يوليواير 2012 2013 شباط - -فرب ( )2متوز العدد ()9
امرؤ القيس..الطريد الهالك أحمد العسم..حال في الشعر النظم الشفوي للشعر النبطي
FEB 2013
)I S S U E N O (9
شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي
نادي تراث اإلمارات
مهرجان الشارقة للشعر العربي القصيدة العمودية المغربية قرن من التجديد
ابن الفارض
الجمال المطلق
أنسي الحاج
قراءة فلكية
حسن طلب لن يبقى شيء من شعر الثورة
خلود المعال
تفاصيل بلون الثلج
القصيدة واألغنية تحوالت على هوى اللحن issue (9)- February - 2013
1
الفنان جوان زونج 2
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
بيت الشعر
العدد ( )9شباط/فبراير2013/
الشعر والمهرجانات كثرية هي املهرجانات التي تحتفي بالشعر لتنقله من سكون الحرف إىل صدى اإليقاع ،ومن بني دفتي الكتاب إىل املنرب ليعيش حياة أخرى بني املتلقني والذواقة، الذين يتعاطون مع القصيدة بحساسية مختلفة عنها يف حال قراء الشعر،وعىل العموم فإن جامهري املهرجانات تتشكل من الذين يبحثون يف الشعر عن عنارص االحتفال،ولهذا جرت العادة أن يتزامن الكثري من مهرجانات الشعر العاملية مع مناسبات وطنية و دينية أو عىل صلة بالخصب ،مثل حصاد القمح و قطاف العنب ،وحتى الرياضة لها نصيب مثلام حصل خالل «أوملبياد» لندن األخري،حيث بادرت الحكومة الربيطانية إىل تنظيم «أوملبياد» شعري عاملي قبل انطالق الفعاليات الرياضية بأسبوع،شارك فيه قرابة مائة شاعر ميثلون غالبية الدول املتنافسة يف املسابقات الرياضية.ومنذ القدم كانت املهرجانات واحة لتالقي الشعراء والجمهور وساحة ملبارزة الشعر ،فكم من مهرجان رفع شاعرا ً أصيال وأسقط آخر مزيفا ،وكام لدى العرب فإنه كذلك لدى الشعوب األخرى ،تعد مهرجانات الشعر مناسبات تبدأ من الشعر لتذهب نحو فضاءات أخرى للمعرفة والفن وللتالقي اإلنساين ،وحتى العمل السيايس. ومنذ سوق عكاظ يف فرتة ما قبل اإلسالم فإن املهرجانات شكلت مساحة مفتوحة عىل املنافسة بني الشعراء قبل كل يشء ،وأولت العرب املناظرات الشعرية أهمية خاصة ،وكانت لها أحكامها النقدية القاسية التي ال تعرف املجاملة حني يتعلق األمر بالشعر ،ولذلك فإن السوق شكل مبثابة محطة تحكيم ،األمر الذي يفرس أن القسط األكرب من الشعر العريب الذي وصلنا هو الذي حظي بالتكريم والحفظ يف ذلك املهرجان السنوي،وخصوصا املعلقات. غني عن القول أن هناك من الشعراء من أغراه التمرين املنربي فذهب إىل حد الكتابة الشعرية التي تراعي خصوصيات لحظة اللقاء املبارش مع الجمهور،وكثريا ما جرى األخذ بتفاعل املتلقني مع الشاعر كمقياس للشعبية والرواج ،وهذا أمر ينسحب عىل الشعر قدميه وحديثه،بل إن البعض صار يرى بأن تراجع املنربية سبب من بني أسباب تدين إقبال الجامهري عىل الشعر يف العقود الثالثة األخرية. ما نلحظه اليوم هو أن هذا النمط من املهرجانات يف طور االنقراض من حياتنا كليا ،وما بقي منها يفتقد تدريجيا للربيق واالحرتافية ،ومل يعد ميثل واقع وآفاق الحركة الشعرية ،عدا عن أنه ال يقرتب من طرح همومها ومشاكلها ،وهذا أمر ينطبق عىل املهرجانات العربية أكرث مام هو عليه الحال يف بقية بلدان العامل،سواء يف الغرب أو آسيا وأفريقيا ،حيث تحاول املهرجانات اليوم تجسري الهوة بني الجمهور والشعر،من خالل الحفاظ عىل الجانب االحتفايل يف الشعر. وهناك العديد من املهرجانات العاملية السنوية يف اوروبا وآسيا وامريكا الالتينية وافريقيا تنتظم يف صورة دورية ،لتشكل ملتقيات مفتوحة لشعر العامل ،يف حني أننا كعرب ،ونحن أمة شعر وبيان ،مل نبادر حتى اآلن إىل إقامة مهرجان للشعر مبقاييس دولية ،ننافس به املهرجانات العاملية
تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي نادي تراث اإلمارات
املرشف العام رئيس التحرير د.راشد أحمد المزروعي
مدير التحرير بشير البكر
سكرتري التحرير عبد اهلل أبو بكر
املدير الفني فواز ناظم
االخراج والتنفيذ سعاد حسنة
بشري البكر issue (9)- February - 2013
3
مهرجان الشارقة للشعر العربي 26 - 23 18 23حدث الشهر..مهرجان الشارقة للشعر العريب 27نصوص :مهدي منصور ،راشد عيىس ،جامل الصليعي آمنة المعال ..قصيدة الواقع والتفاصيل
من أعامل الفنان اإلمارايت عبدالقادر الريس يوليواير 2012 2013 شباط - -فرب ( )2متوز العدد ()9
،سعيد بن محمد املكتومي
36 33تحقيق :القصيدة العمودية يف املغرب 59موقف الشاعر..عبدالله أبوبكر 60شعر وتشكيل..أثر الفراشة 64رحلة القصيدة إلى األغنية 70حوار..حسن طلب
FEB 2013
نظري ًا ..صبحي حديدي
نادي تراث اإلمارات
ابن الفارض أنسي الحاج
قراءة فلكية العدد (- )9شباط/فبراير
حسن طلب لن يبقى شيء من شعر الثورة
2013
خلود المعال
تفاصيل بلون الثلج
www.poetryhouse-ad.ae
تفاصيل بلون الثلج املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة 4
مهرجان الشارقة للشعر العربي القصيدة العمودية المغربية قرن من التجديد
الجمال المطلق
خلود المعال
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
)I S S U E N O (9
شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي
86
بيت الشعر
امرؤ القيس..الطريد الهالك أحمد العسم..حال في الشعر النظم الشفوي للشعر النبطي
القصيدة واألغنية تحوالت على هوى اللحن
الغالف:
الفنان المغربي محمد البندوري -لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان
عناوين املجلة االدارة والتحرير: االمارات العربية املتحدة-ابوظبي هاتف+97124916333 : امييلbashir@cmc.ae :
أبوظبي لإلعالم-توزيع الرقم املجاين 8002220 : لالتصال من الخارج +97124145000 فاكس +971 24145050 :
distribution@admedia.ae مسؤول التوزيع :زياد النجار
حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة
المحتويات
136
126
76 81تجارب إماراتية..أحمد املطرويش 91الشعر والرواية..شاعرية الرسد 96في الشعر ..،دومينيك كومب ،عالء الجابري ،
أحمد العسم ..ما يخفي الحال ويفضحه بالشعر
محمد عيل شمس الدين
104 107مختارات:
تنظير..يوسف عبد العزيز
114
غابريلال ميسرتال -شعر النساء األفغانيات
المشهد الثقافي الفلسطيني
76
81
116 120مهرجان لوديف..عبد الرحيم الخصار 125ديوان العرب..ابن الفارض،قريط بن أنيف شعر وفلك..أنيس الحاج
العنربي،امرؤ القيس،أحمد شوقي ،ابن املعتز الحرصي القرياوين. 148ديوان النبط ..حمد الغداين السويدي، راشد بن مانع بن مرشد الحمريي
152 157أدب البدو 162كاميرا ..نور حميص
سعر النسخة اإلمارات العربية املتحدة 10 :دراهم -اململكة العربية السعودية 10 رياالت -الكويت دينار واحد -سلطنة عامن 800بيسة -قطر 10رياالت مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -مرص 5جنيهات -السودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية -سورية 100لرية -اململكة األردنية الهاشمية ديناران -العراق 2500دينار -فلسطني ديناران - اململكة املغربية 20دره ًام -ليبيا 4دنانري -الجمهورية التونسية ديناران بريطانيا 3جنيهات -سويرسا 7فرنكات -دول االتحاد األورويب 4يورو الواليات املتحدة األمريكية وكندا 5دوالرات.االشتراكات لألفراد داخل دولة اإلمارات 100 :درهم /لألفراد من خارج الدولة150 : دره ًام -للمؤسسات داخل الدولة 150 :دره ًام /للمؤسسات خارج الدولة
الشعر النبطي ..النظم الشفوي
حسن طلب
جيل السبعينات الشعري أصبح ذكرى
70
200درهم. issue (9)- February - 2013
5
ُكتاب العدد
13
16
19
22
تخطيطات ُ الكتاب :نارص بخيت
6
8
10
12
.1سعيد جاب الخري:
• كاتب وباحث جزائري ،صدر له «التصوف واالبداع»
.2عبد الغني املقرمي:
النسكافيه».
.9عامر األخرض: • ناقد عراقي.
.10مفيد نجم:
• شاعر وناقد ميني،صدر له «عىل أطالل فكرة».
• ناقد من سوريا يقيم يف ابوظبي،اصدر العديد من الكتب يف حقل النقد من بينها: األفق والصدى-دراسات يف الشعر السوري املعارص،الربيع االسود،
• شاعر وناقد مغريب ،من بني ما صدر له « ما يشبه ناياً عىل آثارها».
أرض ابدية،وطائر بأكرث من جناح.
.3عبد الحي ميفراين: ناقد مغريب
.4عبداللطيف الوراري: .5محمد العامري:
• فنان تشكييل وناقد اردين
.6رنا زيد:
.11اّ عمر أحمد الشقريي:
• كاتب وقاص من االردن :صدر له «القصاصون عىل سجيتهم».
.12يوسف عبد العزيز:
• شاعرة وصحافية فلسطينية،صدر لها «مالك مرتدد».
• شاعر من فلسطني من دواوينه: حيفا تطري إىل الشقيف ،نشيد الحجر، وطن يف املخيم ،دفاتر الغيم ،وذئب
شاعر وناقد مرصي،صدر له قصائد إىل أمان»
األربعني.
.7حمزة قناوي :
.8سامح كعوش:
• شاعر وناقد من فلسطني ،يقيم يف االمارات .أصدر ست مجموعات شعرية من بينها «صباحات
6
بيت الشعر
.13سمر دياب:
• شاعرة لبنانية،صدر لها «هناك عراك يف الخارج».
.14محمد حلمي الريشة: • شاعر ومرتجم فلسطيني،من
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
بني صدر له « أرى خريفك يف يدي»
.15مراد السوداين:
• كاتب وشاعر ،أمني عام االتحاد العام للكتاب واألدباء الفلسطينيني ،رئيس بيت الشعر الفلسطيني من إصداراته «الرساج عالياً».
.16ياسني الزبيدي:
• أستاذ جامعي من العراق يقيم يف
أبوظبي.
.17عبد الرحيم الخصار:
• شاعر وكاتب من املغرب ،صدرت له عدة دواوين من بينها :أخرياً وصل الشتاء ،أنظر وأكتفي بالنظر، ونريان صديقة.
.18خالد بلقاسم:
• ناقد من املغرب ،من بني ما صدر له يف حقل النقد :أدونيس والخطاب الصويف ،الكتابة والتصوف عند ابن عريب ،والكتابة وإعادة الكتابة يف الشعر املغريب املعارص.
.19صالح بورسيف:
• شاعر وناقد من املغرب ،من أعامله شجر النوم ،نتوءات زرقاء ،و الجزء
األول خبز العائلة.
.20يوسف ميك: •كاتب بحريني مقيم يف املنامة
.21ابراهيم أحمد ملحم:
• كاتب وناقد اردين،استاذ يف جامعة العني (االمارات)،صدر له العديد من الكتب النقدية من بينها :بطولة الشاعر العريب القديم،العاذلة اطارا،وجامليات األنا يف الخطاب.
.22سعد العبدالله الصويان: • كاتب وباحث سعودي متخصص يف الرتاث يقيم يف الرياض،من بني اصداراته ذائقة الشعب وسلطة النص ،فهرست الشعر النبطي وحداء الخيل. وفي الشعر
.23مهدي منصور .24راشد عيىس .25جامل الصليعي .26سعيد بن محمد املكتومي .27مصطفى الشليح .28عبد الجبار العلمي .29الطاهر لكنيزي .30أمينة املريني
شعر وشعراء
بدءا تبدأ سنة 2013بحدث ثقايف هام عىل املستوى املحيل هو الدورة الحادية عرشة ملهرجان الشارقة للشعر العريب ،الذي ثابر عىل تنظيمه «بيت الشعر» يف الشارقة التابع لدائرة الثقافة واالعالم .وكام يف كل سنة فإن هذا املهرجان يشكل مناسبة فعلية لالحتفاء بالشعر العريب ،الذي توليه اإلمارات اهتامما خاصا، بوصفه ديوان العرب الحافظ ألخبارهم وتراثهم واملؤرخ لتطلعاتهم وأحالمهم وآمالهم. عىل مدى أسبوع ال حديث يعلو فوق حديث القصيدة ،وبينام شهدت أروقة املهرجان أمسيات شعرية وندوات نقدية ولقاءات وحوارات ،فإن وسائل االعالم كرست جل وقتها ملواكبة هذه التظاهرة الفريدة ،بوصفها عيدا للشعر وللشعراء .ونحن هنا يف «بيت الشعر» نفرد مساحة وافية لهذا الحدث الذي يذهب بالقصيدة إىل الناس. ومن االيجابيات اإلضافية ،التي تسجل لهذا املهرجان انه امللتقى الوحيد عىل مستوى الوطن العريب ،الذي يتيح لقاء سنويا لكوكبة كبرية من شعراء العربية ،ومن كافة املدارس واالتجاهات واألجيال. باالضافة إىل هذا املهرجان الذي ميد الحركة الثقافية يف بداية العام بجرعات من الحيوية ،فإن الحراك الثقايف متواصل عىل صعيد النرش ويف هذا العدد نقف امام جملة من االصدارات املحلية والعربية ،والسيام ديوان الشاعرة اإلماراتية آمنة بنت عيل بن حمد املعال .ومن بني االصدارات الهامة ايضا كتاب الناقد واملرتجم العراقي الدكتور عبد الواحد لؤلؤة حول تأثري الشعر العريب يف تطور الشعر األورويب ،وهو كناية عن بحث جاد يف املصادر األوروبية ،يقود اىل جملة من الحقائق يجهلها العرب وينكرها الغرب التحرير
جائزة الشيخ زايد
حضور قوي للشعر بدا الفتا حضور الشعر بقوة للمنافسة عىل جائزة الشيخ زايد للكتاب التي تعلن سنويا خالل معرض ابوظبي للكتاب يف آذار/مارس.وتضم القامئة ديوان «ينام عىل الشجر األخرض الطري» للشاعر محمد عيل شمس الدين (لبنان) ،ديوان «التطريز بالكرز» للشاعر هاشم شفيق (العراق -بريطانيا)، ديوان «الرحيل إىل منبع النهر» للشاعر فاروق شوشة (مرص) ،ديوان «عىل خيط نور ..هنا بني ليلني» للشاعر إبراهيم نرص الله (أردين /فلسطيني)، ديوان «ديوان الوهايبي» للشاعر منصف الوهايبي (تونس) ،ديوان «غيم عىل العالوك» للشاعر الراحل حبيب الزيودي (األردن) ،وديوان «كم نحن وحيدتان ..يا سوزان» للشاعرة سعدية مفرح (الكويت) .وتتنافس هذه االعامل الشعرية مع مجموعة أعامل روائية ضمن فرع الجائزة لآلداب ،التي تبلغ قيمتها عن كل فرع 750ألف درهم إمارايت ،باستثناء شخصية العام التي ترتفع ملليون درهم.
مهرجان الشارقة للشعر الشعبي في الرابع من فبراير الرابع من فرباير الحايل هو موعد الدورة التاسعة من مهرجان الشارقة للشعر الشعبي ،الذي سيكون بحلة جديدة تستضيف شعراء من أنحاء الوطن العريب كافة ،فيام تتنوع الفعاليات بني إحياء أمسيات شعرية طوال أيام املهرجان الستة ،وتقديم دراسات نقدية يف الشعر الشعبي ،وسيكرم املهرجان ثالثة من رواد الشعر الشعبي اإلمارايت هم :عيىس بن قطامي ،وحميد بن ذيبان ،وآمنة املعال (السلوان) ،وسيكون ضيف املهرجان هذا العام الشاعر واإلعالمي األردين سامي الباسيل. ما مييز الدورة الجديدة من املهرجان ،استضافتها لعدد مميز من شعراء العامل العريب ،وستكون هناك مشاركات لشعراء من الخليج واملغرب العريب، والصومال ومرص وسوريا.كام أن افتتاح املهرجان سيتم بطريقة مختلفة جديدة ،ليست كسائر الدورات السابقة. يشار إىل أن مهرجان الشارقة للشعر الشعبي مر بثالث مراحل ،حيث انطلقت دورته األوىل مع بدايات تأسيس الدائرة الثقافية يف اإلمارة عام 1983 فيام كانت دورته الثانية عام 1984وبدأت املرحلة الثانية مع افتتاح بيت الشعر يف الشارقة عام .1997 issue (9)- February - 2013
7
شعر وشعراء بدر شاكر السياب
أمسية شعرية خليجية تحتفي بكأس الخليج
احتفى مهرجان أهل القصيد الشعري الثامن بدورة كأس الخليج يف دورتها التي اقيمت يف البحرين يف الشهر املايض ،واحيا مجموعة من الشعراء امسيتني تحت عنوان «ليلة خليجي .»21 وشارك يف االمسية الشاعر الكويتي ذيب الشمري ،الشاعر الكويتي مشعل دهيم ،الشاعر السعودي مانع بن شلحاط ،الشاعر البحريني عبدالله الخالدي، وكانت االمسية عىل جولتني. الجولة األوىل شارك فيها الشاعر ذيب الشمري ومشعل دهيم اللذان تناوبا عىل القراءة ،وقدم الشمري مجموعة من النصوص العمودية التي حازت عىل تجاوب الجامهري ،وباملقابل قرأ دهيم مجموعة نصوص من التفعيلة وبعض قصائده العمودية. الجولة الثانية شارك فيها الشاعران مانع بن شلحاط وعبدالله الخالدي ،وقد وتنوعت قصائدهم،كام اضفيا جوا من املرح ،وخصوصا دعابات بن شلحاط مع الجمهور بطريقة إلقائه للقصيده وحكاياته املمتعة.
الشعر الفصيح والعامي في ندوة مصرية
اتحاد الكتاب العرب 2014عام السياب تبنى االتحاد العام لألدباء والكتاب العرب مبادرة اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات العتبار عام 2014عام السيَّاب، وذلك مبناسبة مرور نصف قرن عىل رحيل الشاعر بدر شاكر السياب ،عىل أن تقام فعاليات ثقافية وأدبية بهذه املناسبة يف كل االتحادات األعضاء. وبالتعاون مع األمانة العامة .التي اقرتحت تعميم هذا التقليد بحيث يصبح كل عام مخصصاً لعلم من أعالم األدب العريب. وكان اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات قد تقدم بهذه املبادرة ،ودعا الروابط واالتحادات واألرس األعضاء يف االتحاد العام إىل االلتزام برتتيبات معينة تتناسب مع مكانة هذا الشاعر وأهمية تجربته ،كأن تعمل عىل إعادة إصدار أعامله والدراسات التي كتبت حوله، وأن تسعى إىل إدخال تجربته ضمن مناهج التعليم املعتمدة يف بلدانها ،وأن تنظم فعاليات كربى ترصد هذه التجربة ،كام اقرتح وضع صورة الشاعر عىل منشورات املؤسسات الثقافية املعنية عىل مدار العام، إضافة إىل إصدار طوابع بريدية وبطاقات تذكارية. وذكر ان اتحاد كتاب االمارات حصل عىل حق استضافة املؤمتر العام السادس والعرشين لالتحاد العام لألدباء والكتاب العرب عام ،2015وذلك بإجامع االتحادات والروابط واألرس املشاركة يف املؤمتر العام الخامس والعرشين الذي أنهى أعامله مؤخرا ً يف البحرين. كام حصل عىل رئاسة مكتب امللكية الفكرية ،ومكتب تنمية املوارد وهو مكتب مستحدث يف االتحاد
عدد كبري من شعراء الفصحى و العامية وشعر النرث والزجل املرصيني ،شاركوا الشهر املايض يف ندوةأدارها الشاعر إسامعيل بخيت،دارت خاللها مناقشات جانبية حول الفرق بني شعر العامية والفصحى،وهموم رابطة الزجالني وكتاب األغاين إال أن الشاعر إسامعيل بخيت طأمنهم أن الزجل ابن الشعر وأحد الفنون املولدة منه أيضا املوشح واملوال، لذا عىل الزجال أنيتباهى بأن عميد الزجالني هو بريم التونيس. وقال سيد الوكيل إنه إذا كان الشعر هو املوزون املقفى لكانت ألفية ابن مالك شعرا،وأن هناك كالما عن شعرية السينام و شعرية النص،و«ال أستطيع أن أنفي عن نص نرثي شعريت ه»، وأشار الدكتور مصطفى الضبع إىل أننا يف الثقافة العربية نعبد املايض ونطبقه عىل النصوص الجديدة، فالفنيختلف عن العلم الذي فيه الجديديلغي القديم،وليس لدينا منيدرس الشعر ويرصد التطور الحاصل فيه.
إسامعيل بخيت 8
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
أنطونيو غامونيدا
جائزة الصباح في يوبيلها الفضي
تحتفل جائزة الشاعرة الكويتية سعاد الصباح بيوبيلها الفيض ،وقد انتهت لجنة التحكيم يف دار سعاد الصباح للنرش من اعاملها وذلك بحسم نتائج مسابقة الدكتورة سعاد الصباح لالبداع االديب للعام 2012 – 2011يف مسابقات الشعر وأفضل عرش قصائد عربية معارصة. وشهدت لجان التحكيم لهذا العام قفزة نوعية بانضامم اسامء ادبية وأكادميية روعي فيها التنوع اإلبداعي والنقدي حيث ضمت كل من الدكتور عبدالله الغذامي، األديب اسامعيل فهد اسامعيل، الدكتورة نجمة ادريس ،الدكتور مرسل العجمي ،والشاعرة روضة الحاج من السودان ،عىل أن تعلن النتائج خالل الفرتة القليلة املقبلة. وعربت الصباح عن سعادتها ملا شهدتة الجائزة من رواج وتطور عىل مستوى التحكيم واملشاركات، مؤكدة ان املرحلة املقبلة سوف تشهد تطورا عىل مستوى املسابقات وسبل توصيلها اىل مستحقيها يف الدول العربية ،مؤكدة أن الهدف األساس من ذلك هو تحفيز العقل العريب وتشجيع املبدعني الشباب .
صالح ستيتيه في معرض فرنسي
معرض الكتاب في المغرب يكرم الشاعر غامونيدا يكرم معرض الكتاب باملغرب الشاعر االسباىن أنطونيو غامونيدا الحائز عىل جائزة األركانة العاملية للشعر ،ىف دورتها السابعة ،والتى مينحها بيت الشعر ىف املغرب، كل عام ،برشاكة مع مؤسسة الرعاية لصندوق اإليداع والتدبري ،وبالتعاون مع وزارة الثقافة املغربية. وسيتم منح الجائزة للفائز ىف اليوم الثاىن من فعاليات املعرض الدوىل للكتاب املقرر إقامته 29مارس إىل 6 أبريل 2013مبدينة الدار البيضاء ،فضال عن أن القيمة املادية للجائزة سرتتفع إىل اثني عرش ألف دوالر ،بدل عرشة آالف .والجدير بالذكر أن الشاعر اإلسباىن أنطونيو غامونيدا ولد ىف مدينة أوبييدو بإقليم أستورياس سنة ،1931وهو يعترب حاليا من الوجوه األدبية املؤثرة ىف املشهد الشعرى األوروىب والناطقني باإلسبانية ،وخالل مساره الشعرى الطويل نال غامونيدا عدة جوائز أدبية أهمها :جائزة قشتالة ليون لآلداب .1985الجائزة الوطنية للشعر .1988الجائزة األوروبية لآلداب .1993 جائزة الثقافة ملنطقة مدريد ىف اآلداب .2004جائزة امللكة صوفيا للشعر اإليبريو أمرييك .2006جائزة سريفانتس لآلداب .2006 وكان سبق أن حاز جائزة األركانة عدد من قامات الشعر العرىب وعىل رأسهم الشاعر محمود درويش، والعراقي سعدي يوسف واألمريكية مارلني هاكر والشاعر الصينى باي داو ،كام آلت الجائزة إىل مغربيني هام محمد الرسغيني والشاعر الرواىئ الطاهر بن جلون
الشاعر اللبناين بالفرنسية صالح ستيتية يف معرض افتُتح حديثاً يف متحف «بول فالريي» يف مدينة سيت الفرنسية .وهو عبارة عن نظرة شاملة عىل الروابط التي نسجها ستيتيه طوال حياته مع رسام غريب ورشقي مهم، نحو مئة ّ منهم بيار أليشينسيك وجورج ماتيو والديسالس كينو وزا وو يك وأنتوين تابييس ...وأيضاً عبد الغني الغني العاين وصليبا الدويهي وفيليب عمروش وحسن مسعودي ومحمد سعيد الصكّار وفريد بلكاهية .ولهذه الغاية ،تم جمع الكتب الـ 150التي أنجزها الرسامني إىل الشاعر مع هؤالء ّ لكل منهم تع ِّرف جانب أعام ٍل ٍّ خ َري تعريف بأسلوبه وطبيعة عمله. يحرتم املعرض الرتتيب الزمني لهذا التعاون ،أي منذ انفتاح ستيتيه عىل فن الرسم يف لبنان خالل شبابه ،مرورا ً بالصداقات الفنية التي ّأسس لها يف باريس، ثم يف بريوت مج ّددا ً ،وصوالً إىل إنجازاته األخرية التي صدرت هذا العام.
سعاد الصباح
صالح ستيتيه issue (9)- February - 2013
9
شعر وشعراء محمود درويش
قاسم حداد جهة الشعر جادة
أوضح الشاعر قاسم حداد مؤسس موقع «جهة الشعر» أن املوقع ينرش التجارب الجادة، وليس مقترصا عىل املتحققني أو عىل اتجاه محدد ،وقال : «من يعرف املوقع جيدا ً سيجد األفق أكرث رحابة واتساعاً بكل ما يتميز باملوهبة والجدية ،نحن نحاول أن نحافظ عىل درجة الجامل والجدية ىف التجارب، دون أن نزعم أننا ال نخطئ»، وأكد ان «جهة الشعر» منذ لحظتها األوىل مع مستقبل الكتابة وشبابها وحريتها دون االعتبار باألسامء ،بل أننا أحياناً مل ننرش نصوصاً ألسامء متحققة ومعروفة بسبب قلقنا من املستوى الشعري فيها ،ولحسن الحظ أن أصدقاء «جهة الشعر» يثقون ىف موقفنا وال ييأسون من مواصلة الكتابة لنا بحب كبري مينحنا ثقة ىف موهبة الشاعر يوما بعد يوم ونصاً بعد اآلخر. ويذكر ان «جهة الشعر» اول موقع عريب عىل االنرتنت متخصص بالشعر.
شاعر كوبي في تنصيب أوباما
مشروع دوريش الشعري في مواجهة االتهام بدال من االحتفاء بتجربة الشاعر الراحل محمود درويش وتقفي أثرها وصداها يف بقاع الكون ،تصاعدت أصوات تشكك يف هذه التجربة ،وترمي باتهاماتها هنا وهناك .مستغلة رحيل درويش الذي مل يعفه موته من هذه التهم واألقوال القارصة عن أن تصيب الحقيقة او تطال الصواب .وكأن ما يحدث هو هجوم منظم وممنهج يستهدف شخص درويش ومرشوعه الشعري الذي أسس لثقافة مقاومة تصدح بحق شعب يف العيش عىل أرضه بكرامة وعزة. الغريب أن العديد من أصدقاء درويش والنقاد الذين تناولوا تجربته الذوا بالصمت ومل يسمع سوى صوت القليل منهم .الشاعر الفلسطيني يوسف عبد العزيز يف تعليقه حول هذه القضية يف إحدى حواراته الصحفية قال »:ال يوجد مربر للهجوم وما تم االستناد إليه هش وال يستدعي كل هذا الرصاخ والغبار» .وأضاف :كان من املفرتض عىل املثقفني الفلسطينيني والعرب القيام بأعامل كثرية تجاه هذا الشاعر الكبري الذي يعد كنزا وذخرية لألمة العربية عىل غرار لوركا إلسبانيا وشكسبري لالنجليز» .بدوره أكد الشاعر زهري أبوشايب أن ال حاجة ملرافعة أمام اتهامات صغرية ال تنطوي عىل قيمة ثقافية ،فالصغار لن يطالوا الكبار وأمثالهم يجب ان يشتغلوا عىل أنفسهم» .أما الشاعر طاهر رياض فرأى أن بحضور درويش مل يجرؤ أحدهم عىل قول يشء مام يزعمون ،ومن الواضح انهم يحاولون إظهار وجودهم عربه
قاسم حداد 10
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
اختار البيت األبيض الشاعر ريتشارد بالنكو (من أصول التينية) لكتابة قصيدة يلقيها خالل االحتفال بتنصيب الرئيس أوباما رئيسا للواليات املتحدة األمريكية للمرة الثانية ،يف 21يناير املايض. الشاعر ريتشارد بالنكو ( 44عاما) هو ابن مهاجر من كوبا ،وهو أصغر الشعراء سنا من الذين أوكلت إليهم هذه املهمة ،ووصف نفسه قائال« :أنا من صناعة كوبية ،وتجميع إسبانيا، واسترياد الواليات املتحدة» ،وأكد الشاعر أنه يكن احرتاما بالغا للرئيس أوباما ،وقال« :منذ البداية ،وجدت نفيس متامهيا مع تاريخه الشخيص، ومع جذوره الثقافية املتعددة األصول».وللشاعر ريتشارد 4دواوين يتحدث فيها عن جذوره وأرسته وعن ناجني من جزيرة صغرية مل يتعرف إليها أبدا ،وعن بلد أصبح وطنه، وقد كتب قائال« :أنا أفكر بوالدي، وبأجدادي ،وبكل الجهود التي بذلوها، بالنسبة إيل ،إنه لرشف عظيم أن أكون أمريكيا ــ كوبيا من أبناء الجيل األول ...أكتب عن أمريكا التي تشكل موضوعا يراودين دامئا بسبب عظمتها الثقافية».
ريتشارد بالنكو
عبدالوهاب البيايت
شعراء اليمن يعلنون وفاة المؤسسة
يف أول حادثه من نوعها عىل مستوى اليمن والعامل العريب، أعلن العرشات من الشعراء واألدباء واملثقفني والفنانيني اليمنيني وفاة املؤسسات الثقافية يف البالد ،وتوجه الشهر املايض وفد من هؤالء إىل مقربة خُزمية بصنعاء ( اكرب مقابر اليمن)، بهدف اقامة فعالية ثقافية شعرية وأدبية ،يعلنون من خاللها موت املؤسسات الثقافية الرسمية يف البالد .وأوضح الشاعر زين العابدين الضبيبي ،أن الخطوة جاءت تعبريا ً من الشعراء واملثقفني والكتاب ،كإدانة للواقع الثقايف امليت الذي تعيشه البالد منذ فرتة ،ومناسبة إلعالن وفاة املؤسسات الثقافية الرسمية يف اليمن .مشريا ً إىل أن هذه الفعالية نظمت من دون أي رعاية من أي جه ومن دون جمهور ،حيث حيث تم اإلكتفاء بجمهور املوىت فقط الذين تكتظ بهم املقربة. كام علق فنان الكاريكاتور محمد غبيس ،والتشكييل خالد الجنيد لوحاتهم عىل جدران املقربة.
حامد البراق مهنة شاعر
البياتي في مهب النسيان ملاذا وقع عبد الوهاب البيايت يف النسيان؟ سؤال طرحه الشاعر هاشم شفيق ،وكتب« :أسس البيايت جائزة باسمه أطلقها أثناء حياته ،ونالها بضعة من الشعراء الشبان الذين كانوا يتحلقون حول مائدته يف عامن ودمشق وبغداد ،وطبع للفائزين مجموعات شعرية ،وهي التفاتة ال يقوم بها اال شاعر من عيار البيايت. لكن الالفت يف األمر بعد كل هذا الضجيج والحياة الصاخبة ،أنه حني رحل كأن كل يشء رحل معه، مجلسه يف املقاهي ،مسامراته ،شعره ،مريدوه، ندماؤه الكرث ونقاده الدامئون ...أين هؤالء اآلن؟ كل يشء هدأ وخلد اىل الصمت ،وكأن البيايت كان كائناً عابرا ً ،ومل يكن ذاك الشاع َر طَل َْق اللسان ،الشاعر الذي أوكل لنفسه مهمة بروميثيوس سارق النار، الذي تلقّى الشعلة من وادي عبقر أو جبال األوملب، وبالذات من يد أبولو ليك يجرتح األساطري الجديدة». وعىل العموم مل يكن أحد يتوقع أن يسود صمت غريب بعد رحيل البيايت ،الشاعر الذي مأل حياته صخباً وإعالماً سخّرهام لشعره وشخصه ،وكان يطوف البلدان العربية واألوروبية ،مقيامً ومتنقالً ،بصفته أحد اعمدة القصيدة الحديثة ورائدا ً من روادها، ومؤسساً من أقطاب التجديد والتحول من النمط الكالسييك للقصيدة اىل الثورة التغيريية التي حدثت يف صميم الحركة الشعرية العربية
أثار الشاعر الشعبي السعودي حامد الرباق نقاشا يف مواقع التواصل االجتامعي ،بسبب دعوته اىل تسجيل الشعر يف باب املهن ،وطالب مبساواة الشاعر بالصحايف من منطلق انهام مهنيان، وقال «أنا ممتهن الصحافة وهم ممتهنون للشعر ،وباملناسبة ،ال زلت أقول البد أن يكون بني املهن املسجلة يف األحوال املدنية «مهنة شاعر مجاورة» ويرى ان الشعر لدى البعض اصبح موضه «:حتى انني وقفت عىل شعراء يعرفون رقم الصفحة التي سينرشون بها ومن سيقابلهم بها من الشعراء، ثم يتصور صورة تزيف كل مالمحه بعدها ينظم القصيدة ،وهذا بالطبع ال يعني خلو الساحة من شعراء حقيقني» . واعترب ان شعر املحاورة (القلطة) الشعبي خرج من رحم القصيدة، وخصوصاً القصيدة الرمزية، وذلك ،كون املحاورة ذات طابع يعتمد عىل الدالالت والرموز وتتم بال قيود.
زين العابدين الضبيبي
حامد الرباق issue (9)- February - 2013
11
شعر وشعراء
الفراشة ال تحترق الديوان :الفراشة الشاعرة :بروين حبيب (البحرين) النارش :ديب الثقافية عدد الصفحات 135 :من القطع املتوسط
يبدو
صوت األنثى شفافا ومرتفعا يف مجموعة الشاعرة البحرينية بروين حبيب، الصادرة مع مجلة ديب الثقافية ،بدءا من عنوان املجموعة «الفراشة» حتى آخر ما خطته حبيب يف هذه املجموعة. فهي إذ تكتب تسعى لتأنيث األشياء من حولها بصور شعرية شفافة تظل تدور حول الضوء دون أن تحرتق.
«ها أنا عىل ضباب املقصب يف الهواء /أعدو يف فحولة
الزمة اإليقاع والدهشة
الديوان :حتى لو الشاعر :راشد عيىس (األردن) النارش :فضاءات للنرش والتوزيع عدد الصفحات 158 :من القطع املتوسط
يستعيد الشاعر راشد عيىس إيقاع الشعر ،ويبنى عىل بحوره كالم الدمعة ،متوجا عبارته الشعرية باملوسيقى واللحن، ويظل ف ّيا لقصيدة الوزن كام يف مجمل أعامله الشعرية وآخرها ديوان «حتى لو» الصادر مؤخرا عن دار فضاءات للنرش والتوزيع.
12
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
الضوء عىل األرض /أرى البحر ينضج واملاء يتشقق / أفيض إىل البحر يشذب املدى /إىل النار تاركة أصول الليل /ويف النور أجتاز صخب الروح /هو النهار أخريا / ليتني أندلع يف فوىض النهار»
بخفة فراشة تكتب الشاعرة آمالها ،لتجتاز صخب روحها، تتكئ عىل جمل شعرية رشيقة كظل ،وشاسعة كبساتني، لتعرب عن مكنوناتها ،بدالالت ال تجتاز حدود الذات ،ولكنها
«حتى لو» يختلف عن معظم ما يتم طرحه اليوم يف األسواق من دواوين شعرية تخلت عن قواعد الشعر، وتحررت من «أثقالها» ،ويجمع يف مساحة واحدة بني الفكرة واملعنى واإليقاع ،ليرتك امام القارئ لوحة شعرية كاملة، تضم يف إطارها عمال فنيا متقنا يربهن عىل أن الشعر ال ميكن ان تحارصه تعريفات أو مصطلحات محددة . التنوع يف الشكل واملضمون أبرز ما مييز قصائد هذه املجموعة ،التي تنقسم بني تفعيلة وعمود ،وتتنوع يف أفكارها لتندرج تحت عناوين متعددة تعكس واقع التنوع فيها .تبدأ املجموعة بقصيدة «عندئذ» التي يكتبها الشاعر بنفس حكايئ ،ثم قصيدة «ماذا عليك» التي يحاور فيها اآلخر عرب طرح األسئلة يف قالب شعري ال يخلو من املفارقة واالدهاش :
ْ ماذا َ إصبعك عليك إذا غضبت بأن تحاور
تلملم ما حولها لتك ّون عاملها الخاص بها ،املمتلئ بتداعياتها وأفكارها وصعودها إىل هرم الكالم الذي تضفي عليه بروين نفسا تعبرييا يختلف عن سواه .
«وئيدة كنت بينهام /طريدة مشتهاة /مأخوذة بإنهاكة البحر /وصالفة الفراش حول الرغبة /املامت /مناديل الحرير مكللة بالذنب».
صاحبة االختيارات الحرة والذكية ..
الفراشة تختار جيئتها وذهابها /تختار جناحها /وتختار تخطفها /لكن الزهرة فتنة الفراشة والظل ريشتها / ويف مساقط الضوء /يف املدى مخطوفا /والحركة راعشة /أتولد كام يفعل يوم يتيم يف عامل يتيم /أأنا الفراشة ..أم الشمس يف مصباح !
بهذه البساطة تكتب بروين عبارتها منحازة للشعرية ال لغريها ،ولعل من أبرز ما مييز هذه املجموعة ان الشاعرة فيها ال ترسف يف التصوير وال تقرتب من أرض غري أرض الشعرية البعيدة عن القول اإليحايئ الذي تعتمده بعض الكاتبات لرتويج النص األنثوي ،وهذا ما غلب عىل بعض املجموعات الشعرية التي استندت عىل جدار اإلثارة والغوص يف مناطق ال متت للشعرية بصلة . بروين هنا تختار لها مسارا واضحا ،يعكس رغبتها يف الولوج إىل عامل شعري صاف ،يذوب يف الكالم بسهولة ويرس ،ليرتك أثره فيه طعام ولونا وشكال ،كل ذلك يف إناء طافح بصوت األنثى النقي .يف قصيدة «الفراشة» تؤكد بروين أنها الكاتبة
تلك اللقطة الذكية التي تضع الشاعرة من خاللها الشمس يف مصباح ،تدلل عىل اعتنائها وحرصها عىل التقاط لحظتها الشعرية بتك الحرارة والذكاء ،فام من أحد ميكن أن مي ّر مرور الكرام عىل جملة شعرية كهذه التي تحمل الشمس يف مصباح صغري. إن هذه القصائد التي توزعت يف العديد من األبواب ومنها «يف فحولة الضوء ،حرير الوصول ،رسير يتيم، رفيف ،يف غبش رسي ،شمس أيامي» وغريها من األبواب التي متيزت أيضا بعناوينها تتجه لرتسم لوحة األنثى بألوان فاتحة تجسد صورة صافية والفة استطاعت بروين حبيب ان تتقن رسمها بأصابع الشاعرة
وتش ّم عط َر قرنفل ْة ْ ماذا َ واوجعك عليك إذا الصديق غدا العد ّو أن تلتقيه بسنبل ْة
مسارا جديدا لها ،وخضعت للمتغريات من حولها ،يبقى هناك من يستطيع اإلحاطة بكل تقنيات القصيدة العربية الكالسيكية ويضعها يف قالب حدايث يتغذى من الفكرة واملوضوع ،فحداثة أيب متام عىل سبيل املثال ال الحرص كانت متعلقة مبوضوع القصيدة وخروجها عن األفكار النمطية .ال بشكلها أو قالبها فقط .كذلك هي قصيدة راشد عيىس تتمرد وتختلف دون أن تتخىل عن القواعد واملحددات .متجاوزة النمطية واملألوف من الكالم واملعاين .تبعث عىل األمل والتأمل من خالل دالالت تتزاحم داخل النص وال تكاد ترتك القارئ دون أن متنحه لحظة تف ّك ٍر يف ما يكتبه الشاعر بني سطر وآخر ال بل بني مفردة وأخرى .حتى لو ،ديوان شعري يلخص أجواء شعرية تبتعد عن التكلف ،وتوغل بالبساطة املمتنعة التي تجسد قدرة الشاعر عىل نقل الكالم من محيط إىل آخر لتطرزه بذهب الشعر وفضة اللغة
هذا اإلدهاش يحققه الشاعر بذكاء عرب انتقاء مفردات يضعها يف مقابل بعضها لتجسد معنى مفارقا ال يصعب عىل القارئ اقتناصه ،كأن يضع الشاعر الوردة يف مقابل القنبلة كام يف قوله :
ماذا ستنفعك اإلجابات السعيدة عند موت األسئل ْة بني فراش ٌة يف ٍ هذي َ موقد حياتك يا ّ أو ورد ٌة يف قنبل ْة !
ووصوال إىل القصائد االخرى ،ميسك راشد عيىس بيد الشعر ليصل معه إىل ضفاف كثرية يحيطها شجر القول ،ولغة خصبة ال تبوح سوى بالجاميل واملعبرّ .واتكا ًء عىل عنوان املجموعة «حتى لو» ميكننا القول بأنه حتى لو اتخذت القصيدة العربية
issue (9)- February - 2013
13
شعر وشعراء
قصائد إلى حب مستحيل الديوان :قصائد لها الشاعر :حمزة قناوي (مرص) النارش :دار املحروسة للنرش والتوزيع عدد الصفحات 62 :من القطع املتوسط
تجربة
الكلامت مباركة رجيمة إنها الثنائية الصوفية التي تعرب عن ثنائية التضاد داخل كل مفردة من مفردات الكون .فال وجود لخري ال رش فيه ،وال وجود لرش ال خري فيه ،وال وجود لوجود ال عدم معه ،وال وجود لحق ال باطل معه .فالحق يأخذ معناه الوجودي من وجود الباطل والعكس ،والنور يأخذ معناه الوجودي من وجود الظالم والعكس .كام أن الحياة تأخذ معناها الوجودي من وجود املوت والعكس ،والنظام يأخذ معناه الوجودي من الفوىض الظاهرة ،وهكذا ..إنها الثنائيات الوجودية املتضادة ،والتي تضادها رضوري لوجود الطرفني يف كل ثنائية بحيث أن كليهام ميثل وجها من وجهي العملة ،أو بالتعبري الشعبي «امللك والكتابة». كلامت الشاعر «مباركة رجيمة» كام أن توجه إبليس يف عدم السجود آلدم فيام يرى ابن عريب ،كان يف الوجه اآلخر للمسألة ،نو ٌع من املبالغة أو «األصولية» أو «التطرف» يف التنزيه ،فإبليس كان بشكل من األشكال ومبعنى من املعاين ،خارجيا (من الخوارج) ولكن عىل طريقته الخاصة. وال يخفى أن الخوارج كانوا من أكرث الناس صال ًة وصياماً، لكن ذلك مل مينعهم من أن يستحلوا دماء الناس من منطلق الفهم الحريف واألحادي واإلقصايئ للنصوص الدينية. و»اإلميان» يف النهاية ،عىل قاعدة الثنائيات املتضادة يف الكون ،يأخذ قيمته ومعناه الوجودي من وجود «الكفر». عىل افرتاض أن العالقة حقيقية ،ومن املمكن أن تكون كذلك أو ال تكون ،يبدو أن الشاعر مل يدرس طبيعة هذه العالقة غري العادية وغري املألوفة بشكل جيد .شاب عرشيني يف عنفوان فحولته ويف قمة إقباله عىل شهوة الحياة، ما الذي ميكن أن يجمع بينه وبني امرأة خمسينية بلغت سن اليأس ومل يبق يف حدائقها سوى الرماد ودخان من تركوا آثار نريانهم وذهبوا ؟
عنيفة عاشها الشاعر حمزة قناوي وحاول تجسيدها من خالل مجموعته األخرية «قصائد إليها» التي كتبها خالل عبوره املكويك بني الشارقة والقاهرة والصعيد املرصي ودمشق والحدود السورية الرتكية، حيث رصح يف آخر «املجموعة» « :اعتزل الشاعر الكتابة إثر انتهائه من هذا الديوان وقرر إنهاء رحلته مع الشعر». عندما ندرس مفردات السرية الذاتية لهذا الشاعر الشاب الذي ما يزال يف مقتبل العمر ،قد نشاطر الشاعر تصوره بأن حب األقدار وقفت دامئا ضده وخاص ًة حني يُبتىل بتجربة ٍّ يكون عنيفاً حد الجنون أو مجنوناً حد العنف ،مثلام هو الحب الصويف الذي ال يكاد أحد يصدقه. إن هذه املقدمة تلخص املالبسات التي أفرزت نصوص مجموعة «قصائد إليها» التي تحاول أن تجسد ما تبقى أو ما ترسب من عالقة عاطفية مل يكتب لها أن تصل إىل منتهاها أو أن تنطلق يف مسارها الطبيعي. يف املدخل الذي كتبه للمجموعة بعنوان «كلمة أوىل» ،يرى الشاعر نفسه واقفا وحده يف مهب الريح بل يف عني العاصفة لكنه ال يعترب أن ما حدث هو نهاية العامل ،بل إنه مجرد مرحلة يف الحياة « :وللشاعر أن مييض إىل قدر آخر ،قدر حدوده سامء ومدى وانعتاق». الحياة ليست خريا ً كلها وليست رشا ً كلها .كام أن الخري ليس خريا يف املطلق وال يكون خريا أو ال تثبت خرييته إال إذا رافقه محاولة لقراءة نفسية الشاعر بعض الرش .والرش أيضا ليس رشا ً يف املطلق وال بد أن يختزن تبدو شخصية الشاعر يف هذه املجموعة حدية وحادة إىل شيئا من الخري ولو يف بعض مفرداته « :مسارات الحياة قد درجة ملفتة لالنتباه .فعىل سبيل املثال نجده يقول وكأنه تتقاطع فيلتقي النور والظلمة». خارج من حرب طويلة بينه وبني قلبه ،من قصيدة بعنوان
14
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
انفتاح شعري
«بعض عاصفة وريح» : ُ ُ ُ ولعنت وعصيت إمياناً بروحي/ قلبي فاسرتيحي/ «هادنت َ ُ عاطف ًة يسلمها الجنون إىل الجنوح /وخرجت من أرسي ِ َ وريح /أخطو عىل أشالء عشق/مزقته ة عاصف بعض / أغالب ُ ٍ ِ يدُ الجموح /عاف الفؤاد هوى رآك /ربيئة لدم وقيح /ومىض ِ يغالب نفسه عنك /ويوغل يف الجروح /وألنت مفتتح الخطيئة والغواية والفحيح /والشهوة العمياء يف جسد تزين بالقروح ِ» يف النصوص التالية ،بإمكاننا أن نستشف حالة الشاعر بعد احرتاق ربيعه األخرض وتفحم حلمه الوردي وانكساره ،وهو يعرتف مبا جنت يداه من الحصاد املر ..حصاد الطفولة أو املراهقة أو اإلغراء الحوايئ ..يقول من قصيدة «عاري» : «أميض بدريب مثق ًال تعست خطاي /وماد إرصاري /أريث ألحالم مضت ومضت /ألقت بها يف جذوة النا ِر /ولوجهي الف ِر ِح رش ِه ..و َك َبت ُه بالعا ِر القديم نأت به /عن ِب ِ اآلن انتبه الشاعر من غفلته بعد أن بطل مفعول «السحر الحوايئ» «أي موت كنت أحياه بخمسينك /أي قرب رحت أدفن يف بقاياه الشبابا» وخرج الشاعر من هذه التجربة يف النهاية منترصا رغم الجراح العميقة ،لكن أليست الجراح أفضل معلم؟ خرج الشاعر لريسل رسالة إىل قلبه املتعب يقول فيها تحت عنوان «رسالة إىل قلب»: «يا قلبي األسيان ليس ألمنا امرأة مضت /خانتك /ينسحب اليقني إىل الظالل /هي وحدها يف غيها /والكون ماض ال يزال إىل قوله: حاشاك أن تبقى نهايتك الخطيئة والضالل /هذا طريقك رس به حتى تحلق النعتاقك /..وحدك الباقي عىل درب النجوم/ ووحدها نحو الزوال». إذا اعتزل الشاعر الكتابة ،فمعنى ذلك أنه تخىل عن (الكلمة) التي قام عليها «اإلنسان الصغري» الذي هو العامل، وقام عليها «العامل الكبري» الذي هو اإلنسان ،ويف هذه الحالة يكون غرماؤه القدماء والجدد الذين تجسدوا يف هذه املرأة هم الذين انترصوا ال هو سعيد جاب الخير
الديوان :أينا الدخيل أيها الضوء الشاعر :مهند السبتي (األردن) النارش :األهلية للنرش والتوزيع عدد الصفحات 216 :من القطع املتوسط
«أينا الدخيل أيها الضوء» هي املجموعة الشعرية الثانية للشاعر مهند السبتي ،وتضم 55قصيدة متباينة الحجم. ٍ بشغف يف تشيع يف قصائد املجموعة أنوية خالصة ،وتفيض تحطيم الزمن األفقي لصالح الزمن الشعري ،محاكية هزمية الواقع أمام دفقات الحلم وإمالءات الرؤيا ،بحيث تعقد القصيدة عالقات تلميحية ومنفصلة بني الحيا ّيت وتوأمه الشّ عري داخلها ،قبل أن تتحول إىل ودا ٍع لألمس الذي يتمنى حاميس بإرشاقات الشاعر لو كان مبقدوره أن يبتكره ،والتحاق ّ الغد .صمم غالف املجموعة الشاعر زهري أبو شايب ،ولوحة الغالف للفنانة التشكيلية وداد النارص ،فيام جاء يف كلمة الشاعر خلدون عبد اللطيف عىل الغالف األخري« :أكرث ما يلفت اإلنتباه ،يف نصوص هذه املجموعة الشعرية ،انفتاحها عىل اشتباكات راهنية وبالغة الحساسية ،وإشاعتها لغري قليل من األسئلة والدهشة التي تفور بها قصيدة النرث» .ويضيف عبداللطيف « :هنا احتفاء وشغف متعاظامن بكتابة الذات من دون تكلف ،يف عدد غري قليل من قصائد املجموعة، يشبه إىل حد كبري العثور عىل تلك الذات ملتبسة مبواقف األمل العبثي ،وإشباع رغبة صاحبها يف ارتكاب القصيدة بحثاً عن رؤى أخرى للعامل ،أو رمبا التحاماً يف نبوءات ما ،لكنه ال يدير ظهره لآلخر ،ويفتح النص له وعليه انطالقا من الشخيض ،حيث ينترص كل ما هو راقص ومتأصل وهارب بوحدته إىل األمام» .من أجواء املجموعة : أتغافل ال أنىس وأبني حيثام يقع الهد ُم أمل أقل ل َيدي كوين معوالً أمل أقل للقلب حدّثني عن الحب مخلب الغربة حني يعربين ُ
issue (9)- February - 2013
15
شعر وشعراء
مختارات سعدية مفرح
الديوان:قرب فنافذة واحدة الشاعرة:سعدية مفرح (الكويت) النارش :الهيئة العامة لقصور الثقافة -القاهرة عدد الصفحات 260 :صفحة من القطع املتوسط
تبدأ املختارات من نصوص ديوان الشاعرة األول «آخر الحاملني كان»،الذي صدر يف العامل،وما مييز املختارات انها اعتمدت عىل النصوص القصرية ذات الكثافة الشعرية والخالية من الهوامش واالحاالت« :من كل هذه الريح /اخرتت عاصفة هزمت ألسكنها /من كل هذا الكون /اخرتت عاطفة /ما زلت أهزمها لتسكنني ».وامليزة الثانية هي ان الشاعرة متزج يف نصوصها ما بني النص النرثي والنص التفعييل مشرية بهذا إىل أنها تجعل من النص سيدا ًميلك زمام أمره ويصطفي الحالة اإلبداعية/الكتابية التي يروق له أن يولد عليها « أخونها يف كل ليلة /أعارش الضياء /لكنني أضبطها يف لحظة الخيانة /راسبة يف قاعي /مثل بقايا قهوة املساء /متد يل لسانها /تضحك منحضاريت العسكرية املهانة» .ويف ديوانها الثاين «تغيب فأرسج خيل ظنوين»الصادر يف العام1994تزداد الشاعرة نضوجاًورسوخاًبقدميها فوق أرض الشعر مثلام تزداد مهارتها يف استخدامها ألدواتها الفنية وتطويعها بالشكل الذي يخدم النص الشعري مام يجعله يبدو يف أبهي حلة متاحة له،وكذلك يزداد اهتامم الشاعرة بالصورة الشعرية : «غابة من صديد /تعارش قلبي كل مساء /ولكنه..مثل ديك صبي /ينفض أدرانه ويصيح /يف كل فجر جديد». أما يف ديوانها الثالث «كتاب اآلثام»الصادر يف العام1997 فتوجه فوهات عدساتها ناحية عامل القصيدة ذاتها وما يدور يف عواملها وفضاءاتها الشعرية.إنها تري القصيدة أما تعود من عملها متعبة آخر الليل لرتضع أطفالها الساهرين واحدا ًواحدا ً من ثديها اليابس ثم تبيك وهي تصيل عشاءها األخريوتنام. ويف ديوانها الخامس «تواضعت أحالمي كثرياً» الصادر يف العام2006فتكتب مفرح النصوص التي تتكون من عدة مقاطع (تجاوزت مقاطع أحد نصوصها الخمسة وعرشين مقطعاً)،وهذه املقاطع قد ال تتعدى سطرين شعريني 16
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
كسر حــاجز الصمت في علم العـروض العربي
كان
علم العروض وال يز ُال منطق ًة مهجور ًة يف ساحة الدراسات اللغوية العربية ،ال يؤ ّمها واملتخصصني الذين شاءت قليل من الباحثني إال نف ٌر ٌ ّ أقدارهم أن يتع ّرضوا لحرور هذا العلم إ ّما دارسني ،وإما مد ّرسني ،ويف كال الحالتني يصبح التعاطي مع هذا العلم مه ّم ًة دونها خرط القتاد ،نظرا ً لقضايا كثرية تحول دون فهم هذا العلم وسرب أغواره ،وإخراجه إىل دائرة ال ُّنور مثله مثل باقي علوم العربية. ولعل أهم القضايا املتعلقة بهذا العلم ،ذلك اإلغراق ّ العميق يف غرابة املصطلح العرويض الذي استقى مفرداته من البادية العربية القدمية ،وكذا جمود مباحثه ،وبقاؤها منطق ًة عصيّ ًة عىل التجديد ،وامتالء أواسط هذا العلم رضه وال تنفعه ،وخضوعه لتفسري ٍ ات وحوافيه مبباحث ت ّ تنزع إىل تقديس الصوت الشعري القديم مبا داخله من مظاهر التحريف والتصحيف ،واعتباره مثاالً فوق النقد ،فاستصعبت بذلك مفاتيح هذا العلم عىل األفهام، وأصبحت هذه املفردات وتلك املباحث ُمج ّرد إشارات تعج بها املؤلفات العروضية يف متوالية مملّة مبهمة ُّ يستنسخ بعضها بعضاً ،حتى أصبح من االستحالة أن تجد فرقاً بني ما خطّه إسامعيل بن حامد الجوهري (املتويف سنة 393هـ) وبني ما خطّه محمد بن عيل بن موىس املحيل (املتويف سنة 673هـ) ،يف كتابه «شفاء الغليل يف علمي الخليل» ،وبني ما جمعه أحمد الهاشمي املتويف بداية القرن الفائت يف كتابه «ميزان الذهب يف صناعة شعر العرب» ،وبني ما نسخه الدكتور عبد العزيز عتيق الذي ال يزال عىل قيد الحياة يف كتابه «علم العروض». عىل أ ّن هناك أصواتاً ارتفعت منادية بإعامل معول التجديد يف مداميك هذا العلم ،ور ّد الظاهرة العروضية كل دخيل يف هذا إىل معايري الشعرية ،محاولة الستبعاد ّ العلم عن ساحته ،وسعياً صادقاً نحو تجديد مصطلحه،
وإخراج مباحثه من تلك الرتابة القاتلة التي ح ّولته إىل مادّة متحفية توضع ال يف طاولة الدرس ،بل يف رفوف التاريخ املنسية. ولعل من أحدث هذه املحاوالت يف تجديد هذا العلم ّ كتاب «نقد اإليقاع :يف مفهوم اإليقاع وتعبرياته الجاملية وآليات تلقّيه عند العرب» للشاعر والناقد املغريب عبد اللطيف الوراري الذي يحاول فيه تقيص مختلف التعبريات الجاملية التي ّ دل بها القدماء عليه ،وذلك ارتباطاً بتلقّيهم له يف سياقات ف ّنية مختلفة .فكان من هذه التعبريات ما هو أدخل يف حيّز املسموع ،أو كان يف حيّز املفهوم ،استنادا ً عىل مبدإ التناسب الذي استفادوه من لقائهم باآلخر ،اإلغريقي تحديدا ً (فيثاغورس، أفلوطني ،أرسطو) ،ومث ّروه يف عقيدتهم التوحيديّة ورؤيتهم لإلنسان والعامل. ويعتمد الباحث عرب اسرتاتيجيّة الكتاب رهاناً نقديّاً ُمتع ّددا ً يتمثّل يف نقد أه ّم فرضيّات العروض العريب، بقدرما نقد تص ّورات الشعرية العربية عن مفهوم اإليقاع وعمله وظواهره ،كام يعمل عىل بحث القضايا املعرفية ذات الصلة التي طرحتها األطر النظرية يف حقل الدراسات القرآنية ،وعلمي املوسيقى والتجويد ،وتأ ّمالت الفلسفة. يرتكّب الكتاب من سبعة فصو ٍل ومقدمة وخامتة، ويشتمل عىل ثبت بأه ّم مصطلحات اإليقاع (العرويض، البالغي ،املوسيقي ،التجويدي) .يدرس الفصل األول علم العروض وقضايا النظرية يف الوزن والقافية، ويرتبط الفصل الثاين ببحث أوجه العالقة املفرتضة بني العروض واإليقاع يف ارتباطهام بهويّة القصيدة العربية، وبالتايل جهود علامء البالغة والنقد القدامى يف تلقّي اإليقاع وبلورة املعرفة به ،من خالل آرائهم يف عنارص القصيدة ودوالّها .وهو ما تواصل البحث فيه الفصول الثالثة املوالية ،من منظور ُمتط ّور يرش ُط حدوث اإليقاع بالتناسب الصويت والداليل ،بتعبرياته البالغية واملوسيقية والفلسفية واإلعجازية .أما الفصل السادس فيناقش ثنائية الشعر والنرث ،وتاريخ ّيتها ،ويكشف كيف أ ّن املفاضلة بينهام حجبت اإليقاع لحساب أولويّة الوزن،
الكتاب :نقد اإليقاع الكاتب :عبد اللطيف الوراري (املغرب) النارش :دار أيب رقراق .الرباط عدد الصفحات 192 :صفحة من القطع الكبري
فيام يتط ّرق الفصل السابع إىل أشكال اإليقاع التوشيحي وتبلور بنائه املعامري يف املوشّ حات واألزجال ،يف املغرب واملرشق .وتنتهي الدراسة بخامتة ت ُركّب الحصيلة النقدية، بقدر ما تنفتح عىل اإلمكانات التي فتحتها اليوم دراسة اإليقاع ،هذا املجهول والالنهايئ. ومماّ جاء يف كلمة ظهر الغالف الكتاب ،نقرأ« :ال ننكر االهتامم املتّصل ،يف الثقافة العربية ،منذ فجرها حتّى اليوم ،بعنرص اإليقاع يف الشعر .وعرب تلك العصور كُلِّها، يبدو لنا اإليقاع ،كمفهومٍ ٍّ أي ودال نصيٍّّ ،إشكاليّاً أكرث من ّ وق ٍْت مىض ( )...إنّنا نرى أ ّن إعادة بناء املوضوع املتعلّق بسؤال اإليقاع تدخل ،بالرضورة ،يف سياق إعادة قراءة نظريّة الشعر العريب مبرجع ّياتها املتن ّوعة وهوامشها املختلفة ،النقدية والبالغية والفلسفيّة؛ وذلك بعد نقده يف إطار علم العروض العريب من مكانِ يجعل بحثنا متجاوباً مع هاجس بعض الدراسات الجديدة التي متّت يف املوضوع نفسه ،بقدرما ينفتح عىل أوفاق األنواع األدبية وتحليل الخطاب ونقد اإليقاع ،ويعمل عىل إدماجها يف سريورة القراءة والتأويل» عبد الغني المقرمي
issue (9)- February - 2013
17
شعر وشعراء
آمنة بنت علي بن حمد المعال
قصيدة الواقع والتفاصيل
هناك
من يؤمن أن الشعر موهبة ،ال تنتقل وال تو ّرث ،وال يستطيع أحد أن يقرأ ويكتب معانيه لوال تلك املوهبة التي هي املنبع الحقيقي والوحيد الذي ميكن من خالله أن ننهل ماء الشعر من أعامقه . لكن ،هناك أيضا ،من ورث الشعر عن أب أو أم ،وظهرت موهبته وبرزت من خالل بيئته املحيطة به .هذا ما ميكن أن نتلمسه يف تجربة الشاعرة خلود املعال ،الشاعرة التي ت ُصدر مجموعة شعرية ألمها الشاعرة آمنة بنت عيل بن حمد املعال ،جمعتها لها وكتبت يف صفحاتها سرية الشعر، هذا الذي رسم أمامها خارطة طريق مطرزة مبوهبة مل تكن لتظهر لوال أنها تربّت يف بيت تقول األم فيه شعرا ميتد إىل اآلخر ،وينجح يف ان يقيم فيه أبدا . «إنها أمي ،التي كانت ومازالت تبسط ساموات الشعر وتفتح بواباته يل بكل ما أوتيت من محبة وذاكرة .أمي التي ما ان وعيت عىل الحياة أدركت أنها الحياة ذاتها، أدركت أنها الشعر .إنها الشاعرة التي ما ان تقرتب منها وتدخل مدارها ،ترفرف اجنحة الزمن الجميل يف لغتها وأصالتها ،تلمح يف دفئها أطياف الذين غيبتهم الحياة عنها ،تسمع حكاياتهم وتعيش ذاكرة ال تعرف إال ما هو نقي وأصيل». هذه هي األنفاس التي منحت الشاعرة خلود املعال تلك الفراسة يف اقتناص الفكرة ،فكرة النرش ،والتوثيق ألمها الشاعرة آمنة بنت عيل بن حمد املعال ،عرب إصدار مجموعة شعرية لها عن أكادميية الشعر التابعة لهيئة السياحة والثقافة يف أبوظبي بعنوان ِ «سوايب» .لتحفط للكالم مساحة من فضائها الذي يحارصها بالشعر، ويستوعب كل ما هو الفت ومعبرّ وب ّراق.
18
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
الشاعرة األم ،يف قصائدها ،تعرف كيف تبني من مفردات بسيطة وسهلة ،عبارة ذات معنى صعب ،صعب عىل من يريد أن يح ّمل جملته معنى ذا فرادة ومقدرة عىل أن يذهب يف ذهنية القارئ إىل مناطق بعيدة ،ولكنها أيضا سهلة الوصول .هكذا عبرّ أحد النقاد العرب فأشار إىل ان الشاعر الحقيقي ،هو الذي يكتب الجملة بلغة ومفردات ناعمة ولكن مبعنى خشن .وهذا تحديدا ما مييز الشعر الشعبي «النبطي» عن سواه ،ومينحة الحضور األبرز يف املجتمع ،فهو قائم عىل مفردات سهلة ،ولغة ال تكلّف فيها وال ثقل ،تصل عىل طبق الكالم الخفيف لتخطف دهشة املتلقي او القارئ ،الذي يلحق بهذا النوع من الشعر ،وال يحتاج لبطاقة عبور أو إذن مسبق لسرب اغواره والدخول إليها بسالم . تقول خلود املعال يف مقدمة عن أمها الشاعرة »:هي ال تتغنى إال مبباهج زمنها الذي مر ،ببدائيته وبساطته، باهله وامكنته ،بصيفه وصباحاته ،بأحداثه واحواله، فالشاعرة ما زالت تعيش تفاصيله بكل حواسها ،مازالت تدور يف مداره وتطوف حوله ،وكأنها تحاول أن تحفظ مشاهده ،وتعيشها ،لتبقى أطيافه حية وراسخة رغم رشاسة الغياب». هذا بالفعل ،ما يغلب عىل طابع القصيدة عند الشاعرة، يف معظم قصائد الديوان ِ «سوايب» ،فهي تنقل ما تعايشه ،من فرح وحزن ،تبتسم للوطن ،وتح ّيي قادته وشعبه ،وترسم لوحته يف مساحة شعرية متقنة ال تبتعد كثريا عن واقعها ،ومحيطها االجتامعي القريب منها كصوتها .فالشاعر عموما ،ال ميكن ان ينفصل عن جمهوره أو أن ال يحدد لنفسه مسارا موازيا ملسار من هم حوله. تقول يف قصيدة :
الشاعرة :آمنة بنت عيل بنت حمد املعال (االمارات) الديوان ِ :سوايب النارش :اكادميية الشعر عدد الصفحات 125 :من القطع املتوسط
«اشتقت لك يا دا ْر لو كنت يف دار فيها النهر والشـجر تاــــيه ظليلــة». كام قولها بعبارة أخرى تحمل ذات الهوية : «يا شعبنا بدعي عساكم تعيشون طول العمر تحظون باسعد األوقات». هنا ،ميكن أن يكون التعليق عىل هذه املجموعة ،غري واف ،دون أن نش ّد يد الواقع ،وننتقل معه بعفوية ميّزت هذه املجموعة ،فالشاعرة يف قصيدتها ،ال تريد سوى ان تصف ما تلتقطه عينها من حولها ،وتنجح يف ان تجعل وتقرب من الحدث قصيدة شعرية وافية تصف وتحيك ّ األشياء من بعضها لتظهر مع بعضها يف مساحة واحدة، وقالب إيقاعي عذب . هذه املجموعة الشعرية ،تربهن عىل ان الشعر الشعبي، ليس بعيدا عن الشعر الفصيح ،من حيث املوضوع، ودافع الشاعر للكتابة ،فالوجع والحنني عىل سبيل املثال ال الحرص ،ثيمتان حارضتان بكرثة يف قصائد الشاعرة آمنة ،وهي تتقن تحويل الحنني أو الوجع ،إىل جمل شعرية مؤثرة .ميكنها ان تعكس حجمهام او تقيسهام عرب الكلمة .شأنها شأن الكثري من شعراء الفصيح والشعبي ،الذين عربوا ان اوجاعهم وحنينهم بوقوفهم عىل األطالل وشكوى الحال وغري ذلك .وهو ما تؤكده خلود املعال من جديد يف تقدميها للمجموعة «الوجع
والحنني ثيمتان بارزتان يف قصائدها ،وجع من الوقت الراهن الذي يحاول ان يعزز مخالبه بكرثة لتغيري كل ما هو أصيل ،الحارض الذي يحاول ان يغري مالمح املايض.. ويبعرث تفاصيله الجميلة ..وجع من الحياة التي تحاول ان متج يدها لترسق من حول الشاعرة ارث املايض الثمني، وكنوزه التي تحاول جاهدة أن تحميها بكل ما اوتيت من محبة». لعل خلود استطاعت ان تخترص الكثري من أجواء الديوان يف هذه العبارة ،ألن الوجع حقا هو دليل الشاعرة إىل بيت القصيد ،والجزالة ،ونسج العبارة بتمكن واقتدار. تقول آمنة املعال يف قصيدة «النوح يف املجفيات»: بسك ال ت ْهلّني عرباتْ «يا عني ّ صربي عليه يا عني ال باس يايت ياقلب بسك ال تْلَ ّيع بونّات شقيتني يا قلب طيلة حيايت» من املدهش حقا ان نقف بني الشاعرة األم ،وابنتها ،وأن نتعرف عىل شعر ال يبذل الكثري يف سبيل دخوله إىل القلب ،ولو عرب باب البساطة والتعبري الشفاف .ومن املدهش أيضا أن نرى موهبة شعرية تعزز حضورها ببيئة حملت الشعر عاليا ،وتوجته ،وعرفت كيف تجعل منه طريقة معبدة لكتابة التفاصيل بجاملية اإليقاع واللهجة املحكية القريبة عبدهللا... issue (9)- February - 2013
19
شعر وشعراء عبد الواحد لؤلؤة
أثر الشعر العربي الكتاب :دور العرب يف تطور الشعر األورويب الكاتب :الدكتور عبد الواحد لؤلؤة (العراق) النارش :املؤسسة العربية للدراسات والنرش عدد الصفحات 256 :صفحة من القطع الكبري
صدر
حديثا للناقد واألستاذ األكادميي عبد الواحد لؤلؤة كتاب بعنوان «دور العرب يف تطور الشعر األورويب» ،وكتب لؤلؤة يف مقدمة كتابه « :إذا كان الشعر اإلنجليزي قد تأثر يف مراحل شتى بشعر لغات أخرى ،فهل يا ترى كان للشعر العريب من أثر يف تطور الشعر االنجليزي ،وشعر تلك اللغات االخرى التي أثرت فيه؟ لقد تيرس يل قضاء سنة من التفرغ العلمي يف جامعة كمربدج ،وجدت يف مكتباتها قدرا ً كبريا ً من الكتب والدوريات العلمية التي تعنى بالشعر األندليس وبشعر الرتوبادور وبالعالقة بني شعر الرتوبادور باللغة االوكسيتانية وبني الشعر األندليس ،يف منط املوشح والزجل» .ويضيف «كان عيل أن أدرس املوشح والزجل يف جذوره املرشقية التي تطور عنها ،ومقارنة ذلك بشعر الرتوبادور الجديد عىل اوروبا القروسطية ،ثم تابعت انتشار شعر الرتوبادور وفنونه يف عدد من اللغات االوروبية الوليدة .وقد انتهى يب املطاف اىل الشعر االنجليزي يف ما كتب شكسبري من غنائيات الحب التي تردد أصداء غري بعيدة من غزليات الحب العربية. وبعد شكسبري ،ال يشكل الشعر الغنايئ يف موضوعات الحب قضية يسهر الخلق جراها ويختصم» ويف حديث صحايف يعود إىل سنة 2009يرشح لؤلؤة ظروف والدة هذا املنجز الهام ،ويقول « :لقد درست أغلب ما كتب عن أثر الشعر األندليس يف ظهور أول شعر غنايئ بأول لغة انقطعت عن التينية العصور الوسطى يف أوروبا ،مل يكن له جذر يف الشعر اإلغريقي أو الالتيني .كان ذلك شعر الرتوبادور (الجوالني) ،أشباه الوشاحني والزجالني يف األندلس ،ولغة «بروفنس» أي 20
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
اإلقليم يف جنوب غرب فرنسا وشامل غرب إسبانيا يف الخريطة املعارصة». استدعى األمر أن يتفرغ لؤلؤة للعلم بجامعة كمربدج, وبحث باللغات اإلنجليزية والفرنسية واإلسبانية : «وهالني ما لقيت من حجج عىل كون املوشح هو األساس الذي قام عليه شعر الرتوبادور .كان الباحثون من اإليطاليني والفرنسيني واإلسبان قد نرشوا دراسات يعود بعضها إىل العام .1571ليس بني من قرأت عريب واحد ,بل إن معظمهم من رجال الكنيسة الكاثوليكية أو الكنائس األخرى يف فرنسا وكندا ،بل إن من بينهم «ليفي بروفنسال» الفرنيس اليهودي الذي قىض سنة 1950محارضا يف جامعة اإلسكندرية .كان هؤالء جميعا يقدمون الرباهني والنصوص التي تثبت أن املوشح والزجل هام أساس أول شعر غري كنيس وغري التيني» ,ظهر يف الجنوب الفرنيس «الوثني» حسب وصف مطران باريس «إنوسنت الثالث» ،قاد حملة ضد الجنوب الفرنيس وقىض عىل حضارة ذلك اإلقليم املزدهر ،ألسباب اقتصادية (غري بريئة) فتفرق الرتوبادور رشقا إىل إيطاليا وأملانيا و شامال إىل إقليم بريتاين شامل غرب فرنسا وزرعوا األغراس الجديدة لشعر دنيوي غنايئ غري كنيس ،بينه وبني املوشح والزجل وشائج كثرية». ويسوق لؤلؤة مربرا آخر الصدار كتابه يتمثل «يف العقود األخرية من القرن العرشين ظهرت تيارات معادية من جهات ال تخفى عىل القارئ اللبيب تنعق مبا ال تسمع، وتحاول إنكار األثر العريب وال تقدم من األدلة ما قدمه اإلسبان الكاثوليك -وال أحسبهم يف قرارة أنفسهم متعاطفني مع العرب واإلسالم»
نبيلة زباري
شعرية االنتماء الديوان:لغة السفر الشاعرة :نبيلة زباري (البحرين) النارش:املؤسسة العربية للدراسات والنرش عدد الصفحات 144 :صفحة من القطع املتوسط
«لغة
السفر..صوت بلبل يف دفاتر األسفار» الديوان الخامس للشاعرة البحرينية نبيلة زباري بعد «حواجز رمادية»« ،1994/عىس أن يرجع البحر»« ،1998/همس أزرق»« ،2006/نبض عىل أوراقي».2006/ويضم أربعة عناوين كربى :أسفار يف دفرت الغربة ،أسفار يف دفرت النزف ،أسفار يف دفرت هناك ،من دفرت السفر األخري ،باالضافة إىل 32نص شعريا. تتوزع الديوان وحدات داللية مرتبة بعناية ،مبا يعني أن األسفار األربعة خطط لها أن تكون عناوين كربى ال عتبات اعتباطية مرصوصة ومتسلسلة .وقد تحكمت الوحدات الداللية يف النسق الداليل العام مبا يجعل النصوص الشعرية تجيب عىل أفق األسفار .فسواء الغربة ،النزيف ،األمكنة ،الغياب..جميعها متثل وحدات داللية تؤطر رؤى القصائد والتي وإن جاءت مسكونة بوجع االنكسار إال أنها اختارت أن تشكل صوره من خالل أقانيم محددة .فالسفر يتحول لذريعة يك تعلن الذات وجعها، ولتعيد تشكيل الغربة عن الوطن يف دفرت اختارت أن يضم قصائد من ولع البعاد .وطن ترسمه وتشكله من وجع املنفى ورغبة محمومة الستعادة صورته املقدسة ،تلك الصورة التي ال ترى إال يف البعد عنه .وتهمنا هذه الرؤية يف تلمس سامت هوية تحاول مللمة انكسارها من خالل اإلعالن عن «وحدة الوطن» الذي يتحول بدوره اىل صعود «نحو العطش» .ينتهي سفر الغربة بقصيدة مهداة من الشاعرة اىل ابنها املغرتب، واالغرتاب هنا مزدوج بني وطن ينادي أبناءه ،وأم تفقد ابنها. وهي استعارة مقصودة لالنتقال اىل السفر الثاين النزيف. يف السفر الثاين املوسوم ب «النزيف» ،تحرض قصائد بحس األوطان (العراق ،فلسطني ،لبنان ،البحرين) ويف اإلشارة ملذابح الهجمة الصهيونية تأكيد عىل الحس القومي لرؤى القصائد وربط مبارش بوحدة داللية كربى هي «حب الوطن» وهو الحب الذي يتوجهه هذا السفر باإلشارة اىل البحرين كوطن
يحتاج ملحبة الجميع .هذا التدرج من السفر األول اىل الثاين يحول الذات الشاعرة من انكسارها الداخيل وغربتها الفردية اىل غربة أوسع وأكرث تعددا «غربة األوطان» بكل حموالتها االيديولوجية والنفسية .ناهيك عن انخراط هذه الذات، الواعي يف معانقة هموم وقضايا شعوب تعرضت للظلم والطغيان. يف السفر الثالث جميع قصائده كتبت يف أمكنة محددة ،ولهذا االعتبار يظهر انخراط هذه القصائد يف تشكيل بورتريهات أمكنة ،أبعد عن املسح السياحي ،بل يف عالقة وطيدة وحميمية بذات أبعد ما تكون عن عني السائحة العابرة والتي تكتفي بقشور الفضاء .ذات شاعرة تعيد تشكيل املكان مبيسم خاص إذ ال ننىس انها أمكنة ارتبطت لدى الشاعرة مبشاركات إبداعية ،وهو ما يعني أن النص الشعري ظل مفتوحا من لحظة القراءة اىل لحظة الكتابة .إذ ال ننىس أن القصيدة سفر يف األمكنة القصية وهو ما جعل من قصائد هذا السفر الثالث ذات خصوصية يف مستويات تركيبها ودالالتها، بل متلك هذه القصائد خصوصية أعمق للنص الشعري إذ تتجرد الذات يف النص ومتيس األمكنة ذرائع لتلمس مجازات أمكنة قصية. يف السفر الرابع واألخري ،تستدعي القصائد ولع الغياب وانجراحاته ،شخوص افتقدتها الشاعرة وأعادت تشكيل حضورها لكن من بوابة «الوطن» إذ ال معنى له دون العائلة.. هي من تعطي لألوطان حضورها وفعلها الوجودي وداللتها العميقة .فسواء «األم» أو «األب» يعمق هذا الحضور من كنه االرتباط باألرض والهوية ويرسم فسيفساء جديدة للوجود ذاته عبد الحي ميفراني
issue (9)- February - 2013
21
شعر وشعراء
محمد بنيس
الحداثة المعطوبة .. الكتاب:الحداثة املعطوبة الكاتب :محمد بنيس (املغرب) النارش :دار طوبقال للنرش عدد الصفحات 187 :صفحة من القطع املتوسط
بعد
أن صدريف طبعته األوىل سنة ، 2005يعود الشاعر والناقد املغريب محمد بنيس ليصدر طبعة ثانية من كتابه «الحداثة املعطوبة « وقد أضاف له مقالة واحدة مل ُتنرش يف الطبعة األوىل وهي «املكتبة املفتقدة». تنطلق اطروحة الكتاب االساسية من أن الحداثة العربية مل تستطع ألسباب كثرية أن تنجز أو تحقق ما خالج قلوب وعقول الحداثيني الذين ال يشك أحد يف صدق نواياهم تجاه منطقتهم وشعوبهم ،لكن الحداثة مل تكن أمرا أدبيا فحسب ،ولو كانت كذلك لقلنا ان الحداثة العربية نجحت كل النجاح حيث فشلت قطاعات أخرى كثرية يف مجال التحديث .إن األمر أبعد من ذلك ،وهذا ما يجعل االستفاقة عىل فجيعة الحلم الحدايث كارثية ،ومخيفة ،وعربت عن تراجيدياه بالنص الكئيب ،نص الحداثة املنطوي عىل نفسه، والغريب عن اآلخر ،النص الذي يعرب عن هذا السقوط املؤمل ،والواقع املثري. ويرى بنيس انه ،وألول مرة ستجد الحداثة العربية نفسها خاصة عىل مستوى األدب يف حالة نفي واغرتاب ،فهي ال تريد أن تكون ال مع السلطة العربية املستبدة ،وال مع الواقع املحتجز من طرف االسالميني ،سيغرتب أغلب شعراء الحداثة العرب املهمني ومن الجيلني ،بل سيحصد الجيل الثاين ارث الخيبة ذاك ،وهم يكتشفون أن كل طموح لن يكون من اآلن فصاعدا ممكنا اال يف تحقق النص األديب الحديث. وتوصل الشاعر اىل استنتاج هام مفاده ان الحداثة انترصت يف بعض املواقع الهامشية ،وفشلت يف مواقع أخري كثرية،
22
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ولكن تسارع وترية األحداث العاملية وبداية تفكك النظام العاملي القائم عيل القطبية ونهاية املعسكر االشرتايك ،وغزو الكويت من طرف العراق ،وحرب الخليج األوىل ،والثانية.. الخ كانت عوامل كلها تثري تساؤالت حول الحداثة نفسها، ومل يكن من السهل فصل الحداثة عن الغرب ،وها هو الغرب يعتدي علينا ،ويساعد عدو العرب األول ارسائيل عىل التحكم يف املنطقة .ان ازدواجية الغرب هي التي ستعيد التفكري يف الحداثة اىل نقطة البدء ،وستطرح عىل وعينا أسئلة متعددة ،حول عالقتنا به ،وعالقتنا بذاتنا ،وما الذي يجب فعله يف وضع حرج كهذا. ويشري بنيس يف املقالة الجديدة التي اضافها للكتاب إىل اختفاء املكتبة من املنزل العريب كديكور جاميل ومعني فكري .اختفاء صداقة وتاريخ ،مبا يعني محدودية وضيق مساحة العامل الروحي والبرصي لإلنسان« .تبينّ يل ّأن تص ّور املكتبة ال يدخل يف اهتامم الناس ،أكان ُ البيت لفئة ميسورة أو فئة بسيطة الدخل .بني الجميع ُم ٌ شرتك متداول دون اتفاق مكتوب ،هو املكتبة املفت َقدة». ال تدخل املكتبة يف البناء املعامري للمنزل مثل الشبابيك والغرف ،إ ّنها غري ُمف ّكر بها ال جاملياً وال ثقافياً. املصممون العرب ،بذلك التص ّور املعامري فال ينشغل ّ الرضوري ،وال حتى الجاميل لوجود املكتبة يف املنزل. مجاورة املكتبة ،تع ّلم فيام بعد عادة القراءة باالحتكاك اليومي ،هذا اإلهامل يتساوى مع اهتامم املثقف بالكتاب، عىل أنه مقدّس يجب أن يسود يف ّ كل يشء ،وهو بالتايل، أي الكتاب حكم ودليل معرفة ومفاضلة ،لكن املثقف يهمل اعتبار الكتاب موجهاً إىل الحياة سلوكاً وتربية
صاحب السمو حاكم الشارقة وحضور افتتاح املهرجان
مهرجان الشارقة للشعر العربي
لقاء بين جيلين
جاء مهرجان الشارقة للشعر العربي في موعده السنوي ليجمع بين عدد كبير من الشعراء والنقاد ويحظى باهتمام رسمي .ويتفاعل معه عدد كبير من الحضور والجمهور المقيم في الدولة.
الشارقة -عبدهللا ابوبكر
غاب الشعر عن مرسح املشهد يف الوطن العريب يف السنوات األخرية ،وتوقفت عدة مهرجانات شعرية ،وبات كل ما يحيط بالشعر قليل الحيلة وخجول الحضور . يغيب الشعر يف املجتمعات العربية املغلوبة عىل أمرها، والهامئة يف وا ٍد ال يسكنه الشعر .ويغيب يف ظل حضور الجهل مبكانته ،وسيادته الثقافية والجاملية ،ولكن عزاءنا اليوم ،هو هذا اإلرصار الذي يظهر يف كل تفاصيل الشارقة قوالً وفعالً ،عىل أن يكون الشعر هو الحارض األبقى. غاب الشعر عربيا ،وحرض يف الشارقة ،واإلمارات ،عرب مهرجان الشارقة للشعر العريب ،يف دورته الحادية عرشة، التي أقيمت بني الفرتة 24_20يناير ،2013وجمعت كوكبة من شعراء العربية من مختلف الدول ،إىل جانب عدد من األسامء النقدية املعروفة .كام كرمت شاعرين هام اإلمارايت عبدالعزيز اسامعيل و الكويتي الدكتور خليفة الوقيان . وشهد حفل االفتتاح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ،عضو املجلس األعىل وحاكم الشارقة.
وبدأ الحفل الذي أقيم يف قرص الثقافة يف الشارقة وسط حضور عدد كبري من الشخصيات واملسؤولني ،واهتامم الفت من قبل وسائل اإلعالم املرئية واملسموعة واملكتوبة .بكلمة لسعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة واإلعالم بالشارقة .أكد خاللها عىل الدور الذي تؤديه إماراة الشارقة يف دعم الثقافة مشريا إىل رعاية صاحب السمو حاكم الشارقة لكل حدث ثقايف يف اإلماراة من شأنه أن يقدم إضافة للمشهد الشعري العريب .وكرم صاحب السمو حاكم الشارقة خالل الحفل الشاعر اإلمارايت عبدالعزيز اسامعيل والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان .وقرأ املكرمان قصائد لهام، وتبعهام الشاعر اإلمارايت كريم معتوق الذي قدم قراءة شعرية إىل جانب الشاعر السعودي محمد زايد األملعي . وتوزعت الفعاليات بني النقد والشعر ،وتضمن برنامج الشعر خمس أمسيات شعرية أقيمت مساء كل يوم الساعة الثامنة يف قرص الثقافة بالشارقة .قرأ يف األمسية الشعرية األوىل للمهرجان الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم (اإلمارات) ،وعمر issue (9)- February - 2013
23
حدث الشهر
عناز (العراق) ،ود .راشد عيىس (األردن) ،وأحمد سويلم مساحة للظهور مع أسامء شعرية استطاعت قصائدها ان (مرص) ،وقدم األمسية وسام شيا .وشارك يف األمسية تنحت أسامء أصحابها يف أعىل صفحات الشعر عرب عقود الثانية يوم الثالثاء كل من مظفر الحامدي (اإلمارات)، من التجربة .وهو ما يسقط بالرضورة عادة غري سليمة كثريا وعبدالعزيز الزراعي (اليمن) ،ولينا أبوبكر (فلسطني)، ما نتابعها يف مهرجات شعرية عربية حيث يكون االحتفاء وعزالدين ميهويب (الجزائر) ،وأدار األمسية عبدالله الهدية .بالشاعر الواحد ،عىل حساب الشعراء اآلخرين املشاركني. أما األمسية الثالثة يوم األربعاء فضمت الشعراء :ومهدي الشارقة يف هذا املهرجان ،تقف مع الجميع عىل مسافة منصور (لبنان) ،وصالح الدين الغزال (ليبيا) ،وسعيد واحدة ،حيث يكون الضيف األبرز هو الشعر ..الشعر بكل املكتومي (سلطنة عامن) ،قدمهم عاطف الفراية .ويف اتجاهاته وأسامئه ،لتضع نقاط القصيدة عىل حروف القول. األمسية الختامية مساء يوم الخميس شارك د .طالل مل ينعكس هذا التوجه يف اختيار اسامء الشعراء املشاركني، الجنيبي (اإلمارات) ،وجامل الصليعي (تونس) ،وإبراهيم بل انعكس أيضا يف عناوين الجلسات النقدية التي خصصت حامد الخالدي (الكويت) ،ومنى حسن محمد (السودان) ،يف الفرتة الصباحية من املهرجان ،وقد دار الحوار يف الجلسة وقدمتهم الشاعرة اإلماراتية شيخة املطريي. النقدية الثانية يف برنامج املهرجان ،حول موضوع «قراءات أما الندوات النقدية املصاحبة للمهرجان ،فتمحورت حول املشهد الشعري العريب» ،وبحثت الندوة يف قضية تواصل موضوع «القراءة الثقافية للنص الشعري» ،وانطقت األجيال ،والتمييز بني الشعراء .وأضاءت ورقة الدكتور ضياء الندوة األوىل صباح يوم االثنني املوافق ،2013-1-21 خضيرّ حول موضوع الشاعر الواحد ،حني قال يف ورقته: وشارك فيها كل من د .حامدي صمود (تونس) بورقة «إنها جناية النقد يف زمن أيب متام واملتنبي يف املايض، عمل بعنوان «الشاعر واأليديولوجيا» ود .الرشيد بن مثلام هي جناية عىل الشعراء اآلخرين لدى ظهور السياب حدو (املغرب) بورقة بعنوان «الشعر وعوامل االعتقاد»، وأدونيس ومحمود درويش يف الحارض ..ت ْرك الشعراء دون وأدارها الكاتب نواف يونس .ويف ندوة صباح الثالثاء التي عناية نقدية كافية تناسب إمكاناتهم». خصصت إلعداد «قراءات يف املشهد الشعري العريب» هذا ما يعكس رضورة البحث يف موضوع لطاملا أرق شارك د .محسن الكندي (سلطنة عامن) ،ود .أرشف عطية الكثريين ،ومل ينصف الشعراء ،حني أخذ بيد البعض منهم، (مرص) ومل يلتفت أبدا للبعض اآلخر. ود .ضياء خضري (العراق) ،وقدم الندوة د .هيثم الخواجة .مهرجان الشارقة ،يف دورته الحادية عرشة ،تجاوز الشعارات وعكست األمسيات الشعرية يف مهرجان الشارقة للشعر التي تنادي بالتمييز بني الشعراء ،وتفضيل شاعر عىل حساب العريب لقاء شعريا نادرا بني جيلني ،فقد شهدت جميع آخر ،فهو يف دورته هذه ،يقدم صورة بانورامية للمشهد األمسيات تواجد تجارب شعرية معروفة وأخرى صاعدة الشعري ،ويواكب التجارب الجديدة التي سيخرج منها لهؤالء وغري مألوفة لجمهور الشعر ،ما من شأنه أن يقدم مشاريع شعرية عربية واعدة يف السنوات القادمة. 24
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
بيت الشعر في الشارقة
منبر القصيدة العربية الرابع من نوفمرب سنة ،1997تاريخ ال يغيب عن صفحات املشهد الثقا ّيف واألد ّيب العر ّيب ،حيث شهد هذا اليوم مبباركة وحضور صاحب السم ّو الشيخ الدكتور سلطان بن مح ّمد القاسمي ،عضو املجلس األعىل حاكم الشارقة ،إيقاد شمعة ميالد بيت الشعر يف الشارقة ،الذي ما لبث بدوره أن تح ّول إىل منرب مش ّع باإلبداع والعطاء الشعر ّي والثقا ّيف من خالل أبوابه لكل شاع ٍر عر ّيب من مرشق أرض العرب املرشعة وصدره املفتوح ّ إىل مغربها. وعىل خالف بعض املباين التي تعتليها الفتة كُتب عليها (بيت الشعر) ،مل يكن بيت الشعر يف الشارقة مج ّرد بنا ٍء حجر ّي أو إسمنتي مج ّو ٍف فارغ ،بل تخلّص من احتامل ّية أن يكون منزالً ّ أو قاع ًة تقليديّة تحتضن نشاطاً معيّناً ث ّم تنزوي أليّامٍ وأسابي َع أو ربمّ ا شهو ٍر دون أن يأيت أح ٌد عىل ذكر اسمها ،وحمل معنى وداللة كلمة (بيت) بأبعادها الروح ّية والحميم ّية التي تتنفّس كل مكان، ملتقى للشعراء واملبدعني من ّ ألف ًة ومح ّبة .ليكون ً ومنهالً يسقي الظامئني ملتابعة وقراءة أجيا ٍل مختلف ٍة من كنوز الشعر العر ّيب ،حيث يض ّم يف أروقته مكتب ًة تتكاتف عىل رفوفها آالف الدواوين الشعريّة منذ بدء تأريخه وتوثيقه حتّى يومنا الذي نعيش. أسايس للثقافة ومن منطلق إميانه بأه ّم ّية الشعر كرافد ّ املجتمع ّية وف ٍّن له جامل ّيته وجذوره ،فقد تفاعل بيت الشعر يف كل كل البلدان موفّرا ً ّ الشارقة مع الحركة الشعريّة العربيّة يف ّ كل ما يستطيع إلذكاء أسباب الدعم املا ّد ّي واملعنو ّي ،وباذالً ّ روح املبادرة لدى املهت ّمني بالدراسات األدب ّية يك ينشطوا يف مجال التوثيق والتأليف عرب قيامه بإصدار العديد من الكتب
اإلبداع ّية والبحث ّية والنقديّة. مؤسسة تحظى بدعم وتشجيع مبارش من صاحب ولكونه ّ السم ّو الشيخ الدكتور سلطان بن مح ّمد القاسمي ،الذي حرص دامئاً عىل ابراز الدور الثقا ّيف إلمارة الشارقة فكانت عىل م ّر السنني منربا ً ثقاف ّياً عرب ّياً بامتياز .فقد دأب بيت الشعر منذ تأسيسه وال يزال ،عىل إقامة الفعال ّيات املم ّيزة محلّ ّياً وعرب ّياً، وإتاحة املجال لجميع األصوات الشعريّة ومن أجيال وجنسيات مختلفة لتكون حارض ًة عرب أمسياته وملتقياته ومهرجاناته التي ولعل أبرز طاملا استضافت أبرز القامات الشعريّة العرب ّيةّ ، حدث يجمع األسامء الشعريّة الكبرية هو مهرجان الشعر العر ّيب الذي ط ّرز فيه الشعراء العرب عىل مدار عرش دور ٍ ات أجمل رص اللوحات اإلبداعيّة التي ال يزال ينبض بها بيت الشعر ،وي ّ عىل العطاء أكرث فأكرث. منذ دورته األوىل ،حرص مهرجان الشعر العر ّيب يف الشارقة عىل حضور شعراء كبار نشأت عىل كلامتهم أجيال من الدارسني واملبدعني ،فكان من أبرز الوجوه التي حرضت وشاركت إمياناً بأه ّميّة الشارقة ثقافيّاً وفكريّاً: الشاعر شوقي بغدادي تح ّدث أيضاً عىل منرب املهرجان عن كل موجات التغري تاريخ القصيدة العرب ّية وصمودها أمام ّ والتب ّدل يف البنية ،ملخّصاً نقاشاً عميقاً بنتيجة مفادها أ ّن القصيدة العرب ّية تعيش حالة من النم ّو الرسيع وغري املنظّم. وزير الثقافة التونيس األسبق الناقد الدكتور عبدالسالم املسدي، كان له رأ ٌي يف ما يق ّدمه بيت الشعر يف الشارقة قال فيه :إ ّن بيت الشعر يف إمارة الشارقة لنئ تكاثر هنا وهناك يف أرجاء يظل بينها الرائد الوطن العريب أشقّاء له يف االسم واملبتغى ،فإنّه ّ issue (9)- February - 2013
25
حدث الشهر
يف اإلنجاز ،واألقدر عىل غرس قضايا للشعر دون أ ّي إطا ٍر يقيّده ،أل ّن الشعر ف ّن لم يكن نشاط الشعر يف فضاء االنتامء. وإبداع ،واإلبداع يتناىف مع القولبة والتأطري. بيت الشعر اقي ،فقد قال يف أ ّما الشاعر كريم العر ّ وكان من بني هذا األسامء شعراء كبار في الشارقة مقتصر ًا حديثه عن هذا الرصح :بيت الشعر يف وقامات إبداع ّية ها ّمة من واألمسيات الندوات على الشارقة ..هو املبنى واملعنى ،بشكله ومن بني من شهدوا بأه ّم ّية بيت الشعر الرتا ّيث الذي نستنشّ ق فيه عبق تاريخنا والدورات التي تعنى أيضاً كان الشاعر د.مح ّمد نجيب املراد العر ّيب ،ومضمونه وما يق ّدمه فيه بالموهوبين ،بل كان الذي قال يف معرض شهادة د ّونها بخ ّط يده: شعراء األ ّمة من إبداعات ،تف ّرقت بيوتنا أنبت الحنطة عىل الشعبي بيت الشعر يف الشارقة َ أيض ًا للموروث ّ وتباعدت ،لك ّننا التقينا يف بيت الشعر. شفاه الحروف ،وجعل أبجديّة النعناع تثقب وأدب وشع ٍر تراث من ٍ ٍ وقبل أعوام أيضاً كتب األديب ن ّواف احتكار أبجديّة اإلسمنت ،فإذا بأحجار األبراج نبطي ّ يونس مقالة ورد فيها :استطاع «بيت الشاهقة تتكلّم بلهج ٍة خرضاء. الشعر» خالل السنوات الفائتة التي ويف عام 2011كان الشاعر مح ّمد التهامي يجسد أهدافه م ّرت عىل تأسيسه ،وعرب فعاليّاته املستم ّرة أن ّ أ ّول املك ّرمني بجائزة بيت الشعر يف الشارقة التي استحدثها واإلبداعي لقامات املتمثّلة يف تأصيل دور الشعر ودعم وتشجيع الشعراء لتفعيل يف السنة ذاتها لتكون تقديرا ً للعطاء األد ّيب ّ االجتامعي . دورهم يف الحراك ّ أسهمت يف نهوض املشهد الثقا ّيف والشعر ّي العر ّيب. وتحت عنوان مرحباً مهرجان الشعر ،كتب وكيل وزارة الثقافة ومل يكن نشاط بيت الشعر يف الشارقة مقترصا ً عىل الندوات والشباب وتنمية املجتمع املساعد لشؤون الثقافة والفنون، واألمسيات والدورات التي تعنى باملوهوبني الناشئة والجلسات الباحث بالل البدور مقاالً يف عام 1998قال فيهّ : كل يومٍ ٍ سنوات الشعر واإلبداع النقديّة والنقاش ّية التي تناولت عرب الشعبي تؤكّد الشارقة دورها الرياد ّي ،وصدق اختيارها عاصمة للثقافة والبحث والتأليف والطباعة ،بل كان أيضاً للموروث ّ العرب ّية لعام ،98هذا اللقب الذي أحرزته الشارقة عن جدارة من تر ٍ حص ٌة وقعت عىل عاتق بيت اث ٍ نبطيّ ، وأدب وشع ٍر ّ الشعبي يف عام واستحقاق ،نظرا ً للجهود املبذولة يف هذا الشأن .وختم البدور الشعر وإدارته قبل تأسيس مركز الشارقة للشعر ّ ظل بيت الشعر ما كتبه قائالً :أنا عىل يقني من أ ّن هذا املهرجان سيضع قدمه 2008وافتتاحه رسميّاً مطلع عام ،2009حيث ّ بثبات عىل خريطة املهرجانات الشعريّة العربيّة.، الشعبي ألكرث من خمس سنوات ينظّم مهرجان الشارقة للشعر ّ ولن يكون الشاعر عيل العامري آخر من كتب عن املهرجان محقّقاً خاللها نجاحات جعلت منه ِقبل ًة أله ّم شعراء الساحة ات ر وق ّدم شهاد ًة فيه ،حيث نرش مؤ ّخرا ً مقاالً يف صحيفة «اإلما الشعب ّية يف منطقة الخليج والوطن العر ّيب عموماً ،ليحمل بعدها اليوم» ،يف األجواء التحضرييّة للدورة الحال ّية من املهرجان جاء هذا الرصيد العايل من النجاحات ويسلّم الراية ملركز الشعر فيه :منذ تسلّم الشاعر محمد الربييك مسؤول ّية إدارة «بيت الشعبي بقواعد راسخ ٍة ومتين ٍة تضمن له االستمرار عىل الوترية ّ الشعر» ،قبل نحو ستة أشهر ،أكّد أنّه سيكون بيت الشعراء ذاتها التي تليق باسم الشارقة تلك املنارة التي تخطف أبصار جميعا ،من مختلف االتّجاهات الشعريّة ومن مختلف األجيال ،املبدعني وتستقطبهم من مختلف األصقاع. وسيعنى باكتشاف املواهب الجديدة ورعايتها وتقدميها إىل قد ال تفي السطور والصفحات إلحصاء ما قام بإنجازه بيت الساحة الثقافية. املؤسسة الشعر -وال يزال -وال يق ّدم جديدا ً من يقول إ ّن هذه ّ وكثرية هي األسامء التي شهدت بتألّق هذا البيت وأه ّم ّية ما منذ تأسيسها وإطالق مهرجانها الشعر ّي أصبحت من األه ّميّة ينجزه ويق ّدمه من فعاليّات وأفكار أسهمت يف نهوض املشهد مبكانٍ ،إال أ ّن الرجوع إىل سرية مهرجان الشارقة للشعر العر ّيب اإلبداعي والثقا ّيف ليس اإلمارايتّ منه وحسب ،وإنمّ ا العر ّيب ٍ ّ سنوات خل َْت ،يفيدنا أن نقرص القول -وإن ال ميكن -ا ّن لعرش له ى ن يتس يك ة ي اف ر الجغ األطر كل ّ ّي ط لتخ ويسعى بل بأرسه، ّ ّ يستظل بفيئها املشهد الثقا ّيف ّ هذا املهرجان بذر ٌة ومثر ٌة وخميل ٌة أن يربط االسم باملس ّمى ربطاً وثيقاً ،فيبلغ العامل ّية ويكون بيتاً العر ّيب بأرسه 26
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
نصوص
الفنانة سعاد العطار
مهدي منصور راشد عيسى
جمال الصليعي
سعيد بن محمد المكتومي
issue (9)- February - 2013
27
نصوص مهدي منصور
ُّ الظل فجرٌ داكن ��ب امل��دي��ن�� ِة ص���ا ِح... عتبي ع�لى َع��تَ ِ ت��ح��ت وش��اح��ي.. رغ��� َم اخ��ت�ما ِر ال��ك��رمِ َ
ُ ال��ن��خ��ل ل��ل��غ��رب��ا ِء يف ُ ي���ق���ول أن����ا م���ا ب�����غ�����دا َد..أنّ�����تُ����� ُه ام�����ت�����دا ُد ص���داح���ي
غ���ادرتُ���ه���ا يك أج���م��� َع األع���ي���ا َد للـ أط�����ف�����ا ِل يف م�������دنٍ ب��ل��ا أف������راح
ق��ل��ب��ي ي���ق���ي��� ُم ب���ك���رب�ل�ا َء..ون���ب���ض��� ُه ِ ��ي�ن ال����س����ا ِح وال���س���فّ���ا ِح يف ال����ق����دس ب َ *** «س���ل���واي» حتى ال��ب��ح�� ُر ي��رق�� ُد وال��ط��ي��و ُر َ ِ ت�����دث ِّ����� ُر ال�����ذك�����رى ب���������دفء ج���ن���ا ِح
«من أنت؟!» تسألني املدين ُة «من!؟» كأ ْن اق��ت��ب��اس غ�����دي..وأ َّن صباحي... وج��ه��ي ُ
ِ ِ ف������داك -أت�����و ُه ع���بّ���ادا ًلشمس وأن����ا ���ي���ن رم����اح����ي �����ي����ر ب م����واج����ع����ي وأس َ ُ
َ ه��ن��ال��ك ف��ت�شي ع��ن��ي م���ع ال��ـ ث����ا ٍو ف����ق����راء إالّ م����ن إب�������ا ِء ال����س����ا ِح.
ُ��ط��اي ودهشتي ت��رع��ى ال��خ��ط��اي��ا..يف خ َ واس���ت���وط���ن���ت أق���داح���ي ه���ج���رتْ ف��م��ي ْ
ِ مل ت��ع��ب��ث األي����ا ُم ب��ال��وج�� ِه ال��ح��زي��نِ ف����ح����اويل أن ت����ذك����ري أت�����راح�����ي... *** أن���ا وامل���دي���ن��� ُة ت��وأم��انِ ..م�لام��ح��ي ..وب������ؤس ض����وا ِح وط����� ٌن ب�ل�ا وط������نٍ ُ
ق����اب ش����وقٍ م��ن غ��دي ي��ا م��ن ت�����راءتْ َ ِ ل����ن����زف ج���راح���ي امل�����ن�����ه�����ارِ..أو أدىن َ دميي.همس يومي غيمي»..دال» يا «مي َم» َ ِ ل����ل����غ����د ال�����غ�����ايف ب�����ل�����ونِ وش����اح����ي
ي�س�ري نُ���واح���ي يف نَ���واح���ي عزلتي وت���������ر ُّد آف�����اق�����ي إ َّيل نُ����واح����ي
ِ شفاهك أق����رب للحقيقة م��ن ك���أس ال ُ َ ِ ش�����ع�����رك ال������ف������ ّوا ِح م�����ن مت���������� ّو ِج
ُّ أن��ا َ ال��ش��ك امل��س��او ُر يف ص��دو ِر ذل���ك األول�������ي�������ا ِء س���ك���ي���ن��� َة
األروا ِح
ِ �ي�ر...ف���ه���يّ���ئ���ي ع���ي���ن���اك َ م���ن���ف���اي األخ ُ ��ي�ن م����ن ح����ل����مٍ ..وم����ن إص�����ب�����ا ِح... ظ����لّ ِ
أن���ا م��ا ت��ب��قّ��ى م��ن ش��ع��ا ِع ال��ل�� ِه يف ال���وث���ن���ي ..غ���ف���را ُن ال���س�م�ا ِء امل��اح��ي.. ِّ
اع..وب���ع���ض ش��ط��آين تساف ُر أع��م��ى ال�ش�ر ُ ِ ي����دي����ك وب���ع���ضُ ���ه���ا يف ال����������� ّرا ِح... يف
ِ س�لاالت أن��ا آخ�� ُر ال��دم��عِ املصفّى من ِ ائ�������س األت�����������را ِح األىس وع�������ر
ي���ب���ق يل إالّ ش���ف���ا ُه ِ ���ك واألىس مل َ أق����ب����ض راح����ي وع���ل���ي���ك�م�ا «س�����ل�����وي» ُ
ورجعت »-سلوى» -بعد ألف قصيد ٍة ُ ِ �ش�ر أق�����ا ِح... ع��ن��ه�� ْم وع���ن���ك..وب���ع��� َد ع ِ
28
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
راشد عيىس ماذا عليك؟
ف���ال���ظ���ل ص������وتٌ داك����� ٌن ُّ ال ت���ي���أيس ِ ق���ص���ائ���د امل���ص���ب���ا ِح.. ل���ل���ف���ج���رِ..رج��� ُع أن����ا رغ����� َم أرت�������ا ِل ال����� ّري�����ا ِح ت��� ُه��� ُّدين أم����ت����ص ع�������ز َم ج���ن���ونِ���ه���ا ل���ري���اح���ي.. ُّ ِ غ��م��د اإلب��ا ش��م��س ال��ف��ج�� ِر م��ن �����ل وأس ُّ ُ َ ب������أس س�لاح��ي ر ال���ع���م��� ل���ي���ل َ ألذي�������ق ِ َ َ ي��خ��ف��ض ه��ا َم�� ُه ��ي�ن ُ وامل������وج ي��ق��ص�� ُد ح َ ُ أالّ دىن ت���ع���ل���و أم��������ا َم ُج��م��اح�����ي... ِ خ���طِّ���ي ب���غ�ي�رِ ال����وق����ت ل��ح��ظ�� َة ح�� ّب��ن��ا وت�����وس�����دي ور َد ال����ن����دى..وارت����اح����ي ّ ك�����ل ن��ج��وم�� ِه َّ مل ي���ن���ح��� ِر ال����ت����اري���� ُخ وم������ض ص����ا ِح م����ا زال يف ال���ع���ن���ق���و ِد ٌ
ماذا َ َ غضبت بأن تحاو َر إص َب َع ْك، عليك إذا و َت ُش َّم عط َر َق َر ْن ُف َل ْة ؟ ماذا َ َقرت ومل تج ْد قرشاً ْ عليك إذا ا ْفت َ معك ، أن تكتفي بالخردل ْة ؟ وبيت َ ماذا َ قلبك ل َّو ْ عشقت ُ َ عك ، عليك إذا تس َت ِكنَّ بدمع ٍة ُم َت َبتِّل ْة ؟ أن ْ ماذا َ وأوج َع ْك ، عليك إذا الصديق غدا العد َّو َ بسنبلة ؟ أن َت ْلتَقي ِه ُ ماذا َ َ ْ فقدت هو َّيتها رصخت ُبأم ٍة عليك إذا ومل تنظ ْر َ تس َم َع ْك ، إليك لِ ْ أن تستْيض َء بنجم ٍة ْ مرت بل ْيلِ املرحل ْة ؟ ماذا َ َ خطاك َ وض َّي َع ْك ، عليك إذا الطريقُ لوى أن تحتفي بالبوصلة ؟ ماذا َ عليك إذا َنبا ِب َك طائ ُر الح ْل ِم الجميلِ ليخ َدع َْك ، أن تنتيش و ُت َد ِّ�ل َل ْه ؟ ماذا َ َ رضبت جذو َر ح ِّب َك يف الحيا ِة ، عليك إذا وجاءك ُ املوت الو ُّيف لي ْق َل َع ْك ، أن َتتّقي ِه بضحك ٍة ُمتَمهل ْة ؟ عليك ! ْاصبرِ ْ َ ماذا َ اضح ْك ْ عليك ! عليك ! َ موت السعيد ُة عند ِ ماذا ستن َف ُع َك اإلجابات َّ األسئلة ؟! ْ بني فر ٌ اشة يف موق ٍد هذي ح َيا ُت َك يا َّ أو ورد ٌة يف قنبل ْة !!
الفنان جهاد العامري
ً..أت������اح مل��� ْن س���ج���ن���ي أىت ح������لُ���م��ا َ ك������واك������ب امل�����م�����را ِح ي����ت����وس����ل����و َن ّ َ ِ أن ي���وق���ظ���وا وط���ن���اً ب������أرض ذوات���ه���م وط����ن����اً أس��ي��ر ال���������ور ِد دو َن رسا ِح.. issue (9)- February - 2013
29
نصوص
الفنانة سعاد العطار
عند مدين وم ّر من ليله الحـــــــــــــــاين أوائـــله وألبست صحوات الطـــــــني غــفوتها وأسلمت جـيـــــــــدها أنثى لشاعـرها وأرس����ل ال��ف��ج��ر ق��ب��ل ال��ف��ج��ر نسمـته ك����ل ح��ب��ي��ب ض��ل��ع ك��ات��ـ��م��ه وض����� ّم ّ وك��ن��ت أس��م��ع يف روح���ي مـواجدهم ال أرض ل��ل�أرض إذ الخ��ط��و يف قـدم ت��ر ّج��ل ال��ط�ين ع��ن طيني لريفـعـني وأرسج���ت ن��ار م��ن ن��ه��وى ع�لى جـبـل ل��ع��ل ج��ان��ب ه���ذا ال��ط��ور ينفحـني م��ا ك��ن��ت أط��م��ع أن يلقى إىل جبـل أن��خ��ت مث ّ���ة رح�ل�ي ح��ي��ث م��ا رحلـت وض��ع��ت ع��ن ظهر روح���ي م��ا تـنوء به وأرب����ك ال��ع��ق��ل أن ن���ودي إل��ـ��ى أفـق ك ّنا نقيس مب��ا يف األرض م��ن حــسـب ل��ربمّ��ا ص��دق��ت ،ب��ل إنّ��ه��ا صــدقـــت ف���األرض م��ذ دح��ي��ت ق��ال��ت مـعارفـها وال���ك���ون أج��م��ع��ه م���اض إىل هــدف يا كاتب الخطو هل دريب يشــاركـني اع����ذر غ��ي��ايب ت��رفّ��ق يب فراحـلــتي ال ،ال ت��ق��ل إنّ��ن��ي ك��ن��ت ال��ـ�� ّدل��ي��ل لها ل��و كنت ق��ائ��ده��ا ،ه��ل كنت مـوردها ك��ان��ت ت��س��اق ب��أم��ر ال��ج��ه��ل مغـمضة ب��ل ك��ن��ت أع��ل��م أنيّ ف���وق م��ا علـمت 30
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ِ م��ن��ت��ص��ف وم�����ال م��ن��ت��ص��ف��ا أوب��ـ��ـ��ع��د ِ كــــلف وأش��ع��ل��ت طلعة ال��ن��ج��وى حشا ِ خ��ـ��زف ك����ف خ����� ّزاف ع�ل�ى وم��س��ح��ت ّ ّ ِ شـغـف ت��ح��ن��و ع�لى ك��ب��د م���� ّدت ع�لى ِ ملعـتـرف ��ص��م��ت أن يصغي وط���اب ل��ل ّ ِ س��ـ��دف وك��ن��ت أب�ص�ر م���لء ال��لّ��ي��ل م��ن ِ عكـف وم��ط��ل��ق ال��وق��ت ي�س�ري يف دج���ى ِ كـتـف ب����راق ش���ك���واي م��ح��م��وال ع�ل�ى أو أرسج����ت ج��ب�لا ،ي���ا ن���ار فانكشفي ِ وال��ـ��ـ��ك��ـ��ن��ف ب��ن��ف��ح��ة م���ن س�ل�ام ال��� ّن���ار ف��ق��د ن��س��ج��ت ب��أم��ن ال��� ّن���ار مـلتحفي ِ ال��ـ��وج��ـ��ف ه��ن��اك إالّ م��ط��اي��ا ال��خ��ائ��ف ِ س��ـ��رف م��ن ال��ح��م��ول ف��ل��م ت��أس��ف ع�لى ِ يـقـف م���ن امل����وازي����ن مل ي����درك ومل ِ بـمنحرف مل تخطئ األرض ب��ل قسنا ِ ��ص��ف ن��ح��ن اخ��ت��ل��ف��ن��ا ع�لى م��ي��زان��ه��ا ال�� ّن ِ ك��ل��ف وم�����ا ق��وان��ي��ن��ه��ا إالّ ع��ل��ـ��ى ِ ه��ـ��دف وال��� ّن���اس أك�ث�ره���م س�����اروا ب�ل�ا م���زال���ق ال��خ��ط��و أم ح�� ّم��ل��ت��ن��ي صــديف ِ عــصف ظ��لّ��ت ت��س��اق إىل م��س��ت��وح��ش ِ نــشف أل��س��ت تشهد ك��م سيقت إىل م��ه��ال��ك ال���ورد،ق���ل ع���ذري ومــنتصفي ِ ال��ح��ش��ـ��ف وك��ن��ت أح��س��ب مت����را ك��ي��ل��ة م��ص��اع��د ال��ع��ل��م ،ي��ا ج��ه�لي وي���ا خــريف
ل��ع��لّ��ن��ي ك��ن��ت م���ع���ذورا ويب سـبب ال تتّهم عنكبوت ال��ق��ول أن نــسـجت ك��ان ال ّنسيج بخيط ال�� ّن��اس مــنســجه ال تكتب اآلن،ي كفي م��ا كتبت غــدا أن��ا ال���ذي كنت أم�ل�ي ،كيف م��ا فطنت وح���دي أن��ا كنت دون ال�� ّن��اس مرتـبـكا ي��ا ش��وك دريب لقد أدم��ي��ت م��ن حلـمي غ���ادرت (م��دي��ن) يستعيل ال��ط��غ��اة بـها ب��ال��ق��اب��ض�ين ع�ل�ى م���اء امل��ن��ى صـلـف ض��ع��اف م��دي��ن وال��ع��ط�شى وم��ن غـفـلوا ال ن��ار يف ي��ده��م ،ال م��اء يف غــدهــم ي���ق���وده���م زم�����ن أع��ش��ى إىل زم��ـ��ن غ���ادرت���ه���م ،وج������راري ن��ص��ف ف��ـ��ارغ��ة ّ وم���ح���ك ال��� ّري���ب علـمـني غ��ادرت��ه��م فاقبض م��ن اآلن يف مي��ن��اك م��ا بــعـثت وق���ل ب���ريء أن���ا م��ن أم���ر يــــوسفكم
ِ للـجـنف س����وي ال��خ��ط��و أم��ال��ن��ي ع��ن ّ ِ وال��ـ��س��ج��ـ��ف م���ن امل��ع��اذي��ر واألس���ت���ار ِ ض��ع��ـ��ف اآلن ب��ّي�نّ م���ا ي��ح��ـ��وي��ه م���ن أخ�شى ك��ت��اب��ك ،أخ�شى م��اح��وت صحـفي ج����وارح����ي أ ّن م���ا أم��ـ��ل��ي��ت��ه تلـفي ِ ه��ـ��دف ك��ح��اط��ب ال��لّ��ي��ل ح��ـ��ـ��طّ��اب��ا ب�لا ِ نــزف ال��ص�بره��ا أمـــيش ع�لى م��واط��ئ ّ ِ مل��غ��ـ�ترف ول���ي���س يف م��ـ��ائ��ه��م ف��ض��ل ِ ال��ع��زف وب��ال��ح��ي��ارى ارت���ب���اك ال��ـ��ع��اج��ز ِ أســـف وال��ق��اع��دون ع�لى ح��ال�ين م��ن ِ ك��ل��ـ��ف م��س��ت��ض��ع��ف��ون ب�ل�ا ج��ـ��ه��د وال ِ ج��ـ��رف أع���م���ى إىل زم����ن أغ���ب���ى إىل ِ ت��ل��ـ��ف ون��ص��ف��ه��ا ن��ص��ف��ه أوىف ع�ل�ى ِ صلـف أ ّن اليقـــــني ع�لى مرمى دج��ى ِ ��ـ��ـ��زف مـطالع ال�� ّن��ور م��ن أوج��اع��ك ال�� ّن ِ مل��خ��ت��ط��ف ي���ا ت���ـ���اريك ي��وس��ف��ي ن��ه��ب��ا
سعيد بن محمد املكتومي صرخات الصمت
سلهــا أغ ّنته شوقــــا يف الهــوى العطــــر وأسكنـــــته مســـافــــــــات وأزمنـــــــة وسامــرت طيفـــه مــوجــــا وأرشعـــــة وألهمته انبعـــــاثــــات املــــدى صــــورا علـــى نهــــــايــــاته املمتـــدة انصهــــرت واستبدلت أوجه األيــام وانتحــــــــرت وام��ت��دت ال��رح�لات السمـــر وامتشقت نبوءة الرمل تغـــيل يف محـــاجـــرهــــــــا أخفت عن الزمــــــن اآليت عبـــــــاءتها واغتيلت األم��ن��ي��ات البكر وامتعضت وأم��ط��رت نزعات الصمت أرصفـــــــة هناك رائحــــة الحــــــلم الذي عـــــبثت هنـــــاك تخــــتمر الثــــورات ناظــــرة تســــري صباحاته عزمـــــا بــأوردة
وجـاذبته غرامــا فـــي الصبــا النضــ ِر ح�يرى تجوب ارتعاشات الغد الحـــذ ِر وشاطئـــا ب��دوي العشق والسمــــــ ِر مــــن الرتقب فــــي إطاللة القــــد ِر ك��ل البدايــــات فـي س��ادي��ة العمــ ِر أس��ط��ورة ال��ظ��ل ب�ين ال��ري��ح واملطـــ ِر مخــــاوف الجـــرح روحانية البصــ ِر عصــــارة الوجع اململـــوء بالسفـــ ِر فراودتـــــها خيوطا رعشة الخبـــ ِر حــرية ال��وم��ض��ات البيض يف الحف ِر ت�ئن مـــن أمسها امل��وع��ود بالظفــ ِر ب��ه ال����دروب ع�لى ال��ش��ط��آن والجــز ِر فجــــرا يطل ب�لا ح��زن وال ضجـــ ِر ممــــلوءة بـــــدم الحريــــة العطــــ ِر issue (9)- February - 2013
31
ً نظريا
.
صبحي حديدي .............................................................................................................
براءة إيهاب حسن
يف
تقديم كتابه األحدث ،الذي حمل هذا العنوان املفاجئ« :يف البحث عن ال يشء :مقاالت مختارة 1998 ،ـ ،»2008يقول الناقد املرصي ـ األمرييك إيهاب حسن« :هذه مقاالت مختارة ،حني يطمح العمر ،وقد أعيته السنون ،إىل براءة ثانية ،فال يبحث عن يشء، ومع ذلك فإنه ّ يظل مدفوعاً بشباب ملحاح» .وهذا إقرار جديد ،من ذهن فائق التأمل وفريد االستخالصّ ، بأن تع ّقب املفاهيم الشائكة ال يفيض بالرضورة إىل انكشاف «براءة» أصولها ،بل قد ينتهي باملتأمل إىل النقيض :فقدان الرباءة! إيهاب حبيب حسن ،ملن ال يعرفه بعد ،ولد يف القاهرة عام ،1925وهاجر إىل الواليات املتحدة عام ،1946حيث يقيم ويعمل يف تدريس األدب بعد أن تخىل عن الهندسة ،اختصاصه الدرايس األصيل .وهو ّ يحتل موقعاً متميزاً ،سواء عىل الصعيد األكادميي األمرييك والعاملي (إ ْذ حارض ود ّرس يف قارات العامل الخمس) ،أو عىل صعيد النظرية والدراسات النقدية .ومنذ عام ،1961تاريخ صدور كتابه األول «الرباءة الراديكالية :دراسات يف الرواية األمريكية املعارصة» ،وحسن يجري سلسلة تنويعات عىل مبدأ نقدي متامثل ،يساجل بأن السمة املركزية يف األدب الحديث و«ما بعد الحديث» ،خاصة هي العدمية الراديكالية ،يف مسائل الفنّ والشكل واللغة. هذا ،يف عبارة حسن الشائعة ،هو «أدب الصمت» الذي «يدور حول نفسه ،وينقلب عىل نفسه ،ليك يعلن الرفض التا ّم للتاريخ الغريب، ولصورة اإلنسان كمقياس لألشياء جمعاء» .وبغية التعمق أكرث ،أصدر حسن كتابه الثاين «أدب الصمت :هرني ميللر وصموئيل بيكيت»، واألهم رمبا« :تقطيع أوصال أورفيوس :نحو أدب ما بعد حدايث» ( .)1971وإجامالً كانت النتائج تنتهي بهذا ثم أعقبه بكتابه األشهر، ّ األدب إىل االغرتاب عن العقل واملجتمع والتاريخ؛ واختزال جميع االلتزامات الطبيعية أو املختلقة املفروضة يف عامل البرش؛ واستثامر حاالت الذهن القصوى ،مبا يف ذلك االنفصال عن الطبيعة ،أو اللجوء إىل األمناط املنحرفة من امليول الحيوية واإليروسية؛ وسلخ اللغة عن الكالم اليومي ،مبا يف ذلك تحريف األفكار التقليدية حول الشكل؛ مناهضة كل ما يتصل مببادىء مثل «السيطرة» ،و»الحكمة»، و»الثبات» ،و»النسق التاريخي». ويف دراسة رائدة بعنوان «نحو مفهوم ملا بعد الحداثة» ،اشتهرت ألنها منحته سلطة التنظري للمفهوم بأرسه ،حاول حسن تقديم تخطيط مدريس توجيهي وتجريبي لظاهرة ما بعد الحداثة ،وجهد يف توسيع نطاق هذا التخطيط املقارن مع الحداثة ،فرسم موشوراً عريضاً من األسامء والتيارات واألساليب ...ليك يتجنّب ،أغلب الظنّ ،تلك املهمة العسرية ،املتمثلة يف اعتصار تعريف ما ،لحركة عجيبة غامئة املالمح. والنزاهة التاريخية تقتيض التذكري بأن الفرنيس جان ـ فرانسوا ليوتار ،الذي يتفق الكثريون عىل اعتباره فيلسوف ما بعد الحداثة األ ّول، كان قد اعتمد عىل أعامل حسن يف إقامة معظم دليله الثقايف .والكثريون ،قبل حسن وبعده ،بذلوا محاوالت مامثلة ال ّ تقل نزاهة ومشقة تعجب« :هل يف وحرية ،ولكنها مل تخرج يف الجوهر عن املعيار الذي طرحه حسن يف صدر مقالته ،عىل هيئة تساؤل أقرب إىل عالمة ّ تعم املجتمعات الغربية إجامالً وآدابها خصوصاً ،فتحتاج إىل ما مي ّيزها عن الحداثة ،وتحتاج إىل تسمية؟». وسعنا حقاً أن نتص ّور ظاهرةّ ، ويف عمل صدر سنة 1995بعنوان «إشاعات التغيري :مقاالت خمسة عقود» ،كان أقرب إىل السرية الفكرية ـ الذاتية ،عالج حسن إشكالية التنظري النقدي ،متكئاً عىل الروايئ األمرييك هرني جيمس ،الذي اعترب أن النظرية األدبية ُتجا َبه أوالً بتهمة السخف ،ثم ُتق َبل بعدئذ إما ألنها صحيحة أو ألنها باتت واضحة ،وأخرياً تصبح شديدة األهمية إىل ح ّد أن خصومها القدماء ينسبون إىل أنفسهم فضل اكتشافها أ ّوالً .ويع ّلق حسن« :ما البدائل عن النظرية املعارصة ،واإليديولوجيا ،وخطاب ما بعد الحداثةّ ، بكل استفزازاتها وموارباتها؟ ال يشء ،كام أعتقد ،وليس يف املدى األعرض عىل األقل». اعرتاف بالغ الداللة ،يتجدد اليوم أيضاً مع كتاب حسن األخري ،ويبقى جوهر داللته أنه يأيت من أحد اآلباء املؤسسني ملصطلح ّ شاق عسري، يواصل حضوره يف املشهد اإلبداعي كام يف النقد التنظريي والتطبيقي؛ ليس دون بحث ،ال ّ يقل مشقة وعرساً ،عن تلك الرباءة املفقودة
32
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ملف
القصيدة العمودية في المغرب ّ ضفتي الماء ب بين التاريخ ووشائج ال ُ ح ّ
واجهت القصيدة العمودية الكثير من التحوالت ،وفي الوقت الذي أخلص لكتابتها جمعٌ من الشعراء نجد
ً ً ً منتميا واضحا لذلك حيث ظل البعض انعكاسا أن هناك من تجاوز مرحلة كتابتها .وفي المغرب نرى لقصيدة العمود العربية التي سميت ب «العمود» بعد ظهور العديد من أشكال وقوالب الكتابة الشعرية، التي فرضت هذه التسميات ،فيما انخرط البعض اآلخر بالكتابة الحديثة. غني بأسماء وأعمال شعرية كثيرة ومهمة ،ولقد كانت قصيدة العمود المغربية محل اهتمام المغرب العربي ٌ
ومتابعة لما حققته من حضور وتطور ،لذلك ظلت هذه القصيدة في دائرة الضوء ،وإلى اآلن نقرأ قصائد كتابها بالرغم من تحديات عديدة أحاطت بها وتعلقت بمتغيرات العصر الحديث.
عبدال ّلطيف الوراري
issue (9)- February - 2013
33
ملف
وتعاقُدا ً ثقافيّاً واجتامعيّاً بني الشاعر وأفراد القبيلة ،وهو من ّ ثقافات أخرى كان يصدح الشعر العربي إلى ٍ ما جعل العالقة بينهام أكرث قرباً وفهامً مماّ ترتَّب عنه أن لسان حقيقتها ،ومن شرط إلى في ْلي ِل القصيدة ُ السلّم االجتامعي ،ويجعله يتب ّوأ الشاعر منزلة رفيعة يف ُ آخر كانت ال ّ تكف عن سياساتها داخل خطابها مصدر تفاخر وتناحر بني القبائل ،ويجعل لشعره بالغ المفرد والنّوعي .الخطاب باعتباره فعّ الية لغة ّ الذات ّ التأثري يف ال ّنفوس ،ومع التحوالت التي طرأت عىل التشكيلة ّ إن الكتابة ،وبخاصة كتابة اريخ. ت وال في المجتمع ّ االجتامعية ،تراجع دور الشاعر قبليّاً لكن دوره مل ينت ِه ً نوعي ًة إلاّ في الرّ ؤية ممارسة القصيدة ،ال تكون ّ اجتامعيّاً .صار دوره يمُ ثّل املجتمع ،ويعبرّ عن أعرافه وقيمه النوعية ّ للذات عبر ال ّتقعيدات االجتماعية وال ّث ّ ّ ّ قافية ،الّتي كانت تتململ بال ّنظر إىل البنى املتح ّولة ،باعتبارها لاّ وهذا ال يتمّ إ عندما يم ّثل ّ الشعر الوجه الكاشف عامالً مح ّركاً ملنظومة املشاعر واألحاسيس الّتي تعتمل يف الشاعر كفرْ دٍ ُّ ، للمجتمع ّالذي يرتهن به ّ وجدان املجتمع وكيانه ال ّناشئ ،عالوة عىل أنّه صار يطمح وللغة ّالتي وتعبير ،أكرث إىل نيل رضا اآلخرين وإعجابهم بعدما بدأت تظهر إىل كخطاب إن القصيدة، تأوي وجوده كإنسانّ . ٍ ٍ الوجود فئاتٌ جديدة من املثقّفني تُنا ِفسه. تاريخية ،ليس ّ ألنها تحمل هي ،في نهاية التحليل، ّ ويف تلك األوقات من زمن الشّ عر ،كانت القصيدة العربية تاريخها ،بل أيْ ً ضا مكانها وعبورها في األزمنة تتل ّون بل ْون الثّقافة الّتي تحياها ،وترتهن للقيمة املهيمنة وال ّثقافات .داخل أوضاع الكتابة ومعايير الجنس التي ترشط العرص نفسه ،مع ما يصري من ذلك من تأثري األدبي ،أوخارجها. وتأث ُّر يفعل ،سلباً أو إيجاباً ،يف ال ِب ْنية الجامليّة للقصيدة. يف مطلع الشّ عر العريب القديم ،كان الشاعر لسان القبيلة يف وعليه ،مل يكن هناك منوذج واحد يق ّدمه الشّ اعر عن نفسه، الحرب والسلم ،وراعي أيّامها وذاكرتها ،وكانت القبيلة مهام بل رافقتْه مناذج كثرية بداي ًة من عرص صدر اإلسالم تحت بلغت من بأس تقف عاجزة أمام القبائل املنافسة لها إ ْن ملْ تأثري«ال ّدعوة» ،وعرص بني أم ّية يف غمرة الصرّ اعات السياسية يظهر فيها نابِغ ٌة من شعراء وقتها يأمن لها صيتها ووجودها .بني األحزاب واملذاهب ،وهل ّم شعرا ً .ومل مي ّر التّاريخ دون أن ويحىك أنّه «كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاع ٌر أتت يرسم لنا خُروجات القصيدة عن امل ُ ْجمع عليه ثقافيّاً ،فيام القبائل فه ّنأتْها ،وصنعت األطعمة ،واجتمعت النساء نْ ليلعب هي تج ّدد آليّات عملها ورؤيتها إىل األشياء والعامل داخل ً، ا ي باملزاهر» .هذا ال ّدور كان ّ يجسد تجانُساً لغويّاً وسيكولوج ّ ما ُعرِف يف املد َّونة ال ّنقدية بـ «رصاع القدماء واملحدثني». نذكر ،هنا ،مغامرة أيب نواس وأيب متام أساساً .ولكن الشّ عراء يف مجملهم ظلّت قصائدهم تُشْ بع استجابات املتلقّي ،وال أن مصطلح يبدو لي ّ والسؤال ،إلاّ إذا استثنينا املتنبي تخلخل فيهم روح الكَشْ ف ّ (القصيدة العمودية) خادع بخطابه الحكمي ،وأبا العالء املع ّري برؤيته املتفلسفة، وفضفاض ،لكنّنا عندما ظل والصوفية الذين ّ واستثنينا لفيفاً من شعراء الصعاليك ُّ نستعمله اليوم فإنّنا لن نهجر تأثريهم معدماً ،بحكم عزلهم أو اعتزالهم .من اإليقاع إىل جهل القيمة. السلَــط الذي ترتّب ميدان ُّ يف عرص ال ّنهضة ،فتح الشّ عر العريب عينيه عىل عا ٍمل عليه السجال النقدي ،إذ ّ حل متح ّول .وبال ّرغْم من وظيفته اإلحيائيّة ،أو بسببها ،ال ّ محل العرف الذي جرى به يستطيع أح ٌد أن ينكر ما كان يُستقبل به شعر البارودي، ِّ األصل في العلم الشعري. وشوقي ،وحافظ ،وال ّرصايف ،وبدوي الجبل ،والجواهري، والشابيّ ،وبشارة الخوري ،والربدوين ،ومفدي زكريا ،ومحمد
34
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
القصيدة العمودية في المغرب
بن ابراهيم وغريهم من حظوة القوم واحتفائهم ،وما كان يشعله من الحامسة ،ويلهبه من األحاسيس ،ويستنهضه من الهمم .ومل مينع ذلك من نشوب الخصومات الكثرية بني املحافظني واملجددين ،إلاّ أ ّن الجميع ـ شعرا ًء ونقّادا ً ـ كان يق ّر يف أذهانهم وأسامعهم ما ثبت للشّ عر من طبيعته ووظيفته؛ ومن مث ّة يحظون باحرتام املتلقي وقناعته.وكانت قصيدة شوقي تتصدر الصفحة األوىل من جريدة األهرام، وقصيدة لحافظ إبراهيم تشعل حامس املتظاهرين ض ّد سياسة االستعامر الربيطاين ،كام كان أهل م ّراكش يذكرون كل قصيدة جديدة ملحمد بن ابراهيم ،وذلك يف مجالسهم ّ أيّام كان الشعر يتص ّدر كل أنواع الفنون ،ويحتفظ بسلطته وكربيائه التّاريخي.
من عمود الشعر إىل الشعر العمودي
انطالقاً من جهود الجاحظ وقدامة وابن طباطبا تحديدا ً، سوف تلوح يف األفق نظرية أ ّولية للشكل الشعري ،ميكن لنا أن نتمثّلها يف ما اصطلح عىل تسميته بـ(عمود الشّ عر)، كام أرىس قواعده القايض الجرجاين وأبو عيل املرزوقي .ولقد
كشفت تلك القواعد الواضحة إواليّات الشكل الشعري من خالل وضع جملة من العنارص والعيارات التي يجب عىل الشاعر االلتزام بهاِ :صناعة الشِّ عر .وهكذا ُح ِّدد تص ُّو ٌر، يرتسخ مع الوقت ،يَ ْنظر إىل القصيدة كمبنى غري سوف ّ قابل للفصل عن املعنى ،أو العكس ،ووف َْق هذه الكيف ّية أو تلك .بالنتيجة ،ن ُِظر إىل املبنى بوصفه قالباً لفظيّاً ـ وزنيّاً، به ي ِت ُّم حسن ال ّنظْم واتّساقه الذي توافقه جملة ٍ رشوط عروضيّة وبالغيّة تحكم عليه بالتناسب أو التنافر .هكذا ،مل ي ُع ْد يُقْصـد بالشّ كل املبنى ،بل عنارص القصيدة كلّها ،مبا يف ذلك العنرص الداليل الناظم لألغراض والثِّيامت والتأثريات ٍ بتسميات مختلفة مخصوصة، النفسية .وليس اإليقاع ،وإن إلاّ نتاج تفاع ٍل بني الصوت والداللة ،وهو غري الوزن الذي يتمتّع بوجود سابق للقصيدة .سوف نكتشف ذلك يف التامعات علامء البالغة والنقد وحدوساتهم وآرائهم ،ابتدا ًء حقيقي من هذه الفرتة التي أ ّرخت لبدايات نشوء ِعلْمٍ ٍّ بالشعر ،وضع ن ُْصب عينيه معرفة القوانني العامة التي تُنظّم األعامل الشعرية وتتحكّم بصناعتها ورؤيتها الخاصة إىل الذّات والعامل واألشياء .وميكن القول إ ّن هذا العلم، أو الشعرية كام تواضَ ْعنا عىل تسميتها حديثاً ،مل يتوقّف عند الجانب الوزين ـ الشكيل واللغوي للنص الشعري، وإنمّ ا تجاوزه فيام بعد إىل كشف القواعد الرتكيبية ،وإبراز آليّات إنتاج الداللة وقيمها وبحث الكلّيات الناظمة لها ،يف تسا ُوقٍ مع حركة البديع التي أطلقها امل ُ ْحدثون .إِنّه مجموع الخالصات التي انتهى إليها ن ْق ُدنا الشِّ عري ،مستفيدا ً من تلك املسائل التي يتع ّرض لها علامء البيان يف القرآن ،ويف الشعر واألدب عا ّمةً ،فق ّر يف االعتقاد أن األصول التي بُ ِني عمو ُد الشِّ عر عليها بدت تُوحي بأ ّن َم ْنهجاً عربيّاً يف النقد بدأ يتشكّل ،ال يخضع للبديع فحسب ،وإمنا ينفتح عىل أصول ومصادر أخرى ،قرآنية وبالغية وفلسفية ورياضية .ومل يعد ه ّم النقد والتحليل البالغي يف الشعر إبراز وجوه البديع ومحسناته الصوتية ،بل أيضاً كشف ما يرتبط به من سهولة ّ العبارة وترابط األجزاء ،وحسن التخلص والخروج ،واتّفاق األلفاظ واختالفها بني الجودة والرداءة ،ثم ما يُراعي ذلك تناس ٍب مع املعاين والصور البيانية .ومل يكن ذلك ليت ّم من ُ لوال ما ملسه العلامء بالشعر والبالغة يف الشكل الشعري
issue (9)- February - 2013
35
ملف
من تط ُّو ٍر يف عنارص مادّيته التي تُشكّل املستوى املحسوس للنص ،وال يستم ُّد وجوده إلاّ بها :كلامته ،صوره ،وصياغته ّ اللغوية ،وإيقاعه بالتّايل. عمود الشعر ،ال الشعر العمودي أو القصيدة العمودية. ال نجد أيّاً من املصطلحني يرد يف كتب النقد القديم ،وال قال بذلك علامء الشعرية العربية ،إلاّ أنَّهام تردّدا ،بق ّوة ،يف السجال النقدي الذي صاحب أو أعقب ظهور حركة الشعر، ثم قصيدة النرث تالياً .حصل خلْ ٌط لدى كثريين يف استخدام واستغل البعض منهم ذلك لحرق املصطلح ّ مصطلح العمود، وشحنه بداللة قدح ّي ٍة ومضمون إيديولوجي مغرض .فلم يكن املقصود بالقصيدة العمودية ،وال الشعر العمودي، ما توافر فيها من عمود الشعر بخصائصه التي تُق ّر بقدرة الشاعر وامتالكه ناصية القول الشعري ،بل هي باألحرى كل قصيدة تنهج منط الشكل القديم والبناء التناظري ذي ّ الشطرين املتقابلني :أسبق ّية ال ّنظْم وخطاطاته املع ّدة سلفاً كل قصيدة موزونة ومقفّاة من حيث الوزن والقافيةّ . بغض النظر عن ومتناظرة الشطرين هي قصيدة عموديةّ ، شعريّتها من عدمها .وعىل هذا النحو بدأ السجال و ُو ِّجه مبق ّدماته ونتائجه املعروفة .وبناء عىل ذلك ،ت ّم تصنيف كل الشعر العريب الذي كُتب قبل ظهور تلك الحركة تحت
«لقد بات الكثير من ن ُ ّ قادنا اليوم ينأون بأنفسهم عن القصيدة العمودية ،أو وكأن شعرائها المتميّزين، َّ التعامل مع هذا النمط ٌ سلوك محر ٌج ،أو تهمة الشعري جب أدواتهم المستخدمة يتو ّ ً عادة في تحليل الشعر ،أو تأويله». علي جعفر العالق (هاهي الغابة ،فأين األشجار؟ ،ص)42
تجميعي ال تاريخاين، يافطة الشعر العمودي عىل نحو ٍّ واعتباره نوعاً من الشعر يف مقابل الشعر الح ّر ،والشعر املنثور الذي أخذ صفة قصيدة النرث وتلبّس بها. يبدو يل أ ّن مصطلح «القصيدة العمودية» خادع وفضفاض ،لك ّننا عندما نستعمله اليوم فإنّنا لن نهجر ميدان حل العرف السلط الذي ترتّب عليه السجال النقدي ،إذ ّ محل األصل يف العلم الشعري .ومع ذلك، الذي جرى به ّ بإمكاننا أن نراجع النظر فيه ونو ّجهه بداللته االصطالحية التي تأخذ باعتبار تاريخيّته ونجاعته يف التمييز والتقويم، دون أن نعمى عن مدى مرونته وانفتاحه عىل العرص، وتالقحه مع بقية أشكال الشعر استج ّدت إىل أيامنا ،إذ ال كل األعامر والحساسيّات يتعاطونه ومل زال الشعراء من ّ يعدموا اإلبداع من خالله. نعني مبصطلح القصيدة العمودية تلك القصيدة التي توافر لها ما يأيت من خصائص الشكل ما ال يقعد عن تحديثها والتامس شعريّتها وتحقيقها بدرج ٍة وأخرى ،ومن ضمنها: ـ أن تعتمد يف بنائها الشكيل نظام الشطرين املتناظرين؛ ـ أن تُ ْنظم يف أحد البحور أو األوزان الشعرية املعروفة؛ ـ أن تنتهي أبياتها بقافي ٍة ورو ٍّي مو َّحدين ،وقد يحصل أن يجري تنوي ٌع فيهام بنسبة ما، ـ أن تنتظم يف مقاطع ألفبائية أو مرقَّمة ،أو تكون معلومة بأيقونات وإشارات ورموز هندسية؛ ـ أن تطول أبياتها أو تقرص بحسب املناخ النفيس والتدفّقات الشعورية لذات الكتابة، ـ أن تتّصل األبيات فيام بينها اتّصاالً عضويّاً ال اختالل فيه؛ ـ أن تتح ّرك داخل موشو ٍر من املوضوعات والتيامت واألغراض التي تؤدّيها بطريقة جديدة لغ ًة ورؤية وتصويرا ً، ومن األساليب الحديثة التي تقف بها عند غنائيّتها (أسلوب رسدي ،ملحمي ،درامي ،)..مع ما يستتبع ذلك من استخدام طرائق الرمز واالنزياح والتكثيف إسو ًة بباقي أشكال الشعر األخرى.
القصيدة العمودية باملغرب «من لعنة الصاحب بن عباد إىل ظلم ذوي القرىب» فرضت كتب تاريخ األدب العريب ،مبا فيها الحديثة،
36
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
القصيدة العمودية في المغرب
عبدالله كنون
محمد بن ابراهيم املراكيش
مركزا ً وهوامش؛ ففي الوقت الذي ُسلّط فيه الضوء عىل حركة اآلداب يف العراق وبالد الشام ومرص باعتبارها متثّل املركز واألثر ،مل تُلْق هذه الكتب باالً بواقع اآلداب يف دول الخليج العريب واليمن والسودان والبالد املغاربية باعتبار أنّها متثّل الهامش والصدى .وإذا كان لدينا اليوم تراثٌ من عرص النهضة يتح ّدث عن جالئل األعامل التي اضطلع بها الرعيل األول من ر ّوادها يف سبيل نهضة األمة والعودة بها إىل روح العرص ،إلاّ أن أكرثنا ال يعرف ـ متثيالً ال حرصا ً ـ ما أسداه أهل املغرب من فضل أيّ ٍ امئذ .وبسبب هذه الهامشية الجغرافية ،وقبل ذلك لعنة الصاحب بن عباد التي ظلّت ترتدّد عرب العصور وتق ّدم نتاج املغاربة األديب كـ«بضاعتنا ُردّت إلينا» ،ث ُ ّم حجاب العبقرية األندلسية بآثارها الباذخة، أدب مغر ٍّيب فقد تك ّرست لدى كثري من املشارقة صور َة ٍ هاميشٍّ ومجهول وغري متّضح الهوية يف أذهانهم. لقد كانت كتب التاريخ األديب ال تُدخل ،عن ج ْه ٍل ونرجسية ،يف حسابها ما كان يكتبه املغاربة من شعر، مرشقي أو صد ًى بعيد عنه ،وهو ما معتقدة بأنّه نسخة ألث ٍر ٍّ مل يُقيِّض لها أن تتع ّرف عىل شخصيّتهم الشعرية الخالصة، الخاصة ،ممهور ًة بسؤال املغرب ومكانه الحضاري وأشواقهم ّ والثقايف املتن ِّوع .وبالتايل ،مل يٌتح للدرس النقدي الحديث أن يتداول إنتاج املغاربة الشعري ،إلاّ بداي ًة من املرافعة
التاريخيّة للعلاّ مة عبد الله كنون التي أثارها يف الثالثينيّات كتاب من القرن الفائت ،وهو يصدع ب«النبوغ املغريب» يف ٍ يحمل العنوان نفسه .لقرون طويلة ال تعدم روح الك ّد ومحاولة إثبات الذات ،مل يتوا َن شعراء املغرب عن اإلبداع يف سبل الفكر واألدب ،حتى أمكن للشعر املغريب الحديث أن يُ ْسمع صوته ،ويفرض حضوره مبا وسعه اإلمكان ،فلم يعد النبوغ ُمقيامً يف تفاصيل التاريخ وشوارده ،بل الفتاً وجالباً لإلعجاب وامل ْك ُرمة ،منذ بدايات القرن العرشين عىل األقل. ّ
ق ْر ٌن من الحضور يف التاريخ وإثبات الذات
انتهى الشعر يف الربع األخري من القرن التاسع عرش إىل حالة جمود ،إذ صار موضوعه مرتبطاً يف األغلب مبوضوعات العلوم واملعارف األخرى ،حتى تح ّول إىل مج ّرد نطْمٍ به تُؤذّى العلوم الفقهية واللغوية ،ووسيلة لحفظ الشواهد يف معرض علم النحو والبالغة ورواية املثل السائر ،بعد أن صارت «معظم علوم األدب آل ًة لفقه» .بل إنّه تح ّول إىل مجرد مطية يركبها الناس للوصول إىل تولية بعض املناصب القضائية واإلدارية .وكان شعر املناسبات الدينية والرسمية هو السائد مع ما يغلب عليه من تقليد وإسفاف .إلاّ أنَّه بداي ًة من القرن العرشين ،وتحت تأثري الحركة السلفية، issue (9)- February - 2013
37
ملف
أقبل الشعراء املغاربة عىل النظم يف موضوعات ته ّم الدعوة إىل اإلصالح وتحرير الفكر؛ ث ُ ّم رسعان ما ظهر ثلّة من الشعراء أُطلق عليهم «شعراء الشباب» الذين تأث ّروا باملدرسة اإلحيائية يف الشعر عرب ما كان يصلهم ،من املرشق العريب ،من أعامل شعرائها ،ومن كتابات نقدية مصاحبة لطه حسني والرافعي والزيات والعقاد. لقد خلق شعراء من أمثال القري ،وعالل الفايس ،ومحمد املختار السويس ،ومحمد بن إبراهيم امللقب بشاعر الحمراء، وعبد املالك البلغيثي وسواهم ،واقعاً جديدا ً كان إيذاناً مبيالد شعر النهضة يف املغرب ،وهو شعر يلتقي يف صيغته بصيغة املدرسة اإلحيائية .ومل يكن هذا الواقع يخلو من رصاع بني املج ّددين واملقلّدين ،كان يرجح إىل كفّة أنصار التجديد بحكم نشاطهم النقدي ونجاعة تص ُّوراتهم يف ضوء املفاهيم الجديدة التي آمنوا بها ورشعوا يف نرشها وترسيخها ،مؤكّدين عىل أهمية رسالة الشعر ورفضهم التقاليد الشعرية املتكلّسة ،وذلك ما يظهر جليّاً من نقود محمد بن العباس القباج ،وعبد الله كنون ،وعبد الله إبراهيم ،وعبدالسالم العلوي ،وأحمد زياد وعبد العيل الوزاين .وبعد أن ت َّم التع ُّرف عىل التيارات الذاتية املج ّددة جيل جدي ٌد من قبيل أبولو والديوان والرابطة القلمية ،ولد ٌ من الشعراء رسعان ما عمل عىل خلق حركة شعرية جديدة يف موضوعاتها وأساليبها الفنية ،وكان من أه ّم أفراده عبدالقادر حسن ،وعبد الكريم بن ثابت ،ومصطفى
38
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
املعداوي ،وعبد املجيد بنجلون ،وعالل بن الهاشمي الفياليل ،واملدين الحمراوي ،ومحمد الحلوي ،عىل اختالف مستويات حضورهم ودرجة اقرتابهم من املذهب الرومانيس أو الواقعي ،وإن أجمعوا عىل التخلص من تقاليد القدماء ومحاكاتهم ،ورضورة التزام الصدق يف التجربة والتصوير الف ّني ،من الذات إىل الواقع .لكن الرصاع عىل ميدان الفكر الشعري كان دامئاً يتج ّدد بتأثري من تقلُّبات املجتمع وأحوال السياسة ،مثلام الرصاع هذه امل ّرة بني تيار التجربة الذاتية وتيار االلتزام .وإن كان املرشق العريب ال يزال يشكّل رافدا ً ال غنى عنه ،إلاّ أنّنا وجدنا بعضهم من شعراء ونقّاد متأثّرا ً بالرافد األورويب ،والفرنيس تحديدا ً ،فيذكر مناذجه ،ويعقد املقارنات واملوازنات بني األدب العريب واألدب األجنبي ،وهو ما أغنى النقاش النقدي وساعد الشعراء عىل تل ّمس سبل جديدة يف اإلبداع الشعري. بعد استقالل املغرب ،وابتدا ًء من ستين ّيات القرن العرشين، تو ّجهت القصيدة املغربية بضفافها خارج التيارين املحافظ والرومانيس الذين يتلقّفهام جمهور الشعر ،متأثرة بحركة الشعر الحر التي انطلقت من أرض العراق مع الثالوث الريادي :السياب ،نازك املالئكة والبيايت ،وذاعت يف أكرث البالد العربية بفضل املجالت األدبية واملجاميع الشعرية التي كانت تنتظم يف الصدور .كان معظم ممثّيل هذه القصيدة من الشباب املغريب الذي نال حظّاً من الثقافة والتعليم الجامعي ،مبا فيه الذي تلقّنه حتى من جامعات بغداد ودمشق والقاهرة ،وهو ما كان يعني صلتهم املبارشة مبناخ تلك الحركة وزخمها العاطفي والفكري ،من أمثال أحمد املعداوي «املجاطي» ،ومحمد الرسغيني ،ومحمد
القصيدة العمودية في المغرب
محمد بن عامرة
الخامر الكنوين ،ومحمد امليموين ،وعبد الكريم الطبال، وأحمد الجوماري .وإذا كان أكرث هؤالء قد كتب يف أول مرتسامً خطى سالفيهم ،أو زاوج عهده القصيدة العمودية ّ بينها وبني قصيدة التفعيلة ،إلاّ أنّه رسعان ما اختار أسلوب القصيدة الحرة ،لعقو ٍد تالية .وبنا ًء عليه ،ال نذهب مع آخرين يف رأيهم بأنّه كانت هناك قطيعة بني فرتيت تحديث الشعر املغريب ،أي ما قبل االستقالل وما بعده ،بل هي ٍ موجات من زخم التجديد والرغبة يف ُجسد باألحرى ت ّ مسايرته تبعاً لرؤى الشعراء وحساس ّيات ذواتهم وعرصهم الذي كانوا يعربونه. يف الوقت الذي كانت تحصد فيه قصيدة الشعر الحر النجاح وتتط ّور بشكل متنامٍ عىل يد شعراء ملكوا املوهبة والخربة بأدوات الشعر وعاركوا مضايقه ،بقدر ما كانت ُوسع دائرة تلقّيها تباعاً ،كانت قصيدة الشعر العمودي ت ّ تفقد تدريجيّاً حلبة القول الشعري األوىل ،وتنحدر إىل طريق مسدود بعدما غلبت عليها النزعة «املناسباتية»، فبدت خلوا ً من التجويد الف ّني وصدق التعبري وحرارته. وابتدا ًء من سنوات السبعني ،ظهر جيل من الشعراء قدموا تجارب جديدة تولّدت عن وعي فكري وأيديولوجي أكرث منه آ ّين وعابر .من أولئك من بقي منترصا ً لنهجه التح ُّرري يف االلتزام بقضايا املجتمع املغريب الذي كان مي ّر بفرتة عصيبة بعد اشتداد سنوات الرصاص ،مبن فيهم محمد الوديع األسفي ومحمد الحبيب الفرقاين وسواهام .ومنهم من أخلص يف وعيه الشعري ،تحت الدعوة إىل أدب إسالمي، لتيّا ٍر بدا نابعاً بطبيعته من نزوعات الفكر اإلمياين والصويف، إذ يهت ّم بهموم األمة ويستسلهم تراثها اإلسالمي امليضء. وكان أغلب شعراء هذه التجربة ينحدرون من مدينة وجدة رشق املغرب ،وأه ّمهم :حسن األمراين ،ومحمد عيل الرباوي ،ومحمد بنعامرة ،ومحمد املنترص الريسوين وفريد
حسن األمراين
فريد األنصاري
ولعل من أه ّم خصائص قصائدهم ،عدا التزامها األنصاريّ . نظام الشطرين ،أنّها تستند عىل تص ُّو ٍر قيمي وأخالقي شامل ينبع من ثقافة إسالمية ،واعية ومتسامحة ومعتدلة ومتوازنة بني ما هو ذايت وجامعي ،وما هو دنيوي وأخروي .كام تتم ّيز ٍ بسامت فنية وجاملية تعتمد املشابهة والرتميز واإليحاء تسف إىل التهويم والضبابية والغموض. بدون أن ّ منذ سنوات الثامنني إىل بدايات األلفية الجديدة ،عرفت القصيدة العمودية باملغرب فرتات انتعاش وركود تبعاً لحضورها يف املشهد الشعري ،واهتامم املؤسسة األدبية وإعالمها بها ،ومدى فاعليّة ممثّليها يف السجال النقدي، وتأث ُّرهم بشعراء العمود املشارقة الكبار الذين طبقت شهرتهم األفاق وأعادوا االعتبار للقصيدة ،مبن فيهم محمد مهدي الجواهري ،ونزار قباين ،وسعيد عقل وعبد الله الربدوين .وأه ّم من مثّلوها خالل هذه الفرتة ،نذكر: محمد الطويب ،ومحمد بلحاج آية وارهام ،وأمينة املريني، ومصطفى الشليح ،ومحمد لقاح ،وإسمعاعيل زويريق، وعبد الجبار العلمي ،وحبيبة الصويف ،وعبد السالم بوحجر، والطاهر لكنيزي ،وأحمد البقيدي ،وبوعالم دخييس ،عبد الرحيم كنوان ،متثيالً ال حرصا ً .ومن جيل الشباب الذي به تسرت ّذ عافيتها اليوم ،نذكر :الطيب هلو ،وحليمة اإلسامعييل، ومصطفى ملح ،وموالي رشيد العلوي ،وصباح الديب ،وموالي الحسن الحسيني ،ومحمد العيايش ،وعبد العايل كويش، وميلود لقاح ،وأحمو الحسن األحمدي ،وخالد بودريف، ومحمد عريج ،متثيالً ال حرصا ً. واملتتبّع ملنجز القصيدة العمودية راهناً ،يجد أنّها تواصل استثامر معطيات الرتاث الشعري بنا ًء وبالغ ًة وتصويرا ً، بدون أن تقعد بها العادة عن انفتاح عىل العرص والتجديد يف لغتها وموضوعاتها وطريقة نظرها للذّات والعامل ،وربمّ ا استفادت ذلك من تقلُّب شعرائها بينها وبني قصيدة
issue (9)- February - 2013
39
ملف محمد لقاح
أمينة املريني
اسامعيل زويريق
التفعيلة يف الغالب ،أو بينهام وبني قصيدة النرث لدى قالت حامة وقد ملست جرا َحها: ُ بعضهم. م ّر الزمان وأنت عانٍ موث َق فمن جهة ،بدت اللغة الشعرية بسيطة ومتخفّفة من أو مل ي ْنئ لك أن تصاحب فتية صور املعجم والبالغة القدميني لدى كثريين ،كام خفت هم من سيرْ ها تتشق ُّق؟ أقدا ُم َ مواقفه الداعي املناسبايت إلاّ إذا كان ذريع ًة ليك يربز الشاعر بنت النواعري ارشيب ،واستوثقي وهمومه من الواقع السيايس الوطني والقومي الضاغط، إين بذلت دمي ،وعهدي موثِ ُق وخفتت معه النربة الخطابية التي كانت دامئاً ما تُصاحبه إنيّ أح ّبك ،لست أكت ُم أمرها يف مثل هذه املوضوعات كام لدى مصطفى الشليح ،وعبد ُ الرصيح امل ُعرقُ والحب أرشفه ُ ُّ السالم بوحجر ،وحسن األمراين الذي يقول يف قصيدة عن وك ّرس شعراء آخرون جزءا ً مهماّ ً من شعرهم للمديح النبوي السورية: «حامة» ،مدينة (النواعري) التي تف ّجرت منها الثورة الذي عرف به املغاربة منذ أيام القايض عياض؛ ومنهم بنت النواعري البه ّية أَ ْمطري الشاعر اسامعيل زويريق الذي عبرّ يف ديوانه «عىل النهج»، ٍ من نرجس منه الجنان تَفتَّ ُق بنفسه الشعري الطويل ،عن هذا املنحى ،منتهجاً فيه بنت النواعري امل ُنيفة أَبْرشي ومرتسامً خطى الشعراء القدامى من أمثال أسلوب املعارضة ّ ْنق ما بعد ليلك من ظالمٍ يخ ُ كعب بن زهري ،واإلمام البوصريي ،والبحرتي ،واملعري ،وابن من خ ّبأ التاريخ بني جوانحي النحوي .فقد عارض»بنات سعاد» لكعب بن زهري بقصيدة ْلق حتى تَغشّ باح املف ُ مطلعها: ّ انا الص ُ ِ أنيّ عاشق ومن الذي أنباك ٌ ْهيل بان َْت ُسعاد ،فَام لل ُح ْزن تمَ ُ وبِك ِّف ِه اليمنى تألألَ بَيرْ قُ ؟ منسجل والجسم َم ْه ُ زول ٌ ال ّد ْمع وعارض ميمية البوصريي بقصيدة مطلعها: يا شايكَ البانِ كَ ْم يف البَينْ ِم ْن َسقَمِ ؟ دافق األ لَمِ ساب لَ ْحناً َ شَ كْواك تَ ْن ُ يتوان شعراء المغرب عن لم َ وعارض سينية البحرتي بقصيدة مطلعها: اإلبداع في سبل الفكر واألدب، يجه ُر ال َبينْ ما تخفّف نفيس حتى أمكن للشعر المغربي فَسقاين كأْ َس الشَّ جا بعد كَأْ ِس سمع صوته، الحديث أن ي ُ ْ وعارض «املنفرجة» املنسوبة أليب الفضل يوسف بن محمد املعروف بابن النحوي بقصيدته «املرتجية» التي مطلعها : ويفرض حضوره بما وسعه إ ْن ضاقَ األ ْم ُر فَال تَ ِه ِج فَغدا ً قَ ْد يأيت بِالف َر ِج اإلمكان كام ارتقى املوضوع الشعري لدى بعضهم ليأخذ تَجل ٍ ّيات
40
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
القصيدة العمودية في المغرب
مصطفى ملح
روحية وأبعادا ً إرشاقية وصوفية مثلام الحال عند محمد عيل الرباوي ،إذ ترتقي الذات الشاعرة إىل ّ مصاف الرمز ،وهي الحب بقدرما تتش ّوف لالنطالق واالنعتاق تبتهل يف محراب ّ من مهوى الجسد .ففي أ ّول قصيدته «يا جارة الوادي» التي تت ّوزع أبياتها بني النمطني العمودي والتفعييل ،يقول بلغة تتقطّر ُح ّباً وإرشاقاً:
ّاك َيا َجا َر َة ا ْلواديُ ..ف ِتن ُْت ِب ْلح ِظ ِك الفت ِ يحـــــ ٍة َفتَّــــا َن ٍة إِ ّال ِك َو َس َلــــ ْو ُت ُك َّل َم ِل َ حى َو ِمنْ َد ِم ِه الزَّكيِ ِّ َس َق ِاك َب ْع ِدي أَ َت ِاك ُض ً يت ُك َّل َت َعا ُت ٍبَ ..و َن ِس ُ َفن َِس ُ يت ُك َّل َت َشاك َحتَّى َطـــــ َوى ُج ْر ٌح َع ِميقٌ ُم ْه َج ِتي َو َط َواك َما ليِ ُأ َكت ُِّم فيِ ا ْل ُف َؤا ِد هَ وىً َسماَ ِب َسماَ ِك َو َنوا ِف ِذي ْاش َت َع ْ َاك لت َعنَا ِد َل َغــــ َّرد َْت لِ َفت ِ هَ َذا ا ْل َفتَى َع َر َف ا ْل ُهدَى ُم ْذ َصا َر ِمنْ َق ْت َال ِك
ومع الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام والشاعرة أمينة املريني تبلغ اللغة درج ًة من الشفافية إذ تُعبرّ عن كنه الذات وتجوهرها يف عامل يُ َبنينه الخيال الصويف ومكاشفاته ،بقدرما ترتفع يف معاناتها مع الوجود وعامء أسامئه إىل الرغبة يف من مفارقة الجسد واالنغامر مباء املطلق وتش ّهياته. وتحت تأثري الواقع الشعري الجديد ،مال كث ٌري من شعراء العمود ،وال سيام من الشباب ،إىل االهتامم بالذات يف مستوياتها الوجدانية ،إ ْن بأسلوب يقرتب من الغنائية أو يرتفي إىل التعبريية الرمزية .فمثالً ،يتّخذ الشاعر موالي رشيد العلوي من غرض الغزل سانح ًة ليُعبرّ عن تجربة بأسلوب غنا ٍّيئ يستلهم الطبيعة ،فيام هو يجعل وجدانية ٍ يتحسسه بني دخائله امتدادا ً نق ّياً للوجود الذي الحب ّ ّ وأرساره ،ث ُ ّم ال يتخذ املرأة التي يشغف قلبه بها امرأ ًة فحسب ،بل أنثى املثال التي ت ّي َمتْهُ .يقول يف قصيدة
خالد بودريف
حليمة االسامعييل
«احتفال» من ديوانه «عرائس»: أرشق املاء يف عيون الغوانـي يف جام ٍل ،ورقّ ٍة ،وافتتــانِ وتهادى كأنـ ّـ ُه يف احتفـا ٍل ُمورق ال ُع ْرس ساح َر اإلرنانِ ينفثُ ال َه ْمس من جفونٍ تدل ّْت ٍ ناعسات عىل نعيـم الجنان عن بها ٍء يفيض بلــ ْونٍ بهي ٍج وتدانٍ ،وليتهـا مل تـ ُـدانِ هي شمـس ودوحـة وظـالل ومع ٌني ينسـاب بني املعانـي وهي أشهى من وشوشات خميل يف هيام مع انسياب األغانـي وكنت أهـ ْـالً لِ َو ْجد ٍ ت َّيمت ْـني ُ وقلتُ :روحي تَـراين فتدان َْت ُ مثل هذا األسلوب نجده يتك ّرر عند غري ٍ واحد م ّمن تأث ّروا باالتجاه الرومانيس ،فوقفوا بالشكل الشعري عند جانبه الغنايئ ،ومل يوفّقوا بعد يف استثامر الجانب الدرامي إال فيام ندر .وقد وجدنا نزوعاً يف هذا االتجاه لدى شعراء قد استفادوا من تقنيات الكتابة الجديدة التي تعاطوها بإيجابية ،وال س ّيام يف أبعادها التعبريية والرمزية التي تعيد بناء تص ُّورها للغة ودالالتها وتستثمر التناص التاريخي والديني ،مبن فيهم عبد السالم بوحجر ومصطفى ملح «الحب يل َخبرَ ٌ »..من والطيب هلو .يقول األخري يف قصيدته ّ ديوانه (هبيني وردا ً للنسيان): ْقيس ِ رص ُح الشِّ ْعر منتظ ٌر بَل ُ أنت و ْ ُمرو َر ِعطْ ٍر َسها عن َو ْرد ِه الظّمــأُ
issue (9)- February - 2013
41
ملف
خاص عرب الحلوي ّ ما نَكّس ال َقل ُْب ع ْرشاً ..ما طَوى زَمنا يكف عن أن ميهر قصيدته بأسلوب ّ ناك أَ ْر ُض قصيدي ..إنَّها َس َبأُ تنويع األوزان وعالقاتها اإليقاعية التي تأتّت من تذويت ً َع ْي ِ ملفوظاته خطابه إن ُمفردا ً أو جمعيّاً ،ومن تطوير آليات يح أَ ْملكها أنا ُسلَ ْيامن؟ ال ..ال ال ّر ُ النص ،والتنقّل بني االشتغال اللغوي والبالغي يف فضاء ّ قَصائدي َس َندي والْ ِج ُّن قَ ْد خ َِسئُوا األساليب الشعرية بعذوبة وسالسة .وأ ّما مضامني شعره فقد الطَ ْر ُف ُم ْنكسرِ ٌ ..ما ارت َّد ِم ْن َولَ ٍه تأرجحت بني أغراض معروفة من مدح ووصف ورثاء وغزل، وال ُع ْم ُر يَ ْرك ُُض ،واملِ ْنسا ُة تَ ْهرتِئُ وموضوعات حديثة ،كان يستلهمها من حياته وتجربته وإذا بدا املشهد الشعري املغريب اليوم تهيمن عليه وأحداث عرصه .يقول يف إحدى قصائده واصفاً الطبيعة يف قصيدتا النرث والتفعيلة عىل التوايل ،وقد حظيتا بحظوة فصل الربيع: اإلعالم واملصاحبات النقدية واصطفاف املريدين وإقبالهم حق ،فإ ّن قصيدة العمودية عرفت تراجعاً رشَ ـــــف الربيع مباسم األزهار بحق ٍوغري ّ عليهام ّ فتفتحت عن طيبها املِ ْعطا ِر وانحسارا ً ألسباب متن ّوعة نجملها بعضها يف رحيل ر ّوادها قت أكاممها عن جــــــ ّن ٍة تباعاً ،وتهميشها إعالم ّياً ،وتج ّني النظّامني الذين أفقروها من وتفتّ ْ خرضاء بني نَــضارة ونُـــــضا ِر روح اإلبداع ومنعوها من أن تحيى حيا ًة جديدة .مع ذلك، واألرض نَشْ وى يف مطارف َوشْ يِها وإىل أيّامنا هذه ،ال يزال شعراء القصيدة العمودية ،مبن فيهم من الجيل الجديد ،مخلصني لها ،ومنصتني لحضورهم تختال بني شقائق و َعـــــرا ِر يف التاريخ ،وإن جرت بالفعل مياه كثرية تحت نهر الشعر، سحت يداها الثّل َْج عن ربواتها َم ْ فتأثروا بذلك أيمَّ ا تأثري. مت بـــعامئم األزهـــا ِر وتع ّم ْ ر ّوى الغام ُم سهولها ومروجها محمد الحلوي آخر شعراء العمود الكبار ِ وسقى ال ُّرىب بصبيبه امل ْدرا ِر يُجمع دارسو الشعر املغريب عىل اعتبار محمد الحلوي ويف حنينه إىل مسقط رأسه فاس وذكرياته بها وعهده بوادي (2004-1922م) آخر الشعراء النيوـكالسيكيني الكبار، الجواهر ،يقول: كتابته ظل ،لعقود طويلة ،وف ّياً لالتجاه العمودي يف إذ ّ ذك ْرتُ به أيّا َم أُنْيس َو َص ْبويت الشعرية ،ومل يتأث ّر بدعوات تجديد الشكل الشعري التي رض وغ ُْصن شبايب ناع ٌم ج ّد نا ِ عارصها ،وإن كان مج ّددا ً يف موضوعاته ،ومواكباً لقضايا وقَلْبي بأطياف الجامل ُمولّ ٌه وطنه وأ ّمته يتغ ّنى بها ،ويقبل عليها بال هوادة .وكان يرى وكل جام ٍل يف الطبيع ِة آسرِ ي ُّ أن القصيدة العمودية هي مبثابة الشكل الشعري األكرث كام ُعرف عن شعره انرصافُ ُه إىل «الع ْر ِش ّيات» ،وهي مجموع أصالة ،ويرفض القول بأنّها تعادي التطور والتجديد .وبهذا القصائد التي قيلت ملناسبة االحتفال بجلوس امللك ،محمد املعنى ،وجد محمد بنيس الخامس ث ُّم الحسن الثاين من بعده ،عىل عرش املغرب؛ وقد يف ما كان يكتبه محمد كان يُض ّمنها حبّه لوطنه ،وافتخاره مبآثره وحضارته العريقة، الحلوي « ِجسرْ ا ً بني القديم ومنارصته ض ّد أعدائه ،ودعوته أبناءه لالتحاد عرباً وأمازيغ. والحديث بصوره الشعرية وال أعرف شاعرا ً مغرب ّياً تعلّق قلبه باملرشق ،وتفاعل مع الحديثة التي أبدع فيها». قضايا أ ّمته من الجزائر وفلسطني إىل لبنان والعراق ،مثلام من داخل التزامه صنع محمد الحلوي .يقول يف قصيدته «رصخة الجزائر»: بالقصيدة العمودية، فسل ال ُحسامــا أطلق النار أو ّ مل يكن الشاعر محمد ُه ْم أرادوا أن ال يق ّروا السالما محمد الحلوي 42
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
القصيدة العمودية في المغرب
فاســـ وا ْمتَ ِط األده َم املط ّهم أو ْ ـــــ ِر بِل ْي ٍل وعــــــــــــانقِ اآلكامــــا الغاب من زئريك كاللّ ْيث وامأل َ الهضاب واآلجـامـا يهـــــــــــــ ُّز َ وكان خطابه الشعري املسكون بآالم أ ّمته العربية يتخلّله شعور بالسخط والتذمر إزاء ما آل إليه الوضع العريب املزري ،ولك ّنه مل يكن يعدم روح التفاؤل: فتأ ّهبي يا أُ ّمتي ملسيــر ٍة أُخْرى مباركة الجهو ِد َوأَقْلِعي إنيّ آل ُم ُل بعد َع ْه ٍد ُمظْلمٍ يف فــــ ْج ِر يومٍ للــــعروبة ُم ْمتـِعِ عت فمتى يع ُّم األ ْم ُن ُدنْيا ُر ِّو ْ غيب عن َس ْمعي َهدي ُر امل َ ْدفَعِ؟ َويَ ُ ويرى بَ ُنو الدنيا سالماً عا ِدالً من بعد َع ْه ٍد باملـــــآيس ُمترْ َ ِع ويف قصيدة إليه حينام زار املغرب يف يونيو 1958م ،قال محمد الحلوي يُح ّيي عميد األدب العريب طه حسني ويرحب به أخاً كرمياً بني إخوانه عىل أرض فاس: حق عىل الشّ عر أن يُهدي عرائسه ٌّ واألدب تـــــــح ّي ًة لعميد الشعر ِ حق عىل الشّ عر أن يهدي قالئده ٌّ والعجب لصانع ال ُّد ِّر واإلبداع ِ مرحى بأكرمِ ض ْي ٍف زار إخوته بب الس ِ فوث َّق ال َر ِحم ال ُق ْدس ّية ّ إنّا بني ال ُع ْرب يف اآلالم يجمعنا ٍ ماض مجي ٌد وقرآ ٌن ودي ُن نَبي أبناء رابــــــطة ال يشء يفصلها ِفاس كم ْن يف مرص أو حل َِب فَ َم ْن ب َ جعلت أهدافنا هدفاً نوائب ْ ٌ وعلّمتْـــــنا انتزا َع ال ّنرص بالغل َِب وقد أعجب طه حسني بالقصيدة أيمّ ا إعجاب حتّى قال: «إنني مل أسمع مثل هذا الشعر يف الرشق العريب ،وال بعد أن َو ِطئَ ْت قدماي أرض املغرب» .إىل جانب ما يزخر به شعره من بعد وطني وقومي ،كانت الوظيفة اإلصالحية ال
تغيب عنه ،بحكم تشبُّعه بالفكر الديني اإلصالحي ،فكان يف كثري من قصائده ينتقد علل املجتمع البرشي وسلوكيّاته وتخل عن واجب األخ ّوة والشعور باملسؤولية، من انحالل ٍّ مثلام يدافع عن املحرومني الذين رمت بهم الفاقة إىل الجادات ،بقدر دفاعه عن املرأة وحقّها يف التعليم واملساواة مع الرجل: ٍ ال تغمطوا ب ْن َت ح ّواء مواهبَها فإنّها كالفتى ُروحـــاً َو ِو ْجدانا ّيت ت ِر ُد العلم الذي حرمت لو ُخل ْ ألغْدق َْت َغيْثها يف ال ّن ْشء َهتّانا ـــــب يُناوِئها َو ْ الستَنار بِها ش ْع ٌ وضاقَ عنها فضا ُء ال ِعلْم ميدانا وإن تَرك َْت رشو َر ال َج ْهل تركبها أعددتَ منها لهذا الشّ ْعب شيطانا ويف اعتقادي ،لقد حقّق الشاعر محمد الحلوي ،باقتدار شاعريّته وامتالكه ناصية اللغة والعروض وباعه فيهام ،ما مل يُحقّق غريه من شعراء القصيدة العمودية باملغرب عرب عصورها الطويلة. ولد محمد الحلوي بفاس يف العام 1922م ،ونشأ يف أرسة محافظة كان لها أكرب األثر يف توجيهه وتكوينه .تلقى تعليمه االبتدايئ باملدارس الحرة التي أنشأتها الحركة الوطنية ،وتابع دراسته بجامعتها «القرويني» حتى حصل منها عىل شهادة العالِم ّية ،ليلج بعد ذلك سلك التدريس ،حيث عمل أستاذا ً ٍ لسنوات ع ّدة إىل حني تقاعده وتف ُّرغه للتأليف للغة العربية وقرض الشعر .وارتبط جزء مه ّم من نشاط الشاعر األديب والفكري والسيايس ،إبّان األربعينيات والخمسينيات من القرن الفائت ،بالحركة السلفية التي تح ّولت ،بوازع وطني issue (9)- February - 2013
43
ملف
وديني ،إىل حرك ٍة ُمقاوِم ٍة لالستعامر الفرنيس ،وقد تع ّرض للسجن بسبب هذا النشاط .ومماّ تركه من شعر يكشف لنا عن قيمته وأصالته ،ونجده مبثوثاً يف دواوينه «أنغام وأصداء» ( ،)1965و»شموع» ( ،)1988و»أوراق الخريف» ( .)1996عدا كتابه مرشح ّيته «أنوال» ،و»معجم الفصحى يف العامية املغربية» ( ،)1988ومقاالت كثرية ته ّم املجال األديب مل تكن تخلو من سجال ،نرش معظمها يف جريدة «العلم» املغربية .ونال جوائز شعرية كثرية كان آخرها جائزة اإلبداع الشعري من مؤسسة عبد العزيز سعود البابطني لإلبداع الشعري عام 1990م .انتقل الشاعر إىل جوار ربِّه صباح يوم الجمعة 24دجنرب 2004م بـ»مرتيل» أحد ضواحي تطوان (شامل املغرب) ،وذلك عن عمر يناهز الثانية والثامنني ،بعد ما ينيف عن خمسة عقود من اإلقامة يف محراب الشعر صادحاً وشاهدا ً ،أي من أواخر عقد األربعين ّيات حتى آخر قصيدة بعنوان «الفاجعة» ،كان ألقاها يف رثاء املغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،بالعاصمة الرباط يوم األربعاء 22دجنرب 2004م ،وذلك قبل يومني من رحيله. ومماّ قال يف رثاء الشيخ زايد عىل نحو يوحي بصدق العاطفة وشبوب املوقف النفيس وتلقائ ّيته: َدهى اإلمارات ر ْز ٌء َر َّوع العربا ور ّج ٌة َما َد منها الشرّ ْقُ واضْ طَـربا طَوى ال ّر َدى عرب ّياً يف شامئل ِه وح َصبا ٌ نبل ويف خلق ِه املحمو ِد ُر ُ كانت مالح ُم ُه وقائدا ً ُملْهامً ْ َم ْجدا ً بنا ُه عىل التوحيد فانْتَصبا وافىَ اإلمارات أشْ تاتاً فَو َّحدها غرقت يف خلقها ِحقَبا من بعدما ْ وواصل الجهد يف ع ْزمٍ ويف ثق ٍة َ يبني ويرف ُع يف أَ ْرجائها ال ُّن ُصبا حتى غدتْ يف بالد العرب شا َمتَها وكَوكباً يتح ّدى نو ُر ُه الشُّ ُهبا صاح ال ُّنعا ُة فَه َّد ال ُح ْز ُن َم ْن سمعوا َ ص ْوتَ ال ّنعاة وظ ُّنوا ن ْع َي ُهم ْك َِذبا أيُفْق ُد ال َب ْد ُر يف ليال َء ُمظْلم ٍة اصطَخبا وأ ّم ُة ال ُع ْرب يف بح ٍر ق َِد ْ 44
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
من يبْ ِك زايد بَىك يف شخصه َر ُج ًال وح إِبا ال كال ِّرجال َصفا قَلْباً َو ُر َ يا حامل ال ّن ْعش ال تُسرْ ْع فإ ّن ب ِه قلوب ش ْع ٍب إذا ح ّركْتَها انْتَحبا َ
قصيدة الز َّجل ..من امللحون إىل الكتايب .1
عىل إثر املوشَّ ح ،ظهر ال ّز َجل الذي ُص ِّنف ،إىل جانب املواليا والقوما والكان وكان ،ضمن ماس َّموه علامؤنا القدماء الفنون الشعرية امللحونة أو غري امل ُ ْع َربة ،وهي ٌ أشكال من النظم الشعري مل يلتزم أصحابُ ُه فيه ب ُنظُم اللغة الفصحى املعيارية وقواعدها الرتكيبيّة ،وإن كانوا أدمجوها يف قوالب متن ّوعة من البناء من حيث كرثة عدد األقسام وأشطار وحداتها املنظومة ،ومن حيث التن ّوع يف التقسيم املوسيقي لعنارصها املتوازية .ومل يكن النظم يف الزجل دليل َع ْج ٍز من شعراء العا ّمية ،بل نظموه عن موهبة واقتدار عىل القول فيه ،حتى أ ّن منهم من كان ينظم القريض واملوشّ ح نفسه .وكان أبو بكر بن قزمان (ت 554هـ) إمام الز ّجالني باألندلس ،وهو الذي اخرتع الزجل ،وجعل إعرابه لحنه ،فامتَ ّدت إليه األيدي ،وعقدت رص عليه .وقد سبق البن خلدون أن ذكر أ ّن املغاربة الخنا ُ استحدثوا نوعاً جديدا ً مزدوجاً س ّموه «عروض البلد» ث ُ ّم جعلوا منه أنواعاً أخرى س ّموها املزدوج ،والكازي، وامللعبة ،والغزل .إلاّ أ ّن املشهور عند املغاربة من هذه األنواع هو شعر امللحون الذي طبقت شهرته اآلفاق بأرض
القصيدة العمودية في المغرب
لم يكن النظم في الزجل ع ْج ٍز من شعراء العا ّمية، دليل َ بل نظموه عن موهبة واقتدار على القول فيه ،حتى أن منهم من كان ينظم ّ ّ والموشح نفسه القريض املغارب ،ومل يجد ما يوازيه يف عمل الرعيل األول من الدارسني.
.2
امللحون هو نَ ْو ٌع شعر ٌّي غري معرب ،بعضهم يرى أنّه شتق من اللحن الذي يُفيد الخطأ اللغوي بوصفه من ُم ٌّ النظم غري املعرب ،فكان املغاربة يستعملون امللحون يف مقابل املعرب ،وبعضهم رأى يف اللحن إىل ما يُفيد التلحني كل يشء كام والتنغيم بوصفه يُ ْنظم ليك يُتغذّى به قبل ّ أشار إليه محمد الفايس يف مقاالته الرائدة عن امللحون، ويحتمل املعنى عند البعض اآلخر الوجهني معاً ،فهو إ ّما سمي بذلك الرتكاب الشعراء الشعبيني أخطاء نحوية ،أي أنهم ابتعدوا عن الفصيح للغة العربية وأصولها ،وإما أنه سمي بذلك لتغني الشعراء الشعبيني به .وتشري املصادر إىل أن أول بواكريه قد ظهرت يف عرص املوحدين ،أي يف القرن السابع للهجرة ،وتط ّور عن ف ّن الزجل يف إطار التح ُّرر من أعاريض النظام الخلييل ورصامة الفصحى وأصولهاُ ،موجدا ً لنفسه مقاييس إيقاعية تكون قادرة عىل تحقيق املالءمة بني الشعر واللحن. لقد كانت للمغاربة تفعيالت خاصة يزنون بها أشعارهم أساسها النغم واإليقاع يطلقون عليها «الرصوف» وهي نوعان «الدندنة» و»مايل مايل» .ونظروا إىل العروض كل بحر من كمجموع ٍة من القياسات (=امليازين) داخل ِّ البحور (= ملر ّمات) ،وأشهرها عندهم :املبيت ،ومكسور الجناح ،واملشتب ،والسويس أو املزلوك ،فيام اكتشف محمد الفايس منطاً خامساً هو الذكر .وتربز هذه األمناط من شعر
امللحون ،الذي كان أغلبه شعرا ً شفويّاً عىل أفواه ال ُحفّاظ، إيقاعي ميتزج فيه ما هو جام ّيل ـ تصويري مبا هو عن ثرا ٍء ٍّ موسيقي عىل ن ْح ٍو خلاّ ق ،بعد أن اكتملت الصورة الفنية لقصيدة امللحون ،وهو ما مل يت َّم الكشف عنه إلاّ حديثاً عند بعض الدارسني الجدد لهذا الف ّن الشعري بالغ الرثاء وذائع الشبق ،مبن فيهم الباحث والز ّجال محمد الراشق الذي قال إ ّن القصيدة قد سلكت «نفس النهج الذي ابتدأت به قصيدة الشعر املعرب القدمية ،خصوصاً يف الجانب الشكيل املتعلّق بهندسة الفضاء وتشكيله» .مل تعدم قصيدة بحب منشديها ،آليات امللحون ،عدا موسيقاها الغامرة ّ الحيك والحوار والتشخيص الرمزي والكنايئ الذي يكرس رتابة النظم وهو يرفد من خيا ٍل سمح ورقراق يز ِّوج رؤية القلب لصفاء التجربة الروحية ،يف مثل نصوص املديح كل من عبد القادر والتوسل والغزل والتص ُّوف لدى ّ النبوي ُّ العلمي ،وعبد العزيز املغراوي ،ومحمد الحراق ،وأحمد بن عبد القادر التستاويت ،والشيخ الجياليل امثريد ،والتهامي املدغري ،والحاج أحمد الغرابيل ،ومحمد بن سليامن، والفلوس ،وابن عيل صاحب «الشمعة» ذائعة الصيت. كام احتفظت لنا كنانيش امللحون عرب قصائده ورساباته ورباعياته ،ومن خالل ما نقلته ذاكرة «الحفَّاظ» من جيل الغني إىل جيل ،بذلك الرصيد الهائل من موروثنا الشعبي ّ والجدير باملكرمة واإلعجاب ،إىل ح ّد أن صارت قصيدة امللحون مصدرا ً أو رافدا ً فريدا ً للكتابة التاريخية ،ييضء نزرا ً ال يستهان به من الوثائق واملراسالت املخزنية وآداب املناقب والنوازل والرحالت واملسكوكات والنقيشات issue (9)- February - 2013
45
ملف
واللقى األثرية؛ ويكفي أن يطّلع املرء ـ متثيالً ال حرصا ً ـ عىل «معلمة امللحون» لصاحبها محمد الفايس ،أو عىل «القصيدة» لعباس الجراري ،أو «امللحون املغريب» ألحمد سهوم ،أو «الزجل املغريب امللحون بني اإلنشاد والتدوين» لعبد الرحامن امللحوين ،ليكتشف قوة انتشار ف ّن امللحون، وقيمة الفوائد املبثوثة فيه قلباً وقالباً ،واتساعه يف الزمان واملكان ،إذ لوال ذلك جميعاً ملا خرج من تافياللت لتع ّم روحه اآلرسة ،فيام بعد ،حوارض املغرب الكربى التي بخواص طابعها الثقايف والروحي ،مبا يف ذلك استمزجته ّ حوارض تارودانت ،ومراكش ،والجديدة ،وأسفي ،وتطوان، ووجدة ،وسال ،ومكناس ،وزرهون وفاس .أي يف الحوارض التي تنشط فيها الصناعة التقليدية ،حيث معظم شعراء امللحون ومشايخه هم من أهل الحرف والصناعات. ولكم كان ُمؤثِّرا ً ومتطلَّباً يف آن ،أن تستلهم الفنون الحديثة ،مثل املرسح والتشكيل والرسد والغناء ،ف ّن امللحون وجامليّاته ،وأن يتواصل االحتفاء الشعائري به يف أشكا ٍل حميمة تتّشح بأصوات املح ّبة التي تقدم إلينا من بعيد .لقد كان امللحون ،بتعبري محمد الفايس« ،ديوان بحق؛ فلم يرتاجع ،يف أ ّي وقت، ّ املغرب وسجل حضارته» ّ الس ْمحة. عن إرضاء َذ ْوق املغاربة العا ّم وروحهم ّ
46
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
.3
مل يكن جارياً أن يد ّون شعراء امللحون قصائدهم ،أو ظل ثقافة كانت تطبعها القيم يوصوا بتدوينها ،وذلك يف ّ الشفاهية؛ بل إنّهم كانوا يستهجنون كتابة «القصايد»، ويُحبّذون تداولها الشفوي واملغنى عىل اعتبار أن التدوين يشوهها ويفقدها حالوتها وصدقها وغنائ ّيتها ،ألنّه باختالف النساخ ما يُح ّرف املعاين عن الرسم الذي قد يقع فيها ّ أصولها ودالالتها املقصودة ،وبالتايل يُع ّرض القصيدة لعدة تغيريات يف مضمونها أو بنيتها العامة .إلاّ أنّه مع الوقت، َوبِداعي ضبط اإليقاع وأقيسته ،تَولّد لدى املهت ّمني الحرص عىل تدوين القصائد مماّ قد يلزم املنشد بعدم الخروج عن األوزان التي وضعها شاعر امللحون لها .وكانت تُد َّون إ ّما يف الكنانيش والكراسات أو عىل جلود مدبوغة أو أوراق من نوع خاص قريب إىل ورق الربدي .ولقرونٍ طويلة ،ظل ّْت قصائد امللحون تُ ْنشد ويُتغ ّنى بها يف مناسبات مخصوصة، ظل شعراء امللحون يقرضون عائلية ووطنية ودينية .كام ّ الزجل ويل ّحون عىل بعده الغنايئ الذي يستنطقون به ذاكرة الثقافة الشفوية يف مختلف مصادرها ونزوعاتها .ومل يصدر أ ّول ديوان من شعر الزجل ،إسوة بنظريه الفصيح ،إلاّ يف أواسط السبعينيات من القرن الفائت ،بعنوان «رياح ..التي ستأيت» للشاعر الز ّجال أحمد ملسيح ،ث ُ ّم تلَتْ ُه دواوين أخرى لز ّجالني من أمثال حسني الوزاين ،ومصطفى أرزوزي ،وأحمد جاوي ،والعريب باطام ،وحسن املفتي ،وفاطمة شبشوب، ومراد القادري ،وإدريس املسناوي ،محمد الراشق ونهاد بنعكيدا ،ومحمد اجنياح وسواهم ،إىل أن زاد عدد املجاميع الشعرية الزجلية عن الثالمثئة .كان ذلك الطّ ْور إيذاناً بتدشني عهد جديد من تاريخ الزجل املغريب ،إذ سيقطع مع شفاهيّته وغنائيّته ،وينحو إىل استثامر تقنيّات الكتابة الشعرية الحديثة بنا ًء وتصويرا ً ورؤية ،وهو ما قد أكسبه الغنى والتع ّدد يف املفاهيم والحساسيات والرؤى ،عامالً عىل تفجري الطاقة التعبريية للعامية املغربية ٬ومنخرطاً ـ بق ّوة مبدعيه وخيارهم الجاميل ـ يف األفق الشعري املشرتك الذي تصدح به ألسن الشعر املغريب املختلفة (الفصيح ،األمازيغي والحساين) .ولقد بدا للجميع أن الزجل ف ّن شعر ٌّي أصيل ،وال يقل قيم ًة عن غريه يف اإلفصاح عن ُهويّته ،وتسمية حداثته، ّ ووسم زمن ّيته الخاصة ،هنا واآلن.
القصيدة العمودية في المغرب سؤال القديم والجديد تختلف اآلراء حول حضور القصيدة العمودية وفرص بقائها في عصر طغت فيه عوامل كثيرة ،أدت إلى طرح مشاريع بعيدة عن التراث ومتخففة منه .وفي المغرب العربي ظل السؤال عن النتاج الشعري الجديد وهويته ،بعد أن بقيت فئة منه تخلص لتراثها وأخرى تواكب الحداثة.
issue (9)- February - 2013
47
ملف
حضور التاريخ فحسب ً لماما ،وهذا شأنها ليس في المغرب وحده فحسب ،ففي غياب شبه مطلق للقصيدة العمودية إال ٌ هناك
تاريخي ًا ،تعاني القصيدة ما تعانيه عندنا .فالقصيدة العمودية منذ الخليج العربي الذي يع ّد المعين لها ّ نشأتها ارتبطت بمناخ القبيلة ،واستمرت مرتبطة بهذا المناخ حتى في تاريخ المدينة ،إذ ظلت لغة السيف والخيل ،ولغة المدح ،ولغة الفخر في نسيجها ومخيالها إلى اآلن .أعتقد أننا في تاريخنا الراهن
ّ ً ً كثيرا عن تاريخ القبيلة ،والقصيدة العمودية بدورها ابتعدت عن مُ كثيرا؛ وبالتالي تطلباته قد ابتعدنا
ً وتاليا بعض اآلراء حول هذا الموضوع. فحضورها اآلن هو فقط حضور التاريخ ،وليس حضور اللحظة،
أحمد بلحاج آية وارهام
أحمد بلحاج آية وارهام
تقنيات جديدة يف السنوات األخرية أعاد الشعراء القصيدة العمودية إىل املشهد الشعري بتقنيات جديدة يف اللغة واألسلوب والتخييل ،ويف جامليات الصور وطرق اإلبداالت الوريفة ضفافها باملدهش الكثيف الذي يقرب عواملها من عوامل قصيدة النرث السبّاقة إىل هذه الفتوحات.
عبـد القادر وساط
ّ النظامون أفسدوا القصيدة إ ّن القصيدة العمودية يف املغرب قد ارتبطت لألسف بـ»الرسميات» ،ومبا كان ينظمه النظامون خالل العقود املاضية من كالم موزون ومقفى ولكنه عديم الوزن من املنظور الشعري و الجاميل ...ال تزال هناك « ُمخلّفات» لهذا الوضع ،نجدها يف املقررات الدراسية التي متتلئ بهذه «القصائد» التي مي ُّجها الذوق .وكم أشعر بالرثاء البنتي وهي تحفظ اضطرارا ً مثل هذه القصائد ...إنّه أم ٌر يبعث عىل الحزن يا صديقي ،حني ترى طفلتك تحفظ كالماً يبلد الحس ويقيض عىل الذوق الفني ...ال أقول إن القصيدة العمودية مل تعد تتالءم مع العرص،كال .أقول فقط إن النظّامني الذين ينتهكون حرمتها ال ميتلكون األداة الفنية الرضورية لذلك..
48
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
عبدالقادر وساط
القصيدة العمودية في المغرب
أحمد بنميمون
أحمد بنميمون
اعرف القاعدة ثم ّ حطمها تراجعت القصيدة العمودية بالفعل ،لكن ليس بسبب التجاوز والتخطي اإلبداعيني ،وإمنا بسبب جهل كثريين بالعروض العريب ،وانقطاع صلتهم بالرتاث ،إذ بدأوا الكتابة مقتدين بنامذج ظهرت يف الخمسني سنة األخرية عىل األكرث، ومل يكن تجاوز هؤالء كتجاوز السياب وكل الشعراء الرواد منذ األربعينات لنظام البيت الشعري ذي الشطرين ،والذين كان قد اجتمع يف شعرهم شكالن كانا بتعبري أدونيس: أحدهام ينتهي واآلخر يبدأ وينهض ،والحقيقية أنه مل يكن يف ذلك خ ٌري للقصيدة املغربية ،التي عرفت تزاحم كثري من غري املوهوبني شعرياً ،وإن كانوا موهوبني يف ميادين أخرى.أنا مع مبدأ «اعرف القاعدة ثم حطمها» ،والذين يعلنون الحرب عىل الشكل التقليدي ال يعرفونه ومل يخربوه ،وللشاعر اللبناين امل ُجيد محمد عيل شمس الدين رأي وجيه يف مسألة طغيان قصيدة النرث يف لبنان ،حيث ربط انتشار كتابة الشعر بالنرث ـ آنذاك ـ بإغالق املدارس يف لبنان يف فرتة الحرب األهلية بني ( 1975ـ .)1989ويف املغرب ال يخفى ما يعانيه األساتذة يف تدريس مادة العروض ،إذ أن معظمهم يعتربونها جداول غامضة ،فمن ث ّم هم يهجرونها وال يدرسونها كام يجب ،فال بأس إن رأينا يف سيادة الكتابة النرثية تجلّياً من تجليات هذه األزمة ،يف انعكاسها عىل كتاباتنا الشعرية. إن يف نعي العروض العريب الكثري مام يثري األسف ،إذ أ ّن هناك حرباً حقيقية عليه ،تجلت يف ظهور جبهات تحارب من طرف واحد ،وكأنها عندي تنعي الرتاث العريب ،وتقرتح
أعالماً جددا ً وظواهر مستحدثة ،وعالمات ينبغي عىل الشعراء االهتداء بها ،بعد أن قطعوا مع تاريخنا العريب. وإال فكيف ميكن أن نفرس دعوات يف املرشق واملغرب إىل مؤمترات لقصيدة النرث!؟ كنت من األوائل الذين كتبوا قصيدة النرث يف املغرب ،وجزء كبري من شعري يقع فيها، ومع ذلك فإن مثل هذه الدعوات تثري اشمئزازي ،خاصة وأنني أعرف أن وراء األكمة ما وراءها ،من محاوالت تصفية حساب مع الثقافة العربية ،بحجة الحداثة وما بعد الحداثة وما يشبه ذلك من دعوات إن كان لها معنى يف الغرب ألنّها تعرب عن حارض ثقافته ،فهي بالنسبة لنا غري ذات موضوع، إال أن يكون مؤامرة عىل الذات ،تحاول هدماً بدون أن جديدة.أنت تعرف يا صديقي أن كثريين ممن تقرتح بنى َ يكتبون شعرا ً هذه األيام تنقصهم املعرفة الالزمة باللغة وعلومها ،فكيف ميكن لرجل ال يعرف اللغة إال معرفة خفيفة سطحية أن يجدد فيها، أحرى أن يصل إىل مستوى إدراك عبقريتها ،أو اقرتاح إن في نعي العروض جديد يف أساليبها .وكيف تفهم العربي الكثير مما أن شعراء «النثرية» عندنا إمنا أن إذ األسف، يثير ّ ينطلقون من املاغوط وأنيس الحاج وما خلفته مجلة شعر هناك حرب ًا حقيقية اللبنانية من تراث يف هذا عليه ،تجلت في الباب ،يف أحسن األحوال ،وإال ظهور جبهات تحارب فإن نصوصهم املؤسسة هي ما من طرف واحد اب قصيدة النرث يف وضعه كتَّ ُ ربع القرن األخري .وإنيّ ألذكر مع هذا عنوان إحدى الروايات «حادثة ربع مرت» فأضحك ضحكا م ّرا ً شديد السواد .ممن ضاقت ثقافته ،فضاقت لذلك عطنه وآفاقه. ليكن مبدؤنا معرفة كل يشء ،و»قتل القديم ...فهامً» ،وأال نقول بأن هناك شكالً عنده تنتهي كل األشكال .وأحب أن انتهي مبقولة لصديقي الشاعر محمد بنيس جاءت يف جواب له عىل سؤالني وجهتهام إليه مع مجموعة من الشعراء مجلة «املعرفة السورية» ،عدد نوفمرب سنة 1979م ،يف استجواب من إعداد عبد الله ألبو هيف« :إنني ال أبدأ القصيدة ألنتهي ،ولكنني دامئاً أنتهي ألبدأ». issue (9)- February - 2013
49
ملف
مصطفى الشليح
َو ْهم انتهاء القصيدة الكالسيكية شكل مح ّددا ً للشعر .هي الكتابة ،يف أعتقد ،بدءا ً ،أن ال َ عنفوان هيئتها ،تأيت القتناص لحظة كونية .لحظة الكتابة تأيت من خارج الضابط النوعي لتخيرُّ شكلٍ ُمعينّ ٍ سلفا. تق ُد ُم آليات استثامر شكل شعري ما من الكالم املستقل عن التقعيد إبان االنغامر الشعري. لكل شعر كالمه ،ولكل كتابة شعرية نف ٌَس كالمي خاص. ال يتشابه شاعران ،وال تتامثل قصيدتان لشاعر واحد. تلك اللحظة ،لحظة نداء الشعر للشعر ،تدفع عنها تخري االنخراط يف إجراء بالغي دون آخر. بالغة اللحظة ،أو حدس اللحظة بلغة باشالر ،ترصف عن الشاعر تدبر التخطيطات النقدية للفعل الشعري ،فال تذكرة إال بها ،وبانْوِجاد الذات واملعنى يف الذهاب إىل العامل . بذلك هل يتأىت السؤال عن شكل للكتابة الشعرية؟ سبق يل ٌ قول ،منذ عقدين يف كتايب «يف بالغة القصيدة املغربية» :واه ٌم من ميتلكه سعي إىل انتهاء القصيدة الكالسيكية، وقلت إ َّن لها عنقاءها ورمادها الخاصني ،وأن تاريخ الشعر العريب سلسلة من التحوالت الكتابية املتدافعة املتصارعة دومنا إلغاء بعض منها بعضا آخر. يتعذر زع ٌم بكون شكلٍ كتا ٍّيب خالصا إىل االنقراض ،ألن للتاريخ دورته ،وألن الثقايف من ذلك التاريخ ،وألن الشعري 50
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
كتابي شكل زعم بكون يتعذر ٌ ٍّ ٍ خالصا إلى االنقراض ،ألن للتاريخ دورته ،وألن الثقافي من ذلك التاريخ ،وألن الشعري منتسب إلى الثقافي إفرادا بصيغة الجمع.
منتسب إىل الثقايف إفرادا بصيغة الجمع. تنفض القصيدة الكالسيكية عنها البىل التصوري للعبة الكتابة ،فالشعراء الذين يقرتفونها قادمون من جغرافيات ثقافية تصل الرتايث بالحدايث ،ولعلها أن تقرأ الحدايث يف ضوء الرتايث ،والشعراء املاشون إليها ،عىل ماء املطلق الثقايف الذي ال يكتفي باآلداب وحدها بل يسافر إىل لهب معريف ال متناه ليقبس منه جذواته ،يصدرون عن سعة املقرتحات اإلبداعية األخرى ،فيكون الورود إىل التشكيل البنايئ للقصيدة عىل غري مـا سبق .ومن هنا شذرة من رسها الراهن ويشء من أسباب نزولها إىل املشهد الشعري املغريب /العريب بانفالت إىل املدهش.
القصيدة العمودية في المغرب
مصطفى الشليح
الطيب هلو
الوضع الملتبس إ ّن الحديث عن القصيدة العمودية اآلن يفرض حديثاً عن وضع الشعر عموما .فالشعر املغريب عىل مستوى اإلنتاج تهيمن عليه قصيدة النرث كام يتصورها مرتكبوها ،وليس باملفهوم النقدي الحقيقي لها؛ ألن التصور السائد هو التصور العامي بأ ّن كل ما خال من الوزن فهو قصيدة نرث، تليها القصيدة التفعيلية التي ال يزال الشعراء يقرتفونها بجدية ورؤية ،ثم القصيدة العمودية التي يبدعها إما شعراء متخصصون فيها ال يحيدون عنها إىل النمطني اآلخرين ،أو يرشكون معها قصيدة التفعيلة أحياناً ،وهم إما شعراء متمرسون بها من جيل السبعينيات كإسامعيل زويريق وأحمد بلحاج آيت وارهام ومحمد لقاح ومحمد عيل الرباوي ...أو بعض من جاء بعدهم كمحمد العيايش وميلود لقاح وخالد بودريف ....أو جيل الشباب الذي يف الغالب «ينتجها» من باب التقليد وقصد إثبات جدارته الشعرية ،وتأيت غالباً عىل شكل معارضات .لكن ذلك ال مينع من وجود شعراء جدد يكتبونها ويجددون خاصاً يدفع عنها تهمة التقليدية فيها ومينحونها جامالً ّ والعقم .وقد ترشفت هذه األيام بوضع تقديم لديوان «هديل السحر» للشاعر بوعالم دخييس وجله من الشعر العمودي الجميل.
الطيب هلو
هذا التشخيص يجعلني أقول إن القصيدة العمودية تعيش وضعاً ملتبساً ،فأحياناً تتوارى وتنحرس حتى ننتظر إعالن وفاتها ،وأحياناً نراها تنتعش عند شعراء جدد فنقول إنها تنتعش مجددا وتنهض من رمادها خاصة يف األحداث القومية .ولعل أكرب عوامل انحسارها النظرة النقدية التي تتهمها بالعقم وتسخر من شعرائها والنظرة التبشريية املرافقة لقصيدة النرث باعتبارها قصيدة املستقبل والشكل األوحد للكتابة املعارصة.
إن القصيدة العمودية تعيش وضع ًا ملتبس ًا، فأحيان ًا تتوارى وتنحسر حتى ننتظر إعالن وفاتها، وأحيان ًا نراها تنتعش عند شعراء جدد
issue (9)- February - 2013
51
ملف
محمد عيل الرباوي
بعد برنامج «أمير الشعراء» ظهر شعراء مغاربة شباب يكتبون هذه القصيدة بجمالية تنافس جمالية النماذج الجيدة المنجزة في إطار القصيدة الحرة خاصة.
محمد عيل الرباوي
القصيدة العمودية تسترد مكانتها أرى أن الحديث عن هذه املسألة هو حديث مرتبط بالرصاع املفتعل بني أنصار هذا الشكل وذاك .مل يحدث مثل هذا يف تراثنا ،حيث تعايشت كل األشكال من قصيدة إىل مسمط إىل مزدوج إىل موشح يف مرحلة الحقة .ومثل هذا التعايش كان يف الثقافة الشعرية الفرنسية ،حيث عاشت Les Formes Fixesجنباً إىل جنب .حني ظهرت القصيدة الحرة يف عاملنا العريب أراد أصحابها أن يعطوها املرشوعية عن طريق وصف القصيدة «ما يسمى بالشعر العمودي» بالتخلف معتمدين عىل ضعيف ما أنجز فيها. والحق أن الشعر يف كل أشكاله فيه الجيد وفيه الرديء. ّ والجودة والرداءة ليستا مرتبطتني بالشكل بل بالشاعر. يف املغرب األقىص نهضة شعرية كبرية يحرض فيها ثالثة أشكال: قصيدة النرث وهي منط شعري مستحدث يكاد يحرض بقوة يف منجز الشباب ،أغلب ما أنجز بهذا النمط ضعيف ألن هذا النمط أصعب األشكال الشعرية لكن هذا مل مينع من أن نقرأ نصوص منه جيدة لكنها قليلة.
52
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
القصيدة الحرة ،التي خرجت من رحم القصيدة حيث إنها تعتمد العروض يف بنائها املوسيقي .أعطت نَفَساً جديدا ً للتجربة الشعرية املغربية ،فيها أيضا الجيد وفيها الرديء . أما القصيدة فوصلت إىل طريق مسدود نظرا ً لكون من كان ميارسها كانوا متورطني يف صناعة قصائد «مناسباتية». لكن منذ سنوات الثامنني إىل يومنا هذا عرفت القصيدة (أي الشعر العمودي ) ميالدها الثاين مستفيدة من لغة العرص الجديدة ،أستحرض بهذه املناسبة املرحوم محمد الطويب .وأضيف إىل الطويب حسن األمراين وآية وارهام وأمينة املريني ومصطفى الشليح.. عندي أن لنزار قباين ولسعيد عقل وأرضابهام دورا يف هذا. وبعد برنامج «أمري الشعراء» ظهر شعراء مغاربة شباب يكتبون هذه القصيدة بجاملية تنافس جاملية النامذج الجيدة املنجزة يف إطار القصيدة الحرة خاصة .لكن هؤالء الشعراء وقفوا بهذا الشكل عند جانبه الغنايئ ،ومل يوفّقوا بعد يف استثامر الجانب الدرامي املستثمر بنجاح يف النامذج الجيدة من القصيدة الحرة .ومع ذلك أحس من خالل ما أقرأ لبعض الشباب أن القصيدة ستسرتد مكانتها
نصوص مغربية
فون أعلى َ .. الواق ُ م وثبُوا!! ك ْ
مصطفى الشليح َ .. يقتـرب ً إىل معنـاك كأ نََّ و قْتا ُ َ حتقب الليل ُ معطفك ا لسرِّ ُّي ُ .. م ٌ والليل كهف َُك .. تنساه .. وتسلبُه ُ .. تهش بهـا ُّ والليل كف َُّك بيضا ٌء ُ َ رؤيـاك أنج َمـه يقطف م ْن الليل ُ ُ رؤياي يل ،وتآوييل .. سأحملهـا َ أنا املساف ُر يف ذاتـي .. ألعرفنـي أنا املقام ُر يب .. حرفا ألكشفنـي ال يش َء يف لغتي إال أتـى زمنـي وهذي خيمتي وقفـت أنا العمو ُد ْ ـت بناظرهـا ك ْم خيم ٍة يل إذا ه َّم ْ أشب قافية جذلـى .. وخطو ت ُهـا ُّ .أشيائـي األولـى تحدثنـي أخب ُّ َ َ هناك .. كا َن كال ٌم للغمـام رأى أ َّما القصيد ُة فاهتـزتْ مناكبهـا قرأتُ فيها عكا ظـا مـدَّ را حتَـه قرأتُ ما وتـ ُر املعنـى يُج ِّن ُحـه ـى أتيـت رؤى ُ و ملْ أك ْن قارئا حتَّ أنا وال كنـت مجروحـا بقافيـ ٍة ُ ى خلعت بواديـه أنـا لغتـي ُ حتَّ أقيس أزمنتـي تخلـو بأمكنتـي ُ والريح سالبـة طفـال بنافذتـي ُ لوال القصيـد ُة يرقاهـا بخابيـةٍ لـوال ا لقصيـد ُة إ ملـا ٌم بنا صيـ ٍة ينهـل إ يها مـا بأ خبيـ ٍة ال ا ملـا ُء ُّ
ترسي به الحقب يدب م ْن خشع ٍة ُّ ُ َ ى يعرى وال يثب لوال الص َد يديك َّ ُ ه .. حينا .. فيغرتب ما أنت ذاك ُر َ ُ ى يختفي األرب عىل النها ِّيئ .. حتَّ ُ َّ .. إىل تاريخها .. العـرب لتستد ل ُ يب حيثام جسدي أسامؤه .. تهـب ُ َ ينتسـب وأعرف ا لوت َر ا ملا ئـيَّ . . ُ عىل أوراقها .. خبب ً يهب ُ روحا ُّ ينسحب حتَّى أكو َن أنا .. ال يش َء ُ طنب ال ترتخي طنب .. إال استوتْ ُ ٌ .. ك��أنيِّ ل��ل��م��دى .. س��ب��ب َّ ك��ن��ت إيل ُ ُ ٍ .. وتلتهـب تغذَّ سريا .. عىل ما ء ُ تنحجب عن سري ِة الرمل واألشيا ُء ُ ُّ .. ينكتـب هنا يرف حام ٌم .. كا َد ُ ِ العرب خرضا َء مزه َّو ةً .. ما قالت ُ ومرتقـب سح ًرا .. ليقطفه .. را ٍء ُ ه العجـب بالضَّ و ِء سف ًرا إىل ألوا ُح ُ أستسقي وبـي لغـب ما َء البديه ِة ُ ينتقب حورا َء حتَّى وردتُ الشع َر ُ َ .ما الطلب ؟ فقال يل :لغتي شوسا ُء ُ ً ً تثـب كا لر يح أ ود ية مسلو بـة ُ . . ِـب مساف ًة .. ال يراها مثلمـا يج ُ ـب ملا تعتَّ َق . . فـي تبيا نِـه ا لع َن ُ َ ومحتجـب خطـوك إ بهـا ٌم لضمَّ ُ غـب وال الديا ُر ديا ٌر حيثمـا ال َّر ُ issue (9)- February - 2013
53
ملف
ح ِّد ثْ فـإ نَّ مرا يا هـا كأجنحـ ٍة حـ ِّد ثْ وشـقَّ نها يـا ٍت بأ لو يـ ٍة كنت ُ مختلفا قـوال إ لـى شفـ ٍة أ َ ينسـل منفلتـا ُّ كا لشعر أ قبضُ ـه أرض أجاذ بُهـا تاريخَهـا بفتًـى ٌ تركت عن َد زوايـاهُ .. مفكـر ًة ُ أ وجز تُهـا قا مـ ًة عليـا َء سا ئـر ًة حتَّى إذا بَ ِ دت األشيـا ُء حائـر ًة ـالج ُ .. مرتقبـًا كأنمَّ ا مرَّ يب ال َح ُ يَنضو عن الثَّوب أخبا ًراُ مم َّوهـ ًة يقض شوبا و يُلقي بالقذىِ غيَـ ًرا ُّ ما شمسـت منـه منازلـه يروض ُ ْ يفيض حتَّى إذا جنَّ ال َّزمـا ُن مبـا ُ ًا إىل قـوم :أال عـرب ألقى حديث ٌ ٍ ي شاخصا .. بيـد القلب م ِّن َّت إتلف َ ُ ٍ امي .. عىل كمـد تناث َر الكم ُد ال َّد ٍ ا .. إلـى رمـد القدس ناظرةٌ قو ًم ُ ٍ َّى بنا شيئا علـى جسـد ده ٌر متط ٍ .. ملفتقـد وغزةٌ وحدها .. در ٌع ال باب أدخله لـوال صواهلهـا َ كل را قيـ ٍة برجـا د الئلُهـا م ْن ِّ أسامئـي األولـى .معلَّقـ ًة أتيت ُ َ الواقفون هنا أهلـي قصيد تُهـم القاطفون يدي حتَّى أهـشَّ بهـا ـب القائلون :فال ربـ ٌع وال شُ َع ٌ ال الدا ُر دا ٌر .رما ٌد عنـد نافـذ ٍة : الواصلون بآي الروح حكمتَهـم: عـي خَتمتُـه ال ِّد ي ُن ِ عصمتُ َّ ه والس ُ ال َّد ه ُر يعنو ..فللتَّاريـخ .. أ َّمتُـه
54
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ُضـب تلوح مهتاج ًة إن سل َِّت الق ُ طـب إىل البداي ِة .. ال ينتا بُهـا ال َع ُ لوال القصيد ةُ أستا ٌر .. والح ُج ُب ـب من العبار ِة ٌ ومض كـا َد يُقتضَ ُ التفايت إىل التاريخ ينجـذب كا َن ُ تنكتـب ألبستُها جس ًد ا ما الذاتُ ُ يحتقـب إىل السم ِّو ذراها املجـ َد ُّ ُ نشعـب م ا فالحي ر يب شاع ألقيت ُ ُّ ُ ُ ً ٍ دنـو ويغتـرب ي .. ة ً بقاصي شَ ْيئا َ ُ ٍ .. وينتخـب منها ذؤابات يقص ُّ ُ ٍ األين تنتقـب .. بكل ِّ عىل جهات ُ ها تثـب حني النزول بأرض رو ُح ُ أرب كا َن ال َّزما َن .. وما يفُ ج َّبـ ٍة ُ نيا .. وال عرب ؟ إىل الشَّ آم أم ال ُّد ُ .. أختلـب ها يل إذا ما قمت كأ نَّ ُ ُ بهـا األرب أرض العروب ِة منـآ ٌد ُ ُ ال يأبهون مبأتاهـا .. وإ ْن ركبـوا يسعى عىل حذر ما انفكَّ يُستل َُب مهتاجا إذا الغضب سيف العروب ِة َ ُ كبري تنتصـب تغىش الرب يَّ َة .. بالتَّ ُ .. تحتسـب ت ُه ُّب بالصول ِة العليا ِء ُ ى ذرب تأيت وتذهب .أشيا ٌء .مـ ًد ُ ُ ً .. فالواقفـون أب ة حي لغ يل .أ َّم ُ أنتسـب ا إذا ما جئت عيلَّ ضو ًء ُ ُ بالحمى .سماَّ ُرها ذه ُبـوا ال موق ٌد ُ َ َ األقيال ُ .منقل َُب كانوا هنا الساد ة ُطـب إ نَّ التَّو ُّح َد ال تأيت بـه الخ ُ يغتـرب بينا ،ليس أ َّما اللسا ُن ُ ،م ُ َ ِ العـرب ا قامت إذا ارشأبَّ فخا ًر ُ
نصوص مغربية
تحيّـــــة /إلى العالمة المختار السوسي
عبد الجبار العلمي
ِ ص���اح َ ���ب «الْ��� َم��� ْع���س���ـ���و ِل» أَبْ��ِش��رِ ْ فَ�� ُج��يُ ُ ��ـ��وش اْلِ��ع��لْ��مِ صــــــــا َرتْ َ ��ت َو ِب ُنــــــــــو ِر الْ�� ِع��لْ��ـ��ـ��مِ أضْ �� َح ْ نَ�� ْه�� ِج خُطـَـــــــــــــاكُ ْم َو َع��َل�ىَ ِم ْن ُك ْم ِ��س َعلَّ َنـــــــــــــــــا نَ��قْ��ب ُ َع ِش ِقنا الضَّ ـــــــــــــــا ِد لُ��غَ�� َة نَ��� ْر ُس��� ُم الْـــــــــــ َح ْر َف بِ��� َز ْه��� ٍو َعـــــــــــــــــــا ٍد ُ���ل يَ��تَ�� َح�� َّدى ك َّ َ األ ْجــــ ِعــــ َّز ُة َعلَّ َمتْنـــــــــــا ْ نَ�� ْه��ـ��ـ��ـ�� ِز ُم الْ����يَ����أ َس َونَ ْحيــــــــا ��ش كِــــــــــ َراماً ��ق الْ�� َع��يْ َ نَ�� ْع��شَ ُ َون ِ ـــــــــــــاس طُ��� ًّرا ً ���ب ال َّن َ ُ���ح ُّ َه����� ْد ِي رِجـــــــــــــا ٍل َو َع��َل��ىَ ج���ي���ل الْ�����يَ����� ْومِ ـ نمَ ْ��ِشِ َ نَ��� ْح��� ُن ـ َ قـَــ َّر َعيْنــــــاً أيُّــــها الْ ُمخْتـــــــ َس��تَ�� ْح��يَ��ـ��ى لُ���غَ��� ُة الضَّ ــــــــــا ِد ال َّد ْهـــــ أَبَــــ َد َو َستَبْقـَــــــــى
الْ َفخَــــــــــارا فَ��لَ��قَ�� ْد ُح����� ْزتَ ��ص��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا تمَ ْ��ل��أُ ال��� ُّدنْ���ي���ا انْ�� ِت َ ظُ���لْ��� َم��� ُة الْ��� َج��� ْه���لِ ن َهـــــــــارا نَ���� ْح���� ُن نمَ ْ��ش��ي نَ��تَ��بَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارى ِق���يَّ��� َم الْ���� َخ��ْي�رْ ِ ِغ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� َزارا ُم��� ْن��� ُذ أَ ْن كُ���نَّ���ا ِصغَــــــــــارا بِ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ِه نَ������� ْزدا ُد انْ��بِ��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا �����ل َج��ه��ـَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا ����س سرِ ا ُ بَ ْ لَ����يْ َ َ ــدا ِد أ ْن نَبْقـــــــــى كِبَـــــــــــارا نمَ ْ���ـ�ل�أُ األَ ْر َض ِديَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا ��س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا َونَ������رى ال������ذ َُّّل انْ�� ِك َ َونَ������رى ال��َّش��رََّّ َد َم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا نَ���َش��رَ ُ وا الْ��� ِف���كْ��� َر الْ�� ُم�� َن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا َوق ِ َ������د اخْ��َت�رَ ْن����ا الْ�� َم��س��ـَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا ـــــــا ُر ،نِ��لْ ��ـ��ـ��ـ��ت الْ��خُ��ـ��ـ��لْ�� َد َدارا َ َو َس��تَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ْزدا ُد ا ْز ِد َه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا ـ��ـ�� ِر رِب��ـَ��ـ��اط��اً َوم َنــــــــــــــارا issue (9)- February - 2013
55
ملف
س ْفر اللّيل حاشي َ ٌة من ِ ِ
الطاهر لكنيزي وصيـف األمـانـي اللـيل ،يـا أيّـها ُ َ كُ ْن َت فـ ّنـانا حـ َني ت َـقـْ ِص ُب فـيـنـا ْمـيــل ِ نـاح ِ َ ـت و َســفـ ٌني لـك إز ُ بِـتهـاويـلِ األوهــامِ تـَ ْر ُس ُم فَـجـرا فـأس و َرف ٍ ـب غَـ ْي ٍض دو َن ٍ ْـــش ِغ َّ يا ُمـريـدا ً فـي ُجـ ّبـ ِة الشّ ــ ْي ِخ لَـ ّمـا َ ْــمصائـب َمـحـْ ٌو فيـك َصـ ْحـ ُو و لِل ِ ــسـل كُ ْن َت لـلـمهـزوميـ َن خ ْيـ َر ُم ّ فيـَطيـ ُر األسـ ُري عـبـْ َر الــ ّديـاجــي َوتُدي ُر ال ُعـكّـا َز فـي يَ ِ ــد كَــهــْلٍ َ فـيــك لِــقــا ٌء غريـب الـمـَ ْنبو ِذ ِ لِلـْ ناي ال ّراعي ب ُِصـ ْهب الــمراعي ولِ ِ ِ سافات طَـ ّيا بالتّـناجي ت َـطْـوي املـَ ـت ر ْجـ َع ْاســتنـا َح ٍة لـلثـّكالـى كُـ ْن َ و ُدعــا ًء لِــضا ِر ٍع فــي خُــشـو ٍع َ فيــك يـَلْـقى ال ُ ْعــليل بالـصـّبرْ ِ دا ًء ْـعـوانـس حـتّى أنْت مـن َهـ ْد َهـ َد ال َ فــتـسلّلْـ َن مـِـ ْن ِظـــالل الـــ َمرايا السـواقــي وتـهــاديْ َن فــي َدال ِل ّ رصن بــ ْوحا بأنـابيق الــو ْجد يـ ْعــ ْ لــيـس إالّ ـت يـا لَـيـْ ُل خَـ ْيمـ ُة كُـ ْن َ َ َ ـخـاسـ ِة سـوقا ك َ ـسـ ْي َ ـت لـل ّن َ َـيف أ ْم َ كَ ْي َـف تَـ ْرمي ال ِفـرا َخ يف َوكْ ِر نـسرْ ٍ ُـبـيت الـ َمهـا بــآجـامِ أُ ْس ٍ ـــد وت ُ و أنـا ســا ِد ٌر كــأن ِ ْــفـاس ِدفْـــلـى فـي بُحور ال َخــلـيلِ أبــْحثُ عــ ّني ـت قــطـر ًة ِمــ ْن َرذا ٍذ ربّـمـا كـنـْ ُ
56
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
يا ُمـنـي َم األ ْوجـاع واأل ْحـــــزان قَ ْهق ٍ َهـات من َصخـْ َر ِة األشْ ـجـان لِتـصـو َغ األ ْحــال َم بـاأللـــْوان بـا ِذ َخ الـطّ ْي ِ َــل األ ْردانِ ـف ُمثـْق َ تُـ ْنب ُِت الْحـُ َّب يف ذُرى األضْ غانِ ْس نَ ْز َغ ُة الشّ ْيطان ت َْستحثُّ ال ّنف َ فيـك تـُنـْـىس َم���را َر ُة الـ ُخسرْ ان إ ْذ ت َُس ّجي ال ِ ْـخــذال َن بالــ ّن ْسيـان خـارج الـقـُضبان بـ َجـنـا َحـ ْي َـك َ يـتَ َمطّـــــــى فـي َرقْـصـَة ال ِفتْـيان ٌ ــنـــــــاق بِــنكْـهـ ِة األقــــْران و ِع هَمساتٌ فـي َص ْمـ ِت َك الــ ّرنّــان فوس لألوطـان حيـ َن تـ ْهفـو النـّ ُ وحـسـرة ال ّنــ ْدمـان واليــَتامـى ْ بـاتَ يـتـْلـو آيـاً مـن الفــُرقـان ـستَـكـينـا لِـ ُحـقـْ َن ِة اإليـمـان ُم ْ ـج شَ ـ ْو ٌق فـي با َحة ال ِو ْجدانِ ضَ َّ اليـاسمني والـريـْحان يف شَ ـذا َ را ِف ٍ ـالت فـي الْـخـ ّز والـ ِعـقْـيـان ِ خـاطـر الش ّبان ـح وعـْدا ً فـي َس َّ فـيك نَـ ْنـضـو َعـبـاء َة ِ الحـ ْرمـان ـبيح اإلنْـســا َن لِإلنْـســان ت ْ َـسـتَ ُ للـسـ ْرحـان َحـوش الـ ُح ْمال َن وت ُ ّ ـب الـ ِغ ْزالنِ والـضَّ ـواري بِـجـانِ ِ ياح باألفـْـنـان حـني تـلْهـو الــ ّر ُ و ِدغــال الــهـَوى فـال ألْــقـانـي أ ْو لُـُغـا نَــ ْو ٍ رس عـىل الخلْجـان
نصوص مغربية
أتَــهجــّى الـغـرا َم فـي لَـ ْوح لييل ـت الـقــصيـ َد َة شَ ـطْـرا ً كُــلّام ألْـ َق ْم ُ ِ مـ ْزمـن جـُ ْرحي راع ٌـف و َحـرون الصحارى ُ لست يَـ ْنـبوعا فـي ضَ ـمريِ ّ ِ ٍ أو َصـدى جـُ ْدجـُد بِـخـ ْدر الـ ّدوالـي إنّـمـا نـ ْجـ ٌم رغـْـم َر ْو ِق َـك ْأسـنـو أ ْرقـأُ الـ ّد ْمـ َع لـو يُـريـق يـراعـي الـصغـار وِســا ًدا فاتـّخـ ْذ أحـْـال َم ّ
أتـَعـاطـى الـ َح َ رف الذي أدماين َجــلّلَتْـها َســتـائـ ُر الْــكـتْـمـانِ طـا ِعــ ٌن فــي مـفـازَة اإل ْدمــان أو بَصريأ يف َجـ ْوقَ ِة الـ ِعـ ْمـيان ال ،و ال فــ ّذا ً فـائِ َق الــ ِعـ ْرفـان بـيب الـخُـنوع و اإلذْعــان يـا َر َ قَـ ْهـو ًة تـُذْيك يَـقْـظـ َة األذْهـان لِ َ ـب الـذي أ ْعــامين.. ـتـذوق ال ُح ّ
issue (9)- February - 2013
57
ملف
هو» قام «ال ُ تَــرَا ِنيم ِع ْن َد َم ِ
أمينة املريني الَ ُّنو ُر ُهوَ ،ويف األَنف ِ َاس َع ْس َج ُد ُه الص ِّب َم��و ِر ُد ُه وح َّ واملَ��ا ُء ُهو و ُر ُ شت ُس ُج ٌف نس ُهو ،إذَا ما استَو َح ْ واألُ ُ جتاح أَو ِر َديت و ُه�� َو ُهو الّ��ذي يَ ُ وح ُمرتَ َه ٌن و ِم ْن ُه ُهو و ِفي ِه ال�� ُّر ُ روش ال َوصلِ ِم ْل َء َد ِمي يَشي ُد ُهو ُع َ َهل يَ ِ اب َس ًنا كش ُف الكُن َه إالّ َعن سرَ ِ ��س�� ُد ُه كأنَّه ال َف ْي ُض لَكن ال أُ َج ِّ َجم ٌر علىَ َو َم��قٍ بَ��ر ٌد عىل َر َمقٍ َلب ُممتلِ ٌك ُم َمل ٌَّك م��الِ ٌ��ك لِلْق ِ ُمكل ٌَّف بِ�� َه��وى ُر ِ وح���ي يُ َقلِّ ُب ُه ُم َهي ِم ٌن ِ ب��اس�� ٌط َوضّ �����ا َء ٌة ي�� ُد ُه الَ ُهو إِالَّ ُهو امل َعلُو ُم يف َخل َِدي ال املُضْ ِم ُر ال�ّس�رَّّ يف خَ��ا ٍل ويف َحو ٍر عيض يف ُح ِّبي ِه ِمن زَمنٍ َّ رشدتُ بَ َ ِ َاي يَ ِ ُ عص ُف يب ف ن م يف يني ط ال ز زِل َ َ َ َ أنَا ال َبعي ُد أنَا وهو َ امل َو َّح ُد ب َيف غابَ ُة َه ِذى ال ُّرو ِح تَطلُ ُع من وك َ وأَ ُّي طُوفانِ َهذا ال َو ْج ِد أُو ِق ُف ُه لَ َدى ِ الخ َيامِ يُ َرى يف امل َح ِو َرفْ َرفُها
وال�� ّن��ا ُر ُهو وكَ��م يُ��رضيِ ت َوقُّد ُه وال َّن ْس ُم ُهو ،و ِم ْن نَفسيِ تَ َن ُّه ُد ُه أل��قَ��ا ُه ُهو ويف األَع��ضَ ��ا ِء أَش َه ُد ُه َلب َم�� َّواالً يُ َهد ِه ُد ُه لِ ُينب َِت الق ُ أَه��� َوا ُه ُهو و َه��ذا الل َُّيل أُش ِه ُد ُه فأَدخ ُُل ال�َّص�رَّ َح َو ّه��اج��اً ُم َم َّر ُد ُه يُدنِي ِه ُه��و إلىَ طَ��� ْرفيِ ويُب ِع ُد ُه لِيرَ فَ َع ال ُح ْج َب َعن َوج ٍه أُسا ِم ُر ُه ِعط ٌر علىَ أَلَ��قٍ إ ْذ َ س��ال فَرقَ ُد ُه ُم��خَ��لَّ�� ٌد ُه��و يف نَ�� ْب�ضي يُ���ر ِّد ُد ُه يف ِس�� ْد َر ِة ال ِعشْ قِ الَ يَأْلُو يُ َق ِّي ُد ُه ُم��تَ�� َّو ٌج آسرِ ٌ بِال ُحسنِ ُم��ف�� َر ُد ُه َمش ُهو ُد يف نَأْ َم ٍة لِلْ ُجر ِح يَضْ ِم ُد ُه ِ والكاش ُف ال�ّس�رَّّ يف خَ�� ٍّد ي�� َو ِّر ُد ُه لِ َيخلُ َد الك ُُّل إ ْذ يَف َنى ُم�َش�رََّ ُد ُه َيف امل ُ َح َّج ُب َمفتُونًا َسريق ُد ُه ك َ َشُ وقُني ِمن ِج َهايت الخ ِ َمس سرَ َم ُد ُه اب الذُّهو ِل وك َُّف الشَّ وقِ ت ِ ُوص ُد ُه؟ بَ ِ لِ َيستَوِي الف ُ ُلك وال َّري َحا ُن َمو ِع ُد ُه نَ ِث َري ُحلمٍ َويف عي َن َّي َم ْق َع ُد ُه
الرسومات :فريد بلكاهية
58
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
.
عبدهللا أبو بكر .............................................................................................................
موقف الشاعر
يكرث
الحدي��ث اليوم عن مواقف وترصيحات لش��عراء عرب حول ما يدور من نزاعات وثورات ش��عبية عارمة استطاعت أن تغري وجه الخارطة السياسية واالجتامعية هنا وهناك ،حيث بات من الصعب ك�ما يعتقد البعض أن يقف الش��اعر عىل خيط الحياد الذي ال ميكن أن يح ِم��ل الواقف عليه لوقت طويل ،ألنه رسعان ما سيوقعه يف حفرة الشك من قبل اآلخر ،ويرميه بحجارة االتهام والصمت . ولكن ،ما هو الحق هنا ،وكيف ميكن أن ننحاز له إذا ما انقسم أصحاب الرأي إىل فريقني ،كل واحد يج ّر الحقيقة يف اتجاه��ه نح��و ما ميكنه أن يوافق أفق تفك�يره ورؤيته الذاتية ملجريات األمور .ه��ل ال»نعم» هي الحق ،أم ال»ال»؟ بعض الشعراء مل يصمت كثريا ،فقال كلمته واصطف خلف موقف واحد ال يقبل القسمة عىل معنيني .هنا ميكن التوقف ،كثريا ،عند رأي الش��اعر ،برصف النظر عن اسمه وحجم منجزه .ثم السؤال عن موقف الشاعر الذي هو ليس محلال سياسيا ،وليس عليه أن يرتك قصيدته لكتابة مقالة اقتصادية أو سياسية أو غري ذلك. الشاعر مثله مثل أي فرد يعيش يف مجتمع ما ،له رأيه ،ولديه ما ميكن قوله يف هذه القضية أو تلك ،وهو هنا ال يعرب عن فكرته أو رأيه من منطلق انه الش��اعر ،بل من منطلق إنس��انيته وكونه الرشيك يف املجتمع وأحد أبنائه، حاله حال س��ائر الناس واألفراد .لذلك ال ميكن أن يحاكم الشاعر عىل موقفه كشاعر ،وال ميكن أن نقحم قصيدته أو نحارصها يف هذه املس��احة ،فقد يكون الش��اعر متفوقا ككاتب ش��عر ،وموقفه يف حدث ما ليس كذلك ،وقد يكون العكس متاما. ال بد من الفصل بني الش��اعر واإلنس��ان العادي يف داخل كل كاتب ش��عر أو مبدع يف أي حقل كان ،ألن الش��عر كقيم��ة فني��ة جاملية ال ميكن أن يكون موضع اتهام بناء عىل موقف صاحبه حول ما يدور يف محيطه ،وما يقوله الشاعر داخل منت القصيدة ال عالقة له مبا يقوله خارج هذا املنت ،وإن كان ال بد من محاكمة ،فلتكن عادلة ،عرب الفصل بني النص ومواقف كاتبه. هذا الحمل الثقيل الذي يلقي به اآلخر عىل كاهل الشاعر ،مجبرِ ا إياه ان يصطف خلف رأي أو حزب أو أن يكون تابعا لفكر مجموعة من امليليش��يات أو املنظامت املش��بوهة ،أنتج ما يشبه بأحزاب ش��عرية تؤدي دورا بعيدا عن اإلبداع والعمل األديب والثقايف ،وهو ما ش��هدناه كثريا يف اآلون��ة األخرية ،عندما تابعنا بعض األدباء واملثقفني يتهافتون عىل شاشات التلفزة ويتحدثون كمحللني سياسيني أو عسكريني. يف بعض البلدان التي شهدت التغيري ،تم فيها مالحقة الشعراء ،ورضبهم أحيانا ،والشواهد هنا كثرية ،حدث ذلك نتيجة وصول التطرف إىل السلطة ،وهنا فقط ،ميكن للشاعر أن يقول كلمته يف مواجهة هذا الخراب
issue (9)- February - 2013
59
شعر وتشكيل
«أثر الفراشة»
قراءة تشكيلية هنا لقاء مختلف بين الشعر والتشكيل ،فكما يمكن قراءة اللوحة شعرا ،يمكن أيضا أن ُتقرأ القصيدة تشكيليا ،كما قام بذلك الفنان والشاعر محمد العامري الذي رسم ديوان «أثر الفراشة» لمحمود درويش بألوان التشكيل والمخيلة الفنية
محمد العامري
60
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
أثر الفراشة
كنت يف تلك اللحظة مشغوالً برسم من فضاءات كتاب «أثر الفراشة» للشاعر محمود درويش .فعىل مدار أكرث من خمسة أشهر وأنا أحاور هذا الكتاب الذي شغلني بجامليات اللغة املقطرة وما وصلت إليه من تصوير شفيف لدى الصديق درويش .فهاتفته يف لحظة انغامري بعمل فني ساد فيه اللون األبيض وتجلياته الشفافة ،فرد عىل هاتفي درويش وتبادلنا حديثا ناعام وحنونا فيه من الحزن العميق والحرشجة املخنوقة ،وأخربته لكرس ذلك املزاج عن مرشوعي يف رسم أثر الفراشة .وقال «عظيم يا محمد» وأردف قائال: متى ستعرض تلك األعامل؟ قلت :يف العام 2009يف شهر فرباير /شباط يف غالريي املرشق .فرد قائال :بعيد! وانتهت املكاملة بعد ذلك بقليل وأخربت أخي الفنان جهاد بأن درويش راحل واندهش أخي من سوداويتي يف هذا الحدس . وواصلت بحزن إكامل العمل كام لو أنني لن أرى درويش مرة أخرى ،فكان األبيض الشفاف ينترش عىل سطح الورقة كام لو أنه شاشة طاهرة أقرب إىل الرحيل، بل أقرب إىل موت ما ،ولكنه ذلك اللون ،كان فرحا كأن رحيل األبيض ال يحتمل سوى الخفة والرشاقة. ذلك األثر الذي انترش عىل جسد الورقة مل يغادرين بعد كام حليب فائر يرضع من ريشة رسيعة تارة ،وتارة أخرى متوقفة يف نقطة ما ،تلك النقطة التي تكاثرت يف لحظات كانت تشبه رشقة ماء عىل تراب ناشف ،نقاط متتالية تتبادل مواقعها يف اللوحة وتأخذ ألوانا تشبه بقعا عىل أجنحة فراشة برية. ملعانٌ تشكل من طريانها املرتبك يف حقل مهجور، فالفراشة جنة صغرية تذهب وتؤوب للحظات ثم تغادر وتؤوب كام لذة يف حني انتهائها نريدها مرات ومرات. هكذا كان كتاب أثر الفراشة ..
فوتوغراف من هواء
األصفر نص يف أثر الفراشة ،كان ليمونيا ليسطو عىل باليتة األلوان ويذهب يب إىل ذهب نادر بجوار األخرض الجنزاري وخجل األحمر الوردي الذي بدا كنقطة
مضيئة يف غابة من األصفر الليموين .ذلك األصفر يف الكتابة الذي يقودك إىل دالالت أبعد من فكرة اللغة يضعك يف حلم من الصور الطيفيـّة؛ صور ال ميكن القبض عليها لكنك تستطيع أن تراها واضحة .متاما كام فوتوغراف من هواء وماء ينرسب من بني أصابع الذاكرة ليواجهك يف جهة القلب. وكام قال درويش عن ع ّباد شمسه فام بني الليموين وعباد الشمس مسافة من الحرية والعبودية ،مسافة بني اليد املمسكة بالريشة وبني بياض الورقة ،البياض الصفر، الواضح يف غموضه واملتمكّن منك يف قامط الطفولة وبياض الكفن. كأن املسافة بني القامط والكفن تشبه املسافة بني انحناءة عباد الشمس حني يغادرها الضوء وبني نهوضه يف تسلل الضوء إليه ،يعني أننا يف قرص العمر الذي تطول به آنية اإلقامة بني ليل ونهار.
issue (9)- February - 2013
61
شعر وتشكيل
طحني الفضة ..رشاقة املاء
متسكت بشكل غري اعتيادي باملاء يف هذه التجربة ّ رحت ودفَ ِقه عىل الورقة وسطح القامشة ،حيث ُ أراقب انتشارات املاء ومعادالتها الغريبة بني كثافة نصب اللون ورشاقة املاء .ذكّرين ذلك بزمن كنا ُّ الحليب يف كأس الشاي ..تلك اإليقاعات عادت ثانية. بني األزرق الساموي وبني صفاء املاء عىل بياض الورقة أترك كل ذلك ملتعة املراقبة وتحريك املاء عىل سطح الورقة .كان املاء قاربًا وأنا النهر ،نهر واسع وأحالم تقودين نحو عبثية العمر ووهم الخلود .إنها حقيقة ما تتمثل أمامك يف لحظة العشق ثم تغادرك وترتكك كحجر مهجور يف برية مل يطأها أحد ،فمن ش ّدة الوحشة تغيّم عليك األشياء وكنت أشعر بارتباك الراحل إىل عوامل ال أدركها؛ هي مسافة بني التذكر والنسيان ،مسافة بني حبل الغسيل واملالقط ،مسافة بني الشهقة والبكاء ،مسافة بني ضياع الشكل وحضوره بني الفوز واإلحباط ،مسافة بني لوين الدم والحليب، مسافة بني الظل والضوء. 62
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
مسافات ال ميكن القبض عليها بعبقرية السؤال الكبري.
اللون ..لغة ..لغة
كيف يل أنْ أقرأ شعر درويش دون قراءة لونه ولون دالالت الجمل التي تنطلق بني السطور كحصان جامح، حيوية ال ميكن اللحاق بها إال يف الحلم إنْ أمكن. كنت أذهب إىل املواربة بني بكائني؛ أحاول أنْ أجد
أن أقرأ شعر كيف لي ْ درويش دون قراءة لونه ولون دالالت الجمل التي تنطلق بين السطور كحصان جامح؟
أثر الفراشة
اللوحات :محمد العامري
مخرجا لتحبري هذه اللحظة يف لغة الشكل واللون والفراغ واالكتظاظ واملبادلة بني لون وآخر بني نقطة ونقطة ،بني خط متعرج ومستقيم ،أعتقد أنَّ الشعر يكره الخط املستقيم وكذلك الرسم لذلك س ّموه بالخط اليابس ،فالرسم يحب الرائحة الطيبة. كنت يف رائحة اللغة أتنق َُّل بني خزامى وجاردينيا، رض بني لهاث متعب واستكانة مطمئنة ،بني نهر مخ ّ ظل قريب ،بني جذل الليمون وتساقط وبني استطالة ّ الظل عن الورقة ،بني فراشة سوداء وأخرى مبقّعة ّ بالضوء ،بني لون رشيق وآخر يرسو يف القاع ،كام لو أنني بني تناقضني؛ املمكن الحارض واملستحيل الغائب بأثر املسافة ،واملتنقل بخفّة الذعر من معلوم قليل وغيب كرثته قاسية ،كاملا ّر بني شعائر ال يعرفها ،أمتتم وأنأى عن اإلصغاء ألدخل يف صحوة الشكل ولغات متفرعة تصطادين بني لون اللغة ولغة اللون ،كقُمرة ال مي ُّر بها الحجل وفراغ أدرد ال زغب فيه ،إنها املحاولة اليائسة الصطياد القصيدة يف اللوحة واصطياد اللوحة يف القصيدة.
خطان متوازيان يلتقيان يف لحظة ليفرتقا متاما كام فكرة العاشق واملوت .أو كفكرة تنكرس وال تؤوب.
أغبط البلور يف الفراغ
شفيف وأكرث منه املوت الرشيق ،كانت األلوان كزجاج مقرش يشف عن نورانية تحتشد بالنور ،طريان من ويخف باتجاه الطريان إىل سقف اللوحة نوع آخر ينوء ّ املقلوبة ،فالسامء يف األسفل واألرض أعىل وأعىل كمن يريد للثقل أن يخف عن هواء القصيدة ويرق إىل مصاف الرتاب املقدس ،ذلك الرتاب الذي تكتحل به طراوة طفل جديد ،كنت مقيماً بني حرضتني؛ القصيدة واللوحةُ ، أجول يف عوامل لذاذات غموضها وجالل بهائها؛ إنها ناقصة كمساحة الهواء يف كأس املاء ،هكذا كنت يف اللوحة ناقصا وممتلئا بالهواجس وسؤال الفكرة. دون تراجع كنت أروم البهجة وأقبض عىل انفالت املاء يف الورقة كحرب طائش أود اللحاق به قبل أنْ ينأى، إنه الحلم بني سامءين ،سامء من اللون وسامء من اللغة issue (9)- February - 2013
63
شعر وموسيقى
رحلة القصيدة إلى األغنية
سيرة مغناة للشعر تتعرض القصائد إلى تعديالت مختلفة قبل أن تتحول إلى أغاني ،وتخضع لعمليات جراحية لكي تستقيم مع مقاييس ومزاج الفنان والملحن ،وبعض المعالجات الفنية تتم بموافقة الشاعر وتحت اشرافه ،والبعض اآلخر يتولى أمره الملحن والفنان واحيانا الرقابة .لكل قصيدة مغناة حكاية تروى
رنا زيد
64
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
حكايات األغاني
فارس يواكيم
املؤلف بها ،املنتج السيناميئ روفائيل جبور ،أو التي سمعها أعاد الشاعر السوداين الهادي آدم ( )2006 1927-صياغة منقولة ،عىل لسان أحدهم ،يقول «:كام علمت أن أحمد قصيدته «الغد» ،املنشورة يف ديوان «كوخ األشواق» ،من شفيق كامل ،كان كتب مطلع أغنية «إنت عمري» ،يقول أجل مطرب ٍة ،هي أم كلثوم؛ وحدث ذلك ،بعدما تواجدت كوكب الرشق يف الخرطوم يف ديسمرب (كانون األول) يف عام «:شوقوين عينيك أليامي اليل راحو» ،فقالت كوكب الرشق : «رجعوين عينيك» ،واستعذب الشاعر التغيري». ،1968حيث اختارت القصيدة لغنائها ،من بني دواويني شعراء سودانيني آخرين ،وقد غري الشاعر موقع أبيات عدة ،ويبني يواكيم كتابه بناء عىل مسريته الشخصية ،ومعرفته من قصيدته املنشورة ،عندما أصبحت أغنية ُملحنة ،وأهمل بقصص األغنيات ،وبحثه ،ومراجعته أصول القصائد ،يف كتبها األصلية ،ويجمع يف الكتاب مقاالت مفصلة ومستفيضة ،عن أبياتاً أخرى ،كاألبيات التي تيل البيتني األول والثاين ،وفيها أغان عربية مشهورة ،كتبها شعراء مرموقون ،واستهوت أهل يقول آدم «:وأحييك ولكن بفؤادي أم يدي /أم بطرف خاشع اللمح كليل مجهد /لست أدري كيف ألقاك ولكني النغم ،فلحنوها ،وتجاهل املؤلف هنا األغنيات التي كتبها الشعراء بنا ًء عىل طلب من ملحن أو مغن ،ومنها عىل سبيل صدي /ظامئ أرهقه البني وطول األمد». التعديل املذكور سابقاً هو واحد من تعديالت أخرى ،طالت املثال كام يذكر ،أغنية «يا رشاعاً وراء دجلة» ،التي لحنها وأنشدها محمد عبد الوهاب ،أمام ملك العراق فيصل األول، القصائد املكتوبة باللغة العربية الفصحى ،والتي مل تكتب مبناسبة زيارته ،إىل بغداد سنة ،1931والسبب هو أن الشاعر من أجل الغناء ،وإمنا اختارها مطربون وملحنون ،يك تكون أحمد شوقي نظمها من أجل تلك املناسبة ،أو قصيدة «سوف أغنيات ملحنة ،وقد أفرد الكاتب واملرتجم اللبناين فارس يواكيم يف كتابه «حكايات األغاين :رحلة القصيدة من الديوان أحيا» التي كتبها مريس جميل عزيز ،يك تغنيها املطربة فريوز، بشكل خاص ،وقد سجلتها املطربة اللبنانية مع أغان أخرى، إىل األغنية» (دار رياض الريس) ،وقتاً وجهدا ً إلعادة نقد وأنتجتها وقتذاك ،إذاعة «صوت العرب» أثناء زيارة فريوز وجمع هذه الحاالت ،التي تطرح تساؤالً عن مدى أحقية اللحن يف انتزاع القصيدة من مجدها النهايئ ،وشكلها األخري ،األوىل إىل القاهرة ،يف سنة .1955ويضاف إىل ذلك االستثناء املكتمل مبعناه وشكل حروفه .ويهمل يواكيم( ،كتب نصوصاً القصائد التي كتبها األخوان رحباين ،ولحنها وغنتها فريوز، مرسحية للكوميدي الراحل حسن عالء الدين «شوشو» ،منها ألنها كتبت من أجل الغناء ،كام يربر يواكيم ،وبالفعل ،فإن الكتاب يأخذ شكالً ناضجاً وموسعاً يف نظرته إىل القصائد، مرسحية «آخ يا بلدنا») ،األغاين التي كتبت كلامتها باللغة العامية ،من طرحه النقدي يف «حكايات األغاين» ،معلالً ذلك وحكاياتها بعدما صارت أغان ،وهنا ،يرى واكيم أن القصائد التي مل تعدل أو تحور ،ومل يصبها أي تغيري ،ال حكاية لها بأن تلك القصائد ،يف معظمها ،قصائد كتبت خصيصاً من أجل الغناء ،حتى وإ ْن خضعت لبعض التعديالت ،وألم كلثوم فيعدل عن وضعها يف الكتاب ،ومن األمثلة عىل ذلك ،قصيدة يف هذا ملسات ،كام يوضح ،ويستطرد فيذكر بعض األحاديث «أَيظن» املنشورة يف ديوان «حبيبتي» للشاعر السوري نزار قباين ،والتي لحنها محمد عبد الوهاب ،كاملة من دون تغيري املنقولة عن تدخلها يف سياق القصائد ،كالحادثة التي أعلم issue (9)- February - 2013
65
شعر وموسيقى
جربان خليل جربان
كلمة ،وغنتها نجاة الصغرية. وهناك أيضاً أغنيات مل يعرث املؤلف عىل كلامتها منشورةً، فلم يتمكن من املقارنة بني القصيدة األصلية ،وقصيدة األغنية ،ومنها أغنية «لقاء» التي غناها عبد الحليم حافظ، من ألحان كامل الطويل ،عن قصيدة للشاعر صالح عبد الصبور ،يقول يف مطلعها »:بعد عامني التقيا ها هنا/ والدجى يغمر وجه املغرب».
إعادة بناء شعري
وال يزعم يواكيم ،كام يقول يف مقدمة كتابه أنه يحيط، بكل القصائد العربية املغناة ،بل يتناول أبرزها ،ويعرضها، حسب أسامء الشعراء ،من األقدم إىل األحدث؛ وقد استعان املؤلف يف رحلته النقدية ،هذه ،مبا متت أرشفته يف الكتب، والتسجيالت الصوتية ،ومن اكتشافاته يف الكتاب ،عثوره عىل أبيات ألحمد شوقي ،غري مثبتة يف دواوينه ،ومنها أغنيات عن قصائد لشعراء ،من أمثال :عباس محمود العقاد ،وخليل مطران ،وعالل الفايس ،ومن االكتشافات أيضاً ،أن خمسة مطربني عرب غنوا قصيدة واحدة ،للشاعر اللبناين إلياس فرحات ،بألحان مختلفة ،فيام مل يغنها أحد من مطريب بلده. إضافة إىل ندرة ،ما لحن من قصائد الشاعر عمر أبو ريشة، رغم صعوبة تلحني شعره. ويف القرن التاسع عرش غنى يوسف املنيالوي (،)1911-1850 قصيدة أيب نواس« ،حامل الهوى تَ ِع ُب ..يستخفّه الطرب»، ثم غنت فريوز القصيدة ذاتها ،بلحن األخوين الرحباين يف
كتب أحمد شفيق كامل، مطلع أغنية «إنت عمري»، يقول «:شوقوني عينيك أليامي اللي راحو» ،فقالت كوكب الشرق « :رجعوني عينيك»، واستعذب الشاعر التغيير
66
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
القرن العرشين ،ومثة قصائد غناها أكرث من صوت ،إذ غنى ناظم الغزايل وصباح فخري ،قصيدة الشاعر مسيكن الدرامي «قل للمليحة يف الخامر األسود ..ماذا فعلت بناسك متعبد»، كام غنت فريوز وعبد الهادي بلخياط ،موشح «ياليل الصب» للحرصي القريواين ،أيضاً غنت فريوز ،بيتني من شعر أيب العتاهية ،ومن ألحان محمد محسن ،هام « :ويل فؤاد إذا طال العذاب به ..هام اشتياقاً إىل لُقيا معذّبه /يفديك صب لو يكون له ..أع ّز من نفسه يشء فداك من نفس ّ به». طبعاً هناك أمثلة عدة ،يف «حكايات األغاين» عىل التلحني، من الرتاث (له باب يف الكتاب) أيضاً .ولحن األخوين الرحباين ،ثم غنت فريوز ،مقطعة للشاعر العبايس أيب نواس، من أربعة أبيات«:يا غزاالً يف كثيب ّ .. رق يف الحسن وطيب /يا قريب الدار ،ما وصلك مني بقريب /يا حبيبي، ِ كل حبيب /لشقايئ صاغك الله حبيباً بأيب ،أنسيتني ّ للقلوب» ،والبيت األول ،الذي غنته فريوز مل يكن كذلك يف ديوان أيب نواس وقد اضطر األخوان الرحباين ،إىل إعادة صياغته .كام غنت فريوز ،من شعر أيب نواس ،القصيدة التي مطلعها »:يا خلي َّيل ساعة ال ترميا ..وعىل ذي صباب ٍة فأقيام». وقد اقترصت األغنية عىل البيتني األولني ،والقصيدة مؤلفة من ستة أبيات ،ومن األبيات التي مل تلحن ،نذكر «:ذكرتني الهوى وهن رميم ..كيف لو مل يك ّن رصن رميام». يربط املؤلف األغاين بأسامء الشعراء ،أي أنه يفتح أبواباً يف الكتاب ،للشعراء ،وما أخذ من قصائدهم ولحن ،ليتم تناول كل شاعر من الشعراء ،والحكايات عن قصائده ،وما جرى لها
حكايات األغاني
أحمد شفيق كامل
من تعديل أو قص ،وأحياناً إعادة بناء شعري من قبل شعراء آخرين ،كام حصل مع قصائد جربان خليل جربان ،املأخوذة من كتاب «النبي»(نرش ألول مرة يف عام ،)1923حيث اختار األخوان الرحباين بعض املقاطع من كتاب النبي ،ولحناها يف لوحة غنائية أنشدتها فريوز ،وحملت األسطوانة عنوان «املحبة» ،وهو عنوان أحد فصول الكتاب ،والرتجمة عن اإلنكليزية « ،»loveتحتمل املحبة كام تحتمل الحب ،كام ترجمها يوسف الخال ،وكام يوضح كتاب «حكايات األغاين»، اعتمد األخوان الرحباين ،عىل ترجمة الخوري أنطونيوس بشري ،وأعادا صياغة بعض العبارات ،مبا يتوافق مع التلحني، من دون أي مساس باملعنى األصيل .وبسبب الرتجمة النرثية لكتاب «النبي» ،املعزولة عن أي لحن أو وزن ،كان من الرضوري ابتكار ما يعوض النقص ،وهذا ما فعله األخوان رحباين ،كام يشري املؤلف ،حيث أعادا أيضاً صياغة بعض التعابري ،وأيضاً فعل الخوري أنطونيوس بشري ،ويضع يواكيم خطوطاً عىل التعديالت الطارئة ،ثم أقواساً من أجل اإلشارة إىل اختصارات الرحابنة ،بحكم مقتضيات اللحن؛ فمثالً وضع املقطع«:إذا املحبة أومت إليكم ،فاتبعوها» ،بدالً من«:إذا أشارت املحبة إليكم ،فاتبعوها» ،طبعاً هذا تعديل طفيف، إذا ما قورن مع حذف جمل بأكملها ،كام يف »:صعد إىل إحدى التالل» ،وكانت يف األصل ،معادة الصياغة من بشري، عىل الشكل التايل «:صعد إىل قنة ،إحدى التالل ،القامئة وراء جدران املدينة». «حكايات األغاين» يحوي سرية القصائد الفصيحة املغناة لـ 37شاعرا ً ،منهم »:أبو فراس الحمداين ،عمر الخيام ،أبو
األخوين الرحباين
بسبب الترجمة النثرية لكتاب «النبي» ،المعزولة عن أي لحن أو وزن ،كان من الضروري ابتكار ما يعوض النقص، وهذا ما فعله األخوان رحباني، حيث أعادا أيض ًا صياغة بعض التعابير وحذف جمل بأكملها القاسم الشايب ،خليل مطران ،إيليا أبو مايض ،عباس محمود العقاد ،بدر شاكر السياب ،عمر أبو ريشة ،رياض املعلوف، فدوى طوقانن محمود درويش ،منصور الرحباين ،سميح القاسم ،عز الدين املنارصة ..وغريهم .ويف إحدى الحكايات املقل نقع عىل قصيدة «الحرية» التي كتبها الشاعر املرصي ّ كامل الشناوي ( ،)1965-1908إبان عمليات املقاومة التي نشط فيها الفدائيون املرصيون ضد قوات االحتالل الربيطاين، قبل 23متوز (يوليو) ،1952وقد لحن القصيدة وغناها محمد عبد الوهاب ،لك َّن ،اإلذاعة املرصية منعت بثَّ األغنية بسبب اعرتاض الرقابة ،ومل يسمح ببثها إال بعد رحيل امللك فاروق ،فأصبحت النشيد الوطني املرصي من عام ،1952إىل عام ،1960واقتبست مقدمتها املوسيقية ،شارة نرشة األخبار، يف اإلذاعة املرصية ،وما زالت حتى اليوم تقتبس ،وغناها issue (9)- February - 2013
67
شعر وموسيقى
عبد الوهاب كاملة مع تعديل لفظة واحدة ،يف البيت األول، «:كنت يف صمتك وهي (:حبك أصبحت صربك) ،يقول البيت َ كنت يف صربك ُم ْك َره». مرغم َ ..
كامل الشناوي
سيطرة اللحن
ويف حكاية أخرىى ،يورد يواكيم ،أن الشاعر السوري عمر أبو ريشة ( )1990-1910ألقى قصيدته «عرس املجد» يف عام ،1947يف الحفلة التذكارية التي أقيمت ابتهاجاً بجالء الفرنسيني ،والقصيدة طويلة نسبياً ،يف نحو ستني بيتاً ،غنت سلوى مدحت ،تسعة أبيات ،منها ،من ألحان فيلمون وهبي، الذي مل يكن معتادا ً عىل تلحني القصائد الكالسيكية ،إذ كان موهوباً يف التلحني املوسيقي الشعبي ،الخمسة أبيات األوىل يف األغنية ،هي ذاتها يف قصيدة الديوان ،ومطلعها»: يا عروس املجد تيهي واسحبي ..يف مغانينا ذيول الشهبِ »، وبعد سبعة عرش بيتاً غري ملحن ،تأيت يف األغنية أربعة أبيات متتالية ،جاءت بعد ما حذف ،ويتم تغيري لفظة واحدة يف إحدى البيوت الشعرية هي «أفراسنا» ،لتصري «أجيادنا»، والتعديل أجراه الشاعر ،كام يوضح املؤلف ،والكلمتان «لعل تحمالن املعنى ذاته ،ويبدي يواكيم رأيه قائالًَّ : أجيادنا أرق يف الغناء ،وإذا انتهت األغنية عند ذاك الحد، فلقد اسرتسل عمر أبو ريشة يف نبضه الحار» ،يقصد شعرياً وعروبياً ،حيث كتبت القصيدة قبل نكبة فلسطني ،يف عام ،1948وفيها يقول أبو ريشة «:أين يف القدس ضلوع غضة ..مل تالمسها ذنايب عقرب؟ /يا روايب القدس يا مجىل السنا ..يارؤى عيىس عىل جفن النبي». يعرف الكتاب بأبيات ومقاطع شعرية غائبة عن الذهن، بسبب سيطرة اللحن عىل شكل القصيدة األصيل ،بحيث يصعب استذكار األصل ،أو تحديد الطول الحقيقي ،وترتيب األبيات ،فغالباً ما يعمد املطربون وامللحنون إىل اختيار األشطر واألبيات ،التي يظنون أنها األكرث تأثريا ً ،واألسهل يف توصيل املعنى ،ويف حكاية قصيدة الشاعر الكويتي محمد الفايز ( ،)1991-1938نرى الجانب امللحمي كيف طوع، وبعرث ترتيب األبيات يف امللحمة الشعرية التي كتبها الشاعر، من مثاين عرشة لوحة ،تحت عنوان «مذكرات بحار»وقد ل ّحن غنام الديكان ،بعضاً من أبيات هذه امللحمة ،وغناها شادي الخليج ،وتقول امللحمة يف مطلعها ،وتحيك عن رصاع 68
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
بحار مع البحر ،بعيدا ً عن الصحراء الجافة«:سأعيد للدنيا حديث السندباد /ماذا يكون السندباد؟ /شتان ما بني خيال مجنون وعمالق تراه /يطوي البحار عىل هواه/ بحباله ..برشاعه ..بإرادة فوق النجومٍ / بيد تكاد عروقها الزرقاء ترتجل النجوم» .ومن األبيات التي مل تغن ،نورد «:مازلت أذكر كل يشء عن مدينتنا القدمية /عن حاريت الرملية الصفراء واملقل الحزينة /مل ّا نحدق يف السامء عىل السطوح /نضبت جرار املاء والغدران مثل يد البخيل». أما عن أغنيات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش ( ،)2008-1941فقد كان أول لقاء بني الشاعر واملوسيقى عرب قصيدة «بطاقة هوية» التي حولها مغناة درامية املوسيقي ،املقديس املولد ،والبريويت النشأة سلفادور عرنيطة، وقدم املغناة للمرة األوىل يف قاعة سيد درويش يف القاهرة، يف صيف ،1970وقد شارك يف أدائها أوركسرت القاهرة السيمفوين ،وكورال أوبرا القاهرة ،ويف وقت الحق لحنها، غازي مكدايش ،وغنتها فرقة الكورس الشعبي يف بريوت ،وقد اشتهرت القصيدة مبطلعها« ،س ّجل أنا عريب». ولحن شعر محمود درويش ،ثم غني ،من قبل أصوات عدة، من أمثال « :بول مطر ،وعابد عازارية ،وأحمد قعبور ،وخالد الهرب ،وأسامة حالق ،وصوالً بشار زرقان إىل كاميليا جربان. لك ْن ،املوسيقي اللبناين مرسيل خليفة ،لحن قصائد درويش من دون تغيري كلمة أو اختصار ملقطع شعري ،سوى أغنية الكمنجات ،التي أداها مع فرقة امليادين( ،وهي عن قصيدة، باالسم نفسه ،من ديوان «أحد عرش كوكباً») ،فالتغيري اقترص
حكايات األغاني
محمود درويش نزار قباين
عىل اختصار بعض األبيات ،ومنها« :الكمنجات شكوى الحرير املجعد يف ليلة العاشقة /الكمنجات صوت النبيذ البعيد عىل رغبة سابقة /الكمنجات تتبعني ههنا وهناك لتثأر م ّني /الكمنجات تبحث عني لتقتلني ،أينام رس موسيقى خليفة ،التي طوعت وجدتني» ،وهنا يكمن ّ أغلب القصائد ،دومنا حاجة للخروج باكلامت القصيدة إىل سياق اللحن الجاف ،لقد جعل خليفة ،اللحن ملحقاً بالقصيدة ،ومتنامياً معها ،من دون تشويه يف تكوينها الروحي واملعنوي ،كام اختار خليفة مقاطعاً من قصيدة «بريوت»(ديوان «حصار ملدائح البحر») ،وسميت األغنية «بريوت نجمتنا». إن الكتاب يستدرك ،هذه املعلومات الحكائية ،بطريقة أرشيفية ،تشكل فيام بعد مرجعاً ألي بحث ،عن القصائد الفصيحة املغناة ،ومع البحث والنقد ،تربز يف الكتاب أغنيات وصلت مع ألحان معارصة رسيعة وشعبية يف الوقت ذاته، ومنها قصيدة «مع جريدة» التي غنتها ماجدة الرومي، من قصيدة الشاعر السوري نزار قباين (،)1998 1923- والقصيدة من ديوان «قصائد» ،وهي يف األساس كانت قد أثارت ،مع نرشها مقارنة مع قصيدة مامثلة للشاعر الفرنيس جاك بريفري ،عنوانها «فطور الصباح» ،وميكن القول (حسب يواكيم) إن قباين ترجم ،قصيدة بريفري بترصف ،أو أعاد صياغتها بلغته ،والسياق العام للقصيدة يوحي ،بأن أحداثها
إن كتاب «حكايات األغاني»، َّ يطرح تساؤ ً ال ملح ًا ،عن مدى أحقية المؤلفين الموسيقيين ،والمغنين ،في التالعب بكلمات ،آمنة في صفحات ُ كتبها ،إنها قصائد أخذت شكلها النهائي ،فجاء من يبدل فيها ،ويغير جرت يف مقهى بارييس ،وقت فطور الصباح ،وهي بلسان امرأة انفعلت من تجاهل الرجل لها ،ويبني قباين قصيدته، عىل يشء مشابه ،تقول قصيدة جاك بريفري«:سكب القهوة يف الفنجان /وسكب الحليب يف فنجان القهوة /وضع السكّر يف فنجان القهوة بالحليب /وبامللعقة الصغرية ذوب السكّر /رشب القهوة بالحليب /وأرخى الفنجان من دون أن يكلمني» ،وهنا يستطرد املؤلف ليرشح أن قباين، أضاف عىل قصيدته ،بعدما أراد جامل سالمة أن يلحنها، للرومي ،ويعتقد املؤلف الباحث ،أنه فعل ذلك رمبا ليباعد بينها وبني قصيدة بريفري ،من حيث الشكل الشعري ،أو يك يطول القصيدة القصرية املنشورة ،ومام أضيف «:ويف فمي ذوب وردتني /ذوبني ..مللمني ..بعرثين /رشب من فنجانه /سافرت يف دخانه ،ما عرفت أين؟» .وحذف مقطعا يتقدم األبيات هذه ،هو »:ذوبني ،ذوب قطعتني». يشكر يواكيم ،ثالثة أصدقاء يف نهاية الكتاب قدموا له معلومات حول األغاين ،هم »:الناقد السوداين عالء الدين اآلغا ،واملؤرخ اللبناين محمود الزيباوي ،والشاعرة املغربية ريم نجمي». إ َّن كتاب «حكايات األغاين» ،يطرح تساؤالً ملحاً ،عن مدى أحقية املؤلفني املوسيقيني ،واملغنني ،يف التالعب بكلامت، آمنة يف صفحات كُتبها ،إنها قصائد أخذت شكلها النهايئ، فجاء من يبدل فيها ،ويغري ،وكام يوضح البحث ،هناك من الشعراء من عدل ،من أجل األغنيات كلامته السابقة املستقرة ،وانقلب عليها issue (9)- February - 2013
69
حوار
الشاعر حسن طلب
لن يبقى من شعر الثورة سوى القليل يظل اسم حسن طلب متفردا ً بني أبناء جيله من «السبعينيني» ،لجهة إبداعه املختلف الذي «يلعب» عىل فكرة اللغة اوج بني اليومي والقديم، ويُقرنها بالفلسفة والتاريخ..مصطلحاتهام ومصادرهام ،وينحت نحتاً يف اللغ ِة خالقاً ثنائي ًة تُز ُ تؤصل والرتايث والحدايث ،وهو يف هذا كله يستمد من مع ٍني ال ينضب من األدب الصويف واإلسالمي .تتالت دواوينه ِّ ِ لخط ِه الخاص منذ أول السبعينيات وآخرها ثالثيته الشعرية «إنجيل الثورة وقرآنها» ،العمل الشعري األول املتبلور الذي يُكتب من ميدان التحرير إبَّان أحداث الثورة ويوث َّق لها بصور ٍة شعري ٍة انتهجت التوثيق ومل ت ُغفل الصياغة الفنية. حول ديوانه األخري عن الثورة ،وموقفه من لجنة الشعر الجديدة باملجلس األعىل للثقافة يف مرص ،ورأيه يف املشهد النقدي القائم ،التقينا أستاذ الفلسفة وعلم الجامل بجامعة حلوان. القاهرة -حمزة قناوي
النقاد حادوا عن أدوارهم في التعاطي مع الشعر والتفوا حول مكاسبهم الخاصة
70
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
حسن طلب
كنت من أوائل ُ الشعراء الذين كتبوا عن الثورة من مشهدها األفقي يف ميدان التحرير ،يف ثالثيتك «إنجيل الثورة وقرآنها»، كيف ُتق ِّيم ما ُكتب عنها يف ظل سج ًال َح َّساساً ما وصلت إليه ،هل كان الشعر مرآوياً و ُم ِّ للثورة يف عملك وفيام تاله من أعامل آخرين؟ ■ األم ُر ال يُقيَّم باألسبقية أو األولوية ،إمنا املسأل ُة هي كيف تكون الكتابة عن «امليدان» حقيقي ًة تجم ُع بني الشعر وبني صورة امليدان ،وهي صورة سياسية للثورة تعكس أيقونتها ،وأرى أن كثريا ً مام كُ ِت َب من الشعر من قلب امليدان بالتزامن مع الثورة كان وف َّياً لجانب دون اآلخر ،ويندر أن نجد شعرا ً كان وفيَّاً للجانبني َمعاً ،فالشعر الذي نُ ِعت بأنَّ ُه «شعر الثورة» يعتمد الجانب الصاخب من الثورة وشعاراتها واستلهام أحداثها ،دون أن نجد جوهر الشعر الحقيقي من ذلك كله .يف مسألة الثورة الشِّ عر قليل والشعار الثوري طَغى الجيد ٌ عىل الشِّ عر ،وقد علَّ َمنا التاريخ أن األحداث الكربى ت ُلهِم الشعراء ويصاحبها ِشع ٌر كَثري ،ولكن ما يبقى هو القليل الجيد الذي يرت ِكز عىل الصورة الشعرية ..فإبَّان ثورة يوليو كُ ِتب كَث ٌري من الشعر وال نتذكر منه إال الجيد باملنظور الفني ،نتذكر من هذا العرص «الثوري» غزليات إبراهيم ناجي! أتصور أن ذلك سينسحب عىل ِشعر ثورة يناير أيضاً الذي لن نتذكر منه إال الجيد الذي ُع ِن َي بالصورة والقيمة الفنية والخيال وهو قليل ،أما الباقي فسيكون مصريه ال ِّنسيان ألنه تخىل عن ِ الشعر يف سبيل الشِّ عار. أما عن تجربتي الشعرية فهي للتاريخ ومازلت أكتب، ومرشوعي الذي ذكرته عن الثورة ثالثية شعرية بعنوان «إنجيل الثورة وقرآنها» تضُ ُّم الجزء األول «آية امليدان»
وال ُجزء الثاين «إصحاح الثورة» والثالث ِ «سفر الشهداء». وقت بعي ٍد ُت َتدَاول مقولة أن هذا الزمن «زمن منذ ٍ الرواية» فهل تتوقع استمرار غلبة هذا النوع من األدب تفجر هذا الحدث القومي الهائل؟ هل عىل ِ الشعر بعد ُّ ً تكون الرواية هي األكرث قدرة عىل التعبري عن الثورة؟ ■ سأختلِف معك ،فهناك روايات كثرية عن الثورة وهي ممتازة ،مثل روايات إبراهيم عبداملجيد التي ال تقل عن ديوان الراحل حلمي سامل الذي أنجزه عن الثورة «ارفع رأسك عاليةً» ،وهناك أيضاً ٌ أعامل أُخرى مل تصدر يف شكل دواوين بعد كقصائد محمد سليامن ،وت ُع ُّد من أهم أعامل ما بعد الثورة ،هل يعقل بعد هذا كله أن نتغافل عن الشعر ودوره؟ إن اإلبداع يف الفن واألدب ال ينحاز لنوع دون اآلخر ،فكل أنواع األدب قامئة ،ولكن لن يبقى منها إال الفن الحقيقي ،وكل أنواع اآلداب تستعني ببعضها بعضاً وتنفتح آفاقها كل عىل اآلخر ،فالرواية تستعني بالشعر ٌّ وتستخدم لغة اإليحاء ،والشِّ عر يستفيد من الرواية ويلجأ إىل الرسد ،وبالتايل فإن كل أطياف الفن الثوري -الذي يعد محصلة كل هذه الفنون من األدب ِّ والتشكيل واملوسيقى والسينام -من املمكن أن تتشارك يف رسم لوحة كبرية متعددة األلوان اسمها لوحة الثورة.
ديكتاتورية الفن
كنت من بني األعضاء املستقيلني من لجنة الشعر باملجلس األعىل للثقافة ،وهي املمثل الرسمي للشعر يف مرص ،يف االستقالة الجامعية التي ُقدِّمت بقيادة أحمد ضج ًة يف الوسط الثقايف عبد املعطي حجازي وأثارت َّ املرصي .ما الذي دفعك لتبنِّي وجهة نظر الشعراء املستقيلني ،عل ًام أنك تؤكد دوماً بأن أفكارك مع التجديد؟ ويف تص ُّو ِرك كيف سيتغري عمل اللجنة اآلن وتوجهاتها بعد استقالة ُقدامى األعضاء منها؟
issue (9)- February - 2013
71
حوار
■ يف حقيقة األمر أنا مل أنسحب مع حجازي مثل محمد ِ أبوسنة ،وإمنا انسحبت اعرتاضاً عىل الطريقة التي تم بها تشكيل اللجنة ليك يتملقوا من خاللها الشباب وشعراء األقاليم الذين أتوا إىل اللجنة يف عهد د .عامد أبوغازي وزير الثقافة السابق واألمني العام للمجلس
الديمقراطية ال تتسق وطبيعة اإلبداع ..ولجنة الشعر الحالية تملُّق محض للشباب! قوامها مجموعة من شعراء األقاليم والمغمورين ..كيف سيخدمون الثقافة المصرية؟!
72
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
األعىل للثقافة ،هذه سياسة أق َّر َها فأتوا مبجموعة من الشعراء الذين مل نسمع بهم من قبل ،وبجانب هؤالء أتوا مبجموعة تتخيل أن لجنة الشعر مكا ٌن لتحقيق املكاسب واملصالح ،كيف للج َن ٍة من هذا النوع أن تخدم الثقافة املرصية؟! كان ال بد أن أستقيل منها ،ال أن أكون صوتاً يف هذه الجوقة ،وال أعتقد أن هذه اللجنة صنعت شيئاً هذا العام من أجل القَضيَّة الشعرية ،إن الفن عام ًة والشعر خاص ًة ال بد أن تكون بهام ديكتاتورية ،والتشكيل القديم تم العصف به تحت شعار الدميقراطية ،فجاؤوا بشعراء من األقاليم واملغمورين! والدميقراطية عندما ت ُرفَع ال تكون لها كلمة حق يف مجال الفن والشعر ،هناك موا ِهب كُربى وقامات شعرية رفيعة وشعراء مهمون، فكيف نس ِّوي بني هذا وذاك؟ لذلك فإن الدول املتقدمة أقامت «مجمع الخالدين» ليضم القمم واملبدعني ال َن َد َرة يف الفنون والفكر ،وتستغل خرباتهم ومواهبهم وقدراتهم عىل قيادة الحركة الفكرية واإلبداعية بدالً من أن تُعا ِملهم بتهميش ،ولذلك فإن الدميقراطية غري ُمستحبَّة يف مثل هذه األمور ،ألنها أتت بأناس عىل غري هذه
حسن طلب
املعايري ،فنحن لسنا يف انتخابات «مجلس شعب» إمنا أمام مواهب وفكر وتاريخ. قريب لك قلت إن جيل السبعينيات أصبح يف ترصيح ٍ ٍ جانب تقصد ذلك؟ هل «مجرد ذكرى وتاريخ» .فمن أي ٍ وحراكه عىل الساحة الشعرية؟ انتهت فاعلية هذا الجيل ِ أم أن األجيال الالحقة عليه مبا أتت به من أساليب تجديد وتطوير ورؤي ٍة مغايرة جعلت صورة هذا الجيل تتالىش؟ ■ أقصد هذا كله ،أقصد عدة معانٍ ،أولها ما تم أخذه عىل هذا الجيل بجملته ،والحكم عليه بشكلٍ عام، وهذا مل يعد ممكناً ،ألن هذا الجيل أفرز يف نهايته قل ًة من الشعراء ،فكان يجب الحكم عىل كل شاعر مبفرده مبا قام بإنجازه وحده وليس من خالل انتامئِه إىل جيلٍ يختص مبنجزه فردي يف النهاية ،وكل مبد ٌع ُّ ُمعينَّ ،فاإلبداع ٌّ اإلبداعي الذايت ويُساءل عن ُه بعيدا ً عن جيله ،والذكرى ليست دامئاً سيئة. من ناحية أخرى علينا أن ننىس الطريقة التي نشأ بها هذا الجيل ،ألنه نشأ يف جامعات مل تعد موجودة فعلياً اآلن ،ولكن يف النهاية نحن أمام قامات شعرية ظهرت يف هذا الجيل مثل حلمي سامل ومحمد سليامن وعبداملنعم رمضان. الكثريون يح ِّملون قصيدة النرث ما وصل إليه الشعر عموماً من تراجع وانفضاض للمتلقني عنه ،فهل أنت مع هذا الرأي أم أنه يفتئت عىل شكل من أشكال التجديد والتجريب األديب؟
هذا التص ُّور يحمل قدرا ً من الظلم لقصيدة النرث ،ألن انرصاف األمور نسبياً عن الشعر له أسباب أخرى ،من هذه األسباب انتشار الصورة واإلعالم املريئ وأجهزة االتصال الحديثة ،فالفنون املرئية أحد العوامل الهامة يف االنرصاف عن الشعر ،ويف هذا االعتبار فإن فكرة الكتاب والقراءة ترتاجع إجامالً بغض النظر عن األنواع األدبية وتباينها ،إذا ً فقصيدة النرث ليست املسؤولة وحدها ،ألن دواوين شعر التفعيلة تراجعت يف مبيعاتها أيضاً -وهو معيار للتلقي. وأعتقد أن أحمد شوقي اآلن ال يجد اإلقبال نفسه مثلام كان اإلقبال عليه منذ عقود .أرى أن قصيدة النرث حركة طليعية وابتكارية ،مبعنى أنها تجريبية قد تنجح وقد تفشل ،وعلينا أن نعطيها حق الوجود ثم نرتك الحكم وتحديد التو ُّجه والذائقة لل ُمتلقي ،فإذا استطاعت قصيدة النرث أن ت ُلبِّي حاجة الجمهور ويجد فيها القراء يف املقابل ما يبحثون عن ُه من حساسي ٍة مختلفة وتعبري عن ذواتهم فال بأس ،وإن مل ِ تستطع أن تشبع رغبة املتلقي وطموحه الفني فلن تكمل ،ولكن من خالل وجودها الحقيقي منذ السبعينيات فإن املؤرشات بشأنها سلبية ،وتقول إن هذه التجربة «الطليعية» مل تنجح عىل الرغم من وجودها منذ أربعة عقود.
سقوط النقاد
ذكرت من قبل أن ِكبار النقاد حادوا عن مهمتهم issue (9)- February - 2013
73
حوار
األساسية ومل يعودوا يقومون بنرش الوعي واإلضاءة عىل النصوص واألخذ بيد الجيد من الشعراء ..إلخ ،وذهبوا إىل مكتسباتهم الخاصة والبحث عن مصالحهم ..يف رأيك هل هذا مسئول عن تراجع دور األدب يف املجتمع وضعف االهتامم به أم أن هذه ( جرمية فردية) كام أن للشعراء أخطاء مشابه ًة موازية؟ ■ نعم صحيح ،فغياب الدور املسؤول للنقد األديب بشكل عام والنقد الشعري بشكل خاص جعل الجمهور ال يقبل عىل الشعر.هناك دائرة تتكون من ثالث حلقات ،هي الشاعر الذي ينظم الشعر وامل ُتلقي امل ُتذ ِّوق ،ويف املنتصف هناك الناقد الذي يحاول أن يقدم لل ُق َّراء خريطة للواقع الشعري ،ويأخذ بيد القارئ ويقدم له ما هو جيد من الشعر وكيف ميكن للقارئ أن يتذوقه ،وهذه أسئلة يجيب عليها الناقد ،فإذا تخىل الناقد عن دوره انفتحت هذه الدائرة بسقوط حلقة مهمة منها ،وكان هناك نُقَّاد مثل لويس عوض ،وشكري عياد ،وعزالدين إسامعيل كان الشعر يف أيامهم مزدهرا ً ،ألنهم كانوا يقيمون ندوات و ينشئون دراسات لتعريف القارئ أن هناك ديواناً جيدا ً أو أن هناك حدثاً ما مهامً يستحق املتابعة ،ألن القارئ يحتاج إىل من ييضء له ويشري إىل القيمة وما يستحق، ولهذا نعم أحملهم املسؤولية كاملة عن املشهد املفكك القائم حالياً.
أعتقد أن أحمد شوقي اآلن ال يجد اإلقبال نفسه مثلما كان اإلقبال عليه منذ عقود ،أرى أن قصيدة النثر حركة طليعية وابتكارية ،بمعنى أنها تجريبية قد تنجح وقد تفشل
هل تتوقع أن ُتفرز املرحلة الحالية يف الواقع العريب أشكاالً مستحدثة من اإلبداع األديب ،أو اإلبداع الشعري عىل وجه الخصوص ،أم أن جدلي َة التأثري والتأ ُّثر بني الحدث والفن تفرض أن يكون األدب تابعاً و ُمنتظراً النتيجة التي تستقر عليها البنى السياسية واالجتامعية؟ ■ سؤال من الصعب أن نجيب عنه ،فعلينا ان نسأل أنفسنا :هل الشعر والفن عموماً يقودان إىل التغيري أم أنه يتجه إليهام؟،إذا اعتقدنا أن الشعر والفن يقودان
الفنان محمد جايب
74
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
حسن طلب
الوعي السيايس واالجتامعي للشعوب فمن الصعب أن نقول إن الثورة ستفرز أشكاالً جديد ًة لألدب ،أما إذا قلنا إن الفن والشعر هام انعكاس لألحداث فإنه علينا أن نتوقع من الثورة أن تنتج أفكارا ً واتجاهات جديد ٍة يف الفن ،وأنا لست ِم َّمن يعتقدون ذلك .تطور الفن نفسه ال يحتاج إىل ُمح ِّرك خارجي ،أنا أعتقد أن هناك مساف ًة بني الشعر والواقع االجتامعي ،وأن التغري يف الذوق الفني واملدارس الفنية واألشكال ناب ٌع من الفن والقامئني عليه ،كام يخضع للرضورة الفنية ،فعندما تظهر مدرسة فنية جديدة يف الفن التشكييل متمرد ًة عىل التقاليد الكالسيكية ،كاملدرسة املستقبلية ،فإننا نُع ُّد ذلك مت ُّردا ً عىل األشكال التقليدية والكالسيكية ،وظهورها ليس نتيج ًة لثورات سياسية أو اجتامعية بقدر ما كان تجديدا ً نابعاً من داخل الفن نفسه ،ولهذا يسعى الفنان للتجديد والبحث عن نوع جديد عندما تتج َّمد األشكال الفنية واملدارس الفنية، عند هذه اللحظة ينشأ التجديد وليس نتيجة ثورات سياسية ،كذلك شعر التفعيلة عندما ظهرت بداياته يف األربعينيات ،كان الشعراء قد ضجروا من الشعر العمودي الذي أصبح قالباً ال تجديد فيه ،ما أوجد رضورة استحداث وخلق شكلٍ جديد ال يتقاطع مع قواعد القديم. ً دامئاً ما كان الشعر ،واألشكال الفنية عامة ،توثق لِ َّل َحظات الهامة واألحداث الفارقة يف تاريخ الشعوب،
وهذا عىل مسار ومنوال ما فعلته يف «إنجيل الثورة وقرآنها» هل هذا التوثيق ،عام ًة ،يستمد أهميته من الحدث أم من القيمة الفنية األصيلة للعمل الفني؟ ■ إن الدور الذي يلعبه الشعر واألدب يف توثيق األحداث الكربى موجو ٌد عرب التاريخ ،وال ميكن أن ننكره، وسنجد أن ظهور اإلسالم صا َح َب ُه وجود شعراء ملدح الرسول أو للكتابة عن اإلسالم ،وأيضاً يف عرص الفتوحات اإلسالمية ظهر ِشعر الفتوحات ،ولكن هذا الدور الذي يقوم به الشعر له رضورة تاريخية وليس أهمية فنية، «السيف أص َد ُق إنبا ًء من مثل قصيدة أبو متام عندما قال: ُ ال ُكتُ ِب ....يف ح ِّده ال َح ُّد ب َني ال َج ِّد واللَّ ِع ِب» فهو َس َّج َل واقعة تاريخية بعينها ،رآها بعني الشاعر ،فقام بصياغتها مبا ميلك من أدوات بشكل فني محكم فبقيت ،والشعر الذي يوث ِّق لألحداث ما يجعله فناً ليس للرصد فقط ،ألن الشاعر ليس عبارة عن كامريا ترصد وتنقل بعني مجردة فحسب ،بل يجب االرتكاز عىل الصياغة الفنية يف تسجيل الحدث ،كأن تكون الكامريا هي عني الشاعر التي تضيف وتحذف ،والتي تصبح بعدها القصيدة عمالً فنياً فريدا ً إذا تحققت فيه رشوط وعنارص اإلبداع ال التسجيل املحض.وهذا ينطبق عىل الشعر الذي ُح ِسب عىل الثورة كأنه نتج عن كامريا محايدة ترصد يبق منه يشء وتروي الثورة كام هي ،هذا الشعر مل َ وسوف ننساه كام نسينا الشعر الذي كُ ِتب عن حريب 73 و56 issue (9)- February - 2013
75
نقد
أحمد العسم
ما يخفي الحال ويفضحه بالشعر أحمد العسم صاحب تجربة شعرية الفتة استطاعت ان تفرض حضورها في الساحة الثقافية اإلماراتية.شاعر ذو توجه حداثي واكب تحوالت وتطورات القصيدة العربية في العقود الثالثة األخيرة
سامح كعوش
إن شاعر قصيدة النرث العربية واإلماراتية بخاصة ،يتعمد تفعيل شبكة عالقات محورية ال أنوية تقوم عىل فنيات الغياب الكيل لذات شاعرة تتقن التخفي وتعتمد تقنية تعدد األصوات الشعرية داخل النص الشعري الواحد ،سبيالً إىل إعالء صوتها الخاص وإبراز النداء الجامعي والكيل للحياة ،وهنا نكون إزاء مجموعة من األصوات تتداخل يف ما بينها مشكّل ًة صوتاً جامعياً بدالً من الصوت الفردي ،ألن قصيدة النرث هي صوت الجامعة الرافضة أو املتمردة ،أو هي التخييل يف أقىص رؤاه باإلمياء الحريك واإليحاء اللفظي . وقد كانت قصيدة النرث العربية وبخاصة يف صورتها اإلماراتية ،هاجسا فنيا مبعايري جديدة لعالقات لغوية أكرث اتساعاً وانفالتاً من محوريتها ومركزيتها ،وحالة جاملية مبقاييس جديدة للجامل ،ال مكان فيها للخيل والليل والبكاء عىل األطالل ،وال حتى للفظة كام هي يف إطار مدلولها الشكيل الرتكيبي يف الجملة الواحدة. أحمد العسم ،يكتب قصيدة الظأم إىل املاء ،ماء األطراف نصه ،الذي يتسلل عرب شقوق التفاصيل، السبعة يف ّ 76
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
وتترشبه دقائق حياة الشاعر ،لريتاح من أرساره ،يف كفاحه الطويل ض ّد ما خبّأته الكلامت من يباس الشهقة الشعرية يف االندهاش.وبالتساؤل يرتقي الشاعر مقام الحكمة ،أو هي الفلسفة الوجودية التي نظّر لها «كريكغارد» ،لكن أثبتها شعرا ً «سارتر» ،وبالكتابة «املشوشة» يحيل اليقني الشعري إىل مرجعية الشك ،التي تطرح سؤاالً وجودياً يردده الشاعر يف النص: « َم ْن دل َّك عىل البيت؟ رص ِة املفاتيح؟ َم ْن أوع َز َلك ب ّ أيها املش ّوش ملا عدتَ ؟». كل كل اإلجابات ،والشعر ٌّ السؤال مفتاح ّ مسكون بالشّ ِّك ،حاف ٌز عىل األسئلة ،مح ّر ٌض عىل اإلجابة عنها.
نفي الذات
أحمد العسم يرسم األسئلة مدخالً إىل النفي ،ويبدأ بذاته الشاعرة لينتهي إىل لحظة العدم ،وارثاً قصيد ًة مل يكتبها للموت الشعرا ُء إال مبوتهم ،يف لحظة انكشاف املوت أمام أعينهم، كأنه الوميض الشهبي يف العتمة ،أو لحظة ما قبل الكتابة. بالنفي يلغي مربر كتابته الشعرية ليؤكدها ،يف لعبة
أحمد العسم
جدل الثابت واملتح ّول عنده ،كام يف اعتبار أدونيس أن الطفل املشاكس ،بالكالم يلثغ به كام يريد ،بيد النفي معجزة قصيدة النرث قامت عىل إيقاع الجملة وعالقات الحاسمة الحازمة ،وأشياء نصه الشعري يف ذلك «حذاؤه البشع ،وعيون املارة املشنقة ،ال رغبة حميمة ،مل يعد َ فيك األصوات واملعاين والصور ،وطاقة الكالم اإليحائية ،والذيول التي تجرها اإليحاءات وراءها من األصداء املتلونة أمل أو رجاء ،فال يع ّول عىل صالحك املهدور نصفه يف ٌ املتعددة. املشاغبة». وأحمد العسم هو املشاغب هدرا ً للعمر يف ال جدوى نفي الذات بالغياب صفة الحضور عند أحمد العسم، الشعر عند عيون املارة التي تشنق الشاعر باألسئلة رس الغياب ،املاء الشفافية ،التي يختبئ واملاء يفيش ّ املستحيلة واإلجابات املريرة ،أو ضعف شياطينه عن رغبة الشاعر خلف أصابعها فتكشفه أكرث ،والنفي إثبات يف رسي إىل القصيدة ،يقول أحمد حميمة ،ألن الريبة مفتاح ٌّ ٌ العسم يف نص «ماء األطراف السبعة»: يكتب أحمد العسم ،قصيدة «ال ترتك وشم األمكنة عىل جسدك /وتجلس يف الال لزوم الظمأ إلى الماء ،ماء األطراف /يش ٌء من فائض كآبتك ينزل من السلّم /يدخل الهواء إىل نصه ،الذي يتسلل أملك الكسول». السبعة في ّ عبر شقوق التفاصيل ،وتتشربه وألنه يحكم بنائية اللغة يف النص بقيم النفي ،يبدأ النص بالتحطيم ،لقيم الذاتية أوالً ،فهو املش ّوش واملش ّوه دقائق حياة الشاعر واملريض وفاقد الذاكرة والواقع يف ال وعي الحقيقة حتى يغرق يف متاهيه مع الصورة يف املرآة ،ويأكل من مثرة آالمه issue (9)- February - 2013
77
نقد
رسي ،وأن السمك معلناً أن الريبة ٌ مفتاح ّ يُشوى يف الحرسات ،حتى يصل إىل خامتة أحزانه باملوت الذي يؤكد له أنه مل يعد فيه أمل أو رجاء ،وأنه ال يع ّول عىل صالحه ،يقول ٌ يف نصه «ماء األطراف السبعة» من مجموعة «باب النظرة»: «مل أكن جيدا ً /كام يقول أصدقايئ يف املقهى كنت /يك أدخل إىل نومي وأرصخ /كام لو ُ أستكني /يف املاء تجلس إعاقتي /بع َد أن أفلت أصابعه /أراين أخطايئ». بني التوظيف الديني واألبعاد األسطورية تقع مقاربة أحمد العسم الداللية ،ما بني ح ّدة الضوضاء ورقة تفتيت ذات فعل الهمس ،وللضوضاء املاء ،حيث للامء ُ ُ ظل نومه. الشاعر ،يف وحدتها وكآبتها كأنه ّ ٍ عالقات وبني البنية اللغوية والبنية الداللة ،متتد شبكة ِ النص «العنرصية» ذات الصلة بعنارص مائي ٍة يف سامت ّ املاء والهواء والرتاب والنار ،وهو شاعر يجبل هذه العنارص مبفردات دالة عىل موقف وآراء فلسفية ،فاملاء تعض عنرص القصيدة األول واألخري ،يف مفردات «السبخةّ ، َ شفتيك ،عيون املارة ،السمك األبيض ،املاء املندلق عىل من الحنفية ،لسانك ،املاء وحده يقف بنا عىل أطرافه، يف املاء تجلس إعاقتي ،تدخل املدينة فمي ،البحر». بينام تقع تحوالت العنارص األخرى خادم ًة لهذا التحول
يشتغل أحمد العسم على بنائية اللغة ليُعلي شأن المعنى الداللة ،فالماء أسطوري الفعل ،بالطوفان والعمادة ،والغسل .والماء رؤيوي وشفاف ،وهو قصيدة المدينة التي تنام بين ذراعي الشاعر
78
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
نحو ثبات العنرص الرابع ،املاء .فالفراغ الهواء متحول يف مفردات «يدخل الهواء، غريب كعادته يف رئتك ،النفخ»، الحب ٌ ٌ متحول أيضاً نحو غاية والصلب الرتاب التحول إىل املائية بالذوبان ،يف مفردات «البيت ،حذاؤك ،األمكنة ،الرحى ،الردم، الشارع ،املمىش ،تدخل املدينة فمي»، والضوء النار متحول لالنطفاء يف مفردات «تشوى ،رغبة حميمة ،أحلم بشمس، الصباح».
رس املاء
هي تحوالت بنيوية يف اللغة والداللة معاً ،فهو يسخّر بنائية نصه لخدمة هذه التحوالت يف النداء والنفي ،ث ّم الجزم واألمر ،كأنه صوت الشاعر يف استقراره عىل ثابت متح ّول أخري ،ينادي «أيها املش ّوش» ،يف بداية النص، ويخاطبهَ « :م ْن دل َّك ؟َ /م ْن أوعز َلك؟ /يف يدك /حذاؤك بشع /تفرد لها عضالتك» ،ث ّم ينتقل إىل الجزم واألمر معاً «:ال تظهر غ َري ما أنت عليه /ال ترتك وشم األمكنة عىل جسدك /إذهب ال تشري وال ته ّز املاء /ال ترفع إبطك مثة بالد منكوبة تحت ضلوعك» ،والنداء املش ّوش يتحول أمرا ً متيقناً من فعله ،بعدما يصري املخاطب املش ّوش أنا الشاعر املشاغب ،الصارخ ،السابح يف ماء الرؤى كأنه باملاء وضوح األسئلة ويقني اإلجابة عنها، وامللح يقطر يف عينيه َ يل جديد، تشكي إبداع يف األربعة العنارص ويلمح اجتامع ّ يرتقي بالشعر إىل مصاف الفلسفات األوىل التي بحثت طويالً يف ماهية الوجود ،ويتقمص دور «هرياقليطس» اليوناين يف قصة الحىص واملاء ،أو «نرسيس» الذي باملاء رأى ،فانكشف عىل ه ّمه اإلنساين. هو الشاعر أحمد العسم يف خضم تحوالت املاء التي نصه الشعري ،مفتاحاً لصندوق فرجته، يفرضها يف بنية ّ و مساقاً شعرياً إىل تحقق «البحر» يف قصيدته ،ألن نص «ماء األطراف السبعة» يرسم لعنارص الهواء والرتاب والنار انطفا ًء و امنحاء واغتساالً بعنرص املاء ،ويفتح للشاعر باب التوحد بأشياء الكون يذيبها يف ماء قصيدته ليستمع إىل
أحمد العسم
همسها األزيل كأنه املاء «وحده يقف بنا عىل أطرافه»، كام يقول. وألن قصيدة النرث تتضمن مبدأ مزدوجاً :الهدم ألنها وليدة التمرد ،والبناء ،ألن كل مترد عىل القوانني القامئة مجرب إذا أراد أن يبدع أثرا ً يبقى أن يعوض عن تلك القوانني بقوانني أخرى يك ال يصل إىل العفوية والال شكل ،وهذا ما يربز جلياً يف تجربة الشاعر أحمد العسم بني شعراء قصيدة النرث يف اإلمارات ،فالتجربة عنده ذات حركة تصعيدية تتجه نحو تصعيد للذات سعياً إلبراز الخطاب الشعري بلسان اآلخر /هو أو هي الغائب والغائبة. أحمد العسم يكتب خروجاً للمختلف عىل املألوف يف عالقة الشاعر بأناه وأنثاه ،بتصيّده الشعري للحظة املوت االحتامل لتصري حيا ًة تتسع ملغايرة الشاعر يف مرضه ،بأن يرتسم ظالً قريباً إىل أجمل ما يف صورة أنثاه من دفء األمومة وحنانها الجارف ،ظالً وال يتشكّل كجسد ،كأنه تلمح خوف الشاعر، يف لحظة شعرية وشعورية معاًُ ، وضعف اإلنسان أمام جربوت املوت كاحتامل ،واملرض كحتمية ،يخشع قليالً فيجد قلبه ،ويكتب ألنثاه «مريم» هذا الوجد املتشكل يف نص شعري ملحمي وإن مل يتجاوز األسطر القليلة كجسد ،إال أنه منفتح عىل امللحمة ك َنف ٍَس شعري يسأل يف الوجود وقيم املوت والحياة. الشاعر أحمد العسم يف قصيدته «مريم» يتشكّل كائناً من ذاكرة طفلة ال تقوى عىل النظر يف املرآة ،ألن املرآة انكسار وجه الشاعر وشظايا وجده ،وهو الكائن األكرث شفافي ًة يف هذا العامل ،يكتب للحب بحب ،ويعيش الفرح بفرحة األطفال ،ودهشة أعينهم ،مراقباً طائر سنونو الحب الذي يأيت ليغادر ،كام الشاعر يف قيمة الحياة نفسها ،ملحة الوجود الخاطفة مهام طالت ،فعني الشاعر ال تتسع ألكرث من دمعتني ودهشة واحدة فقط ،هي دهشة االكتشاف للحظات الحياة التي يكتبها الشاعر العسم بوعي متقد ،وذاكرة مشتعلة ،يقول: «الحب طائر سنونو /ما إن ِ يأت /حتى يغادر /جئت بعقد فل /فرصت له أما /ورصت شجرة صرب». العسم موفق يف اختيار ألفاظ الداللة العجيبة ،بني صرب وفل ،األول يتسع كحب والثاين يضيق كشوكة ال تنكرس،
واقفة يف مساحة االرتقاء بالشاعر إىل أعىل املعاناة كقضية شعرية بامتياز ،فيها اختالف قوانني الربح والخسارة، فاملجروح يبيك فرحاً ،والجارح ينكرس حباً ،وكالهام عالمتان الرتياح إىل اآلخر ،وانزياح لغوي عن اللغة. بني مفردات الربيع والخصب األريض ،ومفردات القيم والصفات الساموية يتسع عامل الشاعر ليبقيه قيد حياة أمام مرض الفقد والبرت ،بالصرب والصبّار واألمومة املجازية لعضو من أعضاء الجسد ،وهو الفقيد املاثل أمام العني كشوكة يف خارصة ذاكرة الشاعر ،يقول العسم يف نصه مريم من مجموعة «باب النظرة»: أختبئ عند أول نظرة /وأصافح « ألنني هكذا خلقت/ ُ ِ ضحكتك /التي ضيوفاً ال أعرفهم يف الظلمة /وحني أتذكر ُ أضحك لقلة حيلتي /وأدرك كم هو خرجت من صدري/ هائل /هذا البرت». الحكاية الشعرية يف نص «مريم» محورها املرض كحدث، ورسديتها ال ميكن أن تقوم إال عىل البرت كعقدة لحبكة حياة الشاعر التي اخترصها ح ّد اللمحة الشعرية يف الصورة الرسيعة الواقفة« ،فالش» دومنا عودة واسرتجاع «فالش» اللحظة امل ُشاهدة بعني الكامريا لدى العسم، «سناب شوت» ،يخرج العسم من جسد ممدد عىل الفراش يف رسير مستشفى ما ،ويطري حوله ،فوقه، كعصفور حب ،كفراشة احرتاق ،تسهر يف الليل توتاً ،ككل الليايل التي تحرسه بأنفاسها» ،وال يليق بالحب إال النرث، issue (9)- February - 2013
79
نقد
كأنه التشظي ،وعالمة االعرتاف بقلة حيلة الجسد. البرت إذا ً يف خطاب العسم الشعري حالة مجازية ال متكن مقاربتها باللغة التوصيفية بل باملفردة التوظيفية الداللية، فالبرت هنا امنحاء ذاكرة الشاعر واستبدالها بذاكرة أخرى تكتبها مريم بحضورها االسمي املصادف ،كأن تتمثل «مريم» األنثى امليثلوجية يف امرأة تحتمل كل تجليات الفقد والوجد والتحدي والصرب ،يف حالة من أحوال املخاض النفيس الشبيه بوالدة طفل وإن كان مرشوع نبوءة شعرية ،يف إحالة الفقد املعنوي املالزم للبرت إىل وجود نفيس مالزم لحضور األنثى املحركة لتفاعل الشعر والحياة ،كأن «ترمي حجرا ً صغريا ً يف بركة األيام» ،لتحرك أسئلة الوجود يف جدليات الحياة واملوت ،وتبث يف الشاعر ولغته الرغبة امللحة بالحياة ،يقول العسم: «يريد أن يبقى حياً /يرصخ يك تأيت /تهدئني من روعه/ وتنفضني فراشه». «مريم» صورة قلق الشاعر وألقه ،قنديل فراشات لغته املحمومة لحظة الهذيان ،بركان الرغبة املتقدة يف الحياة، الرافضة للموت ،تعيل شأن أعضائها املفقودة ،تتحسس أطرافها لتتالىف انكسار مرآة النفس ،املعرتفة بخسارتها ض ّد الحياة ،يف موقف اعرتاف فلسفي يق ّر بشعرية الضد، اليأس التفاؤل ،الفرح الحزن ،وما بينهام ترتبع لغة الشاعر عالي ًة كأنها مرآة النعكاس وجه الشمس ،وجه الشاعر حامالً كيساً من الندم ،وكيساً من وقته املتأخر ،وهو الظل
العسم موفق في اختيار ألفاظ الداللة العجيبة ،بين صبر وفل ،األول يتسع كحب والثاني يضيق كشوكة ال تنكسر ،واقفة في مساحة االرتقاء بالشاعر إلى أعلى المعاناة كقضية شعرية بامتياز
80
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
للجسد املبتور كلغ ٍة ال تقول ولكن تومئ. يتمسك الشاعر باألمل ض ّد األمل ،كأن يطلب من «مريم» أن ترسم وجهاً ضاحكاً عىل الجدار ،لتتسع الغرفة مبليون وجه ،وابتسامات فراشات ترقص ملوسيقى لغة العسم الليلية بوحاً صامتاً بحزنه العميق ،كأنه الشاعر نفسه تخ ّط مساره النفيس يف املرض مفردات الفراق (يغادر)، االنكسار (يكرس رغباته ،خلع أسنانه ،بىك طويالً أمام صورة أمه ،هي شقايئ وكانت تحرمني ِ منك ،أحمل كيساً من الندم ،وكيساً من وقتي املتأخر ،اليأس (النحس، الظلمة) ،الجامد الجسد سبيالً إىل انكساره بالبرت (عظمة، صخرة ،املشبك ،الجدار ،األدراج ،حجرا ً ،املروحة ،البرت). ويبالغ العسم قليال يف ذهابه إىل أقىص غايات املوت ،ال ألن املوت هاجسه ،بل ألن قدرته عىل الحياة أكرب ،ينتمي إىل البرت كحالة إحالة عىل اآليت يف فراغ هذه الفسحة الغياب ،يقرر متى تشاء الحياة أن ترحل عن حياتها، ومتى يبدأ الجسد خطواته إىل التخلص من عبء أطرافه، مجازياً يف الشعر ،وواقعاً يف البرت ،كحالة نرث عاقلة واعية، ال متيل إىل اإلقرار بتفسري املايئ باملايئ ،وإبدال الحقيقي بالحلمي ،فال متخ ّيل يف النرث ،وال استعادة يف البرت ،كأن العسم ميد يده إىل ما تخفيه النفس اإلنسانية ألنها تخافه ،أما هو فيواجهها بشجاعة املوقف الشعري ،ونبل املوقف الشعوري ،املدافع عن أنا سقطت ألفها ،لكنها تبدأ اآلن رحلتها إىل اكتامل اللغة
تجارب
أحمد المطروشي
في بوصلة الشعر واللحظة وعدنا قراء «بيت الشعر» في العدد الماضي بأننا سنقدم التجارب الشعرية اإلماراتية الجديدة، وفتحنا الباب لتلقي النصوص من اجل نشرها وتسليط الضوء عليها من ناحية نقدية .ولكن األمر لن يقتصر فقط على النصوص التي ستردنا ،بل سوف نتابع بعض الجديد الذي تنشره الصحافة المحلية كما هو الحال في هذا العدد ،حيث نتناول تجربة الشاعر أحمد المطروشي
عامراألخضر
issue (9)- February - 2013
81
بني الجدار ورسب الحامم أحاول أن أفرس قصيدة مكتوبة عىل طبق مكسور إنها وأد جسد إنها خرافة من الرغبات ملهذبني مروا من هنا تالوة الوقت مقاهي البارحة صخب الغياب تذكار ألصدقاء غيبتهم أبجدية الحروب كنت متحمساً جداً لهذا الغياب كيف ألغي ذاكريت وأفر غريبا يف بوصله ثانية تسري يف جسدي وساللتي تراقبني من قطار يضحك يف موسم واحد فقط التاريخ ،ملاذا التاريخ ،ملاذا وجبة رسيعة عىل طريق لييل أحدثك عن حب فاشل جاء يف ليل ماطر شعرت فيه بطفولة تنحني يل كلام كربت ً كان اللقاء قرنا ثم اتجهنا لرصاف لكن دون مأزق سوف يجربوننا عىل الرحيل الذكرى هي الطريق اللييل ،هي الحب ،الريح ،مالبسنا، أشكالنا سوف أتطاول عىل الذاكرة وأعلقها عىل الجدار نفسه ً هذا ما أرعبني رست خاويا من كل يشء حتى من أرسار تساقطت وأنا أترنح بجانب املوج الذي يز ّيف إنسانيتي العامل منجم كبري كل يشء يتطاير مثل فتات الخبز ،وقشور البيض طالء يعرب عن البكاء ،كوارث تعزف املوسيقا بعد رشاسة السهر اعربين أرجوك يك أنىس مواعيد عودتهم السيجارة الطويلة أشعلت بها زقاقا ميتص كل قلقي املدينة بسحرها بغوايتها متسح عناء الوجوه يف غمرة اليأس لن أعود . .لن أعود 82
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
بعيدا ً عن التجربة اإلبداعية لدى الشاعر أحمد املطرويش، وهو أحد األسامء الشعرية الجديدة ،إماراتياً ،إذ يعد واحدا ً من شعراء العقد األول من األلفية الثانية ،هذا العقد الذي يعترب برأي عديدين ،بداية النحسار الشعرية عىل نحو عام ،لصالح أجناس أدبية أخرى ،منطلقني بذلك من بعض املؤرشات التي تتعلق بعدم وجود أسامء الفتة حسب تقديرها -عىل امتداد عقد ونيف من الزمان،إضافة إىل اعتبار بعضهم النصوص التي كتبت خالل الفرتة املشار إليها ،مجرد تكرار لنصوص سابقة عليها ،إىل غري ذلك من املآخذ التي يسوقها هؤالء .ولعل سبب إشارتنا- هنا -إىل تلك املزاعم من قبل أبعاض النقاد الذين راحوا يشي ّعون جنازة الشعرالجديد ،هوأن هناك التباساً كبريا ً بات يظهريف املشهد الثقايف ،حيث أن مثل هذا الرأي بات يجد آذاناً صاغية ،بل وألسنة راحت تلوكه ،وتردده ،عىل مرأى ومسمع منا جميعاً ،وقد ترتفع أصوات هؤالء ،عالياً، إىل الدرجة التي تكاد تهيمن عىل تلك األصوات الهادئة التي ترافع عن حضور الشعر ،انطالقاً من نصوص شعرية، ذات قيمة عالية. ومثة مسألة مهمة ،تفوت هؤالء الذين راحوا يتحدثون عن تقهقر الشعر ،بل غيابه األخري ،ومواته ،وهي أن الشاعر الجديد ،مل يعد يتواصل مع جمهرات متلقيه، عرب قنوات االتصال التقليدية املعروفة ،بل أن ثورة االتصاالت التي باتت تنترش ،عاملياً ،عىل نطاق واسع ،هي يف متناول املبدع واملتلقي ،يف آن واحد ،وباتت هناك أمناط كتابية ،ومعلوماتية ،ومعرفية كثرية ،تفرض حضورها ،بيد أن هذه الوسائل نفسها ،يف متناول الشاعر ذاته ،وهو ملا يواصل رسالته ،بل ستظل هذه الرسالة ،مادامت هناك كلمة ،وإبداع إنساين ،بل وإنسان يتذوق الجامل..
أحمد المطروشي
هناك البوصلة هناك الوقت
نص الشاعر أحمد املطرويش ،والذي نعيد نرشه إىل جانب هذه القراءة ،سبق له أن نرش يف الصفحة الثقافية لجريدة الخليج* ،كأحد النصوص األوىل التي تم نرشها ،يف صفحة ثقافية يومية ،بعد أن اغرتبت الصحافة إىل حني ،عن نرش النصوص الشعرية ،تاركة تلك املهمة للمالحق الثقافية، املختصة ،وبعض املجالت الثقافية التي تهتم باإلبداع ،إىل جوار موضوعات وأبواب كثرية ،تدخل يف مجال اهتاممها، يف إطار جذب القارئ والتجسري معه ،مادامت تلك املجالت املعنية بالشعر-تحديدا ً -باتت جد قليلة ،عربياً ،وهذا النص، تم اختياره ،ألسباب عديدة ،يف مطلعها أنه نص شاعر جديد، يواصل تجربته اإلبداعية ،من خالل كتابة النصوص الجديدة التي تفوح منها رائحة اللحظة ،وحرائق الذات. عنون املطرويش نصه ب «هناك البوصلة هناك الوقت»، حيث نجد هنا تكرارا ً السم اإلشارة«هناك» مرتني ،يف عنوان مؤلف يف األصل من أربع مفردات ،ال أكرث ،وإن كانت الداللة اإلشارية تختلف ،يف كل مرة ،فهي متيض-تارة -إىل البوصلة ،ومتيض تارة أخرى إىل الوقت ،وبدهي ،أن من شأن البوصلة-عادة-أن تدل عىل املكان ،أما الداللة إىل الوقت فهي ليست من دائرة اختصاص البوصلة ،بل هي من وظيفة آلة أخرى لقياس الوقت ،حيث كانت اآللتان وال تزاالن مدار اهتامم اإلنسان ،حيث لكل منها شكل الحاجة إليها ،وإن كان هناك بارومرت يشريإىل صنفني من الحاجات ،أحدهام ملّح ،واآلخر أكرث إلحاحاً ،ولرمبا كان امللّح ،يف لحظة ما ،األكرث إلحاحاً ،السيام وأن الحاجة إىل البوصلة ،من قبل املرء وهو يف متاهته ،قد يكون األكرث أهمية، يف لحظة حرجة من حياته ،وإن كانت الحاجة إىل آلة قياس الزمن ،أكرث التصاقاً بلحظته.!.... إن اإلحساس لدى الناص، بالزمان ،وعىل ضوء عتبة العنوان ،يبدو يف حاجة جد حرجة إىل االستعانة ،حيث أن
اللجوء إىل البوصلة ،يف التعامل مع مفردات الزمان ،إمنا تدل عن أزمة حقيقية ،قد ال تكون أزمة الشاعروحده ،السيام وأن غوايات انفالت الوقت من بني يدي املرء ،يف ظل هذه النقلة الحياتية العظمى ،يف مسريته الحياتية ،باتت كثرية ،وهوما يستشفه الناص ،ليكون عبارة عن عتبة ،إىل عامله الشعري. إن الزمن ،يف الحالة العادية ،يكون مبذوالً بني يدي اإلنسان، وهو يقود عنان لحظته جيدا ً ،بحكمة ،ومهارة ،بيد أن اإلشارة إىل الوقت -وهو مفردة زمانية يف حدود القياس -عىل أنه «هناك» ،وليس «هنا» كام هو متوقع ،دليل عىل وجود هوة بني الشاهد/الناص ،ومدى سطوته،ألن املرء يف الحالة العادية، قادرعىل اإلمساك بدفة وقته ،توجيهها كيفام يشاء ،إال أننا هنا أمام وقت زئبقي ،عيص ،عىل أصابع الكائن البرشي، وهوامتداد لحالة عامة ،تولدت نتيجة النقلة النوعية الكربى يف حياته،غريبعيد عن االستهاللة التي أرشنا إليها ،من قبل!.. ومنذ مطلع النص ،تبدومالمح األزمة الوجودية التي ميكن استشفافها ،من العتبة النصية ،حيث مسافة مكانية ،تبدو بني ماهوثابت ،وماهوالمتناه ،بني الواقع والحلم ،حيث اليفتأ الناص يعلن عن هذا القلق الوجودي ،يك تنوس بوصلة روحه، بني هذين امللمحني :املحدود والالمحدود يقول:
بني الجدار ورسب الحامم /أحاول أن أفرس قصيدة مكتوبة عىل طبق مكسور /إنها وأد جسد /إنها خرافة من الرغبات ملهذبني مروا من هنا /تالوة الوقت
والثابت هنا ،يف ضوء هذه القراءة ،هو«الجدار» الذي يرتفع يف وجه الناص أىن فتح عينيه ،بيد أن هذا الجدار ال ميكن أن مينع رسب الحامم يك يحلق عالياً ،وإن كان الناص يدرك أن املهمة املوكلة إليه صعبة هي األخرى ،وكيف ال؟ ،ما دام أنه منرصف إىل تقسري قصيدة مدونة عىل طبق مكسور!..؟ ،فاملهمة عىل أي حال مضنية ،بل خطرية ،حيث هناك«جسد» يف دائرة التهديد بالوأد ،والمانع من أن يستمر-هو اآلخر -مواصالً خرافة من سبقوه ،يف الكتابة ،يك يضيف أثر أصابعه ،بال هوادة ،يتلو الوقت عىل طريقته الخاصة. issue (9)- February - 2013
83
تجارب
وإذاكان املكان غري باد ،يف فضاء العتبة ،بيد أنه أمام التفسريات التي يتحدث عنها الناص-وهي هنا القراءة الناقدة -تضعنا أمام حضور مكاين ،ولو يف إطار غري عابر «الطبق» كمكان يحضن النص ،ومن ثم تنفتح بوابة املكان ،عىل مرصاعيها ،لنجد أكرث من ملمح له:
مقاهي البارحة صخب الغياب تذكار ألصدقاء غيبتهم أبجدية الحروب كنت متحمساً جداً لهذا الغياب كيف ألغي ذاكريت وأفر غريباً يف بوصله ثانية تسري يف جسدي وساللتي تراقبني من قطار يضحك يف موسم واحد فقط
التي استوقفتنا من قبل ،لنكتشف أن الناص ليس مجرد شاهد عىل إحاالت غابرة ،بل أن هناك من هو شاهد يتابع مايجري له ،وهو يف كرنفاله مع املكان والزمان واألصدقاء!.. ومادام أن الناص ،عىل موعد مع تفسريالنص ،فهو ال يتورع عن إطالق أسئلته ،واليرتك أي كائن يف كرنفاله ،من دون أن يستوقفه ،يعلق أشكاله عىل مشجب الترشيح ،ليس ليك يطلق أحكاماً نهائية ،ألن هذه الخصيصة المتت إىل الشاعر بيشء ،وإمنا من أجل أن يرشك متلقيه ،يف لعبة التفسري ،وهو تفسري مختلف عن املألوف ،إنه التفسري الذي يقارب كائنات النص ،ويبث الروح يف أسئلة أخرى أكرث ،تتناسل ،إىل درجة الفجاءة:
التاريخ ،ملاذا التاريخ ،ملاذا وجبة رسيعة عىل طريق لييل أحدثك عن حب فاشل جاء يف ليل ماطر شعرت فيه بطفولة تنحني يل كلام كربت حيث املقاهي يف صيغة املايض ،بل مرسح حروب غيبت األصدقاء ،من دون أن نكتشف مالمحهم ـ أو مالمح تلكم كان اللقاء قرناً ثم اتجهنا لرصاف األبجدية التي غيبتهم ،ناهيك عن أن هؤالء املهذبني الذين لكن دون مأزق مروا من هنا ،وال أثر تركه لنا الشاعر لنستدل عليهم ،ماخال سوف يجربوننا عىل الرحيل الذكرى هي الطريق اللييل ،هي الحب ،الريح ،مالبسنا، صفتي التهذيب واملرور ،بل لئال نعلم أي مكان هو الذي أشكالنا تلتقط له عدسة الناص هذه الصور الوامضة كلها ،بينام
واضح ،أن النص ميور هنا بالحياة ،ومثة مالمح موغلة يف هو اآلخر يفكر بإلغاء ذاكرته ،يك ينضم إىل هؤالء املارة، شاعريتها ،وإن كان االستسالم ملا سيشبه حالة الالوعي، وإن يف صيغة الفرار ،حيث غواية الغياب ،تشعل يف ذاته الحامس يك ينض َّم إىل رتل األصدقاء الذين رسعان ما تالشوا ،يجعلنا ننقب عامل النص يف حديثه عن «حب فاشل» قد يبدو يف قطارات تسري من الحارضإىل املايض ،دون أي فائض من نابياً يف السياق ،أو هو مكمل كام يراه ،إذ يتشابك ذلك مع ترهالت كان من املمكن تناولها ،عىل نحو محكم ،يك يوجزها التفسري. وتنزاح مفردة البوصلة ،لنكون أمام بوصلة أخرى ،غري تلك بالشكل الذي اليتطلب فائضاً من التقسري» الذكرى هي الطريق اللييل ،هي الحب ،الريح ،مالبسنا ،أشكالنا» يك يظل التي هناك ،إنها البوصلة التي هنا ،يف ذات الناص ،بوصلة الرحيل -كمرشوع رهن اإلنجاز -مدار أسئلة النص ،السيام لها صفات أخرى ،غري صفات البوصلة العادية ،وإن كانت وأننا أمام أشكال وجودية كثرية للرحيل/الغياب!..؟ كلمة أخرى ،تحيل إىل حالة توأمية مع البوصلة العتبية، يقول املطرويش:
نص المطروشي أحد النصوص الشعرية الجديدة التي تترك أثرها في نفس المتلقي
84
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
سوف أتطاول عىل الذاكرة وأعلقها عىل الجدار نفسه ً هذا ما أرعبني رست خاويا من كل يشء حتى من أرسار تساقطت وأنا أترنح بجانب املوج الذي يز ّيف إنسانيتي العامل منجم كبري
أحمد المطروشي
رسومات خالد البنا
هؤالء .وهاهو الناص ،يقفل نصه بصور متتالية ،متحركة، تشكل ذروة الدهشة ،حيث يصل إىل قراره الذي ظل يومىء به ،من قبل:
املدينة بسحرها بغوايتها متسح عناء الوجوه يف غمرة اليأس لن أعود . .لن أعود
سرب الذاكرة الناص ،ببسالة املغامر ،تكشف النقاب عن دالالت كثرية ،تقدم جوانب من إشاراتها ،وغواياتها ،السيام وأن مفردة» الجدار» وهو يف تحليقه ،عالياً ،مع بوصلته، يف فضايئ الذات ،والكون ،يجذبه إىل منجم العامل ،يديل باالعرتافات ،ويوايل باالكتشافات ،وإن كانت مقاربة املوج تزييفاً إلنسانية اإلنسان:
كل يشء يتطاير مثل فتات الخبز ،وقشور البيض طالء يعرب عن البكاء ،كوارث تعزف املوسيقا بعد رشاسة السهر اعربين أرجوك يك أنىس مواعيد عودتهم السيجارة الطويلة أشعلت بها زقاقاً ميتص كل قلقي املدينة بسحرها بغوايتها متسح عناء الوجوه يف غمرة اليأس لن أعود . .لن أعود
وبالرغم من التحوالت الهائلة ،يف رحلة الناص ،حيث كل يشء بات يتطاير ،وهو أسري قلق بات يتخلص منه، تدريجياً ،بعد أن أشعل سيجارة طويلة ،إال أن ال مشكلة له مع املدينة ،هذه التي كان لها إيقاع آخريف روح وذاكرة جييل الثامنينيات والتسعينيات اللذين شهدوا تحوالت مكانية ،مدينية ،أرضمت يف أنفسهم نوستالجيا إىل بعض دهشات املايض ،ناهيك عن تخوفهم املرشوع من الكونكريت كام جاء ذلك-علناً -يف نصوص كثريين من
أمام هذا الرشيط اللغوي ،الذي يستمرع ىل امتداد حوايل مئة وتسعني مفردة ،ال أكرث ،يجد املتلقي مستويني للغة: أحدهام يحافظ عىل شعرنته ،بينام نجد يف الثاين متاهياً مع الرسد ،يف الوقت نفسه ،وإن كان هذا النص املفتوح عىل الحركة ،والعديد من الصوراملوارة ،النابضة بالحياة ،حيث حضور للمشهد السيناميئ ،بل إن مالمح القص تبدو جلية يف النص ،باإلضافة إىل استمرار حضور أكرث من بطل :الزمان- املكان-العابرون/األصدقاء ،بل إن الراوي هو الذي يشبك خيوط كل هؤالء ،يحركها أىن شاء ،وكيفام شاء ،يك تصعد الدراما عالياً ،ونكون يف مواجهة نص موعود بكم هائل من االستفزاز ،واإلثارة ،وإن كان ذلك يأيت متبايناً ،بني مقطع وآخر. وإذا كان اإليقاع ،وهو ينمو وفقاً لحركة النص ،بكال مستوييه املذكورين ،فإن ذلك يتأثر بجملة دواع تؤدي إىل استيالده، نتيجة تفاعل الصورة يف مخترب الشاعر ،وعالقة هذه الصورة بإحداثيات املفردات التي تشكله ،ناهيك عن مكونات أخرى ،تظهرعىل نحوواضح ،السيام حني تتحرك ظالل الراوي/ الناص ،وهو يلتقط ما يريد من خطوط رسيعة من املشهد الذي يرصده ،بعد أن يعيد خلقه ،يف ذاته ،لتكون تجليات حضوره عن طريق اإلمساك بهارموين الضمري املتكلم ،متصالً، أوحتى مسترتا ،الفرق. إن نص املطرويش أحد النصوص الشعرية الجديدة ،التي ترتك أثرها ،يف نفس املتلقي ،ألن الكثري من األدوات الالزمة للمعادلة الجاملية ،إمنا يسجل حضوره ،السيام أدوات صناعة القصيدة ،ومعامرها اللغوي ،بل وقبل كل يشء رؤية الناص، وقدرته عىل خلق الجامل ،ولويف ذلك اإلطار االستفزازي الذي قد يكون نتيجة ردة فعل ما من العامل ،حيث لدى النص مايقدمه ،يف مايتعلق بكل ذلك ،وإن كان ضمن أفق ما ،محكوم بحضور تجربة الشاعر وعالقته بأدوات صناعة نصه!... issue (9)- February - 2013
85
نقد
خلود المعال
الخروج من نافذة الذات الى الكون تعد خلود المعال واحدة من الشاعرات اإلماراتيات المتميزات ،حافظت على حضورها في المشهد الشعري اإلماراتي ،وتطورت تجربتها حتى فرضت نفسها بقوة ،بعد ان استطاعت تقديم ما يليق بالمكتبة الشعرية.
مفيد نجم
86
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
خلود المعال
املتابع
لتاريخ التجربة الشعرية الحديثة يف اإلمارات ،ال بد أن يلحظ تنوع التجارب، وتطورها بني مرحلة وأخرى ،ما يكسب هذا املشهد حيويته وقدرته عىل اإلضافة والتطور والتحفيز النابع من تراكم الخربة والتجارب .ولعل تجربة الشاعرة خلود املعال عرب أعاملها األربعة التي صدرت حتى اآلن واحدة من تلك التجارب التي استطاعت أن تلفت األنظار إليها منذ قصائدها األوىل ،نظرا ملا متتلكه تلك القصائد من قيمة جاملية وإحساس شعري متطور ورؤية حداثية ظلت تتطور من عمل إىل آخر بشكل يعكس مدى التقدم والحيوية ،التي متتلكها عىل مستوى بالغة الحضور والعالقة مع األشياء والعامل والذات ،باعتبار أن الشعر هو أرض املخيلة املنطلقة ،ومغامرة الخيال التي تستولد لغتها داخل اللغة ،وهي تؤثث فضاءاتها بالدهشة والحب وألفة الغائب وخفق الروح. بني قصيدة وأخرى تذهب خلود بالشعر نحو تخوم جديدة يف جدل الذات والعامل وهي تحاول أت تستنطق صمت األشياء والعامل ،وأن توسع بأجنحة الضوء فضاء الذات وحدود العامل واللغة ،مسكونة بهاجس الكشف واالكتشاف وأسئلة الذات والوجود والعدم ،وكأنها
بذلك تواصل مغامرة الدهشة األوىل يف اكتشاف ما وراء جغرافية الحواس والزمن ،ما يجعل تلك العالقة القامئة عىل التوحد ،والتي تستمد نسغها من دراما الحياة متيض نحو ينابيعها األوىل ،وهي تحاول يف لعبة املرايا أن تجعل من الشعر معادال جامليا يطري بأكرث من جناح ،وقد غدا مسكونا بالحلم ونشيد الحب الذي تنترص به عىل عدمية الحياة ،لكنها مع هذا وبه تبقى تنوس بني ح ّدي البحث واملغامرة من جهة ،والشعور بالوحشة والفقد وانتظار الحب الذي ال يأيت من جهة أخرى. صدرت للشاعرة أربع مجموعات هي «هنا ض ّيعت الزمن» عام ،1997وديوان «وحدك» ،1999وديوان «هاء الغائب» ،2002وديوان «رمبا هنا» ،2008 وفيها نجد ذلك الخيط الناظم ملسار تجربتها واملتمثل يف جدل الحضور والغياب ،الذات والعامل ،واألنا يف تعددها، بينام تبقى القصيدة خاضعة لرشط تدفقها كام متليها لحظة الدفق الشعوري والتوهج الشعري ،فنجدها أشبه بقصيدة الومضة أوالفكرة ذات البناء املحكم واللغة املكثفة جدا والقامئة يف الغالب عىل عنرص املفارقة وما يولده من شعور بالدهشة والغرابة ،أو هي تطول يف بوحها ومكاشافاتها ودفقها الشعوري . issue (9)- February - 2013
87
نقد
من العنوان إىل املنت
تتجىل الوظيفة الشعرية يف تلك العالقة الجدلية التي تقوم بني العنوان والقصيدة ،سواء أكان عنوانا رئيسا أو عنوانا فرعيا للقصائد ،وتتميز تلك العالقة عىل املستوى اللغوي باالقتصاد الشديد والتكثيف يف اللغة ،كام نالحظ ذلك يف العناوين الخارجية ألعامل الشاعرة األربعة ،أو يف العناوين الداخلية للقصائد .إن تلك العناوين تتألف يف الغالب من كلمة واحدة أو كلمتني «رمبا هنا -هاء الغائب -هنا ضيعت الزمن -وحدك» .أما عىل املستوى النحوي ،فالعنوان يتألف من جملة اسمية أو شبه جملة ،ويف أغلب األحيان تتضمن بنيته حذفا يتولّد عنه الغموض ،بينام تتميز القصائد بشكل يتساوق مع بنية العنوان باقتصادها اللغوي امللحوظ ،بل هي يف قصائد
الديوان األخري تتألف من ثالثة أو أربعة أسطر فقط، وتتميز ببنيتها املحكمة عرب ما يعرف بقصيدة الومضة أو الفكرة ،لكن تلك العناوين يجري انتخابها يف الغالب من داخل النص ،ما يدل عىل جزئية متثيلها للنص عىل مستوى املعنى. تستكمل الشاعرة تلك العالقة الجدلية بني العنوان والنص عىل صعيد البنية الداللية ذات البعد اإليحايئ الذي يقوم عليه العنوان ،إذ هو ينطوي غالبا عىل معنى الشك وعدم اليقني والتمني أوالنفي أو الوصف ،فهو يشكل املحور الذي تدور حوله أو تستغرقه القصيدة ،ويقوم عىل التكثيف واختزال مضمونها ،ما يجعله يؤدي وظيفة التعيني والوصف واإليحاء واإلغراء ،كام هو الحال يف العناوين التي اختارتها ألعاملها الشعرية ،والتي تحاول من خالل ما تتميز به من تكيف واختزال أن يوحي مبضمون التجربة يف كل عمل من أعاملها .إن الحذف الظاهر يف بنية العنوان يجعل املعنى املقصود ملتبسا وغامضا ،األمر الذي يجعل وظيفته الداللية مفتوحة عىل تأويالت املتلقي املختلفة ،وما ميكن أن يستدعيه لديه من معاين ودالالت مختلفة.
املكان ودالالته
قصائد الديوان األخير تتألف من ثالثة أو أربعة أسطر فقط، وتتميز ببنيتها المحكمة عبر ما يعرف بقصيدة الومضة أو الفكرة 88
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
تنبني الصورة الشعرية يف املكان لتعرب عن حركة الشعور، وبالتايل عن العالقة مع العامل واألشياء املحيطة أو الرؤية إليهام ،ومام يالحظه القارئ لقصائد الشاعرة أن الحركة يف املكان تتخذ مسار محددا ،تكون من املكان الضيق السيام املكان املتمثل بالبيوت والغرف باتجاه املكان الواسع والرحب ،الذي تنفتح معه رؤية الشاعرة عىل العامل، حيث تستحوذ تلك العالقة عىل حالة من الرثاء والغنى، سواء عىل املستوى الشعوري للذات املتجسد باإلحساس بالحرية وبالتحرر التام ،أو عىل مستوى اخرتاق حدود املعطى الحيس لألشياء واستجالء أرسارها ،ما يجعل تلك العالقة مع املكان تنعكس عىل طرف املعادلة الوجودي لها عرب عالقتها بالزمن ،وما تحمله من شعور باللذة التي تنتيش بها وهي تدخل يف عمق كينونة األشياء التي تحيط بها يف هذا العامل« :هكذا ح ّرة متاما /أنظر من نافذيت
خلود المعال
تتباين مستويات اللغة بين قصائد أعمالها ،كما تتباين مناخاتها وصورها وبوحها الشفيف ،لكنها في جميعها ترسم مسارا صاعدا لتجربة تنحت لغتها المتوهجة الضيقة /فأرى الكون كامال /تتجىل أرساره الكربى /هكذا متاما /أل ّون تفاصييل الصغرية بلون الثلج ،أتصالح مع اللحظة التي تدخلني لذّة األشياء». يتكرر ظهور جدلية هذه العالقة القامئة بني املكان الضيق واملكان املفتوح الواسع يف عدد من قصائد الشاعرة حاملة معنى االنفتاح والتوحد وكأنها كناية عن الخروج من عامل الذات الضيق عرب نافذة حاسة الرؤية باتجاه العامل الخارجي بكل ما يحتشد به من صور ومظاهر وأرسار تروم أغوارها بصرية الشاعرة لتبني عالقة من الحب والفرح ونشوة اإليغال يف دفء أعامقها السحرية .وإذا كانت هذه العالقة مع املكان تحمل يف مضمونها ذلك الشعور بلذة الكشف واالندماج ،فإن مثة بعد درامي تقوم عليه تلك العالقة أيضا مبا تحمله من شعور آخر بالفقد والوحدة والوحشة وحصار الزمن ،ومحاولة اخرتاق حدود املكان بجناح واحد: استلقي وحيدة /عطىش ينابيعي /متنيت لو أن وابال من محبة ينهمر عىل أريض /ترى /كم قصيدة ما زلت أنتظر؟ /أم أنني رفرفة خافتة /لعصفور بجناح واحد. وإذا كان من غري املمكن الحديث عن املكان مبعزل عن الزمان ،طاملا أن الحديث عن أحدهام هو استدعاء لآلخر حكام ،إذ ال مكان بال زمان ،وال زمان بال مكان ،فإن جدلية تلك العالقة تظهر يف أغلب نصوص الشاعرة التي تستخدم فيها غالبا صيغة التشبيه يف مسعى لتجسيد صورة التجربة التي تحاول أن ترسمها يف تلك النصوص: بدأ الخريف مبكرا /هذه السنة /ال تشبه غريها /
األوراق املتساقطة تنترش حويل كالهواجس /لن أمتكن من التخلص من ذبول فصويل /ستسقط أشجاري يوما /لكن قلبي سيظل دوما.
الذات واللغة
تفصح الرغبة العارمة بالكشف واخرتاق حدود املكان يف التعبري عن روح متمردة ،تعلن خروجها عىل املألوف والتسليم مبا هو موروث ،ألنها بذلك تحقق الوالدة الجديدة للحياة ،وتحرر ذاتها من االستسالم واإلذعان لرشطها املنجز الذي يصادر حريتها ورغبتها يف التعرف إىل العامل واألشياء بحواسها ويقينها وشعورها املمتلئ بنعمة الحب والتوهج :لن أمتدد عىل فراش الاليشء /لن أبقى عالقة مبا يرثه اآلخرون /لن أبايل بأطباق يق ّدمها الحظ/
issue (9)- February - 2013
89
نقد
الحب عند الشاعرة هو فعل تحرير وانطالق وليس فعل امتالك وتقييد وشعور باألنانية، ما يحرّره من قيوده التي طالما ارتبطت به 90
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
الفنان عبدالرحيم سامل
لن أصدق طالعي أبدأ .تقوم بنية النص عىل تكرار حرف النصب لن الذي يتضمن معنى النفي ،حيث يهدف هذا االستخدام للتكرار إىل تأكيد فكرة التمرد والثورة عىل معطى الواقع عند الشاعرة. إن امليزة التي تنفرد بها بنية هذه النصوص يف الغالب، هي عنرص املفارقة الذي تتولد عنه الدهشة والتوتر والغرابة الناجم عن الصدمة التي تتولد عن ذلك ،إذ نجد نهاية القصيدة تذهب باتجاه مفارق لحركة الرسد أو ملسار القول ،أو الحالة الشعورية التي يريد النص التعبريعنها :يف ليلة أخرى /ملع /مل يكن نورا /كان انطفاء محضا. إن الحب عند الشاعرة هو فعل تحرير وانطالق وليس فعل امتالك وتقييد وشعور باألنانية ،ما يح ّرره من قيوده التي طاملا ارتبطت به ،بحيث يصبح الحب مصدرا للتوهج والحرية والتضحية من أجل سعادة اآلخر وفرحه: “ما زلت أحبه /وألنني كذلك /أطلقت طيوره للفضاء/ واكتفيت بالفراغ الذي خلفته”. تتميز لغة نصوص الشاعرة بالبساطة والسالسة والتكثيف الدال واملوحي ،لكن تلك امليزة تختلف بني نصوص أعاملها املختلفة ،يف حني تظل تجربتها تدور يف حدود عامل الذات واألشياء الحميمة التي تحيط بتلك الذات. إن هذه امليزة التي ارتبطت بتجربة قصيدة النرث يربز فيها طغيان الجانب الحيس السيام منه البرصي دون أن يستغرقها كاملة نظرا ملحاولة الشاعرة تعميق أبعاد تلك التجربة عرب انفتاحها عىل جوانية النفس وعىل عالقتها باألشياء والعامل ،ومحاولة إدراك ما يختزنه من أرسار دون أن تغيب عنها مكابدة الروح التي تنوء تحت ثقل أوجاعها ولوعتها يف وحشة شعورها بالوحدة املغلفة
بالصمت والخوف« :كلام سقطت دمعة يف الذاكرة /توجع القلب /توجسا /مام سيسقط غدا». تتباين مستويات اللغة بني قصائد أعاملها ،كام تتباين مناخاتها وصورها وانشغاالتها وبوحها الشفيف ،لكنها يف جميعها ترسم مسارا صاعدا لتجربة تنحت لغتها املتوهجة ،وتوسع حدود فضائها بأجنحة الشوق والضوء والحلم ،وكأنها متارس غواياتها مع اللغة وبها وهي تقف عىل تخوم البوح وقد أيقظت حواسها املرهفة لنشيد انعتاقها ،وأشواق قصيدتها وهي تذهب بها بعيدا يف أرض الشعر ،وعميقا يف الذات عرب عالقة استعارية تغدو القصيدة معها مراة لوجودها وما يعتمل داخل هذا الوجود من أشواق ووميض عابر للروح .
شعر ورواية
اللغة الشعرية
في مرمى السرد يحضر الشعر في الكتابة اإلبداعية وإن كانت خارج متن القصيدة ،فاللغة كثيرا ما تتكئ على جدار الشعرية وتنهل منها .وقد انعكس ذلك في الكثير من األعمال األدبية العربية والعالمية،األمر الذي بات معه مصطلح شعرية الرواية متداوال في القاموس النقدي
ّ عمار أحمد الشقيري
issue (9)- February - 2013
91
شعر ورواية
وذلك «لرواياته وقصصه حيث يتدفق الواقعي والغرائبي غنى معقد لعامل شعري يعكس حياة ونزاعات محيط يف ً بأكمله». هذا ما جاء يف شهادة لجنة التحكيم لألكادميية السويدية «نوبل» املمنوحة يف 1982للروايئ الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز. وبعد ُه إذ ينقل جربا إبراهيم جربا رواية «الصخب والعنف» للكاتب وليم فولكرن إىل ملكوت العربية فإنه يضع يف تقدمي ِه لها هذه العبارة «فنرثه – ويقصد فولكرن- مشحون بالصور الشعرية واأللفاظ غري املتوقعة ,مذكرا ً أحياناً بثورة شكسبري اللغوية .»1 ورشقاً حيث اللغة العربية نقرأ يف كتاب ذاكرة للنسيان «محمود درويش» يف ِ وصف صديق ِه الشاعر الكردي سليم بركات» ال يقول إلاّ للورق املوضوع عىل وسادة ما فيه من عامل عجائبي ،فنتازي ،ومرتع بالفصاحة ،وال أعرف حتى اآلن متى يبدأ فيه الروايئ السارد ومتى ينتهي الشاعر.»2 بهذه الشواهد الثالث التي من ثالث لغات (اإلنجليزية أي أث ٍر ترك ُه – اإلسبانية – العربية) ،سنحاول أن نتتبع َّ الشعر يف الرواية – ولنكن أكرث دق َة يف الرواية املكتوبة مبرحلة نهاية القرن التاسع عرش وبداية القرن العرشين - ُمرتكزين عىل آراء أشخاص مشهو ٌد لهم بالحرفية ترجم ًة وابداعاً ونقصد بهم «جربا ابراهيم جربا ,صبحي حديدي, ونفتتح من منصة وكاتب سرية ماركيز داسو سالديبار» ُ الرشق .
بركات البهلوان الكردي سنواته األخيرة يمسك في ِ بتوازن عصا السيرك ويمشي ٍ ً ورواية ناشر ًا في دقيق شعر ًا ً رواية و ُملحق ًا إياها كل عام بديوان شع ٍر
92
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
الروايئ سليم بركات
ارتسمت الصورة – عموماً – عن سليم بركات عىل أنه شاع ٌر ج َّر اللغة من حي ٍز مهجو ٍر ونائمٍ يف املعاجم إىل ح ّيز القصيدة ،وكا َن َ ذلك يف منتصف سبعينيات القرن املايض ٍ ٍ يف بريوت َ ونال وبجدارة ومبكرا ً ثقة كثري من الذين يُشهد لهم ،ليس بداي ًة بأدونيس وال نهاي ًة بدرويش ،هذا عىل صعيد الشعر ،أما الرواية فاألمر يكاد يكو ُن محصورا ً وغري رش كثريا ً ،فربكات البهلوان الكردي ميسك يف سنوات ِه ُمنت ٍ األخرية عصا السريك ومييش بتوازنٍ دقيق شعرا ً ورواي ًة نارشا ً يف كل عام رواي ًة و ُملحقاً إياها بديوان شع ٍر كان آخرها ديوان «آلهه» وقبله رواية «السامء شاغرة فوق أورشليم» الفتح إىل وكام فتح دهاليز اللغة يف لغة الشعرُ ، ينقل هذا َ لغة الرسد ،وسيكون ما نكتب ُه اآلن رضباً من الرأي العاطفي نقبض إذا ً قبض ًة من أث ِر الكردي يلُ . إن مل نُلحق ُه مبثا ٍل عم ّ ومن رواية قصري ٍة بعنوان «ثادرمييس» : «امتألت العراءات حول الهضاب الثامين يف ِ أرض ثاروس بالجثث ،وتخاطفت العقبان اللحوم املمزقة ،وتهارشت الكالب فوق األجساد ،ال صوت غري صوت الحيوان يف استجابة قلب ِه لنداء الدم حتى املطر هو اآلخر كان ذا هطول أخرس.»3 بهذا الوصف الدقيق للمعركة التي انتهت للتو بني شعبي «هيكو» و»ثاروس» والتي مل تُبقِ غري الشخصيتني الرئيسيتني يف الرواية يفتتح الكردي سليم بركات روايت ُه «ثادرمييس» . األمر عادي لآلن وال ييش املشه ُد بجديد ،لنوغل أكرث يف لغة الوصف عن َد هذا البهلوان .لو أرا َد سارد عادي أن لكتب: يصف مشهد تزاحم الكالب هذا حول الجثث رمبا َ ٍ وبقنص تقاتلت ,تنافست ,هجمت ،لكن بركات هنا يأيت ذيك للفعل املناسب ليضع ُه يف حيز الوصف املناسب للحالة «تهارشت» ويف لسان العرب تحت «املهارشة» نرى أنها مفردة تستخدم يف وصف تقاتل الكالب . الفعل الثاين« :تخاطفت العقبان اللحوم املمزقة» ويف لسان العرب أيضاً وتحت جذر «خطف» نقرأ : َ َ الب ،وقيل :ال َخط ُْف األ ْخ ُذ يف سرُ ْع ٍة ال َخط ُْفْ :االس ِت ُ ِ ً الب ،وهو الفعل األكرث دقة لوصف هجوم العقبان واس ِت ٍ ْ
لغة السرد
سليم بركات
عىل بقايا الجثث. وكام هو الحال يف األسطر الثالثة هذه مييض سليم بركات يف روايت ِه بهذا النوع الفريد من سبك اللغة داخل شح يف لغة السرُ ّاد بشكل عام بل العمل الرسدي والذي يَ ُ ميكن القول أيضاً أن جل أعامل سليم بركات متتاز بهذه الخصيصة املميزة والفريدة . من هنا نستطيع أن نرى أي عمل يُنجزه الشاعر سليم بركات يف اعامل ِه الروائية يف دائرة اللغة ،وما أضاف ُه للحكاي ِة وسيكون الشك مالزماً لذهنية القارىء بعد هذا املثال ليقول :بركات يفتح املعجم ويختار مفردت ُه بعناية. لكن ماذا لو عرضنا الكم الكبري الذي يكتبه بركات سنوياً، تحد أشبه مبا يكون ٍ ففي ٍ بتحد يف ساح وغى ،يكتب بركات يف السنة رواية «ضمن هذه اللغة الحادة» ومعها يف كثري من األحيان ديوان شعر ،فهل سيسعف الوقت هذا الشاعر لينبش يف املعاجم يف كل جملة عن الفعل املناسب والوصف املناسب. وقبل أن نغلق هذا القسم ال بد من اإلشار ِة – تاريخياً – للرثثرات واستخدام اللغة بشكلٍ ركيك ومجاين ،والذي كان يطبع أعامل املشتغلني بالرسد يف لغة من يكتبون الرواية العربية– هذا عموماً. فتح ما أضاف ُه الشاعر سليم بركات للغة الرواية بحق هو ٌ عظيم ونختتم اآلن بقطعة شعرية لهذا البلهوان وردت
وليم فولكرن
يف املجموعات الخمس وقبل أن يكتب أوىل روايات ِه «والتنتظرين ،أيضاً ،ألين ـ كر ٍ اكض يف األقاصيص ـ يختطفني الذي ال يُرى ،وأكو ُن النهاية حني ال يختت ُم الحادثُ سرَ ْ َد نهايته» .
شام ًال حيث أيائل فولكرن
ما أكرث املعرتفني بأن الروايئ األمرييك وليم فولكرن هو ُمله ٌم ومعلم لهم ،كان آخرهم الروايئ الحاصل عىل نوبل 2012 الصيني مو يان ،والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الذي قال« :إذا كانت روايايت جيدة فذلك لسبب واحد هو أنني حاولت أن أتجاوز فولكرن يف كتابة ما هو مستحيل وتقديم عوامل وانفعاالت ،يستحيل أن تقدمها الكتابة والكلامت مثل فولكرن ،ولكن مل أستطع أن أتجاوز فولكرن أبدا ً إال أنني اقرتبت منه» .والبريويف ماريو بارغاس يوسا القائل« :تأثري فولكرن يف أعاميل كبري جدا ً ،وضعه الكثري من كتاب العامل يف مصاف كبار القرن العرشين ،فهو اخرتع نظاماً عاملياً للرواية». فام الذي كان يضيف ُه فولكرن يف الرواية ؟ كث ٌري ومن بين ِه « اللغة الشعرية» .الشهادة األكرث دالل ًة عىل ما كان يضيف ُه هذا الروايئ يف لغة الرواية أورد ُه مرتجم ُه إىل العربية جربا إبراهيم جربا يف مقدمة الصخب والعنف « :فنرثه مشحون بالصور
issue (9)- February - 2013
93
شعر ورواية
صبحي حديدي
جربا ابراهيم جربا
وبدور ِه أيضاً ينقل فولكرن «اللغة الشعرية» من الشعر إىل حيز الرواية «اإلنجلو أمريكية» ويُو ّرثها فيام بعد إىل كثريٍ من تالمذت ِه املوزعني عىل جميع أرجاء العامل . هنا ميكن قراءة رأي جربا يف لغة فولكرن بوضوح «إن أكرث القراء كانوا يجدون بادئ األمر يف أسلوب فولكرن الطويل الجمل ,املركب الصور ،املعقد املبنى املمتلئ بالكلامت املزدوجة الصياغة إشارات إىل رضب من الفوىض ،رمبا لهذا النوع من اللغة – لغة الشعر املهاجرة إىل النرث – يرجع السبب يف صعوبة تلقي أعامل فولكرن وتحديدا ً «الصخب والعنف» يف البدايات» .
الشعرية واأللفاظ غري املتوقعة ،مذكرا ً أحياناً بثورة شكسبري اللغوي» .وإذ ما أخذنا الشهادة التاريخية التالية وهي أن وليم فولكرن بدا حيات ُه كشاع ٍر ال كناث ٍر وكاتب للرواية ،والبداية تؤكد أن عمل ُه األول ديوان ذو طابع رومانيس مل يُكتب له االنتشار حينها وهو بعنوان «اآليل املرمري» ولنذهب أبعد من ذلك أيضاً ونتتبع أهم ينابيع هذا الروايئ االستثنايئ وهي عىل كلٍ تأيت أيضاً من الشعر فال يختلف مؤرخو األدب الغريب -عىل حد تعبري صبحي حديدي يف مقال له يف أخبار األدب -كام يجمع معظم نقٌاده ،أ ٌن الشاعر األمرييك إزرا باوند ( )1972 1885-هو أحد أبرز آباء الحداثة الشعرية األنجلو أمريكية ،والشخصية األش ٌد تأثريا يف ممثٌيل وتيٌارات وأساليب ينقل فولكنر تلك الحداثة عىل امتداد القرن العرشين بأرسه .»1ومع ُه بال شك «اللغة الشعرية» من ويف توا ٍز الشاعر جون ميلتون الشعر إلى حيز الرواية وعىل حد تعبري جربا «:كانا يجمعان «اإلنجلو أمريكية» بني الشعر والنقد وكالهام واسع العلم عقالين وكالهام أثر يف تغيري ويُورّثها فيما بعد إلى أشكال األدب ال يف الشعر فقط بل تالمذته كثي ٍر من ِ يف النرث أيضاً» .
94
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
موسيقى غابو *
«وهكذا كانت الجدة ترانكلينا تغني طوال اليوم وتهذي بينام الحفيد مل يتوقف عن األسئلة واالستفسارات: حرب جديت :من هو مامبريو وإىل أي ٍذهب؟ ومل يكن لدى الجدة أي فكرة عن ذلك. ومن املعروف أن مامبريو هي األغنية الشعبية القدمية التي تحيك قصة أحد أبطال حرب «األلف يوم» شعرا ً ُمغنى .
لغة السرد
غابرييل ماركيز
نستعرض ما كتبته صحيفة التايمز البريطانية عن مائة عام من العزلة. تقول «:هي أقرب إلى الشعر منها إلى النثر بل هي ملحمة موسيقية ال متناهية» هذ ِه هي أول األشعار التي طرقت سمع الروايئ الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز يف بيت جد ِه العقيد ريكاردو ماركيز ميخيا من فم جدته الخرفة ،وسيواصل الروايئ بع َد ذلك يف املدرسة الثانوية عىل أطراف العاصمة «بوغوتا» كتابة الشعر ال الحكايا ،مع الجامعة االدبية «حجر وسامء» التي كانت تضم الشاعر ألفارو موتيس وماركيز وغريهم، وهناك يف املدرسة الثانوية سينرش ماركيز أوىل قصائده تحت االسم املستعار «خابيري جارثيس» /قصيدة السنبلة، ال اسبيجا ,ودراما يف ثالث فصول ,وموت الوردة ,وأغنية، وإذا طرق بابك أحد ،وقصيدة لتلميذة منعدمة الوزن. وكانت قصيدة «أغنية» أول نرش أديب لجارسيا ماركيز حيث نرشت يف 31ديسمرب 1944يف امللحق األديب لصحيفة الزمن التي كان يديرها الشاعر إدواردو كارنثيا . 4 لنقفز بالزمن إىل عقدين ونيف من هذه القصائد ولنستعرض ما كتبته صحيفة التاميز الربيطانية عن مائة
عام من العزلة .تقول الصحيفة «:هي أقرب إىل الشعر منها إىل النرث بل هي ملحمة موسيقية ال متناهية» .وبعد فرتة جاءت شهادة األكادميية السويدية نوبل لتؤكد «متنح له لرواياته وقصصه حيث يتدفق الواقعي والغرائبي غنى معقد لعامل شعري يعكس حياة ونزاعات محيط يف ً بأكمله» . فتح أعني هكذا نرى أن رائد الواقعية السحرية والذي َ العامل عىل أدب أمريكا الجنوبية ما هو بالفعل إلاّ شاعر مبسوح روا ّيئ وسيكون أثر ُه واضحاً أيضاً يف أعامل كثري من الروائيني حول العامل ومنهم أيضاً الصيني مو يان وكثري من روائيي أمريكا الجنوبية . هذه ثالث أمثلة لروائئني أحدثوا فارقاً يف لغة الرسد حول العامل من خالل «اللغة الشعرية « التي يسحبوها إىل حيز الحكاية ,ناقشني بذلك عىل ُجدر الرواية معاملاً ال تزال باقية إىل اآلن .
* غابو :اللقب املحبب يف أمريكا الالتينية ملاركيز 1من مقدمة جربا ابراهيم جربا لرواية الصخب والعنف ص , 7املؤسسة العربية للدراسات والنرش ط 1983 3 2محمود درويش \ ذاكرة للنسيان ص 46 3رواية ثادرمييس – سليم بركات ص 1املؤسسة العربية 4سرية حياة ماركيز « رحلة إىل الجذور « داسو سالديبارissue (9)- February - 2013
95
في الشعر
الشعر الخالص دومينيك كومب
االستثناء
والشعر الخالص :ال«اللغة الجوهرية» هي الشعر نفسه ،والعكس صحيح ،كام يؤكد «بينيديتو كروس» ،الشعر هو جوهر اللغة «:الشعر هو اللغة داخل جوهرها الخالص.1»... لكن ،فيام يتعلق بالصفاء ،فهذه األطروحة ليست مرشوعة إال عندما يبلغ الشعر جوهره« ،صفاءه». إن استثناء الرسد ينبغي إذن أن يعاد إىل إجراء أكرث عمومية من التقليص النسقي ،الذي يشرتط يف الحقيقة بالغة لألجناس األدبية .وبعيدا عن تشكيل معيار متفرد لتحديد الشعر ،فإن استثناء الرسد يساهم مبوقف عام من الرفض والعزل املغلقني من طرف أسطورة « الشعر الصايف»: « كل قصيدة هي مدينة بطابعها الشعري الخالص إىل الحضور ،إىل اللمعان ،إىل الحركة املحولة واملوحدة للحقيقة الغامضة التي نسميها الشعر الخالص».2 ألن األمر يتعلق يف النهاية ب«الشعر الصايف» عندما نطق «فالريي» ،وبكل تأكيد أيضا بروتون ،ريفريدي وسارتر ،باتهام الرسد والخيال يف الشعر .من هنا يظهر الرسد كعنرص من بني عنارص أخرى – حاسمة بكل تأكيد -وجب طرده من أجل الحفاظ عىل كامل الشعري .فهو يجاور إذن أمناط أخرى من الخطاب ،مثل الوصف أو التعليق ،ومضامني موضوعاتية أو مرجعية. ال«حقيقة» ،املفهومة باعتبارها صورة عن املجتمع ،واإليديولوجيا ،والرسالة ليست أقل حظرا« :املقوالت االجتامعية والذهنية غريبة عن الشعر الخالص .إنها احتامالت يتجاهلها الشاعر ( »...بوين،ص .)165.كل هذه املكونات ترجع دون متييز إىل النرث: «نقصد بالعنارص النرثية كل ما ميكن أن يقال نرثا ،بدون خسارة .كل يشء :تاريخ ،أسطورة ،نادرة ،أخالق وحتى فلسفة ،يوجد بذاته دون اختبار رضوري من الغناء» (.ف .لوفيفر ،حوارات مع بول فالريي،ص.)67. لنتذكر أن ماالرمي ،عندما وضع الحالة «األساسية» للغة التي ميثلها الشعر ،يف مقابل الوضع « الخام» ،واللغة اليومية ل «الروبورتاج العام» ،أقىص أفعال اللغة الجوهرية التي هي«رسد»«،علم» و «وصف» .و «هرني برميون» ،وهو يقرتح نظريته حول «الشعر الخالص» بعد فالريي ،مل يقم سوى برفع شعرية ماالرمي إىل مرتبة النظام ،حيث ذكر تلك الرضورات كلمة بعد كلمة: «تعليم ،رسد،رسم ،إحداث الرعشة أو استدرار الدموع ،لكل ذلك يكفي النرث ،الذي هو أيضا موضوع طبيعي )...(.ولعزل التهييء الشعري عن الوضع الخالص ،ينبغي فصل وإبعاد العنارص التي هي أيضا عنارص النرث :الرسد ،الدراما ،التعليمية، البالغة ،الصور ،التفكري ،إلخ .إن طاقة الشعر ،الشعر الخالص ،سيكون هو كل ما تبقى بعد هذه العملية».3 ريفريدي وبروتون هام أيضا كانا يربطان دامئا بني الوصف والرسد يف اتهامهام لل«الواقعية» ،حسب النموذج الضمني ل«الشعر الخالص» ،يف حني أن شعريتهام تبدو عىل النقيض من شعرية «برميون»: «والوصف .ال يشء يقارن بعدمية الوصف .إنه ليس سوى تراكم الصور يف كاتالوغ ،والكاتب يستعملها بحرية ،فينتهز فرصة مترير بطاقاته ،ويبحث عن إسقاطي يف االتفاق معه حول مواضع مشرتكة.»... لكنه أمر صحيح أنه يتم أيضا الشعور بتأثري ماالرمي .ينبغي مالحظة أنه ،إضافة إىل الرسد و الوصف ،فإن «التعليمية» هي إحدى الفوبيات األكرث بوحا من طرف املدافعني عن «الصفاء»: 96
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
« ...شعر خالص ،يعني خلق عالقات بني عنارص ملموسة خارج أي انشغاالت عاطفية أو تعليمية ،تكوين « معادالت األفعال» هذه التي تحدث عنها «روبري دي مونتسكيو» ،والتي ميكن أن نسميها «كوكبة نجوم».4 بحيث حتى عندما مننح ال«تأصيل» النرثي يف الشعر ،فإلبراز بطريقة أفضل كم هو مختلف عن الرسد وعن الخطاب التعليمي: « تحديد القصيدة ،هو تحديد الشعر الخالص :تناغم التحليل مرشوط بذلك .ومع ذلك ينبغي تسجيل ما ييل :مهام استطعنا إيجاد بعض التامثالت بني وضعية الشعر يف مجال اآلداب وبني وضعية الرياضيات يف مجال العلوم ،فإنه ليس من املمكن الحديث عن الشعر الخالص باملعنى الذي ميكن أن نتحدث به عن الرياضيات الخالصة ( )...يف القصيدة ،ميكن للكلمة أن تحتاج إىل تثبيت لدعم قوتها :فالجرس الشعري ينبغي أن يتجذر يف أرض النرث .وبذلك نصادف ،يف تفاصيل القصيدة ،مجموعة من «الدعامات» و «الركائز» النرثية :شذرات رسدية ،وصفية ،محكية ،تحليلية .لكن هذه الشذرات لن ترتبط فيام بينها بطريقة تكون بها رسدا ،و وصفا ،وحوارا داخليا او خارجيا ،و تحليال».5 2الشعر الخالص والسلبي:إن موضوعة «الشعر الخالص» ،التي درست يف العرشينيات انطالقا من عبارة ل«إدغار أالن بو» ،فأعادها بودلري ،ماالرمي ثم فالريي ،وانترشت بفضل «برميون» ،و أصبحت بكثري من النجاح عقيدة حقيقية لشعريات ما بعد الحرب ،مرتكزة عىل إشكالية سلبية مرة أخرى بشكل كيل .6مل يكن «الشعر مهما استطعنا إيجاد بعض التماثالت الخالص» أبدا معطى إيجابيا ،فقد تم تلقيه بعد سريورة من بين وضعية الشعر في مجال اآلداب وبين اإلقصاءات واالختصارات املتتابعة :شعر «مطهر» بقدر ما وضعية الرياضيات في مجال العلوم، هو «صاف» « ،ذلك ما يبقى بعد هذه العملية» يستخلص فإنه ليس من الممكن الحديث عن الشعر برميون» ،كام تدل عىل ذلك املجاالت التصورية« :عزل تحضري الخالص بالمعنى الذي يمكن أن نتحدث الشعر يف الوضعية الخالصة(»...برميون)؛ «إقصاء العنارص التي به عن الرياضيات الخالصة تنتمي إىل النرث( »...برميون)؛ «التخلص من الشعر الخالص باعتباره مقوما فقط ( »...فالريي)؛ «حلمت يف املايض ببعض األعامل الفنية -املكتوبة ،-حيث كل املفاهيم التي ستدخل فيها ،تكون مطهرة( »...فالريي) .كل هذه الكلامت تنتمي إىل قاموس الكيمياء ،والفيزياء أو إىل البيولوجيا« :تحضري شعر خالص»...؛ «أقول خالص باملعنى الذي قصده الفيزياء حني يتحدث عن املاء الصايف» (فالريي)؛ « النبتة ال تتكون سوى من خاليا نباتية .كتلة بلورية ال تتكون إال من البلور» (فالريي). يبدو أنه يف غاية الداللة بأن هذا املفهوم -وهل حقا هو مفهوم؟« -الشعر الخالص» ميتد إىل أجناس أخرى ،بنفس املصطلحية االستعارية املتولدة عن خيال نقدي .هكذا يطبق «أندري جيد» معيار «الصفاء» عىل الرواية ،محوال «الرواية الخالصة» إىل درجة األولوية يف الجاملية العامة «:إن سلب الرواية من كل العنارص ال ينتمي حرصيا إىل الرواية؛ أي تطهري الرواية من كل العنارص التي ال تنتمي تخصيصا إىل الرواية».7 لقد أبدى «فالريي» تذمره من أن نفرس نعت«خالص» مبعنى أخالقي ،خالفا ملا يقصده « :سلبية مفهوم الشعر الخالص ،هذا هو ما يدفع إىل التفكري إىل صفاء أخالقي ال مجال له هنا ،إن فكرة الشعر الخالص هي بالعكس من ذلك ،فبالنسبة يل هي فكرة تحليلية أساسا» .ومع ذلك ،و رغم الهيمنة غري املعقولة للسجل الكيميايئ والفيزيايئ ،يبدو أن مبدأ اإلجراء اإلقصايئ issue (9)- February - 2013
97
في الشعر
نفسه ،ينبع عن «أخالق» معينة .ألن التقشف عرب الكتابة يجيب عن حنني إىل الصفاء األصيل. -3جوهرية أفالطونية: إن إجراء االستثناء الذي تصدّر تحديد الشعر الخالص ساهم يف أعىل درجة يف وضع منطق جوهري ،أفالطوين بشكل تام. إننا نعرف تحليل الديالكتيك السقراطي الذي اقرتحه «جيل دولوز» ،8الذي اعترب أن الخطاب األفالطوين أسس لنظرية لألفكار عىل «فرز» «مجموعة من «النامذج» التي تساعد عىل إقصاء «النسخ» الخداعة .إن التوليد ،الذي يجب أن يقود، عن طريق الحوار ،إىل تحديد جوهر اليشء ،يقلص من اختالط املعتقدات ،ويصفي روح األفكار املستقبلة .وبفضله ،يتم تجاوز املظهر الحساس للواقع لحساب الواضح والجيل؛ للفكرة الالزمنية نفسها .والحال أن داخل تراتبية األفكار تهيمن فكرة «الخري األعظم» ،التي تتمظهر يف الحقيقة ،بحيث أن األخالق و الوجود يشرتكان كليا يف الجوهر .تلك هي بالتحديد آلية ال»تقليص» الذي تخضع له اللغة للوصول إىل النقاء املطلق .وعىل غرار الجدلية األفالطونية ،يجرد كل من ماالرمي ،وفالريي، وبرميون وغريهم ،الشعر بشكل تدريجي من مظهره الحساس والعارض ،بشكل يحجب جوهره الغامض ،وفكرة الشعر نفسها، التي هي ليست شيئا آخر غري ال«شعر الخالص» ،أو أيضا «املطلق»« :يجب من األفضل قول ،رمبا ،الشعر املطلق ،عوض الشعر الخالص( »...فالريي) .ألنه ينبغي افرتاض بشكل بدهي وجود فكرة الشعر ،شعرية كونية ،الزمنية ،من أجل تخصيص للكتابة إلحاحها عىل هذا «التجريد» و «التصفية» ،كام لو أنه يكفي فصل الحبة الجيدة عن الشيلم« :إن ما نسميه قصيدة بشكل عام تتكون فعليا من شذرات شعرية خالصة موضوعة يبدو أنه في غاية الداللة بأن مفهوم داخل مادة الخطاب .فبيت شعري جميل هو عنرص شعري «الشعر الخالص» يمتد إلى أجناس أخرى، خالص(»...فالريي) .إن عبارة «مادة من خطاب» تؤكد ،إذا ما بنفس المصطلحية االستعارية المتولدة كانت الحاجة إىل ذلك ،املفرتضات األفالطونية التي يتكون عن خيال نقدي .هكذا يطبق «أندري جيد» منها هذا الفكر :عىل الشعر أن يربز من العنرص الحساس الذي يلوث ال«خطاب» ،و املكلف هنا بتوليد دالالت منحطة معيار «الصفاء» على الرواية ،محوال «الرواية الخالصة» إلى درجة األولوية في غري مبارشة .إىل هنا يعود ،بدون شك ،املثول املوسيقي للشعر. ال يشء غريب يف كون الشعر ملحق بالفن الذي ،حسب الجمالية العامة هيغل 9الذي يتبع هنا التقليد األفالطوين ،يدفع إىل مدى بعيد بتصفية األدوات الحساسة ،و هنا نقرتب من املثال ،من صورة املوسيقى الساموية التي تحدد ،عند أفالطون ،التناغم الحسايب والهنديس للكون .كام أن بول فالريي يتهم الرواية بسبب ماديتها تحديدا: «مقارنة مع القصيدة ،تحتوي الرواية (باملعنى الحديث) عىل العديد من الخصائص االعتباطية ،والقليل من الدقة الوظيفية، القليل من القوانني الجوهرية ،الكثري من «املادة»؛ الكثري من الحقيقة والقليل من الواقع )...(.وبينام تسعى الرواية إىل أن تحل مكان صورة األشياء و الناس ،مكان حياة مزيفة ،تسعى القصيدة نحو الجوهر(سواء كان موجودا أم ال) ،أي نحو أن يحل مكان النشاط الخالص للنظام العصبي-العقيل .فاالختالف مع الرواية هو اختالف يف ال«صفاء».». هنا يجمع «فالريي» القضايا األساسية لألفالطونية :رفض ال«صور» ،السوموالكر امللتصق بال«نسخ» املؤذية -هنا التهمة موجهة ليس للشعر ،كام يف «الجمهورية ،لكن للرواية -ل«الجوهر» و ال«صفاء» .إن إشكالية مثل هذه تربط مبارشة وجود الحقيقة بأخالق مبنية عىل مبادئ كونية .إن متثل الشعر-مثل باقي األجناس األدبية ،وتحديدا الرواية -له جوهر بديهي يعود 98
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
إىل إرجاعه إىل الطبيعة ،حسب املنهج األفالطوين مرة أخرى :إن النزعة الجوهرية هي أيضا أصلية ،فجوهر الشعر مينحه قيمة عليا مثلام هو الجوهر( األوسيا) مرسوم يف الطبيعة ،أي نظام الكون .كام أن «هرني بوين» ،يف بالغته الثنائية للشعر والرواية، أمكنه متييز تناقض ال«طبيعة» »:جنسان ،لكنهام جنسان ال يرتكزان فقط عىل التاميزات الشكلية ،جنسان يختلفان يف الطبيعة وبدوافع عميقة»( فالريي)« .إذا أردنا أن نربهن عىل أن الرواية جنس طبيعي ،فإن األمر يقتيض ،يف الواقع ،النظر إليه داخل جوهره .وينبغي أن نحرتس من الترصف مثل بعض املنظرين الذين يحددونه شكليا ،خارجيا ،ولكنهم يفاجؤون جميعا فيام بعد بعدم قدرتهم عىل إيجاد خصائص محددة( »...نفسه) .هاهو فكر «عميق» يعمل ضد ال«سطح» ،داخيل ضد الخارجي ،من أجل دعم «صور» الفيلسوف األفالطوين و الفيلسوف الرواقي اللذان وصفهام «جيل دولوز» يف «منطق املعنى». ال«شعر الخالص» هو ،بطريقة عامة ،كل األجناس الخالصة ،باعتبارها أفكارا ،الالمرشوطة ،وجودها هو قصدية أكرث منه فعل .إن الشعرية ليست وصفية ،بل معيارية .فالبنسبة للفيلسوف ،إدراك نور الحقيقة هي رضورة من غري املمكن تحقيقه ألن الجوهر ينبع من الوضوح .هكذا ،فاألجناس الخالصة ،ال تستطيع أبدا إال أن تكون مطلوبة ألنها توجد دامئا وراء األعامل الواقعية« :الشعر الخالص ،يف العموم ،هو تخييل املالحظة املقلص ،الذي يجب أن يساعدنا عىل تحديد فكرتنا عن الشعر عموما ،ويقودنا إىل دراسة جد صعبة و جد هامة للعالقات املتنوعة و املتعددة األشكال للغة مع التأثريات التي تحدثها عىل اإلنسان» (فالريي). إن مصطلح «تخييل» ال يدل عىل أننا نعرتف بوجود الشعر الخالص ،بل نحن نستعمله باعتباره «منوذجا» ،دوره هو توجيه عملية اإلبداع .و بواسطة طابعه املطلق ،ييضء الشعر الخالص األشكال الطارئة للشعر ،التي يربز أمامها صوته املتكامل .ألن فكرة الشعر الخالص ليست فقط نظرية؛ ألنها تحدد قبل ذلك «شعرية» معينة ،مبعنى مجموعة من القواعد التكوينية: «الحد األقىص للشعر ممكن واقعيا ،يف ذروة الرغبة الشعرية ،و إذن فالنمط املثايل أو تقنية و تحليل موضوع-قارئ يتسع دامئا» (نفسه) .يعرتف أندري جيد بطيبة خاطر من جانبه أن الرواية الخالصة أمر مثايل« :وهذه الرواية الخالصة ،لن يكتبها أي أحد فيام بعد؛ وال حتى الرائع «ستاندال» ،الذي هو رمبا ،من بني كل الروائيني ،الوحيد الذي يقرتب منها أكرث» .10األمر يتعلق هنا ب «فكرة تحليلية» ،كام حددها «فالريي»،مادام « الشعر والرواية ،مثل كل الكائنات الكياموية ،ال تقدم نفسها أبدا يف وضعها الخالص؛ ومن أجل متييزها ينبغي تجريدها» (بوين،م.س،ص.)98. ترجمة :محمود عبدالغني * ملحوظة :هذه ترجمة كاملة للفصل األول من كتاب.Dominique Combe. Poésie et récit, une rhétorique des genres, Jose Corti,1989-:
1-B.Croce, La poésie,p.17 .2-H. Bremond, La poesie pure, p.16 3-Ibid.,pp.61 4-M.Leiris,op.cit.,p.60 5-R.Campigny, Le Genre poétique ,p.19 كام ال حظ ذلك «هوغو فريدريك6-. 7-les Faux-monnayeurs, p.990 ; Journal des Faux-monnayeurs, pp.40 8-Logiques du sens,op.cit 9-Dans l Esthétique de Hegel 10-Journal des Faux-monnayeurs, pp.40 issue (9)- February - 2013
99
في الشعر
النثر والشعر "...إيد واحدة " د .عالء الجابري
في
غص الكثريون منه .اختالفات طبيعية لدى غرينا ،ال تستدعي البدء كان النرث .يسعد البعض لهذا القول بينام َي ُّ اتهامات باإلغارة عىل الرتاث ،أو عدم الوعي بخصوصية كل ثقافة .إن وجهات النظر تتالقح وتتفاتح كام يقول «أبوحيان التوحيدي» « :إن خري الكالم ما قامت صورته بني نظم ،يطمع مشهوده بالسمع ،وميتنع مقصوده بالطبع». نتحسس مسدَّساتنا ،أو نستعد لشد صندوق الطرد املركزي ل ُيبعد النرث عن ساحتنا إذا لقد رصنا إذا سمعنا كلمة «نرث» َّ سمعنا الكلمة النجسة ،وليست الصدور متسعة لتق ُّبله وذلك يف غمرة ما ندَّعيه من تعدُّ دية ثقافية ،بينام ينطبق علينا -يف الحقيقة -ما اشتىك منه وليم جيمس« :تخمة الواحدية» ،مبا ينبئ عن دوغامتية وجمود؛ تلك التي ُيهدِّدها «أدىن شك يف التعدُّ دية ،وأقل تذبذب نحو االستقالل» .
طريق امرؤ القيس
لست من نشطاء النرث ،بل إن سطوري فيه قليلة .ال أعتذر له؛ فأنا واحد من ساللة كانت ترى الشعر َّ ُ كل يشء ،ليس األمر إمياناً ب َقدَر الشعر قدر ما هو يف حقيقته تو ُّرط يف مجاراة العادي واملمنوح . وال ريب يف أن للنرث أفضاالً عىل الشعر ،وقد ُيفاجأ البعض بهذا القول الذي نراه بديهياً؛ «ذلك أن النرث أصل الكالم والنظم فرعه» ،كام يقول « أبو عابد الكرخي» ،واألصل أرشف من الفرع ،وبالنرث ُكتبت الكتب الساموية ،والوحدة فيه أظهر ،وهو طبيعي يف البدأة؛ ألن الناس يتكلمون به ابتداء ،وهو غري محتاج إىل الرضورات كالشعر .ونؤكد أننا ال نقصد النرث الفني؛ فذلك موضوع آخر -رمبا نعرض فيه للعالقة بني الشعر واألمثال عىل سبيل املثال -ولكن النرث العادي. هل يرجع األمر إىل عهد نصح فيه «ابن طباطبا» شعراء عرصه بأن «الشعر رسالة منظومة بينام الرسائل شعر منثور» ،وكذا إلحاحه عىل أن للشعر فصوالً كفصول الرسائل ،أو حديثه عن املعاين الجارية يف عادات الناس واملعروفة لديهم يهتدي إليها البحرتي مثلام يهتدي أبو متام ،ويرضب مثال بقول الناس« :والعري إذا رأى السبع أقبل إليه من شدَّة خوفه منه» ،فقال أبو متام: «قد ُيقدم العري من ذعر عىل األسد» ،وقال البحرتي: «فجاء مجيء العري قادته حرية َ الشدقني تدمى أظافره». إىل أهرت وذهب بعضهم -بحق -إىل تو ُّرط العقاد يف يشء من ذلك يف قوله: مقتبس «والشعر من نفس الرحمن ٌ ُ رحامن» والشاعر الحق بني الناس والذي يكاد يكون ترجمة شعرية لعبارة شكري« :كل يشء يف الوجود قصيدة من قصائد الله والشاعر أبلغ قصائده». ولعل مقولة ابن طباطبا ال تبتعد عام قاله الجاحظ« :ودقيق املعاين موجود يف كل أمة وكل لغة ،وليس الشعر عند أهل العلم به إال حسن التأيت وقرب املأخذ واختيار الكالم ووضع األلفاظ يف مواضعها وأن يورد املعنى باللفظ املعتاد». الجاحظ ذاته يقول كلمة نابهة رمبا تحتاج فه ًام جديداً وذائقة متعاطفة؛ إذ يقول يف كتابه «الحيوان»« :أما الشعر فحديث امليالد ،صغري السن أول من نهج سبيله وسهَّل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة وكتب أرسطوطاليس، 100
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ومعلمه أفالطون ،ثم بطليموس ودميقراطيس ،وفالن ،وفالن قبل بدء الشعر بالدهور قبل الدهور واألحقاب قبل األحقاب». عىل النهج ذاته يكتب ابن سالم يف طبقاته« :ومل يكن ألوائل العرب من الشعر إال األبيات يقولها الرجل يف حادثة ،وإمنا ُق ِّصدت القصائدُ ، وط ِّول الشعر عىل عهد عبد املطلب وهاشم بن عبد مناف ،وذلك يدل عىل إسقاط (شعر) عاد ومثود وحمري و ُت َبع». عىل النهج ذاته مييض أتباع املنهج الشكالين ،عىل سبيل املثال ،وقد يبدو ذلك واضحا من كلمة »رومان ياكبسون» التي وضعناها عتبة للسطور ،ويف الوعي الكامن عند «يوري لومتان» الذي ال يخفي تحيزه للنرث عىل حساب الشعر ،بحسب فهمنا ملوقفه من أسبقية الشعر عىل النرث ،عىل خالف العادة؛ حيث يفرس األمر من منظور اجتامعي بامتياز؛ إذ يرى أسبقية الشعر مبا هو ظاهرة مجتمعية تحمل أعرافا وتقاليد أكرث حزما ،ثم ما يلبث العرف االجتامعي أن يتسع للجديد ،فيدخل النرث إىل الرحاب املبتغى.
مكانة الشاعر
إننا نجد ابتهاجاً مفرطاً ملكانة الشاعر يف القديم برغم أنه قد قيل اليشء نفسه عن الخطيب ،فقد كانت القبيلة تحتفل به رسخت أيضاً حتى تضاربت األقوال حول األجدر بالتفضيل يف نطاق القبيلة :أهو الشاعر أم الخطيب؟ ولكن األيام التالية ّ لهزمية داخلية للنرث أمام الشعر ،بينام يفرتض أن يكون مثة استعالء شعوري عىل أسبقية الشعر تاريخاً ومكاناً ،حتى يقول أحد الشعراء الكبار« :ما من شاعر يستطيع أن يكتب قصيدة إننا نجد ابتهاج ًا مفرط ًا لمكانة الشاعر تأخذ مداها ما مل يكن أستاذاً يف النرث» (القول إلليوت والعهدة في القديم برغم أنه قد قيل الشيء عىل أحمد عبد املعطي حجازي يف كتابه «قصيدة النرث أو نفسه عن الخطيب ،فقد كانت القبيلة القصيدة الخرساء»).دع عنك أولئك الذين يقولون إن النرث ً تحتفل به أيضا حتى تضاربت األقوال حول الحس ،وكأن الشعر ال عقل له ،وكأن من العقل والنظم من ّ النرث يحوي العقل البادي .إنهم -بالتأكيد -مل يسمعوا خطب األجدر بالتفضيل في نطاق القبيلة: هذه األيام! وبخاصة خطب الزعامء التي وضعت عروشهم يف أهو الشاعر أم الخطيب؟ «زنقة زنقة». تبدو مقارنة أي منتج يف ظالل الشعر واحدة من أبرز آليات َ وبادل يف األدوار ال يلبث أن النقد العريب ،ومن تجرأ منهم يرتاجع عن موقفه ،وحتى مجاالت الوعي العريب يف التعامل مع الظواهر األدبية الجديدة -يف ما يتصل بعملية التجنيس - تبدو مج ّرد محاوالت لتمديد البنية النوعية التي يسعى إىل تطبيقها لتشمل تحت مظلتها األنواع األدبية التي تحاول طرح رصون عىل محاوالت إيجاد عنارص جامليات مغايرة ،فنجد النقاد و«املنظرين» الذين يبدو أنهم منحازون إىل قصيدة النرثُ ،ي ُّ َّ شعرية فيها كام تطرحها البنية الضمنية للشعر ،والحق أن مرشوعيتها داخلية ،متاماً كإيقاعها ،وإال لظلت تستجدي االعرتاف بعد زمن طويل كام فعل أصحاب الشعر الحر ،أو البديل املطابق لها عىل األقل .ناهيك عام يقرتفه بعضهم من تصنيف الكتَّاب يف «طبقات» ،وهو ما ينعاه«ريفاتري» من اهتامم مؤرخي األدب اهتامماً كبرياً مبحاولة التث ُّبت من نوعية املؤلفني نصه ،وإىل أي جنس أديب ينتمي النص؟ ...وهم يعتمدون الذين ُيحاكيهم كاتب معينّ ،وأيّ املؤثرات تلعب دوراً يف تكوين ّ نصني أو أيضاً عىل الشاهد الخارجي ولكنهم يعرثون عىل برهانهم النهايئ للنسب بني عمل وآخر يف التامثالت املعجمية بني َّ بني نصوص عديدة ،أو يف التنظيم املتطابق ملك ّوناتها الخاصة .وكربهان عىل الصالت النوعية ُير ِّكزون عىل أشكال الربوز املتك ّررة يف النص ملالمح ُتعدُّ بني الخصائص املم ّيزة للنوع. issue (9)- February - 2013
101
في الشعر
إرادة حفظ النوع في الشعر ّ محمد علي شمس الدين
I بالنسبة لنا خطرية ،ألنها تتعلق بتطبيق افرتاضات فلسفية حديثة عىل الشعر ،والسؤال هو: هل يأكل الشعر نفسه أو بعضه؟ كام تأكل الكائنات بعضها البعض بغاية حفظ النوع؟ والنوع املقصود هنا هو الذي يحدده الرصاع يف القصيدة. وال يخفى ّأن املسألة جديدة ،أي تطبيق أفكار فلسفية (تعود لنيتشه بشكل أسايس) يف مسألة الرصاع ،عىل حقول شعر ّية غرب ّية ( مايا كوفسيك والرومانسية – اوجني يونسكو وفيكتور هوغو )...وعىل حقول شعر ّية عرب ّية (قصيدة ّ الظل العايل ملحمود درويش وقصيدة هجاء الظل الواطي لسمر دياب ) منوذجاً. ال يخفى أن نيتشه مل يكن قد َغ َر َب عنه عقله متاماً حني كتب كتابه الخطري «أفول األصنام» يف العام .1888رضب نيتشه سقراط عىل عقله بالذات وأفسد معادلته القدمية :عقل = فضيلة = سعادة وسامها حامقة ،واعترب صاحبها مثال اله ّليني اإلغريقي األحمق واعترب فلسفته قبيحة وضفدعية كهيئته ...أسوأ ما فيه أنه منتقم من الغرائز األ ّولية الجميلة ،بعضالت رسب سقراط (برأي نيتشه) فلسفته األخالقية إىل املسبح لذا فقد اعترب نفسه من أل ّد أعداء املسيح ،يف املنطق واألخالق .وقد ّ تصدّيه للغرائز باعتبارها وحش ّية ورشيرة وال بد من إخصائها ،يقولّ « :ن مهاجمة النزوات من الجذر معناها مهاجمة الحياة بعينها من الجذر» .وتبعاً لذلك أورد " نيتشه" الئحة بأسامء أشخاص تاريخيني تحت عنوان «ال ُيطاقون» من بينهم :الخطيب اليوناين سينيك« ،الشاعر األملاين شيلر (بوق االخالق) ،دانتي ( ضبع تنظم الشعر عىل األرضحة) ،إميل زوال ( لذة اإلنتان)، سانت بوف (مسودّة بودلري) ،هوغو (بارد كجورج صاند) وروس ّو (فارغ متك ّلف) .وهكذا انهال نتيشه مبعوله املجنون عىل هؤالء وأمثالهم ،خدم ًة لفلسفته يف الرصاع وحفظ النوع .فالعامل يف نظره ال يفسرّ بالعقل ويخضع له ،بل يفسرّ بإرادة حفظ النوع التي ليست سوى غريزة واندفاع أعمى نحو الحياة .يقول« :لنالحظ مث ًال ،يف الرصاع لحفظ النوع ،اإلفراط الشديد لدى بعض النباتات يف إنتاج البذور ،العنف والقلق يف الغريزة الجنس ّية ،أية غاية معقولة هي التي تدفع بالسالحف لتقطع سهول (جا َوة) يف طريقها إىل البحر لوضع بيوضها؟ فتهاجمها كالب متوحشة بغية قتلها ،فتقلبها عىل ظهورها لتفرغ بطونها وتأكلها ح ّية ،وغالباً ما ّ ينقض منر عىل هذه الكالب فيفرتسها».
ستكون
II الرصاعات حول القصيدة التي نشأت واحتدمت يف أوروبا وامريكا ،تل ّون بعضها مبثل هذه النظر ّية ،هناك مدارس للحداثة، من الدادائية للمستقبلية فالرسيالية كانت تستند إىل حدّة الرصاع بني القديم والحديث ،وكان التط ّرف يطبعها فهو رصاع إلغايئ ال توفيقي ،فكأنه ال ميكن «للحديث» أن يولد من دون موت «القديم» أو قتله ،واألمر س ّيان .والقديم ّ متثل بوجوه عديدة ،منها الرتاث ،ومنها الكالسيك ّية ...يقول الشاعر الرويس «فالدميري ما يا كوفسيك» وهو أحد مؤسيس املستقبل ّية ،جواباً حي بساق ميتة؟» أما املرسحي عن سؤال حول الرومانسية ،والسبب يف إقصائها كلياً من شعره «ما الحاجة لتطعيم جسد ّ الفرنيس الرسيايل «أوجني يونسكو» فقد كتب هجائيات ُم ّرة يف رمز الشعر الكالسييك األعظم يف فرنسا ..فيكتور هوغو 102
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
«سماّ ها»« ،هوغوليات». الدادائية يف فرنسا ( )DADAمن خالل مؤسسها "تزارا" نادت بالعودة إىل األ ّوليات ،وهي ليست بعيدة عن الغرائز األول ّية التي قال بها «نيشته» لينبني عليها عامل جديد وبديل عن العامل القديم .الرسيالية كانت أش ّد قسو ًة وانقالبية يف هذه املسألة من مؤسسها أندريه بروتون إىل سائر اعضائها ،يف الشعر :ايليوار وميشو وبريفري ودوغي ...ويف الرسم دايل وبيكاسو بخاصة ...وجميعهم فعلوا يف القصيدة واللوحة فعل نيتشه ّ ّ يف الفلسفة ..حطموا األصنام. عما في العربيّة ،وصلتنا الحداثة متأخرّة ّ
III ماّ يف العرب ّية ،وصلتنا الحداثة متأخ ّرة ع هي يف الغرب ،لكنها بعض فعلها في الكشف والقطع. وصلت وفعلت بعض فعلها يف الكشف والقطع .والقصيدة كانت أهم مخترب للرصاع وأشده خطورة لكونها (أي القصيدة) والقصيدة كانت أهم مختبر للصراع قلب العريب وعمقه وفلسفتهُ .يس ّمي محمد املاعوظ الشعر وأشده خطورة لكونها (أي القصيدة) قلب «بالجيفة الخالدة» (يف قصيدة حريق الكلامت) ،ويقول أنيس العربي وعمقه وفلسفته. السد» ،أي الحاج يف مقدمته لديوان «لن» إنه يريد ّ «بج ّ تفجري السدّ .والس ّد هنا هو الشعر العريب بصفته عالمة مه ّمة من الرتاث العريب ...أو اإلرث. ّ ّ أمس ،قرأت قصيدة لفتت انتباهي بق ّوة ..وهي للشاعرة سمر دياب ،نرشتها لها مجلة «الغاوون» واملجلة تحمل اليوم بذوراً األهم بعد مج ّلة «الرغبة اإلباحية» لعبد القادر الجنايب ( التي سكتت عن الكالم املباح) من مدّة... تغيري ّية خطرية ،لع ّلها ّ عنوان القصيدة هو «هجاء ّ الظل الواطي» وهو العنوان النقيض ميكانيكياً لعنوان إحدى قصائد محمود درويش املعروفة «مديح الظل العايل» ..وتنطوي عىل عنوان ضدّي آخر هو :إىل جحا :ملاذا تركت الحامر وحيداً؟ وال تخفى معارضة هذا العنوان لعنوان ديوان آخر لدرويش هو «ملاذا تركت الحصان وحيداً؟«....وتختم سمر دياب بقولها " :أيتها األسامء الكبرية... ملاذا نصوصك تافهة هكذا؟» ...إنه رصاع ال هوادة فيه ...وأنا لست فيه عىل الحياد. هي في الغرب ،لكنها وصلت وفعلت
َو ِص َّي ُة أَبيِ تمَ َّ ٍام ِل ْل ُب ْح رُتيِّ
نت يف َحدا َثتي أ ُرو ُم ِّ الش ْع َرُ ، قال الوليد بن عبيد البحرتيُّ ُ :ك ُ وكنت أَ ْر ِج ُع في ِه إلىَ َط ْب ٍع ،ولَ ْم أَ ُكنْ أَ ِق ُف علىَ َت ْسهيلِ َم ْأ َخ ِذ ِه، وانقطعت فيه إليه ،وا َّتك ْل ُت يف َتعري ِفه عليه؛ َ ُ ُّ فكان أ َّول ما قال يل: قصدت أبا تمََّ ٍام، ووجو ِه ا ْق ِتضا ِبه ،حتى ُ ُ ْ ُ ُ َ لتأليف اإلنسان األوقات أن يقص َد موم .وا ْع َل ْم َّأن العاد َة َج َر ْت يف الغ من ر ف ص ، ُموم ه ال قليل وأنت األوقات خ ت بادة؛ أبا يا عُ ِ ِ يرَّ ِ ِ ٌ ِ َ الس َح ِر؛ َ وذلك َّأن ال َّن ْف َس َق ْد أ َخ َذ ْت َح َّظهَا ِمنَ ال َّراح ِة ،و ِق ْس َطهَا ِمنَ ال َّن ْو ِمْ . وإن َّ فاجعَلِ أردت الت َّْش َ بيب؛ ْ شيَ ْ ٍء أو ِح ْف ِظه يف َو ْق ِت َّ َ َ َ ديح ال َّل ْف َظ َرشي ًقا ،واملعنَى َرقي ًقا ،وأ ْكثرِ ْ فيه ِمن بَيانِ َّ الصباب ِةُّ ، وتوج ِع الكآ َب ِة ،و َق َل ِق األ ْش َواقِ ،ولَ ْو َع ِة ال ِفراقِ .فإذا أ َخ ْذ َت يف َم ِ فأش ِه ْر َمنا ِق َبهُْ ، َ املجهول ِمنْها .وإ َّي َ مناس َبه ،وأَ ِبنْ َمعالِ َمهُ ،و ِّ س ِّي ٍد ذي أيا ٍد؛ ْ اك أن َتش َني واح َذ ِر وأظ ِه ْر ِ رش ْف مقا َمهُ .و َن ِّض ِد املعا َينْ ، َ ِش ْع َر َك باأللفاظِ ال َّر ِديئ ِة ،و ْلت َُكنْ كأ َّن َك خ َّي ٌ الض َج ُر؛ فأ ِر ْح َن ْف َس َك ،وال ْ ياب علىَ َمقادي ِر األجسا ِد .وإذا عا َر َض َك َّ تعمل يقطع ال ِّث َ اط ُ وج ْم َل ُة الحالِ أنَ وأنت ُ الش ْع ِر ال َّذريع َة إلىَ ُح ْس ِن َن ْظ ِم ِه؛ َّ فإن َّ واج َع ْل َش ْه َو َت َك لقولِ ِّ ِش ْع َر َك إ َّال َ الش ْه َو َة ِن ْع َم ا ُمل ِعنيُُ . فارغ ال َق ْل ِبْ ، فاج َت ِن ْبهُ؛ ترشد إن شا َء اللهُ. تعت َرب ِش ْع َر َك بمِ ا َس َل َف ِمن ِش ْع ِر املاضنيَ ،فام ْاست َْح َسنَ ُ الع َلام ُء فا ْق ِصدْهُ ،وما َت َر ُكو ُه ْ فأعملت َن ْفيس فيام َ َ ُ ُ فوقفت علىَ السياس ِة. قال؛ قال: issue (9)- February - 2013
103
تنظير
عن ّ الطفولة
ّ حارسة ّ والشعراء الشعر
ّ ثمّ ة وشائج كثيرة تربط بين ّ ّ فالطفل يرى األشياء بتلك العين والشاعر ،وأكثر من عالمة َش َبه، الطفل ً أن ّ الساحرة المختلفة ،التي يرى بها ّ الطفل دائم االغتباط بالعالم الذي يراه ويكتشفه، الشاعر ّ عادة ،كما ّ
كما لو كان يراه للمرّ ة األولى ،ومثل هذه الرّ ؤية هي نفسها لدى الشاعر ،والتي يسعى من ورائها إلى إعادة البكارة إلى العالم.
يوسف عبد العزيز
104
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
يوسف عبدالعزيز
أدونيس
يولد الطّفل شاعرا ً ،ويفاجئنا منذ سنواته األوىل بتلك اللغة املقتضبة املوحية والقامئة عىل اإلشارة .سنوات قليلة وينخرط الطّفل يف شؤون الحياة وشجونها ،وشيئاً فشيئاً يكرب فتغادره ال ّدهشة ،وتتح ّول اللغة عنده لتصبح لغة جافّة قامئة عىل التّقرير .ال ينجو من هذه التّح ّوالت الخطرية سوى أشخاص قليلني ،هم أولئك ال ّنفر من الناس خاصة تقي الذين ق ّرروا أن يحتفظوا بالطّفولة ،كتميمة ّ كل ذلك الضّ جر الذي أرواحهم من الوحشة ،وتنقذهم من ّ ميأل الحياة ،وهؤالء هم الشّ عراء. بهذا الفهم ميكن القول إ ّن الشّ اعر هو ذلك الطّفل الكبري ظل يلعب بالكالم ،ويشكّل من طينته تلك املشاهد الذي ّ الخرافية الساحرة. عىل أ ّن هناك مث ّة افرتاقات أساسية بني الطّفولتني :طفولة الطّفل وطفولة الشّ اعر ،فالطّفولة األوىل هي طفولة أ ّولية هشّ ة تنقصها الخربة ،بينام الطّفولة الثانية هي طفولة ناضجة ،أو بتعبري أكرث دقّة هي طفولة ماكرة! من جهة ثانية نحن نجد أ ّن طفولة الطفل قامئة يف األساس عىل محاولة معرفة العامل ،واستقصاء أرساره ،ولذلك فنحن نجد الطّفل منكبّاً باستمرار عىل إطالق األسئلة وتلقّي اإلجابات ،وذلك من أجل أن متتلئ يداه يف نهاية املطاف بتلك الثرّ وة املعرفية التي متكّنه من التواصل مع اآلخرين. عىل مستوى طفولة الشاعر يحدث العكس ،حيث يلجأ الشاعر إىل التّخلّص من ركام املعرفة الفاسدة التي تجتاح كيانه بني الحني واآلخر ،وتعكّر ماء كتابته .إنّه يكتب كام ظل يف سنوات عمره األوىل .يتّضح هذا األسلوب يف لو ّ وخاص ًة يف الف ّن التشكييل، الفنون، سائر يف هو كام عر الشّ ّ وخري مثال عىل ما نذهب إليه هي أعامل الف ّنان كل طاقته يف السويرسي املعروف «بول كيل» ،الذي ك ّرس ّ
آرثر رامبو
رسم لوحات تستم ّد جاملياتها من روح الطفولة. يف الشّ عر العريب الحديث يعترب الشاعر «أدونيس» هو الشاعر األكرث إخالصاً لطفولته ،أو األكرث قدر ًة عىل تطويع يده لتكتب متّكئة عىل إرث الطفولة ،أ ّما القارئ فيندهش كيف أ ّن شاعرا ً ومف ّكرا ً بحجم أدونيس ين ّحي تجربته جانباً ليكتب بروح الطفل الذي فيه .يقول يف قصيدته «احتفا ًء بالطفولة» ،وهذه القصيدة هي من مجموعة له تحمل عنوان «احتفا ًء باألشياء الغامضة الواضحة»: «تتم ّنى ال ّريح أن تتح ّول إىل عربة تج ّرها الفراشات». ويقول يف القصيدة نفسها: «قري ٌة صغري ٌة هي طفولتُك مع ذلك لن تقط َع تخو َمها بالسفر». مهام َ أوغلت ّ السابق ،ولنتأ ّمله جيّدا ً .هنا سوف لننظر إىل املقطع ّ كل ما نرى أ ّن الطفولة قد احتلّت حياة الشاعر كاملةًّ . وكل ما يكتبه، يشاهده ،كل ما يتح ّرك فيه أو يالمسهّ ، الصغرية (الطّفولة) ،ولكن عىل هو مأخوذ من تلك القرية ّ ال ّرغم من صغر هذه القرية فإ ّن الشاعر سيقيض حياته متن ّقالً فيها ،دون أن يسرب أغوارها! مثل هذا التّشبّث الكبري بالطّفولة ،والتّامهي معها إىل هذا الح ّد ،هو ذروة اإلخالص للشّ عر ،ذلك أ ّن الطّفولة هنا هي مبثابة نبع الشعرية املتدفّق ،الذي يز ّود الشاعر بالخياالت العذبة املج ّنحة والحدوس. يف شعاب الطفولة يلتقي الشاعر الطفل بالشعر مصادفةً، وتقدح بني يديه رشارة القصيدة. issue (9)- February - 2013
105
تنظير
يف تلك اللحظة الفارقة ،يبدأ الشّ اعر مشواره مع الكتابة، ث ّم يسريان معاً :الشّ اعر والطّفل الذي فيه. ترافق الطّفولة الشّ اعر ،كحالة قدرية ،أو كمصري محتوم، وتحرسه كام تحرس شعره .كام أنّها تض ّخ فيه باستمرار طاقة الحلم ،وال ّرغبة يف التّم ّرد واالنعتاق من العامل البائس كل ما وجد كل ما حاول الشاعر أن يكتب شيئاًّ ، املرت ّمدّ . السابق، نفسه أنّه نيس ما تعلّمه .إنّه ال يركن إىل منجزه ّ وال يتوقّف عند منوذج مق ّدس ،سواء أكان له أو لآلخرين. ولذلك فنحن غالباً ما نراه يف لحظات الكتابة مش ّوشاً، نصه للم ّرة األوىل. وغائم ال ّنظرات ،كأنّه يكتب ّ نص أ ّول، ّ نص جديد يلجه هو مبثابة ّ كل ّ نص أخري. ّ نص ينهي كتابته هو مبثابة ّ وكل ّ ظل مخلصاً لطفولته هو نفوره أكرث ما مييّز الشاعر الذي ّ من الحياة الرتيبة ،واملشهد الواحد املتك ّرر .مث ّة سأم حاد كل ما هو متدا َول ومنت َهك .لديه رغبة يجتاح كيانه من ّ والسفر واالكتشاف ،أ ّما اللغة فيذهب عارمة يف التغيريّ ، بها باستمرار نحو مغامرة جديدة .يف الكتابة تروق له
الرسومات خوان مريو 106
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
فكرة اللعب الح ّر ،تلك الفكرة التي تس ّبب له قدرا ً هائالً من اللذة. ترى ما الذي ميكن أن يحدث للشاعر ،إذا ما غادرته الطفولة؟ الطفولة هي أرض الشعرية الواسعة وفضاؤها املمت ّد، ويف اللحظة التي يفرتق فيها الشاعر عن طفولته ،يفقد وتجف عصارة الشعر يف قلبه. البوصلةّ ، هذا ما حدث مع الشاعر الفرنيس «آرثر رامبو» ،الذي هو أحد رواد الحداثة الشعرية يف العامل ،فبعد مرور خمس سنوات عىل مشواره الشعري ،ويف س ّن العرشين من عمره، توقّف عن كتابة الشّ عر بشكل نهايئ .لقد هدأت روح ذلك «الهائل العابر» الذي كان قد أعلن جنونه وفوضاه الصلبة، العارمة ،وذلك بعد أن اصطدم بصخرة الواقع ّ حدث ذلك يف العام 1873حني أطلق صديقه الشاعر فرلني ال ّنار عليه .ومنذ تلك الواقعة مل يعد رامبو ذلك الطفل املشاكس .لقد استيقظت فيه حياة أخرى هي أقرب إىل الرعونة والفتك ،يقول يف أحد نصوص ديوانه «فصل يف الجحيم»« :أنا الذي اعتقدتُ بأنني ساحر أو كل التزام أخالقي ،عدتُ اآلن إىل األرض معفي من ّ مالك، ٌّ الصلبة ،مع واجب ينبغي أن أبحث عنه ،وواقع ُم ّر ينبغي ّ عت؟ أن أعانقه ،يا يل من فالح! آه من سذاجتي! هل خ ُِد ُ أخت املوت بال ّنسبة يل؟ أخريا ً فإنيّ أطلب وهل الرحم ُة ُ كل يشء .ولكن ولننس ّ ّيت من الكذب. املغفرة ،ألنيّ تغذ ُ َ ال ي ٌد صديقة متت ّد نحوي». وصل رامبو إىل عدن عام ،1880حيث سيستق ّر هناك بعد سلسلة طويلة من الرحالت ،شملت كالً من إيطاليا، هوالندا،السويد ،ال ّدامنارك ،وقربص .يف عدن سيتّضح لديه ّ الجانب الفوضوي والبوهيمي من حياته بشكل كبري، وسيقوم بالعمل -حسب بعض الروايات املتداولة -يف الصومال. تجارة األسلحة وال ّرقيق ما بني ميناء عدن وميناء ّ ذلك التّح ّول الذي نقله من كتابة الشعر إىل هذا ال ّنوع السبب املبارش الذي القايس من التّجارة ،ربمّ ا سيكون ّ سيضع نهاي ًة محتومة ملرشوعه الشّ عري .يف هذا التّح ّول الصارمة غادرت الطفولة الشاعر ،وحلّت مكانها تلك املهنة ّ التي تتعامل بال شفقة مع سلعتني خطريتني هام األسلحة وال ّرقيق!
مختارات
غابرييلال ميسترال
شاعرة الخسارات المتّقدة يغص باملوت والزهور ،كالداخل أيضاً إىل حياتها الداخل اىل عامل غابرييلال ميسرتال الشعري ،كالداخل إىل قرب مفتوح ّ التي مل تفارقها املأساة بدءا ً بانتحار حبيبيها وحتى انتحار ابن لها ربّته وهو يف السابعة عرش من عمره ،مرورا ً برتاجيديا أحداث الحرب العاملية الثانية وماج ّرته عىل النفوس من ويالت وخوف وقلق من اآليت. الشاعرة التشيلية التي كانت أول من يفوز بجائزة نوبل لآلداب يف العام 1945يف امريكا الالتينية ،تركت وراءها إرثاً بحق اإلنسان يف نيل حريته والعمل من أجل كبريا ً من املقاالت والنصوص والقصائد التي مل متنعها مآسيها من االحتفاء ّ اسرتداد كرامته املهدورة بفعل الحروب ونزعات العنرصية. تبوأت ميسرتال – اسمها الحقيقي لوسيال غودوي الكاياغا – مناصب رفيعة عدة داخل وخارج وطنها ،وكانت تحظى تكف عن بثّ روحانياتها وشغفها لكامل االنسانية يف باحرتام وتقدير كبريين من دولتها وجمهورها .إنها املرأة التي مل ّ شعرها .الشاعرة التي ارتقت باألمل حني آمنت بأن الفنان بالنسبة للناس كام هي الروح بالنسبة للجسد ،وكانت هذه العبارة التي رددها اآلالف من ورائها ما استحقت أن تنقش عىل شاهدة قربها ,شاهدة بدورها عىل إميانها بالشعر كمخلص وإميان الجميع بها كشاعرة. ولدت غابرييال عام 1889وتوفيت بعد حياة حافلة بالخسارات العاطفية والنجاحات املهنية مبرض الرسطان يف 10يناير ،1957 ،وكان عمرها آنذاك سبعة وستني عاماً. ُ ترجمة :سمر دياب
issue (9)- February - 2013
107
مختارات
األم الحزينة
نم ..نم ياحبيبي دون قلق ،دون خوف ولو أن روحي التنام ولو أين ال أعرف راحة نم ..نم عىس أنفاسك يف الليل تصبح أرق من ورقة عشب أو صوف الخراف الحريري عىس جسدي ينام فيك قلقي ،رجفتي عيني ،وينام قلبي فيك . عساين أغلق ّ
غابة الصنوبر
فلنذهب للغابة اآلن ستم ّر األشجار قرب وجهك وسأقف ،وأقدّمك لها لكنها ال تستطيع االنحناء لك الليل يراقب مخلوقاته عدا شجر الصنوبر الذي ال يتغري الينابيع الجريحة التي تنبت صمغاً مباركاً ،وظهريات أبدية لو استطاعت ,تلك األشجار لرفعتك وحملتك من واد لواد وستعرب من ذراع لذراع كطفل يركض من أب ألب
108
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
لست وحيدة
املساء ..مهجور من الجبال حتى البحر لكني أنا التي تهدهدك لست وحيدة .. السامء ..مهجورة حني القمر يسقط يف البحر لكني ،أنا التي أمسك بك لست وحيدة العامل ..مهجور كام ترى ..كل األجساد حزينة لكني ،أنا التي أعانقك لست وحيدة ..
غابرييلال ميسترال
أغنية املوت
أيها الحاصد أرواح العجائز أيها املوت املاكر وأنت يف طريقك التحاول أن تلتقي طفيل أيها املتعقب رائحة املواليد الجدد باحثاً عن الحليب فلتجد ملحاً ،فلتجد طحيناً لكن ال تحاول أن تجد حليبي ياعد ّو أمهات العامل حاصد أرواح الناس عىل الشطآن والطرقات ال تلتقي ذاك الطفل االسم الذي ع ّمد به وتلك الزهرة التي كرب معها فلتنسها ،أنت الذي يذكر كل يشء أسقطها من حسبانك أيها املوت دع الريح وامللح والرمل يفقدونك صوابك يبعرثونك حتى التعرف الرشق من الغرب أو األم من الطفل كسمكة يف البحر و يف النهار ,حني يحني الوقت فلتجدين أنا فقط
املرأة الغريبة
تتحدث بنربة بحارها الوحشية مع طحالب ورمال مجهولة يف حديقتنا اآلن ،بكل غرابة زرعت صباراً وعشباً غريباً نسيم الصحراء ميأل أنفاسها هي التي أحبت بكل رشاسة بكل شغف أبيض الحب الذي مل تتكلم عنه يوماً ّ ولو تكلمت لصارت خريطة لنجمة أخرى بيننا ،قد تعيش لثامنني عاماً لكنها ،وكأنها قد وصلت للتو هي التي تتحدث بلسان يلهث وي ّنئ اليفهمها سوى الوحوش ستموت هنا بيننا يف ليلة عذاب كبري قدرها مخدتها وموت صامت ،وغريب
issue (9)- February - 2013
109
مختارات
هؤالء الذين ال يرقصون
طفل كسيح يسألنا كيف سأرقص ؟ دع قلبك يرقص ..أجبناه ثم سألنا الباطل كيف أغني ؟ دع قلبك يغني ..أجبناه ثم تكلم الشوك امليت املسكني ماذا عني ؟ كيف أرقص ؟ دع قلبك يطري اىل الريح أجبناه كل الوادي يرقص اآلن معاً تحت الشمس وقلب هذا الذي مل ينضم إلينا تحول إىل غبار ..إىل غبار
110
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
الببغاء
الببغاء األخرض واألصفر الببغاء األخرض والزعفراين ينعتني بالبشعة ،بصوته األخن الخارج من منقاره الشيطاين ..لست بشعة .. ً فلو كنت كذلك ،لكانت أمي أيضا بشعة أمي التي تشبه الشمس ولكان الضوء الذي تحدق به ..بشع كذا الريح التي تحمل صوتها واملاء الذي يحمل جسدها وكذا ،كان ليكون العامل الببغاء األخرض واألصفر الببغاء األخرض والذي يغري لونه ينعتني بالبشعة ألن أحداً مل يطعمه سآيت له بالخبز بنفيس ألين سئمت من النظر إليه دامئاً جامثاً ،دامئاً يغري لونه ..
غابرييلال ميسترال
ثروة
أملك ثروة من السعادة الحقة وثروة من الخسارات األوىل تشبه وردة األخرى كأنها شوكة مانهبوه مني ..مل أخرسه بعد أملك ثروة من النعيم وثروة من الخسارات أنا الرثية باألرجوان واألحزان آه ..كم أحببت تلك الوردة وكم أحبتني تلك الشوكة كح ّد مزدوج لتوأم فاكهة أملك ثروة من النعيم وثروة من الخسارات
قدما الطفل الصغرية
قدما الطفل الصغرية زرقاوتان ..زرقاوتان من الربد كيف يرونك وال يحموك .. يا الهي ! قدمان صغريتان جريحتان مألهام الحىص بالرضوض الثلج والرتبة أساؤوا لهام أعمى هذا االنسان الذي يجهل أنك أينام تخطو ,ترتك برع ًام من ضوء وأنك أينام تضع باطن قدمك الصغرية النازفة ينمو مسك ف ّواح ومع ذلك تعرب الشوارع مستقيام ،شجاعاً دون وجل أقدام الطفل الصغرية
جحران كرميان يعانيان كيف مي ّر الناس وال يرون ؟
هات تلك اليد
هات يدك ولرنقص هات يدك وأح ّبيني سنصبح كزهرة واحدة زهرة واحدة ..واليشء أكرث سنغني نفس القصيدة سرنقص نفس الخطوة سنموج كسنبلة واحدة كسنبلة واحدة ..واليشء أكرث اسمك زهرة ،وأنا اسمي األمل لكن ،فلننىس أسامءنا نحن رقصة عىل التلة رقصة واحدة ..واليشء أكرث الرسومات :روبريتو ماتا
issue (9)- February - 2013
111
مختارات
مختارات ِمن شع ِر النساء األفغانيات ٌ ُ محمد حلمي ِّ َّ الريشة ترجمة عن االنكليزية:
ناديا أَنجمن ()2005-1980
ُ الخطوات الخرضا ِء ه َو املط ُر صوت ِ ْ ني منَ َّ ريقَ ، إِ َّنهنَّ يأت َ اآلن الط ِ رواحهنَّ ال َعطىش و َتنان ُريهنَّ املرتب ُة ُج ْ الصحرا ِء لبت منَ َّ أَ ُ ٌ ٌ اب ملتهبة، نفاسهنَّ أَ ُ ومختلطة بالسرَّ ِ أَفواههنَّ جا َّف ٌة ،ومحش َّو ٌة بالغبا ِر ني منَ َّ ريقَ ، إِ َّنهنَّ ْيأت َ اآلن الط ِ ني علىَ َ ُ الفتيات ال َّلوايت تر َّب َ األملِ ،أَجسادُهنَّ مع َّذ ٌبة، الفرح وجوهَ هنَّ غاد َر ُ َّ ٌ قات قدمية قلو ُبهنَّ ومسطر ٌة بالتَّش ُّق ِ ٌ ابتسامة تظه ُر علىَ الَ فاههنَّ ِ لش ِ املحيطات الكئيب ِة ِ تنبع منَ املجا ِري الجا َّف ِة ُلعيو ِنهنَّ و َما منْ دمع ٍة ُ َيا الله! َ ربمَّ ا الَ أ ُ الصامت ُة ُ عرف َما إِذا ْ تصل إِىل كانت صرَ خا ُتهنَّ َّ الغيوم، ِ اموات ا ُملق َّبب ِة؟ والس ِ َّ ُ الخطوات الخرضا ِء ه َو املط ُر. صوت ِ
َبروين َبزواك (مواليد )1966
فيِ أَحال ِمي أَط ُري وأَنظ ُر إِىل َن ْفيس عدم ال ِّثق ِةَ - مثل طائ ٍر يف ِ يح ِّلقُ َ فوق بحري ٍة هلِ ُّ الطيو ُر الح ِبيس ُة َ حلمها َ مثل أحال ِمي؟ ُ *** الزَّهر ُة ا َّلتي تح َّو ْ لت 112
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
إِىل حج ٍر َ كان ل َ َ ذات م َّر ٍة أك َرث ر َّق ًة منَ الزَّهر ِة، صبح وأَخشىَ أَن ُت َ قاسي ًة أَك َرث منَ الحج ِر.
َبروين فايز زاده مالل (مواليد )1957
َ مثل زهر ِة صحرا ٍء تنتظ ُر املط َر، َ مثل ض َّف ِة نه ٍر عَطىش للمس ِة ِجرا ٍر، َ مثل الفج ِر يتش َّو ُق َّ للضو ِء؛ َ بيت، ومثل ٍ َ َ َ بيت فيِ األطاللِ يريدُ امرأ ًة - مثل ٍ َ َ تلك ا َّلتي استن ِفد َْت منْ أوقا ِتنا تحتاج لحظ ًة للتَّن ُّف ِس، ُ َّوم، ُ وتحتاج لحظ ًة للن ِ سالم ،ب َ ب َ سالم. ني ذر ِّ ني ذر ِّ اعي ٍ اعي ٍ
فتانا جهانجري أَهراري (مواليد )1962
َ واهن مثل رجلٍ ٍ ُ يلهث َ جريح مثل طائ ٍر ٍ ُ عالج يبحث عنْ ٍ َ ذنب مثل ضم ٍري ُم ٍ
الفنانة نجيا هاشمي
ُ بعض فضيل ٍة يبحث عنْ ِ َ جائع مثل طفلٍ ٍ ُ وت بعض ال ُق ِ يتوق إِىل ِ ِّ َ متعط ٍش مثل مخلوقٍ بعض املا ِء يتل َّه ُف إِىل ِ ُأريدُ َ الصفا ِء بعض َّ حتاج َ االنسجام بعض أَ ُ ِ بعض ُّ أَنا أَنتظ ُر َ الط ْأمنين ِة رجوك َ َ تعال أَ َ تعال السال ُم. السال ُمَّ .. السال ُمَّ .. أَ ُّيها َّ
شاكيال نصري (مواليد )1949
لوب الَ ُ تهدأ ُأ ِ قس ُم علىَ ُق ٍ ناس تائهنيَ، ُأل ٍ وعلىَ حرسات ومآيس َمن الَ ْ مأوى لَهم، وآالم الفقرا ِء، وعلىَ مرار ِة ِ يائس ُأل ٍّم حزين ٍة، قلب ٍ وعلىَ ٍ شجاع َ سقط من أَجلِ وطن ِه، قس ُم علىَ ج َّث ِة جنديٍّ ُأ ِ ٍ قس ُم علىَ وديا ِنكم الخرضاء ُوأ ِ وارتفاع جبالِكم وسام ِئكم الزَّرقاء دا ًمئا، ِ َ لىَ قس ُم ع أبنا ِئكم وبنا ِتكم ُّ الشجعان ُوأ ِ فون َم ُ ا َّلذينَ ي ِق َ عكم،
قس ُم علىَ الكتب املقدَّس ِة، ُوأ ِ ِ الخالق، قس ُم بالل ِه سبحان ُه و َتعاىل، ُوأ ِ ِ منح أَ َّنني لنْ أَ َ سالم منْ ترا ِب َك، والَ حتَّى ذ َّر َة ٍ ُأوهَ ،يا َ الحبيب! وطني ُ بالنِّسب ِة إِىل العاملِ ك ِّل ِه.
ِمينا كيشوار كامل ()1987-1956
أَنا امرأَ ٌة أَ ُ ستيقظ َ اآلن أَ ُ نهض منْ رما ِد محرق ِة أَجسا ِد صبح عاصف ًة أَطفايلُ ،وأ ُ أَ ُ دم إِخويت نهض منْ ت َّيار ِ ات ِ غضب َشعبي و ُمتم ِّكن ًة منْ ِق َبلِ ِ قت فيِ َ ُّ كل قري ٍة ُأح ِر ْ وطني ً لىَ مت َلؤين غيظا ع العد ِّو ُمواطنتي َ اآلن ْمل َتع ْد تف ِّك ُر يب َ مثل ضح َّي ٍة عاجز ٍة أَنا امرأَ ٌة أَ ُ ستيقظ َ اآلن ُ وجدت َطريقي لق ْد َ ولنْ أعودَ.
issue (9)- February - 2013
113
جدل
تغييب فلسطين عن المشاركات الشعرية العربية ..
لماذا؟
مراد السوداني
خليل زقطان ،برهان الدين العبويش ،حسن البحريي ،عبد األرض املحتلّة كانت ومازالت معاندة مكابرة تنازل الرحيم محمود ،كامل نارص ،عيل فودة ،معني بسيسو، النقيض االحتاليل وتؤكّد قدرتها واقتدارها عىل االحتامل توفيق زيّاد ،راشد حسني ،يوسف الخطيب ،أبو الصادق واملناجزة ..وهي هي غ ّرة الكون فعالً وصمودا ً وقولة ظل طغيان الحسيني ،محمد القييس ،حسني الربغويث ،فيصل قرقطي، تليق بالحريّة واملعنى ..إذ هي ُج ُّل املعنى يف ّ الشكل والشكليات ،وظلّت املقولة الثقافية تحرس الروح والقامئة تطول ،وقد أوردت بعض هذه األسامء الشاعرة الجامعية من اإلنكسار والخلخلة واالرتباك بتعزيز الثبات لإلشارة وبوضوح أنه ال يوجد يف املكتبة الفلسطينية الغائبة أصالً -إذ ال وجود ملكتبة وطنية فلسطينية - والحق والحقيقة الفلسطينية املحمولة عىل رواية البالد ّ إصدارات هؤالء الكبار ..ألج ّدد القول بسياق الحذف وحكاية الرتاب الح ّر . وفلسطني إذ متت ُّد يف عمقها العر ّيب واإلنسا ّين نشيدا ً واإللغاء الذي طال هذه القامات الوارفة وغريها ،نزوالً عند رغبة الشاعر األوحد ،واملثقف األوحد ،والواحدية صادحاً ومعاناة ووعياً ،فإ ّن متثليها يحتاج إىل وقفة ،أل ّن من ميثّل هذه الفلسطني تقع عىل كاهله مسؤولية ليست التي انتهت منذ أمد بعيد. جوهر القول أ ّن متثيل فلسطني يف الخارج يحتاج إىل بالسهلة والعادية ،وهنا أتح ّدث عن التمثيل الثقايف توقّف ج ّدي ،فالثقافة الفلسطينية يف األرض املحتلّة تحديدا ً وحرصا ً. تتعرض ملحو واستهداف يومي وكذلك املثقفون الذين بعد رحيل الشاعر الكوين محمود درويش ،مث ّة من أراد تحارصهم العزلة واملعازل ويحال بينهم وبني عمقهم فلسطينياً أن يتوقّف الفعل الثقايف عند هذه املحطّة .. العريب واإلنساين .فاالحتالل يحول دون إيصال الكتب إىل ويف ذلك انتقاص من الثقافة الفلسطينية التي منذ مائة عام وهي تج ّدد إنجازاتها وعطاءها عىل كافة السياقات ،فلسطني وبالتايل ال إضاءة عىل املشهد الثقايف العريب يف فلسطني ،وال كتب تخرج من فلسطني ،فال إضاءة عىل وللتاريخ فقد نال الظلم العديد من األسامء الوازنة يف املشهد الثقايف الفلسطيني لدى عمقه العريب ،النتيجة الثقافة الفلسطينية التي ألقي الرتاب والنسيان عىل انعدام التواصل الحيلولة دون تحقيق إطاللة عىل معاناة إرثها اإلبداعي ،عىل الرغم من تو ّهجه وبقائه عالياً مثل املثقفني الفلسطينيني وما يتع ّرضون له من تعتيم .وعليه، شجرنا املحارب ،إذ مل تنل هذه األسامء اإلضاءة الوافرة فإن إرشاك املثقفني من األرض املحتلّة يف الفعاليات التي تليق بها وبدورها ومنها :نوح إبراهيم ،إبراهيم تعج بها األقطار العربية بات أمرا ً واجباً طوقان ،فدوى طوقان ،عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) ،والنشاطات التي ّ 114
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
تغييب فلسطين
الفنان سليامن منصور
ّ لفك الحصار عن الثقافة الفلسطينية ومجرتحيها. كام أن طباعة الكتاب الفلسطيني يف العواصم العربية يساهم بشكل فاعل يف التعريف بالسياق الثقايف الفلسطيني ،ويرفع الحصار بفاعلية عن الكتاب الفلسطيني امللقى يف غيابة اإلقصاء والتهميش املدان. ففي معارض الكتب املتوالية مث ّة غياب واضح وافضح لفلسطني ثقافة ووعياً ،وال يكلف املنظ ّمون أنفسهم عناء إرشاك املثقف الفلسطيني إالّ بنزر يسري وفق معايري أبعد ما تكون عن الثقافة الفلسطينية واتساعها. والتغييب يطال جمهرة األرواح الشاعرة يف األرض املحتلة يف مجمل النشاطات الشعرية التي تنظمها املؤسسات ذات العالقة . إشكالية أخرى نالحظها أن شعراء فلسطينيني من الشتات يتقنعون باسم فلسطني ويق ّدمون أنفسهم باسم الدول التي يقيمون فيها ،ويشاركون كشعراء فلسطينيني وهذا يلحق ظلامً واضحاً بالشعرية الفلسطينية التي لها
من يصدح باسمها ورسمها .منوهاً أن هناك يف الشتات من يع ّرف نفسه كشاعر فلسطيني وهؤالء يع ّدون عىل األصابع .وعليه ال ب ّد من وضع الشعرية الفلسطينية يف سياقها. كام أن بعض الشعراء ومثقفي العالقات العامة الذين يريدون إيقاف الشعرية والثقافة الفلسطينية عىل حضورهم الذي منحهم إياه تطبيل هنا وإضاءة هناك، يرغبون يف أن تبقى عجلة املشاركة الخارجية تدور يف فلكهم. إ ّن الشعرية الفلسطينية تحتشد بأسامء عالية وتجارب تستحق االنتباه والتعميم واالنتشار، شعرية جديدة ّ وعليه ،فإن املشاركة الشعرية الفلسطينية ال ب ّد لها أن تراعي فلسطني املحتلة مبا فيها فلسطني املحتلة العام ،1948والشعرية الفلسطينية يف الشتات ،حتى تكتمل املقولة ويرتفع النشيد مبا هو جدير بهذه الفلسطيني ودورها الثقايف العارم issue (9)- February - 2013
115
شعر وفلك
أنسي الحاج
قـراءة فلكية تشير خارطة ميالد أنسي الحاج الى أن شخصيته تمحورت بين عنصري الجرأة والخيال ،في حين
ً متحررا من طين كانت تفتقر الى العنصر الترابي ،عنصر الواقعية وحب التملك ،ولهذا نشأ أنسي
ً ً عصفورا نحو السماء. ومنعتقا من قيود المادة ،تهفو روحه الى الملكوت ويرف قلبه األرض
ياسين الزبيدي
كانت
الشمس قد دخلت برج االسد يف سامء بلدة قيتويل اللبنانية عندما اطلق انيس رصخة الوالدة االوىل ،يف حني توزعت بقية الكواكب يف ابرا ٍج مائية وهوائية يف يوم السابع والعرشين من متوز عام ،1937ذلك ما اخربتنا به احدى برمجيات الحاسوب التي تعيد رسم مواقع كواكب املجموعة الشمسية وفقاً ملا زودناها به من معطيات .إن لرسمة الكواكب هذه أو ما يطلق عليه اصطالحا بخارطة امليالد أهمية كبرية يف تحليل النفس البرشية ،وتفسري الدوافع والرغبات التي تدفع االنسان اىل اتخاذ موقف معني تجاه قضايا مجتمعه وعرصه. املواقف الحازمة التي تبناها الحاج يف رحلته الحياتية صا َحبها إميان مشبوب وطبع ناري تأىت إليه من برج االسد ،برج النبالء والخيالء واالعتداد بالنفس .وقبل ان نتحدث عن النقاط الفارقة يف مسرية حياته ،ال بد لنا من أن نع ّرج اىل دور الشمس يف تركيبته الشخصية.
دَور الشمس
متثل الشمس إرادة االنسان الحرة وتوجهاته األساسية يف الحياة ,كام متثل مظهر االنسان الخارجي ,وكيف ي ُـنظر إليه من قبل اآلخرين .وملا كانت يف الشمس يف العرشية
116
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
االوىل من برج االسد لدى أنيس ،أدى هذا اىل امتالكه كريزما خاطفة لألنظار ،تجعله إذا تحدث لفت انتباه اآلخر ،فهو ميتلك عنرص القيادة والتوجيه ،يخطو الخطوة االوىل فتتبعه الجموع ،ال يرىض بالواقع كام هو ،ولديه القدرة عىل أن يكون هو التغيري الذي يطلبه يف املجتمع. وقبل كل هذا له من االنفة والكربياء ما يجعله شامخاً، ويف ذلك يصفه الشاعر السوري حسني حبش «هو الشاعر العيص الشامخ ،الذي ال يتنازل عن عرش الشعر الشاهق لصالح أنانيات طارئة وآنية ،ال متت لكربياء الشعر بصلة.
أنسي الحاج
هو الشاعر الذي ال يتوسل أحدا ً ،وال يسعى اىل أي كان. مسعاه الحقيقي والفاتن هو الشعر ثم الشعر».
جرأة األسد
الشمس تصف املظهر ،وعطارد يصف الفكر وأسلوب التعامل مع االخرين ،وهو أول كواكب املجموعة الشمسية وأقربها اىل الشمس .نلجأ إليه عندما نتطلع اىل تحليل شخصية واحد من رجاالت الثقافة والفكر ،وقد تواجد يف خارطة ميالد انيس يف برج االسد الناري مجاورا ً ملوقع الشمس ،مام جعل أنيس ميتلك ثقة عالية وإميانا عميقا بقدرته عىل حل أية مشكلة تعرتضه ،وإذا ما اقتنع بيش فإنه مييض نحوه بكل جرأة وإقدام. يف مطلع الستينيات من القرن املايض كانت دكتاتورية التفعلية والشعر املوزن طاغية يف ساحة القصيدة واألدب، وكانت كل محاولة للخروج عن قيود القافية تجعل صاحبها عرضة لالتهام بالخروج عن السائد وتضعه يف قامئة املندسني واملارقني .وكان هناك فتي ٌة راحوا يحاولون بصمت ان يكتبوا قصيدة النرث ،ولكن احدا ً منهم مل يجرأ رصح بها علنا خوفا من رشط التفعيلة وسطوة عىل أن ي ّ الوزن والقافية ،ولهذا كانت محاوالتهم متواضعة وكانوا
ال يجرؤون حتى عىل تسميتها بقصيدة نرث ،وليك يفلت البعض منهم من املحاسبة راح يطلق عىل محاوالته خواطر او تجليات صوفية دون ان يفكر مجرد فكرة بأن يصف هذه املحاوالت عىل انها يش من حداثة الشعر. وهكذا كانت قصيدة النرث كطفلة لقيطة ،ومن بني هذا الجو املشحون بالخوف أطلت جرأة االسد يف «لن» الديوان األول ألنيس الحاج ،ليرصخ يف مقدمة الديوان بوجه التقليد األعمى وسد الرجعية االصم« :ألف عام من الضغط ،الف عام ونحن عبيد وجهالء وسطحيون .ليك يتم لنا الخالص علينا ان نقف امام هذا السد ،ونبجه». لقد وقف ابن الثالثة والعرشين متسائالً بكل بسالة «هل ميكن ان نخرج من النرث قصيدة؟ أجل فالنظم ليس هو الفرق الحقيقي بني النرث والشعر .لقد ق ّدمت جميع الرتاثات الحية شعرا ً عظيامً يف النرث ،وال تزال» .ثم التف اىل قصيدة النرث وأشار إليها ..نعم انها ابنتي وانا أبوها الرشعي وافعلوا يا متعصبي الثقافة والشعر ما بوسعكم أن تفعلوا .واليوم بعد ان كربت هذه الطفلة وغدت رمبا أكرث شهرة من أبيها فإنها قد تنىس كل شيئ إال جرأة االسد يف أبيها الذي قال «لن» اغري الشعر ولكنني سأضيف اليه ما يجب ان يضاف: issue (9)- February - 2013
117
شعر وفلك
وكام أين عىل يديَّ أحمل غريي وانتهى األم ُر وكام أين قبل هذا ُ قلت هذا وغريه وانتهى األم ُر ميكن ّأن ما أحلم به لن ُأح ّق َقه ألن يدي خاص ًة من حني إىل حني يف الشتاء ّ ترتك أحاملها وتصبح رشيق ًة تصبح ولدي وتأخذ عطل ًة وتعطيني من وقتها فتحمل منّي ورق ًة أو دفرتاً دو ُّيه املاحي نظري يختنق جهراً !
الهروب من الواقع
تكمن املفارقة يف التحليل الفليك عند وصف ظاهر الشخصية وباطنها ،او اشكالية موقع الشمس وموقع القمر ،فالشمس تصف العقل واالرادة ومظهرنا الخارجي، يف حني يصف القمر عاطفتنا وتفكرينا الالواعي واسلوب تعاملنا مع ذواتنا ،وكام تحدثنا مسبقاً فقد كانت الشمس عامالً مهام يف كريزما انيس الحاج وعامالً فعاالً يف انـَفـَ ِت ِه وكربيائه ،ولكن كيف يتعامل انيس مع ذاته عندما يكون مختليا بنفسه بعيدا ً عن صخب الحياة والناس.
أطلت جرأة االسد في «لن» الديوان األول ألنسي الحاج، ليصرخ في مقدمة الديوان بوجه التقليد األعمى وسد الرجعية االصم
118
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
كان القمر يف زاوية سلبية من برج الحوت املايئ ،برج االحالم واملزاجية والسوداوية ،وهذ ما جعل أنيس رغم انه لبناين الوالدة يختلف كثريا عن اللبنانيني ،وهو يف احد حواراته مع اسكندر حبش يشري اىل طبعه املختلف « اللبنانيون أذىك مني وأشطر ومنسجمون مع انفسهم اكرثمني .أشعر احياناً انني لست لبنانياً ،ألنه ليس لدي الصفات اللبنانية الوطنية ،أي الحذاقة والشطارة واللباقة والذكاء التجاري والتفاؤل .اللبناين كائن نهاري مشمس، أما انا فكائن لييل ،ظيل». يف اواسط السبعينيات اشتعل فتيل الحرب االهلية اللبنانية يف حمى القتل والرصاعات والتناحر عىل السلطة. وكان الحاج يلوذ يف تلك الفرتة بـ «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» ديوانه الشعري الذي كان ميثل نقاء امللكوت وسلطة السامء ضد قوى الرش املتنازعة .بيد ان رائحة البارود وحرشجة املوىت واتون الرصاع املحتدم كان يدفع أنيس اىل خيارين احدهام اصعب من اآلخر، كان عليه إما ان يبيع قلمه لحزب من االحزاب وهذا االمر ينايف حرية واباء الشاعر ،أو أن يحول فوهة قلمه اىل بندقية يطلق بها الرصاص عىل كل قوى التعصب والعنف دون استنثاء وهذا يعني انتحار عىل كافة الصعد .وبينام كان يف خضم هذا الرصاع النفيس ،رصاع الالوعي والعقل الباطن ،تدخلت زاوية القمر السلبية لتدفعه بعيدا عن هذين القرارين ،فعندما يكون القمر سلبياً يف الحوت فإنه يدفع بصاحبه للهروب من الواقع اىل عامل الوهم ،عامل يرسمه بفرشاة إلهامه وخياله الخصب ،عامل من الرؤى يستطيع أن يستغني به عن الواقع ومرارته ،لذا فقد اتخذ قراره الخطري بالهروب من كل شيئ حتى من الشعر وهو رورحه ووجدانه ودخل يف معتكفه صامتا ألكرث من خمسة عرشة عاماً .لقد اتخذ أنيس هذا القرار ألنه شعر أنه لن يستطيع أن يرب بقسمه تجاه «الرسولة» ،وراحت ابتهاالته وصدى كلامته تتالىش مع تعايل اصوات الرصاص ووحشية الحرب:
قس ُم ْأن أحمل بالديَ يف ُح ّب ِك ْ وأن أحمل العامل يف ُأ ِ بالدي ُ ْ قس ُم أن أح ّب ِك دون أن أعرف كم أح ّب ِك ُأ ِ
أنسي الحاج
املاغوط جالساً عىل األرض (اىل اليمني) واىل جانبه يوسف الخال ،ادونيس ،أنيس الحاج ،ادفيك شيبوب وجميل جرب
قاسمك هذا الصديقَ قس ُم أن أميش اىل جانبي ُوأ ِ ُأ ِ الوحيد ْ صوتك قس ُم أن يطري عمري كالنّحل من قفري ِ ُأ ِ قس ُم أن أنزل من برقِ َش ْع ِر ِك مطراً عىل السهول ُأ ِ قس ُم ُك ّلام ُ السطور أن أهتف: ُأ ِ عرثت عىل قلبي بني ّ َو َج ْد ُت ِك! َو َج ْد ُت ِك!
سيد االضداد وااللفاظ
برج الجوزاء هو برج االزدواجية واالضداد ،وقد تخيله االغريق يف السامء بهيئة التوأمني كاستور وبولوكس .ويف علم الفلك الحديث عندما يتواجد كوكب الزهرة يف برج الجوزاء كام هو الحال يف خريطة ميالد أنيس فإن ذلك يعني أنه رجل يستمتع بالحديث مع االشخاص االذكياء الذين يستطيعون ان يستوعبوا عمق أفكاره وأسلوبه الحاد يف التعبري عنها .رجل يجد سعادته يف صديق صدوق أو جار مقرب يفتح له بوابات قلبه بكل طأمنينة ،أما يف الحب فإنه متغري ومتقلب اليعرف االستقرار العاطفي .
مل أقل يوماً متاماً ما هو الحب يل وما هي الحياة أنا السطحي باطني جداً
أنسي الحاج المبشر بعصر القصيدة الجديد رغم كل ما كـُتب عنه وكل ما سيكتب ،سيبقى ظاهرة يصعب اإلحاطة بها تحلي ً ال ً ودراسة
أنا املحب كاره عميق أنا الشاعر لست شاعراً
كام ان موقع كوكب الزهرة يضيف اىل شخصيته تفوقاً لغوياً عالياً فهو ميتلك ناصية اللغة وهي بيده عجينة طيعة يترصف بها كيف يشاء ،فهو يعرب عن ما يختلج بصدره وروحه باسلوب أخّاذ ،لكأن عفريت األلفاظ قد تل ّبسه فهو مييل إليه ما يريد أن ميليه. ان أنيس الحاج املبرش بعرص القصيدة الجديد رغم كل ما كـُتب عنه وكل ما سيكتب ،سيبقى ظاهرة يصعب اإلحاطة بها تحليالً ودراسةً .فأنيس شاعر يشابه القصيدة ولكنه يختلف عن الشعراء ،يحب الحداثة والتجديد بقدر ما يحب االنطواء عىل نفسه واالبتعاد عن األضواء والشهرة ،فقد رفض مقابلة العديد من الصحفيني البارزين ألنه مل من اسئلتهم التقليدية املكررة فهو يريد منهم ان ال يقفوا عىل األبواب بل يريد منهم أن يلجوا اىل عمق التجربة .إنه الشاعر الذي كانت كلمة صغرية منه تكفي إلبكاء عيون الشاعر الكبري املاغوط ،وهو الشاعر الوحيد الذي راهن عليه نزار قباين بروعة ما كتبه وما سيكتبه ،هو ليس فقط «االب الرشعي الوحيد» لقصيدة النرث بل هو اكرثمن ذلك بكثري ،هو قصيدة النرث ذاتها. issue (9)- February - 2013
119
مهرجانات
أيام في لوديف عبد الرحيم الخصار
()1
أحس بجدوى األطراف كلام مشيت ،و أصغي لرنني اللذة يف داخيل كلام وضعت قدمي عىل أرض بعيدة ،جسدي أيضا يصري أكرث خفة و حياة يف السفر .و األهم أنني أتخىل و لو لبضعة أيام عن تلك النظرة الفاترة و الزمن الرخو الذي يتمدد عىل الطريق بني بيتي و املقهى الذي صار بيتا آخر يل يف بلديت الصغرية و الخمولة. وصلت متأخرا بعد يوم طويل يف مطار الدار البيضاء صادف إرضابا للربابنة ،و يف السيارة التي كانت تقطع بنا الطريق امللتوية يف الريف الفرنيس تحدثنا أنا و سائقها املارسييل عن الطقس و الشعر و التاريخ و السياسية و لكنة الجنوب .أخربين أنني سأقيم لدى عائلة تقيم هي األخرى و سط بيت كبري من املشاعر العالية، كانت الساعة حوايل الواحدة بعد منتصف الليل حني كنت أخطو بهدوء داخل إقامة أوليفيي و إلني املحاطة باألشجار ،و بالحب أيضا. أوليفيي عاشق كبري ،ترك حياته األوىل مبا فيها من ضجيج ،ترك أيضا عمله يف السينام ،باع منزله يف
120
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
مونبيليي ،أمسك بيد إلني و جاء ليعيش يف لوديف، حيث تتيح له حياة الريف أن يحيا وفق مزاجه .مزاجه طفويل و حركاته و ابتسامته مشحونة بالرباءة ،له ابنتان شقراوان :لوو و جولييت ،و إلني لها أيضا ابنتان مبالمح آسيوية :ساشا و لويز. يصعب أن أنىس ذلك الصباح الرومانيس حني خرجت من االستوديو ألتجه إىل مقهى الهاوس وسط املدينة، هناك حيث يجلس أحمد راشد طوال النهار يكتب، وحيدا و هادئا مثل معلم يوغا ،غري أن أوليفيي ناداين فوصلت إىل رشفته عرب ال ّدرج عابرا حديقته الربية ،أحرض يل إبريق شاي مغربيا ،و حدثني عن ولعه باألشياء الصغرية التي ال ينتبه لها اآلخرون ،هو الذي تعود عىل صنع ديكورات و مجسامت من أشياء مهملة ،التحقت بنا زوجته و صديقة لها ووصلت بناته الواحدة تلو األخرى مثل قطط تنفض عن فروها بقايا النوم ،غري أن اللحظة املبهرة ستبدأ حني أمسكت لويز القيثارة و رشعت يف العزف ،لويز ابنة السابعة عرش بعيونها الضيقة
لوديف للشعر
جعلتني وأنا أرشب الشاي و أصغي إىل عزفها أحس بأن العامل أرحب مام يبدو يل. ح ّول أوليفيي الطابق السفيل من املنزل إىل ورشة كبرية للنحت و الرسم ،اكتشفت هناك منحوتات رائعة من الخشب ال حرص لها ،ال تشغل حيز الورشة فحسب ،بل متأل الردهات و زوايا املطبخ. كنت أقرأ شعرا يف «كور كازبالنكا» (درس الدار عيني البيضاء) ،كان الصف الخلفي فارغا ،و حني رفعت ّ إليه بعد جملة شعر رأيت هيلني ولو و ساشا عىل كراسيه ،كانوا قد طلبوا من األطفال أن يرسموا عىل ورق أبيض ما يشعرون به و هم يسمعون قصائدي ،الصغار رسموا أشياء كثرية ،لكن يف كل ورقة كانت هناك أشجار، رمبا حدسوا أين منذ طفولتي كنت صديقا قدميا للغابة. يف الخارج كان أوليفيي يحمل إعالنا كبريا عىل ظهره، كَتبه عىل لوحة دقيقة من الخشب ،يخرب فيه املارة و الحارضين أن ورشته ترحب بهم يوميا عىل الرابعة بعد الزوال من أجل تجاذب أطراف الفن.
عرب املمرات امللتوية التي تعلو بك شيئا فشيئا نحو معبد بوذا عىل رأس الجبال املتاخمة للمدينة كانت السيارة تتقدم بنا يف صباح صيفي هادئ ،و كانت الصغرية لو تشري بيديها إىل القرى التي تتكاثف منازلها فوق املرتفعات ،توقف أوليفيي أمام بيت كبري كان بابه مفتوحا عىل مسبح ،و كانت شابة رشيقة تتمىش عىل جنباته بقطعتي سباحة زرقاوين ،أعرب يل عن رغبته يف أن يرتكنا يف السيارة أنا و ابنتيه و ثيابه أيضا لريكض مخرتقا الباب و يرمتي يف املاء ،شغل محرك السيارة و قال يل »:بوذا أفضل» .يف منتصف الطريق اكتشفنا أنها مقطوعة ،و أنه يتعذر علينا أن نضع أقدامنا يف معبد بوذا ،لذلك غرينا الوجهة باتجاه متثال العذراء الذي ينتصب عىل أعىل مرتفع يف املدينة ،متثال أبيض منحوت بعناية ،و حني ينعكس عليه الضوء يف الليل تراه فوق ظلمة الجبال فاردا جناحيه مثل مالك نازل من السامء. شامل املتوسط يسهل أن تنتقل يف يوم واحد بني بوذا و مريم أو أي اسم آخر.
issue (9)- February - 2013
121
مهرجانات
()2 يف شقة محمد حمودان كانت صور بوذا متأل كل مكان ،صاحبة الشقة تركت كل يشء رهن رغبته ،لكنه مل يكن يدخل املطبخ أو يشغل التلفاز ،كان يفضل أن ينام عىل رسير ابنها ،وحني يستيقظ يروقه أن يجلس عىل أريكة يف البهو ويعيد قراءة كلامته بصوت مسموع. ميلك حمودان من الجنون القدر نفسه من العقل والرزانة ،يحب الحياة ويكتب بلغة صادمة ال تراعي عىل اإلطالق املشاعر الهادئة و املرهفة لآلخرين .مرة قالت له سيدة فرنسية و هو يقرأ شعرا عنيفا يف حديقة نوتردام «:ما بك سيدي؟ هل ميكنني ان أقدم لك مساعدة ما؟ إذا كنت مريضا فأنا أستطيع أن أعالجك» ضحك و أخربها بأنه يف كامل وعيه ،وأنه ال يعاين من مشاكل عقلية مضيفا« :إنه الشعر سيديت ،إنه الشعر». كنت أدرك أن العنف يف نصوص حمودان هو رد فعل عىل عنف آخر يوجد يف الحياة ،القوي يبتلع الضعيف واآلخر دامئا مرفوض أو عىل األقل مشتبه فيه ،ليس هذا ما يعانيه املهاجرون يف فرنسا فحسب ،بل هذا ما يعانيه اإلنسان الذي يعيش عىل هذا الكوكب من إنسان آخر يعيش معه عىل نفس الكوكب. قرأت شعرا عىل ضوء الشموع و آخر تحت األشجار أو يف النهر حيث يجلس الشعراء عىل منصة فوق جرس واطئ بينام يتكئ اآلخرون عىل أرائك عامئة تتحرك و تتهادى فوق مياه النهر .ويف حديقة الميجيرسي كان اإلسباين كارلوس باترينا يعزف عىل العود بإيقاع يعلو و ينخفض متفاعال مع نيص «املحارب» .كارلوس هو الوحيد الذي كان ينطق اسمي كام هو ،بعينه و حائه اللذين يتعذر عىل األوربيني نطقهام ،عبد الرحيم أو عبد الرحمن من أكرث األسامء تداوال يف عهد األندلس .يعزف كارلوس عىل العود بخشوع متعبد يف محراب ،وبفرح طفل يصحو عىل هدايا العيد ،يف مقهى أوليزار كان يحيك يل عن طفولته و حرمانه و عن تسكعه و تطوافه بسبب هوسه باملوسيقى.
()3 تبدو لوديف من مرتفع العذراء مثل لوحة من القرن التاسع عرش :األبنية الخفيضة بالقرميد واألزقة الضيقة والنوافذ الكبرية املرشعة عىل بعضها ،و الفوانيس املعلقة عىل واجهات املنازل ،و النهر الذي يقطع املدينة ،والجسور التي كان يحلو يل الوقوف عندها يف الصباحات الهادئه ،تذكرت يوما ما وأنا واقف عىل الجرس فوق النهر كل الشعراء الفرنسيني الذين أحببتهم :أراغون ،رامبو ،إيلوار ،بريس ،كروفيل ...لكن الشاعر الذي حرض أمامي بقوة يف تلك اللحظة ومتاست مع كياين هالته هو جريار دونريفال العاشق الكبري الذي قتله عشقه. مل أر يف حيايت امرأة وفية لرجل مثل وفاء جانني بورين ملوريس كاريم ،هذه العجوز جعلت من هذا الشاعر البلجييك أسطورة ،هو الذي عاش منشغال بالكتابة لألطفال والشباب ،تذكر اسمه يف كل حديث أكرث من ذكرها لضمري املتكلم يف الفرنسية ،متحو ذاتها هي الحية لتفسح املجال لطيفه هو الراحل منذ سنني ،سمعت منها اسم موريس مع كل وجبة كنا نلتقي فيها عىل نفس املائدة ،ومع كل تحية ،وحتى وهي متر دون أن تتكلم كنت أعرف أنها مسكونة بأشباحه ،وحني تجلس وحيدة و هادئة يف خيمتها مبعرض الكتاب كنت أحس أنها ليست وحيدة عىل اإلطالق ،فثمة دامئا هواء تتنسمه من حني آلخر ،هواء رطب و خفيف اسمه موريس كاريم
122
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
لوديف للشعر
()4
النظر إىل النادل الذي يشبه هنديا أحمر يف مقهى الهاوس هو ما يجعلني أرشب ليبتون امل ّربد أكرث من مرة يف اليوم. أتذكر النادالت القرويات اللوايت يقدمن يل ليبتون بالحليب يف املقاهي التي أجلس بها حيث أقيم ،أكرههن ألنهن يترصفن يف املقهى بابتذال. أحب النادلة التي ال تقتحم حيايت ،تضع الطلب وتنرصف ،يكفي أن نتبادل التحية .الهدوء هو كل ما أبحث عنه يف أي مقهى أينام كانت ،هناك أمكنة أخرى للصخب واإلزعاج .أن تكون نادال معناه أن تحمل ثقافة ،معناه أيضا أن تهب كنسيم وال تزعج أحدا. سألت شابة جميلة عن كوليج سيزار ،كانت تجلس يف مقهى أوليزار عىل الطريق ،مل أنتبه إىل الشاب الوسيم الذي عرفت من «البادج» الذي أحمله أنني شاعر ،رمبا لذلك قالت يل« :يسعدين أن أرافقك إىل هذا كان يجلس بجانبها، ْ املكان» ،خربتها و انا أومئ إىل صديقها بأنني أشك يف هذه السعادة ،ابتسمت وقالت يل« :ال تهتم ،إنه زمييل يف العمل، و لدينا مقهى صيفية أمام الكوليج» .يف ليلة الغد التقيت بها هناك ،و كانت أجمل بكثري مام رأت عيناي يف النهار، هناك التقيت صالح دياب الشاعر السوري الذي يهيم يف الدروب الفرنسية باحثا عن الدفء و الجامل ،هو الذي دعاين إىل حفلة الكلامت يف هذا الجنوب الذي ال يشبه جنوبنا. أمام الكاتدرائية ينصب سمري جاوي خيمة تابعة ملقهى الهاوس ،حيث ميرح الشباب بالليل ،يتحدث سمري بأكرث من لغة ويشغل كل أنواع املوسيقى لضيوفه :روك ،سلو ،أندليس ،جاز...ورغم الصخب الذي ميأل حياته كان يستبد به حنني دائم إىل مدينته :مكناس ،رواد املقهى ينادونه «الجرنال» فيام كان يبدو يل مبالمحه ومبالبسه الغريبة طفال مل يكرب بعد، أو بتشبيه أدق :طفال مل يصدق أنه كرب. issue (9)- February - 2013
123
مهرجانات
الفنانة هيلني كوبر
()5
مرة تحدثت الكاتبة أندريا ماتوراين عن نوع من الحب يربطك بأشخاص قبل أن تراهم ،هذا بالتحديد ما وقع يل مع تلك الشاعرة ،أحببتها قبل أن أقرأ لها ،أعتقد أنه يف الغالب رنني االسم أو تلك الهالة التي تتامس مع حواسك حني تطيل النظر يف صورة امرأة بوجه طفويل رغم أنها تجاوزت عتبة الثامنني .بعينيها الواثقتني و بشعرها األبيض القصري كانت تجلس أمامي يف منصة الحديقة لتقرأ نصوصها الجديدة بفرنسية هادئة وجذابة ،كنت أستمع إليها كام لو أين ضال أمام راهبة يف كنيسة ،مثة الكثري من الحنان والدفء الذي ينساب مع كلامت هذه املرأة. بعد دقائق قليلة وجدت نفيس مكانها أقرأ مقاطع من نص طويل ،وحني نزلت وهممت بالجلوس أمسكت بيدي و همست« :ب ّدي أتكلم معك» .ماذا ستقول امرأة طاعنة يف الشعر لطفل يف الكتابة؟ تحلّق حولها الكثريون بعد نهاية القراءات ،ووقفت أنتظر .قالت يل ونحن نتمىش باتجاه باب الحديقة« :عبد الرحيم ،أنا كثري حبيت شعرك» ،أحسست كام يحس تلميذ بيد املعلمة حني تربت عىل شعره منوهة بذكائه .رمبا صار سيان عندي أن يقول يل أحدهم أنت تكتب بشكل جيد أو رديء ،لكن شعور الطفل الذي متلكني حينها ما كان ليكون لو مل تخرج تلك الكلامت من بني شفتي سيدة عظيمة اسمها إتيل عدنان. قبل عرشين سنة كنت يف حاجة إىل أن أسمع كلمة حب تجعلني أتشبث بالكتابة ،و أنا هنا أستعيد صباحا خريفيا أيقظني فيه أحد األساتذة من النوم حني طرق تلميذه باب البيت وطلب مني أن ألتحق بالقسم يف أرسع وقت ،وصلت ألفطر يف ذلك الصباح بجمل طويلة من اللوم و التوبيخ ألنني تجرأت ونرشت يف مجلة املؤسسة قصيدة عىل البحر البسيط تتخللها بعض أخطاء العروض ،كنت يف عامي الرابع عرش ،و مل يكن بوسعي أن أرد عىل هذا الغبي الذي انتبه للزحافات والعلل ومل ينتبه إىل هذه املوهبة الصغرية التي تحتاج للرعاية و للحب بدل الشتائم ،تأملت كثريا وأنا أرى قصيديت ممزقة بني يديه ،لكنني عىل كل حال مدين له ،فرمبا كان سببا ولو من بعيد يف مييل الحقا إىل قصيدة النرث 124
بيت الشعر
.
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ك َ َس ُت ْب ِدي َل َ اهال األ َّي ُ ام َما ُك ْن َت َج ِ يك ِب َ َو َي ْأ ِت َ م ُت َز ِّو ِد ار َم ْن َل ْ األ ْخ َب ِ
ديوان العرب
الفنان عبدالرحمن السعدي issue (9)- February - 2013
125
ديوان العرب
ّ طل َ ُ ج ُ م ْ بالظهور لدى جاب االح ِت ال َ ق أو ْ ُ مال ال ُ
ابن الفارض خالد بلقاسم
َ قال ابنُ الفارض يف تائي ِت ِه َّ الشه َرية: وَصرَ ِّ ْح ْ الجماَ لِ وال َت ُق ْل بإطالقِ َ ُ يـــح ُح ْسنُـ ُه ِمـنْ َج َمـالِهــا فك ُّل َم ِل ٍ بل ُّ بهَا ق ْي ُس ُل ْبنَى هَ ا َم ْ ـق كل ِ عاش ٍ َ ٌّ فكل َص َبا ِم ْنهُم إىل َو ْص ِف ل ْب ِسها َو َما َ ظــاهــ ٍر ذاك إ ّال ْأن َبــد َْت مبَ ِ جاب ْ واخت ْ َفت مبَ َظ ِاهـ ٍر َبد َْت ْ باح ِت ٍ
126
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ــرف زينَـــــــــــ ِة بتَقييــ ِد ِه َم ْيــ ًال لِز ُْخ ِ ُم َعا ٌر لَ ُه أ ْو ُح ْســنُ ُك ِّ ليــحــــــــ ِة ــل َم َ ك َم ْجنــون ل ْيــىل أو ُكث ِّيـــــر عَــــــ ّز ِة الح يف ُح ْس ِن ُصو َر ِة ُ بصو َر ِة َم ْعنَى َ َ َّ ــت ــي في ِه ْم َت َجل ِ فظنُّــوا ِســ َواها ،وَهْ َ ِّ ــغ ال َّت ْلويــن يف كــل َب ْر َز ِة علــى ِص َب ِ
ابن الفارض
الصو ِّيف ِّ والش ْعريِّ َ .1بينْ َ ُّ
ابق عىل ال َو ْعي ري َس ٌ ال َو ْع ُي ُّ الصو ُّيف بامل ُ ْم ِكنِ الشِّ ْع ِّ َت َاس ال َو ْع َيينْ ،ت َكشَّ ف ْ ري بامل ُ ْم ِكن ُّ الشِّ ْع ِّ الصو ّيفَ .ع ْن تمَ ِّ َّلت بَعيدا ً مبَف ُهومِ الكتابة .لك َّن هذا التَّماَ َّس ْأس ِئلة تَ َوغ ْ ِ ٍ ِ انْطَ َوى ،يف اآلن ذاته ،عىل فُ ُروقٍ دَقيقة بَيْ َن ُهام .فق ْد كا َن ال ِفتاً ِم َن الو ْج َهتَينْ ؛ امل ُنطَلِق ِة ِم َن التّص ّوف إىل الشِّ ْعر أ ْو ْيس ،ا ْح ِتفا ُظ رهانِهِام با ْخ ِت ٍ الف َمك ٍني ِم ْن َم ْن َحاها ال َعك ّ ِم ْن ِ داخلِ التَّقا ُرب ذاتِ ِه ،الذي ت َ َّم بَينْ َ طَ َر ْيف الو ْج َهة .إنَّ ُه وح عىل ْاس ِتشْ كا ٍل ذي ُو ُجو ٍه َع ِدي َد ٍة ،ماز ََال َم ْوضُ و ٌع َمفتُ ٌ يَنتَ ِظ ُر ال َّد ْر َس وإ َعا َد َة التَّأويل. الصوفية يف الشِّ ْعرُ ،منذ َز َمنٍ بَ ٍ عيد ،عىل ُو ُعو ِد َعثرَ َ ُّ امل َ ْع َنى وعىل ما ق َّوى ت َ َو ُّغلَ ُهم يف ال ُّن ُزو ِل إىل أ ْغ َوار ِ الذات، ِم ْن ج َهة ،ويف ُمال َم َس ِة يِ أقاص اللغَةِ ،م ْن ج َه ٍة أ ْخ َرى .وق ْد كا َن ت َث ِمي ُن ُهم العايل للشِّ ْعر ُمخ َِّصباً ال لِ َم ْج ُهو ِل الطَّريقِ الصويف و َح ْسب ،بل أيْضاً للكتاب ِة الشِّ ْعريَّة؛ ت ََص ُّورا ً وت َ َحقّقاً. ُّ ِ الصو ّيف بالشِّ ْعر الجاهيل وغيرْ الجاهيل ضَ خَّ، ء فا ت ح فاال ْ ُ ُّ الخاص امل ُ َو ِّج ِه لِ َهذا اال ْح ِتفاءَ ،ج َد َ اول يف نَ ْهر عبرْ َ التَّأويل ِّ امل َعنىَ ،وفتَ َح لِلمُماَ َر َس ِة التَّأويل َّية َم ْسلكاً ُمتَ َح ِّررا ًُ ،منذ قص ِديَّ ِة الشا ِعر. ال ِق َدمِ ،م ْن َم َ ِ الصوفية نَ ْح َو الشِّ ْعر ت َ ْرسي َخ إىل َجانِب ذلكَ ،هيَّأ ذهاب ُّ ُ ثالث ِة َعناصرِ .أ َّولها ،ات ِّسا ُع َمف ُهوم الشِّ ْعر ومُماَ َر َس ِته .ثانيها، َو ْصلُ ُه بال ُو ُجود ،عىل نَ ْح ٍو َج َع َل من ُه ن َِشيدا ً ،فيه ت َبدَّتْ الصوفية قضَ ايَا ال ُو ُجود ا ْع ِتامدا ً عىل ال َخ َيال الباين لِ َعالق ِة ُّ باملُطْلَق .ثالِث العناصرِ ،إ ْرجا ُع الشِّ ْعر إىل التَّ ْنظيمِ امل ُ ْحكَمِ أصالً والنَّثرْ ف ْرعاً، لِلك ْونِ ،مماّ َحذا بابن َع َريب إىل َع ِّد الشِّ ْع ِر ْ و َع ِّد ال َعالَمِ بكا ِمل ِه ِش ْعرا ً ُم ْحك َم التَّ ْنظيمِ واإليقاع. الصوفية لِتَ َص ُّور ملْ يَك ْن هذا التَّشَ ُّع ُب الذي أ ْر َسا ُه ُّ الشِّ ْعر َولِي َد ،فقطُ ،رؤيَ ٍة ُو ُجو ِديَّ ٍة و َم ْعر ِف َّي ٍة ولغويَّ ٍة ،بل اس كا َن أيْضاً ُمتَ َح ِّصالً ِم ْن ت َ ْجرب ٍة َحيَويّ ٍة تتطل َُّبَ ،د ْوماًَ ،ح َو َّ ُمتَ َم ِّر َسة بتَ ْج ِ ديد ذاتِها ،وتَأ ِمني ان ِفصالِها عن العا ّم .وَيمُ ْ ِك ُن، ِم ْن زاوي ِة تأويلٍ بَ ٍ الصويف لِقي َم ِة الشِّ ْعر عيد ،ا ْع ِتبار التَّقدير ّ امل َ ْعرف ّية ،أ َح َد ُم َو ِّج ِ الصوفية لِل َّنرث ذاتِ ِه نَ ْحو هات ا ْج ِتذاب ُّ اصل َّية و ُح ُدو ِدها. لغ ٍة راقي ٍة ال ت َ ْرضىَ بضَ ْيق ال َوظيفة التَّ َو ُ وهو ما يُفسرِّ ُ إنتا َج ُهم لِنرثٍ ال يُشْ ب ُه ال َّنرث. يف ت َشَ ُّعب ُد ُروب هذا االن ِفتاح عىل الشِّ ْعر ،تَبَ َّدى
الصوفي في عثر َ الشاعر ُ ّ ِ الص َّور ،التي بها ال ُ ح ّ ب وفي ُّ يَ ْ م ْ طلَق وبها ي َ ْختَفي، ظ َ هر ُ ال ُ ما ي ُ َ ن غذي ال َ ح ْير َ َة ويُؤ ِّم ُ ن ال ُ خب ُ ّو ويمنَعها ِم َ ت َ َوق َدها ْ الصوفية عىل بنا ِء امل َ ْعنى ِم ْن داخل ال َغ َزل .وهو ِح ْر ُص ُّ ما ت َ َولَّ َد من ُه ُس ٌ ؤال َع ْن عالق ِة امل ُقيَّ ِد باملُطْلَق يف ال ُح ّب ِ الصويف ،ت َ َرتّبَ ْت عن ُه ُمقا َرباتٌ ُمتَبَاينة ،م ْن غيرْ أ ْن تَك َُّف ّ ِ هذ ِه ال َعالقة َع ْن إنْتَاج الحَيرْ َة .و ِم ْن ث ّم ،فهي ت َ ْن ِ تظ ُر ْري يَتَ َو َّجهُ ،يف ال َب ْدء، ت َ ْرهيناً ِقرائ ّياًْ ،اس ِتنادا ً إىل تأويلٍ ِفك ٍّ إىل خَل ِف َّي ِ ات التَّ َو ُّسل بال َغ َزل يف ب َنا ِء امل َ ْع َنى ،ق ْب َل االن ِتقال ِ الصويف إىل ْاس ِت ْجالء الف ُروق ال ّدقيقة بَينْ ال َغ َزل يف الشِّ ْعر ُّ الصويف .ال يمُ ْ ِك ُنِ ،م َن ِ الناحي ِة وبَيْ َن ُه يف الشِّ ْعر غيرْ ّ االس ِت ْجالء إالّ بإ ْرسا ِء َع َملٍ يتق َّد ُم ُه اإلجرائ َّية ،بُلوغ هذا ْ ويَ ْس ُن ُدهُ .ن ِ َقص ُدَ ،أساساً ،ت َ ْح ِدي َد ال َع َناصرِ البانِي ِة لِ ُمتَ َخ َّيلِ الصويف. امل َ َح َّبة يف الشِّ ْعر ُّ يَكا ُد ديوا ُن ابن الفارض ،يف ُم ْج َملِ ِه ،يَكو ُن َمتْناً ِم َن السابق ،وال ِسيام قصي َدت ُه السؤال َّ املُتُون امل ُْس ِعفة يف بَل َو َر ِة ُّ السلوك» .اِ ْس ٌم يَ ْنتَ ِس ُب إىل باسم «نَظم ّ الشّ ه َرية ،امل َ ْع ُروفة ْ الصوف ّية َخ َيال ال ُّرؤيا ،إذ تَ َح َّص َل َمناماً ،ان ِْسجاماً َم َع الكتابَة ُّ كت يَ َد الغ ْيب يف بنائِها. التي أشرْ َ ْ ت َ ْنبُ ُع قي َمة التَّائِيَّة ِم ْن طاق ِتها عىل إنْتاج التّأويل .وهي يصة ت ُ َح ِّد ُد َم ْف ُهو َم ال ّن ِّصيَّة ،عىل نَ ْحو ما أضْ َم َرهُ ِ ، قدمياً، خ َِص َ َناس ُل شرُ ُ و ِح ال َّن ِّص ِ الواحد ،أو كام نَظَّ َر ل ُه ِعل ُم ال ّن ِّص ت ُ َح ِديثاً .كُلّام كا َن الق ْو ُل قا ِدرا ً عىل أ ْن يمَ ْتَ َّد يف ق ْو ٍل آخَر إالّ جفُ ،منطوياًِ ،م ْن غيرْ ان ِقطاع ،عىل ما وت َ َح َّو َل نَ ْبعاً ال يَ ّ فق اإلملا َع ِة الشَّ ه َري ِة لهلدرلني ،التي ش َّد َد فيها عىل يَبْقىَ ،و َ الصوفية ؤس ُس ُه الشُّ َعراء .ويمُ ْك ُن أ ْن ن َ ُضيف ُّ أ َّن ما يَ ُدو ُم يُ ِّ أيْضاً. ت َائِ َّية ابنِ الفارض قصي َد ٌة َولودٌ ،مبا أتا َحتْ ُه للتَّأويل ِم ْن دينا ِم َّية ،إذ ملْ تَكُف ،عىل ا ْم ِتدا ِد َخ ْم َس ِة ق ُرون ِم ْن كِتابَ ِتهاَ ،ع ْن تَ ْوسيعِ أفق القرا َءة وال ّن َدا ِء عىل امل َ ْعنى ِم ْن َم َوا ِق َع ُمتَشَ ِّعبَ ٍةُ .منذ أ ْن أ ْرسىَ سعد الدين محمد بن أحمد issue (9)- February - 2013
127
ديوان العرب
ري ،ت َ َوال َِت السابعِ اله ْج ّ ال ُف ْرغاين شرَ ْ َحها األ َّول يف الق ْرن َّ ات القصي َدة و ُمغَذية ا ْح ِت ِ وحُ ،م َو ِّس َعة بَيَاضَ ِ امالت الشرُّ ُ ُ امل َ ْعنى فيها .وإذا كا َن عبد الغني النابُليس ،يف الق ْرن آخ َر شرَُّ ِ ريِ ، فت ،فيام احها ،فإ َّن أبْيات َها َع َر ْ الثاين عرش اله ْج ّ قف عن بَ ْعد ،ك ْي َف تَتَ َب َّد ُد يف التّآويلِ ال َحديثة ،التي ملْ تَتَ َو ْ كانت قضَ ايا التَّائِيَّة ِم َن التّشَ ُّعب ،الذي ْاس ِت ْدعائِها .ومل ّا ْ ِ تشْ َه ُد عليْ ِه َوف َر ُة شرُ ُ وحها ،فإ َّن امل ُقا َربَة َس ْو َف ت َقتَصرِ ُ عىل أ َح ِد امل َ َد ِ ِيسة إىل امل ُتخيَّل الذي انبَنت عليْه اخل ال َّرئ َ القصي َدة.
.2ا ُملت ََخ َّيل الباين لل َم ْعنى
ِم َن الجَماَ ِل امل ُقيَّ ِد إىل الجَماَ ِل املُطْلَق ،يُ ْرسيِ امل َقطَ ُع ري ،امل ُ ْعتَ َم ُد يف التَّ ْصديرَ ،عناصرِ َ ُمتَ َخيَّلٍ ُصوفيِ ّ ،ب ِه الشِّ ْع ُّ يَ ْن ُمو امل َ ْع َنى ويَتَشَ َّعب .يَغتَذي هذا املُتَ َخيَّ ُل ِم ْن ُرؤيَةٍ ُو ُجو ِديَّ ٍة َو َم ْعر ِف َّي ٍة ،و ِم ْن ت َ ْجربَ ٍة ذات َّي ٍة ال ت ُ َف ِّر ُط يف َم َد ِدها. الخاص و َح ْسب ،بل بهام يَ ْبني اب ُن الفارض ال ِخطابَ ُه َّ ابق عليْه ،ويُعي ُد كِتابَتَ ُه الس َ يُ َحاو ُر أيْضاً الشِّ ْع َر ال َع َر َّيب َّ ِ فق تأويلٍ يَ ْعبرُ ُ ِم َن ال َغ َزل نَ ْح َو ال َحقائقِ ال ُعليا لل َم َحبَّة. َو َ ِ ِ قصائد ال َغ َزل ،التي أ ْغ َنت الشِّ ْع َر ال َع َر َّيب القديم، ُّ كل َ النص ّية البْن الفارض ويف تآويلِ ة س ر ُام مل ا يف ُذ، تأخ ّ ََ حى ِ يكش ُف عن املُطْلَق الخَبي ِء يف ُمتص ّوفة ق ْبلهَ ،م ْن ً ِ القصائِد ،و َعن امل َ ْح ُجوب َورا َء ظا ِه ٍر ُمتَ َح ِّصلٍ ِم ْن هذ ِه َ «كل» ،ال ّد ّال عىل الشُّ ُمول وامل ُك َّرر ودي .فلف ُظ ّ فَيْ ٍض ُو ُج ٍّ ِ ِ كل ما يف بقصد ،ال يَ ْستَثني ،يف الك ْونُ ،ح ْسناً وال عاشقاًُّ . ْ
ابن الفارض قصي َد ٌة تَا ِئيَّة ِ ح ْت ُه للتَّأويل َولو ٌد ،بما أتا َ لم ت َ ُ كف، ن ديناميَّة ،إذ ْ ِم ْ ِ ام ِتدا ِد َ س ِة قرُون على ْ خ ْم َ سيع أفق ن ت َ ْو كتاب َ ِتهاَ ، ع ْ ِم ْ ن ِ ِ م ْعنى اء على ال َ ءة والنّ َد ِ القرا َ ع ُمت َ َ ن َم َوا ِق َ عب َ ٍة ش ِّ ِم ْ
128
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
الك ْون يَقتَضيِ انجذاباً إىل املُطْلَق فيه ،مبا يتطلَّبُ ُه كشْ ُف ُه الصوفية ْاس ِتغوا َر ذ َواتِهم ،وال ُعثو َر ِم ْن ُمكابَ َد ٍة َعلّ َم ِت ُّ عىل الحَيرْ َ ِة التي يَ ْنشُ ُدون ،ال خَار َج ُهم ْبل يف د ِ َواخلِهم ،مبا واس ،كام َس َيأيت بيانُه. َه َّيأ ُهم إلثرا ِء ال َح ّ يف الو ْج َه ِة ،التي يَ ْر ُس ُمها اب ُن الفارض لالن ِتقال ِم َن امل ُق َّي ِد إىل املُطْلَق ،تَتَ َع َّد ُد َعناصرِ ُ ُمتخيَّلٍ خ َِصيبَ ،ع َر َف الشَّ اع ُر الصويف كيْ َف يُبَ ِّد ُد َها ب َنف ٍَس َم ٍ تيح ُّ ديد يف تائِيَّ ِت ِه الطَّويلة .يُ ُ ِ ِ ُ َ َ َمقط ُع االفتتاح ال ُوقوف عىل ُعنْصرُ َ يْن م ْن هذا املتَ َخيَّل الباين لل َم ْعنى؛ ُهام: أ -تَكثرّ ُ ال َو ِ قف انْ ِك ُ شاف ما تُخْفي ِه الو ْج َهة احد .يَتَ َو ُ ِم َن امل ُقيَّ ِد إىل املُطْلَق ،عىل ال َّنفا ِذ إىل ال َو ْح َد ِة الثاوي ِة يف الصوفية أ َح َد العناصرِ ئيس ،عليْ ِه أ ْرسىَ ُّ الكرثَة .نفاذ َر ٌ ِ ِ ِ َّريق ،يف هذه الو ْج َهة ،ت َقو ُم امل َ ْركزيَّ ِة يف ُمتَ َخيَّلهم .فالط ُ ِمماّ تَقو ُم عل ْيه ،عىل ُع ُبور التَّق ُّي ِ دات نَ ْح َو الف ْيض الذي ِمن ُه ت َ َح َّصلت ،مبا يمُ َ ِّك ُن َّ السالِ َك يف الطَّريق -عل ْينا أالّ نَ ْنسىَ أ َّن ابْ َن الفارض َس ّمى ،مببا َرك ٍة م َن ال ُّرؤيا ،قصي َدت َ ُه «نَظْ َم السلوك»ِ -م ْن بنا ِء ذ ْوق ُمتَ َم ِّر ٍس بال ُعبُور ،و ِمن ا ْم ِت ِ الك ُّ ُرؤيَ ٍة ثا ِقبَة ،تَخْترَ ُق الجَماَ َل امل ُتكثرّ َ يف الك ْون إىل َحقيقةٍ ُو ُجوديَّة .تِ َلك التي يَتطل َُّب بلوغُها ُسلوكاً ،أي ُمكابَ َد ًة َعني َدة ،بها تَتَ َس ّنى ُرؤيَة ما ال يُ َرى. يف ِسياق بنا ِء امل َ ْع َنى القائِمِ عىل تَكثرّ ال َو ِ احدْ ،استَ ْد َعى اب ُن الفارض ،عىل نَ ْحو ما هو بَينِّ ٌ ِم َن البَيْ ِت الثاينَّ ، دال اإل َعا َرة .وهو ٌّ الصو ّيف .به كَث َّف كزي يف املُتَ َخيَّلِ ُّ دال َم ْر ٌّ اب ُن الفارض اإلشار َة إىل َعالق ِة الحقيق ِة بأ ْو َصا ِفها ،وامل ُطلق بامل ُق َّيد ،وال ُوجو ِد بامل َ ْو ُجودَ .ولنا أ ْن نَنتَب َه إىل ضَ مري الغائب امل ُؤنَّث ،الذي ا ْعتَ َمدَهُ الشاع ُر يف اإل َحالة عىل ْثوي يف الك ْون َرا ِفدا ً ِم ْن َر َو ِ افد ُمت َخيَّلِ امل ُ ِعري ،مبا يَ ْج َع ُل األن َّ ِ ِ ِ ِ القصي َدة .فامل ُ َو ِّج ُه يف ا ْختيَار الضَّ مري ال يَ ُعو ُد إىل سياق ال ِعشْ ق و َح ْسبْ ،بل أيْضاً إىل ُمتَ َخ َّيلٍ بَعيد ،ت ََسل ََّل أث ُرهُ إىل الصويف. الضَّ امئِر يف الخطاب ُّ الصوفية إىل أبْ َعد ِمن امل ُ ْمكن اإل َعا َرةُ ،التي بها ت َ َوغ ََّل ُّ البالغي ،ان َْس َج َم ْت َم َع امل ُت َخيَّل الذي ْاستَ َن ُدوا إليْه يف ف ْهمِ ّ ِ ِ َ العالقة بَينْ َ ال ُو ُجود وامل ْو ُجود .م َن البَالغَة إىل ال ُو ُجود، ِ وهي، كانت اإل َعا َر ُة ت ُ َو ِّس ُع َمف ُهو َمها ِض ْم َن هذا املُتَ َخ َّيلَ . يف بَ ْي ِت ابن الفارضِ ، كاشفة َع ْن ت َ ْن ِص ِ يص ِه عىل َز َوال
ابن الفارض
ال ُح ْسنِ امل ُق َّيدِ ،خالفاً للجَماَ ل املُطْلَق .فك ُُّل َعاريةُ ، يقول سعد ال ّدين محمد بن أحمد ال ُف ْرغاين يف كتابه « ُمنتهى امل َدارك»« :البُ َّد َم ْردُودَة زائِلة ِم ْن يَ ِد امل ُْستَعريَ ،و َراج َعة فق هذا امل ُ َو ِّج ِه يف بنا ِء إىل امل ُ ِعري» .وهو ما يَترَ َت َُّب َعنهَُ ،و َ امل َ ْع َنى ،أ َّن ك َُّل َم ْيلٍ إىل امل َ ْح ُبوب ،يف ِش ْعر ال َغ َزل بكا ِملِه، فق ُمتَ َخ َّيل التَّائِ َّية ،إالَّ َم ْيالً نَ ْح َو ِ واح ٍد تَكثرّ َ يف ل ْي َسَ ،و َ الص َّور. ُّ ُهيا ُم قيْس بنِ ذريح بلُبْنى ،وقيْس بن امل ُل ّوح بليْىل، وكُثيرّ ب َع َّزة ،هو ،يف ُمتَ َخ َّيل ِ ٌ اشتياق إىل كام ٍل القصي َدة، أصالً» كام يَقول ال ُف ْرغاين .غيرْ َ أ َّن هؤال ِء «ال يُقابل ُه ق ْب ٌح ْ الشُّ َعرا َء ،وغيرْ َ ُهم ِم َّمن تَ َو َّسلوا بال َغ َزلَ ،ح َج َبتْ ُه ُم املَظَا ِه ُر، فبَقوا يف « ُحكْمِ الخلقيّة والغيرْ يّة ِم ْن ِ هذ ِه امل َظا ِهر ٍ الس ُ لوك ،أو التَّ ْجربَة بل َغة حديثة، ُّ والص َّور» ،فيام يتطل ُّب ُّ ِ الس َوى. عىل قي ب ي ال شْ ع ب ة ي غ ال آثار ميع ج ء قٍ يرْ َّ ِّ إفنا َ َ ُْ الصوفية. ِعشْ ٌق يُ َع ُّد َم ْرت َبة َعالِ َية يف امل َ َح َّبة ُّ لَ ْي َس ِت الو ْج َهة التي اعتَ َم َدها اب ُن الفارض وغيرْ ُهُ ِم َن أساس ُّ الصوفية يف ُعبُورهم ِم َن امل ُقيَّ ِد إىل املُطْلَق هي ُ وخصوبَته ،بل امل ُتخيَّل الذي أ ْر َس ْوهُ يف ِ هذهِ التّأويل ُ الو ْج َهة َو ُه ْم يَ ْستث ِم ُرو َن ا ْح ِت ِ امالت ال َخ َيال التي ت ُتي ُحها امل َح َّبة. ب -ال ُب ُد ُّو باال ْح ِتجاب أو اال ْخ ِتفا ُء بالظُّ ُهور .ما ب ِه يَظْ َه ُر وب هو َعينْ ُ ما ب ِه يَ ْختَفي .إنَّ ُه ال ُعنْصرُ ُ الثاين الذي امل َ ْحبُ ُ السابق ،القائمِ يَتَشَ ابَ ُك ،يف ُمتَ َخيَّلِ القصي َدةَ ،م َع ال ُعنْصرُ َّ عىل تَكثرّ ال َو ِ حس َب أبْ َي ِ ات احد .لق ْد ت َ َجل َِّت امل َ ْح ُبوبَةَ ، هي ابن الفارض ،يف ُّ الص َّور ،فظَ َّن ال ُعشّ ُاق ِس َواها .وما َ الصوفية .ول َع َّل قي َمة هذا ال ُعنْصرُ الثاين ِس َواها ،يف ال ُّرؤية ُّ
يف بنا ِء امل َ ْع َنى ت َ ُعو ُد إىل الحَيرْ َ ِة التي يَ ْنطَوي عل ْيها ال ُب ُد ُّو باال ْح ِتجاب أو اال ْخ ِتفا ُء بالظُّهور ،عىل نَ ْح ٍو يُغَذي املُتَ َخيَّل. اح التَّائِيَّة ،يف ت َقريب هذا اال ْح ِت َجاب بالظُّهور اِ ْعتَ َم َد شرُ ّ ُ املُتَلَ ِّون ،عىل تشبي ِه ِه ب ُنور الشَّ ْمس عن َد َما يَ ْصطَب ُغ بلَ ْون ُز َجا َج ٍ ات يَظْ َه ُر فيها ،وإ ْن كانَ ،يف حقيق ِت ِه ،بال لَ ْون .ذلك ما أ ْر َسا ُه عبد ال َّرزاق القاشاين يف «كشف ال ُو ُجوه ال ُغ ّر جاب لِ َمعاين نَظْم ال ُّدر»َ ،و َ واصل ُه القيْصرَ ي ُم ْستَ ْجلياً ا ْح ِت َ ِ ِ امل َ ْحبُوبَة مبَا تَظْ َه ُر فيه ،عبرْ َ ت َشْ بيه هذا اال ْحتجاب بالشَّ ْمس «امل ُ ْن َصبغ نو ُرها بصبغ أل َوان ال ُّز َجا َجات ويف قف َم َع ال ُّز َجا َج ِ ات وألوانِها نَف ِْسه ال ل ْو َن لهُ ،ف َم ْن ت َ َو َ وا ْحتَ َج َب بها َعن ال ُّنور ا ْختَفَى ال ُّنو ُر َع ْنه ،و َم ْن شا َه َد أل َوا َن ال ُّنور و َع َر َف أنَّها ِم َن ال ُّز َجا َجات وال لَ ْو َن لل ُّنور يف ن ِ َفسه ظَ َه َر ل ُه ال ُّنور». املُحَيرِّ ُ يف هذا ال ُعنصرُ الثاين ِم ْن ُمتَ َخ َّيل القصي َدة ،أ َّن الصوف ّية إىل الطّاق ِة جب ب ُنوره .وق ْد تن َّب َه ُّ املُطْل ََق يَ ْحتَ ُ امل َ ْعر ِف َّية التي ت ُ َخ ِّولُها الحَيرْ َة لِ َم ْن اخْتا ُروها طَريقاً .لذلك َس ِه ُروا ،يف تآويلهم وأشْ َعار ِهم ،عىل ِح َر َاس ِتها َوت َغذيَّ ِتهاِ .م ْن جب مبا ب ِه َمال ِم ِح هذه الحيرْ ة ،نُو ٌر يَتَ َجلىّ ُم ْحتَجباً أ ْو يَ ْحتَ ُ نفسهُ ،أل َّن املُطْل ََق ال يُ ْد َر ُك إالّ يف يَتَ َجلىّ ِ .ح َجابُه الظّهو ُر ُ امل ُق َّي ِد وبهَ ،مبا ي َرتت َُّب َع ْن هذا اإل ْد َر ِ اك ِم ْن َد َه ٍش َولَ ْب ٍس، ب َو ْص ِفهام َوقو َد ك ُِّل َخ َيا ٍل َخالّقِ . اب امل ُق ِّي ُد هو َع ْي ُن ُه الح َج ُ الكاش ُف .غيرْ َ أنَّ ُه ال يَ ْغ ُدو ِ ِ كاشفاً إالّ إذا ت َ َّم ال َو ْع ُي ب ُح ُدو ِد ِ التّقييد فيه ،والتَّصرْ يح ،عىل ح ِّد تعبري ابنِ الفارض، بإطْالقِ ال َجامل. تَلَ ُّو ُن ال ُّنور ِ األسس بص َبغٍ تَتَ َب َّد ُل َم َع «ك ُِّل بَ ْرزَة» هو أ َح ُد ُ بالصو َرة ،ويُ َخ ِّولو َن لها الصوف ّية يَتَ َو َّسلو َن ُّ التي َج َعلت ُّ issue (9)- February - 2013
129
ديوان العرب
َص ِ الصو َر َة الحيَّة َم ْعرفيَّة َم ِكينة يف فَ ْهمِ التَّ َجليّ .ذلك أ َّن ُّ للصوفية ال َح ِديث َع ْن ت ُ َؤ ِّم ُن للحَيرْ َ ِة َديمْ ُو َمتَها .هكذا ت َ َه َّيأ ُّ الصو َر ِة، ِمرآ ٍة تُظْ ِه ُر وتَ ْح ُج ُب يف آن .كام ْأس َع َفتْ ُه ْم َح ِقيقة ُّ ببرَ ْز َِخ َّي ِتها ِ وض ّديّ ِتها ،يف ت َقويّ ِة الحَيرْ َة .وق ْد عرثَ الشا ِع ُر الص َّور ،التي بها يَظْ َه ُر املُطْلَق وبها الصويف يف ال ُح ّب ويف ُّ ّ ِ يَ ْختَفي ،ما يُغَذي الحَيرْ َ َة ويُؤ ِّم ُن ت َ َوق َدها وميْ َنعها م َن ال ُخ ُب ّو .يف ِسياق هذا امل َ ْع َنىَ ، قال اب ُن الفارض ،يف قصيد ٍة أ ْخ َرىُ ،م ِ خاطباً َم ْح ُبوبَه: ز ْدنيِ بف ْر ِط ال ُح ّب َ فيك تَحَيرُّ َا وا ْر َح ْم َحشىَ بلَظَى َه َو َاك ت ََس َّع َرا تأويل ِش ْعر ال َغ َزل َوفق وهي ت ُعي ُد َ ملْ تَكُنِ التَّائِ َّيةَ ، الصويف ِم ْن ُمقا َربَة ُمت َخيَّلٍ يَ ْستَ ْحضرِ ُ املُطْلَق ،تمُ َ ّك ُن الشِّ ْع َر ُّ الصويف والتَّصرْ يح ب َه ِذ ِه امل ُقا َربَة و َح ْسب ،بل الشِّ ْعر َغيرْ ُّ فتَ َحت أيْضاً إ ْمكا َن قرا َء ِة َحتّى شَ كْلِ امل َقامةِ ،م ْن َم ْو ِق ٍع يَ ْن َه ُل ِم ْن َع َناصرِ هذا املُتَ َخ َّيل .فق ْد ت َضَ ّم َن ِت التَّائِ َّية بَ ْيتاً ذا َو ْع ٍد ِق َرا ّيئ بَ ٍ عيد ،جا َء فيه: تَأ َّم ْل َم ِ قامات السرَّ ُ وجي وا ْعتَ ْرب بتَلْوي ِن ِه تَ ْح َمد ق ُب َول َمشُ و َريت ِم َن الال ِف ِت أ ْن يَ ْس َم َع اب ُن الفارض يف ِّ دال «امل َقا َمات»، الذي ب ِه َس َّمى بديع ال َّز َمان ال َه َمداين وبَ ْعدَهُ ال َحريري الشَّ ك َْل ال ِكتَا َّيب املُقترَ َن بهِام ،ال َح ُمولة ال ّدالل َّية التي ي ْنطَوي عل ْيها ُّ السامع ،ت ََس َّنى دال «املقامات» عند ُّ الصوفية .بهذا َّ بت إ ْمكا َن ِقرا َء ِة ك ُِّل مقام ٍة ِم ْن البن الفارض أ ْن يَ ْستَ ْن َ َمقا َم ِ ات ال َحريري ب َو ْص ِفها َمقاماً صوفيّاً .هكذا فتَ َح، ِ ِ ِ ِ السابق ،ا ْحت َ امل بإشا َرتِ ِه شَ دي َدة التَّكثيف يف البَيْت َّ
ُّ قصائ ِد ال َ غزَل ،التي ْ ت كل َ أغن َ ِ ِّ بي القديم ،تأ ُ خذ، الش ْعر َ ال َ عر َ َّ النصيّة ال ْبن سة ممار َ َ ّ في ال ُ تآويل ُمتص ّوفة الفارض وفي ِ يكش ُ ف عن حى ق ْبلهَ ،م ْن ً ِ طلَق ال َ م ْ بيء خ ال ُ ِ
130
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ت َأويلِ أيب زيْد السرّ ُ وجي ب َع ِّد ِه حارساً لِالنهائيَّ ِة التَّجليّ ، مبا يَ ْج َع ُل تلْويناتِه ت َ َكرثا ً لِل َو ِ احد .يَتل َّو ُن السرَّ ُ وجي َح َسب الصو َر ِة التي يَأخذها يف ك ُِّل مقامة .وبهذا التَّلوين يُ َؤ ِّم ُن ُّ فق هذا امل َ ْعنى ،ت َ ْجسي ٌد للتَّ َجليّ تَ َب ُّدلَ ُه ال َّدائم .السرَّ ُ وجيَ ،و َ لِ ُمتَ َخيَّلٍ ُصو ّيف. ِ إ َّن بَيْ َت ابن الفارض َع ْن مقا َمات ال َحريري إشا َر ٌة يَتي َمة يف التَّائ َّية ،لك َّنها تمَ ْتَلِ ُك ق ّو ًة اقترِ ِ اح َّية خ َِصي َبة .إنَّها ت َ ْنطَوي عىل َو ْع ٍد ب ِقرا َء ٍة َج ِدي َد ٍة لِل َمقا َماتِ ، انطالقاً ِم َن امل َْسل َِك الذي فتَ َحتْ ُه يف هذا ال َّن ّص الذي ال يَك ُُّف ،مبا بَث ُه فيه ال َحريري ،عن انْ ِت َساب ِه إىل ُحقو ٍل َم ْعر ِفيَّ ٍة ُمتَشَّ عبَ ٍة ،و َعن تآويل ِم ْن خَارج َز َم ِنه. ْاس ِت ْد َعا ِء َ فق ُمتَ َخ َّيلٍ وبال ُج ْملة ،فإ َّن التَّائ َّية كُ ِت َب ْت وهي ت ُ َؤ ِّو ُل َو َ صو ٍّيف ال فقط ِش ْع َر ال َغ َزل ال َعر ّيب ،بل أيْضاً أد ََب املقامة، مبا هي شك ٌْل كِتا ّيب .وهو ما يَ ْج َع ُل التَّائِ َّية َرا ِفدا ً للتّأويل ِم ْن زَاويتينْ ؛ زاوية الشرُّ ُ وح التي تطلَّبَتْها هذه القصي َدة، وزاوية امل َ َنا ِفذ التي فتَ َحتْها إلعا َد ِة قرا َء ِة ن ُُص ٍ وص سابقة عل ْيها.
الجامل ا ُملطلق اك َ .3تحرير الح َو ّ اس إل ْدر ِ
ُع ُبو ُر الجَماَ ل امل ُق َّي ِد نَ ْح َو الجَماَ ل املُطْلَق يَتَطَل ُّب إ ْدراكاً اس لِتَ ْمرينٍ شَ ٍّاق ،بُغيَة إفرا ِغها ّ خاصاً .فيه تَخْضَ ُع ال َح َو ُّ ِ ِ ِ ِ ِم ْن ُمسبَّقاتها وتَ ْحريرها م ْن ُح ُدودها وقيُودها .يَقو ُم هذا اإلف َراغ امل ُ َح ِّر ُر ،مبا هو ت َ ْجربَة َج َس ِديَّة ،عىل ُعنْصرُ َ يْن حاس ٍة ِم ْن ذاكِ َرتِها الضَّ ِّيق ِة ئيسينْ .أ َّول ُهام ،تَخ ُ ْليص ك ُِّل َّ َر َ امل ُق َّي َد ِة ِ الص ْوتُ بسياج ما َر َس َمتْ ُه ل َها العا َدةَُ ،و َما ب ِه َح َّد َّ العا ُّم أفُقَها ،أي تَخْليصها ِمماّ ألِفتْ ُه فغ َدا ُملْ ِجامً و َحاجباً. اس يك تَتَباد ََل األدْوا َر عىل ثانِيهامَ ،ر ْد ُم ال ُح ُدود بَينْ َ ال َح َو ّ نَ ْح ِو ال يُ َح ُّد .البُ ّد ِم ْن هذيْن ال ُعنْصرُ َ يْن يف َم َسار إ ْدر ِ اك الجَماَ ل املُطْلَق .عن ذلك ُ يقول اب ُن الفارض يف ت َائِ َّي ِته: فَ ُكلّــي لِ َسا ٌن ِ ناظـ ٌرِ ،م ْس َمــ ٌع ،يَـــ ٌد لِ ُنطْقٍ ،وإ ْدر ٍاكَ ،و َس ْمعٍَ ،وبَطْشَ ــ ِة ــت ،والل َِّسا ُن ُمشَ ا ِهــ ٌد ف َع ْي ِنــي نَا َج ْ أصغ ِ َـت الس ْم ُع ،وال َي ُد ْ َويَ ْن ِط ُق ِم ّني َّ ُــل ما بَـ َدا َو َس ْم ِعي َعينْ ٌ تَ ْجتَلِــي ك َّ َو َع ْيني َس ْم ٌع إ ْن شَ َدا الق ْو ُم تُ ْن ِص ِ ـت
ابن الفارض
َو ِم ّنــي َع ْن أيْ ٍ ــد لِ َساين يَـ ٌد ،كمــا يَ ِدي ليِ لِسا ٌن يف ِخطايب َو ُخطْ َبتي كذاك يَدي َعينْ ٌ تَــ َرى ك َُّل ما بَدا َو َع ْي ِني يَــ ٌد َم ْب ُسوطَــة ِع ْن َد َسطْ َوت َو َس ْم ِعي لِ َسا ٌن يف ُمخَاطَ َب ِتي ،كذا إصغَائِــ ِه َس ْم ُع ُم ْن ِص ِ ـت لِسانــي يف ْ اس ِم َن القيُود ،ت َ ْرت َ ِف ُع «املُغَايَ َرة والغيرْ يَّة يف ت َ َح ُّرر ال َح َو ِّ ِ ِ ِ َ السابق. بَيْ َنها» ،عىل َح ِّد ت َ ْعبري ال ُف ْرغاين يف شرَ ْحه لل َمقطعِ َّ اس عىل بَ ْع ِضهاَ ،ويَتَ َس َّنى لِك ُِّل َو ِ اح َد ٍة هكذا ت َ ْنف ِت ُح ال َح َو ُّ اس ،مبا يُ َه ِّي ُئ ال فقط لِتَ ْوسي ِعها، أ ْن ت َْستَ ْو ِع َب باقي ال َح َو ّ ْبل أساساً لِقلْب َم َه ّم ِتها األوىل وتمَ ْكي ِنها ِمن ُع ُبور امل ُق َّي ِد اس َع ْن قيُو ِدها ،ال يَ ْستقي ُم نَ ْح َو املُطْلَق .ما ملْ ت َ ْنف َِصلِ ال َح َو ُّ بح كُالًّ بَ ْع َد لها هذا ال ُعبُو ُر الذي يُل ِز ُم ال َح َّاسة بأ ْن ت ُْص َ كانت ُج ْزءا ً .فال َعينْ ُ ُ ، يقول ال ُف ْرغاين ُم ِضيئاً أبْ َياتَ ابن أ ْن ْ الفارض« :ت ُ َناجي وت ِ والس ْم ُع ي ْبطش، َنطق واللِّسان يُشا ِهدَّ ، والس ْم ُع يَ َرى وال َعينْ ُ ت َْس َمع»ُ .ح ُج ٌب وال َي ُد ت ُْصغي وت َْس َمعَّ ، ال َح َّد لها ت َ ْرت َف ُع ،انطالقاً ِم ْن تاليش املُغَايَ َرة. ِ اِ ْرتِفا ُع امل ُغايَ َرة ،مبا هو َر ْد ٌم لل ُح ُدود ،ت َ ْجربَة ذاتيّة شَ اقة. ال يتَعل َُّق األ ْم ُر بإ ْدر ِ َارجي ،بل بإخْضَ ا ِع ِ الذات اك َم ْوضو ٍع خ ّ
اس َج ِمي َعها .إ َّن هذا امل ُ ْدرِكة لِتَ ْحري ٍر شَ ا ِملٍ ،يمَ َ ُّس ال َح َو َّ ال َّر ْد َم يَغ ُدو َرفْعاً لل ُح ُدو ِد بَينْ َ ال َّد ِ اخل والخَارج ،أل ّن الشَّ اع َرِ الصويف يَ ْع ُرث عىل امل ََسالِ ِك التي ت َقو ُد إىل الجَماَ ِل املُطْلَقِ ُّ ِ ِ ِ اب ِم َن اال ْح ِت َجاب املُتَ َحقّق رت فاالق ها. ج َار خ ال ه ت ذا ل َ داخ َ ُ ِب بظُ ُهور ِه اس .ال ّنفاذ إىل امل ُ ْحتَج ِ بالظُّهور يَغ ُدو ت َ ْجربة َح َو ّ اس َج ِمي ِعها. ال يَ ْنف َِص ُل َع ْن خَلخَل ِة ال َح َو ِّ وهكذا ،فإ َّن ِ ِ ِ اس الح َج َ اب ،يف حقيقته ،ذايتٌّ .إنَّ ُه يف ال َح َو ِّ الصوفية َد ْوماً عىل ُس ْم ِك هذا نَف ِْسها .لذلك شَ َّد َد ّ ِ الح َجابَ ،وعىل َما يتَطلّ ُب ُه ِم ْن ت َ َوغُّلٍ يف ال َّنفْس .ما أفق َر اس ما ملْ تَتَ َح َّر ْر ِم ْن ق ْبلياتِها ،وما ملْ ت ُ ْردَمِ ال ُح ُدو ُد ال َح َو َّ بح ك ُُّل اح َوت َ ْو ِسي ٌع ،ت ُْص ُ بَيْ َنها .يف هذا التَّ َح ُّرر ،مبَا هو انْ ِفتَ ٌ حاس ٍة إ ْدراكاً ال باآللة ،التي ت َ ْرت َب ُط بها ،وال لِ َم ْوضو ِع ِ هذهِ َّ اآللة ،بل ت َغ ُدو إ ْدراكاً ُمطْلَقاً؛ إ ْدراكاً بك ُِّل شيَ ْ ء ،و ِم ْن ك ُِّل الصوفية أنف ُُس ُهم. شيَ ْ ء ،ويف ك ُِّل شيَ ْ ء ،كام يُ َعبرِّ ُ ُّ اس ت َ ْجربة ُصوف ّية فقطْ ،بل أيْضاً ل ْي َس ت َ ْحري ُر ال َح َو ّ ت ْجربَة ِش ْعريَّة .غيرْ َ أ َّن هذا التَّ ْحري َر يَ ْحتَفظُ ،يف التَّ ْجربَتَينْ ، بالف ُروق ال َّر ِاس َمة ال ْخ ِت ِ الف ُم َو ِّجهاتِهام َوتَبَايُنِ أفُقهام. فامل َ ْج ُه ُ اس ،مثلام يَقتَ ِضي ِه ول الشِّ ْع ُّ ري يتطل َُّب إفراغاً لل َح َو ّ الصويف .لك َّن هذ ِه املُماَ ثلة املُطْلَق الذي يَنشدُهُ ُ الطريق ُّ َ االختالف الذي يَخْترَ قها .يف ضَ ْو ِء هذا اللقا ِء ِم ْن ال تمَ ْ ُحو د ِ تنصيص الشّ اعر را ْمبو يف َاخل االخ ِتالف ،يمُ ْ ِك ُن أ ْن نَتَذكّ َر َ ري مبا رسالَتَ ْي ال ّرايئ الشَّ ه َريتَينْ عىل عالق ِة امل َ ْج ُهو ِل الشِّ ْع ِّ َ ِ اس .يف األوىل ،ملْ يَف ِْص ْل رامبو َر ْغ َبتَ ُه و ح ال ويش شْ ت ب ه َسماّ َ ََ ّ فق ما تَتَطَلّ ُب ُه هذه ال َّرغ َبة مبا بح شا ِعرا ً و َرائِياً َو َ يف أ ْن يُ ْص َ هي بُلو ُغ امل َ ْج ُهولَ ،ع ْن تشْ ِ ويش يَ ُ اس. طول َج ِمي َع ال َح َو ّ هائل ،عىل َح ِّد ت َ ْعبريه .ويف ال ِّر َسال ِة الثانية، ذاب ٌ وهو َع ٌ ِ ِ بح الس ُ شَ َّد َد َم َّر ًة أ ْخ َرى عىل ما يَقتضيه َّ بيل إىل أ ْن يُ ْص َ الشَّ ا ِع ُر َرائِياً ِم ْن ت َشْ ويش طويلٍ َ ،و ِاسعٍ و َم ْد ُروس لِ َجمي ِع اس. ال َح َو ّ وبال ُج ْملة ،فإ َّن املُتَ َخ َّيل الذي ب ِه بَ َنى اب ُن الفارض ذب الغ َزل نَ ْح َو ال ُو ُجود ،أي َم ْع َنى الجَماَ ل امل ُطلق ،اجتَ َ ُ وب ُم ْحتَجباً بظ ُهوره. نَ ْح َو منطق ٍة بَ ْرز َِخيَّ ٍة تُبْدي امل َ ْحبُ َ ِب يف ظُ ُهور ِه ْاس ِتحقاقاً إل ْدر ٍ اك فكا َن ال ُهيام بهذا امل ُ ْحتَج ِ واس .ت َ ْحري ٌر يَتقاطَ ُع فيه ّ خاص ،لِام يَتَطلَّ ُب ُه ِمن تَ ْحري ٍر لل َح ّ َّريق إىل امل َ ْج ُهول َم َع الطَّريقِ إىل املُطْلَقِ ،م ْن غيرْ أ ْن الط ُ ِ تمََّحي اال ْخ ِتالفاتُ امل َكينة بينْ َ الطَّريقينْ issue (9)- February - 2013
131
ديوان العرب
امرُؤ ال َ ق ْيس
الطــ ِري ُد ال َهــا ِل ُ َّ ك
َ ِب َع ْس َع َسـا يم أملَّا عىل ال َّر ْب ِع ال َق ِد ِ َ َك َع ْه ِدنـا َ ف َلـ ْو َّأن أهْ َل الدَّا ِر فيها َ ُ َذاك ُـم إ َّن ِني أنا َ فال ُت ْن ِكـ ُرونيِ ُ َسا َعةً ال أ َغ ِّم ُ ـض َت َر ْي ِنـي َ فإِ َّما َف َغ َّل َسـا يـم َ تأَ َّو َب ِنـي دَا ِئـي ال َق ِد ُ َكــ َر ْر ُت وب َ ف َيـا ُر َّب َو َرا َءهُ َم ْكـ ُر ٍ ُم َر َّجـ ًال وح َ و َيـا ُر َّب َيـ ْو ٍم َقــ ْد أ ُر ُ َ ي ُرعْنَ إلىَ َص ْوتيِ إ َذا ما َس ِم ْع َن ُه ال ُي ْح ِب نْ َ َمنْ َق َّل َما ُلــ ُه ـب أَ َراهُ ـنَّ الح َيا ِة كَماَ أَ َرى يح َ َ و َما ِخ ْف ُت َتبرْ ِ َ تمَ ُ ُ ـوت َج ِمي َعـ ًة ـس َ ف َلـ ْو أَ َّنها َن ْف ٌ َق ْرحاً دَا ِمياً َب ْعـ َد ِص َّح ٍة َ و ُب ِّد ْل ُت َ َ َّماّ لَ َق ْد ط َمح الط ُح َمنْ ُب َع ِد أ ْر ِض ِه ِقنْــو ًة العـدْم لِ ْل َمـ ْر ِء أَالَ َّإن َب ْعـ َد ُ
ُأ َك ِّل ُم أَ ْخ َر َسـا ُأ َنـا ِدي أَ ْو َكأَ ِّنـي َو ُم َع َّر َسـا َو َجـد ُْت َم ِقي ًال ِع ْندَهُ ْم َ َح َّ ال َغــ ْو ُل َفأ ْل َع َســـا ــل ـي لَ َيـالِ َ َ َ َفأ ْن َع َسـا ــب ِمنَ ال َّل ْيـلِ إ َّال ْأن أ ِك َّ ُ َ َ فأ ْنك َسـا ْأن َي ْر َتـ َّد دَا ِئـي ُأ َحـا ِذ ُر َ الخ ْي َل َحتَّى َت َن َّف َسا َعنْـ ُه َو َطا َعن ُْت َ أ ْم َل َسـا يض ال َك َوا ِع ِب َح ِبيباً إلىَ ال ِب ِ َ كَماَ َت ْر َع ِوي ِع ٌ يط إِلىَ َص ْو ِت أ ْع َي َسا َ َّ ـب ِفي ِه َوق َّو َسـا َرأَ ْيـنَ َوال َمنْ الش ْي َ َ َ َ ُ ْ ْ َت ِضيـقُ أن أقـو َم فأل َبـسا ِذ َرا ِعـي َت َسا َق ُ ـط أَ ْن ُف َســـا ـــس َولَ ِّكنَهـا َن ْف ٌ َ أ ْب ُؤ َســا ُن ْع َمـى َت َح َّو ْلـنَ َف َيـالَ ِك ِمنْ َما َت َل َّب َســا َمنْ دَا ِئــ ِه لِ ُي ْل ِب َس ِنـي َ َ ْ َو َمل َب َســا يب طول عُ م ٍر َو َب ْع َد امل ِش ِ
صالح بوسريف
132
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
امرؤ القيس
َ ل ْو َث ُة ِّ الش ْعر
وص َلنا ِش ْع ُرهُ م .مل يكن ُم ْكثرِ اً ،فهو كان ،كام ِ منْ أ َوا ِئل َمنْ َ يقول السيوطي يف «ا ُملز ِْهر» ،من ُّ الشعراء ا ُمل ِق ِّلنيَ ،مثل طرفة بن العبد ،وعبيد بن األبرص ،وعلقمة الفحل ،وعدي بن زيد «وال َي ِص ُّح له إ َّال َن ِّي ٌف وعرشون ِش ْعراً بني طويل و ِق ْط َعة». والشا ِع ِر ُيون ال ُقدامىَّ ،أن ا ْم َرأ القيسَ ، ا َّت َفقَ ال ُّن َّقادَّ ، كان ُم ْست َْح ِدثاً ،و كان فا ِتحاً .يقول أبو عبيدة ،إن امرأ القيس ،هو ْ «أش َعر ُشعراء الجاهلية ،أل َّنه أ َّول من استوقف الرفيق ،وبىك ال ِّد َمنَ ،ووصف ما فيها ،وأ َّول من َش َّبه الخيل بالعصا ،وال ِّل ْق َو َة ِّ والسباعَ والطَّيرْ َ ،ف َت ِب َعه ُّ الشعراء عىل تشبيهه لها بهذه والظبا َء ِّ األصناف ».وهو نفس ما ذهب إليه عمر بن الخطاب ،يف ما ُي ْر َوى عنه ،حني سأله العباس بن عبد املطلب ،عن ُّ الشعراء وأمريهم ،قال «امرؤ القيس سا ِب ُقهُمَ ،خ َس َف لَهُم عني ِّ الشعر، أص َّح بَصرَ ». فا ْف َت َق َر عَنْ مَعانٍ عُ و ٍر َ ثمََّة من يرى َّأن ا ْم َرأ ال َق ْيس ،ليس أ َّول شاع ٍر َع َر َفتْه العربية، فهو ضمن الطبقة األوىل ،وفق التقسيامت النقدية القدمية، لكنه ،هو واحد من َع َد ٍد من ُّ الش َعراء الذين ال ُي ْع َرف لهم ٌ أ َّول ،أو كام جاء يف رواية عن ابن َش َّبة «ل ِل ِّش ْعر أ َّول ال ُيو َق ُف عليه» .ما يعني ،أن ا ْم َرئ القيس ،له ْأس َال ٌف ،وهو ما كان ذكره عنرت َةُ ،م َجا ِيل امرؤ القيس ،يف سؤاله َّ الشهري« ،هل غادَر ُّ الحطيئة ،يف تأكيد هذا الش َع َراء ِمن ُمترَ َدِّم… » .وسيذهب ُ ُ املعنى ،إىل َّأن امرأ القيس كان « َي َت َو َّكأ» عىل شعر أيب دُؤاد األيادي ،ويروي شعره.وحني َن ْع َل ُمِ ،مماَّ َر َوا ُه صاحب األغاين، من سرية امرئ القيس ،أنه كان من َن َس ٍب ،فيه كثري من ُّ الشعراء ،من أخوالهَ ،ي َض ُعنا هذا يف سياق هذه ال َّل ْو َثة التي لَ ِح َق ْت به ،مام سيجعل َوالِدَه ،كام يف بعض الروايات ،يطرده يم َم َع ُه أ َن َف ًة من قوله ِّ وكانت الم ُ ُلوك الشعر، ِ « َوآلىَ أَ َّال ُي ِق َ ْتأ َن ُف من ذلك» ،كام جاء يف األغاين.
َض َال َل ُة َّ الشا ِعر
الص ْي ِد «الهياً عا ِبثاً ،غا ِرقاً ُر ْف َق َة ِص َحا ِبه يف َّ كان ا ْمر ُؤ القيس ِ أتاح ْت له وال َّل ْه ِو ،وال َّل َذ ِة وا ُمل ُجونِ » ،وقد اختار حيا ًة َّ خاصةَ ،
أن َي ْب َقى َطليقَ ال َي ِدَ ،ط ِليقَ ال ِّلسانِ ،يعيش عىل ِغوايا ِت ِه ،وما كان اختاره من نمَ َط َع ْي ٍش ،رمبا لِام كان ْاست َْش َع َرهُ ِمنْ إها َنة والشعر ،فاختا َر ِّ والِ ِده لَهُ ،حني َخيرَّ َه بني اإلمارة ِّ الشعر، الذي كان َق َد َر َّ الشاعر ،فهو وضع ِّ الشعر يف مواجهة ال ّوجود، أو كان ِّ الشعر ،عنده ،هو معنى ُوجو ِد ِه. فهو «املَ ِلك ِّ الض ِّليل» ،الخارج عن طاعة والده ،وعن إمارته التي ستكون َح ْرباً عىل َّ الشاعر ،وس َت ْق ِلب حيا َته كامل ًة ،من شاع ٍر َيت ََص َّيد «األَوا ِبد» إىل ُمحا ِر ٍب ،يبحث عن َقا ِتليِ والِ ِده، و َي َت َوعَّدُ هُ م ،يف شعره. ً ِ مماَّ قاله يف هذا الصددُ ،م َو ِّجها كال َمه لِ َب ِني َأس ٍد: الح ْر َب ال َن ْق ُع ِد َ ف ْإن َت ْد ِفنُوا الدَّا َء الَ ُن ْخ ِف ِه َو ْإن َت ْب َع ُثوا َ َو ْإن َت ْق ِصدُ وا لِد ٍَم َن ْق ِصدُ َ و ْإن َت ْق ُت ُلــو َنا ُن َقتِّـ ُل ُكــم فهو كان ،يف َس ْع ِي ِه لِلأْ َ ْخ ِذ ْ «ج ْر َح ال ِّلسان بثأر َوالِ ِدهُ ،ي ْد ِر ُكَّ ،أن ُ َك ُج ْر ِح ال َي ِد»َّ ، بالسالحِّ ، والش ْع ُر، وأن ا ُمل َو َاجهَة ،هي ُم َو َاجهَة ِّ سيكون هو ال ِّل َس ُان الذي ّي ْفضيِ بمِ ا يف ال َّن ْف ِس من َش ًجى ،ومن جات ال َغدْر ،التي لَ ْم َي ْست َِس ْغها َّ الشاع ُر ،من َب ِني َأس ٍد، َحشرْ َ ِ رغم ما كان بينَه وبني والده من َج َفا ٍء ،و ُب ْعد َمسا َف ٍة. َ ُح ْر َق ُة ال َغدْر وال َفت ِْك بوالده ،من ِق َبل بني َأس ٍد ،هي ما أ َغا َر َن ْف َس االبن َّ خرج به من ضالله ،إىل ضرَ َا َو ِته ،كام الض ِّال ،وما َ
issue (9)- February - 2013
133
ديوان العرب
كالج َذرِيّ ، اليمن»َّ ،أن ا ْم َرأ القيس تويف سنة ٥٦٥م ،أصا َبه مرض ُ كان سبباً يف موتهَّ ، وأن ملك قسطنطينية ،كام جاء يف كتاب قديم مخطوط ،لَماَّ بلغه وفاة امرئ القيس ،أمر بنحت متثال له ،ل ُين َْص َب عىل رضيحه ،ففعلوا ،وكان متثال امرئ القيس هناك إىل أيام املأمون ،وقد شاهده هذا الخليفة ،عند مروره، لَماَّ دَخل بالد الروم ليغزو الصائفة.
وب له من ِش ْع ٍر. َب َاح بها يف أكرث من قصيدة ،مام هو َمن ُْس ٌ ُ تعبري ُ الح ْر َقة ،تبدو يف َق َس ِم ِه أ َّال َي ْأك َل لَ ْح ًام ،وال َيشرْ َ َب ات هذه ُ ْ يب امرأ ًة ،وال َي ْغ ِس َل َرأ َس ُه َخ ْمراً ،و الَ َيد َِّهنَ ِبدُ هْ ٍن ،و ال ُي ِص َ من َجنَا َب ٍةَ ،حتَّى ُي ْد ِر َك ِبت َْأ ِره .وهو هنا ال ُي ْق ِسم ِبترَ ِْك ِّ الشعر ،أو ْتأ ِجي ِله ،مثلام ف َعل مع الخمرة والنِّساء ،رغم أن ِّ الش ْع َر ،حتَّى يف حالة ُصدُ ورنا عن الرواية التي تقول إِ َّنه َش َّب َب بزوجة والده، لِ َجاملها ،كان هو مصدر ما سيعيش فيه من َص ْع َل َكةَ ،و َت َهت ٍُّك، الخطاب ،وهو ُيشري لبعض ما جاء َ وضاللٍ .ألَ ْم َي ُقل عنه عمر بن َّ َ شا ِع ٌر ُم ْش ِك ٌل َّ يف شعره بهذا املعنى« ،هو حا ِمل لِ َواء ُّ مثة الكثري مام قيل يف شأن الروايات واألشعار املنسوبة المرئ الشعراء إىل النَّار»؟! َش َغل ا ْم ُرؤ القيس َن ْف َسهْ ، ُّ القيسَّ . الشك ،يف هذه الروايات ،أو يف بعضها ،قديم ،وليس نفس ُه بثأ ِر َوالِدَه ،بقدر ما َش َغل َ خرج عنها ،وليد العرص الحديث .وحني ذهب طه حسني إىل َّ الشك يف نفسه َ ْ باس ِتعادَة َن ْخ َو ِة َق ِبي َل ِته ،وشرَ َ ِفها الذي ،كان هو ُ ورفض أن يلتزم ِب ِق َي ِمها ،و َن ْخ َو ِتها ،و ِب ُس ْلط ِتها التي كان والده هو وجود هذا َّ الشاعر نفسه ،فهو ْاس َتنَد لِام يف شعره من أساليب، ُم َم ِّثلها .أن يرفض َّ رأى أ َّنها تعود لِام بعد زمن امريء القيس ،وال ُتعَبرِّ ،متاماً ،عن الشا ِعر اال ْن ِص َياع لِشرَ َف القبيلةَ ،و َن ْخ َو ِتها ،ال يعني يف نظر َّ الواقع اللغوي ،الذي كان عليه زمنه ،وال ما كان يصدر عن زمنه الشا ِعرِ ،خيا َنتَها ،أو إها َنتَها ،لكن أن يمُ َ َّس رشف القبيلة من «الغريب» ،أو الغريم ،فهذا ما مل َي ْقب ْله ،وما أ ْي َق َظ يف من تعبريات ،هي غري ما َو َص َلنا عن هذا َّ الشاعر ا ُمل ْش ِكل. يف تراثنا الشعري القديمَ ،ت ُعو ُد هذه املشكلة لطبيعة الرواية نفسها َن ْخ َوة الشاعر ،التي نفسهَ ،ح ِم َّي َة «الجاهلية» ،التي هي ُ الشفاهية التي كانت بني ما ساعد عىل حدوث اضطرابات يف نفسه ،إذا َص َّح َّأن الذي َح َّر َض َق ْيصرَ ستكون َسبباً يف هالكه هو ُ عليه ،هو َّ الشعر ،ويف ما كان ُين َْسب لهذا َّ كثري من هذا ِّ الشاعر ،أو ذاك. الطامح ،الذي كان امرؤ القيس َقت ََل أخاً له من بني لكن َت َوهُّ م شخصي َة شاعر كامل ًة ،هذا أمر بعيد االحتامل، أسد. وفق ما ذهب إليه طه حسني ،ليس بالنسبة المرئ القيس ،بل ُملعاصرِ ِه عنرت َة ،ولِ ِشعراء الَ ِح ِق َ ني عليه .أن الس ُّم يف ال َع َسل ُّ َندُ َّس أكرث من شاعر يف َط َّيات تراث كاملٍ ،سيكون من ال ِّر َوا َيات التي َذهَ َب إليها أغلب الس َخف ،مهام كانت ا ُملبرَ ِّرات التي ميكن الدارسني وال ُّن َّقاد ،ممن كتبوا يف سرية امرئ رضباً من َّ أن نسو َقهاَ ،ك ُح َّجة ،لتربير فرضيتنا هذه .لكن القيس ،أو يف شعره ،أن الطَّماَّ ح ،هذا ،هو وجود اضطرابات يف هذا ِّ الشعر ،وروايات ،مختلفة، من ح َّر َض القيرص عىل امرئ القيس ،بدعوى ً ُمتنا ِق َضة ،و ُمتضا ِر َبة ،أيضا ،فهذا أمر قائم، أ َّنه « َغ ِويٍّ » ،وأ َّن ُه « ُي َر ِاس ُل» ِبن َْت ال َق ْيصرَ ، نظراً لكون ال َّت ْقييد الذي َح َصل ،يف زمن الجمع واص ُلها» ،وقال «يف ذلك ْأش َعاراً ُي َش ِّه ُر بها يف «و ُي ِ والتدوين ،كان ال ِّل َسان والذاكرة ،أو الحفظ، العرب َف َي ْف َض ُحها و َي ْف َض ُح َك» .ما ج َعل القيرص هام أدا ُته وقاعدته التي من خاللها وصلتنا هذه يبعث له ِب ُح َّلة مسمومة ،كانت سبباً يف ما أصابه النصوص.لكن ،حني يكون إجامع ،أو شبه إجامع من َت َف ُّس ِخ جلده ،وما َح َّل به من ألَ ٍم ،هو ما الدَّارسني ،والباحثني ،مبنياً عىل رواي ٍة ما ،فهذا َي ْف َضح النص معناه. سيكون ،يف أقل تقدير ،قاعد ًة لقبول هذه الرواية، يذهب األب لويس شيخو ،يف الجزء األول من كتابه ُ والتعا ُمل معها ،إىل حني اكتشاف وثائق ،ومعطيات «شعراء النرصانية» ،يف باب «شعراء 134
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
امرؤ القيس
أخرىُ ،تعيد تغيري هذا الواقع ،بواقع آخر ،وهذه هي طبيعة البحث ،وما تقتضيه املعرفة من تأسيس للفرضيات ،و بناء األفكار.هذا ما ُي َس ِّوغ ،هناْ ،اس ِتنادَنا للرواية األوىل ،رواية ُح َّلة القيرص ،والقصيدة التي هي تعبري عن هذا الحدث املأساوي، الذي بدا فيه الشاعر هَ ّشاًُ ،م َت َو ِّتراًُ ،منْهاراً ،يفقد َن َضا َر َته، وحيويته ،بال َّت ْدريج ،أو بنوع من املوت البطيء ،الذي جعل واجهَة هذا الحارض ا ُملن َْح ِّل، الشاعر َي ْس َتن ِْجدُ باملايض ،يف ُم َ ا ُمل َت َف ِّسخ.
َ ن ْف ٌس َت َسا َقط أَ ْن ُف َسا
غ ْدر وال َ ح ْر َق ُة ال َ ك بوالده، ُ ف ْت ِ أس ٍد ،هي ما أ َ َ غار َ من ِقبَل بني َ
س االبن َّ الض ِّ ج به ال ،وما خر َ ن َ ْف َ من ضالله ،إلى َ ضرَا َو ِته ،كما ح بها في أكثر من قصيدة، بَا َ ش ْع ٍر. مما هو َم ْن ُ س ٌ وب له من ِ
يف الن َِّّصَ ،ت ْظ َه ُر ُمعانا ُة َّ يف ِش ْعر امرئ ،كانت هذه الثنائية ،حارضة باستمرار ،وهي الشا ِعر ِمماَّ َحاق به .فهو َي ْس َت ِعيدُ وج ْسم َي َتالشىَ ،ثنائية ،نجدها يف ِّ ُ الشعر الجاهيل ،عند أكرث ُشعراء هذه ماضيه ،يف ُم َو َاجهَة حارضه ،وهو حارض ُج ْر ٍحِ ، املرحلة ،باعتبارها بني ًة داللي ًة ،كانت نوعاً من الرغبة ويذوب ،إرباً إربا .ليس استحضاره لل َّر ْبع ،سوى تعب ٍري عن ُ بالج نْب ُغ ْر َبة الشاعر ،وعُ ْزلَ ِته ،التي جعلت األشياء َت ْن َف ِر ُط من حوله ،يف الخلود والبقاء ،أو يف مقارعة الزمن ،وا ِّتهامه ُ ُ وتتساقط ،كام تتساقط َن ْف ُسه .فهو تمَ َنَّى َ ْ ليست يف مستوى ُم َع َّل َقة الشاعر. األبيات، واحد ًة ،والخديعة .هذه املوت ُد ْف َع ًة ِ أو ُم ْج َم ًال ،لكنه ،وهذه هي مأسا ُة ما ُيعانيه ،يف ما هو ُ ميوت ،مثة ما َي ُشدُّ هذا النص لِسا ِب ِقي ِه ،من حيث املعنى ،أو بعض اإليحاءات الداللية ،التي هي جزء من رؤية ّ الشاعر ،ومن نفسه تتهاوىَ ،ك ُب ْن َيانٍ ،فقد َت َوا ُز َنهُ. يت َف َّر ُج عىل َم ْو ِت ِه ،ويرى َ نفس ما كان عا َنا ُه َّ فلسفته يف ال ُوجود ،خصوصاً ما َت َع َّلق منها برؤيته للزمن .لكنَّ الشاعر ،من أرَقٍ ،يف قصائد سابق ٍة، طبيعة هذه القصيدة ،وما فيها من ُب ْعد تراجيدي ،مأساوي، بح ْر َق ٍة ُمضا َع َف ٍة ،هي ُح ْر َقة يستعيدُ ه يف هذه األبيات ،لكن ُ يجعلها تكون شبه مبارشة يف التعبري ،ويف َف ْضح ُمعاناة الت ََّسا ُقط ،التاليش ،وال َّذ َوبان. ِّ الشاعرَ ،و َق ْس َوة ال َق ْرح عليه. وطعانٍ ،وال زمنَ روس َي ٍة ،أو شكيمةِ ، مل يعد الحارض ،زمنَ ُف ِ َ يف ُل َغة النص َن ْست َْش ِع ُر َتأوُّهَ َّ الشاعرَ ،و َت َو ُّج َعه ،أو تعب َريه وص ْع َل َك ٍة ،و َت َهتِّك .ا ْن َق َل َبت يض َكوا ِعب ،أي زمنَ َخ ْمرضةَ ، ِب ٍ وصارت َح ْرباً عىل َّ ْ عن فجيع ِة َن ْف ِسه املريضة ،ا ُملصا َبة ،وا ُمل ْهترَ ِ َئة ،ا ُملتالشي ِة ،كام الشاعر نفسه ،يف جسده ،ويف األمور، الصاعد من أعامق نفسه ،مبا ُيشري تس ِلم َن ْست َْش ِعر ،هذا «ال َت َمنِّي» َّ حياته ،ونفسه التي مل يعد قادراً عىل ُمغالبتها ،فهو ُم ْس ْ لِدَائه القديم ،ال يرغب يف أن يعود إليه ،أو أن ُي ْب ِط َل حركتَه ،إىل اإلحساس بـ «ألَ ِم ال َّز َوال» واالنقضاء ،وال َّت َلف. يف مثل هذه النصوص ،التي هي ُم َ كاش َفة و ُمعاناةّ ، الشا ِعر، و َي ْج َع َله عاجزاً عن تدبري أمر نفسه: للم َ كاش َفة واألمل مكاناً ،يكون هو غري ما ميكن الحيا ِة كَماَ أ َرى َت ِضيقُ ِذ َرا ِعي ْأن أَ ُقو َم َفأ ْل َب َسا عاد ًة ما ُيتيح ُ يح َ َ و َما ِخ ْف ُت َتبرْ ِ َ يحه لجاملية ال َّت ْعب ِري ِّ َ ت ّب َّخ َر ْت حياة ال َّل ْه ِو والنِّساء و ُمعا َق َرة َ الشع ِريِّ ،وللمجازات ،والصور الخ ْم َرة ،وصا َر ،أن َي ْن َعم أن ُي ِت َ َ البالغية ذات املنحى ِّ الشعري العايل .الدَّاللة ،هنا ،مبا هي نفسه ِبتَأ ٍّن، الشاعر ٍ مبوت كاملٍ ،بدل هذا املوت الذي يأكل َ وج ْرح ،هي ما يذهب إليه َّ الشا ِعر ،ويرتك الباقي وعَىل َمهل ،دون أن يجد له عالجاً. معاناة ُ لشاعريته ،وبديهته ِّ َ ز َمنَان َيتَصارَعانِ يف نفس َّ الشعرية ،أن تقوله ،لكن ليس بنفس نعيم ،وهو املايض، الشا ِعر ،ز َمنُ ٍ الحرص الذي تكون فيه النفس يف أ ْوج َف َر ِحها ،أو لَ ْه ِوها ،كام وزمن بؤس ،وهو زمن هذا ال َق ْرح الدَّامي ،الذي َح َّول حيا َته يف وضع امرئ القيس ،هذه النفس التي َت َسا َق ُط أ ْن ُفسا إىل جحيم. issue (9)- February - 2013
135
ديوان العرب
أحمد شوقي بعد ثمانية عقود أحمد شوقي واحد من الشعراء الذين استطاعوا نقش اسمائهم في جدار الشعرية العربية وقد حقق
حضورا مختلفا عن مجايليه حتى ّ لقب أميرا للشعراء
يوسف احمد مكي
مىض مثانون عاما عىل رحيل الشاعر احمد شوقي ،ومع ذلك ،فإن هذا الشاعر ظل منارة شعرية يف سامء الشعر العريب الحديث ،ومل تستطع األيام والسنون التقليل من قيمة وأهمية الشاعر وشعره .ال بل زاده تقادم الزمن حضورا وألقاً واتساعاً ،كام شكل معينا ال ينضب للدراسات واألبحاث االكادميية. ميكن القول إن شعر شوقي يعترب من أكرث األشعار حضورا يف الثقافة العربية من بني الشعراء يف مختلف العصور ،ومن بني أكرث األشعار التي يرتدد صداها لدى األجيال املتعاقبة ،وال يوجد فرد من هذه األجيال إال ويعرف شوقي وشعره بشكل أو بآخر ،ولو من خالل بيت من الشعر أو حتى شطر ،أو قد يكون سمع عن شوقي أو قرأ بعض أشعاره يف سنوات الدراسة. هو الشاعر االرستقراطي ،ولكن األكرث شعبية من بني شعراء العربية قاطبة ،وهذا بطبيعة الحال يعود إىل عدة أسباب ،رمبا من أهمها سهولة شعر شوقي ورسعة متثله من قبل املتلقني ،وقربه من املزاج والذائقة العربية يف الشعر وخاصة مخاطبته للجانب النفيس واالجتامعي ،وأيضا تناوله ملختلف جوانب الحياة،
136
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
هناك شعراء ال يقلون عن شوقي من حيث العطاء الشعري ،لكن شوقي يظل حائزا لقصب السبق في الشعر
أحمد شوقي
وأخريا متيزه بالبعد األخالقي ِ والحكمي واملناقبي . الشك ان هناك شعراء ال يقلون عن شوقي من حيث العطاء الشعري ،لكن شوقي يظل حائزا لقصب السبق يف الشعر ،وقد توج امريا لشعراء العربية يف العرص الحديث ،وال يزال يف القمة حتى بعد مرور اكرث من مثانية عقود عىل رحيله. فهو امري الشعر العريب الحديث يف ثالثينيات القرن املايض وهو كذلك يف العقد الثاين من القرن الواحد والعرشين . ومام هو جدير بالذكر يف هذا الشأن أن املرء سواء كان مهتام بشعر شوقي أو خالف ذلك ،فهو كلام قرأ شوقي ازداد ولعا به ،وعاد إليه مرات ومرات وكأنه يقرأه للمرة األوىل .إن يف شعر شوقي جاذبية قل نظريها ،وإن فيه لطالوة قلام توجد يف أشعار غريه من الشعراء القدماء واملحدثني عىل حد سواء .مأثرة شوقي يف شعره هو قرب هذا الشعر من اإلحساس العريب اإلنساين عامة، بحيث يشعر املتلقي وكأن هذا الشعر يشء من ذاته او من ميوله واهتامماته او لسان حاله ،إن ميزة شعر شوقي وعىل الرغم من مرور الوقت هي قدرته عىل اخرتاق الزمن والتجديد الدائم ،والتعبري عن النبض العريب .لذلك سيظل شوقي الشاعر حارضا ابدا يف املشهد الشعري العريب والذاكرة الشعبية عموما .وال غرابة ان يستمر شوقي الشاعر األمري من خالل شعره املنبسط عىل امتداد ساحة الشعر العريب من املحيط اىل الخليج ،نقول ال غرابة ان يستمر امريا ،وال غرابة أن يبقى شعره يف الطليعة ،وميثل مفخرة من مفاخر العرب املعارصين. إذا كان الشعر العريب من السعة مبكان يف القديم كام يف الحديث ،فإن شعر شوقي ويف مثانينية رحيله ،هو األكرث بروزا ،ال بل األكرث إقباال عليه من قبل املتلقني ،مختصني وغري مختصني .وهذا يف حد ذاته فخر للشاعر وشعره وهو دليل عىل مقام شوقي حتى بعد رحيله
المرء سواء كان مهتما بشعر شوقي أو خالف ذلك، فهو كلما قرأ شوقي ازداد ولعا به ،وعاد إليه
issue (9)- February - 2013
137
ديوان العرب
ديوان الحماسة
قريط بن أنيف العنبري التميمي وردت هذه القصيدة في «ديوان الحماسة» ،الذي اختاره أبو تمام الطائي من أشعار العرب ،ورتبه
كنت من مازن لم تستَبح إبلي لو ُ بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
على أبواب عشرة ،أولها باب الحماسة ،فكان ذلك
َ معش ٌر خُ ُ شن إذا ً لقام بنصري عند احلفيظة إن ذو لوثة النا
قبيلة «ذهل بن شيبان» أغارت على الشاعر ُقريط ُ بن أنيف وهو من بني العنبر ،وسلبوه ثالثين
قوم إذا الش ُّر أبدى ناجذيه لهم زرافات ووحدانا طاروا إليه ٍ
انه من قبيلة أخرى اسمها «مازن تميم» ،ألن إبله
ال يسألون أخا ُهم حني ين ُدبُهم في النائبات على ما قال برهانا
سبب شهرة الكتاب ب«ديوان الحماسة». أما حكاية القصيدة فهي كما تروى أن جماعة من
ً بعيرا .فاستنجد قومه فلم ينجدوه ،فتمنى لو عندئذ ما كانت لتؤخذ عنوة أو كانت سترد .وقد لبت قبيلة «مازن» نداء االستغاثة وانتصرت للشاعر.
ّ لكن قومي وإن كانوا ذوي عددٍ شيء وإن هانا ليسوا من الشرِّ في ٍ يجزون من ظلم أهل الظلم مغفر ًة ومن إساءة أهل السوء إحسانا فليت لي بهم قوما ً إذا ركبوا شدوا اإلغارة فرسانا وركبانا ّ
138
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ابن المعتز
ابن المعتز
الخليفة الشاعر تجربة شعرية تعد مميزة من تجارب الشعر العريب اجامالً والعبايس تحديدا ً،وهي تجربة الشاعر الخليفة العبايس (مكث يف الخالفة يوما وليلة) عبدالله بن املعتز بن املتوكل (296-247هـ908-861/م) مبا فيها من ثراء واشتغال خالق إلحكام أهم مكون من مكونات الشعر وهو الصورة الفنية. ديوانه طبع عدة مرات يف طبعات تجارية شوهت شعره ،بل حتى النامذج القليلة التي استشهد بها أدونيس يف مختاراته للشعر العريب يشوبها الكثري من التشويش العتامدها عىل تلك الطبعات التجارية .ومل يظهر جهد حقيقي يف إخراج ديوانه سوى ما قام به الحقاً الدكتور يونس أحمد السامرايئ. لقد تعرضّ ت صورة الشاعر ابن املعتز للتنميط يف إطار «األمري األرستقراطي املرف ّــه» ،وبالتايل فإن إنتاجه عامة الشعري وغري الشعري قد وسم بأنه ال يحمل مت ّيزا ً يذكر ،غري أن القراءة املتأنية تكشف عن تجربة مختلفة لحمتها الشقاء وسداها األمل ،بل تتجىل شعرية لها طابع خاص يف تلك الفرتة املليئة بالتجارب الشعرية املتنوعة من العرص العبايس .كام تكشف عن وهج نقدي أثرى املرحلة بنظرات لها طابع املوضوعية والسبق يف الحكم املعتدل عىل ذلكم الجديد. كتب ابن املعتز شعرا ً يف معظم األغراض املطروقة ،ومن أبرزها املديح والرثاء والفخر والهجاء والغزل والحكمة .ويف تلك األغراض ومع اختالف املوضوعات الجزئية التي يتناولها نجد قاسامً مشرتكاً وهو حضور ملفت عىل مستوى املشبه به لصوره الفنية. issue (9)- February - 2013
139
ديوان العرب
مختارات من شعره َعتَبَت َعل ََيك َملي َح ُة ال َعتب قالَت أَما تَنف َُّك ذا أَ َملٍ دا ِميَ ٌة َوأَيدي ِه َّن كَلاّ ِ ما كا َن يف زَع��مٍ َه��واك َوال قالَت َعىس ق ٌ َ��ول يمُ َ ِّرضُ ُه ِ َحوادث َه إِ َّن ال َزما َن َر َمت ضنى يف َم َحبَّتهاِ فَبَ ُ قيت ُم ً فَ ِإذا َرأَتني َع ُني غانِيَة ٍُ َصيرَّ َين يا صا ِح إِ َّن ال َده َر ِ ما ز َال يُغري يب َحوادث َه َحتّى لأَ َبقاين كَ�ما تَ َرين إِنيّ ِم َن القَومِ الَّذي َن ِبهِم َص ٌرب إِذا ما ال َده ُر َعضَّ ُه ُم َمك ُر َم ٍة َولَ ُهم ِوراث َ ُة ك ُِّل ِ َوإِذا ال َوغى كانَت ضرَ اغ َم ًة لَبِسوا ُحصوناً ِمن َح ِ ديد ِه ُم ِشفائَ ُه ُم َحتّى تُبَلِّ َغ ُهم َتى َو َع َدت جِيا ُد ُه ُم ِبك ُِّل ف ً َحفيظَتَ ُه َم ٍّر إِذا بَلَغَت
140
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
َذن َِب غَضبى ُمها ِج َر ًة بِال ُمتَ َن ِّقالً شرَ ِهاً َعىل ال ُح ِّب كب يف ُعقلِها بمِ َوا ِق ِف ال َر ِ أَض َمرتُ َغ َري َه ِ ��واك يف قَلبي ما َص َّح ِ تب باط ُن ُه ِم َن ال َع ِ َ هب باب ِبأس ُهمٍ شُ ِ َه َد َف الشَ ِ ُرب ُم َّر الوِصا ِل ُم َك َّر َه الق ِ قالَت لِرائِ ِد ل ِ َحظها َحسبي ضب ما قَد ت َرى ِق�شرا ً َعىل َع ِ َكب َويَزي ُدين نَكباً َعىل ن ِ َرب َصمصا َم ًة َمفلولَ َة الغ ِ َعب فَ َخ َرت قُ َر ُ يش َعىل بَني ك ِ دب َوأَكُ ُّف ُهم خُضرُ ٌ لَدى ال َج ِ َرب َو ِبهِم ت ُ َعل ُِّق َدع َو ُة الك ِ عب َو َعلَت َعجا َج ُة َمو ِق ٍف َص ِ َوال�َض�رَ ِب َصبّا َر ًة لِلطَعنِ رب ِمن ثا ِر ِهم يف َمو ِق ِف ال َح ِ ضب نصلٍ َع ِ يَعىص بِقائِمِ ُم ُ ذب َحل ِو الرِضا يف ِسل ِم ِه َع ِ
ابن المعتز
قصائد قصرية ُمخضرََّ ًة َواِكتَىس بِالنو ِر َولِلر ِ ِياض اِب ِتسا ٌم يف
رض قَ��د أَع��ط َ َ��ت��ك َزه�� َرتَ��ه��ا أَم��ا تَ��رى األَ َ َحدائِ ِقها لسام ِء بُ��ك��ا ٌء يف فَلِ َ
***
قُ��ل لِغُصنِ ال��ب��انِ الَّ���ذي يَ��تَ��ثَ�� ّن��ى م���ت كِ��ت�ما َن م��ا بِ��قَ��ل��ب��ي فَ��� َن���مَّ���ت ُر ُ َو ُدم����و ٌع ت ُ َ��ق��ول يف ال��خَ�� ِّد ي���ا َم������ن ��ل��ن��اس َم ِ َ��ي��س لِ ِ ��وض�� ٌع يف فُ��������ؤادي ل َ
عاريها نَواحيها
َحت بَ��د ِر ال�� ُدج��ى َوف َ َ����وق ال َنقاء ت َ َزفَ����راتٌ تَ��غ�شى َح���دي���ثَ ال�� َه��واء يَ��تَ��ب��اىك كَ���ذا يَ���ك���و ُن البُكاء زا َد في ِه َه َ ����واك َج��ف��ن��ي اِم�� ِت�لاء
issue (9)- February - 2013
141
ديوان العرب
أَشكو إِىل اللَ ِه أَ َّن ال َدم َع قَد نَ ِفدا َوأَ َّن َعي ِن َي يف لَيلٍ ُم َس َّه َد ٌة ُلت لَ ُهم قالوا ال ِفر ُاق غَدا ً ال شَ َّك ق ُ َوقَد قيت إِنيّ إِذا ً ل ََصبو ٌر إِن بَ ُ
َوأَنَّني هالِ ٌك ِمن ُح ِّبكُم كَ َمدا َرقَدا َست أَرقُ ُد في ِه ِم َثل َمن فَل ُ بَل َموتُ نَفسيِ َ ِمن قَبلِ ال ِفراقِ غَدا حيل َوإِن لَم يَر َحلوا أَبَدا قالوا ال َر َ
***
142
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
ابن المعتز
��ي��ب ال��كَ�� َرى و ُم َنغِّص ي��ا ُمثْ ِكيل ِط َ وأ َرى ح��ـ��رار َة نـارِهـا لـم ت َنقُص ُمـتَ َسـلِّ ٌخ بَـ َهـقاً ك��ل��ون األب��رص
َ سارق األن��وار من شمس الضُّ َحى يا َ فـيـك فَنا ِق ٌص أ ّمـا ضـيـا ُء الـشمـس لَ ْم يـظـفَـر الـتـشـبـيـ ُه َ مـنك بطائل ط���اب طعام واكتىس أن��ع��م ب��ت�ين َ فـي ب��ـ��ـ��ر ِد ثـلـج يف نقا ت�بر ويف ال��ن��ارن��ـ��ج يف أغصانِـه وكـأنّـمـا ُ ك���ر ٌة رم��اه��ا ال��ص��ول��ج��ا ُن إىل الهوا
***
وق��ارب مخرجاَ ِم�� ْن منــظـر ُح ْسنا َ ري��ح العبري وط��ي��ب طعم السكّر ِم ْن خالص الذهب الذي مل يُخــلـط فـتـعـلـقـت فـي جــ ّوه لــ ْم ت َْسقُط ْ
الرسومات :الواسطي
issue (9)- February - 2013
143
ديوان العرب
محاكاة شعرية
قصيدة «يا ليل الصب»
الفنان حسني زياين
املحاكاة أو املعارضة الشعرية فن دارج يف الشعر العريب ،وعرفت يف كافة األزمنة ،كام شملت جميع األغراض .وحاىك الشعراء بعض شعراء زمانهم ،وتبارزوا معهم شعرا سواء يف املديح او الهجاء او السري عىل نفس املنوال. ومن القصائد التي حظيت بقدر ملحوظ من مساجالت الشعراء قصيدة «يا ليل الصب» للحرصي القرياوين ،حيث حاكاها شعراء من عصور مختلفة.
144
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
محاكاة شعرية
الحرصي القريواين عيل بن عبد الغني الفهري الحرصي الرضير أبو الحسن ( 420هـ 488 -هـ 1095 - 1029 /م) شاعر تونيس قريواين مشهور ،كان رضيرا ً ولد وعاش بالقريوان ومات يف طنجة .حفظ القرآن بالروايات وتعلم العربية .اتصل ببعض امللوك ومدح املعتمد بن عباد (ملك أشبيلية يف عرص ملوك الطوائف ،وهو من بني عباد) بقصائد ،وألف له كتاب «املستحسن من األشعار» ،وهو ابن خالة إبراهيم الحرصي صاحب «زهر اآلداب». ذاعت شهرته كشاعر فحل ،وشغل الناس بشعره ،ولفت أنظار طالب العلم فتجمعوا حوله ،وتتلمذوا عليه ونرشوا أدبه. له ديوان شعر بقي بعضه مخطوطاً «اقرتاح القريح واجرتاح الجريح» مرتب عىل حروف املعجم يف رثاء ولده يحي ،و«معرشات الحرصي يف الغزل والنسيب عىل الحروف» و«القصيدة الحرصية» 212بيتاً .من أشهر أعامله قصيدة يا ليل الصب ،وهي التي ظل العرب يحاولون النسج عىل منوالها حتى اليوم ،فيام يسمى باملعارضات أو املحاكاة الشعرية .
ال��ص��ب متى غ�� ُده ل��ي��ل ي��ا ُ ُّ رق�����د ال����س��م�ار ف���أرق���ه ف��ب��ك��ا ُه ال��ن��ج�� ُم َّ ورق له ��ف ب��غ��زا ٍل ِذي َه�� َي��ف ك��لِ ٌ رشك���اً ��ب��ت ن��ص ْ َ َ ع��ي��ن��اي ل��ه َ َ ً ق��ن��ص نيِّ أ ا ع��ج��ب�� وك��ف��ى ٌ ي��ن��ضُ ��و ِم��� ْن ُم��قْ��ل�� ِت��ه س ْيفا ي���ق د َم ال��ع��شّ ��اقِ به ف�ُي�رُ ُ ْ����ب مل��ن قَ��تَ��لَ��ت ك�ّل�اّ ال ذن َ يا من َج�� َح��دتْ عيناه د ِمي خ���� ّد َاك ق��د اِعْ�َت�رَ َف���ا بد ِمي إنيّ ألُع���ي���ذ َُك م��ن قَ��تْ�ِلِ ���ب املشتاق كَ�� َرى باللّه َه ِ ����ت ضَ َنى م��ا ضرََّك ل��و دا َويْ َ مل يُ��� ْب���قِ ه���واك ل��ه َر َم��ق��ا وغ���دا ً يَ�� ْق�ِض�يِ أو بَ�� ْع�� َد غَد ���ل ال��ش��وقِ لنا شرَ َ ٌق ي��ا أ ْه َ ي�� ْه��وى امل ُ��شْ ُ ��ت��اق ل��ق��ا َءكُ�� ُم ��ل وأَ ْع��ذَب��ه م��ا أح�لى ال�� َو ْص َ �ين وب��ال��ه��ج��رانِ فيا ب��ال�� َب ِ واِق���ب���ل غَ���� ْي����دا َء م��ح�َّب�رَّ َة ل��و أَ ّن ج��م��ي�لاً أَن��شَ �� َده��ا ل����والك ت���س���ا َوى بَ�� ْه�� َر ُج�� ُه فَ�� َع��ل��ي��ك س�ل�ا ُم ال��لَّ�� ِه َمتى
أق��ي��ا ُم ال��سَّ��اع�� ِة َم��� ْو ِع��� ُد ُه أس������ف ل���ل���ب�ي�ن ي������ردده م��ّم�اّ ي���رع���اه وي���� ْر ُص����د ُه ُ ��ش�رد ُه خ����وف ال���واش�ي�ن ي ّ يف ال��� ّن���ومِ ف��ع�� َّز ت��ص�� ُّي��د ُه ل���ل�ِّس�رِّ ب س���ب���انيِ أغْ��� َي���د ُه وك�����أَ َّن نُ��ع��اس��اً يُ��غْ��م�� ُد ُه وال����وي����ل مل���ن ي��ت��ق��لّ��د ُه ُ ��ل ي���د ُه ع��ي��ن��اه ومل ت َ��ق��تُ ْ وع��ل�ى خ���� َّديْ����ه ت������� َو ُّرد ُه ف��ع�لا َم ج��ف��ونُ��ك ت�� ْج�� َح��د ُه وأظُ���� ُّن����ك ال ت َ��تَ��ع��مَّ��د ُه ف��ل�� َع َّ��ل خ��ي��ال َ ِ��س�� ِع��د ُه َ��ك ي ْ ����ب يُ�� ْد َ ن��ي��ك وتُ�� ْب�� ِع��د ُه َص ّ ف��لْ�� َي�� ْب ِ ��ك ع��ل��ي��ه ُع������ َّو ُد ُه ه��ل ِم��� ْن نَ���ظَ��� ٍر ي���تَ��� َز َّود ُه ��ف��ي��ض َم����� ْو ِر ُد ُه ُ ب��ال�� ّدم��عِ يَ ُ وظ����روف ال��� َّد ْه��� ِر تُ�� َب�� ِّع��د ُه ل����وال األيّ��������ا ُم ت ُ��� َن���كِّ���د ُه لِ���فُ��� َؤا ِدي ك��ي��ف ت َ�� َج��لُّ��د ُه ل��ف��ظ��اً ك���ال��� ُّد ِّر ُم�� َن��ضّ �� ُد ُه ل��ذاب��ت خُ���� َّر ُد ُه ال��ح��ي يف ْ َّ وعس َجد ُه يف ُس��وقِ ال�َّص�رَّ ْ ِف ْ غ���نَّ���ى ب���األي���ك ُم����غَ���� ِّرد ُه issue (9)- February - 2013
145
ديوان العرب
محاكاة ناصح الدين األرجاين ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسني األرجاين القايض ( 544 - 460هـ 1149 - 1068 /م ) .شاعر ولد يف أرجان (بالد فارس) ،ولكنه عريب من األنصار .طلب العلم بأصبهان ،ويكرمان ،وقد توىل منصب نائب قايض قضاة خوزستان ،ثم ويل القضاء بأرجان مولده .وكان ي ّدرس يف املدرسة النظامية يف بغداد. عارص األرجاين خمسة من الخلفاء ،وتويف يف عهد الخليفة املقتيض ألمر الله عن أربع ومثانني سنة .وجل شعره حول املديح والوصف والشكوى والحكم واألمثال والفخر .له ديوان مطبوع ،وهنا معارضتة لقصيدة « ياليل الصب».
ه��ل أن��ت بطولك مسعده ال ك���ان ق��ص�يرا ً ل��ي��ل فتى يف ص���دري م��ن ك��ل��ف بكم ع��ي��ن��اك بسفك دم���ي جنتا
ي��ا ل��ي��ل فصبحك م��وع��د ُه م���ي���ع���اد م��ن��ي��ت��ه غ����د ُه ج��ن��د ل��ل��ش��وق ت��ج��ن��د ُه ف��ال��ص��دغ ع��ل�ام ت��ج��ع��د ُه
محاكاة مصطفى الغالييني مصطفى بن محمد بن سليم بن محي الدين بن مصطفى الغالييني ،ولد يف بريوت سنة 1302هـ 1885م ،وتعلم يف بريوت والقاهرة ،كان صحافيا وأستاذا للعربية ومارس أيضا القضاء ورئاسة املجلس اإلسالمي يف بريوت ،تويف سنة 1944م ،ومن مؤلفاته«:ديوان الغالييني»« ،جامع الدروس العربية»« ،عظة الناشئني» .اعتربه العديد من شعراء الكالسيكية الكبار رائدهم ،ومن هؤالء بدوي الجبل.
����ب اضْ ���ن���ا ُه تَ��� َج���لُّ��� ُد ُه َص ٌّ َ َه���� َد َل ال���قُ��� ْم���ر ُِّي ف���أ َّرقَ��� ُه ل��ل��ه ُد ُم�������و ٌع أَ ْس�� ِف��كُ��ه��ا وال���نَّ��� ْج��� ُم يُ��را ِع��ي��ن��ي وان��ا ِ ت����اح لِ ��ص��اح��بِ�� ِه ٌّ ك����ل يَ���� ْر ُ يا نَ�� ْج�� ُم بِ��طَ�� ْر ِف َ��ك يُ ْؤنِ ُس ِني أَيَ��ضُ �� ُّم ُس��لَ��يْ�� َم��ى َم�� ْرقَ�� ُده��ا َ��س�� َه�� ُر ِم��ثْ�لي والِ�� َه�� ًة أَ ْم ت ْ يا َسلْ َم َه َ ��واك بَ�� َرى َج َس ِدي ه��ذي كَ��بِ��دي قَ��� ْد قَ�� َّر َح��ه��ا ال يُ�� ْن�� ِك�� ْر قَ��لْ��بُ ِ ��ك م��ا يَلْقَى أَل��صَّ�ْب�رْ ُ قَ�َض�ىَ َو َوه��ى َجل َِدي إِ ْن يَ���� ْد ُن َم����را ٌم أَنْ���شُ ��� ُد ُه أَ ْو أَ ْر ُج بَ��رِي��ق��اً م�� ْن أَ َم���لٍ ��ب أَالَ َس��لْ�� َوى ي��ا آيس ال�� ُح ِّ قَ�� ْد َ نى ط��ال اللَّيْ ُل َع�َل�ىَ ُمضْ ً ��ل ف�ما يَ���� ْدرِي غَ�� َد ُه قَ�� ْد ضَ َّ 146
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
��س��هَّ�� ُد ُه َس��� ْه���را ُن ال��لَّ��يْ��لِ ُم َ َو ْج����� ٌد م��ا ز َال يُ�� ْع��بِّ�� ُد ُه ��ل ت َ���ط���ا َو َل أَ ْس����� َو ُد ُه وال��لَّ��يْ ُ أ ْرع�����ا ُه وطَ����� ْريف يَ��� ْر ُص��� ُد ُه فَ��يَ��بُ��ثُّ غَ���رام���اً يَ��كْ��بِ�� ُد ُه َه ْ ���ل ِم��� ْن َخ��َب�رَ ٍ أَتَ������ َز َّو ُد ُه وان���ا َم��� ْن شُ ���� ِّو َك َم��� ْرقَ��� ُد ُه ع���اك ولَ��يَ��ل َ تَ��� ْر َ َ��س�� َه�� ُد ُه َ��ك ت ْ فَ�� َع�لاَ َم ُص���� ُدو ُد ِك يَ�� ْج�� َح�� ُد ُه شَ ����� ْو ٌق يَ������ ْزدا ُد تَ��� َوقُّ��� ُد ُه قلبي ف��ال�� ُح�� ْرقَ�� ُة تَ��شْ �� َه�� ُد ُه وال���صَّ��� ُّد يَ�����راين سرَ ْ َم������ ُد ُه ق����ا َم ال���هِ��� ْج���را ُن يُ��بَ�� ِّع�� ُد ُه فَ���ظَ�ل�ا ُم ال���نَّ���أْ ِي يُ���بَ��� ِّد ُد ُه ْ��ب بِ��� َربِّ َ ُ��س�� ِع�� ُد ُه لِ��لْ��قَ��ل ِ ���ك ت ْ َ ط���ال تَ�� َه�� ُّج�� ُد ُه َم�� ْع�� ُم��و ٍد َّ��ب متى غَ�� ُد ُه ي��ا لَ��يْ ُ��ل ال��ص ِّ
محاكاة شعرية
محاكاة ابن دانيال املوصيل شمس الدين محمد بن دانيال بن يوسف بن معتوق الخزاعي املوصيل ،ولد يف املوصل سنة 1249م ،وهاجر اىل القاهرة يف سن العرشين وتويف فيها سنة .1311شاعر وفنان عاش يف العرص اململويك وبرع يف تأليف متثليات خيال الظل وتصوير حياة الصناع والعامل واللهجات الخاصة بهم ،وحاىك بطريقة مضحكة لهجات الجاليات التي كانت تعيش يف مرص يف زمنه .من أشهر متثلياته التي ال تزال مخطوطاتها موجودة « طيف الخيال « ،و» عجيب غريب « و» املتيم وضائع اليتيم « .تعترب أعامله تصوير حي لعرصه .وصفه املؤرخ املقريزى بأنه كان كثري املجون والشعر البديع ،وأن كتابه طيف الخيال مل يصنف مثله يف معناه .
����ب ل��و أن َ ّ����ك ت ُ��س�� ِع�� ُد ُه َص ٌّ أىس قَ��د أَن�� َح��لَ�� ُه ال��ه��ج��را ُن ً ك��م أن���شَ ��� َد ل��ي�لاً ط���ال ب�� ِه ُ ال���ع���ذل فَ��ع��ا ِذل�� ُه يُ��غ��ري�� ِه م����والي ُم ِ ��ح�� ُّب َ ��ك ك��م يدنو َ ت���ب���وح م��دا ِم�� ُع�� ُه م ع��ل��ا َو َ ُ ول��ي��س ل��� ُه َس��كَ�� ٌن ح��اش��اك َ َ��ح��س��ب الئمِ َ������ ُه أب���دا ً ال ت ْ
��س�� َه�� ْر ل��ي�لاً ت َ��� ْرقُ���د ُه مل يَ ْ ّ��رف لِ َ ف��ال��ط ُ ��س�� ّه��د ُه ����ذاك ُم َ ��ب متى غَ��� ُد ُه ي��ا ُ ل��ي��ل ّ ال��ص ُّ ال يُ��ص��لِ��ح�� ُه ب��ل يُ ِ ��ف��س�� ُد ُه َ إل��ي��ك وتُ��ب��ع�� ُد ُه ال��ح��ب يف ِّ َوج����دا ُ بِ��� َه َ ���واك وتَ�� ْج�� َح�� ُد ُه ع��ن ب��اب َ ِ��ك يَ��وم��اً ت َ���ط��� ُر ُد ُه َ ف���ي���ك يُ���فَ���ن���د ُه ِمب���ل���امٍ
محاكاة أحمد شوقي َ ��ض��ن��اك َج���ف���ا ُه َم���رقَ��� ُد ُه ُم َ��ل��ب ُم�� َع�� َّذبُ�� ُه َح��ي�را ُن ال��ق ِ أَودى َح��� َرف���اً إِلاّ َر َم��ق��اً يَ��س��تَ��ه��وي ال���� ُو َ رق تَ���أَ ُّو ُه��� ُه ُ����ل ُم��طَ�� َّوقَ�� ٍة َويُ��� َع���لِّ��� ُم ك َّ كَ��م َم�� َّد لِطَي ِف َك ِم��ن شرَ َ ٍك ��س��اك بِ��غ ٍ فَ�� َع َ ُ��م��ض ُمس ِع ُف ُه قَ��د َو َّد َج�مال َ َ��ك أَو قَ َبساً ��ب َوبَ��ي�� َن َ��ك ما بَيني يف ال�� ُح ِّ م��ا ُ ��ح يل ب���ال ال���ع���ا ِذ ِل يَ��ف��تَ ُ ُنت َه َ ��واك َوال َخطَ َرت ما خ ُ
َوبَ���ك���ا ُه َو َرحَّ������ َم ُع����� َّو ُد ُه ��س��هَّ�� ُد ُه َم ��ق��روح ال�� َج��ف��نِ ُم َ ُ يُ��ب��ق��ي�� ِه َع��ل َ َ��ي��ك َوتُ��ن�� ِف�� ُد ُه ال��ص��خ�� َر تَ�� َن�� ُّه�� ُد ُه ���ذي���ب َ َويُ ُ شَ �� َج��ن��اً يف ال���� َدو ِح تُ���� َر ِّد ُد ُه ��ص��يَّ�� ُد ُه َوت َ��������أَ َّد َب ال يَ��تَ َ ���ل خَ��ي��ال َ َ��ك ُم��س�� ِع�� ُد ُه َولَ��� َع َّ َح�����ورا ُء ال��خ ِ ُ��ل��د َوأَم������ َر ُد ُه ال يَ ِ واش يُ ِ ���ق���د ُر ٍ ��ف��س�� ُد ُه ال��س��ل��وانِ َو ِ أوص����� ُد ُه ب���اب ُ َ َ��ل��ب تُ��َب��رَ ِّ ُد ُه ق ِ��ال�� ب ��ل��وى َس ِ issue (9)- February - 2013
147
ديوان النبط
لوعة الفراق الشاعر حمد الغداين السويدي ،أحد شعراء ديب ،وقد عاش خالل بدايات العقد األخري من القرن املنرصم آص����ي����ح وا خ������ايل خ��ل��ي�لي م���ا ع��اض��ن��ي ف��ي��ه ال��ب��دي�لي أرب�������اه وال���ن���اظ���ر ه��م��ي�لي م���ن ه����وه ب��� ْي���س��� ّوي ميييل ي���ا ل��ي��ت ه��ال��ل��ي��ل ال��ط��وي�لي ال����زي����ن يل م����ا ل����ه م��ث��ي�لي ع������ ّدي ب���ه���م ي�����وم امل��ج��ي�لي امل��ط��ل��ع��ي ي���ا م���ن «ل��س��ي�لي» وي��ل��ي ع��ل�ى ل����فْ����راق وي�ل�ي ���ص��ر ن��ح��ي�لي ع���ل���ي���ه ب����و خ ٍ ي����ايض ك�م�ا ال��ب��رق ال��ش��ع��ي�لي ل���وال ال��ح��ي��ا م��ن خ���وف جييل
ب��ال��ل��ه م���ا يب ع����وق ح��� ّدي ل����و ي��ب��ت��ع��د ه�����وه امل������ر ّدي ودم�����وع ع��ي��ن��ي ف����وق خ��� ّدي س���ل��ام م���� ّن����ي ل����ه ي������و ّدي راج�����د وراس������ه ف����وق زن���دي يف ال��ح��س��ن ال ل��ي�لى وه��ن��دي ي����وم ال��ض��ع��ن ن���� ّوخ وش���� ّدي وال��ف��ى ب��ري��ح ْم���ن الحمندي ك���ل س���اع��� ٍة ي������زداد وج���دي ب��وج��ي��د ب���و خ�����ا ٍل ْوخ����� ّدي ع��� ّن���ي ن��ي��ا وب��� ْج���ي���ت ف���ردي التْ��ب��ع ه���وى س��ي��د ال��خ��ون��دي
مصدر القصيدة :تراثنا من الشعر الشعبي -حمد خليفة أبوشهاب ج ، 2نادي تراث اإلمارات 2003، 148
بيت الشعر
األول/ديسمبر2012/ شباط/فبراير2013/ العدد ( - )79كانون
نصوص
«بني ياس بن عامر» الشاعر راشد بن مانع بن مرشد الحمريي ،من إمارة أبوظبي ،متويف يف أواخر القرن التاسع عرش واملشهور بـ «راعي الو ْر َيه» ،والورية اسم لناقة مشهورة كان ميتلكها جفني اس��ت��ارق واب��ع��د ال��ن��وم هاجيس ٍ ح��ادث يلفى وم��ن عظم ما مىض من ع�لى ال��خ��ل��ق ك��ن ب��ه��ا دي����ونٍ غ���وادر ويب ه��� ّم ق����ومٍ ف���� ّرق ال��ل��ه شملهم دا ٍر خ��ل��ت م ال��ع��ام واخ��ت��ل ن�� ْزلَ��ه��ا ك��ل�ما رج��ي��ن��ا ش����� ّد ٍة ع��ق��ب��ه��ا رخ��ا وع�� ّم البال م��ن ه��و ص��دي��قٍ وصاحب ف�ل�ا راج�����عٍ ه���ذا وال ذاك ينتهي إىل م��ا غ�شى دخ��ان��ه��ا ح���اذق ال���دوأ وا عيبتي يب م��ن أم����و ٍر تشابهت يبغون جمع الشمل عقب اق�تراف��ه ومن حاط بها من حامش الضو حاميل ب��ه��ا ت��دف��ع ال�ل�ي س���ار وت��دف��ع البال
ع��ن ال��ع�ين م��ا ل���ذّة االش��ي��ا بكارها م��ن ال��وق��ت واي�����امٍ ث��ق��ي��لٍ م��داره��ا ب�����االرشار ت��ص��ب��ح ك��ل ي����ومٍ م��غ��اره��ا ق��ب��ي��ل�� ٍة ج��اه��ا ال��ج��ف��ا م��ن كْ��ب��اره��ا ٍ دم�����اث م���وارده���ا ت��ع��فّ��ت آث��اره��ا دار ال��ب�لا م���ن ال ي�����د ّور ع�ماره��ا وق����ل اع��ت��ب��اره��ا ّ م��ن ق��لّ��ة األروى ع��ن ال��ش�ين ش��بّ��وا ن��اره��ا يف حضارها ث���ار ال����دوأ ب��ال�ّل�يّ غ���دى يف غبارها ع�لى ج��اه��لٍ أ ّول طبيب اعتبارها ب��س�يرات ح���رب ش��اي��ع��ات أخ��ب��اره��ا ٍ ش��خ��ص م��ا ي��ق��ارب رشاره���ا ب��ط��اي��ح ع��ظ��اي��م أش��ي��ا داره�����ا ب��اع��ت��س��اره��ا
)issue (7 (9)- December February --2013 2012
149
ديوان النبط
إىل ع��اد خ�� ّرج القوم من كيس واحد ل��و م��ال حمل ال���دار عقب اعتداله خيار ال��رض��ا وال��زي��ن يف دف��ن م��ا مىض ل��ع�ين م���رض���اة ال��ص��دي��ج لصديجه ٍ خ��وف م��ن ال��ب��اري وم��ن شمتة العدا ص��ب��و ٍر ع�لى ال����زلاّ ت م��ن ك��ان ع��ارف ول��ك��ن م��ا ت��ن��ف��ع م��واع��ي��ظ صاحب وك��� ٍّم حليمٍ يكظم الغيظ ل��و جرى رشوى طبيب ال��ع�ين ع��اي��ا ب��ه ال��دوا دع ع��ن��ك ه���ذا ود ّن م ال��ه�ين ب��ازل ع�لى فطر أ ّول م��ا جنى ال��ب��دو مثلها رع��ت خطر مختلف الربيعني حايل يل م��� ّرح���ت ت��ن��ف��ر ث�ل�اث�ي�ن م���� ّر ٍة عليها شميمي امل���ط���ارش م��ج�� ّرب سرَ َت م��ن ب��ل��د (ال��ظ��واه��ر) م��غ�� ّرب ت��ب��ا دار م��ن ي��وص��ل وال يوصلونه رضب���وه���ن م��ت��ام��ه ت��ب��ا دار ب����د ٍو ّ ل��ه��م يف زم����ان ال��ب�رد ت��ب��ع��د م��ن��ازل إىل خ���ذت س��ب��عٍ ف���وق س��ب��عٍ ك��وام��ل م��ل��ف��اك الم����ا ال���ب���دو ت����ايل ع��ش��يّ��ه إذا جيت خلف السري يف ال��ن�� ّد نوخ وس��لّ��م ع�لى ب���د ٍو ت��ن��اي��وا جميعهم س��ل�امٍ ت�����ر ّده ق��ب��ل ال ي��رج��ع امل��س��ا هل الجود وامل��اج��ود والحرب والجسا ت��ج��اوروا ع�لى ع��ريب وش��ف��ي وذخ��ريت ع�لى ق��فّ��لٍ ح��ف��يّ��ات االي���دي ون ّحف غ�����ازي م��ن��ه��م وه�����ذاك منكف ذا ٍ
150
بيت الشعر
األول/ديسمبر2012/ شباط/فبراير2013/ العدد ( - )79كانون
أه���ل ب��رش��ة س��ن��ي��ده��ا ع���ق ب��اره��ا وخ���فّ���ت م��ي��ازي��نٍ ث��ج��ي��لٍ ع��ي��اره��ا وه���ا ال��ح��ف��رة ال��ق�شرا ي��خ�لا حفارها وت��رج��ع بها ن��اس خلت م��ن دي��اره��ا عظيامت االش��ي��ا داره���ا باصطبارها بالطيب ي��اخ��ذه��ا إىل خ��ب��ث ي��اره��ا ي��دي��ر األم����ور ال�ّل�يّ م��ع��ه معتبارها ع��ل��ي��ه م���ن خ��ب��ث ال��ل��ي��ايل م��داره��ا غ���دا ب��ا ي��داوي��ه��ا س��ع��ى يف دم��اره��ا خ��ي��ار النضا م��ا ح��يّ��ل��وا م��ن ابكارها ٍ ب��ع��ي��د م���زاره���ا زم���ال���ة امل��ش��ت��اق وق��ل��ال ج���ت ل���و غ�ل�ا م��س��ت��ع��اره��ا ت��ن��ف��ر وي��ه��ت�� ّز ال��ش��ع��ر م��ن ف��ق��اره��ا دل��ي��لٍ بظلام ال��ل��ي��ل رشوى نهارها ت��ب��ا دار خْ��ي��ار ال��ن��ض��ا غ�ير داره���ا وم��ن��ه��م ت��ح��اىت ك��ل ق����ومٍ أع�ماره��ا س��ك��ن��ات��ه��م يف م���ا ع�ل�ا م���ن زب��اره��ا وب��ال��ق��ي��ظ ي��دن��ون امل��ن��اي��ي��ع داره���ا ح��ثّ ال�س�رى واألرض عفْية آث��اره��ا ع�سى الله م��ن ت��وح��ات االرشار يارها وارشح وخ�ّب�رّ ع��ن (ع�م�ان) واخبارها ع�سى الله يرحم م��ا غ��دا م��ن كْبارها ع�لى ذخ��ريت وداري وش��فّ��ى حضارها مي���ان���يّ��� ٍة ن����ذرى ب��ه��ا ع���ن ن��زاره��ا م��ن��اع�ير ق���وم م���ا ي���وقّ���ف م��ث��اره��ا ت��خ��ال��ف ع�لى دار امل��ع��ادي ي��واره��ا غ��� ّزاي��� ٍة م���ا وقّ���ف���ت م���ن م��غ��اره��ا
نصوص
تخاطف بها ع��يْ�لات االن��ض��ا زوال��ف ٍ وثلث من الليل قد هدا تغ ّم العدا ٍ خ��ف��اف إىل غ���ز ْوا ث��ق��ال إىل الق���� ْوا ما هي بحرض تسكن السيف والقرى ل���ك���ن ح���ل���ف الزم ث�����م الزم ي��وم اشتعال السيف ومعاطس ال��دوا ثيبة (ب��ن��ي ي��اس ب��ن ع��ام��ر) لكنهم وإن ج��ات منهم ثيب ٍة نحتمي بْها يل ع����اد م���ا ه����ذا ل���ه���ذاك ن��اف��ع م���ا ي��ج��ري ال�����وادي س���وى ث��يّ��ب��ات��ه ل��ل��ن��اس ع������ادات ول��ل��س��ي��ل ع���ادة يْ��ج��ي م��ن ال��ري��ح امل����وازي س��واي��ب وص���ل���وا ع�ل�ى خ�ي�ر ال�ب�راي���ا محمد
م��ا ي��ن��ع��رف ش�� ّواب��ه��ا م��ن ص��غ��اره��ا وت��ط��ن��ف ل��ش��ذّان ال��ع��دا يف مغارها واش��ت��ل النقا من غبارها ّ عىل الهجن ك��ب��ار الخطايا م��ا س��ع�� ْوا يف ع��ذاره��ا عليهم وص��ول (ع�مان) ي��وم احتكارها وف��زع��ة ظ��وي��ل ال��ب��ادي��ه وان��ت��ص��اره��ا م��ن��اع�ير ق����ومٍ م��ا ق�ضى ال��ل��ه ك��اره��ا وق���ل الحم ّيه م��ن ع��ذاري��ب عارها ّ ٍ م�مال��ي��ك ق��ل��ا ٍل ْح���راره���ا م���خ��� ّوة وال ت��ص��ف��ح اليمنى ب��ل�� ّي��ا يسارها ب��رس��م وال تْ��ع��اف��ت م��غ��اين آث��اره��ا وم���ن ال��ب��ح��ر م��اي��ات ت��غ�� ّب��ي عبارها ع��دد م��ا يغطّي الليل واض��ح نهارها
الفنان حسني رشيف
مصدر القصيدة :حامد الخاطري « -أعذب األلفاظ من ذاكرة الحفاظ» -ج2002 ،1 )issue (7 (9)- December February --2013 2012
151
ديوان النبط
الشعر النبطي النظم الشفوي
يعد النظم الشفوي للشعر النبطي على درجة من الصعوبة على الرغم من االستعانة بالوسيط «الورق» للتدوين؛ ألن القوالب الغنائية يُ فترض حضورها بقوة داخل الشاعر .كما إن القيمة العالية لهذه القوالب الغنائية ،جعلت «اليونسكو» تدرج «التغرودة» في اإلمارات ضمن التراث الثقافي غير المادي
د .إبراهيم أحمد ملحم
152
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
النظم الشفوي
كانت القصيدة العربية الفصيحة تنحو للصعوبة الناجمة عن محاولة الشاعر لالرتداد إىل الذات أكرث من التعبري عن الهم الجمعي ،وتوظيف الثقافة، واإليغال يف الخيال ..ما شكَّل حوافز كافية إلضعاف جامهرييتها .ومن هنا ،بدأ الشعر مييض يف أربعة اتجاهات ،األول :اتجاه استمر يف السري بركب الشعر العريب الفصيح ،فنسب الشعر إىل اسم قائله ،والتزم لغته الفصيحة ،وهو ما يُسمى «الشعر اإلحيايئ» أو «الكالسيكية الجديدة» ،والثاين :اتجاه تخىل عن نسبة النص إىل قائله ،والتزم اللهجة املحلية السائدة ،فخضع إىل تغيريات من شخص إىل آخر ،لكن هذه التغيريات ال تخرج عن القوالب املوسيقية التي تصب فيها ،وهو ما يُسمى «األغنية الشعبية» .والثالث :اتجاه التزم اللهجة املحلية السائدة يف املنطقة التي نشأ فيها ،ومل يتنازل عن نسبة النص إىل قائله ،ويستعني يف النظم واإللقاء بالوسيط وهو «الكتابة» ،هو ما يُسمى «الشعر الدارج» .والرابع :اتجاه التزم اللهجة املحلية السائدة يف مناطق مختلفة من شبه الجزيرة العربية منذ القرن السادس عرش ،ميازج الهم الجمعي بالهم الذايت ،ويأخذ من القوالب الغنائية الشعبية ،إضافة إىل بعض بحور الشعر العريب الفصيح ،ومحاولة تطويرها ،واإلبقاء عىل نسبة النص إىل صاحبه ،باستثناء القصائد التي ال يُعرف قائلها ،وهو ما يُسمى «الشعر النبطي».
أوزان النبطي
نشأ الشعر النبطي يف كنف مجتمعات أمية أو كانت نسبة الذين يجيدون الكتابة به شحيحة .ولكن النظم الشفوي فيه يختلف عن االتجاهني السابقني ،وإن كان القاسم املشرتك األعظم بني االتجاهات الثالثة هو البدء من نقطة الغناء .وميكن القول :إن االلتزام بالعروض الخلييل ،مل يكن مبن ًّيـا عىل التقطيع العرويض؛ فهذا األمر يحتاج إىل معرفة بالكتابة ،وال يفيد الشاعر يف مرحلة النشأة يف يشء .إن البحر بتفعيالته املختلفة، كان ميثل للشاعر النبطي قالبًا موسيقيًّـا تصب الكلامت فيه ص ًّبـا ،وقد خضعت هذه القوالب لحريته الذاتية يف
الثورة الحقيقية على رتابة العروض العربي يُفترض أن تكون منوطة بالشاعر النبطي ،ولكن غياب الناقد المتابع للشعر النبطي في زمن مبكر جعل الضوء المسلط على هذه الثورة اإلبداع ،فخرجت عن رصامتها إىل تطويرها ،أو ابتكار قوالب أخرى مل تكن موجودة أصالً. هناك قوالب أسست عىل بحور عروضية تتميز بالخفة، مثل :املجتث الذي يتميز بالخفة بحيث نشعر أن كلامته ميكن أن ت ُغنى حني ت ُقرأ ،وهناك ما ابتكره الشاعر النبطي ،مثل« :مستفعلن فاعالتن فاعْ»، وأسس عليه ما يُسمى «الردح» ،إضافة إىل التزام قافيتني ،األوىل يف الشطر األول ،وت ُسمى «الناعشة»، والثانية يف الشطر الثاين ،وت ُسمى «القارعة» .ويكرث يف هذا الشعر «التذييل» أو إضافة الحرف الساكن املفرد حيث تساعد طبعة اللهجة يف وجوده ،وكذلك الحرف املتحرك مع الساكن ،فتصري عىل سبيل املثال: «مستفعلن» «مستفعلن فا» ،أو زيادة تفعيلة كاملة يف القصيدة كلها أو يف بيت واحد أو حتى شطر واحد .ويف املقابل ،هناك النقص يف املقطع الطويل ،وهو ما يسمى «الخرم» ،أو نقص تفعيلة كاملة يف أحد األشطر أو جميعها .وهذا يعني أن الخروج عىل العروض ال يعني االنسالخ عنه بل تطويره .وقد استعرض الناقد غسان الحسن األوزان النبطية ،واستخدم تعبري «وهو وزن نبطي مستحدث ال نظري له يف الشعر الفصيح»( )1كث ًريا .ولعل هذا ما يؤكد أن نظم القصيدة النبطية مل يكن منصا ًعا للعروض الخلييل ،إال بالقدر الذي يجعله موف ًرا للشاعر النبطي التعبري بحرية ،وما
issue (9)- February - 2013
153
ديوان النبط
يتعارض مع تلك الحرية ،يتجاوزه معتم ًدا عىل وعيه الكبري يف التعبري عن التجربة .إن التغيري يف العروض العريب يعني إحداث ثورة عىل الجوانب التقليدية امللزمة للشاعر ،والتي كانت تحول دون حريته الكاملة يف اإلبداع ،وهو ما أدى إىل ظهور «الشعر الحر» يف .1947والحقيقة ،أن الثورة الحقيقية عىل رتابة العروض العريب يُفرتض أن تكون منوطة بالشاعر النبطي ،ولكن غياب الناقد املتابع للشعر النبطي يف زمن مبكر جعل الضوء املسلط عىل هذه الثورة املبكرة باهتًا. ولتوفري املناخ الدرامي للشعر النبطي ،ابتكر الشاع ُر ِ الحيَل التي متكن املستمع من املتابعة حتى النهاية، فأحدث ما يُسمى «القلطة» ،وهو فن شعري قائم عىل املحاورة بني شخصني أو أكرث ،وما يُسمى «املشاكاة»، وهو فن يو ِّجه فيه الشاعر خطابًا لآلخر يشكو فيه ما أصابه من مكروه أو معاناة ،فريد اآلخر بانيًا خطابه عىل القالب نفسه ،ويحاول يف رده املواساة. لقد بات الوقت ،اآلن ،مناس ًبا الستعراض أهم تلك القوالب التي تصب فيها الكلامت ،وميكن تقسيمها إىل خمسة أقسام ،األول :ما يؤدى مبصاحبة اآللة املوسيقية (الربابة) :الهاليل ،واملسحوب ،والزهريي، واللويحاين .الثاين :ما يؤدى مبصاحبة الفنون الحركية: وحده: الصخَري .الثالث :ما يؤدى غنا ًء بصوت املنشد ْ يؤدى مبشاركة آخرين يف الرتجيع :ال َّردح .أما البحور مبصاحبة يؤدى ما ابع: ر ال واألبوذية. اقي، ر الف الهجيني، العروضية الخليلية ،مثل :الطويل ،واملديد ،والبسيط، مرددين :ال َونَّة ،التغرودة ،السامر ،الحداء .الخامس :ما والوافر ،والكامل ..فقد تعامل الشاعر النبطي معها بوصفها قوالب ،وذلك برصف النظر عن مسامها أو مسمى تفعيالتها .هذه القوالب جميعها لها عالقة لعل أحد أهداف إنشاء وثيقة باملعنى والجو النفيس املحيط بها ،وليست «أكاديمية الشعر» قوالب جامدة؛ فقالب «ال َونَّة» يستخدم للداللة عىل في أبوظبي هو الحفاظ الحزن والتوجع ،وقالب «الردح» يستخدم للداللة عىل األنس بوجود األحبة ،وكذلك قالب «السامر»، على الشعر النبطي بمستوى وقالب «التغرودة» يستخدم للداللة عىل التصميم يف القوة؛ لتذليل العقبات التي امليض نحو الهدف املخطط مهام بلغت املشقة ،وقالب أوجدها التباعد الزمني «األبوذية» يستخدم للداللة عىل الضيم الذي أمل بالشاعر. 154
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
النظم الشفوي
ومن املالحظ ،أن القوالب انتُزعت تسميتها من طبيعة الحياة اليومية؛ لجعلها أكرث قدرة يف التعبري عنه؛ فمنها ما يتعلق باإلنسان ،مثل« :الصخري» نسبة إىل بني صخر ،ويرتد إليهم؛ ألنه طُبع باألصل بنربة حزينة. و»الشيباين» نسبة إىل مبتكره الذي جعل النظم فيه مطوالً حتى يستويف الشاعر ما يريد قوله« .الهاليل» نسبة إىل بني هالل ،واشتُ َّق منه «املروبع» .ومنها ما يتعلق بحركة اإلنسان التي أملتها البيئة الصحراوية، مثل« :الحداء» الذي يخص الفرسان وهم ميتطون خيولهم ،فيبث الحامسة يف النفس استعدادًا للحرب أو شحذ العزمية بصورة عامة .كانت تسمية القوالب خرو ًجا عىل التسميات العروضية القدمية؛ فتسمياتها نظرية ،ال تعلق يف الذهن أو تتصل بطبيعة الحياة اليومية ،كام نجد يف تسميات :الطويل ،والبسيط، والوافر ..إنها جميعها تولد شعو ًرا بأنها غري مرتبطة مبعنى. وحتى يكون الشعر النبطي هو شعر األمة ،عىل الرغم من كونه منطلقًا من الشاعر ويُنسب إليه ،فإن النظم الشفوي ارتجاالً ينفتح عىل معنى «الرجولة» أو البطولة( ،)2وبالتايل ،فإن الشاعر يتقمص دور البطل الذي تلتف حوله األمة مؤيدة ملا يقول ،وذلك من خالل الرتجيع الصويت الدال عىل التعاطف أو الشعور باآلخر ،أو الفنون الحركية الدالة عىل االنخراط يف الهدف السامي الذي يروم البطل تحقيقه ،ومن هذه الفنون الحركية :الحربية حيث يقف املشاركون يف صفني متقابلني يرددون ما يقوله الشاعر بأصواتهم وحدها .عىل الطرف املقابل ،تتخذ «الوهابية» اآللية نفسها يف الوقوف ،ولكن مبشاركة دق الطبول، واالستعراض الحريب بحركة البنادق ،واالستعراض الدال عىل التيقظ بحركة الرأس .لقد نقلت الفنون الحركية لنا مناخ الحرب لتؤجج الحامسة يف املشاركة، وهو ما يؤدي إىل إطالة زمن القصيدة ،وتعمد الشاعر التنويع يف اإليقاعات إلحداث املزيد من الصخب حوله. وإذا كانت النشأة قد واكبها الغناء بهدف الحفاظ
الفنان زياد بقوري
شعر األمة
ما أمكن عىل القالب املوسيقي الذي تصب فيه كلامت الشعر ،فإن االبتعاد عن زمن تلك النشأة كان كفيالً باالستعاضة عن الغناء باإلنشاد أو اإللقاء مبارشة، وبات التزامن بني النظم والغناء ،إضافة للفنون الحركية جز ًءا من الرتاث .وهذا ما جعل النظم الشفوي للشعر النبطي عىل درجة من الصعوبة عىل الرغم من االستعانة بالوسيط (الورق) للتدوين؛ ألن القوالب الغنائية يُفرتض حضورها بقوة داخل الشاعر .إن القيمة العالية لهذه القوالب الغنائية ،جعلت «اليونسكو» تدرج «التغرودة» يف اإلمارات ضمن الرتاث الثقايف غري املادي ،وذلك يف مؤمترها املنعقد بباريس يف 6ديسمرب ،2012وإن كرثة الشعراء الذين ينظمون عىل هذا القالب تحدي ًدا ،جعلت هيئة السياحة والثقافة تقوم مؤخ ًرا بإجراء إحصاء للتوصل إىل عدد الشعراء الذين ينظمون عىل قالب «التغرودة» فتبني أن أعدادهم تزيد عىل 300شاعر يف إمارة أبوظبي وحدها. issue (9)- February - 2013
155
ديوان النبط
وإن مسابقة «شاعر املليون» املخصصة للشعر النبطي ،ليس هدفها الرتويج للكسب املادي ،بل دفع الذين ينظمون الشعر النبطي إىل امليدان ،وهو بذلك يستعيد املكان الذي كان يقف فيه الشاعر النبطي قدميًا ،وكأنه يف ساحة حرب ،تلتف الناس حوله ملؤازرته وإثبات جدارته يف االرتجال ،أو بتعبري آخر جدارته يف تص ُّدر موقع البطولة .هذا يعني أننا لسنا أمام تراث ينبغي الحفاظ عليه فحسب ،بل إننا أمام شعر ينبض بالحياة بقوة ،وأمام ذائقة اجتامعية ما زالت ترى الشعر جز ًءا من خبزها اليومي. ولعل أحد أهداف إنشاء «أكادميية الشعر» يف أبوظبي هو الحفاظ عىل الشعر النبطي مبستوى القوة؛ لتذليل العقبات التي أوجدها ذلك التباعد الزمني ،ولعله أيضً ا أحد أهداف إنشاء مواقع إلكرتونية( )3تسهل عىل الشاعر نظم القصيدة عىل أساس أن نقطة البدء هي املفتاح الذي يعني تحريكه الولوج إىل عامل القصيدة، إضافة إىل مواقع أخرى تهتم بإدراج نبذة عن الشعراء مبسط لألبيات( . )4إن النبطيني ،وقصائدهم ،ورشح َّ
إنشاء كل ما من شأنه تذليل العقبات ،ال يُنشئ شاع ًرا ما مل تكن الخامة األساسية موجودة أال وهي «املوهبة» بحيث يصري ما يُنشئ من مؤسسات تعليمية أو مواقع إلكرتونية هدفها :صقل املوهبة، أو تغذيتها بالثقافة التي توجد نقادًا للشعر النبطي، كام أوجدت شعراء يستمرون بحمل راية الشعر التي رفعها األجداد يف الزمن الصعب
.1انظر :الشعر النبطي يف منطقة الخليج والجزيرة العربية ،املجمع الثقايف ،ط،1 أبوظبي ،1990ج ،1ص ،275ص ،274ص ،281ص324 .2هذا األمر نجده أيضً ا يف نظم األغنية الشعبية ،انظر مقايل :النظم الشفوي لألغنية الشعبية العربية ،مجلة الثقافة الشعبية ،ع ،8البحرين .2011 .3انظر :موقع قصيديت ( ،)alqased.netوقد كُتب تحت عنوان «تعليامت»« :يف هذا الربنامج نحاول مساعدة املبتدئني واملحرتفني كذلك يف كتابة القصيدة ،وحيث إن من أبرز معوقات بناء القصيدة هو الوزن والقافية ،فإن هذا الربنامج سوف يساعدك يف اختيار البحر ومعرفة وزن قصيدتك من خالل االستامع للحن املرفق ،وكذلك من خالل التقطيع، باالضافة إىل مساعدتك يف الحصول عىل أكرب قدر من الكلامت التي تتناسب مع قافية قصيدتك .أوالً :قم باختيار البحر الذي تريده ،وتذكر مل تعدِّل مضط ًّرا للكتابة عىل بحر واحد فقط كام كنت يف السابق .ثان ًيا :قم باالستامع إىل اللحن أو الشيلة املرفقة ،ثم قم بتلحني قصيدتك وأبياتك وفقا لهذا اللحن .ثالثًا :أكتب آخر حرف من الكلمة التي يف الشطر والقافية .يف املربعات املخصصة لذلك ،يك يتم عرض أكرب قدر ممكن من الكلامت التي تساعدك» . .4انظر :موقع حوايا (.)7awaya.com 156
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
أدب البدو
أدب البدو في كتابات الرحالة والمستشرقين
األقدام اإلنجليزية
تجوس الرمال العربية
4
في الحلقة الرابعة واألخيرة من دراسته يتقصى الباحث السعودي الدكتور سعد العبدهللا الصويان
المصادر الثانوية للبحث في أدب البدو،تلك التي حفلت بها كتابات الرحالة األجانب الذين انشغلوا
بدراسة المجتمع البدوي ككل
سعد العبدهللا الصويان
issue (9)- February - 2013
157
ديوان النبط
هناك مصادر ثانوية ال تتناول أدب البادية بشكل مبارش لكنها تشكل أدوات مهمة من أدوات البحث التي ال غنى عنها للباحث املدقق يف هذا األدب .ومن أهم هذه املصادر كتب الرحالة األجانب ممن جابوا أرجاء الجزيرة العربية وبعض من عملوا يف املجال الدبلومايس والتي متثل كتاباتهم أهم املصادر األثنوغرافية التي تساعدنا عىل متثل البيئة التقليدية التي نشأ فيها الشعر النبطي. وإضافة إىل أعامل جورج أوغست والني وأالويس موزيل وغريهم ممن سبقت اإلشارة إليها هناك أعامل أخرى عىل غاية األهمية .ويعد يوهان لودفيج بوركهارت Johann ،Ludwig Burckhardtوهو سويرسي األصل ،من أوائل املهتمني بدراسة املجتمعات البدوية .أتقن بوركهارت اللغة العربية وأجادها إجادة تامة وتفقه يف علوم اإلسالم الرشعية وتعمق فيها واعتنق اإلسالم وأدى فريضة الحج وزار املدينة ودون مالحظاته خالل زيارته لألماكن املقدسة يف كتابه .Travels in Arabiaوقدم للقارىء الغريب من خالل كتابه هذا أول وصف مفصل وحقيقي للكعبة املرشفة والحرمني امليك واملدين كام وصف املظاهر العمرانية واالجتامعية والسياسية يف جدة ومكة واملدينة وينبع .وتويف يف القاهرة بعد عودته من األماكن املقدسة بفرتة وجيزة ودفن يف مقابر املسلمني .وقبل زيارته ملرص والحجاز ،والتي تزامنت مع بداية حملة محمد عيل ضد جزيرة العرب ،كان بوركهارت قد أقام لفرتة عامني يف حلب مام أتاح له فرصة االحتكاك بقبيلة عنزة وبعض القبائل الرحل التي تقطن الصحراء السورية وشامل الجزيرة العربية وتجول بني هذه القبائل ودرس أحوالهم ودون الكثري من املالحظات عنهم .ويعد كتابه Notes on the Bedouins and Wahabysمن الكتابات املتميزة والغنية باملعلومات عن املجتمع البدوي وحياة الصحراء وال يزال من املراجع التي يعتمد عليها يف هذا املجال .وقد وصف الدكتور عبدالله العثيمني بوركهارت بأنه من أبرز الرحالة األوربيني إىل البالد العربية وأكرثهم دقة وإنصافا .وكتابات بوركهارت السويرسي تشبه كتابات والني الفنلندي يف موضوعيتها وتعاطفها مع عرب الصحراء وخلوها من التحيز الديني والعنرصية العرقية ،بل إن القارىء يجد
158
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
كان بوركهارت قد أقام لفترة عامين في حلب مما أتاح له فرصة االحتكاك بقبيلة عنزة وبعض القبائل الرحل التي تقطن الصحراء السورية وشمال الجزيرة العربية وتجول بين هذه القبائل ودرس أحوالهم ودون الكثير من المالحظات عنهم فيها تذمرا من األوربيني وطريقة حياتهم ومتجيدا لحياة البادية وشغفا بالصحراء.
أخطاء وتناقضات
وممن ادعوا اإلسالم وتظاهروا به وتزيا بزي الدراويش من أجل دخول مكة واملدينة وزيارة األماكن املقدسة الرحالة اإلنجليزي املغامر ريتشارد بريتون Richard Burton الذي اشتهر برتجمته ألف ليلة وليلة وبتدوينه لرحلته إىل الحجاز عام ١٨٥٣م يف كتابه Personal Narrative of a Pilgrimage to al-Madinah & Meccahالذي يقع يف جزئني .وباإلضافة إىل وصف األماكن املقدسة وما يحف الرحلة إىل هناك من مخاطر ومصاعب يعطي بريتون معلومات إثنوغرافية جمة عن قبائل الحجاز وحياة البدو يف الصحراء ،وإن كان منهج بريتون يف الكتابة أقرب إىل طابع اإلثارة منه إىل التوثيق الدقيق واملالحظة املوضوعية. وملا تويف يف سنة ١٨٩٠م بنت له زوجته رضيحا كبريا عىل هيئة بيت من بيوت الشعر البدوية. ومل متض عرش سنوات عىل رحلة بريتون حتى شد الرحال يف أثره رحالة إنجليزي اخر ال يقل عنه إثارة للجدل هو ويليام بالغريف William Gifford Palgraveالذي بدأ رحلته عام ١٨٦٢م .سافر بالغريف مدعيا الطب تحت إسم مستعار هو سليم أبو محمود العيص يرافقه مدرس إغريقي مقيم يف زحلة يف لبنان ويجيد العربية انتحل اسم بركات بدال من إسمه اإلغريقي .ومن معان سافر اإلثنان
أدب البدو
جون فيلبي
لورنس
إىل الجوف ثم إىل حايل .وهناك تقابل بالغريف مع األمري الرحالة املتأخرين مثل فيلبي إىل الشك يف أنه فعال قام برحلة إىل نجد .ومع ذلك يحتوي كتابه عىل معلومات طالل بن رشيد الذي قال عنه «من بني جميع الحكام واألمراء الذين سنحت يل فرصة الترشف بالتعرف عليهم ،دقيقة عن املنطقة وأهلها وتفاصيل ذات خصوصية سواء يف أوربا أو يف آسيا ،مل أجد إال القليل من بينهم من شديدة ال ميكن أن يعرفها إال من أمىض بعض الوقت يداين طالل يف حذقه لفن الحكم ».ويف الرياض قابل اإلمام هناك. ومن األعامل الكالسيكية الخالدة التي ال نظري لها بني فيصل وابنه عبدالله بن فيصل الذي قال عنه إنه قريب كتب الرحالت كتاب تشارلز داويت Charles Montagu الشبه بهرني الثامن يف طلعته ويف شجاعته Doughtyوعنوانه رحالت يف صحراء العرب واعتزازه بنفسه ومهارته السياسية .ومن .Travels in Arabia Desertaيف عام ١٨٧٦م نجد ذهب بالغريف إىل البحرين اصطحب داويت قافلة الحج املنطلقة من وقطر وعامن .ويدعي أن السفينة التي دمشق وعند مدائن صالح علم قائد الحملة استقلها من هناك تحطمت يف عرض أن داويت مسيحيا فأرغمه عىل عدم مرافقة البحر وفقد كل مذكراته .ويف عام القافلة والبقاء يف مدائن صالح. ١٨٦٥م نرش كتابه Narrative of a وأمىض داويت ما يقرب من واحد Year’s Journey Through ويلفريد ثيسيجر وعرشين شهرا يتجول بني قبيلة Central and Eastern ال ْفقَره من عنزة وبني مناطق Arabiaويختلف بالغريف الحرة وخيرب وتيامء وحائل عن الرحالة اآلخرين يف وعنيزة وبريدة واتصل تفضيله للحرض عىل باألمري محمد بن رشيد البدو وكرهه الشديد وزامل بن سليم ألهل البادية .ويحتوي وحسن بن مهنا عمله عىل أخطاء كثرية وتصادف وجوده وتناقضات حملت بعض issue (9)- February - 2013
159
ديوان النبط
يوهان لودفيج بوركهارت
جورج أوغست
ومن األعمال الكالسيكية الخالدة التي ال نظير لها بين كتب الرحالت كتاب تشارلز داوتي Charles Montagu Doughty وعنوانه رحالت في صحراء العرب Travels in Arabia Deserta يف حائل مع عودة راكان بن حثلني من حبس األتراك. اإليطايل ويوليوس يوتنج Julius Eutingاألملاين وتشارلز عايش داويت البدو وعارشهم يف حلهم وترحالهم ،يف الشدة هيوبر Charles Huberالفرنيس والليدي آن بلنت والرخاء ،ويف السلم والحرب وشاهد بعينه عمليات الغزو Lady Anne Bluntالتي جاءت من انجلرتا بصحبة وتعرض هو نفسه للسلب .ويصف داويت كل مشاهداته زوجها ولفريد سكاوين بلنت .Wilfrid Scawen Blunt وانطباعاته وصفا دقيقا شيقا ،ال تفوته شاردة وال واردة. وال تخفي الليدي بلنت يف كتابها Pilgrimage to Nejd والقى داويت عنتا شديدا يف رحلته ألنه كان يرص عىل عشقها وزوجها لحياة الصحراء وتعاطفها الشديد مع البدو املجاهرة بدينه املسيحي دون احرتام ملشاعر الناس وتعطي معلومات شيقة عن بالط محمد بن رشيد وخيله البسطاء وكان شديد التعصب ضد اإلسالم .وعىل الرغم من وقصوره ونسائه .ونظرا لكونها امرأة ،أتيحت لليدي بلنت طوله املفرط وصعوبة لغته وغرابة أسلوبه ،وعىل الرغم فرصة مل تتح لغريها من املستكشفني فولجت إىل داخل من رؤيته املتحيزة أحيانا يبقى كتاب داويت عمال عمالقا قصور الرشيد وخالطت نساءهم واطلعت عىل خصوصيات ومثريا تتجدد قيمته مع مرور الوقت نظرا ملا يحتويه من حياتهم العائلية وكتبت عن ذلك بشكل مفصل .وتقول معلومات تفصيلية عن حياة البادية والحارضة يف شامل إنها رأت يف بالط ابن رشيد وألول مرة جهاز التلفون الذي نجد. كان آنذاك اخرتاعا حديثا مل تكن قد رأته قبل وصولها إىل حائل .أما هيوبر فإن من أطرف ما يورده يف مذكراته ذكره للدعوة التي أقامها يف املنزل الذي يقيم فيه عىل رشف رومانسية وانطباعية يف النصف الثاين من القرن التاسع عرش امليالدي توافد عىل حسن بن مهنا وراكان بن حثلني حيث قدم لهام أنواعا من املرشوبات والحلويات اللذيذة التي مل يألفاها ومل يسبق حائل وشامل نجد عدد من الرحالة واملستكشفني منهم، لهام تذوقها. باإلضافة إىل داويت ،كارلو جوارماين Carlo Guarmani 160
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
أدب البدو
ديكسون
وال نريد أن نبخس هؤالء الرحالة واملستكشفني حقهم وال أن نقلل من شأن أعاملهم إال أن املتتبع لكتاباتهم يالحظ أنها ترتاوح بني الرومانسية املفرطة والتحيز الشديد وتغلب عليها روح املغامرة واإلثارة وأنها أقرب إىل األسلوب الروايئ األديب منها إىل األسلوب العلمي التوثيقي .غالبا ما يحتل الكاتب املغامر يف هذه األعامل املركز البطويل الذي تتسلط عليه األضواء وتتمحور حوله األحداث وتطغى عىل عمله السمة االنطباعية والصبغة الذاتية فيحكم عىل األمور من منطلق قناعاته الشخصية وخلفيته االجتامعية والثقافية ويقيم الناس واألحداث وكل األشياء كمجرد وسائل وأدوات تعينه أو تقف دونه ودون الوصول إىل أهدافه وتحقيق طموحاته .ويصل هذا املنهج ذروته عند لورنس T. E. Lawrenceيف كتابه أعمدة الحكمة السبعة .Seven Pillars of Wisdomومن بني هذا النوع من الكتب يحتل كتاب الرمال العربية Arabian Sandsالذي كتبه ويلفريد ثيسيجر ،Wilfred Thesiger مسجال فيه رحلته املثرية عرب الربع الخايل عىل اإلبل ،مكانا متميزا نظرا ملا يحسه القارىء من صدق الكاتب يف تواضعه مع البدو ويف تعاطفه مع طرق معاشهم ويف تقديره لهم وتعبريه عن إعجابه
ويليام بالغريف
جلوب باشا
بنسيجهم األخالقي وقدرتهم عىل الصرب والتحمل .وكان الربع الخايل بالنسبة للرحالة الغربيني يشكل آخر املعامل املجهولة يف الجزيرة العربية .ومن الذين شاركوا ويلفريد ثيسيجر املجد يف عبور هذه املفازة املوحشة برترام توماس Bertram Thomasوجون فيلبي ،St. John Philby وهؤالء ميثلون الجيل األخري من الرحالة الكالسيكني الذين استكشفوا الجزيرة عىل ظهور اإلبل وبهم طويت آخر صفحة من صفحات املغامرة واالستكشاف يف جزيرة العرب. وخالل فرتة خدمته يف الجيش الربيطاين يف العراق واألردن اتصل الضابط الربيطاين جلوب باشا John Baggot Glubb بأبناء البادية وتعرف عىل حياتهم وكتب عنهم عددا من الكتب واملقاالت. ويقدم جلوب باشا يف كتاباته معلومات قيمة عن حركة اإلخوان وزعامئهم وطرقهم يف الغزو والغارات التي كانوا يشنونها عىل مناطق الحدود العراقية .ومن الكتب املهمة عن حركة اإلخوان وعن حياة البدو عموما كتاب The Arab of the Desertالذي كتبه ديكسون H. R. P. Dicksonوالذي أمىض سنني طويلة يف العراق والبحرين ليدي آن بلنت والكويت
issue (9)- February - 2013
161
كاميرا
عدسة املصور نور حميص 162
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/
مقطع من حروفية محمد شمس الدين
issue (9)- February - 2013
163
من أعامل الفنان اإلمارايت عبدالقادر الريس
164
بيت الشعر
العدد ( - )9شباط/فبراير2013/