريح حتى إذا فـُتح الباب مل وله نفس أمارة بالسوء .وللشاعر عينان وأذنان وأنف. فاتح الباب إال الريحَ .وا ِغ ٌل يف وهم جميل .يخلق يجد ال وللشاعر دموع يذرفها كلام مسه الرش أو حل به ما ُ يستطي ُع الص ُرب دَفـْ َعهُ .يكرب الشاعر ويصري ك ْهالً ثم يشيخ .كذبا فينطيل عليه الكذب .ثم يدرك كم هو خارس إال أنه ثم يف صباح باكر يقرأ الناس نعيه يف باب التعازي .ثم تقام ال ميلك سوى أن يستضيف الخسارة .وأنت تسألني عن الحرية؟ .يدخل الشاعر قصيدته حرا ً ويغادرها عبدا ً .مجرد للشاعر ندوات يقال فيها :لقد كان ،رحمه الله ،وحيد قارئ .هو ضيف وما هو برب منزل. قرنه وزمانه ،وكان عصاميا وذا مزاج متقلب.. هي تغريبة الشعر التي ال يقدر عليها سوى الشعر. ليس الشاعر إال شاعرا .أي إنسانا يستطيع ضم أن ترضب ،مثال ،يف أرض هي من صميم أرضك فإذا الكلامت إىل بعضها لتصري جامال ،كام يفعل النجار الذي يبتكر بابا أو نافذة أو مائدة .أو كام يفعل البستاين الذي أنت فيها غريب .وإذا الكالم الذي يصدر عنك غريب عنك وهو الذي قيل أصال إلبالغ شكواك عن ارض هي ينسق أزهار الحديقة .أو كام يفعل البائع املتجول الذي أرضك لكنك فيها غريب .أو هكذا .ما أن تتذكر طيفاً تختلط صيحاته بأحالمنا ،كل صباح... قدميا حتى ترتعش فرائصك من ذلك الطيف القديم، الهوامش كثرية ،أهمها هوامش الكتب ،وأقساها هامش فتقرر ،وأنت بني االلتذاذ وسحر غموضه ،أن تنادي نفسك الحياة ،لكن أكرثها غنائية ،هي هوامش الحرية .كيف لتؤوب إليك ،فإذا بكالمك يكون شعرا. تتمثلها كشاعر مغريب؟ يكتب ■ الكاتب الحق ليس مزارا ً ،بل هو منذور للرحيل أكا ُد أقول إن الشاعر مظلوم مرتني .مرة ألنه ُ الجسدي والرمزي معاً ،كأمنا بحثا عن قارئ حق ،أو هروباً لقل ٍة قليل ٍة متباعد ٍة ،حتى إن الخليل ال يلتقي خليله إال مبعجزة .ومرة ألنه يُسأل عن «معنى» شعره .كأمنا يت ّربأ من إطراء كسول .تأمل التاريخ اإلبداعي للشعوب فهو الشعر من اليد التي خَط َّـتْه .ليس الشاعر كاتب شعره. ناطق .يأيت الكاتب من الريح واىل الريح يذهب .تعبث
خمس قصائد ُ
افرتاش
عـَـجـَـبـاً، ِ َ يوقظونك من نـَومهـــم ليفرتش ُـوا أ ْحالمك.
رسكون بولص:
متتمت َ اآلب باالِسم ِ واالِبــنِ َوال ّرو ِح القد ُْس فبلغتَ مدي َنـةَ أَي ْن َ لـَكـنـَّك،
106
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
األشــوري أيــ َهــا ُّ ـوس. ج ت َ مازلت ُ ْ أترتجيَ مطرا ً، وكـُلـَّام أ ْر َعدَتْ ِص ْح َت يف القصي َد ِة: ما بـِـي؟ أنت، َ ـلت ـنت قـُ َ كـُ َ دنا الشتا ُء، والذئب ببايب. ُ قلت، وكنت َ َ لقد دَن َـا إيايب. أيا غافالً،
ليس يف القصيد ِة إالَّ ذئب الفرزدق ُ دمية قـَفـَرا ُء َو نـَهـْــ ٌر ــوس. َعــ ُب ْ
شحوب
أبَك َـى أم ت َـ َباك َـى ورق الصفصاف الشاحب كالوقت...؟ حني رأى وجه ُه عىل املاء متطـَّى يف هدو ٍء واشتىك...
محمد الصالحي
فرح ما ن َّط منهُ .وهو ال يكا ُد ُ يدرك ذلك الفرح .وهو بل ٌ إن أدركه فهو ال ُ يعرف أن يقوله إال شعرا .كأنه يحتفظ وقت للتفاصيل ،ثم ال يأيت وقت بهذا القليل حتى يأيت ٌ للتفاصيل ،ويبقى ذلك القليل أبهى من كل التفاصيل: مشعا منريا وفيه قوة ال تني تؤوب إىل أصلها .هنا الحرية. هنا الفرح. «مشهد الثقافة يف املغرب مرتاجع» .هل أنت مع هذا التوصيف؟ ■ نستسهل األمر عادة .ليست هناك ثقافة مغربية ،كام أن ليس هناك شعر مغريب .لك َّن هناك شعرا ً عربيا يف املغرب .كام أن هناك شعرا مكتوبا بلغات مجاورة .الشعر يشب عن الطوق ويستوي شعرا حقاً حتى يرتاد ما أن ّ مكانه الالئق والالزم ،أي يصري جزءا من قارة أكرب؛ وهي هنا الشعر العريب كلية .فالشعر املغريب ليس مغربيا ،ولن يكون كذلك إال إذا ظل ناقصا وفاشال وعاجزا عن استكامل مواصفات الشعر الحق ،إيقاعا ورؤيا .كام أن الشعر اللبناين مثال ،لن يكون لبنانياً إال إذا ظل حبيس املؤسسات اللبنانية العامة وقعد عن اللحاق بأسئلة الشعر الكربى. إن االحتامء بالخصوصية حجب لقوة الشعر ولضعفه معا.
أ ِم ْن شحوبه ُ الصفصاف ورق َ اشتىك... أم من ش ُحوبنا ُ ورق الصفصاف بىك...؟ نحن الذين فقدنا كل يشء: يب األ َم َّهات َحلِ َ و ْحـل الطفولة ِسنـَ َة الظهرية الخامسة. قَ ْهو َة َ هكذا يف صعو ٍد فقدنا كل يش ٍء. ِ للحبيبات غدا ً عن نُ ُحو ِل فامذا نقـُول أ ْج َسا ِمنـَا...؟ املقاهي التي َست ُـ ْؤويـنـا
هو احتامء يفضح ضيق أفق صاحبه .يف الشعر املغريب اآلن أسامء أحب ما تفعل وأشعر مبنجزها قريبا من أفقي وفكريت عن الشعر .لكنني يف ذات اآلن ،أراها طيورا ضمن رسب بعيد يف الساموات .رسب شعراء العربية الذين أحبهم .يقول الفيلسوف الفرنيس ميشيل سري «Michel « Serresاليشء يقتلك كأديب أكرث من أن متثل بلدا»
ِ ُسرُِّ للخالَّن فيها؟ مباذا ن هل نقول: أ َّجلتنا الحياة ليوم ال َريْ َب فيه. أم نقول: كنا ع ُـورا ً وكفى! ؟
زهــــو
كلُّ هذا الحىص؟ كلُّ هذا الخفوت؟ ك َـن ِّـسـ ْوا زورقــــاً وانـْ َحنــُوا لـَ ْحظَــ ًة فال َحصىَُ مزهـِـ ٌر
ــل وامل َــدَىَ مــائِ ٌ الســقـوطْ! ال تجاه ُّ
ر َاحة ُ الجـَـ ّد
من يستلقي ،بعد اليوم ،فوق راحة الجد؟ ال حجر يف الطريق ال يعاسيب تـُلهـِينـَا لـِنـَ ِص ْل. ال نجوم نطفؤها لننام. يف الطريق َصا ِريَــة ٌ وشمـوس ٌ ُمتعبـة ْ. issue (8)- January - 2013
107
.
رنا زيد .............................................................................................................
قبضة صغيرة أمام وجه الطغاة
قبضة
صغرية أمام جنود قساة ببنادقهم ورصاصهم؛ قد تبدو هذه الصورة هجينة ،يف هذا الزمن ،أو أنها تحيل مبارشة هش أن ينتفض يف وجه إىل حالة تخيلية شعرية ،ال تنتمي إىل الواقع ،متاماً مثل صورة يف قصيدة ،تريد مماّ هو ّ العنف واالستبداد بكل رمزيته وقوته الوهمية الفائضة من نكران وجوده مام يحيط به. إن صورة الطفلة الفلسطينية عهد التميمي( ،التي نُرشت عىل مواقع اإلنرتنت بكثافة ،بعد حصولها عىل جائزة “حنظلة للشجاعة”)، تش�� ّد يدها اليمنى بغضب ،وكأنها تتهيأ لرضب الجندي اإلرسائييل أمامها ،تش��به إىل حد بعيد صورة شعرية عن زهرة بيضاء تنمو تحت جدار ضخم ،إنها ي ٌد طفل ٌة وطريةٌ ،ترتفع يف وجه طاغية واحد وكبري ،تحاول أن تقوم بفعل حامل ،تريده قامئاً مبوازة املشهد الواقعي القايس ،الش��عري رمبا بقس��وته أيضاً؛ ويف الفعل املبكر ،الذي ال يُبحث ،وال يُؤدلج من فطريته ،تكاد تكون مالمح الوجه املمتلئة بالخصب جانحة نحو الغروب أو االنهيار الكيل بسبب الحدة النفسية والعاطفية النهائية التي وصلت إليها الطفلة ،بعد حالة الفقد الفجائية إثر اعتقال الجنود ،وفق القانون (قانونهم غري القانوين) ،والدتها الناش��طة؛ وإىل املعتقل ،يهرب صيف عهد، صيف بكامل نضارته ،فتقف فتية ومتمردة ،طفلة فلسطينية تنتمي إىل الجيل الفلسطيني الخامس ،تقريباً ،من نكبة عام ،1948 وإىل أرض متعب��ة م��ن وقع خطى الغرباء ،إنها بالرضورة تعيش تأزّم حق امللكي��ة وتبعاتها ،منذ وعيها األول ،فكل ما هو لها ،هو ليس لها ،حتى حياتها الالحقة ،تهتز بس��بب صورة االحتالل ،تهتز ،مع صورة وجه أمها املغادر ،خلف القفص .ما من طريقة تتيح امل�ضي إىل الحري��ة ،حريتها اللحظية والكلية ،إال بالتمرد ،وفعلياً ،وبعيدا ً عن وهم قوة الصورة وش��عريتها ،فإن عهد ال متثل إال ما يزيد عىل املرت بقليل من السنتيميرتات طوالً ،وما ال يتجاوز ثالثني كيلو غراماً وزناً ،أمام أطنان من العتاد ،إنها فراشة ،تحوم حول الضوء ،ورمبا اختلسها الضوء فجأة ،وسحبها إىل غياب عنيف. هو خيار سس��يولوجي وس��يكولوجي ،متوارث من اآلباء إىل األبناء بالرفض ،ويف حني ،كان ش��كل مقاومة االحتالل يأخذ مفاهيم تنظريي��ة أو اقتحامية س��ابقاً ،لك ْن يف اللحظة الراهنة ،تحلل الصورة ،مفاهيم عهد الن�ضرة ،كنموذج ال يجعلها تتفرد بالفعل ،بل تلخّص��ه ،تلخّص أزمة الهوية وفوبيا املحتل املكتس��بة ،مع والدة أي طفل فلس��طيني ،إنها فوبيا القم��ع ،ترتد ليك تكون رغبة يف التح��ررِ ،م َّمن هو محرك العنف والس��طوة املرفوضة ،ويكاد يكون االندف��اع إىل هذا التحرر ،كام يف صورة عهد ،مقرتناً باملوت ،أو الش��هادة ،ألنه تح ُّرر ،يش��به الخروج من تحت األرض إىل فوقها ،أو القفز من السامء إىل األرض ،مع غياب الوسيلة التي متكّن من ذل��ك ،فرغم كون عهد عىل أرض فلس��طينية ،إال أنها ممنوع��ة عنها ،يف الوقت ذاته ،ممنوعة عن الوق��وف والرصاخ ،عن اللعب الروتيني ،كم تش��به أيضاً صور هذه الطفلة صورة جيلها ،ممتدا ً إىل أوطان قريبة وبعيدة ،إنه جيل تعب من جيل س��بقه ،جيل االنهزامات والخسارات ،هو جيل يحب الربح ،متاماً ،كام لو أنها لعبة إلكرتونية ،بني عقل آيل ،وعقل برشي ،األول ميتلك آلية الدفاع عن الحل أو االنتصار ،واآلخر ميتلك العاطفة إىل جانب أوليات الحل ،ويشبه الجندي العقل املسحوق ،عقل اآللة األحادي ،بال رغبة أو تطوير ،فكم من الغريب أن يكون انفعال الجنود هو ذاته ،أليس بينهم واح ٌد يشعر بطريقة مختلفة تجاه عهد؟ ما هو املحرك الفعيل لعنف أجسادهم وهي تقف ،مانعة الطريق أمام الطفلة؟ طريق املدينة الطبيعية ،ورمبا االعتيادية واململة. من الجيد ،أننا يف عرص ميكّن من هذا االنتشار البرصي للمعنى ،وملعنى الصورة شعرياً ومفاهيمياً ،إنها تتجاوز يف مدلوالتها ،مكونها التقن��ي أو الج�مايل ،فليس من املهم من هو ال��ذي التقط ،الصورة ،وكيف ،وهل هو مصور اح�ترايف أم غري ذلك ،املهم أن عملية النقل ،لجاملية اللحظة الواقعية الشعرية ،متّت ،وهذا يُبشرّ بأننا نستطيع فعل األفضل ،ملستقبل شعب أتعبه االحتالل كام أتعبه أن يتقاسم حقه ،مع من ليس له حق فيه
108
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
تحقيق
وفي العراق حزن
شعرية المأساة نبرة الحزن طاغية على الشعر العراقي القديم والحديث ،وهي تجد مبرراتها المباشرة في ما عاشه هذا البلد عبر تاريخه الطويل من مآس وحروب خلفت جرحا عميقا في وجدان أهل بلد الرافدين ،الذي يحمل كذلك اسم «أرض السواد» لكثرة البساتين والمزارع. لغة الشعر العراقي الحارة والجريحة تطرح اكثر من سؤال حول االسباب التاريخية لهذا المزاج التراجيدي.
هنا شهادات لشعراء ّ واجتماعي ًا تاريخي ًا العراقي وأسباب ذلك ونقاد عراقيون عن حضور «الحزن» في الشعر ّ ّ ّ وثقافي ًا. ّ
بغداد -حسام السراي
issue (8)- January - 2013
109
تحقيق
ناظم عودة
خيال مأساوي أو ّد بدايةً ،أ ْن أع ّدل يف مضمون السؤال ليتسق مع جوهر الشعريّة العراق ّية يف مناذجها العالية عرب تأريخها الطويل، وهو تغيري عبارة « نربة الحزن» إىل هيمنة :الخيال املأساوي عىل الشعريّة العراق ّية ،فعبارة «نربة الحزن» اقي عموماً، ال تعبرّ عن الكثافة املأساوية يف األدب العر ّ لذلك أعتقد أ ّن هيمنة هذا الخيال أفىض إىل ما هو أبعد من ذلك ،وهو تكوين رؤية مأساوية تكشف عن مخيال الشعبي .وطبعاً ،هذا مأساوي متجذّر حتّى يف الخطاب ّ مدخل مناسب للكشف عن تحليل األمناط الثقاف ّية السائدة ،وعن طبيعة « اللغة العراقيّة» وعن فعل السياسة التي ما انفك ّْت تل ّون تلك اللغة بألوانها الكالحة والقامتة .لقد كان لهذا الخيال تأثريه الكبري يف صوغ فأندس البنى األسلوب ّية والكنائ ّية يف الشعريّة العراق ّية، ّ الشعري يف طيات البالغة الشعريّة ويف أعامق التصوير ّ تستجيب له البنى أسايس واإلشارات الرمزيّة .إنّه مح ّرك ُ ّ يرشئب بأعناقه نحو الرمز اجيدي حس تر ٌّ كلّها ،فينترش ٌّ ُّ املخلّص؛ سواء أكان مخلّصاً دين ّياً ،أو سياس ّياً ،أو شعب ّياً، أي يشء آخر تجد األرواح الصارخة املعذّبة فيه مالذها أو ّ اقي وهو يتفاعل مع تراثه وخالصها .إ ّن الشاعر العر ّ 110
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
األسطوري املوغل يف الزمن ومع ثقافته الشعبية وفنونه ّ مبختلف أنواعها ،يجد نفسه ينهل من معني املأساة يخصب ويخضّ ب الذي ال ينضب .فهذا اإلرث املأساوي ّ ّ الشعريّة العراق ّية بخيال مجروح وصور دامية ولغة كئيبة، أضف إىل ذلك أ ّن البيئة العراقيّة القاحلة تفعل فعلها يف اجيدي لدى الشاعر ،فليس مث ّة تلوينات خلق املزاج الرت ّ بيئية قادرة عىل امتصاص تلك الشحنة الرتاجيديّة املتقدة، وحتّى البنية االجتامع ّية التي تتح ّرك يف محيط املحظورات الحي بني مكوناتها ترتك أثرا ً ب ّيناً يف اللغة وعدم التفاعل ّ الشعريّة؛ املالذ األخري للشاعر يف هربه من التص ّحر الذي يلتف عىل رقبته فيخنقه. يكاد ُّ اإلرثَ الحتمي املأساوي الخيال أصبح ّه، ل ك ذلك وبسبب ّ ّ للشاعر وهو ال يقدر أ ْن يف ّرط بإرث آبائه وأجداده ،ففي واالجتامعي. ذلك تتشكّل هويّته ،ويتشكّل كيانه الذايت ّ النقدي ناقد وشاعر حاصل عىل دكتوراه يف النظرية والفكر ّ الحديث ،عمل يف الصحافة ويف جامعات عراق ّية وعرب ّية كالجامعة املستنرصية ببغداد وجامعة الجبل الغر ّيب يف ليبيا، وله مؤلفات عديدة شعر ّية ونقد ّية وفكر ّية منها« :جامليات الصورة ،من املثيولوجيا إىل الحداثة» « ،مرايا الجسد الرشقي»، الحب والزوال». « قصائد ّ
شعرية المأساة
ناظم عودة
حمد الدُّ وخي
سيادة حادة للحزن نعم إنّها سيادة حا ّد ٌة للحزن ،وهي سمة الزم ٌة لشعرنا، بل وأوشكت أن تكون أدا ًة شأنها شأن الوزن والقافية وغري ذلك ومر ُّد ذلك لألرضية التي نبت عليها هذا البلد فهو ابن النكبة املستم َّرة منذ أوىل الخالفات االسالم ّية والتمذهبات التي سكنته فهذه الخالفات ّأسست للطبقية ،وأوجدت ميزاناً للحكام يمُ يَّز يف ضوئه املقبول مؤش من من الناس من غري املقبول وهذا هو أهم رِّ وحجب ألحالم مؤرشات سيادة الحزن إذ يف ذلك حرمان ٌ ورغبات ،فضالً عن حربنا مع إيران التي ساقت لنا قطارات من الشهداء واملعاقني ،كذلك حروبنا األخرية التي إىل اآلن يتقطَّع نومنا بأصوات انفجاراتها اليوميّة. القصيدة العراق ّية بنت الحزن فهي تربت ببيت أدمن الـ(آه) بسبب شارعه املمتىلء بالفتات الغائبني بظالمات الخنادق ،وقد رسى ذلك إىل األغنية -يوم كانت جادة وواعية بتعبريها -مطالع السبعينيات ،إذ هناك مقولة شاعت بأ ّن قرارا ً صدر مينع األغاين الحزينة كونها سادت املشهد فام كان إال أن ظهرت أغنية تقول كلامتها: «إيكَولون غن بفرح/واين الهموم غناي/بهيمة ازْرعوين يل املاي» ومشوا/وع َّزوا ع َّ
حمد الدوخي
فضالً عن ما تق َّدم ،أقول إ ّن القصيدة العراقيّة حزينة شعري كونه يتشكَّل يف ضوء ذلك أل ّن الحزن هو احساس ٌّ موجة من األسئلة املو َّجهة للذات والنابعة من التفكُّر بالقيمة ،والجدوى ،واملصري ..وأنا هنا أدافع عن حزنها لكل فتح املق َّدس هذا ألنّني أعي أ ّن الحزن هو هويّ ٌة ّ بدليل أ ّن اإلنسان يولد يبيك!! ومن هنا يبدأ الشعر بالسؤال ملاذا؟ وما املجدي من ذلك؟ وإىل متى؟. هذه هي حقيقة حزننا الذي يلد -وباستمرار -شعرا ً يحفِّز املتلقي الكريم عىل مناقشة ومامرسة الحياة.
شاعر وناقد ،يحمل دكتوراه يف األدب العر ّيب .صدر له يف الشعر «عذابات» « ،مفاتيح ألبواب مرسومة» ،املونتاج الشعري ،دراسة نقد ّية «،األسامء كلّها ،شعر « ،جامليات الشعر ّ واملرسح والسينام يف القصة العراق ّية القصرية /دراسة نقد ّية .فاز بالجائزة الثانية مبسابقة دار ديوان رشق-غرب الربلينية عن ديوانه (األسامء كلّها) ،كام فاز بجائزة الدولة (اإلبداع) التي تنظمها وزارة الثقافة العراق ّية فرع النقد األد ّيب عن كتابه الشعري» ،2011وبالجائزة األوىل من بني 659شاعرا ً «املونتاج ّ من عموم العامل العر ّيب مبسابقة أجمل قصيدة عن األ ّم التي نظّمتها بلندن قناة املستقلة الفضائ ّية.
issue (8)- January - 2013
111
تحقيق
نصري الشيخ
مسلسل الفقد أعتقد من الصعب قياس كمية األحاسيس االنسانيّة ومن ث ّم الخروج بأحكام قيم ٍة ملثل هكذا تساؤل ،تتداخل فيه عنارص شتّى ثقافيّة واجتامعيّة ونفسيّة .ولإلجابة يتطلّب منا قراءة فاحصة ليس باملعنى االستداليل للكالم، وإنمّ ا مبعنى الغوص إىل قاع الحقيقة االنسان ّية ومن ث ّم مالمسة تخوم هذه الذات .والشعر هو أحد متظهرات الوجود االنسا ّين ،ذلك انّه النشاط التخيييل الذي يأخذ من مكامن الواقع صوره ،ويغامر بالتقاطاته عرب مفردات تعاد صياغتها مجددا ً بلغة تشق طريقها ،منبعثة من غنائية خفية أسميها نشيد الروح .وهناك مايدلّل عىل افديني أ ّن الشعريّة العراقيّة مت ّد نسوغها يف الرتاث الر ّ القديم ،حيث االنسان مبواجهة ما يخبّأه له القدر، ومبواجهة ماتبديه الطبيعة من تقلّبات وتح ّوالت قد تكون عىل الض ّد من الذات االنسان ّية التي تتقهقر شيئاً الخفي، فشيئاً ،فاليبقى لها غري االنشاد ،صديح الروح ّ والذي يستبطن ترجمة األحاسيس.. من هنا ينشأ «الفقد» هذا الحيز الذي يحيلك إىل فراغ، فراغ الروح الذي يقودك إىل الوحدة ..وحدتك أنت ..من هنا ترتنم الشفاه بأغنية جوانية تق ّدمها همهامت تتصاعد من األعامق السحيقة. الشجي، وبذا تكتسب الكلامت روحها الحزينة ونغمها ّ فيغدو النشيد /القصيدة بأكمله خطاباً فجائعياً ،يكشف
خلود املطلبي
الشاعر العراقي وارث أبدي للحزن
اقي؛ من الطبيعي أن تطغي نربة الحزن عىل الشعر العر ّ أل ّن الشعر يعكس الظروف البيئ ّية واالجتامع ّية والسياس ّية اقي ،وأل ّن العراق يحتل التي عاشها ويعيشها االنسان العر ّ املكانة األوىل بني دول الرشق األوسط التي اشتهر تاريخها بالعنف والدكتاتوريّة واالرهاب والحروب واملجاعات اقي الحزن والكواررث ،عىل م ّر العصور عرف االنسان العر ّ كحقيقة واقعة منذ لحظات والدته األوىل حييث يراه يف 112
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
بكل ألوان هذا من حيث اليدري عن طبقاته املغمسة ّ الفقد ،وصوالً إىل العرص الحديث وما م ّر به شعب العراق من ويالت ومحن وحروب ،وكأ ّن مسلسل الفقد مستم ّر يف تدوير أحداثه ،وكلّنا يعرف إ ّن الذات الشاعرة هي مركز تحسس كبري ملواجهة أحداث العامل، اقي هو قطب الرحى يف هذه املحنة منذ والشاعر العر ّ أقدم نشيد سومري ترك أثره عىل رقيم طيني وحتّى اقي بعد أن يتدثر بغيمة آخر قصيدة يكتبها شاعر عر ّ أحزانه الرماديّة ليكتب. شاعر وناقد وإعالمي ،صدر لـــــــــه« :مساقط الظل»، «يف أعايل الكالم»« ،تراجيديا الرمل»« ،شجر من محنة الوقت» « ،أريد نشيد املرسة» .و له كتابات يف املرسح والنقد.
عيني أ ّمه ويف صوتها الحنون الداىفء وهي تغني له أغاين املهد الحزينة لتساعده لينام ،لذلك فنربة الحزن لدى اقي انمّ ا هي نتاج طبيعي لتأريخه القايس الشاعر العر ّ ومعاناته الصعبة التي حرصت عىل أن تجعل منه الوارث األبدي لهذا الحزن العريق وكلام أدرك الشاعر بأ ّن الفجوة بني الحلم والحقيقة املرة آخذة باالتساع انطلقت رشارة الخاصة يف التعامل الشعر الحزينة التي هي طريقة الشاعر ّ مع األمل والرصاع من أجل الحياة فيخلق حالة نفسيّة الستيعاب األوضاع الحيات ّية املرعبة والتك ّيف معها ليصبح الروحي لتفريغ شحنة اآلالم النفس ّية الشعر هو العالج ّ
شعرية المأساة
الرسومات :جرب علوان
وحتّى الجسديّة ومن ث ّم مواجهة الواقع برغم مرارته. لذلك نالحظ حتّى قبل أن تتك ّون القصيدة وحتّى قبل أن يفكّر الشاعر بعنوان لها ينبض قلبها بالحزن و يتغلغل ذلك والحيس ،انّها الق ّوة الحزن يف جوهرها الجام ّيل واملعر ّيف ّ اقي و االبداع ّية والعاطف ّية الكامنة يف روح الشاعر العر ّ طريقته يف البقاء عىل قيد الحياة ووسيلته يف التح ّرر من الخوف والصمت املصاحب ملعاناة هائلة لوطن وشعب، فتكون القصيدة رصخة احتجاج وشاهدا ً حيّاً عىل املعاناة اقي. االنسان ّية التي م ّر ومي ّر بها االنسان العر ّ
شاعرة ومرتجمة عراق ّية مقيمة يف انجلرتا منذ سن الصبا، درست الثانوية يف ويربج كولج (يف مقاطعة رسي االنجليز ّية) و درست يف جامعة لندن الرياضيات كام درست الرتجمة .صدر لها يف الشعر: «مزامري تحت سامء لندن» ،و«تحت سامء الثلج» ،و «كتاب لوحة أوروك» « مختارات أدب ّية عراق ّية باالنجليز ّية»، اقي املعارص..مستقبل املايض» و»كتاب حركة الشعر العر ّ ( باللغة االنكليزية) .لها عدة مخطوطات يف الشعر والرتجمة.
issue (8)- January - 2013
113
حدث
ملتقى اإلمارات لإلبداع الخليجي في الشارقة
حال الشعــــــــــرية العـــ غلبت على أعمال الدورة الثالثة
لملتقى
لالبداع
الخليجي
االمارات التي
انعقدت في الشارقة الصبغة النقدية،حيث تناولت اوراق المشاركين
الوضع
الراهن
للشعرية العربية،وعلى نحو خاص في بلدان الخليج العربية.
الشارقة“ -بيت الشعر”
كانت حصيلة دورة ملتقى اإلمارات لإلبداع الخليجي هذه السنة ثالثة ايام من الشعر يف الشارقة ،امسيات وجلسات نقدية وحوارات يف قاعة الشاعرأحمد راشد ثاين مبقر اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات ومرسح القصباء ،ما بني 4و6 من شهر ديسمرب املايض . الفعاليات النقدية شارك فيها أربعة وعرشون ناقدا ً وشاعرا ًمن تسعة بلدان عربية ،بينام أقيمت األمسيات الشعرية املوازية له يف كل من «بيت الشعر» ،و«فندق سنرتو» يف الشارقة ،و«مؤسسة سلطان العويس» يف ديب ،ومتت دعوة الجزائر كضيف يف هذا امللتقى ،باإلضافة إىل كل من اليمن
114
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي .وقد حرض مجمل هذه الفعاليات جمهور الفت من األدباء والشعراء والنقاد واإلعالميني واملهتمني بالشعر ونقده. والقى أكرث األوراق النقدية املشاركة االهتامم من قبل متابعيها ،عىل مدار األيام الثالثة ،حيث أنها تركزت عىل املشهد الشعري اإلمارايت ،والخليجي ،والعريب يف آن، نظرياً وتطبيقياً ،متوقفة عند أسامء رواد الشعر الجديد، واألجيال الشعرية املؤسسة ،باإلضافة إىل األسامء اإلبداعية البارزة. تقدم األوراق مدخالً مهامً إىل عامل القصيدة الخليجية
ملتقى اإلمارات لإلبداع
ـــــربية ومرجعيات الحداثة
من الجلسات النقدية
امللتقى للدكتور طارق ثابت من اتحاد الكتاب الجزائريني املعارصة ،من جهة ،بل والعربية من جهة أخرى ،وقد بعنوان« :املشهد الشعري املعارص يف الجزائر ،القصيدة توزعت عىل أربعة محاور هي: الحداثية وبنية التحول» ،بني فيها أن من يطَّلع عىل 1بحث يف األصول واملالمح والتطور التاريخيالشعر الجزائري املعارص ،يُدرك أن مثة أصـواتا متميـزة ،مل 2التحوالت واالستجابةفرتس َم للجزائر مشهدا شعرياً جزائري 3االنفتاح عىل األجناس والفنون األخرىتجد العناية لتُصقلُ ، الروح ،وكثرية هي الكتابات التي أخذت تسعى نحو 4اآلفاق وهواجس التغيري.ذلك سعيا حثيثا ،يك ت ُسمع القارئ العريب؛ صوت الجزائر عىل أن نخصص وقفة أخرى ،يف وقت الحق للنصوص اإلبداعية املشاركة ،وهي نفسها جديرة مبثل هذه القراءة .الشعري بكل ما فيه من خصوصية وإبداع ومت ّيز. متت استضافة الجزائر ،خالل الدورة الحالية ،حيث جرى وأضاف د .ثابت «التجربة الشعرية الحداثية الجزائرية، تقليد من قبل القامئني عىل امللتقى ،بحيث يتم استضافة واقعاً ،تظل تجربة فتية مقـارنة بنظريتها يف املشـرق، بلد عريب جديد ،يف الدورة املقبلة ،وقد كانت أوىل أوراق لكنها مع ذلك أبدت تجاوبا حسنا ،إ ْن عىل املستوى issue (8)- January - 2013
115
حدث
البحرين ،واللهجة العامية يف الشعر الفكري ،أو الفني ،غري أن نضجها التجربة الشعرية البحريني ،وكذلك تناول الشعرالفصيح، يظل رهن الجهود املكثفة الجزائرية، الحداثية والشفاهي والكتايب ،من خالل :الدهشة واملتكاتفة امللقاة عىل عاتق واقع ًا ،تظل تجربة باعتبارها حدثاً ،والدهشة واللغة، النقاد والشعراء علـى حد سواء؛ والدهشة وهي تنتقل ،والداخل وهي بحاجة ماسة إىل تكثيف فتية مقـارنة والخارج يف فعل الدهشة ،وإنتاج الدراسات النقدية الجادة ،والتي بنظيرتها في الدهشة..إلخ ،من خالل االستشهاد من شأنها إنصافها كخطاب شعري لكنها المشـرق، بعدد من النصوص اإلبداعية من له خصوصيته ومتيزه؛ وعىل هذا مع ذلك أبدت تجاوبا تجربته. سوف تبحث هذه الورقة البحثية و قرأ سامل خدادة ورقة عمل يف بدايات املشهد الشعري حسنا بعنوان«عن القصيدة العمودية يف املعارص يف الجزائر؛ بالرتكيز عىل القصيدة الحداثية منه خصوصا ،وأهم الشعراء املشكّلني الشعرالخليجي» حيث قدم خاللها مناذج عدة من نصوص الشعر العمودي الكويتي ،حيث أكد أن القصيدة ملتنها ،ومميزات هذا النص؛ املختلف كليا عن النص العمودية مل تغب عن الساحة الشعرية ،منذ ظهور الشعر الشعري التقليدي سواء عىل مستوى البناء أو الفكرة». الحر«شعرالتفعيلة»،هكذا ،!..بل ظلت تواكبها بوساطة شعرائها الكبار ،و إن كثريين من الشعراءالذين بدؤوا يف محاور امللتقى: بكتابة اللون الجديد ،كانوا يعودون بني جيل وآخر لكتابة و ضمن محور« القصيدة الحديثة يف الخليج :التحوالت هذه القصيدة ،وقال :ومن املعلوم أن الشعرالحر بدأ يف واالستجابة» جاءت أوراق كل من د .أحمد الزعبي- اإلمارات وجعفر عباس-البحرين ود.سامل خدادة-الكويت .الكويت منذ منتصف الخمسينيات عىل يدي الشاعرعيل السبتي ،ثم شاركه أحمد العدواين ومحمد الفايز، و قد خصص د .الزعبي يف ورقته املعنونة بـ «مظاهر وآخرون ،وكان لوجود الشاعرالكبري بدرشاكرالسياب يف الحداثة يف الشعر اإلمارايت» لتناول نتاجات عدد من الكويت تلك الفرتة أثر من بعض هؤالء الشعراء وبخاصة الشعراء اإلماراتيني ،ذوي الحضور الفعيل يف املشهد الفايز والسبتي ،حيث يشعر قارىء نصوص هذين الثقايف ،حيث توقف عند فضاءات الحلم ،والنزعات الفلسفية ،وظاهرة التوازن بني الفكر والشعر ،وانفجارات الشاعرين يف الستينيات خاصة بترسب عبارات السياب وصوره إىل قصائدهم عىل نحو ال تخطئه النظرة العجىل. اللغة ،وهاجس االغرتاب بني الحلم واليقظة ،وغريها من ورأى أن القصيدة العمودية الجديدة مل تغب عن املشهد املوضوعات التي ظهرت يف إبداعات هؤالء الشعراء. وقدم جعفر عباس ورقة عمل بعنوان «القصيدة الحديثة الشعري!.. وضمن محور«القصيدة الحديثة يف الخليج ،االنفتاح عىل يف الخليج :كتاب التحوالت «أحمد العجمي منوذجاً» األجناس والفنون األخرى» ،قدم د .إبراهيم أبوطالب انطلقت من تأمالت تفيد بأن املرجعية األساسية والكربى للفن هي الحياة االجتامعية ،حيث رأى أنه منذ ورقة بعنوان«مرايا الفراشة ونارها» ،رأى فيها أن الشعر عامل اإلبداع األول ،ومتنفسه األكرب واألكرث خلودا ً ،وكأنه تسعينيات القرن املايض حتى هذه اللحظة ،تم دخول يف عامله مصدر القوى البرشية يف الفنون وأصلها ،وهو أدوات الحداثة االقتصادية والفكرية التي حملتها رياح العوملة ،وقد كان انعكاس كل ذلك عىل الشعرية العربية ،للخيال والفن والتعبري عن النفس أقرب الفنون وتحدث عن قصيدة العمود ،إىل جانب قصيديت التفعيلة إىل الوجدان وأصدقها يف التعبري ،ونبعه املتجدد مع كل دفقة شعورية برشية وليدة ،ومن هنا ،فإن نظرية والنرث يف الخليج العريب ،ثم ركز يف ورقته عىل الشعر يف
116
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ملتقى اإلمارات لإلبداع
النوع واألجناس األدبية –برأيه -كانت محط تنظري النقاد هذا التباين الحاد يف املناخات والحساسية اليقترص عىل املرحلة بوصفها متفصالً تاريخياً أو منعطفاً يف املجرى بحدودها الفاصلة وقواعدها الثابتة ،ومىض د.أبوطالب يف الجانب التطبيقي ،ليقدم قراءة معمقة لديوان بروين الزمني لسياق منعزل عن إطار الحركة االجتامعية وصريورتها السياسية ،بل باختالف الذائقة الجاملية وتحول حبيب مرايا الفراشة والنار ،من خالل عالقته بالرتاث مفهوم الشعرمن التعبريعن الذايت الحامل الرومنتييك إىل واألسطورة والرمز والصور إلخ.... ورصد د .حسن م َّجاد تجليات القناع يف القصيدة العراقية :املرسحي الدرامي ومن الصنعة والتامسك العضوي إىل تأصيل وآفاق ،إذ تحدث عام وصفه ب «الشعرية العربية الرؤيا اإلرشاقية والكشف الصويف!.. والحداثة املستعارة» ،متوقفاً عند جيل الرواد الذين كانوا ويف محور القصيدة الحديثة يف الخليج« :اآلفاق وهواجس التغيري» ،جاءت ورقة جرسا ً للحداثة يف الشعرالعراقي ،ومن القصيدة د.حمود الدغييش (سلطنة عامن) بعنوان بينهم بدر شاكر السياب والبيايت لم العمودية قراءة يف القصيدة العامنية الحديثة و جربا إبراهيم جربا وآخرون ،ورأى تغب عن الساحة تصدع الذات ،تحدث عن طغيان أنه البد من الوقوف عند مؤثرات القصيدة النبطية ،عىل الساحة الشعرية، املذهب الرمزي ومصادره يف تجربة الشعرية ،منذ ظهورالشعرالحر ،لقربها من مشاعر الجامهري وترجمة الشعرية العراقية ،ومن ثم تلمس قضاياها بأساليب بسيطة وصور مأنوسة. أفق التباين بني الريادة ومابعدها، بل ظلت تواكبها وقال« :ونحن الندعو هنا إىل القصيدة عرباختالف حدود التجربة ومتثالتها بوساطة شعرائها النبطية ،فهناك من القصيدة الحديثة للواقع من جهة ،وللمرجع التاريخي بأنواعها املختلفة ماهو قمني بالقراءة واألسطوري من جهة أخرى ،إال أن الكبار issue (8)- January - 2013
117
حدث
الصيخان-محمد الثبيتي -محمد والدراسة ،وهناك مافيها من الوقوف من البد جربالحريب-صالح الشهوان-خديجة الجاملية واملتعة الفنية ما مينحها المذهب مؤثرات عند العمري-محمدالدميني-غيداء االستحقاقية النقدية الجاملية، املنفي-عبدالعزيزالعجالن وغريهم. ولكننا ندعو إىل الرجوع بهذه الرمزي ومصادره وضمن املحور ذاته ،تناول القصيدة العرصية الجميلة إىل في تجربة الشعرية صالح غريب يف ورقته املعنونة ساحة التلقي التي تستحقها». ثم ومن العراقية، بـ «خصائص القصيدة املعارصة وقدمت د .ميساء الخواجا ورقة بين التباين أفق تلمس وجوانب من مالمحها وتطورها» مهمة ضمن محور«القصيدة الحداثة يف الشعرالعريب املعارص، الحديثة يف الخليج: الريادة ومابعدها وسامتها ،وأصولها ،وبينَّ أن النقاد بحث يف األصول واملالمح يطلقون عىل الشعرالحديث والتطورالتاريخي» ،تحت عنوان أسامء كثرية ،منها الشعر املطلق، «جدلية الثبات والتغري :قراءة يف والشعر املنثور ،والنرث الشعري ،أوقصيدة النرث ،أوالنصوص حداثة الشعر السعودي» ،ناقشت فيها مفهوم الحداثة، عربياً ،وعاملياً ،ثم توقفت عند تجربة الحداثة يف اململكة الشعرية ،أواإلبداع الشعري ،أو الكتابة املضادة ،ورأى أن كل هذه التسميات ليست بصحيحة ،والسبب يف ذلك أن العربية السعودية حيث معظم النقاد مل يقرأوا-برأيه -األدب العريب برتو وبعمق رأت« :أن جذور املشهد الشعري باملعنى التحديثي تاريخي ،وأن الحداثة املعارصة يف الشعر العريب مستمدة مل ترتسخ إال بعد االستقرار االجتامعي ،وإرساء قواعد من ثقافة األسالف الدولة وما صاحب ذلك من تحوالت اجتامعية منذ العرص الجاهيل ،بل ومنذ أبعد من تلك الفرتة. واقتصادية» .ورأت أن الحجاز أكرث املناطق تأثرا ً مبسار تلك التحوالت ،حيث كانت له الريادة فكرياً وثقافياً وأضاف :إذا ً نحن أمام حداثة شعرية مرتبطة بزمن موغل يف القدم له أصوله وجذوره األدبية ،وأن القصيدة باقية يف تاريخ اململكة ساعدته عىل أن يلعب دورا ً يف تطوير دامئة التأثري ونرضة ويف غاية التعبري ،التشيخ مع الزمن الوعي والثقافة .وقالت نشأ يف السعودية جيل وصفه عبدالوهاب آيش بأنه جيل تتدفق فيه الروح ،ثائر النفس ،مهام أوغلت فيه ،وانتهى إىل القول” القصيدة الشعرية ناشز عن القديم ويتوخى الحرية ،جيل مشاغب ومخاطر ،ليست مجرد أوزان وقواف ،بل هي تعبرييبوح عن مشاعر إنسانية ،تتخلله الفكرة املعربة والصورة املج َّنحة، ووصفه محمد حسني هيكل بأنه جيل يطفر بالحامس، واالنفعال املدهش ،وإن طرافة القصيدة الشعرية وشديد الولع باالطالع ،ينقد الكتب التي يطلع عليها، وحداثتها تأتيان عندما يكون شكل التجربة منبعثاً عن ويقف عىل أدق صور التفكري الحديث ،ويتلمس األفكار التجربة ذاتها ،وأن يكون إشعاعاً صادرا ً عنها ،الشكالً سابقاً عن طريق الرتجمة ،وعن طريق الكتاب الذين درسوا يف عليها ،أو إطارا ً تابعاً. الغرب ،ورأى أن بداية الحداثة يف اململكة تؤرخ بظهور والجدير بالذكر ،أن عددا ً كبريا ً من متابعي فعاليات أول ديوان من شعرالتفعيلة أصدره سعد الحميدين امللتقى ،قدم مداخالت جديرة باالهتامم ،تتعلق بالبحوث «رسوم عىل الحائط» سنة ،1977وتلته مجموعة أحمد والدراسات والنصوص الشعرية التي تضمنها امللتقى ،وقد الصالح مسافر «عندما يسقط العراف» سنة ،1978 سجل عدد من أصحابها مالحظات و إضاءات وإضافات ورأت أن ظهور ديوان الحميدين وماتاله كان مبثابة بيان مهمة ،أثارت حوارات مفيدة ،بحسب اعرتاف كثريين ثقايف يعلن اإلرصار ،وإن هذا الشعر ميثل هوية ثقافية من املعنيني ،ليبلغ التفاعل يف امللتقى ،بني املشاركني وانتامء إبداعياً ،يك تظهر بعدذلك أسامء :عيل الدميني- جارالله الحميد-عبدالكريم العودة-عبدالله الزيد-عبدالله والجمهور ،مستوى عالياً 118
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
محاكاة
الشاعر حين يتحد بآخره
أريج السمر بين حمد أبو شهاب وحمزة أبو النصر ً وقديما، المحاورة الشعرية هي الشعر االرتجالي الحاضر ،وهي واحدة من أغراض الشعر حديثا معين بين شاعرين كما هو الحال هنا وتأتي كلمة “محاورة” نسبة لتحاور أي التخاطب في حوار ّ بين اإلماراتي حمد أبو شهاب والمصري حمزة أبو النصر
سامح كعوش
يصح القول باتحاد الشاعر باآلخر املتلقي ،يف صناعة النص ذي ُسن ٌّة قد ْ جرت يف الناس ماضي ًة ُّ ومنصة ولقاء حوار كمساحة صياغته إعادة أو الشعري ُ ّ وجيشها يف جميع الشملِ ك ّرا ُر للصحب عاطفةً تفاهم متبادل يصل باالثنني معاً ليكونا الصانع األوحد ودّع وخ ّلف هنا ِ للقصيدة ،يف أشكال وأمناط كتابية مختلفة ،منها املحاورة روحاً وفكراً وخ ْذ قلباً به نا ُر”.
ومنها املراسالت ومنها املساجالت ،وغريها ،بل ومنها اتحاد املتكلّم ِني أو جامعة املتكلّم َني معاً يف املوضوع مهب الوداع الواحد ،كأن تجمع اللحظة شاعرينِ يف ّ والبنيِ ،فيتحدانِ يف القول يف هذه اللحظة كأنها الفناء، ورمبا يوايس واحدهام اآلخر ،فيقول حمزة أبو النرص من مجموعة أريج السمر وهي محاورات شعرية جمعته والشاعر اإلمارايت حمد أبو شهاب:
“ودّعْ فقد ْ ني أقدا ُر آذنت بالب ِ واستحدثت ساكناً من بع ِد َك الدا ُر
ويجيبه الشاعر حمد أبو شهاب بقصيدة من القافية ذاتها ،والروي نفسه ،وعىل الوزن نفسه ،يقول:
مفردات الآليل ّ ظل يختا ُر “من ِ حتى ْ بدت من خاللِ الفك ِر ن ّوا ُر ُ أحس بها تختال ُ بالح ِ سن زهواً لو ّ أبرص َ مي ّ بشا ُر بشا ُر َ دون ُ الع ِ ني لوال فيض عاطف ٍة يا لوع َة الب ِ ْ أوارك ما ح ّيت ِْك أشعا ُر أذكت ِ
issue (8)- January - 2013
119
محاكاة
وقد مالت املحاورة يف العصور الهاللية وما بعدها اىل ودّعْ فذكر َاك ال ُّ تنفك ماثل ًة الشعر النبطي.ونجد شكالً آخر من أشكال الحوار الشعري ُ وجميل الو ِّد تذكا ُر”. أما َمنا يتجىل يف النقائض ال املحاورة ،وذلك يف إطار الشكل األبرز أما املحاورة فهي الشعر االرتجايل الحارض ،وهي واحدة من أغراض الشعر الشعبي يف الوطن العريب حديثاً ،وتأيت “املساجالت” ،ومتثل النقائض مصطلحاً أدبياً لنمط شعري كلمة “محاورة” نسبة لتحاور أي التخاطب يف حوار معينّ ،نشأ يف العرص األموي ،وهي عبارة عن معارك شعرية وتسمى “القلطة” يف أغلب االوقات وكلمة “قلطة” كلمة دارت رحاها بني عدد من الشعراء يف العرص األموي، وكان فرسانها األخطل وجرير والفرزدق ،وكان الشاعر شعبية تدل عىل احدى مسميات املناداة ويقال أقلط ينظم قصيدة يف هجاء خصمه ،فريد الخصم ناقضاً هذه يا فالن أو فالن قلط أي تقدم بعد مناداته ،وهي تلتزم القصيدة بقصيدة أخرى لها الوزن والقافية نفسهام ،و يف تفاعيل وأوزان البحور الشعرية العربية الفصحى قد تركزت النقائض يف العرص األموي عىل غرض الهجاء والشعبية كسائر أغراض الشعر األخرى ،ويرجع تاريخ املحاورة ونشأتها إىل ما قبل اإلسالم يف “العرص الجاهيل” تحديدا ً حيث كان الشاعر ال يصرب عىل هجاء خصمه فيجيبه بقصيدة أخرى أكرث إقذاعاً وإفحاشاً. وقد عرفت من قبل بعض شعراء العرب يف العرص الجاهيل وشعراء املعلقات السبع ،أمثال :عنرتة بن شداد ،وقد نشأ فن النقائض يف العرص األموي واشتدت املهاجاة الشعرية بني الشعراء املتهاجني فلم يصمد يف امليدان امرؤ القيس ،عمرو بن كلثوم ،زهري بن أيب سلمى ،طرفة سوى ثالثة من فحول الشعر هم :جرير والفرزدق بن العبد ،لبيد بن ربيعة العامري. واألخطل ،وقد اشتهرت نقائض الفرزدق وجرير واألخطل، وكان أحدهم يتجه نحو خصمه بقصيدة هاج ًيا ،فيعمد أشكال املحاورة اآلخر إىل الرد عليه بشعر مثله هاجيًا ملتز ًما البحر ويشار إىل أ ّن املحاورة يف العرص الجاهيل أخذت صيتاً وشهرة عىل يد شعرائها والذين كان من أبرزهم الشاعر امرؤ والقافية وال َّرو َِّي الذي اختاره الشاعر األول ،ويف ذلك تتمثل رشوط املحاورة الشعرية أكانت يف املديح أو القيس نفسه ،وتواصلت حتى كان صد ُر اإلسالم ث ّم قيام الهجاء ،مبعنى أنه ال ب ّد من :وحدة املوضوع فخ ًرا أو الدولة األموية والدولة العباسية ،وقد كان من أبرز شعراء هجا ًء أو غريهام ،وال بد من وحدة البحر ،فهو الشكل الدولتني األموية والعباسية املحاوِرين واملتحاورين الشاعر قيس بن امللوح العامري ،عبدالله بن أيب قحافة ،واملسور بن خرمة األزهري وغريهم كرث. وقد كانت املحاورة يف العصور الجاهلية واإلسالمية والعصور ويصبح االثنان واحد ًا حين يكون التي أتت بعدها تختلف عن املحاورة يف الزمن الحايل ،فقد ً قضية نحو ا متجه الشعري المغزى ٍ كانت تعتمد عىل الحدث املبارش غري املعلن عنه مسبقاً أو تكون عىل طريقة املخاطبة املبارشة بني الخصم وخصمه، أرّقت الشعراء واألدباء في مساحة أو القائد وامللك وأحد شعراء مجتمعه وأتباعه وتكون يف هذا المكان اإلماراتي العريق ،حيث أرض املعركة أو يف املجالس عند امللوك واألمراء أو يف اللقاء دبي دانة الدنيا ،وأبوظبي منارتها املبارش بعكس ما هي عليه يف الزمن الحايل. أخذت املحاورة طابعاً آخر عند الهالليني وبني صخر وجسر ُ مقطعها إلى الماضي وبعض القبائل العربية يف جزيرة العرب فقد كان من باألصالة العابق ِ أشهر شعراء العرص الهاليل ميثاق الهاليل ،ابن الفضل الهاليل ،أبو زيد الهاليل “سالمة” ،أبو ذيه بن صباح الهاليل،
120
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
أبوشهاب -أبو النصر
أريج السمر ،صادر عن أكادميية الشعر،أبوظبي،الطبعة األوىل 2012
الذي يجمع بني النقيضتني ويجذب إليه الشاعر الثاين بعد أن يختاره األول ،وال ب ّد كذلك من وحدة ال َّروي ألنه النهاية املوسيقية املتكررة للقصيدة األوىل ،وكأن الشاعر الثاين يجاري الشاعر األول يف ميدانه وبأسلحته نفسها.وإ ّن منو شعر النقائض كانت له أسبابه االجتامعية والعقلية وكان الناس وال يزالون يجدون فيه نوعاً من التسلية والرتويح ،أما النقائض بحد ذاتها فقد كانت “تعبريا ً واضحاً عن منو العقل العريب ومرانه عىل الحوار والجدل واملناظرة ،األصل يف النقائض هو املقابلة واالختالف ،ألن الشاعر الثاين يجعل ه ّمه أن يفسد عىل الشاعر األول معانيه فريدها عليه إن كانت هجاء ،ويزيد عليها مام يعرفه أو يخرتعه ،وإن كانت فخ ًرا كذَّبه فيها أو فسرَّ ها لصالحه هو ،أو وضع إزاءها مفاخر لنفسه وقومه وهكذا .واملعنى هو ركيزة النقائض ومحورها الذي عليه تدور ،ويتخذ عنارصه من األحساب القبلية ،واألنساب واأليام واملآثر واملثالب .وليست النقائض شع ًرا فحسب ،بل قد تكون َر َج ًزا أو تكون نرثًا كذلك .والبد أن تتوفَّر فيها وحدة املوضوع وتقابُل املعاين، وأن تتضمن الفخر والهجاء ثم الوعيد أيضً ا ،وقد تجمع النقائض بني الشعر والنرث يف الوقت نفسه”.
حواري ٍة رائع ٍة س ّجلها تاري ُخ املكان قلب اإلمارايت حافظاً للمقيم ودّه يف ِ املواطنِ ،وحافرا ً يف ذاكرة املواطنِ ورد َة الرملِ التي سقاها املقي ُم دم َع عيني ِه ور ّواها من دافئ رشايينه. بل ويصبح االثنان واحدا ً حني يكون املغزى الشعري متجهاً نحو قضي ٍة أ ّرقت الشعراء واألدباء يف مساحة هذا املكان اإلمارايت العريق ،حيث ديب دانة الدنيا ،وأبوظبي منارتها رس مقطعها إىل املايض العابق وج ُ باألصال ِة ،وحيث اللغة العربية ٌ وروحي جام ٌع ومان ٌع معنوي مشرتك ٌّ ٌّ ملا عداه ،به يربز الغثّ من الثمني، غبي ،يقول وتعلو قيم ٌة ض ّد قيمة ،ويربز ٌ مثقف يف وج ِه ٍّ أبو شهاب:
“ليت املدار عىل النُّهى يف حكمها /فيام يذاعُ وما ُي ُّ خط ُ و ُي ُ َ األصيل األدب نرش / لعلمت أية قيم ٍة يسمو بها ُ / فرض ُ وأيَّ لغ ٍو ُيق ُرب /أ ّما وقد َ الغثا ُء وجودَهُ /وغدا الغبي من ا ُملث ّق ِف يسخ ُر”. ُّ
ويتاب ُع شاكياً لصديق ِه وشقيق روحه ما يعانيه من أ ٍمل ملا يراه من رواج الغُثاء وتسخري املنابر والحناجر لقوله ونرشه بني الناس ،حتى ليكاد الشاعر يرى أن الجهل يف ٍ مفردات تقطر مرارة وتسبح هكذا زمن ،أجد ُر ،مستعمالً يف حقلٍ معجمي للضياع والحرسة ملا يراه الشاعر ،من ٍّ مفردات يف سياق واحد لعبارة شعرية يتقاسمها االثنان، إذ يربز الغثاءُ /سخّرتْ لرواجه ٌ صحف /الجهل يف زمنٍ تاريخ املكان اإلمارايت كهذا أجد ُر ،يقول حمد أبو شهاب“:أما وقد برز ُ الغثا ُء وما نقرؤه يف قصائد ديوان “أريج السمر” يشبه كل ما ٌ وس ِّخ ْ صحف تشيدُ ومن ُرب”.ونجد الشاعر لرواج ِه ُ رتِ / سبق وإن كان ال يقع يف الخصومة بني الشعراء والنقائض حمزة أبو النرص يرى ما يراه أبو شهاب ،ويقتنع بح ّجته، يف الهجاء ،فهو يف جوانب كثرية منه ما يشبه التداعي فيزيده منها ،ويشا ُء لشعره أن يحمل الذرائع فيسوقها الذي نجد مثيله يف النصوص املشرتكة للشعراء ،إذ نجد الشاعرينِ يخوضان معاً يف غامر قضي ٍة يتناوالنها بالترشيح إىل غايات صاحبه ،كأن يوافقه الرأي مبساقاته الفكرية الشاعر والتفكيك الفكري حتى يصال بها إىل رؤيا موحدة يف الواردة يف قصيدة أبو شهاب ،فـ الغثا ُء متكاث ٌر /ارتضت صحائف أو من ُرب (ولكنه) وإن تكاث َر ،فالصق ُر رش الغثاء ٌ النظر إليها ،ونظري ٍة موحد ٍة يف تناولها ،وكثري ٌة هي القضايا ن َ يُفر ُد بالتواجد واحدا ً وهناك صاحبنا أبو شهاب يرد ُد التي شكلت لهام هذا الحافز عىل القول الشعري يف issue (8)- January - 2013
121
محاكاة
“يا شاعر النيل ما انف ّكت قصائدُ نا ُ زمن كهذا “فقل السالم عىل الثقافة والحجا/ فالجهل يف ٍ تنحرص يف ما تك ّر ُرهُ األيا ُم ُ أجد ُر” ،فيجيبه صاحبه أبو النرص برتداد “فقل ُ األمان عىل فلو رصفنا عن التكرار وجهتها حلك الليايل ُينظ ُر” ،كأنّهام الثقافة والحجا /فالبد ُر يف ِ إىل مضارب من يف طرفها حو ُر يغرفان من معني الكالم نفسه ،ويعبّان من ماء القصيد حيث املها حولها ميرحنَ يف جذلٍ عباًّ حتى الرواء ،يف ما يشبه انسياب املعنى إىل قلبيهام معاً ،يقول احدهام فريد اآلخر مبا يكاد يشابه قوله ،أو هو كأ ّنهنَ عقو ُد الدُّ ِّر تنت ُرث من كل سمرا َء ْ واصفها أعيت نطقَ ِ ما غفل عنه األول فتذكره له الثاين ،يرد أبو النرص عىل حتّى ولو أ ّنه الطا ُّيئ أو عُ م ُر”. قصيدة أبو شهاب قائالً: ويرق بينهام ٌ غزل بها ،هذه األنثى التي اتحد الشعراء “أما ُ الغثا ُء وإن تكاثر فارتضت يف وصفها ،واتفقوا عىل مديح حسنها وجاملها ،ولكنهم ٌ ن َ رش ُ صحائف أو من ُرب الغثاء اختلفوا يف نصيبهم منها واختلفوا عليها ،ويكون موع ٌد فالصق ُر ُيفر ُد بالتواج ِد واحداً ٍ شفيف عفيف ،فيه من اإليحاء الكثري ،يقع فيه لغز ٍل أما ال ُب ُ غاث من الطيور فتك ُرث”. ويف مقامٍ آخر ،يلتفت الشاعران إىل قضية الشعر مجددا ً، وكان مل يكفهام ما قااله فيها من ٍ حرص ومساجلة و ٍّد تربز وحدة الرأي والحال ،فهنا األزمة أكرب واملأزق أكرث عمقاً، حني يصري معدن الشعر حديدا ً يصدأ ،ويغيب املعنى األصيل يف مشهد الزيف املزدهرُ ، يقول أبو النرص:
“يا روض َة الشع ِر إين اليوم سائل ُه عن معدنِ الشع ِر ت ٌرب ذاك أم دُر ُر إن كان ترباً فام ُ بال الحديد ُيرى ُ وينترش يف ساح ِة الشعر يكسوها أو كان د ّراً بجوف البح ِر مسترتاً ما بال من بالثرّ ى يغرتُُّ ،يشته ُر؟ أم هل ُترى العيب يف ميزانِ ناق ِد ِه ُ فالزيف يزده ُر”. ال صري ٌّيف ُيرى
وأمام ازدحام املقالة الشعرية أليب النرص باألمل والحرسة، يستنهض الشاعر أبو شهاب همة شعره وقصيده لري ّد قليالً عن صاحبه ،ويخفف عنه بعض ه ّمه ،فيستفزه هذا الحشد وهذا الكم من األدلة عىل الزيف الحاصل ،التي يسوقها الشاعر أبو النرص يف سياق الحديث عن حال الشعر ،كأن يسائل روضة الشعر عن معدن الشعر “ت ٌرب ذاك أم دُر ُد .إن كان تربا ً فام بال الحديد يُرى يف ساحة رش ،أو كان د ّرا ً بجوف البحر مسترتا ً، الشعر يكسوها وينت ُ ما بال من بالرثى يغ ُّرت ،يُشته ُر ،أم هل ت ُرى العيب يف ميزان ناقده” ،ير ّد عليه حمد أبو شهاب قائالً:
122
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الشاعر حني تبوح بالرس العيون ،ويقع الشاعر يف العشق صاب بجنونه ،فينظم أبو النرص قصيد ًة فيحرتق بناره ،ويُ ُ مطلعها:
“ ّمنت عن الوج ِد الشؤون وباح بالسرِّّ العيون من ذا يلو ُم العاشق َ ني سوى ُ األىل ال يعشقون مسهم ُ بعض الذي لو ّ ملسهم الجنون”. ُذقنا ّ
ويجيبه أبو شهاب بقصيد ٍة مطلعها:
“ر ّفت َ رفيف الياسم ْني َ ْ الجفون أهداب عليك ُ ر ّفت مسامل ًة َ رفيف األقحوان ِة يف الغصون”.
يتحد الشاعران يف حال العشق ،وتتداعي املفردات نيئ ًة شهي ًة عىل لسانيهام ،فتسيل كام العسل عىل شفاههم، ِ مبفردات الوجد والغواية الشاعرة، ويتل ّون به كالمهم وتصبح هي األنثى يف نظر الشاعر حمزة أبو النرص مسحت عىل صخ ٍرَ / ْ متايل فاعل ًة بالسحر ،فهي “ر ّيا إذا
وشوشت غايف الزّهور /تفت ْ ْ ّقت منها ُفتون، كالغصون /أو ً ً وتصبح يف نظر حمد أبو شهاب فاعلة أيضا بالسحر، َ “ولو أنها ْ لسقاك ساقي نظرت مغاضب ًة /يدّللها ال ُفتون/ َ كأس املنون” جف ِنها /من جفنها َ
شعر وطب
العالج بالشعر السري وجع الوتر ّ
ليس الشعر مجرد إيقاع أو متعة أو ما إلى ذلك بالنسبة لقارئه أو لكاتبه ،بل هو أيضا عالج ومساحة جديدة وفسيحة يمكننا من خاللها الخروج من مكان إلى آخر ومن حالة إلى أخرى .
بييري ج .لونجو
issue (8)- January - 2013
123
شعر وطب
منذ عام 1991وأنا أتوىل إدارة مجموعة تعنى بفصول قراءة ويف النهاية فإن النتيجة تكون متشابهة عىل األغلب .وبعد وكتابة الشعر يف مركز «سانكتوري» للمعالجة النفسية ،وقد ذلك كله فإن مصدر كلمة عالجالتي تعني متريض الشخص بدأ اهتاممي بهذا الحقل منذ زمن طويل ال أذكره ،قبل أن ومعالجته « »therapyالتي تعني املعالجة بواسطة الرقص، الغناء-therapeia ،هو الكلمة الالتينية ،الشعر ،الدراما اعرف أن هناك ما يدعى ب»العالج بالشعر». وبقية الفنون التعبريية . خالل سني كتابتي للشعر مع مختلف املجاميع ،بت أشعر بانتامء متزايد نحو املكان املجهول الذي يأيت منه الشعر «الذي أحب أن أسميه املكان الرسي». تأريخ املعالجة بالشعر وال ميكن حرص إحدى فوائد قراءة الشعر وكتابته يف قابليته رغم أن استعامل الشعر كعالج يبدو حديثا نسبيا بني عىل متييز األنا فقط ،وإمنا بتعزيز قوتها كذلك .وذلك أمر الفنون التعبريية ،فإنه قديم قدم الرتاتيل األوىل التي كانت مهم إن أردنا أن نصبح جزءا من العامل. تنشد حول النار التي كان البرش البدائيون يوقدونها. هذه العملية تعزز انتامءنا اىل الجزء األروع من ذواتنا ،إىل الرتاتيل ،األغاين ،القصيدة هي ما يقوم مبداواة القلب كل ما هو شمويل وحسن وجميل .وعندما نشعر بأننا مل نعد والروح ،وهذا ماتقرتحه كلمة (سايكولوجي ) – تعني الروح معزولني عن العامل ،وأننا جزء منه ،جزء مندمج مع مكوناته psyhe logosووتعني الكالم او الكلمة.ويف االسطورة جميعها ،فإن احرتام الذات لدينا سينمو . يخرب أوسينوس بروميثوس «الكلامت هي طبيب العقول الخرب األعظم هو أننا اكتشفنا أننا ابطال وبطالت االساطري املريضة» .ورغم وجود ما يشري إىل وجود طبيب روماين القدمية ذاتهم ،ومن خالل كتابتنا لذواتنا فإننا نجعلها متتد هو سورانوس يف القرن األول امليالدي ،وقيامه بوصف اىل الحارض ،ونعزز خلق اساطري جديدة ّ تدل علينا . الشعر والدراما ملعالجة مرضاه ،إال أن الرابط بني الشعر بعض أعضاء املجاميع الشعرية يف مركز العالج النفيس والطب مل يتم توثيقه بشكل جيد .ومن املهم أيضا عىل أية ظلوا متواصلني لعامني أو ثالثة اعوام .وكانت قصائدهم حال التنويه إىل إن أول مستشفى يف املستعمرة االمريكية تطبع وتضاف إىل دفرت املالحظات اسبوعيا .بعضهم صار للعناية باالمراض العقلية كانت مستشفى بنسلفانيا التي لديه عدة مجلدات .وقد بدا يل رضوريا أن اقوم بحفظ أنشأت عام 1751من قبل بنجامني فرانكلني ،وقد وظف عند قصائدهم ،وتوثيقها ،ألن ذلك يسهل لهم االستمرارية العديد من األساليب يف معالجة املرىض ومن ضمنها القراءة، تنقلهم من مكان إىل آخر.وعندما بدأت هذه الفعالية الكتابة ،وطباعة كتاباتهم يف صحيفة تدعى «املنري» . سألت املشاركني عن مشاعرهم ،حني حصلوا عىل ابداعهم العالج بالقراءة « »bibliotherapyيبدو مصطلحأكرثبهذا الشكل. شيوعا من مصطلح العالج بالشعر مايشير رغم عيل مييل كان الذي أحد الشباب الذي أصبح مألوفا يف الستينات جميع كلامته ،قام باحتضان الكتاب إلى وجود طبيب روماني والسبعينات والذي يدل معناه إىل قلبه قائال :أشعر أنني اصبحت ذا الحريف عىل استعامل األدب يف النفع القرن في سورانوس هو شأن يف نهاية املطاف.من الرضوري او املساعدة». وقيامه الميالدي، األول هنا اإلشارة اىل أن التعامل مع فرويد كتب مرة «لست أنا ،بل هو الشعر كعالج أمر فردي يعززه منو بوصف الشعر والدراما الشاعر الذي اكتشف الالوعي»، الشخصية ،بينام تكون القصيدة وقد قال يف وقت آخر «العقل عضو مرضاه، لمعالجة ذاتها بؤرة للشعر كفن .لكن كليهام لصناعة الشعر» ،والحقا كتب عدد الشعر بين الرابط أن إال يستعمالن األدوات ذاتها :اللغة، من الباحثني من أمثال أدلر ،يونج اإليقاع ،الصوت ،الكناية والصورة والطب لم يتم توثيقه ،اريتي وريك عن مقدار العلم الذي اليصال املعنى. يجنى من دراسة الشعراء.
بشكل جيد
124
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
issue (6)- November - 2012
124
العالج بالشعر
«أنا اعتقد أن القصيدة بناء عاطفي فكري يهدف إىل مالمسة عقل القاريء ،وذلك يعني أنها تهدف إىل أن يتم اختبارها من قبل القاريء ،وأعتقد أن القصيدة نافذة تصل بني أكرث من شخص يعيشون يف غرفة مظلمة ،وكذلك أعتقد أن القصيدة ضجيج ،وهذا الضجيج يتخذ شكال معينا». «ستيفن دوبينز »1997 االقتباسات أعاله تشمل بعض سامت العالج بالشعر التي ارشت إليها يف بداية املقال .أغلب الذين انتموا إىل املجموعات العالجية مل يكتبوا الشعر ابدا ،وإن فعلوا فإنها محاوالت غري ناجحة وشعروا أنهم غري ناجحني وتنتابهم ويعترب اييل جريفر وهو صيدالين ومحام ،أول من بدأ رغبة يف مغادرة املجموعة .من املهم التوضيح أن ليس العالج بالشعر يف مستشفى مقاطعة كريدمور يف نيويورك عليهم أن يكتبوا ،إنهم فقط بحاجة لالنضامم للمناقشات أحد مبساعدة مجموعة من االختصاصيني النفسيني ،ثم قام عندما يكونون جاهزين .ومن املهم أيضا اإلشارة إىل أن الذين آزروا تجربته وهو الدكتور جاك ليدي بطباعة أول املجموعة ليست صفا مدرسيا وليس هناك درجات أو إعادة كتاب يف هذا املجال وأسامه «العالج بالشعر» ،وذلك عام تحرير ،إال إذا أرادوا هم أن يفعلوا ذلك بنصوصهم ،إنها .1969وقد تضمن الكتاب مقاالت كتبها العديد من الرواد فضاء غري خاضع للنقد وإمنا الكتشاف الذات والتعبري عنها، يف هذا املجال .وشيئا فشيئا أخذ الناس يقومون مبساعدة وبعد ذلك كانت البداية. ذوي االختصاص لتمكينهم من ادخال الشعر كعالج عىل يف كل جلسة ،يتم عرض قصيدة ،ويعتمد اختيار عنارص شكل مجموعات.ومن بني هؤالء كان آرثر لرينر الربوفيسور القصيدة عىل علم «العالج باملوسيقى» الذي يستمد تأثريه الذي قام بتأسيس معهد املعالجة بالشعر يف السبعينات يف من العنارص املوسيقية ،وذلك يعني إن انفعاالت القصيدة، الساحل الغريب ،وألف كتاب «الشعر يف التجارب العالجية» .هي ذاتها التي يرجى منها أن تستويل عىل مزاج املجموعة. وأخريا يف عام 1980تم عقد لقاء لجميع الناشطني يف فإذا كانت الكآبة هي املزاج املهيمن ،فإن قصيدة عن الكآبة هذا املجال يف أنحاء البالد لصياغة دليل للتدريب ومنح ستكون مفيدة ،مادامت فيها أبيات تعكس األمل والتفاؤل. الشهادات يف مجال العالج بالشعر وتأسيس مايسمى اآلن »وتبدو هذه القاعدة مريحة ،ألنها تسمح للمشاركني أن «الجمعية الوطنية للمعالجة بالشعر» يدركوا أنهم اليعانون مبفردهم ،وإمنا هناك من يتفهم معاناتهم ،ألنه خرب املعاناة وكتب عنها ،وقام مبشاركتهم عنارص الشفاء يف الشعر احساسهم باليأس» « /ليدي _.»1985 «الشعر هو استجابة ذواتنا األعمق إىل النشوة ،األمل املربح ويستطيع املرشف أن يبني سببا ألختيار القصيدة لذلك اليوم، والعناق الحميم مع غموض الحياة ،إنه أغنية أو تنهيدة أو أو ينتظر حتى يقوم أحدهم بقراءتها ،ثم يفسح املجال بكاء وغالبا مايكون جميع هذه العنارص» للمجموعة يك تقرر إن كانت تتضمن شيئا ميكنهم التفاعل «تشارلس انجوف »1994 معه ،غالبا ماتتم قراءة القصيدة مرتني من قبل واحد أو «يكتسب الشعر صفته اإلنسانية ألنه يقوم بربط اإلنسان اثنني من األعضاء ،األمر الذي يجعل اإليقاع – موسيقى بجوهر خرباته ،إنها كلامت اآلخر التي الميكن ألي شكل من القصيدة – يتغلغل اىل عقولهم ،ويقوم باحالل الرتكيز بديال أشكال التوصيل أن يقوم بها .الشعر كذلك يخفف غلواء عن الفوىض يف التفكري. العزلة التي نعيشها جميعا». عادة ما يتبع القراءة صمت ،يقوم خالله املشاركون «مريا كوهني ليفينكستون» باستكشاف حقل الحروف كام لو أنه بحرية أو مرج أخرض issue (8)- January - 2013
125
شعر وطب
126
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الرسومات :جورج كوندو
يف محاولة الستيعاب املشهد .الصمت مينح املشاركني فرصة لتنفس الصعداء ،مثلام مينحهم فرصة ملناقشة األبيات والصور الشعرية التي تلفت انتباههم ،ورمبا استسرصختهم كلمة واحدة .ورمبا مل تنل القصيدة اعجابهم مطلقا .وقد يثريهم غموض القصيدة ،فهم يحبون أن يسألوا عام تعنيه، ونحاول االستجابة لتساؤالتهم من خالل توضيح االحتامالت املمكنة وليس بالرشح املبارش لها ،وهذه االحتامالت تصبح طريقا واسعا لرؤية االشياء بطريقة جديدة ،حتى مع املأزق الذي ميكن أن تضعهم فيه. ويرضون يسمعون فانهم رأي، من ومهام كان لهم أو مل يكن يحرك الرضيع قدميه بإيقاع منتظم دومنا فكرة ،منطلقا من مباسمعوا ،واليصدرون األحكام مطلقا .ويجب أن التحتوي تناغم األصوات الذي مينحه هذه الخربة ،كذلك فإنه يغمغم القصيدة عىل قافية ولكن يجب أن تحتوي عىل إيقاع .وقد ببعض الحروف ويقوم بتحريك يديه بحثا عن الطعام لدى اكتشفت أن الناس عندما يتحدثون من قلوبهم ،فغالبا أمه ،من خالل تكرار تلك الحركات. مايكون هناك إيقاع رقيق يف ثنايا كالمهم. مثة متعة التناوب يف الظهور واالختفاء يف لعبة اختالس »اإليقاع يأيت يف أشكال متعددة يف القصيدة ،وغالبا ما يحمل النظر التي متارسها األم مع رضيعها .فإمكانية أن تكون شاعرا معه مشاعر مكبوحة متداخلة مع فوىض األحداث الداخلية موجودة بشكل طبيعي يف نظام حياتنا ،وهي مهمة املدربني والخارجية يف التجربة الشخصية»«مريلو .« 1985 لجعل املشاركني ميارسون حقهم املكتسب يف اصطياد آخر، اىل مكان وغالبا مايسهم اإليقاع يف حركة املشاركني من أفكارهم والقيام بكتابتها ،أو أن يتطوع أحدهم للقيام ويزيد من خشيتهم من الوقوع يف املشاعر التي تسبب لهم بكتابتها بالشكل املرسوم يف مخيالتهم. التعب أو األمل أو السلوك االنسحايب. الشكل عنرص مهم يف القيمة العالجية للشعر ،أحيانا عندما غالبا مايقوم اإليقاع بإزالة التوتر عن املجموعة ،ويتأىت يكون املوضوع املتداول مخيفا جدا ،فإننا نقوم برسم ذلك معينة، اإليقاع من وقع الكلامت والقيام بتكرار أصوات صندوق يف وسط الصفحة ونحيطه بكلامت محددة يف التكرار الذي يأخذ شكل املنوم املغناطييس الذي يساعد الفراغ املتبقي .االنفعاالت لن تركض بشكل عشوايئ يف هذا عىل خلق «املنطقة الرسية» « /الجرس اىل الالوعي» ،حيث الطريق ،ولكن تتم حاميتها باطار محدد ،تبعا ألوامر الشعر. املكان الذي تنبع منه القصيدة .وكلام كانت هناك استجابة يف الشعر الحر ليست هناك قيود الصدر والعجز واألبيات من املشاركني إىل الجانب الرقيق يف القصيدة كلام كانت الرباعية وليست هناك قافية ,لكننا النزال نرى الشعر قامئا رؤيتهم لها أعمق ،األمر الذي يجعلهم يحادثون بعضهم، عىل الشكل واملظهر ،ونستطيع أن نقرضه عىل سجيتنا وذلك ما يؤدي اىل كرس وأمناط تفكرينا املرتبطة باإليقاع والصور التي يعتبر ايلي جريفر أول العزلة ،فالقصيدة التأخذهم تأيت بشكل تصاعدي « .الشكل يصنع الرتتيب بالشعر العالج بدأ من إىل التامس مع موسيقاهم خارج االضطراب ،والتناغم خارج النشاز، الداخلية ،وإمنا تقوم بتعزيز ثم قام أحد الذين آزروا والنظام خارج الفوىض» « /هنينجر _ »1994 اتصالهم ببعضهم ايضا. تجربته وهو الدكتور عندما يتم التعبري عن املشاعر الجياشة يعرف الشاعر دونالد هول بطريقة مقبولة وآمنة ،فإن تلك األحاسيس أول بطباعة ليدي جاك أنها لإليقاع»:عىل املتعة األصلية تخمد .إنه انعتاق كبري ومتعة عظيمة يف األصل ،وهي كام يقول األصل كتاب في هذا المجال مشاركة اآلخرين الذين يشاركوننا االنتامء، النفيس للشكل الشعري «. وأسماه العالج بالشعر فذلك أمر يعيد إلينا التوازن.
العالج بالشعر
الشعر هو اللغة ،واللغة هي ما يفعله اإلنسان بالهواء، تذكرت ذلك حني قام أمرييك أصيل بالتحدث معي بلغة الشريويك ،والتي تبدو مخارج الحروف فيها شبيهة بصوت نقار الخشب لكرثة ترديد حرف الكاف فيها. تعريفنا للكلامت هو تعريف لذواتنا ،واستعاملنا لها تعريف لذواتنا أيضا ،وعندما نتعاطى معها كام نتعامل مع قطرات املطر ،نستطيع أن نحصل عىل زوبعة صغرية أو كبرية ،ونخلق تكوين حياتنا الداخلية. كتعبري عن أحاسيسنا ،يطرح الحزن تسلسال طويال من الحرف «و» يف قصيدة النجستون هيوز «الزنجي يتحدث عن االنهار» ُ : عرفت األنهار /عتيقة كام العامل /وأقدم
األصوات يف القصيدة «اوليفر »1994مشرية اىل أن لألصوات أثرها يف القصيدة وإن بدا غري محسوس يف مايشبه املقالة التي تحمل عنوان «غنها بشكل خشن» تقول الشاعرة تيس غاالفر عن كتابة الشعر: ليس هناك أكرث أهمية من القلب ،حيث هناك العاطفة والرصاع ،ويأيت ذلك غالبا من خالل االصطدام بالتدوينات املزعجة وعدم االكتفاء بخلق املوسيقى الجميلة ،وتستشهد بقصيدة للشاعر تشيل ماكونيل:
ميكنك أن تغني بشكل عذب وتحصل عىل االنشودة غري أنك يجب أن تغنيها من دفق الدم البرشي يف األوردة /روحي امتدت عميقاً بشكل قاس كاألنهار لتحصل عىل البعد الثالث لها ويف القصيدة ذاتها هناك البيت «بنيت كوخي قرب اجرح النغمة قليال الكونغو وهدهدتني ليك أنام» الذي يستعمل االصوات ضع فيها ما يكفي من القوة االنتباه الالذعة .ذلك يسمح للروح بالجريان ،ذلك يلفت التي تجعل العزف ّ يزل قليال للصوت الذي يحمل القلق ،الغضب والرصاع. وبعد ذلك كذلك فإن امرأة تستطيع الكتابة حول فقدان طفلها يف فإن شيئا ما سيحدث قصيدة معربة عن أملها وحزنها من خالل األصوات املوجودة ستغدو األغنية أعظم.
يف حروف العلة ،وعن غضبها من خالل الصالبة املوجودة يف يف كل مرة أغادر مجموعات العالج بالشعر ،أكون محمال الحروف الصحيحة . بعدد هائل من األغنيات التي يغنيها األعضاء ،شفاهية احدى هذه القصائد التي يقتبس منها دامئا يف األدب ومكتوبة مع تفاصيل ماحدث خاللها. االمرييك ف�يإشارة إىل عبقرية كاتبها وتعدد األصوات فيها فقد كانوا يتمتعون بالشجاعة التي وصفها غاالفر ،رمبا هي قصيدة «روبرت فروست» « /الوقوف عند الغابات بسبب تركيزهم عىل العاطفة أكرث من تركيزهم عىل الصنعة يف مساء ثلجي» ،وهي تستعمل ضمن الشعر ذي األغراض وعدم استسالمهم للمجهود الذي تحتاجه الرباعة يف الكتابة. العالجية ،من خالل الرتكيز عىل قصدية االرصار عىل الرحلة كان هناك اندفاع طبيعي نحو النجاة ،وكانت اللغة وأصوات مهام كانت قسوتها ،مهام كانت برودة الطقس ،وكم هو الكلامت هي األدوات التي ساعدت عىل تحقيق ذلك مغر التلبث يف الغابات «فاتن ،وغامض وعميق». ماري اوليفر ناقشت ذلك يف أحد مؤلفاتها جامل تكرار ترجمة :عبود الجابري
بييري ج .لونجو طبيبة وشاعرة أمريكية ،متتهن املعالجة بالشعر ،أصدرت ثالث مجموعات شعرية: استنزاف األرض ،عزلة الريح،اليشء خلفنا سوى السامء .حازت عىل جائزة سانتا باربارا للشعر ،تشغل منصب رئيسة الجمعية الدولية للعالج بالشعر.
issue (8)- January - 2013
127
شعر وباليه
«زوج الحمام»
حياة «الفونتين» في الباليه باليه «زوج الحمام» مستوحى من قصيدة شعرية للشاعر الفرنسي «الفونتين» .وهو يعتبر من أكثر الباليهات سحرًا وعذوبة وتداخال وصلة وتأثرا بعوالم الشعر ،وأقربها إلى قلوب محبي فن الباليه
احمد هريدي
128
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الفونتين
« يف العش الهادئ بني أغصان شجر البلوط الضخمة الحبيبة األنثى والحبيب الذكر ،يجمع بينهام الحب. ما الذي يشغلك أيها الحبيب؟ سوف لن ترتكني وترحل؟ ثقيل الوطأة عىل قلب املحب هو الفراق واملجهول واألخطار هناك يف البلد الغريب. ال تبيك ،سأعود ومعي حكايا مسلية وقصص كثرية سأقصها عليك ،وستضحكني لها كث ًريا. الجناح كسري ،والرأس إىل أسفل يعود املهاجر من أقرص طريق إىل الوطن والحبيبة وإىل شجرة البلوط يلعن حامقته. أية إحباطات وآالم تحجب عنا الفرح واملرسات؟»
« الفونتني» issue (8)- January - 2013
129
شعر وباليه
على
مرسح دار األوبرا الوطنية يف «كوفنت املتوهجة ،ليضعهام بفرشاته عىل سطح اللوحة العبقرية جاردن» بلندن ،قدمت فرقة «سادلرز املرتقبة ،يفكر الفنان يف الرحيل والهجرة. ويلز» للباليه عرض «زوج الحامم» للموسيقي الفرنيس «أندريه ميساجيه» ( ،)1929 – 1853وملصمم الرقصات إىل النافذة يشخص الفنان ببرصه إىل البعيد .الحبيبة تلفت نظره إىل الحامم يف الربج القريب من املرسم. اإلنجليزي «فريدريك آشتون» .عرض باليه «زوج الحامم» ألول مرة عىل مرسح أوبرا باريس يف 18أكتوبر تومئ له أن أزواج الحامم سعيدة بالحب الذي يربط بني كل زوج منها .الحبيبان يتمثالن الحامم ..يقلدان ،1886وكتب له السيناريو «هرني وجنيه» ،وصمم سلوكه يف الغزل ..يهزان أكتافهام وذراعيهام ..يرضبان رقصاته «لوي مريانت» .وأول عرض لهذا الباليه يف كوفنت جاردن بلندن ،قدمته فرقة الباليه امللكية «ذي بأقدامهام رضبات خفيفة ناعمة يف الهواء يف انسجام مع موسيقى «ميساجيه» الناعمة املرحة الشجية. رويال باليه» إىل النافذة املغطاة بالنباتات املتسلقة ،ينظر الرسام إىل عام .1961 البعيد نظرات حاملة ..تفشل الفتيات صديقات الحبيبة ترتفع الستائر الحمراء القرمزية ملرسح دار األوبرا يف رقصتهن املرحة يف إخراج الحبيب من مشاعر اليأس امللكية عن رسام شاب يقف متأمالً أمام لوحة رسم. واإلحباط التي يرتدى فيها. الفرشاة يف اليد واأللوان إىل جانب الحامل الخشبي. فجأة تنبعث من املوسيقى نغامت قوية حية وثابة.. الرسام يلقي بنظراته إىل وجه الحبيبة «املوديل» الجالسة أمامه .تشكل فرشاته الخط املستقيم واملنحني الغجر قادمون ..رقصاتهم مفعمة بالحرارة والعفوية والتلقائية ،وحركاتهم طليقة نشطة ..نفوسهم مجبولة واملنكرس ومساحات الظل والنور .املوديل يف مقعدها عىل الفطرة ..يعيشون يف قلب اللحظة الحارضة.. تتململ، يعترصونها ويرتشفونها إىل آخر قطرة. ال تقوى عىل املكوث يف ثبات وسكون ..يثور الرسام الفتاة الغجرية ترقص ..تقفز يف الهواء ..خطواتها ووقع ويقذف بالفرشاة بعي ًدا. أقدامها بركان ثائر ..الذراعان ،والكتفان ،وكالم العني القلق وامللل وعدم الرضا ،وتوقف الحركة ،ورخاوة الزمن ورداءته ،والنباتات املتسلقة تسد النوافذ ،والنور والحاجب ،وإمياءات الرمش الكاحل ،تبعث الحياة وتشعل جذوة الفن يف روح الرسام يختنق، الشاعر ..تتفتح للفتاة الغجرية والظل يتسيد املكان ...تزداد يعتبر باليه «زوج براعم متوحشة كامنة يف نفس جهامة الصورة أمام عني الرسام الشاعر ..انه العشق لحياة الفنان .يتوقف الفنان عن الحمام» من أكثر الربية والتوق إىل ما يف الطبيعة من تعاطي الفن الجميل تاركًا ا ر سح الباليهات ً حس صادق وفطري ووحيش. الساحة لألدعياء .سوق الحب وعذوبة واقترا ًبا من الحبيبة الجميلة الرقيقة تبيك.. ميتلئ بالتجار والرقيق ،ويعلو تتوسل بدموعها ..لكن الحب الكبري النشاز عىل كل النغامت عالم الشعر ،وأقربها الذي جمعهام وحده ليس بقادر الطيبة وعىل صدق الكالم. فن محبي قلوب إلى عىل أن مينع الحبيب من الرحيل إىل يف رحلة البحث عن الهواء ، عامل أكرث حرارة وتلقائية. النقي والنبض املتدفق والدم الباليه يف املشهد األول من الفصل الثاين، الحار ،وعن اقتناص الحركة خيام الغجر منصوبة يف حضن املتفاعلة املتوترة واللحظة
130
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الفونتين
الطبيعة البكر .يرقص املهاجر مع الفتاة الغجرية التي تدنيه منها حي ًنا وتصده وتبعده حي ًنا آخر .زعيم الغجر ال يقبل بوجود الغريب بينهم .والعاصفة عىل األبواب ،يظلم الجو وتتساقط األمطار وينسحب الغجر داخل خيامهم ،وال يجد املهاجر املأوى وامللجأ ،بعد أن خرس كل ما ميلك يف لعب الورق أمام الغجر. يعود بنا املشهد الثاين من الفصل الثاين إىل املرسم .الحبيبة متأملة مستوحشة حزينة ،ترنو ببرصها إىل البعيد ..إىل األرض التي تحمل حبيبها املهاجر ،تنتظر عودته إىل العش ،تصيخ السمع إىل وقع قدمي الحبيب العائد عىل درجات السلم. بعد رحلة البحث واالكتشاف ،يعود الفنان إىل الوطن والحبيبة ،يعي التناقضات التي كادت أن تودي به، ويدرك سبب الخراب الظاهر يف صوره ورسوماته القدمية ،التي تومئ إىل األصل املنهار الضارب فيه السوس والعفن ،إنها العودة الفتية الشابة إذن ،يف خطوات واثقة ثابتة، والرأس إىل أعىل. الحركة عىل املرسح قوية يف حنان ،والنغمة األساسية الصادرة من األوركسرتا فرحة ،تتناثر من حولها تنويعات لحنية حزينة خافتة ،واملوسيقى ترتفع نغامتها العذبة مشيعة يف أجواء املكان عبق الحب وعطره الناجي، تقرتب دائرتا الضوء يف تالق فريد أخاذ .االثنان يف واحد.. املوسيقى ،اللغة العذبة تحيك وتحاور وتعلق .زوج الحامم يف دعة وألفة يقرتبان من بعضهام ،يعود الدفء إىل العش املهجور. يعترب باليه «زوج الحامم» من أكرث الباليهات سح ًرا وعذوبة واقرتابًا من عامل الشعر ،وأقربها إىل قلوب محبي فن الباليه ،كام يعد من أهم أعامل مصمم الرقصات اإلنجليزي «فريدريك آشتون» ذات الطابع الشعري .عربت الرقصات كام أراد لها «آشتون» عن الطموحات واألحالم واإلحباطات
التي متور يف نفوس الشباب الصغري دون إغراق يف العاطفية ،وأفصحت كذلك عن مشاعر املحبني يف رقة وشفافية وسمو. يف تدرج محبب ويف إتقان تام ،كشفت راقصة الباليه «ماريوت تيت» عن دخائل وخلجات نفس الحبيبة املرحة ذات االبتسامة الكبرية ،التي تناضل السرتجاع حبيبها .وأجاد «كارل مايرز» يف رسم دور الشاب الصغري الباحث عن حب أكرث توق ًدا، وعن الحياة يف بدائيتها وبراءتها األوىل، والذي يعود إىل حبه األول أكرث فهماً وإدراكًا لصدقه وحقيقيته ودميومته ،كام نجحت رقصاته الفردية يف الكشف عن حالة الرصاع داخل نفسه ،وعن الغنائية الشعرية املحلقة التي تدخل يف نسيج العرض. جسدت «مارجريت باربريي» برقصاتها املتوهجة وتعبريات وجهها ونظرات عينيها وباملالبس املبهرة املوشاة ،حياة الغجر بكل عنفوانها وبهجتها وعاداتهم وطبائعهم، التي مل تهذبها قيود أو أعراف أو قوانني املدن الزائفة، واستطاعت أن تحفظ للخيط الدرامي توتره وتصعيده. كام أثرت العرض وساهمت يف النجاح الكبري الذي حققه، تصميامت املالبس واملناظر لـ»جاكوز دوبونت». مشهد رقصة الختام الثنائية ،والحبيبان يلتقيان بعد فراق، من أجمل مشاهد الباليه وأكرثها توه ًجا وتألقًا وغنائية. الحبيبان يعيشان فرحة اللقاء .ترتجم املوسيقى كالم الحب. ويف فضاء خشبة املرسح تحلق الحاممة األنثى وتحط عىل املقعد .من الناحية األخرى يأيت ذكر الحامم محلقًا ليحط إىل جانب أنثاه الحبيبة. تقول مصممة الرقصات «دوريس همفري»« :ليس هناك ما يكشف عن داخل اإلنسان بوضوح أكرث من الحركة واإلمياءة ،فمن املمكن للمرء أن يختفي أو يرايئ خلف الكلامت ،لكن اللحظة التي يتحرك فيها ينكشف أمر املرء وتبدو حقيقته ،خبيثة كانت أم نبيلة»
issue (8)- January - 2013
131
نقد
الشعر األمريكي قصيدة االستكشاف االستعماري تبرير ابادة شعب الهنود الحمر لم يقف عند حدود النظريات السياسية العنصرية ،بل تعداها الى الشعر ،فهناك العديد من القصائد التي تغنت بفتوحات االنسان االبيض باعتبارها عمال حضاريا
د .صديق محمد جوهر
إن قصة أمريكا تبدأ مع أول استكشاف وارتياد للغرب األمرييك ،مع تلك الرحلة غربًا التي قيض للمستع ِمرين األوروبيني خاللها أن يكتسحوا الرباري القاحلة يف غرب أمريكا .ويرتتب عىل ذلك ،أن عملية االستكشاف واالرتياد هذه تعد جز ًءا ال يتجزأ من صميم التاريخ والثقافة األمريكيني ،وترتبط ،منذ بدايتها البعيدة الضاربة يف أعامق السنوات األوىل من القرن السابع عرش ،ارتباطًا وثيقًا بحياة األمريكيني،عىل نحو أو آخر ،إىل يومنا هذا. واملقصود باستكشاف الغرب يف الثقافة األمريكية هو 132
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
وصف منطقة حدودية ،أو فَلْ َنق ُْل :أبعد النقاط الحدودية، أو هو ذلك الرشيط من املستع َمرة املتحرضة أو تلك البقعة من األرض التي يواجه فيها املستع ِمرون األمريكيون الربية القاحلة ،وأقىس ظروف الوحشية والهمجية التي يجسدها الهنود الحمر ،سكان الغرب األمرييك . إن املستعمرين األوروبيني البيض هم من اختلقوا وروجوا هذه الصورة الهمجية للهنود الحمر هادفني من وراء ذلك إىل إيجاد املسوغات واألسباب والحجج التي يتوخون منها تسفيه ثقافة الهنود ،وتهميش السكان األصليني
قصيدة االستكشاف
ألمريكا ،وزحزحتهم حتى يتقوقعوا يف أقىص أركان الغرب األمرييك مفسحني املجال أمام التوسع االستيطاين األورويب. لقد أمست صورة الهنود املتوحشني عدميي الحضارة التي روجها األدباء األمريكيون املوضوع املركزي يف أدب الغرب األمرييك كام يجسدها االقتباس التايل من امللحمة الشعرية التي دبجها الشاعر األمرييك دانييل برايان ،الذي عاش خالل القرن الثامن عرش ،وهي امللحمة التي تتخذ من األقوام الهنود الذين كانوا يسكنون القفار القاحلة ملنطقة كنتايك موضو ًعا لها: حيث ال يشء هناك سوى الوحوش والهنود املالعني يعيشون ويرتعون يف طول وعرض هذا الخراب املمتد ال يشء هناك سوى الوحشية واملوت والخزعبالت التي اجتمعت ثالثتها وبسطت ظلها الكئيب وسلطانها املخيف تظهر هناك املالئكة الحارسة ُرسل الرحمة واإلصالح مبا متلكه من سلطة النبوءة النافذة والنظرة الثاقبة ترى من خلف ال ُح ُجب ما لهذه األرض املمتدة بال نهاية من مستقبل واعد تتشوف لحظة الحسم حني يعتدل ميزان القدر الذهبي العادل فتعلو باعتداله قيم الحرية والعلم والحقيقة اإللهية وعندئذ يتسنى ليد الحضارة أن مت َّد أناملها حاملة بقوة وجسارة كل ما من شأنه تقويم كل اعوجاج وترقيق كل وعورة بىل ....بىل يا صحبة التنعم بالربكة لسوف نق ِّوم اعوجاج أولئك الهمج الربابرة من قاطني الغرب
رشا أسوياء» . ونسمو بهم جاعلني منهم ب ً
ثنائية الهمجية
وهكذا ،ال ترى القصيدة يف الهنود الحمر سوى أنهم «وحوش» يتصفون بكل معاين «الفظاظة» والهمجية. وعىل خالف تلك الصورة القامتة للهنود ،تصور القصيدة املستع ِمرين األوروبيني باعتبارهم رسالً ملهمني ،وحراس حضارة كرستهم العناية اإللهية للخروج بالهنود من ظلامت الجهل والخزعبالت إىل نور التمدن والتقدم؛ فليست مهمة املستعمرين الرئيسة إال نرش العلم ،ورفع ألوية الحرية ،وإرساء القيم الدميقراطية ،وحمل مشاعل التمدن وأنوار اإلنسانية إىل أمريكا التي طاملا دنسها الهنود الهمج املتوحشون. وبناء عىل قصيدة برايان ،فإن املستعمرين البيض الذين استعمروا أمريكا ،قـد أدركوا عىل وجه اليقني ما بني الهمجية الهندية والتمدن األورويب من هوة واسعة. وهذه الهوة املزعومة ،هي ذريعتهم يف إبادة الجنس الهندي كام أنها علة عجز أولئك السكان األصليني عن االندماج بسالسة ويرس يف نسيج املجتمع األورو أمرييك الجديد .ويف حقيقة األمر ،فإن مفهوم الهمجية ذاك نابع من منوذج معد سلفًا للتطور االجتامعي ،يضع الهنود الحمر يف مرتبة أدىن من املستعمرين األورو أمريكان ووصفًا إياهم طبقًا لـ»تخلفهم» الثقايف الظاهر (بريس ،1947 :ص ) 527 ( .)2إن التخلف املزعوم للهنود وانحطاط مرتبتهم الثقافية ،هام من العوامل التي طاملا كانت مادة للجدل حول طبيعة العالقة بني الهنود الحمر واألمريكيني من أصل أورويب -إبان مرحلة استكشاف الغرب األمرييك -قد شكال م ًعا األساس الفكري لتواصل عملية الهجرة األوروبية البيضاء يف غرب الواليات املتحدة وما تال هذه
issue (8)- January - 2013
133
نقد
الهجرة من االستيالء عىل أرايض الهنود الحمر .لقد حسم النموذج الثقايف الغريب الذي يرتكز عىل ثنائية الهمجية / التمدين الرؤية األوروبية ملستقبل الهنود الحمر يف أمريكا حسماً ال رجعة فيه . ويقف االستكشاف وراء تجاهل الهنود معت ًربا إياهم أقوا ًما هم ًجا متوحشني يتعني استئصالهم حتى يتسنى للمستوطنني األوروبيني إنشاء وطنهم املتمدن .لقد همشت روح االرتياد السكان األصليني أصحاب األرض وأسقطتهم متا ًما من الذاكرة التاريخية األمريكية .ويعد االستكشاف مسؤوالً بصفة أساسية عن الكثري من التمثالت والخطابات االستعامرية التي طبعت الكتابات األمريكية التي تناولت تلك الحقبة ،فها هو الشاعر األمرييك الشهري روبرت فروست يف قصيدته «الهبة الكاملة» يسري عىل نفس الدرب الذي سار عليه من قبل الشاعر دانييل برايان إذ يصور رؤية املستع ِمر املستكشف ببالغة شعرية فيقول:
كانت األرض لنا من قبل أن نستوطنها كانت لنا قبل مئة عام ونيف وقبل أن نكون قاطنيها وشعبها كانت لنا يف ماساتشوستس ،يف فرجينيا، مستعمرين إال أننا كنا رعايا اإلنجليز ،كنا َ ال منلك غري القيود التي تكبلنا قيود وأغالل ما عادت اليوم تردعنا ،وتحد من حريتنا يف أعامقنا كان مثة ما هو مكبوت، وكان مثة ما يوهن العزمية ،ويشل اإلرادة حتى حان الوقت وأزفت الساعة أس الداء ورس البالء وأيقنا أننا يف صميمنا ّ فقد حالوا بيننا وبني أرض أجدادنا أرض املحيا واملامت وقتذاك رضخنا وقنعنا باملذلة والهوان هكذا كنا ،وهكذا رصنا ملّا قدمنا نفوسنا هبة رخيصة لبالدنا (كانت الهبة هي خوض الحرب تلو الحرب) ومضينا صوب الغرب الذي راح يفتح مغاليق أرضه أمامنا روي ًدا ،روي ًدا أرض يطول رسد تاريخها ،أرض برية بتول، أرض تزداد كل يوم قيمة وجامالً هكذا كانت أمريكا وهكذا ستكون أبد الدهر . يف هذا النص ،يصف الشاعر روبرت فروست أمريكا بأنها هبة إلهية منحها الرب للرواد األوروبيني املستع ِمرين. ويوظف خرافة األرض العذراء أو األرض املوعودة ، التي روجها املستع ِمرون األوروبيون عن القارة األمريكية: «كانت األرض لنا من قبل أن نستوطنها ،كانت لنا قبل مئة عام ونيف ،قبل أن نكون قاطنيها وشعبها». ومن املعروف ،أن أسطورة األرض املوعودة هي جزء ال يتجزأ من الخطاب االستعامري الذي يطبع أدب الغرب األمرييك .ومن العجيب الغريب ،أن هذا الخطاب مؤسس عىل تجاهل وجود شعب الهنود الحمر ،السكان ٌ األصليني ألمريكا ،الفظًا إياهم خارج حلبة التاريخ اإلنساين باعتبارهم مجموعة من القبائل الرببرية املتوحشة
134
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
ديوان العرب
َب ٍاد هَ َو َ ص ِب َرا ص َب ْر َ ت ْ أم لم َت ْ اك َ
دمع َ َو ُب َ ك أو َج َرى كاك إن لم َي ْج ِر ُ
ابتسام َ بر َ احب ًا ك َو ص ُ ْ ك َ كم َغ ّر َ ُ ص ِ
الح َ شا َما ال ُي َرى ّلما رَآهُ َوفي َ
issue (8)- January - 2013
135
ديوان العرب
المتنبي
إرا َد ُة ِّ راسة اللغة وح َ الش ْعر ِ
قال أبو الط ّيب املتنبي:
ومــا الدَّهْ ُر إ ّال ِمـنْ ُروا ِة قصا ِئدي فسا َر بــ ِه َمــنْ ال َيسيــ ُر ُم َش ِّمــراً ِأجزْنــي إذا أ ْن ِشد َ ْت ِش ْعـراً فإنمَّ ــا َّ كل َص ْو ٍت غيرْ َ َص ْويت فإ َّنني َودَعْ
ُ أص َب َح الدَّهْ ُر إذا قلت ِش ْعراً ْ و َغنّـى بــ ِه َمــنْ ال ُيغنّـي َ أتــاك املا ِد ُح َ ــون بش ْعـري ِ الطا ِئ ُر املَ ْح ُّ ّ يك واآلخ ُرَ أنا
خالد بلقاسم
136
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
نشــدَا ُم ِ ُم َغــــ ِّردَا ُمــ َر َّددَا الصدَى َّ
المتنبي
العاشقة وال ِقراءة الحا ِقدة .1نْبي ال ِقراءة ِ
ال ِقرا َءتان ُمتَ َجذ َرتان يف تاريخ التّأويل ،ت َ ْب ُزغان وتَتَ َع َّد ُد ُ أشكال ظ ُهور ِهام كلَّام باغ ََت َمتنْ ٌ إبْدا ِع ٌّي طُ ُر َق الـتَّلقي الصا ُع بَ ْين ُهام أيْضاً كلَّام شَ ِهدَتْ السائ َدة يف َز َم ِنه .يَ ْحتَ ُّد رِّ الخاصة. فرتَ ٌة تاريخيَّة ِميال َد ُمبْ ِد ٍع إشكا ٍّيل ت َف َّر َد ب َد ْمغ ِت ِه َّ ِميال ٌد يُ ْح ِدثُ ،يف الغالب العا ّم ،ا ْرتِجاجاً يف َمف ُهوم القي َمةِ الف بشأن ت َ ْح ِ اإلبْداع َّية ،مبا يَتَ َح َّص ُل ِمن ا ْخ ِت ٍ ديدها .يَكو ُن الف بَ َّنا ًء إن ْاستَ َن َد إىل ِد ٍ االخ ِت ُ عامات َم ْعرف ّية ،ويَك ُُّف َع ْن واستَ ْسل َم إلطْالقِ أ ْن يَكو َن ف َّعاالً إ ْن تَخَلىّ َعن امل َ ْعرف ِة ْ األ ْحكام ون َْس ِج ال ُح ُجب ،عىل ن ْح ٍو يُ ْس ِق ُط ع ْن ُه ِصفة االخ ِت ِ الف ذات َها. امل ُتن ّبي ِ واح ٌد ِم َّم ْن انتَ َس َب ْت ت َ َجاربُ ُهم إىل امل ُتون التي أنْتَ َج ْت ِقر ٍ َت َح َّد التّناقض .ملْ يَقتَصرِ التّبايُ ُن اءات بَلغ ْ يف تقويمِ ت َ ْجربَ ِته عىل َز َم ِنه ،بل ا ْمتَ َّد بَ ْعدَهُ ،إذ ظل َّْت أصبَ َح ُج ْزءا ً ِم َن وص ُه ُمن ِت َجة َد ْوماً لِهذا التبايُن الذي ْ ن ُُص ُ ِ ِ ضرِ الصو َرة التي بها يَ ْستَ ْح ُ النق ُد ش ْع َر املتنبّي وت َ ْجربَتَه .ما ُّ لف ال ّنقا ُد والشُّ عرا ُء وامل ُ ْهتَ ّمون بالشِّ ْعر مثلام اختلفوا اختَ َ بشأنِه ،وملْ يُ ْز ِع ْج ُم ْب ِد ٌع ُمعاصرِ يه وامل ُنتَ ِسبني إىل ِ جنس إبْدا ِع ِه بال َّد َر َجة التي أ ْح َدث َها ِش ْع ُر املتن ّبي يف َز َم ِنه ،حتّى هات هذا التلقي ِ ليُ ْمك ُن ِقرا َءة املتنبّي ِم ْن ُم َو ِّج ِ نفس ِه ِ الذي ل ِقيَ ُه أيْضاً فالسفة و ُمفكّرون و ُمبْدعون و ُمتصوفة يف أزمن ٍة ُمختلِفة. االنزعاج ،مبا هو ك ْرهٌ للتّف ُّردِ ،من ض ْع ٍف حص ُل عندما يَتَ َّ ُ كري ِ ونفيس ل َدى امل ُن َز ِعج «وهي يف الغالب ري وش ْع ٍّ ِف ٍّ ٍّ سائس واملكائِ ُد العا ّم ُأس ُس ِّ كل انزعاج» ت َنتَ ِع ُش ال َّد ُ ِ ويَتَوا َرى امل َ ْع َنى ليُغل َِّف الضّ ْع ُف هشاشَ تَ ُه ب ُح ُج ِب اإليهامِ واالدِّعا ِء التي ت ُ َغطِّي ِ الحق َد وال َح َسد .أ ّما إذا انتَصرَ َ التلقي لِام هو إشكا ّيل وآ َم َن باألسرْ ار الكبرْ ى لِ ُب ُزو ِغ التَّف ُّر ِد ولِتَ َجلِّيه يف اللغة أو يف ما َّد ٍة إبْداع َّي ٍة أ ْخ َرى ،فإ ّن هذا التلقي يكو ُن ِ واالنخراط يف باس ِت ْحقاقِ االن ِتساب إىل هذا التَّف ُّرد ُمطالَباً ْ ِ َخ ِّط املسالك التي يَفتَ ُحها أمام التّأويل ،أي أمام ما يُغْني الوجو َد اإلنسا ّين .ول َع َّل هذا املعنى ثا ٍو يف ق ْول املتن ّبي وجب ال ُح َّب للفتَى». «أ َعادَى عىل ما يُ ُ ِم ْن هذيْن الشكلينْ للتلقي تَتَ َولَّ ُد قراءتان؛ األوىل حا ِق َدة والثانية ِ عاشقة .االخ ِت ُ يس ،إذ ليْ َس الف بي َن ُهام َم ْعر ٌّيف ال َح ْد ّ ِ ِ ِ امل ُ فيس ُم َو ِّج َه هذا االختالف .ال قرا َء َة عاشقة ب ُدون ُيول ال ّن ُّ
َم ْعرف ٍة ِش ْعريّة .أ ّما ال ِقرا َءة الحا ِق َدة فال َم ْعرفة ت َْس ُن ُدها، أل َّن امل ْعرفة ال ت ُن ِت ُج ِ الحقد ،وال يمُ ْ ِك ُنها أ ْن تقو َد إليْه .عن َدما ِ التفكيك وال َه ْدم ،ال تَتَ َو َّج ُه امل َ ْعرفة إىل م ْوضُ و ِعها بغايَ ِة تكونُ ،يف ُمام َر َس ِتها لل َهدْمِ ذاتِه ،حا ِق َدة .عىل ال َعكْس، تكو ُن هذه امل ُام َر َسة َعال َمة عىل َم َح َّب ٍة بعي َد ٍة كام يُ َعلِّ ُمنا ديريدا. لميح األ َّول لل ِقرا َءتينْ يف تأويل ِش ْعر امل ُتنبّي يَعو ُد التَّ ُ إىل امل ُق ّدمة التي َص َّد َر بها اب ُن ج ّني كتابَه «الفسرْ » .فقد اختا َر فيها القرا َء َة العاشقة ،دون أ ْن تفوت َ ُه اإلشا َر ُة ت َل ِميحاً وتَصرْ يحاً إىل القرا َء ِة امل ُقابلة ،أي الحا ِقدة .وقد َعل ََّل اختيا َرهُ بتف ُّر ِد املتن ّبي ،إذ ملْ يَ َر ،كام يقول « :شا ِعرا ً كا َن يف َم ْعناه وال ُم ْجرياً إىل َم َداه» .ث َّم ضَ َّم َن ت َْصدي َرهُ ِ ،م َن امل َ ْو ِقعِ اللغوي الذي اختا َرهُ يف شرَ ْ ح ديوان الشاعرُ ،م َس ِّو ِ غات ِّ هذا التف ّرد. املتنبي «كا َن ِم َن امل َُس ِّوغ األ َّو ُل يُ َوضِّ ُح ُه ق ْو ُل ابن ج ّني إ َّن ّ الج ِّد فيام يُعانيه ول ُزوم طريقِ أ ْهل ال ِعلم فيام يقول ُه ويَ ْحكيه عىل َأس ِّد َوت َري ٍة وأ ْح َسن سرية»ُ ،مخترَ عاً للمعاين، و ُمت َو ِّغالً فيها ،و ُم ْستَ ْو ِفياً لها. issue (8)- January - 2013
137
ديوان العرب
ِ العالقات االج ِتام ِع َّية واأل ْو َساط الثقا ِف َّية .ويمُ ْ ِك ُن أ ْن يف وسبرْ ٍ ِق َرائيَّينْ ،إذ امل َُس ِّوغ الثاين هو اق ِتضا ُء ِش ْعر ِه لِ َصبرْ ٍ َ ن َْس َم َع أث َر َح َس ِد امل ُعاصرِ ين ال فقط يف األبْ َي ِ يَتَطل ُّب ِم َن القارئِ إ ْع َ ات التي صرََّ َح هاج امل ال ِفكْر ْ الس ِتكنا ِه ِه ،وان ِت َ الس ِت ْجالئِه ،وإطالة البَ ْحث فيه وتكرا َر َتأ ّملِه فيها املتنبّي ب ِتي َم ِة ال َح َسدْ ،بل أيْضاً يف ٍ أبيات ال يَظ َه ُر فيها طَ َرائقِ ال َّنظَر ْ ِ ِ ِ ِ ظ ُّل هذه التّي َمة إالّ بالتَّأويل .م ْن أمثلة ذلك ق ْول الشاعر: قبْ َل أن يَخ ُر َج هذا الشِّ ْع ُر ،عىل َح ِّد التشبيه الذي ت َ َو َّس َل ِ ِ الصقال”. وأن شئت يا طُ ُرقي فكُوين ىَّ وج املَشرْفيِِّ عىل ِّ ب ِه اب ُن ج ّنيُ “ ،خ ُر َ أ ّما امل َُس ّوغ الثالث ،ف َي ْب ُدو كام ل ْو أنّ ُه شَ ْخصيِ ٌّ ،فيام أذا ًة أو نَجا ًة أو َهالكَا حقيقتُ ُه البعي َدة ِخالف ذلك .فيه يُصرَِّ ُح اب ُن ج ّني ،يف طُ ُر ٌق َمفتُو َحة ،ال ت ُذ ِع ُن يف َخ ِّط مسالِ ِكها لِ َمشيئ ٍة ت ُن ِت ُج سياق َحدي ِث ِه َع ْن َد َوا ِفعِ تألي ِف ِه لكتاب “الفسرْ ” ،مبا كا َن جيب لِام يَقو ُد إل ْي ِه الق ْو ُل العايل ،مبا هو األذىْ ،بل ت َْستَ ُ َأثل بَيْ َن ُه وبَينْ َ املتنبّي “ ِم ْن َو ِ ت َ كيد امل َ َودَّة و ُم ْستَ ْح ِص ِد حقاق االن ِتساب إىل ِ وطموح ال َح َّد ل ُهامْ .اس ِت ُ هذ ِه ُحل ٌم ٌ كة”. ب ِ بسام ِع نِداء اللغة والتَّ َوغّل يف الشِّ عاب التي الشُّ ْ الطُّرق ٌ خليق َ ل ْي َس ِت الشُّ ْبكة ،مبا هي قرابَة ،عالقة شخص ّية و َح ْسب .ال يَ ْن ُّ فك هذا ال ّندا ُء ،بجاذبيّت ِه الجارفة ،يُ َو ِّس ُعها ويُ َعق ُد تتأس ُس ِ هذ ِه الشُّ ْبكة بينْ كُتّ ٍ اب ملْ يَعيشُ وا يف َز َمنٍ تشابُكاتِها .أ ّما األذى أو النجاة أو الهالك فتغ ُدو أشيا َء فق ْد َّ ِ صغري ًة أما َم ِفتن ِة ال ِّنداء الذي كا َن املتن ّبي يَلت ِقط ُه يف لغ ٍة واح ٍد ،كام ق ْد َّ تتأس ُس بَينْ َ قارئٍ يف ال َّز َمنِ الحديث وبينْ كاتِ ٍب قديم .القرابَة الشِّ ْعريَّة ال تتقيَّ ُد بال َّزمن .إنّها “يَلذ بها َس ْم ُع ُه ول ْو ضُ ِّم َن ْت شتْ َمه” كام يقول يف هذا انجذاب دَف ٌني ،يَ ُعودُ ،يف حال ِة ابن ج ّني ،إىل ما َس ِم َعهُِ ،م ْن الشَّ طْر ِم ْن بَيْ ٍت له؛ ْاستَبْ َدلنا في ِه بضَ ِمري املُتَكلِّم ضَ م َري ٌ ِ ِ ة ب ح م ج ت ن أ ع ام س ه. ت ولغ ي ب ُتن مل ا ر ع ش يف ، اللغوي ْ ٌ ِ َم ْو ِقعِ ْ ِّ كل الطّرق الغائب .ن ْح َو اللغة القصيَّة ،كا َن املتنبّي يَ ْس ُلك َّ َ َ َ َ َ َّ ّ ت َ ْحتا ُجها ُّ كل ِقرا َء ٍة نَتُوج .ول ُربمَّ ا كا َن هذا امل َ ْعنى ُمضْ َمرا ً يف التي ت ُ َؤدّي إليهاُ ،م َد َّعامً بشُ ُسوع الطّ ُموح وق َّو ِة اإلرا َد ِة، ما أ ْو َردَهُ َع ْن عالق ِتهام الشي ُخ يوسف البديعي ،إذ جا َء يف وجاذب ّي ِة ال ِفتْنة. “الصبْح امل ُنبي عن حيثية املتنبّي« :وكا َن البن ج ّني بهذ ِه ال ِفتنة ،ت َْس ُمو امل ُقا َو َمة ِ ِ كتاب ِه ُّ انجذاب يَقو ُد داخ َل ٍ َهوى يف أيب الط ّيب ،كثري اإلعجاب ِ بش ْعره ،ال يُبايل بأ َح ٍد ري ،حيْثُ “ال املتنبّي إىل ال َّدفني يف ذاتِه ويف ن ََسبها الشِّ ْع ّ يَذ ُّم ُه أو يَ ُح ُّط منه»ِ .مثلام يُ ْن ِت ُج التّف ُّر ُد ت َل ِقياً قائمِ اً عىل ت ِ َفسهُ ،وال يَتَ َو َّج ُس فيها إالّ َج ْر َسهُ” كام َفس ُه إالّ ن َ ُواض ُخ ن ُ االنزعاج التَّثم ِني والتَّقدير واالبْ ِتهاج ،يُ َولِّ ُد ،يف اآلن ذاتِه، يقول اب ُن ج ّني يف ِ ُ هذ ِه اإلشا َر ِة املُكًثفَة والثا ِق َبة ،التي َ ِ والحسد. والحق َد ته ّيأتْ ل ُه ِمن النفا ِذ إىل التحقّقات ال ُعليا لِلغة يف ِش ْعر َ ِ الالف ُت ،يف سياق شَ ْكليَ ْ التَّلقي الذي شَ ِهدَهُ املتنبّي يف هج لها املتن ّبي .ت َ َحقّقاتٌ ابْتَ َه َج ْت بها اللغة العرب ّية فابْتَ َ ه ت َز َم ِنه ،أ ّن هذا الشا ِع َر ملْ يُ َح ِّول ال َح َسد الذي جابَ َه ت َ ْجربَ َ ُ اب ُن ج ّني وهو يُ ْريسِ ،م ْن ِ داخلِ التَّقاطُع َم َع الشاعر يف إىل مُبرَِّر للتّبايك والشَّ ك َوىْ ،بل َج َع َل منهُِ ،خالفاً لذلك، َم َحبَّ ِة اللغة ،أ ّو َل شرَ ْ ٍح للديوان .ذلك ما ت ُضْ ِم ُرهُ إشا َر ُة ري وما َّد ًة لِتَ ْو ِ الذات لِ َن ِ ليد امل َ ْعنى البعيد .هكذا ابن ج ّني السابقة ،أل َّن إملا َحها إىل ُم َوا َجه ِة ِ َم ْو ِقعاً لإلنتاج الشِّ ْع ِّ فسها الحس ُد ،الذي غَذا ُه ُمعاصرِ ُ و املتنبّي ،إىل طاق ٍة صيص عىل منطق ٍة قائمِ َ ٍة ،يف تجرب ِة املتن ّبي ،عىل التّوغّل انقلب َ َ ت َ ْن ٌ ٍ ِش ْعريَّة خ َّو ْ إنتاج إملاعات ُمضيئة عن امل ْوضُ وع ،يف اللغة .فامل ُ َواضَ خَةِ ،عن َد هذا الشا ِعر ،ت َ َبا ٍر م َع الذات لت للشاعر َ بَ ْع َد أ ْن َح َّولتْ ُه اللغة ال َّراقية يف ُموا َج َه ٍة بال ِضفاف ،تَتَضا َء ُل فيها المتنبي واحد ممن إىل َم ْعنى بَ ِع ٍيدِ . كانت أ ْحقا ُد الغيرْ ،بل ُ الهالك ذات ُه يَ ْصغر. انتسبت تجاربهم األبْ َياتُ ،التي خ ََّص بها التّباري مع ال ُح ُدود الذات ّية ال َم َع الغيرْ املتنبّي َع َمى ال َح َسد وهو الصوفية خاصُّ ، ت َ َبا ٍر َر ِفي ٌع خبرَ ُه ،ب َو ْج ٍه ٍّ إلى المتون التي يَبُثها يف قصائ َد عديد ٍة، والشُّ عراء .فيه ت َغتَذي اإلرا َد ُة من بلغت قراءات أنتجت إرش ٍ اقات ُمتَو ِّه َجة ،عىل نَ ْحو الالنِهايئ .وإرا َد ُة الشِّ ْعر ِم َن اإلر ِ ادات ِ تفكيك َخلَلٍ سا ٍر َم ّك َنها ِم ْن حد التناقض التي تقو ُد إىل هذا التّباريُ ،مترَ َف َعة 138
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
المتنبي
الصا َع فيه يت َوغ َُّل ن ْح َو األ ْعىل. عىل دنا َء ِة األ ْحقاد ،أل َّن رِّ للقصي َدتَينْ املُتضَ ِّمنتينْ للبيْتَينْ ،فيام ال ُوعو ُد التَّأويليّة فيهام ُموح امل ُتن ّبي ،وهو بهذا امل َ ْعنى ويف ض ْوئ ِه ،نستَ ْحضرِ ُ ط َ بال ُح ُدود .إنَّها ال ُوعو ُد التي ت ِ َنتظ ُر ِقر ٍ اءات ِفكريّة لِ ِش ْعر يُ ِ نفسه ،يف طُ ُر ِق ِه إىل امل َ ْج ِد األقىص لِلغة ،أي إىل واض ُخ َ تيح ُمقا َربة امل ُتن ّبي ت َتجا َو ُز ُم ْم ِك َن الشرُّ ُ وح القدمية ،مبا يُ ُ ِ طموح كا َن ُمخْترَ ِقاً لأل ْم َجادِ األس َمى. الشِّ ْعر يف تَ َجلّيه ْ ٌ مفهو َم ْي اإلرادة وال ّزمن وغريها من املفهومات يف ِش ْعر املُصرََّ ِح بها يف قصائِ ِده و ُمخرتِقاً لِ ِف ْعل امل َ ْدح ذاتِ ِه كام املت ّنبي. َس َيأيت بيانُه. ِ ِ تَتَ َص َّد ُر البيْ َت األ َّو َل إرا َد ٌة ال ن َهايَة ألفقها .إرا َد ٌة ت َ ْعلو عىل ال َّز َمن ِ نفسهُ ،متَ َو ِّج َهة إىل ما ال يَق َوى عل ْيه .ق ّوة اإلرادة َ .2ز َم ٌن َيقفو أث َر الشاعر الشّ ْعريّة تَف ُ ُوق ُم ْم ِك َن ال َّزمن .ذلك ما َْس َم ُح ب ِه ن َْس ُج رش َح في ِه أبو العالء جا َء يف كِ ِ تاب« ُمعجز أحمد» ،الذي َ َو ِشي َج ٍة بَينْ َ ال َب ْيتَينْ .هكذا ي ْب ُدو الب ْي ُت الثاين ،وإ ْن كا َن ِ َقصو َد بال َّد ْهر ،يف البَيْت األ ّول املع ّري ديوا َن املتنبّي ،أ َّن امل ُ جيب عن األ ّول ،حيْثُ ُمنت َزعاً ِم ْن قصي َد ٍة أخرى ،كأنَّ ُه يُ ُ الناس كلَّ ُهم يَ ْر ُوون ِش ْع َر ن أ ِم ْن َمقطعِ االف ِتتاح ،أ ْهلُهُ ،أي َّ َ يتق َّد ُم ال ّزما ُن بعطائ ِه ،لك َّن الشا ِع َر ال يَتَخلىّ عن اإل َرا َد ِة املتن ّبي ويُ ِ نش ُدونه .غيرْ َ أ َّن التَّوغ َُّل يف ْاس ِتقصا ِء اح ِت ٍ امالت َنص ِ امل َفتو َحة عىل الالنهايئ ،ان ِْطالقاً ِم ْن ت ِ يص ِه عىل إرا َدتِ ِه ِقرائ ّي ٍة أ ْخ َرى يُ َع ِّد ُد امل َ ْعنى ويُ َر ِّج ُح فَ ْه َم ال َّد ْهر مبا هو يف االختيار .امل ُ ْؤتمَ َ ُن عىل الق ْول العايل ال يَ ْرىض مبا يُق َّد ُم له. ال َّز َم ُن ذات ُه ،عىل ن ْحو يَ ْس َم ُح بتَ ْوسيعِ ِسياق التأويل ان ِْطالقاً يُ ْعطَى فال يَ ْرضىَ .ما أرادَهُ ُمنتَ ِس ٌب إىل امل ُْستحيل ،ولك َّن ِم ْن إ ْد َما ِج ٍ أبيات للمتنبّي عن ال ّزمن؛ نُور ُد منها بيْتَينْ الشا ِع َر ال يَ ْرضىَ إالّ به .لقد اختا َر امل ُتنبّي ما يَ َهبُ ُه الشِّ ْعر، ُمضيئينْ ؛ قال يف أ َح ِدهام: أي امل ُْستَحيل ،ال ما يَ َهبُ ُه ال َّزمنُ ،م ْستَ ِندا ً إىل إراد ٍة ُصلبَ ٍة، أري ُد ِم ْن َز َم ِني ذا أ ْن يُ َبلِّ َغ ِني بأس ِس صرَ ْ ٍح َمنيعٍ مل ّا قال: كان شَ َّب َهها يف أ َح ِد أبْ َياتِ ِه ُ ما ل ْي َس يَ ْبل ُغ ُه ِم ْن ن ِ َفس ِه ال َّز َم ُن الس َّد ِم ْن َع ْزمي». اإلسكن َد ُر َّ «كأنيّ بَ َنى ْ وقال يف اآلخَر: إنّها إرا َد ٌة ُم ْستَ َم َّد ٌة ِم ْن َو ْعي الشا ِعر ب َن َسب ِه امل َ ِكني إىل قبلت َعطَا َء ُه أ ْعطَى ال َّزما ُن فام ُ اللغة ،و ِم ْن َو ْعي ِه بام ِتالكِها يف ت َ َح ّق ِقها األ ْعىل ،وإ ْن تل َّونت وأ َرا َد ليِ فأ َردْتُ أ ْن أتَ َخيرَّ َا ِ هذ ِه اإلرادة مبَ ْوضُ ٍ نت مبُخَاطَبني وعات ُمتباينة أو اقرتَ ْ بالسياق امل ُبارش الشرّ ْ ُح القديم لل َب ْيتينْ ظ ََّل ُمق َّيدا ً ِّ يف القصي َدة أو َح َج َبها الشا ِع ُر بف ّن ّي ٍة ِش ْعريّة عال ّية .ذلك issue (8)- January - 2013
139
ديوان العرب
السلطة، أ َّن أ ْرقى األ ْم َجاد التي ا ْحتفَى يَغ ُدو الشِّ ْع ُر ،يف ضَ ْو ِء هذه ُّ القراءات الفكرية ِ ِ رافدا ً .من ُه يَ ْستَ ِم ُّد ال َّزمن .ولنا أ ْن نق َرأ بها ِش ْع ُرهُ ظل َّْت جمي ُعها أدْىن لشعر المتنبي تتجاوز وح الديوان التي ْ ِم ْن َم ْج ِد اللغة ع ْندما يَ ْع ُر ُج بها شرُ ُ َ تتالت ،عىل نَ ْحو غيرْ الشروح مكمن رشح ابن جني ،ب َو ْص ِفها د ع ب وق، ب س م َ الشاعر ن ْح َو األقىص .يف ضَ ْو ِء ذلك َ ُْ َْ ْ القديمة ،بمايتيح جف ن ْب ُعهَُ .م َد ٌد َم َد َد الشِّ ْعر الذي ال يَ ُّ نف َه ُم داللة أ ْن يُري َد ال ّز َم ُن فيام ال ين َف ُدُ ،مخرتِقاً ال َّز َم َن ب َعطا ٍء َس ِخ ٍّي؛ الشا ِع ُر يُصرُِّ عىل اختيار ما مقاربة مفهومي ِ ِ ُتحصلِ م َن القصي َدة، َعطاء التّأويل امل ِّ ال يَ ْدخ ُُل يف ُم ْم ِكنِ ال َّز َمن اإلرادة والزمن ْ إذ مل يُ ْسمع ،كام جاء يف كتاب الصبح عل الشا ِع َر، وإرا َدتِ ِه ،عىل نَ ْح ٍو يَ ْج ُ امل ُنبي عن حيثية املتن ّبيِ ، «بديوانِ ِش ْعر كام تو ِم ُئ العدي ُد ِم ْن إشاراتِهِ اإلسالم شرُ َح هكذا ِمثل هذه الشرُّ ُ وح يف الجاهل ّية وال يف ْ الشِّ ْعريَّة ،هو امل ُ ْع ِطي ال اآلخذ ،ويَ ْج َع ُل ال َّز َم َن ُم َردِّدا ً لِماَ الكثرية ِس َوى هذا الديوان ،وال تداول عىل ِ ألسن ِة األدَباء أي َر ْجعاًَ .صدى يُ ْعطي الشا ِع ُر ق ْوالً .يَغ ُدو ال َّز َم ُن تابعاًْ ، ديد ق ْو ٍل قا ِدمٍ ِم ْن نَظْ ٌم ونرثٌ أكرث من ِش ْعر املتنبّي» .و ق ْد كا َن املتنبّي واعياًِ يكف ع ْن ت َ ْر ِ للشا ِعر هو ال َّز َمن ،ألنّ ُه ال ّ ِ ِ السيرْ ،بتعبري نَبْعِ اللغة .ال عطا َء يَ ْعلو عىل َعطا ِء الشِّ ْعر .إنَّ ُه ال ّد ْر ُس السفر يف ال ّز َمن و عىل ّ بطاقة ش ْعره عىل َّ ِ قصائده ،من بَ ْي ِن ِه ابن ج ّني ،يف اآلفاق .ت َ َر َّد َد ذلك كثريا ً يف البعيد الذي تُ ْرسيه تجربَة املتنبّي وهي تُبَ ِّد ُد ِش ْعريّاً ق ْولهُ: ٍ ِ سياقات ملْ ت َك ْن ت َْستَ ْدعيه تلميحات هذا ال ّد ْرس حتّى يف أو تَ ْحتَ ِملهِ .م ْن أ ْم ِثلة ذلك تَ ْهديدُهُ امل ُ َبطَّن يف ق ْولِه لسيف و ِعنـدي َلك الشرَُّّ ُد السائِـرا الدولة: تُ ال يَ ْختَ ِص ْص َن م َن األ ْر ِض دارا ٍ أنت مالِكُه قواف إذا سرِ ْ َن عن ِمق َويل اس ما َ أخا الجو ِد أ ْع ِط ال ّن َ َ اس ما أنا قائِ ُل الجبــال َوخُضْ ــ َن البحــارا َوث َ ْبــ َن وال ت ُ ْع ِطينَ ّ ال ّن َ قلب الرتْتِيب الذي أ ْو َردْنا ب ِه البَيْتينْ هكذا ،يمُ ْك ُن ُ يل يُ َس ِّو ُغ ُه الصمم املُبرْ ِ َزيْن لِ َمف ُهوم اإلرادَة؛ وهو إجرا ٌء تأوي ٌّ .3يف تمَ جي ِد َّ اإلنصاتُ لِت ْجربَ ِة املتن ّبي الشِّ ْعريَّة ،ف ُي ْص ُ فسا ِد بح ما يُق ِّد ُم ُه ال ّز َم ُن لضِّ ْم ِن ُّي يف ِش ْعر املتنبّي يُؤكّ ُد ت ََص ّدي هذا الشا ِعر لِ َ أد ىَْن من إرا َد ٍة ُعليا ال َح َّد ألف ِقها ،أل ّن الشا ِع َر يُري ُد أب َع َد تنفص َل ِ الق ْولِ ،م ْن غيرْ أ ْن ِ هذ ِه امل َ َه ّمة ل َديْه َعن اإلرادَة ِمماّ يُتيح ُه ال ّزم ُن إرا َد ًة َو َعطا ًء. التي ت َ ْنشُ ُد األقايص .هذا الضِّ ْم ِن ُّي ت َ َح َّو َل إىل صرَ ي ٍح يف األقل ما ال يَ ْستقي ُم لل َّز َمن يَ ْستَقي ُم للشا ِعر ،أو عىل ّ ق ْولِه: ِ يَ ْدخ ُُل يف ُم ْم ِك ِن ِه البعيد .فأ ْن يُ ِ نش َد ال َّز َم ُن ق ْو َل الشاعر، وال تُبا ِل ب ِِش ْع ٍر بَ ْع َد شا ِعر ِه َم ْعنا ُه أ َّن املتن ّبي را َه َن عىل بُلوغ ما ل ْي َس ي ْبلغ ُه ِم ْن ِ نفس ِه ق ْد ِ الص َم ُم أفس َد الق ْو ُل حتَّى أ ْح ِم َد َّ ال َّز َم ُن؛ را َه َن عىل إراد ٍة ال ح َّد لها ،وت ََس ّن ْت ل ُه ِ هذ ِه عىل ِغرار ُم ْب ِدعني ق ْب َل املتن ّبي وبَ ْعدَهُ َم َّج ُدوا ال َع َمى أصبَ َح ِت ال ّرؤية ضَ يِّقة أ ْو َحاجبةَ ،م َّج َد الشا ِع ُر اإلرادة ِم ْن ُسلط ِة اللغة التي ال ُسلطة ف ْوقها .نَفَذ املتن ّبي البَص َري مل َّا ْ فس َّخ َر قصائدَهُ لِحراس ِة اللغة حتّى وهو إىل نَبْعِ الشِّ ْعرَ ، للسام ِع ِم ْن فسا ِد الق ْولِ .ح َّد ُة هذا الفساد َّ الص َم َمَ ،ص ْوناً َّ يَبْني قصائِدَهُ عىل امل َ ْدح ،حتّى سا َر ذكْ ُره كام يقول تَتَضا َع ُف عن َدما يكو ُن صا ِدرا ً ،كام هي ُ كل الحال يف ِّ الثعالبيَ « :مسري الشَّ ْم ِس والق َمر ،وساف َر كال ُم ُه يف ال َب ْدو بح ساب إىل الشِّ ْعر ،إذ يُ ْص ُ األ ْز ِمنة ،ع ْن ق ْو ٍل يَ َّدعي االنْ ِت َ وال َحرض ،وكاد َِت الليايل ت ِ ُنشدُهُ ،واأليّا ُم ت َ ْحفظهُ». هذا االن ِت ُ حال ت َ ْهديدا ً لِلّغة يف ت َحققها األ ْعىل. حتاج إىل ام ِتالك ِه ُسلطَة اللغة .هي ما َسف ُر الشِّ ْع ُر يَ ُ ملْ يَكُن يَ ْس َم ُع املتنبّي ،الذي أق َّر بشاعريّة امل ُتف ِّردين بسام ِع هذا الشِّ ْعر ِم ْن غيرْ ان ِقطاع. يُلز ُم ال َّزم َن َد ْوماً َ قبْله كأيب متام والبحرتي ،يف زَم ِنه إالّ َصدى ِش ْعر ِه أو فسا َد 140
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
المتنبي
الرسومات وداد أورفيل
الشِّ ْعر .لذلك كانت اللغة يف ِش ْعره ت َ ْعلو عىل أغر ِ اض قصائِ ِده .كانت اللغة ت َ ْن َب ِني ُمخْترَ ِقة ِ هذ ِه األغراض، قي الق ْول وتَتَ َص َّدى لِام يُ َه ِّد ُد بفسا ِدهِ .م ْن ِ هذ ِه لِتُ ْس ِم َع ُر َّ املنطقة القرائ ّية التي تن َّب َه إل ْيها القدماء ،يَتَ َس ّنى اإلنصاتُ يف ِش ْعر املتنبّي لِام يَف ُ ُوق امل َ ْدح والهجاء وال ِّرثاء .إنَّها ِ ِ ِ ِ ٍ منطقة خ َِصيبَة تأويلِيّاً ،تنتظ ُر قرا َءات فكريَّة م ْن عيار ما أنج َزهُ هيدجر عن هلدرلني. َم ْسؤول َّية التَّ َص ّدي لِفسا ِد الق ْول ِم ْن ِ داخل اإلنْ َجاز حقاق ِ واس ِت َ هذ ِه اللغَوي للشاعر تتطل َُّب إرا َد ًة ُعليا ْ بس بالغرور .إنّها تتطل َُّب ام ِت َ الك كفا َء ِة اإلرادَة ،لئالّ تلتَ َ ِحر َاس ِة اللغة ،التي هي ال ِّر َسالة امل ُثىل للشّ عراء .و َمتَى هوض ِ ت َ َوف َر ِت الشرُّ ُ و ُط الذات َّية لل ُّن ِ الصا َع بهذ ِه ال ِّرسالة فإ َّن رِّ يَغ ُدو هائلاِ ً ،ألنَّ ُه يتو َّج ُه إىل اللغ ِة ذاتِها .بهذا امل َ ْع َنى ف ِه ْمنا ق ْو َل ابن ج ّني البا ِهر عن املتن ّبي “ :ال ت ِ نفس ُه إالّ ُواض ُخ ُ نفسهُ ،وال يت َو َّج ُس فيها إالّ َج ْر َسهُ”. َ ِ ِ ِ ِ لقد كا َن املتنبّي واعياً مبَ َه ّمة حراسة الق ْول العايل م َن اض الشِّ ْعرية يف وتص ُّورا ً ،وملْ تكن األغر ُ الفسا ِد؛ إنجازا ً َ ُم ْن َجز ِه ِسوى ُس ُبلٍ لتَ َحقّق الق ْو ِل العايل والسَّيرْ نَ ْح َو آفا ِقه. يف هذا السياقَ ،حىك اب ُن ج ّني عماّ دا َر َم َّر ًة ب ْي َن ُه وبينْ امل ُتنبّي ،قائالًَ : “وقال يل يَ ْوماً أتَظُ ُّن ِعنايَتي بهذا الشِّ ْعر مَصرْ وفة إىل َم ْن أ ْم َد ُح ُه به؟ ليْ َس األ ْم ُر كذلك ،ل ْو كا َن قلت فلِ َم ْن ِه َي؟ َ قال هي َلك ل ُه ْم لكفا ُهم ِم ْن ُه الب ْيتُ ، وألشْ با ِهك” .إنَّها لِ ُحام ِة اللغة والعارفني بأسرْ ارها .وما بوص ِف ِه ِ واحدا ً من ُعلامء اللغة ،لِ َي ْن َج ِذ َب كا َن اب ُن ج ّنيْ ، إىل ِش ْعر املتنبّي ويَخ َُّص ُه بالشرّ ْ ح ل ْو ملْ يَ ْس َمع يف ِش ْعر ِه وس ُم َّو الق ْول .وهو ما تكشَّ َف فيام بَ ْعد مل ّا قت َلِ قي اللغة ُ ُر َّ املتن ّبي ،ح ْيثُ رثاه اب ُن جني بقصيد ٍة جاء فيها: القريض وأ ْودَتْ نضرْ َ ُة األ َدب غاض ُ َ وص َّو َح ْت بَ ْع َد َر ٍّي َد ْو َحة الكتُب َ لق ْد أ ْد َر َك اب ُن ج ّنيِ ،م ْن َم ْو ِقعِ َسام ِع ِه مل َ َه ّم ِة الشاعر يف حراس ِة اللغة ،أ َّن َجفافاً َ طال نَ ْبعاً كان يَ ْحمي اللغة ِم َن اليَبَاس .و ِم َن امل َ ْو ِقعِ ذاتِ ِهَ ، أدرك أبو العالء امل َع ّري، بوص ِف ِه واحدا ً من ُعلامء اللغة الذين َم ُّدوا بَ ْع َد ابن ج ّني القرا َءة ِ العاشقة لِ ِشعر املتنبي ،انطالقاً ِم ْن شرَ ْحينْ خ ََّص بهام ديوان الشاعر ،اللحظة الشِّ ْعريّة التي َج َّس َدت ْها لغة
رش ِح ِه للشَّ طْر األ َّول من البيْت املتنبّي .وق ْد ت َو َّسل ،يف ْ ِ الص َمم ،بعبا َرة «خاتم الذي تح َّدثَ فيه املتنبّي عن َّ ِ ِ الشعراء» .ق ْو ٌل يمُ ْ ِك ُن التّسا ُه ُل َم َع نبرْ َته ،التي ال تقبَلها ال ُّرؤية املستقبل ّية ،إن انتَ َب ْهنا إىل ُصدور ِه ،من غيرْ حقد، عن شا ِعر يف َح ّق شاعر .ذلك أ ّن تثم َني أيب العالءاملع ّري لل ُمتنبّيِ ،م ْن َم ْو ِقع اللغ ِة والشِّ عر ،بال ُح ُدود .كا َن «إذا ذكر الشعراء يقول :قال أبو نواس كذا ،قال البُ ْحترُ ي كذا، قال أبو متام كذا ،فإذا أرا َد املتنبّي ،قال :قال الشا ِع ُر كذا، تعظيامً له». لش ْعر املتن ّبي يَ ِ إ َّن تثم َني ُعلامء اللغة ِ كش ُف املنطقة التي منها يَح ُر ُس الشا ِع ُر الق ْو َل ِم َن الفساد ،ا ْع ِتامدا ً عىل ِح ْر ٍص يتقاطَ ُع فيه الشا ِع ُر مع هؤالء ال ُعلامء ويتف َّر ُد في ِه ِ تتس ّنى لل ُعلام ِء باللغة .وهو أ ْم ٌر مل ََس ُه أبو بحر َاس ٍة ال َ العالء املع ّري ،يف ُمن َجز املتن ّبيِ ،م ْن َم ْو ِق َعينْ ؛ َم ْو ِقعِ العالِمِ اللغوي و َم ْو ِقع الشا ِعر ِّ issue (8)- January - 2013
141
ديوان العرب نصب طرفة بن العبد
طرفة بن العبد اء م ِق ُ يم في ال َ ال ُ عر َ ِ صالح بوسريف
ِق��ف��ي َو ِّد ِع��ي��ن��ا ال�� َي�� ْو َم ي��ا ابْ�� َن�� َة َمـــالِك ِق�� ِف��ـ��ـ��ي ،ال يَ��كُ��ـ��ـ�� ْن تَ�� ِع��لَّ��ـ��ـ�� َة َو ْصلِنــا ــي فَ��ـ��ـ�� َّر َق بَ ْي َن ُهـــ ْم أُخَ��بِّ��ـ��ـ�� ْر ِك أ َّن ال َح َّ ��ي��تَ ،وشَ َّف ِنــي َولَ��� ْم يُ ْن ِس ِني َم��ا قَ�� ْد لَ�� ِق ُ َوم��ـ��ـ��ا ُدونَ��ـ��ـ��ه��ا إالَّ ثَ��ـ��ـ�لاثٌ َم��ـ��ـ��ـ��آو ٌِب َوالَ غَــ ْر َو إالَّ َجــا َرتِـــي َو ُسـ َؤالُهــا: �ِّي� َس��ْي��رْ ِي يف ال���ب�ل�ا ِد َو ِر ْح��لَ�� ِت��ـ��ـ��ي تُ��� َع رِّ ُ ��اب ُم�� َج��ا ِورا ً ��س ا ْم���� ُر ٌؤ أفْ�� َن��ى ال��شَّ�� َب َ َولَ�� ْي َ ــت لَ َعا َدنِـي أالَ ر َِّب يَ��ـ��ـ�� ْومٍ ،لَ�� ْو َس ِق ْم ُ ��ت ب ِ َّـب ��ـ��ق ُمثَق ٍ ظَ��لِ��لْ ُ ِ��ـ��ذي األ ْرطَ���ى فُ�� َويْ َ ِ��ي��ض ،كَ����أَ َّن ُو ُج��و َه�� َه��ا َو ِم���� ْن َع��ا ِم��ـ��ـ�� ٍر ب ٌ ِ��ـ��ـ��ـ��ي ،ق��ا ِع��دا ً ي��ـ��ـ��ح ثَ�� ْوب تَ��ـ��ـ�� ُر ُّد َع�َل�يََّ ال�� ِّر ُ َ
142
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
َو ُع���وجِ���ي َع��لَ�� ْي�� َن��ا م��ن ُص����� ُدو ِر ِج�َم�اَ لِ ِ ��ك لِ َبـــينْ ٍ ،وال ذَا َحظّنــا م��ن نَـــ َوالِ ِك نَ��ـ��ـ�� َوى غُ�� ْربَ��ـ��ـ�� ٍة ،ضَ ��ـ��ـ�� َّرا َر ٍة ليِ كَ��ـ�� َذلِ ِ ��ك ِم��� َن ال�� َو ْج ِ ��ـ��د ،أنيِّ غَ�� ْي��ـ�� ُر ٍ ن���اس لِ��قَ��ا َء ِك ِ ��س�� ِن��ف ِ ُ��ـ��ـ��د ْر َن لِ�� ِع ٍ َ��ات ال��� َح��� َوار ِِك ق ��ي��سُ ،م ْ ��ـ��ل؟ ُس�� ِئ��لْ ِ ��ـ��ت كَــ َذلِ ِك ���ل لَ�� َن��ا أَ ْه ٌ أالَ َه ْ أالَ ُر َّب َدا ٍر لِ��ـ��ـ��ي ِس���� َوى ُح��� ّر َدار ِِك ِس��ـ��ـ�� َوى َح ِّيـــه ،إالَّ كَآخَــ َر َهـــالِ ِك ــي َو َمـــالِ ِك نِ َســا ٌء كِ��ـ��ـ�� َرا ٌم م��ن ُح َي ٍّ ِب َب ْيئَــ ِة َس��ـ��و ٍء َهــالِكاً أ ْو كَ َهــالِ ِك ����ت يف ُد ًج��ـ��ى ُم��تَ�� َح��الِ ِ ��ك ��ص ��اب��ي��ح الَ َح ْ َم َ ُ ��ـ��ـ��ي ،كَال َح ِن َّيــ ِة بــــار ِِك إلَــى َص�� َد ِف ٍّ
طرفة بن العبد
«الغالمُ ال َق ُ ُ تيل»
َت عىل طَ َرفَ َة بن كانت هذه بني األَ ْو َصاف التي أُطْلِق ْ يل ،املِشْ ِك ُل. ال َع ْب ِد ،هذا الشَّ ا ِعر الجاه ُّ َذ َهبَ ْت رواياتٌ وأخبا ٌر ُم ْختَلِفةٌ ،إىل أنه قُ ِت َل ،وهو يف بعض هؤالء السادسة والعرشي َن ،من ُع ُمرِه .واست َد َّل ُ ببيتني من ِشعر أُ ْخ ِته ،من أُ ِّمه ،الخرنق ،جا َءا يف سياق ِرث َائِها له: َع َد ْدنا لَ ُه ِستّاً َوعرشين ِح َّجــ ًة فَلماَّ تَ َوفَّا َها ْاستَ َوى َس ِّيدا ً ضَ خْام فُ ِج ْعنا به لَ َّمــــا انْتَظَ ْرنا إيَــابَ ُه عىل َخيرْ ِ حنيٍ ،ال وليدا ً وال قحام فهو قُ ِتل ،وهو يف نَضَ ا َرة ُع ُمره ،وكان ،رغم هذا املوت املبكر والفاجع ،بني أهم وأبرز شُ َعراء زمانه .هذا ما َقت حوله الكتابات النقدية األوىل ،التي شرَ َ َعت يف اتَّف ْ قراءة الشُّ عراء األوائل ،ويف االقرتاب من شعرهم ،واختبار خصوصيات كل شاعر ،قياساً مبعارصيه ،أو من كانوا ولعل يف قول محمد ابن سالَّم الجمحي، قريبني من زمنهَّ . يف كتابه «طبقات فحول الشُّ عراء» ،إنه «أشْ َع ُر ال َّناس َو ِ اح َدةً» ،وهو يقصد ُم َعلَّ َقتَه ،ما يُشري إىل أهمية هذا الشَّ ا ِعر الشَّ اب ،الذي شغل قبيلتَه ،كام شغل بعض ملوك وسادة زمنه ،من مثل عمرو بن هند ،الذي كان ندمياً له، وسيكون َحتْ ُف طرفةَ ،عىل يَ َديْ ِه ،أو بأمر منه ،وفق ما تتداوله املرويات القدمية.
مكانتُه بني ُش َعراء َزما ِنه
مل يكن ابن سالَّم ليضع طرف َة ضمن الطبقة الرابعة من الشُّ َعراء الجاهلِ ِّينيُ ،رفْ َق َة عبيد بن األبرص ،وعلقمة بن عبدة ،وعدي بن زيد ،لوال ما َح ِظ َي به من مكانة بني الشُّ َعراء ،وهي املكانة التي كانت القبيلة تحتفي بها قبل غريها .أو كام قال عنه أبو العالء املعري ،يف كتابه «رسالة الغفران»« :لَ ْو لَ ْم يَ ُك ْن ل ََك أَث َ ٌر يف ال َعا ِجلَ ِة إالَّ ق َِصي َدت َُك التي عىل ال َّدا ِل [يقصد ُم َعلَّقَته] لَ ُك ْن َت قَ ْد أَبْ َق ْي َت أثَرا ً َح َسناً» .وهو ما قاله عنه الذين قَ َّد ُموه ،إ ْذ رأَ ْوا أنه « بَلَ َغ ِب َحداث ِة ِس ِّنه ما بَلَغ القو ُم يف طول أ ْعامرِهم ».
اختلفت بني ،كل صحيح أن ُم َعلَّ َقتَه ،من حيث ترتيبُها، ْ من ابن سالم وابن قتيبة ،وابن عبدربه ،وابن خلدون ،من جهة ،وأيب زيد القريش ،من جهة ثانية ،ناهيك عن بعض الحديثني من النقاد ،والباحثني يف تاريخ الشِّ ْعر العر ّيب القديم ،لكن هذا االختالف ،هو يف جوهره ،تعبري عن هذا ال َقلَق الذي ت ُثريه هذه املعلَّقَة ،وما َح َملَتْه يف طيَّاتِها من ري ،كان فارقاً يف الرؤية ،ويف التعبري ،أو يف ما نُفُو ٍذ ِش ْع ّ عري ،كام ا ْرت َضَ تْه تجربة ميكن اعتبا ُره بالغ َة التعبري الشِّ ّ ري ال َعر ِّيب .فهو بَ ِق َي هذه املرحلة من تاريخ القول الشِّ ْع ّ ُموازياً ،أو ُم َحايِثاً ،من حيث األهميةُ ،المريء القيس ،هذا السبْق يف صياغة تعبريات، الشَّ ا ِعر الفاتِح ،الذي كان له َّ أصبحت بع َده ،تركيباً ِش ْعرياً يتعاقب عليه الشُّ عراء.
شا ِع ٌر ُم ْش ِك ٌل
بني ما كان ُمشْ ِكالً ،يف شخصية طرفة ،ويف ِش ْعر ِِه ،ما ٍ تع َّرضَ ْت له حياته من الْ ِت َب َاس ٍ إضافات ،ساهمت يف ات ،أو املعنى األسطوري لشخصية هذا الشَّ ا ِعر الشَّ اب ،وهو ما زاد ِش ْع ُرهُ من مضاعفته ،لِماِ َ طاله من تعديل ،أو ت َ َق ِّو ٍل، أعني ما د َُّس يف شعره ،مام ليس من كالمه ،وال مام فكَّر فيه ،وهذا وضع ال يعني طرفة وحده ،بل إنه مرتبط بطبيعة السياق الشفاهي لذي مل يكن التدوين فيه واردا ً ،إال يف حدود ضيقة ج ّدا ً ،ورمبا محسوبة عىل رؤوس األصابع ،كام يُقال. كان طرف َة ُم ْعتَ ّدا ً بنفسه ،أو كام ُرو َِي عن خاله املُتَلَ ّمس «كان طرفة غُالماً معجباً ،تائهاً ،يَتَ َخل َُّج يف ِمشْ َي ِته» .وله، مذهب «مذهب يف الحياة واضح َجليِ ٌّ : بتعبري طه حسني ُ ٌ اللَّ ْهو واللَّذَة ،يعمد إليهام من ال يؤمن بيشء بعد املوت، وال يطمع من الحياة إالَّ فيام ت ُتيح له من نعيم ،بريء من اإلثم والعار ،عىل ما كان يفهمهام عليه هؤالء الناس».
يف َمه َِّب ال ِّريح
ِيس ًة يف يَ ِد عمرو بن فكام َج َنى عىل نفسه ،حني أصبح فَر َ هند ،فهو َج َنى عىل نفسه ،حني أفْ َر َدت ْه عشريته ،وتحا َمتْه، ليصري ِمقيامً يف ال َع َرا ِء. وهذه األبيات التي اخْترَ ْت ُها له ،هنا ،هي بني ما قاله من issue (8)- January - 2013
143
ديوان العرب
ِش ْعرٍ ،يفضح فيه هذا ال َعراء الذي أصبح عليه ،وما طاله من ُغ ْربَة وبَينْ ٍ ونَ َوى ،حني أصبح دون ِحاميَ ٍة ،أو َم ْع ُزوالً، جانب. تَأْكُلُه ال ِّريح من ِّ كل ٍ ليس ال ِّنداء عىل ابنة مالك ،هنا ،يف مثل هذا الوضع الفَجائِ ِع ّي املأساوي ،سوى تعبريٍ عن الحاجة لِ َر ِفيقٍ ،أو زيل به عن نفسه ،ما َص ًدى ،باألحرى ،لِ َي ْستَأْنِ َس به ،أو يُ َ أصبح فيه من خَالء .فامل ُنادَى ،هو َص ْوتٌ ،أو ِقناعٌ ،من خالله يحاول طرف َة كَسرْ هذا ال َو ْجد الذي شَ َّفهَُ ،و َهدَّهُ ، ولِ ُم َوا َج َهة هذا الترَّ َ ُّحل الذي يبدو أنَّه مل يَ ُعد يُطيقُه. ورغم أ َّن طرفةَ ،كام قال ،يف غري هذا املكان ،ال يَ ْعبَأُ مبا قد يَ ُؤ ُ ول لَ ُه من َم ِصريٍ ،وفق ما أ ْو َردَه عنه أبو العالء املعري، يف الشَّ طْر الخاص به يف «رسالة الغفران» ،فهو ،هنا ،ويف وضع اإلفْرا ِد ،تحديدا ًْ ،استَشْ َع َر ما َح َاق به من َه ٍ الك، وما أحاط به من سوا ٍد و َعتمة .ما يعني ،يف فلسفة هذا الشَّ ا ِعر الشَّ اب الط ِ َّريد ،أن املوت ،رمبا ،يكون أ ْه َون عىل مرغوب فيه من اإلنسان من أ ْن يكون فَ ْردا ً معزوالً ،غري ٍ ِق َبل َح ِّيه و َع ِش َريتِه. يف هذا يَتَبَ َّدى لنا ،ولَ ْو يف َم ْع ًنى بعيدِ ،مماَّ تَشيِ به حَسرْ َ ُة الشَّ اعر ،ووجده ،ما كان للقبيلة من َد ْور يف وجود الشَّ اعر. فبقدر ما كان الشَّ اعر يُضْ ِفي عىل القبيلة من قُ َو ٍة و َم َن َع ٍة،
144
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
وبقدر ما كان هو اللِّسان الناطق باسمها ،يف مواجهة خُصو ِمها ،فهو كان يف حاجة للقبيلة التي هي الثَّ ْوب الذي نفسه من العراء ،ومن بَطْش الريح كان الشَّ اعر يقي به َ التي ت َ ُر ُّد عليه ما بَ ِق َي عليه من ث َ ْو ٍب. فالقبيل ُة هي ال َّدار التي فيها يَ ْستَشْ ِعر الشَّ اعر ال ُح ِّريَ َة واألَ ْم َن .فَ َوضْ ُع ال َعراء ،ال يقبله طرفة ،رغم ما يُبْ ِديه من نفسه عىل الصَّبرْ وال َجلَد. ُمكابَ َرة ،أو ما يُحاول به أن يُ ْجبرِ َ الشَّ ْو ُق وال َحن ُني ،وال َّر ْغبَة يف العودة لـ «الوطن» ،و ُمعانَقَة األهل ِ واألح َّبة واألصدقاء ،كانت كلهاِ ،مماَّ أ َّر َق طرف َة وأَ ْر َهقَه ،يف هذه التجربة القاسية ،تجربة اإلقصاء والنفي، والغربة الضرَّ ا َرة ،أو اإلفراد ،بتعبري طرفة نفسه .فهو مفرد بال َج ْمعٍ ،بال َح ٍّي ،وبال َص ْو ٍت ،مث َّة َص ًدى ،هو ما يرتدَّد يف يح فيه بكل يشء. هذا الخالء ال َقفْر الذي َعبَث َِت ال ِّر ُ
ِخ َص ُال ِش ْع ِره
بَ ِق َي أسلوب طرفةَ ،يف شعره ،متم ِّيزا ً ِ بخصا ٍل ،بَ َدت مالمحها يف معلقته التي كانت ع َمالً استثنائياً ،قياساً مبا سيقوله الشاعر الحقاً ،أو مبا َسيُ ْن َس ُب له من ِش ْعرٍ. فهو حتى يف ما ْاستَ ْو َحا ُه من ألفاظ وتعاب َري من محيطه البدوي ،كان حريصاً عىل تفادي الغريب من الكالم ،أو ما قد نعتربه نحن اليوم غريباً .فليس يف شعره ما يُحيل عىل االبتذال والت َق ُّعر ،أو استعامل ال ُحوشيِِّ ِ ،مماَّ مل يكن اللِّسان يَ ْستَ ِسيغُه .بل إنه كان مشغُوالً ،ال بـ «فتنة القول» ،بتعبري الجاحظ ،بقدر ما كان مشغوالً بهذا األمل الذي َ حاق به، وجعله يتكلَّم مبا اعرتاه من ِجراح .وهذا ما دفع طه حسني ليقول عن شعره ،إ َّن فيه «لَينْ يف غري ضعف ،وشدة ولكن يف غري عنف» ،وفيه إىل جانب هذا «قوة وحياة وروح». ِ فش ْع ِريَة طرفة ،هي ِشعرية َحيَ ِويَة وحياة .ما يعني أن الذين د َُّسوا عليه ،هم أيضاً ،حتى يف ما يبدو أنه مدسوس، شاب ،كان حاولوا محاكاة هذه الحيوية ،التي هي حيوية ٍّ يف شعره يصدر عن وعي متق ِّدم بأهمية الشَّ اعر يف فضاء القبيلة ،وبأهمية القبيلة يف وجود الشَّ اعر ،أي يف وضعه داخل القبيلة ،و يف صريوة هذا الوجود ذاتِه .فام قد يطال الشَّ ا ِعر من اقْ ِتالعٍ ،هو مقدمة لِ َه ٍ الك ،أو هو الهالك نفسه، مبا يعنيه من وجود يف العراء
بشار بن برد
بشار بن برد
قتيل الغزل بشار بن برد أحد الشعراء الذين قتلتهم القصيدة وحرية التعبير ،مثله مثل المتنبي ،وقد اختلف الرواة بين من نسب السبب الى شعره الغزلي ،وبين من عزا األمر الى شعره الهجائي ومواقفه السياسية
يوسف مكي
issue (8)- January - 2013
145
ديوان العرب
عندما يُذكر الهجاء يف الشعر العريب هناك قامئة طويلة من الشعراء اله ّجائني منذ الجاهلية مرورا بالعهد األموي والعبايس ثم العصور الالحقة حتى اآلن ،وضمن هذه القامئة البد من ذكر الشاعر العبايس بشار بن برد باعتباره احد كبار الشعراء الهجائني ،وهو الشاعر الذي مأل الدنيا باشعاره الهجائية التي جرت مجرى الرياح يف الجهات االربع أوان الدولة االموية ،وجزءا من االمرباطورية العباسية . طبعا مل يكن بشار هو الشاعر اله ّجاء الوحيد يف العرص العبايس ،فقد كان هناك شعراء آخرون لهم باع طويل يف شعر الهجاء والعتاب امثال :املتنبي ،وابن الرومي ودعبل الخزاعي ،والرشيف الريض ،وغريهم . واذا كان بعض الشعراء قد قتلهم هجاؤهم كام هو معروف بالنسبة للمتنبي ودعبل الخزاعي ،فإن بشار بن برد قتله شعره الغزيل ،وتشبيبه بالنساء ،ومل يقتله هجاؤه .ومبقدار ما عرف عنه انه شاعر ه ّجاء بامتياز ،فهو شاعر غزيل ومشبب بالنساء بامتياز ايضا . فقد عرف عنه ان كان يشبب بالنساء حيث كان تشبيبه رصيحا وشخصيا ومكشوفا ولطيفا تجاه من يتغزل فيهن ، وذلك بخالف ماعرف من تشبيب يف العرص األموي حيث كان التشبيب مييل اىل املواربة والعفاف ،واصبح عىل يد بشار اكرث اثارة . عاش بشار بن برد يف الفرتة بني 784 - 714و ُع ّمر حوايل 70 عاما عاش نصفها يف الدولة األموية والنصف اآلخر يف الدولة العباسية ،وبذلك يعترب من املخرضمني الذين عايشوا فرتة االضطراب واالنتقال من دولة األمويني اىل دولة العباسيني . كان الهجاء والغزل ركيزتني اساسيتني يف حياة وشعر بشار ، ورمبا كان الغزل اكرث اهمية من الهجاء يف الحياة الشخصية لبشار بحكم تكوينه الشخيص ،ودليلنا عىل ذلك عدد النساء الاليت تغزل فيهن وذكر اسامءهن ،ومقدار التهديد الرسمي الذي انتابه من جراء هذا الغزل ،مام اضطر الخليفة العبايس اىل تهديده باشد العقوبات ،مام يعني ان بشارا ً قد تجاوز الحدود يف عرف السلطة العباسية ،ومن املعروف ان الخليفة املهدي قد هدده برضورة االمتناع عن التشبيب بالنساء ،فامتنع عىل مضض يف الظاهر ،لكنه مل ميتنع يف الباطن ،فاخذ يحتال يف غزله وتشبيبه مع االشارة اىل منع
146
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
يستطيع تمييز النساء من خالل اصواتهن ،حيث يتمتع بذاكرة سمعية عوضته عن البصر املهدي له . تغ ّزل بشا ُر يف كثري من النساء ،وكان مولعا بهن عىل الرغم من كونه كفيف البرص منذ والدته ،لكنه كان حساسا وعارفا بطبائعهن ومياال اىل مجالستهن ،ويستطيع متييز النساء من خالل اصواتهن ،حيث يتمتع بذاكرة سمعية عوضته عن البرص ،وعىل ذلك يبني غزله وتشبيبه لهن .اليس هو القائل : يا قو ُم ،أذين ِ الحي عاشق ٌة لبعض ّ واألذ ُن تعشق قبل العني احياناً ويقال إن اول غزل ،اوتشبيب لبشار كان يف فتاة مغنية اسمها فاطمة فاستحسنها من صوتها وعشقها .يضاف اىل هذه املرأة نساء اخريات مثل سلمى ،وصفراء ،واسامء، وحبّى ،والرباب ،وحمدة ،وسعدى ،وبانة ،وخشّ ابة ، و َعبْدة . وفيام يبدو انه تولع من بني هاته النسوة بآخراهن « َعبْدة « وفيام يتعلق بغزل بشار ملحبوبته عبدة ينقل لنا ابو الفرج االصفهاين يف االغاين بعض اخباره ،وانه « كان لبشار مجلس يجلس فيه يقال له البرَ َدان .فبينا هو يف مجلسه ذات يوم وكان النساء يحرضنه ،إذ سمع كالم أمرأة يقال لقت لها َعبْدة يف املجلس ،فدعا غالمه فقال :إين قد ُع ُ أمرأة ،فإذا تكلمت فأنظر َم ْن هي وأعرفها ،فإذا انقىض محب ُ املجلس وأنرصف أهله فأتبعها وكلّمها وأ ْعلمها أين لها ّ وأنشدها هذه االبيات وع ّرفها أين قلتُها فيها « .اما األبيات فهي : فقلت لهم قالوا مب ْن ال ترى تهذي ُ األذ ُن كالعني تُويف القلب ما كانا كنت اول مشغوف بجارية ما ُ يَ��ل��ق��ى بلقيانها روح����اً وري��ح��ان��ا
بشار بن برد
قصيدة طويلة تسمى البائية ،والتي يقول يف مطلعها : يا قوم أذين لبعض الحي عاشق ٌة واألذن تعشق قبل ال��ع�ين أحيانا ل��ق��د زادين م���ا ت��ع��ل��م�ين ص��ب��اب�� ًة ويضيف صاحب االغاين « فابلغها الغالم االبيات فهشت لها إل��ي��ك ،فللقلب ال��ح��زي��ن وجيب ،وكانت تزوره مع نسوة يصحبنها فيأكلن عنده ويرشبن وم����ا ت��ذك��ري��ن ال���ده���ر إال تهللت نفسها» وينرصفن بعد ان يحدثها وينشدها وال تطمعه يف ِ ال��ي��ك غُ���روب لعيني م��ن ش���وق َّ ومن اقواله فيها : أب���ي���ت وع��ي��ن��ي ب���ال���دم���وع ره��ي��ن�� ٌة ق��ال��ت ُع��ق��ي��ل ب��ن ك��ع��ب إذ تعلقها وأص��ب��ح َص��ب��ا ،وال���ف���ؤاد كئيب قلبي فاضحى ب��ه م��ن حبها اث�� ُر إذا ن��ط��ق ال���ق���و ُم ال��ج��ل��وس فأنني أىن ومل ت���ره���ا ت���ه���ذي ف��ق��ل��ت لهم ��ك��ب ،كأنني يف الجميع غريب ُم ٌّ رص اىل آخر القصيدة . إن ال��ف��ؤاد ي��رى م��ا ال ي��رى الب ُ اص��ب��ح��ت ك��ال��ح��ائ��م ال���ح��� ّران مجتنبا ال شك ان تشبيب بشار الرصيح امنا يعكس واقع الحياة مل ي��ق ِ ��ض وردا وال يُ��رج��ى ل��ه َص��� َد ُر االجتامعية يف العرص العبايس من جهة ،والحال النفسية وله يف عبدة اشعار غزل كثرية تؤكد متانة الحب والعالقة والشخصية لبشارنفسه من جهة اخرى .فهو يف الحالتني ابن املتبادلة فيام بني بشار ومحبوبته ،ومنها : بيئته الحضارية وما ميور فيها من احداث وتغريات .فغزله امنا يعكس اجواء الحياة املتنوعة ومباذلها يف العرص العبايس ي������ ّزه������دين يف ع�����ب�����دة م��ع�شر واملتمثلة يف اجواء املتعة والعبث واللهو واملجون ،باالضافة ق��ل��وب��ه��م ف��ي��ه��ا م��خ��الِ��ف�� ٌة قلبي اىل اجواء امللذات الحسية وغري الحسية . فقلت دع��و قلبي وم��ا اخ��ت��ار وارت�ضى قُتل بشار ،وقاتله الخليفة املهدي ،اما تهمة القتل املعلنة فبالقلب ال بالعني يُبرص ذو ال ُح ِب فهي الزندقة .لكننا النظن ان هذه التهمة كافية لقتله ، ف�ما ت��ب�صر ال��ع��ي��ن��ان يف م��وض��ع ال��ه��وى خاصة انه صاحب موقف فكري معروف من االصل ،وكان وال تسمع األذن����ان إال م��ن القلب يف بدايته من الشخصيات األوىل يف حركة املعتزلة يف البرصة الصبا الحسن إال ك ُّ ��س��نٍ دع��ا ِّ ُ��ل ُح ْ وم��ا ْ ،و انشق عنهم فيام بعد . الصب وألّ��ف بني العشق والعاشقِ ّ لكن فيام يبدو ان خروجه عىل منع املهدي بالتشبيب كام عرب عن مدى هيامه وشوقه اليها بقوله : بالنساء وذكر اسامئهن هو السبب الحقيقي ملوته الرتاجيدي مل ي���ط���ل ل���ي�ل�ي ول����ك����ن مل ان���م ،او رمبا يعود ذلك اىل االثنني – التشبيب والزندقة .لقد ون���ف���ى ع��ن��ي ال���ك���رى ط��ي��ف امل قتل بشار بن برد ،فيام بقي وإذا ق���ل���ت ل���ه���ا ج�������ودي ل��ن��ا شعره عابرا للزمن ،وشاهدا خ��رج��ت ب��ال��ص��م��ت ع���ن ال ون��ع��م عىل زمنه ،وشاهدا عىل قاتله رف���ه���ي ي����ا ع���ب��� َد ع���ن���ي وع��ل��م��ي .وال يهم إ ْن قُتل بسبب شعره أن���ن���ي ي���ا ع��ب��د م���ن ل��ح��م ودم الغزيل ،او الزندقة .خاصة اذا إن يف بُ����������� ْرد َّي ج���س�م�ا ن��اح�لا عرفنا ان هذه التهمة كانت من ِ ت�����وك�����أت ع��ل��ي��ه ل��ن��ه��دم ل����و نصيب اصحاب الفكر املستنري ال�����ح�����ب ل���ه���ا يف ع��ن��ق��ي خ���ت���م ُّ يف الثقافة العربية ،وبطبيعة م��وض��ع ال��خ��ات��م م��ن أه���ل ال��ذم��م الحال يعترب بشار احدهم وله اشعار كثرية يف التغزل يف صاحبته عبدة من بينها issue (8)- January - 2013
147
ديوان النبط
الماجدي بن ظاهر عاش الماجدي بن ظاهر قبل ما يقارب 350سنة وأكثر ،ولكن مكان والدته في اإلمارات غير معروف .وتؤكد بعض الروايات أنه ولد وعاش أغلب حياته في مدينة الذيد بالمنطقة الوسطى من إمارة الشارقة ،أما مكان وفاته وقبره فهو معروف ويقع في منطقة «أم الخايوس» بقرية «الخرّ ان» التي تبعد حوالي 30كم جنوب مدينة رأس الخيمة التي تعد بوابة المنطقة البريّ ة إلمارة رأس الخيمة. ُحفظت أشعار بن ظاهر في صدور الناس منذ القدم ،وتناقلها األجداد واآلباء لتصل إلى أحفادهم ،كما حفظت في مخطوطات ُفقد الكثير منها ،و عُ رف من قصائده 13قصيدة
نبطية ،مع بعض األبيات المتفرّ قة هنا وهناك ،إال أنه في الفترة األخيرة اكتشفت له أكثر من قصيدة عن طريق بعض كبار السن ،حيث دونها الباحث في الشعر الشعبي األستاذ حماد الخاطري وأثبتها في كتابه المعنون «أعذب األلفاظ من ذاكرة الحفاظ» ،وذلك في سنة ً شعبيا بين معظم كبار السن. ،2002وهي قصيدة رائعة أغلب أبياتها حكم وأمثال تتداول
148 148
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
الماجدي بن ظاهر
يقول الفهيم املايدي بن ظاهر
1
ي��ق��ول الفهيم «امل���اي���دي ب��ن ظاهر»
تْ��ع��ي��د ال��ف��ه��ام��ا يف امل���ث���ل ل�� ْن��ظ��ار
ب�� ْوص��ي��ك ي��ا م��غ��رور ع��ن رسق غيبها
اح�����ذر ْوح�������ذّر م�� ّن��ه��ا األخ���ي���ار
م��ا ال��ع��وق م ال��ب�ّي�نّ ال��ع��وق ْم��ن الخفي س���ع���ادة ال���دن���ي���ا رشاغ�����ة ح��ي��ات��ه��ا
أن ع���دت يف ن��وم��ك ْوج��ت��ك أق���دار وم���ا ط���ال فيها ْم���ن األع��م�ار قْ��ص��ار
�ش�ره���ا ت����روي����ك خ��ي��رٍ ث����م ت���ن���وي ب ّ ك���م ف��� ّرق���ت م���ن خ�ّي�رّ ي���ن ْوج��م��ل��ه��م
غ��������� ّدار ٍة م��ن��ه��ا ت ْ���ب�ي�ن أخ���س���ار ْوك����م غ���اب ع��ن��ه��ا م��ن م��ق��ام خْ��ي��ار
ال���ح���ي ف��ي��ه��ا م��س��ت��ح��ثْ ْوش���اق���ي ّ
ويْ���س�ي�ر ع��ن��ه��ا م���ا ق�ض�ى ل���ه ك��ار
رب ال���ع���ب���اد غنيمة و ْم����ع����ارشة ْ
ح��س�� ْن ْوج��م�ال ويف ال���وج���وه أن���وار
2
issue (8)- January - 2013
149
ديوان النبط
وم���ن خ���ان ع��ه��د ال��ل��ه وارشك غ�يره أال وا ص��ب��ان��ا وا ْم���غ�ّل�يّ قْ���دورن���ا أال وا رب��ي��ع ال��ط��ي��ب ج��ان��ا وال بطأ ث�ل�اث�ي�ن ع����ارشت����ه بْ����ل����ذّة وط��ي��ب��ة ن��ت��ح��س��ب أن ال��ص��ب��ا رب���ي���عٍ ْم�ل�ازم ّ أص��ب��ح ل��ن��ا ال��ش��ي��ب بْ��س��واب��ق لحانا ه���� ْز ال��ع��ض��أ م��� ّن���ا وك��ّس��رّ ظ��ه��ورن��ا ودن���ي���اك ه����ذي داي�����مٍ م��ث��ل ب��ن��در ب���� ّد األرح������ام وال ت��خ��ام��ل بْضيفك ودن���ي���اك واح����د ط��ب��ع��ه��ا م���ا ت��غ�ّي�رّ ت ك����م ح����اك����مٍ ف��ي��ه��ا ق��ّض��ىّ و ْم��ّض�ّ وت���را ال��ش��ي��خ��ان وإن ض��ع��ف ش��وره��ا وال���ش���ي���خ داي�����م ش���وي��� ٍر بْ��ن��ف��س��ه ويل م��ا ي��ج�� ْر السيف م��ن جنب قاميه 8 وال��ح��ن��ظ�لي ي�� ْن��ش��اف يف ك���ل دي���رة م��ن وص���ل ب��ي��ت ال��ن��ذل يبغي م��ع�� ّزة وم���ن د ّور ال��ج��ود م��ن غ�ير صاحبه
( )1ل ْنظار :األنظار.
( )2كار :عمل أو فائدة.
150 150
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
3
ج�����زاه يف ن����ار ال��ج��ح��ي��م اس��ع��ار
4
ق�ض�ى وام���ت�ض�ى ع��� ّن���ا دور ن��ه��ار أق��ف��ى وال ع��رف��ن��ا ل��ه ع�لى م��ق��دار
وآخ�����ر ج��ف�� ّن��ي ص��اف��ي��ات أن��ح��ار
5 6
ٍ ض��ي��ف يْ��ج��ي��ك وس��ار واث����ر ال��ص��ب��ا ك�ما الح ب���أط���راف ال���ع���ذوق غْ��ف��ار
7
وأم��س��ى رشا ه���ج���نٍ ع�ل�ى م��ظ��ه��ار وال����ن����اس ف��ي��ه��ا ط�����ارح ْوس���فّ���ار وال م���ن غ��ري��ب إالّ ن��ق��ل ل��خْ��ب��ار ت��ط��ح��ن رح��اه��ا م��ا تْ��ع��رف أع���ذار ب��ش�� ّب��ان ح���رب ْوص���اف���ن���ات أم��ه��ار تْ�������وليّ أن�������ذال ال���ع���ب���اد أش�����وار وي���ش���ور بْ��ن��ف��س��ه ك��ي��ف م���ا يختار ي��ع�ثر وال ل���ه م���ن رصوف أف��ك��ار ويْ���خ�ّض�رّ ل���و أن����ه ب�����دون ْح��ظ��ار يْ������رد وج���ه���ه ي���س���ت���زي���د ع��ب��ار م��ث��ل م��ن رك���ب ب�ين األم��ه��ار ْح�مار
( )3اسعار :من سعري جهنم. ( )4دور نهار :أي يوم واحد.
الماجدي بن ظاهر
واح����ذر ل��ول��د ال��ن��ذل ت���دين بْنفسك
ل����و ك����ل ي������ومٍ ل����ه ي����ن���� ّزل ب���ار
وال���ج���ار ل���و ي��ع��ط��ي��ك م����� ّرة ْوم����� ّرة ��ي�ن م���ا درت ب�� ْي��س��اره��ا ت��ع��ط��ي مي ٍ
زي���ن�ي�ن ظ���اه���ر وال���ق���ل���وب أن��ك��ار
ب��ال�شي م��ا يعتني به ويل م��ا درى ْ وص����لّ����وا ع�ل�ى خ�ي�ر ال��ب�راي����ا محمد
سعيفك اليمنى وال��ع��ض��ي��د يْ��س��ار وال����ش����ور زي���ن���ة لْ������وايف األش���ب���ار ب���اع���داد م��ا غْ�� ّن��ى ال��ح�مام ْوط���ار الرسومات عبدالقادر الريس
مصدر القصيدة :حامد الخاطري « -أعذب األلفاظ من ذاكرة الحفاظ» -ج2002 ،1 ( )5ربيع الطيب :يقصد به الشيب.
( )7غْفار :مرض الغبار الذي يصيب رطب النخل.
( )6صافيات أنحار :يقصد بها الصبايا.
( )8الحنظيل :نبات الحنظل وهو نبات شديد املرارة.
issue (8)- January - 2013
151
ديوان النبط
الشعر النبطي إشكالية المصطلح الفنان اسامعيل الشيخيل
ثمة لبس في ما يتعلق بمصطلح الشعر النبطي،ال يتوقف عند االجتهادات المختلفة حول أصل التسمية،بل يذهب إلى حد عدم التفريق بين الشعر النبطي والشعر الشعبي وفق التسميات المتداولة بين بالد الخليج وبقية البلدان العربية
د .إبراهيم أحمد ملحم
152
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
إشكالية المصطلح
تنافس تسميات مختلفة «الشعر النبطي» ،فنحن نجد من الدارسني َم ْن استخدم هذه التسمية مرادفة لـ«الشعر الشعبي»؛ إذ نج ُد كتابًا عنوانه «موسوعة الشعر النبطي الشعبي» ،ويشتمل عىل مقدمة ونصوص مختلفة من األقطار العربية ،ويحمل كل نص اسم نصوصا لشعراء إماراتيني، القائل ،وقد أورد املؤلف ً هم :فتاة العرب ،أحمد بن خليفة الهاميل ،مانع سعيد العتيبة ،محمد بن راشد آل مكتوم ،محمد راشد الكعبي ،محمد مطر حمد تعيب الكعبي.واستخدم يف املقدمة تسمية «األدب الشعبي» ،ومل يستخدم تسمية «الشعر النبطي» نهائيًّـا( .)1ونجد آخ َر يضع عنوانًا لكتابه «الشعر النبطي :أضواء عىل القصيدة الشعبية»، وهو دراسة تتناول النصوص التي تتحدث عن العرس يف منطقة “اللجاة” يف حوران ،ويف الوقت الذي يستخدم فيه «القصيدة الشعبية» ،يضع يف كثري من األحيان بعدها مبارشة «الشعر النبطي» ،إضافة إىل أن عناوين النبطي والفصاحة الفصول جميعها تحمل كلمة «الشعبية» وال تحمل من املؤكد ،اآلن ،أن الشاعر النبطي ليس شاع ًرا شعبيًّـا، كلمة «النبطية»( .)2وهذا يثري تساؤلني يف غاية األهمية ،بل إن تسمية «شاعر شعبي» غري صحيحة؛ ألن النص األول :هل الشعر النبطي هو نفسه الشعر الشعبي؟ الشعبي ال ميكن أن ميلكه شخص واحد ،وإنْ كان قد والثاين :هل الشعر النبطي مقصور عىل منطقة الخليج بدأ مبنىشء واحد ،وفق الرؤية السابقة ،فهل نسميه العريب ،أم ممتد إىل مناطق مختلفة من الوطن العريب« ،الشاعر الدارج»؟ لعل اإلجابة عن هذا السؤال تتطلب ومنها حوران؟ ليست اإلجابة املترسعة عن السؤالني استعراض العوامل التي ت ُر ُّد إليها هذه التسمية: من املنطق يف يشء؛ فاإلجابة عنهام ستقودنا إىل تحديد 1ـ العامل اللغوي :مصدر الفعل “نبط” وهو املصطلح ،وتساعد عىل الخروج من فوىض الرتادف. نصوصا منسوجة «االستنباط» ،وكأن الشاعر استخرج ً لعل التفريق بني لفظتني، عىل منوال القصائد العربية هام« :الشعبي» Folk القدمية ،ولكن باللهجة الخاصة ليس النبطي الشاعر و«الدارج» popular مبجتمعه( ،)5وهو يتكئ يف ذلك شاع ًرا شعب ًيّـا ،بل إن سيقودنا إىل التفريق بني عىل قفزات حدثت للقصيدة التسميتني السابقتني؛ عىل صعيد القوالب املوسيقية تسمية “شاعر شعبي” فاللفظة األوىل تطلق كاملوشحات ،أو عىل صعيد اللغة غير صحيحة؛ ألن النص عىل النصوص التي تتوافر حيث بدأت األلفاظ تنحو للبساطة أن يمكن ال الشعبي فيها األمور اآلتية :الجهل املفرطة كاملواليا. يملكه شخص واحد بزمن نشأتها ،وتداولها يف 2ـ العامل الجغرايف: مجتمع أفراده غري متعلمني، هناك مواضع يف الجزيرة العربية وخضعت إىل تحويرات أو تقرتب من هذا املسمى ،وردت
تعديالت يف أثناء تداولها عىل األلسنة من شخص آلخر.. لكنها حافظت إىل حد كبري عىل القالب الصياغي/ املوسيقي الذي تصب الكلامت فيه( .)3أما اللفظة الثانية ،فعادة ما ترتبط باسم قائلها ،وإن كانت تحايك الشعبي ،ونشأت يف مجتمع يعرف الكتابة .وهكذا، فإن لفظة “الشعبي” ترتبط بالشفاهية األولية ،أما لفظة “الدارج” فرتتبط بالشفاهية الثانوية( .)4وهذا ما يُخرج كل نص يحمل اسم صاحبه من نطاق الشعبي ليصري يف نطاق «الدارج» ،أو «العامي» إذا رأينا أن هذه التسمية “الشعر الدارج” غري متداولة يف الدراسات، ولكن الدقة العلمية لرتجمة popularتقتيض وجودها. ويجعل النصوص الرتاثية التي تتوافر فيها األمور السابقة «شعبية» عىل نحو ما نجد فيام قيل يف الغوص للبحث عن اللؤلؤ.
issue (8)- January - 2013
153
ديوان النبط
«معجم البلدان» ،منها «وادي نبط» ،أو «نبطا» الواقع يف نواحي املدينة املنورة ،قرب حوراء(.)6 3ـ العامل القومي :األنباط من العرب القدماء الذين تعرضت حضارتهم لهجامت الروم والبطالسة ،ولعل هذا ما جعل وجودهم ينكمش يف حوران ،ثم امتد بعدئذ إىل الجزيرة العربية( .)7إضافة إىل األنباط ،يُرد إىل «بني هالل» ،وهي إحدى القبائل العربية التي هاجرت من موطنها األصيل جزيرة العرب إىل املغرب العريب ،والشعر النبطي هو شعرهم باألمصار التي مرو بها(.)8 4ـ العامل االصطالحي :هناك إشارات يف كتب الرتاث إىل أن كلمة «نبطي» تحمل معنى كلمة «أعجمي» التي تطلق عىل كل كالم داخلته اللكنة ،وبدا فيه اللحن(.)9 ما يُالحظ أن العامل اللغوي يحاول أن يتعامل مع تسمية «نبطي» كأنها لفظة صعبة تحتاج إىل معنى نحصل عليه من املعجم ،وأن العامل القومي يحاول أن يجعل هذا النمط من الشعر منحد ًرا عن أصول عربية برصف النظر عن مدى دقة القول؛ فاألنباط كانوا قبل اإلسالم ،والفرتة الفاصلة ما بني الشعر الجاهيل والشعر العبايس ،تبني أن اللغة العربية عاشت يف عرصها الذهبي بحيث ،لو افرتضنا أن لغة األنباط كانت عامية ،فإن هذه الفرتة كفيلة مبحوها ،ما يجعل 154
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
إمكانية العودة إليها مستحيلة ،واألمر نفسه يُقال عن «بني هاللس .أما العامل االصطالحي ،فمستبعد؛ ألن كلمة “النبط” يف سياقها السابق تنتقص من مكانة َم ْن ت ُطلق عليه ،ما يجعل هذه التسمية منفرة ،إضافة إىل أن النصوص النبطية القدمية تبينِّ لغتها ،بالقياس إىل العامية يف أماكن أخرى أنها تحظى بفصاحة ال ميكن تجاهلها ،كام نجد يف شعر املاجدي بن ظاهر ،و فتاة العرب ،وغريهام ،ولعل هذا ما جعل الباحث السعودي سعد العبدالله الصويان يرى أن الشعر النبطي سليل الشعر الجاهيل( ،)10وجعل سامل الزمر يربط ألفاظه بالشعر الجاهيل خاصة(.)11 من املؤكد أن لغة الشعر النبطي عامية ،وأنها سارت مواكبة زمن ًّيـا للعامية يف العامل العريب ،ولكن يف الشعر، تغطي كلمة «النبطي» عليها ،لتعطيها سامت مميزة.
النص الغنايئ
لقد استبعدتُ العوامل الثالثة السابقة؛ ألنها بكل بساطة مل تستطع أن تصل يب إىل الحد األدىن من اليقني، ويف الوقت نفسه ،مل أرد أن أصل إىل الفراغ ،فأبقيت ما ميكن أن أطمنئ إليه ،وهو العامل الجغرايف ،وذلك لألسباب اآلتية: 1ـ أننا أمة شاعرة بطبيعتها ،ولن نضع الشعر حتى
إشكالية المصطلح
إليها عند الحديث عن الشعر الدارج ،وأهمها :ارتبط تضع اإلبل حنينها؛ فالشعر ديواننا الخالد ،وصعوبة الشعر يف مجتمع ثقافته ال تساعد عىل فهمه ليس يعني ملكية النص بصاحبه ،وسيادته يف مجتمع يعرف الكتابة. تسد فيها تسمية «الشعر 2ـ أن الجزيرة العربية مل ُ ترك الشعر ،بل خلق الشعر ولكن بثوب يختلف عام العامي» ،وأن تسمية «الشعر النبطي»مستقرة ،وال يرتديه الشاعر ،وهو اختالف ال يصل إىل الضدية .لقد حمل األدب الشعبي فكرة البطولة بعد أن مترد الشاعر يوجد غريها ،بينام تحظى تسمية “الشعر العامي” يف أماكن أخرى من الوطن العريب بالسيادة ،ومنها :حوران، عىل املتلقي ،فصارت هناك فجوة يف فهم الشعر ،منذ ولو حاولنا استبدل تسمية مكان أخرى لظهر لدينا قيل أليب متام «ملَ ال تقول ما يُفهم؟» ،فكان جوابه «ملَ الخلط والفوىض .وال شك يف أن استقرار أي مصطلح من ال تفهم ما يُقال» فابتكر الشعب ما يقوله ،وسلب املصطلحات يف مكان ما يتطلب غياب املصطلحات التي الشاعر حق ملكية النص( .)12نشأ النص الشعبي تزاحمه يف املكان نفسه ،وال يتحقق هذا األمر إال يف الغنايئ منه ،وغري الغنايئ يف حالة كون السياق الذي يعيش أماكن مختلفة من الوطن النصوص النبطية القديمة فيه يتداوله منذ زمن بعيد .أما العريب ،ونشأ الشعر الدارج تسمية «الشعر البدوي» التي أو العامي الذي ميتلكه تبيِّن لغتها ،بالقياس إلى استخدمها ابن خلدون مرادفة منشئه وحده فيام بعد .يف العامية في أماكن أخرى لتسمية «الشعر النبطي» فذلك الجزيرة العربية ،نشأ النص يعود إىل كون معظم منتجي أنها تحظى بفصاحة ال الشعبي الغنايئ متمثالً يف هذا الشعر من قاطني البادية فكرة أمور كثرية ،تتجىل فيها يمكن تجاهلها ،كما نجد أو منحدرين منها ،وهي عىل البطولة ،سواء أكان ذلك يف في شعر الماجدي بن الرغم من دقتها إال أنها مل أغاين الغوص ،كام أرشت ،أو ظاهر ،و فتاة العرب تكتب السيادة الكافية لتحل أغاين األطفال .ونشأ الشعر مكان تسمية «الشعر النبطي». النبطي ،أيضً ا ،وهو يتخذ 3ـ أن تسمية الشعر منسوبًا السامت العامة التي أرشت issue (8)- January - 2013
155
ديوان النبط
إىل املكان الذي نشأ فيه تنطوي عىل قدر كبري من الصحة؛ فشعر الرتوبادور أو الشعراء الجوالني ـ الذي حظي بجامهريية غري مسبوقة ـ من ضمن ما يُطلق عليه «الشعر الربوفانيس»؛ ألنه نشأ يف إقليم بروفنس Provanceجنوب فرنسا يف أواخر القرن الحادي عرش امليالدي ،وهناك غموض يف األصول التي اتكأ عليها، أو تأثر بها( .)13وهذا ما يجعلني أميل إىل القول بأن تسمية “الشعر النبطي” ترتد إىل «وادي نبط» يف نواحي املدينة املنورة ،عىل الرغم من الغموض املحيط بتلك النشأة ،وصعوبة القول بأن شاع ًرا ما كان
َ قصد القصيد .وليس مينع هذا أن ميتد الشعر أول َم ْن َّ خارج الجزيرة العربية ،ومنها حوران ،كام امتد شعر الرتوبادور من «بروفنس» إىل أماكن أخرى يف أوروبا، وليس مينع من أن تكون البداية مستنبطة من املضمون الفكري الذي حمله الشعر القديم ،والذي يدور حول البطولة مبفهومها الواسع ،ومستنبطة من القوالب املوسيقية القدمية ،ومستنبطة ،أخ ًريا ،من اللغة الفصيحة نفسها .لقد نفى عدد من الدارسني هذا األمر؛ لكون َم ْن طرحه ال ميتلك دليالً ،وتناسوا أننا ال منتلك ،أيضً ا ،أية أدلة ترجح عامالً عىل آخر
.1انظر :الحنيطي ،صالح :موسوعة الشعر النبطي الشعبي ،دار أسامة ،األردن ( 2003املقدمة). .2انظر :الحاتم ،منصور عبد :الشعر النبطي :أضواء عىل القصيدة الشعبية ،دار عشرتوت ،دمشق ( 1999املدخل). .3حدد هذه األمور الكزاندر هجريت كراب ،انظر كتابه :علم الفلكلور ،ترجمة :رشدي صالح ،دار الكتاب العريب ،القاهرة ،1967ص.253 .4ورد هذان املصطلحان يف كتاب والرت أونج ،انظر :الشفاهية والكتابية ،ترجمة :حسن البنا عز الدين، املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،1994ص.53 .5انظر :السعيد ،طالل :الشعر النبطي ،ذات السالسل ،الكويت ،1981ص 18ـ .19 .6انظر :املرجع السابق ،ص.17 .7ذهب إىل ذلك :جواد عيل ،وصادق بخيت .للتفاصيل ،انظر :الحسن ،غسان :الشعر النبطي يف منطقة الخليج والجزيرة العربية ،املجمع الثقايف ،أبوظبي ،1990ج ،1ص.108 .8انظر :السعيد ،طالل :املرجع السابق ،ص 20ـ .21 .9ذهب إىل ذلك :عبد الله بن محمد بن خميس ،وعيل عبد الله خليفة ،وأحمد أمني املدين .للتفاصيل، انظر :الحسن ،غسان :املرجع السابق ،ج ،1ص 120ـ .124 .10انظر :الشعر النبطي :ذائقة الشعب وسلطة النص ،دار الساقي ،ط ،1بريوت ،2000ص 93ـ .102 .11راجع دراسته :غوص يف أعامق لغة الشعر النبطي :النبطي الفصيح ،دار الصدى ،ديب .2009 .12للتفاصيل ،راجع كتايب :الرتاث والشعر ،عامل الكتب الحديث ،األردن .2010 .13انظر كتايب :قراءة اآلخر :القصيدة العربية والنظريات األجنبية ،عامل الكتب الحديث ،األردن، ص 146ـ .147
156
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
أدب البدو
الفنان :جون سينغر
أدب البدو
في كتابات الرحالة والمستشرقين الفرنسيون يحاولون اللحاق بالركب
3
في الحلقة الثالثة من دراسته القيمة يواصل الباحث السعودي سعد العبدهللا الصويان اقتفاء آثار
الرحالة والمستشرقين الذين كان لهم السبق في جمع ادب البدو في الجزيرة العربية وبادية الشام
سواء على مستوى تدوين الشعر النبطي او تقديمه بلغات اجنبية ضمن نظرة استشراقية للمنطقة تتفاوت بين رحالة وآخر
سعد العبدهللا الصويان
issue (8)- January - 2013
157
ديوان النبط
يف
من مالحظات عىل هذه الروايات وصحتها التاريخية إال سنة 1919م نرش كارلو دي الندبرج Carlo أن صياغتها جيدة وأسلوبها جميل ولغتها قريبة جدا من de Landbergثالث سوالف بقصائدها جمعها أثناء تجواله يف منطقة حوران .ويشري الندبرج إىل لغة البدو وطريقتهم يف الحديث والرواية. أنه جمع السالفة األوىل والثالثة من فالح مسيحي يدعى يف الثالثينات من هذا القرن امليالدي نرش روبرت مونتان Robert Montagneبعض السوالف والقصائد التي موىس رارا من أهايل قرية خبب التي تقع يف حوران. دونها من رواة شمر الجزيرة .إثنتان من هذه السوالف والغريب أن الندبرج يدعي أن موىس هذا أكد له أنه والقصائد تتعلقان بحياة شايع بن مرداس االمسح هو الذي أمىل عىل فيتشتاين يف دمشق السالفة التي لخصناها أعاله وأن فيتشتاين مل يذهب بتاتا إىل مضارب الشمري ومغامراته ،والبقية تتألف من ستة عرش سالفة بقصائدها جمع العرش األوىل منها من هل ّيل العلوان من قبيلة ولد عيل كام يدعي .السالفة األوىل التي يوردها عبدة وجمع الخمس التي تليها من محمد الخشان من الندبرج سالفة ماجد الحرثيب مع قصيدته التي مطلعها حسب هذه الرواية «ياعمرو يامشكاي يافرحتي شوف» الخرصة واألخرية جمعها من قبيلة طي .والقيمة األدبية ومجموع أبياتها سبعة عرش بيتا .لكن السالفة كام أوردها لهذه السوالف ضعيفة جدا ويبدو أن الرواة الذين أخذ الندبرج تختلف كلية عام هو متداول بني الرواة يف نجد عنهم مونتان ليسوا عىل املستوى املطلوب .وواضح وشامل الجزيرة العربية .كام تختلف أيضا رواية السالفة من عناوين هذه السوالف أنها من األدب املتداول يف البادية العربية لكن الروايات النجدية حسب ما سمعتها الثالثة التي تتحدث عن سعدون العواجي وما جرى له مع شامخ عن تلك التي أوردها محمد بن أحمد السديري وجمعت بعضا منها بنفيس من مصادر شفهية أفضل من هذه بكثري. يف كتابه أبطال من الصحراء .كام يورد الندبرج سالفة عن شيخ من شيوخ البادية يسمى الحياري وانتصاره عىل الدايل موىس الذي أرسلته الدولة العثامنية للقضاء عليه .صدارة فنلندية بعد انتصاره عىل الدايل يقول الحياري قصيدة من مثانية وبعد ذلك مرت فرتة فرتت فيها الجهود االسترشاقية يف عرش بيتا يبدأها بقوله «يقول الحياري الذي شاع ذكره //مجال جمع ودراسة الشعر النبطي وإن كانت نشطت وحمد الفتى قبل الفعال ضالل» .وعىل الرغم مام أوردناه بشكل ملحوظ فيام يتعلق بدراسة اللهجات .وسبق أن أملحنا إىل أن فنلندا ،عىل يد أوغست والني ،لها فضل السبق والريادة من حيث االهتامم األكادميي بالشعر النبطي .ويف السبعينات من القرن املايض تعود فنلندا من المصادر المفيدة في مرة أخرى عىل يد الربوفسور هاييك بالفا Heikki Palva دراسة شعر البادية أعمال من جامعة هلسنيك لتحتل مركز الصدارة يف هذا املجال. الباحث كلينتون بيلي والربوفسور بالفا عامل مرموق يف مجال الدراسات اللغوية واألسلوبية ،وخصوصا دراسة اللغات السامية واللهجات Clinton Baileyالذي أمضى العربية وأسلوب الرواية الشفهية ،ومؤلفاته يف هذا املجال حوالي عشرين عاما في أكرث مام يسمح املجال بحرصه هنا .وترتكز اهتامماته عىل دراسة أحوال بادية سيناء دراسة لهجات بادية األردن مثل الحويطات والعجارمة وصحراء النقب وبني صخر ومناطق السلط والبلقا وحصبان .ونرش بالفا مقالة عن قضايا الوزن يف الشعر البدوي من وجهة النظر اللغوية.
158
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
أدب البدو
الفنان جون فريدريك لويس
وال تخلو دراسات بالفا اللغوية من النفس األديب نظرا لطبيعة املادة التي يتعامل معها والتي تتألف معظمها من سوالف وقصائد شفهية يسجلها من الرواة أثناء وجوده بني أهل املناطق والقبائل املذكورة .ودراسات بالفا عظيمة الفائدة من الناحية اللغوية واألسلوبية ،لكنها قد تكون أقل قيمة من الناحية األدبية بالنسبة للمهتمني بالشعر النبطي .من يقرأ السوالف والقصائد التي يوردها يف دراساته ال يخامره أدىن شك يف أن منشأها من نجد ومن القبائل التي تقطن شامل الجزيرة العربية .لكنها أثناء هجرتها إىل األردن وفلسطني تصبح عىل ألسنة الرواة من الفالحني هناك مختلفة اختالفا واضحا عن األصل املتداول يف نجد ،وتطرأ عليها تحوالت جذرية ال من حيث اللغة وال من حيث املضمون ،لدرجة أن القصائد تختل أوزانها وتفقد الكثري من نسيجها الشعري ورونقها الفني .وأشك أن أصحاب النظر واملتذوقني لهذا اللون من األدب من أهايل نجد والبادية سيستسيغون هذه النامذج ويستمتعون بها لو ألقيت عىل مسامعهم .ومرد ذلك إىل التباين اللغوي والثقايف بني البيئة األصلية التي نشأ فيها هذا اللون من األدب وبني بيئة الفالحني التي جمع منها
بالفا مادته.
االسترشاق املعارص
ومن املسترشقني املعارصين الذين لهم عناية بجمع نصوص من األشعار والسوالف البدوية من مصادرها الشفهية ودراستها دراسة لغوية بروس انغام Bruce Inghamمن جامعة لندن .نرش انغام يف عام ١٩٨٦م كتابا من مائة وخمس وثالثني صفحة عن قبيلة الظفري وتاريخها مع دراسة لغوية .ويف هذه الدراسة يورد انغام أربعة عرش سالفة بقصائدها استقى أكرثها من نايف بن حمود بن سويط والباقي من محمد بن سعدون بن سويط ومهدي بن دغيّم القاسمي ومطني بن مجوي الخالدي .وكل هذه السوالف والقصائد تدور حول تاريخ قبيلة السويط وأفعالها يف العصور السابقة .ومن املقاالت املمتعة واملفيدة التي نرشها انغام مقالة له عن املصطلحات الخاصة باإلبل عند قبيلة املرة ،وله مقالة نقدية عن «السالفة» كجنس أديب. ومن املصادر املفيدة يف دراسة شعر البادية أعامل الباحث كلينتون بييل Clinton Baileyالذي أمىض حوايل
issue (8)- January - 2013
159
ديوان النبط
عرشين عاما يف دراسة أحوال بادية سيناء وصحراء النقب ونرش العديد من املقاالت وكتابا بعنوان Bedouin Poetry from Sinai and the Negevيحتوي الكثري من القصائد التي جمعها من الرواة والشعراء البدو ونرشها بنصوصها العربية مع ترجامت إنجليزية .وتتسم أعامل بييل بالنزعة اإلثنولوجية حيث أنه يركز عىل النواحي الثقافية واالجتامعية والتاريخية ويلجأ إىل الشعر للحصول عىل معلومات من هذا القبيل .ويؤخذ عىل بييل ضعف الجانب اللغوي يف أبحاثه حيث من الواضح أن تأهيله يف العلوم اللسانية يعاين من القصور وهو ال يجيد لغة البدو إجادة تسمح له بفهم أشعارهم وتذوقها عىل الوجه الصحيح .ومع ذلك تبقى مؤلفات بييل من أهم املراجع التي يف أيدينا عن شعر بادية سيناء والنقب. ومن املالحظ أن الدراسات اللغوية تحتل مركز الصدارة يف معظم جهود املسترشقني التي استعرضناها حتى اآلن .وجمع نصوص القصائد النبطية والسوالف البدوية وتحليلها بالنسبة لهؤالء املسترشقني الذين تحدثنا عنهم ليس أمرا مطلوبا لذاته وإمنا هو يأيت كحاشية الهتاممات أخرى أشمل وأعم مثل دراسة اللهجات العربية واللغات السامية والدراسات التوراتية .والقليل من هؤالء له اهتامم مثال بالدراسات الشعبية أو األنرثوبولوجية أو الدراسات األدبية املقارنة .بل إن البعض منهم ،مثل ألربت سوسني، يثري الشكوك والتساؤالت حول القيمة الفنية والجاملية لهذا األدب ويتعامل معه باستعالء شديد .وبدون التقليل من أهمية هذه الدراسات وقيمتها العلمية إال أنه ال يوجد بينها ما يصلح يف نظري كمدخل أديب جيد للشعر النبطي يربز خصائصه الفنية وسامته الجاملية .هذا املدخل األديب مفقود يف جميع هذه األعامل وال يتوفر إال يف كتابات املسترشق الهولندي املعارص مارسيل كوربرسهوك Marcel .Kurpershoekانصب اهتامم كوربرسهوك يف بداية حياته العلمية عىل األدب العريب املعارص ،وخصوصا فن الرواية والقصة ،وكتب رسالته للدكتوراه عن يوسف إدريس. وبعد أن عني موظفا يف السفارة الهولندية بالرياض بدأ اهتاممه بلهجة نجد والشعر النبطي .وطوال السنني التي أمضاها يف عمله بالسفارة كان دؤوبا عىل مجالسة الرواة
160
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
والشعراء النبطيني البارزين وقراءة الدواوين الشعرية املطبوعة وكل ما يتعلق بالشعر النبطي من مصادر تاريخية وجغرافية حتى أصبح يفهم هذا الشعر ويتذوقه ويتحسس مواطن الجامل فيه واإلبداع بشكل يفوق جميع من سبقه من املسترشقني .ثم صار يشد الرحال إىل البادية ومييض األسابيع واألشهر يجوب الفلوات حتى سرب حياة البدو ومتثل قيمهم واستوعب طرائقهم يف السلوك والتفكري والتعبري. نرش كوربرسهوك العديد من الدراسات واملقاالت عن الشعر النبطي باللغات العربية والهولندية واإلنجليزية. ومن أهم أعامله كتابان األول صدر عام ١٩٩٤م ومجموع صفحاته ٣٦٨صفحة وهو عبارة عن جمع ودراسة ألخبار
أدب البدو
الفنانة كارولني اميييل هيل
وأشعار الشاعر عبدالله بن محمد بن حزيّم الدورسي امللقب الدندان من الحرارشة من الرجبان جمعها من الشاعر نفسه أثناء تجواله معه يف بادية وادي الدوارس. واآلخر صدر عام ١٩٩٥م ومجموع صفحاته ٥١٠صفحات وهو جمع ودراسة ألخبار وأشعار الفارس شليويح بن ماعز العطاوي وأخيه بخيت جمعها مشافهة من خالد بن مشعان بن فاجر بن شليويح العطاوي أمري مركز عبال قرب عفيف .هذا باإلضافة إىل كتاب ثالث عن أشعار الدوارس وكتاب رابع يشتمل عىل الفهارس واملعاجم .وكل هذه الكتب نرشتها دار بريل Brillيف اليدن Lieden بهوالندا .وتتميز دراسات مارسيل بالدقة العلمية والعمق والشمولية والفهم الواعي والسليم ملعاين الشعر النبطي
ولغته وصوره وأساليبه الفنية. وهناك عمالن مهامن البد من اإلشارة لهام ولو باقتضاب وإن كانا يقعان جغرافيا وثقافيا عىل هامش دائرة الشعر النبطي .هذان العمالن هام دراسة Lila Abu- Lughodعن أشعار نساء قبيلة ولد عيل يف صحراء مرص الغربية ودراسة Steve C. Catonعن شعر قبائل بكيل يف منطقة خوالن الطيال رشق اليمن .أرى أن هذين العملني ميثالن منوذجا ممتازا يف تطبيق املقرتب النقدي األنرثوبولوجي يف دراسة الشعر العامي ومحاولة الغوص إىل أعامق الوظائف النفسية واالجتامعية لهذا األدب ومحاولة استكشاف البنى الذهنية والشعورية التي تشكله
issue (8)- January - 2013
161
كاميرا
عدسة املصور أمجد صندوقة
�أبوظبي يف ال�ضباب 162
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/
حروفية أنس مالك
issue (8)- January - 2013
163
من أعامل الفنان اإلمارايت عبدالرحيم سامل 164
بيت الشعر
العدد ( - )8كانون الثاني/يناير2013/